شرح سنن أبي داود لابن رسلان

ابن رسلان

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

شَرْحُ سُنَنِ أَبِي دَاوُد لِابْنِ رَسْلَان [1]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ جميعُ الحقوقِ مَحْفوظَة لِدَارِ الفَلَاحِ وَلَا يجوز نشر هَذَا الْكتاب بِأَيّ صِيغَة أَو تَصْوِيره PDF إِلَّا بِإِذن خطي من صَاحب الدَّار الْأُسْتَاذ/ خَالِد الرَّباط الطَّبْعَةُ الأُولَى 1437 هـ - 2016 م رَقم الْإِيدَاع بدَارِ الكتُب 17163/ 2015 دَارُ الفَلَاحِ لِلبحثِ العِلمي وتَحْقِيق التُّرَاثِ 18 شَارِع أحمس - حَيّ الجامعة - الفيوم ت: 01000059200 [email protected] تطلب منشوراتنا من: • دَار الْعلم - بلبيس - الشرقية - مصر • دَار الأفهام - الرياض • دَار كنوز إشبيليا - الرياض • مكتبة وتسجيلات ابْن الْقيم الإسلامية - أَبُو ظَبْي • دَار ابْن حزم - بيروت • دَار المحسن - الجزائر • دَار الْإِرْشَاد - استانبول • دَارُ الفَلَاحِ - الفيوم

شَرْحُ سُنَنِ أَبِي دَاوُد لِابْنِ رَسْلَان أَشْرَف عَليه وَشارك فِي تَحْقِيقه خَالِد الرَّبَّاط تَحْقِيق ياسِر كمَال - أَحْمد سُليْمَان - وِئَام الحوشِي - عَادل أَحْمد التلاوي قَائِمَةُ السَّادَة المُحَقِّقينَ وَائل إمَام عبد الفتاح - عِصَام حمدي مُحَمَّد - أَحْمد عويس جنيدي - ربيع مُحَمَّد عوض الله - صَالح حسون - مَحْمُود عبد التواب جُمُعَة - أَحْمد فوزي إِبْرَاهِيم - خَالِد إِبْرَاهِيم السَّيِّد - سيد بن سيد عبد العال - عبد التواب بدوي عبد السَّلَام - سيد مَحْمُود المرّ - سامي عبد الظَّاهِر عمر - خَالِد مصطفى توفيق - أَيمن السَّيِّد عبد الفتاح - أَحْمد مَحْمُود عبد الْمجِيد - أَحْمد عبد الْمَوْجُود سيد - مَحْمُود عبد الْحَكِيم رَحْمَة - حسام عبد الله حلمي - سيد عزت عيد - هاني رَمَضَان هَاشم وَفِي الكمبيوتر: ماجد عويس الْقَرنِي - مَحْمُود فَارس التنسيق والإخراج الفني: دَارُ الفَلَاحِ

مقدمة التحقيق

مُقَدِّمَةُ التَّحْقِيق

{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وعليه توكلنا وبه نستعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله مِنْ شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، وَمَنْ يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فهدى به من الضلالة، وبصر به من العمى، وأرشد به من الغي، وفتح به أعينا عميا، وآذانا صمًّا، وقلوبًا غلفًا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. وبعد، فإنَّ نبينا محمدا عبد الله ورسوله، وخيرته من بريته، وصفوتُه من خَلِيقتِه، وأمينُه على وحْيه، وسفيره إلى عباده، أعرفُ الخلق به، وأقومهم بخشيته، وأنصحهم لأمته، وأصبرهم لحكمه، وأشكرهم لنعمه، وأقربهم إليه وسيلة، وأعلاهم عنده منزلة، وأعظمهم عنده جاها، وأوسعهم عنده شفاعة، بعثه إلى الجَنَّة داعيا وللإيمان مناديًا وفي مرضاته ساعِيًا، وبالمعروف آمِرًا، وعن المنكر ناهيًا، فبَلَّغ رسالاتِ ربه وصدَعَ بأمرِهِ، وتحمل في مرضاتِهِ ما لم يتحمله بَشَرٌ سواه. وقد مَنَّ اللهُ علينا فأعاننا على خِدمة سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وذلك بإخراج شروح وتعليقات على أعظم وأهم دواوين كتب السنة، فقد كان سلفنا وعلماؤنا السابقون على عناية كاملة بكتب الحديث وأولوها اهتمامًا كبيرًا بالغًا، فلا يحصى كم شارح لها ومختصر، ومستدركٍ عليها ومقتصر، ومعارضٍ

لها ومنتصر، ومفسر لغريبها وضابط لألفاظها ومترجم لرجالها، وما إلى هذا. فأخرجنا من ذلك كتاب: "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" لابن الملقن، و"مطالع الأنوار على صحاح الآثار" لابن قرقول، و"الأوسط" لابن المنذر، إضافة إلى كتب العلوم الأخرى مثل الموسوعة الفقهية الفذة "الجامع لعلوم الإمام أحمد" وكتاب الفقه الشافعي: "عمدة المحتاج لشرح المنهاج" لابن الملقن. وإن القيام بمثل هذه الأعمال العظيمة يحتاج إلى تضحيات بالوقت والجهد والمال وكثير من أمور الدنيا، في وقت يزهد فيه المسلمون في العلم الشرعي، ومعظم من اشتغل به اتخذه وسيلة لمكاسب دنيوية؛ بل استخدم بعضهم أساليب التدليس والتسلق على جهود الآخرين سعيا وراء عرض زائل دون مراعاة لأحكام الله التي يدعي أنه يخدمها وينشرها بين الناس، وقلَّ ناصري الحق بعد أن أصبحت هذه النصرة عبئًا ثقيلًا، مما يزيد من مشقة العمل في كل المجالات الشرعية. غير أن ذلك لا يفت من عضد المخلصين، فجزاؤهم في الآخرة قبل الدنيا، وها نحن نقدم هذا الشرح على "سنن أبي داود"، أنجزناه بعرق الجبين على نقص من الأموال والأنفس، وصبر على بلايا ومحن لم نجد معينا عليها إلا الله عزَّ وجل، وكفى بالله معينًا، وهو حسبنا ونعم الوكيل. وهو شرحٌ مليء بالدرر والفوائد، ويُعد أقدمَ شرحٍ يصل إلى أيدينا مستقصيًا جميع أحاديث السنن، اعتمد فيه المصنف على أكثر من نسخة لسنن أبي داود وبيان الفروق بينها مما أثرى عمله في الشرح. مع كثرة مصادره التي جمع منها مادة الشرح، من كتب السنة والتفسير والفقه واللغة وغيرها، فحفظ لنا نصوصًا وفوائد كثيرة من كتب لم تصلنا إلى اليوم.

وشرح الحديث شرحًا مَزجيّا، فتضمن شرحه جميع ألفاظ أحاديث السنن، واهتم باللغة كثيرًا وما يتعلق بها من شرح الغريب والإعراب، وإيراد الشواهد الكثيرة، مع تخريجه لكثير من الأحاديث المشروحة وإيراد شواهدها ومتابعاتها، وبيان درجتها، وعنايته بالتعريف بالرواة، وبيان نسبهم وأنسابهم، واهتمامه بتوضيح المشكل، والجمع بين الروايات المتعارضة، وعنايته بأهم الآراء والأقوال الفقهية دون انحصار في المذاهب الأربعة، بل ذكر أقوال العلماء ابتداءً من الصحابة إلى عصره. ويلاحظ في ذلك اعتداله وإنصافه مع المذاهب الأخرى والبعد عن الشطط والاعتساف، وعنايته ببيان مآخذ العلماء من الحديث، وما اشتمل عليه الحديث من فقه وعلم يصلح دليلًا لأقوال العلماء ومذاهبهم، وغير ذلك من اللطائف والفوائد التربوية وتنبيهه على أخطاء أهل عصره ومحاولة تصحيحها، وجاء شرحه متوسطًا فليس بالطويل الممل ولا المختصر المخلِّ، وأضف إلى ذلك ما عملناه من تحقيق وتوثيق لكل ما سبق، مع حسن التنسيق والإخراج، فجاء الكتاب درة ثمينة وجوهرة نفيسة. أسأل الله الكريم أن يجعل هذا العمل في ميزان حسناتنا، وذخرًا لنا في يوم المعاد، إنه ولي ذلك والقادر عليه. * * *

مقدمة التحقيق وفيها ثلاثة أقسام: القسم الأول: ترجمة أبي داود والمدخل إلى "سننه". القسم الثاني: ترجمة ابن رسلان والمدخل إلى شرحه. القسم الثالث: منهج التحقيق ووصف المخطوطات. * * *

القسم الأول ترجمة أبي داود والمدخل إلى "سننه"

القسم الأول ترجمة أبي داود والمدخل إلى "سننه" وفيه فصلان: الفصل الأول: ترجمة الإمام أبي داود السجستاني. وفيه عشرة مباحث: المبحث الأول: التعريف به. المبحث الثاني: مولده ونشاته وأسرته. المبحث الثالث: شيوخه. المبحث الرابع: تلاميذه. المبحث الخامس: رحلاته. المبحث السادس: مذهبه الفقهي. المبحث السابع: شمائله وفضائله. المبحث الثامن: ثناء أهل العلم عليه. المبحث التاسع: مصنفاته. المبحث العاشر: وفاته. الفصل الثاني: المدخل إلى "سنن أبي داود". وفيه ستة مباحث: المبحث الأول: التعريف بـ "السنن". وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: اسم الكتاب. المطلب الثاني: موضوع الكتاب.

المطلب الثالث: تاريخ تصنيف "السنن". المطلب الرابع: عدد أحاديثه. المبحث الثاني: منهج أبي داود في "السنن". وفيه خمسة مطالب: المطلب الأول: شرط أبي داود في "السنن". المطلب الثاني: سكوت أبي داود عن الحديث. المطلب الثالث: درجة أحاديث "السنن". المطلب الرابع: طبقات رواة "السنن" من حيث العدالة والضبط. المطلب الخامس: لماذا أورد أبو داود الضعيف في كتابه؟ المبحث الثالث: مكانة "السنن" وثناء العلماء عليه. المبحث الرابع: رواة "السنن". وفيه مطلبان: المطلب الأول: ذكر رواة "السنن" مع ترجمة مختصرة لهم. المطلب الثاني: الاختلاف بين رواياتهم. المبحث الخامس: أهم شروح "السنن". المبحث السادس: أشهر طبعات "السنن". * * *

الفصل الأول ترجمة الإمام أبي داود السجستاني

الفصل الأول ترجمة الإمام أبي داود السجستاني وفيه عشرة مباحث: المبحث الأول: التعريف به. المبحث الثاني: مولده ونشأته وأسرته. المبحث الثالث: شيوخه. المبحث الرابع: تلاميذه. المبحث الخامس: رحلاته. المبحث السادس: مذهبه الفقهي. المبحث السابع: شمائله وفضائله. المبحث الثامن: ثناء أهل العلم عليه. المبحث التاسع: مصنفاته. المبحث العاشرة وفاته. * * *

المبحث الأول: التعريف به

المبحث الأول: التعريف به 1 - اسمه ونسبه: هو سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد. هكذا ساق نسبه تلميذاه أبو بكر بن داسه، وأبو عبيد الآجري (¬1). وزاد في نسبه ابن حبان (¬2)، والخطيب (¬3)، وابن ماكولا (¬4)، وأبو يعلى (¬5)، وابن عساكر (¬6)، وابن نقطة (¬7)، وابن باطيش (¬8): ابن عمرو بن عمران. وقال أبو طاهر السلفي: وهذا القول في نسبه أمثل، والقلب إليه أميل (¬9). 2 - كنيته: أبو داود، وقد اشتهر بهذِه الكنية فجميع من ذكره كناه بذلك دون اختلاف مثل: ابن أبي حاتم (¬10)، وابن حبان (¬11)، وابن منده (¬12)، ¬

_ (¬1) انظر: مقدمة الحافظ أبي طاهر المطبوعة في آخر "مختصر المنذري" 8/ 143. (¬2) "الثقات" 8/ 282. (¬3) "تاريخ بغداد" 9/ 55. (¬4) "الإكمال" 1/ 295. (¬5) "طبقات الحنابلة" 1/ 159. (¬6) "المعجم المشتمل" 132/ 387. (¬7) "التقييد" 2/ 4. (¬8) "المغني" 2/ 170. (¬9) مقدمته على "سنن أبي داود" 8/ 143. (¬10) "الجرح والتعديل" 4/ 101. (¬11) "الثقات" 8/ 282. (¬12) "فتح الباب في الكنى والألقاب" 307/ 2686.

والخطيب (¬1)، وابن عساكر (¬2)، وابن نقطة (¬3)، والمزي (¬4)، والذهبي (¬5)، وغيرهم كثير. 3 - نسبته: أ - الأزدي: نسبة إلى الأَزْد بفتح الألف، وسكون الزاي، وهو الأفصح، وقد يقال فيها: الأَسْد بالسين المهملة واسمه دِرَاء، وهو: ابن الغوث بن نَبْت بن مالك بن أُدَد بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجُب بن يَعْرُب بن قحطان. هكذا نسبه الحازمي (¬6)، وغيره. ب - السجستاني: نسبة إلى سِجِسْتَان بكسر أوله وثانيه، ثم سين مهملة ساكنة، وتاء مثناة من فوق، وآخره نون (¬7). وقد يقال فيها: سَجِسْتان بفتح أوله والكسر أشهر (¬8). وسِجِسْتان إقليم واسع يحيط به مما يلي الشمال: خراسان، ومن الغرب: مفازة وإقليم كِرْمَان. ويقع إقليم مُكْران في جنوبه، والسند في شرقه (¬9). ¬

_ (¬1) "تاريخ بغداد" 9/ 55. (¬2) "المعجم المشتمل" 132/ 387. (¬3) "التقييد" 2/ 4. (¬4) "تهذيب الكمال" 11/ 356. (¬5) "المقتنى في سرد الكنى" 1/ 225. (¬6) "عجالة المبتدي" (10). وانظر: أيضًا: "الأنساب" 1/ 120. (¬7) انظر: "معجم البلدان" 3/ 10. (¬8) انظر: "الأسماء واللغات" 2/ 224. (¬9) انظر: "المسالك والممالك" (139)، "معجم البلدان" 3/ 190، "تقويم البلدان" (340)، "أطلس العالم" (69).

المبحث الثاني: مولده ونشأته وأسرته

وتقع الآن في جنوب غرب أفغانستان، وهي مقسمة إلى قسمين: سيستان، وريحستان، ويقع جزء منها في شرق إيران (¬1). وقد فتحها الربيع بن زياد الحارثي سنة (30 هـ) صُلْحًا لبعضها، وعنوة لبعضها الآخر (¬2). * * * المبحث الثاني: مولده ونشأته وأسرته ولد أبو داود بسجستان (¬3) سنة (202 هـ)، ذكر ذلك تلميذه أبو عبيد الآجري، فقال: سمعت سليمان بن الأشعث يقول: ولدتُ سنة اثنتين ومئتين (¬4). وممن اشتهر من أسرته: أخوه محمد بن الأشعث وهو أسنُّ منه بقليل، وكان رفيقًا له في الرحلة، يروي عن أصحاب شعبة، وروى عنه ابن أخيه أبو بكر بن أبي داود، ومات كهلا قبل أبي داود بمدة (¬5). وابنه عبد الله بن سليمان أبو بكر، وهو من الحفاظ، وسيأتي في ذكر تلاميذه. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "جغرافية العالم الإسلامي" (317). (¬2) انظر: "تاريخ خليفة بن خياط" (95، 107). (¬3) انظر: "السير" 13/ 217 نقلا عن الحاكم. (¬4) "تاريخ بغداد" 9/ 56. (¬5) انظر: "الثقات" 9/ 149، "السير" 13/ 221.

المبحث الثالث: شيوخه

المبحث الثالث: شيوخه نذكر منهم: 1 - إبراهيم بن الحارث بن إسماعيل، أبو إسحاق البغدادي، ولد بالموصل، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري وأبو داود في "مسند مالك"، صدوق، توفي سنة (265 هـ) بنيسابور. انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 65، "التقريب" (159). 2 - إبراهيم بن الحارث بن مصعب بن الوليد بن عبادة بن الصامت الأنصاري العبادي، أبو إسحاق البغدادي، من صغار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أبو داود في "المسائل"، صدوق. انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 66، "التقريب" (160). 3 - إبراهيم بن الحسن بن الهيثم الخثعمي، أبو إسحاق المصيصي، المعروف بالمقسمي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، ثقة. انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 72، "التقريب" (164). 4 - إبراهيم بن العلاء بن الضحاك بن المهاجر بن عبد الرحمن بن زيد الزبيدي، أبو إسحاق الحمصي المعروف بابن زبريق، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، مستقيم الحديث، توفي سنة (235 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 161، "التقريب" (226). 5 - إبراهيم بن المستمر الهذلي الناجي العروقي العصفري، أبو إسحاق البصري، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الترمذي في "الشمائل" والنسائي وابن ماجة، صدوق يغرب. انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 201، "التقريب" (248).

6 - إبراهيم بن بشار الرمادي، أبو إسحاق البصري، أصله من جرجرايا، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الترمذي، حافظ له أوهام، توفي سنة (230 هـ) تقريبًا. انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 56، "التقريب" (155). 7 - إبراهيم بن حمزة بن سليمان بن أبي يحيى الرملي البزاز، أبو إسحاق، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق. انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 76، "التقريب" (167). 8 - إبراهيم بن حمزة بن محمد بن حمزة بن مصعب بن عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي الزبيري المدني، أبو إسحاق، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري والنسائي، صدوق، توفي سنة (230 هـ) بالمدينة. انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 76، "التقريب" (168). 9 - إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي، أبو ثور البغدادي الفقيه، ويقال: كنيته أبو عبد الله، ويعرف بأبي ثور، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له ابن ماجة، ثقة، توفي سنة (240 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 80، "التقريب" (172). 10 - إبراهيم بن دينار البغدادي، أبو إسحاق التمار، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم، ثقة، توفي سنة (232 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 84، "التقريب" (174). 11 - إبراهيم بن زياد البغدادي، أبو إسحاق المعروف بسبلان، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم والنسائي، ثقة، توفي سنة (228 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 85، "التقريب" (175).

12 - إبراهيم بن سعيد الجوهري، أبو إسحاق بن أبي عثمان البغدادي الطبري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة ما عدا البخاري، ثقة حافظ تكلم فيه بلا حجة، توفي سنة (250 هـ) تقريبًا. انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 95، "التقريب" (179). 13 - إبراهيم بن محمد بن خازم السعدي مولاهم، أبو إسحاق ابن أبي معاوية الضرير الكوفي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق ضعفه الأزدي بلا حجة، توفي سنة (236 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 171، "التقريب" (232). 14 - إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن عبيد الله بن معمر القرشي التيمي، أبو إسحاق البصري، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، ثقة، توفي سنة (250 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 176، "التقريب" (237). 15 - إبراهيم بن مخلد الطالقاني، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق. انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 196، "التقريب" (246). 16 - إبراهيم بن مروان بن محمد الطاطري، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق. انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 200، "التقريب" (250). 17 - إبراهيم بن مهدي المصيصي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، توفي سنة (224 هـ)، وقيل بعدها، مقبول. انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 214، "التقريب" (256). 18 - إبراهيم بن موسى بن يزيد بن زاذان التميمي، أبو إسحاق الفراء الرازي، يلقب الصغير، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له

الجماعة، ثقة حافظ، توفي بعد (220 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 219، "التقريب" (259). 19 - إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق السعدي، أبو إسحاق الجوزجاني، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الترمذي والنسائي، ثقة حافظ رمي بالنصب، توفي سنة (259 هـ) بدمشق. انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 244، "التقريب" (273). 20 - أحمد بن إبراهيم بن خالد، أبو علي الموصلي، نزيل بغداد، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له ابن ماجة في "التفسير"، صدوق، توفي سنة (236 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 245، "التقريب" (1). 21 - أحمد بن إبراهيم بن كثير بن زيد بن أفلح بن منصور بن مزاحم العبدي، أبو عبد الله الدورقي النكري البغدادي، مولى عبد القيس، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم والترمذي وابن ماجة، ثقة، حافظ توفي سنة (246 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 249، "التقريب" (3). 22 - أحمد بن أبي بكر القاسم بن الحارث بن زرارة بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف القرشي، أبو مصعب الزهري المدني الفقيه، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة، صدوق فقيه عابه أبو خيثمة للفتوى بالرأي، توفي سنة (242 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 278، "التقريب" (17). 23 - أحمد بن إسحاق بن عيسى الأهوازي، أبو إسحاق البزاز، صاحب السلعة، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق، توفي سنة (250 هـ).

انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 265، "التقريب" (8). 24 - أحمد بن الصباح النهشلي، أبو جعفر بن أبي سريج الرازي المقرئ، وقيل: أحمد بن عمر بن أبي سريج الصباح، مولى خزيمة، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري والنسائي، ثقة حافظ له غرائب، توفي بعد سنة (240 هـ) بالري. انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 355، "التقريب" (50). 25 - أحمد بن الفرات بن خالد الضبي، أبو مسعود الرازي الحافظ، نزيل أصبهان، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، ثقة حافظ تكلم فيه بلا مستند، توفي سنة (258 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 422، "التقريب" (88). 26 - أحمد بن جناب بن المغيرة المصيصي، أبو الوليد الحدثي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم والنسائي، صدوق، توفي سنة (230 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 283، "التقريب" (20). 27 - أحمد بن جواس الحنفي، أبو عاصم الكوفي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم، ثقة، توفي سنة (238 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 285، "التقريب" (21). 28 - أحمد بن حفص بن عبد الله بن راشد السلمي، أبو علي بن أبي عمرو النيسابوري، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري والنسائي، صدوق، توفي سنة (258 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 294، "التقريب" (27). 29 - أحمد بن سعد بن الحكم بن محمد بن سالم الجمحي المصري، أبو جعفر ابن أبي مريم، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له

النسائي، صدوق، توفي سنة (253 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 308، "التقريب" (36). 30 - أحمد بن سعيد بن إبراهيم الرباطي المروزي، أبو عبد الله الأشقر، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة ما عدا ابن ماجة، ثقة حافظ، توفي سنة (246 هـ) بقومس. انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 310، "التقريب" (37). 31 - أحمد بن سعيد بن بشر الهمداني، أبو جعفر المصري، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق، توفي سنة (253 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 312، "التقريب" (38). 32 - أحمد بن سعيد بن صخر الدارمي، أبو جعفر السرخسي ثم النيسابوري، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة ما عدا النسائي، ثقة حافظ، توفي سنة (253 هـ) بنيسابور. انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 314، "التقريب" (39). 33 - أحمد بن سنان بن أسد بن حبان، أبو جعفر القطان الواسطي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة ما عدا الترمذي، ثقة حافظ، توفي سنة (259 هـ) وقيل قبلها. انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 322، "التقريب" (44). 34 - أحمد بن صالح المصري، أبو جعفر بن الطبري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري والترمذي في "الشمائل"، ثقة حافظ، توفي سنة (248 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 340، "التقريب" (48). 35 - أحمد بن عبد الجبار بن محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب بن زرارة التميمي العطاردي، أبو عمر الكوفي، من كبار الآخذين عن تبع

الأتباع، ضعيف وسماعه للسيرة صحيح، توفي سنة (272 هـ) بالكوفة. انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 378، "التقريب" (64). 36 - أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد بن عثمان الدشتكي الرازي المقرئ، لقبه حمدون، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق. انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 385، "التقريب" (66). 37 - أحمد بن عبد الله بن أبي شعيب مسلم الحراني القرشي الأموي، أبو الحسن، مولى عمر بن عبد العزيز، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري والترمذي والنسائي، ثقة، توفي سنة (233 هـ) وقيل غير ذلك. انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 367، "التقريب" (57). 38 - أحمد بن عبد الله بن علي بن سويد بن منجوف السدوسي المنجوفي، أبو بكر البصري، وقد ينسب إلى جده، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري والنسائي، صدوق، توفي سنة (252 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 365، "التقريب" (58). 39 - أحمد بن عبد الله بن ميمون بن العباس بن الحارث الغطفاني التغلبي، أبو الحسن بن أبي الحواري الدمشقي الزاهد، الكوفي الأصل، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له ابن ماجة، ثقة زاهد، توفي سنة (246 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 369، "التقريب" (61). 40 - أحمد بن عبد الله بن يونس بن عبد الله بن قيس التميمي اليربوعي، أبو عبد الله الكوفي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة، ثقة حافظ، توفي سنة (227 هـ) بالكوفة. انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 375، "التقريب" (63).

41 - أحمد بن عبد الواحد بن واقد التميمي، أبو عبد الله المعروف بابن عبود الدمشقي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، صدوق، توفي سنة (254 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 393، "التقريب" (70). 42 - أحمد بن عبدة أبو جعفر الآملي، من آمل جيحون، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الترمذي، صدوق. انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 399، "التقريب" (75). 43 - أحمد بن عبدة بن موسى الضبي، أبو عبد الله البصري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة ما عدا البخاري، ثقة رمي بالنصب، توفي سنة (245 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 397، "التقريب" (74). 44 - أحمد بن عبيد الله، ويقال: ابن عبد الله بن سهيل بن صخر الغداني، أبو عبد الله البصري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري، صدوق، توفي سنة (224 هـ) وقيل بعدها. انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 400، "التقريب" (76). 45 - أحمد بن عمر بن حفص بن جهم بن واقد بن عبد الله الكندي، أبو جعفر الكوفي المقرئ الجلاب الضرير، المعروف بالوكيعي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم وأبو داود في كتاب "المسائل"، ثقة، توفي سنة (235 هـ) ببغداد. انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 412، "التقريب" (83). 46 - أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن السرح القرشي الأموي، أبو الطاهر المصري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم والنسائي وابن ماجة، ثقة، توفي سنة (250 هـ).

انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 415، "التقريب" (85). 47 - أحمد بن محمد بن إبراهيم الأبلي، أبو بكر العطار، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق، توفي سنة (278 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 427، "التقريب" (90). 48 - أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أبي خلف البغدادي القطيعي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، ثقة، توفي سنة (233 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 429، "التقريب" (92). 49 - أحمد بن محمد بن المعلى الأُدمي، أبو بكر البصري، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أبو داود في "القدر"، صدوق. انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 471، "التقريب" (98). 50 - أحمد بن محمد بن أيوب البغدادي، أبو جعفر الوراق، المعروف بصاحب المغازي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق كانت فيه غفلة لم يدفع بحجة، توفي سنة (228 هـ) ببغداد. انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 431، "التقريب" (93). 51 - أحمد بن محمد بن ثابت بن عثمان بن مسعود بن يزيد الخزاعي، أبو الحسن بن شبويه المروزي الماخوني، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، ثقة، توفي سنة (230 هـ) بطرسوس. انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 433، "التقريب" (94). 52 - أحمد بن محمد بن حنبل أبو عبد الله الشيباني، روى له الجماعة، الإمام الثقة الحافظ الفقيه صاحب المذهب، توفي سنة (241 هـ) ببغداد. انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 437، "التقريب" (96). 53 - أحمد بن منيع بن عبد الرحمن، أبو جعفر البغوي الأصم، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة، ثقة حافظ، توفي سنة (244 هـ).

انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 495، "التقريب" (114). 54 - أحمد بن هاشم بن أبي العباس الرملي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أبو داود في "المسائل"، صدوق في حفظه شيء. انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 516، "التقريب" (122). 55 - أحمد بن يوسف بن خالد بن سالم بن زاوية الأزدي المهلبي، أبو الحسن النيسابوري، المعروف بحمدان السلمي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم والنسائي وابن ماجة، حافظ ثقة، توفي سنة (264 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 522، "التقريب" (130). 56 - إسحاق بن إبراهيم بن الضيف الباهلي، أبو يعقوب العسكري، البصري، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق يخطئ. انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 437، "التقريب" (362). 57 - إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، أبو يعقوب البصري الشهيدي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أبو داود في "المراسيل" والترمذي والنسائي وابن ماجة، ثقة، توفي سنة (257 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 361، "التقريب" (324). 58 - إسحاق بن إبراهيم بن سويد البلوي، أبو يعقوب الرملي، وقد ينسب إلى جده، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، ثقة، توفي سنة (254 هـ) بالرملة. انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 365، "التقريب" (327). 59 - إسحاق بن إبراهيم بن محمد الصواف الباهلي، أبو يعقوب البصري، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري، ثقة،

توفي سنة (253 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 371، "التقريب" (331). 60 - إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم بن مطر، أبو محمد الحنظلي، ابن راهويه المروزي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة، ثقة حافظ مجتهد، توفي سنة (238 هـ) بنيسابور. انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 373، "التقريب" (332). 61 - إسحاق بن إبراهيم بن يزيد القرشي، أبو النضر الدمشقي الفراديسي، مولى عمر بن عبد العزيز، وقيل: مولى أخته أم الحكم، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري والنسائي، صدوق ضُعّف بلا مستند، توفي سنة (227 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 389، "التقريب" (334). 62 - إسحاق بن أبي إسرائيل إبراهيم بن كامجرا، أبو يعقوب المروزي البغدادي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري في "الأدب المفرد" والنسائي، صدوق تكلم فيه لوقفه في القرآن، توفي سنة (245 هـ) بسر من رأى. انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 398، "التقريب" (338). 63 - إسحاق بن إسماعيل الطالقاني، أبو يعقوب البغدادي، يعرف باليتيم، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، ثقة تكلم في سماعه من جرير وحده، توفي سنة (235 هـ) أو قبلها. انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 409، "التقريب" (341). 64 - إسحاق بن الجراح الأذني، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق. انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 416، "التقريب" (346).

65 - إسحاق بن الصباح الكندي الأشعثي الصغير الكوفي، من ولد الأشعث بن قيس، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، مقبول، توفي سنة (277 هـ) بمصر. انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 436، "التقريب" (360). 66 - إسحاق بن جبريل البغدادي، وهو إسحاق بن أبي عيسى، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق. انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 415، "التقريب" (345). 67 - إسحاق بن عمر بن سليط الهذلي، أبو يعقوب بن أبي حفص البصري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم وأبو داود في "فضائل الأنصار"، صدوق، توفي سنة (229 أو 230 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 460، "التقريب" (372). 68 - إسماعيل بن إبراهيم بن معمر بن الحسن الهذلي، أبو معمر القطيعي الهروي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري ومسلم والنسائي، ثقة مأمون، توفي سنة (236 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 3/ 19، "التقريب" (415). 69 - إسماعيل بن أبي الحارث أسد بن شاهين البغدادي، أبو إسحاق، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له ابن ماجة، صدوق، توفي سنة (258 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 3/ 42، "التقريب" (424). 70 - إسماعيل بن بشر بن منصور السليمي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي وابن ماجة، صدوق تكلم فيه للقدر، توفي سنة (255 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 3/ 42، "التقريب" (424).

71 - إسماعيل بن بهرام بن يحيى الهمداني ثم الخِبْذَعِي الوشاء الخزاز الكوفي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له ابن ماجة، صدوق، توفي سنة (241 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 3/ 52، "التقريب" (429). 72 - إسماعيل بن عمر، يقال: هو القطربلي، من صغار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أبو داود حديثًا واحدًا، مقبول. انظر: "تهذيب الكمال" 3/ 157، "التقريب" (470). 73 - إسماعيل بن مسعدة التنوخي الحلبي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أبو داود في "المراسيل"، صدوق. انظر: "تهذيب الكمال" 3/ 157، "التقريب" (470). 74 - إسماعيل بن موسى الفزاري، أبو محمد، ويقال: أبو إسحاق، الكوفي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري في "خلق أفعال العباد" والترمذي وابن ماجة، صدوق يخطئ رمي بالرفض، توفي سنة (245 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 3/ 210، "التقريب" (492). 75 - أيوب بن محمد بن زياد بن فروخ الوزان، أبو محمد الرقي، مولى ابن عباس، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي وابن ماجة، ثقة، توفي سنة (249 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 3/ 489، "التقريب" (622). 76 - أيوب بن منصور الكوفي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق يهم. انظر: "تهذيب الكمال" 3/ 494، "التقريب" (624). 77 - بشر بن آدم بن يزيد البصري، أبو عبد الرحمن، وهو الأصغر، ابن

بنت أزهر بن سعد السمان، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الترمذي والنسائي في "مسند علي" وابن ماجة، صدوق فيه لين، توفي سنة (254 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 4/ 93، "التقريب" (675). 78 - بشر بن خالد العسكري، أبو محمد الفرائضي، نزيل البصرة، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري ومسلم والنسائي، ثقة يغرب، توفي سنة (253 أو 255 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 4/ 117، "التقريب" (648). 79 - بشر بن عمار القهستاني، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أبو داود، صدوق. انظر: "تهذيب الكمال" 4/ 136، "التقريب" (696). 80 - بشر بن هلال الصواف، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة، ثقة، توفي سنة (247 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 4/ 159، "التقريب" (707). 81 - بكر بن خلف أبو بشر، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري تعليقًا وابن ماجة، صدوق، توفي بعد سنة (240 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 4/ 205، "التقريب" (738). 82 - تميم بن المنتصر بن تميم بن الصلت بن تمام بن لاحق بن جبير الهاشمي مولاهم، أبو عبد الله الواسطي مولى ابن عباس، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي وابن ماجة، ثقة ضابط، توفي سنة (244 أو 245 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 4/ 334، "التقريب" (805). 83 - الجراح بن مخلد العجلي البصري القزاز، من كبار الآخذين عن

تبع الأتباع، روى له أبو داود في "القدر" والترمذي، ثقة، توفي سنة (250 هـ) تقريبًا. انظر: "تهذيب الكمال" 4/ 515، "التقريب" (907). 84 - جعفر بن مسافر بن إبراهيم بن راشد التنيسي، أبو صالح الهذلي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي وابن ماجة، صدوق ربما أخطأ، توفي سنة (254 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 5/ 108، "التقريب" (957). 85 - الحارث بن مسكين بن محمد بن يوسف الأموي، أبو عمرو المصري الفقيه، مولى محمد بن زبان بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم، ولد سنة (154 هـ). من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، ثقة فقيه، توفي سنة (250 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 5/ 281، "التقريب" (1049). 86 - حامد بن يحيى بن هانئ البلخي، أبو عبد الله الطرسوسي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، ثقة حافظ، توفي سنة (242 هـ) بطرسوس. انظر: "تهذيب الكمال" 5/ 325، "التقريب" (1068). 87 - حجاج الضرير، من صغار الآخذين عن تبع الأتباع، مقبول. انظر: "تهذيب الكمال" 5/ 470، "التقريب" (1142). 88 - حجاج بن يوسف بن حجاج الثقفي، أبو محمد بن أبي يعقوب البغدادي، المعروف بابن الشاعر، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم، ثقة حافظ، توفي سنة (259 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 5/ 466، "التقريب" (1140). 89 - الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم وأبو داود في "المراسيل" والترمذي، ثقة

يغرب، توفي سنة (250 هـ) أو بعدها بسر من رأى. انظر: "تهذيب الكمال" 6/ 48، "التقريب" (1210). 90 - الحسن بن الربيع بن سليمان البجلي ثم القسري، أبو علي الكوفي البوراني الحصار، ويقال: الخشاب، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة، ثقة، توفي سنة (220 أو 221 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 6/ 147، "التقريب" (1241). 91 - الحسن بن الصباح بن محمد البزار، أبو علي الواسطي ثم البغدادي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري والترمذي والنسائي، صدوق يهم، وكان عابدًا فاضلًا. انظر: "سير أعلام النبلاء" 23/ 183، "التقريب" (1251). 92 - الحسن بن حماد بن كسيب الحضرمي، أبو علي البغدادي، المعروف بسجادة، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي وابن ماجة، صدوق، توفي سنة (241 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 6/ 129، "التقريب" (1230). 93 - الحسن بن شوكر، أبو علي البغدادي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أبو داود، صدوق، توفي سنة (230 هـ) تقريبًا. انظر: "تهذيب الكمال" 6/ 176، "التقريب" (1249). 94 - الحسن بن علي بن راشد الواسطي البصري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق، رمي بشيء من التدليس، توفي سنة (237 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 6/ 215، "التقريب" (1258). 95 - الحسن بن علي بن محمد الهذلي الخلال، أبو علي، وقيل: أبو محمد، الحلواني الريحاني، نزيل مكة، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة ما عدا النسائي، ثقة حافظ له تصانيف، توفي

سنة (242 هـ) بمكة. انظر: "تهذيب الكمال" 6/ 259، "التقريب" (1262). 96 - الحسن بن عمرو السدوسي البصري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق لم يصب الأزدي في تضعيفه، توفي قبل سنة (230 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 6/ 286، "التقريب" (1268). 97 - الحسن بن عيسى بن ماسرجس الماسرجسي، أبو علي النيسابوري، مولى عبد الله بن المبارك، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم والنسائي، ثقة، توفي سنة (240 هـ) بالثعلبية. انظر: "تهذيب الكمال" 6/ 294، "التقريب" (1275). 98 - الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، أبو علي البغدادي، صاحب الشافعي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجة، ثقة، توفي سنة (260 أو 259 هـ) ببغداد. انظر: "تهذيب الكمال" 6/ 310، "التقريب" (1281). 99 - الحسن بن يحيى بن هشام الرازي، أبو علي البصري، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق صاحب حديث. انظر: "تهذيب"الكمال" 6/ 336، "التقريب" (1292). 100 - الحسين بن الجنيد الدامغاني القومسي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له ابن ماجة، لا بأس به. انظر: "تهذيب الكمال" 6/ 356، "التقريب" (1311). 101 - الحسين بن حريث بن الحسن بن ثابت بن قطبة الخزاعي مولاهم، أبو عمار المروزي، مولى عمران بن حصين، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، ثقة، توفي سنة (244 هـ) بقرميسين.

انظر: "تهذيب الكمال" 6/ 358، "التقريب" (1314). 102 - الحسين بن عبد الرحمن، أبو علي الجرجرائي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي وابن ماجة، مقبول، توفي سنة (253 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 6/ 387، "التقريب" (1327). 103 - الحسين بن علي بن الأسود العجلي، أبو عبد الله الكوفي، وقد ينسب إلى جده، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الترمذي، صدوق يخطئ كثيرًا، توفي سنة (254 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 6/ 391، "التقريب" (1331). 104 - الحسين بن عيسى البسطامي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري ومسلم والنسائي، صدوق صاحب حديث، توفي سنة (247 هـ) بنيسابور. انظر: "تهذيب الكمال" 6/ 460، "التقريب" (1340). 105 - الحسين بن معاذ بن خليف البصري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، ثقة. انظر: "تهذيب الكمال" 6/ 480، "التقريب" (1350). 106 - الحسين بن يزيد بن يحيى الطحان الأنصاري، أبو علي، وقيل: أبو عبد الله الكوفي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الترمذي، لين الحديث، توفي سنة (244 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 6/ 501، "التقريب" (1361). 107 - حفص بن عمر بن الحارث بن سخبرة الأزدي النمري، أبو عمر الحوضي البصري، ويقال: مولى بني عدي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري والنسائي، ثقة ثبت عيب بأخذ الأجرة على

الحديث، توفي سنة (225 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 7/ 26، "التقريب" (1412). 108 - حفص بن عمرو بن ربال بن إبراهيم بن عجلان الربالي أبو عمر، ويقال: أبو عمرو الرقاشي البصري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أبو داود في "فضائل الأنصار" وابن ماجة، ثقة عابد، توفي سنة (258 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 7/ 52، "التقريب" (1428). 109 - الحكم بن موسى بن أبي زهير شيرزاد البغدادي، أبو صالح القنطري البزاز الزاهد، ولد بسارية من أعمال طبرستان، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري تعليقا ومسلم وأبو داود في "المراسيل" والنسائي وابن ماجة، صدوق، توفي سنة (232 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 7/ 136، "التقريب" (1462). 110 - حكيم بن سيف بن حكيم الأسدي مولاهم، أبو عمرو الرقي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، صدوق، توفي سنة (238 هـ) بالرقة. انظر: "تهذيب الكمال" 7/ 195، "التقريب" (1473). 111 - حمزة بن سعيد المروزي، أبو سعيد، نزيل طرسوس، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أبو داود في "المسائل"، صدوق. انظر: "تهذيب الكمال" 7/ 327، "التقريب" (1521). 112 - حمزة بن نصير بن حمزة بن نصير الأسلمي مولاهم، أبو عبد الله العسال المصري، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، مقبول. انظر: "تهذيب الكمال" 7/ 342، "التقريب" (1537). 113 - حميد بن مخلد بن قتيبة بن عبد الله الأزدي، أبو أحمد بن

زنجويه النسائي الحافظ، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع روى له النسائي، ثقة ثبت له تصانيف، توفي سنة (248 هـ) وقيل: (251 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 7/ 392، "التقريب" (1558). 114 - حميد بن مسعدة بن المبارك السامي الباهلي، أبو علي، ويقال: أبو العباس، البصري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة، صدوق، توفي سنة (244 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 7/ 395، "التقريب" (1559). 115 - حيوة بن شريح بن يزيد الحضرمي أبو العباس بن أبي حيوة الحمصي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة سوى مسلم والنسائي، ثقة، توفي سنة (224 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 7/ 482، "التقريب" (1602). 116 - خشيش بن أصرم بن الأسود، أبو عاصم النسائي الحافظ، صاحب كتاب "الاستقامة" في السنة، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، ثقة حافظ، توفي سنة (253 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 8/ 251، "التقريب" (1715). 117 - خلف بن هشام البزار، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم، ثقة له اختيار في القراءات، توفي سنة (229 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 8/ 299، "التقريب" (1737). 118 - الخليل بن عمرو الثقفي، أبو عمرو البزاز البغوي، نزيل بغداد، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أبو داود في كتاب "الزهد" وابن ماجة، صدوق، توفي سنة (242 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 8/ 341، "التقريب" (1756). 119 - داود بن أمية الأزدي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، ثقة.

انظر: "تهذيب الكمال" 8/ 376، "التقريب" (1776). 120 - داود بن رشيد الهاشمي مولاهم، أبو الفضل الخوارزمي، نزيل بغداد، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة ما عدا الترمذي، ثقة. انظر: "تهذيب الكمال" 8/ 388، "التقريب" (1784). 121 - داود بن مخراق الفريابي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق، توفي بعد سنة (240 هـ) وقيل قبلها. انظر: "تهذيب الكمال" 8/ 449، "التقريب" (1812). 122 - الربيع بن سليمان بن داود الجيزي، أبو محمد الأزدي مولاهم، المصري الأعرج، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، ثقة، توفي سنة (256 هـ). أنظر: "تهذيب الكمال" 9/ 86، "التقريب" (1893). 123 - الربيع بن سليمان بن عبد الجبار بن كامل المرادي مولاهم، أبو محمد المصري المؤذن، صاحب الشافعي، وراوي كتب الأمهات عنه، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أصحاب السنن، ثقة، توفي سنة (270 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 9/ 87، "التقريب" (1894). 124 - الربيع بن نافع أبو توبة الحلبي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة ما عدا الترمذي، ثقة حجة عابد، توفي سنة انظر: "تهذيب الكمال" 9/ 103، "التقريب" (1902). 125 - الربيع بن يحيى بن مقسم المرئي، أبو الفضل البصري الأشناني، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري، صدوق

له أوهام، توفي سنة (224"). انظر: "تهذيب الكمال" 9/ 106، "التقريب" (1903). 126 - رجاء بن مرجى بن رافع الغفاري، أبو محمد، ويقال: أبو أحمد بن أبي رجاء المروزي، ويقال: السمرقندي الحافظ البغدادي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له ابن ماجة، حافظ ثقة، توفي سنة (249 هـ) ببغداد. انظر: "تهذيب الكمال" 9/ 168، "التقريب" (1928). 127 - زهير بن حرب أبو خيثمة، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة ما عدا الترمذي، ثقة ثبت، توفي سنة (234 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 9/ 402، "التقريب" (2042). 128 - زياد بن أيوب بن زياد الطوسي البغدادي، أبو هاشم، يلقب بدلويه، ولقبه أحمد: شعبة الصغير، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي، ثقة حافظ، توفي سنة انظر: "تهذيب الكمال" 9/ 432، "التقريب" (2056). 129 - زياد بن يحيى الحساني، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة، ثقة توفي سنة (254 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 9/ 523، "التقريب" (2104). 130 - زيد بن أخزم الطائي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة ما عدا مسلمًا، ثقة حافظ، توفي سنة (257 هـ) بالبصرة. انظر: "تهذيب الكمال" 10/ 5، "التقريب" (2114). 131 - سعيد بن سليمان الواسطي، ولد سنة (125 هـ)، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة، ثقة حافظ، توفي سنة (225 هـ).

انظر: "تهذيب الكمال" 10/ 483، "التقريب" (2329). 132 - سعيد بن شبيب الحضرمي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، صدوق. انظر: "تهذيب الكمال" 10/ 498، "التقريب" (2334). 133 - سعيد بن عبد الجبار الكرابيسي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم، صدوق، توفي سنة (236 هـ) بالبصرة. انظر: "تهذيب الكمال" 10/ 520، "التقريب" (2342). 134 - سعيد بن عمرو الحضرمي الحمصي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، مقبول. انظر: "تهذيب الكمال" 11/ 24، "التقريب" (2374). 135 - سعيد بن منصور الخراساني، صاحب "السنن"، روى له الجماعة، ثقة مصنف، توفي سنة (227 هـ) وقيل بعدها بمكة. انظر: "تهذيب الكمال" 11/ 77، "التقريب" (2399). 136 - سعيد بن نصير البغدادي، أبو عثمان، ويقال: أبو منصور، الدورقي الوراق، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق. انظر: "تهذيب الكمال" 11/ 87، "التقريب" (2404). 137 - سعيد بن يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية القرشي الأموي، أبو عثمان البغدادي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة ما عدا ابن ماجة، ثقة ربما أخطأ. انظر: "تهذيب الكمال" 11/ 104، "التقريب" (2415). 138 - سعيد بن يعقوب الطالقاني، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أصحاب "السنن" ما عدا ابن ماجة، ثقة صاحب حديث، قال ابن حبان: ربما أخطأ، توفي سنة (244 هـ).

انظر: "تهذيب الكمال" 11/ 122، "التقريب" (2424). 139 - سلمة بن شبيب النيسابوري أبو عبد الرحمن الحجري المسمعي، نزيل مكة، مستملي أبي عبد الرحمن المقرئ، أحد الأئمة المكثرين، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة ما عدا البخاري، ثقة، توفي سنة (246 أو 247 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 11/ 284، "التقريب" (2494). 140 - سليمان بن حرب بن بجيل الأزدي الواشحي، أبو أيوب البصري، قاضي مكة، من صغار أتباع التابعين، روى له الجماعة، ثقة إمام حافظ، توفي سنة (224 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 11/ 384، "التقريب" (2545). 141 - سليمان بن داود العتكي، أبو الربيع الزهراني، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع روى له البخاري ومسلم والنسائي، ثقة، لم يتكلم فيه أحد بحجة، توفي سنة (234 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 11/ 423، "التقريب" (2556). 142 - سليمان بن داود بن حماد بن سعد المهري، أبو الربيع المصري، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، ثقة، توفي سنة (253 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 11/ 409، "التقريب" (2551). 143 - سليمان بن عبد الحميد بن رافع، ويقال: ابن سليمان البهراني الحكمي، أبو أيوب الحمصي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق رمي بالنصب، وأفحش النسائي القول فيه، توفي سنة (274 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 12/ 22، "التقريب" (2584). 144 - سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، من كبار الآخذين عن تبع

الأتباع، روى له الجماعة ما عدا مسلم، صدوق يخطئ، توفي سنة (233 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 12/ 26، "التقريب" (2588). 145 - سليمان بن عبد الرحمن بن حماد بن عمران بن موسى بن طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي الطلحي، أبو داود التمار الكوفي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق، توفي سنة (252 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 12/ 25، "التقريب" (2587). 146 - سهل بن بكار الدارمي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري والنسائي، ثقة ربما وهم، توفي سنة (227 أو 228 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 12/ 174، "التقريب" (2651). 147 - سهل بن تمام بن بزيع، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق يخطئ. انظر: "تهذيب الكمال" 12/ 176، "التقريب" (2652). 148 - سهل بن صالح بن حكيم الأنطاكي، أبو سعيد البزار، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، صدوق. انظر: "تهذيب الكمال" 12/ 190، "التقريب" (2659). 149 - سهل بن محمد بن الزبير العسكري، أبو سعيد، وقيل: أبو داود، نزيل البصرة، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، ثقة، توفي سنة (227 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 12/ 200، "التقريب" (2665). 150 - سهل بن محمد بن عثمان، أبو حاتم السجستاني النحوي المقرئ البصري، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، صدوق فيه دعابة، توفي سنة (255 هـ).

انظر: "تهذيب الكمال" 12/ 201، "التقريب" (2666). 151 - سوار بن سهل القرشي البصري، أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أبو داود في "مسند مالك"، صدوق. انظر: "تهذيب الكمال" 12/ 237، "التقريب" (2683). 152 - سوار بن عبد الله بن سوار بن عبد الله بن قدامة التميمي العنبري، أبو عبد الله البصري القاضي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أصحاب "السنن" ما عدا ابن ماجة، ثقة، توفي سنة (245 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 12/ 238، "التقريب" (2684). 153 - شاذ بن فياض اليشكري، أبو عبيدة البصري، واسمه هلال، وشاذ لقب غلب عليه، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، صدوق له أوهام وأفراد. انظر: "تهذيب الكمال" 12/ 339، "التقريب" (2730). 154 - شجاع بن مخلد الفلاس، أبو الفضل البغوي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم وابن ماجة، صدوق وهم في حديث واحد رفعه وهو موقوف فذكره بسببه العقيلي في "الضعفاء"، توفي سنة (235 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 12/ 379، "التقريب" (2748). 155 - شعيب بن أيوب الصريفيني، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق يدلس، توفي سنة (261 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 12/ 505، "التقريب" (2794). 156 - شيبان بن فروخ الأبلي، من صغار أتباع التابعين، روى له مسلم والنسائي، صدوق يهم، ورمي بالقدر، قال أبو حاتم: اضطر الناس إليه أخيرًا، توفي سنة (236 أو 235 هـ).

انظر: "تهذيب الكمال" 12/ 598، "التقريب" (2834). 157 - صالح بن سهيل النخعي الكوفي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، مقبول. انظر: "تهذيب الكمال" 13/ 54، "التقريب" (2864). 158 - صالح بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان البصري، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أبو داود في "مسند مالك" وابن ماجة، مقبول. انظر: "تهذيب الكمال" 13/ 89، "التقريب" (2886). 159 - صفوان بن صالح بن صفوان بن دينار الثقفي مولاهم، أبو عبد الملك الدمشقي المؤذن - مؤذن المسجد الجامع بدمشق - من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أصحاب "السنن" ما عدا ابن ماجة روى له في "التفسير"، ثقة وكان يدلس تدليس التسوية، قاله أبو زرعة الدمشقي، توفي سنة (237 هـ) وقيل بعدها. انظر: "تهذيب الكمال" 13/ 191، "التقريب" (2934). 160 - عاصم بن النضر الأحول، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم والنسائي، صدوق. انظر: "تهذيب الكمال" 13/ 545، "التقريب" (3585). 161 - عباد بن زياد بن موسى الأسدي، الساجي، ويقال: عبادة، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أبو داود في "مسند مالك"، صدوق رمي بالقدر وبالتشيع. انظر: "تهذيب الكمال" 14/ 122، "التقريب" (3128). 162 - عباد بن موسى الختلي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري ومسلم والنسائي، ثقة، توفي سنة (230 هـ).

انظر: "تهذيب الكمال" 14/ 161، "التقريب" (3143). 163 - العباس بن الفرج الرياشي، أبو الفضل البصري النحوي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، ثقة، توفي سنة (257 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 14/ 234، "التقريب" (3181). 164 - العباس بن الوليد بن مزيد العذري، أبو الفضل البيروتي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، صدوق عابد، توفي سنة (269 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 14/ 255، "التقريب" (3192). 165 - العباس بن عبد العظيم بن إسماعيل بن توبة العنبري، أبو الفضل البصري الحافظ، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري تعليقًا وباقي الجماعة، ثقة حافظ، توفي سنة (240 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 14/ 222، "التقريب" (3176). 166 - العباس بن محمد بن حاتم بن واقد الدوري، أبو الفضل البغدادي، مولى بني هاشم، الخوارزمي الأصل، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أصحاب السنن، ثقة حافظ، توفي سنة (271 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 14/ 245، "التقريب" (3189). 167 - عبد الأعلى بن حماد النرسي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري ومسلم والنسائي، لا بأس به، توفي سنة (236 أو 237 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 14/ 348، "التقريب" (3730). 168 - عبد الحميد بن بكار السلمي، أبو عبد الله الدمشقي البيروتي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أبو داود في "المراسيل" والنسائي

في "مسند مالك"، مقبول. انظر: "تهذيب الكمال" 16/ 408، "التقريب" (3752). 169 - عبد الحميد بن بيان أبي عيسى بن زكريا، ويقال: ابن بيان بن أبان، الواسطي، أبو الحسن العطار السكري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم وابن ماجة، صدوق، توفي سنة (244 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 16/ 413، "التقريب" (3754). 170 - عبد الرحمن بن إبراهيم بن عمرو القرشي العثماني مولاهم الدمشقي، أبو سعيد لقبه دحيم، ابن اليتيم، قاضي الأردن وفلسطين، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري والنسائي وابن ماجة، ثقة حافظ متقن، توفي سنة (245 هـ) بفلسطين. انظر: "تهذيب الكمال" 16/ 495، "التقريب" (3793). 171 - عبد الرحمن بن المبارك العيشي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري والنسائي، ثقة، توفي سنة (228 أو 229 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 17/ 382، "التقريب" (3996). 172 - عبد الرحمن بن بشر بن الحكم بن حبيب بن مهران العبدي، أبو محمد النيسابوري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري ومسلم وابن ماجة، ثقة، توفي سنة (260 هـ) وقيل بعدها. انظر: "تهذيب الكمال" 16/ 545، "التقريب" (3810). 173 - عبد الرحمن بن حسين الحنفي، أبو الحسين الهروي، من الوسطى من التابعين، مقبول. انظر: "تهذيب الكمال" 17/ 68، "التقريب" (3845). 174 - عبد الرحمن بن خالد بن يزيد القطان، أبو بكر الواسطي ثم الرقي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، صدوق،

توفي سنة (251 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 17/ 78، "التقريب" (3851). 175 - عبد الرحمن بن عبيد الله بن حكيم الأسدي، أبو محمد الحلبي الكبير، المعروف بابن أخي الإمام، وكان إمام مسجد حلب، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، صدوق، وقال أبو حاتم: كان يفهم الحديث، توفي سنة (240 هـ) تقريبًا. انظر: "تهذيب الكمال" 17/ 265، "التقريب" (3939). 176 - عبد الرحمن بن عمرو بن عبد الله بن صفوان بن عمرو النصري، أبو زرعة الدمشقي الحافظ، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، ثقة حافظ مصنف، توفي سنة (281 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 17/ 307، "التقريب" (3965). 177 - عبد الرحمن بن محمد بن سلام بن ناصح البغدادي الطرسوسي، أبو القاسم، مولى بني هاشم، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، لا بأس به، روى له النسائي، توفي سنة (231 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 17/ 390، "التقريب" (4000). 178 - عبد الرحمن بن مقاتل، أبو سهل التستري البصري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق. انظر: "تهذيب الكمال" 17/ 423، "التقريب" (4016). 179 - عبد الرحيم بن مطرف بن أنيس بن قدامة الرؤاسي، أبو سفيان الكوفي السروجي، ابن عم وكيع بن الجراح، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، ثقة، توفي سنة (232 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 18/ 41، "التقريب" (4058). 180 - عبد السلام بن عبد الرحمن بن صخر بن عبد الرحمن بن وابصة

الأسدي، أبو الفضل الوابصي الرقي القاضي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم في المقدمة، مقبول، توفي سنة (247 هـ) أو بعدها بالرقة. انظر: "تهذيب الكمال" 18/ 84، "التقريب" (4072). 181 - عبد السلام بن عتيق العنسي، ويقال: السلمي، مولاهم، أبو هشام الدمشقي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، صدوق، توفي سنة (257 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 18/ 89، "التقريب" (4074). 182 - عبد السلام بن مطهر بن حسام بن مصك بن ظالم بن شيطان الأزدي، أبو ظفر البصري، من صغار أتباع التابعين، روى له البخاري، صدوق، توفي سنة (224 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 18/ 91، "التقريب" (4075). 183 - عبد العزيز بن السري الناقد، ويقال: الناقط، البصري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، مقبول. انظر: "تهذيب الكمال" 18/ 140، "التقريب" (4097). 184 - عبد العزيز بن معاوية بن عبد الله بن خالد بن أسيد القرشي الأموي العتابي، أبو خالد البصري، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أبو داود في "المراسيل"، صدوق له أغلاط، توفي سنة (284 هـ). انظر: "التقريب" (4125). 185 - عبد العزيز بن يحيى بن يوسف البكائي، أبو الأصبغ الحراني، مولى بني البكاء، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، صدوق ربما وهم، توفي سنة (235 هـ) بحران.

انظر: "تهذيب الكمال" 18/ 215، "التقريب" (4130). 186 - عبد الغني بن رفاعة بن عبد الملك اللخمي، أبو جعفر بن أبي عقيل المصري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، توفي سنة (255 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 18/ 229، "التقريب" (4138). 187 - عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان البهراني، أبو عمرو، ويقال: أبو محمد الدمشقي المقرئ، إمام المسجد الجامع بدمشق، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له ابن ماجة، صدوق متقدم في القراءة، توفي سنة (242 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 14/ 280، "التقريب" (3203). 188 - عبد الله بن إسحاق الجوهري، أبو محمد البصري، لقبه بدعة، مستملي أبي عاصم النبيل، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أصحاب السنن، ثقة حافظ، توفي سنة (257 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 14/ 304، "التقريب" (3210). 189 - عبد الله بن الجراح بن سعيد التميمي، أبو محمد القهستاني، النيسابوري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي في "مسند مالك" وابن ماجة، صدوق يخطئ، توفي سنة (232 هـ)، ويقال: (237 هـ) بقهستان. انظر: "تهذيب الكمال" 14/ 361، "التقريب" (3248). 190 - عبد الله بن الحكم بن أبي زياد سليمان القطواني، أبو عبد الرحمن الكوفي، الدهقان المفلوج، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أصحاب "السنن" ما عدا النسائي، صدوق، توفي سنة (255 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 14/ 427، "التقريب" (3280).

191 - عبد الله بن الصباح بن عبد الله الهاشمي مولاهم العطار البصري المربدي، مولى بني هاشم، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة ما عدا ابن ماجه، ثقة، توفي سنة (250 هـ) وقيل بعدها. انظر: "تهذيب الكمال" 15/ 121، "التقريب" (3392). 192 - عبد الله بن جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك، أبو محمَّد البرمكي البصري، نشأ بالبصرة ثمَّ سكن بغداد، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم، ثقة. انظر: "تهذيب الكمال" 14/ 384، "التقريب" (3256). 193 - عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي، أبو سعيد الأشج الكوفي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة، ثقة، توفي سنة (257 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 15/ 27، "التقريب" (3354). 194 - عبد الله بن عامر بن زرارة الحضرمي مولاهم، أبو محمَّد الكوفي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم وابن ماجه، صدوق، توفي سنة (237 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 15/ 142، "التقريب" (3404). 195 - عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام الدارمي التميمي، أبو محمَّد السمرقندي الحافظ، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم والترمذي، ثقة فاضل متقن، توفي سنة (255 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 15/ 210، "التقريب" (3434). 196 - عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد بن عثمان الدشتكي الرازي المقرئ، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أبو داود في "الناسخ والمنسوخ"، مقبول.

انظر: "تهذيب الكمال" 15/ 209، "التقريب" (3432). 197 - عبد الله بن عمر بن محمَّد بن أبان بن صالح بن عمير القرشي الأموي مولاهم، ويقال له: الجعفي، أبو عبد الرحمن الكوفي، مشكدانة، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم والنسائيُّ في "خصائص علي"، صدوق فيه تشيع، توفي سنة (239 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 15/ 345، "التقريب" (3493). 198 - عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج ميسرة التميمي، أبو معمر المقعد المنقري البصري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة، ثقة ثبت رمي بالقدر، توفي سنة (224 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 15/ 353، "التقريب" (3498). 199 - عبد الله بن قريش، أبو أحمد البخاري، من صغار الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق. انظر: "تهذيب الكمال" 15/ 446، "التقريب" (3541). 200 - عبد الله بن محمَّد بن إبراهيم بن عثمان بن خواستى العبسي مولاهم، أبو بكر بن أبي شيبة الكوفي، الواسطي الأصل، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة ما عدا الترمذي، ثقة حافظ صاحب تصانيف، توفي سنة (235 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 16/ 34، "التقريب" (3575). 201 - عبد الله بن محمَّد بن أبي الأسود حميد بن الأسود البصري أبو بكر الحافظ، ابن أخت عبد الرحمن بن مهدي، وقد ينسب إلى جده، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري والترمذي، ثقة حافظ، توفي سنة (223 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 16/ 46، "التقريب" (3578).

202 - عبد الله بن محمَّد بن إسحاق الجزري، أبو عبد الرحمن الأذرمي الموصلي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، ثقة. انظر: "تهذيب الكمال" 16/ 42، "التقريب" (3576). 203 - عبد الله بن محمَّد بن أسماء بن عبيد بن مخارق، ويقال: مخراق الضبعي، أبو عبد الرحمن البصري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري ومسلم والنسائيُّ، ثقة جليل، توفي سنة (231 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 16/ 44، "التقريب" (3577). 204 - عبد الله بن محمَّد بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة القرشي الزهري المسوري البصري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة ما عدا البخاري، صدوق، توفي سنة (256 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 16/ 69، "التقريب" (3589). 205 - عبد الله بن محمَّد بن علي بن نفيل القضاعي، أبو جعفر النفيلي الحراني، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة ما عدا مسلمًا، ثقة حافظ، توفي سنة (234 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 16/ 88، "التقريب" (3594). 206 - عبد الله بن محمَّد بن عمرو بن الجراح الأزدي الشامي الفلسطيني، أبو العباس الغزي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، ثقة. انظر: "تهذيب الكمال" 16/ 95، "التقريب" (3596). 207 - عبد الله بن محمَّد بن يحيى الخشاب، أبو محمَّد، ويقال أبو أحمد، الرملي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أبو داود في " المراسيل"، مقبول. انظر: "تهذيب الكمال" 16/ 99، "التقريب" (3599). 208 - عبد الله بن محمَّد بن يحيى الطرسوسي، أبو محمَّد، المعروف

بالضعيف، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، ثقة. انظر: "تهذيب الكمال" 16/ 98، "التقريب" (3598). 209 - عبد الله بن مخلد بن خالد، أبو محمَّد التميمي، ويقال: أبو بكر النيسابوري النحوي، صاحب أبي عبيد وراوي كتبه بخراسان، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، توفي سنة (260 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 16/ 112، "التقريب" (3606). 210 - عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي الحارثي، أبو عبد الرحمن المدني البصري، من صغار أتباع التابعين، ثقة عابد، روى له الجماعة ما عدا ابن ماجه، روى عنه أبو داود "الموطأ"، وكان ابن معين وابن المديني لا يقدمان عليه في رواية "الموطأ" أحدا، توفي سنة (221 هـ) بمكة. انظر: "تهذيب الكمال" 16/ 136، "التقريب" (3620). 211 - عبد الله بن معاوية بن موسى بن أبي غليظ نشيط بن مسعود بن أمية بن خلف القرشي الجمحي، أبو جعفر البصري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أصحاب "السنن" ما عدا النسائي، ثقة، توفي سنة (243 هـ) بالبصرة. انظر: "تهذيب الكمال" 16/ 161، "التقريب" (3630). 212 - عبد الله بن يحيى بن ميسرة، ذكره أبو القاسم في "المشايخ النبل"، وقال الحافظ: لم يذكره إلا ابن عساكر. انظر: "تهذيب الكمال" 16/ 296، "التقريب" (3700). 213 - عبد الملك بن حبيب المصيصي، أبو مروان البزاز، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، مقبول، توفي قبل سنة (240 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 18/ 300، "التقريب" (4173). 214 - عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد الفهمي مولاهم، أبو

عبد الله المصري، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم والنسائيُّ، ثقة، توفي سنة (248 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 18/ 329، "التقريب" (4185). 215 - عبد الملك بن مروان بن قارظ الأهوازي، البصري الحذاء، أبو مروان، ويقال: أبو الوليد، جار أبي الوليد الطيالسي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، ثقة، توفي سنة (250 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 18/ 414، "التقريب" (4214). 216 - عبد الواحد بن غياث المربدي البصري، أبو بحر الصيرفي، من صغار أتباع التابعين، صدوق، توفي سنة (240 هـ) وقيل قبل ذلك. انظر: "تهذيب الكمال" 18/ 466، "التقريب" (4247). 217 - عبد الوهاب بن عبد الحكم بن نافع، أبو الحسن الوراق البغدادي النسائي الأصل، ويقال له: ابن الحكم، من أصحاب الإمام أحمد وخاصته، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أصحاب "السنن" ما عدا ابن ماجه، ثقة، توفي سنة (250 هـ)، وقيل بعدها. انظر: "تهذيب الكمال" 18/ 497، "التقريب" (4259). 218 - عبد الوهاب بن عبد الرحيم بن عبد الوهاب الأشجعي، أبو عبد الله الدمشقي الجوبري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق، توفي سنة (249 هـ)، وقيل: (250 هـ)، صدوق. انظر: "تهذيب الكمال" 18/ 501، "التقريب" (4260). 219 - عبد الوهاب بن نجدة الحوطي أبو محمَّد الشامي الجبلي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، ثقة، توفي سنة (232 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 18/ 519، "التقريب" (4264). 220 - عبدة بن سليمان المروزي، أبو محمَّد، ويقال: أبو عمرو،

المصيصي، صاحب ابن المبارك، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق، توفي سنة (239 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 18/ 534، "التقريب" (4270). 221 - عبدة بن عبد الله بن عبدة الصفار الخزاعي، أبو سهل البصري، الكوفي الأصل، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة ما عدا مسلم، ثقة، توفي سنة (258 هـ) بالأهواز. انظر: "تهذيب الكمال" 18/ 537، "التقريب" (4272). 222 - عبيد الله بن أبي الوزير، ويقال: عبيد بن أبي الوزر، الحلبي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع. انظر: "تهذيب الكمال" 19/ 173، "التقريب" (4349). 223 - عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري، أبو الفضل البغدادي، نزيل سامراء، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري والترمذي والنسائيُّ، ثقة، توفي سنة (260 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 19/ 46، "التقريب" (4294). 224 - عبيد الله بن عمر بن ميسرة الجشمي مولاهم القواريري، أبو سعيد البصري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائيُّ، ثقة ثبت، توفي سنة (235 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 19/ 130، "التقريب" (4325). 225 - عبيد الله بن محمَّد بن حفص بن عمر بن موسى القرشي التيمي، أبو عبد الرحمن البصري، المعروف بالعيشي وبالعائشي وبابن عائشة، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أصحاب "السنن" ما عدا ابن ماجه، ثقة جواد، رمي بالقدر ولم يثبت، توفي سنة (228 هـ)

انظر: "تهذيب الكمال" 19/ 147، "التقريب" (4334). 226 - عبيد الله بن معاذ بن معاذ بن نصر بن حسان العنبري، أبو عمرو البصري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري ومسلم والنسائيُّ، ثقة حافظ، توفي سنة (237 هـ) بالبصرة. انظر: "تهذيب الكمال" 19/ 158، "التقريب" (4341). 227 - عبيد بن هشام الحلبي، أبو نعيم القلانسي، الجرجاني الأصل، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق، تغير في آخر عمره فتلقن. انظر: "تهذيب الكمال" 19/ 242، "التقريب" (4398). 228 - عثمان بن صالح بن سعيد الخياط الخلقاني، أبو القاسم المروزي ثمَّ البغدادي، مولى بني كنانة، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، ثقة، توفي سنة (256 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 19/ 390، "التقريب" (4479). 229 - عثمان بن محمَّد بن إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم، أبو الحسن بن أبي شيبة الكوفي، أخو أبي بكر بن أبي شيبة، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة ما عدا الترمذي، ثقة حافظ شهير، وله أوهام، توفي سنة (239 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 19/ 478، "التقريب" (4513). 230 - عثمان بن محمَّد بن سعيد الرازي الدشتكي، أبو القاسم ويقال: أبو عمرو، الأنماطي، وقد ينسب إلى جده، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، مقبول. انظر: "تهذيب الكمال" 19/ 487، "التقريب" (4514). 231 - عقبة بن مكرم بن أفلح العمي المالكي، أبو عبد الملك البصري، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم وأصحاب "السنن" ما

عدا النسائي، ثقة، توفي سنة (250 هـ) بالبصرة. انظر: "تهذيب الكمال" 20/ 223، "التقريب" (4651). 232 - علي بن أبي عيسى الحسن بن موسى الهلالي، أبو الحسن النيسابوري الدرابجردي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، ثقة، توفي سنة (267 هـ) قيل: أكله الذئب. انظر: "تهذيب الكمال" 20/ 374، "التقريب" (4707). 233 - علي بن الجعد بن عبيد الجوهري، أبو الحسن البغدادي، مولى بني هاشم، من صغار أتباع التابعين، روى له البخاري، ثقة ثبت، رمي بالتشيع، توفي سنة (230 هـ) ببغداد. انظر: "تهذيب الكمال" 20/ 341، "التقريب" (4698). 234 - علي بن الحسين - إشكاب ابن إبراهيم بن الحر العامري، أبو الحسن البغدادي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق، روى له ابن ماجه، توفي سنة (261 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 20/ 379، "التقريب" (4713). 235 - علي بن الحسين الرقي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق، توفي سنة (250 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 20/ 408، "التقريب" (4718). 236 - علي بن الحسين بن مطر الدرهمي البصري، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، صدوق، توفي سنة (253 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 20/ 404، "التقريب" (4716). 237 - علي بن بحر بن بري القطان، أبو الحسن البغدادي، فارسي الأصل، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري تعليقا والترمذي، ثقة، توفي سنة (234 هـ) بالبصرة، وقيل: بالأهواز.

انظر: "تهذيب الكمال" 20/ 325، "التقريب" (4691). 238 - علي بن سهل بن قادم، ويقال: ابن موسى، الحرشي، أبو الحسن الرملي، النسائي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، صدوق، توفي سنة (261 هـ) بالرملة. انظر: "تهذيب الكمال" 20/ 454، "التقريب" (4741). 239 - علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح أبو الحسن بن المديني، البصري السعدي، مولى عروة بن عطية السعدي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له ابن ماجه في التفسير، وباقي الجماعة ما عدا مسلمًا، ثقة ثبت إمام، أعلم أهل عصره بالحديث وعلله، توفي سنة (234 هـ) بسامراء. انظر: "تهذيب الكمال" 21/ 5، "التقريب" (4760). 240 - علي بن مسلم بن سعيد الطوسي البغدادي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري والنسائيُّ، ثقة، توفي سنة (253 هـ) ببغداد. انظر: "تهذيب الكمال" 21/ 132، "التقريب" (4799). 241 - علي بن نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي، أبو الحسن البصري الصغير، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم وأصحاب "السنن" ما عدا ابن ماجه، ثقة حافظ، توفي سنة (250 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 21/ 159، "التقريب" (4808). 242 - عمر بن الخطّاب السجستاني، أبو حفص القشيري، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق، توفي سنة (264 هـ) بكرمان. انظر: "تهذيب الكمال" 21/ 326، "التقريب" (4889) 243 - عمر بن حفص بن عمر بن سعد بن مالك الحميري الوصابي، ويقال: الأوصابي، الحمصي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، مقبول،

توفي سنة (246 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 21/ 303، "التقريب" (4879). 244 - عمر بن هشام، القبطي أو اللقيطي، الكوفي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أبو داود في "المراسيل"، مقبول. انظر: "تهذيب الكمال" 21/ 531، "التقريب" (4981). 245 - عمر بن يزيد السياري، أبو حفص الصفار البصري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق، توفي سنة بضع وأربعين ومائتين. انظر: "تهذيب الكمال" 21/ 533، "التقريب" (4983). 246 - عمران بن ميسرة المنقري، أبو الحسن البصري الأدمي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري، ثقة، توفي سنة (223 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 22/ 363، "التقريب" (5174). 247 - عمرو بن الحباب البصري، أبو عثمان العلاف، ويقال: الصباغ، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أبو داود في "المراسيل"، مقبول. انظر: "تهذيب الكمال" 21/ 578، "التقريب" (5005). 248 - عمرو بن الضحاك بن مخلد بن الضحاك البصري، ولد أبي عاصم النبيل، وكان على قضاء الشام، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أبو داود في غير "السنن"، وابن ماجه، ثقة، توفي سنة (242 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 22/ 77، "التقريب" (5052). 249 - عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار القرشي، أبو حفص الحمصي، مولى بني أمية، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أصحاب "السنن" ما عدا الترمذي، صدوق، توفي سنة (250 هـ).

انظر: "تهذيب الكمال" 22/ 144، "التقريب" (5073). 250 - عمرو بن علي بن بحر بن كنيز، أبو حفص الفلاس الصيرفي الباهلي البصري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة، ثقة حافظ، توفي سنة (249 هـ) بالعسكر. انظر: "تهذيب الكمال" 22/ 162، "التقريب" (5081). 251 - عمرو بن عون بن أوس بن الجعد السلمي، أبو عثمان الواسطي البزاز البصري، مولى أبي العجفاء السلمي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة، ثقة ثبت، توفي سنة (225 هـ) بواسط. انظر: "تهذيب الكمال" 22/ 177، "التقريب" (5088). 252 - عمرو بن قسط، ويقال: ابن قسيط بن جرير السلمي مولاهم، أبو علي الرقي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق، توفي (233 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 22/ 193، "التقريب" (5098). 253 - عمرو بن محمَّد بن بكير بن سابور الناقد، أبو عثمان البغدادي، سكن الرقة، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، ثقة حافظ، روى له البخاري ومسلم والنسائيُّ، توفي سنة (232 هـ) ببغداد. انظر: "تهذيب الكمال" 22/ 213، "التقريب" (5106). 254 - عمرو بن مرزوق الباهلي، أبو عثمان البصري، من صغار أتباع التابعين، روى له البخاري، ثقة فاضل له أوهام، توفي سنة (224 هـ) بالبصرة. انظر: "تهذيب الكمال" 22/ 224، "التقريب" (5110). 255 - عياش بن الأزرق، ويقال: ابن الوليد بن الأزرق، أبو النجم البصري، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، ثقة، توفي سنة (237 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 22/ 553، "التقريب" (5267).

256 - عياش بن الوليد الرقام القطان، أبو الوليد البصري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري والنسائيُّ، ثقة، توفي (226 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 22/ 562، "التقريب" (5272). 257 - عيسى بن إبراهيم البركي، أبو إسحاق ويقال: أبو عمرو ويقال: أبو يحيى، الشعيري، البصري، مولى بني هاشم، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق ربما وهم، توفي سنة (228 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 22/ 580، "التقريب" (5284). 258 - عيسى بن إبراهيم بن عيسى بن مثرود المثرودي، الغافقي ثمَّ الأحدبي، مولاهم، أبو موسى المصري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، ثقة، توفي سنة (261 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 22/ 582، "التقريب" (5285). 259 - عيسى بن أبي عيسى هلال بن يحيى الطائي، وقيل: السليحي، الحمصي، المعروف بابن البراد، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، صدوق. انظر: "تهذيب الكمال" 23/ 19، "التقريب" (5318). 260 - عيسى بن حماد بن مسلم بن عبد الله التجيبي، أبو موسى المصري، لقبه زغبة، وهو لقب أبيه أيضًا، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم والنسائيُّ وابن ماجه، ثقة، توفي سنة (248 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 22/ 595، "التقريب" (5291). 261 - عيسى بن شاذان القطان البصري الحافظ، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، ثقة حافظ، توفي بعد سنة (240 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 22/ 610، "التقريب" (5297). 262 - عيسى بن محمَّد بن إسحاق أو عيسى، أبو عمير بن النحاس

الرملي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي وابن ماجه، ثقة، توفي سنة (256 هـ) وقيل بعدها ببيت يامين. انظر: "تهذيب الكمال" 23/ 23، "التقريب" (5321). 263 - عيسى بن يونس، أبو موسى الطرسوسي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق. انظر: "تهذيب الكمال" 23/ 76، "التقريب" (5342). 264 - غسان بن الفضل، أبو عمرو السجستاني، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أبو داود في "المراسيل"، مقبول. انظر: "تهذيب الكمال" 23/ 107، "التقريب" (5359). 265 - الفضل بن سهل بن إبراهيم الأعرج، أبو العباس الخراساني ثمَّ البغدادي الرام، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة ما عدا ابن ماجه، صدوق، توفي سنة (255 هـ) ببغداد. انظر: "تهذيب الكمال" 23/ 223، "التقريب" (5403). 266 - الفضل بن يعقوب، أبو العباس الجزري البصري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له ابن ماجه، صدوق، توفي سنة (256 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 23/ 264، "التقريب" (5423). 267 - الفضيل بن الحسين بن طلحة البصري، أبو كامل الجحدري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري تعليقا ومسلم والنسائيُّ، ثقة حافظ، توفي سنة (237 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 23/ 269، "التقريب" (5426). 268 - الفضيل بن عبد الوهاب بن إبراهيم الغطفاني، أبو محمَّد القناد السكري الكوفي، الأصبهاني الأصل، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، ثقة.

انظر: "تهذيب الكمال" 23/ 276، "التقريب" (5429). 269 - القاسم بن أحمد البغدادي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى عنه أبو داود حديثا واحدا، مقبول. انظر: "تهذيب الكمال" 23/ 335، "التقريب" (5448). 270 - القاسم بن عبد الوهاب الصوري، ابن أخت الحسن بن موسى الأشيب، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، وذكره أبو علي الجياني في شيوخ أبي داود، وقال: روى عنه في كتاب "الزهد"، لا بأس به. انظر: "تهذيب الكمال" 23/ 395، "التقريب" (5473). 271 - القاسم بن عيسى بن إبراهيم الطائي، أبو محمَّد الواسطي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أبو داود في "المراسيل"، صدوق تغير، توفي سنة (240 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 23/ 402، "التقريب" (5476). 272 - القاسم بن محمَّد بن عباد بن عباد الأزدي المهلبي، أبو محمَّد البصري، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أبو داود في غير "السنن" وابن ماجه، ثقة. انظر: "تهذيب الكمال" 23/ 439، "التقريب" (5492). 273 - قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف الثقفي، أبو رجاء البلخي البغلاني، يقال: اسمه يحيى، وقيل: علي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة، ثقة ثبت، توفي سنة (240 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 23/ 523، "التقريب" (5522). 274 - قرة بن حبيب بن يزيد القنوي الرماح، أبو علي البصري التستري، وقيل: القشيري، أصله من نيسابور، من صغار أتباع التابعين،

روى له البخاري وأبو داود في غير "السنن"، ثقة، توفي سنة (224 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 23/ 574، "التقريب" (5539). 275 - قطن بن نسير البصري، أبو عباد الغبري، المعروف بالذارع، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم والترمذي، صدوق يخطئ. انظر: "تهذيب الكمال" 23/ 617، "التقريب" (5556). 276 - قيس بن حفص بن القعقاع التميمي الدارمي مولاهم، أبو محمَّد البصري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري وأبو داود في "فضائل الأنصار"، ثقة له أفراد، توفي سنة (227 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 24/ 21، "التقريب" (5569). 277 - كامل بن طلحة الجحدري، أبو يحيى البصري، من صغار أتباع التابعين، روى عنه أبو داود في "المسائل"، لا بأس به، توفي سنة (231 أو 232 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 24/ 95، "التقريب" (5603). 278 - كثير بن عبيد المذحجي، أبو الحسن الحمصي الحذاء المقرئ، إمام مسجد حمص، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أصحاب "السنن" ما عدا الترمذي، ثقة، توفي سنة (250 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 24/ 140، "التقريب" (5618). 279 - مؤمل بن إهاب بن عبد العزيز بن قفل الربعي العجلي أبو عبد الرحمن الكوفي، وقيل: مؤمل بن يهاب، كرماني الأصل، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، صدوق له أوهام، توفي سنة (254 هـ) بالرملة. انظر: "تهذيب الكمال" 29/ 179، "التقريب" (7030). 280 - مؤمل بن الفضل بن مجاهد، ويقال: ابن عمير الحراني، أبو

سعيد الجزري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، صدوق، توفي سنة (230 هـ) أو قبلها. انظر: "تهذيب الكمال" 29/ 184، "التقريب" (7032). 281 - مؤمل بن هشام اليشكري، أبو هشام البصري، ختن إسماعيل ابن علية، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري والنسائيُّ، ثقة، توفي سنة (253 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 29/ 186، "التقريب" (7033). 282 - مالك بن عبد الواحد، أبو غسان المسمعي، البصري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم، ثقة، توفي سنة (230 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 27/ 150، "التقريب" (6444). 283 - مجاهد بن موسى بن فروخ الخوارزمي، أبو علي الختلي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة ما عدا البخاري، ثقة، توفي سنة (244 هـ) ببغداد. انظر: "تهذيب الكمال" 27/ 236، "التقريب" (6483). 284 - محبوب بن موسى، أبو صالح الأنطاكي الفراء، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، صدوق، توفي سنة (231 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 27/ 265، "التقريب" (6495). 285 - محمَّد بن يونس بن موسى بن سليمان القرشي الكديمي، أبو العباس السامي، البصري، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، ضعيف، توفي سنة (286 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 27/ 66، "التقريب" (6419). 286 - محمَّد بن إبراهيم البزاز، روى عنه أبو داود في "المراسيل"، واختلف فيه، فقيل: هو أبو بكر بن جناد المنقري، أو أبو أمية

الطرسوسي، أو الأنماطي الملقب بمربع. انظر: "تهذيب الكمال" 24/ 336، "التقريب" (5704). 287 - محمَّد بن إبراهيم بن سليمان بن محمَّد بن أسباط الكندي الأسباطي الضرير، أبو جعفر البزاز الكوفي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق، توفي سنة (248 هـ) بمصر. انظر: "تهذيب الكمال" 24/ 315، "التقريب" (5694). 288 - محمَّد بن إبراهيم بن صدران بن سليم الأزدي السليمي، أبو جعفر المؤذن، البصري، وقد ينسب إلى جده، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أصحاب "السنن" ما عدا ابن ماجه، صدوق، توفي سنة (247 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 24/ 316، "التقريب" (5695). 289 - محمَّد بن أبي إبراهيم أبان بن وزير البلخي، يلقب بحمدويه، أبو بكر المستملي مستملي وكيع بن الجراح، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة ما عدا مسلم، ثقة حافظ، توفي سنة (245 هـ) ببلخ. انظر: "تهذيب الكمال" 24/ 296، "التقريب" (5689). 290 - محمَّد بن أبي حاتم يحيى بن عبد الكريم بن نافع الأزدي، أبو عبد الله البصري، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أبو داود في "القدر"، والترمذي وابن ماجه، ثقة، توفي سنة (252 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 633، "التقريب" (6389). 291 - محمَّد بن أبي عتاب طريف، وقيل: حسن بن طريف البغدادي، أبو بكر الأعين، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم والترمذي، وأبو داود في غير "السنن"، صدوق، توفي سنة (240 هـ) ببغداد.

انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 77، "التقريب" (6126). 292 - محمَّد بن أبي غالب القومسي، أبو عبد الله الطيالسي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري، ثقة حافظ، توفي سنة (250 هـ) ببغداد. انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 265، "التقريب" (6214). 293 - محمَّد بن أحمد القرشي يروي عن الحميدي، هكذا ذكره أبو القاسم في "الشيوخ النبل" ولم يزد، وممن يسمى محمَّد بن أحمد القرشي: محمَّد بن أحمد بن يزيد بن عبد الله بن يزيد القرشي الجمحي، أبو يونس مفتي أهل المدينة، توفي سنة (255 هـ). ومنهم: محمَّد بن أحمد بن أنس القرشي، أبو عبد الله، ويقال: أبو علي النيسابوري، توفي سنة (279 هـ). ومنهم محمَّد بن أحمد بن الحسين بن مدويه القرشي الترمذي. قال المزي: فالظاهر أنَّه أحد هؤلاء الثلاثة، والأشبه أنَّه المدني. انظر: "تهذيب الكمال" 24/ 352، "التقريب" (5714). 294 - محمَّد بن أحمد بن أبي خلف محمَّد، السلمي مولاهم، أبو عبد الله البغدادي القطيعي، إمام مسجد أبي معمر القطيعي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم، ثقة، توفي سنة (237 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 24/ 347، "التقريب" (5711). 295 - محمَّد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران الحنظلي، أبو حاتم الرازي الإمام الحافظ، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي وابن ماجه في "التفسير"، توفي سنة (277 هـ) بالري. انظر: "تهذيب الكمال" 24/ 381، "التقريب" (5718). 296 - محمَّد بن آدم بن سليمان الجهني، المصيصي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، صدوق، توفي سنة (250 هـ).

انظر: "تهذيب الكمال" 24/ 391، "التقريب" (5719). 297 - محمَّد بن إسحاق بن جعفر، ويقال: ابن محمَّد، أبو بكر الصاغاني، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة ما عدا البخاري، ثقة ثبت، أحد الثقات الحفاظ الرحالين، توفي سنة (270 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 24/ 396، "التقريب" (5721). 298 - محمَّد بن إسحاق بن محمَّد بن عبد الرحمن القرشي المخزومي المسيبي، أبو عبد الله المدني، نزيل بغداد، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم، صدوق، توفي سنة (236 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 24/ 400، "التقريب" (5723). 299 - محمَّد بن إسماعيل بن أبي سمينة، أبو عبد الله البصري، مولى بني هاشم، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري، ثقة، توفي سنة (230 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 24/ 479، "التقريب" (5733). 300 - محمَّد بن إسماعيل بن سالم الصائغ الكبير، أبو جعفر البغدادي ثمَّ المكي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق، توفي سنة (276 هـ) بمكة. انظر: "تهذيب الكمال" 24/ 475، "التقريب" (5731). 301 - محمَّد بن إسماعيل بن مهاجر، قال المزي: ذكره أبو القاسم في "الشيوخ النبل"، ولم نقف له على رواية لا عنده ولا عند غيره. وقال الحافظ: لا يعرف. انظر: "تهذيب الكمال" 24/ 488، "التقريب" (5737). 302 - محمَّد بن الحسن بن تسنيم الأزدي العتكي التسنيمي، أبو عبد الله البصري، وقد ينسب إلى جده، من صغار أتباع التابعين، صدوق يغرب،

توفي سنة (256 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 58، "التقريب" (5812). 303 - محمَّد بن الحسين بن إبراهيم العامري، أبو جعفر بن إشكاب البغدادي الحافظ، أصله من خراسان من نسا، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري والنسائيُّ، صدوق، توفي سنة (261 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 79، "التقريب" (5821). 304 - محمَّد بن الصباح الدولابي البزاز، أبو جعفر البغدادي، مولى مزينة، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، ثقة حافظ له كتاب "السنن"، روى له الجماعة، توفي سنة (227 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 388، "التقريب" (5966). 305 - محمَّد بن الصباح بن سفيان بن أبي سفيان الجرجرائي، أبو جعفر التاجر، مولى عمر بن عبد العزيز، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له ابن ماجه، صدوق، توفي سنة (240 هـ) بجرجرايا. انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 384، "التقريب" (5965). 306 - محمَّد بن العلاء بن كريب الهمداني، أبو كريب الكوفي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة، ثقة حافظ، توفي سنة (247 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 243، "التقريب" (6204). 307 - محمَّد بن الفرج بن عبد الوارث القرشي مولاهم، أبو جعفر ويقال: أبو عبد الله، البغدادي الفراء العابد، جار أحمد بن حنبل، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم، صدوق، توفي سنة (236 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 274، "التقريب" (6219). 308 - محمَّد بن المتوكل بن عبد الرحمن بن حسان القرشي الهاشمي

مولاهم، أبو عبد الله العسقلاني، المعروف بابن أبي السري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق عارف له أوهام كثيرة، توفي سنة (238 هـ) بعسقلان. انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 355، "التقريب" (6263). 309 - محمَّد بن المثنى بن عبيد بن قيس بن دينار العنزي، أبو موسى البصري الحافظ، المعروف بالزمن، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة، ثقة ثبت، توفي سنة (252 هـ) بالبصرة. انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 359، "التقريب" (6264). 310 - محمَّد بن المنهال التميمي المجاشعي، أبو جعفر، ويقال: أبو عبد الله، الضرير البصري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم والنسائيُّ، ثقة حافظ، توفي سنة (231 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 509، "التقريب" (6328). 311 - محمَّد بن النضر بن مساور بن مهران المروزي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، صدوق، توفي سنة (239 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 556، "التقريب" (6355). 312 - محمَّد بن الوزير المصري، قال الذهبي: لم أر أحدا روى عنه سوى أبي داود، وقال الحافظ: حديثه عنه في الطلاق، وأظنه أحمد بن الوزير، أو كان له أخ اسمه محمَّد. انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 585، "ميزان الاعتدال" 5/ 183، "تهذيب التهذيب" 3/ 723. 313 - محمَّد بن الوزير بن الحكم السلمي، أبو عبد الله الدمشقي، ختن أحمد بن أبي الحواري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، ثقة، توفي سنة (250 هـ).

انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 581، "التقريب" (6369). 314 - محمَّد بن الوليد بن هبيرة الهاشمي، أبو هبيرة الدمشقي، القلانسي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق، توفي سنة (286 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 597، "التقريب" (6376). 315 - محمَّد بن بشار بن عثمان العبدي، أبو بكر البصري، بندار، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة، ثقة، توفي سنة (252 هـ) بالبصرة. انظر: "تهذيب الكمال" 24/ 511، "التقريب" (5754). 316 - محمَّد بن بكار بن الريان الهاشمي مولاهم، أبو عبد الله البغدادي الرصافي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم، ثقة، توفي سنة (238 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 24/ 525، "التقريب" (5758). 317 - محمَّد بن بكار بن الزبير العيشي الصيرفي البصري، قال الحافظ: جمع غير واحد بينه وبين محمَّد بن بكار بن الريان، والكلام في ابن الريان محتمل أن يكون بعضه فيه؛ لأنَّ أكثرهم أطلقوا القول في محمَّد بن بكار من غير نسبة، توفي سنة (237 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 24/ 529، "تهذيب التهذيب" 3/ 522. 318 - محمَّد بن جعفر بن زياد بن أبي هاشم الوركاني، أبو عمران الخراساني، نزيل بغداد، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم والنسائيُّ، ثقة، توفي سنة (228 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 24/ 580، "التقريب" (5783). 319 - محمَّد بن حاتم بن بزيع البصري، أبو بكر، ويقال: أبو سعيد،

ويقال: أبو عبد الله، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري ومسلم والنسائيُّ، ثقة، توفي سنة (249 هـ) ببغداد. انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 16، "التقريب" (5791). 320 - محمَّد بن حاتم بن ميمون البغدادي القطيعي، أبو عبد الله، المعروف بالسمين، مروزي الأصل، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم، صدوق ربما وهم، توفي سنة (235 أو 236 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 20، "التقريب" (5793). 321 - محمَّد بن حاتم بن يونس الجرجرائي المصيصي، أبو جعفر العابد، يلقب بحبى، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، ثقة، توفي سنة (225 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 25، "التقريب" (5795). 322 - محمَّد بن حرب بن خربان النسائي، ويقال: النشاستجي، أبو عبد الله الواسطي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري ومسلم، صدوق، توفي سنة (255 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 39، "التقريب" (5804). 323 - محمَّد بن حزابة المروزي ثمَّ البغدادي، أبو عبد الله الخياط العابد، يلقب بحمدان، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق. انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 48، "التقريب" (5807). 324 - محمَّد بن حسان بن خالد الضبي السمتي، أبو جعفر البغدادي، التاجر، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق لين الحديث، توفي سنة (228 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 49، "التقريب" (5808). 325 - محمَّد بن حفص القطان، أبو عبد الرحمن البصري، من أوساط

الآخذين عن تبع الأتباع، مقبول. انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 84، "التقريب" (5825). 326 - محمَّد بن حميد بن حيان التميمي، أبو عبد الله الرازي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أصحاب "السنن" ما عدا النسائي، حافظ ضعيف، وكان ابن معين حسن الرأي فيه، توفي سنة (248 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 97، "التقريب" (5834). 327 - محمَّد بن خلاد بن كثير الباهلي، أبو بكر البصري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم وأصحاب "السنن" ما عدا الترمذي، ثقة، توفي سنة (240 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 169، "التقريب" (5865). 328 - محمَّد بن خلف بن طارق بن كيسان الداري، ويقال: الداراني، أبو عبد الله الشامي، سكن بيروت، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، مقبول، توفي سنة (250 هـ) أو بعدها. انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 160، "التقريب" (5858). 329 - محمَّد بن داود بن رزق بن ناجية بن عمير المهري، أبو عبد الله بن أبي ناجية المصري الإسكندراني، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي في "عمل اليوم والليلة"، ثقة، توفي سنة (251 هـ) بالإسكندرية. انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 173، "التقريب" (5867). 330 - محمَّد بن داود بن سفيان، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، مقبول. انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 174، "التقريب" (5868). 331 - محمَّد بن داود بن صبيح، أبو جعفر المصيصي، حدث بالرملة

وغيرها، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، ثقة. انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 175، "التقريب" (5869). 332 - محمَّد بن رافع بن أبي زيد سابور، القشيري مولاهم، أبو عبد الله النيسابوري الزاهد، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة ما عدا ابن ماجه، ثقة، توفي سنة (245 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 192، "التقريب" (5876). 333 - محمَّد بن سفيان بن أبي الزرد، ويقال: ابن يعقوب بن أبي الزرد الأبلي البصري، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق. انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 282، "التقريب" (5918). 334 - محمَّد بن سلمة بن عبد الله بن أبي فاطمة المرادي الجملي مولاهم، أبو الحارث المصري، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم وأصحاب "السنن" ما عدا الترمذي، ثقة ثبت، توفي سنة (248 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 287، "التقريب" (5921). 335 - محمَّد بن سليمان بن حبيب الأسدي، أبو جعفر العلاف الكوفي ثمَّ المصيصي، المعروف بلوين، قدم بغداد مرات، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، ثقة، توفي سنة (245 أو 246 هـ) بأذنة. انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 297، "التقريب" (5925). 336 - محمَّد بن سليمان، ابن أبي داود الأنباري، أبو هارون، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق، توفي سنة (234 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 314، "التقريب" (5932). 337 - محمَّد بن سماعة الرملي وقيل: الدمشقي، أبو الأصبغ القرشي الأموي، مولى سليمان بن عبد الملك بن مروان، من كبار الآخذين عن تبع

الأتباع، روى له أبو داود في "المراسيل"، صدوق، توفي سنة (238 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 316، "التقريب" (5933). 338 - محمَّد بن سنان الباهلي، أبو بكر البصري، المعروف بالعوقي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري، وأصحاب "السنن" ما عدا النسائي، ثقة ثبت، توفي سنة (223 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 320، "التقريب" (5935). 339 - محمَّد بن سوار بن راشد الأزدي، أبو جعفر الكوفي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق يغرب، توفي سنة (248 هـ) بمصر. انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 331، "التقريب" (5940). 340 - محمَّد بن طريف بن خليفة البجلي، أبو جعفر الكوفي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم وأصحاب "السنن" ما عدا النسائي، صدوق، توفي سنة (242 هـ) وقيل: قبل ذلك. انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 409، "التقريب" (5977). 341 - محمَّد بن عائذ بن أحمد أو سعيد أو عبد الرحمن، القرشي، أبو أحمد، ويقال: أبو عبد الله، الدمشقي، له مصنف في المغازي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أبو داود في غير "السنن" والنسائيُّ، صدوق رُمي بالقدر، توفي سنة (233 هـ) بدمشق. انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 427، "التقريب" (5989). 342 - محمَّد بن عبادة بن البختري الأسدي، وقيل: العجلي، وقيل: الباهلي، أبو عبد الله وقيل: أبو جعفر، الواسطي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق، روى له البخاري وابن ماجه. انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 447، "التقريب" (5997). 343 - محمَّد بن عبد الأعلى الصنعاني القيسي، أبو عبد الله البصري،

من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى عنه أبو داود في كتاب "القدر"، وباقي الجماعة ما عدا البخاري، ثقة، توفي سنة (245 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 581، "التقريب" (6060). 344 - محمَّد بن عبد الجبار القرشي الهمذاني، يلقب بسندول، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى عنه أبو داود في "المراسيل"، صدوق. انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 585، "التقريب" (6062). 345 - محمَّد بن عبد الرحمن بن الحسن بن علي الجعفي، أبو بكر الكوفي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى عنه أبو داود في كتاب "القدر"، وابن ماجه، صدوق يحفظ وله غرائب، توفي سنة (260 هـ) بدمشق. انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 604، "التقريب" (6071). 346 - محمَّد بن عبد الرحمن بن عبد الصمد العنبري، أبو عبد الله البصري، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، ثقة، قال ابن عساكر: إن كان هو ابن أبي عبيدة، فإنَّه توفي سنة (234 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 612، "تهذيب التهذيب" 3/ 626، "التقريب" (6076). 347 - محمَّد بن عبد الرحيم بن أبي زهير القرشي العدوي، أبو يحيى البزاز البغدادي، المعروف بصاعقة مولى عمر بن الخطّاب، فارسي الأصل، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري وأصحاب "السنن" ما عدا ابن ماجه، ثقة حافظ، توفي سنة (255 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 5، "التقريب" (6091). 348 - محمَّد بن عبد العزيز بن أبي رزمة غزوان اليشكري، مولاهم،

أبو عمرو المروزي، قدم بغداد حاجا وحدث بها، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة ما عدا مسلمًا، ثقة، توفي سنة (241 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 8، "التقريب" (6092). 349 - محمَّد بن عبد الله الأرزي، ويقال: الرزي، أبو جعفر البغدادي، ويقال: البصري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم، ثقة يهم، توفي سنة (231 هـ) ببغداد. انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 575، "التقريب" (6056). 350 - محمَّد بن عبد الله بن أبي حماد الطرسوسي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، مقبول. انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 472، "التقريب" (6012). 351 - محمَّد بن عبد الله بن المبارك القرشي المخرمي، أبو جعفر البغدادي المدائني، قاضي حلوان، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري والنسائيُّ، ثقة حافظ، توفي بعد المائتين ببضع وخمسين سنة ببغداد. انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 534، "التقريب" (6045). 352 - محمَّد بن عبد الله بن عبد الرحيم بن سعية المصري، أبو عبد الله بن البرقي، مولى بني زهرة، وقد ينسب إلى جده، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، ثقة، توفي سنة (249 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 503، "التقريب" (6032). 353 - محمَّد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل بن صبيح الهلالي، أبو مسعود البصري، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أصحاب "السنن" ما عدا الترمذي، صدوق. انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 506، "التقريب" (6034).

354 - محمَّد بن عبد الله بن عثمان الخزاعي، أبو عبد الله البصري، من صغار أتباع التابعين، روى له ابن ماجه، ثقة، توفي سنة (223 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 507، "التقريب" (6035). 355 - محمَّد بن عبد الله بن ميمون الإسكندراني، أبو بكر السكري، بغدادي الأصل، سكن الإسكندرية فنسب إليها، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، صدوق، توفي سنة (262 هـ) بالإسكندرية. انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 564، "التقريب" (6052). 356 - محمَّد بن عبد الله بن نمير الهمداني الخارفي، أبو عبد الرحمن الكوفي الحافظ، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة، ثقة حافظ فاضل، توفي سنة (234 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 566، "التقريب" (6053). 357 - محمَّد بن عبد الله، أبو أحمد الرملي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أبو داود في كتاب "القدر"، مقبول. انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 578، "التقريب" (6057). 358 - محمَّد بن عبد الملك بن زنجويه البغدادي، أبو بكر الغزال، جار الإمام أحمد وصاحبه، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أصحاب السنن، ثقة، توفي سنة (258 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 17، "التقريب" (6097). 359 - محمَّد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الواسطي، أبو جعفر الدقيقي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له ابن ماجه، صدوق، توفي سنة (266 هـ) ببغداد. انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 24، "التقريب" (6101). 360 - محمَّد بن عبيد بن حساب الغبري البصري، من كبار الآخذين

عن تبع الأتباع، روى له مسلم والنسائيُّ، ثقة، توفي سنة (238 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 60، "التقريب" (6115). 361 - محمَّد بن عبيد بن محمَّد بن واقد المحاربي، أبو جعفر وأبو يعلى، النخاس الكوفي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أصحاب "السنن" ما عدا ابن ماجه، صدوق، توفي سنة (251 هـ) وقيل قبل ذلك. انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 70، "التقريب" (6120). 362 - محمَّد بن عثمان التنوخي، أبو عبد الرحمن الدمشقي الكفرسوسي، يلقب بأبي الجماهر، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له ابن ماجه، ثقة، توفي سنة (224 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 97، "التقريب" (6135). 363 - محمَّد بن عثمان بن أبي صفوان الثقفي، أبو عبد الله، وقيل: أبو صفوان، البصري، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، ثقة، توفي سنة (252 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 85، "التقريب" (6131). 364 - محمَّد بن عثمان بن كرامة العجلي مولاهم، أبو جعفر، وقيل: أبو عبد الله، الكوفي، وراق عبيد الله بن موسى، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة ما عدا مسلم والنسائيُّ، ثقة توفي سنة (256 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 91، "التقريب" (6134). 365 - محمَّد بن عزيز بن عبد الله بن زياد الأيلي، أبو عبد الله، مولى بني أمية، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أبو داود في غير "السنن"، والنسائيُّ وابن ماجه، فيه ضعف، وقد تكلموا في صحة سماعه

من عمه سلامة، توفي سنة (267 هـ) بأيلة. انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 113، "التقريب" (6139). 366 - محمَّد بن عقيل بن خويلد بن معاوية الخزاعي، أبو عبد الله النيسابوري، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أبو داود في "الناسخ والمنسوخ " والنسائيُّ وابن ماجه، كان من أعيان علماء نيسابور، صدوق حدث من حفظه بأحاديث فأخطأ في بعضها، توفي سنة (257 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 128، "التقريب" (6146). 367 - محمَّد بن عمر بن علي بن عطاء بن مقدم المقدمي، أبو عبد الله البصري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أصحاب السنن، صدوق. انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 174، "التقريب" (6171). 368 - محمَّد بن عمرو بن الحجاج الغزي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أبو داود في كتاب "الجهاد"، صدوق، توفي سنة (280 هـ). انظر: "تهذيب التهذيب" 9/ 371، "التقريب" (6181). 369 - محمَّد بن عمرو بن بكر التميمي العدوي، أبو غسان الرازي الطلاس، المعروف بزنيج، صاحب الطيالسة، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم وابن ماجه، ثقة، توفي سنة (240 أو 241 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 199، "التقريب" (6180). 370 - محمَّد بن عمرو بن عباد بن جبلة بن أبي رواد العتكي، مولاهم، أبو جعفر البصري، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم، صدوق، توفي سنة (234 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 208، "التقريب" (6186).

371 - محمَّد بن عوف بن سفيان الطائي، أبو جعفر، ويقال: أبو عبد الله، الحمصي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي في "مسند علي"، ثقة حافظ، توفي سنة (272 أو 273 هـ) بحمص. انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 236، "التقريب" (6202). 372 - محمَّد بن عيسى بن نجيح البغدادي، أبو جعفر بن الطباع، انتقل إلى الشام وسكن أذنة، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري تعليقا والترمذي في "الشمائل" والنسائيُّ وابن ماجه، ثقة فقيه كان من أعلم الناس بحديث هشيم، توفي سنة (224 هـ) بالثغر. انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 258، "التقريب" (6210). 373 - محمَّد بن قدامة بن إسماعيل السلمي، أبو عبد الله البخاري نزيل مرو، مستملي النضر بن شميل، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أبو داود في غير "السنن"، ومسلم، مقبول. انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 307، "التقريب" (6232). 374 - محمَّد بن قدامة بن أعين بن المسور القرشي الهاشمي مولاهم، أبو عبد الله المصيصي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، ثقة، توفي سنة (250 هـ) تقريبا. انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 308، "التقريب" (6233). 375 - محمَّد بن كثير العبدي، أبو عبد الله البصري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة، ثقة، توفي سنة (223 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 334، "التقريب" (6252). 376 - محمَّد بن محبوب البناني، أبو عبد الله البصري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري والنسائيُّ، ثقة، توفي (223 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 370، "التقريب" (6267).

377 - محمَّد بن محمَّد بن النعمان البصري المقرئ، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، مقبول. انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 382، "التقريب" (6274). 378 - محمَّد بن محمَّد بن خلاد الباهلي، أبو عمر البصري، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، ثقة، توفي سنة (257 هـ) بالبصرة. انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 376، "التقريب" (6270). 379 - محمَّد بن محمَّد بن مصعب الشامي، أبو عبد الله الصوري، لقبه وحشي، وقد ينسب إلى جده، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، صدوق، توفي بعد سنة (260 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 380، "التقريب" (6272). 380 - محمَّد بن مسعود بن يوسف النيسابوري، أبو جعفر بن العجمي، ويقال له: المصيصي نزيل طرسوس، وقدم بغداد وحدث بها، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، ثقة عارف، توفي (247 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 397، "التقريب" (6288). 381 - محمَّد بن مسكين بن نميلة، أبو الحسن اليمامي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري ومسلم والنسائيُّ، ثقة، توفي سنة (289 هـ) ببغداد. انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 399، "التقريب" (6290). 382 - محمَّد بن مصفى بن بهلول القرشي، أبو عبد الله الحمصي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي وابن ماجه، صدوق له أوهام، وكان يدلس، ثقة يغرب، توفي سنة (246 هـ) بمنى أو مكة. انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 465، "التقريب" (6304). 383 - محمَّد بن معاذ بن عباد بن معاذ بن نصر بن حسان العنبري

البصري، وقد ينسب إلى جده، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم، صدوق يهم، توفي سنة (223 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 473، "التقريب" (6306). 384 - محمَّد بن معمر الحصري، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، صدوق. انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 487، "التقريب" (6314). 385 - محمَّد بن معمر بن ربعي القيسي، أبو عبد الله البصري، البحراني، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة، صدوق، توفي بعد سنة (250 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 485، "التقريب" (6313). 386 - محمَّد بن مكي بن عيسى، أبو عبد الله المروزي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، مقبول. انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 495، "التقريب" (6323). 387 - محمَّد بن منصور بن داود بن إبراهيم الطوسي، أبو جعفر العابد، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، ثقة، توفي سنة (254 أو 256 هـ) ببغداد. انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 499، "التقريب" (6326). 388 - محمَّد بن مهران الجمال، أبو جعفر الرازي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري ومسلم، ثقة حافظ، توفي سنة (239 أو 238 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 519، "التقريب" (6333). 389 - محمَّد بن هشام بن أبي خيرة السدوسي، أبو عبد الله البصري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، ثقة، توفي سنة (251 هـ)

بمصر. انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 564، "التقريب" (6363). 390 - محمَّد بن هشام بن عيسى بن سليمان بن عبد الرحمن الطالقاني، أبو عبد الله المروذي القصير، سكن بغداد في جوار الإمام أحمد، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري والنسائيُّ، ثقة، توفي سنة (252 هـ) ببغداد. انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 566، "التقريب" (6364). 391 - محمَّد بن يحيى بن أبي حزم مهران أو عبد الله، الزبيدي، أبو عبد الله القطعي البصري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم وأصحاب "السنن" ما عدا ابن ماجه، صدوق، توفي سنة (253 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 608، "التقريب" (6382). 392 - محمَّد بن يحيى بن أبي سمينة مهران البغدادي، أبو جعفر التمار، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق، توفي سنة (239 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 614، "التقريب" (6386). 393 - محمَّد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذؤيب الذهلي، أبو عبد الله النيسابوري، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة ما عدا مسلمًا، إمام ثقة حافظ جليل توفي سنة (258 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 617، "التقريب" (6387). 394 - محمَّد بن يحيى بن فياض الزماني الحنفي، أبو الفضل البصري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، ثقة، توفي قبل سنة (250 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 642، "التقريب" (6392). 395 - محمَّد بن يزيد بن عبد الملك الأسفاطي، أبو عبد الله، ويقال:

أبو بكر، البصري الأعور، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أبو داود في كتاب "القدر" وابن ماجه، صدوق. انظر: "تهذيب الكمال" 27/ 22، "التقريب" (6400). 396 - محمَّد بن يوسف الزيادي، وقال الحافظ: هو الزبيدي أبو حمة، ووقع في اسمه تحريف، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق، توفي سنة (240 هـ) تقريبا. انظر: "تهذيب الكمال" 27/ 65، "تهذيب التهذيب" 3/ 741، "التقريب" (6418). 397 - محمَّد بن يونس النسائي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، ثقة. انظر: "تهذيب الكمال" 27/ 82، "التقريب" (6421). 398 - محمود بن خالد بن أبي خالد يزيد السلمي، أبو علي الدمشقي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أصحاب "السنن" ما عدا الترمذي، ثقة، توفي سنة (249 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 27/ 295، "التقريب" (6510). 399 - مخلد بن خالد بن يزيد الشعيري البصري، أبو محمَّد العسقلاني، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم، ثقة. انظر: "تهذيب الكمال" 27/ 334، "التقريب" (6531). 400 - مسدد بن مسرهد بن مسربل بن مستورد الأسدي، أبو الحسن البصري، ويقال: اسمه عبد الملك بن عبد العزيز ومسدد لقب، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري وأصحاب "السنن" ما عدا ابن ماجه، ثقة حافظ، توفي سنة (228 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 27/ 443، "التقريب" (6598).

401 - مسلم بن إبراهيم الأزدي الفراهيدي مولاهم، أبو عمرو البصري، من صغار أتباع التابعين، روى له الجماعة، ثقة مأمون، توفي سنة (222 هـ) بالبصرة. انظر: "تهذيب الكمال" 27/ 487، "التقريب" (6616). 402 - مسلم بن حاتم الأنصاري، أبو حاتم البصري، إمام المسجد الجامع، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الترمذي، صدوق ربما وهم. انظر: "تهذيب الكمال" 27/ 496، "التقريب" (6621). 403 - مصرف بن عمرو بن السري بن مصرف اليامي، ويقال: الأيامي، الهمداني، أبو القاسم، ويقال: أبو عمرو، الكوفي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، ثقة، توفي سنة (240 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 28/ 16، "التقريب" (6684). 404 - مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي أبو عبد الله الزبيري المدني، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أبو داود في غير "السنن"، والنسائيُّ وابن ماجه، صدوق عالم بالنسب، توفي سنة (236 هـ) ببغداد. انظر: "تهذيب الكمال" 28/ 34، "التقريب" (6693). 405 - معاذ بن أسد بن أبي شجرة الغنوي، أبو عبد الله المروزي، كاتب ابن المبارك، نزل البصرة، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري، ثقة، توفي سنة بضع وعشرين ومائتين. انظر: "تهذيب الكمال" 28/ 103، "التقريب" (6723). 406 - المنذر بن الوليد بن عبد الرحمن بن حبيب بن الجارودي العبدي، أبو العباس، ويقال: أبو الحسن، البصري، من كبار الآخذين

عن تبع الأتباع، روى له البخاري، ثقة. انظر: "تهذيب الكمال" 28/ 514، "التقريب" (6893). 407 - منصور بن أبي مزاحم بشير التركي، أبو نصر البغدادي الكاتب، مولى الأزد، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم والنسائيُّ، ثقة، توفي سنة (235 هـ) ببغداد. انظر: "تهذيب الكمال" 28/ 542، "التقريب" (6907). 408 - مهدي بن حفص أبو أحمد البغدادي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، مقبول، توفي سنة (223 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 28/ 587، "التقريب" (6929). 409 - موسى بن إسماعيل المنقري مولاهم، أبو سلمة التبوذكي البصري، من صغار أتباع التابعين، روى له الجماعة، ثقة ثبت، توفي سنة (223 هـ) بالبصرة. انظر: "تهذيب الكمال" 29/ 21، "التقريب" (6943). 410 - موسى بن سهل بن قادم، ويقال: ابن موسى، أبو عمران الرملي، نسائي الأصل، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي في "عمل اليوم والليلة"، ثقة، توفي سنة (262 هـ) بالرملة. انظر: "تهذيب الكمال" 29/ 75، "التقريب" (6972). 411 - موسى بن عامر بن عمارة بن خريم الناعم بن عمرو بن الحارث بن خارجة، المري الخريمي، أبو عامر بن أبي الهيذام، الدمشقي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق له أوهام، توفي سنة (255 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 29/ 87، "التقريب" (6979). 412 - موسى بن عبد الرحمن بن زياد الحلبي الأنطاكي، أبو سعيد القلاء، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، صدوق يغرب.

انظر: "تهذيب الكمال" 29/ 97، "التقريب" (6986). 413 - موسى بن مروان، أبو عمران التمار البغدادي، الرقي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي وابن ماجه، مقبول، توفي سنة (246 هـ) وقيل: سنة (240 هـ) بالرقة. انظر: "تهذيب الكمال" 29/ 143، "التقريب" (7009). 414 - نصر بن المهاجر المصيصي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، ثقة حافظ، توفي بعد سنة (230 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 29/ 367، "التقريب" (7125). 415 - نصر بن عاصم الأنطاكي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، لين الحديث. انظر: "تهذيب الكمال" 29/ 349، "التقريب" (7114). 416 - نصر بن علي بن نصر بن علي بن صهبان بن أبي الأزدي الجهضمي أبو عمرو البصري الصغير، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة، ثقة ثبت طُلب للقضاء فامتنع، توفي سنة (250 هـ) أو بعدها بالبصرة. انظر: "تهذيب الكمال" 29/ 356، "التقريب" (7120). 417 - نصير بن الفرج الأسلي، أبو حمزة الثغري، خادم أبي معاوية الأسود الزاهد، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، ثقة، توفي سنة (245 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 29/ 370، "التقريب" (7128). 418 - نوح بن حبيب القومسي، أبو محمَّد البذشي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، ثقة، توفي سنة (242 هـ) بقومس. انظر: "تهذيب الكمال" 30/ 39، "التقريب" (7203).

419 - هارون بن زيد بن أبي الزرقاء يزيد التغلبي، أبو موسى الموصلي الرملي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، صدوق، توفي بعد سنة (250 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 30/ 84، "التقريب" (7226). 420 - هارون بن سعيد بن الهيثم بن محمَّد بن الهيثم بن فيروز السعدي، أبو جعفر الأيلي، مولى عبد الملك بن محمَّد بن عطية، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم وأصحاب "السنن" ما عدا الترمذي، ثقة فاضل، توفي سنة (253 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 30/ 90، "التقريب" (7230). 421 - هارون بن عباد الأزدي، أبو موسى المصيصي الأنطاكي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، مقبول. انظر: "تهذيب الكمال" 30/ 96، "التقريب" (7234). 422 - هارون بن عبد الله بن مروان البغدادي، أبو موسى البزاز الحافظ، المعروف بالحمال، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة ما عدا البخاري، ثقة، توفي سنة (243 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 30/ 96، "التقريب" (7235). 423 - هارون بن محمَّد بن بكار بن بلال العاملي، الدمشقي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، صدوق. انظر: "تهذيب الكمال" 30/ 103، "التقريب" (7238). 424 - هارون بن معروف المروزي أبو علي الخزاز البغدادي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، يروى له البخاري ومسلم، ثقة، توفي سنة (231 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 30/ 107، "التقريب" (7242).

425 - هدبة بن خالد بن الأسود القيسي الثوباني، من صغار أتباع التابعين، روى له البخاري ومسلم، ثقة عابد، تفرد النسائي بتليينه، توفي سنة مائتين وبضع وثمانين. انظر: "تهذيب الكمال" 30/ 152، "التقريب" (7269). 426 - هشام بن بهرام، أبو محمَّد المدائني، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، ثقة. انظر: "تهذيب الكمال" 30/ 177، "التقريب" (7287). 427 - هشام بن خالد الأزرق، أبو مروان الدمشقي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له ابن ماجه، صدوق، توفي سنة (249 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 30/ 198، "التقريب" (7291). 428 - هشام بن عبد الملك أبو التقى اليزني، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي وابن ماجه، صدوق ربما وهم، توفي سنة (251 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 30/ 223، "التقريب" (7300). 429 - هشام بن عبد الملك أبو الوليد الطيالسي، من صغار أتباع التابعين، روى له الجماعة، ثقة ثبت، توفي سنة (227 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 30/ 226، "التقريب" (7301). 430 - هشام بن عمار الدمشقي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة إلا مسلم، صدوق مقرئ كبر فصار يتلقن، فحديثه القديم أصح، توفي سنة (245 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 30/ 242، "التقريب" (7303). 431 - هلال بن بشر البصري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري في جزء "القراءة خلف الإمام" والنسائيُّ، ثقة، توفي سنة (246 هـ).

انظر: "تهذيب الكمال" 30/ 325، "التقريب" (7329). 432 - هناد بن السري بن مصعب التميمي الكوفي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري في "خلق أفعال العباد" وباقي الجماعة، ثقة، توفي سنة (243 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 30/ 311، "التقريب" (7320). 433 - الهيثم بن خالد، ويقال: ابن جناد، الجهني، أبو الحسن الكوفي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، ثقة، توفي سنة (239 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 30/ 378، "التقريب" (7365). 434 - الهيثم بن مروان بن الهيثم بن عمران بن عبد الله بن أبي عبد الله جرول العنسي، أبو الحكم الدمشقي، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أبو داود في غير "السنن"، والنسائيُّ، مقبول. انظر: "تهذيب الكمال" 30/ 390، "التقريب" (7377). 435 - واصل بن عبد الأعلى الأسدي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة إلا البخاري، ثقة، توفي سنة (244 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 30/ 404، "التقريب" (7384). 436 - الوليد بن شجاع أبو همام السكوني، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم والترمذي وابن ماجه، ثقة، توفي سنة (243 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 31/ 22، "التقريب" (7428). 437 - الوليد بن عتبة الأشجعي، أبو العباس الدمشقي، المقرئ قرأ القرآن بحرف ابن عامر، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، ثقة، توفي سنة (240 هـ) بصور. انظر: "تهذيب الكمال" 31/ 46، "التقريب" (7439).

438 - الوليد بن يزيد بن أبي طلحة الربعي الرملي، العطار، وقد ينسب إلى جده، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، ثقة. انظر: "تهذيب الكمال" 31/ 109، "التقريب" (7465). 439 - وهب بن بقية الواسطي، ولقبه وهبان، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم والنسائيُّ، ثقة، توفي سنة (239 هـ) بواسط. انظر: "تهذيب الكمال" 31/ 326، "التقريب" (7469). 440 - وهب بن بيان الواسطي، نزيل مصر، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، ثقة عابد، توفي سنة (246 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 31/ 118، "التقريب" (7470). 441 - يحيى بن إسماعيل أبو زكريا الواسطي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، مقبول. انظر: "تهذيب الكمال" 31/ 205، "التقريب" (7505). 442 - يحيى بن الفضل السجستاني، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، مقبول. انظر: "تهذيب الكمال" 31/ 496، "التقريب" (7623). 443 - يحيى بن الفضل بن يحيى الخرقي أبو زكريا البصري، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له ابن ماجه، صدوق توفي سنة (256 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 31/ 494، "التقريب" (7622). 444 - يحيى بن أيوب المقابري، أبو زكريا البغدادي العابد، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري في "خلق أفعال العباد" ومسلم والنسائيُّ في "مسند علي"، ثقة، توفي سنة (234 هـ) ببغداد. انظر: "تهذيب الكمال" 31/ 238، "التقريب" (7512).

445 - يحيى بن حبيب بن عربي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم وأصحاب السنن، ثقة، توفي سنة (248 هـ) وقيل بعدها بالبصرة. انظر: "تهذيب الكمال" 31/ 262، "التقريب" (7526). 446 - يحيى بن حكيم المقوم، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أصحاب "السنن" ما عدا الترمذي، ثقة حافظ عابد مصنف، توفي (256 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 31/ 273، "التقريب" (7534). 447 - يحيى بن خلف أبو سلمة الباهلي الجوباري، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم وأصحاب "السنن" ما عدا النسائي، صدوق، توفي سنة (242 هـ) بالبصرة. انظر: "تهذيب الكمال" 31/ 292، "التقريب" (7539). 448 - يحيى بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار القرشي، أبو سليمان ويقال: أبو زكريا الحمصي، مولى بني أمية، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له أصحاب "السنن" ما عدا الترمذي، صدوق عابد، توفي سنة (255 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 31/ 459، "التقريب" (7604). 449 - يحيى بن محمَّد بن السكن البزار، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري والنسائيُّ، صدوق، توفي بعد سنة (250 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 31/ 518، "التقريب" (7636). 450 - يحيى بن معين بن عون، وقيل: ابن غياث بن زياد المري الغطفاني، أبو زكريا البغدادي، مولى غطفان، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة، ثقة حافظ مشهور إمام الجرح والتعديل،

توفي سنة (233 هـ) بالمدينة النبوية. انظر: "تهذيب الكمال" 13/ 543، "التقريب" (7651). 451 - يحيى بن موسى بن عبد ربه بن سالم الحداني، أبو زكريا البلخي السختياني، يلقب بخت، وقيل: هو لقب أبيه، أصله من الكوفة، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري وأصحاب "السنن" ما عدا ابن ماجه، ثقة، توفي سنة (240 هـ) ببلخ. انظر: "تهذيب الكمال" 32/ 6، "التقريب" (7655). 452 - يزيد بن خالد بن موهب الهمداني الرملي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي وابن ماجه، ثقة عابد، توفي سنة (232 هـ) أو بعدها. انظر: "تهذيب الكمال" 32/ 114، "التقريب" (7708). 453 - يزيد بن عبد ربه الجرجسي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم وأصحاب "السنن" ما عدا الترمذي، ثقة، توفي سنة (224 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 32/ 182، "التقريب" (7745). 454 - يزيد بن قبيس بن سليمان السيلحي، أبو سهل، ويقال: أبو خالد، الشامي الجبلي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، ثقة. انظر: "تهذيب الكمال" 32/ 226، "التقريب" (7763). 455 - يزيد بن محمَّد بن عبد الصمد بن عبد الله بن يزيد بن ذكوان القرشي، أبو القاسم الدمشقي، مولي بني هاشم، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، صدوق توفي سنة (277 هـ) بدمشق. انظر: "تهذيب الكمال" 32/ 234، "التقريب" (7770). 456 - يعقوب بن إبراهيم الدورقي، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له الجماعة، ثقة وكان من الحفاظ، توفي سنة (252 هـ).

انظر: "تهذيب الكمال" 32/ 311، "التقريب" (7812). 457 - يعقوب بن كعب بن حامد الحلبي ثمَّ الأنطاكي، أبو يوسف، مولى عامر بن إسماعيل، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، ثقة. انظر: "تهذيب الكمال" 32/ 358، "التقريب" (7829). 458 - يوسف بن موسى القطان، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له البخاري والنسائيُّ في "مسند علي" وأصحاب "السنن"، صدوق توفي سنة (253 هـ) ببغداد. انظر: "تهذيب الكمال" 32/ 465، "التقريب" (7887). 459 - أبو حصين بن يحيى بن سليمان الرازي، قيل: اسمه عبد الله، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، ثقة. انظر: "تهذيب الكمال" 33/ 349، "التقريب" (8054). 460 - أبو العباس القلوري العصفري البصري، محمَّد بن عمرو بن العباس، وقيل: عمرو بن العباس، وقيل: أحمد بن عمرو بن عبيدة، وقيل: عبدك، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع، ثقة، توفي سنة (253 هـ). انظر: "تهذيب الكمال" 34/ 19، "التقريب" (8204).

المبحث الرابع: تلاميذه

المبحث الرابع: تلاميذه روى عنه جمع من العلماء، نذكر منهم: 1 - إبراهيم بن حمدان بن إبراهيم بن يونس العاقولي. انظر: "تاريخ بغداد" 6/ 571، "الأنساب" 13/ 237. 2 - أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن، أبو الطيب الأشناني البغدادي، نزيل الرحبة، أحد من روى عنه كتاب "السنن". انظر: "تاريخ بغداد" 4/ 16. 3 - أحمد بن جعفر بن محمَّد بن سعيد الأشعري أبو حامد الأصبهاني، حدث بأصبهان، وببغداد وواسط، ضعفه ابن حبَّان وألقى حديثه، توفي سنة (317 هـ). انظر: "تاريخ بغداد" 4/ 64 - 65. 4 - أحمد بن سلمان بن الحسن بن إسرائيل بن يونس أبو بكر الفقيه الحنبلي المعروف بالنجاد، كان له في جامع المنصور يوم الجمعة حلقتان قبل الصلاة وبعدها، إحداهما للفتوى في الفقه على مذهب الإمام أحمد، والأخرى لإملاء الحديث، وهو ممن اتسعت رواياته وانتشرت أحاديثه، كان صدوقا عارفا، جمع "المسند" وصنف في "السنن" كتابا كبيرا، توفي سنة (348 هـ). انظر: "تاريخ بغداد" 4/ 189 - 192، "اللباب في تهذيب الأنساب" 3/ 297. 5 - أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر بن دينار، أبو عبد الرحمن النسائي القاضي الحافظ، صاحب كتاب "السنن"، توفي سنة (303 هـ) بفلسطين، وقيل: بمكة.

انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 328، "التقريب" (47). 6 - أحمد بن علي بن الحسن بن محمَّد بن شاهمرد أبو عمرو الصيرفي الفقيه البصري، المعروف بابن خميرة، ويقال: ابن خميرويه، حدث بدمشق، أحد من روى كتاب "السنن" عن أبي داود، ذكره الخطيب باسم: أحمد بن علي أبو الحسين الوراق، وقال: كان فيما يقال أحد الحفاظ. انظر: "تاريخ بغداد" 4/ 310، "تاريخ دمشق" 5/ 43. 7 - أحمد بن محمَّد بن داود بن سليم. انظر: "تهذيب الكمال" 11/ 360، "سير أعلام النبلاء" 13/ 205. 8 - أحمد بن محمَّد بن زياد أبو سعيد بن الأعرابي، أحد من روى عنه كتاب "السنن"، وله فيه فوت، وستأتي ترجمته مفصلة في مبحث: رواة "السنن". 9 - أحمد بن محمَّد بن هارون بن يزيد، أبو بكر البغدادي الخلال، الإمام، العلامة، الحافظ الفقيه، شيخ الحنابلة وعالمهم، رحل إلى فارس، والشام، والجزيرة يتطلب فقه الإمام أحمد وفتاويه وأجوبته، له كتاب "الجامع" في الفقه، وكتاب "العلل"، وكتاب "السنة" وغير ذلك، توفي سنة (311 هـ). انظر: "تاريخ بغداد" 5/ 112، "طبقات الحنابلة" 3/ 23، "سير أعلام النبلاء" 14/ 297. 10 - أحمد بن محمَّد بن ياسين، أبو إسحاق الهروي، الحداد، الشيخ، الحافظ، المحدث، المؤرخ صاحب "تاريخ هراة"، قال الخليلي: ليس بالقوي، يروي نسخًا لا يتابع عليها، وقال الدارقطني:

متروك، توفي سنة (334 هـ). انظر: "سير أعلام النبلاء" 15/ 339. 11 - أحمد بن المعلى بن يزيد الأسدي أبو بكر الدمشقي القاضي، من صغار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له النسائي، صدوق، وقال النسائي: لا بأس به، توفي سنة (286 هـ). انظر: "مشيخة النسائي" (23)، "تهذيب الكمال" 1/ 485، "التقريب" (108). 12 - إسحاق بن موسى بن سعيد أبو عيسى الرملي، وراق أبي داود، وأحد من روى عنه كتاب "السنن"، وستأتي ترجمته مفصلة في مبحث رواة "السنن". 13 - إسماعيل بن محمَّد بن إسماعيل بن صالح البغداديُّ، أبو عَلِي الصَّفَّار النَّحْويّ المُلحيّ، صاحب المبرّد، عاش دهرًا، وصار مُسند العراق، وكان نحويًّا إخباريا، له شعر قليل، وثقه الدارقطني وقال: كَانَ متعصبًا للسنة، توفي سنة (341 هـ). انظر: "تاريخ الإِسلام" للذهبي 7/ 766. 14 - حرب بن إسماعيل الكرماني الفقيه، صاحب الإمام أحمد، رحل وطوف في طلب العلم، وله مسائل مشهورة، قال أبو بكر الخلال: كان رجلًا جليلا، حثني أبو بكر المروذي على الخروج إليه، توفي سنة (280 هـ). انظر: "طبقات الحنابلة" 1/ 388، "تاريخ الإِسلام" 6/ 310. 15 - الحسن بن صاحب بن حميد أبو علي الشاشي، حافظ كبير، كتب عن شيوخ خراسان، وارتحل إلى العراق والشام ومصر، ويقع حديثه في "الغيلانيات" عاليًا، توفي سنة (314 هـ). انظر: "الإرشاد في معرفة علماء الحديث" (914)، "تذكرة الحفاظ" (773).

16 - الحسن بن عبد الله الذارع. انظر: "تهذيب الكمال" 11/ 360، "سير أعلام النبلاء" 13/ 205. 17 - الحسين بن إدريس الأنصاري المعروف بابن خرم الهروي، قال ابن أبي حاتم: كتب إليَّ بجزء من حديثه عن خالد بن الهياج بن بسطام، فأول حديث منه باطل، وحديث الثاني باطل، وحديث الثالث ذكرته لعلي بن الحسين بن الجنيد فقال لي: أحلف بالطلاق أنَّه حديث ليس له أصل، وكذا هو عندي فلا أدري منه أو من خالد بن هياج بن بسطام، ووثقه أبو يعلى الخليلي. انظر: "الجرح والتعديل" 3/ 47، "الإرشاد في معرفة علماء الحديث" (790). 18 - زكريا بن يحيى الساجي أبو يحيى البصري، ثقة فقيه، أخذ الفقه عن الربيع والمزني، وله كتاب "اختلاف الفقهاء"، وكتاب "علل الحديث"، توفي سنة (307 هـ) بالبصرة. انظر: "طبقات الفقهاء" ص 114، "التقريب" (2029). 19 - عبد الله بن سليمان بن الأشعث، أبو بكر بن أبي داود السجستاني، الحافظ الإمام ابن الإمام، له كتاب "المصابيح"، شارك أباه بمصر والشام في شيوخه، رحل به أبوه من سجستان يطوف به شرقا وغربا، فسمع بخراسان وأصبهان وفارس والبصرة وبغداد والكوفة والمدينة ومكة والشام ومصر والجزيرة والثغور، وكان يقال: أئمة ثلاثة في زمان واحد: ابن أبي داود ببغداد، وابن خزيمة بنيسابور، وابن أبي حاتم بالري، توفي سنة (316 هـ). انظر: "الإرشاد في معرفة علماء الحديث" (331)، "تاريخ بغداد" 9/ 464. 20 - عبد الله بن أحمد بن موسى بن زياد أبو محمَّد الجواليقي قاضي

الأهواز، المعروف بعبدان، من أهل الأهواز، كان أحد الحفاظ الأثبات، جمع المشايخ والأبواب، قال أبو علي الحافظ: كان يحفظ مائة ألف حديث، توفي سنة (306 هـ). انظر: "تاريخ بغداد" 9/ 378، "تاريخ دمشق" 27/ 51. 21 - عبد الله بن محمد بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ أبو القاسم الرازي، المخزومي مولاهم، ابن أخي أبي زرعة، الإمام المحدث الثقة، توفي سنة (320 هـ) بأصبهان. انظر: "سير أعلام النبلاء" 15/ 234. 22 - عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن قيس أبو بكر بن أبي الدنيا القرشي مولاهم، البغدادي، المؤدب، صاحب التصانيف السائرة، قال أبو حاتم: صدوق، وقال الخطيب: كان يؤدب غير واحد من أولاد الخلفاء، توفي سنة (281 هـ). انظر: "الجرح والتعديل" 5/ 163، "تاريخ بغداد" 10/ 89، "سير أعلام النبلاء" 13/ 397. 23 - عبد الله بن محمد بن يعقوب بن مهران الخزاز، توفي سنة (313 هـ). انظر: "طبقات المحدثين بأصبهان" 3/ 521، "ذكر أخبار أصبهان" 2/ 71. 24 - عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي، والد الحافظ أبي محمد الحسن بن عبد الرحمن القاضي صاحب كتاب "المحدث الفاصل". انظر: "تهذيب الكمال" 11/ 360، "سير أعلام النبلاء" 13/ 206. 25 - علي بن الحسن بن العبد أبو الحسن الأنصاري الوراق، أحد من روى عنه كتاب "السنن"، وستأتي ترجمته مفصلة في مبحث رواة "السنن". 26 - علي بن عبد الصمد الطيالسي يلقب بـ (علان)، ويلقب أيضا

بـ (ماغمه)، وثقه الخطيب البغدادي، توفي سنة (289 هـ). انظر: "تاريخ بغداد" 12/ 28، "سير أعلام النبلاء" 13/ 429. 27 - عيسى بن سليمان بن إبراهيم بن صالح بن شعيب بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق أبو محمد، روى عنه ابن المقرئ في "معجمه" (1223). انظر: "تهذيب الكمال" 11/ 360، "سير أعلام النبلاء" 13/ 206. 28 - الفضل بن العباس بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب أبو محمد القرشي البصري، والده العباس بن محمد ولي القضاء في سنة (252 هـ) أيام المعتز بالله، وجده محدث مشهور من رجال مسلم. انظر: "أخبار القضاة" 2/ 181، "تهذيب الكمال" 11/ 361، 19/ 26، "سير أعلام النبلاء" 13/ 206. 29 - محمد بن أحمد بن حماد بن سعد أبو بشر الدولابي الوراق الرازي الحافظ، كان عالما بالحديث والأخبار والتواريخ، سمع الأحاديث بالعراق والشام، وله تصانيف مفيدة في التاريخ ومواليد العلماء ووفياتهم، واعتمد عليه أرباب هذا الفن في النقل وأخبروا عنه في كتبهم ومصنفاتهم المشهورة، توفي سنة (320 هـ) بالعرج. انظر: "وفيات الأعيان" 4/ 352، "سير أعلام النبلاء" 14/ 309. 30 - محمد بن أحمد بن عمرو أبو علي اللؤلؤي، أحد من روى عنه "السنن" و"المراسيل" وغير ذلك، وستأتي ترجمته مفصلة في مبحث رواة "السنن". 31 - محمد بن أحمد بن يعقوب المتوثي أبو عبد الله البصري، روى عنه كتاب "الرد على أهل القدر".

انظر: "توضيح المشتبه" 8/ 45. 32 - محمد بن بكر بن عبد الرازق بن داسه أبو بكر التمار، أحد من روى عنه "السنن"، وستأتي ترجمته مفصلة في مبحث رواة "السنن". 33 - محمد بن جعفر بن محمد بن الحسن بن المستفاض أبو الحسين الفريابي، نزيل حلب ثقة. انظر: "تاريخ بغداد" 2/ 141، "غاية النهاية في طبقات القراء" 2/ 111. 34 - محمد بن خلف بن المرزبان بن بسام أبو بكر الآجري المُحَوَّلي، كان يسكن باب المحول فنسب إليه، وكان أخباريا مصنفا، حسن التأليف، توفي سنة (309 هـ). انظر: "تاريخ بغداد" 3/ 128، "الأنساب" 12/ 128. 35 - محمد بن رجاء أبو العباس البصري، روى عنه الخطيب قال: قلتُ لأبي داود: لم أرك تحدث عن الرمادي؟ قال: رأيته يصحب الواقفة فلم أحدث عنه. انظر: "تاريخ بغداد" 5/ 153، "تهذيب الكمال" 11/ 361، "سير أعلام النبلاء" 13/ 206. 36 - محمد بن سعيد بن حماد بن ماهان بن زياد بن عبد الله أبو سالم الجلودي، روى عن أبي داود "السنن"، وذكره يوسف القواس في جملة شيوخه الثقات، توفي سنة (329 هـ). انظر: "تاريخ بغداد" 5/ 311، "الأنساب" 3/ 309. 37 - محمد بن عبد العزيز بن محمد بن الفضل بن يحيى بن القاسم بن عون بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب أبو بكر الهاشمي المكي، ذكره الصيداوي في "معجم شيوخه" ص 126. انظر: "تهذيب الكمال" 11/ 361، "سير أعلام النبلاء" 13/ 206.

38 - محمد بن عبد الملك بن يزيد أبو أسامة الرواس، روى عنه "السنن" وفاته منه مواضع. انظر: "تهذيب الكمال" 11/ 361، "سير أعلام النبلاء" 13/ 206. 39 - محمد بن علي بن عثمان أبو عبيد الآجري الحافظ، له عنه مسائل مفيدة مطبوعة. 40 - محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك السلمي، أبو عيسى الترمذي الضرير، أحد الأئمة الحفاظ المبرزين، صاحب "الجامع" وغيره من المصنفات، توفي سنة (279 هـ) بترمذ. انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 250، "التقريب" (6206). 41 - محمد بن مخلد بن حفص أبو عبد الله الدُّوري البغدادي العطار، الإمام الحافظ الثقة القدوة، كان أحد أهل الفهم موثوقا به في العلم، متسع الرواية، مشهورا بالديانة، موصوفا بالأمانة، مذكورا بالعبادة، قال الدارقطني: ثقة مأمون، توفي سنة (331 هـ). انظر: "تاريخ بغداد" 3/ 310، "سير أعلام النبلاء" 15/ 256. 42 - محمد بن المنذر الهروي، لقبه شَكَّر، كان بخراسان، من حفاظ الحديث. انظر: "المؤتلف والمختلف" 3/ 1315، "الإرشاد في معرفة علماء الحديث" 3/ 876، "سير أعلام النبلاء" 14/ 221. 43 - محمد بن يحيى بن عبد الله بن العباس بن محمد بن صول أبو بكر الصولي، ولد ببغداد ونشأ بها، كان أحد العلماء بفنون الآداب، حسن المعرفة بأخبار الملوك وأيام الخلفاء، وطبقات الشعراء، وكان واسع الرواية، حاذقا بتصنيف الكتب، حسن الاعتقاد، له شعر كثير في المدح والغزل وغير ذلك، توفي سنة (335 أو 336 هـ) بالبصرة.

انظر: "تاريخ بغداد" 3/ 427، "معجم الأدباء" 6/ 2677. 44 - محمد بن يحيى بن مرداس بن عبد الله بن دينار أبو جعفر السلمي الخضيب، وثقه الخطيب. انظر: "تاريخ بغداد" 4/ 657. 45 - يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد النيسابوري الأصل أبو عوانة الإسفراييني، الإمام الحافظ الكبير الجوَّال، له "المستخرج على صحيح مسلم"، من علماء الحديث وأثباتِهِم، سمع بالحرمين والشام ومصر واليمن والثغور والعراق والجزيرة وخراسان وفارس وأصبهان، وأكثر الترحال، وبرع في هذا الشأن، وبذ الأقران، توفي سنة (316 هـ). انظر: "سير أعلام النبلاء" 14/ 417. * * *

المبحث الخامس: رحلاته

المبحث الخامس: رحلاته يُعَد الإمام أبو داود رحمه الله تعالى من الجوَّالين في طلب الحديث، الرحالين فيه. قال الخطيب: أحد مَنْ رحَل وطوَّف، وجمَع وصنَّف، وكتب عن العراقيين، والخراسانيين، والشاميين، والمصريين، والجزريين (¬1). وقال ابن نقطة: طاف البلاد، وصنف الكتاب، وكان إماما من أئمة أهل النقل (¬2). وقد افتتح الإمام أبو داود حياته بالطلب في بلده سجستان. ثم طاف البلاد المجاورة لها فدخل خراسان حيث سمع إسحاق بن راهويه (¬3)، وتوجَّه إلى قاعدتها نيسابور فروى بها عن إسحاق بن منصور الكوسج (¬4)، وكتب ببلخ (¬5)، وببغلان (¬6) عن قتيبة بن سعيد. ونزل هَراة واستوطنها مدة، وأخذ عن شيوخ بلدها (¬7). ثم ورد الري (¬8) فروى عن إبراهيم بن موسى الرازي الثقة الحافظ. ثم وافى العراق، فدخل بغداد سنة (220 هـ) فإذا بالناس يصلون على عفان بن مسلم فصلى عليه معهم (¬9). ¬

_ (¬1) "تاريخ بغداد" 9/ 55. (¬2) "التقييد" 2/ 5. (¬3) انظر: "السير" 13/ 205. (¬4) السابق 13/ 218. (¬5) السابق 13/ 205. (¬6) انظر: "تهذيب الكمال" 11/ 366. (¬7) انظر: "تاريخ دمشق" 7/ 547، "تهذيب الكمال" 11/ 366. (¬8) انظر: "تهذيب الأسماء واللغات" 2/ 226. (¬9) انظر: "تاريخ بغداد" 9/ 56.

ومن أشهر من كان بها الإمام أحمد فأقبل إليه أبو داود ولازمه، وتفقه به، وتأثر به اقتداء وسلوكا حتى غدا يشبه به في هديه ودله وسمته (¬1). ثم انحدر إلى البصرة فإذا الناس يقولون: أمس مات عثمان المؤذن (¬2). ولكنه سمع من جماعة، ذُكِرَ منهم: مسلم بن إبراهيم، وعبد الله بن رجاء، وأبو الوليد الطيالسي، وموسى بن إسماعيل، وطبقتهم (¬3). ثم حلَّ بالكوفة (¬4) سنة (221 هـ) فمضى مع عمر بن حفص بن غياث إلى منزله ولم يسمع منه وسمع من جماعة منهم: الحسن بن الربيع البوراني، وأحمد بن يونس اليربوعي (¬5)، وأبي بكر وعثمان ابنا أبي شيبة (¬6). ونزل أيضًا حرَّان (¬7) وروى بها عن أبي جعفر النفيلي، وأحمد بن أبي شعيب. ثم ورد الشام فدخل عدة مدن بها: أولها: دمشق (¬8) حيث روى عن خطيبها هشام بن عمار، وهشام بن خالد الأزرق، كما كتب عن أبي النضر إسحاق بن إبراهيم الفراديسي، وقال عنه: ما رأيت بدمشق مثله، كان كثير البكاء، كتبت عنه سنة اثنتين وعشرين (¬9). ¬

_ (¬1) انظر: "تذكرة الحفاظ" 2/ 592. (¬2) انظر: "التقييد" 2/ 8. (¬3) انظر: "السير" 13/ 204. (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 11/ 363. (¬5) انظر: "السير" 13/ 204. (¬6) انظر: "الوافي بالوفيات" 15/ 353. (¬7) انظر: "السير" 13/ 204. (¬8) انظر: "الوافي بالوفيات" 15/ 353. (¬9) انظر: "تهذيب الكمال" 11/ 366.

وثانيها: حمص (¬1)، فأخذ عن حيوة بن شريح الحضرمي الحمصي، ويزيد بن عبد ربه مؤذنها. وثالثها: حلب حيث جلس إلى الطلب عند أبي توبة الربيع بن نافع (¬2). ومشى إلى الثغور (¬3) وتوغل إلى طَرَسُوس (¬4) فكتب المسند بها. وذكر الحاكم أنه سمع بالحجاز (¬5)، وأمَّا مكة المكرمة فقد روى فيها عن عبد الله بن مسلمة القعنبي، واعتمده في الرواية عن مالك، وكذا روى عن سليمان بن حرب (¬6). ثم عاد أبو داود السجستاني إلى بلده سجستان (¬7)، وهناك وُلدَ له ابنه عبد الله، وذلك سنة (230 هـ) (¬8)، ورحل به إلى خراسان (¬9)، وهناك رأى ابن أبي داود جنازة إسحاق بن راهويه سنة (238 هـ)، وأول ما كتب كان عام (241 هـ) بطوس عن محمد بن أسلم الطوسي فسُرَّ أبوه لذلك، وقال له: أول ما كتبت كتبت عن رجل صالح (¬10). ثم أستقر أبو داود ببغداد وبها صنَّف كتابه "السنن" وعرضه على الإمام أحمد فاستحسنه وأجازه (¬11). ¬

_ (¬1) انظر: "السير" 13/ 204. (¬2) انظر: "السير" 13/ 204. (¬3) انظر: "طبقات الحفاظ" 2/ 291. (¬4) انظر: "مقدمة أبي طاهر السلفي" 8/ 149. (¬5) انظر: "الأسماء واللغات" 2/ 235. (¬6) انظر: "السير" 13/ 204. (¬7) انظر: "السير" 13/ 218. (¬8) السابق 13/ 222. (¬9) انظر: "تهذيب الكمال" 11/ 366. (¬10) انظر: "تاريخ بغداد" 9/ 465. (¬11) انظر: "طبقات الحنابلة" 1/ 160.

المبحث السادس: مذهبه الفقهي

المبحث السادس: مذهبه الفقهي معظم الذين ترجموا للإمام أبي داود ذكروه في الطبقة الأولى من أصحاب الإمام أحمد كابي إسحاق الشيرازي والقاضي أبي الحسين بن أبي يعلى الفراء، وعدَّه الحافظ الذهبي من نجباء أصحابه (¬1). وبذلك جزم المحدِّثُ الشيغ محمد أنور الكشميري، والشيخُ محمد زكريا الكاندهلوي (¬2). وعدّه أبو عاصم العبَّادي وابن باطيش في الشافعية، وتبعهما تاج الدين ابن السُّبكي، وشايعهم على ذلك طاش كُبرى زاده وصِدّيق حسن خان القِنَّوجي، وفيه نظر، فقد قال الداوودي: ولم يذكروا لذلك دليلًا (¬3). وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن الأئمة الستة وآخرين: هل كانوا مجتهدين لم يُقلدوا أحدًا، أم كانوا مقلدين؟ فأجابهم بقوله: أما البخاريُّ وأبو داود فإمامانِ في الفقه مِن أهلِ الاجتهاد، وأما مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وأبو يعلى والبزار ونحوهم، فهم على مذهب أهل الحديث، ليسوا مقلدين لواحدٍ بعينه من العلماء، ولا هُمْ مِن الأئمة المجتهدين على الإطلاق، بل هم يميلون إلى قول أئمة الحديث ¬

_ (¬1) الشيرازي في "طبقات الفقهاء" ص 171، وابن أبي يعلى في "طبقات الحنابلة" 1/ 159 - 162، والذهبي في "سير أعلام النبلاء" 13/ 215. (¬2) الكشميري في شرحه على البخاري المسمى "فيض الباري" 1/ 58، والكاندهلوي في مقدمة كتابه "لامع الدراري على جامع البخاري" ص 60. (¬3) ابن السبكي في "طبقات الشافعية الكبرى" 2/ 293، وطاش كبرى زاده في "مفتاح السعادة" 2/ 284، والداودي فى "طبقات المفسرين" 1/ 207، وصديق حسن خان في "أبجد العلوم" 3/ 127.

المبحث السابع: شمائله وفضائله

كالشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عُبيد، وأمثالهم، ومنهم مَنْ له اختصاصٌ ببعضِ الأئمة كاختصاص أبي داود ونحوه باحمد بن حنبل، وهم إلى مذاهب أهل الحجاز كمالك وأمثاله أميلُ منهم إلى مذاهب أهل العراق، كأبي حنيفة والثوري (¬1). * * * المبحث السابع: شمائله وفضائله من أهم الفضائل التي اتسم بها أبو داود، والتي تتضح من خلال سيرته: 1 - تمثله بالسنة النبوية سلوكًا ومنهجًا: كان رحمه الله ممن عرف باتباع السنة وتمثلها في سمته ودله، ولذلك فقد شبه بشيخه الإمام أحمد، الذي شبه بشيخه وكيع في ذلك، وهو شُبِّه بشيخه الثوري، وذلك شُبِّهَ بشيخه منصور بن المعتمر، وذاك شُبِّه بشيخه علقمة، وذاك شُبِّهَ بشيخِه ابن مسعود - ضي الله عنه-، الذي شبه برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سمتِه ودَلِّه (¬2). 2 - عزةُ نفسِه، وتَسوِيَتُه بين الشريف والوَضيعِ في العلمِ والتحديث: ومما يدل على ذلك قصَّته مع الأمير الموفَّق -الذي كان وليَّ عهد الخليفة في ذلك الوقت- حيث لم يوافقه على أن يُفرِدَ لأولاده -أولاد الأمير- مجلسًا خاصَّا بهم للرواية، فقال ردًّا على الموفَّق: أمَّا هذِه: فلا ¬

_ (¬1) "مجموع الفتاوى" 20/ 40. (¬2) انظر: "تاريخ بغداد" 9/ 58، "تاريخ دمشق" 22/ 198 - 199.

سبيلَ إليها؛ لأنَّ الناسَ شريفَهم ووَضيعَهم في العلم سواء (¬1). 3 - زهدُه وورعه وتواضعُه: وردَ عنه أنه قال: مَن آقتصَرَ على لباسٍ دُونٍ، ومطعم دُونٍ: أراحَ جسدَه (¬2). وقال: الشهوة الخفيةُ: حبُّ الرئاسة (¬3). وقال: خيرُ الكلامِ ما دخلَ الأذن بغير إذن (¬4). ومما يدل على تواضعه الجَمِّ: ما ذكرَه في رسالته إلى أهل مكة من قوله -وهو في معرض بيان منهجه في الأحاديث المعلَّة-: فربما تركت الحديثَ إذا لم أفقهه (¬5). أي: ربَّما تركتُ الحديثَ ولم أدوِّنه في كتابي إذا لم أتبيَّن سلامتَه من العِلَل. وهذا التصريحُ منه يدلُّ على تواضعِه (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: "طبقات الحنابلة" 1/ 162، "تاريخ دمشق" لابن عساكر 22/ 199، "التقييد" لابن نقطة (ص 283). (¬2) نقله عنه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 22/ 200، والذهبيُّ في "السير" 13/ 221. (¬3) انظر: "تاريخ بغداد" 9/ 58، "تاريخ دمشق" 22/ 200. (¬4) "سير أعلام النبلاء" 13/ 217، "بذل المجهود" ص 112. (¬5) "رسالة أبي داود إلى أهل مكة في وصفِ سُنَنِه" ص 76. (¬6) انظر: "المدخل إلى سنن أبي داود" ص 21 - 23.

المبحث الثامن: ثناء العلماء عليه

المبحث الثامن: ثناء العلماء عليه قال الإمامان: محمد بن إسحاق الصَّاغاني (ت 270 هـ) وإبراهيم الحربي (ت 281 هـ) -لما صنف أبو داود "السنن"-: أُلين لأبي داود الحديثُ كما أُلين لداود الحديد (¬1). وقال تلميذُه علَّان بن عبد الصمد (ت 289 هـ): كان أبو داود من فرسان هذا الشأن (¬2). وقال موسى بن هارون الحافظ (ت 294): خلق أبو داود في الدنيا للحديث، وفي الآخرة للجنة، ما رأيتُ أفضلَ منه (¬3). وقال أبو بكر الخلال الفقيه المعروف (ت 311 هـ): أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني الإمام المقدَّم في زمانه، رجلٌ لم يَسبِقه إلى معرفته بتخريج العلوم، وبصرِه بمواضعِها، أحدٌ في زمانه، رجلٌ وَرعٌ مقدَّم (¬4). وقال أحمد بن محمد بن ياسين الهروي (ت 334 هـ) في "تاريخ هراة": كان أحد حفاظ الإسلام لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلمه، وعلله، وسنده، في أعلى درجة النسك، والعفاف، والصلاح، والورع، من فرسان الحديث (¬5). ¬

_ (¬1) "تاريخ مدينة دمشق" 22/ 196، "تهذيب الكمال" 11/ 365. (¬2) "تاريخ مدينة دمشق" 22/ 198، "إكمال تهذيب الكمال" 6/ 38. (¬3) "تاريخ مدينة دمشق" 22/ 196، "تهذيب الكمال" 11/ 365. (¬4) "تاريخ بغداد" 9/ 57. (¬5) أسنَده إليه الخطيبُ في "تاريخ بغداد" 9/ 58، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 22/ 198، وذكره المزيّ في "التهذيب" 11/ 365، والذهبيُّ في "السير" 13/ 211، وانظر: "وفيات الأعيان" لابن خلكان 2/ 404.

وذكرَ الخلَّال أن إبراهيم الأصفهاني (ت 266 هـ) وأبو بكر بن صدقة (ت 293 هـ) كانا يرفعان من قدره، ويذكرانه بما لا يذكران أحدًا في زمانه بمثله (¬1). وقال محمد بن مخلد الحافظ (ت 331 هـ): كان يفي بمذاكرة مائة ألف حديث، أقرَّ له أهلُ زمانه بالحفظ (¬2). وقال مَسلَمة بن قاسم (ت 353 هـ): كان ثقة، زاهدًا، عارِفًا بالحديث، إمامَ عصره في ذلك (¬3). وقال ابن حبان (ت 354) -وتبعه السمعانيُّ (ت 562 هـ) -: أبو داود أحد أئمة الدنيا فقهًا، وعلمًا، وحفظًا، ونسكًا، وورعًا، وإتقانًا، مِمَّن جمَع وصنَّف، وذبَّ عن السُّنَن، وقمَعَ مَن خالفَها وانتَحَلَ ضدَّها (¬4). وقال الحاكمُ النيسابوري (ت 405 هـ): كان أبو داود إمامَ أهل الحديث في عصرِه بلا مُدافَعة (¬5). وقال الإمام النووي (ت 676 هـ): واتفق العلماء على الثناء على أبي داود، ووصفه بالحفظ التام، والعلم الوافر، والإتقان، والورع، والدين، والفهم الثاقب في الحديث وفي غيره (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: "تاريخ بغداد" 9/ 57، "تاريخ دمشق" 22/ 197، "التقييد" 2/ 6. (¬2) انظر: "سير أعلام النبلاء" 13/ 212، "بذل المجهود" للسخاوي ص 85. (¬3) "تهذيب التهذيب" 2/ 85، "بذل المجهود" للسخاوي ص 86، "ختم سنن أبي داود" للبصري ص 88. (¬4) "الثقات" لابن حبان 8/ 282، "الأنساب" للسمعاني 3/ 225. (¬5) انظر: "تاريخ دمشق" 22/ 193، "بذل المجهود" ص 86، "ختم سنن الإمام أبي داود" (ص 84). (¬6) "تهذيب الأسماء واللغات" 2/ 225، وانظر: "الإيجاز" له (ص 59).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 727 هـ): البخاري وأبو داود أفقهُ أهل الصحيح والسنن (¬1). وقال الذهبي (ت 748 هـ): الإمام، شيخ السنة، مقدَّم الحفاظ (¬2). وقال: ثبتٌ، حجة، إمامٌ، عامل (¬3). وقال الحافظُ ابن كثير (ت 774 هـ): أحدُ أئمة الحديث الرَّحَّالين الجوَّالين في الآفاق والأقاليم، جمعَ وصنَّفَ وخرَّج وألَّف، وسمعَ الكثيرَ عن مشايخ البلدان في الشام، ومصر، والجزيرة، والعراق، وخراسان، وغير ذلك، وله "السنن" المشهورةُ المتداولةُ بين العلماء .. (¬4). وجاءَ سهلُ بنُ عبد الله التستري (ت 283 هـ) إلى أبي داود فقيل: هذا سهلُ بنُ عبد الله التستريُّ جاءَكَ زائرًا، فرحَّبَ به، وأجلسَه، فقال سهلٌ: يا أبا داود، إن لي إليكَ حاجةً. قال: وما هي؟ قال: حتى تقول قد قضيتُها مع الإمكان، قال: قضيتُها مع الإمكان. قال: أخرِج إليَّ لسانَكَ الذي تُحدِّثُ به أحاديثَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أقَبِّلَه. قال: فأخرجَ إليه لسانَه، فقبَّلَه (¬5). * * * ¬

_ (¬1) "مجموع فتاوى شيخ الإسلام" 20/ 321. (¬2) "سير أعلام النبلاء" 13/ 203. (¬3) "الكاشف" 1/ 457. (¬4) "البداية والنهاية" 14/ 616. (¬5) "مقدمة السلفي على معالم السنن" 4/ 337، "التقييد" لابن نقطة 2/ 9، "تهذيب الكمال" 11/ 366. وانظر: "المدخل إلى سنن أبي داود" ص 61 - 63.

المبحث التاسع: مصنفاته

المبحث التاسع: مصنفاته أولًا: كتبُه المطبوعة: 1 - كتاب "السنن"، أحد الدواوين الستة، وهو مطبوع ومتداول، وسيأتي الحديث عنه مفصلًا في الفصل الثاني. 2 - رسالتُه إلى أهل مكة في وصف سُنَنِه، وقد طبعت عدة طبعات، أحسنُها طبعة الدكتور/ محمد لطفى الصَّبَّاغ. 3 - كتاب "المراسيل"، طُبع مرارًا، أحسنُها بتحقيق الدكتور/ عبد الله بن مساعد الزهراني. 4 - "مسائل الإمام أحمد"، مطبوعٌ سنة (1353 هـ) بتحقيق الشيخ/ محمد رشيد رضا، ثم طبع بتحقيق الشيخ/ طارق عوض الله، وهو داخل في كتابنا الموسوعي "الجامع لعلوم الإمام أحمد". 5 - "سؤالات أبي داود للإمام أحمد في الرجال"، طُبع بتحقيق الدكتور زياد محمد منصور عام (1414 هـ). 6 - "الرواة من الإخوة والأخوات"، طُبع بتحقيق الدكتور/ باسم الجوابرة عام (1408 هـ). 7 - "سؤالات أبي عبيد الآجري أبا داود في الجرح والتعديل"، طُبع جزءٌ منه بتحقيق/ محمد بن علي العمري، وطبعته الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية عام (1399 هـ)، ثم طُبع كاملًا بتحقيق الدكتور/ عبد العليم البستوي عام (1418 هـ). 8 - "الزهد"، طُبع في الهند بتحقيق/ ضياء الحسن السلفي عام (1413 هـ). وطبعة أخرى بتحقيق/ ياسر بن إبراهيم، وغنيم بن عباس بن

غنيم، عام (1414 هـ). ثانيًا: كتبه المفقودة: 1 - "الناسخ والمنسوخ"، رواه عنه أبو بكر النجاد، وسماه ابن خير الإشبيلي: "ناسخ القرآن ومنسوخه"، وقد نقلَ عنه كثيرٌ من العلماء، وهو من موارد الحافظ ابن حجر في كتابه "تغليق التعليق"، ورمز له المزيُّ بـ (خد). 2 - "الردُّ على أهل القدَر"، وسمَّاه بعضُهم: "الرد على أهل الأهواء والقدَر". نقلَ عنه كثيرٌ من العلماء، ورمز له المزيُّ بـ (قد)، وقد حفظَ ابن بطة في كتابه "الإبانة" قسم القدر قسمًا كبيرًا من نصوص هذا الكتاب يصل على (240) رواية (¬1). 3 - "البعث والنشور". 4 - "دلائل النبوة". 5 - "التفرُّد في السنن"، وهو كما يقول المزي: ما تفرد به أهلُ الأمصار من السنن (¬2). وهو مرتَّبٌ على الأبواب. قال شيخُ الإسلام: يبيِّنُ ما اختصَّ به أهلُ كلِّ مصرٍ من الأمصار من "السنن" التي لا توجد مسندةً عند غيرهم (¬3). رواه عنه ابن داسه واللؤلؤي. 6 - "مسند مالك"، رمز له المزيُّ بـ (كد). 7 - "فضائل الأنصار"، رمز له المزيُّ بـ (صد). 8 - "المواقيت"، هكذا سماه السخاوي وغيره، وسماه المزي: "معرفة ¬

_ (¬1) انظر: "الإمام أبو داود السجستاني وكتابه السنن" للشيخ عبد الله البراك (ص 37 - 38). (¬2) "تهذيب الكمال" 1/ 150. (¬3) "مجموع فتاوى شيخ الإسلام" 20/ 242.

الأوقات" (¬1). 9 - "الطهارة الكبير". 10 - "فضائل رمضان، وست من شوال، والعشر، وعاشوراء". 11 - "مناسك الحج الكبير". 12 - "القضاء الكبير". 13 - "الإيمان قول وعمل". 14 - "أعلام النبوة". 15 - "المبتدأ"، وهو من مولد موسى عليه السَّلام إلى انقضاء غرق فرعون وأخبار بني إسرائيل وغيرها، والسيرة إلى حيث النبي -صلى الله عليه وسلم- (¬2). 16 - "أصحاب الشعبي"، ذكره أبو عبيد الآجري في "سؤالاته" ونسبه لأبي داود (¬3). 17 - "الدعاء". 18 - "ابتداء الوحي". 19 - "أخبار الخوارج" (¬4). ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 1/ 151. (¬2) انظر: "بذل المجهود" للسخاوي (ص 91)، "المدخل إلى سنن أبي داود"ص 49 - 52. (¬3) "سؤالات الآجري" ص 181. (¬4) انظر: "تهذيب التهذيب" 1/ 10.

المبحث العاشر: وفاته

المبحث العاشر: وفاته في سنة (255 هـ) وقعت فتنة خروج الزنج وظلت قائمة إلى أن خمدت سنة (270 هـ) خربت خلالها البصرة وما والاها (¬1)، عندها طلب الأمير الموفق من أبي داود الانتقال إلى البصرة ليَعْمرها، فلبَّى أبو داود الطلب وانتقل إليها سنة (271 هـ) (¬2). وظلَّ يدرِّس بها كتاب "السنن" إلى أن وافته المنية يوم الجمعة لأربع عشرة بقيت من شوال سنة (275 هـ) عن ثلاث وسبعين سنة (¬3). وكان قد أوصى أن يغسله الحسن بن المثنى، قال: فإن اتفق، وإلا فانظروا في كتاب سليمان بن حرب عن حماد بن زيد (في الغُسل) فاعملوا به. وقد حصل ما أوصى به، حيث غسله ابن المثنى بعد صلاة الجمعة، وصلى عليه عباس بن عبد الواحد الهاشمي، ودفن إلى جنب قبر سفيان الثوري (¬4) رحمهما الله. ¬

_ (¬1) انظر: "الكامل" لابن الأثير 6/ 53. (¬2) انظر: "تاريخ بغداد" 9/ 59. (¬3) انظر: "مقدمة أبي طاهر السلفي" 8/ 157، "السابق واللاحق" (264)، "الوافي بالوفيات" 15/ 353، "الإعلام بوفيات الأعلام" 1/ 195. (¬4) انظر: "تاريخ بغداد" 9/ 59، "إكمال تهذيب الكمال" لمغلطاي 6/ 38، "البداية والنهاية" 11/ 55.

الفصل الثاني: المدخل إلى "سنن أبي داود"

الفصل الثاني: المدخل إلى "سنن أبي داود" وفيه ستة مباحث: المبحث الأول: التعريف بـ "السنن": وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: اسم الكتاب. المطلب الثاني: موضوع الكتاب. المطلب الثالث: تاريخ تصنيف "السنن". المطلب الرابع: عدد أحاديثه. المبحث الثاني: منهج أبي داود في "السنن": وفيه خمسة مطالب: المطلب الأول: شرط أبي داود في "السنن". المطلب الثاني: سكوت أبي داود عن الحديث. المطلب الثالث: درجة أحاديث "السنن". المطلب الرابع: طبقات رواة "السنن" من حيث العدالة والضبط. المطلب الخامس: لماذا أورد أبو داود الضعيف في كتابه؟ المبحث الثالث: مكانة "السنن" وثناء العلماء عليه. المبحث الرابع: رواة "السنن": وفيه مطلبان: المطلب الأول: ذكر رواة "السنن" مع ترجمة مختصرة لهم. المطلب الثاني: الاختلاف بين رواياتهم. المبحث الخامس: أهم شروح "السنن". المبحث السادس: أشهر طبعات "السنن". * * *

المبحث الأول: التعريف بـ "السنن"

المبحث الأول: التعريف بـ "السنن" وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: اسم الكتاب: لا خلاف أن اسم كتاب أبي داود هو: "السنن" فقد أثبت أبو داود نفسه في "رسالته إلى أهل مكة" في أكثر من موضع تسميته بها. قال: فإنكم سألتم أن أذكر لكم الأحاديث التي في كتاب "السنن" أَهِيَ أَصَحُّ ما عَرَفْتُ في الباب؟ (¬1). وقال أيضًا: وليس في كتاب "السنن" الذي صَّنفته عن رجل متروك الحديث شيء (¬2). وقال أيضًا: والأحاديث التى وضعتها فى كتاب "السنن" أكثرها مشاهير (¬3). وقال أيضًا: وإنما لم أصنف في كتاب "السنن" إلا الأحكام (¬4). المطلب الثاني: موضوع الكتاب: موضوع الكتاب هو أحاديث الأحكام، فقد ذكر أبو داود رحمه الله في "رسالته إلى أهل مكة" أنه قصد استيفاء "السنن" في كتابه مقتصرًا فيه على الأحكام، قال: وهو كتاب لا تَرِدُ عليك سنة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بإسناد صالح إلا وهي فيه (¬5). وقال أيضًا: وإنما لم أصنف في كتاب "السنن" إلا الأحكام، ولم أضف عليه كتب الزهد، وفضائل الأعمال، وغيرها (¬6). ¬

_ (¬1) "رسالة أبي داود إلى أهل مكة في وصف سننه" (24). (¬2) السابق (26). (¬3) السابق (29). (¬4) السابق (33). (¬5) السابق (28). (¬6) السابق (33).

المطلب الثالث: تاريخ تصنيف "السنن"

وقال الخطابي: وقد جمع أبو داود في كتابه هذا من الحديث في أصول العلم وأمهات "السنن" وأحكام الفقه ما لا نعلم متقدمًا سبقه إليه، ولا متأخرًا لحقه فيه (¬1). المطلب الثالث: تاريخ تصنيف "السنن": لا يوجد تاريخ دقيق يُجَلِّي ابتداء تصنيفه "السنن"، ومما يذكر قول الخطيب: ويقال: إنه صنفه قديمًا، وعرضه على أحمد بن حنبل فاستجاده، واستحسنه (¬2). ثم بعد أن أنهى تأليف "السنن" أقبل على تدريسها بحضور تلاميذه لاسيما عند استيطانه البصرة، وواظب على إقرائها إلى أن وافاه الأجل سنة (275 هـ). قال أبو الحسن بن العبد: سمعت كتاب "السنن" من أبي داود ست مرار، بَقِيَتْ من المرة السادسة بقية لم يتمه بالبصرة سنة إحدى، واثنتين، وثلاث، وأربع، وخمس وسبعين ومئتين، وفيها مات (¬3). وقال أبو علي اللؤلؤي بعد حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رؤي على جبهته، وعلى أرنبته أثر طين .. الحديث. قال اللؤلؤي: هذا الحديث لم يقرأه أبو داود في العرضة الرابعة (¬4). المطلب الرابع: عدد أحاديثه: أعرب أبو داود رحمه الله عن عدد الأحاديث التي أودعها في "سننه" وأفصح عنها قائلا: ولعل في كتابي من الأحاديث قدر أربعة آلاف وثمان ¬

_ (¬1) "معالم السنن" 1/ 12. (¬2) "تاريخ بغداد" 9/ 56. (¬3) مقدمة "رسالة أبي داود إلى أهل مكة" (17). (¬4) "سنن أبي داود" (911).

مئة حديث، ونحو ست مئة من المراسيل (¬1). وقد عزز هذا ما جاء عن تلميذه ابن داسه حيث قال: سمعت أبا داود يقول: كتبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خمس مئة ألف حديث، انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب -يعني: كتاب "السنن"- جمعت فيه أربعة آلاف وثمان مئة حديث .. (¬2). إلا أنه قد وجد ما يخالف هذا .. فلقد روى أبو الحسن بن العبد قال: كتاب أبي داود ستة آلاف حديث منها أربعة آلاف أصل، وألفان مكرر (¬3). وبلغ عدد أحاديث "السنن" على حسب ما هو مطبوع ومتداول (5274) في طبعة محمد محيي الدين والدعاس وغيرهما، و (5232) في طبعة عوامة. ولعل تفسير هذا الاختلاف مرده إلى عدة أسباب: الأول: أن أبا داود لم يخرج الكتاب مرة واحدة على وجه واحد، بل مكث يزيد فيه وينقص بحسب ما يظهر له في الأسانيد أو المتون. الثاني: اختلاف الروايات، وأن بعضها ينقص عن بعض، فرواية ابن داسه تفوق رواية اللؤلؤي من حيث العدد، كما ثبت أن لبعضهم فَوْتا كرواية ابن الأعرابي مثلا. الثالث: اختلاف المحققين للسنن والناشرين لها، فبعضهم يدخل المتابعات، أو الموقوفات، أو المكررات ويعدها حديثًا مستقلًّا. ¬

_ (¬1) "رسالة أبي داود إلى أهل مكة" (32). (¬2) "تاريخ بغداد" 9/ 57، "تاريخ دمشق" 7/ 547. (¬3) مقدمة "رسالة أبي داود إلى أهل مكة" (17).

المبحث الثاني: منهج أبي داود في "السنن"

المبحث الثاني: منهج أبي داود في "السنن" وفيه خمس مطالب: المطلب الأول: شرط أبي داود في "السنن": وضح الإمام أبو داود في "رسالته إلى أهل مكة" الشروط التي اشترطها في أحاديث "السنن"، ومن ذلك: أنه يذكر أصح ما في الباب. وقال أيضا: وأنه ليس في كتاب "السنن" الذي صنفته عن رجل متروك الحديث شيء. وقال: وإذا كان فيه حديث منكر بينت أنه منكر. وقال: وما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد بينته. وقال: وإن من الأحاديث في كتاب "السنن" ما ليس بمتصل، وهو مرسل ومدلس، وهو إذا لم توجد الصحاح عند عامة أهل الحديث على معنى أنه متصل. وقال: وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح، وبعضها أصح من بعض (¬1). وروى عنه ابن داسه أنه قال: ذكرت الصحيح، وما يشبهه ويقاربه (¬2). - ويمكن تلخيص هذِه الشروط في النقاط التالية: 1 - أن ما أورده في "السنن" هو أصح ما عرفه في ذلك الباب. 2 - عدم الرواية عن المتروكين. 3 - بيان الحديث المنكر وما كان فيه وهن شديد. ¬

_ (¬1) "رسالة أبي داود إلى أهل مكة" (ص 24 - 28). (¬2) "تاريخ بغداد" 9/ 57.

المطلب الثاني: سكوت أبي داود عن الحديث

4 - أن ما سكت عنه فهو صالح. 5 - إخراجه للحديث المرسل إذا لم يكن في الباب غيره. 6 - إخراجه لأنواع الحديث المقبول مثل الصحيح لذاته والصحيح لغيره، والحسن. 7 - إخراجه للأحاديث المشهورة وترك الأحاديث الغريبة. 8 - محاولته استيعاب أحاديث الأحكام. المطلب الثاني: سكوت أبي داود عن الحديث: قال أبو داود: وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح، وبعضها أصح من بعض. واختلف العلماء في معنى قوله: صالح. على قولين: الأول: قال به ابن الصلاح، واحتج به كثير من المتأخرين في مصنفاتهم أنه من الحسن، قال ابن الصلاح: ما وجدناه في كتابه مذكورًا مطلقًا، وليس في واحد من الصحيحين، ولا نص على صحته أحد ممن يميز بين الصحيح والحسن عَرفنا بأنه من الحسن عند أبي داود (¬1). وقد أخذ بعض المتأخرين بمذهب ابن الصلاح، ومالوا إلى تفسير قول أبي داود: صالح. بأنه من الحسن عثده، مثل النووي (¬2)، والعلائي (¬3) وغيرهما، واعتمدوا ذلك في تخريجاتهم (¬4). ¬

_ (¬1) "المقدمة" (110). (¬2) "المجموع" 4/ 241. (¬3) "النقد الصحيح لما اعترض عليه من أحاديث المصابيح" (23). (¬4) انظر: "مقدمة الترغيب والترهيب" 1/ 53 حيث قال: وكل حديث عزوته إلى أبي داود وسكت عنه فهو كما ذكره أبو داود ولا ينزل عن درجة الحسن، وقد يكون على شرط الشيخين.

المطلب الثالث: درجة أحاديث "السنن"

الثاني: قال به العراقي (¬1)، وابن حجر (¬2)، وزكريا الأنصاري (¬3)، وغيرهم، أنه بمعنى صالح للاحتجاج. قال ابن حجر: وهو الظاهر (¬4). ومال بعض من الأئمة إلى هذا التأويل، واعتمدوه في تخريجاتهم (¬5). المطلب الثالث: درجة أحاديث "السنن": عَدَّ العلماءُ كتابَ "السنن" من مَظانِّ الحديثِ الحسن من حيث الجملة، أما من حيث التفصيل، فقد قسم الإمامُ الذهبيُّ أحاديثَ "سنن أبي داود" إلى درجات، بقوله: فكتابُ أبي داود: 1 - أعلى ما فيه من الثابت: ما أخرجه الشيخان، وذلك نحوٌ من شطر الكتاب (¬6). 2 - ثم يليه: ما أخرجَه أحدُ الشيخَين، ورَغِبَ عنه الآخر (¬7). 3 - ثم يليه: ما رغبا عنه، وكان إسنادُه جيِّدًا، سالِفا من علةٍ وشُذوذ. 4 - ثم يليه: ما كان إسنادُه صالِحًا، وقَبِلَه العلماءُ لمجيئِه من وَجهَين لَيِّنَين فصاعدًا، يَعضُدُ كلُّ إسنادٍ منهما الآخر. ¬

_ (¬1) انظر: "شرح التبصرة والتذكرة" 1/ 97. (¬2) انظر: "النكت على ابن الصلاح" 1/ 444. (¬3) انظر: "فتح الباقي" 1/ 97. (¬4) "النكت على ابن الصلاح" 1/ 444. (¬5) انظر: "المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج والمختصر" (57). (¬6) عددُ ما أخرجه الشيخان من أحاديث "سنن أبي داود" (909). (¬7) عددُ ما أخرجَه البخاريُّ فقط في "سنن أبي داود" (385)، وما أخرجَه مسلمٌ فقط (670)، فمجموعُ ما أخرجَه الشيخان أو أحدُهما في "سنن أبي داود" هو (1964).

المطلب الرابع: طبقات رواة "السنن" من حيث العدالة والضبط

5 - ثم يليه: ما ضُعِّفَ إسنادُه لنقصِ حِفظِ راوِيه، فمثلُ هذا يُمَشِّيه أبو داود، ويَسكُتُ عنه غالبًا. 6 - ثم يليه: ما كان بَيِّنَ الضعفِ من جهةِ راويه، فهذا لا يَسكتُ عنه، بل يُوهِنه غالبًا، وقد يَسكتُ عنه بحسب شُهرتِه ونَكارَتِه، والله أعلم (¬1). المطلب الرابع: طبقاتُ رواة "السنن" من حيث العدالة والضبط: مثَّلَ لهم الإمامُ أبو بكر محمدُ بنُ موسى الحازميُّ (ت 584 هـ) في شروطه بمثالٍ، وهو: أن نعلمَ أن أصحاب الإمام محمد بن شهاب الزهري على طبقاتٍ خمس، ولكل طبقة منها مزيَّةٌ على التي تليها وتفاوُت: أما من كان في الطبقة الأولى: فهو الغايةُ في الصحة، وهو غايةُ مقصد البخاري. والطبقةُ الثانية: شاركت الأولى في العدالة، غير أن الأولى جمعت بين الحفظ والإتقان، وبين طول الملازمة للزهري حتى كان فيهم من يُزامله في السفر، ويلازمه في الحضر، والطبقة الثانية لم تُلازِم الزهريَّ إلا مدةً يسيرة، فلم تُمارِس حديثَه، وكانوا في الإتقان دون الطبقة الأولى، وهم شرطُ الإمام مسلم. الطبقة الثالثة: جماعة لزموا الزهري مثل أهل الطبقة الأولى، غير أنه لم يسلموا من غوائل الجرح، فهم بين الرد والقبول، وهم شرط أبي داود والنسائي. الطبقة الرابعة: قوم شاركوا أهل الطبقة الثالثة في الجرح والعديل، وتَفَرَّدوا بقِلَّةِ ممارسَتِهم لحديث الزهري لأنهم لم يُصاحبوا الزهريَّ كثيرًا. ¬

_ (¬1) "سير أعلام النبلاء" 13/ 214 - 215.

وهم شرط أبي عيسى الترمذي. الطبقة الخامسة: نَفَرٌ من الضعفاء والمجهولين، لا يُخَرّج حديثُهم إلا على سبيل الاعتبار والاستشهاد عند أبي داود فمن دونه، فأما عند الشيخين: فلا (¬1). مما سبق يتبين أن الإمام أبا داود يخرج أحاديث الطبقة الأولى والثانية على سبيل الاستيعاب، فلذلك اعتبر الذهبي أن ما كان على شرط الشيخين أو أحدهما أكثر من شطر الكتاب. وكذلك ينزل إلى الطبقة الثالثة فيحتج بأحاديث أصحابها ممن ترجح عنده قبول روايته، وهذا شرطه. وقد ينزل إلى الطبقة الرابعة، فيحتج -كذلك- بمن ترجح لديه قبول روايته. أما الطبقة الخامسة: فلا يحتج بها، ولا يخرج أحاديث أصحابها إلا على سبيل الاعتبار والاستشهاد. أما الرواة المتروكون: فلا يخرج أحاديثهم؛ لا احتجاجًا ولا اعتبارًا، كما نص في "رسالته إلى أهل مكة" أنه لا يخرج في "سننه" عن رجل متروك الحديث شيئًا. وقال ابن منده: إن شرط أبي داود والنسائي إخراج أحاديث قوم لم يجمع على تركهم (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: "شروط الأئمة الخمسة" (151 - 154). (¬2) انظر: "شروط الأئمة الستة" لابن طاهر المقدسي (ص 89)، "شروط الأئمة" لابن منده (ص 73)، "المدخل إلى السنن" (ص 124 - 126)، والحديث في "السنن" 908.

المطلب الخامس: لماذا أورد أبو داود الضعيف في كتابه؟

المطلب الخامس: لماذا أورد أبو داود الضعيف في كتابه؟ تساءل البعضُ عن سبب إخراج أبي داود عن مثل هؤلاء الضعفاء، ولماذا أخرج الأحاديث الضعيفة في "سننه"؟ وأجابوا عن ذلك بعدة أجوبة، وهي (¬1): 1 - لأن طريقته في التصنيف هي أن يجمع كل الأحاديث التي تتضمن أحكامًا فقهية ذهب إلى القول بها عالم من العلماء. 2 - لأنه كان يرى أن الحديث الضعيف إن لم يكن شديد الضعف فهو أقوى من رأي الرجال ومن القياس. 3 - أما إذا كان الحديث شديد الضعف، فإنما يورده لبيان ضعفه، وكأنه بذلك يرد على من استدل به قائلًا: لا يستقيم لكم الاستدلال بهذا الحديث؛ لكونه شديد الضعف. ومثاله: عقد أبو داود بابًا بعنوان: "باب النهي عن التلقين" ثم أورد حديثًا من طريق أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا علي، لا تفتح على الإمام في الصلاة". ثم قال أبو داود: أبو إسحاق لم يسمع من الحارث إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها. اهـ (¬2). ولم يورد في الباب غيره، مما يدل على أنه إنما أورده لبيان ضعفه والرد على من استدل به (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: "شروط الأئمة الستة" لابن طاهر المقدسي (ص 91 - 92)، "أبو داود: حياته وسننه" للدكتور محمد لطفي الصباغ (ص 229). (¬2) أبو داود (908). (¬3) "المدخل إلى سنن أبي داود" (ص 126).

المبحث الثالث: مكانة "السنن" وثناء العلماء عليه

المبحث الثالث: مكانة "السنن" وثناء العلماء عليه يأتي كتاب "السنن" لأبي داود في المنزلة الثالثة بعد الصحيحين، فقد عوَّل كثير من أهل العلم على ما دونه فيه من أحاديث وآثار، وقد تميزت "سنن أبي داود" عن باقي "السنن" بثلاث ميزات رئيسية: الأولى: علو إسناده؛ فقد لحق أبو داود الكبار، وشارك البخاري ومسلما في كثير من شيوخهما، وبعد الترمذي، والنسائي (¬1) من تلاميذه، بل إن الإمام أحمد روى عنه حديثا واحدًا (¬2) كما سبق بيانه في مبحث الشيوخ والتلاميذ. الثانية: كونه عُني بالمسائل الفقهية وتتبعها مستدلا لها بالأحاديث النبوية، وأقوال الصحابة والتابعين. قال الخطابي: وقد رزق القبول من الناس كافة فصار حكما بين فرق العلماء، وطبقات الفقهاء على اختلاف مذاهبهم فلكل فيه ورد ومنه شرب (¬3). وقال أيضا: وقد جمع أبو داود في كتابه هذا من الحديث في أصول العلم وأمهات السنن، وأحكام الفقه ما لا نعلم متقدما سبقه إليه، ولا متأخرا لحقه فيه (¬4). الثالثة: كون أسانيده نظيفة في الجملة، فقد خلا من كثير من الرواة المتهمين الذين وجدوا في كتب "السنن" الأخرى، قال الذهبي: انحطت ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 11/ 360، "السير" 13/ 205. (¬2) انظر: "تاريخ بغداد" 9/ 57. (¬3) "معالم السنن" 1/ 11. (¬4) "معالم السنن" 1/ 13.

رتبة "جامع الترمذي" عن "سنن أبي داود"، والنسائي لإخراجه حديث المصلوب، والكلبي، وأمثالهما (¬1). وقال أيضا عن كتاب الترمذي (¬2): وهو أحد أصول الإسلام لولا ما كدره بأحاديث واهية بعضها موضوع، وكثير منه في الفضائل. وقد أثنى عليه كثير من العلماء لاسيما في جانبه الفقهي، واختصاصه بأحاديث الأحكام، وسنذكر هنا شيئًا من ثناء العلماء عليه: قال ابن الأعرابي: لو أن رجلا لم يكن عنده من العلم إلا المصحف الذي فيه كتاب الله، ثم هذا الكتاب، لم يحتج معهما إلى شيء من العلم بتة (¬3). وقال الخطابي: اعلموا رحمكم الله أن كتاب "السنن" لأبي داود كتاب شريف، لم يصنف في علم الدين كتاب مِثْلُه، وقد رزق القبول من الناس كافة، فصار حكما بين فرق العلماء وطبقات الفقهاء على أختلاف مذاهبهم، فلكل فيه ورد، ومنه شرب، وعليه معول أهل العراق وأهل مصر وبلاد المغرب وكثير من مدن أقطار الأرض، فأما أهل خراسان فقد أولع أكثرهم بكتابي محمد بن إسماعيل ومسلم بن الحجاج ومن نحا نحوهما في جمع الصحيح على شرطهما في السبك والانتقاد، إلا أن كتاب أبي داود أحسن رصفا، وأكثر فقها، وكتاب أبي عيسى أيضًا كتاب حسن (¬4). وقال زكريا بن يحيى الساجي: كتاب الله عزَّ وجلَّ أصل الإسلام، وكتاب "السنن" لأبي داود عهد الإسلام (¬5). ¬

_ (¬1) كما في "تدريب الراوي" 1/ 187. (¬2) "السير" 13/ 274. (¬3) "معالم السنن" 1/ 12. (¬4) "معالم السنن" 1/ 10. (¬5) انظر: "تاريخ دمشق" 7/ 547.

وقال الحافظ محمد بن مخلد الدُّوري العطار: كان أبو داود يفي بمذاكرة مئة ألف حديث، فلما صنف كتاب "السنن" وقرأه على الناس، صار كتابه لأصحاب الحديث كالمصحف يتبعونه ولا يخالفونه، وأقر له أهلُ زمانه بالحفظ والتقدم فيه (¬1). وقال الحافظ أبو القاسم خلفُ بنُ القاسم الأزدي الأندلسي، وقد سُئِل: أيهما أحبُّ إليك كتاب البخاري أو كتاب أبي داود؟ قال: كتاب أبي داود أحسنُهما وأملحهما (¬2). وقال الحافظ محمد بن إبراهيم بن سعيد المعروف بابن أبي القراميد: خير كتابٍ ألف في "السنن" كتاب أبي داود السجستاني (¬3). وقال الإمام الغزالي: كتاب أبي داود كافٍ للمجتهد (¬4). وقال الحافظ أبو طاهر السِّلَفي: وكتاب أبي داود أحدُ الكتب الخمسة التي اتفق أهلُ الحل والعقد من الفقهاء والحفاظ على قبولها والحكم بصحة أصولها. وقال: وكتابُ "السنن" له صِيت في الآفاق، ولا يُرى مثلُه على الإطلاق (¬5). وقال الحافظ المنذري: كتاب "السنن" للإمام أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني أحدُ الكتب المشهورة في الأقطار، وحفظُ مُصنِّفه ¬

_ (¬1) أبو طاهر السِّلَفي في مقدمته على شرح الخطابي "معالم السن" المطبوعة في آخر الكتاب 4/ 357. (¬2) و (¬3) ابن خير في "فهرسته" (ص 107). (¬4) السخاوي في "فتح المغيث" 1/ 75، وهو بمعناه في "المستصفى" للغزالي 2/ 351. (¬5) أبو طاهر السلفي في "مقدمة شرح الخطابي" 4/ 362.

وإتقانُه، وتقدُّمُه محفوظٌ عن حفاظ الأمصار، وثناءُ الأئمة على هذا الكتاب وعلى مصنفه مأثورٌ عن رواة الآثار (¬1). وقال الإمام النووي: وينبغي للمشتغل بالفقه وغيره الاعتبار بـ "سنن أبي داود" بمعرفته التامة، فإن معظم الأحاديث التي يحتج بها فيه، مع سهولة تناوله وتلخيص أحاديثه، وبراعة مصنفه، واعتنائه بتهذيبه (¬2). وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: ولأبي داود في حصر أحاديث الأحكام واستيعابها ما ليس لغيره (¬3). وقال الإمام القاسم بن يوسف التجيبي: وهذا الكتابُ هو كتابُ الفقهاء أصحاب المسائل، لأنهم يجدون فيه ما يحتاجون إليه في كل باب من أبواب الفقه، مما يشهد لهم بصحة ما ذهبوا إليه، وليس يوجد في كتب السنة مثله في هذا الفن، وقد احتوى من أحاديث الأحكام على أربعة آلافٍ وثمان مئة على الأصح، انتقاها من حديث كثير (¬4). وقال الإمام ابن قيم الجوزية: ولما كان كتاب "السنن" لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني رحمه الله من الإسلام بالموضع الذي خصَّه الله به، بحيث صار حكمًا بين أهلِ الإسلام، وفصلًا في موارد النزاع والخصام، فإليه يتحاكم المنصفون، وبحكمه يرضى المحققون، فإنه جمع شمل أحاديث الأحكام، ورتبها أحسن ترتيب، ونظمها أحسن ¬

_ (¬1) في مقدمة "مختصر سنن أبي داود" 1/ 4 - 5. (¬2) في كتابه "الإيجاز في شرح سنن أبي داود"، شرح فيه قطعة من "السنن" ولم يتمه، وهي مطبوعة بتحقيق الشيخ/ حسين عكاشة. (¬3) السيوطي في "تدريب الراوي" 1/ 170. (¬4) في "برنامجه" (ص 97).

نظام، مع انتقائها أحسن انتقاء، وإطِّراحه منها أحاديث المجروحين والضعفاء (¬1). وقيل: إن الإمام أبا داود قد صنف كتابه قديمًا، وعرضه على الإمام أحمد فاستجاده واستحسنه (¬2). وأثنى عليه الحافظ ابن حجر ضمن قصيدة مدح فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: مثل البخاري، ثم مسلم الذي ... يتلوه في العليا أبو داودا فاق التصانيف الكبار بجمعه الـ ... أحكام فيها يبذل المجهودا قد كان أقوى ما رأى في بابه ... يأتي به ويحرر التجويدا فجزاه عنا الله أفضل ما جزى ... من في الديانة أبطل الترديدا ثم الصلاة على النبي وآله ... أبدًا إلى يوم الجزا أبيدا (¬3) ¬

_ (¬1) في "تهذيب سنن أبي داود" 1/ 8. (¬2) الخطيب البغدادي في "تاريخه" 9/ 56. (¬3) "ديوان الحافظ ابن حجر" (ص 104 - 105).

المبحث الرابع: رواة "السنن"

المبحث الرابع: رواة "السنن" وفيه مطلبان: المطلب الأول: ذكر رواة "السنن" مع ترجمة مختصرة لهم روى "السنن" عن أبي داود جماعة كثر، وبين كلٍّ خلاف ما بين زيادة ونقصان أو تقديم وتأخير أو سقط وإثبات. قال ابن كثير: الروايات عن أبي داود بكتابه "السنن" كثيرة جدًّا، ويوجد في بعضها من الكلام بل والأحاديث ما ليس في الأخرى (¬1). لكن الذين أشتهروا برواية "السنن" عنه خمسة، وهم: (اللؤلؤي - ابن داسه - ابن الأعرابي - الرملي - ابن العبد) ترجمة اللؤلؤي: وهو الإمام المحدث محمد بن أحمد بن عمرو البصري، أبو علي اللؤلؤي نسبة إلى بيع اللؤلؤ والاتجار به (ت 333 هـ). سمع من أبي داود، ويوسف بن يعقوب القلوسي، والقاسم بن نصر، وعلي بن عبد الحميد القزويني. وعنه: القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر الهاشمي، ومحمد بن أحمد بن جميع، والحسن بن علي الجبلي. روى ابن نقطة عن أبي عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي قال: كان أبو علي اللؤلؤي قد قرأ هذا الكتاب على أبي داود عشرين سنة، وكان يسمَّى وراقه، والوراق عندهم القارئ، وكان هو القارئ لكل قوم ¬

_ (¬1) "اختصار علوم الحديث" (ص 50).

ترجمة ابن داسه

يسمعونه (¬1). وقد روى عن اللؤلؤي هذِه "السنن": القاسم بن جعفر الهاشمي (ت 414 هـ) وهو من شيوخ الخطيب، قال الخطيب عنه: كان ثقة أمينًا، ولي القضاء بالبصرة، وسمعت منه بها "سنن أبي داود" (¬2). وقد شاركه في الرواية عن اللؤلؤي: أبو عبد الله الحسين بن محمد بن بكر الوزان الهراس البصري (¬3). ترجمة ابن داسه: هو الشيخ الثقة العالم محمد بن بكر بن محمد بن عبد الرزاق بن داسه التمار، أبو بكر البصري. وداسه: بفتح الدال المهملة وبعدها ألف وسين مهملة، واختلف في ضبط السين، فقيل: بفتح السين وتخفيفها، نص عليه القاضي أبو محمد بن حوط الله، وقيل: بفتح السين وتشديدها. وداسه: هو اسم لبعض البصريين أو لقب. حدث عن أبي داود بـ "السنن" وهو آخر من حدث بها من التلاميذ كاملة، كما روى عن إبراهيم بن فهد الساجي، وأبي رويق عبد الرحمن بن خلف. وعنه: أبو علي الحسين بن محمد الروذباري، وأبو سليمان الخطابي، وعبد الله بن محمد بن عبد المؤمن شيخ ابن عبد البر الأندلسي. توفي ابن داسه سنة (346 هـ) (¬4). ¬

_ (¬1) "التقييد" 1/ 33. (¬2) "تاريخ بغداد" 12/ 451. (¬3) انظر: "فهرست ابن خير" (ص 104)، "ملء العيبة" 5/ 239. (¬4) انظر ترجمته في: "الأنساب" 2/ 444، "التقييد" 1/ 44، "السير" 15/ 538.

ترجمة ابن الأعرابي

وقد اشتهرت رواية ابن داسه في بلاد الأندلس من طريق أبي محمد عبد الله بن محمد الزيات، وبِقلة من طريق أبي حفص عمر بن عبد الملك الخولاني (¬1). وأما في المشرق فقد راجت سلفًا من طريق أبي علي الحسين بن محمد الروذباري الفقيه كما هي عند البيهقي، والمحب الطبري، وبقلة من طريق أبي محمد بشار السابوري عنه (¬2). فطريق ابن داسه يرويه أهل الأندلس عن أبي محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن الزيات، وهو قرطبي رحل إلى المشرق رحلتين دخل فيهما العراق، ولقي ابن داسه بالبصرة وروى عنه، وأجاز بعد عودته أهلَ الأندلس، منهم الإمام المشهور ابن عبد البر الذي ملأ كتابه "التمهيد" بالرواية من هذا الطريق، وقد توفي أبو محمد الزيات سنة (390 هـ). وللأندلسيين رواية عنه أيضا من طريق أبي حفص عمر بن عبد الملك الخولاني وهو أندلسي قرطبي أيضا دخل العراق وسمع بالبصرة من ابن داسه "السنن"، ثم قدم الأندلس فحدث، وتوفي سنة (356 هـ). ترجمة ابن الأعرابي هو الإمام القدوة الحافظ أحمد بن محمد بن زياد البصري، المعروف بابن الأعرابي، شيخ الحرم. حمل "السنن" عن أبي داود، وسمع: عباس بن محمد الدوري، والحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، وخرَّج لمشايخه معجمًا. ¬

_ (¬1) انظر: "فهرست ابن عطية" (ص 80، 82)، "الغنية" (ص 38). (¬2) انظر: "ملء العيبة" 5/ 239، "التحبير في المعجم الكبير" 1/ 538.

روى عنه: أبو بكر ابن المقرئ، وأبو عبد الله بن منده، ومحمد بن أحمد بن جميع الصيداوي، توفي سنة (341 هـ). ويعد هذا العلم كسابقيه ممن أخذوا "السنن" عن الإمام أبي داود، وبعد وفاة هذا الأخير تبوأ ابن الأعرابي مكة رعاها الله تعالى وألقى فيها عصى التسيار، وعاش بها مفيدًا ومربيًا، وتوفي بها، ولما كانت مكة -حرسها الله تعالى- موئلا للقاصدين حاجين وزائرين، ويتفيأ ظلالها المجاورون، فقد تكاثر الطلبة على ابن الأعرابي، ووجدت أن روايته لـ"السنن" قد بلغت ستة طرق هي: 1 - أحمد بن سعيد بن حزم أبو عمر الصدفي. 2 - إبراهيم بن علي التمار أبو إسحاق. 3 - أحمد بن عون الله أبو جعفر. 4 - أحمد بن إبراهيم أبو بكر المروزي، ثم المكي. 5 - عمر بن عبد الملك أبو حفص الخولاني. 6 - عبد الرحمن بن عمر بن النحاس أبو محمد. ومثل سابقتها، فقد أشتهرت هذِه الرواية أيضا بالأندلس، وكانت لهم عناية بها لدخولها مبكرا إلى ذلك الإقليم، وربما كان لاستيطان ابن الأعرابي الحرم المكي وسهولة الوصول إليه سبب في ذلك أيضا، والله أعلم. وعلى كل فقد رواها أهل الأندلس عن ثلاثة من الأئمة سمعوا من ابن الأعرابي وشافهوه هم: 1 - أحمد بن سعيد بن حزم الصدفي القرطبي رحل إلى مكة، وسمع من: أبي سعيد بن الأعرابي، وأبي جعفر العقيلي، وأبي بكر ابن

ترجمة الرملي

المنذر، وغيرهم، ثم انصرف إلى الأندلس فأخذ عنه أهلها. توفي سنة (350 هـ). 2 - أحمد بن عون الله بن حدير القرطبي رحل إلى مكة وسمع من: ابن الأعرابي، وابن فراس، ومحمد بن جبريل، وغيرهم. توفي سنة (378 هـ). 3 - عمر بن عبد الملك الخولاني القرطبي، وقد مضى القول بأنه من الذين رحلوا، وأخذ عن ابن الأعرابي، وابن داسه جميعا. ترجمة الرملي: هو الإمام الثقة إسحاق بن موسى بن سعيد أبو عيسى الرملي، وراق أبي داود. روى عن: أبي داود السجستاني، وعباس بن الوليد البيروتي، ومحمد بن عوف الحمصي، وعنه أبو حفص بن شاهين، وأبو العباس عبد الله بن موسى الهاشمي، والحسين بن حمزة بن دينار. وثقه الدارقطني، وقال ابن قانع: إن أبا عيسى الرملي مات سنة (320 هـ) (¬1). ذكر الخطيب أن أبا عيسى الرملي كان عنده كتاب "السنن" عن أبي داود، وجاء في بعض فهارس الأندلسيين أنهم رووه من طريق أبي عمر أحمد بن دُحَيم بن خليل عنه، وهذا الأخير قرطبي رحل إلى العراق وسمع من: عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، وابن صاعد، ¬

_ (¬1) انظر: ترجمته في: "تاريخ بغداد" 6/ 395، "سؤالات حمزة" للدارقطني ص 173.

ترجمة ابن العبد

وإسحاق بن موسى الرملي سنة (317 هـ). ترجمة ابن العبد: هو علي بن الحسن بن العبد، أبو الحسن الوراق. سمع: أبا داود السجستاني، وعثمان الأنطاكي. وعنه: الدارقطني، والحسين بن محمد بن سليمان الكاتب، وابن الثلاج. توفي سنة (328 هـ) (¬1). وقد أدرجه ضمن رواة "السنن": المزي، والذهبي، والسبكي (¬2) وغيرهم. وكان ابن العبد يقول: سمعت كتاب "السنن" من أبي داود ست مرار، بقيت من المرة السادسة بقية، لم يتمه بالبصرة، سنة إحدى، واثنتين، وثلاث، وأربع، وخمس وست ومئتين وفيها مات (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: ترجمته في: "تاريخ بغداد" 11/ 382. (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 11/ 360، "تذكرة الحفاظ" 2/ 591، "طبقات الشافعية الكبرى" 2/ 294. (¬3) انظر: "رسالة أبي داود" (ص 17).

المطلب الثاني: الاختلاف بين رواياتهم

المطلب الثاني: الاختلاف بين رواياتهم: اختلفت أنظار العلماء في روايات "السنن" سواء من حيث أصحها أو أكملها، وقبل أن نسوق أوجه الاختلاف يجدر بنا سوق بعض أقوال الأئمة في ذلك: قال ابن عطية في "فهرسته" (ص 80): فأما رواية أبي بكر محمد بن بكر بن داسه البصري التمار، فحدثنا بها عن أبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري قراءة منه عليه، قال: حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن الزيات، عن أبي بكر بن داسه عنه. وأما رواية أبي عيسى إسحاق بن موسى بن سعيد الرملي وراق أبي داود، وهي أقرب الروايات إلى رواية أبي بكر بن داسه، وسقط من رواية ابن الأعرابي كتاب الفتن والملاحم والحروب والخاتم، وسقط عليه من كتاب اللباس نحو من نصفه، وفاته من كتاب الوضوء والصلاة والنكاح أوراق كثيرة. ثم قال ابن عطية: الذي أعتمد عليه من هذِه الروايات: رواية أبي بكر بن داسه فهي أكمل الروايات وأحسنها. وقال ابن رشيد الفهري المالكي (ت 721) في كتابه "ملء العيبة" 5/ 241: ورواية اللؤلؤي أصح الروايات وهي آخر ما أملى أبو داود وعليه مات. وقال الذهبي في "السير" 15/ 308: قال أبو عمر الهاشمي: كان أبو علي اللؤلؤي، قد قرأ كتاب "السنن" على أبي داود عشرين سنة، وكان يدعى وراق أبي داود. والوراق في لغة أهل البصرة: القارئ للناس.

قال: والزيادات التي في رواية ابن داسه حذفها أبو داود آخرًا لأمرٍ رابه في الإسناد. اهـ وقال ابن حجر في "النكت على ابن الصلاح" 1/ 441: إن في رواية أبي الحسن بن العبد عنه من الكلام على جماعة من الرواة والأسانيد ما ليس في رواية اللؤلؤي، وإن كانت روايته أشهر. وقال السيوطي في "التدريب" 1/ 186: عدة أحاديث كتاب أبي داود أربعة آلاف وثمانمائة حديث، وهو روايات، أتمها رواية أبي بكر بن داسه، والمتصلة الآن بالسماع رواية أبي علي اللؤلؤي. وقال السيوطي في "مرقاة الصعود" 1/ 62: قال الحافظ أبو جعفر بن الزبير في "برنامجه" روى هذا الكتاب عن أبي داود ممن اتصلت أسانيدنا به أربعة رجال: أبو بكر بن محمد بن بكر بن عبد الرزاق التمار البصري، المعروف بابن داسه -بفتح السين وتخفيفها، نص عليه القاضي أبو محمد بن حوط الله، وألفيته في أصل القاضي أبي الفضل عياض بن موسى اليحصبي المالكي من كتاب "الغنية" مشددًا، وكذا وجدته في بعضها ما قيدته عن شيخنا أبي الحسن الغافقي شكلًا من غير تنصيص- وأبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد بن بشر المعروف بابن الأعرابي، وأبو علي محمد بن أحمد بن عمرو اللؤلؤي البصري، وأبو عيسى إسحاق بن موسى بن سعيد الرملي وراق أبي داود، ولم تتشعب طرقه كما اتفق في الصحيحين، إلا أن رواية ابن الأعرابي يسقط منها كتاب الفتن والملاحم والحروف والخاتم ونحو النصف من كتاب اللباس، وفاته أيضا من كتاب الوضوء والصلاة والنكاح أوراق كثيرة، ورواية ابن داسه أكمل الروايات، ورواية الرملي تقاربها، ورواية اللؤلؤي من أصح الروايات؛

لأنها من آخر ما أملى أبو داود وعليها مات. وقال الشاه عبد العزيز الدهلوي في "بستان المحدثين" (ص 78): اشتهرت رواية اللؤلؤي في بلاد المشرق، ورواية ابن داسه في المغرب، وهما روايتان متقاربتان، إلا بعض الخلاف اليسير في التقديم والتأخير لا في الزيادة والنقصان، إلا أن في رواية ابن الأعرابي نقصانا ليس في الأوليين. وقال أبو الطيب شمس الحق العظيم آبادي في آخر كتابه "عون المعبود" 14/ 202: وما قاله -أي: عبد العزيز الدهلوي- من ذكر الاختلاف بينهما بالتقديم والتأخير فهو أمر صحيح؛ لأن في رواية ابن داسه كتاب الجنائز واقع بعد كتاب الصلاة وقبل كتاب الزكاة، وفي رواية اللؤلؤي كتاب الجنائز بعد كتاب الخراج والإمارة، وفي رواية ابن داسه كتاب الزكاة ثم اللقطة ثم الصيام ثم المناسك ثم الضحايا ثم الجهاد ثم الإمارة ثم البيوع ثم كتاب النكاح، وفي رواية اللؤلؤى كتاب الزكاة ثم اللقطة ثم النكاح والطلاق ثم الصيام ثم الجهاد ثم الضحايا والصيد ثم الوصايا ثم الفرائض ثم الخراج والإمارة ثم الجنائز ثم الأيمان والنذور ثم كتاب البيوع، وقس على هذا غير ذلك من الكتب الباقية. وأما قوله رحمه الله: دون الزيادة والنقصان. فهو مسامحة وسهو من العلامة الدهلوي رحمه الله؛ لأن كثيرًا من الروايات موجود في رواية ابن داسه وليس هو في رواية اللؤلؤي، كما نبهت على ذلك في مواضعها من هذا الشرح، وشرح الإمام الحافظ أبي سليمان الخطابي المسمى بـ "معالم السنن" على رواية ابن داسه وهو تلميذ لابن داسه يروي "سنن أبي داود" بواسطة ابن داسه كما صرح بذلك في مقدمة شرحه، والله أعلم.

قلت: مع نقصانها، ففي هذِه النسخة أيضًا بعض الأحاديث الذي ليس في رواية اللؤلؤي، ويذكر الحافظ المزي روايته في الأطراف. والنسخة الرابعة رواية ابن العبد وهي موجودة في أطراف المزي، ويذكر روايته أيضًا الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"، ولم يذكر هذِه الرواية النووي في "تهذيب الأسماء". إلى أن قال 14/ 205: والخامس: إني ظفرت على إحدى عشرة نسخة من "سنن أبي داود" كلها من رواية اللؤلؤي، إلا نسخة واحدة فهي من رواية ابن داسه فجعلت نسخة واحدة صحيحة عتيقة من هذِه النسخ أصلا وأمًّا، وباقي النسخ عليها معروضة. ووقعت مقابلة النسخ ومعارضتها مع جماعة من أهل العلم فوجدت المخالفة بين النسخ أربعة أنواع: الأول: الاختلاف في بعض ألفاظ المتون والأسانيد. والثاني: المخالفة في عنوان التبويب، ففي بعضها بلفظ، وفي أخرى بلفظ آخر موافقًا في المعنى مغايرًا في اللفظ، ومع الزيادة والنقصان أيضًا، ففي بعضها الأحاديث المتعددة تحت باب واحد، وفي بعضها تلك الأحاديث تحت الأبواب. والثالث: المخالفة في محل الكتب والأبواب بالتقديم والتأخير. والرابع: المخالفة في زيادة الأحاديث ونقصانها، فوجد بعض الحديث في بعض النسخ وأخرى خالية منه، وفي بعضها أحاديث كثيرة ليست في غيرها، فتحيرت لأجل هذا الاختلاف وتعسر عليَّ امتياز رواية اللؤلؤي عن غيرها، فراجعت كتب الأئمة المتقدمين كـ "تحفة الأشراف" للحافظ المزي، و"مختصر السنن" للحافظ المنذري، و"جامع الأصول" للحافظ

ابن الأثير، و"معالم السنن" للخطابي، و"معرفة "السنن" والآثار" للبيهقي، و"المنتقى" للإمام ابن تيمية، وكتاب "الأحكام" للحافظ عبد الحق الإشبيلي، و"نصب الراية" للعلامة الزيلعي، و"حاشية السنن" لابن القيم، و"تلخيص الحبير" للحافظ ابن حجر، و"الاستيعاب" للحافظ ابن عبد البر، و"أسد الغابة" لابن الأثير، و"تجريد أسماء الصحابة" للذهبي، و"الإصابة" لابن حجر، وغير ذلك من الكتب الكثيرة المعتمدة المعتبرة التي يطول بذكرها المقام، فزال بحمد الله تعالى إشكالي، وميزت رواية اللؤلؤي عن غيرها، وعلمت أن نساخ "السنن" خلطوا رواية اللؤلؤي برواية غيرها والتبس عليهم الأمر، فعلى قدر الامتزاج والاختلاط اختلفت النسخ بينها. انتهى ومما سبق يتبين لنا: 1 - رواية اللؤلؤي هي آخر ما أملاه أبو داود، وهي أصح الروايات، وهي المشهورة في بلاد المشرق والحجاز والهند بل أكثر البلاد، وهي المفهومة من "السنن" لأبي داود عند الإطلاق. 2 - رواية ابن داسه أكمل من رواية اللؤلوي -وهذِه الزيادات التي في رواية ابن داسه حذفها أبو داود آخرًا لأمر رابه في الإسناد-، وهي أحسن الروايات في نظر الإمام ابن عطية، وهي الرواية المشهورة في بلاد الأندلس بسبب سبق دخولها إليهم. 3 - رواية ابن الأعرابي سقط منها كتاب الفتن والملاحم والحروب والخاتم، وسقط من كتاب اللباس نحو من نصفه، وفاته من كتاب الوضوء والصلاة والنكاح أوراق كثيرة، بيد أن له أيضًا زيادات في المتن والسند.

4 - رواية الرملي أقرب الروايات إلى رواية ابن داسه. 5 - رواية ابن العبد حوت كلام أبي داود في الرجال جرحا وتعديلا. 6 - الخلاف بين النسخ يقع على أربعة أضرب: الأول: الاختلاف في بعض ألفاظ المتون والأسانيد. والثاني: المخالفة في عنوان التبويب، ففي بعضها بلفظ، وفي أخرى بلفظ آخر موافق في المعنى، ومع الزيادة والنقصان أيضًا، ففي بعضها الأحاديث المتعددة تحت باب واحد وفي بعضها تلك الأحاديث تحت الأبواب. والثالث: المخالفة في محل الكتب والأبواب بالتقديم والتأخير. والرابع: المخالفة في زيادة الأحاديث ونقصانها، فوجد بعض الحديث في بعض النسخ وأخرى خالية منه، وفي بعضها أحاديث كثيرة ليست في غيرها.

المبحث الخامس: أهم شروح "السنن"

المبحث الخامس: أهم شروح "السنن" 1 - " معالم السنن" لأبي سليمان الخطابي (ت 380 هـ) بدأ شرحه بخطبة لكتابه بيّن فيها أنّ تأليفه لهذا الكتاب كان بطلب من بعض إخوانه، وهو أقدم من اعتنى بـ "سنن أبي داود"، واعتمد رواية ابن داسه، وهو يذكر بعض الأحاديث في الباب ويشرحها، فإذا كان مآلها واحدا شرح منها واحدا، وكأنه بذلك شرح الباب فهو بمثابة الاختصار، وقد يشرح أكثر من واحد على حسب ما يتراءى له، وكلامه في التبويب يشير إلى ذلك، حيث يقول: من باب كذا. ولم يتكلّم على رجال الإسناد إلا نادرًا، وقلما ينقل أقوال أئمة الحديث في تصحيح الحديث أو تضعيفه، وقد يحكم على الحديث بنفسه. ويهتم بشرح المفردات الغريبة شرحا لغويا واسعًا، وقد يستشهد لشرحه بأبيات أو جمل مأثورة عن العرب، ويهتم بالتوفيق بين الحديث وبين ما روي على وجه قد يُظنُّ أن فيه خلافًا، ويتحدث عن فقه الحديث ويذكر آراء العلماء في موضوع الحديث، ويرجح الرأي الذي يرتضيه من هذِه الآراء، ويذكر ما في الحديث من الفوائد والاستنباطات الأخرى مما قد لا يتصل بعنوان الباب. والكتاب مطبوع، ومن أشهر طبعاته: ط. راغب الطباخ، حلب (1352 هـ)، وطبع أيضًا مع "مختصر المنذري" بتحقيق أحمد شاكر وحامد الفقي، القاهرة (1367 هـ). 2 - "مختصر سنن أبي داود" لعبد العظيم بن عبد القوي المنذري (ت 656 هـ) اختصر فيه "السنن"، وهو مختصر وشرح في وقت واحد، حذف كثيرًا

من تعليقات أبي داود، وحذف الأسانيد واكتفى بذكر الصحابي، وخرج الأحاديث من بقية الكتب الستة. والكتاب مطبوع بتحقيق أحمد شاكر وحامد الفقي، القاهرة (1367 هـ). 3 - "الإيجاز في شرح سنن أبي داود" للإمام النووي (ت 676 هـ). شرح منه قطعه يسيرة إلى باب: الرجل يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها. ابتدأه بمقدمة وجيزة تحدث فيها عن شرط أبي داود، وفضائل "السنن"، والتعريف بالإمام أبي داود. والشرح في مجمله سهل العبارة، وجيز الإشارة، كثير الفوائد، اهتم فيه بالإشارة إلى اختلاف النسخ والترجيح بينها، وتكلم باختصار على الأحاديث من حيث الصحة والضعف، وضبط أسماء الرواة وأنسابهم، ونقل بعض كلام الأئمة على الرواة جرحًا وتعديلًا، ويشير إلى دقائق الأسانيد ولطائفها. ويتكلم على لغات الحديث وغريب ألفاظه، وينقل عن أئمة اللغة، ويذكر ما يستفاد من الحديث من الأحكام والفوائد، ويذكر مذاهب العلماء في الأحكام الفقهية، ويرجح بينها، وفيه فوائد كثيرة أصولية وحديثية. وهذِه القطعة مطبوعة بتحقيق الشيخ/ حسين عكاشة، دار الكيان، الرياض (1427 هـ). 4 - "تهذيب سنن أبي داود" لابن القيم (ت 751 هـ) هو تهذيب و"مختصر المنذري" وزاد عليه من الكلام على علل الحديث، وفيه فوائد حديثيّة مهمّة في التصحيح والتضعيف، وتعقب المنذري في كثير من القضايا الحديثيّة، فتارة يردُّ على إعلال المنذري حديثًا، ويُجيب عن ذلك مبيّنًا ثبوت الحديث، وعدم ثبوت ما أعلّ به، وتارة يُعلّ المنذري حديثًا،

فيرى ابن القيم أن له علّة أقوى من التي ذكرها المنذري، وتارة يردّ عليه وهمه في تخريج بعض الأحاديث، وتارة يتعقّب المنذري في تعقّبه لأبي داود. وبسط الكلام على بعض المسائل، وتوسّع في بحثها، وذكر مذاهب العلماء في المسألة، وأدلة كل فريق، وبيان الراجح من ذلك، وهذا كثير جدًّا في كتابه، وله تعليقات نفيسة في بعض المسائل الفقهية، وله أيضًا نفس طويل في بعض المسائل مثل طلاق الحائض، وطلاق الثلاث. والكتاب مطبوع مع "مختصر المنذري" بتحقيق/ أحمد شاكر وحامد الفقي، وطبع أيضا مع "عون المعبود"، وطبع مفردا بتحقيق د إسماعيل غازي، مكتبة المعارف، الرياض (1428 هـ). 5 - "شرح سنن أبي داود" لابن رسلان (ت 844 هـ). وهو كتابنا هذا، وسيأتي الحديث عنه مفصلا -إن شاء الله تعالى- في القسم الثاني من هذِه الدراسة. 6 - شرح بدر الدين العيني (ت 855 هـ). الورقات الأولى منه مفقودة، فهو يبدأ من الحديث الثاني عشر، ولم يُكملهُ مؤلّفه، فقد وصل فيه إلى كتاب الزّكاة، باب في الشحّ. وهو يكتب الحديث من "السنن" مسبوقًا بحرف (ص)، ثم يعقبه بالشّرح مسبوقًا بحرف (ش)، ويعتني في شرحه ببيان ما قصده أبو داود من تبويباته، وحلّ إشارات من كلامه على الأحاديث، وذكر الفوائد المستنبطة من الحديث، وشرح الغريب واللغة، وإعراب المشكل، والفوائد اللغويّة، وحلّ الإشكالات في المتون، والأسانيد، ويختصر صِيَغ السّماع غالبًا. ويُترجم لرواة الحديث، ويضبط أسماءهم بالحروف إن احتيج لذلك، وما ذُكر فيهم من الجرح والتعديل، ومَن روى لهم من أصحاب الكتب

الستة، وقد أخذت التراجم قسطًا كبيرًا من الشّرح. وخرج الأحاديث مقتصرًا في الغالب على الكتب الستة و"الموطأ" و"المسند" و"مصنف بن أبي شيبة"، وينقل بعض أقوال العلماء في التصحيح والتّضعيف، وقد أكثر في ذلك عن النووي، واعتنى بنقل أقوال المحدثين في بيان علل الأحاديث، والمناقشات في صحّتها وضعفها، وما أُخذَ عليها. ويذكر بعض المسائل الفقهية ومذاهب الأئمة فيها، خصوصًا المذهب الحنفيّ؛ ويذكر الاعتراضات عليه وما يُجابُ عنها، ويأتي لكل مذهب بما احتجّ به من أدلّة، ويُناقشها. والكتاب مطبوع بتحقيق خالد إبراهيم المصري، مكتبة الرشد بالرياض (1420 هـ). 7 - "مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود" لجلال الدين السيوطي (ت 911 هـ). شرح مختصر على غرار شرحه لـ"صحيح مسلم"، و"سنن النسائي"، وغيرهما. وهو تلخيص و"معالم السنن"، وضم إليه فوائد وزوائد كثيرة. والكتاب مطبوع في خمسة أجزاء، تحقيق د/ محمد إسحاق محمد آل إبراهيم، الرياض (1430 هـ). 8 - "فتح الودود على سنن أبي داود" للشيخ أبي الحسن محمد بن عبد الهادي السندي (ت 1138 هـ). شرح لطيف كبقية حواشي الإمام السندي على الكتب الستة، ذكر في مقدمته أنه نقل فيه غالب حاشية السيوطي، وزاد عليه زيادات. والكتاب مطبوع في أربعة أجزاء، دار لينة بالقاهرة، ومكتبة أضواء المنار

بالمدينة النبوية (1421 هـ). 9 - "غاية المقصود في شرح سنن أبي داود" لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي (ت 1329 هـ) هو شرح كبير عظيم الشأن، أوسع شروح "السنن" وأكثرها استيعابا، إلا أنه لم يتمه فالموجود منه شرح الطهارة وبعض أبواب كتاب الصلاة، اعتمد في شرحه على مصادر مخطوطة ومطبوعة، وأضاف إليها فوائد وتحقيقات وجدها عند شيوخه، واهتم بترجمة الرواة، وضبط الأسماء، وذكر أقوال النقاد من كتب الجرح والتعديل، واعتنى بحل مشكلات الحديث وشرح غريبه، وذكر وجوه التوفيق بين الروايات التي تبدو مختلفة أو متباينة، وتوضيح ما وقع من اضطراب وشرح مراد أبي داود. واستوعب مسائل الفقه، وقارن بين مذاهب أهل العلم بذكر الأدلة ومناقشتها والترجيح بينها، والإسهاب في الرد على التأويلات التي يذكرها المخالفون لرد الأحاديث الثابتة، وقد تجرد من التعصب المذهبي، ورجح ما استبان له صوابه وعضده الدليل ولم يتكلف الطعن في المخالف. ويسوق بعد شرح أحاديث الباب جملة من الروايات التي تتعلق به، مع تخريج كل حديث من أمهات الكتب المطبوعة والمخطوطة، وبيان الصحيح والضعيف. ومطبوع منه ثلاثة مجلدات، المجمع العلمي باكستان (1413 هـ). 10 - "عون المعبود شرح سنن أبي داود" لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي (ت 1329 هـ) (¬1). ¬

_ (¬1) اختلف في تعيين المؤلف، فقيل: هو لأخيه الأصغر محمد أشرف المعروف بشرف الحق العظيم آبادي (ت 1326 هـ).

اختصره المؤلف من شرحه الكبير "غاية المقصود"، فقد خشي المؤلف أن لا يتم هذا الشرح الأخير؛ لطوله وسعته فعجّل بإخراج هذِه الحاشية -كما يسمِّيها- وهو شرح كامل مختصر على الكتاب، وهو من أفضل الشروح وأكثرها استيعابًا لما قاله العلماء من قبله، وأكثرها تداولًا بين طلبة العلم. ذكر الشارح أنه ظفر بإحدى عشرة نسخة من "سنن أبي داود" وكلها من رواية اللؤلؤي إلا نسخة واحدة فهي من رواية ابن داسه، فقابل هذِه النسخ بعضها على بعض، ورجع إلى عشرات الكتب الأمهات من كتب الأئمة المتقدمين، واستطاع أن يميز رواية اللؤلؤي وأن يورد كل الروايات التي وصلت إليه، واعتمد فيه كثيرًا على "معالم السنن" للخطابي، وعلى كلام المنذري، ونقل عن "فتح الباري" وغيره من الشروح. ويميز المهمل من الرواة، ويسمي المنسوب والمكنَّى، ويضبط ما يحتاج إلى ضبط، ويخرِّج الحديث معتمدًا في تخريجه على كلام المنذري في "المختصر"، وتصويبات ابن القيم وتعليله للأحاديث، ويعنى ببيان صحة الحديث وضعفه. ويتكلم على فقه الحديث باختصار من غير ذكر أدلة المذاهب على وجه الاستيعاب إلا في المواضع التي دعت إليها الحاجة، فحقَّق القول في بعض المسائل واستقصى الأدلة، مثل: هل يجوز تعليم الكتابة للنساء أم لا؟ وليس فيه تعصب لأي مذهب من المذاهب، إنما يرجح على ما يقتضيه الحديث. ومنهجه في الصفات إثباتها بلا تأويل، وهو يردّ على أهل البدع كأهل القبور الذين يعظمونها، وعلى البدع المعاصرة لوقته، فله كلام طويل جدًّا يرد به على القادياني، ويحذر من بعض أتباعه. والكتاب طبع في دهلي في الهند (1322 هـ) في أربعة مجلدات، ثم طبع

مع "تهذيب ابن القيم" في أربعة عشر مجلدًا بتحقيق عبد الرحمن محمد عثمان بالمكتبة السلفية بالمدينة المنورة (1389 هـ). 11 - "بذل المجهود في حل أبي داود" لخليل أحمد السهارنفوري (ت 1346 هـ). اعتمد في جمع المادة العلمية على تلميذه حسن أحمد، فكان يقرأ عليه ما جمعه والشيخ يختار، وهو الذي يرشد تلميذه إلى مظان الموضوع. وذكر أن بيده عدّة نُسخ لأبي داود اعتمد عليها في شرحه، وقد بلغت ستّ نسخ أغلبها مطبوع وذكر بعض روايات أبي داود وأصحّها، وأشهرها، وشيئًا من ترجمته، واهتم بتصحيح نسخ "السنن" المختلفة المنتشرة. واعتنى بتراجم أبي داود، فيذكر مناسبة الحديث لترجمة الباب، واهتم بأقوال أبي داود وكلامه في الرواة أو في إيضاح بعض ما ورد في الحديث اهتمامًا كبيرًا. واشتمل على بحوث في أسماء الرجال والتراجم، ومصطلح الحديث، إلا أنه لم يكثر منها. واهتم بتخريج التعليقات ووصلها، وتخريج الروايات المختصرة ممن رواها مطولة. واعتمد غالبًا في شرح الحديث على كلام علي القاري في "المرقاة"، والحافظ ابن حجر في "فتح الباري"، والعلامة بدر الدين العيني في "عمدة القاري". وفي المسائل الفقهية على "بدائع الصنائع"، وفي أحوال الرجال على "التقريب"، و"التهذيب"، و"الإصابة"، و"الأنساب" للسمعاني، وفي حلّ اللغات على "المجمع"، و"القاموس"، و"لسان العرب"، ورجع إلى كتب أخرى في فنون عدة.

وفي بعض المواضع ينبّه على ما وقع فيه التسامح من شارحي أبي داود، لئلا يقع الطالب في الغلط اعتمادًا عليه، وقد يرجح ويحكم بين الشراح فيما اختلفوا فيه. ويستطرد في الاستنباط وذكر المذاهب الفقهية، فقد اشتمل على لطائف من الاستنباطات، إلا أن تعصبه وتقريره للمذهب الحنفي ظاهر في الكتاب، فهو كثيرًا ما يتعصب له، ويحاول ترجيحه، فإن كان الحديث موافقًا لهم، وإلا ذكر مستدلَّهُم والجواب عن الحديث وتوجيهه، ويفصل مذاهب المجتهدين خاصة الأربعة، وأكثرها نقلها عن الشوكاني. وقد سلك في العقيدة مسلك التأويل، وللدكتور محمد عبد الرحمن الخميّس رسالة مطبوعة باسم: "فتح المعبود في بيان الهفوَات في كتاب بذل المجهود". والكتاب مطبوع في عشرين جزءًا. 12 - "المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبي داود" لمحمود بن محمد خطاب السُّبكي (ت 1352 هـ). من أطول الشروح المتداولة، وأمتعها وأجمعها لمسائل الحديث وفوائده، لكنه لم يكمل، بل وصل إلى باب في الهدي من كتاب المناسك، ثم قام ابنه أمين محمود خطاب بمواصلة شرحه إلى باب تعظيم الزنا، آخر كتاب الطلاق، وهو شرح مرتب منظم طيب، وفيه شيء من البسط، يخرِّج الأحاديث تخريجًا لا بأس به، ويعنى بذكر لطائف الإسناد، ويهتم كثيرًا بوصل ما علقه أبو داود، واعتنى فيه بالكلام على رجال السند وطرق الحديث، منبهًا على اختلاف الروايات من زيادة ونقصان أو نحو ذلك، وضبط الأسماء واللغات. ويذكر فقه الحديث وبيان مذاهب الفقهاء بالدليل غالبًا، ومأخذ كل مذهب مع استيفاء كامل في ذلك من المصادر الموثوق بها، فهو يعتني

بتحرير المسائل التي أشتهر الخلاف فيها، ويأتي بالفوائد الفرائد، ويلخِّص ما ذكره في الباب السابق تحت عنوان: فقه الحديث. والكتاب مطبوع عام (1351 هـ) في عشرة أجزاء. 13 - "فتح الملك المعبود تكملة المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبي داود" لأمين محمود خطاب السبكي (ت 1378 هـ). ذكر في مقدمة الكتاب أنه ألفه إجابة لرغبة الكثير من أهل العلم، استكمل فيه كتاب والده، ووصل فيه إلى آخر كتاب الطلاق، وعني فيه بضبط الآيات والأحاديث وترقيمها، وبيان غريبها وحالها ومراجعها، ومنهج الابن مقارب من منهج الأب إلا أن الأب أطول نفسًا. والكتاب مطبوع في أربعة أجزاء تكملة لشرح والده. 14 - "عجالة العالم من كتاب المعالم" لأحمد بن محمد بن إبراهيم المقدسي (ت 765 هـ). وهو تلخيص و"معالم السنن" للخطابي (¬1). 15 - شرح الحافظ سعد الدين مسعود بن أحمد بن مسعود الحارثي البغدادي (ت 711 هـ). لم يتمه، قال الحافظ: شرح قطعة من "سنن أبي داود" كبيرة أجاد فيها. ونقل منه عبد القادر القرشي في كتابه "الحاوي لآثار الطحاوي" كلاما في تصحيح حديث (¬2). 16 - شرح قطب الدين أبي بكر بن أحمد بن دعسين اليمني (ت 752 هـ) في أربعة مجلدات كبار، ومات وهو مسوّدة (¬3). ¬

_ (¬1) "كشف الظنون" 2/ 1005، 1125. (¬2) "ذيل طبقات الحنابلة" لابن رجب 2/ 363. (¬3) "كشف الظنون" 2/ 1005.

17 - شرح الحافظ علاء الدين مغلطاي الحنفي (ت 762 هـ) لم يتمّه (¬1). 18 - "انتحاء "السنن واقتفاء السنن" لأحمد بن محمد بن إبراهيم المقدسي (ت 765 هـ) من أصحاب المزي (¬2). 19 - شرح الحافظ عمر بن علي بن الملقن (ت 804 هـ) وهو شرح لزوائد أبي داود على الصحيحين، في مجلّدين (¬3). 20 - "شرح سنن أبي داود" لولي الدين أبي زرعة أحمد بن عبد الرحيم العراقي (ت 826 هـ). وهو شرح مبسوط، ولكنه لم يتمه، كتب من أوله إلى سجود السهو في سبعة مجلدات، وكتب مجلدًا فيه الصيام والحج والجهاد (¬4). 21 - "حاشية على سنن أبي داود" لبرهان الدين سبط ابن العجمي (ت 841 هـ) (¬5). 22 - شرح القاضي محمد بن عمار القاهري المالكي (ت 844 هـ) وهو شرح "مختصر السنن" (¬6). 23 - "الدر المنضود شرح سنن أبي داود" للشيخ محمد ياسين الفاداني ¬

_ (¬1) "لحظ الألحاظ" لابن فهد (ص 139)، "البدر الطالع" 2/ 313، "كشف الظنون" 2/ 1005. (¬2) "الدرر الكامنة" 1/ 242، "غاية المقصود" 1/ 24. (¬3) "الضوء اللامع" 6/ 102، "طبقات الشافعية" لابن قاضي شهبة 4/ 56. (¬4) "الضوء اللامع" 1/ 343، "طبقات الشافعية" لابن قاضي شهبة 4/ 82، "غاية المقصود" 1/ 21. (¬5) "الضوء اللامع" 1/ 141. (¬6) كتاب السنة من "سنن أبي داود" 1/ 78 رسالة ماجستير.

(ت 1410 هـ) يقع في عشرين مجلدًا، ولا يزال مخطوطًا (¬1). 24 - "زبدة المقصود في حل ما قال أبو داود" للشيخ محمد طاهر رحيمي -نزيل المدينة النبوية المنورة- عني فيه بشرح أقوال الإمام أبي داود (¬2). 25 - "درجات مرقاة الصعود" لعلي بن سليمان الدِّمْنَتِي (ت 1306 هـ). اختصار لـ"مرقاة الصعود"، وطبع عام (1298 هـ) بمطبعة الوهبية بالقاهرة (¬3). 26 - "عون الودود على سنن أبي داود" لشهاب الدين بن بهاء الدين المرجاني (ت 1306) (¬4). 27 - "حاشية عون الودود" لمحمد بن عبد الله بنجابي الحزراوي لكنو 1318 هـ (¬5). 28 - "التعليق المحمود" للشيخ فخر الحسن الكنكوهي (ت 1315 هـ) (¬6). 29 - تعليقات على "السنن" للشيخ القاضي حسين بن محسن الأنصاري (ت 1327 هـ) (¬7). 30 - "فيض الودود تعليق على سنن أبي داود" للشيخ أبي الطيب عطاء الله حنيف (ت 1409 هـ) تعليقات على "سنن أبي داود" (¬8). 31 - تعليقات على "السنن" للسيد عبد الحي الحسني (ت 1341 هـ) لم ¬

_ (¬1) المرجع نفسه 1/ 89. (¬2) المرجع نفسه 1/ 9. (¬3) "حسن المحاضرة" للسيوطي 1/ 340، "تاريخ التراث العربي" 1/ 294. (¬4) كتاب السنة من "سنن أبي داود" 1/ 87. (¬5) "تاريخ التراث العربي" 1/ 294. (¬6) مقدمة "بذل المجهود" 1/ 9. (¬7) السابق. (¬8) السابق 1/ 9.

تتم. 32 - "أنوار المحمود" للشيخ أبي العتيق عبد الهادي محمد صديق النجيب آبادي، جمعه من أمالي شيخه أنورشاه كشميري، وضم إليها فوائد من كتب أخرى، طبع في مجلدين بالهند سنة 1330 هـ (¬1). 33 - شرح للشيخ وحيد الزمان اللكهنوي، وهو شرح موجز على ترجمة "السنن" باللغة الهندية (¬2). 34 - تعليقات على "سنن أبي داود" للشيخ محمد حياة السنبهلي (ت 1409 هـ) طبع بالهند. 35 - "شرح سنن أبي داود" لمحمد بن أحمد بن سهل السرخسي (483 هـ) مخطوط، له نسخة في مكتبة ولي الدين جار الله برقم (318) (¬3). 36 - "نقع الغلل ونفع العلل على أحاديث "السنن" لأبي داود" للحافظ علي بن محمد بن عبد الملك بن القطان المراكشي الفاسي (ت 628 هـ) (¬4). 37 - "إفادة المقصود باختصار وشرح سنن أبي داود" لمصطفى ديب البغا. ¬

_ (¬1) مقدمة "بذل المجهود" للنووي ص 8، 9. (¬2) "غاية المقصود" وحاشية المحقق 1/ 25. (¬3) "المدخل إلى سنن أبي داود" (ص 97). (¬4) "المدخل إلى سنن أبي داود" (ص 97).

المبحث السادس: أشهر طبعات "السنن"

المبحث السادس: أشهر طبعات "السنن" طُبع كتابُ "السنن" عدة طبعات منذ عام (1271 هـ)، ومن أشهرها (¬1): 1 - طبعةُ دهلي -الهند- سنة (1271 هـ)، ثم (1272 هـ)، ثم (1283 هـ). وهي أقدم الطبعات. 2 - طبع في القاهرة - المطبعة الكاستلية، سنة (1280 هـ) في مجلدين. 3 - طبع في الهند، مطبع نول كشور، (1305 هـ)، وبهامشه تعليقات الخطابي. 4 - طبع في القاهرة بهامش "شرح الموطأ" للزرقاني، سنة (1310 هـ). 5 - طبع في الهند في لكهنو، مطبع أصح المطابع (1318 هـ)، وبهامشِه "عون الودود شرح سنن أبي داود"، لأبي الحسنات الفنجابي، في مجلدين. حجرية في الهند عام (1323 هـ) في أربع مجلداتٍ كبار، وهي من أجود طبعات هذا الكتاب من حيث ضبطُ نصِّ أبي داود، وكذلك اعتمادُه على الأصول، حيث أعتمد على (11) نسخةً من رواية اللؤلؤي، وواحدة من رواية ابن داسه، واستفادَ من كلام المزيِّ في الروايات الأخرى، فأصبح متنُه مقابلًا على عدة نسخ، مع الاتماد على رواية اللؤلؤي. وقد أعيد نشرُ هذا الكتاب، وصُفَّ على الطباعة الحديثة، وجُعِلَ في الأعلى متنُ السنن، وفي الأسفل "عون المعبود"، وصدر في (14) جزءًا، نشرَه محمد عبد المحسن السلفي، صاحبُ المكتبة السلفية في المدينة النبوية، بضبط عبد الرحمن بن محمد عثمان، وطُبع الكتاب عام (1388 هـ)، ¬

_ (¬1) انظر: "المدخل إلى سنن أبي داود" (ص 71 - 73).

ولكن الطبعة الحجريَّة أدقُّ وأضبط. 6 - طبع في كانفور في الهند (1346 هـ) مصدّر بترجمة لأبي داود والحديث عن "سننه"، ويليه فهرس الكتاب، وبالهامش "التعليق المحمود" لفخر الدين الكنكوهي. 7 - طبع الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد: طُبعت الطبعة الأولى في القاهرة عام (1354 هـ) بمراجعته وضبطه وتعليقه في مطبعة مصطفى البابي الحلبي، والطبعة الثانية في (1369 هـ)، ثم أعيد طبعُه مرارًا في بيروت، والرياض، واستانبول، في أربعة أجزاء، في مجلدين. 8 - طبع في مصر بتحقيق الشيخ أحمد سعد علي من علماء الأزهر، سنة (1371 هـ) في مجلدين. 9 - طبعة الشيخين عبيد الدعاس وعادل السيد: طُبعت في خمسة مجلدات، صدر الجزء الأول عام (1388 هـ)، والجزء الخامسُ عام (1394 هـ)، وذيلاه بشرح الإمام الخطابي، وقامَا بتخريج أحاديث الكتاب، وأشارا إلى أنهما اعتمدا على نسخةٍ خطِّيَّةٍ كُتِبَت عام (1132 هـ)، وكذلك على نسخة الشيخ محيي الدين عبد الحميد، وعلى نسخٍ أخرى كلها مطبوعة، ووضعَا فهرسًا للأحاديث. 10 - طبع في الهند، في حيدرآباد، (1391 هـ)، (1393 هـ). 11 - طبع بتحقيق/ كمال يوسف الحوت، في مؤسسة الكتب الثقافية ببيروت، عام (1409 هـ) في مجلدين، اعتنى فيها ببيان الفروق بين النسخ. 12 - طبعة مؤسسة الريان ببيروت، ودار القبلة جدة عام (1419 هـ) بتحقيق الشيخ محمد عوامة، وهي في خمسة مجلدات، ومجلد سادس للفهارس المختلفة، وذكرَ أنه اعتمدَ على نسخة الحافظ ابن حجر

العسقلاني، إضافة إلى سبع نسخٍ أخرى. وكان الحافظُ ابن حجر يُشير إلى اختلاف نسخ الروايات، مع اعتمادِه على رواية اللؤلؤي، والمحقِّقُ أشارَ إلى هذِه الفروق بين النسخ، كما أنه ذكرَ في المقدمة تفاصيل عن النسخ التي قابلَ عليها نسخةَ الحافظ ابن حجر. 13 - طبعة دار ابن حزم، ببيروت، عام (1419 هـ) في مجلد واحد. 14 - طبعة دار السلام الرياض، عام (1420 هـ)، في مجلد واحد بإشراف الشيخ صالح آل الشيخ. 15 - طبعة جمعية المكنز الإسلامي عام (1412 هـ)، واعتمدوا فيها على الطبعات السابقة، مع العناية التامة بضبط النص، وخرجت في مجلدين. 16 - طبعة بيت الأفكار الدولية عام (2004 م). في مجلد واحد وقد اعتمدوا على طبعة الدعاس، كما ذكروا أحكامَ الشيخ الألباني على الأحاديث، وكذلك حواشي المنذري وابن القيم، وفي آخرها فهرس للأحاديث. 17 - طبعة مكتبة المعارف بالرياض، باعتناء الشيخ مشهور حسن آل سلمان، في مجلد واحد وقد اعتمدَ على الطبعة الحجرية الهندية التي هي أصل "عون المعبود"، ووضع أحكام الشيخ الألباني على الأحاديث، وذيَّلَه بفهرس الأحاديث. 18 - طبعة مؤسسة الرسالة ببيروت عام (1430 هـ) بتحقيق الشيخ شعيب الأرنؤوط وآخرين، في سبعة مجلدات، اعتنى فيها بتخريج الأحاديث والحكم على الأسانيد من حيث الصحة والضعف.

القسم الثاني ترجمة ابن رسلان والمدخل إلى شرحه

القسم الثاني ترجمة ابن رسلان والمدخل إلى شرحه (¬1) وفيه فصلان: الفصل الأول: ترجمة الشارح الإمام ابن رسلان الرملي وفيه مباحث: المبحث الأول: اسمه ونسبه وكنيته ولقبه. المبحث الثاني: مولده وموطنه. المبحث الثالث: نشأته وطلبه للعلم. المبحث الرابع: عقيدته. المبحث الخامس: شيوخه. المبحث السادس: تلاميذه. المبحث السابع: مؤلفاته. المبحث الثامن: مكانته العلمية وثناء العلماء عليه. المبحث التاسع: وفاته. الفصل الثاني: المدخل إلى شرح ابن رسلان ل "سنن أبي داود" وفيه مباحث: المبحث الأول: اسم الكتاب وإثبات نسبته إليه. المبحث الثاني: المكانة العلمية للشرح. وفيه مطالب: ¬

_ (¬1) استفدنا كثيرا عند كتابة هذا القسم من مقدمة د. أحمد بن عبد القادر عزي لرسالته العلمية في تحقيق قسم من الكتاب.

المطلب الأول: أقوال العلماء على الشرح. المطلب الثاني: تقويم الشرح وبيان مميزاته وما أخذ عليه. المطلب الثالث: المقارنة بينه وبين شروح "سنن أبي داود" التي سبقته. المطلب الرابع: مدى استفادة المتأخرين منه. المبحث الثالث: منهج ابن رسلان في شرحه. وفيه مطالب: المطلب الأول: رواية "السنن" التي اعتمدها ابن رسلان في شرحه. المطلب الثاني: مصادر الشارح في الكتاب ومنهجه في الاستفادة منها وفيه مسألتان: المسألة الأولى: مصادر الشارح في الكتاب. المسألة الثانية: منهجه في الاستفادة من مصادره. المطلب الثالث: منهجه في تقرير مسائل العقيدة. المطلب الرابع: الصنعة الحديثية كما أشار إليها المصنف وفيه مسائل: أولًا: دقائق الإسناد وضبط ما قد يشكل من الأسماء. ثانيًا: التنبيه على صحة الحديث أو حسنه أو ضعفه. ثالثًا: بيان صواب ما تختلف فيه النسخ. المطلب الخامس: الناسخ والمنسوخ. المطلب السادس: فقه الحديث. المطلب السابع: مباحث اللغة. المطلب الثامن: اللطائف والفوائد التربوية.

الفصل الأول ترجمة الشارح الإمام ابن رسلان الرملي

الفصل الأول ترجمة الشارح الإمام ابن رسلان الرملي وفيه مباحث: المبحث الأول: اسمه ونسبه وكنيته ولقبه. المبحث الثاني: مولده وموطنه. المبحث الثالث: نشأته وطلبه للعلم. المبحث الرابع: عقيدته. المبحث الخامس: شيوخه. المبحث السادس: تلاميذه. المبحث السابع: مؤلفاته. المبحث الثامن: مكانته العلمية وثناء العلماء عليه. المبحث التاسع: وفاته.

المبحث الأول: اسمه ونسبه وكنيته ولقبه

ترجمة الإمام ابن رسلان الرملي (¬1) المبحث الأول: اسمه ونسبه وكنيته ولقبه: اسمه: هو أحمد بن حسين بن حسن بن علي بن يوسف بن علي بن أرسلان -قال السخاوي: بالهمزة كما بخطه وقد تحذف في الأكثر، بل هو الذي على الألسنة (¬2) - الشهاب أبو العباس الرملي، الشافعي، نزيل بيت المقدس. واشتهر بابن رسلان. نسبه: وقد نسب إلى أربعة نسب: القبيلة، والبلد، والمذهب الفقهي، والروحي. أما القبيلة: فقد ذكروا في أصله جهتين: أنه من عرب كنانة. قاله ¬

_ (¬1) مصادر ترجمته: "درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة" 2/ 291، "السلوك لمعرفة دول الملوك" 12/ 1235، "المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي" 1/ 287، "الدليل الشافي على المنهل الصافي" 1/ 45، "الضوء اللامع" 1/ 282 ويعتبر السخاوي من أوسع من ترجم له، وجاءت ترجمته عنده مفصلة، وأغلب من جاء بعده أخذ عنه، "الذيل التام على دول الإسلام" (ص 623، 624)، "وجيز الكلام في الذيل على دول الإسلام" (ص 570)، "الأنس الجليل" 2/ 174 وقد تفرد في ترجمته بأشياء لم تذكر في غيره من المصادر، "طبقات المفسرين" للداودي 1/ 38، "كشف الظنون" 1/ 154، 544، 596، 627، 689، 930، 1005، 1054، 1055، 1079، 1797، 1817، 1856، 1879، 1964، "شذرات الذهب" 9/ 363، "البدر الطالع" 1/ 49، "التاج المكلل" لصديق حسن (ص 367)، "هدية العارفين" 5/ 126، "إيضاح المكنون" 1/ 330، "الأعلام" 1/ 115، "معجم المؤلفين" 1/ 204، "أعلام فلسطين" لمحمد عمر حمادة 1/ 168. (¬2) "الضوء اللامع" 1/ 282.

العليمي (¬1). والثانية: أنه من عرب نعير. قاله السخاوي (¬2). وأما البلد: فنسبه الداودي (¬3) إلى الرملة (¬4) مقتصرًا عليها. ونسبه بعضهم إلى بيت المقدس (¬5) لأجل أنه كان يتردد إليها، وتحول إليها في آخر عمره، واستوطنها، وتوفي بها (¬6). وقد يقال: الرملي، نزيل بيت المقدس (¬7)، وهو الأليق، والأدق. وأما المذهب الفقهي: فهو شافعي قولًا واحدًا بلا خلاف، فقد كان من الآخذين بمذهب الشافعي، المستمسكين به والمفتين به، بل ومن المصنفين فيه (¬8). وأما المذهب الروحي: فنسبه الكثير إلى التصوف، وهذا ثابت لا يحتاج إلى كثير من البراهين. جاء ذلك في أقوال العلماء عنه، وفي سلوكه، وإتيانه بطقوسهم وعاداتهم. قال ابن العماد: لزم التدريس والإفتاء مدة، ثم ترك ذلك، وسلك طريق الصوفية (¬9). ¬

_ (¬1) "الأنس الجليل" 2/ 174. (¬2) "الضوء اللامع" 1/ 282. (¬3) انظر: "طبقات المفسرين" 1/ 38. (¬4) مدينة بفلسطين ينسب إليها جماعة من العلماء والفضلاء. انظر: "معجم البلدان" 3/ 69. (¬5) انظر: "الدليل الشافي" 1/ 45، "شذرات الذهب" 9/ 362. (¬6) انظر: "السلوك" 12/ 1235. (¬7) انظر: "الضوء اللامع" 1/ 282، "البدر الطالع" 1/ 49. (¬8) انظر: "درر العقود الفريدة" 2/ 291. (¬9) شذرات الذهب" 9/ 362.

المبحث الثاني: مولده وموطنه

وقال السخاوي: قال ابن أبي عذيبة إنه ارتحل به أبوه إلى القدس من الرملة، فألبسه الشيخ محمد القرمي الخرقة (¬1) .. ، وكذا لبسها من الشهاب ابن الناصح، وأبي بكر الموصلي. وقال أيضًا: وألبس خرقته جماعة من المصريين والشاميين، وجلس في الخلوة مدة لا يكلم أحدًا (¬2). كنيته: أبو العباس، ذكر ذلك السخاوي (¬3)، وابن العماد (¬4)، والشوكاني (¬5)، وغيرهم. لقبه: شهاب الدين، أو الشهاب، ذكر ذلك المقريزي (¬6)، وابن تغري بردي (¬7)، والداودي (¬8)، وغيرهم. المبحث الثاني: مولده وموطنه: أجمعت مصادر ترجمة الشارح على أن ولادته كانت بمدينة الرملة بفلسطين، لم يخالف في ذلك أحد. أما عن سنة ولادته، فقد كتب هو بخطه أنه ولد سنة (773) هـ أو (775) هـ. ¬

_ (¬1) هي ما يلبسه المريد من يد شيخه ابتغاء البركة، والمواصلة بينه وبين شيخه. انظر: "اصطلاحات الصوفية" (30). (¬2) "الضوء اللامع" 1/ 283. (¬3) "الضوء اللامع" 1/ 282. (¬4) "شذرات الذهب" 9/ 362. (¬5) "البدر الطالع" 1/ 49. (¬6) "السلوك" 12/ 1235. (¬7) "المنهل الصافي" 1/ 287. (¬8) "طبقات المفسرين" 1/ 38.

المبحث الثالث: نشأته وطلبه للعلم.

نقل ذلك معاصروه: المقريزي (¬1)، والعليمي (¬2)، وغيرهما (¬3). ولم يذكر ابن العماد في تاريخ ولادته غير: 773 هـ (¬4)، ولعل ما ذكره هو الأرجح. وكُتب على الصفحة الأولى من النسخة الموجودة -بالمكتبة المحمودية، نقلًا عن تاريخ الحافظ ابن حجر العسقلاني: ولد سنة 777 هـ، سبع وسبعين وسبعمائة، كذا كتبه بخطه. اهـ. * * * المبحث الثالث: نشأته وطلبه للعلم. نشأ الإمام ابن رسلان في بيئة صالحة، فقد كان والده تاجرًا خيّرًا قارئًا (¬5)، لقبته بعض المصادر بـ: أمين الدين (¬6)، ووصفته بالفقيه (¬7)، وكانت أمه من الصالحات، وكان خاله صاحب أوراد وتلاوة كثيرة، وصهر ابن رسلان هو الحافظ المشهور التاج ابن الغَرابيلي. فأثرت هذِه البيئة الصالحة في تكوينه وشخصيته فلم تعلم له صبوة، وحفظ القرآن وله نحو عشر سنين، وأخذ يكبر ويكبر في قلبه حب العلم، والعزوف عن الدنيا (¬8). ¬

_ (¬1) "درر العقود الفريدة" 2/ 291. (¬2) "الأنس الجليل" 2/ 174. (¬3) "الأنس الجليل" 2/ 515. (¬4) "شذرات الذهب" 9/ 362. (¬5) انظر: "الضوء اللامع" 1/ 282. (¬6) انظر: "الأنس الجليل" 2/ 174، و"هدية العارفين" 1/ 126. (¬7) انظر: "الأنس الجليل" 2/ 174. (¬8) انظر: "الضوء اللامع" 1/ 282.

ونقل السخاوي عن ابن أبي عذيبة قال: كان أبوه تاجرًا له دكان، فكان يأمره بالتوجّه إليها، فيذهب إلى المدرسة الخاصكية للاشتغال بالعلم وينهاه أبوه فلا يلتفت لنهيه، بل لازم الاشتغال. وقال: إن أباه أجلسه في حانوت بزاز، فكان يقبل على المطالعة ويهمل أمره، فظهرت فيها الخسارة فلامه على ذلك، فقال: أنا لا أصلح إلّا للمطالعة، فتركه وسلم له قياده (¬1). ولقد أخذ هذا الشغف بالعلم وقت ابن رسلان رحمه الله، واستولى على تفكيره، وأخذ يتنقل به من درس في اللغة إلى آخر في الفقه إلى ثالث في القراءات وعلوم القرآن إلى رابع في الحديث، إلى غيرها من علوم اللغة والدين. وقد ذكرت المصادر التي ترجمت له أوصافًا تتضمن تقدمه في بعض العلوم على ما ذكرناه قريبا، فمن ذلك وصفه بالفقيه، نعته بذلك أغلب من ترجم له كالمقريزي (¬2)، وابن تغري بردي (¬3)، وعبد الرحمن الغزي (¬4). ونص بعضهم على أنه كان ماهرًا بالفقه. قال المقريزي: وبَرع في الفقه (¬5). كما وصفوه أيضا بأنه محدث (¬6)، أو عالم بالحديث (¬7)، أو مشارك في ¬

_ (¬1) "الضوء اللامع" 1/ 282. (¬2) في "السلوك" 12/ 1235. (¬3) في "المنهل الصافي" 1/ 287. (¬4) في "ديوان الإسلام" 1/ 183. (¬5) في "درر العقود" 2/ 291. (¬6) انظر: "السلوك" 12/ 1235. (¬7) انظر: "المنهل الصافي" 1/ 287.

الحديث (¬1)، والأوصاف نفسها أطلقت عليه في التفسير (¬2)، ونص آخرون على أنه برع في العربية (¬3). قال السخاوي: وكان في مبدئه يشتغل بالنحو واللغة والشواهد والنظم .. ولا زال يدأب، ويكثر المذاكرة والملازمة والمطالعة .. حتى صار إماما، علامة، متقدما في الفقه وأصوله، والعربية (¬4). وقال العليمي: وألف كتبًا في الفقه، والنحو (¬5). ومن مسموعاته أثناء طلبه: - في الحديث وعلومه: "صحيح البخاري"، "سنن الترمذي"، "سنن ابن ماجه"، "موطأ مالك"، "مسند الشافعي"، "الأذكار"، "الأربعون" للنووي. - في الفقه وأصوله: غالب تصانيف الرافعي، و"الحاوي الصغير" لعبد الغفار بن عبد الكريم القزويني. - في السيرة: "الشفا" للقاضي عياض، و"سيرة ابن هشام"، "عيون الأثر" لابن سيد الناس. - في اللغة: "ألفية ابن مالك" وقد اشتهر بحسن إفادتها وإلقائها (¬6). - في التفسير: "معالم التنزيل" للبغوي. ¬

_ (¬1) انظر: "الضوء اللامع" 1/ 283. (¬2) المصادر السابقة. (¬3) انظر: "درر العقود" 1/ 291. (¬4) "الضوء اللامع" 1/ 282 - 283. (¬5) "الأنس الجليل" 2/ 174. (¬6) "الضوء اللامع" 1/ 282.

- في التصوف: "عوارف المعارف" للسهروردي (¬1). وحملته همته في طلب العلم على التنقل بين الرملة والقدس في سبيل العلم، حتى حفظ كتبًا. وكان من حرصه أنه يقوم الليل، فإذا أشكل عليه معنى آية أسرع في تينك الركعتين، ونظر في التفسير حتى يعرف المعنى ثم يعود إلى الصلاة (¬2). وقد بلغ من حرصه على الفائدة أنه كان يطلب من بعض ذوي النجابة من تلاميذه إقراء بعض مؤلفاته لطلبته بحضوره، منها مثلا أن العز الحنبلي أخذ عنه منظومته "الزبد"، وأجازه بها، ثم طلب منه ابن رسلان إقراءها بحضوره، فامتنع العز أدبًا (¬3). ومع تنوّع ثقافته رحمه الله، إلا أن بروزه كان في الفقه وأصوله وفي القراءات وفي العربية وفنونها. قال السخاوي: ولا زال يدأب ويكثر المذاكرة والملازمة للمطالعة والأشغال، مقيمًا بالقدس تارة والرملة أخرى، حتى صار إمامًا علامة متقدمًا في الفقه وأصوله والعربية، مشاركًا في الحديث والتفسير والكلام وغيره (¬4). وإلى جانب دأبه في تحصيل العلوم المختلفة فقد عنيَ بنفسه تربية لها على محاسن الأخلاق، وحملًا لها على معاليها. ¬

_ (¬1) انظر: "الضوء اللامع" 1/ 282 - 283. (¬2) انظر: "الضوء اللامع" 1/ 286. (¬3) انظر: "الضوء اللامع" 1/ 286. (¬4) "الضوء اللامع" 1/ 283.

وتصفه المصادر بأنه كان عبدًا صالحًا (¬1)، زاهدًا ورعًا (¬2)، مقبلًا على العبادة، موزعا أوقاته على وظائفها من الصلاة، والصيام، والقيام (¬3)، مائلا إلى الخمول، والبعد عن الظهور (¬4)، متقشفا (¬5)، متواضعا (¬6)، حسن الخلق (¬7)، آمرًا بالمعروف ناهيا عن المنكر (¬8)، دؤوبا على المطالعة والمذاكرة (¬9). قال المقريزي: ولم يقدر لي لقاؤه -رحمه الله- فلقد كان مقبلا على العبادة، غزير العلم، كثير الخير، مربيا للمريدين، محسنا للقادمين، متبركا بدعائه ومشاهدته، صادق التأله، متخلقا من المروءة والعلم والفضل والانقطاع إلى الله تعالى بأجمل الأخلاق، بحيث ظهر عليه سيما السكينة والوقار، ومهابة الصالحين. وبالجملة فما أعلم بعده مثله، ألحقه الله بعباده الصالحين، ورفع درجته في عليين (¬10). وقال السخاوي: وهو في الزهد، والورع، والتقشف، واتباع السنة، وصحة العقيدة كلمة إجماع، بحيث لا أعلم في وقته من يدانيه في ذلك. ¬

_ (¬1) انظر: "الدليل الشافي" 1/ 45. (¬2) انظر: "درر العقود" 2/ 291، "الضوء اللامع" 1/ 284. (¬3) انظر: "المنهل الصافي" 1/ 287. (¬4) انظر: "الضوء اللامع" 1/ 283، "البدر الطالع" 1/ 50. (¬5) انظر: "درر العقود" 2/ 291، و"الضوء اللامع" 1/ 284. (¬6) انظر: "الضوء اللامع" 1/ 284. (¬7) انظر: "درر العقود" 1/ 292. (¬8) انظر: "درر العقود" 1/ 292، و"الضوء اللامع" 1/ 284. (¬9) انظر: "الأنس الجليل" 2/ 175. (¬10) انظر: "درر العقود الفريدة" 1/ 291، 292.

وانتشر ذكره، وبعد صيته، وشهد بخيره كل من رآه (¬1). وقد ذُكر في ترجمته أنه جدد مسجدًا كبيرًا لأسلافه بالرملة صار مثل الزاوية للمقيمين والمنقطعين (¬2)، وكان منقطعا في هذا المسجد، شاغلا وقته بالتعبد والتأله، والمحافظة على الأذكار والأوراد، والتهجد والقيام، وملازمة المطالعة والإفادة. وأنه أقام زاوية ببيت المقدس كان يتردد إليها بين الحين والآخر (¬3). وبنى رباطا وبرجا بثغر يافا على البحر، كان يذهب إليه مع أصحابه وتلاميذه حاثًّا لهم على الشجاعة، ومعالي الأخلاق (¬4). ورفض ما استطاع عروض الحكام والأمراء عليه، وقد عرض الأمير حسام الدين حسن ناظر القدس والجليل، مشيخة مدرسة جددها بالقدس، وقرر له فيها كل يوم عشرة دراهم فضة، فأبى (¬5). ولما سافر الأشرف إلى آمد هرب ابن رسلان من الرملة إلى القدس في ذهابه وإيابه لئلا يجتمع به هو أو أحد من أتباعه (¬6). وبرغم بعده عن المناصب ورفضه لها على أنه تولى التدريس في الرملة في مدرسة الخاصكية، التي كان مواظبا على الحضور فيها منذ أيام الطلب (¬7)، وعندما أجازه الجلال البلقيني، والقاضي الباعوني جلس ¬

_ (¬1) "الضوء اللامع" 1/ 384. (¬2) انظر: "الضوء اللامع" 1/ 284، "الأنس الجليل" 2/ 174. (¬3) انظر: "الضوء اللامع" 1/ 284. (¬4) انظر: "الأنس الجليل" 2/ 175. (¬5) انظر: "البدر الطالع" 1/ 50. (¬6) انظر: "الضوء اللامع" 1/ 283. (¬7) انظر: "الأنس الجليل" 2/ 172، "البدر الطالع" 1/ 50.

ابن رسلان للإفتاء للناس مدة (¬1). بيد أنه لم يبق في هذا إلى آخر عمره بل ترك ذلك وداوم على الاشتغال تبرعا، كما أقبل على التصوف والبعد عمّا يتعلق بأي وظيفة أو عمل (¬2). قال رحمه الله في خاتمة "الزبد": من نفسه شريفة أبيه ... يربأ عن أموره الدنيه ولم يزل يجنح للمعالي ... يسهر في طلابها الليالي ومن يكون عارفًا بربه ... تصور ابتعاده من قربه فخاف وارتجى وكان صاغيًا ... لما يكون آمرًا أو ناهيًا فكل ما أمره يرتكب ... وما نهى عن فعله يجتنب (¬3) وحتى يتضح للقارئ موقف المصنف رحمه الله من التصوف، وأنه ليس تصوف أهل البدع والشطحات، نورد هنا ما قاله عند شرح حديث (150) من "السنن"، حيث قال: ¬

_ (¬1) انظر: "الضوء اللامع" 1/ 283، "الأنس الجليل" 2/ 174. (¬2) انظر: "الأنس الجليل" 2/ 174. (¬3) "الزبد" (ص 121، 122).

ليس التصوف لبس الصوف ترقعه ... ولا بكاؤك إن غنى المغنونا ولا صياح ولا رقص ولا طرب ... ولا تغاشٍ كأن قد صرت مجنونا بل التصوف أن تصفو بلا كدر ... وتتبع الحق والقرآن والدينا وأن ترى خاشعًا لله مكتئبًا ... على ذنوبك طول الدهر محزونا وعند شرحه لقوله -صلى الله عليه وسلم- "من صنع أمرًا على غير أمرنا فهو رد" (¬1). قال: هذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام، وهو من جوامع كلمه -صلى الله عليه وسلم- وهو صريح في رد جميع البدع الحادثة المخالفة لقواعد الشرع والمخترعات التي أحدثت بعده. اهـ. وهكذا يتضح موقفه رحمه الله جليا، وأنه تبع لما جاء في اتباع الكتاب والسنة، وَرَد جميع البدع الحادثة المخالفة لقواعد الشرع. ونجده أيضًا كان كثير الرباط في البرج الذي بناه بثغر يافا، ولم تخلو سنة عن إقامته على جانب البحر قائمًا بالدعوة إلى الله تعالى سِرًّا وجهرًا آخذًا على يد الظلمة، فما كان رحمه الله من جهلة المتصوفة الذين عزفوا عن الحسبة وتقاعدوا عن الجهاد والرباط، بل شمر عن ساعدي الجد في الدعوة. ومما يروى عنه أيضًا: أن طوغان نائب القدس وكاشف الرملة وردت ¬

_ (¬1) "سنن أبي داود" (4606).

المبحث الرابع: عقيدته

عليه إشارة الشيخ بكف مظلمة فامتنع، وقال: طولتم علينا بابن رسلان، إن كان له سر فليرم هذِه النخلة -لنخلة قريبة منه- فما تم ذلك إلا وهبت ريح عاصفة فألقتها، فما وسعه إلا المبادرة إلى الشيخ في جماعة مستغفرًا معترفًا بالخطأ، فسأله عن سبب ذلك، فقيل له، فقال: لا قوة إلا بالله، من اعتقد أن رمي هذِه النخلة كان بسببي أو لي فيه تعلق ما، فقد كفر، فتوبوا إلى الله وجددوا إسلامكم، فإن الشيطان أراد أن يستزلكم ففعلوا ما أمرهم به (¬1). * * * المبحث الرابع: عقيدته: قال السخاوي عنه: وهو في الزهد واتباع السنة وصحة العقيدة كلمة إجماع بحيث لا أعلم في وقته من يدانيه في ذلك (¬2). اهـ. وعند مراجعة مصنفاته المطبوعة ومنها "الزبد"، وشرحه هذا الذي بين أيدينا على "سنن أبي داود" نجد ابن رسلان يقول في الأسماء والصفات بمقولة الأشاعرة من التأويل، فيما عدا الصفات السبع الحياة والعلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر والكلام (¬3). فهو في هذا الجانب مخالف لمذهب السلف من وصف الله بكل صفة وصف الله بها نفسه في كتابه أو وصفه بها نبيه -صلى الله عليه وسلم- في السنة الصحيحة من غير تأويل ولا تشبيه ولا تعطيل، كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]. ¬

_ (¬1) "الضوء اللامع" 1/ 287، "شذرات الذهب" 7/ 249. (¬2) "الضوء اللامع" 1/ 284. (¬3) انظر: "الاقتصاد في الاعتقاد" للغزالي (ص 75).

قال في الزبد في وصف الله -صلى الله عليه وسلم-: فهو لما يريده فعال ... وليس في الخلق له مثال قدرته لكل مقدور جعل ... وعلمه لكلّ معلوم شَمِل منفرد بالخلق والتدبير ... جلّ عن الشبيه والنظير حي مريد مبصر علام ... له البقا والسمع والكلام (¬1) ومن الأمثلة في شرحه هذا: علق على قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا .. " (¬2) الحديث. فقال: هذا مما يوهم التشبيه إذ ذكر الرب بما لا يليق به ظاهره من الانتقال والحركة، ويجب تأويله على الوجه الذي يليق بصفاته، وهو أن يريد: إقباله على أهل الأرض بالرحمة والاستعطاف، وبما يجري في قلوب أهل الخير منهم بالتنبيه والتذكير لما سلف لهم في الأول من التوفيق للطاعة حتى يحملهم على الطاعة، كما مدح الله المستغفرين بالأسحار. أهـ. فقد ظن رحمه الله أن هذا الحديث يوهم التشبيه فأول النزول بإرادة الرحمة، والحق أن يقال: إن الله سبحانه ينزل ولا نعلم كيفية نزوله، ¬

_ (¬1) "الزبد" (ص 10). (¬2) "سنن أبي داود" (4733).

ووصفه بالنزول هو كوصفه بسائر الصفات، يعقل معناه ولا تعلم كيفيته (¬1). وقال أيضًا في الزبد: كلامه كوصفه القديم ... لم يحدث المسموع للكليم يكتب في اللوح وباللسان ... يقرأ كما يحفظ بالأذهان وهذا هو قول الأشاعرة: إن كلام الله سبحانه معنى واحد قائم بذات الله سبحانه، هو الأمر والنهي والخبر والاستخبار (¬2). ومذهب السلف من أئمة الحديث والسنة أنه تعالى لم يزل متكلمًا إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء، وهو يتكلم به بصوت يسمع، وأن نوع الكلام قديم وإن لم يكن الصوت المعيّن قديمًا (¬3). وستأتي أمثلة أخرى أثناء الشرح. ¬

_ (¬1) انظر: "شرح حديث النزول" لابن تيمية (ص 5). (¬2) انظر: "شرح العقيدة الطحاوية" (ص 173)، "معارج القبول" 1/ 377، "موقف ابن تيمية من الأشاعرة" 1/ 396. (¬3) انظر: "شرح الطحاوية" (ص 174)، "شرح العقيدة الواسطية" لهراس (ص 150).

المبحث الخامس: شيوخه

المبحث الخامس: شيوخه: درس الإمام ابن رسلان رحمه الله على عدد من علماء الشام من أهل الرملة والقدس وغيرهما، وقد ذكرت المصادر جملة منهم، ومن أهمهم: 1 - إبراهيم بن محمد بن صديق بن إبراهيم الدمشقي، المؤذن، المعروف بالرسام وبابن الصديق، مسند الدنيا من الرجال، حدّث بمكة وبحلب (ت 806 هـ) بمكة (¬1). 2 - أبو بكر بن علي بن يوسف الهاشمي، الحسني، الموصلي، ثم القاهري، كان يحفظ شيئًا من البخاري بأسانيده، وكثيرًا من كلام ابن تيمية (ت 815 هـ) (¬2). 3 - أحمد بن خليل بن كيكلدي، أبو الخير المعروف بابن العلائي، الدمشقي، ثم المقدسي (ت 802 هـ) أسمعه أبوه كبار الحفاظ مثل الذهبي، والمزي، والبرزالي، وغيرهم (¬3). أخذ ابن رسلان عن ابن العلائي "صحيح البخاري"، والترمذي، و"مسند الشافعي"، وغير ذلك (¬4). 4 - أحمد بن علاء الدين حجي بن موسى، شهاب الدين، أبو العباس الحسباني الدمشقي، الشافعي، مؤرخ الإسلام، انتهت إليه المشيخة في البلاد الشامية، وصنف من الكتب ما لا يحصى (¬5). ¬

_ (¬1) "إنباء الغمر" 5/ 157، "الضوء اللامع" 1/ 147. (¬2) "الضوء اللامع" 11/ 61. (¬3) انظر: "الضوء اللامع" 1/ 296، "ذيل التقييد" 1/ 312. (¬4) انظر: "درر العقود" 2/ 291، "الضوء اللامع" 1/ 282، 283. (¬5) "طبقات الشافعية" لابن قاضي شهبة 4/ 12، "إنباء الغمر" 7/ 21، "الضوء اللامع" 1/ 269، "ذيل تذكرة الحفاظ" (ص 244)، "شذرات الذهب" 7/ 116.

5 - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، صاحب "فتح الباري" والتآليف الجامعة النافعة (ت 852 هـ) وقد تكرر في "شرح السنن" كثيرا قول ابن رسلان: قال شيخنا ابن حجر (¬1). 6 - أحمد بن علي بن سَنْجَر، أبو العباس المارديني. سمع منه ابن رسلان "سنن الترمذي"، وابن ماجه، و"الشفا" للقاضي عياض، و"سيرة ابن هشام"، وابن سيد الناس، وغالب تصانيف الرافعي (¬2). 7 - أحمد بن محمد بن عماد المصري، ثم المقدسي الشافعي، ¬

_ (¬1) رجح د/ أحمد بن عبد القادر عزي في "رسالته" عدم سماع ابن رسلان من ابن حجر، وقال: تتبعت جميع من ترجم له في المصادر التي وقفت عليها، فلم أجد أحدًا صرّح بأنه لقيه فضلًا عن سماعه منه. فهذا السخاوي، وهو أحسن من ترجم له، ومن أقرب الناس إلى ابن حجر لم يذكره في عداد شيوخه، بل قال عند ذكره لشرح ابن رسلان على "سنن أبي داود" قال: وربما استمد فيه من شيخنا ببعض الأسئلة، ونقل عنه في باب تنزيل الناس منازلهم من الأدب بقوله: (قال شيخنا) وكذا نقل عنه في شرحه لـ"صفوة الزبد" وغيره. وهناك نص آخر يفيد بأن الرجل لم يلق ابن حجر، فقد قال السخاوي، وهو في معرض حديثه عن إعراض ابن رسلان عن الدنيا وهروبه من أمراء ذلك العصر، قال: معرضا عن الدنيا وبنيها جملة، حتى إنه لما سافر الأشرف إلى آمد، هرب يعني: ابن رسلان من الرملة إلى القدس في ذهابه وإيابه لئلا يجتمع به هو أو أحد من أتباعه، وإنْ تضمّن ذلك تفويت الاجتماع بمن كان يتمناه كشيخنا، فإنه سأل عنه رجاء زيارته، فقيل: إنه غائب، حتى صار المشار إليه بالزهد في تلك النواحي. أليس هذا النص يفيد عدم لقياه؟ ويحتمل أن يكون قد لقيه لقاء عابرًا أجازه فيه ابن حجر ببعض مؤلفاته أو مسموعاته، أو كاتبه تساؤلا عن بعض الإشكالات، فجاز له حينئذ أن يقول: قال ابن حجر. وهذه صيغة لا تفيد سماعا ولا لقيا، والله أعلم. (¬2) انظر: "الضوء اللامع" 1/ 283.

المشهور بابن الهائم، عالم بالحساب والفرائض ماهر بهما، مع حسن المشاركة في بقية العلوم، توفي سنة (815 هـ) (¬1). أخذ عنه ابن رسلان الحساب والفرائض (¬2). 8 - أحمد بن محمد بن محمد، أبو العباس الشهاب المصري، القرافي ثم المقدسي، الصوفي، يعرف بابن الناصح (ت 804 هـ) (¬3). 9 - أحمد بن ناصر بن خليفة بن فرج، أبو العباس الشهاب، المقدسي، الباعوني الناصري، الشافعي، كان قاضيًا بدمشق، وتولى خطابة جامع بني أمية، وبيت المقدس، كان شاعرًا مجيدًا وكاتبًا وخطيبًا مصقعًا (¬4). 10 - عبد الرحمن بن عمر بن رسلان الكناني، أبو الفضل الجلال البُلْقيني المصري، الشافعي (ت 824 هـ) (¬5). قرأ عليه ابن رسلان، غالب البخاري، وأذن له بالإفتاء (¬6). 11 - عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز التركماني، المعروف بأبي هريرة ابن الذهبي (799 هـ) (¬7). سمع منه ابن رسلان كثيرًا، كذا قال السخاوي (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: "طبقات الشافعية" لابن قاضي شهبة 4/ 17، "شذرات الذهب" 9/ 163، و"البدر الطالع" 1/ 117. (¬2) انظر: "الأنس الجليل" 2/ 174، "البدر الطالع" 1/ 49. (¬3) "الضوء اللامع" 2/ 205. (¬4) "إنباء الغمر" 7/ 124، "الضوء اللامع" 2/ 233، "شذرات الذهب" 7/ 118. (¬5) انظر: "إنباء الغمر" 7/ 440، "لحظ الألحاظ" (282). (¬6) انظر: "الضوء اللامع" 1/ 283، "الأنس الجليل" 2/ 174. (¬7) انظر: "الدرر الكامنة" 2/ 341، و"ذيل التقييد" 2/ 92. (¬8) انظر: "الضوء اللامع" 1/ 283.

12 - عبد الله بن خليل بن عبد الرحمن بن جلال الدين البسطامي، نزيل بيت المقدس كان له زاوية بالقدس، وله مريدون وأتباع كثر (ت 794 هـ) (¬1). 13 - عبد الله بن محمد بن محمد بن سليمان، النيسابوري الأصل ثم المكي، المعروف بالنشاوري، سمع عليه ابن حجر "صحيح البخاري" (ت 790 هـ) (¬2). 14 - عمر بن رسلان بن نصير، أبو حفص السراج الكناني العسقلاني الأصل، البلقيني المولد، المصري، وصفه ابن قاضي شهبة فقال: المحدث، الحافظ، المفسر، الأصولي، المتكلم، النحوي، اللغوي، المنطقي، الجدلي، الخلافي، النظار، شيخ الإسلام، بقية المجتهدين، منقطع القرين، فريد الدهر، أعجوبة الزمان (ت 805 هـ) (¬3). 15 - عمر بن محمد بن علي، أبو عمر الصالحي، المعروف بابن الزراتيني، أخذ عنه ابن رسلان بالرملة "موطأ مالك" رواية يحيى بن بكير (¬4). 16 - محمد بن إسماعيل بن علي القلقشندي، المصري الأصل، المقدسي، أبو عبد الله ابن أخت العلائي، الحافظ، شيخ الشافعية في وقته (ت 809 هـ) (¬5). ¬

_ (¬1) "إنباء الغمر" 3/ 130، "شذرات الذهب" 6/ 333. (¬2) "إنباء الغمر" 2/ 300، "الجواهر والدرر" 1/ 141، "شذرات الذهب" 6/ 313. (¬3) "طبقات ابن قاضي شهبة" 4/ 36، "إنباء الغمر" 5/ 107، "الضوء اللامع" 6/ 85، "ذيل التذكرة" للسيوطي (ص 369)، "لحظ الألحاظ" (ص 206)، "البدر الطالع" 1/ 506، "شذرات الذهب" 7/ 51. (¬4) انظر: "الضوء اللامع" 1/ 282، 283. (¬5) انظر: "إنباء الغمر" 6/ 41، و"الذيل التام" (48).

لازمه ابن رسلان بالقدس، وتخرج به في الفقه، وقرأ عليه "الحاوي الصغير" لعبد الغفار بن عبد الكريم القزويني قراءة بحث وحل لألفاظه. 17 - محمد بن أحمد بن عبد الرحمن القرمي، نزيل بيت المقدس، كان كثير العبادة والتلاوة مع سعة علم، مات سنة (788 هـ) (¬1). أخذ عنه التصوف، ولقنه الذكر، وألبسه الخرقة، كما روى عنه "الصحيح" أيضًا (¬2). 18 - محمد بن عبد الله بن ظهيرة بن أحمد بن عطية بن ظهيرة، الجمال أبو حامد، القرشي المخزومي، المكي، الشافعي. عالم متفنن في الفقه والحديث واللغة والتاريخ والشعر، انتهت إليه رئاسة الشافعية في بلده، ولقب بعالم الحجاز، وولي قضاء مكة، وخطابتها، ونظر الحرم والأوقاف والحسبة على الأيتام. قال ابن حجر: هو أول من بحثت عليه في علم الحديث (ت 817 هـ) (¬3). 19 - محمد بن محمد بن عبد اللطيف، أبو الطاهر، التكريتي، ثم السكندري القاهري الشافعي، المعروف بابن الكويك، محدث عالي السند، بالإجازة والسماع، أكثر الناس عنه وتنافسوا في الأخذ منه، نزل أهل مصر والقاهرة بموته درجة، وأجاز لمدركي حياته (ت 821 هـ) (¬4). 20 - محمد بن محمد بن علي الغماري المصري المالكي (ت 802 هـ)، ¬

_ (¬1) انظر: "إنباء الغمر" 5/ 161. (¬2) انظر: "الضوء اللامع" 1/ 282، 283. (¬3) "طبقات ابن قاضي شهبة" 4/ 54، "إنباء الغمر" 7/ 157، "الضوء اللامع" 8/ 92، "ذيل التذكرة" للسيوطي (ص 275)، "لحظ الألحاظ" (ص 253). (¬4) "إنباء الغمر" 7/ 341، "الضوء اللامع" 1/ 119.

نقل السيوطي عن بعض الشاميين قوله: تفرد على رأس الثمانمائة خمسة علماء بخمسة علوم: البلقيني بالفقه، والعراقي بالحديث، والغماري هذا بالنحو (¬1). أخذ عنه ابن رسلان النحو (¬2). 21 - محمد بن محمد بن الخضر، الزبيري، العيزري، الغزي، الشمس الشافعي، من العلماء المكثرين من التصنيف جدًّا في الفقه وأصوله ومصطلح الحديث، والأخلاق، والخلاف والمنطق وغيرها (ت 808 هـ) (¬3). 22 - محمد بن محمد بن مسعود الدقاق، أبو عبد الله الكازروني، نزيل مكة (801 هـ) (¬4) أخذ عنه ابن رسلان "معالم التنزيل" للبغوي، "الحاوي الصغير"، "مسند الشافعي"، "الأذكار"، "الأربعين" للنووي، "العوارف" للسهروردي (¬5). 23 - محمد القادري، الصالحي، كان منقطعًا بزاوية بصالحية دمشق، وله أتباع (ت 826 هـ) (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: "بغية الوعاة" 1/ 230، "شذرات الذهب" 9/ 35. (¬2) انظر: "الضوء اللامع" 1/ 283. (¬3) "طبقات ابن قاضي شهبه" 4/ 58، "إنباء الغمر" 5/ 344، "الضوء اللامع" 9/ 218، "البدر الطالع" 2/ 254، "شذرات الذهب" 7/ 79. (¬4) انظر: "العقد الثمين" 2/ 322، "إنباء الغمر" 4/ 84. (¬5) انظر: "الضوء اللامع" 1/ 283. (¬6) "إنباء الغمر" 7/ 38، "الضوء اللامع" 10/ 123.

المبحث السادس: تلاميذه

المبحث السادس: تلاميذه ذاع ذكر ابن رسلان في الآفاق وصار المشار إليه في الزهد في تلك النواحي، وقصد للزيارة من سائر الآفاق، وكثرت تلامذته ومريدوه، وتهذب به جماعة وعادت على الناس بركته، وشغل كلًّا فيما يرى حاله يليق به من النجابة وعدمها (¬1). ومع كثرة تلاميذه إلا إنه لم يشتهر إلا عدد قليل منهم، ولقد نقل السخاوي في "الضوء اللامع" 1/ 287 - 288 عن البقاعي أنه ادعى أن تلاميذ ابن رسلان لم ينبغ منهم غير شخص واحد هو أبو الأسباط، وذكر أن سبب ذلك أن الشيخ مع علمه وزهده كان حسن الآداب فكانوا يسيؤون أدبهم معه فعوقبوا. وردّ السخاوي هذا القول، ووصفه بأنه أذى للشيخ وإساءة أدب معه ومع خلق من الخيار الذين تتلمذوا عليه. ومن هؤلاء التلاميذ: 1 - أحمد بن إبراهيم بن نصر الله، القاضي عز الدين، أبو البركات، الكناني، العسقلاني الأصل، القاهري، الصالحي، الحنبلي القادري. كان من كبار علماء عصره. قال عنه السخاوي: أكثر من الجمع والتأليف والانتقاء والتصنيف حتى إنه قلَّ فن إلَّا وصنف فيه إمّا نظمًا وإمّا نثرًا، ولا أعلم الآن من يوازيه في ذلك، واشتهر ذكره، وبعد صيته، وصار بيته مجمعًا للكثير من الفضلاء (ت 876 هـ) (¬2). ¬

_ (¬1) "الضوء اللامع" 1/ 284. (¬2) "الضوء اللامع" 1/ 205، "شذرات الذهب" 7/ 321، "الذيل على رفع الإصر" (ص 26).

2 - أحمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أحمد، الشهاب، أبو الأسباط العامري الرملي الشافعي، يعرف بكنيته. قال البقاعي: ليس في الرملة الآن من يدانيه علمًا ودينًا وعقلًا، ووصفه بالإمام العلامة قاضي الرملة وعالمها (ت 877 هـ) (¬1). 3 - محمد بن حمد بن عثمان القاضي، المعروف بابن مزهر زين الدين. 4 - محمد بن محمد بن أبي بكر بن علي بن مسعود بن رضوان، الكمال، أبو الهناء، المرّي -بالمهملة- الشافعي. كان عالمًا متفننًا في الفقه، والحديث، والقراءات، والأصول، والعربية، والمنطق، درّس، وأفتى، وحدَّث، ونظم، وصنف، قال عنه السخاوي: كلامه متين التحقيق، حسن الفكر والتأمل فيما ينظره ويقرب عهده به، وكتابته أمتن من تقريره، ورويته أحسن من بديهته (¬2). 5 - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الكناني، البلقيني، الشافعي. 6 - محمد بن محمد بن عبيد، أبو سعد القطان (ت قبيل 870) (¬3). 7 - محمد بن محمد بن علي بن محمد، الشمس الحملي، ثم البلبيسي، القاهري، يعرف بابن العماد (ت 887 هـ) (¬4). 8 - أبو العزم الحلاوي (¬5). ¬

_ (¬1) "الضوء اللامع" 1/ 327، "شذرات الذهب" 7/ 323. (¬2) "الضوء اللامع" 9/ 64. (¬3) "الضوء اللامع" 9/ 136. (¬4) "الضوء اللامع" 9/ 162. (¬5) "الضوء اللامع" 1/ 387.

المبحث السابع: مؤلفاته

المبحث السابع: مؤلفاته: قال السخاوي: وله تصانيف نافعة في التفسير، والحديث، والفقه، والأصلين، والعربية، وغيرها (¬1). وقد ذكرت مصادر ترجمته المصنفات التالية نسوقها مرتبة حسب الموضوع الذي ألفت فيه: أولًا: في القرآن وعلومه: 1 - شرح "طيبة النشر في القراءات العشر"، في أحد عشر مجلدًا (¬2). 2 - نظم في علم القراءات فصولًا تصل إلى ستين نوعًا (¬3). 3 - نظم القراءات الثلاث الزائدة على السبعة (¬4). 4 - نظم القراءات الثلاث الزائدة على العشرة (¬5). 5 - نظم في علوم القرآن فصولًا تصل إلى ستين نوعًا (¬6)، ويحتمل أن يكون هذا هو النظم في علوم القراءات المتقدم ذكره، فإن السخاوي لم يذكر له نظمًا في علوم القراَن، وصاحب "الأنس الجليل" لم يذكر له نظمًا في علم القراءات، وذكرهما ابن العماد، فقال: له نظم في علم ¬

_ (¬1) "الضوء اللامع" 1/ 285. (¬2) "أعلام فلسطين" (ص 169). (¬3) "الضوء اللامع" 1/ 285، "شذرات الذهب" 7/ 249. (¬4) "الضوء اللامع" 1/ 285، "شذرات الذهب" 7/ 249، "أعلام فلسطين" (ص 169)، "كشف الظنون" (ص 1964). (¬5) "الضوء اللامع" 1/ 285، "شذرات الذهب" 7/ 249، "أعلام فلسطين" (ص 169)، "كشف الظنون" (ص 1964). (¬6) "شذرات الذهب" 7/ 249، "الأنس الجليل" 2/ 515.

ثانيا: الحديث وعلومه

القراءات، ونظم علوم القرآن ستين نوعًا. والله أعلم. 6 - قطع متفرقة من التفسير (¬1). 7 - له على "التنقيح" للزركشي والكرماني استشكالات، كمل منها مجلد (¬2). 8 - شرح تراجم ابن أبي جمرة (¬3). ثانيا: الحديث وعلومه: 1 - شرح "سنن أبي داود"، وهو هذا الكتاب الذي نحققه. 2 - شرح "الأربعين النووية" (¬4). 3 - شرح صحيح البخاري، وصل فيه إلى آخر الحج، قيل في ثلاثة مجلدات (¬5). 4 - "تنقيح الأذكار" (¬6). 5 - مختصر "الأذكار" للنووي (¬7)، أظنه والذي قبله كتابًا واحدًا. 6 - نظم سنده بالبخاري مع حديث من ثلاثياته، واقتصر فيه على شيخه ابن العلائي (¬8). ¬

_ (¬1) "الضوء اللامع" 1/ 285، "الأنس الجليل" 2/ 515. (¬2) "الضوء اللامع" 1/ 285. (¬3) "الضوء اللامع" 1/ 285. (¬4) "الضوء اللامع" 1/ 285، "أعلام فلسطين" (ص 169). (¬5) "الضوء اللامع" 1/ 285، "أعلام فلسطين" (ص 169)، "شذرات الذهب" 7/ 249، "كشف الظنون" (ص 554). (¬6) "الضوء اللامع" 1/ 285، "أعلام فلسطين" (ص 168). (¬7) "أعلام فلسطين" (ص 169)، "الأنس الجليل" 2/ 515. (¬8) "الضوء اللامع" 1/ 286.

ثالثا: السيرة

ثالثًا: السيرة: 1 - تعليقة على "الشفا" للقاضي عياض، اعتنى فيها بضبط ألفاظه (¬1). 2 - شرح "ألفية العراقي" في السيرة (¬2). رابعًا: في الفقه: 1 - نظم "صفوة الزبد فيما عليه المعتمد" في الفقه الشافعي (¬3)، وقد طبع عدة طبعات وشرحه أكثر من واحد، منهم محمد بن أحمد الرملي الأنصاري الشافعي الصغير، وسماه: "غاية البيان شرح زبد ابن رسلان". 2 - شرح "الزبد" شرحًا مطولًا (¬4). 3 - شرح "الزبد" شرحًا مختصرًا (¬5). 4 - تصحيح "الحاوي" (¬6). 5 - "الروضة الأريضة في قَسْم الفريضة" (¬7). 6 - اختصار "منهاج الطالبين"، وذلك بحذف الخلاف (¬8). ¬

_ (¬1) "الضوء اللامع" 1/ 285، "شذرات الذهب" 7/ 249، "أعلام فلسطين" (ص 169)، "الأنس الجليل" 2/ 515. (¬2) "الضوء اللامع" 1/ 285، "أعلام فلسطين" (ص 169). (¬3) "الضوء اللامع" 1/ 285، "أعلام فلسطين" (ص 169)، "كشف الظنون" (ص 1079)، "الأنس الجليل" 2/ 515. (¬4) "الضوء اللامع" 1/ 285، "الأنس الجليل" 2/ 515. (¬5) "الضوء اللامع" 1/ 295، "الأنس الجليل" 2/ 515. (¬6) "الضوء اللامع" 1/ 295، "الأنس الجليل" 2/ 515، "شذرات الذهب" 7/ 249، "كشف الظنون" (ص 627)، "أعلام فلسطين" (ص 169). (¬7) انظر: "هدية العارفين" 5/ 126. (¬8) انظر: "الضوء اللامع" 1/ 285، "شذرات الذهب" 9/ 362.

خامسا: أصول الفقه

7 - شرح "البهجة الوردية"، وأصلها "الحاوي"، لم يكمل واحدا منهما (¬1). 8 - مجموع يتعلق بالقضاء والشهود، وصفه السخاوي بأنه نفيس (¬2). 9 - اختصار "أدب القضاة" للغزي (¬3). خامسًا: أصول الفقه: 1 - شرح "جمع الجوامع" لعبد الوهاب السبكي، وصفه الغزي بأنه في مجلدة (¬4). 2 - شرح "منهاج الوصول" للبيضاوي في مجلدين (¬5). 3 - شرح "مختصر ابن الحاجب" (¬6). سادسًا: اللغة العربية: 1 - شرح "ملحة الإعراب" للحريري (¬7). 2 - إعراب "الألفية" (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: "الضوء اللامع" 1/ 285، "الأنس الجليل" 2/ 175، "كشف الظنون" 1/ 627. (¬2) انظر: "الضوء اللامع" 1/ 285. (¬3) انظر: "الضوء اللامع" 1/ 285. (¬4) انظر: "وجيز الكلام" 2/ 571، "كشف الظنون" 1/ 596. (¬5) انظر: "الضوء اللامع" 1/ 285، "الأنس الجليل" 2/ 174، "البدر الطالع" 1/ 51. (¬6) انظر: "الأنس الجليل" 2/ 174، "كشف الظنون" 2/ 1856. (¬7) انظر: "الضوء اللامع" 1/ 285، "الأنس الجليل" 2/ 175، "كشف الظنون" 2/ 1817. (¬8) انظر: "الأنس الجليل" 2/ 174، "شذرات الذهب" 9/ 363، "كشف الظنون" 1/ 154.

سابعا: التراجم

سابعًا: التراجم: - " طبقات فقهاء الشافعية" (¬1). ثامنًا: أخرى: 1 - اختصار "حياة الحيوان" للدميري مع زيادات فيه لقطعة من النباتات (¬2). 2 - شرح "مقدمة الزاهد" (¬3). 3 - "سطور الأعلام" (¬4). * * * المبحث الثامن: مكانته العلمية وثناء العلماء عليه: تقدم ذكر الكثير مما قاله العلماء في ابن رسلان ومكانته العلمية، ونزيد هنا بعضًا مما قاله فيه معاصروه من أهل العلم المنصفين ممن خَبروا حاله، وشاركوه في فنه، وفحصوا عنه، وكذا من يأتي بعدهم ممن سار على هدْيِهم بعلم وإنصاف. قال المقريزي: الفقيه الشافعي، المحدث، المفسر، لم يخلف بتلك الديار بعده مثله علما ونسكا (¬5). وقال ابن قاضي شهبة: كان جامعا بين العلم والعمل والزهد (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: "الضوء اللامع" 1/ 285، "شذرات الذهب" 9/ 363. (¬2) انظر: "الضوء اللامع" 1/ 285، "طبقات المفسرين" 1/ 39، "شذرات الذهب" 9/ 362. (¬3) انظر: "هدية العارفين" 5/ 126. (¬4) انظر: "هدية العارفين" 5/ 126. (¬5) "السلوك" (12/ 1235). (¬6) "الضوء اللامع" 1/ 287.

وقال ابن تَغْرِي بَرْدِي: وكان إماما، بارعا، صالحا، عالما بالفقه، والحديث، والتفسير، وغير ذلك (¬1). وقال السخاوي: ولا زال يدأب ويكثر المذاكرة، والملازمة للمطالعة، والاشتغال، مقيما بالقدس تارة، وبالرملة أخرى حتى صار إماما، علامة، متقدما في الفقه وأصوله، والعربية، مشاركا في الحديث، والتفسير، والكلام، وغيرها (¬2). وكان العلاء البخاري يعظم ابن رسلان حتى إنه كان يصب عليه من الإبريق عند غسله يديه، وقال له ابن أبي الوفاء: والله ما في هذِه البلاد مثله. فقال العلاء: والله ولا في مصر مثله وكررها كثيرًا (¬3). وقال العليمي: الشيخ الإمام، الحَبْر العالم، العارف بالله تعالى، ذو الكرامات الظاهرة، والعلوم والمعارف (¬4). وقال ابن العماد: الشيخ الإمام، العالم، الصالح، القدوة (¬5). وقال عبد الرحمن بن الغزي: الشيخ الإمام، الحبر، الفقيه، الولي الزاهد (¬6). وقال العظيم آبادي: الإمام العلامة المحدث البارع، جمال الإسلام صدر الأئمة الأعلام (¬7). ¬

_ (¬1) "المنهل الصافي" 1/ 287. (¬2) "الضوء اللامع" 1/ 283. (¬3) "الضوء اللامع" 1/ 284، 285. (¬4) "الأنس الجليل" 2/ 174. (¬5) "شذرات الذهب" 9/ 362. (¬6) "ديوان الإسلام" 1/ 182. (¬7) "غاية المقصود" 1/ 23.

المبحث التاسع: وفاته

وقال صاحب "الأنس الجليل": الشيخ الإمام الحبْر العالم العارف بالله، ذو الكرامات الظاهرة، والعلوم والمعارف (¬1). هذا مجمل أقوال بعض العلماء في الثناء عليه، ويُلْحَظُ في هذِه الأقوال عدة ملحوظات: 1 - وصف ابن رسلان بالإمامة والعلم، وتعداد مجموعة من الفنون التي علا كعبه فيها وهي الفقه، والحديث، والتفسير. 2 - دأبه ونشاطه، وتعبه في التحصيل والطلب، إلى أن تبوأ مكانا علِيًّا بين علماء زمانه. 3 - الإشارة إلى أنه مع تأليفه في النثر، فقد كان له شعر ونظم. 4 - الجمع بين التنويه بعلمه وعمله الصالح في غالب أقوال من ذكره، مع الإشارة إلى أنه كان قدوة في ذلك. 5 - تجاوز بعضهم في الثناء عليه، كقول من قال: لم يخلّف بتلك الديار مثله. أو: إنه فريد وقته. فهذِه الأقوال في نظري خرجت مَخْرَج المبالغة، والله أعلم. * * * المبحث التاسع: وفاته: أجمعت المصادر التي ترجمت له على أن وفاته كانت سنة (844 هـ)، وأن مكانها هو القدس بمسكنه بالزاوية الختنية. لكنهم اختلفوا في اليوم والشهر الذي توفي فيه، فمن قائل أنها في شعبان، ومن قائل أنها في رمضان. ¬

_ (¬1) "الأنس الجليل" 2/ 515.

فقد أرخ وفاته في شعبان: المقريزي (¬1)، ومجير الدين العليمي (¬2)، والداودي (¬3)، وغيرهم. وأرخ وفاته في رمضان: ابن تغري بردي (¬4)، وكذا السخاوي (¬5)، وابن العماد (¬6). والراجح أن وفاته في شعبان، فقد أثبت ذلك جمهور العلماء. أمّا اليوم فليس فيه كبير خلاف فبين الثاني عشر والرابع عشر قرب. ولما تسامع الناس خبر وفاته ارْتجَّ بيت المقدس بل غالب البلاد لموته، وصُلِّي عليه بالجامع الأزهر وغيره صلاة الغائب، كذا قال السخاوي (¬7)، كما صُلِّي عليه بالجامع الأموي، قاله ابن قاضي شهبة. وحدَّد اليوم بالجمعة رابع رمضان. قال السخاوي: وهذا يؤيد أن موته في شعبان (¬8). وقد دُفِن غرب القدس خارج البلد بمقبرة "مَامُلَّا" إلى جنب أبي عبد الله القرشي (¬9)، رحمه الله تعالى. ¬

_ (¬1) "درر العقود" 2/ 291. (¬2) "الأنس الجليل" 2/ 175. (¬3) "طبقات المفسرين" 1/ 39. (¬4) في "المنهل الصافي" 1/ 288. (¬5) في "الضوء اللامع" 1/ 287. (¬6) في "شذرات الذهب" 9/ 363. (¬7) في "الضوء اللامع" 1/ 287. (¬8) "الضوء اللامع" 1/ 287. (¬9) انظر: "الضوء اللامع" 1/ 287، "الأنس الجليل" 2/ 175.

الفصل الثاني المدخل إلى شرح ابن رسلان لـ "سنن أبي داود"

الفصل الثاني المدخل إلى شرح ابن رسلان لـ "سنن أبي داود" وفيه مباحث: المبحث الأول: اسم الكتاب وإثبات نسبته إليه. المبحث الثاني: المكانة العلمية للشرح. وفيه مطالب: المطلب الأول: أقوال العلماء على الشرح. المطلب الثاني: تقويم الشرح وبيان مميزاته وما أخذ عليه. المطلب الثالث: المقارنة بينه وبين شروح "سنن أبي داود" التي سبقته. المطلب الرابع: مدى استفادة المتأخرين منه. المبحث الثالث: منهج ابن رسلان في شرحه. وفيه مطالب: المطلب الأول: رواية "السنن" التي اعتمدها ابن رسلان في شرحه. المطلب الثاني: مصادر الشارح في الكتاب ومنهجه في الاستفادة منها وفيه مسألتان: المسألة الأولى: مصادر الشارح في الكتاب. المسألة الثانية: منهجه في الاستفادة من مصادره. المطلب الثالث: منهجه في تقرير مسائل العقيدة. المطلب الرابع: الصنعة الحديثية كما أشار إليها المصنف وفيه مسائل: أولًا: دقائق الإسناد وضبط ما قد يشكل من الأسماء.

المبحث الأول: اسم الكتاب وإثبات نسبته إليه

ثانيًا: التنبيه على صحة الحديث أو حسنه أو ضعفه. ثالثًا: بيان صواب ما تختلف فيه النسخ. المطلب الخامس: الناسخ والمنسوخ. المطلب السادس: فقه الحديث. المطلب السابع: مباحث اللغة. المطلب الثامن: اللطائف والفوائد التربوية. * * * المدخل إلى شرح ابن رسلان لـ "سنن أبي داود" المبحث الأول: اسم الكتاب وإثبات نسبته إليه: قال المصنف في مقدمة الكتاب: فهذِه نبذة مهمة في شرح سنن أبي رحمه الله. وقد جاءت تسميته في عناوين المخطوطات مطابقة لهذا بلفظ: "شرح أبي داود" أو "شرح السنن" ولم يزيدوا على ذلك. ولا خلاف بين أهل العلم بتسميته "شرح سنن أبي داود". ومما يؤكد على أن شرح سنن أبي داود من تأليف ابن رسلان: 1 - إجماع المصادر التي ترجمت له عصرًا بعد عَصْرٍ إلى يومنا، على أن هذا الشرح من عمل ابن رسلان وجهده، فمعاصروه (¬1) شهدوا له بذلك، ومَنْ جاء بعده من تلاميذه (¬2) نَوَّه بذلك، والمتأخرون (¬3) عنه مِنْ كل قَرْنٍ ¬

_ (¬1) مثل المقريزي في "درر العقود" 1/ 291. (¬2) مثل الغزي في "بهجة الناظرين" (ق 85 أ)، والبقاعي في "عنوان الزمان" (ق 9 أ). (¬3) مثل السخاوي في "الضوء اللامع" 1/ 285، وابن العماد في "شذرات الذهب" =

المبحث الثاني: المكانة العلمية للشرح

تقريبا نصُّوا على ذلك. 2 - جزم أهل العلم كالشوكاني، وشمس الحق العظيم آبادي، وغيرهما عند النقل منه على نسبة الشرح لابن رسلان، ووجود تلك النقول فيه. 3 - اتفاق عناوين نسخ الشرح على أن المصنف للشرح هو ابن رسلان. كل ذلك يؤكد على أن شرح سنن أبي داود من تصنيف ابن رسلان الرملي، والله أعلم. * * * المبحث الثاني: المكانة العلمية للشرح: وفيه مطالب: المطلب الأول: أقوال العلماء على الشرح: لم يتناول أحد من العلماء المعاصرين لابن رسلان والذين جاؤوا بعده من المتأخرين وتلاميذه شرح ابن رسلان مفصلا له ولمنهجه في الشرح، وما قيل عنه سوى كلمات تصفه وصفا مختصرًا، ومن ذلك: قال المقريزي: وصنف شرحًا كبيرًا لسنن أبي داود في أحد عشر مجلدة بخطه (¬1). وقال البقاعي: له تصانيف كثيرة نافعة من أجلها شرح سنن أبي داود في إحدى عشر مجلدًا (¬2). وقال المناوي: من تصانيفه النافعة شرح سنن أبي داود (¬3). ¬

_ = 9/ 362، والشوكاني في "البدر الطالع" 1/ 51، وانظر: "هدية العارفين" 5/ 126، و"معجم المؤلفين" 1/ 128. (¬1) "درر العقود" 2/ 291. (¬2) "عنوان الزمان" (9 أ). (¬3) "الكواكب الدرية" (286 ب).

المطلب الثاني: تقويم الشرح وبيان مميزاته وما أخذ عليه

وقال شمس الحق العظيم آبادي: وشرح على "السنن" لأبي داود شرحا حافلا لم تكحل مثله العيون، طالعت قطعة منه فوجدته شرحا جيدًا (¬1). وسيأتي مزيد تفصيل في المطالب التالية. المطلب الثاني: تقويم الشرح وبيان مميزاته وما أخذ عليه: أولًا: مميزات الشرح 1 - أنه أقدم شرح يصل إلى أيدينا مستقصيًا جميع أحاديث "السنن". 2 - اعتماد المصنف على أكثر من نسخة لسنن أبي داود وبيان الفروق بينها مما أثرى عمله في الشرح. 3 - كثرة مصادره التي جمع منها مادة الشرح، من كتب السنة والتفسير والفقه واللغة وغيرها، فحفظ لنا نصوصًا وفوائد كثيرة من كتب لم تصلنا إلى اليوم. 4 - أنه شرح الحديث شرحًا مزجيًا، فتضمن شرحه جميع ألفاظ أحاديث السنن، واهتم باللغة كثيرا وما يتعلق بها من شرح الغريب، والإعراب، وإيراد الشواهد الكثيرة. 5 - تخريجه لكثير من الأحاديث المشروحة وإيراد شواهدها ومتابعاتها، وبيان درجتها. 6 - عنايته بالتعريف بالرواة، وبيان نسبهم وأنسابهم. 7 - اهتمامه بتوضيح المشكل، والجمع بين الروايات المتعارضة. 8 - عنايته بأهم الآراء والأقوال الفقهية دون انحصار في المذاهب ¬

_ (¬1) "غاية المقصود" 1/ 47.

ثانيا: أهم المآخذ على الكتاب

الأربعة، بل ذكر أقوال العلماء ابتداءً من الصحابة إلى عصره. ويلاحظ في ذلك اعتداله وإنصافه مع المذاهب الأخرى والبعد عن الشطط والاعتساف. 9 - عنايته ببيان مآخذ العلماء من الحديث، وما اشتمل عليه الحديث من فقه وعلم يصلح دليلًا لأقوال العلماء ومذاهبهم. 10 - عنايته باللطائف والفوائد التربوية للعامي والعالم والمتعلم، وكذا تنبيهه على أخطاء أهل عصره ومحاولة تصحيحها. 11 - توسطه في الشرح فليس بالطويل الممل ولا المختصر المخلّ. إن هذِه المميزات وغيرها كثير لا نجدها مجتمعة في غيره من شروح سنن أبي داود. ثانيًا: أهم المآخذ على الكتاب: برغم المميزات التي ذكرناها للشرح، إلا أنه لا يخلو من عيوب ومآخذ عليه، ومن أهمها: 1 - كثرة الأوهام في تمييز الرواة، وعدم العناية بالمختلف فيهم. والحقيقة أن هذِه الأوهام قد لا تكون كلها منه، فبعض المواضع التي فيها نسخ كثيرة للكتاب توجد هذِه الأوهام في بعضها وتقل في الأخرى، مما يدل على أن بعض النُّساخ زادوا من الأوهام التي تؤخذ على المصنف، وعموما قد نبهنا عليها في الحاشية. وهذا من أهم ما يجده مطالع هذا الشرح من مآخذ: - الخطأ في رواة "السنن" أعني رجال إسناد أحاديث "السنن" والوهم في ذلك، ما بين خطأ في اسم الراوي أو نسبه أو كنيته أو في ترجمته، أو بعض هذا مجتمعًا وأحيانًا في كل ما ذكرنا، وأحيانًا يقع الخطأ مركبًا في الراوي ومن بعده تبعًا.

ونذكر أمثلة ونماذج من هذِه الأخطاء والأوهام على سبيل المثال لا الحصر: فمن ذلك أن يقع الخطأ والوهم في نسبة الراوي أو نسبه أو في تعيينه، ومن أمثلة ذلك ما قاله في شرح حديث (16): (ثنا عثمان وأبو بكر ابنا أبي شيبة) جدهما محمد بن أبي شيبة ... كذا قال الشارح رحمه الله، وهو خطأ، صوابه: أبوهما محمد بن أبي شيبة ... ، فهو أبوهما وليس جدهما. وكذلك قوله في شرح الحديث التالي (17): (ثنا سعيد) بن إياس الجريري. وهو وهم؛ فالصواب أنه ابن أبي عروبة العدوي، كذا رواه مصرحًا باسمه ونسبه ابن ماجه (350)، والسراج في "مسنده" (20) وغيرهما، وابن أبي عروبة هو الذي يروي عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى، ويروي عنه قتادة، كما في ترجمته من "تهذيب الكمال" 11/ 5 - 7. كذلك في شرح حديث (26): (ثنا إسحاق بن سويد) العدوي التميمي. كذا نسبه الشارح وهو خطأ، إنما هو إسحاق بن إبراهيم بن سويد البلوي، هو الذي يروي عن سعيد بن الحكم بن أبي مريم، وعنه أبو داود، كما في ترجمته من "تهذيب الكمال" 2/ 365 - 366. وكذلك في شرح حديث (39): (عن يحيى بن أبي عمرو) أبي زرعة الشيباني بالشين المعجمة. كذا قال الشارح رحمه الله وهو خطأ؛ صوابه: السيباني بالسين المهملة، كما في "الإكمال" 5/ 111، و"الأنساب" 3/ 379. وكذلك قوله في شرح حديث (61): (قال: ثنا وكيع، عن سفيان) ابن

عيينة (عن) عبد الله بن محمد (بن عقيل). وتعيين الشارح هنا سفيان بأنه ابن عيينة خطأ؛ إنما هو الثوري. وكذلك في شرح حديث (80): (ثنا يحيى) القطان (عن عبيد الله) بن أبي زياد. كذا قال، وهو خطأ؛ فالصواب أنه ابن عمر بن حفص بن عاصم؛ فابن أبي زياد لم يرو عن نافع. وكذلك في شرح حديث (85): قال: (ثنا وهيب) بن الورد المكي الزاهد (عن داود) بن عبد الله الأودي. كذا قال وهو خطأ ووهم مركب؛ فوهيب هنا هو ابن خالد الباهلي، وشيخه داود هو ابن أبي هند. وكذلك في شرح حديث (433): (قال: ثنا جرير) بن حازم. وهو وهم فجرير في هذا الحديث هو ابن عبد الحميد. وكذلك في شرح حديث (633): (قال: ثنا يحيى بن أبي بكير) النخعي الكوفي، حدث بمصر. كذا قال الشارح رحمه الله، وهو خطأ بين؛ فيحيى بن أبي بكير هنا هو ابن أسيد العبدي القيسي، أما النخعي هذا فهو راوٍ مستور لم يخرج له أبو داود أو أحد من الستة، وانظر: "تهذيب الكمال" 31/ 245 - 248. وكذلك قوله في شرح حديث (647): (. . . عن عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري أحد الأعلام (أن بكيرًا) الطائي الضخم (حدثه أن كريبًا. . .). كذا قال وهو خطأ؛ فبكير هنا هو ابن عبد الله بن الأشج الثقة، ليس هو الطائي الضخم، فهذا مقبول رمي بالرفض، هما نعم يرويان عن كريب،

لكن عمرو بن الحارث لا يروي إلا عن ابن الأشج، وانظر "تهذيب الكمال" 4/ 242، وقد روى الحديث أحمد في "مسنده" 1/ 304 مصرحًا باسمه ونسبه أنه ابن عبد الله بن الأشج كما قلنا. وكذلك قوله في شرح حديث (1216): (حدثنا جعفر بن عون). . . (عن هشام بن سعد) الطالقاني ثقة عابد. وهو وهم، والصواب أنه هشام بن سعد المدني أبو عباد مولى آل أبي لهب، وهو ضعيف، وهو من شيوخ جعفر بن عون، وجعفر لا رواية له عن هشام الطالقاني، انظر "تهذيب الكمال" 5/ 70 - 71، 30/ 202 - 210. وكذلك قوله في شرح ذيل حديث (1236): (قال المصنف: روى أيوب) السختياني (وهشام) بن عروة (عن أبي الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس. وتعيينه هشام أنه ابن عروة وهم جلي، فهو هنا ابن أبي عبد الله الدستوائي، هكذا جاء معينًا منسوبًا في "مسند أحمد" 3/ 374، و"مسند أبي عوانة" 2/ 88 (2419)، و"سنن البيهقي " 3/ 258. وكذلك في شرح حديث (1405): (. . . ثنا ابن وهب، ثنا أبو صخر) يزيد بن أبي سمية الأيلي. وهذا خطأ؛ فيزيد بن أبي سمية الأيلي لم يرو له أبو داود غير حديث واحد يأتي برقم (4095)، وأبو صخر هنا هو حميد بن زياد المدني. "تهذيب الكمال" 7/ 366. وكذلك في شرح الحديث (2051): (عن عمرو بن شعيب عن أبيه) شعيب بن محمد (عن جده) محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص. كذا قال والمعروف المشهور أن عمرو بن شعيب يروي عن أبي عن

جده، أي جد أبيه، وهو عبد الله بن عمرو بن العاص. وكذلك قوله في شرح حديث (2622): (. . . قال: سمعت ابن أبي حكم) بفتح الحاء المهملة والكاف، لم يعرف اسمه، وقيل: اسمه الحسن، وقيل: عبد الكريم. كذا في جميع النسخ، وهو خطأ صوابه: عبد الكبير. "تهذيب الكمال" 34/ 435. وقد يكون هذا الوهم مما تواردت عليه النسخ، وقد يكون من الناسخ، والله أعلم. وقريب من هذا ما جاء في شرح حديث (3547): (حدثنا أبو كامل، حدثنا خالد بن الحارث) الجهيمي. كذا في النسخ، وصوابه: الهجيمي، بتقديم الهاء. "تهذيب الكمال" 8/ 36. وكذلك قوله في شرح حديث (3584): (ثنا) عبد الله (بن المبارك، عن أسامة بن زيد) بن أسلم المدني مولى عمر - رضي الله عنه -، قال النسائي وغيره: ليس بالقوي. قال ابن سعد: توفي زمن المنصور (عن عبد الله بن رافع. . .). وفيما قاله وهم، فالصواب أن أسامة بن زيد هنا هو الليثي، أبو زيد المدني، وهو الذي قال فيه النسائي وغيره: ليس بالقوي. وكلاهما يروي عنه عبد الله بن المبارك، لكن الليثي فقط هو من يروي عن عبد الله بن رافع. انظر "تهذيب الكمال" 14/ 486. وكذلك في شرح حديث (3596): (. . . أن عبد الرحمن بن أبي عمرة) اسمه عبد الرحمن. كذا في النسخ، والصواب: أن اسمه عمرو. انظر: "تهذيب الكمال"

17/ 318. ونحو هذا في شرح حديث (3606): (ثنا) يحيى (ابن أبي زائدة) خالد الهمداني. كذا في النسخ، والصواب أن اسمه ميمون الهمداني. انظر: "تهذيب الكمال" 31/ 305 (6826). وكذلك في شرح حديث (3713): (حدثنا أبو معاوية) شيبان بن عبد الرحمن المؤدب النحوي التميمي مولاهم البصري (عن) سليمان بن مهران (الأعمش. . .). كذا في النسخ وهو خطأ، والصواب أن أبا معاوية هنا هو: محمد بن خازم الضرير، وانظر ترجمتيهما في "تهذيب الكمال" 12/ 592، 25/ 123. وفي شرح حديث (3782): (حدثنا) عبد الله بن محمد بن قعنب (القعنبي، عن مالك. . .). وهو في كل النسخ الخطية، والصواب أنه عبد الله بن مسلمة، كما هو معروف مشهور، وقد وقع هذا الوهم بعينه للمصنف في مواضع تترًا في الشرح. وكذلك في شرح حديث [3867] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أحمد بن إسحاق) الأهوازي البزاز، صدوق. وهو خطأ، فالأهوازي البزاز هذا شيخ أبي داود، وأما شيخ عثمان بن أبي شيبة فهو: أحمد بن إسحاق بن زيد الحضرمي وهو ثقة. وكذلك في شرح حديث (3933): (حدثنا أبو الوليد) سليمان بن داود بن الجارود (الطيالسي. . .).

كذا في النسخ، وهو وهم، فالصواب أنه هشام بن عبد الملك، لا سليمان بن داود. انظر: "تهذيب الكمال" 30/ 226. - وهناك ضرب ثانٍ، ألا وهو أن يكون الوهم أو الخطأ في ترجمته للراوي أو في ثنايا ذكره شيئًا عنه، أو يخلط بينه وبين راوٍ آخر، ومن أمثلة ذلك: قوله في شرح حديث (23): (ثنا حفص بن عمر) الضرير ولد أعمى، قال أبو حاتم: صدوق يحفظ عامة حديثه. عالم بالفرائض والشعر وأيام الناس والفقه. كذا قال رحمه الله وكذا في كل النسخ الخطية، وهو وهم؛ فحفص بن عمر هنا هو ابن الحارث بن سخبرة، أبو عمر الحوضي البصري، قال أحمد: ثبت ثبت متقن. وكلاهما يروي عنه أبو داود، لكن ابن الحارث وحده هو الذي يروي عن شعبة، كما في تكملة إسنادنا في هذا الحديث. "تهذيب الكمال" 7/ 26 - 28. فتجده هنا قد خلط بين راوٍ وآخر، وفي ترجمته تباعًا يأتي الوهم. وقوله في شرح حديث (32): (عن عبد الرحمن ابن حسنة) أخو شرحبيل بن حسنة، وحسنة أمهما مولاة لعمرو بن حبيب بن حذافة. كذا في جميع النسخ، وصوابه: لمعمر. لا: لعمرو. وكذلك قوله في شرح حديث (3349): (. . . عن مسلم بن يسار) بمثناة ثم مهملة الهلالي، مولى ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، أخو عطاء بن يسار وعبد الملك بن يسار وعبد الله بن يسار. كذا قال رحمه الله وترجم لمسلم هذا، ومن قوله: (الهلالي) إلى آخره وهم مركب، ليس في نسب مسلم بن يسار ولا ترجمته، مسلم بن يسار

بصري ثم مكي، وعطاء وأخواه هلاليون مدنيون، وهو ليس أخوهم البتة. انظر: "تهذيب الكمال" 20/ 125. وكذلك قوله في شرح حديث (3398): (قال أبو داود: هكذا رواه شعبة ومفضل بن مهلهل) بفتح الهاء، ابن السعدي الكوفي، روى له مسلم [وولي خراسان سنة 85 فافتتح باذغيس]. كذا قال الشارح والعبارة فيما بين المعقوفين ليست في ترجمة مفضل بن مهلهل، إنما في المفضل بن المهلب. انظر: "تهذيب التهذيب" 9/ 196. وكذلك قوله في شرح حديث (3639): (قال: حدثني أبي عبد الرحمن بن الحارث) بن هشام بن المغيرة المخزومي، رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يحفظ عنه، كان ابن عشر سنين حين قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أحد من ندبهم عثمان لكتابة المصحف. كذا ترجم الشارح رحمه الله هنا لعبد الرحمن بن الحارث، والترجمة كلها وهم، وحقها أن يكون محلها: بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، قال ابن معين: صالح. وقال أبو حاتم: شيخ. وقال النسائي: ليس بالقوي. ووثقه ابن سعد وابن حبان. فالحارث بن هشام بن عبد الله هو من يروي عنه ابنه، ويروي هو عن عمرو بن شعيب كما في إسناد هذا الحديث، أما ابن هشام بن المغيرة، وإن كان يروي عنه ابنه، واسمه كذلك المغيرة -ولعل هذا ما أوقع المصنف الشارح في هذا الوهم- لكن لا رواية له عن عمرو بن شعيب. انظر ترجمتيهما في: "تهذيب الكمال" 17/ 37، 39 (3787، 3788). - وضرب ثالث وهو أن يهم المصنف في ذكر تاريخ وفاة الراوي:

من ذلك ما وقع له في شرح حديث (7): (عن حضين). . . (بن المنذر) كنيته أبو ساسان. . . مات سنة 99. والصواب أن وفاته سنة 97. انظر: "تهذيب الكمال" 6/ 560، "الكاشف" (1149). وكذا وهم أثناء شرحه حديث (32) وهو يترجم لشيخ أبي داود (محمد بن آدم بن سليمان المصيصي) فذكر أنه توفي سنة 245، كذا في بعض النسخ، وفي بعضها غير ذلك، خطأ أيضًا، والصواب أنه في سنة 250. وننوه على أنه فيما ذكرناه هذا كانت تتفق كل النسخ الخطية التي بحوزتنا -وهي بين الثلاث إلى الست- على هذِه الأوهام والأخطاء، بما لا يدع مجالًا لأدنى شك أو ريب أن الأوهام فيها هي من المصنف الشارح رحمه الله، سيما مع كثرتها وتكرارها، بحيث أني لو قلت أننا لو أردنا حصرها جميعًا وجمعها والإتيان عليها من أول الشرح إلى آخره، لخرجت في مجيلد صغير، لو قلت هذا لم أكن مبالغًا أو مزايدًا، وذلك لكثرتها وانتشارها وتكرارها في الشرح، لكن هذا ما اتسع الوقت والمقام لذكره وإيراده على سبيل المثال لا الحصر، والله الموفق والمعين. ولا يفوتني أن أنبه القارئ الكريم أن منهجنا في إثبات الصواب وتقويم هذِه الأخطاء اختلف من موضع لآخر، فكنا نذكر الكلام في صلب الكتاب على الصواب والجادة، وننوه في الحاشية على ما وقع من وهم في النسخ الخطية، وهذا الغالب، وكنا في بعض الأحايين نترك الكلام في صلب الكتاب على حاله بما فيه من وهم، مضطرين إلى ذلك، لطول ما ذكره على الخطأ مثلًا في ترجمة راوٍ ما، فكان من الصعب استبدال سطرين أو ثلاثة ذكرها الشارح وهمًا في ترجمة راوٍ واستبدالها بمثلها أو أقل أو

أكثر، وما إلى ذلك. وأحيانًا ما كانت تختلف النسخ الخطية في أسماء الرواة أو أنسابهم أو تاريخ وفاتهم، أو غير ذلك مما له تعلق بترجمة بعض الرواة، أو يحدث سقط في بعضها، أو تحريف ما. من ذلك ما وقع في شرح حديث (31): . . . عن عبد الله بن أبي قتادة أبي إبراهيم. ولفظة (أبي) بين قتادة وإبراهيم سقطت من (ص، س، ل)، وفي (ظ، م): (بن)، والصواب (أبي) كما في مصادر ترجمته، انظر: "تهذيب الكمال" 10/ 440 - 442. ومثله ما وقع في شرح حديث (33): (عن أبي معشر) زياد بن كليب التميمي الكوفي. و(التميمي) هذِه سقطت من (ص، س، ل)، وفي (د، ظ، م): (التيمي) بميم واحدة، والصواب: (التميمي) بميمين، انظر: "التاريخ الكبير" 3/ 367، "تهذيب الكمال" (2065). وهذا أيضًا وقع كثيرًا، وكان المنهج فيه إثبات الصواب في صلب الكتاب من النسخ التي ذكرته، وذكر ما في النسخ الأخرى في الحاشية. هذا ومن الجدير بالذكر ولفت النظر إليه أن هذِه الأوهام كثرت في أول الكتاب وآخره، وقلت في أواسطه، فتجدها كثيرة متكررة في المجلدات من الأول وحتى التاسع أو العاشر، ثم تقل بعد ذلك، على أن تعود وتكثر ثانية من السادس عشر أو السابع عشر وحتى نهاية الكتاب، والله أعلم. ومما له تعلق بما وقع للشارح في أمر الرواة وتراجمهم، وله صلة بذلك، ننبه أيضًا على أنه في جل كتاب الحج والمناسك من هذا السفر،

جاء الحديث في كل النسخ معلقًا، قد يسقط منه شيخ أبي داود، أو شيخه وشيخ شيخه، وكثيرًا يسقط منه أكثر من ذلك، وكثيرًا ما يذكر الصحابي فقط من الإسناد ثم المتن، وكان أول حديث بدأ فيه هذا حديث (1835) وقد نوهنا على ما ذكرناه هنا في هذا الموضع، ولا ندري أكان هذا من صنع الشارح رحمه الله، أم من صنع النسَّاخ، والله أعلم. 2 - ومن المآخذ على هذا الشرح: عدم تصريحه بالرواية التي اعتمدها، وكذا الروايات الأخرى التي يشير إليها أحيانا. 3 - اعتماده على النقل كثيرًا دون نسبة النقول إلى أصحابها لا سيما كتب النووي، وابن حجر فقد تبطن بعض ما ألفا في الشرح. 4 - نقله بالواسطة كثيرًا من الشروح ودواوين الفقه دون الرجوع إلى مصادرها الأصلية لاسيما المذهب الحنفي مما يوقعه في الخطأ، وقد نوهنا على ذلك في الحاشية. 5 - سكوته أحيانا عن تعقب بعض الأقوال التي لا يسوغ السكوت عنها، وسوقه الرؤى والمنامات في باب الأحكام. 6 - احتجاجه أحيانا بالأحاديث الضعيفة والمنكرة، بل والموضوعة، والاستدلال بها، واستنباط الحكم منها. 7 - تركه تخريج تعليقات أبي داود، وعدم الالتفات إليها. 8 - سكوته عن بيان درجة معظم الأحاديث مع أنه اشترط على نفسه الحكم عليها في مقدمة الشرح. 9 - تناقضه أحيانًا بتضعيف حديث في موضع والاحتجاج به في موضع آخر. 10 - سكوته عن حال كثير من الرواة مع وجود الحاجة الماسة لذلك

المطلب الثالث: المقارنة بينه وبين شروح "سنن أبي داود" التي سبقته

أحيانا، واعتماده على التوثيق غالبًا. 11 - اضطرابه في المسائل العقيدية، فتارة يوافق أهل السنة والجماعة، وطورًا يخالفهم موافقا أهل التأويل. هذا أهم ما يؤخذ عليه، ولا شك أن تلك العيوب تسلبه جزءًا من أهميته، ولكن له ميزاته التي لا يمكن أن تهمل، وسبحانه تعالى له الكمال وحده، وما يخلو جهد بشري من نقص. * * * المطلب الثالث: المقارنة بينه وبين شروح "سنن أبي داود" التي سبقته: ذكرنا في القسم الأول أهم الشروح التي شرحت سنن أبي داود وبينَّا مناهجها وخصائصها وما تميزت به عن الشروح الأخرى، ونتناول في هذا المطلب إن شاء الله أهم ما يميز شرح ابن رسلان للسنن عن الشروح الأخرى السابقة عليه: أولًا: معالم "السنن" للإمام الخطابي (ت 380 هـ): وهو من أقدم شروح السنن، وقد اعتمد رحمه الله في شرحه رواية ابن داسه للسنن، نحى فيه الخطابي طريق الإيجاز فاقتصر على شرح ما يستغلق من ألفاظ، والإشارة لبعض المسائل الفقهية والآراء، وقد سكت عن كثير من الأحاديث أثناء الشرح، وربما ذلك راجع لسهولة ألفاظ الأحاديث، وعدم وجود ما يشكل فيها، أو تناول ما فيه في الأحاديث التي قبله. وبالجملة فقد اختص الخطابي رحمه الله في شرحه بجزالة الأسلوب ودقة الاستنباط واستخراج الدلالات، وقد أولى الغريب وما استغلق من الألفاظ عناية كبيرة. أما ابن رسلان فقد كتب شرحه قبل (844 هـ) ولم يعتمد في شرحه على

رواية واحدة، ولا شك أنه استفاد ونقل من شرح الخطابي، إلا أنه استفاض في النقل عن الخطابي رحمه الله وتناول معظم ما يحتاجه القارئ في شرح الحديث من لغة وشرح غريب، وإعراب، وضبط لأسماء الرجال، ولمتن الحديث، وإبراز اللطائف، واستنباط الأحكام الفقهية، وبيان درجة الحديث، واختلاف النسخ. .، وغير ذلك. وبالرغم من أنه أحاط بجوانب حديثية ولغوية وفقهية وتربوية كثيرة، إلا أنه كان كلًّا على من كان قبله، ولم يأت بشيء من زنده غالبًا. ثانيًا: تهذيب سنن أبي داود للمنذري (ت 656 هـ): كتبه رحمه الله معتمدًا على رواية اللؤلؤي، وقد أحسن في اختصاره وتهذيبه وعزو أحاديثه وإيضاح علله، إلا أنه لم يتناول جميع الأحاديث بالشرح. وقد استفاد منه المصنف رحمه الله في شرحه. ثالثًا: تهذيب الإمام ابن القيم (ت 751 هـ): وهو أشبه ما يكون بحاشية على تهذيب سنن أبي داود للمنذري، اقتصر في أكثر مباحثه على بعض الإشكالات في بعض المتون، وبيان علل لم يذكرها المنذري ولا غيره، وزيادة تصحيح أحاديث لم يصححها، وأشار إلى أحاديث صالحة في بعض الأبواب، وله تعليقات وتحقيقات نفيسة في مسائل من الفقه قلما نجدها في غيره، وقد بسط الكلام على بعض المسائل، وتوسّع في بحثها، وذكر مذاهب العلماء في المسألة، وأدلة كل فريق، وبيان الراجح من ذلك، وهذا كثير جدًّا في كتابه. وقد استفاد منه المصنف رحمه الله في شرحه. رابعًا: شرح البدر محمود بن أحمد العيني (ت 855 هـ): عاصر العيني رحمه الله ابن رسلان، وقد تفوق عليه في شرحه بظهور

المطلب الرابع: مدى استفادة المتأخرين منه

الصنعة الحديثية فيه وعنايته بالأسانيد، ولكنه لم يتمه، كتب منه إلى باب في الشحّ وهو آخر أبواب كتاب الزكاة. وفاقه ابن رسلان في شرحه بتناوله شرح جميع كتاب السنن، وعنايته بالجانب البلاغي والإعراب، حيث كان حظهما في شرح العيني ضعيف، كما أنه كان أكثر تأصيلًا للجانب الفقهي من العيني. هذا إلى اختصاص شرح ابن رسلان وتميزه في الجانب الاجتماعي ولطائف السلوك والآداب. ويظهر لنا بذلك تفوق ابن رسلان رحمه الله في شرحه على الشروح التي قبله وتميزه بالإحاطة والشمول وتناوله بالشرح لجميع أحاديث السنن، ولذلك كان من المراجع الهامة لمن جاء بعده، وقد استفاد منه الكثيرون بعده، وهو ما سنتناوله في المطلب التالي. المطلب الرابع: مدى استفادة المتأخرين منه: المتتبع للمصادر والشروح التي صدرت في حياة المصنف وبعد وفاته لا يجد أثرًا للنقل عن المصنف إلا في القرن الحادي عشر الهجري وما بعده، أي بعد وفاة المصنف بثلاثة قرون، وقد نقل عثه علماء الأمصار من مكة ومصر واليمن والهند وغيرها: ففي مكة: - محمد بن علي بن محمد بن علان بن إبراهيم البكري الصديقي الشافعي (ت 1057 هـ) في كتابه "دليل الفالحين". وفي مصر: 1 - شمس الدين محمد بن أبي العباس أحمد بن حمزة بن شهاب الرملي (ت 1004) في كتابه "نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج". 2 - عبد الرؤوف بن تاج العارفين ابن علي بن زين العابدين الحدادي ثم

المناوي (ت 1031 هـ) في كتابه "فيض القدير" وقد صرح أنه نقل من خط ابن رسلان. 3 - منصور بن يونس بن صلاح الدين بن بن حسن ابن إدريس البهوتي الحنبلي المصري (ت 1051) في كتابه "كشاف القناع عن متن الإقناع". 4 - محمد بن عبد الباقي الزرقاني (ت 1122 هـ) في كتابه "شرح الموطأ". 5 - أبو بكر بن محمد شطا الدمياطي المشهور بالبكري (ت بعد 1302) في كتابه "إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين". وفي نجد: - عبد الرحمن بن محمد بن قاسم الجنبلي النجدي في كتابه "حاشية الروض المربع". وفي اليمن نقل عنه: 1 - القاضي حسين بن محمد المغربي (1119 هـ) في كتابه "البدر التمام شرح بلوغ المرام". 2 - محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني (1182 هـ) في كتابه "سبل السلام". 3 - محمد بن علي بن محمد الشوكاني (1255 هـ) في كتابه "نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار" وقد استفاد كثيرًا منه. ومن الهند نقل عنه: 1 - أبو الطيب شمس الحق العظيم آبادي (1329 هـ) وقد أفاد منه في كتابين هما: "غاية المقصود في شرح سنن أبي داود"، و"عون المعبود شرح سنن أبي داود".

2 - خليل بن أحمد السهارنفوري (1346 هـ) في "بذل المجهود" نقل منه لكنه يكثر، كما استفاد منه كثيرًا محقق الكتاب الشيخ محمد بن زكريا بن يحيى الكاندهلوي في تعليقاته على "بذل المجهود". 3 - محمد بن عبد الرحمن المباركفوري (1353 هـ) في كتاب "تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي". 4 - عبيد الله بن محمد بن عبد السلام المباركفوري في كتابه "مرقاة المفاتيح على مشكاة المصابيح". ويبدو أن هذا الشرح لم يصل إلى مصر، لذا لم نجد علماءها ينقلون عنه، بل صرّح الإمام السيوطي بأنه لم يقف عليه، حيث حكى: أن الشهاب ابن رسلان شرحه شرحًا كاملًا، قال: ولم أقف عليه. وفي الهند: - محمد بن عبد الحي بن محمد بن عبد الحليم الأنصاري، أبو الحسنات اللكنوي الهندي (ت 1304 هـ) في كتابه "التعليق الممجد على موطأ محمد".

المبحث الثالث: منهج ابن رسلان في شرحه

المبحث الثالث: منهج ابن رسلان في شرحه وفيه مطالب: المطلب الأول: رواية "السنن" التي اعتمدها ابن رسلان في شرحه. المطلب الثاني: مصادر الشارح في الكتاب ومنهجه في الاستفادة منها. وفيه مسألتان: المسألة الأولى: مصادر الشارح في الكتاب. المسألة الثانية: منهجه في الاستفادة من مصادره. المطلب الثالث: منهجه في تقرير مسائل العقيدة. المطلب الرابع: الصنعة الحديثية كما أشار إليها المصنف وفيه مسائل: أولًا- دقائق الإسناد وضبط ما قد يشكل من الأسماء. ثانيًا- التنبيه على صحة الحديث أو حسنه أو ضعفه. ثالثًا- بيان صواب ما تختلف فيه النسخ. المطلب الخامس: الناسخ والمنسوخ. المطلب السادس: فقه الحديث. المطلب السابع: مباحث اللغة. المطلب الثامن: اللطائف والفوائد التربوية.

المطلب الأول: رواية "السنن" التي اعتمدها ابن رسلان في شرحه

المطلب الأول: رواية "السنن" التي اعتمدها ابن رسلان في شرحه: لم يشر المصنف رحمه الله في مقدمته على رواية سنن أبي داود التي اعتمدها لشرحه (¬1)، وإذا استقرأنا شرحه تجد أنه رحمه الله لم يعتمد رواية بعينها كأصل، فمرة يذكر في صلب شرحه رواية ابن العبد- مثلا- ثم يعلق بأنها في رواية اللؤلؤي كذا، وفي رواية ابن داسه كذا، ورواية ابن الأعرابي كذا، وقد يعكس بأن يذكر رواية اللؤلؤي -مثلا- ثم يعلق بأنها في رواية ابن العبد كذا، وفي رواية أحمد بن إبراهيم كذا، وفي رواية ابن الأعرابي كذا. وهكذا في جميع الروايات تقريبًا، ونضرب على ما قلنا أمثلة متفرقة من خلال الشرح: قال في حديث رقم [2403]: ورواية ابن داسه: فأحب إلي. وقال في حديث رقم [2406]: وفي رواية ابن داسه: مَكْثُون بفتح الميم وإسكان الكاف وضم المثلثة. وقال في حديث رقم [2326]: قال أبو داود: ورواه سفيان وغيره، عن منصور، عن ربعي، عن رجل من أصحاب النبي لم يسم حذيفة. لابن الأعرابي. وقال في حديث رقم [2386]: قال ابن الأعرابي: بلغني عن أبي داود أنه قال: هذِه الرواية ليست بصحيحة. وقال في حديث رقم [2403]: رواية ابن الأعرابي: حدثنا عبد الله بن محمد. وقال في حديث رقم [2407]: يُظلَّلُ عليه. رواية الخطيب: رأى ¬

_ (¬1) ذكر العظيم آبادي في "عون المعبود" 14/ 202 أن ابن رسلان اعتمد في شرحه على رواية اللؤلؤي. والمراجع للشرح يتبين له خلاف ذلك، وهو ما سيأتي ذكره.

رجلًا قائمًا في الشمس. وقال في حديث رقم [2474]: حدثنا أحمد بن إبراهيم، عن أبي داود، حدثنا عبد الله بن بديل. وقال في حديث رقم [2785]: ورواية ابن الأعرابي: بخير ربحًا. . وفي رواية اللؤلؤي: أفلا أنبئك بخير رجل ربح. بفتح الراء وكسر الباء فعل ماضٍ. وقال في حديث رقم [3040]: قال أبو علي اللؤلؤي: ولم يقرأه المصنف في العرضة الثانية. من هذا الكتاب المسند. وقال في حديث رقم [3055]: وهذِه الزيادة من عند قوله: وقال لي قولًا غليظًا إلى هنا ليست في نسخ الخطيب بل في رواية اللؤلؤي. وقال في حديث رقم [3283]: وصرح بهذا النحو المذكور في بعض نسخ رواية ابن داسه ولفظه: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقال في حديث رقم [3295]: ولم أره في هذا الباب بهذِه الزيادة في رواية الخطيب، لكن في رواية ابن داسه بهذا اللفظ من طريق ابن طهمان، عن مطر، عن عكرمة. وقال في حديث رقم [3582]: ولا علم لي بالقضاء. زاد في رواية أحمد لفظة: إنك تبعثني إلى قوم يكون منهم أحداث ولا علم لي بالقضاء. وقال في حديث رقم [3685]: قال المنذري: الذي وقع في رواية ابن العبد عن أبي داود: عبد الله بن عمرو. وقال: هو الصواب. وقال في حديث رقم [3909]: وفي نسخة الخطيب: برفع الطاء، أي: فمن وافق خطه خط النبي. وقال في حديث رقم 4 [4049]: (وعن مكامعة الرجل الرجل بغير شعار ومكامعة المرأة المرأة. رواية الخطيب برفع الأول ونصب الثاني من الرجل

والمرأة. وقال في حديث رقم [4107]: ثم قال: لا يدخلن عليكم كذا رواية مسلم، وفي بعض النسخ: عليكن. كما في الصحيحين، وهي رواية اللؤلؤي، والأولى للخطيب. وقال في حديث رقم [4128]: باب في جلود النمور. وفي بعض النسخ: والسباع. ولعلها رواية اللؤلؤي. وقال في حديث رقم [4561]: عن حسين المعلم كذا قال اللؤلؤي، وهو وهم، والصواب ما في باقي الروايات: عن يسار المعلم، وقد رواه كذلك اللؤلؤي في كتاب المفرد، فقال: عن يسار المعلم. وقال في حديث رقم [4564]: ومما حملني على مخالفة هذين الإمامين أني وجدت في بعض نسخ رواية ابن داسه مفسرًا في الأصل. وقال في حديث رقم [4924]: قال أبو علي اللؤلؤي: سمعت أبا داود المصنف يقول: هو حديث منكر فاسد؛ لأن سليمان بن موسى الأموي الدمشقي تكلم فيه أهل النقل وتفرد بهذا الحديث عن نافع، ولم يروه عنه غيره. وقال في حديث رقم [5190]: قال أبو علي محمد بن أحمد اللؤلؤي: سمعت أبا داود المصنف يقول: قتادة لم يسمع من أبي رافع شيئًا. وقال في حديث رقم [5121]: قال المصنف في رواية ابن العبد: هذا مرسل، عبد الله بن أبي سليمان لم يسمع من جبير. ومراده أن الحديث منقطع. وقال في حديث رقم [5215]: قال أبو بكر الطرسوسي: هكذا رويناه بهذا اللفظ في "السنن" من طريق اللؤلؤي. وقال في حديث رقم [5271]: فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا تنهكي بفتح أوله وثالثه وبضم أوله وكسر ثالثه، رواية الخطيب. * * *

المطلب الثاني: مصادر الشارح في الكتاب ومنهجه في الاستفادة منها

المطلب الثاني: مصادر الشارح في الكتاب ومنهجه في الاستفادة منها: وفيه مسألتان: المسألة الأولى: مصادر الشارح في الكتاب: سبق أن أشرنا من قبل إلى ذكر ما تميز به شرح ابن رسلان والمقارنة بينه وبين الشروح التي شرحت "سنن أبي داود"، مدى سعة شرح ابن رسلان وتناوله معظم ما يحتاجه القارئ في شرح الحديث من لغة وشرح غريب، وإعراب، وضبط لأسماء الرجال، ولمتن الحديث، وإبراز اللطائف، واستنباط الأحكام الفقهية، وبيان درجة الحديث، واختلاف النسخ وغير ذلك. وأنه أحاط بجوانب حديثية ولغوية وفقهية وتربوية كثيرة، وهذا ينعكس على المصادر التي استعان بها في شرحه ويدل دلالة واضحة على مدى كثرتها وتنوعها في مختلف العلوم، فلا يكاد يكون هناك علم له صلة بالعلوم الشرعية، إلا واستفاد من بعض مصادره أصالة، أو بواسطة، ومن أهم تلك المصادر: أولًا: القرآن وعلومه: - تفسير الثعالبي. - تفسير ابن عطية. - تفسير القرطبي. - شرح حرز الأماني ووجه التهاني في القراءات السبع (الشاطبية)، محمد بن الحسن الفاسي أبو عبد الله المقرئ. - المصباح الزاهر في العشر البواهر، المبارك بن الحسن الشهرزوري البغدادي.

حقائق التفسير، أبو عبد الرحمن السلمي. ثانيًا: الحديث وعلومه: - صحيح البخاري. - جزء رفع اليدين للبخاري. -الأدب المفرد للبخاري. - صحيح مسلم. - جامع الترمذي. - شمائل الترمذي. - صحيح ابن خزيمة. - موطأ مالك. - صحيح ابن حبان. - المنتقى لابن الجارود. - صحيح ابن السكن. - مستخرج أبي نعيم. - مستخرج أبي عوانة. - المصنف لابن أبي شيبة. - المصنف لعبد الرزاق. - مختصر سنن أبي داود للمنذري. - مسند أحمد بن حنبل. - مسند الشافعي. - مسند البزار. - مسند الطيالسي. - مسند الحميدي. - مسند الهيثم بن كليب. -مسند الحارث ابن أبي أسامة. - سنن الأثرم. - سنن الخلال. - سنن النسائي. - سنن ابن ماجه. - "السنن" الكبرى للبيهقي. - سنن الدارقطني. - الدعاء للطبراني. - المعجم الكبير للطبراني. - المعجم الأوسط للطبراني. - علل ابن أبي حاتم. - علل الدارقطني. - الدلائل لأبي نعيم. - الفتوح لسيف بن عمر التميمي. - المستدرك للحاكم. - الأحكام للمحب الطبري. - عمدة الأحكام لعبد الغني المقدسي.

- الغيلانيات. -الزهريات. ثالثًا: شروح الحديث: - معالم "السنن " للخطابي - شرح مشكل الآثار للطحاوي. - الاستذكار لابن عبد البر - التمهيد لابن عبد البر. - المنتقى للباجي. - شرح السنة للبغوي. - شرح النووي على مسلم - المعلم بفوائد مسلم للمازري - إكمال المعلم للقاضي عياض. - المفهم للقرطبي. - إحكام الأحكام لابن دقيق العيد. - الإلمام لابن دقيق العيد. - عارضة الأحوذي لابن العربي. - النفح الشذي لابن سيد الناس. - المفاتيح في شرح المصابيح للحسين بن محمود الزيداني. - فتح الباري لابن حجر - شرح الكواكب الدراري للكرماني. - الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي. رابعًا: غريب الحديث: - النهاية في غريب الحديث لابن الأثير. - مطالع الأنوار لابن قُرْقُول. - الفائق في غريب الحديث للزمخشري. خامسًا: الرجال: - التاريخ الكبير للبخاري. - التاريخ الأوسط للبخاري. - الكنى لمسلم. - الثقات لابن حبان. - معرفة الثقات للعجلي. - الجمع بين الصحيحين. - النسب للزبير بن بكار. - تهذيب الكمال للمزي.

- الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي. - الضعفاء للعقيلي. - طبقات ابن سعد. - الجرح والتعديل لأبي حاتم. - سؤالات أبي داود. - الاستغناء لابن عبد البر. - الإكمال لابن ماكولا. - الأنساب للسمعاني. - تقييد المهمل للغساني. - معجم الصحابة لابن قانع. - معرفة الصحابة لأبي نعيم. - أسد الغابة لابن الأثير. - تهذيب التهذيب لابن حجر. - الكاشف وتذهيب التهذيب للذهبي. سادسًا: الفقه وأصوله: - الأم للشافعي. - مختصر المزني. - مختصر البويطي. - رسالة أحمد بن حنبل. - شرح خطبة رسالة الشافعي لأبي الوليد أحمد بن عمر بن سريج النيسابوري. - التتمة لعبد الرحمن بن مأمون المتولي. - كتاب المحاملي. - التعليقة لأبي حامد الإسفرايني. - الأمالي لزاهر بن أحمد السرخسي. - الأوسط والإشراف لابن المنذر. - الحاوي الكبير للماوردي. - نهاية المطلب في دراية المذهب لعبد الملك الجويني. - المحلى لابن حزم. - فوائد المهذب للفارقي الحسن بن إبراهيم. - الاصطلام لابن السمعاني. - الوجيز والوسيط للغزالي.

- المغني لابن قدامة. - الهداية للمرغيناني. - المجموع شرح المهذب للنووي. - روضة الطالبين للنووي. - منهاج الطالبين للنووي. - دقائق المنهاج للنووي. - التحقيق للنووي. - الجامع بين الحاوي والنهاية للعز ابن عبد السلام. - التذكرة شرح التبصرة للبيضاوي. - التنقيب على المهذب، لمحمد بن معن الدمشقي. - الإقليد لدرء التقليد لعبد الرحمن بن إبراهيم الفِرْكَاح. - التحقيق لابن الجوزي. - تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي. سابعًا: اللغة والأدب: - معجم الغرائب لعبد القاهر بن إسماعيل الفارسي. - تحرير ألفاظ التنبيه للنووي. - ديوان الأدب لإسحاق بن إبراهيم الفارابي. - شرح التسهيل للسمين الحلبي. - العين للخليل بن أحمد. - المحكم لابن سيده. - مقاييس اللغة ومجمل اللغة لابن فارس. - تهذيب اللغة للأزهري. - الصحاح للجوهري. - المعرب للجواليقي. - الفصيح لثعلب. ثامنًا: الاعتقاد - الأسماء والصفات للبيهقي. - الجامع لشعب الإيمان للبيهقي. تاسعًا: الآداب. - الزهد لأحمد بن حنبل. - إحياء علوم الدين للغزالي.

المسألة الثانية: منهجه في الاستفادة من مصادره

- نوادر الأصول والمنهيات للحكيم الترمذي. - الحلية لأبي نعيم. ولا ريب أن هناك غير هذِه المصادر رجع إليها المؤلف أو استعان بها أو ساهمت بشكل غير مباشر في تأليف الكتاب ولكن لم يرد لها ذكر في الكتاب، ويلاحظ القارئ لهذا الشرح بعض السمات التي اتسم بها أسلوب المصنف عند النقل من هذِه المصادر، وهو ما سنتناوله في المسألة التالية. المسألة الثانية: منهجه في الاستفادة من مصادره: تبين لنا في المسألة السابقة كثرة المصادر التي استفاد منها المصنف في كتابه، والمتتبع لمنهج المصنف رحمه الله في نقله من هذِه المصادر يجد الآتي: 1 - نقله من هذِه المصادر مباشرة، وقد ينقل بواسطة، لاسيما من كتب الشروح المختلفة، حيث يورد المسائل اللغوية، والحديثية، والفقهية، والخلاف فيها من تلك الشروح مقتبسا منها دون الرجوع إلى المصادر الأصلية لتلك الأقوال، وهو ما أوقعه في نسبة كثير من الأقوال لغير أصحابها. 2 - اعتماده على النقل غالبا من مصادر المتقدمين عنه، وكثيرًا ما يكون اعتماده على معاصرين له، لاسيما الحافظ ابن حجر. 3 - تباين طريقته في إيراد النص المنقول على أوجه متعددة: - فقد يكشف عن اسم المؤلف والكتاب، وهو الأقل. - وقد يقتصر على اسم المصنَّف فقط، وهو قليل. - وقد يقتصر على اسم القائل، وهو الكثير الغالب.

المطلب الثالث: منهجه في تقرير مسائل العقيدة

- وقد يهمل أحيانا اسم المؤلف والكتاب مبهما القائل، كأن يقول: (قيل) أو: (ذكر أصحابنا) ونحوها من العبارات. - وكثيرًا ما يورد نصوصا أو تعقبات ساكتًا عنها دون أن ينسبها، وأكثرها منقول من "المجموع" للنووي و"التلخيص" و"فتح الباري" لابن حجر، بل ينقل أحيانًا الحديث برمته من "فتح الباري" دون أي إشارة أو إحالة. - وقد ينقل باللفظ، وهو الأكثر، إلا أنه يورد النص بالمعنى كثيرًا، وأحيانا يتصرف فيه بالتقديم والتأخير، وربما أدى ذلك إلى الخلل في بعض العبارات المنقولة. 4 - لم يكتف ابن رسلان بالنقل فقط، وإن كان هو الأكثر فربما شَرَحَ الحديث والحديثين وملأه بالنقول دون تعليق ولا تعقيب، بل أحيانًا ينقد كثيرًا منها ويتعقبها، وغالبا ما يورد كلام غيره من الأئمة الكبار عند النقد أو الرد. 5 - الأوهام في نقل الكلام عن الرواة، وهو كثير جدًّا، وقد تعقبناها كلها، وكتبنا الصحيح في الحاشية. المطلب الثالث: منهجه في تقرير مسائل العقيدة: سبق أن تكلمنا عن عقيدة المصنف رحمه الله في الفصل الأول من القسم الثاني، وأنه يقول بمقولة السلف في جل مسائل العقيدة، إلا مسألة الأسماء والصفات فإنه يقول فيها بمقولة الأشاعرة من التأويل، فيما عدا الصفات السبع الحياة والعلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر والكلام.

ونسوق هنا أمثلة وافق فيها منهج السلف، وأخرى وافق فيها الأشاعرة وأهل التأويل، ليتبين لنا منهجه في الحالين: أولًا: مما وافق فيه منهج السلف من أهل السنة والجماعة - عند حديث ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل. . الحديث. وفيه قوله: "اللهم لك أسلمت، وبك آمنت". فرق ابن رسلان بين الإيمان والإسلام مستدلًا بقوله تعالى: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14]. ونسب هذا القول إلى الجمهور. - عند حديث أنس بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أنزلت على آنفا سورة فقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} حتى ختمها. ثم قال: "هل تدرون ما الكوثر؟ ". قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "فإنه نهر وعدنيه ربي في الجنة". قال ابن رسلان: وفيه دليل على إثبات الحوض، وأن الإيمان به واجب على كل مكلف. - عند حديث عامر بن ربيعة العنزي قال: عطس شاب من الأنصار خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في الصلاة. . الحديث، وفيه: (الحمد لله حمدًا كثيرًا). قال ابن رسلان: مذهب أهل السنة أن الثواب على الحمد وغيره فضل وإحسان من الله تعالى، ويرد على المعتزلة فيما يقولون: إن الثواب واجب على الله تعالى. - في حديث علي بن أبي طالب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه إذا قام إلى الصلاة المكتوبة. . الحديث. وفيه: "والخير في يديك، والشر ليس إليك". فنقل عن المازَرِي قوله: تتعلق به المعتزلة في أن الله يخلق الشر.

ونحمله نحن على أن معناه: لا يتقرب إلي بالشر، وقيل: لا يضاف إلى الله مخاطبة ونسبة، تأدبا مع الله تعالى بقضاء الله تعالى وقدره واختراعه فهو خالق له كالخير بقوله تعالى: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} (¬1). - عند شرحه لحديث الإفك عن عائشة، بعد قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} (¬2). قال ابن رسلان: وفيه أنه لا يكفر أحد بذنب سوى الشرك. ثانيا: مما وافق فيه الأشاعرة وأهل التأويل - عند شرح حديث علي بن أبي طالب قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة كبر. . الحديث. وفيه قوله: "ملء السماوات والأرض وما بينهما". نقل الشارح قول عياض: قيل: هو محتمل بطريق الاستعارة؛ إذ الحمد ليس بجسم فيقدر بالمكيال وتسعه الأمكنة والأوعية، فالمراد تكثير العدد كما لو كان يقدر بمكيال، أو ما يملأ الأماكن لكان بهذا المقدار. ثم نقل قولين آخرين مرجحا بهذا المقدار، ثم نقل قولين آخرين مرجحًا قول عياض. وهذا تأويل لا حاجة له، والأصل حمل النصوص على الحقيقة دون المجاز. - عند شرح حديث ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل. . الحديث. وفيه: "أنت نور السماوات والأرض". ¬

_ (¬1) النساء: 87. (¬2) النور: 11.

ساق ابن رسلان أقوالًا لأبي العالية، وأبي عبيد، وأبي القاسم القشيري، والحليمي، ثم قال: وفيه خلاف للمجسمة، بل هو تعالى نور من حيث هو خالق النور وجاعله، أو مدبر خلقه، بذلك فيكون صفة فعل، أو من حيث هو مبين وهاد بإرادته وقدرته فيكون صفة ذات وعلى لسان أنبيائه، وجعل ذلك في قلوب أوليائه فيكون صفة فعل. فقد جعل النور صفة ذات وهذا حق، لكنه ربط ذلك بالإرادة والقدرة جريا على أصول الأشاعرة في إثبات سبع صفات خبرية منها الإرادة والقدرة، وتأويل ما عداها وإرجاعها إلى الإرادة أو القدرة. - عند حديث رفاعة: صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعطس. . الحديث، وفيه قوله: كما يحب ربنا ويرضى. قال الشارح: فمعنى يحبه ويرضاه أي يثيب عليه جزيل إنعامه وفضله، وتكون المحبة والرضى من صفات الفعل لا من صفات الذات، ومعنى المحبة لعبده إحسان مخصوص بعبده. نجد أن معنى الحب والرضا كما قال الشارح تأويل، والأصل أن تجرى النصوص على ظاهرها، فالمحبة والرضا صفتان حقيقتان تليقان بالله عز وجل للأدلة الكثيرة الواردة فيهما. وغير هذِه الأمثلة كثير في شرحه وخلاصتها كما قلنا أن منهجه في تقرير مسائل العقيدة غير الأسماء والصفات القول فيها بقول أهل السنة والجماعة، أما الأسماء والصفات فيقول فيها بقول أهل التأويل.

المطلب الرابع: الصنعة الحديثية كما أشار إليها المصنف

المطلب الرابع: الصنعة الحديثية كما أشار إليها المصنف: أشار المصنف رحمه الله في مقدمة الشرح إلى ما قصد بيانه من مسائل الصناعة الحديثية المتعلقة بأحاديث "سنن أبي داود"، وهي: أولًا: دقائق الإسناد وضبط ما قد يشكل من الأسماء. ثانيًا: التنبيه على صحة الحديث أو حسنه أو ضعفه. ثالثًا: بيان صواب ما تختلف فيه النسخ. وقد ضمن شرحه غير ما ذكر: 1 - تخريج الكثير من الأحاديث المشروحة وإن كان الغالب سكوته. 2 - التوضيح لبعض المشكل. 3 - الإشارة إلى علل بعض الأحاديث. 4 - الإشارة إلى رواية الأكابر عن الأصاغر. 4 - الإشارة إلى رواية التابعين بعضهم عن بعض. 5 - الإشارة إلى بعض مسائل مصطلح الحديث. أولًا: دقائق الإسناد وضبط ما قد يشكل من الأسماء: وقد تمثلت دراسته للإسناد في الغالب في التعريف بالراوي بذكر نسبه وكنيته والإشارة إلى شهرته إن كان مشهورًا (¬1)، وربما اختار شيئًا من أخباره ¬

_ (¬1) وتجدر الإشارة هنا أنه أخطأ في ذلك كثيرًا جدًّا، وكما أشرنا سابقا فقد يكون للنساخ دور في زيادة هذه الأخطاء، ومن أمثلة ذلك: في الحديث (17) مال أبو داود: ثنا محمد بن المثني، ثنا عبد الأعلى ثنا سعيد عن قتادة، فظن أن سعيدًا المذكور في المسند هو ابن إياس الجريري. والصواب أنه سعيد بن أبي عروبة. وفي الحديث (23) قال أبو داودة حدثنا حفص بن عُمر فظن أنه الضرير، والصواب أنه حفص بن عُمر بن الحارث بن سَخْبرة الأزدي. وغير هذا كثير.

كثناء العلماء عليه وبعض فضائله ومن أخرج له، وربما ذكر تاريخ وفاته، وقد يتوسع في ترجمة بعض الرجال وذكر أقوال أئمة الجرح والتعديل فيه، إلا أنه مال ميلًا واضحًا إلى الآراء المتساهلة في التوثيق، واكتفى في مواضع كثيرة بنقل التوثيق، وغضَّ النظر عن نقول المجرحين أو أقوالهم وإن كانت مفسّرة، أو عليها الأكثر من الأئمة (¬1). ومما يجدر ذكره: أن له عناية خاصة بالصحابة فهو ينوه بصحبتهم، ومتى أسلم الواحد منهم، ومواطن وفياتهم، وكذا بالنسبة للتابعين يحرص على بيان من كان منهم قد صحب الصحابة. ومن الفوائد التي ضمنها شرحه فيما يتصل بالأسانيد ما يلي: 1 - أنه قد يذكر الخلاف في تعيين المراد بالراوي، كما فعل عثد ترجمته للقيط بن صبرة، وكما فعل عند قول أبي داود عن عروة المزني. 2 - وقد يذكر بعض حديث من يترجم له كما فعل في ترجمة محمد بن ¬

_ (¬1) فمثلًا قال في مصعب بن شيبة العبدري: قال ابن معين: ثقة. ولم يزد على ذلك، بينما قال فيه الإمام أحمد: أحاديثه مناكير، وقال النسائي: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: لا يحمدونه وليس بالقوي، وقال الدارقطني: ليس بالقوي ولا بالحافظ. وقال في عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب: قال ابن عبد البر فيه: شريف، عالم، لم يطعن عليه إلا متحامل، وهو أقوى من كل من ضعفه. ولم ينقل غير هذا، بينما نقل ابن سيد الناس عن ابن عبد البر قولًا آخر أنه ليس بالحافظ. وقال ابن حجر متعقبًا كلام ابن عبد البر الأول: هذا إفراط. وقد تكلم العلماء في عبد الله بن محمد بن عقيل فضعفه ابن معين والنسائي، وقال ابن سعد: منكر الحديث، وروي نحوه عن الإمام أحمد، وتكلم في سوء حفظه ابن خزيمة والعقيلي وابن عيينة. وقد تكرر هذا الصنيع من الشارح في مواطن أخرى متعددة.

يزيد مولى المغيرة بن شعبة. 3 - عنايتة بذكر مَنْ أخرج لهم كأن يقول عند ترجمة راو: شيخ البخاري، أو أخرج له البخاري، أو شيخ مسلم، أو أخرج له مسلم، أو شيخ الشيخين، أو أخرج له الشيخان، وقد ينص على أن روايته جاءت عند البخاري استشهادًا أو متابعة، وربما صرَّح بأن هذا الراوي أو ذاك روى عنه ابن خزيمة، أو وثقه ابن حبان، أو أحتج به الحاكم، أو أن الجماعة أخرجوا له، أو الستة، أو الأربعة، أو أحدهم، أو أن المصنف انفرد بالرواية عنه. وعني عناية خاصة ببيان إن كان الشيخان أو أحدهما روى للشخص المترجم له فينص عليه، وربما أوضح إن كانت الرواية عنه استشهادًا، أو معلقة، ويميّز بين من روى له مسلم في المقدمة. لكنه يقتصر أحيانًا على ذكر أحد الشيخين بينما يكون الشيخان كلاهما قد أخرجا له كما فعل مع جرير بن عبد الله الضبيّ والربيع بن نافع وثور بن يزيد الكلاعي وغيرهم. وقد وهم رحمه الله في نسبة بعض الرواة إلى الصحيحين أو أحدهما كما فعل في إسرائيل بن موسى قال: روى له الشيخان. ولم نجد من وافقه في ذلك. وقد يهم في ذكر الموضع كما قال في أبي الزبير، روى له البخاري في العمرى بينما البخاري لم يرو له إلا حديثًا واحدًا مقرونًا بعطاء في البيوع، وعلق له عدة أحاديث. ونحو هذا في قوله في حارثة بن وهب روى له الشيخان في موضعين بينما رويا له في أربعة مواضع.

4 - قد يذكر بعض الفوائد الخاصة ببعض الرواه، كقوله في (أُبيّ بن عمارة): ليس لنا عِمارة بكسر العين إلا هذا. 5 - ميله إلى الإشادة بزهد بعض الرواة وعبادتهم، وصلاحهم، وإمامتهم، وحفظهم، وشيء من مناقبهم. 6 - قد يذكر بعض القواعد في التفريق بين المتفقين في الاسم والطبقة كالحمادين والسفيانين. 7 - ينبه على جوانب من لطائف الإسناد ومن لطيف هذِه اللطائف قوله في الحديث رقم (194) الذي رواه أبو داود عن شيخه قتيبة بن سعيد: اعلم أن حديث قتيبة هذا هو أحد الأحاديث التي أخرجها الأئمة الخمسة وهم الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي عن شيخ واحد وهو قتيبة اهـ. ومنها قوله في الحديث رقم (195) الذي رواه أبو داود من طريق توبة بن أبي أسد: لم يتفق الشيخان في توبة إلا على هذا. 8 - قد يشير لما يراه خطأ من أقوال أئمة الجرح والتعديل فيتعقبه أو ينقل كلام من تعقبه. من ذلك قوله في أبان بن صالح: وثقه ابن معين وغيره، ولم يعرفه ابن حزم فقال: مجهول، وذهل ابن عبد البر فقال: ضعيف. اهـ. ومن ذلك قوله في عبد الرحمن بن عائذ: قال: أبو زرعة: لم يسمع من علي. وفيه نظر؛ لأنه سمع من عمر، كما جزم به البخاري. ومن ذلك أن أبا داود قال في الحديث رقم (117): حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك، عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أنه قال لعبد الله بن زيد بن عاصم، وهو جد عمرو بن يحيى المازني اهـ. فظن صاحب "الكمال" من هذِه الرواية أن عمرو بن يحيى هو ابن بنت عبد الله بن زيد، وليس الأمر

كذلك. فنبه ابن رسلان على هذا بأن نقل كلام ابن حجر في توضيح الصواب وتوجيه رواية أبي داود رحمه الله. 9 - وقد يذكر الخلاف في سماع الراوي من شيخه إذا كان ثمة خلاف ولم ينص على القول الذي يختاره، ولكن القارئ يفهم من طريقته في عرض القول الذي يميل إليه، كأن ينقل كلام أحد الأئمة في ترجيح أحد الرأيين، كما فعل عند ذكر الخلاف في سماع الأعمش من أنس - رضي الله عنه - بعد أن ذكر أقوال الفريقين، قال: قال المنذري: والذي قاله الترمذي هو المشهور. اهـ. ومن أساليبه في بيان القول المختار أن يسوق أحد القولين بأسلوب التمريض كما فعل عند ذكر الخلاف في سماع قتادة من عبد الله بن سرجس - رضي الله عنه -، قال: قيل: إن قتادة لم يسمع من عبد الله بن سرجس، حكاه حرب عن أحمد، وأثبت سماعه منه على بن المديني وصححه ابن خزيمة وابن السكن. ثانيًا: التنبيه على صحة الحديث أو حسنه أو ضعفه: أشار ابن رسلان رحمه الله في مقدمته إلى أنه ينبه على صحة الحديث أو حسنه أو ضعفه، وباستقراء الشرح نجد المصنف رحمه الله سكت عن أغلب الأحاديث التي في السنن، وكذا غيرها التي أوردها في الشرح، كما أنه لم يُعْن بوصْل المعلقات التي أوردها أبو داود في "سننه"، ولم ينبه على حكمها إلا في النادر. وأشد من هذا أن يذكر حديثًا موضوعًا ولا يبينه، كما فعل في آخر شرح الحديث رقم (96) حيث قال: وفي الخبر والأثر أن العلماء يحتاج إليهم في الجنة، إذ يقال لأهل الجنة: تمنوا، فلا يدرون كيف يتمنون حتى يتعلموا من العلماء ما يتمنون وهذا حديث موضوع ولم ينبه الشارح إلى ذلك.

والذي تكلم عن درجته من الأحاديث تراوحت طريقته في الإفصاح عن بيان درجته: 1 - أن ينص على درجة الحديث، إما بالتصحيح (¬1)، وإما بأن إسناده جيد (¬2)، وإما بأنه حسن (¬3)، وإما بأنه ضعيف (¬4). وربما حكم الشارح رحمه الله بصحة حديث لا يثبت، ففي الحديث رقم (12) قال: وللحكيم الترمذي بسند صحيح: في كنيف اهـ. فصحَّح إسناده وفيه عيسى الخياط وهو متروك. 2 - أن ينقل حكم غيره في معرض الاحتجاج، كما في الحديث الذي أخرجه المصنف عن جابر بن عبد الله قال: نهى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أن نستقبل القبلة ببول، فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها. قال الشارح: رواه الحاكم وابن خزيمة والدارقطني وصححه البخاري فيما نقله عنه الترمذي، وحسنه هو والبزار، وصححه أيضًا ابن السكن، وتوقف النووي فيه لعنعنة ابن إسحاق، وقد صرح المصنف وأحمد وغيرهما بالتحديث. ¬

_ (¬1) كما في حديث (23) عن حذيفة قال: أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سباطة قوم فبال قائمًا ثم دعا بماء فمسح على خفيه. قال المصنف: وزاد عيسى بن يونس عن الأعمش أن ذلك كان بالمدينة. أخرجه ابن عبد البر في "التمهيد" بإسناد صحيح. (¬2) كما في الحديث الذي أخرجه عن معقل بن أبي معقل الأسدي قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نستقبل القبلتين ببول أو غائط. قال المصنف: هذا الحديث رواه أحمد وابن ماجه وإسناده جيد. (¬3) ومثاله: قول المصنف: روى الترمذي في "الشمائل " بإسناد حسن من حديث صحابي لم يسم أنه عليه السلام كان يترجل غبًّا. (¬4) ومثاله: قول المصنف: روى الترمذي في "الشمائل" بإسناد ضعيف من حديث أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته.

وقد أكثر المصنف رحمه الله من نقل كلام العلماء من المتقدمين والمتأخرين -مثل: أحمد، والترمذي، والبزار، وابن خزيمة، والدارقطني، والبيهقي، وابن القطان والنووي، والمزي، والعراقي، لاسيما الحافظ ابن حجر- في حكمهم على أحاديث سنن أبي داود، وحكمهم على ما يذكره في شرحه من أحاديث. كما نقل بعض خلافاتهم في الحكم على بعض الأحاديث مؤيدًا بعض الأقوال ومنتصرًا له بوضوح، أو بالإيماء أحيانًا، لكنه كثيرًا ما ينقل الخلاف دون ترجيح. وقد ينقل تصحيح حديث عن بعض الأئمة ويكون فيه ضعف فلا يبينه، ففي الحديث رقم (36) قال الشارح رحمه الله: ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يستنجى بروث أو عظم وقال: "إنهما لا تطهران". رواه الدارقطني وقال: إسناده صحيح اهـ. وفي إسناد هذا الحديث يعقوب بن حميد بن كاسب المدني وهو ضعيف متروك الحديث. 3 - أن يشير إلى أن الحديث في الصحيحين أو في أحدهما، وقد أشار إلى هذا في مقدمته عند حديثه على ما سكت عنه أبو داود. 4 - أن يشير إلى أن سند الحديث على شرط الشيخين أو أحدهما، فقد ذكر في شرح الحديث رقم (4) قوله - صلى الله عليه وسلم - "إذا دخلتم الخلاء فقولوا: باسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث" قال: قال ابن حجر: وإسناده على شرط مسلم. 5 - أن يشير إلى صحة الحديث ببيان ثقة رجال إسناده إما بالنص على أن الراوي ثقة أو ببيان أنه ممن روى له الشيخان أو أحدهما، ويشير إلى ضعف الحديث بتضعيف بعض رواته.

ثالثًا: بيان صواب ما تختلف فيه النسخ: سبق أن أشرنا إلى أن المصنف رحمه الله لم يعتمد على نسخة واحدة من روايات "سنن أبي داود" بل أعتمد على أكثر من نسخة، وذكر في مقدمته للشرح أنه سيبين صواب ما تختلف فيه النسخ، والمطالع كتابه فيما يخص هذا الجانب يجد الآتي: أ - أخطأ في نسبة كثير من الفروق إلى غير نسخها. ففي الحديث الذي رواه أبو داود عن المغيرة بن شعبة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ذهب المذهب. قال ابن رسلان: إذا ذهب إلى المذهب، هكذا في رواية الخطيب اهـ. والثابت في نسخة الخطيب إذا ذهب المذهب بدون إلى. وفي الحديث رقم [72] الذي رواه أبو داود عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه مرار" قال ابن رسلان: ورواية الخطيب: "سبع مرات". والذي في نسخة الخطيب: "سبع مرار" بينما الذي في نسخة التستري: "سبع مرات" على عكس ما ذكر الشارح رحمه الله. ب- قد يشير إلى فروق بين النسخ ولا يذكر اسم النسخة قائلًا: وفي نسخة كذا. ففي الحديث [2814] عن ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، نزل دمشق قال: ضحى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زاد مسلم: في حجة الوداع- ثم قال: "يا ثوبان أصلح لنا لحم هذِه الشاة". يعني بالملح ونحوه، قال: فما زلت أطعمه -بضم الهمزة وكسر العين والميم مرفوعة- منها حتى قدمنا المدينة. قال ابن رسلان: وفي نسخة: حتى قدمنا المدينة. جـ- أنه قد ترك كثيرًا من الفروق بين النسخ، وأشار إلى بعض الفروق

دون ترجيح في الأغلب، وبترجيح أحيانا كما فعل في الحديث [128] الذي رواه أبو داود عن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ، قالت: فمسح رأسه، ومسح ما أقبل منه وأدبر. قال ابن رسلان: رواية الخطيب: وما أدبر. وهي أصح. وفي الحديث [136] الذي رواه أبو داود عن ابن عباس في صفة وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيه: ثم قبض قبضة أخرى من الماء فرش على رجله اليمنى وفيها النعل، ثم مسحها بيديه، يد فوق القدم، قال ابن رسلان: وفي رواية الخطيب: فوق النعل. وهو الموافق لقوله بعد: ويد تحت النعل. وفي الحديث [154] قال أبو داود: حدثنا مسدد وأحمد بن أبي شعيب الحراني، قالا: ثنا وكيع، ثنا دلهم بن صبح. فقال ابن رسلان في صبح: بضم الصاد وسكون الباء الموحدة، كذا في كتاب أبي علي التستري، والصواب: دلهم بن صالح، وهكذا رواه الإمام أحمد في "مسنده" عن وكيع عن دلهم بن صالح مجودًا. وكذا ذكره الذهبي وغيره. أما ما ضمنه شرحه غير ما ذكر ولم يشترطه المصنف على نفسه: 1 - تخريج الكثير من الأحاديث المشروحة وإن كان الغالب سكوته خرج ابن رسلان جملة من الأحاديث التي شرحها، فبين من رواها من أصحاب الكتب الستة أو غيرها، كما خرج جملة من الأحاديث التي ذكرها أثناء شرحه. ونلاحظ الآتي من خلال استقراء الكتاب: أ- لم يلتزم ابن رسلان رحمه الله تخريج جميع الأحاديث، بل خرج بعضها وسكت عن البعض الآخر وهو الغالب. ب- لم يتبع ابن رسلان منهجًا واضحًا في التخريج، فتارة يقتصر على

ذكر واحد أو اثنين ممن أخرج الحديث، بينما يسرد عددًا في حديث آخر، وتارة يقتصر على ذكر بعض من روى الحديث من أصحاب المسانيد أو المعاجم، ويكون الحديث في بعض الكتب الستة. جـ- عزا في الغالب إلى كثير من المصادر الأصلية لكنه أحيانا يخرج من المصادر الثانوية، وقد يخطئ في ذلك العزو أحيانا، فيحيل على مصدر ويكون الحديث في مصدر آخر. د- يبهم أحيانا المصدر كأن يقول: (وفي الحديث) أو: (وفي رواية)، وأحيانا أخرى يشير إلى من أخرجه محيلًا إلى مصدر واحد فقط. هـ- لم يراع ترتيب تخريج الأحاديث على الترتيب المشهور لأصحاب الكتب الستة، بل يكتفي في الغالب بواحد أو اثنين، وقليلا ما يورد ثلاثة منهم، دون استعمال الصيغ الاصطلاحية في العزو، مثل: بلفظه أو بنحوه. 2 - التوضيح لبعض المشكل: المُشكل في اللغة: المُختلط والمُلتبس، يقال: أشكل الأمر: التبس وأشكل عليّ الأمر، إذا أختلط. وأشكلت عليًّ الأخبار وأحلكت: بمعنى واحد (¬1). وأما في اصطلاح أهل الحديث فيمكن تعريفه بأنه: الحديث الذي لم يظهر المراد منه لإشكال في لفظه أو ظاهره تعارضه مع دليل آخر صحيح. وقد تناول المصنف رحمه الله في شرحه بعض الأحاديث المشكلة وأزال إشكالها، وقد يشير المصنف رحمه الله إلى الإشكال في الحديث ¬

_ (¬1) انظر: "مجمل اللغة" 1/ 509، "المحكم" 6/ 686، "المخصص" 3/ 364، "لسان العرب " 11/ 357.

دون أن يزيل هذا الإشكال. ومن الأحاديث المشكلة التي أزال إشكالها: حديث علي بن أبي طالب: وإذا قام من السجدتين رفع يديه كذلك، وكبر). قال الخطابي: وأما ما روي في حديث علي - رضي الله عنه - أنه كان يرفع يديه عند القيام من السجدتين فلست أعلم أحدًا من الفقهاء ذهب إليه، وإن صح الحديث فالقول به واجب (¬1). قال الشارح (¬2): والمراد بالسجدتين الركعتان بلا شك كما في رواية الباقين، فكأنه لم يقف على طرق هذا الحديث، ولو وقف عليه لحمله على الركعتين كما حمله الأئمة. وعند شرحه لحديث [2650] عند قوله - صلى الله عليه وسلم -: "اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم". قال الشارح: وقد استشكل هذا بعضهم؛ لأن فيه إباحة مطلقة للذنوب المستقبلة، وهو خلاف قاعدة الشرع. فقيل: معناه الغفران لهم في الآخرة وإلا فلو توجه على أحد منهم حدًّا وغيره أقيم عليه في الدنيا، ونقل القاضي عياض الإجماع على إقامة الحد، وقيل: هو خطاب إكرام وتشريف. أي: هؤلاء القوم حصلت لهم حالة غفرت لهم بها ذنوبهم السابقة، وتأهلوا بها أن يغفر لهم ذنوب لاحقة إن وقعت منهم. اهـ. وعند شرحه حديث [2997] عن أنس قال: وقع في سهم دحية جارية ¬

_ (¬1) "معالم السنن" 1/ 355. (¬2) وقد سبقه النووي رحمه الله في ذلك، وتبعه المصنف هنا. انظر: "المجموع" 3/ 447.

جميلة، فاشتراها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبعة أرؤس، ثم دفعها إلى أم سليم تصنعها، وتهيئها -قال حماد: وأحسبه قال: وتعتد في بيتها- صفية بنت حيي. قال الشارح: استشكل بعضهم شراءها منه بعد أن وهبها له؛ لأن الواهب منهي عن شراء هبته يحتمل أن ذلك كان برضا دحية فتكون معاوضة جارية، وأجاب بعضهم بأنه لم يهبه من مال نفسه فينهى عن الارتجاع، وإنما أعطاه من مال الله على جهة النفل كما يعطي الإمام النفل لأحد أهل الجيش نظرًا فيكون خارجًا عن ارتجاع الهبة وشراءها. قال القرطبي: وهذا كله ليس بصحيح، وأن صفية إنما وقعت في مقسمه، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشتراها، وهذا رافع لما يتوهم من الإشكال. 3 - الإشارة إلى رواية الأكابر عن الأصاغر. -كما في حديث القعنبي عن مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر عن علي بن يحيى الزرقي. قال المصنف: وفيه رواية الأكابر عن الأصاغر لأن نعيمًا أكبر سنًّا من علي بن يحيى. - وكما في حديث سفيان بن عيينة عن وائل بن داود التيمي عن ابنه بكر بن وائل بن داود. قال المصنف: وهو من رواية الأكابر عن الأصاغر. 4 - الإشارة إلى رواية التابعين بعضهم عن بعض. -كما في حديث محمد بن قدامة بن أعين عن أبي بدر عن أبي طالوت عبد السلام عن ابن جرير عن أبيه. قال المصنف: وعبد السلام وابن جرير وأبوه تابعيون يروي بعضهم عن بعض.

- وكما في حديث القعنبي عن مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر عن علي بن يحيى الزرقي. قال المصنف: وفيه ثلاثة من التابعين في نَسَق وهم بين مالك والصحابي. 5 - الإشارة إلى بعض مسائل مصطلح الحديث، ومنها: - لو اجتمع الاسم والكنية قدمت الكنية. ومثاله: حديث مسدد عن إسماعيل عن أيوب عن أبي قلابة قال: جاءنا أبو سليمان مالك. قال المصنف: فيه أن الاسم والكنية إذا اجتمعتا قدمت الكنية. وكما في حديث زيد بن خالد: انطلق بنا إلى أم المؤمنين عائشة. قال المصنف: فيه شاهد للنحاة على أنه إذا اجتمع الاسم والكنية قدمت الكنية. - معنى قول الراوي: يبلغ به. كما في حديث قتيبة بن سعيد وابن السرح قالا: ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال المصنف: قال ابن الصلاح وغيره: هو قول الرواي عن الصحابي يرفع الحديث أو يبلغ به النبي. اهـ. وكما في حديث [3382] حدثنا محمد بن سليمان المصيصي حدثنا محمد بن الزبرقان عن أبي حيان التيمي عن أبيه عن أبي هريرة يرفعه. قال المصنف: قال ابن الصلاح: قول الصحابي يرفع الحديث أو يبلغ به أو ينميه، حكم ذلك عند أهل العلم حكم المرفوع صريحًا. - رواية الحديث بالمعنى.

كما في حديث [2587] حدثنا محمد بن العلاء، حدثنا أبو أسامة، عن بريد، عن أبي بردة، عن أبي موسى، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "إذا مر أحدكم في مسجدنا، أو في سوقنا ومعه نبل فليمسك على نصالها" أو قال: "فليقبض كفه". أو قال: "فليقبض بكفه أن تصيب أحدا من المسلمين". قال المصنف: وفيه دليل لمن يقول: لا يجوز رواية الحديث بالمعنى؛ إذ لو جاز بالمعنى لما ادعاه هذا اللفظ الذي هو بمعناه (أن تصيب) بنصلها (أحدًا من المسلمين) اهـ. وكما في حديث [2904] حدثنا الحسين بن أسود العجلي، حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا شريك، عن جبريل بن أحمر أبي بكر، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: مات رجل من خزاعة، فأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بميراثه، فقال: "التمسوا له وارثا، أو ذا رحم"، فلم يجدوا له وارثا ولا ذا رحم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أعطوه الكبر من خزاعة" وقال يحيى: قد سمعته مرة يقول في هذا الحديث: "انظروا أكبر رجل من خزاعة". قال المصنف: وفيه دليل على رواية الحديث بالمعنى. - جواز المكاتبة: كما في حديث [779] حدثنا مسدد، حدثنا يزيد، حدثنا سعيد، حدثنا قتادة، عن الحسن، أن سمرة بن جندب، وعمران بن حصين، تذاكرا، فحدث سمرة بن جندب، أنه حفظ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سكتتين: سكتة إذا كبر، وسكتة إذا فرغ من قراءة: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7]، فحفظ ذلك سمرة وأنكر عليه عمران بن حصين فكتبا في ذلك إلى أبي بن كعب فكان في كتابه إليهما أو في رده عليهما: أن سمرة قد حفظ.

المطلب الخامس: الناسخ والمنسوخ

قال المصنف: وفيه العمل بالمكاتبة وأنه حجة. وكما في حديث [2321] حدثنا حميد بن مسعدة الشامي، حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد بن الصلت، حدثني أيوب قال: كتب ابن عبد العزيز إلى أهل البصرة: بلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال المصنف: فيه العمل بالمكاتبة. * * * المطلب الخامس: الناسخ والمنسوخ: يدخل هذا المطلب في المطلب السابق الخاص بالصنعة الحديثية، ونظرًا لاهتمام المصنف بمسائل الناسخ والمنسوخ -فقد أورد كثيرا منها بالبسط والنقل عن الأئمة السابقين، وقد رد كثيرا من دعاوى النسخ عند بعض هؤلاء الأئمة- أفردناه مطلبًا مستقلًا. وفيما يلي إيراد لبعض المسائل التي قال فيها بالنسخ أو ادعى إمام من الأئمة النسخ فيها، واعترض هو عليه أو وافقه في دعواه. [2317] نسخ قوله: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} وإلا في حق الحامل والمرضع. [2337] نسخ قوله: "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا". [2369] نسخ إفطار الحاجم والمحجوم. [2389] نسخ الامتناع ليلة الصوم من الأكل والشرب والجماع بعد النوم. [2391] نسخ سقوط الكفارة عن الأعرابي المجامع في نهار رمضان. [2442] نسخ وجوب صوم يوم عاشوراء. [2505] نَسْخِ نَفِيرِ العامَّةِ بِالخاصَّةِ. (عند أبي داود).

[2612] نسخ التوريث بالهجرة والمؤاخاة. [2633] نسخ الدعاء إلى الإسلام قبل أن يحارب. [2638] نسخ حديث التبييت بحديث النهي عن قتل النساء والصبيان. [2646] نسخ قتال العشرة بقتال الضعف. [2652] نسخ التوارث بالحلف بآية المواريث. [2715] نسخ تحريق متاع الغال وضربه. [2719] نسخ القضاء بالسلب بعد ذلك للقاتل. [2788] نسخ الأمر بالفرع والعتيرة. [2798] نسخ التضحية بالجذع بقوله لأبي بردة: "ولن يجزئ عن أحد بعدك". [2812] نسخ إنفاق لحوم الأضاحي وعدم ادخارها أكثر من ثلاثة أيام. [2817] نسخ التسمية على الذبيحة بقول الله: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ}. [2833] نسخ ذبح من كل خمسين شاة شاة بـ: لا فرع ولا عتيرة. [2837] نسخ تلطيخ رأس المولود بالدم. [3000] نَسْخِ الآيات الواردة في الأمر بالعفو والصفح ولين الخطاب بآية السيف المأمور فيها بالقتال حين وجدهم. [3050] نكاح المتعة نسخ مرتين، ونسخت القبلة مرتين، وتحريم الحمر الأهلية مرتين. [3189] نسخ الصلاة على سهيل بن بيضاء وأخيه في المسجد. [3395] نسخ مؤاجرة الأرض أو كرائها. [3526] نسخ حلب الماشية بغير إذن المالك.

[3590] نسخ قوله: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ}. بقوله: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}. [3607] نسخ قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} بقوله: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا}. [3672] نسخ قوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} بقوله: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ}. [3690] نسخ تحريم الانتباذ في ظروف: النقير والمزفت والحنتم. [3698] نسخ نهي الرجال عن زيارة القبور. [3752] نسخ وجوب المواساة. [3753] نَسْخِ الضَّيْفِ يَأْكُلُ مِنْ مالِ غَيْرِهِ. [4034] نسخ قبول الهدية بقوله: "لا نقبل زبد المشركين". [4111] نسخ قوله: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} بقوله: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا}. [4127] نسخ قوله: "إذا دبغ الإهاب فقد طهر" بقوله: "لا تستمتعوا من الميتة بإهاب ولا عصب". [4153] نسخ حرمة التماثيل لقوله تعالى: {وَتَمَاثِيلَ}. [4157] نسخ الأمر بقتل الكلاب بحديث جابر في مسلم. [3717] نسخ النهي عن الشرب قائما. [4178] نسخ إباحة التضمخ بالخلوق. [4237] نسخ كراهة تحلي النساء بالذهب. [4351] نسخ إحراق المرتد بالقتل بالسيف. [4367] نسخ حديث سمل الأعين بقوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ

المطلب السادس: فقه الحديث

يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}. [4390] نسخ الحد من الثمر المعلق على الأشجار. [4410] نسخ قتل السارق في المرة الخامسة بقوله: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث". [4415] نسخ الحبس في البيوت منسوخ بالحد المذكور في النور في حق الثيب بالرجم المجمع عليه. [4415] نسخ الجمع بين الجلد والرجم. [4445] نسخ تلاوة: {الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما}. [4515] نسخ قتل السيد إذا قتل عبده أو عبد غيره. [4530] نسخ قتل المؤمن بالكافر. [4718] نسخ قوله: "إن أبي وأباك في النار" بحديث: أن الله تعالى أحيا له أباه وأمه وآمنا به. [4968] نسخ النهي عن التكني بكنية النبي والتسمي باسمه. المطلب السادس: فقه الحديث: اشتهر أبو داود رحمه الله بحفظه وضبطه وجلالته، مما جعل "سننه" تنال المرتبة الأولى في كتب السنن، ويزيد ذلك كثرة ما اشتملت عليه من أحاديث أحكام، ولا شك أن أي شارح لها سيتعرض للجانب الفقهي، ونظرًا لبروز المصنف رحمه الله في الفقه وخاصة المذهب الشافعي فقد كان الجانب الفقهي في شرح ابن رسلان بارزًا، ولم يتوان في حشد الأدلة أو الشواهد عند الاحتجاج للشافعية وترجيح مذهبهم، كما توسع في ذكر فروع المذهب دون غيرهم من المذاهب الأخرى، وانتصر لهم، ونوَّه على قواعدهم الأصولية والفقهية التي يستندون إليها عند الترجيح.

ويمكن أن نرصد ملامح منهج المصنف في هذا الجانب في النقاط التالية: 1 - اهتمامه ببيان أهم الأحكام المستنبطة من الأحاديث المشروحة سواء كانت تلك الأحكام من استنباطه أو من استنباط غيره فيعزوها إلى قائلها، وكثيرًا ما يذكر الحكم المستنبط ولا ينسبه لأحد. وربما ذكر أحكامًا لا علاقة لها بالباب، من ذلك ما ذكره في الحديث رقم [196] في قصة إصابة الأنصاري بالسهم وهو يحرس النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وفيه أنه كان يصلي، فقال الشارح: فيه دليل على أن للخفير خفير السوق، أو الدرب أو غيرهما أن يصلي، ويستحق في حال صلاته قسط الأجرة في مقابله، فإن المصلي يحرس، وإذا جازت له الصلاة فالقراءة والذكر والدرس من باب الأولى. اهـ. 2 - الاهتمام بذكر الأدلة وقد صرح في الحديث رقم [161] أن ما يظهر للآدمي من آراء لا تعتضد على نص من كتاب أو سنة أو إجماع لا يعتبر بها في الشريعة. ومما يجدر الإشارة إليه أن المصنف ليس بطويل النفس في الاحتجاج بل قصاراه إيراد الدليل والدليلين، ونادرًا ما يتعداهما. وأحيانا يؤول أدلة المخالف مبينا وجه الدلالة في النص المسوق، أو يبين تأويلات المخالفين ثم يرد عليها، ونادرًا ما يرجح وجها مخالفا لجمهور الشافعية. 3 - اهتم المصنف بابن حبان رواية ودراية، فأما الروايات التي ساقها من طريقه فكثيرة لا حصر لها، وأما الدراية فهو مستكثر من إيراد تراجم أبوابه الفقهية مستدلا بها، وقد عرف ابن حبان باعتناقه مذهب الشافعي

ودافع عنه (¬1). 4 - اهتم المصنف رحمه الله بنقل أهم آراء الفقهاء المتعلقة بالأحاديث المشروحة، ولم يتقيّد بعصر معين، بل ذكر أقوال الصحابة ومن بعدهم إلى عصره، وكذا لم ينحصر في مذهب إمام معين وإن كانت عنايته بمذهب الشافعي وأقوال الفقهاء الشافعية أكبر. 5 - توثيقه الآراء المنقولة من مصادرها الأصلية كثيرًا وقد أكثر النقل من الأصل، و"مختصر الطحاوي" في المذهب الحنفي، و"المدونة" و"الإستذكار" و"المنتقى" في المذهب المالكي، و"الأم" و"مختصر المزني" و"مختصر البويطي" و"الأوسط " و"الحاوي" و"المجموع" في المذهب الشافعي. و"مسائل الإمام أحمد" لابنه عبد الله ولأبي داود، و"المغني" في المذهب الحنبلي. والأكثر عند نقله لآراء المذاهب الأخرى أن ينقل من "الاستذكار" و"الأوسط" و"المجموع" و"المغني" و"المحلى". 6 - عند عرضه للأقوال والآراء تارة ينسبها لأصحابها وتارة يبهمها، وقد تباين موقفه من النصوص التي ساقها فجاءت على صور مختلفة، فتارة يسوقها ساكتًا عنها، وتارة يسوقها محتجا لها، ويرد ذلك الاحتجاج إما اجتهادًا منه، أو نقلا عن أحد الأئمة. 7 - لا يلتزم الشارح رحمه الله ببيان القول الراجح عنده، فكثيرًا ما يذكر الخلاف دون ترجيح، وفي أحيان أخرى يبين القول الراجح عنده إما بنقل كلام من صححه ورجحه، أو بنصه على صحة القول أو رجحانه. ¬

_ (¬1) انظر: "طبقات الشافعية" لابن كثير (ص 290).

المطلب السابع: مباحث اللغة

المطلب السابع: مباحث اللغة: كل من طالع ترجمة المصنف رحمه الله وطلبه للعلم يرى حرصه على الإلمام بصنوف مختلفة من المعرفة خاصة اللغة وعلومها إلى جانب الفقه والحديث والتفسير، ومما يدل على اهتمامه باللغة تكدس هذا الشرح الذي بين أيدينا بكثير من هذِه المظاهر؛ كضبط أسماء الرجال بالكلمات، وشرح غريب ألفاظ الحديث، وضبط ما يحتاج منها إلى ضبط، وبيان الوجوه الإعرابية فيها، واستدعاء الشواهد النحوية في المسائل التي تعرض له. ومن أبرز ما تناوله ابن رسلان بالضبط والشرح غريبُ الحديث، حيث قام بشرحها وتفصيلها شرحا وافيا بالكلمات ليتضح المعجم من المهمل، والمهموز من المسهل، معتمدا في ذلك على كتب اللغة كـ"العين" للخليل، و"صحاح الجوهري"، و"تهذيب اللغة" للأزهري، وغيرها، وكتب غريب الحديث كـ"غريب أبي عبيد" وابن قتيبة، والخطابي، و"النهاية" لابن الأثير، وغيرها، ومن أمثلة ذلك: حديث (3573): قال في "النهاية": انتزى هو افتعل من النزو، وهو الوثوب، وانتزى على حقي، أي: وثب عليه وأخذه، وقد يكون في الأجسام والمعاني، ومن وَرْدِهِ في الأجسام حديث علي: يأمرنا أن لا ننزي الحمر على الخيل. حديث (3573): (فأصاب) وجه الحكم، وهو أن يحكم بالحق لمستحقه في نفس الأمر عند الله تعالى. حديث (3577): (مه) اسم مبني على السكون، معناه هنا الزجر عن المسارعة إلى الإفتاء والحكم، وأمره بالسكوت عن ذلك مهما استطاع والتثبت فيه.

حديث (3580): الرشوة مثلثة الراء والأرجح الكسر، وهي: ما يعطي الحاكم ليحكم. حديث (3581): (مخيطًا) بكسر الميم. . فالخياط: الخيط الذي يخيط به، والمخيط: الإبرة والمسلة ونحوهما. حديث (3581): (فهو غل) وهو الحديدة التي تجمع بها يد الأسير إلى عنقه. وغير ذلك من الأمثلة والمواضع التي اكتظ بها الشرح وامتلأ، مما يصعب حصرها. ومن جملة الاهتمام باللغة أيضًا ضبطه لأسماء الأماكن والبلدان والمواضع عازيا أقواله إلى الكتب التي عُنيت بضبط أسماء الأماكن والبلدان كـ"معجم البلدان" لياقوت الحموي، و"معجم ما استعجم" لأبي عبيد البكري، وغيرهما، ومن أمثلة ذلك: حديث (3573): (كندة) قال البكري: وضع على لفظ القبيلة اليمانية. وهو في ديار بني ذبيان، وقيل: إنه من بلاد تيماء. حديث (3792): (كان بالصفاح) بكسر الصاد المهملة وتخفيف الفاء وبعد الألف جاء مهملة، موضع بين حنين وأنصاب الحرم يسرة الداخل إلى مكة. ولم يُغفِل ابن رسلان المسائل النحوية فقام بشرحها واستدعاء الشواهد القرآنية والشعرية وكلام العرب؛ لتبيين وجوه الإعراب المختلفة فيها، ولم يقتصر في الشواهد القرآنية على المتواتر من مظانها كـ"السبعة" لابن مجاهد، و"الحجة" لأبي علي الفارسي، لكن تخطى ذلك إلى القراءات الشاذة المنقولة من كتب الشواذ كـ"شواذ القراءة" لابن خالويه،

"المحتسب" لابن جني، وأما الشواهد الشعرية وكلام العرب فمن كتب النحو كـ"العين" للخليل، و"كتاب سيبويه"، وغيرهما، ومثال ذلك: حديث (3577) أنشد الخليل: ألا رجلا جزاه الله خيرًا ... يدل على محصلة تبيت حديث (3581): (فما) الفاء بمعنى (إلى)، كما قال الكسائي في قوله تعالى: {بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا}. حديث (3583): شاهد على اقتران (أن) بخبر (لعل) حملًا لها على (عسى)، كقول الشاعر: لعلك يومًا أن تلم ملمة ... عليك من اللائي يدعنك أجدعا حديث (3584): (فاقتسما) يحتمل زيادة [الفاء] فقد قيد الفراء والأعلم جواز زيادتها أن تكون داخلة على أمر أو نهي، وحمل عليه: لا تجزعي إن منفسًا أهلكته ... فإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي حديث (3731): ولا أقول لقدر القوم قد غليت ... ولا أقول لباب الدار مغلوق حديث (3768): كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالسًا ورجل) رفع على الابتداء، وسوغ الابتداء بالنكرة وقوعه أول جملة حالية، كقول الشاعر: سرينا ونجم قد أضاء فمذ بدا ... محياك أخفى ضؤوه كل شارق

ومثل ابن مالك بقوله تعالى: {وَطَائِفَةٌ} (¬1) ولا دليل فيه؛ لأن النكرة موصوفة فيه بصفة مقدرة، تقديره: وطائفة من غيركم. حديث (4986): (لعلي أصلي فأستريح) بالنصب جواب (لعل) كقوله تعالى: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ} ومن ذلك أيضًا: استخدم ابن رسلان إعراب الكلمات كأداة لبسط وشرح المعنى المراد من الحديث، ومن أمثلة إعراباته في هذا الشرح: حديث (3583): (ألحن) بالنصب خبر (كان). حديث (3583): (فأقضي له على نحو) بالتنوين. حديث (3584): (أتى رسول) بالنصب مفعول مقدم. حديث (3584): (في مواريث) غير منصرف. حديث (3669): (إليه الجد) مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: أحد الثلاثة الجد، والجملة الأسمية خبر (ثلاث). حديث (4040): فأعطى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمر بن الخطاب منها حلة) مفعول ثان. حديث (4063): (قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في ثوب) بالتنوين (دون) بضم الدال وتنوين النون. حديث (5094): (أن أضل) بفتح الهمزة وكسر الضاد؛ أي: أضل غيري (أو أضل) بفتح الضاد مع ضم الهمزة، أي: يضلني غيري. حديث (4989): (إياكم والكذب) بالنصب على التحذير، وبفتح ¬

_ (¬1) آل عمران: 154. وانظر "أوضح المسالك" لابن هشام 1/ 203.

المطلب الثامن: اللطائف والفوائد التربوية

الكاف وكسر الذال، ويجوز التخفيف بكسر الكاف وسكون الذال. * * * المطلب الثامن: اللطائف والفوائد التربوية: عُرف الشارح رحمه الله أنه إلى جانب دأبه في تحصيل العلوم المختلفة فقد عنيَ بنفسه تربية لها على محاسن الأخلاق، وحملا لها على معاليها، وقد سلك رحمه الله سلوك العباد المعتنين بالسلوك ورياضة النفوس، وقد ظهر أثر ذلك في كتبه، ونلمس ذلك واضحًا في شرحه هذا. فالمطالع لهذا الشرح يجد الشارح رحمه الله لا يمر موضع يتعلق به شيء من الفوائد واللطائف المتعلقة بالجوانب السلوكية والآداب إلا ويدلي بدلوه فيها، وقد نقل كثير من أقوال كبار الصوفية كالجنيد وغيره، هذا إلى جانب كثير من الإشارات والمعاني واللطائف من زنده لن تجدها عند غيره. ومن الأمثلة على ما قلنا: - عند شرحه حديث [2830]، وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: "اذبحوا لله في أي شهر كان، وبروا الله -عز وجل-، وأطعموا". قال الشارح: وفيه الأمر بإخلاص الأعمال لله تعالى في الذبح وما يتعبد به ويتقرب إلى الله تعالى بأن يكون مراده له ومفرده له بالقصد كما في جميع الأعمال. وقد قال الجنيد -رضي الله عنه-: الإخلاص ما أريد به الله من أي عمل كان. وأراد أن الإخلاص هو محله ومتعلقه الأعمال. وقيل لأبي العباس ابن عطاء: ما الخالص من الأعمال؟ قال: هو ما خلص من الآفات، يريد بالآفات مفسدات الأعمال كالعجب والرياء والمن والأذى، ومنها الطمع في العوض مطلقًا على رأي المحققين. اهـ.

- وعند قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي". حديث [2514]. قال الشارح: ومما يعد من القوة اجتماع القلوب واتفاق الكلمة، فإن التنازع واختلاف الكلمة تذهب القوة، كما قال تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا}. أي: ليصبر بعضكم على ما يقع من بعض. * * *

القسم الثالث منهج التحقيق ووصف النسخ الخطية

القسم الثالث منهج التحقيق ووصف النسخ الخطية وفيه مباحث: المبحث الأول: منهج التحقيق المبحث الثاني: وصف النسخ الخطية * * * المبحث الأول: منهج التحقيق أولًا: نسخ المخطوط والمقابلة: - نسخ نسخة الأصل حسب قواعد الخط والإملاء الحديثة، بعد قراءة دقيقة ومتأنية. - مقابلة النسخة الأصل بالنسخ الأخرى مقابلة دقيقة، وإثبات أهم الفروق تحاشيًا لإثقال الحواشي بما لا فائدة فيه. - أهملنا التعليق على فروق النسخ، إذا كان الفرق في إعجام الحرف وإهماله، أو إعجامه بنقطة واحدة أو نقطتين أو ثلاثة، أي: أوضحنا فروق النسخ فيما يغير المعنى، أو كانت الكلمة مختلفة عنها في النسخة الأخرى. - أهملنا التعليق على الفروق أو السقط في ألفاظ الصلاة والتسليم على الأنبياء، أو الترضي على الصحابة، أو الترحم على التابعين وغيرهم.

- فروق النسخ إن كانت في كلمة واحدة تهمل من الأقواس، وإن كان أكثر من كلمة توضع بين معقوفتين، وقد نضع كلمة أو كلمات بين معقوفتين دون تعليق فتكون زيادة من "سنن أبي داود" أو مصدر التخريج المثبت على الفقرة. - إذا اقتضى الأمر إثبات شيء من النسخ الأخرى في المتن أثبتناه، ونبهنا على ذلك في الهامش. - ذكر التعليقات والحواشي الموجودة على هوامش النسخ إن وجدت. - وضعنا أرقام الأحاديث بين معقوفين عند بداية كل حديث على حسب ترقيم محمد محيي الدين عبد الحميد. - وضعنا متن سنن أبي داود عند كل باب قبل متن الشارح، وهناك بعض الأبواب يختلف ترتيبها عن مطبوع السنن، ففيها، تقديم وتأخير في بعض الأحاديث، والمتن الذي وضعناه هو نص أسترشادي أدرجناه بخط مختلف وأصغر قليلا، ولم نعمل فيه على توافق الرواية مع رواية الشارح، وكذلك تخريجنا لأحاديث المتن في أول كل باب هو تخريج استرشادي مختصر ومعه حكم الألباني. - وضعنا متن سنن أبي داود (الموجود بالشرح) داخل قوسين: ()، وبخط غليظ أسود، بينما أخلينا كلام الشارح من ذلك. - أثبتنا أخطاء المصنف في الرجال كما هي، وهي كثيرة جدا، وعلقنا عليها في الحاشية مبينين الصواب، أما غير الرجال فأثبتنا الصواب في المتن، وعلقنا في الحاشية ذاكرين ما أورده المصنف. - وضعنا الآيات القرآنية بين قوسين مزركشين هكذا {}، مع عزوها في الحاشية إلى أماكنها من القرآن الكريم، بذكر اسم السورة ورقم الآية.

ثانيا: تخريج الأحاديث والآثار وأقوال العلماء

- أهملنا وضع الآيات والأحاديث بخط أسود، إلا ما كان من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-، في غير المتن (سنن أبي داود)، مع إهمال الآيات في المتن. ثانيًا: تخريج الأحاديث والآثار وأقوال العلماء: - خرجنا الآيات والأحاديث تخريجًا مختصرًا، وخرجنا متن سنن أبي تخريجا مختصرا أيضًا، والتزمنا بأحكام محدث العصر الشيخ الألباني أحاديث سنن أبي داود. - عزو أقوال العلماء إلى مصادرها الأصلية إن وجدت -وهو الغالب- وإلا فقد قمنا بالعزو لمصادر ناقلة عنها أو ذكر فيها القول منسوبًا لصاحبه. ثالثًا: الجانب الفقهي والأصولي: - عزو الأقوال الفقهية لأصاحبها في مصنفاتهم إن وجدت، وإلا فقد بالعزو لمصادر ناقلة عنها أو ذكر فيها القول منسوبًا لصاحبه. رابعًا: اللغة: - ضبط المشكل من الأعلام أو الألفاظ ضبطًا تامًّا. - شرح الألفاظ الغريبة. - تخريج الأبيات الشعرية، وعزوها إلى قائليها، مع بيان الفروق بين رواية المصنف ورواية غيره. - التعريف بالأماكن، والقبائل، والبلدان بإيجاز. * * *

المبحث الثاني: وصف النسخ الخطية

المبحث الثاني: وصف النسخ الخطية (¬1) (أ) - النسخ الأصلية: وهي ثلاث نسخ: (1) النسخة التركية الأولى (ل): وهي نسخة محفوظة بمكتبة (لا له لي) بتركيا تحت الأرقام التالية (498، 499، 500، 501) ورمزنا لها بالرمز (ل). وتتكون مجلدات هذِه النسخة مما يلي: - المجلد الأول: من أول الكتاب إلى باب في كم يقرأ القرآن (384 ق) وهو برقم 498. - المجلد الثاني: (158 ق) وهو برقم 499. - المجلد الثالث: من أول كتاب الصيام إلى نهاية كتاب البيوع (329 ق) وهو برقم 505. - المجلد الرابع: من أول كتاب الأقضية (432 ق) وهو برقم 501. وتمتاز هذِه النسخة بأنها أقدم النسخ من حيث التاريخ، فهي نسخة عتيقة جدًّا بُدِئَ بكتابتها في حياة ابن رسلان بإذن منه سنة (837) هـ، ذكر ذلك ناسخها في نهاية كل جزء، وفرغ منها سنة (847 ص). وأنها نسخة مقابلة على نسخة المؤلف، حيث إن ناسخها يكتب في ثنايا الأجزاء على الحاشية (بلغ). وقد كتب في آخر ورقة من الجزء الأول ما نصه: بلغ مقابلة على نسخة المصنف المنسوخ منه حسب الطاقة والإمكان. ¬

_ (¬1) استفدنا كثيرًا في هذا المبحث من مقدمة د. أحمد عبد القادر عزي لرسالته العلمية في تحقيق جزء من الكتاب فقد أجاد في وصفها ودراستها بدقة.

وفي آخر المجلد الأخير ما نصه: بلغ مقابلة على نسخة المصنف (¬1) المنقول منها بحسب الطاقة والإمكان في مجالس آخرها يوم الأحد ثاني شهر ذو (¬2) الحجة الحرام من شهور سنة 847. دراسة النسخة ووصفها: 1 - بيان اسم الناسخ وتاريخ النسخ وموضعه: جاء في نهاية الأول ما نصه: فرغ من كتابته يوم الأحد ثاني ربيع الأول سنة 837 هـ، علقه لنفسه يس بن محمد بن عبد الله بمجاورة المسجد الأقصى الشريف. 2 - عنوان النسخة: جاء في الصفحة الأولى في غلاف المجلد الأول: الجزء الأول من "شرح سنن أبي داود"، للشيخ شهاب الدين أحمد بن رسلان الشافعي. 3 - مسطرتها: - مقياس الصفحة 18 × 27 سم. - عدد الأسطر متفاوت، ما بين 35 إلى 40 سطرًا غالبًا. - عدد الكلمات في السطر الواحد بين 12 إلى 15 كلمة غالبًا. 4 - نوع الخط: كتبت بخط معتاد مقروء إلا أن هناك صعوبة في قراءته بسبب تراص الكلمات وتقارب الأسطر وتداخلها، وميلان بعضها يمنة أحيانا، ويسرة في أخرى، فكثير من أسطرها مائج. 5 - الإعجام: كثير من الحروف منقوط، وبعضها خلو من ذلك، وكثير ¬

_ (¬1) في الأصل: المنصف. (¬2) كذا بالرفع على الحكاية.

منها لا يظهر في الصورة، والله أعلم. 6 - التشكيل: لم تُضْبط الأحرف المهملة بطريقة معينة، واقتصر فيها على ما هو الأصل وهو إخلاؤها من العلامة وإبقاؤها كما هي، وقلَّ ما تضبط الكلمات فيها بالشكل. وقد يَكْتُب الناسخ أحيانا بعض الألفاظ في الحاشية، ويوضع فوقها حرف (ن) اختصارًا لكلمة نسخة، والله أعلم. ووضع في بعض المواضع من النسخة فوق أسماء الرجال حرف (ع) إشارة إلى أن الجماعة أخرجوا له، أو حرف (س) أو (د) أو (ق) إشارة إلى أن بعض أصحاب "السنن" رووا له. 7 - اللحق: يَكْثر اللحق جدًّا في النسخة التركية، ويأتي أحيانا في كلمة، وقد يبلغ سطرًا. وقد اتبع فيه ناسخه الأصل وهو وضع خط معطوف عند الكلمة المراد إلحاقها إلى جهة الحاشية، ثم كتابتها مع علامة صح. وقد يكرر أحيانًا بعض الألفاظ إشارة إلى ربط اللحق بموضعه في الصلب. 8 - السقط: يوجد في نسخة الأصل بعض المواضع فيها سقط لحرف أو لكلمة، أو لكلمتين، أو سطر، أو فقرة، ونتداركه من باقي النسخ. 9 - الطمس: وجوده قليل في النسخة التركية، يأتي غالبا في كلمة أو كلمتين، ثم يعاد كتابتها جلية. 10 - التحريف والتصحيف: تحرفت بعض الألفاظ في الأصل، وتصحَّف البعض الآخر، وغالبا ما يأتي اللفظ سليما في النسخة المحمودية. 11 - الضرب: وقع الضرب في مواضع من الأصل لكنه خفيف جدًّا يقرأ ما تحته، ويأتي أحيانا على الكلمة أو الكلمتين أو الثلاث.

تنبيه

12 - الإضافات والتعليقات: ليس هناك كبير اختلاف بين النسخ، فالذي يظهر أن بعضها نسخ من بعض، وقد وُجِدَتْ مواضع قليلة فيها زيادة أو نقص كلمة وفي الجملة ليس هناك فروق جوهرية بين النسختين التركية والمحمودية. 13 - التقديم والتأخير: يكتب في الأصل أحيانا فوق بعض الألفاظ رمز مكرر على شكل ميمين هكذا (م م) دلالة على أن الكلمة الأولى مقدمة وحقها التأخير، والكلمة الثانية مؤخرة وحقها التقديم على الأولى، وتكرر منه هذا الصنيع في عدة مواضع. 14 - السماعات والبلاغات: يكثر ناسخ الأصل من كتابة كلمة (بلغ) على حاشية النسخة مما يدل على أنها مقروءة ومقابلة، وقد صرَّح الناسخ على أنها قوبلت مع نسخة المؤلف ابن رسلان حيث قال في آخر ورقة من كل جزء: (بلغ مقابلة على نسخة المصنف المنسوخ منه حسب الطاقة والإمكان). 15 - التعقيب: يكرر الناسخ كتابة الكلمة الأولى من وجه الصفحة الثانية، حيث يكتبها في آخر الصفحة الأولى تنبيها على التعقيب، وهذا واضح في كل ورقة. تنبيه: كنا قد صورنا هذِه النسخة من مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود وكان التصوير رديئا لا يظهر فيه معظم ما كتب باللون الأحمر، وهو جميع متن "سنن أبي داود"، اللهم إلا في المجلد الرابع الذي يبدأ بالأقضية إلى نهاية الكتاب؛ حيث حصلنا على نسخة ملونة منه.

(2) النسخة المحمودية الأولى (م): وهي نسخة محفوظة في مكتبة الملك عبد العزيز بالمدينة النبوية، ومفهرسة هناك على أنها من محتويات المكتبة المحمودية، وتقع في أربعة مجلدات تحت الأرقام (527، 528، 529، 530) على التفصيل الآتي: المجلد الأول: من كتاب الطهارة إلى آخره 133 ورقة. وكُتب بخط مغاير للمجلدات الأخر كما سيأتي. المجلد الثاني: من كتاب الصلاة إلى أوائل باب تفريع أبواب الجمعة 308 ورقة. المجلد الثالث: من باب تفريع أبواب الجمعة إلى آخر كتاب الصلاة. المجلد الرابع: من كتاب الزكاة إلى آخر كتاب المناسك 356 ورقة. ورمزنا لهذه النسخة بالرمز (م) (¬1). 1 - بيان اسم الناسخ وتاريخ النسخ: كتب في نهاية المجلد ما يلي: (ووافق الفراغ من نساخته ضحى يوم الاثنين لعله تاسع وعشرون شهر صفر الخير سنة (1178 هـ)، قلم الفقير إلى الله تعالى علي بن شمس الدين المؤيدي عفا الله عنه، وذلك بعناية الشيخ الماجد فخر الإسلام والدين عبد الله بن محيي الدين العراسي حماه الله وبلَّغه في الدارين ما يهواه .. آمين). وكتب في آخر المجلد الرابع ما نصه: (وكان الفراغ من رقمه في شهر جمادى الأولى سنة إحدى وثمانين ومئة وألف من هجرته -صلى الله عليه وسلم- أفقر العباد ¬

_ (¬1) تنبيه: رمزنا للمجلد الرابع من نسخة مراد ملا (والذي يبدأ بكتاب الأقضية) بالرمز (م)، ولا تعارض؛ فالمجلد لا يلتقي مع هذه النسخة في أي قطعة من الكتاب.

إليه، وأحوجهم إلى ما لديه، الراجي عفو ربه الفقيه الفقير إلى الله سبحانه حسين بن علي بن عبد الهادي الخولاني، غفر الله له ولوالديه، ولمالكه، ولمن قرأ فيه، وللناظر فيه، ولكافة المسلمين بحق محمد وآله -صلى الله عليه وسلم-، والحمد لله رب العالمين. مما نسخ بعناية سيدي العلامة الفهامة فخر الإسلام عبد الله بن محيي الدين العراسي، حفظه الله تعالى). وبان من هذا أن النسخة توارد عليها ناسخان هما: علي بن شمس الدين المؤيدي سنة (1178 هـ)، وحسين بن علي بن عبد الهادي الخولاني سنة (1181 هـ). 2 - عنوان النسخ: كتب على ظهرية الجزء الثاني من هذِه النسخة: (الجزء الثاني من شرح "السنن" لابن رسلان، العلامة أحمد بن الحسين بن الحسن بن علي بن يوسف، الشهاب أبي العباس الرملي الشافعي، رحمة الله ورضوانه عليه). 3 - مسطرتها: وُضِعَ نَصُّ الشرح داخل إطار مستطيل. - ومقاس الصفحة 25 × 13. - عدد الأسطر من 35 إلى 37 سطرًا تقريبًا. - عدد الكلمات في السطر من 15 إلى 19 كلمة غالبًا. 4 - نوع الخط: كتب بخط معتاد، أما نص أبي داود فكتب بخط أحمر يظهر أحيانا باهتا بعد التصوير. 5 - الإعجام: أغلب الحروف في النسخ منقوط، وبعضها غير منقوط. 6 - التشكيل والاختصار: نادرًا ما تضبط الكلمات بالشكل، وأمّا الأحرف المهملة فهي باقية على الأصل. كما أنه يختصر فيها بعض الكلمات مثل المصنف يكتبها: (المص)، -عليه السلام- يكتبها: (عليلم).

7 - اللحق: وهو قليل جدًّا في هذِه النسخة، وقد يكتب أحيانا بعد الانتهاء منه رمز: (صح). 8 - السقط: وهو واقع بها أيضًا في مواضع، شاملا الكلمة والكلمتين، والسطر، بل والفقرة أحيانا. 9 - الطمس: ليس فيها طمس، ولا بياض، وكل ما فيها هو عدم وضوح لبعض الكلمات من زيغ القلم، ثم يكتبها بالحاشية. 10 - التصحيف والتحريف: يوجد في النسخة المحمودية بعض الكلمات أصَابها تحريف، أو تصحيف، وقد يكون هذا فاحشا أحيانًا. 11 - الضرب والتكرار ليس في النسخة المحمودية ضرب إلا شيء يسير لا يكاد يذكر، ولا تكرار، ولا تضبيب. 12 - التصحيح: وقفت على بعض المواضع وضع عليها علامة التصحيح (صح)، ولكنها قليلة جدًّا. 13 - التقديم والتأخير: خلت النسخة من التقديم التأخير، سوى مواضع يسيرة قُدِّم فيها لفظ على آخر. 14 - الزيادات والتعليقات: يوجد في النسخة المحمودية بعض الزيادات على نسخة الأصل، ولكنها لا تغير من المعنى كثيرًا، فتارة تكون زيادة إيضاح، أو عاملًا لجملة، أو زيادة نسبة، ونحو ذلك. كما أن النسخة وُشِّحت بتعليقات المنذري على أحاديث "السنن"، وكذلك تعليقات أخرى خفيفة، لكنها تنبئ عن أن كاتبها صاحب علم. 15 - التملكات والتوقيفات: يوجد على غلاف الورقة الأولى من الجزء الأول تملكان: نص الأول: (صار من فضل الله، وهو ذو الفضل العظيم، في مِلْكِ

الفقيه الأكمل الجليل جمال الدين علي بن إسماعيل بن حسن النهمي حماه الله بتاريخ شهر صفر عام (1188) رزقه الله فهم معانيه، وبلغه الأمل، وهو حسبي ونعم الوكيل). ونص التملك الثاني: (تفضل الله تعالى على عبده الحقير محمد بن عابد بن أحمد علي الأنصاري بتملك هذا المجلد ومجلدين بعده. وأسأل الله أن ييسر تتمة هذا الشرح بحوله وقوته، إنه كريم وهاب سنة (1233)). كما أوقفها الشيخ محمد بن عابد الأنصَاري، فكتب على غلاف المجلد الأول: (وقفت لله تعالى هذا المجلد في ذي القعدة سنة (1249) والنظر فيه لنفسي، ثم للأرشد فالأرشد من ذريتي ذكرًا كان أو أنثى إنْ كان لي عقب، وإلا فالأرشد من ذرية جدي شيخ الإسلام محمد مراد بن الحافظ يعقوب الأنصاري السندي ذكرًا كان أو أنثى، ينتفع بنظره الخاص والعام، كتبه واقِفُه محمد عابد بن الشيخ أحمد علي بن محمد مراد الأنصاري غفر الله تعالى ذنوبه، وذنوب والديه، وأسلافه، ومشايخه، ورضي عنهم رضى لا سخط بعده آمين). ونحو هذا جاء في بداية المجلد الثاني. 16 - التعقيب: لا تختلف النسخة المحمودية عن الأصل في هذا، فيكتب فيها الكلمة الأولى من الوجه الثاني في آخر وجه الأولى دلالة على تعقيب الصفحات. 17 - الاختلاف مع الأصل: أثناء المقابلة وقفنا على مواضع اختلاف بين الأصل والمحمودية نبهنا عليها في مواضعها من الحاشية، ولكن هذا الاختلاف ليس مغيرًا للمعاني بالكلية مثل أن يكون في الأصل (أخبرني)، وفي المحمودية (حدثني)، ونحو هذا.

لكن فيها سقط كثير في يعض الكلمات وربما أسطر عن الأصل. (3) النسخة المحمودية الثانية (ح): وهي نسخة محفوظة في مكتبة الملك عبد العزيز بالمدينة المنورة، ومفهرسة على أنها من محتويات المكتبة المحمودية، والذي وقع لنا منها مجلد واحد في (136) ورقة، وهو المجلد الأخير من الكتاب، ورقم تصنيفها (530) وتبدأ بأول كتاب الأشربة عند الحديث رقم (3669)، وتنتهي بحديث رقم (4239) عند نهاية كتاب الخاتم. وهي نسخة منضبطة بصورة كبيرة، والتصحيف والتحريف فيها نادر جدًّا، وخطها مقروء في أغلبه، إلا إن كلماتها متداخلة، ولورود المتن فيها باللون الأحمر فلم يظهر في التصوير. ويكثر اللحق فيها فيما سقط من بين أسطرها، فالظاهر أنها مقابلة على نسخة عتيقة إن لم تكن على نسخة المصنف، ولكن ليس عليها ما يدل على ذلك، ولا يوجد فيها بلاغات. ولم يرقم الناسخ اسمه في نهايتها، فلا نعرف ناسخها، ولا سنة النسخ، إلا إنها منسوخة في حياة المصنف، أو من نسخة كتبت في حياته، فقد جاء في نهاية كتاب الطب في صفحة (70) ما نصه: (آخر كتاب الطب والحمد لله تعالى كما يرضى ربنا ويحب، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى كل من له صحب، في نصف ذي الحجة عام اثنين وثلاثين وثمان مائة، يتلوه كتاب العتق) وهذا التاريخ لا يظهر منه أهو تاريخ نسخ هذِه النسخة، أم هو تاريخ الأصل المنسوخ منه. ب- النسخ الثانوية: وهي أربع نسخ: نسخة مكتبة مراد ملا، ونسخة مكتبة لا له لي الثانية،

ونسخة هندية، ونسخة مكتبة حكيم أوغلي باشا، وسيكون الحديث عن هذِه النسخ مجملا على النحو التالي: (4) نسخة مكتبة مراد ملا (س)، (م): وهي نسخة تركية تقع في أربعة مجلدات تحت الأرقام التالية: (339) (440) (441) (442). وتتوزع مجلداتها كالتالي: المجلد الأول: من أول الكتاب، وعدد أوراقه (524). المجلد الثاني: من باب تفريع أبواب شهر رمضان إلى نهاية كتاب الطلاق (368) ورقة. المجلد الثالث: من كتاب الصيام (453) ورقة. ورمزنا للمجلدات الثلاثة الأُول بالرمز (س). المجلد الرابع: من أول كتاب الأقضية في طلب القضاء إلى باب الرجل يسب الدهر، وهو آخر الكتاب. ورمزنا لهذا المجلد بالرمز (م). ولهذه النسخة صورة بقسم المخطوطات بجامعة الإمام تحت الأرقام التالية (5863) (5864) (5865). ولم يذكر اسم الناسخ، إنما كتب في آخر المجلد الثاني أنه فرغ من كتابته في جمادى الآخر سنة (1090 هـ)، وفي آخر المجلد الثالث أنه فرغ منه في العشرين من محرم سنة (1091 هـ). وختم مجلداته بختم وقف باسم أبي الخير أحمد الشهير بداماد سنة (1170 هـ). وواضح أن هذِه النسخة متأخرة جدًّا عن النسخة الأولى. - ومسطرة هذِه النسخة هي 27 × 24. - وعدد الأسطر 33 سطرًا- وعدد الكلمات 13 كلمة غالبًا. ويحيط بالمنسوخ إطار، وسُطّر متن أبي داود بسطر فوقه وبلون أحمر،

وخطها نسخي مقروء جيدة الإعجام، ويندر وجود اللَّحق بها. ويكثر في هذِه النسخة (مراد ملا) السقط والطمس، كما أن فيها تحريفا وتصحيفا أكثر، وليس بها سماعات. ويظهر أنها منسوخة من الأصل، إلا أن ناسخها لا يبدوا عارفًا ولا يمتاز إلا بحسن الخط، فالأخطاء فيها غير محصورة. (5) نسخة مكتبة لا له لى الثانية: وهي نسخة تركية أيضًا غير الأصل، فكلتاهما محفوظة بمكتبة لا له لي، ورقم هذِه (502)، ولكنها نسخة ناقصة لم يبق منها سوى مجلد واحد من بداية الكتاب إلى باب تفريع شهر رمضان باب في قيام شهر رمضان، وقد خلت من اسم الناسخ وتاريخ النسخ. وخطها في البداية خط نسخ جميل جدًّا مشكول، ثم يتحول في الآخر (ق 378) إلى خط آخر عادي مقروء، وفيها طمس في بعض المواضع. وقد كتب فيها متن "سنن أبي داود" بخط عريض أكبر من الشرح، ولعله بلون مغاير. وفي نهاية المجلد الأول ختم نصه: (هذا وقف سلطان الزمان الغازي سلطان سليم خان بن السلطان مصطفى خان عفا عنهما الرحمن). وقد قُمْنا بتصويرها من جامعة أم القرى، وهي محفوظة هناك بقسم المخطوطات رقم (135)، ثم قابلناها هي الأخرى مع الأصل، وتأكد لنا أنها ناقلة عنه تصيب إذا أصاب الأصل وتخطئ إذا أخطأ. كما أنها كثيرة التحريف، والتصحيف، والسقط، والضرب. (6) النسخة الهندية (ظ): وهي نسخة محفوظة بمكتبة مظاهر العلوم بسهارنفور بالهند، ومسجلة

وصف النسخة

بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية تحت رقم (1593) (1594) (1595). وتتكون هذِه النسخة من ثلاثة مجلدات كما يلي: المجلد الأول: من أول كتاب الطهارة إلى آخره 467 صفحة. المجلد الثاني: من أول كتاب الصلاة إلى باب رفع اليدين 384 صفحة. المجلد الثالث: من أول كتاب الوصايا إلى باب في الخرص 460 صحفة. وتتميز هذِه النسخة بأنها نسخت بخط فارسي، عدد الأسطر فيها 18 سطرًا، وعدد الكلمات 10 كلمات غالبًا. وقد ميز متن "سنن أبي داود" بوضع خط فوقه. وجاء في المجلد الثالث اسم الناسخ وهو محمد بن إسماعيل كندهلوي سنة (1350 هـ). وعند مقابلة هذِه النسخة مع الأصل، والمحمودية الأولى، تبيّن أنها ناقلة عن المحمودية تُتَابعها حَذْوَ القذة بالقذة في الصواب والخطأ. هذا والله أعلى وأعلم. (7) نسخة مكتبة حكيم أوغلي علي باشا (د): هي نسخة محفوظة في مكتبة حكيم أوغلي علي باشا بتركيا، تحت رقم 14 [200]. أولها كتاب "الإيجاز في شرح سنن أبي داود السجستاني" للإمام النووي رحمه الله إلى الورقة الثانية عشرة ثم يليها شرح ابن رسلان للسنن، وقد وجدنا بعضهم نبَّه على هذا في أسفل الورقة الثانية عشرة فكتب: هذا آخر كلام الإمام النووي والذي بعده لغيره، والظاهر أنه الشهاب ابن رسلان الرملي ثم المقدسي صاحب صفوة الزبد. اهـ. وصف النسخة:

عنوانها: "كتاب الإيجاز في شرح سنن أبي داود السجستاني" رحمه الله تأليف الفقير إلى رحمة ربه يحيى بن شرف بن مِرَا بن حسن بن حسين بن محمد النواوي عفا الله عنه. وكتب الناسخ تحته: هكذا نقلته من خطه نفعنا الله بعلومه آمين. ناسخها: لم يُسم الناسخ في القطعة التي صورناها من المجلد، ولعل اسمه مكتوبٌ في آخر المجلد. خطها: دقيق حسن جدًّا. وهي بالنسبة للشرح النووي نسخةٌ جيدةٌ جدًّا، نُقلت من أصل الإمام النووي رحمه الله وقُوبلت عليه؛ كما صرح بذلك الناسخ رحمه الله في أولها، وكتب الناسخ في آخر الورقة التاسعة: بلغ معارضةً بأصله الذي هو بخط النواوي. مسطرتها: واحد وثلاثون سطرًا. يكتب الناسخ كلمة باب بخط أحمر كبير واضح. بدايتها: أول الكتاب الطهارة. نهايتها: في أثناء باب: كيف الأذان. وكتب على الغلاف: من كتب يحيى باشا دام سعده. وكتب عليه أيضًا: في نوبة شرف الدين ابن شيخ الإسلام عفا الله عنه آمين. وعلى الغلاف عدة أختام. وقد أتحفنا بها الشيخ حسين عكاشة حفظه الله، حيث حقق القطعة من شرح النووي "الإيجاز". * * *

نماذج من النسخة الخطية

نهاية شرح النووي وبداية شرح ابن رسلان من نسخة حكيم أوغلو (د)

ظهرية المجلد الأول من نسخة مراد ملا (ر)

اللوحة الأولى من نسخة مراد ملا (ر)

اللوحة الأولى من نسخة لا له لي (ص)

اللوحة الأولى من نسخة مظاهر العلوم (ظ)

اللوحة الأولى من المجلد الثالث من نسخة مظاهر العلوم (ظ)

اللوحة الأولى من نسخة لا له لي (ل)

اللوحة الأخيرة من المجلد الأول من نسخة لا له لى- (ل)

لوحة من المجلد الثالث نسخة (ل) واختفى منها متن السنن

نماذج من الصفحات التالفة في نسخة (ل)

اللوحة الأولى من المجلد الرابع من نسخة لا له لي (ل)

ظهرية المجلد الأول من النسخة المحمودية الأولى (م)

لوحة من المجلد الأول من النسخة المحمودية الأولى (م)

ظهرية مجلد النسخة المحمودية الثانية (م)

اللوحة الأولى من نسخة المحمودية الثانية (م) وتبدأ بكتاب الأشربة

لوحة من المجلد الثاني من النسخة المحمودية الأولى (م)

اللوحة الأخيرة من المجلد الرابع من النسخة المحمودية الأولى (م)

شرح سنن أبي داود لابن رسلان

[مقدمة المؤلف]

[مقدمة المؤلف]

فصل

{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (¬1) وبه الإعانة، والتوفيق، والهداية، الحمد لله ربِّ العَالمين، اللهُم صَل على محمد وعلى آل محمد وآله وصحبه وسَلم، أشهَد أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريك لهُ، وأشهدُ أن محمدًا عَبده ورسُولهُ. أمَّا بعْد: فهذِه نبذة مُهمَّة في شَرح سُنن أبي داود رحمهُ الله أقتصر فيها على عيون الكلام مما يتعَلق بلغاته وألفاظه وأسانيده ودقائقها (¬2)، وضبط ما قد يُشكل من ألفاظ المتون والأسماء، والإشارة إلى بعض ما يُستنبط من الحديث من الأحكام وغيرها، والتنبيه على صحة الحديث أو حسنه أو ضعفه، وبيَان صَوَاب ما تختلف فيه النسخ، وبالله التوفيق. فصل روينا عن الإمَام أبي داود صَاحِب الكتاب رحمهُ الله أنه قال: ذكرتُ في كتابي هذا الصحيح وما يشبهه ويقاربه، وفي رواية عنهُ ما معناهُ أنهُ يذكر في كل باب أصح ما عرفهُ في ذلك البَاب (¬3). وقال: مَا كانَ في كتَابي من حَديث فيه وهنٌ شديدٌ فقد بينتُهُ، ومَا لم أذكر شيئًا فهو صَالح، وبعَضها أصح مِن بعض (¬4). ¬

_ (¬1) من هنا بداية سقط من (د، ظ، ل). (¬2) في (س): دقائقه. (¬3) في (س): الكتاب. (¬4) "رسالة أبي داود إلى أهل مكة" (ص 37 - 41).

وعَلى هذا ما وجَدناهُ في "سُنن أبي داود" وليس هو في "الصحيحين" (¬1) أو أحدهما، ولا نصَّ على صحته أو حسنه أحد ممَّن يُعتمد عليه، ولم يضعِّفه أبو داود فهو حسنٌ عند أبي داود أو صحيح، فنحكم بالقدر المحقق، وهو أنهُ حَسَن، فإن نصَّ على ضعفه من يُعتمد، أو رأى العارف في سَنَده ما يقتضي الضعف ولا جابر له؛ حَكمنَا بضعفه وقد قال الحافظ أبو عبد الله بن منده: إنَّ أبا داود يخرج الإسنَاد الضعيف إذا لم يجد في البَاب غَيره؛ لأنه أقوى عنْدَهُ من رأي الرجال (¬2). واعلم أنه وقعَ في "سنن أبي داود" أحاديث ظاهرة الضعف لم يبينها، مع أنها متفق على ضعفها عند المحدِّثين كالمرسَل والمنقطع وروايته عن مجهول كشيخ ورجُل ونحوه، فقد يقالُ: إنَّ هذا مخالف لقوله: ما كان فيه وهن شَدِيد بيَّنتهُ. وجَوَابهُ: أنه لما كان ضعف هذا النوع [ظاهرًا يُستغنى بظهوره] (¬3) عن التصريح ببيانه. * * * ¬

_ (¬1) في (س، ل): الصحيح. (¬2) "شروط الأئمة" لابن منده (ص 73). (¬3) في (ص، ل): ظاهر استغنى لظهوره. والمثبت من (س).

فصل

فصل ينبغي للمُشتغل بالفقه ولغَيره الاعتناء بـ "سنن أبي داود" والمعْرفة التامة؛ فإن مُعظم أحاديث الأحكام التي يحتج بها فيه، معَ سُهولة تناوله (¬1)، وتلخيص أحاديثه، وبراعة مُصنفه واعتنائه بتهذيبه، روينا عن الإمام أبي سُليمان أحمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب الخطابي رحمه اللهُ قال: (¬2) كتاب "السُّنن" لأبي داود كتابٌ شريف لم يُصنّف في علم الدين كتاب مثله، وقد رُزق القبول من الناس كافة، فصار حكمًا بين فرق العُلماء وطبقات الفُقهاء على اختلاف مذاهبهم، وعليه مُعوّل أهل العراق وأهل مِصر وبلاد المغرب وكثير من أقطار الأرض، وأما أهل خراسَان فقد أولعَ أكثرهم بصحيحي البخاري ومُسلم ومَنْ نحا نحوهما في جمع الصحيح على شرطهما، إلا أن كتاب أبي داود أحسن وصفًا (¬3) وأكثر فقهًا، قال: وكتاب أبي عيسى أيضًا كتابٌ حسَن. قال: والحديث ثلاثة أقسام: صحيح، وحسَن، وضعيف (¬4)، وعلى الحسَن مدارُ أكثر (¬5) الحديث، وهو الذي نقلهُ (¬6) أكثر العُلماء، ويستعملهُ عامة الفقهاء، قال: وكتاب أبي داود جامع لهذين النوعين، وأمَّا ¬

_ (¬1) في (ل): متناوله. (¬2) زاد هنا في (س): في. (¬3) في "معالم السنن" للخطابي: رصفًا. (¬4) في "معالم السنن" للخطابي: سقيم. (¬5) في (س): أهل. (¬6) في "معالم السنن" للخطابي: يقبله.

الضعيف (¬1) فكتاب أبي داود خَالٍ منه، وإن وقع فيه شيء لضرب (¬2) من الحَاجَة؛ فإنه لا يألو أن يبين أمره ويذكُر علّته ويخرج مِنْ عُهدته. قال: ويحكى لنا عن أبي داود قال: ما ذكرتُ في كتابي حديثًا اجتمع الناس على تركه. قال: وكان تصنيف علماء الحديث قبل أبي داود الجَوَامعَ والمسَانيدَ ونحوهما، فتجمع (¬3) تلك الكتب مع السُّنن والأحكام أخبارًا وقصصًا ومواعظ وآدابًا، فأمَّا السُّنن المحضة فلم يَقصد أحدٌ منهم جمعها واستيفاءها على حسب ما اتفق لأبي داود؛ ولذلك حَلَّ هذا الكتاب عند أئمة الحديث وعلماء (¬4) الأثر محل العجب، فضُربت فيه أكباد الإبل ودامت إليه الرحل. ثم روى الخَطابي بإسناده الحربي (¬5) قال: لما صَنَّفَ أبو داود هذا الكتاب: أُلِينَ له (¬6) الحديث كما أُلِينَ لداود الحديد (¬7). قال الخَطابي: وسمعتُ ابن الأعرابي يقول -ونحن نسمعَ منهُ هذا الكتاب-: لو أن رجُلًا لم يكن عندهُ منَ العلم إلا [المصْحف ثم] (¬8) ¬

_ (¬1) في "معالم السنن" للخطابي: السقيم. (¬2) في (ص) قد أضرت. وفي (س) بياض، وما أثبتناه من (ل)، و"معالم السنن". (¬3) في (س): فيجتمع. (¬4) سقط من الأصول الخطية، وما أثبتناه من "معالم السنن". (¬5) في (ص) الخبري. وهو تحريف، والمثبت من (س، ل). (¬6) في (ص) لهم. والمثبت من (س، ل). (¬7) "معالم السنن" للخطابي المطبوع مع "مختصر سنن أبي داود" للمنذري (1/ 10 - 12). (¬8) سقط من (س).

هذا الكتاب لم يحتج معهما إلى شيء من العلم البتة. قال الخطابي: وهذا كما قال لا شك فيه؛ لأن الله -عز وجل- أنزل كتابًا تبيانًا لكل شيء، وقال تعالىَ: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (¬1) لكن البيان ضربان: جلي ذكره نصًّا، وخفي بيَّنه النبي -صلى الله عليه وسلم-، فمن (¬2) جمعَ الكتاب والسنَّة فقد استكمل ضربي البيان، وقد جمعَ أبو داود في كتابه من الحديث في أصُول العِلم وأمهات السُّنن وأحكام الفقه ما لا نعلم متقدمًا سبقه إليه، ولا متأخرًا لحقه فيه رحمهُ الله تعالى (¬3). وروينا عن أبي داودُ رحمهُ الله تعالى قال: كتبتُ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خمسمائة ألف حديث انتخبتُ منها ما ضمنتهُ هذا الكتاب، يعنى: كتاب "السُّنن"، جمعتُ فيه أربعة آلاف حديث وثمانمائة حديث، ذكرتُ الصحيح وما يُشبهُهُ ويقاربهُ (¬4). وروينا عن أبي العلاء المحسن بن محمد بن إبراهيم الواذاري [قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام فقال: "من أراد أن يتمسك بالسند فليقرأ كتاب أبي داود". الواذاري] (¬5) بالذال المعجمة منسوب إلى [واذار قرية] (¬6) من قُرى أصْبهان. ¬

_ (¬1) الأنعام: 38. (¬2) في (ص) فقد. تحريف، والمثبت من (س، ل)، "معالم السنن". (¬3) "معالم السنن" للخطابي المطبوع مع "مختصر سنن أبي داود" للمنذري (1/ 12 - 13). (¬4) انظر: "تاريخ بغداد" (9/ 58). (¬5) سقط من (ص، س)، والمثبت من (ل). (¬6) في (ص) وإذا رورية. تحريف، والمثبت من (ل، س).

فصل في اسم مؤلف الكتاب

فصل في اسم مؤلف الكتاب هو أبو داود سُليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو بن عمران الأزدي السَّجستاني هذا أصح الأقوال في نسبه. سَمِعَ: القعنبيَّ، وأبا الوليد الطيالسي، وأحمد بن حنبل، وابن معين، والتبوذكيَّ، وابن راهويه، وأبا ثور، وسُليمان بن حرب وابني أبي شيبة، وخلائق. وأخذ علم الحَديث عن أحمد بن حنبل ويحيى بن معين. روى عنهُ: الترمذي، والنسائي، وابنه أبو بكر عبد الله وأبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد الأعرابي، وخلائق منهم: راويا السنن عنهُ: أبو بكر بن محمد بن بكر بن عبد الرزاق بن دَاسَة التمَّار، وأبو علي محمد بن أحمد بن عمرو بفتح العَيْن (¬1) البصريَّان، وعلق عنه أحمد بن حنبل حديثًا واحدًا وهو من رواية الكبار عن الصغار (¬2). قال القاضي أبو عمر (¬3) الهاشمي: قرأ أبو علي اللؤلؤي هذا الكتاب على أبي داود عشرين سنة، كان (¬4) هو القارئ لكل قوم يسمعونه. قال: والزيادات التي في رواية بن دَاسَة حذفها أبوُ داود في آخر أمره لشيء كان يريبه في إسناده؛ فلهذا تفاوتا (¬5). ¬

_ (¬1) زاد في الأصول الخطية: القاضي أبو عمر الهاشمي. وهي زيادة مقحمة. (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" للمزي (11/ 355 - 376). (¬3) في (س): عمرو. تحريف. (¬4) في (ص، ل): وصفَّ. وسقط من (س)، والمثبت من "الثقات" لابن حبان. (¬5) انظر: "التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد" لابن نقطة (ص 49).

قال السمعاني: آخر من حدث بسنن أبي داود عن اللؤلؤي أبو عمر القاسم بن جعفر الهاشمي. واتفق العلماء على وصف أبي داود رحمه الله بالحفظ، والإتقان، والورع، والعفاف، والعبادة، ومعرفته بعلل الحديث وعلومه؛ قالوا: وكان من فرسَان الحَديث (¬1). قال الحَاكم أبو عبد الله: كان أبو داود إمَام أهل الحديث في عصره بلا مُدافعة، وسمعه بمصر والحجاز والشام والعراقين وخراسان (¬2). وقال أبو حاتم (¬3) ابن حبَّان: كان أبو داود أحد أئمة الدُنيا فقهًا وعلمًا وحفظًا ونسكًا وورعًا وإتقانًا، جمع وصنَّف (¬4) وذبَّ عن السنن (¬5). قال الخطيب البغدادي: سَكن أبو داود البصرة وقَدِمَ بغداد غير مرة، وروى بها كتاب السُنن ونقله عنه أهلها. قال: ويُقال إنهُ صنَّفه قديمًا وعرضهُ على أحمد بن حنبل فاستجادهُ واستحسنهُ. وفي "تاريخ بغداد" أن أبا داود كان له كم واسع وكم ضيق، فقيل له في ذلك فقال: الوَاسِع للكتُب والآخر لا نحتاج إليه، ولدَ أبو داود سنة اثنين ومائتين ¬

_ (¬1) وصفه بهذه الأوصاف أحمد بن محمد بن ياسين الهروي، ذكرها الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (9/ 59). (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" للمزي (11/ 355 - 376). (¬3) في الأصول الخطية: حامد. وهو تحريف. وهو محمد بن حبَّان بن أحمد بن حبَّان ابن معاذ بن معبد أبو حاتم البستي، انظر: ترجمته في "التقييد" لابن نقطة (ص 64). (¬4) في (ص، ل): وصفَّ. وسقط من (س)، والمثبت من "الثقات" لابن حبان. (¬5) "الثقات" لابن حبان (8/ 282).

وتوفي بالبصْرة لأربع عشر بقيت من شوَّال سنة خمس وسبعين ومائتين (¬1). ويقالُ لأبي داود: السجستاني بكسر السِّين الأولى وفتحها والكسر أشهر، ولم يذكر السّمعاني (¬2) غَيره، واقتصر القاضي عياض (¬3) في "المشارق" (¬4) على الفتح. ويقالُ له أيضًا: السجزي. قال ابن ماكولا والسمعَاني وغيرهما: هي نسبة إلى سجستان على غير القياس (¬5)، وسجستان إقليم مشهور بين خراسَان وكرمان، وقيل: إن أبا داود منسوب إلى سجستانة (¬6)، وسجستانة قرية بالبصرة، والصَّحيح المشهور هو الأول (¬7)، والله تعالى أعْلَم. * * * ¬

_ (¬1) "تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي (9/ 57 - 60). (¬2) "الأنساب" للسمعاني (3/ 248). (¬3) من (س)، وبياض في (ل). (¬4) "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 234). (¬5) "الإكمال" لابن ماكولا (4/ 549 - 550)، و"الأنساب" للسمعاني (3/ 246). (¬6) في (س، ل): سجستان. (¬7) انظر: "معجم البلدان" لياقوت الحموي (3/ 190 - 192).

كتاب الطهارة

1 كِتَابُ الطَّهَارَة

1 - باب التخلي عند قضاء الحاجة

كِتَابُ الطَّهَارَة 1 - باب التَّخَلِّي عِنْدَ قَضَاءِ الحاجَةِ 1 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ القَعْنَبِيُّ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ - يَعْنِي ابن مُحَمَّدٍ - عَنْ محَمَّدٍ - يَعْنِي ابن عَمْرٍو - عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إِذا ذَهَبَ المَذْهَبَ أَبْعَدَ (¬1). 2 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ بْن مُسَرْهَدٍ، حَدَّثَنا عِيسَى بْن يُونُسَ، أَخْبَرَنا إِسْماعِيلُ بْنُ عَبْدِ الَملِكِ، عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إِذا أَرادَ البَرازَ انْطَلَقَ حَتَّى لا يَراهُ أَحَدٌ (¬2). * * * ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (20)، والنسائي 1/ 18، وابن ماجة (331)، وأحمد 4/ 248. وقال الألباني في "صحيح أبي داود": إسناده حسن صحيح. (¬2) رواه ابن ماجة (335)، وابن أبي شيبة 2/ 48 (1144)، والدارمي (17). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2).

باب (¬1) التَّخَلِّي عِنْدَ قَضَاءِ الحَاجَةِ حديث المغيرة صحيح، ورواهُ أيضًا الترمذي وقال: حديث حَسَن صحيح (¬2)، ولهُ شاهد في الصَّحيحين (¬3) من رواية المغيرة أيضًا، فإن قيل: كيف حكم بصحته، وفي إسناده محمد بن عمرو بن علقمة، فالجَوَابُ أنهُ لم يثبت في ابن علقمة قادح مفسر (¬4). قوله: المغيرة: بضم الميم وكسْرها، والضم أشهر. قولهُ: إذا ذهب المذهب أبعد. أي: إذا ذهب لقضاء حاجة الإنسان، والمذهب: اسم موضع التغوّط، يُقالُ له: المذهب، والخلاء، والمرفق، والمرحَاض. قالهُ أبو عُبيد (¬5) وغيره، فيه استحباب الإبعاد في ذلك إذا أمكن (¬6). التخلي جعلُ الرجل نفسه خاليًا. [1] (ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ القَعْنَبِيُّ) الحارثي المدني نزيل ¬

_ (¬1) في (س): مسلمة بن قعنب. (¬2) "سنن الترمذي" (25). (¬3) "صحيح البخاري" (182)، و"صحيح مسلم" (274/ 75). (¬4) قال ابن أبي خيثمة في "التاريخ الكبير" (2/ 322): سمعت يحيى بن معين يقول: لم يزل الناس يتقون حديث محمد بن عمرو. قيل له: وما علة ذلك؟ قال: كان محمد بن عمرو يحدث مرّة عن أبي سلمة بالشيء رأيه، ثم يحدث به مرّة أخرى عن أبي سلمة عن أبي هريرة. وقال ابن حجر: صدوق له أوهام، روى له البخاري مقرونًا بغيره ومسلم في المتابعات. انظر: "تهذيب التهذيب" (9/ 376)، و"تقريب التهذيب" (6188). لكن الحديث صحيح فإن له طريقًا آخر وشواهد. (¬5) "غريب الحديث" لأبي عبيد القاسم بن سلام (3/ 143). (¬6) إلى هنا انتهى السقط من (د، ظ، ل).

البصرة أحد الأعلام في العلم والعمل شيخ الشيخين. قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بن محمد) الدراوردي مولى جهينة، نسبة إلى قرية بخراسان (¬1)، قيل: ليس يُعرف في الرواة من يُسمى عبد العزيز بن محمد غيره، (عن محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص الليثي؛ روى له البخاري مقرونًا بغيره، ومسلم في المتابعات. (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، قيل: اسمه كنيته، وقيل: اسمه عبد الله، قال ابن عبد البر: وهو الأصح عند أهل النسب، هو أحد فقهاء أهل المدينة، ولم يسمع من أبيه (¬2). (عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه -: أَنَّ النَبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا ذَهَبَ إلى المَذْهَبَ) هكذا في رواية الخطيب (¬3) [ورواه الترمذي (¬4) والنسائي (¬5)] (¬6) وأسقط في نسخة المذهب. قال ابن الأثير: المذهب هنا موضع قضاء الحاجة كالغائط والخلاء، وهو موضع الذهاب (¬7). (أبعد) يُقال: أبعد في المذهب إبعادًا بمعنى تباعد. قال ابن قتيبة: ¬

_ (¬1) قال ابن سعد في "طبقاته الكبرى" 5/ 424: كان أصله من دراورد قرية بخراسان. وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 5/ 395: أصله من قرية من قرى فارس يقال لها: دراورد. وقال البخاري في "تاريخه الكبير" 6/ 25: درابجرد موضع بفارس، كان جده منها. (¬2) "التمهيد" لابن عبد البر 7/ 57، 62. (¬3) في (س): البخاري. (¬4) "سنن الترمذي" (20). (¬5) "سنن النسائي" 1/ 18 - 19. (¬6) سقط من (ظ، م). (¬7) "النهاية في غريب الحديث" (بعد).

ويكون "أبعد" لازمًا ومتعديًا، فاللازم: "أبعد زيد عن المنزل". بمعنى: تباعد والمتعدِّي أبعدته (¬1). فيه إطلاق المباعدة، وقيده في الحديث الذي بعده، فقال: "انطلق حتى لا يراه أحد". وفيه إطلاق من جهة أخرى، وهو أنه سواء وجد سُترة أو لا، وقيده بعضهم بما إذا لم يكن في بناء ولا وجد ما يستتر به عن الناس، فإن وجد حائطًا أو كثيبًا أو شجرة أو بعيرًا استتر به من غير إبعاد. [2] (ثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ) بن مسربل بن مُرَعبَل بفتح الراء والباء الموحدة، ومعناه: ممزق، أبو الحسن الأسدي (¬2) البصري الحافظ. قال الحافظ أبو نعيم: هذِه رقية العقرب (¬3). أخرج له البخاري (¬4)، وقال: مات سنة 228 (¬5). (قال: ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ) ابن أبي إسحاق السبيعي، (قال: أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ) بن أبي الصفيراء (¬6) المكي ¬

_ (¬1) انظر: "المصباح المنير" (بعد). (¬2) كذا ضبطه ابن ماكولا في "الإكمال" 7/ 192، وفي (ص، س، ل): الأزدي. وقال في "الإكمال" 1/ 153: وأما الأسدي فهم من الأزد، ومنهم من يقول: الأسد بسكون السين يبدلها من الزاي. (¬3) "تاريخ الثقات" للعجلي (1560). (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 27/ 443. (¬5) "التاريخ الكبير" 8/ 72. (¬6) في (ص، ل): نصير. وهو تحريف، وسقط من (س)، وفي (د، ظ): الصغير. وكذا في "ميزان الاعتدال" للذهبي 1/ 237، وفي (م): الصفير. وكذا في "تهذيب التهذيب" 1/ 316، وما أثبتناه من: "الطبقات الكبرى" لابن سعد 5/ 466، و"تاريخ ابن معين" رواية الدوري 3/ 302، و"التاريخ الكبير" للبخاري 1/ 367، =

خ (¬1) يكتب حديثه. (عن أبي الزبير) محمد بن (مسلم بن تدرس) (¬2) بفتح المثناة فوق مولى [حكيم بن حزام] (¬3) القرشي، (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللِّه - رضي الله عنهما - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا أَرَادَ البَرَازَ) بفتح الباء، قال في "النهاية": هو اسم للفضاء الواسع، فكنوا به عن قضاء الغائط (¬4) كما كنوا عنه بالخلاء؛ لأنهم كانوا يتبرزون في الأمكنة الخالية من الناس (¬5). وقال الجوهري: البِراز: المبَارزة في الحَرب، والبراز أيضًا كناية عن ثفل الغذاء، وهو الغائط. ثم قال: والبَراز بالفتح: الفضاء الواسع (¬6). انتهى. وقد تكرر المكسور في الحديث، ومن المفتوح (¬7) حديث يعلى (¬8): أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلًا يغتسل بالبَراز (¬9). يريدُ الموضع المنكشف ¬

_ = و"المعرفة والتاريخ" للفسوي 3/ 108، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم 2/ 186، و"الكامل" لابن عدي 1/ 450. (¬1) أي: البخاري، وقوله هذا في "الضعفاء الصغير" (1/ 25). (¬2) في (س): مسلمة نزيل زبير. تحريف. (¬3) في (ص) حليمة بن حرام. تحريف. (¬4) في (د، ظ، م): الحاجة. (¬5) "النهاية في غريب الحديث" (برز). (¬6) "الصحاح" (برز). (¬7) في (ص) المنسوخ. تحريف. (¬8) في (م): لعلي. تصحيف. (¬9) سيأتي في باب النهي عن التعري برقم (4012)، وأخرجه النسائي في "سننه" 1/ 200.

بغير سترة، فعلى قول الجوهري: من فتح الباء (¬1) أراد الفضاء، فإن أطلقه على الخارج فهو من إطلاق اسم المحل على الحال فيه، كما قيل في الغائط، ومن كسر أراد نفس الخارج. (انْطَلَقَ حَتَّى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ). قال ابن المنذر: ثبت هذا، وثبت أنه أراد البول فبال، ولم يتباعد؛ يعني: عن أعين الناس (¬2). وهذا إن صح محمول على أنه فعل هذا للحاجة إليه من خوف ونحوه. والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) سقط من (د، ظ، م). (¬2) انظر: "الأوسط" لابن المنذر (1/ 433).

2 - باب الرجل يتبوأ لبوله

2 - باب الرَّجُلِ يَتَبَوّأُ لِبوْلِهِ 3 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، أَخْبَرَنا أَبُو التَّيَّاحِ، حَدَّثَنِي شَيْخٌ قال: لمَّا قَدِمَ عَبْدُ اللهِ بْن عَبّاسٍ البَصْرَةَ فَكانَ يُحَدَّث عَنْ أَبِي مُوسَى، فَكَتَبَ عَبْدُ اللهِ إِلَى أَبِي مُوسَى يَسْأَلُهُ، عَنْ أَشْياءَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو مُوسَى إِنِّي كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذاتَ يَوْمٍ فَأَرادَ أَنْ يَبُولَ فَأَتَى دَمِثًا فِي أَصْلِ جِدارٍ فَبالَ، ثمَّ قالَ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا أَرادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَبُولَ فَلْيَرْتَدْ لِبَوْلِهِ مَوْضِعًا" (¬1). * * * باب الرجل يتبوأ لبوله يتبوأ، أي: يتخذ مكانًا لِبَوْله، وأصله من الباءة وهي معطن الإبل الذي [تبوأ إليه] (¬2) أي: ترجع. [3] (ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) المنقري (¬3) التبوذكي بفتح المثناة فوق سمى بذلك؛ لأنه اشترى بِتَبُوذك دارًا فَنُسِبَ (¬4) إليها، وقال: أنا مولى بني منقر، إنما نزل داري قوم (¬5) من أهْل تبوذك فسموني تَبُوذَكِي. قال عباس: عددت (¬6) ليحَيى بن معِين مَا كتَبنا عنه خَمسَة وثَلَاثين ألف حَديث (¬7). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 396، 399، 414، والحاكم 3/ 465 - 466، والبيهقي 1/ 93 - 94. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (1). (¬2) في (ص) تبؤله. وفي (س): يتبوأ ليه. والمثبت من (د، ظ، ل، م). (¬3) سقط من (ص، س، ل). (¬4) في (ص) دارًا ينسب. وفي (ظ، م): دار فنسب. وفي (ل): دار ينسب. (¬5) في (م): فقهاء. (¬6) في (ص، س، ل): عدد. (¬7) انظر: "تهذيب الكمال" (29/ 24، 25).

(ثَنَا حَمَّادٌ) بن سلمة بن دينار (¬1) أبو سَلمة الرباعي، واعلم أن كلما أطلق موسى بن إسماعيل التَّبُوذَكِي عن حَماد [فالمرَاد به حَماد بن سَلمة، فإنه لا يروي إلا عنه، كما أن كلما أطلق سليمان بن حرب عن حَماد] (¬2) [فهو] (¬3) بن زيد (¬4) كذا قالهُ محمد الذَهلي وغيره. (أنا أَبُو التَّيَّاحِ) يزيد بن حميد البَصْري الضبعي من أنفسهم. قال: (حَدَّثَنِي شَيْخٌ) وَلم يُسَمه المصنف، (قال: لَمَّا قَدِمَ عَبْدُ اللِّه بْنُ عَبَّاسٍ) - صلى الله عليه وسلم - (الْبَصْرَةَ) قرأ سورة البقرة ففسَّرها آية آية، وكان ينهى عن كتابة العِلم، وقال: إنما أضل من كان قبلكم الكتب (¬5). (فَكَانَ يُحَدَّثُ عَنْ أَبِي مُوسَى) عَبْدُ اللهِ بن قيس الأشعري (فَكَتَبَ عبدُ الله) بنُ عبَّاس (إلى أبي مُوسَى) الأشعِري (يسألهُ عن أشياء) فيه: مكاتبة أهل العلم والحديث بما يحدث مِنَ المسائل المحتَاج إليها (فكتبَ إليَه أبُو مُوسَى - رضي الله عنه - إِني) بِكَسْر الهمزة؛ لأن (¬6) كتب في مَعنى القول (كنُتُ مَعَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -) فيه: العمل بالمكاتبة وَالروَاية بها، وهو الصحيح المشهور بين أهل الحديث، وهو عندهم في المُسند الموصُول، وَهو قول كثير من المتقدمين والمتأخرين منهم: أيوب السختياني ومنصور والليث بن سَعْد، ومنَ الشافعيين (¬7) أبو المظفر ¬

_ (¬1) في (ص) سار. تحريف. (¬2) سقط من (س). (¬3) انظر: "سير أعلام النبلاء" 7/ 466. (¬4) ليست في الأصول، والمثبت من "سير أعلام النبلاء". (¬5) سقط من (س)، وفي (ظ): الكتاب. (¬6) زاد في (ص) الكتابة لأن. وزاد في (د، ل): الكتابة. (¬7) في (ص، س، ل): التابعين. وهو تحريف، والمثبت من (د، ظ، م).

السَّمعَاني (¬1)، وفي الصحيح أحاديث منها، وعندَ مُسلم حديث عَامِر بن سَعْد بن أبي وقاص: "كتبت إلى جَابر بن سمرة مع غلامي نافِع، أنْ أخبرني بشيء سِمَعتَه مِنَ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فكتب إليَّ (¬2): سَمِعْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوْم الجمُعة عَشِيَّة رُجِم الأَسْلَمي .. " (¬3) فذكر الحَديث، لكن شَرط الرواية بالكتابة (¬4) أن يْعِرفَ المكتُوبُ إليه خَطَّ الكَاتِب (¬5). (ذَاتَ يَوْمٍ) [أي: يومًا. والذات زائدة] (¬6) (فَأَرَادَ أَنْ يَبُولَ فَأَتَى دَمِثًا) بكسر الميم وبعدها ثاء مثلثة؛ أي: من الأرض وهوَ ما لان وسَهُل، وَقد تسهل الميم بالسكون مثل الحلِف والحلْف (¬7)، وفي صفته - صلى الله عليه وسلم - دمث لَيَس بالجافي، أراد أنهُ كان (¬8) لين الخلق في سُهولة، ومنه حديث ابن مَسْعُود: [إذا قرأت آل حم وقعت] (¬9) في روضات [دمثات (¬10). ¬

_ (¬1) انظر: "التقريب والتيسير" للنووي (ص 64)، و"مقدمة ابن الصلاح" (ص 173 - 174). (¬2) في (س، ظ): إني. (¬3) "صحيح مسلم" (1822) (10). (¬4) في (ظ، م): بالمكاتبة. (¬5) انظر: "التقريب والتيسير" للنووي (ص 64)، و"مقدمة ابن الصلاح" (ص 174). (¬6) سقط من (ظ، م)، وفي (ص، ل): أي يومًا الباء زائدة. وفي (س): أي يومًا التأكد زائدة. وكلاهما خطأ، والمثبت من (د). (¬7) في (ص) الخلق والخلق. وفي (د): الخلف والخلف. وكلاهما تصحيف. (¬8) سقطت من (ص، س، ل). (¬9) في (ص، ل): وإذا قرأ قال وضعت. وفي (ظ، م): وإذا قرأ بآل حم وقعت. وفي (س): وإذا قرأ قال، ثم بياض بمقدار كلمة. وما أثبتناه من (د)، و"النهاية" لابن الأثير. (¬10) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (30915) بلفظ: إذا وقعت في آل حم وقعت في روضات دمثات أتأنق فيهن.

جَمْع دَمثة] (¬1). (فِي أَصْلِ جِدَارٍ) أي: أسفله (فَبَالَ) ورواية أحمد: في أصل حائط (¬2) (¬3) يَعَني: جلس في موضع لين في أصْل جدار فَبَالَ، وَالجِدَار لم يكن مِلكًا لأحَد بل كان عَاديًّا، أي: كان للكُفار الماضِيَة، وإنما لا يجوز أن يكُون مِلْك مُسْلم؛ لأن البوَل يَضُر الجِدَار؛ لأن البوَل مَالح يجعَل التراب سَبخًا وَيجعَلهُ رخوًا، ولا يجُوز الإضرار بملك مُسْلم مِن غير إذن مَالِكه [وَلا يَجوُز هذا فإن (¬4) اعتقادنا طَهَارة بَوله - صلى الله عليه وسلم -] (¬5) ويجُوز أن يَكون قعوده مُتراخيًا عن أسَاس الجِدَار؛ فلا يصبه البَول المضر له، أو يكون البَول رشاشًا خَفِيفًا لا يتَضرر به الحائط لقلته، وقد يسْتَدلّ به عَلىَ ما قَالهُ الأصُوليُّون مِنْ جَوَاز الانتفَاع بِملْك الغَير بما لا مفسَدَة فيه؛ لأنه انتفاع خَال عَن مَضرة المالك كالاستظلال بجدَار الغَير والاستناد إليه إذا كانَ قويًّا، والنظر في مرآة الإنسان دُون مسّ بغير إذنه، والاستضاءة من سِرَاجه (¬6). (ثم قال: - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ) هكذا رواية الخطيب؛ أي إذا احتَاجَ ¬

_ (¬1) في (س): دميات جمع دمية. تصحيف. وانظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (دمث). (¬2) أخرجه أحمد في "مسنده" (4/ 396) من طريق أبي التياح به بنحوه، وفيه: في جنب حائط. وفي (4/ 399) من طريق أبي التياح به بنحوه، وفيه: إلى جانب حائط. (¬3) سقط من (ظ، م)، وفي (ص، س، ل): فبال. والمثبت من (د). (¬4) في (د): وإن كان. (¬5) سقط من (ظ، م). (¬6) انظر: "الفصول في الأصول" للجصاص (3/ 250 - 251).

واحد منكم إلى (أن يبول فَلْيَرْتَدْ) أي: يطلب ويختار، افتعَال من راد يرود ريَادًا (¬1) (لبَوله مَوضعًا) والمعنى: ليَطلب موضعًا رخوًا [ليِّنًا لبوله، وهذا الأدب متفق على استحبابه، وهو أن يطلب أرضًا لينة لبوله من تراب أو رمل ونحوه] (¬2) لئلا يرجع إليه الرشاش (¬3)، وقد يُؤخذ منهُ أن رشاش البوْل الذي لا يشاهد بالبَصَر لا يعفى عنه. قال الرافعي: وهو ظاهر مَذهَب الشَافعي لا في الثوب (¬4) ولا في الماء القليل (¬5). وصَحح النووي العفو عنهُ لتعذر الاحتراز وحصول الحرج" (¬6). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "لسان العرب" (رود). (¬2) سقط من (ص، س، ل). (¬3) انظر: "المجموع" للنووي (2/ 84). (¬4) في (ص) البول. تحريف. (¬5) "الشرح الكبير" للرافعي (1/ 48 - 49). (¬6) "المجموع" للنووي (1/ 127).

3 - باب ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء

3 - باب ما يَقُولُ الرَّجُلُ إِذا دَخَلَ الخَلاء 4 - حَدَّثَنا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ، حَدَّثَنا حَمَّادٌ بْنُ زَيْدٍ وَعَبْدُ الوارِثِ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا دَخَلَ الخلاءَ - قالَ: عَنْ حَمّادٍ قالَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ". وقالَ: عَنْ عَبْدِ الوارِثِ قالَ: "أَعُوذُ باللهِ مِنَ الخُبُثِ والخَبائِثِ" (¬1). 5 - حَدَّثَنا الَحسَن بْنُ عَمْرٍو -يَعْنِي السَّدُوسِيَّ- حَدَّثَنا وَكِيْعٌ، عَنْ شعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ -هُوَ ابن صُهَيْبٍ- عَنْ أَنَسٍ بهَذا الَحدِيثِ، قالَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ". وقالَ شُعْبَةُ: وقالَ مَرَّةً: "أَعُوذُ باللهِ". وقالَ وُهَيْبٌ عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ: "فَلْيَتَعَوَّذْ باللهِ" (¬2). 6 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، أَخْبَرَنا شُعْبَة، عَنْ قَتادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إِنَّ هذِه الحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ فَإذا أَتَى أَحَدُكُمُ الخَلاءَ فَلْيَقُلْ أَعُوذُ باللهِ مِنَ الخُبُثِ والخَبائِثِ" (¬3) * * * باب ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء [4] (ثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ، قال: ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ) بن درهم أبو إسماعيل الأزدي [الأزرق أُضِرَّ، و] (¬4) كان يحفظ حديثه كالماء. قال ¬

_ (¬1) رواه البخاري (142، 6322)، ومسلم (375). وانظر: ما بعده. (¬2) السابق. (¬3) رواه ابن ماجة (296)، وأحمد 4/ 369، 373، والنسائي في "السنن الكبرى" (9903)، وابن خزيمة (69)، وابن حبان (1408). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (4). (¬4) سقط من (ص)، وبياض في (س).

ابن مهدي: ما رأيتُ أحدًا لم يكتب (¬1) أحفظ منه، ولا أعلم بالسُنة منه (¬2)، مات سنة 179 (¬3). (وَعَبْدُ الوَارِثِ) بن سَعيد التمِيمي العَنبري مولاهُم البصْرى، (عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيبٍ) البناني (¬4) البصْري (عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ) - رضي الله عنه - (قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللِّه - صلى الله عليه وسلم -[إِذَا دَخَلَ]) (¬5) توضحُه رواية البخاري (¬6) وغَيره: إذا أرَادَ أن يَدخل الخلاء"، وهذا في الأمكنة المعدة لذَلك، ويدل علَى هذا قرينة الدُخول، [ولهذا قال ابن] (¬7) بطال: رواية: إذا أتى (¬8) أعم (¬9) -يعني: الآتية- أعم لشمولها. (الْخَلَاءَ): ممدود هو الموضع الخالي، ثم نقل إلى موضع قضاء الحاجة. (قَالَ) مسدّد: (عَنْ حَمَّادٍ) دون عبد الوَارث أنه (قَالَ: اللهمُ) لكن يسْتحب أن يقدم باسم الله علَى قوله: "اللهم إني أعوُذ بك" (¬10)، لما ¬

_ (¬1) في (ظ، م): يكن. تحريف. (¬2) انظر: "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (3/ 138). (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" (7/ 252). (¬4) في (د، ظ، م): السامي. تحريف، وعبد العزيز بن صهيب البناني نسبة إلى سكة بنانة بالبصرة. انظر: "اللباب" لابن الأثير (1/ 178)، و"توضيح المشتبه" لابن ناصر الدين (1/ 606). (¬5) تكررت في (ظ، م)، وزاد بعدها في (س): الخلاء. (¬6) "الأدب المفرد" للبخاري (692). (¬7) في (ص، ل): وبهذا لابن. وفي (س): وبهذا قال ابن. (¬8) رواها أحمد في "مسنده" (3/ 282)، وذكرها البخاري معلقة في "صحيحه" (142). (¬9) انظر: "شرح صحيح البخاري" لابن بطال (1/ 234). (¬10) انظر: "المجموع" للنووي 2/ 75، وقال: وهكذا صرح به إمام الحرمين والغزالي والروياني والشيخ نصر وصاحبا "العدة" و"البيان" وآخرون.

روى الترمذي من روَاية علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "ستر مَا بيْن الجنّ وَعَورَات بني آدَم إذا دَخَل الكِنيف أن يقول: باسم الله" (¬1). لكنهُ لم يَذكر في هذا الحِديث [الاستعَاذة، وقد جَمَعَ بينهما المعمري (¬2)، وجَمع بينهما في هذا الحديث] (¬3) مِن طريق عبد العزيز بن المختار، عن عبد العَزيز بن صهيب بلفظ الأمر قال: "إذا دَخَلْتُم الخلاء فقوُلوا: بِسم الله أَعُوذُ باللِّه مِنَ الخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ" (¬4). قال ابن حجر: وإسْناده علَى شرْط مسلم قال: وفيه زيادَة التسمية، ولم أرها في غير هذِه الرواية (¬5). (إِنِّي أَعُوذُ بِكَ) كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستَعيذ إظهارًا للعُبُودية ويجَهَر بها للتعليم. (مِن الخُبُث) بضم الخاء والبَاء الموَحدة. قال الخطابي: لا يجوُز غَيره (¬6). وتعقب بأنه يجوُز إسكان الموَحدَة كما في نظائره مما جاء على هذا الوزن ككُتُب وكُتْب، قال النووي: وقدْ ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (606) وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وإسناده ليس بذاك القوي. وصححه الألباني بمجموع طرقه في "إرواء الغليل" (50). (¬2) هو الحسن بن علي بن شبيب المعمري بفتح الميم وسكون العين وتخفيف الميم الثانية، كذا ضبطه ابن ماكولا في "الإكمال" (7/ 243)، ووافقه ابن حجر في "تبصير المنتبه" (4/ 1375)، وكذا هو في كتب تراجم الرجال، وتصحفت في "فتح الباري" لابن حجر (1/ 244) إلى: العمري. (¬3) سقط من (س). (¬4) انظر: "فتح الباري" 1/ 294. (¬5) انظر: "فتح الباري" 1/ 294. (¬6) انظر: "معالم السنن" للخطابي 1/ 10.

صرَّح جَمَاعة مِنْ أهل هذا الفن بإسْكان البَاء منهمُ: أبوُ عبيْد القَاسم بن سَلام إمَام هذا الفنّ (¬1). إلا أنْ يُقال: إن ترك التخفيف (¬2) أولى لئلا يشتبهُ بالمصْدر مِن خَبُث يَخْبُث بضَم البَاء فيهما كَقُرب، وَالخبث جمع خبيث [ككثيب وكثب] (¬3) (والخبَائث) جَمْع خَبيثة يُريد [ذكران الشياطين و] (¬4) إناثهم. قالهُ ابن حبَّان (¬5) وغيره. وفي رواية الترمذي: " أعُوذ بالله من الخبث [والخبيث، أو الخبث والخبائث] (¬6) " (¬7) هكذا على الشك. [5] (حَدَّثَنَا الحَسَنُ (¬8) بْنُ عَمْرٍو) السَّدُوسِي البَصْري ثقة عَابد (¬9). (ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ) بْنُ صُهَيْبٍ (عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - بهذا الحَدِيثِ) و (قَالَ) فيه: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ) "من الخبث والخبائث". ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" للنووي 4/ 71. (¬2) في (ص) التحقيق. تصحيف. (¬3) في (ص، ظ، ل، م): ككتب وكتب. تصحيف، والمثبت من (د، س). (¬4) في (ص) ذكوان النشاط من. وهو تحريف. (¬5) "صحيح ابن حبان" (4/ 254 - 255). (¬6) في (ظ، م): والخبائث أو الخبيث. (¬7) "سنن الترمذي" (5). (¬8) في (س): الحسين. تحريف. (¬9) قال المزي في "تهذيب الكمال" 6/ 286: قال ابن حبان في كتاب"الثقات": صاحب حديث متعبد. وعقب المزي قائلًا: فهذا يحتمل أن يكون السدوسي المذكور، ويحتمل أن يكون غيره. اهـ. ولم أجده في كتاب "الثقات" المطبوع، وقال ابن حجر في "التقريب" (1278): صدوق، لم يصب الأزدي في تضعيفه، وكأنه اشتبه عليه بالذي بعده.

(وَقَالَ شُعْبَةُ) في روايته: (وَقَالَ) عَبْدِ العَزِيزِ بن صُهيب (مرّة) أخرى: (أَعُوذُ (¬1) باللِّه) من الخبث والخبائث. [6] (ثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ) البَاهلي البَصري تزوج زيادة على ألف امرأة (¬2). (ثنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَس) بن مالك الأنصاري. (عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -) هذِه رواية أبي داود، ورواه النسائي في "اليوم والليلة" (¬3) عن ابن المثنى، عن غندر وابن مهدي، عن شعبة، ورواهُ ابن مَاجه في الطهَارة (¬4)، عن ابن بشار (¬5)، عن غندر، وابن مهدي عن شعبة به (¬6). قال الترمذي: في كتاب: "العِلَل" (¬7) ثنا محمد بن بشار (¬8)، ثنا محمد بن جعفر وابن مهدي، ثنا شعبة، عن قتادة، عن النضر بن أنس، عن زيد بن أرقم، عن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - (إِنَّ هذِه الحُشُوشَ) جمع حَشّ بفتح الحَاء وهو الموْضع المعدّ لقضاءِ الحاجة، وأصْلهُ من الحش وهو البستان؛ لأنهم ¬

_ (¬1) في (س): أعوذك. خطأ. (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 22/ 229. (¬3) "عمل اليوم والليلة"المطبوع مع "السنن الكبرى" للنسائي (9903). (¬4) في (ظ، م): المطهاني. تحريف. (¬5) في (ص، س، ظ، م): يسار. تصحيف، والمثبت من (د، ل) ومصادر التخريج، وهو محمد بن بشار بن عثمان بندار، شيخ الأئمة الستة. (¬6) "سنن ابن ماجة" (296). (¬7) "العلل الكبير" للترمذي (3). (¬8) في (ص، س، ظ، م): يسار. تصحيف، والمثبت من (د، ل) ومصادر التخريج.

كانُوا كثيرًا ما يتغوطونَ في البَساتين، ومنه حديث عثمان أنه دفن في حش كوكب (¬1). وهو بُستان بظاهر المدينة خارج البقيع (¬2)، فلما اتخذوا الكنف وَجعَلوُها خلفًا عنها وأطلقوا عَلَيهَا الحَشّ مجازًا، وجوز فيه ضم الحاء. (مُحْتَضَرَةٌ) من الحضور وهو ضد الغيبَة أي: يحضرها الجِن والشياطين، ومثله في حَديث صلاة الصُّبح؛ فإنها مشهُودة محَضُورة (¬3) أي: يحضرهَا ملائكة الليْل وملائكة النهار (¬4). فالملائكة يَحصُرون موَاضع العبَادة كحلق الذكر ومجالس العِلم (¬5)، ويتبعُونها (¬6) كما أن الشيَاطين يتبعُون (¬7) مَوَاضع الكفر والمعَاصِي ومَوَاضع كشف العَورَات كالحمام، وَمَوَاضع النجاسات التي لا يذكر فيها اسْم الله كبيُوُت الخلاء. (فإذا أتى) رواية الترمذي "فإذا دَخل" (¬8) وأتى أعمّ؛ لشمُولها البناء والصحراء بخلاف الدُخول، فإنه يشعر بالبناء (¬9) (الخلاء) واحتج بظاهره جماعة منهم ابن عمر، وابن سيرين، والنخعي على جواز هذا الذكر، وجميع الأذكار في بيت الخلاء لمن دَخَلهُ ناسيًا، وحملوا اللفظ على حقيقة الدخول (¬10) وابتدائه دون مجاز الإرادة، وأخذوا ¬

_ (¬1) رواه ابن شبة في "تاريخ المدينة" (1/ 111 - 113)، والطبراني في "الكبير" (109). (¬2) في (ص): البلد. تحريف، وانظر: "النهاية" لابن الأثير (حشش). (¬3) مسلم (832) من حديث عمرو بن عبسة. (¬4) انظر: "النهاية لابن الأثير". (حضر). (¬5) البخاري (6408)، ومسلم (2689) من حديث أبي هريرة. (¬6) في (د، ظ): ويبتغونها. (¬7) في (د، ظ): يبتغون. (¬8) "العلل الكبير" للترمذي (3). (¬9) في (ص، ل): بالدخول. وفي (س): بالبنيان. والمثبت من (د، ظ، م). (¬10) في (ص): الأجور. تحريف.

بقول عائشة - رضي الله عنها -: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُذكر الله على كل أحيانه (¬1). قال ابن سيد الناس في "شرح الترمذي" -وحكي الجَواز والكرَاهة عن مالك- قال: وهذا كله في الكنف المتخذة في البيُوُت لا في الصَّحراء (¬2) وهُو داخل في لفظة: "دَخل". (أَعُوذُ بالله مِنَ الخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ) وروى ابن ماجة عن أبي أمامة (¬3) أنَّ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يعجز أحَدكم إذَا دَخَلَ مرفقه أنْ يقول: اللهُم إني أعُوذ بك من الرجْس النجس، الخَبيث المخبث، الشيطان الرجيم" (¬4) والنجس هنا بكسر النُون وإسكان الجِيم اتباع لرجس، فإذا أفردوه قالوا: نَجس بفتح النون وكسْر الجيم وفتحها. والخَبِيث: يعني: الخَبِيث في نفسه والمخبث لغَيره. * * * ¬

_ (¬1) رواه مسلم (373)، وأبو داود (18)، والترمذي (3384)، وابن ماجة (302). (¬2) "النفع الشذي" لابن سيد الناس (418، 419). (¬3) في (ص): أسامة. تصحيف. (¬4) "سنن ابن ماجة" (299).

4 - باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة

4 - باب كَراهِيَةِ اسْتِقْبَالِ القِبْلَة عِنْد قَضَاءِ الحَاجَةِ 7 - حَدَّثَنا مُسَدَّدُ بْن مُسَرْهَدٍ، حَدَّثَنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَلْمانَ قال: قِيلَ لَهُ: لَقَدْ عَلَّمَكمْ نَبِيُّكُمْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الخِراءَةَ! قال: أَجَلْ، لَقَدْ نَهانا - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَسْتَقْبِلَ القِبْلَةَ بِغائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، وَأَنْ لَا نَسْتَنْجِيَ بِاليَمِينِ، وَأَنْ لا يَسْتَنْجِيَ أَحَدُنَا بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجارٍ، أَوْ يَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ عَظْمٍ (¬1). 8 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن محَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنا ابن المُبَارَكِ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ عَجْلانَ، عَنِ القَعْقاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي صالِحٍ، عَنْ أَبِي هُريرَةَ قال: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّما أَنَا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الوالِدِ أُعَلِّمُكُمْ، فَإِذا أَتَى أَحَدُكُمُ الغَائِطَ فَلا يَسْتَقْبِلِ القِبْلَةَ وَلا يَسْتَدْبِرْها وَلا يَسْتَطِبْ بِيَمِينِهِ" وَكانَ يَأْمُرُ بِثَلَاثَةِ أَحْجارٍ، وَيَنْهَى عَنِ الرَّوْثِ والرِّمَّةِ (¬2). 9 - حَدَّثَنا مُسَدَّدُ بْن مُسَرْهَدٍ، حَدَّثَنا سُفْيان، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رِوايَةً قالَ: "إِذَا أَتَيْتُمُ الغائِطَ فَلا تَسْتَقْبِلُوا القِبْلَةَ بِغائِطٍ وَلا بَوْلٍ، ولكنَ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا" فَقَدِمْنا الشَّامَ فَوَجَدْنا مَراحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ قِبَلَ القِبْلَةِ، فَكُنَّا نَنْحَرِفُ عَنْهَا وَنَسْتَغْفِرُ اللهَ (¬3). 10 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنا عَمْرُو بْن يَحْيَى، عَنْ أَبِي ¬

_ (¬1) رواه مسلم (262). (¬2) رواه النسائي 1/ 38، وابن ماجة (312)، (313)، وأحمد 2/ 247، 250، وابن خزيمة (80)، وابن حبان (1431)، (1440). وحسن إسناده الألباني في "صحيح أبي داود" (6). ورواه مسلم (265) بلفظ: "إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها". (¬3) رواه البخاري (144)، (394)، ومسلم (264).

زَيْدٍ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ أَبِي مَعْقِل الأَسَدِيِّ قال: نَهَى رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَسْتَقْبِلَ القِبْلَتَيْنِ بِبَوْلٍ أَوْ غائِط. قالَ أَبُو دَاوُدَ: وَأَبُو زَيْدٍ هُوَ مَوْلَى بَنِي ثَعْلَبَةَ (¬1). 11 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْن يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا صَفْوانُ بْنُ عِيسَى، عَنِ الحَسَنِ بْنِ ذَكْوانَ، عَنْ مَرْوانَ الأصْفَرِ قال: رَأَيْتُ ابن عُمَرَ أَناخَ راحِلَتَهُ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ ثُمَّ جَلَسَ يَبُولُ إِلَيْها، فَقُلْت: يا أَبا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَليْسَ قَدْ نُهِيَ عَنْ هذا؟ قال: بَلَى إِنَّما نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ فِي الفَضاءِ، فَإذا كانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ القِبْلَةِ شَيْءٌ يَسْتُرُكُ فَلا بَأْسَ (¬2). * * * باب كراهية استقبال القبلة عند الحاجة [7] (ثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ، قال: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ) محمد بن خَازم. بالخاء والزاي المعجمتَين المعُروف بالضَّرير السَّعدي مَولى لهم الكُوفي ذَهَب بصره وهو ابن ثمان سنين (عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ) بن يزيد بن عَمْرو بن رَبيعة بن حارثة (¬3) بن سعد بن مَالك بن النخع المعروف بالنخعي (عن عبد الرحمنَ بن يزيد) بن قيس أخو الأسْود الكوُفي النخعي، ماتَ في الجماجِم سنَة ثلاث وثمانين (عن سَلمان) الفارسي ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجة (319)، وأحمد 4/ 210، 6/ 406. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (2)، قال: منكر. (¬2) رواه ابن الجارود في "المنتقى" (32)، وابن خزيمة (60)، والدارقطني 1/ 58، والحاكم 1/ 154، والبيهقي 1/ 92. وحسن إسناده الألباني في "صحيح أبي داود" (8). (¬3) في (ص): حازمة. تحريف، والمثبت من (د، س، ظ، ل، م)، و"الطبقات الكبرى" لابن سعد 6/ 270، و"الطبقات" لخليفة بن خياط (ص 157)، و"التاريخ الكبير" لابن أبي خيثمة (1905)، و"الثقات" لابن حبان 4/ 9.

الأصْبهاني، من فُضَلاء الصَّحَابة وزُهادهم وَعُبادهم موْلى النبي - صلى الله عليه وسلم - توفي بالمدائن سنة ست وثلاثين. (قالَ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ (قِيلَ لَهُ) أي: لسلمان الفارسي، والقائل له رجَل يهودي: (لَقَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ) (¬1) - صلى الله عليه وسلم - (كُلَّ شَيْءٍ) هو مِنَ العَام المخصُوص كقولهِ تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ} (¬2) والتقدير هنا: كُل شيء، والمرَاد: كل شيء من أمور الدين. (حَتَّى الخِرَاءَةَ) بكسر الخاء والمدّ على وزن الحجَارَة اسم لهيئة الحدث، وأمَا نفس الحَدَث فبحذف التاء وبالمدّ مع فتح الخاء وكسْرها، وفي "النهاية" الخراءة بالكَسْر والمدّ؛ التخلي والقعود للحَاجَة (¬3). (قال: أَجَلْ) بتخفيف اللام مَعْنَاهُ نعم ومراد سَلمان - رضي الله عنه - أنهُ علمنا كل ما نحتَاج إليَه في ديننا حَتى الخراءة التِي ذكرت أيّها القائل، فإنه علمنا آدابها، فنهانا فيها عن كذَا وكذَا. (لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ القِبْلَةَ بِغَائِطٍ) رواية مُسْلم "لغائط" (¬4) باللام بدَل الباء. قال النووي: وهما بمعنى (¬5). ويحتمل أن يكون اللام والبَاء بمعنَى "في"، فاللام كما في قوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} (¬6) ¬

_ (¬1) في (ص): بنبيكم. تحريف. (¬2) الأحقاف: 25. (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (خرأ). (¬4) "صحيح مسلم" (262) (57). (¬5) "شرح مسلم" للنووي 3/ 154. (¬6) الأنبياء: 47.

[والباء كقوله] (¬1) تعالى: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ} أي: في جانبه {إِذْ نَادَيْنَا} (¬2) موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وأصل الغائط: المطمئنُّ منَ الأرض، ثم صَار كنَاية عَنِ الخارج المَعرُوف مِنَ دُبر الآدمي (¬3). (أَوْ بَوْلٍ) احتج به المانِعُون مِن استقبال القبلة في حَال (¬4) البَول والغائط مُطلقًا في البناء والصحراء، وهو قول أبي أيوب (¬5) الأنصاري الصَّحابي، ومجاهد (¬6)، وإبراهيم النخعي (¬7)، وسُفيان الثوري، وأبي ثور، وأحمد في روَاية (¬8). وفرّق الشافعي بيْنَ البنيان والصَّحراء (¬9)، فحمل هذا الحديث على الصَّحراء، والأحاديث الآتية في الرخصَة على البُنيان، ولا خلاف بيْن العلماء أنه إذا أمكن الجمْع بين الأحاديث لا يصار إلى ترك بعضها بل يجبُ الجمْع [بينهما والعمل بجميعها] (¬10). (و) نهانا (أَنْ لَا نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ) فيه بيان أدبُ الاستنجاء، وقد أجمعَ ¬

_ (¬1) في (ص) والباء كما في قوله. وفي (س، ل): والثاني كقوله. والمثبت من (د، ظ، م). (¬2) القصص: 46. (¬3) في (س): الأذى. تحريف. (¬4) في (د): حالي. (¬5) في (س): ثور. تحريف، وانظر: "مصنف ابن أبي شيبة" (1612). (¬6) انظر: "مصنف ابن أبي شيبة" (1614). (¬7) انظر: "مصنف ابن أبي شيبة" (1615). (¬8) انظر: "المغني" 1/ 221. (¬9) انظر: "البيان في مذهب الشافعي" للعمراني 1/ 206. (¬10) في (ص) والعمل بينهما فجميعها.

العلماء على أنه منهي عن الاستنجاء باليمين، ثم الجماهير على أنهُ نهي تنزيه وأدَب لا نهي تحريم (¬1)، وصرَّح الرافعي بأنَّ مَسّ الذكر باليَمين مَكرُوه (¬2) أي: في الاستنجاء وغيره، وَلَم يتعرض النووي في "الرَوضَة" للكراهَة، بل اقتصرَ على استحباب مَسْكه (¬3) باليسار (¬4)، وذهبَ بَعْض أهْل الظاهر إلى تحريم الاستنجاء باليَمين، وأشار إلى تحريمه جماعة من أصحَابنا ولا تعويل على إشارتهم. قال أصحابنا: ويُستحب أن لا يستعين [باليد اليمنى] (¬5) في شيء من أمور الاستنجاء إلا لعذر (¬6) (¬7). (وأن لا يستنجيَ) بنَصْب آخره، مُعظم النسخ بإثبات (لا) وهي زائدة كما في {مَا مَنَعَكَ أَنَّ لَا تَسْجُدَ} (¬8) (¬9) (أحدُنَا) والاستنجاء هو مسْح موضع النجو -يعني: الخُرْء بضم الخاء وإسكان الراء وهمزة مقصوُرة- بحجر أو مدر أو نحوهما من قولهم: استنجيت النخلة إذا التقطت رطبها (¬10)؛ لأنَّ المسْح لا يقطع النجاسَة، بل يبقي أثرها. (بأقلَّ) مجرور بالباء وعلامة جره فتحة آخره لأنه لا ينصرف (منْ) فهو ¬

_ (¬1) انظر: "شرح مسلم" للنووي 3/ 156. (¬2) "الشرح الكبير" للرافعي 1/ 150. (¬3) في (ط، م): مسه. (¬4) "روضة الطالبين" للنووي 1/ 70. (¬5) في (ص، س، ل): باليمين. والمثبت من (د، ظ، م)، و"شرح مسلم" للنووي. (¬6) في (ص، س، ل): بعذر. والمثبت من (د، ظ، م)، و"شرح مسلم" للنووي. (¬7) انظر: "شرح مسلم" للنووي 3/ 156. (¬8) الأعراف: 12. (¬9) سقط من (ظ، م). (¬10) في (ص، ل): ربطها. تصحيف، وانظر: "الصحاح" للجوهري (نجا).

كقوله تعالى: {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا} (¬1) (ثَلَاثةِ أَحْجَارٍ) هذا نصَ صحيح صريح في أنهُ لا بدَّ في الاستنجاء بالأحجار من ثلاثة، وفي معنى الأحجار الثلاثة حجر له ثلاثة أحرف؛ يمسح بكُل حرف مسحة. وبه قال الشافعي (¬2)، وأحمد، وإسحاق بن راهويه (¬3)، وأبو ثور. وقال مالك: الواجب الإنقاء، فإن حصل بحجر أجزأه (¬4) وهو وجه لبعض أصحابنا (¬5)، ودَخَل في عموم الحديث أحجار الذهب والفضة وحجارة الحَرَم، والأصح سُقوط الفرض بكل واحد منها (¬6)، وينبغي التفصيل في الذهَب والفِضة بين الرجَال والنساء بخلاف حجارة الحَرَم، وفيه حجة لمذهب الشافِعي وغيره أنه لا يُجزئ أقل من ثلاثة أحجار، خلافًا لمالك وداود حيث قالا: إن الواجب الإنقاء دُون العدد (¬7). (أو يَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعِ) فيه: النهي عن الاستنجاء عن النجاسات بالرجيع (¬8)، ونبه - صلى الله عليه وسلم - بالرجيع (¬9) على جنس النجس، فإن الرجيع هو الروث والعَذرة، فعيل بمعنى فاعل؛ لأنه رجع (¬10) عن حالته الأولى ¬

_ (¬1) النساء: 86. (¬2) "الأم" 1/ 73. (¬3) "مسائل أحمد وإسحاق رواية الكوسج" (77). (¬4) انظر: "التمهيد" لابن عبد البر 11/ 17. (¬5) انظر: "المجموع" للنووي 2/ 104. (¬6) في (ص، س، ظ، ل، م): منهما. والمثبت من (د). (¬7) انظر: "المجموع" للنووي 2/ 104. (¬8) سقطت من (ص)، وسقطت من باقي النسخ. (¬9) سقطت من (ص)، وأثبتها من باقي النسخ. (¬10) في (ص) رجيع. وما أثبته من باقي النسخ، و"النهاية" لابن الأثير.

بعد أن كان طعَامًا أو علفًا (¬1). وهو حُجة على الحنفية في جَوَاز الاستنجاء بالنجس. (أَوْ عَظْمٍ) فيه: النهي عن الاستنجاء بالمحترم، فنبه - صلى الله عليه وسلم - على جنس المُحترم بالعَظم، فإن العَظم طَعَام للجنّ؛ لما رَوَى البخاري (¬2) عن أبي هُريرة نهَى عن الاستنجاء بالعَظم وقال: إنهُ زاد إخوانكم منَ الجنّ. وسَاقه في باب ذكر الجِنّ بأتم مما سَاقه في الطهَارة، وأخرجهُ البيهقي (¬3) من الوجه الذي أخرجهُ مطولًا. [8] (ثَنَا عَبْدُ اللِّه بْنُ مُحَمَّدٍ) بن علي بن نفيل القضاعي (النُّفَيْلِي) بضم النُّون وفَتح الفاء مُصغرًا. خرج لهُ البخاري في آخِر تفسير سُورة البقرة (¬4). (قال: ثَنَا) عبد الله (ابْنُ المُبَارَكِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنِ القَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ) بفَتح المهُملة وكسْر الكاف الكناني المدني من الثقات (¬5). (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذكوان مولى جويرية بنت الأحمس (¬6) مِن غطفان المعروف (¬7) بالسَّمان ويقال: الزَّيات، كانَ يجْلبُ السَّمْنَ والزَيتَ إلى مَكةَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ اللِّه) - صلى الله عليه وسلم -: (إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية" لابن الأثير (رجع). (¬2) "صحيح البخاري" (155، 3860) مطولًا بغير هذا اللفظ. (¬3) "السنن الكبرى" للبيهقي 1/ 107 - 108. (¬4) "صحيح البخاري" (4533). (¬5) انظر: "الكاشف" للذهبي 2/ 402. (¬6) في الأصول الخطية: الحارث. تحريف، والمثبت هو الصواب كما في كتب التراجم. (¬7) في (س): العرب. تحريف.

الوَالِدِ) رواية النسائي عن يحيى بن سعيد "أَنَا لَكُمْ مثل الوالد". (أُعَلِّمُكُم) يعني: كما يُعَلم الوالدُ ولده، وفيه: فضيْلة تعليم الوَالِد أولادهُ. قال الشافعي والأصحاب: ما سيتعين (¬1) عليهم بعد البلُوغ فيُعلمه الوَلي الطهارة، والصلاة، والصيَام ونحوها، وتحريم شُرب الخمر، والكَذِب، والغيَبة ونحوها، ويعَرفه أن بالبلوغ (¬2) يدخل [في التكليف] (¬3)، ومعرفة ما يبْلغ به. وقيل: هذا التَعِليم مُستحب والصحيح وجوُبه، كما يجبُ عليه النظر في مَاله، فهذا أولى (¬4). وفيه دَليل على أن المعَلم والمربي (¬5) حقه على تلميذه كحق الوَالد بل (¬6) أولى، حتى قال بعض الشافعية أنَّ عُقُوق الوَالد (¬7) يُغفر بالتوبة بخلاف عُقُوق الأستاذ والمُعَلّم وإذا قلنا: إن المُعلم في حق (¬8) الوَالد، فشَيخ شيخه جَد له، وكذا ما فوقه أجدَاد له. (فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الغَائِطَ) لفظة "إذا أتى" أعم من الرواية المتقدمَة" إذا دَخل"؛ لأن الإتيان يشمل البُنيان والصَّحراء بخلاف الدخول، فإنه يشعر ¬

_ (¬1) في (ص) يستعبر. تصحيف، والمثبت من باقي النسخ الخطية، و"المجموع". (¬2) في (ظ، م): البلوغ. (¬3) في (د، ظ، م): بالتكليف. (¬4) انظر: "المجموع" 1/ 26. (¬5) في (س): والمولى. تصحيف. (¬6) سقط من (س). (¬7) في (س): الوالدين. (¬8) في (د): حكم.

بالبنيان (فَلَا يَسْتَقْبِلِ) بكسر اللام في الوصْل؛ لالتقاء السَّاكنين، فإن اللام مجزومة على النهي (القبلة) اللام فيه للعهد استثنى منه الشافعي وجماعة كثيرة من العلماء (¬1) والمحدِّثين منهم البخاري فقال: [باب لا] (¬2) تستقبل القبلة بغائط أو بول إلا عند البناء؛ جدار أو نحوه (¬3). يعني: كالأحجار الكبار و (¬4) السَّواري والأخشاب والأشجار (¬5) وغيرها. قال الإسماعيلي: ليس في الحديث دلالة على الاستثناء المذكور، وأجيب بثلاثة أوجه أقواها ما ذكره (¬6) الإسماعيلي أنه تمسك بحقيقة الغائط؛ لأنه المكان المُطمئن من الأرض في الفضاء، وهذِه حقيقته اللغوية، وإن كان قد صار يطلق (¬7) على كل مكان أعدَّ لذلك مجازًا. ثانيها (¬8): والجواب الثاني: أن استقبال القبلة إنما يتحقق في الفضاء، وأما الجدار والأبنية فإنها إذا استقبلت أضيف إليها الاستقبال عرفًا. وثالثها: الاستثناء مستفاد من حديث ابن عمر الآتي، لأن حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - كله كأنه شيء واحد. قاله ابن بطال (¬9) وارتضاه ابن ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع" للنووي 2/ 81. (¬2) في (د، ظ، م): أن لا. (¬3) "صحيح البخاري" قبل حديث (144). (¬4) في (ص) في. تحريف. (¬5) فى (س): والأحجار. تحريف. (¬6) في (ص) رواه. تحريف. (¬7) في (ص، ل): مطلق. (¬8) في (ص) يأتيها. تصحيف. (¬9) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 1/ 236.

التين (¬1) (¬2) أنه [استفيد من] (¬3) حديث ابن عمر الآتي: رقيت (¬4) فرأيت (¬5) النبي - صلى الله عليه وسلم - يقضي حاجته مستقبل القبلة (¬6). (ولا يستدبرها) كذا رواية مُسلم (¬7) وزاد "ببول أو غائط" (¬8). (ولا يستطب) بالجزم، الاستطابة والاستنجاء والاستجمار عبارات عن إزالة الخارج من السَّبِيلين عن مخرجه، فالاستطابة والاستنجاء يكونان تارة بالماء وتارة بالأحجار، والاستجمار مُختصّ بالأحجار كما سيأتي، وسُميت الاستطابة بذلك؛ لأن الإنسان يطيب (¬9) نفسه بإزالة الحَدَث. (بيمينه) فيه: تنبيه على إكرام اليَمِين وصيانتها عن الأقذار ونحوها، فإن احتاج إلى يمينهِ بأن كان الاستنجاء من بولٍ والحجر صغير، فإن أمكنه أنْ يضعه بين عقبيه ومسح ذكره عليه بشماله فعل، وإن لم يمكنه أمسك الحجر بيمينه ومسَحَ بيساره موضع الحاجة، فإن في (¬10) هذِه الحالة ليس ماسحًا باليمين ولا مُمسكًا لذكره بها. ¬

_ (¬1) في (س): الزبير. تحريف، والمثبت من (ل)، و"فتح الباري". (¬2) من (س، ل). (¬3) من (د): وفي غيرها: استقبل في. (¬4) من (س، ل). (¬5) في (ص): رأيت. (¬6) انظر: "فتح الباري" 1/ 295. (¬7) "صحيح مسلم" (265)، أما الزيادة فهي في حديث أبي أيوب الذي قبله (264)، ولفظه: "يبول ولا غائط". (¬8) في (د، ظ، م): بغائط. (¬9) في (ص): يطبب. تصحيف. (¬10) سقط من (ص، س، ل) والمثبت من (د، ظ، م).

(وكان يأمرُ) أن يستنجى (بثلاثة أحجار) قال ابن القصَّار: يحتمل أن يكون أراد بذكر الثلاثة أن الغالب وجود الإنقاء بها، كما ذكر (¬1) في المُستيقظ من النَّوم أن يغسل يده ثلاثًا قبل إدخالها (¬2) الإناء على غير وجه الشرط، والدليل على أن الثلاثة ليس بشرط حدَّ به الاستنجاء أنه لو لم ينق بها لزاد عليها ولا يقتصر عليها إذا لم تنق، فعلم أن الفرض الإنقاء (¬3) ويحوُز أن تحمل (¬4) الثلاثة على الاستحسان وإن أنقى بما دُونها؛ لأن الاستنجاء مسح، والمسح في الشرع لا يُوجب التكرار، دَليله مسْح الرأس والخفين، وأيضًا فإن الحجر الواحد لو كان له ثلاثة أحرف قام مقام الثلاثة الأحجار؛ فكذلك يقوم الحجر والحجران مقام الثلاثة إذا حصَل بها قلع النجاسة (¬5). (وينهى (¬6) عن الرَّوث) وهو رجيع ذوات الحوافر، وهو من باب: التسمية بالمصدر من راث يروث كقال يقول قولًا، والروثة الواحدة منه. وفي رواية البخاري: القى الروثة، وقال: "هذا ركسٌ" (¬7). وفي ¬

_ (¬1) في (ظ، م): ذكره. (¬2) في (ص، س، ل): إدخالهما. تحريف، والمثبت من (د، ظ، م)، و"شرح ابن بطال". (¬3) في (ص، ل): الانتقاء. تحريف، والمثبت من باقي النسخ، و"شرح ابن بطال". (¬4) في (ص، ل): محمل. وفي (ظ، م): محل. والمثبت من (د، س)، و"شرح ابن بطال". (¬5) "شرح البخاري" لابن بطال 1/ 248. (¬6) في (ص، س، ظ، ل، م): نهى. والمثبت من (د) و"سنن أبي داود". (¬7) "صحيح البخاري" (156).

رواية الترمذي: "هذا ركس" (¬1). وأغرب النسائي فقال: الركس طعام الجنّ (¬2). (والرِّمَّة) بكسر الراء وتشديد الميم العظم البَالي وهو الرَّميم وجمع الرّمَّة رمم مثل سدرة وسدر، ورم العَظم يرم مثل ضربَ يضرب، فهو رميم، جمعه رمَام مثل كريم وكرام، وأما الرُّمة بالضم فهو القطعة من الحبل (¬3) ومنه سمي (¬4) ذو الرُّمة. [9] (ثَنَا مُسَدَّدُ، قال: ثنا سُفْيَانُ، عن) محمد بن شهاب (الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيثِيِّ) من أنفسهم ويقال: الجُنْدَعِي (¬5) من أهل المدينة، (عَنْ أَبِي أَيُّوبَ) خالد بن زيد الأنصَاري المدني (رواية) أي: رواهُ مرفوعًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (إِذَا أَتَيتُمُ الغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا القِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ) ظاهرهُ اختصاص النهي بخروج الخارج من القُبل أو الدُبر؛ لأن التقدير: لا تستقبلوا القبلة في حَال خروج الغائط والبول، فيكون مثار النهي (¬6) إكرام الكعبة عن المواجهة بالنجاسة، قلتُ (¬7): وفي معناه ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (17)، وفيها: إنها ركس. (¬2) "سنن النسائي" 1/ 41. (¬3) في (ص، س، ل): الجبل. تصحيف، والمثبت من باقي النسخ، وكتب اللغة. (¬4) في (ظ، م): كني. تحريف، والمثبت من باقي النسخ. (¬5) في (ص): الخيرعي. وفي (د): الجدعي. وكلاهما خطأ، والمثبت من (س، ظ، ل، م)، وهذه النسبة إلى جندع، وهو بطن من ليث، وليث من مضر بن نزار بن معد ابن عدنان، وانظر: "الإكمال" لابن ماكولا 2/ 192، و"الأنساب" للسمعاني 3/ 346. (¬6) في (ص، ل): المنهي. (¬7) سقط من (ظ، م).

استقبال القبلة في حَال الجلوس لإخراج دم الفصْد والحجامة ودم الحيض والنفاس، وحال التقيؤ والاستفراغ، وقيل: مثار النهي عن كشف العورة، وعلى هذا فيطرد في كل [حالة تنكشف] (¬1) فيها العَورة كالوطء مثلًا، وكشف العورة للختان والاستحداد، والاغتسال مكشوف العَورة، وهي تختلف باعتبار الذكورة والأنوثة، والحرية والرقيق، والصَغير وغير ذلك. (ولكن شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا) قال العُلماء: هذا خطاب لأهل المدِينَة والشام والمغرب، وما في معناها مِنَ البلاد التي تكونُ بحيث إذا شرَّق أو غرَّب لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها (¬2). واستدل به (¬3) بعضهم على أنَّ من بعد عن مكة يستقبل ما يُحاذيها إلى جهة الشرق والغَرب، وكأنه يري أن لو خَطَّ من البيت خطًّا إلى جهة المشرق وخطًّا إلى جهة (¬4) المغرب، ثم يستقبل كل من وراء الخط من أي الجِهتَين كان ذَلكَ الخَط. وهو معْنى قول مَالك، وروي نحوه عن عُمر، وإليه ذَهبَ البخَاري (¬5) واحتج بهذا الحَديث؛ لأنه يدُل على أن القبلة لا تكونُ إلى شرق أو غرب، وصلاة أهل الجهات التي تقارب مكة من (¬6) كل جهة تدل على خلاف هذا القوله. ¬

_ (¬1) في (ل، م): حال تكشف. (¬2) "شرح النووي على مسلم" 3/ 158. (¬3) من (د، م). (¬4) من (د). (¬5) "صحيح البخاري" باب قبلة أهل المدينة. (¬6) في (ص، ظ): هو. تحريف، والمثبت من (د، س، ل، م).

قال: (فَقَدِمْنَا الشَّامَ) ورَوَاهُ مالك في "الموطأ" من طريق أخرى، عن أبي أيُّوب، وفيه: وهو بمصر بدل الشام (¬1). (فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ) [بالنَّصْب غير منصرف] (¬2) جمع مرحاض بكسر الميم وهو المغتسل من قولهم: رحضت الثوب رحضًا مِنْ باب نفع نفعًا أي: غسلته فهو رَحيض، ثم كني به عن المستراح وهو موضع التخلي؛ لأنهُ موضع غسل النجو. (قَدْ بُنِيَتْ قِبل) بوزن عنب (¬3) أي: جهة (القبلة) وفي رواية في الصحيحين: قد بُنيَت نحو الكعبة (¬4). (فَكُنَّا (¬5) نَنْحَرِفُ عَنْهَا) قيل: مَعناه: نحرص على اجتنابها (¬6) بالميل عنها قدرتنا ونستغفر، رواية مُسلم: فننحرف عنها (¬7). (ونَستغفر الله) [قيل: لباني الكنف] (¬8) على هذِه الصفة الممنُوعة عنده؛ لأنه لو لم تكن عندهُ ممنُوعًا لما احتاج إلى استغفار. [قال ابن دقيق العيد: الأقرب أنهُ استغفار] (¬9) لنفسه، بسبب موافقته لمقتضى ¬

_ (¬1) "الموطأ" 1/ 172. (¬2) سقط من (ظ، م). (¬3) في (ص): عيب. تصحيف، والمثبت من باقي النسخ الخطية. (¬4) لم أقف عليه فيهما بهذا اللفظ. (¬5) سقط من (ظ، م). (¬6) في (ص) احنيايها. تصحيف، والمثبت من باقي النسخ الخطية. (¬7) "صحيح مسلم" (264) (59). (¬8) في (ص) قبل لنأتي الكنيف. تصحيف، والمثبت من باقي النسخ الخطية. (¬9) سقط من (س).

البناء غلطًا أو سهوًا، فيتذكر فينحرف ويستغفر الله، فإن قلت: الغالط والساهي لم يفعل إثمًا، فلا حاجة للاستغفار قلتُ: أهل الوَرع والمناصب العلية يستغفرون [بناء على نسبتهم التقصير] (¬1) إلى أنفسهم في التحفظ ابتداء (¬2). [10] (ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التبوُذكي، قال: (ثَنَا وُهَيْبٌ) بن خالد بن عجلان البَاهلي، قال: (ثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى) بن عمارة المازني الأنصاري المدَني، (عَنْ أَبِي زَيْدٍ) مولى بني ثعلبة، قيل: اسمُه الوليد، (عَنْ مَعْقِلِ بْنِ أَبِي مَعْقِل) بفتح المِيم وكسْر القاف فيهما بن الهيثم (الأسدي) حليف بني أسد الصحَابِي، مات في زمن مُعاوية. قال: (نَهَى رَسُولُ اللِّه - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَسْتَقْبِلَ) بفتح النُون والبَاء الموحدة. (القبلتَين) الكعبة وبيت المقدس، [احتج به إبراهيم وابن سيرين على تحريم استقبال بيت المقدس مُطلقًا، خلافًا لمن ادعى الإجماع على عدَم التحريم. وروى: نهانا (¬3)] (¬4). قالَ أصحَابنا: لا يحرم استقبال بيت المقدس ببَول ولا غائط ولا استدبَاره لا في البناء ولا في الصحراء. قال المتَولي وغيره: لكنه يُكرَه. ونقل الروياني عن الأصحَاب أنه يُكره؛ لكونه كَانَ قبلة. وهذا الحديث ¬

_ (¬1) في (ص): ثناء على نسيهم للتقصير. تصحيف، والمثيت من باقي النسخ الخطية. (¬2) "إحكام الأحكام" 1/ 42. (¬3) رواها الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 233 من طريق عمرو بن يحيى به، وفيه القبلة. بدل: القبلتين. (¬4) سقط من (د)، وذكرت هذه الجملة بعد قليل في (ظ، م) بزيادة واو قبلها.

رواه أحمد (¬1) وابن ماجَه (¬2) وإسنَاده جَيد، وأجابُوا عنهُ بِجَوابَين: (أحدُهما: ) أنهُ نهَى عن آستقبال بيت المقدس حينَ كانَ قبلة، ثم نهى عن الكَعبة حين صارت قبلة، فجمعهما الراوي. هذا تأويلُ أبي إسحاق المروزي وأبي علي بن أبي هريرة. (والثاني): [المراد بالنهي عن استقبالهما، النهي عن استقبال الكعبة واستدبَارها، و] (¬3) المُراد بالنهي أهل المدينة، لأن من استقبل بيت المقدس وهو في المدينة استدبر الكعْبة، وإن استدبره استقبلها. قال النووي: والظاهِر المختار (¬4) أن النهي وقعَ في وقت واحِد، وأنهُ عامٌّ لكلتيهما في كل مكان، ولكنهُ في الكعبة نهيُ تَحريم، وفي بيت المقدس نهي تنزيه، ولا يمتنع جمعهما في النهي، وإن اختلف معناه كما لا يمتنعُ جمع الوَاجِب، والمندُوب (¬5) في الأمر في قوله تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} (¬6) وسَبَبُ النَهي عن بيت المقدس، كونه كان قبلة فبقيت له حُرمة دون حرمة الكعبة، فإن قيلَ لم حملتموهُ على التنزيه؟ قلنا: للإجماع فلا نعلم (¬7) أحدًا ممن يعتد به حرمه (¬8). وزعم ابن حزم ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 4/ 210. (¬2) "سنن ابن ماجة " (319). (¬3) سقط من (س). (¬4) في (ظ، م): المجاز. وهو تحريف، والمثبت من باقي النسخ الخطية. (¬5) في (ظ، م): الندب. خطأ، والمثبت من باقي النسخ الخطية. (¬6) الحج: 7. (¬7) في (م): يعلم. تصحيف. (¬8) "المجموع" 2/ 80 - 81.

الظاهري أن النهي عن استقبال بيت المقدس لا يصح (¬1). (ببَول أو غائط) وفي رواية: "ببول أو بغائط" (¬2). ونقل الرافعي في الشهادَات عن صَاحب"العدة": أن التغوط مُستقبل القبلة من الصغائر (¬3)، وأقره عَلَيه ولا يكرَه. ويجوز عندنا استقبال القبلة واستدبارها حالة الجماع في البنيان والصحراء بلا كراهة؛ لأن الحديث ورد في البَول والغائط دُونَ غيرهما وبه قال أبو حنيفة وأحمد، واختلف على مالك فيه، وكذا في حَالة الاستنجاء (¬4) وإخراج الريح إلى القبلة (¬5). (قال أبو داود: أبو زيد هو موْلى بني ثعلبة). [11] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى) بْنِ عبد الله بن خالد (بن فَارِسٍ) بن ذؤيب الذهلي النيسابوري شيخ البخاري والأربعة، وللبخاري عنه عدة أحاديث، لكن يبهمه (¬6)، فتارة يقولُ: ثنا محمد، وتارة يقول: محمد بن عبد الله، وتارة يقول: محمد بن خالد. قال ولده محمد: دَخَلت على أبي وقت القائلة في الصَّيف، فقلتُ: يا أبت في هذا الوقت ودُخان هذا السِّراج، فلو أرحت نفسك! فقال: يا بني، تقول هذا وأنا مع رسول ¬

_ (¬1) "المحلى"1/ 194. (¬2) رواها البيهقي في "السنن الكبرى" 1/ 148، وابن عبد البر في "التمهيد" 1/ 305 من رواية ابن داسة عن أبي داود به. (¬3) "الشرح الكبير" للرافعي (13/ 8). (¬4) في (س): الاستجماع. (¬5) انظر: "المجموع" 2/ 80 - 81. (¬6) في (ص، ظ، م): يتهمه. تصحيف، والمثبت من (د، س، ل).

الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والتابعين! (¬1) وقال أبو قريش الحافظ: كنت عند أبي زرعة فجاء مسلم فجلس سَاعَة وتذاكرا، فلما أن قام قلت: هذا جمع أربعة آلاف حديث صحيحة قال: فلم ترك الباقي؟ ! ثم قال: ليس [لهذا عقل] (¬2) لو دارى (¬3) محمد بن يحيى لكان رجلًا (¬4). (قال: ثنا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى) القرشي (¬5) الزهري البصري، قال محمد بن سعد: كان ثقة صالحًا (¬6)، توفي بالبصرة سنة مائتين في خلافة عبد الله بن هارون وكان من خيار عباد الله، استشهد به البخاري في "الصَّحيح"، وروى له في "الأدب" وروى له الباقون (¬7). (عَنِ الحَسَنِ بْنِ ذَكْوَانَ) البصري أبو سلمة، ذكرهُ ابن حبان في "الثقات" (¬8). (عَنْ مَرْوَانَ) قال أبو داود: هو مروان بن خاقان (الأَصْفَرِ) ثقة أبو خلف البَصْري أخرج له الشيخان (¬9). (قال: رَأَيْتُ) عبد الله (بْنَ عُمَرَ) - رضي الله عنهما - (أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ مُسْتَقْبِلَ) بالنَصب ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 627 - 628. (¬2) سقطت من الأصول الخطية، والمثبت من "تاريخ دمشق" (58/ 93). (¬3) في (ظ، م): د ارك. تحريف. (¬4) "تاريخ دمشق" 58/ 93. (¬5) في (س): القدسي. تصحيف، وصفوان بن عيسى القرشي من رجال"التهذيب". (¬6) "الطبقات الكبرى" 7/ 294. (¬7) انظر: "تهذيب الكمال" 13/ 210. (¬8) "الثقات" 6/ 163. (¬9) انظر: "تهذيب الكمال" 27/ 410 - 411.

على الحال (¬1) من الضمير المُستتر (القبلة، ثُمَّ جَلَسَ يَبُولُ) مُستقبل القبلة (إِلَيهَا) فيه دليل على ما تقدم أنه إذا وجد السَّاتر لا يحتاج إلى أن يبعد؛ فيكون هذا مخصصًا للحديث المتقدم إذا أراد البرَاز انطلق حتى لا يراهُ أحد، وفيه جواز استقبال القبلة إذا وجد السَّاتر ويكونُ النهي المتقدم مخصوصًا بالصحراء جمعًا بين الأحاديث كما تقدم. قال في "شرح المهذب": الصَّحيح أنه إن (¬2) كان بين يديه (¬3) ساتر مُرتفع على قدر ثلثي ذراع ويقرب (¬4) منه على ثلاثة أذرع، جاز استقبال القبلة سواء كان في الصحراء أم في البنيان (¬5). [وذكر نحوه] (¬6) في "شرح الوسيط" المُسمى بـ "التنقيح". (فقلت: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَلَيسَ) همزة الاستفهام في ليس للإنكار دخلت على النفي، ونفي (¬7) النفي إثبات (قد نهي عن هذا) يعني في الحَديث المتقدم. (قال: بَلَى إِنمَا نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ فِي الفَضَاءِ) دُون البُنيان (فإذا) كنت في ¬

_ (¬1) كتب قبالتها في حاشية (ص): لا يقال شرط الحال أن تكون نكرة ومستقبل ليس كذلك لإضافته لتاليه؛ لأن إضافته لفظية، وهي لا تفيد التعريف. (¬2) في (ظ، م): إذا. (¬3) في (ص) بدنه. تصحيف، والمثبت من باقي النسخ الخطية. (¬4) في (ص، س): بعدت. تصحيف، والمثبت من باقي النسخ الخطية. (¬5) "المجموع" 2/ 78 - 79. (¬6) في (ص) وذكره. والمثبت من باقي النسخ الخطية. (¬7) في (ص) وهي. تصحيف، والمثبت من باقي النسخ الخطية.

الفضاء و (كَانَ بَينَكَ وَبَينَ القِبْلَةِ شَيْءٌ يَسْتُرُكَ) من وَهدة (¬1) أو دَابة أو كثيب رمل أو جِدَار، ويحصُل السّتر بإرخاء الذَيْل على الأصح بالشرطين المذكورين وهو أن يكونَ بينه وبين السَّاتر قدر [ثلاثة أذرع] (¬2) فما دونها وأن يرتفع الساتر ثلثي ذراع (فَلَا بَأْسَ) إذا وجدَ الشرطان. * * * ¬

_ (¬1) الوهدة: المطمئن من الأرض، والمكان المنخفض كأنه حفرة. "لسان العرب" (وهد). (¬2) في (ص، س، ل): ثلثا ذراع. والمثبت من (د، ظ، م).

5 - باب الرخصة في ذلك

5 - باب الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ 12 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبّانَ، عَنْ عَمِّهِ واسِعِ بْنِ حَبّانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قال: لَقَدِ ارْتَقَيْتُ عَلَى ظَهْرِ البَيْتِ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - علَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلَ بَيْتِ الَمقْدِسِ لحِاجَتِهِ (¬1). 13 - حَدَّثَنا محَمَّد بْن بَشَّارٍ، حَدَّثَنا وَهْبٌ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنا أَبِي قال: سَمِعْتُ محَمَّدَ بْنَ إِسْحاقَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبانَ بْنِ صالِح، عَنْ مُجاهِدٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قال: نَهَى نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَسْتَقْبِلَ القِبْلَةَ بِبَوْلٍ فَرَأَيْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعامٍ يَسْتَقْبِلُها (¬2). * * * باب الرخصة في ذلك [12] (ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ) القعنبي، (عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الأنصاري المدَني التابعي، وكذَا شَيخه وشَيخ شيخه في الأوصاف الثلاثة لكن قيل إن لواسع رؤية فذكر لذلك في الصَحابة (¬3)، (عَنْ مُحَمَدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ) بفتح الحاء المهَملة، وتشديد الباء الموحدة بن مُنقذ بن عمرو الأنصاري كانت لهُ حلقة في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان كثير الحَديث ويفتي (¬4) مَاتَ سنة (¬5) 121، (عَنْ عَمِّهِ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (145، 148)، ومسلم (266). (¬2) رواه الترمذي (9)، وابن ماجة (325)، وأحمد 3/ 360، وابن خزيمة (58)، وابن حبان (1420). وحسن إسناده الألباني في "صحيح أبي داود" (10). (¬3) انظر: "أسد الغابة" (5428)، و "الإصابة" (9094). (¬4) في (ص): وثقتي. تصحيف، والمثبت من باقي النسخ الخطية. (¬5) سقط من (س).

وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ) بفتح المهملة وتشديد الموحَّدة أيضًا وحَبان يحتمل الصَّرف ومنَعه نظرًا إلى اشتقاقه من حَبِنَ (¬1) بكسر الموحَّدَة إذا طرأ له السقي (¬2) أو من حبَّ. وَحبان بن منقذ (¬3) بن عمرو له ولأبيه صحبة، (عَنْ عَبْدِ اللِّه بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قال: لَقَدِ ارْتَقَيتُ) أي صَعَدت (عَلَى ظَهْرِ البَيتِ) أي بيت لنا كما في رواية البخاري (¬4) وفي روَايَة: على ظهر بيت حَفصة (¬5). يَعني أخته. (فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللِّه - صلى الله عليه وسلم - عَلَى لَبِنَتَينِ) بفتح اللام وكسر الموَحدَّة وفتح النُون تثنية (¬6) لَبِنَة، وهو ما يُصنعُ من الطين أو غيره للبناء قبل أن يحرق، وفيه ارتفاع الجالس لقضاء الحَاجَة على حجرين أو خشبتين ونحوهما؛ لئلا يرجع إليه شيء من رَشاش البَول أو غسَالة النجاسة، ولم أجد من ذكر هذا الأدب. ولابن خزيمة: فأشرفت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على (¬7) خلاف (¬8). وللحكيم الترمذي (¬9) بسندٍ صحيح: في كَنيف بفتح الكاف وانتفى ¬

_ (¬1) في (ص): حبب. تصحيف، والمثبت من باقي النسخ الخطية. (¬2) في (ص): السفر. تصحيف، والمثبت من باقي النسخ الخطية. (¬3) في (ص، ل): سعد. تحريف، والمثبت من باقي النسخ الخطية. (¬4) "صحيح البخاري" (145). (¬5) "صحيح البخاري" (148). (¬6) في (ص): تنبيه. تصحيف، والمثبت من باقي النسخ الخطية. (¬7) سقط من (ص)، والمثبت من باقي النسخ الخطية. (¬8) "صحيح ابن خزيمة" (59). (¬9) "المنهيات" للحكيم الترمذي (ص 36).

بهذا (¬1) إيراد من قال ممَّن يرى الجواز مطلقًا: يحتَمل أن يكوُن رآهُ في الفضاء، وكونه على لبنتين لا يدُل على البناء؛ لاحتمال أن يكوُن جلس عليهما ليرتفع بهما عن الأرض، ولم يقصد ابن عمر الإشراف على النبي - صلى الله عليه وسلم - في تلك الحَالة، وإنما صَعَدَ على السَّطح لضرورة (¬2) لهُ كما [في رواية] (¬3) البيهقي: فحانت منهُ التفاتة. رواهُ من طريق نافع عن ابن عمر (¬4). ولما اتفقت له رؤيته من غير قصد أحبَّ أن لا يخلي [ذلك عن] (¬5) فائدة فحفظ هذا الحكم الشَرعي، ودلَّ ذَلك على شدَّة حِرْص الصَّحابة على تتبع أحوال (¬6) النَّبي - صلى الله عليه وسلم - لنتبعها. (مُسْتَقْبِلَ) رواية البخاري: مُسْتَقبلًا (¬7) (بَيتِ المَقْدِسِ) فيه لغَتَان مشهورتان فتح الميم وسكون القاف وكسر الدَال المخففة، وضم المِيم وفتح القاف والدال المشّددَة فعَلى لغَة التشديد مَعْناه: المطهر وعلى لغَة التخفيف لا يخلو إمَّا أن يكوُن مصدرًا أو مكانًا ومعناه بيت المكَان الذي جعلَ فيه الطهَارة أو: بيت مكان الطهَارة، وتطهيرُه إخلاؤه من الأصْنَام أو مِنَ الذنُوب ثم إنه من بَاب إضافة الموصُوف إلى صفته نحو مسْجد الجامع (لِحَاجَتِهِ) فيه استعمال الكنَاية عن ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): بها. والمثبت من (د، ظ، م). (¬2) في (ص): لصدوره. تصحيف، والمثبت من باقي النسخ الخطية. (¬3) في (ص): روى به. وفي (س): روى. وفي (ل): رواية. والمثبت من (د، ظ، م). (¬4) "السنن الكبرى" 1/ 93. (¬5) في (ص): عن ذلك. والمثبت من باقي النسخ الخطية. (¬6) سقطت من: (ظ، م). (¬7) "صحيح البخاري" (145).

الألفاظ (¬1) المستقبحة (¬2). قيل للشعبي: إن أبا هريرة يقول: لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها. وقال ابن عمر: رأيت رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - في كنيفه مُسْتقبل القبلة. وفي روَاية: مُستقبل بيت المقدس. فقال الشعبي: صدَق أبو هُريرة، وصدَق [ابن عمرَ، قول أبي هُريرة] (¬3) في البرية، وقول ابن عمر في الكنف (¬4) (¬5). [13] (ثَنَا مُحَمَدُ بْنُ بَشَّارِ) بن عُثمان العَبدي المعُروف ببُندار، قال: كتب عني الحديث خمسَة قرون، وسألوني الحديث وأنا ابن ثمان عشرة سَنة، فاستحييت أن أحدثهم بالمدينَة فأخرجتهم إلى البُستان (¬6)، وأطعمتهمُ الرَّطبْ وحدَّثتهم (¬7). (قال: ثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ) بالجيم المفتوحة بن حَازم بن زَيد الأسدي (¬8) البَصْري. (ثَنَا أَبِي) جرير بن حَازم الأزدي (¬9) رأي جنازة أبي الطفيل، ولما ¬

_ (¬1) في (د): للألفاظ. تصحيف. (¬2) في (ص، س، ل): القبيحة. والمثبت من (د، ظ، م). (¬3) في (س): أبو عمر. تحريف، والمثبت من باقي النسخ الخطية. (¬4) في (ص): الكنيف. والمثبت من باقي النسخ الخطية. (¬5) انظر: "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 1/ 238. (¬6) في (ظ، م): السفال. تحريف، والمثبت من باقي النسخ الخطية. (¬7) انظر: "تاريخ بغداد" 2/ 102. (¬8) بسكون السين، يبدلها من الزاي، فهم الأزد. انظر: "الإكمال" لابن ماكولا 1/ 153. (¬9) من (د، م).

اختلط حجبه (¬1) ابنه وَهْب توفي سنة 170 (¬2). (قال: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبَانَ) بالصرف وعدَمه، وعدَم الصَرف أفصَح، وهو (ابْنِ صَالِحٍ)، وثقه (¬3) ابن معين وغيره (¬4)، ولم يعرفه ابن حزم فقال: مجهُول (¬5) وذهل (¬6) ابن عبد البر فقال: ضعيف (¬7). (عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللِّه - رضي الله عنهما - قال: نَهَى رسول اللِّه - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَسْتَقْبِلَ (¬8) القِبْلَةَ بِبَوْلٍ) أو غائط رواية أحمد فيها زيادة وبيان وهي: نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نستقبل القبلة بفرُوجنا إذا هرقنا الماء، ثم رأيته قبل موته بعام يستقبل القبلةَ (¬9). وزاد ابن حبان: ولا يستدبرها، ورواهُ الحَاكم، وابن خزيمة، والدَارقطني (¬10) وصَححه البخَاري فيما نقلهُ عنهُ الترمذي ¬

_ (¬1) في (س): حجته. تصحيف، والمثبت من باقي النسخ الخطية. (¬2) في الأصول الخطية: 175. خطأ، والمثبت من "تهذيب الكمال" 4/ 535، و"الكاشف" 1/ 181. (¬3) في حاشية (د) كتب أمامها: من قوله: وثقه ابن معين، إلى قوله: ضعيف، في نسخة (ص) بخط شيخ الإسلام ابن حجر. (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 10. (¬5) "المحلى" 1/ 198. (¬6) في (ص، س، ل): ذكر هذا. تحريف، والمثبت من (د، ظ، م). (¬7) "التمهيد" 1/ 312. (¬8) في (د): تُستقبل. تصحيف، والمثبت من باقي النسخ الخطية. (¬9) "مسند أحمد" 3/ 360. (¬10) "صحيح ابن خزيمة" (58) من طريق محمد بن بشار به، "صحيح ابن حبان" (1420)، و"سنن الدارقطني" 1/ 58 - 59، و"مستدرك الحاكم" 1/ 154، ثلاثتهم من طريق محمد بن إسحاق به.

وحسَّنهُ (¬1) هو والبزار، وصححهُ أيضًا ابن السكن وتوقف فيه النووي لعنعنة (¬2) ابن إسحاق، وقد صرَّحَ المصنف وأحمد وغيرهما بالتحديث (¬3). (فَرَأَيْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا). الحقُّ أنه ليس بناسخ لحديث النهي خلافًا لمن زعمهُ؛ بل هو محمول على أنه رآه في بناء ونحوه، أو يحمل على أنهُ فعَل ذلك لعُذر؛ وبهذين الاحتمالين يضعف الاحتجاج به؛ لأنها حكاية فعْل مثبت، والفعل المثبت لا عُموم لهُ بالنسبة إلى الأحوال التي يقع عليها العُموم؛ لاحتمال أن يقع على وجه واحد أو عليها جميعها، ومع الشك لا يثبت العُموم خلافًا لقومٍ (¬4)، ومثلوا ذلك بقول الراوي: صلَّى داخل الكعَبة، فلا يعُم الفرض والنفل، والمعهوُد من حاله - صلى الله عليه وسلم - قضاء الحاجة في البُنيان لمبالغته في التستر، ودعوى خُصُوص ذلك بالنبي - صلى الله عليه وسلم - لا دليل عليها إذ الخصائص لا تثبت بالاحتمال؛ لأن الأصْل عدم الاختصاص. والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "العلل الكبير" للترمذي (5)، و"سنن الترمذي" (9). (¬2) في (ص): بعنعنة. تصحيف، والمثبت من باقي النسخ الخطية. (¬3) انظر: "التلخيص الحبير" 1/ 182. (¬4) سقط من (د، ظ، م).

6 - باب كيف التكشف عند الحاجة

6 - باب كيْفَ التَّكَشُّفُ عِنْدَ الحاجةِ 14 - حَدَّثَنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إِذَا ارادَ حاجَة لا يَرْفَعُ ثَوْبَه حَتَّى يَدْنُوَ مِنَ الأَرضِ. قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ عَبْدُ السَّلامِ بْن حَرْبٍ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ (¬1). * * * • باب كيف التكشف عند الحاجة [14] (ثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ) بن شداد النسائي أبو خيثمة سَكن بغداد. (ثنا (¬2) وَكيعٌ، عَنِ) سُليمان بن مهران (الأَعْمَشِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - كانَ إِذَا أَرَادَ حَاجَةً) هكذا روايته، ولفظ الترمذي: كانَ إذا أرَادَ الحاجة (¬3). أي: قضاء الحاجَة. (لَا يَرْفَعُ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ) بفتح الواو دُوْن ألف (مِنَ الأرضِ). وهذا الأدَب مُستحب بالاتفاق ليس بواجب، وقد صرح به الشيخ أبو حامد (¬4) وابن الصَّباغ والمتولي ومَعناه: إذا أراد الجلوُس للحَاجة لا يرفع ثوبه عن عورته في حَال قيامه (¬5)؛ لأن كشف العَورة حَرام إلا ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة 2/ 48 (1145)، والبيهقي 1/ 96. ورواه وكيع والحماني فيما ذكر الترمذي في "جامعه" بإثر الحديث (14) عن الأعمش قال: قال ابن عمر. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (11). (¬2) في (ص، س، ل): قال. والمثبت من باقي النسخ الخطية. (¬3) "سنن الترمذي" (14). (¬4) "إحياء علوم الدين" 1/ 253. (¬5) انظر: "المجموع" 2/ 83.

لضرورة ولا ضرورة إلا في حال الدنو من الأرض، فإذا دنا مِنَ الأرض رفعَ ثَوبه قليلًا قليلًا، وهذا في غير البنيان أما إذا كان في البنيان فهل يجوُز كشفها قبل الدُنُو فيه وجهان بناء على عدم وجُوب الستر في الخلوة، ويُستحب أيضًا أن يسدل ثوبه قليلًا قليلًا إذا فرغ قبل انتصابه صَرح به الماوردي في "الإقناع" (¬1). (قَالَ أَبُو دَاوُدَ: عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْب) النهدي الملائي الكوفي شريك أبي نعيم في بيع (¬2) الملاء (رواهُ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) ورواه عن عبد السَلام، عن الأعمش: قتيبة هكذا رواية الترمذي (¬3)، وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لأن روايته قال الترمذي (¬4): في كلا الحديثين مُرسَل ويقالُ: لم يسمع الأعمش من أنس ولا من أحد من أصحاب النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وقد نظر إلى أنس بن مالك وقال: رأيته يُصلي فذكر عنه حكاية في الصَّلاة (¬5). وذكر أبو نُعيم الأصبهاني أن الأعمش رأى أنس بن مالك وابن أبي أوفى وسمع منهما (¬6). قال المنذري: والذي قالهُ الترمذي هو المشهور (¬7). * * * ¬

_ (¬1) "الإقناع" 1/ 25. (¬2) في (ص، ظ، م): سمع. تحريف، والمثبت من باقي النسخ الخطية. (¬3) زاد في (ص، س، ل): قال الترمذي. وهو خطأ، وستأتي على الصواب. (¬4) سقط من (ص، س، ل)، والمثبت من (د، ظ، م). (¬5) "سنن الترمذي" (14). (¬6) "حلية الأولياء" لأبي نعيم (5/ 54). (¬7) "مختصر سنن أبي داود" للمنذري 1/ 24.

7 - باب كراهية الكلام عند الحاجة

7 - باب كَرَاهيَةِ الكَلامِ عِنْدَ الحَاجَةِ 15 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنا ابن مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ هِلالِ بْنِ عِياضٍ قال: حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقول: "لَا يَخْرُجُ الرَّجُلَانِ يَضْرِبانِ الغائِطَ كاشِفَيْنِ عَنْ عَوْرَتِهِما يَتَحَدَّثانِ؛ فَإِنَّ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - يَمْقُت عَلَى ذَلِكَ". قالَ أَبُو داوُدَ: هذا لَمْ يُسْنِدْهُ إلَّا عِكْرِمَةُ بْن عَمّارٍ (¬1). * * * باب كراهية الكلام عندَ الخلاء [15] (ثَنَا عُبَيدُ اللِّه) بالتصغير (بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيسَرَةَ) الجشمي (¬2) مولاهم القواريري أبو سعيد [البَصْري توفي سنة خمس وثلاثين ومائتين من "الثقات" (¬3). (قال: ثَنَا) عبد الرحمن (بْنُ مَهْدِيٍّ) بن حسان (¬4) بن عبد الرحمن العنبري (¬5)، وقيل: الأسدي مولاهم أبو سعيد] (¬6) اللؤلؤي الحافظ، (قال: ثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ) العجلي اليمامي أبو عمار أخرج لهُ مسلم. ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجة (342)، وأحمد 3/ 36، والنسائي في "السنن الكبرى" (33)، وابن خزيمة (71). وقال الألباني في "صحيح الترغيب" (155): صحيح لغيره. (¬2) في (س): الخيثمي. تصحيف، والمثبت من باقي النسخ الخطية، وهو الصواب. (¬3) انظر: "الثقات" لابن حبان 8/ 405، و"تقريب التهذيب" (4354). (¬4) في (ص، ل): خباب. وفي (ظ، م): حبان. وكلاهما تحريف، وما أثبتناه من (د)، وهو الصواب، وانظر: "تقريب التهذيب" (4044). (¬5) في (ص): العبيدي. تصحيف، والمثبت من (د، ظ، ل، م)، وهو الصواب. (¬6) سقط من (س).

(عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كثِيرٍ) اليمامي الطائي واسم أبي كثير صَالح بن المتوكل (¬1) من أهل البَصْرة سَكنَ اليَمامة وهو مولى لِطَي. (عَنْ هِلَالِ بْنِ عِيَاضٍ) وقيل: عياض بن هلال ذكرهُ البخَاري في "الكبير" بالوجهين (¬2). (قال: حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ) سعد بن مالك الخدري - رضي الله عنه - (قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللِّه - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: لَا يَخْرُج) بكسر الجيم وأصله مجزوم بلا (¬3) النهى لكنْ كسرت الجيم لالتقاء السَّاكنين (الرَّجُلَانِ) هذا خرج مخرج الغالب وإلا فالمرأتان والمرأة (¬4) والرجُل أقبح من ذلك (يَضْرِبَانِ الغَائِطَ) أي: يمشيان إلى (¬5) الغائط لقضاء الحَاجَة. قال أهل اللغة: يقالُ: ضَربت الأرض إذا أتيت الخلاء، وضَربت في الأرض إذا سَافرت، يقال: ضَربَ الغَائط والخلاء والصحَراء إذا ذهبَ لقضاء الحاجة (¬6). (كَاشِفَينِ) قال النووي: كذا ضبطناه في كتب الحديث وهو منصوب على الحال، قال: ووقع في كثير من نُسخ "المهذب": "كاشفان" بالألف وهو صحيح أيضًا، خبر مبتدأ (¬7) محذوف، أي: وهما كاشفان، والأول ¬

_ (¬1) في (س): المتولى. تحريف، والمثبت من باقي النسخ الخطية، وانظر: "تهذيب الكمال" (6907). (¬2) "التاريخ الكبير" 7/ 21. (¬3) في (ص، س، ل): بلام. تحريف، والمثبت من (د، ظ، م). (¬4) سقط من (س). (¬5) في (ص): أي. تحريف، والمثبت من باقي النسخ الخطية. (¬6) انظر: "تاج العروس" (ضرب). (¬7) في (ص، س، ل): المبتدأ. خطأ، والمثبت من (د، ظ، م)، و "المجموع".

أصوب (¬1). (عَنْ عَوْرَتِهِمَا يَتَحَدَّثَانِ) أي: عورة كل منهما ظاهرة، وينظر كل منهما إلى عورة صَاحبه وهما يتحَدثان، فيه النَهي عن الكلام في الخلاء؛ لأن الملكين الموكلين ينعزلان عنه عند دخُوله الخلاء، فإذا تكلم أحوجهما أن يعودا إليه للكتابة فيلعنانه؛ ولهذا جاء (فَإِنَّ اللهعز وجل يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ) أي: يبغض وقيل هو ابتداء الغضَب (¬2). قال أصحابنا: ويُستثنى من ذلك مواضع الضرورة فإن رأى ضريرًا يقع في بئر أو رأى حية أو غيرها مِنَ الأفاعي، أو (¬3) الجوارح يقصد إنسانًا أو غيره من المحترمات فلا كراهة في الكلام في هذِه الموَاضِع بل يجب في أكثرها. فإن قيل لا دلالة في الحَدِيث [المذكور لما ذكر؛ لأن الذم المذكور لمن جمع كل الأوصَاف المذكورة في الحديث] (¬4) قلنا ما كان بعض مُوجبات المقت فلا شك في كراهته. والله أعلم (¬5). (قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَمْ يُسْنِدْهُ إلا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارِ) من حديث أهل المدينَة، وعكرمة احتج به مُسلم في "صحيحه" كما تقدم، وضعف بعض الحفاظ حديث عكرمة هذا عن يحيى بن أبي كثير، وقد استشهد به البخاري عن ابن أبي كثير. ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع" 2/ 88. (¬2) كذا في الأصول الخطية، وفي كتب اللغة والشروح: قيل: هو أشد البغض. (¬3) في (ظ، م): أو. (¬4) سقط من (س). (¬5) انظر: "المجموع" 2/ 88.

8 - باب أيرد السلام وهو يبول

8 - باب أَيَرُدُّ السَّلامَ وَهُوَ يَبُولُ 16 - حَدَّثَنا عُثْمانُ وَأَبُو بَكْرٍ ابنا أَبِي شَيْبَةَ قالا: حَدَّثَنا عُمَر بْن سَعْدٍ، عَنْ سُفْيانَ، عَنِ الضَّحّاكِ بْنِ عُثْمانَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَبُولُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ. قالَ أَبُو داوُدَ: وَرُوِيَ عَنِ ابن عُمَرَ وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَيَمَّمَ ثُمَّ رَدَّ عَلَى الرَّجُلِ السَّلامَ (¬1). 17 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنِ الحسَنِ، عَنْ حُضَيْنِ بْنِ المُنْذِرِ أَبِي ساسانَ، عَنِ المُهاجِرِ بْنِ قُنْفذٍ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى تَوَضَّأَ، ثمَّ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَقالَ: "إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ الله عز وجل إلَّا عَلَى طُهْرٍ" أَوْ قالَ: "عَلَى طَهارَةٍ" (¬2). * * * باب أَيَرُدُّ السَّلاَمَ وَهُوَ يَبُولُ [16] (ثَنَا عُثْمَانُ وَأَبُو بَكْرٍ ابنا أَبِي شَيبَةَ) أبوهما (¬3) محمد بن أبي شيبة إبراهيم العَبسي مولاهم الكوفيان (قَالاَ: ثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ) أبو داود الحفري (¬4) الكوفي، وثقه ابن معين، وأثنى عليه أبو داود وغيره (¬5)، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (370)، وسيأتي في "السنن" (331). (¬2) رواه النسائي 1/ 37، وابن ماجه (350)، وأحمد 4/ 345، 5/ 80، وابن خزيمة (206)، وابن حبان (803). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (13). (¬3) في الأصول الخطية: جدهما. تحريف. (¬4) في (ص، ل): الحصري. وفي (د، س، ظ، م): الحضري. وكلاهما تصحيف، والمثبت من "الإكمال" لابن ماكولا 2/ 244، ومصادر الترجمة. (¬5) "تاريخ الثقات" لابن معين، برواية الدارمي (97)، وانظر: "تهذيب الكمال" 21/ 362.

(عَنْ سفْيَانَ) الثوري. (عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ) بن عبد الله [ابن خالد] (¬1) ابن حزام القرشي الحزامي المدني ابن أخي حكيم أخرج له مُسْلم. (عَنْ نَافِعٍ) مولى ابن عُمر (عَنِ ابن عُمَرَ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ) يشبه أن يكون النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - كان يَبُول إلى ساتر كما هي عادته فسَلمَ عليه المُسلم وبينهما السترة. (فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ) زادَ الترمذي (¬2): السَّلام (¬3)؛ لأنه لا يستحق جوابًا؛ لأنه يكرهُ السَّلام على المشتغل بالبَول والغَائط؛ لأن الكَلام يكره في حَال البَول، فكيف يرد السَلام الذي هو اسم من أسماءِ الله تعالى! لكن إذَا فرغ هل يرد السَّلام؟ يحتمل أن يقال إن كان على قرب ردَّ عليه وإلَّا فلا. (قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرُوِيَ عَنِ ابن عُمَرَ وَغَيرِهِ أَنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - تَيَمَّمَ) رواية مسلم: فلم يرد عليه حتى أقبل على الجدار فمسَحَ وجهه ويديه، ثُمَّ رَدَّ عليه (¬4). واستدل به البخاري على جواز التيمم في الحَضَر لمن خَاف فوت الوقت (¬5)، وفيه حجة لأحد القولين عن مالك: إن منْ خرج إلى جَنَازة متوضئا (¬6) فانتقض وضوءه أنه يتيمم (¬7). ¬

_ (¬1) من (ظ، م)، وانظر: "تهذيب الكمال" (2922). (¬2) في (د، ظ، م): النسائي. وهذه الزيادة عند النسائي في "سننه" 1/ 35 - 36. (¬3) "سنن الترمذي" (2720). (¬4) "صحيح مسلم" (369) (114). (¬5) "صحيح البخاري" (337). (¬6) في (ص، س): فتوضأ. تحريف، والمثبت من باقي النسخ الخطية. (¬7) انظر: "الكافي"1/ 180، "الذخيرة" 1/ 357.

(ثم ردَّ عَلَى الرَّجُلِ السَّلاَمَ)؛ لأن التيمم [فصل قصير] (¬1) بخلاف الوضوء والغسل. [17] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى) بن عبيد الزَّمِن (¬2) الحافظ، ولد هو وبندار سنة مَات حماد بن سَلمة ومات سنة 252 (¬3) وفيها مَاتَ بندَار قبله (¬4)، (ثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى) بن عبد الأعلى السامي (¬5). (ثَنَا سَعِيدٌ) [بن أبي عروبة العدوي] (¬6). (عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الحَسَنِ) بن أبي الحسَن يسار (¬7) البصري، (عَنْ حُضَينِ) بضم الحَاء المهملة، وفتح الضَاد المُعجمة، وسُكون المثناة ¬

_ (¬1) في (ظ، م): فعل يسير. (¬2) في (ص، ل): عبيد الزهو. وفي (د): عبد المؤمن. وفي (ظ): عبد الزمن. وكلهم تحريف، والمثبت من (س، م)، و"تهذيب الكمال" (5579). (¬3) في (د، ظ، م): 292. تحريف، والمثبت من (ص، س، ل) ومصادر الترجمة. (¬4) انظر: "الهداية والإرشاد" لأبي نصر الكلاباذي (1107)، و"تهذيب الكمال" 26/ 364 - 365. (¬5) في (ص، د، س، ط، م): الشامي. تصحيف، والمثبت من (ل)، و"الإكمال" لابن ماكولا 4/ 557. (¬6) في الأصول الخطية: بن إياس الجريري. وهو خطأ، وما أثبتناه هو ما ذكره العيني في شرحه لـ "سنن أبي داود" 1/ 73، وقد صرح باسمه في روايته للحديث من طريقه: ابن ماجه (350)، والسراج في "مسنده" (20)، والطبراني في "معجمه الكبير" 20/ 329، وهو سعيد بن أبي عروبة مهران العدوي أبو النضر البصري، روى عن قتادة بن دعامة، وروي عنه عبد الأعلي بن عبد الأعلى، كما في ترجمته في "الهداية والإرشاد" للكلاباذي (405)، و"تهذيب الكمال" 11/ 5 - 7. (¬7) في (ص): بشار. وفي (س): سيار. وكلاهما تصحيف، والمثبت من (د، ظ، ل، م)، و"الإكمال" لابن ماكولا 1/ 314، و"تهذيب الكمال" (1216).

تحت وآخره نون (بْنِ المُنْذِرِ) كنيته أبو سَاسَانَ، والمنذر بن الحَارث ابن وعلة الرقاشي (¬1) مَاتَ سنة 97 (¬2) روى له مسلم (¬3). (عَنِ المُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ) التيمي (¬4) من الطلقاء له هذا الحَديث فقط (أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ) فيه أنهُ يكره لمن يبول أن يرد السَّلام على [من سلم] (¬5) أو يحمد الله إذَا عطس أو يقول مثل ما يقول المؤذن أو يسبح (¬6) أو يأتي بشيء من الأذكار، قال في "شرح المهذب": هذِه الكراهة هي ترك الأولى لا كراهة تنزيه. قال ابن المنذر: ترك الرد أحب إليَّ ولا أؤثم من رد (¬7). (حَتَّى تَوَضَّأَ)، فيه الوضوء عقب الخُروج من الخلاء كما هو المعروف من عادته، زاد النسائي: فلما توضَّأ ردَّ عليه (¬8) يعني: السَّلام؛ فيؤخذ منه أن من سلم عليه فلم يرد عليه لمانع كجماع أو ¬

_ (¬1) في الأصول الخطية: السدوسي. تحريف، والمثبت من "تهذيب الكمال" (1382)، و"الكاشف" (1149). (¬2) في الأصول الخطية: 99. تحريف، والمثبت من "تهذيب الكمال" 6/ 560، و"الكاشف" (1149). (¬3) جاءت هذه الجملة في (ص، س، ل) بعد: وعلة، والصواب ما أثبتناه من (د، ظ، م). (¬4) في (ص، س، ل، م): التميمي. تحريف، والمثبت من (د، ظ)، و"أسد الغابة" (5131)، و"تهذيب الكمال" (6215)، و"الكاشف" (5752). (¬5) في (ص، ل): مسلم. وسقط من (س)، والمثبت من (د، ظ، م). (¬6) في (ص): يسلم. تحريف، والمثبت من باقي النسخ الخطية. (¬7) "المجموع" 2/ 89. (¬8) "سنن النسائي" 1/ 37.

صلاة ونحوها، فإذا زال المانع يرد (ثُمَّ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ) وبيَّن العذر وكيفيَّته (فَقَالَ: إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ الله تعالى إلا عَلَى طُهْرٍ. أَوْ قَالَ: عَلَى طَهَارَةٍ). فيه دليل على استحباب الاعتذار عن (¬1) وعند عدم رد السَّلام، كما اعتذر عن رده الهدية حين كان محرمًا، وكانت الهدية لحم صيد لا يحل له أكله، وكذا يعتذر من كانَ قاضيًا أو حاكمًا وأهديت إليه هدية أو له عذر غير (¬2) ذلك ليطيّب خاطر من يعتذر إليه، وكذا من قدم عليه وكان يستحق القيام إليه فلم يقدر على القيام لوجَع ونحوه؛ فيعتذر إليه عن القيام وما في معناهُ، وفيه الحث على تألف القلوب، ودفع ما يؤدي إلى الحقد وتغير القُلُوب، وفيه كراهة ذكر الله تعالى على غير طهَارة كاملة وفي التسبيح والحمد والتكبير وقراءة القرآن، وإن كان جائزًا كما سيأتي. ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): عند. (¬2) في (ص، ل): عند.

9 - باب في الرجل يذكر الله تعالى على غير طهر

9 - باب فِي الرَّجُلِ يذْكُرُ الله تَعالَى عَلَى غَيْرِ طُهْرٍ 18 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنا ابن أَبِي زائِدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خالِدِ بْنِ سَلَمَةَ -يَعْنِي الفَأْفاءَ- عَنِ البَهِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَذْكرُ اللهَ عز وجل عَلَى كُلِّ أَحْيانِهِ (¬1). * * * باب فيِ الرَّجُلِ يَذْكُرُ الله تَعَالَى عَلَى غَيْرِ طُهْرٍ [18] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاَءِ) بن كريب الهمداني أبو غريب الكوفي، (قال: ثَنَا) يحيى بْنُ [زكريا (بن] (¬2) أَبِي زَائِدَةَ) الوادعي أبو سعيد الحافظ، قال ابن المديني: لم يكن بالكوفة بعد الثوري أثبت منه، [انتهى إليه العلم بعد الثوري] (¬3) وهو ممن جمع له الفقه والحديث (¬4). (عَنْ أَبِيهِ) زكريا بن أبي زائدة الهمداني الوادعي. (عَنْ خَالِدِ بْنِ سَلَمَةَ) بن العاص المخزومي (الفأفاء) بهمزتين بعد الفائين قتلتهُ المسودة (¬5) سنة 132 روى لهُ مُسلم والأربعة (¬6) (عَنِ البَهِيِّ) بفتح الباء (¬7) الموحدة وكسر الهاء، وتشديد الياء، وهو لقب له، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (373). وعلقه البخاري قبل الحديث (305) فقال: وكان النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬2) سقط من (س، ل)، وفي (ظ، م): ابن أبي زائدة زكريا. والصواب ما أثبتناه من (ص، د)، و "الكاشف" (6272)، و"تهذيب الكمال" (6826). (¬3) سقط من (ص، س، ل)، وما أثبتناه من (د، ظ، م)، و"الكاشف" (6272). (¬4) انظر: "الكاشف" (6272)، و"تهذيب الكمال" 31/ 309. (¬5) في الأصول الخطية: السموم. وما أثبتناه من مصادر الترجمة. (¬6) انظر: "الكاشف" (1336)، و"تهذيب الكمال" 8/ 83 - 87. (¬7) سقط من (ص، س، ل)، والمثبت من (د، ظ، م).

واسمه عبد الله بن يسار قالهُ يحيى بن معين وأبو على الغساني وغيرهما قالا: وهو معْدُود في الطبقة الأولى من الكوفيين وهو مولى مصعب بن الزبير (¬1). [(عَنْ عُرْوَةَ) بن الزبير] (¬2)، (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَذْكُرُ الله تعالى عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ) هذا الحديث أصل (¬3) في جواز ذكر الله تعالى بالتسبيح والتهليل والتكبير وشبههما من الأذكار، وهذا جائز بإجماع المُسلمين، وإنما اختلف العلماء في جواز قراءة القرآن للجُنب والحائض، فالجمهور على تحريم القراءة عليهما، ولا فرق عندنا بين آية وبعض آية فإن الجميع يحرم، ولو قال الجنب: باسم الله (¬4) أو الحمد لله ونحو ذلك إن قصد به القرآن (¬5) حرم عليه، وإن قصد به الذكر أو لم يقصد شيئًا لم يحرم، ويكرهُ الذكر في حال قضاء الحاجة كما تقدم عن الجمهور، وعلى هذا فيكونُ هذا الحديث مخصوصًا بما سوى هذِه الأحوال، والمقصود أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يذكر الله مُتطهرًا ومحدثًا وجنبًا وقائمًا (¬6) وقاعدًا ومضجعًا وماشيًا (¬7). ¬

_ (¬1) "ألقاب الصحابة والتابعين في المسندين الصحيحين" لأبي علي الغساني (ص 46). (¬2) سقط من (س). (¬3) سقط من (ص، س، ل)، والمثبت من (د، ظ، م). (¬4) سقط من (ص، س، ل)، والمثبت من (د، ظ، م). (¬5) في (ص، س، ل): القراءة. تحريف، والمثبت من (د، ظ، م). (¬6) في (د، ظ، م): ويكون قائمًا. (¬7) انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي 4/ 68.

10 - باب الخاتم يكون فيه ذكر الله يدخل به الخلاء

10 - باب الخاتَمِ يكُونُ فِيهِ ذِكْرُ الله يدْخُلُ بِه الخَلاءَ 19 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْن عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الحَنَفِيِّ، عَنْ هَمّامٍ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ قالَ: كانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذا دَخَلَ الخلاءَ وَضَعَ خاتَمَهُ (¬1). قالَ أبو داوُدَ: هذا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وِانَّما يُعْرَفُ عَنِ ابن جُرَيْجٍ، عَنْ زِيادِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - اتَّخَذَ خاتَمًا مِنْ وَرِقٍ ثُمَّ أَلْقاهُ. والوَهَمُ فِيهِ مِنْ هَمّامٍ، وَلَمْ يَرْوِه إلَّا هَمّام. * * * باب الخَاتَمِ يَكُونُ (¬2) فِيهِ ذِكْرُ اللهِ يَدْخُلُ بِهِ الخَلاَءَ [19] (ثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ) الجهضمي، (عَنْ أَبِي عَلِيُّ) عبيد الله بالتصغير ابن عبد المجيد بن عُبيد الله (الْحَنَفِيِّ)، من بني حنيفة البصري من أنفسهم قتل جده يوم القادسية. (عَنْ هَمَّامِ، عَنِ) عبد الملك (بن جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ) أي: أرادَ أن يدخُل (الخلاء) كما في قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} (¬3) (وضع) لفظ رواية الحَاكم: "أن رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - لبس خاتمًا نقشه: محمد رسول الله (¬4)، وكان إذا دَخَل الخَلاء نزع (خاتمه) ورواية الحاكم وابن حبان من حديث الزهري عن أنس به، وإنما ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1746)، والنسائي 8/ 178، وابن ماجه (303)، وابن حبان (1413)، والحاكم 1/ 187. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (4). (¬2) سقط من (د، ظ، م). (¬3) المائدة: 6. (¬4) "المستدرك" 1/ 187.

نزع الخاتم؛ لأنه كان مكتوب عليه: محمد رسُول الله كما هو في رواية الحاكم والبيهقي (¬1) أيضًا. قال شيخنا ابن حجر: ووهم المنذري والنووي في كلامهما على "المهذب" فقالا: هذا من كلام أبي إسحاق، لا في الحديث. ثم قال: قيل: كانت الأسطر من أسفَل إلى فَوق، ليكون اسم الله أعلى، وقيل: كان النقش معكوسًا لتقرأ مُستقيمًا إذا ختم به، قال: وكذا الأمرين لم يرد في خبر صحيح (¬2). وقد استدل به على أن من دخل الخلاء لا يحمل ذكر الله، ويُعظم اسم الله عن مكان القاذورات في معنى الخاتم الدينار والدرهم والوَرِق الذي فيه اسم الله تعالى، وألحق الغزالي في "الوسيط" (¬3) و"الإحياء" (¬4) بذكر الله (¬5) ذكر رسُوله - صلى الله عليه وسلم - وقال إمامه: لا يستصحب شيئًا عليه اسم (¬6) معظمٌ (¬7). ولم يتعرض الجمهُور لغَير ذكر الله تعالى (¬8). (قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هذا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ)، وقال النسائي: هذا حديث غير محفوظ (¬9). وذكر الدارقطني الاختلاف فيه، وأشار إلى شذوذه (¬10) ¬

_ (¬1) "السنن الكبرى" للبيهقي 1/ 95. (¬2) "التلخيص الحبير" 1/ 191. (¬3) "الوسيط" 1/ 298. (¬4) "إحياء علوم الدين" 1/ 254. (¬5) زاد في (ص، س، ل): و. (¬6) زاد في (ص، س، ل) لفظ الجلالة: الله. (¬7) "نهاية المطلب في دراية المذهب" للجويني 1/ 103. (¬8) انظر: "المجموع" للنووي 2/ 74. (¬9) "السنن الكبرى" للنسائي (9470). (¬10) "علل الدارقطني" 12/ 175 - 178.

وصحَّحه الترمذي (¬1). وقال النووي: هذا مردود عليه، قاله في "الخلاصَة" (¬2). قال المنذري: الصَوَاب عندي تصحيحه, فإن رواته ثقات أثبات. وتبعه أبو الفتح القشيري في آخر "الاقتراح" (¬3). (وإنما يُعرف) هذا الحَديث (عن ابن جريج، عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ) خراساني نزل مكة، ثم اليمن ثقةٌ ثبت في الزهريين (¬4). (عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ) أي: فضة (¬5)، وفي الصحيحين: من رواية [نافع، عن ابن عمر، (¬6): اتخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاتما من ورق وكان في يده، ثم كان في يد أبي بكر، ثم كان في يد عُمرَ، ثم كانَ في يد عُثمان حَتى وقعَ منهُ في بئر أريس، نقشه: مُحمد رسُول الله. وفي رواية: (ثم) طرحهُ، أي: (ألقاهُ) (¬7) فألقى الناس خواتيمهم. قال النووي: والمعروف من روايات أنس من غير طريق ابن شهاب اتخاذه خَاتم فضة، ولم يَطرحه، وإنما طرحَ خاتم الذهب كما ذكرهُ مُسلم (¬8). ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي " (1746). (¬2) "خلاصة الأحكام" 1/ 151. (¬3) "الاقتراح" لابن دقيق العيد (ص 92)، وانظر: "التلخيص الحبير" 17/ 190. (¬4) في (ص): الزهديين. تصحيف، وفي "الكاشف" للذهبي 1/ 331: الزهري. والمثبت من (د، س، ظ، ل، م). (¬5) سقط من (ص، س، ل)، والمثبت من (د، ظ، م). (¬6) في الأصول الخطية: الزهري عن أنس. وهو خطأ من المصنف، وهذا الحديث إنما رواه البخاري (5873)، ومسلم (2091) (54) من طريق نافع، عن ابن عمر. (¬7) مسلم (2093) (60). (¬8) "شرح النووي على مسلم" 14/ 70.

(والوهم فيه من هَمام) قال المنذري: وهمام هذا هو أبو عبد الله همام بن يحيى بن دينار الأزدي العوذي مولاهم البَصْري، وإن كان قد تكلمَ فيه بعضهم، فقد اتفق البخاري ومُسلم على الاحتجاج بحديثه، وقال يزيد بن هارون: همام قوي في الحديث. وقال يحيى بن مُعين: ثقةٌ صَالح. وقال أحمد بن حنبل: ثبت في كل المشايخ (¬1). وقال ابن عدي الجرجاني (¬2): وهمام أشهر وأصدق من أن يذكر له حَديث منكر، وأحَاديثه مستقيمة عن قتادة، وهو مقدم أيضًا في يحيى بن أبي (¬3) كثير، وعامة ما يرويه مُستقيم (¬4). ثم قال: وإذا كان حَال همام هكذا فيرجح ما قاله الترمذي، وتفرده به لا يُوهن الحديث، وإنما يكونُ غريبًا كما قال الترمذي. هذا آخر كلام المنذري (¬5). قال ابن حجر: وقد رواهُ مع همام مع ذلك مرفوعًا: يحيى بن الضريس البجلي ويحيى بن المتوكل، وقد رواهُ عمرو بن عَاصم وهو من الثقات عن همام موقوفًا على أنس، وأخرج له البيهقي شاهدًا (¬6)، والله أعلم. ¬

_ (¬1) انظر: "الجرح والتعديل" 9/ 107 - 108، و"تهذيب الكمال" 30/ 302 - 306. (¬2) في (ص، ل): الحرحل. تحريف، والمثبت من (د، س، ظ، م)، و"مختصر سنن أبي داود". (¬3) سقط من (ظ، م). (¬4) "الكامل" لابن عدي 8/ 447. (¬5) "مختصر سنن أبي داود" 1/ 26. (¬6) "التلخيص الحبير" 1/ 190 - 191.

11 - باب الاستبراء من البول

11 - باب الاسْتِبْراءِ مِنَ البَوْلِ 20 - حَدَّثَنا زُهَير بْن حَرْب وَهَنّادُ بْنُ السَّرِيِّ قالا: حَدَّثَنا وَكِيعٌ، حَدَّثَنا الأعمَشُ، قالَ: سَمِعْتُ مُجاهِدًا يُحَدِّثُ عَنْ طاوُسٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: مَرَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى قَبريْنِ فَقالَ: "إِنَّهُما يُعَذَّبانِ، وَما يُعَذَّبانِ في كَبِيرٍ، أَمّا هذا فَكانَ لا يَسْتَنْزِهُ مِنَ البَوْلِ، وَأَمّا هذا فَكانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ" ثُمَّ دَعا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ فَشَقَّهُ بِاثْنَيْنِ، ثُمَّ غَرَسَ عَلَى هذا واحِدًا، وَعَلَى هذا واحِدًا، وقالَ: "لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُما ما لَمْ يَيْبَسا". قالَ هَنّادٌ: "يَسْتَتِرُ" مَكانَ: "يَسْتَنْزِهُ" (¬1). 21 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجاهِدٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَعْناهُ، قالَ: "كانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ". وقالَ أبو مُعاوِيَةَ: "يَسْتَنْزه" (¬2). 22 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ الواحِدِ بْن زِيادٍ، حَدَّثَنا الأعْمَشُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابن حَسَنَةَ قالَ: انْطَلَقْتُ أَنا وَعَمْرُو بْنُ العاصِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَخَرَجَ وَمَعَهُ دَرَقَةٌ، ثُمَّ اسْتَتَرَ بِها، ثُمَّ بالَ، فَقُلْنا: انْظُرُوا إِلَيْهِ يَبُولُ كَما تَبُولُ الَمرْأَةُ. فَسَمِعَ ذَلِكَ فَقالَ: "أَلَمْ تَعْلَمُوا ما لَقِيَ صاحِبُ بَنِي إِسْرائِيلَ؟ كانُوا إِذا أَصابَهُمُ البَوْلُ قَطَعُوا ما أَصابَهُ البَوْلُ مِنْهُمْ، فَنَهاهُمْ، فَعُذِّبَ في قَبْرِهِ". قالَ أبو داودَ: قالَ مَنْصورٌ، عَنْ أَبِي وائِلٍ، عَنْ أَبي مُوسَى في هذا الحدِيثِ، قالَ: "جِلْدَ أَحَدِهِمْ". وقالَ عاصِمٌ، عَنْ أَبِي وائِلٍ، عَنْ أَبي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قالَ: "جَسَدَ أَحَدِهِمْ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (216)، ومسلم (292). (¬2) السابق. (¬3) رواه النسائي 1/ 26، وابن ماجه (346)، وأحمد 4/ 196، وابن حبان (3127). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (16). وما علقه أبو داود وصله مسلم (273) (74).

باب الاسْتِبْرَاءِ مِنَ البَوْلِ [20] (ثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ) (¬1) التميمي، أخرج له مُسلم والأربعة. (قَالا: حَدّثَنَا وَكِيعٌ، قال: ثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يُحَدِّثُ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: مَرَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى قَبْرَيْنِ) رواية البخاري: مَرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بحائط من حيطان المدينة -أو مكة- فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما (¬2). والحائط: البُستان، وفي "الأفراد" للدارقطني مِن حديث جابر أن الحائط كان لأم مبشر (¬3) الأنصَارية. وزاد ابن مَاجه: بقبرين جديدين (¬4). (فقال: إنهما يُعذبان) يحتمل أن يقال: أعاد الضَمِير على غير مذكور؛ لأن سياق الكلام يدل عليه، ويحتمل أن يقال: أعاده على القبرين مجازًا والمراد من فيهما (وما يعَذبَان في كبير) زادَ البخاري في "الأدب" ثم قال: "بلى" (¬5)، أي: وإنه لكبير. ¬

_ (¬1) في (س): النمري. تحريف، وهو هناد بن السري بن مصعب التميمي الدارمي أبو السري الكوفي. انظر: "الكاشف" (6088)، و"تهذيب الكمال" (6603). (¬2) "صحيح البخاري" (216). (¬3) في (ص، س، ظ، ل، م): معشر. تحريف، والمثبت من (د)، و"عمدة القاري شرح صحيح البخاري "للعيني 3/ 115. (¬4) "سنن ابن ماجه" (347). (¬5) "الأدب المفرد" (7350).

قال ابن مالك: قوله: "في كبير" شاهد على ورود "في" للتعليل (¬1) وهو مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - "عذبت امرأة في هرة" (¬2). قال: وخفي ذلك عَلى أكثر النحويين مع وروده في القرآن كقوله تعالى: {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} (¬3) وقد اختلف في قوله: "وإنه لكبير" فقال أبو عبد الملك البوني (¬4): يحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - ظن أن ذلك غير كبير فأوحي الله في الحَال أنه كبير (¬5) فاستدرك. ورواية ابن حبَّان في "صحيحه" من حَديثه: " يُعذبان عذابًا شديدًا في ذنب هَين" (¬6). قيل: معناهُ: قيلَ: ليس بكبير في مشقة الاحتراز، أي: كان لا يشق (¬7) عليهما الاحتراز من ذلك، كما جزم به البغَوي (¬8) وغَيره، ورجحهُ ابن دقيق العيد (¬9) وجماعة، وقيل: ليس بكبير بمجرَّده، وإنما صَار كبيرًا للمواظبة عليه (¬10). ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): التعليل، تصحيف، والمثبت من (د، ظ، م)، و"فتح الباري". (¬2) أخرجه البخاري (2365)، ومسلم (2242) (151). (¬3) الأنفال: 68. (¬4) في (ظ، م): النوي. تحريف، والمثبت من (ص، د، س، ل)، و"فتح الباري"، وهو أبو عبد الملك مروان بن محمد الأسدي البوني، فقيه مالكي. انظر: "الأنساب" 1/ 436. (¬5) في (ص، ل): لكبير. (¬6) "صحيح ابن حبان" (824). (¬7) في (ص): يستر. تحريف. (¬8) "شرح السنة" 1/ 371. (¬9) "إحكام الأحكام" 1/ 46. (¬10) "فتح الباري" لابن حجر 1/ 380.

(أما هذا فكان لاَ يَسْتَنْزِهُ) بنون سَاكنَة بعدها زاي مكسورة ثم هاء، وهي رواية مُسْلم (¬1) (مِنَ البَوْلِ) أي: يتباعد عنه ويجتنبهُ. في إطلاقه دليل على أن القليل مِنَ البَول ومن سائر النجاسات والكثير سواء. قال القرطبي: وهو مذهب مَالك وعامة الفقهاء، ولم يخففوا (¬2) في شيء من ذلك إلا في اليَسير من غير دم الحَيض خاصة. قال: واختلفَ أصحَابنا في مقدار اليسير، فقيل: هو قدر الدرهم البَغلي (¬3). وقيل: قدر الخنصر (¬4)، وجَعل أبو حنيفة قدر الدرهم مِن منجاسة معفو عنه قياسًا على المخرجين، ورَخَصَ الكُوفيون في مثل رؤوس الإبر مِنَ البَول (¬5). قال البخاري: لم يذكر في الحَديث سوى بوَل الناس (¬6). قال ابن بَطال (¬7): أراد كان لا يستتر من بول الناس لا بول سائر الحيَوان (¬8)، فلا يكون فيه حجة لمن حَملهُ على العُموم في بول (¬9) جَميع الحيَوان، ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (292). (¬2) في (ص): يحققوا. وفي (س): يخفوا. وكلاهما تصحيف، والمثبت من (د، ظ، ل، م). (¬3) المراد بالدرهم البغلي: هو قدر الدائرة التي تكون بباطن ذراع البغل. "مواهب الجليل في شرح مختصر خليل" 1/ 147. (¬4) في (ص، س، ل): الحيض. تصحيف، والمثبت من (د، ظ، م). (¬5) "المفهم" 1/ 552. (¬6) قبل حديث (217). (¬7) "شرح صحيح البخاري" 1/ 326. (¬8) في (ص، س، ل): الحيوانات. والمثبت من (د، ظ، م)، و"الفتح". (¬9) في (س): قول. تحريف.

وكأنه أرادَ الردَّ على الخَطابي حَيث قال: فيه دليل على نجاسَة الأبوَال (¬1) كلها (¬2). ومحَصل (¬3) الرد أن العموم في رواية "مِنَ البَول" أريد به الخصوص لقَوله (¬4) "من بوَله" و (¬5) الألف والسلام بدَل من الضَمير لكن يلتحق ببَوله بول من هو في مَعناه لعدَم الفارق. قال: وكذا غَير المأكول، وأمَّا المأكول فلا حجة في هذا الحَديث لمن قال بنجَاسَة بَوله، ولمن قال بطَهَارَته حجج أخرى، قال القرطبي: قوله: "مِنَ البَوْل" اسم مفرد لا يقتضي العموم، ولو سلّم فهو مخصُوصٌ بالأدلة المقتضية لِطَهارة بول ما يؤكل (¬6). (وأَمَّا هذا) لمْ يعْرف اسْم المقبورين ولا أحدهما قال ابن حجر: والظاهر أنَّ ذلك كان على عمد من الرواة لقصْد السَّتر عليهما وهو عمد (¬7) مُستحسن، وما حكاهُ القرطبي في "التذكرة" (¬8) وضَعَّفهُ عن بعضهم أن أحَدهما سعْد بن معَاذ فهو قول بَاطل لا ينبغي ذكره إلا مقرونًا بإبطاله (¬9) ومما يدل على بطلان ذلك أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - حَضَر دَفن سَعد بن معَاذ، كما في الحديث الصَحيح ¬

_ (¬1) في (س): الأموال. تحريف. (¬2) "معالم السنن" للخطابي المطبوع مع "مختصر سنن أبي داود" للمنذري 1/ 27. (¬3) في (ص، س): محل، وفي (ظ): يجعل. وكلاهما تحريف، والمثبت من (د، م)، و"الفتح". (¬4) في (ص، س، ل): كقوله. والمثبت من (د، ظ، م)، و"الفتح". (¬5) في (ص، د، ظ، ل، م): " أو. وفي (س): , ذ. (¬6) "المفهم" 1/ 552. (¬7) كذا في الأصول الخطية، وفي "الفتح": عمل. (¬8) "التذكرة" 1/ 154. (¬9) كذا في الأصول الخطية، وفي "الفتح": ببيانه.

وروى أحمد عن أبي أمَامَة أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لهم: "من دفنتم اليَوْم هَاهُنا؟ " (¬1) فدل على أنه لم يَحضرهما، وإنما ذكرتُ هذا لأذب (¬2) عن هذا السَّيد الذي سَماهُ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - سيدًا (¬3) وقال لأصحابه: "قومُوا إلى سَيدكمُ" (¬4). وقال: "إن حكمه وافق حكم الله". وقال: "إن عرش الرحمن اهتزَّ لموته" (¬5) إلى غير ذلكَ من مناقبه. وجَزَمَ أبو مُوسى المديني أنهما كانا كافرين، واحتج بما رَوَاهُ مِنْ حديث جابر بسند فيه ابن لهيعَة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ على قبرين من بني النجار هلكا في الجاهلية فسَمِعَهُما يُعَذبَان في البَول والنميمة. قال أبو موسى: هذا وإن كان ليس بالقوي؛ لكن معناه صَحيح؛ لأنهما لو كانا مُسلمين لما كان لشفاعته (¬6) إلى أن تيبسَ الجريدتان (¬7) معنى، لكنهُ (¬8) لما رآهما يعذبان لم يستجز للطفه (¬9) وعطفه حرمانهما من إحسانه. وقال ابن العَطار في "شرح العمدة": وجزم بأنهما كانا مُسلمين وقال: لا يجوز أن يُقال أنهما كانا كافرين؛ لأنهما لو كانا كافِرين لم ¬

_ (¬1) "المسند" 5/ 266. (¬2) في (ص، س، ل): الأدب. تحريف، والمثبت من (د، ظ، م). (¬3) من "الفتح". (¬4) رواه البخاري (3043)، ومسلم (1768) (64). (¬5) رواه البخاري (3803)، ومسلم (2466) (124). (¬6) في (ص): بشفاعته. وفي (ظ): شفاعته. والمثبت من (د، س، ل، م). (¬7) في (ص، س، ظ، ل، م): الجريدتين. خطأ، والمثبت من (د). (¬8) في (ظ، م): لكن. (¬9) في (ص): يستجد للطفه. وفي (س): بتعطفه. وفي (ل): يستجد بتعطفه. والمثبت من (د، ظ، م)، و"فتح الباري".

يدعُ لهما بتخفيف العَذَاب ولا ترجاه لهما، وَيدُل على أنهما مُسلمان رواية ابن مَاجه: مرَّ بقَبَرْين جَديدَين، فانتفي كونهما في الجَاهلية، وفي حَديث أبي أمَامة عند أحمد، أنهُ - صلى الله عليه وسلم - مرَّ بالبَقيع فقال: "منْ دفنتم اليَوم هَاهُنا؟ " (¬1) فهذا يدُل على أنهما كانا مُسلمين؛ لأن البقيع مقبرة المُسلمين والخِطاب للمسلمين (¬2). (فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ) وهي نقل كلام الناس علي وجه الإفسَاد، فأما نقل ما فيه مَصْلَحة أو إزالة مفسَدة فهو مَطلوب (ثُمَّ دَعَا بِعَسِيبٍ) بفتح العَيْن وكسر السين المهملتَين وهي الجَريدة التي جُرد عنها خُوصها، فإن كانَ فهي السَّعَفة (رَطْبٍ فَشَقَّهُ بِاثْنَتيْنِ) أي: أتى به فشقه، وفي حديث أحمد والطبراني أن الذي أتى به هو أبو بَكرَة (¬3)، وقوله: "باثنتين" هو في موضع الحَال، والباء زائدة للتوكيد (¬4) والتقدير فشَقَّهُ مُنفردين، وسيأتي بيانه (ثُمَّ غَرَسَ) في رواية البخَاري: فوَضَع (¬5) وهو أعَم عَلَى هذا وَاحِدًا وَعَلَى هذا وَاحِدًا وروى ابن حبان في "صَحيحه" من حَديث أبي هريرة أنه - صلى الله عليه وسلم - مرَّ بقبْر فوَقفَ علَيه فقال: "ائتوني بجَريدة"، فجعل إحداهما عند رأسه والأخرى عند رجليه (¬6)، ويَحَتمل أن [تكون ¬

_ (¬1) "المسند" 5/ 266. (¬2) انظر: "فتح الباري" 1/ 383 - 384. (¬3) في (ظ، م): بكر. تحريف، والحديث رواه أحمد 5/ 35، والطبراني في "المعجم "الأوسط" (3747) من حديث أبي بكرة. (¬4) من (ل) وسقطت من باقي النسخ، وهو ما قاله النووي في "شرح مسلم" 3/ 201. (¬5) "صحيح البخاري" (216). (¬6) لم أقف عليه بهذا اللفظ عند ابن حبان، ورواه أحمد 2/ 441 من طريق أبي حازم =

هذِه] (¬1) قضية غير قضية الحَدِيث (¬2). (وَقَالَ: لَعَلَّهُ) قال ابن مالك: يجوُز أن يكون الهاء ضمير الشأن (يُخَفَّفُ عَنْهُمَا) أي: عن المقبورين عذابهُما (مَا لَمْ تيبسا) (¬3) أكثر الرواة بالمثناة فوق؛ أي: الثنتين وفي رواية للبخاري: "إلا أن تيبسا" (¬4) بحَرف الاستثناء، وفي رواية: "إلى أن يَيبسَا" بإلى التي للغاية والياء التحتانية أي: العُودَان. قال المازري (¬5): يحتمل أن يكون أوحي إليه أن العَذاب يُخفف عَنهُما هذِه المدة. انتهى. وعلى هذا فلعَل هنا لتعليل الغرس (¬6) قال: ولا يظهر له وجه غَير هذا، وتعقبه القرطبي بأنه لو حَصَل الوَحْي لما أتى بحَرف الترجي. كذا قال ولا يدُل عليه ذلك إذا حملنا (لعَل) أن مَعناها التعليل. قال القرطبي: وقيل (¬7): إنه شفعَ لهما هذِه المدة كما صرحَ به في حَديث جَابر؛ لأن الظاهر أن القصة واحدة (¬8). ¬

_ = عن أبي هريرة بهذا اللفظ. ورواية ابن حبان (824) من طريق عبد الله بن الحارث عن أبي هريرة بلفظ: فدعا بجريدتين. (¬1) في (ص): يكون هذه. وفي (ل، ظ، م): يكون هذا. والمثبت من (س، ل). (¬2) انظر: "فتح الباري" 1/ 382، ولم أجده في "صحيح ابن حبان". (¬3) في (د)، و"سنن أبي داود" المطبوع: ييبسا. والمثبت من باقي (النسخ الخطية). (¬4) في (ظ)، (م): يببا. تصحيف، والمثبت من باقي النسخ الخطية، و"فتح الباري". (¬5) في (ظ، م): الماوردي. تحريف، والمثبت من باقي النسخ الخطية، و"فتح الباري". (¬6) في (ص، س): المعذبين. وفي (د، ل): المغرس. والمثبت من (ظ، م). (¬7) في (ص، ل): وقول والمثبت من باقي النسخ الخطية، و"فتح الباري". (¬8) "المفهم" 1/ 553.

قال الطرطوشي (¬1): تخفيف العَذاب ما دامتَا رَطبتَين كانَ خَاصَّا ببركة يده - صلى الله عليه وسلم -. لكن ليس في السيَاق ما يقطع بأنه باشر القطع بيَده الكريمة، بل يحتمل أن يكون أمرَ به، وقد تأسى بريدة بن الحصيب (¬2) الصَّحابي بذَلك، فأوصَى أن توضَع على قَبره جَريدتان وهو أولى أن تتبع (¬3) وصيته من غيره (¬4). (قَالَ هَنَّادٌ) بن السِّرى في روايته: (يَسْتَتِرُ) (¬5) بمثناتين من فوق الأولى مفتوحة، والثانية مكسُورة وهذِه أكثر روايات البخاري (¬6) وغَيره، وفي رواية: "يَستبرئ" (¬7) بمُوَحَّدة سَاكنة من الاستبراء، فعلى رواية الأكثر معنى الاستتار أنهُ لا يجعَل بينَهُ وبيْنَ بَوله سُترة، يعني: لا يتحفظ منهُ، فيُوافق رواية: "لا يستنزه" الأولى؛ لأنها مِنَ التنزه وهو الإبعَاد. قال ابن دقيق العيد: لو حُمل الاستتار على حَقيقته للزم أن مجرَد كشف العَورة كانَ سَبَب العذاب، وسياق الحَديث يدُل على أن البول ¬

_ (¬1) في (ص): الطرسوسي. وفي (س، ظ، م): الطرطوسي. وكلاهما تصحيف، والمثبت من (ل)، و (فتح الباري). (¬2) في (ص، س): يتبع. تصحيف، والمثبت من باقي النسخ الخطية. (¬3) انظر: "فتح الباري" 1/ 382 - 383. (¬4) رواه البخاري (218، 6052)، ومسلم (292) (111)، والترمذي (70)، والنسائي 1/ 28، وابن ماجه (347)، وأحمد 1/ 225، كلهم من طريق وكيع. (¬5) "صحيح البخاري" (216، 218، 1361، 1378، 6052، 6055). (¬6) "سنن النسائي" 4/ 106، وقال ابن حجر في "فتح الباري" 1/ 380: هذا اللفظ في رواية ابن عساكر. (¬7) "إحكام الأحكام" لابن دقيق العيد 1/ 47.

بالنسبَة إلى عَذاب القَبر خصوصية (¬1). يشير إلى ما صَحَّحه ابن خزَيمة مِن حَديث أبي هُريرة مرفوعًا: "أكثر عذاب القبر من البَول" (¬2) أي: بسبب (¬3) ترك التحرز منه. قال: ويؤيده أنَّ لفظة (من) في هذا الحديث لما أضيفت إلى البَول اقتضى نسبة الاستتار الذي عَدَمه (¬4) سَبَب العَذاب إلى البَول، بمعنى أن ابتداء سَبَب العَذاب منَ البَول، فلو حمل على مجرد كشف العَورة زال هذا المعنى، فتعين الحَمل على المجَاز لتجتمع ألفاظ الحَدِيث على معنى واحد؛ لأن مخرجه واحِد، ويُؤيده أن في حديث أبي بكرة عند أحمد (¬5) وابن ماجه (¬6): " أما أحدهما: فيَعذب في البَول" ومثله للطبرَاني عن أنس (¬7). (وقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ) محمد بن خازم بالخاء والزاي المُعجمتَين، الضَرير، عن الأعمش، عن مجاهد (يَسْتَنْزِهُ) بسُكون النون وكسر الزاي بعدها، كما تقدم، وهو من التنزه وهو الإبعَاد، وقد وقع عند أبي نعيم في "المستَخرج" من طريق وكيع عن الأعمش: "كان لا يتوقى". وهي ¬

_ (¬1) في (ص، ل): خصوصة. والمثبت من "فتح الباري". (¬2) لم نقف عليه في المطبوع من "صحيح ابن خزيمة"، ورواه ابن ماجه (348)، وأحمد 2/ 326، 388، 389، والدارقطني 1/ 233، والحاكم في "مستدركه" 1/ 293، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. (¬3) في (ص، ل): يستر. وفي (س): يشير. وكلاهما تحريف، والمثبت من (د، ظ، م)، و"فتح الباري". (¬4) في (ظ، م): عامة. تحريف، والمثبت من باقي النسخ الخطية، و"فتح الباري". (¬5) "المسند" 5/ 35 بلفظ: "وما يعذبان إلا في البول". (¬6) "سنن ابن ماجه" (349). (¬7) "المعجم الأوسط" 7/ 344 (7680)، انظر: "فتح الباري" 1/ 380 - 381.

مبينة للمراد، وأما رواية الاستبراء فهي أبلغ في التوقى (¬1). [21] (ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ)، قال: (ثَنَا جَرِيرٌ) بفتح الجيم ابن عبد الحميد بن جرير الضَّبي الرازي (¬2) أخرج لهُ مُسْلم. (عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابن عَباسٍ - رضي الله عنهما - عنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَعْنَاهُ) المتقدم، و (قَالَ) فيه: (كَانَ لاَ يَسْتَتِرُ) بمثناتين من فَوق كما تقدم (مِنْ بَوْلِهِ). وتعقب الإسماعيلي رواية الاستتار ويحصل جَوابه مما (¬3) تقدم. [22] (ثَنَا مُسَدَّدٌ) قال: (ثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ) العَبدي مولاهم البصري مات سنة 176، قال: (ثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ) الجهني هَاجَر ففاته (¬4) اللقاء مات 96، وقيل: بعد الجماجم، (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابن حَسَنَةَ) أخو (¬5) شرحبيل ابن حسنة، وحَسَنة أمهمَا مولاة [لمعمر] (¬6) بن حبيب بن حذافة، قَالَ ابن عبد البر: اختلف في اسم أبيهما وفي نسبه وولايته، ولم يرو عن عبد الرحمن ابن حسنه غَير ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" 1/ 380. (¬2) في (ص، د، س، ل): الداري. تصحيف، والمثبت من (ظ، م)، و"تهذيب الكمال" (918). (¬3) في (ص، س، ل): كما. والمثبت من (د، ظ، م)، و"فتح الباري". (¬4) في (ص): فعابه. وفي (ظ، ل، م): فغاية. وكلاهما تصحيف، والمثبت من (د، س). (¬5) في (ص): أبو. تحريف، والمثبت من باقي النسخ الخطية، و"تهذيب الكمال" (3800). (¬6) في الأصول الخطية: لعمرو. تحريف، والمثبت من "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" لابن عبد البر المطبوع مع "الإصابة" 5/ 60، و"تهذيب الكمال" 12/ 426.

زيد بن وهب (¬1). (قال: انطَلَقْتُ أنَّا وَعَمْرُو بْنُ العَاصِ - رضي الله عنه - إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَخَرَجَ علينا وَمَعَهُ) رواية النسائي: وفي يده كهيئة الدرقة (¬2) بفتح الرَّاء (درَقة) الحجفة وهي الترس الصَّغير من جلد جمعها درق وأدرَاق، فيه استصحاب آلة الحَرب عند توقع القتال، فوضعها ثم جَلس إليها، وقد استحبَّ للخطيب يوم الجمعة أن يعتمد على سيف أو قوس أو عصا (ثُمَّ اسْتَتَرَ بِهَا ثُمَّ بَالَ) رواية النسائي: فوضعها ثم جَلس خَلفها (¬3) فيه: أن مِن آداب قضاء الحَاجَة أن يستتر، فإن لم يجد في الصحراء شيئًا يستتر به من كثيب أو شجرة ونحوها فليستصحب معهُ من آلات سَفَره، ما يستتر به كما استتر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالدَرقة (فَقُلْنَا) رواية النسائي: فقال بَعض القوم إذ لم يظن بعَمرو بن العَاص ولا بعَبد الرحمَن أن يقول: "انْظُرُوا إِلَيْهِ يَبُولُ كَمَا تَبُولُ المَرْأَة" يعني: إذا استترت. وحكى ابن مَاجَه: وكانَ مِنْ شأن العَرب البول قائمًا (¬4)، ألا تراهُ أنكر القعُود وشبههُ بالمرأة؟ ! (فَسَمِعَ ذَلِكَ) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يعنفه ولا عاتبهُ على ما قال (فَقَالَ: ألَمْ (¬5) تَعْلَمُوا مَا لَقِيَ صَاحِبُ) رواية النسَائي: "أو ما علمت ما أصَابَ صَاحب" (بَنِي إِسْرَائِيلَ) إسرائيل هو يعقوب بن ¬

_ (¬1) "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" المطبوع مع "الإصابة" 6/ 37. (¬2) "سنن النسائي" 1/ 26. (¬3) "سنن النسائي" 1/ 26. (¬4) "سنن ابن ماجه" (309). (¬5) زاد في (ص، س، ظ، ل، م): النسائي أو ما علمت.

إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام. قال ابن الجوزي: ليس في الأنبياء من له أسمان غيره إلا نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - (¬1). وذكر البيهقي في "دلائل النبوة" عن الخليل بن أحمد خمسة من الأنبياء ذو اسمين محمد وأحمد، وعيسى والمسيح، ويعقوب وإسرائيل، ويُونسُ وذو (¬2) النُون، وذو الكفل وإليَاس (¬3). (كَانُوا) يعني بني إسرائيل (إِذَا أَصَابَهُمُ البَوْلُ) وللنسائي: "إذا أصَابهم شيء مِنَ البَول قرضوُهُ بالمقاريض". أي: (قَطَعُوا مَا أَصَابَهُ البَوْلُ مِنْهُمْ) وهذا مما شدّد به (¬4) على بني إسرائيل من قبلنا، وهو الإصر المذكور في قوله تعالى: {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} (¬5) كانوا (¬6) إذا أصَاب ثوب أحَدهم نَجاسَة وجب عليه قطعها وكانَ الوَاجب عليهم خمسين صَلاة، وإذا أصَابوُا خطيئة حَرم عليهم مِنَ الطعَام بعض ما كان حلالًا لهم، (فَنَهَاهُمْ) صَاحبهم عن فعل ذلك وأمرهم بترك ما أوجبهُ الله تعالى عليهم، (فَعُذِّبَ في قَبْرِهِ) بسبب نهيه إياهم عَما فرضَ عليهم. (قَالَ مَنْصُورٌ) بن المعتمر (¬7) السَّلمي: من أئمة الكوفة، (عَنْ أَبِي ¬

_ (¬1) انظر: "اللباب في علوم الكتاب" لسراج الدين ابن عادل 2/ 5. (¬2) في (ص، س، ل): وذا خطأ، والمثبت من (ل، ظ، م). (¬3) "دلائل النبوة" 1/ 159. (¬4) من (د، ظ، م). (¬5) البقرة: 286. (¬6) في (ص، س، ل): كان. والمثبت من (د، ظ، م). (¬7) في (ص، س، ل، م): المعتمد. تصحيف، والمثبت من (د، ظ)، و"تهذيب الكمال" (6201).

وَائِلٍ) شقيق بن سَلمة الأسدي أسد خزيمة أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يرهُ، (عَنْ أَبِي مُوسَى) الأشعري - رضي الله عنه - (في هذا الحَدِيثِ وقَالَ) فيه: إذا أصَاب (جِلْدَ أَحَدِهِمْ) البَوْل أو نجاسة مِنَ النجاسَات. (وَقَالَ عَاصِمٌ) بن بهدلة بن أبي النجود بفتح النون أحد (¬1) القراء السَّبعَة، (عَنْ أَبِي وَائِل، عَنْ أَبِي مُوسَى) الأشعري - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إذا أصَابَ (جَسَدَ أَحَدِهِمْ) البول. ¬

_ (¬1) في (ص): آخر. تصحيف، والمثبت من باقي النسخ الخطية.

12 - باب البول قائما

12 - باب البَوْلِ قائِمًا 23 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ وَمُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ قالا: حَدَّثَنا شُعْبَةُ، ح وَحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ -وهذا لَفْظُ حَفْصٍ- عَنْ سُلَيْمانَ، عَنْ أَبِي وائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قالَ: أَتَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سُباطَةَ قَوْمٍ، فَبالَ قائِمًا، ثُمَّ دَعا بِماءٍ، فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ. قالَ أَبُو داوُدَ: قالَ مُسَدَّدٌ: قالَ: فَذَهَبْتُ أَتَباعَدُ فَدَعاني حَتَّى كُنْتُ عِنْدَ عَقِبِهِ (¬1). * * * باب البول قائمًا [23] (ثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ) [الضرير ولد أعمى، قال أبو حاتم: صدُوق يَحفظ عَامَّة حديثه (¬2) عَالم بالفرائض والشعر وأيام الناس والفقه] (¬3) توفي سنة 225. (وَمُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالاَ ثَنَا شُعْبَةُ، وَثَنَا مُسَدَّدٌ)، قال (حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ) وضاح مولى يزيد بن عَطاء اليَشْكري - (وهذا لَفْظُ حَفْصٍ) بن عمر- (عَنْ سُلَيمَانَ) بن مهران الأعمش، (عَنْ أَبِي وَائِلٍ) شقيق بن سَلمة، (عَنْ حُذَيْفَةَ) بن اليمان - رضي الله عنه - (قَالَ: أَتَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - سُبَاطَةَ) ¬

_ (¬1) رواه البخاري (224)، ومسلم (273). (¬2) "الجرح والتعديل" 3/ 183. (¬3) كذا في الأصول الخطية، وهو خطأ من المصنف، وإنما حفص بن عمر هذا هو ابن الحارث بن سخبرة أبو عمر الحوضي البصري، روى عن شعبة، وروى عنه أبو داود، قال أحمد: ثبت ثبت متقن. توفي سنة 225. انظر: "تهذيب الكمال" 7/ 26 - 28، و"عون المعبود" 1/ 44.

بضم السين المهملة بعدها باء [موَحدة هي المزبلة بفتح الباء والكناسَة تكونُ بفناء الدّور مرتفقًا لأهلها، وتكون] (¬1) في الغالب سهلة لا يرتد فيها البَول على البائل (قَوْمٍ) وأضافها إلى القوم إضافة اختصاص لا ملك؛ لأنها لا تخلوُ عن النجاسة (فَبَالَ قَائِمًا) وأشار ابن حبان إلى سَبَب بَوله (قائمًا) قال: لأنه لم يجد مكانًا يصلح للقعود، فقام لكون الطرف الذي كان يليهِ مِنَ السبَاطة كان عاليًا، فأمن أن يرتد إليهَ شيء مِن بوله (¬2). وقيل: لأن السُبَاطة رخوة تخللها البَول فلا يرتد إلى البَائل منه شيءٌ، وقيل: إنما بَال قائمًا؛ لأنها حَالة يؤُمنُ معها خروج الريح بِصَوْت، ففعل ذلك لكونه قريبًا من الدّيار ويؤيدهُ ما رواهُ عبد الرزاق، عن عُمر قال: البَوْل قائمًا أحصَن للدبُر (¬3). وروى الحاكم، والبيهقي، عن أبي هُريرة: إنما بَال - صلى الله عليه وسلم - قائمًا لجرح كان [في مأبضه] (¬4). والمأبض بهمزة سَاكنة، بعدها باء موحَّدة، ثم ضَاد مُعجمة باطن الركبة، فكأنهُ لم يتمكن لأجله من القعُود، ولو صحَّ هذا الحديث لكان (¬5) فيه غنى عن (¬6) جميع مَا تقدم، لكن ضَعفَهُ الدارقطني ¬

_ (¬1) سقط من (س). (¬2) "صحيح ابن حبان" 4/ 273. (¬3) عزاه ابن حجر في "فتح الباري" 1/ 394، والهندي في "كنز العمال" (27244) لعبد الرزاق، ولم أجده في "المصنف". (¬4) في (ص): بمأبضه، وفي (س): بما نفسه. وفي (ل): مأبضيه. والحديث رواه الحاكم في "مستدركه" 1/ 182، والبيهقي في "الكبرى" 1/ 101. (¬5) في (ص): لكاف. وبياض في (س)، والمثبت من "فتح الباري". (¬6) في (ص، س، ل): على. والمثبت من "فتح الباري".

والبيهقي (¬1)، والأظهَر أنهُ فعَل ذلك لبيَان الجَواز، وكان أكثر أحواله البول عن قعُود، وروى أبو عوانة في "صحيحه" والحاكم عن عائشة: "ما بَال - صلى الله عليه وسلم - قيامًا مُنذ أنزل عليه القرآن" (¬2). (ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ) وفي رواية لأحمد عن يحيى القطان: أتى سبَاطة قَوم فتباعَدت منهُ، فأدناني حتى صوت قريبًا من عقبيه (¬3) يعني: مِنْ خلف ظَهره ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ زاد أحمد: فتوضأ (فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ) فيه: جواز المسح (على الخفين) (¬4) في الحَضَر؛ لمَا روى الإسماعيلي وغيره من طرق كثيرة، وزاد عيسى بن يُونس عن الأعمش أن ذلك كان بالمدينة. أخرجه ابن عبد البرَ في "التمهيد" (¬5) بإسنَاد صحيح (¬6). (قَالَ مُسَدَّدٌ: قَالَ: فَذَهَبْتُ أَتَبَاعَدُ عنه فَدَعَانِي)، ورواية مُسْلم عن الأعمش: فتنحيت فقال: "ادنه" فدنوتُ (¬7) (حَتَّى كُنْتُ) "قمت" (عِنْدَ عَقِبِهِ) بكسر القاف وهو مؤخرُ القدم، والسُكون للتخفيف جائز. فيه: جواز البَول والاغتسال خَلف ظهر رجُل قائم (¬8) يسترهُ. ¬

_ (¬1) انظر: "السنن الكبرى" للبيهقي 1/ 101، و"فتح الباري" 1/ 394. (¬2) "مستخرج أبي عوانة" (504)، و"مستدرك الحاكم" 1/ 181، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. (¬3) "مسند أحمد" 5/ 402. (¬4) سقط من (ص، س، ل)، والمثبت من (د، ظ، م). (¬5) "التمهيد" 11/ 145. (¬6) انظر: "فتح الباري" 1/ 392. (¬7) "صحيح مسلم" (273) (73). (¬8) سقط من (س).

13 - باب في الرجل يبول بالليل في الإناء ثم يضعه عنده

13 - باب فِي الرَّجُلِ يَبُولُ بِاللَّيْلِ في الإِناءِ ثمَّ يَضعُهُ عِنْدَهُ 24 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، عَنْ حُكَيْمَةَ بِنْتِ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ، عَنْ أمِّها أَنَّها قالَتْ: كانَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَدَحٌ مِنْ عَيْدانٍ تَحتَ سَرِيرِهِ يَبُولُ فِيهِ بِاللَّيْلِ (¬1). * * * باب في الرجل يبول بالليل في الإناء ثم يضعه عنده [24] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى) [بن نجيح] (¬2) البغدادي الحافظ، قال أبو داود: كانَ يتفقه ويحفظ [نحوًا من] (¬3) أربعين ألف حديث، روى عنه البخاري تعليقًا (¬4). قال: (ثَنَا حَجَّاجٌ) بن محمد المصيصي (¬5)، قال أحمد: مَا كَانَ أضَبَطه وأشدّ تعهده للحروف (¬6)، قال أبو داود: بلغني أن ابن معين كتب عنهُ نحو خَمسين ألف حَديث (¬7). (عَن) عبد الملك (بْنِ جُرَيْجٍ (¬8)، عَنْ حُكَيمَةَ) بضم الحاء المُهملة مُصغر لفظ النسائي: أخبرتني حُكيمة (¬9) بِنْت أُميْمَةَ مصغر (بِنْتِ رُقَيْقَةَ، ¬

_ (¬1) رواه النسائي 1/ 31، وابن حبان (1426). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (19). (¬2) سقط من (ص، س). (¬3) في (ظ، م): نحو. (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 258 - 263. (¬5) في (س): المقتضي. تحريف، وهو حجاج بن محمد المصيصي، أبو محمد الأعور. (¬6) في (د، س، ظ، م) للحروب. تصحيف، والمثبت من (ص، ل). (¬7) انظر: "الجرح والتعديل" 3/ 166، و"تهذيب الكمال" 5/ 451 - 455. (¬8) في (س): خديج. تصحيف، والمثبت من "الإكمال" 2/ 66. (¬9) سنن النسائي" 1/ 31.

عَنْ أُمِّهَا) أميمة الصَّحابية بنت رقيقة، ورقيقة هَاشمية وأختها خَديجة بنت خُويلد (أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَدَحٌ (¬1) مِنْ عَيدَانٍ) بفتح العَين وسكون الياء المثَناة من تحت وبعد الألف نون أي: من خشب النخل. قال ابن سيِّد الناس: في "عُيون الأثر" العَيدَانة بفتح العَين هي النخلة السّحوق وأنشد: إن (¬2) الرياح إذا ما أعصفت (¬3) قصفت ... عَيدَان نَجد ولم يعبأن بالرتم بنات نعشٍ ونعشٌ لا كسوف لها ... والشمس والبَدْر منها الدهر في الرقم قال: وكان له سَرير ينَام عليه قوائمه من سَاج [بعث به] (¬4) إليه أسعد بن زرَارة، وكان النَّاس بعده يحملون عليه تبركًا به (¬5). (تَحْتَ سَرِيرِهِ) قيل: إنما اتخذ السَّرير؛ لأنهم كانوا يتخوفون على أجسامهم من النَّوم عَلى الأرض (يَبُولُ فِيهِ بِاللَّيْلِ) ويَضَعهُ تحتَ السَّرير، وفيه دليل على أن النجاسَة إذا كانت في بيت المصَلي في ناحية أُخَرى يجوُز، وكذا لو صَلى على سَرير تحته نجاسَة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬6) لا يخلوُ في الليل عَن الصَلاة، واللهُ أعلمُ. ¬

_ (¬1) في (س): حدح. تحريف. (¬2) سقط من (ص، س، ل)، والمثبت من "عيون الأثر". (¬3) في (ظ، م): عصفت. والمثبت من "عيون الأثر". (¬4) في (ص، س): يقر به. تحريف، والمثبت من "عيون الأثر". (¬5) "عيون الأثر" 2/ 388. (¬6) زاد في (ظ، م): يقول. وهي زيادة مقحمة.

14 - باب المواضع التي نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن البول فيها

14 - باب المواضِعِ التِي نهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عنِ البَوْلِ فيها 25 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ العَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "اتَّقُوا اللاَّعِنَيْنِ". قالُوا: وَما اللاعَّنانِ يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: "الَّذِي يَتَخَلَّى في طَرِيقِ النّاسِ أَوْ ظِلِّهِمْ" (¬1). 26 - حَدَّثَنا إِسْحاق بْنُ سُوَيْدٍ الرَّمْلِيُّ وَعُمَرُ بْنُ الخطَّابِ أَبُو حَفْصٍ -وَحَدِيثُهُ أَتَمُّ- أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الَحكَمِ حَدَّثَهُمْ قالَ: أَخْبَرَنا نافِعٌ بْن يَزِيدَ، حَدَّثَنِي حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، أَنَّ أَبا سَعِيدٍ الِحمْيَرِيَّ حَدَّثَهُ، عَنْ مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللْهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اتَّقُوا المَلاعِنَ الثَّلاثَةَ: البَرازَ في المَوارِدِ، وَقارِعَةِ الطَّرِيقِ، والظِّلِّ" (¬2). * * * باب المواضع التي نهي عن البول فيها [25] (ثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سعيد البلخي) (¬3) أبو رجاء، قال: (ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ) المدني. (عَنِ العَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) أبي شبل (¬4) مولى الحرقة أخرج له مُسلم والأربعة. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (269). (¬2) رواه ابن ماجه (328)، والطبراني 20/ 123، والحاكم 1/ 167، والبيهقي 1/ 97. وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (146)، قال: حسن لغيره. (¬3) سقط من (ص، س، ل)، وفي (ظ): البجلي، تصحيف، والمثبت من (د، م)، وهو قتيبة بن سعيد بن جميل الثقفي، أبو رجاء البلخي. انظر: "تهذيب الكمال" (4852). (¬4) في (ص، ل): سيد. تحريف، وبياض في (س)، والمثبت من (د، ظ، م)، وهو العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، أبو شبل المدني. انظر: "تهذيب الكمال" (4577).

(عَنْ أَبِيهِ) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني أخرج لهُ مُسلم والأربعة. (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: اتَّقُوا) أي: احذروا واجتنبوا (اللاَّعِنَيْنِ) بفتح نُون التثنية أي: الأمرين اللذين هما سببا اللعنة؛ لأن من فعلهما لعنه الناس غالبًا في العَادة، فلما صارا سببًا للَّعْن أضيف الفعْل إليهما؛ فنهي عنهما كما نهي عن سبّ الآلهة التي يعبدها الكُفار، مع أن سبها طاعة، لكن لما صَار سبّها سببًا لسبّ الله؛ نهي عن ذلك، كما قال تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} (¬1) وسمّي الفعل الذي هو سَبَب اللعنة لاعنًا؛ لأنه إذا حصلت اللعنة بسببه صار كأنهُ هو اللاعن، وقيل: اللاعن بمعنى الملعُون، كما قيل: سر كاتم أي: مَكتُوم، فيكونُ التقديرُ اتقوا الأمرين الملعُون فاعلهما (قَالُوا: وَمَا اللاَّعِنَانِ يَا رَسُولَ الله؟ ) فيه أن من سَمعَ شيئًا (¬2) أمر به ولا يفهمه أن يسأل عنه، كما قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (¬3) (قَالَ: الذِي يَتَخَلَّى) أي: يتغوَط (في طَرِيقِ النَّاسِ) أي: في الموضع الذي يمرُ به الناس. وزاد ابن منده في روايته: فقال: "في طريق الناس ومجالسهم"، ثم قال: إسناده صَحيح. فظاهر كلام الأصحاب أن ذلك مكروه كراهَة تنزيه لا تحريم، وينبغي أن يكُون محرمًا للأحَاديث الواردة فيه بالنَهْي، ولما فيه من إيذاء ¬

_ (¬1) الأنعام: 108. (¬2) في (ص): سبًا. تصحيف، والمثبت من باقي النسخ الخطية. (¬3) النحل: 43.

المُسلمين، وفي كلام الخطابي وغَيره إشارة إلى تحريمه (¬1)، لكن صَرح صَاحِب "العدة" أنهُ مِنَ الصَّغائر، نقلهُ عَنهُ في "الروضة" (¬2) تبعًا للرافعي في كتاب: الشهَادات (¬3)، وأقراهُ (أو) الذي يتخلى في (ظِلِّهِمْ) أي: ظل المُسلمين، والمراد به الظل الذي يجلسْ فيه الناس للتحدُّث، سواء كانَ ظِلّ جدار أو شجرة أو نحوهما، أما الظل الذي لا يجلس فيه الناس ولا يتحدَّثون فيجوزُ التغوط فيه إذا لم يكن تحت شجرة مُثمرة؛ لئلا تتنجس الثمرة فتفسُد أو تعافها الأنفس، والشمس إذا طلعَت في الشتاء في موضع فهو كمواضع الظل في الصَّيف. [26] (ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُوَيْدٍ) البلوي (¬4) التميمي (الرَّمْلِيُّ) روى له [أبو داود] (¬5)، (وَعُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ) السجستاني (¬6) الحَافظ نزيل الأهوَاز (أَبُو حَفْصٍ) تفرد عنهُ المُصنف (وَحَدِيثُهُ أَتَمُّ) من حديث إسحاق. (أَنَّ سَعِيدَ ابْنَ) أبي مريم بن (الْحَكَمِ) بن محمد مولى بني جمح المصْري الحَافظ. ¬

_ (¬1) "معالم السنن" للخطابي المطبوع مع "مختصر سنن أبي داود" 1/ 30. (¬2) "روضة الطالبين" للنووي 11/ 224. (¬3) "الشرح الكبير" للرافعي 13/ 8. (¬4) في الأصول الخطية: العدوي التميمي. وهو خطأ من المصنف، وإنما هو إسحاق بن إبراهيم بن سويد البلوي، روى عن سعيد بن الحكم بن أبي مريم، وروى عنه أبو داود، كما في ترجمته في "تهذيب الكمال" 2/ 365 - 366. (¬5) في الأصول الخطية: الشيخان. وهو خطأ من المصنف، والصواب ما أثبتناه كما في ترجمته في "تهذيب الكمال". (¬6) في (ص، س، ل): السختياني. تصحيف، والمثبت من "تهذيب الكمال" (4226).

(حدثهم (¬1) قَالَ: أنا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ) الكلاعي، أخرج له مُسلم، ثقة توفي سنة 168. قال: (ثنا حَيوَةُ بْنُ شُرَيْح، أَن أَبَا سَعِيدٍ الحِمْيَرِيَّ) ذكرهُ ابن عبد البر فيمن لم يُذكر له اسم سِوَى كنيته، روى له ابن مَاجَه أيضًا، وهو لَمْ يدرك مُعَاذًا، ولا يُعرف بِغَير هذا الإسناد، قالهُ ابن القطان (¬2) لكن الحديث صحَّحَهُ ابن السّكن والحَاكم (¬3) ورَواهُ أحمد لكن في سَنده ابن لهيعَة (¬4). (حدثه عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: اتقُوا المَلاَعِنَ) أي: مواضع اللعن؛ جمع ملعنة: كمجزرة (¬5) ومقبرة موضع الجزر (¬6) والقبر والملعَنة بفتح الميم والعَين موضع لعن الناس لما يُؤذيهم به (¬7) مِن التنجيس؛ لأن من رأى بَوله أو غائطه في هذِه الموَاضِع قال: لعن الله من فعل هذا (الثَّلاثة) وفي بعض الروايات: "الملاعن الثلاث". (الْبَرَازَ) بفتح البَاء، أصلهُ الفضَاء الواسع، ثم كنوا به عن قضاء الحَاجة، كما كنوّا به (¬8) عن الخلاء (في المَوَارِدِ) قال في "النهاية": الموارد المجَاري والطرق إلى الماء واحدها مورد بفتح الميم وكسر ¬

_ (¬1) في (ص): جد لهم. تحريف. (¬2) "بيان الوهم والإيهام" لابن القطان (692). (¬3) "مستدرك الحاكم" 1/ 167. (¬4) "مسند أحمد" 1/ 299. (¬5) في (ص، ل): كمجذرة، تصحيف. (¬6) في (ص، ل): الحذر. تصحيف، والمثبت من (د، س، ظ، م). (¬7) سقط من (ص، س، ل)، والمثبت من (د، ظ، م). (¬8) من (د)، وفي باقي (النسخ الخطية): بها.

الراء (¬1) وهو مفعلِ من الورود يُقال: وردت الماء أرده ورودًا (¬2). إذا بلغتهُ [ووافيته للشرب] (¬3) منه، وقد يحصُل الدخول وقد لا يحصُل، وما قرب من الماء النهي عنهُ أشد. (وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ) أعلاه سمي بذلك لأن المارين عليه يقرعونَهُ بنعالهم وأرجلهم، مِن قولهم: قرعتُ البَاب إذا نقرت (¬4) عليه. (وَالظِّلِّ) أي: مَوَاضع الظل الذي يستظله الناس ويتخذونه مقيلًا وينزلونه، قالوا: فليس كُل ظل يمنع قضاء الحاجة تحته، فقد قعد النبي - صلى الله عليه وسلم - لحاجَته تحت حائش (¬5) النخل كما ثبتَ في "صَحيح مُسلم" (¬6) وللحائش (¬7) ظل بلا شك، وهذا الأدب وهو اتقاء الملاعن الثلاث متفق عليه، وظاهر كلام الأصحاب أنه مَكرُوه كراهة تنزيه، قال النووي: وينبغي أن يكون محرمًا لهذِه الأحاديث (¬8). ¬

_ (¬1) في (د): بفتح الراء. وفي (ظ، م): بكسر الراء. والمثبت من (ص، س، ل). (¬2) "النهاية" لابن الأثير (ورد). (¬3) في (ص): ودانيته بالثرب. وفي (س، ل): ودانيته للشرب. وكلاهما تصحيف، والمثبت من (د، ظ، م). (¬4) في (ص): قعدت. وفي (ظ، م): تعدت. وكلاهما تحريف، وبياض في (س)، والمثبت من (د، ل). (¬5) في "الأصول": جالس. وفي (س): حابس. وكلاهما تصحيف، والمثبت من (د، ظ، ل، م). (¬6) "صحيح مسلم" (342) (79). (¬7) في (ص): وللجالس. وفي (س): وللحابس. والمثبت من (د، ظ، ل، م). (¬8) "المجموع" للنووي 2/ 87.

15 - باب في البول في المستحم

15 - باب في البَوْلِ في المُسْتَحَمِّ 27 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن محَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ والحَسَنُ بْن عَلِيٍّ قالا: حَدَّثَنا عبد الرَّزّاقِ، قالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنا مَعْمَرٌ، أَخْبَرَنِي أَشْعَثُ. وقالَ الحَسَنُ: عَنْ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عَبدِ اللْهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَبُولَنَّ أَحَدُكمْ فِي مُسْتَحَمِّهِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ". قالَ أَحْمَدُ: "ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فِيهِ فَإنَّ عامَّةَ الوَسْواسِ مِنْهُ" (¬1). 28 - حَدَّثَنا أَحْمَد بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا زهَيْرٌ، عَنْ داوُدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ حُمَيْدٍ الِحمْيَرِيِّ -وَهوَ ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ- قالَ: لَقِيتُ رَجُلًا صَحِبَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَما صَحبه أبو هريرة، قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يمتشط أحدنا كيوم، أو يبول في مغتسله (¬2). * * * باب في البَوْلِ في المُسْتَحَمِّ [27] (ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ) الهذلي الحلواني الحافظ نزيل مكة شَيخ الشيخين. (قَالا: ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ) بن همام أحد الأعلام، صنف المصَنفات العظيمة. (قَالَ أَحْمَدُ) قال (ثَنَا مَعْمَرٌ) قال: (أَخْبَرَنِي أَشْعَثُ) بن عبد الله ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (21)، والنسائي 1/ 34، وابن ماجه (304)، وأحمد 5/ 56، وابن حبان (1255). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (6). (¬2) رواه بأطول من هذا النسائي 1/ 130، أحمد 4/ 110، 111، 5/ 369، وسيأتي تمامه برقم (81). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (22).

[الحداني] (¬1) ثِقَة (¬2)، (وَقَالَ الحَسَنُ: عَنْ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ الحَسَنِ)، قال الترمذي: يُقال لهذا الأشعث: أشعث (¬3) الأعمَى (¬4). الحداني (¬5) أورده العقيلي في "الضعفاء" (¬6) لكن قال الذهبي في "الميزان": ليس بُمسلم له، وإنما العَجَب لكون البخاري ومُسلم لم يخرجا له ووثقهُ النسائي (¬7). (عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مُغَفَّلٍ) بالغَين المُعجمةَ - رضي الله عنه - (قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ في مُسْتَحَمِّهِ) وهو موضع الاستحمام، وهو الاغتسال بالحميم وهوالماء الحَار (¬8)، [ثم صار] (¬9) يقال لكل موضع يُغتسل فيه: مُستحم، وإن لم يَكن الماء الذي يغتسل به حَارًّا (ثُمَّ يَغْتَسِلُ). قال ابن مَالك: يجوُز جَزَمهُ عطفا على موضع يبُولن ونصبه بإضمار أن، وإعطاء ثم حكم الواو (¬10) (فِيهِ). ¬

_ (¬1) في الأصول الخطية: الخراساني. أخطأ المصنف، وإنما هو أشعث بن عبد الله بن جابر الحداني، روى عن الحسن، وروى عنه معمر، انظر: "تهذيب الكمال" 3/ 272 - 274، و"عون المعبود" 1/ 49. (¬2) انظر: "الكاشف" ص 447. (¬3) سقط من (ص، س، ل)، والمثبت من (د، ظ، م). (¬4) "سنن الترمذي" (21). (¬5) في (ظ، م): الجدالي. تصحيف، والمثبت من باقي النسخ الخطية. (¬6) "الضعفاء الكبير" (11). (¬7) "ميزان الاعتدال" 1/ 266. والبخاري روى له تعليقًا كما في ترجمته في "التهذيب". (¬8) في (س): الجاري. تحريف. (¬9) في (ص، س، ل): و. والمثبت من (د، ظ، م). (¬10) زاد في (د، ظ، م): الجمع. وهي خطأ، انظر: "فتح الباري" 1/ 413 - 414.

(قَالَ أَحْمَدُ) [ابن حنبل] (¬1) في روايته: "لا يبولن أحدكم في مستحمه" (¬2) (ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فيه) قال النسائي: كانَ يعقوب بن (¬3) إبراهيم لا يحدّث بهذا الحَديث إلا بدينار، (فَإِنَّ عَامَّةَ) بتشديد الميم (الْوَسْوَاسِ) أي: أكثر الوسوَاس يحصل (منه) أي: مِنَ البَوْل في المُستَحم؛ لأنه يَصير ذلك الموضع نجسًا فيُصيُبهُ مِنْهُ رشاش ويقع في قلبه وسوسة بأنهُ هَل أصَابهُ منه رُشاش أم لا؟ فإن كان الموضع نجسًا لسبب (¬4) آخر فيكون الاغتسال فيه منهيًّا عنهُ أيضًا. وترجمَ ابن حبان على هذا الحديث باب (¬5) ذكر الزَجر عن البَول في المغتسَل الذي لا مجرى له (¬6). وما فهمهُ أبو حَاتم صحيح؛ لأنهُ إذا كانَ له مجرى اندفع ما فيهِ من البَول بأوَّل اغتسَاله، وإلى ذلك أشار الخطابي (¬7)، وكذا قال عَبد الله بن المبَارك إن كان الماء جاريًا فلا بأس به أي: بالبول في المغتسل، فإنَّ الماء يجري به. [28] (ثَنَا أَحْمَدُ) بن عَبد الله (بْنُ يُونُسَ) أبو عبد الله اليربوعي الحَافظ، قال أحمد بن حَنبل لرجُل: اخرج إلى أحمد بن يونس فإنه شيخ الإِسلام (¬8). ¬

_ (¬1) من (د). (¬2) "مسند أحمد" 5/ 56. (¬3) في (ص، س، ل): يقول. (¬4) في (د، س، ل): بسبب. (¬5) في (ص، س، ل): بأن. تصحيف. (¬6) "صحيح ابن حبان" (1255). (¬7) "معالم السنن" للخطابي المطبوع مع "مختصر سنن أبي داود" 1/ 31. (¬8) انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 375 - 377.

قال: (ثَنَا زُهَيرٌ) بن معاوية بن حديج (¬1) الجعفي (¬2). قال النسَائي: ثقةٌ ثبت (¬3)، (عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ الله) الأودي، وثقه (¬4) أحمد (عَنْ حُمَيدٍ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحِمْيَرِيِّ أنَّه قَالَ: لَقِيتُ رَجُلًا صَحِبَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - كَمَا صَحِبَهُ أَبُو هريرَةَ) - رضي الله عنه -. (قَالَ: نَهَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَمْتَشِطَ أَحَدُنَا كل يَوْمٍ) فيه: النهي عن امتشاط الشعر كل يوم أي: شعر رأسه لا لحيته، بَل يمتشط غبًّا أي: يومًا بعَد، يومٍ لما روى المصَنف، والترمذي، والنسَائي بأسَانيد صَحيحة عن عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه - نَهى عن الترجل (¬5) إلا غبًّا (¬6). وترجيل الشعر تسريحه، وروى الترمذي في "الشمائل" بإسنَاد ضَعيف من حَديث أنَس: أن رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته (¬7). وفي "الشمائل" أيضًا بإسناد حسَن من حديث صَحَابي لم يسمّ أنه عليه الصَّلاة والسَّلام كان يترجل غبًّا (¬8). أي: يومًا بعدَ يوَم، وروى الترمذي. والنسائي من حَديث عبد الله بن مغفل النهي عن الترجل إلا ¬

_ (¬1) في (ص، س، ظ، م): خديج. تصحيف، والمثبت من (د، ل)، وانظر: "الإكمال" لابن ماكولا 2/ 398، "تهذيب الكمال" (2019). (¬2) في (ظ، م): الحنفي. تحريف، والمثبت من المصادر السابقة. (¬3) "تهذيب الكمال" 9/ 425. (¬4) انظر: "العلل ومعرفة الرجال لأحمد" رواية ابنه عبد الله (1267). (¬5) في (ص، س، ل): الترجيل. والمثبت من (د، ظ، م)، ومصادر الحديث. (¬6) رواه أبو داود (4159)، والترمذي (1756)، والنسائي 8/ 132، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (¬7) "الشمائل المحمدية" للترمذي (32). (¬8) "الشمائل المحمدية" للترمذي (35).

غبًّا بإسنَاد صحيح (¬1)، وللخطيب في "الجامع" مِن حديث الحكم مُرسلًا كان يسرح لحيته بالمشط (¬2)، وروى الطبراني في "الأوسط" من حديث عائشة كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفارقه المشط والمدرى (¬3) في سَفَر ولا حَضَر (¬4). قال الغزالي: يُستحب إزالة ما يجتمع في اللحية من الوسخ والقمل بالغَسل والتسريح بالمشط (¬5). (أَوْ يَبُولَ في مُغْتَسَلِهِ)، فإن عَامة الوسواس منه، وبين هذا وقوله في الطهَارة: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم، ولا يغتسل فيه من الجنابة". فيه عمُوم وخصوص من وجه. ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (1756)، والنسائي 8/ 132. (¬2) "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" للخطيب البغدادي (909). (¬3) في (ص): والمرود. وفي (س): المدي. وكذا هما تحريف، والمثبت من (د، ظ، ل، م) و (المعجم الأوسط). (¬4) "المعجم الأوسط" للطبراني (5242). (¬5) "إحياء علوم الدين" 1/ 265.

16 - باب النهي عن البول في الجحر

16 - باب النَّهْيِ عنِ البَوْلِ في الجُحْرِ 29 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْن عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنا مُعاذ بْنُ هِشامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَرْجِسَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ يُبالَ في الجُحْرِ. قالَ: قالُوا لِقَتادَةَ: ما يُكْرَهُ مِنَ البَوْلِ في الجُحْرِ؟ قالَ: كانَ يُقالُ إِنَّها مَساكِنُ الجِنِّ (¬1). * * * باب النَّهْيِ عَنِ البَوْلِ في الجُحْرِ [29] (ثَنَا عُبَيْدُ الله بالتصغير ابن عُمَرَ بْنِ مَيسَرَةَ) القواريري الحافظ حَدث بمائة ألف حَديث روى لهُ الشيخان، قال: (ثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ) ابن [أبي] (¬2) عبد الله الدستوائي البَصْري، قال: (حَدَّثَنِي أَبِي) قال علي بن المديني: سمعتُ مُعَاذ بن هشام يقول: سَمِعَ أبي من قَتَادَةَ عشرة آلاف حديث، وقال أيضًا: سمعته يقول -وقيل لهُ: ما عندَك- قال: عندي عشرة آلاف حديث فأنكرنا عليه، فلما جئنا إلى البصرة أخرج إلينا من الكتُب؟ نحوًا مما قال (¬3). (عن قتادة، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ سَرْجِسَ) بفتح السِّين المهملة وكسر الجيم وآخره سين أخرى لا ينصَرف، المخزومي حليف لهم، صَحَابي لهُ ¬

_ (¬1) رواه النسائي 1/ 33، وأحمد 5/ 82. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (7). (¬2) سقط من الأصول الخطية، وما أثبتناه من "التاريخ الكبير" 7/ 366، و"الجرح والتعديل" (1133)، "الثقات" لابن حبان 9/ 176. (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 28/ 142.

أحاديث، ذكرهُ ابن حبَّان في التابعين مِنَ "الثقات" (¬1) مزني (¬2) بَصري. (أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ يُبَالَ) بضم أوله (في الجُحْرِ) بضم الجيم (وإسكان الحاء) (¬3) رواهُ الحاكم، وقال: صَحيح على شَرط الشيخين، لكن قيل: إن قتادة لم يسمع من عبد الله بن سرجس، حكاهُ حرب عن أحمد (¬4)، وأثبت سَماعه منه علي بن المديني، وصَححه ابن خزيمة وابن السكن (¬5). فيه دليل على كراهة البَوْل في الجحر وهو الثقب المستَدير، وألحق به ما في معناه من الشق المسُتطيل والسّرب. قاله ابن الصَّلاح. قال الثعالبي في "فقه (¬6) اللغَة": لا يقال: شق إلا إذا (¬7) كانَ له منفذ، وإلا فهو سرب (¬8). ¬

_ (¬1) كذا في "تهذيب الكمال" 15/ 14، وقد ذكر ابن حبان في "الثقات" 5/ 23 عبد الله بن سرجس يروي عن أبي هريرة في التابعين، وذكر ابن حبان في "الثقات" 3/ 230 في الصحابة عبد الله بن سرجس المزني له صحبة، وهو هذا الذي عندنا في الحديث، فما عند ابن حبان اثنان، وكذا عند البخاري في "التاريخ الكبير" هما اثنان. (¬2) في (ص، س، ل): مدني. تصحيف، والمثبت من "الثقات"، و"تهذيب الكمال" (3294). (¬3) في (س): والله كان كما. تحريف. (¬4) انظر: "مسائل حرب" 3/ 1268. (¬5) انظر: "التلخيص الحبير" 1/ 187، وقد أثبت سماعه الإِمام أحمد في "العلل ومعرفة الرجال" رواية ابنه عبد الله (4300، 5264). (¬6) في (ص، ل): شرح. وفي (د، ظ، م): سر. وكلاهما خطأ، والمثبت من (س). (¬7) سقط من (ص، ل). (¬8) "فقه اللغة وسر العربية" 1/ 34، وفيه: لا يقال نفق. وليس (شق) كما قال ابن رسلان.

فهذِه الكراهة متفق عليها وهي كراهَة تنزيه (¬1). (قال) هشام بن عبد الله (قَالُوا لقتادة (¬2): مَا يُكْرَهُ) بضم أوَّله مَبني لما لم يُسَم فاعِله (مِنَ البَوْلِ في الجُحْرِ) بضَم الجيم، (قَالَ: كَانَ يُقَالُ إِنَّهَا مَسَاكِنُ الجِنِّ) وفي "صَحيح الحاكم" عن عَون، عن محمد أن سَعد بن عبَادَة أتى سبَاطة قوم فبال قائمًا فخر ميتًا فقالت الجن- نَحنُ قتلنا سيد الخزرج سَعد بن عبَادة وأصَبناه بسَهمين فلم تخط فؤاده (¬3). ثم روى عَن قتادة قال: قام سَعد بن عبَادة ليَبُول ثم رَجَعَ فقال: إني أجد في ظهري شيئًا. ثم لمْ يلبث أن ماتَ، فقالت الجنّ [البيت (¬4). وفي] (¬5) "الشامل" وغيره أن سبب موته أنه بال في جحر. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع" 2/ 86. (¬2) في (ص، ل): لعباده. تصحيف، والمثبت من (ل، س، ظ، م). (¬3) في (س): جواده. تحريف، والمثبت من باقي النسخ الخطية، و"المستدرك". (¬4) "مستدرك الحاكم" 3/ 253. (¬5) في (ص): لأبي. وفي (س): إلا في. وفي (ل): لا في. وكلهم تحريف، والمثبت من (د، ظ، م).

17 - باب ما يقول الرجل إذا خرج من الخلاء

17 - باب ما يقُول الرَّجُلُ إِذا خَرَجَ مِنَ الخَلاءِ 30 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ, النّاقِدُ، حَدَّثَنا هاشِمُ بْنُ القاسِمِ، حَدَّثَنا إِسْرائِيلُ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَتْنِي عائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - كانَ إِذا خَرَجَ مِنَ الغائِطِ قالَ: "غُفْرانَكَ" (¬1). * * * باب ما يقول إذا خرج من الخلاء [30] (ثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ) بن بكير البغدادي حافظ نزل الرقة، قال: (ثَنَا هَاشِمُ بْنُ القَاسِمِ) بن مسلم (¬2) أبو النضر (¬3) حافظ قيصر (¬4)، قال: (ثَنَا إِسْرَائِيلُ) بن [يونس الهمداني السبيعي روى له الجماعة] (¬5). (عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ) اسم أبي بردة، قيل: الحارث، وقيل: عَامر من نبلاء العُلماء ثقةٌ روى عنهُ الترمذي وابن ماجه (عَنْ أَبِيهِ) أبي بردة عَامر بن عبد الله بن قيس الأشعري ويُعرف بابن أبي موسَى الأشعري، قال: (حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (7)، وابن ماجه (300)، وأحمد 6/ 155، والنسائي في "السنن الكبرى" (9907)، وابن خزيمة (90)، وابن حبان (1444). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (23). (¬2) من (ظ، م). (¬3) في (ص، س، ل): النصر. تصحيف، والمثبت من "الإكمال" 7/ 268. (¬4) في (ص، ل): قصير. وفي (س): مصر. وكذا هما تصحيف، "الاكمال"، وهو لقبه. (¬5) في الأصول الخطية: موسى بصري نزل الهند روى له الشيخان. وهو خطأ من المصنف، وهو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق الهمداني السبيعي، روى عن يوسف بن أبي بردة، كما في ترجمته في "تهذيب الكمال" 2/ 515 - 517.

خَرَجَ مِنَ الغَائِطِ قَالَ: غُفْرَانَكَ) منصُوب بتقدير: أسألك غفرانك، أو: اغفر غفرانك. والأول أجود، وصَححه الحاكم وابن حبَّان وابن خزيمة (¬1)، وزاد بعد قوله: "غفرانك: ربنا وإليك المَصير (¬2). قال المُحب الطبَري: يُستحب تكرار هذا الدُعاء ثلاثًا، ويشترك في هذا الذكر البناء والصحراء. * * * ¬

_ (¬1) ابن خزيمة (90)، وابن حبان (1444)، الحاكم 1/ 158. (¬2) رواه البيهقي في "سننه الكبرى" 1/ 156 عن ابن خزيمة، وقال: إنها ألحقت بخط آخر بحاشيته، فالأشبه أن تكون ملحقة بكتابه من غير علمه. اهـ. ولم أجده في "صحيح ابن خزيمة".

18 - باب كراهية مس الذكر باليمين في الاستبراء

18 - باب كَراهيَة مَسِّ الذَّكَرِ بِاليمِين في الاستبْراءِ 31 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ وَمُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ قالا: حَدَّثَنا أَبانُ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتادَةَ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " إِذا بالَ أَحَدُكُمْ فَلا يَمَسَّ ذَكرَهُ بِيَمِينِهِ، وَإِذا أَتَى الخَلاءَ فَلا يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ، وَإِذا شَرِبَ فَلا يَشْرَبْ نَفَسًا واحِدًا" (¬1). 32 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْن آدَمَ بْنِ سُلَيْمانَ الِمصِّيصِيُّ، حَدَّثَنا ابن أَبِي زائِدَةَ، قالَ: حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ -يَعْنِي: الإِفْرِيقِيَّ- عَنْ عاصِمٍ، عَنِ المُسَيَّبِ بْنِ رافِع وَمَعْبَدٍ، عَنْ حارِثَةَ بْنِ وَهْب الخُزاعِيِّ قالَ: حَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَجْعَلُ يَمِينَهُ لِطَعامِهِ وَشَرابِهِ وَثِيابِهِ، وَيَجْعَلُ شِمالَهُ لمِا سِوَى ذَلِكَ (¬2). 33 - حَدَّثَنا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نافِعٍ، حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ ابن أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: كانَتْ يَدُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اليُمْنَى لِطُهُورِهِ وَطَعامِهِ، وَكانَتْ يَدُهُ اليُسْرَى لِخَلائِهِ وَما كانَ مِنْ أَذًى (¬3). 34 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن حاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ، حَدَّثَنا عبد الوَهّابِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنِ الأسوَدِ، عَنْ عائِشَةَ، عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - بِمَعْناهُ (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (153)، ومسلم (267). (¬2) رواه ابن أبي شيبة 2/ 163 (1626)، وأحمد 6/ 287، وابن حبان (5227)، والحاكم 4/ 109. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (25). (¬3) رواه أحمد 6/ 170، 265. وانظر: التالي وما سيأتي برقم (4140). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (26). (¬4) السابق.

باب كراهية مس الذكر في الاستبراء باليمين [31] (ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) الأزدي الحافظ مات 222، (وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التبوذكي، (قَالاَ: ثَنَا أَبَانُ) لا ينصرف على الأصح ابن يزيد العَطار البَصري أبو يزيد، قال أحمد: ثبت في كل المشايخ (¬1)، قال: (ثَنَا يَحْيَى) بن أبي كثير، قال أيوب: ما بَقي على وجه الأرض مثل يحيى بن أبي كثير (¬2) مات 129، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ أبي (¬3) إبراهيم، مات 95 (¬4). (عَنْ أَبِيهِ) أبي قتادة الحارث بن ربعي السَّلمي بفتح السين واللام الأنصَاري الخزرجي. (قَالَ نبي الله - صلى الله عليه وسلم -: إِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَمَسَّ) بفتح الميم والسين المشددة على النهي، وروي بضم السين على أن "لا" نافية في معنى النهي (ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وإِذَا أَتَى الخَلاَءَ فَلاَ يَتَمَسَّحْ (¬5) بِيَمِينِهِ) يمس أعم من يتمسَّح (¬6) إذ المسُّ يعم المسح وغَيره فيحمل المطلق على المقَيد، وقد يقالُ: حمل المُطلق على المقيد لهُ شروط وهو غير مُتفق عليه بين ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 2/ 299. (¬2) "الجرح والتعديل" 9/ 141. (¬3) سقط من (ص، س، ل)، وفي (ظ، م): بن. تحريف، والمثبت من "تهذيب الكمال" 15/ 440 - 442، و"الكاشف" (2915). (¬4) في الأصول الخطية: (105). وهو خطأ من المصنف، والمثبت من "الثقات" لابن حبان 5/ 21، و"تهذيب الكمال"، و"الكاشف". (¬5) في (ص، ظ)، (م): يمسح. (¬6) في (د)، (ظ)، (م): يمسح.

العُلماء، لكن نبَّه ابن دقيق العيد على أنَّ محل الاختلاف إنما هو حيث (¬1) تغاير مخارج الحَديث بحيث يعدّ حديثين مختلفين، فأما إذا اتحد المخرج، وكانَ [الاختلاف فيه من بعض الرواة، فينبغي حمل المطلق على المقيد بلا خلاف؛ لأن التقييد حينئذ يكون زيادة] (¬2) من عدل في حَديث واحد فتقبل (¬3). وقد أثار (¬4) الخطابي هنا بحثًا وبالغَ في التبجح (¬5) به، وحكى عن (ابن أبي هُريرة أبي على) (¬6) أنه ناظر رجلًا من الفقهاء الخراسانيين فسألهُ عن هذِه المسألة فأعياهُ جَوَابه، ثم أجَاب الخطابي عنه بجواب (¬7) فيه نظر، كذا قال ابن حجر. قال: ومحصل (¬8) الإيراد أنَّ المستجمر متى استجمر بَيَساره استلزم مسّ ذكره بيمينه، ومتى أمسَكهُ بيَساره استلزم استجماره بيمينه، وكلاهما قد شمله النهي ومحصل (¬9) الجواب أنه يقصد الأشياء الضخمة التي لا تزول بالحركة كالجدار ونحوه من الأشياء البارزة (¬10) ¬

_ (¬1) في (ص، س): حين. والمثبت من "فتح الباري". (¬2) سقط من (ص، س، ل)، والمثبت من "فتح الباري". (¬3) "إحكام الأحكام" 1/ 104. (¬4) في (ص): أشار. تحريف، والمثبت من "فتح الباري". (¬5) في (ص): النجح. تحريف، والمثبت من "فتح الباري". (¬6) في (ص، س)، (ل): أبي بكر وأبي علي. تحريف، والمثبت من "فتح الباري". (¬7) في (ص، ل): جواب. والمثبت من "فتح الباري". (¬8) في (ص، س)، (ل): ومحل. والمثبت من "فتح الباري". (¬9) في (ص، ل): ويحصل. والمثبت من "فتح الباري". (¬10) في (ظ)، (م): الباردة. تصحيف، والمثبت من "فتح الباري".

فيستجمر بها بيساره، فإن لم يجد فليلصق مقعدته بالأرض، ويمسك ما يستجمر به (¬1) بين عقبيه أو إبهامي رجليه ويستجمر بيساره، فلا يكُون متصرفًا في شيء من ذلك بيمينه. انتهى. قال: وهذِه هيئة منكرة، بل يتعذر فعلها في غالب الأوقات، وقد تعقبه الطيبي بأن النهي عن الاستنجاء باليمين مُختصّ بالدُّبُر والنَّهي عن المسّ مختص بالذكر، فبطل الإيرَاد من أصله، كذا قال، وما ادعاهُ من تخصيص الاستنجاء بالدُّبر مردود، والمسّ وإن كان مختصًّا بالذكر لكن يلحق به الدبُر قياسًا، والتنصيص على الذكر لا مفهوم لهُ بل فرج المرأة كذلك، وإنما خص الذَّكر بالذَّكر لكون الرجَال في الغالب هُم المخاطبون، والنساء شقائق الرجَال في الأحكام إلا ما خصَّ، والصَّوابُ في الصُّورة التي أوردها الخطابي ما قاله إمامُ الحرمين ومن تبعهُ كالغزالي في "الوسيط" والبغَوي في "التهذيب" أنهُ يمر العضو بيسَاره على شيء يمسكه بيَمينه، وهي قارّة غير متحركة فلا يعدّ مُستجمرًا باليمين ولا ماسًّا، ومَن ادَّعى أنهُ في هذِه الحالة يكون مُستجمرًا بيمينه فقد غلط، وإنما هو كمن صبَّ الماء بيمينه على يساره حال الاستنجاء (¬2). (وَإذَا شَرِبَ فَلاَ يَشْرَبْ) بسكون (¬3) الباءِ، ويروى (¬4) بالجزم على النهي ¬

_ (¬1) سقط من (ص، د، س، ل)، والمثبت من "فتح الباري". (¬2) "فتح الباري" 1/ 305 - 306، وانظر: "نهاية المطلب" 1/ 115، "الوسيط" 1/ 310. (¬3) في (ص، ل): بكسور. تحريف، والمثبت من باقي النسخ الخطية. (¬4) في (د)، (ظ)، (م): وروي.

ويدخل في النَّهي، شُرب الماء وغيره (نَفَسًا وَاحِدًا) النفس لهُ حقيقة ومجاز، فالحقيقة كما في الحديث يقالُ: تنفس الرجُل وتنفس الصّعَداء. قال الجوهري: كل ذي رئة يتنفس، ودوَاب (¬1) الماء لا رئات لها، وأمَا المجَاز فكقوله تعالى: {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18)} (¬2) أي: تبلج، وتنفسَ النهَار إذا زَادَ. وكذلك الموجُ إذا نضح الماء (¬3). وفيه النهي عن شرب الماء والشراب ونحوهما في نفس واحد، وهذا نهي إرشاد وأدب؛ لأنه إذا استوفى ريه في نفس واحِد تكاثر إيرَاد الماء على معدته فأثقلها وضرها، فأرشد إلى ما فيه صلاح (¬4) الآدمي في شربه، وهو أن يشرب على ثلاثة أنفاس ويمصّهُ مصًّا ولا يعبّهُ (¬5)، لما روى أبو داود في "المرَاسيل" من رواية عطاء بن أبي ربَاح "إذا شربتم فاشربوا مصًّا ولا (تعبُّوه عبًّا) (¬6)، فإنَّ الكُبَاد من العبّ (¬7) " (¬8) والكُبَاد بِضَم الكاف وتخفيف الباء الموَحدة، قيل: وجع الكبد، ويُستحب أن يُسمي الله في ¬

_ (¬1) في (ص، س، ظ، م): ذاوت. تصحيف، والمثبت من "الصحاح". (¬2) التكوير: 18. (¬3) "الصحاح" للجوهري (نفس). (¬4) في (ص، س، ل): إصلاح. (¬5) في (د، ل، م): يغبه. تصحيف. (¬6) في (د، ل، م): تغبوه غبًّا. تصحيف. (¬7) في (د، ل، م): الغب. تصحيف. ولاعَبُّ: شرب الماء من غير مصٍّ، وقيل: أن يشرب الماء ولا يتنفس، وهو يورث الكباد. انظر: "لسان العرب" (عبب). (¬8) رواه عبد الرزاق في "مصنفه" (19594) عن معمر، عن ابن أبي حسين، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا شرب أحدكم فليمص مصًّا، ولا يعبَّ عبًّا، فإن الكُباد من العبِّ". وهو مرسل، أما مرسل عطاء الذي رواه أبو داود في "مراسيله" (5): قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا شربتم فاشربوا مصًّا، وإذا استكتم فاستاكوا عرضًا".

كل نفس ويحمده في آخره. قال الغزالي: يقول في آخر الأول: الحمدُ لله وآخر الثاني: الحمدُ لله رب العالمين وآخر الثالث: الحمدُ لله رب العالمين الرحمن الرحيم (¬1). وفي حديث مالك - رضي الله عنه - أن أبا سَعيد الخدري دخل على مروان بن الحكم، فقال له مروان: أسمعت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نَهى عن النفخ في الشراب؟ فقال أبو سَعيد: نَعم. فقال لهُ رجُل: يا رسول الله، إني لا أروى من نَفَس واحد. فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فأبن القدح عن فيك ثم تنفس". قال: إني أرى القذى فيه. قال: "فأهرقه" (¬2). قال الفاكهي: ظاهرهُ جواز الشُّرب من نفس واحد؛ [لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم ينكر على الرجل الواحد القائل: إني لا أروى من نفس واحد] (¬3) بل أقرهُ عليه، فاقتضى ذلك إباحتهُ، وإن كان الأولى التنفس ثلاثًا؛ أعنى أن يَبين الإناء عن فيه ثلاث مَرات، ويتنفس في كل مرة خارج الإناء، فلإنه أهنأ وأمرأ كما في الحديث. [32] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ آدَمَ بْنِ سُلَيمَانَ المِصِّيصِيُّ) بكسر الميم وتشديد الصاد المهملة نسبة إلى المصّيصة مدينة على سَاحِل البحَر وثقه النسَائي، ويقال: إنه كان من الأبدَال مَات سنة [250] (¬4)، قال: (ثَنَا) يحيى بن ¬

_ (¬1) "إحياء علوم الدين" للغزالي 2/ 218. (¬2) "الموطأ" 2/ 705. (¬3) سقط من (ص، س، ل). (¬4) في (ص، د، س، ل): (245)، وفي (ظ، م): (25). وكلاهما خطأ، والمثبت من "تهذيب الكمال" 24/ 393، و"الكاشف" (4779).

زكريا (ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ) عبد الله بن علي (¬1) الإِفْريقيُّ الأزرق، لينه أبو زرعة (عَنْ عَاصِمٍ) بن بهدلة بن أبي النجود أحد القراء السَبعة. (عَنِ المُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ) أبي العَلاء الأسدي الكاهلي الكوفي الضرير والد العلاء بن المسيب (وَمَعْبَدٍ) بن خالد الجدلي (¬2) القيسي أبو القاسم الكوفي القاص (عَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ) الصَّحَابي (الْخُزَاعِية) أخو [عبيد الله] (¬3) بن عمر بن الخَطاب وأمهما [أم كلثوم بنت جرول الخزاعي] (¬4) روى عنهُ الشيخان في مَوضعين. (قَالَ: حَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنها - أَن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَجْعَلُ يَمِينَهُ لِطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ) إذا أكل أو شرب (وَثِيَابِهِ) إذا لبسَها أن يبدأ في لبسها [باليد اليُمنى] (¬5) [بالكم الأيمن] (¬6) ويدخل فيه لبْس السَّراويل، وفي معناه الخفّ والانتعال، يبدأ فيه بالرجل اليَمين (وَيَجْعَلُ شِمَالَهُ لِمَا (¬7) سِوَى ذَلِكَ) أي: وما كان ضده فباليسار في كل ما يستقذر فإلقاء (¬8) العجم والنوى ¬

_ (¬1) في (س): عيسى. تحريف. (¬2) في (س): الحدني. تصحيف. (¬3) في الأصول الخطية: عبد الله. تحريف، والمثبت من "التاريخ الكبير" 3/ 93، و"الجرح والتعديل" 3/ 255. (¬4) في الأصول الخطية: بنت عثمان بن مظعون. وهو خطأ من المصنف، والمثبت من "تهذيب الكمال" (1059)، و"تقريب التهذيب" (1071). (¬5) سقط من (ظ)، (م). (¬6) سقط من (د). (¬7) في (ص): مما. (¬8) في (ص): بإلقاء. تحريف، وبياض في (س).

الخارج من الفَم يكون باليسار، وكذا نزع الثوب والسراويل والخف وما أشبههُ يُستحب التياسر فيه. [33] (ثَنَا أَبُو تَوْبَةَ (¬1) الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ) الحلبي، أخرج لهُ مُسلم (¬2)، حَافظ من الأبدال، قال: (حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ يُونُسَ) السَّبيعي، عن سعيد (ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ) اليشكري مَولاهم. (عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ) زياد بن كليب التميمي (¬3) الكوفي، أخرج له مُسلم في مَواضع. (عَنْ إِبْرَاهِيمَ) ابن يزيد النخعي، عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: كَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اليُمْنَى. قال الزمخشري (¬4): يُقال أخذ بيمينه ويُمناه (¬5) (لِطُهُورِهِ) بضم الطاء، بدأ به لكونه مفتاح أبواب العِبَادة، فكأنه نَبهَ على جَميع أعضاء (¬6) الطهارة يكون باليمنى ويدخل فيه الوضوء والغسْل والتَّيمم، فيبدأ (¬7) بالشق الأيمن في غسله، وتسريح شعر رَأسه (وَطَعَامِهِ) أن يأكل ويشرب باليمين، (وَكَانَتْ يَدُهُ اليُسْرَى لِخَلاَئِهِ) بفتح الخاء والمدّ؛ أي: يستنجي بها في ¬

_ (¬1) في (ص): ثوبة. تصحيف، والمثبت من "التاريخ الكبير" 3/ 279. (¬2) أخرج له البخاري ومسلم كما في ترجمته في "تهذيب الكمال" 9/ 103 - 106. (¬3) سقط من (ص، س، ل)، وفي (د، ظ، م): التيمي. تحريف، والمثبت من "التاريخ الكبير" 3/ 367، و"تهذيب الكمال" (2065). (¬4) في (س): الزركشي. تحريف. (¬5) "أساس البلاغة" للزمخشري (يمن). (¬6) في (ص، س، ظ، ل، م): أعطاء. تصحيف. (¬7) في (ص، ظ، ل، م): فبدأ.

الخلاء (و) كل (مَا كَانَ مِنْ أَذًى) كالنجاسة والمستقذرات كدُخول الخَلاء والامتخاط والاستنجاء. [34] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ) بفتح الموَحَدة وكسر الزاي البَصْري شيخ البَخاري، حَدث ببغداد، قال البخاري: مَات ببغدَاد سنة 249، قال: (ثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ) الخفاف أبو نصر العجلي مولاهم البَصري، أخرج له مُسْلم. (عَنْ سَعِيدٍ) بن أبي عروبة (عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ) زياد بن كليب (¬1) (عَنْ إِبْرَاهِيمَ) النخعي (عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - بِمَعْنَاهُ) هذِه الرواية المتصلة تعضد الروَاية المنقطعة التي قبلها، فإن إبراهيم لم يدرك عَائشة، وَرَوَاهُ أيضًا أحمد وابن حبان والحَاكم (¬2). واللهُ أعلم. * * * ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): كلب. تحريف، والمثبت من مصادر ترجمته السابقة. (¬2) يقصد حديث حفصة السابق.

19 - باب الاستتار في الخلاء

19 - باب الاسْتِتارِ فِي الخَلاء 35 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْن مُوسَى الرّازِيُّ، أَخْبَرَنا عِيسَى بْن يُونُسَ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنِ الحُصَيْنِ الحُبْرانِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "مَنِ اكْتَحَلَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لا فَلا حَرَجَ، وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لا فَلا حَرَجَ، وَمَنْ أَكَلَ فَما تَخَلَّلَ فَلْيَلْفِظْ، وَما لاكَ بِلِسانِهِ فَلْيَبْتَلِعْ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لا فَلا حَرَجَ، وَمَنْ أَتَى الغائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا أَنْ يَجْمَعَ كثِيبًا مِنْ رَمْلٍ فَلْيَسْتَدْبِرْهُ، فَإِنَّ الشَّيْطانَ يَلْعَبُ بِمَقاعِدِ بَنِي آدَمَ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لا فَلا حَرَجَ". قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ أَبُو عاصِمٍ، عَنْ ثَوْرٍ، قالَ حُصَين الِحمْيَرِيُّ: وَرَواهُ عَبْدُ الَملِكِ بْن الصَّبّاحِ، عَنْ ثَوْرٍ، فَقالَ: أَبُو سَعِيدٍ الخيرُ. قالَ أَبُو داوُدَ: أَبُو سَعِيدٍ الخيْرُ هُوَ مِنْ أَصْحابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). * * * باب الاستتار في الخلاء [35] (ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ) الفراء الحافظ، روى له الشيخان والمصنف بلا واسِطَة ومن بقي بواسِطَة، قال أبو زرعة: كتبت عنهُ مائة ألف حَديث، قال: (أنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ) بن أبي إسحاق أحد الأعلام (عَنْ ثَوْرٍ) بن يزيد الكلاعي، أخرجَ لهُ البخَاري (عَنِ الحُصَينِ) بضَم الحَاء وفتح الصَاد المهملتين وبعد ياء التصغير نُون، الحميَري (الْحُبْرَانِيِّ) بضم الحاء المهملة وإسْكان البَاء الموحدة، روى له ابن ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (337)، (338)، وأحمد 2/ 371، والدارمي (689)، وابن حبان (1410). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (8).

ماجه، (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) الحبراني (¬1) الشامي [وليسَ هو المقبري، المشهور أنه تابعي، الأكثر لا يعرف اسمُه] (¬2)، (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (مَنِ اكتَحَلَ فَلْيُوتِرْ) أي: في كل عين وتر لأن الله تعالى وتر يحب الوتر. وفي كيفية الوتر في الاكتحال وجهان: أحدهما: أن يضع في كل عَين ثلاث مَرات، وهذا هو الأصح؛ لما روى الترمذي في "الشمائل" أنه كانَ لهُ - صلى الله عليه وسلم - مكحلة يكتحل منها كل ليلة ثلاثًا في هذِه وثلاثًا في هذِه (¬3). على مثال غَسل اليدين في الوضُوء. والثاني: يكتحل (¬4) ثلاثا في اليُمنى، وفي اليُسرى مرتَين، فيكون المجموع وترًا؛ ولأن العَين الواحدة لم يستوعب، ولو اكتحل في عين ثلاثًا وفي الأخرى أربعًا حَصَل الوتر على القول الثاني، لكن ثلاثًا (¬5) في كل عَين أفضل لرواية الترمذي. (مَنْ فَعَلَ) ذلك يعني: الوتر. (فَقَدْ أَحْسَنَ) أي: أتى (¬6) بالأحسَن والأفضَل (وَمَنْ لاَ) أي: ومن لا يفعل الوتر، وفيه دليل على جواز حذف فعل الشرط [في الكلام] (¬7) وبقاء الجَواب وهو (فَلاَ حَرَجَ) أي: ¬

_ (¬1) في (ص، د، س، ل): الحيري. تحريف، والمثبت من (ظ، م)، و"تهذيب الكمال" (7394). (¬2) في (ظ)، (م): والد المقبري المشهور أنه تابعي. والمثبت من باقي النسخ الخطية. (¬3) "الشمائل المحمدية" للترمذي (ص 63). (¬4) زاد هنا في (ص، س، ظ، ل، م): اثنتين. وكتبا في (د) وضرب عليها. (¬5) في (س): الثاني. (¬6) سقط من (ص)، والمثبت من باقي النسخ الخطية. (¬7) من (ص).

لا إثم عليه، وهذِه الفاء الداخلة على "لا" هي فاء الجزاء، وقد يستشهد به لما (¬1) قاله ابن عصفور أنه لا يجوز حذف فعل الشرط في الكلام إلَّا بشرط تعويض "لا" مِنَ الفعل المحذُوف، كما في هذا الحَديث قال في "الارتشاف": وليس بشيء وقد حذف بِدُون لا كما في قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} (¬2) وفيه رد على من يقول ألا يحذف، (¬3) فعل الشرط، إلا في إن فقط دُونَ غَيرها، قال في "الارتشاف": لا أحفظه إلا في إن دُون غيرها. قال ابن مالك: حَذف فعل الشرط بدُون إن قليل وحَذفه معها كثير (¬4). وقد وجد هنا الحذف مع لفظة "من" الشرطية. وفي قوله: (من فعَل فقد أحسَن ومن لا فلا حرج) دليل على أن الوتر ليس بعزيمة لا يجوز تركها لكنه إن اكتحل، فالوتر أفضَل كما في أكثر العبادَات، وعلى الجملة ففيه الحضّ على الوتر في الاكتحال. (وَمَنِ اسْتَجْمَرَ) الاستجمار عبَارَة عن إزالة الخارج من السبيلين عن مخرجه وهو يختصّ بالأحجار؛ لأنه مأخوذ من الجمار وهي الحصَا الصّغار، ومنه سُميت الجَمرة للموضع الذي يرمى إليه بالجمار، وقيل: الاستجمار البخور من الجَمر الذي يوقد فيه، وقد كان الإمام مَالك يقوله، ثم رَجَعَ عنه (¬5)، وحكاهُ ابن عبد البر عنه، وروى ابن خزيمة ¬

_ (¬1) سقط من (ظ، م). (¬2) التوبة: 6، وانظر: "ارتشاف الضرب" لأبي حيان ص 1869. (¬3) في (ص، ل): لا فحذف. وفي (ظ)، (م): يحذف، والمثبت من (هـ)، (س). (¬4) انظر: "توضيح المقاصد والمسالك" للمرادي 3/ 1287 - 1288. (¬5) انظر: "المنتقى شرح الموطأ" للباجي 1/ 40 - 41.

في "صحيحه" (¬1) عنهُ خلافه، وحَكاهُ ابن حَبيب عن ابن (¬2) عُمر، ولا يصح عنه، وحُجتهم فيه أنه يقالُ: تجمَّر واستجمر إذا استعمل البُخوُر (فَلْيُوتِرْ) قال ابن الأثير: وفي الحديث: "إذَا أجمرتم الميت (¬3) فجَمروهُ ثلاَثًا"؛ أي: إذا بخرتموهُ (¬4) بالطيب، يقالُ: ثوب مُجْمِرٌ ومُجمِّر وجَمَّرْتُه وأجمرته، والذي يتَولى ذلك مُجْمِرٌ (¬5) ومُجمِّر، ومنه ونعيم (¬6) المُجْمر (¬7) الذي كانَ يلي إجمار مسجد رسُول الله - صلى الله عليه وسلم -. وفي الصحيح (¬8): "مجامرهم الألوة" (¬9). (مَن فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لاَ فَلاَ حَرَجَ) لا يجوزُ حَمله في الاستجمار بالحجارة على ترك الاستجمار أصلًا للحديث الثابت: "وليستنج (¬10) بثلاثة أحجار" (¬11) وأبعَد المزني حيثُ صارَ إلى عدم وجوبه قياسًا على ¬

_ (¬1) "صحيح ابن خزيمة" 1/ 42، قال مالك: الاستجمار: الاستطابة بالأحجار. (¬2) سقط من (ص، س، ل)، وانظر: "مواهب الجليل في شرح مختصر خليل" 2/ 224. (¬3) في (ص): البيت. تحريف، والمثبت من "النهاية". (¬4) في (ص): اتخذتموه: تحريف، والمثبت من "النهاية". (¬5) سقط من (ص). (¬6) في (ص): بعتم. تصحيف، والمثبت من "النهاية". (¬7) "صحيح البخاري" (782). (¬8) البخاري (3245، 3327)، ومسلم (2834) (15، 16) من حديث أبي هريرة. (¬9) "النهاية" (جمر). (¬10) في (ظ)، (م): يمسح. (¬11) رواه الشافعي في "مسنده" (ص 13)، وابن خزيمة (80)، وابن حبان (1428)، والدارمي (674)، وأبو داود (8)، والنسائي 1/ 38 من حديث أبي هريرة.

عدم (¬1) وُجُوب إزالة الأثر (¬2) البَاقي بعده (¬3). (وَمَنْ أَكَلَ فَمَا تَخَلَّلَ) (¬4) أي: فما أخَرجَهُ بالخلال من بين أسنانه، وفيه فضيلة استعمال الخلال، ففي الحديث التخلل من السنة (فَلْيَلْفِظْ) بكسر الفاء، أي: يلقه (¬5)؛ لأنه ربما خرج معه (¬6) دم؛ لأن الخلال قَد يجرح فيخرج معهُ نجاسة، فلا يجوز ابتلاعهُ لنجاسته (وَمَا لاَكَ بِلِسَانِهِ) أي: وما أخرجه بلسَانه من بين أسنانه، واللوك إدارة الشيء في الفَم، ومنه حديث: فلم نؤت إلا بالسَّويق فَلُكْنَا (¬7) (فَلْيَبْتَلِعْ) أي: فليَأكلهُ؛ لأنهُ لا يخرج معه دم؛ لأن اللسَان لين لا يخرج معه دم، ونص الشافعي على عدم كراهَة ابتلاعه (مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لاَ فَلاَ حَرَجَ) عليه (وَمَنْ أَتَى الغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ) عن العيون بأن يدخل في بناء محوط أو مسقف أو يجلس (¬8) في وهدة، وليكن بينهُ وبين الساتر ثلاثة أذرع [أو دونها] (¬9) (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) ما يحصُل به السّتر (إلا أَنْ يَجْمَعَ ¬

_ (¬1) سقط من (ص، د، س، ل)، والمثبت من "المجموع" للنووي. (¬2) في (ص): الإبر. تصحيف، وفي (ظ): الأذى. (¬3) انظر: "المجموع" للنووي 2/ 95. (¬4) في (ص): يخلل. تصحيف. (¬5) في (ص): ينقه. تصحيف، وفي (س): هو. تحريف. (¬6) في (ظ، م): فيه. تحريف. (¬7) هذا اللفظ رواه ابن مردويه في "جزء فيه ما انتقى ابن مردويه على الطبراني" (65) من حديث سويد بن النعمان، والحديث رواه البخاري (209، 215، 4195)، والنسائي 1/ 108 - 109، ومالك في "موطئه" 1/ 52. (¬8) في (ص): مجلس. تحريف. (¬9) سقط من (ص، س، ل).

كَثِيبًا) بثاء مثَلثة وهو قطعة مستطيلة محدودبة تشبهُ الربوة. (مِنْ رَمْلٍ) جمعه (¬1) كثبان، سُمي بذلك لاجتماع الرَّمل فيه، من قولهم: كثب (¬2) القَوم من بَاب ضرب إذا اجتمعُوا، وكثبتهم (¬3) جَمعتهم يتعدى ولا يتعدى، أي: فإن لم يجد سُترة فليجمع من التراب والرمْل قدرًا كثيرًا، بِحَيث يكونُ ارتفاعه قدر ثلثي ذراع فما زَاد. (فَلْيَسْتَدْبِرْهُ) أي: يجعَلهُ دُبر ظَهره واستَدبر القوم كناية عن الهزيمة، وفيه دليل على أن السَّاتِر في قضاء الحَاجة يكون خلف ظَهْره إذا لم يمكن (¬4) إرخَاء ذَيْله ويستقبل الكثيب، فإن إرخَاء الذيل سَقط به الفرض، ويَستره عن أعيُن الناس. (فَإِن الشَّيطَانَ يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ) أي: يحضُر الشَّيطان الأمكنة التي يقعد فيها بنو (¬5) آدم لقضاء الحاجة؛ لأن هذِه الأمكنة لا يذكر الله فيها، فإذا جَلَس الآدمي في مكان لا يذكر الله فيه حَضَره الشيطان ويأمره بالفِسْق، فلذلك (¬6) من جلسَ إلى غَير سُترة لقضَاء الحَاجة يحضُرهُ ويأمره بكشف العَورة، وبالبَول في الموضع الصّلب، ومُستقبل (¬7) الريح ليرد الريح رَشاش البَول إليه وغَير ذلك مما يلقيه إليه ¬

_ (¬1) سقط من (ص، س، ل). (¬2) في (ص، س، ل): كتب. تصحيف. (¬3) في (ص، س، ل): كتبتهم. تصحيف. (¬4) في (ص، ل): يكن، وفي (س): يكف. تحريف. (¬5) في (ص، س، ل): العرض. تصحيف. (¬6) في (س، م): فكذلك. تصحيف. (¬7) في (ظ): يستقبل.

من وسَاوسه، فأمَرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - أمتهُ بسَتر العَورة مخالفة للشيطان (مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ) بأن أطاع الله ورسوله وأتى (¬1) بالسّنة (وَمَنْ لاَ) أي: ومن لم يفعَل ذلك (فَلاَ حَرَجَ) عليه؛ لأن الإتيان بذلك سُنة ليس بواجب، فهو مخير بين أنْ يقتصر على الستر (¬2) وبين أن يزيد عليه حتى يختم بالوتر، وإذا حصَل النقاء بحجر أو حجرين فهل يلزمهُ الثلاث أم لا؟ فيه خلاف بين الشافعي (¬3) وأبي حنيفة (¬4). (ورَوَاهُ أَبُو عَاصِمٍ) الضحاك النبيل (عَنْ ثَوْرٍ) بن يزيد الكلاعي (عن حصين الحميريُّ، وَرَوَاهُ عَبْدُ المَلِكِ بْنُ الصَّبَّاحِ) المسمعي، روى لهُ الشيخان (عَنْ ثَوْرٍ فَقَالَ: أَبُو سَعِيدٍ) (¬5) الحميري (الخير). (قال أبو داود: أبو سعيد الخير من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -) (¬6) بالرفع بدَل من (أبو سعيد) (¬7) ويُقال: أبو سعيد الخير. * * * ¬

_ (¬1) في (ص، ل): ورمي. تحريف. (¬2) في (ص): السنة. تصحيف. (¬3) "الأم" 1/ 36. (¬4) "بدائع الصنائع" للكاساني 1/ 19. (¬5) في (ظ، م): سعد. تحريف. (¬6) من (س). (¬7) في (ظ، م): سعد. تحريف.

20 - باب ما ينهى عنه أن يستنجى به

20 - باب ما يُنْهَى عنْهُ أنْ يُسْتَنْجَى بِهِ 36 - حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ خالِدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوْهَبٍ الهَمْدانِيُّ، حَدَّثَنا المُفَضَّل -يَعْنِي ابن فَضالَةَ الِمصْرِيَّ- عَنْ عَيّاشِ بْنِ عَبّاسٍ القِتْبانِيِّ، أَنَّ شيَيْمَ بْنَ بَيْتانَ أَخْبَرَهُ، عَن شَيْبانَ القِتْبانِيِّ قالَ: إِنَّ مَسْلَمَةَ بْنَ مُخَلَّدٍ اسْتَعْمَلَ رُوَيْفِعَ بْنَ ثابِتٍ عَلَى أَسْفَلِ الأَرْضِ. قالَ شَيْبانُ: فَسِرْنا مَعَهُ مِنْ كُومِ شَرِيكٍ إِلَى عَلْقَماءَ أَوْ مِنْ عَلْقَماءَ إِلَى كُومِ شَرِيكٍ -يُرِيدُ عَلْقامَ- فَقالَ رُوَيْفِعٌ: إِنْ كانَ أَحَدُنا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيَأْخُذ نِضْوَ أَخِيهِ عَلَى أَنَّ لَهُ النِّصْفَ مِمّا يَغْنَمُ وَلَنا النِّصْفُ، وَإِنْ كانَ أَحَدُنا لَيَطِيرُ لَه النَّصْلُ والرِّيشُ وَللآخَرِ القَدَحُ. ثُمَّ قالَ: قالَ لي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يا رُوَيْفِعُ، لَعَلَّ الحَياةَ سَتَطُولُ بِكَ بَعْدِي، فَأَخْبِرِ النَّاسَ أَنَّهُ مَنْ عَقَدَ لِحْيَتَهُ أَوْ تَقَلَّدَ وَتَرًا أَوِ اسْتَنْجَى بِرَجِيعِ دابَّةٍ أَوْ عَظْمٍ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - مِنْهُ بَرِيءٌ" (¬1). 37 - حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا مُفَضَّل، عَنْ عَيّاشٍ، أَنَّ شيَيْمَ بْنَ بَيْتانَ أَخْبَرَهُ بهذا الحَدِيثِ أَيْضًا عَنْ أَبِي سالِمٍ الجَيْشانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، يَذْكُرُ ذَلِكَ وَهُوَ مَعَهُ مُرابِطٌ بِحِصْنِ بابِ أَلْيُونَ. قالَ أَبُو داوُدَ: حِصْن أَلْيُونَ عَلَى جَبَلٍ بِالفُسْطاطِ. قالَ أَبُو داوُدَ: وَهُوَ شَيْبانُ بْن أُمَيَّةَ يُكْنَى أَبا حُذَيْفَةَ (¬2). 38 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن محَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا رَوْحُ بْنُ عُبادَةَ، حَدَّثَنا زَكَرِيّا بْنُ إِسْحاقَ، حَدَّثَنا أَبُو الزُّبَيرِ أَنَّهُ سَمِعَ جابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُول: نَهانا رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَتَمَسَّحَ بِعَظْمٍ أَوْ بَعْرٍ (¬3). ¬

_ (¬1) رواه النسائي 8/ 135 - 136، وأحمد 4/ 108، 109. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (27). (¬2) انظر السابق. وصحح إسناده الألباني في "صحيح أبي داود" (28). (¬3) رواه مسلم (263).

39 - حَدَّثَنا حَيْوَة بْن شُرَيْح الِحمْصِيُّ، حَدَّثَنا ابن عَيّاشٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الدَّيْلَمِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قالَ: قَدِمَ وَفْدُ الجِنِّ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقالُوا: يا مُحَمَّدُ انْهَ أُمَّتَكَ أَنْ يَسْتَنْجُوا بِعَظْمٍ أَوْ رَوْثَةٍ أَوْ حُمَمَةٍ، فَإِنَّ اللهَ تَعالَى جَعَلَ لَنا فِيها رِزْقَا. قالَ: فَنَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عنْ ذَلِكَ (¬1). * * * باب ما ينهى عنه أن يستنجى به [36] (ثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بن يزيد بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوْهَبٍ) -بفتح الميم والهاء- الرملي أبو خالد (الْهَمْدَانِيُّ) بإسكان الميم الزاهِد الثقة مات 232، قال (ثَنَا المفضل (¬2) بْنَ فَضَالَةَ) بن [عبيد بن ثمامة الرعيني المصري. ثقة فاضل] (¬3). (عَنْ عَيَّاشِ) بالمثناة تحت وآخره مُعجمة (بْنِ عَبَّاسٍ) بالبَاء المُوحدة وآخرهُ سين مُهملة، أبو عبد الرحيم (الْقِتْبَانِيِّ) بكسر القاف وسُكون المثناة فوق وتخفيف البَاء الموَحدة وبعد الألف نون، وقتبَان هو ابن رَدمَان بفتح الراء، وهو بَطن من رعين، نزلوا مِصْر، أخرج لهُ مُسْلم في النكاح ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في "مسند الشاميين" (872)، والدارقطني 1/ 55 - 56، والبيهقي 1/ 109، والبغوي في "شرح السنة" (180). وصحح إسناده الألباني في "صحيح أبي داود" (30). ورواه بنحوه مسلم (450) (150). (¬2) في (ص، س): الفضل. تحريف، والمثبت من "سنن أبي داود". (¬3) في الأصول الخطية: أبي أمية البصري مولى آل عمر بن الخطاب أخو مبارك. قال النسائي: ليس بالقوي. وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه. انظر: "تهذيب الكمال" 28/ 415 - 419.

والجهاد (أَنَّ شُيَيمَ) بضَم الشين المعجمة وكسْرها (بن بَيتَانَ) بفتح البَاء الموحدة وسُكون المثَناة تحت وتخفيف المثَناة فَوق وبعَد الألف نون بوزن تثنية بيت، البلوي، ثقة (¬1). (أَخْبَرَهُ عَنْ شَيبَانَ) بفتح الشين المعجمة ابن أمية ويقال ابن قيس (¬2) (الْقِتْبَانِيِّ) بكسر القَاف كما تقدَّم (أنَّ مَسْلَمَة) بفتح الميم واللام (بْنَ مُخَلَّدٍ) بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام المفتوحة الثقفي الأنصَاري ولد حين قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة، لهُ صحبَة، ولي ديار مصر لمعاوية توفي سنة 62 وله ستون سنة. (اسْتَعْمَلَ رُوَيْفِعَ) بضَم الرَّاء مُصَغّر (بْنَ ثَابِتٍ) بن عدي بن حَارثة (¬3) الأنصَاري النَّجاري أمير المغرب، له صُحبة توفي 56 [ويعد في البصريين] (¬4) (عَلَى أَسْفَلِ الأَرْضِ) أي: أرض ديَار مصْر. (قَالَ شَيبَانُ: فَسِرْنَا مَعَهُ مِنْ كُومِ) قال في "النهَاية": بِضَم الكاف مَوضَع بأسْفَل ديَار مصْر (¬5). وقال البكري: بفتح أوله موضع من أسفل الأرض، وأسفلها كورة الإسكندرية (¬6). (شَرِيكٍ) وشريك هذا هو ابن سمي المرادي ¬

_ (¬1) انظر: "الكاشف" للذهبي (2341). (¬2) في (ص، ل): فلتيت. وفي (س): فلتين، وكلاهما تحريف، والمثبت من "تهذيب الكمال" (2783). (¬3) في (ص، د، ظ، م): حازم. تحريف، والمثبت من "الاستيعاب" (788)، و"أسد الغابة" (1717)، و"تهذيب الكمال" (1939). (¬4) سقط من (ص). (¬5) "النهاية" لابن الأثير (كوم). (¬6) "معجم ما استعجم" للبكري 4/ 1143.

الغطيفي (¬1)، وفد على رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - وشهد فتح مصر، وقال ابن يُونس: كوم شريك في طريق الإسكندرية (إِلَى عَلْقَمَاءَ) بفتح العَيْن المهملة والقاف ومدّ الهمزة (أَوْ مِنْ عَلْقَمَاءَ إِلَى كُومِ شَرِيكٍ) الشك من الرَّاوي (يُرِيدُ عَلْقَامَ، فَقَالَ رُوَيْفِعٌ) بن ثابت (إِنْ) مخففة من الثقيلة (كَانَ أَحَدُنَا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيَأْخُذُ نِضْوَ) (¬2) بكسر النون؛ البعير المهزُول التي أهزلته (¬3) الأسفار وأذهبت لحمه، جَمعه أنْضاء مثل حَمَل وأحمال وَنَاقة نِضْوَة، والنضو أيضًا الثوب الخلق مأخوذ منه، وفي الحَديث: "إن المؤمن يُنْضي شيطانه كما يُنْضى أحدُكم بَعيره" (¬4). أي: يهزله ويجعله نضوا (أَخِيهِ) أي: للجَهاد عليه. (عَلَى أَنَّ لَهُ النِّصْفَ مِمَّا يَغْنَمُ) أو جزء معلوم مما يُصيبهُ من الغنيمة (وَلَنَا النِّصْفُ) فيه حجة لمن أجاز (¬5) أن يعطي الرجُل فرسه أو بعَيره أو سلاحه على جزء معلوم مما يُصيبه من الغنيمة، أجازهُ الأوزاعي وابن حنبل ومنعه أكثر الفقهاء (¬6) (وَإنْ كَانَ أَحَدُنَا لَيَطِيرُ لَهُ) أي: يخرج له نَصيبه من القسمة، من قولك: طيَّرت المال بينَ القَوم فطار لفلان كذا ¬

_ (¬1) في (د، س، ل، م): القطيفي. تصحيف، والمثبت من "تاريخ ابن يونس المصري" (642)، و"الإكمال" لابن ماكولا 7/ 117. (¬2) في (س): أخيه. تحريف. (¬3) في (ص، س، ل): اهنزلته. (¬4) رواه أحمد 2/ 380، والحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" 1/ 132، وابن أبي الدنيا في "مكائد الشيطان" (20)، من حديث أبي هريرة، ضعفه العراقي في "تخريج أحاديث إحياء علوم الدين" 4/ 1552، والألباني في "ضعيف الجامع" (1772). (¬5) في (ص، س)، (ل): أراد. تحريف. (¬6) "شرح السنة" للبغوي 11/ 17.

وطار لفلان كذا. أي: حَصل له من القسمة (النَّصْلُ) نصل السَّهم ونصْل السَّيف والسّكين ونحو ذلك، ونَصَلتُ السَّهم نَصْلًا من باب قتل جعَلت لهُ نصْلًا (وَالرِّيشُ) يقالُ في جَناح الطائر ست عشرة ريشة أربع قوادم، وأربع خواف وأربع مناكب وأربع أباهر. (وَلِلآخَرِ القِدْحُ) بكسر القاف وإسكان الدال، وهو السَّهم الذي يرمى (¬1) بهِ عن القوس قبل أن يراش ويركب فيه النّصْل، يقال للسَّهم أوَّل ما يَقطع قطع، ثم ينحت ويبرى فيُسمى بريًّا، ثم يقوم فيُسمى (¬2) قدحًا، ثم يراش ويركب فيه النّصل فيسمى سهمًا، وفي الحَديث أن الرَّجُليَن كانا يقتسمَان (¬3) السَّهم، فيقع لأحَدهما نصله، وللآخر قدحه، وللآخر ردشه. (ثُمَّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: يَا رُوَيْفِعُ، لَعَلَّ الحَيَاةَ سَتَطُولُ بِكَ بَعْدِي) فيه المعجزة الظاهرة بإخبَاره عن المغَيبَات وأنه يَعيش بَعْدَهُ مُدة، وكذا كان فإنه عَاش إلى أن ولي لمعَاوية غزو إفريقية (فَأَخْبِرِ النَّاسَ أَنَّهُ مَنْ عَقَدَ لِحْيَتَهُ) فيه تهديد ومُبَالغة في الزَّجر عما كانت الجاهلية والأعَاجم يفعَلونهُ من عَادَتهم، وهو عقد اللحية وفتلها تكبرًا وعُجبًا، وقيل: مَعناهُ مُعالجة الشعر وليّه ليتعقد ويتجعَّد، وذلك مِنْ فِعْل التأنيث والتوضيع، فنَهى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أمَّتَهُ عن ذلك؛ لأن فيه تغيير خَلق الله تعالى، وأمَرَهُم باستعمال المشط والدهن، وإصلاح الشعر وإكرامه ¬

_ (¬1) في (س): يرض. تحريف. (¬2) في (د، س، ل): فيسوى، وفي (ظ، م): فيستوى. تحريف. (¬3) في (ص، ل): يقسمان.

للزينة؛ ليكون الإنسان على أكمل صُورة. قال النووي: فيه دليل على كراهة عقد اللحية ومن الكرَاهَة تصفيف اللحية طاقة فوق طاقة للتزين والتصنع ليستحسنه النسَاء وغيرهنَّ، وفي اللحيَة عَشر خصَال مَكرُوهة هذا أحدها (¬1). (أَوْ تَقَلَّدَ وَتَرًا) كان عَادَة أهل الجاهلية أنهم يجعلون في رقاب دوابهم الوتر ويزعمُون أن الوتر يدفع عَين الناظر ويحفظ من الآفات، فنَهَى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أمته عن هذا، وأعلمهم أنه لم يدفع عنهم شيئًا من الآفات إلا الله تعالى، وكلامهُ يقرأ على أحد كما سيَأتي في الرقية بفاتحة الكتاب، ويحتمل أن يريد بالنهي عن تقليد الوتر احترازا من اختناق الدابة بالوتر بأن يعصر (¬2) الوتر على عُنقها فتموت، ويحتَمل أن يُريد بتقليد الوتر ما يجعَله جَمَاعة من القلندرية في أعناقهم من الأحبَال والحَلَق والحديد، ويزْعمُون أنهم يتذكرون بذلك أغلال (¬3) يوم القيامة، فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنهُ سيقع ونهى عنه؛ لأن تغيير خَلق الله تعالى وإحداث شيء لم تأت به الشريعَة. وقيل: نهى عن ذلك لما يعلق في الأوتار من الأجراس التي هي مزمار الشيْطان، ولا تصحب الملائكة رفقة فيها جَرس. (أَوِ اسْتَنْجَا) بألف آخره دُون همز (بِرَجِيعِ) أي: روث وعذرة (دَابَّةٍ) فعيل بمعنى فاعل؛ لأنه رَجَع عن حَالِهِ الأول بعد أن كان طَعامًا أو ¬

_ (¬1) انظر: "شرح النووي على مسلم" 3/ 149. (¬2) في (ص): يعصب، وفي (ظ): يفيق. وفي (م): يقبض. وكلهم تحريف، والمثبت من (د، س، ل). (¬3) في (د): أعمال. تحريف.

علفًا، استدل به على أنه لا يجوز الاستنجاء بنجس العَيْن ولا بالمتنجس إذ هو في معنَاه (أَوْ عَظْمٍ) ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يستنجى بروث أو عظم، وقال: "إنهما لا يُطهران". رواه الدارقطني، وقال: إسناده صحيح (¬1). وهذا حجة على مَالك - رضي الله عنه - في إباحته الاستنجاء بالعَظم الطاهر والروث الذي من مأكول (¬2)، ووجه الاحتجاج به أن لفظه عام في الطاهِر منه والنجس، والنهي يقتضي الفسَاد، وعدم الإجزاء، فإن قيل: قد نهى عن الاستنجاء باليَمين كنهيه هَاهنا، ولم يمنع ذلك الإجزاء بخلاف هاهنا، قلنا: قد بين في الحديث أنهما لا يطهران، ثم الفرق بينهما أيضًا أن النهي هاهُنا لمعنى (¬3) في شرط الفعل، فمنع صحته كالنهي عن الوُضوء بالماء النجس، وأما الاستنجاء باليمين فلمعنى في آلة الشرط فلم يمنع كالوضُوء من إناء محرم. (فَإِنَّ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - مِنْهُ بَرِيءٌ)؛ لأنه فعل ما لم يؤمر به (¬4) ولا هو من سُنته (¬5)، وفائدته الردع والزجْر عن مثل هذا كما يقول الوالد لولده الذي يسلك غير سبيله: لست منك، ولست مني. كما قال الشاعر: إذا حَاولت في أسد فجورًا ... فإني لسْتُ منك ولست مني (¬6) ¬

_ (¬1) "سنن الدارقطني" (149). (¬2) انظر: "المنتقى شرح الموطأ" للباجي 1/ 68. (¬3) في (ص، ظ): بمعنى. (¬4) سقط من (ص، س، ل). (¬5) في (س): سنة. (¬6) البيت من بحر الوافر التام، وهو للنابغة الدبياني قاله يمن به على عيينة بن حصن =

وقيل غير ذلك. [37] (ثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدٍ) بن يزيد بن عبد الله بن موهب الرملي، قال: (ثَنَا مُفَضَّل، عَنْ عَيَّاشٍ) بالمثناة تحت كما تقدم قبله (أَنَّ شُيَيْمَ) بكسر الشين المعجمة وجوز الضَّم (بْنَ بَيْتَانَ) بفتح الموَحَّدة تقدم (أَخْبَرَهُ بهذا الحَدِيثِ أَيْضًا) أي: أخبره عودًا إلى ما تقدم من آضَ يئيض أيضًا كبَاع يَبيع بيعًا إذا رجع وَعَادَ (عَنْ أَبِي سَالِمٍ) سُفيان بن هانئ (¬1) (الْجَيشَانِيِّ) بفتح الجيم والشين المعجمة، وهو حليف لهُم شهد (¬2) فتح مصْر ووفد على علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو) بن العاص أنهُ سَمِعَهُ (يَذْكُرُ ذَلِكَ وَهُوَ مَعَهُ مرابط (¬3) بِحِصْنِ بَابِ أَلْيُونَ) بفتح الهَمزة وسُكونُ اللام وضم المثناة تحت غَير منصرف قال في "النهاية": هو اسم مدينة مصر قديمًا فتحها المسْلمون وسَموهَا الفسطاط. قال: فأمَا البُون (¬4) بالبَاء الموَحَّدة فمدينة باليمن زعموا أنها ذات (¬5) البئر المعَطلة والقصر المشيد وقد تفتح اليَاء (¬6) وليست الألف واللام فيهما ¬

_ = ببلاد بني أسد يوم النسار ويوم الجفار. انظر: "الأنوار ومحاسن الأشعار" لأبي الحسن الشمشاطي ص 25، "نثر الدر في محاضرات" لأبي سعد الرازي 5/ 23. (¬1) في (ص، د، س، ل): ماهان أو هانئ، وفي (ظ، م): ما هان، وكلاهما خطأ، وهو سفيان بن هانئ بن جبر، أبو سالم الجيشاني، روى عن عبد الله بن عمرو، وروى عنه شييم بن بيتان. انظر: "تهذيب الكمال" 11/ 199 - 200. (¬2) زيادة يقتضيها السياق. (¬3) سقط من (ص). (¬4) في (س): ألبول. تصحيف. (¬5) سقط من (ظ)، (م). (¬6) "النهاية في غريب الحديث والأثر" (أليون).

للتعريف بل هَمزة قطع. (قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حِصْنُ أَلْيُونَ (¬1) بِالْفُسْطَاطِ) بضم الفاء وكسرها ويقال فيها فسطاط بضم الفاء وكسْرها أيضًا مدينة مصر قديمًا سُميت بذلك؛ لأن عمرو بن العَاص ضربَ بفسطاطه (¬2) عليها، وأصله البيت مِنَ الشعر والخَيمة ونحوها (على جبل) بأرض مصر. ([قال أبو داود] (¬3) وَهُوَ شَيبَانُ بْنُ أُمَيَّةَ) ويقال: ابن قيس القتباني بكسر القاف كما تقدم (يُكْنَى) بضم اليَاء مبني للمفعُول من كني بفتح الياء وكسر النون، كيرمى. (أَبَا حُذَيْفَةَ) يقالُ: يكنى أبا حذيفة وبأبي حذيفة، وفي كتَاب الخليل: الصَّواب الإتيان بالباء وهذا حُجة عليه (¬4). ولم يرو عنهُ أبو داود غير هذا الحَديث. [38] (ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ) قال: (ثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ) بضم العَيْن المُهملة القَيسي أبو محمَّد الحافظ البصري صنف الكتُب، [وكان من البحور] (¬5) قال: (ثَنَا زَكَرِيا بْنُ إِسْحَاقَ) المَكي، قال: (ثَنَا أَبُو الزُّبَيرِ) محمد بن مُسلم بن تدرس مولى حكيم بن حزام المكي القرشي، رَوَى عنه البخَاري في العمرى، ومُسلم في مَوَاضع. ¬

_ (¬1) في (س): ألبول. تصحيف. (¬2) في (ظ)، (م): الفسطاط. (¬3) من (ظ)، (م). (¬4) انظر: "العين" 5/ 411. (¬5) سقطت من (ص).

(أَنهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: نَهَانَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نمتسح) (¬1) بإسْكان الميم، المَسْح هو المرُور باليد أو ما فيها على الشيء (بِعَظْمٍ أَوْ بَعر) بفتح العَين والسكون لغة، وهو من كل ذي ظلف وخُف، استدلَّ به الشافعي (¬2) وأكثر أهل العِلم على أنه لا يجوز الاسْتجمار بالرَّوث والعِظَام، وأبَاحَ أبو حنيفة (¬3) الاستجمار بهما؛ لأنهما يُجففان النجاسَة وينقيان المحَل فهما كالحجر (¬4)، والحديث حُجة عليه. [39] (ثَنَا حَيوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ) الحَضرمي (الْحِمْصِيُّ) شيخ البخاري، قال: (ثَنَا) إسماعيل (ابْنُ عَيَّاشٍ) بالمثناة تحت وآخرهُ شين معجمة أبو عتبة [العنسي] (¬5) عَالم أهل الشام في عَصره. قال دحيم (¬6): هو في الشاميين غاية. وقال البخاري: إذا حَدث عن أهل حمصى فصَحِيح (¬7)، (عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو) أبي (¬8) زرعة [السَّيْبَانِيِّ بالسين المهملة] (¬9) نسبة إلى ¬

_ (¬1) في (ص): نمسح. تحريف، والمثبت من باقي النسخ الخطية. (¬2) انظر: "الأم" 1/ 73. (¬3) حكاه ابن عبد البر في "الاستذكار" 1/ 136. (¬4) انظر: "المغني" 1/ 215. (¬5) في (ص، س، ل): العصي، وفي (س، ظ، م): العصبي. وكلاهما تحريف، وما أثبتناه من "الإكمال" لابن ماكولا 6/ 354، و"الأنساب" للسمعاني 4/ 224. (¬6) في (ص): رحيم. تصحيف. (¬7) "التاريخ الكبير" 1/ 369 - 370. (¬8) في (س): ابن. تحريف. (¬9) في الأصول الخطية: الشيباني بالشين المعجمة. خطأ من المصنف، والمثبت من =

[سيبان ابن الغوث بن حمير ويقال بفتح السين المهملة وكسرها] (¬1) ثقة عَاش خمسًا وثمانين سَنة، توفي 148. (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ فيرُوز الدَّيْلَمِيِّ) المقدسي (¬2) (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَدِمَ وَفْدُ الجِنِّ) الجن والجنَّة خلاف الإنس؛ سُمُّوا بذلك لاستتارهم. قال الثعلبي: كانوا تسعَة قدمُوا أولًا عَلَى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذهبُوا إلى قومهم فاستجاب (¬3) منهم [نحو من] (¬4) سَبعين رجُلًا، فرجعُوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوَافقوهُ بالبطحاء، فقرأ عليهم القرآن (¬5) وأمرهم ونهاهم (¬6). (فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ) لعَل هذا كان قبل أن ينزل قوله تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} (¬7) (انْهَ أُمَّتَكَ) من النَّهي الذي هو ضد الأمر (أَنْ يَسْتَنْجُوا بِعَظْمٍ أَوْ رَوْثَة) فيه حجة للشافعي وأكثر أهل العِلم أن العَظم والرَّوْث لا يجوُز الاستجمار بهما، وأباح أبو حنيفة الاستنجاء بهما؛ لأنهما يجففان النجاسة وينقيان المحل فهما كالحجر (¬8)، وهذا الحَديث حجة عليه. ¬

_ = "الإكمال" لابن ماكولا 5/ 111، و"الأنساب" للسمعاني 3/ 379. (¬1) في (ص): شيبان العرب بن حمير، وفي (س، ل): شيبان الغوث بن حمير. وفي (ظ، م): شيبان، والمثبت من (د)، و"الأنساب" للسمعاني 3/ 379. (¬2) في (ص، س، ل): القرشي. والمثبت من "الكاشف" (2943). (¬3) في (ص): فاستجار. تصحيف، والمثبت من "تفسير الثعلبي". (¬4) سقط من (ص، س، ل)، والمثبت من "تفسير الثعلبي". (¬5) سقط من (د، ظ، م)، والمثبت من "تفسير الثعلبي". (¬6) "تفسير الثعلبي" 9/ 23. (¬7) النور: 63. (¬8) انظر: "المغني" لابن قدامة 1/ 215.

(أَوْ حَمَمَةٍ) بفتح الميم [وزان رطبة] (¬1)، هو الفحمة، وفي حديث الرَّجم: أنه مر بيَهُودي محمم (¬2) أي مُسود الوجه بالحممَة يعني: الفحمة، وجمعها: حمم بحذف الهاء، ومنهُ الحَديث: "إذا مِت فأحرقوني بالنار حَتى إذا صرت حممًا فاسحقوني" (¬3) (فَإِنَّ الله عز وجل جَعَلَ لَنَا فِيهَا (¬4) رِزْقًا) وفي "دلائل النبوة" للحافظ أبي نعيم: أن الجِنَّ قالوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة الجنّ: أعطنا هَدية. فقال رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - "أعطيتكم العَظم والروث". فلعَل النبي - صلى الله عليه وسلم - لمَّا جعل لهم ذلك، قالوا له: انه أمتك أن يستنجوا بهما، فإذا وجدَ الجِنّ عظمًا أو روثًا جعل الله لهم العَظم كأن لم يؤكل منه لحم فيَأكلهُ الجنّ، وجعل الله روث الدواب إن كانت أكلت شعيرًا كأن الروث شَعيرًا لم يؤكل، وجعله تبنًا إن كانت (¬5) الدوَاب أكلت تبنًا وغير ذلك من العَلف، فيكون ذلك علفًا لدوابهم، ويشبه أن يجعل الله الفحم خَشبًا لنارهم التي يقدوُنها (¬6)، وذلك مُعجزة لرسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا إذا لم يستنج أحد بالعظم والرَّوث والفحم، فأما إذا استنجى به أحدكم فلم يبق فيه نَفع لهم، ويحتمل أن يكون رزقهم من ذلك هو الرائحة التي تظهر لهم ونحو ذلك، فيكون ¬

_ (¬1) سقط من (ص)، وفي (س): وزن رطبة. (¬2) رواه مسلم (1700) (28)، وأبو داود (4448)، من حديث البراء بن عازب. (¬3) رواه البخاري (6481، 7508)، ومسلم (2757) (28)، وأحمد 3/ 77 من حديث أبي سعيد الخدري. (¬4) في (ص، د، ل): فيه. (¬5) في (ص، س، ل): كان. (¬6) في (س): يقرونها. تصحيف، وفي (ظ، م): يوقدونها.

قوتهم (¬1) لا نفس العَين (¬2) فإن أجسادهم لطيفة لا يليق بها أن يلج فيها نفس العَظم والروث والفحم، والله أعلم. (فَنَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ) فيحتمل أن يكونَ النَّهي بوحي من الله تعالى عقب سُؤالهم أو باجتهاد منه عند من يقول به. * * * ¬

_ (¬1) في (ص): قولهم. تحريف. (¬2) في (س): العيب. تحريف.

21 - باب الاستنجاء بالحجارة

21 - باب الاسْتِنْجاءِ بِالحِجارَةِ 40 - حَدَّثَنا سَعِيدُ بْن مَنْصُورٍ وَقُتَيْبَة بْنُ سَعِيدٍ قالا: حَدَّثَنا يَعْقُوبُ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حازِمٍ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ قُرْطٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إِذا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إِلَى الغائِطِ فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلاثَةِ أَحْجارٍ يَسْتَطِيبُ بِهِنَّ؛ فَإِنَّها تُجْزِئُ عَنْهُ" (¬1). 41 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ خُزَيْمَةَ، عَنْ عُمارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ، عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثابِتٍ قالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الاسْتِطابَةِ فَقالَ: "بِثَلاثَةِ أَحْجارٍ لَيْسَ فِيها رَجِيعٌ". قالَ أَبُو داوُدَ: كَذا رَواهُ أَبُو أُسِامَةَ وابْن نُمَيرٍ، عَنْ هِشامٍ، يَعْنِي ابن عُرْوَةَ (¬2). * * * باب الاستنجاء بالأحجار [40] (ثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ) بن شعبة الخراساني ولد بجوزجان، ونشأ ببلخ، وطاف البلاد وسَكن مكة، ومَات بها، (وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ) أبو رجَاء البَلخي (قَالا (¬3): ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) القاري (¬4) ¬

_ (¬1) رواه النسائي 1/ 41، وأحمد 6/ 108، 133، والدارمي (697). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (31). (¬2) رواه ابن ماجه (315)، وأحمد 5/ 213 - 214، ، والدارمي (698). وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (32): حسن أو صحيح. (¬3) في (ص، س): قال. خطأ. (¬4) في الأصول الخطية: المقري. تحريف، والمثبت من "الأنساب" للسمعاني 4/ 407، و"تهذيب الكمال" (7095).

المدني (¬1) نزل الإسكندرية، روى له الشيخان (عَنْ أَبِي حَازِمٍ) بالحاء المُهملة والزاي سَلمة بن دينار مولى الأسْود بن سفيان أبو حَازم الأعرج الزاهد الحكيم، قال يحيى بن صالح الوحاظي (¬2): قلت لابن أبي حَازم: أبوك سَمِعَ من أبي هُريرة؟ قال: من حَدَّثك أن أبي سَمِعَ من الصَّحَابة غَير سَهْل بن سَعد فقد كذب (¬3). ومن كلامه: النظر في العَواقب تنقيح للعُقول وكل نعمة لا تقرب منَ الله فهي بليَّة. (عَنْ مُسْلِمِ بْنِ قُرْطٍ) بالمهملة بضم القاف أخرج له المصَنف والنسائي هذا الحديث فقط. (عَنْ عُرْوَةَ بن الزبير، عَنْ عَائِشَةَ) - رضي الله عنها - (أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إِلَى الغَائِطِ) في (¬4) الأبنية، إن لم يكن فيها ماء، أو الصحراء (فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ يَسْتَطِيبُ) بإثبات اليَاء المثناة تحت ورفع البَاء الموَحَّدة (بِهِنَّ) على أنَّ جمله "يستطيب بهن" صفة للأَحجار، ويجوزُ حذف اليَاء وإسكان البَاء الموَحدة على أنه جَوَاب الأمر، وهذان (¬5) الوجهان كالوجهين في قوله تعالى: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} (¬6) ويدل على جَوَاب الأمر ¬

_ (¬1) في (ص، ل): الأوفى. تحريف، وبياض فى (س)، والمثبت من (د، ظ، م)، و"تهذيب الكمال" (7095). (¬2) في (ص، ل): المرحاطي. تحريف، والمثبت من (د، س، ظ، م)، و"الأنساب" للسمعاني 5/ 480، و"تهذيب الكمال" (6846). (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 11/ 275. (¬4) في (ص): هي. وفي (س): من، وكلاهما تحريف، والمثبت من (د، ظ، ل، م). (¬5) في (ص، ل): هذا. (¬6) مريم: 5، 6.

رواية النسائي ولفظهُ: "بثلاثة أحجار فليَستطب بها" (¬1) بلام الأمر، وسُمي استطابة؛ لأن النفس تطيب بإزالة الخبث (فَإِنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهُ) بضَم أوله يقال منه: أجزأ بالألف والهَمز بمعنى أغنى. قال الأزهري: الفقهاء يقولون فيه أجزى بغير (¬2) همز (¬3)، ولم أجدهُ لأحد من أئمة اللغة، ولكن إن همز أجزأ فهو بمعنى كفى (¬4)، هذا لفظه، وهذا مما استدل به على وجوب الاستنجاء؛ لأنه أتى فيه بصيغة الأمر، والأمر يقتضي الوُجُوب، وقال فيه فانها تجزئ، والإجزاء إنما يُستعمل في الواجب. [41] (ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيلِيُّ) قال: (ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ) محمد بن خَازم الضرير (¬5) قال ابن معين: ثقة (¬6) في حديثه، (عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ) [ثقة إمام في الحديث] (¬7). (عَنْ عَمْرِو بْنِ خُزَيْمَةَ) المدني (¬8) وثق، (عَنْ عُمَارَةَ) بضم العَين وآخرهُ ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 1/ 41. (¬2) في (د، ظ، م): من غير. (¬3) "تهذيب اللغة" للأزهري (جزى). (¬4) "تهذيب اللغة" للأزهري (جزى). (¬5) في (ص): العزيز. تحريف. (¬6) في (ص، د، ظ، ل، م): هو. تحريف. (¬7) في الأصول الخطية: لا بأس به صالح. وهو وهم من المصنف، وما أثبتناه من "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم 9/ 64، وانظر: "تهذيب الكمال" 30/ 238. (¬8) في (ص، د، س، ل): المديني. والمثبت من "الجرح والتعديل" 6/ 229، و"الكاشف" 4151.

هاء التأنيث (بن خُزَيْمَةَ) ثقة (¬1) (عَنْ) أبيه (خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الاسْتِطَابَةِ فَقَالَ: بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ لَيْسَ فِيهَا رَجِيعٌ) استدل به على أنهُ لا يجزئ أقل من ثلاثة أحجار، خلافًا لأبي حَنيفة (¬2) واشترط الشافعي وأحمد إكمال الثلاثة والإنقاء بها، فإن وجد أحَدهما لم يجز (¬3). وقال مالك: الواجب الإنقاء دون العَدَد وللحَديث المتقدم: "من استجمر فليُوتر منْ فعل فقد أحسَن ومن لا فلا حَرج" (¬4). (وكذا رَوَاهُ أَبُو أُسَامَةَ) حَماد بن أسَامة بن زيد القرشي الكُوفي (و) عبد الله (ابنُ نُمَيرٍ، عَنْ هِشَامٍ بْنَ عُرْوَةَ) بالسَّند المذكور. * * * ¬

_ (¬1) سقطت من (س). (¬2) انظر: "فتح القدير" 1/ 394، و"الهداية شرح البداية" 1/ 39. (¬3) انظر: "الأم" 1/ 73، و"مسائل أحمد وإسحاق رواية الكوسج" (77). (¬4) انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر 1/ 135.

22 - باب في الاستبراء

22 - باب فِي الاسْتِبْراءِ 42 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَخَلَفُ بْنُ هِشامِ المُقْرِئُ قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحيَى التَّوْأَمُ (ح) وحَدَّثَنا عَمْرُو بْن عَوْنٍ قالَ: أَخْبَرَنا أَبُو يَعْقوبَ التَّوْأَمُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: بالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فقامَ عُمَرُ خَلْفَهُ بِكُوزٍ مِنْ ماءٍ فَقالَ: "ما هذا يا عُمَرُ؟ ". فَقالَ: هذا ماءٌ تَتَوَضَّأ بِهِ. قالَ: "ما أُمِرْتُ كُلَّما بُلْتُ أَنْ أَتَوَضَّأَ، وَلَوْ فَعَلْتُ لَكانَتْ سُنَّةً" (¬1). * * * باب في الاستبراء [42] (ثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَخَلَفُ بْنُ هِشَامٍ) [بن ثعلب] (¬2) أبو محمد البزار سكن بغدَاد (المُقْرِئُ)، أخرج لهُ مُسلم في النكاح وغَيره، (قَالاَ: ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى) الثقفي أبوُ يعقوب (التَّوْأَمُ) بفتح المثناة وإسكان الواو بعدها همزة مفتوحة [وزان جوهر] (¬3) وهو اسم لولد يكوُن معهُ آخر في بَطن (¬4) واحد، لا يُقال توأم إلا لأحدهما، والولدَان توأمَان، البَصري، ويقالُ: اسُمهُ عَبادة وكنيته أبو يعقوب. (وثَنَا عَمْرُو بْنُ [عَوْنٍ) الواسطي] (¬5) البَزاز (¬6) الحَافظ (قَالَ: ثنا أَبُو ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (327)، وأحمد 6/ 95. وحسن إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (9). (¬2) سقط من (ظ، م). (¬3) ساقط من (ص)، وفي (س): ووا وجوهر. تحريف، والمثبت من (د، ظ، ل، م). (¬4) في (س): قطن. تحريف. (¬5) في (ظ): عوف الرابطي. تحريف. (¬6) في (ص، د، ل): البزار وفي (ظ): البراد. وكلاهما تصحيف، وبدون نقط في (س، م)، والمثبت من "تهذيب الكمال" (4423)، و"الكاشف" (4207).

يَعْقُوبَ) عَبد الله بن يَحيى (التوأم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيكَةَ) نسبة إلى جده (عَنْ أُمِّهِ). قال المنذري: هى مجهُولة. (عَنْ عَائِشَةَ) - رضي الله عنها - (قَالَتْ: بَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَامَ عُمَرُ خَلْفَهُ بِكُوزٍ مِنْ مَاءٍ فَقَالَ: مَا هذا يَا عُمَر) والكوز مَا كانَ له عرى وآذان، فإن لم يكن لها عرى ولا خراطيم فهي أكواب (¬1)، فيه خدمة (¬2) التابع للمتبُوع وإتيانه بما يحتاج إليه، وإن لم يأمرهُ بإتيانه، قد يستدل به (¬3) على جواز الكلام للجَالس لقضاء الحاجة إذا احتاج إليه، وفيه إكرام العَالم بالخدمة وإحضَار ما يحتاج إليه، من ماء وحجر وغير ذلك، وإن لم يَطلبه (فَقَالَ: هذا مَاءٌ تَوَضَّأُ) أصلهُ بتاءين حُذفت إحداهما (¬4)؛ لاجتماع المثلين تخفيفًا، هذِه رواية الخطيب، والرواية بتاءين على الأصل (به). قال النووي (¬5): المرادُ بالوضوء هنا الاستنجاء بالماء (¬6). ليستبرئ به أي: ينقي موضع البَول ومجراهُ، فإنهُ أبلغ من الحجارة في الإنقاء، وفيه رد لما قالته الزيدية والهاشمية من الشيعة أنه لا يجوز الاستنجاء بالأحجار مع وجود الماء، لكن لا يعتد بخلافهم. (فقَالَ: مَا أُمِرْتُ كلَّمَا بُلْتُ) بضم البَاء (¬7) الموَحدة (أَنْ أَتَوَضَّأَ) أي: ¬

_ (¬1) في (ص): فهو أكواز. تحريف، والمثبت من باقي النسخ الخطية. (¬2) في (ص): قدمه. وفي (ظ): خدمته، تحريف، والمثبت من (د، س، ل، م). (¬3) ساقط من (د، ظ، م). (¬4) في (س): إحداها. (¬5) سقط من (س). (¬6) "المجموع" 2/ 99. (¬7) سقط من (ظ، م).

أستنجي بالماء، سمُي وضوءًا؛ لأنهُ أيضًا مُوجب للنظافة والحُسن كما يُوجب الوضُوء في الأعضاء (وَلَوْ فَعَلْتُ) هذِه الخصلة (لَكَانَتْ) يعني: فعلة الاستنجاء بالماء من البول (سُنَّةً). قال النووي: أي: لكان ذلك واجبًا لازمًا، قال: ومعناه: لو واظبت على الاستنجاء بالماءِ لصار (¬1) طريقة لي يجبُ اتباعها (¬2) وقد يستدل به القائل بأن أفعاله - صلى الله عليه وسلم - للوُجوب. قال ابن السمعاني: وهو الأشبه بمذهب الشافعي (¬3)، وأنهُ الصَّحيح، لكنهُ لم يتكلمهُ (¬4) إلا فيما ظهر فيه [قصدًا للقربة] (¬5) كما في هذا الحديث، ومال غيره إلى الوجوب مطلقًا. * * * ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): لصارت. والمثبت من "المجموع". (¬2) "المجموع" 2/ 99. (¬3) انظر: "الأم" 1/ 74. (¬4) في (د، ظ، م): يتكلم. (¬5) في (ص): قصدًا للعزم.

23 - باب في الاستنجاء بالماء

23 - باب فِي الاسْتِنْجاء بالماءِ 43 - حَدَّثَنا وَهْبُ بْن بَقِيَّةَ، عَنْ خالِدٍ -يَعْنِي: الواسِطِيَّ- عَنْ خالِدٍ -يَعْنِي: الحَذَّاءَ- عَنْ عطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ حائِطًا وَمَعَهُ غُلامٌ مَعَهُ مِيضَأَةٌ، وَهُوَ أَصْغَرُنا، فَوَضَعَها عِنْدَ السِّدْرَةِ، فَقَضَى حاجَتَهُ، فَخَرَجَ عَلَيْنا وَقَدِ اسْتَنْجَى بِالماءِ (¬1). 44 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن العَلاءِ، أَخْبَرَنا مُعاوِية بْن هِشامٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ الحارِثِ، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ أَبِي صالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ فِي أَهْلِ قُباءَ: {فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} قالَ: كانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالماءِ، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هذِه الآيَةُ" (¬2). * * * باب فيِ الاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاء [43] (ثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّة (¬3) الوَاسِطِي) شيخ مسلم عن (خالد) بن عبد الله [(يعني (¬4) الواسطي)] (¬5) الطحان ثقة عابد شرى نفسه من الله ثلاث مرات، يتصدق بزنة نفسه فضة توفي 179 (عَنْ خَالِدٍ) بن مهران (يعني (¬6): الحَذَّاءَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيمُونَةَ) أبي معَاذ البصري مولى ¬

_ (¬1) رواه البخاري (150)، ومسلم (270)، (271). واللفظ لمسلم. (¬2) رواه الترمذي (3100)، وابن ماجه (357). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (34). (¬3) في (ص): تقية. تصحيف، والمثبت من (د، س، ظ، ل، م) و"التهذيب" (6750). (¬4) من (ظ، م). (¬5) سقط من (ص)، والمثبت من (د، س، ظ، ل، م). (¬6) من (ظ، م).

أنس بن مالك، أخرج له البخَاري حَديثًا واحدًا، وتابعه عليه مسلم. (عَنْ أَنَسِ) كان رَسُولَ اللهِ إذا برَز لَحاجَته أتيته بماء فيغتسل به. (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ حَائِطًا) أي: بُستانًا سمي بذلك، لأن عليه حائطًا يحوطهُ (وَمَعَهُ) رواية البُخاري: كانَ النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا خرَجَ لحَاجته أجيء أنا وغُلام معنا إداوة (¬1) وفي رواية الإسماعيلي من طريق عاصم بن علي عن [شعبة فأتبعهُ] (¬2) وأنا غُلاَمٌ بتقديم الواو فتكون حالية، وتعقبهُ الإسماعيلي. فقال: الصَّحيح أنا وغلام. أي: بواو العَطف (¬3). (غلام) وفي رواية للبخَاري: أنَا وغُلام منا (¬4). ولمُسلم: نحوي (¬5)؛ أي: [مقارب لي] (¬6) في السِّن. والغُلام هو المترعرع. قاله أبو عبيد. وقال في "المحكم": من لدُن الفطام إلى سَبع سنين. وحكى الزمخشري في (¬7) "أساس البلاغة": الغُلام هو الصَغير إلى حد الالتحاء، فإن قيل له: غلام بعد الالتحاء فهو مجَاز (¬8). (مَعَهُ مِيضَأَةٌ) بكسر الميم مهموز يمد ويقصر، المطهرة يتوضأ ¬

_ (¬1) البخاري (150). (¬2) في (د): شعبة فاتبعته. وفي (ظ، م): سعيد واتبعه. تحريف، والمثبت من "فتح الباري". (¬3) انظر: "فتح الباري" 1/ 252. (¬4) البخاري (151). (¬5) مسلم (271) (70). (¬6) في (ص، س): يقارب. (¬7) من (د، ظ، م). (¬8) انظر: "فتح الباري" 1/ 302.

منها (¬1)، ورواية البخاري: إداوة، وهي الإناء الصَغير من الجلد (¬2) (وَهُوَ أَصْغَرُنَا) هذا يردّ على من قال: إن الغُلام هو ابن مسعود؛ لأن في الحديث: "أليس فيكم صاحب النعلين والمطهرة" (¬3). وكان ابن مسعود يتولى خدمة النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك. ووجه الردِّ أن ابن مسعود أكبر من أنس (فَوَضَعَهَا عِنْدَ السِّدْرَةِ) هي ظلة على الباب؛ لتقي البَاب من المطر. (فقضى حاجته) وفيه دليل على جواز استخدام الأجراء، وخصوصا إذا أرصدوا لذلك، ليحصل لهم التمرن على التواضع وخدمة العلماء والصالحين. وفيه أن في خدمة العالم شرفا للمتعلم، لكون أبي الدرداء مدح ابن مسعود في قوله: أليس فيكم صاحب النعلين؟ لأنه كان يتولى خدمتهما، واستدل به بعضهم على استحباب التوضؤ من الأواني دون الأنهار والبرك ولا يستقيم له هذا إلا إذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وجد الأنهار والبرك فعدل عنها إلى الأواني (¬4). (فَخَرَجَ عَلَينَا وَقَدِ اسْتَنْجَى بِالْمَاءِ) وقد فهم من قوله: فَخَرَجَ عَلَيْنَا أنهُ من قول أنس، خلافًا لمن زَعَمَ أن قوله: وَقَدِ اسْتَنْجَى بِالْمَاءِ من قول عطاء ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب اللغة" 12/ 70. (¬2) لم أجده في "أساس البلاغة" وانظر: "فتح الباري" 1/ 302، وقال أبو عبيد عن الفراء: الإداوة المطهرة. "تهذيب اللغة" 14/ 172. (¬3) رواه البخاري (3742) من حديث أبي الدرداء بلفظ: "أوليس عندكم ابن أم عبد صاحب النعلين والوساد والمطهرة؟ ". وقال ابن حجر في "الفتح" 1/ 303: وإيراد المصنف لحديث أنس مع هذا الطرف من حديث أبي الدرداء يشعر إشعارا قويا بأن الغلام المذكور في حديث أنس هو ابن مسعود، ولفظ الغلام يطلق على غير الصغير مجازا. (¬4) انظر: "فتح الباري" 1/ 302.

فيكونُ مدرجا (¬1)، وفيه (¬2) رد على الأصيلي حيث (¬3) اعترض على البخاري في استدلاله بهذا الحَديث على الاستنجاء بالماء قال؛ لأن قوله في الحديث يستنجى به ليس هو من قول أنس، إنما هو من قول أبي الوليد أحد الرواة عن شعبة، وهذِه الرواية ترد على ما قاله الأصيلي وتشهد للبخاري (¬4)، وفي قوله: وقد استنجى بالماء. رد على من زعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستنج (¬5) بالماء، إنما كان يستعمل الأحجار. وقد روى ابن أبي شيبة بأسَانيد صَحيحة عن حُذيفة بن اليمان أنه سُئل عن الاستنجاء بالماء فقال: إذًا لا يزال في [يدي نتن] (¬6)، وعن نافع أن ابن عُمر كان لا يستنجى بالماء (¬7)، وعن ابن الزبير قال: ما كنا نفعَله (¬8). ونقل ابن التين (¬9) عن مالك أنه أنكر أن يكونَ النبي - صلى الله عليه وسلم - استنجى بالماء، وعن ابن حبيب (¬10) من المالكية أنه مَنَع الاستنجاء بالماء لكونه ¬

_ (¬1) المدرج في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يذكر الراوي عقيبه كلاما لنفسه أو لغيره فيرويه من بعده متصلا، فيتوهم أنه من الحديث. قاله النووي في "التقريب والتيسير" (ص 46). (¬2) في (ص، س، ل): قيل. تحريف، والمثبت من "فتح الباري". (¬3) في (ص، س، ل): حين. والمثبت من "فتح الباري". (¬4) انظر: "فتح الباري" 1/ 302. (¬5) في جميع النسخ: يستنجي. بإثبات الياء، والمثبت الصواب. (¬6) في (ص): أنس. تحريف. ومطموسة في (ل). (¬7) "المصنف" 2/ 175 (1659). (¬8) "المصنف" 2/ 175 (1659). (¬9) انظر: "الكاشف" (6577). (¬10) في (س): جبير. تحريف.

مطعومًا (¬1). [44] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاَءِ) بن كريب الهمداني (¬2). قال ابن عقدة (¬3): ظهر لأبي كريب بالكوفة ثلاثمائة ألف حَديث مَاتَ سنة 248 وعُمره أربع وثمانون سنة، وكان أكبر من ابن حَنبل بثلاث سنين. قال: (أنبأنا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ) القصَّار الكوفي، أخرج لهُ مسلم في الإيمان والحُدود واللعَان، مَاتَ سنة أربع أو خمس ومائتين (¬4) (عن يونس (¬5) بْنِ الحَارِثِ) الطَّائفي، نَزل الكُوفة، أخرَجَ له الترمذي وابن مَاجه [وليس بالقَوي] (¬6) [عن إبراهيم (¬7) بْنِ أَبِي مَيمُونَةَ] أخرج له الترمذي وابن ماجَه) (¬8) أيضًا. (عَنْ أَبِي صَالِح) السمان (¬9) (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ فِي أَهْلِ قُبَاءَ) بضم القاف يمد ويقصر ويصرف ولا يصرف ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" 1/ 302. (¬2) في (ص، س، ل): الهملاني. تحريف. والمثبت من "التاريخ الكبير" 1/ 205، و"تهذيب الكمال" (5529). (¬3) في الأصول الخطية: عبدة. تحريف، والمثبت من "تهذيب الكمال" 26/ 247، و"الكاشف" (5179)، وهو أحمد بن محمد بن سعيد، أبو العباس، ابن عقدة الكوفي. انظر: "هدية العارفين" 1/ 60. (¬4) في (ص، س، ل): وثمانين. تحريف، والمثبت من "تهذيب الكمال" 28/ 220 و"الكاشف" (5535). (¬5) في (ص): ابن بشر. تحريف. (¬6) انظر: "الكاشف" (6577). (¬7) سقط من (ص، ل). (¬8) سقط من (س). (¬9) سقط من (ص).

مسجد بقرب [مدينة النّبي - صلى الله عليه وسلم -] (¬1) من جهة الجنوب بنحو ميلين، ثم فسّر الآية ({فِيهِ رِجَالٌ}) أثنى الله عليهم ({يُحِبُّونَ}) أي: يحرصون حرص المحب للشيء المشتهي له ({أَنْ يَتَطَهَّرُوا}) قرئ (يطَّهروا) بالإدغام. قال الحسن: هو التطهر من الذنوب بالتوبة، وقيل: {يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} بالحُمى المكفرة للذنوب فحموا عن آخرهم (¬2). (قَالَ: كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ) هكذا رواية الترمذي، وابن مَاجَه (¬3) وليس فيه اتباع الأحجار بالماء، وروى أحمد، وابن خزيمة، والطبراني، والحاكم، عن عويم بفتح الواو مصَغر ابن سَاعدة نحوه (¬4). وأخرجه الحاكم من طريق مجَاهد، عن ابن عَباس: لما نزلت هذِه الآيَةُ بَعث النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى عويم بن سَاعدة فقال: "ما هذا الطهور الذي أثنى الله عليكم به" قال: ما خرج منا رجل ولا امرأة (¬5) من الغَائط إلا غسل دبُرَهُ. فقال عليه الصَّلاة والسلام: "هو هذا" (¬6). ورواه البزار في "مُسنده" عن عُبيد الله بن عبد الله، عن ابن عَباس، قَالَ: نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ فِي أَهْلِ قُبَاءَ {رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): المدينة للنبي. (¬2) انظر: "تفسير الزمخشري" 2/ 311. (¬3) "سنن الترمذي" (3100)، و"سنن ابن ماجه" (357)، وقال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجه. (¬4) "مسند أحمد" 3/ 422، و"صحيح ابن خزيمة" (83)، و"المعجم الأوسط" للطبراني (5885)، و"مستدرك الحاكم" 1/ 155. (¬5) في (ص): أهداه. تصحيف. (¬6) "المستدرك" 1/ 187، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.

الْمُطَّهِّرِينَ} فسألهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: إنا نتبع الحجارة الماء. قال البزار: لا نعلم أحدًا رواهُ عن الزهري إلا محمد بن عبد العزيز ولا عنه إلاَّ ابنه (¬1). وقول النووي تبعًا لابن الصَّلاح: إن الجمع في أهل قبَاء لا يعرف (¬2)، وتبعهُ ابن الرفعة (¬3) فقال: لا يوجد هذا في كتُب الحَديث (¬4)، وكذا قال المحب الطبَري نحوه. (فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هذِه الآيَةُ) مدحًا لهم، لما نزلت مشى رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعهُ المهاجرون حتى وقف على باب مسجْد قباء، فإذا الأنصَار جُلوس. فقال: "مُؤمنون أنتم؟ " فقال عُمر: إنهم لمؤمنون وأنا معهم، فقال عليه الصَّلاة والسَّلام: "أترضون بالقضاء؟ "، قالوا: نعم، قال: "أتشكرون في الرخَاء؟ " قالوا: نعم، قال: "مؤمنون ورب الكعبَة". فجلس فقال (¬5): "إن الله أثنَى عليكم" (¬6) .. الحَديث. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "كشف الأستار عن زوائد البزار" (247). (¬2) انظر: "خلاصة الأحكام" للنووي 1/ 164. (¬3) في (ظ، م): رفقة. تحريف. (¬4) انظر: "المجموع" للنووي 2/ 100. (¬5) في (د، ظ، م): ثم قال. (¬6) رواه ابن بشران في "أماليه" (494) من حديث أنس بن مالك إلى قوله: فجلس. وذكره الزمخشري في "تفسيره" 2/ 311، وروى الطبراني في "معجمه الأوسط" (9427) نحوه من حديث ابن عباس.

24 - باب الرجل يدلك يده بالأرض إذا استنجى

24 - بابُ الرَّجُلِ يُدَلِّكُ يَدَهُ بالأرْضِ إذا اسْتَنْجَى 45 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْن خالِدٍ، حَدَّثَنا أَسْوَدُ بْنُ عامِرٍ، حَدَّثَنا شَرِيكٌ، وهذا لَفْظُهُ (ح) وحَدَّثَنا محَمَّد بْن عَبْدِ اللهِ - يَعْنِي: المُخَرِّمِيَّ - حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عَنْ شَرِيكِ، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنِ المُغِيرَةِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قالَ: كانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذا أَتَى الخَلاءَ أَتَيْتُهُ بِماءٍ فِي تَوْرٍ أَوْ رَكْوَةٍ فاسْتَنْجَى (¬1). قالَ أَبُو داوُدَ: فِي حَدِيثِ وَكِيعٍ: ثمَّ مَسَحَ يَدَهُ عَلَى الأرضِ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِإِناءِ آخَرَ فَتَوَضَّأَ. قالَ أَبُو داوُدَ: وَحَدِيث الأسْوَدِ بْنِ عامِرٍ أَتَمُّ. * * * باب: يُدَلِّكُ يَدَهُ بِالأَرْضِ إِذَا اسْتَنْجَى [وفي بعضها: بابُ الرجل يدلك يده بالأرض] (¬2). [45] (ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ) أبو ثورٍ الكلبي البغدادي أحد المجتهدين، (قال: ثَنَا الأسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ) شاذان بالذال المعجمة، (قال: ثَنَا شَرِيكٌ) بن عبَد الله بن أبي شريك النخعي، استشهد به البخاري تعليقًا في "الجامع" (¬3)، روى لهُ في "رفع اليَدين [في الصَّلاة] (¬4) " (¬5)، ¬

_ (¬1) رواه النسائي 1/ 45، وابن ماجه (358، 473)، وأحمد 2/ 311، 454، وابن حبان (1405). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (35). (¬2) سقط من (ظ، م)، وفي (د، س، ل): وفي بعضها باب الرجل يدلك. (¬3) "صحيح البخاري" (1250). (¬4) سقط من (ظ، م). (¬5) "رفع اليَدين في الصَّلاة" للبخاري (17، 60).

ومسلم (¬1) في المتابعات، سأله (¬2) النخعي فقال: من أدَّبك؟ فقال: أدبتني نفسي والله (¬3)، ولدت بخراسَان، فحملني ابن عَم لنا حَتى طَرحني عند ابن عم لي بنهر صَرْصَر، فكنتُ أجلس إلى معلِّمٍ لهم فعلق (¬4) بقلبي تعلم القرآن، فجئتُ إلى شيخهم. فقلتُ: يا عَماه الذي [تجريه عليَّ] (¬5) هُنا أجرِهِ عليَّ في الكوفة أعرف بها السُّنة، قال: وكنتُ بالكوفة أضرب بها اللَّبِن (¬6) وأبيعه وأشتري دفاتر وطروسًا (¬7)، فأكتُب فيها العِلم والحديث، ثم طَلبت الفقه فَصِرت ما ترى، وكان [جده شهِدَ] (¬8) القادسيَّة. (و (¬9) ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ) بن المبارك القرشي (¬10) وفي نسخة الخَطيب. (يَعْنِي (¬11): المُخَرِّمِيَّ) بضم الميم وفتح الخاء المعجمة والراء (¬12) ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (457) (166). (¬2) في (ص، س): سالم. وهو تحريف، والمثبت من (د، ظ، ل، م). (¬3) سقط من (ظ، م). (¬4) في (ص): فعلوا. والمثبت من (د، ظ، ل، م). وبياض في (س). (¬5) في (د، ظ، م): أنت تجريه عليه. وفي (س): يحدثه عليه. والمثبت من (ص، ل). (¬6) في (س): الكتب. تحريف. (¬7) الطرس: الصحيفة، ويقال هي التي محيت ثم كتبت. "لسان العرب" (طرس). (¬8) في (ص): حديثي بنهر. تحريف، والمثبت من (د، س، ظ، ل، م). (¬9) سقط من (ص). (¬10) في (ظ، م): القدسي. تصحيف، والمثبت من باقي النسخ الخطية، و"تهذيب الكمال" (5371). (¬11) سقط من (ظ، م). (¬12) في (ص، ل): الميم. والمثبت من (د، س، ظ، م).

المشددة المكسورة [نسبة إلى المخرم محلة ببغداد] (¬1) البغدادي قاضي حلوان شيخ البخاري. (قال: ثَنَا وَكِيعٌ) بن الجراح (عَنْ شَرِيكٍ) بن عبد الله النخعي المذكُور. (عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ جَرِيرٍ) بفتح الجيم وتكرير الراء، ابن عبد الله البجَلي. (عَنْ) ابن أخيه (¬2) (أَبِي زُرْعَةَ) هَرِم بفتح الهاء وكسر الراء (¬3) ابن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي سمِعَ جده جريرًا. (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَتَى الخَلاَءَ أَتَيتُهُ بِمَاءٍ) قال بعضُهم: أبو هريرةَ الذي أتاهُ بالماء في هذا الحَديث هو الغُلام الذي كانَ معهُ الميضَأة في حديث أنس المتقدم. (فِي تَوْرٍ) بفتح المثناة فَوق، قال الزمخشري: التَّور إناء صغير، وهو مُذكر عند أهل الحجاز (¬4). فارسي مُعرب. وفيه جواز الاستعانة [بإحضار ماء] (¬5) الوضوء والغسل بلا كراهة. ¬

_ (¬1) ذكرت هذة العبارة في (د، ظ، م): في نهاية الفقرة. (¬2) الإسناد في المطبوع من "السنن" المطبوعة: إبراهيم بن جرير عن المغيرة عن أبي زرعة، والصواب حذف (عن المغيرة). انظر: "تحفة الأشراف" 10/ 437 (14886)، ولا توجد لإبراهيم بن جرير رواية عن المغيرة في الكتب الستة، انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 63 (157)، "المسند الجامع" 16/ 514. (¬3) في (ص، ل): الميم. والمثبت من (د، ظ، م، ر). (¬4) "أساس البلاغة" (تور). (¬5) في (ص، س، ل): بماء. والمثبت من (د، ظ، م).

قال شارح "المصَابيح": [التور شبه] (¬1) إجانة، وهي القصرية تكون (¬2) من نحاس أو خزف أو حجر، يتوضأ منهُ ويؤكل فيه الطعَام. (أَوْ رَكْوَةٍ) [لأحد الشيئين] (¬3)؛ يَعني: تارة آتيه بماء في تور، وتارة في ركوة، والركوة ظرف من جلد يتوضأ منه، قال: ويحتمل أن يكُون الشك ممَّن روى عن أبي هُريرة؛ شك في أنهُ سَمِعَ من أبي هريرة أنهُ قال: في تور، أو قال: في ركوة. (فاستنجى) بالماء مِنَ التور أو الركوة (ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ عَلَى الأَرْضِ) هذا يدُلُّ على أنهُ مسَحَ يدهُ على الأرض بعد الاستنجاء مِنهُ؛ لإزالة الرائحة من اليد، فيه استحباب مسح اليد بالتراب من الأرض أو الحائط لقوله في رواية البخاري وغيره: ثم دَلك يَدَهُ بالأرض أو الحائط (¬4). وفيه الردُّ على من كرهَ غسل اليَد بالتراب وقال: إنه يُورث الفقر. قال ابن دقيق العيد: قد يؤخذ منه الاكتفاء بِغَسْلة واحِدة؛ لإزالة النجاسة والغسل من الجنابة؛ لأن الأصل عدم التكرار، وفيه خِلاَف. انتهى (¬5). وصحَّح النووي وغَيره: أنَّهُ يجزِئ، لكن لم يتعين في هذا الحديث، أن ذلك كان لإزالة النجاسَة؛ لاحتمال أن يكُون ضَرَبَ يدهُ للتنظيف فلا ¬

_ (¬1) سقط من (س). (¬2) في (ص): وكور. تحريف. (¬3) في (ص، س، ل): لأجل الستر. تحريف. (¬4) "صحيح البخاري" (266). (¬5) "إحكام الأحكام" لابن دقيق العيد 1/ 69.

يدل على الاكتفاء، فأمَّا دَلك اليَد على الأرض فللمبالغة فيه ليكون أنقى كما قال البخَاري (¬1)، وأبعد من استدل به على نجاسَة المنيِّ أو على نجاسةِ رُطوَبة الفرج؛ لأن الغسل ليسَ مقصُورًا على إزالة النجاسَة. وقد صَرحَ البَغوي (¬2)، والروياني وآخرون، [بأنه يسنُّ] (¬3) للمستنجي أن يدلك يده بالأرض بعد غسل الدبر، وروى النسَائي (¬4)، وابن مَاجه (¬5) بإسنَاد جيد كما قال النووي (¬6)، عن جرير بن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل الغيضة (¬7) فقضى حَاجته ثم استنجى من إداوة (¬8) وَمَسَحَ يدهُ بالتراب. (ثُمَّ أَتَيتُهُ بِإِنَاء آخَرَ) قال شارح "المحصُول": ليس معنى هذا في قوله: (فَتَوَضَّأَ) منه أنهُ لا يجوز التوضؤ بالماء البَاقي من الاستنجاء بل يجوز، وإنما أتى بإناء آخر؛ لأنه لم يبق من الأول شيء أو بقي منه قليل لا يكفيه (وَحَدِيثُ الأَسْوَدِ بْنِ عَامِرٍ أَتَمُّ) من حديث محمد بن عبد الله المخرمي (¬9) وأكثر مَعنى. * * * ¬

_ (¬1) سمى البخاري في "صحيحه" قبل حديث (260) بَابُ مَسْحِ اليَدِ بِالتُّرَابِ لِتَكُونَ أَنْقَى. (¬2) "شرح السنة" 1/ 391. (¬3) في (ص، س، ل): فإنه ليس. والمثبت من (د، ظ، م). (¬4) "سنن النسائي" 1/ 45. (¬5) "سنن ابن ماجه" (359). (¬6) "المجموع" 2/ 112. (¬7) في (م): المغيضة. تحريف، والغيضة: الشجر الملتف. (¬8) في (ص): أذاه. والمثبت من مصادر التخريج. (¬9) في (س): المخزومي. تصحيف، والمثبت من باقي النسخ الخطية.

25 - باب السواك

25 - باب السِّواكِ 41 - حَدَّثَنا قُتَيْبَة بْن سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ أَبِي الزِّنادِ، عَنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ قالَ: "لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى المُؤْمِنِينَ لأَمَرْتُهُمْ بِتَأْخِيرِ العِشاءِ وَبِالسِّواكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ" (¬1). 47 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْن مُوسَى، أَخْبَرَنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن إِسْحاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْراهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خالِدٍ الجُهَنِيِّ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقُولُ: "لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرتُهُمْ بِالسِّواكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ" (¬2). قالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَرَأَيْتُ زَيْدًا يَجْلِسُ فِي الَمسْجِدِ، وِإنَّ السِّواكَ مِنْ أُذُنِهِ مَوْضِعُ القَلَمِ مِنْ أُذنِ الكاتِبِ، فَكلَّما قامَ إِلَى الصَّلاةِ اسْتاكَ. 48 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الطّائِيُّ، حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا محَمَّدُ بْن إِسْحاقَ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قالَ: قُلْتُ: أَرَأَيْتَ تَوَضُّؤَ ابن عُمَرَ لِكلِّ صَلاةٍ طاهِرًا وَغَيْرَ طاهِرٍ، عَمَّ ذاكَ؟ فَقالَ: حَدَّثَتْنِيهِ أَسْماءُ بِنْتُ زَيْدِ بْنِ الخَطَّابِ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي عامِرٍ حَدَّثَها: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أُمِرَ بِالوْضُوءِ لِكُلِّ صَلاةٍ طاهِرًا وَغَيْرَ طاهِرٍ، فَلَمّا شَقَّ ذَلِكَ عَلَيهِ أُمِرَ بِالسِّواكِ لِكلِّ صَلاةٍ. فَكانَ ابن عُمَرَ يَرَى أَنَّ بِهِ قُوَّةً، فَكانَ لا يَدَعُ الوُضُوءَ لِكُلِّ صَلاةٍ (¬3). قالَ أَبُو داوُدَ: إِبْراهِيمُ بْنُ سَعْدٍ رَواة عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، قالَ: عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (887)، ومسلم (252). (¬2) رواه الترمذي (23)، وأحمد 4/ 114، 116، 5/ 193، والنسائي في "السنن الكبرى" (3041). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (37). (¬3) رواه أحمد 5/ 225، والدارمي (684)، وابن خزيمة (15)، (138). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (38).

باب السواك [46] (ثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ) بن عُيينة. (عَنْ أَبِي الزنَادِ) عبد الله بن ذكوَان. (عن) عبد الرحمن بن هرمز (الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يَرْفَعُهُ) إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ابن الصَّلاح وغَيرُه: قولهم يرفع الحديث؛ يبلغ به أو يَنميهِ حكم ذلك عند أهل العِلْم حكم المرفوع صريحًا، وإن كان القائل هذِه الألفاظ عن التابعي فالحَدِيث مُرسل (¬1). (قَالَ) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لَوْلاَ أَنْ أَشُق) أي: لولا المشقة؛ لأنَّ "لولا" هذِه الامتناعيَّةُ لا يليها إلا الأسماء عكس (¬2) (لولا) التي للتحضيض، فإنها لا يليها إلا (¬3) الأفعَال. (عَلَى المُؤْمِنِينَ لأَمَرْتُهُمْ) أمر إيجاب وإلزام، وإلا فمعلوم أَنَّا مأمورون على طريق الندب والاستنان وهو مذهب أكثر الفقهاء وجماعات من المتكلمين. وقد أخذ بعض الأصوليين من هذا أنَّ الأمر يقتضي الوُجوب وهو الصَّحيح (¬4)، ما لَم تقترن به قرينة تصرفه عن ذلك، ووجه الاستدلال منهُ أنَّ الممتنع لأجل المشقة، إنما هو الوُجوب دُون الاستحباب، ¬

_ (¬1) مقدمة ابن الصلاح 1/ 28. (¬2) سقط من (ص). (¬3) سقط من (ص، س، ل). (¬4) انظر: "شرح النووي على مسلم" 3/ 146.

فاقتضى ذلك أن يكون (¬1) الأمر للوُجُوب. (بِتَأْخِيرِ العِشَاءِ) ورواهُ الحاكم من حَديث أبي هريرة بلفظ: "لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السِّواك مع الوضوء ولأخرت العشاء إلى نصف الليل". وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وليس له علة (¬2) استدلَّ به الإمَام (¬3) والغزالي (¬4) وغيرهما على أنَّ الاختيار في صَلاة العشاء تأخيرها إلى نصف اللَّيلِ. وهذا القول صَحَّحه جَماعة منهمُ النووي في "شرح مُسلم" (¬5) وإن كانَ صحَّحَ (¬6) في بقيَّةِ كتُبه إلى [ثلث الليل] (¬7). (وَبِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ) ظاهره يقتضي عُمُوم استحباب الاستياك عند كل صَلاة، فيدخل في ذلك الظُهر والعصر للصَائم، مع أن المشهُور في مذهب الشافعي كراهة (¬8) السِّواكِ للصَّائم (¬9) بعد الزوَال (¬10). قال ابن دقيق العِيد: ومن خالف في تخصيص عُموم هذا الحديث، ¬

_ (¬1) سقط من (ظ، م). (¬2) "المستدرك" 1/ 146. (¬3) "نهاية المطلب" 2/ 21 - 22. (¬4) "الوسيط" 2/ 18. (¬5) "شرح مسلم" للنووي 5/ 138. (¬6) في (ص): صحيح. (¬7) في (ص، ل): ثلث الأول. وفي (د): الثلث الأول. انظر: "المجموع" 3/ 57، و"روضة الطالبين" 1/ 182. (¬8) في (د، م): كراهية. (¬9) زاد في (ظ، م): من. (¬10) "الأم" 3/ 254 - 255.

فيحتاج إلى دليل خاص [بهذا الوقت يخص] (¬1) به هذا العُموم (¬2). [47] (ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى) الرازي (¬3) الحافظ، (قال: ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ) بن (¬4) أبي إسحاق أحد الأعلام. (قال: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ) بن يسار (¬5) أبو بكر المدني (¬6) صَاحب "المغازي" (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ) بن الحارث (¬7) (التَّيمِيِّ) المدَني أبي عبد الله أحَد العُلماء. (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ)، قيل: اسمه كنيته، وقيل: اسمه عبد الله. قال ابن عبد البر: وهو الأصح عند أهل النسَب، وهو أحَد فقهاء (¬8) المدينة (¬9) (بْنِ عَبْدِ الرحمن) بن عوف الزهري. (عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ) الصحابي المدني (قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ) في ظاهره دليل لمن يقول: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لهُ أن يحكم بالاجتهاد؛ لكَونه عليه السلام جَعَل المشقة سَبَبًا لَعَدم ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): بهذا الوقت يختص. وفي (ظ): يختص. وفي (م): يخص. والمثبت من "إحكام الأحكام". (¬2) "إحكام الأحكام" 1/ 108. (¬3) في (ص): الداري. تصحيف، وفي (س): البخاري. تحريف، والمثبت من "التاريخ الكبير" 1/ 327، و"الجرح والتعديل" 2/ 137. (¬4) في (ظ، م): و. تحريف، والمثبت من "تهذيب الكمال" (4673). (¬5) في (ص): بشار. تصحيف، والمثبت من "تهذيب الكمال" (5057). (¬6) في (ظ، م): المقدسي. تحريف، والمثبت من "تهذيب الكمال" (5057). (¬7) في (س): الجون. تحريف، والمثبت من "تهذيب الكمال" (5023). (¬8) زاد في (د، م): أهل. (¬9) "التمهيد" (7/ 57).

أمرِهِ، ولو كان الحكم موقُوفًا على النَّص؛ لكان انتفاءُ أمره - صلى الله عليه وسلم - عدَم ورودِ النَّص لا وُجُودَ المشقة، وقد اختلف الأصُوليون في هذِه المسألة على أربعة أقوال: ثالثها: كان له أن يجتهد في الحُروب والآراء دون الأحكام. ورابعها: الوقف، والمسألة مظنتها كتب الأصول (¬1). (بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كل صَلاَةٍ) فرضًا كانتَ أو نافلة، ويتكرر السِّواك بتكرر الصَّلاة، سواء كان مُتوضِّئًا أو متيممًا (¬2) حتَّى في حق من لم يجِد ماءً ولا تُرابًا. (قَالَ أَبُو سَلَمَةَ) بن عبد الرحمن (فَرَأَيْتُ زَيْدًا) الجهني (¬3) (يَجْلِسُ فِي المَسْجِدِ، وَإنَّ السِّوَاكَ مِنْ أُذُنِهِ) فيه حَذف تقديره -والله أعلم- وإنَّ السِّواكَ موضِعَهُ مِن أُذنِهِ. (مَوْضِعُ القَلَمِ) رواية الترمذي: " ولأخرت صَلاة العشاء إلى ثلث الليل" قال: فكان زيدُ بنُ خالدٍ يَشهد الصَّلوات في المسجد وسواكه على أذنه مَوضع القلم لا يقوم إلى الصَّلاة إلا استَنَّ ثم ردَّهُ إلى مَوضعه. (أي: على أذنه) (¬4)، وقال: حديث حسن صَحيح (¬5). وروى الخطيب (¬6) [في كتاب "أسماء من روى] (¬7) عن مالك" عن أبي ¬

_ (¬1) لم يذكر القولين الأول والثاني لكونهما واضحين، وهما عدم الاجتهاد وجوازه. (¬2) في (س): مقيمًا. تحريف. (¬3) سقط من (ص). (¬4) ذكرت هذه العبارة في (ظ، م) قبل هذا الموضع بعد قوله: إلا استَنَّ. (¬5) "سنن الترمذي" (23). (¬6) في (ص، ل) الطيب. تحريف. (¬7) سقط من (ظ، م).

هُريرة: كان أصحاب رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوكتهم خلف آذانهم يستنُون بها لكل صَلاة (¬1). (مِنْ أُذُنِ الكَاتِبِ) فيه أن من آداب السِّواك أو القلم إذا فرغ من استعماله أن يَضَعهُ على أذنه اليمنَى (¬2)؛ بحيثُ يكون طرفُه من جهة موضع الاستياك أو (¬3) من جهة البرَاية من جهة طَرف أذنه، والطرف الآخر مغروزًا في قلنسوته أو نحوهَا، وهذِه السُّنَّةُ متروكةٌ لم أرَ أحدًا عَمل بها لا في السِّواكِ ولا في القلم، لكن أخبرني بعضُ أهلِ اليمن أنها يُعمل بها [في بلادهم حتى إنَّ الصبيَّ إذا ذهب إلى المُكتِّب يذهب والقلَمُ موضوع على أذنِهِ كما تقدم] (¬4)، فنسأل الله العمل بها والاقتداء بالسَّلف الصَّالح - رضي الله عنه -، وإن كان لا يعرف في زماننا ببلادنا. (فَكُلَمَّا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ اسْتَاكَ) به، ثم ردَّهُ إلى مَوضعه على أُذنه، وكذلك الكاتب كلما احتاج إلى الكتابة كتَب به، ثم ردَّهُ إلى مَوضعه على أذنه. [48] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ) بن سُفيان أبو جعفر، ويُقالُ أبو عبد الله (الطَّائِيُّ) الحِمْصي الحافظ، أخرج له النسَائي في "مُسند علي - رضي الله عنه -" وأبو حاتم وأبو عوانة، وثقهُ النسَائي (¬5)، قال أحمد بن حنبل: ما كان بالشام منذ أربعين سَنة مثله. وقال ابن عَدي: هو عَالم بحديث الشام ¬

_ (¬1) رواه ابن الأعرابي في "معجمه" (2020). (¬2) سقط من (ظ، م). (¬3) في (ظ، م): و. (¬4) سقط من (ص، س، ل). (¬5) "مشيخة النسائي" (196).

صحيحًا وضعيفًا (¬1). (قال: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ) الوهبي (¬2) الحمصي أبو سعيد، وثقه ابن معين (¬3). (قال: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ) بن يسار (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ) (¬4) بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء (¬5) الموَحدة، ابن منقذ المازني أبو عبد الله الفقيه. (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: قُلْتُ: أَرَأَيْتَ) أي: أخبِرني عن (¬6) (تَوضُّؤ (¬7) ابن عمر) - رضي الله عنهما -، وهو بفتح التاء والواو وضم الضاد المشدَّدة، وهمزة بعدها، مصدر: توضَّأَ، جميع النسخ: [تَوَضِّي بالياء] (¬8). قال النووي: وصوابه بالواو بعد الضاد المضمومة (¬9) (¬10). (لِكُلِّ صَلاَةٍ) ظاهِر عمومه يشمل (¬11) الفرائض والنوافل (طَاهِرًا) ¬

_ (¬1) انظر: "تاريخ دمشق" لابن عساكر 55/ 50. (¬2) في (ص): الرسي. وفي (د، ل): الديني. وكلاهما تحريف، وسقط من (س)، والمثبت من "تهذيب الكمال" (30). (¬3) انظر: "الكاشف" (25)، و"تهذيب الكمال" 1/ 301. (¬4) زاد في (ظ، م): بن يسار. خطأ. (¬5) سقط من (د، ظ، م). (¬6) من (د). (¬7) في (ص، س): بوضوء. تصحيف. (¬8) في (ص): بوضوء بالباء. تصحيف. (¬9) "الإيجاز في شرح سنن أبي داود" (ص 166). (¬10) حصل تقديم وتأخير في هذه العبارة في (ص، ل). (¬11) في (ظ، م): ويشتمل.

منصوب على الحال (وَغَيْرَ طَاهِرٍ) يَعني: مُتوضئًا كان أو محدثًا، وسأله [أبو غطيف] (¬1) الهذلي: أفريضة هذا أم سُنة فقال: سَمعته - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من توضأ على طهر فلهُ عشر حَسَنَات" (¬2). (عَمَّ) أي: لأي (¬3) شيء فعل (ذَاكَ) وعن أي أصل كان فِعلُهُ، وأصله عن ما، فسقطت ألف مَا الاستفهامية وأدغمت النون في الميم، (فَقَالَ: حَدَّثَتْنِيهِ أَسْمَاءُ بِنْتُ زَيْدِ بْنِ الخَطَّابِ) بن نفيل القرشية العَدوية، لها رؤية، وهي بنت أخي عُمَر بن الخطاب لأبيه (أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي عَامِرٍ) الراهِب، واسمه عبد عمرو بن صَيفي (¬4) بن زيد الأنصاري الأوسي المدني، له رؤية، وأبوه حنظلة الغسيل غَسلته الملائكة لأنه استشهد يوم أحُدٍ وهو جُنبٌ. (حَدَّثَهَا أَن رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أُمِرَ) بضم الهمزة وكسر الميم (بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلاَة) أي: عند كل قيام إلى الصَّلاة (طَاهِرًا وَ (¬5) غَيرَ طَاهِرٍ) أي: سواء كان القائم إلى الصَّلاة مُتطهرًا أو (¬6) مُحدثًا، أخذ بعضهم بظاهر قوله: أمر رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعَله مختصًّا (¬7) بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يجبُ عليه الوضوء لكل ¬

_ (¬1) في الأصول الخطية: عطيف. وهو خطأ من المصنف، وما أثبته من مصادر التخريج. (¬2) رواه أبو داود (62)، والترمذي (59)، وابن ماجه (512)، وقال الترمذي: وهذا إسناد ضعيف. (¬3) في (س): لا. (¬4) في (ص): ضبعي. تصحيف، والمثبت من "التهذيب" (3236). (¬5) في (ظ، م): أو. (¬6) في (ص، ل): و. (¬7) في (ص): خاصًّا. وسقط من (س، ل).

صَلاة. [(فلما شق ذلك عليه أمر بالسواك لكل صلاة)] (¬1) وقال علقمة بن الفغواء (¬2): وهو من الصَّحابة، وكان دليل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى تبوك. قال: فنزلت هذِه الآية: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] رخصة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه كان لا يعمل عملًا إلا وهو على وضوء، ولا يكلم أحدًا ولا يرد سلامًا إلى غير ذلك، فأعلمه اللهُ تعالى بهذِه الآية أن الوُضوء إلى القيام إلى الصَّلاة دُون سائر الأعمال (¬3). وقال آخرون: إن الفرض [في الوضوء] (¬4) كانَ لكل صَلاة ثم نسخ في فتح مكة. وقالت طائفة: المراد به الوضوء لكل صَلاة؛ طلبًا للفضل، وحملوا الأمر على الندب، وكانَ النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل ذلك إلى أن جمع يوم الفتح بين الصَّلوات الخمس بوُضوءٍ واحد إرادة البيان لأمته، وأنه ليس بواجب عليهم، وكان كثيرٌ من الصَّحابة منهم عُمر يتوضأ لكل صَلاة طلبًا للفضل؛ لما روى الترمذي وابن ماجَه عن ابن عمر: "من توضأ على طُهرٍ كتب لهُ عشر حَسَنَات" (¬5). (فَكَانَ) عبد الله (ابنُ عُمَرَ يَرَى أَنَّ بِهِ قُوَّةً) على الوُضوء (فَكَانَ لاَ يَدَعُ ¬

_ (¬1) سقط من (ص، س، ل). (¬2) في (ص، س، ظ، ل، م): التقواء. تصحيف، والمثبت من مصادر التخريج، وزاد في جميع النسخ: عن أبيه. وهو خطأ، فالحديث عن علقمة نفسه. (¬3) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 88 - 89، والطبراني في "معجمه الكبير" 18/ 6، وفيه جابر الجعفي وهو ضعيف. (¬4) سقط من (ص، س، ل). (¬5) "سنن الترمذي" (59)، و"سنن ابن ماجه" (512)، وقال الترمذي: وهذا إسناد ضعيف.

الوُضُوءَ لِكُل صَلاَةِ) وكان عليٌّ - رضي الله عنه - يفعله ويتلو هذِه الآية، ذكرهُ أبو محمد الدارمي (¬1) في "مسنده" (¬2)، وروى نحوه عن عكرمة (¬3)، وقال ابن سيرين: كان الخلفاء يتوضؤون لكل صَلاة (¬4). وروى الترمذيُّ عن أنسٍ: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يتوضأ لِكُلِّ صَلاَةٍ طَاهِرًا وَغَيْرَ طَاهِرٍ. قال حُميد: قلتُ لأنس فكيف (¬5) كنتم تصنعُون أنتم؟ قال: كنا نتوضَّأُ وضوءًا واحدًا. وقال: حديث [أنس غريب من هذا الوجه، والمشهور عند أهل الحديث حديث عمرو بن عامر عن أنس] (¬6). وكانَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ مجددًا لِكُلِّ صَلاَةٍ، وقد سَلم عليه رجل وهو يَبُول فلم يرد عليه حتى تيمم، ثم رد السَّلام، وقال: "إني كرهت أن أذكر الله إلا على طُهر". رواهُ الدارقطني (¬7). وقد اسَتدل إسحاق بن راهويه وداود بقوله: (أُمِرَ بِالسِّوَاكِ لِكُلِّ صَلاَةِ) على أن السِّواك واجب لكل صَلاة؛ لأنه مأمُور به والأمر يقتضي الوجُوب، وأكثر أهل العِلم والحديث أنه سُنَّة ليس بواجب للحديثِ المتقدِّمِ: "لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ" ¬

_ (¬1) في (م): الرازي. تحريف. (¬2) في (ص): سنده. تحريف. (¬3) "سنن الدارمي" (657). (¬4) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 1/ 29. (¬5) في (ص، س): كيف. والمثبت من "سنن الترمذي". (¬6) في الأصول الخطية: حسن صحيح. وهو خطأ من المصنف، وما أثبتناه من "سنن الترمذي" (58)، وضعَّفه الألباني في "ضعيف الترمذي" (10). (¬7) "سنن الدارقطني" 1/ 177 من حديث ابن عمر.

يعني: لأمرتُهم أمرَ إيجابٍ؛ لأنَّ المشقَّةَ إنما تلحق بالإيجاب لا بالنَّدبِ، وهذا يدُلُّ على أن الأمر في هذا الحديث أمر ندب، ويحتمل أن يكون ذلك واجبًا في حق النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - على الخُصُوص جمعًا بين الحَديثَين (¬1). وروايةُ الحاكِم والبيهقي: "ووضعَ عنه الوُضوءُ إلا من حَدَث" (¬2). (قَالَ أَبُو دَاوُدَ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ (¬3) [القرشي الزهري أبو إسحاق المدني نزيل بغداد] (¬4) وقال في "دلائل النبوة": وممن روي عنه ذلك إبراهيم بن سعد (¬5) (رَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: عُبَيدُ اللهِ) بالتصغير (ابْنُ عَبْدِ اللهِ) بن عمر. * * * ¬

_ (¬1) "المغني" 1/ 133. (¬2) "المستدرك" 1/ 156، و "السنن الكبرى" للبيهقي 1/ 37، وهذه العبارة ليست موجودة في "السنن الكبرى" المطبوعة. (¬3) في (ص، د، س، ل): سعيد. تحريف، والمثبت "السنن". (¬4) في الأصول الخطية: الجوهري من أهل بغداد سَكن عَين زربة مرابطًا أخرج له مُسلم في الجهاد. وهو خطأ من المصنف، والصواب ما أثبتناه من "تهذيب الكمال" (174). (¬5) في (د، ظ، م): سعيد. تحريف.

26 - باب كيف يستاك

26 - باب كيْف يَسْتاكُ 49 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَسُلَيْمان بْن داوُدَ العَتَكِيُّ قالا: حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ غَيْلانَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ -قالَ مُسَدَّدٌ-: قالَ: أَتَيْنا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَسْتَحْمِلُهُ، فَرَأَيْتُهُ يَسْتاكُ عَلَى لِسانِهِ (¬1). قالَ أَبُو داوُدَ: وقالَ سُلَيمانُ: قالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَسْتاكُ، وَقَدْ وَضَعَ السِّواكَ عَلَى طَرَفِ لِسانِهِ، وَهوَ يَقُول: "أَهْ أَهْ". يَعْنِي يَتَهَوَّعُ. قالَ أَبُو داوُدَ: قالَ مُسَدَّدٌ: فَكانَ حَدِيثًا طَوِيلًا اخْتَصَرْتُهُ. * * * باب كيف يستاك [49] (ثَنَا مُسَدَّدٌ وَسُلَيمَانُ بْنُ دَاوُدَ) (¬2) أبو الربيع البَصري (الْعَتَكِيُّ) نسبة إلى عتيك حي من العرب (قَالاَ: ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ غَيلاَنَ) بفتح الغين المعجمة (بْنِ جَرِيرٍ) بفتح الجيم المعْولي بفتح الميم وسكون العَين، مَات 129، (عَنْ أَبِي بُرْدَةَ) عَامِر بن أبي مُوسى الأشعري، (عَنْ أَبِيهِ) أبي موسى [عبد الله بن قيس، كان أبو بردة على قضاء الكوفة، فعزله الحجاج وولَّى أخاه أبا بكر بن أبي موسى] (¬3) (قَالَ مُسَدَّدٌ: ) دون سُليمان (أَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) زاد مُسلم في الأيمان عن أبي موسى الأشعري قال: أتيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - في رهْط من الأشعَريين (¬4) ¬

_ (¬1) رواه البخاري (244)، ومسلم (254). (¬2) زاد في (ظ، م) هنا: بن حماد بن سعيد المهري. وقد ذكرت في (د) وضرب عليها الناسخ، وهو خطأ. (¬3) سقط من (ص). (¬4) "صحيح مسلم" (1649) (7).

(نَسْتَحْمِلُهُ) أي: نطلبُ منه ما يحملنا من الإبل ويحمل أثقالنا [وفي رواية] (¬1) لمسلِمٍ: أرسلني أصحابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسأله لهم الحُمْلاَنَ [إذ هم] (¬2) معه في جيش العسرة، وهي غزوة تبوك فقلتُ: يا رسول الله، إنَّ أصحَابي أرسلوني إليك لتحملهُم، فقال: "والله لا أحملكم على شيء". ووافقته وهو غَضبَان ولا أشعر، فَرجعت حزينًا من مَنع رسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن مخافة أن يكون قد وجد في نفسه عليَّ، فرجعتُ إلى أصحابي وأخبرتهم الذي قال (¬3) رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬4). (فَرَأَيْتُهُ يَسْتَاكُ عَلَى لِسَانِهِ) فيه أن السِّواك من باب: التنظيف والتطيب لا من باب: إزالة القاذورات لكونه - صلى الله عليه وسلم - لم (¬5) يختف (¬6) به، ولو كان من باب: القاذورات لاختفى به كما اختفى بغيره، ولهذا بوَّبوا عليه بابُ: استيَاك الإمام بحَضرة رعيته، ويُستفاد من الحَديث مشروعيَّةُ السواك على اللسَان، وأنه لا يختص بالأسنان بل يمرُّ به على سقف حلقه أيضًا إمرارًا خفيفًا. ورواية (¬7) الخَطيب وَقَالَ: (قال سُلَيمَانُ) بن داود في روايته (¬8) (قال) ¬

_ (¬1) تكررت في (ص). (¬2) في (ص، ل): وادهم. وفي (س): واوهم. وكلاهما تحريف. (¬3) زاد في (د، ظ، م): لي. (¬4) "صحيح مسلم" (1649) (8). (¬5) سقط من: (م). (¬6) في (ص): يخبر. وفي (س): يحر. تحريف. (¬7) وفي (ص، ل): ورواه. والمثبت من (د). (¬8) في (ظ، م): قال أبو داود وقال سليمان بن داود في روايته ورواية الخطيب، وقال.

أبو مُوسى الأشعري (دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَسْتَاكُ وَقَدْ وَضَعَ السِّوَاكَ عَلَى طَرَفِ) بفتح الرَّاء (لِسَانِهِ) كذا رواية مُسلم (¬1)، والمراد طرفه الداخل كما عند أحمد: يستن إلى فوق (¬2) ولهذا قال بعده: كأنه يتهوع، ويُستفاد منه أن السِّواك على اللسَان يكون طولًا، وعند أحمد قال الراوي: كانه يستن طولًا (¬3)، وأما الاستنان (¬4) فالأحب أن يكون عرضًا. (وَهُوَ يَقُولُ: أُهْ أُهْ) ضَبَطَه النووي بضَم الهمزة (¬5). قال ابن حجر: رواية أبي داود بكسر الهمزة ثم هاء، وللجوزقي بخاء مُعجمة بدل الهاء، قال: والرواية المشهُورة رواية البخاري: "أُعْ أُعْ" (¬6) بضَم الهمزة وسُكون العَين المهملة. وأشار ابن التين (¬7) إلى رواية فيه بفتح الهمزة، ورواية النسَائي وابن خزيمة عن أحمد بن عبدة، عن حَماد: "عأ عأ" (¬8) بتقديم العَين على الهمزة، وكذا أخرجهُ البيهقي من طريق إسماعيل القاضي (¬9)، عن ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (254) (45). (¬2) "مسند أحمد" 4/ 417. (¬3) "مسند أحمد" 4/ 417. (¬4) في (د، س، ظ، م) الأسنان. (¬5) "الإيجاز في شرح سنن أبي داود" للنووي (ص 168). (¬6) "صحيح البخاري" (244). (¬7) في (ص، س) أنس. تحريف، والمثبت من "الفتح". (¬8) "سنن النسائي" 1/ 9، و"صحيح ابن خزيمة" (141). (¬9) في (ص، د، س، ل): البياضي. وفي (م): الشامي. وكلاهما تحريف، والمثبت من "سنن البيهقي" 1/ 35، و"الفتح"، وهو إسماعيل بن إسحاق القاضي.

عارم (¬1) وهو أبو النعمان شيخ البخاري فيه. انتهى (¬2). والذي رأيته في النسخ بضم (¬3) الهمزة وسكون الهاء، وفي بَعضها بكسر الهمزة، وإنما اختلفت الروايات لتقارب مخارج هذِه الأحرف، وكلها ترجع إلى حكاية صَوته إذ جعَل السّواك على طرف لسَانه، واعلم أنَّ حكاية الأصوات كلها مبنيَّةً؛ لأنه ليست عاملة في غيرها ولا معمولة فأشبهت (¬4) الحروف المهملة (يَعْنِي) كأنه (يَتَهَوَّعُ) أي: يتقيأ أي له صوت كصوت التقيؤ على سبيل المبالغة. قال الفاكهي: مذهبنا كراهة (¬5) الاستياك في المسجد خشية أن يخرج من فيه دم ونحوه مما ينزه المسجد عنه. (قَالَ مُسَدَّدٌ: كَانَ حَدِيثَا طَوِيلًا اخْتَصَرْتُهُ) ورواية الخطيب حديثًا طويلًا اختصره، وتقدم غالب الحَديث من رواية مسلم. * * * ¬

_ (¬1) في الأصول الخطية: عاصم. تحريف، والمثبت من "سنن البيهقي"، و "الفتح"، وهو محمد بن الفضل السدوسي. (¬2) انظر: "الفتح" 1/ 424. (¬3) في (ظ، م): بفتح. (¬4) في (ص): فاشتهر. تصحيف، والمثبت من (د، س، ظ، ل، م). (¬5) في (ظ، م): كراهية.

27 - باب في الرجل يستاك بسواك غيره

27 - باب فِي الرَّجُلِ يَسْتاك بسِواكِ غَيْرِهِ 50 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنا عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الواحِدِ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَنُّ وَعِنْدَهُ رَجُلانِ أَحَدُهُما أَكْبَرُ مِنَ الآخَرِ، فَأُوحِيَ إِلَيْهِ فِي فَضْلِ السِّواكِ: أَنْ كبِّرْ: أَعْطِ السِّواكَ أَكْبَرَهُما (¬1). 51 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْن مُوسَى الرّازِيُّ، أَخْبَرَنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنِ الِمقْدامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: قُلْث لِعائِشَةَ: بِأَيِّ شَيْءٍ كانَ يَبْدَأُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا دَخَلَ بَيْتَهُ؟ قالَتْ: بِالسِّواكِ (¬2). * * * باب في الرجل يستاك بسواك غيره [50] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى) بن الطباع أبو جعفر أخو إسحاق ويوسف كان حافظًا مكثرًا (¬3) فقيهًا، قال أبو داود: كَان يحفظ نحوًا (¬4) من أربعين ألف حديث، [علق له البخاري] (¬5) (ثَنَا عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الوَاحِدِ) أبو خالد الأموي وثقوه وكان يعد (¬6) من الأبدَال (¬7) (عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ ¬

_ (¬1) رواه البزار 18/ 124 (82). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (40). (¬2) رواه مسلم (253). (¬3) في (ص، ل): مكثر. خطأ. (¬4) في (ص، ظ، ل، م): نحو. خطأ. (¬5) سقط من (ص)، وانظر: "الكاشف" للذهبي (5183). (¬6) في (ص، س، ل): ثقة. تحريف. (¬7) انظر: "الكاشف" للذهبي (4370).

أَبِيهِ) عروة بن الزبير، (عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قالت (¬1): كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَنّ) أي: يستاك وهو دلك الأسنان بما يجلوها، وهو مأخُوذ من السَّن (¬2)، وهو إمرار الشيء الذي فيه جروشة (¬3) على شيء آخر، ومنه المِسَنُّ بكسر الميم وهو الحجر الذي يُسنُّ عليه السكين ونحوه. (وَعِنْدَهُ رَجُلاَنِ أَحَدُهُمَا أَكبَرُ) سنًّا (مِنَ الآخَرِ) رواه الإسماعيلي وأحمد والبيهقي بلفظ: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستن وأعطاهُ أكبر القوم ثم قال: "إنَّ جبريل أمرني أن أُكبِّرَ" (¬4). (فَأُوحِيَ (¬5) إِلَيهِ فِي فَضْلِ السِّوَاكِ) أي: أوحى إليه (¬6) [فيما أوحى إليه] (¬7) في فضيلة السِواك، والترغيب في كثرة استعماله (أَنْ كَبِّرْ) بكسر البَاء المُشَدَّدَة أي: قَدم الأكبرَ في السِّن، ورواية الطبراني في "الأوسط" عن بكر بن سَهل عنه بلفظ: "أمرني جبريل أن أكبِّرَ" (¬8). وفي "الغيلانيات" من رواية أبي بكر الشافعي، عن عمر بن موسى، عن نعيم بلفظ: "أن أقدم الأكابر" (¬9). أي: (أَعْطِ السِّوَاكَ أَكْبَرَهُمَا) سنًّا في ¬

_ (¬1) في (ص، س): قال. خطأ. (¬2) في (د): السنن. خطأ. (¬3) في (ص): حدوشة. تصحيف. (¬4) "مسند أحمد" 2/ 138، و"السنن الكبرى" للبيهقي 1/ 40 من حديث ابن عمر. (¬5) زاد في (س) لفظ الجلالة: الله. (¬6) في (ص): إلى. (¬7) سقط من (س، ل). (¬8) "المعجم الأوسط" (3218). (¬9) "الغيلانيات" (934).

الإسلام. قال ابن بَطال: فيه تقديم المسن في السِّواك على من دونه، قال: ويلحق (¬1) به الطعَام والشراب والمشي والكلام. قال المهَلب: هذا ما لم يترتب القوم في الجلوس، فإذا ترتبوا فالسنة حينئذ تقديم الأيمن وهو صَحيح كما سيأتي في الأشربة (¬2) (¬3). * * * ¬

_ (¬1) في (د، م): وبتلحق. (¬2) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال (1/ 364). (¬3) كتب هنا في حاشية (د، ظ، م): هذا الحديث في بعض نسخ أبي داود: حَدَّثنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ، أَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ بِأَيِّ شَيءٍ كَانَ يَبْدَأُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ؟ قَالَتْ: "بِالسِّوَاكِ". سقط هذا من نسخة الخطيب وقد ذكره صاحب "الأطراف" وقال ما معناه: ورواه "م، د، س" وكلهم في الطهارة.

28 - باب غسل السواك

28 - باب غَسْلِ السِّواكِ 52 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن بَشّارٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأنصارِيُّ، حَدَّثَنا عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ الكُوفِيُّ الحاسِبُ، حَدَّثَنِي كَثِيرٌ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّها قالَتْ: كانَ نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتاكُ فَيُعْطِينِي السِّواكَ لأغسِلَهُ، فَأَبْدَأُ بِهِ فَأَسْتاكُ، ثُمَّ أَغْسِلُهُ وَأَدْفَعُهُ إِلَيْهِ (¬1). * * * باب غسل السواك [52] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ) بن عُثمان بندار أحد أوعية السنة، قال ابن خزيمة: سمعت بندارًا (¬2) يقوُل: ما جلست مجلسي هذا حتى حفظت جَميع ما خَرَّجته (¬3). قال: (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ) بن المثنى بن عبد الله ابن أنس بن مالك أبو عبد الله (الأَنْصَارِيُّ) شيخ البخاري روى عنه الجماعة بواسطة، قال: (ثَنَا عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ الكُوفِي الحَاسِبُ) وثقوه (¬4). (قال: حَدَّثَنِي) جَدي (كثِيرٌ) بن عبيد رضيع عَائِشَةَ - رضي الله عنها - ([عن عائشة] (¬5) أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يسْتَاكُ فَيُعْطِينِي السِّوَاكَ) [بكسر ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 1/ 39. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (42). (¬2) في (ص، ل، م): بندار. خطأ. (¬3) انظر: "تاريخ بغداد" 2/ 458. (¬4) انظر: "الثقات" لابن حبان (10112). (¬5) من (د، م).

السِّين] (¬1) الذي استاك به (لأَغْسِلَهُ) هذا دليل على أن غسل السِّواك سُنةٌ بعد التسوك (¬2)، والسِّواك بكسر السِّين على الأفصَح يُطلق على الآلة التي تستعمل للتسوك (¬3)، ويُطلق على الفِعل منه والمراد به هُنا الآلة، وقد يستدل به على أن على الزوجَة خدمة زوجها لاسيما إذا طَلبَ ذلك منها، وقد اختلف العُلماء في ذلك فمذهب الشافعي: ليس عليها خدمة؛ لأن العقد يتناول الاستمتاع لا الخدمة (¬4). وقال بَعض المالكية: عليها خدمة مثلها، فإن كانت شريفة [المحل ليسار أبوة] (¬5) أو ترفه فعليها التدبير (¬6) للمنزل، وإن كانت متوسِّطة الحَال فعليها أن تفرش الفراش وتناوله إناء الشراب ونحو ذلك، وإن كانت دون ذلك فعليها أن تكنس البيت وتطبخ وتغسل، وإن كانت من نساء الكرد والديلم والتركمان والجبل كلفت ما تكلفهُ نساؤهم لقوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (¬7) وقد جَرى عُرف المُسلمين في بُلدانهم في قَديم الأمر وحَديثه بما ذكرنا، ألا ترى (¬8) إلى أزواج ¬

_ (¬1) سقط من (ظ، م). (¬2) في (ظ، م): التسويك. (¬3) في (ص، س، ظ، م): للسواك. وفي (ل): للسوك. (¬4) انظر: "البيان" 11/ 311. (¬5) في (ص): أجمل النسا زائدة. وفي (س، ل): أجمل ليسار أبوة. وكلاهما تحريف، والمثبت من "تفسير القرطبي" 3/ 154. (¬6) في (ص): الترتيب. تحريف، والمثبت من "تفسير القرطبي". (¬7) البقرة: 228. (¬8) سقطت من (ص، س، ل).

النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصَحابه، قال القرطبي: ولا نَعلم امرأة امتَنَعَت من ذلك ولا يَسُوغ لها الامتناع بل كانوا يضربون نساءهم إذا قصَّرن في ذلك (¬1). (فَأَبْدَأُ بِهِ فَأَسْتَاكُ) يعني: تستاك به قبل أن تغسله (ثُمَّ أَغْسِلُهُ) ليَنَالهَا بركة ريق النبي - صلى الله عليه وسلم - وفمه. قال شارح "المصَابيح": وهذا دليل على أن استعمال سواك الغَير غير مكرُوه بشرط أن يكُون بإذن صَاحبه أو يَعلم أن صَاحبه يرضى بذلك؛ لأن استعمال مَال الغَير لا يجوز إلا بطيب نَفس مَالِكِهِ بإذنٍ ونحوه، وعَائشةُ - رضي الله عنها -[فَعَلت هذا] (¬2) للانبسَاط الذي يكون [بين الزوجة وزوجها] (¬3) (¬4). وفي كلام الحكيم الترمذي ما يشعر بكراهةِ الاستياكِ بسواكِ الغَير وهذا الحديث يردُّهُ (وَأَدْفَعُهُ إِلَيهِ) (¬5) ليَستاك (¬6) به، وهذا من التعاوُن على البِّر والتقوى. * * * ¬

_ (¬1) "تفسير القرطبي": 3/ 154. (¬2) في (ظ، م): ما فعلت هذا إلا. (¬3) في (ص، س، ل): للزوجة وزوجها. (¬4) "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح": 1/ 399. (¬5) كتب هنا بحاشية (د): حديث عائشة هذا من أفراد المؤلف، وقد سكت عليه، وكذا المنذري. (¬6) في (ص، س، ل): يستاك.

29 - باب السواك من الفطرة

29 - باب السِّواكِ مِنَ الفِطْرَةِ 53 - حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عَنْ زَكَرِيّا بْنِ أَبي زائِدَةَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ، عَنِ ابن الزُّبَيْرِ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "عَشْرٌ مِنَ الفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفاءُ اللِّحْيَةِ، والسِّواكُ، والاِسْتِنْشاقُ بِالماءِ، وَقَصُّ الأَظْفارِ، وَغَسْلُ البَراجِمِ، وَنَتْفُ الإِبِطِ، وَحَلْقُ العانَةِ، وانْتِقاصُ الماءِ". يَعْنِي الاسْتِنْجاءَ بِالماءِ. قالَ زَكَرِيّا: قالَ مُصْعَبٌ: وَنَسِيتُ العاشِرَةَ إلَّا أَنْ تَكونَ المَضْمَضَةَ (¬1). 54 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ وَداوُدُ بْنُ شَبِيبٍ قالا: حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمّارِ بْنِ ياسِرٍ - قالَ مُوسَى: عَنْ أَبِيهِ. وقالَ داوُدُ: عَنْ عَمّارِ بْنِ ياسِرٍ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إِنَّ مِنَ الفِطْرَةِ المَضْمَضَةَ والاِسْتِنْشاقَ". فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ إِعْفاءَ اللِّحْيَةِ، وَزادَ: "والخِتانَ". قالَ: "والاِنْتِضاحَ". وَلَمْ يَذْكُرِ: "انْتِقاصَ الماءِ". يَعْنِي الاسْتِنْجاءَ. قالَ أَبُو داوُدَ: وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنِ ابن عَبّاسٍ، وقالَ: خمسٌ كُلُّها فِي الرَّأْسِ. وَذَكَرَ فِيها الفَرْقَ، وَلَمْ يَذْكُرْ إِعْفاءَ اللِّحْيَةِ. قالَ أَبُو داوُدَ: وَرُوِيَ نَحْوُ حَدِيثِ حَمّادٍ عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ وَمُجاهِدٍ، وَعَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ المُزَنِيِّ قَوْلُهُمْ، وَلَمْ يَذْكرُوا إِعْفاءَ اللِّحْيَةِ. وَفِي حَدِيثِ محَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِيهِ: "وَإِعْفاءُ اللِّحْيَةِ". وَعَنْ إِبْراهِيمَ النَّخَعِيِّ نَحْوُهُ، وَذَكَرَ إِعْفاءَ اللِّحْيَةِ والخِتانَ (¬2). * * * ¬

_ (¬1) رواه مسلم (261). (¬2) رواه ابن ماجه (294)، وأحمد 4/ 264. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (44).

باب (السواك من الفطرة) (¬1) [53] (ثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ) بفتح الميم أبو زكريا المري (¬2) البغدادي إمَام المحَدِّثين (¬3) شَيخ البخاري ومُسلم وفضائله كثيرة، (ثَنَا وَكيعٌ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ) بن جبير (¬4) بن شيبة الحجبي أخرج له مُسلم، وقال ابن معين: ثقة (¬5). (عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ) العَنَزي بفتح العَين (¬6) المهملة والنون البَصْري روى لهُ البخاري في "الأدب" (¬7) والباقون، كانَ مِنَ العُباد، وكان برًّا بأمه دَخل عَليها يومًا، فإذا هي تبكي من امرأته فقال: ما يبكيك؟ قالت، أنا أظلم منها لكن أنا بدَأتُها وظلمتها (¬8)، فقال لها: صدقت ولكن لا تطيب نفسي أن أحتبس امرأة بكيت منها (¬9). (عن) عبد الله (ابْنِ الزُّبَيرِ، عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ¬

_ (¬1) في (ص، س، ظ، ل): السنة في السِّواك. والمثبت من (د، م)، "سنن أبي داود". (¬2) في (د، ظ، م): المزني. تحريف، والمثبت من (ص، س، ل)، و"الأنساب". (¬3) في (ظ، م): الحرمين. تحريف. (¬4) في (ص، ل): حبيب. تحريف، والمثبت من (د، س، ظ، م). (¬5) نقله ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"، لكن مصعب بن شيبة هذا تكلموا في حفظه، قال أحمد: روى أحاديث مناكير. قال ابن أبي حاتم: لا يحمدونه، وليس بقوي. وقال النسائي: منكر الحديث. انظر: "الجرح والتعديل" 8/ 305، و"تهذيب الكمال" 28/ 32 - 33. (¬6) ليست في (م). (¬7) "الأدب المفرد" (818). (¬8) في (س): وطلقها. تحريف. (¬9) انظر: "تهذيب الكمال" 13/ 453.

عَشْرٌ مِنَ الفِطْرَةِ) قال محمد بن جَعفر القزاز (¬1) في "تفسير غريب صَحيح البخاري": أولى الوُجُوه في معنى الفطرة أن يراد بها ما (¬2) جَبل الله الخلق عَليه وجبل طبَاعهم على فعله، وهي كراهة ما في جسده مما ليسَ من زينته (¬3). وقال غيره: الفطرة: السُنة، والمعنى أنها من سُنن الأنبياء عليهم السلام، وقيل: الفطرة: الِدين، وعن ابن عباس في قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} (¬4) قال: ابتلاهُ اللهُ بالطَّهارة خَمسٌ في الرأس وخَمسٌ في البدَن (¬5). وفي "الموطأ" وغيره عن يحيى بن سَعيد، أنه سِمَع سعيد بن المسَيب يقول: إبراهيم علسه السلام أول من اختتن، وأول من قص الشارب، وأوَّلُ من استحد، وأوَّل مَن قلَّم الأظفار (¬6). وقال غيره: أول من استاك، وأول من استحم بالماء، وأوَّلُ من لبسَ السراويل. وفي قوله: "عَشر من الفِطرة" نص على أن خصَال الفطرة لا تنحصر في العَشرة، وأما رواية مُسلم [أو غيره] (¬7): "الفطرة عَشرة" (¬8). بصيغة ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): البزار. تحريف، والمثبت من "البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة" 1/ 258 - 259. (¬2) سقط من (ص، س، ل). (¬3) في (ص، ل): زينة. وفي (س): دينه. وفي (ظ): الفطرة. (¬4) البقرة: 124. (¬5) رواه الحاكم في "المستدرك" 2/ 266 وقال: صحيح على شرطهما. ووافقه الذهبي. (¬6) "الموطأ" 2/ 703، ورواه البخاري في "الأدب المفرد" (1250)، وصححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد" (951). (¬7) سقط من (ص، س، ل). (¬8) ليس هذ اللفظ عند مسلم، وأخرجه الطحاوي في "معاني الآثار" 4/ 229.

حَصْر الابتداء فهذا من حَصر المجاز دون الحقيقة، فإنَّ الحَصر يستعمل تارة حقيقة ومجَازًا أخرى، فمن الحقيقة: اللهُ ربنا. ومن حَصر المجَاز: "الدين النصيحة". فلو كانَ الحَصْر حقيقة لجُعلت النصيحة كل الدين، وكأنه لا دين إلا النصيحة على طريق المبالغة، فإن في الدين خصَالًا أُخر غير النصيحة، وعلى هذا فتؤول (¬1) رواية: "الفطرة عشرٌ" أن مُعظمها عشر (¬2)، ك "الحج عَرفة"، فإن الحج ليس منحصرًا في وقوُف عَرفة بل هو مُعظمها. (قَصُّ الشَّارِبِ) هو خبر مُبتدأ محذوف، أي: أحَدها قص الشارب، وهو متفق على أنه سُنة لما رَوَاهُ الترمذي في "جَامعه" في الاستئذان: " من لم يأخذ من شاربه فليس منا". وقال: حَديث حسَن صحيح (¬3). والمستحب عندنا وعند مَالك في روايته أن يقصَّ ما زادَ منهُ حَتى تبدو حمرة الشفة من طرفها ولا يحفِه من أصله هذا مذهبَ الشافعي والجمهور. وقال أحمد: أن حَفه فلا بأس وإن قصهُ فلا بأسَ واحتج أحمدَ بالأحاديث الصحيحة عن ابن عُمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " أحفُوا الشوارب وأعفُوا اللحى". رواه البخاري ومُسلم (¬4). وفي رواية: "جزُوُّا الشوارب" (¬5)، وفي رواية: "أنهكوا الشوَارب" (¬6). وهذِه الروايات محمولة عندنا على ¬

_ (¬1) في (ص، س): فيؤول. وفي (ظ، م): فيقولون. تحريف. (¬2) في (ص، س، ظ، ل، م): عشرة. (¬3) "سنن الترمذي" (2761). (¬4) "صحيح البخاري" (5892)، و"صحيح مسلم" (259) (52). (¬5) "صحيح مسلم" (260) (55). (¬6) "صحيح البخاري" (5893).

الحف من طرف الشفة أي: أحفوا ما طَال عن الشفتين، وفي همزة احفوا واعفوا القطع والوَصْل والأكثر القطع، ومما يستَّدل به على أن السُّنةَ قصُّ بَعضِ الشارب رواية ابن عَباس: كانَ النبي - صلى الله عليه وسلم - يقص أو يأخذ من شاربه، وكانَ إبراهيم خليل الرَّحمن يفعَلهُ. رواهُ الترمذي وقال: حديث حسَن (¬1). وروي عن مَالك الإمام، أنه ذكر له إحفاء بَعض الناس شواربهم، فقال مَالك: ينبغي أن يضرب من صَنَع ذلك فليسَ حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - كذلك ولكن يبدي حرف (¬2) الشفة والفم، قال مَالك: حَلق الشارب بدعة ظهرت في الناس (¬3). قال الغزالي: ولا بأس بترك سباليه وهما طرفا الشارب (¬4). ويبدأ في قصَه من الجانب الأيمن من المفعُول (¬5). قال ابن دقيق العيد: الأصل في قص الشوَارب وجهان: أحدهما: مخالفة الأعَاجِم وهذِه العلة منصوصة في "الصحيح" حيث قال: "خالفوا المجوس" (¬6). والثاني: أن زوالها عن مدخل الطعَام والشراب أبلغ في النظافة، وأنزه من وضَر (¬7) الطعَام (¬8). ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (2760)، وقال: حديث حسن غريب. وقال الألباني في "ضعيف سنن الترمذي" (524): ضعيف الإسناد. (¬2) في (ص): حذف. تصحيف، والمثبث من بقية النسخ. (¬3) رواه البيهقي 1/ 151. (¬4) "إحياء علوم الدين" 1/ 272. (¬5) انظر: "الموطأ" 2/ 922، و"المجموع" 1/ 287 - 288. (¬6) "صحيح مسلم" (260) (55). (¬7) في (ص): وصب. والوضر: وسخ الدسم. انظر: "لسان العرب" (وضر). (¬8) "إحكام الأحكام" 1/ 62.

(وِإعْفَاءُ اللِّحْيَةِ) بالمدّ وهو توفيرها وتركها بحالهَا، ولا يقص منها، ولا يأخذ شيئًا كعَادة بَعض الكفار والقلندرية (¬1). قال أبو عبيد: إعفاء اللحية أن توفر حتى تكثر، يقال: عفا الشعر إذا كثر وزاد، وأعفيته وعفيته أنا، وعفا إذا درس (¬2)، وقيل: هو من الأضداد، وفي الحديث فعلى الدنيا العفاء (¬3) أي: الدروس (¬4). وقد اختلف فيما إذا طَالت اللحية، والصحيح كراهة (¬5) الأخذ منها مطلقًا بل يتركها على حَالها كيف كانت لهذا الحديث. وأمَّا حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جَده، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها. فرواهُ الترمذي (¬6) بإسناد ضَعيف لا يحتج به قالهُ النووي، وحَكى عن الغزالي: أنه يكره (¬7) الزيادة في اللحية والأخذ منها، وكذلك نتف جانبي العنفقة (¬8). وقال أحمد بن حنبل: لا بأس بحلق ما تحت حَلقه من لحيته (¬9). ¬

_ (¬1) قال ابن تيمية: القلندرية محلقي اللحى، من أهل الضلالة والجهالة، وأكثرهم كافرون بالله ورسوله، أصل هذا الصنف أنهم كانوا من نساك الفرس، يدورون على ما فيه راحة قلوبهم نحو أداء الفرائض، واجتناب المحرمات، ثم إنهم تركوا الواجبات وفعلوا المحرمات. "مجموع الفتاوى" 35/ 163. (¬2) انظر: "الفروع" 1/ 100. (¬3) في (ظ، م): رش. تحريف. (¬4) "غريب الحديث" لأبي عبيد 1/ 147 - 148، 4/ 389. (¬5) في (ظ، م): كراهية. (¬6) "سنن الترمذي" (2762)، وقال: حديث غريب، وقال البخاري: ليس له أصل. (¬7) في (ص، س، ل): كره. (¬8) انظر: "المجموع" 1/ 290 - 291. (¬9) انظر: "الفروع" 1/ 100.

(وَالسِّوَاكُ) المراد به هنا الفعل بالآلة، ورَوَى ابن قدامة في "المغني" بسنده إلى أنس بن مَالك: أن رَجلًا من بني عَمرو بن عَوف قال: يا رسول الله، إنك رغبتنا في السِّواك، فهَل من دون ذلك شيء؟ قال: "إصبَعيك سِواكٌ عند وضوئك أمِرَّهما على أسنَانك" (¬1). وروى الحافظ أبو نعيم في "معرفة الصحَابة" في ترجمة أبي زيد الغافقي رفعه: "الأسوكة ثلاثة: أراك، فإن لم يكن أراك فَعَنم (¬2) أو بُطم (¬3) " (¬4)، قال راويه (¬5): [العنم: الزيتون] (¬6) والمعرُوف في اللغة أنها شجرة لطيفة الأغصَان [يشبه بها] (¬7) بنان العذارى، وهو بالعَين المهملة والنون المفتوحتين. وروى الطبراني في "الأوسَط" من حَديث معَاذٍ رفعه: "نِعْمَ السِّواكُ الزَيتونُ من شجرة مُباركة تطيِّب الفَم، وتذهبُ الحفر، وهو مسواكي، ومسواك الأنبياء قبلي" (¬8) والحفر بفتح الحاء المهملة وسُكون الفاء، ¬

_ (¬1) "المغني" 1/ 138. (¬2) في (س): فعكم. تحريف. (¬3) في (ص): نظم. تصحيف، والبطم: شجر الحبة الخضراء. "تهذيب اللغة" (طبم). (¬4) "معرفة الصحابة" (6811). (¬5) في (ص، د، س، ظ، ل): رواية. (¬6) في (ص): العنم والنظم. وفي (س): العيم والنظم. وفي (ظ، ل، م): العنم والبطم. وكلهم تحريف، والمثبت من "معرفة الصحابة"، قال ابن الأثير في "النهاية": العتم بالتحريك: الزيتون. انظر: "النهاية" (عتم). (¬7) في (ص، ل): يشبه بها الزيتون. وفي (د): يشبه. وفي (س): نسبة لها الزيتون. وفي (ظ، م): نسبة. والمثبت من "النهاية" (عنم). (¬8) "المعجم الأوسط" (678)، قال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (5360): موضوع.

وفتحها، وهو فسَاد أصُول الأسنَان، وجعل ابن السِّكيت الفتح من لحن العامة، وهو محمول على أنه: مَا بلغَهُ لغة بني أسَد. (وَالاسْتِنْشَاقُ بِالْمَاءِ) هكذا الرواية بالبَاء، وفيه حجة عَلى ما قالهُ في "الصِّحَاح" و"المجمل" (¬1) وغيرهما من أئمة اللغَة: استنشاق الماء بغَير باء، وزعم بَعضهم أنَّ: استنشقتُ بالماء، فزيادة الباء من قول الفقهاء، وهو جَعل الماء في الأنف وجذبه بالنفَس؛ ليصعد إلى الأنف، والاستنثارُ طرح الماءِ من الأنف بعد الاستنشاق. (وَقَصُّ الأَظْفَارِ) ذكر الحكيم الترمذي في "نَوادر الأصُول" الأصل التاسِع والعشرون: ثنا عمرو بن أبي عمرو (¬2)، قال: ثنا إبراهيم بن العلاء الزبيدي، عن عمر بن بلال الفزاري (¬3)، قال: سمعت عبد الله بن بسر (¬4) المازني يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قصوا أظافيركم، وادفنوا قلاماتكم، ونقوا براجمكم (¬5)، ونظفوا لثاتكم (¬6) من الطعَام، وتسننوا ولا تدخلوا عليَّ قلحًا (¬7) ". ثم تكلم فأحسَن، قال الترمذي: ¬

_ (¬1) في (ظ، م): المحل. تحريف، وانظر: "الصحاح" للجوهري (شنق)، و"مجمل اللغة" لابن فارس (شنق). (¬2) في (د): عمر. (¬3) في (ظ، م): العداري. تحريف، والمثبت من "الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة" لابن قطلوبغا (8190). (¬4) في (ص، د، ظ، م): بشر. تصحيف، والمثبت "الإكمال" لابن ماكولا 1/ 271، و"تهذيب الكمال" 14/ 333 - 334. (¬5) في (ص، ل): مراحمكم، والمثبت من "نوادر الأصول". (¬6) في (ظ، م): لباسكم. والمثبت من "نوادر الأصول". (¬7) في (س): لما. تحريف، وفي "نوادر الأصول": قخرًا بخرًا.

فأمَّا قص الأظفار فمن أجل أنه يخدش ويخمش ويضر، وهو مُجتَمَعُ الوسَخ، فربما أجنَب ولا يصَل الماء إلى البَشرة من أجْل الوسَخ فلا يزال جُنُبًا (¬1). ومن أجْنَبَ فبقي أثره في جسَده بعَد الغسل، غير مغسُول فهو جُنب على حَاله، حتى يَعُمَّ الغُسل جَسَده كلَّه؛ فلذلك ندَبَهم إلى قص الأظفار. وذكر أبو الحَسَن الطبري، المعروف بالكيا في "أحكام القرآن" عَن سُليمان بن فرج أبي واصل قال: أتيت أبا أيوب الأنصَاري فصَافحته فرأى في أظفاري طُولًا فقال: جاء رجلٌ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسَأله عن خبر السَّماء؛ فقال: "يجيء أحدُكم يسَأل عن خبر السَّماء، وأظفاره كأظفار الطير حَتى يجتمع فيها الوَسَخ والتفث" (¬2). وعن عائشة - رضي الله عنها -: كان رَسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرُ بدَفن سبعة أشياء من الإنسَان: الشعر، والظفر، والدم، والحَيضَة، والسِّن، والقلفة (¬3) والمشيمة (¬4). (وَغَسْلُ البَرَاجِمِ) جَمع بُرجمة بضم البَاء والجيم وهي مفاصل الأصَابع، وظهور عُقدها، فظهوُر (¬5) العقد تسمى برجمة، وما بين العقد يُسمى راجَبة، جمعها رواجب، فلكل إصبع برجمتان وثلاث ¬

_ (¬1) "نوادر الأصول" للحكيم الترمذي (1/ 185). (¬2) "أحكام القرآن" للكيا الهراسي (1/ 14). (¬3) في (س، ل): العلقة. وفي (ظ، م): العلف. وكلاهما تصحيف، والمثبت من (ص، د)، و"نوادر الأصول". (¬4) ذكره الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" 1/ 186 ولم يسق إسناده، وضعَّفه الألباني في "ضعيف الجامع" (4525). (¬5) في (ص): وظهور. وفي (د): فظهر.

رواجب إلا الإبهَام، فإن له بُرجمة وراجبتين، فأمر بغَسل البراجم وتنقيتها مِنَ الدرَن؛ لئلا تبقى تحته الجَنابة، ويحول الدرن بين المَاء والبَشرة إذا كثُرَ فلا يصح الوضوء والغسْل. وغَسْلُ البراجُم متفق على استحبابه وسنيته (¬1)، وهو سُنة مُستقلة غير مختصَّة بالوُضُوء، وقد أوضحها الغزالي في "الإحياء"، وألحق بها استحباب إزالة ما يجتمع من الوسَخ في بواطن (¬2) الأذن وقعر السّماخ، فيزيلهُ بالمسح، وربما أضَرت كثرتُه بالسَّمع، قال: وكذا ما يجتمع في داخل (¬3) الأنف من (¬4) الرُطوبات الملتصقة بجوانبه، وكذا الوسَخ الذي يجتمع على غير تلك (¬5) منَ البَدن من عرق وغبار ونحو ذلك (¬6). (وَنَتْفُ الإِبِطِ) فسنته النتف، كما أن سُنة العَانة الحلق، فلو عكس (¬7) جاز لحُصول النظافة، والأول أولى، وإن شاء أزاله بالنورة، وحُكي عن يُونُس بن عبد الأعلى، قال: دخَلتُ على الشافعي وعندهُ الذي يحلق إبطه، فقال: قد علمتُ أن السُّنة النتف ولكن لا أقوى على الوجَع، ونتفُه سَهل [على من] (¬8) تعَوَّدهُ، بخلاف من تَعود الحلق، فإنَّ شَعرهُ ¬

_ (¬1) في (ص، ظ، ل، م): سنته. (¬2) في (ص، د، س، ل): معاطن. (¬3) في (ص، س، ل): أعلى. وسقطت من (ظ، م)، والمثبت من "المجموع". (¬4) في (ظ، م): عن. تصحيف. (¬5) في (ص، س، ل): تدلك. تحريف، والمثبت من "المجموع". (¬6) انظر: "إحياء علوم الدين" 1/ 265، 267. (¬7) في (س): غسل. تحريف. (¬8) في (ص، ل): على من. والمثبت من "المجموع".

يَقوى ويصعب نتفه بعد ذَلك (¬1). قال ابن الرفعَة: وكما يُستحب نتف الإبط يُستحب نتف الأنف أيضًا (¬2). وإذا نتف الإبط أو الأنف فيبدأ بالأيمن (¬3). (وَحَلْقُ العَانَةِ) وهو متفق على أنه سُنة أيضًا، والمشهور في حقيقتها أنها الشَعر النَابت حوالي ذكر الرجُل وقبُل المرأة وفوقهما، وفي كتاب "الودائع" لأبي العَباس بن سريج: العَانة الشَعر المُستَدير حوْل حَلقَة الدُبُر. قال النووي: وهو غريب، لمن لا منع (¬4) مِن حَلقه، وأمَّا استحبابه فلم أرَ فيه شيئًا، لمن يُعتمد عليه غير هذا، فإن قصد به التنظيف وسُهولة الاستنجاء (¬5) فهو حَسَن محبوبٌ (¬6). ويحلق عَانته بنَفسه، ويحرُمُ أن يُوليَها غَيرهُ إلا زوجته، أو جاريته التي تستبيح (¬7) النظر إلى عَورته ومسِّها، فيجوز مع الكراهة. قال الجيلي: وشَعر العَانة إذا طَال عَشش فيه الشيطان ويقع فيه القُمَّل، ويُذهِبُ قوَّة الجماع، وفي وصية عليٍّ - رضي الله عنه -: إن تقليم الأظفار، تكونُ في كل عَشرة أيام، ونتف الإبط في كل أربعين يومًا (¬8)، وحَلق العَانة في كل عشرين يومًا، ونتف الأنف (¬9) في كل ثلاثين يومًا، والحقُّ: الرجُوع في كل ¬

_ (¬1) "إحياء علوم الدين" 1/ 272 - 273. (¬2) "كفاية النبيه" لابن الرفعة 1/ 250. (¬3) انظر: "المجموع" 1/ 288 - 289. (¬4) في (ص، س، ل): يمنع. والمثبت من "المجموع". (¬5) في (ص): الأشياء. تحريف. (¬6) "المجموع" 1/ 289. (¬7) في (ص، س، ل): تستثنى. (¬8) من (ظ، م). (¬9) في (د، ظ، م): الإبط، تحريف.

ذلك إلى العادة. (وَانْتِقَاصُ المَاءِ) بالقاف والصَاد المهملة، (يَعْنِي الاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ) هَكذا فسَّرهُ وكيع في "كتاب مُسلم" (¬1)، قال أبو عبيَدة وغَيره: مَعناهُ انتقاص البَول؛ بسبب استعمال الماء في غَسل مذاكيره. لأن الماء يقطع البَول؛ فعلى هذا المراد بانتقاص الماء: البَول [وحَمله على حقيقة الماء أولى] (¬2) وهو كناية عن الاستنجاء؛ لأن الاستنجاء ينقص به الماء. وذكر (¬3) ابن الأثير في "النهَاية": أنهُ رُوي انتفَاص الماء بالفاء والصَّاد المُهملة (¬4). وقال في فَصل الفاء: قيل: الصَوَاب بالفاء والمراد نضحُهُ على الذكر (¬5). قال النووي: وهذا الذي قالهُ شاذ، وعلى الرواية بالفاء فهو من النُفَصة بضَم النُون وفتح الفاء، وهو نضح الدم القَليل، الواحِدة نَفْصة (¬6) (¬7). قال الشاعر: ترمي الدمَاءَ [على أكنَافها] (¬8) نُفَصَا ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (261) (56). (¬2) ليست في (ظ، م)، وستأتي بعد قليل فيهما. (¬3) في (ص، س، ل): قال. والمثبت من "المجموع". (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (نقص). (¬5) "النهاية في غريب الحديث" (نفص). (¬6) أقحم هنا في (ظ، م): وحمله على حقيقة الماء أولى، نفصة. وهي خطأ، وقد أتت في النسخ الأخرى قبل قليل. (¬7) انظر: "شرح النووي على مسلم" 3/ 150. (¬8) في (س): لأكنافها.

(قَالَ زَكَرِيَّا) بن أبي زائدَة: (قَالَ مُصْعَبٌ) بن شَيبة (وَنَسِيتُ العَاشِرَةَ إلا أَنْ تَكُونَ المَضْمَضَةَ) فهذا شك منه فيها. قال القَاضي عيَاض: لعَلَّهَا الختان، يعني: الآتي في الرواية بَعده، قال: وهو أولى (¬1). [54] (ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التبوذكي، (وَدَاوُدُ بْنُ شَبِيب) البَاهلي شيخ البخاري، (قَالاَ: ثَنَا حَمَادٌ) بن سلمة، قال ابن الجَوزي في "التلقيح": أن التبوذكي، ليسَ يروي إلا عن حَماد بن سَلمة خَاصَّة (¬2). (عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ) بن جدعان التيمي، أخرج له مُسلم والأربعة. (عَنْ سَلَمَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَارِ بْنِ يَاسِرٍ) العَنسي، المدني، أخي أبي عُبيد بن محمد بن عمار بن ياسر، أخرج له المصَنِّف وابن ماجه (¬3) هذا الحديث (¬4) الوَاحِد لا غَير. (عن) جَدِّه (عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ - رضي الله عنه - قال مُوسَى) بْنُ إِسْمَاعِيلَ التبوذكي في روايته أنهُ روى (عَنْ أَبِيهِ) مُحَمَّدِ بْنِ (¬5) عَمَّارِ، عن جَدِّه عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، (وَقَالَ دَاوُدُ) بن شبيب: (عن) جده (عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ - رضي الله عنه - أَن رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إِنَّ مِنَ الفِطْرَةِ) قال (¬6) أبو عمرو بن الصَّلاح: تفسير الفطرة بالسُّنة فيه إشكال لبُعد معنى السُّنة من معنى الفطرة في اللغَة، قال: فلعَل ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" 2/ 65. (¬2) "تلقيح فهوم الأثر" لابن الجوزي (ص 428). (¬3) "سنن ابن ماجه" (294) من طريق حماد به. (¬4) سقطت من (ص، س، ل). (¬5) تكررت في (د). (¬6) سقطت من (ظ، م).

وجهه أنَّ أصله سُنة الفطرة أو أدب (¬1) الفطرة، فحذف المضَاف وأقيم المضَاف إليه مقامه. قال النووي: تفسير الفطرة هُنا بالسُّنة هو الصَّوابُ ففي "صَحيح البخاري" عن ابن عُمر، عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مِنَ السُّنة قص الشارب، ونتف الإبط" وأصحَّ ما فُسّرَ به غريب الحَديث [تفسيره بما] (¬2) جاء في رواية أخرى، لاسيَّما في "صَحيح البخاري" (¬3) (¬4). (الْمَضْمَضَةَ وَالاِسْتِنْشَاقَ) بنصِّهما وفيه حجَّةٌ لمذهب الشافعي أن المضمضة والاستنشاق مسنونان (¬5)؛ لأنه (¬6) جعلهما من الفطرة، والفِطرة: السُّنة، كما تقدم، وذِكره لهما من الفطرة يدل على مخالفتهما لسائر الوضُوء؛ و (¬7) لَأن الفَم والأنف عُضوانِ باطنان؛ فلا يجبُ غَسلهما كباطِن اللحية ودَاخل العَينَين؛ ولأن الوجه ما يحصُل به المواجَهة، ولا تحصُل المواجهة بهما خلافًا لأحمد، فإن الرواية المشهورة عندَه أن المضمضة والاستنشاق، واجبان في الوضوء، والغسل (¬8). ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): أن. والمثبت من "المجموع". (¬2) في الأصول الخطية: تفسير ما. والمثبت من "المجموع". (¬3) "المجموع" 1/ 284. (¬4) قال ابن حجر في "فتح الباري" 10/ 352 بعد أن نقل كلام ابن الصلاح وتعقب النووي: لم أر الذي قاله في شيء من نسخ البخاري، بل الذي فيه من حديث ابن عمر بلفظ: الفطرة. (¬5) "الأم" 1/ 77. (¬6) في (ص، س، ظ، ل، م): لأنهما. (¬7) من (د، ظ، م). (¬8) "مسائل أحمد وإسحاق رواية الكوسج" (11).

(فَذَكَرَ نَحْوَهُ). ولفظ هذِه الرواية: "منَ الفطرة: المَضمضة، والاستنشاق، وقصُّ الشارب (¬1)، والسِّواك، وتقليم الأظفار، وغَسل البراجم، ونتف (¬2) الإبط، والاستحداد، والانتضاح، والاختتان". (وَلَمْ يَذْكُرْ) في هذِه الرواية (إِعْفَاءَ اللِّحْيَةِ، وَزَادَ: والْخِتَانَ) بدل إعفاء اللحية، والختان هو القطع من ذكر الغُلام أو فرج الجارية، وقد تؤنث (¬3) بالهَاء، فيقال: ختانة، وذلك قطع الجلدة السَّاترة للحشفة، حتَّى تنكشف جَميعها، وفي الصَّبية قطع أدنى جزء من الجلدَة التي في أعلى الفَرج. يقالُ: ختن الصَّبي يختِنه، ويختنه بكسر التاء وضمها خَتْنًا، بإسْكان التاء. والختان واجب عندنا على الرجَال والنساء، وبه قال كثير من السَّلف، وممن أوجبهُ أحمد (¬4)، وقال مَالك (¬5) وأبو حنيفة (¬6): سُنة في حق الجَميع، وحَكَاهُ الرافعي وجهًا لنا، وحجة القائلين (¬7) [بأنهُ سُنة] (¬8) هذا الحَديث، فإنه مَعدُود مع السُّنن (¬9). واحتج أصحابنا بقوله ¬

_ (¬1) زاد في (س): والغسل. (¬2) في (ص، ل): وتنظف. وفي (س): وتنظيف. وكلاهما تحريف. (¬3) في (ص): نوبت. (¬4) في الأصول الخطية: مالك. خطأ، والمثبت من "المجموع"، وانظر: "المغني" 1/ 100. (¬5) "الكافي" لابن عبد البر 2/ 1136 - 1137. (¬6) انظر: "المبسوط" 10/ 268. (¬7) في (ص، ل): القائلون. تحريف. (¬8) في (ظ): به. وفي (م): غير. وكلاهما تحريف. (¬9) انظر: "المجموع" 1/ 300 - 301.

تعالى: {أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} (¬1) وإبراهيم أول من اختتن وهو ابن سَبعين سَنة، وقيل: ثمانين، ولا يفعل ذلك في هذا السِّنِّ (¬2) إلا عن أمر من الله تعالى، ولما روى المصَنِّف وأحمد في الحَديث الآتي، عن عُثيم (¬3) بن كُليب، عن أبيه، عَن جَدِّهِ، أنه جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: قد أسلمت، فقال: "ألق عَنك شعر الكُفر" يقول: "اختتن". قال: وأخبرني آخر مَعَهُ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للآخر: "ألق عَنك شعر الكفر واختتن" (¬4). وهذا أمر والأمر للوُجوُب؛ ولأنه قطعُ جزءٍ من البَدَن [لا يُستخلف تعبدًا] (¬5) فكان واجبًا كالقطع (¬6) في السَّرِقة، وكما يجب الخِتَانُ يجبُ قَطع السُّرة. (وقال) في هذِه الرواية: (وَالاِنْتِضَاحَ) بالضَاد المُعجمة، والحَاء المُهملة. قال الجمهُور: هو أن يأخُذ المُستنجي، قليلًا من الماء فيرشَّ به مذاكيره، بعَد الوُضوء، لينفِيَ عنهُ الوِسْوَاس (¬7) الذي يحصُل من الشك في البَلَل، أنه من البَول أم لا؟ ومنهُ حَديث قتادَة: النضحُ من النضحِ. يُريدُ من أصَابه نَضح مِنَ البَول وهو الشيء اليَسير منه؛ فعليه أن ينضحه ¬

_ (¬1) النحل: 123. (¬2) في (ص): السنن. تحريف. (¬3) في (ص، س): غنيم. تصحيف. (¬4) سيأتي برقم (356)، وعند أحمد 3/ 415. (¬5) سقطت من (ص)، وفي (س): لا يستخلف بعيدًا. وفي (ظ، م): لا يستحلق تعبدًا. وكلاهما تصحيف. (¬6) في (د): كالمقطع. تحريف. (¬7) انظر: "شرح النووي على مسلم" 3/ 150.

بالماء وليس عليه غسْلهُ (¬1). قال الزمخشري: هو أن يصيبهُ مِنَ البَول رشاش كرؤوس الإبر (¬2). قال النووي: والذي قالهُ المحققون: أنهُ الاستنجاء بالماء بدليل رواية مُسلم، وانتقاص الماء بالقَاف والصَاد المهملة (¬3). كما تقدم. (وَلَمْ يَذْكُرِ انتِقَاصَ المَاءِ، يَعْنِي الاسْتِنْجَاءَ) في هذِه الروَاية (ورُوي نحَوه عَنِ) عبد الله (بْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - وَقَالَ: خَمْسٌ كُلُّهَا فِي الرَّأْسِ) قال الغزالي: حصل من ثلاثة أحاديث من سُنن الجسَد اثنا عشر، منها خمس في الرأس (¬4). (و (¬5) ذَكَرَ فِيهَا الفَرْقَ) (¬6) بإسْكان الراء مصدر فرقت بين الشيئين أفْرُقُ بِضَم الراء فرقًا، إذا فصلت أبعاضه من بَعض. والخَمس التي في الرأس: الفرق، والمضمضة، والاستنشاق، والسِّواك، وقص الشارب. قال الغزالي: وثلاث في اليَد والرجل وهي (¬7): القلم، وغَسل ¬

_ (¬1) انظر: "عون المعبود" 2/ 25. (¬2) "الفائق" للزمخشري (3/ 440). (¬3) "المجموع" 1/ 285. (¬4) "إحياء علوم الدين" 1/ 281. (¬5) سقطت من (ص، د، س، ل). (¬6) رواه عبد الرزاق في "مصنفه" (116)، والحاكم في "المستدرك" 2/ 266، وقال الحاكم: صحيح على شرطهما. ووافقه الذهبي، وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (45): هو موقوف صحيح على شرط الشيخين. (¬7) في (ص): وهم. تحريف.

البراجم، وتنظيف الرواجِبِ، وأربعة في الجَسَد: وهو نتف الإبط، والاستحدَاد، والختان، والاستنجاء، فحصَل من ثلاثة أحاديث، من سُنن الجسَد: اثنا عشر (¬1). وقد روى البخاري من حديث ابن عَباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسدل شعَرهُ، إلى أن قال: ثم فرق رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). (وَ (¬3) لَمْ يَذْكُرْ فيه: إِعْفَاءَ اللِّحْيَةِ) بل ذكر (¬4) مكانه الفَرْق. (وَرُوِيَ نَحْوُ حَدِيثِ حَمَّادٍ) بن سلمة (عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ وَمُجَاهِدٍ، وَعَنْ بَكْرِ) بْنِ عَبْدِ اللهِ (الْمُزَنِيِّ) توفي [108] (¬5) في (قَوْلهمْ لم) وفي رواية الخَطيب: وَلَمْ (يَذْكُرُوا: إِعْفَاءَ اللِّحْيَةِ) (¬6) في روايته. (وَفِي حَدِيثِ مُحَمَدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ) الخزاعي ذكرهُ ابن حبَان في "الثقات" (¬7) (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) عبد الله، على الأصَح (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ)، ¬

_ (¬1) "إحياء علوم الدين" 1/ 281. (¬2) "صحيح البخاري" (3558). (¬3) من (ص). (¬4) في (ظ، م): ذكره. (¬5) في الأصول الخطية: 18. خطأ، والمثبت من "الطبقات الكبرى" لابن سعد 7/ 211، و"طبقات خليفة" (1680)، و"الهداية والإرشاد" للكلاباذي 1/ 114، وفي "التاريخ الكبير" للبخاري 2/ 90، و"تقريب تهذيب الكمال" لابن حجر (743): 106 وذكرهما الاثنان المزي في "تهذيب الكمال" 4/ 218. (¬6) وصله النسائي إلى طلق في "سننه" 1/ 126 - 128 ولكنه ذكر سبعة فقط، ورواه النسائي 1/ 128 من طريق أخرى عن طلق فذكر هذه السبعة وأضاف إليها: وتوفير اللحية، ونتف الإبط، والختان. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (46): موقوفات كلها، وهو عن طلق صحيح الاسناد. (¬7) "الثقات" 7/ 419.

- رضي الله عنه - (عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِيهِ: وَإعْفَاءُ اللِّحْيَةِ) (¬1) كما تقدم. (وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ) الكوفي واسم والده سُوَيد (¬2) أخرج له مُسلم (نَحْوُهُ وَذَكَرَ: (إِعْفَاءَ اللِّحْيَةِ وَالْخِتَانَ) (¬3) احتج القائلون بأن الختان سُنة؛ بذِكرهِ الختان في الفطرة، وتقدمَ أن الفطرة السُّنة، وجوَابه أنَّه ذُكِرَ في جملة السُنن، وهو واجب، غيرُ مُمتنع؛ فقد يقرن (¬4) المختلفان في الوَاجب وغَيره كقوله تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (¬5) والأكل مُباح والإيتاء (¬6) واجب، وقوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ} (¬7) والإيتاء (¬8) واجب والكتابة سُنَّةٌ، ونظائره في الكتاب والسنة كثيرٌ مشهور، وهذا منها. * * * ¬

_ (¬1) قال الألباني في "صحيح أبي داود" (47): صحيح، ولم أقف عليه بهذه الرواية. (¬2) كذا في الأصول الخطية، والصواب هنا هو ابن يزيد بن قيس الفقيه المشهور، وليس ابن سويد. (¬3) قال الألباني في "صحيح أبي داود" (48): موقوف صحيح. (¬4) في (ص): تقرب. تحريف. (¬5) الأنعام: 141. (¬6) في (ص): والإتيان. تحريف. (¬7) النور: 33. (¬8) في (ص): والإتيان. تحريف.

30 - باب السواك لمن قام من الليل

30 - باب السِّواكِ لِمنْ قامَ مِنَ اللَّيْلِ 55 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْن كَثِيرٍ، حَدَّثَنا سُفْيان، عَنْ مَنْصُورٍ وَحُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي وائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إِذا قامَ مِنَ اللَّيْلِ يَشوصُ فاهُ بِالسِّواكِ (¬1). 56 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنا بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ زُرارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشامٍ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُوضَعُ لَهُ وَضُوءُهُ وَسِواكُهُ، فَإِذا قامَ مِنَ اللَّيْلِ تَخَلَّى ثمَّ اسْتاكَ (¬2). 57 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنا هَمّامٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أمِّ محَمَّدٍ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ لا يَرْقُدُ مِنْ لَيْلٍ وَلا نَهارٍ فَيَسْتَيْقِظُ إلَّا تَسَوَّكَ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ (¬3). 58 - حَدَّثنا محَمَّد بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنا حُصَينٌ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثابِتٍ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبّاسٍ قالَ: بِتُّ لَيْلَةً عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمّا اسْتَيْقَظَ مِنْ مَنامِهِ أَتَى طَهُورَهُ فَأَخَذَ سِواكَهُ فاسْتاكَ، ثمَّ تَلا هذِه الآياتِ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190] حَتَّى قارَبَ أَنْ يَخْتِمَ السُّورَةَ أَوْ خَتَمَها، ثُمَّ تَوَضَّأَ فَأَتَى مُصَلاهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى فِراشِهِ فَنامَ ما شاءَ اللهُ، ثمَّ اسْتَيْقَظَ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثمَّ رَجَعَ إِلَى فِراشِهِ فَنامَ، ثمَّ اسْتَيْقَظَ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثمَّ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (245)، ومسلم (255). (¬2) رواه ابن ماجه (1191)، وأحمد 6/ 53 - 54 ضمن حديث مطول، والنسائي في "السنن الكبرى" (1238). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (50). (¬3) رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 1/ 483، وابن أبي شيبة 2/ 215 (1802)، وأحمد 6/ 121، 160، والطبراني في "المعجم الأوسط" (3557)، والبيهقي 1/ 39. =

رَجَعَ إِلَى فِراشِهِ فَنامَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، كُلُّ ذَلِكَ يَسْتاك وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَ أَوْتَرَ. قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ ابنِ فُضَيْلٍ، عَنْ حُصَيْنٍ قالَ: فَتَسَوَّكَ وَتَوَضَّأَ، وَهُوَ يَقُولُ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ (¬1). * * * باب السِّوَاكِ لِمَنْ قَامَ باللَّيْلِ [55] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ) العَبْدي البْصري شَيخ البُخَاري. (ثَنَا سُفْيَانُ) بن (¬2) سَعيد بن مسروق الثوري، (عَنْ مَنْصُورٍ) بن المعتمر بن عبد الله السّلمي الكوفي، أحَد الأعلام (¬3) (وَحُصَيْنٍ) -بضم الحَاء وفتح الصَاد المُهملتين- بن عبد الرحمن السلمي. (عَنْ أَبِي وَائِلٍ) شقيق بن سلمة الأسدي، (عَنْ حُذَيْفَةَ) بن اليَمان - رضي الله عنه -[وإسَناده غير ابن كثير كوفيُّون] (¬4) (أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيلِ يَشُوصُ) بضَم الشين المُعجمة وسُكون الواو أي: يغسل وينظف، كذا عن الجَوهري (¬5)، والشوص (¬6) التنقية عن أبي عبيدة، والدَّلك عن ابن ¬

_ = قال الألباني في "صحيح أبي داود" (51): حديث حسن دون قوله: (ولا نهار)، فإنه ضعيف. (¬1) رواه بنحوه مختصرا مسلم (256). (¬2) في (ص، س، ل) عن. تحريف، والمثبت من (د، ظ، م). (¬3) زاد هنا في (ص): وإسناده غير ابن كثير كوفيُّون. وستأتي هذه العبارة بعد قليل في موضعها. (¬4) ذكرت هذه العبارة في (ص) في غير موضعها. (¬5) "الصحاح" (شوص). (¬6) في "م، ل": والشوس. تحريف.

الأنبَاري، وقيل: هو الإمرار على الأسنَان من أسْفَل إلى فَوق، واستدل قائلهُ بأنه مأخُوذ منَ الشوصَة، وهي ريح ترفع القلب عن موضعه (¬1). قال ابن دقيق العيد: فيه استحباب السواك عند القيام من النَّوم؛ لأنَّ النوم يفضي لتَغَير الفم لما يتصَاعد إليه من أبخرة المعدة، والسّواك آلة تنظيفه. قال: وظاهر قوله: من الليل أنه عَام في كل حَالة، ويحتمل أن يخص بما إذا قامَ إلى الصَلاة (¬2). ويدل عليه رواية البخاري في الصَّلاة بلفظ: إذا قامَ إلى التهجد، ولمُسلم نَحوه (¬3)، ويدل عليه رواية ابن عَباس الآتية آخر البَاب. [56] (ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التبوذكي، (قال: (¬4) ثَنَا حَمَّادٌ) بن سلمة، (قال: ) (¬5) ثنا (بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ) بن مُعاوية، وثقه جماعة (¬6). (عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ (¬7) بْنِ هِشَامٍ) بن عَامر الأنصَاري، قال البخاري: قتل بأرض مكران على أحسن أحواله (¬8). (عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أَنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُوضَعُ لَهُ وَضُوءُهُ) بفتح الواو اسم للمَاء الذي يتوضأ به، (وَسِوَاكُهُ) فيه استحباب ذلك، والتأهُّب للعَبادة (¬9) ¬

_ (¬1) انظر: "لسان العرب"، و"تاج العروس" (شوص). (¬2) "إحكام الأحكام" 1/ 49. (¬3) "صحيح البخاري" (1136)، و"صحيح مسلم" (255) (46). (¬4) من (د، ظ، م). (¬5) من (د، ظ، م). (¬6) انظر: "الكاشف" للذهبي (586). (¬7) في (س، ظ، م): سعيد. والمثبت من "سنن أبي داود". (¬8) "التاريخ الكبير" 4/ 66. (¬9) سقط من (س).

[قبل وقتها] (¬1) والاعتناء بها (فَإِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ تَخَلَّى) وزنه (¬2) تَفَعَّلَ من الخلاء، وهو قضاء الحاجة، ومنهُ حَديث ابن عباس: كان أناسٌ يستحيونَ أن يتخلَّوا فيفضُوا إلى السماءِ (¬3). يعني: يسْتَحيون أن يتكشفوا (¬4) عند قضاء الحَاجة تحت السَّماء (ثُمَّ اسْتَاكَ) صَححه ابن منده (¬5)، ورواهُ ابن مَاجَه والطبراني من وجه آخر (¬6)، وروى ابن مَاجه من حَديث عائشة - رضي الله عنها - كنتُ أضع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة آنية مخمرة: إناء لطهوره، وإناء لِسَواكه، وإناء لِشربه (¬7). وذكر الغزالي أن آدَاب النوم عَشَرة منها: أن يعدُّ عند رَأسه إذَا نام سوَاكه وطهوره، وينوي القيام للعبادَة إذا استيقظ (¬8). وظاهر الحَديث أن هذِه الأشياء من المسنُونات. واللهُ أعلم. [57] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كثِيرٍ، قال: ثَنَا هَمَّامٌ) (¬9) بن يحيى العوذي (¬10) الحَافظ. ¬

_ (¬1) في (د): وقتها. وفي (ظ، م): وفيها. (¬2) في (ص، س، ل): وأنه. تحريف. (¬3) رواه البخاري (4681). (¬4) في (ص، س، ل): ينكسوا. تحريف. (¬5) انظر: "البدر المنير" لابن الملقن 1/ 708. (¬6) "سنن ابن ماجه" (1191)، و"المعجم الأوسط" (4404). (¬7) "سنن ابن ماجه" (361)، وضعفه الألباني. (¬8) "إحياء علوم الدين" 2/ 173 - 174. (¬9) في (س): معاذ. تحريف. (¬10) في (ص): القدوري. وفي (س): النودي. وكلاهما تحريف.

(عَنْ عَلِيٍّ بْنِ زَيْدٍ) بن جدعان التيمي، أخرج له مُسلم في الجهاد مقرونًا بثابت البناني (¬1). (عَنْ أُمِّ مُحَمَّدٍ) واسمها [أُمية] (¬2) امرأة أبيه (عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أَن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ لاَ يَرْقُدُ مِنْ لَيلٍ وَلاَ نَهَارٍ فَيَسْتَيقِظُ) (¬3) من نومِهِ (إلا ويتَسَوَّكَ) [بياء ثم تاء] (¬4)، ورواية الخَطيب: إلا تسوك بحذف اليَاء التي قبل التاء (قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ) (¬5) وَرَوَاهُ أبو نعيم من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يَرقَدُ، فإذا استيقظ تسَوك ثم توضأ (¬6). ظاهِر لفظة: كان، والحصر الذي في الحديث أن السواك يتكرر بتكرر النَوم، ولا فَرق بين أن يكون (¬7) النَوم في ليل أو نَهار، وأن النَوم علة للسواك. قال الجيلي والغزالي: وإن لم يصل لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن النائم ينطبق فوُه فيتغير رائحته، وكلمَا تغيرت رائحة الفَم سُن السِّواك؛ سَواء تَغَيرت من ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1789) (100). (¬2) في الأصول الخطية: أميمة. تحريف، والصواب ما أثبتناه كما في ترجمتها وعائشة من "تهذيب الكمال". (¬3) في (ص، س) فيستيقظه. (¬4) في (ص): بنايم. تحريف. (¬5) سقطت الجملة الأخيرة من (د). والحديث رواه أحمد 6/ 121، 160 من طريق همام به، وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (51): حديث حسن بما قبله عدا قوله: ولا نهار. فإنه ضعيف. (¬6) رواه أحمد 6/ 123، وقال الألباني في "صحيح أبي داود" 5/ 84: وإسناده صحيح على شرط الشيخين. (¬7) في (س): تكرار. تحريف.

نَوْم أو مَأكول أو غَيره؛ لأن مشروعيته لإزالة رائحة الفَم وتطييبه (¬1). (قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ) صَريح في تقديم السواك على الوُضوء، وقبل التسمية؛ لتكون التسمية وذكر الله تعالى بعد تنظيف الفَم، فإن التسمية من الوضوء. قال الغزالي: يُستحب السِّواك عند كل وضوء، وإن لم يُصلِّ عقبه، ويَنوي عند السِّواك تطهير فمه لذكر الله تعالى، ثم عندَ الفراغ من السِّواك يجَلِس للوُضوء ويقول: بسْم الله. انتهى (¬2). وفي "صحيح مُسلم" ما يدل لهُ، وهو ما روي عن ابن عباس عَن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهُ تسَوك وتوضأ (¬3). وقال ابن الصَّلاح: في "مُشكل الوَسيط" الظَّاهر أن السِّواك يتأخر، فيكون عند المضمضة، وهذا الحَديث يَرده. وقال القاضي حسين: التسمية أول سُنة الوُضوء، وظاهر كلام الشيخ أبي إسحَاق: أنه سُنة مُستقلة (¬4). [58] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى) بن الطباع عَلَّق له البخاري، (ثَنَا هُشَيْمٌ) ابن بشير (¬5)، أنبأنا (حُصَينٌ) بضم الحَاء وفتح الصَاد المهملتين ابن عَبد الرحمن السّلمي الكوفي. ¬

_ (¬1) "إحياء علوم الدين" 1/ 257. (¬2) "إحياء علوم الدين" 1/ 257. (¬3) "صحيح مسلم" (256) (48). (¬4) في (ص): مستعملة. تحريف. (¬5) في (ص، د، ل): بشر. وفي (س): بسر. وكلاهما تحريف، وهو هشيم بن بشير بن القاسم بن دينار السلمي، انظر: "تهذيب الكمال" (6595).

(عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ) الأسدي مولاهُم الكُوفي، (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ (¬1) عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ) الهَاشِمي المدَني أبي (¬2) الخليفتين السّفاح والمنصُور، ولد بالحُمَيمة (¬3) مِن ناحَية البلقاء، كان عبد الله ابن الحنفية أوصَى إليه (¬4) ودَفع إليه (¬5) كتبه، (عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ) قال الذهبي: روى عن جَده مُرسلًا وعن أبيه (¬6). (قَالَ: بِتُّ لَيلَةً عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -) في بيت خَالتي ميمونة (¬7)، قال القَاضي: وقد جَاء في بعض روَايات هذا الحَديث: بت عند خالتي في ليَلة كانت فيها حَائضًا. وفيه دليل على جواز نَوم الرجُل مع امرأته مِنَ غير مواقعة بحضرة بعض محارمَها، وإن كانَ مميزًا (¬8). (فَلَمَّا اسْتَيقَظَ مِنْ مَنَامِهِ أَتَى طَهُورَهُ) بفتح الطاء، وفَعول (¬9) يأتي لما يُفعل به كالطَّهوُر لما يُتطهر به (¬10)، والوضوء لما يُتوضأ به، والفطور ¬

_ (¬1) في (س): أبو. تحريف. (¬2) في (ص، د، س، ل): أبو. تحريف. (¬3) في (ظ، م): بالجهمة. تحريف، والمثبت من "تهذيب الكمال" (5485)، والحميمة: بلد من أرض الشراة من أعمال عمّان في أطراف الشام كان منزل بني العباس. "معجم البلدان" 2/ 307. (¬4) في (ص): ابنه. تحريف. (¬5) في (د، ظ، م): له. (¬6) "الكاشف" 2/ 204. (¬7) ليست في (د، ظ، م). (¬8) انظر: "صحيح مسلم بشرح النووي" 6/ 46. (¬9) في (ص): ونقول. تحريف. (¬10) من (د، ظ، م).

لما يُفطر عليه، ويُفهم مِنَ الطهوُر صفة زائدة على الطهَارة وهي الطُّهوُرية (فَأَخَذَ سِوَاكَهُ) كذا رواية الحَاكم (¬1)، وظاهره أنه أخذ السِّواك مِنَ الطهور، فإنه كان ينقع فيهِ ليلينَ. وروايةُ النسَائي من روَاية حميد بن عَبد الرحمن بن عَوف عن رجل من أصحَاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال فيه: ثم استيقظ فنظر في الأفق فقال: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا} حتى بَلغ {إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} (¬2) ثم استل مِنْ فراشه سواكًا (¬3). (فَاسْتَاكَ) وتوضأ (ثُمَّ تَلا هذِه الآيَاتِ) العَشر الخَواتم من سُورة آل عمران كذا روَاية مُسْلم (¬4)، وفيه دليل على جَوَاز القراءة للمُحدِثِ، وهذا إجماع المُسلمين (¬5)، وإنما تَحرُم القراءة على الجنب والحَائض (¬6)، وفيه استحبَاب قراءة هذِه الآيات عِندَ القيام من النَوم ({إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}) في هذِه الآية دلالة على التوحيد، فإن خلق هذا العَالم العَظيم والبناء العَجِيب لابدَّ له من بَانٍ وصَانعٍ؛ لأن السَّموات أجناس مختلفة، كل سَماء مِن جنس غيرَ جنس ¬

_ (¬1) "المستدرك" للحاكم 3/ 536، ولفظه: اسْتَنَّ بسِواكِه. (¬2) آل عمران: 194. (¬3) "سنن النسائي" 3/ 213. (¬4) "صحيح مسلم" (256). (¬5) انظر: "مراتب الإجماع" لابن حزم 1/ 32. (¬6) قال داود: يجوز للجنب والحائض قراءة كل القرآن. وروي هذا عن ابن عباس وابن المسيب، قال القاضي أبو الطيب وابن الصباغ وغيرهما، واختاره ابن المنذر، وقال مالك: يقرأ الجنب الآيات اليسيرة للتعوذ. وفي الحائض روايتان عنه: إحداهما: تقرأ، والثاني: لا تقرأ، وقال أبو حنيفة: يقرأ الجنب بعض آية ولا يقرأ آية. وله رواية كمذهبنا. انظر: "المجموع" 2/ 158.

الأخرى، وأمَّا الأرض فتُراب واحد، فلهذا أُفردت بالذكر ({وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ}) بإقبال أحَدهما وإدبَار الآخر، ولا يدري (¬1) أين يذهب النهار إذا جَاء الليل، ولا أين يَذهب الليل إذا جَاء النهَار إلا الله تعالى، وقيل: اختلافهما في الأوصَاف من النور والظلمة، والطول والقِصر ({لَآيَاتٍ}) أي: دلالات تدُل على وحدانية الله تعالى وقدرته ({لِأُولِي الْأَلْبَابِ}) (¬2) الذين يستعملون عقولهم في تأمُّل الدلائل، وفي الحَديث: "ويل لمن قرأ هذِه الآية ولم يتفكر فيها" (¬3). (حَتَّى قَارَبَ أَنْ يَخْتِمَ السُّورَةَ أَوْ خَتَمَهَا) رواية الصَّحيح: أنهُ قرأ العَشر الآيات. توضح (¬4) الشكَّ في هذا الحَديث، وفيه دليل على أنهُ يُستحب لمن انتبه مِنَ نومه أن يمسح على وجهه، ويستفتح قيامه بقراءة هذِه العَشر الآيات اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم -كما ثبتَ في "الصَحيحين" (¬5) وغيرهما، قال النووي: وإذا تكرر نَومه واستيقاظه وخُروجه، أستحب تكرير قراءة هذِه الآيات كما في الحَديث (¬6). (ثُمَّ تَوَضَّأَ فَأَتَى مُصَلاه) ليصلي ما كتب لهُ ليجمع بين التفكر والعَمل، وهو أفضل الأعمال (فَصَلَى (¬7) رَكْعَتَينِ) من السُنَّة أن يفتتح المتهجد ¬

_ (¬1) زاد في (ص، س، ل): من. وهي زيادة مقحمة. (¬2) آل عمران: 190. (¬3) رواه ابن حبان في "صحيحه" (620)، وحسنه الألباني في "الصحيحة" (68). (¬4) في (ص): توضيح. (¬5) رواه البخاري (183، 1198، 4571، 4572)، ومسلم (763) (182). (¬6) "شرح النووي على مسلم" 3/ 146. (¬7) في (س): ثم يصلي.

صَلاته برَكعتَين خَفيفتين؛ لينشط بهما لما بعدهما (ثُمَّ رَجَعَ إِلَى فِرَاشِهِ) فيه: أن المتهجد إذا صلى ما كتب له فنَعس أو غلبهُ النَوم يأتي إلى فراشه فيضطجع (فَنَامَ مَا شَاءَ الله) أن ينام (ثُمَّ اسْتَيقَظَ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ) من إتيانه الطهور فيستاك ثم ينظر إلى السَّماء، فيقرأ الآيات العشر حتى يختم السُورة؟ ، ثم يتَوضأ ويُصَلي ما شاء الله (ثُمَّ رَجَعَ إِلَى فِرَاشِهِ فَنَامَ) ما شاء الله (ثُمَّ اسْتَيقَظَ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ) كما تقدم (كُلُّ ذَلِكَ يَسْتَاكُ وَيُصَلِّي رَكْعَتَينِ) وذكر الغَزالي في (¬1) مراتب الإحياء (¬2): والمرتبَة الخامسَة أن يقوم من أول الليل إلى (¬3) أن يغلبه النَوم، فإذا انتبه قامَ، فإذا غلبهُ النَوم عَادَ إلى النَوم، ويكون له في الليل نومتان وقومتان، وهو من مكابدة الليل وأشَد الأعمال وأفضلها، وقد كان هذا من أخلاق رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو طريقة ابن عُمر، وأولي العزم (¬4) من الصَّحَابة (¬5). وفي رواية النسَائي المتقَدمة: فَنام بعد العشَاء زمانًا ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فنظر إلى الأفق فقال: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا} حتى بلغ {إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} (¬6) ثم استلَّ مِنْ فراشه سواكًا واسْتَاك وتوضأ وصلى، حَتى قلت: صلَّى مثل ما نَامَ، ثم اضطجع حَتى قلت: نامَ مثل مَا صَلى ثمَّ ¬

_ (¬1) من (ظ، م). (¬2) في (س): الأخبار. تحريف، والمقصود إحياء الليل. (¬3) سقط من (ص، س، ل). (¬4) في (د، ظ، م): الحزم. تصحيف. (¬5) "إحياء علوم الدين" 2/ 206. (¬6) آل عمران: 194.

اسْتَيْقَظَ فقال مثل ما قال أوَّل مَرة، وفعل مثل ما فعَل أول مرة (¬1). (ثُمَّ أَوْتَرَ) فيه فضيلة الوتر آخر التهجد؛ ليَكون الوتر آخِر صلاته كما في الحَديث، (ورواه) محمد (ابْنُ فُضَيلٍ) (¬2) الضبي بالتصْغير، (عَنْ حُصَيْنٍ)، عن حَبيب بالإسناد المذكور، و (قَالَ) فيه: (فَتَسَوَّكَ وَتَوَضَّأَ وَهُوَ يَقُولُ) فيه: أنَّ قراءة الآيات في غَير حَال الوُضُوء (مي {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} حَتَّى خَتَمَ السورة) هذا يبين (¬3) الرواية التي قبلها على الشك، وكذا في أكثر الروايات أنه قرأ إلى آخر السورة العَشر الآيات بكمالهَا، وخُصت (¬4) هذِه الآيات لما فيها من الاعتبار. واللهُ أعلم. * * * ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 3/ 213. (¬2) في (ص، س): فضل. تحريف، والمثبت من "سنن أبي داود". (¬3) في (ص): يثبت. (¬4) في (ظ، م): وخص.

31 - باب فرض الوضوء

31 - باب فرْضِ الوُضُوءِ 59 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْن إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا شُعْبَة، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَبِي الَملِيحِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لا يَقْبَلُ اللهُ عز وجل صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ، وَلا صَلاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ" (¬1). 60 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَقْبَلُ اللهُ صَلاةَ أَحَدِكُمْ إِذا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ" (¬2). 61 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيانَ، عَنِ ابن عَقِيلٍ، عَنْ محَمَّدِ ابن الحَنَفِيَّةِ، عَنْ عَليٍّ - رضي الله عنه - قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مِفْتاحُ الصَّلاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُها التكبِيرُ، وَتَحلِيلُها التَّسْلِيمُ" (¬3). * * * باب فرض الوضوء [59] (ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) الأزدي الفراهيدي مولاهم البصري، حدَّث عن سَبعين امرأة وكتب عن قَريب من ألف شيخ (¬4)، قال: (ثَنَا شُعْبَةُ)، قال: (ثنا قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي المَلِيحِ) قال الترمذي: أبو المليح بن أسَامة، اسْمهُ عَامر بن أسامة، ويقال: زيد بن أسَامة بن عمير ¬

_ (¬1) رواه النسائي 1/ 87، 5/ 56، وابن ماجه (271)، وأحمد 5/ 74، 75، وابن حبان (1705). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (53). (¬2) رواه البخاري (135)، ومسلم (225). (¬3) رواه الترمذي (3)، وابن ماجه (275)، وأحمد 1/ 123، 129، وسيأتي برقم (618). وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (55): إسناده حسن صحيح. (¬4) "تهذيب الكمال" 27/ 491.

الهَمداني، قال: وهذا الحَديث أصح شيء في هذا الباب (¬1). قال ابن سيد الناس في "شَرحه": إذا قال الترمذي: هذا الحديث (¬2) أصَح شيء في هذا البَاب. لا يلزم منه أن يكون صحيحا عنده، وكذلك إذا قال: أحسن. لا يقتضي أن يكُون حسنا عنده (¬3). (عَنْ أَبِيهِ) أسَامة بن عمير البصري، (عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: لاَ يَقْبَلُ الله صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ) بضمِّ الغين، والغُلول: الخيانة، وأصلُه السَّرقة من مال الغنيمة قبل القسمة، قيل: كل من [خان] (¬4) في شيء خُفْية (¬5) فقد غل وسُميت غُلُولًا؛ لأن الأيدي مَغلولة عنها، أي: ممنوعة (¬6). والصَّلاةُ في حَديث جميع الرواة مُقدَّمة على الصَّدقة. (وَلاَ صَلاَة بِغَيرِ طُهُورٍ) بضَم الطاء اسم لفعل التطهر، هذا هو المشهور، واسم الماء الطَّهور بفتح الطَاء. قال النووي: هذا الحَديث نَصٌّ في وُجوُب الطهارة للصَّلاة (¬7). وظاهره يقتضي انتفاء قبول الصَّلاة عند انتفاء شرطها وهو الطَهَارة، فكذلك يقتضي بمفهومه وجُود القبول إذا وجد شرطه إن شاء الله، والقبول موكول إلى عِلمِ الله تعالى، ليسَ لنا بوجوده علم، والقبول ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (1). (¬2) من (د، ظ، م). (¬3) "النفح الشذي" لابن سيد الناس 1/ 319. (¬4) في الأصول الخطية: غلَّ. تحريف، والمثبت من "النهاية" لابن الأثير. (¬5) في (ظ، م): حصة. والمثبت من "النهاية" لابن الأثير. (¬6) "النهاية في غريب الحديث والأثر" (غلل). (¬7) "شرح النووي على مسلم" 3/ 102.

ثمرة (¬1) وُقوع الطاعة، مجزئة رافعة لما في الذمة، ولما كانَ الإتيان بالصَلاة بشروطِها مظنة الإجزاء الذي ثمرته (¬2) القبول عَبر عنهُ بالقبول مجازًا، وقد يتمسَّكُ به من لا يرى وُجُوب الوضوء (¬3) لكل صَلاة وهم الجُمهور؛ إذِ الطهُور الذي يقامُ به الصَّلاة الحاضِرة أعَم من أن يَكون قد أقيمت (¬4) به صَلاة أخرى أو لم تقم (¬5)، وكذا قوله عليه السلام: "لا يقبل الله صَلاة أحدكم إذا أحدث حَتى يتوضأ" (¬6)؛ لأن نفي القبول يمتَد إلى غاية الوُضوء، ومعلوم أن مَا بعد الغاية مغاير لما قبلها، فيقتضي ذلك قبُول الصلاة بعد الوضوء مُطلقًا، ويدخل تحته (¬7) الصَّلاة الثانية قبل الوضُوء ثانيًا، وقد استدل جَماعة منَ المتقدمين بانتفاء القبُول على انتفاء الصِّحة، وتمسَّك بعضهم بهذا الحَديث في وُجوب الاغتسال على الكافر إذا أسْلمَ. قال ابن العَربي: هو مُسْتَحب عند الشافعي وأبي إسحاق القَاضي، وقال مَالك وأحمد وأبُو ثور: هو واجبٌ. قال (¬8): وهو الصَّحيح لقوله: "لا يقبل الله صَلاة بغَير طهور"، وقد أجمعت (¬9) الأمة على ¬

_ (¬1) في (ص): يمده. تصحيف. (¬2) في (ص): يمد به. تصحيف. (¬3) في (ص): الوجود. تحريف. (¬4) في (ص): اعتمد. تحريف. (¬5) في (ص): يعم. تصحيف. (¬6) رواه البخاري (6954)، ومسلم (225) من حديث أبي هريرة. (¬7) في (ص، س، ل): تحت. (¬8) من (د، ظ، م). (¬9) في (د، س): اجتمعت.

وجُوب الوُضوء (¬1) فالغسل مثله (¬2). [60] (ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، قال: ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ) بن همام بن نافع أبو بكر أحد الأعلام. (قال: أنبأنا مَعْمَرٌ) بن راشد أبو عروة البصري الأزدي، شَهِدَ جَنازة الحَسَن وسكن اليَمن، وكانَ أحَد الأعلام. قال: جلست إلى قتادة وأنا ابن أربع عشرة سنة، فما سمعتُ منهُ حديثا إلا كأنَّه مَنقوشٌ في صَدْري. قال العجلي: لما رَحَل إلى اليَمن دَخِل صَنعاء كرهُوا أن يخرج من بين (¬3) أظهرهم، فقال رجل: قيدوهُ. فزوَّجُوه (¬4). (عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: لاَ يَقْبَلُ الله) هكذا رواية الخَطيب، ورواهُ غيره: لا تُقبل. بضَم أوَّله لما لم يُسمَّ فاعله، وهي الرواية المشهورة في البخَاري (¬5)، والمرادُ بالقبُول هنا ما يرادف الصِّحة وهو الإجزاء، ولما كان الإتيان بالشروط مظنة الإجزاء الذي القَبول ثمرته (¬6) عبر عنهُ بالقبُول مجَازًا، وأمَا القبُول المنفي في مثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من أتى عَرَّافًا لم تُقبل صَلاته" (¬7) فهو ¬

_ (¬1) "عارضة الأحوذي" 1/ 9. (¬2) "الإجماع" لابن المنذر (1). (¬3) سقط من (د، ظ، م). (¬4) "الثقات للعجلي" 2/ 290، وانظر: "تهذيب الكمال" 28/ 303 - 309. (¬5) "صحيح البخاري" (135). (¬6) في (ص): يمد به. تصحيف. (¬7) رواه مسلم (2230) (125) عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -.

الحقيقي؛ لأنه قد يصح العَمل ويتخلف القبول لمانع، ولهذا كانَ بَعض السَّلف يقول: لأَن تقبل لي صلاة واحدة أحب إليَّ من جميع الدُّنيا (صَلاَةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ) أي: وجد منه الحَدَث، والمراد به الخارج من أحَد السَّبيلين (حَتَّى يَتَوَضأَ) بالماء أو ما يقوم مقامهُ. وروى النسَائي بإسناد قوي عن أبي ذر مرفوعًا: "الصَّعِيد الطيب وضوء المُسلم" (¬1) فأطلق الشَّارع على التيمم أنه وُضوء؛ لكونه قائم مقامهُ، ولا يخفى أنَّ المراد بقبول صَلاة من كان مُحدثًا فتوضأ، أي: مع باقي شروط الصلاة المعتبرة (¬2)، واستدل بالحَديث على بُطلان الصَّلاة بالحدث سواء كان خروجه اختياريًا (¬3) أو اضطراريًا، وعلى أن الوُضوء لا يجبُ لكل صَلاة؛ لأن القبُول انتفى إلى غاية، وما بعدها مخالف لما قبلها فاقتضى ذلك قبُول الصَلاة بعد الوُضوء مُطلقًا كما تقدم. [6] (ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ) أبو الحَسَن العبسي (¬4) شيخ الشَّيخين، (قال: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ) الثوري (¬5) (عن) عبد الله بن محمد (بن عقيل) بن أبي طالب، وأمه زينب الصّغرى بنت علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، قال ابن عَبد البر فيه: شريف عَالم لا يطعن عليه إلا متحامل، وهو أقوى من كل ¬

_ (¬1) "سنن النسائي": 1/ 171، وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (358): حديث صحيح، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. (¬2) من (س)، وسقط منها قوله: الصلاة. (¬3) في (ص): اختيارًا. (¬4) في (ص): العبيسي. وفي (م): القيسي. (¬5) في جميع النسخ: ابن عيينة. وهو خطأ. لأن وكيعًا قد أكثر من الرواية عن الثوري فلما لم ينسبه تعين أنه هو. ولو كان ابن عيينة لنسبه.

من ضَعَّفهُ (¬1) (عَنْ مُحَمَّدِ) بن علي بن أبي طَالب - رضي الله عنه - أبو القَاسم الهاشمي المدني المعروف بـ (ابْنِ الحَنَفِيةِ) وهي خَولة بنت جَعفر بن قيس الحنفية من سَبي اليمامة، روى ليث بن أبي سُليم، عن محمد بن نشر (¬2)، عن محمد ابن الحنفية، عَنْ عليٍّ، قلت: يا رَسُول اللهِ، إن ولد لي مولوُد بعدك أسَميه باسْمك، وأكنيه بكنيتك؟ قال: "نعم" (¬3). قال ابن الجنَيد: لا نعَلم أحدًا أسند عن علي أكثر ولا أصَح من محَمد ابن الحنفية، قال ابن بكار: تسميه الشيعة: المهدي. قال كُثَيِّر: هو المهديُّ خبَّرناه كعب أخو الأحبَار في الحُقُب الخَوالي، فقيل: لكثير عزَّة: لقيتَ كعبًا؟ قال: لا، ولكن قلته بالتوهّمُ. وكانت شيعته تزعم أنه لم يمُت، ولهذا قال السَّيد الحميري: وما ذاقَ ابن خولة طعم مَوتٍ ... ولا وارت له أرض عظامًا لقد أمسَى بمورق شعب رَضوى ... تراجعه الملائكة الكرامَا (¬4) ¬

_ (¬1) نقله عنه ابن الملقن في "البدر المنير" 2/ 170، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قِبل حفظه، انظر: "تهذيب الكمال" 16/ 80 - 84. (¬2) في (ص، د، س، ل): بشر. تصحيف، وفي (ظ، م): قتيبة. تحريف، وما أثبتناه من "تلخيص المتشابه في الرسم" للخطيب البغدادي 1/ 265، و"الإكمال" لابن ماكولا 1/ 276، و"تهذيب الكمال" 26/ 149. (¬3) رواه أبو داود (4967)، والترمذي (2843) من طريق ابن الحنفية به، وقال الترمذي: هذا حديث صحيح. (¬4) في "نسب قريش" لمصعب بن عبد الله الزبيري 1/ 41 - 42، وفي "تهذيب الكمال": الكلاما.

وكان مَولدهُ في آخر خلافة أبي بكر (¬1) (عن علي) - رضي الله عنه - قال (¬2): قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (مِفْتَاحُ الصَّلاَةِ الطُّهُورُ) بضَم الطَاء كما تقدم، وفي رواية من طريق أبي سُفيان، عن أبي نضرة (¬3)، عن أبي سَعيد، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الوُضوء مفتاحُ الصَلاةِ". (¬4) (وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ)، وفيه دليل على أن افتتاحَ الصَلاة لا يكون إلا بالتكبير دُون غيره من الأذكار. وقال أبوُ حنيفة: تنعقدُ الصَلاة بكُل لفظ قُصد به التعظيم (¬5). وفي هذا الحَديث حُجة عليه، فإن الإضافة في تحريمها تقتضي الحَصر، فكأنهُ قال: جميع تَحريمها التكبير، أي: انحصر صحةُ تَحريمها في التكبير، لا تَحريم لها غَيره، كقولهم: مال فلانٍ الإبلُ، وعلم فلان النحو؛ ولأنه عبادَة تفتتح (¬6) بالتكبير فلا تفتتح (¬7) بلفظ التعظيم كالأذان (وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ) استدل به على أن التحلل مِن الصَّلاة بالتسليمِ واجِبٌ، فكأن المُصلي بالتسليم والخروج مِنَ الصَّلاة أحل له من الكلام والأفعَال ما كان حرامًا عليه؛ ولأنهُ أحَد طرفي الصَّلاة فَوَجَب ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 147 - 152. (¬2) من (د). (¬3) في (ص، س، ل): نظره. وفي (ظ): بصرة. وكلاهما تصحيف، والمثبت من "الإكمال" لابن ماكولا 1/ 330. (¬4) رواه الترمذي (238)، وابن ماجه (276)، والدارقطني 1/ 377، كلهم من طريق أبي سفيان به. ورواه الحاكم في "مستدركه" 1/ 132 من طريق أبي نضرة به، وقال: حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. (¬5) انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 130. (¬6) في (ص، ل): تنفتح. تصحيف. (¬7) في (ص، ل): تنفتح. تصحيف.

فيه النُطق مع القدرة كالطرف الأول، ولهذا قرنَ بينهما في الحَديث؛ لأن الطرفين (¬1) كالشيء الواحِد، فقيل: تحريمها التكبير وتحليلها التسليم. وقال أبو نعيم في كتاب "الصَّلاة": ثنا زهير، حدثنا أبوُ إسحاق، عن أبي الأحوص عن عبد الله فذكرهُ بلفظ: مفتاحُ الصَلاة التكبير وانقضاؤُها التسليمُ. وإسنادهُ صحيح، وهو موقوف قاله ابن حجر (¬2)، ورواهُ الطبراني من حَديث أبي إسحاق (¬3)، ورواهُ البيهقي من حديث شعبة عن أبي إسحاق (¬4). ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل، ظ، م): الطرفان. (¬2) "التلخيص الحبير" 1/ 391. (¬3) "المعجم الكبير" 9/ 257 رقم 9271. (¬4) "السنن الكبرى" 2/ 16، 173 - 174.

32 - باب الرجل يجدد الوضوء من غير حدث

32 - باب الرَّجُلِ يجدِّدُ الوُضوءَ مِنْ غيْرِ حَدَثٍ 62 - حَدَّثَنا محَمَّد بْن يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ المُقْرِئُ (ح) وحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيادٍ - قالَ أَبُو داوُدَ: وَأَنا لَحِدِيثِ ابن يَحْيَى أَتْقَنُ - عَنْ غُطيْفٍ - وقالَ محَمَّدٌ: عَنْ أَبِي غُطيْفٍ الهُذَلِيِّ - قالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، فَلَمّا نُودِيَ بِالظُّهْرِ تَوَضَّأَ فَصَلَّى، فَلَمّا نُودِيَ بِالعَصْرِ تَوَضَّأَ، فَقُلْتُ لَهُ، فَقالَ: كانَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقُولُ: "مَنْ تَوَضَّأَ عَلَى طُهْرٍ كَتَبَ اللهُ لَهُ عَشْرَ حَسَناتٍ". قالَ أَبُو داوُدَ: وهذا حَدِيثُ مُسَدَّدٍ وَهُوَ أَتَمُّ (¬1). * * * باب الرجُل يُجدد الوُضُوء مِن غير حَدَث وفي بَعضها: [الرَّجُل يحدث الوُضوء] (¬2). [62] (ثَنَا مُحَمَدُ بْنُ يَحْيَى) بن عَبد الله بن خالد (بْنِ فَارِسٍ) بن ذؤيب الذُّهلي النيسَابوري الحَافظ، شيخ البخاري والأربعة؟ ، لكن بهمه (¬3) البخاري في "الصحيح" فتارة يقول: ثنا محمد، وتارة يقول (¬4): محمد بن عبد الله، وتارة يقولُ: محمد بن خالد. (قال: ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ يَزِيدَ) المخزومي المدني (الْمُقْرِئُ، وثَنَا مُسَدَّدٌ، ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (59)، وابن ماجه (512). وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (10). (¬2) جاءت في (ظ، م): قبل قوله: قال ثنا عبد الله بن يزيد. (¬3) في (ص): نبهه. تحريف. (¬4) سقط من (د).

قال: ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ (¬1) قَالا (¬2): ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيادٍ) بن أنعم المعافري، أخرج لهُ البخاري في كتاب "الأدَب" وليَ قضاء أفريقية لمروان بن محمد. (عَنْ (¬3) غُطَيْفٍ [وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَنْ أَبِي غُطَيفٍ]) (¬4) بِضُم الغَين المعجمة مصَغر (الهُذَلِيِّ) ويقال: غُطَيف، ويقال: غُضيْف بالضَاد المعجمة. (قَالَ: كنْتُ عِنْدَ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - فَلَمَّا نُودِيَ بِالظُّهْرِ) أصْل النداء: رَفع الصَّوت حتى يصَل إلى المقصُود به، والمراد به - هاهنا - الأذان لصَلاة الظهر (تَوَضأَ فَصَلَى) به الظهر (فَلَمَّا نُودِيَ بِالْعَصْرِ تَوَضأَ) فيه: أنَّ تجديد الوُضوء يكون بعد دُخول الوقت وسَماع المؤذن، ولم أرَ من قال به، والذي قالهُ أصَحَابنا وذكرهُ النووي في النذر من "الروضَة" أنه لا يشرع تجديد الوُضوء إلا إذا صلى بالأول صلاةَّ مَا على الأصَح (¬5). وصَححهُ في "شرح المهذب" ولفظه في "التحقيق" يُندبُ تجديد الوُضُوء لمن صَلى به - أي: ولو كانت نفلًا - وقيل: فرضًا، ويقال مُطلقًا إذا فرق بينهما كثيرًا (¬6)، وأمَّا إذا وصَله في الوُضوء فهو في حكم غسلة رابَعة، وحَكى في "شَرح المهَذَّب" وجهًا خامِسًا: أنه إن ¬

_ (¬1) زاد في (م): قال أبو داود: وأنا لحديث ابن يحيى أتقن. وستأتي في آخر الحديث. (¬2) في (ص، س، ل): قال. (¬3) زاد في (ظ، م): أبي. وهي زيادة مقحمة. (¬4) من (د، م). (¬5) "روضة الطالبين" 3/ 302. (¬6) "المجموع " 8/ 454، "التحقيق" ص 68.

صَلى بالأول، أو سَجَدَ للتلاوة (¬1)، أو الشكر، أو قراءة القرآنِ في مُصحف استحبَّ وإلاَّ فَلاَ، وقطعَ أبو الطيب: بأنه يكره التَجديد إذا لم يؤد بالأول شَيئًا (¬2). وقال الفوراني (¬3): يُستحب تجديده إذا أدَّى به فَرضًا لا نفلًا (¬4)، إلا أن يكون قد غسَل أعضاءه في الوُضوء مرة، فأراد [حيازة فضيلة] (¬5) التكرار، وظاهر هذا الحَديث كما قال الفورَاني (¬6) إن أدي به فرض استحبَّ تَجديده، وإلا فلا. (فقلتُ لهُ) وروى هذا الحَديث أبوُ عبيد في كتاب "الطهور" بهذا السَّنَد، لكن في أوله ابن لهيعَة، ولفظه: أنه رَأى ابن عُمر يتوضأ الظهر ثم العصَر ثم المغرب، قال: فَقُلْتُ: يا أبا عَبد الرحمن، السُّنة هذا الوُضوء لكل صَلاة؟ قال؟ إن كان لكافيًا وضوئي لصَلاتي كلها ما لم أحدث، ولكني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. الحَديث (¬7). (فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: مَنْ تَوَضَّأَ عَلَى طُهْرٍ) أي: من (¬8) جدَّد وضوءهُ وهو على طهر الوضوء الذي صَلى (¬9) به فرضًا أو نفلًا، ¬

_ (¬1) في (ص، ل): بالتلاوة. وفي (س): سجدتا التلاوة. (¬2) "المجموع" 1/ 469 - 470. (¬3) في (ظ): الفوراي. وفي (م): اليوراني. وكلاهما تحريف، وهو عبد الرحمن بن محمد الفوراني المروزي الشافعي، صاحب كتاب الإبانة في فقه الشافعي. (¬4) انظر: "المجموع" 1/ 469. (¬5) في (ص): خيارة فضلة. تحريف. (¬6) في (ظ): الفوراي. وفي (م): اليوراني. وكلاهما تحريف. (¬7) انظر: "الطهور" لأبي عبيد (ص 129). (¬8) من (د، ظ، م). (¬9) في (ظ، م): يصلي.

فإن لم يصَل بالوضوء الأول صَلاة فلا يُستحب تجديد الوضوء (كُتِب) بضم الكاف وكسر التاء لما (¬1) لم يُسم فاعله، هكذا [الرواية هنا، ورواية] (¬2) الترمذي: "كَتَبَ الله" (¬3) (لَهُ به عَشْرَ حَسَنَاتٍ) يُشبه أن يكون المراد كتبَ اللهُ له به عشر وضوءات، فإنَّ أقل ما وعد به من الأضعاف، الحسنة بعشر أمثالها، وقد وعد بالوَاحِد سبعمائة، ووعد ثوابًا بغير حسَاب، وقد يؤُخذ من قوله: "من توضأ" أن الغسل لا تجديد فيه كالتيمم وهو الأصَح؛ لأن حد تجديده لا ينضبط، فقد يُؤدي إلى تجديده دائمًا. (قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وهذا حَدِيثُ مُسَدَّدٍ وَهُوَ أَتَمُّ) من حَديث ابن فارس ([وأنا لحديث]) (¬4) محمد (بن يحيى أتقَن) من حَديث مُسَدد، وإتقان الشيء إحكامه. ¬

_ (¬1) في (ص): ما. تحريف. (¬2) في (ص): رواه هنا. وفي (س، ل): الرواة هنا. (¬3) "سنن الترمذي" (59)، وقال: إسناده ضعيف. (¬4) في (ص): ولحديث.

33 - باب ما ينجس الماء

33 - باب ما ينَجِّسُ الماءَ 63 - حَدَّثَنا محَمَّد بْنُ العَلاءِ وَعُثْمانُ بْن أَبِي شَيْبَةَ والَحسَن بْنُ عَليٍّ وَغَيْرُهُمْ، قالُوا: حَدَّثَنا أَبُو أُسامَةَ، عَنِ الوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: سُئِلَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الماءِ وَما يَنُوبُهُ مِنَ الدَّوابِّ والسِّباعِ، فَقالَ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا كانَ الماءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الخَبَثَ". قالَ أَبُو داوُدَ: وهذا لَفْظُ ابن العَلاءِ، وقالَ عُثْمانُ والحَسَن بْنُ عَلِيٍّ: عَنْ محَمَّدِ بْنِ عَبّادِ بْنِ جَعْفَرٍ. قالَ أَبُو داوُدَ: وَهُوَ الصَّوابُ (¬1). 64 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ (ح). وحَدَّثَنا أَبُو كامِلٍ، حَدَّثَنا يَزِيدُ -يَعْنِي ابن زرَيْعٍ- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ -قالَ أَبُو كامِلٍ: ابن الزُّبَيْرِ- عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عَنِ الماءِ يَكُونُ فِي الفَلاةِ. فَذَكَرَ مَعْناهُ (¬2). 65 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، أَخْبَرَنا عاصِمُ بْنُ المُنْذِرِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قالَ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إِذا كانَ الماءُ قُلَّتَيْنِ فَإِنَّهُ لا يَنْجُسُ". قالَ أَبُو داوُدَ: حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ وَقَفَهُ، عَنْ عاصِمٍ (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه النسائي 1/ 46، 175، وعبد بن حميد (818). وانظر: التالي. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (56). (¬2) رواه الترمذي (67)، وابن ماجه (517، 518)، وأحمد 2/ 12، 26، وابن خزيمة (92). وانظر: السابق. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (57): إسناده حسن صحيح. (¬3) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (28)، والدارقطني في "سننه" 1/ 20 - 21، والبيهقي في "معرفة السنن والآثار" 2/ 88. وصحح إسناده الألباني في "صحيح أبي داود (58).

باب ما ينجس الماء [63] (ثَنَا مُحَمَّدُ (¬1) بْنُ العَلاَءِ) بن كريب الهمداني الكوفي، قال ابن حنبل: لو حَدثت عن أحد ممن أجَابَ - يَعني: في المحنة - لحدثت عن ابن العَلاء؛ لأنه أجري عليه ديناران كل يوم وهو يحتاجهما (¬2) فتركها لما علم أنه أجري عليه لذلك (¬3) (وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ) الهذلي الحلوَاني الخلال (¬4) نزيل مكة شيخ الشيخين (قَالُوا: أنبأ أَبُو أُسَامَةَ) (¬5) حماد بن أسَامة بن زيد القُرشي الكوفي. (عَنِ الوَلِيدِ (¬6) ابْنِ كثِيرٍ) المدني، بالكوفة توفي 151. (عَنْ مُحَمَّدِ (¬7) بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزبَيرِ) ابن العَوام بن خوَيلد الأسدي المدَني. (عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ) عَبد الله بن عَمر بن الخَطاب - رضي الله عنها -. (قَالَ: سُئِلَ النبي - صلى الله عليه وسلم -) قال ابن منده: إسناد هذا الحَديث على شرط مسلم، ومداره على الوليد بن كثير، فقيل: عنه عن محمد بن الزبير، ¬

_ (¬1) كتب فوقها في (د، م): ع. أي: روى له الجماعة. (¬2) في (ص، س، ظ، ل، م): يحتاجها. (¬3) "تهذيب الكمال" 26/ 246. (¬4) من (د، ظ، م). (¬5) كتب فوقها في (د، م): ع. أي: روى له الجماعة. (¬6) كتب فوقها في (د، م): ع. أي: روى له الجماعة. (¬7) كتب فوقها في (د، م): ع. أي: روى له الجماعة.

وقيل: عنه عن محمد بن عباد بن جعفر، وتارة: عن عبيد الله بن عَبد الله بن عمر وتارة عن عَبد الله بن عَبد الله بن عُمَر، وليس هذا اضطرابًا قادحًا (¬1)، فإِنه على تقدير أن يكونَ الجميعُ محفوظًا: انتقال من ثقةٍ إلى ثقةٍ، وعند التحقيق الصواب أنَّهُ (¬2) عن الوليد بن كثير، عن محمد بن عباد بن جَعفر، عن عبد الله بن عَبد الله بن عمر المكبَّر (¬3)، وعن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر المصغر (¬4). قال ابن دقيق العيد: هذا الحَديث صَحيح على طريقة الفقهاء؛ لأنه وإن كانَ مُضطرب الإسنَاد، فإنه يمكن الجَمع بين الروايات (¬5). (عَنِ المَاءِ) يكون في الفلاة من الأرض؟ كذا للترمذي (¬6) وكما سيأتي (وَمَا يَنُوبُهُ) بالنُون المضمومة وبعَد الواو باء موحَّدةٌ؛ أي: يَرِدُ عليه نوبة بعد أخرى، ومنه النائبة وهو ما ينوب الإنسَان؛ أي: ينزل به من المهمات والحوادث (¬7). وفي حَديث الدعاء: يا خير من انتابه المُسترحُمون، وحكى الدارقطني أن ابن المبَارك صَحفهُ: يثوبه (¬8) بالثاء المثلثة من ¬

_ (¬1) في (ص): قال جا. تحريف. (¬2) في (ص، س، ل) أن. (¬3) في (ص): المكتب. تحريف. (¬4) انظر: "التلخيص الحبير"1/ 19 - 20. (¬5) انظر: "التلخيص الحبير" 1/ 20. (¬6) "جامع الترمذي" (67). (¬7) انظر: "النهاية" لابن الأثير (نوب). (¬8) قاله الإمام أحمد في "العلل ومعرفة الرجال" (2893)، وليس في الدارقطني كما ذكر المصنف.

ثاب يثوب إذا رَجَعَ (مِنَ الدَّوَابِّ وَالسَّبَاعِ) يقعُ السَّبُع على كل ما لهُ ناب يعدو به ويَفترس كالذئب والفهد والنمر، وأما (¬1) الثعلب فليس بسَبع، وإن كان له ناب؛ لأنه لا يعدو به ولا يفترس وكذلك الضَبع. قالهُ الأزهري (¬2). (فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: إِذَا كَانَ المَاءُ قُلَّتَينِ) (¬3) القُلة إناء للعرب كالجَرة الكبيرة شبه الحُب - بِضَم الحَاء المهملة - وهو الخابيةِ فارسيٌّ مُعرب جمعهُ حُبَاب وجَمع القلة قِلال كبرمة وبِرام. قال البيهقي: قلال هجر مشهورة عندهم، ولهذا شبه رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ما رأى ليلة المعراج من نبق سدرة المنتهى: "فإذا ورقها مثل آذان الفِيَلَة، وإذا نبقها مثل قِلاَل هَجَر (¬4). انتهى (¬5). فإن قيل: أي مُنَاسَبة بين هذا التشبيه وبين ذكر القلة في حد الماء؟ ! فالجوابُ: أن التقييد بها في حديث المِعَراج دَالٌّ على أنها كانت معلومة عندهم، بحيث يضرب بها المثل في الكبر، كما أن التقييد (¬6) إذا أطلق إنما ينصَرف إلى التقييد المعَهْوُد. (لَمْ يَحْمِلِ الخَبَثَ) أي: يدفع عن نفسه كما يقال: فلان لا يحمِلُ ¬

_ (¬1) في (ظ، م): وإذا. تحريف. (¬2) "تهذيب اللغة" (سبع)، "المصباح المنير" (سبع). (¬3) كتب هنا بحاشية (د): قال الشيخ تاج الدين الغرابيلي ومن خطه نقلته، قلت: حديث القلتين هذا رواه الإمام أحمد د، ت، س، ق وصححه ابن حبان، وابن خزيمة، وابن منده والطحاوي والدارقطني وغير واحد من الأئمة، وقال الحاكم: هو صحيح على شرط الشيخين، فقد احتجا بجميع رواته. (¬4) رواه البخاري (3887)، ومسلم (162) من حديث أنس. (¬5) "معرفة السنن والآثار" 2/ 91. (¬6) في (ص): القليل. تحريف.

الظُّلمَ، أي: يدفعه عن نفسه، والمرادُ بالخبث النجس بدليل الرواية: "فإنهُ لا ينجس". ورواية أحمد: "إذا بلغ الماء قُلتَين لم ينجسهُ شيء" (¬1). ورواية ابن حبان وغَيره: "إذا بلغ الماء قلتَين لم ينجس" (¬2). أي بوقوع (¬3) النجاسَة فيه، ولو كانَ المعني أنه يضعُف عن حمله لم يكن للتقييد بالقلتين (¬4) معنى، فإن ما دونها أولى بذلك، وقيل: معناهُ: لم يقبل حُكم النَجاسَة، كما قيل في قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا} (¬5) أي: لم يقبَلوا حكمها، ولم يعملوا به. ولا انتفعوا به، وقاموا بحقه، بل ارتكبُوا ما حُرِّم فيها، ولم يعملوا بما علِموا. (هذا لَفْظُ) محمد (ابْنِ العَلاَءِ، وَقَالَ عُثْمَانُ) بن أبي شَيبة (وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيَّ) الخَلَّال (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ) (¬6) بن رفاعة ابن أمية المخزومي. [64] (ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التَبوُذكي، (قال: ثَنَا حَمَّادٌ) بن سلمة ([ح] وثَنَا أَبُو كامِلٍ) فضَيل بن حسين الجحدري أخرج له مُسلم (¬7). ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 2/ 26. (¬2) لم أقف على هذا اللفظ عند ابن حبان، وعنده (1249، 1253) كما عند أحمد، وإنما رواها الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (28)، والدارفطني في "سننه" 1/ 23 - 22، والبيهقي في "معرفة السنن والآثار" 2/ 88. (¬3) في (ص، س، ل، م): لوقوع. (¬4) من (د، ظ، م). (¬5) الجمعة: 5. (¬6) بعدها في المطبوع: قال أبو داودة وهو الصواب. (¬7) "صحيح مسلم": (224، 241، 289).

(ثَنَا يَزِيدُ (¬1) بْنَ زُرَيْعٍ) أبو معَاوية الحَافظ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ) بن يسار (¬2) المدني الإمام صَاحب "المغازي" (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ) بن الزبير ابن (¬3) العَوام (قَالَ أَبُو كَامِلٍ) الجحدري في روايته (¬4): عن محمد بن جعفر (ابْنُ الزُّبَيرِ) بن العَوام، (عَنْ عُبَيدِ الله) بالتصغير (ابن (¬5) عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ) عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - (أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عَنِ المَاءِ) الذي (يَكُونُ فِي الفَلاَةِ) لا ماء فيها غَيره وجمعها فلا، مثل حصَاة وحصَا (فَذَكَرَ مَعْنَاهُ). [65] (ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قال: ثَنَا حَمَادٌ) بن سَلمة، قال: أبنا (عَاصِمُ بْنُ المُنْذِرِ) بن الزبير (¬6) بن العَوام القرشي المدَني أخو فاطمة بنت المنذر، قال أبو حاتم: صَالح الحديث (¬7). وذكره ابن حبان في "الثقات" (¬8). (عَنْ عُبَيدِ الله) بالتصغير (ابْنِ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي) عبد الله بن عُمر (أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إِذَا كَانَ المَاءُ قُلَّتَينِ) رواهُ أبو عبيد في كتاب "الطهور" عن زيد بن الحَباب، عَن حَماد، عَن عَاصم قال: ¬

_ (¬1) كتب فوقها في (د، م): ع. (¬2) في (ص، د): بشار. تصحيف، وسبق التنبيه عليه. (¬3) سقط من (ص، ل). (¬4) في (ص، س، ل): رواية. (¬5) في (ص، س، ل): عن. تحريف. (¬6) في (ص، س): الوليد. تحريف. (¬7) "الجرح والتعديل" 6/ 350. (¬8) "الثقات" لابن حبان 7/ 256.

كنت مع عُبيد الله بن عَبد الله بن عُمر فقام إلى مَاء فتوضأ (¬1) منهُ، وفيه جلد بَعير، أحسبُه قال: مَيت. فقلتُ: أنتوضأ مِن هذا؟ فقال: حدثني أبي، قال رسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا بَلغ الماء قلتين أو ثلاثًا لم ينجسه شيء" (¬2). وسئل ابن معين عن حَديث حَمادٍ عَن عَاصم، فقال: هذا جَيد الإسناد (¬3). وقال البيهقي: هذا إسنَاد صحيح موصول (¬4). قالذ البيهقي: وفي الحَديث: "بقلال هجر" اختلفوا في نسبتها (¬5) إلى هجر قيل: لأنها تُعمل بقرية من قرى المدينة تسمى هجر، وقيل: لأنها عُملت (¬6) على مثال قلال هجَر، كما يقال: ثوب مروي، وإن عمل بالعراق؛ لأنه مثل ما يعمل بمرو، وروى الدارقطني بَسنَد صَحيح عَن عَاصم بن المنذر أحد رواة هذا الحديث، وهو أعرف بما رواهُ من غَيره أنه قال: القلال هي الخَوَابي العِظام (¬7). قال إسحاق بن راهويه: الخابية تَسَعُ ثلاث قِرَب (¬8) (¬9). وعن هُشيم: ¬

_ (¬1) في (ظ، م): يتوضأ. (¬2) "الطهور" لأبي عبيد (ص 226). (¬3) "تاريخ ابن معين" رواية الدوري (4152). (¬4) "معرفة السنن والآثار" 2/ 89. (¬5) في (ص): تشبيهها. تحريف. (¬6) في (ص، س، ل): تعمل. والمثبت من (د، ظ، م). (¬7) "سنن الدارقطني" 1/ 24. (¬8) في (ص): مدن. تحريف. (¬9) "مسائل أحمد وإسحاق رواية الكوسج" (3343).

القلَّتانِ الجَرَّتان الكبيرتان (¬1). وعن الأوزاعي: القلة ما تُقله اليد. أي: ترفعه، وأخرج البيهقي من طريق ابن إسحَاق قال: القلة الجَرة التي يستقى بها الماء، والدورق (¬2). ومال أبو عبيد في كتاب "الطهور" إلى تفسير عَاصِم بن المنذر راوي الحَديث وهو أولى (¬3) (فَإِنَّهُ لاَ يَنْجُسُ) بضَم الجِيم بوُقوع النجاسَة فيه، إلا أن يغيره تغيرًا كثيرًا أو يسيرًا بمخالط (¬4) أو مجاور. ([قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَقَفَهُ عَنْ عَاصِمٍ]) (¬5). ¬

_ (¬1) "سنن البيهقي الكبرى" 1/ 264. (¬2) "سنن البيهقي الكبرى" 1/ 264. (¬3) "الطهور" لأبي عبيد (ص 238). (¬4) في (ظ، م): لمخالط. (¬5) من (ظ، م).

34 - باب ما جاء في بئر بضاعة

34 - باب ما جاءَ فِي بِئْرِ بُضاعَة 66 - حَدَّثَنا محَمَّد بْن العَلاءِ والحَسَنُ بْن عَلِيٍّ وَمحَمَّد بْنُ سُلَيْمانَ الأَنْبارِيُّ، قالُوا: حَدَّثَنا أَبُو أُسامَةَ، عَنِ الوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ رافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أَنَّهُ قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضاعَةَ، وَهِيَ بِئْرٌ يُطْرَحُ فِيها الِحيَضُ وَلْحَمُ الكِلابِ والنَّتْنُ؟ فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الماءُ طَهُورٌ لا يُنَجِّسُهُ شَيءٌ". قالَ أَبُو داوْدَ: وقالَ بَعْضُهُمْ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن رافِعٍ (¬1). 67 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي شعَيْبٍ وَعَبْدُ العَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الحَرَّانِيّانِ قالا: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ سَلِيطِ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رافِعِ الأَنْصارِيِّ ثُمَّ العَدَوِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُقالُ لَهُ: إِنَّهُ يُسْتَقَى لَكَ مِنْ بِئْرِ بُضاعَةَ، وَهِيَ بِئْرٌ يُلْقَى فِيها لُحُومُ الكِلابِ والمَحايِضُ وَعَذِرُ النّاسِ. فقالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الماءَ طَهُورٌ لا يُنَجِّسُهُ شَيءٌ". قالَ أَبُو داوُدَ: وَسَمِعْتُ قُتَيْبَةَ بْنَ سَعِيدٍ قالَ: سَأَلْتُ قَيِّمَ بِئْرِ بُضاعَةَ عَنْ عُمْقِها، قالَ: أَكْثَرُ ما يَكُونُ فِيها الماءُ إِلَى العانَةِ. قُلْتُ: فَإِذا نَقَصَ؟ قالَ: دُونَ العَوْرَةِ. قالَ أَبُو داوُدَ: وَقَدَّرْتُ أَنا بِئْرَ بُضاعَةَ بِرِدائِي مَدَدْتُهُ عَلَيْها ثُمَّ ذَرَعْتُهُ، فَإِذا عَرْضُها سِتَّة أَذْرُعٍ، وَسَأَلْتُ الذِي فَتَحَ لِي بابَ البُسْتانِ، فَأَدْخَلَنِي إِلَيْهِ: هَلْ غُيِّرَ بِناؤُها عَمّا كانَتْ عَلَيْهِ؟ قالَ: لا. وَرَأَيْت فِيها ماءً مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ (¬2). * * * ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (66)، والنسائي 1/ 174، وابن ماجه (519)، وأحمد 3/ 15، 31، 86. وانظر التالي. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (59). (¬2) رواه أبو عبيد في "الطهور" (145)، وأحمد 3/ 86، والدارقطني 1/ 63 - 37. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (60).

باب ما جاء في بئر بُضاعة [66] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاَءِ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَمُحَمَّدُ (¬1) بْنُ سُلَيمَانَ) وهو محمد بن أبي داود (الأنْبَارِيُّ) بتقديم النُون [على الباء الموحَّدة أبو هَارون، وثقه الخَطيب (¬2) مات 234. (قَالُوا: ثنا أَبُو أُسَامَةَ) حماد بن أسامة] (¬3) القرشي، (عَنِ الوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ) القرظي أبي حمزة المدَني من حلفاء الأوس، وأبوهُ من سَبي بني قريظة، ومن كلامِهِ: لَأَنْ أقرأَ في ليلتي حتى أصبح بـ {إِذَا زُلْزِلَتِ}، و {الْقَارِعَةُ} لا أَزيدُ عليهما وأتفكر فيهما أحب إلي من أن أهُذَّ (¬4) القرآنَ (¬5) في ليلتي هذا (¬6). أو قال: أنثره نثرًا (¬7). قال الترمذي، عن قتيبة: ولد في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬8)، (عَنْ عُبَيْدِ الله) بالتصغير (ابْنِ) [عبد الرحمن هكذا صوابه] (¬9) (عَبْدِ الله (¬10) بْنِ رَافِعِ بْنِ ¬

_ (¬1) كتب فوقها في (د): د. (¬2) "تاريخ بغداد" (2796). (¬3) سقط من "س". (¬4) في (ص): أهدر. وفي (س): أنفذ. تحريف. (¬5) أي يسرع كما يسرع في قراءة الشعر. انظر: "النهاية في غريب الأثر" (هذذ). (¬6) في (ص): هذه. تحريف. (¬7) رواه ابن المبارك في "الزهد والرقائق" (287). (¬8) "جامع الترمذي" (2910). (¬9) من "د، ل"، وجاءت في (ظ، م) بعد خديج، وهو عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع، وقيل: عبيد الله بن عبد الله بن رافع، انظر: ترجمته في: "الجرح والتعديل" 5/ 321، و"تهذيب الكمال" (3657)، و"تهذيب التهذيب" 7/ 27. (¬10) زاد في (ص): هكذا صوابه.

خَدِيجٍ، [عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) سَعد بن مَالك بن سنان (الْخُدْرِيِّ) وهو خدرة بن عوف بن الحَارث الأنصَاري] (¬1)، وأمهُ أنيسة بنت أبي حَارثة (أَنَّهُ قِيلَ: يا رسول الله) [نُسخة: لِرَسُولِ اللهِ] (¬2) (أَتَتَوَضَّأُ) - بتائين مثناتين من فوق - خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - معناه: أتتوضأُ أنت يا رسول الله، من هذِه البئرِ، وتستعمِلُ ماءها في وضوءك مع أن حَالها ما ذكرناه (¬3)، قال النووي: ضبطته بالتاء؛ لأني رأيتُ من صَحفه بالنون (¬4). (من بِئْرِ بُضَاعَةَ) بضم البَاء الموَحدة، ويقال: بكسرها لغتان مشهورتان، حكاهما ابن فارس والجوهري (¬5) وآخرون، والضَّمُّ أشهر ولم يذكر جَماعة غَيره، ثم قيل: هو اسم لصَاحب البئرِ، وقيل: اسم لموضعها وهي بئر قديمة بالمدينة معرُوفةٌ. قال ابن الأثير: وحكى بعضهم أنه بالصَاد المهملة (¬6). يقال: كانت لبني سَاعدة، (وَهِيَ بِئْرٌ يُطْرَحُ فِيهَا الحِيَضُ) بكسر الحَاء وفتح اليَاء، جمع حِيضة مثل سِدَر وسِدرَة، ومنه قول عائشة - رضي الله عنها -: يا ليتني كنت حِيضة مُلقاة (¬7). بالكسر يعني: خرقة الحيض التي تمسح بها المرأة (¬8) دَم الحيض. قالهُ ¬

_ (¬1) سقط من (س). (¬2) من (ص، س، ل)، وكتب في حاشية (د): لرسول الله. (¬3) في (ص، س، ل): ذكرنا. والمثبت من "المجموع". (¬4) "المجموع" 1/ 82 - 83. (¬5) "الصحاح" (بضع)، "مجمل اللغة" باب الباء والضاد وما يثلثها. (¬6) "النهاية في غريب الحديث" (بضع). (¬7) رواه الطبراني في "الكبير" 23/ 66 (138). (¬8) زاد في (ظ، م): الدم.

الأزهري وغيرَه (¬1)، وفي رواية: المحَايض (¬2) جمع محيضَة، وقيل: الحيضة الخرقة التي تستثفر بَها المرأة (وَلَحْمُ الكِلاَبِ وَالنَّتْنُ) بفتح النون وإسكان التاء هكذا وجدته مضبوطًا، وفسر بالرائحة الكريهة، ويقع أيضًا على كل مُستقبح، وينبغي أن يُضبط بفتح النون وكسر التاء وهو الشيء الذي له رائحة كريهة من قولهم نَتِنَ الشيء (¬3) بكسر التاءِ ينتَنُ بفتحها فهو نَتِن. قال شارح "المصابيح": تأويل الحَديث أن النَاس يلقون الحِيضَ ولحوم الكلاب والأشياء النتنة في الصَحَاري وخلف بيوتهم وفي الطرق، ويجري عليها ماء المطر فيلقيها الماء إلى تلك البئر؛ لأنها في ممر (¬4) الماء، وليس مَعناهُ أن الناس يلقون الحِيَضَ ولحوم الكلاب في بئر يستقى منها الماء؛ لأن هذا لا يجوز من الآحاد فكيف من الصَحَابة رضي الله عنهم. قال في "الشامِل": ويجوز أن يكون هذا من فعل المنافقين؛ كانوا يُلقون ذلك فسَألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شأنها ليَعْلَموا حُكمها في الطهَارة والنجَاسَة. فكانَ جَوَابهُ لهم: (فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -) إن (الماء) كذا للترمذي (¬5) (طهور) يعني: الماء الذي تسألون عنهُ وهو ماء بئر بُضاعة طهور؛ لأنهم إنما سَألوا عن الوُضوءِ به [والطَّهورُ قيل من أبنية المبالغة وأنه ¬

_ (¬1) انظر: "تاج العروس" (حيض). (¬2) ستأتي في الحديث التالي. (¬3) في (ص، س، ل): على. تحريف، والمثبت من (د، ظ، م). (¬4) في (ظ، م): مجرى. (¬5) "جامع الترمذي" (66).

بمَعنى (¬1) طاهر والأكثر] (¬2) أنه لوصف زائد قال ثعلب (¬3): الطهورُ هو الطاهر في نفسه المُطِهِّرُ لغيرِهِ (¬4). (ولا) رواية الترمذي لاَ (يُنَجسُهُ) بحذف الواو، و (شَيْءٌ) نكرة في معرِض (¬5) النفي، فتعُمُّ سائر النجاسَات، لكنه عام مخصوص خص منه المتغير بالنجاسَةِ الواقعة فيه، فإنَّ الإجماع خَصَّصَهُ. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن (¬6) الماء القليل والكثير إذا وقعت [فيه نجاسَة] (¬7)، فغيرت للماء (¬8) طعمًا أو لونًا أو رائحة أنه ينجُسُ ما دام كذلك (¬9). وقد روى أبو أمامة البَاهلي أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "الْمَاء طَهُورٌ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلا ما غَلَبَ على ريحهِ وطعمِهِ". رواهُ ابن مَاجه (¬10). وقال حَرب بن إسماعيل: سُئل أحمد عن الماء إذا تغير طعمه وريحه، قال: لا يتوضأ به ولا يشرب، وحرم اللهُ الميتة، فإذا صَارت الميتة في الماء فتغير طَعمه أو ريحه، فذلك طعم الميتة وريحها فلا يحل له، وذلك أمر ظاهِرٌ (¬11). ¬

_ (¬1) في (ظ، م): لمعنى. (¬2) سقط من (ص، س، ل). (¬3) في (ص): تغلب. تصحيف. (¬4) انظر: "مقاييس اللغة" لابن فارس (طهر). (¬5) في (ص، س، ل): موضع. (¬6) سقط من (ص، ل). (¬7) في (ظ، م): يعني النجاسة فيه. (¬8) في (ص، د، س، ل): الماء. والمثبت من "الإجماع". (¬9) "الإجماع" (11). (¬10) "سنن ابن ماجه" (521). (¬11) انظر: "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 5/ 178 - 193، "المغني" لابن قدامة 1/ 38 - 39.

وخصَّ من حديث بئر بُضاعة أيضًا ما دُون القُلتَين إذا لاقته نجاسَة بحديث: "إذا بَلغ الماء قلتين" (¬1)؛ فإنه أخص (¬2) من بئر بضاعة، والخاص يقدم على العَام، وعلى هذا فالمرادُ ببئر (¬3) بضَاعة الماء الكثير الذي لم يغيرهُ النجاسَة وقعَت فيه؛ فإن هذِه صفة بئر بضاعة، وقَولي: مَا لم يغيره نجاسَة وقعت فيه. احترازًا مما إذا تغير بنجاسة لم تقع فيه، كما إذا تغير برائحة جيفة بقربهِ، فإنهُ لا ينجسُ. (وَقَالَ بَعْضُهُمْ) هو عبيد الله بن (عَبْد الرَّحْمَنِ بْنُ رَافِعٍ) بن خديج، وهو الذي جزم به الذهَبي في "الكاشف" (¬4)، ورواية عَبد الله ذكرها الترمذي أيضًا (¬5)، وأعل (¬6) ابن القطان هذا الحَديث بجهالة راويه عن أبي سَعيد واختلاف الرواة في اسمه هل هو عبد الله أو عبيد الله وفي اسم أبيه هل هو عبد الله أو عبد الرحمن (¬7). قال ابن القطان: وله طريق أحسن من هذِه قال قاسم بن اصبَع في "مُصنفه": ثنا محمد بن وَضاح، ثنا عبد الصَمد بن أبي سكينة الحلبي بحلب، ثنا عبد العزيز بن أبي حَازم، عن أبيه، عن سهل بن سَعْد، قال: قالوا: يا رسول الله، إنك تتوضأ من بئر بضاعة وفيها ما ينجي الناس والمحايض والخبث (¬8). ¬

_ (¬1) تقدم تخريجه. (¬2) في (ص، س) رخص. تحريف. (¬3) في (ص، س، ل) بئر. (¬4) "الكاشف" 2/ 229. (¬5) "جامع الترمذي" (66). (¬6) في (ص، س): وأعد. تحريف، والمثبت من (د، ظ، ل، م). (¬7) "بيان الوهم والإيهام" (1059). (¬8) "بيان الوهم والإيهام" (2435).

[67] (ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ) عبد الله بن (أَبِي شُعَيْبٍ) الحَراني أبو الحَسَن مَولى قريش، أخرج له البخاري (وَعَبْدُ العَزِيزِ (¬1) بْنُ يَحْيَى) أبو الأصْبَغ (الْحَرَّانِيَّانِ) ثقة توفي 235 (¬2). (قَالاَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ) بن عبد الله البَاهلي مولاهم الحراني، قال ابن سَعد: كان ثقة فاضلًا، له رواية وفتوى (¬3). أخرج له مُسلم، (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسحَاقَ، عَنْ سَلِيطِ) بفتح السِّين المهملة (ابْنِ أَيوبَ) بن الحكم الأنصَاري المدَني، ذكرهُ ابن حبان في "الثقات" (¬4)، روى له المصَنف هذا الحديث والنسائي آخر (¬5)، (عَنْ عُبَيدِ الله) بالتصغير (ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ) بن خديج (الأَنْصَارِيِّ ثُمَّ العَدَوِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) سعد بن مالك (الخُدْرِيِّ) - رضي الله عنه -. (قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُقَالُ لَهُ: إِنَّهُ يُسْتَقَى) بألفٍ في آخرِهِ دون هَمزٍ (لَكَ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ) وكانت بئر بضاعة عين تجري منها الماء إلى بساتين لبني سَاعدة تسقيها (¬6). (وَهِيَ بِئْرٌ يُلْقَى فِيهَا لُحُومُ الكِلاَبِ وَالْمَحَايِضُ) (¬7) جمع (*) محيضَة بفَتح ¬

_ (¬1) كتب فوقها في (د): دس. (¬2) انظر: "الكاشف" للذهبي (3415). (¬3) "الطبقات الكبرى" لابن سعد 7/ 485. (¬4) "الثقات" 6/ 430. (¬5) "سنن النسائي" 1/ 174. (¬6) في (ظ، م): لتسقيها. (*) في (ص): جمعه. تحريف. (¬7) كتب هنا في حاشية (د): حديث عبيد الله بن عبد الرحمن، ويقال: ابن عبد الله بن رافع بن خديج كما تقدم عند (ت) في الطهارة أيضًا عن هناد بن السري، والحسن بن علي الخلال، وغير واحد، كلهم عن أبي أسامة، يقال: ابن عبد الله كالأول أعنى حديث ابن العلاء. =

الميم، وهي الخرقة التي تمسح بها المرأة دم الحيض (وَعَذِرُ) بفتح العَين وكسر الذَّال على وزن كَلِم (¬1)، جَمْع عَذِرَة ككلمة وكلم (النَّاسِ) والعذرة: الخُرء، وأصلها فِناء الدار، سُميت عذرة الناس بهذا؛ لأنها كانت تُلقى بالأفنية، فكنى عنها باسم الفناء من باب تسمية الظرف باسم المظروف مجازًا، وفي رواية ذكرها الذهَبي بسنده: يلقى فيها المحَايض والجِيفُ وما يستنجى بهِ. (فقَالَ) له (¬2) (رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: إِن المَاءَ طَهُورٌ) الطَهُور عندنا هو المطهر (¬3). وبه قال أحمد (¬4)، وحكاهُ بعض أصحابنا عن مالك (¬5)، وبعض أصحاب أبي (¬6) حنيفة (¬7): إنَّ الطهُور هو الطاهر، واحتج (¬8) ¬

_ = وعند (س) فيه: عن هارون بن عبد الله الحمال عن أبي أسامة به، وقال: عبيد الله بن عبد الرحمن، كما قال ابن إسحاق. زاد المزي قال: ورواه مطرف بن طريف، عن خالد بن أبي نوف، عن سليط، عن ابن أبي سعيد، عن أبيه، وقد فسره بأنه عبد الرحمن، وقال: رواه (س) في الطهارة عن عباس العنبري، عن عبد الملك بن عمرو، عن عبد العزيز بن مسلم - وكان من العابدين - عن مطرف فذكره، قال: وإسناده مجهول. قال المزي: ورواه أبو معاوية، عن محمد بن إسحاق، وابن أبي ذئب، عمن أخبرهم، عن عبيد الله بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد. (¬1) في (ص، س، ل): كلمة. خطأ، والمثبت من (د، ظ، م). (¬2) سقط من (د، ظ، م). (¬3) انظر: "المجموع" 1/ 103. (¬4) انظر: "المغني" 1/ 13. (¬5) انظر: "الذخيرة" 1/ 168. (¬6) في (ص، س، ل): بني. تحريف. (¬7) انظر: "البحر الرائق" 1/ 70. (¬8) في (ص، س، ل): أجمع. تحريف، والمثبت من "المجموع".

أصحابنا بأنَّ لفظةَ طهُور حَيث جَاءت في الشرع المراد بهَا التطهير (¬1). كقوله تعالى: {مَاءً طَهُورًا} (¬2) وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "هو الطهُور ماؤه" (¬3)، فإنهم [إنما سألوه] (¬4) عن التطهر (¬5) بماء البحر، لا عن طهَارته، وكذا في هذا الحَديث سَألوا عن الوُضوء به (لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ) أي: مَا لم يتغير كما تقدم. (قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ بْنَ سَعِيدٍ) أبا رجاء البَلخي (قَالَ: سَأَلْتُ (¬6) قَيَّمَ) أي: القائم بخدمة (بِئْرِ بُضَاعَةَ عَنْ عَمْقِهَا) بفتح العَين وسُكون الميم وجوز ضم العَين، وهو بعد قعرها، فقلت: (أَكْثَرُ) فيه حذف تقديره، والله أعلم: ما أكثر (مَا يَكُونُ فِيهَا) عمق (الْمَاءُ) فحذفت ما الاستفهاميَّة، كما حُذفت همزة الاستفهام في قوله تعالى: {هَذَا رَبِّي} (¬7) قيل: تقديره: أهذا ربي الذي تزعمُون. قال: أكثره أن يبلغ (إِلَى العَانَةِ) وزنها في الأصل فَعَلَة (¬8) بفتح العَيْن، قال الأزهري وجماعة: هي موضع منبت الشعر فوق قُبل المرأة والرجل (¬9). (قُلْتُ: فَإِذَا نَقَصَ) فيها الماء ما يكونُ أقله؟ (قَالَ: دُونَ العَوْرَةِ) يشبه ¬

_ (¬1) في (م): المطهر. والمثبت من "المجموع" (1/ 85). (¬2) الفرقان: 48. (¬3) سيأتي تخريجه إن شاء الله. (¬4) في (ص، س، ل): أسماء. وفي (ظ، م): إنما سألوا. (¬5) في (ص، د، س، ل): التطهير. (¬6) في (ص): سأل. تحريف. (¬7) الأنعام: 76. (¬8) في (ص، ل): فعلى. وفي (س): فعلني. (¬9) "تهذيب اللغة" (أسب).

أن يكونَ المراد به عورة الرجل، أي: دون الركبة لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "عَورة الرجُل ما بينَ سرته وركبته". رواهُ الحَارث بن أبي أسَامة في "مُسنده" (¬1). (قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَدَّرْتُ) بتشديد الدَال وجوز التخفيف (بِئْرَ بُضَاعَةَ بِرِدَائِي مَدَدْتُهُ عَلَيْهَا ثُمَّ ذَرَعْتُهُ) أي: قِستُهُ بالذَّراعِ (فَإِذا عَرْضُهَا سِتَّةُ) بالرفع (أَذْرُعٍ) وذراع القياس ست قبضات معتدلات، وتُسمَّى ذراعُ العامة؛ لأنه نقص قبضَة عن ذراع الملِكِ، وهو بَعض الأكاسِرَة نقله المطرُّزي (¬2). (وَسَأَلْتُ الذِي فَتَحَ لِي بَابَ البُسْتَانِ) بضم البَاء، قال بعضهم: رومي مُعَرب (وأَدْخَلَنِي إِلَيهِ هَلْ غُيِّرَ) بضمِّ الغَينِ لما لم يسَم فاعله (بِنَاؤُهَا عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ) في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - (فقَالَ: لا) فيه دليل على أنَّ قبول قول الواحدِ حُجَّةٌ (وَرَأَيْتُ فِيهَا مَاءَ مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ) قال النووي: يَعني بُطول المكث وأصل النبع لا بوقوع شيء أجنبي فيه. انتهىَ (¬3). وهذا يكونُ فيه الجمع بين هذا الحَديث وحديث أبي أمَامة المتقدم في التغير، وحديث أبي أمَامة أيضًا: "إِنَّ المَاءَ طَاهِرٌ إلا إِنْ تَغَيَّرَ رِيحُهُ (¬4) أَوْ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ (¬5) بِنَجَاسَةٍ تَحْدُثُ فِيهِ". رواهُ البيَهقي (¬6)، وأمَّا قول ابن المنذر: ¬

_ (¬1) "مسند الحارث بن أبي أسامة" (143). (¬2) "المغرب في ترتيب المعرب" (ذرع). (¬3) "المجموع" (1/ 85. (¬4) في (س): لونه. وكتب فوقها في (ص، ل): لونه. والمثبت من (د، ظ، م)، و"السنن الكبرى". (¬5) في (ص، س، ظ، ل، م): ريحه. والمثبت من (د)، و"السنن الكبرى". (¬6) "السنن الكبرى" 1/ 259.

يُروى أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ من بئر كأن ماءه نقاعَة الحنَّاء، ولعل هذا مُعتمد الرافعي (¬1) في ذكر هذا. وذكر ابن الجوزي في "تلقينه" أنهُ - صلى الله عليه وسلم - توضأ مِن غَدير ماؤه كنقاعَة الحِنَّاء، وكذا ذكرهُ ابن دَقيق العيد فيما عَلقه على فروُع ابن الحَاجب، وضَعف بَعض الحنفية حَديث بئر بضَاعة بأنه لا يجوز أن يضَاف إلى الصحَابة أن يُلقُوا (¬2) في بئر توضأ منها رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - المحَايض ولحوم الكلاب، بل ذلك مُستَحيل عَنهمُ وهم بصيانة (¬3) وضوءِ رسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أولى، وأجيب عنهُ بأن الصَحابة لا يصح إضافة هذا إليهم أنهمُ فعَلوهُ، بل كانت بئر بضاعة تقرب من مكان الجِيَف والمحَايض، فكانت الريح تهب فتلقي المحَايض ولحومَ الكلاب، وقد جزم الشافعي بأن بئر بضاعة كانت لا تتغَير بإلقاء ما يلقى فيها مِنَ النجاسَات لكثرة ماءها (¬4). ¬

_ (¬1) "الشرح الكبير" للرافعي 1/ 125. (¬2) في (ص): يلغوا. تصحيف. (¬3) في (ظ، م): لصيانة. (¬4) انظر: "مختصر المزني المطبوع مع كتاب الأم" 9/ 11 - 12.

35 - باب الماء لا يجنب

35 - باب الماء لا يَجْنُبُ 68 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو الأحوَصِ، حَدَّثَنا سِماكٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: أغْتَسَلَ بَعْضُ أَزْواجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي جَفْنَةٍ، فَجاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِيَتَوَضَّأَ مِنْها -أَوْ يَغْتَسِلَ- فَقالَتْ لَهُ: يا رَسُولَ اللهِ إِنِّي كُنْتُ جُنُبًا. فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الماءَ لا يَجْنُبُ" (¬1). * * * باب الماء لا يُجنِبُ [68] (ثَنَا مُسَدَّدٌ) قال (ثَنَا أَبُو الأحوَصِ) (¬2) سلَّام بتشديد اللام ابن سُليم الحنفي الكوفي، كانَ إذا ملئت داره من أصحَاب الحَديث قال لابنه أحوصَ: يا بُني، قم فمن رأيتَهُ في داري يسبُّ أحدًا من أصحَاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخرجهُ، وكان حديثه نحو أربعة آلاف حديث، وهو خال سُليم بن عيسى المقرئ صَاحب حمزة، وقرأ هو أيضًا على حمزة (¬3). (قال: ثَنَا سِمَاكٌ) بن حرب (عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ) - رضي الله عنهما -. (قَالَ: اغْتَسَلَ بَعْضُ أَزْوَاجِ النبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -) (¬4) هي ميمونة بنتُ الحَارث كما ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (65)، والنسائي 1/ 173، وابن ماجه (370، 371)، وأحمد 1/ 235، وابن خزيمة (91، 109)، وابن حبان (1241). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (61). (¬2) كتب فوقها في (د، م): ع. (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 12/ 284. (¬4) كتب في حاشية (د): حديث سماك وهو ابن حرب الذهلي الكوفي عند (ت) في الطهارة أيضًا رواه عن قتيبة، عن أبي الأحوص، وقال: حسن صحيح. (س) فيه عن سويد بن نصر، عن ابن المبارك، عن سفيان به. (ق) فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة، =

في روايةِ الدَّارْقُطني (¬1) وغيره، وعن الخَطيب أنها سودة ولعلهما (¬2) قصتان (¬3). (فِي جَفْنَةٍ) بفتح الجيم جمعُها جِفانٍ ككلبة وكلاب، ويجمع على جَفنات كسَجدة وسجدَات، وهي القَصعة (¬4)، كما وردَ في روايةٍ (¬5). وفيه جَوَاز الطهارة من (¬6) آنيةِ الجنب وغيره (¬7) (فَجَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِيَتَوَضَّأَ مِنْهَا -أَوْ يَغْتَسِلَ- فَقَالَتْ لَهُ: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي كَنْتُ جُنُبًا) بضم الجيم والنُون وتنوين البَاء، وفيه شاهد على اللغة الفصحى أن الجنُب يُطلق على الأنثى كما يطلق على الذكر، ويقال: رجُلان جُنبٌ ورجَال جُنبٌ، وربما طابق على قِلَّةٍ، فيقال: جُنُبَةٌ وجُنُبونَ وجُنُبانِ، وأصل الجنَابة البُعد، والمراد هنا البُعد عن مواضعِ الصلاةِ (¬8). (فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ المَاءَ لاَ يُجنِبُ) بضم اليَاء وكسر النُون، ويجوز في اللغة فتح الياء وضم النون، فإنهمُ حَكوا في ماضيه لغتين (¬9) أجنَبَ بالألِف، وجَنُبَ بوزن قرُب، ومعناه هُنا أن الجُنب إذا غمسَ ¬

_ = عن أبي الأحوص، وعن علي بن محمد، عن وكيع، عن سفيان نحوه، أن امرأة من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬1) "سنن الدارقطني" 1/ 52. (¬2) في (ص): ولعلها. خطأ. (¬3) في (ص، د، س، ل): قضيتان. تصحيف. (¬4) انظر: "لسان العرب" (جفن). (¬5) رواها النسائي 1/ 131، وابن ماجه (378)، وأحمد 6/ 342 من حديث أم هانئ. (¬6) في (ظ، م): في. (¬7) من (ظ، م). (¬8) انظر: "لسان العرب، (جنب). (¬9) في (ص، س، ظ، ل، م): لغتان. تحريف.

يده فيهِ لا ينجُسُ، وحقيقته أنه لا يصير بمثلِ هذا الفعل إلى حَال يُجتنبُ فلا يُستعملُ. وفي "النهاية": الإنسان لا يجنب (¬1)، وكذلك الثوب والأرض، يريدُ أن هذِه الأشياء لا يصير شيء منها جُنبًا يحتاج إلى الغسْل لملامسة الجُنب إياها (¬2). وفي الحديث دليل للقول القديم للشافعي (¬3)، ومذهب مالك (¬4)، ورواية عن أحمد (¬5) أن المستَعمَل في فرض الطهارة مُطهر. وروي عن علي وابن عُمر في من نسي مسْح رأسه: إذا وجد بللًا في لحيَته أجزأهُ أن يمسح به رأسهُ (¬6). وروى أحمد أنه عليه السلام اغتسل من الجنابة فرأى لمعَة لم يُصبها الماء فعصر شَعرهُ عليها (¬7)، وإن قلنا: في جفنة بمعنى: من جفنةٍ، ففيه دليل على الرخصَة في الوُضُوءِ بفضلِ وضُوءِ المرأةِ كما بوَّبَ عليه ابن ماجه (¬8). قال في "المنتقى" (¬9): أكثر أهل العِلم على الرخصَة للرجُل في فضل ¬

_ (¬1) في (س): يجتنب. تحريف. (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (جنب). (¬3) انظر: "الحاوي الكبير" 1/ 296. (¬4) انظر: "الاستذكار" 1/ 201، "الكافي" 1/ 158. (¬5) انظر: "المغني" 1/ 31. (¬6) رواه ابن المنذر في "الأوسط" (194)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" 1/ 34 عن علي - رضي الله عنه -، ورواه ابن المنذر في "الأوسط" (195) عن ابن عمر رضي الله عنهما. (¬7) رواه ابن ماجه (663)، وأحمد 1/ 243 من حديث ابن عباس، وضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه" (144). (¬8) "سنن ابن ماجه" 1/ 131. (¬9) "المنتقى شرح الموطأ" 1/ 45.

طهور المرأة والأخبَار بذلك أصح، وكرههُ أحمد وإسحاق إذا خلت به (¬1)، وهو قول عبد الله بن سرجس (¬2)، وحملوا حديث ميمونة وابن عباسٍ هذا على أنها لم تَخْلُ به، جمعًا بينهما وبين حديث الحكم بن عمرو الغفاري: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ طَهُورِ (¬3) المَرْأَةِ. رَوَاهُ أصحاب السُنن الخمسة (¬4) إلا أن ابن مَاجَه والنسائي قالا: وُضُوءِ المَرْأةِ (¬5) وقال الترمذي: حَديث حسن (¬6). ¬

_ (¬1) "مسائل أحمد وإسحاق رواية الكوسج" (59)، انظر: "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 5/ 170 - 175. (¬2) رواه عبد الرزاق في "مصنفه" (385). (¬3) في (ص، س): وضوء. وزاد بعدها في (د، ظ، م): وضوء. والمثبت من "سنن أبي داود"، و"سنن الترمذي". (¬4) يعني: الأربعة، ومعهم الدارقطني. (¬5) رواه أبو داود (82)، والترمذي (64)، والنسائي 1/ 179، وابن ماجه (373) وقالا: وضوء. والدارقطني 1/ 53، وقال: وضوء. (¬6) زاد هنا في (س، ظ، ل، م): فأما غسل. وهي زيادة مقحمة.

36 - باب البول في الماء الراكد

36 - باب البَوْل فِي الماءِ الرّاكِدِ 69 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا زائِدَةُ فِي حَدِيثِ هِشامٍ، عَنْ محَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُريرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الماءِ الدّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ" (¬1). 70 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلانَ قالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الماءِ الدّائِمِ، وَلا يَغْتَسِلْ فِيهِ مِنَ الجَنابَةِ" (¬2). * * * باب البول في الماء الراكد [69] (ثَنَا أَحْمَدُ (¬3) بْنُ) عبد الله بن (يُونُسَ) أبو عَبد الله اليربوعي شيخُ الشَّيخين، قال ابن حَنبل لرجل: آخرج إلى أحمدَ بن يونس؛ فإنه شيخ الإسلام (¬4)، (ثَنَا زَائِدَةُ) بن قدامة أبو الصَّلت الثقفي (¬5)، صَاحب سُنَّة (¬6) توفي غازيًا بالروم سنة 161 (¬7) (فِي حَدِيثِ هِشَامٍ) (¬8) بن حسَّان الأزدي ¬

_ (¬1) رواه البخاري (239)، ومسلم (282). (¬2) أخرجه أحمد 2/ 433 وصححه ابن حبان (1257) وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (63): إسنادهُ حسن صحيح. وانظر السابق. (¬3) في (د، م) كتب فوقها: ع. (¬4) "تهذيب الكمال" 1/ 377. (¬5) في (ص): الثقة. (¬6) في (ص): سند. (¬7) انظر "الكاشف" (1621). (¬8) في (د، م) كتب فوقها: ع.

مولاهم الحافظ (عَنْ مُحَمَّدٍ) بن سيرين (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي المَاءِ) مفهومه أن النهي عن التغَوط في الماءِ من باب الأولى وهذا من مفهوم الموافقة، وضابطه أنه إثبات حكم المنطوق للمسكُوت عنه بطريق الأولى، ويُسمى فحوى الخطاب وتنبيه الخطاب؛ لأنه تنبيه (¬1) بالأدنى على الأعلى وهو إمَّا في الأكثر كالضرب مع التأفيف؛ لأنهُ أعظم وأكثر عقوقًا، وكذا هنَا؛ فإن التغَوُّط أعظم وأكثر استقذارًا، وإمَّا في الأقل كما في قوله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} (¬2) مفهومهُ أنه أمين على الدينار بطريق الأولى، وهو أقل. (الدَّائِمِ) أي: الراكد الذي لا يجري، وقد جاء في بعض الأحَاديث "الذي لا يجري" (¬3) وهو تفسير للدائم وإيضَاح لمعناه. وقال بعضهم: يحتمل أن يحترز به عن راكد لا يجري بَعضه كالبرك ونحوها. (ثُمَّ يَغْتَسِلُ) قال القُرطبي: الرواية الصحيحة "يغتسلُ" برفع اللام ولا يجوز نصبها؛ إذ لا ينتصب (¬4) بإضمار (¬5) أن بعد ثم، وبعض الناس قيده "ثم يغتسل" مجزوم اللام على العطف على "لا يَبُولن" (¬6)، وهذا ليس ¬

_ (¬1) في (م): نبه. وفي (س): شبه. (¬2) آل عمران: 75. (¬3) رواه مسلم (282). (¬4) في (م): ينصب. (¬5) في (ص): بإظهار. (¬6) من (م").

بشيء؛ إذ لو أراد ذلك لقال: ثم لا يغتَسلَن (¬1)؛ لأنه إذ ذاك يكون عَطف فعل على فعل، لا عطف جُملة على جملةٍ، وحينئذ يكون الأصل مُساواة الفعلينِ في النهي عنهما وتأكيدِهما بالنون الشديدة؛ فإن المحَل الذي تواردا عليه هو شيء واحد وهو الماء، وإنما جاء (ثم يغتَسل) على التنبيه على مآل الحال، ومعناه أنه إذا بالَ فيه قد يحتاج إليه فيمتنع عليه استعمالُهُ؛ لما أوقع فيه مِنَ البَول. قال: وهذا مثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يضرب أحدكم امرأته ضَربَ الأمةِ ثم يضاجعُها" (¬2) برَفع يضاجعها، ولم يروه أحد بالجزم ولا يتخيله فيه؛ لأن المفهوُم منه إنما نَهَاهُ عن ضَربهَا؛ لأنه يحتَاج إلى مضاجَعتها في أثناء الحَال فتمتنع (¬3) عليه (¬4) بما أسَاء من معاشرتها، ويتعذر عليه المقصُود من أجل الضرب، وتقدير (¬5) اللفظ [ثم هو يضاجعها، وثم هو يغتسل] (¬6). قال ابن دقيق العيد (¬7): وهذا الذي ذكرهُ يقتضي أنه كالتعليل للنهي عن البَول في الماءِ الراكد لا عن الغسل منه، ويكون النهي عن الغُسْل منه ليسَ من مدلول اللفظ مباشرة بل من مدلولاته التزامًا؛ من حَيث إنه لو لم يكن البَول فيه مَانعًا مِنَ الغسل أو الوضوء منه لما صح تعليل ¬

_ (¬1) في (س، م): لا يغتسل. (¬2) أخرجه البخاري في (6042، 4942)، ومسلم (2855) (49). (¬3) في (ص): فيمنع. (¬4) هنا في جميع النسخ كلمة غير مقروءة وهي مقحمة. والمثبت ما في "المفهم". (¬5) في (ص): وتعديد. (¬6) ليست هذِه الجملة في أصلنا. وانظر: "المفهم"1/ 541 - 542. (¬7) انظر: "طرح التثريب" للعراقي 2/ 31.

النهي عن البَول فيه بأنهُ سيقع منهُ الغسل فيه، لكن التعليل صَحيح على حسب ما اقتضاه الكلام عنده، فوقع النهي عن الغسل منه بعَد البَول بطريق الالتزام؛ لأنه لازم لصحة التعليل. (منهُ) (¬1) فيه نهي عن شيئين، والنهي عن شيئين تارة على الجمع، وتارة عن الجمع أما النهي على الجَمع فيقتضي المنع من كل وَاحدٍ منهما على انفراده، وأمَّا النهي عن الجمع فمعناهُ المنع عن فعلهما معًا بقيد الجمعية، ولا يلزم منه المنع من أحدهما إلا مع الجمعية، فيمكن أن يفعَل أحدهما من غير أن يفعَل الآخر، والنهي عن الجمع مشرُوط بإمكان الانفكاك عن الشيئين، والنهي على الجَمع منشؤه أن يكون في كل وَاحد منهما مفسَدة تستقل بالمنع. وإذا ثبت هذا، فهذا الحَديث الذي نحن فيه من باب النهي عن الجمع، أي: لا يجمع بين البَول في الماء والاغتسال منهُ، والحَديثُ الآتي حَديث مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ "لاَ يبولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي المَاءِ الدَّائِمِ وَلاَ يَغْتَسِلْ فِيه" نهي على (¬2) الجمَع كما سيَأتي، وفي هذا الحَديث عموم لابد من تخصيصه اتفافًا، فإن الماء المسْتَبحر جدًّا لا يثبت فيه هذا الحكم. ومذهب أبي حنيفة وأتباعه كما قال الطحَاوي في "مختصره": وإذا وقعت نجاسَة في ماء ظهر فيه طعمها أو لونها أو ريحها أو لم يظهر ذلك فقد نجسَهُ قليلًا كان الماء أو كثيرًا، إلا أن يكون جاريًا أو حكمهُ ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): من. (¬2) في (ص): عن. وهو خطأ.

حكمُ الجَاري، كالغَدير الذي لا يتَحرك أحَد أطرافه بتحرك سواه (¬1) من أطرافه (¬2)، وأما الشَّافعي (¬3) فإنهُ اعتبر القلتين، فقال: إنهُ يُنجس ما دُونهما بوُقوع النجاسَة فيه، وإن لم يتغير، وما كانَ قلتين أو أكثر لم ينجس إلا بالتغير عنده، وهذِه رواية عن أحمد مُرَجحة عند جَماعة من أتباعه (¬4) في غير بول الآدمي وعذرته المائعة (¬5) [فأمَّا هُما] (¬6) فينجسان الماءَ وإن كانَ قلتين فأكثر على المشهُور ما لم يكثر إلى حيث لا يمكن نزحه كالمصَانع التي بطريق مكة، وهذا تخصيص للحَديث. فأما الحنفية القائلون بأن الماء الراكد ينجسُ بوُقوع النجاسَة فيه، فهو مقتضى العَمل بالعموم ومقتضى (¬7) حمل صيغة (¬8) النَّهي على حقيقتها وهو التحريم، فإذا خرج منه المستبحر بقيَ اللفظ متناولًا ما عدَاهُ، ويحتاجونَ إلى تخصيص آخر في الماء الذي وقع فيه الحَدُّ (¬9) عندهم وهو تحرُّكُ (¬10) أحَدِ الطرفين، وهذا إنما أُخِذ من معنى فهموهُ وهو سَراية النجاسة في الماء، وإن مع هذا التباعُد لا سراية، وهذا المقدار من الماء يَدخل ¬

_ (¬1) في (ص، ل): سواك. وفي (س): سوال. (¬2) "مختصر الطحاوي" ص 16. (¬3) "الأم" 1/ 43 - 44. (¬4) "مسائل أحمد وإسحاق رواية الكوسج" 31، 32، وانظر: "الإقناع" 1/ 8 - 9. (¬5) في (ص، ل، م): المانعة. (¬6) في (ص، ل): فإياهما. (¬7) في (ص، ل): يقتضي. (¬8) في (م) صفة. (¬9) في (ص): الجل. (¬10) في (ص): بتحرك.

تحت العموم فتخصيصهُ (¬1) هذا المعنى تخصيص العَام بمعنى مُستنبط منهُ يعُود عليه بالتخصيص، وفيه كلام لأهل الأصُول. وأما الشافعية: فإنهم لما اعتمدُوا حديث القُلتين خصُّوا العَام به وهو تخصيص بمنطوق؛ لأن هذا الحَديث الذي نحنُ فيه عَام في المنع من الاغتسال في كل مَاء راكد بعَد البَول فيه، فيدخل تحته القلتان فما زاد، وأما من يرى أن الماء لا ينجس إلا بالتغَير قليلًا كانَ أو كثيرًا؛ فحمله على ذَلك رجحان الدَّليل الدَال على طهورية الماء الذي لم يتغير ويتمسك فيه بالعُمومات، ومن أراد تخصيص تلك العمومات بمفهوم حَديثِ القلتَين المقتضي تنجيس ما دونهما وإن لم يتغير فقد لزمَهُ القولُ بالمفهوم، وبأنه (¬2) يخصص العموم وهي قاعدة عند الأصوليين؛ أن المفهوم (¬3) هَل يخصص العموم، أم لا؟ ومن حمل النهي على التحريم، وخص منه القلتين فما (¬4) زاد إذا (¬5) أخذ (¬6) منه كراهة استعمال الماء الراكد إذا وقعت فيه نجاسَة، وإن لم يتغير على ما قال به الشافعية، فيلزمهُ أن يحمل اللفظ الواحد على حقيقته ومجازه، وفيه استعمال اللفظ الوَاحد على معنيين مختلفين، وهي ¬

_ (¬1) في (ل، م): فيخصصه. وفي (س): بتخصيصه. (¬2) في (ص، س، ل): بان. (¬3) في (ص، س، ل، د): العموم. وكذلك في (م) وكتب فوقها: المفهوم. وهو الصواب. (¬4) في (ص، س): فيما. (¬5) ليست في (م). (¬6) في (ص): أحل.

قاعدة أخرى عند الأصوليين. [70] (ثَنَا مُسَدَّدٌ، قال: ثَنَا يَحْيَى) بن سَعيد القطان (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ) المدَني، كان ابن عيينة يثني عليه، خرج مُسلم لهُ في "الصحيح" (¬1)، واستشهد به البخاري في كتاب التوحيد (¬2)، وذكر الحاكم مَا مَعناه أن مُسلمًا روى عن ابن عجلان ثلاثة عَشر حَديثًا كلها في الشواهد (¬3)، وأما عجلان والد محمد فقالوا: مَولى فاطمة بنت عُتبة (¬4) ابن ربيعة القرشي. (قال: سمعت أبي يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) وفاطمة بنت عُتبة (¬5) خرج لهُ مُسْلم بن الحَجاج في "الصَّحيح" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ في حق المملوك (¬6)، واستشهد به البخاري في بدء الخَلق في ذكر إبراهيم عليه السلام (¬7). (قال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: لاَ يَبُولَن أَحَدُكُمْ) تقدم أن دلالة هذا الحَديث على النَّهي عن الشيئين على الجَمع، والذي قبلهُ على النَّهي عن الجمع، ومُقتضى النَّهي على الجمع تعلقه بكل (¬8) واحد منهما على انفراده. ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (443/ 142، 1605/ 130، 1720، 1885/ 118). (¬2) "صحيح البخاري" (7393). (¬3) "المدخل إلى الصحيح" 4/ 97. (¬4) في (م): عقبة. (¬5) في (م): عقبة. (¬6) "صحيح مسلم" (1662) (41). (¬7) "صحيح البخاري" (3356). (¬8) في (ص): لكل.

وظاهر النهي التحريم، ومن رأى ذلك مكرُوهًا غَير محرم فقد خرج عن الظاهر، فيحتاج إلى الدليل، وليس الطريق في هذا الحَديث كالطريق في الحَديث الذي قبلهُ؛ لأن ذَلك الحَديث يرجع الأمر فيه إلى النَّهي عن الوُضوء أو (¬1) عن الاغتسال في الماء الذي بال فيه، فمن قامَ عنده الدليل على أن الماء لا ينجسُ إلا بالتغير جعل ذلك مانعًا من إجراء النهي على ظَاهِرِه وصرفه إلى الكراهة، وكذلك من قام عنده الدليل على أن القلتَين فما زاد لا ينجسُ إلا بالتغير منعه ذلك من إجرَاء النهي على ظاهره في عمُوم التحريم. وهذا النهي في هذا الحَديث مُعلل بالاستقذار الحَاصل في الماء بسبب البَوْل، وهذِه علة عامة في القليل والكثير، فإن كان الماء قليلًا، فمن يرى تنجيسهُ بوُقوع النجاسَة فيه نشأت (¬2) فيه علة أخرى، وهي الفسَاد وتعطيل منافعه على غيرِهِ، وزاد بعضُهُم علَّة أخرى فيما إذا كان بالليل وهو [ما قيل] (¬3) أن الماء بالليل للجنِّ فلا يبَال فيه ولا يغتَسل مِنهُ؛ خَوفًا من آفة تصيبُ من جهتِهم (¬4). (فِي المَاءِ الدَّائِمِ) فيه تقييد الحكم بصفة كون الماء دائمًا، فمن يقول بمفهُوم المخالفة يقول بجواز البَول في الماء الجَاري، ويُفرق بَينهما أن ¬

_ (¬1) في (م): و. (¬2) في (م): سال، وفي (س): بان. (¬3) في (ص، س، ل): ماء قليل. (¬4) ذكره الرافعي رحمه الله في "الشرح الكبير" 1/ 464 بصيغة المجهول. وهو كلام لا دليل عليه.

الماء الجَاري لا يستقر فيه البَول، وأن جريه يدفع النجاسَة ويخلفه الماء الطَّاهر بعده. (وَلاَ يَغْتَسِلْ فِيهِ) يدُل بمنطوقه على النهي عن الاغتسال عن الجَنابة في الماء الدائم، وهو عَام بالنسبة إلى المغتسلين، فيدخل فيه المغتسل الذي على [بدنه أدنى] (¬1) مُستقذر، ومن ليس كذلك، وهو منصوصٌ عليه في "المدوَّنة" للمالكية (¬2). وقد اختلفوا في قاعدة أصولية وهي دلالة القران بينَ الشيئين على مُسَاواتهما في الحكمِ، والمنقول عن أبي يُوسف والمزني مُسَاواتهما في الحُكم، والقائلون بأن القران لا يدل على المساواة استدلوا بقوله تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (¬3) فإن الأول غير واجب، والثاني واجب، وكذا في هذا الحديث البَول في الماء حرام بخلاف الاغتسال منه. واستدل أبو يُوسف بهذا الحَديث على أن (¬4) الماء المُستَعمل نجس (¬5)؛ بناء على القاعدة المذكورة؛ فإنهُ قرن (¬6) بين الغُسل فيه والبَولِ فيه، والبولُ فيه (¬7) ينجسُهُ، فكذلك الغسل، وجوابه عند غَيره ¬

_ (¬1) في (د، م): أذى. (¬2) "المدونة" 1/ 133. (¬3) الأنعام: 141. (¬4) من (د، م). (¬5) "المبسوط" للسرخسي 1/ 151 - 152. (¬6) في (ص، س، ل): فرق. (¬7) من (د، ل، م).

منع دلالة الاقتران. وذكر البغَوي في "شرح السُّنة": أن فيه دليلًا على أن اغتسال الجُنب في الماء القليل الراكد يَسلبُ حُكمه، كالبَول فيه يسلب حكمه، غير أن البول (¬1) فيه ينجسه؛ لأن البَول نَجِس، والغسْل لا ينجسهُ؛ لأنَّ بدَن الجُنب ليس بنجس، لكن يسلب الطهورية ويستدل به من لا يجيز الوُضوء بالماء المُستَعْمل (¬2). وهذا منه استدلال بالقِرانِ إلا أنه أخذ الوصف الأعَمَّ من التنجيس، وهو سلب (¬3) حكم الماء، وتخصيصهُ بالقليل ليس من هذا الحَدِيث، وهل يتعدى هذا الحكم إلى الوُضوء حتى يكره أن يغمس المحدِثُ يده أو عضوًا منه في الماء الراكد للطهَارة الصغرى؟ فمن قال بالقياس فيمكن أن يعديه بجامعِ الطهَارة من الحَدث، إلَّا أنَّ هذا ليس قياسًا في معنى الأصل فليسَ بقول؛ لأنه من قياس الشبه وهو ضَعيف؛ لأن الاختلاف بينَ الحدَث الأكبر والأصغر في أحكام كثيرة فيضعف ذلك القيَاس، وإن جعله من قياس العلة، فالعلة المذكورة في هذا هي الاستقذار والعيافة (¬4)، وقد لا يساوي فيها الحدَث الأصغر الحدَث الأكبر فيمتنع القياس لعدم شَرطه، وهو المسَاواة. (مِنَ الجَنَابَةِ) ومادة الجَنابة دالة على البعد وما يقاربه من المَعنى، ¬

_ (¬1) في (ص): القول. (¬2) "شرح السنة" 2/ 68. (¬3) في (ص، س، ل): يسلب. (¬4) في (ص): القيافة. وعَافَ الشيءَ أي كرهه.

والجَنابة في عُرف حملة الشرع تطلق على إنزال الماء والتقاء الختَانَين، وسُميت الجنابة بذَلك لتجنب الصَّلاة، وتقييد الغسْل بكونه (¬1) من الجنَابة يخرجُ منهُ ما ليسَ بجنابة، كالغُسل تبرُّدًا أو تنظفًا، وهو كذلك إن تحقق سَلامة البدن من الأذى، وما ليس بجنابة ينقسمُ قسمين: أحدهما: ما لا يدخل تحتَ القُرَبِ، كما مثَّلنا في (¬2) التبرد والتنظف (¬3). والثاني: ما هو دَاخل في بَاب القُرَبِ والأغسال المَسْنُونة، مثل غسل العِيدَين والكسُوف والاستسقاء، وظاهر التقييد بغُسْل الجَنابة يقتضي إبَاحَة ذلك. ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): لكونه. (¬2) في (د، م): من. (¬3) في (د): التنظيف.

37 - باب الوضوء بسؤر الكلب

37 - باب الوُضُوء بسُؤْرِ الكلْبِ 71 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا زائِدَةُ - فِي حَدِيثِ هِشامٍ - عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "طُهُورُ إِناءِ أَحَدِكُمْ إِذا وَلَغَ فِيهِ الكَلْبُ أَنْ يُغْسَلَ سَبْعَ مِرارٍ أُولاهُنَّ بِتُرابٍ". قالَ أَبُو داوُدَ: وَكَذَلِكَ قالَ أَيُّوبُ: وَحَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ عَنْ مُحَمَّدٍ (¬1). 72 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا المُعْتَمِرُ، يَعْنِي: ابن سُلَيْمانَ (ح). وحَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْن زَيْدٍ جَمِيعًا عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ محَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، بِمَعْناهُ وَلَمْ يَرْفَعاهُ، زادَ: "وَإذا وَلَغَ الهِرُّ غُسِلَ مَرَّةً" (¬2). 73 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا أَبانُ، حَدَّثَنا قَتادَةُ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيِرينَ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي هُريرَةَ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إِذا وَلَغَ الكَلْبُ فِي الإِناءِ فاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرّاتٍ السّابِعَةُ بِالتُّرابِ". قالَ أَبُو داوُدَ: وَأَمّا أَبُو صالِحٍ وَأَبُو رَزِينٍ والأعرَجُ وَثابِتٌ الأحْنَفُ وَهَمّامُ بْنُ مُنَبِّهِ وَأَبُو السُّدِّيِّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ رَوَوْة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا التُّرابَ (¬3). 74 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنا أَبُو التَّيّاحِ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ ابن مُغَفَّلٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ بِقَتْلِ الكِلابِ، ثُمَّ قالَ: "ما لَهُمْ وَلَها". فَرَخَّصَ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ وَفِي كَلْبِ الغَنَمِ، وقالَ: "إِذا وَلَغَ الكَلْبُ فِي الإِناءِ فاغْسِلُوهُ سَبْعَ مِرارٍ والثّامِنَةُ عَفِّرُوهُ بِالتُّرابِ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (172)، ومسلم (279). (¬2) رواه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (226، 227)، والبيهقي 1/ 248. وانظر السابق. (¬3) رواية همام أخرجها مسلم (279)، ورواية أبي السدي أخرجها أبو عبيد في "الطهور" ص 265. (¬4) رواه مسلم (280، 1573).

قالَ أَبُو داوُدَ: وَهَكَذا قالَ ابن مُغَفَّلٍ. * * * باب الوضوء بسؤر الكلب السُّؤرُ مَهمُوز وهو من الكلبِ والفأرة وغيرهما، كالريق من الإنسَان. [71] (ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قال: ثَنَا زَائِدَةُ - فِي حَدِيثِ هِشَامٍ - عَنْ مُحَمَدٍ) بن سيرين. (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: طَهُورُ) بفتح الطاء هو المطَهِّر وبضمَّها الفِعلُ، هذا هو المشهُور (إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ) بفتح اللام في (¬1) الماضي والمستقبل جميعًا، وإنما فتحت اللام فيهما لحَرف الحلق وهو الغَين. والقاعدة في الفِعْل الثلاثي إذا كان صَحيح العَين واللام غَير مُضَاعَف وكانت العَين أو (¬2) اللام منه حَرف حَلق؛ كان الأكثر فيه فتح العَين مِنَ الماضِي والمُسْتقبل نَحو: ذَهب يذهب وَذبحَ يذبَحُ وكذلك إذا كانَ مُعتل اللام وكانت العَين حَرف حَلق؛ فإنهُ يكثر فتح العَين فيهِمَا نحو: سَعَى يسْعَى، وإن لم تكن العَين حَرف حَلق كان مضارعه (¬3) يفعِلُ بكسر العَين إن كانت اللام ياءً (¬4). ومعنى وَلغَ: شرِبَ ما في الإناء بِطَرف لسَانه، ويَحتمل قوله "وَلغ" وجهين: أحَدهما: أن يكون فيه حَذف على أن يكون (¬5) المرادُ وَلَغ في ¬

_ (¬1) في (ص، ل): وفي. (¬2) في (ص): و. (¬3) في (ص، ل): مضارعي. (¬4) كقولِكَ: سَرى يسرِي. (¬5) سقط من (د).

الشَّيءِ الذي في الإناء، والثاني: أن لا (¬1) يكُون فيه حَذفٌ، لأنهُ إذا وَلغ فيما في الإناء فقد وَلغ في الإناءِ، فكانَ الإناءُ ظرفًا لِوُلوغِهِ (¬2)، واستدل بلفظ (طهور) عَلى نجاسَة سُؤر الكلب، مِنْ حَيث إن لفظة طهور تستعمل إما عن (¬3) حَدث أو خبث، ولا حدث على الإناء بالضرورة فتعين الخبث. واعترض على هذا بأن التيمم قد أطلق عليه طهور، وليس عن حَدث ولا خبث، إذ ليسَ يرفع الحدَث، وأجيب (¬4) بأن التيمم لا يلزم من كونه عن حدث أن يكونَ رافعًا للحَدث، وإذا كانَ لعَاب الكلب نجسًا (¬5) للأمر بغسل الإناء منه (¬6) ففمه نَجس؛ لأن اللعَاب منجلب (¬7) منهُ وجزء منه، فيلزم من نجاسَة عين (¬8) فمه نجاسةُ كلّهِ؛ ولأن لعَابه عرق فمه وهو نَجس فعرقُهُ كلهُ نجسَ؛ لأن فمه أطيب أعضائه، إذا كانَ العَرق نجسًا فبدنه كلهُ نجس؛ لأن العَرق منجلبٌ من جملة البدَنِ، وخارجٌ منه. وهذا بعد ثبوت أن نجاسَة الفم عَينية (¬9). (فيه) أي: في الإناء، ومعلوم أنهُ لم يُباشر جَميع [ما فيه] (¬10) بلسَانه، ¬

_ (¬1) من (د، م). (¬2) في (م): لوقوعه. (¬3) في (م): من. (¬4) في (ص، س، ل): والخبث. (¬5) في (ص، س، ل): نجس. (¬6) في (ص، س، ل): فيه. (¬7) في (ص، ل): متخذ. وفي (س): منحد ر، وفي (م): منجر. (¬8) في (ص): غير. وسقط من (د). (¬9) في (م): عينه. (¬10) في (م): مائه.

فيدُل على أن حكم النجاسَة يتَعدى عن محلها إلى ما يجاورهَا بشرط كونه مائِعًا، ويدُل على نجاسَة الإناء الذي يتصل بالمائع النجس؛ للأمر بغسل الإناء وهو عَام فيما يَصل إليه لسَان الكلب وما لا يصل إليه، وهذا مُفَرَّعٌ على دلالة ظهور (¬1) النجاسَة، ولابدَّ من التخصيص في الأواني عندَ من يرى أن الغسْل للنجاسَة لا [تعبدًا، بما] (¬2) إذا كان الماء الذي في الآنية دُون القلتين فيخص من عموم الأواني، ولما تعلق الحكم بالأواني، فمن قال بالتعبد (¬3) يخرج عنه كلُّ ما لا يُسمَّى إناءً كبقعةٍ من الأرضِ ويدِ إنسَانٍ مثلًا، ولا يتعدى (¬4) الحكم إلى ما لا يُسمى ولوغًا، كما إذا مسَّ اللعَاب ثوبًا أو جسدا أو متاعًا أو عَضَّ صيدًا أو وطِئَ برُطوبةِ بدَنِه أرضًا أو بِساطًا أو ثوبًا يابسًا. (الْكَلْبُ) وخص بَعض المالكية (¬5) هذا الحكم بالكلب المنهي عن (¬6) اتخاذه دُون المأذون فيه، وأشار بعضهم إلى أنَّ هذا التخصيص مبني على حمل الألف واللام على العهدية أو على الجنس، فإن حمل على الجِنس فهذا التخصيص خلاف العُموم. (أَنْ يُغْسَلَ) يَدخل في عُموم [مَا يغسل] (¬7) ما كان الإناء فيه فخارًا ¬

_ (¬1) زاد في (د): على. (¬2) في (ص، ل): يعتد إنما. وفي (م): تعبد إنما، هكذا في النسخ ولعل الصواب: لا يتقيد بما. (¬3) في (ص): بالتقيد. (¬4) في (د): تعدي. (¬5) "مواهب الجليل" 1/ 257. (¬6) في (م): من. (¬7) في (د): الغسل.

تَشَرَّبَ الماء أو فخارًا مُزجَّجًا (¬1)، أو كان زجَاجًا، ويدخل في الفخار ما كان تغُوص فيه النجاسَة أم لا، وقد حكم بطهَارته بالغسل من غير تفصيلٍ، وقد يجعَل كذلك لمسألة اختلف فيها، وهي أن الفخار إذا اتصل به نجس غَواص (¬2) كالخَمر هَل يطهر بالغسل، وكذلك ما يَناسبهُ مثل الزيتُون يُملَّحُ بماءٍ نجس، والقَمح ينقع بماءٍ نجس. (سَبْعَ مِرَارٍ) فلو ولغ جماعة كلاب في إناء فهل (¬3) يغسَل سبعًا؟ فيه اختلاف عند الشافعية (¬4)، والمالكية (¬5)، وجمع الماوردي بين هاتين المسألتين؛ فحكى ثلاثة أوجه: الثالثُ: وهو قول بعض المتأخرين: إن كان تكرار الوُلوغ من كلبٍ واحد اكتُفِي فيه بِسَبْع، وإن كان من كلاب وجب أن يُفرَدَ (¬6) ولوغ كل كلب بسبع. قال: ولا أعرف (¬7) بينهما فرقًا، والأصح هو الوجه الثاني، يريد قول أبي العَباس بن سُرَيج وأبي إسَحاق المروزي وأبي عليِّ بن أبي هريرة، أنه يغسل من جَميع وُلوغه سَبعًا (¬8). وعلل الماوردي ذلك: بأن الأحداث لما تداخل بَعضُها في بعض، ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل، م): فخار مزجج. (¬2) في (م): عوام. (¬3) في (م): قيل. (¬4) "روضة الطالبين" 1/ 32. (¬5) " الذخيرة" 1/ 181. (¬6) في (ص، س، ل، م): يعدد. (¬7) في (م): نعرف. (¬8) "الحاوي الكبير" 1/ 310 - 311.

كان تداخل الوُلوغ أولى بالتداخل من الأحداث، وهذا يرجع إلى التعليل بأمر خارج عن اللفظ الذي ورد (¬1) في هذا الحَديث، وأما الدلالة من هذا الحَديث فالألف واللام إن حَملناها على تعريف الحقيقة اقتضى ذلك تكرار الغسْل عند تكرر الوُلوغ من كل واحد؛ لوجُود الحقيقة في كل مرة (¬2) ولا يجب على تقدير حملها على الاستغراق، بمعنى (¬3) ثبوت الحكم في كل فرد؛ لأنه لو قيل: إذا ولغ كل كلب فولغ كلب مرَّة لم يدخل اللفظ الذي هو كل كلب وُلوُغه مرة ثانية من واحد، وإذا حملناه على الاستغراق بمعنى ثبوت الحُكم في كل مرة (¬4)، لزم تكرار الغسل عند وُلُوغ جماعة من الكلاب، ولا يلزم عنه تكرار الولوغ. (أولهن بِتُرَابٍ) ورواية الخَطيب: بالتراب، اختلفت الروايات في تعيين مرة التَّتريب [فهنا في] (¬5) هذا الحَديث: "أولهُن". ورواية مُسلم: "أولاهن" (¬6)، وفي رواية بعدها: "السَّابعة"، وفي أخرى: "الثامنة" (¬7). قال الظاهري: تعين الأولى، قال: وكل واحد لا يختلف معناهُ؛ لأن الأولى هي بلا شك إحدى الغَسلات، ومن جَعَل آخرهن فقد خَالف ¬

_ (¬1) في (م): أورد. (¬2) في (م): فرد. (¬3) في (م): يعني. (¬4) في (م): فرد. (¬5) في (م): فينافي. (¬6) "صحيح مسلم" (279) (91). (¬7) "صحيح مسلم" (280) (93).

المحَدث في ذلك، ومن جَعل أخراهن (¬1) فقد خالف أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا لا يحل (¬2)، وهذا في التراب الطَّاهِر، فإن كانَ التراب نجسًا؛ ففيه للشافعية وجهان (¬3)، قيل: يُكتفى به لمنافاة النجس لبدلية (¬4) الماءِ بالترابِ. (وكذَلِكَ قَالَ أَيُّوبُ) ابن أبي تميمة كيسَان السَّختياني (وَحَبِيبُ بْنُ الشهيد) (¬5) الأزدي توفي سنة (¬6) 145) عَنْ مُحَمَّدٍ) (¬7) بن سيرين. [72] (ثَنَا مُسَدَّدٌ) قال: (ثَنَا المُعْتَمِرُ يعني: ابن سُلَيْمَانَ) بن طرخان البصري التيمي، ولم يكن من بني تيم بل نزل فيهم فنُسب إليهم، قيل يوم مات سنة (¬8) 187: مات اليوم أعبد الناس. (ح وثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ) بن حساب (¬9) بالحاء والسين المهملتين والموحدة آخره، الغبري البَصري شيخ البخاري، قال: (ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ جَمِيعًا) منُصوب على الحَال. (عَنْ أَيُّوبَ) بن أبي تميمة، (عَنْ مُحَمَّدٍ) بن سيرين (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - ¬

_ (¬1) في (ص): إحداهن، وفي (س): آخرهن (¬2) "المحلى" لابن حزم 1/ 110 - 111. (¬3) "الشرح الكبير" 1/ 68. (¬4) في (د): لمدلول. (¬5) في (ص): السهيل. (¬6) ليس في (د، م). (¬7) سبق تخريجه. (¬8) ليس في (د، م). (¬9) في (م): حسان.

بِمَعْنَاهُ وَلَمْ يَرْفَعَاهُ) أي: المعْتمر وحماد (¬1)، بل وقفاهُ و (زَادَ) في هذِه الرواية (وَإذَا وَلَغَ) فيه استعمال الوُلوغ في شرب الهرَّة خلافًا لمن خصَّهُ بالكلب. قال القاضي أبو بكر بن العَربي: الوُلوغ للسِّباع والكلاب كالشرب لبني آدم، ولا يُستعمل الوُلوغ للآدمي، ويقال: ليس شيء من الطيور يلَغُ غير الذبَاب (¬2). (الْهِرُّ) هو الذكر، والأنثى هرَّة. قال ابن الأنباري: الهرُّ يقع على الذكر والأنثى، وقد يدخلون الهَاء في المؤَنث، وتصغير الأنثى هريرَة وبها كني الصَّحَابي المشهور (¬3). (غُسِلَ مَرَّةً) (¬4) أخذ بظاهره ابن المسيب وابن سيرين فقالا: يغسل الإناء من وُلوغ الهرِّ مرة (¬5)، وحملهُ أبو حَنيفة وابن أبي ليلى على الكراهة (¬6)، وكذا كرههُ ابن عمر رضي الله عنهما (¬7)، وعن طاوس: يغسل الإناء من وُلوغ الهرَّة (¬8)، ومذهبنا أن سُؤرَ الهرِّ طاهر غير ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل، م): وجماعة. (¬2) "طرح التثريب" 2/ 128. (¬3) "المصباح المنير" للفيومي 2/ 637. (¬4) أخرجه أبو عبيد في "الطهور" (ص: 267) موقوفًا. (¬5) "مصنف عبد الرزاق" (345) قال ابن المسيب: يغسل مرة أو مرتين، وقول ابن سيرين عند ابن أبي شيبة في "المصنف" (342). (¬6) "المبسوط" للسرخسي 1/ 159. (¬7) "مصنف عبد الرزاق" (340). (¬8) "مصنف عبد الرزاق" (343). قال طاوس: بمنزلة الكلب يغسل سبع مراتٍ.

مكرُوه، وكذا سؤر جَميع الحيوانات من الخَيل والبغال والحَمير والسِّباع والفأر والحيَّاتِ وسَامِّ أبرَصَ، وسائر الحيَوانات المأكولة وغَير المأكولة، سؤرُ الجميعِ وعرَقُها (¬1) طاهِر إلا الكلبَ والخنزيرَ وفرعَ أحدِهما (¬2). وحكى الماوردي مثل مذهبنا عن عمر وعلي وأبي هريرة والحسَن البَصري وعطاء (¬3)، وأجابَ الشافعي وغَيره عن هذا الحديث: بأنَّ الغسْل من ولوغِ الهرِّ مدرج في الحَديث من كلام أبي هريرة موقوفًا عليه، كذا قاله الحُفاظ، وقد بين البيهقي وغيره ذلك (¬4)، ولفظ البيهقي في روايته (¬5): "طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه (¬6) الكلب أن يغسَل سَبع مرات أولاهُن بالتراب". ثم ذكر أبو هريرة الهِرَّة: لا أدري قال مرة أو مرتين (¬7)، لكن قد قال الطحَاوي (¬8) بعدما ذكر حَديث قرَّة بن خالد: ثنا (¬9) محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "طهوُر الإناء إذا ولغ فيه الهرُّ أن يغسل مرة أو مرتين" ورواهُ عن أبي بكر، عن أبي عاصم، عن قرة. ¬

_ (¬1) من (د) ". (¬2) "المجموع" 1/ 172 - 173. (¬3) "الحاوي الكبير"1/ 317. (¬4) "المجموع" 1/ 175. (¬5) في (م): رواية. (¬6) في (ص، د، س، ل): فيهن. (¬7) "السنن الكبرى" للبيهقي 1/ 247. (¬8) "شرح معاني الآثار" 1/ 19 - 20. (¬9) في (ص، د، س، ل): حدث. وفي (م): حديث.

وقال: هذا حَديث مُتصل الإسنَاد فيه خلاف ما في الآثار الأُوَلِ -يَعني: الآثار التي فيها الوُضوء من سُؤر الهرِّ- قال: وقد فَصَّلها هذا الحديث بصحة إسنَاده، فإن كانَ هذا الأمر يُؤخذ من (¬1) جهة الإسنَاد كانَ القَول بهذا أولى من القَول بما خالفه، قال: فإن قال قائل فإن (¬2) هشَام بن حسَان قد روى هذا الحديث عن مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ فلم يرفعهُ، ثم أسند الطحاوي الخَبَر من هذِه الجهة إلى أبي هريرة (¬3)، قال: سُؤر الهر يهراق (¬4)، ويغسل الإناء منهُ مرَّة أو مرتين، رواه من حديث أبي بكرة (¬5)، عن وهب بن جرير، عن هشام، ثم قال: فثبت اتصال حَديث أبي هريرة مع ثبت قوة بضبطه وإتقانه، ثم قال: وثنا إبراهيم، عن يحيى بن (¬6) عتيق، عن مُحَمَّدِ بْن سِيرِينَ: أنه كانَ إذا حدَّث عن أبي هريرة فقيل لهُ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: كل حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما كانَ يفعل ذلك؛ لأنَّ أبا هُريرة لم يكن يُحدثهم إلا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فأغناه ما أعلمهُم من ذلك في حَديث إبراهيم بن أبي داود أن يرفع كل حَديث يرويه لهم محمد (¬7) عنهُ. قال ابن دقيق العيد: ولعل هذا الحديث مَحمول على النَّدب وهو ¬

_ (¬1) في (د): عن. (¬2) في الأصول الخطية: كان. (¬3) "شرح معاني الآثار" 1/ 20. (¬4) في (م): يراق. (¬5) في الأصول الخطية: هريرة. (¬6) في (ص، س، ل). عن. (¬7) من "شرح معاني الآثار".

خلاف الظاهر، يحتاج فيه إلى دليل، فإن جعل دليله: "إنها ليست بنجس؛ إنها من الطوافِين عليكم" فينظر في الترجيح بيَن السَّنَدين. [73] (ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التبوذَكي، قال: (ثَنَا أَبَانُ) بن (¬1) يزيد العَطار البصري تقدَّم، قال: (ثَنَا قَتَادَةُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ حدثه (¬2) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ نَبي الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إِذَا وَلَغَ) وقوع اللعَاب في الإناء مساوٍ للولوغ في حُكم النجاسة؛ لأنَّهُ في معناهُ، والظاهري لا يرى بالغسل إذا وقع اللعَاب في الإناءِ من غير ولوُغ (¬3) وهذا زيادة في التعبد على [ما في] (¬4) الغسل. (الْكَلْبُ) خصّص بَعض المالكية الحكم بالكلب المنهي عن اتخاذه دُون المأذون فيه (¬5)، وأشارَ بَعضهم إلى أن هذا التخصيص [مبني على] (¬6) حمل الألف واللام على العَهدية أو على الجنس، فإن حمل على الجنس، فهذا التخصيص خلاف العموم، وحمله على العَهد يحتاج إلى أمرين: أحَدهما: أن يثبت تقدم النَّهي من [اتخاذ الكلاب على هذا الأمر بالغسل من ولوغها. الثاني: أنه وإن تقدم فلابد من قرينة ترشد إلى أن المراد هذا المنهي عن] (¬7) اتخاذه ولا يكفي مجرد تقدم (¬8) النَّهي. ¬

_ (¬1) و (¬2) من (د، م). (¬3) "المحلى" لابن حزم 1/ 109. (¬4) في (ص، س، ل): ما. وفي (م): ماء. (¬5) "مواهب الجليل" 1/ 257. (¬6) في (ص، س، ل، م): من. (¬7) و (¬8) سقط من (ص، س، ل، م).

(فِي الإِنَاءِ) الحكم إذا علق على شيء لم يثبت إلا بحقيقةِ ذلكَ الشيءِ وتيقن (¬1) وجود ما علق الحكم عليه، فإن وقع شك مع تساوي الطَّرفَين فلا ثبوت، كما إذا وَلغ حَيَوان، ولم يتحقق كونه كلبًا لا يجبُ غسله إلا أن يذهب إليه من يرى الاحتياط عند الشَّك، وكذا لو تحقق كونه كلبًا ولم يتحقق الوُلوُغ، كما لو أدخل فيه في الإناء ثم أخرجَهُ ولم تقم قرينة على وُلوغه مثل ابتلال فيه، فإن وقعت قرينة بغلبةٍ للظن بوُلوُغه، فهل (¬2) يجعَل كالتحقيق فَيترتب عليها الحُكم كما إذا أَدْخَل فمه في الإناء ثم أخرجَهُ مُبْتَلًّا؟ فقد حكى الماوردي (¬3) وجهين: أحدهُما: ينجس؛ لأن رُطوبَة فيه شَاهدة على ولوغه، فصار كنجاسَة وقعت في ماء كثير ثم وُجد مُتغيرًا ولم يعلم هَل (¬4) تغير بالنجاسة أم بغَيرها حُكِمَ بنجاسته تغليبًا لتغيره بها (¬5). والثَّاني: قال: (¬6) وهو الأصح أن الماء طَاهِر؛ لأن طهَارته يقين ونجاسَته شك، والماء لا ينجس بالشك، وليست رُطوبة فيه شاهدًا قطعًا لاحتمال أن يكون من لعابه أو من ولوغه في غيره، وليس كالنجاسَة الواقعة في الماء؛ لأن لوُقوع (¬7) النجاسَة تأثيرًا في الماء. ¬

_ (¬1) في (م): ويبقى. (¬2) في (م): قيل. (¬3) "الحاوي الكبير" 1/ 315. (¬4) في (م): هذا. (¬5) من (د). (¬6) من (د). (¬7) في (م): لولوغ.

ومما يُوجب غلبة الظن إخبَار العَدل عن الوُلوُغ في الماء؛ فإنهُ يَجْري مجْرى اليقين (¬1)، لوُجُوب قَبُول خَبره، فيثبت (¬2) الوُلوُغ فيترتب الحُكم. (فَاغْسِلُوهُ) الغسْل المأمور به يحمل على مطلقه على الغسْل بالماء كما يُحمل مُطلق قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} (¬3) وغيره على ذلك، وقد صَرح به جَماعة هَاهُنا، وقالوا: المعنى فليغْسله بالماء، واختلفوا (¬4) في هذا الغسْل هل هو على الوجوب أم لا؟ فظاهر الأمر الوُجُوب، وبه قال الشافعي (¬5)، وعن مالك قول يحمله على الندب (¬6)، ويمكن توجيهُه بأن الأمر يصرف عن ظاهره إلى النَّدب بقرينة أو أمر خَارج، ويجعَل قيام الدَّليل عنده على طهارة الكلب سببًا لصَرفه عن الظاهِر، والضَّمير الذي في اغسلوهُ مُلْغى الاعتبارِ بخصوُصِهِ في هذا الحُكم؛ لأن واو الضَمير لا تدُل على أن المالك للإناءِ هو الغَاسِل، ولا من أذن لهُ بل إذا صُب المطر على الإناء، ونزل من غير قصد قاصد طهر؛ لأن إزالة النجَاسَة (¬7) لا تفتقر إلى قصد ولا نيَّة خلافًا لبَعْض الشافعيَّةِ (¬8) وغيرهم. ¬

_ (¬1) في (ص): التغير. (¬2) في (ص): فتبين. وفي (س): سبب. (¬3) المائدة: 6. (¬4) في (ص، س، ل) واختلف. (¬5) "الأم" 1/ 45، "الحاوي الكبير" 1/ 306. (¬6) المدونة" 1/ 115، "مواهب الجليل" 1/ 253. (¬7) في (د): النجاسات. (¬8) "المجموع" 1/ 311.

(سَبْعَ مِرارٍ) رواية الخَطيب: "سَبْع مَرات" يُؤخذ منهُ الأمر بعدَد السَّبع، وذلك يقتضي أن لا يقع الامتثال [بما دونها، والحنفية (¬1) يخالفون فيه، ولا يقولون بتعيين السبع، واعتذروا عن هذا بمخالفة أبي هريرة: في فتواه، وذكر الطحاوي في "شرح الآثار" عن أبي نعيم، حدّثنا عبد السلام بن حرب، عن عبد الملك، عن عطاء، عن أبي هريرة في الإناء يلغ فيه الهر أو الكلب. قال: يغسل ثلاث مرات (¬2). فثبت بذلك نسخ التسبيع؛ لأنا نحسن الظن بأبي هريرة، ولا نتوهم عليه أنه يترك ما سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا إلى مثله، وإلا سقطت عدالته، فلم يقبل قوله ولا روايته (¬3). (السابعة) بالنصب بدل من سبع قبله، وهو بدل بعض من كل (بالتراب) لما كان الأمر ها هنا متعلقًا بالتراب، وجب ألا يقع الامتثال] (¬4) إلا به؛ لأنه لا خروج عن العهدة إلا بفعل المأمور به والأمر متعلَّقُهُ التراب، نعم لو قال قائل: إذا ولغ في كف إنسان لم يجب غسلهُ بالتراب مستندًا (¬5) في ذلك إلى المفهوم ودلالته فيقال لهُ: جَوَاب ما ذكرت أن محَل الحكم هَاهنا هو الإناء وهو لقب لا يدل على نفي الحكم عما عَدَاهُ والأرض الترابية إذا نُجِّسَت (¬6) بإصَابة ¬

_ (¬1) "المبسوط" 1/ 154 - 155. (¬2) أخرجه الدارقطني أيضًا في "سننه" 1/ 66، وقد رجح الحافظ وغيره خطأ عبد الملك العرزمي في هذِه الرواية. انظر: "فتح الباري" 1/ 277. (¬3) "شرح معاني الآثار" 1/ 23. (¬4) سقط من (ص، س، م). (¬5) في (ص، ل): مسندًا. (¬6) في (د): تنجست.

الكلب إياهَا هَل يحتاج في تطهيرها إلى إصَابة تراب آخر؟ وهو الأصحُ عند الشافعية (¬1). (قال أبو داود: وأما أبُو صَالح) ذكوان السَّمَّان ويقال: الزيات (¬2) الغطفاني (وأبو رزين) مسْعود بن مَالك مولى أبي وائل الكوفيِّ (و) عَبد الرحمن بن هرمز. (الأعرَج، وَثَابِتٌ) بن عيَاض مَولى عمر بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب (الأَحْنَفُ) أخرج له الشيخان. (وَهَمَّامُ بْنُ مُنَبِّه وَأَبُو السُّدِّيِّ) بضَم السِّين المُهملة (عَبْدُ الرَّحْمَنِ) كانَ يقعد (¬3) بسدة باب الجَامع بالكُوفة. (رَوَوْهُ) جميعًا (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - ولمْ يَذْكُرُوا) في روايتهم (التُّرَابَ) وفي رواية الطبرَاني من طريق الجارود: إحداهن بالبطحاء (¬4). [74] (ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَل) قال: (ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) القطان (عَنْ شُعْبَةَ) بن الحجاج العتكي، قال: (ثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ) يزيد بن حميد البَصري أحد الإعلام. (عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ) عبد الله (ابْنِ مُغَفَّلٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ الله- صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ بِقَتْلِ الكِلاَبِ). قال الإمَام أبو المعَالي إمَام الحَرمين: الأمر بقتل الكلاب منسُوخ، ¬

_ (¬1) في (ص، ل، م): الشافعي، "الشرح الكبير" 1/ 68. (¬2) في (ص): الريان. (¬3) في (ص): يعقد. (¬4) أخرجه الطبراني في "الأوسط" (7899).

قال: وقد صَح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتل الكلاب مرة، ثم صَح أنهُ نَهَى عن قتلها، قال: واستقر الشَّرع عليه، وأمر بقتل الأسود البَهيم، وكان هذا في الابتداء، وهو الآن منسوخ. هذا كلام إمَام الحرمَين (¬1)، ولا مزيد على تحقيقه. قال القرطبي: وأمرهُ بقتل الكلاب لما كثرت و (¬2) أكثر ضررها، ثمُ لما قلت وذهب ضررها، أنكر قتلها (¬3). (ثُمَّ (¬4) قَالَ: مَا لَهُمْ وَلَهَا) رواية مُسلم: "ما بالهم وبال الكلاب" (¬5)، ويحتمل أن يكون قال ذلك ليقطع عنهم عادَة إلفتهم لها؛ إذ كانوا قد ألفوها ولابسوها كثيرًا، فلما تركوها نهى عن القَتل قال: "ما بالهم وبالها". (فَرَخَّصَ) لهم (فِي) اقتناء (كَلْبِ الصَّيدِ) واتخاذه والرخص لا تتعدى إلى غَيرها، وقد اتفق أصحابنا وغيرهم على أنه يحرُم اقتناء الكلب لغَير حَاجَة، مثل أن يقتني كلبًا إعجابًا بصورته أو للتفاخُر به فهذا حَرام بلا خلاف، وأما الحَاجَة التي يجُوز الاقتناء لها فقد ذكر في الحَديث الاقتناء لأحد ثلاثة أشياء وهي الصَّيْد (وَفِي كلْبِ الغَنَمِ) الذي (¬6) يتخذ لحفظ الموَاشِي، وكذا للزرع وحِراسة الدُّور وفي السَّفَر. قال القرطبي: وغير هذِه -أعني الثلاثة- لا تتخذ، وإن لم يقتل، وهو ¬

_ (¬1) "نهاية المطلب" 5/ 494. (¬2) ليست في (ص). (¬3) "المفهم" للقرطبي 1/ 540. (¬4) زاد قبلها في (د): فقال. (¬5) "صحيح مسلم" (280). (¬6) في (ص، د، س، ل): التي.

الذي من اتخذه نقص من عمله كل يوم قيراط لما يروع ويؤذي (¬1). وروى الطبراني عن علي - رضي الله عنه -[قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬2): "لولا أن الكلاب أمة من الأمم أمرتُ بقتلها، فاقتلوا منها كل أسود بهيم، و (¬3) من اقتنى كلبًا لغَير صَيد، ولا زرع، ولا غَنَم أوى (¬4) إليه كل يوم قيراط من الإثم مثل أحُد" (¬5). واختلف أصحَابنا في اقتناء الكلب لحَراسَة الدور والدروب، وفي اقتناء الجرو ليُعَلَّمَ، فمنهم من حَرَّمَه؛ لأن الرخصَة إنما وردت في الثلاثة المتقدمة، ومنهم مَن أباحهُ وهو الأصَح؛ لأنَّهُ في مَعناها، واختلفوا أيضًا في من اقتنى كلب صَيد وهو رَجُل لا يصِيدُ. (وَقَالَ: إِذَا وَلَغَ الكَلْبُ) ألحق أحمد في رواية عنه سائر النجاسَات بنجاسَة الوُلوغ في اعتبار العَدَد فيها، وإذا قيل بها ففي قدرِهِ (¬6) روَايتان ثلاث وسبع (¬7). وقال الخرقي من الحنابلة: وكُل إناء حلت فيه نجاسَة مِن وُلوُغ كلب (¬8) أو بول أو غيره؛ فإنَّه يغسَل سبعًا إحداهن بالتراب (¬9). ¬

_ (¬1) "المفهم" 1/ 540. (¬2) من "المعجم الأوسط". (¬3) ليست في (س، م). (¬4) في (د، س): أدى. (¬5) "المعجم الأوسط" (7899) من طريق الجارود، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن هبيرة بن يريم، عن علي. قال الهيثمي في "المجمع" 1/ 286: الجارود لم أعرفه. (¬6) من (د، ل، م). (¬7) "الكافي في فقه الإمام أحمد" 1/ 167. (¬8) في (م): الكلب. (¬9) "مختصر الخرقي" 1/ 12.

وقال القاضي: منهم الظاهر من قولَي أحمد ما (¬1) اختارهُ الخرقي، وهو وجُوب العَدد في سائر النجاسَات (¬2)، وإيجاب العدَد والتتريب (¬3)، قياسًا على الوُلوُغ، وهذا إنما يصح إذا ألغى (¬4) الفارق بين نجاسَة الكلب وغَيره وهو غِلَظُ النجاسَةِ. (فِي الإِنَاءِ) الإناء عَام فيدخُل فيه إناء الطعَام، وإناء الماء، ولمالك رحمه الله قول أنهُ لا يغسل إلَّا إناءُ الماء دون إناء الطعَام، قال في "المدونة": إن كان يغسل سبعًا للحَديث ففي الماء وحدهُ (¬5)، وقد وُجِّهَ ذلك بأمرين: أحَدهما: أنه مَبني على تخصيص العَام بالعُرف والعُرف أن الطعَام محفوظ مِنَ الكلاب مَصون عنها (¬6) لعزَّته عندَ العَرب، فلا يكادُ الكلب يصل إلا إلى آنية (¬7) الماء، فيقيَد اللفظ بذَلك. الثاني: أن في رواية "فليرِقهُ وليغسلهُ (¬8)، سبْع مَرات (¬9) " والطَّعَام لا يجوُز إراقته، لحرمَته ولنَهيه - صلى الله عليه وسلم - عن إضاعَة المال. (فَاغسِلُوهُ) الضَّمير عائد إلى الإناء أعني: ضَمير المفعُول، والإناء حقيقة في جملته، واختلفوا في هذا الأمر هل هو [على الوجُوب] (¬10) أم لا؟ فظاهر الأمر الوُجُوب، وبه قال الشافعي (¬11)، وعن مالك قول ¬

_ (¬1) ليست في (س، م). (¬2) "المغني" 1/ 76. (¬3) في (م): التراب. (¬4) في (م): أنقى. (¬5) "المدونة": 1/ 115. (¬6) في (م): منها. (¬7) من (د، س، ل، م). (¬8) في (م): وبغسله. (¬9) في (د، س، ل، م): مرار. (¬10) في (م): للوجوب. (¬11) "الأم" 7/ 348.

بحملهِ على النَّدب (¬1)، ويمكن توجيهه بأن الأمر يصرف عن ظاهره إلى النَّدب بقرينة، واختلفوا [هَل هذا الأمر] (¬2) تعبدي لا يعقل مَعناه أو مُعلل فالذين (¬3) عَللوهُ اختلفوا في العِلة، فقيل: النجاسَة، وقيل: علته أنهم نُهُوا عن اتخاذه فلم ينتهوا فعلل عَليهم بذَلك، والمالكية استدلوا على كونه [تعبدًا بأمرين] (¬4) أحدهما: دُخول عدد السَّبع فيه، ولو كانَ للنجاسَة اكتفي فيه بمرَة واحِدَة. والثَّاني (¬5): جَواز أكل ما صَادَهُ الكلب من غير غسْل، وزاد بعضهم وجهًا ثالثًا وهو دُخول التراب، وقال: غسْل النجاسَة لا مدْخَل للتراب فيه. (سَبْعَ مِرَارٍ) هذا الحكم يتعَلق بوُلوُغ الكلب، وهل يُلحق به الخنزير في عَدَد الغَسَلاَت سبعًا فعن مَالك (¬6) والشَّافعيّ لا يثبت القول بعدم الإلحاق وذكر المزني عن الشافعي: أنه احتَج بأن الخنزير أسوأ حالًا من الكلب فقاسَهُ عليه (¬7). (و) في (الثامِنَةً عفره) (¬8) رواية الخَطيب: "عَفروهُ" (بِالتُّرَابِ) نقل عن ¬

_ (¬1) "الكافي" لابن عبد البر 1/ 158. (¬2) في (م): في هذا الأمر هل هو. (¬3) من (د، س، ل، م). (¬4) في (ص، د): تعبدًا باثنين، وفي (م): متعبدًا بأمرين، وفي (ل): مقيدًا بأمرين. (¬5) في (ص، د، س، ل): والثانية. (¬6) "المقدمات الممهدات" لابن رشد الجد 1/ 92. (¬7) "الأم" 1/ 45 - 46، "الحاوي الكبير" 1/ 315. (¬8) في (م): عفروا.

الحسَن أنه قال به -أعني: بالغسلة الثامنة- وهو قول عن أحمد (¬1)، وإحدَاهُن بالتراب ويقوي (¬2) القول به بأنه زيادة على ما في حديث أبي هُريرة، والأخذ بالزائد مُتَعين، لاسيَّما وقد رواهُ مُسلم، والاعتذار الذي يعتذر به عنهُ وجهَان: أحدهما: ما نقل [عَن الشافعي] (¬3) رحمه الله قال: هو حَديث لم أقف على صِحته، وروايته مُضطربة، ولذلك لم يأخُذ بها مَالك ولا أحَد من أصحابه، وعلى تقدير صحته هو محمُول على أمرين، إما أن يكون جَعلها ثامنة؛ لأن التراب جنس غير الماء فجَعَلَ اجتماعهما في المرة الوَاحدة معدودًا باثنين (¬4)، وإما أن يكُون محمُولًا على أن من نسي استعمال التراب في السَّبع فيلزمهُ أن يعفره (¬5) ثامنة، وهذان (¬6) التأويلان مُستكرهان مخالفان (¬7) للظاهر مخالفة ظاهرة؛ لأن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فاغسلوه سَبع مَرات". ذِكْرُ السبع فيه لبيان عَدَد الغسَلات التي دَل عليها قَوله - صلى الله عليه وسلم -: "فاغسلوهُ". وقوله: "وعَفروهُ الثامنَة بالتراب" إما أن يحافظ فيه على معنى الغسْلة كما هو في سَبْع مَرات كأنهُ قيل (¬8): الغسلة الثامنة بالتراب أولًا فإن حُوفظ على ذلك فألقى (¬9) التراب في الماء لا يُطلق عليه غسلة، وإن كانَ التعفير بأن يذُرَّ التراب على ¬

_ (¬1) "مسائل أحمد رواية عبد الله" (25، 26)، "المغني" 1/ 73. (¬2) في (ص): ويعزي. (¬3) في (د): أن للشافعي. وفي (س، ل): أن الشافعي. (¬4) في (د، س): باثنتين. (¬5) في (ص): يعقده. (¬6) في (ص، ل): هذا. (¬7) في (م): يخالفان. (¬8) في (م): قيد. (¬9) في (د): فإلقاء.

المحَل فاللفظ (¬1) لا يقبله أصلًا، وإن لم يحَافظ على مَعنى الغسلة كأنهُ قيل: الفعلة (¬2) الثامنة. وقوله: "وعفروهُ الثامنة بالتراب" ظاهر في كونها غسلة ثامنة. وأمَّا التأويل وهو حمله على من نسي استعمال التراب في السَّبع فبعيد جدًّا؛ لأنَّهُ حمل اللفظ العَام الواردِ على غير سبب خَاص؛ لأجل تأسيس قاعدة (¬3) شرعية على أمرٍ نَادِرٍ عَارِضٍ، وهو من التأويلات البعَيدة المردُودة، كما عرف في الأصول، وبه تردّ الشَّافعية على الحنفية في حملهم الحَديث الدَّال على اعتبار الوَلي في النكاح على المكاتبة، وأمَّا ما ذكرهُ الطحَاوي (¬4) من [أنه يقتضي] (¬5) التتريب في السَّابِعة عملًا بحَديث السَّبع، وفي الثامنة عملًا بحديث ابن المُغفَّلِ أخذًا بالزائد، فإن لم يقم (¬6) إجماع على عَدَم وجُوب ذلك، وإلا فهو قول يحتاج إلى رده بطريقة. قالهُ ابن دقيق العيد (¬7). * * * ¬

_ (¬1) في (ص، ل، م): واللفظ. (¬2) في (م): الغسلة. (¬3) في (م): قواعد. (¬4) "شرح معاني الآثار" 1/ 23. (¬5) في (ص، س، ل): أنه. وفي (م): أن. (¬6) في (ص): يتم. (¬7) "فتح الباري" 1/ 333.

38 - باب سؤر الهرة

38 - باب سؤْرِ الهِرّةِ 75 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ إِسْحاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي طَلْحَةَ، عَنْ حُمَيْدَةَ بِنْتِ عبَيْدِ بْنِ رِفاعَةَ، عَنْ كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مالِكٍ -وَكانَتْ تَحْتَ ابن أَبِي قَتادَةَ- أَنَّ أَبا قَتادَةَ دَخَلَ فَسَكَبَتْ لَهُ وَضُوءًا، فَجاءَتْ هِرَّة فَشَرِبَتْ مِنْه، فَأَصْغَى لَها الإِناءَ حَتَّى شَرِبَتْ، قالَتْ كَبْشَةُ: فَرَآني أنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقالَ: أَتَعْجَبِينَ يا ابنةَ أَخِي؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إِنَّها لَيْسَتْ بِنَجَسٍ؛ إِنَّها مِنَ الطَّوّافِينَ عَلَيْكُمْ والطَّوّافاتِ" (¬1). 76 - حَدَّثَنا عَبْد اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنا عَبْد العَزِيزِ، عَنْ داوُدَ بْنِ صالِحِ بْنِ دِينار التَّمّارِ، عَنْ أُمِّهِ أَنَّ مَوْلاتَها أَرْسَلَتْها بِهَرِيسَةٍ إِلَى عائِشَةَ رضي الله عنها، فَوَجَدْتُها تُصَلِّي، فَأَشارَتْ إِلي أَنْ ضَعِيها، فَجاءَتْ هِرَّة فَأكلَتْ مِنْها، فَلَمّا انْصَرَفَتْ أكلت مِنْ حَيْث أَكَلَتِ الهِرَّةُ، فَقالَتْ: إِنَّ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إِنَّها لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، إِنَّما هِيَ مِنَ الطَّوّافِينَ عَلَيْكُمْ". وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَوَضَّأُ بِفَضْلِها (¬2). * * * باب: سؤر الهرِّ في بَعضها (¬3) الهرة. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (92)، والنسائي 1/ 55، 178، وابن ماجة (367)، وأحمد 5/ 303، 309، وابن خزيمة (104)، وابن حبان (1299). وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (68): إسناده حسن صحيح. (¬2) رواه إسحاق بن راهويه في "مسنده" (1003، 1030)، الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (تحفة) (230)، والطبراني في "المعجم الأوسط" (364)، والدارقطني 1/ 70، والبيهقيّ 1/ 246. وصحَّحه الألباني في "صحيح أبي داود" (69). (¬3) يعني في بعض النسخ.

[75] (ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ القعنبي عَن مَالك، عن إسحاق بن عَبد الله بن أبي طلحة) واسمه [زيد بن سهل] (¬1) الأنصَاري ابن أخي أنس بن مَالك (¬2) وهو أخو [عبدَ الله وإسماعيل] (¬3) ويعقوب مات سنة (¬4) 134. قال الوَاقدي: مُقدِّم مَالِكٌ (¬5)، (عَنْ حُمَيدَةَ) بالتصغير (بِنْتِ عُبَيدِ بْنِ رِفَاعة) زوجة إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الراوي عنها، (عَنْ كَبْشَةَ بِنْتِ كعْبِ بْنِ مَالِكٍ) قيل: إن كبشَة صَحَابية، فإن ثبتت صحبتها فلا يضر الجَهل بحالها أو التابعية، ولما أخرجَ ابن منده هذا الحديث في صحيحه بالاتفاق والاختلاف قال: وأم يحيى اسمها حميدة وخالتها كبشة قال: ولا يعرف لهما رواية إلا في هذا الحَديث، ومحلهما محل الجهالة، ولا يثبت هذا الخَبر من وجه من الوُجوُه وسبيله المعلول (¬6). قال ابن دقيق العيد (¬7): جرى ابن منده على ما (¬8) اشتهر عن أهل الحَديث أنهُ من (¬9) لم يرو عَنه إلَّا راو واحد فهو مجهُول، ولعَل مَن ¬

_ (¬1) في الأصول الخطية: سهل بن زيد. والمثبت من "التقريب"، و "التهذيب" (366، 3348)، و "الثقات" 5/ 13. (¬2) ليست في (س، م). (¬3) في (د): عبد الله بن عبد الله وإسماعيل. وفي (م): إسماعيل وعبد الله. (¬4) ليست في (د). (¬5) انظر: "الطبقات" ط. العلمية 5/ 403، وفيه قال: وكان مالك بن أنس لا يقدم عليه في الحديث أحدًا. (¬6) في (ص): المعول. وفي (س): المطول. (¬7) "الإمام شرح الإلمام" 1/ 234 - 235. (¬8) و (¬9) من (د).

صحَّحَهُ اعتمد على كون مَالكٍ رواهُ مع ما عُلِمَ مِن تشدُّدِهِ وتحرُّزِهِ في الرجَال، قال: (¬1) وقرأت بخَط الحَافظ أبي الفضل محمد بن طَاهِر، وروايته في سُؤالات أبي زرعة قال: سَمعت أحمد بن حَنبل يقوُل: مَالك إذا روى عن رجل لا (¬2) يعرف فهو حجة. وذكر بشر بن عُمر الزهراني (¬3) قال: سألتُ مَالك بن أنس عن رَجُل فقال: هل رأيته في كتُبي؟ قلتُ: لا، قال: لو كانَ ثقة لرأيتهُ في كُتبي (¬4)، وهذا يُفهم أن كل من كتب عنه (¬5) ثقة، وقد أخرج هذا الحديث الأربعة وابن خُزيمة وابن حبَّان في صَحيحيهما وصحَّحهُ الترمذي (¬6). (وَكَانَتْ تَحْتَ) (¬7) كناية عن كونها زوجة عبد الله (ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ) والأشبه أن يكُون من مجاز التشبيه شبه علو الزوج المعنَوي على المرأة بالفَوقية الحسِّية، وضدها (¬8) في حق المرأة بالتحتية الحسِّيةِ. ورواهُ الشافعي عن الثقة، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه أبي قتادة (¬9). ¬

_ (¬1) من (د). (¬2) في (د، ل): لم. (¬3) في (ص): الزهراي. وفي (د، س) الزاهراني. (¬4) رواه مسلم في المقدمة 1/ 26. (¬5) من (م). (¬6) أخرجه الترمذي (92) وقال حسن صحيح. والنسائي 1/ 55، وابن ماجة (367)، وابن خزيمة في "صحيحه" (104)، وابن حبان (1299). (¬7) في (د): تحته. (¬8) في (ص): وحدها. (¬9) "مسند الشافعي" ص: 9.

(أَن أبا قَتَادَةَ) الحَارث بن ربعي بن بُلدُمة، بضم البَاء الموَحدة والدَّال المهملة أيضًا وبينهما لام سَاكنة، ابن خُناس بِضَم الخاء المعُجمة وبعدها نون مُخَفَّفَة، ابن سنَان بن عُبيَد ابن عدي بن غنم بن كعب بن سَلمة بكسر اللام السَّلمي بفتح السِّين واللام معًا. (دَخَلَ) عليها كذا للترمذي (¬1) (فَسَكَبَتْ) أي: صَّبت (لَهُ) ماءٌ (¬2). قال اللهُ تعالى: {وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ} (¬3) أي: مصبوب، ومن مجَاز هذِه اللفظة: فرَسٌ سَكْب كأنهُ لشدة جَريه يسكب الماء، وكذلك ثوب سَكب شبهَ بالماءِ المُنْصَبِّ لرقته كأنه ماء مَسْكوب، ودمع سَاكب إما بمعنى مسْكوب، أو يصَور (¬4) له بصُورة الفاعل باعتبار دفع (¬5) بَعض أجزائه لما بين يديها. (وَضُوءًا) المشهور أن الوَضوء بفتح الواو هُو الماء، و (¬6) فيه دليل على جَواز الدُّخول على المحَارم بسبب الصهرية (¬7)، وفيه جَوَاز الاستعانَة في أسبَاب الطَّهَارة بإحضَار الماء ونحوِه من غير كراهة. (فَجَاءَتْ هِرَّةٌ فَشَرِبَتْ مِنْهُ) رواية الترمذي: فجاءت هِرة تشربُ (¬8)، رواية غَيره: لتشربَ (¬9) منه (فَأَصْغَى) أي: أمَالَ (لَهَا الإِنَاءَ) أصلهُ من ¬

_ (¬1) في (ص): الترمذي. وهو في "السنن" (92). (¬2) سقط من (د). (¬3) الواقعة: 31. (¬4) في (م): مصور. (¬5) في (ل، م): رفع. (¬6) من (م). (¬7) في (ص، س، م): الطهرية. (¬8) في (ص): الترمذي. وهو في "السنن" (92). (¬9) في (ص): للشرب.

صَغَا إذا مالَ (¬1) فأدخلت عليه هَمزَة التعدية فتعدى لواحد (¬2)، والصغوُ الميْلُ يقال: صَغَتِ النجوم والشَّمسُ صغوًا (¬3) إذا مَالتْ للغُروب وصَغيت لفُلان ملت بسَمْعي لهُ، قال اللهُ تعالى: {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} (¬4). ويحتمل أن تكُون (من) في قوله: (فَشَربت منهُ) للتبعيض؛ أي: شربت من ماءِه، فحذف الماء ودَخلت (من) على الضَّمير، ويحتمل أن تَكون لابتداء الغاية أي: تكُون ابتداء شُربِها من الإناء، وهذا الماء الذي سَكبته كبشَة الظاهر أنهُ لهَا لثبوتِ يدِها عليهِ، وقد سقى (¬5) أبو قتادة الهِرَّة ولم يستأذنها، وفيه دليل على جواز مثل هذا للضيف، وعلى أن الضَيف إذا قُدِّمَ إليه خُبز ونحوه أن يُطعم الهِرَّة منهُ، خلافَّاَ لما قالهُ أصحَابنا أنه ليسَ له إطعَام هرة (¬6) وسائل ويُلقِمُ الأضيافَ بعضهمُ لبعض. [فأصغى لها الإناء (حتى شربت) فيه دليل على فضيلة سقيِ الحيوانِ المحترمِ وإطعامِهِ والنفقةِ عليه] (¬7) وأن الأجر في الإحسَان إليه لما في الحَديث "في كل كبد حَرَّى أجر" (¬8). (قَالَتْ كَبْشَةُ: فَرَآنِي أَنْظُرُ إِلَيهِ) فيه استعمال (¬9) حُسن الأدب مع الأكابر لعَدَم إنكارها عليه فيما تعجبتْ منهُ أو شَكَّت في جوازه، ¬

_ (¬1) في (ص): أمال. (¬2) في (ص، م): إذا حل. (¬3) من (د). (¬4) الأنعام: 113. (¬5) في (ص، د، ل): يسقي، وفي (س): يسعى. (¬6) في (م): هر. (¬7) من (د). (¬8) أخرجه أحمد 2/ 222 من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. (¬9) ليس في (م).

ويدخل فيه ما هو من جنسه (فَقَالَ: أَتَعْجَبِينَ يَا ابنةَ أَخِي؟ ) فيه تنبيه العَالم عَلى ما يعرض للسَّائل، ويقع في نَفسه لتقع الفائدة والعلم بما (¬1) لعَلهُ يحتاج إليه، فإن كبشَة لابد [أن تكون] (¬2) نظرت نظرًا فهم (¬3) منهُ أبو قتادة التعجب، وإلا فأصل النظر لا يقتضي فهم التعجبِّ، وفيه دَليل على اجتنابِ النجاسَة وما يتصل بها أمر مقرر في النَفس لكل المُسلمين، خصوصًا حملة الشرع، وذلك يؤخد من تعجبِ كبشة ومن تقرير أبي (¬4) قتادة على التعجب. (فَقُلْتُ نَعَمْ. فَقَالَ إِن رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ) فيه ذكر الدَّليل مع الحكم لتحصُل الثقة (¬5) للجَاهل به ويطمئن قلبهُ إليه، وهكذا ينبغي للمفتي إذا أفتى بشيء و (¬6) ظهر له توقف المستفتي فيه وعدم فهمه لعلته (¬7) أن يذكر له الدَّليل لتسكن نفسه وتنتفي عنه عوارض الشكوك، وكذلك إذا حكم بما لا يظهر وجهه للمحَكوم عليه، وقد ينسبه فيه إلى ظلم فينبغي أن يبين وجهه. (إِنهَا لَيسَتْ بِنَجَسٍ) بفتح الجِيمِ من مَعنى النجاسَة وأصْلها القذارة قال اللهُ تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} (¬8). ثُمَّ اشتهر (¬9) في عرف حملة (¬10) الشريعة فيما يجتنبُ استصحابه في الصَّلاة، ويُعبر عن إزالته ¬

_ (¬1) في (ص): بها. (¬2) ليس في (م). (¬3) في (د): أفهم. (¬4) في (ص، د، س، ل): تقرر. (¬5) في (ص): التسفه. (¬6) من (م). (¬7) في (ص، س، ل، م): لعلة. (¬8) التوبة: 28. (¬9) في (د): أشهر. (¬10) في (ص): حكمة.

بالطهَارة من الخبث، والنجَس مصدر كما قال الزمخشري (¬1)، ولهذا لم تلحقه [تاء التأنيث] (¬2) كما لا يثنى ولا يجمع كما قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} (¬3) ولم يقل أنجَاس. (إِنَّهَا مِنَ الطَّوافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ) (¬4). قال البَغَوي في "شرح السُّنة": يتأول (¬5) على وجهين: أحدهما: شبَّهها بالمماليك (¬6) وبخدَم البيت الذين يَطوُفُون على أهلهِ بالخدمة لقَوله تعالى: {طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ} (¬7) يعني: المماليك والخدم. وقال إبراهيم: إنما الهرَّة كبعض أهل البيت، وقول ابن عَبَّاس: إنما هي من مَتَاع البيت، والآخر: شَبهها بمن يَطوف للحَاجَة والمسألة (¬8). قال ابن دقيق العيد: وهذا غَريب بَعيد؛ لأن قوله: "إنها مِنَ الطوافين" يقتضي التعليل لما سَبَق ذكرهُ، والذي سبق هو كونها ليسَت بنجسٍ لا ذكر الأجر (¬9). ¬

_ (¬1) "الكشاف" 2/ 248. (¬2) في (ص): الناس. (¬3) التوبة: 28. (¬4) أخرجه أحمد 5/ 303، وقد تقدم تخريجه أثناء الشرح، وصحَّحه الألباني في "صحيح أبي داود" (98). (¬5) في (ص، ل): مأول. وفي (س، م): تأول. (¬6) في (ص): بالممالك. (¬7) النور: 58. (¬8) "شرح السنة" 1/ 70. (¬9) في (ص): الآخر، وانظر: "الإلمام بأحاديث الأحكام" 1/ 53، "الاقتراح في بيان الاصطلاح" 1/ 126.

قال القاضِي أبو الوليد البَاجي: وقوله: "أو الطوافات" يحتمل أن يكُون على معنى الشَّك من الراوي، ويحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك يُريد أن هذا الحَيَوان لا يخلو إمَّا أن يكونَ من جُملَة الذكورِ الطوَّافين أو الإناث الطوَّافات (¬1). وإذا حملنا الطوَّافين أو الطوافات على الخدَم كانت (من) للتبعيض، وليست الهِرة منهم حقيقة؛ لأن اللفظ يدل على جمع المذكر العَاقِل أو المؤنث العَاقِل فيجب إما إضمار أو مجاز، أمَّا الإضمار فتقدر أنهَّا من شبه الطوافين أو مثل الطوافين أو ما يقاربه، وأما المجَاز فأن يطلق عليها لفظ الخدَم مجازًا، وفيه استدلال على طهَارة السُّؤر (¬2) باللفظ الدَّال على الجملة، وقد اختلفوا في سُؤر الهرِّ فالمنقول عن أكثر أهل العِلم طَهَارته. وكره أبو حنيفة وأبو يُوسف (¬3) الوُضوء من سُؤره، واستدلَّ بهذا الحَديث على الطهَارة، وأجَابَ الطحاوي: بأنه يجوزُ أن يكون أريد به كونها لا تضر مماسّتها للثياب، فأمَّا وُلوغها في الإناء فليسَ في ذلك دليل على أن ذلك يوجب النجاسَة أو لا، وإنما الذي في الحَديث من ذلك فِعل أبي قتادة فلا ينبغي (¬4)، وهذا من الطحاوي تنبيه (¬5) على أن شربها مِنَ الإناء المتوضأ منه ليس مرفوعًا إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في هذا ¬

_ (¬1) "المنتقى شرح الموطأ" 1/ 62. (¬2) في (س، ل): السنور. (¬3) "المبسوط" للسرخسي 1/ 159. (¬4) "شرح معاني الآثار" 1/ 19. (¬5) (ص، د، س): تنبه.

الحَديث، وإنما هو فعل أبي قتادة، والذي احتج به خصُومه قوله - صلى الله عليه وسلم - (إنها ليست بنجس) وإذا لم تكن نجسًا كانَ سُؤرها طَاهرًا. والأصوليون يذكرون هذا الحَديث في دلالة التنبيه (¬1) والإيماء إلى التعليل؛ لأنه لو لم يكن علة لم يكن ذكر الطواف مفيدًا (¬2)، فإنهُ لو قال أنها سوداء أو بيضاء لم يكن منظومًا إذا لم يرد التعليل، وفيه دلالة على أن المشقة تجلب التيسير والتخفيف وهو من القواعد الأصوليَّة. [76] (ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ) قال: (ثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ) بن محمد الدراوردي (عَنْ دَاوُدَ بْنِ صَالِحِ بْنِ دِينَارِ التَّمَّارِ) بفتح المثناة فوق، المدَني [صَدُوق (¬3)، قال الدارقطني بعدما رواه: تفرد بِرَفعه داود بن صَالح (¬4)، وكذا قال الطَّبراني (¬5) والبزار] (¬6). (عَنْ أُمِّهِ) اسْمهَا خولة (أَن مَوْلاتَهَا أَرْسَلَتْهَا بِهَرِيسَةِ) فَعيلة بمَعنى مفعولة، وهرسَها الهَراس هرسًا مِن بَاب قَتَلَ. قال ابن فارس: الهرس دق الشيء؛ ولذلك سميت الهريسَة. (¬7) وفي "النَّوادر": الهريس الحَب المدقوق بالمهراس قبل أن يُطبخ فإذا طبخ فهو الهريسَة بالهَاء (¬8). ¬

_ (¬1) في (ص، م): الشبه. وفي (س): السنة. (¬2) في (م): مقيسًا. (¬3) "الكاشف" للذهبي (1443). (¬4) "سنن الدارقطني" 1/ 70. (¬5) "المعجم الأوسط" (7949). (¬6) سقط من (م). (¬7) "مجمل اللغة" لابن فارس (هرس). (¬8) "المصباح المنير" (هرس).

(إِلَى عَائِشَةَ فَوَجَدْتُهَا تُصَلِّي فَأَشَارَتْ إِليَّ) بتشديد اليَاء المثناة تحت (ضَعِيهَا) ورواية الخَطيب: أن ضَعيها. بزيَادة: أن. وفيه دليل على أن الإشارة المفهمة لا تبطل الصَّلاة كما إذا رد السَّلاَم بالإشارة؛ لما روى ابن عمر قال: خرَج رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى قباء فصَلى (¬1) فيه، قال: فجاءته الأنصَار فسَلموُا عليه وهو يُصَلي، قال: فقلتُ لبِلاَل: كيف يرد عَليهم حين كانوا يُسلموُن عليه وهو يُصلي؟ قال: يقول هَكذا وبَسَطَ يعني: كفه وجَعَل بَطنه أسفل وظهره إلى فوق. قال الترمذي: صَحيح (¬2). ورواه الأثرم. (فَجَاءَتْ هِرَّةٌ فَأَكَلَتْ منها (¬3)، فَلَمَا انصَرَفَتْ الهرة أَكَلَتْ) عائشة (مِنْ حَيثُ أكلَتِ الهِرَّةُ) فيه التعليم بالفعل كالتعليم بالقول، وفيه طَهارة سُؤر الهرة وفمها وغيرها مِنَ الحيوانات التي لا يؤكل لحمها غير الكلب والخنزير كما تقدم. (فَقَالَتْ إِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إِنَّهَا لَيسَتْ بِنَجَس) بفتح الجيم، قال البَاجي: ظَاهرهُ ينفي (¬4) نجاسَة العَين (¬5)، ويمكن أن يقرر هذا الذي قاله مِنَ الظاهِر بأن الضَّمِير في قوله: "إنها" عائد إلى الذّات فيُعود الحكم إليها، فإذا كانَ النجسُ يطلق على نجس العَين والمتنجسُ بالغَير (¬6) ¬

_ (¬1) في (س، م): يصلِّي. (¬2) "جامع الترمذي" (368) وقال: حسن صحيح. وسيأتي تخريجه عند شرحه إن شاء الله تعالى. (¬3) من (د). (¬4) سقطت من جميع النسخ. والمثبت من "المنتقى" 1/ 62. (¬5) "المنتقى في شرح الموطأ" 1/ 42. (¬6) في (ص): بالعين.

فيحتمل أن يكون مِنَ الألفاظ التي يسميها الأصوليُّون وغيرهم المشكلة (¬1)؛ لأنه في نجس العَين أولى وأقوى؛ إذ لا يمكن زواله عن العَين بخلاف المتنجس، ويحتمل أن يكون إطلاقه على النَّجس مجازًا. (إنها مِنَ الطَّوافين عليكم) يَعني: ليست الهِرة بنجسَة؛ لأنها تطوف عَليكم وتتمسح بثيابكم وفرشكم ولو كانت نجسَة لأمرتكم (¬2) باجتنابها وإخراجها من البيوت، وذكر فيه مَعنى آخر وهو أنها كالطَّوافِينَ عَلَيْكُمْ من المماليك وأصحَاب الحوايج، يَعني يحصُل لكم الأجر في الإحسَان إليها. و (أو) في قوله: "أو الطَّوَّافات" شك من الراوي كما تقدم. (وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَتَوَضَّأُ بِفَضْلِهَا) أي: بالفاضل من الماء الذي شربت منه الهرة، أي: بقي بعد شربها، وقد قاسَت عائشة رضي الله عنها الفاضل من الأطعمة على الفاضل مِنَ الماء؛ لأن الماء من المطعومات، كما قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} (¬3). * * * ¬

_ (¬1) في (د): المشككة. (¬2) في (د، س، ل): لأمرتهم. (¬3) البقرة: 249.

39 - باب الوضوء بفضل وضوء المرأة

39 - باب الوُضُوءِ بِفَضْلِ وَضوءِ المَرْأَةِ 77 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحيَى، عَنْ سُفْيانَ، حَدَّثَنِي مَنْصور، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنِ الأسوَدِ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: كنتُ أَغْتَسِل أَنا وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ إِناء واحِدٍ وَنَحْنُ جُنُبانِ (¬1). 78 - حَدَّثَنا عَبْد اللهِ بْن مُحَمَّدِ النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عَنْ أُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابن خَرَّبُوذَ، عَنْ أُمِّ صبَيَّةَ الجُهَنِيَّةِ قالَتِ: اَخْتَلَفَتْ يَدِي وَيَدُ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الوُضُوءِ مِنْ إِناءٍ واحِد (¬2). 79 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا حَمّاد، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نافِع (ح)، وحَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قالَ: كانَ الرِّجالُ والنِّساء يَتَوَضَّؤونَ في زَمانِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ مسَدَّد: مِنَ الإِناءِ الواحِدِ- جَمِيعًا (¬3). 80 - حَدَّثَنا مسدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي نافِع، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قالَ: كُنّا نَتَوَضَّأُ نَحْنُ والنِّساءُ عَلَى عَهْدِ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ إِناءٍ واحِدِ نُدْلِي فِيهِ أَيْدِيَنا (¬4). * * * باب الوُضُوءِ بِفَضْلِ وَضُوءِ المَرأَةِ [77] (ثَنَا مُسَدَّد) قال: (ثَنَا يَحْيَى) القطان (عَنْ سُفْيَانَ) قال: (حَدَّثَنِي ¬

_ (¬1) رواه البخاري (261، 299)، ومسلم (319/ 321). وانظر ما سيأتي برقم (98، 238). (¬2) رواه ابن ماجة (382)، وأحمد 6/ 366، 367. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (71): إسناده حسن صحيح. (¬3) رواه البخاري (193). (¬4) "السنن الكبرى" 1/ 190.

مَنْصُورٌ) بن المعتمر بن عبد الله الكوفيِّ. (عَنْ إِبْرَاهِيمَ) بن يزيد النَّخعيُّ (عَنِ الأَسْوَدِ) بن يزيد بن قيس النَّخعيُّ، أخُو عبد الرحمن، وابن أخي علقمة بن قيس. (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَغْتَسِلُ أنَّا وَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -) يحتمل أن يكون مفعُولًا معه، ويحتمل أن يكون عَطفًا على الضمير، وهو من بَاب تغليب المتكلم على الغائب لكونها هي السَّبب في الاغتسَال، فكأنهَا أصل في البَاب. (مِنْ إِنَاءٍ) من ابتدائية (وَاحِدٍ) يقال له: الفرقُ يَسَعُ ستة عشر رطلًا، استدل به الداوودي على جواز نظر الرجُل إلى عورة (¬1) امرأته وعكسه، ويُؤيدهُ ما رواهُ ابن حبان من طريق سُليمان بن مُوسى أنه سُئل عن الرجُل يَنظر إلى فرج امرَأته، قال: سَألتُ عطاء قال: سَألتُ عَائشة فذكرت هذا الحَديث بمعناهُ، (¬2) وهو نص في المسألة. (وَنَحْنُ جُنُبَانِ) فيه شاهد على أن الجُنب يثنى ويجمع خلافًا لمن منعه، وفيه دليل على جَوَاز إدخال الجُنب يده في الإناء الذي فيه ماء الغسْل قبل أن يغسلها خارج الإناء إذا لم يكن على يده نجاسَة أو قذر غَير الجنَابة. قال في البخَاري: وأدخل ابن عمر والبراء يده في الطَّهور ولم يغسلها ثم توضأ، ولم ير ابن عمر وابن عَبَّاس بأسًا بما ينتضح (¬3) من غسل ¬

_ (¬1) في (س، ل): عرية. (¬2) "صحيح ابن حبان" (5577). (¬3) في (م): نضح.

الجنابة (¬1)، وروى عبد الرزاق عن ابن عمر أنه كان يغسل يده قبل التطهر (¬2)، وَيُجمع بينهما بأنَّ الأمر على حَالين: فحيث لم يغسل كان متيقنًا أن لا قَذَر في يده وحيثُ غسل كانَ ظانًا أو متيقنًا أن فيها شيئًا أو غسَلَ للنَّدب وتَرَكَ للجَواز، وأخرج ابن أبي شيبة عن الشعبي، قال: كان أصَحاب رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخلُون أيديهم الماء قبل أن يغسلوها وهُم جُنب - رضي الله عنهم - (¬3). [78] (ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيلِيُّ) قال: (ثَنَا وَكيعٌ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ) الليثي مولاهم المدني. (عن) أبي النُّعمان (ابْنِ خَرَّبُوذَ) بفتح الخاء المُعجمة، قال النووي: الفتح (¬4) أشهر، والرَّاءُ المشدَّدَة وضم البَاء الموَحدة وبعد الواو ذال معجمة (¬5)، غَير منصرف، واسمه سَالم بن سرج، وثقه ابن معين (¬6). (عَنْ أُمِّ صُبَيَّة) بضَم الصَّاد المهملة مصَغر، قال ابن عبد البر: قيل: اسِمها خَولة بنت قيس قيل (¬7): زوجة حمزة عَم النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬8) (الْجُهَنِيَّةِ) بضَم الجِيْم وهي جَدة خارجَة بن الحارث بن رَافع بن مَكيثٍ، بفتح ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" قبل حديث (261). (¬2) لم أقف عليه في "المصنف". وذكره الحافظ في "تغليق التعليق" 2/ 154. (¬3) "مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 506. (¬4) في جميع النسخ: الضم. وهو خطأ. والمثبت من "شرح النووي". (¬5) انظر: "شرح النووي على مسلم" 9/ 19. (¬6) انظر: "تهذيب الكمال" 10/ 142. (¬7) في (ص، ل) فلس مثل. وفي (س، م): قيس مثل. (¬8) "الاستيعاب" 2/ 92، 131.

الميم وآخره ثاء مثلثة. (قَالَتِ: اخْتَلَفَتْ يَدِي وَيَدُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي الوُضُوءِ) بضم الواو (¬1) (مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ) زَاد الإسَماعيلي من طريق إسَحاق بن سُليمان عن أفلح، يعني (¬2): حتى تلتقي، وللبيهقي من طريقه: تختلف أيدينا فيه؛ يَعني: وتلتقي (¬3)، وهذا يشعر بأن قوله: وتلتقي. مُدرج، وفي رواية للبخاري: كنا نغتسِل من إناء واحد نغترف منه جَميعًا، (¬4) فلعَل الراوي قال: وتلتقي بالمعنى. [79] وَ (ثَنَا مُسَدَّدٌ) قال: (ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ) بهذا الإسناد (ح وثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قال: كانَ الرِّجَالُ و) أزواجهم مِنَ (النِّسَاءِ يَتَوَضَّؤونَ) أي: ويغتسلون (فِي زَمَانِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ مسدد) في روايته: كَان الرّجال والنساء يتوضّؤون (مِنَ الإِنَاءِ الوَاحِدِ جَمِيعًا) فيه جواز اغتراف الجنُب مِنَ الماء القليل، وأن ذلك لا يمنع من التطهر بالماء، ولا بما يفضل منهُ، ويدُل على أن النَّهي عن انغماس الجنُب في الماء (¬5) الدائم إنما هو للتنزيه؛ كراهية أن يستقذر لا لكونه يصير نجسًا بانغماس الجنُب فيه؛ لأنه لا فرق بيَن جَميع بَدَن الجنُب وبين (¬6) عضو من أعضائه. ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) سقط من (م). (¬3) "السنن الكبرى" للبيهقي 1/ 186. (¬4) "صحيح البخاري" (273). (¬5) من (د). (¬6) في (م): البدن ولا بين.

[80] و (ثَنَا مسدد) قال: (ثَنَا يَحْيَى) القطان (عَنْ عُبَيدِ الله) بن عمر (¬1) (عن نَافِع، عَنْ ابن عُمَرَ رضي الله عنهمُا قَالَ: كُنا نَتَوَضَّأُ نَحْنُ وَالنسَاءُ) يحتَمل أن يكُون منصُوبًا على أنه مفعُول معهُ، ويحتمل أن يرتفع بالعَطف على الضَّمير كما تقدَّم. (مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -) ولا يبعد أن يبلغه ذلك ويقر عليه (نُدْلِي) بضَم النون وإسكان الدَال (فِيهِ) أي: في الذي نتطهَّر به (أَيْدِيَنَا) بالنَصب مفعُول، حتى نلتقي من اختلاف الأيدي، فيُدلي الرجُل يَدَهُ فيغترف قبل المرأة وتُدلي هي يَدَهَا قبله فتغترف. * * * ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: ابن أبي زياد. وهو خطأ، فعبيد الله هذا، هو القداح. ولم يرو عن نافع، وقد بين العيني -رَحِمَهُ اللهُ- في "شرح أبي داود" أنه عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم. وقد أخرج الحديث ابن خزيمة (205)، وابن حبان (1263) في صحيحيهما وبينا الراوي عن نافع.

40 - باب النهي عن ذلك

40 - باب النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ 81 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن يونسَ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، عَنْ داوُدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ (ح) وحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبو عَوانَةَ، عَنْ داوُدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ حميْدٍ الِحمْيَرِيِّ قالَ: لَقِيت رَجُلًا صَحِبَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أربعَ سِنِينَ، كَما صَحِبَهُ أَبو هريرة، قالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تَغْتَسِلَ المَرْأة بِفَضْلِ الرَّجُلِ، أَوْ يَغْتَسِلَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ المَرْأَةِ. زادَ مُسَدَّدٌ: وَلْيَغْتَرِفا جَمِيعًا (¬1). 82 - حَدَّثَنا ابن بَشّارٍ، حَدَّثَنا أَبُو داوُدَ -يَعْنِي: الطَّيالِسِي- حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ عاصِمٍ، عَنْ أَبي حاجِبٍ، عَنِ الَحكَم بْنِ عَمْرٍو -وَهُوَ الأقرَعُ- أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ يَتَوَضَّأ الرَّجُلُ بِفَضْلِ طَهُورِ المَرْأَةِ (¬2). * * * باب النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ [81] (ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ) اليَربوعي شيخ الشَّيخين، قال: (ثَنَا زُهَير، عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ الله) الأودي ([ح] وَثَنَا مُسَدَّدٌ) قال: (ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ) الوَضاح (عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ الله) الأودي. (عَنْ حُمَيدِ) بن عَبد الرحمن (الْحِمْيَرِي) البَصْريِّ (قَالَ: لَقِيتُ رَجُلًا صَحِبَ النبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَرْبَعَ سِنِينَ كمَا صَحِبَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: نَهَى رَسُولُ الله ¬

_ (¬1) رواه النسائي 1/ 130، وأحمد 4/ 111. وصحَّحه الألباني في "صحيح أبي داود" (74). (¬2) رواه الترمذي (64)، والنسائي 1/ 179، وابن ماجة (373)، وأحمد 4/ 213، 5/ 66، وابن حبان (1260). وصحَّحه الألباني في "صحيح أبي داود" (75).

- صلى الله عليه وسلم - أَنْ تَغْتَسِلَ المَرْأَةُ بِفَضْلِ) طهور (الرَّجُلِ ويَغْتَسِلَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ) أي: بالماء الفاضل مِنَ طهور (المرأة) كما سَيَأتي في الحَديث بَعدهُ، وقد استدل بهذا الحَديث والذي بَعده على المشهور من رواية أحمد (¬1). كما (¬2) قال ابن قدامَة: أنهُ لا يجُوز للرجل أن يتوضأ بفضل وضوء المرأة إذا خلت بالماء. قال: وقد كرههُ غَير واحِد من أصحاب النَّبي - صلى الله عليه وسلم - لهذا الحَديث (¬3). (زَادَ مسدد) في روايته (وَلْيَغْتَرِفَا) منه (جَمِيعًا) يَعني: أن القائلين بأنه لا يجوز وضوء الرجُل بفضل وضوء المرأة محله ما إذا خلت المرأة بالماء، وأمَّا إذا كانا جميعًا يغترفان منهُ فلا بأس باستعماله لهذِه الزيَادة. [82] (ثَنَا) محمد (ابْنُ بَشَارٍ) بندار، أحد أوعية السُّنة، قال أَبُو دَاوُدَ: كتبت عن بندار نحوًا من خَمسين ألف حَديث (¬4)، قال: (ثَنَا أَبُو دَاوُدَ) سُليمان بن دَاود (يعني: الطيَالِسِيَّ) أصلهُ فارسي سَكن البصرة، قال: (ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَاصِمٍ) ابن سُليمان الأحَول، مَولى بني تميم، كان من أهل البصرة، وكان بالكوفة على الحسبة في المكاييل والأوزان، وكان قاضيًا بالمدائن لأبي جعفر. (عن أبي حاجب) سَوَادة بفتح المهملة والواو المخففة وآخرهُ هاء التأنيث ابن عاصم العنزي بفتح النُّون وكسر الزاي ليس بأخي نَصر بن ¬

_ (¬1) "مسائل أحمد وإسحاق رواية الكوسج" (59). (¬2) من (د). (¬3) "المغني" 1/ 282 - 383. (¬4) "سؤالات الآجري لأبي داود" (605).

عَاصم، قال ابن معين والنسائي: ثقة. (¬1) ذكرهُ ابن حبان في "الثقات" (¬2). (عَنِ الحَكَم بْنِ عَمْرِو، وَهُوَ الأَقْرَعُ) وهو الحكم بن عمرو بن مجدع، وقيل: مجدح (¬3) ويُقالُ له: الحكم بن الأقرع الغفاري أخو رافع، ولهما صُحبة، نَزل البصرة ولي خُراسَان ومَات بمرو عام 49. (أَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ طَهُورِ) بفتح الطَّاء، أي: بِفَضْلِ (الْمَرْأَةِ) (¬4) الماء الذي تتَطهر به المرأة من وضوء وغسل وغيرهما، وقد يدخل فيه التراب الذي تتيمم به، والمشهور عن أحمد أنه لا يجوز استعماله إذا خلت به المرأة، وهو قول عبد الله بن سَرجس (¬5) والحَسَن، وغنيم بن قيس، وهو قول ابن عُمر في الحَائض والجنُب (¬6). قال أحمد: وقد كرههُ غَير واحد من أصحَاب النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا إذا خلت المرأة به، والرواية الثانية: يجوز الوُضوء به للرِّجال والنسَاء، اختارهَا ابن عقيل (¬7)، وهو قول أكثر أهل (¬8) العلم؛ لرواية مُسلم في "صحيحه": كان ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 12/ 235. (¬2) "الثقات" لابن حبان 4/ 341. (¬3) سقط من (م)، وفي (د): وقيل: مخدج. (¬4) الحديث رواه الترمذي (64)، وقال: حسن، والنسائي 1/ 179، وابن ماجة (373)، وابن حبان (1260)، وأحمد في "المسند" 29/ 405 من طريق شعبة به، وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (75): إسناده صحيح. (¬5) "مصنف عبد الرزاق" (385). (¬6) "مصنف عبد الرزاق" (386). (¬7) انظر: "المغني" 1/ 283. (¬8) من (د، س، م).

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغتسل بفضل مَيمُونة (¬1)، وقالت مَيمُونة: اغتسلتُ من جفنة ففضلت منها فضلة، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - يغتسل فقلتُ: إنِّي اغتسَلتُ منهُ، فقال: "الماء ليسَ عليه جَنَابة" (¬2). واختلف أصحاب أحمد في تفسير الخلوة به، هي: أن لا يشاهدها رَجُل مُسلم، فإن شاهَدَها صَبي أو امرأة أو رجلٌ كافر لم يخرج بحضُورهم عن الخلوة. وذهب بَعْض أصحَابه إلى أن الخلوة استعمالها للماء من غير مشاركة (¬3) الرجل في استعماله (¬4). وأجَابَ أصحَابنا وغيرهم عن حَديث الحكم بن عمرو هذا بأجوبة، أحدها: جَوَاب البيهقي وغَيره أنه ضَعيف (¬5). قال الترمذي: سَألتُ البخاري عنهُ فقال: ليسَ هذا بصحيح. قال البخاري: وحَديث ابن سرجس الصَّحيح أنه مَوقُوف عليه، ومن رفعه فقد أخطأ (¬6)، وكذا قال الدارقطني (¬7). قال البيهقي في كتاب "المعرفة": الأحاديث السَّابقة بالرخصَة أصح (¬8)، وأجَابَ الخَطابي (¬9) ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (323) (48). (¬2) أخرجه أحمد 6/ 330، وابن ماجه (372)، وصحَّحه الألباني في "صحيح الجامع" (1926). (¬3) من (د)، و "المغني". (¬4) انظر: "المغني" 1/ 284. (¬5) "السنن الكبرى" للبيهقي 1/ 191. (¬6) "علل الترمذي" (32). (¬7) "سنن الدارقطني" 1/ 117. (¬8) "معرفة السنن والآثار" 1/ 278. (¬9) "معالم السنن" للخطابي 1/ 42.

وأصحَابنا (¬1) أن النهي عن فضل أعضائها هو مَا سال عنها في حال الاغتسال، ويؤيد هذا أن رواية داوُد بن عَبد الله الأودي عن حميد ابن (¬2) عبد الرحمن الحميري، عن بَعض أصحَاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نَهى أن يغتسل الرجُل بفضل المرأة. الجَواب الثالث: أن النهي للتنزيه جمعًا بين الأحاديث. * * * ¬

_ (¬1) "المجموع" للنووي 1/ 153. (¬2) في (ص، د، ل) عن.

41 - باب الوضوء بماء البحر

41 - باب الوضوء بِماءِ البَحْر 83 - حَدَّثَنا عَبْد اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِك، عَنْ صَفْوانَ بْنِ سلَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ -مِنْ آلِ ابن الأزرَق- أَنَّ المُغِيرَةَ بْنَ أَبِي برْدَةَ -وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ- أَخْبَرَهُ أَنَّه سَمِعَ أَبا هُريرَةَ يَقُولُ: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ إِنّا نَرْكَبُ البَحْرَ وَنَحْمِلُ مَعَنا القَلِيلَ مِنَ الماءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنا بِهِ عطَشْنا، أَفَنَتَوَضَّأ بِماءِ البَحْرِ؟ فَقالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هُوَ الطَّهُورُ ماؤُهُ الحِلُّ مَيْتَتُهُ" (¬1). * * * باب الوُضُوءِ بِمَاءِ البَحْرِ [83] (حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيمٍ) بضم السِّين المهملة مصغر، المدني القرشي الزُّهري الفقيه، وأبوه سُليم مولى حميد بن (¬2) عبد الرحمن بن عوف، ذكر صفوان عند ابن حنبل فقال: هذا رجُل يستسقى بحديثه وينزل القطر من السماء يذكره، فإنَّه مِن عَباد الله الصالحين (¬3). وقيل: لو قيل له: غدًا (¬4) يوم القيامة ما كان له مزيد على ما هو عليه من العبادة. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (69)، والنسائي 1/ 17650، وابن ماجة (386)، (3246)، وأحمد 2/ 237. وصحَّحه الألباني في "صحيح أبي داود" (76). (¬2) من (د)، و "التهذيب" (2882). (¬3) أسنده ابن عساكر في "تاريخ دمشق" عن أحمد 24/ 134. (¬4) في (ص، ل، م، س): هذا.

(عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ) بفتح السين واللام المخزومي (مِنْ آلِ) (¬1) عقبة (ابْنِ الأَزْرَقِ) وثق النسَائي سَعيدًا (أَنَّ المُغِيرَةَ بْنَ أَبِي بُرْدَةَ) الكنَاني وثقه النسَائي وابن حبان (¬2)، ولي غزو البَحر لسُليمان بن عبد الملك سنة ثمان وتسعين (¬3). (وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ) وكانَ حليفًا لهم (أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: سَأَلَ رَجُل رسُول الله - صلى الله عليه وسلم -) وقع في بعض الطُّرق التي ذكرها الدارقطني أن (¬4) اسم السَّائل عَبدُ اللهِ المدلجي (¬5)، وكذا ساقه ابن بشكوال (¬6) بإسناده وأوردهُ الطبراني فيمن اسمهُ عبد، قال ابن منيع: بَلغني أن اسْمه عَبد، وقيل: عبيد بالتصغير، قال السّمعَاني في "الأنساب": اسمهُ العركي (¬7)، وغلِطَ فيه، وإنما العَرَكي بفتح العَين والراء وصف له، وهو ملاح السّفينة. قال الشافعي (¬8): هذا الحديث نصف علم الطهَارة (فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله إِنَّا نَرْكَبُ البَحْرَ) ورواية ابن مَاجَه عن ابن الفراسي قال: كنتُ أصيدُ وكانت لي قربة أجعَل فيها ماء وإنّي تَوضَّأت بماءِ البحْر فذكرتُ ذلك ¬

_ (¬1) في (م): بني. (¬2) "الثقات" 5/ 410. (¬3) "تهذيب الكمال" 28/ 352. (¬4) سقط من (م). (¬5) "علل الدراقطني" 9/ 12. (¬6) في (ص): بشكو إسناده. وفي (م): بشكوال في إسناده. (¬7) "الأنساب" للسمعاني 4/ 158. (¬8) في (ص): القراني، وفي (م): العرايني. غير منقوط. وفي (س): العركي.

لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1)، وفي البحر لأهل اللغة أصلان أحدهما معنى السَّعة، والثَّاني معنى الشق. قال القَزَّاز: سُمي بحرًا لسعته، من قولهم: تبحَّر الرجُل في العِلم. وفيه نظر؛ لأنَّ التبحُّر (¬2) في العِلم مأخُوذ من البحْر؛ لا أنَّ البحر مأخوذ منهُ، وحَكى الأزهري عن اللَّيث: سُمي بحرًا لاستبحاره وانبساطه وسَعته (¬3). وقال الأزهري: سُميت الأنهار بحارًا (¬4)؛ لأنها مَشقوقة في الأرض شقًّا، والبَحرُ في كلام العَرب الشق، ومنه قيل للناقة التي تشق في أذنها: بحيرة (¬5) وتسمية الماء الكَثير بالبحر لملازمته الشق أو مجاورته، وهذا (¬6) يلزم منهُ المجَاز بالنسبة إلى الموضع اللغَوي، فإن ادّعِيَ فيه النقلُ عرفًا أو الاشتراك، فالكل خلاف الأصل وفيه دليل على جواز ركوب البحَر في الجملة. قال ابن دقيق العيد: وورد في بَعض الروايات ركوبه للصَّيد فيدل دلالة خاصة على ركوبه في طلب المعيشة، لكن يعارضه رواية المُصَنف: "لا يَركب البَحر إلا حَاجًا أو معتمرًا أو غازيًا في سبيل الله .. " الحديث (¬7)، ولك (¬8) أن تأخذ من هذا الحَديث مُطلق الركوب ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجة" (387). (¬2) في (ص، ل، م): البحر. (¬3) "تهذيب اللغة": بحر. (¬4) في (ص): أنهارًا. (¬5) "تهذيب اللغة": بحر. (¬6) في (م، س): وقد. (¬7) سيأتي تخريجه إن شاء الله. (¬8) في (ص، س، ل، م): وذلك.

من حيث هو ركوب من غير تعرض إلى الأحوال العَارضة التي تحرم أو توجب كراهيةً أو غير ذلك، كما هو عَادَة الفقهاء في إطلاق الحكم بالنظر إلى الحقيقة مِنْ غَير التفات إلى الأحَوال العَارضة كما تقول: الصَّيد جَائز، وقد يعرض ما يُوجبُ تحريمه. والنكاح مُستَحب، وقد يعرض ما يُوجب وجوبه (¬1) ولك (¬2) أن تُفَصِّل. ونقل (¬3) أبو القاسم بن الجَلاب عن مَالك كان (¬4) يكره ركوب البَحر لما يدخل على الإنسَان من نقص في صلاته، وذكر ركوب البحْر ثلاثة أقسَام وجعل ما ذكره (¬5) مالك من الكراهة منزلًا على أحدها فقال: رُكوب البحر على ثلاثة أوجُه: جَائز: وهو إذا كانَ من شأنه أنهُ (¬6) يقدر على صَلاته قائمًا، ولا يميد، ومكروه: وهو ما (¬7) إذا لم يتقدم لهُ عَادَة بِرُكوبه ولا يَعلم إذا ركبَهُ هَل يميد وتتعطل صَلاَته أم لا؟ وممنوع: وهو ما إذا كانَ يَعلم من شأنه أنه يميد ولا يقدر على أداء الصَّلاة لكثرة الرَّاكب، ولا يقدر على السُّجُود (¬8). وتقرير النَّبي - صلى الله عليه وسلم - السَّائل عمَّا ذكر (¬9) لهُ في ركوبهم البَحر، ولم ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل، م): تحريمه. (¬2) في (ص، س، ل، م): وذلك. (¬3) من (د). (¬4) من (م). (¬5) في (ص): وجعلها ذكره. وفي (م): جعلها بكر. (¬6) في (د): أن. (¬7) سقط من (د). (¬8) انظر: "مواهب الجليل" 3/ 481. (¬9) في (م): ذكره.

يستفصل عن أحْوَال راكبه، دليل على الجوَاز مُطلقًا على القاعدة التي ذكرها الشافعي أن ترك الاستفصَال في حكاية الحَال مع قيام الاحتمال مُنَزل (¬1) مَنزلة العُموم في المقَال (¬2). فَعَلى هذِه القاعدة (¬3) إذا وَجَدَ اللفظ جَوَابًا عن السُّؤال، فيُنزل التقرير بعد السُّؤال مَنزلة اللفظ حَتَّى يعمَّ أحْوال السؤال في الجَواز؛ لإقامة الإقرار على الحكم مَقام الحكم، إذ لا يجُوز تقريرُهُ - عليه السَّلام - على أمر بَاطل فنزل (¬4) إقراره مَنزلة الحكم المبين (¬5). لكن يرد هَاهنا ما قاله الغزالي: إن المفهوم ليسَت دلالته لفظية، والعموم من عوَارض الألفاظ. وهذا المعَنى موجُود في دلالة التقرير، إذ ليسَت لفظية، ويُجاب عن هذا بأنا قلنا أنَّه منزل منزلة العُموم بمعنى شمول الحكم للأحوَال، ولا يجعلهُ حقيقة في العُموم. (وَنَحْمِلُ مَعَنَا القَلِيلَ مِنَ المَاءِ) يستدل به على أن إعدَاد الماء الكافي للطهَارة مع القدرة عليه غير واجب على ما تقدم، وهو ترك الاستفسار والإقرار على السؤال؛ لأنهم أخبروه (¬6) أنهم يحملون القليل من الماء وهو كالعَام (¬7) في حَالات حَملهم، فيمُكن أن يكونَ مع القدرة على ¬

_ (¬1) في (م): بترك. (¬2) "التبحير شرح التحرير" 5/ 2387، "البرهان في أصول الفقه" (248). (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ص، د، ل): فنزله. (¬5) في (م): البين. (¬6) في (ص، م، ل): أخبروا. (¬7) في (م): كالعدم.

حَمله، ويمكن أن يكون بسَبَب العَجز عن حَمله بسَبَب ضيق مراكبهم عن حَمل البَاقي، فإذا جَعلناهُ كالعَام فيتناول حَال القُدرة، ولم ينكر عليهم، فدلَّ ذلك على جَواز هذِه الحالة. (فإن (¬1) تَوَضأنا بِهِ عَطِشْنَا) بكسر الطَّاء، يُقالُ: عَطش عَطَشًا فهو عَطشان وامرأةٌ عَطِشَةٌ وعَطْشَى. قال سُليمان بن خلف الباجي في كلامه على هذا الحَديث: فيه دليل على أن العَطَش له تأثير في ترك استعمال الماء المعدّ (¬2) للشرب، ولذلك أقرهُ النبي - صلى الله عليه وسلم - على التعَلق به. (¬3) وقال الحافظ يوسُف بن عَبد الله بن عَبد البرِّ في هذا الحَديث: إن المُسافر إذا لم يكُن معهُ من الماء إلا ما يكفيه لشربه وما لا غنى به عنهُ ولا فضل فيه؛ يعني: عن سقيه، أنه لا يتوضأ به، وأنَّه جائز (¬4) له التَّيمم. انتهى (¬5). وينبني هذا على تقرير مسألة، وهي أنه إذا خاف العَطش فما الخَوف المعتبر في إباحة التَّيمم وظاهِر اللفظ في الحَديث تعليقه بُمطلق العَطش، والشافعية (¬6) يعتبرُون هذِه الحَالة بحالة المرض المُبيح للتيمم فينظر هل ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): فإذا. (¬2) في (م): العذب. (¬3) "المنتقى شرح الموطأ" 1/ 41. (¬4) في (ص، م، ل): جعل. (¬5) "التمهيد" 16/ 223. (¬6) انظر: "المجموع" للنووي 2/ 245.

يكون الخَوف من التلف لنفس أو عضو أو منفعة أو زيادة المرض أو تأخير البُرء أو شَيْنٍ فاحشٍ على عضوٍ ظاهر، فإذا قسناهُ بذلك اقتضى ذلك تقييدًا في العَطش واحتاج إلى دَليل، ولعلّه القياس وينبني على القاعدتين أن التوقعَ مِن خوف العَطش كالوَاقع، والمظنونَ كالمعلوم؛ لأن قوله: عَطشنا يَحتملُ العَطش حَالًا أو مآلًا (¬1) والحكم يحتمل العِلم والظن، فإذا فرَّعنا على وُجُوب الاستفصَال عند اختلاف الحكم، وأنَّ تركَ الاستفصَال يدُل على عُمُوم الحكم، جُرِيَ على ذلك. (أَفَنَتَوَضأُ بِمَاءِ البَحْرِ؟ ) فيه حَذف الصِّفةِ مع بقاء الموصوف تقديرهُ: أفنتوضأ بماء البحر المِلحِ (¬2)؟ فحذف الصفة كقوله تعالى: {الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ} (¬3) أي: الوَاضِح، وإنما يصح الحَذف إذا فهم المعنى طلبًا للاختصار مَع حُصُول المقصُود. (فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -) قال ابن العربي: لو قال لهم (¬4) النبي - صلى الله عليه وسلم -: نَعم، لما جَاز الوضوء به إلا لضَرورة، وعليه وقع سُؤالهم؛ فبها كان يرتبط جَوابهم لو قاله؛ فاستأنف بيان الحكم بجواز الطهَارة به (¬5). قال ابن دقيق العيد: وفيه وجه آخر: لو قال نعم لم يستفد منه من حيث اللفظ إلا جواز الوضوء به الذي وقع عنهُ السُّؤال ولما أجَاب بأنه الطهُور أفاد جَوَاز رَفع الأحداث أصغرها وأكبرها (¬6) وإزالة ¬

_ (¬1) في (ص، م، ل): ومآلًا. (¬2) في جميع النسخ: العذب. وفي هامش (د): لعله الملح. (¬3) البقرة: 71. (¬4) من (د). (¬5) "عارضة الأحوذي" لابن العربي 1/ 88 - 89. (¬6) في (م): أصغرهما وأكبرهما.

الأنجاس به لفظًا، فكانَ أعم فائدة. وفيه وجه آخر (هُو) هذا هو (¬1) ضَمير الشأن، وهو من محاسن كلامهم، والسَّبب فيه أنهُ يشعر بالجملة الآتية بعده إشعَارًا كليًّا وتتشرف (¬2) النفس إلى تفسير الآتي عند سَماع الإبهام، فإذا أتى به قبلته النَّفس قبُول الطالب لمطلوبه وكونه يحتمل أن يكون ضَميرًا يعُودُ على البَحر لا يمنع أن يكون ضَمير الشأن كما أن قوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (¬3) ضَمير الشأن، وإن كان يَحتمل أن يَعوُد على الربِّ الذي قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: صف لنا ربك مما هو. فأنزل اللهُ تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. (الطهور) بفتح الطاء اسم للماء الذي يتطهر به، واستدل به على أن الطهور هو ما يتَطهر به، ووجه الاستدلال أن الطاهرية أعَم من الطهورية فكل طَهُورٍ طاهرٌ ولا ينعكِسُ، والحكم على الشيء بالمعنى الأعم لا يستلزم الحكم عليه بالوصف الأخص، فلا يفيد الجواب عن السُّؤال عن الأخص. وحكى (¬4) القاضي طاهر بن عبد الله الطبَري الشافعي عن أبي بكر الأصم وأبي بكر بن داود وبعض متأخري أصحَاب أبي حنيفة وطائفة من أهل اللغة أن معنى طَهُور وطاهر سواء (¬5)، واحتجوا بأن ما كانَ ¬

_ (¬1) سقط من (س، م). (¬2) في (س، م): تتشوق. (¬3) الإخلاص: 1. (¬4) في (ص، ل): حكم. (¬5) "المجموع" 1/ 84.

فاعله لازمًا ففعوله مثله كنَائم ونؤوم، وصَابر وصَبُور وشاكر وشكور، وما كانَ فاعله متعديًا ففعُوله مثله في التعدي كقابل وقبول (¬1) وضارب وضَرُوب وشاتم وشتوم، وأصل هذا أن صيغة فعول لا تنبني (¬2) إلا من فعل ثلاثي مجرد عن الزيادة والفعل في مسألتنا طهر وهو قاصرٌ وطهوُر مثله، وأجَابَ عنه القاضي بأنه لابد أن يكون لفعول صفة (¬3) زائدة على فاعله، ألا ترى أنك تقول: نائم لمن وُجِدَ منه النوم، ونؤومٌ لمن كَثُر منه النَوم وكذلك صَابر لمن صَبر مرة. وصَبور لمن تكرر منه الصَّبر. ولما كانت المياه طَاهرة لم يكن بد أن يجعَل في الطهور مزية على طاهر، وليست تلك المزية إلا تعديها للتَّطهير وأيضًا فلا يقالُ: "نائم" إلا لمن وجد منه النوم، وكذلك قاتل وشاتم ولا يوصف صَاحبه بذلك إلا بعد وجوده منه، وأمَّا الماء فيقال فيه: طَهور قبل أن يوجد منه التطهير، فكان بمنزلة قولنا: سُحور وفطُور لما يُتَسَحَّر به ويفطر عليه، فكذلك طهور لما يتطهر به. وقد أورد هذا بَعض المتأخرين فقال: لا شك أن مجرد بنائه على فعول لا يُوجب تعديه كما قال السَّائل لكنَّا نقول: استقر لفظ طهُور في عُرف اللغة إنما يُطلق على ما يتطهر به فهو اسم للآلة التي يفعَل بها كالبخور والغسُول لما يتبخر بهِ ويغتسل به، فصَار كاللقب على ذلك لا أصل بنائه (¬4) فقط، كقوله عليه الصلاة والسَلام: "جُعلت لي الأرض ¬

_ (¬1) في (م): كقاتل وقتول. (¬2) في (ص): يثني. وفي (د، س): تبنى. (¬3) في (ص، ل): لمفعول نعم. (¬4) في (د): بيانه.

مَسْجدًا وطهورًا" (¬1). (مَاؤهُ) في إعراب قوله: "هو الطهوُر ماؤه" أنهاه بعضهم إلى قريب من عشرين وجهًا في كثير منها تكلف وإضمار لا يظهر الدلالة عليها، فتركنا أكثرها واقتصرنا (¬2) على أربعة أوجهٍ: الأول: أن يكون (هو) مُبتدأ والطهور مبتدأ (¬3) ثانيًا خبره (ماؤه) والجملة من هذا المبتدأ الثاني وخبرهُ خَبر للمبتدأ الأول. الثاني: أن يكون (هو) مُبتدأ والطَّهور خبرهُ و (ماؤه) من بدل الاشتمال، وفي هذا بحث دقيق. الثالث: أن يكون (هو) ضَميرُ الشأن كما تقدمَ (¬4) وفي محله تفصيل، و "الطَّهور ماؤه" مبتدأ وخبر، ولا يمنع من هذا تقدم ذكر البحر في السُّؤال كما تقدم؛ لأنَّهُ إذا قصد الإنشاء وعدم إعادَة الضَّمير في قوله هو على البحْر، صح هذا الوجه كما قالوا في {هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} أنه ضَمير شأن مع ما روي من تقدم ذكر الله تعالى في سُؤال المشركين، حَيث قالوا: انسب لنا ربَّك. الرابع: أن يكون (هو) مُبتدأ و (الطهورُ) خبر و (ماؤه) فاعل؛ لأنه قد اعتمد عَامِله بكَونه خَبرًا. واستدل المالكية بلفظ الطهور على مسألة الماء المُستعمل من حَيث ¬

_ (¬1) رواه البخاري (335)، ومسلم (521)، والنسائي 1/ 209، وأحمد 3/ 304، وغيرهم من حديث جابر - رضي الله عنه -. (¬2) في (ص): واختصرنا. (¬3) من (د، س، ل، م). (¬4) سقط من (م).

أن صفة (¬1) فعُول تقتضي التكرار كالقطوع للسَّيف والضروب للرجُل فيقتضي ذلك تكرار التطهر به، فيدخل فيه الماء المستعمل (¬2)، وقيل في الآية أنه جعَل الماء مُطهرًا، ولم يفرق بيَن أن يُستعمل وبين أن لا يُستعمل، فوجب أن تثبت له الصفة ما دَام ماء، وهذا يجيء مثله في لفظ الحَديث. وأجَاب القاضي أبو الطيب طاهر الطبَري بأنه أراد أنه معد للطهَارة كما نقول: فطُور وسُحور؛ لأنه معدٌّ لذلك، والدليل على ذلك أنه سَماهُ طهورًا قبل أن يتطهر به. قال ابن دَقيق العيد: والاستدلال بالآية أقرب من لفظ الحديث؛ لأن لفظ الحَديث اسم جنس مُضاف يقع على قليله اسم كثيره، وبالعَكس فيقتضي أن يضاف الحكم بالطَّهورية إلى كل ما يُسمى ماء البحر، وألفاظ العموم كلية، أي: يثبت الحكم في كل فَرد مِن أفراد ألفاظ العموم، فيقتضي ذلك أن يكون كل جُزء مما يُطلق عليه اسم ماء البحر يحكم (¬3) له بالطهُورية، فإذا سلم الخصم اقتضاء الصِّيغة للتكرار لزم ذلك في كل جُزء. فإن قيل: يمكن أن يُجاب عن التكرار بأن الماء يتردَّد على العضو، فملاقاته لأول جُزء طهره ثم ينتقل إلى الجزء الثاني مِنَ البَدَن فيطَهرُه، فيحصُل تكرار التطهير بالجُزء المُعَين مِنَ الماء بخلاف الوجه الذي ¬

_ (¬1) في (م): أنه صيغة. (¬2) "أحكام القرآن" لابن العربي 3/ 438. (¬3) في (م): فحكم.

ذكرهُ القاضي، فإنَّه لا يقتضي حصول التكرار بالنسبة إلى جزء معَين فإنَّما يقتضيه بالنسبة إلى الجنس. قال: وفيه بحث؛ (لأنَّ لقائلٍ) (¬1) أن يقول أحَد الأمرين لازم، وهو إمَّا عدم التكرار المدَّعي أو ثبوت حكم (¬2) الاستعمال قبل انفصال الماء عن العضو، والثَّاني منتفٍ فيلزم الأول. واستدل الحنفية بكون الماء مُطهرًا وطَهورًا على أنه لا تشترط النيَّة في الوضوء، وحملوا على ذلك من الاستدلال قوله تعالى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} (¬3) نص على كون الماء مُطهرًا، ولو توقفت الطهَارة على النيَّة لم يكن مجرد الماء مُطهرًا (¬4)، ويستدل به على جَواز التطهر بماء البَحر، وهو المقصُود بالذات مَنَ الحَديث (¬5) وعنه وقع السُّؤال وذلك مَذهب الجمهور من الأئمة. قال ابن المنذر: وممن روينا عنهُ أن ماء البحْر طهور أبو بكر الصديق (¬6)، وعمر بن الخَطاب (¬7)، وابن عَبَّاس (¬8)، وعقبة بن عَامر (¬9). ¬

_ (¬1) في (م): لأنه قائل. (¬2) في (ص، م، ل): حكمه. (¬3) الأنفال: 11. (¬4) "شرح فتح القدير" 1/ 131. (¬5) في (د): الحدث. (¬6) رواه ابن المنذر في "الأوسط" 1/ 353، وأبو عبيد في "الطهور" (238)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" 1/ 154، وصحَّحه الألباني في "الإرواء" (9). (¬7) "مصنف عبد الرزاق" (325، 326). (¬8) رواه أحمد 1/ 279، والدراقطني في "سننه" 1/ 35. (¬9) رواه أبو عبيد في "الطهور" (240).

وبه قال عطاء (¬1)، وطاوس (¬2)، والحسَن البَصري (¬3)، ومالك (¬4) وأهل المدينة وأهل الكوفة وأهل الشَّام والشَّافعيّ (¬5) وأحمد (¬6)، وبه نقول (¬7). قال: وروينا عن ابن عُمر أنه قال في الوضُوء بماء البَحر: التَّيمم أحَب إلي منهُ (¬8)، وعن عَبد الله بن عمرو: لا يجزئ من الوضُوء ولا مِنَ الغسْل والتيمم أحَب إلي منهُ (¬9)، وعن ابن المُسَيِّب: إذا ألجئت إليه فتوضأ منه (¬10). قال ابن عَبد البر: جاء عن ابن عمرو ابن عمرو كراهية الوضوء بماء البحر، ولا يصح عنهما والذي ذكر في علة قولهما أنه نار وأسندوا فيه (¬11) حَديثًا (¬12)، وأجيب عنه بوجهين: أحدهما: أنه أرَادَ بقوله نارًا في نار أن البحَار تَصير يوم القيامة نارًا لقوله تعالى: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} (¬13) {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} (¬14) فوصفه بما يؤول إليه حَالُه. ¬

_ (¬1) "مصنف عبد الرزاق" (325، 326). (¬2) "مصنف عبد الرزاق" (328). (¬3) "الطهور" (245). (¬4) "الموطأ" 1/ 22. (¬5) "الأم" 1/ 41. (¬6) "مسائل أحمد وإسحاق رواية الكوسج" (49). (¬7) "الأوسط" لابن المنذر 1/ 354 - 355. (¬8) رواه أبو عبيد في "الطهور" (ص 248)، وابن المنذر في "الأوسط" 1/ 355. (¬9) رواه أبو عبيد في "الطهور" (ص 247)، وابن المنذر في "الأوسط" 1/ 355. (¬10) في (ص، ل، د): به. والأثر أخرجه ابن المنذر في "الأوسط" 1/ 356. (¬11) في (س): استدلوا به. (¬12) "التمهيد" 16/ 221. (¬13) التكوير: 6. (¬14) الطور: 6.

والثَّاني: أن البحر في إهلاكه لراكبه كالنار في الصفة، ولهذا يقال: السُّلطان نار، أي: فعله يهلك كما تهلك النار، واستدلوا (¬1) بهذا الحَديث على أن الماء المتغير بقذارة طهور بناء على أن الأصل في ماء البحر العذوبة وتغيره بسبب مروره على أجزاء من الأرض سَبخة مَالحة. وهذا الاستدلال يتوقف على إثبات هذِه المقدمَة، أي (¬2) أن الأصل فيه العذُوبة، وتغيره باعتبار المرور، وقد ذكر ذلك عن غير واحد من الفضلاء، ولكنه أمر لابد من إثباته بدليل يدل عليه إذا نوزع فيه، فإن الله تعالى سمَّاهُ ملحًا بقوله تعالى: {وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} (¬3) وأصل التّسمية به تدل على أن هذا الوصف لازم له لا عارض (¬4). وهذا الحَديث مذكور (¬5) في علم الأصول في مسألة العَام الوارد على سَبَب خاص، حيث قالوا: إن الجَواب إذا كان مُستقلًا عن السؤال عَامًّا في لفظه لا يتقيد بسببه من حيث أن العموم إنما خَصصهُ ما يناقض عُمومه، وليس في ورود العَام على سَبَب خاص ما يناقض عمومه، وذكروا خلاف الشافعي في هذِه المسألة، وإنما ننبه فيها على شيء يغلط فيه بعضهم بسببه، وذلك أن السؤال والجَواب قد يكون اتساقهما وسياقهما مقتضيًا للتخصيص وقد لا يكون، فإن كان الأول اقتضى ذلك التخصيص؛ لأن السِّياق مُبين للمجملات مرجح لبَعْض المحتملات مُؤكد ¬

_ (¬1) في (د): استدل. (¬2) في (د): أعني. (¬3) فاطر: 12. (¬4) سقط من (ص). (¬5) في (م): المذكور.

للواضحات، وإن كان الثاني فهي المسألة الخلافية، فقد يرجح بعض الضعَفة فيرى السُّؤال والجَواب حَيث يقتضي السيَاق التخصيص فيحملهُ على المسألة الخلافية ويُرجح (¬1) ما رجحه الجمهُور من القول بالعموم. قال ابن دَقيق العيد: وهو عندنا غلط في مثل هذا المحل فلينتبه (¬2) له وقد أشارَ بعض فقهاء المالكية المتأخرين إلى تَصحيح قول سَعيد بن المُسَيّب المتقدم أنهُ إنما يتوضأ به إذا ألجئ إليه من هذا الحديث؛ لأنَّهُ ورد جوابًا عن قوله: إن توضأنا به عَطشنا وأجَاب بأن حَمله على المسألة الأصُولية المُرَجح عند الأكثرين من القول بالعموم. وقال: إنما يلزم ذلك الشافعي الذي اختار تخصيص العَام بسببه، وهاهُنا قاعِدَة ينبغي عليها ما لا يحصَى منَ المبَاحث المتَعلقة بهذا الحَديث (¬3) ونحوه، لا بأسَ بذكرها هَاهنا لينتفع (¬4) بها في غَيره مِنَ الأحَاديث ولا يحتَاج إلى إعَادتها، وهي أنَّ اللفظ العَام مُطلق باعتبار الأزمَان والبقاع والأحَوال والمتعَلقات، وإن كان عَامًّا في الأشخاص. وقد يُستعمل ذلك في دفع (¬5) كثير من الاستدلالات بالألفاظ من الكتاب والسُّنة فيؤتى إلى بعض الأحَوال التي يتفق عليها (¬6) من الخصمين، فيقال: إن اللفظ مُطلق في الأحوَال، وقد عملنا في ¬

_ (¬1) في (م): ورجح. (¬2) في (ص): فيشبه. وفي (م): فينتبه. (¬3) من هنا تغير خطأ الناسخ في (م). (¬4) في (م): يشفع. (¬5) في (ص): وقع. (¬6) في (م): ينفق علينا.

الصُّورة الفُلانية، والمطلق يكفي في العَمل به مَرة واحِدَة، فلا يلزم العَمل به في صُورة النزاع. قال ابن دقيق العيد: أمَّا كون اللفظ العَام في الأشخاص مُطلقًا في الأحوال وغَيرها، كما ذكر فصَحيح، وأما الطريقة المذكورة في الاستدلال فإذا لزم من العمل بالمطلق في صُورة دُون غيرهَا عود التخصيص إلى صيغَة (¬1) العمُوم وجبَ القول في العمُوم في تلك الأحْوَال لا من حَيثُ أن المُطلق عَام باعتبار الاستغراق بل من حَيث أن المحافظة على صيغة العُموم في الأشخاص واجب، فإذا وجدت صُورة وانطلق عليها (¬2) الاسم من غير أن يثبت فيها الحكم، فإن ذلك مُنَاقض للعُموم في الأشخاصِ. فالقول بالعمُوم في مثل هذا من حيث وجُوب الوفاء بمقتضى الصِّيغة العَامة، لا مِنْ حيث أن المُطلق عَام عُمومًا استغراقيًا، وأما قولهم إن المطلق يكفي في العمل به مَرة، فنقول: يكتفي فيه بالمرة (¬3) فعلًا أو حملًا، الأول مُسلم والثاني ممنوع، وبيان ذلك أن المطلق إذا فعل بمقتضاه مرة ووجدت الصورة الجزئية التي يَدخل تحتها الكلي المُطلق كفى ذلك في العَمل به، كما إذا قيل: أعتق رقبة ففَعَل ذلك مَرة لا يلزمهُ إعتاق رقبة أخرى لحصُول الوفاء بمقتضى الأمر من غَير اقتضاء اللفظ العموم، وكذا إذا قال: إن دخلت الدَّار فأنت طالق فدَخلت مرَّة ¬

_ (¬1) في (م): الصيغة. (¬2) في (م): صوت وانطق عليه. (¬3) في (م): بأن.

حَنث ولا يحنث بدُخولها ثانيًا لوُجُود مُقتضى اللفظ فعلًا من غير اقتضاء العموم. أمَّا إذا عمل به مَرة حملًا، أي: في صُورة مِن صُوَر المطلق لا يلزم التّقييد بها فلا يكون وفاء بالإطلاق؛ لأن مقتضى تقييد الإطلاق، بالصُّورة (¬1) المعينة حملا أن لا يجعَل الاكتفاء بغَيرها، وذلك يناقض الإطلاق، مثاله: إذا قال (¬2): أعتق رقبَة، فإن مُقتضى الإطلاق أن يحصُل الإجزاء بكلِّ ما يسمى رقبة (¬3) لوجود المطلق في كل معتق من الرقاب، وذلك يقتضي الإجزاء به، فإذا خصَّصنا (¬4) الحكم بالرقبة المؤمنة منعنا إجزاء الكافرة، ومقتضى الإطلاق إجزاؤها إن وقع العتق لها، فالذي نقلناه (¬5) خلاف مقتضاهُ فتنبه (¬6) لهذِه الموَاضع التي ترد من ألفاظ الكتاب والسُّنة إذا كانَ الإطلاق في الأحوَال أو غيرها مما يقتضي الحمل على البَعْض، فيه عود التخصيص إلى محَل العموم، وهي الأشخاص أو مخالفة لمقتضى (¬7) الإطلاق عند الحَمل، فالحكم لا يكون بالتخصيص مع وجُود الوفاء أو التّقييد بُمقتضى العُموم أو الإطلاق إلا لدليل منفصِل. ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل، م): فالصورة. (¬2) في (د): قيل. (¬3) في (ص، س): وفيه، وفي (م): رقبة وفيه. (¬4) في (م): خصص. (¬5) من (ص). (¬6) من (د). (¬7) في (د): بمقتضى.

(الْحِلُّ) بكسْر الحَاء، بمعنى: الحَلال كالحرم بمعنى: الحَرام (مَيتَتُهُ) (¬1) بفتح الميم؛ لأن المراد العَين الميتة، وأمَا الميتة بكسر الميم فهي هيئة الموت، ولا مَعنى لهَا هنَا إلا بتكلف، والميتة بالتشديد والتخفيف بمعنى واحد في موارد الاستعمال، وفصل بَعضُهم بينهما، ويجوز أن تأتي الوُجوه الأربعة المتقدمة هنا، فيجوز أن يكُون: الحل خَبَر مُبتدأ محذوف تقديره هُو الحل ميتته، و (ميتته) بدَل اشتمال كما تقدم، وقد اسْتدل بهذا على الزيادة في الجَواب عن السُّؤال. قال ابن العَربي: "الحِل ميتته": زيَادة على الجَواب، وذلك من محاسن الفتوى، بأن يأتي بأكثر مما سُئل عنه، تتميمًا للفائدة وإفادة لعلم آخر غير المسئول عنه (¬2) وقد يؤكد (¬3) هذا بظهُور الحَاجة إلى هذا الحكم؛ لأن من توقف في طهورية مَاء البحْر فهو عَن العِلم بحل (¬4) ميتته مع (¬5) ما تقدم من تحريم الميتة، أشد توقفًا (¬6). وهذا الحَديث مذكور في الأصُول في مسألة الخطاب الوارد جوابا لسُؤال سَائل، وقيل: لا خلافَ في العُموم في حل مَيتته؛ لأنه عام ¬

_ (¬1) الحديث رواه الترمذي (69)، والنسائي في "الصغرى" 1/ 50، وابن ماجة (386)، والدارمي (729)، ومالك في "الموطأ" 1/ 22، وأحمد 2/ 361، وصححه ابن حبان (1243). وقال الترمذي: حسن صحيح. وصححه البخاري كما في "علل الترمذي" (33). (¬2) "عارضة الأحوذي" 1/ 89. (¬3) في (ص، س، ل، م): يؤيد. (¬4) في (ص، ل، م): محل. وفي (س): بمحل. (¬5) سقط من (م). (¬6) سقط من (ص، س، ل، م).

مُبتدأ لا في معرض الجَواب إذ هو غَير مسئول عنهُ وورد مبتَدأ بطريق الاستقلال فلا خلاف في عمومه عندَ القائلين بالعُموم وهاهنا تنبيه وهو أن وجده اللفظ العَام بالنسبة إلى مواردها المتعددة مُعتبرة فيها لا في غَيرها فإذا ادعى أن المراد بالعموم هَاهُنا جَواز الوضوء وحل الميتة ليس عامًّا بالنسبة إليهما بل هُما لفظان كل واحد منهما منفرد عَن الآخر يعمُّ كل واحد منهما عَام فيما يتناولهُ. وقال بعَض المتأخرين: إنهُ ليسَ هاهنا لفظ مُنفرد أعم مِنْ ماءِ البحر، فالمجموع من لفظ الماء والميتة أعَم مِنَ السُّؤَال، والجَوَاب أعم مِنَ السُّؤال، وأنت تعلم أنهُ مع تعدُّد اللفظ لا يحْصل العُموم الاصطلاحي، بل حَاصِله أن الأحكام المستفادة مِنَ الجَوَاب المختصّ بما وقع عنهُ السُّؤال، وذلك لا يقتضي لفظًا واحدًا يعم ما وقع فيه وغَيره مِنْ جهة واحدة؛ نعم إن قيل السُّؤال وقع عن الوُضوء، وكون مائه طهورًا يفيد الوُضوء وغَيره فهو أعم مِن السُّؤال، فلذلك وجه، ولفظ الميتة هَاهنا مُضَاف إلى البَحر، ولا يجُوز أن يحمَل على مُطلق ما يجوز إضَافته إليه مما يطلق عليه اسم الميتة، وإن كانَ الإضَافة شائعة في ذلك بحكم اللغة، وإنما هُو محمول على الميتة من دوابه المنسُوبة إليه أو ما يُؤدي هذا المعنى. وقد ذكر ابن الحَاجب إشارة لطيفة حَيث ذكر صيغ العموم وأسماء الشروط والاستفهام، واسم الجنس المعَرف تَعريف جنس والمضَاف إلى ما يصلحُ للبَعْض والجَميع والنكرة في النفي، فقوله: والمُضَاف لما يَصْلحُ للبَعْض والجميع؛ تقييد يقتضي العموم، وقد بنى على هذا

أن لفظة (¬1) الميتة في الحديث لا تكون للِعموم؛ لأنه ليسَ مما ينطلق على الكثير والقَليل، فلا يُقالُ لعدة (¬2) مِنَ الميتات: ميتة. وهذا يُخالف استدلال الناس بهذا العُموم، وللنظر فيه فَصل. قاعدة ينبنى (¬3) عليها غَيرها: اعلم أن الحقائق إمَّا أن لا ينطلق بَعضها على بعض وهي المتباينة كالإنسَان والفَرس. أو ينطلق كل وَاحِد منهما على الآخر وهي المتساوية كالإنسان مع الناطق، أو ينطلق أحدهما على كُل ما (¬4) ينطلق عليه الآخر من غير عكس من الطرف الآخر، فالأول هو العَام من كل وجه، والثاني الخاص كالحيَوان بالنسبة إلى الإنسَان، فإن الأول ينطلق على كل الثاني، والثاني لا ينطلق على كل الأول، فالأول عَام مُطلقًا، والثاني خاصّ بالنسبة إلى الأول، أو ينطلق كل واحد منهما على بعض ما ينطلق عليه الآخر، فكل واحد منهما عَام بالنسبة إلى الآخر من وجه دُون وجه كالحيوان والأبيض فإن الحيوان ينطلق على بعض الأبيَض والأبيَض ينطلق على بعض الحيَوان. إذا ثبت هذا فنقول: إذا ورد لفظان كل واحد منهما عَام من وجه وخاص من وجه، فالمسألة من مشكلات عِلم الأصُول، واختار قوم فيها الوقف (¬5) إلا بترجيح يقوم على القول بأحد اللفظين ¬

_ (¬1) في (م): لفظ. (¬2) في (ص، س): لهذِه. (¬3) في (ص، س، ل، م): يبنى. (¬4) زاد بعدها في (ص، ل، م): لا. (¬5) في (م): التوقف.

بالنسبة إلى الآخر، وكأنهُ يراد الترجيح العَام الذي لا يخصّ مدلول العموم كالترجيح بكثرة (¬1) الرواة، وسائر الأمور الخارجَة من مَدلول العُمومين من حَيث هو عمُوم. قالَ أبوُ الحُسَين (¬2) في "المعتمد": وليس يخلو مثل هذين العمُومين، إما أن يعلم تقدم أحَدهما على الآخر أو (¬3) لا يعلم ذلك، فإن لم يعلم ذلك لم يخل إمَّا أن يكونا معلومين أو مظنونين أو أحدهما معلومًا والآخر مظنُونا؛ لأن الحكم بأحدهما طريقه الاجتهاد، وليس في ترجيح أحدهما ما يقتضي اطراح الآخر فالتخيير (¬4). وقال محمد بن يحيى: ليس أحَدهما بأولى من الآخر، فينظر فيهما إنْ دخلَ أحَدهما تخصيص مُجمع عليه فهو أولى بالتخصيص، وكذلك إذا كان أحَدهما مقصودًا بالعمُوم يرجح على ما كانَ عمُومه اتفاقًا (¬5). وقد اختلفوا في أكل التمسَاح، فمنعهُ الشافعي (¬6)، وأباحَهُ مَالك وأصحابه (¬7)، وهي إحدى المسَائل التي تنبني على هذِه القاعدة. وبيَان ذلك قوله: "الحِل ميتتهُ" إذا جَعَلناهُ عَامًّا كما استدل الناس به ¬

_ (¬1) في (م): لكثرة. (¬2) أبو الحسين محمد بن علي المعتزلي، أحد أئمة المعتزلة بالبصرة، وتوفي بها سنة 436، من كتبه غير "المعتمد": "غرر الأدلة"، و"شرح الأصول"، و"تصفح الأدلة". (¬3) في (م): و. (¬4) "المعتمد" 1/ 419 - 420. واختصره الشارح هنا اختصارا شديدا. (¬5) نقله الزركشي عن ابن يحيى في "البحر المحيط" 8/ 164. (¬6) انظر: "روضة الطالبين" 3/ 275. (¬7) انظر: "الذخيرة" للقرافي 4/ 96.

على العُموم دَخل فيه التمسَاح، ويَعارضه نهيهُ عليه الصلاة والسلام عن أكل كل ذي ناب مِنَ السبَاع، فهو عَام بالنسبة إلى البري والبحري، فيدخل فيه التمسَاح، فيكون كل واحِد منهما عَامًّا من وجه خاصًّا من وجه، فيدخل تحت القاعدَة، إلا أن تدعي المالكية انصراف لفظة السبَاع إلى البري، لتبَادر اللهم عند الإطلاق إليه، فعَلى هذا لا يُعارض كل واحد منهما الآخر من وجه. وإذا عُورضوا بوُجُود الحقيقَة في السّبعيَّة، وثبتَ لهم العُرف في الاستعمال؛ كان الاستعمال مُقدمًا على الحقيقة اللغَوية، وإن لم يثبت (¬1) ذلك فلا بدَّ من ترجيح، فإن طَلبَ الترجيح العَام الخَارج عن مدلول اللَّفظين، فقد ترجح المالكية عُموم هذا الحَديث بموافقة ظاهر قوله تعالى (¬2): {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} (¬3). واستدَل بهذا الحَديث على الحكم بطهارة (¬4) كل مَيتة البحر مع صميم مقدمَة أخرى، وهي أن النجس لا يحَل أكله بدَليل نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن أن يقرب مَائع السمن إذا وقعت فيه الفأرة (¬5)، واختلفوا في إبَاحَة أكل السَّمك الطافي، والذي ذكرهُ الحنفية كراهته (¬6). ¬

_ (¬1) في (ص): ثبت. وفي (س): يبين. (¬2) في (د): فقال. (¬3) المائدة: 96. (¬4) في (م): حكم بطهارته. (¬5) سيأتي تخريجه عند الكلام عليه إن شاء الله تعالى. (¬6) "المبسوط" للسرخسي 1/ 274.

ومذهب الشافعي (¬1) ومالك (¬2) إباحته، وعمُوم الحَديث يقتضيه، ويستدل به عند القائلين بمفهوم المخالفة على أنه لا يجوز ابتلاع السمكة حَية لتخصيص (¬3) الحِل بالموت، فيخرجُ منه الحي في الحكم، وبعضهم يَجعَل الموت في السَمك كالذبح في غَيره ليَحصُل الحِل، ويستدل لهذا اللفظ بمفهُوم الموافقة مِن وجه آخر، وذلك أنا لما بَينا (¬4) أنَّ عُرف الشرع في الميتة ما عدم الحياة من غير ذَكاة، فإذا دل الدليل على إبَاحَة ذلك كان ما ذكي أولى بالإباحة. وهذا من لطيف ما وقع أن يجتمع في لفظة واحدة مفهُوم المخالفة ومفهوُم الموافقة باعتبارين كما ذكرناهُ، وفي قوله: "والحِلُّ ميتته" إضافة الحِل إلى الميتَة، والأعيان لا تقبل الحِل والحُرمة بنفسها، بل بأمر يتعلق بها، فذهَب بَعض الأصُوليين إلى الإجمال (¬5) في مِثل هذا؛ لأنهُ لا بد من إضمار مُتعلق، والمتعلقات مُتعدّدة لا ترجيح لبعضها على بعض بغَير دليل فيجيء الإجمال، واختاروا كونها (¬6) مُقتضية لتحريم ما يراد من العَين عرفًا، فتحريم الميتة تحريم أكلها كما أن تَحريم الخَمر تحريم شربها. ¬

_ (¬1) "الحاوي" 15/ 64. (¬2) "الاستذكار" 5/ 286. (¬3) في (س، م): بتخصص. (¬4) في (م): بين. (¬5) في (س): الإضمار. (¬6) في (ص): ولكونها. وفي (س، ل): وأختار ولكونها.

فعلى هذا ينبغي أن يكون التقدير: الحِل أكل ميتته، ولا يكون فيه دَليل على تحليل ما ليس بأكل من الأفعَال المتَعلقة بميتته، وفي مطاوي كلام بَعض المتأخرين ما يُشعر بالقول بالعموم في المتعَلقات، ويمكن أن يُوجه هذا بأن الحقيقة لما زالت تعَيَّن أقرب المجازات (¬1)، واللهُ تعالى أعلم. * * * ¬

_ (¬1) في (م): المجاوزات.

42 - باب الوضوء بالنبيذ

42 - باب الوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ 84 - حَدَّثَنا هَنَّادٌ وَسُلَيْمانُ بْنُ داوُدَ العَتَكِيُّ قَالَا: حَدَّثَنا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي فَزارَةَ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعْودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ لَهُ لَيْلَةَ الجِنِّ: "ما فِي إِداوَتِكَ". قالَ: نَبِيذٌ. قالَ: "تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَماءٌ طَهُورْ". قالَ أَبُو داوُدَ: وقالَ سُلَيْمانُ بْنُ داوُدَ: عَنْ أَبِي زَيْدٍ أَوْ زَيْدِ. كَذا قالَ شَرِيكٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ هَنَّادٌ: لَيْلَةَ الجِنِّ (¬1). 85 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا وُهَيْبٌ، عَنْ داوُدَ، عَنْ عامِرٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ قالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللْهِ بْنِ مَسْعْودٍ: مَنْ كانَ مِنْكُمْ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ الجِنِّ؟ فَقالَ: ما كانَ مَعَهُ مِنَّا أَحَدٌ (¬2). 86 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنا بِشْرُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَرِهَ الوُضُوءَ بِاللَّبَنِ والنَّبِيذِ، وقالَ: إِنَّ التَّيَمّمَ أَعْجَبُ إِليَّ مِنْهُ (¬3). 87 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن بَشَّارٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنا أَبُو خَلْدَةَ قالَ: سَأَلْتُ أَبَا العالِيَةِ عَنْ رَجُلٍ أَصابَتْهُ جَنابَةٌ وَلَيْسَ عِنْدَهُ ماءٌ وَعِنْدَهُ نَبِيذٌ، أَيَغْتَسِل بِهِ؟ قالَ: لا (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (88)، وابن ماجة (384)، وأحمد 1/ 402، 450. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (11). (¬2) رواه مسلم (450). (¬3) رواه عبد الرزاق (695)، والبيهقي 1/ 9. وعلقه البخاري قبل الحديث (242) بصيغة الجزم عن عطاء. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (78): إسناده ثقات، فهو أثر ثابت إذا كان ابن جريح سمعه منه. (¬4) رواه ابن أبي شيبة 1/ 325 (267)، والدارقطني 1/ 78، والبيهقي 1/ 9. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (79).

باب الوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ [84] (ثَنَا هَنَّادٌ) بن السَّري (وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ) أبو الربيع (الْعَتَكِيُّ) الزهراني، الحَافظ شيخ الشيخَين. (قَالَا: ثَنَا شَرِيكٌ) بن عَبد الله بن أبي شريك النخعي القاضي، أدرك زمَان عُمر بن عَبد العزيز، استشهد به البخاري في "الجَامع" (¬1)، وروى له في "رفع اليدَين في الصَّلاة"، وروى له مُسلم في المتابعات واحتج، به البَاقون (¬2). قال أبو توبة: كُنا بالرملة فقالوا: من رجل الأمة؟ فقال قوم: ابن لهيعة. وقال قوم: مَالك بن أنسٍ. فسألنا عيسى بن يُونس، وقدم عَلينا فقال: رَجل الأمة شريك بن عَبد الله، وكان يومئذ حيًّا، قيل: فابن لهيعَة؟ قال: رجُل يسمع مِنْ أهل الحَجاز. قيل: فمالك بن أنَس؟ قال: شيخ أهل مصره (¬3). (عَنْ أَبِي فَزَارَةَ) بفتح الفاء، واسمه راشد بن كيسَان العَبسي الكوفي، أخرج لهُ مُسلم في النكاح، عن يزيد بن الأصَم (¬4). (عَنْ أَبِي زَيْدٍ) مولى عمرو بن حريث المخزومي، قال ابن عَبد البر: ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (1250). (¬2) وخلاصة القول فيه أنه صدوق، لكنه يخطئ كثيرا. (¬3) "الجرح والتعديل" 4/ 366. (¬4) "صحيح مسلم" (1411) (48).

لا يوقف لهُ على اسْم، اتفقوا على أنهُ مجهُول لا يُعرف اسمه (¬1). وقال الترمذي: أبو زيد رجُل مَجْهُول عند أهل الحَديث، لا يعرف لهُ رواية غَير هذا الحَديث (¬2). ونقل الإجماع على ضعفه، ويكفي في ذَلك قول الطحاوي الحنفي ناصر مَذهب الحنفية أن ما ذهبَ إليه أبو حنيفة ومحمد اعتمادًا على حديث ابن مسعود، ولا أصل له (¬3). (عَنْ عَبْدِ اللِّه بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - أن النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ لَيْلَةَ الجِنِّ .. ) هي التي جَاءت الجن (¬4) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذَهَبُوا إلى قَومهم. (مَا فِي إِدَاوَتِكَ؟ ) الإدَاوة بكسر الهَمزة: المطهرة، وهو إناء صغير من جلد يُتخَذ للماء، جمعها أدَاوى بفتح الوَاو. (قَالَ: نَبِيذٌ) قال في "النهاية": تكرر في الحَديث ذكر النبيذ، وهو ما يُعمل من الأشربة مِنَ التمر والزبيب والحنطة والشعير وغَير ذلكَ، يُقالُ: نبذت التمر والزبيب إذا تركت عليه الماء ليصَير نبيذًا، فهو فَعيل بمعنى مَفْعُول (¬5) وكانُوا ينبذون التمر أو الزبيب في الماء ليحلوا مَاءهم؛ لأن غالب مائهم كان مَالحًا أو مُرًّا، ورُبما يفعلون هذا؛ لأن الماء إذا كانَ فيه التمر أو غَيره من الحلاوى كانَ أوفق وأنفع، فإنهُ يذهبُ منه الملُوحَة فيطيب شربه. ولهذا قال أبو العَالية: أتظنونه نبيذكم الخَبيث، إنما كانَ مَعَهُ ماء ¬

_ (¬1) "نصب الراية" للزيلعي 1/ 139 بمعناه عن ابن عبد البر. (¬2) "سنن الترمذي" 1/ 147. (¬3) "شرح معاني الآثار" 1/ 95. (¬4) في (ص): إلى. (¬5) "النهاية": نبذ.

نبذ (¬1) فيه تمرَات (¬2). وإنما سَماهُ ابن مَسْعُود نَبيذًا على طريق المجَاز مِنْ بَاب تسمية الشيء باسم ما سيصير إليه، كما قال اللهُ تعالى: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} (¬3)، وإنما كان عنبًا، كما تقولون: فلان يضربُ الآجرَّ، وإنما يَضربُ اللبِن الذي يَصيرُ آجرًّا. ولهذا (قَالَ: تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ) وهو خبر مُبتدأ محَذوف، أي: أصلهُ التمرَة الطيبة، أي: أصل نَبيذك التمرة الطيبة (وَمَاءٌ طَهُورٌ) أي: وأصل مائه طهور، فهو إخبَار عن أصله الذي كان عليه، وقد استدل الحنَفية بهذا الحَديث على أن الوُضوء بنبيذ التمر جَائز على الرواية الظاهرة عندهم (¬4)، وروى عنهُ أنه رَجَعَ عنهُ، وقول أبي يوسف (¬5) كقَول الشافعية (¬6): أنه لا يجوز، واستدل الشافعية (¬7) بقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} (¬8) ومن عندهُ النبيذ لم يجد الماء، وموضع الاحتجاج أنهُ إذا عدم الماء ومعهُ نبيذُ التمر لا يكونُ واجدًا للماء، فإن قالوا بحمل الآية على حَال عَدَم الماء والنبيذ. قُلنا: نص الآية اقتضى شَرط عَدَم الماء للنقل إلى التيمم. فحينئذ (¬9) فمن ضَم إليه عَدَم النبيذ ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): نبيذ. (¬2) في (د، م، ل): تميرات. والأثر في "سنن البيهقي" 1/ 12 - 13. (¬3) يوسف: 36. (¬4) انظر: "المبسوط" للسرخسي 1/ 158 - 159. (¬5) انظر: "المبسوط" للسرخسي 1/ 158 - 159. (¬6) انظر: "المجموع" 1/ 93 - 94. (¬7) سقط من (ص، س، ل، م). (¬8) المائدة: 6. (¬9) في (ص): فحسن. وفي (د، س): فحسب.

فقد خالف النص. (قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ سُلَيمَانُ بْنُ دَاوُدَ: عَنْ أَبِي زَيْدٍ أَوْ) قال: عن (زَيْدٍ، كَذَا قَالَ) القاضي (شَرِيكٌ) بن عبد الله بن أبي شريك (وَلَمْ يَذْكُرْ هَنَّادٌ) في روايته (لَيلَةَ الجِنِّ). ونقل ابن السمعاني أنَّ علي (¬1) بن المدَيني نقل باثني عشر طريقًا أنَّ ابن مَسْعُود كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة الجنّ. [85] و (ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التَّبُوذكي، قال: (ثَنَا وُهَيبٌ) بن الوَرد المكي الزاهد (¬2). (عَنْ دَاوُدَ) بن عبد الله الأودي (¬3) وثق (¬4) (عَنْ عَامِرٍ) (¬5) بن شراحيل الشعبي الكُوفي، وأمهُ من سبي جلولاء، ولد لست سِنِين خَلت من خلافة عمر بن الخطاب (عَنْ عَلْقَمَةَ) بن قيس (¬6) النخَعي. (قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللِّه بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَعَ النبي - صلى الله عليه وسلم - لَيلَةَ الجِنِّ؟ ) حين جاؤوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذهبوا إلى قومهم ليتَعلموا. ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) كذا قال الشارح رحمه وهو خطأ. والمعني هنا هو وهيب بن خالد الباهلي. وهو ثقة، تغير بأخرة. وقد رواه الطيالسي عن وهيب. راجع "مسند الطيالسي" (279). وكذا ذكر العيني في "شرح أبي داود" أنه وهيب بن خالد، راجع "شرح أبي داود" للعيني 1/ 240. (¬3) كذا قال الشارح وهو خطأ أيضًا، والمقصود هنا، هو داود بن أبي هند. راجع التعليق السابق. (¬4) في (ص): ذين، وفي (س): ثقة. وفي (م): زيد. (¬5) كتب فوقها في (د): ع. (¬6) في (ص): قلس.

(فَقَالَ: مَا كَانَ مَعَهُ مِنَّا أَحَدٌ) وفي رواية زيد بن ثابت: ما معهُ إلا ابن مَسْعُود. وتقدم نقل ابن المدَيني باثني عَشر طريقًا أن ابن مسعود كان معه، وورد أيضًا في خبر الاستنجاء من رواية الطبراني في "الأوسَط" بسند فيه (¬1) عَبد الله بن صَالح، وثقه يحيى بن معين وعبد الملك بن شعَيب بن الليث، وبقية رجاله رجَال الصحيح (¬2) عن عبد الله بن مسعود قال: استتبعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة فقال: إن نفرًا مِنَ الجِن خمسة عشر بنُو إخوة وبنو عم يأتوني الليلة فأقرأ عليهم القرآن، فانطلقتُ معهُ إلى المكان الذي أرَاد، فجعَل لي خطًّا ثم أجلسني وقال: "لا تخرجن من هذا" فبت فيه حتى أتاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع السَّحَر وفي يده عظم حَائل وروثة وحممة (¬3) فقال: "إذا أتيت الخلاء فلا تستنجينَّ بشيء من هذا" قال: فَلما أصبحتُ قلت: لأعلمن حَيث كانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذهبت فرأيت مَوضع سبعين بعيرًا (¬4). وروى الطبراني في "الكبير" بإسنادٍ حسَن ليسَ فيه غير بقية، وقدْ صَرح بالتحديث عن الزبير بن العَوام قال: صَلى بنَا رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصُّبح في مسجد المدينة، فلما انصرف قال: أيكم يتبعني إلى وفد الجِن الليلة، فأسْكت القَوم فلم يتكلم منهم أحَد، قال ذلك ثلاثًا، ¬

_ (¬1) زاد في (د): عن. (¬2) الطبراني في "الأوسط" (8995). (¬3) في (م): وقحمة. (¬4) قال الهيثمي في "المجمع" 1/ 210: فيه عبد الله بن صالح كاتب الليث، ضعفه الأئمة أحمد وغيره، ووثقه يحيى بن معين، وعبد الملك بن شعيب بن الليث، وبقية رجاله رجال الصحيح.

فمر بي يمشي فأخذ بيدي فجعَلت أمشي حتى حبست عنا جبَال المدينة، وانصَببنا إلى أرض براز، فإذا رجَال طُوال كأنهمُ الرمَاح مُستذفري ثيابهم مِنْ بين (¬1) أرجُلهم، فلما رأيتهم غشيَتني رعدَة شديدة حتى ما تمسكني رجلاي مِن الفرق، فلما دنونا منهم خط لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطًّا فقال لي: "اقعد في وسطه". فلما جَلست ذهبَ عني كل شيء كنتُ أجدهُ من ريبة، ومضى النبي - صلى الله عليه وسلم - بيني وبينهم فتَلا قرآنًا رفيعًا (¬2) حتى طلع الفجر، ثم أقبل حتى مر بي فقال لي (¬3): "الحق" فجعَلت أمشي معه، فمضينا غير بَعيد فقال لي: "انظر فالتفت، فهَل (¬4) ترى حيث كان أولئك من أحد؟ " فقلت: يا رسول الله، أرى سوادًا كثيرًا، فخفض رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - رأسهُ إلى الأرض فنظم عظمًا بروثة، ثم رمى به إليهم، ثم قال: "رشد (¬5) أولئك من وفد قوم هم وفد نصيبين، سألوني الزاد فجعَلت لهم كل عظم وروثة". قال الزبير: فلا يحل لأحد أن يستنجيَ بَعظم ولا روثة (¬6)، وقوله: مُستذفري هو بذَال معجمة، ثم فاء، أي: جاعليهم (¬7) من بين أرجُلهم، كما يجعَل الذفر تحت ذنب البَعير، وفي رواية: مُستثفري. بالثاء المثَلثة. ¬

_ (¬1) في (م): تحت. (¬2) في (ص، ل): وقيعا. وفي (م): دمعا. (¬3) من (د). (¬4) في (م): قبل. (¬5) في (ص، س، ل): رشه. وفي (م): راسة. (¬6) "المعجم الكبير" 1/ 125 (251). (¬7) في (ص، س، د): جاعلينهم.

قالَ في "النهاية": هو أن يدخل الرجل ثوبه بين رجليه كما يفعل الكلب بذنَبه (¬1)، وضعف (¬2) الشافعية (¬3) بهذِه (¬4) الرواية حَديث ابن مسعود، وبأنَّ خَبر ابن مسعود كان بمكة، وآية التيمم نزلت بالمدينة. وقد تضمن (¬5) نسخه؛ لأنه لما نقل من الماء إلى التراب فقد رفع النقل إلى النبيذ (¬6)؛ ولأنه نقل إلى التراب من غير واسِطَة فيكون رفعًا للوَاسِطَة. وقالت الحنفية (¬7): نحنُ نقول: إنه (¬8) كانَ معهُ ليلة الجنّ، ولم يكن معهُ عند خطاب الجِنّ وقراءته عليهم (¬9) جمعًا بين الروايتين المتضادتين (¬10). [86] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارِ) قال: (ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ) بن أبي الزناد (¬11)، قال ابن سعد: كان يُفتي ببغداد، قال: (ثَنَا بِشْرُ بْنُ مَنْصُورٍ) السَّليمي (¬12) ¬

_ (¬1) "النهاية" (ثفر). (¬2) في (ص، س، ل): حقق. (¬3) "الحاوي" 1/ 51. (¬4) في (م): بهذا. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (ص، ل، م): القيد. (¬7) "المبسوط" للسرخسي 1/ 215. (¬8) في (ص): إن. (¬9) في (د): وقراءتهم عليه. (¬10) في (م): المتضادين. (¬11) كذا قال - رحمه الله - وهو خطأ. والصواب أنه عبد الرحمن بن مهدي، ورواه البيهقي من طريق أبي داود وصرح بأنه ابن مهدي. (¬12) ذكره ابن نقطة في باب السَّليمي أنه بفتح السين وكسر اللام. انظر: "تكملة الإكمال" 3342 (3319).

وسليمة من الأزد، أخرج له مُسلم في الصلاة عن الجريري (¬1). (عن) (¬2) عبد الملك (ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ) بن أبي ربَاح (أَنَّهُ كَرِهَ الوُضُوءَ بِاللَّبَنِ وَبالنَّبِيذِ) رواية الخطيب: والنبيذ (¬3) بحذف الباء. (وَقَالَ: إِنَّ التَّيَمُّمَ أَعْجَبُ إِلَيَّ منه) (¬4) أي: يُعجبني وأرضى (¬5) به، وليس هو من أفعَل التفضيل؛ لأنه لا يجوز عنده الوضوء بالنبيذ أصلًا كما حكاهُ ابن حزم في "المحلى"، فإنه قال: ما سقط عنه اسم الماء جملة كالنبيذ وغَيره لم يجز الوُضوء به ولا الغسْل، والحكمُ حينئذ التَّيممُّ (¬6). وبه قال الحسَن (¬7)، وعطاء بن أبي رباح (¬8)، وسُفيان الثوري، وأبو يوسف (¬9)، وإسحاق (¬10)، وأبو ثور وغيرهم. قال أهل اللغة: يُستعمل التعجب على وجهين: أحدهما: ما يحمدهُ (¬11) الفاعل، ومعناهُ الاستحسان والإخبار عن ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (438). (¬2) سقط (ل). (¬3) من (د، س، ل، م). (¬4) قال الألباني في "صحيح أبي داود" 1/ 149: أثر ثابت، إن كان ابن جريج سمعه من عطاء، إسناده ثقات. (¬5) في (ص، ل، م): وقيعا. وفي (م): دمعا. (¬6) "المحلى" 1/ 202. (¬7) "مصنف عبد الرزاق" (694). (¬8) "مصنف عبد الرزاق" (695). (¬9) "المبسوط" للسرخسي 1/ 215. (¬10) "مسائل أحمد وإسحاق رواية الكوسج" (42). (¬11) في (ص، س، ل، م): يجده.

رضاه به. والثاني: ما يكرهه، ومعَناهُ الإنكار والذم لهُ. ففي الاستحسان يُقال: أعجبني بالالف، وفي الذم والإنكار يقال: عجبت (¬1) وزان: تعبت (¬2). [87] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَارٍ) بندار قال: (ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ) (¬3) بن مَهدي بن حَسَّان، قال ابن المديني: أعلم الناس بالحَديث (¬4). قال: ما رأيتُ معهُ كتابًا قط، قال: (ثَنَا أَبُو خَلْدَةَ) بفتح الخاء المعُجمة وإسكان اللام، اسمه خالد بن دينار التميمي السَّعدي البصري، أخرج له البخاري في الجُمعة عن أنس، وعنهُ حرمي بن عمارة (¬5). (قَالَ: سَألْتُ أَبَا العَالِيَةِ) رفيع، مولى امرأة من بني رياح أعتقته سائبة، أحَد كبار التابعين بالبصرة، وهو القائل: كنا نأتي المدينة في طلب العلم. قالت حَفصة بنت سيرين: سمعته يقول: قرأت القُرآن على عُمر ثلاث مَرات (¬6)، توفي سنة تسعين (¬7). (عَنْ رَجُلٍ أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ وَلَيسَ عِنْدَهُ مَاءٌ وَعِنْدَهُ نَبِيذٌ) أيجوز (¬8) له أن (يَغْتَسِلُ بِهِ؟ قَالَ: لَا) رواه أبو عبيد في كتاب "الطهَارة" من (¬9) طريق ¬

_ (¬1) في (ص): عجيب. (¬2) في (ص): أن تعين. وفي (س) وزان تعين. (¬3) كتب فوقها في (د): ع. (¬4) "الإرشاد" لأبي يعلى الخليلي 2/ 509. (¬5) "صحيح البخاري" (906). (¬6) "تاريخ دمشق" 18/ 169. (¬7) "تهذيب الكمال" 9/ 218. (¬8) في (ص، س، ل، م): يجوز بحذف همز الاستفهام. (¬9) في (ص، س، ل، م): عن.

مروان بن معاوية عن أبي خَلدة قلت لأبي العالية: رَجُل أجنب وليس عندهُ ماء أيغتسل بالنبيذ؟ فكرههُ. قال: قلتُ له: أرأيت ليلة الجِنّ قال: أنبذتكم هذِه الخبيثة، إنما كانَ ذلك زبيبًا وماء. ثم قال: اختلف أهل العراق من أصحَاب الرأي في هذا، فلهم فيه ثلاثة أقوال: أحَدُها: أنه يجزئه أن يتَوضأ ولا يحتاج معه إلى التيمم. والثاني: أنه يتيمم ولا يتوضأ به. والثالث: أنه يجمع الوُضوء والتيمم (¬1) وكل هذا عندهم إنما هو في نبيذ التمر، فأمَّا الزبيب فلا أعلم أحدًا منهم يرى الوُضوء به (¬2). * * * ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "الطهور" لأبي عبيد 1/ 314 - 315.

43 - باب أيصلي الرجل وهو حاقن؟

43 - باب أَيُصَلِّي الرَجُلُ وَهُوَ حاقِنٌ؟ 88 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن يُونُسَ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأرْقَمِ أَنَّهُ خَرَجَ حاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا وَمَعَهُ النّاسُ وَهُوَ يَؤُمُّهُمْ، فَلَمَّا كانَ ذاتَ يَوْمٍ أَقامَ الصَّلاةَ، صَلاةَ الصُّبُحِ، ثُمَّ قالَ: لِيَتَقَدَّمْ أَحَدُكُمْ. وَذَهَبَ الخَلاءَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقُولُ: "إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَذْهَبَ الخَلاءَ وَقامَتِ الصَّلاةُ، فَلْيَبْدَأْ بِالخَلاءِ" (¬1). قالَ أَبُو داوُدَ: رَوى وُهَيْبُ بْنُ خالِدٍ وَشُعَيْبُ بْنُ إِسْحاقَ وَأَبُو ضَمْرَةَ هذا الحَدِيثَ، عَنْ هِشامِ بْنِ عروَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَجُلٍ حَدَّثَهُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَرْقَمَ. والأكثَرُ الذِينَ رَوَوْهُ عَنْ هِشامٍ، قالُوا كَما قالَ زُهَيْرٌ. 89 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ وَمُسَدَّدٌ وَمحَمَّدُ بْن عِيسَى - المعْنَى - قالُوا: حَدَّثَنا يحيى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي حَزْرَةَ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ - قالَ ابن عِيسَى فِي حَدِيثِهِ: ابن أَبِي بَكْرٍ. ثُمَّ اتَّفَقُوا: أَخُو القاسِمِ بْنِ محَمَّدٍ - قالَ: كُنّا عِنْدَ عائِشَةَ فَجِيءَ بِطَعامِها، فَقامَ القاسِمُ يُصَلِّي، فَقالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لا يُصَلَّى بِحَضْرَةِ الطَّعامِ، وَلا وَهُوَ يُدافِعُهُ الأخْبَثَانِ" (¬2). 90 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنا ابن عَيّاشٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ صالِحٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ شرَيْحٍ الَحضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي حَيٍّ المُؤَذِّنِ، عَنْ ثَوْبانَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ثَلاثٌ لا يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَهُنَّ: لا يَؤُمُّ رَجُلٌ قَوْمًا فَيَخُصُّ نَفْسَهُ بِالدُّعاءِ دُونَهُمْ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ خانَهُمْ، وَلا يَنْظُرُ فِي قَعْرِ بَيْتٍ قَبْلَ أَنْ يَسْتَأْذِنَ، فَإِنْ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 483، والترمذي (142)، وقال: حسن صحيح، والنسائي 2/ 110، وابن ماجة (616)، والدارمي (1427)، وابن حبان (2571). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (80). (¬2) رواه مسلم (560/ 67).

فَعَلَ فَقَدْ دَخَلَ، وَلا يُصَلِّي وَهُوَ حَقِنٌ حَتَّى يَتَخَفَّفَ" (¬1). 91 - حَدَّثَنا مَحْمُودُ بْن خالِدٍ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنا ثَوْرٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ شُرَيْحٍ الحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبي حَيٍّ المُؤَذِّنِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُوْمِنُ باللهِ واليَوْمِ الآخِرِ أَنْ يُصَلِّيَ وَهُوَ حَقِنٌ حَتَّى يَتَخَفَّفَ". ثمَّ ساقَ نَحْوَهُ عَلَى هذا اللَّفْظِ قالَ: "وَلا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُوْمِنُ باللهِ واليَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَؤُمَّ قَوْمًا إلَّا بِإِذْنِهِمْ، وَلا يَخْتَصَّ نَفْسَهُ بِدَعْوَةٍ دُونَهُمْ، فإنْ فَعَلَ فَقَدْ خانَهُمْ". قالَ أَبُو داوُدَ: هذا مِنْ سُنَنِ أَهْلِ الشّامِ لَمْ يَشْرَكْهُمْ فِيها أَحَدٌ (¬2). * * * باب: أَيُصَلِّي الرَّجُلُ وَهُوَ حَاقِنٌّ؟ [88] (ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ) شيخ الشيخين، قال: (ثَنَا زُهَيرٌ) بن مُعاوية بن حديج الجعفي الكوفي، كانَ أهل العِراق يقولون في أيام الثوري: إذا مَات الثوري ففي زُهير خَلف. قال: (ثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ) عروة بن الزبير بن العَوام الأسدي القرشي المدَني. (عَنْ عَبْدِ اللِه بْنِ الأَرْقَمِ) بن عَبد يَغوث القرشي الزهري، أسلم عام الفتح، وكتب للنَّبِي - صلى الله عليه وسلم - ثم لأبي بكر، ثم لعمر. قال مَالك: أجازهُ عُثمان على بيت المال بثلاثين ألفًا فأبى أن يقبلها، ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (357)، وابن ماجة (619)، (923)، وأحمد 5/ 280. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (12). (¬2) رواه الحاكم 1/ 168، والبيهقي 3/ 129. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (13): إسناده ضعيف كسابقه، لكن الجملة الأولى منه صح معناها من حديث عائشة رقم (81) من "صحيح سنن أبي داود".

وقال: إنما عملت لله وأجري على الله (¬1). (أَنَّهُ خَرَجَ حَاجًّا أَوْ (¬2) مُعْتَمِرًا و (¬3) مَعَهُ النَّاسُ وَهُوَ يَؤُمُّهُمْ) في الصَّلوات، وفيه دلالة على مشروعية صَلاة الجماعة للمُسافرين، وأنهم يقيمون لهم من يُصلي بهم في السَّفر كالإقامَة. قال الشافعي: لا يخلو جَماعة مُقيمون ولا مُسافرونَ من أن يصلى فيهم صَلاة جَمَاعَة (¬4). (فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَقَامَ الصلاة صَّلاةَ) (¬5) بالنَّصب، بَدَل منَ الصلاة قبله. (الصُّبْحِ) ليُصَلي بهم (ثُمَّ قَالَ: لِيَتَقَدَّمْ أَحَدُكُمْ. وَذَهَبَ إِلَى) بيت (الْخَلَاءِ) فيه فضيلة عبد الله بن أرقم وشدة احتراصه على العَمل بما سمعهُ وتعليمه للناس. (فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللِّه - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَذْهَبَ) إلى (الْخَلَاءَ وَقَامَتِ الصَّلاةُ) أي: وأقيمت الصلاة بدَليل رواية "الموطأ" إذا أقيمت الصلاة (¬6) ووجد أحدكم الغائط (¬7) (فَلْيَبْدَأْ) بالغائط (بِالْخَلَاءِ) بالمد؛ يَعني: يبدأ بالخَلاء قبل الذهَاب إلى الصلاة فيفرغ نفسه ثم ¬

_ (¬1) "معجم الصحابة" للبغوي 3/ 528. وفيه: ثلاثمائة ألف، بدل: ثلاثين ألفًا. (¬2) سقط من (ل، م). (¬3) كذا في (د). وهو الصواب. وفي بقية النسخ: أو. (¬4) "الأم" 1/ 277. (¬5) سقط من (ل، م). (¬6) سقط من (ص، س، ل، م). (¬7) "الموطأ" 1/ 159 بنحوه.

يَرجع فيُصلي، ومحل هذا إذا لم يخف فوت الوقت، فلو خاف فوت الوقت فوجهان: أصحُّهما: تقديم الصَّلاة. والثاني: الأولى (¬1) أن يقضي حَاجته، وإن خاف فوت الوقت وهو مقتضى إطلاق الحَديث، ولنا وجه أنهُ إذا صَلى، وقد ضَاق عليه الأمر بالمدَافعَة وسَلب خُشوعه بطلت صَلاته. (قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوى) هذا (وُهَيبُ (¬2) بْنُ خَالِدٍ) الباهلي مولاهم الكرابيسي الحَافظ (وَشُعَيبُ بْنُ إِسْحَاقَ) الدمشقي، أخرجَ له الشيخان. (وأبو ضمرة) (¬3) أنس بن عياض بن حمزة (هذا الحَدِيثَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ) عروة بن الزبير - صلى الله عليه وسلم - (عَنْ رَجُلٍ حَدَّثَهُ، عَنْ عَبْدِ اللِّه بْنِ أَرْقَمَ - رضي الله عنه -). (وَالأَكْثَرُ) أي: أكثر الرواة (الَّذِينَ رَوَوْهُ عَنْ هِشَامٍ) بن عروة (قَالُوا كَمَا قَالَ زُهَيْرٌ) في روايته (¬4) المتقدمة. [89] (ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى) بن نجيح البغدَادي الحافظ ابن الطباع سكن أذنة (¬5)، روى عنه البخاري تعليقًا، (ومسدد المعنى) بفتح النون. (قَالُوا: ثَنَا يَحْيَى (¬6) بْنُ سَعِيدٍ) القطان (عن أبي حَزْرة) بحاء مُهملة، ¬

_ (¬1) في (م): الأول. (¬2) في (م): وهب، وهو خطأ. وكتب فوقها في (د): ع. (¬3) في (ص): حمزة. وفي (م): ضمير ة. (¬4) في (د): الرواية. (¬5) في (ص، س): شكر أدبه. وفي (م): سكن أدمة. (¬6) كتب فوقها في (د): ع.

وزاي ساكنة ثم راء، يعقوب بن مجاهد المخزومي، مولى لهم، مدني كان قاضيًا بالمدينة، ومَاتَ سنة 150 (¬1) بالإسكندرية، أخرج له مُسلم عَن عبد الله بن أبي عتيق وعبادة بن الوَليد (¬2). قال: (ثَنَا عَبْدُ اللِّه بْنُ مُحَمَّدٍ) بن عَبد الرَّحمن بن أبي بكر الصِّديق. (قَالَ) محمد (ابْنُ عِيسَى فِي حَدِيثِهِ) محمد بن عبد الله بن محمد (ابْنُ أَبِي بَكْرٍ) الصِّديق (ثُمَّ اتَّفَقُوا) أنهُ (أَخُو القَاسِمِ بْنِ مُحَمَدٍ) بن أبي بكر الصديق عن عمته عائشة رضي الله عنها (قَالَ: كنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ رضي الله عنها فَجِيءَ بِطَعَامِهَا فَقَامَ القَاسِمُ) بن محمد (يُصَلِّي) رواية مُسلم فيها زيادة توضحه، ولفظه عن يَعقوب بن مجَاهد، عن ابن أبي عتيق قال: تحدثت أنا والقاسم عند عائشة، وكان القاسم رجلًا لَحانًا، وكانَ لأم ولد فقالت له عَائشة: مَا لك لا تتحدث كما يتحدث ابن أخي هذا؟ ! أما إني أعلم من حَيث أتيت (¬3)، هذا أدبته أمهُ، وأنت أذَبتك أمك قال: فغَضب القاسِمُ وأضب (¬4) عليها، فلما رأى مائدة عَائشة قد أتي بها قام قالت: أين؟ قالَ: أُصلي. قالت: اجلس. قال: إني أُصلي. قالت: اجلس غدر (¬5). (فَقَالَتْ: ) إني (سَمِعْتُ رَسُولَ اللِّه - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: لَا يُصَلَّى) بضم أوله، ¬

_ (¬1) من (د). (¬2) "صحيح مسلم" (560). (¬3) في (م): أتت. (¬4) في (ص، س، ل): أحنب. وفي (م) ت أحب. وقوله: أضب، يعني: حقد. (¬5) "صحيح مسلم" (560) (67).

وفتح الصاد واللام مبني لما لم يسَم فاعله، ولفظ مُسلم: "لا صَلاة" (¬1) [(بِحَضْرَةِ) حضرة مثلث الحاء] (¬2) طعام. قال القرطبي: ظاهر هذا نفي الصحة والإجزاء، وإليه ذهبَ أهل الظاهر أن الصلاة بحضور (الطَّعَامِ) لا تصح قال: وتأول بعض أصحابنا (¬3). وحكى الترمذي عن أحمد وإسحاق أنهما يقولان: يبدأ بالعشاء وإن فاتته الصلاة. قال: وسمعت الجارود يقول: سمعت وكيعًا يقول في هذا الحديث: يبدأ بالعشاء إذا كان طعامًا يخاف فسَاده (¬4). (وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ) كذا رواية مُسلم، والأخبثان بالثاء المثلثة هما البَول والغائط، قالهُ الهروي (¬5) وغيره، وحضُور الشراب الذي تتوق إليه النفس من ماء وغَيره بحضور (¬6) الطعام، ومُدافعة الريح كمدافعة البَول والغائط. [90] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى) بن نجيح البغدَادي، روى عَنه البخَاري تعليقًا، قال: (ثنا) إسماعيل (¬7) (ابْنُ عَيَّاشٍ) عالم أهل الشام في عصره. ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (565) (67). (¬2) في (م): طعام حضرة مثلث الحاء. (¬3) انظر: "المفهم" 2/ 165. (¬4) "جامع الترمذي" 2/ 184 - 185. (¬5) "الغريبين" 2/ 528. (¬6) في (د، م): لحضور. (¬7) في (ص): شعبة. وفي (م): أبي بكر بن شعبة بن عياش. وفي (س): أبو بكر شعبة بن عياش.

(عَنْ حَبِيبِ) بفتح الحَاء (¬1) المهملة (بن (¬2) صَالِحٍ) الطائي (عَنْ يَزِيدَ بْنِ شُرَيْحٍ) بضَم الشين المُعجمة (الْحَضْرَمِيِّ) الحمصي، ثقة، من الصُّلحَاء (¬3) (عَنْ أَبِي حَيٍّ المُؤَذِّنِ) الحِمْصي. كذا للترمذي ذكرهُ ابن عَبد البر في من لم يذكر لهُ اسم سوى كنيته، (عَنْ ثَوْبَانَ) السَّروي مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - (قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ثَلَاثٌ) أصله: ثلاث خِصَال، بالإضَافة ثم حَذف المضاف، ولهذا جَاز الابتداء بالنكرة، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "خَمسُ خصَال كتبهن (¬4) الله" (¬5). (لَا يَحِلُّ لأَحَدٍ) من الناسِ (أَنْ يَفْعَلَهُنَّ) أن ومَا بعَدَها تقدر بالمصدر الذي هو فاعل يحلّ، تقديرهُ: لا يحل لأحَد فعلهن (لَا يَؤُمُّ رَجُلٌ) أي: ولا أمرأة، إذا قلنا على الصَّحيح أنها تَؤمُ النسَاء (قَوْمًا فَيَخُصَّ) مَنصُوب بأن المضمرَة (¬6)، لوروده بعد النفي كقوله تعالى: {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} (¬7). (نَفْسَهُ بِالدّعَاءِ) رواية الترمذي: "بدَعوة" (¬8) (دُونَهُمْ) اسْتدل به على أنهُ ¬

_ (¬1) ليست في (د). (¬2) في (ص، س، ل، م): عن. (¬3) "الكاشف" للذهبي ترجمة (6422). (¬4) في (م): كتب. (¬5) الحديث بلفظ: "خمس صلوات كتبهن الله ... "، وقد أخرجه أبو داود (1420) وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى. (¬6) في (ص): المضمرة. وفي (ل، م): المقدرة. (¬7) فاطر: 36. (¬8) "جامع الترمذي" (357).

يُكره للإمَام تخصيص نفسه بالدعَاء، بل يأتي بلفظ الجَمع فيقول في القنوت: اللهمَّ اهدنا فيمن هدَيت. وكذا. ما بعَدهُ، وكذا في التشهد لا يخص نفسه [بل يأتي بصيغَة الجَمع فيقول: اللهمُ اغفر لنا ما قدمنَا .. " إلى آخره. قال الجيلي: والحكم كذلك في جميع الأدعية، وهو مُقتضى إطلاق الحَديث، ونقلهُ ابن المنذر (¬1) عن الشافعي (¬2) فقال: قال الشافعي: لا أحبُّ للإمَام تخصيص نفسه] (¬3) بالدعاء دُون القَوم، وثبت أن رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ إذا كبَّر في الصَّلاة يقول قبل القراءة: "اللهم باعد بيني وبينَ خطاياي ... " إلى آخره "اللهم اغسلني" "اللهم نقني" (¬4). هذا كلامه. قال الإسنَوي: فعَلى هذا الفرق بينه وبين القنوت أن الجَميع مأمورون بذلك الدعاء بخلاف القنوت، ومقتضى هذا (¬5) الفَرق (¬6) أنه لا يُستحب الجمع في التشهد ونحوه إلا أن يكون مُراد ابن المنذر استثناء دعاء الاستفتاح خاصة (فَإِنْ فَعَلَ) ذلك في الدعاء (فَقَدْ خَانَهُمْ) كل ما أمر اللهُ به أو رسوله أو الخلفاء الراشدون بعده فهو أمانة وتركه خيانة. قال الله تعالى: {وَلَا تَخُونُوا اللَّهَ} (¬7) ورسُوله، وقد روى البيهقي ¬

_ (¬1) "الأوسط" 4/ 237. (¬2) من (د). (¬3) سقط من (م). (¬4) رواه البخاري (744)، ومسلم (598) من حديث أبي هريرة. (¬5) في (ص، ل، م): الجمع. (¬6) سقط من (م). (¬7) سقط من (ص).

في "سُننه الكبير" عن عمر - رضي الله عنه - أنه قنتَ بعد الركوع فقال: اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات ... إلى آخره، يعني: بصيغة الجمع، وقال فيه: صحيح (¬1) مَوصُول (¬2)، وأخرجهُ من طرق أخر بعضُها مرفوع. وقال أبو عبد الرحمن: علَّمنا ابن مسعُود أن نقرأ في القنوت: اللهم إنا نستعينُك ونستغفرك. رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" بسند صحيح رجاله رجَال الصَّحيح (¬3). فعلى هذا إذا ترك الإمام صيغة الجَمع التي دَعَا بها عُمر وابن مسعُود، وخص نفسه بالدعاء دونهم فقد خانهم. (وَلَا يَنْظُرُ) بالرفع عطفًا على "يؤم" (فِي قَعْرِ) أي: صدر (بَيْتٍ) وقعر الشيء نهاية أسفله، ومنه: جَلسَ في قعر بيته. وهو كناية عن الملازمة. ورواية الترمذي: "لا يحل لامرئ أن ينظر في جوف بيت امرئٍ حتى" (¬4). (قَبْلَ أَنْ يَسْتَأْذِنَ) فيه تَحريم الاطلاع في بيت الغَير بغير إذنه، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة: "لو اطلع أحد في بيتك ولم تأذن لهُ فخذفته بحصاة ففقأت عَينه ما كان عليك مِن جُناح" (¬5). وقد اختلف العلماء في من رمي إنسانًا نظر في بيته بغَير إذنه فأصَاب عينه ففقأها: فالأكثر مِن الرواية عن مَالك (¬6) - وهو قَول أبي حنيفة (¬7) - ¬

_ (¬1) تكررت في (ص، ل). (¬2) "السنن الكبرى" 2/ 210. (¬3) "مصنف ابن أبي شيبة" (6965). (¬4) "جامع الترمذي" (357). (¬5) "صحيح البخاري" (6888، 6902)، و"صحيح مسلم" (2158) (44). (¬6) "الكافي" لابن عبد البر 2/ 1127. (¬7) "حاشية ابن عابدين" 6/ 550.

إثبات الضمان عليه؛ لأنهُ لو نظر إلى عورة إنسَان بغَير إذنه لم يستبح (¬1) بذلك فقء عَينه، فالنظر إلى الإنسان في بيته أولى بأن لا يباح له ذلك. وقال الشافعي: لا ضمان لحديث أبي هريرة (¬2) (فَإنْ فَعَلَ ذلك فَقَدْ دَخَلَ) أي: فقد ارتكبَ إثم من دخلَ البيت (وَلَا يُصَلِّي) بكسْر اللام المشددة يصلي هو مُضارع، والفعل في مَعنى النكرة، والنكرة إذا جَاءت في معرض النفي تعم، فيدخل في نفي الجَواز صلاة فرض العَين والكفاية كالجنازة والسنة والمندُوبة والتطوُّع جَميعها (¬3) لا يحل شيء منها. (وَهُوَ حَقِنٌ) قال في "النهَاية"؛ الحاقن والحقن -يعني: بحذف الألف- سَواء، قال: والحَاقِن هو الذي حبسَ بوله، كالحَاقب للغائط (¬4). وروى ابن مَاجَة عن أبي أمَامة؛ أن رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - نَهى أن يصَلي الرجُل وهو حَاقن (¬5)، وعزا رزين إلى الترمذي النهي عن صَلاة الحازق، والذي ذكرهُ أصحَاب غَريب الحَديث: لا رأي لحَازق وهو صَاحب الخف الضيّق (¬6). (حَتَّى يَتَخَفَّفَ) بفتح المثناة تحت والمثناة فوق أي: يخفف نفسَه بخروُج البَول والغائط حتى لا يبقى معهُ شيء يُؤذيه، وروى الطبَراني ¬

_ (¬1) في (ص، ل): يستبيح. (¬2) "الأم" 6/ 48. (¬3) في (د): جميعًا. (¬4) "النهاية" (حقن). (¬5) "سنن ابن ماجة" (617) وصححه الألباني. (¬6) "تاج العروس": حزق.

في "الأوسَط" عن المسور بن مخرمة قال رسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُصَليَنَّ أحَدكم وهو يجد شيئًا من الأذى". يعني: البَول والغائط (¬1)، وما في معناهُ (¬2) من خروج ريح أو خف (¬3) أو وطاء يحزق عليه. وروى عن عَائشة رضي الله عنها كان رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يُصلي وهو يجد من الأذى شَيئًا (¬4)، وفي سنده (¬5) أبُو مَعشر السّندي، وثقه بعضهم (¬6). [91] (ثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ) بن يزيد (السُّلَمِيُّ) الدمشقي بفتح السين واللام إمام مسجد سَلمية (¬7)، وثقهُ النسَائي (¬8)، وقال أبُو حَاتم: ثقة رضا، مَات (¬9) سنة (¬10) 249 (¬11). قال: (ثَنَا أَحْمَدُ بن (¬12) عَلِيٍّ) إمام مسجد سَلمية (¬13)، جَيّد الحَديث لم يرو عنه غير محمود بن خالد (¬14)، قال: (ثَنَا ثَوْرٌ) بن يزيد الحِمْصي ¬

_ (¬1) "المعجم الأوسط" (2824). (¬2) في (د): معناهما. (¬3) في (ص، س، م): خفا. وفي (ل): جفاء. (¬4) "المعجم الأوسط" (2361). (¬5) في (ص، م): سيرة. (¬6) والأكثرون على ضعفه، اختلط قبل موته راجع ترجمته في "التهذيب" 29/ 322. (¬7) في (م): سليمة. (¬8) "مشيخة النسائي" (151). (¬9) من (د، س، ل، م). (¬10) ليست في (د، س، ل، م). (¬11) "تهذيب الكمال" 27/ 297، "الجرح والتعديل" 8/ 292. (¬12) من (د، س). (¬13) في (م): سليمة. (¬14) "الكاشف" للذهبي ترجمة (66).

الحافظ، كانَ ثبتا (¬1) قدريًّا أخرجوه من حمص، وأحرقوا داره (¬2)، ومات ببيت المقدس، أخرج له البخاري في مَوَاضِع. (عَنْ يَزِيدَ بْنِ شُرَيْحِ الحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي حَيٍّ المُؤَذِّنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُؤْمِنُ باللِّه وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يُصَلِّيَ وَهُوَ حَقِنٌ) يقالُ: حَقَنَ الرجلُ بوله من باب قتل، أي: حَبَسه وجمعَه فهو حاقِن وحقِن. قال ابن فارس (¬3): يقال لما جمع من لبن ونبيذ (¬4): حقين، ولذلك سمى حَابس البَول حَاقنًا، وروى الطبراني في "الكبير" عن أبي أمَامة - رضي الله عنه - أيضًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من كَانَ يشهد أني رسُول الله فلا يشهد الصلاة حَاقنًا" (¬5) (حَتَّى يتخفف) وروى ابن ماجة بعضه (¬6) (ثم (¬7) سَاقَ، نَحْوَهُ عَلَى هذا اللَّفْظِ، قَالَ: وَلَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُؤْمِنُ بالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ) أي: يصَدق بلقاءِ الله والبعث والنشور (أَنْ يَؤُمَّ قَوْمًا إلَّا بِإِذْنِهِمْ). قال الخطابي: يُريد إذا لم يكن بأقرئهم ولا بأفقههم لم يجز لهُ الاستبداد (¬8) عليهم بالإمامة، فأما إذا كانَ [جَامعًا، لأوصَاف] (¬9) الإمامة بأن يكون أقرأ الجماعة وأفقههم فإنهم عند ذلك يأذنون له لا محالة في الإمامة، بل يسألون وهو عند ذلك أحقهم أذنوا أم لم يأذنوا (¬10). ¬

_ (¬1) في (ص): تنبا. (¬2) "الكاشف" 724. (¬3) "مقاييس اللغة" (حقن). (¬4) في (د): نبذ. (¬5) في (ص): يتحقق. وفي (ل، م): يخفف. والحديث في "معجم الطبراني" 8/ 104. (¬6) في (ص، ل، م): لفظه. وهو عند ابن ماجة (619). (¬7) من (د). (¬8) في (ص، س، ل، م): الاستئذان. (¬9) في (م): جامع الأوصاف. (¬10) "معالم السنن" مع "مختصر أبي داود" 1/ 85.

(وَلَا يَخْتَصَّ (¬1) نَفْسَهُ بِدَعْوَةٍ دُونَهُمْ) فقد صَرحَ الغزالي في "الإحياء" بكراهة ذلك، فقال في "الإحياء" في كلامه على التشهد (¬2) يقول: اللهم اغفر لنا. ولا يقول: اللهم اغفر لي. فقد كره للإمَام أن يخص نفسهُ بالدعَاء (¬3). قال الشافعي (¬4): لا أحب للإمام تخصيص نفسه بالدُعاء دونَ القوم، ومقتضى كلام الرافعي أن الإمام يأتي في دُعائه بصيغة الجمع، سواء قنت المأمُوم أم لا، سواء سَمع المأمومون القنوت أم لا (فَإِنْ فَعَلَ) ذلك (فَقَدْ خَانَهُمْ) (¬5) ويدخل في إطلاق الحَديث وعمُومه (¬6) الدعاء المشروع وغَيره، والدعاء داخل الصلاة وبعد الفراغ منها، وكذا إذا دعَا بقوم لا يخص نفسه بل يدعُو لوالديه وللمؤمنين (¬7) لكنه (¬8) يبدأ بنفسه في الدعاء، كما جاء في دعاء إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} (¬9). (قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هذا مِنْ سُنَنِ أَهْلِ الشَّامِ لَمْ يَشْرَكْهُمْ فِيهَا أَحَدٌ). وقوله: يشركهم (¬10) بفتح الياء والراء. * * * ¬

_ (¬1) في (م): يخص. (¬2) في (ص): السهيل. وفي (م): انسيد. (¬3) "إحياء علوم الدين" 1/ 344. (¬4) انظر: "مغني المحتاج" 1/ 167. (¬5) سبق تخريجه. (¬6) في (ص، س، ل، م): وعموم. (¬7) في (د): والمؤمنين. (¬8) في (م): لن. (¬9) إبراهيم: 41. (¬10) في (م): يخص.

44 - باب ما يجزئ من الماء في الوضوء

44 - باب ما يُجْزِئُ مِنَ الماءِ فِي الوُضُوءِ 92 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْن كَثِيرٍ، حَدَّثَنا هَمّامٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَغْتَسِل بِالصَّاعِ وَيَتَوَضَّأُ بِالمُدِّ. قالَ أَبُو دَاوُدَ: رَواهُ أَبانُ، عَنْ قَتادَةَ، قالَ: سَمِعْتْ صَفِيَّةَ (¬1). 93 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيادٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ جابِرٍ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ، وَيَتَوَضَّأُ بِالمُدِّ (¬2). 94 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن جَعْفَرٍ، حَدَّثَنا شعْبَةُ، عَنْ حَبِيبٍ الأَنْصارِيِّ قالَ: سَمِعْتُ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ، عَنْ جَدَّتِهِ - وَهِيَ أُمُّ عُمارَةَ - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ، فَأُتِيَ بإِنَاءٍ فِيهِ ماءٌ قَدْرُ ثُلُثَي الُمدِّ (¬3). 95 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ الصَّبَّاحِ البَّزَازُ، حَدَّثَنا شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَبْرٍ، عَنْ أَنَسٍ قالَ: كانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يتَوَضَّأُ بِإِنَاءٍ يَسَعْ رَطْلَيْنِ، وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ (¬4). قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ شَرِيكٍ، قالَ: عَنِ ابن جَبْرِ بْنِ عَتِيكٍ، قالَ: ¬

_ (¬1) رواه النسائي 1/ 179، 180، وابن ماجة (268)، وأحمد 6/ 133. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (82). (¬2) رواه ابن ماجة (269)، وأحمد 3/ 303. ورواه البخاري (252) عن أبي جعفر الباقر أنه كان عند جابر بن عبد الله هو وأبوه وعنده قوم، فسألوه عن الغسل، فقال: يكفيك صاع. فقال رجل: ما يكفيني. فقال جابر: كان يكفي من هو أوفى منك شعرًا وخير منك، ثم أمنا في ثوب. (¬3) رواه النسائي 1/ 58، والبيهقي 1/ 196. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (84). (¬4) "مسند أحمد" 3/ 179، وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (14).

وَرَواهُ سُفْيانُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عِيسَى، حَدَّثَنِي جَبْرُ بْنُ عَبْدِ الله. قالَ أَبُو داوُدَ: وَرَواهُ شُعْبَةُ، قالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبدِ اللهِ بْنِ جَبْرٍ، سَمِعْتُ أَنَسًا، إلَّا أَنَّهُ قالَ: يَتَوَضَّأُ بِمَكّوكٍ. وَلَمْ يَذْكرْ: رَطْلَيْنِ. قالَ أَبُو داوُدَ: وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُول: الصَّاعُ خَمْسَة أَرْطالٍ، وَهُوَ صاعُ ابن أَبِي ذِئْبٍ، وَهُوَ صاعُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). * * * باب مَا يُجزِئُ مِنَ المَاءِ فِي الوُضُوءِ [92] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ) العبدي البَصري شيخ الشيخين (¬2)، قال: (ثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ) حاجب (¬3) البيت، عثمانَ بن أبي طلحة العَبدري يُقالُ لها: رؤية، بقيت إلى (¬4) خلافة الوَليد (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ) وهو إناء يسَع خمسَةَ أرطال وثلثًا بالبغدَادي. وقال بَعض الحنفية: ثمانية أرطال (¬5)، رواية البخاري: يغتسل بالصاع إلى خمسَة أمداد (¬6)، أي: كانَ رُبما اقتصر على الصاع وهو ¬

_ (¬1) رواه البخاري (201)، ومسلم (325) (51) بلفظ: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد، ويتوضأ بالمد. ومسلم (325) (50)، والنسائي 1/ 57، وأحمد 3/ 112 بلفظ: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغتسل بخمس مكاكيك ويتوضأ بمكوك. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (85). (¬2) في (د): البخاري. (¬3) في (ص): صاحب. (¬4) سقط من (ص). (¬5) "المبسوط" للشيباني 2/ 323، 325. (¬6) "صحيح البخاري" (201).

أربعة أمداد، وربما زاد عليه إلى خمسة، وروى مُسلم عن عَائشة - رضي الله عنها - كانت تغتسل هي والنبي - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد وهو الفرق (¬1). قال ابن عيينة والشافعي (¬2) وغيرهما: هو ثلاثة آصُع، وروى مُسلم من حَديثها: كانَ يغتسل من إناء يسَع ثلاثة أمدَاد (¬3). وهذا يدُل على اختلاف الحال في ذلك بقدر الحَاجة، وفيه رد على من قدر الغسل والوُضوء بما ذكر في البَاب كابن شعبان مِنَ المالكية (¬4)، وكذا من قال من الحنفية مع مخالفتهم لهُ في مقدار المد والصَّاع، وحملهُ الجمهُور على الاستحباب، لأن أكثر من قدر وضوءه وغسْله من الصحابة قدرهما بذلك (و) كان (يَتَوَضأُ بِالْمُدِّ) وهو إناء يسَع رطلًا وثلثًا بالبغدَادي، هذا قولُ الجمهور، وخالف بَعض الحنفية فقالوا: رطلان (¬5)، واختلف أصحَابنا (¬6) في الصاع والمد، هل هما صاع المدينة ومدها أم لا؟ والمشهور: الأول والتقدير بهما تقريب لا تحديد. (ورَوَاهُ أَبَانُ) بن يزيد البصري، أخرَج لهُ مُسلم (عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ صَفِيةَ) بنت شيبة عَن عَائشة .. الحَديث. [93] (ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَدِ بْنِ حَنْبَلٍ) قال: (ثَنَا هُشَيْمٌ) بن بشير ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (319) (41) بنحوه. (¬2) "الأم" 1/ 102. (¬3) "صحيح مسلم" (321) (44). (¬4) انظر: "مواهب الجليل" 1/ 256. (¬5) في الأصول الخطية: مدان. والمثبت من "المبسوط" 3/ 99. (¬6) انظر: "المجموع شرح المهذب" 10/ 266.

الواسِطي، قال أحمد: ولد سنة أربع ومائة، قال: (ثنا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ) مَولى بني هَاشم، أخرج له مُسلم في الأطعمة (¬1). (عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْدِ) الأشجعي مولاهم الكُوفي. (عَنْ جَابِر - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ النبي - صلى الله عليه وسلم - يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ) فيه دليل على ما قاله الأصحاب (¬2) أن المُستحب الاقتصار على الصاع والمد؛ لأن الرفق محبُوب، لن الزيَادة على ذلك ليست مكرُوهة لما تقدم. (ويتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ) (¬3) قال النووي: في "التحرير" في كتاب النفقات: المد يجمع على أمدَاد، ومداد بكسر الميم (¬4). فيكون أمدَاد جمع قلة، ومداد جمع كثرة. [94] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ) قال: (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ) غندر الهذلي مولاهم البَصري ربيب شعبة، قال: (ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حبيب) (¬5) بن زيد (الأَنْصَارِيِّ) ثقة (¬6). (قَالَ: سَمِعْتُ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ) بن غزية الأنصاري المازني. عن مُوسى بن عقبة، قال عباد (¬7): أنا يوم الخندق ابن خمس سنين كنت مع النساء ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" 3/ 1637: ويزيد بن أبي زياد ضعيف، وإنما أخرج له مسلم في المتابعات. (¬2) انظر: "المهذب" للشيرازي 1/ 65. (¬3) أخرجه أحمد 3/ 33، والطيالسي في "سننه" (1838)، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (83). (¬4) "التحرير" للنووي 1/ 288. (¬5) في (ص، ل، م): جندب. (¬6) انظر: "الكاشف" (917). (¬7) في (ص، ل، م): ابن عباد.

وأعيها. وثقه النَّسَائي وغَيره حَدث عن أبيه، ولهُ صُحبَة. (عَنْ جدَّته وهي أُم عُمَارَةَ) بضَم العَين، الأنصَارية الصَّحابية، اسمُها نَسيبة بفتح النون وكسر السِّين. قال ابن عَبد البر: أمُّ عُمارة الأنصَارية اسمها نَسيبة بنت كعب بن عمرو، وهي أم حَبيب وعبد الله ابني زَيد بن عَاصم، شهدَتْ بيعة العقبة، وشهدتْ أحدًا مع زوجهَا (¬1). وروى هذا الحَديث ابن خزيمة (¬2)، وابن حبان (¬3) من حديث عبد الله بن زَيد، وصَحَّحهُ أبُو زرعة في "العِلَل" لابن أبي حَاتم (¬4) (أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ، فَأُتِيَ بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَدْرُ ثُلُثَيِ المُدِّ). ولفظ ابن خزيمة وابن حبان: توضأ بنحو ثلثي المد. قال أبوُ عبيد: في كتاب "الطهَارة" أحسبه (¬5)؛ يَعني: مد هشام بن إسماعيل؛ لأنه أكبر من مد النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فلذلك اقتصروا على نصفه؛ يعني: أو ثلثيه (¬6) فأما مد النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا أحب أن ينقص منه؛ لأن الآثار المرفوعة كلها على كماله قال: وقد اختبرت الوضوء به فوجدته كافيًا إذا لم يكن معه استنجاء قال: ومبلغه (¬7) في الوزن والكيل رطل ¬

_ (¬1) "الاستيعاب" 1/ 632 - 633. (¬2) "صحيح ابن خزيمة" (118). (¬3) "صحيح ابن حبان" (1083). (¬4) "علل الحديث" لابن أبي حاتم (39). وإنما صحح أبو زرعة رواية عباد عن جدته. (¬5) في (ص): أحسنه. (¬6) في (م): ثلثه. (¬7) في (م): بلغه.

وثلث في قول أهل الحجاز، ورطلان في قول أهل العراق، قال: وبقول أهل الحجاز نأخذُ، وقد فسرناهُ في كتاب "الأموَال" (¬1). انتهى. [95] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ (¬2) البَزَّازُ) [بزاءين التاجر] (¬3)، قال (¬4): (ثَنَا شَرِيكٌ) بن عَبد الله النخعي القاضي، أدرك زمان عمر بن عبد العزيز، (عَنْ عَبْدِ الله (¬5) بْنِ عِيسَى) بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصَاري الكوفي (عَنْ عَبْدِ الله) بن عبد الله (بْنِ جَبْير) بفتح الجِيم وإسكان الموَحدة، ابن عتيك. قال الذهبي (¬6): وهذا لا يصح، إنما هو عَبد الله بن عبد الله بن جَابر بن عتيك (¬7) الأنصاري المدني، روى عن أبيه وجده لأمه عتيك (¬8) بن الحارث (عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَوَضَّأُ بِإِنَاء يَسَعُ رَطْلَينِ) قد يستدل به أبُو حنيفة على أن المد رطلان، فإنه قد صح في الحَديث المتقدم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتوضأ بالمدّ، وقال هنَا: يتوضأ بإناء يسَع رطلين؛ فيكون الرطلان هنا تفسيرًا (¬9) للمد، وقد استدل أبو حنيفة ¬

_ (¬1) "الأموال" 1/ 626، وانظر: "الطهور" لأبي عبيد 1/ 189. (¬2) كتب في حاشية (د): محمد بن الصباح هذا هو أبو حفص الدولابي الإمام مصنف "السنن"، روى عنه أيضا خ، م، والثلاثة الباقية بواسطة، وكان حافظا، وثقوه، مات سنة 227. (¬3) في (ص): بن أبي الباجر. وفي (س، م): البزاز بن أبي التاجر. (¬4) من (د). (¬5) كتب فوقها في (د): ع. (¬6) "تذهيب التهذيب" للذهبي (3411). (¬7) في (م): خالد بن عبد. (¬8) في (م): عبد. (¬9) في النسخ الخطية: تفسير. والجادة ما أثبتناه.

بما (¬1) روى أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتوضأ بالمد وهو رطلان (¬2). قال الدارقطني: حديث أنس انفرد به مُوسى بن نصر وهو ضَعيف (¬3). وروى الأثرم عن القعنبي، عن سليمان بن بلال، عن عَبد الرحمن بن عَطاء أنه سَمع سعيد بن المسَيب ورجلًا من أهل العراق يسأله عما يكفي الإنسَان مِن غُسل الجنابة. فقال سَعيد: إن لي تورًا يسَع مُدين مِن ماء ونحو ذلك فأغتسل به ويكفيني ويفضل منه فضل. فقال الرجل: والله إني لأستنثر وأتمضمض بمدين مِن مَاء. فقال سَعيد بن المسَيب: فما تأمرني إن كانَ الشيطان يلعبُ بك؟ (¬4). (وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ) وليس في حصُول الإجزاء بالصاع في الغُسل والوضوء بالمدّ خلاف. وروي أن أبا يوسُف دَخَل المدينة فسَألهم عن الصَاع فقالوا: خمسَة أرطال وثلث. فطالبهم بالحُجة فقالوا: غدا فجاء من الغد سَبْعُونَ شيخًا كل واحد منهم أخذ صَاعًا تحت ردائه فقال: صَاعي ورثته عن أبي وورثهُ أبي عن جَدي حَتى انتهي (¬5) به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. فَرَجَعَ أبو يُوسُف عن قوله (¬6)، وهذا إسناد مُتواتر يفيد (¬7) القطع، وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) في (ص): كما. (¬2) "المبسوط" للسرخسي: 3/ 90. (¬3) "سنن الدارقطني" 1/ 94. (¬4) "سنن الأثرم" 1/ 255 (88). (¬5) في (د، ل): انتهوا. وتراجع (م). (¬6) أخرجه البيهقي في "الكبرى" 4/ 171. (¬7) من (د).

قال: "المكيال مكيال أهل المدينة" (¬1). و[قال أبو داود] (¬2) (رَوَاهُ يَحْيَى (¬3) بْنُ آدَمَ) بن سُليمان، الأموي مولاهم، أحد الأعلام. (عَنْ شَرِيكٍ قال: عن) عبد الله بن عبد الله (ابن (¬4) جَبْرِ بْنِ عَتِيكٍ) الأنصاري (وَرَوَاهُ شُعْبَةُ (¬5) قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الله بْنُ عَبْدِ الله بْنِ جَبْرٍ) بن عتيك قال: (سَمِعْتُ أَنَسًا) بن مالك يتحدث بهذا (¬6) (إلَّا أَنَّهُ قَالَ) فيه (يَتَوَضَّأُ بِمَكُوكٍ) والمكوك مكيال لأهل العراق، وهو مُذكر (¬7) وهو ثلاث كيلجان (¬8) بكسر الكاف وفتح اللام وهي منا وسبعة أثمان منا، والمنا رطلان (ولم يذكر (¬9) رَطْلَينِ) في هذِه الرواية. والرطل العراقي مائة درهم وثمانية وعشرون درهمًا وأربعَة أسبَاع درهم، وهو أربعون مثقالًا، والمثقال درهم وثلاثة أسبَاع درهم. هكذا كان قديمًا، ثم إنهم زادوا فيه مثقالًا فجعلوه أحدًا (¬10) وتسعينَ مثقالًا، ¬

_ (¬1) سيأتي تخريجه وهو حديث صحيح. (¬2) كتب فوقها في (د): ع. (¬3) من "السنن". (¬4) في (ص، ل، م): عن. (¬5) في (م): لهذا. (¬6) حدث من المصنف تقديم وتأخير في قول أبي داود، فقدم: رواه شعبة. على: رواه سفيان. (¬7) سقط من (د). (¬8) في (ص): كبلات. (¬9) في (ص، س، ل، م): يدرك. (¬10) في النسخ الخطية: إحدى. والجادة ما أثبتناه.

وكمل مائة وثلاثين درهمًا، وقصدوا بهذِه الزيادة إزالة كسر الدرهم (¬1). (ورواهُ سُفيان) بن سَعيد الثوري (عن عَبد الله بن عيسى) بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: (حَدثني جبر بن عبد الله) (¬2) عن أنس - رضي الله عنه - .. إلى آخره. * * * ¬

_ (¬1) في (م): الدراهم. (¬2) رواية شعبة أخرجها مسلم (325/ 50)، والنسائي 1/ 57، ورواية سفيان أخرجها أحمد 3/ 246، وصوب الألباني رحمه الله رواية: يتوضأ بمكوك. وصححها على شرط الشيخيين. وراجع "صحيح سنن أبي داود" (85).

46 - باب في إسباغ الوضوء

46 - باب في إسْباغِ الوُضُّوءِ 97 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ سُفْيانَ، حَدَّثَنا مَنْصُورٌ، عَنْ هِلالِ بْنِ يِسافٍ، عَنْ أَبي يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأى قَوْمًا وَأَعْقابُهُمْ تَلُوحُ فَقالَ: "وَيْلٌ لِلأَعْقابِ مِنَ النَّارِ، أَسْبِغُوا الوُضُوءَ" (¬1). * * * باب فِي إِسْبَاغِ الوُضُوءِ [97] (ثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا يَحْيَى) بن سَعيد القطان (عَنْ سُفْيَانَ) بن سَعيد (¬2) ابن مَسروق الثوري (حَدثني مَنْصُورٌ) بن المُعتمر (عَنْ هِلَالِ بْنِ يِسَافٍ) فيه ثلاث لغات فتح الياء وكسرها [وإساف بكسر الهمزة] (¬3) وضعف كسر الياء؛ لأنه لم يَأت في كلام العَرب كلمة أولها ياء مكسورة (¬4) إلا يسار اليَد. قال النووي: والأشهر عند أهل اللغة إساف، وقد ذكرهُ ابن السّكيت، وابن قتيبة وغَيرهما فيما يغيره (¬5) النّاس ويلحنون فيه فقالوا: هُو هلال بن إساف (¬6) (عَن أبي يحيى) الأكثرون على أن اسمه: مِصْدَع، بكسر الميم وإسْكان الصاد المهملة وفتح الدال والعَين (¬7) ¬

_ (¬1) رواه البخاري (60)، ومسلم (241/ 26). (¬2) في (ص، س، ل، م): سعيد الثوري. (¬3) من (د). (¬4) في (م): مسكون. (¬5) في (ص، ل): تعبره. (¬6) "شرح النووي على مسلم" 3/ 130. (¬7) في (د، س، ل): وبالعين.

المهملة. قال يحيى بن معين: اسمه زياد الأعرج المعرقب (¬1) الأنصَاري (¬2). (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو) بن العَاص - رضي الله عنه - (قال: رجَعَنا مع (¬3) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) من مكة إلى المدَينة حَتى إذا كُنا بماء (¬4) بالطريق، فعجل قَوم عند العَصر فتوضؤوا وهمُ عجال فانتهينا إليهم، كذا لمُسلم (¬5). (رأى قَومًا) يعني: منَ الذين توضؤوا (وَأَعْقابُهُمْ) الواو للحال، في رواية لمُسلم: رأى رجُلًا لم يغسل عقبيه (¬6). والعقب بكسْر القاف: مؤخر القدم، وهي مؤنثة، والسكون للتخفيف جَائز (تَلُوحُ) أي: تظهر يُبوستها. [لم يصلها الماء] (¬7). زاد مسلم: لم يمسّها الماء. وفي رواية لمُسلم: أن رجُلًا توضأ فترك موضع ظفر (¬8) على قدَمه، فأبصره النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬9) (فَقَالَ: وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ). وفي رواية لمُسلم: "ويل للعَراقيب" (¬10) وهو جمعَ عُرقوبُ بضَم العَين، وهو العصبة التي فوق العقب، ومعنى: "ويل للأعقَاب"، أي: ¬

_ (¬1) في (ص): المعرقر، وفي (س): المقريء. وفي (م): المعرير. (¬2) "تاريخ ابن معين رواية الدوري" (708). (¬3) في (م): إلى. (¬4) في (م): جما. (¬5) "صحيح مسلم" (241) (26). (¬6) "صحيح مسلم" (242) (28) من حديث أبي هريرة. (¬7) من (د، م). (¬8) في (ص، س، ل، م): صفر. (¬9) "صحيح مسلم" (243/ 31) من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ارجع فأحسن وضوءك. (¬10) "صحيح مسلم" (242) (29).

هلكة وخيبة (¬1) لتارك غسلهما في الوضوء (مِنَ النَّارِ) معناهُ أن الأعقاب والعَراقيب (¬2) تعاقب بالنار إن لم يَعم جميعها بالغسل، وإنما خصَّ الأعقاب والعَراقيب؛ لأن الحديث ورد على سبب كما تقدم، وهو أنه رأى أعقابهم تلوح. وفيه دليل على أن العقب محَل للتطهير (¬3) خلافًا لمن لم يُوجب ذلك، حكاهُ الفاكهي، قال: وظاهر الحَديث أو نصه وجُوب غسل الرجلين بكمالهما في الطهارة دون المسح، وهو مذهب جمهور السَّلف وأئمة الفتوى. قال القرطبي: وقد حكي عن ابن عَباس وأنَس وعكرمة أنَّ فرضهما المسح إن صح ذلك عنهم (¬4) وهو مذهب الشيعة (¬5)، وذَهب ابن جرير الطبري إلى أن فرضهما التخيير بين المسح والغسل، وسَبَب الخلاف اختلاف القراء في قوله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ} (¬6) بالخفض والنصب، وينبغي أن يقال فيهما: إن (¬7) قراءة الخفض عَطف على الرأس فهما يمسحان، لكن (¬8) إذا كان عليهما [خُفَّان، ويكفينا] (¬9) هذا القَيد من ¬

_ (¬1) في (م): خيبة، بلا حرف العطف. (¬2) في (م): العراقب. (¬3) في (م): للتطهر. (¬4) في (م): عليهم. (¬5) "المفهم" للقرطبي 1/ 496. (¬6) الأعراف: 124. (¬7) في (ص): لأن. (¬8) في (م): لكنه. (¬9) في (د): عقاب وتلقينا. وفي (ل، م): عقاب ويكفينا.

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ (¬1) لم يصح عنه أنه مسَح رجليه إلَّا وعليهما خفان والمتواتر عنهُ غسلهما، فبين النبي - صلى الله عليه وسلم - بفعله الحَال التي يُغسل فيهما الرِّجْلُ، والحال التي يمسح فيه فليكتف بهذا، فإنه بَالغ (¬2)، وبالتخيير قال داود، وحكي عن بَعض أهل الظاهر والإمَامية إيجاب المسح، وأنه لا يُجزئ الغسل (¬3)، وهم ممن لا يعتد بخلافه، وهذِه المسألة ليست بالسَّهلة فلتحقق (أَسْبِغُوا الوُضُوءَ) أي: تمموهُ بتَعميم الماء له ودَلك الأعضاء. * * * ¬

_ (¬1) في (ص): إذا. (¬2) سقط من (م). (¬3) "الدراري المضية" 1/ 47.

45 - باب الإسراف في الوضوء

45 - باب الإِسْرافِ فِي الوضُوءِ 96 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمَّادٌ، حَدَّثَنا سَعِيدٌ الجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَعامَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُغَفَّل سَمِعَ ابنهُ يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ القَصْرَ الأبْيَضَ عَنْ يَمِينِ الجَنَّةِ إِذا دَخَلْتُهَا. فَقالَ: أى بُنَي، سَلِ اللهَ الجَنَّةَ وَتَعَوَّذْ بِهِ مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِه الأمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطُّهُورِ والدُّعاءِ" (¬1). * * * باب الإِسْرَافِ فيِ الوَضُوءِ [96] (ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التبوذكي، قال: (ثَنَا حَمَادٌ) بن سَلمة (ثَنَا سَعِيدٌ) (¬2) بن إيَاس أبو مسعُود (الْجُرَيْرِيُّ) بضم الجيم مُصغر، محَدث أهل البصْرة، قال ابن حنبل: سألتُ ابن عليَّة: أكان الجرُيري اختلط؟ قال: لا، كبر الشيخ فرق (¬3). (عَنْ أَبِي نَعَامَةَ) بفتح النون، اسمه قيس (¬4) بن عَباية بفتح المهملة والموحدة، الحنفي البَصري. قال أحمد: سألت يحيى بن معين عن أبي نعامة الحنفي فقال: اسمه قيس بن عَباية (¬5) بَصري ثقة (¬6). ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجة (3864)، وأحمد 4/ 87 من طريق حماد بن سلمة، والحاكم في "المستدرك" 1/ 540، وابن حبان (6763). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (86). (¬2) في (م): شعبة. (¬3) "الجرح والتعديل" 4/ 2. (¬4) في (ص): قلس. (¬5) في (ص): عبانة. وفي (م): عبابة. و"التهذيب" (4913). (¬6) "الجرح والتعديل" 7/ 102، وأحمد هنا هو ابن أبي خيثمة.

(أَنَّ عَبْدَ الله بْنَ مُغَفَّلٍ) المُزني (¬1) من أصحاب الشجرة. قال الحسَن: كانَ أحَد العَشرة الذين بعثهم إلينا عمر يفقهون الناس، كان من نقباء الصحَابة (¬2) (سَمِعَ ابنهُ) قيل: إن اسمه يزيد، وكانَ له سبعة أولاد. (يَقُولُ: اللَّهُمَّ، إِنِّي أَسْأَلُكَ القَصْرَ الأَبْيَضَ) الذي (عَنْ يَمِينِ (¬3) الجَنَّةِ إِذَا دَخَلْتُهَا) فيه كراهة النعت (¬4) في الدعاء؛ بأن يقول: أعطني قصرًا صفته كذا أو حوراء صفتها كذا (فَقَالَ: أَي) بفتح الهمزة حَرف نداء، أي: يا (بُنَيَّ، سَلِ اللَّه الجنَّةَ) فإنهُ إذا دَخل الجَنَّة أعطاهُ اللهُ فيها ما اشتهت نفسُه من القصُور والغرف والحُور العين وغير ذلك (وَتَعَوَّذْ به (¬5) مِنَ النَّار (فإن المرء إذا نجاهُ الله مِنَ النَّار نجاهُ من جميع عذابها من عَقاربها وحَياتها وأغلالهَا وغير ذلك؛ أعَاذَنا اللهُ تعالى منها بفضله، وفيه دليل على فضيلة الدّعاء بجوامع الأدعية، فإنه إذا سَأل الله الجَنَّة حَصَلت له الجَنَّة بجميع ما فيها مِنَ النعيم، وإذا أعاذهُ مِنَ النار أعَاذَهُ من جميع ما فيها. وقد روى ابن مَاجه والحاكم وصَححهُ من حديث عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "عليك بالجَوَامِع مع الكوامل (¬6) اللهُمَّ إني أسألك الخَير كلهُ"، وفي رواية: "أسالك الجَنَّة" (¬7) (فَإِنِّي سَمِعْتُ ¬

_ (¬1) في (ل، م): لمدني. (¬2) "الاتيعاب" 3/ 996. (¬3) في (م): معين. (¬4) في (ص): التعيين. وفي (س، ل): التعنت. (¬5) في (ص، س، ل، م): بالله. (¬6) في (ص): الكلم. (¬7) "سنن ابن ماجة" (3846)، والحاكم في "المستدرك" 1/ 522، وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.

رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: إِنَّهُ) [هذِه الهَاء ضَمير الشأن والقصة] (¬1) (سَيَكُونُ فِي هذِه الأُمَّةِ) (¬2) فيه أن الاعتداء في الطهور والدُّعاء على مَا سَيأتي مما أحدث بَعدُ. ولم يكن موجودًا في زمانه، وقد حذر - صلى الله عليه وسلم - مِنَ المُحدثات بقولهِ: "إياكم ومحدثات الأمور" (¬3) ووجود هذِه الخصلة بعده علم من أعلام النبوة (قَوْمٌ يَعْتَدُونَ) أي: يتجاوزون الحدود التي أمرُوا بها مِنَ وُجوب أو نَدب في طهور أو دعاء وغَيرهما (فِي الطَّهُورِ) بفتح الطاء، وهو الماء الذي يتَطهر به، فمن جاوز الثلاث في الغَسلات مِنَ الوُضوء والغسْل فهو مُعتد؛ لما (¬4) روى المَصنف والنسائي من حَديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - توضأ ثلاثًا ثلاثًا، وقال: "من زاد فقد أساء وظلم" (¬5). وأما الزيَادة على المُدّ في الوضوء والغسل في الصاع، فإن كانت الزيادَة يسيرة لا تنتهي إلى السرف لإسباغ (¬6) الأعضاء وتعميمها فلا بأس، وإن كانت الزيَادة كثيرة من الماء أو التراب في التيمم فهي (¬7) مكروهة، وهي الإسرَاف والاعتداء المنهي عنه؛ لما روى ابن مَاجه عن عبد الله بن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بسَعْد (¬8) وهو يتوضأ فقال: "مَا ¬

_ (¬1) في (م): هذاها ضمير من الشا ولا قصة.! (¬2) في (م): الآية. (¬3) سيأتي تخريجه. (¬4) في (م): مغتلطًا. (¬5) "سنن أبي داود" (135)، و"سنن النسائي" 1/ 88. (¬6) في (ص): ولإسباغ. (¬7) من (د). (¬8) في (م): بسبعة.

هذا (¬1) السَّرف؟ " فقال: أفي الوُضوء إسرَاف؟ قال: "نَعم، وإن كنت على نهر (¬2) جار" (¬3). وروى أبوُ عبيد في كتاب "الطهَارة" بسنده إلى أبي الدرداء أنه قال: "اقتصد (¬4) في الوضوء ولو كنت على شاطئ نهر" (¬5). وروى بسنده عن هلال بن يساف قال: كان يُقالُ: إن في كل شيء سَرفًا حتى في الماء، وإن كنت على شاطئ نهر (¬6)، وبسنده عن محارب بن دثار (¬7) قال: كان يقال: من وهن عِلم الرجُل ولوعه بالماء في الطهور (¬8). وروي ابن عدي من حَديث ابن عباس مرفوُعًا: كانَ [يتعوذ بالله من وسوسة] (¬9) الوُضوء. لكن إسنَاده واهٍ (¬10). (و) يَعْتَدُون في (الدُّعَاء) تقدم من تفسير الصَّحابي أن من جاوز جوامع الكلم، وأتى بأفراد الالفاظ الجوامع؛ كان معتديًا. وأنواع الاعتداء كثيرة، ومنه السجع (¬11) في الدعاء، وللبخاري عن ابن عبَّاس، ¬

_ (¬1) في (م): لهذا. (¬2) في (م): خبر. (¬3) "سنن ابن ماجة" (425)، وضعفه الألباني. (¬4) في (ص): اقتصر. وفي (م): عبابة. (¬5) "الطهور" ص: 192. (¬6) "الطهور" ص: 193. (¬7) في جميع النسخ: زياد، والمثبت من "الطهور" لأبي عبيد. (¬8) "الطهور" ص: 194. (¬9) سقط من (م). (¬10) "الكامل" لابن عدي 6/ 165. (¬11) في (ص، م): الشجع.

وانظر (¬1) السجع (¬2) في الدُّعاء فاجتنبه (¬3) فإني عَهدت رسُول الله وأصحابه لا يفعلون إلا (¬4) ذلك (¬5). قالَ الغزالي (¬6): ينبغي أن يكون حَال الدَّاعي حَال تضَرع، والتكلف لا ينَاسبُه، قال اللهُ تعالى: " {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (¬7) قيل فيه: التكلف للأسجاع (¬8)، والأولى أن لا يجاوز الدَّعَوات المأثورة (¬9) فإنهُ قد يتعدى (¬10) في دعائه فيسأل ما لا يقتضيه مصلحته، فما كل أحد يُحسن الدعاء، وفي الخَبر والأثر أن العُلماء يحتاج إليهم في الجَنَّة، إذ يقال لأهل الجَنَّة: تمنوا. فلا يدرون كيف يتمنونَ حتى يتعلموا مِنَ العُلماء ما يتمنون (¬11). * * * ¬

_ (¬1) في (م): امطر، وفي (س): إن ظن. (¬2) في (ص، م): الشجع. (¬3) في (م): فاخشة. (¬4) من "صحيح البخاري". (¬5) "صحيح البخاري" (6337). (¬6) في (ص): العراقي. (¬7) الأعراف: 55. (¬8) في (ص، م): للأشجاع. (¬9) في (م): المأثومة. (¬10) في (ص، ل، م): تعدى. (¬11) "إحياء علوم الدين" 2/ 96.

47 - باب الوضوء في آنية الصفر

47 - باب الوُضُوءِ فِي آنِيَةِ الصُّفْرِ 98 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنِي صاحِبٌ لِي، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، أَنَّ عائِشَةَ قالَتْ: كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنا وَرَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي تَوْرٍ مِنْ شَبَهٍ (¬1). 99 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن العَلاءِ، أَنَّ إِسْحاقَ بْنَ مَنْصُورٍ، حَدَّثَهُمْ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ هِشامِ بْنِ عرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ - رضي الله عنها - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَهُ (¬2). 100 - حَدَّثَنا الَحسَن بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنا أَبُو الوَلِيدِ وَسَهْلُ بْن حَمّادٍ قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ، قالَ: جاءَنا رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْرَجْنا لَهُ ماءً فِي تَوْرٍ مِنْ صُفُرٍ فَتَوَضَّأَ (¬3). * * * باب الوُضُوءِ فِي آنِيَةِ الصُّفْرِ [98] (ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التبوذكي، قال: (ثَنَا حَمَّادٌ) بن سَلمة، قال: (أَخْبَرَنِي صَاحِبٌ لِي) (¬4) رواهُ الحاكم من حَديث (¬5) حَماد بن سَلمة، عَن هشام بن عروة، عن أبيه من غير ذكر صَاحب (¬6) (عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ) ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في "الأوسط" (1817)، وفي "الروض الداني" (593)، والحاكم 1/ 169، وأبو نعيم في "الحلية" 6/ 256، والبيهقي 1/ 31، وانظر ما سلف برقم (77). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (88). (¬2) السابق. (¬3) رواه البخاري (197) من طريق عبد العزيز بن أبي سلمة. (¬4) في (م): صاحبك. (¬5) في (د): طريق. (¬6) "مستدرك الحاكم" 1/ 169.

ابن الزبير بن العوام. (أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ (¬1): كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنا وَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -) يجوز نصب (رسول) الله ورفعهُ فالنصب على أنهُ مفعول معهُ، والرَّفع بالعطف على الضمير كما تقدم، والرفع أرجح (فِي تَوْرٍ) رواهُ الحَاكم من طريق حَماد بن سَلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، ولفظه من ثور (¬2). (مِنْ شَبَهٍ) بفتح الشين المُعجمة والبَاء الموَحدة: نحَاس أحمر يشبه الذهَب في لونه؛ لأنه يضاف إليه أشياء وتُسبَك معهَا فيكتسب (¬3) لون الذهَب، وفيه لغتان، فيقَالُ: لون شبَه، وشِبْه. (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاء) أبو كريب الهَمداني (أَنَّ إِسْحَاقَ (¬4) بْنَ مَنْصُورٍ) السلولي (حَدثهم عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ هِشَام) بْنِ عُرْوَةَ (عَنْ أَبِيهِ) عروة بن الزُبير (عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَهُ) (¬5) أي: نحو ما تقدم. * * * ¬

_ (¬1) في (م): قال. (¬2) "مستدرك الحاكم" 1/ 169. (¬3) في (م): فيكون. (¬4) كتب في (د) فوقها: 4. (¬5) في (م): قال.

[100] (ثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ) الهذلي الحلوَاني، روى عنه الشيخان (ثَنَا أَبُو الوَلِيدِ) هشام بن عَبد الملك الطيَالسي (وَسَهْلُ بْنُ حَمَّادٍ) [العَنقزي الدلال] (¬1) روى له الجماعة سِوى البخاري. (قَالاَ: ثَنَا عَبْدُ (¬2) العَزِيز بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ) الماجشون التيمي مولاهم الفقيه، (عَنْ عَمْرِو (¬3) بْنِ يَحْيَى) بن عمارة، (عَنْ أَبِيهِ) يحيى بن عمارة بن أبي حسن، واسمه تميم بن عبد [عمرو، لجده] (¬4) أبي حسَن صحبة، وكذا لعمارة فيما جزم به ابن عبد البر (¬5). قال الحَافظ أبو نعيم: فيه نظر (¬6). (عَنْ عَبْدِ الله بْنِ زَيْدٍ) بن عَاصم الأنصَاري، شَهد وأمهُ أحُدًا، وقتل بالحرة. (قَالَ: جَاءَنَا) لفظ البخاري: أتانا (¬7) (رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْرَجْنَا له مَاءً فِي تَوْرٍ) بمثناة مفتوحة. قال الداودي: قدح. وقال الجَوهري: إناء يشرب منه (¬8). وقيل: هو الطست. ويدل عليه بعده (مِنْ صُفْرِ) بضم الصَّاد المهملة وقد تكسر، وهو صنف من جيد ¬

_ (¬1) في الأصول الخطية: العنزي الدولابي. والمثبت من "التهذيب" (2608). و"التقريب". (¬2) كتب فوقها في (د): ع. (¬3) في (م): عمر. (¬4) في (م): عمرو ولجده. وفي (د): عمر لجده. (¬5) "الاستيعاب" 1/ 353. (¬6) "معرفة الصحابة" 15/ 27. (¬7) "صحيح البخاري" (197)، ولفظه: أتى. (¬8) "الصحاح" (نور).

النحاس، قيل: إنه سمى بذلكَ لكونه يشبهُ (¬1) الذهب ويُسمى أيضًا الشبه كما تقدم، والتور (¬2) المذكور يحتمل أن يكون هُو الذي توضأ منهُ عبد الله بن زيد حين سُئل عن صفة الوضوء، فيكون أبلغ في حكاية صُورَة الحَال على وجهها، وفيه دليل على مجيء الإمَام إلى بيت (¬3) بعض رعيته وابتداؤهم إياهُ بما يظنونَ أن (¬4) له به حَاجَة ويحتمل أن يكون طلبَ منهم ماء الوُضوء فأتوهُ به، لأن في رواية: فدعا بماء، وفيه جواز الاستعانة في إحضار الماء من غَير كراهة، وفيه دليل على جواز التطهر (¬5) من آنية (¬6) النحاس وغيره، وقد كرهَ الغزالي التوضؤ من النحاس (¬7)، ورواه عن ابن عمر وأبي هريرة وشعبة قيل لأن الملائكة تكره رائحته، لكن هذا الحَديث يرده فإن فيه دليلا (¬8) على الجَواز الذي هو أدنى مراتب فعل النَّبي - صلى الله عليه وسلم - (فَتَوَضَّأَ) يعني: منه، وسيأتي الحَديث بتمامه. * * * ¬

_ (¬1) في (م): يغلبه. (¬2) في (ص): والثور. (¬3) من: (د). (¬4) ليست في (م). (¬5) في (ص، س، ل): التطهير. (¬6) من: (د). (¬7) "إحياء علوم الدين" 1/ 261. (¬8) في (ص) (س، ل): دليل.

48 - باب التسمية على الوضوء

48 - باب التَّسْمِيَةِ عَلَى الوُضُوءِ 101 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ، حَدَّثَنا محَمَّد بْن مُوسَى، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا صَلاةَ لِمَنْ لا وُضُوءَ لَهُ، وَلا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللهِ تَعالَى عَلَيْهِ" (¬1). 102 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، عَنِ الدَّراوَرْدِيِّ، قالَ: وَذَكَرَ رَبِيعَة أَنَّ تَفْسِيرَ حَدِيثِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ" أَنَّه الذِي يَتَوَضَّأ وَيَغْتَسِل وَلا يَنْوِي وُضُوءًا لِلصَّلاةِ وَلا غُسْلًا لِلْجَنابَةِ (¬2). * * * باب التَّسْمِيَةِ عَلَى (¬3) الوُضُوءِ [101] (ثنَا قُتَيبَةُ (¬4) بْنُ سَعِيدٍ) البلخي، قال: (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى) الفطري بكسر الفاء المدني مَولى الفطريين (¬5)، موالي بني مخزوم، أخرج له مُسلم في الأطعمة (¬6) (عَنْ يَعْقُوبَ (¬7) بْنِ سَلَمَةَ) الليثي المديني (¬8) (عَنْ ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (399)، وأحمد 2/ 418. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (90). (¬2) رواه البيهقي 1/ 41 - 42. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (91). (¬3) كتب عندها في حاشية (م): عند. (¬4) كتب فوقها في (د، م): ع. (¬5) في (ص، س): الفطر بعد. (¬6) "صحيح مسلم" 3/ 1614. (¬7) كتب فوقها في (د، م): د ق. (¬8) في (د، س، م): المدني.

أَبِيهِ) سَلمة الليثي مولاهم المدَني ذكرهُ ابن حبان في "الثقات" وقال: رُبما أخطأ (¬1). هذِه عبارته عمن ضعفه، فإنه قليل الحَديث جدًّا ولم يرو عنه سوى ولده يَعقوب، فإذا كانَ يخطئ [مع قلة] (¬2) ما روى فكيف يوصف بكونه ثقة؟ ! ورواهُ الحاكم من هذا الوجه فقال: يَعقوب بن أبي سَلمة وادعى أنه الماجشون وصححهُ [لذلك، فوهم] (¬3) والصواب أنه الليثي (¬4). قال البخاري: لا يعرف له سَماع من أبيه، ولا لأبيه من أبي هريرة (¬5). وله طريق أُخرى (¬6) عند الدارقطني (¬7)، والبيهقي (¬8) من طريق محمود بن محمد الظفري، عن أيوب بن النجار، عن يحيى، عن أبي سَلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة. (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال (¬9): قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: لا صَلاةَ لمَنْ لاَ وُضُوءَ لَهُ) تُوضحهُ رواية الصحيحين: "لا يقبل الله صَلاة أحدكم إذا أحدَث حَتى يتوضأ" (¬10). واستدل به بعضهم على أن الوضوء نصف الصلاة (وَلاَ ¬

_ (¬1) "الثقات" 4/ 317. (¬2) في (ص): معي فله. (¬3) في (ص): كذلك ووهم. (¬4) "مستدرك الحاكم" 1/ 146. (¬5) "التاريخ الكبير" 4/ 76 ترجمة (2006). (¬6) من (د، م). (¬7) "سنن الدارقطني" 1/ 71. (¬8) "سنن البيهقي" 1/ 44. (¬9) من (د، م). (¬10) سبق تخريجه.

وُضُوءَ) لا لنفي الكمال عندَ أكثر (¬1) العُلماء، أي: لا وضوء كامل، وقيل: إن (¬2) لا لنفي الصحة؛ لأنه نكرة (¬3) في معرض النفي، فاقتضى أن لا يصح وضوؤه بدون اسم الله تعالى. (لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ) كما فيما قبله، فإن تقديره لا تصح صلاة من لا وضوء لهُ عند الجميَع فيكُون عدم الصحة فيما قبله مُرجحًا لعدم الصحة هُنا، وهي إحدى الروايتين عن أحمد أن التسمية واجبة في الوُضوء والغسل والتيمم (¬4)، وهو اختيار أبي بكر - رضي الله عنه - ومذهب الحسن وإسحاق ابن (¬5) راهويه (¬6)، فإن تركها عمدًا بطلت طهارته، وإن تركها سهوًا أو مُعتقدًا أنها غير واجبة لم تبطل طهَارته. وقال أهل الظاهر (¬7): واجبة بكل حَال. واحتجوا للوُجُوب بهذا الحَديث، وبأنها عبَادة يبطلها الحَدَث، فوجب في أولها نطق كالصَلاة، وأجَاب أصحَابنا وغيرهم عن هذا الحَديث من أوجُه أحسَنها: أنه ضعيف، والثاني: المراد لا وضوء كامل كما تقدم، والثالث: جَوَاب ربيعة شيخ مَالك والدارمي وغيرهما المراد بالذكر ¬

_ (¬1) من (د، م). (¬2) في (ص، س، ل): إنه. (¬3) في (ص): يكره. (¬4) انظر: "المغني" 1/ 145. (¬5) في (ص) وابن. (¬6) "مسائل أحمد وإسحاق رواية الكوسج" (2). (¬7) قال ابن حزم في "المحلى" 2/ 49: وتستحب تسمية الله تعالى على الوضوء، وإن لم يفعل فوضوؤه تام.

النية، وذهب القاضي أبو بكر الباقلاني وبعض المُعتزلة إلى أن هذِه الصيغة التي دَخل فيها النفي على ذوات شرعية واقعة في الظاهر مجملة؛ لأنها مترددة بين نفي الكمال ونفي الصحة، وهو الذي صرح به القاضي في التقريب (¬1) ومثل هذا: "لا نكاح إلا بولي" (¬2)، "لا صَلاة إلا بفاتحة الكتاب" (¬3)، " لا صيام إلا [لمن لم] (¬4) يبيت الصيَام من الليل" (¬5). [102] (ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ) قال: (ثَنَا) عبد الله (ابْنُ وَهْبٍ عن) عبد العزيز بن محمد (الدَّرَاوَرْدِيّ) قَالَ له (¬6) هارون أمير المؤمنين: ما الدراوردي؛ قال: لقب أصلحك الله. ويقال: دارورد (¬7) قرية بخراسان. ويقال: هي دار الجرد (¬8). ويقال: دراورد موضع بفارس كان جده منها. (قال: وَذَكَرَ رَبِيعَةُ) بن أبي عبد الرحمن فروخ، فقيه المدينة صَاحب الرأي (أَنَّ تَفْسِيرَ حَدِيثِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ) في قوله: (لاَ وُضُوءَ من (¬9) لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللهِ عَلَيهِ) رواية الخطيب: "يذكر الله عليه". (أَنَّهُ الذِي يَتَوَضأُ وَيَغْتَسِلُ) لعل الواو في: "ويغتسل" بمعنى: أو، ¬

_ (¬1) في (ص): التقرير. (¬2) سيأتي تخريجه إن شاء الله تعالى. (¬3) سيأتي تخريجه إن شاء الله تعالى. (¬4) في (ص): إلا من. وفي (ل): من. (¬5) سيأتي تخريجه إن شاء الله تعالى. (¬6) من (د، م). (¬7) في (ص): لدارورد. (¬8) في (ص): الجوى. وفي (س): الجود. (¬9) في (ص، س): فيمن.

والمراد بالنفي (¬1) الكمال، أي: لا وضوء كاملًا والتيمم كالوُضوء (وَلاَ يَنْوِي) بوُضوئه (وضوء الصَّلَاةِ (¬2) وَلاَ) ينوي بغسله (غُسْل الجَنَابَةِ) (¬3). قال الخطابي: تأوله جماعة على النية وجَعلوهُ ذكر القلب قالوا: وذلك أن الأشياء قد يعتبر أضدادها (¬4) فلما كان النسيَان محله القلب كان ضده الذي هو الذكر بالقلب، وإنما ذكر القلب النية والعزيمة. انتهى (¬5). ولعَل السبب في حَملهم الحديث على النية مع أن التسمية ظاهرة في اللفظ أن الحديث (¬6) لما كانَ ظاهرًا في نفي الصحة كما تقدم أن الوُضُوء طهارة، والطهَارة لا تفتقر إلى التسمية كما في التطهير منَ النجاسَة، وأن الوضوء عبادة، والعبادة لا يجب فيها التسمية كسَائر العبادات، وأن الأصل عدَم الوُجوب، فلهذا عدلوا عن ظاهره وهو التسمية إلى النية التي ورد فيها قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الأعمال بالنية" (¬7) فنفى أن يكون عمل بغير نية؛ ولأن الوُضوء طهَارة عن حَدث فلم يصح بغير نية كالتيمم، أو عبَادة فافتقرت إلى النيَّة كالصَّلاة. * * * ¬

_ (¬1) من (د، م). (¬2) في (د): وضوءا للصلاة. (¬3) في (د، م): غسلا للجنابة. (¬4) في (م): أصلا لها، وفي (س): أقدارها. (¬5) "معالم السنن" 1/ 47. (¬6) في (م): التسمية. (¬7) سيأتي تخريجه إن شاء الله تعالى.

49 - باب في الرجل يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها

49 - باب فِي الرَّجُلِ يدْخِل يدهُ في الإِناءِ قَبْلَ أنْ يَغْسِلَها 103 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ وَأَبِي صالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا قامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَلا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الإِناءِ حَتَّى يَغْسِلَها ثَلاثَ مَرّاتٍ؛ فَإِنَّهُ لا يَدْرِيِ أَيْنَ باتَتْ يَدُهُ" (¬1). 104 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أَبِي صالِحٍ، أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَعْنِي: بهذا الحَدِيثِ - قالَ: مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا. وَلَمْ يَذْكُرْ: رَزِين (¬2). * * * باب (¬3) لا يُدْخِلُ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا [103] (ثَنَا مُسَدَّدٌ) قال: (ثَنَا أَبُو (¬4) مُعَاوِيَةَ) محمد بن خازم بالخاء والزاي، الضرير الكُوفي، ذهبَ بَصَره وهو ابن ثمان سنين (عن) سُليمان بن مهران (الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ) مسعود بن مالك الأسدي، أخرج له مُسلم في الوضوء مقرونًا (¬5)، وهو مولى أبي وائل شقيق بن سلمة (وَأَبِي صَالِح) ذكوان السَّمان (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ (¬6): قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ) أي: من منامه. (مِنَ اللَّيلِ فَلاَ يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا) أخذ بظاهره أحمد ¬

_ (¬1) رواه البخاري (162)، ومسلم (278). (¬2) انظر السابق. (¬3) كتب فوقها في (م): في الرجل. (¬4) كتب فوقها في (د، م): ع. (¬5) "صحيح مسلم" (278). (¬6) من (م).

في أشهر الروايتين (¬1) عنه (¬2) أن من قامَ من نوم الليل فيجبُ عليه أن يغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثًا. وهو اختيار أبي بكر، ومذهب ابن عُمر وأبي هُريرة والحسَن البصري (¬3)؛ لأن النهي يقتضي التحريم وورد في رواية [ ... ] (¬4) بصيغة الأمر، وهو يقتضي الوُجُوب ولا تختلف الرواية عن أحمد (¬5) في أنه لا يجبُ غَسلهما من ثوم النهار، وسوى الحسَن بين نَوم الليل ونوم النهار في الوُجُوب بعُموم الحَديث، والحكمة في تخصيصه بقيام الليل أنَّ الليل مظنته (¬6) النوم، والاستغراق فيه، وطول مُدته، واحتمال (¬7) إصابة يده لنجاسَة لا يشعُر بها أكثر من احتمال ذلك في نَوم النهار، فإن قيل: لم لا (¬8) يكون مثله نوم النهار قياسًا عليه؛ فالجَواب أن هذا الحكم في القيام مِن نوم الليل ثبت تعبدًا فلا يصح تعديته إلى غيره بالقياس. (ثَلاَثَ مَرَّاتٍ) يدُل على أن الغسل تعبُّدي؛ لأن النجاسَة المتحققة يكفي فيها واحدَة للتطهير، فكيف بالمتوهمة؟ ! لكن قوله بعده: (فإنه (¬9) ¬

_ (¬1) في (م): الرواية. (¬2) انظر: "المغني" 1/ 140. (¬3) السابق. (¬4) بياض في (د، ل، م) قدر كلمة. (¬5) "مسائل أحمد وإسحاق رواية الكوسج" (45). (¬6) (د، م): مظنة. (¬7) في (د): فاحتمال. (¬8) من (د، س، م). (¬9) في (ص، س): وأن.

لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ) يدلَ على أنهُ للتعليل فإن فيه تنبيهًا (¬1) على العِلة ومعَناهُ أن النائم في الليْل لا يأمن وقوع (¬2) النجاسَة على يده، وهذا عَام لوُجود احتمال النجاسَة في نَوم الليل والنهار وفي اليقظة وذكر الليل لكونه الغالب ولم يقتصر على نوم اللَّيل خوفًا من توهم أنه مَخصُوص به؛ بل ذكر العِلة بعده. هذا إذا شك في نجَاسة اليد (¬3) فلو تيقن طهَارتها وأراد غمسَها قبل غسلها فقال جَماعة مِن أصحابنا: حُكمهُ حكم الشك؛ لأن أسباب (¬4) النجاسَة قد تخفى في حق مُعظم الناس (¬5) فسد الباب لئلا يتساهل فيه من لا يعرف، والأصح الذي ذَهب إليه جماهير أصحابنا أنه لا كراهة فيه، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر النَوم ونبه على العِلة وهي الشك، فإذا انتفت العِلة انتفت الكراهة. [104] (ثَنَا مُسَدَّدٌ (¬6)، حَدَّثَنَا عِيسَى (¬7) بْنُ يُونُسَ) بن أبي إسحَاق، أحد الأعلام في الحفظ والعبَادة (¬8) (عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِح) السمان. ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): تنبيه. (¬2) من (م). (¬3) في (ص): الليل. (¬4) في (ص): شأن. (¬5) من (د، س، ل، م). (¬6) كتب فوقها في (م): ع. (¬7) كتب فوقها في (د، ل): ع. (¬8) "الكاشف" 2/ 372.

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. يَعْنِي بهذا الحَدِيثِ) كذا في رواية الخَطيب (قال: مَرَّتَينِ أَوْ ثَلاثًا. وَلَمْ يَذْكُرْ) الأعمش في المرتين أو الثلاث (أَبَا رزِينٍ) بل اقتصر على أبي صَالح فقط. * * * 105 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ وَمحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ المُرادِيُّ قالا: حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، عَنْ مُعاوِيَةَ بْنِ صالِحِ، عَنْ أَبِي مَرْيَمَ، قالَ: سَمِعْتُ أَبا هُرَيْرَةَ يَقُول: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِذا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلا يُدْخِلْ يَدَهُ فِي الإِناءِ حَتَّى يَغْسِلَها ثَلاثَ مَرّاتٍ؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لا يَدْرِي أَيْنَ باتَتْ يَدُهُ"؛ أَوْ "أَيْنَ كَانَتْ تَطُوفُ يَدُهُ" (¬1). * * * باب: يحرك (¬2) يدهُ في الإناء قبل أن يغسلها هذِه الترجمة ليست في نُسخة الخَطيب (¬3)، والظاهر أن المراد بها: أيحرك المتوضئ يدهُ في الإناء قبل أن يغسلها أم لا؟ [105] (ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ) بن عَبد الله بن أبي فاطمة (المُرَادِيّ) الجملي مولاهم المصري أخرج له مُسلم في الإيمان، عن ابن (¬4) وَهْبٍ (¬5)، (قالا (¬6): ثنا) عَبد الله (ابن وهب، عَنْ ¬

_ (¬1) انظر ما سبق برقم (153) وسيأتي تخريج هذا الطريق. (¬2) كتب في حاشية (م) عندها: لا يحرك. (¬3) في (م): الخطابي. (¬4) في (م): أبي. (¬5) "صحيح مسلم" (72) (126). (¬6) في (ص، س، ل): قال.

مُعَاوَيةَ (¬1) بْنِ صَالِحٍ) بن جدير (¬2) (عَنْ أَبِي مَرْيَمَ) قيل: اسمه عَبد الرحمَن بن مَاعِز (قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا (¬3) هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬4) يقول: إِذَا اسْتَيقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ). فإن (¬5) قلتُ: ما الفائدة في قوله - عليه السلام -: "مِن نَومه" ومَعلوم أن الاستيقاظ إنما يكونُ من النوم؛ قلتُ: لا ينحَصر الاستيقاظ في النوم لمشاركة الغفلة والغَشية في ذلك، ألا ترى أنهُ يُقالُ: استيقظ فلان من غشيته أو غفلته. فإن (¬6) قلت: لم أضَاف - عليه السلام - النَّوم إلى ضمير أحدنا ومَعلوم قطعًا (¬7) أن أحدًا لا يستيقظ من نَوم غيره، فما فائدة هذِه الإضَافة حَتى لم يقل: مِنَ النوم أو من نَوم، وكان ذلك مغنيًا عنها مع خفة (¬8) الإفراد، وثقل (¬9) التركيب الإضافي؟ الجَوَاب: قال الفاكهي: ¬

_ (¬1) كتب فوقها في (د) هنا: حاشية: من خط الشيخ تاج الدين الهاملي: هذا الحديث من أفراد المؤلف. وقد رواه ابن حبان في (43) من الثاني أنا إسحاق بن إبراهيم ببست، ثنا محمد بن سلمة، ثنا ابن وهب به. قال الشيخ تاج الدين: وليس عند المؤلف عن معاوية بن صالح، عن أبي مريم، عن أبي هريرة غير هذا الحديث. وآخر يأتي في السلام ["سنن أبي داود" (5200)]، وقد نبهت على الوهم الواقع فيه فراجعه فإنه مهم. (¬2) في (ص، س): جرير. (¬3) في (ص، س): أبي. (¬4) من (م). (¬5) في (ص، ل): قال. (¬6) في (م): قال. (¬7) من (د، م). (¬8) في (ص، ل، م): حق. (¬9) في (ص): وبعد.

إنما قال ذَلك لمعنى جليل لطيف جدًّا، وهو الإشارة والتنبيه على أن نومه - صلى الله عليه وسلم - مغاير لنومنا إذ (¬1) كانَ - عليه السلام - تنام عَيناه ولا ينام قلبه، فإن قلت: قوله: "أحدكم" يعطى هذا المعنى المذكور؟ قلت: أجل، ولكنه جاء على طريق المبَالغة والتأكيد، وربما سمى أهل علم البيان مثل هذا نظرية، وهو أن يكون المعنى مُستقلًّا بالأول (¬2)، ويؤتى باللفظ الثاني للتأكيد (فَلاَ يُدْخِلْ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ) احترز بالإناء عن البركة (¬3) ونحوها، والمراد بالإناء ما يسَع دُون قلتين [والماء إن] (¬4) كثر حكمه حكم القليل. قال ابن دَقيق العيد: فرق أصَحاب الشافعي بين حَالة المُستيقظ من نومه وغير المستيقظ فقالوا في المُستيقظ مِنَ النوم: يكره أن يغمس يده في الإناء قبل غسلها ثلاثًا، وفي غير المُستيقظ يُستحبُّ له غسلها قبل إدخالها في الإناء. قال: وليعلم الفرق بين قولنا: يُستحب فعل كذا وبين قولنا: يكره تركه، فإنه لا تلازم بينهما، فقد يكون الشيء مُستحب الفعل، ولا يكون مكروه الترك كصلاة الضحى وكثير من النوافل، وغَسل الكفين (¬5) لغَير المُستيقظ من النوم قبل إدخالهما (¬6) الإناء من المُستحبات وترك غسلهما (¬7) للمُستيقظ من المكروهات، فقد وردت ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): إذا. (¬2) في (ص، س، ل): فالأول. (¬3) في (د): البرك. (¬4) في (ص، د، س، ل): والمائع وإن. (¬5) في (ص، س، ل، م): الكف. (¬6) في (ص، س، ل، م): إدخالها. (¬7) في (ص): غسلها.

صيغة النهي عن إدخالهما (¬1) الإناء قبل الغسل في حق المستيقظ من النوم، وذلك يقتضي الكرَاهة على أقل الدرَجَات (¬2). (حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ) والتقييد بالثلاث لمُسلم دون البخاري (¬3). أي: غاية انتفاء الكراهة انتهاء الثلاث غَسلات، وهذِه الكراهة كراهة تنزيه لا تحريم، فلو خَالف وغمَس لم يفسد (¬4) الماء؛ لأن الأصل الطهَارة. قال الشافعي في البُوَيطي (¬5) وتبعهُ الأصحَاب: لا تزول الكراهة إلا بغَسْل اليدَين ثلاثًا قَبل الغمس، وهذِه الثلاث هل هي المشروعة في أول كل وُضوء أم غَيرهَا؟ فصرَّحَ البندنيجي والقاضي أبو الطيب بالأول (فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يده أَوْ أَيْنَ كَانَتْ تَطُوفُ يَدُهُ) (¬6) هذا شك من الراوي وباتت يدُل على نَوم الليل دُون كانت. قال الرافعي في "شرح المُسند": يمكن أن يقال: الكراهة في غمس اليَد، إذا قام مِنَ الليل أشدّ من نوم النهَار؛ لأن احتمال التلويث فيه أقرب لطوله (¬7). * * * ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل، م): إدخالها. (¬2) "إحكام الأحكام" 1/ 19. (¬3) "صحيح مسلم" (278) (87). (¬4) في (ص): يفسده. (¬5) "المجموع" 1/ 349. "روضة الطالبين" 1/ 58. (¬6) أخرجه ابن حبان (1061)، والدارقطني 1/ 50 من طريق معاوية بن صالح عن أبي مريم، فذكره. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (93): إسناده صحيح. (¬7) 1/ 12.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

شَرْحُ سُنَنِ أَبِي دَاوُد لِابْنِ رَسْلَان [2]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ جميعُ الحقوقِ مَحْفوظَة لِدَارِ الفَلَاحِ وَلَا يجوز نشر هَذَا الْكتاب بِأَيّ صِيغَة أَو تَصْوِيره PDF إِلَّا بِإِذن خطي من صَاحب الدَّار الْأُسْتَاذ/ خَالِد الرَّباط الطَّبْعَةُ الأُولَى 1437 هـ - 2016 م رَقم الْإِيدَاع بدَارِ الكتُب 17164/ 2015 دَارُ الفَلَاحِ لِلبحثِ العِلمي وتَحْقِيق التُّرَاثِ 18 شَارِع أحمس - حَيّ الجامعة - الفيوم ت: 01000059200 [email protected] تطلب منشوراتنا من: • دَار الْعلم - بلبيس - الشرقية - مصر • دَار الأفهام - الرياض • دَار كنوز إشبيليا - الرياض • مكتبة وتسجيلات ابْن الْقيم الإسلامية - أَبُو ظَبْي • دَار ابْن حزم - بيروت • دَار المحسن - الجزائر • دَار الْإِرْشَاد - استانبول • دَارُ الفَلَاحِ - الفيوم

50 - باب صفة وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم -

50 - باب صِفةِ وُضُوءِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - 106 - حَدَّثَنا الَحسَن بْنُ عَلِيٍّ الحُلْوانِيُّ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ حُمْرانَ بْنِ أَبانَ - مَوْلَى عُثْمانَ بْنِ عَفّانَ - قال: رأيْتُ عُثْمانَ بْنَ عَفّانَ تَوَضَّأَ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ ثَلاثًا فَغَسَلَهُما، ثمَّ تَمَضْمَضَ واسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثًا وَغَسَلَ يَدَة اليُمْنَى إِلَى الِمرْفَقِ ثَلاثًا، ثُمَّ اليسْرى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ، ثُمَّ غَسَلَ قَدَمَهُ اليُمْنَى ثَلاثًا، ثمَّ اليُسْرى مِثْلَ ذَلِكَ، ثمَّ قال: رأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ مِثْلَ وضُوئِي هذا، ثمَّ قالَ: "مَنْ تَوَضَّأَ مِثْلَ وُضُوئِي هِذا ثُمَّ صَلَّى رَكعَتَيْنِ لا يُحَدِّثُ فِيهِما نَفْسَهُ، غَفَرَ اللهُ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" (¬1). 107 - حَدَّثَنا محَمَّد بْنُ المثَنَّى، حَدَّثَنا الضَّحّاك بْن مَخْلَدٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن وَرْدانَ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِي حُمْرانُ قالَ: رَأَيْت عُثْمانَ بْنَ عَفّانَ تَوَضَّأَ. فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَلَمْ يَذْكرِ المضْمَضَةَ والاستِنْشاقَ، وقالَ فِيهِ: وَمَسَحَ رَأْسَهُ ثَلاثًا ثمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلاثًا. ثمَّ قال: رأيْت رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ هَكَذا، وقالَ: "مَنْ تَوَضَّأَ دُونَ هذا كفاهُ". وَلم يَذْكُرْ أَمْرَ الصَّلاةِ (¬2). 108 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْن داوُدَ الإِسْكَنْدَرانِيُّ، حَدَّثَنا زِيادُ بْن يُونُسَ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ زِيادٍ المُؤَذِّن، عَنْ عُثْمانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيِّ، قالَ: سُئِلَ ابن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الوُضُوءِ، فَقالَ: رَأَيْتُ عُثْمانَ بْنَ عَفّانَ سُئِلَ عَنِ الوُضُوءِ، فَدَعا بِماءٍ، فَأُتِيَ بِمِيضَأَةٍ، فَأَصْغَى عَلَى يَدِهِ اليُمْنَى، ثُمَّ أَدْخَلَها فِي الماءِ، فَتَمَضْمَضَ ثَلاثًا، واسْتَنْثَرَ ثَلاثًا، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (159، 164)، ومسلم (226). وانظر ما سيأتي بالأرقام (107 - 110). (¬2) رواه البزار في "مسنده" (418) وقال الألباني في "صحيح أبي داود" 1/ 179: إسناده حسن صحيح.

وَغَسَلَ وَجْهَهُ. ثَلاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ اليُمْنَى ثَلاثًا، وَغَسَلَ يَدَهُ اليُسْرى ثَلاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَأَخَذَ ماءً فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأذنَيْهِ، فَغَسَلَ بُطُونَهُما وَظُهُورَهُما مَرَّةً واحِدَةً، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ قالَ: أَيْنَ السّائِلُونَ عَنِ الوُضُوءِ؟ هَكَذا رَأَيْت رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَوَضَّأ. قالَ أَبُو داوُدَ: أَحادِيثُ عُثْمانَ - رضي الله عنه - الصِّحاحُ كُلُّها تَدُلُّ عَلَى مَسْحِ الرَّأْسِ أَنَّهُ مَرَّةٌ، فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا الوُضُوءَ ثَلاثًا، وَقالُوا فِيها: وَمَسَحَ رَأْسَهُ. وَلَمْ يَذْكُرُوا عَدَدًا كَما ذَكَرُوا فِي غَيْرِهِ (¬1). 109 - حَدَّثَنا إِبْراهِيم بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنا عِيسَى، أَخْبَرَنا عُبَيْدُ اللهِ - يَعْنِي: ابن أَبِي زِيادٍ - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ، أَنَّ عُثْمانَ دَعا بِماءٍ، فَتَوَضَّأَ، فَأَفْرَغَ بِيَدِهِ اليُمْنَى عَلَى اليُسْرى، ثُمَّ غَسَلَهُما إِلَى الكُوعَيْنِ، قالَ: ثمَّ مَضْمَضَ واسْتَنْشَقَ ثَلاثا، وَذَكَرَ الوُضُوءَ ثَلاثًا، قالَ: وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ، وَقال: رأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ مِثْلَ ما رَأَيْتُمُونِي تَوَضَّأْت. ثمَّ ساقَ نَحْوَ حَدِيثِ الزُّهْرِي وَأَتَمَّ (¬2). 110 - حَدَّثَنا هارُون بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنا إِسْرائِيلُ، عَنْ عامِرِ بْنِ شَقِيقِ بْنِ جَمْرَةَ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قال: رأيْتُ عُثْمانَ بْنَ عَفّانَ غَسَلَ ذِراعَيْهِ ثَلاثًا ثَلاثًا وَمَسَحَ رَأْسَه ثَلاثًا، ثمَّ قالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَعَلَ هذا (¬3). قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ وَكِيعٌ عَنْ إِسْرائِيلَ، قالَ: تَوَضَّأَ ثَلاثًا فَقَطْ. 111 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ خالِدِ بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ قالَ: أَتانا عَلِيٌّ - رضي الله عنه - وَقَدْ صَلَّى، فَدَعا بِطَهُورٍ، فَقُلْنا: ما يَصْنَعُ بِالطَّهُورِ وَقَدْ صَلَّى؟ ما يُرِيدُ ¬

_ (¬1) قال الألباني في "صحيح أبي داود" 1/ 181: إسناده حسن صحيح. (¬2) رواه الدارقطني 1/ 85، والبيهقي في "الكبرى" 1/ 47، وقال الألباني في "صحيح أبي داود" 1/ 184: إسناده صحيح. (¬3) رواه الدارقطني 1/ 91، وقال الألباني "صحيح أبي داود" 1/ 185: إسناده حسن صحيح.

إلَّا أَنْ يُعَلِّمَنا، فَأُتِيَ بِإناءٍ فِيهِ ماءٌ وَطَسْتٍ فَأَفْرَغَ مِنَ الإِناءِ عَلَى يَمِينِهِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلاثًا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ واسْتَنْثَرَ ثَلاثًا فَمَضْمَضَ وَنَثَرَ مِنَ الكَفِّ الذِي يَأْخُذُ فِيهِ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَه ثَلاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ اليُمْنَى ثَلاثًا وَغَسَلَ يَدَه الشِّمالَ ثَلاثًا، ثُمَّ جَعَلَ يَدَهُ فِي الإِناءِ فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً واحِدَةً، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَه اليُمْنَى ثَلاثًا وَرِجْلَهُ الشِّمالَ ثَلاثًا، ثمَّ قالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَعْلَمَ وُضُوءَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فهُوَ هذا (¬1). 112 - حَدَّثَنا الْحَسَنُ بْن عَلِيٍّ الْحُلْوانِيُّ، حَدَّثَنا الحسَيْنُ بْن عَليٍّ الجُعْفِيُّ، عَنْ زائِدَةَ، حَدَّثَنا خالِدُ بْن عَلْقَمَةَ الهَمْدانِيّ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ قالَ: صَلَّى عَلِيٌّ - رضي الله عنه - الغَداةَ، ثُمَّ دَخَلَ الرَّحْبَةَ، فَدَعا بِماءٍ، فَأَتاهُ الغُلامُ بإناءٍ فِيهِ ماءٌ وَطَسْتٍ، قالَ: فَأَخَذَ الإِناءَ بِيَدِهِ اليمْنَى، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدِهِ اليُسْرى وَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلاثًا، ثمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ اليُمْنَى فِي الإِناءِ فَتَمَضْمَضَ ثَلاثًا واسْتَنْشَقَ ثَلاثًا. ثمَّ ساقَ قَرِيبًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَوانَةَ، قالَ: ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ مُقَدَّمَة وَمُؤَخَّرَهُ مَرَّةً. ثمَّ ساقَ الَحدِيثَ نَحْوَهُ (¬2). 113 - حَدَّثَنا محَمَّد بْن المُثَنَّى، حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن جَعْفَرٍ، حَدَّثَنِي شُعْبَةُ، قالَ: سَمِعْتُ مالِكَ بْنَ عُرْفطَةَ، سَمِعْت عَبْدَ خَيْرٍ قال: رأيْتُ عَلِيًّا - رضي الله عنه - أتي بِكُرْسِيٍّ فَقَعَدَ عَلَيْهِ، ثمَّ أُتِيَ بِكُوزٍ مِنْ ماءٍ فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلاثًا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ مَعَ الاسْتِنْشاقِ بِماءٍ واحِدٍ. وَذَكَرَ الحَدِيثَ (¬3). 114 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنا رَبِيعَة الكِنانِيُّ، عَنِ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (49)، والنسائي 1/ 67، 68 وابن ماجه (404)، وأحمد 1/ 115، 122، 123، 135، 139، 154. وانظر ما سيأتي بالأرقام (112 - 116). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (100). (¬2) رواه الترمذي (249)، ولم يسق متنه، والنسائي 1/ 68، وابن ماجه (454)، وأحمد 1/ 154. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (101). (¬3) رواه أحمد 1/ 139، والبيهقي 1/ 85. صححه الألباني في "صحيح أبي داود" (102).

الِمنْهالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، أنَّه سَمِعَ عَلِيًّا - رضي الله عنه - وَسُئِلَ عَنْ وُضُوءِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرَ الحَدِيثَ، وقالَ: وَمَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى لمَّا يَقْطُرْ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلاثًا ثَلاثًا، ثُمَّ قالَ: هَكَذا كانَ وُضُوءُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). 115 - حَدَّثَنا زِيادُ بْنُ أَيُّوبَ الطُّوسِيُّ، حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْن مُوسَى، حَدَّثَنا فِطْرٌ، عَنْ أَبِي فَرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قال: رأيْتُ عَلِيًّا - رضي الله عنه - تَوَضَّأَ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثًا، وَغَسَلَ ذِراعَيْهِ ثَلاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ واحِدَةً، ثُمَّ قالَ: هَكَذا تَوَضَّأَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬2). 116 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَأَبُو تَوْبَةَ قالا: حَدَّثَنا أَبُو الأحوَصِ (ح) وَحَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنا أَبُو الأحوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحاقَ، عَنْ أَبِي حَيَّةَ قال: رأيْت عَلِيًّا - رضي الله عنه - تَوَضَّأَ، فَذَكَرَ وُضُوءَهُ كُلَّهُ ثَلاثًا ثَلاثًا، قالَ: ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الكَعْبَيْنِ، ثُمَّ قالَ: إِنَّما أَحْبَبْت أَنْ أُرِيَكمْ طُهُورَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬3). 117 - حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْن يَحْيَى الحرّانِيُّ، حَدَّثَنا مُحَمَّد - يَعْنِي: ابن سَلَمَةَ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكانَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ الخَوْلانِيِّ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: دَخَلَ عَليَّ عَليٌّ - يَعْنِي: ابن أَبِي طالِبٍ - وَقَدْ أَهْراقَ الماءَ، فَدَعا بِوَضُوءٍ، فَأَتَيْناهُ بِتَوْرٍ فِيهِ ماءٌ حتَّى وَضَعْناه بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقالَ: يا ابن عَبّاسٍ أَلا أريكَ كَيْفَ كانَ يَتَوَضَّأ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قُلْتُ: بَلَى. قالَ: فَأَصْغَى الإِناءَ عَلَى يَدِهِ، فَغَسَلَها، ثمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ اليُمْنَى فَأَفْرَغَ بِها عَلَى الأخرى، ثمَّ غَسَلَ كَفَّيْهِ، ثمَّ تَمَضْمَضَ واسْتَنْثَرَ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَيْهِ فِي الإِناءِ جَمِيعًا، فَأَخَذَ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 157، والنسائي 1/ 70، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (103). (¬2) رواه ابن أبي شيبة 1/ 253 (54)، أحمد 1/ 157، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (104). (¬3) انظر ما سلف برقم (111). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (105).

بِهِما حَفْنَةً مِنْ ماءٍ فَضَرَبَ بِها عَلَى وَجْهِهِ، ثمَّ ألقَمَ إِبْهامَيْهِ ما أَقْبَلَ مِنْ أُذُنَيْهِ، ثمَّ الثّانِيَةَ، ثمَّ الثّالِثَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثمَّ أَخَذَ بِكَفِّهِ اليُمْنَى قَبْضَةً مِنْ ماءٍ فَصَبَّها عَلَى ناصِيَتِهِ فَتَرَكَها تَسْتَنُّ عَلَى وَجْهِهِ، ثمَّ غَسَلَ ذِراعَيْهِ إِلَى الِمرْفَقَيْنِ ثَلاثًا ثَلاثًا، ثمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ وَظُهُورَ أُذُنَيْهِ، ثمَّ أَدْخَلَ يَدَيْهِ جَمِيعًا فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ ماءٍ فَضَرَبَ بِها عَلَى رِجْلِهِ وَفِيها النَّعْل فَفَتَلَها بِها، ثُمَّ الأُخْرى مِثْلَ ذَلِكَ. قالَ: قُلْتُ: وَفِي النَّعْلَيْنِ؟ قالَ: وَفِي النَّعْلَيْنِ. قالَ: قُلْتُ: وَفِي النَّعْلَيْنِ؟ قالَ: وَفِي النَّعْلَيْنِ. قالَ: قلْت: وَفِي النَّعْلَيْنِ؟ قالَ: وَفِي النَّعْلَيْنِ. قالَ أَبُو داوُدَ: وَحَدِيثُ ابن جُرَيْجٍ عَنْ شَيْبَةَ يُشْبِه حَدِيثَ عَلِيٍّ، لأَنَّهُ قالَ فِيهِ: حَجّاجُ بْن مُحَمَّدٍ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ: وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً واحِدَةً. وقالَ ابن وَهْبٍ فِيهِ: عَنِ ابن جُرَيْجٍ: وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثَلاثًا (¬1). 118 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى المازِنيِّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قالَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عاصِمٍ - وَهُوَ جَدُّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى المازِنيِّ: هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي كَيْفَ كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَوَضَّأُ؟ فَقالَ عَبْدُ اللهِ بْن زيدٍ: نَعَمْ. فَدَعا بِوَضُوءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ واسْتَنْثَرَ ثَلاثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثًا، ثمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ إِلَى الِمرْفَقَيْنِ، ثمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِما وَأَدْبَرَ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِما إِلَى قَفاهُ، ثُمَّ رَدَّهُما حَتَّى رَجَعَ إِلَى المكانِ الذِي بَدَأَ مِنْهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ (¬2). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 82، والبزار 2/ 110 - 111 (463، 464)، وأبو يعلى (600)، وابن خزيمة (153)، وابن حبان (1585)، والبيهقي 1/ 74. وانظر ما سلف برقم (111). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (106). (¬2) رواه البخاري (185)، ومسلم (235). وانظر ما بعده.

119 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا خالِدٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى المازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عاصِمٍ، بهذا الَحدِيثِ قالَ: فَمَضْمَضَ واسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ واحِدَةٍ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاثًا. ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ (¬1). 120 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، حَدَّثَنا ابن وَهْب، عَنْ عَمْرِو بْنِ الحارِثِ، أَنَّ حَبّانَ بْنَ واسِعٍ حَدَّثَهُ، أَنَّ أَباهُ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ زَيْدِ بْنِ عاصِمٍ المازِنِيَّ يَذْكُرُ أَنَّهُ رَأى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرَ وُضُوءَهُ، وقالَ: وَمَسَحَ رَأْسَه بِماءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدَيْهِ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى أَنْقاهُما (¬2). 121 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا أَبُو المُغِيرَة، حَدَّثَنا حَرِيزٌ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَيْسَرَةَ الحَضْرَمِيُّ، سَمِعْتُ الِمقْدامَ بْنَ مَعْدِيكَرِبَ الكِنْدِيَّ قالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلاثًا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ واسْتَنْشَقَ ثَلاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثًا، ثُمَّ غَسَلَ ذِراعَيْهِ ثَلاثًا ثَلاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأذنَيْهِ ظاهِرهِما وَباطِنِهِما (¬3). 122 - حَدَّثَنا مَحْمودُ بْنُ خالِدٍ وَيَعْقُوبُ بْنُ كَعْبٍ الأنطاكِيُّ - لَفْظُهُ - قالا: حَدَّثَنا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ حَرِيزِ بْنِ عُثْمانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنِ الِمقْدامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ قال: رأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ، فَلَمّا بَلَغَ مَسْحَ رَأْسِهِ وَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ، فَأَمَرَّهُما حَتَّى بَلَغَ القَفا، ثمَّ رَدَّهُما إِلَى المَكانِ الذِي بَدَأَ مِنْهُ. قالَ مَحْمُودٌ: قالَ: أَخْبَرَنِي حَرِيزٌ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (191)، ومسلم (235). وانظر ما قبله وما بعده. (¬2) رواه مسلم (236). وانظر ما قبله. (¬3) رواه ابن ماجه (442، 457) وأحمد 4/ 132، والطبراني 20/ 277. وانظر الطريقين الآتيين. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (112). (¬4) انظر السابق والتالي. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (113).

123 - حَدَّثَنا مَحْمُودٌ بْنُ خالِدٍ وَهِشامٌ بْنُ خالِدٍ - المَعْنَى - قالا: حَدَّثَنا الوَلِيدُ بهذا الإِسْنادِ، قالَ: وَمَسَحَ بِأُذُنَيْهِ ظاهِرِهِما وَباطِنِهِما. زادَ هِشامٌ: وَأَدْخَلَ أَصابِعَهُ فِي صِماخِ أُذُنَيْهِ (¬1). 124 - حَدَّثَنا مُؤَمَّلُ بنُ الفَضْلِ الحَرّانِيُّ، حَدَّثَنا الوَليدُ بْن مُسْلِمٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن العَلاءِ، حَدَّثَنا أَبُو الأزْهَرِ المُغِيرَة بْنُ فَرْوَةَ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي مالِكِ، أَنَّ مُعاوِيَةَ تَوَضَّأَ لِلنّاسِ كَما رَأى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَوَضَّأ، فَلَمّا بَلَغَ رَأْسَهُ غَرَفَ غَرْفَةً مِنْ ماءٍ، فَتَلَقّاها بِشِمالِهِ حَتَّى وَضَعَها عَلَى وَسَطِ رَأْسِهِ حَتَّى قَطَرَ الماءُ أَوْ كادَ يَقْطُرُ، ثمَّ مَسَحَ مِنْ مُقَدَّمِهِ إِلَى مُؤَخَّرِهِ وَمِنْ مُؤَخَّرِهِ إِلَى مُقَدَّمِهِ (¬2). 125 - حَدَّثَنا مَحْمُودُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ بهذا الإسْنادِ، قالَ: فَتَوَضَّأَ ثَلاثًا ثَلاثًا وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ بِغَيْرِ عَدَدٍ (¬3). 126 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا بِشْرْ بْنُ المُفَضَّلِ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن محَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بنِ عَفْراءَ قالَتْ: كانَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْتِينا فَحَدَّثَتْنا أنَّهُ قالَ: "اسْكُبِي لِي وَضُوءًا". فَذَكَرَتْ وُضُوءَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قالَتْ فِيهِ: فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلاثًا، وَوَضَّأَ وَجْهَهُ ثَلاثًا، وَمَضْمَضَ واسْتَنْشَقَ مَرَّةً، وَوَضَّأَ يَدَيْهِ ثَلاثًا ثَلاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّتَيْنِ: يَبْدَأ بِمُؤَخَّرِ رَأْسِهِ ثُمَّ بِمُقَدَّمِهِ، وَبِأُذُنَيْهِ كِلْتَيْهِما ظُهُورِهِما وَبُطُونِهِما، وَوَضَّأَ رِجْلَيْهِ ثَلاثًا ثَلاثًا. قالَ أَبو داودَ: وهذا مَعْنَى حَدِيثِ مُسَدَّدٍ (¬4). ¬

_ (¬1) انظر الطريقين السالفين قبله. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (114). (¬2) رواه أحمد 4/ 94، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 30، والطبراني 19/ 384 (900)، والبيهقي 1/ 59. وانظر ما بعده. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (115). (¬3) انظر السابق. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (116). (¬4) رواه الترمذي (33، 34) ابن ماجه (390، 418، 438، 440) وأحمد 6/ 358. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (117).

127 - حَدَّثَنا إِسْحاقُ بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ ابن عَقِيلٍ بهذا الحَدِيثِ، يُغَيِّرُ بَعْضَ مَعاني بِشْرٍ، قالَ: فِيهِ وَتَمَضْمَضَ واسْتَنْثَرَ ثَلاثًا (¬1). 128 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَيَزِيدُ بْنُ خالِدٍ الهَمْدانِيُّ قالا: حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنِ ابن عَجْلانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ محَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بنِ عَفْراءَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ عِنْدَها فَمَسَحَ الرَّأْسَ كلَّهُ مِنْ قَرْنِ الشَّعْرِ، كلَّ ناحِيَةٍ لِمُنْصَبِّ الشَّعْرِ، لا يُحرِّكُ الشَّعْرَ عَنْ هَيْئَتِهِ (¬2). 129 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ، حَدَّثَنا بَكْرٌ - يَعْنِي: ابن مُضَرَ - عَنِ ابن عَجْلانَ، - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ محَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، أَنَّ رُبَيِّعَ بِنْتَ مُعَوِّذِ بنِ عَفْراءَ أَخْبَرَتْهُ قالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يتَوَضَّأ، قالَتْ: فَمَسَحَ رَأسَهُ وَمَسَحَ ما أَقْبَلَ مِنْهُ وَما أَدْبَرَ وَصُدْغَيْهِ وَأذُنَيْهِ مَرَّةً واحِدَةً (¬3). 130 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ داوُدَ، عَنْ سُفْيانَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابن عَقِيلٍ، عَنِ الرُّبَيِّعِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مسَحَ بِرَأْسِهِ مِنْ فَضْلِ ماءٍ كانَ فِي يَدِهِ (¬4). 131 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، حَدَّثَنا الْحَسَنُ بْنُ صالِحٍ، عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيل، عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بن عَفْراءَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - توَضَّأَ فَأَدْخَلَ إِصْبَعَيْهِ فِي جُحْرى أُذُنَيْهِ (¬5). ¬

_ (¬1) انظر السابق. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" 1181). (¬2) رواه أحمد 6/ 359، 360، والطبراني 24/ 271 (688)، والبيهقي 1/ 60. وانظر ما سلف برقم (126). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (119). (¬3) انظر ما سلف برقم (126). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (120). (¬4) رواه ابن أبي شيبة 1/ 307 (212)، وأحمد 6/ 358، والطبراني 24/ 269 (681)، والدارقطني 1/ 87، والبيهقي 1/ 237. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (121). (¬5) رواه ابن ماجه (441)، وأحمد 6/ 359. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (122).

132 - حَدَّثَنا محَمَّد بْن عِيسَى وَمُسَدَّدٌ قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قال: رأيْت رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمْسَحُ رَأْسَة مَرَّةً واحِدَةً حَتَّى بَلَغَ القَذالَ - وَهُوَ أَوَّلُ القَفا - وقالَ مُسَدَّدٌ: وَمَسَحَ رَأْسَهُ مِنْ مُقَدَّمِهِ إِلَى مُؤَخَّرِهِ حَتَّى أَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنْ تَحْتِ أُذُنَيْهِ. قالَ مُسَدَّدٌ: فَحَدَّثْتُ بِهِ يَحْيَى فَأَنْكَرَهُ. قالَ أَبُو داوُدَ: وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقول: ابن عُيَيْنَةَ - زَعَمُوا - كانَ يُنْكِرُه، وَيَقولُ: أَيْشِ هذا: طَلْحَةُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ؟ (¬1). 133 - حَدَّثَنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ هارونَ، أَخْبَرَنا عَبّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خالِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ رَأى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَوَضَّأُ، فَذَكَرَ الحَدِيثَ كلَّه ثَلاثًا ثَلاثًا، قالَ: وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأذنَيْهِ مَسْحَةً واحِدَةً (¬2). 134 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا حَمّادٌ (ح) وَحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَقُتَيْبَةُ، عَنْ حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سِنانِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَب، عَنْ أَبِي أُمامَةَ، وَذَكَرَ وُضُوءَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمْسَحُ الَمأْقَيْنِ، قالَ: وقالَ: "الأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ". قالَ سُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ: يَقُولُها أَبُو أُمامَةَ. قالَ قُتَيْبَة: قالَ حَمَّادٌ: لا أَدْرِي هُوَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ مِنْ أَبِي أُمامَةَ. يَعْنِي قِصَّةَ الأُذُنَيْنِ. قالَ قُتَيْبَةُ: عَنْ سِنانٍ أَبِي رَبِيعَةَ. ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة 1/ 291 (150)، وأحمد 3/ 481، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 30، والطبراني 19/ 180 (407)] (458)] (409)، والبيهقي 1/ 60. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (15). (¬2) رواه ضمن حديث مطول أحمد 1/ 369، ورواه أيضا الطبراني 12/ 70 (12504) وذكر فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ ثلاثا ثلاثا، ولم يذكر مسح الرأس مرة. وقال الألباني في "ضعيف أبي داود" (16): إسناده ضعيف جدًّا.

قالَ أَبُو داوُدَ: وَهُوَ ابن رَبِيعَةَ، كُنْيَتُهُ أَبُو رَبِيعَةَ (¬1). * * * باب صِفَةِ وُضُوءِ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - [106] (ثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ) الهذلي (الْحُلْوَانِيُّ) الخلال الحَافظ نزيل مكة شيخ الشيخين، قال: (ثَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ) قال: (ثنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ (¬2)، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيثِيِّ، عَنْ حُمْرَانَ) بِضَم الحَاء المهملة، والزهري عن عطاء عن حمران هؤلاء ثلاثة (¬3) تابعيُّون يروي بَعضهم عن بعض (بْنِ أَبَانَ) وقيل: ابن أبي، توفي سَنة خمس وسبعين، وهو من سبي عين التمر، وهو أول سَبي دَخل المدينة في خلافة أبي بكر - رضي الله عنه - سَبَاهُ خالد بن الوليد فرآه غلامًا أحمرَ محبوبًا كيسًا (مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ) أعتقهُ عُثمان وأقطعهُ عَين التمر، وأقطعه أيضًا أرضا على ثلاث (¬4) فراسخ من الأيلة مما يَلي البَحر. (قال: رأيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ) بن أبي العَاص بن أميَّة أمير المؤمنين - رضي الله عنه - (تَوَضَّأَ) أتى بالوُضوء أولًا مجملًا ثم أتى به مُقسمًا مفصّلًا. (فَأَفْرَغَ) أي: صب وفيه: دليل على غسل اليَدين قبل إدخالهما في الإناء في ابتداء الوُضوء مُطلقًا احتياطًا، والحَديث المتقدم يعطي ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (37) ببعضه، وابن ماجه (444)، وأحمد 5/ 258. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (123): حديث صحيح دون (مسح المأقين). (¬2) زاد هنا في (ص): حمدان. (¬3) في (د): الثلاثة. (¬4) من (م).

استحبابه عند القيام منَ النَّوم، وتقدم التفصيل بينهما عن ابن دَقيق العيد. (عَلَى يَدَيْهِ) ظاهره الإفراغ عليهما مغا، وقد جاء في رواية أُخرى: أفرغ بيده اليُمنى على اليُسرى. (ثلاثا فَغَسَلَهُمَا) تقدم أنَّ غسلهما مُسْتَحب أو سُنة، وهل يفتقر غسلهما إلى نية. قال البَاجي (¬1) ما مَعْنَاهُ: إن من جعلهما من سُنن الوُضوء كابن القاسم اشترط النية في غسْلهما، ومن رأى النظافة كأشهب ويحيى بن يحيى لم يشترطها. (ثُمَّ مَضْمَضَ) أصْل المَضمَضة مُشعر بالتحريك، ومنهُ مَضمَض النعاس في عينَيه، واستعمل هُنا لتَحريك الماء في الفَم، هذا (¬2) مَوْضوعها في اللغة. قال أصحابنا: كمالُ المضمَضة أن يجعَل الماء في فيه ويُديرُه ثم يمجّه (¬3)، وأقلها (¬4) أن يجعَل الماءَ في فيه ولا يشترط المجّ، ولا يشترط الإدارة في الأصحِ. (وَاسْتَنْثَرَ) سَيأتي في حَديث عُثمان أيضًا مضمض (¬5) واستنشق. وفي رواية الصحيحين: فمضمض واستنشق واستنثر (¬6). وفرق بينهما بأن الاستنشاق إيصال الماء إلى الأنف، والاستنثار إخراج مَا فيه من ¬

_ (¬1) "المنتقى شرح الموطأ" 1/ 38. (¬2) زاد هنا في (ص): هو. (¬3) من (م). (¬4) في (م): أقله. (¬5) في (د): تمضمض. (¬6) "صحيح البخاري" (164)، و"صحيح مسلم" (236) (19).

مخاط وغَيره. قال شَيخنا ابن حجر - مَتع الله ببقائه -: ولم أرَ في شيء من طرق هذا الحَديث تَقييد ذلك (بعدد، نعم) (¬1) ذكرهُ ابن المنذر من طريق يُونس عن الزهري، وكذا ذكرهُ أبو داود من وجهين آخرين عن عثمان (¬2). [(ثم غسل) ورواية الخطيب: وغسل (وجهه)] (¬3) ورواية: (ثم) أكثر، وفيه دلالة على تأخير غسْل الوَجه عن المضمضة والاستنشاق. وقد ذكرُوا أن حكمة ذلك اعتبَار أوصَاف الماء، لأن اللون يدرك بالبَصر، والطعم يدرك بالفم، والرِّيح يدرك بالأنف، وسَيأتي ذكر حكمة الاستنثار فيما بَعده، وقدمت المضمضة والاستنشاق وهما سُنتان على الوَجْه وهو مفروض؛ احتياطًا للعَبادة. (ثَلاثًا) فيه أن السُّنة تثليث غسل الوَجه بالإجماع، بل أوجبهُ بَعض العُلماء (وَغَسَلَ يَدَهُ اليُمْنَى) فيه أن السُّنة تقديم اليد اليُمنى. وزَعَمَ المرتضى الشيعي أنَّ الشافعي في القديم كانَ يُوجب تقديم اليُمنى (¬4) للحَديث الآتي: "إذا توضأتم فابدؤوا بميامنكم" (¬5) (إِلَى المرْفقِ) بفتح الميم وكسر الفاء (¬6) كمسجد، وبالعكس لغتان سُمي بذلك؛ لأن الإنسان يرتفق به بالاتكاء عليه (ثَلاثًا) فإن شك في عدد ¬

_ (¬1) في (ص): بعددهم. (¬2) "فتح الباري" 1/ 312. (¬3) بياض في (ل). (¬4) "الشرح الكبير" 1/ 127. (¬5) سيأتي تخريجه برقم (4141). (¬6) في (ص، س، ل): الراء.

منها أخذ بالأقل؛ لأنه الأصل كما في عدد الركعات. (ثُمَّ اليُسْرى) فعَلَ فيها فعلًا (مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ) هو بحذف الباء في الرواية، وفيه حَذف تقديره: مسَح رأسه بالماء. فمسح متعد لمفعُولين: أحَدُهما: بِنَفسه، والثاني: بالباء، ولم تخير العرب بين المفعولين في هذِه الباء بل عينتها لما هُو آلة المسح، فإذا قلتَ: مسحتُ يدي بالحائط، فالرطوبة الممسوحَة على يدك والحائط هو الآلة التي أزلت بهَا عن يدك، وإذا قلتَ: مَسَحتُ الحائط بيدي. فالشيء المزالُ هو على الحائط، ويدك هي الآلة المزيلة، وكذلك: مَسَحت يدي بالمنديل، المنديل: الآلة؛ لأن (¬1) التنشف إنما وقع في المنديل لا في يَدك هذِه قاعدة عربيَّة، ولم تجز العرب في ذلك حَيث قال (¬2): مَسَحْتُ رأسي، فالشيء المزَال إنما هو عن (¬3) الرأس، وحيث قال برأسي، فالشيء المزال عن غَيرها (¬4) وقد أزيل. (ثُمَّ غَسَلَ قَدَمَهُ اليُمْنَى ثَلاثًا) فيه دليل على ما قال أكثر أهل العلم أن الوَاجب في الرجلين غسلهما، وفعل النَّبي - صلى الله عليه وسلم - مُبين للآية. وقال ابن أبي ليلى: أجمع أصحاب رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - على غسل القدمين (¬5). (ثُمَّ) غسْل (الْيُسْرى مِثْلَ ذَلِكَ) أي: ثلاثًا (ثُمَّ قال: رأيْتُ رَسُولَ اللهِ ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل، م): والمنديل بيدي. (¬2) في (م): قالت. (¬3) في (م): على. (¬4) في (م): غيرهما. (¬5) "المغني" 1/ 184.

- صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ مِثْلَ) وفي رواية الصحيحين: نحو (وُضُوئِي هذا). قال الفاكهي: ينبغي أن يشاهد الفرق بين لفظ (نحو) ولفظ (مثل) فإنه لا مطابقة بينهما؛ إذ كانت لفظة مثل (تقتضي بظاهرها) (¬1) المسَاواة من كل الوجوه إلا من الوجه الذي به يقع الامتياز بين الحقيقتين بحيث يخرجهما عن الوحدة، ولفظة نحو تقتضي المقاربة دون المماثلة من كل وجه، وإنما ترَجَّحت هُنا لفظة (نحو) دون (مثل)؛ لأن مثل وضوئه لا يقدر عليه غيره فيكونُ الثوابُ المذكور في هذا الحَديث مترتبًا (¬2) على المقاربة لا على المماثلة، وهذا ما تقتضيه الشريعَة السَّمحة، وقد ورد التعبير بمثل وضوئي في البخاري في كتاب الرقاق من طريق مُعَاذ بن عَبد الرحمن عن حمران عن عثمان، ولفظه: "من توضأ مثل هذا الوُضوُء" (¬3). وله في الصيام من رواية معمر: "من توضأ وُضوئي" (¬4)، ولمُسلم من طريق زيد بن أسلم: "توضأ مثل وضوئي هذا" (¬5). وعلى هذا فالتعبير بـ (نحو) من تصرُّف الرواة؛ لأنها تطلق على المثلية جَوَازًا؛ ولأن (مثل) وإن كانت تقتضي المسَاواة ظاهِرًا، لكنها تطلق على الغالب، فبهذا تلتئم الروايتان، ويكون المتروك بحيث لا يخل بالمقصُود. (ثُمَّ قَالَ: مَنْ تَوَضَّأَ مِثْلَ وُضُوئِي هذا و (¬6) صَلَّى رَكْعَتَيْنِ) فيه استحبَاب ¬

_ (¬1) في (ص): بمقتضى تظاهرها. (¬2) في (ص، س، ل، م): تقريبا. (¬3) "صحيح البخاري" (6433). (¬4) "صحيح البخاري" (1934). (¬5) "صحيح مسلم" (229) (8). (¬6) في (م): ثم.

صَلاة ركعتين فأكثر، كما سيأتي في تحية المسجد عقيب كل وضوء، وذلك عند الشافعي ومن تابعهُ (¬1) من السُّنَن المؤكدة حَتى يفعل في أوقات النهي؛ لأن لها سببًا، ودليلنا على ذلك حَديث بلال المخرج في الصحيحين (¬2) وغَيره. قال الفاكهي: لا يتنفل في مذهبنَا في أوقات النهي مطلقًا، وليست هاتان الركعتان عندنا مِنَ السُّنَن، وإنَّما تُستحب في غَير أوقات النهي. وإنما (¬3) حديث بلال فيجوز أن يكون مخصُوصًا بغَير أوقات النَّهي، وليس ذلك بأول عَام خَصّ، وذلك [جمعًا بين] (¬4) حَديثه وحَديث النهيَ عن الصلاة في أوقات النَّهي، وإن ذلك أولى من إلغاء أحد الحديثين. (لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ) فيه إثبات حَديث النفس، وهو مَذْهب أهل الحق، والمرادُ بحديث النفس هنا مَا يكون من كَسْب العَبد واجتلابه له، يشهد لذلك إسناد الفعل إليه في قوله: لا (¬5) يُحدث فيهما نفسه فإنه يقتضي تكسبًا منه، وأما الخواطِر التي ليست مِن جنس يقدر عليه فليست داخلة في هذا الحَديث، وقد عفي لهذِه الأمة عن الخواطر التي تعرض ولا تستقر في الصَّلاة وغَيرها حتى لو كان كفرًا والعياذ بالله تعَالى، هذا كلهُ فيما كان من أمُور الدُّنيا وما لا يتعَلق بالصلاة. ¬

_ (¬1) "المجموع" 1/ 93، 4/ 170. (¬2) في (د، س، ل، م): البخاري. (¬3) في (د، س، ل، م): أما. (¬4) في (ص، س، ل): ثبت. (¬5) سقط من (د، س، ل، م).

أما ما يتعلق بالصَّلاة فلا بد من حَديث النفس فيما يتعلق بأمر الآخرة من مَعَاني المتلو والدَعوَات والأذكار وغَير ذلك، ونقل عيَاض عن بَعضهم أن المراد من لم يحَصُل له حَديث النفس أصْلًا ورأسًا، وردَّهُ النووي (¬1) فقال: الصَّواب حُصُول هذِه الفضيلة مع طرءان الخوَاطر العَارضة (¬2) غير المُستقرة، نعَم من اتفق أن يحصُل لهُ عدم حَديث النفس أصْلًا أعلى درجة بلا ريب، ثم إن تلك الخَواطِر مِنهَا ما يتعَلق بالدنيا، والمراد دَفعهُ مُطلقًا. ووقع في رواية للحكيم الترمذي في هذا الحَديث: لا يُحدث نفسه بشيء من الدنيا ومِنها مَا يتعلق بالآخِرَة، فإن كانَ أجنبيًّا أشبه أحَوال الدُّنيا، وإن كانَ مِن متَعلقات تلك الصَّلاة فلا، وقد روي (¬3) عن عمر: إني لأجهز الجيش وأنا في الصَّلاة (¬4). وهذِه قربة، إلا أنها أجنبية عن مَقصُود الصَّلاة، وإنما هذِه الفَضيلة في هذا الحَديث [لمن يجاهدُ] (¬5) نفسهُ من خطرات النفس ونفيها عنه. (غَفَرَ الله لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) ظاهره يعم الصَّغائر والكبائر، لكن العُلماء خصوهُ بالصَّغائر، لوروده مقيدًا بقوله: "ما اجتنبت (¬6) الكبَائر". وهذا في حَق من لهُ صغائر وكبائر، أما من ليس له إلا صغائر فيكفر عنهُ، ومن لهُ كبائر ليس إلا خفف عنهُ منها بمقدار ما لصَاحِب ¬

_ (¬1) "شرح النووي على مسلم" 3/ 108 - 109. (¬2) في (م): المعارضة. (¬3) في (د، م): ورد. (¬4) "إحكام الأحكام" 1/ 86. (¬5) في (ص، س، ل): من جاهد. (¬6) في (م): اجتنب.

الصَّغائر، ومن ليسَ له صَغائر وكبائر يزَادُ في حسناته بنظير ذلك، وللبخاري في الرقاق في آخر هذا الحَديث قال النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تغتروا" (¬1) أي: فتستكثروا مِنَ الأعمال السَّيئَة بناء على أن الصَّلاة تكفرها، فإن الصَّلاة التي تكفر بها (¬2) الخَطايَا هي التي يتقبلها (¬3) اللهُ، وأنى للعَبد بالاطلاع عَلى ذلك. [107] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، ثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ) بن الضحاك الشيباني، أبو عَاصِم النبيل قيل: سُمي النَّبِيل؛ لأن الفيل قَدم البْصرة فذهَب الناس يَنظرون إليه، فقال لهُ ابن جريج: مَا لك لا تنظر إليه؟ فقال: لا أجد منك عوضًا، فقال لهُ: أنت نَبيل، وقيل: لأنهُ كانَ يلبس فاخر الثياب، فإذا أقبَل قال ابن جريج: جَاء النبيل، وقيل: لأن شعبة حَلف أن لا يُحدث أصحاب الحَديث شهرًا، فبَلغ ذلك أبا عَاصم فدَخل عَليه، وقال: حدث وغُلامي العَطار حُر لوَجْه الله كفارة عن يمينك فأعجبه ذلك، وقال: أنت نبيل، وقيل: لأن أنفه كان كبيرًا، وأنه تزوج امرأة فدنا منها لِيُقَبلها فقالت: نح ركبتك، فقال: بَل أنفي. قال: (ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ (¬4) بْنُ وَرْدَانَ) أبو بكر الغفاري المؤَذن، [قال أبو حَاتم (¬5): ما به بأس وقال ابن معين (¬6): صَالح] (¬7) ذكرهُ ابن ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (6433). (¬2) من (د، م). (¬3) في (د، ل، م): يقبلها. (¬4) كتب فوقها في (د، م): د. (¬5) "الجرح والتعديل" (1401). (¬6) "تهذيب الكمال" (3988). (¬7) سقط من (م).

حبان في "الثقات" (¬1). قال: (حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ) قال ابن عَبد البر: قيل: اسمه عَبد الله، وهو الأصَح عند أهل النسب (¬2) (ابْنُ عَبْدِ (¬3) الرَّحْمَنِ) بن عَوف الزهري، أحَد فقهاء المدينة، قال: (حَدَّثَنِي حُمْرَانُ) مَولى عثمان (قَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ تَوَضَّأَ) فأفرغ على يَديه. (فَذَكَرَ نَحْوَهُ) أي: نَحو الحَديث المتقدم، وفي هذا الحَديث دَليل على التعليم بالفعل، لكونه أضبَط للمتعلم. (وَلَمْ يَذْكُرِ) في هذِه الرواية (الْمَضْمَضَةَ وَالاِسْتِنْشَاقَ (¬4) وَقَالَ فِيهِ: وَمَسَحَ رَأسَهُ ثَلاثًا) هَكذا رواهُ البزار والدارقطني (¬5) من طريق أبي سَلمة، عن حمران [عنه به] (¬6) وفي إسناده عَبد الرحمن بن وردان، قال ابن معين: صَالح، وتابعهُ هشام بن عروة، عن أبيه، عن حمران. أخرجهُ البزار، وأخرجه أيضًا من طريق عبد الكريم عن حمران (¬7)، ومِن حَديث أبي علقمة مولى ابن عَباس عَن عُثمان (¬8)، وفيه دليل على التثليث في مَسْح الرأس كما سيأتي. (ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلاثًا) وتكرار الثلاث في الغَسلات لا يكُون إلا بماء ¬

_ (¬1) "الثقات" 5/ 114. (¬2) في (ص): التثبيت. (¬3) كتب فوقها في (د): د. (¬4) في (د): الاستنثار. (¬5) "مسند البزار" (418)، و"سنن الدارقطني" 1/ 91. (¬6) سقط من (ص). (¬7) "مسند البزار" (441). (¬8) "مسند البزار" (443).

جديد، ولهذا لا يقالُ في رد اليَدين في مَسْح الرأس أنه تكرار، وإن لم يكن على رأسه شعر. (ثُمَّ قال: رأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَوَضأَ هَكَذَا) فيه التعليم بالفعل كما تقدم، وذكر الدليل على الحكم. (وَقَالَ: مَنْ تَوَضأَ دُونَ هذا كفَاهُ) أي: كفَاهُ دون الثلاث وهو مرتان ومرة، لما روى ابن السكن في "صَحيحه" عن أنس: دَعَا رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - بوضوء فغسَل وجهه ويديه مَرة ورجليه مرة، وقال: "هذا [وُضوء من] (¬1) لا يقبل الله فيه غيره"، ثم مكث سَاعة ودَعَا بوُضوء فغسَل وجهه ويديه مرتين مَرتين، ثم قال: "هذا وُضوء من يُضاعف الله له الأجر"، ثم مكث سَاعة ودَعَا بوضوء فغسَل وجهه ثلاثًا ويديه ثلاثًا ثم قال: "هذا وضوء نَبيكم ووضوء النبيين قبله" أو قال: "قبلي" (¬2). (وَلَمْ يَذْكُرْ فيه أَمْرَ الصَّلَاةِ) يَعني: الركعتين اللتين لم يحدث فيهما نفسه. [108] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ) بن رزق بن داود بن ناجية أبُو (¬3) عَبد الله المهري (الإسْكَنْدَرَانِي) وثقه النسَائي، وروى عنه في "اليوم والليلة" مات سنة 251 (¬4)، قال: (ثَنَا زِيَادُ بْنُ يُونُسَ) الحَضرمي الإسكندراني، قرأ القرآن على نافع، ثقة، توفي سنة 211 (¬5). ¬

_ (¬1) في (م): وضوئي. (¬2) في (س، ل، م): قبل. (¬3) في (م): ابن. (¬4) "الكاشف" للذهبي 3/ 40. (¬5) "الكاشف" للذهبي 1/ 235.

(حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ زِيَادٍ) المدني (الْمُؤَذِّنُ) بالنون آخِره، وذكرهُ الذهبي: المؤدب. بالبَاء مِنَ الأدَب، المكتب مَولى جهينة، ذكرهُ ابن حبان في "الثقات" (¬1). (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيمِيِّ) وثقه أبُو حَاتم (¬2) ولأبيه صحبة، (قَالَ: سُئِلَ) عَبد الله بن عبيد الله بالتصغير ابن زهير بن جدعان (ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ) أبُو مليكة جَدّهُ التيمي المؤَذن مؤَذن ابن الزبَير وقاضيه. (عَنِ) صِفة (الْوُضُوءِ) فيه احتراص السَّلَف الصَّالح على الدين وسُؤالهم عن أحكام الميَاه والوضُوء والصَّلاة وغير ذلك مِنَ العبَادات دُون أهل هذا الزمَان، فإنهم لا يسألونَ إلا عن حق تَعين (¬3) عليه فيسأل عن حيلة يبطل بها حق الغير أو يسأل عن كلمة وقعت [ممن وقَعت] (¬4) في الخصُومات بينه وبين آخر، مَاذا يجب على قائلهَا وغير ذلك قليلًا. (فَقَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يسأل) ورواية الخَطيب: "سُئِلَ" (عَنِ الوُضُوءِ فَدَعَا بِمَاء) فيه الاستعانة بإحضَار مَاء الوُضُوء بلا كراهة [كما تقدم] (¬5) (فَأُتِيَ بالميضأة) بكسر الميم مهموُز الآخر، يمَد ويقصر، هو المطهرة يتوضأ منها (¬6) (فَأَصْغَى) بفتح الهمزة والغَين. أي: أمَال الإناء. ¬

_ (¬1) "الثقات" لابن حبان 6/ 356. (¬2) "الجرح والتعديل" 6/ 156. (¬3) في (د، م): يتعين. (¬4) سقط من (م). (¬5) سقط من (م). (¬6) زاد في (د): خاصة.

ورواية الخطيب: فَأُتِيَ بِمِيضَأَةٍ فَأَصْغَاها (عَلَى يَدِهِ اليُمْنَى) فيه أن الإناء إذا كانَ ضيق الفم يكون على يساره ويميله على يده اليمنى، وإن كان واسعًا يكون عن (¬1) يمينهِ يغترف منه بيمينه، لكن لا يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها ثلاثًا كما تقدمَ. وفي الكلام حَذف تقديره: فغسل يَديه ثلاثًا. كما تقدم. (ثُمَّ أَدْخَلَهَا) يعني: يمينه بعد غسلها ثلاثًا (فِي المَاءِ فَتَمَضْمَضَ) (¬2) بفتح المثَناة والميمين (ثَلاثًا وَاسْتَنْثَرَ) الاستنثار: استفعَال مِنَ النثر بِفَتح النُّون وإسْكان المثلثة، وهو طرح الماء الذي يَستَنشقه المتوضئ أي: يُجذبه المُتوضئ (¬3) بريح أنفه، وتنظيف ما في منخره فيخرجه بريح أنفه، سَواء كان بإعانة يده أم لا. وحُكي عَن مَالك (¬4) كراهيَّة فعله بغَير اليد، لكونه يُشبهُ فعل الدابة، والمشهور عَدَم الكراهة، وإذا استنثر بيَده فالمُستحبُّ أن يكُون باليسرى، بوَّبَ عليه النسائي، وأخرجه مقيدًا بها مِنْ حَديث علي، ولفظهُ: عن علي أنهُ دعا بوُضوء فمضمض واستنشق وَنثر بيَده اليُسرى يفعَل هذا (ثَلاثًا) (¬5). وفي رواية النسَائي أيضًا مِنْ حَديث أبي هُريرَة - رضي الله عنه -: "إذا استيقظ أحَدكم مِن مَنامه فليَستَنثر ثلاثًا، فإن الشيطَان يبيت على خيشومه" (¬6). ¬

_ (¬1) سقط من (م)، وفي (د): على. (¬2) زاد في (م): بيمينه. (¬3) ليست في (د، س، ل، م). (¬4) "مواهب الجليل" 1/ 356 - 357. (¬5) "سنن النسائي" 1/ 67 (90). (¬6) "سنن النسائي" 1/ 67.

(وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ اليُمْنَى ثَلاثًا، وَغَسَلَ يَدَهُ اليُسْرى ثَلاثًا) فيه التثليث في الغسل، فإن شك أخذ بالأقل كما تقدم. وقال الجوَيني (¬1): يأخذ بالأكثَر؛ لأن ترك سُنة أولى من اقتحام بدعَة، وردَّهُ الأصحاب عليه بأنه إنما يكونُ بدعة عند التَّعمد بلا سبب، مع أنها ليست بمَعصية. (ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ) في الإِناء (فَأَخَذَ مَاءً) أي: بيَده اليُمنى، ووضعهُ في كفيه، ثم أرسلهُ، ويدل على الإرسال قوله بعدهُ: (فَمَسَحَ) لأن المسح لا يكون إلا بالبَلَل (¬2)، فإن كان بماء أخذه بِيَده (¬3) فهو غسل (بِرَأْسِهِ) يُقال: مسَح برأسه، ومسح رأسه (وَأُذُنَيْهِ) ظاهُره أنهُ مسَحَ رأسه وأذنيه بماء واحِد، وهو مذهب أحمد (¬4). قال ابن قدامة في "المغني": الأذنان مِن الرأس، فقياس المذهب وجُوب مسحهما مع مسحه. وقال الخلال: كلهم حَكوا عن أبي عبد الله فيمن ترك مسحهما عامدًا أو ناسيًا أنه يجزئه. وذلك؛ لأنهما تبَع للرَّأس، ولا يفهم من إطلاق اسم الرأس دخُولهما فيه، ولا يشبهان بقية أجزاء الرأس، ولذلك لم يجزئ مسحهما عن مسحه عند من اجتزأ بمسح بَعضه، قال: والأولى مَسحهما معهُ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - مَسَحَهُما مع رَأسه، وروى الترمذي وصحح عن ابن عَباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مَسَح برأسه ¬

_ (¬1) "المجموع" 1/ 440 - 441. (¬2) في (س): بالبل. (¬3) في (د، م): في. (¬4) "مسائل أحمد وإسحاق رواية الكوسج" (13).

وأذنيه ظاهرهما وباطنهما (¬1). (فَغَسَلَ) أي: مَسَح (بُطُونَهُمَا وَظُهُورَهُمَا) بدليل رواية ابن عَباس: مسَح برأسه وأذنيه ظاهِرهما وباطنهما، وصححهُ، وللنسَائي: مَسَح برأسه وأذنيه باطنهما بالسّباحتَين وظاهرهما بإبهَاميه (¬2). والروَاية الآتية رواية المقدام: ثم مَسَح برأسه وأذنَيه ظاهِرهما وباطنهما. (مَرَّةً وَاحِدَةً) هذا وجه عندنا، وهو أن السنة في مَسح الرأس مرة. وحكاهُ الترمذي عن الشافِعي (¬3)، واختاره ابن المنذر (¬4)، وفي وجه أيضًا: أن مسَحْ الأذنين مرة، والمشهُور التثليث في الجَميع. (ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيهِ، ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُونَ عَنِ الوُضُوءِ) وكيفيته (هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَوَضَّأُ) (¬5) فيه العمل بخَبر الواحد وأنه حجَّة. (قَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَحَادِيثُ عُثْمَانَ) التيمي (الصِّحَاحُ كُلُّهَا) ويحتمل أن يرَاد به عثمان بن عَفان - رضي الله عنه - (تَدُلّ عَلَى) أنه أي (مَسْحِ الرَّأْسِ أنه مَرَّة فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا الوُضُوءَ ثَلاثًا قَالُوا) رواية الخَطيب: وقالوا. بزيَادة الوَاو و (فِيهَا وَمَسَحَ رَأْسَهُ) استدل به بَعض أصحابنا على أن مَسح الرأس مرة. وقد تقدم أن الترمذي حَكاهُ في "جَامعه" (¬6) عن الشافعي، وبه قالَ ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 1/ 113. (¬2) "المغني" 1/ 183. (¬3) "الأم" 1/ 80. (¬4) "الأوسط" 1/ 397. (¬5) قال الألباني في "صحيح أبي داود" 1/ 181: إسناده حسن صحيح. (¬6) "جامع الترمذي" 1/ 50.

مالك (¬1) وأبُو حنيفَة (¬2) وأحمد (¬3) في المشهوُر عنهما، وهو قوي [من جهة الدليل] (¬4) فإن المسح ورد في بعض الروايات مُطلقًا وفي بعضها مقيدًا بمرة، فيتعين حمل المُطلق على المقيد بالمرة، ومن جهَة المعنى أن المسح مَبني على التخفيف (¬5)، والتكرار تثقيل (¬6) فلا يناسبهُ ولا يحسن قياسه على بقية الأعضاء المغسُولة لتعَارض الحقيقتين. لَمْ يَذْكُرُوا وفي رواية: (وَلَمْ يَذْكُرُوا عَدَدًا) يعني: في المسح (كَمَا ذَكَرُوا فِي غَيرِهِ) بل سَكتوُا عن ذكر العَدَد فيه، والسُّكوت مَفهُومه أنه لا عدَد فيه، وإذا انتفَى العَدد تعيَّنت المرة كما ذكر المصَنف. [109] (ثَنَا إِبْرَاهِيمُ (¬7) بْنُ مُوسَى) الرازي، قال: (أَنَا عِيسَى) (¬8) بن يُونس، قال: (ثنا [عبيد الله] (¬9) بْنَ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيدِ بْنِ عُمَيرٍ) بن قتادة الليثي الجندعي (عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ) مولى ابن عَباس، ذكرهُ ابن عَبد البر فيمن لم يذكر لهُ اسم سَوى كنيَته (أَنَّ عُثْمَانَ - رضي الله عنه - دَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ فَأَفْرَغَ) أي: صبّ (بِيَدِهِ اليُمْنَى عَلَى اليُسْرى ثُمَّ غَسَلَهُمَا إِلَى الكُوعَينِ) الكوع: طرف الزَّند (¬10) بفتح الزاي مما يلي الإبهام، ¬

_ (¬1) "المدونة الكبرى" 1/ 13، 124. (¬2) "المبسوط" للسرخسي 1/ 192، 182. (¬3) "المغني" 1/ 178. (¬4) في (م): بالمرة. (¬5) في (ص، م): التحقيق. (¬6) في (ص، س، ل): تبعًا قيل. (¬7) و (¬8) كتب فوقها في (د، م): ع. (¬9) من (د). (¬10) زاد في (م): والزند.

والكرسُوع مما يلي الخنصر. (قَالَ: ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلاثًا ثم ذَكَرَ الوُضُوءَ ثَلاثًا) ثَلاَثًا (قَالَ: وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ) أي: مَرة (ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيهِ) ثلاثًا (ثم (¬1) قال: رأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ مِثْلَ مَا رَأَيْتُمُونِي تَوَضَّأْتُ) الآن (ثُمَّ سَاقَ نَحْوَ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ وأتم) (¬2) منه. [110] (ثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ) بن مروان البَغدادي، البزار، الحافظ (¬3) أخرج لهُ مُسلم في غير (¬4) موضع، قال: (ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ) قال: (ثنا (¬5) إِسْرَائِيلُ، عَنْ عَامِرِ بْنِ شَقِيقِ (¬6) بْنِ جَمْرَةَ) بفتح الجيم الأسدي صَدُوق ضَعيف (¬7). قال النسَائي: ليس به بَأس (¬8). وذكرهُ ابن حبَّان في "الثقات" (¬9). (عن) أبي وائل (شَقِيقِ (¬10) بْنِ سَلَمَةَ) الأسدي أسد خزيمة الكوفي، أدَرَك النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يرَهُ، قيل لهُ: أيما أحب إليك علي أو عثمان؟ قالَ: كان علي أحَب إلي من عُثمان ثم صَار عُثمان أحَب إليَّ من علي، مَات في ¬

_ (¬1) في (د، م): و. (¬2) من (د، م). (¬3) من (د، س، ل). (¬4) و (¬5) من (د، م). (¬6) كتب فوقها في (م): ع. (¬7) "الكاشف" للذهبي 2/ 55 ولفظه: صدوق ضعف. (¬8) انظر: "تهذيب الكمال" 14/ 42. (¬9) "الثقات" 7/ 249. (¬10) كتب فوقها في (د، م): ع.

خلافة عُمر بن عَبد العزيز (قال: رأيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ غَسَلَ ذِرَاعَيهِ ثَلاثًا ثَلاثًا وَمَسَحَ رَأْسَهُ ثَلاثًا) استدل به على تثليث مسح الرأس، وهو المشهوُر من مَذهب الشافعي (¬1) كَما تقدم. (ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَعَلَ هذا) قال أبو عُبيد القَاسم بن سَلام: لا نعلم أحدًا مِنَ السَّلف جَاء عنهُ استكمال الثلاث في مسح الرأس إلا عن إبراهيم التيمي (¬2). قال شَيخنا ابن حجر: وقد رواهُ ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير وعطاء وزاذان وميسرة، وأوردهُ أيضُا من طريق أبي العَلاء عن قتادة عن أنس، وأغرب ما يذكر هنا أن الشيخ أبا حَامد الأسفرايني، حكى عن بعضهم أنهُ أوجب الثلاث، وحَكاهُ صَاحب "الإبانة" عن ابن أبي ليلى (¬3). و(رَوَاهُ وَكيعٌ) بن الجَراح (عَنْ إِسْرَائِيلَ) (¬4) بن يُونس بن أبي إسحاق السبيعي، عَن عَامر بن شقيق إلى آخره و (قَالَ فيه: تَوَضَّأَ ثَلاثًا) ثلاثًا (فَقَطْ) بفتح القاف وسُكون الطَاء أي: حسب وأكثر ما تستعمل مع الفاء، يقال: رَأيته مَرة فقط. وفي هذِه الرواية دليل على حذف الفاء. [111] (ثَنَا مُسَدَدٌ) قال: (ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ) الوَضاح (عن) أبي حَية (خَالِدِ بْنِ عَلْقَمَةَ) الوادعي وثق (¬5). ¬

_ (¬1) "الأم" 1/ 80. (¬2) "الطهور" 1/ 361. (¬3) "التلخيص الحبير" 1/ 272. (¬4) كتب فوقها في (د): ع. (¬5) "الكاشف" للذهبي 2/ 272.

(عَنْ عَبْدِ خَيرٍ) ضد شر، ابن يزيد ويقال: ابن محمد الهمداني الكوفي، أدرك الجَاهلية وثقه ابن معين (¬1) والعجلي (¬2)، قال مُسهر (¬3) بن عبد الملك، حَدثني أبي قال: قلت لعَبد خير: كم أتى عليك؟ قال: عشرون ومائة سنة، وكنتُ غُلامًا ببلادنا فجاءنا كتاب النَّبي - صلى الله عليه وسلم -. (قَالَ: أَتَانَا عَلِيٌّ - رضي الله عنه - وَقَدْ صَلَّى فَدَعَا بِطَهُورٍ) بفَتح الطاء وهو الإناء الذي يتطهرُّ منه كما تقدم. (فَقُلْنَا: مَا يَصْنَعُ بِالطَّهُورِ، وَقَدْ (¬4) صَلَّى مَا يُرِيدُ) بوضوئه (إلاَّ ليُعَلِّمَنَا) كيف الوُضُوء، فيه جواز الوضُوء، وهو لا يُريد إلا أن يُعلمهم وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - وسُننه (¬5). كما جَاء في البُخاري عن أبي قلابة قال: جَاءنا مَالك بن الحويرث في مسَجدنا هذا فقال: إني لأصَلي (¬6) بكم وما أرُيدُ الصَّلاة، أُصلي كيف رأيتُ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - يُصلي (¬7) (فَأُتِيَ بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ وطست) بالجرَ عَطف على إناء تقديرهُ وأتي (¬8) بطست. (فَأَفْرَغَ مِنَ الإِنَاءِ عَلَى يَمِينِهِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلاثًا) إلى الكُوعَين كما تقدم. (ثُمَّ مضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلاثًا) لم يذكر هَاهنا الاستنشاق؛ لأن ذكر الاستنثار ¬

_ (¬1) "تاريخ ابن معين براوية الدارمي" (517). (¬2) "تاريخ الثقات" للعجلي (924). (¬3) في (م، س): شهر. (¬4) في (د، م): فقد. (¬5) في (د، م): سنته. (¬6) في (م): لأصل. (¬7) "صحيح البخاري" (677). (¬8) في (م): فأتي.

دليل عليه؛ لأن الاستنثار لا يكونُ إلَّا بعد الاستنشاق. وذكر في هذِه الرواية أنهُ مضمض واستنثر ثلاثًا بخلاف رواية عُثمان المتقدمة في صفة وُضوء رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يذكرُ فيها ثلاثًا (¬1) ولا مرتين، فدَل ذلك على أنَّ المرة الوَاحدة تجزئ، وإنما اختلف فعلهُ في ذلك ليرى أمته التيسير فيه. (فَمَضْمَضَ وَنَثَرَ) نثر المتَوضئ واستنثر بمعَنى (مِنَ الكَفِّ الذِي يَأْخُذُ فِيهِ) يَعني: الماء الذي اغترفه، والمراد أنه مضمض واستنشق واستنثر من غرفة واحدة، أو حفنة واحِدة فيه دلالة على استحباب الجَمع بين المضمضة والاستنشاق مِن كل غرفة، ونصَّ عليه في "الأم" (¬2) و"المختصر" (¬3) وصَحت به الأحَاديث كحديث عبد الله بن زيد في الصحيحين (¬4). (ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثًا وغسل) وفي بَعضها: ثم غسل (يَدَهُ اليُمْنَى ثَلاثًا) فيه تقديم اليُمنى كما تقدم. (ثم غَسَلَ يَدَهُ الشِّمَالَ ثَلاثًا) فيه: الترتيب في السُنن شرط كما في الفرائض. (ثُمَّ جَعَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً) ورواهُ أبُو عبيد في كتاب الطهَارة ولفظه: ومسح برَأسه مرة بيديه جَميعًا (¬5). وهو من رواية ¬

_ (¬1) من (د، م). (¬2) في "الأم": 1/ 77. (¬3) "مختصر المزني" ص 4. (¬4) "صحيح البخاري" (191)، و"صحيح مسلم" (235) (18). (¬5) في (م): جمعًا.

عن زائدة، عَن خالد بن علقمة، عن عَبد خَير (¬1). (ثُمَّ [غَسَلَ رِجْلَهُ] (¬2) اليُمْنَى ثَلاثًا) لا يجب الترتيب بين اليُمنى واليُسرى، ولا نعلم فيه خلافًا؛ لأن مخرجَهما في كتاب الله تعالى واحِد، قال اللهُ تعالى: {أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} (¬3) والفقهاء يعدون اليَدين عضوًا، والرجلين عضوًا ولا يجبُ الترتيب في العضو الوَاحد، وقد دَلَّ على ذلك قَول علي وابن مسعود (وَرِجْلَهُ الشِّمَالَ ثَلاثًا ثُمَّ قَالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَعْلَمَ وُضُوءَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَهُوَ هذا). فيه أنَّ الصَحابة - رضي الله عنهم -[كانوا يسألونَ] (¬4) عن أفعَال النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وتعبُّداته ليقتدُوا بهَا، وكانوا يَحصُل لهُمُ السُّرور بسَمَاع شيء من أقواله أو (¬5) أفعَاله ويزدادون بها إيمانًا. [112] (ثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الحُلْوَانِيُّ) بضَم الحَاء المُهملة الخلال نزيل مَكة، أخرجَ لهُ الشَّيخان. قال: (ثَنَا حُسَينُ (¬6) بْنُ عَلِيٍّ) بن الوَليد (الْجُعْفِي) قالَ يحَيى بن علي: إن بقي أحَد من الأبدال فهو هُو (عَنْ زَائِدَةَ) بن نشيط (¬7) ثقة (¬8)، قالَ: (ثَنَا ¬

_ (¬1) "الطهور" (335). (¬2) في (ص، ل): غسله رجليه. (¬3) الأعراف: 124. (¬4) في (د، م): كان من دأبهم البحث. (¬5) في (د، م): و. (¬6) كتب فوقها في (د، م): ع. (¬7) في (د، س): بسيط. وفي (م): بسط. وصوابه: نشيط. (¬8) "الكاشف" 1/ 400.

خَالِدُ بْنُ عَلْقَمَةَ) أبُو (¬1) حية (الْهَمْدَانِي) بإسْكان الميم الوَادعي وثق (¬2). (عَنْ عَبْدِ خَيرٍ قَالَ: صَلَّى عَلِيٌّ - رضي الله عنه - الغَدَاةَ) فيه تسمية صَلاة الصبح الغداة (ثُمَّ دَخَلَ الرَّحْبَةَ) رحبَة المسجد: السَّاحَة المنبسطة، قيل: بسُكون الحَاء، والجمع رحاب (¬3) مثل كلبة وكلاب وقيل: بالفتح وهو أكثر والجمعَ رحب ورحبَات مثل قصبة وقصَب وقصَبات. ([فدَعَى بِمَاءٍ فَأَتَاهُ الغُلاَمُ بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ وطِست) بالجر كما تقدم. وفي رواية أبي عبيد في كتاب "الطَّهُور" (¬4) بلفظ: صَلينا الغداة فأتينا فجلسنا إليه فَدَعى بركوة] (¬5) فيهَا (¬6) ماء وطست. (قَالَ: فَأَخَذَ الإِنَاءَ بيَدِهِ اليُمْنَى فَأَفْرَغَ) أي: صُبَّ منهُ (¬7) (عَلَى يَدِهِ اليُسْرى وَغَسَلَ كَفَّيهِ ثَلاثًا) ثُمَّ أخذ الإناء بيده اليمنى فأفرغ على يده فغسَل كفيه ثلاثًا. وفي نُسخة الخَطيب: ليس فيها تكرار أخذ الإناء والإفراغ منه وعلى تقدير صحتها فالمرة الأُولى دَاخلة في الثلاث. (ثم أدخل يَدَهُ اليُمْنَى فِي الإِنَاءِ) فأخذ منه ماء (فَتمَضْمَضَ ثَلاثًا ¬

_ (¬1) في (م): ابن. (¬2) تقدم قريبًا. (¬3) في (ص، س): رحبات. (¬4) "الطهور" (132). (¬5) في (ص، ل)، وفي رواية أبي عبيد في كتاب "الطهور" بلفظ: صلينا فأتينا فجلسنا فدعا بركوة فيها ماء وطست فدعا بماء فأتاه الغلام بإناء فيه ماء وطست بالجر كما تقدم. (¬6) ليست في (م). (¬7) ليست في (م).

وَاسْتَنْشَقَ ثَلاثًا) ذهَبَ أحمد (¬1) وأبو ثور (¬2) إلى أن المضمضة غَير واجبة والاستنشاق واجب؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعَل المضمضة ولم يأمر بها وفعَل الاستنشاق وأمر به وأمرهُ - صلى الله عليه وسلم - أقوى من فِعله. (ثُمَّ سَاقَ قَرِيبًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ) المتقدم و (قَالَ) فيه: (ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ) فيه التفصيل بعد الإجمَال (مُقَدَّمَهُ وَمُؤَخَّرَهُ مَرَّة) فيه دليل على ما قاله أصحابنا أن السُّنة في مَسْح الرأس أن يذهبَ بيديه (¬3) من مقدمه إلى مُؤخره ثم يَرجع وإذا رجع فالذهاب في مسَح الرأس من مقدمه إلى مُؤخره والرجوع إلى مقدمه كلاهما يحسب مرة واحَدة بخلاف السَّعي بين الصَّفا والمروة، فإنه يحسب الذهاب مِنَ الصفا إلى المروة مرة والرجوع مِنَ المروة إلى الصفا مرة ثانية على الصَّحيح خلافًا لأبي بكر الصَّيرفي وغيره. (ثُمَّ سَاقَ الحَدِيثَ نَحْوَهُ) أي: نحو ما تقدم. [113] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى) قال: (ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ) غندر ابن امرأة شعبة، جَالسَهُ عشرين سَنة. (ثنا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ عُرْفُطَةَ) بِضم العَين والفاء والعُرفطة شجرة الطلح، وسَماه شعبة خالدًا قال: (سَمِعْتُ عَبْدَ خَيرٍ قال: رأيْتُ عَلِيًّا - رضي الله عنه - أُتِيَ بِكُرْسِيٍّ فَقَعَدَ عَلَيهِ) ليتوضأ، فيه فضيلة قعوُد المتوضئ على شَيء مُرتفع ليَكون أمكن في غسل الأعضاء والرجلَين إذا رَفعهما ودَلكهُما ولئلا ¬

_ (¬1) "مسائل أحمد وإسحاق رواية الكوسج" (11)، وانظر: "المغني" 1/ 166. (¬2) "الأوسط" 1/ 379. (¬3) ليست في (د، م).

يرتجع (¬1) إليه الماء ولا يترشش، وعَدَّهُ المحاملي من آداب الوُضوء العَشرة (¬2). (ثُمَّ أُتِيَ بِكُوز) قيل: الكوز الإناء الذي لهُ عروة والكوب (¬3) ليسَ (¬4) لهُ عروة ولفظ النسَائي: أتَى بكُرسي فقَعَد عليه ثم دعا بتور فيه مَاءٍ (ماء) على الإضافة، رواية الخَطيب: بكوز من مَاء (فَغَسَلَ يَدَه) رواية النسَائي: فكَفَأ على يديه (¬5) (ثَلَاثًا ثُمَّ (¬6) تَمَضْمَضَ مَعَ الاسْتِنْشَاقِ) لعَل المراد: جَمَع بينهما من غرفة واحِدة كما تقدم ولهذا قال (بِمَاءٍ وَاحِدٍ. وَذَكَرَ الحَدِيثَ) المتقدم. [114] (ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ) قال (ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ) الفضل بن دكين، ودكين لقَب عَمرو والد الفضل وهو أصْغَر من وكيع بسنة. (قال: ثَنَا رَبِيعَةُ) ابن عتبة، ويقالُ: [ابن عُبيد] (¬7) (الْكِنَانِيُّ) بكسر الكاف ونون مكررة بينهما ألف وثقه ابن معين (¬8). (عَنِ المِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو) الأسدي مَولاهم الكوفي أخرجَ له البخاري في الأنبياء والتفسير. (عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيشٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيًّا -رضي الله عنه- وقد سُئِلَ عَنْ وُضُوءِ رَسُولِ الله ¬

_ (¬1) في (د، س): يرجع. (¬2) "اللباب" للمحاملي (ص 61). (¬3) في (م): الكوز. (¬4) في (د، م): ليست. (¬5) "سنن النسائي" 1/ 68. (¬6) من (د). (¬7) في (س): أبا عتيب. (¬8) "تهذيب الكمال" 9/ 131.

-صلى الله عليه وسلم-، فَذَكَرَ الحَدِيثَ) المذكُور. (وَقَالَ) فيه (وَمَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى لَمَّا) هي بمعنى (لم) والفرق بينهما من ثلاثة أوجُه الأول: أنَّ النفي بـ لم لا يلزمُ اتصاله بالحَال بل قد يكُون مُنقطعًا نحو {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1)} (¬1) وقد يكُون مُتَّصلًا بالحال نحو {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} (¬2) بخلاف لما فإنهُ يجب اتصَال نفيهَا بالحَال. الثَّاني: أن الفِعْل بَعد (لما) يَجُوز حَذفه اختيارًا ولا يجُوز حذفه بعد (لم) إلا في الضَّرُورة. الثالث: إن (لم) تصاحب أدوات الشرط نحو: إن لم، و {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا} (¬3). (يَقْطُرْ) مجزوم بلما وستأتي رواية مُعاوية الموضحة للمقصُود ولفظه: حَتى قطر الماء أو (¬4) كاد يقطر. ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ من مُقَدَّمه إلى مؤخَّره مَرَّةً ومن مُؤَخَّره إلى مقدَّمه ويحسب الذهاب والرجُوع مرة واحِدة بخلاف السَّعي [بين الصفا والمروة فإنه يحسب الذهاب] (¬5) من الصَّفا إلى المروة مَرة والرجوع مِنَ المروة إلى الصَّفا مرة ثانية على الصحيح خلافًا لأبي بكر الصَّيرفي ¬

_ (¬1) الإنسان: 1. (¬2) مريم: 4. (¬3) يس: 18. (¬4) في (ص، س، ل): و. (¬5) من (د، م).

وغيره كما تقدم والفرق بينهما أن تمام المَسْحَة الواحِدة لا يحصُل على جميع الشعر إلاَّ بالذهاب والرجوع فإنهُ في رجوعه مَسح ما لم يمسحهُ في ذهابه بخلاف السَّعي فإنهُ قطع المسَافة بتمامهَا. (وَغَسَلَ رِجْلَيهِ ثَلاثًا ثَلاثًا، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا كَانَ وُضُوءُ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم-) فيه التعليم بالفعل وذكر الحجة في ذلك. [115] (ثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ) بن زياد (الطُّوسِيُّ) كان يقال لهُ: دلويه سَكنَ بغداد، روى عنه البخاري في باب إتيان اليَهود النبي -صلى الله عليه وسلم- حينَ قدم المدينة (¬1)، قال: (ثَنَا عُبَيدُ الله) (¬2) بالتصغير (بْنُ مُوسَى) العبسي (¬3) أبو محمد أحَد الأعلام، قال: (ثَنَا فِطْرٌ) بكسر الفاء وإسْكان الطاء المهملة ابن خليفة المخزومي مولاهُم الحَناط (¬4) أخرجَ له البخَاري في "الأدَب"، (عَنْ أَبِي فَرْوَةَ) بفتح الفاء والواو، اسمه مُسلم بن سَالم الجهَني الكوفي أخرج له الشَيخان. (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيلَى قال: رأيْتُ عَلِيًّا -رضي الله عنه- تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا وَغَسَلَ ذِرَاعَيهِ ثَلَاثًا) ثلاثًا (وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَاحِدَةً) فيه حجة لمن رَجح المرة وبه قال بَعض أصحابنا (¬5) كذلك لأن (¬6) عبد الله بن زيد وصف ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (3943، 3945). (¬2) كتب فوقها (د، م): ع. (¬3) في (د): التيسي. وانظر: من "التهذيب" (3689) و"الثقات" 7/ 152. "الجرح والتعديل" (1582). (¬4) في (م): الخياط. (¬5) "فتح العزيز" للرافعي 1/ 408. (¬6) في (ص، س، ل): لا.

وضوء رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ومسَح برأسه مرة واحدة. مُتفق عليه (¬1). وكذلك وصف عَبد الله بن أبي أوفي، وابن عباس، وسَلمة بن الأكوعَ، والربيع كلهم قالوا: مسح برأسه مرة واحِدة وحكايتهم لوضوء رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- إخبار عن الدوام ولا يداوم إلا على الأفضل والأكمل. (ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا تَوَضَّأَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-) والصَّحَابي أعرف بحَال النبي -صلى الله عليه وسلم- وما يحكى من (¬2) فعل رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا على ما واظب عليه. [116] (ثَنَا مُسَدَّدٌ وَأَبُو تَوْبَةَ) بفتح المثناة اسمه الربيع بن نافع الحلبي، أخرج لهُ الشيخان (قَالاَ: [ثَنَا أَبُو الأحوَصِ، ح]) (¬3) ورواية التستري والخَطيب (وَحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ) الواسطي البزاز، وهو شيخ البخاري وأبي داود، قال: (أنا أبو (¬4) الأحوص) سَلام بن سُليم الحنفي الكوفي الحَافظ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) عَمرو بن عَبد الله السّبيعي (عَنْ أَبِي حية) بتشديد المثناة تحت ابن قيس الوادعي، حكى ابن عبد البر، عن أبي زرعة قال: أبُو حية الوادعي لا يُسمى بغير كنيته (¬5). (قال: رأيْتُ عَلِيًّا تَوَضَّأَ فَذَكَرَ وُضُوءَهُ كُلَّهُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا) (¬6) رواهُ الترمذي، وقال: حديث علي أحسَن شيء في هذا البَاب وأصحُّ، والعَمل على هذا عند عامة أهل العِلم أن الوُضُوء يُجزئ مرة مرة، ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (186)، و"صحيح مسلم" (235) (18). (¬2) في (ص، س، ل): عن. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) كتب فوقها في (د، ل، م): ع. (¬5) "الجرح والتعديل" (1635)، و"التهذيب" (7334). (¬6) سبق تخريجه.

ومرتَين أفضَل وأفضلهُ ثلاث وليس بعده شيء. (قَالَ: ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيهِ إِلَى الكَعْبَينِ) الكَعْب هو العَظم الناشز عند ملتقى السَّاق والقدَم، وذهبَ (¬1) الشيعة إلى أن الكعب (¬2) في ظهر القدَم، وأنكرهُ أئمة اللغة. (ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أَحْبَبْتُ أَنْ أُرِيَكُمْ) بوضوئي هذا (طُهُور) بالنَّصب مفعُول ثان لـ (أريكم) وهو بضم (¬3) الطاء بدَليل الرواية المتقدمة: من سَرهُ أن (¬4) يَعلم وضوء رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو هذا، وللنسَائي (¬5) زيَادة من هذِه الرواية ولفظه: ثم غسَل كعبَيه (¬6) إلى القَدمين، ثم قام فأخذ فضل طهوره فشرب وهو قائم، ثم قالَ: أحبَبت أن أريكم كيفَ طهور (رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم-) (¬7) وكذا رواية الترمذي (¬8)، وله في رواية أخرى: أنَّ عَبد خَير قال (¬9): كان إذا فرغ مِنْ طهوره أخذ مِنْ فضل طهُوره بكفه فشربهُ (¬10)، وفي حَديث: "إن فيه شفاء من سَبعين داء أدنَاهُ الهم" (¬11). لكنهُ واهٍ. ¬

_ (¬1) في (م): ذهبت. (¬2) في (م): الكعبين. (¬3) في (ص، س، ل): بفتح. (¬4) في (د): أي. (¬5) "سنن النسائي" 1/ 70. (¬6) في (س، م): كفيه. (¬7) سبق تخريجه. (¬8) "جامع الترمذي" (48). (¬9) زاد في (د): إذ. (¬10) "جامع الترمذي" (49). (¬11) "الترغيب في فضائل الأعمال" لابن شاهين (536).

[117] (ثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ يَحْيَى) أبو الأصَبغ (الْحَرَّانِيُّ) ثقة (¬1)، روى عنهُ النسَائي بواسطة (قال: حَدَّثَنَي مُحَمَّد بْنُ سَلَمَةَ) بن عبد الله البَاهلي الحراني مَولى ابن (¬2) قتيبة، ويقالُ: مَولى باهلة، أخرج له مُسلم في الحج (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ) صَاحب المغازي (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ) بضم الراء وتخفيف الكاف وبعد الألف نون، ابن عبد يزيد بن المُطلب بن عَبد مَناف المطلبي؛ وثقه ابن معين (¬3) وأبُو داود (¬4) (عَنْ عُبَيدِ الله) بالتصغير ابن الأسود (الْخَوْلاَنِي) ربيب مَيمونة أم المؤمنين رضي الله عنها (عَنِ ابن عَبَّاسٍ) رضي الله عنهمَا (قَالَ: دَخَلَ عَلَيَّ عَلِي بْن أَبِي طَالِب -رضي الله عنه- وَقَدْ) هذِه الواو الدَّاخلة على قد هي واو الحال (أَهْرَاقَ) بفَتح الهمَزة وسُكون الهاء، والمُضارع منهُ يهريقه بسُكون الهَاء تشبيهًا لهُ باستطاع يستطيع كأنَّ الهَاء زيدت عن حركة الياء (¬5) التي كانتَ في الأصل، ولهذا لا يضر بهذِه (¬6) الزيَادة. (الْمَاءَ) الظاهر أن المراد بالماء هنَا البَول، وفيه دليل على جواز قول: أرقت الماء، وإن كانَ مكروهًا؛ لما روى الطَبراني في "الكبير" عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسُول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يَقُولن أحَدكم أهرقت الماء، ولكن ليقُل أبُول" (¬7) وفي إسَناده عنبسَة بن عَبد الرحمن ¬

_ (¬1) "الكاشف" للذهبي 2/ 203. (¬2) في (د، م): بني. (¬3) "تاريخ ابن معين" برواية الدارمي 1/ 290. (¬4) "تهذيب الكمال" 25/ 421. (¬5) في (ص، ل): الهاء. (¬6) في (م): لهذِه. (¬7) "المعجم الكبير" (150).

ابن عنبسَة وقد أجمعوا على ضعفه (¬1). (فَدَعَا بِوَضُوءٍ) بفتح الواو، أي: بماء يتوضأ به (فَأَتَينَاهُ بِتَوْرٍ) بفتح المثناة. قال في "النهاية": هو إناء مِنْ صفر أو حجارة (¬2) كالإجانة. (¬3) (فِيهِ مَاءٌ حَتَّى وَضَعْنَاهُ بَينَ يَدَيْهِ) فيه خدمة أهل العِلم وإكرامهم بإحضار ما يَحتَاجُون إليه. (فَقَالَ: يَا ابن عَبَّاسٍ، أَلاَ أُرِيكَ كَيفَ كَانَ يَتَوَضأُ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: فَأَصْغَى الإِنَاءَ) أي: أمَاله (عَلَى يَدِهِ فَغَسَلَهَا) قبل أن يدخلها الإناء (ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ اليُمْنَى) يعني: التي غسَلها (فَأَفْرَغَ بِهَا عَلَى) يده (الأخرى ثُمَّ غَسَلَ كفَّيهِ) ثلاثًا (ثُمَّ تمَضْمَضَ) (¬4) واستنشق (وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَيْهِ فِي الإِنَاءِ جَمِيعًا فَأَخَذَ بِهِمَا حَفْنَةً) الحفنة بفتح الحَاء: ملء الكفين، والجمع حَفنات مثل: سجدة وسَجدات. (مِنْ مَاء فَضَرَبَ بِهَما (¬5) عَلَى وَجْهِهِ) وفي قوله: وأخذ بهمَا دليل لما قاله صَاحب "الحاوي" (¬6): أنَّ المُستحب في غَسل الوجه أن يأخذ الماء بيديه جميعًا، لأنه أمكن وأسبغ، وقوله: فَضرب بهَا يدل على أنه يلطم بالماء وجهه، هاذا وضع الماء على وجهه فيبدأ بأعلى وجهه ثم يحدره؛ لأن رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- كانَ يَفعَل ذلك" ولأن أعلى الوجه ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" (4536). (¬2) في (ص، س): حجار. (¬3) "النهاية": (تور). (¬4) في (د، م): تمضمض. (¬5) في (د، م): بها. (¬6) "الحاوي" 1/ 111.

أشرف؛ لكونه مَوضع السُّجود؛ ولأن الماء يجْري بطبعه. (ثُمَّ أَلْقَمَ إِبْهَامَيْهِ مَا أَقْبَلَ مِنْ أُذُنَيْهِ) أي: جَعل إبهاميه للبياض الذي بَين الأذن والعِذار كاللقمة للفم توضع فيه، وقد أستدل به الماوردي (¬1) على أن البيَاض الذي بين الأذن والعذار من الوجه كما هُو مَذهبنا. وقال مَالك (¬2): ما بين اللحْية والأذن ليس من الوجه قال ابن عَبد البَر (¬3): لا أعلم أحدًا من فقهاء الأمصار قال بقول مَالك. وعن أبي يوسُف (¬4): يجب على الأمرد غسله دُون الملتحي. (ثُمَّ الثَّانِيَةَ) مثل ذلك (ثُمَّ الثَّالِثَةَ مِثْلَ ذَلِكَ) على الوجه، (ثُمَّ أَخَذَ بِكَفِّهِ اليُمْنَى قَبْضَةً مِنْ مَاء فَصَبَّهَا) أي: صب قبضة المَاء (عَلَى نَاصِيَتِهِ) الناصَية: شعر مقدم الرأس (فَتَرَكَهَا (¬5) تَسْتَنُّ) أي: تَسيل وتنصبُّ (عَلَى وَجْهِهِ) (¬6) يقالُ: سننت (¬7) الماء على الوَجه أي: صببته صَبًّا سَهلًا، وقد استدل به عَلى أنهُ يُستحبُّ أن يزيد في مَاء الوَجْه؛ لأن فيه غضوُنًا وشعُورًا (¬8) كثيرة خفيفة وكثيفَة. قال الإمام أحمد (¬9): يُؤخذ للوَجه أكثر ما يُؤخذ لعضو منَ الأعضاء، ¬

_ (¬1) "الحاوي" 1/ 110. (¬2) "التمهيد" 20/ 118. (¬3) "التمهيد" 20/ 118. (¬4) "المبسوط" للسرخسي 1/ 76. (¬5) في (م): فيتركها. (¬6) ذكرت في (م) في غير موضعها؛ بعد قليل. (¬7) في (ص): يستن. (¬8) في (م): شعوبا. (¬9) "المغني": 1/ 166.

ويتعاهَد ما فيه منَ الغضون والدواخِل والخَوارج؛ ليصل الماء إلى جَميعه. (ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيهِ إِلَى المِرْفَقَينِ ثَلاَثًا ثَلَاثًا) أي: كل واحد (¬1) ثلاثًا. (ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ وَظُهُورَ أُذُنَيهِ) وكيفيته على ما قالوهُ أن يَبل يَديه، ثم يضع سبابتيه على مقدم رأسه [ويمر بهما] (¬2) إلى قفاه، ثم إلى ظهور أذنيه وهو ما أدبر منهما، فيمسَح ظاهر الأذنين مَعَ الرأس بماء واحِد. ولهذا استدل به الشعبي والحسَن بن صالح وغيرهما على أن ظاهر الأذنين مِنَ الرأس يمسحان معهُ، وأن بَاطن الأذنين وهو ما أقبل منهما مِنَ الوجه يغسلان معهُ، قالا: ولأن الوَجه مَا يحصُل به المَواجهة وهي حَاصلة بما أقبل (¬3). وأجاب أصحابنا عن هذا الحَديث بأنه ليسَ فيه دليل على مقدم الرأس ومُؤخرها، وبأنه محمُول على أنه استوعب الرأس، فالمسح (¬4) مؤخر الأذُن معهُ ضمنًا لا مقصودًا ولا يتأتى الاستيعَاب غالبًا إلا بِذَلك. (ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَيْهِ جَمِيعًا) في الماء (فَأَخَذَ حَفْنَةً) بفتح الحَاء المهملة (¬5) كما تقدمَ. (مِنْ مَاءٍ فَضَرَبَ بِهَا (¬6) عَلَى رِجْلِهِ) اليُمنَى (وَفِيهَا النَّعْلُ). قال الخطابي: يحتمل أن تكون تلك الحفنة مِنَ الماء قدَ وصلت إلى ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): واحدة. (¬2) في (ص، س، ل): ويجريهما. (¬3) في (ص، س، م): أدبر. (¬4) في (س): ما يمسح. (¬5) ساقطة من (د، س، ل، م). (¬6) في (م): بهما.

ظاهِر القدم وباطنه، وإن كانت الرجْل في النَعل، ويدل على ذلك قوله: (ففتلها (¬1) بِهَا) يحتمل أن يراد ففتل (¬2) الحفنة التي بيديه على رجليه (¬3) في النعل، فيدير يده في الغسل على الرجل ليَصِل الماء إلى جَميعها. قال الخطابي: والحفنة إنما كفت مع (¬4) الرفق (¬5) في مثل هذا، فأما من أرَادَ المسح على بعض القدم فقد يكفيه ما دُون الحفنة، قالَ: وقد روي في غَير هذِه الرواية عن عَليّ أنه توضأ ومسحَ على نَعليه، وقال: هذا وضُوء من لم يحدث، وإذا احْتمل الحَديث وجهًا من التأويل فوافق قول (¬6) الأمة فهو أولى مِن قول (¬7) يكون فيه مُفارقتهم والخروج مِن مذاهبهم (¬8) (ثُمَّ) فعل في (الأُخْرى مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ) علي (¬9) -رضي الله عنه-: (قُلْتُ: وَفِي النَّعْلَينِ؟ ) أي: غسْل رجليه في النعْلين (قَالَ: وَفِي النَّعْلَينِ. قَالَ: قُلْتُ: وَفِي النَّعْلَينِ؟ قَالَ: وَفِي النَّعْلَينِ. قَالَ: قُلْتُ: وَفِي النَّعْلَينِ؟ قَالَ: وَفِي النَّعْلَينِ (¬10) قيل: يحتمل إن ثبت الحَديث أن تكون تلك ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): يقتلها. وفي (م): فغسلها. (¬2) في (ص، س، ل) بفتل، وفي (م): قعيل. (¬3) في (م): رجله. (¬4) زاد هنا في (د): في. (¬5) في (ص، د، م): المرفق. (¬6) من "معالم السنن". (¬7) في (ص) كفعل، وفي (م): قوله. (¬8) "معالم السنن" 1/ 51. (¬9) السابق. (¬10) الحديث رواه أحمد 1/ 82، وابن خزيمة (153) من طريق محمد بن إسحاق به، وحسَّن الألباني إسناده في "صحيح أبي داود" (106).

الحَفنة من الماء قد دخلت (¬1) إلى ظاهِر القدَم وباطنه، وإن كانت في النَّعل فالحفنة من الماء تكفي مع الرفق. ([قَالَ أَبُو دَاوُدَ: ] (¬2) وَحَدِيثُ) عبد الملك بن عبد العزيز (ابْنِ جُرَيْجٍ) نُسب لجده (عَنْ شَيبَةَ) ابن نصاح بكسر النون وتخفيف الصَّاد المهملة ابن سَرجس المخزومي المدَني القارئ مولى أُم سَلمة زوج النَّبي -صلى الله عليه وسلم- أتي به إليها وهو صغيرٌ فمسحتْ رأسهُ ودَعَت لهُ بالخَير والصَّلاح. قال البخَاري: حَدثني الأويسي حَدَّثني الدراوردي، قال: رأيتُ شيبة بن (¬3) نصاح قاضيًا بالمدِينة (¬4) وثقه النسَائي، وروى (¬5) له حَديثًا واحدًا (¬6) وهو هذا (¬7) (يشبه حَدِيثَ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- قَالَ فِيهِ حَجَّاجُ (¬8) بْنُ مُحَمَّدٍ) المصيصي الأعوَر الحَافظ، روى له الجماعة. قال أبو داود: بلغَني أن (¬9) ابن معين كتب عنهُ خَمسين ألف حَديث (¬10)، ولفظه: أخبرنا إبراهيم بن حُسين (¬11) المقسمي، قالَ: ثنا ¬

_ (¬1) في (د، م): وصلت. (¬2) ليست في (د، م). (¬3) في (ر): وأبو. (¬4) "التاريخ الكبير" للبخاري 4/ 241 ترجمة (2662). (¬5) في (ر): ورد. (¬6) انظر: "تهذيب الكمال" 12/ 609. (¬7) زاد هنا في (ر): سند. (¬8) كتب فوقها في (د): ع. (¬9) زاد في (ص): شبه. (¬10) "تهذيب الكمال" 5/ 455. (¬11) في (د، م): الحسين.

حجاج، قال: قال عن ابن جُرَيْجٍ حَدثني شيبة أن محمد بن علي أخبرهُ، قال: أخبرني أبي علي أن (¬1) الحُسين بن علي قال: دعَاني أبي عليّ بوضوء فقربته إليه، فبدأ فَغَسَل (¬2) كفيه ثلاث مَرات قبل أن يدخلهما في وضوئه، ثم تمضمض ثلاثًا، واستنثر واستنشق ثلاثًا، ثم غسَل يده اليُمنى إلى المرفق ثلاثًا، ثم اليُسرى كذلك، وَمَسَحَ بِرَأسِهِ مَرَّة وَاحِدَة -رواية النسَائي: مسحة واحدة (¬3) - ثم غسَل رجله اليُمنى إلى الكعبين ثلاثًا، ثم اليُسرى كذلك، ثم قام قائمًا (¬4) فقال: ناولني. فَنَاوَلته الإناء الذي فيه فضل وضوئه فشربَ من فضل وضوئه قائمًا، فعَجبت، فلما رآني قال: لا تعجب؛ فإني رَأيت أباك النبي -صلى الله عليه وسلم- يَصْنَع مثل ما رأيتني صَنعت. (قَالَ) عَبد الله (ابْنُ وَهْبٍ فِيهِ عَنِ ابن جُرَيْجٍ) عَن محمد بن علي (وَمَسَحَ) أيضًا (¬5) (بِرَأْسِهِ ثَلَاثًا) هذا ممَّا احتج به الشافِعي على التثليث في مَسح الرأس (¬6). قال البيهقي: كذا قال ابن وَهب عن ابن جريج عنه (¬7). قال ابن الجَوزي في "كشف المشكل": وقد ورد تكرار المَسْح في حَديث علي ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل، م): ابن. (¬2) في (ر): بغسل. (¬3) "سنن النسائي" 1/ 69. (¬4) في (ر): بالماء. (¬5) ليست في (د، م) وذكرت فيهما في غير موضعها. (¬6) "الأم" 1/ 80. (¬7) "السنن الكبرى" للبيهقي 1/ 105.

منها: عند الدارقطني (¬1) من طريق عَبد خير وهو من رواية أبي يوسُف القاضي، عن أبي حنيفة، عن خالد (¬2) بن علقمة عنه. [118] (ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ) ابن قعنب القعنبي (عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى المَازِنِيِّ (¬3)، عَنْ أَبِيهِ) يحيى بن عمارة بن أبي حسَن المازني. (أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ الله بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ وَهُوَ جَدُّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى المَازِنِيِّ) قال ابن حجرَ: قوله جدّ عمرو بن يحيى فيه تجوز؛ لأنه عَم أبيه، وسَماهُ جَدًّا، لِكَوْنه في منزلته، وأما قول صاحب "الكمال" ومن تبعهُ في ترجمة عمرو بن يحيى أنهُ ابن بنت عَبد الله بن زَيْد فغلط بوَهمه من هذِه الرواية. وقد ذكر ابن سَعد أن أم عمرو بن يحيى هي حميدَة بنت محمد بن إياس (¬4)، وقال غَيرهُ: هي أُم النعمان [بنت أبي] (¬5) حنة، فالله أعلم (¬6). وقد اختلف في ذلك، والذي يجتمعُ من هذا الاختلاف أن يقال: اجتمع عند عَبد الله بن زَيد أبُو حسَن الأنصَاري وابنه عمرو وابن ابنه (¬7) يحيى بن عمارة بن أبي حسَن فسَألوهُ عن صفةِ وضُوء النبي -صلى الله عليه وسلم- ¬

_ (¬1) "السنن" 1/ 89. (¬2) في (م): مجالد. (¬3) في (ر): المدني. (¬4) "الطبقات الكبرى" ط العلمية 5/ 405. (¬5) في (ص، س، ل): بنت. وفي (م): بن أبي. (¬6) "الطبقات الكبرى" ط العلمية 5/ 405. (¬7) في (ص، س، ل) أمية.

وتوَلى السُّؤال منهم له عَمرو بن أبي حَسَن فحيث (¬1) نسب إليه السؤال كان على الحقيقة ويُؤيدهُ رواية سُليمان بن بلال عند البخاري في باب: الوُضوء مِنَ التور، قال: حَدثني عَمرو بن يَحيى عن أبيه قال: كانَ عَمي (¬2) يَعني: عَمرو بن أبي حسَن يكثر الوُضُوء فقال لعَبد الله بن زيد: أخبرني فذكره. [وحيث نسب] (¬3) السُّؤال إلى أبي حسَن فعَلى المجاز؛ لكونه كانَ الأكبرَ وكانَ حاضرًا، وحيثُ نسبَ السُّؤال ليحيى بن عمارة فعَلى المجَاز أيضًا؛ لكونه ناقل الحَديث وقد حضر السُّؤال (¬4). (هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي كَيفَ كَانَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يَتَوَضَّأُ؟ ) فيه فضيلة السُّؤال عن أفعَال النَّبي -صلى الله عليه وسلم- ليقتدى به ومُلاطفة الطَّالب للشيخ. (فَقَالَ عَبْدُ الله بْنُ زَيْدٍ: نَعَمْ. فَدَعَا بِوَضُوءٍ) بفتح الواو (فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ) وفي رواية للبخاري: فأكفأ (¬5) بهمزتين، وفي رواية له: فكفأ (¬6) بفتح الكاف وهُما لُغتان بمعنىً. يقالُ: كفأ الإناء وأكفأهُ إذا أمَاله. وقالَ الكسائي (¬7): كفأت الإناء قلبته (¬8) وأكفأته: أملته. والمرادُ ¬

_ (¬1) في (ص، س) فحين. (¬2) "صحيح البخاري" (199). (¬3) في (ص): وخير ويثبت. (¬4) "الفتح" 1/ 348. (¬5) "صحيح البخاري" (186). (¬6) "صحيح البخاري" (192). (¬7) من (د، م، ل)، وفي (س): الطفلي الكفائي، والمثبت من "الصحاح"، و "لسان العرب" (كفأ). (¬8) كذا في الأصول الخطية، وفي "الصحاح"، و"لسان العرب": كببته.

بالجَميع إفراغ (¬1) المَاء مِنَ الإناء على اليَد دُون وضع اليد فيه قبل غسلها. (فَغَسَلَ يَدَيْهِ) وتقدم في الرواية المتقدمة: على يده بالإفراد وهي محمولة (¬2) على جنس اليد، وقد ذكر مُسلم من طريق بَهز عن وُهيب أنه سَمع هذا الحَديث مَرتين مِن عَمرو بن يحيى إملاء (¬3) فتأكد ترجيح الروايتين [ولا يقال: يحمل على واقعتين، لأنا نقول: المخرج متحد والأصل عدم التعدد فيه دليل على غسل اليد قبل] (¬4) إدخَالها (¬5) الإناء، ولو كانَ من غَير نَوم، والمرادُ باليدين هاهنا الكفان لا غير لما تقدم. (ثُمَّ تَمَضْمَضَ (¬6) وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا) فيه تقديم غسل الكفين على المضمضة والمضمضة على الأستنشاق والاستنثار (ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا) لم تختلف الروَايات في ذلك (ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَينِ مَرَّتَينِ) كذا رواية البخاري بتكرار مَرتين (¬7)، ولم تختلف الروايات عن عمرو بن يَحيى في غسل اليدين مرتين، لكن في رواية مُسلم من طريق حبان بن واسع، عن عبد الله بن زَيد، أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ، وفيه: ويده اليُمنى ثلاثًا ثم الأخرى ثلاثًا (¬8) فيحمل على أنهُ وضوء آخر لكون ¬

_ (¬1) في (م): إفراغي. (¬2) زاد في (م): له. (¬3) "صحيح مسلم" (235). (¬4) من (د، م). (¬5) في (ص، س، ل) إدخالهما. (¬6) في (د): مضمض. (¬7) "صحيح البخاري" (185). (¬8) "صحيح مسلم" (236) (19).

مخرج الحَديثَين غير متحد (¬1) (إِلَى المِرْفَقَينِ) وقد اختلف العُلماء هَل يدخل المرفقان في غسْل اليدَين أم لا؟ فقالَ المعظم: نعم، وخالف زفر، وحكاهُ بَعضهم عن مَالك (¬2). قال ابن القصَّار: اليَد يتناولها (¬3) الاسم إلى الإبط لحديث عَمار أنه تيمم إلى الإبط، وهو من أهل اللغة، فلما جَاء قوله تعالى: {إِلَى الْمَرَافِقِ} (¬4) بقي المرفق مَغسُولًا مع الذرَاعين بحق الاسم (¬5). ويمكن أن يستدل لدُخولهما بفعله -صلى الله عليه وسلم-، ففي الدارقطني بإسَناد حَسَن مِن حَديث عثمان في صفة الوُضوء: فغسَل يديه إلى المرفقين حَتى مسّ أطراف العَضدين (¬6). وفي البزار والطبرَاني من حَديث وائل بن حجر في صفة الوضوء: وغسل ذراعيه حتى جَاوز المرفق (¬7). قال الشافعي في "الأم" (¬8): لا أعلم مخالفًا في إيجاب دُخول المرفقَين في الوُضوء. فعَلى هذا فَزفر محجوج بالإجماع قبله، وكذا من قال بذلك مِن أهل الظاهِر بعدهُ، ولم يثبت ذلك عَن مَالك صَريحًا ¬

_ (¬1) في (ص، ل): متحدث. (¬2) "الاستذكار" 1/ 128. (¬3) في (ص) (س، ل): تناولها. (¬4) المائدة: 6. (¬5) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 1/ 287. (¬6) "سنن الدارقطني" 1/ 143. (¬7) "مسند البزار" (4488)، و"المعجم الكبير" للطبراني 22/ 49 (118). (¬8) "الأم" 1/ 78.

(ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ) وفي رواية ابن خزيمة: مسَح رَأسَه كله (¬1) ثم بيَّن كيفية المَسح (فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ بدأ (¬2) بِمُقَدَّمِ رَأسِهِ) الظاهر أنه من الحَديث، وليس مدرجًا من كلام مالك (ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ) فيه حُجة على من قالَ: السُّنة أن يَبدأ بُمؤخر الرأس إلى أن ينتهي إلى مقدمه لظاهر رواية البخاري في باب الوضوء مِن التور: فمسَحَ رأسه فأدبر به وأقبل (¬3). وليس فيه حجة؛ لأن الإقبال والإدبار من الأمور الإضافية ولم يعين ما أقبل إليه ولا ما أدبر عنه (¬4)، ومخرج الطريقين متحد فهُما بمعنى واحد، وعينت رواية مَالك البدَأة بالمقدم، فيحمل قوله: (أقبل) على أنه مِن تسمية الفِعل بابتدائه أي: بدأ بمقبل الرأس. (ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَى رَجَعَ إِلَى المَكَانِ الذِي بَدَأَ مِنْهُ) والحكمة في هذا الإقبَال والإدبار استيعَاب جهَتي الشَّعر بالمسْح، فعَلى هذا يختص هذا الإدبار بمن لهُ شَعر، أما مَن لا شعر لهُ أو حَلق رأسه وطلع منهُ يَسير فلا يُستحب له الرد؛ لأنهُ لا فائدة فيه، وكذا لا يُستحب الردّ لمن لهُ شعر كثير مظفور، فلو فَعَلهُ في هذِه الحَالة قال في "التهذيب": لا تستحبُ له مَرة ثانية؛ لأنَّ المَاء صَارَ مُستعملًا. (ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيهِ) (¬5) أي: ثلاثًا، وفي هذا الحَديث دليل على أن ¬

_ (¬1) "صحيح ابن خزيمة" (157). (¬2) في (ص، س، ل): يبدأ. (¬3) "صحيح البخاري" (199). (¬4) من (د، م). (¬5) الحديث رواه البخاري (185)، والنسائي 1/ 71 من طريق مالك وابن ماجه من طريق عمرو بن يحيى (434)، ومالك 1/ 47، وأحمد 4/ 38.

الوُضوء الوَاحد يكون بَعضه بمرة (¬1) وبعضه بمرتين (¬2) وبَعضه بثلاث (¬3)، وأن الاغتراف مِن الماء القليل للتطهير لا يصير الماء مستعملًا. [119] (ثَنَا مُسَدَّدٌ، قال: ثَنَا خَالِد) بن عَبد الله الوَاسِطي الطحان (عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى المَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ) يحيى بن عمارة المازني (عَنْ عَبْدِ الله بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ) حَدث (بهذا الحَدِيثِ قَالَ) فيه: (فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ) واحِدَة، كذا للبخاري (¬4)، ورواية أبي داود عند الخَطيب. (مِنْ كَفٍّ وَاحِدَة يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثًا) وهو صَريح في الجَمع في كل مَرة بخلاف الروَاية المتقدِّمة، وقد استدل به على (¬5) الجمع بين المضمضة والاستنشاق بغَرفَة واحدة يمضمض من كل غرفَة، ثم يستنشق منهَا فيتمضمض ويستنشق ثلاثًا بثلاث غرفات، وهذا ما صححهُ النووي (¬6) للأحاديث الصَّحيحة فيه، والوَجه الثاني الذي استحسنهُ الرافِعي (¬7) في "الشَّرح الصَّغير" أنه لا يجمع بينهما. (ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ) أي: قريبًا ممَّا تقدم. [120] (ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ) (¬8) قال: (ثَنَا عَبد الله ابن ¬

_ (¬1) في (س، ص، ل): مرة. (¬2) في (س، ص، ل): مرتين. (¬3) في (س، ص، ل): ثلاث. (¬4) "صحيح البخاري" (191). (¬5) زاد في (م): ذلك استدل به على. (¬6) "شرح النووي على مسلم" 3/ 106. (¬7) انظر: "الشرح الكبير" 1/ 397. (¬8) سقط في (م).

وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الحَارِثِ) بن الضحاك الحِمْصي وثق (¬1) (أَنَّ حَبَّانَ) بفتح الحَاء المهملة والبَاء الموَحَّدة (بْنَ وَاسِع حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَاهُ) واسِع بن حَبان بفتح المُهملة والموَحدة أيضًا المازني، أخرج له مُسلم والترمذي أَنَّهُ (سَمِعَ عَبْدَ الله بْنَ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ) الأنصَاري (المَازِنيَّ) له ولأبيه (¬2) صحبة ولأخيه حَبيب بن زَيد المدَني (¬3) الذي قطعهُ مُسيلمة (¬4)، وقَد شهد عَبد الله أحُدًا هو وأمُه أم عمارة نسيبَة بِنت كعب. قال الذَهَبي: وهِمَ ابن عيينة فادعى أنهُ هوَ الذي أري الأذان أقتل بالحرة، (¬5) وكانت الحرة آخِر ثلاث وستين (¬6). (يَذْكُرُ أَنَّهُ رَأى رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرَ وُضُوءَهُ) بضَم الواو أي: صفة وضوئه (قَالَ) فيه (وَمَسَحَ رَأْسَهُ بِمَاءٍ) جَديد (غَيرِ) بالجر (¬7) (فَضْلِ) أي: غير الماء الفاضِل من (يَدَيْهِ) أي: ذراعَيه، فيه دَليل عَلى أنه لا يجوز أن يمسَح رأسَهُ بالماء الفَاضل عَن ذرَاعَيه، وهو قول أبي حَنيفة (¬8) والشافعي (¬9) وأحمد (¬10)، قال الترمذي بعَد ما روى الحَديث: حَديث ¬

_ (¬1) "الكاشف" للذهبي 2/ 325. (¬2) في (د، م): ولأبويه. (¬3) ليست في (د، م). (¬4) في (ص، ل): مسلمة. (¬5) في (ص): قبل الحرة. (¬6) "الكاشف" للذهبي 2/ 88. (¬7) في (ص): الحر. (¬8) "المبسوط" للسرخسي 1/ 77. (¬9) "الأم" 1/ 80. (¬10) "مسائل أحمد" رواية عبد الله (95)، و"مسائل أحمد" رواية الفضل (55).

حَسَن صَحيح، وقد روي من غير وجه هذا الحَديث عن عبد الله بن زَيد وغَيره، أن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- أخذ لرَأسِهِ ماءً جَديدًا، والعَملُ على هذا عند أكثر أهل العِلم؛ رأوا أن يأخُذ لِرَأسِه ماءً جديدًا. انتهى (¬1). وجَوَّزَهُ الحَسَن وعُروة والأوزاعي (¬2) لظاهر حَديث عُثمان، ويتخرج لنا مثل ذَلك إذا قلنا: المُستَعمل لا يخرج عن طهُوريته سيَّما الغسْلَة الثانية والثالثة (¬3) (¬4). (وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى أَنْقَاهُمَا) (¬5) فيه دَليل على تنظيف الرجلين؛ لأنهما يكثر مُلاقاتهما الأوسَاخ والأقذار بقربهما (¬6) مِنَ الأرض لا سيَّما من يمشي حَافيًا، وقد يُؤخذ منه دَلك الرجلين، ويُقَاسُ عليه بقية الأعضاء. [121] (ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، قال: ثَنَا أَبُو (¬7) المُغِيرَةِ) عَبد القُدوس بن الحجاج الخولاني الحمصي؛ روى عنهُ البخاري في جزاء الصَّيد وبدء الخلق (¬8)، قال (ثَنَا حَرِيزٌ) بفتح الحاء المهملة وآخِره زَاي، ابن عثمان الرحبي الحمصي، ورحبة: بَطن مِن حمير تابعي، قال: (حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَيْسَرَةَ) أبو سَلمة الحمصي ثقة (¬9) ¬

_ (¬1) "جامع الترمذي" 1/ 50 - 52. (¬2) من (د، ل، م)، و"المغني" 1/ 181. (¬3) سقط من (د). (¬4) "المغني" 1/ 181. (¬5) رواه مسلم (582) من طريق ابن وهب به، والترمذي (35)، وأحمد 4/ 39 من طريق حبان بن واسع عن أبيه فذكره. (¬6) في (د، ل، م): لقربهما. (¬7) كتب فوقها في (د، م): ع. (¬8) "صحيح البخاري" (1837، 3292)، وكذا في الأدب (6107). (¬9) "الكاشف" للذهبي 2/ 646.

(الْحَضْرَميُّ) روى لهُ ابن مَاجه أيضًا، قال: (سَمِعْتُ المِقْدَامَ بْنَ مَعْدِي كَرِبَ) [معدي كرب] (¬1) مُركب من كلمتَين تركيبَ (¬2) مَزج، وفيه ثلاثة أوجُه أفصحها أن يسكن آخِر الجُزء الأول وهو اليَاء المثَناة مِن (¬3) معدي، وإنما لم تفتح وإن كانت تفتح قَبل تاء التَّأنيث؛ لأن للتركيب مَزيد ثقل فَخص بِمزيد خفة، وأمَّا آخِر الجُزء الثاني [فالباء الموحدة مفتوحة] (¬4)؛ لأنه غير منصَرف بتَنزيل الجُزء الثاني مَنزلة هَاء التأنيث فأعطي حكمهَا في مَنع الصَّرف. (الْكِنْدِيَّ) نزيل حمْص، مات سَنة سَبع وثَمانين، ولهُ إحدى وتسعُون سنة. (قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بِوَضُوء) بفتح الواو (فَتَوَضَّأ) به (فَغَسَلَ كفَّيهِ ثَلَاثًا) فيه التثليث في (¬5) غسل الكفين (وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ) إلى المرفقين (ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا) استدل به على جواز تأخير المضمَضة والاستنشاق عَن غسل الوَجه واليدين، واستدل أيضًا بما روى الدارقطني عن العَباس بن يزيد، عن سُفيان بن عيَينة، عَن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الرُّبيع بنت المعوذ بن عفراء قال: أتيتها فأخرجت إليَّ إناء، فقالت: في هذا كنتُ أخرج الوَضوء لِرسُول الله -صلى الله عليه وسلم- فيَبدأ فيغسل يديه قبل أن يدخلهما ثلاثًا، ثم يتوضأ فيغسل وجهه ثلاثًا، ثم يتمضمض ويَستنشق ثلاثا، ثم يغسل يدَيه، ثم ¬

_ (¬1) من (د، س، ل). (¬2) في (ص، ل، م): التركيب. (¬3) في (م): في. (¬4) في (ص، ل) ثالث المفتوحة، وفي (م): فالباء للتوحد. (¬5) في (ص): و.

يمسح برأسه مُقبلًا ومُدبرًا، ثم يغسل رجليه. قال العَباس بن يزيد: هذِه المرأة التي حَدثَت عن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- أنهُ بدأ بالوَجْه قبل المضمَضة والاستنشاق، وقد حَدث أهل بدر، مِنهم: عُثمان وعَلي أنهُ بدَأ بالمضمَضة والاستنشَاق والنَّاس عليه (¬1). انتهى. وبِهَذا قال أحمد وأصحابه (¬2)، ومع القول بالجَواز يُستحب أن يبدأ بهما قبل الوجه، لأن كل من وصف وضوء رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر أنه بدأ بهما إلا شَيئًا نادرًا قالوا (¬3): وهَل يجبُ الترتيب والموَالاة بينهما وبين سَائر الأعضاء غَير الوجه؟ على روايتَين: إحداهما: يجب وهو ظاهِر كلام الخرقي؛ لأنهما مِنَ الوَجْه، فوَجَب غَسلهما قبل غسل اليَدين للآية، وقياسًا على سائر أجزائه. والثانية: لا يجب، بل لو تركهما (¬4) في وُضوئه وصَلى فإنهُ يتمضمض ويَستنشق ويُعيد الصَّلاة ولا يعيد الوُضوُء (¬5). (ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ) ظَاهرُه أن الأذنين يمسحَان مع الرأس كما تقدَّم (ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا) جَميعًا، وزاد أحمد في روايته: وغَسل رجليه ثلاثًا ثلاثًا (¬6). ¬

_ (¬1) "سنن الدارقطني" 1/ 96. (¬2) انظر: "الإنصاف" 1/ 103. (¬3) من (د، م). (¬4) في (د): تركها. (¬5) "المغني" 1/ 171. (¬6) "مسند أحمد" 4/ 132.

[122] (ثَنَا مَحْمُودُ (¬1) بْنُ خَالِدٍ) بن يزيد السلمي الدّمشقي، وثقهُ النسَائي (¬2)، وقالَ أبُو حاتم: ثقة رضي (¬3) (وَيَعْقُوبُ بْنُ كعْبٍ) الحَلبي (الأَنطَاكِيُّ) ثقة صَالح سُني (¬4) وهذا (لَفْظُهُ قَالاَ: ثَنَا الوَلِيدُ (¬5) بْنُ مُسْلِمٍ) أبُو العَباس عَالم أهل الشام، صَنف سَبعين كتابًا، ويقالُ: من كتب مُصنفات الوليد صَلح للقضاء (¬6) (عَنْ حَرِيزِ بْنِ عُثْمَانَ) الرحبي كما تقدم. (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنِ المِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ -رضي الله عنه- قال: رأيْتُ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- تَوَضَّأَ (¬7) فَلَمَّا بَلَغَ مَسْحَ رَأْسِهِ وَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى مُقَدَّمِ) بفتح القاف والدال المشَددة، هذِه أفصح اللغات الست الجاريات في المؤخر (رَأْسِهِ) لعَل المراد بالكفين كما قال أصحَابنا وغيرهم: إبهاميه، فإن المستحب في مَسْح الرأس أن يلصق طرف سَبابته بطرف سَبابته الأخرى ويضعهما على مقدم رأسه ويضع إبهاميه على صدغيه. (فَأَمَرَّهُمَا حَتَّى بَلَغَ القَفَا) مقصور، وهو مؤخر العُنق. قال ابن السِّكيت: القفا مذكر (¬8) وقد يؤنث، وألفه واو، ولهذا يُثنى ¬

_ (¬1) كتب فوقها في (د، م): د س ق. (¬2) "تهذيب الكمال" 27/ 297. (¬3) "الجرح والتعديل" 8/ 292. (¬4) "الكاشف" للذهبي 2/ 395. (¬5) كتب فوقها في (د): ع. (¬6) "الكاشف" 2/ 355. (¬7) في (م): يتوضأ. (¬8) في (د، ل، م): يذكر.

قفوين (¬1) (ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى المَكَانِ الذِي بَدَأَ مِنْهُ) (¬2) أي: إذا كانَ له شعر يُقيمه وينيمهُ في الذهَاب والإياب، وإذا مَسَح جَميع رأسه، فالأصَح عندنا أن الفرض منه ما يقع عليه أسْم المَسْح والبَاقي سُنة، والثاني: أن الجميع يَقع فَرضًا فعلى هذا يكون حكمه حكم خصال الكفارة في اليَمين فأي خصلة فعَلهَا حكم بأنها الواجب. (قَالَ مَحْمُودٌ: أَخْبَرَنِي حَرِيزٌ) بهذا كله. [123] (ثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ) ابن يزيد السلمي (وَهِشَامُ بْنُ خَالِدٍ، المعنى) الأزرَق الدمشقي، ثقة (¬3). (قَالاَ: ثَنَا الوَلِيدُ) ابن مُسلم، عن حريز (بهذا الإِسْنَادِ) قَالَ: قال كذا في رواية أبي عَلي التستري ورواية الخطيب (قَالَ: وَمَسَحَ أذنَيه ظَاهِرهما وَبَاطنهما) و (زَادَ هِشَامٌ) ابن خالد في روايته: (وَأَدْخَلَ أَصَابِعَهُ) أي: أصْبَعَيْه. (فِي صِماخِ) بالإفراد عَلى تأويل الجنس (¬4) والمرادُ في صماخي (أُذُنَيْهِ) والصماخ بكسر الصَّاد، ويُقالُ: السِّماخ بالسِّين لغتان الصَّاد أفصَح وأشهر كما في الحَديث فيه دَليل لما قالهُ الشافِعِي في "الأم" (¬5) والبُوَيطي (¬6): أنه يُستحبُّ لمن مَسَح أُذنَيه أن يأخذ لصماخيه ماء جَديدًا ¬

_ (¬1) "المصباح المنير" للفيومي 2/ 512. (¬2) قال الألباني في "صحيح أبي داود" (113): إسناده صحيح. (¬3) "الكاشف" للذهبي 2/ 336. (¬4) في (ص، ل، م): الحسن. (¬5) "الأم" 1/ 80. (¬6) "الحاوي الكبير" 1/ 123.

غَير الماء الذي مَسَح به ظاهِر الأذن وباطنها للحَديث؛ ولأن الصِّماخ في الأذن كالفَم والأنف في الوَجْه كما انفرد الفم والأنف عَن الوَجْه بالماء؛ فكذلك الصِّماخ (¬1) في الأُذن، فإنْ ترك مَسح الأذن جَاز لحَديث الأعرابي: "توَضأ كما أمرك (¬2) الله" (¬3)، وليس فيما أمر الله مَسْح الأذنين. [124] (ثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ الفَضْلِ الحَرَّانِيُّ) أبُو سَعيد قالَ أبو حَاتم: ثقة رضي (¬4)، قال (ثَنَا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ) عَالم أهل الشام، قال (ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ العَلاَءِ) [بن زبر] (¬5) بن عَطارد الربعي الدمشقي، أخرج له البخاري في الجزية (¬6) وتفسير الأعراف (¬7)، قال: (ثَنَا أَبُو الأزهَرِ المُغِيرَةُ (¬8) بْنُ فَرْوَةَ) الثقفي الدّمشقي، ويقالُ: فروة بن المغيرة ذكرهُ ابن حبان في "الثقات" (¬9) مَات قبل مَكحوُل (وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ) هَانئ الهَمداني قاضي دمشق. (أَنَّ مُعَاوِيَةَ تَوَضَّأَ لِلنَّاسِ كَمَا رَأى رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يَتَوَضَّأُ فَلَمَّا بَلَغَ) في وضوئه (رَأْسَهُ غَرَفَ غَرْفَةَ) بفتح الغَين هي المرة، وبضمها الماء المغروف باليَد (مِنْ مَاءٍ فَتَلَقَّاهَا) أي: تلَقَّى غرفة المَاء (بِشِمَالِهِ) فرَفَعَها (حَتَّى وَضَعَهَا ¬

_ (¬1) في (م): الصماع. (¬2) في (م): أمر. (¬3) سيأتي برقم (861). (¬4) "الجرح والتعديل" 8/ 375. (¬5) في (ص): يزيد، (س)، وفي (ل): بن زيد. (¬6) في (ص): الحديث. (¬7) "صحيح البخاري" (3176، 4640). (¬8) وضع في (م) فوقها: د. (¬9) "الثقات" لابن حبان 5/ 410.

عَلَى وَسَطِ) بفتح السِّين وأصله ما تساوت أطرافه مِن كل جهة، والسُّكون فيه لغة فيقال: ضربَ وسَط رَأْسِهِ، وجَلس وسَط الحلقة، وسَال على جوانب (رَأسه حَتَّى قَطَرَ المَاءُ أَوْ كَادَ) يَعني: قارَب (يَقْطُرُ) من رأسه، اسْتدل به على أن المتَوضئ لو غَسَل رَأسَه بَدَل مَسْحِه؛ جَاز كما لو انغمسَ في مَاء أجزأهُ إذا نوى الطَّهَارتين، وإن لم يمسح، أمَّا لو أَمَرَّ (¬1) يدهُ على رأسه مع صب الماء أو بَعدَهُ فأولى بالجوَاز، وفي وجه لا يجزئه؛ لأنهُ لا يُسمى مسحًا، وحَكى إمامُ الحَرمين: إجزاء الغسْل بالاتفاق، قال: لأنه فوق المَسْح، فإذا قلنا بالمذْهَب وهو إجزاء الغسل، واتفق الأصحَاب عَلى أنه لا يُستحب، وهَل يكره؟ قالَ الأكثرون: هو مكروه؛ لأنه سَرف، كالغسلة الرابعَة، وصَحح الغزالي والرافعي عَدم الكراهة والحَديث يدل عليه (¬2) (ثُمَّ مَسَحَ رأسهُ مِنْ مُقَدَّمِهِ إِلَى مُؤَخَّرِهِ وَمِنْ مُؤَخرِهِ إِلَى مُقَدَّمِهِ) وهذا محمُول على أنهُ كان له (¬3) شعر يقيمه وينيمه كما تقدم، وسَيَأتي في الحَديث. [125] (ثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ، قال: ثَنَا الوَلِيدُ) بن مُسلم (بهذا الإِسْنَادِ) المذكورُ، و (قَالَ) فيه: (فتوضأ (¬4) ثَلَاثًا ثَلَاثًا و) قال فيه: (غَسَلَ رِجْلَيهِ بِغَيرِ عَدَدٍ) أي: لم يذكر في غسْل الرجلين عددًا، بل أطلقهُ، والمُطلق يحمل على المقيد المتقدّم في الروايات قبله. ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): مر. (¬2) "المجموع" 1/ 410. (¬3) سقطت من (د، س، ل، م). (¬4) في (ص): يتوضأ.

[126] (ثَنَا مُسَدَّدٌ، قال: ثَنَا بِشْرُ) بكسْر الموَحَّدَة وسُكون المُعجمة (بْنُ المُفَضَّلِ) (¬1) بن لاحق (¬2)، الإمَام الحُجة، كانَ يصلي كل يَوم خَمسمائة ركعة، قال (ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ) بفتح المهملة ابن أبي طالب. (عَنِ الرُّبَيِّعِ) بضم الراء [وتشديد ياء] (¬3) التصغير (بِنْتِ مُعَوِّذِ) بكسْر الواو المشَدَّدَة، ويجوُز الفَتح (بْنِ عَفْرَاءَ) بفتح المهملة وسُكون الفاء والمدّ، الصّحابية الأنصارية (¬4). (قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يَأْتِينَا) فيه إتيَان الإمَام إلى بَعض رعيته لزيَارة ونحوها تواضعًا (فَحَدَّثَتْنَا) الرُّبيع (أَنَّهُ قَالَ) لهَا: (اسْكُبِي لِي وَضُوءًا) أي: مَاء أتوضأ به (فَذَكَرَ) عبد الله بن محمد عنها (وُضُوءَ النبي -صلى الله عليه وسلم- وقَالَ فِيهِ: فَغَسَلَ كفَّيهِ ثَلَاثًا وَوَضَّأ) أي: غسل (وَجْهَهُ) سُمِّي بذلك؛ لأن الغسْل يحصُل به الوضَاءة وهي النظافة، والحُسن والبَهجة (ثَلَاثًا وَتمَضْمَضَ (¬5) وَاسْتَنْشَقَ) فيه جَوَاز تأخير المضمضة والاستنشاق عَن غسْل الوَجه كما تقدم، من رواية الدارقطني، عَن العَباس بن يزيد، عن ابن عيينة، عن عَبد الله بن محمد بن عَقيل، في الحَديث الذي رواهُ المقدام بن معدي كرب. (مَرَّةً) ولا تعَارضه الروَاية المتقدمة "أنه تمضمض واستنشق ثلاثا"؛ ¬

_ (¬1) في (م): الفضل. (¬2) في (ص): لاحف. (¬3) في (ص): تشديدها. (¬4) في (م): الأنصاري. (¬5) في (ص): مضمض.

لأن (مَرة) مِن مفهوم العَدد وليس هُو حجة، وفي "المُستدرك" و"سُنن أبي مُسلم الكجي": عن بشر بن المفضل (¬1) عن ابن عقيل عن الرُّبيع صَببت (¬2) على رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- فتوضأ، وقال لي: "اسْكبي عليَّ" فسَكبتُ. (وَوَضَّأَ يَدَيْهِ) إلى المرفقين (ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّتَينِ) هَكذا (¬3) رواهُ الترمذي وقال في (¬4) (يَبْدَأُ): بدأ (بِمُؤَخَّرِ رَأْسِهِ ثُمَّ بِمُقَدَّمِهِ وَبِأُذُنَيهِ كِلْتَيهِمَا) بسكون المثناة تحت (ظُهُورِهِما وَبُطُونِهِما) بالجَر فيهما عَلى البَدَل، وهَكذا للترمذي، ولم يَذكر ما بعده مِنَ الرِّجلين، وقال: حَديث حسَن. قال: وحَديث عَبد الله بن زيد أصح مِن هذا، وأجود إسنادًا (¬5). ولفظ حَديث عَبد الله بن زَيد الذي أشارَ إليه عند مَسْحِ رأسِهِ بيديه: فأقبل بهما وأدبَر، بدأ (¬6) بمقدم رَأسه ثم ذَهب بهما إلى قفاه ثم ردَّهما حَتى رَجَعَ إلى المكان الذي بدأ منه ثمَّ غسل رجليه. ثم قالَ بعده: حَديث عَبد الله بن زَيد أصَح شيء في هذا البَاب وأحسن (¬7). وبه يقول الشافعي (¬8)، وأحمد، وإسحاق (¬9)، وحَديث عَبد الله بن زَيد المتفق ¬

_ (¬1) في (م): الفضل. (¬2) في (د، م): صبَّت. (¬3) في (ص): هذا. (¬4) سقط من الأصل. (¬5) "جامع الترمذي" (33). (¬6) في (ص، ل): يريد. (¬7) "جامع الترمذي" (32). (¬8) "الأم" 1/ 79. (¬9) "مسائل أحمد وإسحاق" رواية الكوسج (16).

عليه: ومسَحَ برأسه مَرة واحدة (¬1). وفي حديث الرُّبيع دليل على جواز غسْل بَعض الأعضاء مرة وبَعضها مرتَين وبَعضها ثلاثًا، ويستَدل به على جواز مَسح الرأس والابتداء بِمؤخَّرِه قَبل مقدمه، كما تقدم عن بعضهم أنه قال به (وَوَضَّأَ رِجْلَيهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا) (¬2) فيه ما تقدَّم. (وهذا مَعْنَى حَدِيثِ مُسَدَّدٍ) الذي رواهُ. [127] (ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) الطالقاني، ثقة (¬3)، قال (ثَنَا سُفْيَانُ) الثوري (عَن) عَبد الله (¬4) بن محمد (ابْنِ عَقِيلٍ) بن أبي طالب (بهذا الحَدِيثِ) لكنَّهُ (يغَيّر فيه بَعْضَ مَعَانِي) حَديث (بِشْبر) بكسْر الموَحدة، و (قَالَ فيه (¬5): وَيُمَضْمِض) بضم المثناة تحت وكسر الميم الثانية (وَيسْتَنْثَرَ) ورواية الخَطيب: وتمضمض. بفتح المثناة فوق والميم وَاسْتَنْثَرَ (ثَلَاثًا) إلى آخره. [128] (ثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَيَزِيدُ بْنُ خَالِدٍ الهَمْدَانِي) بسُكون الميم نسبة إلى قبيلة مِنَ اليمن، وهو رملي زاهِد ثقة (¬6) (قالا (¬7): ثَنَا اللَّيثُ، عَنِ) محمد (ابْنِ عَجْلاَنَ) المدني الفقيه الصَّالح، وثقه أحمد وابن معين (¬8) ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (186)، و"صحيح مسلم" (235). (¬2) الحديث رواه الترمذي (33)، قال الألباني في "صحيح أبي داود": إسناده حسن. (¬3) "الكاشف" للذهبي 1/ 234. (¬4) في (م): عبيد الله. (¬5) ساقط من (ص، س). (¬6) "الكاشف" للذهبي 3/ 276. (¬7) في (ص، س، ل): قال. (¬8) "الكاشف" للذهبي 2/ 200.

(عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ) بفتح العَين المهملة (عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ) تقدم. (أَنَّ (¬1) رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- توَضَّأَ عِنْدَهَا فَمَسَحَ الرَّأْسَ كله (¬2) مِنْ قَرْنِ) فيه روايتان: إحداهما: من فوق بإسْكان الواو وقاف بَعدها أي: مسَح بيَده من فَوق (الشَّعْرِ) إلى (كُلِّ نَاحِيَةٍ) يعني: لنَاحِيَة (¬3) مقدم رَأسه وناحيَة مؤخره. والرواية الثانية: مِن قرن بإسْكان الواو ونون بعَدها أي: مَسَحَ الشعر من ناحيَة انصباب الشعر، والقرن: الناحِيَة، ومنه حَديث قيلة: "وأصَاب (¬4) ظبته طائفة من قرون رأسي (¬5) " أي: بَعض نواحي رأسي، والقرن: الضَفيرَة من ضَفَائر الشعَر، ومنه حَديث غسل الميت: ومشطنا رأسها ثلاثة قرون (¬6). وفي بَعض النُسخ: "مِن فرق الشعر". بإسكان الراء وقاف بعدها أي: من مرفق الشعر، ويدل على الرواية الأولى رواية أبي عبيد في كتاب "الطهارة": فمسح رأسَه كلهُ فوق الشعر من كل ناحِيَة (¬7). ¬

_ (¬1) كتب فوقها في (ص، م) مقدم، وكتب في (د): مقدم من قوله أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى: حدثنا مسدد. (¬2) في (ص): كلا. (¬3) في (م): ناحية. (¬4) في (ص، د): أصابت. والمثبت من "المعجم الكبير" 8/ 25 (1). (¬5) في "الأصول الخطية": رأسه. والمثبت من "المعجم الكبير". (¬6) رواه البخاري (1254)، ومسلم (939/ 37) من حديث أم عطية. (¬7) "الطهور" (332).

(لِمُنْصَبِّ) بضم الميم وتشديد الموحدة آخره، أي: للناحِية التي ينصب (الشَّعْرِ) ويسْترسَل بحيث (لاَ يُحَرِّكُ الشَّعْرَ عَنْ هَيئَتِهِ) التي هو عليها، ولا يستنشر شعره، وهذِه الكيفية مَخصُوصة بِمَن له شَعر طويل إذا رد يده عليه ليَصل الماء إلى أصُوله ينتفش ويتضرر صَاحبه بانتفاشه وانتشار بَعضه، ولا بأس بهذِه الكيفية للمحْرِم، فإنهُ تلزمهُ الفدية (¬1) بانتشار شعره وسُقوُطه. ويدُل على الرواية الثانية (¬2) ما رُوي عن أحمد أنهُ سُئل: كيف تمسح المرأة -يَعني: ومن له شعر كشَعرها- فقالَ: إن شاء مَسَحَ كما روي عَن الربيع .. وذكر الحديث، ثم قال: هكذا ووضع يديه على وسط رأسه ثم جرها إلى مقدمه، ثم رفعهَا فوضعها حَيث بدأ منهُ، ثم جَرها إلى مُؤخره (¬3). وكيف مسح بَعد استيعَاب [قدر الواجب أجزأه] (¬4) (¬5) أي: بالسّنة أو الوَاجب على الخلاف، لكن إذا لم يحصُل به ضَرر فالأفضَل أن يَبدأ بمقدم رأسِه كما في أكثر الروايات الصَّحيحة. [129] (ثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قال: ثَنَا بَكْرٌ يعني: (¬6) بْنَ مُضَرَ) بن محَمد بن حكيم بن سَلمان القرشي المصري، أخرج له الشيخان. (عَنِ ابن عَجْلاَنَ) (¬7) [عن عبد الله بن محمد بن عقيل أن ربيع بنت ¬

_ (¬1) سقطت من (د، م). (¬2) في (د، م): الثالثة. (¬3) انظر: "مسائل الإمام أحمد" رواية أبي داود (13 - 14). (¬4) في النسخ الخطية: رأسه. والمثبت من "المعجم الكبير". (¬5) "المغني" 1/ 178. (¬6) من (د). (¬7) كتب بعدها في النسخ: إلى. إشارة إلى التقديم والتأخير التي سبقت الإشارة إليه.

معوذ بن عفراء]) (¬1). (أَخْبَرَتْهُ (¬2) قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يَتَوَضَّأُ. [قالت: فمسح] (¬3) رأسه وَمَسَحَ مَا أَقْبَلَ مِنْهُ وَأَدْبَرَ) رواية الخَطيب: (وَمَا أَدْبَرَ) وهي أصَح. (وصُدغَيه) بضَم الصَاد وهو ما بين لحظ العَين إلى أصْل الأذُن ويُسمى الشعر الذي تدَلى علي هذا الموضَع صُدغًا، واللحظ مُؤخر العَين مما يَلي الأذن، ويَستدل بذكر الصّدغ مع الرأس أنهُ منه. قال الشافعي في "مُختَصر المزني": أحَبّ إليَّ أن يتَحرى جَميع رأسه وَصُدْغَيْهِ (¬4). قال صَاحِب "الحَاوي" (¬5) وغَيره: فَمن جَعَل الصُّدغَين مِنَ الرأس قال: قال الشافِعي ذلك؛ لاستيعاب الرأس. ومن جعلهما مِنَ الوَجْه، قال: قال الشَافعي ذلك ليَصير بالابتداء منهما محتَاطًا في استيعَاب (¬6) الرأس، فإنه إذا لم يفعل هَكذا ترك جزءًا مِنَ أول (¬7) الرأس لا يمر المسح عليه، فتفوت السُّنة في مَسح جَميع الرأس (وأذُنَيه) استدل بذكر الأذنَين مع الرأس أنهما منه، قال ابن قدامة في "المغني": وقياس المذهَب وُجوب مسحهما مع مسحه، وقال الخلال: كلهم حَكوا عن ¬

_ (¬1) من (د). (¬2) كتب في (ص، م) فوقها: مؤخر. وفي (د): مؤخر من هنا إلى قوله: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. (¬3) في (ص): وثلث بمسح. (¬4) "مختصر المزني" المطبوع مع "الأم" (ص 4). (¬5) "الحاوي الكبير" 1/ 117. (¬6) في (د، س، م): استيفاء. (¬7) سقطت من (ص، ل).

أبي عبد الله فيمن ترك مَسْحهما عَامدًا أو ناسيًا أنهُ يُجزئه (¬1)؛ لأنهما تبع للرأس. قال: والأولى مَسْحهُما مَعَهُ؛ لأن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- مَسَحَهما مع رأسه (¬2). (مَرَّة وَاحِدَة) مَسَح النَّبي -صلى الله عليه وسلم- مرة ليبين الجواز، ومَسَح ثلاثًا ليُبين الفضل (¬3) كما فعَل في غسل بقية الأعضاء، فنقل الأمران نقلًا صحيحًا من غير تعارض بينَ الروايات. [130] (ثَنَا مُسَدَدٌ، قال: ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ دَاوُدَ) بن عَامر بن الربيع الهمداني ثم الخريبي، والخريبة محلة بالبَصرة، أخرجَ له البخاري. (عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ) بن مسروق الثوري الحافظ، قال عَبد الله بن المبَارك: كتبت عن ألف ومَائة شيخ ما كتبت عن أفضَل من سُفيان (عَنْ) عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ. (ابْنِ عَقِيلٍ بن أبي طَالب، عَنِ الرُبَيِّعَ) بِنْتَ مُعَوِّذِ رضي الله عنها (أَنَّ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مَسَحَ بِرَأْسِهِ مِنْ فَضْلِ مَاء كَانَ فِي يَدِهِ) (¬4) فيه دليل لما ذَهَبَ إليه الحَسَن وعُروة والأوزاعي أنه يجوز مسح الرأس بالفاضل من غسل ذرَاعَيه، إذا قلنا أن المُستعمل لا يخرج عن طهوريته بالاستعمال لا سيَّما الغَسْلة الثانية والثالثة. قال المنذري (¬5): وابن عقيل هذا اختلفَ الحفاظ في الاحتجاج ¬

_ (¬1) "المغني" 1/ 177 - 178. (¬2) "المغني" 1/ 183. (¬3) في (ص): الفعل. (¬4) الحديث رواه الدراقطني 1/ 87، وقال الألباني في "صحيح أبي داود" 1/ 216 إسناده حسن. (¬5) "مختصر سنن أبي داود" 1/ 100.

بحَديثه؛ ولأنه روي عن عَبد الله بن زيد وغيره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخذ لرأسِهِ ماءً جَديدًا، وتقدم الخلاف فيه. [131] (ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ) الجوهري البَغدادي الحَافظ، روى عنه مُسلم، وقال في "دلائل النبُوة": وممن روي ذلك عنهُ إبراهيم بن سَعيد (¬1). قال عبد الله بن جَعفر بن خاقان: سَألته عَن حَديث لأبي بكر الصِّديق فقال لجَاريته: أخرجي لي الجزء الثالث والعِشرين من مُسند أبي بكر. فقلت له: أبُو بكر لا يصح له خمسُون حَديثًا، فمن أين هذا؟ قال: كل حَديث لا يَكونُ عندي من مائة وَجْه فأنا فيه يتيم (¬2). قال: (ثَنَا وَكِيعٌ، قال: ثَنَا الحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ) بن صالح، أخرجَ لهُ مُسلم. (عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مُحَمَّدِ بن (¬3) عَقِيلٍ، عن الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- تَوَضَّأَ) عندها (فَأَدْخَلَ إِصْبَعَيهِ فِي جُحْرى) بتقديم الجيم [وإسكان الحاء] (¬4) وهو الثقب الذي داخل الأذُن، وتقدم في الرواية المتقدَمة: في صماخي (أُذُنَيْهِ) وهو تفسير له، وفيه دليل على إدخَال الإصبعين بَعد مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما في صماخي أُذنَيه. قال الشافعي والأصحاب (¬5): يَأخُذ للصماخين مَاءً غَير ماء ظاهر (¬6) ¬

_ (¬1) "دلائل النبوة" 3/ 77. (¬2) "تاريخ بغداد" 6/ 94، "تهذيب الكمال" 2/ 97. (¬3) في (د، س، ل، م): عن. (¬4) من (د، م). (¬5) من (د، م). (¬6) "الشرح الكبير" 1/ 129، "المجموع" 1/ 413.

الأذن وباطنه، ويكوُن المأخوذ للصّماخ ثلاثًا كسَائر الأعضاء. وحَكى المارودي (¬1) وجهًا أنه يكفي مَسْح الصماخ ببقية ماء الأذن لكونه مِنها. [132] (ثَنَا مُحَمَدُ بْنُ عِيسَى وَمُسَدَّدٌ قَالاَ: ثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، عَنْ لَيْثٍ) ابن أبي سليم بن أبي زنيم القرشي (¬2)، واسم أبي سليم أنس، مولى (عتبة) (¬3) بن أبي سُفيان، أخرج له مُسلم عَن أشعث بن أبي الشعثاء في الأطعمة (¬4)، مَولده بالكوفة وكانَ مُعلمًا بها مِنَ العباد. (عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ أَبِيهِ) مُصرف (عَنْ جَدِّهِ) كعب بن عمرو اليامي من بني يام بن رَافِع. قال المنذري (¬5): كعب له صُحبة، ومنهم من ينكرُها (قال: رأيْتُ النبي -صلى الله عليه وسلم- يَمْسَحُ رَأْسَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً حَتَّى بَلَغَ القَذَالَ) بفتح القاف والذال المعجمة: جماع مؤخر الرأس (وَهُوَ أَوَّلُ القَفَا) والقفا أوَّل العُنق، وقد اسْتدلَّ به على ما قالهُ البغوي والغزالي (¬6) أنه يُستحب مَسْح الرقبَة ببلل (¬7) مَسْح الرأس والأذن، وصَحح الرافِعي في "الشَرح الصَغير" أنه ¬

_ (¬1) "الحاوي الكبير" 1/ 122 - 123. (¬2) "تاريخ بغداد" 6/ 94، "تهذيب الكمال" 2/ 97. (¬3) "الشرح الكبير" 1/ 129، "المجموع" 1/ 413. (¬4) ما وقفت عليه في "صحيح مسلم" أن هذِه الرواية برقم (2066) كتاب اللباس والزينة، وليس الأطعمة. (¬5) "مختصر سنن أبي داود" 1/ 100. (¬6) "المجموع" 1/ 463 - 464. (¬7) في (م): يقال.

سُنة، ومقتضى كلام الحَمَوي أن فيه قولين فإنهُ قال: مَسْح الرقبة ليس بسُنة على الجَديد (¬1). وروى الإمام أحمد هذا الحَديث، وقال فيه: "حَتى بَلغَ القذال وما يليه مِن مقدم العُنُق" (¬2)، وإسنَاده ضَعيف (¬3)، ويَعضده ما رَوَاهُ أبو عَبيد في كتاب "الطهور" عن عَبد الرحمن بن مَهدي عن المَسْعُودي، عن القاسِم بن عَبد الرحمن، عَن مُوسى بن طلحة قال: من مَسَحَ قفاهُ مَعَ رأسه وُقي الغل يَوم القيامة (¬4). وهذا الحَديث وإن كان مَوقوفًا فلهُ حكم المرفوع؛ لأن هذا لا يقال من قِبَل الرأي، فَهو على هذا مُرسَل (¬5). وروى الدَيلمي في "مُسْنَد الفردَوس" عن ابن عُمر أنَّ رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَسْح الرقبة أمَان مِنَ الغل" (¬6)، وروى الحَافظ [أبو نعيم] (¬7) في "تاريخ أصْبهان" عَن ابن عمر أنه كانَ إذا توضأ مَسَحَ عُنقه ويقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ["من توضأ ومسح عنقه] (¬8) لم يغل بالأغلال يَوم القيَامَة" (¬9). قال ابن حجرَ: ¬

_ (¬1) "كفاية الأخيار" 1/ 30. (¬2) "مسند أحمد" 3/ 481. (¬3) "البدر المنير" 2/ 224 - 225. (¬4) "الطهور" لأبي عبيد (368). (¬5) "التلخيص الحبير" 1/ 162 - 163. (¬6) لم أجده في "مسند الفردوس"، وقال ابن الملقن في "البدر المنير" 2/ 221: هذا الحديث غريب جدًّا لا أعلم من خرجه بعد البحث عنه. وانظر كلام الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" 1/ 162. (¬7) في (ص، س، ل) إبراهيم. (¬8) من (د، م). (¬9) "تاريخ أصبهان" 2/ 78.

وقرأت جُزءًا رَوَاهُ أبُو الحُسين ابن فارس بإسناده عن فليح بن سُليمان، عَن نافِع، عن ابن عُمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن توضأ ومَسَح بيديْه على عُنقه وقي الغل يَوم القيامة"، وقال (¬1): هذا إن شاء الله تعالى صَحيح. ثم قال: وبين ابن فارس وفليح مَفازة، فلينظر فيها (¬2). (قَالَ مُسَدَّدٌ: وَمَسَحَ رَأْسَهُ مرة (¬3) مِنْ مُقَدَّمِهِ إِلَى مُؤَخَّرِهِ حَتَّى أَخْرَجَ [يَدَه نسخة: يَدَيه (¬4) مِنْ تَحْتِ أُذُنَيهِ] يَحتمل أن يراد باليَد السباحة والإبهَام، فتجوز باليَد عَنهُما، والمراد أنه (¬5) مسح رأسه حتى أخرجَ الإبهَام مِنْ ظَاهِر أذُنه تحتها وَالسَّباحة من باطنها، ويدل على ذلك ما رَوَاهُ ابن حبَّان في "صَحيحه" عن ابن عَباس أنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- أمسَك سَبابتَيه وأذنَيه على الرأس (¬6) فمسح الأذنَين فمسَح بِسَبَّابتَيه باطنهما وبإبهَامَيه (¬7) ظاهرهما (¬8). وصَححهُ ابن خزيمَة (¬9)، وابن منده، ورواهُ أيضًا النسائي وابن ماجه وابن خزيمة والحاكم والبيهقي (¬10)، ولفظ النسائي: ومَسَحَ ¬

_ (¬1) من (د، م). (¬2) "التلخيص الحبير" 1/ 163. (¬3) من (د، م). (¬4) سقط من (د، م). (¬5) في (ص، س، ل): به. وسقط من (م). (¬6) في (م): الناس. (¬7) ساقط من (م). (¬8) "صحيح ابن حبان" (1086). (¬9) "صحيح ابن خزيمة" (148). (¬10) "سنن النسائي" 1/ 74، و"سنن ابن ماجه" (439)، وابن خزيمة (148)، و"المستدرك" 4/ 197، والبيهقي في "السنن الكبرى" 1/ 128.

برأسه وأذنيه باطنهما بالسَّباحَتين وظاهِرهما بإبهاميه. ولفظ ابن ماجه: مَسَح أذنيه [داخلهما بالسَّبابتين] (¬1) وخالف إبهَاميه إلى ظاهِر أذنَيه فمسَح ظاهِرهما وباطنهما. قال الأصحاب: كأنهُ يعزل مِن كل يد إصبعين يمسح بهما الأذنَين. (قَالَ مُسَدَّدٌ: فَحَدَّثْتُ بِهِ يَحْيَى) بن سَعيد القطان التميمي، قال أبُو حَاتم الرازي: مُسَدَّد، عن يَحيى بن سَعيد، عَن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر كأنها الدنانير كأنك تسمعها مِنَ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- (¬2). (فَأَنْكَرَهُ) ولم يثبته. (قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ) بن حنبل (يَقُولُ) إن (¬3) سُفيان (ابْنُ عُيَينَةَ) فيما زَعَمُوا أنه (كَانَ يُنْكِرُهُ وَيَقُولُ: أَيْشٍ) بإسْكان اليَاء وكسْر الشين مع التنوين أصْلهُ: أي شيء، ثم خففت الياء الأولى، ووصلت بالشين. (هذا طَلْحَةُ بن مصرف، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ) كعب بن عمرو اليامِي، ولعَلهُ كان ممن يرى أنه ليسَ بصَحابي. [133] (ثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ) الحلواني، قال: (ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ) السلمي الحافظ أحَد الأعلام، كانَ يُصَلي الضحى ست عَشرة ركعة (¬4) وعمي، قال: ثنا (عَبَّادُ (¬5) بْنُ مَنْصُورِ) البَاجي البَصري، ولي قضاء ¬

_ (¬1) في النسخ: فأدخلهما السبابتين. والمثبت من "سنن ابن ماجه". (¬2) "تهذيب الكمال" 27/ 447. (¬3) من (د، م). (¬4) "تاريخ الثقات" للعجلي (1859). (¬5) كتب فوقها في (د، م): ع.

البصرة خَمس مَرات، استشهد به في "الصحيح" تعليقًا (¬1). (عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ) بن العَاص المخزومي، أخرج له الشيخان. (عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبير (¬2)، عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أنهُ رَأى النَّبي -صلى الله عليه وسلم- يَتَوَضَّأُ .. فَذَكَرَ الحَدِيثَ) وذكر الغَسل (كُلَّهُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا قال: (¬3) وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيهِ مَسْحَةً وَاحِدَةً) (¬4) وكذا رواية الصحيحين في حديث عَبد الله بن زَيد ذكر الأعضاء ثلاثًا ثلاثًا (¬5) إلا مَسْح الرأس فأطلقهُ، وفي رواية: ومَسَحَ رأسَهُ مَرة واحدة. [134] (ثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قال: ثَنَا حَمَّاذ وَثَنَا مُسَدَّدٌ وَقُتَيبَةُ) بن سَعيد (عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سِنانِ بْنِ رَبِيعَةَ) البَاهلي البَصري، روى له البخاري في "الجامع" حَديثًا واحِدًا مقرونًا بغيره، وفي "الأدب" (¬6) (عَنْ شهر (¬7) بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ) صدي بن عجلان البَاهلي، نسبة إلى بَاهلة وهو مَالك بن يعصر (¬8)، سكن مصر، ثم انتقل إلى حمص، ومَات بها، أكثر حَديثه في الشاميين، توفي سَنة إحدى وثمانين، وهو آخِر من مَات بالشام من الصحَابة. ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" عقب حديث (5721). (¬2) في (ص): حبيب. (¬3) من (د، م). (¬4) قال الألباني في "ضعيف أبي داود" 1/ 41: إسناده ضعيف جدًّا. (¬5) من (د، م). (¬6) "صحيح البخاري" (5450)، "الأدب المفرد" (634). (¬7) في (ص): سهل. (¬8) في (ص): يعفر.

(قَالَ: كان (¬1) رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يَمْسَحُ المَأْقَيْنِ) (¬2) المأق بِسُكوُن الهَمزَة لغة في الموق. قال الأزهري (¬3): أجمع أهل اللغة أن الموق والماق مُؤخر العَيْن الذي يَلي الأنف، وأن الذي يلي الصُدغ يقال له: اللحاظ، وجمَع الموق أمْآق بسُكون الميم، ويجوُز القلب فيقال: آماق مثل أبآر وآبار، ورواية الإمام أحمد عن أبي أمامة أيضًا أن رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- كانَ يتعاهَد المأقين (¬4). وروى الدارقطني بإسنَاد ضعيف، أن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أشربُوا الماء أعينكم" (¬5). قال الغزالي: ويدخل المتوضئ الإصبع في محاجر العيْنين (¬6) ومَوْضع الرمص ومجتمع (¬7) الكحْل وينقيهما، فقد روي أنهُ عليه السَّلام فعَل ذلك، ويتأمل عند ذلك خروج الخطايا مِنْ عينَيْه (¬8). (قَالَ: وَقَالَ: الأُذُنانِ مِنَ الرَّأْسِ) (¬9) رواهُ الترمذي وابن مَاجه قال ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): رأيت. (¬2) قال الألباني في "صحيح أبي داود" (123): حديث صحيح دون (مسح المأقين). (¬3) "تهذيب اللغة" (ماق). (¬4) "مسند أحمد" 5/ 258 بلفظ: وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح المأقين. (¬5) لم أجده في "سنن الدارقطني"، ولا "علل الدارقطني". وعزاه العراقي في تخريجه لـ"الإحياء" 1/ 157 قال: ورواه الدارقطني من حديث أبي هريرة بإسناد ضعيف. (¬6) "إحياء علوم الدين" 1/ 258. (¬7) في (د): مجمع. (¬8) في (م): العين. (¬9) سبق تخريجه.

الترمذي: قال قتيبة: لا أدري هذا مِنْ قَول النَّبي -صلى الله عليه وسلم- أو مِن قَول أبي أمَامَة؟ (¬1). قال ابن حجر: قد بيّنت (¬2) أنهُ مدرَج [في كتابي] (¬3)، وفي ذلك حَديث عَبد الله بن زَيد، وقواهُ المنذري وابن دقيق العيد (¬4) وقد بينت (¬5) أيضًا أنهُ مدرج (¬6). قال الترمذي: العَمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النَّبي -صلى الله عليه وسلم- ومنْ بعدهم أن الأذنَين من الرأس، وبه يقول سُفيان الثوري وابن المبارك، وأحمد (¬7). وعلى هذا فيجب مسحهما مع مسحه، ومذهبنَا أنهما ليسَا مِنَ الوَجه ولا مِنَ الرأس بل عضوان مُستقلان يُسَن مَسحهما على الانفراد ولا يجب، وأجَابُوا عن هذا (¬8) الحَديث بأنه ليسَ فيه دليل على أنه (¬9) مَسحهما بماء الرأس المُستعمل في الرأس. قال البيهَقي: قال أصحابنا: كأنهُ كانَ يَعزل مِن كل يَد إصبعَين، فإذا ¬

_ (¬1) "جامع الترمذي" 1/ 53. (¬2) في (ص، س، ل) ثبت، وفي (م): تعينت، والمثبت من "التلخيص الحبير". (¬3) من (د، ل، م)، و"التلخيص الحبير". (¬4) من (د، م). (¬5) في (ص، س، ل): ثبت. (¬6) "التلخيص الحبير" 1/ 283 - 284. (¬7) "جامع الترمذي" 1/ 53 - 55. (¬8) ليست في (م). (¬9) في (ص): أن.

فرَغَ مِن مَسْح الرأس مَسَح بهما أذنَيه (¬1). (قَالَ سُلَيمَانُ بْنُ حَرْبٍ: يَقُولُهَا) يعني: الكلمة التي هي: الأذنان مِن الرأس (أَبُو أُمَامَةَ -رضي الله عنه- قَالَ قُتَيبَةُ: قَالَ حَمَّادٌ) بن زَيد (لاَ أَدْرِي هُوَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَوْ مِنْ) قول (أبي (¬2) أُمَامَةَ -رضي الله عنه-) يَعْنِي: قِصَّةَ الأُذُنَيْنِ، فإن قلنا: إنه من قول أبي أمامة فهو مدرج كما تقدم. قال الدارقطني (¬3) في هذا الحَديث: رفعهُ وهم، والصوابُ أنه موقوف (¬4). (قَالَ قُتَيبَةُ) في الإسناد عَنْ سِنان بْن ربِيعةَ، عَنْ (سِنَانٍ أَبِي رَبِيعَةَ) وقال مُسَدد: سنان بن رَبيعة، والاختلاف إنَّما هُو في لفظ السَّنَد وإلا فهو سنان بن ربيعَة (وكنيته أبو ربيعة) البصري (¬5) [كذا قال] (¬6) الذهبي (¬7) وغيره، ورواية الترمذي: سِنان بن رَبيعَة. فقط. * * * ¬

_ (¬1) "السنن الكبرى" 1/ 67. (¬2) في (ص): أبو. والمثبت من (د، س، ل، م). (¬3) "سنن الدارقطني" 1/ 103، 104. (¬4) انظر: "علل الدارقطني" 12/ 263 (2690). (¬5) من (د، م). (¬6) في (ذ): كذا قاله. وفي (م): هذا قال. (¬7) "الكاشف" (2154)، "ميزان الاعتدال" (3559).

51 - باب الوضوء ثلاثا ثلاثا

51 - باب الوضُوء ثَلاثًا ثَلاثًا 135 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عائِشَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فقالَ: يا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ الطُّهُورُ؟ فَدَعا بِماءٍ فِي إِناءٍ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلاثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَة ثَلاثًا، ثمَّ غَسَلَ ذِراعَيْهِ ثَلاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأَدْخَلَ إِصْبَعَيْهِ السَّبّاحَتَيْنِ فِي أذنَيْهِ وَمَسَحَ بإبْهامَيْهِ عَلَى ظاهِرِ أُذُنَيْهِ وَبِالسَّبّاحَتَيْنِ باطِنَ أُذنَيْهِ، ثمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلاثًا ثَلاثًا، ثمَّ قالَ: "هَكَذا الوضُوءُ، فَمَنْ زادَ عَلَى هذا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَساءَ وَظَلَمَ" أَوْ: "ظَلَمَ وَأَساءَ" (¬1). * * * باب الوضوء ثلاثًا [135] (ثَنا مُسَدَّدٌ، قال: ثَنا أَبُو عَوَانَةَ) الوضاح، مَولى يزيد بن عَطَاء اليشكري (¬2) (عَنْ مُوسَى (¬3) بْنِ أَبِي عَائِشَةَ) الهمداني الكوفي، قال جرير: كنت إذا رَأيته ذكرت الله لرُؤيته، وكان لا يخضب. (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ) فشعيب هو ابن محمد بن عَبد الله بن عَمرو بن العَاص، والصحَابي هو عَبد الله بن عَمرو وهو جدّ شعَيب. قال ابن الصَّلاح: احتج أكثر أهل الحَديث بحَديثه حَملًا لمُطلق الجدّ على الصحَابي عبد الله بن عَمرو دُون أبيه محمد والد شعيب لما ظهرَ لهُ ¬

_ (¬1) رواه النسائي 1/ 88، وابن ماجه (422)، وأحمد 2/ 180، وابن خزيمة (174). وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (124): إسناده حسن صحيح. (¬2) في (د، م): السكري. (¬3) كتب فوقها في (د، م): ع.

من إطلاقه ذلك (¬1). وروى أبُو عُبيد الآجري، عَن أبي داود، قيل لهُ: عمرو بن شَعيب، عن أبيه، عن جَده حجة عندك؟ قال: لا، ولا نصف حجة (¬2). وقد صح سَماع شعيب من عبد الله بن عَمرو، كما صَرح به البخاري في "التاريخ" (¬3) وأحمد، وكما رواهُ الدارقطني (¬4) والبيهقي في "السُنن" (¬5) (¬6) بإسنَاد صَحيح. (أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يا رَسُولَ الله) لفظ النسَائي: جَاء أعرابي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يسألهُ (¬7) عن الوضُوء (¬8) (كَيْفَ الطُّهُورُ؟ ) بضم الطاء، أي: كيفَ فِعْل الطهور؟ (فَدَعا بِمَاء فِي إِنَاءٍ فَغَسَلَ كَفَّيهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيهِ) إلى المرفقين (ثَلَاثًا ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ) ثلاثًا (¬9) (فَأَدْخَلَ) هَكذا رواية أبي عَلي التستري، ورواية الخَطيب: وأدخل. بالواو (إِصْبَعَيهِ السَّبَّاحَتَينِ) قال ابن يُونس في "شرح التعجيز": المسبحة هِي الإصبَع التي تَلي الإبهَام، سميت بذلك؛ لأن المصَلي يشيرُ بها إلى التوحيد والتنزيه لله تعالى مِنَ الشريك، وتُسمى أيضًا سَباحة ومهَللة ودَعّاة، وكانت تسمى السّبابة؛ لأنهم كانوا يُشيرُون ¬

_ (¬1) "مقدمة ابن الصلاح" 1/ 188. (¬2) "شرح ابن ماجه" لمغلطاي 1/ 299، "تهذيب الكمال" 22/ 71 - 72. (¬3) "التاريخ الكبير" (2578). (¬4) "سنن الدارقطني" 2/ 109. (¬5) في (د، م): السير. (¬6) "السنن الكبرى" 5/ 343. (¬7) في (م): فسأله. (¬8) "سنن النسائي" 1/ 88. (¬9) من (د).

بها عند السَّبّ والمخاصَمة (فِي أُذُنَيْهِ) فَعند الشَافعي (¬1): يَمسْح الأذُن بماءٍ جَديد لا بالماء الذي يمسَح به الرأس، وعند أبي حنيفة (¬2) وأحمد (¬3): يمسَح الأذن معَ الرأس بماء واحد. (وَمَسَحَ بِإِبْهَامَيهِ) قال ابن خروف في "شَرح الجمل (¬4) ": تذكيرها قليل (¬5). قال الصغاني: سُمَيتْ بِذَلك؛ [لأنه أبهم اشتقاقها] (¬6) (عَلَى ظَاهِرِ أُذُنَيْهِ) ظاهر الأذن (¬7): الطرف الذي يَلي الرأس. (وَبِالسَّبَّاحَتَينِ بَاطِنَ أُذُنَيْهِ) بَاطن الأذن الطرف الذي يَلي ثقب الأذن والوَجه، وقد حكى الإمَام عن شيخه أنه [يلصق كفيه] (¬8) مَبلولتين بالأذن بَعد ذلك استظهَارًا. (ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيهِ ثَلانا ثَلَاثًا) وفي الحَديث دَليل على استكمال الطَّهارة ثلاثًا ثلاثًا في المغسُول والممسُوح عند الشافعي (¬9). (ثُمَّ قَالَ: هَكَذا الوضُوءُ) الألف واللام في الوضُوء للعَهد، أي: ¬

_ (¬1) "الأم" 1/ 80. (¬2) انظر: "المبسوط" للسرخسي 1/ 181. (¬3) "مسائل أحمد وإسحاق" رواية الكوسج (13). (¬4) في (ر): المجمل. (¬5) انظر: "المجموع" للنووي 1/ 404. (¬6) في (ص): لأنهم أنه استعافها. (¬7) من (د، م). (¬8) في (م): يلطق كتفيه. (¬9) "الأم" 1/ 89، وانظر: "روضة الطالبين" 1/ 59.

الوضوء المعهُود مِن وضوء رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- (فَمَنْ زَادَ عَلَى هذا) أي: على الثلاث، وفي وجه ثالث في "الروضة" (¬1) أن الزيَادة على الثلاث محرمَة (أَوْ نَقَصَ) قال ابن الرفعَة: يَعني: عَن الواحِدة. فإنه سَيأتي الوضوء مرتين، والوضُوء مَرة. ولم يتفق الروَاة على ذكر النقص، بَل أكثرهُم اقتصر على قوله: "فمن زاد" فقط، كذا روَاهُ ابن خزيمة في "صحيحه" (¬2) وغيره (فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ) رواية النسَائي: "أسَاء وتعدى وظلم" (¬3). يجوز أن يكون الإساءة والظلم، وما ألحق بهما مجموعًا لمن نقص أو زاد، ويجوز أن يكون عَلى التوزيع فإسَاءته بالنقصَان (¬4) وظلمه بالزيَادة؛ لأنهُ وضَعَها في غير مَحلهَا، وقيل: عكسه، ويشهد له قوله تعالى: {آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا} (¬5) يعني: ولم تنقص (أَوْ ظَلَمَ وَأَسَاءَ) شك مِنَ الراوي. * * * ¬

_ (¬1) "روضة الطالبين" 1/ 59. (¬2) "صحيح ابن خزيمة" (174). (¬3) "سنن النسائي" 1/ 88. (¬4) في (ص، س، ل): على النقصان. (¬5) الكهف: 33.

52 - باب الوضوء مرتين

52 - باب الوضُوءِ مَرَّتَينِ 136 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنا زَيْدٌ -يَعْنِي: ابنِ الحُبابِ- حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَوْبانَ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ الفَضْلِ الهاشِمِيُّ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- توَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ (¬1). 137 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنا زَيْدٌ، عَنْ عَطاءِ بْنِ يَسارٍ قالَ: قالَ لَنا ابن عَبّاسٍ: أَتُحِبُّونَ أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْفَ كانَ رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يتَوَضَّأُ؟ فَدَعا بِإِناءٍ فِيهِ ماءٌ، فاغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ اليُمْنَى فَتَمَضْمَضَ واسْتَنْشَقَ، ثمَّ أَخَذَ أخرى، فَجَمَعَ بِها يَدَيْهِ ثمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ، ثُمَّ أَخَذَ أخرى فَغَسَلَ بِها يَدَهُ اليُمْنَى، ثمَّ أَخَذَ أُخْرى فَغَسَلَ بِها يَدَهُ اليُسْرى، ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً -مِنَ الماءِ، ثُمَّ نَفَضَ يَدَهُ، ثُمَّ مَسَحَ بِها رَأْسَه وَأُذُنَيْهِ، ثمَّ قَبَضَ قَبْضَةً أخرى مِنَ الماءِ فَرَشَّ عَلَى رِجْلِهِ اليُمْنَى وَفِيها النَّعْلُ، ثُمَّ مَسَحَها بِيَدَيْهِ يَدٍ فَوْقَ القَدَمِ وَيَدٍ تَحتَ النَّعْلِ، ثُمَّ صَنَعَ بِاليُسْرى مِثْلَ ذَلِكَ (¬2). * * * باب الوضوء مرتين [136] (ثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاَءِ، قال ثَنا زَيْد بْنَ حباب) (¬3) رواية الخَطيب: "زيد بن الحباب" أبُو الحُسين العُكلي الخراساني ثم الكُوفي ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (43)، وأحمد 2/ 288، 364، وابن حبان (1094). وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (125): إسناده حسن صحيح. وله شاهد صحيح من حديث عبد الله بن زيد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ مرتين مرتين. رواه البخاري (158). (¬2) رواه البخاري (140). (¬3) في (م): حسان.

الحافظ أخرج له مُسلم في مَوَاضع. قال (ثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ) [بن ثابت] (¬1) (بْنُ ثَوْبَانَ) القيسي، قال أبُو حَاتم: ثقة (¬2)، قال: (ثَنا عَبْدُ الله (¬3) بْنُ الفَضْلِ) بن العَباس بن ربيعَة بن الحَارث بن عَبد المُطلب بن هَاشم (الْهَاشِمِيُّ عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- تَوَضَّأَ مَرَّتَينِ) (¬4). قال الترمذي: حَديث حسَن غَريب لا نَعرفه إلا من حديث ابن ثوبَان عَن عَبد الله بن الفضل وهَو إسنَاد حَسَن صَحيح (¬5). وروى الإمام أحمد بإسناد رجَاله رجَال الصحيح عَن عَبد الله بن زيد (¬6) أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ فغسَل يَدَيه مَرتين ووجهه تلاثًا ومَسَحَ برَأسه مَرَّتَيْنِ (¬7)، هذا (¬8) في "الصحيح" خلا قوله: ومَسَح برَأسِهِ مَرَّتَيْنِ. [137] (ثَنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، قال ثَنا مُحَمَّدُ (¬9) بْنُ بِشْرٍ) بن الفرافصَة (¬10) الكوفي أحَد العلماء بالحَديث. ¬

_ (¬1) سقطت من (م). (¬2) "الجرح والتعديل" 5/ 219. (¬3) كتب فوقها في (م): ع. (¬4) تكررت في (م). (¬5) "سنن الترمذي" 1/ 62. (¬6) في (م): يزيد. (¬7) "مسند أحمد" 4/ 40. (¬8) في (د، م): وهذا. (¬9) كتب فوقها في (د، م): ع. (¬10) في (ص، م): العرافصة، والمثبت من "التهذيب" (5088).

قال أبو داود: هو أحفظ مَن كانَ بالكوفة (¬1) (عن هِشَام بْن سَعْدٍ) القرُشي المدَني مَولىً لآل أبي لهَب (¬2) بن عَبد المطلب أخرجَ لهُ مُسلم في مَوَاضع، قال (ثَنا زَيْدٌ) بن أسلم (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: قَالَ لَنا ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَتُحِبُّونَ أَنْ أُرِيَكُمْ كَيفَ كَانَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يَتَوَضَّأُ! فَدَعا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ فَاغْتَرَفَ منه غَرْفَةً) بِفَتح الغَين. (بِيَدِهِ اليُمْنَى) فيه فَضيلة جَعل الإناء إن كانَ واسعًا عن يَمينه يَغترف منه بيَمينه (¬3)، وإن كانَ ضَيقًا كالإبريق عن يسَاره يُفرغ منه على يمينه (¬4)، وعده المحَاملي مِن آدَاب الوضوء العَشرة (فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ) أي: بالغرفة الوَاحدة، وفيه الجمع بين المضمضة والاستنشاق مِن غرفة واحدة وسيأتي الفَصْل بين المضمَضة والاستنشاق في بَابه. (ثُمَّ أَخَذَ) غرفة (أُخْرى فَجَمَعَ بِها بين يَدَيْهِ ثُمَّ غَسَلَ) بها (وَجْهَهُ) فيه غسل الوَجْه بالكفين جَميعهما (¬5) وهو ممّا لا يقدم اليَمين فيه بل يَبدأ بأعاليه كما تقدم (ثُمَّ أَخَذَ غَرفَة أُخْرى) إطلاقه يقتضي أنه لا ينوي الاغتراف إذ لو كانَ لنقل (¬6). (فَغَسَلَ بِها يَدَهُ اليُمْنَى) إلى المرفقين ثلاثًا (ثُمَّ أَخَذَ أُخْرى فَغَسَلَ بِها يَدَهُ اليُسْرى) إلى المرفقين ثلاثًا (ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً مِنَ المَاءِ ثُمَّ نَفَضَ يَدَهُ) من ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 24/ 522. (¬2) في (م): طالب. (¬3) في (م): بيساره. (¬4) في (م): يساره. (¬5) في (د): جميعها. (¬6) في (م): النقل.

الماء، أي: أرسَل الماء الذي في يَده ويَدل عليه قوله بَعده (ثُمَّ مَسَحَ) فإن المَسْح لا يكون إلا بالبَلل إذ لو فعَل ذلك بالغرفة لكانَ غسْلًا. (رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ) كما تقدم (ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً أُخْرى مِنَ المَاءِ فَرَشَّ) مِن الماء (¬1). قال ابن حجر: أي سَكبَ (¬2) الماء قليلًا قليلًا إلى أن صَدف عليه مُسَمى الغسل (¬3). [وَسكبه عليه] (¬4) حَتى يستَوعب العضو (عَلَى رِجْلِهِ اليُمْنَى وَفِيها النَّعْلُ ثُمَّ مَسَحَهَا) المراد بالمَسْح إسَالة الماء عَلى الرجْل قليلًا قليلًا حتى يستوعبه (بِيَدَيْهِ يَدٍ) بالجر علي البدَل (فَوْقَ القَدَمِ) وفي رواية الخطيب: فوق النَعل وهو الموَافق لقَوله بَعدهُ (وَيَدٍ تَحْتَ النَّعْلِ) قال ابن حجر: قوله: "تحت النعل" فإن لم يحمل عَلى التجوز عَن القدَم وإلا فهي رواية شاذة وراويها هشَام بن سَعد لا يحتج بما ينفرد به فكيف إذا خالفَ (¬5). يَعني الرِّوايات الصَّحيحة، ومَما يَدل على أن المراد بالرش الغسْل روَاية البخاري: ثم أخذ غرفةً مِن مَاء فرش على رجله اليُسرى حتى غسلها (¬6)، وروى الطبراني في "الأوسَط": وتناول الماء بيده اليُمنى فرش على قَدَميه فغَسَلهما (¬7). ذكرهُ مِن روَاية جَابر. ¬

_ (¬1) ليست في (د، م، ل). (¬2) في (ص، س): سلب. (¬3) "فتح الباري" 1/ 291. (¬4) في (ص، ر، ل، س): وسله. (¬5) "فتح الباري" 1/ 291. (¬6) "صحيح البخاري" (140). (¬7) "المعجم الأوسط" (357).

قال ابن بَطال في بَاب غسْل الرجْلين في النعلين: لم يَصح عند البخاري حديث المسح على النعلين. قالَ: ومن روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - المسح على النَّعلين كان وهمًا وإنما كانَ غسْلًا (¬1). قلتُ: ويحتمل أن يحمل الرش عَلى حقيقته والمسْح على حقيقته، وقوله على رجْله، أي: على النَّعل الذي فيه رجله اليُمنى بدليل قوله بعد: يَد فوق النَّعْل: ويد تحت النعل. ويكون المرادُ بالنعْل الذي (¬2) غيّب (¬3) القدمَين بِشَرطه، واللهُ أعلم. (ثمَّ صَنَعَ بِالْيُسْرى مِثْلَ ذَلِكَ) أي: مِنَ الرش وما بَعْدَهُ. * * * ¬

_ (¬1) "شرح البخاري" 1/ 260. (¬2) من (د، م). (¬3) في (ل): عين، وفي (ر): عند.

53 - باب الوضوء مرة مرة

53 - باب الوضُوءِ مَرَّةً مرَّةً 138 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ سُفْيانَ، حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسارٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: أَلا أُخْبِرُكُم بِوضُوءِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَتَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً (¬1). * * * باب الوضوء مرة مرة [138] (ثَنا مُسَدَّدٌ، قال: ثَنا يَحْيَى القَطان، عَنْ سُفْيَانَ) بن سَعيد الثوري. (عَن زَيْد بْن أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: أَلاَ أُخْبِرُكمْ بِوضُوءِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَتَوَضَّأ) ليريهم كيفية وضُوئهُ (مَرَّةَ مَرَّةً) مَنْصوب عَلى الظرف أي: توضأ في زَمَان وَاحِد ولو كانَ ثمة غَسلات أو غَسلتان لكل عضو مِنْ أعضاء الوضُوء لكانَ التوضؤ في أزمنة أو زَمَانَين إذ لا بُد لكل غسلة مِنْ زمَان غَير زَمَان الغسلة الأخرى، أو منصُوب على المصدر، أي: توضأ مَرة مِنَ التوضؤ أي: غسل الأعضاء (¬2) غَسْلة واحدة وتكرار المرة يَدُل عَلى تكرير الفعْل، أو يكون المراد: توضأ وغسل لكل عضو مرة؛ لأن تكرار الوضُوء مِن رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - معلوم بالضرورة، وروى الإمام أحمد بسند فيه زيد العمي وقد وثق، وبقية رجَاله رجَال الصحيح عن ابن عُمر عَن النَّبي ¬

_ (¬1) رواه البخاري (157). (¬2) في (ص، ل) للأعضاء، والمثبت من (د، س، م).

- صلى الله عليه وسلم -: "من توضأ واحِدة فتلك وظيفة (¬1) الوضوء التي لابد منها ومَن توضأ اثنتَين فلهُ كفلين مِنَ الأجر، ومن توضأ ثَلاثا فذَلك (¬2) وضُوئي ووضُوء الأنبياء من قَبلي" (¬3). * * * ¬

_ (¬1) في (س): وخليفه. (¬2) في (د، م): فذاك. (¬3) "مسند أحمد" 2/ 98.

54 - باب في الفرق بين المضمصة والاستنشاق

54 - باب فِي الفرْقِ بيْن المضْمَصَةِ والاسْتِنْشاقِ 139 - حَدَّثَنا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، حَدَّثَنا مُعْتَمِرٌ، قالَ: سَمِعْت لَيْثًا يَذْكُرُ، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قالَ: دَخَلْتُ -يَعْنِي: عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهوَ يَتَوَضَّأُ والماء يَسِيلُ مِنْ وَجْهِهِ وَلحيَتِهِ عَلَى صَدْرِهِ، فَرَأَيْتُهُ يَفْصِل بَيْنَ المَضْمَضَةِ والاستِنْشاقِ (¬1). * * * باب في الفرق (¬2) بين المضمضة والاستنشاق [139] (ثَنا حُمَيدُ) بالتصغير (بْنُ مَسْعَدَةَ) البَاهلي شيخ مُسلم، قال: (ثَنا مُعْتَمِرٌ قَالَ سَمِعْتُ لَيثًا) يَعني ابن أبي سُليم (يَذْكُرُ عَنْ طَلْحَةَ) بن مصرف (عَنْ أَبِيهِ) مصرف (عَنْ جَدِّهِ) كعب [بن عمرو] (¬3) بن عَامِر اليامي تقدم - رضي الله عنه - (قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَتَوَضَّأُ) فيه جَوَاز الإذن بالدخول على مَن كانَ في عبَادة مِن وضوء أو غسل أو صَلاة أو غَيرها، ولا يؤخر المُستأذن عَن الدُخُول إلى الفراغ مِنَ العِبادَة، ولا يكون هذا مِنْ إظهار العِبادات لا سيَّما إن كانَ المتعبِّد ممن يُقْتَدَى به، فإن الداخل عليه يَنظر أفعَاله في العبادَة فيقتدي به فيها ويبلغها عَنه كما حَصَل في هذا الحَديث. (وَالْمَاءُ يَسِيلُ) في غسْل وجهه (مِنْ وَجْهِهِ وَلِحْيَتِهِ) فيه فضيلة إجراء ¬

_ (¬1) رواه الطبراني 19/ 181 (410)، والبيهقي 1/ 51. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (18). (¬2) في (ص): الغرف. (¬3) ليست في (د، م).

الماء على العضو المغسُول وإسْباغ الوضُوء (عَلَى صَدْرِهِ) فيه طَهَارة الماء المُستعمل في الوضوء والغُسْل والتراب المتَيمم به (فَرَأَيْتُهُ يَفْصِلُ) بِفَتح أوله وكسر ثالثه. (بَينَ المَضْمَضَةِ وَالاسْتِنْشَاقِ) فيه حجة عَلى فضيلة (¬1) الفصل بين المضمضة والاستنشاق، وهو الأظهَر مِنْ مَذهَب الشافعي كما نص عَليه في البويطي (¬2)، ثم الأصح عَلى قول الفصل أنهُ يمضمض بغَرفة ثلاثًا، ثم يستنشق بأخرى ثلاثًا حَتى لا ينتقل من عضو إلا بَعد كمال ما قبله. والثاني: بست غرفات يمضمض بثلاث غرفات ويَستنشق بثلاث؛ لأنه أقرب إلى النظافة، ورواهُ الطبراني مِن هذا الوَجه الذي أخرجهُ أبُو داود، وقال: عَن جَده كَعب بن عَمرو أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ فمَضمض ثلاثًا واستنشق (¬3) ثلاثًا يأخذ لكل واحدة ماء جَديدًا (¬4) وهذا أظهر في المقصود. * * * ¬

_ (¬1) في (د، س، ل، م): أفضلية. (¬2) انظر: "الحاوي الكبير" 1/ 107. (¬3) في (ص): يستنشق. (¬4) "المعجم الكبير" 19/ 180 (409).

55 - باب في الاستنثار

55 - باب فِي الاسْتِنْثارِ 140 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنادِ، عَنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إِذا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ ماءً ثُمَّ لْيَنْثُرْ" (¬1). 141 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، حَدَّثَنا ابن أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ قارِظٍ، عَنْ أَبِي غَطفانَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اسْتَنْثِرُوا مَرَّتَيْنِ بالِغَتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا" (¬2). 142 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ - فِي آخَرِينَ - قالُوا: حَدَّثَنا يَحْيَى بْن سُلَيْمٍ، عَنْ إِسْماعِيلَ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ عاصِمِ بْنِ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ قالَ: كُنْتُ وافِدَ بَنِي المُنْتَفِقِ - أَوْ فِي وَفْدِ بَنِي المُنْتَفِقِ - إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قالَ: فَلَمّا قَدِمْنا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ نُصادِفْهُ في مَنْزِلِهِ وَصادَفْنا عائِشَةَ أُمَّ المُؤْمِنِينَ، قالَ: فَأَمَرَتْ لَنا بِخَزِيرَةٍ، فَصُنِعَتْ لَنا، قالَ: وَأُتينا بِقِناعٍ - وَلَمْ يَقُلْ قُتَيْبَةُ: القِناعَ، والقِناعُ: الطَّبَقُ فِيهِ تَمْرٌ - ثُمَّ جاءَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقالَ: "هَلْ أَصَبْتُمْ شَيْئًا" أَوْ: "أُمِرَ لَكُمْ بِشَيء". قالَ: قُلْنا: نَعَمْ يا رَسُولَ اللهِ. قالَ: فَبَيْنا نَحْن مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جُلُوسٌ، إِذْ دَفَعَ الرّاعِي غَنَمَهُ إِلَى المُراحِ وَمَعَهُ سَخْلَةٌ تَيْعَرُ، فَقالَ: "ما وَلَّدْتَ يا فُلانُ". قالَ: بَهْمَةً. قالَ: فاذْبَحْ لَنا مَكانَها شاةً. ثُمَّ قالَ: لا تَحْسِبَنَّ - وَلَمْ يَقُلْ: لا تَحْسَبَنَّ - أنَّا مِنْ أَجْلِكَ ذَبَحْناها لَنا غَنَمٌ مِائَةٌ لا نُرِيدُ أَنْ تَزِيدَ، فَإِذا وَلَّدَ الرّاعِي بَهْمَةً ذَبَحْنا مَكانَها شاةً. قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي امْرَأَةً وَإنَّ فِي لِسانِها شَيْئًا يَعْنِي البَذاءَ. قالَ: "فَطَلِّقْها إِذًا". قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لَها صُحْبَةً وَلِي مِنْها وَلَدٌ. قالَ: ¬

_ (¬1) رواه البخاري (161، 162)، ومسلم (237). (¬2) رواه ابن ماجه (408)، وأحمد 1/ 228، 352، والنسائي في "السنن الكبرى" (97). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (129).

"فَمُرْها - يَقُولُ: عِظْها - فَإِنْ يَكُ فِيها خَيْرٌ فَسَتَفْعَلُ وَلا تَضْرِبْ ظَعِينَتَكَ كَضَرْبِكَ أُمَيَّتَكَ". فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ أَخْبِرْنِي عَنِ الوضُوءِ. قالَ: "أَسْبغِ الوضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الأصابِع، وَبالِغْ فِي الاسْتِنْشاقِ إلَّا أَنْ تَكونَ صائِمًا" (¬1). 143 - حَدَّثَنا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا ابن جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي إِسْماعِيلُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ عاصِمِ بْنِ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ وافِدِ بَنِي المُنْتَفِقِ أنَّهُ أَتَى عائِشَةَ، فَذَكَرَ مَعْناهُ. قالَ: فَلَمْ يَنْشَبْ أَنْ جاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَقَلَّعُ يَتَكَفَّأُ. وقالَ: عَصِيدَةٍ. مَكانَ: خَزِيرَةٍ (¬2). 144 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا أَبُو عاصِمٍ، حَدَّثَنا ابن جُرَيْجٍ بهذا الحدِيثِ، قالَ فِيهِ: "إِذا تَوَضَّأتَ فَمَضْمِضْ" (¬3). * * * باب في الاستنثار قال في "النهَاية": نثر ينثر بالكَسْر إذا امتخط، والاستنثار منه وهو استخراج ما في الأنف لينثره (¬4)، وقيل: هو من تحريك النثرة، و [هي طرف] (¬5) الأنف (¬6). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (38، 788)، والنسائي "1/ 66، 79، وابن ماجه (407، 448)، وأحمد 4/ 32، 33، 211، وابن خزيمة (150، 168)، وابن حبان (1054). سيأتي بالأرقام (143، 144، 2366، 3973). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (130). (¬2) انظر السابق. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (131). (¬3) انظر ما سلف برقم (142). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (132). (¬4) في (ص، ل) ينثره. (¬5) في (ص): هي فرق. وفي (م): هو طرف. والمثبت من "النهاية". (¬6) "النهاية" (نثر).

[140] (ثَنا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ) بن قعنب القعنبي، (عَنْ مَالِكٍ، عَنْ (¬1) أَبِي الزِّنَادِ) عبد الله بن ذكوَان. (عن) عَبد الرحمَن بن هرمز (الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إِذا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَليَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً) وكذا ثَبت لمُسلم وفي روَاية للبخاري، وأكثر روايَات البخاري بإسْقاط لفظة: (ماء) وقد اختلف رواة "الموطأ" في إسقاطه. (ثُمَّ لْيَنْثُرْ) بِمُثلثة مَضمومة بَعد النون السَّاكنة، كذا ضَبَطَهُ ابن حَجر قال: وفي رواية أبي ذرّ والأصيلي: ليَنتثر. بوَزن ليفتَعل، والروايتان لأصحَاب "الموطأ" (¬2) انتهى. وسبق كلام "النهاية" بكسر الثاء، وحكي عن الأزهَري: يروى فأنثر (¬3) بألف مقطوعَة، وأهلُ اللغَة لا يُجيزُونهُ، والصوابُ بألف وصل (¬4). وظَاهِر الأمر أنه للوجُوب فيلزم مَن قال بوجوب الاستنشاق لورود الأمر به كأحمد، وإسحاق (¬5)، وأبي عبَيد (¬6)، وأبي ثور (¬7)، وابن المنذر (¬8) أن يقول به (¬9) في الاستنثار، واستدل الجمهُور على أن الأمر ¬

_ (¬1) في (ص، م): بن. (¬2) "فتح الباري" 1/ 316. (¬3) في (ص، س، ل، م) فانتثر. والمثبت من "النهاية". (¬4) "النهاية" (نثر). (¬5) "مسائل أحمد وإسحاق" رواية الكوسج (11). (¬6) "الطهور" 1/ 337. (¬7) "المغني" 1/ 166. (¬8) "الأوسط" 1/ 379. (¬9) من (د، م).

فيه للندب (¬1) بما حَسنهُ الترمذي وصححهُ الحاكم من قوله - صلى الله عليه وسلم - للأعرابي: "توضأ كما أمَرك الله" (¬2) وأحَالهُ على الآية وليس فيها ذكر الاستنشاق ولا الاستنثار. [141] (ثَنا إِبْرَاهِيمُ (¬3) بْنُ مُوسَى) الرازي الفَراء (قال: ثَنا وَكِيعٌ، قال: ثنا) محَمد بن عَبد الرحمن (ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ قَارِظٍ) (¬4) بالقاف والظاء المشالة المعجمة، ابن شيبة الليْثي الزهري، قال النسَائي: ليسَ به بَأس (¬5). (عَنْ أَبِي غَطَفَانَ) ذكرهُ ابن عَبد البر فيمن لم يذكر لهُ سوى كنيته قال: وهو ابن طريف المري (¬6) ويُقالُ: ابن مَالك قال: وكانَ له دارٌ بالمدينة عند دار عُمر بن عَبد العَزيز. قال ابن معين: مدَني ثقة (¬7). (عَنِ ابن عَبَّاسٍ) رضي الله عنهما (قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: (اسْتَنْثِرُوا مَرَّتَينِ بَالِغَتَينِ) (¬8) يعني: إلى أعلى نهاية الاستنثار من قولهم: بلغت المنزل إذا وصَلته (أَوْ ثَلاثًا) ولم يذكر في الثلاث المبَالغة، وكأن المبَالغة في الثنتَين قائمة مقَام المرة الثالثة، وفيه التثليث في الاستنثار، ¬

_ (¬1) في (م): الندب. (¬2) "سنن الترمذي" (302). (¬3) كتب فوقها في (د): ع. (¬4) كتب فوقها في (د): دق. (¬5) "تهذيب الكمال" 23/ 333. (¬6) في (ص، س، ل، م): المزني. والمثبت من "تهذيب الكمال" (7565). (¬7) "تاريخ ابن معين" رواية الدوري (861). (¬8) في (ص): بالغين.

وأخرج الحميدي في "مُسنده": "وإذا استنثر فليَستنثر وترًا" (¬1) للبخَاري في بَدء الخلق: "إذا استيقظ أحَدكم من مَنامه فليَستنثر ثلاثًا، فإن الشيطان يَبيت على خَيشومه" (¬2). وعلى هذا فالمراد بالاستنثار في الوضُوء للتنظيف وللمُستيقظ لطرد الشيطان، فإن الشيطان يكون مُلتقمًا (¬3) قلبهُ يُوسوس لهُ ويأمرهُ بالسوء، فإذا نامَ علم الشيطان أنه لا يمكنهُ وسوسته (¬4)؛ لأنه زَال بالنوم إحسَاسه، ورفع عنه بالنوم قلم التكليف فيبيت عند نومه في باطن أنفه؛ ليُلقي في دمَاغه الرؤيا الفَاسدة ويمنعهُ من الرؤيا الصالحة؛ لأن محل الرؤيا الدمَاغ، وكثير من الناس يضل في الفتنة بالرؤيا الفاسدة مِنَ الشيطان. [142] (ثَنا قُتَيبَةُ (¬5) بْنُ سَعِيدٍ) أبُو رَجَاء البَلخي (فِي) جماعة (آخَرِينَ قَالُوا: ثَنا يَحْيَى بْنُ سُلَيمٍ) القرشي الطائفي الحَذاء وثقه ابن معين (¬6). (عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ كثِيرٍ) أبي هَاشِم المكي؛ وثقه أحمد بن حَنبل (¬7). (عَنْ عَاصِمِ بْنِ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ) بفتح الصَاد المُهملة وكسر الباء الموَحدة [وبعضهُم يُسكنها] (¬8) العقيلي الحجازي، زعم البخاري وغَيره ¬

_ (¬1) "مسند الحميدي" (987). (¬2) "صحيح البخاري" (3295). (¬3) في (ص): ملثعمًا. (¬4) في (م): وسوسة. (¬5) كتب فوقها في (د): ع. (¬6) "تاريخ ابن معين" رواية الدوري (229). (¬7) "تهذيب الكمال" 3/ 182. (¬8) سقط من (م).

أن أباه هو أبو (¬1) رزين العقيلي (¬2)، وقيل: هو غيره. روى له البخاري في "الأدب" والباقون سِوى مسلم، رووا (¬3) له هذا الحديث الوَاحد؛ رواهُ الترمذي في الصيَام مُختصرًا (¬4)، والنسَائي في الطهارة (¬5) وفي الوليمَة (¬6)، وابن مَاجه في الطهَارة (¬7). (عَنْ أَبِيهِ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ) قال المنذري: يقال فيه: لقيط بن عَامِر بن صَبرة، وقيل: إن لقيط بن عَامِر غير لقيط بن صَبرَة، وليس بشيء. قال: وهو أبو رزين العقيلي كما تقدم عَن البخاري. (قَالَ: كُنْتُ وَافِدَ) جمعه وفد، كراكب وركب، وهم القَوم يَأتون الملُوك رُكبانًا، وقيل: هُم القَوم (مجتمعون) (¬8) ويردون البلاد، والذينَ يقصدُون الأمَراء للزيَارة والاسترفاد (بَنِي المُنْتَفِقِ) بضم الميم وسكون النون وفتح المثناة فوق وكسر الفاء بَعدها قاف، يريد أن أولاد المنتَفق أرسَلوه إلى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بإسلامهم وهم مُنتسبُونَ إلى المنتفق بن عَامر بن عقيل بضم العَين ابن كعب بن ربيعة بن عَامِر بن صعصعة (¬9) بن معاوية ¬

_ (¬1) في (ص، د، ل): أبا. (¬2) "التاريخ الكبير" 6/ 493. (¬3) في (م): روى. (¬4) الترمذي (788). (¬5) "المجتبى" 1/ 66. (¬6) السابق: 7/ 171. (¬7) "سنن ابن ماجه" (407، 448). (¬8) في (د، س، م): يجتمعون. (¬9) في (ص): قعصعة، والمثبت من "اللباب في تهذيب الأنساب" 3/ 259.

ابن بكر بن هَوازن قبيل (¬1) مشهور منهم جَماعة مِنَ الصَّحابة وغَيرهم (أَوْ) كنت (فِي وَفْدِ) جَمع وافد كما تقدم. (بَنِي المُنْتَفِقِ) الذين وفدُوا (إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: فَلَمّا قَدِمْنا عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: قدمنا إلى مَكانه (فَلَمْ نُصَادِفْهُ فِي مَنْزِلِهِ وَصَادَفْنا عَائِشَةَ أُمَّ) بالنَّصب (الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها، قَالَ: فَأَمَرَتْ لَنا بِخَزِيرَةٍ) أن تصنع لنَا، والخزيرة بفتح الخاء المُعجمة وكسر الزاي وسُكون المثناة تحت وبعدها راء مُهملة وبعدها (¬2) تاء تأنيث، وهي طعام (¬3) يتخذ من دقيق ولحم، وهي أن يقطع اللحم صغارًا (¬4) ويصبُ عليه ماء كثير، فإذا نضج اللحمُ ذر عليه الدَّقيق، فإذا لم يكن فيها لحم فهي عصيدة سميت بذلك؛ لأنها تقلب وتلوى، والحريرة بفتح الحَاء المهملة وراءين مُهملتَين وهي حساء مِن دَقيق ودسم لبن أو سمن أو غَيرهما. (فَصُنِعَتْ لَنَا) فيهِ أن الضيف إذا قدم ولم يجد صَاحِب المنزل، فيُستحب لأهل البيت مِن زوجة أو ابن أو بنت أو من يقوم مقامهم ممن يتَولى أمر المنزل أن يُهيئوا له طَعَامًا يصلح لهُ لتأكد (¬5) حق القادم، والأولى أن يُطبخ له ما تيسر (¬6) من أدم البيت، فإن الطعَام السخين أرفق بالمسَافر وأوفق، وإن لم يتيسر فما يوجد من أدم البيت. ¬

_ (¬1) في (د): قيل، وفي (ر): قبيلة. (¬2) من (م). (¬3) من (د، م). (¬4) في (ص، س، ل): صغار. (¬5) في (ص، س، ل): ليأكل. (¬6) في (م): يتيسر.

(قَالَ: وَأُتِينا بِقِنَاعٍ) بِكسْر القاف وتخفيف النون، ويُقالُ لهُ: القنع بِكسْر القاف وضمهَا، وقيل: القناع جَمع القنع، وفي حَديث عَائشة: إن كانَ ليهدى لنا القناع فيه كعب (¬1) مِن إهَالة فنفرح به (¬2). والكعْب (¬3) القطعة مِن السمن أو الدهن. (وَلَمْ يفهم قُتَيبَةُ القِنَاعَ) وفي بَعض النسخ: ولم يقم قتيبة القناع. و (يقم) بِضَم اليَاء وكسر القاف، أي: لم يتلفظ به تلفظًا (¬4) صحيحًا. قاله النووي. (وَالْقِنَاعُ طبقٌ) ورواية الخطيب: (القناع: الطَّبق) يعني: الذي يؤكل عَليه أو (فِيهِ تَمْرٌ) أو رطب أو غَيرهما مِنَ الفواكه وغَيرها، والطبق يتخذ مِن عسيب النخل أو غَيرهَا، سُمي بذلك؛ لأن أطرافه قد أقنعَت، أي: عطفت إلى دَاخِل. (ثمَّ جَاءَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ) للوَافدين عليهِ بعَد السَّلام عَليهم: (هَلْ أَصَبْتُمْ شَيئًا أَوْ أُمِرَ لَكُمْ بِشَيء) منَ الطعام، فيه سُؤال صَاحب المنزل إذا حَضَر ووجَد الضيف حَضَر في غيبَته عَنْ حَاله فيما ينبغي لهُ من وجُوه الإكرام أو سؤال من يقوم مقامه في المنزل. (قَالَ: قُلْنَا: نَعَمْ يا رَسُولَ الله) صنعَ لنا خزيرة. (قَالَ: فَبَينا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -) يُقال: بَينا أنا جَالس، وبينما أنا ¬

_ (¬1) في (ل): كفت. (¬2) رواه ابن سعد في "الطبقات" 1/ 404. (¬3) في (ل): الكفت. (¬4) في (م): بلفظه.

جَالس، ومعناهما: حين أنا جَالس (جُلُوسٌ) بالرفع، وروايَة الخَطيب: (جُلوسًا) بالنصب وكلا الرفع والنصب جَائزان، فالرفع على أن يكون خبرًا لنحن، وبين نصب على الظرفية، والنَّصْب على أن يكون بين ظرف وقع هُو وما يتَعلق به خبرًا مُقدمًا، و (نحنُ) مُبتَدأ مؤخر وَ (جُلوسًا) نصب على الحَال وصَاحب الحَال نحن (إِذْ دَفَعَ الرَّاعِي غَنَمَهُ) أي: سَاق غنمه التي يَرعَاها (إِلَى المُرَاحِ) بضم الميم، وهوَ المكان الذي تأوي إليه الإبل والبَقر والغَنم بالليل؛ لتنَام فيه وتبيت. وفتح الميم فيه خطأ (¬1)؛ لأنه اسم مَكان واسم المكان والزمَان والمصدر من أفعل بالألف مُفعَل بِضَم الميم على صيغة المفعُول، وأما المراح بالفتح فهو الذي يروح القوم منه أو يرجعُون إليه. (وَمَعَهُ سَخْلَةٌ) قال أبُو زيد: يقال لأولاد الغنم ساعة تضعه مِنَ الضَّأن والمعز جَميعًا ذكرًا كان أو أنثى: سخلَة، ثم هي بهمَة للذكر والأنثى أيضًا (¬2)، وقيل: السّخال أولاد المعز خَاصة (تَيعَرُ) بفتح المثناة فوق وسُكون المثناة تحت وفتح العَين المهملة [وكسرها وهو أرجح] (¬3) بعدها راء واليعار بفتح الياء صوْت المعِز يقال: يعرت العَنز تَيعر بكسْر العَين يعارًا بالضَّم إذا صَاحت، كذا للمنذري، وفي "الجمهرة": تيعَر وتيعِر لغتان، واقتصَر ابن فارس في "المجمل" على الفتح (¬4). ¬

_ (¬1) في (ص): خطاب. (¬2) "لسان العرب" (سخل). (¬3) سقط من (س، م). (¬4) "جمهرة اللغة" (يعر)، "مقاييس اللغة" (يعر).

(فَقَالَ: ما وَلَّدْتَ) بفتح الوَاو واللام المشددة وتاء المخاطبة (¬1)، يقَال: ولّد الراعي الشاة تَوليدًا إذا حَضَر ولادتها وعَالجها حَتى يبين الوَلد منها، والموَلدة القَابلة والمولد والناتج للماشية كالقابلة للنسَاء. قال في "النهَاية": وأصحَاب الحَديث يقولون: ما ولدَت. يَعني: بسُكون تاء التأنيث؛ يَعنون: الشاة، والمحفوظ تشديد اللام عَلى الخطاب للراعي، ومنهُ حَديث الأقرع والأبرص: "فأنتج هذان وولد هذا" (¬2) (يا فُلاَنُ) وفي رواية: "يا راعي" (قَالَ: بَهْمَةً) بالنَّصب وفتح البَاء (¬3) الموَحدَة جَمعُها بَهم مثل تمرة وتمر وجَمع البهم بهَام كسَهْم وسهَام، وأصل البهمة: ولد الضأن، فَيُطلق على الذكر والأنثى، ويُطلق البهَام عَلى أولاد الضَّأن والمعز إذا اجتمعت تغليبًا، فَإذا انفردت، قيل لأولاد الضَّأن: بهَام، ولأولاد المعِز: سخال. قال ابن فارس: البَهم صغَار الغَنم (¬4). وقوله - صلى الله عليه وسلم - للراعي: "ما ولدتْ؟ " وجوابهُ: (بهمة) يدُل على أن البَهمة اسْم للأنثى؛ لأنه إنما سَألهُ ليَعْلم أذَكر هو أم أنثى، وإلا فقد كانَ يَعْلم أنهُ إنما ولد أحَدهما (¬5). (قَالَ: اذْبَحْ) رواية الخَطيب: فَاذْبَحْ (لَنا مَكَانَها شَاةً) فيه فَضيلة التقلل ¬

_ (¬1) في (د، م): المخاطب. (¬2) رواه البخاري (3464)، ومسلم (2964). (¬3) سقط من (س، م). (¬4) "مقاييس اللغة" (بهم). (¬5) "النهاية" (بهم).

من الدنيا وترك المكاثرة منها، والقناعَة بما يحصُل به قوت الإنسَان، وأن من كان له رأس مَال فمهما حَصَل فيه من الربح، ينفق منهُ ما يحتاج إليه ويتصَدق بالبَاقي للفُقَرَاء ولمن يقدم عليه من أضيَاف وَيصل به رَحمه ويواسي إخوانه، وغير ذلك من أنواع البر. (ثُمَّ قَالَ) للوَافد (لاَ تَحْسِبَنَّ) أي: بكسْر السِّين لغة عليا مضر، واستحسن لورود السماع به، [كما سيأتي في كتاب الحروف] (¬1) (ولم يقل: لا تحسبن) بفتح السين وهو لغَة سفلى مضر، وهو القياسُ عند النحويين (أَنَّا) بفتح الهَمزة (مِنْ أَجْلِكَ ذَبَحْنَاهَا) فيه تطييب قلب الضيف وإعلاَمه بأنا لم نتكلف لأجلك فيما جئنا به إليك؛ لئلا يكون على الضيف امتنان بهذا، وكذا يقالُ لهُ: ما أتيناك بِشيء تكلفنا لكَ به بالشراء مِنَ السُّوق بل من حوَاضر (¬2) البيت، ولم نُجدد لك طعَامًا بل جئنَاك من طعَامنا المعتَاد، ونحو ذلك مما يُهوّن على الضيف ويطيب خَاطِره ويزيل استحياءهُ، بل (لَنا غَنَمٌ مِائَةٌ) فيه اقتناء الغَنم وبَركتها. ذكر ابن حبَّان وغَيره أنه - صلى الله عليه وسلم - كانَ لهُ مائة شاة مِنَ الغنم للقنية وكانت له شاة تسمَّى غوثة، وقيلَ: غيثة وَشاة [تسمى قمر، وعنز تسمى اليمن، وكان له سبعة (¬3) أعنز ومنائح ترعاهن أم أيمن، وأما] (¬4) البَقر فلم يُنقل أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - مَلَك منها شَيئًا (¬5) (لاَ نُرِيدُ أَنْ تَزِيدَ) عَن المائة (¬6) شَيئًا، ¬

_ (¬1) من (د، م). (¬2) في (ص، س): خواص. (¬3) في (ل): تسعة. (¬4) من (د، س، ل، م). (¬5) "عيون الأثر" 2/ 391. (¬6) في (ص، ل): المياه.

كذَلك مَن كانَ له رَأس مَال يتجرُ فيه: يحترص أن لا يدَع زيادة عليه، بل ما حصَل له (¬1) منه مِنَ الربح تصَدق منهُ وواسى كما تقدم. (فَإِذا وَلَّدَ) بتَشديد اللام كما تقدمَ. (الرَّاعِي بَهْمَة) بفتح البَاء كما تقَدَّمَ (ذَبَحْنا مَكَانَها شَاةً) أكبرَ منها لتعَوض البهمة عنها إذا كبرَتْ، وفيه أن من له رأس مَال [يتجر فيه] (¬2) ينبغي أن لا ينقص منهُ شَيئًا إذا كانَ يأتي منهُ من الرّبح ما يقويه (¬3). (قَالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ الله إِنَّ لِي) اللام لشبه الملك والاختصَاص. (امْرَأَةً وَإنَّ فِي لِسَانِهَا) أي: كلامها (شيئا يَعْنِي: البَذَاءَ) بفتح البَاء وتخفيف الذال المعجمة والمدّ: الفُحش (¬4) من القَول والسَّفَه، وإن كانَ (¬5) صدقًا، وامرأة بذئة إذا كانَ في (¬6) منطقها فحش، وكانَ في لسَان فاطِمة بنت قيس بَعض البَذاء - والبَاء مفتوحة - وهذا من الأسبَاب المرخّصَة للغيبَة، وهو أن يذكر ذلكَ على صورة الاستفتاء، فلا يكون ذكره لذلك محرمًا، ولهذا قالت هند: إن أبا سُفيان رجُل شحيح؛ لا يُعطيني ما يكفيني أنا وولدي (¬7)، فذكرته بالشح والظلم لها ولوَلدهَا، ولم يزجرها النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ كانَ قصدها الاستفتاء، وكذا هنا ذكر زوجته ¬

_ (¬1) في (ص، د، س، ل): به. (¬2) من (م). (¬3) في (س، ل): يقوته. (¬4) في (م): بالفحش. (¬5) سقط من (د، م). (¬6) من (د، م). (¬7) أخرجه البخاري (2211)، ومسلم (1714) (7).

أن في لسَانها فحش، ولم يزجرهُ النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكن الأسلم والأصوَن (¬1) في هذا ومثله التعريض مثل قوله: ما قولك في رجُل ظلمهُ أبُوه أو أخوهُ أو زَوجته ونحو ذلك ولكن التعيين مباح لهذا العُذر. قَالَ (فَطَلِّقْها إِذًا) هذا تنوين العِوَض عن الجملة المحذوفة تقديرهُ: فطلقها إذا كانَ في لسَانها البَذاء، فيكون هذا علة وسببًا لطلاقها، فإن (إذًا) من صَرائح ألفاظ العِلة كقولِهِ - صلى الله عليه وسلم - لأبي بن كعب حينَ قالَ له (¬2) أجعَل لكَ صلاتي كلها "إذَن يَغفر الله لك ذَنبك كله". رواهُ أحمد وصححه الحاكم (¬3)، ولفظ الترمذي: "إذن تكفى همك ويغفر الله لك ذنبكَ" (¬4). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "طَلقها" أمر إباحَة، فإنَّ الرجُل إذا صَبر على لسَان زَوجته وفحش منطقها كانَ أفضل وفي "الإحيَاء" إن في الحَديث: "من صَبر على سُوء خُلق امرأة (¬5) أعطاهُ الله مِنَ الأجر مثل ما أعطى أيوب على بَلائه"، لكن قال العراقي: لم أقف لهُ على أصل (¬6). وفي الحَديث المتفق عليه أن أزوَاج النبي - صلى الله عليه وسلم - كن يرَاجعنَهُ، وتهجرهُ الوَاحِدة منهُنَّ يَومًا إلى الليْل (¬7). ¬

_ (¬1) في (د، م): الأصوب. (¬2) من (د، م). (¬3) "مسند أحمد" 5/ 136، و"مستدرك الحاكم" 7/ 207. (¬4) "جامع الترمذي" (2457). (¬5) في (د، م): امرأته. (¬6) "إحياء علوم الدين" 2/ 303. (¬7) "صحيح البخاري" (2468)، و"صحيح مسلم" (1479) (34).

(قَالَ: قُلْتُ يا رَسُولَ الله إِنَّ لَهَا) طُول (صُحْبَة) مَعي، وطول الصحبة تُراعى (وَلِي مِنْها وَلَدٌ) بالرفع، والولد بفتحتين يُطلق عَلى الذكر والأنثى والمثنى والمجموع، وظاهِر هذا الاعتذار منهُ يدل على أنهُ يشق مُفارقتها. (قَالَ: فَمُرْهَا. يَقُولُ (¬1): عِظْهَا) بكتاب الله وسُنة رسُوله، أي: ذكرها ما أوجب الله عليها مِن حسن الصحبة والمعَاشرة للزوج، وبقَوله - صلى الله عليه وسلم -: "لو أمرت أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجُد لزوجهَا" (¬2) "وأيما امرأة بَاتت هَاجِرَة فراش زَوجها لعَنَتْها الملائكة حَتى تصبح" (¬3). وفي روَاية: "حَتى ترجع" (¬4) وتضع يدها في يد زوجها ونَحو ذلك. (فَإِنْ يَكُ (¬5) فِيها خَيرٌ فَسَتَفْعَلُ) أي: تتعظ بقَولك وترجع إلى حُسن القَول وتترك الشر. (وَلاَ تَضْرِبْ ظَعِينَتَكَ) والظَّعينة المرأة سُميت بذَلك؛ لأنها تظعَن مع الزوج، وتنتقل بانتقاله، وأصْل الظَّعينة الهَوْدَج التي تكون به المرأة ثم تسمَّى المرأة به مجازًا، وقيل: لا تُسمَّى ظعينَة إلا المرأة الراكبَة فيه، وكثر حَتى استعمل في كل امرأة وحتى يُسمَّى (¬6) الجمل الذي تركب عليه ظَعينة، ولكن لا يقالُ ذلك إلا للإبل التي عليها الهوَادج. ¬

_ (¬1) في (د، م): يعني. (¬2) أخرجه الترمذي (1159)، وابن ماجه (1852)، وأحمد 6/ 76. من حديث عائشة رضي الله عنها وأبي هريرة - رضي الله عنه -، وقال الترمذي: حسن غريب. (¬3) أخرجه البخاري (5194)، ومسلم (1436) (120) من حديث أبي هريرة. (¬4) أخرجه البخاري (5194)، وأحمد في "مسنده" 2/ 255 من حديث أبي هريرة. (¬5) في (ص، س، ل): يكن. (¬6) في (د، س، م، ل) سمي.

قال الخطابي: ليس في هذا الحديث ما يمنع من ضَربهنَّ أو يُحرمهُ على الأزواج عند الحَاجَة إليه، فقد أبَاح الله ذلك في قولهِ: {وَاضْرِبُوهُنَّ} (¬1)، وإنما فيه النهي عن تبريح الضرب كما يُضرب المملوك في عَادات من يَستجيز ضَربهم، ويستعمل سُوء الملكة بينهم (¬2). انتهى. ولا بأس بضَرب المرأة للتأديب ضَربًا غَير مُبرح، وهو الذي لا يكسر عظمًا ولا يجرح عضوًا. قال في "النهاية": ضربًا غير مبرح؛ أي: شاق، وأصْل التبريح المشقة والشدة، وفي الحَديث: "اضربوا النسَاء إذا عَصَينكم في مَعْروف ضَربًا غَير مُبرح" (¬3). قال عَطاء: قلتُ لابن عَباس: ما الضربُ غَير المبرح؟ قال: بالسِّواك ونحوه. (كَضَرْبِكَ أُمَيَّتَكَ) بِضَم الهمزة وتخفيف الميم المفتوحة (¬4) وتشديد ياء التصغير والتاء مَنصُوبة مفَعُول للضرب وهو تصغير أمة، وهي: الرقيقة (¬5). قال الخَطابي: تمثيله بضَرب المماليك لا يُوجب إبَاحَة ضَربهم، وإنما جرى ذكره في هذا على طريق الذم لأفعَالهم، ونَهَاهُ عن الاقتداء ¬

_ (¬1) النساء: 34. (¬2) سقط من (م). (¬3) "النهاية" (برح) والحديث رواه عبد بن حميد في "المنتخب" (858)، والبزار في "المسند" (6135) عن ابن عمر. (¬4) سقط من (م). (¬5) في (م): الرقيق.

بهَا، وقد نهى رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ضَرب المماليك إلا في الحدود (¬1). وروى الإمام أحمد (¬2) عن عَائشة: جاء رجُل فقعد بين يدي رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن لي مملوكين يكذبوني ويخونونني (¬3) ويعصُوني وأسبهم وأضربهم. فكيف أنا منهم؟ فقال رسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان يوم القيامة يحسب ما خانوك وعصوك وكذبُوك وعقابك إياهم، فإن كانَ عقابك إياهُم بقدر ذنوبهم (¬4)، كان كفافًا لا لك ولا عليك، وإن كانَ عقابك إياهم فوق ذنوبهم اقتص لهم منك الفضل" فتنحى الرجُل وجعَل يهتف ويبكي، فقال له رسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا تقرأ: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} (¬5). وفي إسنَاده عبد الرحمن بن غزوَان، وهو ثقة (¬6)، احتج به البخاري وبقية رجَاله رجَال الصحيحين (¬7). ورَوى الحافظ أبُو يعَلى بأسَانيد أحدها جَيد عن أم سَلمة: كانَ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتي، وكان في يَده سواك، فدعى وصيفة له أو: لها حتى استبَان الغَضب في وجهه، وخَرجت أمُّ سلمة فوَجَدَت الوصَيفة تلعب ¬

_ (¬1) "معالم السنن" 1/ 54 (¬2) "مسند أحمد" 6/ 280. (¬3) سقط من (م). (¬4) زاد في (ص، ل): فإن. (¬5) الأنبياء: 47. (¬6) "الكاشف" للذهبي 2/ 180. (¬7) في (س، م): الصحيح.

ببَهمة (¬1) فقالت: ألا أراك تلعبين بهذِه البهمة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدْعُوك فقالت: والذي بعَثك بالحق ما سمعتُك. فقال رسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لولا خشيَة القود لأوجعتُك بهذا السِّواك" (¬2). وفي رواية لهُ: "لضَربتُك بهذا السِّواك" (¬3). (فَقُلْتُ: يا رَسُولَ الله، أَخْبِرْنِي عَنِ الوضُوءِ) قال الخَطابي: ظاهر السُّؤال يقتضي الجَوَابُ عن جُملة الوضوء، إلا أنهُ [- صلى الله عليه وسلم - لما اقتصر في الجواب على تخليل الأصابع والاستنشاق علم أن السائل: لم يسأله عن حكم ظاهر الوضوء] (¬4) إنما سَألهُ عن حُكم بَاطنه (¬5). (قَالَ: أَسْبغِ الوضُوءَ) أي: تممهُ وبَالغ في غسْل الأعضاء، ولهذا عَطف عَليه (وَخَلِّلْ بَيْنَ الأَصَابع) وفيه أن تخليل الأصَابع سُنة، وهو يشمل أصَابع اليدَين والرجلَين، والتنصيص عليهما رواه أحمد وابن مَاجَه والترمذي عن ابن عَباس أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا توضأتَ فخلل بين أصَابع يَديك ورجليك" (¬6). قال ابن الملقن: والذي يقربُ مِنَ الفَهم هُنا؛ يَعني: في أصابع اليدين أن يَشبك بين الأصَابع (¬7). ¬

_ (¬1) في (م): بهمة. (¬2) "مسند أبي يعلى" (6944). (¬3) "مسند أبي يعلى" (6928). (¬4) من (د، م). (¬5) "معالم السنن" 1/ 55. (¬6) أخرجه الترمذي (39)، وابن ماجه (447)، وأحمد 1/ 287. (¬7) هذا من كلام الرافعي في "الشرح الكبير" 1/ 131.

لكن روى الطبراني في "الأوسَط" عن أبي هريرة - رضي الله عنه -؛ أن رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا توضأ أحدكم فلا يُشبكن بين أصابعه" (¬1) وفي سنده عتيق بن يعقوب وبقية رجَاله رجَال الصَّحيح (¬2). (وَبَالِغْ فِي الاسْتِنْشَاقِ) المبالغة في المضمَضة والاستنشاق سُنة، وهو أن يصل الماء في المضمضة إلى الحلق، وفي الاستنشاق إلى بَاطن الأنف. وفي رواية الحَافظ أبي بشر الدّولابي في جَمعه لحديث الثوري: إذا توضأت فبَالغ في المضمَضة والاستنشاق ما لم تكن صَائمًا. قال ابن القطان: إسنادها صَحيح (¬3). فاستفد هذِه الروَاية فإنها جَليلة، وإن الأصحَاب قاطبة (¬4) يقيسُونَ المبَالغة في المضمَضة على المبالغة في الاستنشاق بل قال الماوردي (¬5): إنه يبالغ في المضمضة ولا يبَالغ في الاستنشاق للرِّواية الأولى، ثم شرعَ يُفرق بينهما بأن الممضمض (¬6) يمكنهُ رد الماء بإطبَاق الحَلق. (إلاَّ أَنْ تَكُونَ صَائِمًا) قال ابن الصَّلاح: يُكرهُ المبَالغة للصَّائم في الاستنشاق بحيث يصَل الماء إلى دمَاغه، لئلا يصير ذلك سُعُوطًا. وقال أبُو الطيب: المبَالغة محَرمة، وهي تفطر إذا وصَل الماء إلى الجَوف. ¬

_ (¬1) "المعجم الأوسط" (838). (¬2) "مجمع الزوائد" 1/ 240. (¬3) "بيان الوهم والإيهام" 5/ 593. (¬4) من (د، م). (¬5) "الحاوي الكبير" 1/ 106. (¬6) في (ص، س، ل) المضمضة.

[143] (ثَنا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرم) بضَم الميم وكسْر الراء، العمي البَصري الحافظ، روى عنهُ مُسْلم في مَوَاضع، قال: (ثَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) القطان، قال: (ثَنَا) عَبد الملك (ابْنُ جُرَيْجٍ) قال: (حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ كثِيرٍ) تقدم. (عَنْ عَاصِمِ بْنِ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ) لقيط بن صَبرة (وَافِدِ بَنِي المُنْتَفِقِ أَنَّهُ أَتَى عَائِشَةَ رضي الله عنها فَذَكَرَ مَعْنَاهُ) و (قَالَ) فيه: (فَلَمْ يَنْشَبْ) بفتح اليَاء والشين، أي: لم يلبث، وحقيقته لم يتعَلق بشيء ولا اشتغل بسِوَاه (أَنْ جَاءَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَتَقَلَّعُ) بفتح اليَاء والتاء واللام المشدَّدة بَعدَها عَين مهملة، أي: يَمشي بقوة كأنه يَرفع رجليه مِنَ الأرض رَفعًا قويًّا لا كمن يَمشى اختيالًا ويقارب خطَاهُ، فإن ذَلك من مشي النسَاء يُوصَفن (¬1) به. (يَتَكَفَّأُ) بهمز آخره، أي: يتمايَل إلى قدام كما تتكفأ السَّفينة في جريها. قال في "النهاية": هَكذا رُوي غير مَهموز، والأصل فيه الهَمز، [قال: و] (¬2) بعضهم يرويه مهموزًا؛ لأن مصدر تفعل منَ الصحيح تفعلًا، والهَمزة حَرف صَحيح (¬3). (وَقَالَ) في هذِه الرواية: (عَصِيدَةٍ) بالجر؛ لأنها بدَل مِن خزيرة في قوله: بِخزيرة (مَكَانَ خَزِيرَةٍ) كما تقدم. [144] (ثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى) بن عَبد الله بن خَالد (بْنِ فَارِسٍ) ابن ¬

_ (¬1) في (د): فوصفهن. (¬2) في (م): وقال. (¬3) "النهاية" (كفأ) بتصرف.

ذؤيب الذّهلي، روى عنهُ البخاري في مَوَاضع، لكن لم يبينه (¬1) فتارة يقولُ: محمد بن خالد، وتارة يقول: حَدَّثَنا محمد. قال: (ثنا أَبُو عَاصِمٍ) الضحاك بن مخلد النبيل الشيباني (¬2)، قال: (ثَنا ابن جُرَيْج بهذا الحَدِيثِ) و (قَالَ فِيهِ: إِذا تَوَضَّأْتَ فَمَضْمِضْ) فيه ردّ لمن ألحق المضمضة بالاستنشاق قياسًا، كما تقدم حَتى قال الماوردي (¬3): لا استحباب في المضمضَة؛ لأنه لم يرد فيها الخَبر، ورواية الدولابي: مُصرحة بالجمع بينهما كما تقدم. واللهُ أعلم. * * * ¬

_ (¬1) في (ص): يثبته، وفي (س): ينسبه. (¬2) في (ص، م، ل) النسائي وفي (س): اليمامي. والمثبت من "الإكمال" 7/ 255، و"تهذيب الكمال" (2927). (¬3) "الحاوي الكبير" 1/ 104، 105.

56 - باب تخليل اللحية

56 - باب تَخْليل اللِّحْيَةِ 145 - حَدَّثَنا أَبُو تَوْبَةَ - يَعْنِي: الرَّبِيعَ بْنَ نافِعٍ - حَدَّثَنا أَبُو المَلِيحِ، عَنِ الوَلِيدِ بْنِ زَوْرانَ، عَنْ أَنَسٍ - يَعْنِي: ابن مالِكٍ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إِذا تَوَضَّأَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ ماءٍ فَأَدْخَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ فَخَلَّلَ بِهِ لْحِيَتَهُ، وقالَ: "هَكَذا أَمَرَنِي رَبِّي عزَّ وجلَّ". قالَ أَبُو داودَ: ابن زَوْرانَ رَوى عَنْهُ حَجّاجُ بْنُ حَجّاجٍ وَأَبُو الملِيحِ الرَّقِّيُّ (¬1). باب تخليل اللحية [145] (ثَنا أَبُو تَوْبَةَ) بفتح المثناة (الرَّبِيع بْن نَافِعٍ) الحَلبي حَافظ مِنَ الأبدال، أخرجَ له الشيخان (¬2). قال: (ثَنا أَبُو المَلِيحِ عَنِ الوَلِيدِ بْنِ زروانَ) (¬3) بفتح الزاي وإسْكان الراء (يَقال: زوران ورجح) (¬4) الرقي، ثقة (¬5) (عَنْ أَنس بْن مَالِكٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذا تَوَضَّأَ أَخَذَ كفًّا ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (431)، وابن أبي شيبة 1/ 278 (106)، 20/ 195 (37619)، والحاكم 1/ 149، والبيهقي 1/ 54، والبغوي في "شرح السنة" (215). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (133). (¬2) "الكاشف" للذهبي 1/ 305. (¬3) في حاشية (د): من خط الشيخ تاج الدين ... رحمه الله قال: أعل ابن حزم هذا الحديث فقال: هو مجهول. فأجابه الحافظ قطب الدين بأنه رواه أبو داود وسكت عنه. والوليد روى عنه جعفر بن برقان وحجاج بن منهال وأبو المليح الحسن بن عمر الرقي وغيرهم. وقال الذهبي: ثقة ووثقه بعض الحفاظ فقال: ينبغي أن يقال فيه: محله الصدق ونحوه قال: الإمام أحمد سئل عنه، فقال: لا أعرفه. وقال أبو الحسن ابن القطان: هو مجهول الحال لا يعرف بغير هذا الحديث. (¬4) سقط من (د، م). (¬5) "الكاشف" للذهبي 3/ 238.

مِنْ مَاءٍ) أي: بيَده اليُمنَى (فَأَدْخَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ) فيه (¬1) أنهُ يُستحبّ أن يَأخذ لتخليل اللحيَة ماء جَديدًا. (فَخَلَّلَ بِهِ لِحْيَتَهُ) قال السرخسي من أصحَابنَا (¬2): يخَللها بأصَابعه من أسفلها. قال الذهلي في "الزهريات": ثنا محمد بن خالد الصَّفار وكانَ صَدُوقًا، ثنا محمد بن حَرب، ثنا الزبيدي، عَن الزهري، عن أنس. أن رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ فأدخَل أصَابعه تحتَ لحيته وخلل بأصَابعه (وقال: هَكذا أمَرني ربي) ورجَاله ثقات. قال الذهلي (¬3): وثَنا يزيد بن عَبد الله (¬4)، ثنا محمد بن حَرب عن الزبيدي أنه بلغه عن أنس الحديث، وصححهُ [الحاكم قبل] (¬5) ابن القطان أيضًا (¬6). وروى ابن عَدي في "الكامل" من طريق أصرم (¬7) بن غياث (¬8) ثنا مقاتل بن حيان عَن الحسَن عن جَابر قال: وضأت رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - غَير مرة ولا مرتَين ولا ثلاث فرأيته يخلل لحيته بأصَابعه كأنها أنياب مشط (¬9). قال النسَائي: وأصرم متروك الحَديث (¬10). ¬

_ (¬1) من (د، م). (¬2) "المبسوط" 1/ 204 - 205. (¬3) ساقطة من (د). (¬4) في (د، م): ربه. (¬5) في (س): قبله، وفي بقية النسخ: قيل. والمثبت من "التلخيص الحبير". (¬6) "التلخيص الحبير" 1/ 275 - 276. (¬7) في (د، م): أخرم. (¬8) في (ص، ل، م، د): عاث. والمثبت من "الكامل"، و"الإكمال" 6/ 135. (¬9) "الكامل" 1/ 403. (¬10) "الضعفاء والمتروكون" للنسائي (65).

وفي البَاب حَديث مرسَل أخرجَه سَعيد بن منصُور عن الوَليد، عن سَعيد بن سنان (¬1) عن أبي الزاهرية (¬2) عن جبير بن نفير (¬3) قال: كان رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا توضأ خلل أصَابعه ولحيته وكانَ أصحابه إذا توضَّؤوا خلَّلوا لحَاهُم (¬4). (وَقَالَ: هَكَذا أَمَرَنِي رَبِّي عزَّ وجلَّ) يستدلّ به على وجوب التخليل، وبه قال المزني (¬5) ورواه ابن كج (¬6) عن بَعض الأصحَاب والصَّحيح عَدَم الوجوب؛ لأنه لم يأمُر به الأعرابي في الحَديث المتقدم. * * * ¬

_ (¬1) في (د، م): يسار. (¬2) كذا في النسخ الخطية، وفي "التلخيص الحبير" 1/ 152. الظاهرية. وكذا في "نظم المتناثر" (ص 56). (¬3) في النسخ: جبير. والمثبت من "التلخيص الحبير". (¬4) كذا ذكره ابن حجر في "تلخيص الحبير" 1/ 152. (¬5) "مختصر المزني" المطبوع مع "الأم" 8/ 4. (¬6) في (ص، م، ل): حج. والمثبت من "المجموع" 1/ 425، و"الشرح الكبير" 1/ 131.

57 - باب المسح على العمامة

57 - باب المَسْحِ عَلى العمامَةِ 146 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ راشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ ثَوْبانَ قالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَرِيَّةً فَأَصابَهُم البَرْدُ، فَلَمّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى العَصائِبِ والتَّساخِينِ (¬1). 147 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، حَدَّثَنِي مُعاوِيَةُ بْنُ صالِحٍ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَن أَبي مَعْقِلٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قال: رأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَوَضَّأُ وَعَلَيْهِ عِمامَةٌ قِطْرِيَّةٌ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ مِنْ تَحْتِ العِمامَةِ فَمَسَحَ فقَدَّمَ رَأْسهِ، وَلَمْ يَنْقُضِ العِمامَةَ (¬2). * * * باب المسح على العمامة [146] (ثَنا أَحْمَدُ بْنِ حَنْبَلٍ) قال: (ثَنا يَحْيَى (¬3) بْنُ سَعِيدٍ) بن أبان، الأمَوي الحَافظ (عَنْ ثَوْرٍ) بن يزيد، أخرجَ له البخاري (عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ) الحِمْصي ثقة (¬4) (عَنْ ثَوْبَانَ) السّروي مولى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - (قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - سَرِيَّةً) أي: قطعة من الجيش، فعيلة بمَعنى فاعلة سُميت بذلك؛ لأنها تسري (¬5) في خفية (فَأَصَابَهُمُ البَرْدُ) بإسْكان الرَّاء يعني: الشديد (فَلَمّا قَدِمُوا ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 277، والبيهقي 1/ 62. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (134). (¬2) رواه ابن ماجه (564)، والحاكم 1/ 169، والبيهقي 1/ 60 - 61. وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (19). (¬3) كتب فوقها في (د، ل): ع. (¬4) كتب فوقها في (د، ل): ع. (¬5) في (ص، س، ل): تسراي.

عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى العَصَائِبِ) (¬1). قال أبُو عبيَد (¬2): العَصَائب: العَمائم، سُميَت بذَلك؛ لأن الرأس تُعصب بهِ (¬3) فكُلّ ما عصَّبتَ بهِ رَأسَك من عمامة أو منديل أو عصَابة [فهو عصَابة] (¬4) استدلَّ به على جوَاز الاقتصَار على مسْح العمامة مِن غَير أن يمسَح شيئًا مِن رأسه. قال ابن المنذر (¬5): وممن مسَحَ على العمامة أبُو بَكر الصديق، وبه قال عُمر وأنَس وأبُو أمَامَة، وروي عن سعد بن مَالك وأبي الدرداء، وبه قال عمر بن عبد العزيز والحسن وقتادة ومكحول والأوزاعي، وأبو ثور، وابن المنذر. وروى الخلال بإسْنَاده عن عُمرَ - رضي الله عنه - أنهُ قالَ: من لم يُطهرهُ المسح على العمامة فلا طهرهُ الله تَعالى (¬6). لأنه حَائل في (¬7) محل ورد الشرع بمَسْحه فجاز المَسْح عليه كالخفين؛ ولأن الرأس عضو يسقط فرضه في التيمم فجاز المَسْح على حائله كالقدمين. والآية لا تنفي المَسْح على العمامَة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - مُبين لكلام الله مُفَسر لهُ، وقد مَسَحَ على العمامة وأمر بالمسح عليها، وهذا يدُل على أن المراد بالآية المسح على الرأس وحائله. ¬

_ (¬1) كتب عندها في (د، م) حاشية: حديث منقطع. (¬2) "غريب الحديث" 1/ 188. (¬3) في (د): بها. (¬4) سقطت من (م). (¬5) "الأوسط" 1/ 467 - 469. (¬6) رواه ابن حزم في "المحلى" 2/ 60. (¬7) سقط من "الأصول الخطية"، والمثبت من "المغني" 1/ 380.

واشترط لجَواز المسح عليها أن تكون ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العَادة بكشفه كمقدم الرأس والأذنَين وشبههما (¬1) مِنْ جَوَانب الرأس؛ لمشقة التحرز عنه ومن شَرط جَوَاز المسح عَليها أن يكون على صفة عمائم المُسْلمين. إما بأن يَكون تحت الحَنَك منها شيء؛ لأن هذِه عَمائم العَرب وهي أكثَر سترًا من غيرها ويشق نزعها فيجوز المسح عليها سواء كانت لها ذؤابة أو لم يكن، وإن لم يكن تَحتَ الحَنَك منها شيء ولا لها ذؤابة لم يجز المسح عليها؛ لأنها على صفة عَمائم أهْل الذمة ولا يشق نزعهَا. وروي أن عمر رأى رجلًا ليسَ تحت حنكه من عمامته شيء فحنكهُ بكور منها، وقالَ: ما هذِه الفاسقية؟ (¬2) فامتنع المسْح [عليها للنهي عنها] (¬3)، وإن نزع العمامَة بَعد المسْح عَليها بطلت طَهَارَته نص عليه أحمد (¬4) وكذَلك إن انكشف رأسهُ إلا أن يكونَ يَسيرًا مثل أن حَك رَأسَهُ أو رفعها لأجل الوضوء فلا بأسَ، وإن انتقضت العمامة بَعد مَسْحها بَطلت طَهَارته؛ لأن ذلك بمنزلة نزعها. قال القاضي: لو انتقض منها كور واحد بطلت (¬5). واختلف في وجوب استيعاب العمامة بالمسح والأظهر عند أحمد وجُوبه (¬6)؛ لأن ¬

_ (¬1) في (م): شبهها. (¬2) سقطت من (م). (¬3) في (ص): يجب. (¬4) "مسائل الإمام أحمد برواية صالح" (115)، وفيه رواية أخرى عن أحمد أنه يلزمه مسح رأسه. انظر "المغني" 1/ 368. (¬5) "المغني" 1/ 382. (¬6) "المغني" 1/ 382.

مَسْح العمامة بدَل فيقدر بقدر المبدل والأظهر (¬1) وجُوب استيعَاب الرأس بالمسح فكذا العمامة كقراءة غَير الفَاتحة مِنَ القرآن بَدلًا مِنَ الفَاتحة يجبُ أن يكون بقَدرها، والتوقيت في مَسْح العمامة كالتوقيت في مسح الخُف؛ لأن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - كانَ يمسَح على الخفين والعمامة ثلاثة (¬2) في السَّفر ويومًا وليلة للمقيم. رواهُ الخلال بإسناده إلا أنه من رواية شهر بن حوشب. والعمامة المحَرمة كعمامة الحَرير والمغصُوبة لا يجوز المَسْح عليها، وإن لبسَت المرأة العمامة (¬3) لم يَجُز المَسْح عليها؛ لأنها منهية عن التشبه بالرجال فكانت مُحرمة في حَقها، وإن كانَ لها عذر فهذا يندر فلم يرتبط الحكم به (¬4). وأما على مذهَب الشافِعي (¬5) فلا يجوز الاقتصَار على مسح العمامة بلا خلاف عند أصحَابه وحكاهُ الماوردي (¬6) عن أكثر العُلماء وأجَابُوا عن هذا الحَديث وما في معناه بأن هذِه الرواية وقَع فيها اختصار والمراد به مَسْح الناصية والعمامة لتكمل سُنة الاستيعَاب ويدل عليه الحَديث الآتي بَعده وحديث المغيرة أن النّبي - صلى الله عليه وسلم - مَسَحَ على الخُفين وناصيته وعلى العمامة. قال البيهقي: إسَناد هذِه الروَاية إسْنَاد حَسَن (¬7). فَإن قيل كيفَ يظن بالراوي حَذف مثل هذا؟ والجَوَابُ أن الأحَاديث ¬

_ (¬1) سقطت من (م). (¬2) في (ص، س، ل) ثلاثًا. (¬3) في (د، م): عمامة. (¬4) "المغني" 1/ 382 - 383. (¬5) "الأم" 1/ 79. (¬6) "الحاوي" 1/ 119. (¬7) "السنن الكبرى" 1/ 62.

الصحيحَة جَاءت بِمَسْح الناصيَة مَعَ العمامَة وفي بَعضها مسح العمامَة ولم يَذكر الناصيَة فَكان مُحتَملًا لموَافقة الأحَاديث البَاقية، وإنما حَذف بَعض الرواة ذكر الناصيَة؛ لأن مَسْحَها كانَ مَعْلومًا عندَهم. (والتَّسَاخِينِ) بفَتح التاء المثناة فوق والسِّين المهملة المخففة وبالخاء المعجمة، وهي الخفاف، ويقالُ: أصْل ذَلك كل ما يُسَخَّنُ به القدَم مِنْ خُفّ وجَورب ونَحوهما ولا واحد للتسَاخين من لفظهَا، وقيل: واحدُها تسخَان وتسخين (¬1)، هَكذا ذكر في كتب اللغَة والغريب. وذكر حَمزة الأصبهاني أن التسخان فارسي مُعرب، وهو اسم غطاء من أغطية الرأس كان العُلماء والموَابدة يأخُذونه على رؤوسهم خَاصَّة دُون غَيرهم. قالَ: وجَاء ذكر التَّسَاخين في الحَديث فقال: من تعاطى تفسيره هو الخفّ حَيث لم نعَلم (¬2) فارِسيته (¬3). وقد استدل به على المسْح على الخفاف كما سَيَأتي ويستدل به على عَدم التَّوقيت في المَسْح عليها كما سَيَأتي. [147] (ثَنا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ) الطبري الحافظ المصري، كانَ جَامعًا يحفظ ويَعرف الفقه والنحو والحَديث، كتَب عن ابن وهب خَمسين ألف حَديث وهو شَيخ البخَاري (¬4). ¬

_ (¬1) كذا هنا وفي "النهاية" 1/ 189، 2/ 352 وفي باقي كتب اللغة والغريب: تَسْخَن على وزن جَعْفَر. انظر "العين" 4/ 332 (تسخن)، و"تهذيب اللغة" 7/ 82. (¬2) في (د، س): تعلم. (¬3) "النهاية" (سخن). (¬4) في (د، س): تعلم.

قال (ثَنَا) عبد الله (ابْنُ وَهْب) قال: (حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ) الحَضرمي قاضي الأندَلس أخرج لهُ مُسْلم (عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ مُسْلِمٍ) المَدَني لهُ مُتَابعَة في مُسْلم (عَن أَبِي مَعْقِلٍ) بفتح الميم وسُكون المهملة ثم قاف مَكسُورة. ذكرهُ ابن عبد البر ممن لم يذكر له اسم سِوى كنيَته (¬1) وهو مجهول وليسَ بالقسملي (¬2). (عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قال: رأيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَتَوَضَّأُ وَعَلَيهِ عِمَامَةٌ قِطْرِيَّةٌ) بِكسْر القاف وإسْكان الطَّاء المهملة، وهي ثياب حُمر لهَا (¬3) أعلام فيها بَعض الخشُونة، وهي ضَرْب مِنَ البرود يُقَالُ لها: القطريَّة. وقيل: هي حُلل جيَاد (¬4) تحمل من قِبَل البَحرين مَوضع بين (¬5) عمان (¬6) وسَيف البحر قالهُ الأزهري (¬7) ويُقالُ لتِلك القرية: قطر بفتح القاف والطاء، فَلما دَخَلت عَليها يَاء النسب (¬8) كسروا القَاف وخففوا الطَّاء، وفيه دليل على جَواز لبس العمامة التي لها عَلم أحمرَ أو (¬9) أسْود أو غَيرهما مِنَ الألوَان لا الأصْفر والأزرَق فإنه صارَ علمًا لأهل الكتَاب. (فَأدْخَلَ يَدَيه مِنْ تَحْتِ العِمَامَةِ) يَعني: كفيه، وفيه دليل على فضيلة ¬

_ (¬1) "الاستغناء" 2/ 1305 (1871). (¬2) في (د): النبهلي. (¬3) في (د، م): بها. (¬4) في (د، م): حاذ. (¬5) في (ص، س): بيت. (¬6) زاد في (م): قبل. (¬7) "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" 1/ 116. (¬8) في (ص): النصب. (¬9) في (م): و.

مَسْح الرأس بالكفَّين جَميعًا لا بأحدهما، وأنه لا يحتاج في رَفع العِمامَة أن يَرفعها عند المَسْح أصْلًا بل يدْخل يَدَيه من تحتها وهي على رَأسه (فَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ وَلَمْ يَنْقُضِ العِمَامَةَ) قالَ ابن حجر: فيه دليل على الاجتزاء بالمسْح على الناصية (¬1). وقد نقل عن سَلمة بن الأكوع أنهُ كَانَ يمسَح مُقَدم رَأسه، وابن عمر (¬2) مسح اليافوخ، وممن قال بمسح البَعض الحَسَن، والثوري، والأوزَاعي، والشافعي (¬3)، وأصحَاب الرأي (¬4) إلا أن الظاهِر عن أحمد في حق الرجل وجُوب الاستيعَاب، وأن المرأة يُجزئها مَسْح مقدم رَأسهَا. قال أبُو الحارث: قلت لأحمدَ؛ فإن مَسَحَ برَأسه وترك بَعضه؟ قال: يُجزئه، ثم قال: ومن يمكنه أن يَأتي على الرأس كله؟ (¬5). وفيه دليل على أن من اقتصرَ على بَعض رأسِه، فالأفضل أن يقتصر على مُقدمه، كما أن الأفضل لمن استوعبه بالمَسْح أن يَبْدَأ بمقدمه، وقيْلَ: الابتداء بالمقَدم منه سُنة. * * * ¬

_ (¬1) "التلخيص الحبير" 1/ 222. (¬2) زاد في (ص). كان. (¬3) "الأم" 1/ 78 - 79. (¬4) انظر: "المبسوط" للسرخسي 1/ 78، 180. (¬5) "المغني" 1/ 175 - 176.

58 - باب غسل الرجلين

58 - باب غَسْلِ الرِّجْلَيْن 148 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ، حَدَّثَنا ابن لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبلِيِّ، عَنِ المُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدّادٍ، قال: رأيْتُ رَسُولَ - صلى الله عليه وسلم - إِذا تَوَضَّأَ يَدْلُكُ أَصابع رِجْلَيْهِ بِخِنْصَرِهِ (¬1). * * * باب غَسْلِ الرِّجْل [148] (ثَنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ) أبُو رَجَاء البَلخي، قال: (ثَنَا) عبد الله (ابْنُ لَهِيعَةَ) بفتح اللام الحَضرمي الفقيه قَاضِي مصر. قال أبو داود: سَمعتُ أحمدَ بن حنبَل يقول: من كانَ مثل ابن لهيعَة بِمصْر في كثرة حَديثه وضَبْطِه وإتقانه (¬2). توفي سنة 174. (عَنْ يَزِيدَ) يزيد (¬3) من الزيادة (بْنِ عَمْرٍو) (¬4) المعافري صدُوق (¬5). (عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) عَبد الله بن يزيد (الحُبْلِيِّ) بضَم الحَاء المهملة، وإسْكان الموحَّدة، أخرجَ لهُ مُسلم في مَوَاضِع. (عَنِ المُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادِ) الفهري (¬6) نزيل الكُوفة الصَّحَابي كأبيه (¬7) شَداد بن عمرو (قال: رأيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذا تَوَضَّأ يَدْلُكُ) وفي رواية ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (40)، وابن ماجه (446)، وأحمد 4/ 229. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (135). (¬2) "سؤالات أبي داود للإمام أحمد" ترجمة (256). (¬3) من (د). (¬4) كتب فوقها في (د): د. (¬5) "الكاشف" للذهبي 3/ 284. (¬6) في (م): المهري. (¬7) في (ص، م): كاتبه. والمثبت من "تهذيب الكمال" (5897).

لابن ماجه (¬1): يخلل. بَدَل: يدلك. وهي مُفَسرة لمعناهَا، وفي إسْنَاده أيضًا ابن لهيعة، لكنْ تَابعَهُ الليث بن سَعد وعَمرو بن الحَارث، كما أخرجهُ البيهقي (¬2) وأبو بشر الدولابي والدَارقطني في "غرائب مَالك" من طريق ابن وهب عن الثلاثة، وصححه ابن القَطان (¬3). (أَصَابع رِجْلَيهِ بِخِنْصَرِهِ) وروى الدارقطني عَن عُثمان أنهُ خَلَّل أصَابع قدمَيه ثلاثًا، وقال: رأيت رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل كما فعلت (¬4). قال إمَام الحرمَين في "النهاية": صَح في السُّنة كيفية التخليل ما سَنصفهُ (¬5) فليقع التخليل من أسْفَل الأصَابع، والبدأة بالخنصَر مِنَ اليَد (¬6). ولم يثبت عندهم في تعيين إحدى اليَدين شيء فاقتضى كلامه أن البدأة بالخِنصَر صَحيح، وفي "البَسيط" للغَزالي أن مُستندهم في تعيين اليُسرى -يعني: التخليل بهَا - الاستنجاء. قال الغزالي (¬7) وغَيره: يخلل باليَد اليُسرى مِنْ أسفل أصابع الرجْل اليُمنى، ويَبدأ بالخنصر مِنَ الرجْل اليُمنى ويختم بالخنصر من اليُسرى. قال الرافعي (¬8): يخلل بخنصر اليُسرى من يده. واختار النووي (¬9) التخليل بأصَابع اليد سَوَاء (¬10). * * * ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (446). (¬2) "السنن الكبرى" 1/ 124. (¬3) "بيان الوهم والإيهام" 5/ 264 - 265. (¬4) "سنن الدارقطني" 1/ 86. (¬5) في (ص): سيضعه. وفي (م): نستضعفه. (¬6) "نهاية المطلب" 1/ 85 باختصار. (¬7) "إحياء علوم الدين" 1/ 259. (¬8) "الشرح الكبير" 1/ 130. (¬9) في (م): الثوري. (¬10) "المجموع" 1/ 425.

59 - باب المسح على الخفين

59 - باب المَسْحِ على الخفَّيْن 149 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْن يَزِيدَ، عَنِ ابن شِهابٍ، حَدَّثَنِي عَبّادُ بْنُ زِيادٍ، أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ المُغِيرة بْنِ شُعْبَةَ أَخْبَرَهُ، أنَّه سَمِعَ أَباهُ المُغِيرَةَ يَقول: عَدَلَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنا مَعَهُ فِي غَزْوَة تَبُوكَ قَبْلَ الفَجْرِ، فَعَدَلْتُ مَعَهُ، فَأَناخَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَتَبَرَّزَ، ثُمَّ جاءَ فَسَكَبْتُ عَلَى يَدِهِ مِنَ الإِداوَة، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ، ثمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ، ثمَّ حَسَرَ عَنْ ذِراعَيْهِ فَضاقَ كُمّا جُبَّتِهِ، فَأَدْخَلَ يَدَيْهِ فَأَخْرَجَهُما مِنْ تَحْتِ الجُبَّةِ، فَغَسَلَهُما إِلَى الِمرفَقِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثمَّ تَوَضَّأَ عَلَى خُفَّيْهِ، ثمَّ رَكِبَ، فَأَقْبَلْنا نَسِير حَتَّى نَجِدَ النّاسَ فِي الصَّلاةِ قَدْ قَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، فَصَلَّى بِهِمْ حِينَ كانَ وَقْتُ الصَّلاةِ، وَوَجَدْنا عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَقَدْ رَكَعَ بِهِمْ رَكْعَةً مِنْ صَلاةِ الفَجْرِ، فَقامَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَصَفَّ مَع المُسْلِمِينَ، فَصَلَّى وَراءَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الرَّكْعَةَ الثّانِيَةَ، ثُمَّ سَلَّمَ عَبْد الرَّحْمَنِ، فَقامَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي صَلاتِهِ، فَفَزِعَ المُسْلِمونَ، فَأكثَروا التَّسْبِيحَ، لأنَّهمْ سَبَقُوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِالصَّلاةِ، فَلَمّا سَلَّمَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ لَهُمْ: "قَدْ أَصَبْتُمْ" أَوْ: "قَدْ أَحْسَنْتُمْ" (¬1). 150 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، يَعْنِي ابن سَعِيدٍ (ح) حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا المُعْتَمِرُ، عَنِ التَّيْمِيِّ، حَدَّثَنا بَكْرٌ، عَنِ الحَسَنِ، عَنِ ابن المُغِيرَة بْنِ شُعْبَةَ، عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ وَمَسَحَ ناصِيَتَهُ، وَذَكَرَ: فَوْقَ العِمامَةِ. قالَ: عَنِ المُعْتَمِرِ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ الحَسَنِ، عَنِ ابن المُغِيرة بْنِ شُعْبَةَ، عَنِ المُغِيرة أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَمْسَحُ عَلَى الخفَّيْنِ وَعَلَى ناصِيَتِهِ وَعَلَى عِمامَتِهِ. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (182، 203، 206، 363، 388، 2918، 4421، 5798، 5799)، ومسلم (274) مختصرا، ورواه بتمامه (274/ 105). وسيأتي مختصرا بالأرقام (150، 151، 152، 165).

قالَ بَكْرٌ: وَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنَ ابن المُغِيرَة (¬1). 151 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ الشَّعْبِيِّ قالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ المُغِيرَة بْنِ شُعْبَةَ يَذْكُرُ عَنْ أَبِيهِ، قالَ: كنّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في رَكْبِهِ وَمَعِي إِداوَةٌ، فَخَرَجَ لحِاجَتِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ فَتَلَقَّيْتُهُ بِالإِداوَة، فَأَفْرَغْتُ عَلَيْهِ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ، ثُمَّ أَرادَ أَنْ يُخْرِجَ ذِراعَيْهِ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ مِنْ جِبابِ الرّومِ ضَيِّقَة الكُمَّيْنِ، فَضاقَتْ، فادَّرَعهما ادِّراعًا، ثُمَّ أَهْوَيتُ إِلَى الخُفَّيْنِ لأنْزِعهما، فَقالَ لِي: "دَعِ الخُفَّيْنِ؛ فَإِنِّي أَدْخَلْتُ القَدَمَيْنِ الخُفَّيْنِ وَهُما طاهِرَتان "فَمَسَحَ عَلَيْهِما. قالَ أَبِي: قالَ الشَّعْبِيُّ: شَهِدَ لي عُروَةُ عَلَى أَبِيهِ، وَشَهِدَ أَبوهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬2). 152 - حَدَّثَنا هُدْبَةُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا هَمّامٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنِ الحسَنِ، وَعَنْ زُرارَةَ بْنِ أَوْفَى، أَنَّ المغِيرَةَ بْنَ شعْبَةَ قالَ: تَخَلَّفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرَ هذِه القِصَّةَ، قالَ: فَأتَيْنا النّاسَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يُصَلِّي بِهِمُ الصُّبْحَ، فَلَمّا رَأى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أرادَ أَنْ يَتَأَخَّرَ، فَأوْمَأ إِلَيْهِ أَنْ يَمْضِيَ، قالَ: فَصَلَّيْتُ أَنا والنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَلْفَهُ رَكْعَةً، فَلَمّا سَلَّمَ قامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى الرَّكْعَةَ التِي سُبِقَ بِها وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْها شَيْئًا. قالَ أَبُو داودَ: أَبو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ وابْن الزُّبَيْرِ وابْنُ عُمَرَ يَقُولُونَ: مَنْ أَدْرَكَ الفَردَ مِنَ الصَّلاةِ عَلَيْهِ سَجْدَتا السَّهْوِ (¬3). 153 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعاذٍ، حَدَّثَنا أَبِي، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ - يَعْنِي: ابن حَفْصِ بْنِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ - سَمِعَ أَبا عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ أنَّه شَهِدَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ يَسألُ بِلالًا عَنْ وضُوءِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقالَ: كانَ يَخْرُجُ يَقْضِي حاجَتَهُ فَآتِيهِ بِالماءِ فَيَتَوَضَّأُ وَيَمْسَحُ عَلَى عِمامَتِهِ وَمُوقَيْهِ. ¬

_ (¬1) انظر السابق. (¬2) انظر ما سلف برقم (149). (¬3) انظر ما سلف برقم (149).

قالَ أَبو داودَ: هوَ أَبو عَبْدِ اللهِ مَوْلَى بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ (¬1). 154 - حَدَّثَنا عَلِيُّ بْن الحُسَيْنِ الدِّرْهَمِيُّ، حَدَّثَنا ابن داودَ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عامِرٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، أَنَّ جَرِيرًا بالَ ثمَّ تَوَضَّأَ فَمَسَحَ عَلَى الخفَّيْنِ، وقالَ: ما يَمْنَعُنِي أَنْ أَمْسَحَ وَقَدْ رَأَيْت رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يمْسَحُ. قالوا: إِنَّما كانَ ذَلِكَ قَبْلَ نزولِ المائِدَةِ. قالَ: ما أَسْلَمْتُ إلَّا بَعْدَ نُزولِ المائِدَةِ (¬2). 155 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَأَحْمَد بْن أَبِي شُعَيْبٍ الحرّانِيُّ قالا: حَدَّثَنا وَكِيعٌ، حَدَّثَنا دَلْهَم بْنُ صالِحٍ، عَنْ حُجَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابن بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّجاشِيَّ أَهْدى إِلَى رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خُفَّيْنِ أَسْوَدَيْنِ ساذَجَيْنِ، فَلَبِسَهُما، ثُمَّ تَوَضَّأ وَمَسَحَ عَلَيْهِما. قالَ مُسَدَّدٌ: عَنْ دَلْهَمِ بْنِ صالِحٍ. قالَ أَبُو داودَ: هذا مِمّا تَفَرَّدَ بِهِ أَهْل البَصْرَةِ (¬3). 156 - حَدَّثَنا أَحْمَد بْنُ يونُسَ، حَدَّثَنا ابن حَى - هُوَ الحسَن بْنُ صالِحٍ - عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عامِرٍ البَجَلِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ، عَنِ المغِيرَة بْنِ شعْبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 13، ابن أبي شيبة 2/ 264 (1941)، والطبراني 1/ 359 - 360 (1100)، (1101)، والحاكم 1/ 170، والبيهقي 1/ 288 - 289. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (142). ورواه مسلم (275) من طريق كعب بن عجرة عن بلال أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسح على الخفين والخمار. (¬2) رواه البخاري (387)، ومسلم (272) من طريق إبراهيم النخعي عن همام بن الحارث عن جرير به دون ذكر قول جرير: (ما أسلمت إلا بعد نزول المائدة)، لكن في رواية البخاري: قال إبراهيم: فكان يعجبهم؛ لأن جريرا كان من آخر من أسلم. وفي رواية مسلم: قال إبراهيم: كان يعجبهم هذا الحديث؛ لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة. لكن ورد قول جرير هذا في رواية الترمذي (94). (¬3) رواه الترمذي (2820)، وابن ماجه (549)، (3620)، وأحمد 5/ 352. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (144).

مَسَحَ عَلَى الخُفَّيْنِ، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ أَنَسِيتَ؟ قالَ: "بَلْ أَنْتَ نَسِيتَ، بهذا أَمَرَنِي رَبِّي" (¬1). * * * باب المسح على الخفين [149] (ثَنا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ) قال: (ثَنا عَبْدُ الله بْنُ وَهْبٍ) قال: (أَخْبَرَنِي يُونُسُ (¬2) بْنُ يَزِيدَ) الأيلي، مَات سنة 159 (عَن) محمد (ابْنِ شِهَابٍ) الزهري قال: (حَدَّثَنِي عَبَّادُ بْنُ زِيَادٍ) ابن أبيه أخو عَبيد الله، أخرج له مُسلم ومَالك في "الموطأ" وقال فيه: عَن عبَاد بن زيَاد وهو من ولد المغيرة بن شعبة (¬3). قيل: إن مَالكا وهِمَ في هذا السَّنَد (¬4) (أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ المغيرة (¬5) بْنِ شُعْبَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ المُغِيرَةَ) بْنِ شُعْبَةَ - رضي الله عنه - (يَقُولُ (¬6): عَدَلَ) بفتح المهملتين أي: مَال عَن الطريق وانحرف عَنها. ولفظ رواية "الموطأ" (¬7): أن رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَهب لحَاجته وذهبت معهُ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 246، 253، والحاكم 1/ 170. وقال الألباني في "ضعيف أبي داود" (20): إسناده ضعيف من أجل بكير، والحديث في الصحيحين وغيرهما، دون قوله: فقلت ... إلخ. فهذِه الزيادة منكرة. (¬2) كتب فوقها في (د): ع. (¬3) "الموطأ" 1/ 35. (¬4) "تاريخ دمشق" لابن عساكر 26/ 228، "تهذيب الكمال" 14/ 119 (3078). (¬5) سقطت من (س). (¬6) سقط من (د). (¬7) "الموطأ" 1/ 35.

بماء، فيه دليل على أن المَاشي في الطريق إذا أرَادَ قضاء الحَاجة أن يَنحرف عن الطريق والأيسَر أولى من الأيمن (رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1) وَأَنا مَعَهُ) فيه ذهَاب التلميذ مع أستاذه ومُعلمه إذا ذَهب لقضَاء حَاجَته أن يذهبَ معهُ بماء الوضُوء يحملهُ معهُ، وإن احتاج إلى أحجار يستجمر بها فيناوله (فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ). قال في "الاستذكار": فيه من العلم ضروب منها: خروج الإمَام بنَفسه في الغزو لجهَاد (¬2) العَدُو، وكانَت تلك غَزوَة تَبوك آخِر غَزوة غزاها رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - بَنَفسه، وذلك في سَنة تسع مِنَ الهجرة، وهي الغَزوة المعرُوفة بغزوة (¬3) العسرة. قال ابن إسحاق: خرج رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى تبوك فصَالحَهُ أهل أيلة، وكَتَب لهُم كتابًا، وفيه أدب الخَلاء والبُعد عن الناس (¬4). (قَبْلَ الفَجْرِ) فيه فَضيلة الوضوء قبل دُخول (¬5) الوقت (فَعَدَلْتُ مَعَهُ). قال ابن عبد البر (¬6): في الآثار كلها إن الإدَاوَة كانت مع المغيرة، وليس في شيء منها أنه ناوَلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَذَهب بها، ثم لما انصرف ردها إليه قال: وفي حَديث الشعبي عَن عُروة بن المغيرة عن أبيه: فخرجَ لحاجَته ثم أقبل فلقيته بالإدَاوَة. ¬

_ (¬1) سقط من (د، م). (¬2) في (ص): ولجهاد. (¬3) في (ص): بعسرة. (¬4) "الاستذكار" 2/ 229 - 231. (¬5) سقط من (د). (¬6) "الاستذكار" 2/ 232.

(فَأناخَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -) يَدل على أنه لما عَدَل عن الطريق كان راكبًا على راحلته؛ لتكون بالقرب منه إذا نزل عنها (¬1) (فَتَبَرَّزَ) يكنى به عن الغائط، فيُقال: تبرز كما يُقال: تغوط، وأصْل البراز: الفَضَاء الوَاسِع. (ثُمَّ جَاءَ فَسَكَبْتُ) قال في "الاستذكار": استدل به من تقدم من أصحابنا على (¬2) جَواز الاستنجاء بالأحجار مع وجُود الماء مع كثرة الأحجار، فإن صَح أن رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - استنجى بالماء يومئذ، من نقل من يقبل نقله، وإلا فالاستدلال صَحيح، بأنَّ في هذا الحَديث ترك الاستنجاء بالماء والعدُول عنه إلى الأحجار مع وجُود الماء، وأي الأمرين كانَ؛ فإن الفقهاء اليوم مجمعُون على أن الاستنجاء بالماء أطيب وأطهرَ، وأن الأحجار رخصَة وتوسعة، وأنَّ الاستنجاء جَائز في السَّفر والحَضَر (¬3). (عَلَى يَدِهِ) فيه جواز الاستعانة في الوضوء بصب الماء على المتوضئ. (مِنَ الإِدَاوَةِ) بكسر الهمزة وتخفيف الدَّال المهملة، وهي آنية الماء كالمطهرة وجمعَها أداوى مثل مطايا. قال في "النهَاية": هو إناء صغير من جلد يُتخذ للماء كالسَّطيحة ونَحوهَا (¬4). (فَغَسَلَ كفَّيهِ) ثلاثًا (ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ) ثلاثًا (ثُمَّ حَسَرَ) أي: كشف، ¬

_ (¬1) في (ص): عليها. (¬2) من (د، م). (¬3) "الاستذكار" 2/ 232 - 233. (¬4) "النهاية" (أد ا).

يشبه أن يَكون المراد: ثم أرَادَ أن يكشف (عَنْ ذِرَاعَيهِ) ليغسلهما (فَضَاقَ كُمّا جُبَّتِهِ) فيه فَضيلة لبس الضيق مِنَ الثياب والأكمام. قال ابن عَبد البر: ينبغي أن يكونَ ذلك في الغَزو مُستحبًّا لما في ذَلك مِنَ التأهب والاستنان (¬1) والتأسي بَرسُول الله - صلى الله عليه وسلم - في لباسه مثل ذلك في السَّفر قَال: وليس به بَأس عندي في الحضَر؛ لأنه لم يوقف (¬2) على أن ذلك لا يكون إلا في السَّفر (¬3). قال ابن عَطية (¬4): في تفسير قوله تعَالي: {اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} (¬5) أن الجَيب فتح الجبة مِنَ حَيث يخرج رَأس الإنسَان، وروي أن كم الجبة كانَ في غاية الضيق، فلم يكن لهُ جَيب (¬6) يدخل يده فيه إلا مِن جيبه، فهذا مَعَ ما في هذا الحَديث يَدلك على أن لبس (¬7) الكم الضيق مِنَ الثياب سُنة متبعَة في شريعة مُوسى عليه السَّلام، ثم (¬8) في شريعتنا وشريعة ثابتة فيهما، فينبغي المحَافظة عليها والتمسك بهَا، وهذا هو (¬9) اللائق بالتوسُّط في الأُمور وذَم السَّرف في اتسَاع الثياب، والفقهاء أولى بذَلك في اتباع هذِه السُّنة، وذكر ابن وهب في "جَامعه" أن أمير ¬

_ (¬1) في (ص): والإنشمار. (¬2) في (ص، س): يوثق. (¬3) "الاستذكار" 2/ 233. (¬4) "المحرر الوجيز" 4/ 251. (¬5) القصص: 32. (¬6) كلمة غير مقروءة في (م). (¬7) من (د، م). (¬8) سقط من (م). (¬9) في (ص، س، ل) من.

المؤمنين رأى بَعض الوافدين عليه طويل الكم فأمَر أن يقطع منه ما جَاوَز أطراف أصابع يَديه. قال ابن عَطية (¬1): وكانَ من بغي قارون أنه زَادَ في ثيابه شبرًا على ثياب الناس، قاله شهر بن حوشب. وذكر الإمام في تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا} (¬2) قيل لبعضهم: ما اللباس الذي لا سَرَف فيه؟ فقال: ما سَتر عورتك (¬3). وقالَ عُمر - رضي الله عنه -: لو شئت لبستُ الملابس الفَاخِرَة، وأكلتُ المآكل الطيبَة وأنا أقدَركم على ذَلك، ولكن خشيتُ أن أكون ممن قال الله (¬4) فيهم: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} (¬5) (¬6). ([فأدخل يديه] (¬7) فَأَخْرَجَهُما مِنْ تَحْتِ الجُبَّةِ) الجبة من الملابس معروفة، جَمعها جِبَاب وجبب (¬8) مثل برمة وبَرام وبُرم (فَغَسَلَهُمَا) فيه أن العَمل الذي لا طول فيه جَائز أن يعمل بين أثناء الوضوء لمن اضطر إليه، ولا يلزم مع ذلك استئناف الوضوء، وذلك إذا كانَ من أسبَاب الوضوء كاستقاء (¬9) الماء ونزع الخُف والثوب ونحو ذلك، وإذا ¬

_ (¬1) "المحرر الوجيز" لابن عطية 4/ 298. (¬2) الفرقان: 67. (¬3) انظر: "تفسير الخازن" 3/ 318. (¬4) من (د، م). (¬5) الأحقاف: 20. (¬6) رواه ابن المبارك في "الزهد" ص 204. (¬7) من (م). (¬8) في (ص، س، ل، م) وجباب. (¬9) في (م): كاستيفاء.

كانَ العَمل اليَسير في الصَّلاة لا يقطعها فهو أحرى أن لا يقطع الوضوء. (إِلَى المِرْفَقِ) (¬1) أي: مَعَ المرفق ثَلاثًا (وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ) مرة أو ثلاثًا كما تقدم (ثُمَّ تَوَضَّأ) أي: مَسَحَ (عَلَى خُفَّيهِ) كما في رواية "الموَطأ" وغيرهَا. قالَ في "الاستذكار": فيه دَليل على الحكم (¬2) الجليل (¬3) الذي فرق بَين أهل السُّنة وأهل البدَع، وهو المَسْح على الخُفَّين الذي لا ينكرهُ إلا مُبتدَع خَارج عَن جَمَاعة المُسلمين. أهل الفقه والأثر لا خلاف بينهم في ذلك بالحجاز والعراق والشام وسَائر البلدان، إلا قوم (¬4) ابتَدعُوا وأنكرُوا المَسْح على الخُفين، وقالوا: إنهُ خلاف القرآن وعسى (¬5) القرآن نسخه، ومَعَاذ الله أن يخالف رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - كتاب ربه الذي جاء به، قال الله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ} (¬6). والقائلون بالمَسْح على الخُفين هم الجَم الغَفير والعَدَد الكثير الذي لا يجوز عليهم الغَلط ولا التوَاطؤ وهم جُمهور الصَّحابة والتابعين وفقهاء المُسلمين، وقد رُوي عن مَالك إنكار المسح على الخُفين في الحَضَر ¬

_ (¬1) في (ل، م): المرافق. (¬2) من (د، م). (¬3) في (ر): مسح الخفين. (¬4) في (م): يوم. (¬5) في "الاستذكار": عمل. (¬6) النساء: 65.

[وهي رواية أنكرها أكثر القائلين بقوله] (¬1) والروَايَات عنهُ بإجَازة المَسْح [على الخفين] (¬2) في الحَضَر والسَّفر أكثر وأشهر، وعلى ذلك بنى موطأه، وهو مذهبهُ عند كل مَن سَلك اليوم سبيله، لا ينكرهُ منهم أحَد، والحمدُ لله (¬3). (ثُمَّ رَكِبَ) راحلته (فَأَقْبَلْنا نَسِيرُ حَتَّى نَجِدَ) يجوز الرفع والنَّصبُ (النَّاسَ فِي الصَّلاَةِ) ولعَل الرفع أرجح؛ لأن التقدير: فأقبلنا نَسير حَتى وجدنا؛ لأنَّ هذا القول بَعد أن مضى السير والوجدان جَميعًا؛ أي: كنا سِرنا حَتى وجدنا، ولا تعمل حَتى هَاهُنا بإضمار أن؛ لأن بَعدها جُملة، كما قال الفرزدق: فيا عجبًا حتى [كليب] (¬4) تسبني فَعَلى هذا الرفع أبين وأوضَح، ومعنى الكلام: أقبلنا نَسير حَتى الحَالة التي وجدنا الناس في الصَّلاة؛ لأن الوجدان كانَ مُتصلًا (¬5) بالسَّير (¬6) غَير مُنقطع منهُ، وأمّا النصب فعلى الغاية، وليس فيه هذا المعنى؛ لأن الفعل فيه مَاض، فلا تعمل فيه حتى النصب، ومن جوز النَّصب فهو مُستقبل حكيت [به حَالهم] (¬7)، وقد قرئ بالرفع والنصب ¬

_ (¬1) من "الاستذكار". (¬2) من (م)، و"الاستذكار". (¬3) "الاستذكار" 2/ 236 - 237. (¬4) في جميع النسخ (قريش) وهو خطأ، والمثبت من المصادر. (¬5) في (ص): متصل. (¬6) في (م): باليسير. (¬7) في (ص، ل): برحالهم.

في السبعَة في قوله تعالى: {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} (¬1) والرفع قراءة نافع (¬2). (قَدْ قَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ) - رضي الله عنه - وفيه دَليل على أنه إذا خيف فَوت وقت الصَّلاة أو فَوت الوقت المختار منها لم ينتظر الإمَام، وإن كانَ فاضلًا جدًّا. وقد احتج الشَّافعي (¬3) بهذا الحَديث على أن أول وقت الصَّلاة أفضَل، وقال: معلُوم أن رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكُن ليَشتَغل عن الصَّلاَة حَتى يَخرُج وقتها كُله، وقال: لو أخرَت الصَّلاة لشَيء من الأشياء عَن أول وقتها لأخرت لإمَامَة رسَول الله - صلى الله عليه وسلم - وفضل الصَّلاة مَعَهُ، إذ قدمُوا عَبْد الرحَمن بن عَوف في السَّفر، وفيه جواز تقديم الناس في مَسَاجِدهم لأنفسهم إمَامًا بغَير إذن الوَالي، وإن ذلك ليسَ كالجمعة التي هي إلى الولاة عند المالكية (¬4) وغَيرهم ولا يفتات (¬5) عَليهم فيها إلا أن يُعطلوها أو تنزل بهم نازلة ضَرورة (¬6). (فَصَلَّى بِهِمْ) صَلاة الفجر (حِينَ (¬7) كانَ) أول (وَقْتُ الصَّلاَةِ) فيه فضيلة (¬8) الصلاة أول الوقت إلا ما استثني (وَوَجَدْنا عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَقَدْ ¬

_ (¬1) البقرة: 214. (¬2) انظر: "حجة القراءات" 1/ 131. (¬3) "الأم" 1/ 280 - 281. (¬4) "المدونة" 1/ 237 - 238. (¬5) في (ص، س، ل): شأن. (¬6) "الاستذكار" 2/ 234. (¬7) في (م): حتى. (¬8) في (م): فصلى.

رَكَعَ لهمْ) (¬1) أي: رَكع بهم (رَكعَةً) أولى (مِنْ صَلاَةِ الفَجْرِ) رواية (¬2) مُسلم: وقد ركع بهم ركعةً. (فَقَامَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَصَفَّ مَعَ المُسْلِمِينَ) فيه أن المسبوق إذا حَضَر وفي الصَّفِّ فُرجَة أو اتسَاع صف مع الصف ولا يقف وحدَهُ كما سَيَأتي (فَصَلَّى وَرَاءَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) فيه فَضيلة لعَبْد الرحمَن بن عَوف إذ قدمهُ الصَّحابة لأنفسهم في صَلاتهم بَدلًا من نبيهم، واقتداؤه - صلى الله عليه وسلم - به، وفيه جواز ائتمام الإمَام أو الوَالي في عَمله بِرَجُل من رعيته. وفيه بَيان لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَؤُمَّنَّ (¬3) أحد أحدًا في سُلطانه إلا بإذنه". كما سيَأتي في الصَّلاة (¬4)؛ يَعني: أو إلا أن يخاف خروج أول الوَقت أو خوف فَوت الوقت، وفيه جَوَاز صَلاة الفاضل خَلف المفضول. (الرَّكعَةَ الثَّانِيَةَ) وفيه أن رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - حين صَلى مع ابن عوف رَكعة جَلس (¬5) معهُ في الأولى من صَلاته، ويدل عليه قوله بَعده (ثُمَّ سَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ) فكان فعله هذا مبينًا لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما جُعل الإمام ليُؤتم به" فلا تختلفوا عَليه، ولم يكن ذلك مَوضع جُلوس للمأموم. (فَقَامَ النبي - صلى الله عليه وسلم -) فيه أن المسبوق إنما يفارق الإمَام بعد سَلام الإمَام (فِي صَلاِتهِ) لكن هَل يقوم المَسبوق بَعد التسليمة الأولى أو الثانية؟ نقل ¬

_ (¬1) في (ص، م): بهم. (¬2) في (م): رواه. (¬3) في (ص، س، ل): يؤم. (¬4) برقم (582، 583). (¬5) في (ص): جلست.

الشيخ عز الدين بن عَبد السَّلام في "الفتاوى الموصلية" استحبَاب قيام المسبُوق عقب (¬1) تسليمتي الإمَام عن صَاحب "التتمة" فقط ثم (¬2) قال: وهذا بعَيد؛ لأن الإمام يخرج من الصَّلاة بالأولى، فلا يجوز له القعود قال: وإنما يستقيم [ذلك على مذهب] (¬3) أحمد (¬4)، فإنها عندهُ مِنَ الصَّلاة. (فَفَزِعَ المُسْلِمُونَ) حين رأوا النبي - صلى الله عليه وسلم - يقتدي بابن عَوف، وفيه فضيلة الصحَابة وكثرة خشوعهم في الصلاة حيث جَاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ودَخَل معهم في الصف وصَلى معهم ركعَة وهُم لم يعلموا به إلا بعد سَلامهم. (فَأكثَرُوا التَّسْبِيحَ) فيه أن التسبيح لتنبيه إمَامه (¬5) لا ينقطع بِسَلام الإمَام بَل يستمر إلى آخِر الدعاء (لأنَّهُمْ سَبَقُوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِالصَّلاَةِ) وخافوا أن يكون قد (¬6) أُخذ عليهم في تقدم (¬7) ابن عَوْف أو لعَدم انتظاره - صلى الله عليه وسلم - (فَلَمّا سَلَّمَ النبي - صلى الله عليه وسلم -) بعد أن صَلى الركعة الثانية و (¬8) سَبَّح وهَلل ودعا (قَالَ لَهُمْ: قَدْ أَصَبْتُمْ) فيما فَعلتم (أَوْ) قالَ: (قَدْ أَحْسَنْتُمْ) (¬9) فيه دَليل على أنهُ ¬

_ (¬1) في (ص): عند. (¬2) سقط من (م). (¬3) تكرر في (ص). (¬4) "مسائل أحمد وإسحاق" رواية الكوسج (237)، وانظر: "رؤوس المسائل" 1/ 146 - 147 (189). (¬5) سقط من (د). (¬6) من (د). (¬7) في (م): مقدم. (¬8) من (د، س، ل، م). (¬9) أخرجه البخاري، ومسلم، كما سبق.

ينبغي أن يحمد ويُشكر كل من بَادر إلى أدَاء فَريضة (¬1) أو سَارَع إلى عَمَل ما يجبُ عليه فعله. [150] (ثَنا مُسَدَّدٌ، ثَنَا (¬2) يَحْيَى بْنُ سَعيد) (¬3) القطان (¬4) (وَثَنا مُسَدَّدٌ، ثَنا المُعْتَمِرُ) (¬5) بن سُليمان بن طَرخان التَّيْمِيّ البَصْري أحَد الأعلام. (عن) أبيه سُليمان (التيمي) قال: (ثَنا بَكْرٌ) (¬6) بن عَبد الله المزني (عَنِ الحَسَنِ) بن أبي الحَسَن البَصْري، واسمهُ يسَار مَولى زيد بن ثَابت. (عَنِ) حَمزة (¬7) (ابْنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ) هذا (¬8) الإسنَاد فيه أربعة تابعيون، يروي بَعضهم عن بَعض؛ أوَّلهم المعتمر، عن أبيه [عن] (¬9)، بكر، عن الحَسَن، عن حَمزة بن المغيرة. (عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ وَمَسَحَ نَاصِيَتَهُ) والناصيَة هي مُقدم الرأس كما تقدم في الحَديث قبلهُ. ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل، م): فرضه. (¬2) زاد في (م): ابن. (¬3) في (ص): سعد. (¬4) من (د)، وكتب فوقها: ع. (¬5) كتب فوقها في (د): ع. (¬6) كتب فوقها في (د): ع. (¬7) في (م): حميدة. (¬8) سقط من (م). (¬9) سقطت من جميع النسخ، وإثباتها هو الصواب؛ لأن المعمر يروي عن أبيه سليمان، يكون عدد التابعيين خمسة، لا كما قال المؤلف رحمه الله، ولعله نقل هذا الكلام من النووي في "شرح مسلم" 3/ 173، وهو على الصواب، "هذا الإسناد فيه أربعة تابعيون يروى بعضهم عن بعض، وهم أبو المعتمر سليمان بن طرخان وبكر بن عبد الله والحسن البصري وابن المغيرة. ا. هـ.

(ذَكَرَ) أنَّه مَسَحَ (فَوْقَ العِمَامَةِ) قد يحتج به من يرى جَوَاز الاقتصار على مَسْح العِمَامَة كما تَقدم. (قَالَ: عن (¬1) المُعْتَمِرِ) بن سُليمَان قالَ: (سَمِعْتُ أَبِي) سُليمان التيمي (يُحَدِّثُ (¬2) عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الله عَنِ الحَسَنِ) البَصري (عَنِ) حَمزة (¬3) (ابْنِ المُغِيرَةِ) في هذا الإسناد أربعَة تابعيُّون بَصْريون إلا ابن المغيرة؛ فإنهُ كوفي (بْنِ شُعْبَةَ عَنِ المُغِيرَةِ أَنَّ نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الخُفَّينِ) والأحَاديث في المَسْح على الخُفين كثيرة. قال الإمَام أحمد (¬4): فيه أربعُون حَديثًا عن الصَحَابة مَرْفُوعَة ومَوقوفة. وقال ابن أبي حاتم: فيه عن (¬5) أحد وأربعين، وقال ابن عَبد البرّ في "الاستذكار": رواه نَحو أربَعين مِنَ الصَّحَابة (¬6)، ونقل ابن المنذر عن الحَسَن البصري، قالَ: حَدثني سَبْعُون من أصحَاب رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهُ كانَ يمسَح على الخُفيَّن (¬7). وذكر أبُو القاسم ابن منده أسمَاء من رَوَاهُ في "تذكرته" فبلغ ثمانين ¬

_ (¬1) في (ص): ابن. (¬2) في (م): حدث. (¬3) قال المزي في "تهذيب الكمال" 7/ 339 (1514) في ترجمة حمزة بن المغيرة بن شعبة: وقال بكر بن عبد الله مرة: عن عروة بن المغيرة بن شعبة، وقال الحسن البصري عن ابن المغيرة بن شعبة، ولم يسمه. (¬4) "المغني" 1/ 360. (¬5) من (د، م). (¬6) "الاستذكار" 2/ 239. (¬7) "الأوسط" 2/ 82 بتحقيقنا.

صحَابيًّا. قال ابن عَبد البر: بعد أن سرد منهم جماعة لا يروى عن غيرهم منهم خلاف إلا الذي لا يثبت عن عَائشة وابن عَباس وأبي هريرة (¬1). قال أحمد: لا يصح حَديث أبي هريرة في إنكار المسح وهو باطل، وأما ما أخرجه ابن أبي شيبة عَن حَاتم بن إسماعيل عن جَعفر بن محمد عَن أبيه. قال: قال علي: سبق الكتاب الخفين (¬2) وهو منقطع؛ لأن محمدًا لم يدرك عليًّا، وأما ما رَوَاهُ محمد بن مهاجر، عن إسماعيل بن أبي أويس، عن إبراهيم بن إسماعيل، عن داود بن الحُصَين، عن القاسم، عن عَائشة قالت: لأن أقطع رجلي (¬3) أحَب إليَّ [من أن] (¬4) أمْسَح على الخُفَّين (¬5)، فهو باطِل عنها قال ابن حبان (¬6): محمد بن مهاجِر كانَ يضَع الحَديث (¬7). (وَعَلَى نَاصِيَتِهِ وَعَلَى عِمَامَتِهِ) هذا مما احتج به أصحَابنا على أن مَسْح بعض الرأس يكفي، ولا يشترط الجَمع؛ لأنه لو وجب الجَميع لما اكتفي بالعمامَة عن الباقي، فإنَّ الجَمع بين الأصل والبَدَل في عضو وَاحِد لا يجوز، كما لو مَسَحَ على عضو واحِد وغسل الرجل الأخرى. ¬

_ (¬1) "التمهيد" 11/ 138. (¬2) "مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 269 (1958). (¬3) في (م): رجل. (¬4) في (ص) منها. (¬5) رواه عبد الرزاق 1/ 221 (860) من طريق ابن جريج عن أبي بكر بن حفص عن عائشة، وابن أبي شيبة 2/ 268 (1956) من طريق يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد عن عائشة. (¬6) "المجروحين" 2/ 310. (¬7) "التلخيص الحبير" 1/ 215 - 216.

وأما التتميم (¬1) بالعمامة فهو عند الشافعي (¬2) وجماعة على الاستحباب؛ لكون الطهَارة على جَميع الرأس، ولو كان على رأسِهِ قلنسوة، ولم ينزعها مَسَحَ بناصيَته، ويُستَحبُّ أن يتمم (¬3) على القلنسوة كالعمامة، ولو اقتصرَ على العِمامة لم يُجزئه عندنا بلا خلاف كما تقدم (¬4)، وهو مَذهَب مَالك (¬5) وأبي حنيفة (¬6) وأكثر العُلماء (¬7). (قَالَ بَكْرٌ) بن عَبد الله (وَقَدْ سَمِعْتُهُ (¬8) مِنَ ابن المُغِيرَةِ) قال القاضي عيَاض: هو عند شيُوخنا سَمعته (¬9) يَعني: بالهاء في آخره بعد التَاء قال: وكذا ذكرهُ ابن أبي خيثمة، والدارقطني وغَيرهما قال: ووقع عند بَعضهم، ولم أروه، وقد سمعتُ من ابن المغيرة؛ يَعني: بحَذف الهاء، وقد تقدم سَمَاعهُ الحَديث منه. [151] (ثَنا مُسَدَّدٌ) قال: (ثَنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ) بن أبي إسَحاق أحَد الأعلام في الحفظ والعِبَادة، قال: (حَدَّثَنِي أَبِي) يونس بن أبي إسحاق السَّبيعي؛ أخرج لهُ مُسلم في الجهاد (عَنِ) عامِر بن شَراحيل (الشَّعْبِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ يَذْكُرُ عَنْ أَبِيهِ) المغيرة - رضي الله عنه - ¬

_ (¬1) في (ص، س): التيمم. وفي (ل، م): المتيمم. (¬2) "الأم" 2/ 58. (¬3) في (م): ييمم. (¬4) "الأم" 1/ 79. (¬5) "المدونة الكبرى" 1/ 124، "الاستذكار" 1/ 211. (¬6) "المبسوط" للسرخسي 1/ 235. (¬7) "شرح مسلم" للنووي 3/ 172. (¬8) في (س، م): سمعت. (¬9) سقطت من (م).

(قَالَ: كُنّا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي رَكبَةٍ) بمفتوحَات ثلاث، قال يَعقوب: أقل مِنَ الركب، وروي بإسْكان الكاف، وهي روَاية الخَطيب، وراكب الدابة جمعه رَكب مثل صَاحب وصحب وركبان، والركب أصحاب الإبل العشرة فما فَوقها (وَمَعِي إِدَاوَةٌ) بكسْر الهمزة كما تقدم. (فَخَرَجَ لِحَاجَتِهِ) أي: لقضاء الحَاجَة (ثُمَّ أَقْبَلَ فَتَلَقَّيتُهُ بِالإِدَاوَةِ) وهي الركوة (فَأَفْرَغْتُ عَلَيهِ) أي: صَببَت على يَدَيهِ، وفيه دَليل على جَوَاز الاستعانة بمن يَصُب عليه من غَير كراهَة، فَفي الصَّحيحين في قصة دفع أسَامة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من عرفة في حجة الوداع، ولفظ مُسلم (¬1): ثم جَاء فَصَببت عليه الوَضُوء، وليس في البخاري (¬2) ذكر الصَّب، وذكر بَعض الفقهاء أن الاستعَانة كانت لحاجَته؛ وهو أنه أرَادَ أن لا يتأخر عن الرفقة، وفيه نظر فقد روى ابن مَاجه (¬3) والبخَاري في "التاريخ الكَبير" عن صَفوان بن عَسال أنه قال: صَبَبتُ على رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحَضَر والسَّفر في الوضوء (¬4). (فَغَسَلَ كَفَّيهِ وَوَجْهَهُ) أي: ثلاثًا ثلاثًا (ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ ذِرَاعَيهِ) مَن الكمَّين (وَعَلَيهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ) فيه أن لبس الجبَّة مِن السُّنة، وفي "صَحيح مُسْلم" عن أسماء أنها أخرجَت جبة رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - مَكفوفة الكمين والجَيب والفرج بالديبَاج (¬5). ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" كتاب الحج (1280). (¬2) "صحيح البخاري" كتاب الوضوء (139). (¬3) "سنن ابن ماجه" (391). (¬4) "التاريخ الكبير" 3/ 96 (334). (¬5) "صحيح مسلم" (2069).

وفي "صَحيح مُسْلم" (¬1) عنها أنها قالتْ: هذِه جبة رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخرجَت إليَّ جُبة كسروانية وفرجاهَا (¬2) مَكْفُوفَان بالديبَاج، وكانت عند عَائشة حَتى قبضت قبضتها (¬3) ونحن نُلبسها للْمرضى يُستشفى بهَا، ومعنى المكفُوف أنه جَعَل لها كفة بِضَم الكاف، وهو ما يكف به جَوانبها ويعطف عليها، ويكون في الذَّيل، وفي الفرجين والكُمَّين، وفيه دليل على جَوَاز لبْس الجبَّة التي لها فرجَان بلا كراهة، وفي الحديث دليل على أن لبس الصُّوف مِنَ السُّنة، وهو لبَاس العرَب وسَاكني البلاد البَاردة، وهو كانَ لبس (¬4) الأنبياء، وفي كتب التفسير (¬5) أنَّ مُوسى عليه السلام كلمهُ ربهُ في جبَّة صُوف، وروى الإمَام أحمد بن حَنبل عن الصحابة أنهُ كان لبَاسنا مع رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - الصُّوف (¬6). قالَ ابن العَربي: ومنَ الأحَاديث الغَريبَة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - المنكرة الطريق قال: كانَ على مُوسى يَوم كلمهُ الله كسَاء مِن صُوف وجُبة صُوف وكمه صُوف وسَراويل صُوف (¬7). والكمة بضم الكاف هي القلنسوة الصغيرة، وكانَ شعَار عيسى عليه السلام الصوف والصوفية هو شعَارُهم، وأنشَد بَعْضُهم: ليْسَ التصَوفُ لبس الصوف ترقعهُ ... ولا بكاؤك إن غنى المغَنُّونَا ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2069). (¬2) في (م): فرجاتها. (¬3) في (ص، س): قبضها. وفي (د): فيها. (¬4) في (د، م): لباس. (¬5) "جامع البيان" للطبري 18/ 279. (¬6) "مسند أحمد" 4/ 419. (¬7) رواه ابن العربي في "أحكام القرآن" 3/ 1256 هن ابن مسعود موقوفا عليه.

ولا صيَاح ولا رقص ولا طرَب ... ولا تغاش (¬1) كأن قَد صرْتَ مَجنونا بل التصوف أن تصفو بلا كدَر ... وتتبع الحق والقرآن والدِّينَا وأن تُرى خَاشعًا لله مُكتئبًا ... على ذنوبك طول الدَّهر مَحزُونا (¬2) (مِنْ جِبَابِ) بكسر الجِيْم (الرُّومِ) وفي الصَّحيح (¬3) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لبس جبَّة شامية (ضَيِّقَةُ الكُمَّينِ فَضَاقَتْ) وفيه دَليل على أن ضيق الكُم سُنة كما سَلفَ، وأن فيه سَلامة من السَّرف كما في تقصيره، وروى أحمد أن عُتبة بن فرقد (¬4) جاء إلئ عُمرَ وعليه قَميص طَويل الكم، فَدَعا بشَفرة ليقطعهُ مِن أطراف أصَابعه، فقال له عتبة: يا أمير المؤمنين، إني أستحيي أن تقطع كمي أنا أقطعهُ، قال: فتركه (¬5). واشترى علي قَميصًا، ثم قطع مِن كميه ما فضل عن يده (¬6). (فَادَّرَعَهُما ادِّرَاعًا) بتشديد الدال المُهملة فيهما، ويجوز إعجامها كما سَيَأتي؛ أي: نزع ذرَاعيه منَ الكمَّين، وأخرجهُما من تحت الجبة ووزنه: ¬

_ (¬1) في (س، م): نعاس. (¬2) الأبيات من بحر البسيط التام، وهي لأبي الحسن علي بن الحسن بن الطوبي. انظر "فريدة الفصر وجريدة العصر" لعماد الدين الكاتب الأصبهاني 2/ 817. (¬3) "صحيح مسلم" (274). (¬4) زاد في (ص): قد. (¬5) "الزهد" للإمام أحمد (657). (¬6) رواه أحمد في "الزهد" 1/ 109 (708)، و"فضائل الصحابة" 1/ 544 (911).

افتعَلَ من درع إذا مد ذراعيه، وأصله اذترع اذتراعًا فلما أرادوا أن يدغموا ليخف النطق قلبُوا التاء إلى ما يقاربها من الحروف فهو الدال المهملة؛ لأنهما من مخرج واحِد، فصَارت الكلمة اذدرع بذال معجمة، ودَال مُهملة ولهم فيه مذهبَان: أحَدهما، وهو الأكثر: أن تقلب الذال المُعجمة دالًا مُهملة، وتدغم فيها (¬1) فتصير دالًا مُشدَّدة مُهملة. والثاني: وهو الأقل أن تقلب الدال المُهملة ذالًا مُعجمة وتدغم، فتصير ذالًا مُشدَّدة مُعجمة، وهذا العَملُ مُطرد في مثاله نحو ادكر وادخر. (ثُمَّ أَهْوَيْتُ) أي: مَدَدت يَديَّ. قال الأصمعي: أهويت بالشيء إذا أومَأت به (¬2)، وقال غيره: أهوَيت قصَدت الهوي من القيَام إلى القُعود، وقيل: الإهوَاء: الإِمَالة (¬3). (إِلَى الخُفَّيْنِ لأَنْزِعَهُمَا) قال ابن بَطال (¬4): فيه خدمة العَالم، وأن للخادم أن يَقصد إلى ما يَعرف من عَادة مخدومه قبل أن يأمر، وفيه الفَهم عن الإشارة. وقال: رواية الخَطيب: (فَقَالَ لِي: دَعِ الخُفَّينِ) فيه ردُّ الجواب عما يفهم عن الإشارة، فإن دَع جَوَاب لإشارة (¬5) الإهواء (فَإِنِّي أَدْخَلْتُ القَدَمَينِ) في (الْخُفَّيْنِ وَهُما طَاهِرَتَانِ) فيه تأنيث القدم. وللحميدي في "مُسنده": قلتُ: يا رسول الله، أيمسح أحدنا على خُفيه؟ قال: "نعَم، ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "الصحاح" (هوى). (¬3) "صحيح ابن خزيمة" (193). (¬4) "شرح صحيح البخاري" 1/ 312. (¬5) في (ص، س): الإشارة.

إذا أدخلهما وهما طَاهرتان" (¬1). ولابن خزيمة من حَديث صَفوان بن عسال: أمرنا رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نمسحَ على الخُفيَّن إذا أدخَلناهُما على طُهر ثلاثًا إذا سَافرنا، وَيومًا وليلة إذا أقمنَا. قال ابن خزيمة: حَدثت به المزني (¬2) فقال: حدث به أصحَابنَا، فإنهُ أقوى حجة للشافعي (¬3). وأشار المزني بما (¬4) قال إلى الخلاف في المسألة، ومحصله أن الشافِعي (¬5) والجمهور حملوا الطهَارَة على الشرعية في الوضوء، وخالفهم داود فقال: إذا لم يَكن على رجليه نجاسَة عند اللبس جَاز المَسْح، ولو تيمم ثم لَبِسَهُما لم يبح لهُ عندهُم؛ لأن التيمم عندهم مُبيح لا رافع وخالفهم أصبَغ (¬6)، ولو غَسل رجليه بنيَّة الوضوء ثم لبسَهُما، ثم أكمل بَاقي أعضاء الوضوء (¬7) لم يبح له المسح عند الشافعي (¬8)، ومن وافقهُ على إيجَاب الترتيب. (فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا) (¬9) والمسح على الخُفين خاص بالوضوء لا مدخل للغسْل فيه بالإجماع. قال عيسى بن يُونس: (قَالَ أَبِي: قَالَ الشَّعْبِيُّ (¬10): شَهِدَ لِي عُرْوَةُ) بن ¬

_ (¬1) "مسند الحميدي" (776). (¬2) في (د، ل، م): للمزني. (¬3) "صحيح ابن خزيمة" (193). (¬4) في (ص، س): لما. (¬5) "الأم" 2/ 71 - 72. (¬6) انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 97، "البيان والتحصيل" 1/ 173. (¬7) من (د، م). (¬8) "الأم" 2/ 71 - 72، وانظر: "الإقناع" للماوردي ص 22. (¬9) أخرجه مسلم (274/ 80) مختصرًا، وبنحوه أحمد 4/ 251، والنسائي 1/ 63، من طريق الشعبي. (¬10) في (ص): للشعبي.

المغيرة (عَلَى أَبِيهِ المغيرة وَشَهِدَ أَبُوهُ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -) أنهُ قاله. [152] (حدثنا هدبة بن خالد) القيسي أبو خالد الحافظ شيخ الشيخين قال: (ثَنا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الحَسَنِ) البَصري (وَعَنْ زُرَارَةَ بْنِ أبي أَوْفَى) أيضًا (أَنَّ المُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: تَخَلَّفَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -) حينَ عدَلَ عن الطَّريق ليَتَبَرز (فَذَكَرَ هذِه القِصَّةَ) المتقدمة. و(قَالَ: ) وسرنا (فَأَتَينا النَّاسَ) يُصلون (وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يُصَلِّي بِهِمُ الصُّبْحَ، فَلَمّا رَأى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَرَادَ أَنْ يَتَأَخَّرَ فَأَوْمَأَ إِلَيهِ) ولم يتكلم؛ لأنه كان أحرم بالصلاة وفيه أن الإشارة في الصلاة لا تضر، وإن كانتْ مُفهمة (أَنْ يَمْضِيَ) في صَلاته ولا يتأخر؛ لأنهُ كان قد ركع بالقوم ركعة فترك النبي - صلى الله عليه وسلم - التقدم لئلا يختل ترتيب صَلاة القَوم بخلاف قصة أبي بكر، فإنهُ كانَ قَبل أن يَركعَ. (قَالَ: فَصَلَّيتُ أَنا وَالنَّبِيُّ) بالرفع عطفًا على "أنا" (- صلى الله عليه وسلم - خَلْفَهُ رَكعَةً) أولى، وفيه جَواز صَلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - خلف بعض أمته (فَلَمّا سَلَّمَ) عَبد الرحمن (قَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -) وقمت (¬1) معهُ (وصَلَّى الرَّكْعَةَ التِي سُبِقَ بِهَا) رواية مُسلم: قامَ النبي - صلى الله عليه وسلم - وقمت معهُ (¬2) فركعنا الركعة التي سبقتنا وفيه أن من سبقه الإمام ببعض الصَّلاة يأتي بما أدرك، فإذا سَلم الإمَام أتى بما بقي عليه، ولا يسقط ذلك عنهُ (¬3) بخلاف قراءة الفاتحة، فإنها تسقط عن المسبوق إذا أدرك الإمام رَاكعًا. (وَلَمْ يَزِدْ عَلَيها شَيئًا) أي: لم يسجُد سجدتي (¬4) السَّهْو. ¬

_ (¬1) في (ص، س): وقمن. (¬2) سقط من (ل، م). (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ص، س، ل، م): سجدتا.

([قال أبو داود: ] (¬1) أَبُو سَعِيدٍ) سَعْد بن مَالك بن سَنان (الْخُدْرِيُّ و) عَبد الله (ابْنُ الزُّبَيْرِ و) عَبد الله (ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهم - يَقُولُونَ: مَنْ أَدْرَكَ الفَرْدَ) يعني: الوتر (مِنَ الصَّلاَةِ) فإنَّ (عَلَيْهِ سَجْدَتا السَّهْوِ) (¬2) وكذا قال عَطَاء (¬3)، وطاوس، ومجَاهِد (¬4)، وإسحاق (¬5) أن كل من أدرك وترًا من صَلاة إمَامه فعليه أن يسجُد للسهو؛ لأنه يجلس للتشهد مع الإمَام في غير موضع التشهد، وقال أكثر أهل العلم: ليس على المسبوق ببعض الصَّلاة سُجود سهو؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وما فاتكم فأتموا"، وفي رواية: "فاقضوا"، ولم يأمر بسجود سهو مع ذَلك، وقد جَلَس النبي - صلى الله عليه وسلم - خلف عَبد الرحمن بن عوف في غير موضع التشهد وجلس معه المغيرة، ولم يسجد للسهو ولا أمر به المغيرة؛ ولأن السجُود يشرع للسَّهو ولا سَهو ها هُنا (¬6)؛ ولأن متَابعة الإمام واجبة فلم يَسجُد لفعلها كسَائر الوَاجبَات. [153] (ثَنا عُبَيْدُ الله) بالتصغير (بْنُ مُعَاذٍ) قال (ثَنا أَبِي) (¬7) معَاذ بن معَاذ التميمي الحَافظ العنبري قاضي البَصرة، قال (ثَنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي ¬

_ (¬1) من (د، م). (¬2) ورواه أيضا عن الثلاثة عبد الرزاق 2/ 210 (3099، 3100، 3101، وابن أبي شيبة 3/ 470 (4598). (¬3) رواه عبد الرزاق عنه 2/ 210 (3098). (¬4) "الأوسط" لابن المنذر 3/ 499. (¬5) "مسائل أحمد وإسحاق رواية الكوسج" (247). (¬6) في (ص، س، ل): هنا. (¬7) كتب فوقها في (د): ع.

بَكْرِ (¬1) ابن حَفْصِ بْنِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ) بن أبي وقاص القرشي الزهري قيل: اسْمه كنيته، وقيل: اسمه [عَبد الله] (¬2) بن حَفص (¬3) كان من أهل العلم والثقة، قال ابن عَبد البر: أجمعوا على ذلك (¬4). (سَمِعَ أَبا عَبْدِ الله) [سلمان الأغر، مولى جهينة (¬5)، أصله من أصبهان، ذكر أحمد بن حنبل، عن حجاج بن محمد بن شعبة] (¬6) [كان الأغر قارئًا من أهل المدينة، وكان رضيا وكان لقي أبا هريرة، وأبا سَعيد (¬7)] (¬8) (عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هذا الإسناد (¬9) مقلوب كما سَيأتي (أَنَّهُ شَهِدَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ - رضي الله عنه - يَسْأَلُ بِلاَلًا عَنْ وضُوءِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: كَانَ يَخْرُجُ) إلى البرَاز (يَقْضِي حَاجَتَهُ فَآتِيهِ بِالْمَاءِ فَيَتَوَضَّأُ) به (وَيَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ) ظاهرهُ الاقتصار في المسْح عليها، وفيه ما تقدم ¬

_ (¬1) زاد في (م): يعني. (¬2) في (ص، س، ل، م): عبيد الله. (¬3) في (م): جعفر. (¬4) "تهذيب التهذيب" (3700). (¬5) الصواب: أنه أبو عبد الله مولى بني تيم بن مرة، فهو الذي يروي عن أبي عبد الرحمن السلمي، وقد جاء مصرحا به في "المستدرك" للحاكم 1/ 170، وعند البيهقي في "الكبرى" 1/ 288، وأما قوله أنه سليمان الأغر فليس بصواب فإنه يروي عنه: أبو بكر بن حفص، لكن سلمان لا يروي عن أبي عبد الرحمن. قال المزي في "تهذيب الكمال" (7478): أبو عبد الله مولى بني تيم بن مرة، روى عن: أبي عبد الرحمن، عن بلال في المسح على العمامة والموقين. (¬6) من (م). (¬7) "الجرح والتعديل" 1/ 144 (38)، "تهذيب الكمال" 11/ 257 (2439). (¬8) سقطت من (د). (¬9) في (د، م): إسناد.

(وَمُوقَيْهِ) (¬1). بإسكان الوَاو، والموق الخُف فارسي مُعَرب. قال الجوهري: الموق الذي يُلبَس فوق الخُف (¬2). وفي حَديث عُمر لما قدمَ الشام عرضت له مخاضة فنزل عن بعيره ونزع مُوقيه وخاض الماء. (قَالَ أَبُو دَاودَ) الذي روى عنه أبو بكر حَفص بن عمر (هُوَ أَبُو عَبْدِ الله مَوْلَى بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ) قال ابن عَبد البر: أبو عَبد الله غير مسمى ولا منسُوب. قال ابن عبد البر: هذا إسنَاد مقلُوب مُضطَرب مَرة يقولون: عن أبي عَبد الله، عن أبي عَبد الرحمن، ومرة يقولون: عن أبي عَبد الرحمن، عن أبي عَبد الله، قال: وكلاهما مجهُول لا يعرف. قال: والعَجب أنهُ من حَديث شعبة، وهو إمَام عن أبي بكر بن حفص وهو ثقة (¬3). انتهى وسكت عنه أبو داود، وقال المنذري: عن أبي عبد الرحمن أنه شهد عبد الرحمن بن عَوف (¬4). [154] (ثَنا عَلِيُّ بْنُ الحُسَينِ) بن مَطر (الدِّرْهَمِيُّ) بكسْر الدَّال البَصري روى عنه النسَائي وابن خزَيمة، وثقه النسَائي مَات سنة 253 (¬5)، قال: (ثَنَا) عَبد الله (ابْنُ دَاودَ) بن عامر أخرج له البخاري (عن بكير (¬6) بن عامر) البجلي (عَنْ أَبِي زُرْعَةَ) هرم بفتح الهاء وكسر الراء (بن عَمْرِو بْنِ ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد 6/ 13، والحاكم في "المستدرك" 1/ 170 كلاهما من طريق عبيد الله بن معاذ. قال الحاكم: هذا حديث صحيح. وكذا قال الألباني رحمه الله، راجع "صحيح أبي داود" (142). (¬2) "الصحاح" (موق). (¬3) انظر: "شرح ابن ماجه" لمغلطاي 1/ 673. (¬4) "مختصر سنن أبي داود" 1/ 115. (¬5) في (م): 153. (¬6) كتب فوقها في (د): د.

جَرِيرٍ) بفتح الجيم. قال ابن عَبد البَر: سَمِعَ جده جرير بن عَبد الله البجلي، وأبا هُريرة (أن) جده (جَرِيرًا) - رضي الله عنه -، وروى البيهقي في "سُننه" عَن إبراهيم بن أدهم - رضي الله عنه - قال: ما سَمعت في المسْح على الخفين أحسَن من حديث جَرِيرٍ - رضي الله عنه - (¬1) (بَالَ (¬2) ثُمَّ تَوَضَّأَ) يعَني: مِن مَطهرَة كما في رواية (فَمَسَحَ عَلَى الخُفَّينِ) ذَهَبَ الشعبي، والحكم (¬3)، وحماد، وإسحاق (¬4) إلى (¬5) أن المَسْح على الخُفين أفضَل من غسل القدمين [وهو أصح الروايتين عن أحمد (¬6)؛ لأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحَابه إنما طلبُوا] (¬7) الأفضَل، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله يحُب أن تؤتى رُخصُه" (¬8)؛ ولأن فيه مخالفة أهل البدَع، واختارهُ ابن المنذر (¬9)، زَاد مُسْلم فقيل له: تفعَل هذا؟ (¬10). (قَالَ: ما يَمْنَعُنِي [أن أمسح] (¬11) وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَمْسَحُ) على خُفيه، فيه ذكر الدليل لمن سَأله أو لمن أنكر عليه ليكون أبلغ وأقوى. (قَالُوا: إِنَّما كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ) سورة (الْمَائِدَةِ. قَالَ: ما أَسْلَمْت إلَّا بَعْدَ نُزُولِ) سورة (الْمَائِدَةِ) ومعناهُ أن الله تعالى قال في سُورة المائدة: ¬

_ (¬1) "السنن الكبرى" 1/ 273، 274. (¬2) كتب فوقها في (د): د. (¬3) في (ص، د، س، ل): الحاكم. (¬4) انظر: "الأوسط" 2/ 91 بتحقيقنا. (¬5) سقطت من (م). (¬6) "المغني" 1/ 360. (¬7) غير واضحة في (م). (¬8) أخرجه أحمد 2/ 108، والبزار (5998)، وابن حبان (3586) من حديث ابن عمر، ولفظ أحمد: "كما يكره أن تؤتى معصيته". (¬9) "الأوسط" 2/ 90. (¬10) "صحيح مسلم" 72/ 272. (¬11) من (د، م).

{فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} (¬1) فلو كانَ إسْلام جَرير مُتقدمًا على نزول المائدة؛ لاحتمل كون حَديثه في مَسْح الخُف منسوخًا بآية المائدَة، فلما كانَ إسْلامه متأخرًا عَلِمنا أن حَديثه يعمل به، وهو مُبين أن المراد بآية المائدة غير صَاحب الخف، فتكُون السُّنة مخصصة للآية. قال ابن عَبد البر (¬2): كان إسلام جَرير في آخِر سَنة عَشر، وقيل: في أول سَنة عَشر. وقيل: في أول سَنة إحدى عشرة. وفيها مَات رسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد تأوَّل جَمَاعة من الفُقهاء قول الله عز وجل: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} (¬3) أنه أراد إذا كانَا (¬4) في الخفين. [155] (حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَأَحْمَدُ) بن عَبد الله (بْنُ أَبِي شُعَيبٍ) مُسلم (الْحَرَّانِي) مَولى عُمر بن عَبد العَزيز الأموي أخرج لهُ (¬5) البخاري في تفسير سُورة براءة حَديثًا واحِدًا (قَالَا: ثَنا وَكيعٌ، قال: ثَنا دَلْهَمُ) بفتح الدال والهَاء (بْنُ صُبح) (¬6) بِضَم الصَّاد، وسُكون البَاء الموَحَّدة كذا في كتَاب أبي علي التستري، والصواب: دَلهم بن صَالح، وهكذا رَوَاهُ الإمَام أحمد في "مُسنَده" عن وكيع؛ عن دَلهم بن صَالح (¬7) مجردًا، وكذا ذكرهُ الذهَبي (¬8) وغيره (عن حُجَيرِ) بِضَم الحَاء المهملة (¬9) وفتح ¬

_ (¬1) المائدة: 6. (¬2) "الاستذكار" 2/ 239. (¬3) المائدة: 6. (¬4) في النسخ الخطية: كان. (¬5) سقطت من (م). (¬6) في (م): صالح. (¬7) "مسند أحمد بن حنبل" 38/ 83 (22981). (¬8) "الكاشف" (1478)، "المغني في الضعفاء" (2051)، "ميزان الاعتدال" (2905). (¬9) من (د، م).

الجيم، وبعد ياء التصغير راء (بْنِ عَبْدِ الله) صَدُوق (عَنِ) عَبد الله (¬1) (ابْنِ بُرَيْدَةَ) قاضِي مرو (عَنْ أَبِيهِ) بُريَدَة بن الحصيب الأسلمي شَهد خيبر - رضي الله عنه - (أن) أصحمة بمهملات (النَّجَاشِيَّ) مَلك الحَبَشة (أَهْدى إِلَى النبي - صلى الله عليه وسلم - خُفَّيْنِ أَسْوَدَيْنِ سَاذِجَينِ) بكسْر الذال المعجمة وفتحها. قال أبو المعَالي في "المنتهى": شيء سَاذج أي: عُطل غفل، غير محلى ولا منقوش وهو فارسي مُعرب. قال ابن سَيد الناس في "عُيون الأثَر": كانَ (¬2) له أربعة أزوَاج خفاف أصَابها من خيبر (¬3). (فَلَبِسَهُما ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَيْهِمَا) (¬4) أي: بَعْدَ كمال وضوئه فلو غسَل إحدى رجليه وادخلها في الخُف ثم غسَل الأخرى وأدخلها في الخف لم يصح المسح عليهما عندنا ولا عند مَالك في المشهور. (قَالَ مُسَدَّدٌ: عَنْ دَلْهَمِ بْنِ صَالِحٍ وهذا مِمّا انفَرَدَ بِهِ أَهْلُ البَصْرَةِ) وأما غيرهم فمسدد عن وكيع كما تقدم. [156] (ثَنا أَحْمَدُ (¬5) بْنُ) عَبد الله بن (يُونُسَ) اليربُوعي الحَافظ، قال: (ثَنَا) صَالح بْنُ صَالِحٍ (¬6) بن مسلم (ابْنُ حَيِّ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَامِرٍ البَجَلِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (¬7) بْنِ أَبِي نُعْمٍ) بضَم النون وإسْكان العَين البجلي الزاهد ¬

_ (¬1) كتب فوقها في (د): ع. (¬2) في (د، س، ل، م): كانت. (¬3) "عيون الأثر" 2/ 407. (¬4) رواه الترمذي (2820) وحسنه، وابن ماجه (549)، وأحمد 5/ 352، من طريق وكيع به، وقال الألباني في "صحيح أبي داود" 1/ 266: حديث حسن. (¬5) كتب فوقها في (د): ع. (¬6) الصواب: الحسن بن صالح بن صالح. (¬7) كتب فوقها في (د): ع.

(عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مَسَحَ عَلَى الخُفَّينِ) وكل ما يُسمى خفًّا فلا يجوز المَسْح على اللفائف والخرق، فإذا [لف أصحاب] (¬1) الخيل لفائف إلى نصف الساق فلا يَجُوز المَسْح عليها؛ لأنها لا تُسمى خفًّا ولا تثبت بنفسها إلا بشدها، ولا خلاف في هذا. (فَقُلْتُ: يا رَسُولَ الله، أنَسِيتَ) فيه تنبيه العَالم وتذكيره إذا عمل ما يخالف العَادة ويظن نسيَانه. (قَالَ: بَلْ أَنْتَ نَسِيتَ) ليس فيه الإخبَار عن نسيَانه، بَل فيه دَليل على جَواز مثل هذا القول على سبيل المقَابلة بغَير (¬2) نسبه إلى النسيَان فَنسَبه إليه، فيجوز لمن نسبَ إلى شيء أن ينسبه إليه، حَتَّى قالوا: مَن شتمك فرد عليه مثل قوله ولا تتعدَّ (¬3) إلى أبويه أو ابنه أو قَريبه، لكن لا تكذب عليه، وإن كذب عَلَيك (¬4) فلو قال لك مثلًا: يا زاني، فقصاصك أن تقول له: يا كذاب، يا شاهد زور، أو أثمت في كذبك عَليَّ (بهذا أَمَرَنِي رَبِّي) (¬5) عز وجل قد يستَدل به على وجوب المَسْح على الخُفين إن كان لابسًا لهما على طهر أو على غسْل القَدَمَين إن لم يكن لابسًا لهما. * * * ¬

_ (¬1) في (ص، ل): لو أصحاف. (¬2) في (د): حين. وفي (م): حتى. (¬3) في الأصول الخطية: تتعدى. (¬4) في (د): عليها، وفي (ل): عليه. (¬5) سبق تخريجه.

60 - باب التوقيت في المسح

60 - باب التَّوْقِيتِ فِي المَسْحِ 157 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْن عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنِ الَحكَمِ وَحَمّادٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللْهِ الجَدَليِّ، عَنْ خزَيْمَةَ بْنِ ثابِتٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "المَسْحُ عَلَى الخُفَّيْنِ لِلْمُسافِرِ ثَلاثَةُ أَيّامٍ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ". قالَ أَبُو داودَ: رَواهُ مَنْصُورُ بْنُ المُعْتَمِرِ، عَنْ إِبْراهِيمَ التَّيْمِيِّ بِإِسْنادِهِ، قالَ فِيهِ: وَلَوِ اسْتَزَدْناهُ لَزادَنا (¬1). 158 - حَدَّثَنا يَحْيَى بْن مَعِينٍ، حَدَّثَنا عَمْرُو بْن الرَّبِيعِ بْنِ طارِقٍ، أَخْبَرَنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَزِينٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ قَطَنٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ عِمارَةَ - قالَ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ: وَكانَ قَدْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لِلْقِبْلَتَيْنِ - أَنَّهُ قالَ: يا رَسُولَ الله أَمْسَحُ عَلَى الخُفَّيْنِ؟ قالَ: "نَعَمْ. قالَ: يَوْمًا؟ قالَ: "يَوْمًا". قالَ: وَيَوْمَيْنِ؟ قالَ: "وَيَوْمَيْنِ". قالَ: وَثَلاثَةً؟ قالَ: "نَعَمْ، وَما شِئْتَ". قالَ أَبُو داودَ: رَواهُ ابن أَبِي مَرْيَمَ الِمصْرِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَزِينٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيادٍ، عَنْ عُبادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ عِمارَةَ، قالَ فِيهِ: حَتَّى بَلَغَ سَبْعًا. قالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "نَعَمْ، وَما بَدا لَكَ". قالَ أَبُو داودَ: وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي إِسْنادِهِ، وَلَيْسَ هُوَ بِالقَوِيِّ. وَرَواهُ ابن أَبِي مَرْيَمَ وَيَحْيَى بْنُ إِسْحاقَ السَّيْلَحِينِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي إِسْنادِهِ (¬2). * * * ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (95)، وابن ماجه (553)، وأحمد 5/ 213، 214، 215، وابن حبان (1329). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (145). (¬2) رواه ابن ماجه (557)، والحاكم 1/ 170، والبيهقي 1/ 279. وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (21).

باب التوقيت في المسح [157] (حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ) الضَّرير ولدَ أعمى، قال أبُو حَاتم: صدُوق، يحفظ عَامة حَديثه (¬1). قال: (ثَنا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ) (¬2) بن عتيبة (¬3) الكنْدِي (وَحَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ) بن يزيد التيمي. (عَنْ أَبِي عَبْدِ الله) قال الترمذي: أبُو عَبد الله الجَدَلِيُّ اسمُهُ عَبد بن عَبد (الْجَدَلِيِّ) بفتح الجيم والدال، والحَديث حَديث حسن صَحيحٌ (¬4). (عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: المَسْحُ عَلَى الخُفَّينِ لِلْمُسَافِرِ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ) أي: ولياليهن كما في حَديث صَفوان بن عَسال، وليلة اليوم هي الليلة السابقة عليه. قال الرافِعي: وغاية (¬5) ما يمكن فعلهُ بالمَسْح مِنَ الصَّلوات المؤداة على التوالي إلى ستة عشر إذا لم يجمع، وإن جمع فيتصور أن يُؤدي به (¬6) سَبع عَشرة صَلاة (¬7). (وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيلَةٌ) قال الرافِعي: وغاية ما يُصلي المقيم بالمسح من ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 3/ 181. (¬2) كتب فوقها في (د): ع. (¬3) في (ص، س، ل): عتبة. (¬4) "سنن الترمذي" (95). (¬5) في (ص، س): وعامة. (¬6) في (ص): له. (¬7) "الشرح الكبير" 1/ 284.

صَلوات الوقت ست صَلوات إن لم يجمع، وسبعًا بأن يجمع بعذر مَطر (¬1). ([قال أبو داود: ] (¬2) ورَوَاهُ مَنْصُورُ (¬3) بْنُ المُعْتَمِرِ) السّلمي من أئمة الكوفة. (عَنْ إِبْرَاهِيمَ) بن يزيد (التَّيْمِيِّ) (¬4) عن أبي عبد الله (بِإِسْنَادِهِ وزاد فِيهِ: وَلَوِ اسْتَزَدْنَاهُ لَزَادَنَا) ورواية ابن مَاجه: ولو مضى السَّائل على مسألته لجعلها خمسًا (¬5). ورواهُ ابن حبَّان باللفظين جَميعًا (¬6). قال ابن دَقيق العيد: الروايات مَتضافرة مُتكاثرة برواية التيمي لهُ عن عُمرو بن ميمون، عن الجدَلي، عن خزيمة (¬7). وادعى النووي (¬8) الاتفاق على ضعف هذا الحَديث. قال ابن حجر: وتصحيح ابن حبَّان له يرد عليه، مع نقل الترمذي عن ابن معين أنه صَححهُ أيضًا (¬9). و [يستَدل بهذِه] (¬10) الزيَادة للقَديم من مَذهب الشافعي (¬11). ¬

_ (¬1) "الشرح الكبير" 1/ 285. (¬2) من (م). (¬3) كتب فوقها في (د): ع. (¬4) في (س، ل): التميمي. (¬5) "سنن ابن ماجه" (553). (¬6) "صحيح ابن حبان" (1329، 1332). (¬7) "تحفة الأحوذي" 1/ 269، و"التلخيص الحبير" 1/ 283 - 284. (¬8) "المجموع" 1/ 485. (¬9) "التلخيص الحبير" 1/ 284. (¬10) في (د): استدل بهذِه. وفي (م): استدل بهذا. (¬11) "الشرح الكبير" 1/ 383.

قال (¬1) مَالك (¬2) والليث (¬3): إنَّ المَسْح لا يتقدر بمدة، وإن المسَافِر يمسح ما بَدا له، والجديد مِنْ مذهب الشَّافعي (¬4) وهو مذهب أحمد (¬5) يمسح ثلاثة أيام فقط، وأجَابُوا عن هذا الحَديث بأنهُ يحتمل أن يراد أنهُ (¬6) يمسح ما شاء إذا نزعهما عند انتهاء مُدته ثم لبسهُمَا. [158] (ثَنا يَحْيَى (¬7) بْنُ مَعِينٍ) بفتح الميم أبو زكريا المري (¬8)، إمَام المحَدثين شَيخ الشيخين، قال: (ثَنا عَمْرُو بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ طَارِقٍ) المصْري، أخرج له الشيخان، قالَ: (ثنا (¬9) يَحْيَى (¬10) بْنُ أَيُّوبَ) الغافقي المصري، اختلف فيه على يحيى بن أيوب اختلافًا كثيرًا. وقال ابن عبد البر: لا يثبت، وليس له إسناد قائم (¬11)، (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَزِينٍ) ويقال: ابن (¬12) يزيد الغافقي، في "ثقات ابن حَبان" (¬13)، قيل: أخرج له البخاري في كتاب "الأدب" (¬14) (عَنْ مُحَمَّدِ ¬

_ (¬1) في (د، س، م): وبه قال. (¬2) "المدونة" 1/ 284 - 285. (¬3) انظر: "الأوسط" 2/ 86. (¬4) انظر: "الحاوي" 1/ 25، "الشرح الكبير" 1/ 284. (¬5) "مسائل أحمد وإسحاق رواية الكوسج" (18، 19)، و"المغني" 1/ 365. (¬6) في (م): به. (¬7) كتب فوقها في (د): ع. (¬8) في (م): المزني، وفي (ل): المدني. (¬9) سقط من (د). (¬10) كتب فوقها في (د): ع. (¬11) "الاستذكار" 2/ 248. (¬12) في (ل): أبو. (¬13) "الثقات" 3/ 6. (¬14) بل قد أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (973).

بْنِ يَزِيدَ) بيَاء قَبل الزاي ابن أبي زياد الثقفي الفلسْطيني، ويقالُ: الكوفي نزيل مصر. قال ابن يونس: هوَ مَولى المغيرة (¬1) بن شعبة، كان يجَالس يزيد بن أبي حبيب (¬2). قالَ أحمد في "مُسنده": ثنا أبو بكر بن عيَاش، ثنا محَمد (¬3) مَولى المغيرة بن شعبة حَدثني كعب بن علقمة، عن أبي الخَير مرثد (¬4) بن عَبد الله، عن عقبة بن عامر، قال رسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كفارة النذر كفارة يَمين" (¬5). رواهُ الترمذي وصححهُ (¬6). (عَنْ أَيُّوبَ بْنِ قَطَنٍ) (¬7) أخرج له ابن مَاجَه أيضًا (عَنْ أُبَيِّ) (¬8). بِضَم الهَمزة مُصَغر (بْنِ عِمَارَةَ) بِكَسْر العَين الصَّحَابي، وليس لنا عمارة بكسر العَين إلا هذا. قالَ ابن الصَّلاح: ومنهم من ضمه. قالَ: ومن عدَاه عُمارة بضَم العَين (¬9)، لكن فيهم (¬10) عَمَّارة بفتح العَين وتشديد الميم كثير (¬11). ¬

_ (¬1) في (د، م): للمغيرة. (¬2) "تاريخ ابن يونس" 2/ 229 (612). (¬3) سقط من (د، س، ل). (¬4) في (ص، س، ل): يزيد. (¬5) "مسند أحمد" 4/ 144. (¬6) "سنن الترمذي" (1528). (¬7) في (ص): قطر. (¬8) "سنن ابن ماجه" 1/ 184 (557). (¬9) "مقدمة ابن الصلاح" 1/ 345. (¬10) في (د، م): لهم. (¬11) سقط من (د، س، ل).

(قَالَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ: وَكَانَ قَدْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - للِقبلتَين) يعني: الكعَبة وبيت المقدس قبل أن تنسخ (أَنَّهُ قَالَ: يا رَسُولَ الله، أَمْسَحُ) بفتح هَمْزَة الاستفهام والميم، وفيه حَذف، واللهُ أعلم، تقديره: أيجوز مَسح (عَلَى الخُفَّيْنِ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ) أيمسح (يَوْمًا. قَالَ: وَيَوْمَينِ، قَالَ: وَثَلاثَةَ أيام. قَالَ: نَعَمْ، وَما شِئْتَ) (¬1) فوق ذلك. هذا مما احتج به أيضًا على أنَّ المَسْح غَير مؤقت بمُدة، وأجيب عنهُ بأنه (¬2) يحتمل أنه قال: وما شئت من اليوم واليَومين والثلاثة، ويحتمل أنه منسُوخ بالأحاديث الثابتة في الصَّحيحين؛ لأنها مُتأخرة، لا سيَّما حَديث عوف بن مَالك الأشجعي أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرَ بالمسْح على الخفين في غزوة تبوك ثَلاثة أَيام ولياليهن للمُسَافر، وَيوْمًا وَلَيْلَةً للمقيم. رواهُ الإمام أحمد (¬3) قال: وهو أجود حَديث في المَسْح على الخُفين؛ لأنه في غزوة تبوك، وهي آخر غزوة غَزاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو آخِر فعله (¬4). ([قال أبو داود: ]) (¬5) و (رَوَاهُ) أبُو بَكر بكير (¬6) بن عَبد الله (ابْنُ أَبِي ¬

_ (¬1) الحديث رواه ابن ماجه (557)، وأحمد في "المسند" 2/ 170، والدارقطني 1/ 198 من طريق يحيى بن أيوب به، والحاكم في "المستدرك" 1/ 170 من حديث أبي بن عِمارة وقال الحاكم: هذا إسناد مصري لم ينسب واحد منهم إلى جرح، وإلى هذا ذهب مالك بن أنس، ولم يخرجاه، وقال الألباني في "ضعيف أبي داود" 1/ 51: إسناده ضعيف. (¬2) من (س، ل). (¬3) "المسند" 6/ 27. (¬4) "مسائل أحمد" رواية عبد الله 1/ 34، "المغني" 1/ 366. (¬5) من (م). (¬6) من (د).

مَرْيَمَ) الغساني (الْمِصْرِيُّ) له علم وديانة (عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ) بن أبي زرعة؛ ثقة (¬1)، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يزيد. هكذا في رواية أبي علي التستري. والصواب ما في رواية الخطيب: (عن عبد الرحمن بن رَزِينٍ) كما في الإسناد المتقدم وهو الصواب. ([عن محمد بن يزيد] (¬2) بْنِ أَبِي زِيَادٍ) الثقفي، (عَنْ عُبَادَةَ) بِضَم العَين، وتخفيف الباء (¬3) الموَحدة (بْنِ نُسَيٍّ) بِضم النُّون، وفتح السِّين المُهملة مُصَغر (¬4) الكندي، أبو عمر قاضي طبرية، تابِعي ثقة كبير (¬5). (عَنْ أُبَيِّ بْنِ عِمَارَةَ) بكسْر العَين كما تقدم. و(قَالَ فِيهِ: حَتَّى بَلَغ سَبْعًا) أي: سَبْعة أيام تمسَح على الخُفين. (قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: نَعَمْ) تمسَح (وما بَدا لَكَ) وبَدا هو بألف ساكنة، قال أهْل اللغَة: بدا له في الأمر بَدَاء بالمد؛ أي: حدث له رأي (¬6) لم يكن، والبدَاء محال على الله بخلاف النسخ. هذِه الرواية استدل بها أيضًا على عدم توقيت المَسْح، وأُجيب عنهُ إن صَح فهوَ محمول على جواز المَسْح أبدًا بشرط مراعاة التوقيت؛ لأنهُ إنما سَأل عن جَوَاز المَسْح لا عن توقيته، فيكون كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الصَعيد الطيب ¬

_ (¬1) "الكاشف" للذهبي 2/ 361 (2136). (¬2) ساقطة من الأصول، والمثبت من مطبوع "السنن". (¬3) من (م). (¬4) في (د): مصغرًا. (¬5) "الكاشف" 1/ 533 - 534 (2587). (¬6) في (ر): أمر.

وضوء المُسْلم ولو إلى عَشر سنين" (¬1)، فإن مَعناهُ أن له التيمم مرة بعد أُخرى (¬2)، وإن بَلغت مُدة عَدَم الماء عشر سنين، وليس معناهُ أن مَسْحة واحدة تكفيه عشر سنين، فكذا هُنا. ([قال أبو داود: ] (¬3) وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي إِسْنَادِهِ) اختلافًا كثيرًا (وَلَيسَ إسنَاده بِالْقَوِيِّ). قال المنذري (¬4): وبمعناه قال البخاري. وقال الإمَام أحمد: (¬5) رجَاله لا يعرفون. وقال أبُو الفتح الأزدي: هُو حَديث ليسَ بالقائم (¬6). وقال ابن حبان: لست أعتمد على إسنَاد خبَره (¬7). وبالغ الجوزقاني فذكرهُ في "الموضوعَات" (¬8)، فكيف يحكم بوَضعه وقد رواهُ أيضًا ابن مَاجه والدارقطني، والحاكم في "المستدرك"؟ ! * * * ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (332)، والترمذي (124)، والنسائي في "الصغرى" 1/ 171، وأحمد 5/ 155، 180، وعبد الرزاق 1/ 238 (913) من حديث أبي ذر - رضي الله عنه -. (¬2) في (د، م): قال. (¬3) من (د). (¬4) "مختصر سنن أبي داود" 1/ 119 - 120. (¬5) من (د، م). (¬6) "المخزون في علم الحديث" (ص 44). (¬7) "الثقات" 3/ 6. (¬8) "الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير" 1/ 384، 385.

61 - باب المسح على الجوربين

61 - باب المَسْحِ عَلَى الجَوْربَيْنِ 159 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبي قَيْسٍ الأوْدِيِّ - هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن ثَرْوانَ - عَنْ هُزَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنِ المُغِيرَة بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الجَوْرَبَيْنِ والنَّعْلَيْنِ (¬1). قالَ أَبُو داودَ: كانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن مَهْدِيٍّ لا يُحدِّثُ بهذا الَحدِيثِ؛ لأنَّ الَمعْرُوفَ عَنِ المُغِيرَة أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَسَحَ عَلَى الخُفَّيْنِ. قالَ أَبُو داودَ: وَرُوِيَ هذا أَيْضًا عَنْ أَبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الجَوْرَبَيْنِ، وَلَيْسَ بِالمُتَّصِلِ وَلا بِالقَوِيِّ. قالَ أَبُو داودَ: وَمَسَحَ عَلَى الجَوْرَبَيْنِ: عَلِيُّ بْن أَبي طالِبٍ، وابْن مَسْعُودٍ، والبَراءُ بْنُ عازِبٍ، وَأَنَسُ بْن مالِكٍ، وَأَبُو أمامَةَ، وَسَهْلُ بْن سَعْدٍ، وَعَمْرُو بْن حُرَيْثٍ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، وابْنِ عَبّاسٍ. * * * باب المَسْحِ عَلَى الجَوْرَبَيْنِ بفتح الجيم كما سيأتي. [159] (ثَنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي قَيسٍ هو عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثروان) بفتح المثلثة (¬2) (¬3) بوزن مروَان (الأودي)، احتج ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (99)، والنسائي 1/ 83، وابن ماجه (559)، وأحمد 4/ 252، وعبد بن حميد (398)، وابن خزيمة (198). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (147). (¬2) في (ص، س، ل): المهملة. (¬3) زاد في (م): فوق.

به البخاري (¬1). (عَنْ هُزَيْلِ) بفتح الزاي مصغر (بْنِ شُرَحْبِيلَ) بضم المعجمة مصغر أودي أيضًا. (عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الجَوْرَبَيْنِ) بفتح الجيم والراء بوَزن فوعَل، وهو مُعرب، والجَمع جواربة بالهَاء، وربما حُذفَت (وَالنَّعْلَينِ) (¬2). قال الخطابي: مَعناه أن النعلين لبسهما فوق الجوربين (¬3)، وهذِه المسألة اضطرب فيها كلام الأصحَاب، ونص الشافعي في "الأم" (¬4) على أنه يجوز المَسْح على الجورب بشرط أن يكون صفيقًا (¬5) منعلًا، وقطع به جَماعة مِنَ الأصحَاب، ونقل المزني أنهُ لا يمسح على الجوربين إلا أن يكُونا مجلدي القدمين (¬6). قال القاضي أبُو الطيب: لا يجوز المسْح على الجورب إلا أن يكون سَاترًا لمحَل الفرض يمكن متابعة المشي عليه (¬7). وهذا هو الصحيح في المذهب. ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (6736، 6742، 6753). (¬2) الحديث رواه الترمذي (99)، وابن ماجه (559)، وأحمد 4/ 252، وابن خزيمة (198)، من طريق وكيع به، وابن حبان (1338) من طريق سفيان به، وقال الألباني في "صحيح أبي داود" 1/ 274: إسناده صحيح على شرط البخاري. (¬3) "معالم السنن" 1/ 63. (¬4) "الأم" 2/ 73. (¬5) في (ص، س، ل): ضيقًا. وفي (م): سحيقا. (¬6) "مختصر المزني" المطبوع مع "الأم" (ص 12). (¬7) "المجموع" 1/ 499.

(وكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ) بن حسَّان البصري أحد الأعلام (لَا يُحَدِّثُ بهذا الحَدِيثِ لأَنَّ المَعْرُوفَ عَنِ المُغِيرَةِ) بن شعبة (أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَسَحَ عَلَى الخُفَّيْنِ) كما تقدم، وإن لم يكن نَعلين إذا كانا ثخينَين، كذا قالهُ الترمذي (¬1). (وَرُوِيَ هذا الحَديث أَيْضًا عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الجَوْرَبَيْنِ وَلَيْسَ) إسناد هذا الحَديث (بِالْمُتَّصِلِ) وأخرجهُ البيهقي من طريق عيسى بن يونس، عن أبي (¬2) سنان عيسَى بن سنان، عن الضحاك بن عَبد الرحمن، عن أبي موسى: رأيت (¬3) النبي - صلى الله عليه وسلم - مَسَحَ على الجَوربين والنَّعْلَين (¬4). (وَلَا بِالْقَوِيِّ)؛ لأنَّ أبا سنان ضَعيف، والضحاك عن أبي مُوسَى منقطع؛ فلم يَصح. (وَمَسَحَ عَلَى الجَوْرَبَيْنِ عَلِي بْنُ أَبِي طَالِبٍ (¬5) وأبو مَسْعُودٍ) (¬6) عقبة بن عمرو الأنصَاري (وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ (¬7) وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ (¬8) وَأَبُو أُمَامَةَ) (¬9) ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (99). (¬2) في (ر): ابن. (¬3) في (م): أن. (¬4) "السنن الكبرى" 1/ 284، 285. (¬5) رواه عبد الرزاق 1/ 199 (773)، وابن أبي شيبة 2/ 276 (1992)، 2/ 277 (1997). (¬6) رواه عبد الرزاق 1/ 199 (774)، وابن أبي شيبة 2/ 277 (1999 - 2000). (¬7) رواه عبد الرزاق 1/ 200 (778)، وابن أبي شيبة 2/ 277 (1996). (¬8) رواه عبد الرزاق 1/ 200 (779)، وابن أبي شيبة 2/ 276 (1990، 1995). (¬9) رواه ابن أبي شيبة 2/ 276 (1991).

صدي (¬1) بن عجلان البَاهلي (وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ) (¬2) بن مَالك بن خالد السَّاعدي الأنصاري، توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن [خَمس عشرة] (¬3) سنة، وعمِّر حتى أدرَك الحجاج، وامتحن معهُ، يقال: إنهُ آخِر من بقي بالمدينة من أصحَاب رسُول الله - صلى الله عليه وسلم -. (وَعَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ) المخزومي أبو سَعيد نزل الكوفة (وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ و) عَبد الله (ابْنِ عَبَّاسٍ) وحكاهُ الترمذي عن حُذيفة وسَلمان وبريدة وعَمرو بن أمية ويعلى بن مرة وعبادة بن الصامت وأسَامة بن شريك وجَابر (¬4). قال ابن عَبد البر: وعمل به سَائر أهل بَدر وأهل الحديبية وغَيرهم منَ المهاجرين والأنصَار - رضي الله عنهم - (¬5). * * * ¬

_ (¬1) في (ص): صدعي، وفي (س): صدعن. (¬2) رواه ابن أبي شيبة 2/ 278 (2002). (¬3) في (ر): خمس وستين. (¬4) "سنن الترمذي" (93). (¬5) "الاستذكار" 2/ 240، و"التمهيد" 11/ 137.

62 - باب

62 - باب 160 - حَدَّثَنا مسَدَّدٌ وَعَبّادُ بْنُ مُوسَى قالا: حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطاءٍ، عَنْ أَبِيهِ. قالَ عَبّادٌ: قالَ: أَخْبَرَنِي أَوْسُ بْنُ أَبِي أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ وَقَدَمَيْهِ. وقالَ عَبّادٌ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَتَى كِظامَةَ قَوْمٍ - يَعْنِي: الِميضَأَةَ - وَلَمْ يَذْكُرْ: مُسَدَّدٌ: الِميضَأَةَ والكِظامَةَ. ثُمَّ اتَّفَقا: فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ وَقَدَمَيْهِ (¬1). * * * باب [160] (ثَنا مُسَدَّدٌ وَعَبَّادُ بْنُ مُوسَى) الخُتلي بِضَم الخاء المُعجمة، والمثناة فَوق، أخرجَ لهُ البخَاري في الفَضَائل (¬2) ومسلم في اللبَاس (¬3). (قَالاَ: ثَنا هشيم (¬4)، عَنْ (¬5) يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ) عَطاء العَامري الطَائفي. (قَالَ عَبَّادٌ) بن مُوسى عن هُشَيْم، قَالَ يَعْلَى بْن عَطَاءٍ الطائفي: (أَخْبَرَنِي أَوْسُ بْنُ أَبِي أَوْسٍ الثَّقَفِي أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -) كذا في رواية ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 8، وابن حبان (1339)، والطبراني 1/ 222 (607، 608)، والبيهقي 1/ 287. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (150). (¬2) كذا في الأصول الخطية، وليس له في البخاري إلا حديث واحد هو (6299) كتاب الاستئذان، باب الختان بعد الكبر ونتف الإبط. (¬3) "صحيح مسلم" (2094). (¬4) في (ص، س، ل) زهير. (¬5) في (م): بن.

الخَطيب: أنه قال: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَتَى كِظَامَةَ. بكسْر الكاف، وبعدها ظاء مُعجمة مخففة. قَوْمٍ، يَعْنِي: المِيضَأَةَ كما سيأتي ثُمَّ اتَّفَقا -يَعني: مُسددا وعبادًا- فـ (تَوَضَّأ) يعني: مِنَ الميضَأة (وَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ وَقَدَمَيْهِ) (¬1) هذِه الروَاية محمولة على الرواية التي قبلها أنهُ مَسَح على الجَورَبين والنعلين، فلعَل المراد هُنا بالمسْح على القَدَمَين: المَسْح على الجَورَبين. قال ابن قدامة: والظاهِر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما مَسَح على سُيُور النَّعل التي عَلى ظاهر القدَم (¬2) فعَلى هذا المراد أنَّهُ مَسَح على سُيور نَعليه وظاهر الجَورَبين اللذَين فيهما قَدَمَاهُ. (قَالَ عَبَّادٌ) بن موسى (رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَتَى كظَامَةَ قَوْم - يَعْنِي: المِيضَأَةَ) بكسر الميم، والكِظامة كالقنَاة جَمعها كظَائم، وهي آبَار تحفر في الأرض متناسقة وتخرق بَعضها إلى بعض تحت الأرض، فتَكون ميَاهُها كهيئة الأنهار (¬3) تجري تحت الأرض، كأنها كُظِمَ ما فيها تحت الأرض فلم يظهر، كما يكظم غيظ الإنسان إذا لم يظهره، ثم يخرج منتهَى تلك الحفر، وإنما يَفعلون ذلك عند إعواز الماء؛ ليبقى في كل بئر ما يَحتاج إليه أهلهَا، ثم يخرج فضلها إلى التي تليها، وقيل: الكظامة السِّقاية، ومنهُ حَديث عَبد الله بن عَمرو: إذا رأيت مكة قد ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 8، وابن حبان (1339) بنحوه من طريق يعلى بن عطاء، وقال الألباني في "صحيح أبي داود" 1/ 282: حديث صحيح. (¬2) "المغني" 1/ 375. (¬3) في (ص): الآبار.

بعجت كظائم (¬1)؛ أي: حفرت قنوات، وقيل: الكظامة المزادة والكظامة أيضًا (¬2) الكنَاسَة. (وَلَمْ يَذْكُرْ مُسَدَّدٌ المِيضَأَةَ وَالْكِظَامَةَ). وقالَ: ([ثم اتفقا: ] (¬3) فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ وَقَدَمَيْهِ) كما تقدم. * * * ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 21/ 85 (38387). (¬2) من (د، م). (¬3) ساقطة من الأصول، والمثبت من مطبوع "السنن".

63 - باب كيف المسح

63 - باب كَيْفَ المَسْحُ 161 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ الصَّبّاحِ البَزّاز، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي الزِّنادِ، قالَ: ذَكَرَة أَبِي، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَمْسَحُ عَلَى الخُفَّيْنِ. وقالَ غَيْرُ مُحَمَّدٍ: عَلَى ظَهْرِ الخُفَّيْنِ (¬1). 162 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن العَلاءِ، حَدَّثَنا حَفْصٌ - يَعْنِي: ابن غِياثٍ - عَنِ الأَعمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحاقَ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، عَنْ عَليٍّ - رضي الله عنه - قالَ: لَوْ كانَ الدِّينُ بِالرَّأى لَكانَ أَسْفَلُ الخُفِّ أَوْلَى بِالمَسْحِ مِنْ أَعْلاهُ، وَقَدْ رَأَيْتَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَمْسَحُ عَلَى ظاهِرِ خُفَّيهِ (¬2). 163 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ رافِعٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قالَ: حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ، عَنِ الأَعْمَشِ بإِسْنادِهِ بهذا الحَدِيثِ، قالَ: ما كُنْتُ أُرى باطِنَ القَدَمَيْنِ إلَّا أَحَقَّ بِالغَسْلِ، حَتَّى رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يمْسَحُ عَلَى ظَهْرِ خفَّيْهِ (¬3). 164 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ غِياثٍ، عَنِ الأعمَشِ بهذا الحَدِيثِ، قالَ: لَوْ كانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكانَ باطِنُ القَدَمَيْنِ أَحَقَّ بِالَمسْحِ مِنْ ظاهِرِهِما، وَقَدْ مَسَحَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ظَهْرِ خُفَّيْهِ. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (98)، وأحمد 4/ 246، 247، 254. وانظر ما سلف برقم (149). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (151). ورواية: (على ظهر الخُفين) قال فيها الألباني في "صحيح أبي داود" (152): إسناده حسن صحيح. (¬2) رواه ابن أبي شيبة 1/ 299 (183)، 2/ 256) (1907)، والدارقطني 1/ 204 - 205، والبيهقي 1/ 292، وابن عبد البر في "التمهيد" 11/ 149 - 150، والبغوي في "شرح السنة" (239). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (153). (¬3) رواه أحمد 1/ 95، والدارمي (742)، والبزار 3/ 36 - 37 (789)، والدارقطني 1/ 199، والبيهقي 1/ 292. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (154).

وَرَواهُ وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ بِإِسْنادِهِ، قالَ: كُنْتُ أرى أَنَّ باطِنَ القَدَمَيْنِ أَحَقُّ بِالمَسْحِ مِنْ ظاهِرِهما، حَتَّى رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمْسَحُ عَلَى ظاهِرِهِما. قالَ وَكِيعٌ: يَعْنِي الخُفَّيْنِ. وَرَواهُ عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ الأَعْمَشِ، كَما رَواهُ وَكِيعٌ، وَرَواهُ أَبُو السَّوْداءِ، عَنِ ابن عَبْدِ خَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قال: رأيْتُ عَلِيًّا تَوَضَّأَ فَغَسَلَ ظاهِرَ قَدَمَيْهِ، وقالَ: لَوْلا أنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُة. وَساقَ الحَدِيثَ (¬1). 165 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن مَرْوانَ وَمَحْمُودُ بْنُ خالِدٍ الدِّمَشْقِيُّ - المَعْنَى - قالا: حَدَّثَنا الوَلِيدُ، قالَ مَحْمُودٌ: أَخْبَرَنا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ رَجاءِ بْنِ حَيْوَةَ، عَنْ كاتِبِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قالَ: وَضَّأْت النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَة تَبُوكَ فَمَسَحَ أَعْلَى الخُفَّيْنِ وَأَسْفَلَهُما. قالَ أَبُو داودَ: وَبَلَغَنِي أنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ ثَوْرٌ هذا الحَدِيثَ مِنْ رَجاءٍ (¬2). * * * باب كيف المسح [161] (ثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ البَزَّازُ) بزاءين قال: (ثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ) أخرجَ له مَسْلم في مقدمة كتابه (¬3). (قَالَ: ذَكَرَهُ أَبِي) أبُو الزناد (¬4) عَبد الله بن ذكوان. (عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ، عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ ¬

_ (¬1) انظر ما سلف برقم (162). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (155). (¬2) رواه الترمذي (97)، وابن ماجه (550)، وأحمد 4/ 251. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (23). (¬3) انظر "صحيح مسلم" 1/ 11. (¬4) في (ص): الزياد. والمثبت من "الإكمال" 4/ 201، و"التهذيب" (3253، 3816).

يَمْسَحُ عَلَى الخُفَّيْنِ. وَقَالَ غَيْرُ مُحَمَّدٍ: ) بن الصّباح: كان يمسَح (عَلَى ظَهْرِ القدمَين)، وأشار لما أخرجهُ البيهقي عن إسماعيل بن مُوسَى، عن عبد الرحمن بن (¬1) أبي الزناد (¬2)، ولفظ رواية الترمذي: عن المغيرة رَأَيْتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يَمْسَحُ عَلَى الخُفَّيْنِ عَلَى ظَاهِرِهِمَا (¬3). فعلى هذا معنى الحَديث: أنه كانَ يمسَح على ظاهِر الخفين (¬4). قال ابن عَبد البر في "الاستذكار": فيه دليل على بطلان قَول أشهب، ومن تابعَه في أنهُ (¬5) يجوز الاقتصار في المَسْح على بَاطِن الخفين، ومن جهة النظر: ظاهر الخُف في حكم الخف، وبَاطنه في حكم النعْل، ولا يجوز المَسْح على النعلين، وأيضًا فإن المحرم لا فدية عليه في النعْل يلبسه ولا فيما له أسفل ولا ظهر له من الخف، ولو كان لخف المحرم ظهر قدم، ولم يكُن له أسْفل لزمتهُ الفدية، فدَل على أن المراعى في الخف ما يستر ظهر القدم، وهو المراعى في المَسْح (¬6). [162] (ثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاَءِ، قال: ثَنا حَفْصُ بن غِيَاثٍ) (¬7) كذا للخَطيب. ¬

_ (¬1) في (ص): عن. (¬2) "سنن البيهقي" 1/ 291. (¬3) "سنن الترمذي" (98). (¬4) رواه أحمد 4/ 246، والترمذي (98) من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد به، قال الألباني في "صحيح أبي داود" 1/ 285: هذا إسناد حسن إن شاء الله. (¬5) زاد في (ص، س، ل، م): لا. (¬6) "الاستذكار" 2/ 263 - 264. (¬7) في (ص، س): عباد.

(عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) عَمرو بن عبد الله السبيعي، (عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ) الهمداني ثقة مخضرم. (عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأي) فيه أن ما يظهر من رأي الآدمي دُون دليل متروك بالنص من كتاب أو سُنة أو إجماع لا يعتبر في الشريعة. (لَكَانَ أَسْفَلُ) بالرفع (الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلاَهُ)؛ لأنه مَوضع مُباشرة النجاسَة، فإن فائدة المَسْح تخفيف النجاسة والأقذار، وفيه ردّ لما ذهب إليه أشهب مِنَ المالكية (¬1)، وبعض أصحَاب الشافعي (¬2) أنه يجوز مسح أسفله دُون أعلاه؛ لأنه مَسح بعض محازي الفرض (¬3) كأعلاه (¬4). (وَقَدْ رَأَيْتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ) (¬5) استدل به ابن حزم في "المحلى" (¬6) على أن المَسْح إنما هو على ظاهر الخفين فقط، ولا معنى لمَسْح بَاطنهما الأسفل تحت القدَم قال: وهو قول علي بن أبي طالب، وقيس بن سعد، وبه يقول أبُو حنيفة وسُفيان الثوري إلا أن أبا حَنيفة قال: ¬

_ (¬1) انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 99، "الاستذكار" 2/ 260. (¬2) "الحاوي الكبير" 1/ 370. (¬3) في (ص)، (ل): للفرض، وفي (س): المعرض. (¬4) في (م): بأعلاه. (¬5) الحديث رواه أحمد 1/ 95، والدارمي (715)، والنسائي في "الكبرى" (118) من طرق عن أبي إسحاق، وقال الألباني في "صحيح أبي داود" 1/ 288. إسناده صحيح. وكذا قال الحافظ. (¬6) "المحلى" 2/ 111.

لا يجزئ المَسْح على الخفين إلا بثلاثة أصَابع لا بأقل (¬1). ثم قال: وتحديد الثلاث أصَابع، كلام فاسد وشرع في الدين بارد ولم يأذن به الله. انتهى (¬2). وسيأتي مَذهب الشافعي. [164] (ورواه وكيع، عَنِ الأَعْمَشِ بِإِسْنَادِهِ) عن علي - رضي الله عنه - (قَالَ: كُنتُ أرى بَاطِنَ القَدَمَينِ أَحَقَّ) بالنصب. مفعُول به (¬3) لـ (أرى) من (ما كُنْتُ أرى بَاطِنَ القَدَمَيْنِ إلا أحَقَّ) (بِالْغَسْلِ) (¬4) (¬5) كذا في رواية أبي علي التستري. ورواية الخَطيب: بالمَسْح وسَياق (¬6) ما بَعده يدل عليه (مِنْ ظَاهِرِهِمَا. وَقَدْ (¬7) رَأَيْتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِهِمَا. قَالَ وَكِيعٌ: يعني (¬8): الخُفَّيْنِ) استدل الشافعي (¬9) بإطلاق لفظ المَسْح على أنه يجزئ منه ما يقع عليه اسم المسح، ولم ينقل فيه تقدير؛ فوجب الرجُوع إلى ما يتناوله الاسم. وقال أحمد (¬10): يجبُ مَسْح أكثر مقدم ظاهره خططًا (¬11) بالأصَابع؛ لأن لفظ المَسْح وَرَدَ مُطلقًا، وفسَّرَه النبي - صلى الله عليه وسلم - بفعله، فيجبُ الرُّجوع إلى ¬

_ (¬1) انظر: "المبسوط" للشيباني 1/ 90، "المبسوط" للسرخسي 1/ 232. (¬2) "المحلى" 2/ 112. (¬3) في (ص، س، ل، م): بأن. (¬4) حدث تقديم وتأخير في النسخة (د، م). مع تغير طفيف. (¬5) قال الألباني في "صحيح أبي داود" 1/ 289: إسناده صحيح. (¬6) في (ص، س، ل): ساق. (¬7) في (د، م): حتى. (¬8) من (د، م). (¬9) "مختصر المزني" المطبوع مع "الأم" 9/ 13. (¬10) "المغني" 1/ 377. (¬11) في (ص): خطأ.

تفسيره لرواية الخلال بإسنَاده، وفيه: فَوضَعَ يَدَه اليُمنى على خُفه الأيمن، ووضع يَدَه اليُسرى على خفه الأيسَر، ثم مَسَحَ أعلاهما مَسْحَة واحِدة حَتى كأني أنظر إلى أثَر أصَابعه على الخفين. وعَن مَالك: يمسَح جَميعه إلا مَوضع الغضون (¬1). وأبو حنيفة: قدر ثلاث أصَابع (¬2). كما تقدم. (وَرَوَاهُ عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ الأَعْمَشِ كَما رَوَاهُ وَكِيعٌ وَرَوَاهُ أَبُو السَّوْدَاءِ) (¬3) بالمدّ، واسمه عمرو بن عمران النهدي (¬4) الكوفي؛ وثقه أحمد (¬5)، وتفرَّد به أبو داود والنسَائي في "مُسند علي"، (عَنِ) المسَيب (ابْنِ عَبْدِ خَيرٍ، عَنْ أَبِيهِ) عَبد خير الهمدَاني (قال: رأيْتُ عَلِيًّا) - رضي الله عنه - تَوَضَّأَ (فَغَسَلَ ظَاهِرَ قَدَمَيْهِ) أي: مَسَحَ على ظاهر خفيه كما في الحَديث قبله، والغسل يُستَعمل بمعنى المسْح، وقد يستدل به على مَذهب مَالك وأحمد حيثُ قالَ: يجبُ مَسْح أكثر مقدمه، فإن الظاهِر يُطلق على جَميعه إلا أن يقال: الكل يُطلق على الأكثر مجازًا. (وَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي (¬6) رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُهُ) لم أفعلهُ. (وَسَاقَ الحَدِيثَ) وفيه أن العالم والمفتي يذكر الدليل إذا احتيج إليه، وإن لم يطلب منه. ¬

_ (¬1) في الأصول الخطية: المغصوب، والمثبت من "المدونة" 1/ 142. (¬2) انظر: "تحفة الفقهاء" 1/ 88. (¬3) كتب فوقها في (د): د. (¬4) في (م): العهدي. (¬5) "الكاشف" للذهبي 2/ 85 (4203). (¬6) في (ص، س، م): أن.

وفي بَعض النسَخ: قالَ أبُو داود: ولذلك (¬1) رواهُ يزيد بن عَبد العَزيز عن الأعمش بهذا الحَديث. [163] (ثَنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، قال ثَنَا (¬2) يَحْيَى (¬3) بْنُ آدَمَ) بن سُليمان الأمَوي مَولاهم. (قَالَ: ثَنا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ) بن سياه الحماني أخرج له الشيخان. (عَنِ) سُليمان بن مهرَان (الأعمَش) هذا (الحَدِيثِ) (¬4) ورواية الخَطيب: بهذا الحَدِيثِ. [165] (ثَنا مُوسَى بْنُ مَرْوَانَ) الرقي، وضرب الخطيب [في كتابه] (¬5) على الرقي، نزل الرقة، ذكرهُ ابن حبان في "الثقات" (¬6). (وَمَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ) بن يَزيد السّلمي (الدِّمَشْقِيُّ) قَالَ أبُو حَاتم: كان ثقة رضًى (¬7)، ووثقهُ النسَائي (¬8). (الْمَعْنَى قَالَا: ثَنا الوَلِيدُ) بن مُسْلم (وقَالَ مَحْمُودٌ: أَخْبَرَنَي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ) الحِمْصي الحَافظ، ثبتًا قدريًّا (¬9). ¬

_ (¬1) في (م): وكذا. (¬2) حدث تقديم وتأخير في النسخة (د، م). مع تغير طفيف. (¬3) كتب فوقها في (د): ع. (¬4) سبق تخريجه. (¬5) سقط من (م). (¬6) "الثقات" 9/ 161. (¬7) "الجرح والتعديل" 8/ 292. (¬8) "المعجم المشتمل" (1028). (¬9) "الكاشف" للذهبي 2/ 285 (724).

(عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ) أبي المقدام الفلَسْطيني الفقيه، أخرج له مُسْلم والأربعة، وقد وقع في "سُنن الدارقطني" ما يوهم (¬1) رفع العلة في العَنعَنة، وهي: ثنا عَبد الله بن محَمد بن عبد العزيز، ثنا داود بن رشيد (¬2)، عن الوليد بن مُسلم، عن ثَوْرِ بْن يَزِيدَ، ثنا رجاء بن حَيوة .. فذكر الحَديث (¬3). فهذا ظاهِرُه أن ثورًا سمعهُ من رجاء فتزول العلة. (عن) وراد (كَاتِبِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ) كذا صَرح به ابن مَاجه (¬4). (عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: وَضَّأْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -) فيه دليل على استعَانة المتَوضئ بالصَّب (¬5) ونحوه من غير كراهة كما تقدم، وإن كانَ بَعضهم حمله على الحاجَة؛ لخَوف التأخر عن الرفقة في السَّفر (فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ) وكانت في السنة التاسعة مِنَ الهجرة. (فَمَسَحَ أَعْلَى الخُفَّيْنِ و) مَسَح (أَسفَلهُما) (¬6) رواية الترمذي: فمسَح أعلى الخف (¬7) وأسْفله (¬8). ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): يوثر. (¬2) في (ص، س، ل): رشد. (¬3) "سنن الدارقطني" 1/ 195. (¬4) "سنن ابن ماجه" (550). (¬5) في (م): بالنصب. (¬6) الحديث رواه أحمد 4/ 251، والترمذي (97)، وابن ماجه (550). قال البخاري وأبو زرعة: ليس بصحيح. وقال الألباني في "ضعيف أبي داود" 1/ 54: منقطع. (¬7) في (م): الخفين. (¬8) "سنن الترمذي" (97).

ورواهُ أيضًا أحمد (¬1) وابن مَاجه (¬2)، والدارقطني (¬3)، والبيهقي (¬4)، وابن الجارود مثل طريق أبي داود، وروى الشافعي في القديم في "الإملاء" من حَديث نافع، عن ابن عمر أنه كانَ يمسَح أعلى الخف وأسفله واستدل بهذا الحديث مَالك (¬5)، والشافِعي على أنهُ يُسن مَسْح ظاهِر أعلى الخف وأسْفله (¬6)، وهو مروي عن ابن عُمر، وعمر بن عَبد العَزيز، والزهري، ومكحول وابن المبَارك لهذا الحَديث؛ ولأنهُ يحَاذي محل الفرض فأشبهَ ظاهره. وقالَ ابن المنذر: لا يُستَحب مَسْح الأسفَل، والمذهَب استحباب مَسْحه، وكَذا مَسْح العقب. (قَالَ أَبُو دَاودَ: ) (¬7) لَمْ يَسْمَعْ. وفي رواية الخَطيب: (وَبَلَغَنِي أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ ثور) بن يزيد (مِنْ رَجَاءٍ) ابن حَيوة شيئا، ورواية الدارقطني المتقدمة تدُل على السماع. قال أحمد: وقد كانَ نعيم بن حماد حَدثني به عَن ابن المبَارك، كما حَدثني الوليد بن مُسلم به عن ثور، فقلتُ لهُ: إنما يقول هذا الوليد، فأما ابن المبَارك فيقول: جرير (¬8) عن رجَاء ولا يذكر المغيرة فقال لي نعيم: ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 4/ 251. (¬2) "سنن ابن ماجه" (550). (¬3) "سنن الدارقطني" 1/ 195. (¬4) "سنن البيهقي" 1/ 290. (¬5) "المدونة" 1/ 143. (¬6) "مختصر المزني" المطبوع مع "الأم" 9/ 13. (¬7) كتب في هامش (م): بلغني أنه. (¬8) في (ص، س، ل): حديثه. وفي (م): حديث.

هذا حَديثي الذي أسْأل عنهُ، فأخرج إليَّ كتَابه القَديم بَخط عَتيق، فإذا فيه ملحق بين السَّطرين بخَط ليس بالقديم: عن المغيرة. فأوقَفته عليه، وأخبَرته أن هذِه زيَادة في الإسنَاد لا أصل لها، فجعَل يقول للناس بعد وأنا أسمع: اضربُوا على هذا الحَديث (¬1). وقال البخَاري في "التاريخ الأوسَط" (¬2): ثنا (¬3) محمد بن الصباح، ثنا ابن أبي الزناد عن أبيه، عن عُروة بن الزبَير، عن المغيرة رأيت رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسَح على خفيه ظاهرهما. قالَ: وهذا أصح من حَديث رجاء عن كاتب المغيرة. وقال الترمذي (¬4): هذا حَديث مَعلول لم يروه عن ثور غير الوليد، لكن رواهُ الشافعي في "الأُم" (¬5) عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى عن ثور كذلك. * * * ¬

_ (¬1) "التلخيص الحبير" 1/ 159. (¬2) (981). (¬3) سقط من (م). (¬4) "سنن الترمذي" 1/ 163. (¬5) "مختصر المزني" المطبوع مع "الأم" (ص 13).

64 - باب في الانتضاح

64 - باب فِي الانْتِضاحِ 166 - حَدَّثَنا محَمَّد بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ - هُوَ الثَّوْرِيُّ - عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجاهِدٍ، عَنْ سُفْيانَ بْنِ الحَكَمِ الثَّقَفِيِّ - أَوِ الحَكَمِ بْنِ سُفْيانَ- قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا بالَ يَتَوَضَّأُ وَيَنْتَضِحُ. قالَ أَبُو داودَ: وافَقَ سُفْيانَ جَماعَةٌ عَلَى هذا الإِسْنادِ، وقالَ بَعْضُهُمُ: الحَكَمُ أَوِ ابن الحَكَمِ (¬1). 167 - حَدَّثَنا إِسْحاقُ بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ ابن أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجاهِدٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ، عَنْ أَبِيهِ قال: رأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بالَ ثُمَّ نَضَحَ فَرْجَهُ (¬2). 168 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْنُ الُمهاجِرِ، حَدَّثَنا مُعاوِيةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنا زائِدَةُ، عَنْ مَنْصُورِ، عَنْ مُجاهِدٍ، عَنِ الحَكَمِ أَوِ ابن الحَكَمِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَنَضَحَ فَرْجَهُ (¬3). * * * باب في الانتضاح الانتضَاحُ بالحاء المُهملة وقد نَضَح عليه الماء ونضحَهُ إذا رَشه عليه [والنضخ بالخاء المُعجمة] (¬4) قريب منه، قال في "النهاية": وقد اختلف ¬

_ (¬1) رواه النسائي 1/ 86، وابن ماجه (461)، وأحمد 3/ 410. وانظر ما بعده. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (159): إسناده ضعيف؛ لاضطرابه الشديد، وقد ذكر المصنف رحمه الله شيئًا منه، لكن الحديث صحيح لشواهده. (¬2) انظر السابق. (¬3) انظر ما سلف برقم (166). (¬4) في (م): والنضح بالحاء المهملة.

فيهما؛ أيهما أكثر قال: والأكثر أنه بالخاء المعجمة أقَل من المهملة، وقيل: هو بالمعجمة للأثر الذي يبقى في الثوب والجسَد، وبالمهملة الفعل (¬1) نفسه، وقيل: هو بالمعجمة ما فعل تعمدًا وبالمهملة من غير تعمد (¬2). [166] (ثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ) العَبدي (¬3) البصري شيخ البخَاري، قال: (ثَنا سُفْيَانُ) بن سَعيد (الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ) (¬4) بن المعتمر (عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ الحَكَمِ الثَّقَفِيِّ أَوِ الحَكَمِ بْنِ سُفْيَانَ) الثقفي. قَالَ في "الاستيعاب": أكثرهم يقول: الحكم بن سفيان وهو حَديث مُضطَرب جدًّا انتهى (¬5). وكذا ذكرهُ الذهبي في الحكم، قال: حَديثه مُضطرب فيه أقوال. انتهى (¬6). والاضطراب في راوي الحديث أو متنه موجب لضعف الحَديث المضطرب لإشعَاره بعدم ضَبط راويه أو رواته إذا لم يعضدهُ شَيء يعتمد عليه فيه (¬7)، وقد عَضد هذا الحَديث الصَّحيح في خصَال الفطرة، وقالَ فيه: وهو الانتضَاح كما تقدم في بَاب: غسل السِّواك. ¬

_ (¬1) من (د، م)، "النهاية". (¬2) "النهاية": نضح. (¬3) في (م): العبدري. (¬4) كتب فوقها في (د): ع. (¬5) "الاستيعاب" 1/ 189. (¬6) "الكاشف" 1/ 344 (1176). (¬7) ليست في (م).

(قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذا بَالَ) اسْتَجْمرَ ثم توضأ بلفظ المَاضِي، وفي بَعض النسخ (يَتَوَضَّأُ) بلفظ المضَارع ويَدل عليه عطف المضارع عليه في قولهِ. (وَيَنْتَضِحُ) (¬1) قال في "النهاية": الانتضاح بالماء هو أن يَأخُذ قليلًا مِنَ الماء فيَرش به مذاكيرهُ بعد الوضوء لينفي عنهُ الوسواس (¬2). قال النووي (¬3): يستحب (¬4) أن يَأخُذ حفنة من الماء (¬5) فَينضح بَها فَرجه وأصل سَرَاويله أو إزارهُ يعني: أو قميصهُ بعد الاستنجاء دفعًا للوسواس كما في الحَديث الصَّحيح في خِصَال الفطرة (¬6). انتهى. وظاهِر الحَديث أن النضح بَعْدَ الوضوء كما تقدم عن ابن الأثير. (ووَافَقَ سُفْيَانَ) الثوري (جَمَاعَةٌ عَلَى هذا الإِسْنَادِ). (قَالَ بَعْضُهُم) هو (الْحَكَمُ) بن سُفيان الثقفي (أَوِ) سفيان (ابْنُ الحَكَمِ) الثقفي. [167] (ثَنَا إِسْحَاق بْنُ إِسْمَاعِيلَ) الطالقاني ثقة، قال (ثَنا سُفْيَانُ عَن) عَبد الله (ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ) واسْم أبي نجيح يسار وعَبد الله يكنى أبا يسَار ¬

_ (¬1) رواه أحمد 24/ 104، وابن ماجه (461)، والنسائي 1/ 86، قال الألباني في "صحيح أبي داود" 1/ 294: إسناده ضعيف لاضطرابه الشديد. لكن الحديث صحيح لشواهده. (¬2) "النهاية في غريب الحديث والأثر" (نضح). (¬3) "المجموع شرح المهذب" 2/ 112. (¬4) في (ص، ل): نسخة. (¬5) في (د، م): ماء. (¬6) في الأصول: الكفارة. والمثبت من "المجموع" 2/ 112، وهو الصواب وحديث خصال الفطرة رواه مسلم (261/ 56) عن عائشة - رضي الله عنها -.

مَولى ثقيف المكي ثقة (¬1) (عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ) هُو الحَكم بن سُفيان، ورواهُ النسَائي (¬2) عن مُجاهد، عَن الحَكم (عَنْ أَبِيهِ) سُفيان الثقفي [(أن) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ حفنة من ماء فقال بها هكذا، قال: ووصف شعبة نضح (¬3) فرجه فذكرته لإبراهيم فأعجبه ثم (¬4) قال النسائي: قال الشيخ ابن السني: الحكم هو ابن سفيان الثقفي قال: ] (¬5) رأيْتُ (رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بَالَ ثُمَّ نَضَحَ فَرْجَهُ) قد يؤخذ منه أن النضح يكون بعد الاستنجاء كما ذكرهُ النووي وغَيره. [168] (ثَنا نَصْرُ بْنُ المُهَاجِرِ) المصيصي ثقة (¬6)، قال: (ثَنا مُعَاوِيَةُ (¬7) ابْنُ عَمْرٍو) بن المهَلب الأزدي الكوفي (ثَنا زَائِدَةُ (¬8) عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ الحَكَمِ أَوِ ابن الحَكَمِ، عَنْ أَبِيهِ) سفيان الثقفي (أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بَالَ ثُمَّ توضَأ (¬9) وَنَضَحَ) أي: بالحفنة مِنَ المَاء كما تقدم في روَاية النسَائي. (فَرْجَهُ) أي: مَذاكيره، وروى الإمَام أحمد بسَند فيه [رشدين بن] (¬10) ¬

_ (¬1) في (ص، ل): نسخه. (¬2) "سنن النسائي" 1/ 93 ولم يذكر فيه أنه بال، وفيه: عن الحكم بن سفيان دون ذكر أبيه، وأشار المحقق إلى أنه وقع في إحدى نسخ النظامية: (عن الحكم بن سفيان عن أبيه قال). (¬3) زاد في (م): به. (¬4) من (م). (¬5) ما بين المعكوفين سقط من (ص، ر، ل). (¬6) في (د، م): ماء. (¬7) كتب فوقها في (د): ع. (¬8) في (ص، ل): زائد. (¬9) في (ص): توجه. وغير واضحة في (ل). (¬10) في (ص، د، ر): رشد بن.

سَعد، ومعَهُ (¬1) هيثم بن خارجة وأحمد عن أسامة بن زَيد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما نَزَلَ عَليه جبْريل فعَلمهُ الوضُوء فلما فَرغَ مِن وضُوئه أخذ حَفنَة من مَاء فرشَّ بها نَحو الفَرج (¬2) فكانَ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يَرُش بعدَ وضوئه (¬3)، وتُؤَيدهُ روَاية ابن مَاجَه (¬4) والترمذي (¬5) من حَديث الحَسَن بن علي الهَاشمي، عَن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هُريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "جَاءَنِي جبريل فقال: يا مُحمد، إذا توَضأت فانتضح". وهذا الحَديث فيه تَأويلات: الأول (¬6): إذا توَضأت فصُب الماء على العضْو صَبًّا، ولا تقتصر (¬7) عَلى مَسحِهِ، فإنهُ لا يُجزئ فيه إلا الغسْل. الثاني: استبرئ الماء بالنثر والتنَحنُح، يُقالُ: نَضحْت: أسلت، وانتضحت: تعَاطيت (¬8) الإسَالة. الثالث: رَشّ الإزار الذي يَلي الفَرج بالماء؛ لِيَكُون ذَلِكَ مُذْهِبًا للوسَواس. الرابع: مَعنَاهُ الاستنجاء بالماء إشارَة إلى أنهُ يجمَع بَيْنَهُ وبينَ الأحجار. قال النووي: الصَّحيحُ ما قاله الخَطابِي والمحققونَ أنهُ الاستنجاء بالماء (¬9). * * * ¬

_ (¬1) في (م): وثقه. (¬2) في (م): القدح. (¬3) "مسند أحمد" 5/ 203. (¬4) (463). (¬5) (50). (¬6) في (م): الأولى. (¬7) في (م): تقتضي. (¬8) في (ر): معاطينا. (¬9) "المجموع شرح المهذب" 1/ 285.

65 - باب ما يقول الرجل إذا توضأ

65 - باب ما يَقولُ الرَّجُلُ إِذا تَوَضَّأَ 169 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن سَعِيدٍ الهَمْدانِيُّ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، سَمِعْتُ مُعاوِيَةَ - يَعْنِي: ابن صالِحٍ - يُحَدِّثُ عَنْ أَبي عُثْمانَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ قالَ: كُنّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خُدّامَ أَنْفُسِنا نَتَناوَبُ الرِّعايَةَ: رِعايَةَ إِبِلِنا، فَكانَتْ عَليَّ رِعايَةُ الإِبِلِ، فَرَوَّحْتُها بِالعَشِيِّ، فَأَدْرَكْت رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ النّاسَ، فَسَمِعْتُهُ يَقُول: "ما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الوضُوءَ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ يُقْبِلُ عَلَيْهِما بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ إلَّا قَدْ أَوْجَبَ". فَقُلْتُ: بَخْ بَخْ، ما أَجْوَدَ هذِه! فَقالَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ: التِي قَبْلَها يا عُقْبَةُ أَجْوَدُ مِنْها. فَنَظَرْتُ فَإِذا هُوَ عُمَرُ بْن الخَطَّابِ، فَقُلْتُ: ما هِيَ يا أَبا حَفْصٍ؟ قالَ: إِنَّهُ قالَ آنِفًا قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ: "ما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الوضُوءَ، ثُمَّ يَقُولُ حِينَ يَفْرُغُ مِنْ وضُوئِهِ: أَشْهَدُ أَنْ لا إله إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، إلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوابُ الجَنَّةِ الثَّمانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّها شاءَ". قالَ مُعاوِيةُ: وَحَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْن يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ (¬1). 170 - حَدَّثَنا الحُسَيْنُ بْن عِيسَى، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن يَزِيدَ المُقْرِئُ، عَنْ حَيْوَةَ - وَهُوَ ابن شُرَيْحٍ - عَنْ أَبِي عَقِيلٍ، عَنِ ابن عَمِّهِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ الجُهَنِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَمْرَ الرِّعايَةِ، قالَ عِنْدَ قَوْلِهِ: "فَأَحْسَنَ الوضُوءَ". ثُمَّ رَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّماءِ فَقالَ، وَساقَ الحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ مُعاوِيةَ (¬2). * * * ¬

_ (¬1) رواه مسلم (234). وسيأتي شطره الأول برقم (906)، وانظر التالي. (¬2) رواه الدارمي (743)، والبزار في "مسنده" 1/ 361، والنسائي في "الكبرى" 6/ 25 (9912). وقال الألباني في "ضعيف أبي داود" (24): إسناده ضعيف؛ لجهالة ابن عم أبي عقيل؛ فإنه لم يُسم، وقد تفرد بذكر رفع النظر إلى السماء؛ فهي زيادة منكرة.

باب ما يقول الرجل إذا تؤضأ [169] (ثَنا أَحْمَدُ (¬1) بْنُ سَعِيدٍ الهَمْدَانِيُّ) بإسْكان الميم أبُو جَعفر المصْري، قال النسَائي: ليس بالقوي (¬2). (قال ثَنا عَبد الله بْنُ وَهْبٍ قالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ صَالِحٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ) سَعيد بن هَانئ الخَولاني (عَنْ جُبَيرِ بْنِ نُفَيرٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنّا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - خُدَّامَ) جَمْع خَادِم. (أَنْفُسِنَا) أي: ليسَ لنا خَدَم يخدمُونَنا فكنُا (نتَناوب الرِّعَايَةَ) أي: نتدَاول أمْرها بَيننا وكل أمْر مهم أو حَادِث؛ فيَرعى كل وَاحِد مِنا الإبل مَرة، ثم الآخر وهَكذا. (رِعَايَةَ) بالنَّصْب بَدَل من "الرعَايَة" قَبلهُ (إِبِلِنَا) أي: إبِل الصَّدَقَة المنتظر تفريقها عَلَيْنا (¬3) أو الإبل المعدَّة لمصَالح المُسْلمين، لا نرعى إبل غَيْرنا بأُجْرَة ولا غَيرهَا، وفيه دَليل على فضيلة الصحَابة - رضي الله عنهم - وكثرة تَوَاضُعهمْ وتقللهمْ مِنَ الدنيَا؛ فلم يكن لهم خَدَم ولا غلمان ولا رعَاة؛ بَل كانوا خَدَمة أنفسهم اقتداءً بِرَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد كانَ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يَعلف الناقة والناضح ويعقل (¬4) البعير، ويحلب الشاة، ويخصف النعل، ويرقع الثوب (¬5)، ويشتري الشيء مِنَ السوق، ولا يمنَعهُ الحَيَاء ¬

_ (¬1) كتب فوقها في (د): د. (¬2) "مشيخة النسائي" (65). (¬3) في (ص، ر، ل): عليها. (¬4) سقط من (ص). (¬5) زاد في (ص): ويعقل. وموضعها قد سبق.

أن يجعَله في طَرف ثوبه، وتعاطي الإنسَان الشيء بنَفسه دليل على التوَاضُع. قال بعضهم: كأني أنظر إلى عَمر - رضي الله عنه - مُعَلقًا لحمًا في يده اليُسْرى، وفي يَده اليُمنى الدرة التي يدور بها في الأسواق (¬1). قال عقبة بن عَامر: (فَكَانَتْ عَلَيَّ رِعَايَةُ الإِبِلِ فَرَوَّحْتُها بِالْعَشِيِّ) أي: رددتها إلى حيثُ تبيت. قال ابن (¬2) فارس (¬3): الرَّوَاح بِالعَشيّ، وهو مِنَ الزوَال إلى الليْل يقال: سَرَحت بالغدَاة إلى الرعي ورَاحَت بالعَشي إلى أهلها؛ أي: رَجَعَت من المرعى إليهم. (فَأَدْرَكْتُ) بإسْكان الدال. ورواية الخَطيب: فإذا (رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ النَّاسَ) يُعلمهم أمُور دينهم ومعَايشهم. (فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: ما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الوضُوءَ) أي: يَأتي به تامًّا بكمال (¬4) صفته وآدابه، وفي هذا الحَديث الاعتناء بتَعلم آداب الوضوء وشرُوطه والعَمل بِذَلك والاحتياط فيه، والحرص أن يتوضأ على وجه يصح عند جميع العُلماء ولا يترخص بالاختلاف. (ثُمَّ يَقُومُ فَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ) هَاتان الركعتان عقب الوضوء يَنوي بهما سُنة الوضُوء. ¬

_ (¬1) رواها ابن أبي الدنيا في "التواضع" (99)، والقائل هو الأصبغ بن نباتة. (¬2) في (ل): أبو. (¬3) "مجمل اللغة" 1/ 404. (¬4) في (ص، ل): لكمال.

(يُقْبِلُ عَلَيهِما بِقَلْبِهِ وَبوَجْهِهِ) (¬1) ورواية الخَطيب: ووجهه بإسْقاط الباء. قال النوَوي: جمع -صلى الله عليه وسلم- بهَاتَين اللفظَتين أنواع الخضُوع والخشوع؛ لأن الخضُوع في الأعضاء والخُشُوع في القلب على (¬2) ما قاله جماعة مِن العلماء (¬3). (فقَدْ أَوْجَبَ) يقالُ: أوجَبَ الرجل إذا فعَل فعلاً وَجَبَت له به الجنة، ومنه حَديث معَاذ: أوجب ذو الثلاثة والاثنين (¬4). أي: من قدم ثَلاثة من الوَلَد، وفي الحَديث أن قومًا أتوهُ -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: إن صَاحبًا لنا أوجب (¬5)؛ أي: رَكب خَطيئة استوجَبَ بِها النار. (فَقُلْتُ: بَخْ بَخْ) بخ: كلمة لمدح (¬6) الأمر والرضى به، وتكرر لتعظيم ذلك الأمر وتفخيمه، وهي مبنية على السكون، وسكنت الخاء فيه كما سكنت في هَل وبل، فإن وصلت كسرت الخاء ونونت إجراء لها مجرى صه ومه لشبهها بالأصوات وربما شددَت، واختارَ بَعْضهُم إذا كررت تنوين الأولى وتسكين الثانية، ويقالُ: بالتسكين (¬7) في الكلمتَين وبكسرهما مع التنوين وبالكسر دُون تنوين. ¬

_ (¬1) في (ص، ل): ووجهه. (¬2) سقط من (م). (¬3) "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" 3/ 121. (¬4) رواه أحمد في "مسنده" 5/ 230. (¬5) سيأتي برقم (3964) من حديث واثلة بن الأسقع. (¬6) في (ص، ر): يمدح. (¬7) في (م): بالتسكينين.

(ما أَجْوَدَ) بِنَصْب (¬1) الدَّال على التعجُّب. (هذِه) يعني: هذِه الكلمة أو الفائدة العَظيمة أو البشارة أو العبارَة وجَودَتها من جهَات منها: أنها (¬2) سَهْلة مُتيسرة (¬3) يقدر عليها كل أحد بلا مشقة. ومنها: أن أجْرها عظيم عند الله تعالى وكيف لا وهي مُوجبَة للخُلود في الجَنة والنجَاة مِن النار. (فَقَالَ رَجُلٌ بَيْن يَدَيَّ) أي: حَاضِر كلامي: الكلمة (الَّتِي قَبْلَها يا عُقْبَةُ أَجْوَدُ) بالرَّفع خَبَر المبتَدأ، وفي نسخة الخَطيب بزيادة: (منها فَنَظَرْتُ) القائل. (فَإِذا هُوَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ -رضي الله عنه- فَقُلْتُ) نُسخة الخَطيب قلتُ: (ما هِيَ الكَلِمة يا أَبا حَفْصٍ؟ قَالَ: إِنَّهُ قَالَ: آنِفًا) أي: قريبًا مِنَ الآن، وهو بالمد على اللغة المشهُورة وبالقصر على لغة صَحيحة، قرئ بها في السبع (¬4). (قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ) فقال: (ما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الوضُوءَ) رواية مُسْلم: فيسْبغ الوضوء أو يبلغ الوضوء (¬5)، والإسبَاغ والإبلاغ بِمعنى واحِد، والمُرَاد: يتمه ويكمله فيوصله مَواضعه على الوَجْه ¬

_ (¬1) في (م): نصب. (¬2) سقطت من (م). (¬3) في (ص، ر، ل): مبشرة. (¬4) قرأ بالقصر في قوله تعالى: {مَاذَا قَالَ آنِفًا} [محمد: 16] ابن كثير، وحده، وقرأ الباقون بالمد. "السبعة" لابن مجاهد (ص 60). (¬5) "صحيح مسلم" (234).

المَسْنون، ولفظ النسَائي (¬1): "مَن تَوضأ فأحسَن الوضُوء" (¬2). (ثُمَّ يَقُولُ حِينَ يَفْرُغُ مِنْ وضُوئِهِ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إله إلَّا الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا) كذا روَاية مُسْلم، وفي رواية لهُ وللنسَائي: وأشهدُ أن مُحمدَا (عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) (¬3) وفي رواية لابن مَاجَه: ثم قَالَ ذَلك ثلاث مَرات (¬4) (إلَّا فُتِحَتْ) بتخفيف التاء، وَيجوز تَشْدِيْدها (لَهُ أَبْوَابُ الجَنةِ الثمَانِيَةُ) قال ابن قَيم الجَوزية: أبوَابُ الجنة لا تنحصر في الثمانية، بَل هي أكثر كما دَلت عليه الأحَاديث (¬5). (يَدْخُلُ مِنْ أَيِّها شَاءَ) ورواية أبي يَعْلَى مِن روَاية عُثمان: ثم لم يتكلم حَتى يقول: أشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريك لهُ، وأن محمدًا عَبده ورسولهُ؛ غفر له ما بينَ الوضوءَين، لكن في سَنده محمد بن عَبد الرحَمن البيلماني وهو مجمع على ضعفه (¬6). (قَالَ مُعَاوِيَةُ: حدَّثَنِي) ورواية الخَطيب: وحَدثني (رَبِيعَةُ (¬7) بْنُ يَزِيدَ) القصير أبُو شعيب الإيادي فقيه دمشق. ¬

_ (¬1) زاد في (م): أن. (¬2) "سنن النسائي" 1/ 92، 95، 2/ 111. (¬3) "سنن النسائي" 1/ 92. (¬4) "سنن ابن ماجه" (469). (¬5) لم أقف على كلام ابن القيم هذا، بل قال رحمه الله خلافه في "نونيته": أبوابها حقًّا ثمانية أتت ... في النص وهي لصاحب الإحسان بل ذكر في كتابه: "حادي الأرواح " بابًا في عدد أبواب الجنة ولم يزد فيه عن أنها ثمانية أبواب، والله أعلم. (¬6) انظر: "مجمع الزوائد" 1/ 238 - 239. (¬7) كتب فوقها في (د): ع.

(عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ) (¬1) عائذ الله بالذال المعجمة بن عَبد الله الخولاني أحَد الأعلام (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ) (¬2) قالَ: وقد أخرجَهُ الترمذي فقال: ثنا جَعفر بن محمد بن عمران الثعلبي، ثنا يزيد بن حباب (¬3)، عن معاوية بن صَالح، عن ربيعة بن يَزيد الدمشقي، عن أبي إدريس الخولاني، عَن عمر بن الخَطاب ... الحَديث باختصَار، ثم قالَ الترمذي (¬4): قال محمد؛ يعني: البخاري (¬5): أبُو إدريس لم يسْمع من عُمر شَيئًا. [170] (ثَنا الحُسَينُ بْنُ عِيسَى) الطائي البسْطَامِي شَيخ الشيخَين، قال: (ثَنا عَبْدُ الله بْنُ يَزِيدَ) أبُو عبد الرحمَن (الْمُقْرِئُ) القصير مَوْلى آل عُمر بن الخَطاب، روى عن أبي حَنيفة (عَنْ حَيوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِي عَقِيلٍ) زهرَة بن مَعبد (¬6) القرشي المِصْري (عَنِ ابن عَمِّهِ) قال الذهبي: هُو ابن عَم الصّديق (¬7) (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِير الجُهَنِيّ -رضي الله عنه-، عَنِ النبي -صلى الله عليه وسلم- نَحْوَهُ، وَلَمْ يَذْكرْ في) هذِه الرواية أَمْرَ الرِّعاية يعني: رعاية الإِبل المتقدمة. و(قَالَ عِنْدَ قَوْلِهِ: فَأَحْسَنَ الوضُوءَ: ثُمَّ رَفَعَ نظرَهُ إِلَى السَّمَاءِ. وَسَاقَ الحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ) وفي رواية البزار: عَن ثوبان: من تَوضأ ¬

_ (¬1) كتب فوقها في (د): ع. (¬2) رواه أحمد 14/ 150، والبيهقي في "الكبرى" 1/ 98، الألباني في "صحيح أبي داود" (162). (¬3) في (ص، س، ل): حبان. (¬4) "سنن الترمذي" 1/ 79. (¬5) زاد بعدها في النسخ الخطية: محمد. (¬6) في (م): سعد، وفي (ر): عبد. (¬7) "تذهيب التهذيب" 3/ 298.

فأحسن الوضُوء ثم رفع طَرفهُ إلى السَّماء. قال ابن دقيق العيد في "شرح الإلمام": رَفع الطرف إلى السَّماء للتوجُّه إلى قبلة الدعاء ومَهَابط الوحي ومصَادر تصرف الملائكة، وقال جَماعة من أصحابنا: يُستَحبُّ أن يقول الذكر كلهُ مُستقبل القبلة. قال في "الإحياء": رافعًا يدَيه إلى السَّماء. وَزَادَ الترمذي في الدعاء: "اللهُمَّ اجعلني من التوابين واجعلني من المتَطهرين". ورواهُ البزار أيضًا، والطبراني في "الأوسط" من طريق ثوبان (¬1)، ولفظه: "من دَعا بوضُوء فتوضأ فسَاعة فَرغ من وضُوئه يقول: أشهدُ أن لا إله إلا الله وأشهدُ أن مُحمدًا رسول الله، اللهم اجعلني من التوابين واجعَلني من المتطهرين". ورواهُ ابن مَاجَه من حَديث أنس (¬2) (¬3)، وروى النسَائي في "عمل اليوم والليلة"، والحاكم في "المُستدرك" من حَديث أبي سَعيد الخدري بلفظ: "من توضأ فقال: سُبحَانك اللهُم وبِحمدك أشهدُ أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوبُ إليك، كتب في رق، ثم طبعَ بطَابَع فلم يكسر (¬4) إلى يَوم القيامة" (¬5). وروى الطبراني في "الكبير" بإسناد رجاله رجَال الصَّحيح عَن يزيد بن أبي عبيد أن سَلمة بن الأكوع كان إذا توضأ يأخُذ المسْك بيَديه ثم يمسَح به لحيته (¬6). * * * ¬

_ (¬1) "المعجم الأوسط" 5/ 140 (4895). (¬2) في (م): البتي. (¬3) (469). (¬4) في (ص): ينشر. (¬5) "السنن الكبرى" 6/ 25 (9909)، "المستدرك" 1/ 563. (¬6) "المعجم الكبير" 7/ 5 (6220).

66 - باب الرجل يصلي الصلوات بوضوء واحد

66 - باب الرَّجُل يُصلِّي الصَّلَواتِ بِوضوءٍ واحِدٍ 171 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن عِيسَى، حَدَّثَنا شَرِيك، عَنْ عَمْرِو بْنِ عامِرٍ البَجَلِيِّ -قالَ محَمَّدٌ: هوَ أَبو أَسَدِ بْنِ عَمْرٍو- قالَ: سَألت أَنَسَ بْنَ مالِكٍ عَنِ الوضوءِ، فَقالَ: كانَ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- يتَوَضَّأ لِكلِّ صَلاةٍ، وَكُنّا نُصَلِّي الصَّلَواتِ بِوضُوءٍ واحِدٍ (¬1). 172 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، أَخْبَرَنا يَحْيَى، عَنْ سفْيانَ، حَدَّثَنِي عَلْقَمَة بْن مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: صَلَّى رَسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الفَتْحِ خمسَ صَلَواتٍ بِوضوءٍ واحِدٍ، وَمَسَحَ عَلَى خفَّيْهِ، فَقالَ لَه عُمَز: إِنِّي رَأَيْتُكَ صَنَعْتَ اليَوْمَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ. قالَ: "عَمْدًا صَنَعْتُهُ " (¬2). * * * باب الرجل يصلي الصلوات بوضوء واحد [171] (ثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى) بن الطباع، علق لهُ البخاري، قال: (ثَنا شَرِيكٌ) بن عَبد الله بن أبي شريك (¬3) النخعي الكوفي القَاضي، استشهدَ به البُخاري في "الجامع" وروى له في رَفع اليَدين في الصلاة، "عَنْ عَمْرِو (¬4) ابْنِ عَامِر) الأنصاري (الْبَجَلِي قَالَ مُحَمَّد) بن عيسى (هُوَ أَبُو أَسَدِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: سَاَلْتُ أنسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- عَنِ الوضُوءِ فَقَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم - يَتَوَضَّأُ لِكُلّ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (214). (¬2) رواه مسلم (277). (¬3) في (ص): مرثد. وفي (ل): مزيد. وفي (ر): يزيد. والمثبت هو الصواب. (¬4) كتب فوقها في (د): ع. وقد ترجم المزي في "تهذيب الكمال" (4393) لعمرو بن عامر البجلي الكوفي، وفرق بينه وبين عمرو بن عامر الأنصاري الكوفي الذي يروي عن أنس بن مالك، وقال: وزعم أبو داود أنه (أي: عمرو بن عامر البجلي) الذي يروي عن أنس. ووهم هذا القول.

صَلاَةٍ) رواية البخاري: عندَ كل صَلاة. أي: مَفروضة. زاد الترمذي من طريق حميد عن أنس: طَاهِرًا أو غَير طاهر (¬1). وظاهره أن تلك كانت عادته، لكن حَديث البخاري من رواية سويد بن النعمان: خَرجنا مَعَ رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- عَام خَيبر. وفيه: ثم صَلى بنا (¬2) المغرب ولم يتَوضأ (¬3). هذا يدُل على أنَّ المراد على أن قوله: "يتَوضأ لكل صَلاة" أي: غالبا. قال الطحاوي: يحتمل أنَّ ذلك كان واجبًا عليه خَاصة، ثم نسخ يوم الفتح لحَدِيث بريدة الآتي بَعد هذا (¬4)، ورواهُ مُسْلم. قالَ: ويحتمل أنهُ كان يفعله استحبابًا، ثم خشي أن يظن وجوبهُ فتركه؛ لبَيان الجَوَاز (¬5) وهذا أقرب، وإذا قلنا بالنسخ فهو كانَ قبل الفتح، فإن حَديث سُويد الآتي كانَ بخَيبر وهي قَبل الفتح بزَمَان. (وَكنَّا) يَعني: مَعْشَر الصَّحَابة (نُصَلِّي الصَّلَوَاتِ) الخمس (بِوضُوءٍ وَاحِدٍ) (¬6). وفي البُخَاري: حَدَّثني عَمرو بن عَامر، عن أنس قال: قلتُ: كيف كنتمُ تصنعون؟ قال: يجزئ أحَدُنا الوضوء ما لم يُحدث. فَبَيَّن أنس أن الوضوء من غير حَدَث ليس بواجب. قالَ ابن بَطال: وعليه الفُقهاء والناس. وقالَ بعض العُلماء: الوضوء من غَير حَدث نور على نور، فمن أرَادَ الاقتداء به فليفعَل. وكان ابن عُمر يلتزم اتباعه في جَميع أفعَاله ويتحرى المواضع التي صَلى فيها حتى إنهُ ¬

_ (¬1) "السنن" (58). (¬2) في (د، س، ل، م): لنا. (¬3) "صحيح البخاري" (209). (¬4) "شرح معاني الآثار" 1/ 42 - 43. (¬5) "فتح الباري" 1/ 378. (¬6) رواه البخاري (214)، والترمذي (65)، والنسائي 1/ 85، وابن ماجه (509) كلهم من طريق عمرو بن عامر.

كانَ يُدير ناقته في الموَاضع التي كانَ رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- يدير ناقته فيهَا (¬1). [172] (ثَنا مُسَدَّدٌ قال: ثنا يَحْيَى) (¬2) القطان (عَنْ سُفْيَانَ قال: حَدَّثَنِي عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدٍ (¬3)، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ) بريدة بن الحصيب -رضي الله عنه- (قَالَ: صَلَّى رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ الفَتْحِ فتح مكة خَمْسَ صَلَوَاتٍ) مفرُوضَات (بِوضُوءٍ وَاحِدٍ) قيل: فعل ذلك لبيَان الجَوَاز وإلا فَالمندُوب الوضوء لكُل صَلاة مفروضَة، وأما قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} (¬4) الآية فمعنَاها: إذا قمتم مُحدثين. (وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ) يعني: على أعلاهُما وأسْفلهما كما تقدم. (فَقَالَ لَهُ عُمَرُ -رضي الله عنه-: إِنِّي رَأَيْتُكَ اليَوْمَ صَنَعْتَ (¬5) شَيئا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ (¬6) قبلَ اليَوْم. قَالَ: (عَمْدًا صَنَعْتُهُ) (¬7) هذا يدُل على أن ما تقدم من وضُوئه لكل صَلاة كانَ استحبابًا، ثم لما خشي أن يظن وجُوبه تركه لبَيَان الجَوَاز، وعلى هذا أجمع أهل الفتوى بعدَ ذلك [خلافًا لمن خالف في ذلك] (¬8). * * * ¬

_ (¬1) "شرح البخاري" لابن بطال 1/ 321، 322. (¬2) من (م). (¬3) في (ص): مزيد. وفي (س): يزيد. (¬4) المائدة: 6. (¬5) زاد في (ص، س، ل، م): اليوم. (¬6) في (ص، س، ل): صنعته. (¬7) الحديث رواه مسلم (277)، والترمذي (61)، والنسائي 1/ 86، وابن ماجه (510)، والدارمي (659)، وأحمد 5/ 350 جميعًا من طريق سفيان. (¬8) من (د)، وفي (ل، م) خلافًا لمن.

67 - باب تفريق الوضوء

67 - باب تَفْرِيق الوضوءِ 173 - حَدَّثَنا هارونُ بْن مَعْروفٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حازِمٍ، أَنَّهُ سَمِعَ قَتادَةَ بْنَ دِعامَةَ، حَدَّثَنا أَنَس بْن مالِكٍ، أَنَّ رَجُلًا جاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَقَدْ تَوَضَّأَ وَتَرَكَ عَلَى قَدَمَيْهِ مِثْلَ مَوْضِعِ الظُّفْرِ، فَقالَ لَه رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وضُوءَكَ". قالَ أَبو داودَ: وهذا الحَدِيث لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حازِمٍ، وَلم يَرْوِه إلَّا ابن وَهْبٍ وَحْدَهُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ الجَزَرِيِّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ، عَنْ عُمَرَ، عَنِ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- نَحْوَهُ، قالَ: "ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وضُوءَكَ" (¬1). 174 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّاد، أَخْبَرَنا يُونس وَحُمَيْدٌ، عَنِ الحَسَنِ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، بِمَعْنَى قَتادَةَ (¬2). باب تفريق الوضوء [173] (ثَنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ) أبُو علي الخزاز الضرير، شَيخ مُسْلم، قال: (ثَنَا) عَبْد الله (ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ جَرِيرِ) (¬3) بمتح الجيم (بْنِ حَازِمٍ) الأزدي (أَنَّهُ سَمِعَ قَتَادَةَ بْنَ دِعَامَةَ) (¬4) بكسر الدال السّدوسي الأعمَى (¬5)، ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (665)، وأحمد 3/ 146، وابن خزيمة (164). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (165). وله شاهد من حديث عمر رواه مسلم (243)، وهو ما علقه المصنف عقب حديث أنس. (¬2) انظر السابق. قال الألباني في "صحيح أبي داود" (167): هو مرسل، وإسناده صحيح بما قبله. (¬3) و (¬4) كتب فوقها في (د): ع. (¬5) في (م): الناد.

قال: (ثَنا أَنسٌ -رضي الله عنه- أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- وَقَدْ تَوَضَّأَ وَتَرَكَ عَلَى قدمه) من الغسْل قدرًا (مِثْلَ مَوْضِعِ الظُّفْرِ) الظفر من الإنسَان وكُل حَيَوان بِضَم الظاء المُعجمة والفاء على أفصح اللغَات، وبها قرأ السَّبعة في قوله تعالى: {حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} (¬1) وإسكان الفاء للتخفيف لغة قرأ بها الحَسَن البْصري. قالَ الزمخشَري: حَكى أبُو علي: ظفر بكسر الظاء، وسُكون الفاء (¬2)، وفيه لغة رابعَة بكسر الظاء، والفاء للإتباع، وقرئ بهما في الشاذ (¬3) والخامسَة: أظفور. (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وضُوءَكَ) أمَرَهُ بالرُّجوع لإحسَان الوضُوء؛ لأنه ترك تَعميم غَسْل القدَمَين. قالَ الطحاوي (¬4): لما أمرَهم بتعميم غَسْل الرجلين حتى لا يبقى منها لمعَة، دل على أنَّ فَرضهما (¬5) الغسْل؛ وتعقبه ابن المنير (¬6) بأن التعميم لا يستلزم الغسْل؛ لأن الرأس يعم بالمسح وليس فرضه التعميم. (ولَيسَ هذا الحَدِيثُ بِمَعْرُوفٍ، وَلَمْ يَرْوِهِ إلاَّ) عبد الله (ابن وَهْبٍ) ويَعْضد هذا ما رَوَاهُ الدارقطني من حَديث سَالم، عَن ابن عُمر، عن أبي بَكر وعُمر قالاَ: جَاء رجُل وقد توضأ وبقي على ظَهْرِ قَدَميهِ (¬7) مثل ¬

_ (¬1) الأنعام: 146. (¬2) "شرح أبي داود" للعيني 1/ 402. (¬3) في (م): الناد. (¬4) "فتح الباري" 1/ 319. (¬5) في (د، م): فرضها. (¬6) في (ص): المنذر. (¬7) في (ص، س، ل): قدمه.

ظفر إبهَامه، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ارْجع فأتم وضوءك". ففعل (¬1). ورواهُ (¬2) الطبَراني في "الأوسَط" (¬3) من هذا الوَجْه، لكن لم يذكر عُمر. وقوله: "أتم وضُوءك" دَال على عَدَم أمره بالاستئناف (¬4)، لكن اللفظ الذي ذكرهُ الدارقطني (¬5) أنهُ أمرهُ بغَسل ذَلك الموضع (¬6) نبهَ عليه ابن دقيق العيد. (وَقَدْ رُوِيَ عن (¬7) مَعْقِلِ) بفتح المِيم (بْنِ عُبَيدِ الله) بالتصغير (الْجَزَرِيِّ) العبسي (¬8) أخرَجَ له مُسْلم. (عَنْ أَبِي الزبَيرِ) (¬9) محمَّد بن مُسلم بن تدرس (¬10) المكي مَولى حَكيم بن حزام الأسدي (عَنْ جَابِرٍ (¬11)، عَنْ عُمَرَ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- نَحْوَهُ) وهذا الحَديث الذي أشَار إليه المصَنف أخرَجَه مُسْلم في "صحيحه" عن سَلمة بن شبيب، عن ابن أعين، عن مَعقل، عن أبي الزبير، عن جَابر قال: أخبرني عُمر بن الخَطاب أن رَجُلًا توَضأ فترك مَوْضع ظَفر (¬12) على ¬

_ (¬1) "سنن الدارقطني" 1/ 109. (¬2) في (م): وروى. (¬3) 2/ 356 (2219). (¬4) في (م): بالاستثناء و. (¬5) في (د، س، م): الرافعي، وفي (ص، ل): الذهبي، والمثبت الصواب. وهو من الإمام في معرفة أحاديث الأحكام" 2/ 12 - 14. (¬6) زاد هنا في (د): أصرح. وفي (م): أخرج. (¬7) من (د، م). (¬8) في (ص): القيسي. (¬9) كتب فوقها في (د): ع. (¬10) في (ص، ل): بدرس. (¬11) في (ص): خالد. (¬12) في (ص، ل): ضفر، وفي (س) صفر.

قدمه فأبصره النبي -صلى الله عليه وسلم- فـ (قال: ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وضُوءَكَ) فرجع ثم صَلى (¬1). قالَ النووي: فيه دَليل على أن مَن تَرك شَيئًا من أعضاء طَهَارَته جَاهلًا لم تصح طَهَارته، وفيه تعَليم الجَاهِل والرفق به (¬2). قال عيَاض: استدل به على وجوب الموالاة في الوضوء لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "أَحْسِنْ وضُوءَكَ" ولم يقُل: اغسل الموضع الذي تركته (¬3). قال النووي: وهذا الاستدلال ضَعيف أو باطِل فإن قوله -صلى الله عليه وسلم-: "أَحْسِنْ وضُوءَكَ" مُحتمل للتتميم (¬4) والاستئناف، وليسَ حَملهُ على أحَدهما بأولى من الآخر (¬5). [174] (ثَنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التبُوذكي شَيخ البُخاري، قال: (ثَنا حَمَّاد) بن سَلمة، قال: (أَنا يُونُسُ) (¬6) بن عُبيد العَبدي (وَحُمَيدٌ) (¬7) بن أبي حُميد الطويْل (عَنِ الحَسَنِ) البصري -رضي الله عنه- (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِمَعْنَى) حديث (قَتَادَةَ) بن دِعَامَة. * * * ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (243/ 31). (¬2) شرح النووي على مسلم" 3/ 133. (¬3) "إكمال المعلم" 2/ 40. (¬4) في (د): للتيمم. وفي (م): للسهو. (¬5) "شرح النووي على مسلم" 3/ 133. (¬6) كتب فوقها في (د): ع. (¬7) في (م): بن أبي حميد.

68 - باب إذا شك في الحدث

68 - باب إِذا شَكَّ فِي الحَدَثِ 175 - حَدَّثَنا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، حَدَّثَنا بَقِيَّةُ، عَنْ بَحِيرٍ - هُوَ ابن سَعْدٍ - عَنْ خالِدٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحابِ النَّبِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- رَأى رَجُلًا يُصَلِّي وَفِي ظَهْرِ قَدَمِهِ لْمُعَة قَدْرُ الدِّرْهَمِ لَمْ يُصِبْها الماءُ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يُعِيدَ الوضُوءَ والصَّلاةَ (¬1). 176 - حَدَّثَنا قُتَيْبَة بْنُ سَعِيد وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبي خَلَفٍ قالا: حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المسَيَّبِ وَعَبّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ قالَ: شُكِيَ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- الرَّجُل يَجِدُ الشَّيء في الصَّلاةِ حَتَّى يُخَيَّلَ إِلَيْهِ، فَقالَ: "لا يَنْفَتِلُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا" (¬2). 177 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّاد، أَخْبَرَنا سُهَيْل بْنُ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "إِذا كانَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاةِ فَوَجَدَ حَرَكَةً فِي دُبُرِهِ أَحْدَثَ أَوْ لَمْ يُحْدِثْ فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ، فَلا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا" (¬3). * * * باب إذا شك في الحدث كذا في نسخة أبي عَلي التسْتري، وفي نسخة الخَطيب: على الحديث الذي بعده. [175] (ثنا حيوة بْنُ شُرَيْحِ) شَيخ البُخاري، قال: (ثَنا بَقِيَّةُ) بن الوليد ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 424، والبيهقي 1/ 83. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (168). (¬2) رواه البخاري (137، 177)، ومسلم (361). (¬3) رواه مسلم (362).

أبُو محمد الكلاعي، ثقة عند الجمهُور. وروى له مُسلم في "صَحيحه" شاهدًا حَديث: "من دُعي إلى عُرس ونحوه فليجب" (¬1). لم [يرو له] (¬2) غَيره (عَنْ بَحِيرٍ) بفتح البَاء الموَحدة وكسْر الحَاء المُهَملة (بْنُ سَعْدٍ) ثبت، روى له الأربَعَة. (عَنْ خَالِدٍ) بن معدان الكلاعي، فقيه كبير ثبت (¬3) (عَنْ بَعْضِ أصحاب النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- قال البيهقي [في هذا الحديث] (¬4): هُو مُرْسَل (¬5) (¬6). وكذا قالَ ابن القطان (¬7) (¬8)، قال الأثرم: قلت لأحمد: هذا إسْناد جَيد. قال: نَعم. قَالَ: فقلتُ لهُ: إذا قال رجُل من التابعين: حدَّثني رجُل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يُسمه فالحَديث صَحيح. قال: نعم (¬9). وأعله المنذري (¬10) بأن فيه بقية عن بَحيرٍ وهو مُدلس. قالَ ابن حَجر: لكن في "المُسْند" (¬11) و"المُستْدرك" تصريح بقية بالتحديث، وفيه: عن بَعض أزواج النَّبي -صلى الله عليه وسلم-، وأجمل (¬12) النوَوي ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1429/ 101). (¬2) في (ص). يرويه. (¬3) "الكاشف" 1/ 369 (1354). (¬4) من (د، م). (¬5) في (ص): يرويه. (¬6) "السنن الكبرى" 1/ 83. (¬7) في (د، م): العطار. (¬8) "بيان الوهم والإيهام" 2/ 595 (597). (¬9) "عون المعبود" 1/ 297. (¬10) "مختصر سنن أبي داود" 1/ 128. (¬11) 3/ 424. (¬12) في (ص، س، ل) وحمل. والمثبت من (د، م).

القَول في هذا فقال في "شَرح المُهذَّب" (¬1) يُقال (¬2): هو ضَعيف الإسنَاد، وفي هذا الإطلاق نظر لهذِه الطرق (¬3)، وقد قَال النسَائي وغيرهُ: إذا قال بقية: حَدثنا (¬4) وأخبرنا فهو ثقة (¬5). (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً يصلي وَفِي ظَهْرِ قَدَمِهِ لُمْعَة) بِضَم اللام وإسْكان الميم، وهي في الأصل بَيَاض أو سَوَاد أو حُمرة تبدُو من بين لون سواهَا، وهي أيضًا قطعَة من النبت إذا أخذت في اليبس (¬6) دُون غَيرها، وفي الحَديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اغتسَل فرأى لمُعة بمنكبيه فدَلكها بِشَعره (¬7). أرادَ بقعة يَسيرة [من جَسده] (¬8) لم ينَلها الماء، وكذا هُنا. (قَدْرُ) بالرَّفع صفَة (الدِّرْهَمِ) بكسْر الدال وفتح الهَاء في اللغة المشهورة، وهو مُعرب، وقد تكسر الهَاء فيُقال: درهم. حَملًا على الأوزَان الغالبة. (لَمْ يُصِبْها المَاءُ، فَأَمَرَهُ النَبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يُعِيدَ الوضُوءَ وَالصَّلاة) (¬9) استدل ¬

_ (¬1) 1/ 455. (¬2) سقط من (د). (¬3) "التلخيص الحبير" 1/ 96. (¬4) في (ص): حديث. (¬5) انظر: "تهذيب الكمال"4/ 198. (¬6) في (ص، س، ل): اللبس. (¬7) انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 4/ 272. (¬8) سقط من (م). (¬9) الحديث رواه أحمد 3/ 424 من طريق بقية به، وقال الألباني في "صحيح أبي داود" 1/ 310: حديث صحيح.

به على وجوب الموالاة في الوضوء، ولو (¬1) لم تجب الموالاة لأجزأه غسل اللمعَة، وممن أوجبها الشافعي في القديم (¬2). وأصَح الروايتَين عند أحمد ونَص عليها في مَوَاضع؛ ولأنها عبَادة يفسدُها الحَدث فاشترطت لها الموَالاة كالصَّلاة، ولم يتوضَّأ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- إلا متوَاليًا (¬3)، وأمر في هذا بإعَادة الوضوء والصَّلاَة المُترتبة عليه والجديد (¬4) عندَ الشافِعي ورواية عن أحمد نقلها حنبل عنهُ أنَّ الموَالاة غَير واجبة (¬5)، وهو قول أبي حنيفة (¬6). وقال مَالك (¬7): إن تعمد التفريق بطلت (¬8)، وإلا فلا. * * * بابُ إذا شك في الحدَث هُنا ذكرهُ الخَطيب. [176] (ثَنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَف) القطيعي أبو عبد الله البغدَادي، وأبو خلف اسمه محمد مَولى بني سليم (¬9)، روى ¬

_ (¬1) من (د، م). (¬2) "الحاوي الكبير"1/ 136. (¬3) في (ص، س): مواليًا. (¬4) "الحاوي الكبير"1/ 136. (¬5) "المبدع" لابن مفلح 1/ 93. (¬6) "المبسوط" 1/ 56. (¬7) "المدونة الكبرى" 1/ 124. (¬8) في (د، م): بطل. (¬9) "فتح الباري" 1/ 286.

له مُسلم في مَواضع (قَالاَ: ثَنا سفْيَانُ بن عيَينة، عَنِ الزهْرِي، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ وَعَبَادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ) قَالَ ابن حجَر: شَيخ سَعيد يحتَمل أن يَكون عم عباد كأنه قال: كلاهما عَن عَمه. أي: عَم الثاني، وهو عباد، وعليه جرى صَاحب "الأطراف" (¬1). وعم عباد هوَ عبد الله بن زَيد بن عَاصِم المازني الأنصَاري، سَماهُ مُسْلم وغَيره في رواياتهم (¬2) بهذا (¬3) الحَديث من طريق ابن عيينة، واختلف هل (¬4) هو عَم عباد لأبيه أو لأمه؟ (¬5). (قال: شُكِيَ) بِضَم أوله على البِنَاء للمفعُول (إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-) وكذا ضَبَطَه النووي في مُسْلم (¬6)، وقال: لم يسَم الشاكي. ورواية البخاري: "شكا" (¬7) بفتح الشين والكاف وألف، ومقتضاهُ أن الراوي هُو الشاكي صرحَ بِذَلك ابن خزيمة (¬8)، عَن عَبد الجبار بن العَلاء، عَن سُفيان ومقتضاهُ (¬9) عن عَمه عبد الله بن زيد قال: سَألتُ رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- عن (الرَّجُلُ يَجِدُ الشَّيءَ) أي: الحَدَث خَارجًا منهُ، وصَرحَ به الإسمَاعيلي ولفظهُ: يخيل إليه في صَلاته أنه (¬10) يخرج منه شيء. وفيه العدُول عن ذكر الشيء المُستقذر بخاص اسْمه إلا لِضَرُورَة (¬11). ¬

_ (¬1) "تحفة الأشراف" 4/ 336. (¬2) في (د، م): روايتهم. (¬3) من (د، م): لهذا. (¬4) من (د، م). (¬5) "فتح الباري" 1/ 237. (¬6) "شرح النووي على مسلم" 4/ 51. (¬7) "صحيح البخاري" (137). (¬8) "صحيح ابن خزيمة" (25). (¬9) في (د، م): ولفظه. (¬10) في (م): أن. (¬11) "فتح الباري" 1/ 286.

(فِي الصَّلاَةِ) تمسَّك بَعض المالكية (¬1) بِظَاهره فخص الحكم لمَن (¬2) كان دَاخِل الصَّلاة وأوجَبُوا الوضوء على من كانَ خَارجهَا، وفرقوا بالنهي عن إبَطال العبَادة، والنهي عن إبطال العِبَادَة مُتوقف على صحَّتها فلا معنى للتفريق بِذَلك؛ لأن هذا التخيل إن كانَ ناقضًا خَارج الصَّلاة فينبغي أن يكون كذلك فيها كبَقية (¬3) النواقض. (حَتَّى يُخَيَّلَ إِلَيهِ) بِضَم أوله وفتح الخاء المُعجمة وتشديد الياء الأخيرة المفتوحة، وأصْلهُ من الخيَال، والمعنى يظن، والظنّ هُنا أعَم من تسَاوي الاحتمالين، أو تَرجيح أحَدهما على الآخر كما هُو أصل اللغة أنَّ الظَنَّ خلاف اليقين. (فَقَالَ: لاَ يَنْفَتِل) بالجزم على النهي، ويجوز الرفع على أن "لا" نافية، رواية البخاري: "أو لا ينصرف" على الشك من الراوي، وكأنه من عَلي بن عَبد الله المديني شَيخ البخَاري، فإن (¬4) غَيره رووهُ عن سُفيان بلفظ: "لا ينصَرف" مِنْ غَير شك. (حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا) أي: يخرج (¬5) من المخرج (أو) للتنويع (يَجِدَ رِيحًا) (¬6) عَبر بالوجدَان دُون الشم ليشمل ما لو لمسَ المحَل ثم شم يده ولا حجة فيه لمن اسْتدل به على أن لمَسَ الدبُر لا ينقض؛ لأن ¬

_ (¬1) "فتح الباري" لابن حجر 1/ 286. (¬2) في (د، م): بمن. (¬3) في (ل، م): لبقية. (¬4) في (د): قال. (¬5) في (د، م): خرج. (¬6) رواه البخاري (137)، ومسلم (361)، وابن ماجه (513)، والنسائي 1/ 98 من طريق سفيان به.

[الصورة تحمل على لمس] (¬1) ما قاربهُ لا عينه. ودَل حَديث البَاب على صحة الصَّلاة ما لم يتيقن الحدَث، وليسَ المرَاد تخصيص هَذين الأمرين باليقين؛ لأن المعنى إذا كانَ أوسَع مِنَ الحُكم كانَ الحكم للمعنى. قال النوَوي (¬2): وهذا الحَديث أصْل في حُكم بقاء الأشياء على أصُولها حَتى يتيقن خلاف ذلك، ولا يَضر الشك الطارئ عليها. وأخذ بهذا الحَديث جُمهُور العُلماء، ورُوي عن مَالك النقض مُطلقًا، ورُوي عنه النقض خارج الصَّلاة دُون دَاخلها، ورُوي هذا التفصيل عَن الحَسَن البَصْري، والأول مَشهُور من مَذهب مَالك؛ قالهُ القرطبي (¬3)، وروى ابن نافِع عنه: لا وضوء عليه مُطلقًا كقَول الجمهُور، وحمل بعضهم الحَديث على من كان بهِ وسواس، وتمسَّك بأن الشكوى لا تكون إلا عن علة، وأجيب بما دَل على التعميم، وهو حَديث أبي هُريرة عند مُسْلم بلفظ: "إذا وجد أحَدكم في بطنه شَيئًا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا؟ فلا يخرجن مِن المسجد حَتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا" (¬4). [177] (حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التبُوذكي، قال: (ثَنا حَمَاد) بن سلمة قال: (ثنا سُهَيلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ) أبي صَالح ذكوان ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): لأن الضرورة تحمل على الحس. (¬2) "شرح النووي على مسلم" 4/ 49. (¬3) "المفهم" 1/ 607 - 608. (¬4) "صحيح مسلم" (362) من حديث أبي هريرة مرفوعًا.

السمان (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: إِذا كانَ أَحَدُكمْ فِي الصلاَةِ فَوَجَد حركة فِي دُبُرِهِ) أو في جَوفه وأشكل عليه كما تقدم في رواية مُسْلم. (أأَحْدَثَ أَوْ لَمْ يُحْدِثْ فَأَشْكَلَ عَلَيهِ) ذلك (فَلاَ يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا) (¬1) [لفظ مُسْلم: "أخرج منهُ شيء"] (¬2) فيه ردٌّ على ما ادعَاه بَعضهم في الحَديث الذي قبلهُ أنه (¬3) مخصوص بمن به وسواس؛ لأن الشكوى لا تكون إلا عن علة، ووجه الرَّد أن هذا الحَديث ليس فيه شكوى. وذكر الحَديث في هذا يرد على ما ادَّعَاهُ ابن حَبيب أنَّ الحَديثين في الريح دُون غَيره، وهذا الحَديث أصْل من أصُول الإسلام، وقاعدة عظيمة من قوَاعِد الفقه، وهي أنَّ الأشياء يحكم ببَقائها على أصُولها حَتى يتيقن خلاف ذلك، ولا يضر الشك الطارئ عَليها، فَمن ذلك مسألة الكتاب التي ورد فيها الحَديث وهي أن من تيقن الطَّهارة وشك في الحَدث حكم ببَقائه على الطهَارة، ويُستحبُّ لهُ أن يتوضأ احتياطًا ومن مسَائل القاعدة من شَك في طلاق زَوجته أو عتق عَبده أو نجَاسة الماء الطَاهِر أو الثوب فلا تأثير [بهذا الشك] (¬4). * * * ¬

_ (¬1) الحديث رواه مسلم (362)، والترمذي (75)، والدارمي (721)، وابن خزيمة (24)، وأحمد 2/ 414 من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة. (¬2) سقطت هذِه العبارة من (د). وتقدمت في (ص، س، ل) بعد قوله: فأشكل عليه. (¬3) سقطت من (م). (¬4) من (س، ل).

69 - باب الوضوء من القبلة

69 - باب الوضُوء مِنَ القُبْلَةِ 178 - حَدَّثَنا محَمَّد بْنُ بَشّارٍ، حَدَّثَنا يحيى وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ قالا: حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ أَبي رَوْق، عَنْ إِبْراهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَبَّلَها وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. قالَ أَبو داودَ: كَذا رَواهُ الفِريابِيّ وَغَيرهُ. قالَ أَبُو داودَ: وَهُوَ مُرْسَل، إِبْراهِيمُ التَّيْمِيّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عائِشَةَ. قالَ أَبُو داودَ: ماتَ إِبْراهِيم التَّيْمِيُّ وَلَمْ يَبْلُغ أَرْبَعِينَ سَنَة، وَكانَ يُكْنَى: أَبا أَسْماءَ (¬1). 179 - حَدَّثَنا عثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، حَدَّثَنا الأعمَش، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَبَّلَ امْرَأةً مِنْ نِسائِهِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. قالَ عُرْوَةُ: فَقُلْتُ لَها: مَنْ هِيَ إلَّا أَنْت. فَضَحِكَتْ. قالَ أَبو داودَ: هَكَذا رَواة زائِدَةُ وَعَبْدُ الحَمِيدِ الِحمّاني عَنْ سُلَيْمانَ الأعمَشِ (¬2). 180 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْن مَخْلَد الطَّالقاني، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ -يَعْنِي: ابن مَغْراءَ- حَدَّثَنا الأعمَشُ، أَخْبَرَنا أَصْحاب لَنا، عَنْ عُرْوَةَ المُزَني، عَنْ عائِشَةَ بهذا الحَدِيثِ. قالَ أَبو داودَ: قالَ يحْيَى بْن سَعِيدٍ القَطّان لِرَجُل: احْكِ عَنِّي أَنَّ هَذَيْنِ -يَعْنِي: حَدِيثَ الأعْمَشِ هذا عَنْ حَبِيبٍ، وَحَدِيثَهُ بهذا الإِسْنادِ فِي المُسْتَحاضَةِ أَنَّها تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاةٍ - قالَ يَحْيَى: احْكِ عَنِّي أنَّهما شِبْهُ لا شَيءَ. قالَ أَبو داودَ: وَرُوِيَ عَنِ الثَّوْرِيِّ، قالَ: ما حَدَّثَنا حَبِيب إلَّا عَنْ عُرْوَةَ المزني ¬

_ (¬1) رواه النسائي 1/ 104، وأحمد 6/ 210. وانظر ما بعده. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (171): الإسناد صحيح لولا ما فيه من الانقطاع الذي صرح به المؤلف في الكتاب. لكن يقويه أنه جاء موصولًا من وجه آخر عن عائشة رضي الله عنها، وهو المذكور بعده. (¬2) رواه الترمذي (86)، وابن ماجه (502)، وأحمد 6/ 210. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (172).

يَعْنِي: لَمْ يُحَدِّثْهمْ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ بِشَيء. قالَ أَبُو داودَ: وَقَدْ رَوى حَمْزَة الزَّيّاتُ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عائِشَةَ حَدِيثا صَحِيحًا (¬1). * * * باب الوضوء من القبلة [178] (ثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بشَّار قال: ثَنا يَحْيَى) بن سَعيد القطان (وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ) بن مهدي (قَالاَ: ثَنا سُفْيَانُ) بن سعيد بن مسروق الثوري (عَنْ أَبِي روق) (¬2) عطيَّة بن الحارث الهمداني، قَالَ أبُو حَاتم: صَدوق (¬3) صَالح الحَديث (عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيمِي، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَبَّلَها وَلَمْ يَتَوَضَأ (¬4) وِإبْرَاهِيمُ التَّيمِي لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ شَيئًا؛ فهُوَ مُرْسَل) قال النسَائي: ليس في البَاب حَديث أحسَن من هذا الحديث (¬5)، وإن كانَ مُرسَلًا (¬6). وفي رواية ابن العبد (قَالَ أَبُو دَاودَ: مَاتَ إِبْرَاهِيمُ التَّيمِي وَلَمْ يَبْلُغْ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَيُكْنى أبا أَسْمَاءَ) مَات في حَبْس الحَجاج بن يُوسف سَنة أربَع وتسعين. و(كَذا رَوَاهُ) محمد بن يُوسُف (الْفِرْيَابِي) بكسر الفاء، وسُكون الرَّاء، ¬

_ (¬1) انظر السابق. وضعف إسناده الألباني في "صحيح أبي داود" (173). (¬2) في (ص): رزق. (¬3) سقطت من (م)، وانظر "الجرح والتعديل" 6/ 382. (¬4) الحديث رواه أحمد 6/ 210، والنسائي 1/ 104، والدارقطني 1/ 139 من طريق الثوري به. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" 1/ 316: حديث صحيح. (¬5) سقطت من (م). (¬6) "سنن النسائي" 1/ 112.

ثم مثناة تحت، وبعد الألف مُوحَّدة نسبة إلى فريَاب، ويقالُ: فَارِياب. مَدينة بالترك. (وَغَيْرُهُ) مِنَ الرواة. [179] (ثَنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، قال: ثَنا وَكيعٌ، قال: ثَنا الأعمَشُ، عَنْ حَبِيبٍ) بن أبي ثابت قيس (¬1) بن دينار الأسدي، الكاهِلي مَولاهم، رَوى لهُ البخاري ومُسْلم في مواضع (¬2) (عَنْ عُرْوَةَ) بن الزبَير (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- قَبَّلَ أمْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ) لفظ الترمذي: قَبَّل بَعْض نسَائه. ([ثم خرج إلى الصلاة] (¬3) وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، قَالَ عُرْوَةُ) فَقُلْتُ لَها (مَنْ هِيَ إلاَّ أَنْتِ فَضَحِكَتْ) أي: تبَسَّمَتْ سُرورًا بأن أسند (¬4) تقبيل النبي -صلى الله عليه وسلم- إليها؛ لأن التقبيل دَال على المحَبة فلها الشرف الكامِل بمحبة النَّبي -صلى الله عليه وسلم- لها. (هَكَذا رَوَاهُ زَائِدَةُ) بن قدَامة (وَعَبْدُ الحَمِيدِ) بن عَبد الرحمَن (الْحِمَّانِي) بكَسْر الحَاء المهملة وتشديد الميم وفي آخِرها نون نِسْبَة إلى حمَّان قبيلة من تميم نزلوا الكوفة، سمي حمان بن عَبد العزى بذلك؛ لأنه كان يحمم شفته أي: يسَودها، مولاهم التيمي، أخرج لهُ البخاري في فضائل القرآن (عَنْ سُلَيْمَانَ) بن مهَران (الأَعْمَشِ). [180] (وحَدَّثَنا إِبْرَاهِيمُ (¬5) بْنُ مَخْلَدٍ الطَّالْقَانِيُّ، قال: ثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن مَغْرَاءَ) بفتح الميم وسُكون المُعجمة وفتح الرَّاء والمد أبو زَهير ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): عيسى. وفي (د): عبس. وانظر "التقريب" (1084). (¬2) في (ص، س، ل): موضع. (¬3) ساقطة من الأصول، والمثبت من مطبوع "السنن". (¬4) في (ص): السند. (¬5) كتب فوقها في (د): د.

الدوسي الكوفي أحَد شيوخ أهل الرأي، وثقهُ أبُو زرعة وغيره (¬1). (قال: ثَنا الأَعْمَشُ) قال: أنا، ورواية الخَطيب. (حَدثنا أَصْحَابٌ لَنَا، عَنْ عُرْوَةَ المُزَنِيِّ) قال الذَهبي: وقيل: هو عُروة بن الزُّبير (¬2)، وكذا هُو عند ابن مَاجه (¬3) (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها بهذا الحَدِيثِ) المتقدم. (قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ القَطَّانُ لِرَجُلٍ: أحْكِ عَنِّي أَنَّ هذين (¬4) يَعْنِي) الحَديثين (حَديث) سُليمان (الأَعْمَشِ هذا عَنْ حَبِيبٍ) بن أبي ثَابت. (وَحَدِيثَهُ) بالنصْب (بهذا الإِسْنَادِ) لعله الحَديث الآتي في بَاب يجمع بَين الصَّلاتين من طريق وكيع، عن الأعمش، عن حَبيب بن أبي ثابت، عن عروة، عن عائشة قالت: جَاءت زينب بنت أبي حبيش إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر خبرها ثم قال: (فِي المُسْتَحَاضَةِ أَنَّها تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاَةٍ) كما سَيَأتي إن شاء اللهُ تعالى. (قَالَ يَحْيَى: احْكِ عَنِّي أَنَّهُما شِبْهُ) بكسر الشين وسُكون الموحدة، وسقط منه [التنْوين للإضافة] (¬5) (لاَ شَيءَ) إشَارة إلى الإسنَاد. (وَرُوِيَ عَنِ) سُفيان (الثَّوْرِي) قَالَ: ما حَدَّثَنا (¬6) حَبِيبٌ) بن أبي (¬7) ثابت ¬

_ (¬1) انظر: "الجرح والتعديل" 5/ 291 (1383)، "تهذيب الكمال" 1/ 421 لكن قال فيه أبو زرعة: صدوق. (¬2) "الكاشف" 2/ 20 (3784). (¬3) "سنن ابن ماجه" (502). (¬4) في (ص، س، ل): حديث. (¬5) في (ص): التبويب بلا إضافة. (¬6) في (ص): حدثا. (¬7) سقطت من (ص، س، ل، م).

(إلَّا عَنْ عُرْوَةَ المُزَنِي يَعْنِي: لَمْ يُحَدِّثْهُمْ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزبَيرِ) بن العَوام (بشيء (¬1). قال المصَنف: وقَدْ رَوى حَمْزَةُ الزياتُ، عَنْ حَبِيب) بن أبي ثابت (عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزبَيرِ) بن العَوام (¬2) (عَنْ عَائِشَةَ حَدِيثًا صَحِيحًا). وروى الطبراني عن عَائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كانَ يُقبل بعض نسائه ثم يخرج إلى الصَّلاة ولا يتوضَّأ (¬3). وفي سَنَده سَعيد بن بشير، وثقهُ شعبة وغَيره (¬4). وعن أم سَلمة قالت: كان رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- يُقبل ثم يخرج إلى الصَّلاة، ولا يحدث وضوءًا. رواهُ الطبراني في "الأوسَط" (¬5) وفيه يزيد بن سَنان الرهاوي، وثقه البخاري وأبو حَاتم، وثبته (¬6) مروان (¬7) بن معاوية، وبقية رجَاله موثقون (¬8). * * * ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصول، والمثبت من مطبوع "السنن". (¬2) سقط من (ل). (¬3) "المعجم الأوسط" 5/ 66 (4686). وذكره الهيثمي في "المجمع" 1/ 247 وقال: رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه سعيد بن بشير، وثقه شعبة وغيره وضعفه يحيى وجماعة. (¬4) "تهذيب الكمال" 10/ 352، 353. (¬5) 4/ 136 (3805). (¬6) في (م): ولينه، وفي (ر): وبينه. (¬7) ليست في (م). (¬8) قاله الهيثمي في "المجمع" 1/ 247، وزاد: ضعفه أحمد ويحيى وابن المديني.

70 - باب الوضوء من مس الذكر

70 - باب الوضُوءِ منْ مَسِّ الذّكر 181 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِك، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، أنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ يَقول: دَخَلْتُ عَلَى مَرْوانَ بْنِ الحَكَمِ، فَذَكَرنا ما يَكُونُ مِنْهُ الوضوء، فَقالَ مَروان: وَمِنْ مَسِّ الذَّكَرِ. فَقالَ عُرْوَةُ: ما عَلِمْتُ ذَلِكَ. فَقالَ مَروانُ: أَخْبَرَتْنِي بُسْرَة بِنْت صَفْوانَ أَنَّها سَمِعَتْ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يقُول: "مَنْ مَسَّ ذَكرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ" (¬1). باب الوضوء من مس الذكر [181] (ثَنا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ) القعنبي (عَنْ مَالِك، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ أَبِي بَكْرٍ) بن محَمد بن عَمرو بن حزم الأنصَاري المدني (أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ) بن الزبَير (يَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى مَرْوَانَ بْنِ الحَكَمِ) بن أبي العَاص بن أمَية بن عَبد شمس بن عَبد مناف، أبو عَبد الملك الأموي (¬2)، ولد بعد سنتين من الهجرة، ولم يصح له سَماع مِنَ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- (فَذَكَرْنا ما يَكُونُ مِنْهُ الوضُوءُ) يعني: نَوَاقض الوضُوء (فَقَالَ مَرْوَانُ) بن الحكم (وَمِنْ مَسِّ الذَّكرِ) الوضوء (فَقَالَ عُرْوَةُ) بن الزبير (ما عَلِمْتُ ذَلِكَ. فَقَالَ مَرْوَانُ: حدثتني بُسْرَةُ) بضم البَاء المُوَحَّدة وسُكون المهملة (بِنْتُ صَفْوَانَ) بن نوفل بن أسَد بن عبد العُزى بن قصي القُرشية الأسدية، كانت عند المغيرة بن أبي العَاص؛ فولدَت له مُعَاوية وعَائشة، وكانت عَائشة ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (82، 83، 84)، والنسائي 1/ 100، 216، وابن ماجه (479)، وأحمد 6/ 406، 407، وابن خزيمة (33)، وابن حبان (1112). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (175). (¬2) من (د، م).

تحت مَروان بن الحكم، وهي أم عَبد الملك بن مَروان، وهي من المبَايَعات، وعمها ورقة بن نَوفل (¬1) (أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ) (¬2) رواهُ مَالك والشافعي عنهُ، وأحمد (¬3) والأربعة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن الجارود من حَديثها، وصححهُ الترمذي، ونقل عن البخاري أنهُ أصح شَيء في البَاب. وقال الإسماعيلي في "صَحيحه" في أواخر تفسير سُورة آل عمران: إنهُ يلزم البخاري إخرَاجه فقد أخرجَ نظيره. وفي "صَحيح ابن خزيمة" وابن حبَّان قالَ عروة: فذهبتُ إلى بُسرة فسألتها فصدقته (¬4). واستدل على ذلك برواية جَماعة من الأئمة عَن هشام بن عروة، [عن أبيه] (¬5)، عن مروان، عن بُسرة، وقال أبو داود: قلتُ لأحمد: حَديث بُسرة ليس بصَحيح؟ فقال: بل هو صَحيح (¬6). وقال الدارقطني: صحيح (¬7) ثابت، وصَححهُ أيضا يحيى بن معين فيما حكاهُ ابن عَبد البَر (¬8). * * * ¬

_ (¬1) ذكره ابن عبد البر في "التمهيد" 17/ 179. (¬2) رواه الترمذي (82) دون قصة مروان، والنسائي 1/ 100، وابن ماجه، (479)، وأحمد 6/ 407، ومالك في "الموطأ" 1/ 42، والدارمي (725) من طريق عروة به، قال الألباني في "صحيح أبي داود" 1/ 328: إسناده صحيح على شرط البخاري. (¬3) في (ص): ذو. (¬4) "صحيح ابن حبان" (1114). (¬5) سقطت من (م). (¬6) "مسائل الإمام أحمد" رواية أبي داود (1966). (¬7) "سنن الدارقطني" 1/ 146. (¬8) "التمهيد" 17/ 191، و"الاستذكار" 3/ 27 - 28.

71 - باب الرخصة في ذلك

71 - باب الرُّخْصة في ذَلِك 182 - حَدَّثَنا مسَدَّدٌ، حَدَّثَنا ملازِم بْن عَمْرٍو الحَنَفِيُّ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَدْرٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: قَدِمْنا عَلَى نَبِيِّ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَجاءَ رَجُلٌ كَأَنَّهُ بَدَوِيٌّ، فَقالَ: يا نَبِي اللهِ ما تَرى فِي مَسِّ الرَّجُلِ ذَكَرَهُ بَعْدَ ما يَتَوَضَّأُ؟ فَقالَ: "هَلْ هُوَ إلَّا مُضْغَةٌ مِنْهُ" أَوْ قالَ: "بَضْعَةٌ مِنْهُ" (¬1). قالَ أَبُو داودَ: رَواهُ هِشام بْنُ حَسّانَ وَسُفْيان الثَّوْرِيُّ وَشُعْبَة وابْن عُيَيْنَةَ وَجَرِيرٌ الرّازِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جابِرٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ. 183 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ جابِرٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ، بإسْنادِهِ وَمَعْناهُ، وقالَ: فِي الصَّلاةِ (¬2). * * * باب الرخصة في ذلك [182] (ثَنا مُسَدَّدٌ، قال: ثَنا مُلاَزِمُ) بضم الميم (بْنُ عَمْرِو) بن عَبْدُ اللهِ بْنُ بَدْرٍ (الحَنَفِيّ) اليمامي، وثقهُ أحَمد، وابن معين، والنسَائي (¬3). وكان أحَد الفصحاء، قال (ثَنا عَبْدُ الله بْنُ بَدْرٍ) بن عميرة اليمامي (¬4) وثقه ابن ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (85)، والنسائي 1/ 101، وابن ماجه (483)، وأحمد 4/ 22، 23، وابن أبي شيبة 2/ 203 (1756)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 76 (461)، وابن حبان (1120)، والطبراني في "الكبير" 8/ 332 (8243). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (176). (¬2) انظر السابق. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (177)، قال: هذا إسناد لا بأس به في المتابعات. (¬3) "العلل ومعرفة الرجال" 1/ 380، "تهذيب الكمال" 29/ 190. (¬4) في (د): اليماني.

معين، وأبُو زرعة وغيرهما (¬1) (عَنْ قَيسِ بْنِ طَلْقٍ) بن علي الحنفي، روى عنهُ أهل اليَمامة، وثقهُ أبُو حاتم (عَنْ أَبِيه) طلق بن علي بن المنذر بن قيس بن عمرو بن عبد الله [بن عمرو] (¬2) بن عَبد العُزى بن سحيم بن مرة بن الدؤل (¬3) بن حنيفة اليَمامي، أحَد الوَفد الذين وفدُوا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعمل في بناء المسجد يعني: مسجد المدينة في أول الهجرة. (قَالَ: قَدِمْنا عَلَى رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- فَجَاءَ رَجُلٌ كَأَنَّهُ بَدَوِيٌّ) نسبة إلى البَادية على غير قياس، والبَدَوي خلاف الحَضَري. (فَقَالَ: يا نَبِيَّ اللِه، ما تَرى فِي مَسِّ الرَّجُلِ ذَكَرَهُ بَعْدَ ما يَتَوَضَّأُ؟ قال) رَوَاية الخطيب: فَقَالَ (هَلْ هُوَ) ورواية غَيره: "وهَلْ هُوَ" (إلاَّ مُضْغَةٌ) بضم الميم، وفتح الغَين المُعجمة [(منه أَوْ قال: بَضعَة) بفتح البَاء هي القطعَة مِنَ اللحم. قال في "النهَاية" (¬4): وقد تُكسر (¬5) أي: أنها جُزء مني كما أن القطعة مِنَ اللحم جُزء منهُ (مِنْهُ) ورواية الترمذي: "هَل هو إلا مُضغَة منه (¬6) أو بَضْعَةٌ مِنْهُ" (¬7) والمضغة أيضًا القطعة مِن اللحم قدر ما يمضغ (¬8). ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 5/ 11 - 12 (56)، "تهذيب الكمال" 14/ 324. (¬2) سقطت من (ص، س، ل). (¬3) في (ص): الدوا. (¬4) "النهاية" (بضع). (¬5) زاد هنا بعدها في (ص، س، ل). أي: تكسر. (¬6) سقطت من (م). (¬7) "سنن الترمذي" (85). (¬8) جاء هنا في (ص، س، ل): (أو مضغة) بضم الميم، وفتح الغين المعجمة (منه). وهي مكررة مقحمة.

(ورَوَاهُ) أيضًا (هِشَامُ بْنُ (¬1) حَسَّانَ) (¬2) الأزدي مولاهُم الحَافظ (وَسُفْيَانُ الثَّوْرِي (¬3)، وَشعْبَةُ (¬4)، و) سُفيان (ابْنُ عُيَينَةَ (¬5)، وَجَرِيرٌ) بفتح الجيم، ابن عبد الحَميد (الرازي) الضبي القَاضِي، عَالم أهل الري، صَاحب التصَانيف، ثقة (¬6). قالَ البَغَوي (¬7): حَديث قيس بن طلق عَن أبيه مَنسوخ؛ لأن طلقًا أتَى النَّبي -صلى الله عليه وسلم- حين بنى مَسْجد المدينَة في السَّنَة الأولى من الهجرة، وأما أبُو هُريرة فأسلم عَام خَيبر في السَّنَة السَّابعة مِنَ الهجرة وحديثه يُناقض (¬8) حَديث طَلْقٍ. (عَنْ مُحَمَدِ بْنِ جَابِرٍ) بن سيار بن طَلق السَّحيمي الحنَفي الضَرِير كان كوفيًّا وانتقل إلى اليَمامَة. قال الفلاس (¬9): صَدوق، متروك الحدَيث. قالَ أبُو حَاتم: أما أصُوله فصحاح، ثم ذَهَبت كتبه وساء حفظه (¬10) ليس له عند أبي داود وابن مَاجَه غَير هذا الحَديث (عَنْ قَيسِ بْنِ طَلْقٍ) عن أبيه. [183] (ثَنا مُسَدَّدٌ، ثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ عَنْ قَيسِ بْنِ طَلْقٍ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ وَقَالَ) فِيه (في الصَّلاَةِ) يَعني: من مسّ الرجُل ذكره في الصلاة. ¬

_ (¬1) وضع فوقها في (د): ع. (¬2) رواه عبد الرزاق 1/ 117 (446). (¬3) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 75 (455). (¬4) رواه أو نعيم في "الحلية" 7/ 166. (¬5) رواه ابن الجارود في "المنتقى" 1/ 28 (20). (¬6) "تاريخ الثقات" للعجلي ترجمة (205). (¬7) "شرح السنة" 1/ 343. (¬8) في (م): مُحناقض. (¬9) "الجرح والتعديل" 7/ 219 (1215)، "تهذيب الكمال" 24/ 567 (5110). (¬10) "الجرح والتعديل" 7/ 219 - 220 (1215).

روى الطبراني في "الكَبير" بإسناد رجاله مُوثقون عن أرقم بن شرحبيل قالَ: حكَّيت جَسَدي وأنا في الصلاة فأفضيت (¬1) إلى ذكري. فقلت لعَبْد الله بن مسعود فقال لي: اقطعهُ. وهو يَضحك، أين تعزلهُ منك؟ إنما هو بَضعة منك (¬2). وعن عبد الرحمنَ عن (¬3) علقمة قال: سُئل ابن مسعود وأنا أسمع عن مسّ الذكر فقال: هل هو إلا طرف أنفك (¬4)؟ ! ورجَاله مُوثقون (¬5). وحَديث طَلق هذا صحَّحهُ عمرو بن علي الفلاس. وقال: هو عندَنا أثبت من حَديث بُسرة (¬6)، ورواه أحمد والدارقطني (¬7)، وعن ابن المديني (¬8): هو عندنا أحسَن من حَديث بُسرة. والطحاوي قالَ: إسنادُه مُستقيم غَير مضطرب بخلاف حَديث بُسْرة (¬9) لكن قال البيهقي: يكفي في ترجيح حَديث بُسرة، على حديث طَلق أنَّ حَديث طَلق لم يخرجه الشيخان، ولم يحتجا بأحد من رواته، وحَديث بُسْرَة قد احتجا بجميع رواته إلا أنهما لم يُخرجَاه للاختلاف فيه على عُروة (¬10). * * * ¬

_ (¬1) في الأصول: فأفضت. والمثبت من "المعجم الكبير". (¬2) "المعجم الكبير" 9/ 247 (9214). (¬3) في النسخ الخطية: بن. والتصويب من "المعجم الكبير". (¬4) "المعجم الكبير" 9/ 247 (9215). (¬5) انظر "مجمع الزوائد" 1/ 244. (¬6) انظر: "تلخيص الحبير" 1/ 125. (¬7) "المسند" 4/ 22، و"سنن الدارقطني" 1/ 149. (¬8) انظر: "تلخيص الحبير" 1/ 125. (¬9) "شرح معاني الآثار" 1/ 76. (¬10) انظر: "تلخيص الحبير" 1/ 125.

72 - باب الوضوء من لحوم الإبل

72 - باب الوضُوء منْ لُحومِ الإِبلِ 184 - حَدَّثَنا عُثْمان بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، حَدَّثَنا الأعمَشُ، عَنْ عَبْدِ اللْهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الرّازِيّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ قالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الوضوءِ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ، فَقالَ: "تَوَضَّئُوا مِنْها" وَسُئِلَ عَنْ لُحومِ الغَنمِ، فَقالَ: "لا تتوَضَّئُوا مِنْها" وَسُئِلَ عَنِ الصَّلاةِ فِي مَبارِكِ الإِبِلِ، فَقالَ: "لا تُصَلُّوا فِي مَبارِكِ الإِبِلِ؛ فَإنَّها مِنَ الشَّياطِينِ" وَسُئِلَ عَنِ الصَّلاةِ في مَرابِضِ الغَنَمِ، فَقالَ: "صَلُّوا فِيها فَإِنَّها بَرَكَة" (¬1). * * * باب في الوضوء من لحوم الإبل [184] (ثَنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، قال: ثَنا أَبُو مُعَاوِيَةَ) الضرير، قال: (ثَنا الأَعْمَشُ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَبْدِ اللِه الرَّازِي) قاضِي الري، من موالي بني هَاشم الكوفي، وثقه أحَمد بن حنبل وغَيره (¬2). (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (¬3) بْنِ أَبِي لَيلَى) الأنصَاري، كان أصحَابه يُعظمونه كأنهُ أمير (عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهما، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الوضُوءِ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ، فَقَالَ: تَوَضَّؤُوا مِنْهَا) طَلبُ الوضوء هنا ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (81)، وابن ماجه (494)، وأحمد 4/ 288، 303، وابن خزيمة (32)، وابن حبان (1128). وسيأتي مختصرا برقم (493). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (178). وله شاهد من حديث جابر بن سمرة عند مسلم (360). (¬2) "تهذيب الكمال" 15/ 184. (¬3) كتب هنا فوقها في (د): ع.

يحتمل أن يراد به الوضاءة، وهو الحُسْن والنظافة، وأن يَراد به المُستَعمل في الشرع، وهو غسْل الأعضاء الأربعة، ويحتمل أن يراد به غسل الكفين؛ لإزالة الرائحة والزهومَة، والزفورة الموجودة في لحم الإبل، ويحتمل أن يكون طلب الوضُوء على سَبيل الاستحباب أو على سبيل الوجوب. فإن أريد به الوضاءة والنظافة، أو غسْل الكفَّين، أو الوضوء على سَبيل الاستحباب فليسَ بمنسُوخ، فقد كانَ عُمر بن عَبد العزيز يتَوضأ مِن أكل السُّكر، والأكثرون ذَهبوا إلى أنه لا ينقض الوضُوء وممَّن ذهبَ إليه: الخلفاء الأربعة، وابن مسْعود، وأبي بن كعب، وابن عَباس، وأبو الدرداء، وغَيرهم، وجَماهير التابعين ومَالك وأبو حَنيفة والشافعي (¬1). وذَهَبَ إلى انتقاض الوضوء به: أحمد وإسحاق بن راهويه (¬2)، ويحيى بن يحيى، وأبو بكر ابن المنذر (¬3)، وابن خزيمة (¬4)، واختارهُ أبو بكر البيهقي، فقال: [حَكى بَعض] (¬5) أصحابنا عَن الشافعي قالَ: إن صَح الحَديث في لحوم الإبل قلتُ به. قالَ البيهقي: وقد صَح فيه حدَيثان: حَديث جَابر بن سمرة (¬6)، وحَديث البراء، قالهُ أحمد وإسَحاق بن راهُويه (¬7). ¬

_ (¬1) "الاستذكار" 1/ 179، "الأصل" 1/ 58، "الحاوى" 1/ 205 - 206. (¬2) "مسائل الكوسج" 1/ 107 - 108 (112). (¬3) "الأوسط" بتحقيقنا 1/ 248. (¬4) "صحيح ابن خزيمة" 1/ 47. (¬5) في (م): حُكِي عن بعض. (¬6) رواه مسلم (97/ 360)، والترمذي (81). (¬7) "معرفة السنن" 1/ 254، 255.

قال النووي: وهذا المذهب أقوى دليلًا (¬1). قالَ الخَطابي (¬2): ذَهبَ إلى هذا عَامة أصحاب الحَديث، وأجَاب (¬3) الأكثرون عَن هذا الحَديث بأنه منسوخ بحديث جَابر الآتي وهو ترك الوضوء مما مَستهُ النار. ولكن يُقال: هذا الحَديث عَام وحَديث الوضوء من لحُوم الإبل خَاص، والخاص مُقدم على العَام فادعَاء النسخ لا يصح؛ لأن العَام لا ينسخ به الخاص؛ لأن من شرط النسخ تعذر الجمع. والجمع بين الخاص والعَام ممكن بتنزيل العَام على ما عدا محَل التخصيص؛ ولأن الأمر بالوضوء من لحوم الإبل متأخر عن نسخ الوضوء مما مسته (¬4) النار أو مقارن له، بدليل أنه قرن الأمر بالوضوء من لحوم الإبل بالنهي عن الوضوء من لحوم الغنم، وهي مما مسَّت النار، فإمّا أن يكون النسخ حَصَل بهذا النهي. وإما أن يَكون بشيء قبلهُ فإن كانَ به؛ فالأمر بالوضوء من لحوم الإبل مقارن لنسخ الوضوء مما غَيرت النار، فكيف يجوز أن يكون منسوخًا به؟ ! ومن شرط النسخ تأخر الناسخ، وإن كان النسخ قبله (¬5) لم يَجز أن ينسَخ بما قبله؛ ولأن أكل لحم (¬6) الإبل إنما نقض لكونه من لحوم الإبل لا بكونه مما مسَّته النار، وبهذا ينقض وإن كان نيئًا فنسخ إحدى الجهتين لا [يثبت به] (¬7) ¬

_ (¬1) "المجموع" 2/ 66. (¬2) "معالم السنن" 1/ 67. (¬3) في (د): وأجابه. (¬4) في (ص): مس به. (¬5) في (ص، س): فيه. (¬6) في (د): لحوم. (¬7) في (ص): بتنزيه.

نسخ الجهَة الأخرى، كما لو حرمت المرأة للرضاع ولكونها ربيبة فنسخ التحريم بالرضاع، لم يكن نسخًا لتحريم الربيبة. (وَسُئِلَ عَنْ لُحُومِ الغَنَمِ، فَقَالَ (¬1): لاَ تَوضَّؤُوا) أصله: تَتَوَضَّؤُوا بتاءين، فحذفت إحدَاهما تخفيفًا. (مِنْهَا) أي: لا تتوضؤوا الوضوء الشرعي منها، وإذا انتفى الوضُوء الشرعي لا ينتفي غَيره، وهو غسل الكفين، فإنهُ مستحب؛ لما روى الترمذي والحَاكم عن أبي هريرة، قال رسُول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الشيطان حسّاس لحاس؛ فاحذروهُ على أنفسكم [من بات] (¬2) وفي يده غمر فأصَابهُ شيءٌ، فلا يلومَن إلا نفسه" (¬3) وفي رواية أبي داود الآتية: "وفي يده غمر لم يَغسله" (¬4) وحَساس، والغمر: ريح اللحم وزهُومَته. (وَسُئِلَ عَنِ الصلاَةِ فِي مَبَارِكِ الإِبِلِ) المبَارك: جمع مَبرك، بفتح الميم والراء، وهو موضع بروكها. (فَقَالَ: لاَ تُصَلُّوا فِي مَبَارِكِ الإِبِلِ؛ فَإِنَّها مِنَ الشَّيَاطِينِ) يُوضحهُ ما رواهُ الشافعي والطبراني من حَديث عَبد الله بن مغفل (¬5) أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا أدركتم الصَّلاة وأنتم في أعَطان الإبل فاخرجوا منها وصلُّوا (¬6)؛ فإنها ¬

_ (¬1) في (ص، ل): فقالوا. (¬2) سقطت من (ص). (¬3) "سنن الترمذي" (1859)، "المستدرك" 47/ 119. قال الترمذي: غريب من هذا الوجه. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذِه الألفاظ. (¬4) ستأتي برقم (3852). (¬5) في (س): معهر. (¬6) سقطت من (س، ل، ص).

جِنّ خلقت من الجنّ، ألا ترى إذا نفرت تشمخ بأنفها؟ ! " (¬1) لكن في إسنَاده إبراهيم بن يحيى (¬2)، ففي هذا دليل على النهي عن الصَّلاة في مَبارك الإبل، وأعطان الإبل: مَبَاركها عند الماء، ووجه الكراهة كونها محل الشياطين، ويدُل على ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم- في الحَديث الصَحيح: "أخرجوا من هذا الوادي؛ فإنَّ فيها شيطانًا" (¬3). (وَسُئِلَ عَنِ الصلاَةِ فِي مَرَابِضِ الغَنَمِ" المرابض: جَمع مَربض، بفَتح الميم وكسر البَاء كمجلس، وهو مأواها ليلًا، والربوض للغَنمَ كالاضطجاع للإنسان والبرُوك للجَمل. (فَقَالَ: صَلُّوا فِيهَا) هو أمر إباحة، وفيه دليل على أنَّ الصَّلاة تكون في موضع يكونُ فيه الغَنم، غَير مكروهة (¬4)؛ لما في رواية الشافعي والطبراني المتقدمة: "إذا أدركتُم الصَّلاة وأنتم في مراح الغَنَم فصلوا فيها". (فَإِنَّهَا) سَكينة و (بَرَكةٌ) قال القرطبي: وفيه دليل على ما قاله مَالك مِنَ طَهَارة فضلة ما يُؤكل لحمهُ؛ لأن موضع إقامتها لا يخلو من أبوالها وأرواثها. قال: وأمّا نهيهُ عن الصَّلاة في معاطن الإبل فليس لنجاسة فضلاتها، بل لأمر آخر إمّا لنَتن معاطنها، أو لئلا تنفر وهو في الصَّلاة؛ فيُشوش على المصلي وهذا كله مما ينبغي أن يجتنبه المُصلي (¬5). * * * ¬

_ (¬1) "مسند الشافعي" بترتيب السندي 1/ 67 (199). (¬2) هكذا في النسخ. والذي في "مسند الشافعي": إبراهيم بن محمد. (¬3) رواه البيهقي في "السنن الكبرى" 2/ 449. (¬4) في (س، ل، م): مكروه. (¬5) "المفهم" 1/ 605 - 606.

73 - باب الوضوء من مس اللحم النيء وغسله

73 - باب الوضُوءِ مِنْ مَسِّ اللَّحْمِ النيء وغَسْله 185 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن العَلاءِ وَأَيّوب بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّقِّيُّ وَعَمْرُو بْنُ عُثْمانَ الِحمْصِيُّ -المَعْنَى- قالُوا: حَدَّثَنا مَرْوانُ بْنُ مُعاوِيَةَ، أَخْبَرَنا هِلَالُ بْنُ مَيْمونٍ الجهَنِيُّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ -قالَ هِلالٌ: لا أَعْلَمة إلَّا عَنْ أَبي سَعِيدٍ. وقالَ أَيُّوبُ وَعَمْرو: أُراهُ- عَنْ أَبي سَعِيدٍ، أَنَّ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ بِغُلامٍ وَهُوَ يَسلُخُ شاةً، فَقالَ لَه رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "تَنَحَّ حَتَّى أُرِيَكَ" فَأَدْخَلَ يَدَهُ بَيْنَ الجِلْدِ واللَّحْمِ، فَدَحَسَ بِها حَتَّى تَوارَتْ إِلَى الإِبْطِ، ثمَّ مَضَى فَصَلَّى لِلنّاسِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. قالَ أَبُو داودَ: زادَ عَمْرٌو فِي حَدِيثِهِ: يَعْنِي لَمْ يَمَسَّ ماءً. وقالَ: عَنْ هِلالِ بْنِ مَيْمُونٍ الرَّمْلِيِّ. وَرَواهُ عَبْد الواحِدِ بْنُ زِيادٍ وَأَبُو مُعاوِيَةَ، عَنْ هِلالٍ، عَنْ عَطاءٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مُرْسَلًا، لم يَذْكُرا أَبا سَعِيدٍ (¬1). * * * باب في الوضوء من مس اللحم النيء وغسله (النِّيء) بكسر النون والهمزة آخره بوزن حمل، كل شيء شأنه أن يعَالج بطبخ أو شيٍّ، ونحوه، والإبدال والإدغَام مشهور. [185] (ثَنا مُحَمَّدُ (¬2) بْنُ العَلاَءِ) بن (¬3) كريب الهمداني الكوفي (¬4) ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (3179)، وابن حبان (1163). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (179). (¬2) كتب في (د): فوقها: ع. (¬3) في (د): أبو. (¬4) سقطت من (ص، ل).

(وَأَيُّوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّقِّيُّ" الوزان حجَّة (¬1) (وَعَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ) بن سعيد بن كثير (الْحِمْصِي) حَافظًا صَادقًا (¬2) (المعنى). (قَالُوا: ثَنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ) بن الحَارث، الفزاري، كوفي، حَافظ واسع الرواية جدًّا، جَاور بمكة ثم (¬3) قدم دمشق وسكنها، قال (أنبَأنا هِلاَلُ بْنُ مَيمُونٍ) الرملي (الْجُهَنِي) صدُوق (¬4). (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ الليثي (¬5) قَالَ هِلاَلٌ) بن ميمون (لاَ أَعْلَمُهُ) رواه (إلَّا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) الخدري. (وَقَالَ أَيوبُ) بن محمد (وَعَمْرٌو) بن عثمان (أُرَاهُ) بضَم الهَمزة، أي: أظنه. (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) وهو الخدري -رضي الله عنه- (أَنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ بِغُلاَمٍ وَهُوَ) الابن الصَّغير (يَسْلَخُ) بفتح اليَاء واللام بوزن ينفع، وقد تضم اللام كيقتل قَالوا: ولا يقالُ في البَعير: سَلخت جلده. وإنما يُقَالُ: كشطتهُ ونحوتهُ وانحَيتهُ. (شَاة) قد يُؤخذ منهُ جواز ذبح الصَّبي وسلخه، فإنَّ الظاهر أنهُ لم يسلخها إلا وقد ذبحها، وهذا في الصَّبي المميِّز؛ لأنَّ قصدهُ صَحيح بدَليل صحة العبَادَة منه، وكذا يصحُّ ذبح غير المُميِّز وذبح المجنون والسَّكران في الأظهر؛ لأن لهم قصدًا في الجملة. وقال أحمد (¬6) ومَالك (¬7): لا يصح؛ لأن من لا عقل له لا يصح منه القَصد. ¬

_ (¬1) "الكاشف" 1/ 262 (524). (¬2) "الكاشف" 2/ 83 (4192). (¬3) سقطت من (ص، س، ل). (¬4) "الكاشف" 2/ 342 (6056). (¬5) في (ص): (ل): الدقلي. (¬6) "الكافي" لابن قدامة 2/ 503. (¬7) "التلقين في الفقه المالكي" 1/ 106 - 107، "البيان والتحصيل" 3/ 270.

(فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: تَنحَّ عنها حَتَى أُرِيَكَ) معناهُ: أعلمك، ومنه قوله تعَالى: {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} (¬1) فهو من الرؤية بمعنى (¬2) العلم، فيتعدى إلى مفعولين والمفعول الثاني في الحديث محذوف، أي: أريك السلخ المشروع، وفيه فَضيلة تعليم الجَاهِل إذا رَآهُ يَفعل ما لا يُحسنُهُ، وإن لم يسأل وفيه التعليم بالفعْل؛ إذ هو أبلغ من القول. (فَأَدْخَلَ يَدَهُ) الكريمة (بَيْنَ الجِلْدِ وَاللَّحْمِ، فَدَحَسَ) بفتح الحَاء والسِّين المهملتَين، أي: دَسَّ يده بين الجلد واللحم بذراعها كما يفعل السَّلاخ، وكل شيء ملأتَه فقد دَحَسْتَهُ، والدحْس والدس متقاربَان، ومنهُ حَديث عطاء: حق على الناس أن يَدْحسُوا الصُّفُوفَ (¬3). أي: يزدحموا فيها ويدُسُّوا أنفسهم بين فرجها ويروى بالخاء المعجمة، وهو بمعناهُ. (بِها حَتَى تَوَارَتْ) بين الجلد واللحْم (إِلَى الإِبْطِ) فيه دَليل على فضيلَة سَلخ الجلد عن اللحم بإدخَال اليَد بيَنهما قليلًا قليلًا إلى أن يدخل إلى الإبط على السلخ بالسكين؛ لأنهُ أسرع وأنظف لِلَّحم هازالة الزهُومَة وكلاهما جَائزٌ، إلا أنَّ هذا محمول على أن الغُلام كانَ لا يُحسن السَّلخ بالسكين، ويبقي على الجلد شَيء من اللحم. وهذا السَّلخ إنما يتَأتى غَالبًا في الصَّغير أما الكبير فلا يصلح فيه السلخ بإدْخَال اليَد، وفي الحَديث دلالة على ما نقلهُ النووي في "شرح ¬

_ (¬1) البقرة: 128. (¬2) سقطت من (ص، س، ل). (¬3) رواه الخطابي في "غريب الحديث" 1/ 211.

المهذب" عن أبي إسَحاق الثعلبي المفَسر (¬1)، من أصحابنا أنَّ الدم البَاقي على اللحم طَاهِر أو معفو عنهُ؛ لأن الله تعالى لم ينَه عن كل دَم، وإنما نَهى عن المسفوح خاصة وهو السَّائل (¬2)، انتهى. ووجه الدليل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أدخَل يدهُ بين الجلد واللحم مع ما بينهما من الدم الحَاصل من العُروق التي في اللحم، ولا يخلو الجلد من اتصَاله بهذا الدَّم كما رأيته مُشاهدًا على الجلد ولو كان نجسًا أو الزهومة التي عليه نجسًا لما أدخل النبي -صلى الله عليه وسلم- يدهُ فيه، ولَغسل يده منه حين أخرَجَهَا، ولم ينقل، ولو فعَلهُ لنُقل، ويُكره سَلخ الحَيَوان قَبل أن يبرد؛ لأنَّ فيه تعذيبًا للحيوان فهو كقطع العضو. ويُكرهُ النفخ في اللحم الذي يريدهُ للبيع وكذا صب الماء بَين الجلد واللحم الذي يُريدهُ للبيع، لما فيه من الغش. (ثُمَّ مَضَى إلى الصّلاة فَصَلَّى لِلناسِ وَلَمْ يَتَوَضَّأ) (¬3) أي: لم يغسل يده (¬4). (زَادَ عَمْرُو) بن عُثمان (فِي حَدِيثِهِ يعني (¬5): لَمْ يَمَسَّ مَاءً) قَبل الصَّلاة، وقد يُستدل بهذا الحَديث على أن (¬6) الدم البَاقي على اللحم والعَظم (¬7) ¬

_ (¬1) سقطت من (م). (¬2) "المجموع شرح المهذب" 2/ 557 - 558. (¬3) الحديث رواه ابن ماجه (3179) من طريق محمد بن العلاء به، وابن حبان (1163) من طريق مروان بن معاوية به، وقال الألباني: إسناده صحيح. (¬4) في (د، س، ل، م): يديه. (¬5) سقطت (س، ل). (¬6) سقطت (س، ل). (¬7) ليست في (م).

والجلد يعفى عنهُ ولا يغسل ما أصَابهُ منه. قالهُ الإمَامُ أبُو إسحاق الثعلبي المفَسر، من أصحابنَا، وقل (¬1) من يعرض له منهم، وعلله بمشقة الاحتراز منهُ؛ ولأن الله تعالى لم ينه عن كل (¬2) دم، بَل عن المسفوح خَاصَّة، وهو السَّائل، انتهى. قالَ ابن قدامة (¬3): أكثر أهل العِلم يرون العَفو عن يَسير الدم، وممن رُوي عنه: ابن عباس وأبو هُريرة وجَابر. (وَقَالَ: عَنْ هِلاَلِ بْنِ مَيمُونٍ) قال ابن معين: ثقة (الرَّمْلِي). (وَرَوَاهُ عَبْدُ الوَاحِدِ (¬4) بْنُ زَيادٍ) العبدي مولاهم البصري (وَأَبُو مُعَاوِيَةَ) محمَّد بن خَازم الضَّرير السَّعدي (عَنْ هِلاَل) بن ميمون (عن (¬5) عَطَاء) بن يزيد (عَنِ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- مُرْسَلًا) و (لَمْ يَذْكُر أَبا سَعِيدٍ) الخدري، والمشهُور عند المحَدثين أن المرسَل ما رفعهُ التابعي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، سَوَاء كان من كبَار التابعين كعبد الله بن عَدي بن الخيار، وقيس بن أبي حازم، وسَعيد بن المُسيب أو من صغَار التابعين (¬6) كالزهري، ويحيى بن سَعيد الأنصَاري، وقيده بعضُهم بكبار التابعين؛ وعلى هذا فمراسيل صغار التابعين لا تُسمى مُرسَلة، بل مُنقطعة؛ كما هو مُقرر عند أهله. * * * ¬

_ (¬1) في (م): وقيل. (¬2) سقطت من (د، س، ل، م). (¬3) "المغني" 2/ 481. (¬4) كتب في (د) فوقها: ع. (¬5) سقط من (ص). (¬6) سقطت من (ص، س، ل).

74 - باب ترك الوضوء من مس الميتة

74 - باب تَرْكِ الوضوءِ منْ مَسِّ المَيْتةِ 186 - حَدَّثَنا عَبْد اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنا سلَيْمان -يَعْنِي: ابن بِلالٍ- عَنْ جَعْفَر، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مرَّ بِالسُّوقِ داخِلًا مِنْ بَعْضِ العالِيَةِ والنّاس كنَفَتَيْهِ، فَمَرَّ بِجَدي أَسَكَّ مَيِّتٍ، فَتَناوَلَهُ، فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ، ثُمَّ قالَ: "أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هذا لَهُ؟ ! " وَساقَ الحَدِيثَ (¬1). * * * باب ترك الوضوء من الميتة [186] (ثَنا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ) القعنبي، قال: (ثَنا سُلَيمَانُ (¬2) بن بِلاَلٍ) القرشي، التيمي (عَنْ جَعْفَرٍ) بن محَمد الصادق، أخرجَ له مُسْلم (عَنْ أَبِيهِ) جَعْفَر الصَّادق (¬3) (عَنْ جَابِر -رضي الله عنه- أَنَّ النبي (¬4) -صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِالسُّوقِ) والسُّوق التي يُباع فيها مؤنثة على اللغَة الفصحى، تصغيرها: سُوَيقة، والتذكير خَطأ؛ لأنه قيل: سُوق نافقة، ولم يسمع: نافق، بغير هاء، فيه أن من سُنن المرسَلين المشي في الأسواق، وابتغاء المعَاش، وقضاء حوائجهم بأنفسهم. (دَاخِلًا) إليها (مِنْ بَعْضِ العَالِيَةِ) وهي كل ما كان من جهة نَجد من المدينة من قراها وعمائرها فهَو العَالِيَةِ وما كانَ دُونَ ذلك من تهامَة ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2957). (¬2) كتب فوقها في (د): ع. (¬3) الصواب: محمد الباقر. (¬4) في (د): رسول الله.

فهو السافلة، والعَوَالي من المدينَة على أربعة أميَال، وسيأتي في الصَّلاة أن العَوَالي على ميلين أو ثلاثة. (وَالنَّاسُ) بالرَّفع مُبتدأ (كَنَفَتَيهِ) مَنصوب على الظرفية، وهو في مَوضع الخبر، وهو بفَتح الكاف، والنون والمثناة فَوق، أي: عن (¬1) جَانبيه. قالَ في "النهَاية": رُوي: والناسُ كنفيه (¬2). أي: بحذف التاء، وفي حَديث يحيى بن [يعمر: فاكتنفته] (¬3) أنا وصَاحبي (¬4). أي: أحَطنا به (¬5) من جَانبيه (¬6). (فَمَرَّ بجَدي) بفتح الجِيْم، قال ابن الأنباري (¬7): هو الذكر من أولاد المعز، والأنثَى عَناق، وقيدهُ بعضهم بكونه في السنة الأولى. (أَسَكَّ) بفتح الهَمزة، والسين المهملة، وتشديد الكاف، هو الصَّغير الأذن، الملتصقة أذنه برأسه، وهو غَير منصَرف؛ للوصف ووزن الفعل. (مَيِّتٍ فَتَنَاوَلَهُ) ثم بيَّن كيفَ تناولهُ (فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هذا لَهُ) (¬8) بدرهَم (وَسَاقَ الحَدِيثَ) يعني: الآتي في [ ... ] (¬9) وهو في ¬

_ (¬1) سقطت من (م). (¬2) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 4/ 205. (¬3) في (ص): عمرو كنتفية. (¬4) سيأتي برقم (4695). (¬5) سقطت من (م). (¬6) "النهاية" (كَنَفَ). (¬7) "المصباح المنير" (الْجَدْيُ). (¬8) الحديث رواه مسلم (2957) من طريق عبد الله بن مسلمة به وأحمد 3/ 365 من طريق جعفر عن أبيه به. (¬9) في (د، ل، م) بياض قدر كلمة.

"صحيح مُسْلم" وتمامُه: فقالوا: ما نُحب أنه لنا بشَيء، وما نَصْنَع به؟ قال: "أتحبون أنه لكم؟ " قالوا: والله لو كان حَيًّا كانَ عيبًا (¬1) فيه؛ لأنه أسَك، فكيف وهو مَيت؟ ! فقال: "والله للدنيا أهوَن على الله من هذا عليكم". واستدل المُصنف بهذا الحَديث على ترك الوضُوء من مسّ الميتة، فإنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- أخذ بأذن الجَدي المَيت، ولم يتَوضأ إذ لو توضأ لنقل إلينا مِنَ الصَّحابة. وروى البزار عن بريدة بن الحصَيب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن مسَّ صَنمًا (¬2) فليتوضأ" (¬3) وروى الطبراني في "الأوسَط" عن الزبير بن العَوام أنَّ رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- استقبل جبريل فناولهُ يدهُ فأبى أن يناولها فدَعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بماء فتوضأ، ثم ناوله يَدَهُ فتناولها، فقال: "يا جبريل ما منعك أن تأخذ بيدي؟ " قال إنك أخذت بيد يهودي، فكرهتُ أن تمس يدي يدًا مسَّها كافر (¬4). وروى الطبراني أيضًا في "الأوسَط" و"الكبير" عن عبد الله بن مسعود قال: كُنا نتوضأ من الأبرص إذا مَسسنَاهُ (¬5). * * * ¬

_ (¬1) في (ص): عنا، وفي (س): عنيا. (¬2) في (م): صهمًا. (¬3) "البحر الزخار" 10/ 314 (4438) وفيه أنه مس صنمًا فتوضأ. (¬4) "المعجم الأوسط" 3/ 164 (2813). (¬5) "المعجم الأوسط" 6/ 41 (5738). وكتب هنا في حاشية (د). هذا آخر الجزء الأول من أجزاء أبي داود.

75 - باب في ترك الوضوء مما مست النار

75 - باب في ترْك الوضوءِ مِمّا مَسَّتِ النّار 187 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنا مالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسارٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أكل كَتِفَ شاةٍ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ (¬1). 188 - حَدَّثَنا عُثْمان بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمانَ الأنبارِيُّ -الْمَعْنَى- قالا: حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ أَبي صَخْرَةَ جامِعِ بْنِ شَدّادٍ، عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ المغِيرَة بْنِ شُعْبَةَ، قالَ: ضِفْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- ذاتَ لَيْلَةٍ، فَأَمَرَ بِجَنْبٍ فَشُوِيَ وَأَخَذَ الشَّفْرَةَ، فَجَعَلَ يَجُزُّ لِي بِها مِنْهُ، قالَ: فَجاءَ بِلالٌ فَآذَنَهُ بِالصَّلاةِ، قالَ: فَألقَى الشَّفْرَةَ، وقالَ: "ما لَهُ؟ تَرِبَتْ يَداهُ" وَقامَ يُصَلِّي. زادَ الأنبارِيُّ: وَكانَ شارِبي وَفَى، فَقَصَّهُ لِي عَلَى سِواكٍ. أَوْ قالَ: أقُصُّهُ لَكَ عَلَى سِواكٍ (¬2). 181 - حَدَّثَنا مُسَدَّد، حَدَّثَنا أَبُو الأحوَصِ، حَدَّثَنا سِماك، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ، قالَ: أَكَلَ رَسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كَتِفًا، ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ بِمِسْحٍ كانَ تَحْتَهُ، ثمَّ قامَ فَصَلَّى (¬3). 110 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمَرِيُّ، حَدَّثَنا هَمّامٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ يحيى بْنِ يَعْمرَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ، أَنَّ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- انْتَهَشَ مِنْ كَتِفٍ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (207)، ومسلم (354). (¬2) رواه أحمد 4/ 252، 255، والنسائي في "السنن الكبرى" (6655). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (183). (¬3) رواه ابن ماجه (488)، وأحمد 1/ 267، 320، 326. وانظر ما سلف برقم (187) وما سيأتي بعده. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (184). ورواه البخاري (5405)، دون قوله: (ثم مسح يده بمسح كان تحته). (¬4) انظر ما سلف برقم (187).

191 - حَدَّثَنا إِبْراهِيم بْنُ الحَسَنِ الْخَثْعَمِي، حَدَّثَنا حَجّاج، قالَ ابن جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ المنْكَدِرِ، قالَ: سَمِعْتُ جابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقولُ: قَرَّبْت للنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- خُبْزًا وَلْحَمًا فَأكلَ، ثمَّ دَعا بِوَضوءٍ فَتَوَضَّأَ بِهِ، ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ، ثمَّ دَعا بِفَضْلِ طَعامِهِ فَأَكَلَ، ثمَّ قامَ إِلَى الصَّلاةِ وَلم يَتَوَضَّأْ (¬1). 193 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن سَهْلٍ أَبو عِمْرانَ الرَّمْلِيُّ، حَدَّثَنا عَلِيُّ بْنُ عَيّاشٍ، حَدَّثَنا شعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المنْكَدِرِ، عَنْ جابِرٍ قالَ: كانَ آخِرُ الأمْرَيْنِ مِنْ رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- تَركَ الوضوءِ مِمّا غَيَّرَتِ النّارُ. قالَ أَبو داودَ: هذا اخْتِصارٌ مِنَ الحَدِيثِ الأوَّلِ (¬2). 193 - حَدَّثَنا أَحْمَد بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، حَدَّثَنا عَبْد الْمَلِكِ بْن أَبي كَرِيمَةَ -قالَ ابن السَّرْحِ: ابن أَبِي كَرِيمَةَ مِنْ خِيارِ المسْلِمِينَ- قالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ ثُمامَةَ المُرادِيُّ، قالَ: قَدِمَ عَلَيْنا مِصْرَ عَبْدُ اللهِ بْن الحارِثِ بْنِ جَزْءٍ مِنْ أَصحابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَسَمِعْتهُ يُحَدِّث فِي مَسجِدِ مِصْرَ، قالَ: لَقَدْ رَأَيْتنِي سابعَ سَبْعَةٍ، أَوْ سادِسَ سِتَّةٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- في دارِ رَجُلٍ، فَمَرَّ بِلالٌ، فَناداهُ بِالصَّلاةِ، فَخَرَجْنا فَمَرَرْنا بِرَجلٍ وَبُرْمَتُهُ عَلَى النّارِ، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَطابَتْ بُرْمَتُكَ؟ ". قالَ: نَعَمْ بِأَبي أَنْتَ وَأمِّي. فَتَناوَلَ مِنْها بَضْعَةً، فَلَمْ يَزَلْ يَعْلِكُها حَتَّى أَحْرَمَ بِالصَّلاةِ وَأَنا أَنْظُرُ إِلَيْهِ (¬3). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (80)، وابن ماجه (489) بنحوه، ورواه أحمد 3/ 322، وابن حبان (1130). وانظر ما بعده. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (186). وأخرج ترك الوضوء مما غيرت النار بسياق آخر البخاري (5457). (¬2) رواه النسائي 1/ 108، وابن حبان (1134). وانظر ما قبله. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (187). (¬3) رواه ابن عبد الحكم في "فتوح مصر" ص 333، والضياء في "المختارة" 9/ 203 - 205 (187، 188)، والمزي في ترجمة عبد الملك بن أبي كريمة من "تهذيب الكمال" 18/ 396. =

باب في ترك الوضوء مما مسته النار [187] (ثَنا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ) القعنبي، قال: (ثَنا مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- أَكَلَ كتِفَ شَاةٍ) أي: لحمه، وأفادَ القاضي إسماعيل (¬1) أن ذلك كانَ في بيت ضبَاعة بنت الزبَير بن عبد المُطلب، وهي بنت عم النبي -صلى الله عليه وسلم- ويحتمل أنه كانَ في بيت ميمونة؛ كما في رواية البخاري، وهي خالة ابن عَباس، كما أن ضبَاعة بنت عمه. (ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) وفيه حجة لمذهب الشافِعي، وأحمد، ومالك، وأهل الكُوفة، والأوزاعي في (¬2) أهل الشام: أنه لا يتوضأ مما مسَّت النار (¬3). وبه قال أبُو بكر، وعمر، وعلي، وابن مَسْعود، وابن عَباس، وقالوا: هذا كان آخِر الأمرين مِن رسُول الله -صلى الله عليه وسلم-. [188] (ثَنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ سُلَيمَانَ) وهو محمد بن أبي ¬

_ = ورواه بنحوه ابن ماجه (3300، 3311)، وأحمد 4/ 190، 191، وابن حبان (1657). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (188)، قال: إنما يصح من حديثه بلفظ: قال: كنا يومًا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الصُّفَّةِ، فوُضِعَ لنا طعام؛ فأكلنا، فأقيمت الصلاة، فصلينا ولم نتوضأ. أخرجه أحمد بسند صحيح. أنتهى كلام الألباني. (¬1) "فتح الباري" 1/ 311. (¬2) في (د): و. (¬3) "الاستذكار" 2/ 150.

داود (الأَنْبَارِيُّ المعنى) (¬1) وثقهُ الخَطيب (¬2) (قَالا (¬3): ثَنا وَكيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ) ابن حَبيب الجرمي (¬4) ثقة (¬5). (عَنْ أَبِي صَخْرَ (¬6): جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ) المحاربي، ثقة (¬7). (عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الله) بن أبي عقيل اليشكري (¬8) الكُوفي، أخرجَ لهُ مُسْلم (¬9). (عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: ضِفْتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ لَيلَةٍ فَأَمَرَ لي بِجَنْبٍ) شَاة (فَشُوِيَ) فيه تهيئة الطعَام (¬10) للضيف إذا قدم، وتأخيرهُ بالأكل إلى أن يستوي ما صُنع له، هذا إذا لم يكن مُوجودًا ما يصلح؛ فإن وجد فالإسراع أولى وأعظم إكرامًا. (وأخذ الشفرة) وهي المديَة والسِّكين العريض، جمعها: شفار، مثل كلبة وكلاَب (فجَعَلَ يَحُزُّ لِي بِها مِنْهُ) والحزة: القطعة مِنَ اللحم تقطع طولًا، فيه أن من إكرام الضيف تقديم الأكل لهُ وتقطيع الجيد (¬11) لهُ، ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "تاريخ بغداد" 5/ 292. (¬3) في (د): قال. (¬4) الصواب: مسعر بن كدام العامري. (¬5) "الكاشف" 3/ 137. (¬6) كذا في النسخ الخطية الثلاث. وفي متن أبي داود: صخرة. (¬7) "الكاشف" 1/ 178. (¬8) في (ص، س): اليسكيني. (¬9) (2663/ 32، 33). (¬10) في (د، م): طعام. (¬11) في (ص، ل، م): الخبز. وفي (س): الخير.

ومناولته اللحم ونحوه من البطيخ والفاكهة وغَير ذَلك (قال (¬1): فَجَاءَ بِلاَلٌ) المؤَذن (فَآذَنَهُ بِالصَّلاَةِ) فيه إعلام الإمام باجتماع الناس للصَّلاة. (قَالَ: فَأَلْقَى الشفرة) من يده (وَقَال: ما لَهُ تَرِبَتْ يَدَاهُ؟ ) أصْلهُ الدعاء عليه بالفَقر مِنَ المتربة، أي: التصقت يده بالتراب من الفقر، هذا الأصل، ثم صَار يستعمل في مَوَاضع اللوْم والتعجُّب مِنَ الإنسَان والإنكار عليه، وإن لم يرد الدعاء عليه. (وقامَ) (¬2) إلى الصَّلاة، وليس إلقاء الشُّفرة، وقيامه إلى الصَّلاة، وترك الأكل مخالفًا لقوله: "إذا حَضَر العَشاء وأُقيمت الصَّلاة فابدؤوا بالعَشاء" (¬3) لأن البدَاءة بالعَشاء إنما هُو للصَّائم الذي أصَابهُ الجوع وتاقت نفسه، وفيه أن الأمر بالوضوء مما غيرت النار أمر استحبَاب؛ إذ لو كان واجبًا لما تركه هُنا. (زاد) ابن سُليمان (الأنبَاري: وَكانَ شَارِبِي وَفَى) [بتخفيف الفاء] (¬4) أي: طَالَ وكثر، وروي مشددًا، وفي الحَديث: "مررت بقوم تقرض شفاههم (¬5) كلما قرضت (¬6) وفت" (¬7) أي: نمت وطَالت. (فَقَصَّهُ لِي عَلَى سِوَاكٍ) فيه النظر في مصالح الضَّيِف، وتفقد أحوَاله، ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصول، والمثبت من مطبوع "السنن". (¬2) في (ص): ودام. وبياض في (ل). (¬3) رواه البخاري (5465). (¬4) من (د، م). (¬5) في (ص): شفاتهم. (¬6) في (ص): قرض. (¬7) رواه البيهقي في "شعب الإيمان" 3/ 270 (1637).

وعمل ما يحتاج إليه من غَسْل ثيابه، وتقليم أظفاره، وقصّ شاربه، وكذا الشيخ مع التلميذ، ولقد قَدمْت على بعض مشايخنا لزيارته في غَزة، وكان نعلي قد تَخرق بَحيث يصلهُ تُراب الشوَارع، فَأخَذه من غَير أن يُعلمني وأرسَلهُ إلى الصَّانِع، وأرسَل لهُ أجرة، فلما فَرغ منهُ وأتي به. قال: خَشيتُ أن يصل إلى رجلك نجاسَة من الأرض؛ فتفسد عليك صلاتك. وفيه استحباب قص الشارب على شيء مُستقيم من أراك أو قلم أو غير ذلك، وفيه ما كانت الصحابة عليه من استعمال الشيء في مَنافع، فالسِّواك (¬1) تارة يستَاك به، وتارة يقص عليه. (أَوْ قَالَ: أَقُصُّهُ لَكَ) فيه استئذان الحالق والقاص ومن أزال أذى (¬2) عن الإنسَان قبل أن يفعل (على سواك) أو غيره، ولعله إنما استعمل السوَاك دون غَيره؛ لأنه الموجود في ذلك الوقت. [189] (ثَنا مُسَدَّدٌ، قال: ثَنا أَبُو الأَحْوَصِ) سلام بن سليم الحنفي الكُوفي، قال: (ثَنا سِمَاكٌ) بن حرب. (عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: أَكَلَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- كتِفًا) روى أبو الشيخ من حَديث ابن عَباس: كانَ أحَب اللحم إلى رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- الكتف (¬3). ومن حَديث أبي هريرة لم يعجبه من الشاة إلا الكتف (¬4) (ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ ¬

_ (¬1) في (ص، م): بالسواك. (¬2) من (د، م). (¬3) "أخلاق النبي -صلى الله عليه وسلم-" (627). (¬4) "أخلاق النَّبي -صلى الله عليه وسلم-" (626).

بمِسْحٍ) (¬1) بكسْر الميم. قال الجوهري: المسح البلاس (¬2) جمعه مسُوح مثل حمل وحُمول. (كَانَ تَحْتَهُ) (¬3) وللترمذي في "الشمائل" من رواية حفصَة وسُئلت: ما كان فِراشه؟ قالت: مسح نثنيه (¬4) ثنيتين فينَام عليه (¬5). لكنهُ (¬6) منقطع، وروى أبُو الشيخ مِنْ حَديث عَائشة: دَخَلت عليَّ امرأة من الأنصَار فَرأت فراش رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - عباءة مثنية (¬7). (ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى) أي: ولم يتَوضأ ولا غسَل رجليه. [190] (ثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ) بن الحَارث بن سخبرة الحوضي (النَّمَرِيُّ) بفتح النون والميم، قالَ: (ثَنا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ) بفتح الميم، ويقال بضمها، وهو غير مَصرُوف لوزن الفعل قالَ الحاكم أبُو عَبد الله في "تاريخ نيسَابُور": يحيى بن يعمر فقيه أديب نَحوي مبرز (¬8)، أخذ النحو عن أبي الأسود، ولاه قتيبة بن مُسْلم قضاء خراسَان. (عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَن رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - انْتَهَسَ) بفتح الهَاء ¬

_ (¬1) في (ص): مسح. (¬2) "الصحاح" (مسح). (¬3) سقط من (ل). (¬4) في (د): تثنية تثنيه. وفي (م): يثنيه يفتقر. (¬5) "الشمائل المحمدية" (312). (¬6) في (د): لكن. (¬7) "أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم -" 2/ 500 (475). (¬8) في (ص، س): منذر.

والسين المهملة. قالَ في "النهَاية" (¬1) وغَيره: النهس أخذ اللحم بأطراف الأسنَان، والنهش -يَعني: بالمعجمة- أخذ اللحم بجَميع الأسنَان، وكذا قال ثعلب (¬2): النهس بالمهملة بأطراف الأسنان وبالمعجمة بالأسنان والأضراس، وسيأتي من روَاية المُصنف عَن عَائشة أن رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تقطعُوا اللحم بالسّكين، فإنهُ من صنيع (¬3) الأعاجِم [وانهسوهُ نهسًا] (¬4) فإنه أهنَأ وأمْرَأ" (¬5). قال المنذري: هذا الحَديث مما أنكر عليه، وقد صَح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتز من كتف شاة. (مِنْ كتِفٍ) شاة (ثُمَ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأُ) وبوَّب عليه البَخاري باب من لم يتَوضأ من لحم الشاة والسويق وليس في الحَديث ذكر السّويق لكنهُ فهم من باب الأولى؛ لأنه إذا لم يتَوضأ من اللحم مع دسومته وزهومَته فعدم التوضؤ من السّويق أولى بذلك، وفي الحَديث دليل (¬6) على أن الشهَادة على النفي تقبل إذا كانَ النفي محَصُورًا كما في الحَديث. [191] (ثَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الحَسَنِ) بن إبَراهيم (الْخَثْعَمِيُّ) المصيصي ثقة ¬

_ (¬1) "النهاية" (نهس). (¬2) في (ص، س): نقلت. (¬3) في (س، م). صنع. (¬4) في (ص، س): وانهشوه نهشًا. وفي (م): وانهسوه. (¬5) سيأتي برقم (7377). (¬6) في (ص، ل): دليلًا.

ثبت (¬1)، قال: (ثَنا حَجَّاجٌ) (¬2) بن محمد المصيصي الأعور الحَافِظ. (قَالَ) عَبد الملك (ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ المُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله - رضي الله عنه - يَقُولُ: قَرَّبْتُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - خُبْزًا وَلَحْمًا فَأَكَلَ يشبهُ أن يكون اللحم مَشويًّا، ورَوى الإمام مالك (¬3) في "الموَطأ" أن عُثمان بن عَفان أكَل خُبزًا ولحمًا ثم مضمضَ وغسَل يديه ومَسَحَ بهما وجهه ثم صَلى ولم يتَوضَّأ (¬4). (ثُمَّ دَعا بِوَضُوءٍ) بفتح الواو، وهو الماء الذي يتوضأ به. (فَتَوَضَّأَ بِهِ) لعَل (¬5) هذا الوضُوء هو وضوؤه الذي يتوضأ لكُل صَلاة (ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ دَعا بِفَضْلِ طَعَامِهِ) وهو الخبز واللحم (فَأَكَلَ) منه (ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ) فصَلى (وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) من أكل الخُبز واللحم اللذين مستهما النار. [192] (ثَنا مُوسَى بْنُ سَهْلٍ) أخو علي بن سهل (أَبُو عِمْرَانَ الرملي) نسَائي الأصْل، روى عنهُ النسائي في "اليَوْم والليلة"، قالَ أبُو حَاتم: صَدُوق (¬6). مَاتَ بالرملة سنة 262. قال: (ثَنا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ) بالمثناة تحت، والشين المُعجمَة الألهاني ¬

_ (¬1) "الكاشف" 1/ 79. (¬2) كتب فوقها في (د): ع. (¬3) من (د، م). (¬4) "الموطأ" 2/ 36. (¬5) في (ص، س، ل): بعد. (¬6) "الجرح والتعديل" 8/ 146.

أبو الحسَن البكاء أخرج له البخاري. قالَ يحيى بن أكثم: أدخلته على المأمون فتبسَّمَ ثمُ بَكى، فقال: أدخَلت عليَّ مجنونًا. قلت: هذا خَير أهل الشَام وأعلمهم بالحديث. قال: (ثَنا شُعَيبُ (¬1) بْنُ أَبِي حَمْزَةَ) بالحَاء المهملة (¬2) والزاي واسْمه دينار القرشي الأموي مَولاهُم (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِر قَالَ: كَانَ آخِرَ) بنَصب آخر (الأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - تَرْكُ) بالرَّفع اسمُ كَانَ (الْوضُوءِ مِمّا غَيَّرَتِ النارُ) أي (¬3): بالطبخ والنضج والشيِّ وغَير ذلك، ويبينه رواية: "ترك الوضوء مما مَسته النار" (¬4). وتأوله بَعضهم على أن آخر الأمرين معَناه آخِر الأمرين مِنَ الصَّلاتين لا مُطلقًا وممن قَال بهذا القَول أبُو داود وغَيره فعندهم أن أحَاديث ترك الوضُوء مَنسُوخة بأحَاديث الأمر به. قال النووي بعَد حكاية هذا عنهم: وهذا الذي قالوهُ ليس كما زعَموهُ، وتأويلهم حَديث جَابر خلاف الظاهِر بغَير دليل فلا يقبل (¬5). قالَ: والجمهُور على أن ترك الوضوء منسوخ بحديث جَابر (¬6) هذا، وهو حديث صحيح رواهُ النسَائي، وغَيره من أهل السنن (¬7) بالأحاديث ¬

_ (¬1) كتب فوقها في (د): ع. (¬2) من (د، م). (¬3) من (د، م). (¬4) رواه النسائي 1/ 108، وابن خزيمة (43)، وابن حبان (1134). (¬5) "المجموع شرح المهذب" 2/ 58. (¬6) "شرح النووي على مسلم" 4/ 43. (¬7) في (ص) السير.

الصحيحة، وذهبَ قَوم ممن تكلم في غَريب الحَديث أن قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "توضؤوا ممّا غَيرت النار" (¬1) أن المراد بالوضوء المأمُور به غسْل اليَد. قال ابن بَطال (¬2): وهذا لا معنى له، ولو كان كما ظن لكان دسم ما لم تغيرهُ النار لا يغسل منهُ اليَد، وهذا يدُل على قلة علمه بما جَاء عن السَّلف (وهذا اخْتِصَارٌ مِنَ الحَدِيثِ الأَوَّلِ) كذا رواية أبي عَلي وروايَة الخَطيب: من حَديث الأول. [193] (ثَنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، قال: ثَنا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ أَبِي كَرِيمَةَ) المقرئ مَات عَام 204. (قالَ) أحمد (ابْنُ السَّرْحِ: هو من خيَار الناس (¬3) قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيدُ (¬4) بْنُ ثُمَامَةَ) بضَم المثلثة كذا في نُسَخ أبي داود. وكذا (¬5) ذكرهُ الذَّهبي [في "الكاشف" وقال: لا يعرف (¬6)] (¬7) [عُبيد الله وهو] (¬8) [مصغر فيه] (¬9) (الْمُرَادِيُّ) بِضَم الميم. (قَالَ: قَدِمَ عَلَينا مِصْرَ) غَير مُنصرف (عَبْدُ الله بْنُ الحَارِثِ بْنِ جَزْء) بفتح الجِيم، وإسْكان الزاي، وهمَزة بعدهَا، كذا في نُسخة (¬10) أبي ¬

_ (¬1) سيأتي برقم (15). (¬2) شرح البخاري" لابن بطال 1/ 315. (¬3) في (د، م): المسلمين. (¬4) كتب في (د) فوقها: ع. (¬5) من (د)، وفي بقية النسخ: والذي. (¬6) "الكاشف" 2/ 236. (¬7) من (د). (¬8) ليست في (د). (¬9) من (م). (¬10) من (د، م)، وفي باقي النسخ: نسخ.

علي، وفي رواية الخَطيب: بتشديد الزاي ابن عَبد الله بن معدي كرب بن عَمرو الزبيدي حليف أبي وداعة السهمي، سَكن مصر، ومَات بها بعَد أن عمر عُمرًا طويلًا. قالَ في "الاستيعَاب": وهوَ ابن أخي محمية بن جزء الزبيدي (¬1)، وهو (مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ فِي مَسْجِدِ مِصْرَ) غَير مُنصَرف قَالَ: (لَقَدْ رَأَيْتُنِي) بِضم التاء (سَاجَ) بالنَّصب مفعُول ثان لرأيت (¬2)، (سَبْعَةٍ) بالجر عَلى الإضافة لا غَير ولا يجُوز النصب، (أَوْ سَادِسَ سِتَّةٍ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي دَارِ رَجُل (¬3)، فَمَرَّ بِلَالٌ فَنَادَاهُ بِالصَّلَاةِ) فيه إعلام المؤذن الإمَام باجتماع (¬4) الناس للصلاة وهو في غَير داره. (فَخَرَجْنَا) أي: مع النَّبي - صلى الله عليه وسلم - (فَمَرَرْنَا بِرَجُل وَبُرْمَتُهُ) بضم الموحدة وهو مرفوع بالابتداء، والواو الداخلة عليه واو الحَال، والبُرمة واحِدَة البِرَام بكسر الباء، وتُجمع أيضًا على برم كغرفة وغرف، وهي القدر مُطلقًا، وهي في الأصل المتخذة من الحجر المعُروف بالحجاز واليَمن (عَلَى النَّارِ) أي: البرمَة تفورُ على النار كما في رواية، فيه جَواز الطبخ على الطرقات، وإظهَار ذلك للمارين، وهذا من شأن ذوي المكارم. (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: أَطَابَتْ بُرْمَتُكَ) فيه حَذف المضَاف، والتقدير: أطابَ طَعَام برمتك، والمراد: هَل استَوى، وصَار لحمهُ (¬5) ¬

_ (¬1) "الاستيعاب" 1/ 66. (¬2) سقطت من (ص، س، ل). (¬3) يوجد هنا بعد هذِه الكلمة في (د، ل) بياض، قدر كلمتين أو ثلاثة. (¬4) في (ص، س، ل) بإجماع. (¬5) زاد هنا في (م): صار.

لذيذًا يطيب أكله يُقال: طابَ الشيء يطيبُ طيبًا إذا صَارَ لذيذًا. (قَالَ: نَعَمْ) وأفديك (بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي فَتَنَاوَلَ) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (مِنْهَا بَضْعَةً) بفتح البَاء القطعة مِنَ اللحم، وقد تكسَر، وفيه حَذف تقديرهُ: فوضع قطعة اللحم في فيه، وفيه الأكل من طعَام الصَّديق، وإن لم يَأذَن إذنًا صريحًا؛ إذا عَلِم أو ظنَّ طيب نفسه به (فَلَمْ يَزَلْ يَعْلُكُهَا) بضَم اللام أي: يمضغَها بفيه وهو مَاش. (حَتَى أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ) فيه جَوَاز مضغ اللحم والطعَام الذي في مَعناهُ وهو مَاش، وهذا مخصص للنهي (¬1) عن الأكل مَاشيًا لما في "صحيح مُسْلم" لما نهى رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الشرب قائمًا (¬2). قالَ قتادة: فقلنا، يَعني: لأنس: فالأكل مَاشيًا؟ قال: أشر وأخبث (¬3). هكذا ثبتتَ في أصُول مُسْلم: أشر. بالهمزة. والمعرُوف في كتاب الله تَعالى وفي العَربية شَرٌّ بغَير ألف، قال اللهُ تعَالى: {شَرٌّ مَكَانًا} (¬4). (وَأَنا أَنْظُرُ إِلَيْهِ) يعني: لم يتوضأ ولا (¬5) تمضمض مِنَ اللحم، ولا مس ماء. وفيه مراقبة أهل العلم في أفعَالهم وأقوالهم ليقتدوا بهم. * * * ¬

_ (¬1) في (ص): ينتهي. (¬2) "صحيح مسلم" (2024) من حديث أنس، (2025) من حديث أبي سعيد. (¬3) "صحيح مسلم" (2024/ 13). (¬4) الفرقان: 34. (¬5) في (س، ل): ولم.

76 - باب التشديد في ذلك

76 - باب التَّشْدِيدِ فِي ذلِكَ 194 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ بْنُ حَفْصٍ، عَنِ الأَغَرِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الوضوءُ مِمَّا أَنْضَجَتِ النّارُ" (¬1). 195 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا أَبان، عَنْ يَحْيَى - يَعْنِي: ابن أَبي كَثِيرٍ - عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ أَبا سُفْيانَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ المُغِيرَة حَدَّثَهُ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ فَسَقَتْهُ قَدَحًا مِنْ سَوِيقٍ، فَدَعا بِماءٍ فَتَمَضْمَضَ، فَقالَتْ: يا ابن أُخْتِي أَلا تَوَضَّأُ؟ إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: " تَوَضَّئُوا مِمّا غَيَّرَتِ النّارُ" أَوْ قالَ: "مِمَّا مَسَّتِ النّارُ". قالَ أَبُو داودَ: فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ يا ابن أَخِي (¬2). * * * [194] (ثَنَا مُسَدَّد) قال (ثَنا يَحْيَى) القطان (عَنْ شُعْبَةَ) قال (حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ) قيل: اسمه كنيته. وقيل: اسمه (¬3) عَبد الله (بْنُ حَفْصٍ) بن عمر بن سَعد بن أبي وقاص القرشي الزهري، كانَ من أهل العِلم والثقة (¬4)، أجمعُوا على ذلك. قالهُ ابن عَبد البر (¬5). (عَنِ الأَغَرِّ) أبي مسلم بن عَبد الله ويُقال: ابن سَليك الكوفي، روى له مُسْلم في الصَّلاة والدُّعاء. (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: الوضُوءُ) أي: واجب ¬

_ (¬1) رواه مسلم (352) بلفظ: "توضئوا مما مست النار". (¬2) رواه النسائي 1/ 107، أحمد 6/ 326. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (190). (¬3) من (د، م). (¬4) من (د، م): وفي باقي النسخ: الفقه. (¬5) "الاستغناء" لابن عبد البر (440).

(مما) أي: من أكل ما (أنضَجتهُ النار) منَ اللحم، وغَيره يُقال: نضج اللحم والفاكهة بكسر الضَّاد، وأنضجتهُ النار والشمس، وهذا مبين لقوله في الحَديث قبله: مما غيرت النَّار. أي: أنضجته وهو أخَص مِنَ المس (¬1). [195] (ثَنا مُسْلِمُ (¬2) بْنُ إِبْرَاهِيمَ) الأزدي الحَافظ (قال: ثَنا أَبَانُ) بن يَزيد العَطار البَصري روى له مُسْلم. (عَنْ يَحْيَى بْنَ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) أسْمه عَبْد الله وهو الأصَح عند أهل النسب (¬3)، وقيل: اسْمه كنيتهُ، الزهري، وهو ابن عبد الرَّحمن (أَن أَبا سُفْيَانَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ المُغِيرَةِ) الثقفي، ورواية النسَائي (¬4): أبا سُفيان بن سَعد بن الأخنَس بن شريق (¬5)، وكذا ذكرهُ ابن عبد البر (¬6). (حَدَّثَهُ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى) خالته (أُمُّ حَبِيبَةَ) رملة بلا خلاف، ابنة أبي سُفيان زوج النَّبي - صلى الله عليه وسلم - (فَسَقَتْهُ قَدَحًا) القدَح إناء معروف (مِنْ سَوِيقٍ) وهو يعمل من الشعير غَالبًا، ومن الحنطة والسَّلت، ويُغلى بالنار (فَدَعا بِمَاءٍ فمَضْمَضَ) (¬7) بغير تاء بعدالفاء، وهو وضع الماء في الفَم وتحريكه وإلقاؤه من غَير ابتلاع. ¬

_ (¬1) في (م): اللمس. (¬2) كتب فوقها في (د): ع. (¬3) في (ص، ل): السير. (¬4) "السنن الكبرى" للنسائي (184)، وفيها: ابن سعيد بدلا من: ابن سعد. (¬5) في (ص، س، ل، م): شريف. (¬6) "الاستغناء" (2424). (¬7) في (م): فتمضمض.

(قَالَتْ) (¬1) لهُ: (يا ابن أُخْتِي أَلَا تَوَضَّأُ) أصله ألا تتوضَّأ: بتاءين فحذفت إحدَاهما تخفيفًا. (فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: تَوَضَّئُوا مِمّا غَيَّرَتِ النَّارُ، أَوْ قَالَ) تَوَضَّؤوا (مِمّا مَسَّتِ النَّارُ) وللنسائي في الروايتين: "مما مسَّت النار" احتج به طَائفة على ما ذهبوا إليه من وجوب الوضُوء الشرعي وضُوء الصَّلاة بأكل ما مسَّته النار، وهو مَروي عن عُمر بن عبد العَزيز، والحسَن البصري، والزهري، وأبي قلابة، وأبي مجلز (¬2) (¬3) وأجَابَ الجمهور بأنه منسوخ بحديث: كان آخر الأمرين. المتقدم، أو أن المراد بالوضوء غسل الفم والكفين [من الدسم والزفر] (¬4) ثم إِن هذا الخلاف كان في الصَّدر الأول، ثم أجمعَ العُلماء بعد ذلك على أنه لا يجبُ الوضوء مما مسَّته النَّار، وأن الأمر في ذلك على جهة الاستحباب، وممَّن ذَهَبَ إلى هذا ابن قتيبة ذكرهُ في "غَريبه" (¬5)، والصَّحيح الأول. * * * ¬

_ (¬1) في (د): فقالت. (¬2) في (ص): مخلف. وفي (م): مخلد. (¬3) انظر "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار" 1/ 50. (¬4) ليست في (م). (¬5) "غريب الحديث" 1/ 9.

77 - باب في الوضوء من اللبن

77 - باب فِي الوضُوءِ منَ اللَّبَنِ 116 - حَدَّثَنا قُتَيْبَة بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللَّيْث، عَنْ عَقِيلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - شَرِبَ لَبَنًا، فَدَعا بِماءٍ فَتَمَضْمَضَ، ثُمَّ قالَ: "إِنَّ لَهُ دَسَمًا" (¬1). * * * باب الوضوء من اللبن [196] (ثَنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ) قال: (ثَنا اللَّيثُ عَنْ عقيل) بضم العَين مُصَغر ابن خَالدِ (عَنِ) ابن شهَاب (الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيدِ الله) بالتصغير (بن (¬2) عَبْدِ الله، عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - شَرِبَ لَبَنًا) أي: من الإناء؛ [لا أنهُ] (¬3) شَرب بملعَقة ونحوها (فَدَعا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ) كذا للبخَاري، وفي غَيره: تَمَضمض. وهي رواية الخَطيب للمصَنف، والمرادُ به تمضمض من شرب اللبن. (وقَالَ: إِنَّ لَهُ دَسَمًا) وأصل الدسم: الودك من لحم أو شحم يُقال: دَسمت اللقمة (¬4) تدسمًا لطختها بالدسم. قال ابن بطال عن المهَلَّب: قد بيَّن (¬5) العلة التي من أجلها أمر بالوضوء، من أكل ما مسَّت النَّار في أول الإسلام وذلك - والله أعلم - ¬

_ (¬1) رواه البخاري (211، 5609)، ومسلم (358). (¬2) في (ص، ل): عن. (¬3) في (ص): لأنه. (¬4) في (م): اللمعة. (¬5) في (ص): ثبت.

على ما كانوا عليه في الجَاهلية من قلة التنظيف (¬1) فلما تقررت النظافة وشَاعت في الإسلام نسخَ الوضوء تيسيرًا على هذِه الأمة (¬2). قال: وفيه دليل على أن مَضمضَة الفم عند أكل الطعَام من آداب الأكل، واعلم أن حَديث قتيبة هذا هو أحد الأحاديث التي أخرجَها الأئمة الخمسَة، وهم الشيخان وأبو داود والترمذي والنسَائي عن شيخ واحِد وهو قتيبة (¬3). * * * ¬

_ (¬1) في (ر): التصنيف. (¬2) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 1/ 318. (¬3) رواه البخاري ومسلم كما سبق، والترمذي (89)، والنسائي (190).

78 - باب الرخصة في ذلك

78 - باب الرُّخْصةِ في ذَلِكَ 117 - حَدَّثَنا عُثْمان بْن أَبي شَيْبَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ الحُبابِ، عَنْ مُطِيعِ بْنِ راشِدٍ، عَنْ تَوْبَةَ العَنْبَرِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مالِكٍ يَقول: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَرِبَ لَبَنًا فَلَمْ يُمَضْمِضْ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَصَلَّى. قالَ زَيْدٌ: دَلَّنِي شُعْبَة عَلَى هذا الشَّيْخِ (¬1). * * * باب الرخصة في ذلك [197] (ثَنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ الحُبَابِ) بِضَم الحَاء المهملة، أبو الحُسين العكلي الخراسَاني، ثم الكُوفي الحافظ أخرج لهُ مُسْلم. (عَنْ مُطِيعِ (¬2) بْنِ رَاشِدٍ) البصري (عَنْ تَوْبَةَ) بفتح المثناة ابن أبي أسدٍ كيسان (الْعَنْبَرِيِّ) مولاهم، لم يتفق الشيخان في توبة إلا على هذا. (أَنَهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - شَرِبَ لَبَنًا فَلَمْ يُمَضْمِضْ) من شرب اللبن. (وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) منه، بل (وَصَلَّى) عقب شربه. أغرب ابن شَاهين فجعَل حَديث أنس هذا ناسخًا لحديث ابن عبَّاس الذي قَبله، ولم يذكر من قال فيه بالوجُوب حتى يحتاج إلى دعوى ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 1/ 160، والضياء في "المختارة" (1582). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (192). (¬2) كتب في (د) فوقها: د.

النسخ، والصحيح أن هذا يدُل على أن حَديث ابن عَباس المتقدم على الندْب، وأن الأمر بالوضوء فيما رواهُ ابن مَاجَة بصيغة الأمر توضؤوا (¬1) من اللبن، وكذا رواهُ الطبراني عن الليث أمر استحباب، ويدل على أنه للاستحباب ما رواهُ الشافعي عن ابن عباس راوي الحديث أنهُ شرب لبنًا فمَضمضَ ثم قال: لو لم أتمضمض ما باليت. * * * ¬

_ (¬1) في (ص): بوضوء.

79 - باب الوضوء من الدم

79 - باب الوضُوءِ منَ الدَّمِ 198 - حَدَّثَنا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نافِعٍ، حَدَّثَنا ابن المُبارَكِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، حَدَّثَنِي صَدَقَةُ بْن يَسارٍ، عَنْ عَقِيلِ بْنِ جابِرٍ، عَنْ جابِرٍ قالَ: خَرَجْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعْنِي فِي غَزْوَة ذاتِ الرّقاعِ - فَأَصابَ رَجُلٌ أمْرَأَةَ رَجُلٍ مِنَ المُشْرِكِينَ، فَحَلَفَ أَنْ لا أَنْتَهِي حَتَّى أُهَرِيقَ دَمًا فِي أَصْحابِ محَمَّدٍ، فَخَرَجَ يَتْبَعُ أثَرَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَنَزَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَنْزِلًا، فَقالَ: مَنْ رَجُلٌ يَكْلَؤُنَا؟ فانْتَدَبَ رَجُلٌ مِنَ المُهاجِرِين وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصارِ، فَقالَ: "كُونا بِفَمِ الشِّعْبِ" قالَ: فَلَمّا خَرَجَ الرَّجُلانِ إِلَى فَمِ الشِّعْبِ اضْطَجَعَ المُهاجِرِيُّ، وَقامَ الأنْصارِيُّ يُصَلِّي، وَأَتَى الرَّجُلُ، فَلَمّا رَأى شَخْصَهُ عَرَفَ أَنَّهُ رَبِيئَةٌ لِلْقَوْمِ، فَرَماهُ بِسَهْمٍ فَوَضَعَهُ فِيهِ، فَنَزَعَهُ حَتَّى رَمَاهُ بِثَلاثَةِ أَسْهُمٍ، ثمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ، ثمَّ انْتَبَهَ صاحِبُهُ، فَلَمّا عَرَفَ أَنَّهُمْ قَدْ نَذِرُوا بِهِ هَرَبَ، وَلَمَّا رَأى المُهاجِرِيُّ ما بِالأَنْصَارِيِّ مِنَ الدَّمِ، قالَ: سَبْحانَ اللهِ أَلَا أَنْبَهْتَنِي أَوَّلَ مَا رَمَى، قالَ: كُنْتُ فِي سُورَةٍ أَقْرَأُها، فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ أَقْطَعَها (¬1). * * * باب الوضوء من الدم [198] (ثَنا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ) الحَلبي، روى له الشيخان، قال: (ثَنَا) عبد الله (ابْنُ المُبَارَكِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ) بن يَسار، صَاحب المغازي، صححه جَماعة روى لهُ الأربعة، قالَ: (حَدَّثَنِي صَدَقَةُ بْنُ يَسَارٍ) بالمثَناة تحت والسِّين المهملة، الجَزري سَكن مَكة. ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 343، 359، وابن خزيمة (36)، وابن حبان (1096)، والحاكم 1/ 156 - 157، والبيهقي 1/ 140، 9/ 150. وعلقه البخاري مختصرا عقب الحديث (176). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (193).

قال أبُو داود: كان متوحشا يُصلي جُمعَة بمكة وجُمعَة بالمدَينة (¬1) روى له مُسْلم (عَنْ عَقِيلِ) (¬2) بفتح المُهملة (بْنِ جَابِرٍ) بن عبد الله روى عنهُ المصَنف هذا الحَديث لا غير (عن) أبيه (جَابِرٍ) بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم -. (قَالَ خَرَجْنا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يَعْنِي فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ) وكانتَ سَنة أربع من الهجرة قيل: سميت باسم جبل هناك فيه بَياض وسُمرة وسَوَاد يقال له: الرقاع فسميت به، وقيل: سُميت (¬3) بَذلك لرقاع كانت في ألويتهم (¬4)، وقيل؛ لأن أقدامهم نقبت (¬5) فلفُّوا عليها الخرق، وهذا هُو الصَّحيح المشهور. (فَأَصَابَ رَجُلٌ امْرَأَةَ رَجُلٍ مِنَ المُشْرِكِينَ) يقال: أصَاب الشيء إصَابة ورمى فأصَاب بغيته، أي: نالها ومنهُ يقالُ: أصَابَ من المرأة كناية عن الاستمتاع (فَحَلَفَ) المشرك (أَنْ لَا أَنْتَهِي) عنهم (حَتَّى أُهَرِيقَ) بِضَم الهَمزة وفتح الهَاء وأصْل الهَاء هَمزة فيُقال في الماضي: هراق، وزان: دحرج؛ ولهذا تفتح الهَاء من المضَارع كما في الحديث، كما تفتح الدال من تدحرج (دَمًا) بفتح الدَّال وتنوين الميم (فِي أَصْحَابِ مُحَمَدٍ فَخَرَجَ يَتْبَعُ) يُقالُ: تبعه إذا مَشى خَلفهُ، واتَّبعه بالتشديد لحقَهُ. (أَثَرَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَنَزَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَنْزِلًا فَقَالَ مَنْ) بفَتح الميم (رَجُل يَكْلَؤُنَا) ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 13/ 156. (¬2) وضع في (د) فوقها: د. (¬3) سقطت من (د، م). (¬4) في (م): أثوابهم. (¬5) في (ص): نتنت.

أي: يحرسنا ويحفظنا الليلة (¬1)، قال اللهُ تعالى: {قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} (¬2) لعَل المراد بالحرَاسَة العَسكر، فإنّ هذا كانَ في غَزوة ذَات الرقاع وهو بعد نزول قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (¬3)، فإن نزول آية العصمة في غَزوة أحد، كما ذكر الزمخشري (¬4) وغَزوة أحُد كانت في السنة الثالثة لتسع (¬5) ليَالٍ خَلون من شَوال عند جَبَل بالمدينة على أقل من فرسَخ [منها به] (¬6) قَبر هَارُون - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وغزوة ذَات الرقاع في سنة (¬7) أربَع فإن أبا طَالب كانَ أولًا يرسل كل يَوم، مع محمد رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - رجالًا من بني هاشم يحرسُونهُ حتى نزل {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (¬8) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا عماه إن الله عَصَمني من الجِنّ والإنس ولا أحتاج إلى من يحرسُني" (¬9). وفي "صَحيح مسلم" عن عَائشة: سَهرَ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - مقدمه المدينة فقال: "ليتَ رجلًا صَالحًا من أصحابي يحرسُني الليلة" فبينا نَحنُ كذلك سَمعنا خشخشة سلَاح فقال: "من هذا" قال سَعْد بن أبي وقاص. الحَديث (¬10). ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) الأنبياء: 42. (¬3) المائدة: 67. (¬4) "الكشاف" 1/ 659. (¬5) في (ص، س، ل) لسبع. (¬6) في (ص): بنهاية. (¬7) في (ص، س، ل): غزوة. (¬8) المائدة: 67. (¬9) رواه الطبراني في "المعجم الكبير" من حديث ابن عباس 11/ 256 (11663). (¬10) "صحيح مسلم" 2410/ 40.

(فَانْتَدَبَ) الانتدَاب الإجَابة بِسُرعة، يُقالُ: نَدبت فُلانًا للأمر فانتدبَ، إذا دعاهُ فأجَابهُ (رَجُل مِنَ المُهَاجِرِينَ و) قام (رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ) وهو عمار (فَقَالَ) لهما: (كُونَا بِفَمِ الشِّعْبِ) بكسر الشِّين المعجمة وهو ما انفرج بين الجبلين، وقيل: هو الطريق في الجبل. (قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ الرَّجُلَانِ) وهما عَمار بن يَاسر، وعباد بن بشر، ويقال: الأنصَاري هو عمار بن حزم والمشهور الأول (إِلَى فَمِ الشِّعْبِ واضْطَجَعَ المُهَاجِرِيُّ) للنوم (وَقَامَ الأَنْصَارِيُّ يُصَلِّي) فيه دَليل على أن للخفير، خَفير السُّوق، أو الدَرْب، أو غيرهما أن يُصَلي ويستحق في حَال صَلاته قسط الأجرة في مقابل حراسته (¬1) فإن المُصَلي يحرُس، وإذا جَازت لهُ الصَّلاة فالقراءة (¬2) والذكر والدَّرْس من بَاب الأولى. (وأتى الرَّجُلُ المشرك فَلَمّا رَأى شَخْصَهُ عَرَفَ أَنَّهُ رَبِيئَةٌ) بفَتح الراء وكسر البَاء الموحدة، ثم مثناة تحت سَاكنة ثم همزة مفتوحة ثم هَاء مُنونة، والربيئة هو العَين والطليعَة الذي يَنظر للقوم ويحرسهُم ويتطلع لهم خَبر العدو لئلا يهجم عليهم [العدو ويدهمهم] (¬3) ولا يكون إلا على جبل أو شرف، أو في شِعب ينظر منه كما في هذا الحَديث، وضبط الربيئة (¬4) بالهمز كما تقدم هُو الصَّواب، والذي في نسخة الخَطيب وأبي علي التستري جَميعًا: ربيَّة (¬5) بإبدَال الهَمزة ياء ¬

_ (¬1) سقطت من (ص، م). (¬2) في (ص، س، ل): والقراءة. (¬3) سقطت من (ص، س، ل). (¬4) في (د، س، ل، م): اللفظة. (¬5) في (ص): الربيئة، وفي (ل) الريبة.

وتشديدها في اليَاء السَّاكنة قبلها. (لِلْقَوْم) يدُل على أنهُ لم يكن في العَسْكر؛ لأنَّ لفظ القَوم مخصوص (¬1) بالرجَال دُونَ النسَاء، وفيه دليل على أن على أمير العسكر أن يُعين من يثبت على مكان مُشرف يسهر بالليل وينظر جِهَة العدُو لئلا يهَجم عليهم العدو ويدهمهم. (فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ) [المشرك رمى الأنصاري بسهم] (¬2) (فَوَضَعَهُ فِيهِ) أي: أصَابهُ بالسَّهم ودخل في جسمه فاستمر على صلاته (فنَزَعَهُ) من جسمه، فيه أن الفعل اليَسير لا يبطل الصلاة ثم رمَاهُ بسَهْم آخر (حَتَّى رمى) وفي نسخة الخَطيب: رَمَاهُ (بِثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ) قد يحتج بهذا الحَديث من لا يرى خروج الدم وسيلانه من غَير السَّبِيْلين ناقضًا للطهَارة؛ لأنهُ لو كانَ ناقضًا للطهَارة، لكانت صَلاة الأنصَاري تفسُد بسيلان الدم أول ما أصَابته الرميَة، ولم يكن يجوز له بَعد ذلك أن يركع ويسجد وهو محدث وإلى هذا ذهبَ الشافعي (¬3)، وربيعة، وأبو ثور، وابن المنذر (¬4) وعند أحمد: ينقض الوضُوء بخروج النجس في الجُملة رواية واحِدَة (¬5). وقال أبو حنيفة (¬6): إذا سَال الدم ففيه الوضُوء فإن وقف على رأس ¬

_ (¬1) في (ص): محفوظ. (¬2) سقطت من (ص). (¬3) انظر: "معالم السنن" المطبوع مع "مختصر سنن أبي داود" للمنذري 1/ 142. (¬4) "الأوسط" 1/ 283. (¬5) انظر: "الكافي" لابن قدامة 1/ 136. (¬6) انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 24.

العضو لم يجب. (ثُمَّ أنبَه) أي: نَبه (صَاحبَهُ) وأيقظهُ من مَنَامه (¬1) المهَاجِري فيقال: أنبهتهُ مِنْ نَومه ونبَّهتهُ فيتعَدى بالهَمزة والتضعيف. (فَلَمّا عَرَفَ) المشرك الذي رَمَاهُ (أَنَّهُمْ قَدْ نَذِرُوا به) (¬2) بفتح النون وكسْر الذال المُعجمَة، أي: علموا به وبمكانه هَرَبَ، والإنذار: الإعلام معَ التخويف (وَلَمَّا) استيقظ (ورَأى المُهَاجِرِيّ ما بِالأَنْصَارِيّ مِنَ الدماء) الكثيرة. (قَالَ: سَبْحَانَ الله) فيه استحبَاب قول: سُبْحَان الله، أو: لا إله إلا الله، ونحو ذلك عندَ (¬3) التعجبّ (أَلَا) بالتخفيف (¬4) (أنبهتني (¬5) أَوَّلَ ما رَمَى) إلى جهتك. (قَالَ: كنْتُ فِي سُورَةٍ أَقْرَؤُهَا) حَكى البيهقي (¬6) أن السّورة التي كانَ يقرؤها سُورة الكهف، ولعَل تلك الليْلة كانت ليلة الجُمعة. (فَلَمْ أُحِبُّ أَنْ أَقْطَعَهَا) فيه الفَضيلة في أن من شرعَ في قراءة سُورة أو صَلاة، أو صيَام، تطوع أن لا يقطعهَا؛ لحادث يحدث وفيه أن القطع جَائز إذ لو كانَ الإتمام واجبًا لما تعَلق بالمحبة. * * * ¬

_ (¬1) في (د، م): نومه. (¬2) من (م)، وسقطت من (د)، وجاءت في (ص، س، ل) في غير موضعها. (¬3) في (م): على. (¬4) في (ص): بالتخويف. (¬5) سقطت من (ص، ل). (¬6) انظر: "شرح أبي داود" للعيني 1/ 455.

80 - باب الوضوء من النوم

80 - باب الوضُوء مِن النَّوْمِ 199 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن محَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنا ابن جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي نافِعٌ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شُغِلَ عَنْها لَيْلَةً فَأَخَّرَها حَتَّى رَقَدْنا فِي المَسْجِدِ، ثُمَّ اسْتَيْقَظْنا، ثُمَّ رَقَدْنا، ثُمَّ اسْتَيْقَظْنا، ثُمَّ رَقَدْنا، ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنا، فَقالَ: "لَيْسَ أَحَدٌ يَنْتَظِرُ الصَّلاةَ غَيْرَكُمْ" (¬1). 200 - حَدَّثَنا شاذُّ بْنُ فَيّاضٍ، حَدَّثَنا هِشامٌ الدَّسْتَوائِيُّ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قالَ: كانَ أَصْحابُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْتَظِرُونَ العِشاءَ الآخِرَةَ حَتَّى تَخْفِقَ رُءُوسُهُمْ، ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلا يَتَوَضَّئُونَ. قالَ أَبُو داودَ: زادَ فِيهِ شُعْبَةُ، عَنْ قَتادَةَ قالَ: كُنّا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. وَرَواهُ ابن أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتادَةَ بِلَفْظٍ آخَرَ (¬2). 201 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ وَداودُ بْن شَبِيبٍ، قالا: حَدَّثَنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثابِتٍ البُنانِيِّ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ مالِكٍ قالَ: أُقِيمَتْ صَلاةُ العِشاءِ، فَقامَ رَجُلٌ فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي حاجَةً. فَقامَ يُناجِيهِ حَتَّى نَعَسَ القَوْمُ أَوْ بَعْضُ القَوْم، ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ وَلَمْ يَذْكُرُ وضُوءًا (¬3). 202 - حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ وَعُثْمانُ بْن أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ السَّلامِ بْنِ حَرْبٍ - وهذا لَفْظُ حَدِيثِ يَحْيَى - عَنْ أَبِي خالِدِ الدَّالانِيِّ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَبي العالِيَةِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَسْجُدُ وَيَنامُ وَيَنْفُخُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي وَلا يَتَوَضَّأُ. قالَ: فَقُلْتُ لَهُ: صَلَّيْتَ وَلَمْ تَتَوَضَّأْ وَقَدْ نِمْتَ؟ ! فَقالَ: "إِنَّما الوضُوءُ عَلَى مَنْ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (570)، ومسلم (639/ 221). وانظر ما سيأتي برقم (420). (¬2) رواه مسلم (376/ 125). وانظر ما بعده، وما سيأتي برقم (542، 544). (¬3) رواه البخاري (643)، ومسلم (376/ 126).

نامَ مُضْطَجِعًا" زادَ عُثْمانُ وَهَنّادٌ: " فإنَّهُ إِذا اضْطَجَعَ اسْتَرْخَتْ مَفاصِلُهُ". قالَ أَبُو داودَ: قَولُهُ: "الوضُوءُ عَلَى مَنْ نامَ مُضْطَجِعًا" هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ لَمْ يَرْوِ إلَّا يَزِيدُ أَبُو خالِدٍ الدّالانِيُّ، عَنْ قَتادَةَ، وَرَوى أَوَّلَهُ جَماعَةٌ عَنِ ابن عَبّاسٍ وَلَمْ يَذْكُرُوا شَيْئًا مِنْ هذا، وقالَ: كانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَحْفوظًا. وقالَتْ عائِشَةُ رضي الله عنها: قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "تَنَامُ عَيْنَايَ وَلا يَنَامُ قَلْبِي". وقالَ شعْبَة: إِنَّما سَمِعَ قَتادَة مِنْ أَبِي العالِيَةِ أَرْبَعَةَ أَحادِيثَ: حَدِيثَ يُونُسَ بْنِ مَتَّى، وَحَدِيثَ ابن عُمَرَ فِي الصَّلاةِ، وَحَدِيثَ: "القُضاةُ ثَلاثَةٌ"، وَحَدِيثَ ابن عَبّاسٍ: حَدَّثَنِي رِجالٌ مَرْضِيُّونَ، مِنْهُمْ عُمَرُ، وَأَرْضاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ. قالَ أَبو داودَ: وَذَكَرْتُ حَدِيثَ يَزِيدَ الدَّالَانِيِّ لأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، فانْتَهَرَنِي اسْتِعْظامًا لَهُ، وقالَ: ما لِيَزِيدَ الدّالانِيّ يُدْخِل عَلَى أَصْحابِ قَتادَةَ. وَلَمْ يَعْبَأْ بِالَحدِيثِ (¬1). 203 - حَدَّثَنا حَيْوَةُ بْنُ شرَيْحٍ الِحمْصِيُّ - فِي آخَرِينَ - قالُوا: حَدَّثَنَا بَقِيَّة، عَنِ الوَضِينِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ مَحْفُوظِ بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عائِذٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالِبٍ - رضي الله عنه -، قالَ: قالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وِكاءُ السَّهِ العَيْنَانِ، فَمَنْ نامَ فَلْيَتَوَضَّأ" (¬2). * * * باب الوضوء من النوم [199] (ثَنا أَحْمَدُ [بن محمد] (¬3) بْنُ حَنْبَلٍ، قال ثَنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ) قال ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (77)، أحمد 1/ 256، وعبد بن حميد (659). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (26). (¬2) رواه ابن ماجة (477)، وأحمد 1/ 111. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (199). (¬3) ساقطة من الأصول، والمثبت من مطبوع "السنن".

(ثَنَا) عَبد الملك (ابْنُ جُرَيْجٍ) قال: (أَخْبَرَنِي نَافِعٌ) قال: (حَدَّثَنِي عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - شُغِلَ) بِضَم أوله مبني (¬1) للمفعُول (عَنْهَا) أي: عن صَلاة العشَاء (لَيلَة) فَأَخَّرَها (حَتَّى رَقَدْنَا فِي المَسْجِدِ) هو محمُول عندَ الشافعي (¬2) ومن تابَعَهُ على أنهم رقدوا وهم قعُود، وكذا حَديث مسلم الآتي: كَانَ أصحَاب رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ينتظرون الصَّلاة فينامُون ثم يُصلونَ ولا يتَوضؤون (¬3)، فهو محمُول أيضًا على أنهم كانُوا قعُودًا، لكن في "مُسند البزار" بإسناد صَحيح في هذا الحَديث فيضَعُونَ جُنوبهُم فمنهم من ينَام ثم يقومُون إلى الصَّلاة (¬4). وقد أجمعُوا على أن النوم القليل لا ينقض الوضوء (¬5) وخَالف المزَني (¬6)، فقالَ: ينقض قليلهُ وكثيره فَخرق الإجماع كذا قال المهَلب وتبعهُ ابن بطال (¬7)، وابن التين (¬8) وغَيرهما وقد تحاملُوا على المزَني في هذِه الدعوى، فقد نقل ابن المنذر (¬9) وغَيره عَن بَعض الصَّحَابة والتابِعين المصير إلى أن النوم حدث ينقض قليله وكثيره وهو قول أبي ¬

_ (¬1) في (ص): مثنى. (¬2) "الأم" للشافعي 1/ 61. (¬3) مسلم 376/ 125 دون قوله: ينتظرون الصلاة. (¬4) "مسند البزار" (6379). (¬5) من (م). (¬6) "مختصر المزني" المطبوع مع "الأم" 9/ 6. (¬7) "شرح صحيح البخاري" 1/ 320. (¬8) في (ص): العين. (¬9) "الأوسط" 1/ 253، 254، 255.

عبيد وإسَحاق بن راهويه (¬1). قال ابن المنذر: وبه أقول لعمُوم حَديث صَفوَان بن عَسال يعني الذي صَححهُ ابن خزيمة وغَيره، ففيه: إلا من غائط أو بَول أو نَوم. فسَوى بيَنها (¬2) في الحكم، والمرادُ بقليله وكثيره طول زَمانه وقصَره، لا مبَادئه (¬3). (ثُمَ اسْتَيقَظْنا ثُمَّ رَقَدْنَا) ثانيًا (ثُمَّ اسْتَيقَظْنَا، ثُمَّ رَقَدْنَا، ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: لَيْسَ أَحَدٌ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ غَيْرَ) بالنصب استثنائية (كم) ويجوز رَفع غَير على أن يكون صَفة لأحد وجَاز أن تقع صفة للنكرَة، وإن كانَ مُضَافًا إلى معرفة؛ لأن غير لا يتَعرف بالإضافة إلى المعرفة لتوغلها في الإبهَام، إلا إذا (¬4) أضيف إلى المشتهر بالمغَايرَة. وفيه إبَاحَة تأخير الصَّلاة بشغل (¬5) يحصل للإمام إلى نصف الليل وبَوب البخاري باب (¬6) تأخير العشاء إلى النصف ويجوز تأخيرها لغَير شغل، إذا عَلم بأنَّ بالقوم قوة على انتظارها ليحصل لهم فضل الانتظَار؛ لأن المنتَظر للصَّلاة في صَلاة. [200] (ثَنا شَاذٌّ) (¬7) بفَتح الشين المُعجمة وتشديد الذال المُعجمة لقَب غَلب عليه واسمه هلال (بْنُ قَياضٍ) اليشكري، أبُو عبيدة البَصري. ¬

_ (¬1) انظر "فتح الباري" 1/ 376. (¬2) في (ص، س، ل) بينهما. (¬3) انظر: "فتح الباري" 1/ 314. (¬4) في (م): إلى. (¬5) في (د، م): لشغل. (¬6) في (ص) بأن. (¬7) كتب فوقها في (د): د س.

قال أبُو حَاتم: صدُوق ثقة (¬1). قال (ثَنا هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يَنْتَظِرُونَ العِشَاءَ الآخرة (¬2) حَتَّى تخْفِقَ) بفتح التاء وكسْر الفاء (رُؤُوسُهُم) أي: تسقط أذقانهم على صُدُورهم وهُم قعُود وهذا لا يَكون إلا عن نَوم مثقل، وقيل: هو مُشتق من الخفق وهوَ الاضطراب (ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّؤونَ) وهذا محمول على أنهم كانُوا قعودًا متمكنَة مقاعدهم من الأرض. (زَادَ فِيهِ شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ (¬3): عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -) وهذا لا يخفى على رسُول الله - صلى الله عليه وسلم -. (وَرَوَاهُ) سَعيد (ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ بِلَفْظٍ آخَرَ) بِمَعناه. [201] (ثَنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التبوذكي (وَدَاودُ بْنُ شَبِيبٍ) بفتح المُعجمة، قَالَا: (ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتِ البُنَائِيِّ) بِضَم البَاء الموَحدة. (أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أُقِيمَتْ صَلَاةُ العِشَاءِ فَقَامَ رَجُلٌ (¬4) فَقال: يا رَسُولَ الله إِنَّ لِي حَاجَةً فَقَامَ يُنَاجِيهِ) المنَاجَاة: التحدث سِرًّا وفيه جَوَاز مُنَاجَاة الرجُل الرَّجُل بحَضرة الجَماعة. وإنما نهى عَن ذلك بحَضرة الوَاحِد، وفيه جَواز الكلام بعد إقامة الصَّلاة لاسيما في الأمُور المهمة ولكنه مكروه في غير المُهم. ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 9/ 78 (316). (¬2) في (ص): الأخيرة. (¬3) زاد هنا في (م): كنا. (¬4) هنا بياض قدر كلمة في (د).

(حَتَّى نَعَسَ) بفتح العَين، وغلَّطوا من ضَمها (الْقَوْمُ أَوْ) نعسَ (بَعْضُ القَوْمِ) ظَاهر كلام البخاري في قوله: بَاب الوضوء منَ النوم (¬1). أنَّ النعَاس يُسمى نَومًا والمشهور التفرقة بينهما وإن من قرَّت (¬2) حَوَاسه بِحَيث يسمع كلام جَليسه ولا يفهم مَعناهُ فهو نَاعِس، وإن زاد على ذَلك فهو نائم ومِنْ عَلامَات النَّوم الرؤيا طَالت أو قصرت وفي "العَيْن" (¬3) و"المُحْكم" (¬4) النعَاس النَّوم، وقيلَ: مُقارَبته. (ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ وَلَمْ يَذْكُرْ وضُوءًا) فيه دَليل لما قاله الشافِعي والأصحَاب، أنَّ الوضُوء لا ينتقض بالنُّعَاس (¬5)، والنعَاس ليسَ فيه غلبَة على العقل بل تفتر فيه الحَواس من غير سُقوطها والنوم فيه غلبَة على العَقل (¬6) وسُقوط الحَوَاس ولو شك هَل نام أم نعسَ فلا وضُوءَ عليه، ويُستحب أن يتَوضأ (¬7). [202] (ثَنا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ) أبو زكريا البغدادي إمَام المحَدِّثين روى له الشيخان. (وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ (¬8) بْنِ حَرْبٍ) ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" 1/ 53. (¬2) في (ص، س، م): قرب وفي (س): فترت. (¬3) "العين" 7/ 303. (¬4) "المحكم والمحيط الأعظم" 1/ 494. (¬5) انظر "شرح النووح على مسلم" 4/ 74. (¬6) في (م): الفعل. (¬7) "شرح النووي على مسلم" 4/ 74. (¬8) كتب في (د) فوقها: ع.

النهدي. (وهذا لَفْظُ يَحْيَى) بن معين (عَنْ أَبِي خَالِدٍ) يزيد بن عَبد الرَّحمن (الدَّالانِي) قال ابن أبي حَاتم: سَألت أبي عنهُ فقالَ: صَدُوق ثقَة (¬1). (عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ) الرياحي التميمي مَولى امرأة من بني ربَاح أعتقته، واسمه رفيع (¬2) وهو من كبار التابِعين بالبصرة. قال أبُو العَالية: كنتُ أَتي ابن عباس فيجلسني معهُ على السَّرير ورجَال قُريش أسفَل من السَّرير فقال منهم قائل: ترونه يَرفع هذا المولى على السَّرير؟ ففطن لهمُ ابن عباس فقالَ: إن هذا العِلم يَزيد الشريف شرفًا ويجلس المملوك على الأسرَّة. (عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَسْجُدُ وَيَنَامُ) أي: في سُجوده (وَيَنْفُخُ) رواية الترمذي: عن ابن عَباس أيضًا أنه رَأى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - نامَ وهو سَاجد حَتى غَط أو نفخَ. وفيه فَضيلة تَطويل السجود ولو كانَ قصيرًا ما نامَ فيه. (ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ) للصَّلاة (فَقُلْتُ لَهُ صَلَّيتَ وَلَمْ تَتَوَضأ) للصَّلاة (وَقَدْ نِمْتَ) فيه دَليل على أن [النوم من نواقض الوضوء] (¬3) كانَ مَعلومًا مشتهرًا عندَهم وفيه تذكير العَالم فيما يحتمل فيه النسيان. (فَقَالَ: إِنَّما الوضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا) رواية الترمذي: " [إن ¬

_ (¬1) في (د): أو. وانظر: "الجرح والتعديل" 9/ 277. (¬2) في (ص، س، ل): ربيع. (¬3) في (ص، س، ل) من النوم الوضوء، وفي (م): النوم من الوضوء.

الوضوء] (¬1) لا يجب إلا على مَن نامَ مُضطجعًا" (¬2). ورواية الطبرَاني في "الكبير": عن أبي أمَامة أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - نامَ حَتى (¬3) نفخَ، ثم قالَ: "إنما الوضوء على من اضطجَعَ" (¬4) وفي سَنَده جَعفر بن الزبير، ورواهُ عَبد الله بن أحمد في زياداته بلفظ: "ليس على مَن نَامَ سَاجدًا وضوء حتى يَضطجع" (¬5). ورواه البيهقي بلفظ: "لا يجبُ الوضُوء على من نامَ جَالسًا أو قائمًا أو سَاجدًا حتى يضع جَنبه" (¬6). (زَادَ عُثْمَانُ بن أبي شيبة وَهَنَّادٌ: فَإِنَّهُ إِذا اضْطَجَعَ اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ) كذا رواهُ الترمذي والدارقطني (¬7). (قَالَ أَبُو دَاودَ) و (قَوْلُهُ: الوضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجعًا، هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ) والمنكر عندَهم كما قال الحَافظ أبو بكر أحمد (¬8) البرديجي (¬9): هو الحَديث الذي ينفرد به الرجُل ولا يعرف متنه (¬10) من غير ¬

_ (¬1) من (م)، وفي (د): الو ضوء. (¬2) "سنن الترمذي" (77). (¬3) في (م): حين. (¬4) "المعجم الكبير" 8/ 243 (7948) وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 1/ 248: فيه جعفر بن الزبير وهو كذاب. (¬5) "المسند" 1/ 256 من حديث ابن عباس. (¬6) "السنن الكبرى" 1/ 121 عن ابن عباس. (¬7) الدارقطني 1/ 159. (¬8) ليست في (م). (¬9) في (ص): البردكي. (¬10) في (ص): بينته.

روايته (¬1)، وهذا الحَديث (لَمْ يَرْوِهِ إلَّا أَبُو خَالِدٍ يَزِيدُ الدَّالانِيُّ) ودَالان بَطن مِن هَمَدان ولم يكن هذا منهم بَل كان نازلًا عندهم. (عَنْ قَتَادَةَ وَرَوى أَوَّلَهُ جَمَاعَةٌ عَنِ عبد الله [ابن عباس] (¬2) لَمْ يَذْكُرُوا شَيئًا مِنْ هذا) وعلى هذا فيكون الحَديث آخره مفرد دُونَ أوله. قال البيهقي في "الخلافيات" تفردَ به أبو خالد الدالاني وأنكرهُ عليه أئمة الحَديث (¬3). وقالَ في "السنن" أنكره عليه جَميع الحفاظ وأنكرُوا سَماعه من قتادة (¬4). قال الترمذي: وقد روى حَديث ابن عَباس سَعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن ابن عَباس، وسئل أبو حاتم عن الدالاني هذا فقال: صدوق ثقة (¬5)، وروى البيهقي من حَديث حُذيفة قالَ: كنت في مسجد المَدِينة جَالسًا أخفق فأخفق من خلفي رجُل فالتفت فإذا أنا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: هَل وجبَ علي الوضوء؟ قال: "لا حَتى تضع جَنبك" (¬6)، وروى البيهقي من طَريق يزيد بن قسيط (¬7) أنهُ سَمعَ أبا هُريرة يقول: ليس على المحتبي (¬8) النائم وضُوء حَتى يضطجع فإذا اضْطجعَ توضأ (¬9). إسنَاده ¬

_ (¬1) "مقدمة ابن الصلاح" ص 80. (¬2) سقطت من (ص)، وبياض في (ل). (¬3) "مختصر الخلافيات" 1/ 240. (¬4) "معرفة السنن والآثار" 1/ 364، وانظر: "السنن الكبرى"1/ 121. (¬5) "الجرح والتعديل" 9/ 277. (¬6) "السنن الكبرى" 1/ 120. (¬7) في (ص): قسط، وفي (س): بسط. (¬8) سقط من (ص). (¬9) "السنن الكبرى" 1/ 122 وقال: وهذا موقوف.

جيد، وهو موقوف. (وَقَالَ) ابن عَباس: (كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَحْفُوظًا) يَحفظه الله والملائكة في نَومه ويقظته. (وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: تَنَامُ عَينَايَ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي) رواية (¬1) مُسْلم في (¬2) الوتر بلفظ: "إن عينيَّ تنامَان ولا ينَام قلبي" (¬3). وهذا من خصَائص الأنبياء صلواتُ الله وسلامه عليهم وفي حَديث نَومه - صلى الله عليه وسلم - في الوَادي - كما سَيَأتي - فلم يعلم بفوات وقت الصبح حتى طلعت الشمس؛ فإن طلوع الفَجر والشمس يتعَلق بالعَين لا بالقلب، وأما أمر الحَدث ونحوه فمتعلق بالقلب، وأنه قيل: إنه في وقت ينَام قلبه (¬4)، وفي وقت لا ينَام، فصَادَف الوَادي نومه. قالَ النووي: والصوَاب الأول (¬5). (وَقَالَ شُعْبَةُ: إِنَّما سَمِعَ قَتَادَةُ مِنْ أَبِي العَالِيَةِ) رفيع (أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ) لا غَير (حَدِيثَ) بالنصب على البَدَل ويجوز الرفع خَبر مُبتَدأ محذوف أي: أحدها حَديث (يُونُسَ بْنِ مَتَّى) بفتح الميم وتشديد الفوقانية وبالألف وهو اسم أبيه. قال في "جَامع الأصُول" قيل؛ هُو اسمُ أبيه (¬6) وهو ذُو النون - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ¬

_ (¬1) في (د، س، م): رواه. (¬2) زيادة يقتضيها السياق. (¬3) "صحيح مسلم" (738). (¬4) في (ص)، قبله. (¬5) شرح مسلم" للنووي 6/ 21. (¬6) "جامع الأصول" 12/ 115.

أرسَله اللهُ إلى أهل الموصل وذهبَ قَوم إلى أن نبوته كانت بعَد خروجه من بَطن الحوت حكاهُ الكرمَاني (¬1)، والمرادُ بهذا الحَديث ما رواهُ مُسْلم وغيره من طريق شعبة، عن قتادة قالَ: سَمعت أبا العَالية يقول: حَدثني ابن عَم نبيكم - صلى الله عليه وسلم -، يَعني: ابن عباس عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما ينبغي أن (¬2) العَبد يقول: أنا خَير من يونس بن مَتى" ونسبه إلى أبيه (¬3). (وَحَدِيثَ) عبد الله (بْنِ عُمَرَ (¬4) فِي الصَّلَاةِ (¬5) وحديث: القضاة ثلاثة) واحِد في الجَنَّة، واثنانِ في النَّار "الحديث، وسيأتي في الأقضية (¬6) لكن عن أبي هاشم، عن ابن بريدة، عن بريدة بن الخصيب ولم يذكر فيها طريق شعبة عن قتادة عن أبي العَالية وله طرق كثيرة جمَعَها شَيخنا ابن حجر في جزء مفرد استقصى فيه ما وقع لهُ من الطرق. (وَحَدِيثَ ابن عَبَّاسٍ حَدَّثَنِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ) أي: عدُول، لا شك في صدقهم ودينهم. قال ابن دقيق العيد: في هذا رد على الروافض فيما يدَّعونه من المبَاينة بين أهل البيت [وأكابر الصحابة] (¬7) (¬8). ¬

_ (¬1) "البخاري بشرح الكرماني" 14/ 47. (¬2) من (د)، وفي الصحيحين: لعبد أن. (¬3) رواه البخاري (3395)، ومسلم (2377). (¬4) في (ص، س، ل): عمرو. (¬5) هنا في (د، م، ل): بياض قدر نصف سطر. (¬6) سيأتي رقم (3573). (¬7) في (ص، س، ل): وأكاثر الصلاة. (¬8) "إحكام الأحكام" 1/ 106.

وسيأتي الحَديث في باب من رخص فيهما إذا كانَت الشمس مُرتفعَة عن قتادة (¬1) عن أبي العَالية، عن ابن عَباس قال: شهد عندي رجَال مرضيون (منهم عُمَرُ) بن الخَطاب (وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ) أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا صَلاة بعد صلاة العَصر (¬2) حتى تغربَ (¬3) الشمس" الحَديث (¬4). قال المنذري: ذكر أبُو داود ما يدُل على أن قتادة لم يسمع هذا الحَديث - يَعني: حَديث الوضوء على من نامَ مُضطجعًا - عن أبي العَالية فيكونُ منقطعًا فإنهُ ذكر أنه سَمع أربعة أحَاديث ذكرها وليس هذا منها. وقال أبو القاسم البغوي: يُقال: إنَّ قتادة لم يسمع هذا الحَديث من أبي العَالية. [203] (ثَنا حَيوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ) زادَ في نُسخة الخَطيب (الْحِمْصِيُّ فِي) جماعة (أَخَرِينَ قَالُوا: ثَنا بَقِيَّةُ) بن الوليد الكلاعي (عَنِ الوضين) (¬5) بفتح الواو وكسر الضاد المُعجمة (بْنِ عَطَاءٍ) الخزاعي الدّمشقي، ثقة مَات سنة 149. (عَنْ مَحْفُوظِ بْنِ عَلْقَمَةَ) أبي جنادة الحمصي وثق وقال ابن حجرَ: هو ثقة (¬6) (عَنْ [عبد الرحمن] (¬7) بْنِ عَائِذٍ) بالهَمزة المرسُومة باليَاء ثم ذال ¬

_ (¬1) في (م): عبادة. (¬2) في (د، م): الصبح. (¬3) في (م): تطلع. (¬4) سيأتي برقم (1276). (¬5) في (ص، س، ل): الوضيب. (¬6) قال في "التقريب" (6507): صدوق. (¬7) في الأصول: علقمة. تحريف، وصوبت في هامش (م)، وهو الصواب كما في مصادر الترجمة، انظر: "تهذيب الكمال" 17/ 198، "الجرح والتعديل" 5/ 270.

مُعجمة الأزْدي الثمالي (¬1) الحِمْصي. قال أبُو زرعَة: لم يسمع من علي (¬2) وفيه نظر؛ لأنه سمع من عمر كما جَزم به البخاري، وهو تابعي ثقة معروف لم يكن صاحبًا وأرسل عَن معَاذ والكبار (¬3) (¬4)، وعَن" (عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِب - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: وِكَاءُ) بكسر الوَاو والمدّ، وهو الخَيط الذي يُربط به الخَريطة ويُشد به القربة ونحوها من الأوعية. (السَّهِ) بفتح السِّين المهملة وكسر الهَاء المخففة اسم من أسماء الدبر. (الْعَينَانِ) رواية أحمد: "العَين وكاء السَّه" وابن مَاجَة: "العَينان وكاء السَّه" (¬5). ورواه الدارقطني (¬6) أيضًا، والمعنى أن يقظة العَين وكاء الدبر، أي: حَافظة من أن يخرج منه ريح أو غَيره فما دامَ الإنسان مستيقظًا أحس بما يخرج منه فجَعَل اليقظة للاست كالوكاء للقربَة فكما أنَّ الوكَاء يمنَع ما في القربة أن يخرج كذلك اليقظة للاست تمنع أن يخرج شيء إلا بعلمه واختياره وأصل السه: حلقة (¬7) الدبُر، وكنَّى (¬8) بالعَين عن اليقظة؛ لأن ¬

_ (¬1) في (ص): اليماني. (¬2) قال أبو زرعة: عبد الرحمن بن عائذ الأزدي عن علي مرسل. انظر: "المراسيل" لابن أبي حاتم 1/ 124 (444). (¬3) ليست في (د، م). (¬4) انظر: "معرفة الصحابة" لأبي نعيم ترجمة (1881). (¬5) رواية أحمد 1/ 111: "إن السه وكاء العين"، ورواية ابن ماجة (477): "العين وكاء السه"، وفي رواية لأحمد 4/ 96 من حديث معاوية: "إن العينين وكاء السه". (¬6) "السنن" 1/ 161 بلفظ: "العين وكاء السه". (¬7) في (ص): جلسة، وفي (س): طعمة. (¬8) في (م): ويكنى.

النائم عَينه مُنطبقة لا يُبصر بها وهو حجة على أن النوم ناقض للوضوء في الجُملة في قول عَامة أهل العِلم للحَديث؛ ولأن النوم مَظنة الحدَث فأقيم مَقامه كالتقاء الختَانَين في وجُوب الغسْل أقيم مَقام الإنزال. (فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ) عَام يخصصه الحديث الذي قبله قالَ الحَاكم في "علوم الحَديث" لم يقل فيه "ومَن نام فليتوضأ" غير إبراهيم بن مُوسى الرازي وهو ثقة (¬1). كذا قالَ، وقد تابعهُ غَيره. * * * ¬

_ (¬1) "معرفة علوم الحديث" ص 133.

81 - باب في الرجل يطأ الأذى برجله

81 - باب فِي الرَّجُلِ يَطَأُ الأَذى بِرِجْلِهِ 204 - حَدَّثَنا هَنّادُ بْنُ السَّرِيِّ وَإِبْراهِيمُ بْن أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي مُعاوِيَةَ (ح) وحَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنِي شَرِيكٌ وَجَرِيرٌ وابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ قالَ: قالَ عَبْدُ اللهِ: كُنَّا لَا نَتَوَضَّأُ مِنْ مَوْطِئٍ، وَلا نَكُفُّ شَعْرًا وَلا ثَوْبًا. قالَ أَبُو داودَ: قالَ إِبْراهِيمُ بْنُ أَبِي مُعاوِيَةَ فِيهِ: عَنِ الأعمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، أَوْ حَدَّثَهُ عَنْهُ، قالَ: قالَ عَبْدُ اللهِ، وقالَ هَنّادٌ: عَنْ شَقِيقٍ، أَوْ حَدَّثَهُ عَنْهُ (¬1). * * * باب في الرجل يطأ الأذى برجله (¬2) [204] (ثَنا هَنَادُ بْنُ السَّرِيّ وَإبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي مُعَاوِيَةَ) محمد بن خَازم، ثقة توفي سنة 195 هـ (¬3). (عَنْ) أبيه (أَبِي مُعَاوِيَةَ) محمد بن خَازم بالخاء والزاي المعجمتَين الضرير. قال أبو داود: عمي وهو ابن أربعَ سنين فأقأمُوا عليه مأتمًا (¬4). (وثَنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ) قال: (ثنا شَرِيكٌ) بن عبد الله بن أبي شريك النخعي الكوفي (¬5) استشهدَ به البخَاري في "الجَامع" وروى له في "رفع ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجة (1041). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (200). (¬2) من (م). (¬3) انظر "سير أعلام النبلاء" 9/ 73 (20). (¬4) انظر: "التهذيب" 25/ 124. (¬5) من (د، م، ل).

اليدَين في الصَلاة" ومُسْلم في المتَابعَات. (وَجَرِيرٌ) (¬1) بفتح الجيم ابن عَبد الحميد الرازي أصله من الكوفة، (و) عَبد الله (ابْنُ إِدْرِيسَ) (¬2) الأودي أحَد الإعلام. (عَنِ) سُليمان (الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ) (¬3) بن سَلمة أبي وائل الأسدي - أسد خزيمة - أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يرهُ مَاتَ في زمن الحَجاج بعد الجماجم. (قَالَ: قَالَ عَبْدُ الله بن مسعُود - رضي الله عنه -: كُنّا لَا نَتَوَضَّأُ مِنْ مَوْطِئٍ) بفتح الميم وإسكان الواو وكسر الطاء، أي: مما يُوطأ مِنَ الأذى في الطريق وأصله الموطوء بالواو، وأرَاد بذلك أنهم كانوا لا يُعيدون الوضوء من وطء الأذى إذا أصَاب أرجُلهم لا أنهمُ كانُوا لا يغسلون أرجُلهم من الأذى إذا أصَابهمُ. (وَلَا نَكُفُّ شَعْرًا) قال القَاضي عيَاض: أي: لا نضمه ولا نجمعه في الصَلاة فنعقص الشعر (¬4). قال في "النهاية" (¬5): يحتمل أن يكون بمعنى المنع أي: لا نمنع الشعر. (وَلَا ثَوْبًا) من الاسترسَال حَال السجود ليقعا على الأرض. قال العلماء: والحكمة في ذلك حَتى يَسْجُد معهُ الشعر والثوب كذا ¬

_ (¬1) كتب فوقها في (د): ع. (¬2) كتب فوقها في (د): ع. (¬3) كتب فوقها في (د): ع. (¬4) "إكمال المعلم" 2/ 405. (¬5) "النهاية" (كفف).

حكاهُ عنهم في "شَرْح المهَذب" (¬1) وخص مالك النهَي بمن فعلَ ذلك للصَّلاة، وقيل: المراد كُنا لا نقيهما التراب صيَانة لهما إذا صَلينا. (قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي مُعَاوِيَةَ) محمد بن خازم الضرير (عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ) بن الأجدع الهمداني، أحَد الأعلام. (أَوْ حَدَّثَهُ عَنْهُ) عن مسروق (قَالَ: قَالَ عَبْدُ الله) بن مسعود - رضي الله عنه -[وقال هناد: عن شقيق أو حدثه عنه ... ] (¬2) الحَديث. * * * ¬

_ (¬1) "المجموع شرح المهذب" 4/ 98. (¬2) من "السنن".

82 - باب من يحدث في الصلاة

82 - باب منْ يُحْدِثُ فِي الصَّلاةِ 205 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ بْن عَبْدِ الَحمِيدِ، عَنْ عاصِمٍ الأَحوَلِ، عَنْ عِيسَى بْنِ حِطَّانَ، عَنْ فسْلِمِ بْنِ سَلامٍّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا فَسا أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاةِ، فَلْيَنْصَرِفْ، فَلْيَتَوَضَّأ، وَلْيُعِدِ الصَّلاةَ" (¬1). * * * باب من يحدث في الصلاة هكذا في نُسخة الخَطيب دُون نُسخة أبي علي التستري. [205] (ثَنا عُثْمَانُ) بْنُ محمد (بن أَبِي شَيْبَةَ) قال: (ثَنا جَرِيرُ) (¬2) بفتح الجيم (بْنُ عَبْدِ الحَمِيدِ) الضبي القاضي (عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ عِيسَى بْنِ حِطَّانَ) بكسر الحاء المهملة وتشديد الطاء، وثق (عَنْ مُسْلِمِ بْنِ سَلَّام) بتشديد اللام ألف، الحنفي أبُو عبد الملك ذكره ابن حبّان في "الثقات" (¬3) (عَنْ عَلِي بْنِ طَلْقِ) بن عمرو حنفي أيضًا يَمامي. قال في "الاستيعاب": أظنهُ والد طَلق بن عَلي الحنَفي، وقد ذكرنا طلق بن عَلي في بابه من هذا الكتاب (¬4). انتهى. وهذا يدُل على أن ولده طلق بن علي صحابي أيضًا. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1164)، وأحمد 1/ 86، وابن حبان (2237). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (27). (¬2) كتب فوقها في (د): ع. (¬3) "الثقات" 5/ 395. (¬4) "الاستيعاب" 1/ 350.

(قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: إِذا فَسَا) غَير مَهمُوز (أَحَدُكُمْ) فسا يَفسُو فسْوًا مِنْ باب قتلَ، والاسم الفُسَاء بضَم الفاء والمدّ وهو ريح يخرج مِن أسفَل الإنسَان بغَير صَوت يسمع بل يعلم برائحته. (فِي الصَّلاةِ فَلْيَنْصَرِفْ) أجمع أهل العلم على أن خروج الريح مِنَ الدبُر ينقض الوضُوء ويبطل الصَّلاة، وكذا خرُوجه مِن ذكر الرجُل وقبل المرأة عندَ الجمهُور. قال ابن عقيل مِنَ الحَنَابلَة: يحتمل أن يكون الأشبه بمذهَبنا في الريح يخرج مِنَ الذكر أن لا ينقض؛ لأن المثَانة ليس لها منفذ إلى الجوَف، ولا جعلها أصحَابنا جوفًا ولم يُبطلوا الصَّوم بالحقنة فيه ولا يعلم وجوده في حق (¬1) أحد، وقد قيل إنه (¬2) يعلم وجوده بأن يحس الإنسَان في ذكره دبيبًا وعلى هذا فلا تنتقض به الطهارة، فإنه لا يحصُل به اليقين والطهَارة لا تبطلُ بالشك (¬3). (فَلْيَتَوَضَّأ وَلْيُعِدِ الصَّلَاةَ) قد يستَدل بهذا على ما ذَهب إليه الشافعي في الجَديد أن من سبقهُ الحَدَث بَطلتْ صَلاته؛ لأنه حَدث يبطل الطهَارة فأبطل الصَّلاة كحدث العمد، وإذا بطلت صلاته فيجب عليه أن يتَوضأ ويستأنف الصَّلاة يعيدُها من أوَّلها وهذا مذهب المسور بن مخرمة الصحَابي. وبه قال مَالك وآخرون (¬4)، وهو الصحيح من مَذهب الشافعي خلافًا ¬

_ (¬1) في (د، م): نحو. (¬2) من (د، م). (¬3) "المغني" 1/ 230 - 231. (¬4) انظر: "المجموع شرح المهذب" 4/ 76.

لأبي حنيفة والقديم من مَذهب الشافعي أنه لا يبطل صلاته بَل ينصرف ويتوضأ ويبني على صلاته، فإن (¬1) كانَ حدَثه في الركوع مثلًا فيجبُ أن يَعود إلى الركوع؛ وظَاهر هذا الحَديث يرد هذا. واللهُ أعلم. * * * ¬

_ (¬1) في (ص، س، م): قال.

83 - باب في المذي

83 - باب فِي المَذْي 206 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ الْحَذَّاءُ، عَنِ الرُّكَيْنِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ قَبِيصَةَ، عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - قالَ: كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً، فَجَعَلْتُ أَغْتَسِل حَتَّى تَشَقَّقَ ظَهْرِي، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ ذُكِرَ لَهُ - فَقالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَفْعَلْ، إِذا رَأَيْتَ المَذْيَ فاغْسِلْ ذَكَرَكَ وَتَوَضَّأْ وضُوءَكَ لِلصَّلاةِ، فَإِذا فَضَخْتَ الماءَ فاغْتَسِلْ" (¬1). 207 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ يَسارٍ، عَنِ الِمقْدادِ بْنِ الأسوَدِ، أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طالِبٍ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَهُ أَنْ يَسْأَلَ لَهُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الرَّجُلِ إِذا دَنا مِنْ أَهْلِهِ فَخَرَجَ مِنْهُ المَذْيُ، ماذا عَلَيْهِ؟ فَإِنَّ عِنْدِي ابنتَهُ وَأَنَا أَسْتَحْيِي أَنْ أَسْأَلَهُ. قالَ الِمقْدادُ: فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ، فَقالَ: "إِذا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ، فَلْيَنْضَحْ فَرْجَهُ، وَلْيَتَوَضَّأ وضُوءَهُ لِلصَّلاةِ" (¬2). 208 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا زهَيْرٌ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طالِبٍ قالَ لِلْمِقْدادِ، وَذَكَرَ نَحْوَ هذا، قالَ: فَسَأَلهُ الِمقْدادُ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لِيَغْسِلْ ذَكَرَهُ وَأُنْثَيَيهِ". قالَ أَبُو داودَ: وَرَواة الثَّوْرِيُّ وَجَماعَةٌ عَنْ هِشامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَليٍّ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قالَ فِيهِ: "والأُنثَيَينِ" (¬3). 209 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا أَبِي، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (132، 269)، ومسلم (303). وانظر ما سيأتي بالأرقام (207، 208، 209). (¬2) رواه مسلم (303/ 19). وانظر السابق. (¬3) انظر الحديثين السابقين.

عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَدِيثٍ حَدَّثَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالِبٍ، قالَ: قُلْتُ لِلْمِقْدادِ. فَذَكَرَ مَعْناهُ. قالَ أَبُو داودَ: وَرَواة المُفَضَّل بْن فَضالَةَ وَجَماعَةٌ والثَّوْرِيُّ وابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالِبٍ، وَرَواهُ ابن إِسْحاقَ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الِمقْدادِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، لَمْ يَذْكُر: "أُنْثَيَيْهِ" (¬1). 210 - حَدَّثَنا مُسَدَّد، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ - يَعْنِي: ابن إِبْراهِيمَ - أَخْبَرَنا محَمَّدُ بْن إِسْحاقَ، حَدَّثَنِي سَعِيد بْنُ عُبَيْدِ بْنِ السَّبّاقِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، قالَ: كنْتُ أَلْقَى مِنَ المَذْيِ شِدَّةً وَكنْتُ أُكْثِرُ مِنْه الاغْتِسَالَ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ، فَقالَ: "إِنَّما يُجْزِيكَ مِنْ ذَلِكَ الوضُوءُ" قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ فَكَيْفَ بِما يصِيبُ ثَوْبِي مِنْهُ؟ قالَ: "يَكْفِيكَ بِأَنْ تَأْخُذَ كفًّا مِنْ ماء فَتَنْضَحَ بِها مِنْ ثَوْبِكَ حَيْثُ تُرَى أَنَّهُ أَصابَهُ" (¬2). 211 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنا مُعاوِيَةُ - يَعْنِي: ابن صالِحٍ - عَنِ العَلاءِ بْنِ الحارِثِ، عَنْ حَرامِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدٍ الأنصارِيِّ، قالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَمّا يُوجِبُ الغُسْلَ، وَعَنِ الماءِ يَكُون بَعْدَ الماءِ، فَقالَ: "ذاكَ المَذْيُ، وَكُلُّ فَحْلٍ يُمْذِي، فَتَغْسِلُ مِنْ ذَلِكَ فَرْجَكَ وَأُنْثَيَيكَ، وَتَوَضَّأ وضُوءَكَ لِلصَّلاةِ" (¬3). * * * ¬

_ (¬1) انظر ما سلف برقم (206، 207). (¬2) رواه الترمذي (115)، وابن ماجة (556)، وأحمد 3/ 485، وابن خزيمة (291)، وابن حبان (1103). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (205). (¬3) رواه أحمد 4/ 342، وابن الجارود في "المنتقى" (7). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (206).

باب في المذي [206] (ثَنَا قُتَيبَةُ (¬1) بْنُ سَعِيدٍ) أبُو رجاء البَلخي (قال: ثَنَا عَبِيدَةُ) بفتح العَين وكسر الموحَّدة مكبر (بْنُ حُمَيدٍ) التيمي، ويقالُ: الضبي الكوفي النحْوي، ويقال له (الْحَذَّاءُ) قال ابن حنبل: لم يكن حذَّاءً (¬2) روى له (¬3) البخاري في مواضع عن عبد العَزيز بن رفيع، وعَبد الملك ابن عمير ومنصور بن المعتمر (¬4). (عَنِ الرُّكيْنِ) بِضَم الراء مُصغر (بْنِ الرَّبِيعِ) بفتح الراء بن عَميلة بفتح العَين الفَزَاري روى لهُ مُسْلم عن أبيه في الأدَب (¬5) (عَنْ حُصَيْنِ) بِضم الحاء وفتح الصَّاد المهُملتَين مصَغر (ابْنِ قَبِيصَةَ) الفزاري ثقة (¬6)، وقيل فيه: حُصَين ابن عقبة. (عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: كنْتُ رَجُلَا مَذَّاءً) هو فَعَّالٌ مِنَ المذي كضَرَّاب مِنَ الضرب، وهو من كثر خُروج المذي منهُ وقولهُ: (كُنتُ) يحتمل أن يكون حكاية لحاله فيما مَضَى وقد (¬7) انقطعَ المذي عندَ إخبَاره بهِ، ويحتمل أن تكون هذِه الحَالة مستَديمة لهُ ويكونُ من باب قوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ ¬

_ (¬1) كتب فوقها في (د): ع. (¬2) "تاريخ البخاري" 6/ 86. (¬3) في (ص، س، ل، م): عنه. (¬4) "صحيح البخاري" (1630، 6055، 6390). (¬5) "صحيح مسلم" (2136). (¬6) "تاريخ الثقات" للعجلي ترجمة (299). (¬7) في (ص، س): ومذ

عَلِيْمًا حَكِيْمًا} (¬1) أعلمَ اللهُ الناسَ أنه عَليم حَكيم، وكذَلك كانَ في الأَزل على ما هُو عليه الآن. (فَجَعَلْتُ أغتسل) أي: كلمَا خَرَجَ مني المذي (¬2). (حَتَّى تَشَقَّقَ ظَهْرِي) من كثرة الاغتسَال ورواهُ (¬3) ابن خزيمة والنسَائي بلفظ: (فَجَعَلْتُ أَغْتَسِلُ) منهُ في الشتاء (¬4). (فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -) سَيَأتي من رواية سَهْل بن حنيف في الرواية الآتية أنه سَأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك بنفسه (أَوْ ذُكِرَ لَهُ) ووقعَ في رواية النسَائي: أن عليًّا قالَ: أمَرتُ عَمارًا أن يَسْأل (¬5). وفي رواية لابن حبان والإسمَاعيلي: أن عَليًّا قالَ: سأالتُ وجمع ابن حبان بين هذا الاختلاف بأن عليًّا أمر عمارًا أن يسْأل، ثم أمر المقداد بذَلك، ثم سأال بنفسهِ (¬6)، وهو جمع جَيد ويؤيد أنه أمر المقداد وعمارًا بالسؤال ما رواهُ عَبد الرزاق من طريق عائش بن أنَس قالَ: تذاكر علي والمقداد وعمار المذْي، فقال علي: إنني رجُل مَذَّاء فاسألا عن ذَلك النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬7). ¬

_ (¬1) النساء: 17. (¬2) في (ص، ل): المني. (¬3) في (د): ورواية. (¬4) "صحيح ابن خزيمة" (20)، ولم أقف عليه عند النسائي بهذا اللفظ. (¬5) "سنن النسائي" 1/ 96. من طريق عائش بن أنس عن علي، وقال الألباني: منكر بذكر عمار. (¬6) "صحيح ابن حبان" 3/ 386. (¬7) "مصنف عبد الرزاق" 1/ 155 (597).

(فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: لَا تَفْعَلْ) يحتمل أن يكون النهي هُنَا نَهي إرشاد؛ لأنه يَرجع لنفع بَدَنه وإزالة ضَرره الحَاصل من كثرة الاغتسَال. (إِذَا رَأَيْتَ المَذْيَ) فيه لغات (¬1) أفصَحُهَا فتح الميم، وسُكون الذال المُعجمة، وتخفيف اليَاء، ثمَّ كسْر الذال، وتشديد اليَاء (¬2) وهو مَاء أبيَض رقيق لزج يخرجُ عندَ المداعبة، أو تذكُّر الجماع أو إرادته، ولا يُحسُّ بخرُوجه ولا يعقبهُ فتور. (فَاغْسِلْ) الفاء قد تقتضي الفور استدلَّ به ابن دقيق العيد عَلى تعيين (¬3) الماء في محَل الخارج منه البَوْل دونَ الأحجار؛ لأن ظاهِره تعيين الغَسْل والمعين (¬4) لا يقع الامتثال (¬5) إلا به، وهذا ما صَححه النووي في "شَرح مُسْلم" (¬6) وصحح في باقي كتبه جواز الاقتصار على الأحجار ونحوهَا إلحاقًا للمذي بالبَول وحمل (¬7) الأمر به على (¬8) الاستحباب، أو على أنه خَرَجَ مخرج الغَالب وهذا هو المعروف في مذهَب الشافعي. واستدل به بعض المالكية (¬9) والحنَابلة (¬10) على إيجَاب استيعَابه ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): لغتان. (¬2) في (س): الراء. (¬3) في (ص): تعيُّن. (¬4) في (ص، س): المفتر. (¬5) في (ص، س، ل): الإمساك. (¬6) "شرح مسلم" 3/ 213، و"عمدة القاري" 3/ 220. (¬7) في الأصول الخطية: وحملا. والمثبت أليق بالسياق. (¬8) في (س): في. (¬9) "الذخيرة" 1/ 207. (¬10) "الإنصاف" 1/ 330.

بالغسْل عَملًا بالحقيقة لكن الجمهور نظروا إلى المعنى، فإن الموجب [لغسله إنما] (¬1) هو خروج الخارج فلا يجب المجَاوزة إلى غير محَله، ويؤيدهُ مَا رواهُ الإسماعيلي في روايته فقَال: "توضأ واغسلهُ" (¬2) يَعني: المذي (¬3) فأعَادَ (¬4) الضمير عليه ونظيرهُ: "مَن مسَّ ذَكرهَ فليتَوَضأ" (¬5)، فإن النقض (¬6) لا يتوقف على مسّ جَميعه لكن ظَاهر قوله: (ذَكَرَكَ) يقتضي الجميع. (وَتَوَضأ وضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ) استدل به على أنَّ الغسْل لا يجب بخرُوج المذي وقولهُ: وضُوءك للصَّلاة على أن الأمر بالوضوء مِنَ المذْيِ كالأمر بالوضوء مِنَ البَول وهو الوضُوء الشرعي، وحَكى الطحاوي عن قوم أنهم قالوا بوجوب الوضُوء بمجرَّد خُرُوجه، ثم رُد عليهم بما رواهُ من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن علي قال (¬7): سُئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المذي؟ فقال: فيه الوضوء، وفي المَني الغسْل (¬8) فعرفَ بهذا أن حكم المذي حكم البَول وغَيره من نواقض الوضوء لا أنه يُوجب الوضُوء بمجرَّده (¬9). ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): يغسلوا بما. (¬2) أخرجه أحمد في "مسنده" 1/ 5، والطيالسي (137). (¬3) في (س): المني. (¬4) في (م): فإذا عاد. (¬5) تقدم تخريجه. (¬6) في (م): البعض. (¬7) من (د، م). (¬8) "شرح مشكل الآثار" (2700). (¬9) "شرح مشكل الآثار" 7/ 127.

(فَإِذَا نَضَحْتَ) بالنون والحَاء المهملة. قال النووي: وفي بَعض نسخ "المهَذَّب": "فضخت" بالفاء والخاء المُعجمة ومعَناهما دفقت (¬1). (الْمَاءَ) وكذا رواية أبي داود فضخت بالفاء والخاء المعجمة. قال المنذري في "حواشيه": فضخت الماء بالفَاء والضاد والخاء المُعجمتَين: دَفقته. ورواية النسَائي: فَإِذَا أنضحت المَاءَ (فَاغْتَسِلْ). وفي روَاية لهُ: فإذا رَأَيْتَ فضخ الماء فاغتسل وبوّب عليهمَا باب الغسْل من المَني (¬2). وهذا يدُل على أن المرَاد بالماء في الحَديث: المني الدافق، وأنه يوجب الاغتسال بالماء، وهذا مما لا نزاع فيه. [207] (ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ) القعنبي (عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ) سَالم بن أبي أمية مَولى عمر بن عُبيد (¬3) الله بن معمر (¬4) التيمي القرشي أجمعُوا على أنهُ ثقة (¬5). (عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ (¬6) يَسَارٍ، عَنِ (¬7) المِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ، أَنَّ عَلِي بْنَ أَبِي ¬

_ (¬1) "المجموع" 2/ 144. (¬2) "سنن النسائي" 1/ 111. (¬3) في (س): عبد. (¬4) في (ص، س، ل): عمر. (¬5) "تهذيب الكمال" 10/ 129. (¬6) في (س): عن. (¬7) في (س): بن.

طَالِبٍ أَمَرَهُ أَنْ يَسْأَلَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الرَّجُلِ) ظاهرُه أنهُ سَأل النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - لمبهم لا لعَليٍّ بعَينه، والظاهر أن عليًّا [كان حاضرًا] (¬1) للسؤال، فقد أطبق أصحَاب المسَانيد والأطراف على إيراد هذا الحَديث في مسند علي، [ولو حملوهُ على] (¬2) أنهُ لم يحضر لأسندوه في مُسنَد المقدَاد، ويؤيده رواية النسَائي من طريق أبي بكر ابن عياش: فقلت لرجُل جَالس عَن جنبي: سَله (¬3). (إِذَا دَنَا مِنْ أَهْلِهِ) لِمُدَاعَبة (¬4) ونحوهَا (فَخَرَجَ مِنْهُ المَذْيُ مَاذَا عَلَيْهِ) أي: مَاذا يجبُ عليه (فَإِنَّ عِنْدِي ابنتَهُ) فاطمة - رضي الله عنها - (وَأَنَا أَسْتَحْيِي أَنْ أَسْأَلَهُ) لمكان ابنته. وفي روَاية مسلم: من طريق ابن الحنَفية: من أجل فاطمة - رضي الله عنها - (¬5)، فيه استعمال الأدَب في ترك الموَاجهَة لما يُستحيى منه عُرفًا (¬6) وحُسْن المعَاشرَة مع الأصهَار، وترك (¬7) ذكر ما يتَعلق بالجماع ومُقَدمَاته بحَضرتهم وحَضرة أقاربهَا ويستدل به على أن من استحيى يأمر (¬8) غَيره بالسُّؤال؛ لأن فيه جَمعًا بين المصلحتَين استعمال الحَيَاء وعدم التفريط ¬

_ (¬1) ليست في أي من النسخ، وإثباتها لازم، ويدل عليه السياق بعده. (¬2) ليست في أي من النسخ، وإثباتها لازم، ويدل عليه السياق بعده. (¬3) "سنن النسائي" 1/ 96. (¬4) في (س): لملاعبة. (¬5) "صحيح مسلم" (303/ 18). (¬6) سقطت من (م). (¬7) في (س): ولذلك. (¬8) في (ص، ل): أمر.

في عِلْمِ الحكم. (قَالَ المِقْدَادُ: فَسَأَلْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَنْضِحْ) بكسر الضَّاد المعجمة نَص عليه الجَوهري (¬1) وغَيره. قال الفاكهي: ولا يَكادُ قُراء الحَديث يقرؤونه إلا بفتح الضَّاد وهو خَطَأ. قال ابن دَقيق العيد: وهو بالحاء المهملة لا نعرف غيره، ولو روى بالخاء المعجمة لكانَ أقرب إلى معنى الغسْل، فإن النضخ بالمعجمة أكثر منهُ بالمهملة (¬2). ومنة قوله تعالىَ: {عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} (¬3). (فَرْجَهُ) أي: ذكرهُ، والمراد بالنضخ الغسل، والمرادُ الذكر جَميعه ومحَل الخَارج وحقيقة الفَرج تطلق على جَميعه، ومَذهب الشافعي غسْل محَل الخَارج بالماء، وينوب عنهُ الحجر ونحوه كما تقدم. (وَلْيَتَوَضأْ وضُوءَهُ) أي: كوضوئه، فحذفت (¬4) كاف التشبيه. (لِلْصَّلَاةِ) أي: ولا يحتاج إلى الاغتسَال؛ وخرَّجَ ابن عقيل الحنبلي من قول (¬5) بعضهم أن المذي من أجزاء (¬6) المني رواية بطَهَارته (¬7)، وتعقب بأنه لو كان مَنيًّا لوَجَبَ الغسْل منهُ. ¬

_ (¬1) "الصحاح" للجوهري: نضح. (¬2) "إحكام الأحكام" 1/ 55. (¬3) الرحمن: 66. (¬4) في (س): فحديث. (¬5) في (ص، ل): قولهم. (¬6) في (م): آخر. (¬7) "الإنصاف" 1/ 330.

[208] (ثَنَا أَحْمَدُ) بْنُ عَبد الله (بن (¬1) يُونُسَ) (¬2) اليربوعي الحَافظ، قال: (ثَنَا زُهَيرٌ) بن حُدَيج بضم المهملة مُصَغر. (عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ) (¬3) أبي المنذر أحَد الأعلام. (عَنْ عُرْوَةَ) بن الزبير (أَن (¬4) عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِب - رضي الله عنه - قَالَ لِلْمِقْدَادِ) بن الأسود أن يَسْأل النَّبي - صلى الله عليه وسلم - (فَذَكَرَ نَحْوَ هذا) الذي (¬5) تقدم. (قَالَ: فَسَأَلَهُ المِقْدَادُ) بن الأسْوَد عَن المذي (فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: لِيَغْسِلْ) لامُ الأمر فيه مكسُورة. (ذَكَرَهُ وَأُنْثَيَيهِ) الأنثيَان: الخصْيَتان اسْتدل به بَعضهُم: على أنَ خُروج المذي يُوجبُ الوضُوء وغسْل الذكر (وَالأُنْثَيَينِ) لهذا الحديث؛ ولأنهُ خَارج بسبب الشهوَة فأوجب غسْلًا زائدًا على مُوجب البَول، وهي رواية عن أحَمد بن حَنبل (¬6) وعَلى هذا فيجزئه (¬7) به غسْلة واحدَة؛ لأن المأمُور (¬8) به غسْل مُطلق فوجب ما يقع عليه اسْم الغسْل، والمشهور عند الجُمهور أن غسْل الأنثيين استظهَار بزيَادة تطهير؛ لأن المذيَ رُبما انتشر فأصَابها، وقيل: إنَّ الماءَ البَارد إذا أصَاب الأُنثيَين ردَّ المذي، ¬

_ (¬1) سقط من (ص): وبياض في (ل). (¬2) كتب فوقها في (د): ع. (¬3) كتب فوقها في (د): ع. (¬4) في (م): بن. (¬5) في (س): النهي. (¬6) "المغني" لابن قدامة 1/ 232. (¬7) في (ص، ل): فيجب به. وطمس في (س). (¬8) في (م): المأثور.

وهذا على تقدير صِحَّة هذا اللفظ في هذِه الرواية. (رَوَاهُ) سُفيان (الثَّوْرِيُّ وَجَمَاعَةٌ عَنْ هِشَامٍ) بن عروة، (عَنْ أَبِيهِ) عروة بن الزبَير (عَنْ عَلِيِّ) بن أبي طالب - رضي الله عنه - (عَنِ النبِي - صلى الله عليه وسلم -) كما تقدم. قالَ أبُو حَاتم الرازي: عُروة بن الزبير عن عَلي: مُرسَل (¬1). [209] (ثَنَا) عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ (الْقَعْنَبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَي أَبِي) مسلمة بن قعنب الحارثي البَصري. قاَل أبُو داود: كانَ لهُ شَأنٌ وقدر (¬2)، ذكرهُ ابن حبان في "الثقات" (¬3). (عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ) كذَا في نُسخة الخَطيب (عَنْ أَبِيهِ) عروة بن الزُبير. (عَنْ حَدِيث حَدَّثَهُ أنَّ (¬4) علي بن أَبِي طَالِب - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْتُ لِلْمِقْدَادِ) ابن الأسْوَد (فَذَكرَ مَعْنَاهُ) على نَحو ما تقدم. (وَرَوَاهُ المُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ) بن أبي أُمَيَّةَ البَصري مَولى زَيد بن الخَطاب، وقيل: هو مولى عُمر ذكرهُ ابن حبَّان في "الثقات" (¬5) ولهُ عندَهُم حَديث أنه عليه السلام أخذ بيد مجذوم فوضعها معه في القصعة (¬6). (وَجَمَاعَة) كذَا في بَعض النسخ (و) سُفيان (الثَّوْرِيُّ و) سُفيان (ابْنُ عُيَينَةَ، عَنْ هِشَامٍ) بن عُروة (عَنْ أَبِيهِ) عُروة بن الزبَير. ¬

_ (¬1) "علل الحديث" 1/ 138. (¬2) "سؤالات الآجري" (425). (¬3) "الثقات" لابن حبان 7/ 490. (¬4) في "السنن": عن. (¬5) "الثقات" لابن حبان 7/ 496. (¬6) سيأتي برقم (3925).

(عَنْ عَلِيِّ) قالَ أبُو حَاتم الرازي: عُروة بن الزبَير عن عَلي: مُرسَل (¬1)، وسيأتي وصله بالمقداد. (وَرَوَاهُ) محمَّد (ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ المِقْدَادِ) في هذِه الروَاية وصل الرواية المتقدمة. (عن علي، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ولَمْ يَذْكُرْ) أنثييه (¬2) في هذِه الرواية (¬3). [210] (ثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ) (¬4) يَعْنِي: ابن إِبْرَاهِيمَ، كذَا في نُسخة الخَطيب، ابن علية أبُو بشر. (قال: أنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ عُبَيدِ) بالتصغير (بْنِ السَّبَّاقِ) بتشديد المُهمَلة والموَحدة الثقفي المدَني. قالَ النسائي: ثقة (¬5)، وذكرهُ ابن حبان في "الثقات" (¬6). (عَنْ أَبِيهِ) (¬7) عبيد بن السبَّاق الثقفي الحجازي (¬8) روى له الشيخان، عَن الزهري وغيره. (عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنيف (¬9) - رضي الله عنه - قَالَ: كُنْتُ أَلْقَى مِنَ المَذْي شِدَّةً) وَعَناء ¬

_ (¬1) "علل الحديث" 1/ 138. (¬2) في (ص، س): التنبيه. وبياض في (ل). (¬3) أخرجه أحمد 4/ 79، 6/ 2. (¬4) كتب فوقها في (د): ع. (¬5) "تهذيب الكمال" 10/ 547. (¬6) "الثقات" 4/ 285. (¬7) كتب فوقها في (د): ع. (¬8) في (س، ل): المحاربي. (¬9) في (ص): حبيب. وبياض في (ل).

عند الترمذي (¬1). (وَكنْتُ أُكثِرُ مِنْهُ الاغْتِسَالَ) في شدة البَرد (فَسَأَلْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّمَا يُجْزِئُكَ) بِضَمِّ أوله وهَمزة قَبل الكاف، أي: يكفيك، يقال: أجزأني (¬2) في الشيء أي: كَفاني (¬3) (مِنْ ذَلِكَ الوضُوءُ) بالرفع. (قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، فَكَيفَ) أصنع (بِمَا يُصِيبُ ثوبي منه قال: يَكْفِيكَ) بفتح أوله (بأن) يحتمل أن تكون البَاء زَائدة، فإن روَاية الترمذي: "أَنْ" (تَأْخُذَ كفًّا مِنْ مَاء فَتَنْضِح) بكَسْر الضَّاد كما تقدم (بِهَا) رواية الترمذي: "به" (ثَوْبكَ) على أن يَعُود الضمير المذكر إلى الماء الذي في الكف لا إلى الكف. وقال الترمذي: حديث (¬4) حسَن صحيح (¬5)، استدل به على أنه لا يجبُ في خروج المذي أكثر من الاستنجاء والوضُوء لهذا الحَديث؛ ولأنه خَارج لا يوجب الاغتسال فأشبهَ الوَدي، والأمر بالنضح وهوَ الرش وغسْل الذكر والأنثيَين محمول على الاستحباب؛ لأنه يحتمله (¬6). وقوله: "إنما يجزئك من ذلك الوضوء" صَريح في حُصُول الإجزاء بالوضُوء؛ فيجبُ تقديمه. (حَيْثُ) أي: في كل مَكان (تُرَى أنَّهُ أَصَابَهُ) منهُ. قال الترمذي: اختلف أهل العِلم في المذي يُصيب الثوب، فقال ¬

_ (¬1) "جامع الترمذي" (115). (¬2) في (ص، س، ل): أجزأ في. (¬3) في (ص، ل): كفافي. (¬4) من (د، م). (¬5) "جامع الترمذي" (115). (¬6) في (ص): تحمله. وفي (س): خروج.

بعضهم: لا يُجزئه إلا الغَسْل، وهو قول الشافعي (¬1) وإسحَاق بن راهويه، وقال بَعضهم: يُجزئه النضح. وقال أحمد: أرجُو أنه يجزئه النضح بالماء (¬2). [211] (ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى) الرازي (أنا عَبْدُ الله بْنُ وَهْب، ثَنَا مُعَاوِيَةُ) يَعْنِي ابن صَالِحٍ -كذَا في نُسخَة الخَطيب- الحضرمي قاضِي الأندُلس أخرج لهُ مُسلم. (عَنِ العَلاَءِ بْنِ الحَارِثِ) الحضرمي الدّمشقي الفقيه أخرجَ له مُسلم. (عَنْ حَرَامِ) (¬3) بفتح الحَاء والراء الدّمشقي ثقة (¬4). (عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ الله بْنِ سَعْد الأنصَارِيِّ) الصحَابي يقالُ: إنه شهدَ القادسية وكانَ يومئذ على مقدمة الجَيش. (قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَمَّا يُوجِبُ الغُسْلَ) اختلفوا في مُوجب الغسْل عَلى ثلاثة أوجه: أحدُها: إنزال المَني [أو إيلاج] (¬5) الحَشفة في الفَرج. والثاني: القيام إلى الصلاةِ، والثالث: وهو أصحها (¬6) كما في "شرح ¬

_ (¬1) "الأم" 1/ 73 - 74 ط دار المعرفة. (¬2) "مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج" (93). (¬3) كتب فوقها في (د): ع. وزاد في حاشية (م، ظ): فقال: ابن خالد بن سعد بن الحكم الأنصاري، ويقال: العبشمي، ويقال: العنسي الدمشقي، ويقال: هو حرام بن معاوية. (¬4) "الكاشف" للذهبي 1/ 211. (¬5) كذا في (ظ، م) وهو الأحسن، وفي بقية النسخ: وإيلاج. (¬6) في (س): بفتحها.

المهَذب" للنووي أنهُ الإيلاج مَعَ القيَام إلى الصَّلاة (¬1)، أو الإنزال مع القيام إلى الصَّلاة (¬2). (وَعَنِ المَاءِ يَكُونُ بَعْدَ المَاءِ) يشبه أن يكون المراد الماء (¬3) يخرج عقب الماء مُتَّصلًا به. (فَقَالَ: ذَاكَ المَذْيُ) لأنه (¬4) يخرج مُتَشبْسِبًا (¬5) عند الشهوة فيَجتمع على رَأس الذكر. (وَكُل فَحْل) وهو الذكر من الحَيَوَان. (يُمْذِي) بفتح اليَاء وضَمها، يقالُ: مَذَى الرجُل يَمْذِي وأَمذَى يُمذِي، ومَذَّى بتشديد الذال يمذِّي. (فَتَغْسِلُ) بفتح التاء وكسْر السِّين. (مِنْ ذَلِكَ فَرْجَكَ وَأُنْثَيَيكَ) استْظهَارًا وزيَادة تطهير كما تقدم. (وَتَوَضأ) أصْله تتوضأُ بتَاءين ثم حُذفت إحدى التاءين. (وضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ) فيه أن خروج المذي (¬6) موجب للوضوء الشرعي دون الغسْل. * * * ¬

_ (¬1) أي: مجموع الأمرين موجبٌ للغسل لا أحدهما. وإذا قيل بالأول يغني بأن الغسل يجب بمجرد الحدث، فهو وجوب موسع ولا يأثم بتأخير الغسل إجماعًا ما لم يدخل وقت الصلاة. انظر "المجموع" 1/ 466. (¬2) "المجموع " 2/ 135. (¬3) سقط من (ص، س، ل). (¬4) في (ص، س، ل): لا. (¬5) في (ص): متشنشبًا. وفي (س): متسبسًا. وفي (م): متسببًا. (¬6) في (م): المني.

84 - باب في مباشرة الحائض ومؤاكلتها

84 - باب فِي مُباشَرَةِ الحائِضِ وَمُؤاكَلتِها 212 - حَدَّثَنا هارون بْن مُحَمَّدِ بْنِ بَكّارٍ، حَدَّثَنا مَروانُ -يَعْنِي: ابن مُحَمَّدٍ- حَدَّثَنا الهَيْثَمُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنا العَلاءُ بْن الحارِثِ، عَنْ حَرامِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ، أنَّهُ سَأَلَ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ما يحِلُّ لِي مِنَ امْرَأَتي وَهِيَ حائِضٌ؟ قالَ: "لَكَ ما فَوْقَ الإِزارِ" وَذَكَرَ مُؤاكَلَةَ الحائِضِ أَيْضًا، وَساقَ الحَدِيثَ (¬1). 213 - حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ اليَزَني، حَدَّثَنا بَقِيَّةُ بْنُ الوَلِيدِ، عَنْ سَعْدٍ الأغْطشِ -وَهوَ ابن عَبْدِ اللهِ- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عائِذٍ الأزدِيِّ -قالَ هِشامٌ: وَهُوَ ابن قُرطٍ أَمِير حِمْصَ- عَنْ مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ قالَ: سَألتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عمّا يحِلُّ لِلرَّجُلِ مِن امْرَأَتِهِ وَهِيَ حائِضٌ، قالَ: فَقالَ: "ما فَوْقَ الإِزارِ، والتَّعَفُّفُ عَنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ". قالَ أَبو داودَ: وَلَيْسَ هُوَ -يَعْنِي: الحَدِيثَ- بِالقَوِيِّ (¬2). * * * [212] (ثَنَا هَارُونُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ بكَّارٍ) بن بلال الدمشقي ثقة (¬3) (قال ثَنَا مَرْوَانُ بْن مُحَمَّدٍ) بن حَسَّان الأسدي الدمشقي الطاطري (¬4)، وهي ثيابٌ (¬5) نسبَ إليهَا من الكرابيس (¬6) أخرجَ لهُ مسْلم. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (133)، وابن ماجه (1378)، وأحمد 4/ 342. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (207). (¬2) رواه الشاشي (1393)، والطبراني 20/ 99 (194). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (28). (¬3) "الكاشف" 3/ 215. (¬4) في (س): الطراطري. (¬5) في (ص): نبات. (¬6) في (ص): الكراكيش. وفي (س): الكواليس. وكلاهما تحريف.

(قال: ثَنَا الهَيثَمُ بْنُ حُمَيدٍ) (¬1) الغساني أعلم الناس بقول مكحُول. قال أبُو داود (¬2): ثقة قدري (¬3). (عَن العَلاءِ بْن الحَارِثِ) تقدم (عَنْ حَرَامِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ) [عَبد الله بن سَعد] (¬4) (أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: مَا يَحِل لِي مِن امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ)؟ يعني: من الاستمتاع. (قَالَ: لَكَ) أن تستمتع (منها ما) هو (فَوْقَ الإِزَارِ) أي: إذا شدَّت الإزار على وسطهَا، وحدَّ ذلِكَ الفقهاء بما بين السُّرَّة والركبَة عملًا بالعُرف الغالب، فيَستمتع مِنها بِمَا (¬5) فَوق الإزار وهو مِنَ السرة إلى أعلاها، وكذَا يستمتع بما تحت الإزار يَعني: مِنَ الركبة إلى مَا هُو أسفل منها. ورَوَى الطبرَاني في "الكبير": سُئل ما يحل للرَّجُل من امرأته وهي حَائض؟ قال: "مَا فوق الإزار، وما تحت الإزار منها حَرام" (¬6)، وبهَذا قال أكثر العُلماء وهو الجَاري على قاعِدَة المالكية في بَاب سَد ¬

_ (¬1) زاد في (ظ، م): الطاطري. (¬2) "تهذيب الكمال" 30/ 372، وقد عزا محققه كلام أبي داود إلى "سؤالات الآجري" 5/ ورقة 21. وليس بين يدي النسخة المخطوطة، والمطبوع منه الجزء الثالث فقط. (¬3) سقط من (ص). (¬4) في (ص): عبد الله بن عبد الله بن سعد، وفي (س): عن عبد الله بن عبد الله بن سعد. (¬5) في (ص): بها. (¬6) أخرجه الطبراني في "الكبير" كما في "مجمع الزوائد" 1/ 281 من حديث عبادة. قال الهيثمي: وفيه إسحاق بن يحيى لم يرو عنه غير موسى بن عقبة، وأيضًا فلم يدرك عبادة.

الذرائع (¬1)، وذَهَبَ كثير مِنَ السلف والثوري، وأحَمد، وإسحاق (¬2)، إلى أن (¬3) الذي يمتنع مِنَ الاستمتاع بالحَائض هوَ الفَرج فقط، وبه قال محَمد بن الحسَن، من الحنَفية (¬4)، ورجحه الطحاوي (¬5)، وهو اختيار أصبغ مِنَ المالكية (¬6)، وأحَد القولين أو الوجهَين عندَ الشافعية (¬7)، واختاره ابن المنذر (¬8). وقالَ النووي: هو الأرجح دليلًا لحَديث أنس في مُسلم: "يصنع كل شيء إلا (¬9) الجماع" (¬10). وحملوا أحَاديث هذا البَاب وشبههُ على الاستحباب جَمعًا بين الأدلة (¬11). (وَذَكَرَ مُؤَاكَلَةَ الحَائِضِ أَيْضًا) ومؤَاكلة الحَائض والأكل من مَوَاضع (¬12) أكلهَا ومخَالطتها [ومساكنتها جائز] (¬13) بلا نزاع، بخلاف ما كانت اليهود عليه أنَّ المرأة إذا حَاضَت لم يؤَاكلوها. ¬

_ (¬1) "الاستذكار" 2/ 183. (¬2) "مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج" (58). (¬3) سقطت من (ص، س، ل). (¬4) "المبسوط" للشيباني 3/ 69 - 70. (¬5) انظر: شرح معاني الآثار" للطحاوي 3/ 38 وما بعدها. (¬6) "المنتقى شرح الموطأ" للباجي 1/ 117. (¬7) "الحاوي الكبير" 9/ 314. (¬8) "الأوسط" 2/ 336. (¬9) في (ص، س، ل): غير. (¬10) "صحيح مسلم" (302). (¬11) شرح النووي على مسلم" 3/ 205. (¬12) في (د، ل، م): موضع. (¬13) سقطت من (ص، ل).

وفي "صحيح مسلم" عن أنس؛ أن اليَهود كانُوا إذَا حَاضَت المرأة فيهم لم يوَاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت، فسَأل أصحَاب النَّبي - صلى الله عليه وسلم - النبي فأنزل الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} (¬1). [213] (ثَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ) [أبو التَّقِيِّ] (¬2) (الْيَزَنِيّ) بفتح المثناة تَحت ثم الزاي الحمصي ثقة (¬3). (ثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الوَلِيدِ، عَنْ سَعْدٍ (¬4) الأَغْطَشِ) بالغَين والشين المعجمتَين (وَهُوَ ابن عَبْدِ الله) ويُقال: سَعيد، الخزاعي مولاهم الشامي. (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِذٍ) بالذال المُعجمة (الأَزْدِيِّ) قال الذهبي: يقالُ: له صحبة (¬5). قالهُ البخاري فيما حكاهُ ابن منده [ولا يصح] (¬6) ولا رواية لهُ عنهُ عليه السلام، وثقهُ النسَائي وغيره (¬7). ولم يذكرهُ البخاري في الصَّحَابة في "تاريخه" (¬8) لَمَّا أتي الحَجاج به فقال (¬9): كيف أصبحت ¬

_ (¬1) [البقرة: 222]، "صحيح مسلم" (302). (¬2) في (د): أبو التقا. وفي بقية النسخ: أبو البقاء. والمثبت من "الإكمال" لابن ماكولا 1/ 246. (¬3) "الكاشف" للذهبي 3/ 323. (¬4) فوقها في (د، م): د. (¬5) "ميزان الاعتدال" (4898). (¬6) سقطت من (ص، س، ل). (¬7) "تهذيب الكمال" 17/ 200 - 201. (¬8) "التاريخ الكبير" للبخاري 5/ 324، ونقل قول ابن إسحاق أنه من الصحابة. (¬9) من (ص).

قال: كما لا (¬1) يريدُ الله ولا يريد الشيطان ولا أرُيد قال ما تقول ويحك؟ ! قال: نعَم يُريدُ الله أن أكونَ زاهدًا عابدًا، وما أنا بذَاك، ويُريد الشيطان أن أكون فاسقًا مارقًا، ومَا أنا والله بذاك، وأريدُ أن أكون مُخَلًّى (¬2) آمنًا في أهلي والله ما أنا بذَاك. فقال الحَجاج: مَوْلِدٌ (¬3) شامي وأدَب عراقي وجيراننا في الطائف إذ كنا، خلوا عنه (¬4). (قَالَ هِشَامٌ) ابن عَبد الملك (هُوَ) عَبد الرحمن (ابْنُ قُرْطٍ) بضم القاف وإسْكَان الراء (أَمِيرُ حِمْصَ) كان أهل حمص يَأخذون كتبه، رضا بحديثه. (عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَل - رضي الله عنه - قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَمَّا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ) كل (مَا فَوْقَ الإِزَارِ) يَعني: ما فَوق السُّرة وما تحت الركبة كله جَائز سَوَاء كانَ الاستمتاع بالذكر أو القبلة أو المعَانقة أو اللمس بشَهوة، أو غَير ذلك كلهُ جَائز باتفاق العُلماء (وَالتَّعَفُّفُ) (¬5) أي: الكفّ. (عَنْ) جَميع (ذَلِكَ أَفْضَلُ) لأن ذلك قد يدعُو إلى النِّكاح المحرم، وسدّ الذرَائع أولى (وَلَيسَ) هذا (الْحَدِيثُ بِالْقَوِيِّ) لأن في إسناده بقية ولم يصرح بالتحدث عن سَعد (¬6) ورواهُ الطبراني من رواية إسماعيل بن عَياش، عن سَعد بن عبد الله الخزاعي وهو الأغطش فقد توبع بَقية، ¬

_ (¬1) سقطت من جميع النسخ، والمثبت من المصادر. (¬2) في (م): خلي. (¬3) في جميع النسخ: مولى. والمثبت من المصادر. (¬4) "تهذيب الكمال" 17/ 201، "سير أعلام النبلاء" 4/ 489. (¬5) في (ص): والتعففة. (¬6) في (ص، ل): سعيد.

لكن بقيت (¬1) جهالة حال سَعد، فإنا لا نعرف أحَدًا وثَّقهُ (¬2) وأيضًا قالَ أبُو حَاتم: رواية عَبد الرحمن بن عَائذٍ عن علي مرسَلة، فإذا كان كذلك فَروايته عَن مُعاذ أشدُّ إرسَالًا (¬3). * * * ¬

_ (¬1) في (ص، س): تقية. (¬2) وثقه ابن حبان، لكن سماه سعيد بن عبد الله الأغطش بدل سعد. انظر: "الثقات" 4/ 286. (¬3) هكذا نقل الحافظ في "التلخيص" 1/ 294، والقائل إن رواية عبد الرحمن بن عائذ عن علي مرسلة، هو أبو زرعة كما في "العلل" لابن أبي حاتم (106)، وكما في "المراسيل" له (446)، وقد صرح أبو حاتم بأن ابن عائذ لم يدرك معاذًا. انظر: "المراسيل" (448).

85 - باب في الإكسال

85 - باب فِي الإِكْسالِ 214 - حَدَّثَنا أَحْمَد بْن صالِحٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرو -يَعْنِي: ابن الحارِثِ- عَنِ ابن شِهابٍ، حَدَّثَنِي بَعْضُ مَنْ أَرْضَى، أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السّاعِدِيَّ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِنَّما جَعَلَ ذَلِكَ رخْصَةَ لِلنّاسِ فِي أَوَّلِ الإِسْلامِ لِقِلَّةِ الثِّيابِ، ثُمَّ أَمَرَ بِالغُسْلِ وَنَهَى عَنْ ذَلِكَ. قالَ أَبُو داودَ: يَعْنِي: الماءَ مِنَ الماءِ (¬1). 215 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرانَ البَزّاز الرّازِيُّ، حَدَّثَنا مُبَشِّرٌ الَحلَبِيُّ، عَنْ مُحَمَّدٍ أَبِي غَسّانَ، عَنْ أَبِي حازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي أبيُّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّ الفُتْيا التِي كانُوا يُفْتُونَ أَنَّ الماءَ مِنَ الماءِ، كانَتْ رُخْصَةً رَخَّصَها رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَدْءِ الإِسْلامِ، ثمَّ أَمَرَ بِالاغتِسالِ بَعْدُ (¬2). 216 - حَدَّثَنا مُسلِم بْن إِبْراهِيمَ الفَراهِيدِيُّ، حَدَّثَنا هِشامٌ وَشُعْبَةُ، عَنْ قَتادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَبِي رافِع، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إِذا قَعَدَ بَينَ شُعَبِها الأَرْبَعِ، وَأَلْزَقَ الخِتانَ بِالخِتانِ، فَقَدْ وَجَبَ الغُسْلُ" (¬3). 217 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "الماءُ مِنَ الماءِ". وَكانَ أَبُو سَلَمَةَ يَفْعَلُ ذَلِكَ (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (110، 111)، وابن ماجه (609)، وأحمد 5/ 115، 116، وابن خزيمة (225)، وابن حبان (1173). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (208). (¬2) انظر السابق. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (209). (¬3) رواه البخاري (291)، ومسلم (348). (¬4) رواه مسلم (343).

باب فيِ الإِكْسَالِ بكسر الهَمزة. [214] (ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ) الطبري الحَافظ شَيخ البخاري. (ثَنَا) (¬1) عبد الله (ابْنُ وَهْبٍ قال أَخْبَرَنِي عَمْرو بْنُ الحَارِثِ) ابن يعقوب الأنصَاري. (عَن) محَمد (ابْنِ شِهَابٍ قال: حَدَّثَنِي بَعْضُ مَنْ أَرْضَى) قال ابن خزَيمة: هُو أبُو حَازم ثم (¬2) سَاقه من طريق أبي حَازم عَن سهل عن أُبَيِّ بن كعب (¬3). (أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن أُبَيَّ بْنَ كعْب - رضي الله عنه - أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - إِنَّمَا جَعَلَ ذَلِكَ) يعني: "الماء من الماء". (رُخْصَةً لِلنَّاسِ فِي أَوَّلِ الإِسْلاَمِ لِقِلَّةِ الثيَابِ) حَالَة النوم؛ لأنهما يَنَامَان عريانين ليس بينهما ثَوبٌ يَحجز بشرة الرجل عن بشرة المرأة فيكون ذَلك سَبَبًا لكثرة الجماع، فلما لبسوا الثياب حَالت عن اجتماع بشرتيهما (¬4) فلم يكثر الجماع فوجب الغسل لالتقاء الختانَين فقط، بخلاف كثرة الجماع فلم يَجب وإن جَامَع حَتى ينزل؛ دفعًا لمشقته [عند الكثرة] (¬5) هذا ما ¬

_ (¬1) سقط من (ل). (¬2) سقطت من (ص، م). (¬3) "صحيح ابن خزيمة" عقب حديث (226). (¬4) في (د، م): بشرتهما. (¬5) سقط من (ص، س، ل).

ظهر لي (ثم) (¬1) لما فَشَا الإسلام وكثرت الثياب (أَمَرَ بِالْغُسْلِ وَنَهَى عَنْ ذَلِكَ) عن العَمل بحديث: "إنما الماء مِنَ المَاء". (يَعْنِي) إنما (الْمَاءَ مِنَ المَاءِ) وعنه جَوابَان: أحَدهما: أنهُ منسوخ كما سيأتي، والثاني: أنه محمول على أنه إذا بَاشرها فيما سوى الفَرج فلا يجب عليه الغسل بالماء إلا إذا رَأى الماء وهو المَنِي. [215] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ) بكسر الميم الجمَّال، أبُو جَعفر (البزاز (¬2) الرَّازِيُّ) الحافظ شيخ الشيخين. قال (ثَنَا مبشر) (¬3) بن إسماعيل (الْحَلَبِي) أبو إسماعيل مَولى الكلبيين. (عَنْ مُحَمَّدٍ أَبِي غَسَّانَ) ابن مُطَرِّفٍ الليثي أبُو غسان. (عَنْ أَبِي حَازِمٍ) (¬4) سَلمة بن دينَار الحكيم المدني الأفزر (¬5) مَولى الأسود بن سُفيان، ومن كلامه: نِعمةُ الله فيما زَوَى عني من الدنيا، أعظم من نعمته عليَّ فيما أعطَاني منها لأني رأيته أعطاها قومًا فهَلكوا (¬6). قال: السيئ الخلقِ أشقى الناس به نفسه التي بَين جنبيه هي منه في بلاء، ثم زوجته، ثم ولده. ¬

_ (¬1) سقط من (ص، ل، ظ). (¬2) من (م). (¬3) في (ص): ميسرة. وبياض في (ل). (¬4) فوقها في (د): ع. (¬5) في (ص، ل): الأندر. وفي (س): الأبرر. وكلاهما تحريف. (¬6) "المجالسة وجواهر العلم" (2549).

(عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ) السَّاعدي، وراويته (¬1) أبُو حَازم، قال: (حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ - رضي الله عنه - أَن الفُتْيَا) بِضَم الفاء، وإذا أثبتَّ بالواو فقلت: الفَتوى، فتحت الفاء. (الَّتِي كَانُوا يُفْتُونَ) بضَم أوله؛ لأن مَاضيه أفتى. (أَنَّ المَاءَ مِنَ المَاءِ) وقد أولهُ ابن عباس - رضي الله عنهما -، فقال: إنما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "إنما الماء مِنَ الماء" في الاحتلام. وأصلهُ في الترمدي ولم يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). وفي إسَناده لين؛ لأنهُ من رواية شريك عن أبي الجحاف. (كَانَتْ رُخْصَةً رَخَّصَهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي بَدْءِ الإِسْلاَمِ) لقلة الثياب. (ثُمَّ أَمَرَ بِالاِغْتِسَالِ بعْدُ) بعدَ (¬3) ذلك وصارَ الاغتسال عَزيمة. [216] (ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الفَرَاهِيدِيّ) بفتح الفاء والراء قالَ أبُو داود: كتب عن قَريب من ألف شيخ (¬4). قال: (ثَنَا هِشَامٌ) ابن أبي (¬5) عَبد الله سنبر (¬6) الرَّبعي (¬7) (وَشُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الحَسَنِ) البصري (عَنْ أَبِي رَافِعٍ) نفيع الصائغ لم ير النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو من أكابِر (¬8) التابعين. ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): وروايته. (¬2) "جامع الترمذي" (112)، وأشار إلى تفرد شريك به، وضعف الألباني لفظة: في الاحتلام. (¬3) سقط من (م). (¬4) "سؤالات الآجري لأبي داود" (599). (¬5) ليست في (م). (¬6) سقطت من (ص). (¬7) وهو هشام الدستوائي. (¬8) في (د، م): كبار.

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إِذَا قَعَدَ بَينَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ). قال الهَروي: بين شفريهَا ورجليهَا (¬1). وقال الخَطابي: بين إسكتيهَا وفخذيهَا (¬2). وقيل: الرجلان واليدَان، وقيل: الرجلان والفَخِذان. قالَ عيَاض (¬3): الأَوْلَى أن الشعب نواحي الفرج (¬4) الأربع، والشُّعَبُ النواحي (¬5). (وَأَلْزَقَ الختان بالختان) رواية مُسْلم: "ومسّ الختان بالختان" (¬6). قال العُلماء: معَناهُ: غَيَّبَ ذكره في فَرجهَا، وليسَ المرادُ حَقيقةَ الالتزاق؛ لأن ختان المرأة في أعلى الفَرج، ولا يمسه ختان الرجُل إذا (¬7) أدخل ذكره، والمراد بالإلزاق المحَاذاة لا الإلزاق والمسّ. وأجمَع العُلماء على أنهُ لو وضعَ ذكرهُ على ختَانها ومسَّ ختانه ختانها ولم يُولجه، لم يجب الغُسْلُ لا عليه ولا عليها فدَلَّ على أن المراد مَا ذكرناه (¬8) (فَقَدْ وَجَبَ الغُسْلُ) عليه وعليها. ¬

_ (¬1) "الغريبين" 3/ 1006. (¬2) "أعلام الحديث" 1/ 310. (¬3) "مشارق الأنوار" للقاضي عياض 2/ 254. (¬4) في (ص، س، ل): الشُّعَب. (¬5) "إكمال المعلم" 2/ 197. (¬6) "صحيح مسلم" (349) من حديث عائشة - رضي الله عنهما -. (¬7) في (د): إلا إذا. وهو خطأ. (¬8) "شرح النووي على مسلم" 4/ 42.

[217] (ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، ثَنَا) عَبد الله (ابْنُ وَهْبٍ) قال: (أَخْبَرَنِي عَمْرٌو) (¬1) بن الحَارث بن يَعقوب أبُو أميَّة الأنصَاري مولاهم أحَد الأعلام. (عَنِ) محمد (ابْنِ شِهَابٍ) الزهري [(عن أبي سلمة) عبد الله على الأصح عند أهل النسب (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري] (¬2). (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) سعد بن مَالك (الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - أَن رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ): إنما (الْمَاءُ مِنَ المَاءِ) أي: إنما يجب استعمال الماء في الغُسْل من خرُوج الماء الذي هو مَنِيٌّ من ذَكَرِ الرجل، والمعنى أنه إذا جَامعَ ولم ينزل المني لم يجب الغسْل وهذا مَنسُوخ بالحَديث الذي قبلَهُ. (وَكانَ أَبُو سَلَمَةَ) بن عَبد الرحمن (يَفْعَلُ ذَلِكَ) وكذلك داود الظاهري أنه إذا أدخلَ ذكرهُ أو قدر الحَشفة لا يجبُ الغسْل إلا إذا رأى الماء. قال النووي وغَيره: كان جَمَاعة من الصحابة على أنه لا يجب الغسْل إلا بالإنْزَال ثم رجَعَ بعضهم وانعقد الإجماع بعد الآخرين، انتهى (¬3). وعلى هذا فيحتَمل أن أبا سَلمة كَانَ يقولُ بذَلك ويفعله ثم رجع عنهُ مع من رجعَ. * * * ¬

_ (¬1) فوقها في (د): ع. (¬2) سقط من (ص)، وسقط كذلك في (س) إلا قوله: عن أبي سلمة. (¬3) "شرح النووي" 4/ 36.

86 - باب في الجنب يعود

86 - باب فِي الجُنبِ يَعود 318 - حَدَّثَنا مُسَدَّد بْن مُسَرهَدٍ، حَدَّثَنا إِسْماعِيل، حَدَّثَنا حَميْد الطَّوِيل، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طافَ ذاتَ يَوْم عَلَى نِسائِهِ فِي غسلٍ واحِدٍ. قالَ أَبُو داودَ: وَهَكَذا رَواة هِشام بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ وَمَعْمَرٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ وَصالِحُ بْن أَبِي الأخضَرِ، عَنِ الزّهْرِيِّ، كلّهُمْ عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - (¬1). * * * باب الجنب يعود يَعني: إلى الجماع مَرة أخرى. [218] (ثَنَا مُسَدَّدُ)، قال (ثَنَا إِسْمَاعِيلُ) ابن عُلَية المدَني، قالَ: (ثَنَا حميد) بن أبي حميد، واسمه تَيْر بفتح المثناة فوق (الطَّوِيلُ) قيل له: الطويل لقِصَره، فإنه كانَ قَصير القامة طويل اليدين. (عَنْ أنسٍ) بن مَالك - رضي الله عنه - (أَن النبي - صلى الله عليه وسلم - طَافَ عَلَى نِسَائِهِ) رَوَاهُ البخاري مِن حَديث قتادة، عن أنسٍ: كانَ النبي - صلى الله عليه وسلم - يَدُور على نسَائه في الساعة الوَاحِدَة مِنَ الليل والنهَار وهُن إحدَى عَشرة. قال قلتُ لأنس: أكانَ يُطيقه؟ قالَ: كُنا نتحدَّث أنه أعطي قوة ثلاثين. وفي لفظ: تِسْع نِسوة (¬2). (فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ) قالَ النووي: يحتَمل أنه - صلى الله عليه وسلم - كانَ يتوضأ بَينهما، ويكونُ المراد أي بهذا الحَديث جَواز ترك الوضوء ويدُل على ذَلك الحَديث الذي بعده (¬3). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (309). (¬2) "صحيح البخاري" (268، 284). (¬3) "شرح النووي" 3/ 218.

(وَهَكَذَا رَوَاهُ هِشَامُ (¬1) بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أنسٍ (¬2) وَمَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أنسٍ (¬3)، وَصَالِحُ بْنُ أَبِي الأَخْضَرِ) (¬4) بالخاء والضاد المعجمتَين اليمامي مولى هشَام بن عبد الملك. قال أبُو زرعة الدّمشقي: قلتُ لأحمد بن حَنبل: من أي شيء ثبت حَديث الشفعة؟ . قال: رَوَاهُ صَالح بن أبي الأخضر يعني: مثل رواية معمر. قلتُ: وصَالح يحتج به؟ فقال: يستدل به ويعتبر به (¬5). لكن قيل: كانَ عنده عن (¬6) الزهري كتابَان أحَدهما عرض، والآخر منَاولة فاختلطَا جَميعًا فلا يعرف هذا من هذا (¬7) (عَنِ الزُّهْرِيِّ، كلُّهُمْ عَنْ أنسٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -) بهذا. * * * ¬

_ (¬1) سقط من (د). (¬2) أخرجه مسلم (309). (¬3) أخرجه الترمذي (140)، والنسائي 1/ 143، وأحمد 3/ 161، وصححه ابن خزيمة (230). (¬4) أخرجه ابن ماجه (589)، وانظر: "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 17/ 362. (¬5) "تاريخ أبي زرعة" 1/ 58. (¬6) في (ص، س، ل): من. (¬7) انظر: "تهذيب الكمال" 13/ 14.

87 - باب الوضوء لمن أراد أن يعود

87 - باب الوضوءِ لمَنْ أَرادَ أَنْ يعُودَ 219 - حَدَّثَنا موسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّاد، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي رافِعٍ، عَنْ عَمَّتِهِ سَلْمَى، عَنْ أَبي رافِعٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - طافَ ذاتَ يَوْمٍ عَلَى نِسائِهِ يَغْتَسِل عِنْدَ هذِه وَعِنْدَ هذِه. قالَ: فَقُلْت لَهُ: يا رَسُولَ اللهِ أَلا تَجْعَلُهُ غُسلًا واحِدًا؟ قالَ: "هذا أَزْكَى وَأَطْيَبُ وَأَطْهَرُ". قالَ أَبو داودَ: وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَصَحُّ مِنْ هذا (¬1). 220 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْن عَوْنٍ، حَدَّثَنا حَفْص بْنُ غِياثٍ، عَنْ عاصِم الأحوَلِ، عَنْ أَبي المُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إِذا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ بَدا لَهُ أَنْ يُعاوِدَ فَلْيَتَوَضَّأ بَينَهُما وضُوءًا" (¬2). * * * باب الوضُوءِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ [219] (ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التبوذكي، قال: (ثَنَا حَمَاد) ابن سَلمة، (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَن بْنِ أَبِي رَافِعٍ) ويُقالُ: أبُو رافع جَده، مولى النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، قال ابن معين: صَالح (¬3) لهُ عندهم ثلاثة أحَاديث (عَنْ عَمَّتِهِ سلْمَى) وقع في كتاب أبي علي التستري بِضَم السِّين، وكانَ في نُسخة الخَطيب كَذَلك، ثم حُكَّت الضمة (¬4) التي على السِّين (¬5) والصوَاب: ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (590)، وأحمد 6/ 8، 9، 391. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (216). (¬2) رواه مسلم (308). (¬3) "الجرح والتعديل" 5/ 232. (¬4) في (ص، س، ل): الضم. (¬5) في (س): السبب.

سَلمى بِفتح السّين، كَذَا ذكرهُ الحَافظ عبد الغَني وغَيره وهي سلمى امرأة أبي رَافِع، (عَنْ أَبِي رَافِع) أَسْلَم على الأصح (مَوْلَى النبِي - صلى الله عليه وسلم -) قيل: كانَ للعَباس فوَهَبهُ لرسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما أسلم العَباس بَشَّرَ أبُو رَافع رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بإسلامه فأعتقهُ، وتوفي في خلافة عُثمان. (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طَافَ ذَاتَ يَوْم عَلَى نِسَائِهِ) قال القُرطبي: يحتمل أن يكون من النبي - صلى الله عليه وسلم - عند قدومهِ من سَفر أو عند تمام الدورَان عليهن وابتداء دور آخر، أو يكون ذلك عن إذن صَاحبَة اليَوم، أو يكون ذلكَ خصُوصًا به وإلا فَوطؤه المرأة في يَوم ضرَّتها مَمنُوع منهُ، وقد ظهرَت خَصائصه في هذا البَاب كثيرة هذا مع أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن القَسْم عليه بينهن واجبًا لقوله تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} (¬1)، لكنهُ - صلى الله عليه وسلم - كانَ (¬2) التزمَهُ لهُنَّ، تطييبًا لأنفسهنَّ ولتقتدي أمته بفعله (¬3). فجَعَلَ (يَغْتَسِلُ عِنْدَ هذِه وَعِنْدَ هذِه) حتى أتى على الجَميع يَغتسل عند كل واحِدة بَعد وطئه، ولا يغتسل في بيت واحدة عن (¬4) غَيرها. (قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ الله أَلاَ تَجْعَلُهُ) روايَة النسَائي: لو جَعَلته (¬5). (غُسْلًا وَاحِدًا) يكفي عَن الجَميع (قَالَ: هذا أَزْكى) أي: أكثر تَطهيرًا مِنَ الوضوء بَين كل غُسْلين أو أكثر أجرًا وثوابًا ومُضَاعَفة للحَسَنات، ¬

_ (¬1) الأحزاب: 51. (¬2) ليست في (م). (¬3) "المفهم" 1/ 567 - 568. (¬4) في (ص، س، ل): عند. (¬5) "السنن الكبرى" للنسائي 5/ 329 (9035).

وأصْل الزكاة النماء والزِّيادة. (وَأَطْيَبُ وَأَطْهَرُ) مِنَ الوضوء، وفيه دَليل على أن الغسْل بعد كل وطءٍ أفضَل وأكمل من الجَمع، فإن الجمع بَينَ الزوجات والسَّراري في غُسْلٍ واحِد جَائز وعليه جَمَاعة من السَّلف والخلف. [220] (ثَنَا عَمْرُو بْنُ عون) (¬1) الوَاسطي البزاز شيخ البخَاري. (قال ثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ عَاصِمٍ) بن سُليمان (الأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي المُتَوَكِّلِ) عَلِيٌّ بن دَاود، وقيل: دَاود بن علي (¬2) كلاهما قاله العلماء، ويقالُ لهُ النَّاجي (¬3)، وهو من بَني سَامَة (¬4) بن لؤي بَصري ثقة (¬5). (عَنْ أَبِي سَعِيدِ الخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إِذَا أَتَى أَحَدُكمْ أَهْلَهُ) أي: زوجته، وفي مَعناهُ: أَمته الموْطوءَة ولم أرَهُ مُصَرَّحًا به. (ثُمَّ) لفظ مُسْلم: "ثم أرَادَ أن يَعود" (¬6) (بدا) (¬7) غير مَهموز (لَهُ أَنْ يُعَاوِدَ) يعني: الجماع. (فَلْيَتَوَضَّأْ بَينَهُمَا وضُوءًا) المرادُ بالوضوء هنا وضُوء الصَّلاة الكامل لما في روايةٍ في السنن (¬8) فليتَوضأ وضوءهُ للصَّلاة، وأما روايةُ مُسْلم ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): عود. (¬2) لم أقف على من سمَّاه داود بن علي، وهو بكنيته أشهر منه باسمه. انظر "تهذيب الكمال" 20/ 425. (¬3) يقال له الناجي لكونه من بني ناجية بن سامة بن لؤي. (¬4) في (ص): شامة. وفي (س): ساعة. (¬5) "الجرح والتعديل" 6/ 184. (¬6) "صحيح مسلم" (308). (¬7) رسمها في (ص): ترا. (¬8) في (ص): السين.

عَن ابن عَباس: فقضى حَاجته ثم غَسَل وجههُ ويدَيه (¬1). فَذَلك لم يكن في الجنَابة بل في الحَدَث الأصغَر والمراد بغسْل الوجه واليدَين إذهَاب النعَاس وآثار النوم. وروى حديث أبي سَعيد هذا أحمد، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، وزادُوا: "فإنه أنشَط (¬2) للعَوْد" (¬3). * * * ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (304). (¬2) في (ص): أبسط. (¬3) أخرجه أحمد 3/ 21 دون الزيادة، وابن خزيمة (221)، وابن حبان (1211)، والحاكم 1/ 152 جميعًا بهذه الزيادة.

88 - باب في الجنب ينام

88 - باب فِي الجُنُبِ ينام 221 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عمَرَ أنَّهُ قالَ: ذَكَرَ عُمَرُ بْن الخطّابِ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّه تصِيبهُ الجَنابَةُ مِنَ اللَّيْلِ، فَقالَ لَهُ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "تَوَضَّأْ واغْسِلْ ذَكَرَكَ، ثُمَّ نَمْ" (¬1). * * * باب الجنب ينام [221] (ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ) القعنبي، (عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الله (¬2) ابْنِ دِينَارٍ عن) مولاهُ (عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّهُ قَالَ: ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ الخطَّابِ) - رضي الله عنه - (لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ تُصِيبُهُ الجَنَابَةُ مِنَ اللَّيلِ) خرج مخرج الغالب وإلا ففي النهار كذلك (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: تَوَضَّأْ) أي: الوضوءَ الكامِل للصَّلاة، وروى مَالك في "الموطأ" (¬3) عن ابن عمر: أنه كانَ لا يغسل رجليه إذا توضأ وهو جُنب للأكل أو النوم. ويُؤيده حَديث ابن عبَّاس المتقدم في مُسْلم (¬4) (وَاغْسِلْ) الواو لا تقتضي الترتيب. (ذَكَرَكَ) مبَالغة في إزالة النجاسة (ثم نَمْ) أمر إبَاحَة، وفيه جناس خطي كقوله تعالى: {يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} (¬5)، وهو من أنواع البديع. * * * ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (290)، ومسلم (306/ 25)، والنسائي 1/ 140، وأحمد 2/ 64، وهو في "الموطأ" 1/ 47. (¬2) في (د) فوقها: ع. (¬3) "الموطأ" 1/ 68. (¬4) مسلم (304). (¬5) الكهف: 104.

89 - باب الجنب يأكل

89 - باب الجُنُبِ يأكلُ 222 - حَدَّثَنا مسَدَّدٌ وَقُتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ قالا: حَدَّثَنا سُفْيان، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ عائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إِذا أَرادَ أَنْ يَنامَ وَهوَ جنبٌ تَوَضَّأَ وضوءَهُ لِلصَّلاةِ (¬1). 223 - حَدَّثَنا محَمَّد بْن الصَّبّاحِ البَزّازُ، حَدَّثَنا ابن المبارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بإِسْنادِهِ وَمَعْناهُ، زادَ: "وَإذا أَرادَ أَنْ يأْكُلَ وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ يَدَيْهِ". قالَ أَبو داودَ: وَرَواهُ ابن وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، فَجَعَلَ قِصَّةَ الأكلِ قَوْلَ عائِشَةَ مَقْصُورًا، وَرَواهُ صالِحُ بْن أبي الأخضَرِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، كَما قالَ ابن المُبارَكِ، إلَّا أَنَّه قالَ: عَنْ عُروَةَ أَوْ أَبي سَلَمَةَ. وَرَواهُ الأوزاعِي، عَنْ يونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، كَما قالَ ابن المُبارَكِ (¬2). * * * باب الجنب يأكل [222] (ثَنَا مُسَدَّدٌ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالاَ: ثَنَا سُفْيَانُ) بن عُيينة (عَنِ الزهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) عَبد الله بن عَبد الرحمن بن عوف. (عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إِذَا) أكل و (أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ) نص أصحابنَا وغَيرهم على أنهُ يكره النوم والأكل والشرب والجماع قَبل الوضوء وهذِه الأحَاديث تدل عليه ولا خلاف ¬

_ (¬1) رواه البخاري (286، 288)، ومسلم (305/ 21). وانظر الحديثين الآتيين بعده. (¬2) رواه النسائي 1/ 138 - 139، وابن ماجه (593)، وأحمد 6/ 118، وابن حبان (1218). وانظر ما قبله وما بعده. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (220).

عندنا أنَّ هذا الوضُوء ليسَ بواجب (¬1)، وبهَذا قال مَالك والجمهور (¬2)، وذهبَ ابن حبيب من أصحَاب مَالك إلى وجُوبهِ (¬3)، والمراد بالوضُوء وضوءه الكامل. [223] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ البَزَّاز) أي: التاجر، قال (ثَنَا) عَبد الله (ابْنُ المُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ عَنِ الزهْرِيّ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ زَادَ: وَإذَا أَرَادَ أَنْ يَأكلَ وَهُوَ جُنُبٌ غسل يديه) رواية مُسلم: إذا كانَ جُنبًا وأرَادَ أن يَأكل أو يَنَام تَوضأ وضوءهُ (¬4). قال القُرطبي: ظَاهر سياق عَائشة يقتضي أن يكونَ ذلك الوضوء وضوء الصَّلاة؛ فإنهَا جَمعَت بَين الأكل والنوم في الوضوء، وقَد حُكِي أنَّ ابن عمرَ كانَ يأخذ بذلك عند الأكل والجمهُور على خلافه، وأنَّ مَعنى وضوءه عند (¬5) الأكل غسْل يدَيه، وذلك لما (¬6) يُخاف أن يكون أصَابَهما أذى. قال: وقد روى النسائي هذا مُفسرًا فقالت: كان رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - إذَا أراد أن يَنَام وهو جُنُبٌ توَضأ وإذا أرَاد أن يَأكل أو يشرب قالتَ: غسَل يَدَيه ثم يَأكل وَيشرب (¬7). ¬

_ (¬1) انظر "المجموع" 2/ 158. (¬2) انظر "الكافي في فقه أهل المدينة" 1/ 173. (¬3) " التاج والإكليل" 1/ 316. (¬4) "صحيح مسلم" (305/ 22). (¬5) في (ص، س، ل): عن. (¬6) في (م): مما. (¬7) "المفهم" للقرطبي 1/ 565، 566، وقد سبق تخريج حديث النسائي.

(وَرَوَاهُ) عَبد الله (ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ (¬1) يُونُسَ) بن يزيد الأيلي (فَجَعَلَ قِصَّةَ الأكلِ) أي: أكل الجنُب (مِن قَوْلَ عَائِشَةَ مَقْصُورًا) عليها أي: مَوقوفًا لم يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). (وَرَوَاهُ صَالِحُ بْنُ أَبِي الأَخْضَرِ) تقدم (عَن) ابن شهاب (الزُّهْرِيِّ كمَا قَالَ ابن المُبَارَكِ) [في الأصول (إلا أنه قال عن عروة أو أبي سلمة (¬3) ورواه الأوزاعي، عن يونس، عن الزهري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قال ابن المبارك]) (¬4) - رضي الله عنه -. * * * ¬

_ (¬1) في (س): ابن. (¬2) لم أقف عليه. (¬3) في (ظ، م): مسلم. والمثبت من "السنن"، وهذه الرواية أخرجها أحمد 6/ 192، وإسحاق بن راهويه في "مسنده" (822) إلا أنهما قالا: عن عروة وأبي سلمة. (¬4) من (ظ، م).

90 - باب من قال: يتوضأ الجنب

90 - باب مَنْ قال: يتَوَضَّأُ الجُنُبُ 224 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يحْيَى، حَدَّثَنا شعْبَة، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنِ الأسوَدِ، عَنْ عائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إِذا أَرادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنامَ تَوَضَّأَ. تَعْنِي: وَهوَ جنُبٌ (¬1). 225 - حَدَّثَنا موسَى -يَعْنِي ابن إِسْماعِيلَ- حَدَّثَنا حَمّاد- يَعْنِي ابن سَلَمَةَ- أَخْبَرَنا عطَاءٌ الخُراسانِيُّ، عَنْ يحيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ عَمّارِ بْنِ ياسِرٍ، أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رخَّصَ لِلْجُنبِ إِذا أكلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ نامَ أَنْ يَتَوَضَّأ. قالَ أَبُو داودَ: بَيْنَ يحيى بْنِ يَعْمَرَ وَعَمّارِ بْنِ ياسِرٍ فِي هذا الحَدِيثِ رَجلٌ، وقالَ عَلِيُّ بْن أَبي طالِبٍ، وابْنُ عُمَرَ، وَعَبْد اللهِ بْنُ عَمْرو: الجنُب إِذا أَرادَ أَنْ يَأكْلَ تَوَضّأَ (¬2). * * * باب مَنْ قَالَ الجُنُبُ يَتَوَضَّأُ [224] (ثَنَا مُسَدَّدٌ، قال: ثَنَا يَحْيَى) القطان، (ثَنَا شُعْبَةُ عَنِ (¬3) الحَكَمِ) [ابن أبي عيَينة ابن النهاس مَولى امرأة من كندة] (¬4) (عَنْ إِبْرَاهِيمَ) بن يزيد الفقيه النخعي (عَنِ الأَسْوَدِ) (¬5) ابن يزيد النخعي (عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أَنَّ النبي ¬

_ (¬1) رواه مسلم (305/ 22). (¬2) رواه الترمذي (613)، وأحمد 4/ 320. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (29). (¬3) في (ص): ابن. وبياض في (ل). (¬4) كذا قال المصنف، وليس هناك من اسمه الحكم بن أبي عيينة، ولعلها تصحفت من: ابن عتيبة، وابن النهاس الذي ذكره المصنف هنا لم يخرج له أحد من الستة. والمقصود هنا الحكم بن عتيبة الفقيه. (¬5) فوقها في (د): ع.

- صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأكلَ) أو يشرُب [أو ينام] (¬1) (تَوَضَّأَ يعني (¬2) وَهُوَ جُنُبٌ) قالَ جمهُور العُلماء: المرادُ بالوضوء (¬3) هُنَا الشرعي والحكمة فيه أنهُ يخفف (¬4) الحدَث لاسيَّما على القول بجَواز تفريق الغسْل، فينويه فيرتفع الحدَث عن تلك الأعضاء المخصُوصَة على الصَّحيح (¬5)، ويؤيده ما رَوَاهُ ابن أبي شَيبة بسَند رجَاله ثقات عن شداد بن أوس الصحَابي قال: إذَا أجْنَب أحَدكم ثم أرَاد أن ينَام فليتوضَّأ فإنه نصف غسْل الجنَابة (¬6). وقيل: الحكمة فيه: أنهُ أحَد الطهَارتَين فعَلى هذا يقوم التَّيمُّم مقامه، وقد روى البيهقي بإسنَاد حَسَن عن عَائشَة أنهُ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إذا أجنب فأرادَ أن يَنَام توضأ أو تيمم (¬7). ويحتمل أن يَكون التيمم هنا (¬8) عند عسر وجود الماء. وروى الطبراني عن عَائشة كانَ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا واقع بَعض نسَائه ¬

_ (¬1) سقطت من (ص، د، س)، وبياض في (ل). (¬2) سقطت من (ص، س)، وبياض في (ل). (¬3) ليست في (س، ظ، م). (¬4) في (ظ، م): يخف. وفي (س): بمعنى. (¬5) الجمهور على أن الموالاة في الغسل سنة لا يبطل الغسل بتركها، وأما المالكية فقالوا: إن فرَّق الغسل عامدًا بطل إن طال الأمد، وإلا بنى. انظر: "المدونة" 1/ 123 - 124، "المبسوط" 1/ 56، "المغني" 1/ 291. (¬6) أخرجه ابن أبي شيبة (668) وقال الحافظ في "الفتح" 1/ 394: رجاله ثقات. (¬7) أخرجه البيهقي في "الكبرى" 1/ 200، وقال الحافظ في "الفتح": إسناده حسن. (¬8) سقطت من (ص، س، ل).

فكسَل أن يقوم ضرب يده على الحائط فتيمم (¬1)، وقيلَ: الحكمة فيه أنهُ ينشَطُ إلى العَوْد أو إلى الغسْل، ونص الشافعي أنَّ ذلك ليس على الحائض؛ لأنهَا لو اغتسلت لم يرتفع حَدَثها بخلاف الجنُبُ، لكن إذا انقطع دمهَا استُحِبَّ لهَا ذَلك (¬2). [225] (ثَنَا مُوسى بْنَ إِسْمَاعِيلَ) التبوذكي، (قال: ثَنَا حَمَّادٌ) ابن سَلَمَةَ (قال: أنا عَطَاءٌ) بن أبي مُسْلم (الْخُرَاسَانِي) مَولى المهلب بن أبي صفرة (¬3). (عَنْ يَحْيىَ بْنِ يَعْمَرَ) بِفَتح الميم وضمهَا غَير منصَرف للعَلمية ووَزن الفعل. (عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسرٍ) - رضي الله عنه - (أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَخَّصَ) الرُّخصَة مُشتقة من (¬4) الرَّخْصِ وهو اللين يُقال: رخص السِّعر إذا سَهل، والرخصة هي تغيّر الحكم الشرعي إلى سهولة لِعذرٍ (¬5) مع قيام السَّبَب للحكم الأصلي. (لِلْجُنُبِ) وكذا للحَائض إذا انقطعَ [حيضها ولم تغتسل] (¬6). (إِذَا أَكَلَ أَوْ شرِبَ) أو أراد أن يجامع مَرة أخرى (أَوْ نَامَ) في ليل أو نَهار (أَنْ يَتَوَضَّأَ) قال ابن الجَوزي: الحكمة فيه أنَّ الملائكة تبعد (¬7) عن ¬

_ (¬1) أخرجه الطبراني في "الأوسط" (645)، وفي إسناده عمار بن نصر ضعيف، وإسماعيل بن عياش روايته عن الحجازيين ضعيفة، وقد روي موقوفًا من فتوى عائشة - رضي الله عنها -. قال الحافظ ابن رجب: والمرفوع لا يثبت لما قدمنا، والموقوف أصح. انظر: "فتح الباري" لابن رجب الحنبلي 1/ 359. (¬2) انظر: "البيان في مذهب الشافعي" 1/ 252، "فتح الباري" 1/ 394 - 395. (¬3) في (س): حيوة. خطأ. (¬4) في (ص): بين. (¬5) في (ص، س، ل): يعذر. (¬6) في (ص، س، ل): دمها تغتسل. (¬7) في (س): تنفر.

الوَسَخ والريح الكريهة بخلاف الشياطين، فإنهَا تقرب من ذَلك (¬1)، وفيه استحباب التنظيف عند النوم [كما استحبَّ] (¬2) أن لا يكون في يَده غَمَرٌ (¬3) كما تقدم، وإن لم يكن جُنبًا، وفيه دليل على أن غسْل الجَنابة ليسَ على الفور، وإنما يتضيق (¬4) عند القيام إلى الصَّلاة. (وبَينَ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ فِي هذا الحَدِيثِ رَجُل) (¬5) وأخرَج الترمذي هذا الحديث عَن يحيى بن يعمر عن عَمار [بن يَاسر] (¬6). وَقال فيه: وضوءه للصَّلاة. ثم قالَ: هذا حَديث حسَن صَحيح (¬7). (وقال عَلِي بْنُ أَبِي طَالِبٍ و) عبد الله (ابْنُ عُمَرَ وَعَبْدُ الله بْنُ عَمْرو) ابن العَاص - صلى الله عليه وسلم - (الْجُنُبُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأكلَ) غسَل فرَجه ثم (تَوَضَّأَ) وضوءه للصَّلاة. * * * ¬

_ (¬1) نقله الحافظ في "الفتح" 1/ 395. (¬2) تصحفت في (س) إلى: مما استخف. (¬3) سيأتي برقم (3852) من حديث أبي هريرة: "من نام وفي يده غمر ولم يغسله فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه". (¬4) في (ص): تنضيف. (¬5) بياض في (د، س، ل، م) قدر كلمتين. (¬6) ليست في (د). (¬7) "سنن الترمذي" (613). ورواه أبو داود (4177) فقال: عن يحيى بن يعمر يخبر عن رجل عن عمار.

91 - باب في الجنب يؤخر الغسل

91 - باب فِي الجُنُب يُؤَخّرُ الغُسْلَ 226 - حَدَّثَنا مسَدَّدٌ، حَدَّثَنا المعْتَمِرُ (ح) حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا إِسْماعِيل بْن إِبْراهِيمَ قالا: حَدَّثَنا برْد بْنُ سِنانٍ، عَنْ عُبادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، عَنْ غُضَيْفِ بْنِ الحارِثِ، قالَ: قُلْتُ لِعائِشَةَ: أَرَأَيْتِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَغْتَسِل مِن الجنابَةِ فِي أَوَّلِ اللَّيلِ أَوْ فِي آخِرِهِ؟ قالَتْ: رُبَّما اغتسل فِي أوَّلِ اللَّيْلِ، وَرُبَّما اغْتَسَلَ فِي آخِرِهِ. قُلْت: اللهُ أكْبَرُ الحَمْد لله الذِي جَعَلَ فِي الأمرِ سَعَةً. قلْت: أَرَأَيْتِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُوتِر أَوَّلَ اللَّيْلِ أَمْ فِي آخِرِهِ؟ قالَتْ: ربَّما أَوْتَرَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ وَربَّما أَوْتَرَ فِي آخِرِهِ. قُلْتُ: اللهُ أكبَرُ، الحَمْدُ لله الذِي جَعَلَ فِي الأمرِ سَعَةً. قُلْت: أَرَأَيْتِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يجهَر بِالقُرآنِ أَمْ يَخْفِت بِهِ؟ قالَتْ: ربَّما جَهَرَ بِهِ، وَرُبَّما خَفَتَ. قلت: اللهُ أكبَرُ، الحمد لله الذِي جَعَلَ فِي الأمرِ سَعَةً (¬1). 227 - حَدَّثَنا حَفْص بْن عُمَرَ النَّمَرِيُّ، حَدَّثَنا شُعْبَة، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مدْرِكٍ، عَنْ أَبِي زرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ نجَيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَليِّ بْنِ أَبي طالِبٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لا تَدْخُلُ المَلاِئكَةُ بَيتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلا كلْبٌ وَلا جُنُبٌ" (¬2). ¬

_ (¬1) رواه النسائي 1/ 125، وابن ماجه (1354)، وأحمد 6/ 47، وابن حبان (2447، 2582). وانظر ما سيأتي برقم (1437). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (223). (¬2) رواه النسائي 1/ 141، 7/ 185، وابن ماجه (3650)، وأحمد 1/ 83، 104، 139، وابن حبان (1205). وسيأتي مكررا برقم (4152). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (30).

228 - حَدَّثَنا محَمَّد بْن كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ أبي إِسْحاقَ، عَنِ الأسوَدِ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنام وَهُوَ جُنبٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ ماءً. قالَ أَبو داودَ: حَدَّثَنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٌّ الواسِطِيُّ، قالَ: سَمِعْتُ يَزيدَ بْنَ هارُونَ يَقُولُ: هذا الحَدِيثُ وَهَمٌ. يَعْنِي: حَدِيثَ أبي إِسْحاقَ (¬1). * * * باب في الجنب يؤخر الغسل [226] (ثَنَا مُسَدَّدٌ، قال: ثَنَا المُعْتَمِرُ) (¬2) وفي نسخة الخَطيب: مُعتَمر (¬3) انتهى. وهو المعتمر بن سُليمان بن طرخَان التيمي البصري (¬4). و(ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، قال: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ) وفي نسخة الخطيب: قَالاَ -يعني: المعُتَمر وإسماعيل- (ثَنَا بُرْدُ) (¬5) بِضَم الباء (¬6) الموَحدَة. (ابْنُ سِنَانٍ) بكسر السِّين المهملة، وتكرير النون بينهما ألف أبُو العَلاء وثَّقه جَماعة. (عَنْ عُبَادَةَ) بِضَم العَين وتخفيف الموَحدة (بْنِ نُسَيّ) بضَمِّ النون وفتح المهملة المخففة مُصَغر، الكندي قاضِي طَبَرية، قال أبُو داود: سَألت عَنه ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (118)، وابن ماجه (581، 582، 583)، وأحمد 6/ 102. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (224). (¬2) كتب فوقها في (د): ع. (¬3) في (س): معمر. (¬4) فوقها في (م): خ. (¬5) فوقها في (د): الأربعة. (¬6) من (د، ظ، م).

يحيى، فقال: لا يُسأَلُ عَن مثله، مِنَ النبل. قال مسلمة بن عَبد الملك: في كندة ثلاثة ينزل الله بهم الغَيث، ويَنصر بهم على الأعداء رجَاء بن حيوة، وعُبَادة بن نسي وعَدي بن عَدي (¬1). قال أبو مسهر: وهؤلاء عُمال عُمَر بن عَبد العَزيز إلا رجَاء. وأهدى له خصم وهو قاض قلة عَسَل فقضى عَليه، وقال: يا فلان ذهَبت القلة (¬2). (عَنْ غُضَيفِ) بضَم الغَين، وفتح الضاد المُعجمتَين مُصغَّر ويقال: غطيف. (بْنِ الحَارِثِ) الثمالي (¬3) كنيته أبُو أسماء الحِمْصي (¬4) ذكره ابن أبي خيثمة في الصَّحابة وهو مختلف في صحبته. (قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ - رضي الله عنها - أَرَأَيْتِ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَغْتَسِلُ مِنَ الجَنَابَةِ فِي أَوَّلِ اللَّيلِ أم) كذا في رواية التستري، ورواية الخَطيب. أَوْ (فِي آخِرِهِ) في رواية النسَائي قال: دَخَلت على عَائشة فسَألتها قلت: أكانَ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يغتسل من أول الليل أوْ (¬5) من آخره (¬6). (قَالَتْ: رُبَّمَا اغْتَسَلَ فِي أَوَّلِ اللَّيلِ وَرُبَّمَا اغْتَسَلَ فِي آخِرِهِ) والظاهِر: أنَّ اغتسَاله في أوَّل الليل كانَ الأكثر المعمُول به، ورُبَّما تركهُ في بَعض الأحيان بَيَانًا للجواز وعدم وجوبه، أو يتركه لعُذر من قلة الماءِ ونحوِه، ¬

_ (¬1) انظر: "تاريخ أبي زرعة الدمشقي" (ص: 337، 711). (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 14/ 196 - 197. (¬3) في (ص): اليماني. (¬4) ليست في (م). (¬5) في (ص، س، ل): أم. (¬6) "سنن النسائي" 1/ 125.

وهذا هو اللائق بجنابه الكريم - صلى الله عليه وسلم -. (قُلْتُ: الله أَكبَرُ) لم يَذكر النسَائي في روايته التكبير (الْحَمْدُ لله الذِي جَعَلَ فِي الأَمْرِ سَعَةً) أي: اتساعًا. قالَ الله: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} (¬1)، وقال: {وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ} (¬2) وفتح السِّين قراءة السَّبعة وكسْرهَا لغة. (قُلْتُ: أَرَأَيْتِ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُوتِرُ (¬3) أول اللَّيلِ أَمْ فِي آخِرِهِ قَالَتْ: رُبمَا أَوْتَرَ فِي أول اللَّيلِ وَرُبمَا أَوْتَرَ فِي آخِرِهِ) وفي "صحيح مسلم" عَن عَائشة قالت: مِن كُل الليل أوتر رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - من أول الليل وأوسَطه وآخره فانتهَى وتره إلى السَّحر (¬4). فيه جَوَاز الإيتار في جَميع أوقات الليل بعَد دُخُول وقته، واختلفوا في أول وقته فالصَّحيح في مذهبنَا والمشهور عن الشافعي والأصحَاب أنهُ يَدْخل وقته بالفراغ مِن صَلاة العشَاء ويمتَد إلى طلوع الفَجر الثاني (¬5)، وفي الصَّحيح انتهى وتره إلى السَّحر أي: كانَ آخر أمره الإيتار في السَّحر والمراد به آخر الليل كما قالته عَائشة في الروَاية الأخرى. (قُلْتُ: الله أكبَرُ الحَمْدُ لله الذِي جَعَلَ فِي الأمرِ سَعَةً) في جَوَاز الوتر في جَميع أجزاء الليل إذا دَخَل وقته. ¬

_ (¬1) الطلاق: 7. (¬2) البقرة: 247. (¬3) في (س): يوتر في. (¬4) "صحيح مسلم" (745/ 137). (¬5) انظر: "المجموع" 4/ 13 - 14.

وروى الطبراني في "الأوسط" عن عليٍّ أنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أوتَر أول الليل، ثم أوتر وسَطه، ثم أوتر هذِه السَّاعة فقبض وهو يوتر (¬1) هذِه السَّاعة (¬2). يَعني: آخِر الليل. وروى في "الكبير" عَن عقبة بن عَامر وأبي مُوسى أنهما قالا: كانَ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يُوتر أحيَانًا أول الليل وأوسَطه ليَكون سعَة للمُسلمين (¬3). (قُلْتُ أَرَأَيْتِ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَجْهَرُ بِالْقُرْآنِ أَمْ) كان (¬4) (يَخْفِتُ) بكسْر الفاء [أي: يُسِرُّ] (¬5). (بِهِ قَالَتْ: رُبَّمَا جَهَرَ بِهِ (¬6) وَرُبَّمَا خَفَتَ) بفتح الفَاء أي: أسَر وسَيَأتي للمصَنف بإسناد حَسَن عَن أبي هريرة قال: كانت قراءة النَّبي - صلى الله عليه وسلم - يَرفع طَورًا ويخفض طَورًا (¬7). والمرَادُ بهذِه القراءة قراءته في التهجد في الليل، وهذا في غَير التراويح وفي غَير نوافل النهَار فإنه يسرُّ فيها بلا خلاف. واختلف أصحَابنَا في القراءة في الليْل فقالَ صَاحب "التتمة": يَجهر فيها، وقالَ القاضي حُسَين وصَاحب "المُهَذب": يتوسَّط بينَ الجَهر ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): يريد. (¬2) الطبراني في "الأوسط" (1809). (¬3) "المعجم الكبير" 17/ 244 (681). (¬4) من (د، ظ، م). (¬5) من (د، ظ، م). (¬6) من (د، ظ، م). (¬7) سيأتي (1328).

والإسرار (¬1) وهو الأصح. (قُلْتُ: الله أَكبَرُ، الحَمْدُ لله الذِي جَعَلَ فِي الأمرِ سَعَةً) أي: في أمور الإسلام اتسَاعًا. [227] (ثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ) الحوضي (¬2) شَيخ البخَاري، قال: (ثَنَا شُعْبَةُ) (¬3) ابن الحَجاج العتكي. (عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُدْرِكٍ) (¬4) النخعي الكوفي. (عَنْ أَبِي زُرْعَةَ) (¬5) هرم (بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ) بن عَبد الله البجلي روى عن جده. (وَعن (¬6) عَبْدِ الله بْنِ نُجَيٍّ) بضم النون وفتح الجيم، مُصَغَّر الحَضرمي وثقه النسَائي (¬7) (عَنْ أَبِيهِ) نجي الحضرمي. (عَنْ عَلِيِّ - رضي الله عنه - عَنِ النبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: لاَ تَدْخُلُ) بالرَّفع. (الْمَلاَئِكَةُ) يعني: الملائكة الذين يطوفونَ بالرحمة والتبريك (¬8) والاستغفار للمؤمنين لا الحفظة، فَإنَّ الحَفظة مُلازمَة للإنسَان حَكَاهُ القرطبي (¬9) عن بَعض العُلماء. ¬

_ (¬1) "المجموع" 3/ 391. (¬2) فوقها في (م): النمري. (¬3) فوقها في (د): ع. (¬4) فوقها في (د): ع. (¬5) فوقها في (د): ع. (¬6) من (د، ظ، م). (¬7) "تهذيب الكمال" 16/ 220. (¬8) فوقها في (د، م): س ق. (¬9) "المفهم" 5/ 421.

(بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ) قال العُلماء: سَبَب امتناعهم من دُخُول بيت فيه صُورة كونها معصية فاحشة فيهَا مُضاهَاة لخلق الله تعالى (¬1)، وكون مُتخذها في بيته قد تشبه بالكفار الذين يتخذونَ الصُّور في بُيُوتهم ويُعظمُونَها، فكرهَت الملائكة ذَلكَ منهُ فلم تدخل فيه هجرانًا لهُ وغضَبًا عليه. قال القرُطبي: والمرادُ بهَا هُنَا التماثيل من ذوات الأرواح، ويستثنى من ذَلك الصُّورة (¬2) المرقومة كما استثنى في الصَّحيح (¬3). (وَلاَ كَلْبٌ) قال القُرطُبي: ذَهب بَعض العُلماء إلى أن المراد به الكلاب التي لم يؤذَن في اتخاذها فيستثنى من ذلك كلب الصَّيد والماشية والزرع. قال: والظاهِر العموم في الكلب والصورة؛ لأنهما نكرتان في سياق النفي (¬4). وقال النووي: والأظهر أنه عام في كُل كلب وكل صُورة وأنهُم يمتَنعُون من الجميع لإطلاق الأحاديث؛ ولأن الجرو الذي كانَ في بَيت النبي - صلى الله عليه وسلم - تحت السَّرير (¬5) كانَ لهُ فيه عُذر ظاهِر فإنه لم يعلم بهِ، ومع هذا امتنعَ جبريل عليه السلام من دُخُول البَيت، فلو كانَ العُذر في ¬

_ (¬1) "شرح النووي" 14/ 84. (¬2) في (س): كلب الصورة. (¬3) "المفهم" 5/ 421. (¬4) "المفهم" 5/ 421. (¬5) رواه مسلم (2104) من حديث عائشة.

وجود (¬1) الصورة والكلب لا يمنعهم لم يمتنع جبريل عليه السلام والله أعلم (¬2). (وَلاَ جُنُبٌ) يجوز أن يَراد بالجنُب المشرك الذي لم يرتفع حَدَثه أصْلًا، فإن جنَابته مستمرة (¬3) ولو اغتسل حَتى يسلم، ويحتمل أن يرادَ به المُسْلم الذي عَادَته أن يستمر عَلى عَدَم الاغتسال دائمًّا أو في غَير [يَوم الجُمعَة] (¬4) تهاونًا بالدِّين. وروى الطبرَاني في "الكبير" عن ميمونَة، قلتُ: يا رسول الله هل يرقَد الجنُب؟ قال: "مَا أحب أن يرقد وهو جُنبُ حَتى يتَوضأ فأني أخشى أن يتوفَّى فلا يَحضرُه جُبريل عليه السلام" (¬5). ولعَل هذا كما تقدم في غَير المعذور، فإنَّ المعذور رُبما غَسلتهُ الملائكة قَبل حُضور جبريل كما اتفق في حنظلة بن [أبي] (¬6) عَامر غسَّلته الملائكة يوم أحد، فإنه كانَ يقالُ لهُ غَسْيل الملائكة (¬7). وسيأتي الحَديث بتمام سَنَده ومتنه [في أواخر اللباس (¬8). ويأتي الكلام عليه] (¬9). ¬

_ (¬1) في (ص): دخول. (¬2) "شرح النووي" 14/ 84. (¬3) في (ص): مشهورة. (¬4) في (م): جمعة. (¬5) "المعجم الكبير" 25/ 36 (65). (¬6) سقطت من جميع النسخ. (¬7) رواه الحاكم 3/ 204، والبيهقي 4/ 15 من حديث عبد الله بن الزبير. (¬8) سيأتي برقم (4152). (¬9) في (ص): في حديث آخر. وفي (س، ل): في.

وكما لا تحضر الملائكة بيتًا فيه الجنب لا تحضر بيتًا فيه المتضمخ بزعفران ونحوه لما روى الطبَراني في "الكبير" أيضًا عن ابن عَباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إن الملائكة لا تحضر الجُنب ولا المتضمخ حَتى يغتسلا" (¬1). [228] (ثَنَا محمد بْنُ كثير) (¬2) العَبدي شَيخ البُخاري. (قال: ثنا سُفْيَانُ) ابن عُيينة (¬3) (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) عَمْرو بن عَبد الله السَّبيعي. (عَنِ الأَسْوَدِ) ابن يزيد النخعي. (عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: كان رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ غَيرِ أَنْ يَمَسَّ مَاءً) لا بوضوء ولا غَيره، يجوز أنه كانَ إذا لم يمسّ ماء أن يَضرب يدَهُ على الحَائط للتيمم، كما روى الطبرَاني عَن عَائشة راوية (¬4) هذا الحَديث: كانَ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جَامَعَ بعض نسائه فكسَل أن يقوم ضربَ يده على الحائط (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه الطبراني في "الكبير" 11/ 361، وقال الهيثمي في "المجمع" 1/ 275: فيه يوسف بن خالد السمني، قال فيه ابن معين: كذاب خبيث عدو الله. وحسَّنه الألباني في "صحيح الجامع" (1959). (¬2) في (ص): بشر. وفي (س): أحمد. (¬3) كذا قال الشارح رحمه الله، وليس كذلك، والمراد هنا هو سفيان الثوري فإن أحدًا لم يذكر في الرواة عن ابن عيينة محمد بن كثير. وقد صرح عبد الرزاق 1/ 280 (1082) وغيره بأن الراوي هنا هو الثوري. والله أعلم. (¬4) في (س): رواية. (¬5) أخرجه الطبراني في "الأوسط" (645) وقد تكلمنا عليه سابقًا.

وتقدمَت رواية البيهقي عنهَا؛ أنه - صلى الله عليه وسلم - كانَ إذا أجنب فأراد أن ينَام توضأ أو تيمم. وإسنَاده حسَن (¬1)، وهذا يرد على ما روي عن ابن حبيب المالكي من وجوب الوضوء وبوبَ عليه أبُو عوَانة في "صحيحه" إيجَاب الوضوء على الجُنُب إذا أرَادَ النوم (¬2). ثم استدل بعد (¬3) ذلك هُو وابن خزيمة على عَدَم الوجُوب بحدَيث ابن عَباس مرفوعًا: "إنما أمرتُ بالوضوء إذا قمت إلى الصَّلاة" (¬4). ونقل الطحاوي عن أبي يُوسُف أنهُ ذَهَب إلى عَدَم الاستحباب (¬5) وتمسَّك بحديث عَائشة هذا أنه كانَ يجنب ثم يَنَام ولا يمسُّ ماء، وتعقب بأنه مَحمول على أنهُ ترك الوضوء لبَيَان الجَوَاز؛ لئلا يعتقد وجوبه، أو أنَّ قوله: لم يمسّ مَاء للغسْل (¬6) كما قالَ ابن سريج (¬7) فيما حكاهُ البيهقي (¬8). (ثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الواسطي (¬9) قَالَ: سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ) السُّلمي أحَد الأعلام. ¬

_ (¬1) تقدم قريبًا. (¬2) "صحيح أبي عوانة" 1/ 232. (¬3) في (س): على. (¬4) "صحيح ابن خزيمة" (35)، و"مستخرج أبي عوانة" (799). (¬5) انظر "شرح معاني الآثار" 1/ 125 وما بعدها. (¬6) "فتح الباري" 1/ 469، و"معاني الآثار" للطحاوي 1/ 125. (¬7) في (ص، س) شريح. (¬8) "السنن الكبرى" 1/ 202. (¬9) في (ص): أبو أسماء. وبياض في (ل).

(يَقُولُ: هذا الحَدِيثُ وَهمٌ. يَعْنِي: حَدِيثَ أَبِي إِسْحَاقَ) المذكور وكذا قال بَعض الحُفاظ إنَّ أبَا إسحَاق وهِم فيهِ (¬1)، واللهُ أعلمَ. * * * ¬

_ (¬1) قال الحافظ في "التلخيص" 1/ 245: قال أحمد: إنه ليس بصحيح، وقال أبو داود: هو وهم، وقال يزيد بن هارون: هو خطأ. وأخرج مسلم الحديث دون قوله: ولم يمس ماء. وكأنه حذفها عمدًا؛ لأنه عللها في كتاب "التمييز". وقال مهنا عن أحمد بن صالح: لا يحل أن يروى هذا الحديث، وفي "علل الأثرم": لو لم يخالف أبا إسحاق في هذا إلا إبراهيم وحده لكفى فكيف وقد وافقه عبد الرحمن ابن الأسود؟ ! وقال ابن مفوز: أجمع المحدثون على أنه خطأ من أبي إسحاق كذا قال، وتساهل في نقل الإجماع فقد صححه البيهقي. وقال الدارقطني في "العلل": يشبه أن يكون الخبران صحيحين. اهـ. بتصرف.

92 - باب في الجنب يقرأ القرآن

92 - باب في الجُنُبِ يَقْرأُ القُرْآنَ 229 - حَدَّثَنا حَفْص بْن عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلِمَةَ، قالَ: دَخَلْث عَلَى عَلِيٍّ - رضي الله عنه - أَنا وَرَجُلانِ، رجلٌ مِنّا وَرَجلٌ مِنْ بَنِي أَسَد -أَحْسب- فَبَعَثَهُما عَلِيٌّ - رضي الله عنه - وَجْهًا، وقالَ: إِنَّكُما عِلْجانِ فَعالِجا عَنْ دِينِكُما، ثُمَّ قامَ فَدَخَلَ المَخْرَجَ، ثُمَّ خَرَجَ فَدَعا بِماءٍ فَأَخَذَ مِنْهُ حَفْنَةً فَتَمَسَّحَ بِها، ثُمَّ جَعَلَ يَقْرَأ القرآن فَأَنْكَروا ذَلِكَ، فَقالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَخْرجُ مِنَ الخَلاءِ فَيُقْرِئُنا القرآن وَيَأكلُ مَعَنا اللَّحْمَ، وَلَمْ يَكُنْ يحجبهُ -أَوْ قالَ: يحجزُهُ- عَنِ القُرْآنِ شَيءٌ لَيْسَ الجَنابَةَ (¬1). * * * باب في الجنب يقرأ القرآن [229] (ثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ) الحوضي، (قال: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو [بْنِ مُرَّةَ)] (¬2) الجَملي بفتح الجيم والميم، أحَد الأئمة الأعلام العَاملين. (عَنْ عَبْدِ الله (¬3) بْنِ سَلِمَةَ) بكسر اللَّام المرادي الكوفي وثقهُ أحمدُ العِجلي (¬4) وغيره. (قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيٍّ) بن أبي طَالب - رضي الله عنه - (أَنا وَرَجُلاَنِ رَجُلٌ) بالرفع. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (146)، والنسائي 1/ 144، وابن ماجه (594)، وأحمد 1/ 83، 84، وابن خزيمة (208)، وابن حبان (799). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (31). (¬2) في (س): بريدة. (¬3) في (د): عبيد الله. وكتب فوقها: الأربعة. (¬4) "تاريخ الثقات" (819).

(مِنَّا) أي: من مراد (وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ) وهي قبيلة مِن مُضَر. (أحْسِبُ) قال (فَبَعَثَهُمَا عَلِيٌّ - رضي الله عنه - وَجْهًا) الوَجْه ما يتوجَّه إليه الإنسَان من عمل ونحوه. (وَقَالَ: إِنَّكُمَا عِلْجَانِ) العِلج: بِكسْر العَين الرجُل القَوي الضخم وبَعض العَرب يطلق العِلج عَلى الكافِر مُطلقًا، وأصل العِلج حِمَار الوَحشِ الغَليظ. (فَعَالِجَا) أي: دَافعَا (عَنْ دِينِكُمَا) واشتدا وجاهِدا وجَالدا عنه. (فَدَخَلَ) رواية الخَطيب: ثم دَخَل (الْمَخْرَجَ) بفتح الميم والخاء يعني: الخلاء سُمي بذَلك؛ لأنه المكان الذَّي يخرج من الإنسَان فيه البَول والغَائط. (ثُمَّ خَرَجَ) منهُ (فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَخَذَ مِنْهُ حَفْنَةً) بفتح الحَاء وهي ملء الكفَّين. (فَتَمَسّح (¬1) بِهَا) أي: مَسَح بها وجهه ويدَيه اللذَين هما عضوا التيمم والظاهِر: أنَّ عليًّا لم يكن يقرأ القرآن إلا متوضئًا لكن فعَل هذا بيانًا للجَواز. (ثم جَعَلَ يَقْرَأُ القُرْآنَ) أي: من القرآن. (فَأَنْكَرُوا) عليه (ذَلِكَ) فيه (¬2) الإنكار على أهل العِلم إذا فعَلوا ما لم يظهر لهم جوازه حتى يبينُوا لهم جواز ذلك. (فَقَالَ لهم: إِن رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَخْرُجُ مِنَ الخَلاَءِ فَيقْرِئُنَا القرآن) أي: يُعلمنا القرآن يُقال: أَقرأَنا إذا عَلَّمنَا. فيه جَواز إقرَاءِ القُرآن والفتح على القارئ للمُحْدِثِ لما رَوَى الطبراني في "الكبير" بإسْنَاد رجَاله ¬

_ (¬1) في (ص، س): فيمسح. (¬2) في (ظ، م): هذا.

ثقات، عن إبراهيم، أنَّ ابن مسعود - رضي الله عنه - كانَ يقرئ رجلًا فلما انتهى إلى شاطئ الفرات بالَ وكفَّ عنه الرجُل فقال مَا لك؟ قال: أحدثتَ [قال اقرأ] (¬1) فجعَل يقرأ وجعَل يفتح عليه (¬2). (وَيَأْكُلُ مَعَنَا) فيه جَوَاز أكل المحدث وشربه بلا خلاف سَوَاءٌ كانَ المأكول (اللَّحْمَ) أو غيره مِنَ الطعَام. (وَلَمْ يَكُنْ يَحْجُبُهُ أَوْ قال (¬3): يَحْجُزُهُ) شكٌّ من الراوي أن عليًّا قال: لا يحجبهُ، أو قالَ: لا يحجزه. والحجب والحجز: المَنْع (عَن) قراءة (الْقُرْآنِ شَيءٌ) مِنَ الأشياء (لَيسَ) بمعنى إلا أي: إلا (الْجَنَابَةَ) منصوب على الاستثناء كما ينتَصب زَيد في قولك: قام القَوم ليسَ زيدًا فيضمر اسمها وينتصب خبرها بهَا. ورواهُ الترمذي. وقالَ: حسَن صحيح، ولفظه: كان رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يُقرئنا القُرآن ما لم يكن جُنبًا (¬4). وقالَ المنذري: ليس بمعنى غَير، أي لم يمنعهُ من القراءة غَير الجنَابة، يعني: أو ما في معناها من النفاس والحيض. قال النووي: خالف الترمذي الأكثَرون فضعفوا هذا الحَديث (¬5). وتخصيصه الترمذي بتصحيحه فذَلك دليل على أنهُ لم ير تصحيحه لغَيره، وقد صَححه ابن السَّكن وعَبد الحق والبغَوي في "شَرح ¬

_ (¬1) من (د، ظ، م). (¬2) أخرجه الطبراني في "الكبير" 9/ 145 (8724). قال الهيثمي في "المجمع" 1/ 276: رجاله ثقات. (¬3) من (د). (¬4) الترمذي (146). (¬5) نقله عنه ابن الملقن في "البدر المنير" 2/ 556.

السُّنَّة" (¬1) وروى ابن خزيمة بإسنَاده، عن شعبة قالَ: هذا الحَديث ثلث (¬2) رَأس مالي (¬3). وقال الدارقطني: قالَ شعبة: ما أحدث بحَديث أحسَن منهُ (¬4)، ورواه أيضًا أحمد وابن خزيمة وابن حبَّان، والحَاكم والبزار والدارقطني والبيهقي من طريق شعبة [عن عمرو] (¬5) بن مرة (¬6) ورَوَى الدارقطني عن علي موقوفًا: اقرؤوا القرآن ما لم يُصب أحَدكم جنَابة، فإن أصَابته فلا ولا حرفًا (¬7). وهذا يعضد حَديث عَبد الله بن سَلمة، لكن قالَ ابن خزيمة: لا حجة في هذا الحَديث لمن مَنَعَ الجنُب مِنَ القراءة؛ لأنه ليس فيه نَهي وإنما هو حكاية فعل ولم يبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهُ إنما امتنع من ذلك لأجل الجنَابة (¬8). وقالَ الشافعي في "سُنن حَرملة": إن كانَ هذا الحَديث ثابتًا ففيه دلالة على تحريم القرآن على الجنب (¬9). * * * ¬

_ (¬1) "شرح السنة" للبغوي 2/ 42. وقال: هذا حديث حسن صحيح. (¬2) في (ص): يكن. وفي (س): من. (¬3) "صحيح ابن خزيمة" 1/ 104. (¬4) "سنن الدارقطني" 1/ 119. (¬5) في (ص): عنه عرف. (¬6) أحمد 1/ 84، ابن خزيمة (208)، ابن حبان (799)، والحاكم 4/ 107، والبزار في "مسنده" (708)، والبيهقي في "الكبرى" 1/ 88. (¬7) "سنن الدارقطني" 1/ 88. (¬8) "صحيح ابن خزيمة" 1/ 104. (¬9) "المجموع" للنووي 2/ 159.

93 - باب في الجنب يصافح

93 - باب فِي الجُنُبِ يُصافحُ 230 - حَدَّثَنا مسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يحيى، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ واصِلٍ، عَنْ أَبِي وائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَقِيَة فَأَهْوَى إِلَيْهِ، فَقالَ: إِنِّي جنبٌ. فَقالَ: "إِنَّ المُسْلِمَ لا يَنْجُسُ" (¬1). 231 - حَدَّثَنا مسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يحيى وَبِشْرٌ، عَنْ حَميْدٍ، عَنْ بَكْرٍ، عَنْ أَبِي رافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: لَقِيَنِي رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي طَرِيق مِنْ طرُقِ المَدِينَةِ وَأَنا جُنُبٌ، فاخْتَنَسْت، فَذَهَبْت فاغْتَسَلْتُ، ثُمَّ جِئْتُ فَقالَ: "أَيْنَ كُنْتَ يا أَبا هُرَيْرَةَ؟ " قالَ: قلْت: إِنِّي كُنْتُ جُنبًا، فَكَرِهْت أَنْ أجالِسَكَ عَلَى غَير طَهارَةٍ. فَقالَ: "سبْحانَ الله، إِنَّ المُسْلِمَ لا يَنْجُسُ" وقالَ فِي حَدِيثِ بِشْرٍ: حَدَّثَنا حُمَيْدٌ، حَدَّثَنِي بَكْرٌ (¬2). * * * باب في الجنب يصافح [230] (ثَنَا مُسَدَّدٌ، قال: ثَنَا يَحْيَى) القطان، (عَنْ مِسْعَرٍ) (¬3) بكسر الميم ابن كدام الهلالي الكوفي كانَ سُفيان وشعبة إذا اختلفا قالا: اذهب بنَا إلى الميزان مسعر. (عَنْ وَاصِلٍ) ابن حيان الأسدي الأحدب. (عَنْ أَبِي وَائِلٍ) شقيق بن سَلمة. (عَنْ حُذَيْفَةَ) بن اليَمان (أَن النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَقِيَهُ) في بَعض طُرق المدينة ¬

_ (¬1) رواه مسلم (372). (¬2) رواه البخاري (283)، ومسلم (371). (¬3) فوقها في (د): ع.

(فَأَهْوَى إِلَيهِ) بيده أي: مدَّها إليه ليُصَافحه نحوه وأمالها إليه (¬1) يُقال: أهوى يدهُ، وبيده إلى الشيء. (فَقَالَ: إِنّي جُنُبٌ) تكريمًا وتعظيمًا ليده - صلى الله عليه وسلم - أن يمسّه وهو جُنب. (قَالَ: إِنَّ المُسْلِمَ ليسَ يَنْجُسُ) بفتح الجيم وضمهَا لغتان مشهورتان وذكر البخاري في "صحيحه" عن ابن عَباس - رضي الله عنهما - تَعليقًا: المُسْلم لا ينجسُ حَيًّا ولا ميتًا (¬2). هذا حُكم المُسْلم، وأمَّا الكافر فحكمهُ في الطهارة والنجاسَة حُكم المُسْلم هذا مَذهبنَا (¬3) ومذهب مَالك (¬4)، وجُمهور العُلماء مِنَ السَّلَف والخلف، وأما قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} (¬5) فالمراد نجاسَة الاعتقاد والاستقذار وليس المراد أن أعيانهم (¬6) نجسَة كنجاسة البَوْل والغَائط ونحوهما. [231] (ثَنَا مُسَدَّدٌ، قال: ثَنَا يَحْيَى) القطان (وَبِشْرٌ) بكسْر الموَحدة ابن المفضل (¬7) بن لاحق (عَنْ حُمَيدٍ) الطويل (عَنْ بَكْرٍ) بن عَبد الله البَصري. (عَنْ أَبِي رَافِعٍ) الصَّائغ مدني سكن البَصرة. وحميد وبكر وأبُو رافع ثلاثة مِنَ التابعين في نسق (¬8) (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ لَقِيَنِي رَسُولُ الله ¬

_ (¬1) من (ظ، م). (¬2) ذكره البخاري معلقًا -كتاب الجنائز- باب غسل الميت ووضوءه بالماء والسدر. (¬3) "المجموع" 2/ 562. (¬4) "الشرح الكبير" للدردير 1/ 53. (¬5) التوبة: 28. (¬6) في (ص، د، س، ل): أعضاءهم. (¬7) في (ظ، م): الفضل. (¬8) فحميد من صغار التابعين، وبكر من أوساطهم، وأبو رافع من كبارهم.

- صلى الله عليه وسلم - فِي طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ المَدِينَةِ) كذا للنسَائي (¬1). (وأنا جُنُبٌ فَاخْتَنَسْتُ) بِفَتح المثَناة فوق والنون ورواية الصحيحين: فانخنست (¬2) بنون ثم خاء مُعجمة، ثم نُون ثم سين مُهملة أي: تأخرت عنهُ وانقبضتُ وذَهَبتُ مستخفيًا، ومنهُ: خنسَ الشيطان فهوَ الخنَّاس، ويؤيدهُ الروايةُ الأخرى: فانسَللتُ (¬3)، ولابن السَّكن: فانبجَسْتُ بالنون وبعدها مُوَحَّدة أي: جَريْت واندفعتُ من قَوله تعالى: {فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} (¬4) أي: جَرَتْ، وروي: فانتجسْتُ بفتح النون (¬5)، وفتح (¬6) المثناة فوق، والجيم أي: اعتقدت نفسي نجسًا. (مِنْهُ) أي: من أجله أي رَأيتُ نفسي نجسًا بالإضافة إلى جلالة النبي - صلى الله عليه وسلم - وطهَارة ذاته الكريمة، وكذا رواية: انبَخَسْتُ (¬7)، بالموحَّدة والخاء المُعجمة أي: ظهر لي نقصَان نفسي بجنابَتي عن مجَالسة رسُول الله - صلى الله عليه وسلم -. وفيه استحبَاب احترام أهل الفضل وتوقيرهم ومُصَاحَبتهم على أكمل الحَالات. ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 1/ 145. (¬2) "صحيح البخاري" (283)، وليست هي في مسلم، ورواية مسلم: فانسلَّ فذهب فاغتسل. انظر: "صحيح مسلم" (371). (¬3) رواها البخاري (285). (¬4) الأعراف: 160. (¬5) الصواب أن النون ساكنة، وهي في رواية المستملي للبخاري. انظر: "فتح الباري" 1/ 390. (¬6) من (د). (¬7) انظر: "شرح ابن بطال" 1/ 398.

(فَذَهَبْتُ فَاغْتَسَلْتُ)؛ لأن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - كانَ إذا لقي أحدًا من أصحابه صَافحهُ ودَعَا لهُ هَكذَا رواهُ النسَائي وابن حبَّان من حَديث حُذيفة (¬1) فلما ظنَّ أبُو هُريرة أن الجُنب ينجس، خَشيَ أن يُصافحهُ وهو جُنبُ كعَادَته فبَادَرَ إلى الاغتسَال، وفيه استحباب الطهَارة عند مُلابسَة الأمورِ العَظيمة. (ثُمَّ جِئْتُ) إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - (فَقَالَ: أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ. فقَالَ قُلْتُ: إني (¬2) كنْتُ جُنُبًا فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ) استدل به بَعض العُلماء على أنه يُستحب لطالب العِلم أن يحسن حَاله لمجَالسَة (¬3) شَيخه فيَكون مُتَطهِّرًا مُتَنظِّفًا بإزَالة الشعور المأمور بإزالتها وقص الأظفار وإزالة الرائحة الكريهَة، فإن ذلك من إجلال العُلماء لا (¬4) ما يفعَلهُ أكثَر فقهاء العَصر من تكبير العَمائم وتوسيع [الثياب و] (¬5) الأكمام وإطالتها وصقالها (¬6) لقصد المبَاهَاة بَينهم حَتى يخرُجُوا في ذلك إلى أن يتجاوزا بهَا الكعبين وينسَون قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إزرة المؤمن إلى نصف السَّاق فما كانَ أسفل من الكعَبين فهوَ في النَّار" (¬7). (فَقَالَ: سُبْحَانَ الله) تعجب من اعتقاد أبي هُريرة النَّجَس بالجنَابة أي: ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 1/ 145، و"صحيح ابن حبان" (1258). (¬2) من (د، م)، وبياض في (ل). (¬3) في (ص، ظ، م): بمجالسة. (¬4) في (س): إلا. (¬5) ساقطة من (ص). (¬6) في (م): وصفائها. (¬7) سيأتي برقم (4093).

كيف يخفَى عليه (¬1) هذا الظاهر. (إِنَّ المُسْلِمَ لاَ يَنْجُسُ) تمسَّك بمفهومه بَعضُ أَهْل الظَّاهِر (¬2) فقال: إن الكافِر نجس العَين [وقوَّاه بقوله] (¬3) تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} (¬4) وحجَّة القائلين بِطَهَارة الكافر أن الله أباحَ نكاح أهل الكتاب ومَعلوم أن عرفهن لا يسلم منه من يضَاجعُهُنَّ ومع ذلك فلم (¬5) يجب من غسل الكتَابيَّة (¬6) إلا مثل مَا يجب عليه من غسْل المُسْلمة ولا فرق بينَ الرجَال والنسَاء، وأغرب القُرْطبي في الجنَائز من "شرح مسلم" فنسب القول بنجاسَة الكافِر إلى الشافعي (¬7). (وَقَالَ فِي حَدِيثِ بِشْرٍ) ابن المفضل (قال: ثَنَا حُمَيدٌ قال: حَدَّثَنِي بَكْر) فصَرحَ بالتحديث المزيل إيهَام الروَاية الأولى المعَنعَنة (¬8) لوجُود الخلاف في (¬9) الاحتجاج بِهَا. * * * ¬

_ (¬1) في (د) عليك. (¬2) انظر: "المحلى" 1/ 137. (¬3) في (ص، س): وقوله. (¬4) التوبة: 28. (¬5) في (د): لم. (¬6) في (د): المكاتبة. (¬7) "المفهم" 2/ 630. (¬8) في (م): المضعفة. (¬9) في (ص، س، ل): من.

94 - باب في الجنب يدخل المسجد

94 - باب فِي الجُنب يَدْخُلُ المَسْجِد 232 - حَدَّثَنا مُسَدَّد، حَدَّثَنا عَبْدُ الواحِدِ بْنُ زِياد، حَدَّثَنا الأفلَتُ بْنُ خَلِيفَةَ، قالَ: حَدَّثَتْنِي جَسْرَةُ بِنْت دِجاجَةَ، قالَتْ: سَمِعْتُ عائِشَةَ رضي الله عنها تَقُول: جاءَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ووجُوهُ بُيُوتِ أَصْحابِهِ شارِعَةٌ فِي الَمسْجِدِ، فَقالَ: "وَجِّهُوا هذِه البُيُوتَ عَنِ المَسْجِدِ" ثمَّ دَخَلَ النَبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَمْ يَصْنَعِ القَوْمُ شَيْئًا رَجاءَ أَنْ تَنْزِلَ فِيهِمْ رُخْصَةٌ، فَخَرَجَ إِليهِمْ بَعْدُ، فَقالَ: "وَجِّهُوا هذِه البُيُوتَ عَنِ المَسْجِدِ؛ فَإِنِّي لا أُحِلُّ المَسْجِدَ لِحائِضٍ وَلا جُنُبٍ". قالَ أَبُو داودَ: وَهُوَ فُلَيْتٌ العامِرِيُّ (¬1). * * * باب في الجنب يدخل المسجد [232] (ثَنَا مُسَدَّدٌ، قال: ثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ (¬2) بْنُ زِيَادٍ) العَبدي مولاهم البَصري، قال: (ثَنَا أفلت) بإسْكان الفاء ومثناة بعد اللام (بْنُ خَلِيفَةَ) روى عنه الترمذي والنسَائي صدوق (¬3). (قَالَ: حدَّثَتنِي جسْرة) بِكَسْرِ الجيم في رواية التُّستري والخَطيب معًا والمشهُور عند المحَدثين فتح الجيم وسُكون المهملة. (بِنْتُ دِجَاجَةَ) بكسر الدال وفي بَعض النسَخ بالفتح، تابعية ثِقَة قالَهُ العِجليُّ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه إسحاق بن راهويه في "مسنده" (1783)، وابن خزيمة (1327)، والبيهقي 2/ 442. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (32). (¬2) في (د) فوقها: ع. (¬3) "الكاشف" للذهبي 1/ 137. (¬4) "معرفة الثقات" 2/ 450.

(قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها تَقُولُ جَاءَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَوجُوه) أي: أبَواب ووجه (¬1) كل شيء مُسْتقبَلُه (بُيُوتِ) بضَم البَاء أوله وكسرهَا (¬2) قراءتان في السَّبع والأكثر الكسْر (¬3) (أَصْحَابِهِ) أي: بَعضهم ومِنَ المجَاز استعمال الكُل بمعنى البَعض كقوله تعالى: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ} (¬4) أي: بَعْضها (¬5). (شَارِعَةٌ) بالرفع خَبَر المُبتدأ أي: مفتوحَةٌ يدخل منها (فِي المَسْجِد) يُقالُ: شَرعت البَاب إلى الطريق وأشرعتهُ إذا فتحتهُ إليها، وأوصلته بها (¬6) فيستعمل لازمًا ومتعديًا (فَقَالَ: وَجِّهُوا) بتشديد الجيم المكسُورة. (هذِه البُيُوتَ عن المسْجِدِ) (¬7) مسجد رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - بمعنى صرفوهَا عَنِ المَسْجِد؛ ولذلك عدَّى "وجِّهوا" بـ "عَنْ"؛ لأنها ضُمِّنَتْ مَعنى اصْرفوها عنه يقال وجه عنه أي: صرف (¬8) عنه، ووجه إليه أقبل إليه وسبب هذا الأمر أن أبواب بَعض الصَّحابة كانت حَول مسجد رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت مَفتوحَة إلى المَسْجد يَمرونَ منها إلى المسَجد. (ثُمَّ دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -) مَرة أُخرى بعَد ذلك. (وَلَمْ يَصْنَعِ القَوْمُ شَيئًا) مما أمرهم به (رَجَاةَ) كَذا لأبي علي التستري ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): وجوه. (¬2) في (د، س، ل، م): وفتحها. خطأ. (¬3) قرأها بالكسر: ابن كثير وابن عامر والكسائي وحمزة وقالون وشعبة، والباقون بالضم. انظر "السبعة" لابن مجاهد ص 178 - 179. (¬4) البقرة: 19. (¬5) في (ص): بعضهم. (¬6) سقطت من (ص، س، ل). (¬7) سقطت من (ص، س، ل). (¬8) في (م): طرق.

بالقَصر وإبدَال الهمزَة هَاء، ورواية الخَطيب وهي المشهُورة: رجَاء بالمدِّ والهمز، من رجوت الشيء إذا أَمَّلته ويقال: رجيت من بَاب رَمَيت لغة. (أَنْ يَنْزِلَ لهمْ) ورواية الخَطيب: ينزل فِيهِمْ (رُخْصَةٌ) بوزن غُرفة، وبِضَم الخاء للإتباع كظلمة، والمرادُ بالرُّخصَة التي كانوا يترجونها إنزال إباحَة استمرار أبَواب البيُوت على حَالها لما كان يحصُل لهم من (¬1) الرفق بالدخول منها. (فَخَرَجَ إِلَيهِمْ بَعْدُ) بِضَم الدال أي: بعد ذلك هَكذَا في جَميع النسَخ، وفي نُسخَة الخَطيب: مضروب على (بَعد). (فَقَالَ: وَجِّهُوا) أبَواب (هذِه البُيُوتَ عَنِ المَسْجِدِ) أمرهُم رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصْرفوا أبَواب بيوتهم مِنَ المسجد إلى جَانب آخر لئلا يمر الجُنُبُ والحَائضُ في المَسْجِد فلما أدى فتح الأبَواب إلى المسجد، إلى المرور المحَرم، عند الشافعي (¬2) ومَالك (¬3)، كما سَيَأتي منع من ذَلك، وقد [أُحدِث من مُدة] (¬4) بالقرب من أبَواب مسجد الأقصى الشريف حَمَّامٌ يدخل الحَائض والنفسَاء والجنُب من مَسْجِده إلى ذَلك الحمام كثيرًا ويتخذونه طَريقًا فمنهم من يفعَلهُ ضرُورة، ومنهم من يَدخل منهُ لكونه أقرب، وحصلت (¬5) من ذلكَ الحمام مَفَاسِدُ عَظيمة يَطُول ذكرُهَا حتَّى صنف فيه شَيخنا الشيخ شهاب الدين أحمد بن الهَائم (¬6) [بسبب ¬

_ (¬1) سقطت من (ص). (¬2) "الأم" للشافعي 1/ 121 - 122. (¬3) انظر: "المدونة" 1/ 137. (¬4) تحرفت في (س) إلى: أخذت من هذه. (¬5) في (ظ، م): وجعلت. (¬6) هو أحمد بن محمد بن عماد الدين المعروف بشهاب الدين بن الهائم مصري ثم =

ذلك] (¬1) مُصَنفًا وبيَّنَ فيه مفاسده، وهو موجود إلى الآن فنَسأل الله تعالى زَوَالهُ. (فَإِنِّي لاَ أُحِلُّ) بِضَم الهَمزة هذا (الْمَسْجِدَ) على أن يكون الألف واللام للعَهْد الذهني، أو يكون تقديره: لا أُحِل دُخول المسجد على أن يكون الألف واللام لاستغراق الجنس أي: لا أُحِل دُخُول كل مَسْجِد (لِحَائِضٍ) [هذِه اللغة الفصحى] (¬2)؛ لأنهُ وصف خَاص، وجَاء حَائضةٌ أيضًا. وفي معنى الحَائض النُّفَسَاء والمراد بالحَائض هُنَا المتَلبسَة به، وأما إذا انقطع حَيْضها ولم تغتسل فَمذهب الشافعي القطع بجوَاز عبُورهَا في المَسْجِد (¬3). (وَلاَ جُنُبٍ) استدل به على تَحريم اللُّبثِ في المَسْجِد والعبُورِ منهُ دُون مكث سَواء كان لحاجة أو لغَيرها قائمًا كانَ أو جَالسًا أو مترَدِّدًا [أو على] (¬4) أي حَال مُتوضئًا كان أو غَيره لإطلاق هذا الحَديث ويجوز عند الشافعي (¬5) ومَالك (¬6) العبور في المسجد من غَير لُبث سَوَاء كانَ ¬

_ = مقدسي. ولد سنة (756) من الهجرة، كان ماهرًا بالفرائض والحساب، ومشاركًا في بقية العلوم، ودرَّس بالقدس، وله ديانة متينة، وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ولكلامه وقع في القلوب، توفي في رجب سنة (815 هـ) بالقدس رحمه الله تعالى. انظر "طبقات الشافعية" لابن قاضي شهبة 4/ 17 - 18. (¬1) في (ص، س، ل): فيه ذلك. وفي (م، ظ): فيه. (¬2) في (د، س): اللغة اللغة. وفي (م): اللغة لغة. (¬3) "المجموع" 2/ 161. (¬4) في (ظ، م): وعلى. (¬5) "الأم" 1/ 121 - 122. (¬6) "المدونة" 1/ 137.

لحاجَة أم (¬1) لا. وحكى ابن المنذر عن سُفيان الثوري، وأبي حَنيفة وأصحَابه، وإسحاق ابن راهويه أنه لا يجوز العبور إلا أن لا يجد بُدًّا منه فيتوَضأ ثم يمر، وإن لم يجد الماء يتيمم (¬2). ومَذهَبُ أحمد: يُبَاح العبور في المَسْجِد للحَاجَة من أخذ شيء أو تَركه أو كون الطريق فيه، فَأمَّا غَيرُ (¬3) ذلك فلا يَجوز بحَال (¬4)، وحجته وحجة الشافعي في العُبور قَوله تعالى: {إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} (¬5) والاستثناء مِنَ المنهي عنهُ إباحَة (¬6). (قال أبو داود) (¬7) (و) أفلت (هُوَ فُلَيتٌ) بالتصغير ابن خليفة (الْعَامِريُّ) ويقالُ: الذهلي. ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): أو. (¬2) "الأوسط" لابن المنذر 2/ 230. (¬3) في (س): في غير. (¬4) "الإنصاف" 1/ 244. (¬5) النساء: 43. (¬6) رجح ابن المنذر جواز دخول الجنب المسجد والمكث فيه؛ لعموم حديث "المؤمن ليس بنجس" وأما قوله تعالى: {ولَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} فيؤول على: لا تقربوا الصلاة وأنتم جنب إلا المسافر يتيمم حتى يجد الماء، كما قال ابن عباس وغيره. فوجب ألا يمنع من ليس بنجس من دخول المسجد إلا بحجة، وقال ابن المنذر: ولا نعلم حجة تمنع الجنب من دخول المسجد. انظر: "الأوسط" 2/ 230 - 232. وما بعدها ذكر دخول الجنب المسجد. وقد استدل في موضع آخر ولا يحضرني ذكر موضعه بحديث ثمامة بن أثال إذا كان مشركًا وربطه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسارية المسجد قال: والجنب أحسن حالًا، من المشرك، أو كلامًا نحو هذا. (¬7) من (د)، وفي باقي النسخ بياض.

قالَ المنذري: وفيما (¬1) قاله الخَطابي إن أفلت مجهُول نظر فإنهُ أفلت ابن خَليفة العَامري، كنيته أبُو حسان، حَديثه في الكوفيين، رَوَى عنه سُفيَان بن سَعيد (¬2) الثوري، وعبَد الواحِد بن زياد. وقال الإمام أحمد: ما أرى به بأسًا (¬3)، وسُئل عنهُ أبُو حَاتم الرازي فَقَال: شَيخ (¬4). انتهى (¬5). وروى هذا الحَديث أيضًا ابن مَاجه والطبراني من حَديث جَسْرة (¬6)، عن أُم سَلمة، وحَديث الطبرَاني أتم (¬7)، وقول ابن الرفعة في أوَاخِر شروط الصَّلاة مِن "المطلب" أنه متروك، يَعني: أفلت فمردود؛ لأنَّ ابن خزيمة صَحَّح حَديثه (¬8)، وحسَّنه ابن القطان (¬9). * * * ¬

_ (¬1) في (ص): فيها. (¬2) تحرفت في (س) إلى: شعبة. (¬3) "العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله (4592). (¬4) "الجرح والتعديل" 2/ 346. (¬5) "مختصر السنن" للمنذري 1/ 158. (¬6) في (ص، ل): حبرة. وبياض في (س). وفي (د، ظ، م): حرَّة، والمثبت من المصادر. (¬7) أخرجه ابن ماجه (645)، والطبراني في "الكبير" 23/ 373 (883) من حديث جسرة عن أم سلمة رضي الله عنها، وفي الطبراني زيادة: إلا النبي - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه وعلي وفاطمة .. قال ابن القيم: هي زيادة موضوعة، وراجع "ضعيف سنن أبي داود" للألباني (32). (¬8) "صحيح ابن خزيمة" 2/ 284 (1327). (¬9) "بيان الوهم والإيهام" 5/ 332.

95 - باب في الجنب يصلي بالقوم وهو ناس

95 - باب فِي الجُنُبِ يُصَلّي بالقَوْمِ وَهو ناسٍ 233 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّاد، عَنْ زِيادٍ الأَعلَمِ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّ رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ فِي صَلاةِ الفَجْرِ، فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ: أَنْ مَكانَكُمْ، ثُمَّ جاءَ وَرَأسُهُ يَقْطُرُ، فَصَلَّى بِهِمْ (¬1). 234 - حَدَّثَنا عُثْمان بْن أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ، أَخْبَرَنا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ، بِإسْنادِهِ وَمَعْناهُ، قالَ فِي أَوَّلهِ فَكَبَّرَ. وقالَ: فِي آخِرِه: فَلَمّا قَضَى الصَّلاةَ قالَ: "إِنَّما أَنا بَشَرٌ وَإِنِّي كُنْتُ جُنُبًا". قالَ أَبُو داودَ: رَواهُ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: فَلَمّا قامَ فِي مُصَلَّاهُ وانْتَظَرْنا أَنْ يُكَبِّرَ انْصَرَفَ ثُمَّ قالَ: "كَما أَنْتُمْ" (¬2). قالَ أَبُو داودَ: وَرَواهُ أَيُّوبُ وابْنُ عَوْنٍ وَهِشام، عَنْ مُحَمَّدٍ مُرسَلًا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: فَكَبَّرَ ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى القَوْمِ أَنِ اجْلِسُوا فَذَهَبَ فاغْتَسَلَ. وَكَذَلِكَ رَواهُ مالِكٌ، عَنْ إِسْماعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسارٍ أَنَّ رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَبَّرَ فِي صَلاةٍ. قالَ أَبُو داودَ: وَكَذَلِكَ، حَدَّثَناهُ مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا أَبانُ، عَنْ يَحيَى، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ محَمَّدٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ كَبَّرَ (¬3). 235 - حَدَّثَنا عَمرُو بْنُ عُثْمانَ، حَدَّثَنا محَمَّد بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا الزُّبَيْدِيُّ ح، وحَدَّثَنا عَيّاشُ بْنُ الأزْرَقِ أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ، عَنْ يونُسَ ح، وحَدَّثَنا مَخلَدُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ خالِدٍ -إِمامُ مَسْجِدِ صَنْعاءَ- حَدَّثَنا رَباحٌ، عَنْ مَعْمَرٍ ح، وحَدَّثَنا مُؤَمَّلُ بْنُ الفَضْلِ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ، عَنِ الأوزاعِيِّ كُلّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 41، 45، وابن خزيمة (1629)، وابن حبان (2235). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (227). (¬2) انظر السابق. (¬3) رواه أحمد 2/ 259، والبزار 14/ 282 (7881).

أَبِي هُرَيْرَةَ قالَ: أُقِيمَتِ الصَّلاةُ وَصَفَّ النّاسُ صُفُوفَهُمْ فَخَرَجَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى إِذا قامَ فِي مَقامِهِ ذَكَرَ أَنَّه لَم يَغْتَسِلْ فَقالَ لِلنّاسِ: "مَكانَكُمْ". ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ فَخَرَجَ عَلَيْنا يَنْطفُ رَأْسُهُ وَقَدِ اغْتَسَلَ وَنَحْن صُفُوف. وهذا لَفْظُ ابن حَربٍ وقالَ عَيّاشٌ فِي حَدِيثِهِ فَلَمْ نَزَلْ قِيامًا نَنْتَظِرُهُ حَتَّى خَرَجَ عَلَيْنا وَقَدِ اغْتَسَلَ (¬1). * * * باب الجُنُبِ يُصَلِّي بِالْقَوْمِ وَهُوَ نَاس [233] (ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التبوذكي، قال (ثَنَا حَمَّادٌ) ابن سَلمة (عَنْ زِيَادٍ) بن حسَّان بن قرة الباهِلي (الأعلم) (¬2) البَصري، أخرج لهُ البخاري عَنِ الحَسَنِ البَصري في الصَّلاة (¬3). (عَن الحَسَن) البَصْري (عَنْ أَبِي بَكْرَةَ) كناهُ النبي - صلى الله عليه وسلم - بذَلك لِتَدَلِّيهِ (¬4) ببَكرةٍ مِنَ الطائف، واسمهُ نُفيْع بن الحارث بن كَلَدَة. (أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ) أي: أحرم بهَا وبيَّنَ البخاري في كتاب الصَلاة [من رواية صالح بن كيسان عن الزهري أن ذلك كان قبل أن يُكبِّر للصلاة فيحمل قوله هنا: دخل في الصلاة] (¬5) أي (¬6): أرَادَ أن ¬

_ (¬1) رواه البخاري (275، 639، 640)، ومسلم (605). (¬2) في (ص): الأسلم. وبياض في (ل). (¬3) "صحيح البخاري" (783) باب إذا ركع دون الصف. (¬4) في (ص، س، ل): لتدليته. (¬5) تأخرت في (ص) عن موضعها. (¬6) في (ص): من إذا.

يَدخل فيها (¬1). (فَأَوْمَأَ) بِهَمز آخِره أي: أشارَ (بِيَدِهِ) كذَا رواية الإسماعيلي وروَاية البخَاري (¬2): فقال لنَا. فتحْمل روَاية البخَاري على إطلاق الفعل على القَول ويحتمل أن يَكون جَمع بين الكلام والإشارَة. (أَنْ مَكَانَكُمْ) مَنصُوب بفعل أمر محَذوف، هوَ وفاعله والتقدير الزمُوا مكانكم. زادَ البخاري وغَيره: ثم رَجَعَ فاغتسَل (¬3). ئُمَّ خَرَج إلينا ([ثُمَّ جَاء] (¬4) وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ) أيْ: مِنَ مَاء الغسْل، زادَ البخاري: فكبر (¬5). (فَصَلَّى بِهِمْ) فَصَلينا مَعَهُ كذا للبخاري، ويُؤخذ منهُ جَوَاز التَّخلُّل الكثير بَين الإقَامة والدُخول في الصَّلاة. [234] (ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، قال ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ) قال: (أَنَا حَمَّادُ بْنُ سلَمَةَ بِإِسْنَادِهِ) أي: بإسْنَاد الحَديث المتَقدم (وَمَعْنَاهُ: وقَالَ فِي أَوَّلِهِ فَكَبَّرَ) كما تقدم عن روَاية البَخاري. (وَقَالَ فِي آخِرِهِ: فَلَمَّا قَضَى الصَّلاة) أي: صَلاة الفجر. (قَالَ: إِنَّمَا أَنَا بَشَر) هذا حَصر مقيد له بالبَشرية باعتبار من يَعتقد أنه لا يجنب، ولا يَطرأ عليه النسيان والسَّهْو لشرف النُّبوَّة فأخبَر أنَّه بَشَر يَأكل الطعَام، وَيشرب الشراب، ويَعتَريه النِّسيانُ كما يَعتري البَشر، ومن جهَة ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (639). (¬2) "صحيح البخاري" (275). (¬3) "صحيح البخاري" (275). (¬4) سقط من (ص , س، ل). (¬5) "صحيح البخاري" (275).

اعتبار غَير البَشرية فهو بَشير نَذير، سراجٌ مُنير، هَاديًا إلى غَير ذَلك مما اختَصَّهُ اللهُ تعالى به، والحَصْر على قسمين: مُطلق باعتبَار جَميع الجهَات، ومقيد باعتبَار بَعض الجهَات (¬1). وفيه دَليل عَلى جَواز النِّسيان عليه - صلى الله عليه وسلم - في أحكَام الشرع، وهوَ مَذهبُ جُمهور العُلماء واتفقوا على أنهُ كان (¬2) - صلى الله عليه وسلم - لا يُقَرُّ عليه (¬3) بل يُعلمه اللهُ تعالى به. (وَإنِّي كنْتُ جُنُبًا) أي: ونَسيتُ الجنَابة، وفيه دَليل على صُدور الجنَابة منه والنِّسيَان كما في البَشَر. ([قال أبو داود] (¬4): رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عَوف الزهري، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ و (قَالَ) في هذِه الروَاية (فَلَمَّا قَامَ فِي مُصَلَّاه) فيه أنهُ يُستَحب للإمَام أن يتخذ لهُ مُصَلًّى يُصَلي فيه كالمحْراب ونحوه. (وَانْتَظَرْنَا أَنْ يُكَبِّرَ انصَرَفَ) أي: ذكر أنه جُنُب فانصرف من صَلاته. رواية الصَّحيحين: حَتى إذا قامَ في مصَلاه قَبل أن يكبر ذكر فانصرف (¬5). ¬

_ (¬1) في (س): الجهاد. (¬2) سقط من (ص، س، ل). (¬3) في جميع النسخ: به. والمثبت من "شرح النووي على مسلم"، والمعنى: أنهم اتفقوا على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا نسي حكمًا فإنه لا يظل ناسيًا بل يعلمه الله تعالى. وهل يعلمه الله تعالى على الفور أم يجوز التأخير؟ اختلفوا، والأكثرون على الأول. ومنعت طائفة جواز النسيان عليه في أحكام الشرع البلاغية والعبادات، وأوَّلوا الظواهر الواردة في ذلك بما لا طائل منه؛ وقد قال - صلى الله عليه وسلم - عقب أن نسي: "إنما أنا بشر أنسى كما تنسون". (¬4) سقط من (ص، س، ل). (¬5) "صحيح البخاري" (639)، و"صحيح مسلم" (605) (157) واللفظ لمسلم.

وهذا صَريح في أنه لم يكن كبر (¬1)، ولا دَخَل في الصَّلاة، فَتُحمل الروَاية المتقدمة أنَّهُ دخل في الصَّلاة على أن المراد بقوله (¬2) دخل في الصَّلاَة أنه قامَ في مُصلاه وتهيأ للإحرام بها (¬3) ويحتمل أنهما قضيتان. قال النوَوي: وهو الأظهر (¬4) (ثُمَّ قَالَ: كمَا أَنْتُمْ) أي: استَمروا كما أنتم. قال القرطبي: أمرهُ بذَلك يشعر بُسرعة رُجُوعهِ حتى لا يتفرقوا ولئلا يزايلوا (¬5) مَا كانوا شرعُوا فيه مِنَ القربَة، حَتى يفرغوا منها (¬6). (وَرَوَاهُ أَيُّوبُ و) عَبد الله (بْنُ عَوْن) أبُو عَون مَولى عَبد الله بن مغفل المزني أحَد الأعلام. قال هِشَام بن حسَان: لم تر عيناي مثله. (وهشام) بن حسان، (عَنْ مُحَمَّدٍ) بن سيرين سَمع منه ابن عَون بالبَصرة. (عَنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -) بهذا الإسنَاد المرسَل. (قَالَ: فَكَبَّرَ) هذا يدل على أنهما قضيتَان كما تقدم. (ثُمَّ أَوْمَأَ إِلَى القَوْمِ أَنِ اجْلِسُوا) هذا يَدُل عَلى أنهمُ كانُوا قَد اصْطَفوا للصَّلاة قيامًا كما سَيَأتي. فيهِ الرفق بالرعية، والأئمة، وطَلب ما فيه رَاحَتهم وهذا يَدُل على كمال شفقته - صلى الله عليه وسلم - (وَذَهَبَ) كذَا للخَطيب وغَيره ¬

_ (¬1) في (م، ظ): يكبر. (¬2) في (ص): تقويمه. (¬3) سقط من (ص، س، ل). (¬4) "شرح النووي على مسلم" 5/ 103. (¬5) في (ص): يوايلوا. (¬6) "المفهم" 2/ 228.

(فَذَهَبَ) بالفاء أي: إلى بَيته، ورَواية النسَائي: ثم رَجَعَ إلى بيته (¬1). وفيه أن اغتسَال الرجُل في بيته أفضَل. (فَاغْتَسَلَ) منَ الجنَابة (وَكذَلِكَ رَوَاهُ) الإمام (مَالِكٌ) في "الموَطأ" (¬2)، (عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي (¬3) حَكِيم) بِفَتح الحَاء، كاتب عمرَ بن عبَد العِزَيز، المدَني أخرَجَ له مُسْلم أيضًا (¬4). (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) (¬5) بالمثَناة والسِّين المهملة الهلاَلي مَولى ميمونة، أحَد كبَار التابعين. (أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -) هذا حَديث مُنقطع كما قبله لكن حَديث أبي هريرَة وحَديث أبي بكرة المتقدمين مُسندان (¬6). (كَبَّرَ) قَال ابن عَبد البَر: مَن ذكرَ أنهُ كبَّر زاد زيَادة حَافظ يَجب قبُولها، قالَ ومن رَوَى واعتقد أنهُ لم يكبِّر، فقد أرَاح نفسه مِنَ الكلاَم في هذا (¬7). (فِي صَلاَةٍ) مِنَ الصَّلوات ثم أشَار إليهم بيَده أن امكثوا فذهَبَ ثم رَجَعَ وعلى جلده أثر الماء، كَذَا في "الموطأ" [وكذلك (حدثنا (¬8) مُسْلِمُ (¬9) بْنُ ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 2/ 81. (¬2) "الموطأ" 1/ 48. (¬3) سقط من (ص، د، س، ل). (¬4) "صحيح مسلم" (1509/ 21، 1933/ 15). (¬5) في (ص، د، س): أبي يسار. (¬6) في جميع النسخ: مسندين. والمثبت هو الجادة. (¬7) "الاستذكار" 3/ 103. (¬8) في (ص): مثل. وبياض في (ل). (¬9) في (س): هشام. ووضع في (د) فوقها: ع.

إِبْرَاهِيمَ) الفراهيدي. (قال: ثَنَا أَبَانُ) بن يَزيد العَطار، أخرجَ له الشَيخَان (¬1). (عَنْ يَحْيىَ) (¬2) ابن أبي كثير اليمامي الطائي. (عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ مُحَمَّدٍ) أرسَل حَديثه. (عَنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَبَّرَ) وقَد جعل قَوم منهمُ الشَافعي (¬3) ودَاود بن علي هذا الحَديث أصْلًا في ترك الاستخلاف لمن أحدَث في أثناء صَلاته، أو ذكر في الصَّلاَة أنه مُحدث؛ لأن الاستخلاف لا يكون إلا فيمن انعقدت صَلاته صَحيحة ولم يتجدد مفسد لهَا. [235] (ثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ) بن سَعيد بن كثير الحمصي كانَ حَافظًا صَدُوقًا (¬4)، قال: (ثَنَا مُحَمَدُ بْنُ حَرْبٍ) الأبرش كاتب الزبيدي. (قالَ: أنا) وفي نسخة الخَطيب: قالَ: ثنَا محمد بن الوَليد (الزّبَيدِيُّ) بِضم الزاي مُصغر، أخرجَ له البخاري وغَيره وليسَ فيه الزبيدي بفتح الزاي. (وَثَنَا عَيَّاشُ) بالمثناة تحت والشين المعجمة (بْنُ الأَزْرَقِ) أو الأزرق وثق (¬5) , قال: (أنا) عبد الله (ابْنُ وَهْبٍ، عن يونس) (¬6) بن يزيد الأيلي. ¬

_ (¬1) في (س): البخاري. (¬2) وضع في (د) فوقها: ع. (¬3) "الأم" 1/ 203 ط. دار المعرفة، وترك الاستخلاف عند الشافعي أحسن؛ فإن استخلف أجزأتهم صلاتهم. (¬4) "الكاشف" 2/ 83 (4192). (¬5) "الكاشف" 2/ 107 (4351). (¬6) وضع في (د): فوقها: ع.

(وَثَنَا مَخْلَدُ بْنُ خَالِدٍ) الشعيري (¬1) أخرج له مُسْلم في الزكاة عن ابن عيينة (¬2). (قال: ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ) المؤَذن و (إِمَامُ مَسْجِدِ صَنْعَاءَ) رَوَى عنهُ طَائفَة، قال: (ثنا رَبَاحٌ) بالبَاء الموَحَّدة ابن زيد الصنعَاني ثقة زاهد (¬3). (عَنْ مَعْمَرٍ، وَثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ الفَضْلِ) الحَراني (¬4) أبو سعيد، قال: أبُو حَاتم ثقة رضى (¬5). (قال: ثَنَا الوَلِيدُ) بن مُسْلم (عَنِ الأَوْزَاعِيِّ كلُّهُمْ) بالرفع (عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) بن عبد الرحمن بن عَوف. (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: أُقِيمَتِ الصَّلاة وَصفَّ (¬6) النَّاسُ صُفُوفَهُمْ) فيه أنَّ تَسْويَة الصُّفوف والتراصَّ فيها كانت عندَهم سُنة مَعْهُودَة وهذا مجمَع عليه. (فَخَرَجَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حَتى إِذَا قَامَ فِي مَقَامِهِ) بفتح الميم أي: في مُصَلاه كما في الروَاية السَّابقة (ذَكَرَ) أي: تذكر (أَنَّهُ لَمْ يَغْتَسِلْ) لا أنهُ قالَ ذلك لفظًا، وعلم الرَّاوي ذلك من قرائن الحَال أو بإعْلامه لهُ بعد ذلك. (فَقَالَ لِلنَّاسِ مَكَانَكُمْ) قال ابن عبد البر: جملة قول مَالك وأصحَابه ¬

_ (¬1) في (ص): الشعبذي. (¬2) "صحيح مسلم" (1060). (¬3) "الكاشف" 1/ 390 (1515). (¬4) في (س): الخزاعي. (¬5) "الجرح والتعديل" 8/ 375. (¬6) في (ص، س): وَصَفَّت. وبياض في (ل).

في إمَام أحرم بقوم فذكر أنه جُنب أو أنه (¬1) على غير وضوء، أنهُ يخرج ويقدم رجُلًا فإن خرجَ ولم يقدم أحَدًا قدَّمُوا لأنفسهم من يُتِمُّ بهم الصَّلاة، فإنْ لم يفعلوا وصَلوا فرادى أجزأتهم صَلاتهم، فإن انتظروهُ ولم يقَدمُوا أحَدًا فَسَدَت صَلاتهم (¬2). قال: وروى يحيى بن يحيى عن ابن (¬3) نَافع، قال: إذَا انصرَف الإمَامُ ولم يُقدم منهم أحدًا وأشارَ إليهم أن امكثوا كانَ حقا عليهم أن لا يقدمُوا أحدًا حَتَّى يرجعَ فيتم بهم (¬4). ثم قالَ ابن عَبد البر: أمَّا قَول من قالَ من أصحاب مَالك في هذِه المسألة: ينتظرونَ إمَامهم حَتى يرجعَ إليهم فليسَ بوَجْه، وإنما وجههُ حَتى يرجع فيبتدئ (¬5) بهم ولا يتم بهم على أصْل مَالك؛ لأن إحرام الإمام لا يجزئه بإجماع العُلماء؛ فإنه فعلهُ على غير طهُور وذَلك بَاطِل (¬6). (ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بَيتِهِ) فيه أن الغسْل في البيت أفضَل وإن تيسَّر لهُ الماء في المَسْجِد. (فَخَرَجَ عَلَينَا يَنْطُفُ) بِكَسْر الطاء وضمهَا لغتان [مشهورتان أي يقطر] (¬7)، والنطفة القطرة مِن الماء. ¬

_ (¬1) من (د). (¬2) "الاستذكار" 3/ 106، وفيه: لم تفسد صلاتهم. (¬3) في (س): أبي. (¬4) "الاستذكار" 3/ 106. (¬5) في (د، س، ظ، م): فيقتدي، وطمس في (ل). (¬6) "التمهيد" 1/ 184. (¬7) سقط من (ص، ل).

(رَأْسُهُ) ماءً، فيه أن الأفضَل تَرك التنشيف (¬1) مِنَ الغسْل وعَدَم النفض. (وَقَدِ اغْتَسَلَ) من الجنَابة (وَنَحْنُ صُفُوفٌ) مُخَالف لقَوله قبله: أنِ (¬2) اجلسُوا. فيحمل على أنه قضيتان كما تقدم. قالَ القرطبي: ولما رأى مَالك هذا الحَديث مخالفًا لأصل الصلاة قال: إنه خَاصٌّ بالنبي - صلى الله عليه وسلم - على ما رُوي عنهُ، وعن بعض أصحَابنا أن هذا العَمل من قَبيل اليَسير فيجوز مثله، ثم قال، وقال ابن نافع: إنَّ المأمومين إذا كانوا في الصَّلاة فأشَار إليهم إمَامهم بالمكث فإنهُ يجب عليهم انتظاره حَتى يأتي فيُتِم (¬3) بهم أخذًا بفعل (¬4) النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحَديث (¬5). (وهذا لَفْظُ) محمد (ابْنِ حَرْبٍ و (¬6) قَالَ عَيَّاشٌ فِي حَدِيثِهِ: فَلَمْ نَزَلْ قِيَامًا نَنْتَظِرُهُ حَتَّى خَرَجَ عَلَيْنَا وَقَدِ اغْتَسَلَ) (¬7). ¬

_ (¬1) تأخرت هذه الجملة عن موضعها في كل من (ص، س، ل، ظ، م)، وأثبتنا ما في (د). (¬2) سقط من (ص، ل). (¬3) في (ص، ل): فيتمم. وفي (س): يتيمم. (¬4) في (ص): لفعل. (¬5) "المفهم" 2/ 230. (¬6) من (د). (¬7) ساق المصنف هذا الحديث من طرق عن الزهري رحمه الله: فأما طريق الزبيدي: فأخرجها النسائي 2/ 81، والطبراني في "مسند الشاميين" (1741). وأما طريق يونس: فأخرجها البخاري (275)، ومسلم (605) (157)، والنسائي 2/ 89، وأحمد 2/ 518. =

قال الشافعي: لو أن إمَامًا صَلى ركعةَّ ثَم ذكر أنهُ جُنُب فخرجَ واغتسَل فانتظرهُ القوم فبَنى على الركعة الأولى فَسَدت عليه وعليهم صلاتهم؛ لأنهم يأتمونَ به عَالمين أن صَلاتهم فاسدَة وليس لهُ أن يبني على ركعةٍ صَلاها جُنبًا قالَ: ولو علم (¬1) بَعضهم ولم يعلم بَعضهم فَسَدت صلاة من عَلم ذَلك منهم (¬2). * * * ¬

_ =وأما طريق معمر: فذكرها البخاري متابعة (275)، وأخرجها أحمد 2/ 283. وأما طريق الأوزاعي فأخرجها البخاري (640)، ومسلم (605) (158)، والنسائي 2/ 81، وأحمد 2/ 237. (¬1) في (ص): سلم. (¬2) "الأم" 1/ 309.

96 - باب في الرجل يجد البلة في منامه

96 - باب في الرّجُلِ يَجِدُ البِلَّةَ فِي مَنامِهِ 236 - حَدَّثَنا قُتَيْبَة بْن سَعِيدٍ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْن خالِدٍ الخَيّاطُ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ العُمَرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ عَنِ القاسِمِ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الرَّجُلِ يَجِدُ البَلَلَ وَلا يَذكُرُ احْتِلامًا، قالَ: "يَغْتَسِلُ"، وَعَنِ الرَّجُلِ يَرَى أَنَّهُ قَدِ احْتَلَمَ وَلا يَجِدُ البَلَلَ، قالَ: "لا غُسْلَ عَلَيه"، فَقالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: الَمرأَةُ تَرَى ذَلِكَ أَعَلَيْها غُسْلٌ؟ قالَ: "نَعَمْ، إِنما النَّساءُ شَقائِقُ الرِّجالِ" (¬1). * * * باب الرَّجُلِ يَجِدُ البِلَّةَ فِي منامه (¬2) قال ابن مَالك: البِلة بكسر الباء هُوَ اليَسير منَ البَلل (¬3). [236] (ثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ (¬4) سَعِيدٍ، قال: ثَنَا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ الخَيَّاطُ) [بالخاء المُعجمة] (¬5) بَعدَها مثناة تحت مِنَ الخياطة بَصْري نزل بَغداد أخرَج لهُ مُسْلم في الصَّيد (¬6)، قال: (ثَنَا عَبْدُ الله) بِفتح العَين بن عمر بن حفص (¬7) بن عاصم بن عمر بن الخَطاب العَدَوي (الْعُمَريُّ) نَسَبهُ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (113)، وابن ماجه (612)، وأحمد 6/ 256. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (236). ورواه مسلم عن أنس بن مالك قال: جاءت أم سليم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعائشة عنده ... فذكره دون قوله: "النساء شقائق الرجال". (¬2) في (ص، س، ظ، ل، م): صلاته. (¬3) "إكمال الإعلام بتثليث الكلام" ابن مالك 1/ 75. (¬4) سقط من (د). (¬5) في (د، م): بالمعجمة. (¬6) "صحيح مسلم" (1931/ 9) باب إذا غاب عنه. (¬7) في (ص): جعفر.

إلي جَدِّه عُمر، أخَرَجَ لهُ مُسْلم. (عَنْ) أخيه (عُبَيدِ الله) بالتصغير (عَنِ القَاسِمِ) بن محمد بن أبي بَكر الصِّديق. (عَنْ عَائِشَة رضي الله عنها قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الرَّجُلِ يَجِدُ البَلَلَ). قال الترمذي: هوَ قول غَير واحد من أصحَاب النّبي - صلى الله عليه وسلم - والتابِعين إذا استيقظ الرجُل فرأى بِلة. (وَلاَ يَذْكُرُ احْتِلامًا قَالَ) أنه (يَغْتَسِل) (¬1). وهو قول سُفيان وأحمد، قالَ أحمد: إذا انتبهَ الرجُل منَ النوم فوَجَد بللًا لا يدري هو مَنيٌّ أو غيرَه فيَغتسل، إلا أن يكون به إبردَة، أو لاعبَ أهله فإنهُ رُبَّما خرَجَ منهُ المذي فأرجُو أن لا يكونَ به بَأس (¬2)؛ لأنهُ مَشكوك فيه ويحتمل أنه مَذي وقد وجد سببه (¬3)، وإن لم يَكُن وجد، فعليه الغسْل لهذا (¬4) الحَديث؛ ولأنَّ الظاهِر أنهُ احتلام. قال الترمذي: وقال بَعض أهل العِلم منَ التابعين: إنما يجب عليه الغسْل إذا كانت البِلَّة بِلَّة نطفه أي: مَنِي، قالَ: وهوَ قول الشافعي وإسحاق (¬5). انتهى. ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" عقب حديث (113). (¬2) "المغني" 1/ 270. (¬3) في (ص، س، ل): تشبيه. (¬4) في (د، م): بهذا. (¬5) "سنن الترمذي" عقب حديث (113).

ولا يجبُ الغسْل عندَ الشافعي حتى يذكر بعد التّنَبُّه مِنَ النَوم أنهُ جَامَعَ أحَدًا في النَّوم (¬1). (وَعَنِ الرَّجُلِ يُرَى) بِضَم اليَاء أي يظن (أن) بِتَخفيف النون وأصلهَا التشديد أي: أَنَّهُ (قَدِ احْتَلَمَ وَلاَ يَجِدُ البَلَلَ) أي: المِني بالعَلاَمَات المعرُوفَة له (قَالَ (¬2): لاَ غُسْلَ عَلَيه). قال شارَح "المصَابيح": معنى (¬3) الحَديث: أن من استيقظ ووجدَ المَني وجَبَ الغسْل وإلا فلا. (قَالَت أُمُ سُلَيم) بنت ملحان (¬4)، قيل: اسمها سَهلة، وقيل: الغُميصَاء كانت تحت مالك بن النضر أبي أنس بن مالك في الجاهلية فولدت له أنس بن مَالك فَلَما جَاء الإسلام أسلَمت مَعَ قومها وعرضت (¬5) الإسلام على زَوجها فَغَضبَ عليها (¬6) وخرجَ إلى الشام (¬7) وخلف عليهَا أبُو طلحة الأنصَاري خَطَبَهَا مُشركًا فلما عَلم أنهُ لا سَبيل لهُ إليهَا إلا بالإسلام أسلم وتزوجَهَا وحَسُنَ إسلامه فَولدَت (¬8) له، ¬

_ (¬1) لم أقف على نص هذه المسألة، ولم أرها في كتب الشافعية. بل نقل ابن المنذر وغيره الإجماع على خلافها. (¬2) في (م): قالت. وبياض في (ل). (¬3) في (ص، س، ظ، ل، م): يعني. (¬4) في (ص): فلحان. (¬5) في (ص، س، ل): أعرض. (¬6) سقط من (ص، ر، ل). (¬7) في (ص، س، ل، م، ظ): الإسلام. وبياض في (د)، والمثبت من المصادر. (¬8) في (د، م): فوُلِدَ.

قيل: أبُو عُمَير صَاحِب النُّغَير. (فالْمَرْأَةُ تَرَى ذَلِكَ) أي: ترى الاحتلام (أَعَلَيهَا غُسْل (¬1)؟ قَالَ: نَعَمْ) إذا رأت الماء ظاهرًا بارزًا (إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ) أي: نظائرهم وأمثَالهم في الخلق، والطباع والمراد أنَّ الرَّجُلَ والمرأة شقيقان مِنْ أصْل واحِد وهو آدم؛ ولأن حَوَّاءَ خُلقَت مِن آدَم ويقال: هُما شقيقان أي: كلاهما مشقوقان من شيء واحِد، وفيه دَليل على إلحاق النظير بالنظير، والشيء إذا شابه الشيء أعطيَ حكمه. * * * ¬

_ (¬1) في (ظ، ل، م): أن تغتسل.

97 - باب في المرأة ترى ما يرى الرجل

97 - باب فِي المرْأَةِ تَرَى ما يَرَى الرَّجُلُ 237 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَنا يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ قالَ: قالَ عُروَة: عَنْ عائِشَةَ، أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ الأنصارِيَّةَ -وَهِيَ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ- قالَتْ: يا رَسولَ اللهِ إِنَّ الله عز وجل لا يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ، أَرَأَيْتَ الْمَرْأَةَ إِذا رَأَتْ فِي النَّوْمِ ما يَرَى الرَّجُلُ، أَتَغْتَسِلُ أَمْ لا؟ قالَتْ عائِشَةُ: فَقالَ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "نَعَمْ، فَلْتَغْتَسِلْ إِذا وَجَدَتِ الماءَ" قالَتْ عائِشَةُ: فَأَقْبَلْت عَلَيْها، فَقُلْتُ: أُفٍّ لَكِ وَهَلْ تَرَى ذَلِكَ الْمَرأَةُ؟ فَأَقْبَلَ عَلي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ: "تَرِبَتْ يَمِينُكِ يا عائِشَةُ، وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ؟ ". قالَ أَبُو داودَ: وَكَذَلِكَ رَوَى عُقَيْلٌ والزُّبَيْدِيُّ وَيُونُسُ وابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَإبْراهِيمُ بْن أَبِي الوَزِيرِ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَوافَقَ الزُّهْرِيَّ مسافِعٌ الحَجَبِيُّ، قالَ: عَنْ عُروَةَ، عَنْ عائِشَةَ. وَأَمّا هِشامُ بْنُ عُروَةَ فَقالَ: عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ جاءَتْ إِلَى رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). * * * باب المرأة ترى ما يرى الرجل [237] (ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، قال: ثَنَا عَنْبَسَةُ) بِفتح المُهملة وسُكون النون وفتح الموَحدة ابن خالد الأيلي كان على خراج مصر، أخرجَ له البخاري مقرونًا بغيره. (عن يُونُس، عَنِ ابن شِهَابٍ قَالَ: قَالَ عُرْوَةُ) ابن الزبير (عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أَنَّ أُمَّ سُلَيمٍ) بنت ملحان قيل: رميلة، وقيل: رُمَيثة، وقيل: مُليكة. (الأَنصَارِيَّةَ وَهِيَ أُمّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) وكانت في الجاهلية تحت مَالك بن ¬

_ (¬1) رواه مسلم (314).

النضر أبي (¬1) أنس فولدَت له أنسًا كما تقدم. (قَالَتْ يَا رَسولَ الله إِنَّ الله عز وجل لاَ يَسْتَحْيِي من الحق) (¬2) بيَاءين. قال ابن عَطية: قرأ ابن كثير في بَعض الطرق، وابن محَيصن (¬3) وغَيرهمَا يستحي بكسْر الحَاء يَعْنِي ويَاء واحِدة سَاكنَة وهي لغَة تَميم (¬4). أي: لا يمتنع من بيان الحَقِّ فيُطلق الحَيَاء على الامتناع، إطلاقًا لاسم الملزوم على اللازم مجَازًا وقولها: لا يستحيي من الحق توطئة واعتذارًا لما سَتذكرهُ بَعدُ ممَّا تستحيي النسَاء من ذكره غالبًا وهو عند الكتَّاب والأدبَاء أصل في المكاتبات والمجاورات، ووجه ذلك أن تقديم الاعتذار سَبب لإدراك المعتَذَرِ منه صَافيًا خاليًا عن العَيب (¬5) بخلاف مَا إذا تأخر، فإنَّ النَّفس تستقبل المعتذَرَ عنهُ بقبحه ثم يأتي العذر تابعًا وفي الأول يَكون دافعًا، ولا يخفى أنَّ دَفع الشيء قبل أن يستقر أيسَرُ من دَفعِهِ بعد استقراره وتمكنه. (أَرَأَيْتَ) أي: أخبرني (إِذَا رَأَتْ المرأة فِي النَّوْمِ) بالاحتلام مثل (مَا يَرَى الرَّجُلُ) من الجماع وغَيره في النوم. (أَتَغْتَسِلُ) مِن رؤية ذلكَ (أَمْ لاَ؟ قَالَتْ عَائِشَةُ: فقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: نَعَمْ فَلْتَغْتَسِلْ إِذَا وَجَدَتِ المَاءَ) لما كانتَ رؤية المنَام (¬6) مَحتَملة لخرُوج ¬

_ (¬1) في (س، م، ظ): بن. (¬2) من (م، ظ). (¬3) في (د، م، ظ): محيص. (¬4) "المحرر الوجيز" 1/ 96. (¬5) في (م): العبث. وفي (س): الغيب. (¬6) في (س): المياه.

المني وعَدَم خرُوجه خصَّص الحكم في الجوَاب (¬1) بِمَا إذا وجَدَتِ المنيِّ خَرَجَ منها بارزًا ظَاهرًا، وقد استُدِلَّ به على أنَّ المرأة إذا خرجَ منها المني وجَب عليهَا الغسْل كما يجبُ على الرجُل بخرُوجه، وأجمع المُسلمون على وجوب الغسْل على الرجُل والمرأة بخرُوج (¬2) المني (¬3). (قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَقْبَلْتُ عَلَيهَا فَقُلْتُ) فَضَحْت النسَاء كَذا لمُسْلم (¬4)، يا أُم سُليم: (أُفٍّ) فيهَا عَشر لغَات مَشهورة (¬5)، فمن كسَر بناه على الأصل، ومن فتح طلب التخفيف، ومن ضَمَّ أتبع، ومن نوَّنَ أرَاد التنكير (¬6) ومن لم ينون أرَادَ التعريف، ومن خفف الفاء حَذف أحَد المثلَين، تخفيفًا، واللغَة التَاسِعَة باليَاء كأنهُ أضافه إلى نفسه. (لَكِ) مَعنَاهُ: استحقارٌ لهَا، ولمَا تكلمت به وهي تستَعمل في الاستقذار والإنكار (¬7). ¬

_ (¬1) في (م، ظ): الجواز. (¬2) في (ص): لخروج. (¬3) "شرح النووي على مسلم" 3/ 220. (¬4) "صحيح مسلم" (310) (29). (¬5) قد ذكرها الشارح هنا مجملة، وهي على التفصيل: أُفِّ، وأفَّ، وأُفُّ بضم الهمزة مع الثلاث حركات على الفاء بغير تنوين، وبالتنوين أفٍّ، وأفًّا، وأفٌّ، فهذه ستة. والسابعة: إِفَّ بكسر الهمزة وفتح الفاء، والثامنة: أُفْ بضم الهمزة وسكون الفاء، والتاسعة: أُفِّي بزيادة ياء، والعاشرة: أفَّهْ بهاء السكت، فهذه عشر لغات. انظر "شرح النووي على مسلم" 3/ 225 فقد نقل الشارح الكلام منه واختصره. (¬6) في (ص): التثليث. (¬7) إنما أرادت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها الإنكار فقط، وحاشا أن تريد استحقارًا.

قال البَاجِي (¬1): المرادُ بهَا هُنا (¬2) الإنكار (¬3). وأصل الأُفِّ، وسَخ الأظفَار. (وَهَلْ تَرَى ذَلِكَ المَرْأَةُ؟ ) إنكار [عائشة على] (¬4) أُم سُليم يَدُل على أن ظُهوره مِنَ المرأةِ لم يقع أو أنه يقَع مِنْ بَعض النسَاء نادرًا وقد ذَهَبَ بعضهم إلى أنه لا يَبْرز. قالَ الفاكهي: وأظنهُ صَاحِب الطراز، وتبعَهُ الفقيه ناصر الدين بن المنَير في تَرجِيزه لـ "التهذيب" فقال: إن قلت كيفَ تُنْزِلُ النسَاء فاعلم بأن فرجَهَا مَقلوب يَعرْف شَرح ذَلك الطبيب يقول: إنما يُعرَف إنزالهَا بشهوتها خاصة، وظَاهِر هذا الحَديث يَردُّ هذا المذهَب، ويبعد (¬5) حدًّا هنا أن تُحْمَلَ الرّؤية (¬6) هنا على رؤية القلب، وهو علمهَا بلَذتها، بانتقال مَا بِهَا من مكان إلى مَكان آخَر من بَاطِن فَرجها، والمعروف مِنَ المذهب التسوية بينَهَا وبين الرَّجُل. (فَأَقْبَلَ عَلَيَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: تَرِبَتْ يداكَ) (¬7) أي: افتَقرت. قالَ الهَروي: تربَ الرجُل إذا افتقر، وأتربَ إذا استغنى (¬8). كأنهُ صَارَ ¬

_ (¬1) في (م): التاجر. (¬2) سقط من (د). (¬3) "المنتقى شرح الموطأ" 1/ 105. (¬4) سقط من (ص، س، م، ظ). (¬5) في (ص): وينفد. (¬6) في (م، ظ): الرواية. (¬7) في (م): يمينك. وبياض في (ل). وفي (س) يداك: يمينك. (¬8) "الغريبين" لأبي عبيد للهروي: ترب.

مَالهُ مِنَ الكَثرة بكثرة التراب، وتأول مَالك قوله لعَائشة: "تربَت يَدَاك" بمعنى استغنت، وكذلك قال عيسىَ بن ديَنار، والصَّحيح أنَّ هذا اللفظ ونحوه يجري على ألسنَة العَربَ مِنْ غَير قصَدٍ للدُعَاء به وهذا مَذهب أبي عبيَد (¬1). وعلى تقدير أنَّ الدُعاء أصله (¬2) فقد قَال عليه السلام: "اللهُمَّ مَن دَعَوْتُ عَليه أو سَبَبْتهُ أو لعَنته -يَعني مِنَ المُسلمين- فاجعل ذلكَ لهُ زكاة ورحمة (¬3). (يَا عَائِشَةُ وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَبَهُ) (¬4) قالَ القرطبي: يُروى بكسر الشين وسُكون البَاء، وبفتح الشين والبَاء لغتان، كما يُقَالُ مِثل، وَمثل (¬5). زادَ مُسْلم: "إنَّ مَاء الرَّجُل غَلِيظٌ أبيض ومَاء المرأة رَقيق أصْفر فمنَ أيهما علا أو سَبَق يكون (¬6) منهُ الشبَه". انتهى (¬7). ومعنى العلو، سَبْقُ الماءِ إلى الرحم ووَجههُ أن العُلو لما كانَ معناهُ الغلبة كان السَّابِق غَالبًا، في ابتدائه بالخرُوج. (وَكَذَا رَوَى عُقَيل) (¬8) مُصَغرًا ومحمد بن الوَليد. ¬

_ (¬1) "غريب الحديث" 1/ 258. (¬2) في (ص، س): صلة. (¬3) أخرجه البخاري (6361)، ومسلم (2601)، وأحمد 3/ 400 وغيرهم من حديث أبي هريرة وغيره. (¬4) ذكر المصنف له طرقًا سنبينها أثناء الشرح. (¬5) "المفهم" 1/ 570. (¬6) سقط من (ص). (¬7) "صحيح مسلم" (311) (30) من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -. (¬8) أخرجه الدارمي (790)، وأبو نعيم في "مستخرجه على مسلم" (708) من طريق عقيل عن الزهري.

(وَالزُّبَيدِيُّ (¬1) وَيُونُسُ (¬2) و) محمد بن عَبد الله (ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ) مَاتَ سنة 159 (وَإبْرَاهِيمُ بْنُ) عمرَ بن مُطرف بن (أَبِي الوَزِيرِ) الهَاشمي مولاهُم أبُو إسحَاق، أخرجَ لهُ البخاري عَن عَبد الرحمن بن المغَسل. (عَنْ مَالِك (¬3) [عن الزهري] (¬4) وَوَافَقَ الزُّهْرِيَّ مسافِعٌ) بن عَبد الله بن شيبة العبدري. (الْحَجَبِيُّ) أخرجَ لهُ مُسْلم (¬5) وهو تابعي ولهُ في الكتُب الستة ثلاثة أحَاديث هذا أحَدهَا. (قَالَ: عَنْ عُرْوَةَ) بن الزبير (عَنْ عَائِشَةَ (¬6) وَأَمَّا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ) بن الزبير. (فَقَالَ: عَنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ) عَبد الله بن عَبد الأسَد المخزومية، ربيبة النَّبي - صلى الله عليه وسلم -. (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ) هند زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - (أَنَّ أُمَّ سُلَيمٍ جَاءَتْ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -) فذكر (¬7) الحَديث (¬8). * * * ¬

_ (¬1) رواه أبو عوانة في "مسنده" (840) من طريق عن يونس عن الزهري به. (¬2) أخرجه النسائي 1/ 112، وأبو عوانة في "مسنده" (839) من طريق الزبيدي عن الزهري. (¬3) أخرجه ابن عبد البر في "التمهيد" 8/ 333. (¬4) سقط من (ص، س، ل). (¬5) "صحيح مسلم" (314/ 33). (¬6) أخرجه مسلم (314) (33)، وأحمد 6/ 92. (¬7) في (ص): تذكر. (¬8) "صحيح البخاري" (130)، و"صحيح مسلم" (313) (32)، و"سنن الترمذي" (122)، و"سنن ابن ماجه" (600) وغيرهم من حديث هشام بن عروة عن أبيه فذكره.

98 - باب في مقدار الماء الذي يجزئ في الغسل

98 - باب في مِقْدارِ الماءِ الذي يُجْزِئُ فِي الغُسْلِ 238 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُروَةَ، عَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَغْتَسِل مِنْ إِناءٍ -هُوَ الفَرَق- مِنَ الجَنابَةِ. قالَ أَبُو داودَ: قالَ مَعْمَر: عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي هذا الحَدِيثِ، قالَتْ: كُنْت أَغْتَسِل أَنا وَرَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ إِناءٍ واحِدٍ فِيهِ قَدرُ الفَرَقِ. قالَ أَبُو داودَ: وَرَوَى ابن عُيَيْنَةَ نَحْوَ حَدِيثِ مالِكٍ. قالَ أَبُو داودَ: سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يقُولُ: الفَرَق سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: صاعُ ابن أَبِي ذِئْبٍ خَمسَةُ أَرْطالٍ وَثُلُثٌ، قالَ: فَمَنْ قالَ: ثَمانِيَةُ أَرْطالٍ؟ قالَ: لَيْسَ ذَلِكَ بِمَحْفوظٍ. قالَ أَبُو داودَ: وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُولُ: مَنْ أَعطَى فِي صَدَقَةِ الفِطْرِ بِرَطْلِنا هذا خَمسَةَ أَرْطالٍ وَثلُثًا فَقَدْ أَوْفَى. قِيلَ: الصَّيْحانِيُّ ثَقِيلٌ. قالَ: الصَّيْحانِيُّ أَطْيَبُ؟ قالَ: لا أَدْرِي (¬1). * * * باب مقدار الماء الذي يجزئه من الغسل [238] (ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ) محمَّد (ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ) ابن الزبَير. (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْ إِنَاءٍ هُوَ الفَرَقُ) بفتح (¬2) الفاء والراء. وسُكون الراء حَكاهُ ابن دريد. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (250)، ومسلم (319). وانظر ما سلف برقم (77). (¬2) في حاشية (د) كتب: والفتح أشهر، قيل الفرق بالتسكين مائة وعشرون رطلًا بخلاف الفتح. أهـ.

(مِنَ الجَنَابَةِ) (¬1) أي: بسبب الجنابة. ([قال أبو داود: ] (¬2) قَالَ مَعْمَرٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي هذا الحَدِيثِ قَالَتْ: كنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ فِيهِ) ماء (قَدْرُ الفَرَقِ. رَوَى) نسخة الخَطيب: ورَوَى سُفيان (ابْنُ عُيَينَةَ) مثل بالنَّصب (حَدِيثِ مَالِك) وفي "صحيح مسلم": قالَ سُفيان -يَعني ابن عيَينة-: الفَرَق ثلاَثة آصُع (¬3). قَالَ النوَوي: وكذا قال الجماهير (¬4)، [قال أبو داود] (¬5): و (سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ الفَرَقُ) (¬6) [بفتح الراء وسُكونها والفَتح أشهر، قيل: الفرق بالتسكين مائة وعشرونَ رطلًا بخلاف الفتح، (¬7) يسع (سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا) بكسر الراء، وكذا قال أبُو الهيثم، وقال سُفيان: وهو ثلاثة آصُع. وهو مُوَافق لقول أحمد؛ لأن الصَّاع خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُث (¬8) (¬9). (قَالَ أَبُو دَاودَ: وَسَمِعْتُهُ) [يعني: أحمد بن حنبل] (¬10) (يَقُولُ: صَاعُ) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (263)، ومسلم (319) (40)، والنسائي 1/ 127، وأحمد 6/ 199، وهو في "الموطأ" 1/ 44، ولفظ مالك ومسلم هو لفظ المصنف، وبقيتهم بلفظ: كنت أغتسل أنا والنبي - صلى الله عليه وسلم - من إناء يقال له الفرَق. (¬2) من (ظ، م). (¬3) "صحيح مسلم" (319) (41). (¬4) "شرح النووي" 4/ 3. (¬5) من (ظ، م). (¬6) في (س): البرق. (¬7) ليست في (د)، وقد جاءت فيها كحاشية وسبق التعليق عليها. (¬8) "المغني" 1/ 294 - 295. (¬9) جاء في جميع النسخ: ورواه سفيان بن عيينة مثل حديث مالك. وهي مكررة، وقد ضرب عليها في (د). (¬10) من (د).

محَمد بن عَبد الرحمن (ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُث) بالعراقي، والمدُّ ربع ذلك، وهَو رطل وثلُث هذا قول مَالك (¬1)، والشَّافعي (¬2)، وأحمد وإسحاق (¬3)، وأبي عُبيد وأبي يُوسُف (¬4). (قال) أبُو داود: (فمَن (¬5) قَالَ) الصَّاع (ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ قَالَ لَيسَ ذَلِكَ بِمَحْفُوظٍ) عن السَّلف. وقالَ أبُو حنيفة: الصاع ثمانيَة أرطال (¬6)، وكذا قالَ غَيره وتمسَّكوا بما رُوي عن أنسَ قال (¬7): كانَ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يتَوضأ بالمد وهو رطلان (¬8)، وبما روي عن مجاهد، عَن عائشة، أنه حزر الإناء ثمانية أرطال (¬9)، والصحيح الأول فإن الحَزْرَ لا يَعارَضُ به التحديد، وأيضًا فلم يُصَرِّح مجاهد بأن الإناء المذكور صَاع فَيحمل على اختلاف ¬

_ (¬1) "الذخيرة" للقرافي 3/ 78. (¬2) "الحاوي الكبير" 3/ 382. (¬3) "المغني" 1/ 294. (¬4) " المبسوط" للسرخسي 3/ 99. (¬5) في (ص، س، ل): من. (¬6) "المبسوط" للسرخسي 3/ 99. (¬7) ليست في (د، م). (¬8) أخرجه بهذا اللفظ: الطحاوي في "معاني الآثار" 2/ 50 من طريق الحماني عن شريك بإسناده عن أنس. وهو عند الترمذي (609) بلفظ: "يجزئ في الوضوء رطلان من ماء" قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك. والظاهر أن شريكًا تفرد بهذه اللفظة ولم يتابعه عليها أحد، وشريك ثقة لكن في حفظه شيء، تغير حفظه بعد أن ولي القضاء، فيكون الحديث بهذا اللفظ منكرًا أو شاذًّا. (¬9) أخرجه النسائي 1/ 127، وأحمد 6/ 51.

الأواني، مع تقاربها، ويُؤيد كون الفَرَقِ ثلاثة آصُعٍ: مَا رَوَاهُ ابن حبَّان من طريق عَطَاء عَن ابن عَباس بلفظ: قَدر ستة أقسَاط (¬1)، والقسْط بكسْر القاف باتفاق أهْل اللغَة نصْف صَاع ولا اختلاف بَينَهم أن الفرق ستة عَشَرَ رطلًا فصَحَّ أن الصَّاع خمسَة أرطال وثلث (¬2). (قَالَ) أَبُو دَاودَ: (وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُولُ مَنْ أَعْطَى فِي صَدَقَةِ الفِطْرِ بِرَطْلِنَا هذا خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثًا فَقَدْ أَوْفَى) (¬3) أي: أتى (¬4) بما عليه وافيًا كاملا (قِيلَ) لأحمد التمر (الصَّيحَانِيُّ) تمر معرُوف بالمدَينة يُقالُ كانَ كبش اسْمهُ صَيْحَان شُدَّ بنَخلة فَنُسِبت (¬5) إليه (ثَقِيلٌ) في الوزن (قال (¬6) الصَّيْحَانِيُّ أَطْيَبُ) التمر (لاَ أَدْرِي) يشبهُ أن يكون المعَنى: لا أدري أيهما أثقل، والجمهُور على أنه لا فرق في الصَاع بين قدر ماء الغسل وبَين زكاة الفِطر. وتوسط بَعض الشافعية فقال: الصاع الذي لماء الغسل ثمانية أرطَال والذي لزكاة الفطر وغَيرها خَمسَة أرطَال وثلث وهو ضَعيف والمشهور أن لا فَرق (¬7). * * * ¬

_ (¬1) "صحيح ابن حبان" (5577). (¬2) في (س): ونصف. (¬3) "مسائل أحمد رواية ابنه عبد الله" (638). (¬4) سقط من (ص، س، ل). (¬5) في (ص، س، ل، م): فنسب. (¬6) من (د). (¬7) "الحاوي الكبير" 1/ 232.

99 - باب الغسل من الجنابة

99 - باب الغُسْلِ مِنَ الجَنابَةِ 239 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْليُّ، حَدَّثَنا زُهَيرٌ, حَدَّثَنا أَبُو إِسْحاقَ، أَخْبَرَنِي سلَيْمانُ بْنُ صُرَدٍ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطعِمٍ، أنَّهُمْ ذَكَروا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الغُسلَ مِنَ الجَنابَةِ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمّا أَنا فَأُفِيضُ عَلَى رَأْسِي ثَلاثا" وَأَشارَ بِيَدَيْهِ كِلْتَيْهِما (¬1). 240 - حَدَّثَنا محَمَّد بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنا أَبُو عاصِمٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنِ القاسِمِ، عَنْ عائِشَةَ، قالَتْ: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا اغْتَسَلِ مِنَ الجَنابَةِ دَعا بِشَيءٍ نَحْوِ الِحلابِ، فَأَخَذَ بِكَفِّهِ، فَبَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الأيْمَنِ ثُمَّ الأيْسَرِ، ثُمَّ أَخَذَ بِكفَّيْهِ فَقالَ بِهِما عَلَى رَأْسِهِ (¬2). 241 - حَدَّثَنا يَعقوبُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ -يَعْنِي ابن مَهْدِيٍّ- عَنْ زائِدَةَ بْنِ قُدامَةَ، عَنْ صَدَقَةَ، حَدَّثَنا جميْعُ بْن عُمَيْرٍ -أَحَدُ بَنِي تَيْمِ اللهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ- قالَ: دَخَلْتُ مَعَ أمِّي وَخالَتِي عَلَى عائِشَةَ، فَسَأَلتْها إِحْداهُما: كَيْفَ كنْتُمْ تَصْنَعُونَ عِنْدَ الغُسْلِ؟ فَقالَتْ عائِشَةُ: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَوَضَّأُ وضُوءَة لِلصَّلاةِ، ثمَّ يُفِيضُ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاثَ مَرّاتٍ، وَنَحْنُ نُفِيضُ عَلَى رُءوسِنا خمسًا مِنْ أَجْلِ الضَّفْرِ (¬3). 242 - حَدَّثَنا سلَيْمانُ بْنُ حَربٍ الواشِحِيُّ وَمُسَدَّد قالا: حَدَّثَنا حَمّاد، عَنْ هِشامِ بْنِ عُروَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنابَةِ، قالَ سلَيْمان: يَبْدَأُ فَيُفْرِغُ مِنْ يَمِينِهِ عَلَى شِمالِهِ. وقالَ مُسَدَّدٌ: غَسَلَ يَدَيْهِ يَصبُّ الإِناءَ عَلَى يَدِهِ اليُمْنَى. ثمَّ اَتَّفَقا: فَيَغْسِل فرجَهُ. قالَ فسَدَّد: يُفْرِغُ عَلَى شِمالِهِ، وَرُبَّما كَنَتْ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (254)، ومسلم (327). (¬2) رواه البخاري (258)، ومسلم (318). (¬3) رواه ابن ماجه (574)، وأحمد 6/ 188. وانظر ما بعده. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (33)، قال: إسناده ضعيف جدا.

عَنِ الفَرْجِ، ثُمَّ يَتَوَضَّأ وضُوءَهُ لِلصَّلاةِ، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الإِناءِ فَيُخَلِّلُ شَعْرَة، حَتَّى إِذا رَأَى أنَّهُ قَدْ أَصابَ البَشَرَةَ، أَوْ أَنْقَى البَشَرَةَ، أَفْرَغَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاثًا، فَإِذا فَضَلَ فَضْلَةٌ صَبَّها عَلَيْهِ (¬1). 243 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْن عَلِيٍّ الباهِلِيُّ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن أَبِي عَدِيِّ، حَدَّثَنِي سَعِيدٌ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنِ النَّخَعِيِّ، عَنِ الأسوَدِ، عَنْ عائِشَةَ، قالَتْ: كانَ رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إذا أَرادَ أَنْ يَغْتَسِلَ مِنَ الجَنابَةِ بَدَأَ بِكَفَّيْهِ فَغَسَلَهُما، ثمَّ غَسَلَ مَرافِغَهُ وَأَفاضَ عَلَيْهِ الماءَ، فَإِذا أَنْقاهُما أَهْوَى بِهِما إِلَى حائِطٍ، ثمَّ يَسْتَقْبِل الوضُوءَ ويُفِيضُ الماءَ عَلَى رَأْسِهِ (¬2). 244 - حَدَّثَنا الحَسَن بْنُ شَوْكَرٍ، حَدَّثَنا هُشَيم، عَنْ عُرْوَةَ الهَمْدانِيِّ، حَدَّثَنا الشّعبِيُّ قالَ: قالَتْ عائِشَةُ رضي الله عنها: لَئِنْ شِئْتُم لأرُيَنَّكُمْ أَثرَ يَدِ رسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الحائِطِ حَيْثُ كانَ يَغْتَسِلُ مِنَ الجَنابَةِ (¬3). 245 - حَدَّثَنا مُسَدَّدُ بْن مسَرهَدٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ داودَ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ سالِمٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، حَدَّثَنا ابن عَبّاسٍ، عَنْ خالَتِهِ مَيْمُونَةَ، قالَتْ: وَضَعْتُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - غُسْلًا يَغْتَسِلُ بِهِ مِنَ الجَنابَةِ، فَأَكْفَأَ الإِناءَ عَلَى يَدِهِ اليُمْنَى فَغَسَلَها مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا، ثمَّ صَبَّ عَلَى فَرْجِهِ فَغَسَلَ فَرْجَهُ بِشِمالِهِ، ثمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ الأرضَ فَغَسَلَها، ثُمَّ تَمَضْمَضَ واسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ ويدَيْهِ، ثمَّ صَبَّ عَلَى رَأْسِهِ وَجَسَدِهِ، ثمَّ تَنَحَّى ناحِيَةً فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، فَناوَلْتُهُ الِمنْدِيلَ فَلَمْ يَأْخُذْهُ، وَجَعَلَ يَنْفضُ الماءَ عَنْ جَسَدِهِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لإِبْراهِيمَ، فَقالَ: كانُوا لا يَرَوْنَ بِالِمنْدِيلِ بَأْسًا، ولكن كانُوا يَكْرَهُونَ العادَةَ. قالَ أَبُو داودَ: قالَ مُسَدَّدٌ: فَقُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ داودَ: كانُوا يَكْرَهُونَهُ لِلْعادَةِ، فَقالَ: ¬

_ (¬1) رواه البخاري (248)، ومسلم (316). وانظر ما بعده. (¬2) رواه أحمد 6/ 171. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (243). (¬3) رواه أحمد 6/ 236 بنحوه، ورواه البيهقي 1/ 173 من طريق أبي داود. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (34).

هَكَذا هُوَ، ولكن وَجَدْتُهُ فِي كِتابِي هَكَذا (¬1). 246 - حَدَّثَنا حُسَيْنُ بْن عِيسَى الخُراسانيُّ، حَدَّثَنا ابن أَبي فُدَيْكٍ، عَنِ ابن أبي ذِئْبٍ، عَنْ شُعْبَةَ قالَ: إِنَّ ابن عَبّاسٍ كانَ إِذا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنابَةِ يُفْرِغ بِيَدِهِ اليُمْنَى عَلَى يَدِهِ اليُسْرَى سَبْعَ مِرارٍ، ثُمَّ يَغْسِل فَرْجَهُ، فَنَسِيَ مَرَّةً كَمْ أَفْرَغَ، فَسَأَلنِي: كَمْ أَفْرَغْتُ؟ فَقُلْتُ: لا أَدْرِي. فَقالَ: لا أمَّ لَكَ، وَما يَمْنَعُكَ أَنْ تَدْرِيَ؟ ثمَّ يَتَوَضَّأُ وضُوءَهُ لِلصّلاةِ، ثُمَّ يُفِيضُ عَلَى جِلْدِهِ الماءَ، ثُمَّ يَقُولُ: هَكَذا كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَطَهَّرُ (¬2). 247 - حَدَّثَنا قُتَيْبَة بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا أَيّوبُ بْن جابِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُصْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قالَ: كانَتِ الصَّلاةُ خمسِينَ والغُسْلُ مِنَ الجَنابَةِ سَبْعَ مِرارٍ وَغَسْلُ البَوْلِ مِنَ الثَّوْبِ سَبْعَ مِرارٍ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْأَل، حَتَّى جُعِلَتِ الصَّلاةُ خَمْسًا، والغسْلُ مِنَ الجَنابَةِ مَرَّة، وَغَسْل البَوْلِ مِنَ الثَّوْبِ مَرَّةً (¬3). 248 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْن عَلِيٍّ، حَدَّثَنِي الحارِثُ بْنُ وَجِيهٍ، حَدَّثَنا مالِك بْنُ دِينارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِن تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنابَة، فاغْسِلُوا الشَعْرَ وَأَنْقُوا البَشَرَ". قالَ أَبُو داودَ: الحارِثُ بْنُ وَجِيهٍ حَدِيثُهُ مُنْكَر، وَهُوَ ضَعِيفٌ (¬4). 249 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّاد، أَخْبَرَنا عَطاءُ بْنُ السّائِبِ، عَنْ زاذانَ، عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "مَنْ تَرَكَ مَوْضِعَ شَعْرَةٍ مِنْ جَنابَةٍ لَمْ يَغْسِلْها، فُعِلَ بِهِ كذا وَكذا مِنَ النّارِ" قالَ عَلِيٌّ: فَمِنْ ثَمَّ عادَيْتُ رَأْسِي، فَمِنْ ثَمَّ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (249)، ومسلم (317). (¬2) رواه أحمد 1/ 307. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (35). (¬3) رواه أحمد 2/ 109. وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (36). (¬4) رواه الترمذي (106)، وابن ماجه (597). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (37).

عادَيْتُ رَأْسِي ثَلاثًا، وَكانَ يَجِزُّ شَعْرَهُ (¬1). * * * باب الغسل من (¬2) الجنابة [239] (ثَنَا) عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ (النُّفَيلِيُّ، قال ثَنَا زُهَيرٌ) بن معَاوية الجَعفي، قال: (ثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ) عَمرو (¬3) بن عَبد الله السبيعي سَمِعَ سُبيعَة الأسْلميَّة، أخرجَ له الشيخان حَديثًا واحِدًا. (قال: حدثني سُلَيْمَانُ بْنُ صُردٍ) بِضَم الصَّاد وفتح الراء ابن الجون بن منقذ الخزاعي الكوفي، لهُ صُحبة روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كانَ اسمه في الجاهلية يسارًا (¬4) فسَماهُ النبي - صلى الله عليه وسلم - سُليمان وشهدَ مع علي صفين، وهوَ الذي قَتَل حوشبًا (¬5). (عَنْ جُبَيرِ بْنِ مُطْعِمٍ - رضي الله عنه - أَنَّهُمْ ذَكَرُوا عِنْدَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - الغُسْلَ مِنَ الجَنَابَةِ فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: أَمَّا أَنَا فَأُفِيضُ) بِضَم الهمزة، وقَسيمُ أمَّا محذوف، وقد ذكرهُ أبُو نعيم في "المُستخرج" سببه من هذا الوجه، وأوله عنده ذكروا عند النَّبي - صلى الله عليه وسلم - الغسْل مِن الجَنابَة فذكره (¬6)، ولمُسْلم مِنْ طريق ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (599)، وأحمد 1/ 94، 101. وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (38). (¬2) زاد هنا في (ص، س، ل): ماء. (¬3) في (د): عمر. (¬4) في (ص، د، س، ل): سيَّار. (¬5) انظر: "الإصابة" 3/ 144. (¬6) "مستخرج أبي نعيم" (731).

أبي (¬1) الأحوص عن أبي إسحاق، تَمارَوْا في الغسْل عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال بَعض القوم أمَّا أنا فأغسل رأسي بكذَا وكَذا فذكر الحَديث (¬2) وهذا هو القسيم المحذوف. (عَلَى رَأْسِي ثَلاثًا) قوله ثلاثًا يَدُل على أن المراد بكذا وكذَا في الروَاية المذكورة أكثَر من ذلك، والسّياق مشعر بأنه - صلى الله عليه وسلم - كان لا يفيض على رَأسه إلا ثلاثًا ويحتمل أن يكونَ ثلاثًا للرأس فقط، ويقويه رواية البخاري من حَديث جَابر كانَ النبي - صلى الله عليه وسلم - يفرغ على رأسهِ ثلاثًا (¬3). قال ابن حجر: ويحتمل أن يكون للتوزيع عَلى جَميع البَدَن غرفة للرأس وغرفة للشق الأيمن، وغَرفَة للأيسَر، وزَاد الإسماعيلي في روايته ثلاثًا مِن غسْل الجنَابة، وفيه فقالَ رجُل من بَني هَاشم: إن شَعري كثير. فقال جَابِر: شَعر رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثَر مِنْ شَعرك وأطيب (¬4). (وَأَشَارَ بِيَدَيْهِ كِلْتَيهِمَا (¬5) (¬6) كذَا للخَطيب وهي الأكثر في روَاية البخاري ورواية أبي عَلي التُستري (كلتاهما) وفي روَاية للبخاري (كلاهما) ورواية أبي على (كلتاهُما) مخرجة على أن ألف كلتا لا تتغير كالمقصور وكذا في المثنى كقول الشاعر: ¬

_ (¬1) سقط من (ص، س، ل). (¬2) "صحيح مسلم" (327) (54). (¬3) "صحيح البخاري" (255). (¬4) "فتح الباري" 1/ 437 - 438. (¬5) في (م): كليهما. وفي (س): كلتاهما. (¬6) أخرجه البخاري (254)، ومسلم (327)، والنسائي 1/ 135، 207، وابن ماجه (575)، وأحمد 4/ 84، 85.

إن أبَاهَا وأبَا أبَاها قَد ... بَلغا في المَجْد غَايتَاهَا فَغَايتاهَا جَاء بالألف وهو منصُوب على المفعُولية، ويمكن أن يُخرَّجَ الرفعُ على اللغة الفصحى، وعلى القطع تقديرُه: وأشار بيديه (¬1) هُما كلتاهما. [240] (ثَنَا مُحَمَّدُ [بن المثنى] (¬2)، قال: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ) (¬3) الضحاك بن مخلد الشيباني عُرف بالنبيل، (عَنْ حَنْظَلَةَ) (¬4) بن أبي سُفيان الجمحي (عَنِ القَاسِمِ) بن محمد. (عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ) أي: (¬5) [إذا أرادَ أن يغتسل (دَعَا) أي: طلبَ (بِشَيءٍ نَحْوَ) بالنصب صفة لشيءٍ على المعنى؛ فشيء وإن كان مجرورَ اللفظ فهو مفعُول في المعنى وضمنت (¬6) دعا معنى الطلب. ورواية البخاري: نحو (¬7) بالجَرِّ صفة على اللفظ، فإن قلتَ شيءٌ نكرة ونحو مُضاف إلى المعرفة فكيف يكونُ صفة للنكرة فالجواب أن نحو بمعنى مثل وشبْه (¬8). وشبه ومثل، كما قال ابن السراج وغَيره أن ¬

_ (¬1) في (د): بيده. (¬2) سقط من (ص). (¬3) وضع فوقها في (د): ع. (¬4) وضع فوقها في (د): ع. (¬5) بداية سقط من (م)، وسنشير إليه عند نهايته إن شاء الله. (¬6) في (ص، ل): ضمير. والمثبت من (د، س). (¬7) "صحيح البخاري" (258). (¬8) من (د).

مثلك وشبهك وغيرك لا يتعرف بالإضافة فتقول مَرَرتُ برَجل مثلك وشبهك وغيرك فلو لم تكن نكرات ما وصف بهن النكرات وإنما نكَّرَهُنَّ معانيهن ألا ترى أنك إذا قلتَ: مثلك، جَاز أن يَكون مثلك في طولكَ أو في قوتك أو في عِلمكَ ولن يحَاط بالأشياء التي يكون بهَا الشيء مثل الشيء لكثرتها (¬1). (الْحِلاَب) أي: قريب من الإناء الذي يُسمى الحِلاب، وقد وصَفَهُ أبُو عَاصِم بأنه أَقل من شبر في شبر أخرجَهُ أبُو عوَانة في "صحيحه" (¬2) عنهُ. وفي رواية لابن حبان (¬3): "وأشارَ أبُو عَاصم بكفيه" (¬4) فكأنهُ حَلق بشبريه يصف به دَوره لأعلى. وفي روَاية للبيهقي: "كقَدْر كوز (¬5) يسع ثمانية أرطَال" (¬6)، والحِلاب بكسْر الحَاء المهملة. قال القرطبي: لا يصح غَيرها (¬7) وقد أشكل تبويب البُخاري عليه: بَاب من بدأ بالحلاب أو الطيب عند الغسْل (¬8)، فأول من تكلم في ذلك الإسماعيلي فإنهُ قال في "مُستَخرجه": رَحم اللهُ أبَا عبد الله يعني: البخَاري من ذا الذي يسلم من الغَلط سَبق إلى قلبه أن الحِلاب ¬

_ (¬1) "الأصول في النحو" لابن السرَّاج 1/ 153. (¬2) "صحيح أبي عوانة" (853). (¬3) "صحيح ابن حبان" (1197). (¬4) سقط من (ص، س، ل). (¬5) ليست في (س). (¬6) "سنن البيهقي الكبرى" 1/ 184. (¬7) "المفهم" 1/ 579. (¬8) "صحيح البخاري" قبل حديث (258).

طيب وأيُّ مَعنى للطيب عندَ الاغتسَال؛ وإنما الحِلاب إناء وهو ما يُحلبُ فيه يسُمَّى (¬1) حلابًا ومحلبًا، وقال الأزهري في "التهذيب": الجلاب ضَبَطَهُ جماعة بالحاء المهملة واللام الخفيفة أي: مَا يُحلبُ فيه كالمحلب فصحفوهُ وإنما هُو الجلاب بضم الجيم وتشديد اللام وهو مَاء الوَرد فارسي مُعرب (¬2)، وقد أنكر جَماعة هذا على الأزهري من جهة أن المعرُوف في الروَاية بالمهملة والتخفيف ومن جهَة المعنى أيضًا. وقال الحميدي في "الكلام على غريب الصحيح": ضَمَّ مُسلم هذا الحَديث مع حَديث الفرق، وحَديث قدر الصَاع، في مَوضع واحِد فكأنهُ تَأَوَّلَه على الإناء (¬3). (فَأَخَذَ بِكَفِّهِ) أي: من الماء الذي في الحِلاب، وفي رواية للبخاري: بكفيه على التثنية (فَبَدَأَ) بهَمز آخره أي: ابتدَأ (بِشِقِّ) بكَسْر الشين وهو الجَانب أو النصف. (رَأْسِهِ الأَيْمَنِ ثُمَّ الأَيْسَرِ) فيه استحباب البَدَأة بالميامن (¬4) في الغُسْل والوضوء والتيمم، وبذَلك ترجم عليه ابن خزيمة والبيهقي (¬5) (ثُمَّ أَخَذَ بِكَفَّيهِ) جَميعًا مِنَ الماء (فَقَالَ بِهمَا (¬6) عَلَى رَأْسِهِ) (¬7). ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): سمي. (¬2) "تهذيب اللغة" (جلب). (¬3) "فتح الباري" 1/ 440. (¬4) في (س): بالماء. وهو خطأ. (¬5) "صحيح ابن خزيمة" 1/ 122، "السنن الكبرى" 1/ 284. (¬6) في (ص، س): بها. وبياض في (ل). (¬7) أخرجه البخاري (258)، ومسلم (318)، والنسائي 1/ 206 من حديث القاسم عن عائشة رضي الله عنها فذكره.

فيه أن (قالَ) بمعنى: فعَل، أي: غسَل. وقد وقع إطلاق الفعل على القول، عكس ما هنا في حَديث: "لا حسَد إلا في اثنتين" قال في الذي يتلو القرآن لو أُوتيت مثل ما أوتي هذا لفعلتُ ما يفعَل (¬1). (بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ) الضمير في بهما (¬2) عَائد على الكَفين. فيه دليل على اجتزاء الغسْل بثلاث غرفات خلافًا لما يفعلهُ بعض الموسوسين من الإسراف في الغَرفات الكثيرةِ العدد بلا فائدة ويتَوهَّمُ أنَّ ذَلك عبَادَة فنسْأل اللهُ السَّلامة من ذلك. [241] (ثَنَا يَعْقُوبُ (¬3) بْنُ إِبْرَاهِيمَ) بن كثير الدورقي الحَافظ، قال: (ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن مَهْدِيٍّ) البَصْري (¬4) (عَنْ زَائِدَةَ بْنِ قُدَامَةَ) أبُو الصَّلت الثقفي، (عَنْ صَدَقَةَ) بن عيسى الحَنفي (¬5). قال المزِّي (¬6) في "التهذيب": هكَذا ذكرهُ وهو وهم والذي يروي عن جميع بن عمير هو صَدقة بن سَعيد الحنفي الكوفي (¬7)، قالَ أبُو حَاتم: شيخ (¬8). وذكرهُ ابن حبان في "الثقات" (¬9) (ثنا (¬10) جُمَيْعُ) بضم الجيم ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5026) بهذا اللفظ. (¬2) في (ص): مهما. (¬3) وضع فوقها في (د): ع. (¬4) في (س): البغوي. وهو خطأ. (¬5) الصواب أنه صدقة بن سعيد الحنفي، وقد بين ذلك المزي بيانًا شافيًا في "التهذيب" 13/ 132، 142 - 143. (¬6) في (ص، س، ل): المزني. (¬7) "تهذيب الكمال" 13/ 142، والتعقيب هنا على عبد الغني المقدسي صاحب "الكمال". (¬8) "الجرح والتعديل" (1890). (¬9) "الثقات" 6/ 466. (¬10) في (ص، س، ل): قال.

مُصغر (بْنُ عُمَيرٍ) مُصغر التَّيمِي (أَحَدُ بَنِي تَيمِ الله بْنِ ثَعْلَبَةَ) ابن عكابة بالموَحدة، ومعنى تيم الله عَبد الله أصله من قولهم تيمه الحبُّ أي: عَبَّده وذَلَّلهُ فهوَ متيم. (قَالَ دَخَلْتُ مَعَ (¬1) أُمِّي وَخَالَتِي عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها فَسَأَلَتْهَا) بإسْكان تاء التأنيث. (إِحْدَاهُمَا) أي: إحدَى أُمِّي وخالتي (كَيفَ كنْتُمْ تَصْنَعُونَ عِنْدَ الغُسْلِ) من الجنابة (فَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَتَوَضَّأُ) قبل الغسْل (كما يتوَضأ لِلصَّلاَةِ) فيه احتراز عَن الوضوء اللغوي. قال ابن بَطال: أجمع العُلماء على استحباب الوضوء قبل الغسْل اقتداء برسُول الله - صلى الله عليه وسلم - وأما الوضوء بعَد الغسْل فلا وجه لهُ عندهم، وما رُوي عن علي أنه كانَ يتوضأ بعد الغسْل لو ثبت لكانَ، إنما فعَلهُ لانتقاض وضوءٍ، أو شك فيه (¬2). (ثُمَّ يُفِيضُ) الماء (عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ) روَاية الخَطيب: "ثلاث مرار". فيه استحباب التثليث في الغسْل. قال النَّووي: لا نعلم فيه خلافًا إلا ما انفردَ به الماوردي فإنه قالَ: لا يُستحب التكرار في الغُسْل (¬3). وكذا (¬4) قال القرطبي، وحَملَ التثليث في هذِه الروَاية على روَاية ¬

_ (¬1) في (س): على. وهو خطأ. (¬2) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 1/ 368 - 369 بتصرف. (¬3) "شرح النووي على مسلم" 4/ 9. (¬4) سقط من جميع النسخ. والمثبت من "فتح الباري" حتى يستقيم السياق.

القاسمِ، عن عائشة؛ فإِنَّ مُقتضاها أن كل غَرفة كانت في جهَةٍ من جهَات الرأس (¬1). (وَنَحْنُ نُفِيضُ عَلَى رؤوسِنَا خَمْسًا) استظهارًا (مِنْ أَجْلِ الضَّفْرِ) (¬2) بفتح الضاد المعجمة وإسْكان الفاء هذا هو المشهور في روَاية الحَديث، والمُستفيضُ عند المحَدثين والفقهاء وغَيرهم أي: من أجل إحكام فتل شعري. قال ابن بري في الجُزء الذي صنَّفهُ في "لحن الفقهاء" من ذلك قولهم: أشد ضَفْر رَأسي يقولونه بفتح الضاد، وسُكون الفاء وصوَابهُ ضَم الضاد والفاء جَمع ضفيرة كسَفينة وسفن (¬3). قالَ النووي: وهذا الذي أنكرهُ ليسَ كما زعمهُ بل الصواب جواز الأمرين ولكل واحد منهما مَعنى صَحيح، ويترجح (¬4) الوَجه الأول لكَونه المَسمُوع (¬5). [242] (ثَنَا سُلَيمَانُ (¬6) بْنُ حَرْبٍ) أبُو أيوب (الْوَاشِحِيُّ) بالشين ¬

_ (¬1) "المفهم" للقرطبي 1/ 576. (¬2) أخرجه ابن ماجه (574)، وأحمد 6/ 188، والنسائي في "الكبرى" (242)، وإسحاق بن راهويه في "مسنده" (1622). وفي إسناده جميع بن عمير، قال البخاري: فيه نظر. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه، وصدقة بن سعيد قال البخاري: عنده عجائب. قال الألباني: هو حديث باطل وإسناده ضعيف جدًّا. انظر: "الكامل" 2/ 418، "ضعيف سنن أبي داود" (33). (¬3) "غلط الفقهاء" لابن بري (78). (¬4) في (ص): لنرجح. (¬5) "شرح النووي على مسلم" 4/ 11. (¬6) وضع فوقها في (د): ع.

المعجمة والحَاء المهملة البَصري قاضي مكة (وَثنا مُسَدَّدٌ قَالاَ، ثَنَا حَمَّادٌ) ابن سَلمة (¬1) (عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ) عروة بن الزبَير (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها [قَالَتْ: كانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ] (¬2) أي: بسبب الجنَابة (قَالَ سُلَيمَانُ) بن حَرب (يَبْدَأُ) بهمز آخره أي: يبتدئ (فَيُفْرِغُ) بِضَم أوله أي: يصب (بيَمِينِهِ) أي: عَلَى شِمَالِهِ كما سَيَأتي في روَاية مسَدد. (وَقَالَ مُسَدَّدٌ) في روَايته: إذا (غَسَلَ يَدَيْهِ يَصُبُّ الإِنَاءَ) أي: بشماله (عَلَى يَدِهِ اليُمْنَى) وهذا الأدب إذا كانَ فَمُ الإناء ضيقًا كالإبريق ونحوه، يكون الإناء من جهة يسَاره ويَصبُ بيَسَاره على يَمينه، وإذا كانَ فم الإناء واسعًا كالقدَحَ يَكونُ الإناء على يَمينه. (ثُمَّ اتفَقَا) أي: مُسَدد وسليمان (¬3) قالا (فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ) يُطلق كما قَال أصحابنَا على القبل والدبر مِنَ الرجُل والمرأة وأصله الخلل بين شيئين. (قَالَ مُسَدَّدٌ) في روَايته (يُفْرِغُ) بيَمينه (عَلَى شِمَالِهِ) أي: في غَسْل فَرجه بالنصِّ، وأمَّا في غَيره فالمعرُوفُ من شأنه أنه (¬4) كانَ يجب التَّيامن في طُهوره وفي شأنه كله (¬5). ¬

_ (¬1) بل هو ابن زيد، فقد أخرج الحديث البخاري في "صحيحه" من حديث مسدد عن حماد، والبخاري لم يخرج لابن سلمة في "صحيحه"، ولأن مسددا لم يسمع من ابن سلمة. كذا قال الحافظ في "الفتح". (¬2) إلى هنا انتهى السقط الذي في (م)، وكنا قد نبهنا عليه سالفًا. (¬3) في (ص، س، ل، م، ظ): حماد. (¬4) في (س، م، ظ): إذا. (¬5) أخرجه البخاري (168) وغيره من حديث عائشة وسيأتي تخريجه إن شاء الله تعالى.

(وَرُبَّمَا كَنَتْ) بتخفيف النُون يَعني: عائشَة في روايتها (عَنِ الفَرْجِ) ولم تُصرح بأنَّ إفراغ اليَمين عَلى الشمال كانَ في الفَرج (¬1) كراهية لذِكْره والقاعِدَة المُستمرَّة في الشرح أنَّ مَا كانَ من بَاب التَّكريم والتشريف كلبْس السَّراويل والنعل والخفِّ وغَسْل أعضاء الطهَارة والمصَافحة وما في معناهُ كانَ باليمَين، وما كانَ بضِدِّهِ كدخُول الخلاء والامتخاط والاستنجاء وخلع الخفّ فيُسْتحب التياسر فيه. (ثُمَّ يَتَوَضأُ كوضُوءه لِلصَّلاة) فيه أنه لا يؤخِّر (¬2) غسْل قدمَيه كما هو الظاهِر. (ثم يُدْخِلُ) بضَم اليَاء (يَدَهُ فِي الإِنَاءِ) أي: الذي فيه ماء الغسْل؛ لأنها غسلت في الوضوء، ولا يحتَاج إلى غسْلها مَرة ثانية قَبل إدخَالها الإناء. في روَاية للبخَاري (¬3): فأخَذ بكفيه. قال الأصحَاب: يُستَحبُّ بعد وضوئه أن يدخل يَديه في الإناء بأصابعه العَشر. (فيخللَ) بأصَابعه مَبلولةً (شَعْرَهُ) كذَا قالهُ القاضِي أبُو الطيب، والمَاوردي (¬4)، والقاضِي حُسَين. قال ابن الرفعَة: وهو صَريح في أنه لا يخللهُ بماء يقبضه يَعني في يدَيه، وقال ابن الصبَّاغ (¬5) يُدْخل أصَابعه ¬

_ (¬1) في (س): القدح. وهو خطأ. (¬2) في (ص، ل): يوجب. (¬3) في (ص، س، ل): البخاري. (¬4) "الحاوي الكبير" للماوردي 1/ 220. (¬5) في (ظ، م): الصباح.

العَشر في الإناء فيَأخذ المَاء [بيَده فيشرب به أصُول الشعَر] (¬1) من رأسه ولحيته أي: ليسْهل إيصَال (¬2) الماء إليه. ولفظ مُسْلم: ثم يَأخُذ الماء فيدخل أصَابعه في أصُول الشعر (¬3). وللترمذي والنسَائي من طَريق ابن عيينة ثم يُشرب شَعره الماء (¬4)، وللبَيهقي من طَريق حَماد عن هشام يخلل بهَا شق رَأسه الأيمَن فيتبع (¬5) بهَا أصُول الشعر، ثم يفعَل بشق رَأسه الأيسَر كذَلك (¬6). قالَ القاضي عيَاض: احتج به بعضهم على تخليل شعر اللحية في الغسْل، إمَّا لعمومه وإمَا بالقياس على شَعر الرأس (¬7). (حَتَّى إِذَا رَأَى) أي: ظَنَّ (أَنَّهُ قَدْ أَصَابَ) الماء الشعر ووصَلَ إلى (الْبَشَرَةَ أَوْ) قال الراوي (أَنْقَى البَشَرَةَ) كما سَيَأتي (أَفْرَغَ) أي: صبَّ (عَلَى رَأْسِهِ) من الماء (ثَلًانا) أي: ثلاث غرفَات فيه التكرَار في الغسْل كما هو (¬8) في الوضوء. (فَإِذَا فَضَلَ) قالَ النووي: فيه لغتان مشهورتان فتح الضاد وكسرها (¬9). ¬

_ (¬1) في (د): بيديه فيشرب منه أصول شعره. (¬2) في (س): أيضًا. (¬3) "صحيح مسلم" (316) (35). (¬4) "جامع الترمذي" (104)، و"سنن النسائي" 1/ 135. (¬5) في (ص): فسقى. (¬6) "سنن البيهقي الكبرى" 1/ 175. (¬7) "إكمال المعلم بفوائد مسلم" 2/ 156. (¬8) من (ظ، م). (¬9) "المجموع" 2/ 190.

ومعناهُ بَقِيَ من الماء (فَضْلَةٌ صَبَّهَا عَلَيهِ) (¬1) أي: على باقي جسَده يبدأ بالشق الأيمَن ثم الأيسَر، ومفهُوم إذا الشرطية، أنهُ إذا لم يفضل منه شيء، وقد عمَّ الماء جَميع جِسْمه أنهُ كاف. [243] (ثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيّ البَاهِلِي) [أبُو حفص] (¬2) الفلَّاس. (قال ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ) إبراهيم بن (¬3) (أبي عَدِيّ) (¬4) السلمي البَصري. (قال: ثنا سَعِيدٌ) بن أبي عروبة (عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ) زياد بن كليب التميمي الحافظ المتقن (¬5) (عَنِ) إبراهيم (النَّخَعِي عَنِ الأَسْوَدِ) بن (¬6) يزيدَ النَّخعي كان يصُوم حَتى يخضر. (عَنْ عَائِشَةَ) - رضي الله عنها - (قَالَتْ: كانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَرَادَ أَنْ يَغْتَسِلَ مِنَ الجَنَابَةِ بَدَأَ) بهمز آخره (بِكَفَّيهِ فَغَسَلَهُمَا ثُمَّ غَسَلَ مَرَافِقَهُ) بالقاف كما في نسخة أبي علي والخطيب، ويشبه (¬7) أن المراد غسْل وجهه في وضُوئهِ ثم (¬8) مرافقه مع يديه ثم رأسه ثم رجليه وعلى هذا، ففيه دليل على تقديم الوضوء على الغسْل وفي نسخة من رواية ابن العبد: غسْل مرافِغَهُ بالغَين المعجمة بدل القاف وكَذَلك في نُسخة بخَط القرشي. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (248، 272)، ومسلم (316)، وغيرهما وقد سبق تخريج ألفاظه أثناء شرحه. (¬2) في (س): أبو جعفر. وهو تصحيف. (¬3) سقط من (ص، ل). (¬4) وضع فوقها في (د): ع. (¬5) "الكاشف" للذهبي 1/ 334. (¬6) تكررت في (ص، ل). (¬7) في (ص، ل): وسببه. (¬8) في (ص، س، ل): من.

قال أبو زيد: أي أصْل الفخذَين، وقال غَيره: المرافغ: أصُول المغابن كما تحت الآباط والأفخاذ، ومما قد يغفل عنهُ في الغُسْل باطن الأليتَين، والإبط، والعكن، والسرة، فليتعهد كلُّ ذلك، فإنه يَجِبُ إيصَال الماء في الغسْل إلى غُضُون البَدَن كداخِل السُّرَّةِ وباطن الأذنَين، والإبطين وما بين الأليتَين، وأصَابع الرجلين وغَيرهما فإنه [في حكم الظاهِر وهذا كله] (¬1) متفق عليه. (وَأَفَاضَ) أي: أسَال (عَلَيهِ المَاءَ) واستَدل به من لم يشترط الدلك. قال المازري (¬2): لا حجة فيه؛ لأن أفَاضَ بمعنى غَسَل، والخلاف في الغسْل قائم. (فَإِذَا أَنْقَاهُمَا) يَعني: الكفين مِنَ الوَسَخ وعلى هذا فيقوي ما قَالهُ الليث أن الرُّفغَ بالمعجمة هو الوسَخ بين الظفر والأنملة. قال الهروي: أرَاد - صلى الله عليه وسلم - إنكم لا تقلمون أظفاركم ثم تحكُّون بهَا أرفاغكم فيعلق بهَا ما في الأرفاغ (¬3). (هوَى بِهِمَا إِلَى حَائِطٍ) وروى الطبرَاني في "الكبير" ورجَاله مُوثقون إلا عبد الله بن محمد بن العباس الأصبهَاني، عَن عَبد الله بن مسعُود قالَ: السُّنَّةُ في الغُسْل مِنَ الجنَابة أن تغسل كفك حتى ينقى، ثم تدخل يَمينك في الإناء فتغسل فَرجك حتى ينقى، ثم تضرب يسَارك على الحَائط أو الأرض فتدلُكها ثم تَصُبُّ عليها بيمينك فتَغسلهَا ثم تَوضَّأ ¬

_ (¬1) تكررت في (ص، ل). (¬2) في (س، م): الماوردي .. (¬3) "الغريبين" للهروي: رفغ.

وضوؤك للصَّلاة (¬1). (ثم يَسْتَقْبِلُ الوضُوءَ) (¬2) فيتوضأ وضوءهُ للصَّلاة مع غسل الرجلين (وَيُفِيضُ المَاءَ عَلَى رَأْسِهِ) (¬3) ثلاثًا. [244] (ثَنَا الحَسَنُ (¬4) بْنُ شَوْكرٍ) بفَتح الشين المُعجمة والكَاف البَغْدَادي الثقة. (قال: ثَنَا هُشَيْمٌ) بن بشير السلمي مَولاهم الواسطي. (عَنْ عُرْوَةَ) بن الحَارث (الْهَمْدَانِيِّ) بإسكان الميم أخرج له الشيخان، (قال: ثَنَا الشَّعْبِي، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ) - رضي الله عنها - والشعبيُّ (¬5) لم يسمع منها (¬6) فهوَ مُرسَلٌ (لَئِنْ) بفتح لام القسَم بَعدها إن الشرطية. (شِئْتُمْ لأرُيَنَّكُمْ) بِضَم همزة أُرِي وتشديد نُون التوكيد. (أَثَرَ يَدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي الحَائِطِ حَيثُ كَانَ) رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - (يَغْتَسِلُ ¬

_ (¬1) "المعجم الكبير" 10/ 187 (10411)، وقال الهيثمي في "المجمع" 1/ 272 ما نقله الشارح. وعبد الله بن محمد بن العباس شيخ الطبراني قال عنه أبو نعيم في "تاريخ أصبهان" 2/ 62: صاحب أصول. (¬2) في هذا ما يدل على أن رواية: مرافقه. وهم، والصواب: مرافغه. كما هي رواية ابن العبد والقرشي. (¬3) أخرجه أحمد 6/ 171، وعنده: مَرَاقَّهُ بدل مرافغه، والمراق هي المواضع الرقيقة في الجلد كتحت الإبطين وأصول الفخذين. وأخرجه أبو يعلى الموصلي (4855)، كما عند المصنف، وقال الألباني: إسناده صحيح على شرط مسلم. انظر: "صحيح أبي داود" (243). (¬4) وضع فوقها في (د): د. (¬5) في (ص، س، ل): الشعبي. دون الواو. (¬6) في (ظ، م): منه.

مِنَ الجَنَابَةِ) (¬1) فيه اتخاذ أمكنة معرُوفة لإيجاد العبادة والعَادَة (¬2) والمبَاحَة وغَيرها مِن صَلاة ووضوء واغتسال لا يُجاوزُه حَتى لقد بلغني عن بعض مشايخنا رحمهم اللهُ تعالى أَنَّ الإبريق الذي كان يستنجى به، أثر في الحجر مكانه حَيث يلازم وضعه وتحريكه للاستنجاء ولا يجاوزه إلى غَيره. [245] (ثَنَا مُسَدَّد قال: ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ دَاودَ) بن عامر الهمداني ثم الشعبي الخُرَيْبِي، والخُريبة بالخاء المُعجمة محلة بالبصرة، أخرجَ لهُ البخَاري والأربعة، (قال: ثنا الأَعْمَش، عَنْ سَالِمٍ) بن أبي الجعْد، (عَنْ كُرَيْب) مَولى ابن عَباس، (قال: ثَنَا) عبد الله (بْنُ عَبَّاسٍ، عَنْ خَالَتِهِ مَيمُونَةَ) بنت الحارث الهلالية زَوْج النبي - صلى الله عليه وسلم - (قَالَتْ: وَضَعْتُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - غُسْل) بِضَم الغَين هُو ما يغتسل (¬3) به من الماء ونحوه وأمَّا بفتحها فهو فعل المغتسل. (يَغْتَسِلُ بِهِ مِنَ الجَنَابَةِ) زادَ البخاري: وسَتَرتُه (¬4) زاد ابن فضَيل عن الأعمش: بثوب (فَأكفَأَ) رواية البخَاري: فصب (¬5)، وهو بمعناهُ مِنَ (الإِنَاءَ عَلَى يَدِهِ) والمرادُ باليَد (الْيُمْنَى) يعني: باليُسرى؛ لأن فم الإناء كان ضَيقًا. ¬

_ (¬1) هو مرسل كما قال المصنف، فالشعبي يروي عن مسروق عن عائشة ولم يسمع منها على قول الأكثرين. (¬2) سقط من (ص، س، ل، م). (¬3) في (ظ، م): يغسل. (¬4) "صحيح البخاري" (266). (¬5) "صحيح البخاري" (266).

(فَغَسَلَهَا مَرَّتَينِ أَوْ ثَلاثًا) الشك من سُليمان كما في البخاري وهو الأعمش أحد الرواة، ولابن فضَيل، عن الأعمش فصَبَّ على يَديه ثَلاثًا ولم يشك، أخرجَهُ أبُو عوَانة في "مُستَخرجه" (¬1). فيحمل على إن الأعمش شَكَّ أوَّلًا ثم تذكر فجزَم بالثلاث؛ لأن سَمَاع ابن فُضَيل منه مُتأخِّر. (ثُمَّ صَبَّ عَلَى فَرْجِهِ فَغَسَلَ فَرْجَهُ بِشِمَالِهِ) أي: غسَل مَا على قُبُلِه ودبره مِنَ الأذى نَجاسَة كانت، كأثر الاستنجاءِ وغَيره، وكذَا يغسل ما على الذكر من مَنِيٍّ ورُطُوبة فَرج وغَير ذلك (ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ) اليُسرى (الأَرْضَ). قال ابن بَطال: هذا محمُول على أنه كانَ في يَده أذى من جَنابةٍ أو غَيرهَا فلذلك (¬2) ضَرَب بيده الأرض (¬3). (فَغَسَلَهَا) كما يَغسلها عند الاستنجاء (ثُمَّ مَضْمَضَ) وفي رواية البخَاري وغَيره: "ثم تمضمض" (¬4). بزيَادَة التاء أوله وهو الأصل. (وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ) فيه مَا تقدم (وَيَدَيْهِ) زادَ البخَاري: "وغسَل رأسَه" (¬5) أي: مَسَحَهُ بالماء يَعْني ولم يغسل رجليه بل أخرهما. (ثُمَّ صَبّ عَلَى رَأْسِهِ) وباقي (جَسَدِهِ ثُمَّ تَنَحَّى) يَعْني مِن مكانه إلى ¬

_ (¬1) "مستخرج أبي عوانة" (864). (¬2) في (س، ظ، م): فكذلك. (¬3) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 1/ 379. (¬4) "صحيح البخاري" (259). (¬5) "صحيح البخاري" (265).

(نَاحِيَةً) أُخرَى. (فَغَسَلَ رِجْلَيهِ) استدل به بَعض العُلماء على أن تأخير غَسْلِ الرجلين أفضل؛ ليَكونَ الافتتاح والاختتام بأعضاء الوضُوء، وقد رُوي عَن مَالك (¬1) وأحمد (¬2)، ولكن الغسْل والوضوء (¬3) كاملًا أفضَل؛ لأن ما وقع هُنا لما نالهُ في تلك البُقعة. (فَنَاوَلْتُهُ المِنْدِيلَ) بكسر الميم مأخُوذ مِنَ الندل وهو النقل، وقيل: هو الوسَخ [لأنه يندل] (¬4) به أي: يُزال به الوَسَخ. (فَلَمْ يَأْخُذْهُ) ورواية عفان (¬5) عن أبي عوَانة فقال: "هكذا وأشار بيده أن لا أريدهَا" (¬6). وفي رواية البخَاري (¬7): "فناولته ثوبًا فلم يأخذهُ" (¬8). وفيه دليل على تَرك التنشف بالخرقة ونَحوهَا. وبه قال أنس (¬9): إنهُ مَكرُوه في الغسْل والوضُوء (¬10). ¬

_ (¬1) "المنتقى" للباجي 1/ 80، 93. (¬2) "المغني" 1/ 160. (¬3) في (ظ، م): قالوا. (¬4) في (ص، س): لا يندل. وفي (م): لا يدل. (¬5) في (ص، س، ل، م): عقال. (¬6) "مسند أحمد" 6/ 336. (¬7) في (د، م): للبخاري. (¬8) "صحيح البخاري" (276). (¬9) في (ل): الليث. (¬10) كذا ذكره الشارح أنه مكروه عند أنس - رضي الله عنه - والمعروف من قول أنس أنه لا بأس به في الغسل والوضوء، وأما الكراهة فمنقولة عن ابن عباس رضي الله عنهما. وبالجملة فلم يصح في النهي عنه شيء. انظر: "الأوسط" 2/ 63 بتحقيقنا.

وفيه دَليل على خدمة الزوجات للأزوَاج. (وَجَعَلَ يَنْفُضُ المَاءَ عَنْ جَسَدِهِ) استدل به النووي وغَيره على إبَاحَة النفض في الغسْل والوضُوء قال: وهو الأظهَر عند المحققين لهذا الحَديث (¬1). ووجه من منعه؛ لأن النافض لماء الوضُوء كالمتَبرم (¬2) مِنَ العبَادَة. قال سُليمَان بن مهران الأعمش: (فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لإِبْرَاهِيمَ) النخعي (فَقَالَ: كَانُوا لاَ يَرَوْنَ بِالْمِنْدِيلِ بَأْسًا) (¬3) أن يتنشفوا به. (ولكن كَانُوا يَكْرَهُونَ العَادَةَ) الناشئة عن التَرَفُّهِ إذا جرى عليهَا الآدَميُّ استهوته واستعبدته (¬4) وتملكتهُ فالحزم قطعهَا وتركهَا ومخالفتهَا. فأما العَادة التي اعتادهَا المُسْلمون وَرَأوْهَا حَسَنة فهي عند الله تعالى حسنة، كما قال عَبد الله بن مَسْعُود في الحَديث الموقوف عليه: "ما رآهُ المُسْلمون حسنًا فهو عندَ الله حَسَن" (¬5) كما قال الله تعالى: {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ} (¬6) فأمر الله تعالى بالاستئذان في هذِه الأوقات التي جَرَت العَادَة فيهَا بالابتذال ووضع ¬

_ (¬1) "شرح النووي" 3/ 232. (¬2) في (ص): كالمتندم. (¬3) "التمهيد" 22/ 94. (¬4) في (ص، س، ل): استبعدته. (¬5) أخرجه أحمد 1/ 379، والحاكم في "المستدرك" 3/ 79، وقال: صحيح الإسناد. وصححه الألباني موقوفًا. انظر: "الضعيفة" (533). (¬6) النور: 58.

الثياب فابتنى (¬1) الحكم الشرعي على ما كانوا يعتادونه واعتبر نومهم (¬2) الذي يَألفونهُ وكذلك جرى تقديم الطعَام إلى الضِّيفان على ما جَرَت به العَادَة في إبَاحَة الأكل منهُ للضّيفَان تنزيلًا للدلالة الفعليَّة منزلة الدلالة القَولية. (قَالَ مُسَدَدٌ: قُلْتُ لِعَبْدِ الله بْنِ دَاودَ) الهَمْدَاني (كَانُوا يَكْرَهُونَهُ) أي: التنشف بالمنديل. (لِلْعَادَةِ) التي ألفوها في الجَاهلية (فَقَالَ: هَكَذَا هُوَ ولكن) هذا (وَجَدْتُهُ فِي كِتَابِي هَكَذَا) (¬3). قال أصحَابُ الحَديث: إذا وَجَدَ الحافظ الحَديث في كتابه خلاف ما يحفظه فإن كان إنما حفظ من كتابه فليرجع إلى كتابه، وإن كانَ حفظه من فم المحَدث أو مِنَ القراءة على المحَدث وهو غَير شاك في حفظه فليعتمد حفظه، والأحسن أن يجمع بينهما كما فَعَلَ المصَنف فيَقول في حفظي كذا (¬4) وفي كتَابي كذَا، وكذَا فعَل شعبَة وغير واحد من الحفاظ (¬5). [246] (ثَنَا حُسَينُ بْنُ عِيسَى الخُرَاسَانِي) ابن حمران الطَّائي البسْطَامي، أخرجَ لهُ البخاري حَديثًا في الوضوء مَرتين (¬6)، ومسلم (¬7) ¬

_ (¬1) في (ص): فأنسي. وفي (س): فانتفى. (¬2) في (ص): يومهم. (¬3) أخرجه البخاري (249، 257) وفي مواضع بنحوه، ومسلم (317). (¬4) سقط من (ص). (¬5) "مقدمة ابن الصلاح" 1/ 120. (¬6) (158). (¬7) في (ص، ل): مسلمة.

حَديثًا واحدًا (¬1) (قالَ: ثَنَا) محمد بن إسماعيل (ابْنُ أَبِي فُدَيْك) (¬2) الديلي (¬3) مَوَلاهم (عَنِ) محَمد بن عَبد الرحمن (ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ) العَامري المدَني، (عَنْ شُعْبَةَ) (¬4) بن دينَار (أن) (¬5) عَبد الله (بن (¬6) عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ يُفْرِغُ) بِضَم أوله أي: يصبّ (بِيَدِهِ اليُمْنَى عَلَى يَدِهِ اليُسْرَى سَبْعَ مِرَارٍ ثُمَّ يَغْسِلُ فَرْجَهُ) فكل مرَّة مِنَ السَّبعِ يَغسِل فَرجه بيده اليسرى كما تقدم (فَنَسِيَ مَرَّة كَمْ أَفْرَغَ) الماء مرة. رواية الخَطيب: كَمْ أَفْرَغْتُ؟ يَعني: مَرة (فسألني (¬7) فَقُلْتُ: لا أَدْرِي. فَقَالَ: لا أُمَّ لَكَ) قال في "النهاية": هُو ذمٌّ وسَبٌّ أي: أنت (¬8) لقيطٌ لا تعرف لك أمٌّ، انتهى ولا يظن بابن عَبَّاس أنهُ يقصِد حَقيقة هذا بَل هو من بَاب التأديب لهُ، وقيل: قد يقع مثل هذا مَدْحًا بمعنَى التعجب منه (¬9). (وَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَدْرِيَ) فيه التأديب على إِهمال التلميذِ أَمْرَ شيخه، وعَدَم اعتنائه بأمره. (ثُمَّ يَتَوَضَّأُ (¬10) وضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ) وضُوءًا كاملًا وهو سُنة للغُسْل، ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم (1542/ 74). (¬2) وضع فوقها في (د): ع. (¬3) في (ص، س، ظ، م، ل): الديلمي. (¬4) في (س): سعيد. (¬5) في (ص): بن. (¬6) سقط من (ص). (¬7) سقط من (ص، س، ل). (¬8) في (ص، س): ابن. (¬9) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (أمم). (¬10) في (ص، س، ل): توضأ.

خلافًا لأبي ثور حَيثُ قالَ: الوضُوء شَرط للغسْل، وهو خلاف الإجماع كما نقلهُ ابن جرير. (ثُمَّ يُفِيضُ عَلَى جِلْدِهِ) بعد الإفاضَة (¬1) على رأسه كما تقدم. (ثُمَّ يَقُولُ هَكَذَا كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَتَطَهَّرُ) (¬2) مِنَ الجنَابَة فيه التعليم بالفعل كما هو بالقَول. [247] (ثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قال: ثَنَا أَيُّوبُ بْنُ جَابِر) اليمامي (عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُصْمٍ) (¬3) بضَم العَين وإسْكان الصَّاد المهمَّلَتَين النصيبي ويقال: ابن عصمَة، أبُو علوَان العجلي الحنفي، وثقه ابن معين. قال أبُو زُرعة: ليس به بَأس (¬4). قال أبُو داود: قال إسرائيل: عصمة، وقالَ شريك: عصم (¬5) فسَمعت أحمد يقول: القول مَا قَال شريك (¬6) (عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ كَانَتِ الصَّلاة (¬7) خَمْسِينَ) صَلاة، وكانت أمّة مُوسَى مكلفينَ بهَا. قالَ القُرطبي (¬8): ولم يكلف بها غيرها، منَ الأمم السَّالفَة وكَانَت قَد ¬

_ (¬1) في (ظ، م): الإضافة. (¬2) أخرجه أحمد 1/ 307، والطيالسي في "مسنده" (2851)، وضعفه الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" (35) لسوء حفظ شعبة مولى ابن عباس - رضي الله عنهما -. (¬3) في (د): عصيم. (¬4) "الجرح والتعديل" (582). (¬5) في الأصول الخطية: عصمة. والمثبت من المصادر. (¬6) "سؤالات أبي داود للإمام أحمد" (76). (¬7) في (ص، س): الصلوات. (¬8) انظر: "المفهم" للقرطبي 1/ 393.

ثقلت عليهم وعَالجهم مُوسى عليه السلام على إقامَتها فخافَ مُوسى عليه السلام على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - أن تثقل الصَّلاة عَليهم، كما ثقلت على قَومه؛ فيعجزُوا عنَها ويدل على هذا قوله: فإني قَد بَلوت بَني إسرَائيل قبلك (¬1). (و) كانَ (الْغُسْلُ مِنَ الجَنَابَةِ سَبْعَ مِرَارٍ) كما أنَّ الغسْل مِن نجَاسَة الكلب والخنزير (¬2) سَبع مرَار. (وَغَسْلُ البَوْلِ مِنَ الثَّوْبِ سَبْعَ مِرَارٍ) وهي روَاية عَن أحمد بن حنبل: أنهُ يجب الغسْل من نجاسَة البَوْل والغائط والدَم منَ النجاسَات التي هي غَير نجاسَة الكلب والخنزير سَبع مرار قياسًا على نَجاسَة الولوغ لما روي عَن ابن عُمر أنهُ قال أمرنَا بِغَسْل الأنجاس سَبعًا. يعني سَبْع مَرات فيَنصرف إلى أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -. والروَاية الثانية: لا يجبُ العَدَد (¬3)، كما قال الشافعي - رضي الله عنه - (¬4). (فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -) حينَ أمرهُ موسى عليه السلام بالرجُوع إلى ربه يَسْأله التخفيف عن أُمته. (يَسْأَلُ) ربه التخفيف عن أُمته وَيرجع بين (¬5) مُناجَاة ربه في الموضع الذي نَاجَاهُ فيه أولا وبين مُوسى عليه السلام (حَتَى جُعِلَتِ الصَّلاةُ خَمْسًا) فيه نصٌّ على وقوع النسخ للحُكم قَبل التَّمكُّنِ من الامتثال بفعله وهو قَول ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (162) (259) باللفظ، وهو في "صحيح البخاري" (7517). (¬2) سقطت من الأصل. (¬3) "المغني" 1/ 75. (¬4) "نهاية المطلب" للجويني 2/ 301. (¬5) في (س): إلى.

الجمهور، والمرادُ به نَسْخُ الخِطاب الذي لم يتقدم به عَمل البتة. ونقل ابن السَّمعَاني عن الصَّيرفي، وأكثر الحنفية عَدَم جَوَازه، ونقلهُ القرطبي عن المُعتزلة (¬1)، ومِنَ النسْخ قبل التمكن ما رَوَاهُ البخَاري عَن أبي هريرة؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ بَعثًا فقال: "إنِ وَجدتم فُلانًا وفلانًا فأحرقوهما بالنَّار" ثم قال: حين أردنا الخروج "إنِّي أمَرتكم أن تَحرقوا فلانًا وفلانًا و (¬2) إِنَّ النَّارَ لا يُعَذِّبُ بهَا إلا الله" (¬3). ([وَغُسْلُ الجَنَابَةِ] (¬4) مَرَّةً) فرض، واثنتَان سُنة (وَغَسْلُ البَوْلِ مِنَ الثوْبِ مَرَّة) (¬5) ورواية الخَطيب [والغسْل منَ الجنَابة وغُسْلُ البَوْلِ مِنَ الثَّوْبِ مَرَّةً] (¬6)، وفيه حجة للشافعي ومن تبعَهُ أنهُ يكفي في غسْل غَير نجاسَة الكلب والخنزير مَرة واحِدَة إن كانت حُكميَّة (¬7) أو زالتْ عَينها بالمرة الوَاحِدة ويُستحب التثليث. [248] (ثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ) الجَهْضمي (قالَ: حَدّثَنِي الحَارِثُ بْنُ وَجِيه) بِفَتح الواو [وكسْر الجيم] (¬8) وسُكون المثناة تحت الراسبي، روى عنه ¬

_ (¬1) "المفهم" للقرطبي 1/ 393. (¬2) من (د، ظ، م). (¬3) "صحيح البخاري" (3016). (¬4) في (د، ظ، م): والغسل من الجنابة. (¬5) أخرجه أحمد 2/ 109، والبيهقي في "الكبرى" 1/ 244، والطبراني في "المعجم الصغير" (182)، وضعفه الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" (36) لضعف أيوب بن جابر. (¬6) سقط من (د). (¬7) في (س): من حُكمية. (¬8) سقط من (د).

الترمذي وابنُ مَاجه أيضًا (¬1)، ويقال فيه: الحارث بن وَجْبَة بفتح الواو وإسْكان الجيم ثم بَاء موحَّدة حكاهُ الترمذي (¬2) [وسُكون الحاء المهملة] (¬3). (قالَ: ثَنَا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعَرَةٍ) بفتح العَين من شَعَرِ بَدَن الآدَمي. (جَنَابَةً) بالنصب بمعنى (¬4) لو بقيت من شعَر الآدَمي شعرةٌ واحِدَةٌ لم يصل إليها الماء لبَقيت الجنَابة بحَالها. وأحكامهَا؛ فلا يَجوز له الصلاة ولا غَيرها مما يفتقر إلى الغُسْل. (فَاغْسِلُوا الشَّعْرَ) شعر الرأس واللحيَة وغَيرهما منَ الشعُور كلهَا وأوْصلوا الماء إليه. (وَأَنْقُوا) بفتح هَمزة القطع؛ لأن مَاضِيَهُ رُباعي كما تقدم في قوله: "فَإذَا أنقاهُما" (¬5) ومعنى أَنْقُوا أي: طهرُوا. (الْبَشَرَ) جَمع بَشرة، كذَا روايَة الترمذي وهي ظاهِر الجِلد مِنَ الوَسخ والقذر وأوصلوا إليه الماء فلو كان في مَوضع منه وسَخ بحيث لا يصل الماء إلى مَا تحته لم ترتفع الجنابة. (قَالَ أَبُو دَاودَ: الحَارِثُ بْنُ وَجِيهٍ) ويقالُ ابن وَجْبَة بفتح الوَاو كما ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (106)، "سنن ابن ماجه" (597). (¬2) "جامع الترمذي" عقب حديث (106). (¬3) كذا في جميع النسخ، وغالب ظني أنها عبارة مقحمة وإلا فلم أر من سماه وحبة بسكون الحاء المهملة. (¬4) في (د، م): يعني. (¬5) في (م، ظ): فإذا نقاهما.

تقدم عَن الترمذي (حَدِيثُهُ مُنْكَرٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ). قال الترمذي: حَديث الحَارث بن وجيه حديث (¬1) غريب، لا أعرفه إلا من حَديثه وهو شيخ (¬2)، وذكر الدارقطني أنه غريب من حَديث محمد بن سيرين عَن أبي هُريرة تفردَ به مَالك بن دينار، وذكر الترمذي أيضًا أن الحَارث تفرد به عَن مَالك. وقال الدَّارقطني في "العلل": إنما يروى هذا عَن مَالك بن دينَار عَن الحسن مُرسلًا (¬3). ورواهُ سَعيد بن منصور، عن هشيم، عن يُونُس، عن الحَسَن قال: ثبت أن رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرهُ (¬4) وَرَوَاهُ ابن مَاجَه في حَديث فيه: "أدَاء الأمَانة غُسْل الجنَابة فإن تحت كل شعرَة جَنابة" (¬5). [249] (ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التبوذكي (قال: ثَنَا حَمَّادٌ) ابن سَلمة (قال: أَخْبَرَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ) وثقهُ أيوب (¬6) السختياني، وأخرج له البخاري حَديثًا مقرونًا بأبي بشر (¬7). (عَنْ زَاذَانَ) بفتح الزَّاي والذَّال المعجمتين [أبي عمر] (¬8) الكِنْديِّ مولاهم الضرير (¬9). ¬

_ (¬1) من (د، م). (¬2) "جامع الترمذي" (106). (¬3) "علل الدارقطني" (1427). (¬4) في (ص): قد ذكره. (¬5) "سنن ابن ماجه" (598). (¬6) في (س): أبو ثور. خطأ. (¬7) "صحيح البخاري" (6578). (¬8) في (ص، ل): أي عمرو. وفي (م، ظ): أي عن. (¬9) في (ص): العزيز.

(عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: مَنْ تَرَكَ مَوْضِعَ شَعَرَةٍ مِنْ جَنَابَةٍ) يُستثنى منه الشَّعرُ النَابت في العَين، لا يجبُ غسْله ولا فرق بَيْنَ الشعر الخَفيف والكثيف بخلاف الوضوء لكثْرَةِ تكرار الوضوء. قالَ السُّبْكِي: يجبُ قطع الشعرات المنعَقدَة ولا يسَامح ببَاطِن عقدهَا وهو ظاهر النَّص (¬1). قالَ: والجمهُور على خِلافه. (لَمْ يَغْسِلْهَا فُعِلَ) بِضَم أوله، مَبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله. (بِهِا كذَا وَكذَا) أي: فعل بتلك الشعرة مِنَ العَذاب. (مِنَ النَّارِ) أي: عذابًا شَديدًا. (قَالَ عَلِيٌّ) - رضي الله عنه - (فَمِنْ ثَمَّ) بفتح المثلثة أي: من أجل أنِّي (¬2) سَمعت هذا التهديد. (عَادَيْتُ) شَعر (¬3) (رَأْسِي) أي: فعَلتُ بِشَعر رأسي فعل العَدُوِّ بالعَدُوِّ (فَمِنْ ثَمَّ عَادَيْتُ رَأْسِي) قالها (ثَلاثًا). قال شارح "المصَابيح": (و) قد صَح أن عليًّا - رضي الله عنه - (كان يَجُزُّ) (¬4) بِضَمّ الجِيم (شَعَرَهُ) (¬5) الجزُّ: قصُّ الشَّعَرِ والصُّوف ونحوهما، والمرادُ أنه قطعَ ¬

_ (¬1) من (د، م، ظ). (¬2) في (ص، س، د، ل): أن. (¬3) سقط من (د). (¬4) في (س): يجني. (¬5) أخرجه ابن ماجه (599)، وأحمد 1/ 94، والبيهقي في "الكبرى" 1/ 175، وصحح الحافظ وقفه على علي - رضي الله عنه -. قال الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" (38): إسناده ضعيف؛ لأن عطاء بن السائب اختلط بأخرة، وحماد بن سلمة سمع منه قبل الاختلاط وبعده وليس ثمة دليل بين هل كان هذا الحديث مما سمعه قبل الاختلاط أو بعده. أهـ. بتصرف.

شَعر رَأسه مخَافة أن لا يَصِلَ الماءُ إلى جَميع شعره، ورُوِىَ أيضًا أنَّ حُذَيفة كَانَ يَجُز شعره خَوْفًا مِنْ ذَلك (¬1)، ورَوَى الطبرَاني في "الكبير" عن ميمونَة بنت سعد؛ أنهَا قالت: يا رسول الله أفتنا عن الغُسْل مِنَ الجنَابة؟ فقال: "تبلي (¬2) أصُول الشعر وتُنْقِي البَشر فإن مثل الذين لا يحسِنُونَ الغُسْلَ كمَثَلِ شجرة أصَابهَا مَاءٌ فلا ورَقها ينبت ولا أصْلهَا يروى، فاتَّقُوا اللَّه وأَحسِنُوا الغسْل فإنَّها مِنَ الأمَانَةِ التي حُمّلْتُم والسَّرائر التي استودعتم"، قلتُ: كم يَكفي الرَّأس [مِنَ الماء؟ ] (¬3) قالَ: "ثلاث حَفنات" (¬4). * * * ¬

_ (¬1) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (1072). (¬2) في (الأصل، س، ظ، م): يبل. (¬3) ليست في (م، ظ). (¬4) أخرجه الطبراني في "الكبير" 25/ 36 (64) قال الهيثمي في "المجمع" 1/ 272: فيه عثمان بن عبد الرحمن عن عبد الحميد بن يزيد. ولم أر من ترجمهما.

100 - باب في الوضوء بعد الغسل

100 - باب فِي الوضُوءِ بعْدَ الغُسْل 250 - حَدَّثَنا عَبْد اللهِ بْنُ محَمَّدٍ النُّفَيْليُّ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا أَبو إِسْحاقَ، عَنِ الأسوَدِ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَغْتَسِلُ وَيُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ وَصَلاةَ الغَداةِ، وَلا أراهُ يحدِثُ وضوءًا بَعْدَ الغُسْلِ (¬1). * * * باب في الوضوء بعد (¬2) الغسل [250] (ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مُحَمَدٍ النُّفَيلِي، قالَ: ثَنَا زُهَيرٌ، قالَ: ثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ) عَمرو بن عَبد الله السَّبِيعي. (عَنِ الأَسْوَدِ) ابن يزيدَ النخعي. (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كان رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَغْتَسِلُ) مِنَ الجنابَة (وَيُصَلِّي الركعَتَينِ) أي: اللَّتَين قَبْلَ صَلاةِ الصُّبحِ (وَصَلاةَ الغَدَاةِ) فيه دَليل على جَوَاز تسمية صَلاة الصبح صَلاةَ الغدَاةِ، وتُسَمَّى صَلاة الفَجْرِ، وفيه دليل على جَوَازِ الجمعِ بَينَ صَلاةِ النَّفْل وصَلاةِ الفَرضِ بوضوءٍ واحد. (وَلاَ أَرَاهُ) بفتح الهَمزة أي: أبصرهُ (يُحْدِثُ وضُوءًا بَعْدَ الغُسْلِ) (¬3)، ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (107)، والنسائي 1/ 137، 209، وابن ماجه (579)، وأحمد 6/ 68، 119، 154، 192، 253، 258. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (245). (¬2) زاد في (م، ظ): فعل. (¬3) أخرجه بهذا اللفظ أحمد 6/ 119، والحاكم في "المستدرك" 1/ 153، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (245): صحيح على شرط البخاري.

وأخرجَ الترمذي والنسَائي وابن مَاجَه عن عَائشة أيضًا قالت: "كانَ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يتوضأ بعد الغسْل" (¬1). وفي حَديث ابن مَاجَه: "بعد الغُسْل من الجنابة" (¬2). قال النووي وغَيره: لو أفاضَ الماء على جَميع بَدَنه من غَير وضوء صَحَّ غُسْله واستباح به الصلاة وغَيرهَا ولكن الأفضَل أن يتوضأ، قال: وتحصُل الفضيلة بالوضوء قَبْل الغُسْل أو بَعدَهُ وإذا توضأ قبله لا يأتي به ثانيًا بعدهُ لهذا الحَديث فقد اتفق العُلماء على أنهُ لا يستحبُّ في الغسْل وضوءان إلا أن يحدث مِنَ الوضُوء الأول أو يشك في الحَدَث (¬3). * * * ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (107) وقال: حسن صحيح. والنسائي 1/ 137، وابن ماجه (579). (¬2) انظر التعليق السابق. (¬3) "شرح النووي" 3/ 229.

101 - باب في المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل

101 - باب فِي المرْأةِ هَلْ تنْقُضُ شَعَرَها عِنْدَ الغسْل 251 - حَدَّثَنا زُهَيْرُ بْن حَرْبٍ وابْن السَّرْحِ قالا: حَدَّثَنا سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ موسَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبي سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ امْرَأة مِنَ المسْلِمِينَ -وقالَ زهَيْرٌ: أَنَّها- قالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ، إِني امْرَأَة أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي، أفَأَنْقُضُهُ لِلْجَنابَةِ؟ قالَ: "إِنَّما يَكْفِيكِ أَنْ تَحْفِنِي عَلَيهِ ثَلاثًا" وقالَ زهَيْرٌ: "تَحْثِي عَلَيهِ ثَلاثَ حَثَياثٍ مِنْ ماءٍ، ثُمَّ تُفِيضِي عَلَى سائِرِ جَسَدِكِ، فَإِذا أَنْتِ قَدْ طَهُرْتِ" (¬1). 252 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، حَدَّثَنا ابن نافِع -يَعْنِي: الصّائِغَ- عَنْ أسامَةَ، عَنِ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ امْرَأة جاءَتْ إِلَى أمِّ سَلَمَةَ بهذا الحَدِيثِ، قالَتْ: فَسَألتُ لَها النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بمَعْناهُ، قالَ فِيهِ: "واغْمِزِي قُرُونَكِ عِنْدَ كُلِّ حَفْنَةٍ" (¬2). 253 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا يحيى بْنُ أَبي بُكَيْرٍ، حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْن نافِعٍ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ مُسْلِم، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ عائِشَةَ، قالَتْ: كانَتْ إِحْدانا إِذا أَصابَتْها جَنابَةٌ أَخَذَتْ ثَلاثَ حَفَناتٍ هَكَذا -تَعْنِي بِكَفَّيْها جَمِيعًا- فَتَصبُّ عَلَى رَأْسِها، وَأَخَذَتْ بِيَدٍ واحِدَةٍ، فَصَبَّتْها عَلَى هذا الشِّقِّ، والأخرَى عَلَى الشِّقِّ الآخَرِ (¬3). 254 - حَدَّثَنا نَصْر بْن عَلي، حَدَّثَنا عَبْد اللهِ بْن داودَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها قالَتْ: كنّا نَغْتَسِلُ وَعَلَيْنا الضِّمادُ، وَنَحْن مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُحِلاتٌّ وَمُحْرِماتٌ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (330). وانظر ما بعده. (¬2) انظر السابق. وحسن إسناده الألباني في "صحيح أبي داود" (247). (¬3) رواه البخاري (277). (¬4) رواه أحمد 6/ 79 بنحوه، ورواه البيهقي 1/ 181 - 182 من طريق أبي داود. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (249).

255 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، قالَ: قَرَأْت فِي أَصْلِ إِسْماعِيلَ بْنِ عَيّاشٍ، قالَ ابن عَوْفٍ: وَحَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ إِسْماعِيلَ، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنِي ضَمْضَمُ بْنُ زُرْعَةَ، عَنْ شرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، قالَ: أَفْتاني جُبَيْر بْنُ نُفَيْرٍ عَنِ الغُسْلِ مِنَ الجَنابَةِ، أَنَّ ثَوْبانَ حَدَّثَهمْ أَنَّهم اسْتَفْتَوا النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ، فَقالَ: "أَمّا الرَّجُلُ فَلْيَنْشُرْ رَأْسَهُ فَلْيَغْسِلْهُ حَتَّى يَبْلُغَ أُصولَ الشَّعْرِ، وَأَمّا المَرْأَةُ فَلا عَلَيها أَنْ لا تَنْقُضَهُ، لِتَغْرِفْ عَلَى رَأْسِها ثَلاثَ غَرَفات بِكَفَيها" (¬1). * * * باب المرأة هل تنقض شعرها زاد في نسخة الخطيب: عند الغسل. [251] (ثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ و) أحمد بن عمرو (ابْنُ السَّرْحِ) شَيخ مُسْلم. (قالا: ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى) بن عَمرو القرشي المكي. (عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ) كيسَان المقبري. (عَنْ عَبْدِ الله بْنِ رَافِعٍ) المخزومي مولاهم (عَن) مولاته (أُمِّ سَلَمَةَ) هند (¬2) - رضي الله عنها - (أَنَّ امْرَأَةً مِنَ المُسْلِمِينَ) رواية مُسْلم عن أُم سَلمة قالت: "قلت: يا رسُول الله" (¬3). (وَقَالَ زُهَير) بن حرب في روَايته (أنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله إِنِّي امْرَأَة ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في "مسند الشاميين" (1686). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (250). (¬2) سقطت من (ظ، م). (¬3) "صحيح مسلم" (330) (58).

أَشُدُّ ضَفْرَ) بفتح الضَاد وإسْكان الفاء هذا هو المعرُوف عند المحدّثين والفُقهاء وغَيرهم كما تقدم، من شَدّ الضّفر إذا نسج شَعر الرأس وجعلهُ ذؤابة والضَفيرة الذؤابة والمراد (¬1) حتى أجعَل نسج شعر (رَأْسِي) شديدًا (أَفَأَنْقُضُهُ). قال القرطبي: الرواية: أفأنقضه (¬2) بالقاف قالَ وقد وقع لبعض مشايخنا بالفاء قالَ: ولا بُعْدَ فيه مِن جهَة المعنى (¬3). (لِلْجَنَابَةِ) أي: لأجل الغُسْل منَ الجنَابة أو الحَيض أو النفاس. زَادَ مُسْلم "فقالَ: لا" (¬4). وهذا محمول عند جمْهُور العُلماء على أن شَعرهَا كانَ يصل الماء إلى أُصوله (¬5) مِن غير نقض، وحَكى أصحَابنَا عن النخعي وجُوب نقضها مُطلقًا. وحكى ابن المنذر عَن الحَسَن وطاوس: أنه لا ينقض في الجنَابة وينقض في الحَيض (¬6). قال ابن قدَامة: اتفق الأئمة الأربعة على أن نقضه غَير واجب لحَديث أُم سَلمة، إلا أن يَكون في رأسها حَشو أو سدر يَمنع وصُول الماء إلى ما تحته فيَجب إزالته، وإن كانَ خَفيفًا لم يمنع؛ لم يجب والرجُل والمرأة في هذا (¬7) سواء وإنما خصت المرأة بالذكر؛ لأن الغالب اختصاصهَا بكثرة ¬

_ (¬1) من (د، ظ، م). (¬2) في (ظ، م): أفأنتقضه. (¬3) "المفهم" 1/ 585. (¬4) "صحيح مسلم" (330) (58). (¬5) في (ص، م): أصول الشعر. واضطربت العبارة كلها في (س). (¬6) "الأوسط" لابن المنذر (2/ 257). (¬7) زاد هنا في (ظ، م): على.

الشعر وتوفيره وتطويله (¬1). قَالَ: (إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْفِنِي) بكسْر الفاء روَاية مُسْلم: "أن تحثي على رأسك ثلاث حَثيات" (¬2). (ثَلاثًا) والحَفنَة بفتح الحَاء ملء الكفين من أي شيء كَان والحَفنات بمعنى الحثيَات. (وَقَالَ زُهَيرٌ) بن حَرب في روايته: (تَحْثِي عَلَيْهِ ثَلاثَ حَثَيَاثٍ مِنْ مَاء) يُقال: حثيت أحثي حثيًا وحثيات، وحثوت أحثو حَثوًا وحثوات لغتان فصَيحتَان (ثُمَّ تُفِيضِي) [بفتح أوله] (¬3) أصلهُ تفيضين فسَقطت النون؛ لأنه معطوف على منصُوب أي: تصبِّين (على) رَأس أعضَائك. (سَائِرِ) أي: بَاقي (جَسَدِكِ فَإِذَا) بالتنوين عِوض عن الجملة أي: فإذا (أَنْتِ) فعَلت ذلك [(قد طهرت)] (¬4) والمعنى فتصيرين طَاهِرة بعد إيصَال الماء إلى جَميع أعضائك. [252] (ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، قال: حَدَّثَنَي) عَبد الله (ابْنُ نَافِعٍ) المَدَني (الصَّائِغَ) بالصَّاد المهملة والغين المُعجمة آخِره. قالَ ابن معين: ثقة (¬5) (عَنْ أُسَامَةَ) بن زيد الليْثي (عَنِ) سَعيد بن أبي سَعيد (الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ بهذا الحَدِيثِ) المذكور. ¬

_ (¬1) "المغني" 1/ 299. (¬2) "صحيح مسلم" (330) (58). (¬3) كذا في جميع النسخ. ولعل موضعها بعد قوله: تحثي. (¬4) من (م) ومصادر التخريج. (¬5) "تاريخ ابن معين" (532).

(قَالَتْ) أُم سَلمة (فَسَأَلْتُ لَهَا النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - بِمَعْنَاهُ) المتقدم و (قَالَ فِيهِ وَاغْمِزِي) بهمزة وصل وكسر الميم والغَين والزاي مُعجمتَان أي: اطعني (¬1) والغَمْز هو التحريك بشدة (قُرُونَكِ) واحِدُهَا قرن وهو شيء مجموع مِن الشعر أي: حَرِّكي ذَوَائِبَ شعر رَأسك الملتفة ليصل الماء إلى أصُول الشعر. قال ابن الأثير: غمزها كبْسهَا (¬2) باليَد ليدْخل الماء (¬3) فيها، أي: في أُصُول شَعرها؛ [فإن وصل الماء إلى جميع شعرها ظاهره وباطنه من غير نقض الشعر، لَمْ يجب نقضه] (¬4). (عِنْدَ كلِّ حَفْنَةٍ) بفتح الحاءِ مِنَ الماء. [253] (ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، قال: ثَنَا يَحْيىَ (¬5) بْنُ أَبِي بُكَير) بِضم البَاء الموَحَّدَة مُصغَّرٌ العَبْدِي قاضي كرمَان. (قال: ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ) المخزومي (عَنِ الحَسَنِ بْنِ مُسْلِم) ابن يَناق بفتح المثناة تحت، ثمَّ نون ثم قاف آخره، أخرجَ له الشيخان. (عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيبَةَ) ابن عُثمان الحجبي العَبْدري الصحَابي وهي (¬6) من صغار الصحَابة (عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: كَانَتْ إِحْدَانَا) أي: إحدى أزوَاج النبي - صلى الله عليه وسلم - وللحَديث حكم الرفع؛ لأن الظاهِر اطِّلاع النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) في (ظ، م): المعنى. (¬2) في (م، ظ): لينها. (¬3) "جامع الأصول من أحاديث الرسول" 7/ 291. (¬4) تقدمت هذه العبارة في (ص، س) فوقعت قبل قول ابن الأثير. (¬5) كتب فوقها في (د): ع. (¬6) في (ص، س، م): وهو.

على ذَلك؛ لأن قول الصحابي: كنا نفعَل كذا لهُ حُكم الرَّفع، سواء صَرحَ بإضَافته إلى زَمَنِهِ - صلى الله عليه وسلم - أم لا وبه جزم الحاكم (¬1). (إِذَا أَصَابَتْهَا جَنَابَةٌ أَخَذَتْ) بيديها كذَا للبخَاري (¬2) (ثَلاث حَفَنَاتٍ) بفتح الحَاء والفاء جَمع حَفنة كسَجدة وسَجَدَات وفي بَعض النسَخ: حَفنات بسكون الفاء تخفيفًا وقالت: (هَكَذَا تَعْنِي) بفتح المثناة فوق أي: تعني: ثلاث حَفنات. (بِكَفَيهَا جَمعًا) بسُكون الميم وروي جَميعًا بزيَادَة اليَاء يَعني الماء (فَتَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا) أي: ثلاثًا وبوَّب عليه البخاري باب من بدأ بشق رأسه الأيمن. (وَأَخَذَتْ [بِيَدٍ وَاحِدَةٍ] (¬3) فَصَبّتْهَا عَلَى هذا الشِّقِّ) بِكَسْر الشين نصف الشيء يَعني: الجَانب الأيمن (و) أخذت بِيَدها (الأُخْرَى) فَصبتها [(عَلَى الشِّقِّ الآخَرِ)] (¬4) يَعني: الأيسر كما للبخَاري (¬5) وفيه دليل على الابتداء بالميَامِن في الطهَارة. [254] (ثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ) الجَهضمِي، قال: (ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ دَاودَ) بن عَامِر الهمداني أخرج لهُ البخَاري (عَنْ عُمَرَ (¬6) بْنِ سُوَيْدٍ) وثق (¬7) (عَنْ ¬

_ (¬1) "معرفة علوم الحديث" للحاكم 1/ 21. (¬2) "صحيح البخاري" (277). (¬3) في (س): بيدها جرة. وهو خطأ. (¬4) أخرجه البخاري (277). (¬5) أخرجه البخاري (277). (¬6) كتب فوقها في (د): د. (¬7) "الكاشف" للذهبي 2/ 313.

عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ) بن [عُبيد الله] (¬1) أمها أم كلثوم بنت الصِّديق كانت بديعَة الحُسْن ضَخْمةً جدا، أصدَقها مُصعب ألف ألف درهم (¬2) (¬3) (عَنْ) خَالتهَا (عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: كُنَّا) يَعني: أزوَاج النبي - صلى الله عليه وسلم - كما تقدم. (نغتسل) أي: من الجنَابة والحَيض وغَير ذلك. (وَعَلَينَا) أي: على رؤوسنَا (الضِّمَادُ) بِكسْر الضاد المعجمة وهو لطخ الشعر بالطيب والعَسَل (¬4) ونحوهما مما يلبد الشعر ويمسكه، وفي الحَديث ضَمِّدْهُمَا يَعني: عينَيك بالصبر (¬5)، أي: ألطخهما به (وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -) هذا تَصريح بأنهم كانوا معه - صلى الله عليه وسلم -، وفي زَمنه بخلاف الحَديث الذي قبله. (مُحِلَّاتٌ وَمُحْرِمَاتٌ) بِضَمِّ الميمَينِ أولهما أي: فلا ننقض شعُورنا للاغتسَال، لا في حَال الإحرَام ولا في غَيره. [255] (ثَنَا محمد بْنُ عَوْفٍ) بن سُفيان أبو (¬6) جَحفر الطائي الحِمصي الحَافظ (¬7)، وثَّقَهُ النَّسَائي (¬8) وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: مَا كان بالشام مُنذ أربعين سنة مثله (¬9). ¬

_ (¬1) في (د، م): عبد الله. (¬2) في (ص): دور. وفي (د): روت. وفي (س): دون. (¬3) "تهذيب الكمال" 35/ 237 (7888). (¬4) في (ص، س): الغسل. (¬5) أخرجه مسلم (1204) (89). (¬6) في (ص): ابن. (¬7) "الكاشف" (5098). (¬8) "مشيخة النسائي" (196). (¬9) "سير أعلام النبلاء" 12/ 615.

(قَالَ: قَرَأْتُ فِي أَصْلِ إِسْمَاعِيلَ) بْنِ عَيَّاشٍ بالمثناة تحت (وَثَنَا مُحَمَدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) فصَرَّحَ بالتَّحديث (عَنْ أَبِيهِ) (¬1) إسماعيل بن عَياش العَنْسي الحمصي (¬2) عَالم أهل الشام في عَصره قال: (حَدَّثَنِي ضَمْضَمُ) بفَتح الضادين (¬3) المعجمَتين (بْنُ زُرْعَةَ) بن ثوب (¬4) الحضرمي الحمصي ذكره ابن حبَّان في "الثقات" (¬5)، (عَنْ شُرَيْحِ) بِضَم الشين (بْنِ عُبَيدٍ) ابن شريح الشامي الحِمْصي قال النسَائي: ثقة (¬6)، وذكرهُ ابن حبان في "الثقات" (¬7). (قَالَ: أفتاني (¬8) جُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ) الحَضرمي أخرج له مُسْلم في مواضع وهو أدرك الجَاهلية. (عَنِ الغُسْلِ مِنَ الجَنَابَةِ أَنَّ ثَوْبَانَ) ابن بجدَدْ مَولى رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - (حَدَّثَهُمْ أَنَّهُمُ اسْتَفْتَوا النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: أَما الرَّجُلُ فَلْيَنْشُرْ) شعر (رَأْسَهُ) بالتحريك ليصَل الماء إلى أُصوله مِن النشر ضد الطي. (فَلْيَغْسِلْهُ حَتَى يَبْلُغَ) الماء (أُصُولَ الشَّعْرِ) فيه دَليل على وجوب غسل بشرة الرأس واللحية؛ لأن مَا بين الشعر بشرة (¬9) يمكن إيصَال الماء إليهَا ¬

_ (¬1) وضعفي (د) فوقها: 4. (¬2) زاد في (ص، ل): العسا. وفي (م): الغسلى. وفي (د): الغسيل. ولم أتبينها. (¬3) في الأصول: الضاد. (¬4) في جميع النسخ: ثور. عدا (د) فإن فيها: نون. والمثبت من المصادر. (¬5) "الثقات" لابن حبان 6/ 485. (¬6) "تهذيب الكمال" 12/ 447. (¬7) "الثقات" لابن حبان 4/ 353. (¬8) في (ص، س): أنبأني. (¬9) سقطت من (ص، س، ل).

من غَير ضرر فلزمه (¬1) إيصَال الماء إليه كسَائر بشرته. (وَأَمَّا المَرْأَةُ فَلاَ) حَرَجَ (عَلَيهَا أَنْ لاَ تَنْقُضَهُ) بل (لِتَغْرِفْ) بِكَسْر لام الأمر (عَلَى رَأْسِهَا) مِنَ الماء (ثَلاَثَ غَرَفَاتٍ) بفتح الغَين والراء وتسكن الراء تخفيفًا عند قَوم (بِكَفيهَا) في هذِه الروَاية حَذف يُوضحُهُ روَاية مُسْلم: "إنما يكفيك أن تحثي على رَأسك ثلاث حَثيات، ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين" (¬2). فبَيَّن في هذِه الروَاية أنها تُفيض على جسَدِها الماء بعد الثلاث غَرَفَات، وظاهِر الحَديث أن الرجُل يجبُ عليهِ إيصَالُ الماء إلى أصُول شعره بخلاف المرأة، ولم أجد من قال به، ولعَل الوجه في ذلك أن الرجُل لما كان الغالب في جنسه قلة الشعر اشترط عليه إيصال الماء إلى أُصُول الشعر؛ إذ ليسَ فيه مشقة ظاهِرة بخلاف النسَاء فإن الغالب عَليها غزارة الشعَر وطوله، وهُنَّ يجتهدن في تطويله والتداوي لذلك، ويتفاخَرنَ بِذَلك فكانَ إيصَالُ الماءِ إليهِ (¬3) فيه مشقة كبيرة وقد يكون في نقض (¬4) الشعر مشقة أيضًا، فسُومحوا لذَلكَ بالاكتفاء بثلاث غَرَفات مع غَمْز الشعر وكبسه وتحريكه كما تقدم. * * * ¬

_ (¬1) في (د): فيلزمه. (¬2) تقدم. (¬3) سقطت من (م، ظ). (¬4) في (س، م): بعض.

102 - باب في الجنب يغسل رأسه بالخطمي أيجزئه ذلك

102 - باب في الجنبِ يغْسِلُ رَأْسَهُ بالخِطْمِيّ أيُجْزِئهُ ذَلِكَ 256 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زِيادٍ، حَدَّثَنا شَرِيك، عَنْ قَيْسِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ رَجُل مِنْ بَنِي سواءَةَ بْنِ عامِرٍ، عَنْ عائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كانَ يَغْسِل رَأْسَه بِالخطمِيِّ وَهُوَ جنُبٌ، يجتَزِئُ بِذَلِكَ وَلا يَصبُّ عَلَيْهِ الماءَ (¬1). * * * باب في الجنب يغسل رأسه بخِطمِيٍّ أيجزئه ذلك؟ [256] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زِيَادٍ) أبُو عمران الوركاني (¬2) خراسَاني نزل بغداد أخرج له مُسْلم في الإيمان والنكاح والبيوع. (قال: ثَنَا شَرِيك) بن عَبد الله بن أبي شريك (¬3) النخعي القاضي أدركَ زمَن عُمر بن عَبد العَزيز، واستشهد به البخاري في "الجَامع" وروى لهُ في "رفع اليدَين في الصلاة"، وروى لهُ مُسْلم في المتَابعَات (¬4) (عَنْ قَيسِ بْنِ وَهْبٍ) الهَمْدَاني وثقوهُ (¬5) (عَنْ رَجُلٍ مِنْ سُوَاءَةَ) بضم السِّين والمدِّ (بْنِ عَامِرٍ) أي: من بَنِي سُوَاءة. (عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ يَغْسِلُ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ) بِكَسْرِ ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 1/ 182 من طريق أبي داود. وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (39). (¬2) في (ص، ل): الوركالي. (¬3) في (ص): مدين. وفي بقية النسخ: مرثد. (¬4) وهو ثقة في نفسه لكن ساء حفظه رحمه الله، والكلام فيه كثير، وجملة القول فيه ما قدمنا. (¬5) "تهذيب الكمال" 24/ 87.

الخاء المعجمة الذي يغسل به الرأس كَذا للجوهري (¬1)، وقال الأزهري: هو بفتح الخاء ومن قال: خِطمي بكسْر الخاء فقد لحَن (¬2). (وَهُوَ جُنُبٌ) أي: في حَال الجنَابة، والمُرَاد أنهُ إذا أجنَبَ يغتسل منهَا بالخطمي (ويَجْتَزِئُ بِذَلِكَ) أي: أنهُ كانَ يكتفي بالماء المخلوط (¬3) الذي يغسل به الخطمي، وَينوي به غسل الجنابة ولا يستعمل بعْده ماءً آخر صَافيًا (¬4) يخصُّ به الغسْل، وهذا فيما إذا وضع السِّدر على الرأس، وغسله به فإنهُ يُجزيه ذلك. (وَلاَ) يحتاج أن (يَصُبُّ عَلَيهِ المَاءَ) (¬5) ثانيًا [مجردًا للغسل] (¬6) والضمير في عليه عائذ على الخِطمي ولم تتعرض عائشة (¬7) لإفاضَة الماء على جَسَده أما إذا طَرحَ السِّدْر في مَاء (¬8)، ثم غسل به رَأسه فإنه لا يجزِئه ذلك المخلوط (¬9) بل لا بُدَّ من الماء القَرَاح (¬10) بَعْدَهُ فلينتبه ¬

_ (¬1) "الصحاح" للجوهري (خطم). (¬2) "لسان العرب" (خطم). (¬3) ساقطة من (ص). (¬4) في النسخ: صافي. والجادة ما أثبتناه. (¬5) انفرد به أبو داود بهذا اللفظ، وهو حديث ضعيف لجهالة الرجل من بني سواءة، وسوء حفظ شريك رحمه الله، والحديث ضعفه الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" (39). (¬6) ساقطة من (ص، س، ل). (¬7) في (ص، س، ل): على نفسه. (¬8) في (د، م): الماء. (¬9) ليست في (د، س، م). (¬10) الماء القراح هو الصافي الذي لم يخالطه شيء.

لذلك لِئَلَّا يلتبس وقد نَبَّهَ على ذلك صَاحب "فوائد المهذب" في الجنائز ويحتمل أنه عليه السلام غسَل رأسهُ بالماء الصافي قَبل أن يغسلهُ بَالخطمي؛ فارتفعت الجنابة، عن رَأسه، وإن [بقيت في سائر الأعضاء] (¬1) ويحتمل أن الخطمي كان قليلًا والماء لم يفحش تَغَيُّرُهُ (¬2) وفي هذا الحَديث دليل على (¬3) الاكتفاء بِمَرة واحِدَة، لكن التثليث سُنة. * * * ¬

_ (¬1) في (ص، ل): يغتسل بطهر الأنبياء. وفي (س): يغسل يطهر. وتصحفت (بقيت) في (م) إلى: يغتسل. (¬2) سقطت من (ص، س، ل). (¬3) في (ص، س، ل): على أن.

103 - باب فيما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء

103 - باب فيما يَفِيض بَينَ الرَّجل والمَرْأةِ من الماءِ 257 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ رافِع، حَدَّثَنا يحيى بْن آدَمَ، حَدَّثَنا شَرِيكٌ، عَنْ قَيْسِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سواءَةَ بْنِ عامِرٍ، عَنْ عائِشَةَ فِيما يَفِيضُ بَيْنَ الرَّجُلِ والْمَرأَةِ مِنَ الماءِ، قالَتْ: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يأْخُذُ كَفًّا مِنْ ماء يَصبُّ عَليَّ الماءَ، ثُمَّ يَأْخذُ كَفًّا مِنْ ماءٍ، ثُمَّ يَصُبُّه عَلَيْهِ (¬1). * * * باب فيما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء [257] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ) بن أبي زيد سَابور القشيري (¬2) الزاهِد السابوري، بعَث ابن طَاهِر إليه بخمسة آلاف درهم على يدي رسُول لهُ فدَخَل عليه وهو يَأكل الخبز معَ الفجل فوَضعَ الكيس بينَ يديه فقال: خذ خذ لا أحتَاج إليه، فإن الشمس قد بلَغت رءوس (¬3) الحِيَطان بعد سَاعة تغرب، قد جَاوزت الثمانين فذهَبَ الرسُول بالمَال فدَخل ابنه فقَال: يا أبَت ليسَ لنا الليلَة خُبزٌ. قال ابن دلويه: وربما خرجَ إلينا في الشتاء وقد لبسَ لحَاف النوم (¬4). قال: (ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ) (¬5) ابن سُليمان الأموي مولاهم، أحَد ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 153. وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (40). (¬2) في (م، ظ): المقبري. (¬3) في (د، م، ظ): رأس. (¬4) "الجامع لأخلاق الراوي" 1/ 368. (¬5) وضع فوقها في (د): ع.

الأعلام (قال: ثَنَا شَرِيكٌ) ابن عَبد الله النخعي. (عَنْ قَيسِ بْنِ وَهْبٍ) الهمْدَاني. (عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُوَاءَةَ) بضم السِّين (بْنِ عَامِرٍ) بن صَعصَعَة بطن مِنْ قيس. (عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - فِيمَا يَفِيضُ) بِفَتح أوله (بين (¬1) الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مِنَ المَاءِ) يعني: أنه سَأل عَائشة عن المَاء (¬2) الذي ينزل بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ من المذي والمَني ومَا حُكمه؟ . (قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَأْخُذُ كفّا مِنْ مَاءٍ يَصُبُّ عَلَى المَاء) أي: يَصُبّه على الماء الذي يَنزل منهُ عندَ مُبَاشرتها ويُروى: "يصبُ عليَّ" بتشديد الياء مَاء، وفيه حجة لما ذَهَبَ إليه أحمد بن حَنبل في المذي أنه يَكْفِي في غسْله رَشُّ كفٍّ من مَاء لحَديث سَهل الآتي. (ثُمَّ يَصُبُّهُ عَلَيهِ) يَعني: الماء البَاقي منهُ. قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: حَديث سَهل بن حَنيف في المذي ما تقول فيه؟ قال الذي يرويه ابن إسَحاق. قلتُ: نَعَمْ. قال: لاَ أعلم شَيئًا يُخَالفهُ (¬3). وهو ما روى سَهْل بن حَنيف قال: كُنت ألقى مِنَ المذي شدة وأذى، فذكرتُ ذَلك لرسُول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬4). فقالَ: "يُجزئُكَ منهُ (¬5) الوضوء". قُلتُ: كيف بما أصَاب ثَوبي منه. قال: يَكفيك أن تأخُذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فتَنضَح به حَيث ترى أنه أصَاب منهُ". قال الترمذي: حَديث حَسَن صَحيح (¬6). * * * ¬

_ (¬1) في (ص، س): من. (¬2) ليست في (د). (¬3) "المغني" 2/ 491. (¬4) تقدم. (¬5) في (م، ظ): من. (¬6) "جامع الترمذي" (115).

104 - باب في مؤاكلة الحائض ومجامعتها

104 - باب فِي مؤاكَلَةِ الحائِضِ وَمجامَعَتِها 258 - حَدَّثَنا موسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، حَدَّثَنا ثابِث البُنانِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ، أَنَّ اليَهودَ كانَتْ إِذا حاضَتْ مِنْهُمُ امْرَأةٌ أَخْرَجوها مِنَ البَيْتِ وَلم يُؤاكِلُوها وَلَمْ يُشارِبُوها وَلَمْ يُجامِعُوها فِي البَيْتِ، فَسُئِلَ رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ سبْحانَهُ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] إِلَى آخِرِ الآيَةِ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "جامِعُوهُنَّ فِي البُيُوتِ واصْنَغوا كُلَّ شَيءٍ غَيرَ النِّكاحِ". فَقالَتِ اليَهُودُ: ما يُرِيدُ هذا الرَّجل أَنْ يَدَعَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِنا إلَّا خالَفَنا فِيهِ. فَجاءَ أسَيْدُ بْن خضَيْرٍ وَعَبّادُ بْنُ بِشْير إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقالا: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ اليَهُودَ تَقُول كَذا وَكَذا، أفَلا نَنْكِحهُنَّ فِي المَحِيضِ؟ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى ظَنَنّا أَنْ قَدْ وَجَدَ عَلَيْهِما، فَخَرَجا، فاسْتَقْبَلَتْهُما هَدِيَّة مِنْ لَبَنٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَبَعَثَ فِي آثارِهِما، فَسَقاهُما، فَظَنَنّا أَنَّه لَمْ يَجِدْ عَلَيهِما (¬1). 259 - حَدَّثَنا مسدد، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن داودَ، عَنْ مِسْعَر عَنِ الِمقْدامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: كُنْتُ أَتَعَرَّقُ العَظْمَ وَأَنا حائِضٌ، فَأُعطيهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَضَعُ فَمَهُ فِي المَوْضِعِ الذِي فِيهِ وَضَعْتُهُ، وَأَشْرَب الشَّرابَ، فَأُناوِلهُ، فَيَضَعُ فَمَهُ فِي المَوْضِعِ الذِي كُنْتُ أَشْرَبُ مِنْه (¬2). 260 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن كَثِيرٍ، حَدَّثَنا سفْيانُ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ صَفِيَّةَ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: كانَ رَسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَضَعُ رَأْسَهُ في حِجْرِي فَيَقْرَأ وَأَنا حائِض (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه مسلم (302). (¬2) رواه مسلم (300). (¬3) رواه البخاري (297)، ومسلم (301).

باب مؤاكلة الحائض ومجامعتها [258] (ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التبوذكي، قال: (ثَنَا حَمَادٌ) ابن سَلمة، قال: (ثَنَا ثَابِتٌ) ابن أسْلم (الْبُنَانِيُّ) بِضَم البَاء يقَال: بُنَانة الذي منهم ثابت هُم بَنُو سعْد بن لؤي بن غالب، وبُنانة هي أمَةٌ لسَعْدٍ، حَضَنتْ أولاده فنُسبُوا إليها. (عَنْ أنسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - أَنَّ اليَهُودَ كانَتْ) روَاية مُسْلم: "كانوا" (¬1). وكلاهما جَائز. (إِذَا حَاضَتْ مِنْهُمُ المرْأة (¬2) أَخْرَجُوهَا مِنَ البَيتِ) الذي هم فيه حَتى لا يسَاكنوها. (وَلَمْ يُؤَاكلُوهَا) روى الترمذي عن عَبد الله بن سَعد قال: سَألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مؤاكلة الحائض فقال: "واكلْها". وقال: حَديث حَسن. قال: وقول عَامة أهل العلم، لم يروا بمؤَاكلة (¬3) الحائض بأسًا (¬4). (وَلَمْ يُشَارِبُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهَا فِي البَيتِ) أي: لم يخالطوهن ولم يُسَاكنوهنَّ في بَيت واحدٍ، والمرَادُ باليهُودِ في هذا الحَديث: يَهُودُ المدينة ومَا وَالاهَا، كانوا قَد استَنُّوا بسُنَّة بني إسرائيل في تجنب مُؤَاكلة الحَائض ومُسَاكنتها. (فَسُئِلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ) رَوَى الطبري (¬5) عن السُّدي أن السَّائل ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (302). (¬2) في (ص): امرأة. (¬3) في (ص): في مؤاكلة. (¬4) "جامع الترمذي" (133). (¬5) في (د): الطبراني.

عَن ذلك هو ثابت بن الدَّحدَاح. (¬1) وقيل: هو أُسيد (¬2) بن حُضَير وعباد بن بشير. قال القرطبي: وهو قولُ الأكثرين (¬3) (فَأَنْزَلَ الله تعالى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} (¬4). قال الطبري (¬5): المحيض اسم للحيض، وقيل: مصدر كالحيض (¬6) ومثله المقيل (¬7) من قال يَقيل ({قُلْ هُوَ أَذًى}) أي شيءٌ يتأذَّى برائحتهِ الرَّجُل والمرأة وغَيرهما، والأذى لفظ جَامِع لأشياء تؤذي، وسُمي الحَيض أذى؛ لأنه دَم وقذر ومنتن وخارج من سبيل البَول ({فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}) أي: في زمَان الحَيض، إن حَمَلْتَ الحَيض على المَصدر، أو مَحَلّ الحيض إن حَمَلته على الاسم، [ومَذهَبنَا أن هذا الثاني هَو الحيض وليس الدم] (¬8). قال القرطبي: مقصود هذا النهي تَركُ المجَامعَة، فروي عَن ابن عَباس، وعَبيدة (¬9) السَّلماني أنه يجب أن يعتزل الرجل فراش زَوْجَته إذا حَاضت (¬10)، وكذا حكى الرافعي في النكاح أن الزوج يجتَنب مِنَ ¬

_ (¬1) "تفسير الطبري" 4/ 374. (¬2) في (د، م، ظ): أسد. (¬3) "الجامع لأحكام القرآن" 3/ 80. (¬4) البقرة: 222. (¬5) "تفسير الطبري" 4/ 374. (¬6) في (ص، ل): كالحيط. وفي (س): كالحنطة. (¬7) في (ص، س): المعتل. (¬8) سقطت من (م، ظ). (¬9) في (ص، س، ل): عنده. (¬10) "الجامع لأحكام القرآن" 3/ 86.

الحَائض جَميع بدنها (¬1). وهذا قول شاذ خَارج عن أقوال العلماء، وإن كانَ عموم الآية يقتضيه، فالسُّنَّة الثابتة بخلافه، وقد دَخَلت على ابن عَباس خَالته ميمونة وقالت له: أراغب أنت عَن سُنة رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - (إِلَى آخِرِ الآيَةِ) أي: إلى قوله تعالى: {يُحِبُّ} (فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: جَامِعُوهُنَّ) أَمْرُ إباحَة (فِي البُيُوتِ) بخلاف مَا كانت اليهُود تعتقدهُ مِنَ التحريم. (وَاصْنَعُوا كلَّ شَيءٍ) مِن أنواع الاستمتاع ([غيرَ) ولفظ مُسْلم] (¬2) "إلا" (¬3) (النِّكَاحِ) استَدَلَّ به النَّووِي على أنَّ الاستمتاع فيما بين السُّرَّة والركبة غَير القُبُل والدبر ليس بحَرام؛ ولكنَّهُ مكروهٌ كراهة تنزيه، وهو وجه لأصحَابنَا، ثُمَّ قال النَّوَوي: هوَ أَقْوى يَعني مِنَ الوجهين الأخيرين مِن حَيث الدَّليل فَهُوَ المختَار. قالَ: ومِمَّنْ ذَهبَ إلى الجَواز عكرمة، ومحمد بن الحَسَن، وأصبغ، وإسحاق بن راهويه وأبو ثور، وابن المنذر والثوري (¬4) والأوزاعي، وأحمد بن حَنبل (¬5)، واستدل لهذا الوَجه بقوله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} (¬6) والمحيض اسم لمكان الدم؛ فتخصيصه بموضع الدم بالاعتزال دَليل على إباحَته فيما عدَاه وقوله هنا في الحديث: "افعلوا ¬

_ (¬1) "الشرح الكبير" 8/ 181. (¬2) سقطت من (م، ظ). (¬3) "صحيح مسلم" (302). (¬4) في (ص): النووي. (¬5) "الأوسط" 2/ 336. (¬6) البقرة: 222.

كل شيء، إلا النكاح" تفسير لمرَاد الله تعالى، ولأن الله تعالى منَع الوَطء لأجل الأذى فاختص بمحَله وأمَا اقتصار النبي - صلى الله عليه وسلم - في مُبَاشرته على ما فوق الإزار؛ فمحمول على الاستحبَاب والله أعلم (¬1). (فَقَالَتِ اليَهُودُ) يهود المدينة وما والاها: (مَا يُرِيدُ هذا الرَّجُلُ) يعني: النَّبي - صلى الله عليه وسلم - (أَنْ يَدَع شَيئًا مِنْ أَمْرِنَا) أي: من أحكام ديننا (إلَّا خَالَفَنَا فِيهِ فَجَاءَ أُسَيدُ بْنُ حُضَيرٍ) هُما بِضَم أولهما وحُضَير بالحَاء المهملة وفتح الضاد المُعجمة. (وَعَبَّادُ) بفتح العَين المهملة، وتشديد الموَحدة (بْنُ بِشْرٍ) بِضَم الموَحدة وسُكون المعجمة الأنصَاري (¬2) الأشهلي من جلة الصَّحَابة شهدَ (¬3) بدرًا والمشاهد، وأضاءت له عصَاه لما خرجَ من عند النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬4)، استشهد يوم اليمامة (¬5) (إِلَى النبي - صلى الله عليه وسلم - فَقَالاَ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّ اليَهُودَ تَقُولُ كَذَا وَكَذَا أَفَلاَ نَنْكِحُهُنَّ) بفتح النون الأولى وسُكون الثانية (فِي المَحِيضِ). روَاية مُسْلم: "أفلا نجامعهن" (¬6). (فَتَمَعَّرَ) بتشديد العَين المُهملة أي: تغير كما في روَاية مُسْلم: فتغيَّر (وَجْهُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -) عندَ سَمَاع كلامهما (¬7) (حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ) أي: أنهُ (قَدْ ¬

_ (¬1) "شرح النووي" 3/ 205. (¬2) سقطت من (د). (¬3) في (م): شهدوا. (¬4) رواه البخاري (3805) عن أنس - رضي الله عنه -. (¬5) "الإصابة" 3/ 496 (4473). (¬6) "صحيح مسلم" (302). (¬7) في (ص، س): كلامها.

وَجَدَ) أي: غضب (عَلَيْهِمَا) قال القرطبي: تغيّر وجه رسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، إنما [كانَ ليبين] (¬1) أن الحامِل على مشروعية الأحكام إنما هوَ أمر الله تعالى ونهيه؛ لا مخالفة أحَد ولا موَافقته كما ظَنَّا (¬2). (فَخَرَجَا) مِن عنده (فَاسْتَقْبَلَتْهُمَا هَدِيَّةٌ مِنْ لَبَنٍ إِلَى النبي - صلى الله عليه وسلم -) فيه أن الهَدية هي التي تنقل إلى المهدي لهُ إكرامًا وفيه قبول النبي - صلى الله عليه وسلم - الهَدية ولكن كانَ يكافئ عليهَا، ولا يقبل الصَّدَقة؛ لأنهَا أوسَاخ الناس. (فَبَعَثَ) رسولًا (فِي آثَارِهِمَا) فجَاءا (فَسَقَاهُمَا) مِنَ اللبَن (فَظَنَنَّا). روَاية مسلم: "فعَرفنا" (أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ) بِكَسْر الجيم أي: لم يَغضب (عَليَهما) (¬3) والمصدر منه مَوْجِدة بفتح الميم وكسر الجيم. قال القُرطبي: لما خرجَا من عنده وتركاهُ على تلك الحالة خاف عليهما أن يحزنا وأن يتكدر حَالهما فاستدرك ذلك [بسقيهما اللبن] (¬4) واستمالهما وأزال عنهما ما أصَابَهُما؛ رَأفة منه ورَحمة لهما، على مُقتضى خُلقه الكريم كما قال تعَالى: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (¬5). [259] (ثَنَا مُسَدَّدٌ، قال: ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ دَاودَ) تقدم (¬6) (عَنْ مِسْعَرٍ) ¬

_ (¬1) في (د): كالتبيين. وفي (س): كان لينبه على. (¬2) "المفهم" للقرطبي 1/ 561. (¬3) أخرجه مسلم (302)، والترمذي (2977)، والنسائي 1/ 152 مختصرًا، وفي 1/ 187، وابن ماجه (644) مختصرًا، وأحمد 3/ 132 من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس، به. (¬4) في (ص): سعتهما اللين. (¬5) "المفهم" 1/ 561. (¬6) سبق (245).

بكسر الميم، ابن كدام (عَنِ المِقْدَامِ بْنِ شُرَيْح، عَنْ أَبِيهِ) شريح بن هَانئ المذحجي أصْله منَ اليَمن أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يَرَهُ وكانَ من كبار أصحَاب علي، شَهد الحكمَين بدومة الجندَل وفد أبوهُ هَانئ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال مَا لك منَ الوَلد؟ فقال: لي شريح وعبد الله ومسلم (¬1) قالَ: فمن أكبرهم؟ قالَ: شريح. فقالَ: أنت أبُو شريح (¬2). فدَعَا لهُ ولوَلدِهِ، قُتل في ولاية الحَجاج بن يُوسف فقال (¬3) وهو يَرتَجز قبل أن يقتل: قَد عشتُ بيَن المشركين أعصرا تُمَّتَ أدركتُ النبي المنذرَا وبعده صديقه وعمرَا ويوم مهران (¬4) ويوم تسترا والجمع في صفينهم والنهرا هيهَات مَا أطوَل هدا عمرَا (¬5) روى له البخاري في "الأدَب" وفي "أفعَال (¬6) العَبَاد" (عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: كنْتُ أَتَعَرَّقُ) بِفَتح المهملة والراء المشَددة. (الْعَظْمَ) أي: آكل مَا عليه من اللحم بأسناني يقال: تعرقتهُ، واعترقته (وَأنا حَائِض فَأُعْطِيهِ (¬7) النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فَيَضَعُ فَمَهُ) بإثبات الميم وهي لغة ¬

_ (¬1) في النسخ: عبد الله. والمثبت من مصادر ترجمته. (¬2) أخرجه أبو داود (4955)، وسيأتي شرحه والكلام عليه إن شاء الله تعالى. (¬3) في (ص، ل): يقال. (¬4) في (ص، ل): مهزات. وفي (س): مهرات. (¬5) "تاريخ الطبري" 6/ 323، "سير أعلام النبلاء" 4/ 107 - 109 (33). (¬6) في (م، ظ): أهوال! (¬7) في (م، ظ): فأعطيته. وبياض في (ل).

فاشية (¬1) نظمًا ونثرًا، وفي الحَديث: "لَخُلوفُ فَم الصَّائم" (¬2)، وزعم أبو علي: أن الميم لا تثبت إلا في الشعر كقول الشاعِر نحو: يُصبحُ ظمآنًا وفي البحر فمه وتابَعه ابن عصفور وغَيره، وهذِه الأحَاديث حجة عليهما (¬3). (فِي المَوْضِعِ الذِي فِيهِ وَضَعْتُهُ) فيه كمال توَاضعه - صلى الله عليه وسلم - وحُسن مُعَاشرته، وإظهَار المحبة لزوجاته. (وَأَشْرَبُ الشَّرَابَ فَأناوِلُهُ فَيَضَعُ فَمَهُ فِي المَوْضِع الذِي كُنْتُ أَشْرَبُ) (¬4) روَاية مسلم (¬5): كنت أشرب وأنا حَائض فأناوله (¬6) النبي - صلى الله عليه وسلم - فيَضَع فاهُ على مَوضع فيَّ فيشرب. وهذِه الأحَاديث مُتفقَة على الدلالة على أن الحائض لا ينجس منها شيء، ولا يجتنب منها إلا موضع الأذى فحسب. [260] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، قال: ثَنَا سُفْيَانُ) ابن سَعيد الثوري، (عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) الحجبي (عَنْ) أمه (صَفيَّةَ) بنت شيبة من صغار الصحَابة، (عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: كان رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَضَعُ رَأْسهُ فِي حَجْرِي) بفتح الحَاء وقد تكسَر. ¬

_ (¬1) في (س): فارسية. (¬2) أخرجه البخاري (1904)، ومسلم (1151) (161). (¬3) في (م): عليها. (¬4) أخرجه مسلم (300/ 14)، والنسائي 1/ 56، وابن ماجه (643)، وأحمد 6/ 127. من حديث المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة. (¬5) سقطت من (ص، س، ل). (¬6) في (م، ظ): فتناوله.

لفظ البخاري: "يتكئ في حجري ثم يقرأ القرآن" (¬1). وللبخَاري (¬2) في التوحيد: كانَ يقرأ القرآن ورَأسهُ في حجري وأنا حَائض (¬3) فَيَقْرَأُ وَأَنَا حَائِضٌ (¬4). قال ابن دَقيق العيد: في هذا الفعل إشارَة إلى أن الحائض لا تقرأ القرآن؛ لأن قراءتها لو كانت جَائزة لما توهم امتناع القراءة في حجرهَا، حتى احتيج إلى التنصيص عليها (¬5). وفيه جَوَاز مُلامسَة (¬6) الحَائض، وأن ذاتها وثيابها مَبنية على الطهَارة ما لم يشاهد نجاسَة وهذا مبني على مَنع القراءة في المواضِع المُستقذرة (¬7). وفيه جواز القراءة بقرب محَل النجاسَة. قالهُ النووي (¬8). وفيه جَوَاز استناد المريض في صَلاته إلى الحَائض إذا كانت أثوابهَما طَاهِرة قالهُ القُرطبي (¬9). * * * ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (297). (¬2) في (ص، س، ل): المحاربي. (¬3) "صحيح البخاري" (7549). (¬4) أخرجه البخاري كما تقدم، ومسلم (301)، والنسائي 1/ 147، وابن ماجه (634)، وأحمد 6/ 117، 158 من حديث منصور بن صفية عن أمه عن عائشة رضي الله عنها. (¬5) "إحكام الأحكام" ص 165 - 166. (¬6) في (ص، س، د): ملابسة. (¬7) "فتح الباري" 1/ 479. (¬8) "شرح صحيح مسلم" 3/ 211. (¬9) "المفهم" 1/ 560.

105 - باب في الحائض تناول من المسجد

105 - باب فِي الحائِضِ تُناولُ مِنَ المَسْجِدِ 361 - حَدَّثَنا مسَدَّد بْنُ مسَرهَدٍ، حَدَّثَنا أَبُو معاوِيةَ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ ثابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ القاسِمِ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: قالَ لِي رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ناوِلِينِي الخُمْرَةَ مِنَ المَسْجدِ" فَقُلْتُ: إِنِّي حائِض. فَقالَ رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ حَيضَتَكِ لَيسَتْ فِي يَدِكِ" (¬1). * * * باب الحائض تناول من المسجد [261] (ثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ، قال: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ) محَمد بن خازم الضرير (عَنِ) سُليمان بن مهران (الأَعْمَشِ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيدٍ) تصغير عَبد الأنصاري، أخرج له مُسلم هذا الحديث (¬2). (عَنِ القَاسِمِ) بن محمد (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: نَاوِلِينِي الخُمْرَةَ) بِضَم الخاء، وإسكان الميم. قال في "النهاية": هي مقدَار مَا يضع الرجُل عليه وجهه في سجُوده من حصير أو نسيجة خوص ونحوه مِن الثياب، قال: ولا يُسَمى خمرة إلا في هذا المقدَار وسُميَتْ خُمرة؛ لأن خيوطهَا مَسْتورة بسَعفها (¬3). (مِنَ المَسْجِدِ) قالَ عيَاض: مَعناهُ أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك لها مِنَ المَسْجد أي: وهو في المَسِجْد لتناوله إياهَا من خارج المَسْجِد؛ [لا أنَّ] (¬4) النبي - صلى الله عليه وسلم - أمَرَهَا أن تخرجهَا لهُ مِنَ المَسْجد؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كانَ في ¬

_ (¬1) رواه مسلم (298). (¬2) "صحيح مسلم" (298). (¬3) "النهاية": خمر. (¬4) في (م، ظ): لأن.

المسجد مُعتكفًا وكانت عائشَة في حجرتها وهي حَائض، ولقوله بعده: "إن حَيضتك ليست في يَدك" فإنما خافت مِن إدخَال يَدها المسجد، ولو كانَ أمرهَا بدخول المسجد لم يكن لتخصيص اليَد مَعنى. (فَقُلْتُ) روَاية الخَطيب: قلتُ بحذف الفاء (إِنِّي حَائِضٌ) توهمت أنها لا يجوز لهَا إدخال يَدهَا في المسجد. (قَالَ: إِنَّ حَيضَتَكِ) بفتح الحَاء. قال النووي: هذا هو المشهور في الروَاية وهو الصحيح (¬1). قال الخطابي: صَوَابه بالكسر أي الحَالة والهيئة كقولهم حَسَن الجلسَة (¬2)، وأنكرهُ عيَاض عليه، وقال: الصوَاب ما قالهُ المحَدثونَ الفتح؛ لأن المرَاد الدَّم، وهو الحيضة بالفتح بلا شك قالَ: ومعَناهُ أن النجاسَة التي يصَان عنها المسجد هي دم الحيض وليست (¬3) في يَدهَا، وهذا بخلاف حَديث أُم سَلمة: فأخذت ثياب حِيضتي (¬4)؛ فإن الصواب فيه الكسْر (¬5). قالَ النووي: ولما قالهُ الخَطابي وجه (¬6) (لَيسَتْ فِي يَدِكِ) (¬7) قد يُؤخذ منه أن التحريم مَخصُوص بجميع بدَن الحَائض، وأن جسْمها طَاهِر ما لم يكن عليه دَم أو تنجس به. * * * ¬

_ (¬1) شرح النووي" 3/ 210. (¬2) "معالم السنن" للخطابي 1/ 83. (¬3) في (د): وليس. (¬4) أخرجه البخاري (298)، ومسلم (296) وغيرهما من حديث أم سلمة - رضي الله عنها -. (¬5) شرح النووي" 3/ 210. (¬6) "شرح النووي" 3/ 211. (¬7) أخرجه مسلم (298)، والترمذي (134)، والنسائي 1/ 146، وأحمد 6/ 45 من حديث القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها.

106 - باب في الحائض لا تقضي الصلاة

106 - باب في الحائضِ لا تَقْضِي الصّلاة 262 - حَدَّثَنا موسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا وهَيْبٌ، حَدَّثَنا أَيّوب، عَنْ أبي قِلابَةَ، عَنْ معاذَةَ، أَنَّ امْرَأة سَأَلتْ عائِشَةَ: أَتَقْضِي الحائِض الصَّلاةَ؟ فَقالَتْ: أَحَرورِيَّة أَنْتِ! لَقَدْ كنّا نَحِيض عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلا نَقْضِي وَلا ئؤْمَر بِالقَضاءِ (¬1). 263 - حَدَّثَنا الْحَسَنُ بْنُ عَمْرٍو، أَخْبَرَنا سُفْيانُ -يَعْنِي: ابن عَبْدِ الْمَلِكِ- عَنِ ابن المُبارَكِ، عَنْ مَعْمَر، عَنْ أَيّوبَ، عَنْ مُعاذَةَ العَدَوِيَّةِ، عَنْ عائِشَةَ بهذا الحَدِيثِ. قالَ أَبُو داودَ: وَزادَ فِيهِ: فَنُؤْمَرُ بِقَضاءِ الصَّوْمِ وَلا نُؤْمَرُ بِقَضاءِ الصَّلاةِ (¬2). * * * باب الحائض لا (¬3) تقضي الصلاة [262] (ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) أبو (¬4) سلمة المنقري، (قالَ: ثَنَا وهَيْبٌ) (¬5) بن خالد البَاهِليِ مولاهم الحافظ. (عن أَيوب) ابن أبي تميمة السَّختياني (¬6)، (عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ) عَبد الله بن زيد الجَرَمِي (عَنْ مُعَاذَةَ) بِضَم الميم هي بنتِ عَبد الله العَدوية، وهي مَعدودة في فقهاء التابعين. (أَنَّ أمْرَأَةً سَأَلَتْ عَائِشَةَ) وبيَّنَ شعبَة في روَايته عن قتَادَة أنها هي مُعَاذة ¬

_ (¬1) رواه البخاري (321)، ومسلم (335). وانظر ما بعده. (¬2) انظر السابق. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (256). (¬3) من (م، ظ). (¬4) في (ص، س): ابن. (¬5) في (م): وهب. وبياض في (ل). (¬6) في (م): السجستاني.

الراوية (¬1) أخرجهُ الإسماعيلي من طَريقه، وكذَا لمُسْلم من طريق عَاصِم وغيره عن مَعاذة (¬2). (أَتَقْضِي) بفتح همزة الاستفهَام، والتاء المثناة فوق (الْحَائِضُ الصَّلاة) يَعني: الفَائتة في زَمَن الحَيض (فَقَالَتْ: أَحَرُورِيةٌ) الحَروري منسُوب إلى حَرُوراء بفتح الحَاء، وضَم الراء المهملتَين (¬3) وبعَد الواو السَّاكنَة راء ثانية مع المدِّ، بَلدة على ميلين مِنَ الكوفة، والمدّ فيها أشهَر. قال المبَرِّد: النسبة إليها (¬4) حَرُوراوي، وكذَا كل مَا كانَ في آخره ألف تأنيث ممدودَة، ولكن قيل الحروري بحذف الزوائد (¬5)، ويُقال لمن يعتقد مَذهَب الخوَارج: حروري؛ لأن أول فرقة منهمُ خَرجوا على علي - رضي الله عنه -، كانوا من البَلدة المذكورة فاشتهروا بالنسبَة إليهَا، وهم فرق كثيرة، لكنْ من أصُولهم المتَّفق عليها بَينَهمُ الأخذ بمَا دَل عليه القرآن، ورد ما زادَ عليه مِنَ الحَديث مُطلقًا، ولهذا استفهمت عَائشَة مُعَاذة استفهَام إنكار (¬6). زَادَ مُسْلم في روَاية عَاصم عن مُعَاذة: فقلت: لا ولكني أسْأل (¬7) أي: سُؤالًا مجردًا لطَلبَ العِلم لا للتعنت. (أَنْتِ لَقَدْ كنا نَحِيضُ عِنْدَ رَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَلاَ نَقْضِي) الصَّلاة الفَائتة. ¬

_ (¬1) في (م، ظ): الرواية. (¬2) "صحيح مسلم" (335) (68). (¬3) في (د): المهملة. (¬4) من (د، م)، و"فتح الباري". (¬5) "الكامل" 3/ 135. (¬6) "فتح الباري" 1/ 502. (¬7) "صحيح مسلم" (335) (69).

(وَلاَ نُؤْمَرُ بِالْقَضَاءِ (¬1) وللإسماعيلي فلم نكن نقضي ولم (¬2) نُؤمر به، والاستدلال بقَولها فلم نكن نقضي أوضَح من الاستدلال بقولهَا: فلم نؤمَر به؛ لأنَّ عَدَم الأمر بالقضاء هُنَا قد ينازع في الاستدلال به على عدَم الوجوب لاحتمال الاكتفاء بالدليل العَام على وجوب القضاء. [263] (ثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَمْرٍو) (¬3) السّدوسي توفي سنة 224، (قال: أنا سُفْيَانُ بْنَ عَبْدِ المَلِكِ) صَاحب ابن (¬4) المبَارك، روى لهُ مُسْلم في مقدمة كتابه، وذكره ابن حبان في "الثقات" (¬5). (عَنِ) عبد الله (ابْنِ المُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ) ابن أبي تميمة، (عَنْ مُعَاذَةَ العَدَوِيَّةِ، عَنْ عَائِشَةَ بهذا الحَدِيثِ) المذكور (¬6). (وَزَادَ (¬7) فِيهِ: فَنُؤْمَرُ) زادَ مُسْلم: كانَ يُصيبنا ذلك فَنؤُمر (¬8) (بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلاَ نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاَةِ) فيه دَليل على ما يقوله الأصوليّون والمحدثون إذا قالَ الصَّحَابي: كنا نُؤمَر، أو كنا نُنهى عن كذَا، أو أمرنا بكذا، أو نهينا عن كذا، أن ذلك حكم المرفوع إلى النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (321) بنحوه، ومسلم (335) (67)، والترمذي (130)، والنسائي 4/ 191، وابن ماجه (631)، وأحمد 6/ 32 من حديث معاذة عن عائشة - رضي الله عنها -. (¬2) في (ص، س، ل): لا. (¬3) كتب فوقها في (د): د. (¬4) من (د، م، ظ). (¬5) "الثقات" لابن حبان 8/ 288. (¬6) زاد في (م، ظ): قال أبو داود. (¬7) في (ص، س): زادت. وبياض في (ل). (¬8) "صحيح مسلم" (335) (69).

وإلا لم تقم الحجة به، واكتفت عَائشَة - رضي الله عنها - في الاستدلال عن سُقوط القضَاء بكونه لم نؤُمَر به. قالَ ابن دَقيق العيد: ويحمل ذلك على وجهين: أحدُهما: أن تكون أخذت (¬1) إسقاط القَضَاء من إسقَاط الأدَاء، ويَكون سُقوط الأدَاء دليلًا على سُقوطِ القضَاء، فيتَمسَّك به حتى يوجد المعَارض، وهو الأمر بالقضَاء كما في الصَّوم. الثاني: قال وهو الأقرب أنَّ (¬2) السَّبَبَ في ذَلك أنَّ الحاجة دَاعية إلى بيَان هذا الحكم لتكرر الحَيض منهن عنده، وحَيث لم يبين (¬3) لهُنَّ ذلك؛ دَل على عَدَم الوجُوب لاسيَّما وقد اقترنَ بذَلك قرينة أخرى، وهي الأمر بقضاء الصَّوم وتخصيص الحكم به (¬4)، وكلا الوجهين حَسَن جَميل. ونقل ابن المنذر إجماع العلماء على ذلك (¬5)، لكن حكى ابن عَبْدِ البر عن طَائفة من الخَوارج أنهم كانُوا يوجبونهُ وعن سَمرة بن جندب (¬6) أنه كانَ يأمر به، فأنكرت عليه أم سَلمة، واستقر الإجماع على عدَم الوجوب كما قالهُ الزهري وغَيره (¬7). * * * ¬

_ (¬1) في (ص): أحدث. (¬2) في (م، ظ): إلى. (¬3) في (ص، ل): يثبت. (¬4) "إحكام الأحكام" ص 166 - 167. (¬5) "الإجماع" (67، 68). (¬6) في (م، ظ): حنيف. (¬7) "الاستذكار" 3/ 220 - 221.

107 - باب في إتيان الحائض

107 - باب في إتْيانِ الحائضِ 264 - حَدَّثَنا مسدد، حَدَّثَنا يحيى، عَنْ شعْبَةَ، حَدَّثَنِي الَحكَم، عَنْ عَبْدِ الَحمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ، عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فِي الذِي يَأْتِي امْرَأَتَة وَهِيَ حائِضٌ، قالَ: "يَتَصَدَّقُ بِدِينارٍ أَوْ نِصْفِ دِينارٍ". قالَ أَبُو داودَ: هَكَذا الرِّوايَة الصَّحِيحَة، قالَ: "دِينارٌ أَوْ نِصْفُ دِينارٍ". وَرُبَّما لَمْ يَرفَعْة شُعْبَة (¬1). 265 - حَدَّثَنا عَبْدُ السَّلامِ بْنُ مطَهَّرٍ، حَدَّثَنا جَعْفَرٌ -يَعْنِي ابن سُلَيْمانَ- عَنْ عَلِيِّ بْنِ الحَكَمِ البُنانِيِّ، عَنْ أَبِي الحَسَنِ الَجزَرِيِّ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ، قالَ: إِذا أَصابَها فِي أَوَّلِ الدَّمِ فَدِينارٌ، وَإذا أَصابَها فِي انْقِطاعِ الدَّمِ فَنِصْف دِينارٍ. قالَ أَبو داودَ: وَكَذَلِكَ قالَ ابن جرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ الكَرِيمِ، عَنْ مِقْسَمٍ (¬2). 266 - حَدَّثَنا محَمَّد بْنُ الصَّبّاحِ البَزّاز، حَدَّثَنا شَرِيك، عَنْ خصَيْفٍ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إِذا وَقَعَ الرَّجُلُ بِأَهْلِهِ وَهِيَ حائِض فَلْيَتَصَدَّق بِنِصْفِ دِينارٍ". قالَ أَبو داودَ: وَكَذا قالَ عَلِيُّ بْنُ بَذِيمَةَ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مرْسَلًا، وَرَوَى الأوزاعِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مالِكٍ، عَنْ عَبدِ الحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "امُرُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِخُمْسَي دِينارٍ". وهذا مُعْضَلٌ (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (136، 137)، والنسائي 1/ 153، 188، وابن ماجه (640)، وأحمد 1/ 237، وابن الجارود في "المنتقى" (108). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (257). (¬2) رواه الدارمي (1148)، وابن الجارود (110)، والبيهقي 1/ 314، 315. وسيأتي مكررا برقم (2169)، وانظر السابق. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (258): هو بهذا التفصيل موقوف صحيح. (¬3) انظر ما سلف برقم (264). وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (41).

باب فيمن أتى الحائض [264] (ثَنَا مُسَدَدٌ، قال: ثَنَا يَحْيىَ) القَطَّان، (عَنْ شُعْبَةَ قال: حَدَّثَنِي الحَكَمُ) (¬1) ابن عُتيبة بضَم المهملة وفتح المثَناة فوق مُصغر. (عَنْ عَبْدِ الحَمِيدِ (¬2) بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) ابن زَيد بن الخَطاب العَدوي، (عَنْ مِقْسَمٍ) بكسر الميم ابن بجرة (¬3) مَولى عَبد الله بن الحَارث بن نَوفل الهَاشمي أخرجَ لهُ البخاري حَديثًا واحدًا في سُورة النسَاء (¬4). (عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ: يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ) كذا للنسَائي لكن بزيَادة باء في قوله أو بنصف دينَار (¬5). ([هَكَذَا الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ قَالَ: دِينَارٌ أَوْ نِصْفُ دِينَارٍ) بالجرِّ فيهمَا] (¬6) (وَرُبَّمَا لَمْ يَرْفَعْهُ شُعْبَةُ) (¬7) وشك في رفعه عن الحكم، عن عبد الحميد، ولم يَذكر النسَائي هذا الشك من شعبة. [265] (ثَنا عَبْدُ السَّلاَمِ بْنُ مُطَهَّرٍ) بِضَم الميم (¬8) وتشديد الهَاء ابن ¬

_ (¬1) كتب فوقها في (د): ع. (¬2) كتب فوقها في (د): ع. (¬3) في (ص): نجدة. وهو صحيح أيضًا. (¬4) "صحيح البخاري" (4595). (¬5) "سنن النسائي" 1/ 153. (¬6) في (د): بالجر فيهما دينار. (¬7) أخرجه النسائي 1/ 153، 188، وابن ماجه (640)، وأحمد 1/ 229، وصححه الألباني على شرط البخاري. انظر "صحيح أبي داود" (257). (¬8) في (ص، س، ل): الطاء.

حسَام الأزدي، أخرجَ لهُ البخَاري، عن عُمر بن علي المقدمي، قال: (ثَنَا جَعْفَر (¬1) بْنَ سُلَيمَانَ) الضبعي نزل بني ضبعَة البصْري، أخرج له مُسْلم في مَوَاضع. (عَنْ عَلِيِّ بْنِ الحَكَمِ البُنَانِيِّ) بِضَم الموَحَّدَة البصري، أخرجَ له البخاري في الإجَارَة. (عَنْ أَبِي الحَسَنِ الجَزَرِيِّ) بفتح الجيم والزاي. ذكرهُ ابن عَبد البَرّ فيمَن لم يُذكر له اسم سوى كنيته، وذكرهُ مُسْلم في "الكُنى" ولم يسمِّه، بل قالاَ (¬2) روى عن عَمرو بن مرَّة صَاحب النَّبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3). (عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابن عَباسٍ) - رضي الله عنهما - هذا موقوف، والموقوف عندَهم ما [قصر به] (¬4) بوَاحد من الصحَابة قولًا أو فعلًا، ولم يتجاوز به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وسَوَاء اتَّصلَ إليه إسنَاده أو لم يتصل. (قَالَ) في المرأة الحَائض (إِذَا أَصَابَهَا) زَوجُهَا (فِي الدَّمِ فَدِينَارٌ) ارتفع دينَارٌ على خَبَر الابتداء تقديره فالحكمُ أو فالوَاجب دينارٌ، ويصح أن يكون التقدير فعليه دينَار، ويقال: تقديره فعَليه تصدُّق دينارٍ فحذف المضَاف، وأقيم الدينار مقَامه. (وِإذَا أَصَابَهَا فِي انقِطَاعِ الدَّمِ فَنِصْفُ دِينَار) النصف فيه ما تقدم في الدينار، رَوَاهُ البيهقي من حَديث ابن جريج عن أبي أمية، عن مقسم، ¬

_ (¬1) في (م، ظ): حفص. وبياض في (ل). (¬2) في (د، س): قال. (¬3) "الكنى" (773). (¬4) في (ل): قصرته.

عن ابن عَباس مرفوعًا بلفظ: "إذا أتَى أحَدكم امرأته في الدم فليتصَدق بدينَار، وإذا أتَاهَا وقد رأت الطهر ولم تغتسل، فليتَصَدق بنصف دينَار" (¬1) ورَوَاها مِن طريق (¬2) ابن جريج، عَن عَطاء، عن ابن عباس مرفوعًا ورَوَاهُ الترمذي والبيهقي بلفظ: "إذا كانَ دمًا أحمر فدينار، وإذا (¬3) كانَ دَمًا أصفَر فنصف دينَار" (¬4) هذا الحَديث حُجة للقَول القَديم مِن مَذهب الشافعي أنه (¬5) من وطئ امرأته عَالمًا بحَيضها وتَحريمه عليه مختارًا وجبَ (¬6) عليه الكفارةُ وهو دينارٌ إن وطئ في إقبال الدم، ونصف دينَار إن وطئ في إدبَاره (¬7). وحكى ابن المنذر هذا عن ابن عباس وقتادة والأوزاعي وأحمدَ وإسحاق (¬8)، والمرادُ بإقبال الدم زمَن قُوته، وبإدباره ضعفه وقربه مِنَ الانقطاع، وحَكى الفوراني (¬9) وإمَام الحرمَين [وجهًا أن] (¬10) إقباله ما لم ينقطع، وإدبَاره ما (¬11) بعَد انقطاعه وقبل اغتسالها، وبهَذا قطع القَاضي أبُو الطيب، والجَديد لا كفارَة بل يُعذَّر ويستغفر الله تَعالى، وهو مَذهب مَالك وأبي حَنيفة وأحمد في روَاية (¬12). (وَكذَلِكَ قَالَ) ¬

_ (¬1) "السنن الكبرى" 1/ 316. (¬2) في (د، م، ظ): حديث. (¬3) في (ص، س): وإن. (¬4) "جامع الترمذي" (137). (¬5) في (د، م، ظ): أن. (¬6) في (م، ظ): وجبت. (¬7) "المجموع" 2/ 359. (¬8) "الأوسط" 2/ 209. (¬9) في (ص): الفزاري. (¬10) في (م، ظ): وجهان. (¬11) من (د، م، ظ). (¬12) انظر: "المبسوط" 10/ 159، "النوادر والزيادات" 1/ 130، "المغني" 1/ 416، "المجموع" للنووي 2/ 360، 361.

عَبد الملك (ابْنُ جُرَيْج، عَنْ عَبْدِ الكَرِيمِ) (¬1) بن مَالك الجَزري، (عَنْ مِقْسَمٍ) (¬2) بنَحو ما تقدم. [266] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ البزَّازُ) بزاءين مُعْجَمتَين، (قال: ثَنَا شَرِيكٌ) بن عَبد الله النخعي. (عَنْ خُصَيفٍ) (¬3) بِضم الخاء المُعجمة، وفتح الصَّاد المهملة ابن عَبد الرحمَن الجزري (¬4) أبي عَون صَدُوق سيئ الحفظ (¬5). (عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابن عَبَّاسٍ عَنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إِذَا وَقَعَ الرَّجُلُ بِأَهْلِهِ) أي: إذا جَامَعَ امرأته في حَال الحَيض (وَهِيَ حَائِضٌ فَلْيَتَصَدَّقْ بِنِصْفِ دِينَارٍ) كذَا روَاية الترمذي (¬6). قال المنذري: قد اضطربَ في هذا الحَديث في إسنَاده ومتنه، فإسنَاده أنه روي مرفوعًا وموقوفًا ومُرسلًا ومعْضلًا، واضطراب متنه، فروى بدينَار أو نصف دينَار على الشك، وروي "يتصدق (¬7) بدِينَار فَإن لم يجد فبنصف دينَار"، وروي فيه التفرقة بين أن يُصيبهَا في الدم أو انقطاع الدم، وروي: "إن كانَ دَمًا أحمر فدِينَار، وإن كان أصفَر فنصف ¬

_ (¬1) كتب فوقها في (د): ع. (¬2) أخرجه عبد الرزاق (1264)، وعنه أحمد 1/ 367، وعبد الكريم الذي هنا ليس هو ابن مالك الجزري، وإنما هو أبو أمية ابن أبي المخارق كما صرح ابن جريج في بعض طرق الحديث، وهذا يوهن هذه الرواية. انظر "صحيح أبي داود" (259). (¬3) كتب فوقها في (د): 4. [يقصد الأربعة]. (¬4) في (ص، س، ل): الجوزي. (¬5) "الكاشف" 1/ 280. (¬6) "جامع الترمذي" (136)، وأخرجه أحمد 1/ 272 وفي هذه الرواية اضطراب كما سيذكر المصنف. (¬7) في (ص، ل): بنصف و.

دينَار". وروي في هذا الحديث: "يتصدَّق بنصف دينَار"، وفي الحَديث الآتي: "بِخُمْسَي دِينَارٍ" (¬1). (وَكَذَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ بَذِيمَةَ) بفَتح البَاء الموَحَّدة، وكسر الذال المُعجمة، وثقوهُ (¬2) على تشيعه. (عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ النبي - صلى الله عليه وسلم -) (¬3) وهذا مُرْسَل والمشهور في حَدِّ (¬4) المرسَل عند المحَدثين ما رَفعهُ التابعي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومقسم هنا من مَشَاهير التابعين، ولا فرق بين أن يكون التابعي من كبارهم كعبيد الله بن عدي وسَعيد بن المسيب، أو من صغَارهم كالزهري وأبي حَازم. (وَرَوَى الأَوْزَاعيُّ، عَنْ يَزِيدَ) بن عبد الرحمن (بْنِ أَبِي مَالِكٍ) الهمداني قاضي دمشق، وثقه أبُو حَاتم (¬5). (عَنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) [عن مقسم، عن ابن عباس] (¬6)، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (آمُرُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِخُمْسَي دِينَارٍ). وَهو قريب من النصف، والمراد بالدينَار وهو مثقال الإسلام المعرُوف منَ الذهَب الخالص، ويصرَف إلى الفقراء والمسَاكين. قال الرافعي: ويجوز صَرفه إلى فقير واحدٍ، وهو مُقتضى إطلاق الحَديث (¬7). * * * ¬

_ (¬1) "مختصر سنن أبي داود" للمنذري 1/ 175. (¬2) في (ص): ونفوه. (¬3) أخرجه عبد الرزاق (1263). (¬4) في (س): حق. (¬5) "الجرح والتعديل" 9/ 277. (¬6) كذا أكمل المصنف الإسناد وليس بسديد؛ فإن الحديث معضَل. (¬7) "الشرح الكبير" 2/ 423.

108 - باب في الرجل يصيب منها ما دون الجماع

108 - باب في الرَّجُل يُصِيبُ منْها ما دُونَ الجِماعِ 267 - حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ خالِدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوْهَبٍ الرَّمْلِيُّ، حَدَّثَنا اللَّيْث بْن سَعْدٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ حَبِيبٍ مَوْلَى عروَةَ، عَنْ نُدْبَةَ مَوْلاةِ مَيْمونَةَ، عَنْ مَيْمونَةَ، أَنَّ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُباشِرُ الْمَرأَةَ مِنْ نِسائِهِ وَهِيَ حائِضٌ إِذا كانَ عَلَيْها إِزارٌ إِلَى أَنْصافِ الفَخِذَيْنِ أَوِ الرّكْبَتَيْنِ تَحْتَجِز بِهِ (¬1). 268 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا شعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنِ الأسوَدِ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: كانَ رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يأْمرُ إِحْدانا إِذا كانَتْ حائِضًا أَنْ تَتَّزِرَ، ثمَّ يضاجِعها زَوْجها. وقالَ مَرَّةً: يُباشِرها (¬2). 269 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يحيى، عَنْ جابِرِ بْنِ صُبْحٍ، سَمِعْت خِلاسًا الهَجَرِيَّ، قالَ: سَمِعْت عائِشَةَ تَقُول: كُنْتُ أَنا وَرَسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نبِيتُ فِي الشِّعارِ الواحِدِ وَأَنا حائِضٌ طامِثٌ، فَإِنْ أَصابَهُ مِنِّي شَيءٌ غَسَلَ مَكانَهُ وَلم يَعْدُهُ، ثمَّ صَلَّى فِيهِ، وَإنْ أَصابَ -تَعْنِي: ثَوْبَهُ- مِنْهُ شَيءٌ غَسَلَ مَكانَهُ وَلَمْ يَعْدُهُ، ثمَّ صَلَّى فِيهِ (¬3). 270 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثنا عَبْدُ اللهِ -يَعْنِي: ابن عُمَرَ بْنِ غانِمٍ- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -يَعْنِي: ابن زِيادٍ- عَنْ عُمارَةَ بْنِ غرابٍ، أَنَّ عَمَّةً لَه حَدَّثَتْهُ أَنَّها سَأَلتْ عائِشَةَ قالَتْ: إِحْدانا تَحِيضُ وَلَيْسَ لَها وَلزَوْجِها إلَّا فِراشٌ واحِدٌ. قالَتْ: أخبِرُكِ بِما صَنَعَ رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: دَخَلَ لَيْلًا وَأَنا حائِضٌ فَمَضَى إِلَى مَسْجِدِهِ. قالَ أَبُو داودَ: تَعْنِي مَسْجِدَ بَيْتِهِ -فَلَمْ يَنْصَرِفْ حَتَّى غَلَبَتْنِي عَيْنِي وَأَوْجَعَهُ ¬

_ (¬1) رواه النسائي 1/ 151، 189، وأحمد 6/ 335. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (260). وأصل الحديث عند البخاري (303)، ومسلم (294) بنحوه. (¬2) رواه البخاري (300)، ومسلم (293/ 1). وانظر ما سيأتي برقم (273). (¬3) رواه النسائي 1/ 150، 188، 2/ 73، وأحمد 6/ 44، والدارمي (1053). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (262).

البَرْدُ، فَقالَ: "ادْنِي مِنِّي"، فَقُلْتُ: إِنِّي حائِضٌ. فَقالَ: "وَإنْ، اكْشِفِي عَنْ فَخِذَيْكِ"، فَكَشَفْتُ فَخِذَيَّ، فَوَضَعَ خَدَّهُ وَصَدْرَهُ عَلَى فَخِذَيَّ، وَحَنَيْتُ عَلَيْهِ حَتَّى دَفِيَ وَنامَ (¬1). 271 - حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الجَبّارِ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ -يَعْنِي: ابن مُحَمَّدٍ- عَنْ أَبِي اليَمانِ، عَنْ أُمِّ ذَرَّةَ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّها قالَتْ: كُنْتُ إِذا حِضْت، نَزَلْت عَنِ الِمثالِ عَلَى الحَصِيرِ، فَلَمْ نَقْرُبْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ نَدْنُ مِنْهُ حَتَّى نَطْهُرَ (¬2). 272 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ بَعْضِ أَزْواج النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إِذا أَرادَ مِنَ الحائِض شَيْئًا ألقَى عَلَى فَرْجها ثَوْبًا (¬3). 273 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنِ الشَّيْبانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأسوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُنا فِي فَوْحِ حَيْضِنا أَنْ نَتَّزِرَ، ثمَّ يُباشِرُنا، وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ كَما كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يمْلِك إِرْبَهُ؟ (¬4). * * * باب [في الرجل] (¬5) يصيب منها دون الجماع [267] (ثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ) بن يزيد (بْنِ عَبْدِ الله بْنِ مَوْهَبٍ) بفتح الميم ¬

_ (¬1) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (125) مطولا، ورواه اليهقي 1/ 313، وابن عبد البر في "التمهيد" 3/ 175 من طريق أبي داود. وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (44). (¬2) وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (45). (¬3) رواه البيهقي 1/ 314، ورواه ابن أبي شيبة 9/ 238 (17085) عن أم سلمة في مضاجعة الحائض: إذا كان على فرجها خرقة. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (263). (¬4) رواه البخاري (302)، ومسلم (293/ 2). وانظر ما سلف برقم (268). (¬5) من (د، م، ظ).

والهَاء (الرَّمْلِيُّ) الزاهد الثقَة (¬1). (قال: حَدَّثَنَي اللَّيْثُ عن) محمد (بْنِ شِهَاب) الزهري، (عَنْ حَبِيبٍ) الأعور مولى عروة أخرجَ له مُسْلم في الإيمان (¬2) (عن) مَوْلاهُ (عُرْوَةَ) بن الزبير (عَنْ نَدْبَةَ) بفتح النون وإسكان الدال وفَتح البَاء الموَحَّدَة، وقيل: بُدَية (¬3) بضم الموَحَّدَة، وفتح الدَّال. (مَوْلاَةِ مَيمُونَةَ، عَنْ مَيمُونَةَ) زوج النَّبي - صلى الله عليه وسلم - (أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُبَاشِرُ المَرْأَةَ مِنْ نِسَائِهِ) يُقَالُ: بَاشر الرجل امرأته إذا تمتع ببشرَتها وما يتبعُهَا مِنَ الشعر وغَيره. (وَهِيَ حَائِضٌ إِذَا كَانَ عَلَيْهَا إِزَارٌ) يبلغ (إِلَى أَنْصَافِ الفَخِذَيْنِ). لفظ روَاية النسَائي: إذا كانَ عليها إِزَارٌ يبلغ أَنْصَاف الفَخِذَيْنِ (¬4) (أَو) قال (¬5): إلى أنصَاف (الرُّكْبَتَيْنِ) شَك من الراوي (فتَحْتَجِزُ بِهِ) (¬6). قالَ النسَائي في حَديث الليث: "تحتجز به" انتهى. يُقال: احتجزَت المرأة بالزاي إذا شدت الإزار في وسَطهَا، كأنه صَار حاجزًا فيما بَينها وبين زَوجهَا مِن مَسّ بَشرتها، والروَاية إلى أنصَاف الفخذَين تدُل على أنه يجوز للرجُل الاستمتاع بالركبَة والسُّرَّة في مَعناهَا؛ إذ لا فارق، ¬

_ (¬1) "الكاشف" 3/ 276. (¬2) (84). (¬3) في (د): بدية. وقيل: بذنه. وفي (م): ندية. وقيل: بدنة. (¬4) "سنن النسائي" 1/ 151. (¬5) سقط من (م، ظ). (¬6) أخرجه النسائي 1/ 151، وأحمد 6/ 335، وصححه ابن حبان (1365)، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (260).

وكذَا ما حَاذاهما. وقد قال النوَوي: الاستمتاع بَما بينَ السرة والركبة ومَا حَاذاهما، لم أرَ فيه نصا لأصحَابنا، والمختار الجَزم بجوَازه لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "اصنَعُوا كل شَيء إلَّا النكاح" (¬1). قالَ: ويحتَمل أن يخرج على الخلاف في كونهما عَورة فإن كانتا (¬2) عَورة كانتا كما بيْنهما، وإن قُلنا بالمذهب أنهما ليستا بعَورة أُبيحَا قطعًا كما ورَاءهما انتهَى (¬3). وهذِه الروَاية حجة لما اختارهُ النووي واللهُ أعلم. [268] (ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) الفراهيدي مولاهم شَيخ البخَاري. (قال: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ) (¬4) ابن المُعتْمر الكوفي أحَد الأعلام. (عَنْ إِبْرَاهِيمَ) النخعي (عَنِ الأَسْوَدِ) ابن يَزيد النخعي. (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُ إِحْدَانَا) أي: إحدى زَوجَاته. (إِذَا كَانَتْ حَائِضًا أَنْ تَتَّزِرَ) كذَا اشتهر بتشديد التاء الثانية (¬5). قال المطَرزي: وهو عَامي، والصواب أن تأتزر، والهمزَة الثانية فاء افتعل (¬6)، وقد نص الزمخشري على خَطأ من قال: "اتزر يتَّزِر" ¬

_ (¬1) تقدم. (¬2) في (م، ظ): كانت. والمقصود: السرة والركبة. (¬3) "المجموع" 2/ 365. (¬4) كتب فوقها في (د): ع. (¬5) من (د، م، ظ). (¬6) "المغرب في ترتيب المعرب": أزر.

بالإدغام (¬1)، وأمَا ابن مَالك فحاول تخريجه على وجه يَصح. وقال: إنه موقوف على السَّماع كاتَّكل (¬2)، ومنه قراءة ابن محَيصن (فليُؤَد الذي اتُّمِنَ) (¬3) بألف وصل وتاء مشددة، وهذِه القراءة مع صِحَّةِ الروَاية ترُدُّ عليهما، وكلام العَرب تابع لكتاب الله وسُنة رسُوله. والمراد بالاتزار أن تشد إزارهَا عَلى وسطِهَا، وحَدَّ الفقهاء ذلك بما بَينَ السُّرة والركبة بالعُرف الغالب، وفيه تعليم الرجل زَوجته أحكام الحَيض، وغَيره مِنَ الأمُور الشرعية التي تحتاجه، وأمرهَا بستر ما يجبُ سَتره منهُ، فبالأولى أن يأمرها بالستر مِنَ المحَارم عما لا يجوز لهُم النظر إليه، وقد يُؤخذ منه أن الزوج كما يحرُم عليه الاستمتاع بمَا بيْنَ السرة والركبة بالمبَاشرة، يحرُم عليه الاستمتاع بالنظر إلى مَا بَيْنَ السُّرة والركبة أيضًا. (ثُمَّ يُضَاجِعُهَا زَوْجُهَا) فيه جَوَاز مُضَاجَعَة الحَائض، وتقبيلهَا، والنَّوم معَهَا في الفراش. (وَقَالَ مَرَّةً) أخرى (يُبَاشِرُهَا) (¬4) مكان: يُضَاجعَها، واقتصر النسَائي على روَاية يُبَاشِرها. وفي روَاية لهُ: كانَ يَأمُرنَا إذا حَاضَت إحْدَانا أن تَتَّزِرَ بإزار واسِع، ثم ¬

_ (¬1) "الفائق" 1/ 22. (¬2) "التسهيل" (ص 312). (¬3) البقرة: 283، وانظر القراءة في "مختصر شواذ القرآن" لابن خالويه ص 20. (¬4) أخرجه مسلم (293) (1)، والترمذي (132)، والنسائي 1/ 151، وابن ماجه (636)، وعنده: تأتزر، وأحمد 6/ 134 جميعًا من طريق منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها.

يلتزم صَدرهَا وثديَهَا (¬1). [269] (ثَنَا مُسَدَّدٌ، قال: ثَنَا يَحْيَى) القطان، (عَنْ جَابِرِ بْنِ صُبْحٍ) (¬2) بضَم الصاد المهملة وإسْكان البَاء الموَحدة. (قالَ: سَمِعْتُ خِلاَس) بكسْر الخَاء المعجمة، وتخفيف اللام، وآخِره مُهملة ابن عَمرو (¬3). (الْهَجَرِيَّ) بفتح الهَاء والجيم قيل: لم يَسْمع مِن علي، وروى لهُ البخَاري مقرونًا (¬4) بآخر. (قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: كنْتُ أَنَا وَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - نَبِيتُ فِي الشِّعَارِ) بكسْر الشين المعجمة وهو ما ولي الجسدَ مِنَ الثياب، و [شَاعَرْتُها: بت] (¬5) معَهَا في شعَارٍ واحدٍ. (الْوَاحِدِ) قد يُؤخذ جَوَاز نَوم المرأة وزَوْجها عَرايا (¬6) في غطاء واحِد إذا كانت مُؤتزرة في الحَيض، وإن كانت غَير حَائض ولا نُفَساء فعُريانان ليسَ عليهما غير الغطَاء، فَلو كَانَ عليهما شيء يَلي جَسَدهما (¬7) لقالت: كنا نَبيت في دثار واحِد فإن الدِّثار هو مَا يلقيه الإنسان عليه من كسَاء أو ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 1/ 189، وهذه الزيادة يلتزم صدرها وثدييها زيادة منكرة. انظر "الضعيفة" (5705). (¬2) كتب فوقها في (د): ت، س. (¬3) في (م، ظ): عمر. (¬4) في (ص، ل): موريًا. وفي (س): مررنا. (¬5) في (ص): شاعر بها بات. وفي (س، ل، م): شاعرتها. (¬6) في (ص، س، ل): عريا. (¬7) في (م، ظ): جسدها.

غَيره فَوق الشعَار الذي شعر جلده (¬1). (وَأَنَا حَائِضٌ) أي: (طَامِثٌ) بالثاء المثلثة، والطامث الحائض، وفَرَّقَ بَعضهمُ بأن الطمث أول ما تحيض، والطمث أصْله الدم، ومنه قوله تعالى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ} (¬2) أي: لم يُزل بكارتهنَّ وسُمي الافتضاض (¬3) طمثًا لما فيه من إسَالة الدم. ولفظ روَاية النسَائي: وأنا طَامث حَائض (¬4) (فَإِنْ أَصَابَهُ مِنِّي شَيْءٌ غَسَلَ مَكَانَهُ لَمْ يَعْدُهُ) بفتح المثناة تحت، وسُكون العَين المهملة وضَم الدال أي: لم (¬5) يجاوز في الغسل مَوضع الدم ويؤخذ منهُ أنه إذا غسل مَوضع النجاسَة مِنَ الدَّمِ مثلًا لا يجب عليه غسل ما يجَاورها؛ لأن النجاسَة تَسري. قالَ أصحَابنا: ولو غسَل نصف ثوب نَجِسٍ (¬6) ثم غسَل باقيه، فالأصح أنه إن غُسِلَ مَعَ [باقيه مجاورة] (¬7) من النصف (¬8) الأول طَهر كله، وإن غسَل البَاقي مِن غير أن يغسل معَهُ من النصف الأول ما يجَاوره طَهُر الطرفان، وبقي المحَل المنتصف نجسًا على حالهِ (¬9). ¬

_ (¬1) تكرر في (ص). (¬2) الرحمن: 56، 74. (¬3) وفي (د): الانفضاض. (¬4) "سنن النسائي" 1/ 188. (¬5) من (د، م، ظ). (¬6) في (ص): تنجس. (¬7) في (ص، س): ما فيه مجاورة. وفي (م، ظ): باقيه يجاوره. (¬8) من (د، م، ظ). (¬9) "الشرح الكبير" للرافعي 2/ 7.

وقال ابن القَاص: لا يطَهُر حتى يغسله كله دفعَة واحِدَة؛ لأنهُ إذا غسَل نصفه فالجزء الرَّطب الذي يُلاَصق الجزء اليَابس النجس يَنجسُ بملاصقة الجُزء الأَول (¬1). (ثُمَّ صَلَّى فِيهِ) أي: في الغطاء الذي كانَ شعَارًا لهما، وفيه دليل على جَوَاز [الصَّلاة في] (¬2) الثوب الذي نامَت فيه الحَائض ومسَّ جلدهَا إذا لم يَظهر فيه نجاسَة، وترك الصَّلاَة في هذا وأمثاله وسوَسَة مِنَ الشيطان، وتحيل فاسد، وسَيَأتي عَن عَائشة أيضًا: كنتُ معَ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلينَا شعَارنا وقد ألقينا فَوقه كسَاء، فلمَّا أصبحَ أخذ الكسَاء فلبسَه، ثم خرجَ فصَلى الغدَاة (¬3). (وَإنْ أَصَابَ تَعْنِي: ثَوْبَهُ مِني شَيْءٌ) مِنَ الدم (غَسَلَ مَكَانَهُ لَمْ يَعْدُهُ) أي: لم يُجَاوزه كما تقدم. (صَلَّى فِيهِ) كذَا في روَاية اللؤلؤي، وفي نُسخَة من روَاية ابن العَبْد: لم يعده ثم صَلى فيه. ورواية النسَائي: لم يعده وصَلى فيه (¬4). [270] (ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ) القعنبي، قال: (ثَنَا عَبْدُ اللهِ (¬5) بْنَ عُمَرَ بْنِ غَانِمٍ) الرعيني أبُو عَبد الرحمن قاضي إفريقية. ¬

_ (¬1) "المجموع" 2/ 615. (¬2) سقط من (م، ظ). (¬3) سيأتي قريبًا. (¬4) أخرجه النسائي 1/ 150، 188، 2/ 73، وأحمد 6/ 44، والدارمي (1013)، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (262). (¬5) كتب فوقها في (د، م): د.

قال ابن يونس: أحَد الثقات الأثبات (¬1)، وقال أبُو دَاود: أحَاديثه مستقيمة (¬2) (عَنْ [عَبْدِ الرَّحْمَنِ] (¬3) بْنَ زِيادٍ) ابن أنعم الأفريقي قاضِي أفريقية لمروان بن محمد كانَ أسيرًا في الروم أول مَولود ولد بإفريقية بعد أن فتحهَا المسلمون (¬4) أخرجَ لهُ البخَاري في كتاب "الأدب". (عَنْ عُمَارَةَ) (¬5) بِضَم العَين المُهملة وتخفيف الميم (بْنِ غُرَابٍ) منقُول مِن اسْم الطائر المعروف اليحصبي تابعي لا صحابي. (أَنَّ (¬6) عَمَّةً لَهُ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا سَأَلَتْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: إِحْدَانَا) أي: إحدى النسَاء (تَحِيضُ وَلَيْسَ لَهَا وَلِزَوْجِهَا إلَّا فِرَاشٌ وَاحِدٌ)؟ فيه فضيلة (¬7) الصَّحَابة، ومَا كانوا عليه من التقلل مِن الدنيا، وسؤال نسَائهن عما يحدث لهنَّ مِنَ الأحكام الشرعية. (قَالَتْ) عائشة: (أُخْبِرُكِ بِمَا صَنَعَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ) عليَّ في بيتي (فَمَضَى إِلَى مَسْجِدِهِ -قَالَ أَبُو دَاودَ: تَعْنِي مَسْجِدَ بَيتِهِ) فيهِ أنه يُستحب للرَّجُل أن يتخذ له في بيته مُصَلَّى يُصلي فيه ويقرأ ويتعبد كما تقدم وسَيأتي. (فَلَمْ يَنْصَرِفْ) منهُ (حَتَّى غَلَبَتْنِي عَينِي) (¬8) كنَاية عن شدة النعَاس ¬

_ (¬1) "تاريخ ابن يونس" 2/ 112 (¬2) "تهذيب الكمال" 15/ 344. (¬3) في (ص): أبي عبد الرحمن. وهو خطأ. (¬4) في (ص، س): المأمون. وهو خطأ فإن إفريقية فتحت مرتين: مرة في عصر عثمان - رضي الله عنه -، وأخرى في عهد معاوية - رضي الله عنه -. (¬5) كتب فوقها في (د): د. (¬6) في (م، ظ): عن. (¬7) في (ص): فضلة. (¬8) في (م): علني. وبياض في (ل).

(وَأَوْجَعَهُ) (¬1) البَرْدُ) الشديد يُشبه أن يكونَ ذلك الوقت في آخِر الليل. (فَقَالَ: ادْنِي) بِهَمزة وصل، وسُكون الدَال وكسْر النون أمر منَ الدُنُو، وهو القرب، وأصْله ادنوي، والوَاو لامُ الكلمة، فحذفت الوَاو و [كسرت النون] (¬2) لمجانسَة اليَاء. (مِنِّي فَقُلْتُ: إِنّي حَائِضٌ) يَدُل على أنَّ هذا كانَ بعد نزول قوله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} (¬3). (قَالَ: وإنْ) يُشبهُ أن يَكونَ شاهدًا على حَذف شرط إنْ (¬4) الشرطية إذا علم تقديره وإن كنت حائضًا. (اكْشِفِي عَنْ فَخِذَيْكِ) وفي روَاية: "عَن فخذك" بالإفراد (فَكَشَفْتُ عن فَخِذَيَّ فَوَضَعَ خَدَّهُ وَصَدْرَهُ عَلَى فَخِذَيَّ). اسْتدل به ابن عبد البرِّ في "الاستذكار" على أن الحَائض يجتنب منها مَوضع الدم لا غَير فقال: قالَ به سُفيان الثوري، ومحمد بن الحَسَن، وبَعض أصحاب الشافعي، وحجتهم حَديث ثابت عن أنس عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - "افعَلوا كل شيء مَا خَلا النكاح" (¬5). وفي روَاية بَعض رواته: "مَا خَلا الجماع" وحَديث: "إن حَيضتك ليسَت في يَدك" قالَ: وفيهَا دليل على أن كل عضو منهَا ليسَت به الحَيضة [في الطهارة بمعنى ما كان ¬

_ (¬1) في (م): أرجعه. وبياض في (ل). (¬2) في (م): كسر الواو. وفي (ل): كسرت الواو. (¬3) البقرة: 222. (¬4) سقط من (م، ظ). (¬5) تقدم.

ذلك العضو عليه قبل الحيضة] (¬1) ودَل على أن الحَيض لا حُكمَ لهُ في غَير مَوضعه الذي أمرنا بالاجتناب له مِن أجله، وعن مسرُوق، سَألت عَائشة ما يحَل لي من امرأتي وهي حَائض قالت: كل شيء إلا الفرج (¬2)، وعن حَكيم بن عقال سَألت عَائشة ما يحرُم عليَّ من امَرأتي إذا حَاضَت قالت (¬3): فَرجهَا (¬4). ثم قالَ: وإذا ثبتَت هذِه الآثار وكان بعضهَا يَعْضدُ بَعضًا، وقد ذكر أبو داود في "السُنَن" حَديثًا مُسْندًا [عن عائشة] (¬5) فذكر الحَديث وقالَ: هذا يُبيَن لك ما قلنَا وبالله توفيقنا (¬6). (وَحَنَيْتُ) بفتح الحَاء المهملة والنون مِن قولهم حَنَيتُ ظَهري (¬7)، وحنيت العود إذا عطفته، وَحَنَوْت لغة ومنه الحَديث في الصحيح لم يَحْنِ أحدٌ منا ظهرهُ (¬8) أي؛ يثنيه للركوع قيل: وروي جَنَيْتُ بالجيم. (عَلَيهِ) إذا (¬9) أكبَبْت عَلَيه، وَجَاءت الروَايتَان في اليَهُودي الذي زنى بالمرأة: فَرأيتُ الرجُل يجْنَأ عليهَا. أي: يكبُّ عليهَا يقيهَا الحجَارة (¬10). (حَتَّى دَفِئ) بكسْر الفاء وهَمز آخره أي: حمى بانعطَافهَا وانكبَابهَا ¬

_ (¬1) من (د، م، ظ). (¬2) أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/ 38. (¬3) في (ص، س، ل، م): قال. (¬4) أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/ 38. (¬5) ساقط من (ص). (¬6) "الاستذكار" 3/ 184 - 186. (¬7) في (م، ظ): ظهرك. (¬8) أخرجه البخاري (690)، ومسلم (474) (198) من حديث البراء - رضي الله عنه -. (¬9) في (م، ظ): إذ. (¬10) أخرجه البخاري (3635)، وأبو داود (4446) من حديث ابن عمر وسيأتي لاحقًا.

عليه وزَال عنهُ ألم البرَد. (وَنَامَ) عندمَا استدفأ بهَا، وفيه جَوَاز مَسِّ الرجُل فخذ زوجَته للحَاجَة من برد ووَجع ونحَوه من غَير لذة، وفيه جَوَاز الاستخدَام اللطيف بالنوم وغيره في حجرهَا، وإن كان فيه نَوع استمتاع. [271] (ثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الجَبَّارِ) بن يزيد القرَشي الكرابيسي نزيل مكة أخرجَ له مُسْلم وروى عنه. (قال: ثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ (¬1) بْنَ مُحَمَّدٍ) الدراوردي (¬2) أبو محمد (عَنْ أَبِي اليَمَانِ) الرحال (¬3) اسْمهُ كثير بن اليَمان ثقة (¬4). (عَنْ أُمِّ ذَرَّةَ) (¬5) بفتح الذال المعجمة، وتشديد الراء المدَنية، مولاة عَائشة مقبولة والذي رَأيتهُ في نسخة "الكاشف" للذهبي: أم ذروة (¬6)، (عَنْ) مولاتها (عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ إِذَا حِضْتُ نَزَلْتُ عَنِ المِثَالِ) بكسْر الميم، وتخفيف الثاء المثلثة، وهو الفراش الخلق ومنه حَديث عَلي: فاشترى لكل واحِد منهما مثالين (¬7). وقيل: هُما النمطان، والنمط ما يفترش من مفارش الصُّوف الملونة، ¬

_ (¬1) كتب فوقها في (د): ع. (¬2) في (ص، ل): الدراودي. (¬3) في (ص، س): الرجل. (¬4) "ثقات ابن حبان" 7/ 351. (¬5) في (س): ذروة. (¬6) الذي في "الكاشف": 2/ 524 (7117) ترجمتها: ذرة. (¬7) أخرجه الأزهري بسنده في "تهذيب اللغة" 15/ 71. وفي إسناده محمد بن حميد حافظ لكنه رمي بالكذب، والأولى تركه. ولم أقف على هذا الأثر في موضع آخر.

وجمعُ (¬1) المثال مُثُل بضَمتَين، ومنهُ حَديث عكرمة: أن رجلًا من أهل الجَنة كانَ مستلقيًا على مثله. جَمعُ مثالٍ. (عَلَى الحَصِيرِ) جمعهَا حصر، وتأنيثها بالهَاء عامي (فَلَمْ نَقْرَبْ) بفتح النون والراء (رَسُولَ) منصوب على المفعُوليَّة (الله) يقال في المتَعدي بنفسه: قرب بكسر الراء يقربُ بفتحها، فإن لم يتعدَّ قلتَ: قرُبت منه بِضَم الراء لا غَير. (وَلَمْ نَدْنُ) بِحَذف الوَاو هكذا في نسخة الخطيب (¬2) وهي الصَّواب. (منه (¬3) حَتَّى نَطْهُرَ) (¬4) قد يستدلُّ بهذا الحَديث لما نقلهُ الماوردي، عن عبيدة السَّلماني التابعي وهو بفتح العَين والسِّين مِنَ السلْماني، وهو تحريم الاستمتاع بجَميع بَدَن الحَائض (¬5). وهو موَافق لما حكاهُ النوَوي في كتاب النكاح مِنَ الروضة تبعًا للرافعي عَن أبي عبيد بن جربويه (¬6) من كبار أصحَابنا المتقدمين أنه لا يجوز على وفق هذا المذهب (¬7). وحَكاهُ القُرطبي عَن ابن عَباس: أنهَا ¬

_ (¬1) في (س، م، ل، ظ): جمعه. (¬2) في (ص، ل): الطيب. (¬3) من (د، م، ظ). (¬4) تفرد به أبو داود، وهذا حديث منكر لمخالفته ما جاء في الصحيحين وتقدم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر إحدانا إذا كانت حائضًا أن تتزر ثم يضاجعها. وكثير بن اليمان -أبو اليمان- لم يوثقه غير ابن حبان، والظاهر أنه جرى في توثيقه على قاعدته المعروفة. (¬5) "الحاوي الكبير" 1/ 380. (¬6) في (ص، م): حرثومة. (¬7) "روضة الطالبين" 7/ 206.

إذا حَاضت يَعتزل الرجُل فراشها، ثم قال: وهوَ قول شاذ عَن أقوال العُلماء، وإن كان عموم الآية يقتضيه، وقد أنكرَت على ابن عَباس خَالته ميمونة وقالت: أرَاغب أنت (¬1) عَن سُنة رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2) (¬3). [272] (ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عن حَمَّاد) بن سَلمة (عَنْ أَيُّوبَ) السختياني. (عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَن النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا أَرَادَ مِنَ الحَائِضِ شَيئا أَلْقَى عَلَى فَرْجِهَا ثَوْبًا) لتشدَّهُ على فَرجهَا قطعًا للذريعة وتنبيهًا على تركهِ وترك الاستمتاع به. [273] (ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، قال: ثَنَا جَرِيرٌ) بفتح الجيم ابن عَبد الحَميد الضبي القاضي (¬4) وله مُصَنفات (عَنِ) أبي إسحاق سُليَمان بن فَيروز (الشَّيْبَانِيِّ) (¬5) الكوفي. (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ) ابن يزيد من الزيَادة النخعي من خيَار التابعين، والعُلماء العَاملين. (عَنْ أَبِيهِ) أبي الأسَود التابعي المتَعبد (عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُنَا فِي فَوْحِ) بفتح الفاء وبعد الوَاو السَّاكنَة حَاء مُهملة ¬

_ (¬1) سقط من (د، س، ل، م). (¬2) "الجامع لأحكام القرآن" 3/ 86 - 87. (¬3) كتب حاشية في (د): هذا الحديث من أفراد المؤلف، ولم يذكر في ترجمة عكرمة عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - غيره بخط الرافعي. والحديث أخرجه عبد الرزاق بنحوه (1236) ولكن عن عكرمة عن أم سلمة وهو صحيح. (¬4) في (ص): العاصي. والمثبت من (د، س، م، ظ). (¬5) كتب فوقها في (د): ع.

([حَيْضتنَا) بفتح الحَاء لا غَير] (¬1) كذا في نُسخة الخَطيب بالحَاء المُهملة (¬2) وهوَ الصَّوَاب، وفي كتاب أبي علي التستري بالجيم وهو خطَأ، وإن كانَ لهُ وجْه، وفوح الحيض: مُعظمه، ومثله فوع الدم يقال: فاع الدم وفاح (¬3) بمعنىً وروَاية البخاري: فور حَيضتها ومعَناهَا واحِد. قالَ القرطبي: فور الحَيضة: مُعظم صَبهَا من فورَان القِدر وغليَانها (¬4). (أَنْ نَتَّزِرَ) بتشديد المثناة فوق، وفي روَاية الكشميهني (¬5) للبخاري تأتزر بهمَزة سَاكنة (¬6). وهي أفصح في العربية (ثُمَّ يُبَاشِرُنَا) هو بمعنى مُلاقاة البَشرة البشرة لا بمعنى الجماع (وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ) بِكَسْر الهَمزة وسُكون الراء ثم بَاء مُوَحَّدة، قيلَ: المراد عضوه الذي يستمتع به وهوَ الفَرج، وروي بفتح الهمزة والراء، ومعنَاهُ حَاجَته، والحَاجَة (¬7) تسمى أَرَبًا. وذكر الخطابي (¬8) في "شرحه" (¬9): أنهُ رُوي هنا (¬10) بالوَجهَين وأنكر في مَوضع آخر كما نقَله النوَوي (¬11) وغَيرهُ عنه (¬12) رواية الكسْر، وكذا ¬

_ (¬1) في (م): حيضة. (¬2) يعني كلمة فوح. (¬3) في (ص، س): فاج. (¬4) "المفهم" 1/ 555. (¬5) في (ص): العاصي. (¬6) انظر: "صحيح البخاري" طوق النجاة 1/ 67 حاشية (22). (¬7) في (م، ظ): الحا. (¬8) "معالم السنن" 1/ 84. (¬9) في (ص، س): شرحيه. (¬10) من (د، ل، م). (¬11) "شرح النووي" 7/ 216. (¬12) من (د، م).

أنكرهَا النحاس، والمُرَاد أنه - صلى الله عليه وسلم - كانَ أملَك الناس لأمره فلا يُخشى عَليه ما يخشى على غَيره ممَّن حَام حَوْل الحِمَى، ومع ذلك فكان يُبَاشر فَوق الإزَار، تشريعًا لغيره ممَّن ليسَ بمعصُوم، وبِهَذا قالَ أكثر العُلماء، وهو الجَاري على قاعدة المالكية في [قاعدة سَد] (¬1) الذرَائع. (كمَا كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَمْلِكُ إِرْبَهُ) - صلى الله عليه وسلم - ذَهبَ أحمد وإسحاق إلى أن الذي يمنع مِنَ الاستمتَاع بالحَائض الفَرج فقط (¬2). وبه قالَ محمد بن الحسَن من الحنفية، ورجحهُ الطحاوي (¬3)، واختيار أصبغ مِن المالكية (¬4)، واستدل الطحاوي على الجوَاز بالحَديث المتقدم: "ألقَي عَلى فَرجهَا ثوبًا" وبأن المبَاشرة تحت الإزار دون الفرج لا توجب حَدًّا ولا غسْلًا، فأشبهَت المبَاشرة فوق الإزَار، وفصَّل بعَض الشافعيَّة فقال: إن كانَ يَضبْط نفسه عندَ المبَاشرة، وَيثِقُ منها باجتنابه جَاز وإلا فلا، واستحسنهُ النوَوي (¬5). قال ابن حجر: ولا يبعد تخريج وجه آخر مُفرق بين ابتداء الحَيض ومَا بعده لظاهِر التقييد (¬6) بفور حَيضتها (¬7). ¬

_ (¬1) في (ص): عقده شد. وفي (س): فأعقده سد. (¬2) "مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج" (م 57). (¬3) "شرح معاني الآثار" 3/ 37. (¬4) "المنتقى شرح الموطأ" 1/ 117. (¬5) "المجموع " 3/ 205. (¬6) في (س): النفس. (¬7) "فتح الباري" 1/ 404.

109 - باب في المرأة تستحاض، ومن قال: تدع الصلاة في عدة الأيام التي كانت تحيض

109 - باب في المرْأَةِ تُسْتَحاضُ، ومنْ قالَ: تَدَعُ الصَّلاة فِي عِدَّة الأَيّامِ التي كانتْ تَحِيضُ 274 - حَدَّثَنا عَبْدُ الله بْن مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ يَسارٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أَنَّ امْرَأَةً كانَتْ تُهَراقُ الدِّماءَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فاسْتَفْتَتْ لَها أُمُّ سَلَمَةَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فقالَ: "لِتَنْظُرْ عِدَّةَ اللَّيالِي والأَيّامٍ التِي كانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَها الذِي أَصابَها، فَلْتَتْرُكِ الصَّلاةَ قدْرَ ذَلِكَ مِنَ الشَّهْرِ، فَإِذا خَلَّفَتْ ذَلِكَ فَلْتَغْتَسِلْ، ثُمَّ لْتَسْتَثْفِرْ بِثَوْبٍ، ثُمَّ لْتُصَلّ فِيهِ" (¬1). 275 - حَدَّثَنا قُتَيْبَة بْن سَعِيدٍ وَيَزِيدُ بْنُ خالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ مَوْهَبٍ قالا: حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنْ نافِعٍ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ يَسارٍ، أَنَّ رَجُلًا أَخْبَرَهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ امْرَأَةً كانَتْ تُهَراقُ الدَّمَ، فَذكَرَ مَعْناهُ، قالَ: "فَإِذا خَلَّفَتْ ذَلِكَ وَحَضَرَتِ الصَّلاةُ، فَلْتَغْتَسِلْ"، بِمَعْناهُ (¬2). 276 - حَدَّثَنا عَبْدُ الله بْن مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنا أَنَسٌ -يَعْنِي: ابن عِياضٍ- عَنْ عُبَيْدِ الله، عَنْ نافِع، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ يَسارٍ، عَنْ رَجُل مِنَ الأنْصارِ، أَنَّ أمْرَأَةً كانَتْ تُهْراقُ الدِّماءَ، فَذَكَرَ مَعْنَى حَدِيثِ اللَّيْثِ، قالَ: "فَإذا خَلَّفَتْهُنَّ وَحَضَرَتِ الصَّلاةُ فَلْتَغْتَسِلْ"، وَساقَ الحَدِيثَ بِمَعْناهُ (¬3). 277 - حَدَّثَنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنا صَخْرُ ¬

_ (¬1) رواه النسائي 1/ 119، 182، وابن ماجه (623)، وأحمد 6/ 293، 320، 322. وسيأتي برقم (276)، (278). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (265). (¬2) انظر السابق. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (266). (¬3) انظر ما سلف برقم (274). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (267).

ابْن جُوَيْرِيةَ، عَنْ نافِع، بإِسْنادِ اللَّيْثِ وَبِمَعْناهُ، قالَ: "فَلْتَتْرُكِ الصَّلاةَ قَدْرَ ذَلِكَ، ثُمَّ إِذا حَضَرَتِ الصَّلاةُ فَلْتَغْتِسِلْ وَلْتَسْتَثْفِرْ بِثَوْبٍ، ثُمَّ تُصَلِّي" (¬1). 278 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا وهَيْبٌ، حَدَّثَنا أَيّوبُ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ يَسارٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ بهذِه القِصَّةِ، قالَ فِيهِ: "تَدَعُ الصَّلاةَ وَتَغْتَسِلُ فِيما سِوَى ذَلِكَ وَتَسْتَثْفِرُ بِثَوْبٍ وَتُصَلِّي". قالَ أَبُو داودَ: سَمَّى الْمَرْأَةَ التِي كانَتِ اسْتُحِيضَتْ حَمّادُ بْن زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ فِي هذا الحَدِيثِ، قالَ: فاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي خبَيْشٍ (¬2). 279 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ عِراكٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّها قالَتْ: إِنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ سَأَلتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الدَّمِ، فَقالَتْ عائِشَة: فَرَأَيْتُ مِرْكَنَها مَلآنَ دَمًا. فَقالَ لَها رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: "امْكُثِي قَدْرَ ما كانَتْ تَحْبِسُكِ حَيضَتُكِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي". قالَ أَبُو داودَ: رَواهُ قُتَيْبَة بَيَّنَ أَضْعافِ حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ فِي آخِرِها، وَرَواهُ عَلِيُّ بْنُ عَيّاشٍ وَيُونُسُ بْن مُحَمَّدٍ، عَنِ اللَّيْثِ، فَقالا: جَعْفَرُ بْن رَبِيعَةَ (¬3). 280 - حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ حَمّادٍ، أَخْبَرَنا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ الله، عَنِ المُنْذِرِ بْنِ المُغِيرَة، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ فاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ حَدَّثَتْهُ، أنَّها سَأَلتْ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَشَكَتْ إِلَيْهِ الدَّمَ، فَقالَ لَها رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّما ذَلِكَ عِرْقٌ، فانْظُرِي إِذا أَتَى قُرْؤُكِ فَلا تُصَلِّي، فَإِذا مَرَّ قُرْؤُكِ فَتَطَهَّرِي، ثُمَّ ¬

_ (¬1) رواه ابن الجارود في "المنتقى" (113)، والدارقطني 1/ 217، والبيهقي 1/ 333. وانظر ما سلف برقم (274). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (268). (¬2) رواه أحمد 6/ 322 - 323. وانظر ما سلف برقم (274). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (269). (¬3) رواه مسلم (334).

صَلِّي ما بَيْنَ القُرْءِ إِلَى القُرْءِ" (¬1). 281 - حَدَّثَنا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ -يَعْنِي: ابن أَبي صالِح- عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، حَدَّثَتْنِي فاطِمَةُ بِنْتُ أَبي حُبَيْشٍ، أَنَّها أَمَرَتْ أَسْماءَ -أَوْ: أَسْماءُ حَدَّثَتْنِي، أَنَّها أَمَرَتْها فاطِمَةُ بِنْتُ أَبي حُبَيْشٍ- أَنْ تَسْأَلَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَأَمَرَها أَنْ تَقْعُدَ الأيَّامَ التِي كانَتْ تَقْعُدُ، ثُمَّ تَغْتَسِل. قالَ أَبُو داودَ: وَرَواة قَتادَةُ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ اسْتُحِيضَتْ، فَأَمَرَها النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تَدَعَ الصَّلاةَ أَيّامَ أَقْرائِها، ثُمَّ تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ. قالَ أَبُو داودَ: لَمْ يَسْمَع قَتادَةُ مِنْ عُرْوَةَ شَيْئًا. وَزادَ ابن عُيَيْنَةَ فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عائِشَةَ: أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ كانَتْ تُسْتَحاضُ، فَسَأَلتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَمَرَها أَنْ تَدَعَ الصَّلاةَ أَيّامَ أَقْرائِها. قالَ أَبُو داودَ: وهذا وَهَمٌ مِنَ ابن عُيَيْنَةَ، لَيْسَ هذا فِي حَدِيثِ الحُفّاظِ عَنِ الزُّهْرِيِّ، إلَّا ما ذَكَرَ سُهَيْلُ بْنُ أَبي صالِحٍ، وَقَدْ رَوَى الحُمَيْدِيُّ هذا الحَدِيثَ، عَنِ ابن عُيَيْنَةَ، لَمْ يَذْكُر فِيهِ: "تَدَعُ الصَّلاةَ أَيّامَ أَقْرائِها". وَرَوَتْ قَمِيرُ بِنْتُ عَمْرو زَوْجُ مَسْرُوقٍ، عَنْ عائِشَةَ: المُسْتَحاضَة تَتْرُكُ الصَّلاةَ أَيّامَ أَقْرائِها، ثمَّ تَغْتَسِلُ. وقالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ القاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَها أَنْ تَتْرُكَ الصَّلاةَ قَدْرَ أَقْرائِها. وَرَوَى أَبُو بِشْرٍ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أَن أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ اسْتُحِيضَتْ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ. وَرَوَى شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي اليَقْظانِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ ¬

_ (¬1) رواه النسائي 1/ 121 - 183، 6/ 211، وابن ماجه (620)، وأحمد 6/ 420 - 463. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (272).

النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "المُسْتَحاضَةُ تَدَعُ الصَّلاةَ أَيّامَ أَقْرائِها، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي". وَرَوَى العَلاءُ بْن المسَيَّبِ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، أَنَّ سَوْدَةَ اسْتُحِيضَتْ، فَأَمَرَها النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذا مَضَتْ أَيّامُها اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ. وَرَوَى سَعِيدُ بْن جُبَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ، وابْنِ عَبّاسٍ: "المُسْتَحاضَةُ تَجْلِسُ أَيّامَ قُرْئها". وَكَذَلِكَ رَواهُ عَمّارٌ مَوْلَى بَنِي هاشِمٍ، وَطَلْق بْنُ حَبِيبٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ، وَكَذَلِكَ رَواهُ مَعْقِلٌ الخَثْعَمِيُّ، عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه -، وَكَذَلِكَ رَوَى الشَّعْبِيُّ، عَنْ قَمِيرَ امْرَأَةِ مَسْرُوقٍ، عَنْ عائِشَةَ - رضي الله عنها -. قالَ أَبُو داودَ: وَهُوَ قَوْلُ الحَسَنِ، وَسَعِيدِ بْنِ المسَيَّبِ، وَعَطاءٍ، وَمَكْحُولٍ، وَإبْراهِيمَ، وَسالِمٍ، والقاسِمِ، أَنَّ المُسْتَحاضَةَ تَدَعُ الصَّلاةَ أَيّامَ أَقْرائِها. قالَ أَبُو داودَ: لَمْ يَسْمَعْ قَتادَة مِنْ عُرْوَةَ شَيْئًا (¬1). باب المَرْأَةِ تُسْتَحَاضُ وَمَنْ قَالَ: تَدَعُ الصَّلاةَ فيِ عِدَّةِ الأَيَّامِ التِي كَانَتْ تَحِيضُ [274] (ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ) القعنبي (عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ) هند (زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ أمْرَأَةً كَانَتْ) وهذِه المرأة هي: فاطمة بنت أبي حبيش، كما سَيَأتي. (تُهرَاقُ) بِضَم التاء وإسْكان الهَاء، كما تقدم. (الدِّمَاءَ) أي: يجري دمها كما تهراق الماء يَعني: إنهَا تستحَاض ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 1/ 331 من طريق أبي داود. وانظر ما سلف برقم (279). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (273).

و [ليست تحيض] (¬1). (عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -) قال ابن عبد البر: مَعناهُ عندَ أهل العِلم أنها كانت امرَأة لا ينقطع دمها ولا ينفَصل ولا ترى منهُ طُهرًا ولا نقاء، وقَد زادهَا ذلك على أيام كانت لهَا معرُوفة وتمادى بهَا (¬2). (فَاسْتَفْتَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -) لتعلم هَل حكم ذَلك الدَّم كحكم دَم الحَيض؛ إذ كانت عندَها وعند (¬3) غَيرها عَادَة دَم الحَيض أنهُ ينقطع (قَالَ: تَنْظُر) مَرفوع على أنه خبر بمعنى الأمر، كقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} (¬4) ورواية الخَطيب: "لِتنظرْ" بكَسْر لام الأمر الجَازمَة للمُضَارع، وكذَا روَاية "الموَطأ" (¬5)، وفي روَاية لهُ: "فلتنظري" بسُكون لام الأمر بعد الفاء وزيَادة ياء المخَاطبة في آخره، والأكثَر باللام. (عِدَّةَ) أصْلها مِنَ العَدَد، وقيل: العِدة بمعنى المعدود كالطِّحن بمعنى المطحون (اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ التِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ) على عَادَتها (قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الذِي أَصَابَهَا) مِنَ الدَّم الذي يَجري في غَير أوانهِ، وهو دَم الاستحاضَة الجَاري من عرق يُقالُ له: العَاذل بالعَين المهملة وكسْر الذال المُعجمة، وفمه الذي يَسيل منه في أدنى الرحم دونَ قَعره. وفي الحَديث إشارَة إلى أن الاستحَاضة علة تعتري المرأة فيجَري ¬

_ (¬1) في (ص): وليس بحيض. والمثبت من بقية النسخ. (¬2) "التمهيد" 16/ 67. (¬3) في (م، ظ): أو عند. (¬4) البقرة: 233. (¬5) "الموطأ" 1/ 62.

دَمها في غير عَادَته (¬1). (فَلْتَتْرُكِ الصَّلاةَ قَدْرَ ذَلِكِ) بكَسْر الكاف، أي: ذلك الزمَان الذي كانت تعتاد أن (¬2) تحيضه مِنَ الشهر فإنها كانت مُعتادة غَير مُميِّزة، وهي التي سَبَق لهَا حَيض وطُهر معرُوفان، فأمَرهَا الشارع أن تجري على عَادَتها، وتترك الصَّلاة قدر (اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ التِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ) وفي الوقت. (مِنَ الشَّهْرِ) إن كانَ مِن أوله فمن أوله، وإن كان مِن وسطه فمن وسَطه، وإن كانَ مِن آخره فمن آخره، وكذَلك تجري على عادَتها في كل سَنة كما في الشهر، وقيل: لا يزيدُ الدور على تسعين يَومًا وكما أنها تترك الصَلاة تترك الصَوْم أيضًا، ويترك زَوْجها الاستمتاع بهَا فيمَا بَيَن السُّرة والركبة، وتترُك الدُّخُول في المسَاجد التي هي مَوَاضِع الصَّلاة، وتترك قراءة القُرآن والطوَاف ومسّ المُصحَف وحَمله، ويحرُم على الزَوج طلاقها في هذِه الأيَّام؛ فإنّ طَلاقه فيها طلاق بدْعَة. (فَإِذَا خَلَّفَتْ) بِفَتح الخاء واللام المشددة [والفاء وسكون التاء] (¬3) أي: تركت. (ذَلِكَ) القَدْر وجَاوزته، يَعني قدر أيام حَيضهَا ودَخلت في أيام الاستحاضة والتخلف: [أن يترك الشيء خلف ظهره] (¬4). ¬

_ (¬1) في (س): عادتها. (¬2) في (ص، ل): كان. والمثبت من (د، م). (¬3) في (ص، س، م): وسكون الفاء و. والمثبت من (د). (¬4) في (ص): ترك الشيء خَلف ظَهْرك.

ومنهُ حَديث الأعشى الحرمَازي: فخلفتني بنزاع وحَرَبْ (¬1). أي: تركتني خَلفها. (فَلْتَغْتَسِلْ) قالَ أصحَابنا إذَا مَضى زَمَن حَيضها وجَبَ عَليهَا أن تغتسل في [الحال لأول صلاة تدركها (¬2) ولا يجوز لها بعد ذلك أن تترك صلاة ولا صومًا ولا تمنع (¬3) زوجها من] (¬4) وطئها ولا تمتنع من شَيء يفعلهُ الطَّاهِر. وعَن مَالك رواية: أنها تستطهر بالإمسَاك عَن هذِه الأشياء ثلاثة أيام بعد عَادتها (¬5)، وهذا الحَديث بخلافه فإنه بصيغة الأمر، وهو يقتضي الفَور، وفي هذا الحديث الأمر بإزالة النجاسَة، وأنَّ الدم نجس، وأنَّ الصَّلاة تَجِب بمجرَّد انقطاع الدَّم. (ثُمَّ لْتَسْتَثْفِرْ) (¬6) بسُكُون الثاء المثلثة بين المثَناة فوق والفاء المكسُورَة بَعدهَا، أي: تشدّ ثوبًا على فَرْجِهَا مَأخوذ مِنْ ثفر الدابة بفَتح الفاء وهو الذي يكونُ تحتَ ذَنَبها. ويحتمل أن يكونَ مَأخوذًا من الثَفْر بإسْكان الفاء وهو الفَرج فاستعير ¬

_ (¬1) في (ص): وجذب. وفي (س): وجرب. والمثبت من (د، م، ظ)، والحديث أخرجه أحمد، وقيل هو من زيادات عبد الله بن أحمد على "المسند" 2/ 201، وإسناده ضعيف. انظر "السلسلة الضعيفة" (5712). (¬2) في (س، ل): تذكرها. (¬3) في (م، ظ): يمتنع. (¬4) من (د، س، ل، م، ظ). (¬5) انظر: "الاستذكار" 3/ 223. (¬6) في (ص، س): تستثفر. والمثبت من بقية النسخ.

لما يوضَع عليه، والاستثفار: أن تشد المرأة ثوبًا عَريضًا بين رجليهَا بِحَيث يَكون مشدودًا على فَرْجِهَا ودُبرها، ويَكونُ أحَد طَرفيها الذي من ورائهَا مَغْرُوزًا في حجزة سَرَاويلهَا، والذي مِن قدامهَا كذلك أو يكون الطرف الذي مِن خَلفها مُتفرقًا مَشدُودًا (¬1) على وسْطهَا من خَلف ظَهرهَا، والطَّرف الذي من قبُلها مُتفرقًا مشدودًا على وسَطهَا ليمنَع (¬2) سَيَلان الدَّم أيضًا، وهذا الاستثفار مَعَ حَشو فَرجِهَا بِقُطنَة ونَحْوها يمنع اندِفَاع الدَّم. قال ابن الرفعَة: وهذا يَدُل على أنها تفطرُ بذَلك، ولقائل أن يقول: قد تعارضت (¬3) مَصْلحة الصَّلاة ومَصْلحة الصوم فأيُّهمَا يُقَدَّم؟ وينبغي تخريجه على من ابتلعَ طَرف خَيط قبَل الفَجر [ثم طلعَ الفَجر] (¬4) وطرفه خَارج وهو صَائم، فَإن تَركه لم تَصح صَلاته؛ لأنهُ حَامِل مَا يتصل بنجاسَة، وإن نَزَعَهُ بَطل صَوْمه. وفي نُسخَة: أظنهَا لأبي عَلي التستري "ثم لتَسْتذفر" بالذال المُعجمة بَدَل الثاء وهو (¬5) إن صَحت (¬6) روَايته محَمول على إبدَال الثاء ذالا؛ لأنهما مِنْ مَخرْج واحِد. (بِثَوْب) أي: عَريض يشد كما تقدم. (ثُمَّ لْتُصَل) فلا يحَل لهَا بعد ذَلك أن تترك صَلاة ولا صومًا ولا شيئًا ¬

_ (¬1) في (د، م، ظ): له طرفان يشدان. (¬2) في (م، ظ): ليمتنع. (¬3) في (ص، س): تعارض. (¬4) سقط من (س، م، ظ). (¬5) سقط من (م). (¬6) في (ص): صحب.

مما يفعلهُ الطاهِر كما تقدم. [275] (ثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَيَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ مَوْهَبٍ) بفتح الميم والهَاء كما تقدم قريبًا. (قَالا: ثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ يَسَارٍ) بِفَتح المثناة والسين المهملة. (أَنَّ رَجُلًا أَخْبَرَهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ) هذا يُؤيد ما قالهُ البيهقي أنهُ حَديث مَشهور إلا أنَّ سُليمان لم يسمعهُ منهَا (¬1)، وقالَ النووي: إسنَاده على شرطهما (¬2). وللدارقطني عَن سُليمان أنَّ فاطمة بنت أبي حبيش استحيضَت فأمَرت أُم سَلمة (¬3)، وقد رَواهُ مُوسَى بن عقبة، عن نَافع، عن سُليمان، عن مُرجَانة، عن أم سَلمة، وسَاقهُ الدارقطني مِنْ طريق صخر بن جويرية، عن نافِع، عن سُليمان أنهُ حَدثه رجُل عَنهَا (¬4). (أَنَّ امْرَأَةً تُهَرَاقُ) قال شارح "المصَابيح": هذا اللفظ استُعمل على بنَاء المجهول إذا كانَ في بَاب المُستحاضة كلفظ تُسْتَحاضُ، ومعنى تُهرَاق الدم أي: صُيّرت ذَاتَ هراقة الدّم، والهراقة: الإراقة. قالَ: وهي صَبّ الدَّم، يعني: صَارَت مُسْتَحَاضَة. (الدَّمَ) بالنَصْب مفعول ثان، والمفعُول الأول نَائب عَن الفاعِل، أي: صُيرت صَاحبةَ دَمٍ. ¬

_ (¬1) "السنن الكبرى" 1/ 332. (¬2) "خلاصة الأحكام" 1/ 238. (¬3) "سنن الدارقطني" 1/ 207. (¬4) "سنن الدارقطني" 1/ 217.

(فَذَكَرَ مَعْنَاهُ قَالَ: فَإِذَا خَلَّفَتْ) بتشديد اللام كما تقدم (ذَلِكَ القدر وَحَضَرَتِ الصَّلاةُ) بالرفع فاعل (فَلْتَغْتَسِلْ. بِمَعْنَاهُ) ثم لتستثفر بثوب ثم لتُصل كما تقدم. قالَ في "الاستذكار": قال مالك: الأمر عندنا أن المُستحَاضَة إذا صلت أن لزَوجهَا أن يُصيبهَا وكذَلك النفسَاء إذا بلغت أقصى ما تمسك النسَاء الدَم (¬1). ووطْءُ المُستحاضَة مُختلف فيه بالمدينة وغَيرها. ذكر عَبد الرزاق، عَن معمر، عن أيوُّب. قالَ: سئل سُليمان بن يسَار: أيصيب المسُتحاضةَ زوجهُا؟ فقال: أمَا سَمعت بالرخصة في الصَّلاة (¬2). وعن الثوري (¬3)، عَن منصور قال: لا تصَوم، ولا يأتيها زَوْجها، ولا تمسّ المُصحَف (¬4). [276] (ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ) القعنبي، (قال: ثَنَا أَنَس بْن عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ الله) بالتصغير، ابن عُمر (¬5) بن حَفص بن عَاصم بن عمر بن الخَطاب. (عَنْ نَافِع، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ رَجُل مِنَ الأَنْصَارِ أَنَّ أمْرَأَةً) هي فاطمة بنت أبي حبيش، كما سَيَأتي. (كَانَتْ تُهرَاقُ) بِضَم التاء وإسْكان الهَاء، كما تقدم. ¬

_ (¬1) "الاستذكار" 3/ 245 - 246. (¬2) "مصنف عبد الرزاق" (1191). (¬3) في (ص، ل): النووي. والمثبت من (د، س، م، ظ)، و"التمهيد". (¬4) "مصنف عبد الرزاق" (1193) عن منصور عن إبراهيم به. (¬5) في (م، ظ): عبد.

(الدِّمَاءَ، فَذَكَرَ مَعْنَاه) أي: معنى (حَدِيثِ اللَّيْثِ) عن نافع، و (قَالَ فيه: فَإِذَا خَلَّفَتْهُنَّ) بفتح الخاء واللام المشددَة والفاء والضَمير المؤنث في خلفتهن عَائد على اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ التِي كَانَتْ عَادَتها أن تَحِيضهُنَّ (وَحَضَرَتِ الصلاة) أي: دَخَل وقت إحدَى الصَّلوَات الخَمس. (فَلْتَغْتَسِلْ) (¬1) قد يستدل بهذا على أنَّ الموجب للغسْل القيَام إلى الصَّلاة، فإن الوقت إذا دَخَل وَجَبَ القيَام للصَّلاَة بعد الاغتسال، وهو أحَد الأوجه الثلاثة، والأصَح أن الموجب (¬2) خُروج دَم الحَيض وانقطاعه مع القيام للصَّلاة. (وَسَاقَ) الحَدِيثَ (مَعْنَاهُ) أي: مَعنى الحَديث المتقدم دُونَ لفظه. [277] (ثَنَا يَعْقُوبُ (¬3) بْنُ إِبْرَاهِيمَ) بن كثير (¬4) الدَّورقي البغدادي الحَافظ، قال: (ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ) بن حَسان البَصري مولى الأزد (¬5) اللؤلؤي، أحَد الأعلام (¬6). قال الذهلي (¬7): ما رأيته في يده كتابًا قَط (¬8)، (قالَ ثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ) (¬9) البَصْري مَولى تميم، (عَنْ نَافِعٍ) مَولى ابن عمَر عَن سُليمان ¬

_ (¬1) أخرجه الدارمي في "سننه" (780). (¬2) سقط من (د). (¬3) كتب فوقها في (د): ع. (¬4) في (ص): بشر. والمثبت من بقية النسخ. (¬5) في (م، ظ): الأزدي. (¬6) في (د، م): أعلام الحديث. (¬7) في (ص): الذهبي. والمثبت من (د، س، ظ، ل، م) و"التهذيب". (¬8) "تهذيب الكمال" 17/ 439. (¬9) في (س): حورية.

ابن يسار، عن أُم سَلمة (بِإِسْنَادِ اللَّيثِ) عن نافِع، عَن سُليمان بن يسَار، عَن أُم سَلمة (وَمَعْنَاهُ) المتقدم. (قَالَ) فيه: (فَلْتَتْرُكِ الصَّلاةَ) بِكَسْر الكاف لالتقَاء السَّاكنَين، أي: وتترك الصَّوم، ولا يغشَاهَا زَوجهَا، كما تقدم. [(قدر ذلك) أي قدر الأيام والليالي التي كانت تحيض فيها كما تقدم] (¬1). (ثُمَّ إِذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ) أي: حَضَرَ وقتها فحذفَ المضَاف وأقيم المضَاف إليه مقامه كقوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} (¬2) أي: أهل القرية. (فَلْتَغْتِسِلْ) وجوبًا، كما تقدم بعد غسل ما عَلى جسمها مِنَ الدَّم، ولا يكفي لهُمَا غسْلة، وقد يستدل به بالاكتفاء بغسلة واحِدَة كما صحَّحه النووي؛ لأن مقتضى الطهَارتين واحِد فكفاهُما غسْلة واحدة كما لو كانَ عليهَا غسْل حَيض وجنَابة (¬3). (وَتَسْتَذْفِرْ) بالجزم عَطفًا على الأمر الذي قبله، وفي نسخة: "وَلْتَسْتَذْفِرْ" بزيَادة اللَّام (¬4) وهو الأصل، والأكثر تَسْتذفر أصْلهُ تستثفر كما تقدم فأبدلت الثاء ذالًا؛ لأنهما مِن مَخرج واحِد. (بِثَوْبٍ ثُمَّ تُصَلِّي) الصَّلوات المؤَداة إذَا دَخَل وقتها، ولا تقضي الصَّلوَات الفائتة، كما تقدم. ¬

_ (¬1) من (د). (¬2) يوسف: 82. (¬3) "المجموع" 1/ 334. (¬4) في (د، م): الأمر.

[278] (ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا وهَيبٌ) (¬1) بن خالد البَاهلي، (ثَنَا أَيوبُ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ بهذِه القصَّةِ) المتقدمَة، و (قالَ) فيه (تَدَع الصَّلاة) أي: تتركها في الأَيَّامِ وَاللَّيَالِي التِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الذِي أَصَابَهَا (وَتَغْتَسِلُ) مِنَ الحَيض، أي: وتصَلي (فِيمَا سِوَى ذَلِكَ) أي: تصلى فيما سِوَى الأَيَّامِ وَاللَّيَالِي التِي كَانَتْ تحيضها وتستذفر (وَتَسْتَثْفِرُ (¬2) بِثَوْبٍ) وهو أن تشد فرجهَا بخرقة عَريضة بعد أن تُحشى قطنًا وتُوثق طرفيهَا (¬3) في شيء تَشُده على وسْطهَا يمنع سَيَلان الدَّم (¬4). (وَتُصَلِّي) فيه و (سَمَّى المَرْأَةَ التِي كانَتِ اسْتُحِيضَتْ، حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ) في (هذا الحديث قال: ) هي (فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ) (¬5) بِضَم الحاء المهملة وفتح البَاء الموَحدة وبعد ياء التصغير شين مُعجمة، واسم أبي حُبيش: قيس بن المطلب بن أسَد بن عَبد العُزى، القُرشية الأسَديَّة. [279] (ثَنَا قُتَيبَةُ (¬6) بْنُ سَعِيدٍ، قال: ثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ (¬7)، عَنْ جَعْفَرٍ) (¬8) بن ربيعة بن شرحبيل بن حسنة القرشي مِنْ ¬

_ (¬1) كتب فوقها في (د): ع. (¬2) سقط من (م)، وكتبها في هامش (د) ووضع عليها علامة (ح). (¬3) في (د، م، ظ): طرفها. (¬4) في (س): الماء. (¬5) أخرجه أحمد 6/ 322، والدارقطني 1/ 208 من طريق أيوب به. (¬6) تكرر في (ص). (¬7) في (س): حبيش. (¬8) كتب فوقها في (د): ع.

أهْل مصْر، (عَنْ عِرَاكٍ) بن مَالك، (عَنْ عُرْوَةَ) بن الزبير، (عَنْ عَائِشَةَ) - رضي الله عنها - (أَنَّهَا قَالَتْ: إِن أُمَّ حَبِيبَةَ) بنت جحش أُخت زَينَب أُم المؤمنين، وهي مشهورة بكنيتها، قيل: اسْمهَا حَبيبة وكنيتها أُم حَبيب بغَير هاء. قاله الوَاقدي (¬1)، وتبعهُ الحربي ورَجحهُ الدَارقطني (¬2)، والصحيح في الرواية الصَّحيحة أن كنيتها أُم حَبيبة بإثبات الهَاء. (سَأَلَت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الدَّمِ) أي: دَم الاستحَاضَة (فَقَالَتْ عَائِشَةُ) - رضي الله عنها -: (فَرَأَيْتُ (¬3) مِرْكَنَهَا) بكَسْر الميم وفتح الكاف، قيل: هُو كالإجانة، وقيل: هو (¬4) شبه حَوْضٍ مِنْ فخار، وقيل: هُو الإجانة التي يغسل فيها الثياب (مَلآنَ) بفتح الميم وسكون اللام. وروي ملأى، قال النووي: كلاهُما صحيح الأول على (¬5) لفظ المركن وهو مُذكر، والثاني على معناه وهو الإجانة، انتهى (¬6). والأول هو الأكثر والأشهر. (دَمًا) مَنصوبٌ باسم الفاعل الذي هو ملآن، وجاز عمل اسم الفاعل لكونه وقع في معنى الوَصْف (¬7)، وهو هنا حكاية حال الرؤية؛ لأن الماضي لا يعمل. ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 35/ 158. (¬2) نقل الدارقطني في "العلل" 14/ 103 هذا الكلام وعزاه لإبراهيم الحربي ولم يعقب عليه. (¬3) في (ص، س): رأيت فرأيت. وفي (م): رأيت. (¬4) سقط من (د، م، ظ). (¬5) سقط من (م، ظ). (¬6) "شرح النووي على مسلم" 4/ 26. (¬7) في (س): الوضوء.

(فَقَالَ لَهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: امْكُثِي) أي: بلا صَلاة (قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ) عن الصَّلاة. (ثُمَّ اغْتَسِلِي) (¬1) فيه دليل على وجُوب الغسْل على المُستحاضة إذا انقضى زَمَن الحيض، وإن كانَ الدم جَاريًا، وهذا مجمع عليه. قال القُرطبي: وهذا اللفظ قد يتَمسك به من يقولُ أنهَا تعتبر عَادَتها، قالَ: وهذا لا حجة (¬2) فيه؛ لأنه يحتمل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحَالهَا على تقدير الحيضة التي عرفت أولهَا بتَغَير الدَّم (¬3) ثم تمادى بهَا بحَيث لم تعرف إدبَاره، فردهَا إلى اعتبَار عَادتها، وحَالهَا في عِدَّة أيامهَا المتقدمَة قَبل أن تُصيبهَا الاستحاضة، وفارق حَال أمِّ حَبيبة حَال فاطمة بنت أبي حبيش؛ فإن فاطمة كانت تعرف حَيضها بتَغير الدم في إقباله وإدباره، وأُم حَبيبة كانت تعرف إقباله لا غَير، واللهُ أعلم (¬4). (ورَوَاهُ قُتَيبَةُ) ابن سَعيد (بيَّن) (¬5) بفتح المُوَحَّدة وتشديد المثناة (إضْعَافِ) بِكَسْر الهمزة مَصْدَر أضعفت (¬6) الحَديث إذا حكمت عَليه بالضعف، أو بيَّنْتُ (¬7) تضعيفه. يقال: ضعفت وأضعَفت بمعنى. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (334) (65)، والنسائي 1/ 119، 182، وأحمد 6/ 222 جميعًا من حديث عروة عن عائشة رضي الله عنها. (¬2) في (ص): جحد. والمثبت من "المفهم". (¬3) في (س): الحيض. (¬4) "المفهم" 1/ 593. (¬5) في (ص، س): ثبت. وبياض في (ل). (¬6) في (د): أضعف. (¬7) في (ص، س، ل، م): ثبت.

(حَدِيثِ جعفر (¬1) بْنِ رَبِيعَةَ) الكندي، عَن عراك بن مَالك (فِي آخِرِهَا) لعَل المراد بعد انتهاء الحَديث وتمامه (¬2). (وَرَوَاهُ [عَلِيُّ بْنُ عَيَاشٍ وُيونُسُ] (¬3) بْنُ مُحَمَّدٍ) المؤدب (¬4) البغدَادي الحافظ (عَنِ اللَّيْثِ فَقَالا: ) الليث عن (جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ) بن شرحبيل بن حَسنة عَن عراك إلى آخره. [280] (ثَنَا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ) المعروف بزغبة (¬5) التجيبي المصري أخرجَ له مُسْلم في الإيمان عَن الليث، قال (أَنَا اللَّيثُ، عَنْ يَزِيدَ (¬6) ابْنِ أَبِي حَبِيب، عَنْ بُكَيرِ بْنِ عَبْدِ الله) بن الأشج. (عَنِ المُنْذِرِ (¬7) بْنِ المُغِيرَةِ) وثق، ذكرهُ ابن حبَان في "الثقات" (¬8). (عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ) بن العَوام - رضي الله عنه - (أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيشٍ) - رضي الله عنها - (حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -) لفظ النسَائي: أنهَا أتت رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬9) (فَشَكَتْ إِلَيهِ الدَّمَ) أيْ: كثرة الدم واستمراره عَليهَا (فَقَالَ لَهَا رَسُولُ الله ¬

_ (¬1) في (ص): خضر. وبياض في (ل). والمثبت من (د، س، م). وكتب فوقها في (د): ع. (¬2) كذا قال الشارح رحمه الله، وليس هذا ما أراد أبو داود، والمعنى: روى قتيبة هذا الحديث بين أثناء أحاديث جعفر بن ربيعة في آخرها. والحديث ليس بضعيف فقد رواه مسلم كما رأيت. (¬3) في (س): علي بن عباس ويوسف. أهـ. وهذا خطأ. (¬4) في (م، ظ): المؤذن. (¬5) في (ص): برغبه. وفي (د): بزعنة. والمثبت من (س، م). (¬6) في جميع النسخ: زيد. والمثبت من "سنن أبي داود". (¬7) كتب فوقها في (د): س. (¬8) "الثقات" 7/ 480. (¬9) "سنن النسائي" 1/ 121.

- صلى الله عليه وسلم -: إِنَّمَا ذَلِكِ) بِكَسْر كاف الخطاب. (عِرْقٌ) بكسر العين وإسْكان الراء، أي: إنَّ هذا الدَّم الذي يجري منك من عرق فمه في أدْنى الرحم، يُسمى: العَاذِل، بِكَسْر الذال. (فَانْظُرِي إِذَا أَتَى) روَاية النسَائي: "إذَا أتَاك" (¬1). (قُرْؤُكِ) القَرء (¬2) بفتح القَاف وضَمها لغتان حكاهُما القَاضي عيَاض (¬3) وأبُو البقاء في "إعرابه" (¬4) أشهَرهما الفَتح، وبه جَزم الجَوهري (¬5)، والفارابي (¬6)، ولا تحقيق لمن جَعَلَ القَرْءَ بالفتح للطهر، وبالضَّم للحيض، ويجمع بالفتح على فعول كحرب وحروب، وبالضم على أفعَال كقُفْلٍ وأَقْفَال. (فَلاَ تُصَلِّي) استدل به القَائلون أن القرء هُو الحيض؛ لأن الصَّلاة لا تترك إلا في أيام الحَيض، وبأن عُمر قال بحَضرة الصَّحَابة: عدة الإمَاء قرآن (¬7) حيضَتان نصف عدة الحُرة، وهو قول الكوفيِّين. (فَإِذَا مَرَّ قُرْؤُكِ) أي: وقت حَيْضَتك. (فَتَطَهَّرِي) يشمل الوضُوء والغسْل والتيمم. ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 1/ 121. (¬2) سقط من (د، س). (¬3) "مشارق الأنوار" للقاضي عياض 2/ 175. (¬4) "التبيان في إعراب القرآن" لأبي البقاء العكبري 1/ 181. (¬5) "الصحاح" (قرأ). (¬6) "معجم ديوان العرب" 4/ 146. (¬7) من (م).

(ثُمَّ صَلّي مَا بَينَ القُرْءِ إِلَى القُرْءِ) هَكذَا روَاية النسَائي، ثم قال: قد روى هذا الحَديث هشَام بن عُروة [عن عُروة] (¬1)، ولم يَذكر فيه مَا ذكر المنذر. واعلم أن الهَمزة المتطرفة إذا كانَ قَبلهَا سَاكِن صَحيح لم يثبت لهَا صورة في الخَطِّ أصلا على المشهور [في المذاهب الثلاثة] (¬2) سَوَاء كانَ مَا قبل السَّاكن مَفتوحًا أو مضمومًا أو مكسورًا نَحو خَبْء ودِفْء وبُطْء. والمذهَب الثاني: أنَّ هذِه الهَمزة إذا كان قبل السَّاكِن الذي قبلهَا مفتوحًا فالأمر كذلك أي: لا صُورة لهَا نحو خَبْء، وإن كان مكسُورًا نَحو دِفْء كتب باليَاء، مُطلقًا أعني: سَوَاء كانَت الهَمزة مَضمومَة أم مَفتوحَة أم مَكسُورة نَحو هذا دِفئٌ ورأيتُ دِفئًا، ومرَرتُ بدفئٍ، وإن كانَ مَضمُومًا كُتبت بالوَاو مُطلقًا فيُقال: هذا بُطؤٌ، ورأيت بطؤًا ومَررتُ ببُطؤٍ. والثالث: أنَّ مَا قبل السَّاكن إن كانَ مَفتوحًا فلا صُورة لهَا كما تقدم، وإن كانَ مَضمُومًا أو مكسُورًا فيعتبر (¬3) حركة الهمزة نفسها فتصور بحَرف يجَانس (¬4) حركتها فتكتب، نحو: هذا بُطْؤٌ، ورَأيت بُطْأً بالألف ومرَرتُ ببطئٍ باليَاء. ¬

_ (¬1) سقطت من (م، ظ). (¬2) من (م، ظ). وجاءت متأخرة في (ص، س، ل) بعد كلمة (وبطء). وسقطت من (د). (¬3) في (م، ظ): فتغير. (¬4) في (س): بحالتين. وهو خطأ.

وقوله: "تُصَلي ما بيَن القرء إلى القرء" أيْ: تُصَلي المرأة فيمَا بين الحَيضَتَين، وهذا قد يحتج به لما يقوله أصحَابنَا وغَيرهم أن القرء هو الطهر [المحتَوِش بدَمَين] (¬1). [281] (ثَنَا يُوسف (¬2) بْنُ مُوسَى) ابن راشد الكوفي شَيخ البخَاري، (قال: ثَنَا جَرِيرٌ) بن عَبد الحَميد الرازي أصْله مِنَ الكُوفة القاضي. (عَنْ سُهَيل (¬3) بْن أَبِي صَالِح، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قال: حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ أبي حُبَيْشٍ) بِضم الحَاء المُهملة كما تقدم. (أَنَّهَا أَمَرَتْ أَسْمَاءَ أَوْ) شك مِنَ الرَّاوي (أَسْمَاءُ حَدَّثَتْنِي أَنَّهَا أَمَرَتْهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيشٍ أَنْ تَسْأَلَ) لهَا (¬4) (رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -) يَعني عَن دَم الاستحاضَة، فيه أنَّ المرأة إذا احتاجَت إلى معرفة حكمٍ (¬5) لا يعرفه زَوْجها ترسل زوْجهَا أو امرأة تسْأل لهَا. (فَأَمَرَهَا أَنْ تَقْعُدَ) يعني: عن الصَّلاة في اللَّيَالِي وَ (الأَيَّامِ التِي كَانَتْ تَقْعُدُ) فيها عن الصَّلاة، فيه إشارَة إلى اشتراط القيام في الصَّلاة للقادر. (ثُمَّ تَغْتَسِلُ) منَ الحَيض إذَا مَضَت تلك الأيام وتصلي. (وَرَوَاهُ قَتَادَةُ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ زَيْنَبَ) زادَ في نُسخة الخَطيب: ¬

_ (¬1) في (ص): المحبوس بدمين. وفي (س): المحتوِش بين دمين. والمثبت من بقية النسخ. (¬2) في (ص): يونس. والمثبت من بقية النسخ. (¬3) في (م، ظ): سهل. (¬4) سقط من (د، م، ظ). (¬5) في (ص): ما. والمثبت من (د، م). وسقطت من (س، ل).

زينب (بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ) زَوْج النبي - صلى الله عليه وسلم -، كانَ اسْمُ زينب برة فَسماها (¬1) رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - زينَب، ولدتها أمهَا بأرض الحَبَشة، وقدمَ بهَا، رُوي أنها دَخَلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهوَ يَغتَسل فَنَضَحَ في وجههَا. قالوا: فلم يزَل مَاء الشبَاب في وجههَا حَتى كبرَتْ وعجزَت (¬2). (أَنَّ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ اسْتُحِيضَتْ) أي: سَبع سنين (فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تَدَع الصَّلاةَ) في (أَيَّامَ أَقْرَائِهَا) أي: حَيضها (ثُمَّ تَغْتَسِلَ) غسْل الحَيض (وَتُصَلِّيَ) بعد ذلك ولا تقضي. (زَادَ) سفيان (ابْنُ عُيَينَةَ فِي حَدِيثِ) أي: في روَايته، عَنْ محمد بن مُسْلم بن شهاب (الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَمْرَةَ) بنت عَبد الرحمَن بن سَعد بن زرَارَة، (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ) والمُسْتحاضَات في زمَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - خَمسٌ: حمنة (¬3) بنت جَحش أخت (¬4) زينَب بنت جَحش زَوْج النَبي - صلى الله عليه وسلم -. الثانية: أمُّ حَبيبَة، ويُقالُ: أمُّ حَبيبٍ، بِغَير هَاء كما تقدم. الثَالثة: فَاطمةُ بنت أبي حبيش القُرشية الأسدية. الرابعة: سَهلةُ -بفتح السِّين- المهملة بنت سُهيل بن عَمرو القرشية زَوجَة عَبد الرحمن بن عَوْف. الخامسَة: سَودةُ بنتُ زمعَة زوجة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد ذكر بَعضهم أن زينب ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): فسما. (¬2) أخرجه الزبير بن بكار في "المنتخب من كتاب أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - " (ص 43). (¬3) في (ص): حمية. (¬4) في جميع النسخ: أم. وهو خطأ. وأشار إلى تصويبه في حاشية (ظ).

بنت جَحش اسْتحيضَت، والصَّحيح خلافه، وإنما المُستَحاضة أختها. قال أبو عمر: والصَّحيح عند أهل الحَديث أنهما كانتَا مستحاضتان جَميعًا (¬1). (فَسَأَلَت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَأَمَرَهَا أَنْ تَدَعَ الصَّلاةَ) في (أَيَّامَ أَقْرَائِهَا) (¬2) جَمْع قُرء بِضَم القاف، مثل قُفْل وأَقْفَال كما تقدم وهو جَمع قِلَّةٍ. (قَالَ أَبُو دَاودَ: وهذا وَهَمٌ مِن) سُفيان (ابْنِ عُيَينَةَ) و (لَيْسَ هذا فِي حَدِيثِ الحُفَّاظِ عَنِ الزُّهْرِيِّ إلَّا مَا ذَكَرَ سُهَيلُ (¬3) ابن أَبِي (¬4) صَالِحٍ) عن الزهري في الحَديث المتقدم. (وَقَدْ رَوَى) عبد الله بن الزبير بن عيسى القرشي الأسدي (الْحُمَيدِيُّ) المكي أحَد أئمة الإسلام، جَالس سُفيان بن عُيَيْنَةَ تسع عَشرة سنة، وحمل عنه سَائر ما عنده. (عَن) سُفيان (ابن عيينة) و (لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ) أي: في حَديثه أنها (تَدَعُ الصَّلاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا)، وكذا روَاية النسَائي [من حديث] (¬5) الزهري، عن عمرة، عن عَائشة أن أُم حَبيبة كانت تستحاض فسَألت النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، فأمَرَهَا أن تترك الصلاة قدر أقرائها وحيضها (¬6). ¬

_ (¬1) "الاستيعاب" 4/ 1928. (¬2) أخرجه النسائي 1/ 121، وهو عند مسلم غير أنه لم يسق لفظه. (¬3) في (س): سهل. (¬4) سقط من (ظ، م). (¬5) في (ص، س): عن. وفي (ظ، م): عن حديث. (¬6) "سنن النسائي" 1/ 121.

ورَوَاهُ ابن حبَّان من طريق هشَام عن أبيه عَنها بنحوه (¬1)، ورواهُ البيهقي موقوفًا (¬2). (وَرَوَتْ) الثقة (¬3) (قَمِيرُ) بفَتح القَاف وكسْر الميم بِنْتُ عَمْرٍو امرَأة مَسْرُوقٍ (عَنْ عَائِشَةَ) - رضي الله عنها - أنَّ (الْمُسْتَحَاضَةُ تَتْرُكُ الصَّلاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا ئمَ تَغْتَسِلُ) وتصلي، ورَوَاهُ الطَبراني في "الصَّغير" مرفوعًا من طريق قَمير المذكورة بنَحوه، وزادَ "إلى مثل أقرائهَا" (¬4). ورَوَاهُ البيهقي من طرق عن أُمّ سَلمة (¬5). (وَقَالَ) رواية الخَطيب: روى (عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ القَاسِمِ (¬6)، عَنْ أَبِيهِ) (¬7) القاسم بن محمد بن الصديق الفقيه روى عن عمته وأبي هَريرة وفاطمةَ بنت قَيس وغيرهم. (أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَهَا أَنْ تَتْرُكَ الصَّلاةَ قَدْرَ أَقْرَائِهَا) (¬8) ثم تغتَسل للصَّلاة. (وَرَواه أَبُو بِشْرٍ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ) إياس، صدوق ثقة (¬9) توفي سنة 125 (¬10)، (عَنْ عِكْرِمَةَ) التابعي مَوْلى ابن عَباس - رضي الله عنه - (عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ أُمَّ ¬

_ (¬1) "صحيح ابن حبان" (1354). (¬2) انظر: "السنن الكبرى" 1/ 350. (¬3) "تاريخ الثقات" للعجلي (2210). (¬4) "المعجم الصغير" 2/ 292. (¬5) انظر: "السنن الكبرى" 1/ 333 - 334. (¬6) كتب فوقها في (د): ع. (¬7) كتب فوقها في (د): ع. (¬8) أخرجه النسائي 1/ 184، والطبراني في "الكبير" 24/ 56 (145) من حديث القاسم عن زينب بنت جحش - رضي الله عنها -. (¬9) من (م). (¬10) "الكاشف" للذهبي 1/ 183.

حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ) أخت (¬1) زَوج النبي - صلى الله عليه وسلم - (اسْتُحِيضَتْ) (¬2) سبعَ سنين (فَذَكَرَ مِثْلَهُ، وَرَوَى شَرِيكٌ) ابن عَبد الله بن أبي شريك النخعي استشهد به في "الصحيح" تَعليقًا، (عَنْ أَبِي اليَقْظَانِ)، عُثمان بن عُمير البجلي، وقيل: عُثمان بن قيس. قالَ ابن عَبد البر: والأول أكثر، (عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ) ثابت بن دينَار، (عَنْ جَدِّهِ) قيلْ اسْمُه دينَار الأنصَاري. قال الترمذي: سَألتُ محمدًا عن هذا الحَديث فقلت: عَدي بن ثَابت، عن أبيَه، عن جَده [جد عدي] (¬3) ما اسْمه؟ فلم يَعرفه محمد. وذكرت له قَول يحيى بن معين أن (¬4) اسْمه دينَار فلم يعبَأ بهِ (¬5). وقيل: إنَّ جَده أبُو أُمه عَبد الله بن يَزيد الخطمي ([عن النبي - صلى الله عليه وسلم -]) (¬6) أنهُ قالَ: (الْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي). ولفظ رواية الترمذي: "تدع الصَّلاة أيام أقرائهَا التي كانت تحيض فيها ثم تغتسل وتتوضأ عند كل صَلاة وتصوم وتصَلي" (¬7). (ورواه) نُسخَة الخَطيب: وَرَوَى (الْعَلاَءُ بْنُ المُسَيَّبِ) بن رَافع الأسدي روى له الشيخان (عَنِ الحَكَمِ) ابن عتيبة فقيه الكوفة (عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ) محمد ¬

_ (¬1) سقطت من جميع النسخ وإثباتها لازم. (¬2) سيأتي تخريجه قريبًا. (¬3) من (د، م)، و"جامع الترمذي". (¬4) في (ص، س، ل): أنه. (¬5) "جامع الترمذي" 1/ 220 - 221. (¬6) سقط من (د، م)، وجاء في (س) في غير موضعه. (¬7) "جامع الترمذي" (126).

ابن علي بن الحسين [بن علي] (¬1) بن أبي طالب الهَاشمي غلبَتْ عَليه كنيَته أحَد العُلماء الجلة (¬2) (أَنَّ سَوْدَةَ) بنت زمعَة (اسْتُحِيضَتْ فَأَمَرَهَا رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا مَضَتْ أَيَّامُهَا) أي: أيام أقرائهَا (اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ) (¬3). قالَ أصحابنا: إذَا مَضت أيام حَيْضهَا وَجَب عليها أن تغتسل في الحَال لأول صَلاة تدركها، ولا يجوز لهَا بعْدَ ذلك أن تترك صلاة ولا صومًا، ولا تمنع (¬4) زوَجَهَا من وطئها (¬5) (وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيرٍ، [عَنْ عَلِيٍّ] (¬6) وَابْنِ عَبَّاسٍ) أنَّ (الْمُسْتَحَاضَةُ تَجْلِسُ) عن الصَّلاة (أَيَّامَ قُرْئهَا) بِفَتح القَاف وضَمها لُغَتانِ مشهورتان كما تقدم. (وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَمَّارٌ) بن أبي عمار (مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ) عدَاده في المكيين أخرجَ لهُ مُسْلم في سن (¬7) النبي - صلى الله عليه وسلم - عَن ابن عَباس (وَطَلْقُ بْنُ حَبِيب، عَنِ) عَبد الله (بْنِ عَبَّاسٍ، وَكَذَلِكَ) رواه (مَعْقِلٌ) (¬8) بِفَتح الميم وكسْر القَاف ويُقالُ: زهَير بن معقل. قالَ أبُو حَاتم (¬9): الأصح معقل. ¬

_ (¬1) سقط من (د، م). (¬2) من (د، م، ل). (¬3) أخرجه الطبراني في "الأوسط" (9184). قال الهيثمي في "المجمع" 1/ 281: فيه جعفر عن سودة ولم أعرفه. أهـ. قلت: الصواب أبو جعفر. وهو الباقر كما ذكره أبو داود. (¬4) في (م، ل): تمتنع. (¬5) "المجموع" 2/ 543. (¬6) في (س): وعليّ. (¬7) في (ص): سنن. (¬8) من (د). كتب فوقها في (د): د. (¬9) "الجرح والتعديل" (1311).

ذكرهُ ابن حبَّان في "الثقات" (¬1). (وَكَذَلِكَ رَوَى الشَّعْبِيُّ، عَنْ قَمِيرَ) بفتح القاف وكسْر الميم، كما تقدم، لا ينصَرف للعَلميَّة والتَأنيث (امْرَأَةِ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ وَهُوَ قَوْلُ الحسن) (¬2) ابن أبي الحَسَنِ البصري. (وَسَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ وَعَطَاءٍ وَمَكْحُولٍ وَإبْرَاهِيمَ وَسَالِمٍ) بن عَبد الله (وَالْقَاسِمِ) بن محَمد (أنَّ المُسْتَحَاضَةَ تَدَعُ الصَّلاةَ) في (أَيَّامَ أَقْرَائِهَا) أي: تترك الصَّلاة بقَدر أيَّام عَادَتها مِنَ الحَيض، فإذا مضى ذَلك القَدْر تغتَسل مَرة واحِدَة ثم تتوضأ لكُل صَلاة فَريضة وتُصلي وتصوم ويَغْشاهَا إذَا شاء (قَالَ أَبُو دَاودَ: لَمْ يَسْمَعْ قَتَادَةُ مِنْ عُرْوَةَ) بن الزبير (شَيْئًا) (¬3). [284] (ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قالَ: ثَنَا أَبُو عَقِيلٍ) بِفَتح العَين وكسْر القاف اسْمه يَحيى بن المتوكل المدَني الحذاء (¬4). (عَنْ بُهَيَّةَ) بضَم البَاء الموَحدة -مُصغر- مولاة أبي بَكر الصِّديق تابعيَّة (قَالَتْ: سَمِعْتُ امْرَأَة تَسْأَلُ عَائِشَةَ عَنِ امْرَأَةٍ فَسَدَ حَيضُهَا) أي: تغيرَت عَادتها فيه (وَأُهَرِيقَتْ) بِضَم الهَمزة وفتح الهَاء (¬5) (دَمًا) قال في "النهاية" يقالُ: أرقت الماء أريقه، وهَرَاق الماء يُهَرِيقُه (¬6) بِفَتح الهَاء هراقة (¬7). ¬

_ (¬1) "الثقات" 5/ 432. (¬2) "المراسيل" لابن أبي حاتم (ص: 173). (¬3) من (د، س، ل، م). (¬4) في (س): الحاء. وهو خطأ. (¬5) من (د، م، ظ)، و"النهاية". (¬6) في (ص، س، ل): أهراق يهريقه. والمثبت من "النهاية". (¬7) "النهاية" (هرق).

ويقالُ فيه: أهرقت الماء أهرقه، يَعني: بِسُكُون الهَاء إهْرَاقًا، فيجمع بين البدَل والمُبدل. (فَأَمَرَنِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ آمُرَهَا فَلْتَنْظُرْ) بسُكون لام الأمر (قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحِيضُ فِي كُل شَهْرٍ وَحَيضُهَا) الوَاو واو الحَال أي: قدر مَا كانت تحيض في حَال كون حَيضها (مُسْتَقِيمٌ) على عَادَته (فَلْتَعْتَدَّ) بفتح التَاءين المثناتين قبل العين الساكنة وبعَدهَا دال مُشدَّدَة أي: تعد فهوَ مما استعمل فيه [فَعَلَ بمعنى] (¬1) افتعل. وفي بَعض النسخ فلتعُد بِضَم العَيْن وحَذف (¬2) التاء الثانية وتشديد الدال مِنَ العَدد وهو موضح للرواية الأولى المشهورة والمرادُ أنَّها (¬3) تعد أيامًا (بِقَدْرِ ذَلِكَ) العَدَد (مِنَ الأَيامِ) التي كانت تعتاد الحَيض فيها (ثمَّ لِتَدَعْ) (¬4) بكسر لام الأمر والعين مجزومة بلام الأمر وتكسر لالتقاء السَّاكنين (الصَّلاةَ فيهِنَّ) أي: في نظيرهنَّ (بِقَدْرِهِنَّ) وهذا فيما إذا كانت معتادة ذاكرة للوقت غَير ناسيةٍ له، وقد استدل بَعض أصحاب مالك بهذا الحديث ونظائره على صحة قول مالك بالاستطهار (¬5) يومًا ويومين وثلاثة إذا علمت أن قدر حَيضهَا قد ذَهَب (¬6). ¬

_ (¬1) في (م، ظ): يعني. (¬2) في (م، ظ): وحدث. (¬3) في (ص، س، ل): بها. والمثبت من (د، م). (¬4) في (ص، س): لتعتد. وبياض في (ل)، والمثبت من (د، س، م). (¬5) في (ص، س، ل): بالاستظهار. (¬6) "المدونة الكبرى" 1/ 151 - 152.

ووجه الدليل أن الحَائض يجب أن لا تصلي حتى تستيقن زوَاله، والأصل في الدم الظاهر من الرحم الحَيض، ولهذا أجمع الفقهاء على أن المبتدأة تؤمَر بترك الصَّلاة في أول ما ترى الدَّم، وقد قال في هذا الحديث تدَع الصَّلاة بقدر أيام الحيضَة، وقدر الحَيض قد يَزيدُ مَرة وينقص أُخرى، فلهَذَا رأى مَالك الاستطهَار. (ثُمَّ لْتَغْتَسِلْ ثُمَّ لتستذفر) الاستثفار قَد [ذُكِر والاستذفار] (¬1) مثله قلبَت المثلثة ذالًا معجمة؛ لأنها من مخرجها. قال ابن الأثير: وأصل الثفَر والذفر للدَّابة (¬2) يُوضَع تحت ذنبها ليَشُد البَرذَعة المتصلة به وشبَّه (¬3) المرأة بذلك لتشد مَا حُشي في الفَرج مِن قطن ونحوه (¬4) (بِثَوْبٍ) عريض (ثُمَّ لْتُصَلِّي) بِسُكون ياء (¬5) المخَاطبَة. وفي نُسخَة أبي بَكر الخَطيب: ثم تُصَلي. ¬

_ (¬1) في (د): لتستثفر. وكتب فوقها تستذفر. وفي (م): لتستثفر. (¬2) في (م، ظ): ذكروا الاستثفار. (¬3) في (د): وشبهت. وفي (م): سميت. (¬4) "النهاية": ثفر. (¬5) سقط من (م).

110 - باب من روى أن الحيضة إذا أدبرت لا تدع الصلاة

110 - باب مَنْ رَوى أنَّ الحَيضَةَ إِذا أَدْبرَتْ لا تَدَعُ الصَّلاة 282 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ قالا: حَدَّثَنا زهَيْرٌ، حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ، أَنَّ فاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ جاءَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقالَتْ: إِنِّي امْرَأَة أُسْتَحاضُ فَلأ أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلاةَ؟ قالَ: "إِنَّما ذَلِكِ عِرْقٌ، وَلَيسَتْ بِالحَيضَةِ، فَإذا أَقْبَلَتِ الحَيضَةُ فَدَعِي الصَّلاةَ، وِإذا أَدْبَرَتْ فاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ، ثُمَّ صَلِّي" (¬1). 283 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ هِشامٍ، بإِسْنادِ زُهَيْرٍ وَمَعْناهُ، وقالَ: "فَإِذا أَقْبَلَتِ الحَيضَةُ فاتْرُكِي الصَّلاةَ، فَإِذا ذَهَبَ قَدْرُها فاغْسِلِي الدَّمَ عَنْكِ وَصَلِّي" (¬2). باب مَنْ رَوَى أَنَّ الحَيضَةَ إِذَا أَدْبَرَتْ تَدَعُ الصَّلاةَ (¬3) هَكذَا وجد: إذا أدبَرَت. والصَّوَابُ: إذا أقبلَت، كما سَيَأتي وهذا البَاب ليسَ في نُسخة الخَطيب. [282] (ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ) عبد الله بن (يُونُسَ) اليربُوعي الحَافظ شَيخ الشيخين (وَعَبْدُ الله بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيلِيُّ قَالا: ثَنَا زُهَيرٌ، قال: ثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ (¬4) بن الزبير بن العوام الأسدي (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (228، 320، 325)، ومسلم (333). وانظر ما سلف برقم (279)، وما سيأتي بعده وبرقم (298). (¬2) رواه البخاري (306). وانظر السابق. (¬3) جاء هذا الباب وشرحه في (د، م) قبل الحديث السابق. (¬4) كتب فوقها في (د): ع.

بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ) بضم المهملة كما تقدم. (جَاءَتْ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ): يا رسُول الله (إِنِّي امْرَأَةُ أُسْتَحَاضُ) تقدم مَعنى الاستحاضة. وأصْل أستحاض: أستحيض (¬1) بضم الهَمزة والتاء وسُكون الحَاء، فنقلت فتحة اليَاء إلى الحَاء السَّاكنة قَبلها، فتحركت الحَاء وانفتح ما قَبلها، فقلبت الياء ألفًا كما في: يُقال ويباع (¬2) ونحو ذلك (فَلاَ أَطْهُرُ) نفي (¬3) الطهارة على طريق المبالغة؛ لأن لا للنفي المُستديم (¬4) بخلاف "لنْ" فإنها تنفي ما قرب. قالَ ابن خطيب زملكا: وسر ذلك أن الألفاظ مُشاكلة (¬5) للمعَاني، ولفظة: "لا" آخرها ألف، والألفُ يمتد الصَّوتُ به بخلاف النون فإنها وإن طَال اللفظ بهَا لا يبَاح طُوله مع "لا" فطابق كل لفظ معناهُ ولا يلتفت للزمَخشَري في "مفصله" (¬6) أنَّ لنْ لتَأكيد (¬7) مَا تعطيه "لا" من نفي المستقبل، وقال ابن يعيش (¬8) في "شرحه": [لن هي] (¬9) أبلغ في نَفْيه من "لا"؛ لأن "لا" تنفي يفعل إذَا أريد به المُستقبل. و"لن" تنفي ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): أستحيط. والمثبت من (د، م، ظ). (¬2) في (ص، س، ل): شاع. والمثبت من (د، م). (¬3) في (م): يعني. (¬4) في (س): المستدير. وهو خطأ. (¬5) في (م، ظ): متشاكلة. (¬6) "المفصل" للزمخشري 1/ 406، 407. (¬7) في (د): للتأكيد. (¬8) في (ص، س): نفيس. (¬9) في (س): أن نفي.

فعلا مُستَقبلا قد دَخلت (¬1) عليه "السِّين" أو "سوف" وهما يفيدان التنفيس في الزمَان فلذَلك يقَع نفيه على التأكيد وطول المدة، انتهَى. وكلام الزمخشري مبنيٌّ على مذهبهِ (¬2) في الاعتزال (¬3) استدراجًا إلى قَوله تعالى: {لَنْ تَرَانِي} (¬4) ونحو ذلك. قال ابن يعيش (¬5): ولا يلزَمُ منهُ عَدَم الرؤية في الآخِرة؛ لأنَّ المراد به (¬6) في الدنيا، لأنَّ السؤال وقَع في الدنيا، والنفي على [حسب الإثبات، (¬7) وهذِه المسألة في كتبِ عِلم البَيَان، وإنما قصدنا التنبيه على القَاعدة من حيث (¬8) الجُملة وإذا [ثبت هذا] (¬9) فالمراد بالطهَارة هُنا -واللهُ أعلم- اللغَوية أو هي النظَافة وكنيت بهَا عن (¬10) عَدم النظافة من الدم، لأنَّ الطَهَارة، وإن كانَ يرادُ بها استعمال المطهر فيقالُ للوضوء طَهَارة، ويرادُ بها الحكم الشرعي وهي غَير عَالمة به فجاءت تسأل عنهُ فتعيَّن حمله على الوضع اللغَوي. (أَفَأَدَعُ الصَّلاةَ) قالَ الفاكهي: هُو كَلامُ مَن تقرر عِنْدَهُ مَانِع الحَيض ¬

_ (¬1) في (د، م): دخل. (¬2) في (د): مذهب. (¬3) في (ص): الاعتدال. (¬4) الأعراف: 143. (¬5) في (ص، س): نفيس. (¬6) في (د، م): أنه. (¬7) في (ص): الإتيان. وفي (س): الإثبات. والمثبت من (د، م). (¬8) في (ص، س): حين. والمثبت من (د، م). (¬9) في (ص): شهرا. (¬10) في (ص، س): عند. والمثبت من (د، ل، م).

للصَّلاة كما أجمع عليه السَّلف والخَلَف، ولم يُخالف في ذلك إلَّا الخَوارج، وقد حُكي عن بعض السَّلَف. وحَكاه القُرطبي عن عقبة بن عَامِر ومَكحُول أنهُ استحبَّ للحَائض إذا دَخَل وقت الصَّلاة أن (¬1) تتوضأ وتستقبل القبلة وتذكر الله تعالى (¬2). وأنكره بَعضهم لكونه لم يرد به الشرع، وإلا فكانَ ذَلك إشارة إلى بَذل الوسع في نهاية ما يقدر عليه، حَتى زاد القُرطبي أنهَا تغتَسل أيضًا وهذا شبيه (¬3) بما نقل عن أبي عمرو بن الحاجب لما سُجِنَ كانَ إذا جَاء وقت صَلاة الجُمعَة تهيأ لهَا بالغسْل والطيب وغير ذلك مِنْ سُنَنها، ثم يمشي إلى بَاب السجن فإذَا رُدَّ قال: اللهُم إن هذا نهَاية مَا أقدر عليه. ولكن المعول عليه الوقوف مع السنة ومَا كان عليه سَلف الأمة. (قَالَ: إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ) بِكَسْر الكاف من "ذلك"؛ لأنهُ يخاطب امَرأة وفيه دليل على جوَاز الصَّلاة بالجرْح أو القرح السَّائل دَمه وقيحه (¬4) كما يقولهُ الشافعية (¬5) والمالكية (¬6) وغَيرهم ما لم يَكثُر، ويُستحب غسْله، وقد صلَّى عُمَر وجرحه يثعب (¬7) دَمًا (¬8). ¬

_ (¬1) في (ص، س): هل. والمثبت من (د، م). (¬2) "المفهم" 1/ 595. (¬3) في (د): تشبيه. (¬4) في (ص): وصححه. وفي (س): وصحه. (¬5) "الحاوي الكبير" 1/ 275 - 276. (¬6) "المدونة" 1/ 126. (¬7) في (ص): يبعث. (¬8) رواه مالك في "الموطأ" 1/ 39، وعبد الرزاق في "مصنفه" 1/ 150 (579)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (8474)، الدارقطني 1/ 406، والبيهقي 1/ 357 من طرق عن المسور بن مخرمة. وصححه الألباني في "الإرواء" (209).

(وَلَيسَتْ بِالْحَيضَةِ) بِفَتح الحَاء كما نقلهُ الخطابي (¬1) عن أكثَر المحَدثين أو كلهم وإن كانَ قد اختَارَ الكسْر على إرَادَة الحَالة لكن الفَتح هنا أظهرَ. قال النوَوي: وهو مُتَعَين أو قَريب مِنَ المتعَين؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - أرَادَ إثبات الاستحَاضَة ونفي الحَيض. (فَإذَا أَقْبَلَتِ الحَيضَةُ) يَجوز فيهِ الوَجْهَان معًا جَوازًا حَسنًا (¬2) انتهى كلامه (¬3). قال ابن حجر: والذي في روايتنَا فَتح الحَاء في الموْضعَين (¬4). (فَدَعِي الصَّلاة) وإقبال الحَيض أول دفعة ترَاهَا مِنَ الدم، فإذا رَأتها المرأة أمْسَكت عَن الصَلاة، وهذا إجماع مِنَ العُلماء كما حَكَاهُ ابن بطال (¬5). (فإِذَا أَدْبَرَتْ) يعني: انقطع الحَيض. قال النوَوي: وممَّا ينبغي أن يعتنى به مَعرفة عَلامة انقطاع الحَيض، وقلَّ مَن (¬6) أوضحه، وقد اعتنَى به جَمَاعَةٌ مِنَ أصحَابِنَا، وحَاصِلُه أنَّ عَلامة انقطاع الحَيض والحُصول في الطهر أن ينقطع خرُوج الدم والصُّفرَة والكدرَة، وسواء خَرَجَت رُطوبة بيضاء أم لم يخرج شيء أصلًا. قال البَيهقي وابن الصبَّاغ وغَيرهما من أصحَابنَا: التريَّة رطُوبة خفية لا صُفرَة فيهَا ولا كدرة تكون على القُطنة أثر لا لَون، قالوا: وهذا يكون بعد ¬

_ (¬1) "معالم السنن" للخطابي 1/ 83. (¬2) "شرح النووي" 4/ 21. (¬3) سقط من (م). (¬4) "فتح الباري" 1/ 488. (¬5) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 1/ 445. (¬6) زاد هنا في (ص، س، ل): ذلك.

انقطاع الحَيض، ثم قالَ: والتَريَّة بفتح التاء (¬1) المثَناة فوق وكسر الراء وبعدَهَا يَاء (¬2) مُثناة من تحت مُشَددَة (¬3). وفي "صحيح البخَاري" عن عَائشة: لا تَعْجَلْنَ (¬4) حَتى ترَيْن القصَّة البيضاء (¬5) تعني: الجص فشبهت الرُطوبَة النقية الصَافية بالجصّ. (فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ ثم (¬6) صَلِّي) وظاهر تعلق الحكم بالإقبال والإدبَار مشعر بأنها مُميزة ولها عَلامة تعرف بِهَا إقبال الحيضة وإدبَارهَا فإقبالها بدءُ الدَّم الأسوَد مثلًا وإدبَارهَا إدبَار صفة الحَيْض. قال الفاكهي: ويحتمل أن تكون معتَادة، ويكون علامة الإقبال وجود الدَّم في أول أيام العَادة، وإدبَارهَا انقضاء أيام العَادة، واستشكل ظاهِر قوله عليه السلام: "فاغسلي عَنك الدم وصَلي" إذ لم يأمرهَا بالغسل حَتى حمل بَعضهم هذا الإشكال على أن جعل المراد انقضاء أيام الحيض والاغتسال وجعل قوله: "واغسلي عنك الدَّم" محَمُولًا على دَم يأتي بعد الغسْل. قال ابن دقيق العيد: والجَوَابُ الصَّحيح أن هذِه الروَاية، وإن لم يذكر فيها الغسْل دليل على نَجاسَة دَم الحيض (¬7). وعلى تَحريم صَلاة ¬

_ (¬1) من (د، م). (¬2) سقط من (م). (¬3) "المجموع" للنووي 2/ 543. (¬4) في (ص، س، ل): تعجلين. والمثبت من (د، م)، و"شرح النووي". (¬5) رواه البخاري معلقًا في باب إقبال المحيض وإدباره. قبل حديث (320). (¬6) في (ص): و. والمثبت من (د، م). وموضعها في (ل): بياض. (¬7) "إحكام الأحكام" 1/ 88.

الحَائض، وعَدَم قضائهَا إذ لم يأمرُهَا به وذلك مجمع عليه انتهى (¬1). وقوله في هذا الحديث "وصَلي" أي: بعد الاغتسَال كما سَيَأتي التصريح به في البَاب بعده عَن عروة وعمرة. وقال فيه: "فاغتسلي وصَلي" ولم يَذكر غسْل الدَم، فمنهم من ذكر غسْل الدَم، ولم يذكر الاغتسَال، ومنهمُ من ذكر الاغتسَال، ولم يذكر غسل الدَّم، وكل روَاتهما ثقات والروايات في الصَّحيحين فيحَمل على أنَّ كل فَريق اختصر (¬2) أحَد الأمرين لوضوحه عنده. (ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبِيُّ) وفي روَاية الخَطيب: (عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامٍ) بن عروة (بِإِسْنَادِ زُهَيرٍ وَمَعْنَاهُ قَالَ: فَإِذَا أَقْبَلَتِ الحَيضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلاةَ وإِذَا ذهَبَ قَدْرُهَا) أي: قَدر الأيام التي كنت تحيضين فيها، وفيه دليل بقول من يقول مِنَ المالكية (¬3) أنَّ المُسْتَحَاضَة تقتصر على عَادَتها من غير استطهار. (فَاغْسِلِي) وللمالكيَّة (¬4) في هذِه المسألة ثلاثة أقوال العادة خاصة (¬5) كما تقدم الثَاني: العادة والاستطهَار بثلاثة أيام، الثالث: خمسَة عَشَر يَومًا فإنه - صلى الله عليه وسلم - ردهَا إلى قدر العادة ولم يأمرها. (عَنْكِ الدَّمَ) روايَة الخَطيب: فاغسلي الدم عَنك (وَصَلِّي) الصلواتَ المُسْتَأنفة مِنْ غير قضاء. ¬

_ (¬1) "الإجماع" لابن المنذر (28، 29). (¬2) من (د، م). (¬3) "المدونة" 1/ 151. (¬4) "المدونة" 1/ 151. (¬5) في (ص): حاصل.

111 - باب من قال: إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة

111 - باب مَنْ قال: إِذا أَقْبَلَتِ الحَيضَة تَدَعُ الصَّلاةَ 284 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا أَبُو عَقِيلٍ، عَنْ بُهَيَّةَ، قالَتْ: سَمِعْتُ امْرَأَةً تَسْأَل عائِشَةَ، عَنِ امْرَأَةٍ فَسَدَ حَيضُها وَأُهَرِيقَتْ دَمًا، فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ آمُرَها فَلْتَنْظُرْ قَدْرَ ما كانَتْ تَحيضُ فِي كلِّ شَهْرٍ وَحَيْضُها مُسْتَقِيمٌ، فَلْتَعْتَدَّ بِقَدْرِ ذَلِكَ مِنَ الأيَّام، ثُمَّ لْتَدَعِ الصَّلَاةَ فِيهِنَّ أَوْ بِقَدْرِهِنَّ، ثُمَّ لْتَغْتَسِلْ، ثُمَّ لْتَسْتَثْفِرْ بِثَوْبٍ، ثُمَّ لْتُصَلِّي (¬1). 285 - حَدَّثَنا ابن أَبِي عَقِيلٍ وَمحَمَّدُ بْنُ سلَمَةَ الِمصْرِيَّانِ قالا: حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الحارِثِ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَمْرَةَ، عَنْ عائِشَةَ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ - خَتَنَةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَتَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - اسْتُحيضَتْ سَنعَ سِنِينَ، فاسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ هَذِه لَيْسَتْ بِالحَيضَةِ، ولكن هذا عِرْقٌ فاغْتَسِلِي وَصَلِّي". قالَ أَبُو داودَ: زادَ الأوزاعِيُّ فِي هذا الحَدِيثِ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ، عَنْ عائِشَةَ قالَتِ: اسْتُحيضَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ جَحْشٍ -وَهِيَ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ- سَبْعَ سِنِينَ، فَأَمَرَها النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، قالَ: "إِذا أَقْبَلَتِ الحَيضَةُ فَدَعِي الصَّلاةَ، وِإذا أَدْبَرَتْ فاغْتَسِلِي وَصَلِّي". قالَ أَبُو داودَ: وَلَمْ يَذْكُرْ هذا الكَلامَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحابِ الزُّهْرِيِّ، غَيْرَ الأَوزاعِيِّ، وَرَواهُ عَنِ الزّهْرِيِّ: عَمْرُو بْنُ الحارِثِ، واللَّيْثُ، وَيُوُنُسُ، وابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَمَعْمَرٌ، وَإبْراهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، وَسُلَيْمانُ بْنُ كَثِيرٍ، وابْنُ إِسْحاقَ، وَسُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا ¬

_ (¬1) رواه أبو يعلى (4625)، والبيهقي 1/ 332، ومن طريق أبي داود رواه البيهقي 1/ 343. وانظر ما سلف برقم (279)، (282). وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (47). وقد تقدم شرح هذا الحديث قريبا قبل بابين.

هذا الكَلَامَ. قالَ أَبُو داودَ: وَإِنَّما هذا لَفْظُ حَدِيثِ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ. قالَ أبُو داودَ: وَزادَ ابن عُيَيْنَةَ فِيهِ أَيْضًا، أَمَرَها أَنْ تَدَعَ الصَّلاةَ أَيّامَ أَقْرائِها، وَهُوَ وَهَمٌ مِنَ ابن عُيَيْنَةَ، وَحَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِيهِ شَيْءٌ يَقْرُبُ مِنَ الذِي زادَ الأوْزاعِيُّ فِي حَدِيثِهِ (¬1). 286 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنا محَمَّد بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ محَمَّدٍ -يَعْنِي: ابن عَمْرٍو- قالَ: حَدَّثَنِي ابن شِهابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ فاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ، أَنَّها كانَتْ تسْتَحاضُ، فَقالَ لَها النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا كانَ دَمُ الحَيْضَةِ فَإِنَّهُ دَمٌ أَسْوَدُ يُعْرَفُ، فَإِذا كانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلاةِ، فَإِذا كانَ الآخَرُ فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي؛ فَإِنَّما هُوَ عِرْقٌ". قالَ أَبُو داودَ: قالَ ابن المُثَنَّى: حَدَّثَنا بِهِ ابن أَبي عَدِيٍّ مِنْ كِتابِهِ هَكَذا، ثمَّ حَدَّثَنا بِهِ بَعْدُ حفْظًا، قالَ: حَدَّثَنا محَمَّد بْنُ عَمْرٍو، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ، أَنَّ فاطِمَةَ كانَتْ تُسْتَحاضُ. فَذَكَرَ مَعْناهُ. قالَ أبُو داودَ: وَقَدْ رَوَى أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ، فِي المُسْتَحاضَةِ قالَ: إِذا رَأَتِ الدَّمَ البَحْرانِيِّ فَلَا تُصَلِّي، وَإِذا رَأَتِ الطُّهْرَ وَلَوْ ساعَةً فَلْتَغْتَسِلْ وَتُصَلِّي. وقالَ مَكْحُولٌ: إِنَّ النِّساءَ لا تَخْفَى عَلَيْهِنَّ الَحيْضَةُ، إِنَّ دَمَها أَسْوَدُ غَلِيظٌ، فَإِذا ذَهَبَ ذَلِكَ وَصارَتْ صُفْرَةً رَقِيقَةً، فَإِنَّها مُسْتَحاضَة، فَلْتَغْتَسِلْ وَلْتُصَلِّي. قالَ أبُو داودَ: وَرَوَى حَمّادُ بْن زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ القَعْقاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ فِي المُسْتَحاضَةِ، إِذا أَقْبَلَتِ الحَيْضَة تَرَكَتِ الصَّلاةَ، وَإِذا أَدْبَرَتِ اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ. وَرَوَى سُمَيٌّ وَغَيْرُهُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ: تَجْلِسُ أَيّامَ أَقْرائِها. وَكَذَلِكَ رَواة حَمّادُ بْن سَلَمَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المسَيَّبِ. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (334). وانظر ما سيأتي برقم (291).

قالَ أَبُو داودَ: وَرَوَى يُونُسُ، عَنِ الحَسَنِ: الحائِضُ إِذا مَدَّ بِها الدَّمُ تُمْسِك بَعْدَ حَيْضَتِها يوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، فَهِيَ مُسْتَحاضَةٌ. وقالَ التَّيْمِيُّ، عَنْ قَتادَةَ: إِذا زادَ عَلَى أَيّامِ حَيْضِها خَمْسَةُ أَيّامٍ فَلْتُصَلِّي. قالَ التَّيْمِيُّ: فَجَعَلْث أَنْقصُ حَتَّى بَلَغْت يَوْمَيْنِ، فَقالَ: إِذا كانَ يَوْمَيْنِ فَهُوَ مِنْ حَيْضِها. وَسُئِلَ ابن سِيرِينَ عَنْهُ، فَقالَ: النِّساءُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ (¬1). 287 - حَدَّثَنا زُهَيْرٌ بْن حَرْبٍ وَغَيْرُهُ قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْن عَمْرٍو، حَدَّثَنا زهَيْرٌ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ محَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَمِّهِ عِمْرانَ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أُمِّهِ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ، قالَتْ: كُنْت أُسْتَحاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَسْتَفْتِيهِ وَأُخْبِرُهُ، فَوَجَدْتُهُ فِي بَيْتِ أختِي زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، فَقُلْت: يا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أمْرَأَةٌ أسْتَحاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً، فَما تَرَى فِيها قَدْ مَنَعَتْنِي الصَّلاةَ والصَّوْمَ؟ فَقالَ: "أَنْعَتُ لَكِ الكُرْسُفَ؛ فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الدَّمَ" قالَتْ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. قالَ: "فاتَّخِذِي ثَوْبًا" فَقالَتْ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، إِنَّما أثجُّ ثَجّا. قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "سَآمُرُكِ بِأَمْرَيْنِ أَيَّهُما فَعَلْتِ أَجْزَأَ عَنْكِ مِنَ الآخَرِ، وِإنْ قَوِيتِ عَلَيْهِما فَأَنْتِ أَعْلَمُ". فَقالَ لَها: "إِنَّما هَذِه رَكْضَةٌ من رَكضاتِ الشَّيطانِ فَتَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيامٍ فِي عِلْمِ الله، ثُمَّ اغْتَسِلِي، حَتَى إِذا رَأَيْتِ أَنَّكِ قَدْ طَهُرْتِ واسْتَنْقَأْتِ، فَصَلِّي ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، أَوْ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ لَيلَةً وَأَيّامَها وَصُومِي، فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُكِ، وَكَذَلِكَ فافْعَلِي فِي كُلِّ شَهْرٍ كَما تَحيضُ النِّساءُ وَكَما يَطْهُرْنَ مِيقاتَ حَيضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ، وَإنْ قَوِيتِ عَلَى أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ وَتُعَجِّلِي العَصْرَ، فَتَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَينَ الصَّلاَتينِ الظُّهْرِ والعَصْرِ، وَتُؤَخِّرِينَ المَغْرِبَ وَتُعَجِّلِينَ العِشاءَ، نمَ تَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَينَ الصَّلاَتينِ، فافْعَلِي، وَتَغْتَسِلِينَ مَعَ الفَجْرِ فافْعَلِي وَصُومِي إِنْ قَدَرْتِ عَلَى ذَلِكَ"، قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وهذا أَعْجَبُ الأَمْرَيْنِ إِلَيَّ". ¬

_ (¬1) رواه النسائي 1/ 123، 185. وسيأتي مكررا برقم (304). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (285).

قالَ أبُو داوِدَ: وَرَواهُ عَمْرُو بْنُ ثابِتٍ، عَنِ ابن عَقِيلٍ، قالَ: فَقالَتْ حَمْنَةُ: فَقُلْتُ: هذا أَعْجَبُ الأمْرَيْنِ إِلَيَّ. لَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، جَعَلَهُ كَلَامَ حَمْنَةَ. قالَ أَبُو داودَ: وَعَمْرُو بْنُ ثابِتٍ رافِضِيٌّ رَجُلُ سَوْءٍ، وَلَكِنَّهُ كانَ صَدُوقًا فِي الحَدِيثِ، وَثابِتُ بْنُ الِمقْدامِ رَجُلٌ ثِقَةٌ، وَذَكَرَهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ. قالَ أبُو داودَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُولُ: حَدِيث ابن عَقِيلِ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ (¬1). * * * باب من قال: إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة [285] (ثَنَا) عبد الغني بن رفاعة (ابْنُ أَبِي عَقِيل) بفتح العين اللخمي أبو جَعفر توفي سنة (255) روى عنه الطحاوي وغَيره. (وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ المِصْرِيَّانِ قَالاَ: ثَنَا) عَبد الله (ابْنُ وَهْب) أبو محمد المصري أحد الأعلام. [(عَنْ عَمْرِو (¬2) بْنِ الحَارِثِ) بن يَعقوب بن أميَّة الأنصاري مولاهُم المصري أحد الأعلام] (¬3). (عَن) محمد بن مُسْلم (ابْنِ شِهَاب، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ وَعَمْرَةَ) بنت عبد الرحمنَ بن سَعد بن زرَارة من فقهاء التابعين. (عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ (¬4) بِنْتَ جَحْشٍ) تقدم اسمها (خَتَنَةَ) بفتح ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (128)، وابن ماجه (622، 627)، وأحمد 6/ 349، 381، 439. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (293). (¬2) كتب فوقها في (د): ع. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): حبيب.

الخاء المعجمة والتاء المثناة فوق (رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -) ومعناه: قريبَة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال أهل اللغة: الأختان جمع ختن وهُمْ أقارب زَوْجة الرجُل، والأحْمَاء أقارب زَوْج المرأة، والأصْهَار تَعُمُّ الجَميع (¬1). قال الجوهري: الختن عند العَرب كل من كانَ من قبل المرأة كأبيها وأخيها (¬2) (وَتَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) ومعنَاهُ أنها زوجَته فعَرفها بشيئين: أحدُهما: كونها أخت أم المؤمنين زَينب بنت جحش زوج النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، والثاني: كونها زَوجَة عَبد الرحمن. قال في "الاستيعاب" وفي "الموطأ" (¬3): إن زينب بنت جحش اسْتحيضت، وأنها كَانت عند عبد الرحمن بن عوف، وهذا وهم، إنما كانت زينب تحت زَيد بن حَارثة، والغلط لا يسلم منه أحَد (¬4). (اسْتُحيضَتْ سبع (¬5) سِنِينَ) قيل: فيه حجة لابن (¬6) القَاسم (¬7) في إسْقاطه عن المُستحاضَة قضاء الصَّلاة إذا تركتها ظانَّةً أن ذلك حَيضٌ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يَأمرها بالإعادة مع طُول المدة، ويحتمل أن يكون المراد ¬

_ (¬1) "لسان العرب": ختن. (¬2) "الصحاح في اللغة": ختن. (¬3) زاد في (م): وهي. (¬4) "الاستيعاب" 1/ 625. (¬5) من (د، س، ل، م). (¬6) في جميع النسخ: لأبي. والمثبت هو الصواب. انظر "الفتح" 1/ 427. (¬7) بعدها بياض في (د، ل، م) بقدر كلمة.

بقولهَا: سبع سِنِينَ بيان مُدَّة اسْتحاضَتها (¬1) مع قطع النظر هل كانت المدة كلها قبل السُؤال أم لا؟ فلا يكون فيه حجة لما ذكر. (فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: إِن هذِه لَيسَتْ بِالْحَيضَةِ) بكسر الحَاء وفتح الحاء أيضًا كما تقدمَ. (ولكن هذا عِرْقٌ) بكسر العين اسْتدل به المهلب على أنه لم يوجب عليها الغسل لكل صلاة؛ لأن دَم العِرق لا (¬2) يوجب غسْلًا. (فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي) كَذا ذكر الأمر بالاغتسَال والصَّلاة الإسماعيلي، ولمُسلمٍ نَحوه (¬3) وهذا الأمر بالاغتسال مُطلق فلا يَدل على التكرار، ولأن (¬4) الصحيح عند الأصوليين أن الأمر المجرد من التقييد بالكثرة لا يدل على التكرار، وقيل: يدل على التكرار بشرط إمكانه دُون أزمنة قضَاء الحاجة وضروريات الإنسَان. وقيل: إن عُلِّقَ بشرط أو صفة كما علق هنا على إدبار الحيض كما في الروَاية الآتية اقتضى التكرار كقَوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} (¬5)، {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (¬6)، وإن كان مطلقًا لم يقتضيه، وهذا القول اختارهُ الآمدي (¬7) وابن الحَاجِب أنه لا ¬

_ (¬1) في (م): الاستحاضة. (¬2) في (ص، س، ل): لم. والمثبت من (د، م). (¬3) "صحيح مسلم" (334) (64). (¬4) في (ص، س): وفي. (¬5) المائدة: 6. (¬6) المائدة: 38. (¬7) "الإحكام" 2/ 161.

يقتَضي التكرَار في المعَلق أيضًا (¬1). (زَادَ الأَوْزَاعِيُّ فِي هذا الحَدِيثِ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ) بن الزبير (وَعَمْرَةَ) بنت عَبد الرحمن (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتِ: اسْتُحيضَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ جَحْشٍ وَهِيَ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) أي: كانَت زَوْج عَبد الرحمن بن عَوف كما ثبتَ عند مُسلم من روَاية عَمرو بن الحارث (¬2)، تعسَّف بَعضُ المالكية فزعَم أن اسم كلٍّ مِن بَنات جحش زينب قال: فأمَّا أُمّ المؤمنين فاشتهرت بِاسْمهَا وأما أُم حَبيبة فاشتهرت بكنيتها، وأما حمنة فاشتهرت بلقبها، ولم يَأت بِدَليل على دعواه أن حمنة لقب (¬3). (سَبْعَ سِنِينَ فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إِذَا أَقْبَلَتِ الحَيضَةُ) برُؤية الدم. (فَدَعِي الصَّلاةَ) والصَّوم واسْتمتاع الزوج بها (¬4) وطَلاقهما (فَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي) لم يذكر فيه غَسْلَ الدم بخلاف الحديث المتقدم "فاغسلي عنك الدم وصلي" وتقدم سبب الاختلاف فيه، وفي الحديث دليل على أن المرأة إذا مَيزت دم الحَيض من دَم الاستحاضة تعتبر دَم الحَيض، وتعمل على إقباله وإدبَاره، فإذا مَضَى قدره اغتسلت عنهُ ثمَّ صَارَ حكم دَم الاسْتحاضة حكم الحَدَث (¬5) فتتوَضأ لكُل صَلاة لكنها لا تُصلي بذَلك الوضوء أكثر من فَريضة واحدَةٍ مُؤداة. ¬

_ (¬1) انظر: "نهاية السول شرح منهاج الأصول" الإسنوي 1/ 174. (¬2) تقدم. (¬3) ذكر ذلك القاضي يونس بن مغيث في "الموعب في شرح الموطأ". انظر: "شرح مسلم" للنووي 4/ 23. (¬4) من (د، م). (¬5) في (ص، س، ل): الحديث. والمثبت من (د، م).

(وَلَمْ يَذْكُرْ هذا الكَلاَمَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ غَيرَ) عَبد الرحمن بن عَمرو (الأوزَاعِيِّ وَرَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَمْرُو بْنُ الحَارِثِ) بن يَعقوب الأنصاري (وَاللَّيْثُ) بن سَعْد (وَيُونُسُ) بن يزيد الأيلي (و) محمَّد بن عَبد الرحمن (بْنُ أَبِي ذِئْب وَمَعْمَرٌ وِإبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ) الزهري العوفي (وَسُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ وَ) محمد (بْنُ إِسْحَاقَ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ) وَ (لَمْ يَذْكُرُوا هذا الكَلاَمَ) ولا معناه. (وَإنَّمَا هذا لَفْظُ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ) عروة بن الزُّبَير (عَنْ عَائِشَةَ. وَزَادَ) سُفيان (ابْنُ عُيَينَةَ فِيهِ أَيْضًا) أنهُ (أَمَرَهَا أَنْ تَدَعَ الصَّلاَة) في (أَيَّامِ أَقْرَائِهَا) أي: حَيضها. وهذا (وَهَمٌ مِنَ ابن عُيَينَةَ وَحَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو) ابن عَلقَمة بن وقاص. (عَنِ الزُّهْرِيِّ فِيهِ) يحتَملُ أن يراد بالـ (شَيْء) اللفظ (يَقْرُبُ مِنَ) اللفظ (الَّذِي زَادَه) عَبد الرحمن (الأوزَاعِيُّ فِي حَدِيثِهِ) المذكور. [286] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، قال: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ) إبراهيم بن (أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ مُحَمَّد بْن عَمْرٍو) بن عَلقمة بن وقاص. (قَالَ: حَدَّثَنِي ابن شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ) ابن المُطلب القُرشية الأسَدية. قال ابن عبد البر: روى عنها عروة بن الزبير وسمع منها حَديثها في الاستحاضة (¬1) (أَنَّهَا كَانَتْ تُسْتَحَاضُ) فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - (فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ ¬

_ (¬1) "الاستيعاب" 2/ 112.

- صلى الله عليه وسلم -: إِذَا كانَ دَمُ الحَيْضَةِ) بفتح الحاء كان هنا تامَّةٌ بمعنى حدث أو وجد (فَإِنَّهُ دَمٌ أَسْوَدُ يُعْرَفُ) أي: يعرفه النساء. قال شارح "المصابيح": هذا دليل التمييز والمستحاضة إذا كانت مميزة بأن ترى في بعض الأيام دَمًا أسود وفي بعضها دَمًا أحمر أو أصفر فالدم الأسود حَيض بشرط أن لا ينقُص عن يَوم وليلة ولا يزيدُ على خمسَة عشر يوْمًا، والدم الأحمر والأصْفَر استحاضة بشرط أن لا ينقص الدَّمُ الأحمر أو الأصفر الوَاقع بين الأسوَدَين عن خمسة عشر يومًا، فإن فُقِدَ (¬1) شرظ منْ هذِه الشروط فليسَت مميزة وإذا لم تكن مُمَيزَة أو فقدَت شرطَ تمييزهَا وليس لهَا عَادَةٌ أو كانت لها عادَة [فَنسِيَتْها يُجْعَلُ حَيضُها] (¬2) في أوَّلِ كل شهر يوم وليلة في قولٍ وستة أو سَبْع في قولٍ آخر، ثم تؤُمَر بالوضُوء والصَّلاة إلى آخر الشهر (¬3). (فَإِذَا كَانَ ذَلِكِ) بِكَسْر الكاف (فَأَمْسِكِي) بفتح هَمْزة القطع، أي: اتركي (عَنِ الصَّلاةِ) أيام دَم الحَيضة (فَإِذَا كانَ الآخَرُ) بِفَتح الخاء، أي: دَم الاستحاضة. (فَتَوَضَّئِي) أي لكل صَلاة فرض، ولهَا مع الفريضة نَوافل على الأصح في الوقت، وكذا بعده في الأصح كالمتيمم. لكن صحح النووي في "شرح المهذب" و"شرح مسلم" أنها لا ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ص)، ل): فبسببها تحصل حيضتها. وفي (س): فنسيتها يحصل حيضها. والمثبت من (د، م). (¬3) انظر شرح هذه المسألة في "المجموع" للنووي 2/ 433.

تستبيح (¬1) النفل بعد الوقت بذَلك الوضوء، وفرق بينها [وبينَ التيمُّم] (¬2) تستباح بعد الوقت بأنَّ حدثها يتَجدَّدُ [والنذر كالفرض] (¬3) على المذهَب (¬4). (وصَلِّي فَإِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ) يُسمَّى العَاذِل كما تقدم، واستدل على أنهُ لا يوجب عليهَا الغسْل لكل صَلاة؛ لأن دَم العِرْق لا يوجبُ غسْلًا، ووقع في "الوسيط" تبعًا لـ"لنهَاية" زيَادَة بعد قوله: "فَإِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ" انقطع (¬5). وأنكر قوله: انقطع ابن الصَّلاح والنووي (¬6) وابن الرفعة (¬7) وهي مَوْجُودَة في "سُنَن الدَارقطني" والحاكم والبيهقي من طريق ابن أبي مليكة: جاءت خالتي يَعني (¬8): فاطمةَ بنت أبي حُبيش إلى عَائشة فذكر الحديث وفيه: فإنما [داءٌ عرضَ] (¬9) أو ركضة (¬10) مِنَ الشيطان أوْ عرق انقطع (¬11). ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): تستفتح. والمثبت من (د، م). (¬2) في (ص، س، ل): المتيمم حين. (¬3) في (ص، ل): كالنذر كفرض. وفي بقية النسخ: كنذر كفرض. والمثبت هو الأقرب للصواب. (¬4) "المجموع" للنووي 2/ 538، "شرح مسلم" 4/ 18 - 19. (¬5) "نهاية المطلب" 1/ 331، "الوسيط" 1/ 421. (¬6) في (ص، س): والثوري. والمثبت من (د، ل، م). (¬7) انظر: "المجموع" 2/ 403. (¬8) سقط من (د، م). (¬9) في (ص، س، ل): ذا عرق. وفي (م): ذا عرض. والمثبت من (د). (¬10) في (ص، س): ركيضة. (¬11) أخرجه الدارقطني 1/ 217، والحاكم 1/ 175، والبيهقي 1/ 354، وهي عند أحمد 6/ 464.

(وقَالَ) محمد (ابْنُ المُثَتَّى، ثَنَا بِهِ) محمد (ابْنُ أَبِي عَدِيّ مِنْ كِتَابِهِ) يعني: لا من حفظه (هَكذَا) (¬1) وفي بعض النسخ: هذا (ثُمَّ، حَدَّثَنَا بِهِ بَعْدُ) بِضم الدال، أي: بعد ذلك. (حفْظًا) أي: من حفظه (قَالَ) محمد بن أبي عَدي (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أَن فَاطِمَةَ) بنت أبي حبيش (كَانَتْ تُسْتَحَاضُ) فسَألت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لها الحَديث. (فَذَكَرَ مَعْنَاهُ) المذكور. ورواه (أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ) أخو محمد ومعبد وحفصة وكريمة أولاد سيرين أبوه من سبي عين التمر. (عَنِ ابن عَبَّاسٍ) - رضي الله عنهما - حَديثه (فِي المُسْتَحَاضَةِ وقَالَ: إِذَا رَأَتِ الدَّمَ البَحْرَانِيَّ) في نسخة أبي علي التستري: بفتح الباء، وفي نسخة: عن أبي عمرو الهَاشمي بِضَم الباء، والدَّم البحراني هو: الخالص الشديد الحمرة، يقال له: باحر وبحْرَاني. قالَ في "النهاية": دم بحراني شديد الحمرة كأنه قد نسب إلى البحر، وهو اسم قعر الرحم، وَزادوه في النسب ألفًا ونونًا للمبَالغة يريد الدم الغَليظ الوَاسِع، وقيل: نسبَ إلى البَحر لكثرته وسَعته (¬2)، والبحراني من الألفاظ المغيَّرة (¬3) للنسب؛ لأنه لو قيل بَحري لاشتبه بالنسبة إلى ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: هذا. والمثبت من "سنن أبي داود". (¬2) "النهاية": بحر. (¬3) في (ص): المعتدة.

البحر (فَلاَ تُصَلِّي وَإذَا رَأَتِ الطُّهْرَ) وهوَ النقاء كما سَيَأتي (فَلْتَغْتَسِلْ) (¬1) بعد غسْل الدم والوضوء (وَتُصَلِّي) فَرضًا ونَفلًا. (وَقَالَ مَكْحُولٌ) ابن أبي مُسْلم واسْم أبي مُسْلم [سهرَان بن سادل وسادل] (¬2) من أهل هراة تَزَوَّج امرأة مَلك (¬3) مِن مُلوك كابل. وقال ابن حبان في "الثقات": مكحول بن عَبد الله كانَ هنديًا من سبي كابل لسَعيد بن العَاص فوَهبَه لامرأة من هذيل فأعتقته بمصر ثم تحول إلى دمشق وصَار فقيه دمشق (¬4). (النِّسَاء لاَ يَخْفَى عَلَيهِنَّ الحَيضَةُ) من غَيرها لكثرة ورُود الحيض عليهن، وقد جاء بإسْنَاد ضَعيف مرفوع من طريق مكحول عن أبي أمامة، حكاهُ الذهَبِي. قال الدَارقطني (¬5): ومكحول لم يسمع من أبي أمَامة (¬6). (إِنَّ دَمَهَا أَسْوَدُ غَلِيظٌ فَإِذَا ذَهَبَ ذَلِكَ وَصَارَتْ) الحَيْضة (صُفْرَةً رَقِيقَةً فَإِنَّهَا مُسْتَحَاضَة فَلْتَغْتَسِلْ وتُصَلِّي) وفي نسخة أبي بكر الخَطيب: "ولتصلي" وفيه دليل على التفرقة بينَ دَم الحيض والاستحاضة. وفي "تاريخ العقيلي" عن عَائشة قالت: دم الحَيْض أحمرَ بحَراني، ¬

_ (¬1) في (س): فلا تغتسل. (¬2) في (ص): شهران بن شادل وشادل. (¬3) في (د): ملكة. وسقط من (م). (¬4) "الثقات" 5/ 446. (¬5) في (س): القرطبي. (¬6) "سنن الدارقطني" 1/ 218.

ودَم الاستحاضة كغسَالة اللحم" وضعفه (¬1)، ووقع في كلام الشافعي في "الأم" أنهُ أسْوَد محتدم (¬2) بحراني ذو دفعَات، والمحتَدم هو (¬3) بالحَاء والدال المهملتَين بينهما تاء هوَ الشديد الحُمرة حتى يقرب من السَّواد. (وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ القَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ) الكناني أخرج له مسلم. (عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ فِي المُسْتَحَاضَةِ إِذَا أَقْبَلَتِ الحَيضَةُ تَرَكَتِ الصَّلاةَ، وَإذَا أَدْبَرَتِ اغْتَسَلَتْ وَصَلَتْ) فرق بين الإقبال في الحيضة والإدبار. (وَرَوَاه سُمَيٌّ) (¬4) بالتصغير، المخزومي القرشي المدَني مَوْلى أبي بَكر بن عبد الرحمن (وَغَيرُهُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ) في المُستَحاضة إذا أدبرت الحَيضة (تَجْلِسُ) في (أَيَّامَ أَقْرَائِهَا) أي: حيضها. (وَكذَلِكَ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ - رضي الله عنه - وَرَوَى يُونُسُ) (¬5) ابن عبيد أحَد الأئمة. (عَنِ الحَسَنِ) أنه قالَ: (الْحَائِضُ إِذَا مَدَّ) بفتح الميم والدال المشدَّدة، أي: استمر. (بِهَا الدَّمُ تُمْسِكُ) بِضَمِّ أوله (بَعْدَ حَيضَتِهَا (¬6) يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ) يحتمل أن ¬

_ (¬1) "الضعفاء" له 4/ 83. (¬2) "مختصر المزني" الملحق بكتاب "الأم" 9/ 13. (¬3) من (د، م). (¬4) كتب فوقها في (د): ع. (¬5) كتب فوقها في (د): ع. (¬6) في (ص، س، م): حيضها. والمثبت من (د، م).

يستدل بهذا لما ذهَب إليه مالك أن المستحاضة إذا لم يكن دمهَا منفصلًا، وكانت لهَا أيام منَ الشهر تعرفها قبل أن تستحاض فإنها لا تعتبر عادتها، بل تستطهر بعد (¬1) زَمَان عَادَتها بيوم أو يومين أو ثلاث ليستبين فيهَا دَم الحَيض من دَم الاستحاضة استدلالًا بِحَديث المصراة، إذ قدَّر فيه رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أيام في انفصَال اللَّبَنَيْنِ (¬2)، واسْتدل بحَديث رَوَاهُ في "الاستذكار" عن جَابر: أن أسماء بنت مُرْشدة (¬3) الحَارثية كانت تستحاض فسَألت النَّبي - صلى الله عليه وسلم - عَن ذلك فقال لهَا: "اقعدي أيامك التي كنت [تقعدين، واستطهري] (¬4) بثلاثٍ ثم اغتسلي وصَلِّي" (¬5). (فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ) (¬6) بعد الاستطهار بيومين أو ثلاثة. (وَقَالَ: ) سُليمَان بن طرخَان التيمي، ولم يَكن من بني تيم إنما نزل فيهم (التَّيمِيُّ (¬7) عَنْ قَتَادَةَ: إِذَا زَادَ (¬8) الدم (عَلَى) قدر (أَيَّامِ حَيضِهَا خَمْسَةُ أَيَّامٍ فَلْتُصَلِّ) الصَّلوَات ويطؤها زَوْجهَا بعد الاغتسال إذا شاء. (قَالَ التَّيْمِيُّ: فَجَعَلْتُ أَنْقُصُ) (¬9) بِضَم القَاف، يعني: لهُ من الخمس. ¬

_ (¬1) في (ص، ل): يقدر. والمثبت من (د، س، م). (¬2) في (ص، ل): اللبس. والمثبت من (د، س، م). (¬3) في "الاستذكار": مرشد. (¬4) في (س): تعتدين واستظهري. (¬5) "الاستذكار" 3/ 224. (¬6) أخرجه الدارمي في "سننه" (838)، وإسناده صحيح. (¬7) سقط من (د). (¬8) في (ص، س، ل): رأت. والمثبت من (د، م). (¬9) في (م): انتقص.

(حَتَّى بَلَغْتُ يَوْمَينِ قَالَ): روَاية الخَطيب: فقال (إِذَا كَانَ) الدم الزائد عَلى حَيضها (يَوْمَينِ فَهُوَ مِنْ حَيْضِهَا (¬1). وَسُئِلَ) أنس (¬2) (ابْنُ سِيرِينَ عَنْهُ فَقَالَ: النِّسَاءُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ) (¬3) يعني: أن ما لا يَطلع عليه الرجَال، ولا يُعرَفُ إلا مِنَ النسَاء فيُرجعُ فيه (¬4) إليهن، وأولَى النسَاء بذَلك نسَاء عَشيرتها وأقاربهَا. [287] (حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَغَيرُهُ قَالاَ: ثَنَا عَبْدُ المَلِكِ (¬5) بْنُ عَمْرٍو) ابن قيس أبو عَامرٍ العقَديِّ، قال: (ثَنَا زُهَيرُ بْنُ مُحَمَّدٍ) التميمي المروزي (¬6) أبو المنذر نزل الشام. (عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ) بن أبي طالب الهاشمي المدني، قال الترمذي: صدُوق تكلم فيه من قَبل حفظه سَمعتُ (¬7) محمد بن إسماعَيل يقولُ كان أحَمد بن حَنبَل وإسحاق والحميدي يحتجون بحَديثه (¬8). ¬

_ (¬1) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (8956)، وإنما نقص سليمان التيمي في الأيام ليعلم هل قال ذلك قتادة بأثر أم عن رأيه. قال سليمان في آخره: فرأيته قال برأيه. (¬2) كذا في جميع النسخ، وهو خطأ. وإنما المسؤول عن ذلك محمد بن سيرين. (¬3) ذكره البخاري معلقًا قبل حديث (325)، وأخرجه ابن أبي شيبة (8956)، والدارمي (795) وإسناده صحيح. (¬4) سقط من (م). (¬5) كتب فوقها في (د): ع. (¬6) في (ص، س، ل): المروي. والمثبت من (د، م). (¬7) في (ص، س، ل): سمع. والمثبت من (د، م). (¬8) "جامع الترمذي" 1/ 9.

(عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ) ابن عبيد الله القرشي التيمي أخرجَ له مسلم في الفضائل (¬1) (عَنْ عَمِّهِ عِمْرَانَ بْنِ طَلْحَةَ) بن عبيد الله أخرجَ لهُ البخَاري. قال الترمذي: كانَ ابن جريج يقول: عمر بن طَلحة، قال: والصحيح عمران بن طَلحة (¬2). وقال الذهبي: عمران (¬3) بن طَلحة بن عُبيد الله التيمي، روى عن أم حبيبة بنت جَحش وَروى عنهُ إبراهيم بن محمَّد (¬4). (عَنْ أُمِّهِ حَمْنَةَ) تقدم قولٌ أنَّهَا لَقب، وأن اسمهَا زينَب (¬5) (بِنْتِ جَحْشٍ) بن رئاب (¬6) بكسْر الراء وفتح الهَمزة بعده وبعد الألف باء مُوَحَّدة من بني أسَد بن خزَيمة كانت تحت مصعب بن عمَير، وقُتِل عَنهَا يَوم أحُد، فتزوَّجها طَلحة بن عبيد الله فولدَت له مَحمدًا وعمران ابني طلحة بن عبَيْد الله وكانت حمنة ممن خاض في الإِفك على (¬7) عَائشَة، وجُلِدتْ في ذَلك معَ مَن جلد عندَ من صحح جلدهم، قاله (¬8) في "الاستيعاب" (¬9). ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2511) (178). (¬2) "جامع الترمذي" 1/ 226. (¬3) في (س): عمر. (¬4) "سير أعلام النبلاء" 4/ 370. (¬5) وهو قول ضعفه الشارح وقال: لا دليل عليه ووصفه بأنه تعسف. فوجب التنبيه. (¬6) في (س): رابان. وهو خطأ. (¬7) في (س): عن. (¬8) في (م): قال. (¬9) "الاستيعاب" 1/ 585.

(قَالَتْ: كُنْتُ أُسْتَحَاضُ حَيضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً فَأَتَيتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَسْتَفْتِيهِ) فيه إتيان المرأة إلى بيت العَالم لتستفتِيَهُ بِنَفسها. (وَأُخْبِرُهُ) بحالي (فَوَجَدْتُهُ فِي بَيتِ أُخْتِي زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله إِنِّي أُسْتَحَاضُ حَيضَةً) بفتح الحاء، يعني يجري دمي أشَدَّ جَريَانًا من دَم الحَيض. (كَثِيرَةً شَدِيدَةً) وفيه دليل على أن الحَيض ينقسم إلى قويٍّ وضَعيف، واختلفوا فيما به الاعتبار في القوة والضعف، فمنهم من يقولُ: هوَ اللون فقط، فالأسوَد قويٌّ بالإضَافة إلى الأحمر، والأحمر قوي بالإضافة إلى [الأشقر، والأشقر] (¬1) أقوى مِنَ الأصفر، وادَّعى الإمَام أن هذا مُتفق عليه (¬2)، والعراقيون وغَيرهم يقول: إنَّ القوة بثَلاثة أمُور باللون والثَّخانة والرائحَةِ الكريهة فعَلى هذا الثخين قوي بالنسبة (¬3) إلى الرقيق، ومَا لهُ رائحة كريهة قوي بالنسبة (¬4) إلى مَا دونه والحَديث مُحتمل. (فَمَا تَرَى) رواية الترمذي: فما (¬5) تأمُرني (¬6)؟ . (فِيهَا) فإنها (قَدْ مَنَعَتْنِي الصَّلاةَ وَالصَّوْمَ) وَوَطْء الزوج فيه أنَّ الحَائض مَمنوعة مِنَ الصَّلاة والصَوْم، وأنَّ ذلك كانَ معلومًا مَشهورًا عندَهُنَّ. (قَالَ: أَنْعَتُ) بفتح هَمزة المتكلم، أي: أصِفُ. ¬

_ (¬1) في (م): الأسود والأقوى. (¬2) "نهاية المطلب" 1/ 335. (¬3) في (ص): بالتشبه. والمثبت من (د، س، ل، م). (¬4) في (ص): بالتشبه. والمثبت من (د، س، ل، م). (¬5) في (ص، س، ل): بما. والمثبت من (د، م). (¬6) "جامع الترمذي" (128).

(لَكِ الكُرْسُفَ) بِضَم الكاف والسِّين المهملة، وهو القطن؛ لكونه مُذهبًا للدم فاستعمليه بعدَ دَمك لينقطع عنك، وإنما أمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باستعمال الكرسف؛ لأنهُ ظن أن دمها ليس بشديد الجَريَان فَأمَرَهَا بالتحرز من خروج الدم بما أمكنها فتغسل المستحاضة مَوضع خروج الدم والمحل الملوث (¬1) به ثم تحشوه بقطن أو خرقة ونحوهَا لترد الدم وتحبسه (¬2) عن الجريان والخروج وكذلك المُبتَلى بسَلسَ البَول أو المذي أو من به جرح لا يرقأ دَمه وأشبَاههم ممَّن يَسْتمر (¬3) منهُ الدم ولا يمكنهُ حفظ طَهَارته. (فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الدَّمَ) إذا أُحكِمَ الحَشْو (قالت (¬4): هُوَ أَكثَرُ مِنْ ذَلِكَ). (قَالَ: فَاتَّخِذِي ثَوْبًا) لما قَالت لهُ أنه أكثَر مَنْ أن (¬5) يُمسكهُ الحَشو بقطنة أو خرقة ونحوهَا أمَرَهَا رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتلجُّم وهو شَدُّ الفَرج، وهو مثل الاستثفار، ويكون الثوب مشقوقًا تشدُّ طرفيهِ على جنبيهَا ووسطه على الفَرج. (قَالَتْ) وفي نسخة (¬6) الخَطيب فقالت (إِنَّمَا أَثُجُّ) بِضَمِّ الثاء المثَلثة وتشديد الجيم (ثَجًّا) والثَّجُّ: سيلان الدم بقوةٍ، ومنه قوله تعالى: {مَاءً ¬

_ (¬1) في (م): الملون. (¬2) في (ص، ل): تحشيه. والمثبت من (د، س، م). (¬3) في (ص، ل): يستمد. وفي (س): يسيل. والمثبت من (د، م). (¬4) في (ص، س، م): قلت. وبياض في (ل). والمثبت من (د). (¬5) من (د). (¬6) في (ص، ل): نسخ. والمثبت من (د، س، م).

ثَجَّاجًا} (¬1) ومنه: "أفضَل الحجِّ العَجُّ والثَّجُّ" (¬2) والمرادُ به سَيَلان دَم الهَدي والأَضاحي (قَالَ) لها (رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: سَآمُرُكِ بِأَمْرَيْنِ أَيَّهُمَا) أيُّ: شرطية منصُوبة بما بعدها (فَعَلْتِ) بكسْر التاء (أَجْزَأَ عَنْكِ مِنَ الآخَرِ) وهو قريب من قوله تعالى: {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ} (¬3) (وَإنْ قَوِيتِ عَلَيهِمَا فَأَنْتِ أَعْلَمُ) بنفسك. ثم (قَالَ لَهَا: إِنَّمَا هذِه) يَعْني: الحَيضة. (رَكْضَةٌ من رَكَضَاتِ) بفتح الكاف (الشَّيطَانِ) يعني: الشيَاطين فيجوز بالمفرد عن الجمع. قال الهروي: أيْ: دفعة وحركة (¬4) من حركاته، والركضة: ضرب الأرض بالرجْل في حَال العَدْوِ وفي الإصَابة كما تركض الدَابة وتصيب برجلها، ومعناه: والله أعلم أنَّ الشيطَان قد وجد (¬5) بهذِه العلَّة طَريقًا إلى التلبيس (¬6) عَليها في أمرِ دينهَا وقت (¬7) طهرهَا حتى أنسَاهَا ذَلكَ فصَار كأنه ركضهَا بآلة من آلاته، وأضيف إلى الشيطان كهو (¬8) في قَوله ¬

_ (¬1) النبأ: 14. (¬2) رواه الترمذي (827)، وابن ماجه (2924)، والحاكم في "المستدرك" 1/ 451، والبيهقي في "الكبرى" 5/ 42 - 43 من حديث أبي بكر الصديق، وصححه الألباني في "الصحيحة" (1500). (¬3) القصص: 28. (¬4) "الغريبين" لأبي عبيد الهروي: ركض. (¬5) زاد في (ص، س، ل، م): بدنك. والمثبت ما في (د). (¬6) في (ص، س): التلبس. والمثبت من (د، ل، م). (¬7) في (ص): وقد. والمثبت من (د، س، ل، م). (¬8) في (ص، ل): لهو. وفي (م): هو. والمثبت من (د، س).

تعالى: {فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ} (¬1)، وقيل: هو حقيقة (¬2)، وأن الشَّيْطَان ضرَبهَا حتى فَتَقَ عِرْقها ومرَاده (¬3) بأن يُحَيركِ في أمر دينك مِنَ الصلاةِ والصَّومِ في هذِه الحالة ويأمُرك بترك الصَّلاة وغَيرها مِنَ العبَادَات، فلا تطيعيه (¬4). (فَتَحَيَّضِي) بفتح التاء والحَاء واليَاء (¬5) المشَدَّدة، أي: اجعلي نفسك حَائضًا في أيام الحَيض، واتركي الصَّلاة والصَّوم، والتزمي ما يجبُ على الحَائض كما سَيَأتي. قال الجوهَري: تحيَّضَت: أي: قعدَت أيام حَيضهَا عَن الصَّلاة (¬6). (سِتَةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ) تحيَّضتِ المرأة إذَا قعدت أيَّام حَيضها تنتظر انقطاعه قال: وإنما خَصَّ السِّتَّ أو السَّبعَ؛ لأنها الغالب انتهى (¬7). على أيام الحَيض و"أو" في قوله: "سنة أو سبعَة" مَعناه: اجعَلي حَيضكِ كحيض أقاربك إن كانت عَادَة أقاربك ستة فاجعلي حيضتك ستة، وإن كانت عَادتهن سَبعة فاجعَلي حَيضتك سَبعَة. واختلف في هذِه المرأة كانت مُبتدَأة في الحَيض أو مُعتادَة ناسية لعَادَتها وصَحح الخطابي أنهَا كانت مبتدأة وعلى هذا فإذا كانتِ ¬

_ (¬1) يوسف: 42. (¬2) في (ص، س، ل): حقيه. والمثبت من (د، م). (¬3) سقط من (م). (¬4) في (س): تطيقه. (¬5) سقطت من (د). (¬6) "الصحاح في اللغة": حيض. (¬7) انظر: "تاج العروس" للزبيدي 18/ 313.

المُسْتحاضة مُبتدأة ردَدَناها إلى الغالب، وإن كانت مُعَتادَة رددنا المبتَدأة إلى الأقل أخذا باليقين، ومن قال بهذا قالَ لعله - صلى الله عليه وسلم - عرف مِن عَادَتها أنها أحَد العددين الغالبين (¬1). (فِي عِلْمِ الله) أي: فيما عَلم الله من أمرك من الست أو السَّبع أي هذا شَيء بينك وبين الله تعالى واللهُ يعَلم ما تفعَلينَ من الإتيَان بما أمرتك أو تركه، وقيل: في علم الله أي حكم الله تعالى أي: مَا أمرتك فهو حكم الله، وقيل: في علم الله أي: أعلمك الله مْن عَادة النسَاء مِنَ السِّت أو السَّبع. قالَ في "النهاية"؛ تحيضي في علم الله (¬2). (ثُمَّ اغْتَسِلِي) أي؛ مرةً واحدةَّ بَعد مُضي السِّت أو السَّبع. (حَتَّى إِذَا رَأَيْتِ أَنَّكِ قَدْ طَهُرْتِ) بفتح الطاء والهَاء. (وَاسْتَنْقَأْتِ) بالهَمزة سَاكنة أي: وجَدتي النقاء. (فَصَلِّي) يَعني معَ الوضُوء لكلِّ صَلاة فَريضة (ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً) إن [كانَ حَيض] (¬3) أقاربك سَبعة أيام. (أَوْ) صَلِّي (أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَأَيَّامَهَا) أي: مع أيام الليَالي المذكورة إن كانَ مُدة حَيض أقاربك ستة أيام [فَإن قيل] (¬4): لفظ هذا الحَديث يدُل عَلى أن دمهَا أكثر من مُدة الحَيض فإنها ما (¬5) قالت: إن مُدة دَمي أكثر من ¬

_ (¬1) "معالم السنن" المطبوع مع "مختصر سنن أبي داود" 1/ 181 - 185. (¬2) "النهاية" (حيض). (¬3) في (ظ، م): كانت تحيض. (¬4) في (س): كان قبل. (¬5) من (د).

مُدة الحَيض، بَل قالت هُوَ أكثر مِن ذَلك قُلنَا (¬1) فَهم النَّبي - صلى الله عليه وسلم - كونها مُسْتَحاضة من قَولهَا اسْتحاض أو مِن قولهَا في روَاية أخرى: قد منعتني الصَّلاة يَعني: الحَيضة المجَاوزة قدر الحَيض. (وَصُومِي) مَعَ الصَلاة (فَإِنَّ ذَلِكِ) بكَسْر الكَاف. (يُجْزِئُكِ) بضم أوله والهَمز قبل الكاف. (وَكَذَلِكِ) بِكَسْر الكَاف (فَافْعَلِي) فِي (كُلِّ شَهْرٍ) يَأتي عَليك في زَمَن الاستحاضة (¬2). (كَمَا تَحيضُ) بفتح المثناة فوق أوله وسُكون المثَناة تحت بعد الحاء، ورواية الخَطيب: يحضنَ بفتح المثناة تحت وحَذف الياء التي بعد الحَاء وزيادة نون الإناث بعد الضاد وهذا على لغَة: أكلُوني البَراغيث المشهورَة. (النِّسَاءُ وَكَمَا يَطْهُرْنَ) يَعني: اجعَلي حَيضك (¬3) بِقَدر مَا يكون عَادَة النسَاء مِنْ ست أو سَبع وكذَلك اجعلي طُهرك بقدر مَا يَكون عَادَة النسَاء من ثلاثة وعشرين أو أربعَة وعشرين. (في مِيقَاتَ) يجوز نَصب ميقات [ويجوز الرفع] (¬4)؛ لأن تقديره في ميقات وروَاية الترمذي لميقات (¬5) باللام أوله. (حَيضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ) أي: اجعَلي عدد حيضك وطُهرك بِقَدر حَيض ¬

_ (¬1) في (د، س): فلما. (¬2) في (س): الحيضة. (¬3) في (س): حيضتك. (¬4) جاءت في (د) بعد: (في ميقات). وفي (م): بعد (رواية الترمذي). (¬5) "سنن الترمذي" (128).

النسَاء وطهرهن فإن كانَ حَيض النسَاء في أول الشَهر كانَ حَيْضك في ذلك الوقت، وإن كانَ طُهْر النسَاء في أول الشهر كانَ طُهرك كذَلك. (وِإنْ قَوِيتِ عَلَى أَنْ تُؤَخِّرِي الطُّهْرَ وَتُعَجلِي) صَلاة (الْعَصْرَ فَتَغْتَسِلِينَ) وروَاية الخَطيب: "فتغتسلي"، وروَاية الترمذي: "ثم تغتسلين" (¬1) حينَ تطهرين، وفي بَعض نُسخه: "ثم تغتسلي". (وَتَجْمَعِينَ بَينَ الصَّلاَتيْنِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ) بالجر فيهما على البَدَل، ورواية الترمذي: "وتصلين الظُهر والعَصْر جَميعًا" (¬2). وإن قدرت. (وَتُؤَخِّرِينَ المَغْرِبَ وَتُعَجِّلِينَ العِشَاءَ ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ فافعلي (¬3) استُدِلَّ به على أنَّ المُستحاضة تجمع بين الصَّلاتين بغسْل واحد، وكذا بَوبَ عليه الترمذي (¬4)، وكما يُجوز لهَا الجَمع بينَ الصَّلاتين بِغسْل وَاحد يَجوز لهَا الجَمع بين الصَّلاتَين بوضُوء واحد. قال ابن قدَامة: وغَير المُستحَاضَة من أهل الأعذَار مَقيس عليهَا، ومُلحق بهَا (¬5)، وأهل الأعذار من بهِ سَلسَ البَول، وسَلس المذي، ومن به جرح لا يرقأ دَمه ومَا في مَعناهُم ممَّن يستَمر به العُذر ولا يمكنه (¬6) حفظ طَهَارته. ¬

_ (¬1) "جامع الترمذي" (128). (¬2) "جامع الترمذي" (128). (¬3) من (د، س، م). (¬4) "جامع الترمذي" 1/ 220. (¬5) "المغني" 1/ 424. (¬6) في (ص): بمظنة. والمثبت من (د، س، م).

قال ابن التيمية (¬1): والاستحاضَة نَوع من المرض أي: فيستَدل به على الجمع للمريض والجمَع بالمرض والوحل (¬2). قاله القاضي حُسَين والخَطابي واستحسَنَهُ الرويَاني (¬3). قالَ النوَوي في "الروضة": القَول بجوَاز الجمع بالمرض ظاهِر مُختار (¬4). وحَكى الخطابي عن أبي إسحاق المروزي جَوَاز الجمع في الحَضَر للحاجة من غَير اشتراط مرض (¬5)، وبه قال ابن المنذر (¬6)، وحكى ابن حجر أن ابن عباس جمع للشغل (¬7). (وَتَغْتَسِلِينَ مَعَ الفَجْرِ) زاد الترمذي وتصلين فكذلك (¬8). (فَافْعَلِي) فيه دلالة على أن الفجر لا تجمع مع غَيرها. (وَصُومِي إِنْ قَدَرْتِ عَلَى ذَلِكِ) بكسر الكاف، أي: حَيث جَازت لك الصَلاة. روَاية الترمذي: "وصومي (¬9) إن قويت على ذلك" (¬10). (قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: وهذا) يَعني الترخصُّ بالجمع بَين الصَّلاتين وغَير ذَلك (أَعْجَبُ الأَمْرَيْنِ إلَيَّ) أي: أحَبُّهمَا إليَّ (¬11) فإن الله تعالى يُحبُّ أن تؤتى رُخصه كما يَكره أن تؤتى مَعصيته (¬12) أخرجه ابن خزيمة وابن ¬

_ (¬1) "مجموع الفتاوى" 21/ 223. (¬2) في (ص): الوصل. (¬3) نقله عنهم الرافعي في "الشرح الكبير" 4/ 481. (¬4) "روضة الطالبين " 1/ 401. (¬5) "شرح النووي" 5/ 219. (¬6) "الأوسط" 3/ 136، 137. (¬7) "فتح الباري" 2/ 31. (¬8) من (د، م). (¬9) في (ص): ضوضي. (¬10) "جامع الترمذي" (128). (¬11) من (د، م). (¬12) في (ص): معصية.

حبان في "صَحيحيهما" عَن ابن عُمر مرفوعًا (¬1). (وَرَوَاهُ) أبو ثابت (عَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ) المعروف بابن أبي المقدَام كوفي. قال أبو داود: كانَ رافضيًّا (¬2) وذكرهُ عن يحيى بن معين. (عَنِ) عَبد الله بن محمد (بْنِ عَقِيل فقَالَ: فَقَالَتْ حَمْنَةُ) بنت (¬3) جَحشٍ (فقلت (¬4): هذا أَعْجَبُ الأَمْرَيْنِ إِلَيَّ). و(لَمْ يَجْعَلْهُ) مِنْ (قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -) وذكرهُ الترمذي من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وقاَل: هذا حَديث حَسَن صحيح. قاَل: وَرَوَاهُ عبيد الله بن عمرو الرقي وابنُ جريج، وشَريك قالَ: وسَألتُ محمدًا عن هذا الحَديث فقال: حَديث حَسَن وهَكذا قالَ أحمد بن حنبَل حَديث حَسَن صَحيح (¬5)، وأخرجهُ ابن مَاجَه والدارقطني والحاكم من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل (¬6). (قَالَ أَبُو دَاودَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُولُ) في الحَيض حَديث ثالث (حَدِيثُ ابن عَقِيلِ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ). ¬

_ (¬1) أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" (950)، وابن حبان (2742). (¬2) "سؤالات الآجري" لأبي داود (243). (¬3) في (ص، ل): ابن. (¬4) من (د). (¬5) "الجامع" للترمذي 1/ 225 - 226. (¬6) أخرجه الدارقطني 1/ 214 وقد تقدم تخريجه.

112 - باب من روى أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة

112 - باب مَنْ رَوَى أَنَّ المُسْتَحاضَةَ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلاةٍ 288 - حَدَّثَنا ابن أَبِي عَقِيلٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ المُرادِيُّ قالا: حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الحارِثِ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ - خَتَنَةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَتَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - اسْتُحيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ، فاسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي ذَلِكَ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ هذِه لَيْسَتْ بِالحَيْضَةِ، ولكن هذا عِرْقٌ، فاغْتَسِلِي وَصَلِّي" قالَتْ عائِشَة: فَكانَتْ تَغْتَسِلُ فِي مِرْكَنٍ فِي حُجْرَةِ أُخْتِها زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، حَتَّى تَعْلُوَ حُمْرَة الدَّمِ الماءَ (¬1). 289 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن صالِحٍ، حَدَّثَنا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَنا يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ، أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ بِنْت عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بهذا الحَدِيثِ، قالَتْ عائِشَةُ: فَكانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلاةٍ (¬2). 290 - حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ خالِدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوْهَبٍ الهَمْدانِيُّ، حَدَّثَنِي اللَّيْث بْن سَعْدٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ بهذا الحَدِيثِ، قالَ فِيهِ: فَكانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلاةٍ. قالَ أَبُو داودَ: رَواهُ القاسِمُ بْن مَبْرُورٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عائِشَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَكَذَلِكَ رَواهُ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عائِشَةَ، وَرُبَّما قالَ مَعْمَرٌ: عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، بِمَعْناهُ، وَكَذَلِكَ رَواهُ إِبْراهِيمُ بْنُ سَعْدٍ وابْن عُيَيْنَةَ، عَنِ الزّهْرِيِّ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عائِشَةَ، وقالَ ابن عُيَيْنَةَ فِي حَدِيثِهِ: وَلَمْ ¬

_ (¬1) سلف برقم (285)، انظر تخريجه هناك، وهو صحيح. (¬2) انظر ما سلف برقم (285). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (295)، قال: الحديث صحيح، لكن الصواب فيه أنه من (مسند عائشة) كما في الرواية التي قبلها وكما يأتي بعدها.

يَقُلْ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أمَرَها أَنْ تَغْتَسِلَ. وَكَذَلِكَ رَواهُ الأوزاعِيُّ أَيْضًا، قالَ فِيهِ: قالَتْ عائِشَةُ: فَكانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلاةٍ (¬1). 291 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحاقَ المُسَيَّبِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ ابن أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عائِشَةَ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ اسْتُحيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ، فَأَمَرَها رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تَغْتَسِلَ، فَكانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلاةٍ (¬2). 292 - حَدَّثَنا هَنّادُ بْنُ السَّرِيِّ، عَنْ عَبْدَةَ، عَنِ ابن إِسْحاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ اسْتُحيضَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَمَرَها بِالغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَساقَ الحَدِيثَ. قالَ أَبُو داودَ: وَرَواهُ أَبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسِيُّ -وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ- عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ كَثِيرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ قالَتِ: اسْتُحيضَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ، فَقالَ لَها النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اغْتَسِلِي لِكُلِّ صَلاةٍ"، وَساقَ الحَدِيثَ. قالَ أَبُو داودَ: وَرَواهُ عَبْدُ الصَّمَدِ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ كَثِيرٍ، قالَ: "تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلاةٍ". قالَ أَبُو داودَ: وهذا وَهَمٌ مِنْ عَبْدِ الصَّمَدِ، والقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ أَبِي الوَليدِ (¬3). 293 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن عَمْرِو بْنِ أَبِي الحَجّاجِ أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ، عَنِ الحُسَيْنِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قالَ: أَخْبَرَتْنِي زَيْنَبُ بِنْتُ أَبي سَلَمَةَ، أَنَّ امْرَأَةً كانَتْ تُهَراقُ الدَّمَ -وَكانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَها أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ وَتُصَلِّيَ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّ أُمَّ بَكْرٍ، أَخْبَرَتْهُ أَنَّ عائِشَةَ قالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ فِي المَرْأَةِ تَرَى ما يَرِيبها بَعْدَ الطُّهْرِ: "إِنما هِيَ -أَوْ قالَ: ¬

_ (¬1) سلف برقم (285)، انظر تخريجه هناك. وهو صحيح. (¬2) رواه البخاري (327). وانظر ما سلف برقم (285). (¬3) انظر السابق.

إِنَّما هُوَ- عِرْقُ -أَوْ قالَ-: عُرُوقٌ". قالَ أَبُو داودَ: وَفِي حَدِيثِ ابن عَقِيلٍ الأمرانِ جَمِيعًا، وقالَ: "إِنْ قَوِيتِ فاغْتَسِلِي لِكُلِّ صَلاةٍ، وَإلَّا فاجْمَعِي"، كَما قالَ القاسِمُ فِي حَدِيثِهِ، وَقَدْ رُوِيَ هذا القَوْلُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ وابْنِ عَبّاسٍ رضي الله عنهم (¬1). * * * باب مَنْ روَى (¬2) أَنَّ المُسْتَحَاضَةَ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلاَةٍ [288] (ثَنَا) عَبد الغَني بن رفاعَة (ابْنُ أَبِي عَقِيل) الجمحي المصري ثقة فقيه (¬3). (وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ (¬4) بن عَبد الله بن أبي فاطمة (الْمُرَادِيُّ) رَوى عنهُ مُسْلم في الإيمان (¬5) قَالاَ: ثَنَا) عَبد الله (ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الحَارِثِ، عن) محمد بن مُسْلم (ابْنِ شِهَاب، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَمْرَةَ (¬6) بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن سَعد بن زرَارة مِنْ فقهاء التابعين. (عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ خَتَنَةَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -) تقدم تفسير الختن وَضبطه وكانت (تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) أنها ¬

_ (¬1) رواه ابن الجارود في "المنتقى" (115)، والبيهقي 1/ 351. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (303)، قال: حديث صحيح، وإسناده مرسل صحيح. (¬2) في (ص، س): رأى. (¬3) "تقريب التهذيب" (4166). (¬4) في (س، ل): مسلمة. (¬5) "صحيح مسلم" (72) (126). (¬6) في (س): وغيرة.

(اسْتُحيضَتْ سَبْعَ سنِينَ فَاسْتَفْتَتْ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي ذَلِكَ) فيه مَا تقدم (فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ هذِه (¬1) لَيسَتْ بِالْحَيْضَةِ) بفتح الحَاء والكسْر (ولكن هذا عِرْقٌ فَاغْتَسِلِي) واغسلي عَنك الدم. (وَصَلِّي) كما تقَدم. (قَالَتْ عَائِشَةُ فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ فِي مِرْكَنٍ) (¬2) بِكَسْر الميم وفَتح الكاف، وهي: القصرية التي تغسل فيها الثياب كانت تقعُد فيها فَتَصُبُّ عَليها الماء من غَيرها. قاله القرطبي (¬3) (فِي حُجْرَةِ) وهي البَيت والجمع: حجر وحجرات، مثل غرفة وغرف وغرفات. (أُخْتِهَا زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ حَتَّى تَعْلُوَ حُمْرَةُ الدَّمِ المَاءَ) (¬4) يَعني: أنها كانَت تَغتسَل في القصرية التي تغسل فيها الثياب، كانت تقعُدُ فيهَا ويصُبُّ عليها الماء (¬5) من غَيرها فتستنقع فيهَا فيختلط الماء المتسَاقط عنها بالماء فَتَعلوهُ حُمرَةُ الدَّمِ (¬6) السَّائل مِنْها (¬7) فيحمرُّ الماءُ ثُمَّ إنَّهُ لا بد أن تتنظف بعد ذَلك من تلك الغسَالة المتغيرة، فتغسل خَارجهَا مَا أصَابَ رجليها من ذلك الماء المتَغَيِّر بالدَّمِ. [289] (ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِح) المصري شيخ البخاري، قال: (ثَنَا ¬

_ (¬1) في (ص): هذا، وبياض في (ل). (¬2) في (ص): مركب. وبياض في (ل). (¬3) "المفهم" 1/ 593. (¬4) تقدم تخريجه. (¬5) من (د، م). (¬6) في (م): الدائم. (¬7) في (ص، س، ل، م): عنها.

عَنْبَسَةُ، قال: ثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابن شِهَابٍ، قال: أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بهذا الحَدِيثِ، قَالَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها -: فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلاَةٍ) (¬1) قيل: إنها كانت تفعَل ذَلك احتيَاطًا وليس بواجب عليهَا. وقال الطحاوي: قيل إن حَديث أُم حَبيبة مَنسُوخ بحديث (¬2) فاطمة بنت أبي حبيش، وقيل: كانَ عند أمِّ حبيبة أَنَّها حَائض في السَّبعة الأعوَام فأمرَهَا بالغسْل من ذلك الحَيض (¬3). [290] (ثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ) بن يزيد (بْنِ عَبْدِ الله بْنِ مَوْهَب) بفتح الميم والهَاء (الْهَمْدَانِيُّ) بإسْكان الميم الرملي الزاهِد الثقة (¬4) قالَ: (حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ) محمد (بْنِ شِهَاب، عَنْ عُرْوَةَ) بن الزبير (عَنْ عَائِشَةَ بهذا الحَدِيثِ) و (قَالَ فِيهِ: فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلاَةٍ) (¬5). قالَ ابن بطال: يريد تغتسل منَ الدَّمِ الذي يُصيبُ الفَرج؛ لأن المشهور من قَول عَائشة أنها لا ترى الغسْل لكل صَلاة للمُستحاضَة، وقيل: إنَّ هذا مَنسُوخٌ بحديث (¬6) فاطمة؛ لأنَّ عَائشة أفتت بحَديث فاطمة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - وخَالفتْ حَديث أُم حَبيبة ولا يجُوز على عَائشَة ¬

_ (¬1) أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 98 من حديث عائشة عن أم حبيبة رضي الله عنها. (¬2) في (ص، ل): لحديث. (¬3) "شرح معاني الآثار": 1/ 105. (¬4) "الكاشف" 3/ 276. (¬5) أخرجه مسلم (334) (63)، والترمذي (129) من طريق الليث، وكذا النسائي 1/ 119، وقد أخرجه البخاري (327) من غير طريق الليث. (¬6) في (ص، ل): لحديث.

أن تدَع الناسخ وتفتي بالمنسُوخ (¬1). (و (¬2) قَالَ القَاسِمُ بْنُ مَبْرُورٍ) بِفَتح الميم وإسْكان البَاء الموَحَّدة الأيلي (¬3) (عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ عَمْرَةَ) بنت عَبد الرحمن (عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ جَحْشٍ) الحَديث (وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ وَرُبَّمَا قَالَ مَعْمَرٌ) مَرة (عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ) (¬4) بنت جحش (بِمَعْنَاهُ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ (¬5) بْنُ سَعْدٍ) الزهري العوفي أبو إسحَاق ببَغداد (و) سُفيان (ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ) - رضي الله عنها -. (وَقَالَ ابن عُيَينَةَ فِي حَدِيثِهِ) عن الزهري (وَلَمْ يَقُلْ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ) وكذَا قالَ اللَّيثُ بنُ سَعْدٍ في روَايتِه في "صحيح مسلم" لم يذكر ابن شهاب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمَرهَا أن تغتسل لكل صَلاة ولكنه شيء فعلته هي (¬6) وإلى هذا ذهب الجمهور قالوا: لا يجب على المستحاضة الغسل لكل صلاة إلا المتَحيِّرة لكن يجبُ عليهَا الوضوء، ويدُل عليه الروَاية المتقدمَة أنَّ أُم حبيبة استُحيضت فأمرَهَا رسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أن تنتظر أيام أقرائهَا ثم تغتَسل وتصَلي فإن رَأت شيئًا من ذلك توضأت وصَلت ¬

_ (¬1) "شرح ابن بطال": 1/ 458 - 459. (¬2) من (د). (¬3) في (م): الأبلي. (¬4) أخرجه أحمد 6/ 434. (¬5) كتب فوقها في (د): ع. (¬6) "صحيح مسلم" (334) (63).

(وَكَذَلِكَ رَوَاهُ) عَبد الرحمن (الأوزَاعِيُّ أَيْضًا) عن الزهري (¬1) و (قَالَ فِيهِ: قالت عائشة وكانت تغتسل لكل صَلاة) (¬2). قال الشافعي: وإنما كَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُل صَلاَةٍ تطوعًا (¬3)، وكذا قال الليث في روايته (¬4) لمسلم لم يَأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تغتسل لكل صَلاة ولكنه شيء فعلتهُ هي (¬5)، وكذا قال الجمهور: لا يجبُ عليها عند كل صَلاة إلَّا الوضُوء. [291] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ) بن محمد المخزُومي (الْمُسَيَّبِيُّ) بضَم الميم وفتح السِّين المهملة واليَاء المثَناة تحت المشدَّدَة وكسْر الموَحَّدة، أخرج لهُ مُسْلم. (قالَ: حَدَّثَنِي (¬6) أَبِي) (¬7) إسحَاق بن محمد المخزُومي القاري تفرَّدَ به المصَنِّف (عن) محمد بن عَبد الرحمن (ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ) عن محمد بن مُسْلم (ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ اسْتُحيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ فَأَمَرَهَا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تَغْتَسِلَ) هذا الأمر مُطلق فلا يَدُل على التكرار فلعَلهَا فهمت طلب ذلك منها بقَرينة. ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) من (د). وأخرجه النسائي 1/ 118، ابن ماجه (626)، وأحمد 6/ 83 من حديث الأوزاعي عن الزهري فذكره. (¬3) "الأم": 1/ 135. (¬4) في (ص، ر، ل): رواية. (¬5) "صحيح مسلم" (334) (63). (¬6) زاد في (م): ابن. (¬7) كتب فوقها في (د): د.

(فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلّ صَلاَةٍ) ولم يَأمرها بالغسْل لكل صَلاة، ولكنهُ شيء فعلتهُ هي من نفسهَا، أو لما فهمته على غير أصْله، ولهذا (¬1) قال الجمهُور: لا يجبُ الغسْل لكل صَلاة إلا المتحَيرة. [292] (ثَنَا هَنَّادُ) بفتح الهَاء وتشديد النون (عَنْ عَبْدَةَ) (¬2) بإسْكان الموَحَّدة، ابن سُليمان أبو محمد الكلابي (¬3) المقرئ (عَنِ) محمد (ابْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أمَّ (¬4) حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ اسْتُحيضَتْ فِي عَهْدِ النبي - صلى الله عليه وسلم - فَأَمَرَهَا بِالْغُسْلِ لِكُلِّ صَلاَةٍ) وقد طَعَن الحفاظ في هذِه الزيَادة في كونه أمَرهَا بالغسْل لكل صَلاة؛ لأن الأَثْباتَ (¬5) من أصحَاب الزهري لم يذكُروهَا وقد صَرَّحَ الليثُ كما تقدمَ عند مُسْلم بأن الزهري لم يذكرهَا. (وَسَاقَ الحَدِيثَ. وَرَوَاهُ أَبُو الوَلِيدِ) (¬6) هشَام بن عبد الملك (الطَّيَالِسِيُّ وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ كَثِيرٍ) العَبدي البَصري، أخو محمد بن كثير، وكان أكبرَ من أخيه محمد بخَمسين سنة، أخرج له الشيخان عن أخيه محمد بن كثير. و(عَنِ الزُّهْرِيِّ) عِندَ مُسْلمٍ وهذا يَرُدُّ مَا قاله النَّسَائي أنه ليسَ به بَأس ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): بهذا. (¬2) كتب فوقها في (د): ع. (¬3) في (س): الكلبي. (¬4) من (د، س). (¬5) في (ص): الإتيان. والمثبت من (د، س، ل). (¬6) كتب فوقها في (د): ع.

إلا في الزهري فإنه يخطئُ (¬1) عليه (¬2). (عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ) - رضي الله عنها - قَالَتِ (اسْتُحيضَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ - رضي الله عنها - فَقَالَ لَهَا (¬3) النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: اغْتَسِلِي لِكُلِّ صَلاَةٍ. وَسَاقَ الحَدِيثَ) المذكور. (وَرَوَاهُ عَبْدُ الصَّمَدِ) (¬4) ابن عَبد الوَارث التنوري، حَافظ حجة (¬5) (عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ كثِيرٍ) عَنِ الزُّهْرِيِّ [عن عروة] (¬6) عن عَائشة و (قَالَ) فيه: (تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلاَةٍ) وهذا الأمر مَحمُول على الندب جمعًا بينَ الروَايتَين، وقد حَمله الخَطابي (¬7) على أنها كانت متحيرة (¬8). قال ابن حجر: وفيه نظر لما تقدم أنه أمرهَا أن تنتظر أيام أقرائهَا، ولمسْلِمٍ من طريق عكرمَة في هذِه القصة فقالَ لهَا: "امكثي قَدر ما كانت تحبسك حيضتك" (¬9)، وذكر بَعض من زَعَم أنها كانت مُمَيزَة بأَنَّ قوله: "توَضَّئي لكلِّ صَلاةٍ"، أي: من الدم الذي أصابها؛ لأنَّه مِنْ إزَالة النجاسَة، وهو شَرط في صحة الصَّلاة، وكذَا قوله: "اغتسلي لكل صَلاة" يعني: من الدم الذي أصابها لإزَالة النجاسَة أيضًا. قَالَ أَبُو دَاودَ: وَ (هذا وَهَمٌ مِنْ عَبْدِ الصَّمَدِ) التنوري وَ (الْقَوْلُ) الصحيح ¬

_ (¬1) في (ص): مخطئ. (¬2) "سنن النسائي الكبرى" 2/ 266. (¬3) زاد في (ص): أن. (¬4) كتب فوقها في (د): ع. (¬5) "الكاشف" للذهبي 2/ 196. (¬6) من (د، م). (¬7) "معالم السنن" المطبوع مع "مختصر سنن أبي داود" 1/ 182 - 184. (¬8) في (ص): متميزة. (¬9) "فتح الباري": 1/ 509.

(قَوْلُ أَبِي الوَلِيدِ) الطيَالسي، عن سُليمان بن كثير. [293] (ثَنَا عَبْدُ الله (¬1) بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبِي الحَجَّاجِ) مَيْسَرة المنقري (¬2) مولاهم البَصْري المقعد (أَبُو مَعْمَرٍ) أحَد الحفاظ شيخ البخاري، قال: (ثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، عَنِ الحُسَيْنِ) بن ذكوان المعَلم العوذي من أهل البَصرة أخرج لهُ الشيخَان. (عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ) وعطَاء وغيرهما (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) عَبد الله على الأصحَ عند أهل النسَب ابن عَبد الرحمن بن عَوف الزهري. (قَالَ: أَخْبَرَتْنِي زَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ) عَبد الله بن عَبد الأسَد المخزومية رَبيبة النبي - صلى الله عليه وسلم - (أَن امْرَأَةً كَانَتْ تُهَرَاقُ) بضَمِّ التاء وفَتح الهَاء المبدلة مِن الهَمزة كما تقدم. (الدَّمَ) وهي أم حَبيبة بنت جَحش (وَكَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلّ صَلاَةٍ وَتُصَلِّيَ) فالمتحَيرَة (¬3) المُستحَاضَة تغتَسل لُكلِّ فَرضٍ إن لم تعلم انقطاع الدَّمَ في وقتٍ مُعَيَّنٍ لاحتمال انقطاع الدم فإن علمتهُ وجَبَ الغُسْل كُل يَوم فيه فقط، نَبَّهَ على ذلك النوَوي في "شرح المهَذب" (¬4) وجَزمَ به في "التحقيق" (¬5). (وَأَخْبَرَنِي) أبو سَلمة بن عَبد الرحمن (أَنَّ أُمَّ بَكْرٍ) ويقالُ: أم أبي بكر، ¬

_ (¬1) كتب فوقها في (د): ع. (¬2) في (س): المفقري. (¬3) في (س): كالمتحيرة. (¬4) "المجموع": (2/ 400). (¬5) "التحقيق" للنووي ص 128.

قالَ شَيخنا: لا يُعرَفُ حَالُهَا (¬1) (أَخْبَرَتْهُ أَنَ عَائِشَةَ قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِي المَرْأَةِ تَرَى مَا يَرِيبُهَا) بفَتح الياء أي: تَشكُّ فيه هَل هَو حَيْض أم لا، يقالُ: رَابني الشيء (¬2) يريبني إذَا شككتُ فيه. (بَعْدَ الطُّهْرِ) والنقاء (فقال: إِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ) ورواية الخَطيب "إِنَّمَا هِيَ عِرْقٌ"- أَوْ قَالَ: إِنَّمَا هُوَ (عُرُوقٌ) (¬3) فَمُهَا في أدنَى الرحم يَجري منها الدم في غَير أوقاته يحدث (¬4) ذَلك عن مَرض وفسَاد. (وَفِي حَدِيثِ) عَبد الله بن محمد (ابْنِ عَقِيلٍ) أعجَب (الأمرين) وروَاية الخَطيب الأمران (جَمِيعًا وَقَالَ) فيه: (إِنْ قَوِيتِ فَاغْتَسِلِي لِكُلِّ صَلاَةٍ) فهوَ أفضَل (وإلا) أي: فإن لم تقوي (فَاجْمَعِي) بينَ الصَّلاتين. (كَمَا قَالَ القَاسِمُ) ابن مبرُور الأيلي (فِي حَدِيثِهِ، وَقَدْ رُوِيَ هذا القَوْلُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَباسٍ رضي الله عنهما). ¬

_ (¬1) "تقريب التهذيب" (8707). (¬2) في (م): أثره. (¬3) أخرجه ابن ماجه (646)، وأحمد 6/ 71 كلاهما بشطره الثاني وأما شطره الأول فأخرجه ابن الجارود في "المنتقى" (115). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (303). (¬4) في (ص): تجدن.

113 - باب من قال تجمع بين الصلاتين وتغتسل لهما غسلا

113 - باب مَنْ قال تَجْمَعُ بيْن الصَّلاتيْن وَتَغْتسِلُ لَهُما غُسْلًا 294 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْن مُعاذٍ، حَدَّثَنا أَبِي، حَدَّثَنا شعْبَة، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ قالَتِ: اسْتُحيضَتِ امرَأَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأُمِرَتْ أَنْ تُعَجِّلَ العَصْرَ وَتُؤَخِّرَ الظُّهْرَ وَتَغْتَسِلَ لَهُما غُسْلًا، وَأَنْ تُؤَخِّرَ الَمغْرِبَ وَتُعَجِّلَ العِشاءَ وَتَغْتَسِلَ لَهُما غُسْلًا، وَتَغْتَسِلَ لِصَلاةِ الصُّبْح غُسْلًا، فَقُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَعَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقالَ: لا أُحَدِّثُكَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بشَىْءٍ (¬1). 295 - حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنِي محَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ، أَنَّ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ اسْتُحيضَتْ، فَأَتَتِ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَمَرَها أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ، فَلَمّا جَهَدَها ذَلِكَ أَمَرَها أَنْ تَجْمَعَ بَينَ الظُّهْرِ والعَصْرِ بِغُسْلٍ، والَمغْرِبِ والعِشاءِ بِغسْلٍ، وَتَغْتَسِلَ لِلصّبْح. قالَ أَبو داودَ: وَرَواهُ ابن عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ أمْرَأَة اسْتُحيضَتْ، فَسَأَلتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَمَرَها، بِمَعْناهُ (¬2). 296 - حَدَّثَنا وَهْبٌ بْنُ بَقِيَّةَ، أَخْبَرَنا خالِدٌ، عَنْ سُهَيْلٍ -يَعْنِي: ابن أَبِي صالِحٍ- عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَسْماءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، قالَتْ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ فاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ اسْتُحيضَتْ مُنْذُ كَذا وَكَذا فَلَمْ تُصَلِّ. فَقالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "سُبْحانَ الله، إِنَّ هذا مِنَ الشَّيطانِ، لِتَجْلِسْ فِي مِرْكَنٍ، فَإِذا رَأَتْ صُفْرَةً فَوْقَ الماءِ، فَلْتَغْتَسِلْ لِلظُّهْرِ والعَصْرِ غُسْلًا واحدًا، وَتَغْتَسِلْ لِلْمَغْرِبِ والعِشاءِ غُسْلًا واحدًا، وَتَغْتَسِلْ لِلْفَجْرِ غُسْلًا واحدًا وَتَتَوَضَّأ فِيما بَيْنَ ذَلِكَ". ¬

_ (¬1) رواه النسائي 1/ 122، 184، وأحمد 6/ 172، والدارمي (777). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (306). (¬2) رواه أحمد 6/ 119، 139، والدارمي (812). وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (51).

قالَ أَبُو داودَ: رَواهُ مُجاهِدٌ، عَنِ ابن عَبّاسٍ: لمَّا اشْتَدَّ عَلَيْها الغسْل أَمَرَها أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ. قالَ أَبُو داودَ: وَرَواهُ إِبْراهِيمُ، عَنِ ابن عَبّاسٍ، وَهُوَ قَوْل إِبْراهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ شَدّادٍ (¬1). * * * باب من قال تجمع بين الصلاتين وتغتسل لهما غسلًا [294] (ثَنَا) عبيد الله (¬2) (بْنُ مُعَاذٍ، قال: ثَنَا أَبِي) وهوَ معَاذ بن معَاذ العنبري أحَد الأعلام، قال (ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ) بن محمد. (عَنْ أَبِيهِ) القَاسِم بن محَمد بن الصديق (عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتِ: اسْتُحيضَتِ امْرَأَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -) تقدم أن المُستَحاضَات التي كنَّ على عهد النَّبي - صلى الله عليه وسلم - خمس، والظاهر أن المراد هنَا حمنة بنت جحش كما تقدم في حَديثها. (فَأُمِرَتْ أَنْ تُعَجِّلَ العَصْرَ) يحتمل أن يرادَ به في أول وَقتهَا (وَتُؤَخِّرَ الظُّهْرَ) إلى آخِر وَقتها وهوَ مصيرُ (¬3) الظل مثله (وَتَغْتَسِلَ لَهُمَا (¬4) غُسْلًا) ¬

_ (¬1) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 101، والطبراني 24/ 139 (370)، والدارقطني 1/ 216، والحاكم 1/ 174. وانظر ما سلف برقم (281). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (308). (¬2) في (ص، د، س، ل) عبد الله. (¬3) في (ص): يصير. (¬4) في (ص، م): لها.

واحدًا، كذَا للنسَائي. (و) أمرَت (أَنْ تُؤَخِّرَ المَغْرِبَ) أي: إلى (¬1) آخر وقتها، وهذا يدُل على أن المغرب لهَا وقتان وهو القول القديم للشافعي الذي قالهُ النوَوي أنهُ أظهر القَولين للأحَاديث الصَّحيحة في مُسْلم وغَيره، وهذِه المسألة مما يفتى فيهَا على القديم (¬2). (وَتُعَجِّلَ (¬3) العِشَاءَ) في أول وقتها وهوَ مَغيب الشفق الأحمر وهذا صَريح فيما بوبَ عليه المصَنف أن المُستحاضة تجمَع بَيْنَ الصلاتين بغسل واحد وكذَا بوضُوءٍ واحد كما تقدم في البَاب قبله مَبسُوطًا. (وَتَغْتَسِلَ لَهُمَا غُسْلًا) واحدًا وكذَا تجمَع بينَ الصَّلاتين بوضوء واحد قياسًا على الغسْل. (وَتَغْتَسِلَ لِصَلاَةِ الصُّبْح غُسْلًا) واحدًا؛ لأن الصبح لا تجمع إلى مَا قبلهَا ولا إلى مَا بعدهَا قال شعبة: (فَقُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن القَاسم أترويه وتسنده (¬4) (عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: لاَ أُحَدِّثُكَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِشَيءٍ) هَكذا رَوَاهُ النسَائي إلا أنه زَاد بعد قوله على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - قيل لها: إنهُ عرق عاند، وَلَم يذكر فيه سُؤَال شعبة لعَبْد الرحمن وجوابه (¬5) بأني لا أحدثك عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بِشيء، وعَاند بالنون قبَل الدال يُقَال: عندَ ¬

_ (¬1) من (د، س، م). (¬2) "المجموع" 3/ 30. (¬3) في (س): وتؤخر. (¬4) في (ص): وبسنده. وفي (م): بسنده. (¬5) في (ص): وتجويزه. وفي (م): لجوابه، وفي (س): بجوابه، والمثبت من (د).

العرق فهوَ عَانِد إذَا سَال دمه ولم ينقَطع. [295] (ثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ يَحْيَى) أبو الأصبَغ الحَراني ثقَة (¬1) (قال: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سلمة (¬2) بن عبد الله البَاهِلي عَالم لهُ فضل وروَاية وفتوى أخرَجَ لهُ مُسْلم والأربعَة. (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ) ابن يسار المطلبي مَولاَهُم المدَني صَاحب "المغازي" أخرجَ له مسلمَ في مَوَاضع. (عَنْ عبد الرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ) القاسِم بن محَمد بن الصّديق. (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ سَهْلَةَ) بفتح السِّين المهمَلة وإسْكان الهَاء (بِنْتَ سُهَيلٍ) بضَمِّ السِّين المهملة مُصَغر ابن عمرو القرشية العَامرية، وهي امرأة أبي حُذيفة بن عتَيبة بفتح المثناة فوق مُصَغر (¬3) بن رَبيعَة، رَوَت عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - الرخصة (¬4) في رضَاع الكبير (¬5)، وأمهَا فاطمة بنت عَبد العزي. ولدت لأبي حذيفة: محمدًا، ولعبْد الله بن الأسود: سليطًا، ولشماخ (¬6): بكيرًا، وولدت لعَبْد الرحمَن بن عَوف: سَالم بن عبَد الرحمَن بن (¬7) عَوف (اسْتُحيضَتْ فَأَتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -) فسَألتهُ (فَأَمَرَهَا ¬

_ (¬1) "الكاشف" 2/ 203. (¬2) في (ص، س): مسلمة. (¬3) كذا في جميع النسخ، وهو خطأ، أنما الصواب: عتبة. مكبر، كما في ترجمته. انظر: "معرفة الصحابة" لأبي نعيم 5/ 2859، "الاستيعاب" 4/ 1631. (¬4) من (د). (¬5) أخرجه مسلم (1453). (¬6) في (ص، س): سماع. (¬7) من (د، س، م).

أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ) هذا الأمر يحمَل على النَّدْب جمعًا بينَ الروَايتَين: هذِه الروَاية وروَاية عكرمة المتقدمَة: أن أُم حَبيبة استحيُضت فأمَرهَا رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تنتظر أيام أقرائِهَا، ثم تَغتَسل وتصَلي، فإن رَأَت شيئًا من ذلك توضأت وصَلت (¬1)، وقد حَمله الخطابي على أنها كانت مُتحيرة، وَفيه نظر كما تقدم (¬2). (فَلَمَّا جَهَدَهَا) يُقالُ جَهِدَ الرجُل إذا وَجَد مَشقة، وكذلك المرأة، ومنهُ الحديث: "أعوذُ بِكَ مِن جَهد البَلاء" (¬3) أي الحَالة الشاقة. (ذَلِكَ) أي أمرُ ذلك الدم الذي كثر عليها (أَمَرَهَا أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ) جَمع تأخير، وفيه أن الجمع لا يجوز إلَّا عِندَ وجود المشقة كما في عُذر المطَر والمرض ونحَو ذلك كما تقدم (بِغُسْلٍ) واحد وكذا تجمع بوضوء وَاحد قياسًا عليه كما تقدم (و) تجمَع بَين (الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ) أي: تجمع بينَ الصَّلاتين (بِغُسْلٍ) واحد. (وَتَغْتَسِلَ لِلصُّبْح) أي لصَلاة الفجر؛ لأنها لا تجمع (وَرَوَاهُ) سُفيَان (ابْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ) القاسم بن محمد، عَن عَائشة (أَنَّ امْرَأَةً اسْتُحيضَتْ فَسَأَلَتْ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأَمَرَهَا) أن تغتَسل الحَدِيث (بِمَعْنَاهُ) (¬4). ¬

_ (¬1) تقدم. (¬2) "معالم السنن" المطبوع مع "سنن أبي داود" للخطابي 1/ 182 - 184. (¬3) أخرجه البخاري (6347)، ومسلم (2707) وغيرهما من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. (¬4) أخرجه أحمد 6/ 119، والنسائي 1/ 112، 184، والدارمي (776) والحديث صحيح دون تسمية المستحاضة. انظر "ضعيف سنن أبي داود" اهـ.

[296] (ثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ) بفتح الموَحدة أوله، الوَاسطى شَيخ مُسْلم. (قَالَ: أَنَا خَالِدٌ) (¬1) بن عبَد الله الوَاسِطي الطحان (عَنْ سُهَيْلٍ) بالتصغير (ابْنَ أَبِي صَالِحٍ) ذكوان (عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ) ابن معد بإسْكان العَين كما ذكرهُ ابن حَبيب وهذا الذي قدمَهُ في "الاستيعاب" قال: وَقيل هي أسَماء بنت عميس بن مَالك بن النعمان وأُمهَا هند بنت عَوف بن زهير، وهي أُخت مَيمونة زَوْج النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، وأخت لبابة أم الفضل زَوْجَة العبَاس، وقيلَ: هنَّ عَشر أخوَات، وكانت أسماء بنت عميس منَ المهَاجِرَات إلى أرض الحبَشَة معَ زوْجهَا جَعْفَر بن أبي طَالب فوَلدَت لهُ هُنَاك مُحمدًا وعبد الله وعونًا (¬2). (قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ الله إِنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيشٍ اسْتُحيضَتْ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا فَلَمْ تُصَلِّ) فيه أنه (¬3) كانَ مَشهورًا بينهَن مَعْلُومًا أن المُستحاضة تترك الصَّلاة. (فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: سبحان الله) استحْيَا (¬4) وَأعرض، فيه دلالة على التسبيح عند التعَجب، ومعنَاهُ هُنَا كيف يخفَى نحو (¬5) هذا الظاهِر الذي لا يحتَاج في فهمه إلى فكر؟ وفَيه حُسْن خُلقه - صلى الله عليه وسلم - وعِظَم حَيَائِه، إِنَّ (هذا) ¬

_ (¬1) كتب فوقها في (د): ع. (¬2) في (ص): عوفًا. (¬3) في (ص، س): أن. (¬4) في (س): استحباب. (¬5) من (س).

ركضة (مِنَ) ركضَات (الشَّيطَانِ) وتحريكه (لِتَجْلِسْ) مَجْزوم بلام الأمر يَعني: المُستحاضة. (فِي مِرْكَنٍ (¬1) بكَسْر الميم كما تقدَّمَ، وهوَ الإِناء الذي تُغسل فيه الثياب (فَإِذَا رَأَتْ صُفارَةً) بضَم الصَّاد وتخفيف الفاء لغة في الصفرة، وفي بَعض النسَخ: "فإذا رَأت صُفرة" (فَوْقَ المَاءِ) وهو كنَايَة عَن الاسْتحاضَة، يعني (¬2): إذا رَأت صُفرة على الماء الذي في المركن كدَم العُصْفر وهي فيه (فَلْتَغْتَسِلْ لِلطهْرِ وَالْعَصْرِ غُسْلًا وَاحدًا) وتصليهما (¬3) جَمعًا (وَتَغْتَسِلْ) بالجَزم (لِلْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ غُسْلًا وَاحدًا) وظاهِر إطلاق الحَدِيث يقتضي أنَّ دَم الاستحاضَة لو انقَطع قَبلَ دُخُول وقت الثانيَة، أو فيما بَيْنَ الصَّلاتين، أنه تجوز الصَّلاة الثَانيَة بالغسْل الأول، وهوَ قول العراقيين في الجمع تقديمًا للمطَر. وقالَ في "التهذيب": إذا انقطَع قبل دُخول وقت الثانية لَم يَجُز الجمع، وتصَلي الأولى في آخِر وَقتها (¬4). وهوَ ظَاهِر؛ لأنه مَا جَازَ الجمع إلا لِضرورة الاستحَاضَة، فإذَا زالَت الضَّرُورَة، وهي السَّبب انتفى المسبب، كالمسَافِر إذا أَخَّر بنية الجمع ثم أقامَ، وعلَّة (¬5) قول العراقيين أنهُ إذا آخر بنية الجَمع فقد لزمه الجمع بالضرورة، فلا ¬

_ (¬1) في (ص): مركب. وبياض في (ل). (¬2) في (ص، س، ل): حتى. (¬3) في (ص، ل): تصليها. (¬4) "المجموع" 4/ 383. (¬5) في (س): وعليه.

تتغير (¬1) حَاله (وَتَغْتَسِلْ) بالجزم. (لِلْفَجْرِ غُسْلًا وَاحدًا وَتَوَضَّأْ (¬2) فِيمَا بَينَ ذَلِكَ) (¬3) أي فيما بَينَ الصَّلاتين؛ لأنها تتوضأ لِكل صَلاة فرض، وكذَا للنذر على المذهَب. (ورَوَاهُ مُجَاهِدٌ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ) أنه (لَمَّا اشْتَدَّ عَلَيهَا الغُسْلُ) وحَصَلت المشقة بتكرر الاغتسَال (أَمَرَهَا أَنْ تَجْمَعَ بَينَ الصَّلاَتيْنِ) (¬4) المفرُوضَتَين بغسل واحد. (وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ) بن عَبد الله، أخرَجَ له مُسْلم (¬5) (عَنِ ابن عَبَّاسٍ) (¬6) - رضي الله عنهما - (وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَعَبْدِ الله بْنِ شَدَّادٍ) بن الهَاد؛ لأنه كانَ يُوقد نارهُ لَيْلًا للأضيَاف. ¬

_ (¬1) في (س): يتعيَّن. (¬2) يعني: وتتوضَّأ. حذف التاء الأولى تخفيفًا. (¬3) أخرجه الحاكم في "المستدرك" 1/ 174، وقال: على شرط مسلم، والدارقطني في "سننه" 1/ 215 وصححه الألباني كذلك على شرط مسلم. (¬4) أخرجه الدارمي في "سننه" (903)، والطحاوي في "معاني الآثار" 1/ 101 من حديث مجاهد بنحوه. وأخرجاه أيضًا الدارمي (902)، والطحاوي 1/ 99 من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (278). (¬5) كذا قال الشارح -رحمه الله-، وهذا خطأ إنما المراد إبراهيم بن يزيد النخعي. (¬6) أخرجه ابن الجعد في "مسنده" (115).

114 - باب من قال: تغتسل من طهر إلى طهر

114 - باب مَنْ قالَ: تَغْتَسِلُ مَنْ طُهْرٍ إِلَى طُهْرٍ 297 - حَدَّثَنا محَمَّد بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زِيادٍ، قالَ: أَنْبَأَنا (ح) وَأَخْبَرَنا عُثْمان بْن أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي اليَقْظانِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في المُسْتَحاضَةِ: "تَدَع الصَّلاةَ أَيّامَ أَقْرائِها، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي، والوضُوءُ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ". قالَ أَبُو داودَ: زادَ عُثْمان: "وَتَصُومُ وَتُصَلِّي" (¬1). 298 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثابِتٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: جاءَتْ فاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرَ خَبَرَها، وقالَ: "ثُمَّ اغْتَسِلِي، ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلاةٍ وَصَلِّي" (¬2). 299 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ سِنانٍ القَطّانُ الواسِطِيُّ، حَدَّثَنا يَزِيدُ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي مِسْكِينٍ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ، عَنْ عائِشَةَ في المُسْتَحاضَةِ تَغْتَسِلُ -تَعْنِي مَرَّةً واحدَةً- ثُمَّ تَوَضَّأُ إِلَى أَيّامِ أَقْرائِها (¬3). 300 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن سِنانٍ القَطّان الواسِطِيُّ، حَدَّثَنا يَزِيدُ، عَنْ أَيُّوبَ أَبِي العَلاءِ، عَنِ ابن شبْرُمَةَ، عَنِ امْرَأَةِ مَسْرُوقٍ، عَنْ عائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَهُ. قالَ أَبُو داودَ: وَحَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ ثابِتٍ والأعمَشِ، عَنْ حَبِيبٍ وَأَيُّوبَ أَبِي العَلاءِ، كُلُّها ضَعِيفَةٌ لا ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (126، 127)، وابن ماجه (625). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (312). (¬2) رواه ابن ماجه (624)، وأحمد 6/ 42. وأصل الحديث عند البخاري (228)، ومسلم (333)، انظر ما سلف برقم (282). (¬3) رواه عبد الرزاق 1/ 304 (1170)، ورواه البيهقي 1/ 346 من طريق أبي داود. وانظر ما بعده. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (314)، قال: حديث صحيح موقوف.

تَصِحُّ، وَدَلَّ عَلَى ضَعْفِ حَدِيثِ الأعمَشِ عَنْ حَبِيبٍ هذا الحَدِيثُ أَوْقَفَهُ حَفْصُ بْنُ غِياثٍ، عَنِ الأعْمَشِ، وَأَنْكَرَ حَفْصُ بْنُ غِياثٍ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ حَبِيبٍ مَرْفُوعًا، وَأَوْقَفَهُ أَيْضًا أَسْباطٌ، عَنِ الأعْمَشِ، مَوْقوفٌ عَنْ عائِشَةَ. قالَ أَبُو داودَ: وَرَواهُ ابن داودَ، عَنِ الأعمَشِ مَرْفوعًا أَوَّلُهُ، وَأَنْكَرَ أَنْ يَكونَ فِيهِ الوضُوءُ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ، وَدَلَّ عَلَى ضَعْفِ حَدِيثِ حَبِيبٍ هذا أَنَّ رِوايَةَ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: فَكانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلاةٍ. فِي حَدِيثِ المُسْتَحاضَةِ، وَرَوَى أبُو اليَقْظانِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه -، وَعَمّارٌ مَوْلَى بَنِي هاشِمٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ، وَرَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ، وَبَيانٌ، والمُغِيرَةُ، وَفِراسٌ، وَمُجالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ حَدِيثِ قَمِيرَ، عَنْ عائِشَةَ: "تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلاةٍ"، وَرِوايَةُ داودَ وَعاصِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ قَمِيرَ، عَنْ عائِشَةَ: "تَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً"، وَرَوَى هِشامُ بْن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: المُسْتَحاضَةُ تَتَوَضَّأ لِكلِّ صَلاةٍ. وهذِه الأحَادِيثُ كُلُّها ضَعِيفَةٌ، إلَّا حَدِيثَ قَمِيرَ، وَحَدِيثَ عَمّارٍ مَوْلَى بَنِي هاشِمٍ، وَحَدِيثَ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، والمَعْرُوفُ عَنِ ابن عَبّاسٍ الغُسْلُ (¬1). * * * باب من قال تغتسل من طهر إلى طهر [297] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زِيَادٍ) أبو عمْران الوركاني (¬2) شيخ مُسْلم (قَالَ: أَنَا [ح] وثنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، قال: ثَنَا شَرِيكٌ) بن عبَد الله بْن أبي شريك النخعي (¬3) الكوفي القَاضي أدرَك زمَن (¬4) عمَر ¬

_ (¬1) انظر السابق. (¬2) في (ص): الوركامي، وفي (س): الوركافي، وفي (د) الوزباكي. (¬3) في (ص): الضبعي. (¬4) في (م): آخر.

ابن عَبد العَزيز، استشهدَ به البخَاري في "الجَامع" ورَوَى له في "رَفع اليدَين في الصَّلاة" [وروى له مسلم] (¬1) في المتابعات (¬2). (عَنْ أَبِي اليَقْظَانِ) (¬3) بإسْكان القَاف عُثمان بن عمَير البجَلي الكوفي قيل كانَ شيعيًّا (عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ) ثابت (عَنْ جَدِّهِ) قَال يحيى بن معين: جَده اسْمه دينَار (¬4)، وقيل: إن جَده عَبد الله بن يَزيد الخطمي (¬5)، وقال غَير يحيى: اسْمه قيس بن يزيد الخطمي. قال المنذري: قيل لا يعْلم جَده (¬6) (عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال فِي المُسْتَحَاضَةِ) فإن قلتَ: الاسْتحَاضَة من خَصائص النسَاء فلم لحقَهُ تاء التأنيث؟ الجوَاب للإشعار بأن الاسْتحاضة حَاصلة لهَا بالفعل يَعني أنها كانت في حَال الاستحاضَة لا أن مِنْ شَأنها الاسْتحاضة، أو أن التَّاء لنقل اللفظ من الوَصْفِية إلى الاسميَّة. (تَدَعُ الصَّلاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا) فَوَكل (¬7) ذَلك إلى أمانتهَا ورَدَّهُ إلى عَادَة قُرئِها، وذلكَ يختلف باختلاف الأشخَاص (¬8). والأقراء: جمَع قُرء وهوَ الحَيض، وهو قول الثوري (¬9)، وقال ¬

_ (¬1) من (د، م). (¬2) في (ص، س، ل): المبايعات. (¬3) في (ص): اليقضان. وبياض في (ل) وكتب فوقها في (د): ت ق. (¬4) "تاريخ ابن معين" روتية الدوري 3/ 7 (23). (¬5) انظر: "تهذيب الكمال" 4/ 386. (¬6) "مختصر المنذري" 1/ 191. (¬7) في (ص، ل): هو كل. وفي (س) هو، ومشتبهة في (م). (¬8) في (م): الاستحاض. (¬9) "المغني" 11/ 200.

الشافِعي: القرء الطهر، وأقله خمسَة عَشر يَومًا، وأقَل الحَيض يَومٌ وليلة (¬1)، فتنقضي عنده (¬2) الأقراء الثلاثة في اثنين وثلاثين يوَمًا ولحظتين، وهوَ موافق لما روى الدارمي (¬3) قال: ثنا يعلى بن عبيد (¬4)، ثنا إسماعَيل بن أبي خالد، عَن عامِر -هو الشعبي- قال: جَاءت امرأة إلى عليٍّ (¬5) تخاصِمُ زَوْجَهَا طَلقها فقَالَت: حضت في شهر ثلاث حيَض. فقال عَليٌّ لشريح: اقضِ بَينهما. قالَ: يا أمير المؤمنين وأنتَ هَاهُنا. قالَ: اقض بَينهما. قال: إن جَاءت من بطانة أهْلهَا مِمَّنْ يُرضى دينُه وأمَانتُه تزعم (¬6) أنها حَاضت ثلاث حيَض تطهُر عند كل قرء وتصلي جَاز لهَا وإلا فلا. قال عَلي: قالون. قال: وقالون بلسَان الروم: أحْسَنت (¬7). وهذا الأثر وصَلَهُ عَبْدُ الرزَّاق، وكذَا قالَ عَطَاء يُعتَبر في أقرائهَا عَادَتها قَبل الطلاَق، وكذَا عَادتها في الحَيْض، وإليه الإشارة بِقَوله: "أيام أقرائهَا" بالمد جمع قرء، وقالَ إبراهيمُ النخعي بما (¬8) قال به عَطاء (¬9). ¬

_ (¬1) "الأم" 5/ 303. (¬2) في (ص، س، ل): عدة. (¬3) في (ص): إلا أرمى. (¬4) في (س): عبد. (¬5) من (د، م)، و"سنن الدارمي". (¬6) في (م): فزعم. والدارمي: تزعم. (¬7) "سنن الدارمي" 855. (¬8) في (ص، س، ل): كما. (¬9) انظر: "فتح الباري" 1/ 506.

(ثُمَّ تَغْتَسِلُ) بعد غسْل فرَجهَا للطهَارة عَن النجَاسَة وتعصبه (¬1) إذا كثر الدم (وَتُصَلِّي و) يجب (الْوضُوءُ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ) فَرض، ولهَا مَعَ الفريضَة نوَافل في الوَقت في الأصح، ويَكون الوضوء وقت الصَّلاة كالتَيمم، ويَكون ذلك عَقِبَ طَهَارة الفرج وتبَادر بالصَّلاة، فلوَ أخَّرت لمَصْلحَة الصلاة كَستر وانتظار (¬2) جَمَاعَة لم تضر على الأصَح. (زَادَ عُثْمَانُ) ابن أبي شَيبة (وَتَصُومُ) أي بَعد أيام أقرائهَا وإن لم تغتسل (¬3) بخلاف الصَّلاة فإنهَا [لا تصلي حَتى تغتسل] (¬4) (وَتُصَلِّي) (¬5) أي: تبادر للصَّلاة تقليلًا للحَدث. [298] (ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، قال: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ حَبِيبِ (¬6) بْنِ أَبِي ثَابِتٍ) الأسدي كانَ ثقة مفتيًا مُجتهدًا (¬7) (عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيشٍ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكرَ خَبَرَهَا) المذكور (وَقَالَ) فيه (ثُمَّ اغْتَسِلِي [ثمَّ صلِّي] (¬8) ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلاَةٍ وَصَلِّي) (¬9) كما تقدمَ قريبًا. ¬

_ (¬1) في (ص): بعضه. (¬2) في (ص، ل): انتضار. (¬3) في (ص): تغسل. (¬4) في (م): تغتسل حتى تصلي. (¬5) أخرجه الترمذي (126)، وابن ماجه (625)، والدارمي في "سننه" (793)، وقد ضعفه أبو داود كما سيأتي وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (312). (¬6) كتب فوقها في (د): ع. (¬7) "الكاشف" 1/ 20. (¬8) سقط من (د). (¬9) تقدَّم.

[299] (ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ) (¬1) أبو جَعفر (الْقَطَّانُ الوَاسِطِيُّ) الحَافظ شيخ الشَيخين (قالَ: ثَنَا يَزِيدُ) بن هَارُون بن زاذان أبو خالد السلمي، أحَد الأعلام. (عَنْ أَيُّوبَ (¬2) بْنِ أَبِي مِسْكِينٍ) وفي "الكاشف" أيوب بن مسكين (¬3)، أبو العَلاء القَصَّابُ التميمي (عَنِ الحَجَّاجِ)، وفي نُسخة الخَطيب الحَجاج بن أرطاة الكوفي. (عَنْ أُمِّ كلْثُومٍ (¬4)، عَنْ عَائِشَةَ فِي المُسْتَحَاضَةِ تَغْتَسِلُ -يَعْنِي مَرَّةً وَاحدَةً-) إذا رَأت الطهر ثم عَاوَدَهَا الدم (ثُمَّ تَوَضَّأُ) وتصلى الصَّلوات (إِلَى أَيَّامِ أَقْرَائِهَا) (¬5) فَتَدَع الصَّلاة، كما تقدم. [300] (ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ) الوَاسِطِيُّ (قال: ثَنَا يَزِيدُ) بن هَارُون (عَنْ أَيُّوبَ أَبِي العَلاَءِ) القصَّاب (عَنِ) عَبد الله (بْنِ شُبْرُمَةَ) بِضَم الشِّين والراء، واحدة الشبرم، وهوَ حَبٌّ شَبيه بالحمص، والشبرم أيضًا: القصير مِنَ الرجَال والبخيل. الضبيِّ قاضي الكوفة وعالمهَا تَابِعي وثقَهُ أحمد وأبو حَاتم (¬6) (عَنِ امْرَأَةِ مَسْرُوقٍ) وهي قَمير بفَتح القَاف كما تقدم (عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَهُ) كما تقدَّم. ¬

_ (¬1) في (س): سفيان. (¬2) كتب فوقها في (د): د س. (¬3) "الكاشف" 1/ 262. (¬4) كتب فوقها في (د): د. (¬5) انفرد به المصنف، وصححه الألباني موقوفًا، انظر "صحيح أبي داود" (314). (¬6) الجرح والتعديل: 5/ 82.

(قَالَ أَبُو دَاودَ: وَحَدِيثُ) [حديث مفرد. بمعنى الجمع، أي: أحاديث] (¬1) (عَدِيِّ [بن) أبان بن (ثابت) فنسب إلى جده وأبان لا يعرف] (¬2) (هذا) المذكور (وَالأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبٍ) بن أبي ثابت (وَأَيُّوبَ) ابن أبي مسْكين (أَبِي العَلَاءِ (¬3) كُلُّهَا) بالرَّفع (¬4) (ضَعِيفَةٌ لَا يَصِحُّ منها شيء وَ) مما (دَلَّ عَلَى ضَعْفِ حَدِيثِ الأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيب) (¬5) بن أبي ثابت أنَّ (¬6) الحَدِيث (أَوْقَفَهُ) والموقوف عند المُحَدِّثين مَا [قصر به] (¬7) على واحد مِن الصَّحابة قولًا له أو فعْلًا ولم يتجاوز به إلى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - (حَفْصُ) بْنُ غِيَاثٍ (وَأَنْكَرَ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ حَبِيبٍ مَرْفُوعًا) إلى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - (وَأَوْقَفَهُ (¬8) أَيْضًا أَسْبَاطٌ) (¬9) ابن محَمد القرشي مَوْلاَهم. (عَنِ الأَعْمَشِ) وهوَ (مَوْقُوفٌ، عَنْ (¬10) عَائِشَةَ) لم يتجاوز به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - (وَرَوَاهُ) عبَد الله (بنَ داود) الخريبي والخريبة من البصرة أخرجَ له البخاري في مَوَاضِع. ¬

_ (¬1) تقدمت هذه العبارة في (ص، س، ل، م). قبل (عن عائشة. .). (¬2) في (ص، س، ل، م): بن ثابت. (¬3) زاد في (ص): بن، وبياض في (ل). (¬4) سقط من (م). (¬5) في (س): جبير. (¬6) في (ص، س): هذا. (¬7) في (ل): قصرته. (¬8) في (د): وافقه، وبياض في (ل). (¬9) كتب فوقها في (د): ع. (¬10) ضرب عليها في (ص) وبياض في (ل). وكتب فوقها: (على).

(عَنِ الأَعْمَشِ مَرْفُوعًا) والمرفوع عندَ المحَدِّثين ما أُضيف إلى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قولًا لهُ أو فعلًا سَوَاء أضَافَهُ إليه صَحَابِي أو تابعي أو من بَعْدهما. (أَوَّلُهُ، وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الوضُوءُ) أي الأمر بالوضوء (عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ) كما تقدم. (وَدَلَّ عَلَى ضَعْفِ حَدِيثِ حَبِيب هذا أَنَّ رِوَايَةَ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: وَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلاَةٍ. فِي حَدِيثِ المُسْتَحَاضَةِ وَرَوَى أَبُو اليَقْظَانِ) عُثمان بن عُمير (عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ، وَعَمَّارٌ) ابن أبي عَمار (مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ) أخَرَجَ له مُسْلم والأربعَة. (عَنِ ابن عَبَّاسٍ) رضي الله عنهما (وَرَوَى عَبْدُ المَلِكِ (¬1) بْنُ مَيسَرَةَ) الهلالي الكوفي الزرَّاد (¬2) (وَبَيَانٌ) بفتح البَاء المُوحَّدة وتخفيف اليَاء المثناة تحت ابن بِشر المُؤَدِّب (¬3) (وَمُغِيرَةُ) ابن شبيل الأحمسي (وَفِرَاش) (¬4) بكسْر الفاء وبعَد الألف سين مُهملَة ابن يَحْيَى الهمْدَاني الكوفي المكتِّب صَاحب الشعبي (وَمُجَالِدٌ) بِضَم الميمَ وتخفيف الجِيم ابن سَعيد الهمدَاني كوفي وثقه النسَائي في إحدي الروَايتين (¬5). توفي سنة 144. (عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ) حديث (¬6) (قَمِيرَ) بفتح القاف امرأة مَسْرُوق كما ¬

_ (¬1) كتب فوقها في (د): ع. (¬2) في (ص، ل): الرياد وسقط من (س). (¬3) في (م): المؤذِّن. (¬4) كتب فوقها في (د): ع. (¬5) "تهذيب الكمال": 27/ 223. (¬6) في (ص): جد بن، وبياض في (ل).

تقدم (عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - توضئي (¬1) لِكُلِّ صَلاَةٍ). (وَروَاية (¬2) دَاودَ) بن أبي هند (وَعَاصِمٍ) بن سُليمَان الأحول (عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ قَمِيرَ، عَنْ عَائِشَةَ) [أنهَا كانت] (¬3) (تَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً) وقد يحمل هذا على أنهَا كانت متحيرَة. قال النوَوي: قال أصْحَابنَا: إنْ عَلمَتْ وقت انقطاع الحَيْض بأن قالت: أعلَم أن حيضتي [كانت تنقطع] (¬4) مَعَ غروب الشمس لَزمَهَا الغسْل كل يوم مَرة عَقب غروب الشمس وليْس عليْهَا في اليَوْم والليْلة غسْل سَواه، وَتصَلى بذَلك الغسْل المغرب، وتتوضأ لما سِوَاهَا مِنَ الصَّلوَات؛ لأن الانقطاع عِندَ كُل مَغرْب مُحتَمل، ولا يحتَمل فيمَا سوَاهَا (¬5). (وَرَوَى هِشَامُ بن (¬6) عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ) عروة بن الزبَير عَن عَائشَة (الْمُسْتَحَاضَةُ تتوضأ (¬7) لِكُلِّ صَلاَةٍ) كما تقدم (وهذِه الأَحَادِيثُ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ إلَّا حَدِيثَ قَمِيرَ) امرأة مَسْرُوق (وَحَدِيثَ عَمَّارٍ) بن أبي عَمار (مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَحَدِيثَ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ) عَن عَائشة - رضي الله عنها - (وَالْمَعْرُوفُ عَنِ ابن عَبَّاسٍ الغُسْلُ لِكُلِّ صَلاَة) كما تقدم. * * * ¬

_ (¬1) في (ص): توضَّأ، وفي (د): أنها كانت تتوضأ. وبياض في (ل). (¬2) بياض في (ل). (¬3) سقط من (د). وكتب في (م): تغتسل كل يوم مرة، أي: أنها كانت. (¬4) في (ص، س، ل): كان ينقطع. وفي (م): كانت. (¬5) "المجموع": 2/ 442. (¬6) في (ص): عن. (¬7) في (ص، م): توضأ.

115 - باب من قال: تغتسل من ظهر إلى ظهر

115 - باب مَنْ قالَ: تَغْتسِلُ مَنْ ظُهْرٍ إِلَى ظُهْرٍ 301 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أبِي بَكْرٍ، أَنَّ القَعْقاعَ وَزَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ أَرْسَلاهُ إِلَى سَعِيدِ بْنِ المسَيَّبِ يَسْأَلهُ: كَيْفَ تَغْتَسِلُ المُسْتَحاضَة؟ فَقالَ: تَغْتَسِل مِنْ ظُهْرٍ إِلَى ظُهْرٍ، وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاةٍ، فَإِنْ غَلَبَها الدَّمُ اسْتَثْفَرَتْ بِثَوْبٍ. قالَ أبُو داودَ: وَرُوِيَ عَنِ ابن عُمَرَ، وَأَنَسِ بْنِ مالِكٍ: تَغْتَسِلُ مِنْ ظُهْرٍ إِلَى ظُهْرٍ. وَكَذَلِكَ رَوَى داودُ وَعاصِمٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ اَمْرَأَتِهِ، عَنْ قَمِيرَ، عَنْ عائِشَةَ، إلَّا أَنَّ داودَ قالَ: كُلَّ يَوْمٍ. وَفِي حَدِيثِ عاصِمٍ: عِنْدَ الظُّهْرِ. وَهُوَ قَوْلُ سالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ والَحسَنِ وَعَطَاءٍ. قالَ أبُو داودَ: قالَ مالِكٌ: إنِّي لأظُنُّ حَدِيثَ ابن المُسَيَّبِ: مِنْ طُهْرٍ إِلَى طُهْرٍ. فَقَلَبَها النّاسُ: مِنْ ظُهْرٍ إِلَى ظُهْرٍ. ولكن الوَهَمَ دَخَلَ فِيهِ، وَرَواهُ الِمسْوَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ، قالَ فِيهِ: مِنْ طهْرٍ إِلَى طُهْرٍ. فَقَلَبَها النّاسُ: مِنْ ظُهْرٍ إِلَى ظُهْرٍ (¬1). * * * باب مَنْ قَالَ تَغتَسِلُ مَنْ ظُهْرٍ إِلَى ظُهْرٍ [301] (ثَنَا) عَبْد الله بن مسْلمة (الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ) بْن عَبْد الرحمَن بن الحَارث (أَن القَعْقَاعَ) ابن حكيم (¬2) الكناني (وَزَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ) تلميذه (أَرْسَلاَهُ) يَعني أرسَلا سميًا (إِلَى سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ ¬

_ (¬1) رواه مالك 1/ 63، وابن أبي شيبة 2/ 100 (1366، 1367)، والدارمي (836، 837). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (319). (¬2) في (ص، ل): حليم.

- رضي الله عنه - يَسْأَلُهُ: كيف (¬1) تَغْتَسِلُ المُسْتَحَاضَةُ؟ قَالَ: تَغْتَسِلُ مِنْ ظُهْرٍ إِلَى ظُهْرٍ) بِضَم الظاءِ المعْجَمةِ فيهما أي: مِن وقت صلاة الظهر إلى مثلها، وسَيَأتي قَول مَالك فيه. قَال الخطابي: لا أعلمه قولًا لأحَد مِنَ العلماء، وقَد يجِيء ما روي مِنَ الاغتسال أن من علمتْ أنهُ كانَ حَيضها ينقطع مع (¬2) غروب الشمس أنهُ يلزَمهَا الاغتسَال عقب (¬3) غروب الشمس كُل يَوْم وكَذَا مَنْ عَلمَت أنهُ كانَ ينقطع حَيْضها وقت صَلاة الظهر ونَسيَت الأيام التي كانت عَادَة لهَا، ونسيَت الوَقت أيضًا، فهذِه يَلزَمهَا أنْ تغتسَل عند وقت كل صَلاة ظُهر. (وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاَةٍ) مَا بينها وَبَيْن الظهر مِنَ اليوم الثاني فقد يحتمل أن سعيدًا إنما سُئل عن امرأة هذا حَالهَا فنقل الراوي الجَوَاب ولم ينقل السؤال على التفصيل، واللهُ أعلم (¬4). (فَإِنْ غَلَبَهَا الدَّمُ اسْتَذْفَرَتْ) بذال معجمة مُبدلة من ثاء مُثَلثة كما تقدم عَن ابن الأثير (بِثَوْبٍ) عريض. (وَرُوِيَ عَنِ ابن عُمَرَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) أنهَا (تَغْتَسِلُ مِنْ طُهْرٍ إِلَى طُهْرٍ) بِضَم الطاء المهملَة فيهمَا كما سَيَأتي (وكذلك رَوَاه دَاودُ) ابن أبي هند (وَعَاصِمٌ) ابن سُليمان (عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ امْرَأَتِهِ (¬5)، عَنْ قَمِيرَ) بفتح ¬

_ (¬1) من (د، س، م)، وبياض في (ل). (¬2) في (ص، س): من. (¬3) في (ص، س): من. (¬4) "معالم السنن": 1/ 193. (¬5) بياض في (د، ل، م) بقدر كلمتين.

القَاف بنت عمرو (¬1) (عَنْ عَائِشَةَ) - رضي الله عنها - مثله (إِلا أَن دَاودَ قَالَ) تغتسل (كُلَّ يَوْمٍ) أيْ وقت الظهر [أو مَع] (¬2) غرُوب الشمس كما تقدم. (وَفِي حَدِيثِ عَاصِمٍ) بن سُليمان تغتسل (عِنْدَ الطُهْرِ) بضَم الطاء المهملة. (وَهُوَ قَوْلُ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ الله وَالْحَسَنِ وَعَطَاء) حكى النووي عن ابن المسَيب والحَسَن أنهُمَا قَالا: تغتَسل من صَلاة الظهر إلى الظهر (¬3). ¬

_ (¬1) في (ص، ل) عمر. (¬2) في (س): أربع. (¬3) "المجموع": 2/ 536.

116 - باب من قال تغتسل كل يوم مرة ولم يقل: عند الظهر

116 - باب مَنْ قال تَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّة وَلَمْ يَقُلْ: عِنْدَ الظُّهْرِ 302 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ أَبِي إِسْماعِيلَ -وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ راشِدٍ- عَنْ مَعْقِلٍ الخَثْعَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه -، قالَ: المُسْتَحاضَة إِذا اَنْقَضَى حَيْضُها، اغْتَسَلَتْ كُلَّ يَوْمٍ واتَّخَذَتْ صُوفَةً فِيها سَمْنٌ أَوْ زَيْتٌ (¬1). * * * باب مَنْ قَالَ تَغتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً [302] (ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَال: ثَنَا عَبْدُ الله (¬2) بْنُ نُمَيرٍ) بضَم النون مُصَغر، الهمدَاني (عَنْ مُحَمَّدِ [بْنِ أَبِي] (¬3) إِسْمَاعِيلَ) رَاشِدٍ السلمي الكوفي، أخرج له مسلم. قال شريك: رَأيت بني أبي إسماعَيل أربعة ولدوا في بطن واحد وعَاشوا. قال البخاري: عَامتهم محَدِّثون منهم: عمر وإسماعيل (¬4) (عَنْ مَعْقِلٍ) ويُقال: زهير بن معقل (الْخَثْعَمِيِّ) ذكرَهُ ابن حبان في "الثقات" (¬5) قال أبو حَاتم: الأصَح: معقل (¬6) (عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - قَالَ المُسْتَحَاضَةُ إِذَا انقَضَى حَيْضُهَا ¬

_ (¬1) أخرجه الخلال في "السُّنَّة" (1393) وضعفه الألباني لجهالة معقل الخثعمي. قال: والصحيح عن علي رضي الله تعالى عنه: الاغتسال لكل صلاة أو لكل صلاتين مرة. انظر "ضعيف سنن أبي داود" (55). (¬2) كتب فوقها في (د): ع. (¬3) في (ص): أبي، وفي (د، س): بن. وبياض في (ل). (¬4) "التاريخ الكبير" (210). (¬5) "الثقات" 5/ 432. (¬6) "الجرح والتعديل" (1311).

اغْتَسَلَتْ كُلَّ يَوْمٍ) وهذِه الرواية ترجح: منِ ظُهرٍ إلى ظُهر أنه بالظاء المعجمة (وَاتَّخَذَتْ (¬1) صُوفَةً فِيهَا سَمْنٌ أَوْ زَيْتٌ) فيه التحرز من خرُوج الحَدَث بما تمكنه بحشو قطنة أو خرقة ونحوهَا، قال أصحَابنا: حشو القطنة و (¬2) نحوها والشّد والاستثفار (¬3) وَاجِب. قال الرافعي: إلَّا في موضعَين أحَدُهما: أن تتأذى بالشد ويحرقها اجتماع الدم، فَلاَ يَلزمهَا لما فيه مِنَ الضَرَر، والثاني: أن تَكونَ صَائمة فتَترك الحَشو نَهَارًا وتقتصر على الشَّدِّ والتَّلَجُّم (¬4). * * * ¬

_ (¬1) في (م): أخذت. (¬2) في (د، م): أو. (¬3) من (د، م). (¬4) من (د، س، ل، م). وانظر: "الشرح الكبير" 2/ 434.

117 - باب من قال: تغتسل بين الأيام

117 - باب منْ قالَ: تغْتَسِلُ بَيْنَ الأَيّامِ 303 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ -يَعْنِي: ابن مُحَمَّدٍ- عَنْ محَمَّدِ بْنِ عُثْمانَ، أَنَّهُ سَأَلَ القاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنِ المُسْتَحاضَةِ، فَقالَ: تَدَعُ الصَّلاةَ أَيّامَ أَقْرائِها، ثُمَّ تَغْتَسِل فَتُصَلِّي، ثُمَّ تَغْتَسِلُ فِي الأيَّامِ (¬1). * * * باب مَنْ قَالَ: تَغتَسِلُ بَيْنَ الأيَّامِ [303] (ثَنَا) عَبد الله بن محمد بن قعنب (الْقَعْنَبِيُّ قال: ثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ (¬2) بْنَ مُحَمَّدٍ) الدرَاوردي (عَنْ مُحَمَّدِ (¬3) بْنِ عُثْمَانَ) بْن عَبْد الرحمن بن سَعيد بن يَرْبُوع المخزُومي (¬4) المدني (¬5) وثقهُ أحمد بن حَنبل (¬6) (أَنَّهُ سَأَلَ القَاسِمَ) بْنَ مُحَمَّدٍ (عَنِ المُسْتَحَاضَةِ قَالَ: تَدَعُ الصَّلاة) في (أَيَّامَ أَقْرَائِهَا) كما تقدَم. (ثُمَّ تَغْتَسِلُ فَتُصَلِّي) مَعَ كل صَلاة فرض وضوء حتى (¬7) مجِيء وقت ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة 2/ 101 (1372) عن محمد بن عثمان المخزومي، قال: سألت سالما والقاسم عن المستحاضة، فقال أحدهما: تنتظر أيام أقرائها، فإذا مضت أيام أقرائها اغتسلت وصلت. وقال الآخر: تغتسل من الظهر إلى الظهر. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (322). (¬2) كتب فوقها في (د): ع. (¬3) كتب فوقها في (د): د. (¬4) في (س): المحدث من. (¬5) في (ص): الهذلي. (¬6) انظر: "الجرح والتعديل" 8/ 23. (¬7) في (ص، س): بمعنى.

أقرائهَا فتدع الصَّلاة فيها (ثمَّ) (¬1) إذا مَضَت أيام أقرائها (تَغْتَسِلُ فِي الأَيَّامِ) أي: للأيام التي بعد أقرائها وتُصَلي وهَكَذَا مَا دَامَ الدَّم جَارِيًا. قَالَ أَبُو دَاودَ: (قَالَ مَالِكٌ: إِنِّي لأظُنُّ) أنَّ (حَدِيثَ) سعيد (ابْنِ المُسَيَّبِ) في قَوله أنهَا تغتسل (مِنْ ظُهْرٍ إِلَى ظُهْرٍ) بالظاء المُعجمة فيهمَا. (إنما هوَ مِن طُهْر إلى طُهْر) بالطاء المهملة فيهما (¬2). (ولكن الوَهَمَ دَخَلَ فِيهِ) أي: في قوله (مِنْ طُهْرٍ إِلَى طُهْرٍ) بالمهملة فيهما، المعنى (¬3): فتغتسل كلمَا انقضت أيام أقرائهَا وَرَأت النقاء والطهر ([وَرَوَاهُ مُسَوَّرُ) بِضَم الميم وفتح السِّين والوَاو المُشَدَّدَة. (ابْنُ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ (¬4) سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن (¬5) يَرْبُوعٍ) نسْبَة إلى جَدِّه اليَربُوعي] (¬6) (فَقَلَبَهَا النَّاسُ [فقالوا: من ظهر إلى ظهر] (¬7) أي: قلبوا معنَاهَا وصحَّفُوهَا. ورواية الخطيب: فَلَقِنهَا بالنون بدل البَاء أي: تَلَقَّنُوها: بالمُعجمة بَدَل الطاء المهمَلة. قال الخطابي: ما أحسَن ما قال مَالك! ومَا أشبهَهُ بمَا ظنَّهُ من ذَلك! (¬8) ثم ذكر تَوجيه الظاء المُعجمة على تقدير صحَّتها كما تقدم. ¬

_ (¬1) في (ص): فيما. وفي (س، م): فيها. (¬2) من (د، م). (¬3) من (د). (¬4) (ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ) سقط من (م). (¬5) من (د، س، م). (¬6) ما بين القوسين ذكر في (د، م). في آخر الباب بعد قوله: كما تقدم. (¬7) من (د). (¬8) "معالم السنن": 1/ 93.

118 - باب من قال: توضأ لكل صلاة

118 - باب مَنْ قالَ: تَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاةٍ 304 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن المثَنَّى، حَدَّثَنا ابن أَبي عَدِيٍّ، عَنْ محَمَّدٍ -يَعْنِي: ابن عَمْرٍو- حَدَّثَنِي ابن شِهابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ فاطِمَةَ بِنْتِ أَي حُبَيْشٍ أَنَّها كانَتْ تُسْتَحاضُ، فَقالَ لَها النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا كانَ دَمُ الحَيضِ فَإنَّهُ دَمٌ أسْوَدُ يُعْرَفُ، فَإِذا كانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلاةِ، فَإِذا كانَ الآخَرُ فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي". قالَ أَبُو داودَ: قالَ ابن المُثَنَّى: وَحَدَّثَنا بِهِ ابن أَبِي عَدِيٍّ حفْظًا، فَقالَ: عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ، أَنَّ فاطِمَةَ. قالَ أبُو داودَ: وَرُوِيَ عَنِ العَلاءِ بْنِ المُسَيَّبِ وَشُعْبَةَ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قالَ العَلاءُ: عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَوْقَفَهُ شعْبَةُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ: تَوَضَّأ لِكُلِّ صَلاةٍ (¬1). * * * باب مَنْ قَالَ: تَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاَةٍ [304] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، قال: ثَنَا) محمد بن إبَراهيم (ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ) (¬2) أبو عَمرو البَصري (عَنْ مُحَمَّد بْنَ عَمْرٍو) ابن حلحلة أخرج له الشيخان. (قال: حَدَّثَنِي ابن شِهَاب عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ أَنَّهَا كَانَتْ تُسْتَحَاضُ) فسَألت النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - (فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: إِذَا كَانَ) كان هُنَا تامَّة بمعَنى وجِد [أو حدَثَ] (¬3) (دَمُ الحَيْضِ فَإِنَّهُ دَمٌ أَسْوَدُ يُعْرَفُ) أي: تعرفه النسَاء. ¬

_ (¬1) سلف برقم (286). وهو حسن. (¬2) كتب فوقها في (د): 4. (¬3) في (ص): أي وجدت.

(فَإِذَا كانَ) أي: وجِدَ (ذَلِكِ) بِكَسْر الكاف (فَأَمْسِكِي) بفتح هَمزة القطع. (عَنِ الصَّلاَةِ) أي: أتركيهَا (¬1) (فَإِذَا كَانَ) الدَّمُ (الآخَرُ) بفتح الخاء، وهو: دَمُ الاسْتحاضَة. (فَتَوَضَّئِي) أي: بعد غسْل الدم والاغتسَال (وَصَلِّي) فرائض ونَوافل بوضُوء واحد كالتيمم. (قَالَ) محمد (ابْنُ المُثَنَّى: وَثَنَا به (¬2) محمد بن إبراهيم (ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ حفْظًا) من غير كتاب (فَقَالَ: عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، وَرُوِيَ عَنِ العَلاَءِ بْنِ المُسَيَّبِ) بن رَافع الأسدي أخرجَ له الشيخان. (وَشُعْبَةَ عَنِ الحَكَمِ) ابن عتيبة بفتح المثناة فوق بعد العَين مُصَغر. (عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ) واسْمه محَمد بن علي بن الحُسين بن عَلي بن أبي طالب. (قَالَ العَلاءُ) بن المسَيب في روَايته (عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَوْقَفَهُ شُعْبَةُ) وقالا في روَايتهما: (تَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاَةٍ) (¬3) كالمتيمِّمِ (¬4)؛ لأنَّهُ وضوءُ ضَرُورة. * * * ¬

_ (¬1) في (د، م): اتركها. (¬2) من (د). (¬3) تقدم الكلام على هذا الحديث قريبًا. (¬4) في (ص، س): كالتيمم. والمثبت من (د، م).

119 - باب من لم يذكر الوضوء إلا عند الحدث

119 - باب مَنْ لَمْ يَذْكرِ الوضُوء إلَّا عِنْدَ الحَدَثِ 305 - حَدَّثَنا زِيادُ بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ اسْتُحيضَتْ، فَأَمَرَها النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنْ تَنْتَظِرَ أَيّامَ أَقْرائِها، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي، فَإِنْ رَأَتْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ تَوَضَّأَتْ وَصَلَّتْ (¬1). 306 - حَدَّثَنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْن وَهْبٍ، أَخْبَرَنا اللَّيْثُ، عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ كانَ لا يَرَى عَلَى المُسْتَحاضَةِ وضُوءًا عِنْدَ كلِّ صَلاةٍ، إلَّا أَنْ يُصِيبَها حَدَثٌ غَيْرُ الدَّمِ فَتَوَضَّأُ. قالَ أبُو داودَ: هذا قَوْلُ مالِكٍ، يَعْنِي: ابن أَنَسٍ (¬2). * * * باب مَنْ لَمْ يَذْكُرِ الوضُوءَ إلَّا عِنْدَ الحَدَثِ [305] (ثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ) الطوسي أبو هَاشم شيخ البخَاري (قال: ثَنَا هُشَيْمٌ، قال: ثنا أَبُو بِشْرٍ) (¬3) بالشين المُعجمة جَعْفَر بن أبي وحشيَّة، واسْمُ أبي وحشية إيَاس، واسطي سَكن البصْرة (عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ اسْتُحيضَتْ فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تَنْتَظِرَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا) فتدع الصلاة فيها (ثمَّ) إذا انقضت (تَغْتَسِلُ) بالنصْب عَطفًا على: "تنتظر". (وَتُصَلِّي فإن (¬4) رَأَتْ شَيئًا مِنْ ذَلِكَ) أيْ مِن دَم الاسْتحاضَة (تَوَضَّأَتْ) وفي نُسخَة أبي علي التستري: تَوضَّت بِحَذف الهَمزة (وَصَلَّتْ). ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة 2/ 97 (1356). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (324). (¬2) صححه الألباني في "صحيح أبي داود" (325). (¬3) كتب فوقها في (د): ع. (¬4) في (ص، س): فإذا.

[306] (ثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ شُعَيب) بن الليث الفهمي، شيخ مسلم. (قال: حَدَّثَنِي عَبْدُ الله بْنُ وَهْبٍ، قال: حدثني اللَّيثُ، عَنْ رَبِيعَةَ) بن أبي عبد الرحمن فروخ مَولى (¬1) المنكدر، فقيه المدينة صَاحب الرأي (أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى عَلَى المُسْتَحَاضَةِ وضُوءًا عِنْدَ كُل صَلاَةٍ) مَفروضة (إلَّا أَنْ يُصِيبَهَا حَدَثٌ) آخر كالخَارج مِنْ أحَد السَّبيلَين (غَيرُ الدَّمِ) ولَمس (¬2) الرجُل الأجنبية ومَسّ الفَرج عندَ مَن يَقولُ به (فَتَوَضَّأُ) مِنَ الحدَث الذي هوَ غير (¬3) دَم الاسْتحاضَة. (وهذا قَوْلُ مَالِكٍ) [يعني: ابن أنس وربيعة] (¬4) قال ابن عَبد البر: وهوَ قول عكرمَة وأيُّوب السّختياني قالَ: وكذلك المرأة التي تقعُد أيامهَا المَعروفة ثم تستطهر عند مالك أو لا تستطهر عندَ غَيره، قَالَ: وكذَلك التي تقعُد أيامهَا المعْروفة تغتسل أيضًا عند انقضاء أيامهَا واستطهَارهَا ولا شَيء عَليهَا إلا أن تحدث حدثًا يُوجب الغسْل أو الوضُوء عند مالك، ومن قَالَ بقَوله، وأمَّا عندَ الشافعي وأبي حَنيفة والثوري ومَن ذكرنا معهم فتتوضأ لكل صَلاة (¬5). * * * ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (د): وكمسِّ. (¬3) في (ص، س): عند. (¬4) من (د، س، ل). (¬5) "الاستذكار" 3/ 226.

120 - باب في المرأة ترى الكدرة والصفرة بعد الطهر

120 - باب فِي المَرْأةِ تَرَى الكُدْرَةَ والصُّفْرَة بعْدَ الطُّهْرِ 307 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، أَخْبَرَنا حَمّادٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أُمِّ الهُذَيْلِ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ -وَكانَتْ بايَعَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَتْ: كُنّا لا نَعُدُّ الكُدْرَةَ والصُّفْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا (¬1). 308 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ، أَخْبَرَنا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطَيَّةَ، بِمِثْلِهِ. قالَ أَبُو داودَ: أُمُّ الهُذَيْلِ هِيَ: حَفْصَة بِنْتُ سِيرينَ، كانَ ابنها اسْمُهُ: هُذَيْلٌ، واسْم زَوْجِهَا: عَبْدُ الرَّحْمَنِ (¬2). * * * باب المَرْأَةِ تَرَى الكُدْرَةَ وَالصُّفرَةَ [بعد الطُّهر] (¬3) [307] (ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التبوذكي (قال: ثنا حَمَّادٌ) بن سَلمة (عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أُمُّ الهُذَيْلِ) هِيَ حَفْصَةُ بِنْتُ سِيرِينَ كَانَ اسْمُ ابنهَا هُذَيلًا (¬4) وَاسْمُ زوجها: عَبد الرحمن، الفقيهة (¬5) تابعيَّة جَليلة، قال إياس بن معاوية: مَا أدركتُ أحَدًا أفضله عليها (¬6) مَاتَت في حُدُود المائة (عَنْ أُمِّ عَطِيَةَ) نُسيبة (¬7) بضم النون بنت الحَارث، كانت من كبار الصحَابة ¬

_ (¬1) رواه الدرمي (871)، والحاكم 1/ 174 - 175. (¬2) انظر السابق. (¬3) من (م). (¬4) في النسخ: هذيل. والجادة ما أثبتناه. (¬5) في (ص، س): الفقيه. وفي (م): الفقهية. (¬6) "تهذيب الكمال": 35/ 152. (¬7) في (ص): نسبته. وفي (م): نسبه.

وتغزُو كثيرًا مَعَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تمرِّضُ المرضَى وتدَاوي الجرحى (وَكَانَتْ بَايَعَتِ (¬1) النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -) وغَزَتْ معَهُ كثيرًا وشهدَتْ غسل ابنته، وكانت من كبار نسَاء الصَّحَابَة. (قَالَتْ: كُنَّا لاَ نَعُدُّ) بِضَم العَين، يَعني: في زمَن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - مَعَ علمه بذلك، وبهَذا يعطى الحَديث حكم الرفع، وهو مصيرٌ من المصَنِّفِ إلى أَنَّ مثل هذِه الصيغة (¬2) تُعَدُّ في المرفوع، ولو لم يصرَح الصحابي بذكر زَمَن النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، وبهَذَا جَزمَ الحاكم (¬3) وغيره خلاَفًا للخَطيب (¬4). (الْكُدْرَةَ) قال إمَامُ الحَرَمَين: الكدرَة شيءٌ كَدِرٌ ليسَ على ألوان الدِّمَاء (¬5). (وَالصُّفْرَةَ) أي: الماء الذي تراهُ المرأة كالصَّديد يَعلوه اصْفرار (بَعْدَ الطُّهْرِ) وليسَ في روَاية البخَاري بعد الطُّهر. ورواهُ الحاكم هكذَا (¬6) وقالَ: على شَرطهَما (¬7) (شَيْئًا) أي: من الحَيض وهذا في غَير أيام الحَيض؛ إذ مَا حَصَل منهما (¬8) في أيامِ الحَيض فهوَ مَعْدُود منَ الحَيض ودَاخِل تحت حكمه تابعٌ له. وفي ¬

_ (¬1) في (م): تابعت. (¬2) في (س): الصفة. (¬3) "المعرفة" 1/ 21. (¬4) "الكفاية" 1/ 423. (¬5) "نهاية المطلب" 1/ 357. (¬6) في (د، م): هذا. (¬7) "المستدرك" 1/ 174 - 175. (¬8) في (د): منها. والمقصود بقوله: منهما: الصفرة والكدرة.

الحَديث المتقدم: "إذا أقبلت الحَيضة فدَعى الصَّلاة". دَليلٌ على أنَّ الصفرة والكدرة في أيام الدم من الدم، وحَديث البخَاري: لا تَعْجَلْنَ حَتَّى ترين القَصَّة البَيْضَاء (¬1) دليل على أنهما عندَ إدْبَار الحيَض (¬2) من بَقَايَا الحَيض فإن قلت: حَديث عَائشة: كُنا نَعُد الصُفرة والكدرة حَيضًا (¬3). فما وجه الجمع بينهما، فالجوَاب: أن هذا في وقت الحيَض وذاك في غير وقته. [308] (ثَنَا مُسَدَّدٌ، قال: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ) ابن علية (قال: ثنا أَيُّوبُ) السّختياني (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ) أخِي أُم الهذَيل حَفصَة (عَنْ أُمّ عَطِيَّةَ بِمِثْلِهِ) وهذِه طريق البخَاري (¬4). * * * ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" معلَّقًا. باب إقبال المحيض وإدباره. (¬2) في (د، م): المحيض. (¬3) لم أقف عليه، وعزاه العيني في "شرح البخاري" لابن حزم. قال ابن حزم: وسنده ضعيف لا يسوي ذكره. (¬4) "صحيح البخاري" (326).

121 - باب المستحاضة يغشاها زوجها

121 - باب المُسْتَحاضَةِ يَغْشاها زَوْجُها 309 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا مُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنِ الشَّيْبانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ قالَ: كانَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ تُسْتَحاضُ، فَكانَ زَوْجُها يَغْشاها. قالَ أبُو داودَ: وقالَ يَحْيَى بْن مَعِينٍ: مُعَلَّى ثِقَةٌ. وَكانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لا يَرْوِي عَنْة، لأنَّهُ كانَ يَنْطرُ فِي الرَّأْيِ (¬1). 310 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ الرّازِيُّ، أَخْبَرَنا عَبْدُ اللهِ بْن الَجهْمِ، حَدَّثَنا عَمْرُو بْن أَبِي قَيْسٍ، عَنْ عاصِم، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْش أَنَّها كانَتْ مُسْتَحاضَةً، وَكانَ زَوْجُها يُجَامِعُها (¬2). * * * باب المُسْتَحَاضَةِ يَغْشَاهَا زَوْجُهَا [309] (ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ) أبو ثور الكلبي البغدَادي أحد (¬3) المجتَهدين (قال: ثَنَا مُعَلَّى (¬4) بْنُ مَنْصُورٍ) الرازي الفقيه الحَافظ (¬5). (عَنْ عَلِيِّ (¬6) بْنِ مُسْهِرٍ) الكوفي الحَافظ (عَنْ) سُلَيمان بن أبي سُلَيمان فَيرُوز أبي إسحاق (الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ) مَولى ابن عَباس (قَالَ: كَانَتْ أُمُّ ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 1/ 329. من طريق أبي داود. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (328). (¬2) انظر السابق. (¬3) في (ص، ل): آخر. (¬4) كتب فوقها في (د): د. (¬5) "الكاشف" 3/ 164. (¬6) كتب فوقها في (د): ع.

حَبِيبَةَ) بنت جحش (تُسْتَحَاضُ وَكَانَ زَوْجُهَا) عَبد الرحمَن بن عَوف (يَغْشَاهَا) أي: يجَامعهَا، كما في الروَاية الآتية. [310] (ثَنَا أَحْمَدُ) بن (¬1) الصبّاح (بْنُ أَبِي سُرَيْج) بضم السِّين المهملة وآخِره جيم النهشلي (الرَّازِيُّ) شيخ البخاري (قال: أخبَرني) -روَاية الخطيب: حَدثَني- (عَبْدُ الله بْنُ الجَهْمِ) الرَّازي أبو عَبد الرَّحمَن، قال أبو زرعةَ: رَأيته وَكانَ صَدُوقًا (¬2). وقصيرًا. (قال: ثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيسٍ) الرازي (¬3) الأزرق، وثق (¬4) (عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ، أَنَّهَا كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً وَكَانَ زَوْجُهَا يُجَامِعُهَا) (¬5) وزَوْجها طَلحة بن عبيد الله اسْتدل به على أن المستحاضة يطؤها زوجهَا؛ لأن حمنة بنت جحش (¬6) وأختها أُم حَبيبَة كانتا مستحاضتين وكانَ [زوجاهما يجامعانهما] (¬7) ولو كانَ حرامًا لبيَّنَهُ النبي - صلى الله عليه وسلم - لهمَا ولكن لا يطؤها زَوْجُهَا إلَّا في الزمَن المحكوم بأنه طُهر ولا كراهة في ذلك، وإن كان الدم جَاريًا هذا مذهبنا، ومَذهب جُمهور العُلماء، وذهبَ ابن سيرين والشعبي والنخعي والحكم وهو روَاية عَن أحمَد: أنه ليسَ للزوج وطؤها إلا أن يخَاف على نفسه ¬

_ (¬1) سقط من (د، م). (¬2) "الجرح والتعديل" 5/ 27. (¬3) في (ص، س) الداري. (¬4) "الكاشف" 2/ 340. وزاد فيه: وله أوهام. (¬5) حسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (329). (¬6) ليست في (م). (¬7) في (ص، س، ل، م): زوجهما يجامعهما.

الوقوع في محظور لما روى الخلال بإسْنَاده عن عَائشة أنها قالت المُستحاضَة لا يغشاها زَوجهَا (¬1)؛ ولأن بهَا أذى فيَحرُم وطؤها كالحَائض وقد مَنع الله وطء (¬2) الحَائض مُعَلِّلًا بالأذى والأذَى مُوجود في المسْتحاضة، فثبتَ التحريم في حَقها (¬3). * * * ¬

_ (¬1) أخرجه البيهقي في "الكبرى" 1/ 329. (¬2) من (د، م). (¬3) "المغني" 1/ 420، 421.

122 - باب ما جاء في وقت النفساء

122 - باب ما جاءَ فِي وقْتِ النُّفَساءِ 311 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، أَخْبَرَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا عَلِيُّ بْن عَبْدِ الأعلَى، عَنْ أَبِي سَهْلٍ، عَنْ مسَّةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قالَتْ: كانَتِ النُّفَساء عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تقْعُدُ بَعْدَ نِفاسِها أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَكُنّا نَطْلِي عَلَى وجُوهِنا الوَرْسَ، يَعْنِي مِنَ الكَلَفِ (¬1). 312 - حَدَّثَنا الحَسَن بْن يَحْيَى، أَخْبَرَنا محَمَّدُ بْن حاتِمٍ -يَعْنِي: حبِّي- حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن المُبارَكِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ نافِعٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ زِيادٍ قالَ: حَدَّثَتْنِي الأزْدِيَّةُ -يَعْنِي: مسَّةَ- قالَتْ: حَجَجْتُ، فَدَخَلْت عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقُلْتُ: يا أُمَّ الُمؤْمِنِينَ إِنَّ سَمُرَةَ ابْنَ جُنْدُبٍ يَأْمُرُ النِّساءَ يَقْضِينَ صَلاةَ المَحيضِ. فَقالَتْ: لا يَقْضِينَ، كانَتِ الَمرْأَةُ مِنْ نِساءِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - تَقْعُدُ فِي النِّفاسِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً لا يَأْمُرُها النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِقَضاءِ صَلاةِ النِّفاسِ. قالَ مُحَمَّدٌ -يَعْنِي: ابن حاتِمٍ- واسْمُها: مُسَّةُ، تكْنَى: أُمَّ بسَّةَ. قالَ أبُو داودَ: كَثِيرُ بْنُ زِيادٍ، كُنْيَتُهُ: أبُو سَهْلٍ (¬2). * * * باب مَا جَاءَ في وَقْتِ النُّفَسَاءِ [311] (ثَنَا [أَحْمَدُ بْنُ)] (¬3) عَبد الله بن (يُونُسَ) اليربوعِي الحَافظ (قال: ثنا زُهَيرٌ قال: ثَنَا عَلِي (¬4) بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى) بن عَامِر الثعلبي ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (139)، وابن ماجه (648)، وأحمد 6/ 300، 304، 309. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (330)، قال: إسناده حسن صحيح. (¬2) رواه الحاكم 1/ 175، والبيهقي 1/ 341. وانظر ما قبله. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (331). (¬3) كتب فوقها في (د): ع. وكلمة: بن سقطت منها. (¬4) كتب فوقها في (د): عو. [يقصد الأربعة].

الأحوَل. قال البخَاري: ثقة (¬1) هوَ وأبو سَهل (¬2) (عَنْ أَبِي سَهْلٍ) كثير (¬3) بن زياد العتكي بصري، نزل بَلخ، وثقوه (¬4) (عَنْ مُسَّةَ) بضمِّ الميم وتشديد المهملة الأزدية كنيتها أمُّ بُسَّة بضم البَاء الموَحدة وهي تابعية. قال البخاري: لا أعرف لها غَير هذا الحَديث (¬5) (عَنْ أُمِّ سلَمَةَ) هند بنت أبي أمَية زَوج النبي - صلى الله عليه وسلم - (قَالَتْ: كَانَتِ النُّفَسَاءُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -) هذا حكمهُ حكم المرفوع (تَقْعُدُ) روَاية الترمذي (¬6): تجلس (بَعْدَ نِفَاسِهَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) شكٌّ منَ الرَّاوي واقتصرَ الترمذي على أربعينَ يَومًا مِنْ غَير شكٍّ، ولابن مَاجَه زيَادة ولفظهُ: وَقَّتَ للنُّفساء (¬7) أربعين يومًا إلا أن ترَى الطهر قبل ذلك (¬8). ولفظ الحَاكم: وقت رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - للنسَاء في نفاسهنَّ أربعين يَومًا (¬9). (وَكنَّا نَطْلِي عَلَى وجُوهِنَا الوَرْسَ) بِفتح الوَاو وسُكون الراء ثم سين مهملة. قال في "النهاية": هو نبت أصفَر يصْبغ به (¬10)، وهوَ يكونُ باليَمن يخرج عَلى الرمْث بَيْنَ الشتاء والضَيف، والرمْثِ بكسر الراء المهملَة وسُكون الميم بَعدَها ثاء مثلثة مَرْعَى من مَراعي الإبل، وهو ¬

_ (¬1) في (م): يعني. (¬2) نقله الترمذي عنه في "سننه" 1/ 257. (¬3) في (ص، س): بشر. (¬4) "الكاشف" 3/ 4. (¬5) لم أقف عليه للبخاري، وهو قول الذهبي في "ميزان الاعتدال" 4/ 610. (¬6) في (ص، س): البخاري. والمثبت من (د، م). واللفظ عند الترمذي (139). (¬7) في (س): النساء. (¬8) "سنن ابن ماجه" (649). وهو حديث ضعيف. (¬9) "المستدرك" 1/ 176. قال الحاكم: فإن سلم هذا الإسناد فإنه مرسل صحيح. (¬10) "النهاية": (ورس).

منَ الحمض، وأورس الرمث أي: اصفَرَّ وَرَقُه بَعْدَ الإدراك، وصَارَ عليه مثل الملاء الصُفر، والحمض مَا ملح أَوْ مَرَّ من النبَات. (مِنَ الكَلَفِ) (¬1) وهو شي يعْلو الوَجْه كالسِّمْسم، والكلف أيضًا لون بينَ السَّواد والحُمْرة، وهَي حمرة بكدرة تعلو الوَجْه، وفي بعض ألفاظه: نطلي وجوهنَا بالوَرس والزَعْفَران. قالَ ابن التيمية: معنى الحَديث كانت النفساء (¬2) تؤمر أن تقعد إلى الأربعين لئلا يكون الخَبر كذبًا إذ لا يمكن أن يتفق نسَاءُ عصْر في نفَاس أو حيض انتهى (¬3) ويحتمل أن يَكون فيه تجوز، وعبَّر بالكل عن المُعظم كما في مَوَاضِع. [312] (ثَنَا الحَسَنُ (¬4) بْنُ يَحْيَى) أبو علي البصري الرُّزِّيُّ (¬5). ثقة يحفظ (¬6). (قال: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ -يَعْنِي حُبِّي-) بضم المهملة وبالموَحدة، والأرجح كسْر المهملة مع تشديد الموَحَّدة ابن بَزِيع (¬7) رَوى عنهُ البخَاري في الصَّلاة ومَنَاقب عُثمان وعمرة الحديبية (¬8) قال: (ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ المُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ) بن نافع (¬9) أبي غانم المروزي ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (139)، وابن ماجه (648)، وأحمد 6/ 300، والدارمي (955) وقال الألباني (330): إسناده حسن صحيح. (¬2) في (ص، س، ل، م): النساء. (¬3) "شرح منتقى الأخبار" 1/ 352. (¬4) كتب فوقها في (د): د. (¬5) في (ص، س): الرازي، وهو خطأ. (¬6) "الكاشف" 1/ 228. (¬7) في (ص، س): يزيد. وهو خطأ. والمثبت من (د، م). غير أنه خطأ أيضًا فإن محمد بن حاتم بن بزيع ليس هو -حبي- المقصود هنا في الإسناد، والصواب أن يقال: ابن يونس. (¬8) الذي روى عنه البخاري هنا هو ابن بزيع وليس "حبيّ" فتنبه. (¬9) في (ص): بكرة.

القاضي. (عن) أبي سهْل (كثِيرِ بْنِ زِيَادٍ) العتكي البَصري نزيل بلخ. قال المنذري: ثقة (¬1). (قَالَ: حَدَّثَتْنِي مُسَّةَ الأَزْدِيَّةُ - رضي الله عنها - قَالَتْ: حَجَجْتُ فَدَخَلْتُ) بضَم تاء المتكلم (عَلَى أُمِّ سلَمَةَ) أم المُؤْمِنِينَ (فَقُلْتُ: يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ إِنَّ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ - رضي الله عنه - يَأْمُرُ النِّسَاءَ) بأن (يَقْضِينَ صَلاةَ المَحيضِ) (¬2) أجمع العُلماء على: أن الحائض والنفسَاء لا تقضي الصَّلاَة (¬3)، ومَذهَب الخوَارج أن الحَائض تقضي الصَّلاة، ولعَل سَمُرة بن جندب كانَ يَقول به ثم رجع. (فَقَالَتْ: لاَ يَقْضِينَ) بفتح المثناة تحت أوله. وروَاية الخطيب (¬4): تقضين. بالفوقانية (¬5) ثُمَّ قالَتْ (كَانَتِ المَرْأَةُ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - تَقْعُدُ فِي النّفَاسِ أَرْبَعِينَ لَيلَةً لاَ يَأْمُرُهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِقَضَاءِ صَلاةِ النِّفَاسِ) (¬6) فاستدلَّ عَلى عَدم وجوب قضاء أيَّام الحيض، بكونه لم يَأمُر نساءه بِقَضاء صَلاة النفاس [فقاست عدم قضاء الحيض على عدم قضاء النفاس؛ لأن معناهما واحد وفيه دليل على صحة القياس] (¬7) وقد استَدلَّ بِحَديثي البَاب على أنَّ أكثر النفاس أربعون يومًا، وبه قال المزَني (¬8)، وحُكِيَ عن الشافعي. ¬

_ (¬1) "مختصر سنن الترمذي" 1/ 196. (¬2) في (س): الحيض. (¬3) "الإجماع" (67)، و"مراتب الإجماع" (ص 45). (¬4) في (ص، س): الخطابي. (¬5) من (د، م). (¬6) أخرجه الحاكم 1/ 175، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (331). (¬7) من (د، م). (¬8) "المجموع" 2/ 522.

قَال الترمذي (¬1): فإذا رَأت الدم (¬2) بعد الأربعين فإنَّ أكثر أهل العِلم قالوا لا تدع الصلاة بعد الأربعين قال: وهوَ قول أكثر الفُقهَاء، وبه يَقول سُفيَان الثوري وابن المبَارك والشَافعي (¬3) وأحمد وإسْحَاق (¬4). قال أبو عُبيد: وعلى هذا جَمَاعَة الناس، وَروي هذا عن عمرَ وابن عَباس وعثمان بن أبي العَاص، وأنس وأُم سَلمة (¬5)، وبه قَال أصحَاب الرأي (¬6)، ورَوى الدارقطني، عن الحكم بن عتَيبة، عن مُسَّة، عن أم سَلمة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ أنهَا سَألته كم تجلس المرأة إذا وَلدت؟ قال: "أربعين يَومًا إلا أن ترى الطهر قبل ذلك" (¬7)؛ ولأنه قول من سمي منَ الصحابة، ولا يعرف لهم مخالف في عَصْرهم فكانَ إجْماعًا. (قَالَ محمد بن حاتم (¬8) و) الأزدية (اسْمُهَا مُسَّةُ) بِضَم الميم وتشديد السِّين المهمَلة (وتُكْنَى أُمَّ بُسَّةَ) بضم الباء الموَحدة وتشديد المهملة. و(قَالَ أَبُو دَاودَ: كَثِيرُ بْنُ زِيَادٍ كُنيته (¬9) أَبُو سَهْلٍ) كما تقدم. ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" 1/ 258 (139). (¬2) في (ص، س، ل) المرأة. (¬3) هذا وجه عن الشافعي، والمعروف عنه أن أكثر النفاس ستون يومًا وانظر: "الشرح الكبير" للرافعي 1/ 356. (¬4) "مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج" (812). (¬5) "الأوسط" لابن المنذر 2/ 378. (¬6) "المبسوط" 2/ 193. (¬7) "سنن الدارقطني" 1/ 223. (¬8) في (ص، س): خالد. (¬9) في (ص): نسبة.

123 - باب الاغتسال من المحيض

123 - باب الاغتِسالِ مِنَ المحَيْضِ 313 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرّازِيُّ، حَدَّثَنا سَلَمَةُ -يَعْنِي: ابن الفَضْلِ- أَخْبَرَنا محَمَّدٌ -يَعْنِي: ابن إِسْحاقَ- عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ سُحَيْمٍ، عَنْ أميَّةَ بِنْتِ أبِي الصَّلْتِ، عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي غِفارٍ -قَدْ سَمّاها لِي- قالَتْ: أَرْدَفَنِي رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى حَقِيبَةِ رَحْلِهِ، قالَتْ: فَواللَّهِ لَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الصُّبْح فَأَناخَ، وَنَزَلْتُ عَنْ حَقِيبَةِ رَحْلِهِ، فَإِذا بِها دَمٌ مِنِّي، فَكانَتْ أَوَّلَ حَيْضَةٍ حضْتُها، قالَتْ: فَتَقَبَّضْتُ إِلَى النّاقَةِ واسْتَحْيَيْتُ، فَلَمّا رَأَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ما بِي وَرَأَى الدَّمَ، قالَ: "ما لَكِ، لَعَلَّكِ نُفِسْتِ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ. قالَ: "فَأَصْلِحي مِنْ نَفْسِكِ، ثُمَّ خُذِي إِناءً مِنْ ماءٍ فاطْرَحي فِيهِ مِلْحًا، ثُمَّ اغْسِلِي ما أَصابَ الحَقِيبَةَ مِنَ الدَّمِ، ثُمَّ عُودِي لِمَرْكَبِكِ" قالَتْ: فَلَمّا فَتَحَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ رَضَخَ لَنا مِنَ الفَيْءِ، قالَتْ: وَكانَتْ لا تَطَّهَّرُ مِنْ حَيْضَةٍ إلَّا جَعَلَتْ فِي طَهُورِها مِلْحًا، وَأَوْصَتْ بِهِ أَنْ يُجْعَلَ فِي غسْلِها حينَ ماتَتْ (¬1). 314 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أبِي شَيْبَةَ، أَخْبَرَنا سَلَّامُ بْن سُلَيْمٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ مُهاجِرٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: دَخَلَتْ أَسْماء عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ تَغْتَسِلُ إِحْدانا إِذا طَهُرَتْ مِنَ المَحيضِ؟ قالَ: "تَأْخُذُ سِدْرَها وَماءَها فَتَوَضَّأُ، ثُمَّ تَغْسِلُ رَأْسَها وَتَدْلُكُهُ حَتَّى يَبْلُغَ الماءُ أُصُولَ شَعْرِها، ثُمَّ تُفِيضُ عَلَى جَسَدِها، ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَتَها فَتَطَّهَّرُ بِها" قالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ أَتَطَهَّرُ بِها؟ قالَتْ عائِشَة: فَعَرَفْتُ الذِي يَكْنِي عَنْهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ففلْتُ لَها: تَتَّبِعِينَ بِها آثارَ الدَّمِ (¬2). 315 - حَدَّثَنا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ، أَخْبَرَنا أبُو عَوانَةَ، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ مُهاجِرٍ، عَنْ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 380. وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (56). (¬2) رواه بنحوه البخاري (314)، ومسلم (332/ 60). وانظر الحديثين الآتيين.

صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّها ذَكَرَتْ نِساءَ الأنْصارِ، فَأثنَتْ عَلَيْهِنَّ وقالَتْ لَهنَّ مَعْرُوفًا، وقالَتْ: دَخَلَتِ امْرَأَةٌ مِنْهنَّ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرَ مَعْناهُ، إلَّا أَنَّهُ قالَ: "فِرْصَةً مُمَسَّكَةً"، قالَ مُسَدَّدٌ: كانَ أَبُو عَوانَةَ يَفول: فِرْصَةً، وَكانَ أبُو الأحوَصِ يَقُول: قَرْصَةً (¬1). 316 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعاذٍ العَنْبَرِيُّ، أَخْبَرَنِي أبِي، عَنْ شعْبَةَ، عَنْ إِبْراهِيمَ -يَعْنِي: ابن مُهاجِرٍ- عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيبَةَ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّ أَسْماءَ سَأَلتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، بِمَعْناهُ، قالَ: "فِرْصَةً مُمَسَّكَةً"، قالَتْ: كَيْفَ أَتَطَهَّرُ بِها؟ قالَ: "سُبْحانَ الله، تَطَهَّرِي بِها واسْتَتِرِي بِثَوْبٍ"، وَزادَ: وَسَأَلتْهُ عَنِ الغسْلِ مِنَ الجَنابَةِ، فَقالَ: "تَأْخُذِينَ ماءَكِ فَتَطَهَّرِينَ أَحْسَنَ الطُّهُورِ وَأَبْلَغَهُ، ثُمَّ تَصُبِّينَ عَلَى رَأْسِكِ الماءَ، ثُمَّ تَدْلُكِينَهُ حَتَّى يَبْلُغَ شُئُونَ رَأْسِكِ، ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الماءَ"، قالَ: وقالَتْ عائِشَة: نِعْمَ النِّساء نِساءُ الأنصارِ لَمْ يَكنْ يَمْنَعُهُنَّ الَحياءُ أَنْ يَسْألنَ عَنِ الدِّينِ وَيتَفَقَّهْنَ فِيهِ (¬2). * * * باب الاغْتِسَالِ مِنَ المحَيْضِ [313] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو) ابن (¬3) بكر التميمي العَدَوي أبو غَسان (الرَّازِيُّ) الطيَالسي، شَيخ مُسْلم. قال (ثَنَا سلمة بْنَ الفَضْلِ) الأبرش الأنصاري مَولاهم الرازي، قاضي الري كانَ جَرير يقولُ: ليسَ من لدن بغدَاد إلى خراسَان أثبت في ابن إسحاق منه. قالَ محمَّد بن سَعْد: كانَ ثقة صَدوقًا، وهوَ صَاحب مغازي محمد بْن ¬

_ (¬1) رواه مسلم (332/ 61). وانظر ما قبله. (¬2) انظر الحديثين السابقين. (¬3) في (م): عن.

إِسْحَاقَ روي عنهُ المبتدأ والمغازي، وكانَ مؤذنًا (¬1) وكانَ يقال: إنه من أخشع الناس في صلاتهِ (¬2). روى لهُ الترمذي وابن مَاجَه في التفسير (عن) محَمد (ابْنَ إِسْحَاقَ) بن يسار صاحب "المغازي". (عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ سُحَيمٍ (¬3) بضَمِّ السِّين وفتح الحاء المهملة مُصغرًا الهَاشمي مولاهم، أخرجَ له مُسلم في مَوَاضِع. (عَنْ أُمَيَّة (¬4) بِضَم الهَمزة وتشديد المثناة تحت (بِنْتِ أَبِي الصَّلْتِ) الغفارية، ويقال: آمِنة (¬5) تابعية. (عَنِ امْرَأَة مِنْ بَنِي غِفَارٍ قَدْ سَمَّاهَا لِي) فأُنسِيتُها تقدمَ أن الجهل بالصحَابي لا يضر؛ فإنهم كُلهم عدُول. (قَالَتْ: أَرْدَفَنِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -) فيه جَوَاز إردَاف المرأة خلف الرجل في السَّفر إن كانت مَحرَمًا لهُ أو زوجة أو مِلْكًا، ويجوز أن تكون هذه المرأة أجنَبِية منه - صلى الله عليه وسلم - لعصمته وعدم التهمة في حَقه بل هو أولى بالجَوَاز من المحَرمِ في الإردَاف وغَيره، وفيه جَوَاز الإردَاف على الدَّابة إذا كانت تطيق. (على حَقيبة) يحتمل أن يرَاد به: فأردَفَني عَلى مَوضع الحقيبة، والحقيبة بفتح الحَاء الوعَاء الذي يجمَع فيه الرجُل متاعه، ويشد في ¬

_ (¬1) في (ص): مؤدبًا. والمثبت من (د، س، ل، م). (¬2) "الطبقات الكبرى" لابن سعد 7/ 381. (¬3) في (ص، ل) سحيمة، وفي (م): شحيم. (¬4) في (ص): أُبَية. (¬5) في (ص): أمية.

مُؤْخِرة الرحل، ويحتمل أن يكون (¬1) على ظاهِره وهَو الأظهر؛ لقَولهَا بَعد ذلك: نزلت عن حَقِيبَةِ رَحْلِهِ وإذا بهَا دم، وأصل الحقيبة عَجيزة المرأة، ثم سمي به مَا يجمَع فيه القماش ويشد على الدابة خلف الراكب مَجَازًا؛ لأنها محمولة على عَجز الدابة (رَحْلِهِ) والرحل كل (¬2) شيء يعد للارتحال (¬3) من مركب للبعير (¬4) وحلس ووعاء للمتاع ورَسَن ونحو ذلك، ورَحَّلتُ البعَير جَعلتُ عليه رَحْلَه. (قَالَتْ فَوَاللَّهِ لنَزل رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِلَى) صَلاة (الصُّبْح فَأَناخَ) لي البعَير (وَنَزَلْتُ عَنْ حَقِيبَةِ رَحْلِهِ) فيه: نزُول الرجل عن الدابة بمفرده وهي واقفة أو سائرَة ولا يحتاج إلى إناخِة البعَير ولا سوق الحمار إلى حجرٍ (¬5) أو نحوه لينزل عليه؛ لأنه نوَع ترفُّه إلا للمحتَاج إليه بخلاف المرأة؛ فإنه يناخ لهَا البعَير، وإن كانت مُسْتَطيعَة للنزُول وهي واقفة، فإنَّ الإِناخة أستَرُ لهَا وأرفق. (وِإذَا بِهَا دَمٌ منِّي (¬6) قلت: فيه أنَّ الرجُلَ إذا وجَدَ على فراشه منيًّا عليه أن يغتسل منه إذا كانَ لا ينَام مَعَهُ في الفراش غَيره. ونصَّ الشافعي على لزوم الغُسْل (¬7)، ونَدبَ مَا أمكن كونها بعده، ¬

_ (¬1) سقطت من (ص، س، ل). (¬2) في (م): يعد لكل. (¬3) في (ص، س، ل): بعد الارتحال. (¬4) في (ص): مركز للبعير، وفي (م): مركب كالبعير. (¬5) في (م): حجره. (¬6) من (د، م). (¬7) "الأم" 1/ 97.

قالَ الماوردي: هذا إذَا رَأى المنِي في بَاطِن الثوب، فإن رَآهُ في ظاهِره فلا غسْل لاحَتِمال إصابتِه مِن غَيره وأمَّا إذا نامَ مَعَهُ من يمكن كونه منهُ فيندب لهمَا الغسْل ولا تَصِح صَلاته خَلفهِ قبل الغسْل (¬1). (وَكَانَتْ) هذِه الحَيْضَة ورؤية دمها (أَوَّلَ حَيضَةٍ حضْتُهَا، قَالَتْ: فَتَقَبَّضْتُ) بفتح القَاف والبَاء المُوحَّدة المشَددَة أي: أنقبَضت وانزويت (إِلَى النَّاقَةِ وَاسْتَحْيَيتُ) بفتح اليَاء الأولى فيه: أنه يُسْتحب للمرأة أن تخفي [ثياب حيضتها] (¬2) التي أصَابها الدم من زوْجهَا وأقاربهَا كما تخفي بَوْلهَا وغائطهَا عَنهُمْ (¬3)؛ لاستقذَار ذَلك (فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مَا بِي) مِنَ الاستحيَاء (وَرَأَى الدَّمَ) على الحقيبة. (قَالَ: مَا لَكِ لَعَلَّك نَفِسْتِ) بفتح النون، قالَ الخَطابي: أصْل هذِه الكلمة (¬4) مِنَ النَّفْس وهوَ الدم إلا أنهمْ فرَّقوا بيْنَ بناء الفِعْل مِنَ الحَيْض والنِّفاس، فقالوا في الحَيض: نَفست بِفتح النون يَعني وكسْر الفاء، وفي الولاَدة بضَمِّهَا انتهى (¬5)، وهذا قَول كثير من أهل اللغَة لكن حكى أبو حَاتمٍ عن الأصمعي يُقال: نُفِسَت المرأة في الحَيض والولادَة بِضَمِّ النون فيهمَا. (قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَصْلِحي) بقطع الهَمزة (مِنْ نَفْسِكِ) أيْ مِنْ ¬

_ (¬1) "الحاوي الكبير" 1/ 213 - 214. (¬2) في (د): ثياب حيضتها. وفي (م): حيضها. (¬3) ليست في (م). (¬4) من (د، م). (¬5) "معالم السنن" 1/ 96.

شأنك (¬1) ما تحتاجين (¬2) إلى إصلاحه (ثُمَّ خُذِي إِنَاءً مِنْ مَاءٍ فَاطَّرِحي) بوَصْل الهمزة وتشديد الطاء. (فِيهِ مِلْحًا ثُمَّ اغْسِلِي) منه (مَا أَصَابَ الحَقِيبَةَ مِنَ الدَّمِ) قال الخطابي: فيه من الفقه أنه استعمل الملح في غسل الثياب وتنقيتها (¬3) مِنَ الدَم. والملح مَطْعُوم فعَلى هذا يَجوز غسْل الثَياب بالعَسَل إذا كانَ ثوبًا من إبريسم يفسدهُ الصابون، وبالخل أي وباللبَن (¬4) الحَامض وماء الليمُون إذا أصَابهَا الحبر ونحوه، ويَجوز عَلى هذا التدَلك بالنخالة وغسْل الأيدي بدَقيق البَاقلاء والبطيخ وغير ذَلك مِنَ الأشياء التي لهَا قوة الجلاء. قال: وحدثونا عَن يُونس بن عَبد الأعلى، قالَ: دَخلتُ الحمام بمصر فوجَدت الشافعي يتَدلك بالنخالة انتهى (¬5). وقد يُؤخذ منهُ أنَّ الماء المتغير بالملح المائي لا يضرُّ التغير به دُون الجَبَلي؛ لأنَّ المائي (¬6) مُنعقد من عَينِ الماء كالثلج، وهو أصَحُّ الأوجُه عندَ الشافعية (¬7)؛ ولهذا أمر الشارع بِغَسل الدم بالملح وبِطَرحه في الماء، وقَد يُؤخذ منهُ غسْل المتنجس الذي يَجِلس عليه الآدَمي، وإن كان جَافًّا. قال ابن قدَامَة: قال محمد بن يحيى: قلتُ لأبي عَبد الله: الإناء يؤكل ¬

_ (¬1) في (ص، ل): نصابك. (¬2) في الأصول: تحتاجي، والجادَّةَ ما أثبتناه. (¬3) في (ص، س، ل): وتنفسها. (¬4) في (د، س، ل، م): واللبن. (¬5) "معالم السنن" للخطابي 1/ 96. (¬6) في الأصل، (س، ل): الماء. (¬7) انظر: "المجموع" 1/ 101.

فيه ثم يغسل فيه اليَد. قالَ: لا بأسَ، قلتُ: فما تقول في غسْل اليَد بِالنخالَة. قالَ: لا بأسَ به نحنُ نفعَله (¬1). (ثُمَّ عُودِي لِمَرْكَبِكِ) قد يُؤخذ منهُ ركُوب المرأة على البعير بمفردهَا إذا أطَاقت (¬2) ولم تخش من نفرَة البعير للقيَام قَبل أن تستقر. (قَالَتْ: فَلَمَّا فَتَحَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ) وَبَقى مِنَ السَنة السَّادسَة شهر وعَشرة أيَّام بَعْدَ رُجُوعه من الحديبية في ذي الحجة. و(رَضَخَ لَنَا) الرضخ بفتح الراء وسُكون الضاد المعجمة وبَعْدَهَا خاء مُعجمة وهي (¬3) العَطيَّة التي ليسَت كثيرة وتسمى (¬4) بالمصدر أو هوَ فِعْلٌ بمَعْنى مَفعُول مثل درهم ضَرب الأمير بمعَنى: مضروبه. والذي رَضخه النَّبي - صلى الله عليه وسلم - كانَ مِنَ المال الذي لم يقسم بَيْنَ المُسْلمين المعد للرضخ. (مِنَ الفَيءِ) وهوَ كل مَال أخذَ مِنَ الكُفار بلا إيجاف خيلٍ ولا قتَال وأصْله من فاء إذَا رَجَعَ والمُراد بالرجُوع رُجُوع المال إلى المُسلمين. [(قالت) أمَيَّة] (¬5) (وَكَانَتْ) المرأة الغفارية (لاَ تَطَّهَّرُ مِنْ حيضةٍ) (¬6) بِفَتح الحَاء. (إلَّا جَعَلَتْ فِي طَهُورِهَا) بفتح الطاء وهوَ: الماء الذي يتطهَّر به (مِلْحًا ¬

_ (¬1) "المغني" 10/ 218 - 219. (¬2) في (س، م): طاقت. (¬3) في (د، م): وهو. (¬4) في (د، م): وسمى. (¬5) في (ص): قال أمته. (¬6) في (ص، س) حيض. وبياض في (ل).

وَأَوْصَتْ بهِ) عندَ مَوتها (أَنْ يُجْعَلَ فِي غُسْلِهَا) بضم الغَين وهوَ الماء الذي يغتَسل (¬1) به وبالفتح المَصْدَر وبالكسْر: اسم لما يغسَل به من خِطمِيٍّ وغَيره (حينَ مَاتَتْ) (¬2). فيه: أنه يُستحب الوَصيَّة بِمَا يُتَبرك به مما يُوضَع في الماء، ومما يوضَع في الكفَن من خِرقة ونحَوهَا، كما أوصَى بَعضهم أن يجعَل في كفَنه مِنْ شعر النبِي - صلى الله عليه وسلم -. [314] (ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، قال: ثنا سَلَّامُ) بتشديد اللام. (ابْنُ سُلَيْمٍ) بالتصغير أبو الأحوص الحَافظ، له نحو (¬3) أربَعة آلافِ حَديثِ. (عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرِ) البجلي الكُوفي، أخرجَ له مُسْلم والأربعة. (عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيبَةَ) بن عُثمان القرشية الحَجْبية. (عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: دَخَلَتْ أَسْمَاءُ) بنت شَكَلٍ كما في "صحيح مسلم" (¬4) وذكر الخَطيب أن المبهمة: أسمَاءُ بنت يزيد (¬5). [(فقالت: يا رسول الله] (¬6) كيفَ تَغْتَسِلُ إِحْدَانَا إِذَا طَهُرَتْ مِنَ ¬

_ (¬1) في (د): يغسل. (¬2) أخرجه أحمد 6/ 380، والبيهقي في "الكبرى" 2/ 407، وضعفه الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" (56) لعنعنة ابن إسحاق، وجهالة أمية. (¬3) من (د، م). (¬4) "صحيح مسلم" (332). (¬5) "الأسماء المبهمة" 1/ 28 - 29. (¬6) تقدمت العبارة في (ص، س) واضطربت.

المَحيضِ، قَالَ: تَأْخُذُ) مُستقبل بمعنى الأمر كقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} (¬1). (سِدْرَهَا) السِّدر بِكَسْر السِّين: وَرَق شجر النبق، الوَاحدة من شجره سدرة [رواية مسلم (¬2): "سدرتها فتتطهر فتحسن الطهور"، (¬3) (وَمَاءَهَا) أي: السِّدْر الذي يغتسل به والمَاء (فَتَوَضَّأُ) إطلاقه يقتضي كمال الوضوء قبل الغسل (¬4) وهَو أفضَل عندَ الشافعي (¬5). (وتَغْسِلُ) (¬6) روَاية الخَطيب: "ثُمَّ تَغْسِلُ" (¬7) (رَأْسَهَا) أيْ: بعد أنْ تخلل أصول الشعر منه، ومن غَيْره، وكذَلكَ الرجُل. (وَتَدْلُكُهُ) (¬8) قال القرطبي: فيه حجة لمن رَأى التدَلَّك يعني واجبًا، فإن قيل إنما أمرنا بالتدَلك في الرأس ليعُم جَميع الشعر فيكون بمعنى التخليل. قال القُرطبي: وكذَاك (¬9) يقَال: في جَميْع البَدَن، فَإنْ قيلَ: لو كانَ ¬

_ (¬1) البقرة: 228. (¬2) "صحيح مسلم" (332) (61). (¬3) من (د). وقد تأخرت في (ص، س، ل، م) فجاءت بعد قوله: وكذلك الرجل بلفظ: (رواية مسلم: سدرتها فتتطهر به فيحسن الطهور) في (ص). وبلفظ "فتحسن الطهور" في (م). (¬4) في (ص، س، ل، م): الوضوء. (¬5) "الأم" 1/ 102 - 103، "المجموع" 2/ 186. (¬6) في (ص، س): تغتسل. (¬7) في (ص، س): تغتسل. (¬8) تكررت في (ص، ل). (¬9) في (م): وكذ أن. وفي (س): وكذلك.

جَميع حكم البَدَن حكم الرأس في هذا لبينه (¬1) فيه كما بيَّنه في الرأس، قلنَا: لا [يحتاج إلى ذَلِك] (¬2) وقد بَينه في عضو واحد، وقد فهم منهُ أن الأعضَاء كلهَا في حكم العضو الوَاحدِ في عُموم الغسْل فاكتفى بذَلك (¬3). (حَتَّى يَبْلُغَ المَاءُ أُصُولَ شَعْرِهَا) أي: الكثيفَة والخفيفة مِنْ شَعر الرأس والهُدب والحاجب بخلاف الوضوء (ثُمَّ تُفِيضُ (¬4) الماء (عَلَى جَسَدِهَا) قالَ النوَوي: إفاضة الماء عَلى جَميع البَدَن شَعره وبشره واجِبَان بلا خلاف، والمذهَب الصَّحيح أنه يُستحب إفاضة الماء عَلى جَميع البدَن أشَعره وبَشره، (¬5) ثلاث مَرات (¬6). (ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَتَهَا (¬7) بِكَسْر الفاء، وحكى ابن سيدَه: تثليثها (¬8) وبإسْكان الرَّاء وإهمال الصَّاد: قطعة مِن صُوف أو قُطن، أو جلدَة عَليهَا صُوف، حَكاهُ أبو عُبيد (¬9) وغَيره. (فَتَطَّهَّرُ) بفتح التاء والطاء وتَشْديد الهَاء أي تتطهر، ثم حُذفت إحْدى التاءين (بِهَا) أي تحتملهَا وتمسكها لتقطع الدم وتطيب مَوْضع (¬10) الدم. ¬

_ (¬1) في (س، م): هذه البينة. (¬2) في (د): تحتاج إلى ذلك. وفي (م): يحتاج إلى دَلك. (¬3) "المفهم" للقرطبي 1/ 588. (¬4) في (م): أفيض، وبياض في (ل). (¬5) ليست في (د، س، ل، م). (¬6) "شرح النووي على صحيح مسلم" 3/ 228 - 229، 4/ 9. (¬7) في (م): فرصها. (¬8) "المحكم": (فرص). (¬9) "غريب الحديث": (فرص). (¬10) في (م): من منع.

(قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله كَيْفَ أَتَطَهَّرُ بِهَا؟ ) فيه سُؤال المرأة العَالِم عَن حَالها الذي تحتشم مِنهُ؛ ولهذا كانت عَائشة تقول في نِسَاء الأنصَار: لم يَمنعهُن الحَيَاء أن يَتَفقَّهنَ. أخرجه مُسلم في بَعض طرق هذا الحَديث (¬1). (قَالَتْ عَائِشَةُ: فَعَرَفْتُ الذِي يَكْنِي) بفتح الياء وسُكون الكاف (عَنْهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -) قالَ في "النهاية": كنَيتُ عن الأمرِ وكنَوتُ عنه إذا وَرَّيتُ عنهُ بِغَيره (¬2) روَاية مُسْلم: وعرفت مَا أرَادَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - (فَقُلْتُ لَهَا: تَتَبَّعي (¬3) بِهَا آثَارَ الدَّمِ) (¬4) قالَ النوَوي: المراد به (¬5) عند العُلماء الفَرج (¬6). قال المحَاملي: يُستحبُّ لهَا أن تُطَيِّبَ (¬7) كلَّ موضع أصابه الدم من بدَنها، قال: ولم أره لغيره وظاهر الحَديث حجة له (¬8) وقد صَرح به في روَاية الإسماعيلي فقال: " [تتبَّعي بها] (¬9) مواضع الدَم"، وفي هذا الحديث جواز تَفسير كلام العَالم بحضرته لمِنْ خفي عليه إذا عرَفَ أن ذلك يعجبه، ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (332) (61). (¬2) "النهاية" (كنا). (¬3) في (ص): ينبغي. وفي (م): تبتغي، وبياض في (ل). والمثبت من (د، س). (¬4) أخرجه البخاري (314، 315) مختصرًا، ومسلم (332)، والنسائي 1/ 135، 207، وابن ماجه (642) جميعًا من طرق عن صفية بنت شيبة عن عائشة - رضي الله عنها -. (¬5) ليست في (م). (¬6) "شرح النووي على صحيح مسلم" 4/ 13. (¬7) في (ص، س): تصيب. (¬8) من (د، ل، م). وانظر: "شرح النووي على مسلم" 4/ 13. (¬9) في (ص): ينبغي لها، وفي (م): تبتغي بها.

وفيه الأخذ عن المفضول بحضرة الفاضِل، وفيهِ الرفق بالمتَعلم وإقامَة العُذر لمن لا يفهم، وفيه أن المرءَ مَطْلوبٌ منهُ ستر عيُوبه وإن كانت مما جبل عَليهَا مِنْ جِهَة أمر المرأة بالتطيُّبِ بإزَالة الرائحَة الكريهة. [315] (ثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ، قَال: ثنا أَبُو عَوَانَةَ) (¬1) الوضاح بن عبد الله مولى [يزيد بن] (¬2) عطاء اليشكري. (عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا ذَكَرَتْ نِسَاءَ الأَنْصَارِ فَأَثْنَتْ عَلَيْهِنَّ) أي: كما (¬3) تقدمَ في روَاية مسلم: نعم النسَاء نسَاء الأنصَار لم يمنَعهن الحَيَاء أن يتفقهن في الدين (وَقَالَتْ لَهُنَّ مَعْرُوفًا) أي: قولًا حَسَنًا. (وَقَالَتْ: دَخَلَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ) أي: من الأنصَار، وهي: أسْماء بنت شكل كما في مُسْلم. وذكر الخَطيب البغدَادي: أنَّ السَائلة: أسماء بنت يزيد خطيبَة النسَاء (¬4). (فَذَكرَ مَعْنَاهُ، إلَّا أنه (¬5) قَالَ: فرْصَةً) بضم الفاء وسكون الراء وفتح الصَّاد المهملة. قال ابن مَالك: الفرصَة النهزة (¬6) يَعْني لأخذ قطعة (مُمَسَّكَةً) قال ¬

_ (¬1) كتب فوقها في (د): ع. (¬2) في (ص): ابن ثابت. والمثبت من (د، ر، ل، م). (¬3) في (د، م): بما. (¬4) "الأسماء المبهمة" 1/ 28 - 29. (¬5) من (د، م). (¬6) "إكمال الإعلام" 2/ 479.

القرطبي: روَايتنا فيهَا بِضَم الميم الأولى وفتح الثانية وتشديد السِّين المُهملة (¬1) مَعناهُ مُطيَبة بالمسك مُبَالغة في نفي ما يكره مِن ريح الدم (¬2). قالَ القتيبي (¬3): مَعني مُمَسّكَة أي: محتملة (¬4) تحشى بهَا، أي: خذي قطعة مِن صُوف أو قطن واحْتمليهَا وامْسكيهَا؛ ليْدفع الدم قال: وأظنه إنما قالهَا مُمْسَكة بِضَم الميم (¬5) الأولى، وتسكين الثانية وتخفيف السِّين مفتوحة، وقيلَ: فيهَا ممسكة بِكسْر السِّين اسْم فاعِل من أمسَك كما قَالَ في الحَديث المتقدم: "انعت (¬6) لك الكرسف فإنه يذهب الدم" (¬7). (قَالَ مُسَدَّدٌ: كان (¬8) أَبُو عَوَانَةَ يَقُولُ: فُرْصَةً) بِضَم الفاء كما تقدم. (وَكَانَ أَبُو الأَحْوَصِ) سَلام بن سليم (يَقُولُ: قَرْصَةً) بفتح القاف والصَّاد المهملة، ووجهه المنذري فقال (¬9): يَعْني: شيئًا يَسيرًا مثل القرصة بطَرف الإصبعين (¬10). قال ابن حجر: ووهم مَن عزى هذِه الروَاية للبخاري، وقال ابن قتيبة: هي بفَتح القَاف والضاد المعجمة أي: قطعَة (¬11). [316] (ثَنَا [عُبَيْدُ الله] (¬12) بْنُ مُعَاذٍ، قال: ثنا أبي) معَاذ بن معَاذ ¬

_ (¬1) سقط من (د، س، ل، م). (¬2) "المفهم" 1/ 589. (¬3) انظر: شرح السنة" للبغوي 2/ 20، "النهاية في غريب الحديث والأثر" 4/ 330. (¬4) في (ص، س) زاد كلمة مقحمة وهي: له. (¬5) زاد في (د): في. (¬6) في (ص، س، ل): سأبعث. (¬7) تقدم. (¬8) في (ص، س، ل): قال. (¬9) في (ص، ل): يقال. (¬10) انظر: "فتح الباري" 1/ 495. (¬11) "فتح الباري" 1/ 495. (¬12) في (ص، س، ل): عبد الله.

العَنْبَرِيُّ (قال: ثنا شُعْبَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنَ مُهَاجِرٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أَنَّ أَسْمَاءَ) بنت شكل بفتح الشين المُعجمة والكاف كما تقدم. (سَأَلَتِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بِمَعْنَاهُ) و (قَالَ: فِرْصَةً) بِكَسْر الفاء كما تقَدم (مُمَسَّكَةً) بضَم الميم الأولى، وفَتح الثانية، والسِّين المهملة، أي: قطعَة مِن قُطن أو صوف أو خرقة مُطيبَة بالمسك. قال الزمخشري: الممَسكة: الخلق التي أمسَكت كثيرًا، كأنهُ أرَادَ أن لا تستعمل الجَديد مِنَ القطن والصوف للارتفاق (¬1) به للغزل وغَيره؛ ولأن الخَلِقَ أصلح (¬2) لذَلكَ وأوفق (¬3). قال في "النهاية": وهذِه الأقوال أكثرهَا متكلفة، والذي عَليه الفقهاء أن الحَائض عندَ الاغتسَال منَ الحَيْض يُسْتحب لهَا أن تَأخُذ شَيئًا يَسيرًا مِنَ المِسْك تتطيب به أو فرصة (¬4) مُطيبَة بالمسك (¬5) انتهى (¬6)، ويكون ذَلك بعدَ الغسْل عَلَى المَذهَب، وقيل: قبله، وهو سُنة مُؤكدة يكرَه تركها بلاَ عُذر، والصَّحيح أن المقصود بالمسْك تطييبُ المحَلِّ، وَدَفع الرائحة الكَريهة، لا تَعجيْل العُلوق فيستحب للِبكر والخليَّة وضدهما، وإن لم تجد مسْكًا أو لم تمسح به فنَحوه مما يُطيِّبُ المحَل، ويستثنى منَ المسك ونحوه المحدَّة والمحرِمة بَل يستعملان شيئًا يَسيرًا من قُسْطٍ أو أظفار. وكلام الرافعي والنوَوي في العِدد يشعر بتحريم المسْك. ¬

_ (¬1) في (د، س، م): للانفاق. (¬2) في (ص): أصح. (¬3) "الفائق في غريب الحديث" 1/ 262. (¬4) في (ص، ل) فرضه. (¬5) في (ص، س، ل) بالسك. (¬6) "النهاية في غريب الحديث والأثر" (مسك).

(قَالَتْ: كَيفَ أَتَطَهَّرُ بِهَا؟ ) فيه مُرَاجَعَة المفتي إذا لم يَتَّضح لهَا الحُكم. (قَالَ: سُبْحَانَ الله) فيه التسبيح عند التعَجب، وكذَا لا إله إلا الله، وفي رِوَاية البخاري (¬1) قال: "سُبحَان الله" اسْتحيَا وأعرض (¬2). وللإسمَاعيلي: فلما رَأيتُه يَسْتحيي علَّمتُها. زاد الدَارمي: وهو يسْمع فلا ينكر (¬3). وفيه حسن خلقه - صلى الله عليه وسلم - وعظم حلمه وحَيَائه. (تَطَهَّرِي بِهَا) وفي روَاية للبُخاري: "توضئي" (¬4) أي: تنظفي. (وَاسْتَتر بِثَوْبٍ) استحياء منها، وفيه اسْتحبَاب الاستتار عندَ الكَلام بما يُستحيَا منهُ؛ بأن يغطى رَأسه أو يدخله في جَيبه أو يلتفت بوجهه ونَحو ذلك. (وَزَادَ) على الروَاية المتقدمَة (وَسَأَلَتْهُ عَنِ الغُسْلِ مِنَ الجَنَابَةِ فَقَالَ: تَأْخُذِينَ) سدرتك و (مَاءَكِ فَتَطَهَّرِينَ) بفتح الهَاء المُشددة بِهَا (أَحْسَنَ الطُّهُورِ) بِضَم الطاء على المختار. قاله النووي: والمرادُ به الفعْل (¬5). (وَأَبْلَغَهُ) أي أكملهُ وأتمه (ثُمَّ تَصُبِّينَ عَلَى رَأْسِكِ المَاءَ) أي: ثَلاَث مَرات (ثُمَّ تَدْلُكِينَهُ) زَادَ مُسْلم: "دَلكًا شَديدًا" (¬6)، ويشبهُ أن يرَادَ بالدَّلك هُنَا دَلك الشعر، وهو تَخللهُ باليَد والماء ¬

_ (¬1) في (د، م): للبخاري. (¬2) "صحيح البخاري" (315). (¬3) في (س): يتكرر. وهو خطأ. وانظر: "سنن الدارمي" (773). (¬4) "صحيح البخاري" (315). (¬5) "شرح النووي على مسلم" 4/ 13. (¬6) "صحيح مسلم" (332) (61).

(حَتَى يَبْلُغَ شؤون رَأْسِكِ) أي: أصول شعر الرأس وأصْل الشؤون (¬1): المخطوط التي في عظم الجمجمة كما في الروَاية الأخرى، وظَاهِر الحَديث أن التخلل يَكونُ بعَدَ إفاضَة الماء، والذي قاله (¬2) أصْحَابنا وغَيرهم أنهُ يَكون قَبل الإفَاضة؛ لأنه أقرب بوصُول الماء إلى الأصول، ولو خَللهُ حَالَة الإفاضَة كفى. (ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ) أي: على سَائر بَدَنك (الْمَاءَ) فتبدَأ بالشق الأيمَن ثم الأيسر؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يحُب التيمن في الطهَارة، وفي شأنه كله. (قَالَتْ عَائِشَةُ: نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الحَيَاءُ أَنْ يَسْأَلْنَ عَنِ الدِّينِ) وفيه فضيلة ذهَاب المرأة إلى بَيت العَالم وَسُؤاله بنَفسِهَا عن الأحوَال التِي تحتشم منها بَعض النسَاء، وَمُراجعته فيما لا تفهمه، وهذا يَدُل على شدة الاحتراص على الدين بخلاف زَمَاننا هذا الذي (¬3) لا يسْأل فيه الرجَال خُصُوصًا عن النسَاء مَعَ كثرة اجتماعهم بأهل العلم، فنَسأل الله التوفيق. (وَيَتَفَقَّهْنَ فِيهِ) (¬4) والتفقه أخذ الفقه شَيئًا فشَيئًا، والفقه لغة (¬5): الفهَم، وقيلَ فهم الأشياء (¬6) الدقيقة. * * * ¬

_ (¬1) في (ص): الشئوب. (¬2) في (م): قال به. (¬3) من (د، م). (¬4) تقدم التخريج من هذا الطريق، وصححه الألباني على شرط مسلم. انظر "صحيح أبي داود" (334). (¬5) في (ص، ل): فقه. (¬6) في (س): الأسانيد.

124 - باب التيمم

124 - باب التَّيَمُّمِ 317 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، أَخْبَرَنا أبُو مُعاوِيَةَ (ح) وحَدَّثَنا عُثْمان بْن أَبِي شَيْبَةَ، أَخْبَرَنا عَبْدَةُ -الْمَعْنَى واحدٌ- عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ وَأُناسًا مَعَهُ فِي طَلَبِ قِلادَةٍ أَضَلَّتْها عائِشَة، فَحَضَرَتِ الصَّلاةُ فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وضُوءٍ، فَأَتَوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَأُنْزِلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ، زادَ ابن نُفَيْلٍ: فَقالَ لَها أُسَيْدُ بْن حُضَيْرٍ: يَرْحَمكِ الله، ما نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ تَكْرَهِينَهُ إلَّا جَعَلَ اللهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَكِ فِيهِ فَرَجًا (¬1). 318 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن صالِحٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ حَدَّثَة، عَنْ عَمّارِ بْنِ ياسِرٍ أَنَّهُ كانَ يُحَدِّث أنَهُمْ تَمَسَّحوا وَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالصَّعِيدِ لِصَلاةِ الفَجْرِ، فَضَرَبُوا بِأَكُفِّهِمُ الصَّعِيدَ، ثُمَّ مَسَحُوا وجُوهَهُمْ مَسْحَةً واحدَةً، ثُمَّ عادُوا فَضَرَبُوا بِأَكُفِّهِمُ الصَّعِيدَ مَرَّةً أُخرَى، فَمَسَحُوا بِأَيْدِيِهِمْ كُلِّها إِلَى المَناكِبِ والآباطِ مِنْ بُطُونِ أَيْدِيِهِمْ (¬2). 319 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ داودَ المَهْرِيُّ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبٍ، عَنِ ابن وَهْبٍ، نَحْوَ هذا الحَدِيثِ، قالَ: قامَ المُسْلِمُونَ فَضَرَبُوا بِأَكُفِّهِمُ التُّرابَ وَلَمْ يَقْبِضُوا مِنَ التُّرابِ شَيْئًا، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَلَمْ يَذْكرِ المَناكِبَ والآباطَ. قالَ ابن اللَّيْثِ: إِلَى ما فَوْقَ الِمرْفَقَيْنِ (¬3). 320 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ وَمُحَمَّدُ بْن يَحْيَى النَّيْسابُورِيُّ -فِي آخَرِينَ- قالُوا: حَدَّثَنا يَعْقُوبُ، أَخْبَرَنا أَبِي، عَنْ صالِحٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابن عَبّاسٍ، عَنْ عَمّارِ بْنِ ياسِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَرَّسَ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (336)، ومسلم (367). (¬2) رواه النسائي 1/ 168، وابن ماجه (565، 566، 571)، وأحمد 4/ 320، 321. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (336). (¬3) انظر السابق.

بِأُولاتِ الجَيْشِ وَمَعَهُ عائِشَةُ، فانْقَطَعَ عِقْدٌ لَها مِنْ جَزْعِ ظَفارِ، فَحَبَسَ النّاسَ ابْتِغاءُ عِقْدِها ذَلِكَ، حَتَّى أَضاءَ الفَجْرُ وَلَيْسَ مَعَ النّاسِ ماءٌ فَتَغَيَّظَ عَلَيْها أَبُو بَكْرٍ، وقالَ: حَبَسْتِ النّاسَ وَلَيْسَ مَعَهُمْ ماءٌ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعالَى عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - رُخْصَةَ التَّطَهُّرِ بِالصَّعِيدِ الطَّيِّبِ، فَقامَ المُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَضَرَبُوا بِأَيْدِيهِمْ إِلَى الأرْضِ، ثُمَّ رَفَعُوا أَيْدِيهِمْ وَلَمْ يَقْبِضُوا مِنَ التُّرابِ شَيْئًا، فَمَسَحُوا بِها وجُوهَهُمْ وَأَيْدِيَهمْ إِلَى المَناكِبِ وَمِنْ بُطونِ أَيْدِيهِمْ إِلَى الآباطِ. زادَ ابن يَحْيَى فِي حَدِيثِهِ: قالَ ابن شِهابٍ فِي حَدِيثِهِ: وَلا يَعْتَبِرُ بهذا النّاسُ. قالَ أبُو داودَ: وَكَذَلِكَ رَواهُ ابن إِسْحاقَ، قالَ فِيهِ: عَنِ ابن عَبّاسٍ، وَذَكَرَ ضَرْبَتَيْنِ، كَما ذَكَرَ يُونُسُ. وَرَواهُ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: ضَرْبَتَيْنِ. وقالَ مالِكٌ، عَنِ الزّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمّارٍ، وَكَذَلِكَ قالَ أبُو أُوَيْسٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَشَكَّ فِيهِ ابن عُيَيْنَةَ، قالَ مَرَّةً: عَنْ عُبَيْدِ اللهِ عَنْ أَبِيهِ -أَوْ: عَنْ عُبَيْدِ اللهِ- عَنِ ابن عَبّاسٍ، وَمَرَّةً قالَ: عَنْ أَبِيهِ. وَمَرَّةً قالَ: عَنِ ابن عَبّاسٍ. اضْطَرَبَ ابن عُيَيْنَةَ فِيهِ وَفِي سَماعِهِ مِنَ الزُّهْرِيِّ، وَلَمْ يَذْكرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي هذا الحَدِيثِ الضَّرْبَتَيْنِ، إلَّا مَنْ سَمَّيْت (¬1). 321 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمانَ الأَنْبارِيُّ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ الضَّرِيرُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ قالَ: كُنْت جالِسًا بَيْنَ عَبْدِ اللهِ وَأَبِي مُوسَى، فَقالَ أَبُو مُوسَى: يا أَبا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَجْنَبَ فَلَمْ يَجِدِ الماءَ شَهْرًا، أَما كانَ يَتَيَمَّمُ؟ فَقالَ: لا، وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الماءَ شَهْرًا، فَقالَ أبُو مُوسَى: فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ بهذِه الآيَةِ التِي فِي سُورَةِ المائِدَةِ {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6]؟ فَقالَ عَبْدُ اللهِ: لَوْ رُخِّصَ لَهُمْ فِي هذا لأوْشَكوا إِذا بَرَدَ عَلَيْهِمُ الماء أَنْ يَتَيَمَّمُوا بِالصَّعِيدِ. فَقالَ لَهُ أبُو مُوسَى: وَإِنَّما كَرِهْتمْ هذا لهذا؟ قالَ: نَعَمْ. فَقالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: أَلمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمّارٍ ¬

_ (¬1) رواه النسائي 1/ 167، وأحمد 4/ 263 - 264. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (338).

لِعُمَرَ: بَعَثَنِي رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي حاجَةٍ، فَأَجْنَبْتُ، فَلَمْ أَجِدِ الماءَ، فَتَّمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَما تَتَمَرَّغُ الدّابَّةُ، ثُمَّ أَتَيْت النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقالَ: "إِنَّما كانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ هَكَذا"، فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى الأرضِ فَنَفَضَها، ثُمَّ ضَرَبَ بِشِمالِهِ عَلَى يَمِينِهِ وَبِيَمِينِهِ عَلَى شِمالِهِ عَلَى الكَفَّيْنِ، ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ، فَقالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ: أَفَلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمّارٍ (¬1). 322 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ العَبْدِيُّ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي مالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى قالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ فَجاءَهُ رَجُلٌ فَقالَ: إِنّا نَكُونُ بِالمَكانِ الشَّهْرَ والشَّهْرَيْنِ، فَقالَ عُمَرُ: أَمّا أَنا فَلَمْ أَكُنْ أُصَلِّي حَتَّى أَجِدَ الماءَ. قالَ: فَقالَ عَمّارٌ: يا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أَما تَذْكُرُ إِذْ كُنْتُ أَنا وَأَنْتَ فِي الإِبِلِ فَأَصابَتْنا جَنابَةٌ، فَأَمّا أَنا فَتَمَعَّكْت، فَأَتَيْنا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقالَ: "إِنَّما كانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ هَكَذا"، وَضَرَبَ بِيَدَيْهِ إِلَى الأرضِ، ثمَّ نَفَخَهُما، ثُمَّ مَسَحَ بِهِما وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى نِصْفِ الذِّراعِ، فَقالَ عُمَرُ: يا عَمّارُ اتَّقِ اللهَ. فَقالَ: يا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إِنْ شِئْتَ والله لَمْ أَذْكرْهُ أَبَدًا. فَقالَ عُمَرُ: كَلَّا والله، لَنُوَلِّيَنَّكَ مِنْ ذَلِكَ ما تَوَلَّيْتَ (¬2). 323 - حَدَّثَنا محَمَّد بْن العَلاءِ، حَدَّثَنا حَفْصٌ، حَدَّثَنا الأعمَشُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنِ ابن أَبْزَى، عَنْ عَمّارِ بْنِ ياسِرٍ فِي هذا الحَدِيثِ، فَقالَ: "يا عَمّارُ، إِنَّما كانَ يَكْفِيكَ هَكَذا"، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الأرضَ، ثُمَّ ضَرَبَ إِحْداهُما عَلَى الأُخْرَى، ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ والذِّراعَيْنِ إِلَى نِصْفِ السّاعِدَيْنِ وَلَمْ يَبْلُغِ الِمرْفَقَيْنِ ضَرْبَةً واحدَةً. قالَ أَبُو داودَ: وَرَواهُ وَكِيعٌ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، وَرَواهُ جَرِيرٌ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (345، 346، 347)، ومسلم (368). (¬2) رواه النسائي 1/ 168، وأحمد 4/ 319. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (345)، قال: إسناده صحيح، لكن قوله: إلى نصف الذراع. . . شاذ؛ ولذلك لم يخرجه الشيخان في صحيحيهما.

ابْنِ أَبْزَى، يَعْنِي: عَنْ أَبِيهِ (¬1). 324 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ بَشّارٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّد -يَعْنِي: ابن جَعْفَرٍ- أَخْبَرَنا شعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ ذَرٍّ، عَنِ ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمّارٍ، بهذِه القِصَّةِ، فَقالَ: "إِنما كانَ يَكْفِيكَ"، وَضَرَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ إِلَى الأرْضِ، ثُمَّ نَفَخَ فِيها وَمَسَحَ بِها وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ، شَكَّ سَلَمَةُ، وقالَ: لا أَدْرِي فِيهِ إِلَى الِمرْفَقَيْنِ. يَعْنِي: أَوْ: إِلَى الكَفَّيْنِ (¬2). 325 - حَدَّثَنا عَليُّ بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ، حَدَّثَنا حَجّاجٌ -يَعْنِي: الأَعْوَرَ- حَدَّثَنِي شُعْبَةُ بإسْنادِهِ بهذا الَحَدِيثِ، قالَ: ثمَّ نَفَخَ فِيها وَمَسَحَ بِها وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ إِلَى الِمرْفَقَيْنِ أَوْ إِلَى الذِّراعَيْنِ. قالَ شُعْبَةُ: كانَ سَلَمَة يَقُولُ: الكَفَّيْنِ والوَجْهَ والذِّراعَيْنِ. فَقالَ لَهُ مَنْصُورٌ ذاتَ يَوْمٍ: انْظُرْ ما تَقُولُ، فَإِنَّهُ لا يَذْكُرُ الذِّراعَيْنِ غَيْرُكَ (¬3). 326 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنِي الحَكَمُ، عَنْ ذَرٍّ، عَنِ ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمّارٍ فِي هذا الحَدِيثِ، قالَ: فَقالَ -يَعْنِي النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّما كانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ إِلَى الأرضِ فَتَمْسَحَ بِهِما وَجْهَكَ وَكَفَّيْكَ"، وَساقَ الحَدِيثَ. قالَ أَبُو داودَ: وَرَواهُ شُعْبَةُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي مالِكٍ قالَ: سَمِعْتُ عَمّارًا يَخْطُبُ بِمِثْلِهِ، إلَّا أَنَّهُ قالَ: لَمْ يَنْفُخْ. وَذَكَرَ حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الحَكَمِ فِي هذا الحَدِيثِ، قالَ: ضَرَبَ بِكَفَّيْهِ إِلَى الأرْضِ وَنَفَخَ (¬4). ¬

_ (¬1) انظر الحديثين السابقين. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (346)، قال: حديث صحيح دون قوله: والذراعين. . . إلى قوله: ولم يبلغ المرفقَيْنِ؛ فإنه شاذ، والصواب: والكفين. (¬2) انظر ما سلف برقم (321، 322). (¬3) انظر ما سلف برقم (321، 322). (¬4) انظر ما سلف برقم (322).

327 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْن الِمنْهالِ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ عَزْرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمّارِ بْنِ ياسِرٍ قالَ: سَأَلْت النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ التَّيَمُّمِ، فَأَمَرَنِي ضَرْبَةً واحدَةً لِلْوَجْهِ والكَفَّيْنِ (¬1). 328 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا أَبان قالَ: سُئِلَ قَتادَة عَنِ التَّيَمُّمِ فِي السَّفَرِ، فَقالَ: حَدَّثَنِي مُحَدِّث عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ عَمّارِ بْنِ ياسِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إِلَى المِرْفَقَينِ" (¬2). * * * باب التَّيَمُّمِ هو في اللغَة: القصد، وفي الشرع: القصد إلى الصَّعيد بمسح الوجه واليدَين بنية استباحَة الصَّلاة ونَحوهَا. قالَ ابن السكيت {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا} أي: اقصدُوا صَعيدًا، ثم كثر استعماله حَتى صَار التيمم مَسْح الوَجْه واليَدَين بالتراب (¬3) انتهى؛ فعَلى هذا هَو مَجاز لُغَوي، وعَلى الأول: هُو حَقيقة شَرعية. [317] (ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيلِيُّ) بضَم النون وفتح الفاء، قال: (ثنا أَبُو مُعَاوَيةَ) محمد ابن خازم الضَرير (ح (¬4) وَثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ)، ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (144)، أحمد 4/ 263، وابن خزيمة (267)، وابن حبان (1303، 1308). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (354). (¬2) رواه البزار (1391)، والدارقطني 1/ 182، والبيهقي 1/ 210. وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (57). (¬3) "إصلاح المنطق" (ص 315). (¬4) من (د).

قال (ثنا عَبْدَةُ) ابن سُليمان المقرئ ([المعنى واحد] (¬1) عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ) عروة بن الزبَير (عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: بَعَثَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أُسَيدَ بْنَ حُضَيْر (¬2) وَأُنَاسًا) وَروَاية مُسْلم (¬3): فبعَث ناسًا من أصحابه في طَلبَها. وطَريق الجَمع بَينهما: أنَّ أُسَيْدًا كَانَ رأس من بُعث لذَلك؛ فلذلك سمي به في هذِه الروَاية. (فِي طَلَبِ قِلاَدَة) وللبُخاري في التفسير عَن عَائشة: سَقطت قلادة لي (¬4) بالبيدَاء ونحنُ دَاخِلُون المَدِيْنة فأناخ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ونزل (¬5). وفي روَاية: انقطعَ عقد (¬6)، وهوَ كل مَا يعقد ويعلق في العُنُق قلاَدة، وفيه جَوَاز اتخاذ النسَاء الحلي تجملًا لأزوَاجهن، واستصحاب (¬7) الحُلي في السَّفر (أَضَلَّتْهَا) أي؛ فقدتها (عَائِشَةُ) وكانت لأسمَاء (فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ) الظاهِر أنهَا صَلاة الصُبح لروَاية البخاري: فقامَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - حَين (¬8) أصْبحَ عَلى غَير ماء (¬9). ¬

_ (¬1) في (ص): المفتي ورجل. والمثبت من (د، س، ل، م). (¬2) في (ص، س): خضر. والمثبت من (د، م). (¬3) "صحيح مسلم" (367) (109)، وعنده: (فأرسل) بدل (بعث). (¬4) سقط من (م). (¬5) "صحيح البخاري" (4608). (¬6) هذه الرواية أخرجها مالك في "الموطأ" (120)، ومن طريقه البخاري (334)، ومسلم (367) (108)، والنسائي في "المجتبى" 1/ 163 - 164، وأحمد 6/ 179. (¬7) في (ص، ل): استحباب. والمثبت من (د، م). (¬8) في (ص، س، ل): حتى. والمثبت من (د، م). (¬9) "صحيح البخاري" (334).

(فَصَلَّوْا بِغَيرِ وضُوءٍ) أغربَ ابن المنذر [فادعى أن عبدة] (¬1) تفرد بهذِه الزيَادَة (¬2)، والمراد أنهمُ صَلَّوا بغير وضوء ولا تيمم؛ لأن التيمم لم يكن بعَدُ نَزَل، ولا عَرفوهُ، بَل (¬3) اعتقدُوا وجوب الصَّلاة عَليهم، وفيه دَليل على وجوب الصَّلاة عَلى فاقد الطهورين؛ إذ لو كانَت الصَّلاة ممَنوعَة لأنكر عَليهم النَّبي - صلى الله عليه وسلم - حينَ ذكرُوا لهُ ذَلك، وبهَذا قالَ الشافِعِي (¬4)، وأحمد (¬5)، وجُمهُور المُحدِّثين، وأكثر أصحَاب مَالك (¬6)، لكن اختلفوا في الإعَادَة، والمنصُوص عن الشافعي وجوبها (¬7)، واحتجوا بأنه عذر نادر؛ فلم تَسقُط الإعادة. (فَأَتَوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ فَأُنْزِلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ) {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} (¬8). (زَادَ) عَبد الله بن محمد (ابْنُ نُفَيْلٍ) في روَايته (فَقَالَ لَهَا أُسَيْدُ) بن حُضَيْرٍ (يَرْحَمُكِ الله) وفي روَاية الصَّحيحين: جَزَاك اللهُ خَيرًا (¬9)، فيه ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): فأدى عنده. والمثبت من (د، م). (¬2) قال ابن المنذر عند ذكره لهذه الزيادة: إن كان هذا محفوظًا قد حفظه عبدة فإني لم أجده من غير حديثه.! ؟ . فقد تبين لك أنه لم يدع تفرد عبدة به، بل قال: إنه لم يجده من غير حديثه. وانظر تعليق المحقق عليه. انظر: "الأوسط" لابن المنذر 2/ 164. (¬3) زاد في (م): ظنوا. (¬4) "الأم" 1/ 116. (¬5) انظر: "المغني" 1/ 328. (¬6) انظر: "الاستذكار" 1/ 305. (¬7) "الأم" 1/ 116. (¬8) المائدة: 6. (¬9) "صحيح البخاري" (336)، و"صحيح مسلم" (367) (109).

الدُّعَاء لمنْ حَصَل للمَسْلمين بِسَببه خَيْر، وأيُّ خَير أعظمُ من هذا (مَا نَزَلَ بِكِ (¬1) أَمْرٌ تَكْرَهِينَهُ إلَّا جَعَلَ الله) تعالى (لِلْمُسْلِمِينَ وَلَكِ (¬2) فِيهِ فَرَجًا) وللبخاري: إلا جَعَل اللهُ للمُسْلمين فيه خيرًا. (¬3) وله في النكاح: إلا جَعَل اللهُ لك مِنهُ مَخرْجًا وَجَعَل للمسلمين فيه بَرَكة (¬4). وفي "تفسير إسحاق البستي" من طريق ابن أبي مليكة عنها أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قالَ لهَا: (مَا (¬5) أعظم بركة قلاَدتك) (¬6). [318] (ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، قال: ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ وَهْب، قال: أَخْبَرَنِي يُونُسُ) ابن يزيد بن أبي النجاد، أخرجَ له الشيخان (عَنِ) محَمد (ابْنِ شِهَابٍ، أنَّ عبيد الله) (¬7) بالتصغير (بْنِ عَبْدِ الله بْنِ عُتْبَةَ) الفَقيه الأعمَى، وهوَ لم يدْرك عَمارًا؛ فالحَديث منقَطِع (¬8)، وَرَوَاه ابن مَاجَه مِنَ حديث عبَيْد الله بن عبَد الله (¬9) بن عتبة عَن أبيه، عَنْ عَمَّارِ مَوْصُولًا (¬10) (حَدَّثَهُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ - رضي الله عنه - أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّهُمْ تَمَسَّحُوا وَهُمْ مَعَ النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) في (م): لك. (¬2) في (س): ذلك. (¬3) "صحيح البخاري" (336). (¬4) "صحيح البخاري" (5164). (¬5) زاد في (د، م): كان. (¬6) عزاه له في "فتح الباري" 1/ 518. (¬7) كتب فوقها في (د): ع. (¬8) لكن وصله المصنف في الرواية بعد الآتية بإدخال ابن عباس بينهما وسيأتي عندها الكلام عليه. (¬9) في (ص): عبد ربه. والمثبت من (د، س، م). (¬10) "سنن ابن ماجه" (571).

بِالصَّعِيدِ) اختلف العُلماء في الصَّعيد: فالأكثَرُونَ على أنهُ هنَا (¬1) التراب (¬2). وقال الآخرون: هُوَ جَمِيع مَا صَعَدَ على الأرض (¬3). (لِصَلاَةِ الفَجْرِ) وَرِوَاية النسَائي: عَن عبَيد الله بن عَبْد الله بن عتبة، أنهُ أخبَرَه، عَن أبيه، عَن عمار، قال: تَيمَمنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬4). (فَضَرَبُوا بِأَكُفِّهِمُ الصَّعِيدَ) فيه حُجة للقَول القَديم أنهُ يَجوز الاقتصَار في اليَدَين على الكفين. قال النوَوي في "شرح المهَذب": وهذا القَول قوي في الدليل وأقرب إلى ظاهِر السُنة الصَحيحة (¬5). (ثُمَّ مَسَحُوا بوجوههم) رَواية الخَطِيْب: ثُمَّ مَسَحُوا وجُوهَهُمْ بحَذف البَاء (مَسْحَةً وَاحدَةً ثُمَّ عَادُوا فَضَرَبُوا بِأَكُفِّهِمُ الصَّعِيدَ مَرَّةً أُخْرَى (¬6) ¬

_ (¬1) في (م): هذا. (¬2) هذا قول الشافعي والأوزاعي، وإسحاق، وابن المنذر. أنَّ التيمم لا يجوز بغير التراب. وأجاز مالك التيمم بالحصى، وقال أبو ثور لا يتيمم إلا بتراب أو رمل. انظر في ذلك "الأم" 1/ 115، و"مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج" (85)، و"المدونة الكبرى" 1/ 148. (¬3) هذا قول أصحاب الرأي، وهم الأحناف، فأجازوا التيمم بكل شيء من تراب أو طين، أو جص، أو نورة، أو زرنيخ، أو أي شيء من الأرض. قالوا: ولا يجزئه أن يتيمم بشيء ليس من الأرض. انظر: "المبسوط" للسرخسي 1/ 244 - 246. (¬4) "المجتبى" 1/ 168. (¬5) "المجموع "شرح المُهَذب" 2/ 220. (¬6) في (ص): واحدة. والمثبت من (د، س، م)

فَمَسَحُوا بِأَيْدِيهِمْ كُلِّهَا إِلَى المَنَاكِبِ) وَاحدها منكب بفتح الميم وكسْر الكاف مجمَع عظمي العَضُد والكتف (وَالآبَاطِ) وهي تحت المناكب (مِنْ بُطُونِ أَيْدِيهمْ) لفظ النسَائي: فمسَحنا بوجوهنا وأيدينا إلى المنَاكب (¬1). وفيه دَليل على أنَّه يُستحب في التيمم إطالَة الغُرة والتحجيل (¬2) في اليدين (¬3)، كما في الوضوء، وله أن يَبلغ المناكب والإبط، وبه قال أصحَابنا، الأكمل أن يبلغ في الوضُوء الإبط والركبة، وهوَ مقتضى كلام "المنهاج" وغَيره (¬4). [319] (ثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ دَاودَ) ابن حَماد بن سَعْد (الْمَهْرِيُّ) (¬5) بفتح الميم أبو الربيع المَصْري. قال النسَائي: ثقة (¬6). وقالَ أبو سَعيد بن يونس: كانَ فَقيهًا على مَذهب مَالك زَاهِدًا (¬7) (و (¬8) عَبْدُ المَلِكِ بْنُ شُعَيبٍ) ابن الليث بن سَعْد الفهمي شيخ مُسْلم. (عَنِ) عَبد الله (ابْنِ وَهْب نَحْوَ هذا الحَدِيثِ) و (قَالَ) فيه: (فَقَامَ المُسْلِمُونَ فَضَرَبُوا بِأَكُفِّهِمُ التُّرَابَ، وَلَمْ يَقْبِضُوا مِنَ التُّرَابِ) شَيْئًا قد ¬

_ (¬1) "المجتبى" 1/ 168. (¬2) في (د، م): التحجل. (¬3) في (ص، م، س): التيمم. والمثبت من (د). (¬4) "منهاج الطالبين" (ص 7) (¬5) في (ص، س، ل): المهدي. (¬6) "مشيخة النسائي" (93). (¬7) "تهذيب الكمال" 11/ 409. (¬8) في (ص، س، ل): وقال. والمثبت من (د، م).

يُؤخذ منه أنهُ يَجوز التيمم، وإن لم يعَلق بكفيه تراب، وهوَ يؤيد مَذْهَب مَالك (¬1) وأبي حنيفة (¬2) فإنهما ذَهَبَا إلى جَوَاز التيمم بصخرة لا يعلق على اليَد مِنها غبار، وَمَذهب الشافعي (¬3) وأحمد (¬4): أن التيمم لا يجوز إلا أن يعَلق بالكف غبَار و (¬5) تراب؛ لأن اللهَ تعالى قال: ({فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}) (¬6) ومن للتبعيض فيَحتَاج أن يمسَح بجُزء منه. (فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَلَمْ يَذْكُرِ المَنَاكِبَ وَالآبَاطَ) كما في الرِّواية التي قبلهَا. (قَالَ) عبد الملك [بن شعيب] (¬7) (ابْنُ اللَّيْثِ: إِلَى مَا فَوْقَ المِرْفَقَينِ). [320] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ) القطيعي أبو عبد الله البغدَادي، وأبو خلف اسمه: محمد مَولى بني سليم، أخرجَ لهُ مُسْلم في مَوَاضع (¬8). (وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى) شيخ البخاري وهوَ ابن (¬9) عبد الله بن خَالد (النَّيسَابُورِيُّ) الحَافظ أحَد الأعلام (فِي آخَرِينَ قَالُوا: ثَنَا يَعْقُوبُ) ابن إبراهيم. ¬

_ (¬1) "المدونة الكبرى" 1/ 148. (¬2) انظر: "المبسوط" للسرخسي 1/ 246. (¬3) في (د): للشافعي، وانظر: "الأم" 1/ 114 - 115. (¬4) "مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج" (85). (¬5) في (د، م): أو. (¬6) المائدة: 6. (¬7) من (د)، وفي (م): مالك. (¬8) أخرج له في باب اختباء النبي -صلى الله عليه وسلم- دعوة شفاعة لأمته، وفي الصلاة، وغيرها. (¬9) في (ص): أبو. والمثبت من (د، م)، وهو الإمام الذهلي رحمه الله.

(قال: ثنا أَبِي) إبرَاهيم بن سَعْد بن إبراهيم بن عبد الرحمَن بن عوف (عَنْ صَالِح) (¬1) بن كيسَان المدَني. (عَنِ ابن شِهَابٍ قال حَدَّثَنِي عُبَيدُ الله (¬2) بْنُ عَبْدِ الله) ابن عتبة الفقيه الأعمى. (عَنِ) عبد الله (بْنِ عَبَّاسٍ) ابن عبد المطلب عَم النَّبي -صلى الله عليه وسلم-. (عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- عَرَّسَ) بتَشديد الراء، أي: نزل في آخر (¬3) الليل لينَامُوا ويريحوا رَوَاحلهم وَيَسْتريحوا (بِأُولاَتِ الجَيشِ) بفتح الجِيم، ويُقال: ذَات الجَيْش، وَهي قرب المدينة مِن (¬4) ذي الحلَيفة في طَريق مكة، وهي مِنَ المدينة عَلى بريد، وَبينها وبَين العقيق تسعَة أميَال. (وَمَعَهُ عَائِشَةُ) فيه دَليل على استِصْحَاب الزَوْجَة في السَّفَر، وإن كانَ لهُ نِسَاء غَيْرهَا إذَا صَارَت القرعة لَهَا. (فَانْقَطَعَ عِقْدٌ) بِكَسْر العَيْن: كل ما يعقد ويُعلق في العُنق، ويُسمَّى قلادة كما تقدم في الحَديث السَّابق. (لها (¬5) مِنْ جَزْعِ) بِفتح الجيم وسُكون الزاي وبَعْدهَا عَيْن مُهملة، وهوَ خَرَز، يماني (¬6) مُلون الوَاحدَة جَزْعَة، والجِزع بالكسر جَانب الوَادي. ¬

_ (¬1) كتب فوقها في (د): ع. (¬2) كتب فوقها في (د): ع. (¬3) في (ص): أحد. والمثبت من (د، س، ل، م). (¬4) في (د): بين. (¬5) من (د). (¬6) في (م): غال.

(أظفار) (¬1) قال ابن الأثير (¬2): يروى هذا الحَديث: جَزْع ظَفَار، وجزع أظفار، فأمَا ظَفَارِ بوَزن قَطَام فهوَ مدِينَة بِاليمَن نسبَ الجزع إليهَا وأمَا أظفار فهوَ اسْم لنَوع منَ الجزع يعرفونه، وظفَار مَدينة مَعرُوفَة بِسَوَاحل اليَمَن يجلب إليهَا القُسط الهندي (¬3). قال ابن حجرَ: وحكي في ضَبْط "ظفار" وجهَين: كسْر أوله وصَرفه، أو فتحه والبنَاء يَعْنِي: على الكسْر مثل قَطَامِ (¬4). (فَحَبَسَ) بِفتح الحاء والبَاء يَعني النَّبي -صلى الله عليه وسلم- (النَّاسَ ابْتِغَاءُ عِقْدِهَا) أضيف إليهَا تجوزًا لكونه كانَ في يَدهَا عَارِية من أسمَاء أختها، وفيه دَليل على الاعتناء [بحفظ حقوق] (¬5) المُسْلمين وأموَالهم وإن قَلَّت ولهذا (¬6) أقام الجَيش لابتغائه، وفيه جِوَاز الإقامَة بموضع لا ماء فيه يتوَضأ مِنه ويشرب. (ذَلِكَ حَتَّى أَضَاءَ الفَجْرُ) قال ابن حجر: أما روَاية عمرو بن الحَارث فلفظهَا ثم إن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- استيقظ وحَضرَت الصُبح، فإن أعربت الوَاو حَالية كانَ (¬7) دَليلًا على أن الاستيقاظ وقع حَال وجُود الصبَاح. قالَ: وهوَ ¬

_ (¬1) في (د، م): ظفار. (¬2) "النهاية في غريب الحديث والأثر" (ظفر). (¬3) ظفار مدينة قرب صنعاء، وهي التي ينسب إليها الجزع الظفاري، وبها كان مسكن ملوك حمير. كذا قال ياقوت في "معجم البلدان" 4/ 60. (¬4) "فتح الباري" 1/ 493. (¬5) في (ص، ل) بحقوق. والمثبت من (د، م). (¬6) في (ص، س) ولها. والمثبت من (د، م). (¬7) زاد في (م): ذلك.

الظاهر، واستدل به على الرخصَة في تَرك التهجد في السَّفر إن ثبت أن التهجد كانَ واجبًا عليه (¬1). قال ابن عبد البر: ومعلوم عند جميع أهْل المغازي؛ أنهُ -صلى الله عليه وسلم- لم يُصَل منذ افترضت عَليه الصَّلاة إلا بوضوء، ولا يدْفع ذَلكَ إلا جَاهِل أو معَاند (¬2). (وَلَيْسَ مَعَ النَّاسِ مَاءٌ) فيه جَوَاز الإقَامَة بموضع لا مَاء فيه كما تقدم. (فَتَغَيَّظَ عَلَيهَا أَبُو بَكْرٍ) والنكتَة في قَوله فتغيّظ عَلَيهَا أبو بَكر ولَم يَقُل أبوهَا؛ لأنَّ ذكر الأبوة يُذكر في مَقام الحُنُوِّ والشفقة، وهذا مَقامُ العِتَاب بالقول، والتأديب بالفعل، فنزل هنا مَنزلة الأجنبي لعَائشة بقوله (حَبَسْتِ النَّاسَ وَلَيسَ مَعَهُمْ مَاءٌ) وليسَ في المكان الذي نزلوا فيها مَاء. (فَأَنْزَلَ الله عَلَى رَسُولِهِ) -صلى الله عليه وسلم- (رُخْصَةَ التطهر (¬3) بِالصَّعِيدِ الطَّيِّبِ) فيه نصّ صَريح عَلَى أن التيمم رُخصَة خُصت بهَا هذِه الأمة لمْ يُشَاركها غَيرها من الأمم، وفي وَجه أنه عَزيمة حَكاهُ ابن الرفعَة وبَنَى على الخلاف قَضَاء العَاصي (¬4) بسفره والصَّحيح أنه يقضي؛ لأنه رُخصَة وقيل لا يقضي؛ لأنه عَزيمة. (فَقَامَ المُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- فَضَرَبُوا بِأَيْدِيهِمْ إِلَى الأَرْضِ، ثُمَّ رَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ وَلَمْ يَقْبِضُوا بأَيْدِيَهُمْ شَيئًا) وقد يستَدل به على أنهُ يجوز ¬

_ (¬1) "فتح الباري" 1/ 517. (¬2) "التمهيد" 19/ 279. (¬3) في (ص): الطهر، والمثبت من (د، م) (¬4) في (س، م): القاضي.

التيمم، وإن لم يعلق بيده مِنَ التُّرَابِ شَيئًا كما تقدم، لكن قَد يقال: عَدَم قبضهم مِنَ التراب شَيئًا لا يُنَافي التيمم بمَا علق بأيديهم، ولو لم يقبضُوا منهُ شَيئًا بَل علق التراب بأيديهم فتيمموا به. (فَمَسَحُوا بِهَا) أي: بتلك الضَّربة (وجُوهَهُمْ وَأَيْدِيَهُمْ) قَد يستَدل بهِ عَلى جَوَاز التيمم بضَربَة واحَدة. قال ابن المنذر (¬1): وعَامة الأصحَاب على أن الواجب ضَربة واحدَة لحَديث عمار في "الصحيح" (¬2). حَتى وصَلوا في مَسْح أيديهم (إِلَى المَنَاكِبِ وَمِنْ بُطُونِ أَيْدِيهِمْ إِلَى الآبَاطِ) فيه دَليل على إطَالة الغرة والتَّحجيل في التيمم كما تقدم. قالَ البلقيني في "التدريب": ومن سُنن التيمم أن يُديمَ المتَيمم يَدَهُ عَلى العضو لا يَرفعهَا حَتى يَفرغ مِن مَسْحه، وإمرَار التراب على العَضد تَطويلًا للتحجيل والنُطق بالشهَادَتين كما في الغسْل. (زَادَ) محَمد (بْنُ يَحْيَى فِي حَدِيثِهِ قَال ابن شِهَاب فِي حَدِيثِهِ: وَلا يعتبر) (¬3) بِفتح أوله (بهذا النَّاسُ) قال الخطابي (¬4): لم يختلف أحَد من أهل العِلم في أنه لا يلزم المتَيمم أن يمسَحَ بالتراب مَا وراء المرفقين، وفيما قاله نظر. ¬

_ (¬1) "الأوسط" لابن المنذر 2/ 171. (¬2) أخرجه البخاري (338)، ومسلم (368) (112). (¬3) في (ص، ر، ل): يغتر. والمثبت من (د، م). (¬4) "سنن أبي داود مع معالم السنن" 1/ 162.

فإنَّ (¬1) ابن المنذر (¬2) والطحاوي (¬3) وغَيرهما ذَكَرُوا عَن الزهري (¬4) أنه كانَ يَرى التيمم إلى الآباط [لعُموم لفظة اليَد] (¬5). و(كذَلِكَ رَوَاهُ) الإمام محمد (ابْنُ إِسْحَاقَ) و (قَالَ فِيهِ، عَنِ ابن عَباسٍ -رضي الله عنهما- (¬6) وَذَكَرَ ضَرْبَتَيْنِ كَمَا ذَكَرَه يُونُسُ، وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ ضَرْبَتَيْنِ). قال النوَوي: قلت الأصح وجُوب ضَربتَين، وإن أمكنَ بضَربة بِخرقة ونحوهَا (¬7) أي: فلا يَكفى ذَلك. (وَقَالَ مَالِكٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ عَبْدِ الله) بن عتبة (عَنْ أَبِيهِ) (¬8)، عبد الله بن عتبة الفقيه الأعمَى [(عن عمار) بن ياسر (وكذلك قال أبو أويس (¬9): عن الزهري وشك فيه ابن عيينة قال مرة: عن [عبيد الله، عن] (¬10) أبيه، أو (¬11) عن عبيد الله، عن (¬12) ابن عباس ¬

_ (¬1) من (م)، وفي بقية الأصول: قال. (¬2) "الأوسط" لابن المنذر 2/ 165. (¬3) "شرح معاني الآثار" 1/ 111. (¬4) في جميع الأصول الخطية: أبو بكر الصديق. وهو وهم ولم نجد ذلك مرويًا عن أبي بكر الصديق. والمثبت من "شرح أبي داود" للعيني. (¬5) في (د): لمفهوم لفظة اليد قال أبو داود. وفي (م): قال أبو داود لعموم لفظة اليد. (¬6) زاد في (ص): وكذلك قال أبو أويس. وليس هذا موضعها. والمثبت من (د، م). (¬7) "منهاج الطالبين" (ص 7). (¬8) زاد في (ص، س، ل) عن عمار. والمثبت من (د، م). (¬9) في (م): أبو داود فيه. (¬10) في (م): عبد الله ابن. (¬11) في (م). و. (¬12) سقط من (م).

اضطرب فيه) ومرة قال (عن أبيه)، (¬1) (وَمَرَّةً قَالَ: عَنْ ابن عَبَّاسٍ) وقد (اضْطَرَبَ فِيهِ) يعني [(ابن عيينة، (¬2) وَفِي سَمَاعِهِ مِنَ الزُّهْرِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ الضربتين (¬3) إلاَّ مَنْ سَمَّيتُ) يعني: قريبًا، واللهُ أعلم (¬4). [321] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيمَانَ) وَهَو محمَّد بن أبي دَاود (الأَنْبَارِيُّ) بالنون ثم الموَحدَة وثقه الخَطيب (¬5) (ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ) محَمد بن خازم الضَّرِيرُ السَّعدي. (عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ) بن سَلمة أبي وَائل (قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا بَيْنَ (¬6) عَبْدِ الله) ابن مسْعُود (وَأَبِي مُوسَى) الأشعري (فَقَالَ أَبُو مُوسَى: يَا أَبَا عَبْدِ الزَحْمَنِ أَرَأَيْتَ) بمعَنى: أخبرني. (لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَجْنَبَ فَلَمْ يَجِدِ المَاءَ شَهْرًا. أَمَا كَانَ) له أن (يَتَيَمَّمُ) زادَ البخَاري: ويصلي (¬7)؟ . (قَالَ: لاَ)، لا يتيمم، ولا يُصلي (وَإنْ لَمْ يَجِدِ المَاءَ شَهْرًا) كانَ مَذهب ابن مَسْعود أن الجُنُب لا يتيمم؛ لأنه ليسَ دَاخلًا في عُموم ¬

_ (¬1) من (د، م). (¬2) من (د، م). (¬3) من (د، م). (¬4) أخرجه النسائي في "المجتبى" 1/ 167 - 168، وأحمد 4/ 263 - 264 وفيه زيادة: ولا يغتر بهذا الناس. وصححه الألباني على شرط الشيخين. انظر: "صحيح سنن أبي داود" (338). (¬5) "تاريخ بغداد" (2796). (¬6) زاد في (م): يدي. (¬7) "صحيح البخاري" (347).

{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً}، وكانَ عُمَر يَرى أن الآية لا تتنَاوَل الجنُب رَأسًا فمنَعَهُ التيمم (¬1) لذلك (¬2). (فَقَالَ أَبُو مُوسَى) الأشعري (فَكَيفَ تَصْنَعُونَ بهذِه الآيَةِ التِي فِي سُورَةِ المَائِدَةِ) (¬3) خصَّت بالمائدَة وإن كانت في النسَاء أيضًا؛ لأن تناولهَا للجُنُب أظهَر لتقدم حُكم الوضُوء فيهَا ({فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}) (¬4) اسْتدل بقوله {فَتَيَمَّمُوا} هو عَلى وجُوب النية في التيمم؛ لأن مَعْنى تيمموا: اقصُدُوا وهوَ قول فقهاء الأمصَار إلا الأوزَاعي (¬5)، وعلى أنهُ يجب قصد التراب ولاَ يكفي هبُوب الريح وسَفيه التراب عَلى عضوه فردده عَليه؛ لأن التراب أتاهُ ولم يَقصدهُ وهذا هُوَ الأصح (¬6)، والثاني يجزيه كما لو برَز للمطر فانغسَلت أعضاءه ونوَى الوضوء (¬7) فإنهُ يُجْزئ (صَعِيدًا) أي: ترابًا (طَيِّبًا) أيْ: طَاهِرًا كذَا عندَ الشافعي (¬8). (فَقَالَ عَبْدُ الله) بن مَسْعُود (لَوْ رُخِّصَ لَهُمْ فِي هذا) أي: في التيمم للعُذر بالجنَابة (لأَوْشَكُوا) أي: قربُوا وأسْرعُوا، وفي هذا ردّ على من ¬

_ (¬1) زاد هنا في (ص): رأسًا. (¬2) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (1679). من طريق الأسود عن عمر قال: لا يتيمم الجنب وإن لم يجد الماء شهرًا. (¬3) زاد في (ص) هنا: ذكر الآية. وليس موضعها. (¬4) من (د، م). (¬5) سقط من (م). (¬6) "الشرح الكبير" للرافعي 2/ 317. (¬7) زاد في (د، م) به. (¬8) "الأم" 1/ 114 - 115.

زَعَمَ أنه لا يقَال: أوشك بلفظ الماضِي ولا يُستعمل إلاَّ مُضَارعًا (¬1) (إِذَا بَرَدَ عَلَيهِمُ المَاءُ) بفتح البَاء والراء على المشهور، فإن (¬2) قلت: فما وَجْه الملاَزَمة بيْنَ الرخصَة في [تيمم الجنب وتيمّم المتبَرد] (¬3) حَتى صَح أن يقَال: لو رخصنا لهم في ذَلك لكانَ إذا وَجَد أحَدهم البَرد تيمم؟ فالجَوابُ: أن الجِهَة الجَامعَة بيَنهما اشتراكهما في عَدم القدرَة على استعمال الماء؛ لأن عَدَم القدرة (¬4) على (أَنْ يَتَيَمَّمُوا) إما بفقد المَاء وإمَا بتعذر (¬5) الاستعمال (بِالصَّعِيدِ) اختَلفُوا في الصَّعِيد مَا هُوَ؟ فروي عن الخليل؛ أنه وَجْه الأرض (¬6)، وعلى هذا فيَجوز التيمم بكل مَا كانَ مِن جنس الأرض بَاقيًا على أصْل أرضيته وهوَ مذهب مالِك (¬7) وأبي حَنيفة (¬8)، وصَارَ عليٌّ إلى أنه التراب، وهوَ مَذهَب الشَافعي (¬9) كما سَيَأتي. (فَقَالَ لَهُم (¬10) أَبُو مُوسَى: إَنَّمَا كَرِهْتُمْ هذا لِذَا) أي: لهذا الذي ذكرته من بَرد الماء (قَالَ: نَعَمْ) ظاهِره أنهُ سَلم لابن مَسْعُود هذا ونحَا إلى سَد ¬

_ (¬1) انظر: "شرح سنن أبي داود" للعيني 2/ 125. (¬2) في (ص، ل): قال. والمثبت من (د، س، م). (¬3) في جميع الأصول: تيمموا وتيمم للبرد! ! . والمثبت من "عمدة القاري" (4/ 53). (¬4) زاد في (د): دالُّ. (¬5) في (ص، ل) يبُعْد. والمثبت من (د، م). (¬6) "كتاب العين" للخليل 1/ 290. (¬7) "المدونة الكبرى" 1/ 148. (¬8) "المبسوط" للسرخسي 1/ 246. (¬9) "الأم" 1/ 114 - 115. (¬10) في (د، م): له.

الذَرِيعة مِنْ أصلها كما هي قاعدة مَذهَب مَالك. قال القرطبي: كأنه كانَ يَعتقد تخصيص عُمُوم الآية بالقَول بسد الذريعَة. ثم قالَ: ولا بُعد في القول به عَلى ضعفه، ثم قالَ: وقد صَح عن عمَر وابن مَسْعُود أنهما رَجَعَا إلى أن الجنب يَتيمم وهو الصَّحيح؛ لأن الآية بعُمومهَا متناولة له (¬1). (فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّار) (¬2) بن ياسِر (لِعُمَرَ) بن الخَطاب (بَعَثَنِي رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- لحَاجَةٍ) فيه اسْتخدَام المعَلم لتلميذه البَالِغ إذا لم يشق [ذلك عليه] (¬3) (فَأَجْنَبْتُ) بفتح الهمزة منَ الجنَابة وهيَ البعد سُمي جنبًا؛ لأنهُ نهي أن يقرب مَوَاضِع الصَّلاة مَا لم يطهر (¬4) فيجتنبها، وقال الشافِعِي (¬5): إنما سُمي جنبًا (¬6) منَ المخَالطة. ومن كلام العَرب: أجنب الرجُل إذَا خَالطَ امَرأته، وهذا ضد المعنى الأول (فَلَمْ أَجِدِ المَاءَ فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كمَا تَتَمَرَّغُ) بفتح التَاءين، وفي نسخ الصَّحيحين (¬7): "كما تَمَرَّغُ" بحَذف إحدى التَاءين تخفيفًا (الدَّابَّةُ) قالَ ابن دَقيق العيد (¬8): كأنه استعمل القياس لما تقدم لهُ مِنْ ¬

_ (¬1) "المفهم" للقرطبي 1/ 613. (¬2) في (س): أبي. (¬3) من (د): وفي (م): عليه. (¬4) في (د): يتطهر. (¬5) انظر: "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" 1/ 64. (¬6) من (د، م). (¬7) "صحيح البخاري" (347)، و"صحيح مسلم" (368) (110). (¬8) "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" 1/ 79.

مَشرُوعية التيمُم، فكأنه لما رَأى أن الوضُوء خَاصّ ببعض الأعضَاء وكانَ بَدَله التيمم، وهوَ خَاصّ بالأعضاء، وَجَبَ أن يَكون بدَل الغسْل الذي هو (¬1) يعم جميَع البَدَن عَامًّا لجميَع البدَن. قال ابن (¬2) حزم الظاهِري: في هذا الحَديث إبطال القياس؛ لأن عمارًا رَأى المسْكوت عنه مِنَ التيمم للجنَابة حكمه حُكم الغسْل للجنَابة إذ هُو بَدَل مِنْهُ، فأبطل رَسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك وأعلمهُ أن لكل شَيء حكم المنصوص عَليه (¬3). والجَوَابُ عَما قَال: أنَّ الحَديث دَل على بُطلان هذا القياس الخاص، ولا يلزم مِنْ بُطلاَن الخاص بُطلان العام، والقائسُون لا يَعتقدُونَ صحة كل قياس، ثم في هذا القيَاس شيء آخَر، وهوَ أن الأصْل الذي هوَ الوضُوء قد ألغي في مُسَاوَاة البَدَل لهُ، فإن التيمم لا يعُم جميع أعضَاء الوضُوء، فصَار مُسَاوَاة البَدَل الأصلي ملغى في محَل النَّص، وَذلك لا يقتضي المسَاوَاة في الفَرع، بل لقائل أن يَقول: قَد يكُون الحَديث دَليلًا على صَحة أصْل القياس، فإن قوله عليه الصَّلاة والسَّلام: "إنما يكفيك كذَا". يَدُل على أنه لو كانَ فعله لكفاهُ. وذلك على صحة قَولنَا: لو كانَ فعله لكانَ مُصيبًا، ولو كانَ فعلهُ لكَان قائسًا التيمم عَلى الجَنَابة، لاَ التيمم عَلى الوضُوء على تقدير أن يَكون اللمس (¬4) المذكور في الآية ليسَ هوَ ¬

_ (¬1) سقط من (د، م). (¬2) في (ص، د، ل): أبو. والمثبت من (س، م). (¬3) "المحلى" 2/ 155. (¬4) من (د، س، م، ل).

الجماع؛ لأنه لو كان عندَ عَمار هوَ الجماع لكانَ حكم التيمم مُبينًا في الآية فلم يكن يحتَاج إلى أنْ يَتمرغ، فإذن فعله ذَلك يتَضَمن أن اعتقاد كَونه ليسَ عَاملًا للنَّصّ بَل للقياس، وحُكم النَّبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه كانَ يكفيه التيمَم على الصُّورَة المذكورة مَعَ مَا بَينا من كونه لو (¬1) فعَل ذَلك لفعله بالقياس عندَه لا (¬2) بالنّصّ (¬3). وهذا من مستحسنات (¬4) نخبه. (ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ) فيه ذكر التلميذ لأستاذه مَا يعْرض لهُ في غيبَته من الأحكام وغيرهَا ليرشده إلى الصَّوَاب في ذَلك. (فَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ (¬5) يَكْفِيكَ) في التيمم (أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا) بيَدَيْكَ، وخَاطَبَهُ بإنما ليحصر لهُ القَدر الوَاجب (فَضَرَبَ بِيَدِهِ) بالإفراد، لفظة البُخَاري: بكفه ضربة (¬6) (عَلَى الأَرْضِ) قالَ أصحَابنَا وغَيرهم: يندب لمن ضرب يده عَلى الأرض لمَسْح الوَجْه أن يُفَرق أصابعه؛ لأن التفريق أبلغ في إثارة الغبار، وهذا أصَح الأوجُه، وأمَا ضَربةُ مَسْح يَدَيه فالتفريق فيها وَاجب. قال ابن الرفعة: وهوَ متفق على وجوبهَا (¬7). وَكذَا يجب نزع خَاتمه في الثانية (فَنَفَضَهَا) أي: ليَخف التراب عَنها بِحَيث لا يبقى عَليهَا إلا لقدر الحَاجَة. ¬

_ (¬1) و (¬2) من "الإحكام" وليست في النسخ. (¬3) "إحكام الأحكام" لابن دقيق العيد 1/ 79 - 81. (¬4) في (د، م): مستحسات. (¬5) سقط من (م). (¬6) "صحيح البخاري" (347). (¬7) "تحفة المحتاج" 1/ 365.

قال الماوردي: ونصَ الشافعي على استحباب تخفيف الغبَار، وفي الجَديد على عَدَمِهِ، وقالَ آخرون: وإن كثر نفخ أو نفض وإلا فلا (¬1). قال ابن الرفعَة: وهذا مَا عليه الجمهُور (ثُمَّ ضَرَبَ بِشِمَالِهِ عَلَى يَمِينِهِ وَبيَمِينِهِ (¬2) عَلَى شِمَالِهِ) فيه تقديم اليَمين (¬3) على اليسَار (عَلَى الكَفَّيْنِ) فيه دَليل على الاجتزاء بالكَفين كما سَيَأتي. (ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ) موضوع "ثُمَّ" يَدل على الترتيب، وقدَ اسْتدل بِذَلك على أن ترتيب اليَدَين على الوَجْه ليسَ بوَاجب؛ لأنه إذا ثبت ذَلك في (¬4) التيمم ثَبتَ في الوضوء ضرورة لعَدَم الفارق (¬5) بَينهما، والروَاية الآتية: مسح بهما وجهه ويَدَيْه" فالواو (¬6) فيها لا تدُل على الترتيب. (فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الله) بن مسعُود (أَفَلَمْ تَرَ عُمَرَ -رضي الله عنه- لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمَّارٍ) (¬7) وإنما لم يقنع عُمَر بقول عَمار؛ لأنه لما كانَ حَاضرًا مَعَهُ في تلك السَّفرة (¬8) ولم يتذكر القصة ارتابَ في ذلك. [322] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ) البصري (الْعَبْدِيُّ) بإسكان البَاء الموَحَّدة ¬

_ (¬1) "الحاوي الكبير" 1/ 246 - 247. (¬2) في (ص): يمينه، والمثبت من (د، م). (¬3) في (د، س): اليمنى. (¬4) في (ص): على. والمثبت من (د، س، م، ل). (¬5) في (ص، س، م): المقابل. والمثبت من (د). (¬6) في (ص): قالوا و. والمثبت من (د، م، ل). (¬7) الحديث مر أثناء الشرح ذكره في الصحيحين، وقد أخرجه النسائي في "المجتبى" 1/ 170 - 171، وأحمد 4/ 264. (¬8) في (س): الغزوة.

[شيخ البُخَاري] (¬1) (أنا سُفْيَانُ) بن سَعيد (¬2) الثوري (عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيلٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ) غزوان (¬3) الأنصَاري الغفاري وثقهُ ابن معين (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى قَالَ كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ) بن الخَطاب -رضي الله عنه- (فَجَاءَهُ رَجُلٌ) (¬4) فَقَالَ: إِنَّا نَكُونُ) أي: نقيم (بِالْمَكَانِ الشَّهْرَ أو) نقيم (الشَّهْرَيْنِ) يعني: ولم نَجد الماء (فَقَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه- أَمَّا أَلا فَلَمْ أَكُنْ أُصَلِّي حَتَّى أَجِدَ المَاءَ) تقدم عَن عمَر وابن مَسْعود و (¬5) أنهما كانا لا يريَان الآية تتناول الجُنب رَأسًا. قال القُرطبي: وقد صَح أنهما رَجَعَا إلى أن الجُنب يتيمم، وهوَ الصَّحيح، لأن الآية بعُمومها تتناوله، ولحَديث (¬6) [عمران بن حصين] (¬7): أصَابتني (¬8) جَنابة ولا ماء فقَال: "عليك بالصَّعيد فإنه يكفيك" (¬9) وهذا نصَ رَافِع للخِلاف (¬10). (قَالَ: فَقَالَ عَمَّارٌ) بن يَاسِر، من قُدَماءِ الصَّحَابة (يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ أَمَا) ¬

_ (¬1) تأخرت في (م) عن موضعها، وكتبت عند سفيان بن سعيد. (¬2) زاد في (م): شيخ البخاري. (¬3) في (ص، ل): عزوان. والمثبت من (د، س، م). (¬4) بياض في (د، م، ل) بمقدار كلمتين. (¬5) سقط من (د، م، ل). (¬6) في (ص): به لحديث. والمثبت من (د). (¬7) في جميع الأصول: عمار. وهو خطأ. والمثبت من "المفهم". (¬8) كذا في (م)، وفي باقي النسخ: أصابني. (¬9) أخرجه البخاري (348)، والنسائي في "المجتبى" 1/ 171، والدارمي في "سننه" (743)، وأخرجه مطولًا مسلم (682) (312)، وأحمد 4/ 434 - 435. (¬10) "المفهم" للقرطبي 1/ 613 - 614.

الهَمزة للاستفهام، و"مَا" للنفي (تَذْكُرُ إِذْ كُنْتُ أَنا وَأَنْتَ) تفسير لضَمير الجمع، أي: كنا (فِي الإِبِلِ) أي: في سَقيهَا أوْ رَعْيهَا ورعَاية مَصَالحهَا. (فَأَصَابَتْنَا (¬1) جَنَابَةٌ فَأَمَّا أَلا فَتَمَعَّكْتُ) روَاية مُسْلم: أما تذكر إذ أنا وَأنت في سَرية فأجنَبنا فلم نَجِد مَاء فأمَا أنتَ فَلَم تُصل، وأمَّا أنا فتمعكتُ في التراب فصَليت (¬2). (فَأَتَينَا النَّبي -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرْتُ [لَهُ ذَلِكَ] (¬3) فَقَالَ: إِنمَا (¬4) كَانَ يَكْفِيكَ) [أتى بإنما ليَحصر] (¬5) لهُ القَدر الوَاجب (أَنْ تَقُولَ هَكَذَا) واستعمل تقول بمَعنى: تفعَل (وَضَرَبَ بِيَدَيْهِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ نَفَخَهُمَا) اسْتدل به بَعْضُهُم عَلَى جَوَاز التيمم بالحجَارَة التي لا غبار عليهَا؛ إذ لو كانَ الغبار (¬6) مُعتَبرًا لم ينفخ فيهما، وأُجيب بأن المراد بالنفخ تخفيف التراب، فإن المستحب إذا حَصَل على اليَد غبَار كثير أن يخفف بحيث يَبقى على العضو مَا يعمُّ العُضْو المُستعمل، وفي هذِه القصة جَوَاز الاجتهاد في زَمَن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي المسألة ثَلاثة أقوال: أصَحهَا: جَوَاز الاجتهاد في زَمنهِ بحضرته وغير حَضرته (¬7). ¬

_ (¬1) في (ص): فأصابنا. والمثبت من (د، س، م). (¬2) "صحيح مسلم" (368) (112). (¬3) في (د، م): ذلك له. (¬4) في (ص، س): أما. والمثبت من (د، م). (¬5) في (ص): أي بما يحصل في الماء ليحصل! ، وفي (م، س): إنما لتحصيل. والمثبت من (د). (¬6) من (د، س، ل، م). (¬7) ذكر النووي في "شرح مسلم" 4/ 63 أن في المسألة ثلاثة أوجه للشافعية: الأول: يجوز الإجتهاد في زمنه -صلى الله عليه وسلم- بحضرته، وبغير حضرته ورجح هذا الوجه وصححه. =

(ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى نِصْفِ الذِّرَاعِ) قال ابن عَطِية (¬1): ولم يقل أحَد بهذا الحديث فيمَا حفظت، ومَذهَب الشَافعي (¬2) وأبي حنيفة (¬3) وأصحَابهما والثوري (¬4) وابن أبي سَلمة والليث كلهم؛ يَرَونَ بلوغ المرفقين بالتيمم فَرضًا وَاجبًا (فَقَالَ عُمَرُ: يَا عَمَّارُ اتَّقِ الله) أي: فيما ترويه وتثبت في روَايتك؛ فلَعَلك نسيت أو اشتبهَ عليك الأمْر. (فَقَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ إِنْ شِئْتَ والله لَمْ أَذْكُرْهُ أَبَدًا) مَعناهُ: إن رَأيت المَصْلحة في إمْسَاكي عن التحديث به رَاجحَة على مَصْلحة تحديثي أمْسَكتُ عنهُ، فإن طَاعتك واجِبَة عليَّ في غَير المعصية، وأصْل تبليغ هذِه السُّنة وأداء هذا العِلم قَدْ حَصَل بحمد الله تعالى فمن (¬5) أمسك بَعْدَ هذا لا يَكون دَاخلًا فيمن كتمَ العِلم. قالَ النَووي: ويحتَمل أنه أرَادَ: إن شئت لم أحَدث به تحديثًا شائعًا بِحَيث يشتهر في الناس بَل لا أحدث به إلا نادِرًا واللهُ أعلم (¬6). (فَقَالَ عُمَرُ: كَلَّا والله لَنُوَلِّيَنَّكَ مِنْ ذَلِكَ مَا تَوَلَّيتَ) (¬7) أيْ: منَ الحَدِيث ¬

_ = الثاني: لا يجوز الاجتهاد في زمنه مطلقًا. الثالث: لا يجوز بحضرته، ويجوز بغير حضرته. (¬1) "شرح ابن ماجه" لمغلطاي 1/ 700. (¬2) "الأم" 1/ 113. (¬3) "المبسوط" 1/ 245. (¬4) "الأوسط" لابن المنذر 2/ 166. (¬5) من (د). (¬6) "شرح النووي على مسلم" 4/ 63. (¬7) أخرجه مسلم (368) (112) بلفظ: "ثم تمسح بهما وجهك وكفيك". أما رواية الذراعين كما هنا فأخرجه النسائي في "المجتبى" 1/ 168، وأحمد 4/ 319. وهي =

الذي حدَّثت (¬1) به. قال ابن الأثير (¬2): مَعناهُ نِكلك إلى مَا قلتَ ونَرُدُّ إليك مَا ولَّيتَه نفسَك وَرَضيت لهَا به. [323] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاَءِ، ثَنَا حَفْصٌ) (¬3) بن غياث النخعي، قاضي الكوفة. (ثَنَا الأعمَشُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيلٍ، عَنِ) عَبد الرحمَن (ابْنِ أَبْزَى) الخزاعي الكوفي اسْتعمله عَلي على خراسَانَ، عن أبيه (¬4). (عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ) أنهُ قالَ (فِي هذا الحَدِيثِ) المذكور (فَقَالَ: يَا عَمَّارُ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ) إلى (الأَرْضَ، ثُمَّ ضَرَبَ أحْداهُمَا عَلَى الأخرَى) أي: بشماله عَلى يمينه وبيَمينهِ عَلى شماله كما تقدم. (ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ وَالذِّرَاعَينِ إِلَى نِصْفِ السَّاعِد وَلَمْ يَبْلُغِ) في مَسْحه إلى (الْمِرْفَقَينِ ضَرْبَةً وَاحدَةً) فيه دلالة لمن يقول: يكِفي ضَربة وَاحدة للوَجه ¬

_ = رواية ضعيفة، وضعفها الألباني في "ضعيف سنن ابن ماجه" (125). (¬1) في (ص): حدث. والمثبت من (د، س، ل، م). (¬2) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 5/ 230. (¬3) كتب فوقها في (د): ع. (¬4) كذا قال رحمه الله، وهو خطأ إن كان الضمير يعود على عبد الرحمن، فليس لعبد الرحمن رواية عن أبيه، فهو صحابي، فالحديث يرويه كما قال أبو داود وسيأتي - سلمة بن كهيل عن عبد الرحمن بن أبزى، وليس له رواية عنه كما في "التهذيب" فيكون منقطعا أو مرسلا، وعن يعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، فلو قال المصنف: (سعيد بن عبد الرحمن) لكان قوله: (عن أبيه) صوابا، أما على هذا النحو، فليس بصواب، والله أعلم.

والكفين جَميعًا، وللآخرين أن يجيبوا عنه بأن المراد هنا صُورةُ الضَربِ للتعليم، وليْسَ المرادُ بَيَان جَميع (¬1) مَا يَحْصُل به التيمم. (وَرَوَاهُ وَكيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كهَيلٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، وَرَوَاهُ جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ [سلمة عن سعيد بن] (¬2) عبد الرحمن بن أبزى يعني (¬3) عَنْ أَبِيهِ) عبد الرحمن بن أبزى كما تقدم. [324] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَرٍ غُنْدَر (¬4)، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ) ابن كهيل. (عَنْ ذَرٍّ) [بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء] (¬5)، ابن عَبد الله الهَمدَاني [بسكون الميم] (¬6) (أن) سَعيد (بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، حدثه أعَنْ أَبِيهِ) عبد الرحمن بن أبزى] (¬7). (عَنْ عَمَّارٍ) ابن يَاسِر (بهذِه القِصَّةِ) المذكورَة (فَقَالَ) فيهَا (إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ) هَكَذَا (وَضَرَبَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بيَدِهِ إِلَى (¬8) الأَرْضِ) فيه التعليم بالفعل إذ هُوَ أبلغ (ثُمَّ نَفَخَ فِيهَا) ليخفف (¬9) التراب كما تقدمَ. ¬

_ (¬1) في (م): جمع. (¬2) من (د) وفي (س، ل، م): سلمة بن. (¬3) سقط من (س، م). (¬4) سقط من (س، م). (¬5) سقط من (س، م). (¬6) سقط من (س، م). (¬7) تكرر في (ص، س، ل). (¬8) سقط من (س، م). (¬9) في (م): ليحف.

(وَمَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ وَكَفَّيهِ) فيه حجة لجَوَاز الاقتصَار على الكفين (¬1). (شَكَّ سَلَمَةُ) بن كهيل (قَالَ: لاَ أَدْرِي فِيهِ إِلَى الْمِرْفَقَينِ أَوْ إِلَى الكَفَّيْنِ) (¬2) الشك مِنَ الراوي (¬3). [325] (ثَنَا عَلِيُّ (¬4) بْنُ سَهْلٍ) (¬5) بن قادم (الرَّمْلِيُّ) قال النسَائي: ثقة نسائي (¬6) سَكنَ الرملة يقال (¬7) مَات سنة 261. (ثَنَا حَجَّاجٌ) (¬8) بن محَمد المصيصي (الأَعْوَر) الحافظ (حَدَّثَنِي شُعْبَةُ بِإِسْنَادِهِ بهذا الحَدِيثِ) و (قَالَ) فيه (ثُمَّ نَفَخَ فِيهَا وَمَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ وَكَفَّيهِ إِلَى المِرْفَقَينِ أَوْ (¬9) الذِّرَاعَينِ) على الشك. (قَالَ شُعْبَةُ: كَانَ سَلَمَةُ) ابن كهيل (يَقُولُ) إلى (الْكَفَّينِ وَالْوَجْهَ وَالذِّرَاعَيْنِ) يَعني: مِنْ غَير شك. ([فَقَالَ لَهُ] (¬10) مَنْصُورٌ) (¬11) بن المعتمر، أبو عتاب (¬12) السَلمي (¬13) ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): المرفقين. والمثبت من (م). (¬2) في (س): الكعبين. (¬3) أخرج هذه الرواية النسائي في "المجتبى" 1/ 165 من طريق محمد بن بشار كذلك. (¬4) كتب فوقها في (د): د س. (¬5) في (م): سهيل. (¬6) "مشيخة النسائي" (137). (¬7) من (د، س، م، ل). (¬8) كتب فوقها في (د): ع. (¬9) في (م): إلى. (¬10) في (ص، س، ل): فقاله. والمثبت من (د، م). (¬11) كتب فوقها في (د): ع. (¬12) في (ص، س): غيات. وفي (د): غسان والمثبت من (م). (¬13) في (د): المسلمي.

من أئمة الكوفة (ذَاتَ يَوْمٍ: انظُرْ مَا تَقُولُ فَإِنَّهُ لاَ يَذْكُرُ الذِّرَاعَينِ غَيْرُكَ؟ ) حكى القُرطبي عَن الدَاوودي (¬1) أن الكُوعَين فرض والآباط فضيلة (¬2) (¬3). قال ابن عَطية: وهذا قول لا يَعضده قياس ولا دَليل، وإنما عممَّ (¬4) قوم لفظةَ اليَد فأوجَبوه مِنَ المنكب، وقاسَ قَوم على الوضوء فأوجَبُوهُ مِنَ المرَافق، وهَاهنَا (¬5) جمهور الأمة ووَقف قوم مَعَ الحَديث في الكوعين، وقيسَ أيضًا على القطع إذ هوَ حكم شرعي وتطهير، كما هذا (¬6) تطهير، وَوَقفَ قوم مَعَ حَديث عمار في الكفين (¬7). وهوَ قَول الشعبي. [326] (ثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا يَحْيَى) القطان (عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنِي الحَكَمُ) ابن عُتَيْبَةَ، بضم المهملة وفتح المثناة الفوقانية مُصَغر (عَنْ ذَرٍّ) ابن عبَد الله الهَمْدَاني (عن) سعيد (ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ) عَبد الرحمن (عَنْ عَمَّارٍ فِي هذا الحَدِيثِ قَالَ) فيه (فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ (¬8) إِلَى الأَرْضِ فَتَمْسَحَ بِهَما (¬9) وَجْهَكَ وَكَفَّيكَ) فيه الاقتصَار عَلى الكفين كما تقدم. (وَسَاقَ الحَدِيثَ) المذكورَ (وَرَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنْ حُصَيْنٍ) بضَم الحَاء ¬

_ (¬1) في "تفسير القرطبي" الدراوردي. (¬2) في (م): فضلة. (¬3) "الجامع لأحكام القرآن" 5/ 240. (¬4) في (د، س، ل، م): عم. (¬5) في "تفسير ابن عطية": وعمَمَّ. (¬6) في (س): هو. (¬7) "تفسير ابن عطية" 2/ 74. (¬8) في (ص): بيدك. والمثبت من (د، س، م، ل). (¬9) في (ص، س، ل): بها. والمثبت من (د، م).

وفتح الصَّاد المُهملتين ابن عَبد الرَّحمَن (عَنْ أَبِي مَالِكٍ) غَزوَانَ الأنصَاري الغفاري. قَالَ يحيى ابن معين: هُو كوفي ثقة (¬1) (قَالَ سَمِعْتُ عَمَّارًا يَخْطُبُ) فيه فضيلَة تعلم الأحكام الشَّرعيَّة في الخطبَة مَعَ ذكر الموعظَة (¬2) وذكر (بِمِثْلِهِ إلاَّ أَنَّهُ لَمْ) يقل (يَنْفُخْ) فيها كما تقَدَّمَ (¬3). (وَذَكرَ حُسَيْنُ (¬4) بْنُ مُحَمَّدٍ) المُؤدِّب (¬5) المروزي (عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الحَكَم) ابن عتيبة (في (¬6) هذا الحَدِيثِ) و (قَالَ) فيه (وضَرَبَ (¬7) بِكَفَّيْهِ إِلَى الأَرْضِ وَنَفَخَ) في كفيَّه وَمَسَحَ بهَما وَجْهه (¬8). [327] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المِنْهَالِ) التميمي البَصري، الضَرير الحَافظ، شيخ الشيخين (ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ) (¬9) بن أبي هلال الليثي المقرئ مَولى عروة بن سنيم الليثي. (عَنْ قَتَادَةَ) (¬10) ابن دعَامَة، أبي الخطاب السّدوسي الأعمى، عَنْ ¬

_ (¬1) انظر: "الجرح والتعديل" 7/ 55. (¬2) بياض في (م): بمقدار كلمتين. (¬3) ذكر ابن خزيمة في "صحيحه" (269) رواية أبي مالك التي لم يذكر فيها نفض اليدين. (¬4) كتب فوقها في (د): ع. (¬5) في (س): المؤذن. (¬6) من (د، س، م، ل). (¬7) في (م): فضرب. (¬8) انظر الحديث السابق. (¬9) كتب فوقها في (د): ع. (¬10) كتب فوقها في (د): ع.

(عَزْرَةَ) (¬1) بفتح العَين المُهملة وسُكون الزاي ثم راء مفتوحَة، ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الخزاعي (عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ) أي (¬2): عبد الرحمن بن أبزي صحابي خزاعي استَعملهُ [عليّ -رضي الله عنه-] (¬3) على خراسَان وفي "صحيح مسلم" أن نافع ابن عُبيد (¬4) الجرمي لقي عمر بعسْفان وكانَ عمرَ يستعملهُ بمكة، فقال لهُ من استعملتَ على هذا الوَادي؟ . قال: ابن أبزى (¬5) قالَ ومن ابن أبزى؟ قال: مَوْلى من مَوَالينا، قالَ (¬6): فاستخلفتَ عليهم مَولى قال: إنه قارئ لكتاب الله، وقالَ: إن نبيّكم قد قالَ: "إن الله يَرفع بهذا الكتَاب أقوامًا ويضع به آخرين" (¬7) (عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِر، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ التَّيَمُّمِ فَأَمَرَنِي) أن أضربَ (¬8) (ضَرْبَةً وَاحدَةً لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ) صَريح في أنهُ يَكفي للتيمم ضَربة واحدة. قال القُرطبي: وهو أثبت ما روي في ذلك من حَديث عَمار قال مَالك في كتَاب محمد: إن تيمم بضربة واحدة أجزأهُ (¬9). ¬

_ (¬1) في (س): عروة. (¬2) سقط من (د، س، م، ل). (¬3) سقط من (م). (¬4) في (د، م): عبد. (¬5) زاد في (د، م): و. (¬6) تكرر في (م). (¬7) "صحيح مسلم" (817) (269). (¬8) زاد في (ص، م): به. (¬9) "الجامع لأحكام القرآن" 5/ 240.

وقال أحمد (¬1): التيمم ضربة واحدَة [فإن تيمم بضربتين جاز، قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله التيمم ضربة واحدة؟ فقال: نعم ضربة واحدة] (¬2) للوَجْه والكفين، ومن قال بِضَربتَين فإنما هو شيء زَادَهُ. قَالَ الترمذي: وهَو قول غَير واحدٍ من أهل العِلم من أصحاب رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- وغَيرهم منهم علي، وعمار، وابن عَباس، وعطاء والشعبي ومكحول والأوزَاعي ومَالك وإسحاق (¬3). [328] (ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التبوذكي (ثَنَا أَبَانُ) فيه الصرف وعَدَمه، قال النووي: والمختار صرفه (¬4) (قَالَ: سُئِلَ قَتَادَةُ عَنِ التَّيَمُّمِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ حَدَّثَنِي مُحَدِّثٌ عَنِ) عامر بن شراحيل (الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِر -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ) وَمَسَحَ بها (¬5) وجههُ ويَدَيه (إِلَى المِرْفَقَيْنِ) وفي إسناد هذِه الروَاية رَجُل مَجهولٌ. واللهُ أعلم. * * * ¬

_ (¬1) "المغني" 1/ 320 - 321. (¬2) من (د، س، م، ل). (¬3) انظر: "جامع الترمذي" عقب حديث (144). والحديث أخرجه الترمذي (144) دون قوله: ضربة، وأحمد 4/ 263، وابن خزيمة في "صحيحه" (267)، وابن حبان في "صحيحه" (1303)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (1698)، وصححه الألباني في "الإرواء" (161). (¬4) "شرح النووي على مسلم" 3/ 100. (¬5) في (م): بهما.

125 - باب التيمم في الحضر

125 - باب التَّيَمُّمِ فِي الحَضَرِ 329 - حَدَّثَنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، أَخْبَرَنا أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى ابن عَبّاسٍ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: أَقْبَلْتُ أَنا وَعَبْدُ اللهِ بْنُ يَسارٍ -مَوْلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى دَخَلْنا عَلَى أَبِي الجُهَيْمِ بْنِ الحارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الأَنْصارِيِّ، فَقالَ أَبُو الجُهَيْمِ: أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عليه السلام حَتَّى أَتَى عَلَى جِدارٍ فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ، ثمَّ رَدَّ عليه السلام (¬1). 330 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْراهِيمَ المَوْصِلِيُّ أَبُو عَلِيٍّ، أَخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْن ثابِتٍ العَبْدِيُّ، أَخْبَرَنا نافِعٌ قالَ: انْطَلَقْت مَعَ ابن عُمَرَ فِي حاجَه إِلَى ابن عَبّاسٍ، فَقَضَى ابن عُمَرَ حاجَتَهُ فَكانَ مِنْ حَدِيثِهِ يَوْمَئِذٍ أَنْ قالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي سِكَّةٍ مِنَ السِّكَكِ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ غائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى إِذا كادَ الرَّجُلُ أَنْ يَتَوارَى فِي السِّكَّةِ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ عَلَى الحائِطِ وَمَسَحَ بِهِما وَجْهَهُ، ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى فَمَسَحَ ذِراعَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَى الرَّجلِ السَّلامَ، وقالَ: "إِنهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيكَ السَّلامَ، إلَّا أَنِّي لَمْ أَكُنْ عَلَى طُهْرٍ". قالَ أَبُو داودَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: رَوَى مُحَمَّد بْنُ ثابِتٍ حَدِيثًا مُنْكَرًا فِي التَّيَمُّمِ. قالَ ابن داسَةَ: قالَ أَبُو داودَ: لَمْ يُتابَعْ مُحَمَّدُ بْنُ ثابِتٍ فِي هذِه القِصَّةِ عَلَى ضَرْبَتَيْنِ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وَرَوَوْهُ فِعْلَ ابن عُمَرَ (¬2). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (337)، ورواه مسلم (369) معلقا. (¬2) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 85، والطبراني في "الأوسط" (7784)، والبيهقي 1/ 215. وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (58).

331 - حَدَّثَنا جَعْفَرُ بْن مُسافِرٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن يَحْيَى البُرُلُّسِيُّ، حَدَّثَنا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، عَنِ ابن الهادِ، أَنَّ نافِعًا حَدَّثَهُ عَنِ ابن عُمَرَ قالَ: أَقْبَلَ رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الغائِطِ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ عِنْدَ بِئْرِ جَمَلٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الحائِطِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى الحائِطِ، ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى الرَّجُلِ السَّلامَ (¬1). * * * باب التيمم في الحضر [329] (ثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ شعيب (¬2) بْنِ (¬3) اللَّيْثِ) ابن سَعيد الفهمي شيخ مُسْلم. (قال: (¬4) حَدثني أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ جَعْفَرِ (¬5) بْنِ رَبِيعَةَ) الكندي. (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ) الأعرج. (عَنْ عُمَيرٍ) بن (¬6) عَبد الله الهلاَلي (مَوْلَى) أُم الفَضْل بنت الحارث وَالدةِ (ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ أَقْبَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ الله بْنُ يَسَارٍ أخُو عَطاء مَوْلَى مَيمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-[حتى دخلنا] (¬7) عَلَى أَبِي جُهَيمِ) (¬8) ¬

_ (¬1) انظر ما سلف برقم (16)، وانظر ما قبله. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (357). (¬2) في (ص): سعيد. وفي (س): شعبة. وكلاهما تحريف، والمثبت من (د، م). (¬3) في (س): عن. (¬4) من (د). (¬5) كتب فوقها في (د): ع. (¬6) في (س): عن. (¬7) من (د). (¬8) في (ص): جهم. وفي (د): جهيم بن. والمثبت من (م).

قيل: اسْمه عَبد الله، وحكى ابن أبي حَاتم عن أبيه قال: يقال: هو (الحَارث بن الصمَّة) فعَلى هذا لفظة "ابن" (¬1) زائدة بَين (¬2) أبي جهيم والحَارث، لكن صَحح أبو حَاتم؛ أنَّ الحَارث اسْم أبيه لا اسمه (¬3). وفرق ابن أبي حَاتم بيَنه وبَيْنَ عبَد الله بن (¬4) جهيم يكنى (¬5) أيضًا أبا جهيم، وقال ابن منده: عَبد الله بن جهيم بْنِ الحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ فجَعل الحارث اسْم جَده، ولم يوَافق عليه قال ابن حجَر (¬6): وكأنهُ أرَادَ أن يجمع الأقوال المختلفة فيه. والصمة بكسر الصَّاد المهملة هو: ابن عمرو بن عتيك الخزرَجي (الأَنْصَارِيِّ -رضي الله عنه- فَقَالَ أَبُو الجُهَيمِ) (¬7) عبد الله (أَقْبَلَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ) [بفتح الجيم والميم] (¬8) أي: من جهَة المَوْضع الذي يُعرفُ بذَلك وهو معروف بالمَدِينَة، وفي النسَائي: بئر الجمَل (¬9). وهوَ من العقيق (فَلَقِيَهُ رَجُلٌ) هوَ أبو الجُهيم الراوي، بَينهُ الشافعي في روَايته لهذا الحَديث من طَرِيق أبي (¬10) الحويرث عن الأعرج (¬11) (فَسَلَّمَ ¬

_ (¬1) في (ص، س، م): أبي. والمثبت من (د). (¬2) في (م): من. (¬3) "الجرح والتعديل" 9/ 355. (¬4) زاد في (ص، س، ل): أبي. (¬5) في (ص): ببني. (¬6) "فتح الباري" 1/ 527. (¬7) في (ص، س): الجهم. (¬8) من (د، م). (¬9) "سنن النسائي" 1/ 165. (¬10) من (د، س، م، ل). (¬11) "الأم" 1/ 116 - 117.

عَلَيهِ فَلَمْ يَرُدَّ) يجوز في داله الكسْر؛ لأنه أصْل التقاء السَّاكنين، والفتح؛ لأنه أخَف الحَركات والضم؛ لإتباع الراء. ([رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-]) (¬1) لأنه كرهَ أن يذكر الله على غير طهَارَة (حَتَّى أَتَى عَلَى جِدَارٍ) وللدَارقطني من طَريق ابن إسحاق، عَن الأعرج: حَتى وضَع يَدَهُ على الجدَار (¬2). زَادَ الشَافِعي فَحَتَّهُ بِعَصًا (¬3). وهوَ محمول على أنَّ الجدَار كانَ مبَاحًا أو مملوكًا لإنسَان يعرف (¬4) رضاهُ بِذَلك. (فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ) وللدَارقطني من طريق أبي صَالح، عن الليث: فمسَح بوَجهه وذراعيه (¬5). وكذَا الشافعي من روَاية أبي الحوَيرث (¬6) قال النوَوي: هذا الحَديث محمول (¬7) على أنه -صلى الله عليه وسلم- كانَ عادمًا للماء حال (¬8) التيمم؛ فَإنَّ التيمم مَعَ وجُود الماء لا يجوز للقادر على استعمالهِ، ولا فَرق بيَن أن يضيق وقت الصَّلاة وبَينَ أن يتسع (¬9) ولا فَرق بيَن صَلاة الجنَازة والعيد ونحوهما، وفيه دَليل على جواز التيمم للنَوَافِل كسُجُود التلاوة ونحوهَا (¬10). وهذا الحَديث محمُول على أن الجِدَار كانَ مُبَاحًا أو لإنسَان يعرف ¬

_ (¬1) زاد في (د): أي. (¬2) "سنن الدارقطني" 1/ 176. (¬3) "الأم" 1/ 116 - 117. (¬4) في (س): لا يعرف. (¬5) "سنن الدارقطني" 1/ 176. (¬6) "الأم" 1/ 116 - 117. (¬7) من (د، م). (¬8) في (ص): جاز. والمثبت من (د، م). (¬9) في (ص): يسع. والمثبت من (د، س، م). (¬10) "شرح النووي على مسلم" 4/ 64.

رضاه فتيمم بجداره [لِعلمه بأنهُ لا يكره] (¬1) ذلك ويجوز مثله -والحالة- هذه لآحاد الناس فالنَّبي -صلى الله عليه وسلم- أولى. (ثُمَّ رَدَّ عليه السلام) فيه جَواز تَأخير رَد السَّلام لحَاجَة إذا لم يطل الفَصل، وهذا الحَديث أحَد الأحَادِيث المنقطعَة (¬2) في "صحيح مسلم" (¬3) وهي أربعَة عَشَر حديثًا، والانقطاع بَيْنَ مُسْلم والليث فإنه قال: وروى الليث عَن جَعفر بن ربيعة، وهذا النَّوع يُسَمَّى عندَ المحدِّثين مُعَلقًا (¬4). وَروى الطبرَاني في "الأوسط" عن عائشة قالت: كانَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إَذا وَاقع بَعض أهله فكسل (¬5) أن يقومَ ضرَبَ يَدَهُ عَلى الحَائط فتيمم (¬6)، وفيه بقية بن الوليد (¬7). وفي الحديث دليل على جواز التيمم بالجدَار إذا كانَ عليه غبَار، ¬

_ (¬1) في (ص): (بعلمه فإنه لا يكدره). وتغيرت بعلمه في (ل) إلي: بعمله. والمثبت من (د، م). (¬2) يعني: الأحاديث المعلقة. (¬3) "صحيح مسلم" (369) (114). (¬4) وهو ما سقط من أول إسناده راوي فأكثر. (¬5) في (ص، س): وكسل. والمثبت من (د، م). (¬6) "المعجم الأوسط" (645). (¬7) بقية بن الوليد بن صائد أبو يحمد، صدوق كثير التدليس والتسوية. من رجال "التهذيب". وأما الحديث فضعفه ابن رجب في "فتح الباري" 1/ 358، وأشار السيوطي في "الجامع الصغير" (6816) إلى ضعفه. وقال الهيثمي في "المجمع" (1427): فيه بقية بن الوليد، وهو مدلس لكن صححه الألباني رحمه الله في "صحيح الجامع" (4794).

وهذا جَائز عندَ الجُمهور، واحتج به من يجوز (¬1) التيممَ بغَير التراب، وأجَابَ الآخرُون: بأنه محَمول على جدَار عليه تراب (¬2). [330] (ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إبراهيم (¬3) أَبُو عَلِيٍّ) الموصلي وثق. (ثنا مُحَمَدُ بْنُ ثَابِتٍ العَبْدِيُّ، ثنا نَافِعٌ قَالَ: انْطَلَقْتُ مَعَ) (¬4) عبد الله (ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- فِي حَاجَةٍ) فيه إبهَام مَا لا يفتقر الحَديث إلى بيانه (إِلَى ابن عَبَّاسٍ فَقَضَى ابن عُمَرَ حَاجَتَهُ) من ابن عَباس. (وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِ) معه (يَوْمَئِذٍ أَنْ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- فِي سِكَّةٍ) بِكسْر السِّين، واحدَة (مِنَ السِّكَكِ) وهي الطرق (¬5) والأزقة، وأصْلهَا النخل المُصطفة ثم سُميت الطرق بذلك لاصطفاف المنازل بِجَانبيهَا. (وَقَدْ خَرَجَ) رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- (مِنْ غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ) شك مِنَ الراوي (فَسَلَّمَ عَلَيْهِ) فيه سَلام الماشِي على الوَاقِف، والقَاعِد لما في الصَّحيحين: "يسَلم الراكب [على الماشي] (¬6) والماشي على القاعِد" (¬7). وهذا استحبَاب فلو عكس جَاز وكانَ خلاف الأفضل. (فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيهِ) السَّلام لكونه على غَير طَهَارة. ¬

_ (¬1) في (د، م): جوز. (¬2) انظر: "شرح النووي على مسلم" 4/ 64. (¬3) من (د، س، م، ل). (¬4) سقط من (د). (¬5) في (ص، س، ل): الطريق. والمثبت من (د، م). (¬6) من (د، م). (¬7) رواه البخاري (6232)، ومسلم (2160) (1) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.

(حَتَّى إِذَا كَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَتَوَارَى) فيه شاهد عَلى اسْتعمال "أن" في (¬1) خبر "كاد" كقَول الشاعِر: قد كادَ مِن طُول البِلَى أن يمصحَا (¬2) والأكثر بدُون أن كقوله تعالى {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} (¬3). (فِي السِّكَّةِ) يَعني: الزقاق. (ضَرَبَ بيَدَيْهِ عَلَى الحَائِطِ) قد يَأتي فيه مَا تقدم من رواية الشافعي: فحتَّهُ بِعَصًا (¬4)، وفيه مَا ذكر بعده مما هُو محمول عليه (وَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ ثُمَّ ضَرَبَ) على الحائط. (ضَرْبَةً أُخْرَى فَمَسَحَ) بهَا (ذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَى الرَّجُلِ السَّلاَمَ وَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيكَ السَّلاَمَ إلَّا أَنِّي لَمْ أَكُنْ عَلَى طُهْرٍ) فيه استحباب الاعتذار لمَنْ ترك مِنْ حَقه شيئًا، أو خشي تغير خاطره، كما اعتذر لمن لم يقبل هَدِيتَه: "إنا لم نَرُدَّهُ عليك إلا أنا حُرُم" (¬5) (¬6). [331] (ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُسَافِر التنيسي) (¬7) صَدُوق توفي سنة 254. ¬

_ (¬1) في (س): من. (¬2) في (ص): ينضجا. وفي (م): يمحصا. والمثبت من (د). والبيت من أرجوزة لرؤبة، انظر: "خزانة الأدب" 9/ 350. (¬3) البقرة: 71. (¬4) سبق تخريجه. (¬5) رواه البخاري (1825)، ومسلم (1193) (50) من حديث الصعب بن جثامة. (¬6) زاد في رواية ابن داسة: قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول: روى محمد بن ثابت حديثا منكرًا في التيمم، قال ابن داسة: قال أبو داود: لم يتابع محمد بن ثابت في هذه القصة على ضربتين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ورووه فِحْلَ ابن عمر. (¬7) في (ص): النبتيتي. والمثبت من (د، س، م، ل).

(ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ يَحْيَى) المعَافري ويقال: الكلاعي (الْبُرُلُّسِيُّ) بِضَم الباء الموحدة والراء وتشديد اللام، أخرجَ له البخَاري (¬1). (أنا حَيوَةُ بْنُ شُرَيْح عن) يزيد بن عَبد الله (بْنِ الهَادِ أَنَّ نَافِعًا حَدَّثَهُ عَنْ) عبد الله (بْنِ عُمَرَ، قَالَ أَقْبَلَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الغَائِطِ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ عِنْدَ بئْرِ جَمَلٍ) بفتح الجيم والميم، وهوَ مَوضع بالمدينة فيه مَال من أموالهم (¬2). (فَسَلَّمَ عَلَيهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيهِ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-) السَّلام (حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الحَائِطِ) هوَ الجدَار المبنى، سُمِّي بذَلك لإحَاطته على المكان. (فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى الحَائِطِ ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ) [أي: بضَربتَين] (¬3) كما في الروَاية التي قبلها. (ثُمَّ رَدَّ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- عَلَى الرَّجُلِ السَّلامَ) (¬4) فيه استحباب التيمم لذِكر الله تعالى وتسبيحه وتهليله واستغفاره ونحو ذلك، بأن يَكون قائلها عَلى طَهَارة كامِلَة كما في الحَديث قبلهُ، واللهُ أعلم. ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (4650)، (4837). (¬2) في (د، س، م): أموالها. (¬3) سقط من (م). (¬4) أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (1316)، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (357).

126 - باب الجنب يتيمم

126 - باب الجُنُبِ يَتيَمَّمُ 332 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنا خالِدٌ الواسِطِيُّ، عَنْ خالِدٍ الحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ (ح)، وَحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، أَخْبَرَنا خالِدٌ -يَعْنِي: ابن عَبْدِ اللهِ الواسِطِيَّ- عَنْ خالِدٍ الحَذّاءِ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ بُجْدانَ، عَنْ أَبي ذَرٍّ قالَ: اجْتَمَعَتْ غنَيْمَةٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقالَ: "يا أَبا ذَرٍّ، ابْدُ فِيها"، فَبَدَوْتُ إِلَى الرَّبَذَةِ، فَكانَتْ تُصِيبُنِي الجَنابَةُ فَأَمْكُثُ الخَمْسَ والسِّتَّ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقالَ: "أَبُو ذَرٍّ"، فَسَكَتُّ، فَقالَ: "ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ أَبا ذَرٍّ، لأُمِّكَ الوَيْلُ"، فَدَعا لِي بِجارِيَةٍ سَوْداءَ، فَجاءَتْ بِعُسٍّ فِيهِ ماءٌ فَسَتَرَتْنِي بِثَوْبٍ واسْتَتَرْتُ بِالرّاحلَةِ واغْتَسَلْتُ، فَكَأَنِّي أَلْقَيْتُ عَنِّي جَبَلًا، فَقالَ: "الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ المُسْلِمِ وَلَوْ إِلَى عَشْرِ سِنِينَ، فَإِذا وَجَدْتَ الماءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ، فَإنَّ ذَلِكَ خَيرٌ"، وقالَ مُسَدَّدٌ: غُنَيْمَةٌ مِنَ الصَّدَقَةِ. قالَ أَبُو داودَ: وَحَدِيثُ عَمْرٍو أَتَمُّ (¬1). 333 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، أَخْبَرَنا حَمّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عامِرٍ قالَ: دَخَلْت فِي الإِسْلامِ، فَأَهَمَّنِي دِينِي، فَأَتَيْتُ أَبا ذَرٍّ، فَقالَ: أَبُو ذَرٍّ، إِنِّي اجْتَوَيْتُ المَدِينَةَ، فَأَمَرَ لِي رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِذَوْدٍ وَبِغَنَمٍ، فَقالَ لِي: "اشْرَبْ مِنْ أَلْبانِها". قالَ حَمّادٌ: وَأَشُكُّ فِي: "أَبْوَالِها". هذا قَوْل حَمّادٍ. فَقالَ أَبُو ذَرٍّ: فَكُنْتُ أَعْزُبُ عَنِ الماءِ وَمَعِي أَهْلِي، فَتُصِيبُنِي الجَنابَةُ، فَأُصَلِّي بِغَيْرِ طهُورٍ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِنِصْفِ النَّهارِ وَهُوَ فِي رَهْطٍ مِنْ أَصْحابِهِ، وَهُوَ فِي ظِلِّ الَمسْجِدِ، فَقالَ: "أَبُو ذَرِّ؟ " فَقُلْتُ: نَعَمْ، هَلَكْتُ يا رَسُولَ اللهِ. قالَ: "وَما أَهْلَكَكَ؟ " قُلْتُ: إِنِّي كُنْتُ أَعْزُبُ عَنِ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (124)، والنسائي 1/ 171، وأحمد 5/ 155، 180، وابن خزيمة (2292)، وابن حبان (1311، 1312). وانظر ما بعده. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (358).

الماءِ وَمَعِي أَهْلِي، فَتُصِيبُنِي الجَنابَةُ، فَأُصَلِّي بِغَيْرِ طُهُورٍ، فَأَمَرَ لِي رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِماءٍ، فَجاءَتْ بِهِ جارِيَةٌ سَوْداءُ بِعُسٍّ يَتَخَضْخَضُ ما هُوَ بِمَلآنَ، فَتَسَتَّرْتُ إِلَى بَعِيرِي، فاغْتَسَلْتُ، ثمَّ جِئْتُ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "يا أَبا ذَرٍّ، إِنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ طَهُورٌ، وَإِنْ لَمْ تَجِدِ الماءَ إِلَى عَشْرِ سِنِينَ، فَإِذا وَجَدْتَ الماءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ". قالَ أَبُو داودَ: رَواة حَمّادُ بْن زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، لَمْ يَذْكُرْ: "أَبْوالَها". قالَ أَبُو داودَ: هذا لَيْسَ بِصَحيحٍ، وَلَيْسَ فِي أَبْوالِها إلَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، تَفَرَّدَ بِهِ أَهْلُ البَصْرَةِ (¬1). * * * باب الجنب يتيمم [332] (ثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ) الوَاسطِي البزار، الحافظ شيخ البخَاري (أَنَا خَالِدٌ) (¬2) ابن عبد الله (الْوَاسِطِيُّ) الطحَّان (عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ) عَبد الله بن زيد الجرمي. (ح (¬3) وَثَنَا مُسَدَّدٌ، ثنا خَالِدٌ) الوَاسِطِيَّ (عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ) عَبد الله بن زيد، بَصْري سكن الشام (عَنْ عَمْرِو بْنِ بُجْدَانَ) بِضَم البَاء المُوَحَّدة وإسْكان الجِيم وتخفيف الدال المهملة وبعد الألف نون، روى عنهُ الأربعة ووثق وثقه العجلي (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 146، 155، وابن حبان (1313)، وانظر السابق. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (359). (¬2) كتب فوقها في (د): ع. (¬3) من (د، س، م، ل). (¬4) عمرو بن بجدان، ذكره ابن حبان في "الثقات" (4418)، ووثقه العجلي (1376) قال: بصري تابعي ثقة. وذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (1230) ولم =

(قَالَ: اجْتَمَعَتْ غُنَيمَةٌ) بضم الغين تصغير غنم، وسيأتي في الروَاية التي (¬1) بعدها [أمر لي] (¬2) بذود وبغنم (¬3). (عِنْدَ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ) واسْمه جُندب بن جنادة الغفاري عَلى الأصَح أسْلم بَعْدَ أربعَة فكانَ خَامسًا قال عليٌّ: وعَى أبو ذَرٍ علمًا عجز الناسُ عنهُ، ثم أوكى عليه فلم يخرج شَيئًا منه (¬4) (أُبْدُ) بِضَم الهَمزة والدال، أي: أخرُج إلى البَادِيَة وهي الصَّحراء البعَيدة مِنَ المدُن والقُرَى، والمِراد: كنُ في هذِه الإبل [في البَادية] (¬5). (فَبَدَوْتُ) أي: خَرجت (إِلَى الرَّبَذَةِ) بفتح (¬6) الراء والبَاء والذال المُعجمة، موضع (¬7) خَارج المدِينَة (¬8) وبَينَهُ وبينهَا ثلاث مَرَاحل، وهي قريب من ذات عرق، وتوفي بهَا سَنة إحْدَى وثلاثين وصَلى عليه ابن مَسْعُود ثم مَاتَ بعده في ذَلكَ العَام. (وَكَانَتْ تُصِيبُنِي الجَنَابَةُ) [وأنَا أُصَلي بغَير طهور كما سَيَأتي] (¬9). ¬

_ = يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، والظاهر أنه مجهول الحال. وعمرو هذا مشهور بحديثه الذي معنا. (¬1) في (ص، س، ل): الذي. والمثبت من (د، م). (¬2) سقط من (د، س، ل، م). (¬3) في (م): نعيم. وغير منقوطة في (د). (¬4) انظر: "أسد الغابة" (ص 1170). (¬5) في (د، م): بالبادية. وفي (س): في المدينة. (¬6) في (س): بضم. (¬7) من (د، م). (¬8) في (م): المدن. (¬9) جاءت في (م) بعد قوله: واليوم تبع لها.

(فَأَمْكُثُ الخَمْسَ وَالسِّتَّ) أي: الخمسَ لَيَال و (¬1) السِّتَ ليَال (¬2)؛ لأن التاريخ يَكونُ بالليلة إذا كانت أول الشهر واليَوْم تَبع لها. (فَأتَيتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: أَبُو ذَرٍّ) هَكذَا الروَاية، فيحتمل أن يَكون خَبَر مُبتَدَأ تقديرُه: أأنتَ أبو ذر؟ . (فَسَكَتُّ) بتَشديد التاء المثَناة آخرهُ، ورواية الطبراني في "الأوسط" ورَجَالهُ رجَال الصَّحيح عن أبي هُرَيرة؛ كانَ [أبو ذَر] (¬3) في غنَيمة لهُ، فَلما جَاء قَال له النَّبي -صلى الله عليه وسلم-: "يَا أبَا ذرّ" فسَكت فردَّدهَا عليه فسَكت الحَديثَ (¬4) وسَبَب سُكوته عن إجَابَة النَّبي -صلى الله عليه وسلم- مَعَ أنَّ من خصَائصهِ -صلى الله عليه وسلم- وجُوب إجَابَتهِ على المصَلي إذا دَعَاهُ ولو (¬5) في الصَّلاة لقَوله تعالى: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} (¬6) لأنه (¬7) كانَ جُنُبًا فَكرهَ أنْ يخَاطبَه وهو جُنُب فإنه يُستحب الطهَارة لمخَاطبة العُلماء (¬8) وأهْل الدِين والفَضل حَتى يَكون على أكمل الحَالات وأحسَن الهَيئات، كذَا التلميذ يتطيب لمجَالسَة شَيخه ويتَطهر. (فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ) بكسْر الكاف، أي: فَقَدَتْك، والثَّكَل بفتح الثاء ¬

_ (¬1) في (م): أو. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): هريرة. (¬4) "المعجم الأوسط" (1333). (¬5) سقط من (د، س، م، ل). (¬6) الأنفال: 24. (¬7) في (ص): الآية أنه. وفي (س): الآية. والمثبت من (د، م). (¬8) من (د). وفي باقي النسخ: العظماء.

والكاف فقدُ الوَلَدِ، فكأنهُ دَعَا عليه بالمَوت لسُوءِ فعلهِ أو قوله، ويتعدى فعله بالهَمْزة فيقال: أثكلهَا اللهُ ولدَهَا، فإن قيلَ: مَا مَعنى الدُعَاء عليه؟ فالجَوَابُ: أنه لما كانَ المَوت عَامًّا لكل أحَد فَإذا الدُعاء عليه كلا (¬1) دُعَاء أو أرادَ [إذا كنت] (¬2) هَكَذَا فالموت [خَير لك] (¬3) لئلا تزداد سُوءًا، ويجوز أن يَكونَ مِنَ الألفَاظ التي تجري على ألسنة العَرب، ولا يُرَاد بهَا الدعاء كقَولهم: تَربَتْ يَداكَ، وقَاتلك الله. (أَبَا ذَرٍّ) أي: يا أبا ذر (لأمُّكَ الوَيْلُ) أي: الحزُن عليك. قال الفراء: أصْل "وي" حزن، يُقَال: "وي لفلان" أي: حُزن له، فوصلته العَرب باللام وقدَّرُوهَا منهُ فأعربوها (¬4). زاد الطبرَاني في "الأوسط" في الروَاية المتقدمة قَالَ: إني جُنُب (¬5) يَعني: قالَ أبو ذر: إني جُنُب؛ وأكره أن أخَاطبك وأنا عَلى غَير طَهَارة، ويُشبهُ أنهُ لو ضَرَبَ يَدَهُ على الأرض أو الحائط لكفى كما تقدم في الحَديث. (فَدَعَا لِي بجَارَيةٍ (¬6) سَوْدَاءَ) أن تأتى بماءٍ (فَجَاءَتْ بِعُسٍّ) بِضَم العَين وتشديد السِّين المُهمَلتَين وهو القَدَحُ الضخم. (فِيهِ مَاءٌ فَسَتَرَتْنِي) الجَاريةُ (بِثَوْبٍ) يَعني: وهي مَاسِكة لهُ مِنْ خَلْف ¬

_ (¬1) في (م): كل. (¬2) في (م): أكنت. (¬3) في (س): حولك. (¬4) "مشارق الأنوار على صحاح الآثار" 2/ 298. (¬5) "المعجم الأوسط" (1333). (¬6) في (ص): جارية. والمثبت من (د، م).

ظهرها ليَكون أبْلَغَ في السَّتر (وَاسْتَتَرْتُ بِالرَّاحلَةِ) يَعني: البعير كما سَيَأتي، فيه وجوب (¬1) الاستتار عَن أعيُن الناس في الغسْل. وإن استتر بثوب أو رَاحلة أو جِدَار و (¬2) نحوه، أو سَترهُ إنسَان بثوب فلا بَأسَ به، فقد كانَ النبي -صلى الله عليه وسلم- يستتر بثوب. (وَاغْتَسَلْتُ) يَعني: من الجنابة (فَكَأَنِّي أَلْقَيتُ عَنِّي جَبَلًا) فيه أنَّ مِنْ كمال الإيمان أن تسره الطاعةُ وتَسُوءهُ المَعْصَية ومَا في معناهَا. (فَقَالَ: الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ) ذَهَبَ الشافعي (¬3) وأحمد وإسحاق (¬4) وأبو يُوسف (¬5) إلى أنهُ لا يجوز التيمم إلا بتراب طَاهِر ذي غبَار يعلق؛ لهذا الحَديث ولقَوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} (¬6) قالَ ابن عَباس: الصَّعيد ترابُ الحَرْث (¬7)، وقال عَلي: الصَّعيْد الترابُ خَاصَّةً. وفي كتاب الخَليل: تيمم بالصَّعيد، أي: خُذ من غباره. حَكاهُ ابن فارس (¬8)؛ وهو يقتضي التيمم بالتراب، فإنَّ الحَجر الصَّلْدَ لا غُبَار ¬

_ (¬1) في (ص): جواز. والمثبت من (د، م). (¬2) في (د، م): أو. (¬3) "الأم" 1/ 114 - 115. (¬4) "مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج" (85). (¬5) "المبسوط" للسرخسي 1/ 246. (¬6) المائدة: 6. (¬7) "مصنف عبد الرزاق" (814)، و"مصنف ابن أبي شيبة" (1714). (¬8) "معجم مقاييس اللغة" لابن فارس 3/ 287.

عليْه، واستَدَلَّ الشَافعي بِقَوله تَعالى: {فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} (¬1) أي: ترابًا أملس (¬2)، والطيب الطاهِرُ (وَضُوءُ) بفَتح الواو. قالهُ شارح "المصَابيح". (الْمُسْلِمِ) قالَ: وهوَ مَاءُ الوضوء، والمرادُ هنا: أن التراب بِمَنزلة مَاء الوضوء في صحة الصَّلاة بالتيمم. ورَوَاية الترمذي: "الصَّعيد الطَّيِّب طهُور المُسْلم" (¬3)، وروَاية النسَائي كأبي دَاود، وبوبَ عليه النسَائي باب الصَّلوَات (¬4) بتيمم وَاحد (¬5) (وَلَوْ إِلَى عَشْرِ سِنِينَ). ورواية النسَائي: "وإن لم يجَد الماء عَشر سنين" (¬6). والمراد بعَشر سنين: الكثرة، يَعني يتيمم وإن لم يجد الماء مُدة طَويلة، ومفهُوم العَدَد ليسَ بحجة عندَ بَعضهم، وليسَ المراد هنا أنه لا يجوز التيمم فوق عَشر سنين بَل يجوز أبدًا، إذا لم يجد الماء، والمرادُ بالحَديث: أنَّ له أن يفعَل التيمم مرة بعد أخرى، هان بلغت مدة عَدَم الماء عَشْر سنين، لا أنَّ التيمم دفعَة واحدةً يكفيه. (فَإِذَا وَجَدْتَ المَاءَ فَأَمِسَّهُ) بكسر الميم وتشديد السِّين المفتوحة (جِلْدَكَ) أي: توضأ بِه. ورواه البزار، عَن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رَفَعَه: "الصَّعيد ¬

_ (¬1) الكهف: 40. (¬2) من (د، م). (¬3) "جامع الترمذي" (124)، وقال: حديث حسن صحيح. (¬4) في (م): الصلاة. (¬5) "المجتبى" للنسائي 1/ 171. (¬6) "المجتبى" للنسائي 1/ 171.

وضوء المُسْلم وإن لم يجد الماء (¬1) عَشر سنين، فإذا وَجَدَ الماء فليتق الله وليمسَّهُ بشرتَه" (¬2)، وقَد اسْتدل به بَعضهم على أنَّ دَلكَ الأعضاء في الوضُوء والغسْل لا يجَب؛ لأنه لم يَذكر في الماء إلا إمسَاسه جلدَ الآدمي وجريَه عليه (¬3). (فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ) قال شارح "المصَابيح" مَا مَعناهُ: ليْس معنى هذا أن الوضوء والتيمم كلاهما جَائز، وفيه خير عندَ وجُوْد الماء، لكنَّ الوضوء خَير منَ التيممَ وأفضَل، بل المُرَاد أن الوضُوء واجُب عندَ وجود الماء، ولا يجوز التيمم، وهذا نظير قوله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24)} (¬4) مع أنهُ لا خَير ولا حسن في مُسْتقر أصحَاب النار ومقيلهم أصلًا (¬5)، والمقيل هُوَ: مَوضع القيلولة وهوَ النومُ نصفَ النهار. (وَقَالَ مُسَدَّدٌ) في روَايته اجتمعت (غُنَيمَة) بالتصغير وزاد (من الصَّدَقَةِ) وفيه دَليل على جَوَاز تأخير نَعَم الصَّدقة عَن القسمة إذا رَأى الإمَام المصْلحة في ذَلك، وعلى جَوَاز إرسَالهَا مع ثقة إلى المراعي البعيدة ¬

_ (¬1) زاد في (م): إلى. (¬2) "مسند البزار - كشف الأستار" (1/ 157/ 310) وصوب الدارقطني إرساله في "العلل" (1423). وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3029). (¬3) استدل بهذا الحديث على أن دلك الأعضاء ليس بواجب: الشافعية، انظر: "الحاوي" 1/ 218، والحنفية انظر: "البحر الرائق" 1/ 50. (¬4) الفرقان: 24. (¬5) "مراعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" 2/ 229.

في البَادية إذا لم يخف عليهَا، وإن تلف منها شيء فلا ضمان. (وَحَدِيثُ عَمْرٍو) بن عَون (¬1) (أَتَمُّ) (¬2) مِنْ حَديث مسدد. [333] (ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التبوذكي، ثنا (حَمَادٌ) ابن سَلمة (عَنْ أَيُّوبَ) السختياني. (عَنْ أَبِي قِلابةَ) عَبد الله بن زَيد، كما تقدم (عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَامِرٍ) قال المنذري: هو عمرو بن بجدان، المتقدمُ في الحَديث قبله (¬3). (قَالَ: دَخَلْتُ فِي الإِسْلامِ فَهَمَّنِي) (¬4) كذَا في بعَض الأصُول، والصَّوابُ روَايةً ومعنى، فأهمني بزيَادَة الهَمْزة، ومعنى أهمني: أحزَنَني وأغمَّني، ومنهُ الهموم وهَمَّني أذابني (ديني) بكَسْر الدال، أي: أهمَّني الخَوفُ على دِينِي. (فَأَتَيْتُ أَبَا ذَرٍّ) فأخْبَرتهُ (فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: إِنِّي اجْتَوَيْتُ) بالجيم (الْمَدِينَةَ) أي: استوخمتها (¬5) ولم توافق طبعي، وهو: افتعَلت من الجوى وهوَ المرضُ وداء الجَوفِ إذا تطاول وذَلكَ إذا لم يوَافق هَوَاؤها ومَاؤُهَا طَبْع الآدمي، ويقَال: اسْتوخَمت المدينة إذا كرهت المقام بهَا وإن كنت في نعمة. (فَأَمَرَ لِي رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بِذَوْدٍ) والذود، بفتح الذال المُعجمة أوله مَا ¬

_ (¬1) في (س): عوف. (¬2) وأخرجه ابن خزيمة (2292)، وابن حبان في "صحيحه" (1311). (¬3) "مختصر سنن أبي داود" 1/ 207. (¬4) كتب في هامش (د): فأهمني. (¬5) في (س): استوجهتها.

بيْنَ الثلاث إلى العَشر من الإبل، وهي مُؤنثة لا وَاحد لها من لفظها. قالَ أبو عُبيدَة (¬1) وغَيره: هي الإناث دُونَ الذكور (¬2)، والحَديث في الزكاة عَام؛ فإنَّ من مَلكَ خمسًا مِنَ الإبل وَجَبَت عليْه الزكاة ذكورًا كانت أو إنَاثًا. (وَبِغَنَم وقَالَ) النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- لِي (اشْرَبْ مِنْ [ألبانها] شربهم لبن مواشي الصدقة لأنهم كانوا من أبناء السبيل. (قال حماد) بن سلمة (وأشك في) ذكره (أبوالها) احتج به على طهارة بول الإبل وعلى مأكول اللحم من غيرها بالقياس، وهو قول مالك (¬3) وأحمد (¬4) ووافقهم ابن خزيمة (¬5) وابن المنذر (¬6) والإصطخري والروياني، وقيل: شربوها دواء للضرورة (فقال أبو ذر] (¬7) فَكُنْتُ أَعْزُبُ) بسكون المهُملة وضَم الزاي. ¬

_ (¬1) في (س): عبيد (¬2) "لسان العرب" (ذود). (¬3) "المدونة الكبرى" 1/ 127. (¬4) "مسائل أحمد" رواية الكوسج (35)، "ومسائل أحمد" لابن هانئ (133، 132). (¬5) "صحيح ابن خزيمة" 1/ 60. (¬6) "الأوسط" لابن المنذر 2/ 324. (¬7) حدث هنا تقديم وتأخير وتبديل واسع. فجاءت هذه العبارة في (م): أبوالها. احتج به على طهارة بول الإبل على مأكول اللحم من غيرها بالقياس وهو قول مالك وأحمد ووافقهم ابن خزيمة وابن المنذر والاصطخري والروياني. قال حماد بن سلمة: وأشك في ذكره ألبانها. وشربهم لبن مواشي الصدقة لأنهم كانوا من أبناء السبيل. وقيل شربوها دواء للضرورة. وهي مضطربة جدًّا في (ص) والمثبت من (د) وهو الأصح.

(عَنِ المَاءِ) أي: أبعد وسُمي العَازب عَازبًا لِبُعْده عَن النكاح (¬1) ومنهُ قوله تعالى: {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ} (¬2) أي: يبعد ويغيبُ عن علمهِ، وفي الحَديث "من قرأ القُرآن في أربعين ليلة فقدَ عزبَ" (¬3) أي: بَعُدَ عهدُهُ بما ابتدأ بهِ وأبطَأ في تلاوته. (وَمَعِي أَهْلِي) فيه السَّفر بالزَّوجَة والأولاد إلى البلاد التي ليسَ بهَا مَاء والإقامَة بهَا (فَتُصِيبُنِي الجَنَابَةُ وأُصَلِّي) وأنا وأهلي (بِغَيرِ طُهُورٍ) بِضَم الطاء، أي: طَهَارَة، والطُهور بالضَم الفعلُ، وبالفتح الماء الذي يُتطهر بهِ. (فَأَتَيتُ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- بِنِصْفِ النهَارِ) ويُشبه أن يكون فيه شاهد على أن "الباء" بمَعْنى "في" كقوله تعَالى: {وَبِاللَّيْلِ} (¬4) أي: في الليل. (وَهُوَ فِي رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِهِ) والرّهْط: مَا دُونَ عَشرة مِنَ الرجَال ليْسَ فيهم امرأة، وسُكون الهَاء أفصَح من فتحها، وهو جَمع لا وَاحدَ لهُ من لفظه كالنفر والقَوم والمَعْشَر. (وَهُوَ فِي ظِلِّ المَسْجِدِ) أي: في ظل حَائطِهِ، وفيه الارتفاق بالجُلوس في الظل دُونَ الشمس كما قال تَعالى حكاية عَن مُوسى عليه السَّلام {ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ} (¬5) وفيه الرفق بأصحَابه بجلوسهم معه في الظل؛ لئلا يحصل لهمُ مَشقة بالجُلوس في الشمس في البلاد الحَارة. ([فَقَالَ: أَبُو ذَرٍّ) خبر مُبتدَأ محَذُوف، أي: أأنت أبو ذر؟ كما تقدم. ¬

_ (¬1) في (د، س، م): الماء. (¬2) يونس: 61. (¬3) لم أقف عليه مسندًا، وقد كثر ذكره في كتب اللغة والبلاغة استشهادًا، ولم أجد من تكلم عليه. (¬4) الصافات: 138. (¬5) القصص: 24.

(فَقُلْتُ: نَعَمْ هَلَكْتُ) بفتح اللام (يَا رَسُولَ الله) فيه اسْتعمال المجَاز وأنه لا إنكار على مُستعمله كما قالَ المُجَامعُ في رَمَضان: احْترقتُ. ولم ينكر عليه. (قَالَ: وَمَا أَهْلَكَكَ؟ قال: قُلْتُ إِنِّي كُنْتُ أَعْزُبُ) بِضَم الزاي، كما تقدم (عَنِ (¬1) الْمَاءِ وَمَعِي أَهْلِي فَتُصِيبُنِي الجَنَابَةُ فَأُصَلِّي بِغَيرِ طهر) (¬2) بضَم الطاء وسُكون الهَاء أي: طَهَارة كما تقدم. (فَأَمَرَ لِي رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بِمَاءٍ) أتطهَّر به ([فَجَاءَتْ به] (¬3) جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ) لعَلهَا أُم أيمنَ الحبَشية واسْمُهَا بَرَكة (بِعُسٍّ) تقدم. (يَتَخَضْخَضُ) أي: يتحرَّك من (¬4) مَشيها به، ثم ذكر سَبَب تخضخضه فقالَ (مَا) [نافية لدخول الباء في الخبر] (¬5). (هُوَ بِمَلآنَ) بفتح الميم، وفي بَعْض النُسَخ: بملأى. وكلاهما صَحيح فالأول: على لفظ العُسّ فإنه مُذكر، والثاني: عَلى مَعناه وهوَ الصَحفَة ومَا في معَناهَا. (فَتَسَتَّرْتُ إِلَى بَعِيرِ) وسترتني الجارية بثوب (فَاغْتَسَلْتُ، ثُمَّ جِئْتُ، فَقَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّ الصَّعِيدَ) التراب، وقيل: هوَ وجه الأرض كان عليه تراب أو لم يَكن قَاله الخَليل وابن الأعرابي والزجاج. قال الزجاج: لا أعلم فيه خلافًا بَين أهل اللغة (¬6). وسُمي صَعيدًا؛ لأنهُ نهايةُ مَا صَعد منَ الأرض وجمع الصعيد صُعُداتٌ، ومنهُ ¬

_ (¬1) في (ص): من. والمثبت من (د). (¬2) في (س): طهور. (¬3) في (ص): فجاءته. والمثبت من بقية الأصول. (¬4) من (د، س، م، ل). (¬5) من (د، م). (¬6) انظر: "المغرب في ترتيب المعرب" ص 267.

الحَديث: "إياكم والجلوسَ بالصُعدات" (¬1). (الطَّيِّبَ) هوَ الطاهر منهُ، ومنهُ الاستطابة للاستنجاء وهوَ: تطييب الرجُل نَفسَه بإزالة الأذى عنه (طَهُورٌ) بفَتح الطاء وهوَ الذي يتطهر به. (وِإنْ لَمْ يَجِدِ (¬2) المَاءَ إِلَى (¬3) عَشْرِ سِنِينَ) أي: له أن يَفعل التيمم مرةً بعد أخرى وإن بَلغت مُدةُ عدَم الماء عشرَ سنين ومَا زاد عليهَا. (فَإِذَا وَجَدْتَ المَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ) تقدم. (ورَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ) السختياني (ولَمْ يَذْكُرْ أَبْوَالَهَا). (قَالَ أَبُو دَاودَ: هذا لَيسَ بِصَحيحٍ) في الروَاية قال ابن الصَّلاح: إذا قالوا في حَديث أنه غير صَحيح فليسَ ذلك قَطعًا بأنه كذب في نفس الأمر إذ قد يكون صدقًا في نَفس الأمر، وإنما المراد أنه لم يصح إسنَاده على الشرط المذكور (¬4). (وَلَيسَ فِي أَبْوَالِهَا) حَدِيث لأحَد مِنَ الروَاة (إلا حَدِيثُ أَنَسٍ) (¬5) فإنهُ (تَفَرَّدَ بِهِ أَهْلُ البَصْرَةِ) دُون غَيرهم. * * * ¬

_ (¬1) أخرجه بهذا اللفظ الإمام أحمد في "مسنده" 6/ 385، وأصله عند مسلم (2161) بلفظ: "ما لكم ولمجالس الصعدات". (¬2) في (د): تجد. (¬3) من (د، م). (¬4) "مقدمة ابن الصلاح" (ص 9). (¬5) وهو الحديث الذي أخرجه البخاري (233)، ومسلم (1671) بسندهما عن أنس -رضي الله عنه-: أنَّ ناسا من عرينة قدموا المدينة، فاجتووها فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن شئتم أن تخرجوا إلي إبل الصدقة؛ فتشربوا من ألبانها وأبوالها.". الحديث وهو حديث مشهور.

127 - باب إذا خاف الجنب البرد أيتيمم

127 - باب إِذا خاف الجُنُبُ البَرْدَ أَيَتَيَمَّمُ 334 - حَدَّثَنا ابن المُثَنَّى، أَخْبَرَنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، أَخْبَرَنا أَبِي قالَ: سَمِعْت يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ، يُحَدِّثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عِمْرانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ الِمصْرِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ العاصِ قال: احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ ذاتِ السَّلاسِلِ، فَأَشْفَقْتُ إِنِ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلِكَ، فَتَيَمَّمْتُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحابِي الصُّبْحَ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقالَ: "يا عَمْرُو، صَلَيتَ بِأَصْحابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟ " فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي مَنَعَنِي مِنَ الاغْتِسالِ، وَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ اللهَ يَقُولُ: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}، فَضَحكَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا. قالَ أَبُو داودَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن جُبَيرٍ مِصْرِيٌّ، مَوْلَى خارِجَةَ بْنِ حُذافَةَ، وَلَيْسَ هُوَ ابن جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ (¬1). 335 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ المُرادِيُّ، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ، عَنِ ابن لَهِيعَةَ وَعَمْرِو بْنِ الحارِثِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عِمْرانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ العاصِ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ العاصِ كانَ عَلَى سَرِيَّةٍ، وَذَكَرَ الحَدِيثَ نَحْوَهُ، قالَ: فَغَسَلَ مَغابِنَهُ وَتَوَضَّأَ وضُوءَهُ لِلصَّلاةِ، ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَلَمْ يَذْكرِ التَّيَمُّمَ. قالَ أَبُو داودَ: وَرُوِيَتْ هذِه القِصَّةُ عَنِ الأَوْزاعِيِّ، عَنْ حَسّانَ بْنِ عَطِيَّةَ قالَ فِيهِ: فَتَيَمَّمَ (¬2). * * * ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 203، والحاكم 1/ 177 - 178، وعلقه البخاري مختصرا قبل الحديث (345). وانظر ما بعده. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (361). (¬2) انظر السابق، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (362).

باب إذا خاف الجنب البرد أيتيمم (¬1) [334] (ثَنَا) محمد (ابْنُ المُثَنَّى) العَنزيّ الحَافظ الزَّمِنْ. (ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ) قالَ (حَدثني أَبِي) (¬2) جرير بن حَازم الأزدي، حضر جَنازة أبي الطفيل بمكة. (قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى (¬3) بْنَ أَيُّوبَ) الغافقي (يُحَدِّثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسِ) العَامري أخو بني عَامر، أخرجَ له مُسْلم في مَوَاضِع. (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ) المِصْرِيِّ المؤذن، أخرج له مُسْلم ولهُ عند الجَماعة أربَعَة أحَاديث، قال ابن يُونس: كان فقيهًا عَالمًا بالقراءة شهدَ فتح مصر (¬4). (عَنْ عَمْرِو بْنِ العَاصِ قَالَ: احْتَلَمْتُ فِي لَيلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غزاة) غزاة (¬5) بفتح الزاي، ويقال فيه: غزوة، بِسكون الزاي وفتح الواو. (ذَاتِ السَّلاسِلِ) وهي وراء وادي القُرى التي بينها وبينَ المدينة عَشرَة أيام، قيل: سُميت بماء (¬6) بأرض جذام [يقال له] (¬7) السَلسل، بفتح ¬

_ (¬1) في (د، س): يتيمم. (¬2) كتب فوقها في (د): ع. (¬3) كتب فوقها في (د): ع. (¬4) "تهذيب الكمال" 17/ 29. (¬5) في (د): غزوة غزوة. وفي (م): غزوة غزاة. (¬6) في (س): بها. (¬7) ليست في (د، س، م).

السينين المهملتَين (¬1) وضمهما، وكانت هذِه الغزاةُ في جمادى الأولى سَنة ثمان (فَأَشْفَقْتُ) أي: حَذِرْتُ وخفتُ (إِنِ اغْتَسَلْتُ) في شدة البرد. (أَنْ أَهْلِكَ) بِكَسْر اللام، كما قالَ تعَالى: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ} (¬2) (فتيممت) (¬3) وَروَاية الطبراني في "الكبير" مِنْ طَريق عَبد الله بن عَمرو العَاص؛ أنَّ عَمرو بن العَاصِ أصَابته جَنَابة وهو أمير الجيش (¬4) فترك الغسْل مِن أجل أنه قال: إن اغتسلُت متُّ مِنَ البَرد فَصَلَّى بمن معه جُنبا (¬5). (ثُمَّ صَلَّيتُ بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ) فلما قدمَ عَلى النَّبي -صلى الله عليه وسلم- عَرَّفه (¬6) وأنبأه بعُذره، فأقره وسَكت كذا للطبرَاني المذكور. (فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-) فيحَتمل أنهم ذكروا ذلك للنَّبي -صلى الله عليه وسلم- فسَأله فَعَرفه بعُذرهِ ليَكون فيه الجَمْع بَيْنَ الروَايتين. (فَقَالَ: يَا عَمْرُو أصَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ. فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي مَنَعَنِي مِنَ الاغْتِسَالِ) وهو العُذر وسَببه (¬7). ¬

_ (¬1) ليست في (د). (¬2) الأنفال 42. (¬3) من (د، م). (¬4) في (ص): الجيوش، والمثبت من (د، ل، م). (¬5) عزاه الهيثمي في "المجمع" 2/ 216 للطبراني في "الكبير"، ولم أجده فيه. وقال: فيه أبو بكر بن عبد الرحمن الأنصاري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ولم أجد من ذكره وبقية رجاله ثقات. (¬6) زاد هنا في (د، م): بعذره. (¬7) في (د): وبيَّنْتُه.

(قُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ الله) تعالى (يَقُولُ: {وَلَا تَقْتُلُوا}) قرأ الحَسَن (تُقَتِّلوا) بتَشديد التاء المكسُورة على التكثير ({أَنْفُسَكُمْ}) أي: بَعْضكم مِنَ النَاس [قال القرطبي: أجمع أهل التأويل على أن المراد بهذِه الآية النهي أن (¬1) يقتل بعض الناس] (¬2) بَعضًا، ثم لفظهَا يتناوَل أن الرجُل يقتل نَفسه بقصد منه للقتل في الحرْص على الدُنيا وطَلَب المال بأن يحمل نفسه على الغَرَر المؤدي إلى التَلَف (¬3). قالَ: ويحتمل أن يراد: ولا تقتلوا أنفسَكُم في حَال ضجر أو غضب فهذا كلهُ يتناوَل النَهي كما قد احتج عمرو بن العَاص بهذِه الآية حينَ امتنع مِنَ الاغتسَال بالماءِ البَارد خوفًا عَلى نفسه مِنَ الهَلاك (¬4) ({إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}) (¬5) ومِن رَحمته بهم أن نهَاهُم عن قتل أنفسُهم وأباحَ لمن خَاف على نفَسْه مِن (¬6) الهَلاك لشدة البرَد أو الجرح (¬7) أو المرض الذي به، أو يخاف (¬8) على نفسه عَطشًا أو لصًّا أو سَبْعًا إذا طَلبَ الماء أن يتيمَم ويُصَلي، والحَديث حجة لذَلك كله، لكن لا يتَيمم لشدة البرد مَن أمكنهُ أن يُسَخن الماء أو يستَعمله عَلى وجه يأمَن ¬

_ (¬1) من (د، ل). (¬2) من (د، س، م، ل). (¬3) "الجامع لأحكام القرآن" 5/ 156 - 157. (¬4) "الجامع لأحكام القرآن" 5/ 156 - 157. (¬5) النساء: 29. (¬6) ليست في (د، س، م، ل). (¬7) في (د، م): للجرح. (¬8) في (د، م): خاف.

الضرر مثل أن يغسل عضوًا فيستره (¬1) وكلمَا غسل عضوًا سَتَرهُ وَدَفّاهُ مِنَ البَرد لزمَهُ ذَلك، وإن لم يقدر تيمم وصَلى في قَول أكثر أهل العِلم (¬2). وقال عَطَاء والحَسَن: يغتسل وإن مات ولم يجعَلا لهُ عذرًا (¬3) ومُقتضَى قول ابن مَسْعود المتقَدم: لَوْ رخصنا (¬4) لهُم لأوشك إذَا بَرد عليهم الماء أن يتيممُوا؛ أنه لا يتَيمم لشدَّة البرد. (فَضَحكَ) أي: تبسَّم (¬5) (رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- وَلَمْ يَقُلْ شَيئًا) فيه دَليلان على الجَوَاز: أحَدُهما: التبسمُّ والاستبشار بذَلك. والثاني: عَدَم الإنكار عَليه؛ لأن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- لا يقر على باطل، وقَد تمسَّك الشافعي (¬6) في القيَافة واعتبَارهَا في النسَب بكلاَ الأمرين الاستبشار وعَدَم الإنكار في قصة المدلجي (¬7) عندَ رؤية الأقدام، والتبسُّم والاستبشار أقوى دلالة مِنَ السُّكُوت عَلى الجوَاز، فإن الاستبشار دلالته عَلَى الجَواز بطَريق الأولى. ¬

_ (¬1) ليست في (ص، ل)، وفي (م): يستره. والمثبت من (د). (¬2) هذا قول سفيان، ومالك، وكذا أبو حنيفة رحمهم الله جميعًا. انظر: "المدونة الكبرى" 1/ 147، و"المبسوط" للسرخسي 1/ 265. (¬3) "الأوسط" لابن المنذر 2/ 145. (¬4) في (ص): رخصا. والمثبت من (د، م). (¬5) في (س): للتيمم. (¬6) "الأم" 6/ 344 - 345. (¬7) في (ص): المديحي، والمثبت من (د، م)، وهذا الحديث سيأتي برقم (2267)، ورواه البخاري (6771)، ومسلم (1459).

وَقد اسْتدلَّ بهذا الحَديث الثوري (¬1) ومَالك (¬2) وأبو حَنيفة (¬3) وابن المنذر (¬4) عَلى أن مَن تيمَّم لِشدة البرد وصلى لا يجبُ عَليهِ الإعَادَة؛ لأن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- لَمْ يأمرهُ بالإعادة، ولو وَجَبتْ الإعادَة لأمرهُ بهَا، ولأنه أتى بما أمر به وقدر عليه فأشبه سَائر من يصَلى بالتيمم والأظهر عندَ الشافعي (¬5) أنه لا يَقضي في السَّفَر لندور (¬6) مَا يسَخن بهِ ومَا يدفئ به وأما المقيم فإنه (¬7) يقضي، وفيه وجه ضَعيف لا يقضي. [335] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ) بن عبد الله الجمليُّ مَولاهم المصري المُرَادِيُّ، شَيخ مُسْلم (ثنا) عَبْد الله (بْنُ وَهْب، عَنِ) عبد الله (ابْنِ لَهِيعَةَ) قاضي مصر، بفتح اللام (وَعَمْرِو (¬8) بْنِ الحَارِثِ) ابن يعقوب المصري أحَد الأعلام (عن يحيى بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ) تقدمَا (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ العَاصِ) ذكرهُ ابن عبَد البر فيمن لم يذكر له اسْم سوى كنيَته، وقال (¬9) حديثه في أهل مصر (¬10) (أَنَّ عَمْرَو بْنَ العَاصِ كَانَ عَلَى سَرِيَّةٍ) أي: ¬

_ (¬1) في (م): النووي. (¬2) "المدونة الكبرى" 1/ 147 - 148. (¬3) انظر: "المبسوط" للسرخسي 1/ 250 - 251. (¬4) "الأوسط" لابن المنذر 2/ 145 - 146. (¬5) "الشرح الكبير" للرافعي 2/ 357. (¬6) زاد هنا في (د): فقد. (¬7) في (ص): أنه. والمثبت من (د، م). (¬8) كتب فوقها في (د): ع. (¬9) "الاستغنا" (2327). (¬10) زاد في (ص، ل): بعضهم عبد الرحمن بن سند. وفي (م): بعضهم وعبد الرحمن بن أسد. وقد ضبب عليها المؤلف في (د)، وفي (س): عبد الله بن شيبة.

سرية ذات السلاسل، والسَّرية: قطعة من الجَيش تبلغ أربعَمائة ينفذون في مقصد (فَذَكَرَ الحَدِيثَ نَحْوَهُ. وقَالَ) فيه (فَغَسَلَ مَغَابِنَهُ) بِفَتح الغين المعجمة وكسر (¬1) البَاء الموَحَّدة، وهي: مكاسر الجلد والأمَاكِن التي يَجْتَمع فيهَا الوَسَخ والعَرَق كأصُول الفخذين (¬2) وتَحت الإبط. (وَتَوَضَّأَ وضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ) كاملًا (ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ فَذَكَرَ) الحديث (نَحْوَهُ) كما تقدم. وَ (لَمْ يَذْكُر) فيه (التَّيَمُّمَ) ورجح الحاكم إحدى الروَايتَين عَلى الأخرى (¬3)، والظاهر أن المرجحة روَاية التيمم كما ذكرها (¬4) البخاري (¬5). قال البيهقي: يحْتمل أن يكون فعل مَا في الروَايتَين جَميعًا فيَكونُ قد غَسل مَا أمكنه وتيمم للبَاقي وَلهُ شواهد (¬6). (وَرُوِيَتْ هذِه القِصَّةُ عَنِ الأَوزَاعِيِّ عَنْ حَسَّانَ (¬7) بْنِ عَطِيَّةَ قال فيه يتيمم) (¬8) أبي بكر المحاربي عَابد لكنهُ قَدَرِي. * * * ¬

_ (¬1) سقط من (س، م، ل). (¬2) في (د، م): الفخذ. (¬3) رجح الحاكم رواية الوضوء على رواية التيمم، قائلا: إن أهل مصر أعرف بحديثهم من أهل البصرة وانتقد الشيخين في تعليلهما رواية الوضوء برواية التيمم. انظر: "المستدرك" 1/ 177. (¬4) في (ص، س، ل): ذكره. والمثبت من (د، م). (¬5) ذكره البخاري معلقا عقب حديث (344). (¬6) "السنن الكبرى" للبيهقي 1/ 226. (¬7) وضع فوقها في (د): ع. (¬8) جاءت في (ص، س، ل) في غير موضعها، قبلها بسطر، والمثبت من (د، م).

128 - باب في المجروح يتيمم

128 - باب فِي المَجْرُوح يَتَيَمَّمُ 336 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأنطاكِيُّ، حَدَّثَنا مُحَمَّد بْن سَلَمَةَ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ خُرَيْقٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جابِرٍ قالَ: خَرَجْنا فِي سَفَرٍ، فَأَصابَ رَجُلًا مِنّا حَجَرٌ، فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ، ثُمَّ احْتَلَمَ فَسَأَلَ أَصْحابَهُ فَقالَ: هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟ فَقالُوا: ما نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الماءِ، فاغْتَسَلَ، فَماتَ، فَلَمّا قَدِمْنا عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، أُخْبِرَ بِذَلِكَ، فَقالَ: "قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ الله، أَلاَّ سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا، فَإِنَّما شِفاءُ العِيِّ السُّؤالُ، إِنَّما كانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ -أَوْ: يَعْصِبَ، شَكَّ مُوسَى- عَلَى جُرْحهِ خِرْقَةً، ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيها وَيَغْسِلَ سائِرَ جَسَدِهِ" (¬1). 337 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْن عاصِمٍ الأَنْطاكِيُّ، حَدَّثَنا محَمَّد بْن شعَيْبٍ، أَخْبَرَنِي الأَوْزاعِيُّ، أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَطاءِ بْنِ أَبِي رَباحٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبّاسٍ قالَ: أَصابَ رَجُلًا جُرْحٌ فِي عهدِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، ثُمَّ احْتَلَمَ، فَأُمِرَ بِالاغْتِسالِ، فاغْتَسَلَ، فَماتَ، فَبَلَغَ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقالَ: "قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ الله، أَلَمْ يَكُنْ شِفاءُ العِيِّ السُّؤالَ" (¬2). * * * باب فِي المَجْدُورِ يَتَيَمَّمُ المجدُور بالجيم والدَال المهملة، ويقالُ له (¬3): الجدري وهي قُرُوح ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني 1/ 189 - 190، والبيهقي 1/ 227 - 228، والبغوي في "شرح السنة" (313). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (364) دون قوله: "إنما يكفيك كذا". (¬2) رواه ابن ماجه (572)، وأحمد 1/ 330، وابن خزيمة (273)، وابن حبان (1314). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (365). (¬3) سقط من (ص، س، ل). والمثبت من (د، م).

تنفط عن الجلد ممتَلئة مَاء، ثم تفتح ويقال: أول مَن عُذِّب به قَومُ فرعَون. [336] (ثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن زياد الحَلَبِي (الأنطاكِيُّ) قال أبو حَاتم: صَدُوق (¬1) (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ) بن (¬2) عبد الله البَاهِلي مَولاَهم الحراني، أخرجَ له مُسلم والأربعَة [عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الخُرَيْق (¬3)] بِضَم الخاء المعجَمَة وَفتح الراء مُصغر، القشيري، الجزري (¬4) وثق (¬5). (عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلًا مِعنا) هذِه الروَاية الصَحيحة (¬6) وفي بَعْض النسَخ: رَجُلًا مِنَّا. (حَجَرٌ فَشَجَّهُ) [الضمير في فشجه يعود إلى: رَجُلًا، والفاعِل يعود إلى حجر] (¬7) الشجة: الجرَاحَة، وإنما تسمّى بِذَلك إذا كانَت في الوجه أو الرأس. (فِي رَأْسِهِ ثُمَّ احْتَلَمَ) وفي بَعض النسَخ: واحتلم. أي: أصَابته جَنَابة وخاف أن يقع الماء في الجراحة لو اغتسَل. ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 8/ 150. (¬2) في (س): عن. (¬3) في (س): الحربي. (¬4) في (س): الحروي. (¬5) ذكره ابن حبان في "الثقات" (2827)، وقال الدارقطني: ليس بالقوي. انظر: "الضعفاء والمتروكون" لابن الجوزي (1261). (¬6) كتب حاشية في (د): ......... ابن خريق هذا قشيري جزري انفرد به د، وهو صدوق. وقال الدارقطني: ليس بالقوي. كذا ضبطه بلا تعريف في متن (ص) وحاشيته هذه. (¬7) تأخرت هذه العبارة في (د) بعد كلمة: أو الرأس.

(فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟ ) فيه دَليل على طلب الرخصَة والسُؤال عَنها عند الاحتياج إليهَا، أما تتبُّع الرُّخص: بأن يختار من كل مذهب مَا هُو الأهون (¬1) لغَير حَاجَة فلا يجوز، وقال بَعض المحتاطين: مَن بُلي بوسْوَاس أو شك أو قنوط أو بأس فالأولى أخذه بالأخَف والرخص؛ لئلا يزداد مَا به ويخرج عَن الشرع. (فَقَالُوا مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَة وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى) استعمال (الْمَاءِ، فَاغْتَسَلَ) بالماء (فَمَاتَ) لما وصَل المَاء إلى شجته. (فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أُخْبِرَ بِذَلِكَ فَقَالَ: قَتَلُوهُ قتلهم الله) تعالى، يقال قتلهُ: اللهُ [وقاتلهُ اللهُ] (¬2) إذا دَعَا عَليه بالقتل أو الهلاك (¬3) كما قال تعَالى: {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (¬4). ¬

_ (¬1) في (د): الأهون عليه، وفي (م) أهون عليه، وفي (س): إلا هو. (¬2) في (د، م): وقاتله. (¬3) وضع هنا في (م) حاشية: القتل هنا يحمل على المعنى الحقيقي، الذي هو بمعنى الهلاك ليس إلا، وقد جاء معنى: (قتلهم الله) في مثل قوله عليه السلام "قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، ومثل قول ابن عباس رضي الله عنهما وقد أوردت عليه أحكام شرعية منسوبة إلى على كرَّم الله وجهه فقرأ بعضها وأنكر بعضها فقال: والله ما يكون قضى بهذا عليٌّ إلا أن يكون قد ضل، قال أبو إسحاق لما أحدثوا بعد على ما أحدثوا قال رجل من أصحاب على: قتلهم الله! أيَّ علم افسدوا؟ ! . رويناه في مسلم أعنى كلام ابن عباس، والأول أيضا، ويجيء أيضا بمعنى المدح مثل أن يقال للرجل الشاعر الطلق: قاتله (الله ما) أشعره! أو أبلغه! أو، ( .. ) والله أعلم. (¬4) المنافقون: 4.

(ألَّا) [بتشديد اللام] (¬1) قال ابن خروف في "شرح كتاب سيبويه": يَجوز تخفيف ألَا وتشديدهَا، فمن شدد فيَجوز أن تكون مُغَيرة من هلا، أو هلا مغيرة منها، أبدلت الهَاء مِنَ الهَمزة، أو الهَمزة مِنَ الهاء قال ابن يعيشَ في "شرح المفصل": ألَّا المشَددَة إذا وليت المَاضي، يعني: كقوله: أَلاَّ (سَأَلُوا) كانَ مَعْنَاهَا لومًا وتوبيخًا فيما تركه المخَاطبون (¬2) انتهى. كما تركُوا (¬3) هُنَا السُّؤال. (إذ (¬4) لَمْ يَعْلَمُوا) حكم الله تَعالى فيما سُئلوا عنهُ، وفيهِ الذم وكرَاهة الجوَاب عن السّؤال فيمَا لم يعلموا كما في "صحيح البخاري": "فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلوا" (¬5) .. الحَديث. (فَإِنمَا شِفَاءُ العِيِّ) بكسر العَين هو: التحير في الكلام، قيل هو: ضد البَيَان. (السُّؤَالُ) يعني: لم (¬6) لم يسألوا، ولم لم يتعلموا ما لا يعلمون؟ فإنَّه لا شفَاء لداءِ الجَهْل إلا التعلم. (إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ) (¬7) بفتح الهَمْزَة وتخفيف النون، وهي مَصْدَرية تُقدَّر هي وما بعدها بالمصدر (يَتَيمَّمَ) تقديره: إنما كانَ يكفيه التيمم. ¬

_ (¬1) من (د، م). (¬2) "شرح المفصل" لابن يعيش 5/ 89. (¬3) في (م): يدكرا. (¬4) في (ص): أو. والمثبت من (د، م). (¬5) "صحيح البخاري" (100). (¬6) سقط من (م). (¬7) سقط من (م).

(وَيَعْصِرَ) بفتح (¬1) اليَاء وكسْر الصَّاد المهملة، يحتمل أن يراد أنَّه (¬2) يعصر يشد الخرقة على الجراحة مَعَ الربط (أَوْ) للشك مِن الراوي. (يَعْصِبَ) بفتح أوله وكسر ثالثه ونصب الباء، عَطفًا على مَا قَبلهُ. (شَكَّ) مِن (مُوسَى) بن عبد الرحمن الأنطاكي، الراوي عنه أبو داود (عَلَى جَرْحهِ) بفتح الجيم. (خِرْقَةً) أي: يشد خرقة (¬3) على جرحه لئلا يصل الماء إليه. (ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيهَا) أي: يمسَح الماء على وجه الخرقة ولم يقع في روَاية عَطَاء هذِه (¬4) ذكر التيمم فيه، فثبت أن الزبَيرَ بن خريقٍ تَفّردَ بسيَاقه، نَبَّهَ على ذلك ابن القطان (¬5)؛ لكن روى ابن خزيمة (¬6) وابن حبان (¬7) والحاكم (¬8) مِن حَديث الوَليد بن عُبيد الله (¬9) بن أبي ربَاح عَن عَمه عَطَاء بن أبي ربَاح، عَن ابن عَباس: أن رَجُلًا أجنَب في شتاء، فَسأل فأمِرَ بالغُسْل فَماتَ. فذكر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَا لهمُ قتلوهُ، ¬

_ (¬1) في (م): بكسر. (¬2) من (د، م). (¬3) من (د، م). (¬4) أي: الآتية. (¬5) "بيان الوهم والإيهام" لابن القطان 2/ 238. (¬6) "صحيح ابن خزيمة" (273). (¬7) "صحيح ابن حبان" (1314). (¬8) "مستدرك الحاكم" 1/ 165. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح. (¬9) في جميع النسخ: عبد الله. والصواب كما أثبتنا. والوليد هذا ضعفه الدارقطني، وذكره ابن حبان في "الثقات" (11414).

قتلَهُمُ الله -ثلاثًا- قد جعَل الله الصَّعيد أو التيمم طَهُورًا". (وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ) وقد اختلفَ العُلماء في تقديم التيمم وتَأخيره عن استعمال الماء، ومَذهَب الشافعي أن الغسْل لا ترتيبَ فيهِ، فيَبْدَأ بأيهما شاء، وتقديم الغسْل أولًا أوْلى (¬1)، وأما الوضوء فالأصَح اشتراط التَيمم وقت غسل العَليل رعَايةً للترتيب غسلًا وتيممًا وإن كان على العضو (¬2) الجريح سَاتر (¬3) كجبيرة لا يمكن نزعهَا أو لصُوقًا على الجرح (¬4) غسَل الصحيح، وتيمم كما سبق، ويجبُ مَع ذلك مَسْح كل جَبيرته (¬5) المستورة بماء كالتيمم، وقيل بَعضها كالخف، ولو كان الجَرح بمحَل التيمم أمَر التراب على مَوضعه لعدم الضرر فيه. [337] (ثَنَا نَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ الأَنْطَاكِيُّ) لهُ رحلة ومَعرفة (ثَنَا مُحَمَّدُ (¬6) بْنُ شُعَيْب) بن شابُور الدمشقي، مَولى الوَليد بن عَبد الملك الأمَوي، منْ كبَار محدثي الشام. قالَ أبو دَاود: هوَ في روايته عن الأوزاعي ثبت، ووثقه دحيم (¬7) (أَخْبَرَنِي الأوزَاعِيُّ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الله بْنَ ¬

_ (¬1) "الأم" 1/ 106 - 107، وانظر: "المجموع" 2/ 289. (¬2) في (م): العصر. (¬3) في (م): سائر. (¬4) في (م): الجراح. (¬5) في (ص، س، ل): جبيرة. والمثبت من (د، م). (¬6) كتب فوقها في (د): ع. (¬7) "تهذيب الكمال" 25/ 371.

عَبَّاسٍ) وصَرَّحَ الحاكم بالتحديث في روَايته مِن حَديث بشر بن بكر عَن الأوزاعي، قال: حَدثني عَطاء، عَن ابن عَباس به (¬1). (قَالَ: أَصَابَ رَجُلًا جُرْحٌ) أي: شّجة في رَأسِهِ كما تقدم. (فِي عَهْدِ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم-[ثُمَّ احْتَلَمَ] (¬2) فَأُمِرَ بِالاِغْتِسَالِ) منَ الجنابة. (فَاغْتَسَلَ) فَدَخل الماء جُرحَه (¬3) [فَمَاتَ فَبَلَغَ ذَلك رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم-) [بالنصب مفعول] (¬4) (فَقَالَ: قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ الله) تَعَالى حكم عليهم بقتله؛ لكونهم كانُوا سَبَبًا لذَلك ولذلك دَعَا عليهم. قالَ ابن الصَلاح: إذا عمل المُستفتي بفتيا للمفتى (¬5) في إتلاف شَيء فَتلف ثم بان خطؤه وأنهُ خَالفَ في ذَلك القاطع فعَن الأستَاذ أبي إسْحَاق الإسفرايني أنهُ يَضمن إن كانَ أهلًا للفتوى ولا يضمَن إن لم يَكُن أهْلًا؛ لأن المستفتي قَصَّرَ واللهُ أعلم (¬6)، والظاهِر أن مَن نصَّب نفسَهُ للفتوى واشتهرَ بهَا، أو تولى وظيفةَ الإفتاء بذلك القُطِر، وأتلفَ شَيئًا بفتواهُ أنه يضمَن، إذ لا تقصير مِنَ المُستفتي، ونظير هذا من دَفع إلى صَيْرَفي درهمًا أو دينارًا لينظرهُ فنظره وقال مَليح وظهر [زيفًا ولم يوجد] (¬7) دافعه. (أَلَمْ يَكُنْ) أي: ألم يكونوا سَألوا إذ لم يعلموا فإنما. ¬

_ (¬1) "المستدرك" للحاكم 1/ 178. (¬2) سقط من (د). (¬3) في (س): جوفه. (¬4) من (د، م). (¬5) في (د، م): المفتى. (¬6) "فتاوى ابن الصلاح" 1/ 46. (¬7) في (ص): زيف أو لهم يؤخذ. والمثبت من (د، س، م).

(شِفَاءُ العِيِّ السُّؤَالَ) (¬1) تقدمَ، وفيه أن الجهَل داء عضال، فينبغي أن يَطلب دَوَاؤه وهو سُؤَال أهْل العلم وأي داء أدوى مِنَ الجهَل؟ ! قَالَ اللهُ تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (¬2) ونظير مسألة المستفتي سُؤَال الطَبيب إذا أتلفَ (¬3) بطبه (¬4) واللهُ أعَلَم. * * * ¬

_ (¬1) سقط من (د، م). (¬2) الأنبياء: 7. (¬3) في (ص): تلف. والمثبت من (د، ل). (¬4) في (م): بظلمه. وسيرد عليه المصنف برقم (4586) ما يدل على ذلك وهو حديث عبد الله بن عمرو مرفوعًا: "من تطبب ولا يعلم منه طب فهو ضامن".

129 - باب في المتيمم يجد الماء بعد ما يصلي في الوقت

129 - باب فِي المُتَيَمِّمِ يجِدُ الماءَ بَعْد ما يُصَلِّي في الوَقْتِ 338 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحاقَ المسَيَّبِيُّ، أَخْبَرَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ نافِعٍ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوادَةَ، عَنْ عَطاءِ بْنِ يَسارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قالَ خَرَجَ رَجُلانِ فِي سَفَرٍ فَحَضَرَتِ الصَّلاةُ وَلَيْسَ مَعَهُما ماءٌ فَتَيَمَّما صَعِيدًا طَيِّبًا فَصَلَّيا ثمَّ وَجَدا الماءَ فِي الوَقْتِ فَأَعادَ أَحَدُهُما الصَّلاةَ والوضُوءَ وَلَمْ يُعِدِ الآخَرُ، ثُمَّ أَتَيا رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرا ذَلِكَ لَه فَقالَ لِلَّذِي لَمْ يعِدْ: "أَصَبْتَ السُّنَّةَ وَأَجْزَأَتْكَ صَلاتُكَ". وقالَ لِلَّذِي تَوَضَّأَ وَأَعادَ: "لَكَ الأَجرُ مَرَّتَينِ". قالَ أَبُو داودَ: وَغَيْرُ ابن نافِعٍ يَرْوِيهِ عَنِ اللَّيثِ، عَنْ عَمِيرَةَ بْنِ أَبِي ناجِيَةَ، عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوادَةَ، عَنْ عَطاءِ بْنِ يَسارٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-. قالَ أَبُو داودَ: وَذِكْرُ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ فِي هذا الحَدِيثِ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ وَهُوَ مُرْسَلٌ (¬1). 339 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنا ابن لَهِيعَةَ، عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوادَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ مَوْلَى إِسْماعِيلَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عَطاءِ بْنِ يَسارٍ أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحابِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِمَعْناهُ (¬2). * * * باب في المتيمم يجد الماء بعد ما صلى في الوقت [338] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ المُسَيَّبِي) بتشديد اليَاء، نسبَة إلى جده المسيِّب المخزومي، شيخ مُسْلم (ثنا عَبْدُ الله بْنُ نَافِعٍ) ابن أبي نَافِع الصَائغ ¬

_ (¬1) رواه النسائي 1/ 213، والدارمي (771). وانظر ما بعده. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (366). (¬2) رواه النسائي 1/ 213. وانظر السابق. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (367).

المدَني مَولَى بَني مخزوم، أخرج له مُسْلم (عَنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ) بتخفيف الواو الجذامي الفقيه، أخرج له مُسْلم. (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: خَرَجَ رَجُلَانِ فِي سَفَرٍ) قال الحافظ ابن حجرَ: لم أقف على تَسميَة واحدٍ مِنَ الرجلين ولا نفس الصَّلاة روَايَة الطبرَاني (¬1): فأجنب رَجل منَ القوم] (¬2). (فحَضَرَتِ الصَّلَاةُ وَلَيسَ مَعَهُمَا مَاءٌ فَتَيَمَّمَا (¬3) صَعِيدًا طَيِّبًا وصَلَّيَا) ظاهِرهُ أنهما صَليَا جَميعًا، واقتدى أحَدهما بالآخر، فيُؤخذ منهُ جَوَاز الإقتداء بالمتيمم (ثُمَّ وَجَدَا المَاءَ فِي الوَقْتِ) بعدمَا صَليَا. قالَ ابن المنذر: اجمعُوا على أنه إذا وَجَدَهُ بعد الوقت فلا إعادَة (¬4). (فَأَعَادَ أَحَدُهُمَا الوضُوءَ والصَّلَاةَ) لفظ النسَائي: فتوضأ أحَدُهما وأعادَ صَلاته مَا كانَ في الوقت (¬5). انتهىَ، وهذِه الروَاية تدُل لما (¬6) قالهُ ابن المنذر أنَّ (¬7) مَا كان [خرج وقته] (¬8) لا يعَاد (¬9). ¬

_ (¬1) "المعجم الكبير" 18/ 135 (282) من حديث عمران بن حصين. (¬2) في (د): قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على تسمية واحد من الرجلين ولا على نفس الصلاة. (في سفر) رواية الطبراني فأجنب رجل من القوم. وفي (م): في سفر رواية الطبراني فأجنب رجل من القوم. قال الحافظ: ابن حجر. لم أقف على تسمية واحد من الرجلين ولا على نفس الصلاة. (¬3) في (م): معهما. (¬4) "الإجماع" لابن المنذر (20). (¬5) "المجتبى" للنسائي 1/ 213. (¬6) في (م): الماء. (¬7) من (د، م). (¬8) في (ص): جرح وفيه. والمثبت من (د، س، م). (¬9) "الإجماع" لابن المنذر (20).

(وَلَمْ يُعِدِ الآخَرُ) الصَّلاة (ثُمَّ أَتَيَا رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لِلَّذِي لَمْ يُعِدْ) صلاته (أَصَبْتَ السُّنَّةَ) أي: الشَريعة الوَاجبَة، والسُّنَّة: السِّيَرَةَ محمودة كانت أوْ مَذمُومَة. (وَأَجْزَأَتْكَ صَلَاتُكَ) أي: كفَتك عبَادَتك عن القضاء، والإجزاء: كون (¬1) الفعل كافيًا في سقوط التَعَبُّدِيَّةِ أي سُقوطُ طلبه، والأجرُ (¬2) والإجزاء ناشِئٌ عن الصِّحَّة المُجتمعَةِ الشَرائط. (وَقَالَ لِلَّذِي تَوَضأَ وَأَعَادَ) صَلاته (لَكَ الأَجْرُ مَرَّتَينِ) (¬3) أيْ: لكَ حظان مِنَ الأجر، ونظير الأجرين في هذِه المسألة: مَا لوَ ظَنَّ المُسَافِرُ أنه يصل إلى الماء آخِر الوَقتِ، فإن أرَادَ الاقتصار على صَلاة واحدَة فتعجيل التيمم أفضَل في الأظهر للفضيلة المُتيقنة، فإن صَلى أول الوَقت بالتيمم وآخره بالوضوء فهو النهَاية في الفضيلة الراجحَة، وهذا الحَديث حجة للشافعي والجمهور في أن مَن صَلى بالتيمم في السَّفر للحدث الأصْغَر أو الأكبر ثم وجد الماء بَعْدَ الفراغ مِنَ الصَّلاة أن لا إعَادة، سَوَاء وَجَدَ المَاء في الوَقت أو بَعدهُ، حَتى لو وَجَدَه (¬4) عقب السَّلام فلا إعَادَة (¬5)، وبه قال الأربعَة لهذا الحَديث (¬6). وذهَبَ طاوس وعَطَاء والقاسِم بن محَمد ومَكحول وابن سيرين ¬

_ (¬1) في (ص): دون. والمثبت من (د، س، م، ل). (¬2) سقط من (د، م). (¬3) وأخرجه الدارمي في "سننه" (744). (¬4) من هنا سقط من (م). (¬5) "الأم" 1/ 110. (¬6) "الأوسط" لابن المنذر 2/ 183 - 184.

والزهري وربيعَة كما حكاهُ المنذري وغَيره؛ أنه إذا وَجَدَ الماء في الوقت يَلزمهُ الإعَادَة (¬1)؛ لأن الماء هوَ الأصْل ووجوده بعد التيمم كوجُود النَّصِّ بَعْدَ الحُكم في الاجتهاد، وأجيبُوا بأنَّه ليسَ نظير مَسَألتنا بل نظيره مَن صَلَّى بالتيمم ومَعَهُ مَاء نَسِيَهُ، ونظير مَسَألتنا مَا عملهُ الصَحَابي باجتهاد ثم نزل النصُّ بإثبات الحكم بخلاف اجتهاده، فإنه لَا يبْطُل مَا عملهُ. (قال أبو داود) (¬2) (وغَيْرُ) عَبد الله (بْنِ نَافِعٍ يَرْوِيهِ عَنِ اللَّيْثِ) بن سَعْد (عَنْ عَمِيرَةَ) بفتح العَين (بْنِ أَبِي نَاجِيَةَ) مصري كانَ عَابِدًا ووثق (¬3). (عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) (¬4) مُرسلًا (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-) قال الحَاكم: الحَديث صَحيح وصلهُ عَبد الله بن نافع وأرسَلهُ غَيرهُ، ثم أخرجه من طَريق يَحيى بن بكير (¬5) [عَن الليث] (¬6) عن عميرة بن أبي ناجية مُرسَلًا (¬7). كما قَالَ أَبُو دَاودَ، وأخرجَهُ أبو عَلي بن السكن من طَريق أبي الوَليد الطيَالسي، عن الليث، عن عَمرو بن الحارث (¬8) عن عميرة بن أبي نَاجيَة، عن بكر بن سوَادة، عَن عَطَاء بن يسَار عَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ مَوصُولًا ¬

_ (¬1) "الأوسط" 2/ 183. (¬2) من (د). (¬3) وثقه ابن حبان، انظر: "الثقات" (10193). (¬4) في (ص): بشار. والمثبت من (س، م). (¬5) في بقية النسخ: كثير. والمثبت من (د). (¬6) سقط من (د). (¬7) "المستدرك" 1/ 179. (¬8) في (ص): الخازن. والمثبت من (د، ل).

وعَمرو ثقة جليل. (قَالَ أَبُو دَاودَ: وَذِكْرُ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ فِي هذا الحَدِيثِ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ) بل (هُوَ مُرْسَلٌ) قال النوَوي: ومثل هذا المرسل يحتج به الشافِعي وغيره، كما هُو مشهور (¬1) مُقرَر في كتُب الحَديث أن الشافعي (¬2) يحتج بمرسَل كبار التابعين إذا أسند مِن جِهَة أخرى [أو يرسل من جهة أخرى] (¬3) أو يقول به بعض الصحَابَة وقد وجد في هذا الحَديث شيئان: أحَدُهما: مَا صَح عن ابن عمَر أنهُ أقبل من الجرف حتى إذا كانَ بالمربد (¬4) تيمم وَصلى العَصر، ثم دَخَلَ المدَينة والشمس مُرتفعَة فلم يُعد الصَّلاة. والثاني: روى البَيهقي بإسناده عَن أبي الزناد، قال: أدركتُ مِن فقهائنَا الذين يُنتهى إلى قولهم منهم سَعيد بن المسيب، وذكر تمام فقهاء المدينة السَّبعة يقولون: من تيمم وصَلى ثم وَجَدَ الماء وهَو في الوَقت أو بعده لا إعَادة عليه (¬5). [339] (ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ) القعنبي (ثَنَا) عَبد الله (ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ ¬

_ (¬1) من (د، س، ل). (¬2) من (د). (¬3) من (د)، وفي (ل): ويرسل من جهة أخرى. (¬4) في (ص): بالمدينة. والمثبت من (د، س، ل) (¬5) "المجموع "شرح المُهَذب" 2/ 306 - 307.

بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله مَوْلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيدٍ الله) (¬1) مجهُول. قال ابن حجر: ابن لهيعة ضعيف فلا يلتفت لزيَادَته ولا يعل بهَا، رواية الثقة (¬2) عَمرو بن الحَارث ومَعَهُ عميرة بن أبي ناجية، وقد وثقه النسَائي ويَحيى بن بكير و [ابن حَبان] (¬3) وأثنى عليه أحمد بن صَالح وابن يونس وأحمد بن سَعيد بن أبي مَريم، وله شاهد من حديث ابن عَباس (¬4). قال إسحاق بن رَاهويه في "مسنده": أنا زيد بن أبي الزرقاء ثنا (¬5) ابن لهيعَة عَن أبي هبيرة، عن حنش عن ابن عباس؛ أن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- بَال ثم تيمم فقيل لهُ إن الماء قريب منك. قالَ: "فلعَلي لا أبلغه" (¬6). (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ؛ أَنَّ رَجُلَينِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- بِمَعْنَاهُ) بمعنَى الحَديث المتقدّم. * * * ¬

_ (¬1) في النسخ الخطية: عبيد الله. والمثبت من مصادر التخريج. (¬2) من (د). (¬3) في (ص): أبو حيان. والمثبت من (د، س، ل). (¬4) "التلخيص الحبير" 1/ 410 - 411. (¬5) في (ص): فأما. والمثبت من (د). (¬6) لم أقف عليه في "مسند ابن راهويه"، وأخرجه أحمد في "مسنده" 1/ 303، 288، وأورده الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2629).

130 - باب في الغسل يوم الجمعة

130 - باب فِي الغُسْلِ يَوْمَ الجُمُعَةِ 340 - حَدَّثَنا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نافِعٍ، أَخْبَرَنا مُعاوِيةُ، عَنْ يَحْيَى، أَخْبَرَنا أَبُو سَلَمَةَ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ بَيْنا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ الجُمُعَةِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ، فَقالَ عُمَرُ: أَتحْتَبِسُونَ، عَنِ الصَّلاةِ؟ فَقالَ الرَّجُلُ: ما هُوَ إلَّا أَنْ سَمِعْتُ النِّداءَ فَتَوَضَّأْتُ. فَقالَ عُمَرُ والوضُوءَ أَيْضًا؟ أَوَلَمْ تَسْمَعُوا رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "إِذا أَتَى أَحَدُكُمُ الجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ" (¬1). 341 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ صَفْوانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطاءِ بْنِ يَسارٍ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "غُسْلُ يَوْمِ الجُمُعَةِ واجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ" (¬2). 342 - حَدَّثَنا يَزِيدُ بْن خالِدٍ الرَّمْلِيُّ، أَخْبَرَنا الُمفَضَّلُ -يَعْنِي: ابن فَضالَةَ- عَنْ عَيّاشِ بْنِ عَبّاسٍ، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ رَواحُ الجُمُعَةِ، وَعَلَى كُلِّ مَنْ راحَ إِلَى الجُمُعَةِ الغُسْلُ". قالَ أَبُو داودَ: إِذا اغْتَسَلَ الرَّجُلُ بَعْدَ طُلُوعِ الفَجْرِ أَجْزَأَهُ مِنْ غُسْلِ الجُمُعَةِ وَإِنْ أَجْنَبَ (¬3). 343 - حَدَّثَنا يَزِيدُ بْن خالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوْهَبٍ الرَّمْلِيُّ الهَمْدانِيُّ ح، وحَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْن يَحْيَى الحَرّانِيُّ قالا: حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ سَلَمَةَ ح، وحَدَّثَنا مُوسَى ¬

_ (¬1) رواه انبخاري (882)، ومسلم (845). (¬2) رواه البخاري (895)، ومسلم (846). (¬3) رواه النسائي 3/ 89، وابن الجارود (287)، وابن خزيمة (1721). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (370). ورواه دون ذكر حفصة البخاري (877) بلفظ: "إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل"، ومسلم (844) بلفظ: "إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل".

ابْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ -وهذا حَدِيثُ محَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ -عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْراهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ-. قالَ أَبُو داودَ: قالَ يَزِيدُ وَعَبْدُ العَزِيزِ فِي حَدِيثِهِما عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبِي أمامَةَ بْنِ سَهْلٍ -عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قالا قالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيابِهِ وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ -إِنْ كانَ عِنْدَهُ -ثُمَّ أَتَى الجُمُعَةَ فَلَم يَتَخَطَّ أَعْناقَ النّاسِ ثُمَّ صَلَّى ما كتَبَ الله لَهُ ثُمَّ أَنْصَتَ إِذا خَرَجَ إِمامُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلاِتهِ كانَتْ كفّارَةً لِما بَينَها وَبَيْنَ جُمُعَتِهِ التِي قَبْلَها". قالَ وَيَقُول أَبُو هُرَيْرَةَ: "وَزِيادَةُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ". وَيَقُول: "إِنَّ الحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثالِها". قالَ أَبُو داودَ: وَحَدِيثُ محَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ أَتَمُّ، وَلَمْ يَذْكُرْ حَمّادٌ كَلامَ أَبِي هُرَيْرَةَ (¬1). 344 - حَدَّثَنا محَمَّد بْنُ سَلَمَةَ المرادِيُّ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الحارِثِ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي هِلالٍ وَبُكَيْرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأشَجِّ حَدَّثاهُ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الُمنْكَدِرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "الغُسْلُ يَوْمَ الجُمُعَةِ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ والسِّواكُ وَيَمَسُّ مِنَ الطِّيبِ ما قُدِّرَ لَهُ". إلَّا أَنَّ بُكَيْرًا لَمْ يَذْكرْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وقًالَ: فِي الطِّيبِ: "وَلَوْ مِنْ طِيبِ المَرْأَةِ" (¬2). 345 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْن حاتِمٍ الجَرْجَرائِيُّ حبِّي، حَدَّثَنا ابن المُبارَكِ، عَنِ الأَوْزاعِيِّ، حَدَّثَنِي حَسّانُ بْنُ عَطِيَّةَ، حَدَّثَنِي أَبُو الأَشْعَثِ الصَّنْعانِيُّ، حَدَّثَنِي أَوْسُ بْنُ أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يقُول: "مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ واغْتَسَلَ ثُمَّ بَكَّرَ وابْتَكَرَ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ وَدَنا مِنَ الإِمامِ فاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ: كانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 81، وابن خزيمة (1762)، والحاكم 1/ 283، والبيهقي 3/ 243. وسيأتي بنحوه من حديث أبي هريرة وحده برقم (1050). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (371). (¬2) رواه البخاري (880)، ومسلم (846).

عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيامِها وَقِيامِها" (¬1). 346 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللَّيْث، عَنْ خالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ، عَنْ عُبادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، عَنْ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قالَ: "مَنْ غَسَلَ رَأْسَهُ يَوْمَ الجُمُعَةِ واغْتَسَلَ". ثُمَّ ساقَ نَحْوَهُ (¬2). 347 - حَدَّثَنا ابن أَبِي عَقِيلٍ وَمحَمَّد بْنُ سَلَمَةَ الِمصْرِيّانِ قالا: حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ -قالَ ابن أَبِي عَقِيلٍ- أَخْبَرَنِي أُسامَةُ -يَعْنِي: ابن زَيْدٍ- عَنْ عَمْرِو بْنِ شعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قالَ: "مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَمَسَّ مِنْ طِيبِ امْرَأَتِهِ -إِنْ كانَ لَها- وَلَبِسَ مِنْ صالِح ثِيابِهِ ثُمَّ لَمْ يَتَخَطَّ رِقابَ النّاسِ وَلَمْ يَلْغُ عِنْدَ المَوْعِظَةِ كانَتْ كفَّارَةً لِما بَينَهُما وَمَنْ لَغا وَتَخَطَّى رِقابَ النّاسِ كانَتْ لَهُ ظُهْرًا" (¬3). 348 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنا زَكَرِيَا، حَدَّثَنا مُصْعَبُ بْن شَيْبَةَ، عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ العَنَزِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّها حَدَّثَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كانَ يَغْتَسِلُ مِنْ أَرْبَعٍ: مِنَ الجَنابَةِ وَيَوْمِ الجُمُعَةِ وَمِنَ الحجامَةِ وَمِنْ غُسْلِ المَيِّتِ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (496)، والنسائي 3/ 95، 97، 102، وابن ماجه (1087)، وأحمد 4/ 9، 10، 104، وابن خزيمة (1758، 1767)، وابن حبان (2781). وانظر ما بعده، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (373). (¬2) انظر السابق. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (374). (¬3) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 368، وابن خزيمة (1810)، ورواه البيهقي 3/ 231 من طريق أبي داود. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (375). (¬4) رواه أحمد 6/ 152، وابن خزيمة (256)، والحاكم 1/ 163. وسيأتي مكررا برقم (3160). وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (59).

341 - حَدَّثَنا مَحْمُودُ بْن خالِدٍ الدِّمَشْقِيُّ، أَخْبَرَنا مَرْوانُ، حَدَّثَنا عَلِيٌّ بْن حَوْشَبٍ قالَ: سَأَلْتُ مَكْحُولًا عَنْ هذا القَوْلِ: "غَسَّلَ واغْتَسَلَ". فَقالَ غَسَّلَ رَأْسَهُ وَغَسَلَ جَسَدَهُ (¬1). 350 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن الوَلِيدِ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنا أَبُو مُسْهِرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ فِي: "غَسَّلَ واغْتَسَلَ". قالَ: قالَ سَعِيدٌ: غَسَّلَ رَأْسَهُ وَغَسَلَ جَسَدَهُ (¬2). 351 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صالِحٍ السَّمّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنابَةِ ثُمَّ راحَ فَكَأَنَّما قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ راحَ فِي السّاعَةِ الثّانِيَةِ فَكَأَنَّما قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ راحَ فِي السّاعَةِ الثّالِثَةِ فَكَأَنَّما قَرَّبَ كبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ راحَ فِي السّاعَةِ الرّابِعَةِ فَكَأَنَّما قَرَّبَ دَجاجَةً وَمَنْ راحَ فِي السّاعَةِ الخامِسَةِ فَكَأَنَّما قَرَّبَ بَيضَةً، فَإذا خَرَجَ الإِمامُ حَضَرَتِ المَلائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ" (¬3). * * * باب في الغسل يوم الجمعة [340] (ثَنَا أَبُو تَوْبَةَ) بفتح المثناة فوق وبعد الواو باء مُوَحدة (الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ) الحَلَبي، رَوى له الشيخان (ثنا مُعَاوِيَةُ) ابن سَلام (¬4) بتشديد اللام (عَنْ يَحْيَى) ابن أبي كثير الطائي (أَخْبَرَنَي أَبُو سَلَمَةَ) عَبدُ الله (بْنُ عَبْدِ ¬

_ (¬1) رواه البيهقي في "شعب الإيمان" (2989) من طريق أبي داود. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (376). (¬2) رواه النسوي في "الأربعين" (27). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (377). (¬3) رواه البخاري (881) بنحوه، ومسلم (850). (¬4) كتب فوفها في (د): ع.

الرَّحْمَنِ) بن عَوف الزهري (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ -رضي الله عنه- بَيْنَما هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ الجُمُعَةِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ) وهوَ عثمان بن عَفان -رضي الله عنه- (فَقَالَ عُمَرُ أَتَحْتَبِسُونَ) بفتح التاء الثانَية بَعدَها بَاء مُوَحدة. (عَنِ الصَّلَاةِ) فيه جَوَاز الإنكار عَلىَ الكبَار في مجمَع مِنَ الناس، وفيه جَوَاز الكلام في الخطبة (فَقَالَ الرَّجُلُ مَا هُوَ إلَّا أَنْ سَمِعْتُ النِّدَاءَ فَتَوَضَّأْتُ) رَواية الصَّحيحين: فلم أزد على أن توضأت (¬1). فيه الاعتذار إلي ولاة الأمُور وغَيرهم، وفيه إباحَة الشُّغْل يوَم الجمعَة قَبلَ الصَّلاة، وإن كانَ الأفضَلُ التبكير بصَلاة الجُمعَة، وفيه أن غُسْل الجُمعة مُسْتحبُّ غير وَاجب لاحتبَاسه بالشغل عن الاغتسَال، ولو كانَ وَاجبًا لما تركهُ، ولهذا لم يأمُرهُ عُمَر بالرجوع للغُسل. (فَقَالَ عُمَرُ: وَالْوضُوءَ) مَنصُوب (أَيْضًا) أي: وتوضأت الوضوءَ فقط قالهُ الأزهَري وغَيره (¬2)، وفيه إنكار عليه أيضًا يَعني: قصَّرت حيث أبطأت عن المجيء وتركت غُسْلَ الجمعة. (أَوَلَمْ تَسْمَعُوا) الخِطاب للصَحَابة الحَاضرين مِنَ المهَاجِرين والأنصَار وغَيرهم، روَايةُ البخَاري: وقد علمتَ أنَّ (¬3) (رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: إِذَا أَتَى) روَاية مُسْلم: إذَا أرَادَ (أَحَدُكُمُ) أن يَأتي (¬4) (الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ) احتج بظاهر هذا الأمر من أوجَبَ غسْل الجُمعة وفي ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (878)، و"صحيح مسلم" (845) (3، 4). (¬2) انظر: "شرح النووي على مسلم" 6/ 134. (¬3) "صحيح البخاري" (878). (¬4) "صحيح مسلم" (844) (1) من حديث ابن عمر.

الحديث الذي قبلهُ، قرينة صَرَفَت هذا الأمر عَن ظاهِره، وَوَجه ذَلك أنَّ عُثمان لما دَخل وَعُمَر يخطب وقد تركَ الغسلَ، وأقرهُ عمَرُ على ذَلك وكذا أقرهُ حَاضِرُو الجمعةِ وهمُ أهل العقدِ والحَلِّ ولو كانَ وَاجِبًا لما تركه ولألزمُوه به وله قرائن أخَر مِنَ الأحَاديث الصَحيحة. [341] (ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَب) القعنبي (عَنْ مَالِكٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيمٍ) المدَني القرشي الزُهري الفقيه، وأبوهُ سليم مَولى حميد بن عَبد الرحمَن بن عَوف، ذكر صَفوان عند ابن حنبل فقالَ: هذا رَجُلًا يُسْتَسقى بحَديثه الغَيث وَينزل القطر من السَّماء بذكره، وكانَ يُصَلي على السَطح في الليْلة البَاردة لئلا يجيئهُ (¬1) النَوم، ولو قيل له قامَت القيامة مَا كانَ عنده مَزيد على مَا هُوَ عَليهِ منَ العِبَادَة، وحج وليْسَ معَهُ إلا سَبْعَة دَنانير فاشترى بهَا بدَنة، وقالَ: أني سَمعت الله تَعالى يقول: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} (¬2) وحَضَر لجنَازة فلما صَلى عَلَيهَا قال: أما هذا فَقَد انقطعَت عَنهُ أعمالهُ واحتاج إلى دعاء من خَلَّفَهُ بَعده (¬3). (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- أَن رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: غُسْلُ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ) أي: كالوَاجِبِ جَمعًا بَيْنَ الأدلة (عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ) (¬4) أي: بَالِغ. ¬

_ (¬1) في (ص، ل): يحمه. (¬2) الحج: 36. (¬3) "تاريخ دمشق" 24/ 133، "تهذيب الكمال" 13/ 185 - 187. (¬4) أخرجه البخاري (879)، ومسلم (846) (5)، والنسائي في "المجتبى" 3/ 93، وابن ماجه في "سننه" (1089) به.

[342] (ثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدٍ) ابن يزيد بن عَبد الله بن موهب (الرَّمْلِيُّ) الزاهد الثقة (ثنا مُفَضَّلُ (¬1) ابن فَضَالَةَ) ابن عبيد بن ثمامة الرعيني قاضي مصر (عَنْ عَيَّاشِ) (¬2) بالمثناة تحت والشين المعجمَة (بْنِ عَبَّاسٍ) بالموَحدة والسِّين المهملة، القتباني (¬3) (عَنْ بُكَيْر) (¬4) ابن عَبد الله بن الأشج مَولى أشج (عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ) عن أخته لأبيه (حَفْصَةَ) زوج النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وكانت قبله تحت خنيس بن حذافة وهَي مِنَ المهاجَرات أنهُ (قَالَ: عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ) أي: بَالِغ. (رَوَاحُ) قَال ابن فارس: الروَاح رواح العشي (¬5). وهوَ منَ الزوَال إلى العشى وذكر الروَاح المختَص بِمَا بعد الزوَال مناسب لقوله قبله "عَلى كل محتلم" فإنه مَوضوع عَلى الوجُوب، ولزومُ الذَّمَّة، فإذا قال: لِفُلَانٍ عَليَّ كذَا؛ كانَ لَازمًا لهُ وَوَاجبًا ولو ادَّعَى خِلَافه لم يُقبَلْ مِنْهُ أي (¬6): أن الرَّوَاح مِن أول النهار (إلى الجُمُعَة وَعَلَى كُلِّ (¬7) مَنْ رَاحَ) أي: أرَاد الروَاح إِلَى صَلاة (الْجُمُعَةِ الغُسْلُ) (¬8) ويَحْصُل هذا بِغُسْل الجنَابة؛ فإنَّ الصَحيحَ ¬

_ (¬1) في (د): المفضل. وكتب فوقها: ع. (¬2) كتب فوقها في (د): ع. (¬3) في (ص): القيناني، والمثبت من (د، س). (¬4) كتب فوقها في (د): ع. (¬5) "معجم مقاييس اللغة" لابن فارس (روح). (¬6) في (د): والمراد. (¬7) ليست في (د، س، ل). (¬8) أعل هذا الحديث الدارقطني في "العلل" (3940) برواية مخرمة بن بكير عن أبيه، عن نافع عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. دون ذكر حفصة. قال الدارقطني: وهو المحفوظ. =

المنصُوص عند الشافعية أن مَن اغتسل لجنَابةٍ وجمعةٍ حَصلَا (¬1) كما لو نوى الداخل للمسجد الفرض وتحية المسجد، وقيل: لا يحصل واحد منهما كما لو نوى] (¬2) الفَرضَ والراتبة وَفَرق بأن التحية تحصُل ضمنًا، وهُنا كلُّ (¬3) منهما مَقصود ويَدُل على ذلك: مَا رَوَاهُ الطبَراني في "الأوسط" عن عَبد الله بن أبي قتادة، قالَ: دَخل عَليَّ أبي وأنا أغتَسل يَوْم الجُمعَة، فقَالَ: غسْلكَ هذا مِنْ جَنَابة أو للجُمُعة؟ قلتُ: مِنْ جَنَابة. قَال: أعد غسْلًا؛ إني: سَمعت رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- يقولُ: "مِنَ اغتسَل يَوْمَ الجُمعَة كانَ في طَهَارة إلى الجُمعَة الأخُرى" (¬4) وإسنَاده قَريب مِنَ الحَسَن (¬5). وقالَ المنذري (¬6): رَوَاهُ الحَاكم بلفظ الطَبراني، وقال: صَحيح على شرطهما (¬7)، ورَوَاهُ ابن حبان في "صحيحه" (¬8) ولفظهُ: "من اغتسَل يَوْمَ ¬

_ = وسوَّى ابن حجر بين الروايتين قائلًا: ولا مانع أن يسمعه ابن عمر من النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن غيره من الصحابة انظر: "فتح الباري" 2/ 417. وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (370). (¬1) "المنهاج" للنووي (ص 6). (¬2) إلى هنا انتهى الساقط من النسخة (م). (¬3) زاد في (د): واحد. (¬4) "المعجم الأوسط" (8180). (¬5) قال الهيثمي في "المجمع" (3064): فيه هارون بن مسلم، قال أبو حاتم: فيه لين. ووثقه الحاكم وابن حبان، وبقية رجاله ثقات. وحسَّنهُ الألباني في "صحيح الجامع" (6065). (¬6) زاد في (د، م): و. (¬7) "المستدرك" للحاكم 1/ 282. (¬8) "صحيح ابن حبان" (1222).

الجُمعَة لم يزَل طَاهِرَا إلى الجُمعَة الأخرى" (¬1). ([قال أبو داود: و] (¬2) إِذَا اغْتَسَلَ الرَّجُلُ بَعْدَ طُلُوعِ الفَجْرِ أَجْزَأَهُ من (¬3) غُسْلِ الجُمُعَةِ وَإنْ) اغتسَل قبل الفَجر لم يُجْزه؛ لأن النّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من اغتسل يَوْم الجُمعَة" واليَوْم مِنْ طُلوع الفجر، وإن اغتسَل ثم أَحْدَث أجزأهُ الغسْل وكَفاهُ الوضوء؛ لأن الحَدَث إنما يؤثر في الطهَارة الصّغرى ولا يُؤثر في المقصُود منَ الغسْل، وممن قَال بجوَاز الغسْل منَ الفَجر: مجَاهِد والنخعي والثوري (¬4) وأحمد (¬5) والشافعي (¬6) وحَكي عن الأوزاعي؛ أنهُ يُجزيه الغسْل قَبل الفَجر، وعَن مَالك (¬7) أنه لَا يُجْزيه الغسْل إلا أن يَتَعقبَهُ الروَاح. وإن (أَجْنَبَ) بِفتح الهَمزة والنُون وبضَم الهَمزة وكسْر النون [على البناء للمفعول. ويقال فيه جنب. بفتح الجيم وكسر النون] (¬8) أي: بَعُد عن مَوَاضع الصَّلاة، والمرَاد بقوله: وأن أجنب أنه لو اغتسل للجُمعَة مِنَ الفَجر ثم أجْنبَ بالجماع أو نَوم أو غَيرهما، لم يَبطل غسْل الجُمعَة عندَنا بل يغتسل للجِنَابة ويبقى غسل الجمعَة على صحته. ¬

_ (¬1) انظر كلام المنذري هذا في "الترغيب والترهيب" 1/ 286. (¬2) من المطبوع. (¬3) في (ص): عن، والمثبت من (د، م). (¬4) "الأوسط" لابن المنذر 4/ 51. (¬5) "المغني" 3/ 227. (¬6) "المجموع "شرح المُهَذب" 2/ 201. (¬7) "المدونة" 1/ 227 - 228. (¬8) من (د، م).

قال النووي: لأنه قد صَح فلا وَجْهَ لإبَطاله (¬1). [343] (ثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ مَوْهَبٍ) بفتح الميم والهَاء (الهَمداني) بإسْكان الميم (ح (¬2) وَثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ يَحْيَى) أبو الأصْبَغ (الْحَرَّانِيُّ) ثقة (قَالَا، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ) بفتح السِّين واللام ابن عَبْد الله البَاهِلي مَولاهمُ الحَراني، أخرجَ له مُسْلم [والأربعة] (¬3). (ح (¬4) وَثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التبوذكي (ثَنَا حَمَّادٌ) بن سلمة (وهذا حَديث مُحَمَّدِ بن (¬5) سَلَمَةَ عن محمد بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ) (¬6) ابن الحارث التيمي. (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) عَبد الله (ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) ابن عَوف الزهري (وَأَبِي أُمَامَةَ) أسْعَد سماه رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- باسم جَده إلى أمه (¬7) أبي أمَامة أسْعَد بن زرارة [وكنَاهُ بكنَيته] (¬8) ودَعَا له وبرَّك عليه، توفي سَنة مائة وهو ابن نيف وتسَعين (¬9) سنة (بْنِ سَهْلٍ) بن حَنيف الأنصَاري، يعَد من كبار التابعين، وكانَ ممن أدرَكَ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- وليسَ له صُحَبة. ¬

_ (¬1) "المجموع" 4/ 534. (¬2) من (د، س، ل، م). (¬3) في (ص، ل): في مواضع. والمثبت من (د، م). (¬4) من (د، م، ل). (¬5) سقط من (ص، س، ل). (¬6) كتب فوقها في (د): ع. (¬7) من (د، م، ل). (¬8) في (م): وكنا نكنيه. (¬9) في (ص): وسبعين. والمثبت من (د، م، س، ل).

(عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) -رضي الله عنهما- (قَالَا: قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ) فيه أن الفضيلة لا تحصُل إلا بالغسْل بعد الفَجر؛ لأنه عَلق الحُكم باليَوم، واليَوم أوله مِنَ الفَجر (وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ) ما يجَده مِنْ (ثِيَابِهِ) وَروَاية ابن خزيمة عن أبي هريرة "ولبسَ من صَالح ثيابه" (¬1) وفيه اسْتحباب الثياب الحَسنة، وأفضلها البَيَاض لما روي ابن مَاجَه من حَديث أبي الدَرداء يرفعه: إنَّ أحْسَن مَا زرتم الله في قبوركم ومَسَاجدكم البَيَاض" (¬2) وَروي عَن ابن عمرَ في "كامل ابن عَدي" (¬3) (وَمَسَّ مِنْ طيب) (¬4) من للتبعيض أي: استعملوا بَعض الطيب. (إِنْ كَانَ عِنْدَهُ) وينبغي أن يَمَسَّ منهُ بيَده، ويطيب مَوَاضع السُجود، قَالَ أصحَابنا: يُسْتحب مع الاغتسَال للجمعَة أن يتطيب (¬5) ويَدَّهن ويتسَوك ويلبس أحسَن (¬6) ثيابه، وأن يتعمم، ويَرتدي، ويتسَربل. قالَ الشافُعي: ويُستَحب هذِه الأمُور لكل مَن أرَادَ حُضور الجُمعَة (¬7) من الرجَال والصّبيَان والعَبيد إلا النسَاء فيكره لمن أرَادَ منهُنَّ الحُضُور الطّيب والزينة وفاخِر الثياب (¬8) خُصُوصًا إن كانت شابة. ¬

_ (¬1) "صحيح ابن خزيمة" (1803). (¬2) "سنن ابن ماجه" (3568)، وقال الألباني: موضوع. (¬3) "الكامل" لابن عدي 7/ 73. (¬4) سقط من (ص، س، ل)، والمثبت من (د، م). (¬5) في (ص، ل، س): يطيب. والمثبت من (د، م). (¬6) في (د، م): أجل. (¬7) في (س): الجماعة. (¬8) "المجموع" 4/ 538.

(ثُمَّ أَتَى الجُمُعَةَ) أي: مَاشيًا بسَكينَة وَوقار. (فَلَمْ يَتخَطَّ) (¬1) يقالُ: تخطيت فلَانًا وخطيته إذا خَطوْت عليْهِ. (أَعْنَاقَ الناسِ) وفي روَاية لأحمد وغَيره: "لم يتخط رقاب الناس" (¬2) فيه فَضيلَة تركه، وَذم فاعله. قال السبكي (¬3): المختار أنه حَرام وحكي التصريح به عَن تعليق الشيخ (¬4) أبي حَامِد عن نص (¬5) "الأم" (¬6)، ويَدُل على التحريم ما روى الترمذي عن أنسَ، قالَ رسُول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من تخطى رقاب الناس يَوْم الجُمعَة اتخذَ جسْرًا إلى جَهَنم" وقال: حَديث غَريب والعَمل عليهِ عندَ أهل العِلم (¬7)، وروى الطبرَاني في "الكبير" عن الأرقم بن أبي الأرقم؛ أن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الذي يَتخطى رقَاب الناس يَومْ الجُمعة و (¬8) يفرق بينَ الاثنين بَعْد خرُوج الإمَام كجارٍّ قصبهُ في النار" (¬9) ورواه أحمد أيضًا (¬10). وفيه تقييد التحريم بخروج الإمام، وقيدَ في "شرح المهَذب": إبَاحَة ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): يخط. والمثبت من (د، م). (¬2) "مسند أحمد" 3/ 81. (¬3) في (ص): الشبلي. والمثبت من (د، س، م). (¬4) في (د): شيخ. (¬5) انظر: "روضة الطالبين" 11/ 224. (¬6) في (م): الإمام. (¬7) "جامع الترمذي" (513)، وضعفه الألباني. (¬8) في (م): أو. (¬9) "المعجم الكبير" (908). (¬10) "مسند أحمد" 3/ 417. وقال الألباني في "ضعيف الجامع" (1525): ضعيف جدًّا.

تخطي الإمام بما إذَا لم يجَد طَريقًا إلى المنبر والمحْراب إلا بالتخطي (¬1)، واستثنى في "الروضة" مَن رَأى فرجة لا يصلها بغير تخطى (¬2) (¬3). (ثُمَّ صَلَّى مَا كَتَبَ الله تعالى لَهُ) أي: مَا رَزقهُ الله تعالى له (¬4) مِنَ النوافل أي: قَبل خرُوج الإمَام، أمَّا بعد خروجه فلا يزيد عَلى تحية المَسْجد. (ثُمَّ أَنْصَتَ) أي: سَكت إذا شرع الإمام في الخُطبَة عن القراءة والذكر وغَيرهما، والجَديد عندَ الشَافعي أن الإنصَات سُنة (¬5)، والقَديمُ ونصٌّ الشافعي في "الإملاء" (¬6) مِنَ الجديد وبه جَزم بَعضهم: أنهُ يَحْرُمُ الكلام ويجب الإنصَات للخُطبَة وَيجوز للدَاخِل في الخُطبة أن يتكلم مَا لم يَأخُذ لنفسه مَكانًا والقولان فيما بعد قعوده (¬7). قال (¬8) الرافعي (¬9) والنووي (¬10): قَالا وَيجوز الكلام قَبل الخطبة وبعد الفراغ وبَيْن الخُطبتَين انتهى، ويَدُل عَلى هذا قوله (إِذَا خَرَجَ إِمَامُهُ ¬

_ (¬1) "المجموع "شرح المُهَذب" 4/ 546. (¬2) في (س، د، م): تخطٍ. (¬3) "روضة الطالبين" 2/ 46. (¬4) ليست في (د، س، م، ل). (¬5) "الشرح الكبير" 4/ 587. (¬6) في (ص، ل): "الأم" لا. والمثبت من (د، س، م). (¬7) "المجموع شرح المُهَذب" 4/ 523. (¬8) في (د، م): قاله. (¬9) "الشرح الكبير" 4/ 589 - 590. (¬10) "المجموع شرح المُهَذب" 4/ 523.

حَتَى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتهِ) فقَيَّد (¬1) الأمر بالإنصَات بمَا إذَا خرجَ الخَطيب، وظاهِرُهُ الأمر بالإنصَات بمَا إِذَا خَرَجَ الخَطيب، وَظاهِرُهُ الأمر بالإنصَات وإن لم يَخْطب بعد وَجَعَلَ الأمر مُسْتمرًا إلى فراغ الصَّلاة. خلافًا لما أجَازا مِنَ الكلام بَيْنَ الخُطبَتَين. (كَانَتْ) صَلاته ومَا يَتبعهَا (كفَّارَةً) أي: مُكفرَة. (لِمَا بَيْنَهَا (¬2) وَبَينَ جُمُعَتِهِ التِي قَبْلَهَا) مِنَ الذُنوب الصَّغَائر وإن لم توجَد له (¬3) صَغَائر فلا يبعُد أن يخفف مِنَ الكبَائر واللهُ أعلم. (وَيَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ) دُون أبي سَعيد (وَزِيَادَة) بالنَّصب على الظرف لإضَافته إلى الظرف الذي بَعده، وهي الأيام في قوله (ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) تتمة العَشر (وَيَقُولُ: إِنَّ الحَسَنَةَ) تضاعَف (بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا) (¬4). قالَ العُلماء: مَعناهُ أنهُ يَغفر لهُ مَا بَين الجُمعتين وثلاثة أيام؛ لأن الحَسَنة بِعَشر أمثالها وصَارَ يوَم الجمُعَة الذي فعَل فيه هذِه الأفعَال الجَمِيلة في معَنى الحَسَنة [التى تضاعف] (¬5) بعَشر أمثالها. ([قال أبو داود: ] (¬6) وَحَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ أَتَمُّ) مِن حَديث (¬7) يزيد ¬

_ (¬1) في (ص): فعند. والمثبت من (د، م). (¬2) في (ص): بينهما. والمثبت من (د، م، ل). (¬3) من (د، م). (¬4) أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" (1762)، وصححه ابن الملقن في "البدر المنير" 4/ 670، وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (371). (¬5) من (س، د، ل، م) (¬6) من (د). (¬7) زاد هنا في (ص): ابن. وهو خطأ.

وعَبد العزيز (وَلَمْ يَذْكُرْ حَمَّادٌ) ابن سَلمة (كَلَامَ أَبِي هُرَيْرَةَ) المذكور. [344] (ثَنَا مُحَمَدُ بْنُ سَلَمَةَ المُرَادِيُّ) أبو الحَارث المصْري شيخ مُسْلم (ثَنَا) عَبد الله (ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو (¬1) بْنِ الحَارِثِ) ابن يَعقوب أبو أُمية الأنصَاري، مَولَاهم المصري، أحَد الأعلام. (أَنَّ سَعِيدَ (¬2) بْنَ أَبِي هِلَالٍ) الليثي مَوْلى عُروة بن شييم (¬3) الليثي؛ أصْلهُ منَ المدينة، ذكرهُ ابن حبان في "الثقات" (¬4). (وَبُكَيرَ بنِ الأَشَجِّ، حَدَّثَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ المُنْكَدِرِ) ابن ربيعَة بن عَبد الله القرشي التيمي المدَني أخو محمد بن المنكدر، ذكرهُ ابن عبد البر في مَن لم يذكر لهُ سَوى كنيَته. (عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ (¬5)، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عَنْ أَبيهِ أَنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: الغُسْلُ) في (يَوْمَ الجُمُعَةِ) واجب (عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ) أي: بَالِغ، وهو مجَاز؛ لأن الاحتلام يَستلزم البُلوغ والقَرينة المانعَة عن الحَمل على الحَقيقة أَنَّ الاحتلامَ إذَا كانَ مَعَهُ الإنَزال مُوجب للغُسْل سَوَاءُ كان يَوم الجُمعَة أم لا. (وَالسِّوَاكُ) يعني: عندَ الاغتسَال (وَيَمَسُّ) بفتح اليَاء والميم. (مِنَ الطِّيبِ) مِنْ هُنَا للتبعيض وهو قائم مَقام المفعُول أي: استعملوا بَعْض الطيب. ¬

_ (¬1) كتب فوقها في (د): ع. (¬2) كتب فوقها في (د): ع. (¬3) في (ص): سليم. والمثبت من (د، م). (¬4) "الثقات" (8165). (¬5) في (س): الدورقي.

روَاية البخاري: "يمسُّ مِن طيب بَيته" (¬1) وتقييده بالبَيْت يؤذن أن السُّنّة أن يتخذ الرجُل في بَيته الطيب لنَفسه وأهل بيته، ويجعل اسْتعماله منه عَادَة له، وَيدخرهُ في بيته لذلك، واسْتعمال الطيب لا يختَّص بيَوْم الجمُعَة، بَل بَعْدَ كل وضُوء لما روى الطبرَانيُّ في "الكبير" بَسند رجَاله رجَال الصَحيح عَن يزيد بن أبي عبَيد؛ أنَّ سَلمة بن الأكوَع كانَ إذا توَضأ يَأخُذ المسْك في يدَيه، ثم يمسَح به لحَيته (¬2). (مَا قُدِّرَ لَهُ) (¬3) أي: يمسّ مَا قدره اللهُ لهُ وشره له ورزقه، وفيه دَليل عَلى أن الطيب والسِّوَاك ليسَ بوَاجب، واستدل بَعْضهمُ بعَطف السَواك والطيب عَلى الغسْل، عَلى أنَّ الغسْل لَيْسَ بوَاجب؛ إذ لم يختلف الأئمة في أنَّ (¬4) السِّوَاك والطيب غَير واجبَين فكذلك المَعْطوف عَليْه (¬5). (إلَّا أَنَّ بُكَيْرًا لَمْ يَذْكُرْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ) ابن أبي سَعيد (وَقَالَ فِي الطيبِ وَلَوْ مِنْ طِيبِ المَرْأَةِ) كَذا رِوَاية النسَائي (¬6) ولعَل هذِه الروَاية توضح روَاية البخاري: "مِنَ طيب بَيته" (¬7) ويَكونُ التقدير من طيْب أهْل بَيته يَعني المرأة. ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (883) من حديث سلمان الفارسي. (¬2) "المعجم الكبير" (6220). (¬3) الحديث أخرجه ومسلم (846) (7)، والنسائي في "المجتبى" 3/ 92، وأحمد 3/ 30، وابن خزيمة في "صحيحه" (1743)، وابن حبان في "صحيحه" (1233). (¬4) من (د، م). (¬5) ليست في (م). (¬6) "المجتبى" 3/ 92. (¬7) تقدمت هذه الرواية.

[345] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الجرجاني) ويُقالُ: الجَرْجَرَائِيُّ بفتح الجِيْمَين بَينهما راء سَاكنَة، المصيصي العَابد المعرُوف بِحبي وثقهُ أبو دَاود، وقالَ أبو حَاتم: صَدُوق (¬1) (ثَنَا) عَبد الله (ابْنُ المُبَارَكِ) ابن وَاضح الحَنظلي التميمي مَولَاهم المروزي أحَد الأئمة. قال سُفيان: إني لأشتهي في عُمري كله أن أكونَ سنة واحدة مثل ابن المبَارك، فما أقدر أن أكونَ ولَا ثلاثة أيام. وكانَ إذَا كانَ وقت الحجَ اجْتَمع إليه إخوَانه مِنْ أهْل مرو فيقُولون: نَصْحبُك. فيَقول لهم (¬2): هَاتوا نفقاتكم. فيَأخذ نفقاتهم فيجعلها في صندوق، ثم يَكتري لهُم ولا يزال ينفق عليهم ويطعمهُم أطيب الطعَام والحلوى، فإذا وصَلوا المدينَة ومكة، قالَ لكل منهم: مَا أمرك عيَالك أنْ تشترى لهمُ؟ فيَقولُ (¬3): كذَا من مكة وكذا مِنَ المدَينَة ثم لا يزَال ينفق عَليهم إلى مرو، فإذا دَخَلوا المدَينة وكانَ بَعد ثلاث صنع لهُم وليمة وكسَاهُم ودَعَا بالصندُوق ففتحهُ (¬4) ودَفع إلى كل أحَد (¬5) منهم صُرَّة (¬6) وعَليها اسْمه، وكانَ يقول الحبر في الثيَاب خلوق العُلماء (¬7). ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 25/ 26. (¬2) من (د، م). (¬3) في (م): فيقولون. (¬4) في (م): ففتح. (¬5) ليست في (د، م). (¬6) في (د، م): صرته. (¬7) "سير أعلام النبلاء" 8/ 409.

(عَنِ الأوزَاعِيِّ ثنا حَسَّانُ (¬1) بْنُ عَطِيَّةَ) أبو بكر المحاربي ثقة عَابد؛ لكنهُ قدري (¬2) (حَدَّثَنِي أَبُو الأَشْعَثِ) شراحيل بن آدة بمدّ الهمزة وتخفيف الدَال المفتوحَة، كذَا قالهُ ابن معين وغَيره شامي تابعي ثقةٌ (¬3) (الصَّنْعَانِيُّ) صَنعاء الشام. (حَدَّثَنِي أَوْسُ بْنُ أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ) -رضي الله عنه- (قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ) قالَ أبو بَكر بن خزيمة: من (¬4) قال: غسّلَ. بالتشديد فمعناه: جامع فأوجب الغسْل عَلى زَوجَته وأمته (وَاغْتَسَلَ) هو ومَن قالَ غسل بالتخفيف أرادَ (¬5): غسل رَأسه واغتسل فغسَل سَائر الجَسَد (¬6). ويدل عَليه الرواية الآتية مَنْ غسل رَأسه يَوم الجُمعَة. قال الخطابي: ومنهم مَنْ ذَهَب إلى أن هذا مِنَ الكَلام المتظاهر الذي يَرادُ به التأكيد، ولم تقع المخالفة بين المعنيين لاختلاف اللفظين، وقال: ألا تراهُ يقُول في الحَديث: "فمشى (¬7) ولم يَركب" ومعناهما وَاحد، وإلى هذا ذهَب الأثرم صَاحب أحمد (¬8). (ثُمَّ بَكَّرَ) بتشديد الكاف. ¬

_ (¬1) كتب فوقها في (د): ع. (¬2) "الكاشف" للذهبي (1004). (¬3) "تهذيب الكمال" 12/ 408. (¬4) من (د، م). (¬5) في (ص، س، ل): زاد. والمثبت من (د، م). (¬6) "صحيح ابن خزيمة" (1758). (¬7) في (ص)، س، ل): يمشي. والمثبت من (د، م). (¬8) "معالم السنن" للخطابي 1/ 108.

قال في "النهاية": بكر أتى (¬1) الصَلاة في أول وقتها، وكل من أسَرع إلى شيء فقد بكر إليه (و) أمَّا (ابْتَكَرَ) فمَعناهُ: أدرَك أول الخُطبَة، وأوَّل كل شيء باكورته، وابتكر الرجل إذا أكل بَاكورة الفَوَاكه وقيل: معنى اللفظين واحد فَعَل وافتَعل، هانما كرر للتأكيد والمبَالغَة كما قالوا: جَاد (¬2) مُجِدّ (¬3). قال ابن الأنباري: معنى بَكَّر: تصدق قبل خروجه، وتأول في ذلك مَا روي في الحَديث من قوله عليه السلام: "باكرُوا بالصَدقة فإن البَلاء لا يتخطاهَا" (¬4). (وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ) جَمَعَ بيْنَ اللفظين للتأكيد. (وَدَنَا مِنَ الإِمَامِ؛ فَاسْتَمَعَ) هذِه الفاء السَّبَبيَّة يَعني أن الدُنُوَّ مِنَ الإمَام سَببُّ يُؤدي إلى استماع الخُطبة التي يتعظ بهَا، ورواية أحمد بإسْناد لهُ (¬5) رجَاله رجَال الصَحيح: "واقترب (¬6) واستمع" (¬7). (وَلَمْ يَلْغُ) بفتح أوله قال في "النهاية": يقال: لغَا الإنسَان يلغُو ولغا ¬

_ (¬1) في (ص): إلى. والمثبت من (د، م). (¬2) "النهاية في غريب الحديث والأثر" (بكر). (¬3) في (ص، ل): محمد. والمثبت من (س، د، م). (¬4) انظر: "شرح السنة" 4/ 237، وحديث "باكروا بالصدقة" أخرجه الطبراني في "الأوسط" (5643)، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4606): فيه عيسى بن عبد الله بن محمد، وهو ضعيف. وقال الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (524): ضعيف جدًّا. (¬5) ليست في (د، م). (¬6) من (د، م). (¬7) "مسند أحمد" 2/ 209.

يلغَى ولغى يَلغِي إذا تكلم بالمطَّرَح منَ القول وما لا يَعْنِيه (¬1). ولغَا الرجل تكلم بأخلَاط (¬2) الكلام. (كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ) لفظ الترمذي "أجر سنة" (¬3). (أَجْرُ) بالرفع بدل من عمل (صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا) (¬4) روَاية أحَمد المُتقدمَة: "كانَ له بكل خطوةَ قيام سَنة وصيَامهَا" (¬5) يعنى بلا مُضاعفة. [346] (ثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدِ (¬6) بْنِ يَزِيدَ) المصْري أبو عبد الرحيم الفقيه. (عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ) الليثي (عَنْ عُبَادَةَ (¬7) بْنِ نُسَيِّ) بضَم النون وفتح السِّين المُهملة المخففة، الكنْدي قاضي طَبَرية قالَ مسْلمة (¬8) بن عَبد الملك: في كِندة ثَلاثة يُنَزّلُ اللهُ بهم الغَيث، وينصر بهم على الأعداء، عُبَادة بن نُسي، ورجَاء بن حَيوة، وعَدي بن عَدي (¬9). ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث والأثر" (لغا). (¬2) في (م): باختلاط. (¬3) "جامع الترمذي" (496). (¬4) الحديث أخرجه أحمد 4/ 9، والترمذي (496)، والنسائي 3/ 95، وابن ماجه (1087)، والدارمي (1547)، وابن خزيمة في "صحيحه" (1758)، والحاكم في "المستدرك" 1/ 282، وقال: صحيح على شرطهما. وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (373). (¬5) "مسند أحمد" 2/ 209. (¬6) كتب فوقها في (د): ع. (¬7) كتب فوقها في (د): عو. [يقصد الأربعة]. (¬8) في (م): مسلم. (¬9) "الجرح والتعديل" (1038).

قال أبو مسْهر: هولاء عُمَّالُ عمر بن عبد العزيز (عَنْ أَوْسٍ) ابن أوس (الثَّقَفِيِّ، عَنْ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: مَنْ غَسَلَ رَأْسَهُ) [أي بخطميٍّ و] (¬1) غَيره (يَوْمَ الجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ) في جَميع بَدَنه (وسَاقَ نَحْوَهُ) (¬2) أي: قريبًا من لفظ الحَديث المتقدم. [347] (ثنا) عَبد الغني بن رفاعَة (ابْنُ أَبِي عَقِيلٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ) المرادي (¬3) المِصْرِيَّانِ (¬4) (قَالَا: ثَنَا) عبد الله (ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ ابن أَبِي عَقِيلٍ) [أي: في رواية (قال) ابن وهب: أخبرني. ورواية محمد بن سلمة، سألت عنها، لم يتبين لفظها هل قال فيها ابن وهب: حدثنا، أوْ عن ولعله يحمل على العنعنة، والله أعلم] (¬5). (أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنَ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيبٍ عَنْ أَبِيهِ) شعَيب بن محَمد بن عَبْد الله بن عَمرو بن العَاص (عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ) جده المحاربي (¬6) فَصَرحَ هُنَا بالروَاية عَن جَدّه الأعلى فكانَ حَديثه مُتَّصِلًا وارتفع الخلاف في الاحتجاج به لولا أنَّ فيه العَنعَنَة. (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَمَسَّ مِنْ طِيبِ امْرَأَتِهِ إِنْ كَانَ لَهَا) طيب (وَلَبِسَ مِنْ صَالِح) أي: من (¬7) أحسَن (ثِيَابِهِ) كما في ¬

_ (¬1) في (ص): في طهر أو. والمثبت من (د، س، م). (¬2) هذه الطريق أخرجها الطبراني في "المعجم الكبير" (588). (¬3) جاءت في (ص، س): في غير موضعها. والمثبت من (د، م). (¬4) في (ص): البصريان، والمثبت من (د، س، م، ل). (¬5) سقط من (ص، ل، د). والمثبت من (م). (¬6) سقط من (ص، س، ل). والمثبت من (د، م). (¬7) من (م).

الروَاية السَّابقة. (ثُمَّ لَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ) يعني: الذين لم يَتركوا بَين أيديهم مَوضعًا خاليًا فمن فعل (¬1) جَاز للدَاخِل أن يتخطاهُ إلى الموضع الخَالي؛ لأنه لا حُرمة لهُ لتقصيره. قال الأوزاعي: يتخطاهم إلى السَّعَة (¬2) قالطَ الحَسَن؛ لأنهم خَالفوا أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- وَرَغبُوا عَن خَير الصفوف وجَلسُوا في شَرها (¬3). (وَلَمْ يَلْغُ عِنْدَ المَوْعِظَةِ) أي: مَوْعظَةِ الخَطيب. (كَانَتْ) تلك الصَّلَاة (كَفَّارَةً لِمَا بَينَهُمَا) أي: وَزيَادَةَ ثلاثة أيام كما تقدم. (وَمَنْ لَغَا) عندَ المَوْعظَة (وَتَخَطَّى) بلَا هَمز في آخره. (رِقَابَ النَّاسِ) دُونَ تقصير منهم (كَانَتْ) تلك (¬4) الصَّلاةُ (لَهُ ظُهْرًا) (¬5) أي: بَطَلتْ فَضيلة الجُمعَة المتَقَدِّمَة وصَارَت جُمعَته ظهرًا مَقصورَة لا كفارة فيهَا. وروى الإمام أحَمد والبزار والطَبراني عن ابن عَباس، قال رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن تكلم يَوم الجمُعَة والإمام يخطبُ فهو كمثل الحمار يَحمل ¬

_ (¬1) في (ص، ل، س): قعد. والمثبت من (د، م). (¬2) في جميع النسخ: السبعة. والمثبت من "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 2/ 502 وغيره. (¬3) "المغني" لابن قدامة 3/ 231. (¬4) من (م). (¬5) الحديث أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" (1810). وحسنه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (375).

أسْفَارًا، والذي يقول له: انصت ليسَ له جمعَة" (¬1). [348] (ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، ئَنَا مُحَمَّدُ (¬2) بْنُ بِشْرٍ) بن الفرافصة بن المختار العَبدي الكوفي أحَد العُلماء بالحَديث. (ثَنَا زَكَرِيا) بن أبي زائدة الكوفي الأعمى (ثَنَا مصعب (¬3) بْنُ شَيْبَةَ) أخرج لهُ مُسْلم. (عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ العَنَزِيِّ) (¬4) بفتح العَين المهملة [والنون وكسر الزاي] (¬5) أخرج له مُسْلم في العلم والوضوء (¬6). (عَنْ عَبْدِ الله بْنِ الزُّبَيرِ عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنه - أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْ أَرْبَعٍ (¬7) مِنَ الجَنَابَةِ) غسْل الجنَابة واجِب مِنَ الاحتلام أو الجماع كما تقدم. (وَيَوْمِ الجُمُعَةِ) كما تقدم. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في "مسنده" 1/ 230، والبزار في "مسنده" (4725)، والطبراني في "المعجم الكبير" (12563). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3123): فيه مجالد بن سعيد وقد ضعفه الناس ووثقه النسائي في رواية. وقال الحافظ في "الفتح" 2/ 481: وله شاهد قوي في جامع حماد بن سلمة عن ابن عمر. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (5238). (¬2) كتب فوقها في (د): ع. (¬3) في (ص، س، ل): شعيب. والمثبت من (د، م). (¬4) في (م): العنبري. (¬5) بياض في (م). (¬6) "صحيح مسلم" (261) (56)، (267) (7). (¬7) في (ص، ل، س): أربعة، والمثبت من (د، م).

(وَمِنَ الحجَامَةِ) فيه حجة للقديم من مَذهَب الشافعي، أَنَّه يُسْتَحبُّ الغسْلُ مِنَ الحجَامَة، ومن دُخول الحَمام نصَّ عليهما الشافعي في القديم، وحكاهُ عن القَديم القَاضي والقفَّال وقطعَا به وكذَا قطعَ به المحَامِلي في "اللبَاب"، والغَزالي في "الخلَاصَة"، والبغوي (¬1)، وحَكاهُ الغَزالي في "الوَسيط" (¬2) عن ابن القاص ثم قال: وأنكر مُعظَم أصحَابنَا استحبابهما (¬3) والحَديث حجة على من أنكر الاسْتحبَاب، والحَديث صححهُ ابن خزَيمة (¬4)، والحاكم وقال: عَلى شَرط الشيخين (¬5). وقالَ البيهقي في "خلافياته": رواتهم كلهم ثقات (¬6). وقَالَ صَاحبُ "المنتقى": إسنَادهُ عَلى شرط مسلم (¬7). لكن أخرجهُ المُصَنِّف في الجنَائز وقالَ: إنهُ مَنسُوخ كما سيَأتي. (و) يغَتسَل (مِنْ غُسْلِ المَيِّتِ) (¬8) ويعضدهُ حَديث الترمذي "من غسل ميتًا فليَغتسل" (¬9) وصححهُ ابن حبان من رِوَاية سُهَيل بن أبي صَالح، عن أبيه، عن أبي هُريرة -رضي الله عنه- (¬10). ¬

_ (¬1) "شرح السنة" للبغوي 2/ 167. (¬2) "الوسيط في المذهب" 2/ 292. (¬3) "المجموع شرح المُهَذب" 2/ 203. (¬4) "صحيح ابن خزيمة" (256). (¬5) "المستدرك" للحاكم 1/ 163. (¬6) "مختصر خلافيات البيهقي" 1/ 407. (¬7) انظر: "المحرر" لابن عبد الهادي 1/ 136. (¬8) أخرجه أحمد 6/ 152. وضعفه الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" (59). (¬9) "جامع الترمذي" (993) بقريب من هذا اللفظ. (¬10) "صحيح ابن حبان" (1161).

قال الماوَردي: خرَّجَ بَعض أصحاب الحَديث لصحته مائة وعشرين طَريقًا (¬1) وقال الشافعي في "البويطي": يجب [الغسل من] (¬2) غسل الميت إن صحَ الحَديث (¬3). [349] (ثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ) ابن يزيد السّلمي (الدِّمَشْقِيُّ) قال (¬4) أبو حَاتم: كانَ ثقة رضي (¬5)، وَوَثقهُ النسَائي (¬6) (ثنا مَرْوَانُ) بن محَمد الدّمشقي الطاطري أخرجَ له مُسْلم (ثَنَا عَلِيُّ (¬7) بْنُ حَوْشَبٍ) بفتح الحاء المهملة والشين المعجمة الفزاري. قال دحيم: لا بأسَ بهِ (¬8). (قَالَ: سَأَلْتُ (¬9) مَكْحُولًا عَنْ هذا القَوْلِ) المتقدم من (غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ) الحَديث (قَالَ: غَسَّلَ رَأْسَهُ وجَسَدَهُ) (¬10) أي: سَائر جَسَده. [350] (ثَنَا مُحَمَّدُ (¬11) بْنُ الوَلِيدِ) بن هُبيرة الهَاشِمي (الدِّمَشْقِيُّ) بكسر الدَال وفتح الميم القلانسي. ¬

_ (¬1) "الحاوي الكبير" 1/ 377. (¬2) سقطت من (د، م). (¬3) "المجموع شرح المُهَذب" 2/ 203. (¬4) سقط من (د). (¬5) "الجرح والتعديل" 8/ 292. (¬6) "تهذيب الكمال" 27/ 297. (¬7) كتب فوقها في (د): د. (¬8) "الكاشف" (3909). (¬9) في (س): حدثنا. (¬10) انظر: "شعب الإيمان" (2989). (¬11) كتب فوقها في (د): د.

قَال ابن أبي حَاتم: لم يقض لي السَّماع منهُ وهوَ صَدُوق (¬1) (ثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ) عَبد الأعلى بن مسهر الغسَّاني أخرج له مُسْلم. (عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ) بن يحيى التَنُّوخي فقيه أهل دمشق و (¬2) مُفتيهم بعد الأوزاعي، قرأ القرآنَ على عبد الله بن عَامِر، روى لهُ البخَاري في "الأدب" (¬3) (في) قوله (غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ. قَالَ: قال سعيد (¬4): غَسَّلَ رَأْسَهُ) يعني: بسدر أو (¬5) نحوه (وَغَسَلَ جَسَدَهُ) كله بَعْدَ ذلك. [351] (ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ) القعنبي (عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيِّ) مَولى أبي بَكر بن عَبْد الرحمن (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذَكْوَانَ (السمان (¬6)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ) يدل عَلَى مَا قَاله أصحَابنَا أن (¬7) من اغتسَل للجنَابة سَقطت عنهُ الجنَابة، [وحَصَلَ لهُ فَضل] (¬8) غسْل يوم (¬9) الجُمعَة ولا يحتَاج إلى (¬10) ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" (499). (¬2) من (د، م). (¬3) "الأدب المفرد" (490). (¬4) من (د). (¬5) في (د، م): و. (¬6) من (د، س، م، ل). (¬7) من (د، م). (¬8) من (د، م): وحصلت له فضيلة. (¬9) من (م). (¬10) ليست في (د، م).

أن يغتسل لهُ غسُلًا ثانيًا على الأظهرَ، عندَ الأكثرين. [وقال النووي: "غُسْلُ الجنابة" أي (¬1): كغسْل الجنابة في الصِّفات انتهَى (¬2). والأصل عَدَم هذا التقدير، وفيه دَليل على مُواقعة الزَوْجَة يَوْم الجمُعَة] (¬3). (ثُمَّ رَاحَ) في السَّاعة الأولى كَمَا في رواية في "الصحيح"، فيه أن التَبْكير للجُمعَة أفضل مِنَ التهجير، وهوَ اختيار الشافعي أخذًا بِظَاهر هذا الحَديث (¬4)، والذي اختارهُ مَالك التهجِير دُونَ التبكير (¬5)، وحَمل الحَديث على أن المراد به بعد الزوَال تعلقًا بأن الروَاحّ [لا يَكون] (¬6) في أوَّل النَهار وإنما يَكونُ بَعدَ الزَوَال. قال المازري (¬7): وخَالفَهُ بَعْض أصحَابه فوَافق الشافعي، وتمسَّك مَالك بحَقيقة الروَاح في تَسميَة السَّاعة (¬8) ويؤكد مَذهبَه مَا في روَاية في الصَّحيحَين وابن مَاجَه "مثل المهجر كمثل (¬9) الذي يهدي بدَنة" (¬10) ¬

_ (¬1) من (د، س، ل). (¬2) "شرح النووي على مسلم" 6/ 135. (¬3) سقط من (م) وأشار الناسخ. (¬4) "الأم" 1/ 336. (¬5) "مواهب الجليل" 2/ 537. (¬6) ليست في (م). (¬7) في (س): الماوردي. (¬8) "فتح الباري" 2/ 429. (¬9) في (ص): مثل. والمثبت من (د، م). (¬10) "صحيح البخاري" (929)، و"صحيح مسلم" (850) (24)، و"سنن ابن ماجه" (1092).

والتهجير لا يكون أول (¬1) النهار والتهجير عندَ الأكثرين السَّير عند الهَاجِرَة، وتأول بَعْض الشافعيَّة بأن مَعنى: هَجّر؛ هجر منزله وتركه، ومنهُ في الحَديث: "مِنَ النَاس من لا يذكر الله إلا مهَاجرًا" (¬2). قال في "النهاية": يريد هجْران القَلب، وتَرك الإخلاص في الذكر فكانَ قلبهُ مهَاجرًا، للسَانه (¬3) غَير موَاصل لهُ (¬4)، وأنكر الأزهري أن الروَاح (¬5) لا يكون إلا بَعْدَ الزوَال كما قال مَالك (¬6)، وغلط قائله فقالَ في "شرح ألفاظ المختَصر": مَعنى رَاح مضَى إلى المَسْجد، ويتوهم كثير منَ الناس أن الروَاح لا يَكون إلا في آخِر النهَار وليسَ ذلك (¬7) بشَيء؛ لأن الروَاحَ والغُدُو مُستعملان في السير (¬8) أي وقت كانَ من ليل أو نَهار يُقال: رَاحَ في أول (¬9) النَّهَار (وآخره و) (¬10)، تروح وغدا بمعنَاهُ (¬11) وممن (¬12) اختارَ مَا ذَهبَ إليه مَالِك مِنَ الشافِعيَّة إمَام ¬

_ (¬1) في (د، م): في أول. (¬2) "مصنف ابن أبي شيبة" (35694) موقوفا على ابن مسعود. (¬3) في (ص، س): بلسانه. والمثبت من (د، م، ل). (¬4) "النهاية في غريب الحديث والأثر" (هجر). (¬5) في (م، ل): الزوال. (¬6) "عون المعبود" 2/ 15. (¬7) في (ص، ل): ذكره. والمثبت من (د، س، م). (¬8) سقطت من (ص، ل، س). والمثبت من (د، م). (¬9) سقطت من (ص، ل، س). والمثبت من (د، م). (¬10) في النسخ الخطية: وغيره، والمثبت من "الزاهر". (¬11) "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" ص 43. (¬12) في (م): لا ممن.

الحَرَمين والقاضي حُسين (¬1) وغَيرهما مِنَ الخراسَانيين على ما نقلهُ في "شَرْح المهَذب" (¬2). (فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً) احتج به الشافعي (¬3) وأبو حَنيفة (¬4) في تفضيل البُدْن في الضحايا على الغنم وأنها الأفضَل (¬5) في الأضحية، ثم البَقر ثم الغنم وسَووا بين الهدَايا والضحَايا (¬6) وسَائر النسك. وقال مَالك وأصحَابه: الضحَايَا بالضأن أفضَل منَ المعَز، ثم البَقر، ثم الإبل (¬7)، ومن أصحَاب مَالك من قدمَ الإبل على البَقر ووافقوا في الهدَايا، وحجتهم قوله تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)} (¬8) وأن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- ضَحى بالضأدن ومَا كانَ يترك الأفضَل كما لم يتركهُ في الهَدَايَا؛ ولأن الغرض في الضحَايا استطابة الغنم، وفي الهدَايَا كثرتها، ومعنى "فكأنما قرب": أهْدى إلى اللهِ بَعيرًا عَظيمَ البَدَنِ يتقرب به إلى الله ويطلب قُربه، كمَن يُهدي القربان إلى بَيت الله، والجَامع بَينهما المشي إلى بَيت الله فَشبّه (¬9) المشي بالسَّفر إلى الحج وشبَّه بيت الله بالكعبة، وشبه أيام الحج بيَوْم الجُمعَة. ¬

_ (¬1) ليست في (م). (¬2) "المجموع "شرح المُهَذب" 4/ 540. (¬3) "المجموع "شرح المُهَذب" 4/ 540. (¬4) "المجموع "شرح المُهَذب" 8/ 398. (¬5) في (د): أفضل. (¬6) سقطت من (م). (¬7) "الاستذكار" 5/ 14، وانظر: "المدونة" 5/ 235. (¬8) الصافات: 107. (¬9) في (م): كتشبيه.

(وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ) أي: أهْدَى إلى الله عزَّ وجلَّ كما [يُهدى القربَان] (¬1) إلى بَيْت الله الحَرَام (بَقَرَةً) والبدَنة والبقرة يقعَان عَلى الذكر والأنثى باتفاقهم، والهَاء فيه للوحدة كقمحة وشعيرة ونحوهما من أفراد الجنس، سميت بقرة؛ لأنها تبقر الأرض أي: تشقها بالحَراثة، ومنهُ سمُي محَمد البَاقِر لأنه بَقَرَ العلم ودَخَل فيه مَدْخَلًا بَليغًا ووصل منه غاية مرضية، وظاهِرُه يحتجُّ به عَطاء في أن البَدَنة مِنَ الإبِل وهي خلَاف البَقرة (¬2) ومَالك يَرى البَقر من البدن (¬3)، وتظهَر فائدَة هذا فيمَن نذر بَدَنة ببَلد لا يُوجَد فيه إلا البقر. (وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشَا أَقْرَنَ) وَصَفه بالأقرن؛ لأنه أكمل وأحسَن صُورَة، ولأن قرنه ينتفع به، ومن جَاء في أوَّل سَاعة من هذِه السَّاعَات يشترك هوَ ومن جَاء في آخِرهَا في تحصيل أصل (¬4) البَدنة أو البقرة أو الكَبش لكن بدنة الأول (¬5) وبقرته وكبشه أكمل وأحسَن ممَّن (¬6) ¬

_ (¬1) في (م): تهدى القربات. (¬2) المروي عن عطاء رحمه الله، أنَ البدنة هي البقرة والبعير. وأما ما ورد هنا فهو مروي عن مجاهد رحمه الله. انظر الأثرين في "مصنف ابن أبي شيبة" (14872، 14874). وقال الحافظ في "الفتح" 2/ 426 - 427: وقال الأزهري في "شرح ألفاظ المختصر": البدنة لا تكون إلا من الإبل، وصح ذلك عن عطاء، وأما الهدي فمن الإبل والبقر والغنم هذا لفظه وحكى النووي عنه أنه قال: البدنة تكون من الإبل، والبقر، والغنم، وكانه خطأ نشأ عن سقط. اهـ. فبين الحافظ ابن حجر أساس هذا الخطأ بأنه ناشئ عن سقط. (¬3) "المدونة الكبرى" 1/ 412. (¬4) سقط من (ص، ل). (¬5) سقط من (ص، ل). (¬6) في (ص، س، ل): مما.

جَاء في آخِر السَاعَة، وبَدنةُ المتوسط متوسِّطةٌ وهذا كما أنَّ من أدرَك الجَمَاعة في الرَّكعَة الأولى يَزيدُ أجُرَهُ على أَجر من أدرَكها قَبل السَّلام، وإن اشتركوا في إدرَاك حُصُول فَضيلة الجَماعَة. (وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً) بفتح الدَال ويَجوز الكسر، ومنهم من يقول: الكسر لغة قليلة وتقع على الذكر والأنثى، وجَمع الدَّجَاج دُجُج، مثل عَناقَ وعُنُق، وكتاب وكُتُب، وربما جمع على دَجَائج، وقَد جَاء في روَاية للنسَائي: قال في الرابعَة: "كالمهْدي بطة، ثم كالمهْدي دَجَاجَة، ثم كالمهْدي، بَيْضة" (¬1). وفي روَاية له قال في الخامسَة: "كالذي يهدي عصفورًا"، وفي السَّادسَة: "بَيْضَة" (¬2). قَالَ النوَوي: وإسْنادا الروَايتَين (¬3) صحيحان انتهَى (¬4). ورَوى الإمَام أحمَد في مُسنده مِنْ حَديث أبي سَعيد نحو الروَاية الأولى مِنهُما (¬5) (وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيضَةً) فيه ردّ لما تقدم عَن "النهاية" أنَّ معَناهُ: أهْدَى كما يهدي القربَان (¬6)؛ لأن القرُبان، إنما هوَ في النَّعمَ فَقَط لا في الدجَاجَة والبَيضة وأنَّ معنى ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 3/ 97. (¬2) "سنن النسائي" 3/ 98. (¬3) في (ص، س، ل): الروايتان. والمثبت من (د، م). (¬4) "شرح النووي على مسلم" 6/ 137. (¬5) "مسند أحمد" 3/ 81. (¬6) "النهاية في غريب الحديث والأثر" (قرب).

قَرَّبَ: تصَدَّق. كما قَالَ النوَوي: يَعْني: تصَدق مُتَقربًا به (¬1) إلى الله تعَالى، وفيه دَليل على أن القربَان والصَّدقة يَقعَان عَلى القليل والكثير (¬2). قال الخَطابي: الجُمعَة لا يزيد وقتها مِن أول حين الروَاح وهوَ بَعْدَ الزوَال إلى خمس سَاعَات، فقوله "في السَّاعة الرابعَة، والخامسَة" مُشكل، ويتَأولُ عَلى أن المراد بالروَاح إنما هوَ بَعْد طُلوع الشمس سُمِّي القاصد لهَا وقتها رَائحًا، كما يُقَالُ للمقبلين (¬3) إلى مَكة حُجَّاجًا (¬4) (¬5). قال الكرمَاني: الإشكال بَاق، واليَوم عندَ أهْل الشرع مِنَ وقت (¬6) طُلوع الفجر لا مِن طلوع الشمس ولإن سَلمنا على العرف (¬7) العَام أن اليوَم من طُلُوْع الشمس، فالسَّاعَات منهُ إلى الزوَال ست لا خمس فتبقى السَّاعة السَّادسَة (¬8)، ولا شك أن خرُوج الإمَام، وطي الصُحُف (¬9) إنما هوَ في السَّابعَة لا في السَّادسَة. وعَلى روَاية النسَائي: "المُهَجِّرُ للجُمعَة (¬10) كالمُهدِي بدَنة، ثم كالمُهدي بقرةً، ثم كالمُهدي شاةً، ثم كالمُهدي بطةً، ثم كالمُهدي ¬

_ (¬1) من (س). (¬2) "شرح النووي على مسلم" 6/ 137. (¬3) في (ص، س، ل): للتبكير. والمثبت من (د، م). (¬4) في (ص، ل، س): حجا. والمثبت من (د، م). (¬5) "معالم السنن" للخطابي 1/ 109. (¬6) ليست في (د). (¬7) في (م): الفرق. (¬8) تصحفت في (م) إلى: الساعة. (¬9) في (م): المصحف. (¬10) في (د، س، ل، م): إلى الجمعة.

دَجَاجَةً، ثم كالمُهدي بيضةً" (¬1) فيَكون خروج الإمَام في هذِه الروَاية في السَّاعَة السَّابعَة. (فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ) بفتح الضَّاد وكسْرهَا لغتان مَشهورتان، الفتح أشهر وأفصَحُ وبهَا جَاء القُرْآن. قال اللهُ تعَالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} (¬2). (الْمَلَائِكَةُ) قالوا: هُم غيرُ الحَفَظَة، وظيفتهم كتابة حَاضرِي الجُمعَة. (يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ) (¬3) يَعني: الخُطبة وسَمَاع (¬4) قراءة القرآن فيهَا وفي الصَّلاة، ورَوَى ابن خزيمة عَن عَمرو بن شعَيب، عن أبيه، عن جَدّه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ أنهُ قالَ: "تبعَثُ الملائكة على أبوَاب المسجد يَوْم الجُمعة، يكتبون مجيء الناسِ، فإذا خَرَجَ الإمَام؛ طُويت الصُحُفُ ورُفعت الأقلَامُ، فيَقول بَعضهم لبعض: مَا حَبَسَ فلانًا؟ فتقول الملائكة: "اللهمُ إن كانَ ضالًّا فاهْده وإن كان مريضًا فاشفه وإن كان عائلًا فأغنهِ" (¬5). * * * ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 3/ 97. (¬2) النساء: 8. (¬3) أخرجه البخاري (881)، ومسلم (850) (10)، والترمذي (499)، والنسائي في "المجتبى" 3/ 98 - 99، وأحمد 2/ 460 وابن حبان في "صحيحه" (2775) من طريق أبي صالح عن أبي هريرة به. (¬4) سقطت من (د، م). (¬5) "صحيح ابن خزيمة" (1771).

131 - باب في الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة

131 - باب فِي الرُّخْصَةِ فِي تَرْكِ الغُسْلِ يوْمَ الجُمُعَةِ 352 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: كانَ النّاسُ مُهّانَ أَنْفُسِهِمْ فَيَرُوحُونَ إِلَى الجُمُعَةِ بِهَيْئَتِهِمْ فَقِيلَ لَهُمْ لَوِ اغْتَسَلْتُمْ (¬1). 353 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ -يَعْنِي ابن مُحَمَّدٍ- عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ أُناسًا مِنْ أَهْلِ العِراقِ جاءوا فَقالُوا يا ابن عَبّاسٍ أَتَرَى الغُسْلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ واجِبًا قالَ: لا وَلَكِنَّهُ أَطْهَرُ وَخَيْرٌ لَمِنِ اغْتَسَلَ وَمَنْ لَمْ يَغْتَسِلْ فَلَيْسَ عَلَيْهِ بِواجِبٍ وَسَأُخْبِرُكُمْ كَيْفَ بَدْءُ الغسْلِ كانَ النّاسُ مَجْهُودِينَ يَلْبَسُونَ الصُّوفَ وَيَعْمَلُونَ عَلَى ظُهُورِهِمْ وَكانَ مَسْجِدُهُمْ ضَيِّقًا مُقارِبَ السَّقْفِ إِنَّما هُوَ عَرِيشٌ فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي يَوْمٍ حارٍّ وَعَرِقَ النّاسُ فِي ذَلِكَ الصُّوفِ حَتَّى ثارَتْ مِنْهُمْ رِياحٌ آذَى بِذَلِكَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَلَمّا وَجَدَ رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- تِلْكَ الرِّيحَ قالَ: "أَيُّها النّاسُ إِذا كانَ هذا اليَوْمُ فاغْتَسِلُوا وَلْيَمَسَّ أَحَدُكُمْ أَفْضَلَ ما يَجِدُ مِنْ دُهْنِهِ وَطِيبهِ". قالَ ابن عَبّاسٍ ثُمَّ جاءَ اللهُ بِالخَيرِ وَلَبِسُوا غَيْرَ الصُّوفِ وَكُفُوا العَمَلَ وَوسِّعَ مَسْجِدُهُمْ وَذَهَبَ بَعْضُ الذِي كانَ يُؤْذِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنَ العَرَقٍ (¬2). 354 - حَدَّثَنا أَبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسِيُّ، حَدَّثَنا هَمّامٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ تَوَضَأَ يَوْمَ الجُمُعَةِ فَبِها وَنِعْمَتْ وَمَنِ اغْتَسَلَ فَهُوَ أَفْضَلُ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (903)، ومسلم (847). وانظر ما سيأتي برقم (1055). (¬2) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 116، والطبراني 11/ 219 (11548)، والحاكم 1/ 280، 4/ 189، والبيهقي 1/ 295، وابن عبد البر في "التمهيد" 10/ 85 - 86 من طريق أبي داود. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (380). (¬3) رواه الترمذي (497)، والنسائي 3/ 94، وأحمد 5/ 8، 11، 15، 16، 22، وابن خزيمة (1757)، وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (381).

باب الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة [352] (ثَنَا مُسَدَّدٌ، قال: ثَنَا حَمَادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَىَ بْنِ سَعِيدٍ) ابن قيس، عالم المدينة (عَنْ عَمْرَةَ) بنت عَبد الرحمن بن سَعْد بن زرارة من فُقَهاء التابعين أخذَت (عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: كَانَ النَّاسُ مُهَّانَ) بِضَم الميم وتشديد الهَاءِ جَمع مَاهِن، وَرُوِيَ "مَهَنةُ" بفتح الميم والهَاء للبخاري (¬1) وهما جمع مَاهن ككاتب (¬2) وكُتَّاب (¬3) وكَتَبة. قال الحَافظ أبو مُوسَى: مِهَان بكسر الميم وتخفيف الهَاء جَمْع مَاهِن، كقائم وقيام وصَائم وصيَام، والماهن الخادم أي: كانوا يخدمُون أنفسهم ويعملون أعمالهم بأنفسُهم ولم يكن لهُم من يخدمُهم، قالَ: ويجوز أن يكون مهانًا (¬4) وهوَ قياسي (¬5). (فَيَرُوحُونَ إِلَى الجُمُعَةِ) بَوب عليه البخاري: وقت الجُمعَة إذا زَالت الشمس، ووَجْهه أنَّ (¬6) لفظ الروَاح حَقيقةٌ عند الأكثر للذهَاب بعد الزوَال، فكَانُوا يَكونونَ في أشغالهم فإذَا زَالت الشمس ودَخلَ وقت الصَّلاة ذهبوا إلى الجُمعَة. (بِهَيْئَتِهِمْ) أي: بِحَالتهِم التي كانُوا عَليهَا رواية البخَاري: "في ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (903). (¬2) في (ص، س، ل): ككتاب. (¬3) في (ص): كتب. والمثبت من (د، م). (¬4) في (ص، س، ل): محانًا. والمثبت من (د، م). (¬5) "شرح سنن أبي داود" للعيني 2/ 175، و"لسان العرب" (مهن). (¬6) في (د): إلى.

هيئتهم" (¬1). (فَقِيلَ لَهُمْ: لَوِ اغْتَسَلْتُمْ) (¬2) أي: لكان أفضَل، وفيه دَليل على أَنَّهُ يُندَبُ لمن أرَادَ المَسْجد، أوْ مُجالسَة الناس أن يجتنب الريح الكريهة في بَدَنه وثيابه. [353] (ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ) القعنبي (قال: ثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ (¬3) بْنَ مُحَمَّدٍ) الدراوردي (¬4) (عَنْ عَمْرِو (¬5) بْنِ أَبِي عَمْرٍو) اسْمهُ مَيْسَرة، مَولى آل المطلب بن عَبد الله المخزومي المدَني. (عَنْ عِكْرِمَةَ؛ أَن أُنَاسًا مِنْ أَهْلِ العِرَاقِ جَاءُوا) إليه (فَقَالُوا: يَا ابن عَبَّاسٍ أَتَرَى) أي: أتذهب وتعتقد. (الْغُسْلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَاجِبًا قَالَ: لَا) فيه سُؤال المجتهد عَمَّا ترجح عندهُ في المسَائل الاجتهادية؛ لتعَارض الأدلة، فكأنهم سَألوهُ عَن العَمل بظاهِر (¬6) حديث: "غسْل الجُمعَة واجِب" فأجَابَهُم بأنهُ (¬7) لم يأخُذهُ (¬8) بِظَاهِره؛ للأحَاديث المعَارضَة لهُ كحَديث عُثمان المتقدم (¬9): ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (903). (¬2) أخرجه البخاري (903)، ومسلم (847)، وأحمد 6/ 62، وابن حبان في "صحيحه" (1236) من حديث عمرة عن عائشة وألفاظهم متقاربة. (¬3) كتب فوقها في (د): ع. (¬4) في (ص، ل): الدراوودي، والمثبت من (د، س، م). (¬5) كتب فوقها في (د): ع. (¬6) في (ص، ل): فظاهر، وفي (س): وظاهر. والمثبت من (د، م). (¬7) في (ص): فإنه. والمثبت من (د، س، م، ل). (¬8) في (د، م): يأخذ. (¬9) تقدم.

ما زِدتُ (¬1) على أن توضأت (¬2). والحَدِيث الآتي "منْ تَوضأ فبهَا ونعمت، ومَن اغتسل فالغسْل أفضل" رَوَاهُ أصحَاب السُّنَنْ وصححهُ ابن خزَيمة، وحَسَّنهُ الترمذي (¬3). (وَلَكِنَّهُ أَطْهَرُ) أي: أكثر نظافة فإنَّ الطَهَارة في اللغة النظافة. (وَخَيرٌ) أي: أفضَل وأكثر أجرًا. (لِمَنِ اغْتَسَلَ) فيه دَليل عَلَى أنهُ يُسْتحبُّ للعَالم أو (¬4) للمفتي إذا سُئل عن شيء، وعلم أنَّ الأفضَلَ للسَّائل غَيرَ الحكم الذي سَأَلَ عَنْه، ممَّا يَتعَلق بالمسئول عنهُ، ولم يذكرهُ السَّائل أن ينبههُ عليه ويعلمه إياةُ؛ لأنه سَأل عَن وجُوب الغسْل للجُمعَة؛ فأجَابه بأنه غير واجب، ثم زَادهُ على سُؤَاله أن الغسْل إذا لم يَكن واجِبًا؛ فالأفضَل لهُ أن يغتسل؛ لأن فيه إزَالة الرَّائحَة الكَريهةِ عن حَاضري الجُمعَة مِنَ المَلائكة والآدميِّين، وهذا من نُصح المُسْلمين والمعَاونة على البِّر والتقوى والدلَالة على الخَير وفقَنَا الله -تعالى- لذلك. (وَمَنْ لَمْ يَغْتَسِلْ فَلَيْسَ) ذلك (عَلَيهِ بِوَاجِب) فيعاقب على تَرْكه. (وَسَأُخْبِرُكُمْ كَيفَ بَدَأ) بِهَمْز آخِره (الغسل) (¬5) أي: كيفَ ابتدأ أمره. ¬

_ (¬1) في (ص، ل): فأردت، والمثبت من (د، س، م). (¬2) في (ص، ل): توضأ، والمثبت من (د، س، م). (¬3) "سنن أبي داود" (354)، و"جامع الترمذي" (497)، والنسائي 3/ 94، وابن خزيمة في "صحيحه" (1757) من حديث الحسن عن سمرة. قال الترمذي: حديث حسن. وحسنه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (381). (¬4) في (د، م): و. (¬5) سقط من (ص، س، ل)، والمثبت من (د، م).

(كَانَ النَّاسُ مَجْهُودِينَ) أي: أصَابَهمُ الجَهْد وهوَ المشقة والعنَاء يَقالُ: أجهدني (¬1) الأمر إذَا بَلَغَ مني غاية المشقة. (يَلْبَسُونَ) بفتح البَاء الموَحَّدة ثيَاب (الصُّوفَ) يَعني: كانَ أكثر لُبْسِهمُ العبَاءَ مِنَ الصُوف، وفي الحَديث: "إنما أنا (¬2) عَبد آكل بالأرض وألبس الصوف وألعَق أصَابِعي (¬3) " (¬4) وروي أنَّ (¬5) أبا مُوسَى الأشعَري قيل لهُ: إنَّ قومًا يتخلفون عن الجُمعَة بِسَبَب ثيَابهم؛ فلبسَ عبَاءةً فصَلى فيها بالناس (¬6). يَعني: ليسَاويهم في لبْسهم العَبَاء مِنَ الصُّوف. (وَيَعْمَلُونَ عَلَى ظُهُورِهِمْ) أي: يحملُون عَلَى ظهُورهم وبأيديهم كما قَال ثابت بن أبي مالك: رَأيتُ أبَا هُريرة أقبَل منَ السُوق وهوَ يحمل حزمة حطَب وهو يَومَئذ خَليفة لمروَان، فَقَالَ: أوْسع الطريق للأمير يا ابن أبي مَالك (¬7)، وفيه أبلغ دلالَة على مَا كانَ عليه الصَّحَابة رضي الله عنهمُ مِنَ التواضع، والتخشُّن والتقلل منَ الدُنيا، وَمُعَاناة الحرَف (¬8) والصَّنَائع وحمل الأشياء (¬9) على رؤوسهم وظهورهم بالأجرة، ومُعانَاتهم الأعَمال الشَّاقة حرْصًا على تَحصيل الحَلال والاستغناء عن الناس. ¬

_ (¬1) في (ص): أجهد لي. والمثبت من (د، س، م، ل). (¬2) ليست في (م). (¬3) في (د، م): بياض قدر كلمتين. (¬4) لم أقف عليه مسندًا، وذكره الغزالي في "إحياء علوم الدين" 3/ 368. (¬5) ليست في (م). (¬6) "إحياء علوم الدين" 3/ 368. (¬7) لم أقف عليه مسندًا، وذكره الغزالي في "إحياء علوم الدين" 3/ 355. (¬8) في (س): الحرب. (¬9) سقط من (ص، س، ل)، والمثبت من (د، م).

(وَكَانَ مَسْجِدُهُمْ) بالمدينَة (¬1) (ضَيِّقًا) على المصَلين فعَن خارجة بن زَيد أحَد فقهاء المدَينَة السَّبعة قالَ: بنى رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- مَسْجده سبعين في ستين ذراعًا، وعرضه مائة وخَمسين ذراعًا (¬2) (¬3). (مُقَارِبَ) بِكَسْر الراء (السَّقْفِ) أي: [قَريب مِنَ سقفه] (¬4) يُقَال: قارَبت الشيء مُقَارَبة فأنا (¬5) مقارِبٌ بكسْر الراء اسْم فاعِل، وروي: مُقارَب السَّقف بفتح الراء. (إِنَّمَا هُوَ عَرِيشٌ) أي: عيدَان تنصَب ويظلل عَلَيهَا. قالَ ابن الأثير: العَريش: مَا يُستظلّ به من سَقف يُعمل عَلى جُذوع ونحوه (¬6)، وفي "صَحيح البخَاري" عَن ابن عُمرَ -رضي الله عنهما- قالَ: كانَ المَسْجد على عهَد رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- مَبنيًا باللبن، وسَقفه الجرَيد، وعمدهُ خَشب النخل فلم يَزد فيه أبو بَكر شَيئًا (¬7). (فَخَرَجَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فِي يَوْمٍ حَارٍّ) بتشديد الراء. (و) قد (عَرِقَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ الصُّوفِ) الذي هُم لابسُوه. (حَتَّى ثَارَتْ) أي: فاحَت (¬8). ¬

_ (¬1) ليست في (م). (¬2) ليست في (د، م). (¬3) ذكره النووي في "المجموع" 8/ 277. (¬4) في (د، م): سقفه قريب منه. (¬5) من (د، س، م، ل). (¬6) "النهاية في غريب الحديث والأثر" (عرش). (¬7) "صحيح البخاري" (446). (¬8) في (د، م): هاجت.

(مِنْهُمْ رِيَاحٌ) جَمع ريح والريح بمَعنى الرائحة وهي عرض يَدرك بحاسة الشَّم مؤنثة (¬1). قال الجَوهري: يُقال: ريح وريحة كما يقال: دَار ودارة (¬2). قالَ في "المُحْكَم" الريحَة: طَائفة مِنَ الريح عَن سيبويه (¬3) (آذَى) بمَد الهمزة. (بِذَلِكَ) أي: بالرائحَة الكريهة. (بَعْضُهُمْ بَعْضًا) وروَاية النسَائي من روَاية القاسِم بن محمد بن (¬4) أبي بكر أنهم ذكروا غسْل يوم الجمُعة عندَ عَائشة، فقالت: إنما كانَ الناس [يسْكنون العالية] (¬5) فَيَحضرونَ الجمعَة وبهم وَسَخ فَإذَا أصابَهم الروح سَطَعَت أروَاحهم (¬6) فيَتأذى بهم (¬7) الناس (¬8). (فَلَمَّا وَجَدَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- تِلْكَ الرِّيحَ قَالَ): يا (¬9) (أَيُّهَا النَّاسُ إِذَا كَانَ) كانَ هُنَا تامة بمَعنى وجِدَ أو حَدَث. (هذا اليَوْمُ) بالرفع أي: مثل هذا اليَوم وهو يوم الجمعة. ¬

_ (¬1) من (د، م). (¬2) "الصحاح في اللغة" (روح). (¬3) "المحكم والمحيط الأعظم" (روح). (¬4) في (ص، س، ل): عن. والمثبت من (د، م). (¬5) في (ص، م): يسكبون الغالية. والمثبت من (د، س، ل). (¬6) في (ص، ل، س): رواحهم. والمثبت من (د، م). (¬7) في (د، م): به. (¬8) "سنن النسائي" 3/ 93. (¬9) ليست في (م).

(فَاغْتَسِلُوا) فيه أمر الإمام الرعية بإزَالة مَا علم أنهم يتأذونَ به، كما يُؤمر الجار بإزالة مَا يحصلُ لَجَاره الضَرر منه من رَائحَة كريهة ونَحوهَا. (وَلْيَمَسَّ) بفتح اليَاء والميم. (أَحَدُكُمْ) أي: قبل أن يأتي إلى الجُمعَة. (أَفْضَلَ مَا يَجِدهُ) يعني (¬1): في بَيته قبل الخَرُوج منه (¬2). (مِنْ دُهْنِهِ) أي: يطلي بالدهن الذي فيه طيب إن كان مَائعًا كالغالية ونحوهَا ويمسَ من (وطِيبِهِ) إن كانَ جَامِدًا وهذِه الروَايَة جَاءت بِوَاو الجَمْع فَيستَعمل منهما ويحتمل أن يَراد بالدهن دهن الشعر ونحوه وهذِه الروَاية مُوضحة لروَاية البخاري بلفظة "أو" الموضوعَةُ في الأصل لأحدهما. قالَ الكرمَاني: وأو في كلام البخَاري لا ينَافي الجمعَ بينهما (¬3). (قَالَ ابن عَبَّاسٍ: ثُمَّ جَاءَ الله) أي: جَاء التوسُّع (¬4) مِنَ الله تعالى (بِالْخَيْرِ) أي: بكثرة الرزق واتسعَت عَليهْم الدُنيَا مِنَ الجِهَاد بكثرة الغنائم والفيء وفتوح المدن والقرى. (وَلَبِسُوا) بِكسْر البَاء (غَيرَ الصُّوفِ) مِنَ الثيَاب الفَاخِرة (وَكُفُوا) بِضَم الكاف والفاء المخففَة، مِنَ (الْعَمَلَ) ممن (¬5) يخدمهم ويكفيهم مؤونته بما ¬

_ (¬1) ليست في (م). (¬2) ليست في (م). (¬3) "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" 6/ 252. (¬4) في (م): التوسيع. (¬5) في (ص، ل): فمن. والمثبت من (د، س، م).

فتح الله تعالىَ عليهم (¬1). (وَوسِّعَ) بضَم الوَاو الثانية مَبْني للمفعُول. (مَسْجِدُهُمْ) بما زادَ فيه عمر -رضي الله عنه-، لكنَّهُ بنَاهُ على بُنيَانه (¬2) في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- باللبن والجَريد، وأعَادَ عُمُدَه خَشَبًا، ثم غَيرهُ عُثمانُ فزادَ فيه زيَادَة كثيرة (¬3) وبنى جَدَارهُ بالحجَارة المنقوشة والقصة (¬4) وجَعَل عُمُدَهُ مِنْ حجَارة مَنقوشة، وسَقفهُ بالسَّاج هذا لفظ روَاية البخاري (¬5) والقصة (¬6) بفتح القاف (¬7) وتشديد الصَّاد المُهملَة هي الجصّ، ثمُ زَادَ فيه الوليد بن عَبدِ الملك فجعَل طولَه مائتي ذراع، ثم زادَ فيه المهْديُّ مائة ذرَاع مِنْ جهَة الشام فَقَط دُونَ الجهَات الثلاثة. (وَذَهَبَ بَعْضُ الذِي كَانَ يُؤْذِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنَ العَرَقِ) (¬8) (¬9) والمعنى: أن إيجَاب (¬10) غسْل الجُمعَة لعلة الأذى الذي كانَ حَصَل ¬

_ (¬1) من (د، م). (¬2) في (م): بنائه. (¬3) في (د): كبيرة. (¬4) في (ص): الفصة. والمثبت من (د، س، م، ل). (¬5) "صحيح البخاري" (446). (¬6) في (ص): الفصة. والمثبت من (د، س، م، ل). (¬7) في (ص): الفاء. والمثبت من (د، م، ل). (¬8) سقطت من (ص). والمثبت من (د، س، م، ل). (¬9) وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 116، وقال الحافظ في "الفتح" 2/ 422: إسناده حسن، لكن الثابت عن ابن عباس خلافه. وحسنه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (380). (¬10) في (ص): استحباب. والمثبت من (د، س، م، ل).

على ما تقدم، فإذا انتفت العلة انتَفى المَعْلُول وسَقط الوجوب بسُقوط التأذي، وإذا سَقَط الوجوب بقي (¬1) الاستحباب كما في صَوم عَاشوراء وغَيره، وارتفع حُكم الوجُوبِ لارتفاع علَّتِه، لا لنَسخ الحكم. قال القرطبي: الفرق بَينَ رفع الحكم بالنَسخ وَرفعه لارتفَاع علته أن المرفوع بالنَسخ لا يحكم به أبدًا والمرفوع لارتفاع علته يعود الحكم لعود (¬2) العلة انتهى (¬3). وعلى هذا؛ فلو وَجدَ نظير الأذى المذكور في الحَدِيث أو أعلى منه، وحَصَل للمصلين المشقة بسببه (¬4)؛ لتعين الاغتسال وتأكد أمره، كما فعل النَّبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي هذا الحَديث دَليل لمسألة (¬5) أصُولية وهي (¬6) أنَّ الشَّرع يُراعي المصَالح، حَتى ادَّعى بَعضهم أن الشارع مَهما حَكَمَ إنما يحكم بمَصلحة (¬7)، ثم قد يجدون في كلام الشارع مَا يدل عَلى المصْلحة وقد لا يجدون فيسبرون أوصَاف المحَل الذي حكم فيه الشارع، فيَقولون ليسَ في أوصَافه مَا يصلح للاعتبار إلا هذا فتعَين (¬8) ومحَل هذا أصُول الفقه. ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): في. والمثبت من (د، م). (¬2) في (ص، س، ل): بعود. والمثبت من (د، م). (¬3) "الجامع لأحكام القرآن" 12/ 48. (¬4) في (ص، ل): بسنته. والمثبت من (د، س، م). (¬5) في (ص): بمسألة. والمثبت من (د، م). (¬6) في (د): وهو. (¬7) في (د، م): لمصلحة. (¬8) في (م): فتعتبر.

[354] (ثَنَا أَبُو الوَلِيدِ) هشام بن عَبد الملك (الطَّيَالِسِيُّ) شيخ البخَاري (ثَنَا هَمَّامٌ) ابن يحيى بن دينار العوذي، وعوذ هو ابن الحجر ابن عمْران بن عَامِر أخرجَ له [البُخَاري وغَيره] (¬1). (عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ) بن جندب -رضي الله عنه- (قَالَ: قال (¬2) رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: مَنْ تَوَضَّأَ) قالَ في "الإلمام" من حمل روَاية الحَسَن عن سَمرة على الاتصَال يصحح هذا الحَديث (¬3). وهوَ مَذهَب علي بن المديني كما نَقَلَهُ عنهُ الترمذي والبخاري والحَاكم وغَيرهم (¬4)، وقيل لم يسْمع منه شيئًا (¬5) أصْلًا إنما يحدث من كتابه. ([يوم الجمعة] (¬6) فبها) أي: فَبالسُّنة (¬7) [أو بالشريعة] (¬8) أخذ. (وَنِعْمَتْ) إنما ظهَرَت [تاء التأنيث] (¬9) لإضمار السُّنة، وقيلَ تقديره ونعمت الخصلة. وقال أبو حامد الشاركي (¬10): ونعمت الرخصة، قال: لأن السُّنة الغسْل، وقال بَعضهمُ مَعْنَاه: فبالفريضَة أخذ ونعمت ¬

_ (¬1) في (د، م): الشيخان وغيرهما. (¬2) من (د). (¬3) "الإلمام بأحاديث الأحكام" لابن دقيق العيد 1/ 98. (¬4) "التلخيص الحبير" 2/ 164. (¬5) في (ص، س، م، ل): شيء. والمثبت من (د). (¬6) من (د). (¬7) في (م): فبالسند. (¬8) من (د، م). (¬9) في (س): بالتأنيث. (¬10) في (ص): البتاركي.

الفَريضَة (¬1). قال ابن الأثير: البَاء في قوله: فبها متعلقة بفعل مُضمر أي: فبهذه الفعلة أو الخصلة يَعْني الوضوء (¬2) ينال (¬3) الفضل (¬4) ونعمت الخصلة هي فحذف المخصُوص بالمدَح. (وَمَنِ اغْتَسَلَ) للجُمعَة (فَهُوَ أَفْضَلُ) (¬5) وهذا مِن أدلة عَدَم الوجُوب ومن أقوى مَا يَستدل به مَا روَاهُ مُسْلم عَقب أحَاديث الأمر بالغسْل عَن أبي هُريرَة مرفوعًا "مَن توضأ فأحسَن الوضوء، ثمَّ أتى الجُمُعَة فاستمعَ وأنصت غفر الله (¬6) له مَا بيَن الجمعة والجمعة وزيادَة ثلاثة أيام" (¬7) والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) "التلخيص الحبير" 2/ 167. (¬2) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 5/ 83. (¬3) في (ص): يقال. والمثبت من (د، م). (¬4) سقطت من كافة النسخ. والمثبت من "النهاية" لابن الأثير. (¬5) أخرجه الترمذي (497)، والنسائي 3/ 94، وابن خزيمة في "صحيحه" (1757)، وأحمد 5/ 8، والدارمي (1540) قال الترمذي: حسن، وقال النسائي: لم يسمع الحسن من سمرة إلا حديث العقيقة. وأعله البخاري في "علل الترمذي" (141) برواية سعيد بن أبي عروبة، وأبان بن يزيد، عن الحسن، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإنهما لم يذكرا سمرة. لكن صحح أبو حاتم الروايتان كما في علل ابنه (575). وحسنه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (381). (¬6) من (د). (¬7) "صحيح مسلم" (857) (27).

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

شَرْحُ سُنَنِ أَبِي دَاوُد لِابْنِ رَسْلَان [3]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ جميعُ الحقوقِ مَحْفوظَة لِدَارِ الفَلَاحِ وَلَا يجوز نشر هَذَا الْكتاب بِأَيّ صِيغَة أَو تَصْوِيره PDF إِلَّا بِإِذن خطي من صَاحب الدَّار الْأُسْتَاذ/ خَالِد الرَّباط الطَّبْعَةُ الأُولَى 1437 هـ - 2016 م رَقم الْإِيدَاع بدَارِ الكتُب 17164/ 2015 دَارُ الفَلَاحِ لِلبحثِ العِلمي وتَحْقِيق التُّرَاثِ 18 شَارِع أحمس - حَيّ الجامعة - الفيوم ت: 01000059200 [email protected] تطلب منشوراتنا من: • دَار الْعلم - بلبيس - الشرقية - مصر • دَار الأفهام - الرياض • دَار كنوز إشبيليا - الرياض • مكتبة وتسجيلات ابْن الْقيم الإسلامية - أَبُو ظَبْي • دَار ابْن حزم - بيروت • دَار المحسن - الجزائر • دَار الْإِرْشَاد - استانبول • دَارُ الفَلَاحِ - الفيوم

132 - باب في الرجل يسلم فيؤمر بالغسل

132 - باب فِي الرَّجُلِ يسْلِمُ فَيُؤْمَرُ بِالغُسْلِ 355 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ العَبْدِيُّ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، حَدَّثَنا الأَغَرُّ، عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ جَدِّهِ قَيْسِ بْنِ عاصِمٍ قالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أُرِيدُ الإِسْلامَ فَأَمَرَنِي أَنْ أَغْتَسِلَ بِماءٍ وَسِدْرٍ (¬1). 356 - حَدَّثَنا مَخْلَدُ بْن خالِدٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا ابن جُرَيْجٍ قالَ: أُخْبِرْتُ، عَنْ عُثَيْمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ جاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقالَ قَدْ أَسْلَمْتُ. فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الكُفْرِ". يَقُولُ احْلِقْ. قالَ وَأَخْبَرَنِي آخَرُ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قالَ لآخَرَ مَعَهُ: "أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الكُفْرِ واخْتَتِنْ" (¬2). * * * باب في الرجل يسلم فيؤمر بالغسل [355] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كًثِيرٍ العَبْدِيُّ، عَن سُفْيَان، ثَنَا الأَغَرُّ) (¬3) بفتح الهَمزَة والغَين المُعجمة ابن الصّباح المنقري ثقة (عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ حُصَيْنٍ) (¬4) بن قيس وثقهُ النسَائي (¬5) (عَنْ جَدِّهِ قَيسِ بْنِ عَاصِمٍ) بن سنَان المنقري التميمي (قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-) وكانَ قدم على النَّبي -صلى الله عليه وسلم- ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (605)، والنسائي 1/ 109، وأحمد 5/ 61، وابن خزيمة (254، 255)، وابن حبان (1240). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (382). (¬2) رواه أحمد 3/ 415. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (383). (¬3) كتب فوقها في (د): د س. (¬4) كتب فوقها في (د): ع. (¬5) "الكاشف" (1408).

في وَفد بني (¬1) تميم في سنةٍ تسع، فلما رَآهُ رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: "هذا سَيّدُ أهِل الوبر" (¬2) وكانَ عَاقلًا حَليمًا، قيلَ للأحنَف بن قَيس ممن تعلمتَ الحلم؟ قال: مِن قيس بن عاصم رَأيته يَومًا قاعِدًا بفناء دَاره محتَبيًا بحمائل سَيفه يُحدِّث قَومِه حَتى أتى بَرجُل مَكتُوف وآخَر مَقتول، فقيل لَهُ: هذا ابن أخيك قتل ابنك، قالَ فوالله مَا حَل حَبْوته ولا قطع كلامَه فلما أتمه التفتَ إلى ابن أخيه، فقال: يا ابن أخي بئس مَا فعَلت؛ أثّمتَ بربِّك (¬3) وقطعت رَحمك، وقَتَلتَ ابن عمك، ورَمَيت نَفْسك بِسَهْمك، ثم قال لابن لهُ آخر: قُم يا بني فوارِ أخاك وحُلَّ كتافَ ابن عَمك، وسُق إلى أمك مائةَ ناقة ديةَ ابنها فإنها غريبَة، وكانَ قَدْ حَرَمَ عَلى نفَسه الخَمر في الجَاهلية (¬4). (أُرِيدُ الإِسْلَامَ) يحتَمل أن يقال في تقديره: أريدُ أن أجَدد الإسلام عَلى يَدك، فإنَّ الكافر لا يؤَخَّرُ إسْلامه إلى أن يغتسل، بل يسْلم ثم يغتسل ولا يصح الغسْل من كافِر. (فَأَمَرَنِي) أي: بَعد أن أسْلمتُ (أن اغتسل) فيه أن الكافِر إذا أسلم وقد جَامَع أو احتلم في الكُفر فهوَ جُنب والغسْل عَليه وَاجب، فإن اغتسَل في الكفر لم يَصح غسْله كما تقدم؛ لأن الغسْل يحتَاج إلى النية، والنية عبَادَة ¬

_ (¬1) ليست في (د، م). (¬2) أخرجه الحاكم في "المستدرك" 3/ 611 بلفظه، وهو عند البخاري في "الأدب المفرد" (953) مطولا، وحسنه الألباني لغيره. (¬3) في (ص): بدنك. والمثبت من (د، م). (¬4) "أسد الغابة" 2/ 421.

والعبَادَة لا تصح منَ الكُفَّار (¬1)، وعند أبي حنيفة (¬2) يكفيه اغتسَاله في حَال الكُفر وفيه قول للشافعي (¬3). فأمَّا إذا اسْلم الكافر ولم يَكُن جُنبًا بأن بلغ بالسّن ولم يجَامع ولم يحتلم فاغتسَاله سُنة لتطهيره مِنَ النجَاسَة المحتَملة على أعضَائه ومن الوَسَخ والرائحَة الكريهَة وعندَ مَالك (¬4) وأحمد (¬5) يجبُ عليه الغسْل وإن لم يكن جنبًا. (بِمَاءٍ وَسِدْرٍ) (¬6) فالسِّدر لزيَادَة التنظيف؛ لأن السِّدر والخطمي ونَحوهما يطيبَان الجَسَد، وهذا إَذا جَعَلَ السِّدر في الماء ولم يتَغَير الماء، فإن تغَير فَيَصُب الماء المتَغَير عَلى جَسَده للتنظيف ثم يَصُبّ الماء الصَّافي عَلى جَسَده ليصح اغتسَاله. وقال الترمذي: بَعْدَ مَا رَوَاهُ والعَمل عَليه عندَ أهل العلم يسْتحبونَ للرَّجُل إذا أسْلم أن يغتسل ويغسل ثيابه (¬7). [356] (ثَنَا مَخْلَدُ بْنُ خَالِدٍ) العَسْقَلاني نزيل طرسُوس شَيخ مُسْلم (ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ) (¬8) ابن همام (أَنَا) عَبد الملك (ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أُخْبِرْتُ) بِضَم الهَمزة (عَنْ عُثَيمِ) بِضَم العَين المهملة ثم ثاء مثَلثة بلفظ التصغير تَصغير ¬

_ (¬1) في (د، م): الكافر. (¬2) "مرقاة المفاتيح" 2/ 478. باب الغسل المسنون. (¬3) "الحاوي الكبير" 1/ 98. (¬4) "المدونة" 1/ 140. (¬5) "المغني" 1/ 274. (¬6) أخرجه الترمذي (6005)، والنسائي 1/ 109، وابن خزيمة (254)، وأحمد 5/ 61. قال الترمذي: حسن. وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (382). (¬7) "سنن الترمذي" (605). (¬8) كتب فوقها في (د): ع.

عُثمان ([بْنِ كُلَيْب، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ]). قال ابن القطان: هُوَ عُثَيم ابن كثير بن كليب والصحَابي هو كليب وإنما نسبَ عثيم في الإسناد إلى جَده (¬1). قال ابن حجر: وقد وقع مَبينًا (¬2) في روَاية الوَاقدي أخرجه ابن منده في "المعرفة"، وقالَ ابن عَدي (¬3) الذي (¬4) أخبرَ ابن جريج به هوَ إبرَاهيم بن أبي يحيى (¬5) وقالَ عبد الرحمن بن أبي حَاتم: كليب والد عثيم بصري روى عن أبيه مُرسَل (¬6). (أَنَّهُ جَاءَ) إِلَى (النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ) له (قَدْ أَسْلَمْتُ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: أَلْقِ) بفتح هَمزَة القطع (عَنْكَ شَعْرَ الكُفْرِ) اسْتدل به عَلى اسْتحباب إزالة شَعر الكُفر بِحَلق أو قص أو نورَة أو غَير ذَلك، والأفضَل الحلق والحَديث حجة للاستحباب، فإنَّ أقل مَراتب الأمر الاستحبَاب (¬7) وكما يُستحب إزالة شعر الرأس، يُستَحب إزَالة شَعر العَانَة، والإبط، وقص الشارب، وتقليم الظفر، وغسْل ثيَاب الكفر كما تقدم عن الترمذي، ومَا باشرَ جَسَده أولى بالغسْل مما لم يُبَاشر، ولم أرَ لأصحَابنَا ذكر ¬

_ (¬1) انظر: "بيان الوهم والإيهام" 3/ 43، "التلخيص الحبير" 4/ 223 - والكلام لابن حجر. (¬2) في (د، م): مثبتًا. (¬3) "الكامل" 1/ 222. (¬4) ليست في (م). (¬5) "التلخيص الحبير" 4/ 223. (¬6) "الجرح والتعديل" (951). (¬7) في (ص، س): للاستحباب. والمثبت من (د، م، ل).

هذِه المَسْألة مع الاستعَجال. (يَقُولُ) معنى ألق (احْلِقْ) الشعر. (قَالَ) ابن جريج: (وَأَخْبَرَنِي آخَرُ (¬1) أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لآخَرَ مَعَهُ: أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الكُفْر واختتنِ) (¬2) فيه أنه يستحب للكافر إذا أسلم أن يحلق عنه شعر الكفر كما تقدم سواء كان الكافر أصليًا أو مرتدًا وسواء أزال الشعر قبل إسلامه أو لم يزله، فإن اسلم ولم يكن له شعر، استحب إمرار الموسى عليه كما في الحج] (¬3) الأمر به يقتضي وجُوب الختان وهو قول الجمهُور، وكانَ ابن عَباس يُشَدد في أمره فيَقول: لا حَج له ولا صَلاةَ إذا لم يَختَتن (¬4)، والحسَن يرخص فيه ويَقول إذا أسلم لا يبالي أن لا يختتن [قد أسلم] (¬5) الناس فَلم يفتشوا (¬6) ولم يختتنوا (¬7)، والمذهَب وجُوبه إن أمِنَ على نفسه منَ (¬8) الهلاك للأمر به، وقد اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن ثمانين سَنة، والأمر يَعمُّ المرأةَ إِذا أسْلمت. * * * ¬

_ (¬1) ليست في (م). (¬2) أخرجه أحمد في "مسنده" 3/ 415. وحسنه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (383). (¬3) تأخرت في (ص، س، ل). فجاءت في آخر الباب. وأثبتها هنا كما في (د، م). (¬4) "مصنف عبد الرزاق" (20248) بلفظ: لا تقبل صلاة رجل لم يختتن. (¬5) في (م): ورأيت. (¬6) في (ص): يغتسلوا. والمثبت من (د، م). (¬7) انظر: "المغني" 1/ 115. (¬8) ليست في (م).

133 - باب المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها

133 - باب المَرْأَةِ تغْسِلُ ثوْبَها الذِي تَلْبسُهُ فِي حَيْضِها 357 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْن عَبْدِ الوارِثِ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَتْنِي أُمُّ الحَسَنِ -يَعْنِي جَدَّةَ أَبِي بَكْرٍ العَدَوِيِّ- عَنْ مُعاذَةَ قالَتْ: سَأَلْتُ عائِشَةَ -رضي الله عنها- عَنِ الحائِضِ يُصِيبُ ثَوْبَها الدَّمُ. قالَتْ: تَغْسِلُهُ فَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ أثَرُهُ فَلْتُغَيِّرْة بِشَيْءٍ مِنَ صُفْرَةٍ. قالَتْ: وَلَقَدْ كُنْتُ أَحيضُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ثلاثَ حيَضٍ جَمِيعًا لا أَغْسِلُ لِي ثَوْبًا (¬1). 358 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْن كَثِيرٍ العَبْدِيُّ، أَخْبَرَنا إِبْراهِيمُ بْن نافِعٍ قالَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ -يَعْنِي ابن مُسْلِمٍ- يَذْكُرُ، عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: قالَتْ عائِشَة: ما كانَ لإِحْدانا إلَّا ثَوْبٌ واحدٌ تَحيضُ فِيهِ فَإِنْ أَصابَهُ شَيْءٌ مِنْ دَمٍ بَلَّتْهُ بِرِيقِها ثُمَّ قَصَعَتْهُ بِرِيقِها (¬2). 359 - حَدَّثَنا يَعْقُوبُ بْن إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ -يَعْنِي ابن مَهْدِيٍّ- حَدَّثَنا بَكّارُ بْن يَحْيَى حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي قالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَسَأَلتْها امْرَأةٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَنِ الصَّلاةِ فِي ثَوْبِ الحائِضِ فَقالَتْ أُمّ سَلَمَةَ قَدْ كانَ يُصِيبُنا الحَيْضُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَتَلْبَثُ إِحْدانا أَيّامَ حَيْضِها ثُمَّ تَطْهُرُ فَتَنْظُرُ الثَّوْبَ الذِي كانَتْ تَقْلِبُ فِيهِ فَإِنْ أَصابَهُ دَمٌ غَسَلْناهُ وَصَلَّيْنا فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكنْ أَصابَهُ شَيْءٌ تَرَكْناهُ وَلَمْ يَمْنَعْنا ذَلِكَ مِنْ أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِ وَأَمّا المُمْتَشِطَة فَكانَتْ إِحْدانا تَكُون مُمْتَشِطَةً فَإِذا اغْتَسَلَتْ لَمْ تَنْقُضْ ذَلِكَ وَلَكِنَّها تَحْفِنُ عَلَى رَأْسِها ثَلاثَ حَفَناتٍ فَإِذا رَأَتِ البَلَلَ في أُصُولِ الشَّعْرِ دَلَكتْهُ ثمَّ أَفاضَتْ عَلَى سائِرِ جَسَدِها (¬3). 360 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ محَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 250. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (384). (¬2) رواه البخاري (312). وانظر ما سيأتي برقم (364). (¬3) رواه البيهقي 1/ 182، 2/ 407، وابن المنذر في "الأوسط" 2/ 147. والقطعة الثانية منه سلف نحوها بإسناد صحيح برقم (251). وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (60).

إِسْحاقَ، عَنْ فاطِمَةَ بِنْتِ المُنْذِرِ، عَنْ أَسْماءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قالَتْ: سَمِعْتُ امْرَأةً تَسْأَلُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كيْفَ تَصْنَعُ إِحْدانا بِثَوْبِها إِذا رَأَتِ الطُّهْرَ أَتُصَلِّي فِيهِ قالَ: "تَنْظُرُ فَإِنْ رَأَتْ فِيهِ دَمًا فَلْتَقْرُصْهُ بشَيْءٍ مِنْ ماءٍ وَلْتَنْضَحْ ما لَمْ تَرَ وَلْتُصَلِّي فِيهِ" (¬1). 361 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ فاطِمَةَ بِنْتِ المُنْذِرِ، عَنْ أَسْماءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّها قالَتْ: سَأَلتِ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فقالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إِحْدانا إِذا أَصابَ ثَوْبَها الدَّمُ مِنَ الحَيْضَةِ كيْفَ تَصْنَعُ قالَ: "إِذا أَصابَ إِحْداكُنَّ الدَّمُ مِنَ الحَيْضِ فَلْتَقْرِصْهُ ثُمَّ لْتَنْضَحْهُ بِالماءِ ثُمَّ لْتُصَلِّي" (¬2). 362 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا حَمّادٌ ح، وحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عِيسَى بْن يُونُسَ ح، وحَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ -يَعْنِي ابن سَلَمَةَ- عَنْ هِشام بهذا الْمَعْنَى قالَ: "حُتِّيهِ ثُمَّ اقْرُصِيهِ بِالماءِ ثُمَّ انْضَحيهِ" (¬3). 363 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى -يَعْنِي ابن سَعِيدٍ القَطّانَ- عَنْ سُفْيانَ حَدَّثَنِي ثابِتٌ الحَدّادُ حَدَّثَنِي عَدِيُّ بْنُ دِينارٍ قالَ: سَمِعْتُ أُمَّ قَيْسٍ بِنْتَ مِحْصَنٍ تَقُولُ سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ دَمِ الحَيْضِ يَكُونُ فِي الثَّوْبِ قالَ: "حُكِّيهِ بِضِلْعٍ واغْسِلِيهِ بِماءٍ وَسِدْرٍ" (¬4). 364 - حَدَّثَنا النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ ابن أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطاءٍ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: قَدْ كانَ يَكُونُ لإِحْدانا الدِّرْعُ فِيهِ تَحيضُ وَفِيهِ تُصِيبُها الجَنابَة ثمَّ تَرَى فِيهِ قَطْرَةً مِنْ دَمٍ فَتَقْصَعُهُ بِرِيقِها (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (227)، ومسلم (291). وانظر ما بعده. (¬2) انظر السابق، وما بعده. (¬3) انظر الحديثين السابقين. (¬4) رواه النسائي 1/ 154، 195، وابن ماجه (628)، وأحمد 6/ 355، 356، وابن خزيمة (277)، وابن حبان (1365). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (389). (¬5) سلف برقم (358). وهو صحيح.

365 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ، أَخْبَرَنا ابن لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ خَوْلَةَ بِنْتَ يَسارٍ أَتَتِ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ لَيْسَ لِي إلَّا ثَوْبٌ واحدٌ وَأَنا أَحيضُ فِيهِ فَكَيْفَ أَصْنَعُ قالَ: "إِذا طَهُرْتِ فاغْسِلِيهِ ثُمَّ صَلِّي فِيهِ". فَقالَتْ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجِ الدَّمُ قالَ: "يَكْفِيكِ غَسْلُ الدَّمِ وَلا يَضُرُّكِ أَثَرُهُ" (¬1). * * * باب في المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها [357] (ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) بن كثير مَولى عَبد القيس المعروف بالدورقي أخو يَعقوب بن إبَراهيم، وكانَ أصغَر مِن يَعْقوب بِسَنَتَين شَيخ مُسْلم. (ثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الوَارِثِ) ابن سَعيد التنوري، أخرجَ له فسْلم (حَدَّثَنِي أَبِي) عَبد الوَارث بن سَعيد بن ذكوان التميمي مولَاهم أخرج له مُسْلم. (قَالَ حَدَّثَتْنِي أُمُّ الحَسَنِ) لا تعرف إلا بكنيتها، المجَاشعية (¬3) (يعني (¬4) جَدَّةَ أَبِي بَكْرٍ) ابن محمد بن زيد (الْعَدَوِيِّ (¬5) عَنْ مُعَاذَةَ) بِضَم الميم العَدَوية أم الصَّهباء. ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 364، 380. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (391). (2) من (س، ل). (¬3) كذا في جميع الأصول. وليست هي المجاشعية، فقد خلط الشارح بينها، وبين أم الحسن عمة غبطة بن عمرو المجاشعية؛ فالأولى عدوية. والآخرة مجاشعية. (¬4) من (د، م). وترك قبلها بياضًا قدر كلمتين في (د). (¬5) في (م): العدول. وترك بعدها بياضًا في (د) قدر كلمتين.

(قَالَتْ سَأَلْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- عَنِ الحَائِضِ يُصِيبُ ثَوْبَهَا الدَّمُ) مِنَ الحَيض. (قَالَتْ تَغْسِلُهُ) بالماء ليَذهب أثره. (وِإنْ لَمْ يَذْهَبْ أَثَرُهُ فَلْتُغَيِّرْهُ بِشَيْءٍ مِنَ صُفْرَةٍ) أي: كزَعفَران ونحَوه. ورَواية الدارمي في "مسنده" عَن معَاذة، عن عَائشة -رضي الله عنها- بلفظ: إذا غسَلت الدم فَلمْ يذهَب فَلتغَيرهُ بزَعفران أو صفرة (¬1). ليَذهب لون الدم لأنه مُسْتقذر، وَرُبَما نَسبهَا مَن رَآهُ إلى تقصير في إزَالَتِهِ، وهذا التغيير بعدمَا تجتهد في إزالة أثره بالحت والقرص فإن بالغَت في إزَالة (¬2) ذلكَ ولم يُزل لَونه طَهُر على المذهَب (¬3). وفي "التتمة" وجه أنه يكون نجسًا معفوًا عنه، وليسَ بِشيء، وفيه دليل على أن بقاء أثر نجاسَة الدم الذي عَسر زَوَاله لا يضرُ، لما رَوى البَيهقي عَنْ خولة بنت يسَار قالت: يَا رسُول الله أرأيت لو بقى أثر؟ فقالَ [رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-] (¬4): "الماء يكفيك ولا يَضر (¬5) أثره" (¬6) وإن استعملت في إزَالتِهِ شيئا يزيلهُ كالملح وغَيره فحسَن. (¬7) (وقَالَتْ: وَلَقَدْ كنْتُ أَحيضُ عِنْدَ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- ثَلَاثَ حيَضٍ) ¬

_ (¬1) "سنن الدارمي" (1011). (¬2) ليست في (د، م، ل). (¬3) انظر: "حاشية البجيرمي على الخطيب" 1/ 469. (¬4) سقطت من (م). (¬5) في (د، م): يضرك. (¬6) "السنن الكبرى" للبيهقي 2/ 408، وضعفه البيهقي وقال: تفرد به ابن لهيعة. وصححه الألباني في "الإرواء" (168). (¬7) زاد هنا في (ص، س، ل): وقالت لقد نسخة.

بكَسْر الحَاء وفتح اليَاء جمع حيضة كَضيْعَة وضيع وخَيْمة وَخِيَم، ومثله (¬1) من ذوات الوَاو دَولة ودُول، ومنَ الصَّحيح: بِذرة وبِذَر. (جَمِيعًا لَا أَغْسِلُ لِي ثَوْبًا) (¬2) وأُصَلي فيه، وفيه دَليل على أن مَا الأصل فيه الطهَارة باق على طَهَارَته حَتى يَظهرَ فيه نجاسَة فيجبُ غسْلهَا. [358] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كثِيرٍ) (¬3) العَبْدِيُّ شيخ البخاري، وهوَ بَصْري (ثنا إِبْرَاهِيمُ (¬4) بْنُ نَافِعٍ) المخزُومي (قَالَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بْنَ مُسْلِمٍ) بن يناق أخرجَ لهُ الشَيخان (يَذْكُرُ عَنْ مُجَاهِدِ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ). قال يحيى بن سَعيد القطان وغير وَاحد مِنَ الحفاظ: لم يسمع مجاهد من (¬5) عَائشة (¬6)، وقد أخرج البخاري ومُسلم أحَاديث من روَاية مجَاهد عَن عَائشة (¬7). (مَا كانَ لإِحْدَانَا) أي: إحْدَى زَوجَات النَّبي -صلى الله عليه وسلم- (إلا ثَوْبٌ وَاحدٌ) استدل به البخاري على أن المرأة تصَلي في الثوب الذي حَاضت فيه، وَبَوَّبَ عليه: بَاب هَل تصَلي المرأة في ثوب حَاضَت فيه (¬8) لأن مَن لم ¬

_ (¬1) في (ص): وصلة. والمثبت من (د، س، م، ل). (¬2) أخرجه أحمد في "مسنده" 6/ 250، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (384). (¬3) كتب فوقها في (د): ع. (¬4) كتب فوقها في (د): ع. (¬5) في (ص، ل): عن. والمثبت من (د، س، م). (¬6) "المراسيل" لابن أبي حاتم (747). (¬7) منها هذا الحديث الذي معنا من رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد، أخرجه البخاري (312). (¬8) انظر تبويب البخاري قبل حديث (312).

يكنُ لها (¬1) إلا ثوب وَاحد (تَحيضُ فِيهِ) فمنَ المعلوم أنها تصَلِّي فيه بعد تطهيره. (فَإنْ أَصَابَهُ) كذَا لفظ البخَاري (¬2)، وفي بَعض: فإن أصَابهَا (شَيْءٌ من دم (¬3) بَلَّتْهُ بِرِيقِهَا) ليعين على قطع (¬4) النجاسَة. (ثُمَّ قَصَعَتْهُ) بفتح القاف والصَّاد والعَين المُهملتَين أيْ: دَلكته وحركته وعركته بظفرها، والمراد المُبَالغَة في الحكّ، ومنهُ (¬5) قصع القملة، وروَاية البخَاري (¬6): فمصَعتهُ (¬7) بالميم بدَل القَاف أي: حَركته وفركتهُ بظفرهَا. (بِرِيقِهَا) (¬8) روَاية البخَاري: فمصَعته بظفرهَا (¬9)، فيَحتمل أنَّ المُراد فقصَعته بالظفر مَعَ ريقها، والمعنى أنها تفعل ذَلك أوَّلًا ثم تغسلهُ بالماء، وحَملهُ بَعضهم عَلى أن المراد بهذا الدم دَم يَسير يعفى عن مثله، والتوجيه الأول أقوى. [359] (ثَنَا يَعْقُوبُ (¬10) بْنُ إِبْرَاهِيمَ) بن كثير الدورقي الحَافظ (ثَنَا عَبْدُ ¬

_ (¬1) في (ص): بها. والمثبت من (د، س، م، ل). (¬2) "صحيح البخاري" (312). (¬3) من (د، س، م، ل). (¬4) في (د، م): قلع. (¬5) في (م): منع. (¬6) "فتح الباري" 1/ 492، وفي بعض روايات البخاري: فقصعته. (¬7) في (ص): مصعته، والمثبت من (د، م). (¬8) أخرجه البخاري (312) من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد به. (¬9) "فتح الباري" 1/ 492، وفي بعض روايات البخاري: فقصعته. (¬10) كتب فوقها في (د): ع.

الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ، ثَنَا بَكَّارُ بْنُ يَحْيَى) وهو مجهُول قال (حَدَّثَتْنِي (¬1) جدتي) (¬2) (¬3) مَجهُولة (قَالَتْ دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ) هند بنت أبي أُمية زَوج النَّبي -صلى الله عليه وسلم-. (فَسَأَلَتْهَا) بإسْكان التاء (امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ) فيه سُؤال امَرأةٍ العَالمَ عن الأحكام التي تتعلق بالنسَاء في حَيضهن وغَيره (عَنِ الصَّلاةِ فِي ثَوْبِ الحَائِضِ) هَل تَصح أم لا؟ (فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها- قَدْ كَانَ يُصِيبُنَا الحَيضُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- فَتَلْبَثُ) بفتح البَاء الموَحَّدة (إِحْدَانَا) إحدَى زَوجَات النَّبي -صلى الله عليه وسلم- وغيرهن. (أَيَّامَ حَيْضِهَا) لا تصَلي (ثُمَّ تَطْهُرُ) مِنَ الحَيض. (فَتَنْظُرُ الثَّوْبَ الذِي كَانَتْ تقلِّبُ فِيهِ) أي: في أيام حَيضها، وأصله تتقلب فحذفت إحدى (¬4): التاءين تخفيفًا (فَإِنْ أَصَابَهُ دَمٌ). مِنْ حَيضها (غَسَلْنَاهَ) (¬5) أي: [بالحت والقَرص] (¬6) كما مَضَى، وسَيَأتي: حَتى لا يبقى فيه [من الدم] (¬7) إلا أثر عسر زَوَالُه (وَصَلَّيْنَا فِيهِ) وقولهَا غسَلناه (¬8) أي: غسَلنا الموضع الذي أصابهُ الدم لا أنها تغسل الجَميع. (وِإنْ لَمْ يَكُنْ أَصَابَهُ) [مِنَ الدَم. ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): حدثني. والمثبت من (د، م). (¬2) من (د، م، ل). (¬3) أقحم هنا في جميع النسخ قوله: أم سلمة، وجدة بكار بن يحيى هذه مجهولة ولم يسمها أحد بأم سلمة ولا بغيره. (¬4) في (ص): أي. والمثبت من (د، س، م، ل). (¬5) في (ص، س، ل): غسلناها. والمثبت من (د، م). (¬6) في (ص، س): بالحت والقرض. والمثبت من (د، م، ل). (¬7) من (د). وفي (م): من. (¬8) في (ص، س، ل): غسلناها. والمثبت من (د، م).

(شَيْءٌ] (¬1) تَرَكنَاهُ) بلا غسْل. (وَلَمْ يَمْنَعْنَا ذَلِكَ من (¬2) أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِ) هَكذَا كانت الصَّحَابة رضي الله عنهم يَفعَلون فلا يتَوسْوَسُون في تركهم الصَّلاة [في الثيَاب] (¬3) التي باشروا فيها النجاسَة كالجزارة وغَيرها، بخلاف كثيرٍ من مُتفقهة هذا الزمَان، وَمتصوفته فإنهمُ (¬4) لا يُصَلون في مثل هذِه الثياب حَتى يغسلوها لما يتوهمون (¬5) مِنَ النجاسَة، وقد كانَ النبي -صلى الله عليه وسلم- يلبس الثياب التي نَسَجهَا المشركونَ (¬6)، ويصلى فيها من غَير أن يغَسلها، وهَمَّ عُمرُ بن الخَطَّابِ أن ينهى عن ثيابٍ بَلَغهُ أنها تصبغ (¬7) بالبَول. فقال له أُبَيُّ: مَا لك تَنْهَى عنها وإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لبسهَا ولبست في زمَانه. ولو علم اللهُ أنها حَرَام لبَينه لرُسوله قال: صَدَقت (¬8)، ولما قدم عمر الجابية استعَار ثوبًا من نصراني فلبسَهُ حَتى ¬

_ (¬1) في (س، ل): شيء من الدم. (¬2) من (د). (¬3) في (د): في ثيابهم. وسقط من (م). (¬4) في (د): لأنهم. (¬5) في (د، م): يتوهموه. (¬6) من ذلك الحديث الذي بوب عليه البخاري باب الصلاة في الجبة الشامية رقم (363) وهو حديث المغيرة -رضي الله عنه- قال كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر .... وعليه جبة شامية. وكانت الشام إذ ذاك بلاد كفر لم تفتح بعد. (¬7) في (ص): تصنع. والمثبت من (د، م، ل). وفي (س): رضيع. (¬8) الحديث أخرجه أحمد في "مسنده" 5/ 142 ولفظه: أن عمر -رضي الله عنه- أراد أن ينهى عن متعة الحاج. فقال له أُبَيُّ: ليس ذلك لك قد تمتعنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم ينهنا عن ذلك؛ فأضرب عن ذلك عمر. وأراد أن ينهى عن حلل الحبرة لأنها تصبغ بالبول فقال له أُبَيُّ: ليس ذلك لك؛ قد لبسهن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولبسناهن في عهده. وهو حديث منقطع فالحسن لم يسمع من عمر -رضي الله عنه- كذا قال الحافظ انظر: "فتح =

خَاطُوا لهُ قَميصه (¬1) وغسلوهُ أفترى (¬2) بَعض موسوسي هذا الزمَان تطيب نفسه أن يَلبسَ ثَوب نصَراني أو يُصَلي فيه (¬3). (وَأَمَّا المُمْتَشِطَةُ) اسْم فاعِل من مشطت المرأة شعرهَا مشطًا وامتشطَته. (فَكَانَتْ إِحْدَانَا تَكُونُ مُمْتَشِطَةً فَإِذَا اغْتَسَلَتْ) مِنَ الحَيض. (لَمْ تَنْقُضْ ذَلِكَ) الشعر الذي مَشطَته وضفرته (وَلَكِنَّهَا تَحْفِنُ) بِكسْر الفاء والحفنة ملء الكفَّين. (عَلَى رَأْسِهَا ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ) بفتح الحَاء والفاء جَمع حَفنة كسَجدة وسَجدَات وهَمزة وهَمزَات. (فَإِذَا رَأَتِ البَلَلَ) أي: حَسَّت به في دَاخل شعرهَا (وفي أصول الشعر. (دَلَكَتْهُ) أي: بِغمَر الشعر، يشبه أن يكون فيه حَذف تقديره وإن لم تر البلَل فِي أُصُولِ الشَّعْرِ (¬4) نَقَضَتهُ، وهذا يوَافق ما قال أصحَابنَا وغَيرهمُ أن المرأة أو (¬5) الرجُل الذي شَعره مَضْفور إن علما وصُول الماء إلى أصُول الشعر بغَير نَقض؛ لم يجب نقضه وإلا لزمهما نقضهُ (¬6). وحكى أصْحَابنَا عن النخعي وجُوب نقض الشعر (¬7)، وهذا الحَديث ¬

_ = الباري" 10/ 288. وكذا قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (8555): ورجاله رجال الصحيح إلا أن الحسن لم يسمع من عمر. (¬1) في (ص): قميصًا. والمثبت من (د). (¬2) في (ص، ل، س): فترى. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (د، س، م، ل): شعرها. (¬5) في (م): و. (¬6) "الشرح الكبير" 2/ 167. (¬7) "الأوسط" لابن المنذر 2/ 256.

وأمثاله حجة عليه (ثُمَّ أَفَاضَتْ) الماء (عَلَى سَائِرِ) أي باقي (جَسَدِهَا) (¬1) ومقتضى هذا الحَديث مُوَالَاة الإفاضَة عَلى الرأس ثَلاثًا، ثم الإفاضة على باقي الجَسَد بَعْدَ ذَلك، وهو نَص الشافعي -رضي الله عنه- في "المختصر" (¬2) والأصْحَاب، وليس فيه مُوَالَاة الإفاضَة على الجَسَد فَإنهُ يَحتَاج إلى مَاء كثير. [360] (ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيلِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ) بِفَتح السِّين واللام (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ فَاطِمَةَ (¬3) بنْتِ المُنْذِرِ) بن الزبَير (عن) جدتها (أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنها- أنها قَالَتْ (¬4) سَألت امْرَأَة رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رُسول الله كَيفَ تَصْنَعُ إِحْدَانَا بِثَوْبِهَا إِذَا رَأَتِ الطُّهْرَ) مِنَ الحَيض. (أَتُصَلِّي فِيهِ) أم لَا (قَالَ: لتَنْظُر) في جَميع الثوب، فيه أن الإنسَان إذا بَاشر شَيئًا مِنَ النجاسَات وأرَادَ أن يُصَلي في الثوب الذي بَاشر فيه النجاسَة أن يتفقدهُ قبل أن يُصَلي وكذَا المكان. (فَإِنْ رَأَتْ فِيهِ دَمًا) غَسَلَتْهُ، وهذا النظر ليْسَ بِوَاجِب، فلو لم يتفقدهُ، أو كانَ في ليل، أو مكان مُظلم، ولم يتيسَّر له نورُ فصلى، فالظاهِر أنه لا قضاء عليه. ¬

_ (¬1) في (ص): أي. والمثبت من (د، س، م، ل). الحديث ضعفه الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" (60) من أجل بكار بن يحيى وجدته. (¬2) "مختصر المزني" مطبوع بحاشية "الأم" 8/ 94. (¬3) كتب فوقها في (د): ع. (¬4) أشار في حاشية (د) أن في نسخة: سمعت امرأة تسأل.

(فَلْتَقْرُصْهُ) بِضَم الراء [ويجوز كسرها] (¬1) ثم الصَّاد المهملة، وأما بالمُعجمة تقطعهُ (¬2) بالمقراض. وروَاية البخاري: "ثم تقترص (¬3) الدَّم" (¬4) على وزن تفتعل (¬5) وروي في كلام المصَنف تقرضه وتقرضهُ مخفف ومثقل روي بهما جَميعًا قالهُ المنذري، والقرص والتقريص الغسْل والدَلك بأطراف الأصَابع والأظفار مَعَ صَبّ الماء عليه حَتى يذهب أثره، وهذا أبلغ في غسْل الدم مِنْ غسْله بجَميع اليَد (¬6). وقال ابن الجَوزي: قرصته (¬7) قطعته (¬8) يعني: مَوضع (¬9) الدم دُونَ باقي الثوب، والأول أشبه (وَلْتَنْضِحْ) بِكَسْر الضَاد. (مَا لَمْ تَرَ) (¬10) أي: تنضح المكان الذي لم تر فيه دَمًا، وحَديث عَائشة للبُخاري: "وتنضح سَائره" (¬11) وهذا النضح دفع للوَسْوسَةِ كما ينضح المسْتنجي ثوبه عقب الاستنجاء بماء صدر ثوبه دَفعًا للِوَسْوَسَة. ¬

_ (¬1) من (د، م، ل)، وجاء في (ص، س): بعد قوله: بالمقراض. (¬2) في (د، س، م، ل): فقطعه. (¬3) في (ص): تقرض. والمثبت من (د، م). (¬4) "صحيح البخاري" (308) من حديث عائشة رضي الله عنها. (¬5) في (ص): تفتقد. وفي (س): تفعيل. والمثبت من (د، م، ل). (¬6) انظر: "شرح سنن أبي داود" للعيني 2/ 186. (¬7) في (ص، س، ل): قرضه. والمثبت من (د، م). (¬8) "غريب الحديث" لابن الجوزي 2/ 234. (¬9) في (د): به موضع. وفي (م): لموضع. (¬10) من (د، م). (¬11) "صحيح البخاري" (308) من حديث عائشة رضي الله عنها.

(وَلْتُصَلِّي فِيهِ) (¬1) فيه إشارة إلى امتناع الصَّلاة في الثوب النجس، والجمهُور أنَّ طَهَارة الثوب والبَدَن والمَكان (¬2) شَرط لِصَّحة الصَّلاة. [361] (ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ) القعنبي (عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ المُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: سَأَلَتِ امْرَأَةٌ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله أَرَأَيْتَ) أي: أخبرني. (إِحْدَانَا إِذَا [أَصَابَ ثوبها] (¬3) الدَّمُ مِنَ الحَيضَة) بفَتح الحَاء. (كيفَ تَصْنَعُ به) فيه جَوَاز سُؤال المرأة الرجُل الأجنَبي إذا كانَ مُفتيًا عَما تسْتحي من ذكره، والإفصاح (¬4) عمَّا يستقذر للضَرُورة. (قَالَ: إِذَا أَصَابَ إِحْدَاكُنَّ الدَّمُ مِنَ الحَيضِة فَلْتَقْرِصْهُ) فيه مَا تقدم، وفيه فرك النجاسَة اليَابسة ليهون غسْلهَا. (ثُمَّ لْتَنْضَحْهُ) أيْ: دَفعًا للوَسْوَسَة، وفيه استحبَاب دَفْع الوسواس مَهما أمكن كما يسْتحب للإنسَان أن ينضح فرجه وسَراويله بالماء إذا بال ليدفع عَن نَفسْهِ الوَسْوَسَة فمَتى وَجَدَ بللًا قالَ: هذا مِنَ الماء الذي نضحته، وكان ابن عمر ينضح فرجه حَتى يَبل سَرَاويله (¬5) وشكى إلى الإمَام أحمدَ بَعْض أصْحَابه أن ينضح فرجه إذا بَال، قَالَ: ولا تجعَل ذلك من همك وَالْهَ عنه (¬6). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (307)، ومسلم (291) (110) بنحوه. (¬2) سقط من (د). (¬3) في (ص): أصابها. وبياض في (ل). (¬4) في (ص): الافتضاح. (¬5) "مصنف ابن أبي شيبة" (1786). (¬6) "المغني" 1/ 212 - 213.

وللمصَنف (¬1): "إذا أتى الشيطان أحَدكم فَقَال: إنك قد أحدَثت فليقل لهُ: كذبت" (¬2) فأمَرَ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- بتكذيب الشيطان فيما يحتمل صدقه، فكيفَ إذا كانَ كذبه مَعْلومًا متيقنًا كقوله للحَائض: هذا الثوب فيه أثر دَم لم (¬3) تنظريه فصَلَاتك بَاطِلة، فيُستحبُ لهَا أن تقول لهُ: كذبتَ. وظاهِر هذا أنَّ (¬4) مخاطبة الشيَطان بكلام الآدميِّين لا تبطل الصَّلاة. (بِالْمَاءِ) فيه دلَالة عَلى أن الماء هوَ أدَاة التطهير مِنَ النجاسَة المتيقنة (¬5) والمشكوكة. (ثُمَّ لْتُصَلِّي) (¬6) بكسر اللام وسُكونها، لُغتان قرئ بهما في السَبع في قوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْطَعْ} (¬7) فمن كسَر اللام فعَلى الأصل ومن سكن قصَدَ التخفيف (¬8). [362] (ثَنَا مُسَدَّدٌ، قال: ثَنَا حَمَادٌ) بن سَلمة (ح وَثَنَا مُسَدَدٌ، ثَنَا عِيسَى (¬9) بْنُ يُونُسَ) بن أبي إسحاق أحَد الأعلام في الحفظ، عَن حَمَّاد بن سَلَمَةَ. ¬

_ (¬1) في (م): المصنف. (¬2) "سنن أبي داود" (1029). وضعفه الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" (188). (¬3) في (ص، س): ثم. (¬4) من (د، م). (¬5) في (ص): المنتقية. وفي (م): المنتفية. (¬6) انظر تخريج الحديث السابق. (¬7) الحج 15. (¬8) أما كسر اللام فرواية ورش، وقراءة أبي عمرو، وابن عامر. والباقون بالسكون للتخفيف. انظر: "إتحاف فضلاء البشر" (ص 397). (¬9) كتب فوقها في (د): ع.

(ح (¬1) وَثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التبوذكي (ثَنَا حَمَّاد بن سَلَمَةَ عَنْ هِشَامٍ) بن عروة (بهذا المَعْنَى وقَالَا) في روَايتهما: (حُتِّيهِ) بتَشديد التاء المثناة أي: حُكِّيه والحَتُّ والحَكُّ والقَشْرُ سَوَاء، ومنهُ حديث عمر: أن أسلم كان يأتيه بالصَاع مِنَ التمر فَيقول: حُتَّ عَنه قشره (¬2) أي: اقشره. (ثُمَّ اقْرُصِيهِ) بكسْر الرَّاء وَيجَوز الضم، والقرص الدلك بأطراف الأصابع كما تقدم. قال النوَوي: معنى اقرصيه: قطعيه واقلعيه بظفرك (¬3) وقد استدل به على اسْتحباب حَكّ الدم بظفرها خصُوصًا إذا كان جَافًا كما هوَ ظاهِر؛ الحَديث لتذهبَ خشونته ثم تقرضه بريقها ليَلينَ ثم تغسله (بِالْمَاءِ) قَال النوَوي: قال أصَحَابنَا: يجبُ محاولة إزالة طعم النجاسَة ولونها وريحهَا، فإن حَاوله فبقي طعم النجاسَة لم يَطهر بلا خلاف؛ لأنه يدل على بقاء جُزء منها، وإن بقي اللون وحده وهوَ سَهل الإزالة لم يَطهر، وإن كان عَسر كَدم الحيض، يعني: اليَابس، ولا يزُولُ [بالمبالغة في] (¬4) الحَتّ والقرض طهر عَلى المذهَب (¬5). (ثُمَّ انْضَحيهِ) قَال شارح "المصَابيْح": النضح هنا هوَ الصّب بالماء، يَعني: عَلى النجاسَة بعد الحتّ والقرص. ¬

_ (¬1) من (د). (¬2) لم أقف عليه مسندًا، وذكره أبو عبيد في "غريب الحديث" 3/ 389. (¬3) "المجموع شرح المُهَذب" 1/ 92. (¬4) في (ص، س، ل): بالباقية من. والمثبت من (د، م). (¬5) "المجموع شرح المُهَذب" 2/ 593 - 594.

[363] (ثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا يَحْيَى) القَطَّان (عَنْ سُفْيَانَ) ابن سَعِيدٍ الثوري (حَدَّثَنِي ثَابِتٌ) (¬1) بن هرمز أبو المقدَام (الْحَدَّادُ) ثقَة. (حَدَّثَنِي عدي (¬2) بْنُ دِينَارٍ) وثق (قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ قَيسٍ) وهيَ مولَاته وهي أخت عكاشة بن محصن أسْلمت بمكة قديمًا، وبَايعَت النَّبي -صلى الله عليه وسلم- وهَاجَرت إلى المدينة. قال ابن عَبد البر: زعمَ العقيلي (¬3): أنها سَألت رَسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنتزاور إذا مُتنا يَزُورُ بَعضنا بَعضًا؟ قال: يكون النسم طائرًا يعلق بالجنة حَتى إذَا كانَ يَوم القيامَة دَخل كل نفس في جُثتها (¬4). (بِنْتَ مِحْصَنٍ) بن حرثان بالحاء المهملة والثاء المثلثة الأسدية (تَقُولُ: سَأَلْتُ رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- عَنْ دَمِ الحَيضِ يَكُونُ) تامَّة أي: يُوجَد. (فِي الثَّوْبِ قَالَ: حُكِّيهِ بِصلْع) ضبَطهُ ابن دَقيق العِيد بفتح الصَاد المهملة وإسْكان اللام ثم عَين مُهملة وهو الحجر قالَ: ووَقع في مَوَاضِع بِكسْر الضَّاد المُعجمة وفَتح اللام. قال: ولعَله تصحيف انتهى (¬5). قال المطرز: المرَادُ بالضِلَع هَنَا العُود القويّ (¬6) المعوج كالضلَع. قالهُ ابن الأثير (¬7). ¬

_ (¬1) كتب فوقها في (د): س د ت. (¬2) من (د، م). وكتب فوقها في (د): س ت. (¬3) في (م): الفضل. (¬4) "الاستيعاب" لابن عبد البر 1/ 633. (¬5) من (د)، وفي (ص): بكسر الضاد، وفتح اللام وتسكن في لغة تميم. (¬6) من (د). (¬7) انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" (حت).

[وأمر بحكه] (¬1) بالصلع لينقلع اللاصق بالثوب ثم يتبعه الماء (¬2) ليزيل الأثر، أما قلع الدم بضلَع العظم فلا يجَوز، لأنهُ يُؤدِّي إلى تنجيسه، وفي الحدَيث "إنهُ طَعَام إخوَانكم الجِنّ" (¬3). (وَاغْسِلِيهِ) أي: بَعْدَ حَته وقرصه. (بِمَاءٍ وَسِدْرٍ) كما (¬4) رَوَاهُ النسَائي وابن مَاجَه (¬5)، ويشبه أن يكون المُرَاد بقوله أي: واغسلي رَأسك بماء وسدر عقب (¬6) انقطاع دَم الحَيض. [364] (ثَنَا) عَبد الله بن محمد (النُّفَيْلِيُّ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ) عَبد الله (بْنِ أَبِي نَجِيحٍ) واسمه يسار (¬7). (عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ يَكُونُ لإِحْدَانَا الدِّرْعُ) قال في "النهاية": درع المرأة: قَميصهَا (¬8). (فِيهِ تَحيضُ وَفِيهِ تُصِيبُهَا الجَنَابَةُ ثُمَّ (¬9) تَرَى فِيهِ قَطْرَةً مِنْ دَمٍ فَتَقْصَعُهُ) ¬

_ (¬1) في (ص): القومي وأمكن بحاله، وفي (م): القوي وأنكر بحكه، والمثبت من (د). (¬2) في (د، س، م): بالماء. (¬3) "صحيح مسلم" (450) (150)، و"صحيح ابن خزيمة" (82). (¬4) في (د، م): كذا. (¬5) "سنن النسائي" 1/ 154، و"سنن ابن ماجه" (628)، وأخرجه غيرهما ابن خزيمة في "صحيحه" (277)، والدارمي في "سننه" (1019). وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (389). (¬6) في (س): غير. (¬7) في (ص): بشار، منقوطة. والمثبت من باقي النسخ. (¬8) "النهاية في غريب الحديث والأثر" (درع). (¬9) سقط من (س، م).

بِفتح التاء، والصَاد المهملة أي: مَضغته وَدَلكته بظفرها، ومنهُ الحَديث "نهى أن تقصَع القملة بالنواة" (¬1) أي: تقتل والقَصع الدَلك بالظفر وإنما خصَّ النوَاة؛ لأنهم قد كانوا يأكلونهُ عندَ الضَرُورة. وأصْل القصع: المضغ، وفي الحديث: خطبهم (¬2) عَلى رَاحلته وإنها لتقصع (¬3) بجرتها (¬4) (¬5)، أرَادَ شدة المضغ وضَم بعض الأسَنان على بَعض، وأصْلهُ مِنَ التقصيع (¬6) لليربوع وهوَ إخراجُهُ تراب قاصعائِه وهوَ جحره. (بِرِيقِهَا) (¬7) أي: لِتَلينَ يُبوسَتُه، ثم تغسله بالماء واللهُ أعلَم. * * * ¬

_ (¬1) أخرجه ابن عدي في "الكامل" 1/ 283، وقال: وهذا الحديث وإن لم يكن مشهور الإسناد فإنه منكر المتن. (¬2) في (ص): حطهم. (¬3) في (ص): لتوضع. وفي (م): لتقطع. (¬4) في (ص، ل): بخرقها. (¬5) جزء من حديث عمرو بن خارجة المشهور، أخرجه بهذا اللفظ الترمذي (2121)، والنسائي في "المجتبى" 6/ 247، وأحمد 4/ 186، والدارمي في "سننه" (3260) وصححه الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" (2192). (¬6) في (ص): التقصع. (¬7) أخرجه الدارمي فى "سننه" (1009). وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (390).

134 - باب الصلاة في الثوب الذي يصيب أهله فيه

134 - باب الصَّلاةِ فِي الثَّوْبِ الذي يُصِيبُ أَهْلهُ فِيهِ 366 - حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ الِمصْرِيُّ، أَخْبَرَنا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ مُعاوِيَةَ بْنِ حُدَيْجٍ، عَنْ مُعاوِيةَ بْنِ أَبِي سُفْيانَ أَنَّهُ سَأَلَ أُخْتَهُ أُمَّ حَبِيبَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- هَلْ كانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي فِي الثَّوْبِ الذِي يُجامِعُها فِيهِ فَقالَتْ نَعَمْ إِذا لَمْ يَرَ فِيهِ أَذًى (¬1). * * * باب الصَّلاةِ فِي الثَّوْبِ الذِي يُجامع فِيهِ الرجُل أَهْلَهُ [366] (ثَنَا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ المِصْرِيُّ) شَيخ مُسْلم (أَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ) تقدم (عَنْ سُوَيْدِ بْنِ قَيْسٍ) التجيبي المِصْري من بني أسد بن عَدي بن تجيب كانت لهُ مِن عَبد العَزيز بن مروَان منزلة وكانَ يرسله في أمُوره. قال النسَائي ثقة (¬2) وذكرهُ ابن حبان في "الثقات" (¬3). (عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُدَيْجٍ) بضَم الحاء المهملة وفتح الدَال ابن جفنة الكندي التجيبي الأمير. (عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ) صخر (أَنَّهُ سَأَلَ أُخْتَهُ أُمَّ حَبِيبَةَ) بنت أبي سُفيان صخر بن حرب بن أمية واسمهَا رملة عَلَى الصحيح عند جمهُور أهْل العِلم بالنَّسبِ (زَوْجَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-) زوجها إياهُ النجَاشيُ وجَهّزهَا إليه ¬

_ (¬1) رواه النسائي 1/ 155، وابن ماجه (540)، وأحمد 6/ 325، وابن حبان (2331). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (392). (¬2) سقطت من جميع النسخ، وإثباتها لازم، وانظر: "تهذيب التهذيب" (491). (¬3) "الثقات" لابن حبان 4/ 322.

وأصْدَقها أربَعمائة ديَنار وأولمَ عَليْهَا عُثمان بن عَفان لحمًا وثريدًا. (هَلْ كَانَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي فِي الثَّوْبِ الذِي يُجَامِعُهَا فِيهِ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ إِذَا لَمْ ير (¬1) فِيهِ أَذًى) (¬2) أيْ: دَمًا قَد يؤخَذ منهُ طهَارةُ رطُوبة فَرج المرأة؛ لأنه لم يذكر هنا أنه كانَ يغسل ذكره مِن جماعهَا قبل أن يصَلي ولو غسَله لنقل (¬3)، ومنَ المَعْلوم أن الذكر (¬4) يخْرج عَلَيه رُطوبة مِنْ فَرج المَرْأَة. * * * ¬

_ (¬1) في (ص، س): يك. وبياض في (ل)، والمثبت من (د، م). (¬2) أخرجه النسائي في "المجتبى" 1/ 155، وابن ماجه (540)، وأحمد 6/ 325. وهو في "صحيح ابن خزيمة" (776)، و"صحيح ابن حبان" (2331). وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (392). (¬3) هذا كلام عجيب من المصنف رحمه الله، إذ كيف يقول: لم ينقل عنه أنه كان يغسل ذكره من جماعها قبل أن يصلي؛ فهل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي قبل أن يغتسل؟ ! . (¬4) في (م): الذي.

135 - باب الصلاة في شعر النساء

135 - باب الصَّلاة فِي شُعُر النِّساء 367 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعاذٍ، حَدَّثَنا أَبِي، حَدَّثَنا الأشعَثُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: كانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لا يُصَلِّي فِي شعُرِنا أَوْ فِي لُحُفِنا. قالَ عُبَيْدُ اللهِ شَكَّ أَبِي (¬1). 368 - حَدَّثَنا الْحَسَنُ بْن عَلِيٍّ، حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ هِشامٍ، عَنِ ابن سِيرِينَ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كانَ لا يُصَلِّي فِي مَلاحفِنا. قالَ حَمّادٌ وَسَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ أَبِي صَدَقَةَ قالَ سَأَلْتُ محَمَّدًا عَنْهُ فَلَمْ يُحَدِّثْنِي وقالَ سَمِعْتُهُ مُنْذُ زَمانٍ وَلا أَدْرِي مِمَّنْ سَمِعْتُهُ وَلا أَدْرِي أَسَمِعْتُهُ مِنْ ثَبَتٍ أَوْ لا فَسَلُوا عَنْهُ (¬2). * * * باب الصلاة في شُعُرِ النساء [367] (ثَنَا عُبَيدُ الله) بْنُ مُعَاذٍ (ثَنَا أَبِي) معَاذ بُن مُعَاذ (ثَنَا (¬3) الأَشْعَثُ) بن عَبد الملك الحمراني (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ شَقِيقٍ) العقيلي البصري من عقيل بن كعب بن عامر أخرجَ لهُ مُسْلم في مَوَاضع. (عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- لَا يُصَلِّي فِي شُعُرِنَا) بضَم الشين والعَين جَمع شِعَارٍ مثل كُتُب وكِتاب، وهَو الثوب الذي يَلي الجَسَد؛ لأنه يَلي شَعر الآدمي وخَصها بالذكر؛ لأنها أقرب إلى أن يَنالها النجاسَة مِنَ الدِثار وهوَ الثوب الذي يكون فوق الشِعَار. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (600)، والنسائي 8/ 217، وأحمد 6/ 101، وابن حبان (2336). وسيتكرر برقم (645). وانظر ما بعده. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (393). (¬2) انظر السابق. (¬3) سقطت من (م).

قال ابن الأثير: المرادُ بالشِعَار هُنَا الإزار الذي كانوا يتغطون به عند النَوم (¬1) (أو) قالت: لا يُصَلى. فِي (لُحُفِنَا) (¬2) شك مِنَ الراوي، واللحَاف اسْم لما يلتحف به وقد التَحَفْتُ بِه، أي: تَغطيتُ، وإنما امتنع مِنَ الصَّلاة فيها (¬3) مخافةَ أن يَكون أصَابهَا شيء من دَم الحَيض وفيه دَليل عَلى جَوَاز النَوْم مَعَ الحَائض والاضطجاع مَعَهَا [في لحاف واحد والنوم معها] (¬4) في ثيابه وثيابهَا. وفيه دَليل على أن الاحتياط والأخذ باليقين جَائز غَير مُستنكر في الشرع، ولا التفات إلى مَن سَماهُ وسواسًا فمن ترك مَا يريبه إلى مَا لا يريبه، وترك مَا شك فيه للمُتيقَّنِ المَعْلوم لم يكن بذلك خارجًا عن الشريعة. ولا يستسهل الآدمي ويترك الاحتياط؛ فلا يبَالي بأي ماء يتَوضأ، ولا بأي مكان صَلى فيه، ولا يُبَالي بما أصَابَ ثوبه ولا يتوقاه ولا يفتش عَليْه ولا يسأل عما عهدَ منه، بَل يتغافل ويهمل دينه ويحمل الأمور عَلى الطهارة، فقد ترك النَّبي -صلى الله عليه وسلم- الصَّلاة في لحُف الحُيَّض التي لمْ ير فيها دَمًا احتياطًا، وأمَر من شك في عدَد الركعَات مِن صَلاته أو في شيء مِن وَاجِبَاتها أن يبني على اليَقين، وحرَّم أكل الصيد إذا شك ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" (شعر). (¬2) أخرجه الترمذي (600)، والنسائي في "المجتبى" 8/ 217، وابن حبان في "صحيحه" (2336)، والحاكم في "المستدرك" 1/ 252. قال الترمذي: حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح على شرطهما. وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (393). (¬3) من (د، م). (¬4) سقطت من (ص).

صَاحبه هَل مَاتَ بِسَهمه أو بغَيره، كما إذَا وَقع في الماء قبل أن تعلم حَاله، وحرم أكل الصَّيد إذا خالط كلبهُ كلبًا آخر للشك في تسميَة صَاحبه عليه وهذا باب يَطول ذكره. (قَالَ عُبَيدُ الله) بالتصغير (شَكَّ أَبِي) معَاذ بن معَاذ. [368] (ثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ) الهذلي الحُلوَاني الخلَّال شيخ الشيخَين (ثَنَا سُلَيمَانُ (¬1) بْنُ حَرْبٍ) الأزْدي سَكن مكة وكانَ قاضيهَا (ثَنَا حَمَّادٌ) بن زيد (عَنْ هِشَامٍ) (¬2) بن عروة أبي المنذر أحَد الأعْلام (عَنِ) محَمد (ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- كَانَ لَا يُصَلِّي فِي مَلَاحفِنَا) كما تقدم. (قَالَ حَمَّادٌ) بن زَيد (وَسَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ أَبِي صَدَقَةَ) أبا قرة البْصري وثقه ابن معين (¬3) (قَالَ سَأَلْتُ مُحَمَّدًا)، يَعني: ابن سيرين (عَنْهُ) أي: عَن هذا الحَديث (فَلَمْ يُحَدِّثْنِي) به (وَقَالَ: سَمِعْتُهُ مُنْذُ زَمَانٍ وَلَا أَدْرِي مِمَّنْ سَمِعْتُهُ وَلَا أَدْرِي أَسَمِعْتُهُ مِنْ ثبت) (¬4). قالَ ابن عَبد البر في هذا المعنى: قَول من حَفظهُ عنهُ حجة على من سَألهُ في حَال نسيَانه (¬5) يعني أو في حال (¬6) تغير فكره من أمْر طرأ لهُ مِنْ غَضَب أو غَيره، فَفي مثل هذِه الحَالة لا يسْأل وقوله (فَسَلُوا عَنْهُ غيري) وهذا لا يقدح في الروَاية المتقدمَة، فإنهُ محمُول على أنهُ أمَرَهُ بِسُؤال غَيره لتقوية الحجة لا لشك فيه، ونحو ذلك. واللهُ سُبحَانه أعلم. * * * ¬

_ (¬1) كتب فوقها في (د): ع. (¬2) كتب فوقها في (د): ع. (¬3) "الجرح والتعديل" (148). (¬4) في (ص): بكر. (¬5) "الإنصاف" لابن عبد البر (ص: 26). (¬6) من (د، م).

136 - باب في الرخصة في ذلك

136 - باب فِي الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ 369 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ الصَّبّاح بْنِ سُفْيانَ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ الشَّيْبانِيِّ سَمِعَهُ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدّادٍ يُحَدِّثُهُ، عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- صَلَّى وَعَلَيْهِ مِرْطٌ وَعَلَى بَعْضِ أَزْواجِهِ مِنْهُ وَهِيَ حائِضٌ وَهُوَ يُصَلِّي وَهُوَ عَلَيْهِ (¬1). 370 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا وَكِيعُ بْنُ الجَرّاح، حَدَّثَنا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: كانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي بِاللَّيْلِ وَأَنا إِلَى جَنْبِهِ وَأَنا حائِضٌ وَعَلَيَّ مِرْطٌ لِي وَعَلَيْهِ بَعْضُهُ (¬2). * * * باب الرخصة فيه [369] (ثَنَا مُحَمَدُ (¬3) بْنُ الصَّبَّاح بْنِ سُفْيَانَ) [الجرجرائي، وجرجرايا] (¬4) بَين واسِط وبغداد، التاجر مَولى عمَر بن عبد العَزيز (ثَنَا سُفْيَانُ) بن عيينة. (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) سُليمان بن أبي سُليمان (الشَّيبَانِيِّ) أخَرَجَ لهُ الشَّيخان (سَمِعَهُ مِنْ عَبْدِ الله بْنِ شَدَّادٍ) بن الهَاد، واسْم الهَاد: أسَامة بن عَمرو الليثي. (يُحَدِّثُهُ، عَنْ مَيمُونَةَ) وهي خالته بنت الحارث الهلالية زَوج النَّبي -صلى الله عليه وسلم- (أَن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- صَلَّى وَعَلَيهِ مِرْطٌ) بِكَسْر الميم وهو كسَاء من خَز أوْ صُوف أو ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (653)، وأحمد 6/ 330، وابن حبان (2329). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (395). (¬2) رواه مسلم (514). (¬3) كتب فوقها في (د): ق. (¬4) في (س، م): وجرجراء ما.

كتان، وقيل: لا يُسَمى المرط (¬1) إلا الأخضَر، وفي الصَّحيح: "في مرط من شَعر أسْوَد" (¬2). أي: خرج فيه رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- والمرط يكون إزارًا وَوَيكون رداءً. (وَعَلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ) وهيَ عَائشة كما سَيَأتي وكما في الصَّحيحين (¬3) (مِنْهُ) أي: منَ المرط الذي على زَوْجَته. (وَهِيَ حَائِضٌ يُصَلِّي وَهُوَ عَلَيهِ) (¬4) فيه دَليل على أن وقوف المرأة بجنب المصَلي لا يبطل صَلاته، وهوَ مَذهَبنَا ومَذهَب الجمْهُور (¬5) وأبْطَلَهَا أبو حنيفة (¬6) وفيه أن ثياب الحَائض طَاهِرة إلا مَوضعًا يرى عَليه دَمًا أو نجاسَة أُخرى، وفيه جَوَاز الصَلاة بِحَضرة الحَائض، وفيه جَوَاز الصَّلاة في ثَوب بَعضهُ على المصَلى وبَعضهُ عَلى حَائض أو نفسَاء أو غَيرهما، وفيه دَليل على صحة صَلاة من اتصل بَعض لبَاسه بِطاهِر ثم اتصَل الطَاهِر بنجس، وأمَّا من اتصَل بَعض لبَاسه بنَجس فَإن صَلاته لم تصح وإن لم تتحرك بحَركته. قال أصْحَابنَا: وإن قبض المصَلي طرف شيء طَاهِر، واتصَل الطرف ¬

_ (¬1) في (م): مرط. (¬2) "صحيح مسلم" (2081) (36). (¬3) "صحيح مسلم (514) (274)، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" 4/ 188، وهو في "مسند أحمد" 6/ 146 ولفظ مسلم: عن عائشة أنها قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل وأنا إلى جنبه وأنا حائض وعليَّ مرط وعليه بعضه إلى جنبه. (¬4) أخرجه ابن ماجه (653)، وأحمد 6/ 330، وابن خزيمة في "صحيحه" (768). وأصله في "صحيح البخاري" (379)، ومسلم (513) (270). (¬5) انظر: "المجموع" 3/ 252. (¬6) "المبسوط" للسرخسي 1/ 342 - 343، "شرح سنن أبي داود" للعيني 2/ 195.

الآخر بطَاهر، ثم اتصل الطاهر بنجس بأن شد (¬1) الطرف الآخر في سَاجور (¬2) أو خرقة، وهما في عُنق كلب أو كانَ الطَرف الآخر في عُنق حمار عَليْه حمل نجس؛ فَلا بَأسَ (¬3). [370] (ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، ثَنَا وَكِيعُ بْنُ الجَرَّاح، ثَنَا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى) بن طلحة بن عُبيد (¬4) الله القرشي التيمي المدَني نزيل الكوفة، أخو إسحاق بن يحيىَ، روى له الجَماعَة سوى البخَاري (عَنْ عُبَيدِ الله) (¬5) بالتصغير (ابْنِ عَبْدِ الله بْنِ عُتْبَةَ) الفقيه الأعمى (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي بِاللَّيْلِ) فيه فَضيْلَة التهجُّد بالليْل. (وَأَنَا إِلَى جَنْبِهِ) فيه جَوَاز التهجد في البَيت الذي فيه أهْله، وإن كانَ مَا ليْسَ فيه أحَد منَ الآدميين أفضَل إن تيسر، وَفيه فضيلة النافلة في البُيُوت، والفرائض في المَسَاجِد (وَعَلَيَّ مِرْطٌ) بِكَسْر الميم كما تقدم (لِي) فيه جَوَاز الصَّلاة في شُعُر النسَاء وأنه رُخصَة كما بَوبَ عليه المصَنف، وأنَّ العزيمة والأفضَل أن لا يصَلي فيها (¬6) للاحتياط كما تقدم. (وَعَلَيهِ بَعْضُهُ) (¬7) يُحَتمل أن الصَّلاة المَذكورة كانَ فيهَا قاعِدًا متنفلًا؛ لأنه يَبعُد أن يتصَور هذا لمن كانَ قَائمًا. * * * ¬

_ (¬1) زاد هنا في جميع النسخ عدا (س): في شد. (¬2) الساجور: القلادة أو الخشبة التى توضع في عنق الكلب. "لسان العرب": س ج ر. (¬3) انظر: "الشرح الكبير" للرافعي 4/ 22. (¬4) في (د، م): عبد. (¬5) كتب فوقها في (د): ع. (¬6) في (م): فيه. (¬7) أخرجه ومسلم (514) (274)، والنسائي في "المجتبى" 2/ 71، وابن ماجه (653)، وأحمد 6/ 67.

137 - باب المني يصيب الثوب

137 - باب المَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ 371 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ هَمّامِ بْنِ الحارِثِ أَنَّهُ كانَ عِنْدَ عائِشَة رضي الله عنها فاحْتَلَمَ فَأَبْصَرَتْهُ جارِيَةٌ لِعائِشَةَ وَهُوَ يَغْسِلُ أَثَرَ الجَنابَةِ مِنْ ثَوْبِهِ، أَوْ يَغْسِلُ ثَوْبَهُ فَأَخْبَرَتْ عائِشَةَ، فَقالَتْ لَقَدْ رَأَيْتنِي وَأَنا أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-. قالَ أَبُو داودَ: رَواهُ الأعمَشُ كَما رَواهُ الحَكَمُ (¬1). 372 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْن سَلَمَةَ، عَنْ حَمّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمانَ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: كنْتُ أَفْرُكُ المَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فيُصَلِّي فِيهِ. قالَ أَبُو داودَ: وافَقَهُ مُغِيرَةُ وَأَبُو مَعْشَرٍ وَواصِلٌ (¬2). 373 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن محَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ ح، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن عُبَيْدِ بْنِ حسابٍ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنا سُلَيْمٌ -يَعْنِي ابن أَخْضَرَ الْمَعْنَى والإِخْبارُ فِي حَدِيثِ سُلَيْمٍ- قالا: حَدَّثَنا عَمْرُو بْن مَيْمُونِ بْنِ مِهْرانَ، سَمِعْتُ سُلَيْمانَ بْنَ يَسارٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عائِشَةَ تَقُولُ إِنَّها كانَتْ تَغْسِلُ المَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-. قالَتْ: ثُمَّ أَرَى فِيهِ بُقْعَةً أَوْ بُقَعًا (¬3). * * * باب المني يصيب الثوب [371] (ثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ) بن الحارث بن سخبرة الحوضي شيخ البخاري. (عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الحَكَمِ) (¬4) بن عتيبة (¬5) الكندي مولَاهم فقيه ¬

_ (¬1) رواه مسلم (288). وانظر ما بعده. (¬2) انظر السابق. (¬3) رواه البخاري (229 - 232)، ومسلم (289). (¬4) كتب فوقها في (د): ع. (¬5) في (ص، س): عيينة.

الكُوفة مَعَ حَماد. (عَنْ إِبْرَاهِيمَ) النخعي (عَنْ هَمَّامِ بْنِ الحَارِثِ؛ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ عَائِشَةَ رضي الله عنها). روَاية مُسْلم: أنهُ نزل بَعائشَة (¬1) (فَاحْتَلَمَ فَأَبْصَرَتْهُ جَارِيَةٌ لِعَائِشَةَ وَهُوَ يَغْسِلُ أَثَرَ الجَنَابَةِ مِنْ ثَوْبِهِ أَوْ يَغْسِلُ ثَوْبَهُ) روَاية مُسْلم: فأصبحَ يغسل ثوبه (¬2)، وفي روَاية لمُسلم (¬3) أن عَائشة قالت للذي احْتَلم في ثوبَيه (¬4). فيه (¬5) جَوَاز رؤية المرأة للرجل الضَيف النَازِل بفنائهم، ورؤية مَا يفعله إذا كانَ لا يشق عَليه، وفيه فضيلة (¬6) غسل الإنسان ثياب نفسه فإنه مما يَدُل عَلى التواضُع. (فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةَ) منصوب (¬7) أي: أخبَرت الجارية عَائشة بالغسْل فيه جَوَاز إخِبار الأمة سَيدها وسَيدتها بمَا تراهُ في غيبَتها مِنْ أمر الرجَال والنسَاء. (فَقَالَتْ عائشة (¬8) لَقَدْ رَأَيْتُنِي (¬9) وَأَنَا أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم-) استدلَّ به الشافعي وأصحَاب الحَديث عَلى طَهَارَة المنِي (¬10)؛ لأنه لو ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (288) (105). (¬2) "صحيح مسلم" (288) (105). (¬3) "صحيح مسلم" (290) (109). (¬4) أي خاطبته، كما سيَدُلُّ عليه السياق بعده. (¬5) في (ص، س، ل): في. (¬6) زاد في (ص، س، م، ل): وفيه. (¬7) ليست في (ص، ل). (¬8) من (د، م). (¬9) تكررت في (ص، س، ل). (¬10) "الأم" 1/ 124.

كانَ نجسًا لم يكف فركه كالدَم وغيره، قالوا: ورواية الغَسْل محَمولة عَلى الاستحباب والتنزه واختيار النظافة، وذهَب مَالك وأبو حَنيفة إلى نجاسَته، إلا أن أبا حَنيفة قال يكفي في تطهيره فركه إذا كانَ يابسًا (¬1). وقال مَالك: لا بد من غسْله رَطبًا وَيابسا (¬2). (ورَوَاهُ الأَعْمَشُ كَمَا رَوَاهُ الحَكَمُ) ابن عتيبة (وأوقَفَهُ). قال الجَوهري: ليس في الكلام أوقفت إلا حَرف واحد: أوقفت عن الأمر الذي كنت فيه، أي: أقلعت، وحكى أبو عمرو كلمتهم ثم أوقَفت، أي: أمسَكت، وكل شَيء يمسك عنهُ يَقول: أوقفت. انتهى (¬3). والموقوف عند المحَدثين ما قصر به (¬4) بواحد مِن الصَحَابة ولم يُتجاوز به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- (مُغِيرَةُ) بن مقسم الضَّبي (وَأَبُو مَعْشَرٍ) زَياد بن كليب الكوفي (وَوَاصِلٌ) ابن حيان (¬5) ثلاثتهم عَن إبَراهيم النخعي كما (رَوَاهُ حَمَّادُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ) النخعي. [372] (ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) أبو سَلمة الحَافظ (ثَنَا حَمَّادُ) بْنُ سَلَمَةَ (عَنْ حَمَّادِ) [ابن أبي سليمان] (¬6). (عَنْ إِبْرَاهِيمَ) النخعي (عَنِ الأَسْوَدِ) بن يزيد النخعي ابن أخت إبراهيم وهما من بَني بَكر بن النخع. (أن عَائِشَةَ قَالَتْ: كنْتُ أَفْرُكُ المَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- فَيُصَلِّي فِيهِ) ¬

_ (¬1) "المبسوط" للسرخسي 1/ 205. (¬2) "المدونة" 1/ 128. (¬3) "الصحاح" (وقف) 4/ 1440. (¬4) في (ل): قصرته. (¬5) في (ص، س): حباب. وترك في (د) بعدها بياضا بقدر كلمة. (¬6) في جميع النسخ: ابن زيد، وهو خطأ، والمثبت هو الصواب.

اسْتدل به الشَافعي عَلى طَهَارة المَني كما تقدم (¬1). قال القُرطبي: ولا حجة فيه لوجهَين أحَدهما: أنها (¬2) إنما ذكرت ذَلك محتجة به على فُتياهَا بأنه لا يجزئ فيه إلا الغسْل فيما ترى منه والنضح فيما لم تر، ولا تتقرر حجتها إلا بأن تكُون فركته و (¬3) حَكته بالماء، وإلا ناقض دليلها فتيَاهَا. وثانيها: أنهَا قَد نصَّت في الطريق الأخرى على: "أن رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- كانَ يَغسل المِني ثم يخرج إلى الصَّلاة في ذلك الثوب وأنا أنظر إلى أثر الغَسْل فيه" (¬4) ولا يقالُ كانَ غسْله إياهُ مُبَالغَة في النظافة؛ لأن الظاهِر من غَسْله أنه (¬5) للصلاة وعدم (¬6) انتظار جفافه (¬7) وخروجه إليهم (¬8) وبقع (¬9) الماء [في ثوبه] (¬10) وإن ذلك إنما كانَ لأجل نجاسته، وأيضًا فإن مناسبَة (¬11) الغَسْل للنجَاسة أصلية (¬12) إذ هي المأمُور بغسْلها فحمل الغسْل على قصد النجاسَة أولى، ألا ترى أن الشافعية (¬13) اسْتَدَلوا على نَجاسَة الكلب بالأمر بغَسْل الإناء منهُ ولم يُعَرجُوا على احتمال ¬

_ (¬1) في (ص، س): النخعي. (¬2) "الأم" 1/ 124. (¬3) زاد في (ص، ل) بعدها: أما. (¬4) في (د): أو. (¬5) سيأتي تخريجه لاحقا إن شاء الله. (¬6) من (د). (¬7) في (ص): حيايه. وفي (س): جنابة. (¬8) في (ص، س، م، ل): إليها. (¬9) في (ص، س، ل): وفي نفع. وفي (م): وفي بقع. (¬10) من (د). (¬11) في (ص): مناسبته. (¬12) في (ص): الأصلية. (¬13) "الأم": 1/ 44 - 45.

كَونه للنظافَة فكذَلك نقولُ في غَسْل المني (¬1). [373] (ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مُحَمَّدٍ) بن نفيل (النُّفَيْلِيُّ، ثَنَا زُهَيْرٌ) (¬2) بن مُعَاوية الجَعفي (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيدِ بْنِ حسَاب) (¬3) [بِوَزن كتاب] (¬4) بكسر (¬5) الحَاء والسِّين المهمَلتين، أخرجَ له مُسلم. (البصري ثَنَا سُلَيْمٌ) بضم السِّين مُصَغر. (ابْنَ أَخْضَرَ) البصري (¬6)، قالَ أبو حَاتم: أعلَم الناس بحَديث ابن عَون (¬7) أخرج له مُسلم في الصَّلاة وغيرها. (الْمَعْنَى) بفتح الميم والنون. (وَالإخْبَارُ) بكَسْر الهمزة (¬8) مَصْدر أخبر (¬9) (فِي حَدِيثِ سُلَيمٍ قَالَا: ثَنَا عَمْرُو (¬10) بْنُ مَيمُونِ بن مهران) بكسر الميم الرقي. (قال سَمِعْت سُلَيمَانَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: إِنَّهَا كَانَتْ تَغْسِلُ المَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم-) اختلفوا في الجمَع بَينَ هَذين الحَديثَين المتعَارضَين في الظاهِر؛ فإن (¬11) في الذي قَبلهُ الفرك وفي هذا الغسْل، والجمع بَينهما واضح على القَول بِطَهَارة المَني؛ بأن ¬

_ (¬1) "المفهم" 1/ 594. (¬2) كتب فوقها في (د): ع. (¬3) في (ص، س): حسان. والمثبت من (د، م، ل). (¬4) تأخرت في (م): فجاءت بعد قوله المهملتين. (¬5) في (ص، س، ل): بفتح. (¬6) في (ص، س): المصري. (¬7) "الجرح والتعديل" 4/ 215. (¬8) في (ص، س، ل): الراء. (¬9) في (ص) زيادة مقحمة: الخدري. (¬10) كتب فوقها في (د): ع. (¬11) في (ص، س، ل): قال.

يحمل الغَسْل هنَا على الاستحباب للتنظيف لا عَلى الوجُوب وهذِه طَريقَة الشافعي (¬1) وأحمدَ (¬2) وكذَا الجمعَ ممكن على القول بنجاسَته، بأن يحمل الغسْل عَلَى مَا كانَ رَطبًا والفَرك على مَا كانَ يَابسًا وهذِه طَريقة الحنَفية (¬3) والطريقةُ الأُولَى أرحج؛ لأنَّ فيهَا العمل بالخَبر والقيَاسُ مَعًا؛ لأنه لو كانَ نجسًا لكانَ القياس وجُوب غسْله دُونَ الاكتفاء بفركه دُونَ الدم وغَيره وهم لا يكتفونَ فيما لا يعفى عنهُ مِنَ الدم بالفَرك. وأمَّا مَالِك (¬4) فلم يعرف الفرك وقال: إن العَمل عندَهُم على وجوب الغَسْل كسَائر النجاسَات، وَحَديث الفَرك الصَّحيح حجة عَليهم، وحمل بَعض أصْحَابه الفرك على الدَلك بالماء، وهوَ مَردُود لما في إحدَى روَايات مُسْلم عن عَائشة لقد رَأيتني وإني لأحكهُ من ثوب رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- يَابسًا بظفري (¬5)، وبما صَححهُ الترمذي مِن حَديث هَمام بن الحَارث؛ أن عَائشة أنكرت عَلى ضَيْفها غسْله الثوب، فقالت: لم أفسد (¬6) عَلينا ثوبنَا إنما كانَ يكفيه أن يفركه بأصَابعهِ فَربمَا فركتُه مِنْ ثَوب رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- بأصَابِعي (¬7). قالَ بَعْضُهم: الثوب الذي اكتفتَ فيه بالفَرك ثَوب النوم، والثوب الذي غسلته (¬8) ثَوب الصَّلاة، وهو مَردُود أيضًا بمَا في إحدى روَايَات مُسْلم مِنْ حَديثها: لقَد رَأيتني أفركه مِنْ ثَوب رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- فركا ¬

_ (¬1) "الأم" 1/ 125 - 126. (¬2) "المغني" 2/ 497 - 498. (¬3) "المبسوط" للسرخسي 1/ 206. (¬4) "المدونة" 1/ 128. (¬5) "صحيح مسلم" (290) (109). (¬6) في (ص، س، ل): أفسدت. (¬7) "جامع الترمذي" (116). (¬8) في (ص، س، ل): غسله.

فيصَلِّي فيهِ، وهذا [التعقيب بالفاء] (¬1) ينفي احتمال تخلل (¬2) الغَسْل بَيْنَ الفرك والصلاة. وأصرح منه روَاية ابن خزيمة: أنها كانت تحكه من ثوبه - صلى الله عليه وسلم - وهوَ يُصَلي (¬3)، وعَلى تقدير عَدَم [ورود شيء] (¬4) من ذلك، فليسَ في حَديث البَاب مَا يَدُل عَلى نجاسَة المني؛ لأن غَسْلها [فعل وهو (¬5) لا يَدُل عَلى الوجُوب بمجَرده واللهُ أعلم، وطعنَ بَعضهم في الاستدلال بحَديث الفرك عَلى طهَارة المَني؛ لأن مَنيَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - طَاهِر دونَ غَيره كسَائر فَضلاته، والجَوَابُ عَلى تقدير صحة (¬6) كونه مِنَ الخَصَائص أن مَنِيَّهُ كانَ عَن جماع فيخالط مَني المرأة فلو كان منيهَا نجسًا لم يكتف فيه بالفرك، وبهَذا احتج الشيخ موَفق الدين وغَيره على طَهَارة رُطوبة فرجها، قَالَ: ومَنْ قَالَ إنَّ المَني لا يسلم [من المذي] (¬7) فيتنجس به لم يصب؛ لأن الشهوة إذا اشتَدت (¬8) خرج المني دُونَ المذي والبَوْل كحالة الاحتلام (¬9). (قَالَتْ: ثُمَّ أَرَاهُ) أي: أر أثَر المني وفي بَعض النسخ: أرى. (فِيهِ بُقْعَة أَوْ بُقَعًا) (¬10) بضَم البَاء الموحدَة وفتح القاف جمع بقعة ¬

_ (¬1) في (س): التنفير! . (¬2) في (ص): محلل. (¬3) "صحيح ابن خزيمة" (295). (¬4) في (م): وروايتي. (¬5) في (ص، ل): وصلى فهو. (¬6) في (س): قيمة. (¬7) من (د، م). (¬8) في (م): صدرت. (¬9) "المغني" لابن قدامة 1/ 768. (¬10) أخرجه البخاري (232) بنحوه، ومسلم بنحوه كذلك (289) (108)، والترمذي (117) مختصرا، والنسائي 1/ 156، وابن ماجه (536) بنحوه وألفاظهم متقاربة.

كرقعة وَرُقع. قَالَ أهْل اللغَة: البقع اختلاف اللونين وبقعة وبقعًا مَنصُوبَان عَلى البَدَل مِن الضَمِير الغَائب الذي في أَرَاهُ عَلى الروَاية الصَّحيحة، وَيجوز النَصْب على الاختصَاص، وقوله بقعة أو بقعًا يحتمل أن تكون "أو" هنا ليسَت للشك بل للتقسيم، ويَكون هذا من كلَامهَا وينزل عَلى حَالين: حَال فيه (¬1) بقعة وحَال فيه بقع، ويحَتمل أن يكونَ شكًّا من أحَد روَاة الحَديث واللهُ أعلم. واستدل البخاري بهذا الحَديث على أن بقاء الأثر بعد زَوَال العَين بالغسْل لا يَضُر في إزَالة النجاسَة وغَيرهَا، لهذا ترجم عَليه بَاب إذا غسل الجنَابة أو غَيرهَا فلم يذهب أثره (¬2) وأشارَ إلى روَاية المصَنف المتقدمة: "يكفيك الماء ولا يَضرك أثره" (¬3). * * * ¬

_ (¬1) من (د، م). (¬2) "صحيح البخاري" قبل حديث (231). (¬3) تقدم.

138 - باب بول الصبي يصيب الثوب

138 - باب بَوْلِ الصَّبيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ 374 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ أَنَّها أَتَتْ بِابْن لَها صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلِ الطَّعامَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي حجْرِهِ فَبالَ عَلَى ثَوْبِهِ فَدَعا بِماءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ (¬1). 375 - حَدَّثَنا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ والرَّبِيعُ بْنُ نافِعٍ أَبُو تَوْبَةَ -الْمَعْنَى- قالا: حَدَّثَنا أَبُو الأحْوَصِ، عَنْ سِماكٍ، عَنْ قابُوسَ، عَنْ لُبابَةَ بِنْتِ الحارِثِ قالَتْ: كانَ الحُسَيْنُ بْنُ عَلِيّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حجْرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَبالَ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: البَسْ ثَوْبًا وَأَعْطنِي إِزارَكَ حَتَّى أَغْسِلَهُ قالَ: "إِنَّما يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الأُنْثَى وَيُنْضَحُ مِنْ بَوْلِ الذَّكَرِ" (¬2). 376 - حَدَّثَنا مُجاهِدُ بْنُ مُوسَى وَعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ العَظِيمِ العَنْبَرِيُّ -الْمَعْنَى- قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ الوَلِيدِ حَدَّثَنِي مُحلُّ بْنُ خَلِيفَةَ حَدَّثَنِي أَبُو السَّمْح قالَ: كُنْتُ أَخْدُمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَكانَ إِذا أَرادَ أَنْ يَغْتَسِلَ قالَ: "وَلِّنِي قَفاكَ". فَأُوَلِّيهِ قَفايَ فَأَسْتُرُهُ بِهِ فَأُتِيَ بِحَسَنٍ أَوْ حُسَيْنٍ فَبالَ عَلَى صَدْرِهِ فَجِئْتُ أَغْسِلُهُ فَقالَ: "يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الجارِيةِ وَيُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الغُلامِ". قالَ عَبّاسٌ: حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ الوَلِيدِ. قالَ أَبُو داودَ: وَهُوَ أَبُو الزَّعْراءِ. قالَ هارُونُ بْنُ تَمِيمٍ عَنِ الحَسَنِ قالَ: الأبْوالُ كُلُّها سَواءٌ (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (223)، ومسلم (287). (¬2) رواه ابن ماجه (522، 3923)، وأحمد 6/ 339، وابن خزيمة (282). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (451)، قال: إسناده حسن صحيح. (¬3) رواه النسائي 1/ 158، 126، وابن ماجه (526). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (402).

377 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنِ ابن أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الأسوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الجارِيَةِ وَيُنْضَحُ مِنْ بَوْلِ الغلامِ ما لَمْ يَطْعَمْ (¬1). 378 - حَدَّثَنا ابن المُثَنَّى، حَدَّثَنا مُعاذُ بْنُ هِشامٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالِبٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: فَذَكَرَ مَعْناهُ وَلَمْ يَذْكُرْ: "ما لَمْ يَطْعَمْ". زادَ قالَ قَتادَةُ هذا ما لَمْ يَطْعَما الطَّعامَ فَإِذا طَعِما غُسِلا جَمِيعًا (¬2). 379 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن عَمْرِو بْنِ أَبِي الحَجَّاجِ أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أُمِّهِ أنَّها أَبْصَرَتْ أُمَّ سَلَمَةَ تَصُبُّ الماءَ عَلَى بَوْلِ الغُلام ما لَمْ يَطْعَمْ فَإِذا طَعِمَ غَسَلَتْهُ وَكانَتْ تَغْسِلُ بَوْلَ الجارِيَةِ (¬3). * * * باب بول الصبي يصيب الثوب [374] (ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ) القَعْنَبِيُّ (عَنْ مَالِكٍ، عَنِ) محمَّد بن مُسْلم (بْنِ شِهَابٍ) الزهْري (عَنْ عُبَيدِ الله بْنِ عَبْدِ الله بْنِ عُتْبَةَ) الهذَلي أحَد الفُقهاء السبعة (عَنْ أُمَّ قَيْسٍ) آمنة بنت محصن بن جُرثان بضَم ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق 1/ 381 (1488)، وابن أبي شيبة 2/ 81 (1301)، ورواه البيهقي 2/ 415 من طريق أبي داود. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (403). (¬2) رواه الترمذي (610)، وابن ماجه (525)، وأحمد 1/ 76. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (404). (¬3) رواه ابن أبي شيبة 2/ 81 (1303)، وأبو يعلى (6921)، والطبراني 23/ 366 (866)، وابن المنذر في "الأوسط" 2/ 143، ورواه البيهقي 2/ 416 من طريق أبي داود. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (405).

الجِيم وسُكون الراء وثاء مثَلثَة ابن قيس بن مرة بن كثير خلاف صغير، وهي أخت عكَّاشة بتشديد الكاف، كذَا ضَبَطَهُ الفاكهي، أسْلمَت بمكة قديمًا، وبَايَعت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وهَاجَرَت إلى المدينة (¬1) (بِنْتِ مِحْصَنٍ) بِكسْر الميم الأسدية (أَنَّهَا أَتَت النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بِابْن لَهَا) قالَ ابن حجرَ: مَات (¬2) ابنهَا في عَهد النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وهوَ صغير كما رَوَاهُ النسائي قالَ: ولم أقف على اسْمه (¬3). (صَغِيرٍ) فيه دَليل على فضيلة الإتيان بالأطفال إلى أهْل الفَضل والصَّلاح والتبرك بِهم حَال الولادَة وبَعْدَهَا للتحنيك (¬4). (لَمْ يَأْكُلِ) جملة في مَوضع خفض صفة لابنٍ، وهوَ من اجتماع المفرد والجُملة صفتين وتقديم المفرد على الجملة وهوَ الأحسَن، وإن كان الآخر حَسنًا جيدًا (¬5) ومَنَ الأول قوله تعالى: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ} (¬6). ومَنَ الثاني قوله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} (¬7) وإنما كانَ تقديم المفرد أولى لأصَالته دُونَ الجملة، وهذا كلهُ إذا قلنا: إن الجارَّ ¬

_ (¬1) "أسد الغابة" 1/ 1455. (¬2) سقط من (م). (¬3) "فتح الباري" 1/ 390. (¬4) في (ص): للتحنك. والمثبت من (د، م). (¬5) في (ص): جدًّا. (¬6) الأنبياء: 50. (¬7) الأنعام: 155.

[في: "لها"] (¬1) متَعلق بفعْل، وأما مَن يقول: إنه مُتعَلق باسْم. قال الفاكهي: فليسَ من هذا البَاب لكَونهما مُفردين. (الطَّعَامَ) المرادُ بالطعَام هنا مَا عَدَا اللبَن الذي يرتضعهُ (¬2) والتمر الذي يُحَنَّك به، والعَسَل الذي يلعَقه للِمدَاوَاة وغَيرها، وأطلق النوَوي في "الروضة" تبعًا للرافعي: أنه لم يُطعم ولم يشرب غَير اللبَن (¬3)، وقال في "نكت التنبيه" المراد أنه لم يَأكل غَير اللبَن وغَير ما يحنك بهِ ومَا أشبَهَهُ (¬4)، وحمل مُوَفق الدين الحَموي في "شرح التنبيه" قولهُ لمْ يأكل عَلى ظاهِرِهِ، فقال مَعناهُ: لم يَستقل بجعل الطعَام في فيه، والأول أظهر، وبه جَزمَ مُوَفق الدين بن قدامة وغَيره (¬5). وقال ابن التين: يحتمل أنهَا أرَادت أنه لم يقوت (¬6) بالطعَام، و (¬7) لم يسَتغن عَن الرضَاع ويحتمل أنهَا إنما جَاءت به عندَ ولادَته ليحنكهُ - صلى الله عليه وسلم - فَيُحْمَل (¬8) النفي عَلَى عمومه (¬9). (فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: وَضعه إن قلنا إنه كان كما ولد ويحتمل ¬

_ (¬1) من (د). (¬2) في (م): يضعه. (¬3) "روضة الطالبين" 1/ 31. (¬4) قول النووي في "نكت التنبيه" مشابه لقوله في "الروضة"، وإنما قال ما نقله المصنف عنه في "تهذيب الأسماء واللغات" 2/ 432. (¬5) "فتح الباري" 1/ 390. (¬6) في "الفتح": يَتَقَوَّتْ. (¬7) زاد في (م): لو. (¬8) في (ص): فيحتمل. (¬9) "فتح الباري" 1/ 390.

أن يكونَ الجلوس حَصَل منه عَلى العَادَة أن قلنا: إنهُ في سن يحبو فيه كما في قصة الحسَن، والأول أظهر؛ لأنه قال في الروَايَة: فأجْلسَهُ. ولم يقل فجلسَ أي: هُوَ. (فِي حجْرِهِ) بفتح الحاء وكسْرهَا لُغَتَان مَشهورتان الفتح، أشهر، وفيه فضيلة التواضمع وحُسن المعَاشرة مَعَ النساء والرجَال والرفق بالأطفال ونحوهمُ ممن لا تمييز له. (فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ) أي: ثوب النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، وأغرب ابن شعَبان مِن المالكية فقال المراد به ثوب الصَبي (¬1) والصوابُ الأول؛ لأن المراد لو كان ثَوب الصبي لأمَرهَا بنضحه، كما أمر في بَول الأعرابي أن يتبَع بَوله بذَنوب مِن ماء (¬2). (فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ) ولمُسلم عَن ابن شهاب: "فلم يزد على أن نضَح بالماء" (¬3) ولهُ من طَريق أُخرى فَرَشَّه زَادَ أبو عوَانة في "صحيحه": عَليْه (¬4) ولا تخالف بَينَ الروَايتَين أي: بَين "نَضَحَ" و"رَشَّ"، لأنهما بمَعنى واحد أو (¬5) المراد أن الابتداء كانَ بالرش، وهو تنقيط الماء عليه، ثم انتهى إلى النضح وهو صَب الماء، ويُؤيدهُ روَايَة مُسْلم في حَديث عَائشة مِنْ طَريق جرير عَن هشام: "فدَعَا بماء فصَبه عَليه" (¬6). ولأبي عوَانة: "فصَبهُ على ¬

_ (¬1) "تنوير الحوالك" للسيوطي (ص 64). (¬2) أخرجه البخاري (220) وغيره من حديث أبي هريرة وغيره - رضي الله عنه -. وسيأتي تخريجه مفصلًا. (¬3) "صحيح مسلم" (287) (103). (¬4) "صحيح أبي عوانة" (519). (¬5) في (ص، س، م): و. (¬6) "صحيح مسلم" (286) (102).

البول (¬1) يتبعهُ إياهُ (¬2). (وَلَمْ يَغْسِلْهُ) (¬3) ادعى الأصيلي (¬4) أنَّ هذِه الجملة من كلام ابن شهاب رَاوي الحَديث، وأنَّ المرفوع أنتهى عندَ قوله فنضحهُ قال: وكذَلكَ روى معمر عن ابن شهاب، وكذَا أخرجَهُ ابن أبي شَيبة. قَال: فرشه لم يَزد على ذَلكَ انتهى (¬5)، وليسَ في سيَاق معمر مَا يَدُل على مَا ادعَاهُ من الإدَراج، وقد أخرجه عبد الرزاق عنهُ بنحَو سَياق مَالك لكن لم يقُل ولم يغسلهُ (¬6)، وقد قالهَا مع مَالك الليث، وعمرو بن الحَارث، ويونس بن يزيد، كلهم عن ابن شهاب، أخرجَهُ ابن خزيمة (¬7) والإسماعيلي وغيرهما نعَم زَادَ معمر في روايته. قال: قَال ابن شهاب: فمَضت السنة أن يرش بول الصَّبي، ويغسل بول الجارية (¬8)، فلو كانت هذِه الزيَادَة هي (¬9) التي زَادهَا مَالِك ومِنْ تَبعَهُ لأمكن الإدَراج، لكنها غَيرهَا فلا إدرَاج. ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: الماء. والمثبت من "صحيح أبي عوانة". (¬2) صحيح أبي عوانة" (518). (¬3) أخرجه البخاري (233)، ومسلم (287) (103)، والترمذي (71)، والنسائي في "المجتبى" 1/ 157، وابن ماجه في "سننه" (524) وأحمد 6/ 355 جميعًا من طريق الزهري عن أم قيس بنت محصن. (¬4) في (ص): الأصلي. (¬5) "فتح الباري" 1/ 390. (¬6) "مصنف عبد الرزاق" (1485). (¬7) "صحيح ابن خزيمة" (286). (¬8) "مسند أحمد" 6/ 356. (¬9) سقط من (م).

[375] (ثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مسَرْهَدٍ وَالرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ أَبُو تَوْبَةَ) تقدم (المعنى قَالَا: ثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ) (¬1) سَلام بن سليم الحَافظ (عَنْ سِمَاكٍ) بن حَرب بن أوس الذهلي الكوفي. (عَنْ قَابُوسَ) بن [أبي المخَارق] (¬2) لم يروعنه (¬3) غَير سماك بن حَرب. (عَنْ لُبَابَةَ (¬4) بِنْتِ الحَارِثِ) [بن حرب الهلالية من بني هلال] (¬5) أم ستة (¬6) لم تلد امرأة مثلهم (¬7): الفَضّل وبه (¬8) كنيت، وعَبد الله بن عبَّاس وهي أخت مَيمونة زَوْج النبي - صلى الله عليه وسلم - وَزوجهَا العباس بن عبَد المُطلب وأم (¬9) أكثر بنيه أوَّل امَرأة أسْلمَت بعد خَديجَة كانَ النبي - صلى الله عليه وسلم - يزُورها ويقيل عندهَا. (قَالَتْ: كانَ الحُسَينُ بْنُ عَلِيٍّ) بن أبي طالب (فِي حجْرِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَبَالَ عَلَيهِ فَقُلْتُ) للنبي - صلى الله عليه وسلم - (الْبَسْ) بفتح البَاء المُوحَّدة. ¬

_ (¬1) كتب فوقها في (د): ع. (¬2) في (ص، س): المخارق. (¬3) في (ص): ير وعمه. (¬4) في (ص): لبانة. وكتب حاشية في (د): لبابة هذه هي الكبرى؛ لأن أختها اسمها لبابة أيضا وتعرف بالصغرى أم خالد بن الوليد. (¬5) جاءت هذه الجملة في (ص، س) في غير موضعها، والمثبت من (د). (¬6) في (ص): شبه. وفي (س): شيبة. والمثبت من (د، ل). وغير مقروءة في (م). (¬7) في (ص): مثل. والمثبت من (د، م، ل). وليست في (س). (¬8) في (ص): له. وفي (م): لم. (¬9) زاد في (ص): شبه. خطأ.

(ثَوْبًا) جَديدًا، في رواية "غَير هذا (¬1) الذي عليك" وفيه: نزع الثوب واللبَاس الذي أصَابته نجاسَة لاسِيَّما إن كانت رطبَة تلاقي جَسَد الآدمي. (وَأَعْطِنِي) بفتح الهَمزة (إِزَارَكَ حَتَّى أَغْسِلَهُ) فيه خدمَة العَالم بمَا (¬2) يحتَاج إليه من غسل وطبخ (¬3) وغير ذلك إن احتيج. (قَالَ: إِنَّمَا يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الأُنْثَى وَيُنْضَحُ مِنْ بَوْلِ الذَّكَرِ) ويشترط في النضح إصَابَة الماء جَميع موضع البول، وكذَا غلبة الماء في الأصح، ولا يشترط أن ينزل عنهُ، ويشترط في الغسْلِ أن يغمره وينزل عنه (¬4) وسَيأتي الفَرق بَيْنَ الأنثَى والذكر. [376] (ثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى) بن فروخ الخوارزمي نزيل بغدَاد شيخ مُسْلم (وَعَبَّاسُ) بالبَاء المُوَحَّدَة (بْنُ عَبْدِ العَظِيمِ المَعْنَى قَالَا: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ (¬5) بْنُ مَهْدِّي) بن حَسَّان البَصْري مَولى الأزد (قال حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ الوَلِيدِ) أبو الزعراء الطَائي وهوَ صالح (حَدَّثَنِي مُحلُّ) بِضَم الميم وكسْر الحَاء المهملة وتشديد اللام (ابْنُ خَلِيفَةَ) الطائي الكوفي، أخرج له البخاري في الزكاة (¬6). (حَدَّثَنِي أَبُو السَّمْح) قَالَ أبو زرعة الرازي [لا أعرف اسمه] (¬7) ولا ¬

_ (¬1) ليست في (س). (¬2) في (ص، س): وما. (¬3) في (ص، س): وطرح. (¬4) في (م): عليه. (¬5) كتب فوقها في (د): ع. (¬6) "صحيح البخاري" (1413). (¬7) في (ص): أعرفه. وفي (س، ل): لا أعرفه.

أعرف له غَير هذا الحَديث (¬1). وقال غيره اسمه إياد، وقال البخاري: هو حَديث حَسَن (¬2). (قال: كنْتُ أَخْدُمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَكَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَغْتَسِلَ قَال: وَلِّنِي قَفَاكَ) بفتح القاف والفاء وألف سَاكنة دون (¬3) همز أصُلهُ مُؤخر العُنق، والمرَاد هنَا أن يوليهُ ظهرَه. (فَأُوَليهُ (¬4) قَفَاي) على وزن عصَاي في قوله تعالى: {عَصَايَ} (¬5) (فَأَسْتُرُهُ بِه) أي: بقفاي، وهذا من آدَاب المغتسل، أَن يدير إليه مَن كانَ حاضرًا (¬6) قفاه وأما (¬7) نفس الاستتار فوَاجب. (فَأُتِيَ بِحَسَنٍ أَوْ حُسَينْ) شك مِنَ الراوي، والروَاية التي قبلها تدل على أنهُ الحُسَين فوضعَهُ في حجرْه. (فَبَالَ عَلَى صَدْرِهِ) يَحتمل أن يكون المُرَاد فبالَ عَلَى صَدْرِ ثوبه ويَدل على هذا؛ الروَاية قبلها؛ ولأن المعتاد وضع الصَّبِي في حجر الآدمي على ثوبه. والأظهر حَمل الحَديث على حقيقته، وأنهُ بال على جلد بطنه لما في حَديث زَينَب عند الطبرَاني "أن الحَسَن جاء والنَّبي - صلى الله عليه وسلم - نائم فصَعَدَ على ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" (1814). (¬2) "البدر المنير" 1/ 532. (¬3) في (ص، س، ل): هون. (¬4) في (م): فأوله. (¬5) طه: 18. (¬6) في (ص): خاطر. وفي (س): خاطرًا، وفي (ل): حاظرًا. (¬7) في (ص): لهما.

بَطنه وَوَضَعَ ذكره في سُرته فبَال" (¬1) وذكر الحَديث بتمامه. وروى الطبراني في "الأوسط" من حَديث أم سَلمة بإسْنَاد حَسَن قالت "بَالَ الحَسَن أو الحُسَين على بطن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فتركه حَتى قضى بَوله، ثم دَعَا بمَاء فصبَّهُ عليه" (¬2) ولأحمد عن ابن أبي ليلى نحَوهُ (¬3)، ورَوَاهُ الطَّحاوي من طَريقه قال: "فجيء بالحسَن" (¬4) ولم يتردد وكذا الطبرَاني عن أبي أمَامة (فَجِئْتُ أَغْسِلُهُ) عَنهُ (فَقَال: يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الجَارِيَةِ وَيُرَشُّ) هذِه الروَاية موضحة لروَاية تنضح (¬5) قبلهَا (¬6). (مِنْ بَوْلِ الغُلَامِ) (¬7) واختلف العلماء في بول الغلام والجارية على ثلاثة مَذاهب هي أَوجُهٌ للشافعية: (¬8) أحَدُهَا: الاكتفاء بالنضح في بول الصَبي إلا الأنثى، وهو قول علي وعَطَاء والحَسَن والزُهري وأحمد (¬9) ¬

_ (¬1) "المعجم الكبير" 54/ 24 (141)، قال الهيثمي في "المجمع" (1527): فيه ليث بن سليم وفيه ضعف. (¬2) "المعجم الأوسط" (6197). وحسنه الحافظ في "الفتح" 1/ 326، وقال الهيثمي في "المجمع" (1574): إسناده حسن إن شاء الله. (¬3) "مسند أحمد" 4/ 348. (¬4) "شرح معاني الآثار" 1/ 93. (¬5) في (ص): توضح. (¬6) تقدمت تلك العبارة في (ص، س) بعد قوله: ولأن المعتاد وضع الصبي في حجر الآدمي. والمثبت من (د، م). (¬7) أخرجه النسائي في "المجتبى" 1/ 158، وابن ماجه (526)، وابن خزيمة في "صحيحه" (283)، والحاكم في "المستدرك 1/ 166. وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (402). (¬8) "المجموع" 2/ 589. (¬9) "مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج" (37).

وإسحاق (¬1) وابن وَهب، وغَيرهم (¬2) ورَوَاهُ الوليد بن مُسْلم عَن مَالك، وقال أصحَابه هي رواية شاذة، والثاني: يكفي النضح فيهما (¬3) وهوَ مَذهب الأوزَاعي وحُكي عن مَالك والشافعي (¬4)، وخَصَّصَ ابن العَربي النقل في هذا بِمَا إذَا كانَا لم يدخل أجَوافهما شَيء أصْلًا، والثالث هُما سَوَاء في وجُوب الغسْل وبه قالت الحنفية والمالكية (¬5). قال ابن دَقيق العيد: اتبعُوا في ذلكَ القياس، فقالوا المراد بقوله ولم يغسله أي: غسْلًا مبَالغًا فيه، وهوَ خلاف الظاهِر (¬6)، وقد ذكر في التفرقة بيَن الصَبي والصَّبية عند مَن فَرق بَينهما بأشياء: أحَدُهَا أن النُفوس أعلقُ بالذكور منها بالإناث؛ فيكثر حَمل الذكور، فيناسب التخفيف (¬7) بالاكتفاء بالنضح دَفعًا للعسر (¬8) والحرج بخلاف الإناث، لقلَّة مَن يَحملهُن خُصُوصا الرجَال، فجرى الإناث عَلى القياس في غسْل النجاسَة. وقيل: إن بَول الصَّبي يقع في محل وَاحد، وبول الصبية يَقَع مُنتثرًا، فيَحتَاج إلى صَبِّ الماء في أمَاكِن مُتعددِة مَا لا يحتاج إليه في بول الصَّبي، وقيلَ غَير ذَلك مما لا يستحق أن يحكى لضعفه. ¬

_ (¬1) "مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج" (37). (¬2) "الأوسط" لابن المنذر 2/ 267. (¬3) في (م): فيها. (¬4) "تحفة الأحوذي" 1/ 198. (¬5) "الاختيار لتعليل المختار" 1/ 32، "المدونة" 1/ 131. (¬6) "فتح الباري" 1/ 391. (¬7) في (ص، س): للتحقيق. (¬8) في (ص): للغسل.

([قَالَ أَبُو دَاودَ قال (¬1) هارون بن تميم (¬2) عن الحَسَن) البصري. (قَالَ: الأبْوَالُ كُلُّهَا سَوَاءٌ]) (¬3) (¬4) قالَ عَباس (¬5) بن عَبد العَظيم (قالَ ثنا (¬6) يَحْيَى بن الوليد) الحَديث. [377] و (¬7) (ثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا يَحْيَى) القطان (عَنِ) سَعيد (بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي حَرْبِ) ذكره ابن عَبد البرَ فيمَن لم يذكر له اسْم سَوى كنيته. (ابْنِ أَبِي الأَسْوَدِ) أخرَجْ له مُسْلم (عَنْ أَبِيهِ) أبي الأسُود ظالم بن عمرو بن سُفيان على الأصح (الديلي) والديل في كنانة كانَ ذا (¬8) عَقل (¬9) وَدين ولسَان وبيَان وذكاء (¬10) إلا أنهُ كانَ ينسب (¬11) إلى البخل وهو دَاء يقدح في المروءة وكانَ مِن كبار التابعين، ولاهُ ابن عَباس (¬12) [قضاء البصرة] (¬13) ¬

_ (¬1) في (ص): رواه. (¬2) بياض في (د، م، ل): بقدر كلمة. (¬3) جاءت هذه العبارة في (د) بعد قوله: الوليد الحديث. وكتب في الحاشية بعد كلمة: سواء. يعني في النجاسة. (¬4) قال الألباني رحمه الله في "ضعيف سنن أبي داود" (61): هذا أثر باطل؛ لمخالفته الآثار الواردة في الباب في التفريق بين بول الغلام والجارية. (¬5) في (د): العباس. (¬6) من (د). ويعني أن ابن مهدي قال: حدثني، وعباس قال حدثنا. (¬7) سقط من (د). (¬8) في (م): إذا. (¬9) في (ص): عمل. (¬10) من (د، م). (¬11) في (ص): ينتسب. (¬12) سقط من (م). (¬13) في (ص): قصر النضرة.

أيام كونه فيها أميرًا لعَلِيٍّ. (عَن عَلي بن أبي طالب أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: يُغْسَلُ بَوْلُ الجَارَيةِ) وغائطها مِن بَاب الأولى؛ لأنه أبلغ في النجاسَة. (وَيُنْضَحُ) قالَ ابن الأثير في "شرح المسند" النضح بالمهملة: الرش، وبالمُعجمة أكثر من النضح، وقيل هما سواء (¬1)، وخالفَ في "النهاية" فقال: النضح قريب من النضخ، وقد اختلف في أيهما أكثر، والأكثر أنه (¬2) بالمعجمة أقَل مِنَ المهملة (¬3). (بَوْل الغُلَامِ مَا لَمْ يَطْعَمْ) (¬4) قال الترمذي: ينضح بَول الغلام، ويغسل بَول الجَارية، وهذا مَا لم يطعما، فإذا طعما غسلا جَميعًا (¬5). [378] (ثَنَا) محمد (بْنُ المُثَنَى، ثَنَا مُعَاذُ (¬6) بْنُ هِشَامٍ) بن أبي عَبد الله الدستوائي البَصْري. (حَدَّثَنِي أَبِي) (¬7) هشام الدستوائي (¬8) ابن أبي عبَد الله كانَ يَبيع الثياب الدستوائية ودستواء مِنَ الأهوَاز. ¬

_ (¬1) "الشافي في شرح مسند الشافعي" 1/ 234. (¬2) في (ص): أنهما. وفي (ل): أنها. (¬3) "النهاية في غريب الحديث والأثر" (نضخ). (¬4) أخرجه الترمذي (610)، وابن ماجه (525)، وابن خزيمة (284)، وهو عند أحمد 1/ 76 وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (403). (¬5) "سنن الترمذي" 1/ 105 (71). (¬6) كتب فوقها في (د): ع. (¬7) كتب فوقها في (د): ع. (¬8) سقط من (د، س، م، ل).

(عَنْ قَتَادَةَ) أخرجه الترمذي (¬1) وابن مَاجَه (¬2)، وقالَ الترمذي حَديث حَسَن (¬3)، وذكر أن هشامًا الدستوائي رَفعهُ عن قتادَة (عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الأسوَدِ) تقدم، عَنْ أَبِيه (¬4) أبي الأسْود. (عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) - رضي الله عنه - (أَنَّ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: يغسل بول الجَارية) الحَديث (فَذَكَرَ مَعْنَاهُ) وَ (لَمْ يَذْكُرْ) فيه (مَا لَمْ يَطْعَمْ) بفتح أوله وثالثه. (زَادَ قَالَ قَتَادَةُ: هذا مَا لَمْ يَطْعَمَا) قيلَ مَعناهُ مَا لم يستغنيا (¬5) بالأكل عن الرضَاع؛ ولهذا (¬6) قال مَا لم يَأكلا، ولم يَقل مَا لم يرضعَا (فَإِذَا طَعِمَا) أي: أكلا غير اللبَن على ما تقدم. (غُسِلَا) أي: غسلا من بَولهما (جَمِيعًا) لغلظ النجاسَة بأكل غير اللبَن قالَ الفاكهي: لم يختلف قولُ الشافعي أن البول منهما، نجس وإن كان بول الصَبي عندهُ ينضح، وبول الجَارية يغسَل. قال: ومَا حَكاهُ ابن بَطال والقاضي عياض عن الشافعي: أنَّ بول الصَّبي طَاهِر حكاية باطلة (¬7) (¬8). ¬

_ (¬1) انظر التعليق السابق. (¬2) انظر التعليق السابق. (¬3) انظر التعليق السابق. (¬4) من (د). (¬5) في (ص): يستغنى. (¬6) في (ص): بهذا. (¬7) "شرح سنن أبي داود" للعيني 2/ 203. (¬8) تكررت عبارة قال أبو داود: قال هارون: .... إلى قوله: الأبوال كلها سواء ... " في جميع النسخ عدا (د) وهو الصواب.

[379] (ثَنَا عَبْدُ الله (¬1) بْنُ عَمْرِو بْن أَبِي الحَجَاجِ) ميسَرَة المنقري (أَبُو مَعْمَرٍ) البصري، المقعد أحد الحفاظ. (ثنا عبد الوارث) بن سعيد (عن يونس، عن الحسن) البصري. (عَنْ أُمِّهِ) خيرة مَولاة أم سَلمةَ زوج النَّبي - صلى الله عليه وسلم - (أَنَّهَا أَبْصَرَتْ أُمَّ سَلَمَةَ) زَوج النَّبي - صلى الله عليه وسلم - (تَصُبُّ عَلَى بَوْلِ الغلام) (¬2) هذا لا يخالف الروَاية المتقدمة بالنضح لجواز (¬3) أن تكون رَشت أولًا للنضح لتدلكهُ بهَا ثم صبَّت بعد ذَلك لتعم المحَل. (مَا لَمْ يَطْعَمْ) والطَعم يَقع على كل مَا يَبتلع حَتى على الماء وذوق الشيء. (فَإِذَا طَعِمَ غَسَلَتْهُ) بالمَاء (وَكَانَتْ تَغْسِلُ بَوْلَ الجَارِيَةِ) سواء (¬4) طَعِمَتْ غَير اللبن أم لا. وروَاية الحَسَن عن أُمه هُنَا مخالفه (¬5) للروَاية المتقدمة عن هارون بن تميم أن الأبوال كلها سواء، وقد قالَ: أن الأولى مَذهَبه وهذِه روَايته واللهُ أعلم. * * * ¬

_ (¬1) كتب فوقها في (د): ع. (¬2) في (ص، س، ل): الصبي. (¬3) في (ص، س، ل): يجوز. (¬4) من (د، م). (¬5) في (م): مختلفة.

139 - باب الأرض يصيبها البول

139 - باب الأَرْض يُصِيبُها البَوْلُ 380 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْح وابْنُ عَبْدَةَ -فِي آخَرِينَ وهذا لَفْظُ ابن عَبْدَةَ- أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَعْرابيًّا دَخَلَ المَسْجِدَ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جالِسٌ فَصَلَّى -قالَ ابن عَبْدَةَ: - رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قالَ اللَّهمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا وَلا تَرْحَمْ مَعَنا أَحَدًاَ. فَقالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَقَدْ تَحَجَّرْتَ واسِعا". ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ بالَ فِي ناحيةِ المَسْجِدِ فَأَسْرَعَ النّاسُ إِلَيْهِ فَنَهاهمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وقالَ: "إِنَّما بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ صُبُّوا عَلَيْهِ سَجْلًا مِنْ ماءٍ". أَوْ قالَ: "ذَنُوبًا مِنْ ماءٍ" (¬1). 381 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ -يَعْنِي: ابن حازِمٍ- قالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ -يَعْنِي ابن عُمَيْرٍ - يُحَدِّثُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْقِلِ بْنِ مُقَرِّنٍ قالَ: صَلَّى أَعْرابِيٌّ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بهذِه القِصَّةِ قالَ: فِيهِ وقالَ: يَعْنِي: النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: "خُذُوا ما بالَ عَلَيْهِ مِنَ التُرابِ فَأَلْقُوهُ وَأَهْرِيقُوا عَلَى مَكانِهِ ماء". قالَ أَبُو داودَ: وَهُوَ مُرْسَلٌ ابن مَعْقِل لَمْ يُدْرِكِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - (¬2). * * * باب الأرض يصيبها البول [380] (ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْح و) (¬3) أحمد (بْنُ عَبْدَةَ) الضِّبي البصري، شيخ مُسْلم (فِي آخَرِينَ) مِن روَاة الحَديث (وهذا لَفْظُ ابن عَبْدَةَ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (220، 6128). وسيأتي مختصرا برقم (882). (¬2) رواه الدارقطني 1/ 132، والبيهقي 2/ 428. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (407). (¬3) من (د، م).

قال: أَنا سُفْيَانُ) بن عيينة. (عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ أعْرابِيا دَخَلَ المَسْجِدَ) هذا الأعرابي هوَ ذو الخويصرة اليماني، وكانَ رَجُلًا جافيًا دَخل المَسْجد، أخرجَه أبو مُوسَى المديني في "الصَّحَابة" مِن طريق محمد بن (¬1) عمرو بن عَطاء، عَن سُليمان بن يسَار، وهوَ مرسل وفي إسناده مبهم (¬2). قال ابن حجَر: لكن له أصْل أصيل استفدنا منهُ تسمية الأعرابي (¬3)، وذكرَ أبو بكر التاريخي أنهُ الأقرع بن حَابس التميمي (وَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ فصَلَّى) (¬4) أي: تحية المَسْجد، وقَد يُؤخذ منهُ أن دَاخِل المَسْجد يصلي التحيَّة قبل أن يُسَلم على مَن كانَ فيه، ولو كان من فيه من أهل الفضل (¬5) والدين، ولو كانَ [والدًا للداخل] (¬6) أو ممن لهُ حَق عليه، ولو كانَ أيضا قادمًا مِنْ سَفر بَعيد، وَرآهُ ولم يُسَلم عليه فَيُصَلي تحية المسْجد ثم يُسلم عليه، كما في حق (¬7) الأعرابي (¬8) الذي دَخَل فصَلى ثم جَاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له: "ارجع فصَلي فإنك لم تصلي" (¬9). ¬

_ (¬1) من (د، م). (¬2) في (ص، س): متهم. (¬3) "فتح الباري" 1/ 387 (220). (¬4) في (ص): يصلي. (¬5) في (ص): العقل. (¬6) في (ص، س): والد الداخل. (¬7) من (د، م). (¬8) زاد في (ص): الداخل. زيادة مقحمة. (¬9) جزء من حديث مشهور وهو حديث المسيء صلاته، أخرجه البخاري (757)، ومسلم (397) (45) وسيأتي تخريجه باستفاضة في كتاب الصلاة إن شاء الله.

(قَالَ ابن عَبْدَةَ) صَلى (رَكْعَتَينِ) قَدْ يُؤخَذ منهُ أن أقل (¬1) تحية المَسْجد ركعتين، وقد يفعَل أكثر لكن بتَسليمة واحدَة. (ثُمَّ قَالَ) زادَ الترمذي: فلَما فَرغَ قالَ (¬2) (اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا) زَادَ الترمذي: فالتفت إليه (¬3). (فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: لَقَدْ تَحَجَّرْتَ) بتَشديد الجيم. (وَاسِعا) أي: ضَيقت مَا وسعهُ اللهُ تعالى مِن رَحمته (¬4) التي وسعت كل شيء أي: اتخذتَ عليه حُجيرة صَغيرة أحَاطت به من جَوَانبه وخصصت (¬5) بتلك الحظيرة نفسك ومحمدًا دُونَ غيركما. والحَجْر في اللغة: المنع، ومنه حَجرُ السَّفيه وهوَ منعه في مَاله (¬6) مِنَ التصَرف فكأنهُ يَقول: ضَيَّقت مِنْ رَحمة الله تعالى ما وسَّعه، ومَنعت منها مَا أبَاحَهُ. وفيه أنه لَا يَجوزُ الدُعَاء بمنع الرحمة عن أحَد مِنَ المسْلمين، أو منع المغفرة، أو الرضَا عَنهُ بل يُسْتَحَبُّ الدُعَاء للمُسْلمين بالرْحمَة والتوبة ورُخصِ أسعَارهم والأمْن في أوطَانهم ونحو ذَلك، وفيه أنَّ منْ جَلَسَ في المَسْجد أن يُعلم الجَاهِل مما يَعْلم ويَأمُر بالمعْروف. (ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ بَالَ فِي نَاحية مِنَ المَسْجِدِ فَأَسْرَعَ النَّاسُ إِلَيهِ) أي: بألسنتهم لما روى البَيهقي مِنْ طَريق عَبدان شَيخ البخاري وغَيره بلفظ ¬

_ (¬1) في (د): أصل. (¬2) "جامع الترمذي" (147). (¬3) "جامع الترمذي" (147). (¬4) في (ص، ل): رحمة الله. (¬5) من (د، م). (¬6) في (م): مالك.

فصَاحَ النَّاس (¬1) به، و (¬2) كذا للنسَائي مِنْ طريق ابن المُبَارك (¬3) وهذا يَدُل على أن الإسْرَاع كانَ بألسنتهم، ولمُسْلم من طَريق إسْحَاق عن أنس: فقال الصَّحَابة مَه مَه (¬4) لكن رَوَاهُ (¬5) البخاري في الأدب عَن أنَس: فقامُوا إليه (¬6). وللإسماعيلي [فأرَادَ أصحابه] (¬7) أن يمنَعُوهُ وفي روَاية أنس في هذا البَاب فَزَجَرَهُ الناس. (فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ: إِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ) بتَشديد السِّين المُهملة، البَعْث هنَا مَجازًا، أيْ: بعَث اللهُ إليْكم الرسُل بتَيسير الأمُور في الدِّين وتسهيْلهَا عليكم وفي الحَديث: "الدين يُسر" (¬8)، "ويسَّروا ولا تعسِّرُوا" (¬9). (وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ) يعسر بعضكم على بعض وقوله: "بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ" هوَ بمَعْنى ولم تبعثوا معسرين ولكن تكرَّرَ تأكيدًا (صبوا (¬10) ¬

_ (¬1) لم أقف عليه عند البيهقي بهذا اللفظ، وهو بهذا اللفظ عند مالك في "الموطأ" (142) مرسلًا. (¬2) من (د، م). (¬3) "سنن النسائي" 1/ 48 من حديث أنس. (¬4) "صحيح مسلم" (285) (100). (¬5) في (د، س، ل، م): روى. (¬6) "صحيح البخاري" (6025). (¬7) في (ص، س، ل): وأراد الصحابة. (¬8) طرف حديث مشهور أخرجه البخاري (39). (¬9) طرف من حديث صحيح أخرجه البخاري (69)، ومسلم (1734) (8). (¬10) في (ص، ل): فصبوا.

عَلَيْهِ سَجْلًا) (¬1) السجل بوزن الفَلْس (¬2) هوَ الدَّلو إذا كانَ فيه ماء قل أو كثر ولا يقَال لها (¬3) [وهي فارغة] (¬4) سجل ولا ذنوب. (مِنْ مَاءٍ) فيه تَعَيُّنُ (¬5) الماء لزَوَال النجاسَة. (أَوْ قَالَ) صُبُّوا عليه: (ذَنُوبًا) فَتح الذَال المُعجمة (مِنْ مَاءٍ). قال الخليل: هَو الدَلو ملء مَاء (¬6)، وقالَ ابن فارس الدلو العَظيمة (¬7). قال ابن السِّكيت: فيهَا مَاء قريب مِنَ الملئ (¬8) فعَلى هذا: اللفظان مُترادفَان أو للشك مِنَ الراوي، وإلاَّ فهي للتخيير والأول أظهَر فإنَّ روَاية أنسَ لم تختلف في أنَّهَا ذَنوب، وقال في الحديث "مِنَ مَاء" مَعَ أنَّ الذَّنوب من شأنهَا ذَلك لكنَّهُ (¬9) لفظ مُشترك بَينهُ وبيْنَ الفرس الطويل وغيرهما، وفي هذا (¬10) الحَديث مِنَ الفَوائد أنَّ الاحتراز مِنَ النجَاسَة كان مُقرَرًا في نفوس الصَّحَابة ولهذا بَادَرُوا إلى الإنكار بحضرته - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) في (ص، ل): سجالًا. (¬2) في (ص): السلس. (¬3) في (ص): لهما. (¬4) من (د، س، م، ل). (¬5) في (ص): تغير. (¬6) "كتاب العين" 8/ 190. (¬7) "معجم مقاييس اللغة" لابن فارس: سجل 3/ 136. (¬8) "إصلاح المنطق" لابن السكيت (ص 361). (¬9) في (ص): لكن. (¬10) ليست في (م).

قَبل استئذَانه ولما (¬1) تقرر عندَهُم من طَلب الأمر بالمعرُوف والنهي عن المنكَر، وفيه رَأفَة النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وحُسْن خلقه. [381] (حدثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (ثنا جرير) (¬2) بفتح الجيم (ابن حازم) الأزدي حضر جنازة أبي الطفيل بمكة] (¬3). (قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ المَلِكِ بْنَ عُمَيرٍ) (¬4) الكوفي رَأى عَليًّا (يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَعْقِلِ) بفتح الميم وسُكوْن العَين المهُملَة وكسْر القَاف وليسَ لهُم مُغَفل بفتح الغين المُعجمة والفَاء [إلا عَبد الله بن مغفل (¬5) الصَّحَابي ابن مُقَرن (¬6) بِضَم الميم وفتح القَاف وتشديد] (¬7) الرَاء المُهمَلة وفتحها وبعدها (¬8) نون كوفي من خيَار التَّابِعين، أخرج لهُ الشَيخَان. (قَالَ صَلَّى أَعْرَابِيٌّ) هُوَ ذُو الخوَيْصرة كما تقدم (مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -) يحتَمل أن يكون صَلى مَع النَّبي - صلى الله عليه وسلم - الجَماعة ثم خَرجَ لحَاجَة أوْ (¬9) لغيرهَا وَدَخَل فصلى رَكعتين (بهذِه القِصَّةِ) المتقدمة. (قَال فِيهِ) أي: في هذا الحَديث. ¬

_ (¬1) في (ص، س): ولا. (¬2) كتب فوقها في (د): ع. (¬3) سقطت من (ص، ل، س). (¬4) كتب فوقها في (د): ع. (¬5) في (ص، س): معقل. (¬6) في (ص): مقرب. (¬7) تكررت في (ص). (¬8) من (د، س، م، ل). (¬9) في (م): لا.

([قال أبو داود] (¬1) وَقَالَ فيه (¬2) يَعْنِي النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: خُذُوا مَا بَالَ عَلَيْهِ مِنَ التُّرَابِ) رواية (¬3) الدارقطني أيضًا بهذا السَّنَد وأوَّلُهُ: قامَ أعرابي إلى زَاويَة مِنْ زَاويَا المَسْجِد فبَال فيهَا: فقال النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "خُذوا مَا بال عَليْه مِنَ التراب" (¬4). (فَأَلْقُوهُ) بفتح الهَمزة؛ يَحْتمَل أنْ يَكون هذا التراب الذي أمر بإلقائه ليسَ منْ تُراب المَسْجِد بَل مِن التراب الذي يبسط في المَسْجِد أيَّام قُدُوم الحَاج وغيرهم ثم (¬5) يَخرج مِنَ المَسْجِد إذا اتسخ فيرمى ويؤتى ببَدَلِهِ مِنَ البَطحَاء على مَا قيل. (وَأَهْرِيقُوا) بإسْكان الهَاء وفتحها والهمزَة مفتوحة فيهما أصْله وأريقوا. (عَلَى مَكَانِهِ مَاءً) فيه دَليل على تَعَيُّنِ (¬6) الماء لإزَالَة النجاسَة، وأنَّ الشَّمْسَ والريح لا تُؤثر في إزَالة النجاسَة وإلا لما حَصل التكليف بطلب الدلو وإرَاقة الماء عَلَيهَا، وفيه أنَّ (¬7) غسَالة النجاسَة الوَاقعة عَلى الأرض طَاهِرة ويُلحقُ به غير الوَاقعَة. قال ابن قدامة: في "المغني" بعد أن حكى الخلاف: الأَولى الحكم ¬

_ (¬1) من (د). (¬2) من (د). (¬3) في (د، م): رواه. (¬4) "سنن الدارقطني" 1/ 132 من طريق أبي داود. (¬5) من (د). (¬6) في (ص): تغيير. (¬7) ليست في (د، م).

بالطهَارَة مُطلقًا؛ لأنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - لم يشترط في الصَّبِّ عَلى بَول الأعرابي شَيئًا (¬1)، وفيه رَأفة النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وحسن خلقه. قال ابن مَاجَه وابن حبان (¬2): في حَديث أبي هُريرَة: فقال الأعرابي بَعد أن فقه في الإسلام فقام إلى النّبي - صلى الله عليه وسلم -: بأبي وأمي فلم يؤنب ولم يسب، والتأنيب: المبَالغة في التوبيخ والتعنيف (¬3) وفيه تَعظيم المَسْجِد وتنزيهه عن الأقذار، وفيه أن الأرض تطهر بصَب الماء عليهَا ولا يشترط حفرُهَا خلافًا للحنَفية حَيث قَالوا: لا تطهرُ إلا بحَفرهَا كذَا أطلَق النووي (¬4) وغَيره والمَذكور في كتبُ الحنفية التفصيل بين ما إذا كانَت رخوَة بحيث يتَخللهَا الماء حَتى يغمرها فهذِه لا تحتَاج إلى حفر، وبَين مَا إذا كانت صلبة فلا بُدَّ مِن حَفرها وإلقَاء التراب واحتَجوا بهذا الحَديث (¬5). (قَالَ أَبُو دَاودَ) عن هذا السَّند (وهُوَ مُرْسَلٌ)؛ لأنَّ عبد الله (بْنُ مَعْقِلٍ لم يدرك النَّبي - صلى الله عليه وسلم -) وهذا يَدُل على أنَّ المرسَل هو (¬6) مَا رَفعهُ التَّابِعي إلى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وهوَ المشهُورُ عند أهل الحديث سَوَاء كانَ التابعي من كبارهم كعبيد الله بن عَبد الله بن الخيار أو مِن صغَار التَابعين ¬

_ (¬1) "المغني": 2/ 550 - 501. (¬2) "سنن ابن ماجه" (529)، و"صحيح ابن حبان" (985). (¬3) في (ص): والتغير. (¬4) "شرح النووي على صحيح مسلم" 3/ 190 - 191. (¬5) "تحفة الفقهاء" 1/ 76 - 77. (¬6) من (د، م).

كالزهري (¬1) وقَد روي هذا الحَديث من ثلاث طُرق: (أحَدهَا) مَوْصُولة (¬2) عن ابن مَسْعود أخرجها أبو يعلَى الموصلي في "مسنده" (¬3) والطحاوي وضعفها بسَبب سَمعان بن مَالك (¬4)، والآخران مُرسَلان أخرجَ المصَنف مِنهَا هذا الحَديث، والآخر: سَعيد بن منصور، من طريق طَاوس وروَاتهما ثقَاتٌ، وهوَ يلزم مَن يحتج بالمرسَل مُطلقًا، وكذَا من يحتج به إذا اعتضَد مُطلقًا، والشَافعيُّ إنما يَعتضد عنده إذا كانَ من رواية كبَار التابعين، وكانَ من أرسل إذا سمَّى لا يُسَمِّي إلا ثقة. وذلك مفقود في المرسَلين المذكورين على مَا هوَ ظاهِر من سنديهما (¬5). * * * ¬

_ (¬1) من (د، م). (¬2) في (م): موصول. (¬3) "مسند أبي يعلى" (3626). (¬4) "شرح معاني الآثار" 1/ 14، ولم يتكلم الطحاوي على إسناده، ونقل الحافظ في "التلخيص" 1/ 184 تضعيف أبي زرعة لسمعان بن مالك، قال أبو زرعة: هو حديث منكر جدًّا، وكذا قال أحمد. وقال أبو حاتم: لا أصل له. (¬5) انظر: "المجموع "شرح المُهَذب" 1/ 61 فقد نقل نص الشافعي في ذلك.

140 - باب في طهور الأرض إذا يبست

140 - باب فِي طُهُورِ الأَرْض إِذا يَبِسَتْ 382 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قالَ: قالَ ابن عُمَرَ كُنْتُ أَبِيتُ فِي المَسْجِدِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكُنْتُ فَتًى شابًّا عَزَبًا وَكانَتِ الكِلابُ تَبُولُ وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي المَسْجِدِ فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ (¬1). * * * باب في طهور الأرض إذا يبست [382] (ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ) المصْري الحَافظ شيخ البخَاري (ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابن شهَابِ ثنا حَمْزَةُ) (¬2) بفتح الحَاء المهملة والزاي (بْنُ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ) بن الخطاب أخُو سَالم (قَالَ: قَالَ) والده عَبد الله (بْنُ عُمَرَ) - رضي الله عنها - (كنْتُ أَبِيتُ فِي المَسْجِدِ فِي عَهْدِ رَسُولِ الله وَكُنْتُ فَتًى شَابًّا) فيه دَليْل جواز (¬3) على مبيت العُزَبَاءُ (¬4) ومَن لا أهْل لهُ في المَسْجِد؛ إذا كانَ رَجُلًا وليْسَ به علة يتنجس منها المَسْجِد وهو ممن يُصَلي. ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 70، وابن خزيمة (300)، وابن حبان (1656). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (408). ورواه البخاري (174) تعليقا بصيغة الجزم، ورواه مختصرا بنوم ابن عمر في المسجد وهو شاب عزب البخاري (440)، ومسلم (2479). (¬2) كتب فوقها في (د): ع. (¬3) من (د، م). (¬4) في (ص، ل، س): العزبان.

(عَزَبًا) بفتح العَيْن والزاي، وهوَ الذي لا زَوْجَ لهُ. ويُسَمى عَزَبًا؛ لبُعْده مِن النساء يقَالُ: عَزَبَ الرجُلُ يَعْزُبُ مِن بَاب قَتَل. عُزْبَةً وزَانَ غُرفة وعُزُوبةً إذا لم يكن له أهل فهو عَزَبٌ وامرأة عَزَبٌ أيضًا بفتحتين كذلك، قال أبو حَاتم: ولا يقالُ رَجُل أعزب (¬1). وفي البخاري: عن نَافع حَدثني عبَد الله؛ أنه كانَ ينَام وهو شَاب أعزبُ لا أهْل لهُ في مَسْجد النَّبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). (وَكَانَتِ الكِلَابُ تَبُولُ) أي: تَبول خارج المَسْجِد في مَوَاطنها. (وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي المَسْجِدِ) أي: مَسْجد رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - عَابرَةً إذ لا يَجوز أن تترك الكلَاب تنتاب (¬3) في المَسْجِد حَتى تمتهنه وتبول فيه، وَإنما (¬4) كانَ إقبَالهَا وإدبَارهَا في أوقات نادرَة إذ لم يكنُ على المَسْجِد أبوَاب تمنَع مِنْ دُخولهَا والمرور فيهَا (فلَمْ (¬5) يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ) (¬6) بالماء استدل (¬7) الحنَفية على أنَّ النجاسَة التي على الأرض ¬

_ (¬1) "تهذيب اللغة": عزب. (¬2) "صحيح البخاري" (440). (¬3) في (ص): ثبات. (¬4) في (ص): ربما. (¬5) في (ص، ل): ولم. (¬6) أخرجه البخاري (174)، وابن خزيمة (300) وفيه زيادة في أوله: كان عمر يقول في المسجد بأعلى صوته: اجتنبوا اللغو في المسجد. وأخرجه ابن حبان في "صحيحه" (1656). قال ابن خزيمة وابن حبان: يريد تبول خارجًا من المسجد وتقبل وتدبر في المسجد فلم يكونوا يرشون بمرورها شيئًا. (¬7) في (م): استدلت.

إذا ذهبَ أثرهَا بالشمس أو الريح تطهر ويُصلى عَليهَا (¬1)؛ ولأن الأرض تحيل الشيء إلى طبعَها، ولهذا قال اللهُ تعالى: {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا} (¬2). وَأجَابَ الشافعيةُ (¬3) بأنا لا نُسَلم هذا فإن الأرض لا تحيل الذهَب والفضة وسَائر الجَوَاهر إلى طَبْعها. والآية قال ابن عَباس: هي (¬4) العُلماء والأمرَاء (¬5) ثم لو صَح مَا قالوه لجَاز التيمم بترابهَا؛ لأن الأرض قد (¬6) أحَالَتها إلى طَبعه، وأجَابَ أصْحَابنَا أنَّ الحَديث ليْسَ فيه دُخول البَوْل المَسْجِد ويحَتمل أنهُ أرادَ أنها كانتَ تبول ثم تقبل وتدبر في المَسْجِد والأرض جَافة وأرْجلها، وَيكون إقبالهَا وإدبَارهَا بَعْدَ بَولهَا، واسْتدل به أبو قلابة عَلى مَا ذَهَب إليْه: أنَّ جفوف الأرض طهورهَا (¬7) (¬8) وهوَ مَذهب شاذ. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "المبسوط" للسرخسي 1/ 366. (¬2) الكهف: 8. (¬3) انظر: "البيان" 1/ 446. (¬4) في (ص): اتفق. وفي (م): من. وبياض في (ل، س). والمثبت من (د). (¬5) كذا ولم أجدها في أي مصدر. (¬6) ليست في (م). (¬7) في (د، م): طهور لها. (¬8) "مصنف عبد الرزاق" (5143).

142 - باب في الأذى يصيب النعل

142 - باب فِي الأَذَى يُصِيبُ النَّعْلَ 385 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا أَبُو المُغِيرَةِ. ح، وحَدَّثَنا عَبّاسُ بْنُ الوَلِيدِ بْنِ مَزْيَدٍ أَخْبَرَنِي أَبِي ح، وحَدَّثَنا مَحْمُودُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا عُمَرُ -يَعْنِي: ابن عَبْدِ الواحدِ- عَنِ الأوْزاعِيِّ -الْمَعْنَى- قالَ: أُنْبِئْتُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيَّ حَدَّثَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إِذا وَطِئَ أَحَدُكُمْ بِنَعْلَيهِ الأذَى فَإِنَّ التُّرابَ لَهُ طَهُورٌ" (¬1). 386 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْراهِيمَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْن كَثِيرٍ -يَعْنِي: الصَّنْعاني عَنِ الأَوْزاعِيِّ، عَنِ ابن عَجْلانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَعْناهُ قالَ: "إِذا وَطِئَ الأذَى بِخُفَّيهِ فَطَهُورُهُما التُرابُ" (¬2). 387 - حَدَّثَنا مَحْمُودُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا محَمَّدُ -يَعْنِي: ابن عائِذٍ- حَدَّثَنِي يَحْيَى -يَعْنِي: ابن حَمْزَةَ- عَنِ الأوزاعِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الوَليدِ أَخْبَرَنِيَ أَيْضًا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ القَعْقاعِ بْنِ حَكيمٍ، عَنْ عائِشَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَعْناهُ (¬3). ¬

_ (¬1) رواه ابن خزيمة (292)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 51، وابن حبان (1403، 1404)، والحاكم 1/ 166، والبيهقي 2/ 430، ورواه البغوي في "شرح السنة" (300) من طريق أبي داود. وانظر ما بعده. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (411). (¬2) انظر السابق. (¬3) رواه أبو يعلى (4869)، والطبراني في "الأوسط" (2759)، ورواه البيهقي 2/ 430 من طريق أبي داود. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (413).

باب في الأذي يصيب النعل (¬1) [385] (ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل، ثَنَا أَبُو (¬2) المُغِيرَةِ) عَبد القُدوس بن الحَجاج الخولَاني الشامي الحمْصي (ح (¬3) وَثَنَا العَبَّاسُ بْنُ الوَلِيدِ [بن مَزْيَد)] (¬4) أبو يَزيد أبو الفضل العذري. قال أبو حَاتم: صَدُوق (¬5) وقالَ إسْحَاق بن يسَار: مَا رَأيت أحْسَن سَمتًا منهُ (¬6) قالَ (¬7) (أخبرني أبي) الوَليد بن مزيد (¬8) بفتح الميم [ثم زَاي] (¬9) سَاكنة ثم مثناة تحت مفتوحة العذري ثقة. (ح وَثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ) بن يزيد السلمي الدمشقي، قال أبو حَاتم كانَ ثقة رضى (¬10) (¬11) ووثقه النسَائي (¬12) (ثَنَا عُمَرُ (¬13) بْن عَبْدِ الوَاحدِ) ¬

_ (¬1) هذا الباب تأخر في بعض روايات أبي داود بعد: باب الأذى يصيب الذيل. (¬2) كتب فوقها في (د): ع. (¬3) من (د، م). (¬4) في (ص) أبو يزيد، وفي (ل): أبو مزيد. ووضع فوقها في (د): ع، والمثبت من (د، م). (¬5) "الجرح والتعديل" (1178). (¬6) "تهذيب الكمال" 14/ 258. (¬7) ليست في (د، م). (¬8) في (م): مرثد. (¬9) في (م): والزاي. (¬10) ليست في (م). (¬11) "الجرح والتعديل" (1342). (¬12) "تهذيب الكمال" 27/ 297. (¬13) كتب فوقها في (د): د س.

السلمي الدمشقي. (عَنِ الأوزَاعِيِّ المعنى (¬1) قَالَ: أُنْبئْتُ) أي: أُخْبِرتُ (أَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيَّ) قال أحمد: ليْسَ به بَأسٌ (¬2) (حَدَّثَ عَنْ أَبِيهِ) أبي سَعيد كيسَان المقبري سُمِّيَ بذَلك؛ لأنهُ كَانَ يَحفظ مقبره بني دينار. (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إِذَا وَطِئَ أَحَدُكُمْ بنَعله) النعل: هي المدَاس وجمعَ في "الروضة" بَيْنَ النعْل والمكعب (¬3) فدَل على أنهُ غَيره والمكعب مخصُوص بَما دُونَ الكعَبين؛ ولذلك سمي بذلك. (الأَذَى) هوَ في اللغة المُستقذر طَاهِرًا كانَ أو نجسًا. (فَإِنَّ التُّرَابَ لَهُ طَهُورٌ) بفتح الطاء أيْ مُطَهَّرٌ أخذ بظاهِره الأوزاعي أحد الرُّوَاة، وأبو ثور وإسْحاق، وروَاية عن أحمد فَذهَبُوا إلى أن أسْفل النعل أو الخف أو الحذاء إذَا أصَابته نَجاسَة فدَلكهُ على الأرض حَتى زَالت عَينُ النجاسَةِ الرَّطبة أو زَالت لكثرة (¬4) الوطء عَلَى التراب فيجزئ دَلكه بالأرض ويباح الصَّلاة فيه لهذا الحَديث وللحَدِيث المتقدم عَن ابن مَسْعُود: كنا لا نتوضأ من موطئ (¬5) (¬6)، ولأن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحَابه كانوا يُصَلونَ في نعالهم (¬7) وذَهب أبو حنيفَة إلى أنَّ ¬

_ (¬1) من (د، م). (¬2) انظر: "الجرح والتعديل" (251). (¬3) "روضة الطالبين" 1/ 126. (¬4) في (د، م): بكثرة. (¬5) في (ص): موضئ. (¬6) تقدم تخريجه. (¬7) "مصنف ابن أبي شيبة" 5/ 279 - 284 (7942 - 7955).

النجَاسَة إذا جَفت بالنَّعل أو الخُفّ فمسَحَهُ على الأرض جَازَت الصَّلاة فيه (¬1). وإن كانت النجاسَة رَطبة (¬2) لم يجز وإلى هذا ذَهَبَ القاضي من الحنَابلة (¬3)؛ لأن رُطوبة النجاسَة بَاقيَة فلا يُعفى عنها وظاهر الأخبار لا فرق بَين الرطب والجاف؛ ولأنهُ محَل اجتزئ (¬4) فيه بالمسح فجاز في حَال رُطوبة الممسوح كمحل الاستنجاء وسَيَأتي مَذهب الشافعي. [386] (ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) بن كثير العَبْدي مَولى عبد القيس شيخ مُسْلم. (ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ) المصيصي (الصَّنْعَانِي) نزيل المصيصَة يقالُ: مِن صَنعَاء دمشق. قالَ أبو حَاتم: سَمعتُ الحَسَن بن الربيع يقول (¬5) محمد بن كثير اليوم أوثق (¬6) الناس فكتب (¬7) عنه (¬8). قالَ ابن سَعد: كانَ مِن أهل صَنعَاء، ونزل المصيصة، ونشأ بالشام، وكانَ ثقة، يذكرونَ أنهُ اختلط في آخِر عُمره (¬9) (عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنِ) محَمد (ابْنِ عَجْلَانَ) قالَ المنذري: أخرَجَ له البخاري في الشوَاهِد، ومُسْلم في المتابعَات، ووثقه غَير وَاحد (¬10). ¬

_ (¬1) "المبسوط" للسرخسي 1/ 206 - 207. (¬2) في (م): راطبة. (¬3) "المغني" 2/ 488. (¬4) في (م): اجتزأت. (¬5) من "الجرح والتعديل". (¬6) في (ص، س، ل): أولى. (¬7) في (ص): بكثير. (¬8) "الجرح والتعديل" (309). (¬9) "الطبقات الكبرى" 7/ 489. (¬10) "مختصر سنن أبي داود" 1/ 228.

(عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ) المقبري (عَنْ أَبِيهِ) أبي سَعيد كيسَان المقبري (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ رسُول الله) - صلى الله عليه وسلم - بِمَعْنَاهُ (قال: إِذَا وَطِئَ) بِهَمز آخِره أي: ضرب وأصَاب (بِخُفَّيهِ) أو نعليه كما تقدم. (الأَذَى) يعني: النجاسَة (فَطَهُورُهُمَا) بفتح الطاء أي: تطهيرهما (¬1) (التُّرَابُ) إذا ذهبت (¬2) النجاسَة به ذهبَ الشافعي (¬3)، وهوَ روَاية عَن أحمد إلى أن النجاسَة لا يزيلهَا إلا الماء الذي تغسل به كسَائر النجاسَات (¬4) فإن الدلك لا يُزيل جميع أجزاء النجاسَة؛ ولأن هذِه نجاسَة لا يُجزئ فيها المَسْح إذا كَانَتْ رَطبَة، فَلم يجز فيهَا المَسْح إذا جفت (¬5) كالبَول، وحمل الشافِعِي هذا الحَديث عَلى أن المراد بالأذى هنا المستقذر (¬6) الظاهِر فإن لفظ التطهير يُستعمل فيه كقَوله - صلى الله عليه وسلم -: "السَّوَاك مَطهرة للفَم" (¬7)، وأوله أيضا بأن الرجُل إذَا مَشَى عَلى نجاسَة يَابسَة فأصَابَ النعْل غبَار النجاسَة اليَابسَة، ثم مَشى عَلى مكان طاهِر فإن نعله يَطهر بزوَال غبَار النجاسَة بمشيه عَلى مكان طَاهِر حَكاهُ البغَوي (¬8). ¬

_ (¬1) في (د، م): يطهرهما. (¬2) في (ص): ثبتت. (¬3) انظر: "المجموع" 2/ 598. (¬4) انظر: "المغني" 2/ 487. (¬5) في (ص، س، ل): جف. (¬6) في (ص): المشهور. (¬7) رواه النسائي 1/ 10 من حديث عائشة، وراه أحمد 1/ 3 من حديث أبي بكر - رضي الله عنه -. (¬8) "شرح السنة" 2/ 93.

[387] (ثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ، ثَنَا مُحَمَّد بْنَ عَائِذٍ) القرشي الدَّمَشقي الكاتب صَاحب كتاب "الفتوح والمغازي" وغير ذلك متولي خراج (¬1) الغوطة زمَن المأمون. قال ابن معين: ثقة. وقال دحيم: صَدُوق (¬2)، وقالَ النسَائي (¬3): ليسَ به بَأس (¬4) (ثنا يَحْيَى (¬5) ابن حَمْزَةَ) بفتح الحَاء المهملة والزَاي، الحَضْرمي قَاضي دمشق (عَنِ الأوزَاعِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الوَلِيدِ) بن (¬6) عَامِر الزبيدي القَاضِي الحمصي أحَد الأعلام، أخرج له الشيخان. (قالَ أَخْبَرَنِي أيضًا (¬7) سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ) المقبري (عَنِ القَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ) بفتح الحَاء الكناني (¬8) أخرجَ لهُ مُسْلم والأربعة. (عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بِمَعْنَاهُ) (¬9) قالَ المنذري: هوَ حَديث حَسَن (¬10)، لكنهُ لم يذكر لفظه واللهُ أعْلَم. * * * ¬

_ (¬1) في (م): إخراج. (¬2) "تهذيب الكمال" 25/ 428. (¬3) في (ص، س): الكسائي. والمثبت من (د، ل، م)، "تهذيب الكمال". (¬4) "تهذيب الكمال" 25/ 428. (¬5) كتب فوقها في (د): ع. (¬6) في (ص): عن، والمثبت من (د، م). (¬7) في (ص): أخا. (¬8) في (م): الكندي. (¬9) سقط من (م). (¬10) "مختصر سنن أبي داود" للمنذري 1/ 228.

143 - باب الإعادة من النجاسة تكون في الثوب

143 - باب الإِعادَةِ مِنَ النَّجاسَةِ تَكُونُ فِي الثَّوْب 388 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنا عَبْدٍ الوارِثِ، حَدَّثَتْنا أُمُّ يُونُسَ بِنْتُ شَدّادٍ قالَتْ: حَدَّثَتْنِي حَماتيِ أُمُّ جَحْدَرٍ العامِرِيَّةُ أَنَّها سَأَلتْ عائِشَةَ، عَنْ دَمِ الحَيْضِ يُصِيبُ الثَّوْبَ فَقالَتْ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعَلَيْنا شِعازنا وَقَدْ أَلْقَيْنا فَوْقَهُ كِساءً فَلَمّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَخَذَ الكِساءَ فَلَبِسَهُ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الغَداةَ ثُمَّ جَلَسَ فَقالَ رَجُلٌ: يا رَسُولَ اللهِ هذِه لْمُعَةٌ مِنْ دَمٍ. فَقَبَضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ما يَلِيها فَبَعَثَ بِها إِلَيَّ مَصْرُورَةً فِي يَدِ الغُلامِ فَقالَ: "اغْسِلِي هذِه وَأَجِفِّيها ثُمَّ أَرْسِلِي بِها إِلَيَّ". فَدَعَوْتُ بِقَصْعَتِي فَغَسَلْتُها ثُمَّ أَجْفَفْتُها فَأَحَرتُها إِلَيْهِ فَجاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِنِصْفِ النَّهارِ وَهِيَ عَلَيْهِ (¬1). * * * باب الإعادة من النجاسة تكون في الثوب [388] (ثنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ) بن ذؤيب الذهلي رَوى عنه (¬2) البخاري في مَوَاضِع لكن لم ينسبه في بَعضها، فكان (¬3) تارة يقول محمدَ بن عبد الله وتَارَة: محَمد بن خالد وتَارَة يَقول: محَمد. (ثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ) عَبْد الله بن عَمرو التميمي (¬4) (ثنا (¬5) عَبْدُ الوَارِثِ) بن سَعيد التميمي التنوري (¬6). ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 2/ 404 من طريق أبي داود. وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (62). (¬2) في (ص): بقية. (¬3) في جميع النسخ: لكن. ولعل المثبت الصواب. (¬4) في (م): التيمي. (¬5) من (د). (¬6) من (د).

(ثَتْنَا أُمُّ يُونُسَ) (¬1) قالَ شيخنا: لا يعرف حَالهَا (¬2). (بِنْتُ شَدَّادٍ قَالَتْ (¬3): حَدَّثَتْنِي حَمَاتِي) حماة بوزن حصَاة، أُم [زوج المرأة] (¬4) لا يجوز فيها غَير ذَلكَ بخلاف الحَمْو، فإنَّ فيه أربَع لغات (أُمُّ جَحْدَرٍ) [لا يعْرف حَالهَا] (¬5). (الْعَامِرِيَّةُ (¬6) أَنَّهَا سَأَلَتْ عَائِشَةَ عَنْ دَمِ الحَيضِ يُصِيبُ الثَّوْبَ فَقَالَتْ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَعَلَيْنَا شِعَارُنَا) تقدم أنَّ الشعار مَا يلي الجَسَد. (وَقَدْ أَلْقَينَا فَوْقَهُ) أي: فَوق الشعار (كسَاءً فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَخَذَ الكِسَاءَ فَلَبِسَهُ ثمَّ خَرَجَ) إلى الصَّلاة. (فَصَلَّى الغَدَاةَ) بِه، فيه جَوَاز لبس الرجل ثَوب امْرأته والخروج به إلى الناس والصَّلَاة في ثوب الحَائض الذي لا يلي جَسَدهَا وكَذَا يَجوز للمرأة لبْس ثوب زَوجهَا إذا لم يَكن الثوب مختصا بأحَدهما، ولا يكون هذا من تشبه النسَاء بالرجَال والرجَال بالنسَاء. (ثُمَّ جَلَسَ) بعد الصَّلاة (فَقَالَ رَجُلٌ) مِنَ القوم (يَا رَسُولَ الله هذِه لُمْعَةٌ) بضَم اللام وهي البقعَة وزنًا ومعَنى، جمعها: لماع كبقعَة وبقاع، وفي الحَديث: أنه - صلى الله عليه وسلم - اغتسَل فرأى لمعَة بمنكبه فدَلكها بشعره (¬7) أرَادَ بقعة ¬

_ (¬1) كتب فوقها في (د، ل): د. (¬2) "تقريب التهذيب" (8882). (¬3) في (س، م): قال. (¬4) في (ص): زوجة الرجل. وفي (م): زوجة لا يعرف حالها المرأة، والمثبت من (د). (¬5) ليست في (م): وجاءت في غير موضعها قبل هذا. (¬6) أقحم هنا في (ص): قالت أمها. وفي (م): قالت. (¬7) في (ص): بشعرها. والحديث أخرجه ابن ماجه (663)، وأحمد 1/ 243 وضعفه =

يَسيرة (¬1) بجسَده (¬2) لم يَنَلْهَا الماء. قالَ في "النهاية": وهي في (¬3) الأصْل قطعَة من النبت إذا أخذت في اليبس (¬4). (مِنْ دَمٍ) لا فرق في إعَادَة الصَّلاة بَيْنَ الدم وغَيره مِنَ النجاسَات. (فَقَبَضَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -) عَليهَا و (عَلَى مَا يَلِيهَا) مِنَ الكسَاء. (فَبَعَثَ إِلَيَّ بِهَا مَصْرُورَةً فِي يَدِ الغُلَامِ فَقَالَ: اغْسِلِي هذِه) النجاسَة، وفيه دَليْل عَلى جَوَاز استنابة النسَاء في غَسْل النجاسَة والاعتماد على قولهن (¬5) في إزالتها. (وَأَجِفِّيهَا) بتشديد الفاء أي: انشري مَوْضع الغَسْل ليجفّ أي: ييبس يقالُ جَفَّ الشيءُ وأجْففته أنا (وأَرْسِلِي بِهَا إِلَيَّ فَدَعَوْتُ بِقَصْعَتِي) بفتح القَاف جَمْعها قِصع بكَسْرها (فَغَسَلْتُهَا) في القصعَة. (ثُمَّ أَجْفَفْتُهَا وأَحَرْتُهَا) بفتح الهَمزة والحَاء المهملَة أيْ: رَدَدْتها (إِلَيْهِ) قالَ اللهُ تَعالى: {ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ} (¬6) أي: ظَنَّ أنه لا يبعث، ولا يَرجع إلينَا في القيامة للحسَاب، وفي الحديث "من (¬7) دَعَا رَجُلًا بالكفر وليسَ كذلك ¬

_ = الألباني في "ضعيف سنن ابن ماجه". (¬1) تكررت في (م). (¬2) في (د، م): من جسده. (¬3) سقط من (م). (¬4) "النهاية في غريب الحديث والأثر" (لمع). (¬5) في (ص): قولهم. (¬6) الإنشقاق: 14. (¬7) من (د، س، م، ل).

إلا حَار عَليه" (¬1) أي: رَجَعَ عَليه (¬2) مَا نُسبَ إليه. (فَجَاءَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - نِصْف النَّهَارِ وَهِيَ عَلَيْهِ) الظاهِر أن المصَنف استدل بهذا الحديث عَلى أن مَن صَلى وعليه نجاسَة لا يعلم بهَا ثم علم بهَا بعد الفراغ مِنَ الصَّلاة؛ لم يَجب عَليه الإعادة (¬3) إذ لم يَرد أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أعَادَ هذِه الصلَاة، ولو أعَادَ لنقل إلينَا، وأمَّا روَاية الدَارقطني والبيهقي وابن عَدي في "الكامل" (¬4) من حديث أبي هرَيرة: تعاد الصَّلاة مِن قدر الدرهم مِنَ الدم، فمحمول على (¬5) من صَلى بها عَالمًا بهَا. * * * ¬

_ (¬1) أخرجه ومسلم (61) (112)، وأحمد 5/ 166. (¬2) سقط من (م). (¬3) من (د). (¬4) في (ص، س، ل): الكاد. "سنن الدارقطني" 2/ 257 (1494)، "االسنن الكبرى" للبيهقي 1/ 135 (392)، "الكامل" 4/ 47. (¬5) زاد في (م): أن.

144 - باب البصاق يصيب الثوب

144 - باب البُصاق يُصِيبُ الثَّوْبَ 381 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، أَخْبَرَنا ثابِتٌ البُنانِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قالَ: بَزَقَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي ثَوْبِهِ وَحَكَّ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ (¬1). 390 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ قالَ: حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بمِثْلِهِ (¬2). * * * باب في البزاق يُصِيبُ الثَّوْبَ [389] (ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التبوذكي (ثَنَا حَمَّادٌ) بن سَلمة (أَنَا ثَابِتٌ البُنَانِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ) (¬3) وهوَ المنذر بن مَالك بن قِطعة (¬4) بكسْر القاف العَبْدي التابعي، روى عَن عَلي مُرسَلا، وعَن ابن عباس وأبي سَعيد (قَالَ: بَزَقَ) (¬5) أي: بصق وهوَ إبدَال منه. (رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي ثَوْبِهِ) أي: والبدن (¬6) ونحوه فيهِ دلَالة على [أن البزَاق] (¬7) والمخَاط طَاهِر وهو أمر مجمع عَليه. ¬

_ (¬1) رواه ابن شبة في "تاريخ المدينة" 1/ 23، وابن أبي حاتم في "العلل" 1/ 120 - 121، وقال: مرسل، وهو الصحيح. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (414)، قال: حديث صحيح، وهو مرسل صحيح الإسناد. ورواه موصولا أحمد 3/ 42، وابن أبي حاتم في "العلل" 1/ 120 عن أبي سعيد. (¬2) رواه البخاري (241، 405، 417). (¬3) في (م): بصرة. (¬4) في (ص): قطعم. (¬5) في (ص، س): بصق. (¬6) في (ص): البيت. (¬7) في (ص، س، ل): البصاق.

قالَ ابن بَطال (¬1): لا أعلم فيه خلافًا إلا مَا روي عَن سَلمان الفَارسي صَاحب رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنهُ جَعَلهُ غَير طَاهِر (¬2)، وأن الحَسَن البَصري كرهَهُ في الثوب تنزهًا. (وَحَكَّ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ) روَاية البخَاري الآتية: وردَّ بَعْضَهُ على بَعض. وروى أبو نعيم في "مستَخرجه" هذا الحَدِيث مِن طَرِيق الفريابي، و (¬3) زَادَ في آخِره: وهوَ في الصَلاة (¬4). وروى البخاري في كتاب الصلاة عن حميد، عن أنس؛ أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن أحَدكم إذا قامَ في صلانه قائمًا يُنَاجي رَبه فلا يَبزقن في قبلته، ولكن عَن يسَاره أو تحت قدمه (¬5) أخذ طرف ردَائه فبزق وردَّ بَعْضَهُ على بَعض" (¬6). قال ابن بطال (¬7): ومَا ثبتَ عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - هوَ الحُجة البَالغة، والسُنة المتبعَة، فلا مَعنى لقولهم أي: قول (¬8) من خالفهُ. [390] (ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَمَّادٌ) بن سَلمة (عَنْ حُمَيدٍ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمِثْلِهِ) وهذِه طَريقَة البخَاري. ¬

_ (¬1) "شرح صحيح البخاري" 1/ 359. (¬2) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 2/ 128 (1497). (¬3) من (د، م). (¬4) لم أجده في "مستخرج أبي نعيم"، وهو في "سنن البيهقي الكبرى" 1/ 385 (1200) من طريق الفريابي به. (¬5) في (ص، س، ل): قدميه. والمثبت من (د). (¬6) "صحيح البخاري" (405). (¬7) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 1/ 359. (¬8) في (د، م): لقول.

141 - باب في الأذى يصيب الذيل

141 - بَابٌ فِي الأَذَى يُصِيبُ الذَّيْلَ 383 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أُمِّ وَلَدٍ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّهَا سَأَلتْ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: إِنِّي امْرَأةَ أُطِيلُ ذَيْلي، وَأَمْشِي فِي الَمكَانِ القَذِرِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يُطَهِّرُهُ مَا بَعْدَهُ" (¬1). 384 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْن مُحَمَّدٌ النُّفَيْلِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَا: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عِيسَى، عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الأشْهَلِ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لَنَا طَرِيقًا إِلَى الَمسْجِد مُنْتِنَةً فَكَيْفَ نَفْعَلُ إِذَا مُطِرْنَا؟ قَالَ: "أَلَيسَ بَعْدَهَا طَرِيقٌ هِيَ أَطْيَبُ مِنْهَا؟ " قَالَتْ: قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: "فهذِه بهذِه" (¬2). * * * باب فِي الأَذَى يُصِيبُ الذَّيْلَ هذا البَاب تَقدَّم (¬3) عندَ الأنصَاري، وتبعَهُ المنذري، عَلى بَاب الأذَى يُصيبُ النعْل. [383] (ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مسْلَمَةَ) (¬4) القعنبي (عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ) بضم العين المهملة (بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ) وثقه ابن معين (¬5) (عَنْ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (143)، وابن ماجه (531)، ومالك 1/ 24، وأحمد 6/ 290، 316. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (409). (¬2) رواه ابن ماجه (533)، وأحمد 6/ 435. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (410). (¬3) في (د، م): مقدم. (¬4) في (ص): سلمة. (¬5) "الجرح والتعديل" 5/ 48 (204).

مُحَمَّدِ (¬1) بْنِ إِبْرَاهِيمَ) بن الحارث، تيمي مَدَني أحَد العُلماء (عَنْ أُمِّ وَلَدٍ لإِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) [رواية الترمذي (¬2) عن أم ولد لعبد الرحمن] (¬3) ابْنِ عَوْف (¬4). (أَنَهَا سَأَلَتْ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: إِنِّي امْرَأَةٌ أُطِيلُ ذَيْلِي) أصْله من ذَال الشيء إذا طَال، ثم أطلق الذيْل عَلى طرفه الذي يَلي الأرض (وَأَمْشِي فِي المَكَانِ القَذِرِ) بكسر الذال هوَ المُستقذر. (فَقَالَتْ [أُمَّ سَلَمَةَ] (¬5): قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: يطَهَّرُهُ) (¬6) الضَّمير في "يطهره" (¬7) للذيل، ومَا في "ما (¬8) بعده" فاعلة (¬9). [وذَهَب الأوزاعي وأبو ثور إلى أن الماشي إذا ضَرَبَ النجَاسَة بنعله وأمَسَحَهَا في الأرض يطهره] (¬10) ما بعده. قال الشافعي: إنما هو فيما جر على ما كان يابسًا لا يعلق بالثوب منه شيء (¬11). وقال مالك (¬12): إنما هو أن يطأ الأرض القذرة ثم يطأ الأرض اليابسة النظيفة فإن بعضها يطهر بعضًا] (¬13). [384] (ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَا: ثَنَا زُهَيرٌ، ¬

_ (¬1) كتب فوقها في (د): ع. (¬2) كذا في (د)، وهو الصواب. وفي بقية النسخ ابن ماجه. (¬3) تقدمت هذه العبارة في (ص) بعد قوله: أحد العلماء. وفي (م): بعد قوله: عمرو. (¬4) في (ص): عون. (¬5) من (د). (¬6) في (ص): تطهيره. (¬7) في (ص): تطهيره. (¬8) من (د، م). (¬9) من (د، م). (¬10) في (م): مسحه بالأرض طهره. (¬11) انظر: (الأوسط) 2/ 296. (¬12) "المدونة" 1/ 127. (¬13) من (د، م). وفي (ص، س، ل): تقديم وتأخير وسقط.

ثَنَا عَبْدُ اللهِ) بْنُ عيسى (¬1). (عَنْ مُوسَى [بن عبدالله] (¬2) بْنِ يَزِيدَ) الخطمي (عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ) قال الخطابي (¬3): مجهولة لا تقومُ بهَا الحجة. قال المنذري (¬4): فيه نظر فإنَّ جَهَالة الصحابي غَير مُؤثرة. (قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسولَ الله إِنَّ لَي طَرِيقًا إِلَى المَسْجِدِ مُنْتِنَةً) بضَم الميم وكسْر المثناة، أي: لما بهَا مِن النجَاسَات المستقذرة و (¬5) لفظ ابن ماجه قذرة (¬6). (فَكَيْفَ نَفْعَلُ إِذَا مُطِرْنَا) أي: أُمْطِرت الطريق (قَالَ: أَلَيْسَ بَعْدَهَا طَرِيقٌ هِيَ أَطْيَبُ مِنْهَا. قَالَت (¬7): قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: فهذِه بهذِه) أي: تطيب المنتنة بالطيبة والمتنجسَة بالطاهرة. [وهو آخر كتاب الطهَارة بحمَد الله وعونه وصَلى الله على سَيدنا مُحمد وعلى آله وصَحبه وسَلم. يتلوه كتاب الصَّلاة آخر الجُزء الأول مِن مُصَنفات المصَنف وهي إحدَى عشرة مُجلدة والحمد لله وحْدَهُ] (¬8). * * * ¬

_ (¬1) في (ص): عيينة. (¬2) من (د، م). (¬3) "معالم السنن" 1/ 119. (¬4) "مختصر سنن أبي داود"1/ 227 (360). (¬5) من (د، م). (¬6) "سنن ابن ماجه" (533). (¬7) في (ص): قال. والمثبت من (د، س، م، ل). (¬8) في (د): هذا آخر الجزء الأول من أجزاء المؤلف ..... ويتلوه كتاب الصلاة والحمد لله وحده. وفي (م): وهو أخر كتاب الطهارة ويتلوه كتاب الصلاة.

كتاب الصلاة

كتابُ الصلاة

1 - باب الصلاة من الإسلام

كتاب الصَّلاة 1 - باب الصَّلاةِ مِنَ الإسْلامِ 311 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ يَقُولُ: جاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثائِرَ الرَّأْسِ، يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ وَلا يُفْقَهُ ما يَقولُ، حَتَّى دَنا فَإِذا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلامِ فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "خَمْسُ صَلَواتٍ فِي اليَوْمِ واللَّيلَةِ". قالَ هَلْ عَلي غَيْرُهنَّ قالَ: "لا إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ". قالَ وَذَكَرَ لَهُ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صِيامَ شَهْرِ رَمَضانَ قالَ هَلْ عَلي غَيْرُهُ قالَ: "لا إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ". قالَ: وَذَكَرَ لَه رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الصَّدَقَةَ. قالَ: فَهَلْ عَلي غَيْرُها قالَ: "لا إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ". فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقولُ والله لا أَزِيدُ عَلَى هذا وَلا أَنْقُصُ. فَقالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ" (¬1). 312 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ داودَ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بْن جَعْفَرٍ المدَنيُّ، عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (46)، ومسلم (11/ 8).

نافِعِ بْنِ مالِكِ بْنِ أَبِي عامِرٍ بإسْنادِهِ بهذا الحَدِيثِ قالَ: "أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ، دَخَلَ الجَنَّةَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ" (¬1). * * * {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [وصَلى اللهُ على سَيِّدَنا مُحمدَ وآله وصحبه وسلم] (¬2) كتاب الصَّلاة [391] (ثَنَا عَبْدُ الله (¬3) بْنُ مَسْلَمَةَ) القعنبي (عَنْ مَالِكٍ، عَنْ) عمِّه (¬4) (أَبِي سُهَيلِ) (¬5) نافع (بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ) مَالك بن عَامِر الأصبحي، ونافِع عَم الإمام مَالك بن أنَس وهوَ تابعي. (أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيدِ الله) أحَد العَشرة (يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -) قيل: إن هذا الرجُل هَو ضمام بن ثعلبة الذي سَماهُ البُخَاري في حَديث أنس الذي تكرر فيه (¬6): آلله أمرك؟ (¬7) وإن الحَديثين حَديث واحِد. ¬

_ (¬1) رواه مسلم 11/ 9. (¬2) سقط من (د)، وفي (م): وبه نستفتح ونستعين ونتوكل. (¬3) في (س): عبيد الله. (¬4) من (د). (¬5) في (د): سهل. (¬6) سقط من (م). (¬7) "صحيح البخاري" (63).

واستبعدَهُ القُرْطبي وَقال: بَل هما حَديثان مختلفان (¬1) (مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرُ الرَّأْسِ) برَفع ثائر صفة لرَجُل، وهَل يَجُوز نَصبه على الحَال؛ لأن (رَجُل) لما اتصف بأنه مِن أهْل نَجد قرب مِنَ المعْرفة (¬2)؟ ومَعْنى ثائر الرأس مُنتَفش الشَعر قائمِهُ مِنْ قولهم: ثار الشيء إذا ارتفع. (نسْمَعُ) بالنون المفتوحَة وباليَاء المثناة تحت المضمومة على البنَاء لما لم يُسَم فاعله وبالنون أشهرَ. (دَوِيَّ) بفتح الدال وكسْر الوَاو وتشديد اليَاء [المثناة تحت] (¬3) وحكي ضَمُّ الدال. (صَوْتهِ) أي: بُعْدَهُ في الهَواء ومعَناهُ: شدَّةُ الصَّوت. (وَلَا نَفْقَهُ) بفتح النون وروي باليَاء المثناة تحت المضمومَة والأول أعرف (مَا يَقُولُ) إنمَا لَمْ يَفهَمُوا مَا يَقول؛ لأنهُ نادى مِنْ بُعد فلمَّا دَنَا فَهموهُ. (حَتَّى دَنَا) أي: قربَ منَّا (فَإِذَا هُوَ) إذا للمفاجَأة. (يَسْأَلُ) يَجُوز أن تكون الجملة الفعلية في محَل رَفع خَبر للمبتَدأ الذي هُوَ: هو (¬4) يَجوزُ نصْبهَا على الحَال والخَبر محذُوف، أي: إذَا هوَ ¬

_ (¬1) "المفهم" 1/ 157. (¬2) نعم يجوز هذا، لأن النكرة لما اتصفت صارت كأنها معرفة، لكن هنا إشكال أورده الكرماني، وغيره وهو: أن الحال لا تكون إلا نكرة وقوله: (ثائر الرأس) مضاف فصار معرفة. وأجاب عنه بأن هذه إضافة لفظية والمعنى: ثائرة رأسه فأصلها نكرة. انظر: "شرح سنن أبي داود" للعيني 2/ 231. (¬3) سقط من (د، س، م). (¬4) سقط من (ص). والمثبت من باقي النسخ.

حَاضِر (¬1) سَائلًا (عَنِ) شرائع (الإِسْلَامِ) لا عَن حَقيقة الإسْلام (فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: خَمْسُ) مَرفوع؛ لأنه خبرُ مُبتَدَأٍ محَذوف أي: هوَ خمس (صَلَوَاتٍ فِي اليَوْمِ وَاللَّيلَةِ) وهيَ المكتوبَات. (قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيرُهُن؟ قَالَ: لا) فيه دَليل عَلى أن الوتر ليْسَ بوَاجِب وهوَ مَذهَب الجمهُور، وخالفهم أبُو حَنيفة وقالَ: إنهُ وَاجب ولا نُسميه فرضًا؛ لأن الفَرض عندهُ مَا كانَ مَقطوعًا بلزومه كالصَّلوَات الخَمس (¬2). (إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ) المشهُور في (¬3) (تَطَّوَّع) تشديد (¬4) الطاء على إدْغَام إحْدَى التاءين في الطاء. قالَ ابن الصَّلاح: هوَ محتمل للتشديد والتخفيف عَلى الحَذف (¬5)، وهذا (¬6) استثناء مُنقطع، و (إلا) بمعَنى لكن، والتقدير لكنَّ التطَوُّعَ خَير لك، وقال: من شرع في تطوع استحبّ (¬7) له إتمامه ولا يَجب بَل يجوز قطعهُ؛ ، لأن الشروعَ غَيرُ مُلزمٍ (¬8). قال الطيبي: هذا الاستثناء من وَادي قوله تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} (¬9) التقدير في الحَديث عَلى هذا لا يجبُ ¬

_ (¬1) في (م): خاص. (¬2) انظر: "المبسوط" للسرخسي 1/ 308. (¬3) في (د، م): فيه. (¬4) في (د، م): بتشديد. (¬5) "صيانة صحيح مسلم" 1/ 139. (¬6) في (د): هو. (¬7) في (د، م): يستحب. (¬8) انظر: "شرح النووي على مسلم" 1/ 166. (¬9) الدخان: 56.

شيء إلا أن تَطوَّع وقَد عُلم أنَّ التطوّع ليسَ بوَاجب فلا يجبُ شيء آخر أصْلًا (¬1)، وقال بَعض العُلماء: هوَ استثناء مُتصل. قَال القرطبِي: مَعنى الكلام هَل يجبُ عليَّ مِنْ نَوع الصَّلوَات شَيء غَير هذِه الخَمس فأجَابَهُ بأنهُ لا يَجبُ عليه شَيء إلا أن يطوّع فيجبُ عَلَيك، وهذا ظَاهِر؛ لأنَّ أصْل الاستثناء مِنَ الجنس، والاستثناء من غير الجنس مختلف فيه، ثم هُوَ مجَاز عند القائل بهِ. وإذا حَمَلناهُ على الاستثناء المتصل لزم منه أن يَكون التَطوع واجبًا، ولا قَائل به لاستحالته فلم يبق إلا مَا ذَهَب إليه مَالك (¬2)، وهوَ أن التطوُّعَ يَصير واجبًا بِنَفس الشروع فيه كما يَصير واجبًا بالنذر (¬3). ولقوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (¬4) فالشرُوع فيه التزام (¬5)، وحينئذ يكونُ معنى قوله: إلا أن تطوع أن تشرع فيه وتبتدئه، ومَن ادَّعى أنه (¬6) استثناء مِنْ غَير الجنس طُولبَ بتصحيح ما ادَّعَاهُ. (قال (¬7): وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ؛ ) لأنه فهم منه أنهُ إنما يسأل عما يتعين عَلَيه فعله من شرائع الإسلام الفعلية لا القَولية، ولذَلك لم يذكر لهُ أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محَمدًا رسُول الله، ولم يذكر لهُ الحج؛ لأنه علم منه أنهُ غَير مُسْتطيع فلا يجبُ عليه الحج. ¬

_ (¬1) انظر: "عمدة القاري" 1/ 417 - 418. (¬2) انظر: "الذخيرة" 2/ 529. (¬3) "المفهم" 1/ 159. (¬4) محمد: 33. (¬5) زاد في (د، م): له. (¬6) سقط من (د). (¬7) من (د).

(قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيرُهُ قَالَ: لا إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ) بالتشديد كما تقدم عَلى إدغام إحدَى التاءين في الطاء، وقيل: يَجوز تخفيف الطاء عَلى الحَذف، فإن قيل أيُّ التاءين حُذفت، قيل (¬1): الأصلية أولى بالإسقاط مِنَ العَارضة الزائدة؛ لأن الزائدة إنما دَخلت لإظهَار معنى فلا تُحْذَف لئلا يَزُول الغَرضُ الذي لأجله دَخلت. (قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الصدَقَةَ) يعني: الزكاةَ الوَاجبَة. (قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيرُهَا؟ قَالَ: لَا) فيه أنه ليس في المال حق سوى الزكاة عَلى مَن ملك نِصَابًا، وحَالَ عَليه الحَوْل. (إِلَّا أَنْ تطَوَّعَ) روي بتشديد الطاء وتخفيفها، وأصلهُ تتطوَّع بتَاءين، فمَن شدد أدْغم إحدَى التاءين في الطاء لقرب المخرَج، ومن خفف حَذف إحدَى التاءين اختصارًا لتخف الكلمة، وهو استثناء منقطع معناهُ لكن يُستحب لك أن تتطوع، وجعَله بَعضهم متصلا؛ لأنَّ مَن شرع في صَلَاة نَفْلٍ أو صَومِهِ يجبُ إتمامه وعندَنا يُستحب. (فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ) فجُمْلَة: (وهوَ يقول) (¬2) في مَوضع نَصب على الحَال، أي: أدبَر في حَال قوله (والله لَا أَزِيدُ عَلَى هذا وَلَا أَنْقُصُ) إن قيل: كَيف قالَ: لا أزيدُ عَلَى هذا؟ وليسَ في هذا الحَديث جَميع الوَاجبَات ولا المنهيات الشرعية ولا السُنن، والجَوَابُ أنهُ جَاء في روَاية البخاري. في آخِر هذا الحَديث زِيَادَة توضح المقصُود فإنهُ قَالَ: فَأخَبَرَه رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - بشرائع الإسْلام فَأدبَر الرجُل وهوَ يَقُول: ¬

_ (¬1) في (د، م): قلت. (¬2) سقط من (م).

والله لا أزيد ولا أنقصُ مما فرض اللهُ عليَّ شَيئًا (¬1). ففي عموم قوله شرائع الإسلام (¬2) وقوله: مما فرضَ الله عليَّ شيئًا (¬3) يَزُول الإشكال في الفرائض، وأما النوَافل فقيل يحتمل أن هذا كانَ قبل شرعِها. (فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: أَفْلَحَ) الفَلاح هوَ الفَوز والبَقاء، قيل: إنهُ عبَارة عَن أربَعة أشياء: بقَاء بلَا فَنَاء، وغنى بلا فقر، وعز بلا ذل، وعلم بلا جَهْل، ولا كلمة في اللغة أجمَع للخَيرَات مِنَ الفلاح. قال النووي: قيل: إن (¬4) هذا الفلاح رَاجع إلى لفظ ولا أنقص خاصة (¬5) والمختار أنه رَاجع إليهما بمعنى أنه إذا لم يزد ولم ينقص كانَ مُفلحًا؛ لأنهُ أتى بما عليه، ومن أتى بما عَليه كانَ مفلحًا (¬6). قال الكرماني: له محَمل آخر وهو: أن السَّائل كانَ رَسُولًا فحلفَ أن لا أزيد في الإبْلَاغ عَلَى مَا سَمعته ولا أنقص في تبليغ ما سَمعتهُ منكَ إلى قومي (¬7) [فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أفلح"] (¬8) (إنْ صَدَق) فيما حَلفَ عَليهِ، وفيه ثلاثة أقوَال: أحَدها: أنهُ أخبرَ بفَلاحه ثم أعقبهُ بالشَرط المتأخر لينبه على أن سَبَب فلاحه صدقه. الثاني: أنهُ فعل مَاض أُريدَ به المُستقبل. ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (1819) بلفظ: لا أتطوع شيئًا ولا أنقص مما فرض الله عليَّ شيئًا. (¬2) من (د، م). (¬3) من (م). (¬4) من (م). (¬5) في (ص): خاصته. (¬6) "شرح النووي على مسلم" 1/ 167. (¬7) انظر: "عمدة القاري" 1/ 419. (¬8) من (د، م).

الثالث: أنه فعل تقدم عَلى حَرف الشَرط والنية به التأخير والتقدير إِنْ صَدَقَ أَفْلَحَ و (¬1) دَخَلَ الجَنَّةَ التي هي دَار المفْلحين. [392] (ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاودَ) المهري قال النسائي: ثقة (¬2) (ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ المَدَنِيُّ) روَى له الجَماعة (عَنْ أَبِي سُهَيْل (¬3) نَافِعِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ) وهو مِن الطائف (بِإِسْنَادِهِ بهذا الحَدِيثِ) و (قَالَ) فيه (أَفْلَحَ وَأَبِيهِ) يُسْأل عن التوفيق بَيْنَهُ (¬4) وبَيْنَ حَديث "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم" (¬5) الجَوَابُ: أَنَّ (وأبيهِ) ليسَ حلفًا [إنما هي كلمة جرت عادة العرب أن تدخلها في كلامها، غير قاصد بها حقيقة الحلف؛ والحلف المنهي عنه إنما هو فيمن] (¬6) قصد الحقيقة لما فيه من إعظام المحلوف ومعناهَا [برَّ بالله] (¬7) تعالى (إِنْ صَدَقَ) فيما أقسم عليه. (دَخَلَ الجَنَّةَ) دَار أهل الفلاح الباقي (إِنْ صَدَقَ) يدل عَلى أنهُ إن لم يصدق في التزام شرائع الإسْلام فلَيْس بمفلح، وهذا خلاف قول المرجئة. * * * ¬

_ (¬1) من (د). (¬2) "مشيخة النسائي" (93). (¬3) في (د): سهل. (¬4) في (د): فيه. (¬5) أخرجه البخاري (6108)، ومسلم (1646) (1) وسيأتي تخريجه مفصَّلا. (¬6) من (د، م). (¬7) في (م): يريد الله، وفي (ص): ندبًا لله، والمثبت من (د، ل).

2 - باب في المواقيت

2 - باب فِي المَواقِيتِ 313 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ سُفْيانَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ فلانِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ -قالَ أَبُو داودَ: هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الحارِثِ بْنِ عَيّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ- عَنْ حَكِيمِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ نافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِيمٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَّنِي جِبْرِيلُ عليه السلام عِنْدَ البَيْتِ مَرَّتَيْنِ فَصَلَّى بِيَ الظُّهْرَ حِينَ زالَتِ الشَّمْسُ وَكانَتْ قَدْرَ الشِّراكِ وَصَلَّى بِيَ العَصْرَ حِينَ كانَ ظِلُّة مِثْلَهُ وَصَلَّى بِيَ -يَعْنِي المَغْرِبَ- حِينَ أَفْطَرَ الصّائِمُ وَصَلَّى بِيَ العِشاءَ حِينَ غابَ الشَّفَقُ وَصَلَّى بِيَ الفَجْرَ حِينَ حَرُمَ الطَّعامُ والشَّرابُ عَلَى الصّائِمِ فَلَمّا كانَ الغَدُ صَلَّى بِيَ الظُّهْرَ حِينَ كانَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ وَصَلَّى بِيَ العَصْرَ حِينَ كانَ ظِلُّهُ مِثْلَيْهِ وَصَلَّى بِيَ الَمغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصّائِمُ وَصَلَّى بِيَ العِشاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَصَلَّى بِيَ الفَجْرَ فَأَسْفَرَ ثُمَّ التَفَتَ إِلَيَّ فَقالَ يا مُحَمَّد هذا وَقْتُ الأَنْبِياءِ مِنْ قَبْلِكَ والوَقْتُ ما بَيْنَ هَذَيْنِ الوَقْتَيْنِ" (¬1). 314 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ المُرادِيُّ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، عَنْ أُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّ ابن شِهابٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ كانَ قاعِدًا عَلَى الِمنْبَرِ فَأَخَّرَ العَصْرَ شَيْئًا فَقالَ لَهُ عُرْوَةُ بْن الزُّبَيْرِ: أَما إِنَّ جِبْرِيلَ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أَخْبَرَ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - بِوَقْتِ الصَّلاةِ فَقالَ لَه عُمَرُ: اعْلَمْ ما تَقُولُ. فَقالَ عُرْوَةُ سَمِعْتُ بَشِيرَ بْنَ أَبِي مَسْعُودٍ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبا مَسْعُودِ الأَنْصارِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "نَزَلَ جِبْرِيلُ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرَنِي بِوَقْتِ الصَّلاةِ فَصَلَّيتُ مَعَهُ ثُمّض صَلَّيْتُ مَعَهُ ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ". يَحْسُبُ بِأَصابِعِهِ خَمْسَ صَلَواتٍ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى الظُّهْرَ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ وَرُبَّما أَخَّرَها حِينَ يَشْتَدُّ الَحرُّ وَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي العَصْرَ والشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضاءُ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَها الصُّفْرَةُ فَيَنْصَرِفُ الرَّجُلُ مِنَ الصَّلاةِ فَيَأْتِي ذا الحُلَيْفَةِ قَبْلَ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (149)، وأحمد 1/ 333، وابن خزيمة (325). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (417).

غُرُوبِ الشَّمْسِ وَيُصَلِّي المَغْرِبَ حِينَ تَسْقُطُ الشَّمْسُ وَيُصَلِّي العِشاءَ حِينَ يَسْوَدُّ الأُفُقُ وَرُبَّما أَخَّرَها حَتَّى يَجْتَمِعَ النّاسُ وَصَلَّى الصُّبْحَ مَرَّةً بِغَلَسٍ ثُمَّ صَلَّى مَرَّةً أخرَى فَأَسْفَرَ بِها ثُمَّ كانَتْ صَلاتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ التَّغْلِيسَ حَتَّى ماتَ وَلَمْ يَعُدْ إِلَى أَنْ يُسْفِرَ. قالَ أَبُو داودَ: وَرَوَى هذا الحَدِيثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ: مَعْمَرٌ وَمالِكٌ وابْنُ عُيَيْنَةَ وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ واللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا الوَقْتَ الذِي صَلَّى فِيهِ ولم يفَسِّرُوهُ وَكَذَلِكَ أَيْضًا رَواة هِشامُ بْنُ عُرْوَةَ وَحَبِيبُ بْنُ أَبِي مَرْزُوقٍ، عَنْ عُرْوَةَ نَحْوَ رِوايَةِ مَعْمَرٍ وَأَصْحابِهِ إِلَّا أَنَّ حَبِيبًا لم يَذْكُرْ بَشِيرًا وَرَوَى وَهْبُ بْنُ كَيْسانَ، عَنْ جابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَقْتَ الَمغْرِبِ قالَ ثمَّ جاءَهُ لِلْمَغْرِبِ حِينَ غابَتِ الشَّمْسُ -يَعْنِي مِنَ الغَدِ- وَقْتًا واحِدًا. قالَ أَبُو داودَ: وَكَذَلِكَ رُوِيَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ ثُمَّ صَلَّى بِي المَغْرِبَ يَعْنِي مِنَ الغَدِ وَقْتًا واحِدًا وَكَذَلِكَ رُوِيَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ مِنْ حَدِيثِ حَسّانَ بْنِ عطِيَّةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). 315 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ داودَ، حَدَّثَنا بَدْرُ بْنُ عُثْمانَ، حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ سائِلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا حَتَّى أَمَرَ بِلالًا فَأَقامَ لِلْفَجْرِ حِينَ انْشَقَّ الفَجْرُ فَصَلَّى حِينَ كانَ الرَّجُلُ لا يَعْرِفُ وَجْهَ صاحِبِهِ أَوْ إِنَّ الرَّجُلَ لا يَعْرِفُ مَنْ إِلَى جَنْبِهِ ثُمَّ أَمَرَ بِلالًا فَأَقامَ الظُّهْرَ حِينَ زالَتِ الشَّمْسُ حَتَّى قالَ القائِلُ: انْتَصَفَ النَّهارُ. وَهُوَ أَعْلَمُ ثُمَّ أَمَرَ بِلالًا فَأَقامَ العَصْرَ والشَّمْسُ بَيْضاءُ مُرْتَفِعَةٌ وَأَمَرَ بِلالًا فَأَقامَ المَغْرِبَ حِينَ غابَتِ الشَّمْسُ وَأَمَرَ بِلالًا فَأَقامَ العِشاءَ حِينَ غابَ الشَّفَقُ فَلَمّا كانَ مِنَ الغَدِ صَلَّى الفَجْرَ وانْصَرَفَ فَقُلْنا أَطَلَعَتِ الشَّمْسُ فَأَقامَ الظُّهْرَ فِي وَقْتِ العَصْرِ الذِي كانَ قَبْلَهُ وَصَلَّى العَصْرَ وَقَدِ اصْفَرَّتِ الشَّمْسُ -أَوْ قالَ: أَمْسَى- وَصَلَّى المَغْرِبَ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ وَصَلَّى العِشاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ ثُمَّ قالَ: "أَيْنَ السّائِلُ، عَنْ وَقْتِ الصَّلاةِ الوَقْتُ فِيما بَينَ هَذَيْنِ". قالَ أَبُو داودَ: رَواهُ سُلَيْمان بْنُ مُوسَى، عَنْ عَطاءٍ، عَنْ جابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي ¬

_ (¬1) رواه البخاري (521، 3221)، ومسلم (610) مختصرا.

المَغْرِبِ بِنَحْوِ هذا قالَ ثُمَّ صَلَّى العِشاءَ قالَ بَعْضُهُمْ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وقالَ بَعْضُهُمْ إِلَى شَطْرِهِ. وَكَذَلِكَ رَواهُ ابن بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). 396 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْن مُعاذٍ، حَدَّثَنا أَبِي، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتادَةَ سَمِعَ أَبا أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قالَ: "وَقْتُ الظُّهْرِ ما لَمْ تَحْضُرِ العَصْرُ وَوَقْتُ العَصْرِ ما لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ وَوَقْتُ المَغْرِب ما لَمْ يَسْقُطْ فَوْرُ الشَّفَقِ وَوَقْتُ العِشاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيلِ وَوَقْتُ صَلاةِ اَلفَجْرِ ما لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ" (¬2). * * * باب في المواقيت جَمْع ميقات، والميقات الوَقت المقدر شرعًا. [393] (ثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا يَحْيَى) بن سَعيد (¬3) (عَنْ سُفْيَانَ) الثَوري (قال حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ فُلَانِ ابن أَبِي رَبِيعَةَ) و (هوَ عَبد الرحمن بن الحَارث) ابن عَبد الله (بن عياش بن أبي ربيعَة) المخزومي المدَني، قال ابن سَعْد: ثقة مَاتَ في خلافة المنصُور (¬4) (عَنْ حَكِيمِ بْنِ حَكِيمٍ) بفتح الحاء فيهما ابن عباد بن حنيف المدَني، حسن الحَديث، قواهُ ابن حبان (¬5). (عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ) - رضي الله عنها - (قال: قَالَ (¬6) ¬

_ (¬1) رواه مسلم (614). (¬2) رواه مسلم (612). (¬3) في (م): إسماعيل. (¬4) "طبقات ابن سعد" (ص 269). (¬5) "الثقات" لابن حبان 6/ 214. (¬6) من (د).

رَسُولُ اللِه - صلى الله عليه وسلم -: أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ) باب (البَيْتِ) وأنكر النوَوي على القفال (¬1) في قوله في هذا الخَبرَ عندَ بَاب البَيت. وقالَ: المعرُوف (عندَ البَيت) كما رَوَاهُ أبُو دَاود وغَيره (¬2). وليسَ اعتراضه بجَيد؛ لأن الشافعي رَوَاهُ هَكَذَا قالَ: أنَا عَمْرو بن أبي سَلمة، عَن عَبد العَزيز، عَن عبْد الرحمَن بن الحَارث، وفيه: "أمني جبريل عند بَاب البَيت" (¬3) وهُكذَا رَوَاهُ البيهقي (¬4)، والطَحاوي في "مشكل الآثار" (¬5) لكن في هذا الحَديث مِنَ النكارة صَلاته إلى البَيْت مَعَ أنهُ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَستقبل بَيت المقدس قبَل الهجرة، إلا أن يُقَال: لَا يلزم من قوله: (عندَ البَيت) أن تكونَ صَلاته إلى البَيْت (مَرَّتَينِ فَصَلَّى بِيَ الظُّهْرَ) هذا هوَ المشهور: الابتدَاء بالظُهر، لكن في روَاية أبي هُريرَة عندَ النسَائي، قالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا جبريل جَاء يُعَلمكم دينكم" فصَلى الصُبح حينَ طَلعَ الفَجْر (¬6) الحَديث. ورَوَاهُ ابن أبي خيثمة (¬7) في "تاريخه" عن أحمد بن محمَّد، ثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحاق (¬8) عَن عتبة بن مُسلم، عَن نَافع بن جبير وكانَ ¬

_ (¬1) كذا في (ص، ل، س)، وفي (م، د): الغزالي. والنووي إنما أنكر ذلك على الشيرازي صاحب "المهذب"، انظر: "المجموع شرح المُهَذب" 3/ 18 - 19. (¬2) "المجموع" 3/ 18 - 19. (¬3) "مسند الشافعي" ص 26. (¬4) "معرفة السنن والآثار" 1/ 397 - 398 وفيه: "أتاني جبريل عند باب البيت". (¬5) لم أجده في "مشكل الآثار"، وهو في "شرح معاني الآثار" 1/ 146. (¬6) "سنن النسائي" 1/ 249. (¬7) في (ص): حبيب. (¬8) في (ص): أبي أسماء.

كثير الروَاية، عَن ابن عَباس قالَ: لما فرضَت الصلاة على رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - أتَاهُ جبريل فصَلى به الصُبح حينَ طَلَع الفَجر (¬1). (حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ) أي: مَالَت عَن خَط وسط السَّمَاء إلى جهَة المغرب، وهذا أولُ وقت الظهر؛ إذ لم ينقل أنهُ صَلى قبلهُ، وهذا (¬2) الذي استقر عَليه الإجماع وكانَ فيه خلاف قديم عن بعض الصحَابة أنهُ تجوز (¬3) صَلاة الظُهر قبلَ الزَوال، وعن أحمد وإسحاق مثله في الجُمعة (¬4). (وَكَانَتْ) أي: كانَ ظلهَا. (كالشِّرَاكِ) (¬5) بكَسْر الشين. أي: قَدْرَ شراك النَعْل (¬6) أي: كانَ ظل الشخص في ذَلكَ الوقت [بقَدر شراك النعْل] (¬7) وهو سيرهَا الذي يكون عَلى ظَهْر قدَم لابسها، وقيل: مَعناهُ حِين اسْتبَان الفيء في أصْل الحَائط مِنَ الجَانب الشرقي عندَ الزوَال فصَار في رؤية العَين كقَدر (¬8) الشراك وهذا أقل مَا يعلم به الزوَال، وليْسَ ذلك تحديدًا وهذا يختص بمكة، وبأطول يَوم في السَّنة؛ لأن الظل قَبل الزوَال بمكة يَزُولُ (¬9) ¬

_ (¬1) "تاريخ ابن أبي خيثمة" (421). (¬2) زاد في (د، م): هو. (¬3) في (د، م): جوز. (¬4) "مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج" (543)، وروى أيضا عن ابن مسعود ومعاوية رضي الله عنهما. انظر: "الأوسط" لابن المنذر 3/ 46. (¬5) في (د): قدر الشراك. (¬6) في (م): العجل. (¬7) سقط من (د). (¬8) في (م): كقدم. (¬9) أقحم هنا في (ص): و. والمثبت من (د، م).

بالكلية في أطول يَوْم منَ السنة، ثم بعْد الزوَال يَظهر ظل كل شَخص (¬1) قليلًا قليلًا، وذلك لأن مكة محاذية لقطب الشَمس، فأي بَلد يَكونُ أقربُ مِنْ قُطب الشمس يَكون الظل فيه أقل، وأي بَلد يَكونْ أبعَد من قطب الشمس يَكون الظل فيه أكثر (¬2) وفي الصيف يكون الظل فيه أقل من الشتاء. (وَصَلَّى بِيَ) صَلاة (الْعَصْرَ حِينَ كَانَ) أي: (ظِلُّهُ مِثْلَهُ) أي صَارَ ظِل كل شيء مثله أي: وزَادَ ظل كل شيء عَن مثله أدْنى زيَادَة، والذي قالهُ أصحَابنَا: إنَّ أوَّل وقت العَصْر هو آخِر وقت الظهر وهو إذا صار ظل كل شيء مثله سَوى ظِلِّ استواء الشمس الموْجود عنده والاختيَار أن لا يُؤَخر عَن مصير الظل مثليْه بَعْد ظل الاستواء (¬3). وقال أبو حنيفة: آخِر وقت الظهر إذا صارَ ظل كُل شَيء مثليه (¬4)، وقال عبد الله بن المبَارك وإسحاق ابن راهويه: إن آخِر وقت الظهر وأول وقت العصْر واحِد، واحتجا (¬5) بحَديث جبريل؛ لأن اليَوْم الأول صَلى الحَصْر حِين كانَ [كل شيءٍ مثل ظله] (¬6) وصَلَّى الظهْر في اليَوْم الثاني حين كانَ كُل شيء مثل ظله أيضًا، وقالا: لو صَلى واحِد في (¬7) ¬

_ (¬1) في (س): شيء. (¬2) في (د): أكبر. (¬3) انظر: "الروضة" 1/ 180. (¬4) انظر: "المبسوط" للسرخسي 1/ 289. (¬5) في (ص، س، ل): احتجوا. (¬6) في (ص): ظله كل شيء مثله. (¬7) من (د، م).

هذا الوقت الظُهر وآخَرٌ العَصْر صَحت صَلاتهما؛ لأن هذا الوقت يَصْلحُ للصَّلاتَين (¬1). (وَصَلَى بِيَ المَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ) يَعْني: بعد غرُوب الشمس؛ لأنَّ الصَّائم يفطر في هذا الوَقت، والمراد أنه ابتدأ (¬2) في صَلاة المغرب حين يفطر الصَّائم، وفي هذا أنهُ كانَ من المعَلوم عندهم أن الصَّائم يفطر عقب غروب الشمس، ويؤخذ من هذا أن الصَّائم يفطر عقب الغروب قَبل صَلاة المغرب، وَيدل على ذلك مَا رَوَاهُ أبُو يعلى والبَزار عن أنس بن مَالك قال: مَا رَأيتُ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قط صَلى (¬3) المغرب حَتى [يفطر ولو] (¬4) على شيء يسير من ماء (¬5)، ورَجَال أبي يعلى رجَال الصَحيح، فهذا الحديث يَدُل على فطر النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَبل الصَّلاة، والحَديث الذي ذكرهُ المصَنف رحمه الله يَدُل على أن الصحَابة كانوا يَفطرون عَقب الغرُوب يَعْني: قَبل الصَّلاة. (وَصَلَّى بِيَ العِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ) وهوَ الحُمرة مِن غروب الشمس إلى وقت العشاء الآخرة، فإذا ذَهَبَ [قيل: غاب] (¬6) الشفق كما في الحَديث حَكاهُ الخَليل (¬7)، وقَال الفَرَّاء: سَمعتُ بَعْض العَرب يَقول ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" 2/ 14. (¬2) في (ص): اقتدا. (¬3) زاد في (د، م): صلاة. (¬4) في (د): يفطروا. (¬5) "مسند أبي يعلى" (3792)، و"مسند البزار" (7127)، وصححه ابن خزيمة (2063)، وابن حبان (3504). (¬6) في (ص، س): قبل غياب. والمثبت من (د، م، ل). (¬7) "العين" (شفق).

عليه ثوب (¬1) كالشفق وكانَ أحمرَ (¬2). وقال ابن قتيبَة: الشفق (¬3) هوَ الأحمر من غروب الشمس إلى وقت العشاء الآخرة ثم يغيب، ويَبقى الشفق الأبيَض إلى نصف الليْل (¬4). وقال الزجَّاج: الشفق الحُمْرَة التي ترى في المغرب بعد سُقوط الشمس (¬5)، وهذا هوَ المشهور في كتُب اللغة. ونقل المطرزي: الشفق الحمُرة عن جَماعة مِنَ الصحَابة والتابعين، وبه قَالَ أبو يوسُف ومحمد (¬6)، وعَن أبي هريرَة أنهُ البَيَاض، وبه قال أبو حَنيفة، وعَن أبي حنيفة (¬7) قَول مُتَأخر أنهُ الحمرة (¬8)، وروى ابن خزيمة في "صحيحه": "وقت المغرب إلى أن تَذهب حُمْرة الشفق" (¬9). (وَصَلَّى بِيَ الفَجْرَ حِينَ حَرُمَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ) يَعْني: أول طُلوع الفَجر الثاني وهوَ المنتشر (¬10) ضوؤه مُعترضًا بالأفُق ويُقَالُ لهُ الفَجْر الصَّادق لا الفجر الأول، وهوَ الكاذب الذي يَطلَع مُسْتَطيْلًا كذَنَب السرحان، وهوَ الذئب ثم يَعود فَيسْوَدُّ فلهَذا سمي كاذبًا. ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): نور. (¬2) "معاني القرآن" 3/ 251. (¬3) سقط من (د). (¬4) "غريب الحديث" لابن قتيبة 1/ 20. (¬5) "معاني القرآن وإعرابه " 5/ 305. (¬6) انظر: "المبسوط" للسرخسي 1/ 293. (¬7) انظر: "المبسوط" للسرخسي 1/ 292 - 293. (¬8) "المصباح المنير" (شفق). (¬9) في (ص): الذي. (¬10) "صحيح ابن خزيمة" (354).

(فَلَمَّا كَانَ الغَد) والغد اليَوم الذي يَأتي بعد يَومك، وأصله غدو بُسكون الدَال مثل فَلْس لكن حُذفت لام الكلمة، وجُعلت الدَال حَرف إعْرابه. (صَلَّى بِيَ الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ) أي: ظل (¬1) الشيء. (مِثْلَهُ) أي: سِوى ظل استواء الشمس الموجُود عنده. (وَصَلَّى بِيَ العَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ) ظل الشيء. (مِثْلَيهِ) بعد ظل الاستواء أخذا بظاهِر هذا الحَديث مَعَ قَولهِ في آخِره "الوقت مَا بَينَ هَذين" (¬2) أن وقت العَصْر يخرج بمَصير الظل مثليه: قاله (¬3) الإصْطخري (¬4) لكن دَل الحَديث الصحيح في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من أدرَك رَكعَة مِنَ العَصْر قَبل أن تغرب الشمس فقد أدرَكَ العَصْر" (¬5) على أن وقت العَصر يمتَد إلى غروب الشمس فوَجَبَ اعتماد الزيَادَة في هذا الحَديث لتأخر (¬6) وقته؛ ولأنه أصح مِن حَديث جبريل [وكان حديث جبريل] (¬7) هنَا بَيَانًا لوَقت الاختيار جَمعًا بَيْن الحَديثين. (وَصَلَّى بِيَ المَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ) عْني: بَعْد غُروب الشمس اسْتدَل بهذا الحَديث وإقامته صَلاة المغرب في وقت واحد مِنَ اليَوْمَين جَميعًا أن وقتها لا يمتَد إلى مَغيب الشفق الأحمر، ويَشهد لهُ اتفاق ¬

_ (¬1) من (د، م). (¬2) في (ص، س، ل): هذه. (¬3) زيادة يقتضيها السياق. (¬4) "الحاوي الكبير" 2/ 18. (¬5) أخرجه البخاري (579)، ومسلم (607) (162) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وسيأتي تخريجه عند الكلام عليه. (¬6) في (ص): يتأخر. (¬7) من (د، س، م، ل).

طباق الخلق في الأعصَار عَلى مبَادرَة هذِه الصَّلاة في وَقت واحِد مع اختلافهم فيما سِواهَا مِن الصَّلوَات، وسَبَبُ مُبَادرَة الناس إلى هذِه الصَّلاة، والعِلم عندَ الله أنَّ العَمَلَةَ وأصحَاب المكاسب يأوون عندَ المغرب إلى مَنَازلهم ووقتُ الغرُوب (¬1) غَير بَعيد مِنْ وقت غيبوبة الشفق فلَو لم يَبتَدُروا هذِه (¬2) الصَّلَاة لَغَلبَ فوَاتها عَلى طَوَائف منهم، والجَديد مِن مَذهَب الشافعي، وَرَوَاهُ الزَعفراني عن القَديم، ومنهم من قطع به أن وقت المغرب ينقضي بمُضي قدر وضُوء وستر عَورة، وأذَان وخمس رَكعَات وسَط (¬3)؛ لأن جبريل صَلاهَا في اليَوْمَين في وقت وَاحِد. (وَصَلَّى بِيَ العِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ) أخذَ بظاهِره مَعَ قولهِ فيما بعده الوقت ما بين هَذين الإصْطخري، وقال: لا يزاد في الوَقت على بَيَان جبريل (¬4)، كما قالَ في العَصْر ووَافقه هنا أبو بكر الفارسي في أحَد احتماليْه، وحَمَلهُ الشافعي عَلى وقت الاختيَار أن لا يؤَخر العشاء عن ثلث الليل، وأدن وقتها يمتَد إلى الفَجر (¬5)؛ لقَوله - صلى الله عليه وسلم - في (¬6) حَديث قتادَة: "ليس في النَوم تفريط إنما التفريط عَلى مَن لم يُصَل الصَّلَاة حَتى يجيء وقت الأخرى". رَوَاهُ مُسْلم (¬7) خَرجنا عَن مُقتضاهُ في الصبح ¬

_ (¬1) في (م): المغرب. (¬2) في (م): لهذه. (¬3) انظر: "روضة الطالبين" 1/ 181. (¬4) انظر: "الوسيط" للغزالي 2/ 11. (¬5) انظر: "الشرح الكبير" 1/ 372. (¬6) في (ص): و. (¬7) "صحيح مسلم" (681) (311).

بدَليل فيبقى على مقتضاهُ فيما عَدَاهُ (¬1). (وَصَلَّى بِيَ الفَجْرَ فَأَسْفَرَ) أخذ بظاهره الإصْطخري أيضًا أن وقت العشاء يَخرُج إذَا ذَهَبَ ثلث الليل (¬2)، والمذهَب أنه يمتد إلى طلوع الفَجر لقَوله - صلى الله عليه وسلم - في حَديث عبد الله بن عمرو "وقت صَلاة الصُبح من طلوع الفَجر مَا لم تطلع الشمس" رَوَاهُ مُسْلم (¬3)، وحمل حَديث جبريل هذا عَلى الاختيَار أن لا يُؤخر عَن الإسفار (¬4). (ثُمَّ التَفَتَ) أي: نظرَ جبْريل (إِلَيَّ فَقَالَ: يَا مُحَمَدُ) كانَ (¬5) هذا (¬6) في أول الإسلام قبل أن ينزل قوله تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} (¬7)، وأمَا بَعْدَ نُزول الآية فلا يخاطب إلا بـ: يَا رَسُول الله، يا نَبِي الله، ونحَو ذَلك (¬8). (هذا) وَقتك و (وَقْتُ) جَميع (الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ) فيه أن الأنبيَاء عليهم الصلاة والسَّلام كانوا يُصَلون (¬9) وأن صَلاتهم موقتة بهذِه الأوقات، ولا يَلزم منه أنهمُ كانوا يُصَلون عَدَد هذِه الصَّلوَات. ¬

_ (¬1) في (د، م): عداها. (¬2) انظر: "المجموع شرح المُهَذب" 3/ 36. (¬3) "صحيح مسلم": (612) (173). (¬4) في (ص، س): الاستقرار. وفي (ل): الإسفرار. (¬5) في (د): فإن. (¬6) في (ص): هنا. (¬7) النور: 63. (¬8) هذا متعقب على المصنف - رحمه الله - إذ الملائكة ليسوا مكلفين بشرعنا. (¬9) أقحم هنا في (ص): عدد هذه الصلوات.

(الْوَقْتُ) الشرعي لهذِه الصلوَات (مَا بَينَ هَذَيْنِ الوَقْتَيْنِ) يَعني: تجوز (¬1) الصَّلَاة في أول الوَقت وأوسَطه وآخِره، وإن كانَ الأول أفضل خلافًا لأبي حنيفة (¬2). [394] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ المُرَادِيُّ) شيخ مُسْلم. (ثَنَا) عَبد الله (ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ) أخرَج لهُ مُسْلم. (أَن) محَمد (بْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيز) كَانَ قَاعِدًا عَلَى المِنْبَرِ بكسْر الميم، روَاية ابن مَاجه: عَن الليث بن سعْد، عن ابن شهاب (¬3)، أنه كانَ قاعدًا على مَياثر عمرَ بن عبَد العَزيز في إمَارته عَلى المدَينة ومَعَهُ عُروة بن الزبير (فَأَخَّرَ) عُمر صَلاة (الْعَصْرَ شَيئًا) كثيرًا (فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ - رضي الله عنه - أَمَا) حرف استفتاح بمنزلة ألا، وإذا وَقعت (إِنَّ) بعَدَها كسرت هَمزتها كما تكسر بعد ألا الاستفتاحية [كقوله تعالي: ] (¬4) {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ} (¬5). [فيه دَليل على أن عمرَ بن عَبد الحَزيز كانَ يُصَلى الصلاة في آخِر وَقتها تَبعًا لسَلفه إلى أن أنكر عليه عُروة فرجَعَ إليه وإنما أنكر عَليه العَصر دُونَ الظهر؛ لأن وقت الظهر لا كراهَة فيه] (¬6) [(جِبْرِيلَ عليه السلام قَدْ أَخْبَرَ مُحَمَّدًا ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): كون. (¬2) انظر: "المبسوط" للسرخسي 1/ 299. (¬3) "سنن ابن ماجه" (660). (¬4) من (د، م). (¬5) البقرة: 13. (¬6) سقط من (م).

- صلى الله عليه وسلم - بِوَقْتِ الصَّلَاةَ)] (¬1) روَاية ابن مَاجَه أما (¬2) إن جبريل نزل فصَلى إمام رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3) (فَقَالَ لَهُ عُمَرُ - رضي الله عنه -: اعْلَمْ مَا تَقُولُ) يَا عروة، يشبه أن يكون معَناهُ تثبت فيما تقوله، فقل بما تعلمه، ولا تقل بما تظن فإن (¬4) العلم يُستعمل بمعَنى اليَقين وبمعَنى الظن. (فَقَالَ عُرْوَةُ) بن الزبَير (سَمِعْتُ بَشِيرَ) بفتح البَاء الموَحَّدة وكسْر الشين المعجمة (ابْنَ أبي (¬5) مَسْعُودٍ) واسم أَبِي مَسْعُودٍ عقبة (¬6) بن عَمرو البدري (الأنصاري) رَأى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - صَغيرًا وأورده ابن منده (¬7) فيمن أدرَك النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، وذكرَهُ الترمذي في "تاريخه" (¬8) فيمَن ولِدَ في حَيَاة النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أو بَعدَ وفاته بيَسير (يَقُولُ: سَمِعْتُ) أبي (¬9) (أبا مَسْعُودِ الأَنْصَارِيَّ) وتقدم أن اسْمه عقبة بن عَمرو (يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: نَزَلَ جِبْرِيلُ عليه الصلاة والسلام فَأَخْبَرَنِي بوقت (¬10) الصَّلَاةِ) روَاية (¬11) ابن مَاجَه: "فأمَّنِي" (¬12) بيَّن ابن إسحاق في "المغازي" أنَّ ذَلك صَبِيحة ¬

_ (¬1) جاءت هذه العبارة في (ص، س، ل) بعد قوله: السفهاء. (¬2) سقط من (م). (¬3) "سنن ابن ماجه" (660). (¬4) في (م): قال. (¬5) من (د، م). (¬6) في (م): علية. (¬7) انظر: "المستخرج من كلام الناس" 1/ 10. (¬8) انظر: "التعديل والتجريح" (154). (¬9) من (د، م). (¬10) في (ص، س): بفوت. (¬11) في (م): رواه. (¬12) "سنن ابن ماجه" (660).

الليلة التي فرضت فيها الصَّلاة، وهي ليلة الإسراء (¬1). قَالَ عَبْد الرزاق: [عن ابن جريج، (¬2) عَن نافع بن جبير (¬3) وغيره: لما أصبح النَّبي - صلى الله عليه وسلم - منَ الليلة التي أسْري به لم يرعه إلا جبريل نزل حينَ (زاغت) الشمس، ولذَلَك سُميت الأولى الظهر فأمر بأصحَابه فَصِيحَ (¬4) الصَّلاة (¬5) جَامعة [فاجتمعوا فصلى جبريل وصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالناس (¬6)] (¬7) وإنما نادَى الصَّلاة جَامعَة؛ لأن الأذان [إذ ذاكَ] (¬8) لم يَكن شرع. (فَصَلَّيتُ مَعَهُ) الظهر، يحتمل أنهُ أَخْبَرَهُ بَمواقيت الصَّلاة وأمَّهُ فصَلى مَعَهُ، فيَكون جبريل جمعَ في الإعلام بَينَ القَول والفِعْل، وهوَ أبلَغ في الإعلام (ثم) صَلَّى بي العَصْر. (صَلَّيتُ (¬9) مَعَهُ) أتي بفاءِ التعقيب الدَالة على أن فعْل النَّبي - صلى الله عليه وسلم - عقب (¬10) فعل جبْريل كما بَينَه في الحَديث المتفق عَليه: "إنمَا جُعِل ¬

_ (¬1) "فتح الباري" 2/ 6. (¬2) من "مصنف عبد الرزاق". (¬3) في (ص): حبيب. (¬4) في (ص): فصليت. وفي: (ل، س): فصيت. (¬5) في (م): بالصلاة. (¬6) "مصنف عبد الرزاق" (1773). (¬7) من (د، م) ". (¬8) سقط من (د، م). (¬9) في (ص): فصليت، وكذلك ما بعدها والأولى (صليت) كما بمطبوع "السنن" فإن قبلها: (ثم). (¬10) في (م): عقيب.

الإمام ليُؤتَم به فلَا تختلفُوا عَليْه فَإذَا كبَّر فكبرُوا، وإذا ركعَ فاركَعوا" (¬1) (ثُمَّ) صَلَّى المغرب لما كانَ بَينَ كل صَلاتَين مُهلَة أتى بِثُمَّ الدَالة عَليهَا. (صَلَّيْتُ مَعَهُ ثُمَّ) صَلَّى به العِشاء الإتيان بـ (ثم) هَنا الدالة عَلَى المُهْلَة بَينهما، ويَدُل أيضًا على الترتيب بَيْنَ الصَّلوَات وهوَ وَاجب في غير الفَوائت، ومُستحب في الفوائت عند الشافعي (¬2) خلافًا لأبي حنيفة (¬3) [(فصليت معه] (¬4) ثم) صَلى الصُبح. (فصَلَّيْتُ مَعَهُ يحْسُبُ) بضَم السِّين كيقتل أي: يحصي العَدَد (بِأَصَابِعِهِ) فيه إحْصَاء العَدَد الذي يَجبُ فعله أو يُسْتحب، ويَكون عدَده بالأصَابع مِنَ اليَدَين، واليمَين أولى كما في التسبيح والتحميد والتكبير (¬5) عقب (¬6) الصَّلوات كما في الحديث "يا مَعْشر النسَاء سَبحن وهللنَ واعقدن بالأصَابع فإنهُن مَسئولات" (¬7) (خَمْسَ صَلَوَاتٍ) كتَبَهُن اللهُ في اليَوم والليْلة. ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (378)، و"صحيح مسلم" (411) (77) من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -. (¬2) انظر: "الحاوي الكبير" 2/ 158. (¬3) انظر: "المبسوط" 2/ 137. (¬4) من (د). (¬5) سقط من (د). (¬6) في (م): عقيب. (¬7) أخرجه أبو داود (1501)، والترمذي (3583) وهو عند أحمد 6/ 370 وصححه ابن حبان (842) ولفظه: "عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس، واعقدن بالأنامل فإنهن مسئولات مستنطقات، ولا تغفلن فتنسين الرحمة". وحسنه الألباني في "صحيح سنن الترمذي" (2835).

(فَرَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يصلِّي الظُّهْرَ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ) وهوَ أول وقتها بإجْمَاع الفقهاء، ولا يعتد بقول مَن قَال: يَجبُ تأخيرهَا إلى أن يَصير الظل قدر الشراك كما في الحَديث قبله، وثبَت (¬1) في مُسْلم مِن حَديث عَبد الله بن عمرو، أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "وقت صَلاة الظُهر إذا زَالَت الشَمس عن بَطن السَّماء" (¬2). (وَرُبَّمَا) [للتقليل و] (¬3) ليْسَ معناهُ (¬4) التقليل دَائمًا خِلَافًا للأكثرين، ولا التكثير دَائمًا خلافًا لابن درستويه وجماعَة بل ترد للتكثير كثيرًا، وللتقليل قليلًا، وهذا الموضع للتقليل، ومن ورودهَا للتقليل في رُبَّ: ألا ربَّ مَوْلود وليسَ له أب ... وذي ولد لم يَلدهُ أبَوان وذي شامة غراء في حُرِّ وجهه (¬5) ... مجللة لا تنقضي لأوان وبكمل في تسعٍ وخمس شبابه ... وبهرم في سَبع مَعًا وثمان أرَاد عيسَى واَدم عَليهما الصَّلاة والسَّلام والقمر. (أَخَّرَهَا حِينَ يَشْتَدُّ الحَرُّ) وحَصَل قوة الوهجِ مِن حر الظهيرة أي للإبراد كما سَيَأتي. ¬

_ (¬1) في (ص، س): بين. (¬2) "صحيح مسلم" (612) (174). (¬3) من (د، م). وبياض في (ل). (¬4) سقط من (م). (¬5) في (ص): خد.

(وَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي العَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ) والشمس مرتفعة جُملة اسميَّة في مَوضع نصب على الحَال (حية) (¬1). قال الخطابي: حَيَاتها صَفاء لَوْنِها، وقال غيَره حَيَاتها بقاء حَرِّهَا (¬2). (قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا الصُّفْرَةُ) هذا يُؤيد قول الخطابي حَيَاتها صَفَاء لَونها، قَبل أن يْدخلها الصُّفرة أو تتغير، وفيه إشارة إلى بقاء حَرهَا وضَوئها، وزَادَ البخاري: فيذهب الذاهب إلى العوالي فيأتيهم والشمس مُرتفعَة (¬3). أي: دُون ذلكَ الارتفاع، لكنهَا لم تصل إلى الحَد الذي توصَفُ به، لأنها مُنخفضة وفي ذَلك دَليل على تعجيله - صلى الله عليه وسلم - بصَلاة العَصْر لوَصْف الشمس بالارتفاع بعد أن يمضي مَسَافة أربعَة أميَال. (فَيَنْصَرِفُ الرَّجُلُ مِنَ الصَّلَاةِ فَيَأْتِي ذَا الحُلَيْفَةِ) نحو مَرْحَلة عَنهَا، يُقَال: على ستة أميَال ويُؤيدهُ مَا أخرجَهُ الدارقطني عَن المحَامِلي عن أبي عتبة، والعوَالي على ستة أميَالِ مِنَ المدَينة (¬4). (قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ) وهذا إنما يتفق في الأيام الطويلة إذا عجلت العَصر في أول وقتها. (وَيُصَلِّي المَغْرِبَ حِينَ تَسْقُطُ الشَّمْسُ) وفي البخاري: ويصَلي ¬

_ (¬1) كذا في أصولنا الخطية، وهي في جميع نسخ أبي داود: (بيضاء). وأما رواية: (حية) هذه فأخرجها البخاري (550) وغيره من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -. (¬2) "معالم السنن" للخطابي 1/ 127. (¬3) "صحيح البخاري" (517) من حديث أنس بن مالك. (¬4) "سنن الدارقطني" 1/ 253.

المغرب إذا وَجَبَت (¬1) أي: سقط قرص الشمس وتوارى في الحجاب، وفيه دَليل على أن سُقوط قرص الشمسَ يَدخلُ به وقت المغرب، ولا يخفى أن محله (¬2) إذا كانَ لا يحيل بين الرائي وبين رؤيتها غاربة (¬3) حَائل. (وَيُصَلِّي العِشَاءَ حِينَ يَسْوَدُّ الأُفُقُ) بضمتين وهوَ الناحيَة بَينَ الأرض والسماء واسوداد الأفق إذا غابَ الشفَق، وهذا أول وقتها. (وَرُبَّمَا) تقدم أنها تأتي (¬4) للتقليل قليلًا وللتكثير كثيرًا ومنه: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2)} (¬5) وفي الحديث "يا رُبَّ كاسيَة في الدنيا عارية يَوم القيامة" (¬6). (أَخَّرَهَا حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ) وهذا في مَعْنى الحَديث الآتي وهوَ في الصَّحيحين: والعشَاء أحْيَانًا وأحيَانًا إذا رَآهُم اجتمعُوا عجَّل وإذا رَآهُمْ أبْطَؤا أخّر (¬7). (وَصَلَّى الصُّبْحَ مَرَّة بِغَلَسٍ) بفتحتَين وهوَ ظلام آخر الليل أي: صَلاهَا بأصحَابهِ في أوَّل وقتها. (ثُمَّ صَلَّى مَرَّةً أُخْرَى) بأصْحَابِهِ (فَأَسْفَرَ بِهَا) أي: صَلاهَا في وَقت ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (527) من حديث جابر - رضي الله عنه -. (¬2) في (ص): حمله. (¬3) من (د، م). (¬4) سقط من (م). (¬5) الحجر: 2. (¬6) أخرجه البخاري (1126)، والترمذي (2196). (¬7) "صحيح البخاري" (560)، و"صحيح مسلم" (646) (234) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

الإسفار منْ قَولهم أسْفر الصُبْح إسفارًا: أضاء، فيه أنهُ صَلاهَا وأسْفر مَرة وَاحِدَة، وأكثر صَلاته كَانَ بِغَلَس، وإما ما احتج به الحنفية (¬1) "اسفروا بالفَجر فإنه أعظم للأجرِ" رَوَاهُ أصحَاب السنن وابن حبان (¬2) من روَاية رَافع (¬3) بن خديج فأجيبَ عنهُ بأن المعنى به تحقق طُلوع الفَجر. قَالَ الترمذي: (¬4) قال الشافعي (¬5) وأحمد وإسحَاق (¬6) معناهُ أن يتضح الفجر فَلا يشك فيه. (ثُمَ كَانَتْ (¬7) صَلاتهُ بَعْدَ ذَلِكَ التَّغْلِيسَ) واستمر عَلَيهَا (¬8). (حَتَّى مَاتَ لم يَعْد) (¬9) يؤخر الصلاة (إلى أن يسْفر) بالصلاة فيه دَليل ظاهِر لمذهَب الشافعي (¬10)، والجمهُور أن التغليْس بالصُّبْح أفضَل؛ لأنها صَلاة مُؤقتة فكان تعجيلهَا في غير العذر أفضل كالصبح (¬11) والظهر (¬12) ¬

_ (¬1) انظر: "المبسوط" للسرخسي 1/ 295. (¬2) أخرجه أبو داود (424)، والترمذي (154)، والنسائي 1/ 272، وابن ماجه (672)، وابن حبان في "صحيحه" (1495) وألفاظهم متقاربة، وسيأتي قريبًا. (¬3) في (م): نافع. (¬4) "سنن الترمذي" 1/ 291. (¬5) "الأم" 1/ 156. (¬6) "مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج" (124). (¬7) في (ص، س): كان. وبياض في (ل). (¬8) في (م): عليه. (¬9) في (ص): ثم بعد. (¬10) "الأم": 1/ 156. (¬11) زاد في (س، م، ل): مجمع. (¬12) سقط من (د).

في الشتاء خلافًا للحنَفية (¬1)، واستدلوا بحَديث عَبد الله: مَا رَأيت رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - صَلى صَلاة إلا لميقاتها [إلا الفَجر] (¬2) بالمزدَلفة فإني رَأيتهُ صَلاهَا يَومَئذ قَبْل ميقَاتها (¬3). وقَد غلسَ بهَا بالمزدَلفة، فدَل على أنه أسْفَر بِهَا في غَيره، قلنَا إنه غلسَ بها بالمُزْدَلفة (¬4) وفي غيرهَا أخر حَتى تيقن طُلوع الفَجر. ([قال أبو داود: ] (¬5) وَرَوَى هذا الحَدِيثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ: مَعْمَرٌ وَمَالِكٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ) بالحَاء المُهمَلة والزاي (¬6) واسْمه دينار القرشي الأمَوي ثقة حافظ (¬7). (وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُمْ) عَن الزهري (لَمْ يَذْكُرُوا الوَقْتَ الذِي صَلَّى فِيهِ وَلَمْ يُفَسَّرُوهُ وكذَلِكَ) (¬8) لم يَذكرهُ ابن مَاجَه في روَايته (¬9)، وكذَلك ¬

_ (¬1) انظر: "المبسوط" للسرخسي 1/ 294 - 295. (¬2) سقط من (م). (¬3) أخرجه البخاري (1682)، ومسلم (1289) (292). وسيأتي تخريجه تفصيلًا عند الكلام عليه. (¬4) في (م): في المزدلفة عقب مزدلفة. (¬5) من (د). (¬6) سقط من (د). (¬7) "تهذيب التهذيب" (3262). (¬8) أما رواية معمر عن الزهري فأخرجها أحمد 4/ 120، وأما رواية مالك فهي في "الموطأ" (1)، وأما رواية ابن عيينة فأخرجها الحميدي في "مسنده" (451)، وأما رواية شعيب بن أبي حمزة فأخرجها البخاري (4007) مختصرة. (¬9) "سنن ابن ماجه" (668) وهي رواية الليث عن ابن شهاب.

(أَيْضًا رَوَاهُ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ) (¬1) أبو المنذر أحَد الأعلام روى له الجماعة (وَحَبِيبُ بْنُ أَبِي مَرْزُوقٍ) صَدُوق (¬2) أخرج له الترمذي والنسَائي. (عَنْ عُرْوَةَ نَحْوَ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَأَصْحَابِهِ إِلَّا أَنَّ حَبِيبًا) ابن أبي مَرزوق. (لَمْ يَذْكُرْ (¬3) بَشِيرًا (¬4) وَرَوَى وَهْبُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَقْتَ) جبريل الذي وقته. (الْمَغْرِبِ قَالَ: ثُمَّ جَاءَهُ) مِنَ الغَد. (لِلْمَغْرِبِ) فصَلى (حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ يَعْنِي مِنَ الغَدِ) فصَلاهُما. (وَقْتًا وَاحِدًا) (¬5) فيه دليل (¬6) على أن المغرب لهَا وقت وَاحِد وهوَ الجَديد إذ لو كانَ لهَا وقتَان لبيَّنَهُمَا كَما بَينَ في سَائر الصَّلوَات، وحَملوا حَديث مُسْلم: "وقت صَلاة المغرب مَا لم يَغب الشفق" (¬7) عَلى الاستدَامة. (وَ (¬8) كَذَلِكَ روي (¬9) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ثُمَّ صَلَّى بِيَ ¬

_ (¬1) "التمهيد" لابن عبد البر 8/ 20 - 21. (¬2) انظر: "الكاشف" للذهبي 1/ 203. (¬3) زاد في (م): هشام بن. (¬4) رواية حبيب أخرجها ابن عبد البر في "التمهيد" 8/ 21 من طريق الحارث بن أبي أسامة، وهي في مسند الحارث كذا ذكر الحافظ في "الفتح" 2/ 6. (¬5) حديث جابر هذا أخرجه الترمذي (150)، والنسائي 1/ 263، وهو في مسند أحمد 3/ 330. قال الترمذي: قال محمد -يعني: البخاري- أصح شيء في المواقيت حديث جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬6) في (د، م): حجة. وسقطت من (ل). (¬7) سبق تخريجه من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. (¬8) من (د). (¬9) من (د).

المَغْرِبَ (¬1) يَعْنِي مِنَ الغَدِ وَقْتًا وَاحِدًا، وَكَذَلِكَ رُوِيَ [عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - من حديث حسان بن عطية] (¬2) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيبٍ (¬3) عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -) (¬4) بِنَحو مَا تقدَم. [395] (ثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ دَاودَ) بن عَامِر الهمدَاني أحَد الثقات الأعلام أخَرجَ لهُ البخَاري. (عن بَدْر بْن عُثْمَانَ) مَوْلى عُثمان بن عَفان روى له مُسلم في كتَاب الصَّلاة (ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مُوسَى) الأشعري. (عَنْ) أبيه (أَبِي مُوسَى الأشعري) - رضي الله عنه - (أَنَّ سائِلًا سأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -) زَادَ مُسْلم: عَن مَوَاقيت الصَّلَاة (¬5) (فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيهِ شَيئًا) أي: لم يَرُد لهُ جَوَابًا ببيَان الأوقات باللفظ بل قالَ لهُ: صَل مَعَنَا لتَعْرف ذَلكَ ويَحْصُلُ لكَ البَيَان بالفعل إذا صلى اليَوْمَين مَعَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - (¬6). قال النووي: وإنما تأوّلناهُ لنجمع بَينه وبَين حَديث برَيدة؛ لأن المعْلوم من أحْوَال النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كانَ يجيب [إذا سئل] (¬7) عما يحتَاج إليه (¬8). ¬

_ (¬1) ذكره الثعلبي في "تفسيره" 6/ 121. (¬2) من (د، م). (¬3) زاد في (م): وكذلك روي عن عمرو بن شعيب. (¬4) أخرجه البيهقي 1/ 369. (¬5) "صحيح مسلم" (614) (178). (¬6) أقحم هنا في (ص) عبارة: وكذلك روى ... " وهي مثبتة على الصواب في مكانها السابق من (د، م) في الصفحة السابقة. (¬7) من (د، م). (¬8) "شرح النووي على مسلم" 5/ 115 - 116.

قالَ القرطبي: وفي هذا جَوَاز تأخير البَيَان إلى وقت الحَاجَة، وجَاز للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن يؤخر بَيَان مَا سُئل عنهُ، وإن جَازَ للسَّائل أن يحترم قَبل ذلكَ، لأن الأصل استصحابُ (¬1) السَّلامة والبقاء إلى مثل هذِه المدة، أو أوحي إليه أنه يبقى إلى هذِه المدة (¬2). (حَتَى أَمَرَ بِلَالا فَأَقَامَ لِلْفَجْرِ) (¬3) هذِه توضح روَاية مُسلم فأقامَ الفَجر. (حِينَ انْشَقَّ الفَجْرُ) أي: انفرَجَ ضَوؤه مُنتشرًا بالأفُق. (فَصَلَّى) الفَجر (حِينَ كَانَ الرَّجُلُ لَا يَعْرِفُ وَجْهَ صَاحِبِهِ) من وَجْه غَيره؛ لأن المعْرفَة إنما تتعَلق بالأعيَان، ولو كانَ المراد لا يعرف كونه ذكرًا أو أنثَى لقال لا يعلم صَاحبه؛ لأنَّ الحكم بالذكورة والأنوثة إنما يتعلق بالعلم دُون المعْرفة. (أَوْ إنَّ الرَّجُلَ لا يَعْرِفُ مَنْ إِلَى جَنْبِهِ) مِنَ الغَلَس روَاية مُسْلم: والناسُ لا يكاد يعَرف بَعضهم بعضًا (ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ الظُّهْرَ) فيه دَليل على (¬4) أن إقامة الصلاة تتعلق بنظر الإمَام وفيه أن للإمام أن يعين مَن يقيم الصَّلاة، وأن المؤذن الذي يقيم الصَّلاة غير الإمَام. (حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ حَتَّى قَالَ القَائِلُ انْتَصَفَ النَّهَارُ) مثّل بنصف النهَار أي: بَلغت الشمس وسَط السَّماء. (وَهُوَ) كان (أَعْلَمُ) منهم كذا رواية مُسلم يَعني: بالوقت وغَيره. ¬

_ (¬1) في (ص): استحباب. (¬2) "المفهم" للقرطبي 2/ 241. (¬3) في (ص، س، ل): للفجر الفجر. وفي (م): الفجر. (¬4) من (د).

(ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ) صَلاة (الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ) لم يدخلها صُفرة. (مُرْتَفِعَةٌ) لم (¬1) تهبط بعد. قالَ القاضي حُسَين: لا يزالُ بَيَاضها حَتى يتبين مثنى الظل فإذا أخَذ في التثليث نقصَ البَيَاض. (وَأَمَرَ بِلَالا فَأَقَامَ المَغْرِبَ حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ) يَعني (¬2): أي: غابَ قُرصها عَن عَين الرائي كما تقدم قريبًا. (وَأَمَرَ بِلَالا فَأَقَامَ العِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ) يعني: الأحمر كما تقدم. (فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ صَلَّى الفَجْرَ) للصُبْح خمسَة أسماء غَير الفَجر، وتُسمى الغدَاة كما في حَديث: كانَ ينفتل (¬3) مِن صلاة الغدَاة (¬4). قال الشافعي في "الأم" (¬5) [أحب أن] (¬6) لا يُسمى بذلك فإن الله سَماهُ الفَجر، ورَسُوله سَماهَا صلاة الصبح، وتُسمى الصَّلاة الوسطى عندَ الشافعي وصلاة التنوير (¬7). (وَانْصَرَفَ فَقُلْنَا أَطَلَعَتِ الشَّمْسُ) يُوضحهُ روَاية مُسْلم: ثم أخر. يَعْنِي النَّبي - صلى الله عليه وسلم - الفَجر مِنَ الغَد حَتى انصَرفَ منها والقائل يَقولُ قد طَلعَت ¬

_ (¬1) في (ص): ثم. (¬2) سقط من (د، م). (¬3) في (ص): ينقلب. (¬4) "صحيح البخاري" (547). (¬5) "الأم" 1/ 156. (¬6) في (ص): أخدان. (¬7) انظر: "الحاوي الكبير" 2/ 8.

الشمس [أو كادَت (¬1) أن تطلع] (¬2). (فَأَقَامَ الظُّهْرَ فِي وَقْتِ العَصْرِ الذِي كَانَ قَبْلَهُ) رِوَاية مُسْلم: ثم أخر الظُهر حَتى كانَ قريبًا من وقت العَصْر بالأمس (¬3). (وَصَلَّى العَصْرَ وَقَدِ اصْفَرَّتِ الشَّمْسُ أَوْ قَالَ) القائل (أَمْسَى) روَاية مُسْلم: ثم أخر العَصْر حَتى انصَرف منها والقائل يقول قد احمرت الشَمس (¬4). (صَلَّى المَغْرِبَ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ) يَعني: الأحمرَ. (وَصَلَّى العِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيلِ) رِوَاية مُسْلم: ثم أخر العشاء حَتى كان ثلث الليل الأول (¬5). وهذا بَيَان لآخر وقت الاختيَار، ولكنهُ شرع بعد ثلث الليل، وامتَد إلى النصف للجَمع (¬6) بيْنَ الحَديثين ثُمَّ زاد مُسْلم: أصبح فدَعَا السَّائل. (قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ وَقْتِ الصَّلاة الوَقْتُ فِيمَا بَينَ هَذَيْنِ) الوقتين في هَذَين اليومين، وفيه حجة لمالك (¬7) والشَافعي (¬8) وغَيرهما على أن الوقت ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (614) (178). (¬2) سقط من (م). وفي (د): أو كادت تطلع. (¬3) "صحيح مسلم" (614) (178). (¬4) "صحيح مسلم" (614) (178). (¬5) "صحيح مسلم" (614) (178). (¬6) في (د، م): ليجمع. (¬7) "المدونة" 1/ 156 - 157. (¬8) "الأم" 1/ 150.

الموسع كله للوجوب من أوَّله إلى آخِره وأن المكلف مخَير بَين تقديم الصَّلاة وتأخيرهَا إلى آخِر الوقت، فأي وقت صَلى فيه المكلف فقد أدى، وذهبَ بَعض أصحَاب مَالك والشافِعِي إلى أن وقت الوجوب وقت وَاحِد غَير معَين. وفيه بَيَان أنَّ الصَّلاة وقتَين وقت فَضيلة ووقت اختيار، وفيه بَيَان أن وقت المغرب يمتَد إلى أن يَغيب الشفق وهوَ القديم مِن مَذهَب الشافعي (¬1). وفيه احتمال تأخير الصَّلاة عن أول وقتها وتركَ فَضيلة أول الوقت لمصلحة رَاجحة وهو تَعليم السَّائل بالفعْل. ([قال أبو داود] (¬2) رَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى) [القرشي الأمَوي كان يَأخذ كل يَوم في باب منَ العلم فلا يقطعهُ حَتى يَفرغ منه روى له مُسْلم في مقدمة كتابه] (¬3) (¬4) والأربعَة. (عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي) وقت (الْمَغْرِبِ (¬5) بِنَحْوِ هذا قَالَ ثُمَّ صَلَّى العِشَاءَ قَالَ) في روَاية (بَعْضُهُمْ: إِلَى ثُلُثِ اللَّيلِ وَقَالَ) في روَاية (بَعْضُهُمْ: إِلَى شَطْرِهِ) (¬6) وقد اختلف مذهب الشافعي (¬7) وغَيره ¬

_ (¬1) انظر: "الحاوي الكبير" 2/ 19 - 20. (¬2) من (د). (¬3) سقط من (م). (¬4) ص 17. (¬5) تكررت في (ص). (¬6) "مسند أحمد" 3/ 351. (¬7) انظر: "الحاوي الكبير" 2/ 25.

لهاتين (¬1) الروايتَين. قال السّبكي وغَيره: والقَول إلى ثلث الليْل أقوى في الدليل وأصح عند أكثر الأصحَاب، والقَول إلى نصف الليْل قالَ به جَمَاعَة، وتبعهم النوَوي في "شَرح مُسْلم" (¬2) ثم قَال السّبكي (¬3): ولا أدري أقال الذي في "شرح صحيح مسلم" عن عمد فيَكون مخالفًا لقوله في "المنهاج" (¬4) وغَيره أو عن غَير عمد وهوَ الأقرب. (وَكَذَلِكَ) رَوَى عبد الله (¬5) (ابْنُ بُرَيْدَةَ) قاضِي مَرو، ولم يخرج البخَاري لأخيه سُليمان بن بريدة شَيئًا (عن أبيه) (¬6) بريدة بن الحصيب الأسلمي شَهِدَ خَيبر (عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -). [396] (ثَنَا عُبَيدُ الله) بالتصغير (بْنُ مُعَاذٍ، قَال ثَنَا أَبِي) معَاذ بن معَاذ، (قال ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ سَمِعَ أَبَا أَيُّوبَ) يحيى بن مَالك الأزدي، ويُقال: المراغي، والمراغ منَ الأزد. (عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو (¬7) - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: وَقْتُ الظُّهْرِ مَا لَمْ ¬

_ (¬1) في (ص): بين. (¬2) "شرح النووي على مسلم" 5/ 116. (¬3) انظر: "نهاية المحتاج" 1/ 371. (¬4) "منهاج الطالبين" 1/ 8. و"المجموع" 3/ 40. (¬5) بل الصواب سليمان، وهو راوي حديث المواقيت، وحديثه أخرجه مسلم في "صحيحه" (613) (176)، والترمذي (152)، والنسائي 1/ 258، وهو عند أحمد 5/ 349. (¬6) في (ص): أخيه. (¬7) في (س): عمر.

يَحْضُرِ العَصْرُ) أي: يدخل وقتها. (وَوَقْتُ العَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ) أي: لم يَدْخلهَا صُفرة، وظَاهِره أنَّ آخِر وقت العصر قَبْل مخالطَة الصُّفرة، وهذا كما قال في حَديث بريدة: ثم أمَرَهُ بالعَصْر والشمس بيَضاء نقية (¬1). (وَوَقْتُ المَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ فَوْرُ) بالفاء من فار الماء إذا (¬2) اندَفع وظهَر، وفي روَاية مُسْلم: ثور (¬3) بالثاء المثلثة أي: ثورَانه وانتشاره وهوَ بِمَعنَاهُ. (الشَّفَقِ) الأحمر عندَ الشافعي (¬4) وجمهُور الفقهاء وعندَ أبي حنيفة (¬5) والمُزَني (¬6) وبعض (¬7) أهل اللغَة: المراد الأبيض، والأَول الراجح (¬8) المختار، وهذا يُؤذن بأن وقت المغرب مُوسع (¬9) كسَائر أوقات الصَّلوات، وهوَ مُوَافق لحَديث أبي مُوسَى: وصَلى بي المغرب في اليَوْم الثاني حِين غَابَ الشفَق (¬10). ¬

_ (¬1) هو حديث بريدة السابق تخريجه. (¬2) زاد هنا في (ص): ارتفع. (¬3) "صحيح مسلم" (612) (172). (¬4) "الأم" 1/ 156. (¬5) انظر: "المبسوط" للسرخسي 1/ 292 - 293. (¬6) انظر: "الحاوي الكبير" 2/ 23. (¬7) من (د). (¬8) في (ص): أرجح. (¬9) في (ص، ل، س): يوسع. (¬10) سبق تخريجه. وفي بعض ألفاظه: (عند سقوط الشفق)، وبعضها: (قبيل غياب الشفق)، ولم أجد أنه صلى المغرب حين غاب الشفق.

(وَوَقْتُ العِشَاءِ) أي: وَقت أدَائهَا اختيَارًا (إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ) وأمَّا وقت الجَوَاز فيَمتَد إلى طُلوع الفَجر الثَاني لحَديث أبي قتادَة (¬1) وغَيره. وَقالَ الإصْطخري: إَذا ذَهب نصْف الليْل صَارَت إذًا (¬2) قضَاء وتقدم ذَلك (¬3). (وَوَقْتُ صَلَاةِ الفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ) (¬4) هذا قَول جُمْهور العُلماء (¬5) والاختيَارُ أن لا يؤَخر عَن الإسفار (¬6) لبَيَان جبريل، وقال الإصْطخري (¬7): به يخرج الوَقت. * * * ¬

_ (¬1) يعني حديث: "إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الأخرى" وأخرجه مسلم (681) (311) وسيأتي تخريجه. (¬2) سقط من (د، م). (¬3) انظر: "الحاوي الكبير" 2/ 25، و"المجموع" 3/ 36. (¬4) أخرجه مسلم (612) (173)، والنسائي 1/ 260، وأحمد 2/ 213. (¬5) "الإجماع" لابن المنذر (37). (¬6) في (ل): الإسفرار. (¬7) "الحاوي الكبير" 2/ 30.

3 - باب في وقت صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وكيف كان يصليها

3 - باب فِي وَقْتِ صَلاةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَكَيْفَ كانَ يصَلِّيها 317 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْراهِيمَ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو -وَهُوَ ابن الحَسَنِ بْن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالِبٍ- قالَ: سَأَلْنا جابِرًا عَنْ وَقْتِ صَلاةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ: كانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالهاجِرَةِ والعَصْرَ والشَّمْسُ حَيَّةٌ والمَغْرِبَ إِذا غَرَبَتِ الشَّمْسُ والعِشاءَ إِذا كَثُرَ النّاسُ عَجَّلَ وَإِذا قَلُّوا أَخَّرَ والصَّبْحَ بِغَلَسٍ (¬1). 318 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي الِمنْهالِ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ قالَ: كانَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الظُّهْرَ إِذا زالَتِ الشَّمْسُ وَيُصَلِّي العَصْرَ وإِنَّ أَحَدَنا لَيَذْهَبُ إِلَى أَقْصَى المَدِينَةِ وَيَرْجِعُ والشَّمْسُ حَيَّةٌ وَنَسِيتُ المَغْرِبَ وَكانَ لا يُبالِي تَأْخِيرَ العِشاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ. قالَ ثُمَّ قالَ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ. قالَ وَكانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَها والحَدِيثَ بَعْدَها وَكانَ يُصَلِّي الصُّبْحَ وَما يَعْرِفُ أَحَدُنا جَلِيسَهُ الذِي كانَ يَعْرِفُهُ وَكانَ يَقْرَأُ فِيها مِنَ السِّتِّينَ إِلَى الِمائَةِ (¬2). * * * باب وَقْتِ صَلَاةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَكَيْفَ كَانَ يُصَلِّيهَا [397] (ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) الأزدي الفراهِيدي شيخ البخاري. (ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ) بن عَبد الرحمن بن عَوف الزهري قاضي المَدينَة (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو بْن الحَسَنِ) بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (قَالَ: سألنا (¬3) جَابِرًا عَنْ وَقْتِ صَلَاةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ) وهي شدَّة الحَر، والمرادُ: هنَا نصف النهار بَعْدَ الزوَال مِنَ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (565)، ومسلم (646). (¬2) رواه البخاري (541، 547)، ومسلم (647). (¬3) في (ص): سألت.

الهجر، وهوَ الترك؛ لترك الناس التصَرف (¬1) حينئذ لشدة الحَر. قال الخَليل: الهَجير والهجر (¬2) والهَاجرة نصف النهار، وأهجر القَوم وَتهجَّروا: سَاروا في الهَاجرَة (¬3). (وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ) حَيَاتها بقاء لَونها قَبل أن تتغير أو تصْفر. (وَالْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ) وهوَ أول وقتها بالإجماع (¬4). (وَالْعِشَاءَ إِذَا كَثُرَ النَّاسُ عَجَّلَ) قالَ ابن دَقيق العيْد: هذا الحَديث يتَعلق بشيء لم يتكلمُوا فيه، وهوَ أن صَلاة الجَماعَة أفضَل مِنَ الصَّلَاة في أوَّل الوَقت وبالعَكس، حَتى أنهُ إذا تعارَضَ في شخص أمَران أحَدُهما أن يقدم الصَّلاة في أول الوَقت مُنْفردًا أو يُؤَخرهَا في الجَماعَة أيُّهمَا أفضَل؟ قال: والأقرب عندِي أنَّ التأخير لصلاة الجَماعة أفضَل وهذا الحَديث يَدُل عَليه لقَوله: (إِذَا قَلُّوا أَخَّرَ) أو "إذا أبطؤوا أخر" (¬5) وهو لأجْل الجَماعَة مَعَ إمكان التقديم؛ ولأن التشديد في ترك الجماعة والترغيب في فعلهَا موجُود في الأحَاديث الصحيحة، وفضيلة الصَّلاة لأول وقتها ورَدَ على وَجْه (¬6) الترغيب في الفضيلة (¬7) انتهَى (¬8). ¬

_ (¬1) في (د): التفرق. (¬2) من (د، س، م، ل) و"العين". (¬3) "العين" (هجر). (¬4) "الإجماع" لابن المنذر (35). (¬5) "صحيح البخاري" 560. (¬6) في (د): فضيلة. وفي "إحكام الأحكام": جهة. (¬7) في (ص): فعلها في الصلاة. وفي (ل، س): في الصلاة. والمثبت من "إحكام الأحكام". (¬8) "إحكام الأحكام" ص 95.

وهذِه المسألة فيها خلاف مُنتشر لأصحَابنَا، والمختَار التقديم في أول الوَقت إن فحش التأخير، وإلا فالانتظار للجَماعَة. (وَالصُّبْحَ) كانَ يُصَليهَا بأصحَابه (بغَلَسٍ) وهو اختلاط ضيَاء الفَجر بظلمة الليْل كذا فسَّرهُ صَاحِب "العمدة" (¬1)، وفيه دلالة على فضيلة التغليس بصَلاة الصُبح. [398] (ثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قال ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي المِنْهَالِ) سيار (¬2) ابن سَلامَة، (عَنْ أَبِي بَرْزَةَ) نضلة بن عبَيد هذا أصح مَا فيه شهدَ الفتح انفرَد له مُسْلم بأربعة أحَاديث والبخاري بحَديثين وهوَ أسلمي نسبَة إلى جَدّه أسلم بن أفصى بالفاء. (قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الظُّهْرَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ) وقد يسْتمسك بِه مَن يَقول مِنْ أصحَابنَا بأن فضيلة أول الوَقت لا تحصُل إلا إذا قدمَ مَا يمكن تقديمه على الوَقت كالطهَارة وغَيرها، وهوَ ضعيف، إذ لا يمكن وقوع جَميع الصَّلَاة عندَ الزوَال، والصَّحيح عندَ أصحابنَا أنَّ (¬3) فضيلة أوَّل الوَقت (¬4) تحصُل بِأَن يَشتغل بأسبَاب [الصلاة عقيب دخول] (¬5) الوَقت. ¬

_ (¬1) "عمدة الأحكام" 1/ 19. (¬2) في (ص): بشار. (¬3) في (د، م): بأن. (¬4) في (م): وقت. (¬5) في (ص): رحله كما دخل. وسقطت كلمة: رحله من بقية النسخ. والعبارة مضطربة غير مفهومة. وما أثبتناه من "إحكام الأحكام" لابن دقيق العيد (ص 97) وهو أليق بالسياق.

(وَيُصَلِّي العَصْرَ وَإنَّ أَحَدَنَا لَيَذْهَبُ إِلَى (¬1) أَقْصَى المَدِينَةِ) أي: أبعدَ (¬2) دَار فيهَا (وَيَرْجِعُ) ظاهره حُصُول الذهَاب إلى أبعَد دَار في أقصَى المدَينة والرجُوع إلى المسجد لكن في روَاية عَوف مِنَ البخاري (¬3): ثُم يَرجع أحَدنا إلى رَحله في أقصَى المدينة (¬4). فليسَ فيه إلا الذهَاب دون الرجُوع وطَريق الجَمْع بَينهما بأن يقال أن يكون (يَرجع) في مَوضع الحَال، أي: يذهب رَاجعًا، وَجوز الكرمَاني أن يكون يَرجع خَبَر المبتَدأ الذي هوَ أحَدنا هذا عَلى عبَارة البخَاري وأحَدنا. وأمَّا هنا على قوله فيَكون خبَر (إن) و (يَذهب) جملة حَالية، وهذا مخالف لروَاية عَوْف، ودُخول لَام الابتدَاء على الجملة الحَالية بعيد (¬5). (وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ) أي: حَية بوجود حَرهَا؛ وهوَ مجَاز عَن بقاء بَيَاضهَا، وعدَم مخَالطة الصُفرة لهَا. (وَنَسِيتُ) مَا قال في (الْمَغْرِبَ) قائل ذلك سيار (¬6) كما بينه أحمد في روَايته عن حجاج عن شعبة عنه (¬7). (وَكانَ لَا يُبَالِي تَأْخِيرَ) منصوب يحتمل أن ينصب على المفعُول لهُ أي: لأجَل تأخير العشاء، ويحَتمل أن ينصب على حَذف حَرف الجَرّ ¬

_ (¬1) زاد في (د): رحله في. (¬2) في (ص، د): أبعدها. والمثبت من (م). (¬3) في (م): الصحابة. (¬4) "صحيح البخاري" (547). (¬5) انظر: "فتح الباري" 2/ 22. (¬6) في (د، ل، م): هو سيار. (¬7) "مسند أحمد" 4/ 425.

أي (¬1): مِن تأخير (العشاء) أي: تأخير وقتها. وروَاية البخَاري: "لا يبالي أن يُؤخر من العشاء" (¬2). قال ابن دَقيق العيد: فيه دَليل على استحبَاب التأخير قليلًا؛ لأن التبعيض بـ (من) يدل عليه (¬3). وتُعُقِّبَ (¬4) بأنه بعض مُطلق لا دلالة فيه على التخصيص في قلة ولا كثرة، وهذا التأخير إنما كان لانتظار من يجيء لصَلاة الجماعَة (إلى ثلث الليل) هذا يَرد على مَا قاله ابن دَقيق العيد في روَاية البخاري أنها تدل عَلى استحبَاب تأخر العِشَاءِ لا سيما قوله فيمَا بعد (¬5). (قالَ) لعله سَيَّارُ الناسِي في المغرب (ثُمَّ قَالَ إِلَى شَطْرِ اللَّيلِ) قد يجمع بَينهما بأن قوله: إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ يَعني: ابتداؤهَا، وتسْتمر في الصلاة مَعَ طول القراءة والذكر بَعدَها وصَلاة سنة - إن كانت - إلى نصْف الليْل. (قَالَ: [وَكانَ] (¬6) يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا) خشية التمادي فيهِ إلى خروج وقتها المختار أو الضروري أوْ خشيَة نسيَانها. وقد كرههُ عُمَر (¬7) وابنه وابن عَباس (¬8)، وبه قال مَالك (¬9) وأصحَابه حتى قالَ النسائي: هذِه الكراهة ¬

_ (¬1) في (م): الأتي. (¬2) "صحيح البخاري" (547) ولفظه: وكان يستحب أن يؤخر من العشاء. (¬3) "إحكام الأحكام" ص 95. (¬4) في (ص): يعبر. (¬5) في (د، م). بعده. (¬6) سقط من (م). (¬7) "مصنف عبد الرزاق" (2037) عن عمر - رضي الله عنه - ... والعشاء إذا غاب الشفق إلى ثلث الليل لا تشاغلوا عن الصلاة فمن نام فلا نامت عينه، فمن نام فلا نامت عينه". (¬8) "الاستذكار" 2/ 92. (¬9) "الموطأ" 1/ 117. وانظر: "الاستذكار" 5/ 220.

لا تَختص بالعشاء بَل تدخل في مَعناهَا بقية الصَّلوَات؛ لأن العلة مَوْجُودَة، ورَخصَ فيه عَلي وابن مسعود والكوفيون. قال الطحاوي: يرَخص فيه بشرط أن يكونَ مَعَهُ مَن يُوقظه أو يذكرهُ (¬1). وعَلى هذا [فتنتفي علة] (¬2) الحَديث المُستنبطة. (وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا) أي: بَعدَ فعلهَا إمَّا لخشية (¬3) أن ينامَ عن الصُبْح بِسَبَب سَهَره أول الليل، وإمَّا لخَشية الوقوع في اللغَط واللغو، ومَا لا ينبغي أن يختم به اليقظة بعَد أن ختمه بالصَّلَاة، وهذا الحَديث يستثنى منهُ مَا إذا كانَ الحَديث في خَير كمُذاكرة العِلم والحَديث مَعَ الضيْف لمؤانسته ونحوه، وقد بَوبَ عَليه البخَاري باب السَّمر في العِلم. وذكر القرطبي في تفسير قوله تعَالى: {سَامِرًا تَهْجُرُونَ} (¬4) أن سبَب كراهة الحَديث بَعدَها أنَّ الصَّلَاة قد كفرت خطاياه فيَنَام عَلى سَلَامة، وقد ختم كتاب صحيفته بالعبَادَة (¬5). وروى جَابر مَرفوعًا: "إياكم والسمر بعد هدأة الليل، فإن أحَدكم لا يدري مَا (¬6) يَبث الله في خلقه" (¬7) وروي عَن عمَر: أنه كَانَ يَضْرب الناس ¬

_ (¬1) انظر: "شرح النووي" 5/ 147. (¬2) في (ص، س، ل): فينبغي عليه. (¬3) كذا في (م). وهو الأقرب وفي بقية النسخ: بخشية. (¬4) المؤمنون: 67. (¬5) "الجامع لأحكام القرآن" 12/ 138. (¬6) في (م): متى. (¬7) أخرجه الحاكم في "المستدرك" 4/ 284. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1752).

عَلى الحَديث بعد العشاء، ويَقول سَمَرًا أوَّل الليل ونَومًا آخره أريحُوا كُتّابكم (¬1)، وقيلَ الحِكمة في ذَلك؛ لأن الله جَعَل الليل سَكنًا فلا تخالف حكمته، وقيل: لأنهُ كانَ مِن أفعَال الجَاهلية. (وَكَانَ يُصَلِّي الصُّبْحَ وَيَعْرِفُ أَحَدُنَا جَلِيسَهُ الذِي كَانَ يَعْرِفُهُ) استدل بذلك على التعجيل بصلاة الصُبح؛ لأن ابتدَاء معرفة الإنسَان وجْه جَليسه يكون في أوَاخِر الغلَس، وقَد صَرحَ بأن ذلك كانَ عند فراغ الصَّلَاة، ومن المعلوم من قراءته - صلى الله عليه وسلم - عَلَى عَادَته (¬2) ترتيل القراءة امتثالًا لأمر الله تعَالى وتعديل الأركان فيقتضي ذلك أنه كانَ يَدْخُلُ فيهَا مغلسًا. وادَّعى ابن المنير أنه مخالف لحَديث عائشة المتقدم: "لا يعرفنَ مِنَ الغَلَس" (¬3)، وأُجيب بأن الفرق بَينهما ظاهر، وهو أن هذا الحَديث متعلق بِمَعرفة مَن هوَ مُسْتقر (¬4) جَالس إلى جَنب المُصَلي فهو ممكن أنه إذا سَلم في (¬5) الصَّلاة يعْرفه وحَديث عائشة متَعلق بمن هوَ مُلتف (¬6) بجلباب ونحوه مَعَ أنه عَلى بعد منهنَّ فلا يعرفهن (¬7). وَكَانَ يَقْرَأُ فِيهَا (بالستين) (¬8) آية (إِلَى المِائَةِ) وقدَّرَهَا في روَاية الطبرَاني بسُورَة الحَاقة ونحوهَا. * * * ¬

_ (¬1) "الجامع لأحكام القرآن" 12/ 138. (¬2) في (م): قاعدته. (¬3) تقدم. (¬4) في (د): مسفر. (¬5) في (د): من. (¬6) في (د، س، م، ل) متلفف. (¬7) في (د): يعرفن، وانظر: "فتح الباري" 2/ 34. (¬8) في (ص): بالتسعين. وفي (د): الستين.

4 - باب في وقت صلاة الظهر

4 - باب فِي وقْت صَلاةِ الظُّهْرِ 399 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمُسَدَّدٌ قالا: حَدَّثَنا عَبّادُ بْنُ عَبّادٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الحارِثِ الأنصَارِيِّ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قالَ: كُنْتُ أُصَلِّي الظُّهْرَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَآخُذُ قَبْضَةً مِنَ الحَصى لِتَبْرُدَ فِي كَفِّي أَضَعُها لِجَبْهَتِي أَسْجُدُ عَلَيْها لِشِدَّةِ الحرِّ (¬1). 400 - حَدَّثَنا عُثْمان بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي مالِكٍ الأشْجَعِيِّ سَعْدِ بْنِ طارِقٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُدْرِكٍ عَنِ الأسْوَدِ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ قالَ: كانَتْ قَدْرُ صَلاةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الصَّيْفِ ثَلاثَةَ أَقْدامِ إِلَى خَمْسَةِ أَقْدامٍ وَفِي الشِّتاءِ خَمْسَةَ أَقْدامٍ إِلَى سَبْعَةِ أَقْدامٍ (¬2). 401 - حَدَّثَنا أَبُو الوَليدِ الطَّيالِسِيُّ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي أَبُو الحَسَنِ -قالَ أَبُو داودَ: أَبُو الحَسَنِ هُوَ مُهاجرٌ- قالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبا ذَرٍّ يَقُولُ كُنّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَرادَ المُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ الظُّهْرَ فَقالَ: "أَبْرِدْ". ثُمَّ أَرادَ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقالَ: "أَبْرِدْ". مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا حَتَّى رَأَيْنا فَىْءَ التُّلُولِ ثُمَّ قالَ: "إِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَإِذا اشْتَدَّ الحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاةِ" (¬3). 402 - حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ خالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ الهَمْدانِيُّ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّقَفِيُّ، أَنَّ اللَّيْثَ حَدَّثَهُمْ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ ¬

_ (¬1) رواه النسائي 2/ 204، وأحمد 3/ 327. وحسن إسناده الألباني في "صحيح أبي داود" (428). (¬2) رواه النسائي 1/ 250، والطبراني في "الكبير" 10/ 130 (10204)، والحاكم في "المستدرك" 1/ 199. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (429). (¬3) رواه البخاري (535)، ومسلم (616).

رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إِذا اشْتدَّ الحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلاةِ". قالَ ابن مَوْهَبٍ: "بِالصَّلاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ" (¬1). 403 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ سِماكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ بِلالًا كانَ يُؤَذِّنُ الظُّهْرَ إِذا دَحَضَتِ الشَّمْسُ (¬2). * * * باب وَقْتِ صَلَاةِ الظُّهْرِ [399] (ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل وَمُسَدَّدٌ قَالَا، ثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ) بن حَبيب بن المُهَلب بن أبي صفرة، قالَ الترمذي عَن قتيبة (¬3): [كنا نرضى أن نرجع] (¬4) من عند (¬5) عباد كل يوم بحديثين (¬6)، روى لهُ الجماعة. (قال: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو) ابن عَلقمة بن وقاص (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الحَارِثِ) ابن المعلي (الأَنْصَارِيِّ) الحجازي قاضِي المدينة مِن مَشاهير التابعين. (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي الظُّهْرَ) روَاية النسَائي: كُنْا نُصَلِّي الظُّهْر (¬7) (مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَآخُذُ قَبْضَة مِنَ الحَصَى) أي: وأنا في الصَّلاة (لِيَبْرُدَ فِي كَفِّي) زادَ النسَائي ولفظه: فَآخُذُ قَبْضةً مِنَ حصى في كفي أبردهُ ثم أُحَوِّلهُ (¬8) فِي كَفِّي الأخرى (¬9) فإذا سَجدتُ وضَعته ¬

_ (¬1) رواه البخاري (536)، ومسلم (615/ 180 - 181). (¬2) رواه مسلم (606). (¬3) في (م): قريبة. (¬4) في (ص): كان رضي يرجع. وفي (ل، س): كان يرضى أن يرجع. (¬5) في (م): عندنا. (¬6) "سنن الترمذي" 5/ 10. (¬7) "سنن النسائي" 2/ 204. (¬8) "سنن النسائي" 2/ 204. (¬9) في (م): الآخر.

[في جَبْهَتي] (¬1) (أَضَعُهَا) أي: عَلَى الأرض. (لجبهتي (¬2) أَسْجُدُ عَلَيْهَا لِشِدَّةِ الحَرِّ) بَوَّبَ عليه النسَائي. بَاب تَبريد الحَصَى للسجود عَليه (¬3) وسَاقهُ المُصنف في وقت صَلاة الظهر لما فيه من تعجيل الصَّلاة في أوَّل وقتها عند شدَّة الحَر، وحمو الأرض بالشمس، حَتى كانوا يُبرِّدُوا الحَصَى التي يسجدون عَليهَا ليَقِيَهُمْ مِن حَرِّ الرمضَاء، وقَريب منه روَاية مُسْلم: شكونا إلى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - حَر الرمْضَاء فلم يشكنا (¬4) أي: لم يجبنا إلى طَلبنَا لما شكونا إليه. [وهَذان الحَديثان معَارضان] (¬5) لأحَاديث الإبراد ولهذا مَال الأثرم والطحَاوي إلى نسخ حَديث خباب، قال الطحَاوي (¬6): ويَدُل عليه حَديث المغيرة: كنا نُصلي بالهَاجِرة فقَالَ لنَا: "أبْردُوا" (¬7) فتبَين أن الإبرَاد كانَ بعدَ التهجير (¬8). قال السُّبكي: أحَاديث الإبراد ناسِخَة للتعجيل بهَا في شدة الحَر ويدل عليه ما وَرَدَ في روَاية الخلال: كانَ آخر الأمرين مِن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - الإبراد يعني بالظهر ثم استمر عليه العَمل. [400] (ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قال: ثَنَا عَبِيدَةُ) بفَتح العَين المهملة ¬

_ (¬1) في (د، م): لجبهتي. (¬2) في (ص): بجبهتي. (¬3) "سنن النسائي" 2/ 204. (¬4) "صحيح مسلم" (619) (189). (¬5) في (ص): وهذا الحديث معارض. (¬6) شرح معاني الآثار 1/ 188. (¬7) أخرجه أحمد في "المسند" 4/ 250، وابن ماجه في "سننه" (680) وصححه الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" (554). (¬8) انظر: "التلخيص الحبير" 1/ 326.

وكسْر البَاء الموحَّدة (بْنُ حُمَيْدٍ) ابن عَبْد الرحمن التيمي النحوي رَوَى عنه البخاري. (عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأشْجَعِيِّ) وهوَ (سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ) بن أشيم الكوفي يُعَدّ في التابعين. (عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُدْرِكٍ) الأشجعي أخرَج له مُسلم. (عَنِ الأَسْوَدِ) ابن يزيد النخعي نسبة إلى جدّه [نَخع، خال] (¬1) إبرَاهيم النخعي أدرَك زَمَن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يرهُ. (أَنَّ عَبْدَ الله بْنَ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَتْ قَدْرُ صَلَاةِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -) لفظ روَاية النسَائي: كانَ قدر صَلاة رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر (¬2) (فِي الصَّيْفِ ثَلاثةَ أَقْدَامٍ إِلَى خَمْسَةِ أَقْدَامٍ وَفِي الشَّتَاءِ خَمْسَةَ أَقْدَامِ إِلَى سَبْعَةِ أَقْدَامٍ) (¬3). قال الشيخ تقي الدين السبكي: قد اختلف الناس في معنى هذا الحَديث والذي عندي فيه أنهُ كانَ يُصَليهَا في الصَّيف بعد نصف الوقت وفي الشتاء أوله، ومنه يُؤخذ حَد الإبرَاد (¬4) وإنما قُلت ذَلك؛ لأن أول الصَّيف لا يبقى بالمدينة ظِل وقت الزوَال وأوَّل الشتَاء يَكونُ عندَ الزوَال سَبْعَة أقدَام فصَلاته عندَ كَون الظل [ثلاثة أقدَام] (¬5)، وهو في أوَّل الصَّيف في بُرج السَّرطان. ويَكونُ الماضِي مِنْ وقت الظهر إذ ذَاك ثلاثة أخماسه إلا دقَائق وصَلاتهُ عندَ كونه خَمْسَة أقدَام في وقت يكونُ ظل الزوال قَدَمين فتضمهَا إلى الثَلاثة التي يؤخرهَا بسبَب الإبرَاد يكون خَمسَة، وذلكَ حين يَبقى من فَصل الصَيْف خَمسَة عَشر يومًا ويكونُ المَاضي من وقت ¬

_ (¬1) سقطت من (م). (¬2) "سنن النسائي" 1/ 250. (¬3) كتب عندها حاشية في (م): وأخرجه النسائي ستة. (¬4) انظر: "مرقاة المفاتيح" 3/ 45. (¬5) تكررت في (د، م).

الظهر ثلاثة أخماس ونصف خُمس تقريبًا. ويكون ذَلك قبلَ أوَّل الصَّيف أيضًا حينَ يشتَد الحرُّ وصَلاته - صلى الله عليه وسلم - حينَ يَكونُ الظِّل سبعة هوَ في أول الشتاء حينَ يَكون الزوال سَبعَة أقدَام فَإنهُ يُصَليهَا في أوَّل الوَقت وصَلاته مَا بَيْنَ الخمسَة والسَّبعة قبل ذَلك بقليل، وبعد بقليل وذاك أيضًا في أول الوَقت إذ لا حَاجَة إلى الإبراد فوقت صَلاته - صلى الله عليه وسلم - في الشتاء أوَّل الوَقت لم يختلف [وفي الصيف بَعد نصف الوقت] (¬1) لم يختلف وإنما اختلف حَال الظل بسَبَب زيَادَة ظِل الزوَال ونقصه فاعلم ذلك فإني حَرَّرتُه. [401] (ثَنَا أَبُو الوَلِيدِ) هشام بن عَبد الملك الطَّيَالِسِيُّ شيخ البخاري، (قال: ثَنَا شُعْبَةُ قال: أَخْبَرَنِي أَبُو الحَسَنِ هو (¬2) مُهَاجِرٌ) التيمي مَولاهم الصَّائغ روى له الشيخان في الصَّلاة (قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ يقول (¬3) سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ) جندب (¬4) ابن جنادة - رضي الله عنه - (يَقُولُ: كُنَّا مَعَ رَسُول - صلى الله عليه وسلم - فَأَرَادَ المُؤَذِّنُ) يَعْني: المعرُوف وهوَ بلال. (أَنْ يُؤَذِّنَ) فيه أن الأذَان يتعلق بنظر المؤَذن ولا يَحتاج إلى إذن الإمَام بخلاف الإقَامَة وأن المستحب أن يَكون للأذَان مُؤذن مَعْروف وأن يَكونَ مُتَطوِّعًا كبِلَال. (الظُّهْرَ) بالنصب أي: وقت الظهر (فَقَالَ): ظاهِر هذا الحَديث أن الأَمْر بالإبراد (¬5) وقَع قبل الأذان (¬6) وروَاية البَخاري: أذن مؤذن النبي ¬

_ (¬1) تكررت في (م). (¬2) من (د). (¬3) ساقطة من (ص). (¬4) في (م): حنيدر. (¬5) في جميع النسخ: بالأذان. والمثبت هو الصواب؛ إذ الأمر كان بالإبراد ولم يكن بالأذان. (¬6) من (د، م).

- صلى الله عليه وسلم - الظُهر فقال: (أبرد) أنَّ ذَلك وقع بعَد تقدم الأذان منه فيجمَع بينَهما عَلى أنه شرع في الأذان فقال لهُ أبرد فترك فعَلى هذا تقدير روَاية المصَنف: فأرَادَ أن يتم الأذان، وَروَاية البُخاري معْنَى أذَّنَ شَرع في الأذان. (أَبْرِدْ) بفتح الهَمزة و (¬1) [بقطع الهمزة] (¬2) وكسْر الراء أي: أَخِّرْ إلى أن يَبْرُد الوَقت. يُقَال: أبرد إذا دَخل في البرد، وأظهر إذا دَخل في الظهيرة ومثلهُ في المكان أنجد إذا دَخل نجدًا (¬3) وأتهم إذا دَخل تهامة، والأمر بالإبرَاد أمر استحباب، وقيل: أمر إرشاد، وقيل: بَل هوَ للوجُوب حَكاهُ عيَاض (¬4) وغَيره، وغفل الكرمَاني فنقل الإجماع عَلى عَدَم وجُوبه نعم قَالَ جُمهُور أهل العلم: يُستَحبُّ (¬5). (ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ: أَبْرِدْ) قيدَ الشافعي استحباب الإبراد باختصاصه ببَلد حَار وجماعة مَسْجِد يقصدونه من بعد (¬6)، والمشهور عَن أحمدَ (¬7) التسوية مِن غَير تخصيص ولا قيد (¬8)، وهوَ قول إسحاق (¬9) والكوفيين (¬10) وابن المنذر (¬11). وفيه دلالة على أستحبَاب الإبرَاد بالأذان كما يُستحب الإبراد بالصَّلاة ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) ليست في (د). (¬3) في (د): بهذا. (¬4) "إكمال المعلم" 2/ 581. (¬5) انظر: "فتح الباري" 2/ 21. (¬6) "الأم" 1/ 153. (¬7) "مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج" (127)، وانظر: "المغني" 2/ 35. (¬8) في (م): فيه. (¬9) "مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج" (127)، وانظر: "المغني" 2/ 35. (¬10) انظر: "المبسوط" للسرخسي 1/ 295. (¬11) "الأوسط" 2/ 360 - 361.

لقوله للمؤَذن: "أبْرِد" ولقَول عُمر لأبي مَحْذُورَة مُؤذن مَكة: إنكَ في بَلدَ حَار فأبرد على الناس (¬1). قالَ السبكي (¬2): ونقل بَعض المتأخرين عَن المذهب أنه لا يُستَحب، والحَديث حجة عليه، ثم قال: ولعَلَّ ذلك محمول على مَا إذَا علم من حَال السَّامعين أنهمُ يَحضرُون عقب (¬3) الأذَان فَيبرد لئلا يَشق عَليهم، أمَّا إذا كانَ في نَاس لا يَحْضُرُون عَقب (¬4) الأذَان فينبغي الأذان في أول الوقت ليعلم دخوله. (مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا) شَك من الراوي (حَتَّى رَأَيْنَا) هذِه الغاية بقَوله: فقال له: "أبرد" أي: كانَ يقول في الزمَان الذي قبل الرؤية أبْرد فَأبْرد إلى أن رَأينَا (فَئءَ) بفتح الفاء وسُكون اليَاء بَعْدَهَا هَمزَة وهوَ مَا بَعد الزوَال منَ الظل (التُّلُولِ) بِضَم التاء جَمْع تَلّ بِفَتح المثَناة وتشديد اللام وهوَ كُل مَا اجتمعَ عَلى الأرض مِنْ تراب ورمل أو نحو ذلكَ، وهي في الغَالب مُسَطحة غَير شاخصَة ولا يظهر لها ظل إلا إذا (¬5) ذَهَبَ (¬6) أكثر وقت الظهر. وقد اختلفَ العُلماء في غَايَة الإبراد فقيل: حَتى يَصل الظل ذراعًا بعد ظل الزوَال، وقيل: ربع قامة، وقيلَ ثلثها، وقيل: نصفها، ونزلهَا ¬

_ (¬1) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 1/ 439. (¬2) في (ص): الشبلي، وانظر: "أسنى المطالب" 1/ 120، "تحفة المحتاج" 4/ 426. (¬3) في (م): عقيب. (¬4) في (م): عقيب. (¬5) ليست في (د، م). (¬6) زاد في (ص): وقت.

المَازري (¬1) على اختلاف الأوقات، والجَاري على القواعد أنه يختلف باختلاف الأحوَال لكن يشترط أن لا يمتَد إلى آخِر الوقت (¬2). وأمَا روَاية البخاري في الأذان عن شعبة بلفظ حَتى سَاوى الظل التلول (¬3) فظاهرُه يقتضي أَنَّه أَخَّرهَا إلى أن صَار ظل كل شيء مثله ويحَتمل أن يَراد بهذِه المسَاوَاة (¬4) ظهُور الظل بَجنب (¬5) التل بعد أن لم يَكن ظاهرًا فسَاوَاهُ في الظهور لا في المقدَار أو (¬6) يُقَالُ قد كَانَ ذلكَ في السَّفَر فلعَلهُ أخَّرَ الظهر حَتى يَجْمَعَها مَعَ العَصر. (ثُمَّ قَالَ: إِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ) تعليل لمشروعية التأخير المذكور. وهَل الحكمة فيه دَفع المشقة؛ لكونها قد تسلبُ الخشوع؟ أو لأنها الحَالة التي ينتشر فيها العَذاب؟ ويؤيده روَاية عَمرو بن عبسة لمُسلم حَيث قالَ: "أقصر عن الصَّلاة عند استواء الشمس فإنهَا سَاعَة تسجر فيها جَهَنم" (¬7). وقد يستشكل هذا بأن الصلاة سَبَب الرحمة؛ ففعلهَا مَظنة لطرد العَذاب فكيفَ أمَر بتركها وأجَابَ عليه (¬8) أبو الفتح اليعمري بأن التعليل إذا جَاء من جهَة الشارع وَجَبَ قبُوله، وإن لم يفهم مَعناه واستنبط لهُ ابن المنَير معنى مناسبًا فقال: وقت ظهور أثر الغَضَب لا ¬

_ (¬1) في الأصول الخطية: البادري. والمثبت من "فتح الباري". (¬2) انظر: "فتح الباري" 2/ 25. (¬3) "صحيح البخاري" (629). (¬4) في (د): المسافات. (¬5) في (ص): بحيث. وفي (ل): تحت. (¬6) في (د): و. (¬7) أخرجه مسلم (832) (294). (¬8) في (د): عنه.

ينجع فيه الطَلب إلا ممن أذنَ لهُ فيه واستدل بحَديث الشفاعَة (¬1) حَيث اعتذر الأنبياء كلهمُ سَوى نبينَا - صلى الله عليه وسلم - لكونه أذن لهُ في ذلك (¬2). (مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ) أي: من سعة انتشارهَا وتنفسها ومنهُ مكان أفيح أي: متسع وظاهره أن مثار وَهج الحرِّ في الأرض من فيحَ جَهَنم في الأرض حَقيقة، وقيل: هو من مجاز التشبيه (¬3) أي: كأنهُ نار جَهَنم في (¬4) الحَر، والأول أولى، ويؤَيدهُ حَديث الصَّحيحين (¬5) "اشتكت النار إلى ربها، فأذِنَ لهَا بنَفَسَين" (¬6). وهذا على القَول بأن جَهَنم تَحت الأرض. (فَإِذَا اشْتَدَّ) أصله اشتدد بوَزن افتعَل من الشدة ثم أدغمت أحدَى الدالين في الأخرى ومفهُوم (¬7) الصفة أن (الحر) إذا لم يشتد لا يشرع (¬8) الإبراد وكذَا لا يشرع في البرد من بَاب أولى، ويحتمل أن يأتي مِنَ جُمَلِ (¬9) التعليل للإبرَاد: دَفع المشقة لكونها حَالة تسلب الخشوع أن تؤخر الصَّلاة لشدة البرَد كما في صلاة الصُبح في وقت السَّحر، فإنه يَأتي في الشتاء وقت السَّحر زَمهرير يشق مَعَهُ الذهَاب إلى المَسْجد لحُضور الجماعة، ولهذا سوّوا بين شدة الحر والبَرْد في ترك الجماعة والجُمعَة ليلًا كانَ أو نَهارًا، وكذَا يأتي في التعليل بأنها سَاعة ينتشر فيهَا العَذاب، فإن شدة البرد من فيح جَهَنم كما في الحديث ¬

_ (¬1) في (د، س، م، ل): الساعة. (¬2) "فتح الباري" 2/ 17. (¬3) في (د): السببية. (¬4) من (ل)، "فتح الباري". (¬5) في (ص، س، ل): الصحيح. (¬6) "صحيح البخاري" (537)، و"صحيح مسلم" (617) (185). (¬7) وفي (م): ومفهم. (¬8) سقط من (م). وفي (د): يمتنع. (¬9) من (ل).

"نفس في الشتاء" (¬1) واللهُ أعلم. (فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ) (¬2) وهذا رُخصَة حَتى لو تكلف وصَلى في أول الوَقت كانَ أفضَل وصحَّحَهُ بعض أصحَابنَا الخراسَانيين وليسَ كذَلك. [402] (ثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ) بفتح الميم والهَاء (الْهَمْدَانِيُّ) بإسْكان الميم (وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّقَفِيُّ) البَلخي (أَنَّ اللَّيْثَ) (¬3) ابن سعْد (حَدَّثَهُمْ، عَنِ) محَمد (ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ) عَبْد الله بن عبد الرَّحمن. (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ فَأَبْرِدُوا) أي: أخرُوا الصَّلاة عن ذَلك الوَقت وأدخلوهَا في وقت البَرد وهوَ الزمَان الذي يبين (¬4) فيه انكسَار شدة الحَر. (عَنِ الصَّلَاةِ) (عَن) بِمعَنى البَاء كقوله تَعالى: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} (¬5)، وقيل: (عن) هُنا زَائدَة أي: أبردُوا الصَّلاة. يقال: أبرَد الرجل كذَا إذَا فعَلهُ في بَرد النهَار. (قَالَ) خَالد (ابْنُ مَوْهَبٍ) (¬6) فَأَبْردُوا (بِالصَّلَاةِ) وعَلَى القَول الثاني أنَّ عَنْ زَائدة فتكون الباء في روَاية ابن موهب (¬7) أيضًا زَائدَة ودَخلت لتأكيد (¬8) الاتصَال لتوكيد (¬9) شدة الفعْل بالفَاعِل كقوله تعَالى: {وَكَفَى ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (537)، و"صحيح مسلم" (617) (185). (¬2) كتب عندها حاشية في (م): وأخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي. (¬3) في (س): أنس. (¬4) في (ص، ل): يثبت. (¬5) الفرقان: 59. (¬6) في (ص): وهب. (¬7) في (ص): وهب. (¬8) في (ص، س، ل): ليتأكد. (¬9) في (د): لتؤكد.

بِاللَّهِ شَهِيدًا} (¬1) {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (¬2) و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} (¬3) و {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} (¬4) عندَ بَعضهم، والجمهور على أنها ليست بِزَائَدة فإنهُ إنما يَجوز الحكم بِزيَادَتها إذا تأدى المعنى المقصود بِوجُودهَا حَالَة [عَدَمهَا عَلى] (¬5) السواء وليسَ كذَلك في هذِه الأمثلة. (فَإِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ) (¬6) وفيحهَا شدة حَرهَا وشدة غليَانها يقال: فاحَت القدر تفيح أي: هَاجَت وغَلت (¬7). [403] (ثَنَا مُوسَى بْنُ (¬8) إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَمَادٌ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَن بِلالًا كَانَ يُؤَذِّنُ الطهْرَ إِذَا دَحَضَتِ) بِفَتح الحاء المُهملة والضاد المعجمَة أي: زَالت عن كبد السَّماء مَأخوذ مِنَ الدَّحَض وهو الزلَق والميل عَن الشيء. (الشَمْسُ) ومقتَضى هذا أنهُ كانَ يُصَلى الظهر في أوَّل وقتها ولا يخالف ذَلكَ الإبراد لاحتمال أن يَكون ذَلك في زمَن البَرد، [أو قبل] (¬9) الأمر بالإبراد أو عند فقد شروط الإبراد. * * * ¬

_ (¬1) النساء: 79. (¬2) البقرة: 195. (¬3) العلق: 1. (¬4) الإنسان: 6. (¬5) تكررت في (م). (¬6) كتب عندها حاشية في (م): وأخرجه البخاري، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. (¬7) هذا هو المعنى الثاني للفيح، وقد ذكر المصنف المعنى الأول بمعنى السَّعة انظر: "لسان العرب": فَيح. (¬8) زاد هنا في (م): إبراهيم بن. (¬9) في (ص): وقيل.

5 - باب في وقت صلاة العصر

5 - باب في وَقت صَلاةِ العَصْرِ 404 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أنَّهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُصَلِّي العَصْرَ والشَّمْسُ بَيْضاءُ مُرْتَفِعَة حَيَّة وَيَذْهَبُ الذّاهِبُ إِلَى العَوالِي والشَّمْسُ مُرتَفِعَةٌ (¬1). 405 - حَدَّثَنا الحَسَن بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاق، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قالَ: والعَوالِي عَلَى مِيلَيْنِ أَوْ ثَلاثَةٍ. قالَ: وَأَحْسَبُهُ قالَ: أَوْ أَرْبَعَةٍ (¬2). 406 - حَدَّثَنا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُور عَنْ خَيْثَمَةَ قالَ حَياتُها أَنْ تَجِدَ حَرَّها (¬3). 407 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ قالَ: قَرَأْتُ عَلَى مالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنِ ابن شِهابٍ قالَ عُروَة: وَلَقَدْ حَدَّثَتْنِي عائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُصَلِّي العَصْرَ والشَّمْسُ فِي حُجْرَتِها قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ (¬4). 408 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ أَبي الوَزِيرِ، حَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ اليَماميُّ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ شَيْبانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ شَيْبانَ قالَ: قَدِمْنا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - المَدِينَةَ فَكانَ يؤَخِّرُ العَصْرَ ما دامَتِ الشَّمْسُ بَيْضاءَ نَقِيَّةً (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (550، 551)، ومسلم (621/ 192، 193). (¬2) رواه أحمد 3/ 161، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 112، والبيهقي 1/ 440. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (434). (¬3) رواه ابن أبي شيبة 3/ 143 (3320)، والبيهقي 1/ 440. وصحح إسناده الحافظ في "الفتح" 2/ 21، والألباني في "صحيح أبي داود" (435). (¬4) رواه البخاري (545)، ومسلم (611). (¬5) رواه ابن عبد البر في "التمهيد" 1/ 298 - 299. قال النووي في "المجموع" 3/ 58: حديث باطل لا يعرف. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (63).

401 - حَدَّثَنا عُثْمان بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا يَحيَى بْن زَكَرِيّا بْنِ أَبِي زائِدَةَ وَيَزِيدُ بْن هارُونَ، عَنْ هِشامِ بْنِ حَسّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ يَوْمَ الَخنْدَقِ: "حَبَسُونا عَنْ صَلاةِ الوسْطَى صَلاةِ العَصْرِ مَلأَ اللُّه بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نارًا" (¬1). 410 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ القَعْقاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى عائِشَةَ أَنَّهُ قالَ أَمَرَتْنِي عائِشَةُ أَنْ أكتُبَ لَها مُصْحَفًا وقالَتْ إِذا بَلَغْتَ هذِه الآيَةَ فَآذِنِّي {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} فَلَمّا بَلَغْتها آذَنْتُها فَأَمْلَتْ عَلي {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} ثُمَّ قالَتْ عائِشَة: سَمِعْتُها مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬2). 411 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْن المثَنَّى حَدَّثَنِي محَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنا شعْبَةُ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي حَكِيمٍ قالَ: سَمِعْتُ الزِّبْرِقانَ يُحَدِّثُ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ قالَ: كانَ رَسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الظّهْرَ بِالهاجِرَةِ وَلم يَكُنْ يُصَلِّي صَلاةً أَشَدَّ عَلَى أَصْحابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْها فَنَزَلَتْ {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} وقالَ: "إِنَّ قَبْلَها صَلَاتيْنِ وَبَعْدَها صَلَاتَيْنِ" (¬3). 412 - حَدَّثَنا الحَسَن بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنِي ابن المُبارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابن طاوسٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابن عَبّاسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَدْرَكَ مِنَ العَصْرِ رَكعَةً قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ وَمَنْ أَدْرَكَ مِنَ الفَجْرِ رَكْعَة قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2931)، ومسلم (627). (¬2) رواه مسلم (629). (¬3) رواه أحمد 5/ 183، والنسائي في "الكبرى" (365)، والطحاوي في شرح معاني الآثار" 1/ 99، والبيهقي 1/ 458. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (439). (¬4) رواه البخاري (556، 579)، ومسلم (608).

413 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ عَنِ العَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قالَ: دَخَلْنا عَلَى أَنَسِ بْنِ مالِكٍ بَعْدَ الظُّهْرِ، فَقامَ يُصَلِّي العَصْرَ فَلَمّا فَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ ذَكَرنا تَعْجِيلَ الصَّلاةِ أَوْ ذَكَرَها فَقالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقولُ: "تِلْكَ صَلاةُ المُنافِقِينَ، تِلْكَ صَلاةُ المُنافِقِينَ، تِلْكَ صَلاةُ المُنافِقِينَ يَجْلِسُ أَحَدُهُمْ حَتَّى إِذا اصْفَرَّتِ الشَّمْسُ فَكانَتْ بَينَ قَرْنَي شَيطانٍ أَوْ عَلَى قَرْنَي الشَيطانِ، قامَ فَنَقَرَ أَرْبَعًا لا يَذْكُرُ اللَّه فِيها إِلَّا قَلِيلًا" (¬1). 414 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "الَّذِي تَفُوتُهُ صَلاةُ العَصْرِ فَكَأَنَّما وتِرَ أَهْلَهُ وَمالَهُ". قالَ أَبُو داودَ: وقالَ عُبَيْدُ اللهِ بْن عُمَرَ: "أُتِرَ". واخْتلِفَ عَلَى أَيُّوبَ فِيهِ وقالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ سالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "وتِرَ" (¬2). 415 - حَدَّثَنا مَحْمُودُ بن خالِدٍ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ قالَ: قالَ أَبُو عَمْرٍو يَعْنِي: الأوزاعِيَّ وَذَلِكَ أَنْ تَرَى ما عَلَى الأرْضِ مِنَ الشَّمْسِ صَفْراءَ (¬3). * * * باب فِي وَقت صَلَاةِ العَصرِ [404] (ثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قال ثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابن شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ) وهي تشعر بالدوام. (يُصَلِّي العَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيضَاءُ مُرْتَفِعَةٌ) أي: بَاقية على ارتفاعهَا لم تهبط. (حَيةٌ) سَيَأتي تفسيرُه (وَيَذْهَبُ الذاهِبُ إِلَى العَوَالِي) صفة لمحذوف ¬

_ (¬1) رواه مسلم (622). (¬2) رواه البخاري (522)، ومسلم (626). (¬3) ضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (64).

تقديرهُ إلى القرى العَوالي التي حَول المدينة (وَالشَّمْسُ) بعد (مُرْتَفِعَة) حَيَّة. [405] (ثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، قال: ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قال: أَنا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ قَالَ: وَالْعَوَالِي عَلَى مِيلَينِ أَوْ ثَلاثةٍ). قال مَالك: أقربهَا ميلان. وروى أبُو عَوانة في "صحيحه" عَن إبراهيم ابن أبي عْبلة (¬1) عن الزهري ولفظه: والعوَالي منَ المدينة على ثلاثة أميَال (¬2). (قَالَ: وَأَحْسَبهُ) يعني: الزهري (قَالَ: وأَرْبَعَةٍ) ورَوَى البيهقي من طَريق الليث عَن يُونس عن الزهري قال: أربعَة أميَال أو ثلاثة (¬3). وأخرَجَ الدارقطني عن المحَاملي عن أبي عُتبة (¬4) بسَنَده على ستة أميَال (¬5)، ووقعَ في "المدونة" عن مَالك: أبعَد العَوَالي مَسَافَة ثلاثة أميَال (¬6). قال عيَاض (¬7): كأنهُ أرَادَ مُعْظم (¬8) عمارتها وإلا فأبعَدها ثمانية أمْيَال وَبذلكَ جزم ابن عبد البر (¬9) وغَير ذَلك (¬10). ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: عبد الله. والمثبت من المصادر. (¬2) "مسند أبي عوانة" (1034) ولم يذكر متنه. (¬3) "سنن البيهقي الكبرى" 1/ 440. (¬4) في (ص): عيينة. (¬5) "سنن الدارقطني" 1/ 253. (¬6) "المدونة الكبرى" 1/ 233. (¬7) "إكمال المعلم" 2/ 586. (¬8) في (د): تعظيم. (¬9) "التمهيد" 6/ 178. (¬10) انظر: "فتح الباري" 2/ 36.

[406] (ثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، قال: ثَنَا جَرِيرٌ) ابن حَازم (¬1) (عَنْ مَنْصُورٍ) ابن زاذان (¬2) الوَاسطي. (عَنْ خَيثَمَةَ) (¬3) ابن عَبد الرحمن التَابعي. (قَالَ: حَيَاتُهَا أَنْ تَجِدَ) أي: يوجَدُ (حَرَّهَا)، وكذَا قالَ ابن المنير قوة حَرَارَتها وأثرهَا في الآدمي حَرارَة ولونًا وشعَاعًا وإنَارَة (¬4)، وَذَلك (¬5) يَكونُ غالبًا قَبلَ مصير الظِّل مثلين كما تقدم عَن ابن العَرَبي. [407] (ثَنَا) عبد الله بن مسلمة (الْقَعْنَبِيُّ قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أنسٍ، عَنِ ابن شِهَاب قَالَ عُرْوَةُ) بن الزبير (وَلَقَدْ حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ؛ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي العَصْرَ وَالشَّمْسُ فِي) قعر (حُجْرَتِهَا) كَذا في روَاية البخَاري (¬6): عن أبي أسامَة (¬7) وهوَ أوضح في تعجيل صَلَاة العصْر من روَاية المصَنف المُطلقة [وهو في] (¬8) مُسْتخرج الإسماعيلي لكن بلفظ (¬9) والشمس واقعة في حجرَتي (¬10) فَعرف بذَلك أن الضمير ¬

_ (¬1) ليس كذلك وإنما هو جرير بن عبد الحميد. (¬2) منصور هذا هو ابن المعتمر، وليس ابن زاذان. (¬3) كتب فوقها في (د): ع. (¬4) انظر: "فتح الباري" 2/ 29. (¬5) في (ص، س، ل): وكذلك. (¬6) "صحيح البخاري" (544). (¬7) في (ص، ل): أمامة. (¬8) في (ص، ل): وهي. (¬9) في (م): بلفظة. (¬10) وكذا هي في رواية مسلم في "صحيحه" (612) (171).

في قوله في حُجرتها لعَائشة وفيه نَوع التفات والمرادُ بالحُجرة وهي بضَم الحاء المهمَلة: البيت والمرَادُ بالشمس ضَوؤهَا. (قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ الفَيء) أي: يَنَبسط في حجرتها الظل إلى الموضع الذي كانت فيه وفي روَاية البخَاري: والشمس في حجرتها قبل أن تظهر (¬1). أي: ترتفع فهذا الظهور غَير ذَلك (¬2) الظهور، وليس بَيْنَ الروايتين اختلاف؛ لأن انبسَاط الفيء لَا يَكون إلا بعدَ خروج الشمس. [408] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَنْبَرِيُّ) وثق (¬3) (قال: ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي الوَزِيرِ) واسْمهُ عُمَر أخرجَ له البخاري (قال: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ اليَمَاميُّ قال: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ شَيبَانَ، عَنْ أَبِيهِ) عَبْد الرحمَن بن علي (عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ شَيبَانَ) قال العلائي [في "الوشي المعلم"] (¬4): يزيد لم يتكلم وأبوه عبد الرحمن روى عن طلق بن علي أيضًا وعنهُ أيضًا عبد الرحمن بن بدر (¬5)، ووعلة بن عَبْد الرحمن اليماميان (¬6)، وثق ابن حبان (¬7) عَبْد الرحمَن، وَروى لهُ ¬

_ (¬1) التبس الأمر هنا على الشارح رحمه الله، فنسب رواية أبي داود للبخاري، ورواية أبي داود: "قبل أن تظهر" يعني ترتفع. ورواية البخاري: أو الشمس في حجرتها لم يظهر الفيء". (¬2) في (د): ذاك. (¬3) انظر: "الكاشف" 3/ 68. (¬4) من (د، س، م، ل). (¬5) في (س): يزيد. (¬6) في (ص، ل): الياميان. (¬7) "الثقات" 5/ 105.

البخَاري في "الأدب" (¬1)، وأمَا جَده عَلي بن شيبَان الحنَفي اليمامي مَعْروف الصحْبَة (¬2). (قَالَ قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - المَدِينَةَ فَكَانَ يُؤَخِّرُ العَصْرَ مَا دَامَتِ الشَّمْسُ بَيضَاءَ نَقِيَّةً) منَ الصفرة والتغير عن حَالهَا. [409] (ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، قال: ثَنَا يَحْيىَ بْنُ زَكرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ وَيَزِيدُ (¬3) بْنُ هَارُونَ) السُّلمي بضم السِّين أحَد الأعلام. (عَنْ هِشَامِ (¬4) بْنِ حَسَّانَ) الأزدي الحَافظ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ) بفتح العين السَّلماني. (عَنْ عَلِيِّ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ يَوْمَ الخَنْدَقِ) أي: في يوَمٍ من أيام حفر الخَندَق، وكانَ حَفره في سَنَة خمس من الهجرة، ويُسمى يَوم الأحزَاب؛ لتحزُّب الكُفَّار عَلى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - حينَ أجلى بَني النضير فاجتَمعَ الكُفار عَلى قتَاله، فلما أقبَلوا نحو المدينَة أشار سَلمان بحَفر الخندَق، فَحُفِر ونزل الكُفار بِعَشرَة آلاف وخَرجَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - في شوال حَتى جعلَ سَلعَا وَرَاءَ ظهره، والخَندَق بَينه وبَيْنَ القوم ومعهُ ثلاثة آلاف منَ المُسْلمين. (حَبَسُونَا عَنْ صَلَاةِ الوسْطَى) الوسطى مؤنث الأوسَط (¬5) وهوَ من إضَافَة المَوْصُوف إلى صفته (صَلاة) بالجَر (العَصْر) بَدَل منَ الصَّلاة ¬

_ (¬1) في (ص): الإذن. وبياض في (ل). (¬2) في (م): بالصحبة. (¬3) كتب فوقها في (د): ع. (¬4) كتب فوقها في (د): ع. (¬5) في (م): الوسط.

الوسْطى بَدَل الكل مِنَ الكل والمعْرفة مِنَ المعْرفَة استدل به على أن الصَّلاة الوسطى هي صَلاة العَصْرِ وهوَ الأصَح لصَراحَة هذا الحَديث وغَيره. وهذا الحَدِيث رَوَاهُ البخاري في التفسير (¬1) وغزوَة الخندَق (¬2) وهوَ مَذهَب أحمد (¬3) والصَّحيح مِن مَذهَب أبي حَنيفة (¬4). ثانيها: أنها الصبح نَص عليه الشافعي في "الأم" (¬5) وهوَ مذهب (¬6) جَماعَات، وَوَقع هذا الحبس عن الصَّلاة قَبل نزُول صَلاة الخَوف، وذَهَبَ زَيد بن ثابت إلى أن الصَّلاة الوسْطَى صَلاة الظُهر (¬7)؛ لأن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُصَلي بالهَجير فَلا يَكون وراءه إلا القليل، وذَلك أن الناس في قائلتهم وتجارَتهم فَلَما كانت أثقل الصَّلوَات عَلَيهْم أنزلَ الله تعَالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} (¬8) وسُميتْ وسْطَى؛ لأنهَا بَيْنَ الفَجر والعَصْر وهي روَاية عن أبي حنيفة (¬9). وقيل: هما وسْطيان وسطى القرآن الصُبح، ووسطى السُنة العَصْر، وهذا الحَديث الذي نزلت الآية بسَبَبه يَدُل على أن وسطى القرآن الظهر إن ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (4533). (¬2) "صحيح البخاري" (4011). (¬3) انظر: "الإنصاف" 1/ 305. (¬4) انظر: "المبسوط " 1/ 288. (¬5) "اختلاف الحديث" المطبوع مع "الأم" 9/ 588. (¬6) في (د): مذهبه. (¬7) رواه عبد الرزاق في "مصنفه" 1/ 577 (2200)، وابن أبي شيبة 5/ 520 (8707). (¬8) البقرة: 238. (¬9) انظر: "أحكام القرآن" للجصاص 2/ 156.

صحَّ، وقد دَل الكتاب والسنة على تأكيد الأمر في الصَّلاة الوسطى، وفي تفسير ابن أبي حَاتم بإسناده عن مسروق: الوسْطَى هي المحَافظة على وقتها (¬1) يعني (¬2) الصَّلوَات الخمسَ. قال مُقاتل بن حيان (¬3): مَوَاقيتها ووضوئهَا وتلاوةِ القرآن فيها والتكبير في الركوع والسجود والتشهد والصلاة على النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فمن فعَل ذَلك فَقد أتمها وحَافظ عَليهَا (¬4)، وذكر أبُو الليث السَّمرقندي في تفسيره عن ابن عباس نحوه (¬5) والقول بأن الصَّلوات الخَمس كلهنَّ وسْطَى قَول مُعَاذ بن جَبل؛ لأنها وسط للدين عمدة، والوسْطَى عَلى هذا هي التي لهَا فَضل عَلى غَيرها وقوله في الحديث "حَبَسُونَا". قالَ القُرطبي: يَحتمل أن يكونوا لم يمكنوه مِنهَا ولم يفرغوه لشغلهَا، ويحتَمل أن يكون أخَّرهَا قَصْدًا لأجل شغله بالعَدُو، وعلى هذا يكون التأخير لأجل القِتَال مَشرُوعًا ثم نسخ بِصَلاة الخَوف. وقد ذَهَبَ مَكحُول والشاميُّون إلى جَوَاز تأخير صَلاة الخَوف إذَا لم يتمكن أدَاؤه مَعَهُ - يعني: على شرُوطها - إلى وقت الأمن والصَّحيح الذي عَليه الجمهور أن لا يؤخرهَا ويُصليهَا على حَسب استطاعته (¬6). ¬

_ (¬1) لم أقف على هذا الكلام في "تفسير ابن أبي حاتم"، وأخرج ابن جرير نحوه في "تفسيره" 5/ 168. (¬2) في (ص) بمعنى. والمثبت من (د، م). (¬3) في (د): حبان. (¬4) "تفسير ابن أبي حاتم" (2371). (¬5) "بحر العلوم" 1/ 156. (¬6) "المفهم" 2/ 256.

(مَلأَ الله) هُوَ خبر بمعنى الدعاء. (بُيُوتَهُمْ) يحتمل أن يكونَ حَقيقة بأن تحترق (¬1) بيوتهم فتمتَلئ نَارًا، ويحتَمل أن يكون مَجازًا. هذا (¬2) عَذاب الدنيا المعَجل. (وَقُبُورَهُمْ نَارًا) وهذا مِنْ عَذَاب الآخرَة، وخُصَّت البُيُوت بالذكر؛ لأنَّ الصَّحَابة لو كانوا في بُيوتهم لما تركُوا الصَّلاة؛ لأن البيوت مَحَل الرَّاحَة والإعَانَة عَلى أفعَال العبَادة. [410] (ثَنَا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ القَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ) الكِنَاني أخرج لهُ مُسْلم. (عَنْ أَبِي يُونُسَ) التيمي القرشي لم يذكر اسْمه مسلم، ولا ابن عبد البرَ في "الكنى" (مَوْلَى عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أَنَّهُ قَالَ: أَمَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنْ أَكْتُبَ لَهَا مُصْحَفًا) فيه الأمر بكتَابة المصاحِف، والإكثار منها، وإنَّ كتَابَتها مِن أفضَل العِبَادَات. (وَقَالَتْ: إِذَا بَلَغْتَ هذِه الآيَةَ فَآذِنِّي) بِمد الهَمزة وكسْر الذَّال أي: أعلمني {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} (¬3) [من بين الصلوات أو الفضلى من قَولهم الأفضَل: الأوْسَط وإنما أفردت وعطفت على الصَّلوَات] (¬4) لانفرادهَا بالفَضل. (فَلَمَّا بَلَغْتُهَا آذَنْتُهَا فَأَمَلَّتْ) بتشديد اللام يُقالُ: أمليت الشَيء (¬5) عَلَيْه ¬

_ (¬1) في (ص): تحرق. والمثبت من (د، م). (¬2) زاد في (م): عن. (¬3) البقرة: 238. (¬4) سقط من (م). (¬5) في (د، م): التي.

إملاء وأمللته عليه إملالا إذا ألقيته على الكاتب، وجَاء الكتَاب العَزيز بهما {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ} (¬1) {فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} (¬2) (¬3). (عَلَيَّ: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الوسْطَى وَصَلَاةِ العَصْرِ) بإثبَات الوَاو في (وصَلَاةِ العَصْر) هَكَذَا روَايَة مُسْلم (¬4)، والترمذي (¬5)، والنسَائي (¬6)، ومَالك (¬7)، والشافعي (¬8)، وأحمد (¬9). من هذا الوَجْه ({وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}) احتَجَّ بِهَا القاضي أبُو محَمد (¬10) بهذِه الآية على أبي حَنيفة في قَوله: لا قُنوت بَعْدَ الصبح (¬11). (ثُمَّ قَالَتْ عَائِشَةُ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -) هَكذَا (¬12) روَاية مُسْلم، ومَن ذكر بَعده، وروى الطبري، وابن أبي دَاود في "المصاحِف" مِن روَاية ¬

_ (¬1) البقرة: 282. (¬2) الفرقان: 5. (¬3) في (د، م): عشيا. (¬4) "صحيح مسلم" (629) (207). (¬5) "سنن الترمذي" (2982). (¬6) "سنن النسائي" 1/ 236. (¬7) "موطأ مالك" 1/ 138. (¬8) "معرفة السنن والآثار" 1/ 476. قال الشافعي رحمه الله في "سنن حرملة": فحديث عائشة أنها سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (وصلاة العصر) يدل على أن الوسطى ليست العصر. اهـ. وذهب إلى أنها الصبح، وقد تقدم بيان مذهبه في ذلك. (¬9) "مسند أحمد" 6/ 73. (¬10) بياض في (د، ل): بقدر كلمة. بعد قوله محمد. (¬11) انظر: "الفجر الساطع على الصحيح الجامع" 5/ 38. (¬12) زاد في (د، م): في.

أبي إسحاق عُمَر بن يريم عَن ابن عَباس أنه كانَ يقرؤها كذَلك (¬1). وروى الإمام مَالك في "الموطأ" عَن زَيد بن أسْلم عَن عَمرو بن رَافِع أنهُ كانَ يكتبُ مُصحَفًا لحَفصة فَقَالت لهُ إذَا انتهيتَ إلى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} فَآذِنِّي. فآذنها فقالت: اكتب (وَالصَّلَاةِ الوسْطَى وَصَلَاةِ العَصْرِ وَقُومُوا لله قَانِتِينَ) (¬2). وهذا الذي سمعته عَائشة وأمرت بكتابته (¬3) في المُصحَف كانت عَلى القراءة المتَقدمة التي نسخَت. أي: نسخ لفظهَا وهي التي أخبَر البرَاء أنها رُفعَت كما رَوَى مُسْلم في "صحيحه" عَن شقيق بن عقبة عَن البَراء قالَ: نزلت هذِه الآية: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} فقَالَ رجُل كانَ جَالسًا عند شقيق لهُ فهي إذا صَلاة العَصْرِ. فقالَ البَراء: هَكذا أخبرَتك كيف نزلت وكيفَ نسخت (¬4). [قال القرطبي: قوله: كيف نزلت وكيف نسخت] (¬5) يظهَر منه تردد لكن في ماذا؟ هَل نسخ تعينهَا (¬6) فقط وبقيَت هي الوسطى؟ أو نسخ كونها وسطى؟ في هذا تردد واللهُ أعلم وإلا فقد أخبر بوقوع النسخ (¬7). وروى ابن حبان عن أبي جَعفَر محمد بن علي ونافِع أن (¬8) عمرو بن ¬

_ (¬1) "تفسير الطبري " 5/ 213. و"المصاحف" ص 87 وعنده: (عمير) بدلا من: عمر. (¬2) "الموطأ" 1/ 139. (¬3) في (د، م): بكتبه. (¬4) "صحيح مسلم" (630) (208). (¬5) من (د، م، ل)، "المفهم" للقرطبي. (¬6) في (ص، س): نفسها. والمثبت من "المفهم" للقرطبي. (¬7) "المفهم" 2/ 259. (¬8) في النسخ: بن. والمثبت من "صحيح ابن حبان".

رَافِع مَولى عُمرَ بن الخَطاب حَدثهما أنه كانَ يكتب المصَاحِف في عَهْد أزوَاج النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قالَ (¬1): فاستَكتَبَتني حَفصَة مُصْحَفًا، وقَالَت: إذَا بلغت هذِه الآية من سُورة البَقرة فلا تكتبهَا حَتى تأتيني فأمليهَا عليك كما حَفظتها مِن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قال (¬2): فَلما بلغتها جئتهَا بالوَرَقة التي (¬3) أكتُبهَا فقالت لي: اكتُب (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وصلاة العصر) (¬4). وأخرَجَهُ ابن أبي دَاود في "كتاب المَصَاحِف" من نَحو عشرينَ طريقًا فيهَا كلهَا وصَلاة العَصر بالوَاو (¬5)، واسْتدل بروَاية الوَاو في هذِه الأحَاديث بَعض أصحَابنَا على أن الوسطى ليسَت هي العَصْر؛ لأن العَطف يقتضي المغَايرة لكن مَذهَبنا أن القراءة الشاذة لا يحتج لهَا، ولا يَكونُ لهَا حُكمُ الخبر؛ لأن ناقلها (¬6) لم ينقلهَا إلا عَلى أنها قُرآن، والقرآن لا يثبت إلا بالتوَاتر بالإجماع، وإذا لم يثبت قرآنًا لم يثبت خَبَرًا. [411] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، قالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ) غندر، (قال: ثَنَا شُعْبَةُ، قال: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي حَكيم) (¬7) بفتح الحَاء الوَاسطي ¬

_ (¬1) سقط من (د). (¬2) في (د): قالت. (¬3) من (د، م). (¬4) "صحيح ابن حبان" (6323). (¬5) انظر: "المصاحف" ص 94 - 97. (¬6) في (ص، س، ل): ما قبلها. (¬7) في (ص): حثيم. وفي (د): الحكم. وبياض في (ل). وانظر: "الثقات" 7/ 219، و"تهذيب الكمال" (4349).

وثق (¬1). (قَالَ: سَمِعْتُ الزِّبْرِقَانَ) بكَسْر الزاي والراء ابن عَمرو بن أمَية وثقه النسَائي (¬2). (يُحَدِّثُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الظّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ) الهَاجِرَة والهَجير نصف النهار في القيظ خَاصَّة وهذا مَحمول عَلى أن هذا قَبْل الإبرَاد كَما تقَدمَ. (وَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّي (¬3) صَلاة أَشَدَّ) بالنصب (¬4) (عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ومِنْهَا)؛ لأنهمُ يَكونونَ في قَائلَتهم ورَاحتهم، وبَعضهم في مَعَايشهم وبَعضهم (¬5) في حِرَفهم وصَنَائعهم، ولم يَكن يُصلي ورَاءهُ إلا القليل منهمُ. (فَنَزَلَتْ {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى}) وهوَ من باب قوله تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} (¬6) و {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} (¬7). (وَقَالَ: إِنَّ قَبْلَهَا صَلَاتينِ وَبَعْدَهَا صَلَاتينِ) وهذا التعليل فيه نظر؛ لأنَّ الصَّلوَات الخَمس مَا مِنها صَلَاة إلا وقَبلهَا صَلاتان، وبعدَهَا صَلاتَان لكنَّ التعليل الظاهِر مَا قالَهُ زَيْد بن ثابت وغَيره أنها سُميت وسطى؛ لأنها بَين ¬

_ (¬1) انظر: "الكاشف" للذهبي 2/ 227. (¬2) انظر: "الكاشف" للذهبي 1/ 317. (¬3) في (م): صلى. (¬4) من (د، م). (¬5) سقط من (م). (¬6) الرحمن: 68. (¬7) البقرة: 98.

الصبح والعَصر (¬1) أو لأنها تفعَل في وَسط النهار وهوَ وَقت الهَاجِرَة كما في الحَديث، فإن وَصفها بالهَاجرة يرشد (¬2) إلى أنه (¬3) العِلَّة؛ ولأن الربَاعيَّات أكثر رَكعَات وأكثَر عَملًا والعَصْر والعِشاء. وإن وَافقت الظهر في العَدَد [لكن الظهر] (¬4) أكثر قراءة منهما فإن قراءتها مِن طوال المفصل أو قريب مِنها، وفي هذا الحَديث الصَحيح أو الحَسَن (¬5) دلالة عَلى أن الصلاة (¬6) الوسْطى هي صَلاة الظهر، وَبين فيه سَبب النزول، وعلة الحكم، وممن قال به زَيد وأسَامة بن زيد، وأبو سَعيد الخدري، وعَائشة، وعَبد الله بن شداد (¬7). [412] (ثَنَا الحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ) البجَلي البوراني شيخ البخاري (قال: حَدَّثَنِي) عَبد الله (ابْنُ المُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ) عبَد الله (ابْنِ طَاوسٍ، عَنْ أَبِيهِ) طاوس (عَنِ ابن عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: (¬8) قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: مَنْ أَدْرَكَ مِنَ) صَلَاة (الْعَصْرِ رَكعَةً قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ) روَاية البخاري مِنْ حَديث أبي هُريرَة: "إذَا أدرَكَ أحَدكم سَجدة مِن صَلاة العَصْر قَبل أن تَغربَ الشَمس فليتم صَلاته" (¬9). ¬

_ (¬1) في (د، س، م، ل): العشاء. (¬2) في (ص): يريد. (¬3) في (ص): أن. (¬4) سقط من (م). (¬5) لأن أبا داود رحمه الله سكت عنه. وشرطه أن ما سكت عنه فهو صالح. (¬6) سقط من (د). (¬7) "الأوسط" لابن المنذر 3/ 62. (¬8) سقط من (ص، س، م)، وبياض في (ل). (¬9) "صحيح البخاري" (556).

لكن (¬1) قال الخَطابي: المرادُ بالسَّجدة الركعَة بِركوعها وسجودها، والركعة إتمامها (¬2) بِسجُودهَا وسُميت عَلى هذا المعنَى سَجدَة ولهذا بَوبَ البخاري عَليَه (¬3) بَاب من أدرك ركعة مِنَ العَصر (¬4). وقَد جَعَل الأصحَاب عمدتهم هذا الحَديث على أن (¬5) المصَلي إذا أدرك رَكعة مِنَ الصَّلاة قَبلَ خرُوج الوَقت كانت كلهَا أدَاء وهوَ ظاهر في الحَديث حَيث قال: (فَقَدْ أَدْرَكَ). وفي روَاية البخاري وغَيره: "فقد أدرَك الصلاة" (¬6)؛ لأنهُ جَعَلَ الإدرَاك من الصَّلاة لا من وقتها واستَدلوا به عَلى أن الحَائض والنفساء والمجنون والمغمى عَليْه إذا زَال عُذره أو أسْلم الكافِر أو بَلغ الصبي وقد بقي منَ الوَقت قَدر ركعة أن الصَّلاة تجِبُ عليهَم لإدرَاكهم وقت الصَّلاة، ولا شك أنَّ مَنْ أدْرَك منَ الوَقت قدر مَا يمكن إيقاع الصَّلاة فيه إذا وَجَبَت فيَكونُ الاستدلال به على الوَاجب بَطريق اللازم لا أَنَّهُ مورد الحَدِيث. وإذا كانَ كذَلكَ فيستدل بمفهومه عَلى أنهُ إذا أدرَك دُون ركعة لا تكون صَلاته أدَاء ولا يلزم من ذلك عَدَم الوجُوب، والحَديث ساكت (¬7) عما إذا ¬

_ (¬1) من (د، م). (¬2) في (د، م، ل): إنما تمامها. وفي "الفتح": إنما يكون تمامها. (¬3) سقط من (د). (¬4) "أعلام الحديث" 2/ 46. (¬5) في (د): أنه. (¬6) "صحيح البخاري" (580). (¬7) في (ص، س): سألت. والمثبت من (د، م، ل).

أدرَك منَ الوَقت مَا يَسُع دُونَ رَكعة لم يتعَرض له. (وَمَنْ أَدْرَكَ مِنَ الفَجْرِ رَكعَةً (¬1) قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ) الصبح والإدرَاك الوصُول إلى الشيء، وظاهِرُه أنه يكتفي بذَلك، وليسَ ذلكَ مُرَادًا بالإجماع، فقيل يحمَل على أنهُ أدرَك الوَقت، فَإذا صَلى معَهَا ركعة أخرى فقد كملت صَلاته، وهذا الإجَماع نقلهُ ابن حَجر (¬2) لكن مَن يَقول بالحَديث الذي في مُسلم أن الصبح يقصر ركعة (¬3) أنه يكتفى بهذِه الركعة قَبلَ الفَجر، وقول الجمهُور أنه إذا صَلى ركعة أخرى تمت صَلاته. وقد صَرحَ بذلكَ الدرَاوردي وَروى (¬4) عَن زَيد بن أسْلم أخرَجَهُ البَيهقي ولفظه: "مَن أدرَك منَ الصبح رَكعَة قَبل أن تطلعَ الشمس ورَكعَة بعَدَهَا (¬5) فقد أدرَك الصَّلاة" (¬6). وروَاية البخاري مُصَرحَة بالمقصود: "مَنْ أدرَك سَجْدَة مِنْ صَلاة العَصْر قَبل أن تغربَ الشمس فَليُتم صَلَاته" (¬7) كما تقدم. ¬

_ (¬1) سقط من (د). (¬2) "فتح الباري" 2/ 67. (¬3) وهو حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: فرض الله الصلاة على لسان نبيكم - صلى الله عليه وسلم - في الحضر أربعًا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة أخرجه مسلم في "صحيحه" (687) (5). (¬4) سقط من (د، م). (¬5) زاد في (م): قبل أن تطلع الشمس. (¬6) "سنن البيهقي الكبرى" 1/ 378. (¬7) تقدم.

وفي روَاية النسَائي: "مَن أدرَك رَكعة من الصلاة فقدَ أدرَك الصلاة كلهَا إلا أنه يَقضي مَا فَاتَه" (¬1). قالَ الترمذي وبهَذا يَقول الشافعي وأحمَد وإسْحَاق (¬2)، وخالف أبُو حَنيفة فقالَ: من طَلعَت عَليه الشمس وهوَ في الصَّلَاة بَطلت صَلاته (¬3)، واحتَج بالأحَاديث الوَاردَة في النهي عَن الصَّلاة عندَ طلوع الشمس، وادعَى بَعضهم أن أحَاديث النهي نَاسخَة لهذا الحَدِيث، والنَسخ لا يصَار إليه إلا بدَليل، والجمع بين الحَديثين ممكن بأن يحمل أحَاديث النهي عَلى مَا لا سَبَب لهُ مِنَ النوافِل، ولَا شك أن التخصيص أولى مِنَ النسخ. [413] (ثَنَا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ العَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) مَولى الحرقة أحَد الأئمة أخرَجَ له مُسْلم. (أَنَّهُ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى أَنَس بْنِ مَالِكٍ بَعْدَ الظُّهْرِ) في دَاره بالبصرة ودَارهُ بجنب المَسْجد وفي روَاية مُسْلم: عَن أبي بكر بن عُثمان بن سَهْل بن حَنيف قَالَ سَمعت أبَا أمَامة بن سَهل يقول: صَلينا مَعَ عمرَ بن عَبد العَزيز الظهر ثم خَرَجنا حَتى دَخَلنَا على أنَس بن مَالك فوَجَدناهُ يُصَلي العَصْر (¬4). ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 1/ 275 من حديث سالم بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا. قال الألباني: صحيح لغيره. (¬2) "سنن الترمذي" عقب حديث (524). (¬3) "المبسوط" 1/ 304. (¬4) "صحيح مسلم" (623) (193).

فَقَامَ يُصَلِّي العَصرَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ ذَكَرْنَا تَعْجِيلَ الصلَاةِ أو (¬1) ذَكَرَهَا أنسَ روَاية مُسْلم: فلَما دَخلنا عَليه قَال: صَلَّيتم العَصْر فقلنَا إنما انصرفنا السَّاعة منَ الظهر، قَال: فصَلوا العَصْر فَقُمنَا فصلينا فلما انصرَفنا (¬2). (فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: تِلْكَ صَلاةُ المُنَافِقِينَ) اعلم أنَّ ذكر الشيء مبهمًا (¬3) قبل أن (¬4) يَأتي تفسيره (¬5) يقصد به تنفير [السامع أو تشويقه] (¬6) إلى مَا يذكر بعد ذلك. (تِلْكَ صَلاةُ المُنَافِقِينَ) فإذا سَمِعَ السَّامع ذكر النفاق نفر مما يَأتي ذكره، ثم إذا أعيدَ النفاق مَرة أخرى ازدَاد نفرة منه وكذَا إذَا سَمعَ ثَالثًا (¬7) (تِلْكَ صَلاةُ المُنَافِقِينَ) وليسَ المرَاد أنَّ فَاعلهَا يَكون مُنَافقًا خالصًا بَل هذِه الخصلة تشبه صَلاة المنَافقين، وكذَا في التشويق (¬8) إلى الشيء (¬9) بإعَادَة ذكره أو بزيَادَة وصف مِنَ الأوْصَاف التي تزيد السَّامع تَشويقًا (¬10) كما في الحَديث الذي خَتم به البخَاري كتابه حَيْثُ ¬

_ (¬1) في الأصول: و. (¬2) "صحيح مسلم" (622) (195). (¬3) في (ص، س): منهما. (¬4) من (د). (¬5) زاد في (م): و. (¬6) في (ص، س، ل): أو تشويقه. (¬7) في (د): بالثالثة. (¬8) في (ص، س): التسويف. (¬9) في (م): المشي. (¬10) في (ص) تشريفًا.

قَالَ: "كَلمتَان خَفيفتان عَلى اللسَان، حَبِيبتان إلى الرحمنَ" فيتشوق (¬1) السَّامع إلى هَاتَين الكلمتَين قَبْل معَرفَتهَما ثُم لَمَّا سِمَعَ بَعْدَ ذلك: "ثقيلَتَان (¬2) في الميزَان" (¬3) ازدَادَ رَغبَة إلى بَيَانهما واستُشهدَ لهُ في علم المعَاني بقول الشاعِر: ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها ... شمس الضحى وأبُو إسحاق والقمر. (يَجْلِسُ أَحَدُهُمْ) زادَ مُسلم: يرقب الشمس (¬4). (حَتَّى إِذَا اصْفَرَّت) أي: ودَنت للغروب (فَكَانَتْ بَينَ قَرْنَي الشيطَان) قيل: هو مَثَلٌ والمعنَى: أن الشمس إذَا طَلَعَتْ استشرف لهَا الشَيطان فتبسط شعَاعهَا على رَأسه لا أَنَّ لهُ قرن كَقَرْن الثور، ولكنْ لما طَلعَت عَلى رَأسه في مَوضع القَرنَين أطلقَ ذلك عَليه، ويَدُل عَلى كونه عَلى ظاهِره قوله: "فَإذَا اسْتوت قارنهَا وإذا ارتفعَت فارقها" (¬5)، وقيل: قرن الشيطان وقرناهُ، قيل: أمته والمتبعُونَ لهُ من أهل الضلال والكُفْر. وقيل: قوته وانتشارهُ. (أَوْ عَلَى قَرْنَيِ الشَّيطَانِ) اللذين حَاذ بهمَا الشَيطان غروب الشمس؛ لأن الكفار يَسجُدونَ لهَا حينئذ فيقارنها (¬6) ليَكون السَّاجِدُونَ لهَا في ¬

_ (¬1) في (ص): فيتسوف. (¬2) في (م): خفيفتان. (¬3) "صحيح البخارى" (7563). (¬4) تقدم. (¬5) "سنن النسائي" 1/ 275. (¬6) في (ص، س، ل): فقارنها.

صورة السَّاجِدِين لهُ. (قَامَ فنَقَرَ (¬1) أَرْبَعًا) أي: أربَع ركعات ينقر فيهَا الأرضَ كنَقر الغُراب، والمراد أن الصَّلاة عند غروب الشمس غَير مرضية إذا نقرهَا المصلي كما يَنقر الطير الحَبَّات مِنَ الأرض سَريعًا، وفي هذا تَصريح بذَم مَن صلى مُسْرعًا لا يكمل خُشوعَها ولا طمأنينتها. (ولا يَذْكُرُ اللَّه فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا) ولا يقرَأ فيهَا إلا بأقصر آية أو سُورة فَصَلاته هذِه تشبه صَلاة المنَافقين، فإن المنَافقين (¬2) لا يُصَلون عَن اعتقاد حَقيقة (¬3) الصَّلاة بَل لدَفع السَّيف ومَراءات المُسْلمين، كما قَال تعالى: {يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} (¬4) لا يخَافونَ من تركها عقابًا، ولا يرجون لفعلهَا (¬5) ثوابًا، ولا يبالون بِتأخيرهَا، ولا (¬6) يجتهدون في (¬7) فعلهَا في أول وقتها، ولا ينبَغي للمُسْلم أن يفعَل مَا يَفعلهُ المنَافقون. [414] (ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ) القعنبي (عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: الذِي تَفُوتُهُ صَلاةُ العَصْرِ) بَوَّبَ عَليه البخَاري: بَاب إثم مَنْ فَاتتهُ صَلَاة العَصْر. فأشارَ بذكر الإثم إلى أن المراد بالفَوات ¬

_ (¬1) في (ص): ينقر. (¬2) في (د، م): المصلين. (¬3) في (د، م): خفية. (¬4) النساء: 142. (¬5) في (م، ل): بفعلها. (¬6) سقط من (د، م). (¬7) زاد في (د): ترك.

تأخيرهَا عَن وقت الجَوَاز بغَير عُذر؛ لأن الإثم إنما يترتب عَلى ذَلك كما سَيَأتي في كلام المصَنف وفيه رَد عَلى مَن كرهَ أن يَقول فَاتتني صَلاة الجَماعَة. (فَكَأَنَّمَا وتِرَ) بِضَم أوله وكسْر ثانيه. (أَهْلَهُ) هوَ بالنَصْب عند الجمهُور [عَلى أنه مَفعُول ثان لوتر، وأضمَر في وتر مَفعُول لم يُسَم فَاعله الذي نَاب عَن الفَاعل] (¬1) وهو ضَمير عَائد على: (الذي تفوته). فمعنى الحَدِيث أنهُ أُصيْبَ بأهله ومَاله وهوَ متعد إلى اثنَين ومثله قوله تعالى: {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} (¬2) هَكذا قالهُ شَيخنَا ابن حَجر (¬3)، وفيه نظر (¬4) فإن ظاهِره أن أهله مَنصُوب عَلى أنهُ مَفعُول ثان لقوله أنهُ مُتعَد إلى اثنين، وَقَدَّرَه بـ (أصيب) (¬5)، وأصيب إنما يتعدى إلى وَاحِد، ويتَعَدَّى إلى اثنَين بِحَرْف جَر على مَا قالَهُ، فعَلى هذا يَكون مَاله مَنصُوبًا عَلى حَذف (¬6) حرف (¬7) الجر توسعًا كقَوله تعالى: {أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ} (¬8) أي: عَن أمره (¬9) {وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} (¬10) أي عليه. ¬

_ (¬1) سقط من (د). (¬2) محمد: 35. (¬3) "فتح الباري" 2/ 37. (¬4) سقط من (م). (¬5) في (ص): فأصيب. (¬6) سقط من (م). (¬7) في (ص): جر. (¬8) الأعراف: 150. (¬9) في (ص، س، ل): أمر. (¬10) التوبة: 5.

وهذا بخلاف ما استشهد به من قوله تعالى: {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} (¬1) فإنهُ متَعدٍّ إلى اثنين بنفسه، وقيل وتر هنَا بمعنى نُقِصَ فعَلى هذا يجوز نصبهُ ورفعهُ؛ لأن مَن رد النقص إلى الرجُل نَصَبَ وأضمرَ مَا يقومُ مَقام الفاعِل ومَن رَده إلى الأهل رفع. قال القرطبي: يروى بالنصْب عَلى أن وتر بمعنى سُلبَ، وهوَ يتعَدى إلى مفعُولين وبالرَّفع على أن وتر بمعنَى أخذَ فيَكون أهلهُ هوَ المفعول الذي لم يُسَم فَاعِلهُ (¬2). ويُقالُ: وَتَرتُ الرَّجُلَ إذا قتلت لهُ ققيلًا، أو أخذت مَاله، وحقيقة الوتر كما قَال الخَليل (¬3): هوَ الظلم، وقيلَ: الموتور هوَ الذي أُخِذَ أهْله. (وَمَالَهُ) (¬4) وهوَ ينظر وذَلك أشد لغمه فوَقع التشبيه بذلكَ لمن فاتته الصَّلاة؛ لأن يجتمع عليه غمان: غَم الإثم وغَم فقد الثواب، ويُؤيد هذا روَاية أبي مُسْلم الكجي من طَريق حَماد بن سَلمة، عن أيوب، عن نافع فذكر نَحو هذا الحديث وزَادَ في آخره وهو قاعِد. قال ابن عبد البر: يحتمل أن يكون هذا الحديث خَرجَ جَوَابًا لسَائل سَأل عن صَلَاة العَصْر فَلا (¬5) يمنَع ذَلك إلحَاق غَيرهَا مِنَ الصَّلَوَات بِهَا (¬6). ¬

_ (¬1) محمد: 35. (¬2) "المفهم" 2/ 251. (¬3) "العين" (وتر). (¬4) أخرجه البخاري (552)، ومسلم (626) (200). (¬5) في (م): فلما. (¬6) "التمهيد" 14/ 120.

(وَقَالَ (¬1) عُبَيْدُ الله) بالتصغير (بْنُ عُمَرَ) فَكَأنما (أُتِرَ) بضَم الهَمْزَة أبْدِلَت الوَاو هَمْزَة؛ لأنهَا ضمت فَأبُدلت هَمزة لثقل ضمة الوَاو المكسُورَة ولهذا قرئ: {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11)} (¬2) وأصلها: وقتَتْ بالوَاو. (وَاخْتُلِفَ عَلَى أَيُّوبَ) السختياني في روَايته عن أبي قلابة (¬3). (وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ) عَبْد الله بن عُمَر (عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وتِرَ) بالوَاو أيضًا قيل: مَعنى وتر أخذ أهله، ومَاله فصَارَ وترًا أي: فردًا، واحتج ابن عَبد البَر على العموم بما روَاهُ بن أبي شيبة وغَيره من طَريق أبي قلابة عن أبي الدرداء مَرفوعًا: "من تَرك صَلاة مكتوبة حَتى تفوته" الحَديث لكن في إسَناده انقطاع؛ لأن أبا قلابة لم يسمع من أبي الدرداء (¬4). وروى ابن حبان وغَيره من حَديث نوفل بن معَاوية مَرفوعًا: "من فاتته الصَّلاة فكأنما وتر أهله ومَاله" (¬5). وهذا ظاهر العموم في الصلوات المكتوبات. ¬

_ (¬1) زاد قبلها في (د): قال أبو داود. (¬2) المرسلات: 11. (¬3) بل الصحيح: في روايته هذا الحديث عن نافع؛ فإن أيوب السختياني لم يرو هذا الحديث عن أبي قلابة، وإنما رواه عن أبي قلابة: يحيى بن أبي كثير عنه، عن أبي المليح، عن بريدة نحوه. رواه النسائي وغيره. (¬4) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (3464)، وهو منقطع كما أشار المصنف. وهو عند أحمد 6/ 442: بلفظ: "صلاة العصر" فسقط الاحتجاج للعموم وعاد الأمر إلى صلاة العصر. هذا معنى كلام الحافظ في "الفتح". (¬5) "صحيح ابن حبان" (1468). وصححه الألباني أيضًا في "صحيح الجامع" (5904).

[415] (ثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ، قال: ثَنَا الوَلِيدُ قَالَ: قَالَ أَبُو عَمْرٍو -يعني: (¬1) الأوزَاعِيَّ-) مَعنى فَوات العَصْر (وذلك (¬2) أَنْ يرى مَا عَلَى الأرضِ مِنَ) أثر (¬3) (الشَّمْسِ صَفْرَاءَ) أي: يْدخلها الصُفرة والتغيير لا أن يخرج وقتها، قيل: ولعلَّ هذا ممَّا كانَ يفتي (¬4) به على مَذهَبه في خرُوج وقت العَصر، ونقل عن ابن وهب: أن المرَاد إخراجهَا عن الوَقت المختَار (¬5). قال المهَلب: ومن تَبعهُ مِنَ الشراح: إنما أرَادَ فوَاتها مِنَ الجَماعَة لا فَواتها باصفرار (¬6) الشمس (¬7). ومما يَدل على أن المراد بتفويتها إخراجهَا عَن وقتها مَا وَقَع في روَاية عبَد الرزاق، عَن نافِع، وزاد قلت لنافع: حَتى تَغيب الشمس؟ قال: نعم (¬8). وتفسير الراوي إذا كانَ فقيهًا أولى، وبَوَّب الترمذي عَلى هذا الحَديث بَاب مَا جَاء في السهو عن وَقت العَصر (¬9)، فحملهُ على السَّاهِي (¬10) وعَلى هذا فالمراد بالحَديث أنهُ يَلحقهُ مِنَ الأسَف عندَ ¬

_ (¬1) من (د). (¬2) من (د). (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ص، س): يعني. (¬5) انظر: "المنتقى" 1/ 242. (¬6) في (ص، س، ل): بإصفار. (¬7) "فتح الباري" 2/ 38. (¬8) "مصنف عبد الرزاق" (2075). (¬9) "جامع الترمذي" 1/ 328. (¬10) في (د): السهاهي.

مُعَاينة الثواب لمن صَلَّى مَا يلحق مَن ذهَب أهْله ومَاله، وروي ذلك عن سَالم بن عَبْد الله بن عُمرَ، ويؤُخذ منهُ التنبيه (¬1) على أن أسَف العَامد أشَد لاجتماع فقد الثواب وحُصول الإثم (¬2). قال ابن عَبد البر: في هذا الحَديث إشارَة إلى تَحقير الدنيا، وأن قليل العَمل خَير مِن كثير الدُّنيا (¬3)، وقال ابن بَطال: لا يوجد حَديث يَقوم مَقام هذا الحَديث في المحَافظة (¬4). * * * ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): التنبه. والمثبت من "الفتح". (¬2) انظر: "فتح الباري" 2/ 38. (¬3) "التمهيد" 14/ 121. (¬4) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 2/ 175.

6 - باب في وقت المغرب

6 - باب فِي وَقْتِ المَغْرِبِ 416 - حَدَّثَنا داودُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنا حَمّادٌ عَنْ ثابِتٍ البُنانيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: كُنّا نُصَلِّي المَغْرِبَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ نَرْمِي فَيَرَى أَحدُنا مَوْضِعَ نَبْلِهِ (¬1). 417 - حَدَّثنا عَمْرُو بْن عَلِيٍّ عَنْ صَفْوانَ بْنِ عِيسَى عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأكوَعِ قالَ: كانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي المَغْرِبَ ساعَةَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ إِذا غابَ حاجِبُها (¬2). 418 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْن عُمَرَ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْن زُرَيْعٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن إِسْحاقَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْن أَبِي حَبِيبٍ عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قالَ: لّمَا قَدِمَ عَلَيْنا أَبُو أَيّوبَ غازِيًا وَعُقْبَةُ بْن عامِرٍ يوْمَئِذٍ عَلَى مِصْرَ فَأَخَّرَ المَغْرِبَ فَقامَ إِلَيْهِ أَبُو أَيُّوبَ فَقالَ لَه: ما هذِه الصَّلاةُ يا عُقْبَةُ؟ فَقالَ: شغِلْنا. قالَ أَما سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لا تَزالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ -أَوْ قالَ: عَلَى الفِطْرَةِ- ما لَمْ يُؤَخِّرُوا المَغْرِبَ إِلَى أَنْ تَشْتَبِكَ النُّجُومُ" (¬3). * * * باب في وقت المغرب [416] (ثَنَا دَاودُ بْنُ شَبِيب، قال: ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ البُنَانِيِّ) بِضَم البَاء تَابعي من أعلام أهل البْصرة (عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كنَّا نُصَلِّي ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 1/ 289 (3319)، وأحمد 3/ 114، والطحاوي 1/ 212، والبيهقي 1/ 447، وابن عبد البر في "التمهيد" 8/ 89. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (443). (¬2) رواه البخاري (561)، ومسلم (636). (¬3) رواه أحمد 5/ 417، والحاكم 1/ 190، والبيهقي 1/ 370. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (445).

المَغْرِبَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ نرْمِي) يوضحهُ روَاية أحمدَ في "مسنده" من طَريق علي بن بلال، عن ناس من الأنصار قالوا: كنا نصَلي مَعَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - المغرب ثم نَرجع فنترامى حَتى نأتي ديَارنا فلا يخفى عَلينَا مَوَاقع سهامنا. (¬1) إسنَادهُ حَسَن (¬2) وفي هذا دلالة على فَضيلة الرمي عَن السِّهَام آخر اللهار، وكذا أوله؛ لأنهما طَرفا النهار، وفيه حمل القَسي والسهَام للذهَاب إلى المَسْجِد ودخولها المَسْجِد. (فَيَرَى أَحَدُنَا مَوْضِعَ نَبْلِهِ) والنبل هي السّهام العربية [وهي مؤنثة] (¬3) لا واحِد لهَا من لفظهَا. قالهُ ابن سيده (¬4)، وقيل: واحِدهَا نبلة مثل تمرة وتمر. ومقتضاهُ المبَادرَة بصَلاة المغرب في أول وقتها بحَيث أن الفراغ منهَا يَقَع والضوء (¬5) بَاقٍ (¬6) وفيه استحبَاب مُلاحظَة الرَّامي سَهْمه أين يَقَع ليعرف مَوضعه (¬7) مَكانه لئلا يشتبه عليه فَيذهب وليعرف (¬8) من سَبَقَ سَهْمه. [417] (ثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ) البَاهلي رَوَى لهُ الجماعة (عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عِيسَى) القرشي الزهري استشهد به البخَاري في "الصحيح" ورَوى لهُ في ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 4/ 36. (¬2) قاله الهيثمي في "المجمع" 2/ 53. وحسنه الحافظ في "الفتح" 2/ 41. (¬3) من (د، م). (¬4) "المخصص" لابن سيده 2/ 35. (¬5) في (د): والوضوء. (¬6) انظر: "فتح الباري" 2/ 50. (¬7) كذا في (ص). وليست في (د، م). (¬8) في (م): ويعرف.

"الأدَب" (¬1) (عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيدٍ) روَى لهُ الجَماعَة. (عَنْ) مولَاهُ (سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي المَغْرِبَ سَاعَةَ) بالنصب. (تَغْرُبُ الشَّمْسُ) العَرَب تطلق السَّاعة وتريد بهَا الحِين والوَقت. (إِذَا غَابَ حَاجِبُهَا) أي: آخِر جُزء مِنْ قرصها ويُطلق على جزئهَا الأعلى من قرصهَا، وحَوَاجبهَا نوَاحيهَا، قيل: سمى أول جُزء مِنها حَاجبهَا؛ لأنهُ أول مَا يَبدو مِنها كحاجِب الإنسَان. [418] (ثَنَا عُبَيْدُ الله) بالتصغير (بْنُ عُمَرَ) القوَاريري شَيخ الشَيخَين، (قالَ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قال: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قال: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ) الأزدي رَوَى لهَ الجَمَاعَة. (عَنْ مَرْثَدِ) بفتح الميم والثاء المثَلثَة (بْنِ عَبْدِ الله) اليزني مُفتي أهل مصر. (قَالَ قَدِمَ عَلَينَا أَبُو أَيُّوبَ) خالد بن زَيْد الأنصَاري. (غَازِيًا) كانَ كَثير الغَزو مَاتَ بالقسطنطينية مُرَابطًا لما خرج مَعَ يزيد بن مُعَاوية فَلما مَرض قال لأصحَابه: إذَا أنا مت فَاحْمِلوني فإذا صَاففتمُ العَدُو فادفنوني تحت أقدَامكم ففعَلُوا وقبرهُ قَريب من سورها (¬2) مَعْرُوف يستَسْقونَ به فَيسْقون. (وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ يَوْمَئِذٍ عَلَى مِصْرَ فَأَخَّرَ المَغْرِبَ فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو أَيُّوبَ ¬

_ (¬1) "الأدب المفرد" 124، 1007، 1190، 1237. (¬2) في (ص): سوار.

فَقَالَ: مَا هذِه الصَّلاةُ يَا عُقْبَةُ) فيه المبَادَرة بالإنكار عَلى مَنْ خَالَفَ السُّنة، وإن كَانَ أميرًا لا تأخُذهم في الله لومَة لائم. (فَقَالَ: شُغِلْنَا) عنهَا (فقَالَ أَمَا سَمِعْتَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: لا تزال (¬1) أُمَّتِي بِخَيْرٍ -أَوْ قَالَ: عَلَى الفِطْرَةِ) روَاية ابن مَاجَه عَن العَبَّاس: "لَا تَزَالُ أُمَّتِي عَلَى الفِطْرَة" من غَير شَك (¬2) (مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا المَغْرِبَ) والفطرَة السنة ومَعنَاهُ لا يزَالُ أمر الأمة مُنتظمًا وهُم بخَير ما داموا مُحَافظين عَلى هذِه السنة وإذا أخَّرُوا المغرب كانَ ذلك عَلامة عَلَى فسَاد يَقَعُونَ فيه، وفيه الحث [عَلَى الخَير] (¬3) على التعجيل بعد تحقق غروب الشمس. (إِلَى أَنْ تَشْتَبِكَ النُّجُومُ) أي: تَظهرَ صغَارهَا مِنْ كبَارهَا حَتى لا يخفَى منها شيء واشتباك النجوم كثرتها وانضمام بَعضها في بَعض، وكل متَداخلين مُشتبكان ومنهُ شُبَّاك الحديد، والمُرَاد: تكون أُمتي مَشغُولينَ بخَير إذا عجلوا المغرب قَبلَ أن تظهر نجوم كثيرة مُشتبكة. * * * ¬

_ (¬1) من (م). وبياض في (ل). (¬2) "سنن ابن ماجه" (689). وصححه الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" (563). (¬3) كذا في (ص، س). وليست في (د، م).

7 - باب في وقت العشاء الآخرة

7 - باب فِي وَقْت العِشاءِ الآخِرَةِ 419 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ ثابِتٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ سالِمٍ عَنِ النُّعْمانِ بْنِ بَشِيرٍ قالَ: أَنا أَعْلَمُ النّاسِ بِوَقْتِ هذِه الصَّلاةِ، صَلاةِ العِشاءِ الآخِرَةِ كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصليها لِسُقُوطِ القَمَرِ لِثالِثَةٍ (¬1). 420 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ نافِع، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قالَ: مَكَثْنا ذاتَ لَيْلَةٍ نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِصَلاةِ العِشاءِ فَخَرَجَ إِلَينا حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ أَوْ بَعْدَهُ فَلا نَدْرِي أَشَىْءٌ شَغَلَهُ أَمْ غَيْرُ ذَلِكَ فَقالَ حِينَ خَرَجَ: "أَتَنْتَظِرُونَ هذِه الصَّلاةَ لَوْلا أَنْ تَثْقُلَ عَلَى أُمَّتِي لَصَلَّيتُ بِهِمْ هذِه السّاعَةَ". ثمَّ أَمَرَ المُؤَذِّنَ فَأَقامَ الصَّلاةَ (¬2). 421 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْن عُثْمانَ الِحمْصِيُّ، حَدَّثَنا أَبِي، حَدَّثَنا حَرِيزٌ، عَنْ راشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عاصِمِ بْنِ حُميْدٍ السَّكونِيِّ أنَّهُ سَمِعَ مُعاذَ بْنَ جَبَلٍ يَقُولُ: ارْتَقَبْنا النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي صَلاةِ العَتَمَةِ فَأَخَّرَ حَتَّى ظَنَّ الظّانُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِخارِجٍ والقائِل مِنّا يَقُولُ صَلَّى فَإِنّا لَكَذَلِكَ حَتَّى خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فقالُوا لَهُ كَما قالُوا فَقالَ لَهُمْ: "أَعْتِمُوا بهذِه الصَّلاةِ فَإِنَّكُمْ قَدْ فُضِّلْتُمْ بِها عَلَى سائِرِ الأُمَمِ وَلَمْ تُصَلِّها أُمَّةٌ قَبْلَكُمْ" (¬3). 422 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا بِشْرُ بْنُ المفَضَّلِ، حَدَّثَنا داودُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قالَ: صَلَّيْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلاةَ العَتَمَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى مَضَى نَحْوٌ مِنْ شَطْرِ اللَّيْلِ فَقالَ: "خُذُوا مَقاعِدَكُمْ". فَأَخَذْنا مَقاعِدَنا فَقالَ: ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (165)، والنسائي 1/ 264، وأحمد 4/ 274. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (446). (¬2) رواه مسلم (639/ 220). (¬3) رواه أحمد 5/ 237، والطبراني في "الكبير" 20/ 120 (239)، وأبو نعيم في "الحلية" 9/ 138، والبيهقي 1/ 451. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (448).

"إِنَّ النّاسَ قَدْ صَلَّوْا وَأَخَذُوا مَضاجِعَهُمْ وَإنَّكُمْ لَنْ تَزالُوا فِي صَلاةٍ ما انتَظَرْتُمُ الصَّلاةَ وَلَوْلا ضَعْفُ الضَّعِيفِ وَسَقَمُ السَّقِيمِ لأَخَّرْتُ هذِه الصَّلاةَ إِلَى شَطْرِ اللَّيلِ" (¬1). * * * باب في وقت العشاء الآخرة [419] (ثَنَا مُسَدَّدٌ، قال: ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ) الوضاح (عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ ثَابِتٍ) ثقة (¬2) (عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ) روى له مُسْلم. (عَنِ) مَولَاه (النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: أَنَا) والله (أَعْلَمُ النَّاسِ بِوَقْتِ هذِه الصَّلَاةِ) فيه ثناء الإنسان على نفسه للمصلحة التي تترتب عليه من قبول روَايته وانتشار العَمَل بِقَوله وغَير ذلك. (صَلَاةِ العِشَاءِ الآخِرَةِ) بدل كل من كل ومَعرفة مِنْ مَعْرفة. (كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّيهَا لِسُقُوطِ القَمَرِ لِثَالِثَةٍ) أي: يصلي العشاء وقت غروب القَمر ليْلة الثالث مِنَ الشهر، استدل به الأوزَاعي وأبُو حنيفة (¬3) وابن المنذر (¬4) عَلى أن الشفق هوَ البَياض. [420] (ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قال: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: مَكَثْنَا ذَاتَ لَيلَةٍ) أي: ¬

_ (¬1) رواه النسائي 1/ 268، وابن ماجه (693)، وأحمد 3/ 5. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (449). (¬2) "الكاشف" للذهبي 1/ 158. (¬3) انظر: "المبسوط" 1/ 292 - 293. (¬4) "الأوسط" 3/ 35.

أتينا (¬1) وأقمنَا (نَنْتَظِرُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لِصَلَاةِ العِشَاءِ) زَادَ مُسْلم: الآخرَة (¬2) فيه استحبَاب انتظار الجماعَة والإمَام. (فَخَرَجَ إِلَينَا حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيلِ) [قال الخَطابي: إنما أخر بهم لتطول مُدة الصَّلاة فيكثر أجرهم؛ لأنهم في صَلاة مَا انتظرُوا الصَّلاة] (¬3). (أَوْ بَعْدَهُ) بقليل (فَلَا نَدْرِي أَشَيءٌ شَغَلَهُ) في أهْلِهِ (أَمْ غَيرُ ذَلِكَ) وفي روَاية لمُسْلم: شغل عَنهَا (¬4)، قيل: إنهُ جهَّز جَيشًا كما رَوَاهُ الطبرَاني بوَجه صَحيح عن الأعمش (¬5). (فَقَالَ حِينَ خَرَجَ: أَتَنْتَظِرُونَ هذِه الصَّلاةَ) زَادَ مُسْلم: مَا ينتظرهَا أهْل دين غيركم (¬6)، فيه أنهُ يُسْتَحب للإمَام والعَالم إذا تأخر عَن أصحَابه أو جرى منهُ مَا يظن أنهُ يشق عَليهم أن يَعتذرَ لَهُمْ ويَقول لكم في هذا مَصْلحة مِنْ جهَة كذا وكَذَا. (لَوْلَا أَنْ يثقل (¬7) عَلَى أُمَّتِي) الصَّلَاة في هذِه السَّاعة (لَصَلَّيتُ بِهِمْ هذِه ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): ثبتنا. (¬2) "صحيح مسلم" (639) (220). (¬3) سقطت من (م). (¬4) "صحيح مسلم" (639) (221). (¬5) لم أقف عليه عند الطبراني، وأخرجه أحمد في "مسنده" 3/ 367 ولفظه: (جهز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جيشًا حتى ذهب نصف الليل أو بلغ ذلك ثم خرج فقال: قد صلى الناس ورقدوا وأنتم تنتظرون هذه الصلاة، أما إنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتموها). قال الألباني: صحيح على شرط مسلم، انظر: "السلسلة الصحيحة" 5/ 483. (¬6) "صحيح مسلم" (639) (220). (¬7) في (ص، س): أشق. وبياض في (ل).

السَّاعَةَ) في محَلِّ نَصْب على الظرفية، فيه حُجة للقَول الثَاني أن تَأخيرَ العشاء إلى ثلث الليل أفضَل، وكذَا عندَ الإمَام أحمَد فَإنهُ قَالَ أوَّل الأوقَات أعجب إليَّ إلا في صَلاتين صَلَاة العشاء وصَلاة الظهر (¬1). هوَ محمول عَلى أن المرَاد خصُوص تلكَ السَّاعة التي أخر الصَّلَاة إليهَا في تلك الليلة بعَينهَا لا كل ليْلة؛ لأن الغالب كان تقديم الصَّلاة والأفضَل مَا واظبَ عَليه. (ثُمَّ أَمَرَ المُؤَذِّنَ) وهوَ بلال (فَأَقَامَ الصَّلاةَ) فيه أن الإقَامَة تتعَلق بإرَادَة الإمَام عَلى مَا يَرَاهُ مِنَ المَصلحة. [421] (ثَنَا عَمْرُو (¬2) بْنُ عُثْمَانَ) (¬3) بن كثير (الحِمْصِيُّ) كان حَافظًا صَدُوقًا (¬4)، قال (ثَنَا أَبِي) عثمان بن سَعيد بن كثير الحِمْصي وكانَ ثقة مِنَ العَابدِين (¬5)، (قال: ثَنَا حَرِيزٌ) بفتح الحَاء المهملة وفي آخِره زَاي ابن عُثمان الرحبي (عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ) الحِمْصي ثقة توفي سنة 113 (¬6) (عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ السَّكُونيِّ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ - رضي الله عنه - يَقُولُ بَقَينَا) [بفتح الباء الموحدة وتخفيف (¬7) القاف المفتوحة (¬8) وسكون ¬

_ (¬1) "مسائل صالح" (1039)، وانظر: "الجامع لعلوم الإمام أحمد" من إصدارتنا 5/ 617 - 619. (¬2) في (د): عمر. (¬3) من (د). (¬4) "الكاشف" للذهبي 2/ 336. (¬5) "الكاشف" 2/ 250. (¬6) "الكاشف" 1/ 299. (¬7) في (د): وتشديد. (¬8) من (د). والعبارة مضطربة.

المثناة تحت [أي: انتظرنا يقال بَقَيْتُ الرجل أبقيه تبقية إذا انتظرته وفي رواية: ارتقبنا] (¬1) والبقية المرة من مصدره ومنه قوله تعالى {أُولُو بَقِيَّةٍ} في قراءة أبي جعفر بكسر الباء وسكون القاف، وتشديد المثناة تحت (النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي صَلَاةِ العَتَمَةِ) بفَتح العَيْن والتاء، والعَتمة مِنَ الليْل بعَد غَيبوبة الشفق الأحمر إلى ثلُث الليل. (فَتأَخَّرَ حَتَّى ظنَّ الظَّانُّ أَنَّهُ لَيسَ بِخَارِجٍ) إلينَا (وَالْقَائِلُ مِنَّا يَقُولُ صَلَّى) العشَاء فـ (إِنَّا لكَذَلِكَ (¬2) حَتَّى خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا لَهُ كَمَا قَالُوا) قَبل أن يَظهَر (فَقَالَ: أَعْتِمُوا) بفتح الهَمزة وكسر التاء. (بهذِه الصَّلَاةِ) يعني: صَلاة العشاء، أي: أَخِّرُوهَا إلى وَقت العَتمة يقالُ: أعتَم الرجُل إذَا دَخل في وقت العَتَمة، كما يُقَالُ: أصْبح إذَا دخَل في الصَّباح، وسُميَت العشاء عَتَمة لتَأخر وقتها إلى وقت العتمة. (فَإِنَّكُمْ قَدْ فُضِّلْتُمْ بِهَا عَلَى سَائِرِ الأُمَمِ) هذا تعليل لفضيلة (¬3) تأخير صَلاة العشاء إلى هذا الوَقت واسْتدل به عَلى فضيلة تأخير العشاء ولا يعارضه (¬4) الحَدِيث الآتي. (وَلَمْ تُصَلِّهَا أُمَّةٌ) غيركم (¬5) (قَبْلَكُمْ) فيه فَضيلة تخصيص من انفَرد بعبَادَة لا يشَاركهُ فيهَا غَيره والمرادُ بالحَدِيث إذَا لم تصل أُمة مِنَ الأممَ ¬

_ (¬1) ساقطة من (ص). (¬2) في (ص): كذلك. والمثبت من (د). (¬3) في (ص، س): لفضله. (¬4) في (ص): يفارقه. (¬5) من (م).

قبلكُم (¬1) هذِه الصَّلاة فعَظموهَا فَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ واجْلسُوا ذاكرينَ الله منتظرين لهَا إلى أن يذهب ثلث الليل أو نصفه. [422] (ثَنَا مُسَدَّدٌ، قال: ثَنَا بِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ، قال: ثَنَا دَاودُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ) واسْمهُ دينار مَولى امرأة من قشير رَوَى لهُ الجَماعَة عَنْ (أَبِي نَضْرَةَ) بضَاد مُعجمة واسمه المنذر بن مَالك (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) سَعد بن مَالك (الْخُدْرِيِّ) - رضي الله عنه - (قَالَ صَلَّينَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - صَلاةَ العَتَمَةِ) بِفتح التاء اسْتدل به مَن قالَ: [يَجوز تَسميَة العشاء عَتمة] (¬2) من غَير كرَاهَة. وأمَّا حَديث ابن [عمر: "لا تغلبنكم] (¬3) الأعراب على اسْم صَلاتكم العِشاء فَيقولون العَتمَة، فإنهَا في كتاب الله العشاء" رَوَاهُ مُسْلم (¬4) بأن المكروه أن يغلب عَليها اسم العَتمة بِحَيث يهجر تَسميتها بالعشَاء، والصَحيح أنه يكره تَسمية العشاء عَتمة لحَدِيث مُسْلم. وأجَابَ مَنْ قال بِالكراهَة عَن حَديث [الباب أنه] (¬5) لبَيَان الجَوَاز مَعَ الكَراهَة، أو أنَّ الخطَاب كَان مَعَ من تشتبه (¬6) عليه العشاء بالمغرب والظاهِر أن الكراهة لمُطلَق التسميَة فَإنَّ الصَّلَاة نور. (فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى مَضَى نَحْوٌ) بالرَّفع والتنوين أي: قريب. ¬

_ (¬1) تأخرت في (م)، فجاءت بعد قوله: هذه الصلاة. (¬2) في (د): بجواز تسمية العشاء العتمة. وفي (م): يجوز تسميتها العشاء العتمة. (¬3) في (ص): عمرة تغليبكم. (¬4) "صحيح مسلم" (64) (229). (¬5) في (ص): الشاب. (¬6) في (ص، ل): تشبه.

(مِنْ شَطْرِ اللَّيلِ) روَاية النسَائي: "حَتى ذَهبَ شَطر الليل" (¬1) (فَقَالَ: خُذُوا مَقَاعِدَكُمْ) أي: مضاجعهم. [روَاية النسَائي: "إنَّ النَاسَ قَد صَلوا ونَامُوا" (¬2)، وروَاية أحمَد: "إن الناس قد صَلوا وأخَذُوا مَضَاجِعهم" (¬3)] (¬4). (فَأَخَذْنَا مَقَاعِدَنَا) أي: مَوَاضِع الأضطجاع غَير أنَّا لا نضطجع على الأرض. (فَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا وَأَخَذُوا مَضَاجِعَهُمْ) للنوم (وَإنَّكُمْ لَنْ تَزَالُوا) كذَا روَاية أحمد (¬5) ورواية النسَائي: لم تَزَالوا (¬6) (فِي صَلَاةٍ مَا انتَظَرْتُمُ الصَّلاةَ) (مَا) هُنَا مَصْدَرية ظرفية أي: مُدة دَوَام انتظاركم (¬7) الصَّلاة وظاهِره العموم في كل صلاة، وإن كانَ المراد صلاة العشاء سَوَاء اشتركا في الوَقت كانتظار العَصْر بعد الظهر والعشَاء بعد المَغرب أو لم يَشتركا كباقي الصَّلوَات خِلافًا لقول البَاجي أن ذَلك في مُشتركي الوَقت (¬8). وَيرد عليه قول عَبد الله بن سلام في السَّاعة التي في الجُمعَة. قال أبو هريرة: كيفَ وفي الحَديث: "لا يُوافقها عبد مُسْلم يُصَلي؟ " فقال عَبد الله: أليس قَالَ: "مَنْ جَلَسَ مجْلسًا ينتظر الصَّلاة ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 1/ 268. (¬2) "سنن النسائي" 1/ 268. (¬3) "مسند أحمد" 3/ 5. (¬4) سقطت من (د). (¬5) "مسند أحمد" 3/ 5. (¬6) "سنن النسائي" 1/ 268. (¬7) في (د، م): انتظار. (¬8) "المنتقى" 1/ 223، 224.

فهوَ في صَلاة". رَوَاهُ في "الموطأ" (¬1) وشرط كَونه في صَلاة مَا انتظر الصَّلاة: "مَا لم يحدث مَا لم يؤذ" كما في مُسْلم وغَيره (¬2). (وَلَوْلَا ضَعْفُ الضَّعِيفِ وَسُقمُ) بِضَم السِّين وسُكون القَاف وبفتحهمَا لغَتان (السَّقِيمِ لأَخَّرْتُ) بتَشديد الخاء (هذِه الصَّلاةَ إِلَى شَطْرِ اللَّيلِ) (¬3) زَادَ أحمَد: "وحَاجَة ذي الحاجَة" (¬4)، وروَاية ابن مَاجَه (¬5): "لأمرت بهذِه الصَّلاة أن [تؤخر" فِعْلى] (¬6) هذِه الأحَاديث من وجدَ به قوة على تأخيرهَا ولم يغلبهُ النوم، ولم يشق على أحد مِنَ المأمومين فالتأخير في حَقه أفضَل. وقد قرر النووي ذلك في "شَرح مُسْلم" (¬7) وهو اختيار كثير من أئمة الحَديث والشافعية (¬8) وغَيرهُم واللهُ سبحانه وتعالى أعلم. * * * ¬

_ (¬1) "موطأ مالك" 1/ 108 وهو جزء من حديث طويل. وصححه الألباني في "الإرواء" 3/ 228. (¬2) "صحيح البخاري" (2119)، و"صحيح مسلم" (649) (272). (¬3) أخرجه النسائي 1/ 268، وابن ماجه (693)، وصححه ابن خزيمة (345) وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (449). (¬4) "مسند أحمد" 3/ 5. (¬5) هذه الرواية التي ذكرها المصنف هي رواية النسائي. وأما رواية ابن ماجه "أحببت أن أؤخر الصلاة إلى شطر الليل". (¬6) في (ص): يؤخذ فعل. (¬7) "شرح النووي على مسلم" 5/ 138. (¬8) انظر: "المجموع" 3/ 57 - 58، "الشرح الكبير" 1/ 381.

8 - باب في وقت الصبح

8 - باب فِي وَقْتِ الصُّبْحِ 423 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عائِشَةَ - رضي الله عنها - أَنَّها قالَتْ: إِنْ كانَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ النِّساءُ مُتَلَفِّعاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ ما يُعْرَفْنَ مِنَ الغَلَسِ (¬1). 424 - حَدَّثَنا إِسْحاق بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ ابن عَجْلانَ، عَنْ عاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتادَةَ بْنِ النُّعْمانِ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ رافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَصْبِحُوا بِالصُّبْحِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لأجُورِكُمْ". أَوْ: "أَعْظَمُ لِلأَجْرِ" (¬2). * * * باب وقت الصبح [423] (ثَنَا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَهَا قَالَتْ إن (¬3) كانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَتَنْصَرِفُ) بالرفع (النِّسَاءُ) المؤمنات بعد أن يشهدنَ الصلاة مَعَهُ. (مُتَلَفِّعَاتٍ) بضَم الميم وفتح المثَناة وتشديد الفاء مكسُورة، ثم عَيْن مُهملة وجَر التاء عَلامَة للنصب على الحَال مِن النسَاء أي: في حَالِ تَلَفُّعهنَّ أي: متلففات كما في رِوَاية مُسْلم (¬4). وقيل: أي: مُلتَحفات (¬5) وتلفعَت المرأة بجلبَابهَا أي: تَلَحَّفَت بِه واللفَاع بِكَسْر اللام مَا يتلَفع به ¬

_ (¬1) رواه البخاري (867)، ومسلم (645/ 232). (¬2) رواه الترمذي (154)، والنسائي 1/ 272، وابن ماجه (672). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (451). (¬3) من (د، س، م). (¬4) "صحيح مسلم" (645) (232). (¬5) في (د، م): متلحفات.

كاللحَاف مَا يتَلَحَّفُ به. قال ابن حَبيب: لا يَكون الالتفاع إلا مَع تغطيَة الرأس (¬1). (بِمُرُوطِهِنَّ) جَمْع مِرْط بِكسْر الميم وهي أكسيَة مُعَلمة تكون من خَزّ وتكون مِن صُوف. قَالَ الخليل: وتكونُ مِن كتان. وقالَ غيره: تكونُ مربعة سَداهَا مِن خَزِّ (¬2). قال ابن الأعرابي: هُوَ الإزَار (¬3). قال النضر (¬4): ولا يُسَمى المرط إلا الأخضَر (¬5). لكن في روَاية: مِرْط من شعر أسْوَد (¬6). (و (¬7) مَا يُعْرَفْنَ) بِضَم أوَّله على البِنَاء للمفعُول، وفي روَايَة الصحيح: مَا يَعرفهن أحَد (¬8). أي: مَا يعرف فُلانة من فلانة مَعَ العِلم بأنهنَّ نسَاء وَضُعِّفَ (¬9) بأن المتَلفعَة بالنهار أيضًا لا يُعرف عَينها فَلَا يَبْقى للكلام فَائدَة. ¬

_ (¬1) انظر: "إحكام الأحكام" 1/ 93. (¬2) "العين" (مرط). (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (م ر ى). (¬4) في (ص، س، ل): النطر. (¬5) انظر: "مشارق الأنوار" (م ر ى). (¬6) وهي رواية الترمذي عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات غداة وعليه مرط من شعر أسود. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (¬7) من (د). (¬8) "صحيح البخاري" (372). (¬9) في (ص): وصفن.

(مِنَ الغَلَسِ) تقدم، وفي روَاية "الموطأ" مِن حَديث أبي هريرَة: وصَلى الصبح بغبَس (¬1) ببَاء مُوَحَّدَة وبغَين معجمة أو مُهملة لغتان، وفرق بَينهما بأن الغلس في آخِر الليل، والغبس قد يكون في أوَّل الليْل وفي آخِره. [424] (ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) الطَالقَاني ثقة (¬2)، قال: (ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ) محَمد (ابْنِ عَجْلانَ) المدني (¬3) روَى له مُسْلم. (عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ) ابني يزيد الظفري وفد عَلى عُمر بن عَبد العزيز في خلافته في دَين لَزمَهُ فَقَضَاه عنهُ وأمرهُ أن يجلس في مَسْجد دمشق فيُحَدث الناس بَمغَازي رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ومَنَاقب الصحَابة - رضي الله عنهم - روى له الجماعة. (عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ) ابن عقبة الأنصَاري ولد في حَيَاة رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - روى له مُسْلم وغيره. (عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ (¬4) - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: أَصْبِحُوا) بفتح الهمزة وكسْر الباء. (بِالصُّبْحِ) أي: صَلوهَا مُصبحين، وهوَ عندَ طُلوع الصبح يُقال: أصبحَ القوم إذا دَخَلوا في الصَّبَاح. قال الله تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (83)} (¬5) (فَإِنَّهُ أَعْظَمُ ¬

_ (¬1) "الموطأ" 1/ 8. (¬2) انظر: "الكاشف" 1/ 108. (¬3) في (م): الذي. (¬4) في (ص): جريج. تصحيف، وبياض في (ل). (¬5) الحجر: 83.

لأُجُورِكُمْ أَوْ أَعْظَمُ لِلأَجْرِ) كما في روَاية أخرى وفي لفظ الطبرَاني وابن حبان: "فكلما أسفرتم بالصبح فإنه أعظم للأجر" (¬1). وأجيب عنهُ بمَا (¬2) حكاهُ الترمذي عن الشافعي، وأحمد بأن معَناهُ بأن يتضح الفَجر فلا يشك فيه، ولم [يرو أن المعنى] (¬3) تأخير الصَّلاة (¬4)، والمصَلي إذا ظنَّ دُخول الوَقت جَاز لهُ الصَّلاة ولكن الأولى أن يُؤخرهَا حَتى يتيقنهُ، ونحنُ وإن استحببنا التَعجيل في جَميع الصلوات فمَعناهُ (¬5) ذَلك، قالهُ السبكي. ثم قال: فصَح أن (¬6) قوله: (أعظم للأجر) أي: مما إذا ظن ولم يتيقن، أما إذا لم يظن فَلا يجوز الإقدَام عليهَا. ¬

_ (¬1) "معجم الطبراني الكبير" (4294)، "صحيح ابن حبان" (1491). (¬2) في (ص) ما. (¬3) "سنن الترمذي" بعد حديث (154). (¬4) في (ص): يرد أن. وفي (ل): يرو أن. (¬5) في (ص): جمعناه. (¬6) من (د).

9 - باب في المحافظة على وقت الصلوات

9 - باب فِي المُحافَظةِ عَلى وَقْتِ الصَّلَواتِ 425 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْب الواسِطِيُّ، حَدَّثَنا يَزِيدُ -يَعْنِي ابن هارُونَ- حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ مطَرِّفٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصُّنابِحِيِّ قالَ: زَعَمَ أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ الوِتْرَ واجِبٌ! فَقالَ عُبادَة بْن الصّامِتِ: كَذَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ أَشْهَدُ أنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "خَمْسُ صَلَواتٍ افْتَرَضَهُنَّ اللُّه تَعالَى مَنْ أَحْسَنَ وضُوءَهُنَّ وَصَلَّاهُنَ لِوَقْتِهِنَّ وَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ كانَ لَهُ عَلَى الله عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَيسَ لَهُ عَلَى الله عَهْدٌ إِنْ شاءَ غَفَرَ لَهُ وِإنْ شاءَ عَذبَهُ" (¬1). 426 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الخُزاعِيُّ وَعَبْدُ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن عُمَرَ، عَنِ القاسِمِ بْنِ غَنّامٍ عَنْ بَعْضِ أمهاتِهِ، عَنْ أُمِّ فَرْوَةَ قالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أي الأعمالِ أَفْضَلُ؟ قالَ: "الصَّلاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِها". قالَ الخُزاعِيُّ في حَدِيثِهِ عَنْ عَمَّةٍ لَهُ يُقالُ لَها أُمُّ فَرْوَةَ قَدْ بايَعَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ (¬2). 427 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى عَنْ إِسْماعِيلَ بْنِ أَبِي خالِدٍ، حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عُمارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قالَ: سَأَلهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ فَقالَ: أَخْبِرْنِي ما سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لا يَلِجُ النّارَ رَجُلٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ". قالَ: أَنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْهُ ثَلاثَ مَرّاتٍ. قالَ: نَعَمْ. كلَّ ذَلِكَ يَقُولُ سَمِعَتْهُ أُذُنايَ وَوَعاهُ قَلْبِي. فَقالَ الرَّجُلُ وَأَنا سَمِعْتُهُ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ ذَلِكَ (¬3). 428 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْن عَوْنٍ، أَخْبَرَنا خالِدٌ عَنْ داودَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي حَرْبِ ¬

_ (¬1) رواه النسائي 1/ 230، وابن ماجه (1401)، وأحمد 5/ 315. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (452). (¬2) رواه الترمذي (170)، وأحمد 6/ 440. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (453). (¬3) رواه مسلم (634).

ابْنِ أَبِي الأسوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ فَضالَةَ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: عَلَّمَنِي رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَكانَ فِيما عَلَّمَنِي: "وَحافِظْ عَلَى الصَّلَواتِ الخَمْسِ". قالَ: قُلْتُ: إِنَّ هذِه ساعاتٌ لِي فِيها أَشْغالٌ فَمُرْنِي بِأَمْرٍ جامِعٍ إِذا أَنا فَعَلْتُهُ أَجْزَأَ عَنِّي فَقالَ: "حافِظْ عَلَى العَصْرَيْنِ". وَما كانَتْ مِنْ لُغَتِنا فَقُلْتُ: وَما العَصْرانِ فَقالَ: "صَلاةٌ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلاةٌ قَبْلَ غُرُوبِها" (¬1). 421 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنا أَبُو عَلِيٍّ الحَنَفِيُّ عُبَيْدُ اللهِ بْن عَبْدِ المَجِيدِ، حَدَّثَنا عِمْرانُ القَطّان، حَدَّثَنا قَتادَة وَأَبان كِلاهُما عَنْ خُلَيْدٍ العَصَرِيِّ، عَنْ أُمِّ الدَّرْداءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْداءِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "خَمْسٌ مَنْ جاءَ بِهِنَّ مَعَ إِيمانٍ دَخَلَ الجَنَّةَ مَنْ حافَظَ عَلَى الصَّلَواتِ الخَمْسِ عَلَى وضُوئِهِنَّ وَرُكُوعِهِنَّ وَسُجُودِهِنَّ وَمَواقِيتِهِنَّ وَصامَ رَمَضانَ وَحَجَّ البَيتَ إِنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَأَعْطَى الزَّكاةَ طَيِّبَةً بِها نَفْسُهُ وَأَدَّى الأَمانَةَ". قالُوا يا أَبا الدَّرْداءِ وَما أَداء الأمَانَةِ، قالَ: الغسْلُ مِنَ الجَنابَةِ (¬2). 430 - حَدَّثَنا حَيْوَة بْن شُرَيْحٍ الِمصْرِيُّ، حَدَّثَنا بَقِيَّة، عَنْ ضُبارَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي سَلِيكٍ الألْهانِيِّ، أَخْبَرَنِي ابن نافِعٍ، عَنِ ابن شِهابٍ الزُّهْرِيِّ قالَ: قالَ سَعِيدُ بْن المُسَيَّبِ: إِنَّ أَبا قَتادَةَ بْنَ رِبْعِيٍّ أَخْبَرَهُ قالَ: قالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قالَ اللُّه تَعالَى إِنِّي فَرَضْتُ عَلَى أُمَّتِكَ خَمْسَ صَلَواتٍ وَعَهِدْتُ عِنْدِي عَهْدًا أَنَّهُ مَنْ جاءَ يُحافِظُ عَلَيْهِنَّ لِوَقْتِهِنَّ أَدْخَلْتُهُ الجَنَّةَ وَمَنْ لَمْ يُحافِظْ عَلَيهِنَّ فَلا عَهْدَ لَهُ عِنْدِي" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 344، وابن حبان 5/ 35 (1741). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (454). (¬2) رواه ابن الأعرابي في "المعجم" 1/ 86 (130)، والآجري في "الشريعة" 2/ 650 (274)، والطبراني في "الصغير" 2/ 56 (772). وجوَّد إسناده المنذري في "الترغيب والترهيب" 1/ 141، والهيثمي في "المجمع" 1/ 47. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (457). (¬3) رواه ابن ماجه (1403). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (456).

باب المحافطة على وقت الصلوات [425] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ الوَاسِطِيُّ) شيخ الشيخين وابن (¬1) خزيمة، قال: (ثَنَا يَزِيدُ بْنَ هَارُونَ) السُّلمي رَوَى لهُ الجَماعَة. (قال: أنا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ) الليثي إمَام عَسْقلان، رَوَى لهُ الجَماعَة. (عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يسار (¬2) عَنْ عَبْدِ الله الصُّنَابِحِيِّ) هَكذا (¬3) رَوَاهُ أبو دَاود وكذلك مَالك بن أنس (¬4) (¬5) وأبو غسان محمد ابن مطرف، والذي صححَه الجمهور: عَبْد الرحمن بن عسَيلة، والصُنابح (¬6) بضم الصَاد بَطن من (¬7) مراد. (قَالَ: زَعَمَ أَبُو مُحَمَدٍ) مَسْعُود بن أوس بن زَيْد البَدري، قال ابن عبد البر: يُعد في الشاميّين (¬8). (أَنَّ الوِتْرَ وَاجِبٌ) لما (¬9) روى الدارقطني من روَاية أبي أيوب؛ أنَّ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الوتر حَق وَاجب، فَمن شاء فليوتر بثلاث" (¬10). ¬

_ (¬1) في (ص): والد ابن. (¬2) في (ص): بشار. وبياض في (ل). (¬3) في (ص): هذا. (¬4) في (ص): البنت. تحريف. (¬5) "الموطأ" 1/ 191. (¬6) في (ص): الصنايح. وفي (س، م): الصنابحي. (¬7) سقط من (ص، س، ل). (¬8) "الاستيعاب" 12/ 139. (¬9) في (م): كما. (¬10) "سنن الدارقطني" 2/ 22. وقال عقبه: قوله: واجب ليس بمحفوظ لا أعلم تابع ابن حسان عليه أحد.

ورجاله ثقَات، وأعله (¬1) ابن الجوزي بمحَمد بن حَسان الأزرَق (¬2)، وقالَ الشيخ أبو إسحَاق: تفرَّدَ به عَن سُفيان. قال ابن حَجر: والصَّحيح أن محمدًا ثقة لكن، في "صَحيح الحَاكِم" عَن عبَادة بن الصامت قالَ: الوتر حَسَن جَميل، عمل به النَّبي - صلى الله عليه وسلم - ومَن بَعْدَهُ وليسَ بوَاجب (¬3)، وروَاته ثقات. قالهُ البيهقي (¬4). وأجَابَ أصحَابنا عن حديث (¬5) أبي أيوب بأن الوجوب يُرَادُ به المَسْنون، كما في "الصحيح": "غُسْل الجُمعَة وَاجِب على كل محتَلم" (¬6). (فَقَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ: كَذَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ) البدري أي: غلط وَوَهم قالهُ (¬7) ابن عَبد البر: ومثلهُ قول (¬8) عَبد الله بن سَلام: كذب كعب (¬9). (أشهد (¬10) أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: خَمْسُ صَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ الله تَعَالَى) فاسْتَدل عبَادَة - رضي الله عنه - بتَعليق حُكم المفترضَات جَميعهَا بخَمس يُفهمَ أنَّ مَا زَادَ على الخمس ليس بفرض كما أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "في أربعَين شاة ¬

_ (¬1) في (ص، ل): أعلم. تحريف. (¬2) "التحقيق في أحاديث الخلاف" 1/ 454. (¬3) "المستدرك" 1/ 300 وقال: صحيح على شرطهما. (¬4) "التلخيص الحبير" 2/ 29، وانظر: "السنن الكبرى" 2/ 467. (¬5) في (ص، س، ل): محمد بن. (¬6) "صحيح البخاري" (858)، "صحيح مسلم" (846) (5) من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -. (¬7) في (م): قال. (¬8) من "الاستذكار". (¬9) "الاستذكار" 5/ 99 - 100 (267). (¬10) سقط من (ص). وبياض في (ل).

شاة" (¬1) (¬2). يُفهم أنَّ مَا دُون الأربعين لا يَجبُ فيهَا الزكاة، واستدلال عبَادَة بذكر الخَمس على أن الوتر ليْسَ بوَاجب؛ حجة لما ذَهَبَ إليه الشافعي (¬3) والجمهُور (¬4)، أن مَفهُوم العدَد حجة معَمول به. قالَ ابن الصَّباغ في "العدة": مَذهَب الشافعي أن مَفهوم العَدَد حجة، إلا إذا كانَ في ذكر العَدَد تنبيه عَلى مَا زَاد عَلَيه، كقوله: "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثًا". تنبيه عَلى أن مَا زادَ عليهما أولىَ أن لا يحمل، وقد استَدل بهذا الحَديث أيضًا على أن وجوب صلاة الليْل مَنسُوخة في حَق الأمة، وهذا مُجمع عليه، وعلى أن صلاة العيد ليسَت بفرض، خلافًا لما ذهَب إليه أبو سَعيد الإصطخري أن صَلاة العيد فرض كفَاية (¬5). (مَنْ أَحْسَنَ وضُوءَهُنَّ) أي: أتَى به كاملًا بُسنَنِهِ وآدَابه العشرة (¬6) فيه فضيلة الإتيان بالسنن والآداب التي أهَملها أكثر الفقهاء (¬7) ولم يَذكرُوهَا في كتُبهم في الوضوء والغُسْل والتيمم والصَّلوَات وغير ذلكَ منَ العبَادَات. (وَصَلَّاهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ) أي: لأوقَاتهنَّ المتقدمَة، يعني: في أول أوقاتهن ¬

_ (¬1) سقط من (ص). (¬2) أخرجه ابن ماجه (1807)، وغيره، وسيأتي تخريجه حين الكلام عليه. (¬3) "الأم" 1/ 260. (¬4) انظر: "المجموع" 4/ 19. (¬5) انظر: "المجموع": 5/ 2. (¬6) في (ص): المعتدة. (¬7) في (م): العقباء.

لقَوله تعالى: {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} (¬1) (وَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ) أي: واعتدَالهن وسُجودهن، وجُلوسه بين سَجدتيهن، وإكمال الركوع فيهنَّ تسوية ظَهْر المصَلي وعنقه يمدّهما كالصفيحة، وينصب سَاقيه، وَيأخذ ركبتيه بيَديه، ويفرق أصَابعه للقبلة. (وَخُشُوعَهُنَّ) والأصل فيه خشوع القلب بكثرة الخَوف والرهبَة (¬2) [والتذلل للمعبود] (¬3) وخُشوع جَوَارحه بِسُكونها، وإطراقه ببَصَرِه إلى مَوْضع سُجوده، بِحَيث لا يعرف من على يَمينه ولا على شماله. (كانَ لَهُ عَلَى (¬4) الله) تكَرمًا وتفضلًا منهُ سُبحَانَهُ. (عَهْدٌ) العَهْد مَا يتَعين حفظهُ مِنَ الميثاق. (أَنْ يَغْفِرَ لَهُ) وعَهْد الله واقِع ألبتة (¬5)؛ لأن الله تعالى لا يخلف ميعَاده، يَعني: أنَّ مَن صَلى الصَّلوَات الخمس على مَا تقدمَ فإنَّ الله تعالى يغفر لهُ ولا يضيع أجره البتة؛ كرمًا منه سُبحانهُ. (وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذلك فَلَيسَ لَهُ عَلَى الله تعالىَ عَهْدٌ) فلم يثبت لهُ عند الله أجْر بعَهده، بَل (إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ) مَا تركَ مِنَ الصَّلوَات وَحُسن عبَادتهن وعَفَا عَنهُ فَضْلًا وكرَمًا. (وَإنْ شَاءَ عَذَّبَهُ) أي: عَاقَبَهُ عَدلًا منهُ سُبحَانه. ¬

_ (¬1) المؤمنون: 61. (¬2) في (د): الدهشة. (¬3) سقط من (ص، س، ل). (¬4) كتب فوقها في (م): عند. (¬5) يعني: لا محالة.

قَالَ ابن عبد البر: في هذا الحَديث دَليل على أن مَن لم يُصَل وهوَ مُؤمن مُوقن بِفَرض الصَّلَاة، أو صلى لكنهُ لم يقم الصَّلاة بمَا يَجبُ فيهَا، ومَاتَ لا يُشرك باللهِ شَيئًا، مُقرًا بالنبيين، مُصَدّقًا للمرسَلين، مُؤمنًا بالله وملائكته وكتُبهِ ورُسُله واليَوْم الآخر، إلا أنهُ مقصِّر (¬1) عَاص لم يَتُب من ذنوبه حَتى أدركتهُ مَنيته، أنهُ في مَشيئَة الله رَبهُ، إن شاء عَذبَهُ، وإنْ شاءَ غَفَر لهُ؛ فإنه لَا يَغفر أن يُشرَكَ بهِ ويغفر مَا دُونَ ذَلك لمنْ يَشَاءُ (¬2). [426] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله الخُزَاعِيُّ) قال ابن المديني: ثقَة (¬3). (وَعَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ) القعنبي (قَالَا: ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ) بن حَفص بن عَاصم بن عُمر بن الخَطاب روى له مُسْلم مَقرونًا، قالَ أبو حَاتم: رَأيتُ أحمد يحسن الثنَاء عليه (¬4)، وقالَ ابن عَدي: لا بأسَ به صَدُوق (¬5). (عَنِ القَاسِمِ بْنِ غَنَّامٍ) بفَتح الغَيْن والنون المُشَددَة. (عَنْ بَعْضِ أُمَّهَاتِهِ، عَنْ أُمِّ فَرْوَةَ) قال ابن عَبْد البر: أم فروة هذِه كانت مِنَ المبَايعَات، بَايعَت النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، حَديثها عندَ القاسِم بن غنام عَن بَعض أمهَاته قَالَ: وقد قالَ بَعضُهم في أُم فروة الأنصَارية هذِه، وهوَ وهم، قال: وإنما جَاء (¬6) ذلك؛ لأن القاسم بن غَنام يَقولُ في حَديثها مَرة عَن جَدته الدنيا عَن جدته القصْوى، وَمَرة عَن بعض أمهَاته عَن عَمة ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): مصر. تحريف. (¬2) "الاستذكار" 5/ 267. (¬3) "التاريخ الكبير" للبخاري 1/ 135. (¬4) "الجرح والتعديل" 5/ 110. (¬5) "الكامل في الضعفاء" 5/ 237. (¬6) في (ص): جاز.

لهُ. والصَّوابُ مَا قَدمنَاهُ (¬1). (قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -) رواية الصحيحين: سَمعتُ أبا عمرو الشَّيْبَاني (¬2) يَقول: حَدثنا صَاحِب هذِه الدار -وأشارَ إلى دَار عَبد الله يَعني: ابن مَسْعود- قالَ: سَألتُ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3) (أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الصلاةُ) محصَّل مَا أجَابَ به العُلماء عَن هذا الحَديث وغَيره مما اختلفت فيه الأجوبة بأنهُ أفضَل الأعمال: أنَّ (¬4) الجوابَ اختلف لاختلاف أحوَال السَّائلين، فإن علم كل قَوم بمَا يَحتَاجُونَ إليهِ أو بما لهم فيه رَغبَة أو بِمَا هُو لائق بهم، أو كانَ الاختلاف باختلاف الأوقات، بأن يَكون العَمل في ذَلك الوَقت أفضَل منهُ في غَيره، فَقَد كَانَ الجهَاد في ابتداء الإسلام أفضَل الأعمال، لأَنهُ الوسيلة إلى القيَام بهَا والتمكن مِنْ أدَائهَا. وقَد تضافرَت النُّصُوص عَلى أنَّ الصَّلَاة أفضَل مِنَ الصَّدقة، ومَعَ ذلكَ فَفي وقت مُوَاساة المُضطر إذَا وجدَ تَكون الصدقة أفضَل، أو أنَّ أفضل ليَست عَلى بَابهَا، بَل المُرَاد بَهَا الفَضْل المُطلق، أو المراد: مِنْ أفضَل الأعمال فحذفت مِنْ، وهي مُرادة. قَال ابن دقيق العيد (¬5): الأعمال في هذا (¬6) الحَديث محمولة عَلى ¬

_ (¬1) "الاستيعاب" 13/ 264 - 265. (¬2) في (م): النسائي. (¬3) "صحيح البخاري" (527)، و"صحيح مسلم" (85) (139). (¬4) في (ص، س، ل): لأن. (¬5) "إحكام الأحكام" 1/ 91. (¬6) سقط من (ص، س، ل).

البَدَنية (¬1) وأرَادَ بِذَلك [الاحتراز عن] (¬2) أعني الإيمان؛ لأنهُ مِنْ أعمال القلوب، فلا تعارُض حينَئذ بَيْنَ هذا وَبَين حَديث أبي هُرَيرة: أفضَل الأعمال الإيمان بالله. (فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا) قالَ ابن بَطال (¬3): فيه أن البَدار إلى الصَّلَاة في أوَّل وقتها أفضَل من التراخي فيهَا؛ لأنه شَرط في كَونها أفضَل أن يكون في أول وَقتها المُستحب، لكن يستثنى من أفضلية الصلاة في أول وقتها فروع فقهية قامَ الدَليل على التخصيص فيهَا. (قَالَ) محَمد (الْخُزَاعِيُّ فِي حَدِيثِهِ عَنْ عَمَّةٍ لَهُ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ فَرْوَةَ قَدْ بَايَعَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -) هذِه روَاية الخُزَاعي، وهَي مخَالفة لِروَايَة القعنبي المُتَقَدمَة، كما تَقدمَ عَن ابن عَبد البر. قالَ ابن الأثير: جَعَلهمَا ابن عَبد البرَ واحِدَة، وجَعَلهمُا غَيرهُ اثنتَين: أُم فروة الأَنصَارية، وأمّ فَروة بنت أبي قحافَة وهي التي (¬4) زَوَّجَهَا أخوها (¬5) أبُو بَكر مِن الأشعَث بن قَيس، فَوَلدَت لهُ محمدًا وغيره (¬6). قال الشيخ شمس الدين الذهبي في "التجريد" (¬7): أم فروة الأنصَارية لهَا حَدِيث في "مسند أحمد"، رَوَاهُ القاسِم بن غنام عنها، وأم فروة أُخت ¬

_ (¬1) في (م): الندبية. تصحيف. (¬2) في (ص، ل): أعني. (¬3) "شرح البخاري" لابن بطال 2/ 157. (¬4) من "أسد الغابة". (¬5) من "أسد الغابة". (¬6) "أسد الغابة" 7/ 377. (¬7) "التجريد" (4023).

أبي بَكر الصِّديق لأبيه، لهَا صحبة ورِوَاية، والثالثة (¬1) أم فروة ظئر (¬2) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكرهَا المُسْتغفري (أَن النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ) أي: سَأَلَهُ ابن مسْعُود كما تقدمَ. [427] (ثَنَا مُسَدَّدٌ، قال: ثَنَا يَحْيَى) القطان (عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ) الأحمسي (¬3) البجَلي روى له الجماعة. (قالَ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عُمَارَةَ) بِضَم العَيْن (بْنِ رُؤَيْبَةَ) بِضَم الراء وفتح الهَمزة مُصَغر. (عَنْ أَبِيهِ) عُمَارة بن رؤيبة الثقفي له صحبة، روى له مُسْلم في الصَّلاة. (قَالَ سَأَلَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ فَقَالَ: أَخْبِرْنِي مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: لن (¬4) يَلِج النَّارَ رَجُلٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَمْسِ وَقَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ) هَاتَان الصَّلَاتَان واللهُ أعلم إنهمَا المأمور بهمَا في قَوله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} (¬5) أي: فصَل بأمر رَبك قَبل طُلوع الشمس، يعني: صَلَاة الفَجر، وقَبل غروبهَا يعني صَلاة العَصْر، ويَدُل عَلى ذلكَ مَا رَوَاهُ في الصَّحيحين عن جرير بن عَبد الله قالَ: كُنا عندَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فنظر إلى القمر ليلة البَدر وقالَ: "إنكم ¬

_ (¬1) في (س، م): الثانية. (¬2) في (ص): حليف. (¬3) في (ص): الأخمشي. تصحيف. (¬4) كتب فوقها في (د، ل، م) لا. (¬5) طه: 130.

ستَرون ربكم عَيانًا كما ترون هذا القَمَر لا تضامُونَ في رُؤيته، فإن اسْتَطعْتم أن لا تغلبوا (¬1) عَن صَلاة قَبَل طُلوع الشمس وقَبل غروبهَا فافعَلوا، ثم قرأ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} (¬2) (¬3). (قَالَ: أَأنْتَ) بِهَمْزَتَين مُخَففَتَين، ويَجوز تَسهيل الثانية وإبدَالهَا ألفًا. (سَمِعْتَهُ مِنْهُ) مِن رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يكرر ذَلك (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) كلمَا اسْتفهَمَهُ (قال: نَعَمْ) وهذا التكرير للتأكيد، وأكدَهُ أيضًا بِقَوله: (كُلَّ ذَلِكَ) أي: جَميع هذا سَمِعته. (يَقُولُ: سَمِعَتْهُ (¬4) أُذُنَاي) تأكيد لتحقيق مَا سَمِعَهُ (وَوَعَاهُ) أي: حفظهُ (¬5) وتَدبَّرهُ (قَلْبِي) حين (¬6) سَمِعَهُ (فَقَالَ الرَّجُلُ: وَأَنا سَمِعْتُهُ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ ذَلِكَ) فيه أن مَنْ سَمِعَ شاهِدًا يَشهَد عند الحَاكم بشيء وعندهُ منهُ؛ أنهُ (¬7) يذكرهُ للحَاكم؛ فإن فيه تقوية للشهادَة، وتطييبًا لِقَلب الحاكم في المبَادرَة بالحُكم. [428] (ثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ) الوَاسطِي شيخ البخَاري، (قال: أنا خَالِدٌ) (¬8) بن عَبْد الله الوَاسِطِي. ¬

_ (¬1) في (ص): تغفلوا. (¬2) طه: 130. (¬3) "صحيح البخاري" (554)، و"صحيح مسلم" (633) (211). (¬4) في (د): سمعت. (¬5) في (ص، س): خفضه. تصحيف. (¬6) في (ص): حيث. (¬7) في (د، م): أن. (¬8) كتب فوقها في (د): ع.

(عَنْ دَاودَ بْنِ أَبِي هِنْد البصري) (¬1) واسْمُهُ دينار، روى له الجَماعَة. (عَنْ أَبِي حَرْب بْنِ أَبِي الأَسْوَدِ) الدؤلي (¬2) لم يسَمه مُسْلم، ولا رأيت غيره سماهُ (¬3) بَل (¬4) قالَ ابن عَبد البر في "الكنى": بصري ثقَة (¬5). (عَنْ عَبْدِ الله ابْنِ فَضَالَةَ) بفتح الفاء الليثي، ذكرهُ ابن حبان في "الثقات" (¬6). (عَنْ أَبِيهِ) فضَالَة الليثي، قال ابن عَبْد البر: أختلف في أسْم أبيه فَقيل: فضَالَة بن عَبْد الله، وقيلَ: فضالَة بن وَهْب، يُعد في أهل البَصْرة (¬7). (قَالَ عَلَّمَنِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَكَانَ فِيمَا عَلَّمَنِي: وَحَافِظْ عَلَى الصلَوَاتِ الخَمْسِ) ركوعهن وسجودهن ومَوَاقيتهن. (قَالَ: قُلْتُ: إِن هذِه (¬8) سَاعَاتٌ لِي فِيهَا أَشْغَالٌ) أي: للسَّعْي في تَحصيل المعَاش. (فَمُرْنِي بِأَمْرٍ جَامِع) لأنواع الفَضَائل، قليل فعله (إِذَا أَنا فَعَلْتُهُ أَجْزَأَ عَني) أي: كفَاني عَنْ غَيره. (فَقَالَ: حَافِظْ عَلَى صَلَاة العَصْرَيْنِ) غلبَ فيه أحَد الاسمَين عَلى ¬

_ (¬1) من (د، م). (¬2) في (د، م، ل): الديلي وهما واحد، وفي (س): الديلمي. (¬3) قال ابن عدي في "الكامل" 3/ 582: لعل أبا حرب هو محجن. (¬4) في (د، م): لكن. (¬5) "الكنى" لابن عبد البر (1503). (¬6) "الثقات" 5/ 40. (¬7) "الاستيعاب" 9/ 121. (¬8) في (ص): هذا. تحريف.

الآخر (وما (¬1) كَانَتْ) هذِه اللفظة (مِنْ لُغَتِنَا) [يعني: التغليب] (¬2) (فَقُلْتُ: وَمَا العَصْرَانِ) يا رسُول الله (فقَالَ: صَلاةٌ قبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) وهي صَلَاة الفَجر. (وَصَلاةٌ قَبْلَ غُرُوبِهَا) وهَي العَصْر، غَلبَت العَصْر عَلى الفَجر لزيَادَة فَضيلتها؛ لأنها الصَّلاة الوسْطَى كما تقدَّمَ، والغالب في التغليب أن يُراعى الأشرف، ولهذا قالوا في تثنية (¬3) الأب والأُم: أبَوان، وفي تثنية (¬4) المشرق والمغرب: المشرقين؛ لأن المشرق (¬5) دَال عَلى الوجود، والمغرب (¬6) دَال على العدم (¬7) والوجود لا محالة أشرف (¬8)، وكذَلكَ القمران فغلب القمر عَلى الشمس لشرف التذكير. وأمَّا قولهم: سُنَّة (¬9) العمرَين، فقال ابن سيده في "المُحْكَم": إنما غلبوا عمر إيثارًا للخفة (¬10). أي: غَلَّب الأخَف على الأثقل؛ لأنَّ لفظ عُمَر مُفْرَد، واسم (¬11) أبي بَكر مُرَكب، وقيل: المرَادُ به عمر بن ¬

_ (¬1) سقط من (ص). (¬2) في (ص، ل): قال. (¬3) في (ص، س): شبه. تصحيف. (¬4) في (ص، س): شبه. تصحيف. (¬5) في (ص): الشرق. (¬6) في (ص، س، د، ل): الغرب. (¬7) في (ص، س): القدم. تحريف. (¬8) زاد هنا في (د): العدم. (¬9) سقط من (ص). (¬10) "المحكم" 6/ 162. (¬11) من (م).

الخَطاب وعَمر بن عَبد العَزيز، [وَرُدَّ بأنهم نطقوا] (¬1) بالعُمرين قبل أن يَعرفوا عُمر بن عَبْد العَزيز، فقالوا يَوم الجمَل لعَلي بن أبي طَالب: أعطنا سنة (¬2) العُمرين وبَاب التغليب مِنَ المجَاز؛ لأن اللفظ لم يُستعمل فيما وضَع لهُ. [429] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَنْبَرِيُّ، قال ثَنَا أَبُو عَلِيِّ الحَنَفِي) (¬3) واسْمهُ (عُبَيدُ الله) بالتَّصغير (بْنُ عَبْدِ المَجِيدِ) البْصري، قال أبو حَاتم وغَيره: ليْسَ به بَأس (¬4). (قال: ثَنَا عِمْرَانُ) بن دَاور بكسْر الوَاو بَعْدَهَا رَاء (الْقطَانُ) قالَ أحمد: أرجو أن يكون صَالح الحَديث (¬5). وروى عنه عَفان ووثقهُ. (قال: ثَنَا قَتَادَةُ وَأَبَانُ كِلَاهُمَا عَنْ خُلَيدٍ) (¬6) بضَم الخَاء المعجمة وفتح اللام مُصَغرًا، بن عبد الله (الْعَصَرِيِّ) بفتح العَين والصَّاد المهملتَين، رَوَى له مُسْلم من روَاية أبي (¬7) الأشهب جعفر بن حيان. (عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ) عُويمر بن عَامِر (قَالَ: قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: خَمْسٌ) مُبْتَدأ، وجَاز الابتدَاء به وإن كانَ نكرة؛ لأنه في الأصْل عَامِل في المضَاف إليه المحَذُوف، تقديرهُ خَمس صَلوات (¬8) كما جَاء في روَاية أُخرى وشَرط العَامِل في الجَر أن يُضَاف إلى نكرة كما ذكرنا أو إلى معرفة والمضَاف ¬

_ (¬1) في (ص): وروى قطعوا. (¬2) في (ص): شبه. تصحيف. (¬3) في (س): العنبري. (¬4) "الجرح والتعديل" 1541. (¬5) "العلل ومعرفة الرجال" 2/ 86. (¬6) في (ص، س): خليل. (¬7) في (م): ابن. (¬8) لا يصح أن يكون ذلك تقديره، وإنما الصواب: خمس خصال أو خمس أشياء، وفسرها بعد ذلك بالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وأداء الأمانة.

مما لا يتعَرف بالإضَافة نحو: مثلك لا يبخَل وغيرك لا يَجود، وأمَا غَير ذَلك فإنَّ المُضَاف فيه مَعْرفة لا نكرة. (مَنْ جَاءَ بِهِنَّ) على الشرائط الآتية (مَعَ إِيمَانٍ) بالله تعالى ومَلائكته وكُتُبِهِ وَرُسُله (دَخَلَ الجَنةَ) أي: قطعَ لهُ بدُخُول الجنة إذا مَاتَ عَليهن (مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ عَلَى وضُوئِهِنَّ) بِفَرائضه وسُننه وآدَابه (¬1) (وَرُكُوعِهِنَ) كاملًا (وَسُجُودِهِنَّ و) أول (مَوَاقِيتِهِن [وَصَامَ) شهر (رَمَضَانَ وَحَجَّ البَيتَ إِنِ اسْتَطَاعَ إِلَيهِ) الضمير للبيت أو للحج، قاله الزمخشري (¬2). (سَبِيلا وَأَعْطَى الزَّكَاةَ طَيِّبَة) منصوب عَلى الحَال مِن ضَمير فاعِل أعْطَى. (بِهَا نَفْسُهُ) أي: من غَير كرَاهَة لإخِراجهَا بَل مُسْتبشرَة بِمَالها عَلى ذَلكَ مِنَ الثواب عندَ الله تَعالى] (¬3). (وَأَدَّى الأَمَانَةَ) وَرَوى الطبرَاني في "الأوسط" عَن ابن عمر قال رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا إيمان لمن لا أمَانة لهُ" (¬4). وفيه أيضًا عَن أبي هريرة عَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن لم يُوتر فلا صَلاة ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): آدابهن. (¬2) "الكشاف من حقائق التنزيل" 1/ 418. (¬3) سقط من (م). وجاء بعد قوله: "من الجنابة". (¬4) "المعجم الأوسط" (2292). وهو طرف من حديث تمامه: "ولا صلاة لمن لا طهور له، ولا دين لمن لا صلاة له". وهو بهذا التمام ضعيف من حديث ابن عمر، ففي سنده ضعيف. وأما لفظ حديث: "لا إيمان لمن لا أمانة له". فهو صحيح من حديث أنس أخرجه أحمد 3/ 135 وصححه ابن حبان (194).

لهُ" فبَلغَ ذلك عَائشَة فقَالت: مَن سَمِعَ هذا من أبي القَاسِم والله مَا بَعُدَ العَهْد ومَا نَسيت إنما قالَ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - "مَن جَاء بالصَّلوَات الخَمس يَوم القيامة قَد حَافظ عَلى وضُوءهَا [ورُكوعهَا وسُجودهَا ومَوَاقيتها] (¬1) لم ينقص مِنهَا شَيئًا جَاء ولهُ عِندَ الله [عَهْد أن] (¬2) لا يُعَذبهُ ومَنْ جَاء قَد أنتقَص منهَا شَيئًا فليس لهُ عندَ الله [عَهْد إن] (¬3) شاء رَحَمهُ وإنْ شاء عَذبَهُ" (¬4). (قَالُوا: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ، مَا أداء (¬5) الأَمَانَةِ؟ قَالَ: الغُسْلُ مِنَ الجَنَابَةِ) فيه تقديرٌ (¬6) أي: مِن أداء الأمَانات (¬7) الغُسْل مِنَ الجَنَابة. [430] (ثَنَا حَيوَةُ بْنُ شُرَيْح المصْري، قالَ: ثَنَا بَقيَّةُ) بن الوَليد الكلاعي وثقه الجمهُور فيما روى عَن الثقات وَرَوى له مُسْلم. (عَنْ ضُبَارَةَ) بضَم الضَّاد المُعجمَة وتخفيف البَاء الموَحَّدَة (بْنِ عَبْدِ الله) بن مَالك (بْنِ أبي (¬8) سَلِيكٍ) مُصَغر الحَضْرمي (الألهَانِيِّ) بفتح الهَمزة ذكرهُ ابن حبان في كتاب "الثقات" (¬9) [روى له البخاري في ¬

_ (¬1) في (د، س، م، ل): مواقيتها وركوعها وسجودها. (¬2) في (م): عهدا أن. (¬3) في (م): عهدا أن. (¬4) "المعجم الأوسط" (4012)، قال الألباني في "ضعيف الجامع" (5845): موضوع. (¬5) من (د، م). (¬6) زاد هنا في (ص): من. ولا موضع لها. (¬7) في (م): الأمانة. (¬8) سقط من (ص، س، ل). (¬9) "الثقات" 8/ 325.

"الأدب"] (¬1). (قالَ: أَخْبَرَنِي) دُوَيد بِضَم الدال الأولى مُصَغر (ابْنُ نَافِعٍ، عَنِ) محَمد (ابْنِ شِهَاب (¬2) الزُّهْرِيّ قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيبِ: إِن أَبَا قَتَادَةَ) الحارث (¬3) (بْنَ رِبْعِيِّ أَخْبَرَهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: قَالَ اللُّه تَعَالَى إِنِّي (¬4) فَرَضْتُ عَلَى أُمَّتِكَ) إضَافَة (¬5) الأمة إليه تشريفًا لهم وتنبيهًا عَلى أنها إنمَا نقصتْ عَن خَمسْين صَلاة إلى (خَمْسَ صلَوَات) إلا لأجلِهِ (وَعَهِدْتُ) لَهُم (عِنْدِي عَهْدًا) وثيقًا ولن يخلف اللهُ عَهْدَهُ (¬6). (أَنهُ مَنْ جَاءَ) يَوَم القيامة (يُحَافِظُ عَلَيهِنَّ لِوَقْتِهِنَّ) وَوضوءهن وركوعهنَّ وَسُجودهن (أَدْخَلْتُهُ الجَنَّةَ) بِفَضلي وكرَمي. (وَمَنْ) جَاء يَوْمَ القيَامَة (لَمْ يُحَافِظْ عَلَيهِنَّ) ولا عَلَى وضُوءهنَّ ولَا ركوعهن ولا سُجُودهن ولا ميقاتهن (فَلَا عَهْدَ لَهُ عِنْدِي) بل هُوَ إلى المشيئة إن كانَ مُؤمنًا إن شاء عَذبَهُ وإن شاء غفر لهُ. * * * ¬

_ (¬1) من (د، س، م، ل) وضرب عليها في (ص)، وخرجه البخاري في "الأدب المفرد" 1/ 142. (¬2) زاد في (د): عن. (¬3) زاد في (ص): روى له البخاري في "الأدب". ولم يخرج له البخاري في "الأدب" شيئًا. (¬4) زاد في (ص): قد. (¬5) في (د، م): أضاف. (¬6) في (د، م): وعده.

10 - باب إذا أخر الإمام الصلاة، عن الوقت

10 - باب إذا أخَّرَ الإِمامُ الصَّلاة، عَن الوَقْتِ 431 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْن زَيْدٍ، عَنْ أَبِي عِمْرانَ -يَعْنِي: الجَوْنِيَّ- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قالَ: قالَ لِي رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يا أَبا ذَرٍّ كيْفَ أَنْتَ إِذا كانَتْ عَلَيكَ أُمَراءُ يُمِيتُونَ الصَّلاةَ". أَوْ قالَ: "يُؤَخِّرُونَ الصَّلاةَ". قلتُ: يا رَسُولَ اللهِ فَما تَأْمُرُنِي؟ قالَ: "صَلِّ الصَّلاةَ لِوَقْتِها فَإِنْ أَدْرَكتَها مَعَهُمْ فَصَلِّها فَإِنَّها لَكَ نافِلَةٌ" (¬1). 432 - حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْراهِيمَ دُحَيْمٌ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ، حَدَّثَنا الأوزاعِيُّ حَدَّثَنِي حَسّان -يَعْنِي: ابن عَطِيَّةَ- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سابِطٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الأودِيِّ قالَ: قَدِمَ عَلَيْنا مُعاذ بْنُ جَبَل اليَمَنَ رَسُول رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْنا -قالَ- فَسَمِعْتُ تَكْبِيرَهُ مَعَ الفَجْرِ رَجُل أَجَشُّ الصَّوْتِ -قالَ: - فَألقِيَتْ عَلَيْهِ مَحَبَّتِي فَما فارَقْتهُ حَتَّى دَفَنْتُهُ بِالشّامِ مَيْتًا ثمَّ نَظَرتُ إِلَى أَفْقَهِ النّاسِ بَعْدَهُ فَأَتَيْتُ ابن مَسْعُودٍ فَلَزِمْتُهُ حَتَّى ماتَ فَقالَ: قالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كيفَ بِكُمْ إِذا أَتَتْ عَلَيكُمْ أُمَراءُ يُصَلُّونَ الصَّلاةَ لِغَيرِ مِيقاتِها". قلْتُ: فَما تَأمُرُنِي؟ إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: "صَلِّ الصَّلاةَ لِمِيقاتِها واجْعَلْ صَلَاتكَ مَعَهُمْ سُبْحَةً" (¬2). 433 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ قُدامَةَ بْنِ أَعْيَنَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ هِلالِ بْنِ يِسافٍ، عَنْ أَبِي المثَنَّى، عَنِ ابن أختِ عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ عَنْ عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ ح، وحَدَّثَنا محَمَّد بْن سُلَيْمانَ الأنبارِيُّ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيانَ -الْمَعْنَى- عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلالِ بْنِ يِسافٍ عَنْ أَبِي المُثَنَّى الِحمْصِيِّ عَنْ أَبِي أُبَيٍّ ابن امْرَأَةِ عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ، عَنْ عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ قالَ: قالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّها سَتَكُونُ عَلَيكُمْ بَعْدِي أُمَراءُ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (648). (¬2) رواه ابن ماجه (1255)، وأحمد 5/ 231، ابن حبان (1481). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (459).

تَشْغَلُهُمْ أَشْياءُ، عَنِ الصَّلاةِ لِوَقْتِها حَتَى يَذْهَبَ وَقْتُها، فَصَلُّوا الصَّلاةَ لِوَقْتِها". فَقالَ رَجُلٌ: يا رَسُولَ اللهِ أُصَلِّي مَعَهُمْ؟ قالَ: "نَعَمْ إِنْ شِئْتَ". وقالَ سُفْيان: إِنْ أَدْرَكْتُها مَعَهُمْ أَأُصَلِّي مَعَهُم؟ قالَ: "نَعَمْ إِنْ شِئْتَ" (¬1). 434 - حَدَّثَنا أَبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسِيُّ، حَدَّثَنا أَبُو هاشِمٍ -يَعْنِي: الزَّعْفَرانِيَّ- حَدَّثَنِي صالِحُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ وَقّاصٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَكُونُ عَلَيكُمْ أُمَراءُ مِنْ بَعْدِي يُؤَخِّرُونَ الصَّلاةَ فَهِيَ لَكُمْ وَهِيَ عَلَيهِمْ، فَصَلُّوا مَعَهُمْ ما صَلَّوا القِبْلَةَ" (¬2). * * * باب إِذَا أَخَّرَ الإِمَامُ الصَّلَاةَ عَنِ الوَقتِ [431] (ثَنَا مُسَدَّدٌ قال ثَنَا حَمَادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ) عَبد الملك بن حَبيب (¬3) (الْجَوْنِي) بفَتح الجِيم (عَنْ عَبْدِ الله بْنِ الصامت (¬4)، عَنْ أَبِي ذَرٍّ) جندب بن جنادة (قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: يَا أَبَا ذَرٍّ، كَيفَ أَنْتَ إِذَا كَانَتْ عَلَيْكَ أُمَرَاءُ يُمِيتُونَ الصَّلاةَ؟ ) إمَاتتها إخراجهَا عَن وقتها حَتى تكون كالميت الذي لَا روح فيه (¬5). ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (1257)، وأحمد 5/ 315. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (460). (¬2) رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 7/ 55 - 56، والبخاري في "التاريخ الكبير" 7/ 137، وابن قانع في "معجم الصحابة" 2/ 343، والطبراني 18 (959)، وابن عبد البر في "التمهيد" 8/ 65 - 66. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (461). (¬3) زاد في (د): يعني. (¬4) في (ص): سامت. والمثبت من (د، س، م، ل). (¬5) في (د، م): له.

(أَوْ قَالَ: يُؤَخِّرُونَ الصَّلاةَ) وهذا شك من أحَد الروَاة، والمراد بتأخيرهَا (¬1) عَنْ وَقتها أي: عن وقتها المختار [لا عَنْ جميع وَقتها، فإن المنقول عَن الأمرَاء المتقدمين والمتَأخرين إنما هُو تَأخيرهَا عَنْ وَقتها المختار] (¬2) ولم يُؤَخرهَا أحَد منهمُ عَن جَميع وقتها فوَجَبَ حَمل هذِه الأخبَار عَلى مَا هُوَ الوَاقع، وفي هذا (¬3) الحَدِيث الحث (¬4) عَلى الصَّلاة أول الوقت، وفيه علم من أعلام النبوة إذ قَد أخبرنَا عن غَيبٍ وقَع عَلى نحو مَا أخبر، وقد طَرأ بَعْدَهُ مِنْ تَأخير بني أمَية مَا قَد ظَهَرَ واشتهر، وقوله: "كيفَ أنت إذا كانَت عَليك أمراء". إشعَار بقرب زَمَان ذلك. (قُلْتُ يَا رَسُولَ الله فَمَا تَأمُرُنِي؟ ) إذا أدرَكت ذلك [(قَالَ: صَل الصَّلاةَ لِوَقْتِهَا) اللام بِمَعْنى (في) أي: في وَقتها كَقَوله تَعَالى {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} (¬5) {لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} (¬6) وَقَولهم: مَضَى لسَبيله. (فَإِنْ أَدْرَكتَهَا مَعَهُمْ فَصَلِّهَ) روَاية مُسْلم: "فَصَل مَعَهم فإنهَا زِيَادَة خَيْر" (¬7). وهذِه الهَاء الداخلة عَلى فصَله هي هاء السَّكت، وهذِه الهَاء يُؤتي بهِ جبرًا لحَرف العِلة المحَذُوف مِنَ الفعْل المعتَل مِنْ فعْل الأمر ¬

_ (¬1) في (ص): قد أخرها. وفي (ل): فتأخيره. (¬2) سقط من (م). (¬3) من (د، م). (¬4) في (ص، س، ل): أيجب. (¬5) الأنبياء: 47. (¬6) الأعراف: 187. (¬7) "صحيح مسلم" (648) (243).

أو المضَارع المجزُوم، ويجوز حذْفها. وفيه دَليل عَلى أن الإمَام إذَا أخَّر الصَّلاة عن أول وقتها يُسْتحبُّ للمأموم أن يصليها أول الوَقت مُنْفَردًا، ثم يُصَليهَا مَعَ الإمَام فيَجمَع فَضيلتي أول الوقت والجَماعَة، فَلَوْ أرَاد الاقتصَار عَلى أحَدهما فهَل الاقتصَار عَلى فعلهَا مُنفَردًا أفضل أو الاقتصَار عَلى فعلهَا جَمَاعَة في آخِر الوَقت فيه خلاف مَشهور لأصحَابنَا. قالَ النوَوي: والمختار اسْتحباب الانتظار إن لم يفحش (¬1) التَّأخِير (¬2). (فَإِنَّهَا) أي: إذا صَليت الصلاة في أول وَقتها ثم جئت المسْجِد فصَلوهَا لوَقتها المختار فصَلهَا أيضًا مَعَهم وَيكون صَلاتك مَعَهم. (لَكَ نَافِلَةٌ) وإن لم يُصَلوهَا فتكون قد احتطت وحصَلت الفَضيلة. [432] (ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدّمشقي) المَعْرُوف بدحيم (¬3) روى لهُ البُخَارِي في الأدَب. (قال: ثَنَا الوَلِيدُ) (¬4) بن مُسْلم (قَال: ثَنَا الأوزَاعِيُّ قالَ: حَدَّثَنِي حَسَّانُ بْنَ عَطِيَّةَ) المحَاربي (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ) الجمحي رَوَى له مُسْلم. (عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيمُونٍ الأودِيِّ) أود هوَ ابن سَعْد العشيرة (¬5) من مذحج. (قَالَ: قَدِمَ عَلَينَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ - رضي الله عنه - اليَمَنَ رَسُول) مَنصوب عَلى الحَال؛ ¬

_ (¬1) في (د): يخش. (¬2) "شرح النووي على مسلم" 5/ 148. (¬3) في (ص)، س): برحيم. (¬4) كتب فوقها في (د): ع. (¬5) في (س): أحد العشرة. وهو خطأ.

لأنه مؤول (¬1) بمشتق أي: قدمَ مرَسُولا [كقولهم: اقبض مَالك فِضَّةً] (¬2) (رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إِلَينَا) قَاضيًا ومُعَلمًا وَجَعَل إليه قبض الصَّدَقات مِنَ العُمال الذين باليمن. (فَسَمِعْتُ تَكْبِيرَهُ [مَعَ الفَجْر] (¬3) رَجُلٌ) بالرفع خَبر مُبتَدأ مَحْذُوف أي: هُوَ رَجُل (أَجَشُّ) بفتح الهمزة والجيْم وتشديد الشين المعجمة أي: غليظ (الصَّوْتِ) بغنة (¬4). قَالهُ ابن الأثير (¬5)، ومنهُ: سحَاب أجَشّ الرعد. (قَالَ: فَأُلْقِيَتْ) بضم (¬6) الهمزة مَبنى لما لم يسَم فاعله. (عَلَيهِ مَحَبَّتِي) يُشبهُ أن يَكون هذا مِنَ القَلب والتقدير ألقيت محبته عليَّ، ومنَ القلب قوله تعالىَ: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ} (¬7) ومعناه أن العصبة تَنوءُ بالمفَاتيح لثقلهَا، ومنهُ {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} (¬8) أي جَاءت سَكرة الحق بالموت ومثلهُ {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} (¬9). قَالَ الفَراء: أي: لكُل أمر كتَبَهُ الله أجَل (¬10) {وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ} (¬11) ¬

_ (¬1) في (ص): يؤول. (¬2) في (ص): بقولهم قبض مالك. (¬3) في (د): بالفجر. (¬4) في (س): نقية. (¬5) "النهاية في غريب الحديث" (جشش). (¬6) في (ص): بهم. (¬7) القصص: 76. (¬8) ق: 19. (¬9) الرعد: 38. (¬10) "معاني القرآن" 3/ 11. (¬11) يونس: 107.

هُوَ منَ المقلوب أي: يُريدُ بكَ الخَير. (فَمَا فَارَقْتُهُ) مِنْ عظم مَحبَّتي لهُ (حَتَّى دَفَنْتُهُ بِالشَّامِ) وكانَ عُمَر استَعملهُ عليها بعَد أبي عَبيدة بن الجَراح فمات مِن عَامِهِ ذَلِك في طَاعون عمواس (¬1) سنة [ثمان عَشرة] (¬2) (مَيتًا) أي عندَ مَوته (ثمَّ نَظَرْتُ إِلَى أَفْقَهِ النَّاسِ بَعْدَهُ) فَإذَا هوَ عَبد الله ابن مَسُعُود. (فَأتَيتُ) عَبْد الله (ابْنَ مَسْعُودٍ) - رضي الله عنه - الهذلي (¬3) (فَلَزِمْتُهُ) أخدمه [وآخذ عنه] (¬4) (حَتَّى مَاتَ) بالمدينَة سَنة اثنتين وثلاثين، ودُفن بالبقيع (فَقَالَ) ابن مسْعُود (قَالَ لِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: كيفَ بِكُمْ إِذَا أَتَتْ عَلَيكُمْ أُمَرَاءُ يُصَلُّونَ الصَّلَاة لِغَيرِ) أي: في غَير (مِيقَاتِهَا) أي: في غَير وقتها المختار كما تقدَّمَ. (قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي) أنْ أصْنَعَ (إِنْ أَدْرَكنِي ذَلِكَ) الوَقت (يَا رَسُولَ الله قَالَ: صَلِّ الصَّلَاة لِمِيقَاتِهَا) أي: في أوَّل وَقتها روَاية مُسْلم: "صَل الصَّلَاة لوَقتها، ثم اذهَبْ لحَاجَتكَ، وإن أقيمَت وأنت في المَسْجد فصَل مَعَهم" (¬5). (وَاجْعَلْ صَلَاتكَ مَعَهُمْ سُبْحَةً) أي: نافلة وسُمِّيَت الصَّلاة سُبحة لما فيهَا مِن تعظيم الله تعَالى وتَسبيحه وتنزيهه، قالَ اللهُ تعالى: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ ¬

_ (¬1) في (ص): عمراس. (¬2) في النسخ: ثمانية عشر. والمثبت الصواب. (¬3) في (د): الهدى. (¬4) في (ص): أقعد عنده. وفي (س، ل): آخذ عنده. (¬5) "صحيح مسلم" (648) (241) من حديث أبي ذر - رضي الله عنه -.

مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} (¬1) أي: من (¬2) المصلين. وفيه فضيلة الصَّلاة مَرتين، ويَحمل النهي عَلى إعادَة الصَّلَاة مِنْ غَير سَبَب. [433] (ثَنَا مُحَمَدُ بْنُ قُدَامَةَ بْنِ أَعْيَنَ) (¬3) المصيصي مَولى بَني هَاشم، قَالَ الدارقطني: ثقَة (¬4). والنسَائي: لَا بأسَ به (¬5) (قال ثَنَا جَرِيرٌ) بن حَازم (¬6) (عَنْ مَنْصُورٍ عن (¬7) هِلَالِ بْنِ يَسَاف) لا ينصَرف للعَلمية ووَزن الفعل: كينام، الأشجَعي رَوَى له مُسْلم. (عَنْ أَبِي المُثَنَّى) اسْمه ضَمضَم بالمعجمتَين الأملوكي. وقالَ فيه عَبد الله بن المبَارك: المليكي. قال ابن أبي حَاتم: وهوَ وَهم (¬8). ذكرهُ ابن حبان في "الثقات" (¬9) وفي بَعض النسَخ ابن المثنى. وهوَ وهم، والصحيحُ أبُو المثنى كما ذكرهُ ابن مَاجَه ومسلم في "الكُنى" (¬10) والذهَبي (¬11) وغَيرهم. ¬

_ (¬1) الصافات: 143. (¬2) من (د). (¬3) في (ص، س): أعبد. وبياض في (ل). (¬4) "العلل" 10/ 137. (¬5) انظر: "المعجم المشتمل" (943). (¬6) جرير هذا المذكور في هذا الحديث ليس هو ابن حازم، وإنما هو ابن عبد الحميد بن قرط، وقد وهم المصنف رحمه الله. (¬7) في (ص): بن. (¬8) "الجرح والتعديل" 4/ 468. (¬9) "الثقات" 4/ 389. (¬10) "الكنى" 2/ 781 (3179). (¬11) في (م): المديني. وذكره الذهبي في "المقتنى في سرد الكنى" (5596).

(عَنِ ابن أُخْتِ عُبَادَةَ) صَوَابهُ ابن امْرأته كما سَيَأتي. (بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، ح (¬1) وَثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيمَانَ) [وهوَ محمد بن أبي (¬2) دَاود] (¬3) الأَنْبَارِيُّ وثقهُ الخَطيب (¬4). (قال: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ) ابن زاذان (¬5) (عَنْ هِلَالِ بْنِ يِسَاف) الأشجعي (عَنْ أَبِي المُثَنَّى) ضمضم (الْحِمْصِيِّ، عَنْ أَبِي) بِفتح الهَمزة (أُبَي) بضَم الهَمزَة مُصَغر اسْمه عَبد الله، قيل: عَبْد الله بن أُبَي، وقيل: عَبد الله بن كعب (¬6) (ابْنِ امْرَأَةِ عُبَادَةَ) أُم حرام بنت ملحَان أخت أُم سليم، وكانَ ربيب عبَادة، وكانَ قَديم الإسْلام ممن صَلى القبلتَين يُعَدُّ في الشاميِّين (بْنِ الصَّامِتِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّهَا سَتَكُونُ عَلَيكُمْ بَعْدِي أُمَرَاءُ) لا ينصرف؛ لأن فيه ألف التأنيث الممدودة. (تشْغَلهم) بفتح التاء والغَين (أَشْيَاءُ) بالرفع فَاعل غَير مُنصَرف، واختلف في علته اختلافًا كثيرًا، والأقرب مَا حُكي عَن الخليل (¬7) أن وزنه شيئاء وِزَان حمراء فاستثقل وجُود هَمزتين في تَقدير الاجتماع ¬

_ (¬1) من (د، س، م). (¬2) من "تاريخ بغداد" (2796)، و"التهذيب" (5264). (¬3) سقط من (م). (¬4) "تاريخ بغداد" (2796). (¬5) منصور هنا هو ابن المعتمر، وليس ابن زاذان وقد وهم المصنف هنا رحمه الله. (¬6) وقيل أيضًا: عبد الله بن عمرو. (¬7) كتاب "العين" (شيء).

فنقلت الأولى إلى (¬1) أول الكلمة [فبقيت لفعاء] (¬2) كما قلبُوا أدؤر فقَالوا آدر وشبهه (¬3) (عَنِ الصَّلَاةِ لِوَقْتِهَا) روَاية ابن مَاجه: "يُؤخرُونَ الصَّلاة عن وقتها" (¬4). يَعني: المختار كما تقدَّمَ. (حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُهَا) المختار (فَصَلُّوا الصَّلاةَ لِوَقْتِهَا) أي: في أول وقتها (فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسولَ الله، أُصَلِّي مَعَهُمْ؟ ) أي: مَعَ الأمَرَاء ثانيًا. (قَالَ: نَعَمْ إِنْ شِئْتَ) فيه دَليل على أن الصَّلاة الثانية فَضيلة ليسَت بِوَاجبَة بَل إن شاء صَلاهَا وإلا ترك وهذا الحَديث صريح في ذَلك. (وَقَالَ سُفْيَانُ) في روَايته (إِنْ أَدْرَكْتُهَا مَعَهُمْ) أي: ولو قبل السَّلام (أُصَلِّي مَعَهُمْ قَالَ: نَعَمْ). [قال مالك: فَإن] (¬5) دَخل الذي صَلى وَحْدَهُ المَسْجد فوَجد القوم جُلوسًا في آخِر صَلاتهم فلا يدخل مَعَهمُ، وإنما يدخل مَعَهم من علم أنهُ يدرك من صَلاتهم ركعة (¬6) بسجْدتيها (¬7)] (¬8) فيه حجة للشافعي أنهُ يعيد الصَّلاة ولا يستثنى مِنها، فإن الصَّلوات (¬9) كلهَا في ذَلك سَواء؛ ¬

_ (¬1) من (د). (¬2) في (ص): فنعت لدواء. (¬3) "المصباح المنير" (شاء). (¬4) "سنن ابن ماجه" (1257). (¬5) في (ص، س، م، ل): أحمد فإذا. والمثبت من "الاستذكار". (¬6) انظر: "الاستذكار" 5/ 360. (¬7) في النسخ الخطية: يسجد فيها. والمثبت من "الاستذكار". (¬8) سقط من (م). (¬9) في (س): الصواب.

لأن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: نعم، صَلِّ مَعهم ولم يخص صَلاة مِن صَلاة ولم يذكر عَصْرًا ولا مَغربًا ولا صبحًا قَال: والأولى فَريضة، والثانية تَطوع سَنّهَا رَسُول الله كما سَنَّ الوتر والعيدَين وغَيرهما وهوَ قول دَاود بن عَلي في إعَادَة الصَّلوَات كلهَا في جَماعَة؛ لأنه يَرَى الصَّلاة في الجماعَة فَرضًا. واختلفَ عَن الثوري (¬1) فروى عنهُ أنهُ يُعيد الصَّلوَات كلهَا مَعَ الإمام كقَول الشافعي، وَرُوي عنهُ مثل قول مَالك، وقال أبُو ثور: يُعيدُهَا إلا الفَجر والعَصر إلَّا أن يَكون في مَسْجد فتقام الصَّلاة فلا يخرج حَتى يُصَليهَا (¬2). وَذكر مَالك في "الموطأ" عنْ نَافِع أن عَبد الله بن عمَر كانَ يَقول: مَن صلى المغرب أو (¬3) الصبح ثم أدْرَكها مَعَ الإمام فلا يعد لهما (¬4) (¬5)، وهوَ قول الأوزاعي والحَسَن البصري وسُفيَان الثوري، وَقال مَالك وأصحَابه: يُعيدُ الصَّلوَات كلهَا مَنْ صَلاهَا وحدهُ إلا المغرب وحدهَا وَهوَ قَول أبي مُوسَى الأشعَري والنعمان بن مقرن وأبي مجلز، وحجة مَالك في عدم إعَادَة المغرب، لأنها تَصير شفعًا (¬6) كذلك (¬7) قال في "موَطئه" (¬8). ¬

_ (¬1) في "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 297 (255): يعيد إلا المغرب والفجر. (¬2) انظر: "الاستذكار" 5/ 361. (¬3) في (م): و. (¬4) في (ص، س، ل): لها. (¬5) "الموطأ" 1/ 128. (¬6) انظر: "الاستذكار" 5/ 359. (¬7) في (ص، ل): بذلك. (¬8) "الموطأ" 1/ 128.

وفي روَاية قال مَالك: ومَن صَلى في جَماعة ولو مَعَ وَاحِد فإنه (¬1) لا يعيد تلك الصَّلَاة إلا أن يُعيدهَا في مَسْجِد النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أو المَسْجِد الحَرام أو مَسْجِد بَيت المقدس (¬2). وقال أبو حنيفة وأصْحَابه: لا يُعيْد المصَلي وحده مَعَ الإمَام العَصر ولا الفجر ولا المغرب، ويعيد الظهر والعشَاء (¬3). قالَ محَمد بن الحَسَن: لأنَّ النَّافلة بعَد الصُّبْح والعَصْر لا تجوز، ولا يعَاد المغرب؛ لأن النافلة لا تكونُ وترًا في غَير الوتر (¬4). (إِنْ شِئْتَ) هذا يَدُل على أن الأولى وَقعت فريضة. [434] (ثَنَا أَبُو الوَلِيدِ) هشام بن عَبد الملك (الطَّيَالِسِيُّ، قال: ثنا (¬5) أَبُو هَاشِمٍ) عمار بن عمارة صَاحب (الزَّعْفَرَانِي) ثقة (¬6) تفرد بِهِ أبُو دَاود (قالَ: حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ عُبَيدٍ) ذكره ابن حبان في كتاب "الثقات": فرق بين الذي يَرويه عَن قبيصة بن وقاص ويروى عنه أبو (¬7) هَاشِم الزعفراني وبَيْنَ الذي يروي عَن نابل صَاحب العباء، ويروي عنه عمرو بن الحارث وَجعَلهما غَيره وَاحِد، روى له أبُو دَاود هذا الحَدِيث الوَاحِد (¬8). ¬

_ (¬1) من (د، م، ل). (¬2) "الاستذكار" 5/ 360. (¬3) انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 297 (255). (¬4) "الحجة على أهل المدينة" 1/ 211 - 212. (¬5) من (د، م، ل). (¬6) "الكاشف" للذهبي 2/ 310. (¬7) في (ص، س، ل): عن أبي. (¬8) "الثقات" لابن حبان 6/ 457. "تهذيب الكمال" 13/ 69.

(عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ وَقَّاصٍ) السُّلمي سَكن البصْرَة روى عنه هذا الحَديث الوَاحِد لم يحَدث به غَير أبي الوَليد الطيَالسي عَن أبي هَاشم صَاحب الزَّعفراني (قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: يَكُونُ عَلَيكُمْ أُمَرَاءُ مِنْ بَعْدِي يُؤَخِّرُونَ الصَّلاة) أي: عَن وَقتها المختار. (فَهِيَ لَكُمْ) أجرهَا إذا صَليتموهَا مَعَهمُ (وَهِيَ عَلَيهِمْ) وزرهَا في تأخيرهَا عَن وَقتها (فَصَلُّوا مَعَهُمْ) فيه جَوَاز الصَّلاة خَلف أئمة الجَور، وفيه الحَث عَلى مُوَافقَة الأمَرَاء في غَير مَعْصِيَة لئلا تفترق الكلمة وتقع الفتنة، ولهذا قَالَ في الروَاية الأخرى: "إن خَليلي أوصَانِي أن أسمع وأطيع، وإن كان عَبدًا مجدَّع الأطراف" (¬1). وقال ابن عَبد البر في "الاستذكار": اختلف العُلماء في مَعنى الصَّلَاة مَعَهمُ فقالَ جمهُور الفُقهاء: إنما يُعيدُ الصَّلَاة مع (¬2) الإمَام مَن صَلى وَحْدهُ في بَيته وأهله أو في غَير بيته، وأمَّا مَن صَلى في جَمَاعَة، وإن قَلت فإنهُ لا يعيد في جَماعَة أكثر منها. ولَا أقل، وكل مَن صَلى عندهم مَعَ آخر فَقَد صَلَّى في جَمَاعَة، ولا يُعيدُ في أخرى قلت أو كثرت ولو أعَادَ في جَمَاعة أُخرى لأعَادَ في ثالثة ورَابعَة إلى مَا لا نهاية لهُ، وهذا لا يخفى فسَاده قال (¬3): وممن قالَ بهذا القول مَالك (¬4) وأبو حَنيفة (¬5) والشافعي (¬6) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1837) (36) وغيره. (¬2) في (ص، س، ل): خلف. (¬3) من (د، م). (¬4) "المدونة" 1/ 180 - 181. (¬5) انظر: "المبسوط" 1/ 280، "البحر الرائق" 2/ 66 - 67، "شرح فتح القدير" 1/ 459. (¬6) "الأم" 1/ 277 - 278.

وأصحابهم ومن حجتهم (¬1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أنصَلي في يَوم مَرتَين ومنهم مَن يَقول لَا تصَلوا صَلاة في يَوم مَرتَين" (¬2). رَوَاهُ سُليمان بن يسَار قال وقد ذكرنا إسنَاده في "التمهيد" وَحَملوا على أنَّ مَن صَلى في جَمَاعَة لَا يُعيدُهَا في جَمَاعَة، واستَعملوا الحَديثَين جَميعًا كلا على وَجهْه وَقَال أحمد وإسْحَاق بن رَاهويه (¬3) وداود بن عَلي: جَائز لمن صَلى في جَماعَة وَوَجَدَ جَماعة أُخرى في تلك الصَّلاة أن يُعيدهَا مَعَهم إن شا؛ لأنها نافلة لهُ (¬4). وإن كانَ يَنوي بِهَا الفَريضة (مَا) زمَانية. (صَلَّوا) أي: مُدة صَلاتهم إلى (الْقِبْلَةَ) فيه دلَالَة على أن أمَراء الجَور يُصَلى خَلفهمُ مَا دَامُوا يُصَلونَ إلى القبلَة فَإنْ تَركوا الصَّلاة إليهَا لا يُصَلى خَلفهم ومثله الحَديث: "سَيَكون أمَرَاء تعرفونَ وتنكرُونَ فمَن أنكر فقد بَرئ، ومَن كرهَ فقد سَلمَ، ولكن مَن رَضي وتابعَ" قالوا: يا رَسُول الله ألا نقَاتلهم؟ قَالَ: "لَا مَا صَلوا الخَمس" (¬5). قالَ ابن عَبد البَر: فدَل على أنهم لا يقاتلون ولا يقتلونَ إذا صَلوا الخَمس، ودَلَّ ذَلك على أن مَن لم يُصَل الخَمس قوتل وقتل. ¬

_ (¬1) في (م): تحتهم. (¬2) أخرجه أحمد 2/ 19، وأبو داود (579). (¬3) "مسائل أحمد وإسحاق" للكوسج (258، 260). (¬4) "الاستذكار" 5/ 355 - 357. (¬5) أخرجه مسلم في "صحيحه" (1854) (62)، وأبو داود (1760) دون قوله: الخمس، وسيأتي تخريجه عند الحديث عليه.

وقوله - صلى الله عليه وسلم - في مَالك بن دخشم (¬1): "أليس يُصلي" قَالوا: بلى. فَقَالَ: "أولئك الذين نهَاني الله عنهمُ أو عن قتلهم" (¬2). فدلَّ على أنهُ لو لم يُصَل لم يكن من الذين نَهَاهُ اللهُ عن قتلهم، بَل كان يَكون مِنَ الذينَ أمَرهُ اللهُ بِقَتلهم، وفي الحَديث: "إنِّي نُهيتُ عن قَتل المصَلين" (¬3). [فدل ذلك] (¬4) على أنهُ قَد أمَرَ بقتل من لم يُصَل كما نهى عَن قَتل مَن صَلى، وأنه لا يمنَع مِنَ القتل إلا فعل الصَّلاة. قَالوا: فهذا كلهُ يَدل على القتل ولا يَدل على الكفر، وتأولوا فيما ورد ظاهره بتكفير تارك الصَّلاة مَا تأولوا في زِنى المُسْلم وسرقته وشرُبه الخَمر (¬5). * * * ¬

_ (¬1) في (ص): أخشم. (¬2) أخرجه أحمد في "مسنده " 5/ 432، وابن حبان في "صحيحه" (5971) من حديث عبد الله بن عدي الأنصاري. وقال أحمد: أن رجلًا من الأنصار. (¬3) طرف حديث أخرجه أبو داود (4928)، وأبو يعلى في "مسنده" (6126) قال الدارقطني في "العلل" (2252): لا يثبت الحديث. اهـ. لكن لفظة: "إني نهيت عن قتل المصلين" لها شواهد منها الحديث السابق. (¬4) في (ص): قيل دل. (¬5) "الاستذكار" 5/ 351 - 352.

11 - باب في من نام عن الصلاة أو نسيها

11 - باب في مَنْ نام عَنِ الصَّلاةِ أوْ نَسِيَها 435 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنِ ابن المُسَيَّبِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قَفَلَ مِنْ غَزْوَةِ خَيْبَرَ فَسارَ لَيْلَةً حَتَّى إِذا أَدْرَكَنا الكَرَى عَرَّسَ وقالَ لِبِلالٍ: "اكْلأْ لَنا اللَّيلَ". قالَ: فَغَلَبَتْ بِلالًا عَيْناهُ وَهُوَ مُستَنِدٌ إِلَى راحِلَتِهِ فَلَمْ يَسْتَيْقِظِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَلا بِلالٌ وَلا أَحَدٌ مِنْ أَصْحابِهِ حَتَّى إِذا ضَرَبَتْهُمُ الشَّمْسُ فَكانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَوَّلَهُمُ اسْتِيقاظًا فَفَزِعَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ: "يا بِلالُ". فَقالَ أَخَذَ بِنَفْسِي الذِي أَخَذَ بِنَفْسِكَ بِأَبي أَنْتَ وَأُمِّي يا رَسُولَ اللهِ فاقْتادُوا رَواحِلَهُمْ شَيْئًا ثُمَّ تَوَضَّأَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأَمَرَ بِلالًا فَأَقامَ لَهُمُ الصَّلاةَ وَصَلَّى بِهِمُ الصُّبْحَ فَلَمّا قَضَى الصَّلاةَ قالَ: "مَنْ نَسِيَ صَلاة فَلْيُصَلِّها إِذا ذَكَرَها فَإِنَّ اللَّه تَعالَى قالَ: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِلذِّكْرَى). قالَ يُونُسُ: وَكانَ ابن شِهابٍ يَقْرَؤها كَذَلِكَ. قالَ أَحْمَدُ: قالَ عَنْبَسَةُ -يَعْنِي: عَنْ- يُونُسَ- فِي هذا الحَدِيثِ (لِذِكْرِي). وقالَ أَحْمَدُ: الكَرَى النُّعاسُ (¬1). 436 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا أَبانُ، حَدَّثَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ عَن أَبِي هُرَيرَةَ فِي هذا الخَبَرِ قالَ: فَقالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "تَحَوَّلُوا عَن مَكانِكُمُ الذِي أَصابَتْكُمْ فِيهِ الغَفْلَةُ". قالَ: فَأَمَرَ بِلالًا فَأَذَّنَ وَأَقامَ وَصَلَّى. قالَ أَبُو داودَ: رَواهُ مالِكٌ وَسُفْيانُ بْن عُيَيْنَةَ والأوزاعيُّ وَعَبْدُ الرَّزّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، وابْنِ إِسْحاقَ لَمْ يَذْكر أَحَدٌ مِنْهُمُ الأذَانَ فِي حَدِيثِ الزّهْرِيِّ هذا وَلَمْ يُسْنِدْهُ مِنْهُم إِلَّا الأوزاعِيُّ وَأَبانُ العَطّارُ، عَنْ مَعْمَرٍ (¬2). 473 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ ثابِتٍ البنانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (680/ 309). (¬2) رواه أبو عوانة 1/ 562 (2097)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 10/ 154 (3988)، والبيهقي 2/ 218. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (464).

ابْنِ رَباحٍ الأنصارِيِّ، حَدَّثَنا أَبُو قَتادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ فِي سَفَرٍ لَهُ فَمالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمِلْتُ مَعَهُ فَقالَ: "انْظُرْ". فَقُلْتُ: هذا راكِبٌ هَذانِ راكِبانِ هؤلاء ثَلاثَةٌ حَتَّى صِرنا سَبْعَةً. فَقالَ: "احْفَظُوا عَلَينا صَلَاتنا". يَعْنِي: صَلاةَ الفَجْرِ فَضُرِبَ عَلَى آذانِهِمْ فَما أَيْقَظَهُمْ إِلا حَرُّ الشَّمْسِ فَقامُوا فَسارُوا هنَيَّةً ثمَّ نَزَلُوا فَتَوَضَّئُوا وَأَذَّنَ بِلالٌ، فَصَلَّوْا رَكْعَتَي الفَجْرِ ثمَّ صَلَّوا الفَجْرَ وَرَكِبُوا فَقالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ قَدْ فَرَّطْنا فِي صَلاتِنا. فَقالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّهُ لا تَفْرِيطَ فِي النَّوْمِ إِنَّما التَّفْرِيطُ فِي اليَقَظَةِ فَإِذا سَها أَحَدُكُمْ عَنْ صَلاةٍ فَلْيُصَلِّها حِينَ يَذْكُرُها وَمِنَ الغَدِ لِلْوَقْتِ" (¬1). 438 - حَدَّثَنا عَلِيُّ بْن نَصْرٍ، حَدَّثَنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنا الأسوَدُ بْنُ شَيْبانَ، حَدَّثَنا خالِدُ بْن سُمَيْرٍ قالَ: قَدِمَ عَلَيْنا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَباحٍ الأنصارِيُّ مِنَ المَدِينَةِ وَكانَتِ الأنصارُ تُفَقِّهُهُ -فَحَدَّثَنا قالَ حَدَّثَنِي أَبُو قَتادَةَ الأنصارِيُّ فارِسُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: بَعَثَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جيْشَ الأمَراءِ بهذِه القِصَّةِ. قالَ: فَلَمْ تُوقِظْنا إِلا الشَّمسُ طالِعَةً فَقُمْنا وَهِلِينَ لِصَلاتِنا فَقالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "رُوَيْدًا رُوَيْدًا". حَتَّى إِذا تَعالَتِ الشَّمْسُ قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كانَ مِنْكُمْ يَرْكَعُ رَكْعَتَي الفَجْرِ فَلْيَرْكعْهُما". فَقامَ مَنْ كانَ يَرْكَعُهُما وَمَنْ لَمْ يَكنْ يَرْكَعُهُما فَرَكَعَهُما ثمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُنادَى بِالصَّلاةِ فَنُودِيَ بِها فَقامَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى بِنا فَلَمّا انْصَرَفَ قالَ: "أَلا إِنّا نَحْمَدُ اللَّه أَنا لَمْ نَكُنْ فِي شَيءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيا يَشْغَلُنا عَنْ صَلاِتنا ولكن أَرْواحَنا كانَتْ بِيَدِ الله عز وجل فَأَرسَلَها أنَّى شاءَ، فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْكُم صَلاةَ الغَداةِ مِنْ غَدٍ صالحًا فَلْيَقْضِ مَعَها مِثْلَها" (¬2). 439 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنا خالِدٌ عَنْ حُصَيْنٍ، عَنِ ابن أَبِي قَتادَةَ، عَنْ أَبِي قَتادَةَ فِي هذا الخَبَرِ قالَ: فَقالَ: "إِن اللَّه قَبَضَ أَرْواحَكُمْ حَيثُ شاءَ وَرَدَّها حَيثُ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (681). (¬2) رواه البيهقي 2/ 216، 217. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (65).

شاءَ قُمْ فَأَذِّنْ بالصَّلاةِ". فَقامُوا فَتَطَهَّرُوا حَتَّى إِذا ارْتَفَعَتِ الشَّمسُ قامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى بِالنّاسِ (¬1). 440 - حَدَّثَنا هَنَّادُ، حَدَّثَنا عَبْثَرٌ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَعْناهُ قالَ: فَتَوَضَّأَ حِينَ ارْتَفَعَتِ الشَّمسُ فَصَلَّى بِهِمْ (¬2). 441 - حَدَّثَنا العَبّاسُ العَنْبَرِيّ، حَدَّثَنا سُلَيْمان بْن داودَ -وَهُوَ الطَّيالِسِيُّ- حَدَّثَنا سُلَيْمان -يَعْنِي: ابن المُغِيرَةِ- عَنْ ثابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَباح، عَنْ أَبِي قَتادَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيسَ فِي النَّوْم تَفْرِيطٌ إِنَّما التَّفْرِيطُ فِي اليَقَظَةِ أَنْ تُؤَخَّرَ صَلاةٌ حَتَى يَدْخُلَ وَقْتُ أُخْرَى" (¬3). 442 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْن كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا هَمّامٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "مَنْ نَسِيَ صَلاةً فَلْيُصَلِّها إِذا ذَكَرَها لا كفارَةَ لَها إِلَّا ذَلِكَ" (¬4). 443 - حَدَّثَنا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، عَنْ خالِدٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ في مَسِيرٍ لَهُ فَنامُوا عَنْ صَلاةِ الفَجْرِ فاسْتَيْقَظُوا بِحَرِّ الشَّمْسِ فارْتَفَعُوا قَلِيلًا حَتَّى اسْتَقَلَّتِ الشَّمسُ ثمَّ أَمَرَ مُؤَذِّنًا فَأَذَّنَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الفَجْرِ ثمَّ أَقامَ ثمَّ صَلَّى الفَجْرَ (¬5). 444 - حَدَّثَنا عَبّاسٌ العَنْبَرِيُّ ح، وحَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِح -وهذا لَفْظُ عَبّاسٍ- أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ يَزيدَ حَدَّثَهُمْ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شرَيْحٍ، عَنْ عَيّاشِ بْنِ عَبّاسٍ -يَعْنِي: القِتْبانِيَّ- أَنَّ كُلَيْبَ بْنَ صُبْحٍ حَدَّثَهُمْ أَنَّ الزِّبْرِقانَ حَدَّثَهُ، عَنْ عَمِّهِ عَمْرِو بْنِ أمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ قالَ: ¬

_ (¬1) رواه البخاري (595، 7471). (¬2) رواه النسائي 1/ 135. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (467). (¬3) رواه مسلم (681). (¬4) رواه البخاري (597)، ومسلم (684). (¬5) رواه البخاري (344)، ومسلم (682) مطولا.

كُنّا مَعَ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَعْضِ أَسْفارِهِ فَنامَ، عَنِ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمسُ فاسْتَيْقَظَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ: "تَنَحُّوا عَنْ هذا المَكانِ". قالَ: ثُمَّ أَمَرَ بِلالًا فَأَذَّنَ ثُمَّ تَوَضَّئُوا وَصَلَّوْا رَكْعَتَي الفَجْرِ ثُمَّ أَمَرَ بِلالًا فَأَقامَ الصَّلاةَ فَصَلَّى بِهِمْ صَلاةَ الصُّبْحِ" (¬1). 445 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ الحَسَنِ، حَدَّثَنا حَجّاجٌ -يَعْنِي: ابن محَمَّدٍ- حَدَّثَنا حَرِيرٌ، ح، وحَدَّثَنا عُبَيْدُ بْنُ أَبِي الوَزِيرِ، حَدَّثَنا مُبَشِّرُ -يَعْنِي الحَلَبِيَّ- حَدَّثَنا حَرِيزٌ -يَغنِي: ابن عُثْمانَ- حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْن صالِحٍ عَنْ ذِي مخبرٍ الحَبَشِيِّ وَكانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي هذا الخبرِ قالَ: فَتَوَضَّأَ - صلى الله عليه وسلم - وضُوءًا لَمْ يَلْثَ مِنْهُ التُّرابُ ثمَّ أَمَرَ بِلالًا فَأَذَّنَ ثُمَّ قامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ غَيْرَ عَجِلٍ ثُمَّ قالَ لِبِلالٍ: "أَقِمِ الصَّلاةَ". ثمَّ صَلَّى الفَرضَ وَهُوَ غَيرُ عَجِلٍ. قالَ: عَنْ حَجّاج عَنْ يَزِيدَ بْنِ صُلَيحٍ حَدَّثَنِي ذو مخِبرٍ رَجُلٌ مِنَ الحَبَشَةِ وقالَ عُبَيْدٌ: يَزِيدُ بْن صالِحٍ (¬2). 446 - حَدَّثَنا مُؤَمَّلُ بْنُ الفَضْلِ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ، عَنْ حَرِيزٍ -يَعْنِي ابن عُثْمانَ- عَنْ يَزِيدَ بْنِ صالِح عَنْ ذِي مخِبرِ بْنِ أَخِي النَّجاشِيِّ في هذا الخبر قالَ: فَأذَّنَ وَهُوَ غَيرُ عَجِلٍ (¬3). 447 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنا محَمَّد بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنا شُعْبَة، عَنْ جامِعِ بْنِ شَدّادٍ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي عَلْقَمَةَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسعُودٍ قالَ أَقْبَلْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زمَنَ الحُدَيْبِيَةِ فَقالَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ يَكْلَؤُنا". فَقالَ بِلالٌ: أَنا. ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 139، والبخاري في "التاريخ الكبير" 6/ 307، والبيهقي 1/ 404، وابن عبد البر في "التمهيد" 5/ 255. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (471). (¬2) رواه أحمد 4/ 90. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (472). (¬3) رواه الطبراني في "مسند الشاميين" 2/ 145 (1075). قال الألباني في "صحيح أبي داود" (473): هذا حديث شاذ.

فَنامُوا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ فاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ: "افْعَلُوا كما كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ". قالَ: فَفَعَلْنا. قالَ: "فَكَذَلِكَ فافْعَلُوا لِمَنْ نامَ أَوْ نَسِيَ" (¬1). * * * باب فِيمَن نَامَ عَنِ صَّلَاةٍ أَو نَسِيَهَا [435] (ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، قال: ثَنَا) عبد الله (ابْنُ وَهْب قال: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ) محَمد (ابْنِ شِهَاب، عَنِ) سعيد (ابْنِ المُسَيبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَن رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قفل) أي: رَجَعَ قالَ في "مجمَع البَحرَين": ومَن قالَ: القافلة الراجعَة فقط فقد غلط، فقد يقال للمبتدئة السفر: قافلة تفاؤلًا بقفولهَا (¬2) وَهوَ شائع (مِنْ غَزْوَةِ خيبر) (¬3) يقَالُ: غزوة وغزاة وخيبر: بالخاء المُعجمة. قالَ البَاجي (¬4)، وابن عَبد البر (¬5) وغَيرهما: هذا هُوَ الصَّوَابُ، وقَال الأصيلي (¬6): خَيْبَرَ غلط وإنما هَو مِن حنين ولم يعرض (¬7) ذَلك للنَّبي - صلى الله عليه وسلم - إلا مرة وَاحِدَة [حين قفل] (¬8) مِنْ حنين إلى مكة (¬9). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 386، وابن أبي شيبة (38017). وصححه الألباني في صحيح أبي داود (474). (¬2) "المصباح المنير" (قفل). (¬3) في (ص، ل): حنين. (¬4) "المنتقى" 1/ 252. (¬5) "التمهيد" 6/ 388. (¬6) انظر: "المنتقى" 1/ 252. (¬7) في (ص، د، س، م): يعبر. وفي (ل) يعيد. والمثبت من "المنتقى". (¬8) في (ص): حيث فعل. (¬9) قال الباجي عقب ذلك: وفي حديث عبد الله بن مسعود أن نومه ذلك كان عام =

(فَسَارَ لَيْلَةً حَتَّى إِذَا أَدْرَكنَا الكَرَى) بِفَتح الكَاف النُعاس، وقيل: النوم، يقالُ منهُ كَرِيَ الرجُلُ بفتح الكاف وكسْر الراء يَكْرَى (¬1) كَرًى فهوَ كَرٍ، والمرأة كرية بتخفيف الياء. (عَرَّسَ) التعريس نزُول المسَافرين (¬2) آخِر الليْل للنوم والاستراحَة هَكذا قاله الخَليل (¬3) والجمهُور، وقَال أبُو زَيد: التعريس النزول أيَّ وقت كانَ، مِن لَيْل أو نَهار، وفي الحَديث: تعرسون في نحر الظهيرة (¬4). (وَقَالَ لِبِلَالٍ: اكْلأ) بِهَمزة آخره أي: احفظ (لَنَا اللَّيلَ) وارْقبهُ ومنه: كلأَك الله أي: حَفظك ومصدره الكِلاءة بكَسْر الكاف والمدِّ، ذَكرهُ الجَوْهَري (¬5) هي الحراسَة. اكلأ لنا الفَجر، اسْتَدل به المهَلَّب عَلى أنَّ الصَّلَاة الوسطَى الصُّبحُ؛ لأنهُ لَم يأمُر أحَدا بمرَاقبة صَلَاة غَيرَهَا (¬6). زَادَ مُسْلم: فصَلَّى بلال مَا قدر لهُ ونَامَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحَابهِ فلما تقارَبَ الفَجْر استندَ بلالٌ إلى رَاحلته مواجه (¬7) الفجر (¬8). (قَالَ: فَغَلَبَتْ بِلَالًا عَينَاهُ) مِنَ النعاس (وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى رَاحِلَتِهِ) ¬

_ = الحديبية، وذلك في زمن خيبر، وعلى ذلك يدل حديث أبي قتادة، وكذلك قال أهل السير. (¬1) في (ص، ل): بكرا. (¬2) في (م): المسافر من. (¬3) "العين" عرس. (¬4) "صحيح البخاري" (2661)، وفيه: نزلوا معرسين. (¬5) "الصحاح" (كلأ). (¬6) "فتح الباري" 2/ 81. (¬7) في (ص): مواخاة. (¬8) "صحيح مسلم" (680) (309).

الرَّاحلة: المرْكَب من الإبل ذكرًا كانَ أو أنثى وبعضهمْ يَقول: الراحلة التي تصلح أن ترحل. جمعهَا رَوَاحِل (فَلَمْ يَسْتَيقِظِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَلَا بِلَالٌ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى ضَرَبَتْهُمُ الشَّمْسُ]) أي: أصَابَهم حَرهَا. (فَكَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَوَّلَهُمُ اسْتِيقَاظًا) والشمس في ظَهْره، مَنصُوب عَلى المَصْدَر أي: كانَ أول من استيقظ منهمُ استيقاظًا. (فَفَزِعَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -) اختلف في هذا الفزَع وفي سَبَبه. فقال الأصيلي: كان لأجل عدوهم أن يكون اتبعهم فيجدهم عَلى غرة. وقَال غيره: لما فاتهُ من أمر الصَّلَاة، وقد دَل عَلى ذَلك قَولهم: مَا كفارة (¬1) مَا صَنَعنَا بِتفريطنَا؟ وهذا بَيِّنٌ في حَقهم. قال القُرطُبي: وقَد يَكونُ الفَزَع بِمَعنَى مُبَادَرَتهم إلى الصَّلاة أي: بَادرُوا إليهَا (¬2). (فَقَالَ: يَا بِلَالُ) وفي روَاية لمُسْلم: أين بلَال؟ (¬3) بأين الظرفية (فَقَالَ: أَخَذَ بِنَفْسِي الذِي أَخَذَ بِنَفْسِكَ يَا رَسُولَ الله) قالهُ عَلَى طريق العذر (¬4) مما كان تَكفل به فإنهم كانُوا طَلبوا ذَلك مِنَ النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قَالَ البخَاري: أنَّهمُ طَلبُوا التعريس منهُ فقالَ: "أخَاف أن تَنامُوا" فقالَ: بلال أنا أوقظكم (¬5) فحينئذ عرسَ ووكل بلالًا، والنفس هَاهُنَا هي التي تتوفى بالنوم (¬6). ¬

_ (¬1) في (ص): كفاه. (¬2) "المفهم" للقرطبي 2/ 307. (¬3) قال النووي في "شرح مسلم" 5/ 182: أي بلال: هكذا هو في روايتنا، ونسخ: بلادنا. وحكى القاضي عياض عن جماعة أنهم ضبطوه أين بلال؟ بزيادة نون. اهـ (¬4) في (ص): المقدر. (¬5) "صحيح البخاري" (595) من حديث أبي قتادة - رضي الله عنه -. (¬6) "المفهم" 2/ 306 - 307.

(بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي) الباء تتعلق بمحذوف أي: أفديك بأبي وأمي. (فَاقْتَادُوا رَوَاحِلَهُمْ شَيئًا) فيه دلالة على أن قضاء الفائتة بعذر ليسَ عَلى الفَور وإنما اقتَادُوهَا كما ذكرهُ في الروَاية الأخرى: "فَإنَّ هذا منزل حضرنا (¬1) فيه الشيطان (¬2) " (¬3). وللروَاية الآتية: "تحولُوا عَنْ مكانكم (¬4) الذي أصَابتكم فيه الغفلة". وقد (¬5) اسْتدل به بَعض الحنَفية (¬6) على أن الفَرائض لا تقضى في هذا الوَقت لهذا الحديث قال: لأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما ارتحل عَن ذلك الموضع ليخرج الوَقت المنهي عنهُ (¬7). وهذا تحكم بَل كما يَحتَمل مَا ذكروه يَحتمل أنه إنما ارتحل عَنهُ؛ لأنهُ منزل حَضره الشيطان (¬8). (ثُمَّ تَوَضَّأَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -) زادَ أبُو نُعيم في "المُستخرج": فتوضأ الناس (¬9). ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): خصها. (¬2) في (ص، س، ل): للشيطان. (¬3) "صحيح مسلم" (680) (310) من طريق أبي حازم عن أبي هريرة - رضي الله عنه -. (¬4) في (ص): مكانتكم. (¬5) في (ص، س، ل): وهذا. (¬6) في (د، م): الحنفيين. (¬7) قال البدر العيني الحنفي في "شرح سنن أبي داود" 2/ 231: قال بعضهم: إنما فعل ذلك لترتفع الشمس، فلا تكون صلاتهم في الوقت المنهي عنه. وذلك أول ما تبزغ الشمس. قالوا: والفوائت لا تقضى في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها. قلت العيني": هذا مذهب أبي حنيفة، ولكن قوله: حتى إذا ضربتهم الشمس يدل على أن الشمس قد ارتفعت كثيرًا فيكون انتقالهم لارتفاع الشمس. (¬8) انظر: "المفهم" 2/ 308. (¬9) أخرج هذه اللفظة ابن عبد البر في "التمهيد" 6/ 386.

(وَأَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ لَهُمُ الصَّلاة) (¬1) فيه إثبات الإقَامَة للفَائتة، وليْسَ فيه خلاف؛ لأن الإقَامَة لاستفتاح الصَّلاة وهوَ مَوْجود في كل صَلاة، وفيه إشارة إلى ترك الأذَان للفائتة؛ لأنه لم يذكرهُ، ولو وَقَع لَذَكرهُ وهذا هُوَ الجديد مِن مَذهَب الشَافِعي (¬2). (وَصَلَّى بِهِمُ الصُّبْحَ) فيه اسْتحباب الجماعَة في الفائتة لكن لا يتأكد تأكدهَا للمقيم. (فَلَمَا قَضَى الصَّلاةَ قَالَ: مَنْ (¬3) نَسِيَ صَلاة) زاد مُسْلم في روَاية: "أو نامَ عَنهَا" (¬4). (فَلْيُصَلِّهَا) بلام الأمر [قد تمسك] (¬5) بدَليل الخطاب منهُ القائل: إن العَامِد (¬6) لَا يقضي الصَّلاة؛ لأنَّ انتفَاء الشرط يَستلزم انتفَاء المشرُوط فَيلزم منه أن مَن لم ينس ولَم ينم لا يُصَلي. وأجَابَ مَنْ قَال أن العَامد يَقضِي بأن ذَلكَ يُسْتفادُ مِن مَفهُوم الخِطَاب فيَكونُ مِن بَاب التنبيه بالأدنى عَلى الأعلى؛ لأنه إذا وجَبَ عَلى الناسي مَعَ سُقوط الإثم وَرَفْعَ الحرج عنهُ فالعَامِد أولى وادَّعَى بَعضهم أن وجُوب القَضَاء عَلى العَامد يُؤخذ من قوله نَسي؛ لأن النسْيَان يُطلق على الترك سَوَاء كانَ عَن ذهول أم لا ومنهُ قَولهُ تعالى: {نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ ¬

_ (¬1) جاءت هذه العبارة في (ص) قبل قوله: زاد أبو نعيم والمثبت من بقية النسخ. (¬2) انظر: "روضة الطالبين" 1/ 197. (¬3) في (ص): لمن. (¬4) "صحيح مسلم" (684) (315) من حديث أنس - رضي الله عنه -. (¬5) في (ص، س، ل): فيه تمسك. (¬6) في (ص): العامل.

أَنْفُسَهُمْ} (¬1)، {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} (¬2). ويقوِّي ذلك قوله: "لا كفارَة لهَا إلا ذلكَ" (¬3). لأن الكَفارَة لا تكون إلا عَن ذنب غالبًا والناسِي والنائم لا إثم عَليَهمَا وتعقب بأن الكَفارة تكون عَن الخَطأ كما تكون عَن العَمد، والخَطأ لا إثم عليه؛ لأن اللهَ تجاوَز عنه، والقائل: أن العَامد لَا يَقضي لم يُرِد أنهُ أخَفُّ حَالا مِنَ الناسِي بَل يقول: إنهُ لَو شُرعَ لهُ القضاء لكانَ هوَ والناسِي سَوَاء، والنَاسِي غير مَأثوم بخلاف العَامد، فالعَامد أسوأ حَالًا مِنَ النَاسي فكيفَ يسَتويان (¬4). (إِذَا ذَكرَهَا) جَعَل إذا ظرفًا للإتيان بالصَّلاة إمَّا وجُوبًا إن كانَ ذلك بلا عذر بأن نسيت بالنوم الذي تركها به كما تقدم في النوم قبيل (¬5) العشَاء أو نسيت في الأمر الذي اقتضى نسيَانها وَليسَ المُرَاد الإتيان بجَميع الصَّلاة في وَقت التذكر وهوَ اللحظة اليَسيرة، بل (¬6) المراد الابتداء بهَا والشروع فيهَا أو في مُقَدمَاتها عَقيبه (¬7) فيقدر ذلك الظرف متسعًا يسَع التذكر (¬8) والشروع المذكور عقبه. قالَ الشيخ شمس الدين البرمَاوي مَتع اللهُ ببَقائه: وعَلى هذا ¬

_ (¬1) الحشر: 19. (¬2) التوبة: 67. (¬3) مسلم (684) (314). (¬4) انظر: "الفتح" 2/ 85. (¬5) في (ص، س، ل): قبل. (¬6) في (ص، س): بأن. (¬7) في (د، س، ل): عقبه. (¬8) في (م): التذكير.

التقدير (¬1) يكون الأمر في قوله: فَليُصَلهَا مُستَعملًا في حَقيقته وهوَ الوجُوب ولا يقدح فيه كون المتروكة بعذر يندبُ قضَاؤها على الفَور؛ لأن يرخص تَأخيرهَا في هذِه الحَالَة إنما هُوَ بأمر آخر فيكون كالموسع في تعَلق الوجُوب بأول الوَقت وَجَوَاز الفعل في ثاني الوقت مَعَ استحبَاب أوله، وليسَ هوَ باعتبار كونه مَندُوبًا مِن استعمال الأمر في الوجُوب والندب، فيَكون من إطلاق اللفظ عَلى حَقيقته ومجَازه. (فَإِن اللَّه تَعَالَى قَالَ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}) بلام مُكررَة وتشديد الذال المُعجمة [وعلى قراءة الجمهور بلام واحدة (¬2)] (¬3) وسُكون الكاف (¬4) وللمفَسرين فيهَا أقوال كثيرة أقوَاهَا الذي يرشد إليه كلام الشافعي أن المعنَى: أَقِمِ الصلاةَ حينَ (¬5) تذكرهَا وهو ظاهِر كلام الشافِعِي في "الرسَالة" فإنهُ قال: قال النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: فليصَلهَا إذا ذَكرَهَا. فَجَعَل ذَلكَ وقتًا لهَا وأخبرَ به عَن الله تعالى ولم يَستثن وقتًا مِنَ الأوقات يدعهَا (¬6) فيه بَعد ذكرهَا (¬7). ومن ثم قَالَ البَاجي (¬8): إنه أثبت الأقوَال؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتج بقَول ¬

_ (¬1) في (م): التقرير. (¬2) من (د). (¬3) من (د، م). (¬4) وقع هنا في (ص، ل، س) بعد قوله: سكون الكاف: قراءة الجمهور وهو خطأ ناتج عن السقط الذي أثبتناه من (د، م). (¬5) في (د، م): حيث. (¬6) في الأصول الخطية: يضعها. والمثبت من "الرسالة". (¬7) "الرسالة" (ص 324 - 325). (¬8) "المنتقى" 1/ 253.

الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} وقررهُ صَاحِب "الكمال" (¬1) بأن المعنى لتذكري لكَ إياهَا وقد اختلف في ذكر هذِه الآية هَل هي من كلام قتادَة أو هي من قَول النَّبي - صلى الله عليه وسلم - ففي روَاية لمُسْلم عَن هداب (¬2). قال قتادَة: أَقِمِ الصَّلاة لذكرى (¬3) وفي روَاية لمُسْلم مِن طَرِيق (¬4) المثنى عَن قتَادَة، قال رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا رقد أحَدكم عَن الصلاة أو غفل عَنها فليُصَلهَا إذا ذكرهَا فإن الله يَقولُ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (¬5). (قَالَ يُونُسُ: وَكَانَ ابن شِهَابٍ) الزُّهري (يَقْرَؤُهَا كَذَلِكَ) ثم فسَّر قراءة الزُهري. فقَالَ (قال أَحْمَدُ) بن صَالح (قَالَ: عنبسة) بن خالد الأيلي (عن) عَمه (يُونُسَ فِي هذا الحَدِيثِ للذكرى) بلامين وفتح الراء بعدَهَا ألف مقصُورة، أي: لذكري (¬6) لكَ إياهَا، وقال النخعي: [قراءة الزهري تأنيث للذكر وقال] (¬7) اللام للظرف أي: أَقِمِ الصَّلَاةَ [إذا ذكرتني، أي: إذا ذكرت أمري بَعد مَا نَسيته (¬8). ويحتمل أن يَكون المرَاد أقم الصَّلاة] (¬9) إذا ذكرتها عند (¬10) سماع المؤَذن وإن لم تفعَلهَا فاعزم عَلى ¬

_ (¬1) في (ص، ل): الإكمال. (¬2) في (ص): هذان. (¬3) "صحيح مسلم" (684) (314). (¬4) زاد في (د، م، ل): ابن. (¬5) "صحيح مسلم" (684) (316). (¬6) في (د، س، م، ل): لتذكري (¬7) من (د): وقد تأخرت في (ص، س، ل) فجاءت بعد قوله: النعاس. (¬8) انظر: "المفهم" 2/ 311. (¬9) ساقطة في (د). (¬10) من (م). وفي باقي الأصول الخطية: عن.

فعلهَا في أثناء الوَقت. قال ابن السَّمعَاني: ومَا لم يَكن عَلى هذا العَزم لا يَجوز له تَرك الصَّلَاة في أول الوَقت. (قَالَ أَحْمَدُ): أحَد الروَاة (الْكَرَى) هوَ (النعَاسُ)، أو قيل النوم كما تقدم] (¬1). [436] (ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التبوذكي، (قال: ثَنَا أَبَانُ، قالَ: ثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هذا الخَبَرِ قَالَ) أبو هريرة (فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: تَحَوَّلُوا) خطَاب لأصْحَابه الكائنين (¬2) مَعَهُ خاصَّة لا يتَعدى إلى غَيرهم؛ لأنهُ كانَ بسبب عَلِمهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بحضور الشيطَان فيه، وغيره لا يَعلم ذلك فلا يتَعدى إليه ذَلكَ الحكم. قال القرطبي: وإلى مَعنى ما ذكرناهُ ذَهَبَ الدَاوودي (¬3) وغَيره من أصحَابنَا في تَأويل الحَديث (¬4). (عَنْ مَكَانِكُمُ الذِي أَصَابَتْكُمْ فِيهِ الغَفْلَةُ) اسْتدلَّ بهِ عَلى جَوَاز تَأخِير الفَائتة لعذر عَن وَقت ذكرهَا إذَا لم يكن عن تغافل أو استهانَة. قالَ القرطبي: أخذَ بهذا بَعْض العُلماء فقال من انتبهَ مِن نَوم عَن صَلاة فاتته في سَفر فليَتحول عَن مَوضعه، وإن كانَ وادِيًا فليخرج عنهُ، وقيل: لَا يلزَم إلا في ذَلك الوَادي بِعَينه انتهى (¬5). وكرهَ الغزالي الصلاة ¬

_ (¬1) من (د، م). (¬2) في (م): المكاتبين. (¬3) في (س، م): الدراوردي. (¬4) "المفهم" 2/ 312. (¬5) "المفهم" 2/ 311 - 312.

في بَطن الوَادي لهذا الحَديث (¬1). قال السُّبْكي: وأنكروه عَلَيه، وقالوا: إنما كرهَ الشافعي الصَّلاة في الوَادي الذي نامَ فيه عَن الصَّلاة لا في كل وَاد (¬2)، وقيل هذا مُختَصّ بالنَّبي - صلى الله عليه وسلم - دُونَ غَيره؛ لأنه لا يعلم ذلك مِن حَال ذلك الوَادي ولا غَيره إلا هُو، وقد اسْتَدل به عَلى أن مَن حَصَلت لهُ غَفلَة أو سَهوَ في مَكان عَن عبَادَة اسْتحبَّ له التحول عنهُ، ومنهُ أمر الناعس في سَمَاع الخُطبة يَومَ الجُمعَة بالتحول من مكانه إلى مكان آخر. قالَ السُّبْكي: اتفقت الأصحَاب على كراهية الصلاة في مَأوَى الشيطان مثل مَواضع الخَمر والكانة ومَوَاضِع المكوس ونَحوهَا مِنَ المعَاصِي الفَاحِشة والكنَائس والبِيَع (¬3) أحق الأشياء بذَلكَ، وأخذوا ذَلكَ من قوله: فإن فيه شيطان. كما وَرَدَ في رِوَاية مُسْلم (¬4). والموَاضِع التي أصَابت الإنسَان فيهَا الغَفلة، هي من حُضور الشيطان فيه واللهُ أعلم. (قَالَ: فَأَمَرَ بِلالا فَأَذَّنَ) أسْتدل به عَلى الأذان للفَوَائت وهوَ القَديم من مَذهب الشافِعِي. قَال النوَوي: وهوَ الأظهرَ لهذا الحَدِيث (¬5). قال السّبكي: كنتُ أَوَدُّ (¬6) لو وجدت روَاية فيهَا الجمع بينَ الأذان ¬

_ (¬1) "الوسيط" 2/ 171. (¬2) انظر: "المجموع" 3/ 162، "روضة الطالبين" 1/ 278. (¬3) انظر: "المجموع" 3/ 162. (¬4) "صحيح مسلم" (680) (309). (¬5) "روضة الطالبين" 1/ 197، "شرح مسلم للنووي" 5/ 182. (¬6) في (ص، س): أولى.

والإقامة فإني أجوز أن يَكونَ المراد في الحَدِيث الإقامة واسْتَدلوا عَليه بجمعه - صلى الله عليه وسلم - المغرب والعشَاء بِمُزدَلفة بأذان وإقامَتَين رَوَاهُ مُسْلم (¬1). قَال: وقد رَأيتُ الجَمع بَيْنَ الأذان والإقامَة الثانية مِن فعل (¬2) عُمَر، رَوَاهُ الخَطيب في "تالي التلخيص" (¬3) بسَنَد جيد إلى زَيد بن الصَّلت، عن عُمَر - رضي الله عنه - وَأَقَامَ. هَكذَا في روَاية أبي دَاود الجمع بينهما، وحَكاهُ عَنهُ ابن دَقيق العيد في "الإلمام" (¬4) ولعَل السُّبكي لم يُرَاجع (¬5) أبَا دَاود (وَصَلَّى) أي: بالناس. (ورَوَاهُ مَالِكٌ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَالأَوْزَاعيُّ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ و) محمد (ابْنِ إِسْحَاقَ لَمْ يَذْكرْ أَحَدٌ مِنْهُمُ الأَذَانَ فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ) في (هذا) الحَدِيث (ولم يسنده مِنْهُم أحَد إلا الأَوْزَاعِيُّ [وأبان العطار)] (¬6) وهوَ ابن يزيد البَصْري روى له الشيخان (عَنْ مَعْمَرٍ) عَن الزهري. [437] (ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التبوذكي (قال: ثَنَا حَمَّادٌ) ابن سَلمة (عَنْ ثَابِتٍ البُنَانِيِّ) بضَم الباء (عَنْ عَبْدِ الله بْنِ رَبَاحٍ الأنصَارِيِّ، قال: ثَنَا أَبُو قَتَادَةَ) الحَارث بن ربعي - رضي الله عنه -. (أَنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - كَانَ فِي سَفَرٍ له) (¬7) زَادَ مُسْلم فبَينما هوَ يسير حَتى ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1280) (276) من حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنه -. (¬2) في (د): قول. (¬3) 1/ 338) (203)، الذي فيه أن اسمه (زبيد) بالتصغير. (¬4) "الإلمام" 1/ 123. (¬5) في (م): لم ير جمع. (¬6) في (ص، س، ل): ابن القطان. (¬7) من (د، م).

ابهارَّ (¬1) الليل وأنا إلى جنبه فنَعسَ (¬2) (فَمَالَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -) عَن رَاحِلته (وَمِلْتُ مَعَهُ) وصرْتُ له كالدِّعَامَة تحته زادَ مُسْلم (¬3) حَتى كادَ أن ينجفل (¬4) أي: قَارَبَ أن يَقَع. (فَقَالَ: انظُرْ) (¬5) زَادَ مُسْلم: هَل ترى مِن أحَد (¬6). (فَقُلْتُ: هذا رَاكِبٌ) ثم نظرت فقلتُ (هَذَانِ رَاكبَانِ) ثم نظرت وقلت (هؤلاء ثَلاثة حَتَّى) اجتمعنَا و (صِرْنَا سَبْعَةً) بالنصب ركب وَيشبه أن يَكون انتظرهم بالنزُول حَتى صَارُوا سَبْعَة [لعل انتظارهم] (¬7) لِيَكونوا أثبَت وأقوى على مُرَاقبَة العَدُو؛ كيلا يدهمهم وهمُ نَائمون وعلى حفظ وقت الصلاة. (فَقَالَ: احْفَظُوا عَلَينَا صَلَاتنَا) زادَ مُسْلم: فَمَال رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - عَن الطَّرِيق فَوَضَعَ رَأسَهُ ثمُ قَالَ: "احفظُوا عَلَينَا صَلاتنا" زادَ أحمد في روَايَة وَرِجَالهُ رجَال الصَّحِيح: فقالَ أبو قتادة قلتُ: نعم يَا رَسُول الله، قالَ: "حَفظك الله كلما حَفظتنا مُنذ الليلَة" ثم قالَ: لا أرَانا إلا قد شققنا عَليك ثُمَّ مَال (¬8) عَن الطريق، فأناخ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - رَاحِلَته فتوسدَ كل ¬

_ (¬1) ابهارَّ: انتصف، وبُهْرَة كل شيء وسطه انظر: "النهاية في غريب الحديث" 1/ 435. (¬2) "صحيح مسلم" (681) (311). (¬3) "صحيح مسلم" (681) (311). (¬4) في (ص): يتحول. (¬5) في (ص، س): انتظر. وبياض في (ل). (¬6) "صحيح مسلم" (681) (311). (¬7) من (م). (¬8) في (س، م): نح.

رَجُل منا درَاع رَاحِلَته (¬1). وهذا يَدُل عَلَى أنَّ هذِه القِصَّة غَير قصة أبي هُريرَة المتَقَدمَة فإنَّ فيهَا أنَّ بِلالا هُوَ الذي كلأ لهم الفَجر وفي هذا الحَديث أن السَّبعة حفظوهُ. وَرَوَى الطبراني من حَدِيث عَمْرو بن أميَّة: أنَّ الذي كلأ لهُم الفَجر ذُو مخبر بكَسْر الميم وسُكون الخاء المُعجمة، وفيهَا قالَ ذُو مخبَر: فما أيقظنِي إلا حَر الشمس فَجئت أدنى القَوم فأيقظتهُ وأيقظ الناس بَعضهم بَعضًا حَتى استيقظ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). وتكلم العُلماء في الجَمع بين حَديث النوم هذا وحَديث: "إن عَيني تنامَان، ولا ينام قلبي" (¬3). وأجَابَ النوَوي: بأن القلب إنما يدْرك الحسيات المتَعلقة بِهِ كالحَدَث والألم ونحوهما ولا يدرك مَا يتعلق بالعَين (¬4). وأجَابَ ابن دَقيق العيد: بأنَّ عَيني تنَامَان ولا ينَام قَلبي. خَرَجَ جَوابًا عن قول عَائشة أتنَام قبل أن توتر، وهذا كلام لا تعلق لهُ بانتقاض الطهَارة الذي تكلمُوا فيه، وإنما هوَ جَوَاب يتعلق بأمر الوتر فَتُحمل يقظته عَلى تعلق القلب باليقظة للوتر، وفَرْقٌ بين من شرع في النوم مُطمئن القلب به وبَينَ مَن شرَعَ متعَلقًا باليقظة، قال: وعلى هذا فلا تعَارض بل يحمل حَديث النوم حَتى طلعَت الشمس بأنه اطمأن في نَومه لما أوجَبَهُ ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 5/ 302. (¬2) "المعجم الأوسط" للطبراني 5/ 58، وفي "مسند الشاميين" 2/ 145. (¬3) أخرجه البخاري (1147)، ومسلم (738) (125)، وأبو داود (1314)، والترمذي (439)، والنسائي 3/ 234. من حديث عائشة - رضي الله عنها -. (¬4) "شرح النووي على مسلم" 5/ 184.

تعب (¬1) السير مُعتمدًا على من وكلهُ بكلاءة الوقت. ومِنَ الأجوبة الضَعيفَة قَول مَنْ قَال كان قلبهُ يقظَانًا وعلم (¬2) بِخُرُوج الوَقت لكن ترك إعلامهم بذلك قَصْدًا لمَصْلَحة التشريع (¬3). (يَعْنِي: صَلاة الفَجْرِ فَضُرِبَ عَلَى آذَانِهِمْ) أي: بُعِثَ عليهم النَّومُ فلم يَسْتَيقظُوا. (فَمَا أَيْقَظَهُمْ إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ) تَقدم الجَمع بَينه وبينَ حَديث: "إنَّ عيني تنَامَان ولَا ينَام قلبي". (فَقَامُوا فَسَارُوا هُنَيَّةً) قَالَ النوَوي: هوَ بِضَم الهَاء وَفتح النون وتشديد الياء أي: سَاعة لَطيفة وأصْلهُ: هنوة تصغير هنة فَلَما صُغِّرت صَارَت هنيوة فاجتمعت وَاو وياء وسبقت إحدَاهما بالسُكون فوَجب قلب الواو ياء فاجتمعَت ياءان فأدغمت إحْدَاهما في الأخرى وصَارت هنيَّة ومَن همزهَا فقد أخطَأ ورَوَاهُ بَعْضهم: هنيهة وهوَ صَحيح (¬4). (ثُمَّ نَزَلُوا فَتَوَضئُوا وَأَذنَ بِلَالٌ) بالصَّلَاة (فَصَلَّوْا رَكعَتَي الفَجْرِ) أي: سُنة الصُبْح فيه دلالة عَلى قضاءِ السُّنة الراتبة في السَّفَر كمَا في الحضَر. (ثُمَّ صَلَّوا الفَجْرَ) روَايَة مُسْلم: ثُمَّ صَلى الغدَاة فصَنَع كما كانَ يَصْنَع كُل يوم (¬5) (وَرَكبُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ) روَاية أحمد المتَقَدمَة فقال: يعني ¬

_ (¬1) في (ص): بعث. (¬2) في (ص، ل): وعلمه. (¬3) انظر: "فتح الباري" 1/ 537. (¬4) "شرح النووي على مسلم" 5/ 96. (¬5) "صحيح مسلم" (681) (311).

بِلال فقلت: يَا رَسول الله، هَلكنا (¬1). (قَدْ فَرَّطْنَا فِي صَلَاتنَا. فَقَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّهُ لَا تَفْرِيطَ فِي النَّوْمِ) فيه دَليل لما أجمَع عَليه العُلماء أن النائم ليسَ بمكلف وإنمَا يَجبُ عَليه قضاء الصَّلاة ونحوهَا بأمر جَديد هذا هُوَ (¬2) المذْهَب الصَّحِيح المختَار عند أصحاب الفقه، والأصُول، ومنهم من قالَ: يَجِبُ القَضاء بالخَطاب الأول، وهذا يُوَافِق عَلى أن النائم غَير مُكَلَّف فَإذَا أتلفَ النَّائم برجله (¬3) أو غَيرهَا شَيئًا في حَالِ نومِهِ فيجبُ ضَمانه بالاتفاق وليسَ ذَلك تكليفًا للنائم؛ لأنَّ غرامة المتلفات لا يشترط لهَا التكليف بالإجمَاع بَل لو أتلفَ الصَّبي أو المجنُون شَيئًا وجب عليه ضَمانه بالاتفاق (¬4). (إِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي اليَقَظَةِ) روَاية مُسْلم: "إنما التفريط على مَن لم يُصَل الصَّلَاة حَتى يَجيء وقت الصَّلاة الأخرى" (¬5). أي: مَن (¬6) لم يُصَلهَا وهوَ يقظان عَامدًا، وفيه دَليل عَلى أن أوقات الصَّلاة كلهَا مُوسّعَة. (فَإِذَا سَهَا أَحَدُكُمْ عَنْ صَلَاةٍ فَلْيُصَلِّهَا) أي: ولا يُعِدْ إلا تلك الصَّلاة. قَالَ البخَاري: قال إبَراهيم: مَن تَرك صَلاة واحِدَةً عشرين سنة لم يُعد ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 5/ 302. (¬2) في (د): فتوى. (¬3) في "شرح مسلم": بيده. (¬4) انظر: "شرح النووي على مسلم" 5/ 186. (¬5) "صحيح مسلم" (681) (311). (¬6) ساقطة من (د، م).

إلا (¬1) تلك الصَّلَاة الوَاحِدَة (¬2) (حِينَ يذْكُرُهَا) وإن كانَ نائمًا فحين ينتَبِه من نَومه. (وَمِنَ الغَدِ لِلْوَقْتِ) روَايَة مُسْلم: "فإذا كانَ الغَد فليُصَلهَا عندَ وَقتها" (¬3). قال القُرطبي: ظاهِره إعادة المقضية مرتين عندَ ذكرهَا وعندَ حُضور مثلهَا مِنَ الوَقت الآتي (¬4). قَالَ النوَوي: ومعَناهُ أنَّه إذا فاتته صَلاة فقضاهَا؛ فلا يتَحول وقتها في المُستقبل ولا يتغير بَل يبقى كما كانَ، فإذا كانَ الغَد صَلى صَلَاة الغدَاة في وقتها المعتَاد، ولا يتحول. وليسَ مَعناهُ أنه يقضي الصَّلاة مَرتين مَرة في الحَال ومَرة في الغَد هذا هوَ الصوَاب في مَعناهُ وقَد اضطَربَت أقوال العُلماء فيه واختَارَ المُحققونَ مَا ذكرته واللهُ - صلى الله عليه وسلم - أعلم (¬5). [438] (ثَنَا عَلِيُّ بن نصر) (¬6) الجَهضمي شيخ مُسْلم، قال (ثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قال: ثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ شَيبَانَ) السدوسي من رَجال مُسلم. (قال: ثَنَا خَالِدُ بْنُ سُمَيرٍ) بضم السين المهملة [وفتح الميم] (¬7) مصغر، وثقه النسَائي (¬8). ¬

_ (¬1) من (د، س، م، ل) و"الفتح". (¬2) "صحيح البخاري" قبل حديث (597). (¬3) "صحيح مسلم" (681) (311). (¬4) "المفهم" 2/ 316. (¬5) "شرح النووي على مسلم" 5/ 187. (¬6) في (ص): نصر بن علي. (¬7) من (د، س، م، ل) و"الفتح". (¬8) انظر: "تهذيب الكمال" (1620).

(قَالَ: قَدِمَ عَلَينَا عَبْدُ الله بْنُ رَبَاح) بفتح الراء وتخفيف البَاء الموَحدَة. (الأنصَارِيُّ مِنَ المَدِينَةِ وَكَانَتِ الأنصَارُ تُفَقِّهُهُ) أي: تعلمهُ الفقه في الدين، وقواعد شرَائع الإسلام ومَا يتصل بهَا منَ الفروع (¬1) وفيه فضيلة تعلم الفقه وتعليمه في الدين يفضل عَلى سائر العُلوم كما في "الصحيح": "مَن يرد اللُّه به خَيرًا يفقهه في الدين" (¬2) (فَحَدَّثَنَا) مما (¬3) يفقهه. (قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو قَتَادَةَ) الحَارث بن ربعي (الأَنصَارِيُّ فَارِسُ) بالرَّفع (رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -) كَانَ يُعرفُ بذَلك لِشجَاعته (قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ الله) - صلى الله عليه وسلم - (جيش الأمُرَاء) لعَله سمي بذلكَ لما اجتمع فيه من كثرة الأُمَرَاءِ والأكَابِر (بهذِه القِصَّةِ. وقَالَ فيهَا: فَلَمْ يوقظنا إِلا) حَر (الشَمْسُ طَالِعَةً) مَنصُوب عَلَى الحَال والتقدير إلا حَر الشمس وهي طَالعَة. (فَقُمْنَا وَهلينَ) (¬4) بكَسْر الهَاء أي: فَزعين والوَهَل بفتح الهاء الفزَع والرعْب، وفزعهم من إخراج الصَلَاة عَن وقتها كما تقدمَ. (لِصَلَاتنَا) ويَحتمل أن يكون المعْنَى مُسرعين فَزعًا مِنْ تَضييع الصَّلَاة (فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: رُوَيدًا) مَعناهُ التأني والتمهُّل في الأمُور يَقول سيروا رُوَيْدًا أي: عَلى مَهَلٍ فَيَكون نَصبًا عَلى الحَال ويقول: سَارُوا سَيرًا روَيدًا فيَكون ¬

_ (¬1) قال العيني رحمه الله في "شرح سنن أبي داود" 2/ 328: قوله: تفقهُهُ: بالتشديد. أي: كانت الأنصار ينسبونه إلى الفقه، ويجعلونه فقيها بينهم؟ . وهذا أنسب للسياق والله أعلم. (¬2) "صحيح البخاري" (71)، ومسلم (1037) (98) بنحوه. (¬3) في (د): بما. (¬4) في (س): ولهين.

نَصبًا؛ لأنه صِفةُ المصدر ومنهُ قَوله تعَالى: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} (¬1) التقدير إمهَالًا روَيدًا وهوَ تصغير رود، وقيل: هوَ مَصْدر محذوف الزوَائد والأصْل أروادًا. (حَتَّى إِذَا تَعَالَتِ) بتخفيف اللام (الشَّمْسُ) أي: عَلَتْ وارتفعت وأصْلهُ مِنَ العلو [يقال: عَلت] (¬2) وكانَ أصلهُ تعَالَوت بفتح اللام والوَاو فلما تحركت الوَاو وَانفتح مَا قَبلهَا قلبَت ألفًا واجتَمعَ سَاكنان الألف والتاء فحذفت الألف، هذِه اللغة المشهُورَة ورُوي: تقَالَّتْ بالقَاف بَدَل العَين واللام مُشَددَة يريد استقلالهَا في السَّماء وارتفاعهَا ومَعْنَاهُما مُتَقَارب. (قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: مَنْ كانَ مِنْكُمْ يَرْكَعُ) بالرفع (رَكعَتَي الفَجْرِ) أي: سُنة الصُّبح (فَلْيَرْكَعْهُمَا) (¬3) تستعمل كان للتكرار والدوَام أي: مَنْ كانت عَادَته أن يَركعهمَا في السَّفر فَليَركعهمَا فيه دلالة عَلى أنهما ليسَتَا بِوَاجِبتَين. (فَقَامَ مَنْ كانَ) عَادَته أن يركعهمَا (وَمَنْ لَمْ يَكُنْ) عَادَته أن (يَرْكَعُهُمَا فَرَكعَهُمَا) موَافقة لأصحَابه ولأمِره - صلى الله عليه وسلم - بركوعهما لكن ليسَ أمرًا حَتمًا. (ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -) بلالا (أَنْ يُنَادَي بالصَّلَاةِ فَنُودِيَ بِهَا) اسْتدل به عَلى الأذان للفَوائت كما تقدم، وتعقب بأن النداء أعَم مِنَ الأذان فيَحتَمل أن يُرادَ به هُنَا الإقامَة، وأُجيبَ بِأنَّ الرِّوَاية المتَقَدِّمة وفي مُسْلم مِن حَديث أبي قَتَادَة التصريح بالتأذين (فَقَامَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى بِنا) فِيه دلَالَة عَلى فَضيلة قضاء الصَّلاة في جَمَاعَة كما تقدم. ¬

_ (¬1) الطارق: 17. (¬2) في (ص): تواعلت. وفي (س، م، ل): تفاعلت. والمثبت من (د). (¬3) في (د): فليركعها.

(فَلَمَّا انصَرَفَ قَالَ: أَلَا) بالتخفيف استفتَاحِيَّة يفتح بهَا الكَلَام ولهذا كُسرت هَمزَة (إِنا) بَعْدَهَا وأصلهَا إنَّنَا فحذفَت إحدى النونين تخفيفًا. (نَحْمَدُ اللَّه) تعالى بفتح النون والمِيم (أَنا) بِفَتح الهَمزة والتشديد والتقدير: لِأَنَّا فحذفت لام التعليل كقوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (¬1) فأنَّ هُنَا مُتَعَلقَة بما (¬2) بَعْدَها، والتقديرُ ولَا تُشْركوا مَعَ الله أحَدًا؛ لأن المَسَاجِد لله، وهي: الأعضاء السَّبعَة التي نَسْجُد (¬3) عَليهَا لله فلَا تسجُدُوا لغَيره بَها، وَمِثل هذا الحَديث (¬4). "إنا لم نرده عَليك إلَّا أنا حُرم" (¬5). أي: إلَّا لأننَا مُحرمُون. (لَمْ نكُنْ فِي شَيءٍ مِنْ أمر الدُّنْيَا يَشْغَلُنَا) بِفتح اليَاء والغَين. (عَنْ صَلَاتِنَا) فيهِ فَضيلَة حَمد الله تعالى على مَا يتَجَدَّد مِنَ النِّعَم المُسْتَفَادَة حَيث لم يشغلهم عن الصَّلاة إلا أمر مِن أمُور الآخِرَة، وفيه أن مَنْ نَامَ عندَ غَلبَة النعاس والتعب ليتقوى به (¬6) عَلى العِبَادَة فَهوَ عِبَادَة، ولهذا لم يَجعَلهُ مِن أمْر الدنيا، وقَد مَدَح اللهُ تعَالى مَن لم يشغلهُ أمْر الدنيا عَن الصَّلَاة بِقَوله تعالى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} (¬7) أي: لَا يشغلهم شراء ولا بَيْع عَنْ إقامَة الصَّلَوَات (¬8)، ¬

_ (¬1) الجن: 18. (¬2) في (ص): لما. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (د، م): حديث. (¬5) أخرجه البخاري (1825)، ومسلم (1193) (50) من حديث الصعب بن جثامة - رضي الله عنه -. (¬6) سقط من (م). (¬7) النور: 37. (¬8) في (م): الصلاة.

فيُؤخذ مِنَ الآية والحَدِيث الذم لمن شَغَلهُ عَنِ الصَّلاة أمر من أمور الدنيا والمدح لمن لا يشغله عَنهَا (¬1) شَيء أو شغلهُ شَيء مِن أُمور الآخرة. (ولكن أَرْوَاحَنَا) هَكذا (¬2) سَماهَا الروح في "الموطأ" فقالَ: "إن الله قَبضَ أروَاحنا ولَو شاء لردها" (¬3) وسَماهَا بلال نفسًا في قوله: أخذ بنفِسي الذِي أخذ بنَفسك. فهمَا إذًا عَبارتَان (¬4) عَن مَعنى وَاحِد وَهوَ مَذهَب أئمتنا (¬5). (كانَتْ بِيَدِ الله تعَالى) توفاهَا عِندَ الموت، أي: قبَضهَا عندَ النوم وفيه تشريف للروح حِينَ أخبَر عَنها بأنها كانَت بِيَد الله تعالى وقدرته. (فَأَرْسَلَهَا) إلينَا (أَنَّى) أي: مَتَى (شَاءَ) وفي روَاية أحمد ورجاله (¬6) ثقات، فقال له قائل: يَا نَبي الله أفرَّطنَا؟ قال: "لا، قبَضَ الله أروَاحنا وقد رَدهَا إلينَا وقد صَلينَا" (¬7) (فَمَنْ أَدْرَكَ (¬8) مِنْكُمْ صَلاة الغَدَاةِ مِنْ غَدٍ ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ص): هذه. (¬3) "الموطأ" 1/ 14. (¬4) في (د): عبارة. (¬5) قال ابن عبد البر في "التمهيد" 5/ 246 بعد أن ذكر اختلاف الناس في النفس والروح وهل هما واحد أم لا؟ فقال: وما احتج به القوم فليس بحجة واضحة، ولا هو مما يُقطعُ بصحته؛ لأنه ليس فيه خبر صحيح يقطع العذر، ويوجب الحجة، ولا هو مما يدرك بقياس ولا استنباط، بل العقول تنحسر وتعجز عن علم ذلك. ا؟ . (¬6) في (د، م): ورجالها. (¬7) "مسند أحمد" 4/ 90 من حديث ذي مخمر. (¬8) في (م): أراد.

صَالِحًا) (¬1) نصب عَلى الحَال أي: في حَال كونه صَالحًا لقَضَاء الصَّلاة. (فَلْيَقْضِ مَعَهَا) أي: مَعَ صَلَاة الأداء صَلاة (مِثْلَهَا). [قال قوم] (¬2): ظَاهرُهُ إعَادَة المقضية مَرة أخرى عندَ حُضُور مثلهَا منَ الوَقت الآتي. قَالَ القرطبي (¬3): ترك العَمل بهذا الظاهِر لأنه يَعارضهُ مَا رَوَاهُ النسَائي (¬4) مِنْ حَديث عمران بن حصين أيضًا أنهم قالوا: يَا رَسُول الله ألا نقضيهَا (¬5) لِوَقتها مِنَ الغَد فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لَا ينهاكم الله عَن الربا (¬6) ويأخذهُ مِنكم" (¬7)؛ ولأنَّ الطُّرق المشهورة ليْسَ فيهَا من تلك الزيَادَة شَيء إلا مَا ذكر منْ هذا الحَدِيث وهوَ مُحْتَمل. قال الخطابي: لَا أعلم أحَدًا قَال بِظَاهِره وجُوبًا، ويُشبِهُ أن يكونَ الأمر فيه للاسْتِحبَاب ليحرز (¬8) فَضيلة الوقت في القَضَاء انتَهى (¬9). قَال شَيخُنَا ابن حَجر: ولم يقل أحد مَن السَّلف باسْتحبَابِ ذَلك أيضًا بَل عدُّوا (¬10) هذا الحَديث غَلَطًا مِن رَاويه، وحَكى ذَلكَ الترمذي وغَيره ¬

_ (¬1) في (ص): بعدها. فليقض. (¬2) من (د، م)، و"المفهم". (¬3) "المفهم" 2/ 316 - 317. (¬4) في "المفهم": أبو بكر بن أبي شيبة. (¬5) في (د، س، م، ل): نقضها. (¬6) في (ص): الزيادة. (¬7) أخرجه الدارقطني في "سننه" 1/ 387. (¬8) في (د، س، م، ل): ليحوز. (¬9) "معالم السنن" 1/ 139. (¬10) من "فتح الباري".

عَن البُخَاري (¬1) والله أعلم (¬2). قالَ ابن حبَّان: بَعْدَ أن ذكر الحَدِيث مُسْندًا مِنْ حَديث الحَسَن عَن عمْران بن حصَين: الأمر الذي وصَفنَاهُ إنما هُوَ أمر فضيلة (¬3) لمن أحَبَّ (¬4) ذلك لا أن كل (¬5) مَنْ فَاتَتْهُ صَلاة يُعيدهَا مَرتَين في الوَقت الثاني (¬6). [439] (ثَنَا عَمْرُو (¬7) بْنُ عَوْنٍ) الوَاسِطي الحَافظ (قال: ثنا خَالِدٌ عَنْ حُصَينٍ) بالحَاء والصَاد المُهْملتَين مُصَغر. (عن) عَبد الله (ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ) السَّلمي بفتح السِّين (عَنْ أَبِيه) أبي قَتادةَ الحَارث - رضي الله عنه - (فِي هذا الحديث (¬8) فَقَالَ: إِنَّ اللَّه قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ) [هُوَ كقَوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} (¬9) ولا يلزم من قبض الروح الموت، والموت انقطاع] (¬10) تعَلق الروح بالبَدن ظَاهِرًا وبَاطنًا، والنوم انقطاعه من ظَاهِره فقط. ¬

_ (¬1) قال البيهقي بسنده عن البخاري: لا يتابع في قوله: "من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها ولوقتها من الغد". "السنن الكبرى" 2/ 216 - 217. (¬2) "فتح الباري" 2/ 85. (¬3) في (ص، ل): فضله. (¬4) في (د): أوجب. (¬5) في (ص، د، س، ل): كان. وفي (م): أكل. والمثبت من "صحيح ابن حبان". (¬6) "صحيح ابن حبان" 6/ 375. (¬7) كتب فوقها في (د): ع. (¬8) في (د): الخبر قال. وفي (م): الخبر. (¬9) الزمر: 42. (¬10) سقط من (د).

(حَيثُ شَاءَ وَرَدَّهَا حَيثُ شَاءَ) روَاية البخَاري (¬1): قبضهَا حين (¬2) شاءَ وردها منا حين (¬3) شاء (¬4). في الموَضعَين ليسَ لوَقت وَاحِد؛ فإنَّ نَوم القَوم لا يتفق غَالبًا في وَقت وَاحِد بَل يتتابعُون فتكون حين (¬5) الأولى خبرًا عَن أحيان مُتَعددة، فَإذا كانَ قبض الروح بمشِيئته وَرَدهَا بِوَقت مَشِيئته، فليس في النوم تفرِيط (قُمْ فَأَذِّنْ بِالصَّلَاةِ) بِتشديد الذَال (¬6) وباء مُوَحَّدَة مُتصلة بالناس، وفي روَاية الكشميهني (¬7) للبخاري: "فآذن الناس" (¬8). بالمد وَحَذف الموَحَّدة مِن (بالناس)، وَمَعناهُ: أَعْلِمْ الناس بالصَّلاة. (فَقَامُوا فَتَطَهَّرُوا) يَعُمُّ الوضُوء والغُسْل والتيمم (حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ قَامَ [النبي - صلى الله عليه وسلم -]) (¬9) روَاية البخَاري في التوحيد عَن حصين: "فَقَضَوا حَوائجهم فَتَوضؤوا إلى أن طَلعَت الشمس" (¬10). أي: وارتفعَت، ويُستفادُ منهُ أن تأخيره الصَّلاة إلى أن طَلعَت الشمس وارتفَعَت كانَ بسَبَب الشُغل بِقَضَاء حَوَائجهم لا بِخُرُوج وَقت الكراهة؛ فَإنَّ أوقَات الكرَاهَة إنمَا تكره الصَّلاة فيهَا إذا لم يَكن لهَا سَبَب، وأمَا ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (595). (¬2) في (ص): حيث. (¬3) في (ص): حيث. (¬4) سقط من (د، س، م، ل). (¬5) في (ص): حيث. (¬6) في (م): ال. (¬7) في (ص): البشمهيني. (¬8) انظر: "فتح الباري" 2/ 67. (¬9) من (د، م). (¬10) "صحيح البخاري" (7471).

الفائتة فلا تُكْرَه في وَقت الكراهة إلا إذا أخرهَا إلى ذَلكَ الوَقت ليَفعَلهَا فيه فكيف يحكم بكراهَة الصَّلَاة مُطلقًا، وهي تكون وَاجِبَة فيه إذا فاتت عمدًا (فَصَلَّى بِالنَّاسِ) فيه اسْتحبَاب الجَماعة في الفوَائت كما تقدم. [440] (ثَنَا هَنَّادٌ) ابن السري شيخ مُسْلم (قال: ثَنَا عبثر) بن القاسم الزبيدي. (عَنْ حُصَينٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ) الحَارث بن ربعي (عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَعْنَاهُ وقَالَ) فيه (فَتَوَضَّأَ) (¬1) بين (¬2) في هذِه الروَاية أن معَنى فتطهرُوا في الروَاية التي قبلهَا فتوضؤوا (حِينَ) عوض حيث في الروَاية التي قبلهَا وهي روَايَة البخاري كما تقدم. (ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ فَصَلَّى بِهِمْ) الصُّبح. [441] (ثَنَا العَبَّاسُ) ابن عَبد العَظِيم (الْعَنْبَرِيُّ) رَوَى لهُ مُسلم والبخَاري تَعليقًا (¬3). (ثَنَا سُلَيمَانُ بْن دَاودَ الطَّيَالِسِيُّ) رَوَى لهُ البخَاري في "القرَاءة خَلف الإمَام" قَالَ عُمر بن شبَّة (¬4): كتبُوا عَنهُ بأصْبهَان أربَعين ألف حَديث وليسَ مَعَهُ كتاب (¬5). (قالَ: ثَنَا سُلَيمَانُ بْنَ المُغِيرَةِ) مَولى بَني قَيس بن ثعلبَة قال: قدم عَلينَا ¬

_ (¬1) في (د، م، ل): فتوضؤوا. (¬2) سقط من (م). (¬3) "صحيح البخاري" بعد حديث (6412). (¬4) في جميع النسخ (شيبة) وهو خطأ، والمثبت من كتب التراجم. (¬5) انظر: "التقييد لمعرفة رواة الأسانيد" (ص 277).

البصرة سُفيَان الثوري فأرسَل إليَّ، فَقَالَ: بَلَغَني عنَك أحَاديث وأنا عَلى مَا ترى مِنَ الحَال فأتني فأتيتهُ فسَمع مِني (¬1)، روى لهُ الجَماعة. (عَنْ ثَابِت) البنَاني (عَنْ عَبْدِ الله بْنِ (¬2) رَبَاح عَنْ أَبِي قَتَادَةَ - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: لَيسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ) فيه دَليل لما أجمع عَليه العُلماء أن النائم ليسَ بمكلف كما تقدم. (إِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي اليَقَظَةِ أَنْ يُؤخر صَلاة حَتَى يَدْخُلَ وَقْتُ) صَلاة (¬3) (أُخْرَى) فيه دَليل على امتداد وقت كل (¬4) صَلاة مِنَ الخمس حَتى يدخل وقت أخرى (¬5) وهذا مُسْتَمِر عَلى عمومه في الصَّلَوَات كلهَا إلا الصُبْح بالاتفاق فإنهَا لَا تمتد إلى الظهر بَل يخرج وَقتها بُطلُوع الشَمس بمفهوم (¬6) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن أدرَك رَكعَة مِنَ الصُّبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرَك الصُّبح" (¬7). وأمَّا المغرب (¬8) فَفيهَا خلاف سَبق، والمختارُ فيه امتدَاد الوَقت أيضًا إلى وَقت العشَاء. [422] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِير) العَبدي شَيخ البخَاري (قال أَنا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أنسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: مَنْ نَسِيَ صَلاة) حَتى خَرَجَ ¬

_ (¬1) انظر: "الجرح والتعديل" 1/ 117. (¬2) زاد في (م): أبي. (¬3) سقط من (د، م). (¬4) من (د). (¬5) في (د، م): الأخرى. (¬6) في (د، ل): لمفهوم. (¬7) تقدم. (¬8) في (د): الصبح.

وقتها الشَّرعي (فَلْيُصَلِّهَا) قالَ القرطبي: شذ بَعْض الناس فيما زَادَ عن خمسَ صَلوَات أنه (¬1) لَا يلزمهُ قَضَاؤها، وهو (¬2) خلاف لا يعبَأ به؛ لأنه مخالف لنَص الحَدِيث (¬3). وَوجِّهَتْ هذِه المقالة عَلى غلطهَا بأن القضاء يَسْقط لمشقة التكرار كالحَائض، والخمس لا مشقة عَلَيه في قضائهَا بخلاف مَا زاد، وَيلزم على هذا أن تقضي الحَائض الخَمس لعَدَم المشقة، ولا قائل به، ولا يحسنُ إلحَاق الناسي (¬4) بِهَا؛ لأنهُ لا تفريط عَليهَا بخلافه. (إِذَا ذَكرَهَا) (إذا) ظرف للمأمُور به وهو الصَلاة فيتعَلق الأمر بالفِعْل فيه ولا شَك أنه كذَلك أما على الوجُوب في حَق مَنْ تركهَا عَمْدًا فإنهُ يِجب عَلى الفَور أو عَلى الاسْتحبَاب في حَق النائم والناسي. وهذا التفصيل هوَ الصَّحِيح عند الشافعية (¬5)، وفي وَجْه أنهُ يَجبُ القضاء عَلى الفَور بعذر (¬6) النوم والنسيَان كما يشَعر به إطلاق الحَدِيث لكن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - لم يَقْض صَلاة الصبح حَتى خَرَجُوا مِنَ الوَادي وارتفعت الشمس. وأجَاب صَاحِب العيس (¬7) عَن تأخيره الصُبح في الوَادي بأن التأخير ¬

_ (¬1) في (د): بأنه. (¬2) في (ص، س، ل): فيه. (¬3) "المفهم" 2/ 309. (¬4) في (د): الناس. (¬5) انظر: "المجموع" 3/ 69. (¬6) في (ص): بقدر. (¬7) في (ص): العس.

كانَ لانتظار الوَحْي كيْفَ يَكونُ العَمل في القضاء أو لأنه كانَ مُحتَرزًا منَ العَدُو وَجعَلهُ القَاضي عياض مَنسُوخًا بهذا الحَدِيث. (لا كَفَارَةَ لَهَا إِلا ذَلِكَ) يحتمل أنْ يَكونَ مَعناهُ: لا يكفي (¬1) عَنها مجرَد التوبة والاستغفار بل لا بُدَّ مِنَ الإتيان بهَا، والصَّحِيحُ أن المعنى لا يخلص من عُهدتها عندَ التذكر إلا بفعلهَا، وإنما لَم يحمل عَلى نفي الكفارة الحقيقية؛ لأن ذلكَ يشعر بالإثم، والغَرض هنا ارتفاعه عَن النائم والناسِي، وفيه نَظَر فَإنَّ قتل (¬2) الخَطَأ ونحوه فيه الكَفارة ولا إثم. [443] (ثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقيَّةَ) الوَاسِطي روى عَنه (¬3) مُسْلم. (عَنْ خَالِدِ) ابن عَبْد الله (عَنْ يُونُسَ، عَنِ الحَسَنِ) البَصْري (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَينِ - رضي الله عنه - أَن رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ فِي مَسِيرٍ لَهُ فَنَامُوا عَنْ صَلَاةِ الفَجْرِ) كما تقدم. (فَاستَيقَظُوا بِحَرِّ الشَمْسِ) يحتَمل أن تكونَ البَاء للتعليل بمَنزلة اللام كقَوله تعالى: {إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ} (¬4) ومنه: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا} (¬5)، {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} (¬6). (فَارْتَفَعُوا) أي: مِنَ الوَادي (قَلِيلًا) صِفةُ لمحذوف أي: ساروا (¬7) ¬

_ (¬1) في (ص): ينفي. (¬2) في (ص): قلت. (¬3) في (د): له. (¬4) البقرة: 54. (¬5) النساء: 160. (¬6) العنكبوت: 40. (¬7) ليست في (ص).

سَيرًا قَليلًا كقَولهِ تعالى: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا} (¬1). أي: ضحكًا قليلا وبكاء كثيرًا. (حَتَّى اسْتَقَلَّتِ الشَّمْس) بتشديد اللام استقلت ارتفعَت وتعالت (¬2) ويقال: (¬3) أَقَلَّ الشيء واستقله إذا رَفعَهُ. (ثُمَّ أمر (¬4) مُؤَذِّنًا) لعَلهُ بلال كما في الروَايات المتقدمَة. (فَأَذَّنَ) للصبح وقد يُؤخذ منه أنهُ يقتَصر في السَّفر عَلى الأذَان الثاني. (فَصَلَّى رَكعَتَينِ قَبْلَ) صَلاة (الْفَجْرِ) لا قبل دخول وقته. (ثُمَّ أَقَامَ) الصَّلاة (ثُمَّ صَلَّى الفَجْرَ) الظاهِر أن ثم هُنَا بِمَعْنَى الفاء للتعقيب فإنه لا مُهْلة بَين الإقامَة والدخول فيهَا. كقول الشاعِر: كهزِّ الرديني تحت العجاج ... جرى في الأنابيب ثم اضطربَ لأن الهز مَتَى جرى في أنابيب الرمح، تعقبه الاضطراب، ولم يتراخ عنه. [444] (حَدَّثَنَا عَباسٌ) بن عَبْد العَظيم (الْعَنْبَرِيُّ، ح (¬5) وَثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِح) الطبَري (¬6) الحافظ المصري شيخ البخاري (وهذا لَفْظُ عَبَّاسٍ) دُونَ ¬

_ (¬1) التوبة: 82. (¬2) من (د، م). (¬3) أقحم هنا في (ص): كلمة تقالي. وليست في (د، م) وهو الصواب. (¬4) في (ص): أذن. (¬5) من (د، ل، م). (¬6) في (م): الطبراني.

أحمَد (أَنَّ عَبْدَ الله بْنَ يَزِيدَ) المقريء القصير (¬1) مَولى آل عُمَر بن الخَطاب، أقرَأ القُرآن بالبصرة ستا وثلاثين سَنة، وبمكة خَمسًا وثلاثينَ سَنة، روى عَن نافع، وله اختيار في القراءة. (حَدَّثَهُمْ عَنْ حَيوَةَ بْنِ شُرَيْح، عَنْ عَيَّاشِ) [بالمثناة تَحت] (¬2) والشين المُعجمة، ابن عَبَّاسٍ، بالبَاء الموَحدَة والسِّين المُهملة (الْقِتْبَانِيَّ) بِكَسْر القاف وسُكون المثناة مِن فَوق والبَاء الموحدة وبَعد الألف نون، روى لهُ مُسْلم. (أَنَّ كُلَيبَ بْنَ صُبْحٍ) بِضم الصَّاد وإسكان الموَحدَة، وثق (¬3) (حَدَّثَهُمْ أَنَّ الزِّبْرِقَانَ) بكسْر الزاي والراء الضَّمْريَّ. (حَدَّثَهُ (¬4) عَنْ عمه (¬5) عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيّ - رضي الله عنه - قَالَ: كنَّا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَنَامَ عَنِ الصُّبْحِ) تقدم الجَمع بَينه وبين: "إن عَينَيَّ تَنامَان ولَا ينام قلبي". (حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَاسْتَيقَظَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فقَالَ: تنَحُّوا (¬6) عَنْ هذا المَكَانِ) الذي حَصَلت فيه الغفلة فإن بهِ شيطان، وتقدم. و(قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ، ثُمَّ تَوَضَّؤوا وَصَلَّوْا رَكعَتَي الفَجْرِ، ثُمَّ أَمَرَ ¬

_ (¬1) سقط من (د)، وفي (م): وبه نستفتح ونستعين و. (¬2) في (د، م): بالياء المثناة. (¬3) انظر: "تاريخ ابن معين" برواية الدارمي (716). (¬4) في (ص): حدثهم. (¬5) من (د). (¬6) في (ص): نحوا.

بِلَالًا فَأَقَامَ الصَّلاة) فيه أن الذي يقيم الصَّلاة غير الإمَام، وفيه أن المؤذن يقيم (فَصَلَّى بِهِمْ صَلاة الصُّبْحِ) فيه صَلاة الفائتة جَمَاعَة كما تقدم. [445] (ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الحَسَنِ) بن الهَيثم الخثعمي المصيصي، ثقة ثبت (¬1) (قَالَ: ثَنَا حَجَّاجٌ (¬2) بْن مُحَمَّدٍ) المصيصي (¬3) الأعوَر الحافظ. (قَالَ: ثَنَا حَرِيزٌ) (¬4) بفتح الحَاء المهملَة وآخره زَاي ابن عثمان الرحبي. (ح (¬5) وَثَنَا عُبَيْدُ بْنُ أَبِي الوَزِيرِ) هشام الحَلَبِي، قَال أبو حَاتم: صَدُوق (¬6). (قَالَ: ثَنَا مُبَشِر) بن إسماعيل (الْحَلَبِي) ثقة (¬7) قال: (ثَنَا حَرِيزٌ بنَ عُثْمَانَ) الرحَبي، قال: (حَدَّثَنِي يَزِيدُ) من الزيَادَة (ابن صُبْحٍ) ثقة (¬8). (عَنْ ذِي مِخْبَرٍ) بِكَسْر الميم وإسكان الخاء المُعجمة وفتح الباء الموَحدة، ويقالُ: ذُو مخمر بالميم بدَل الباء، ابن أخي النجاشي (الْحَبَشِيِّ، وَكَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -) وذكر (فِي هذا الخَبَرِ) الطبراني: كنتُ مَعَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - في غزاة (¬9) فسَرَوا مِنَ الليْل مَا سَرَوا، ثم نزلوا فقال رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا ¬

_ (¬1) "الكاشف" للذهبي 1/ 79. (¬2) كتب فوقها في (د): ع. (¬3) في (م): المصغى. (¬4) كتب فوقها في (د): ع. (¬5) من (د، م). (¬6) "الجرح والتعديل، 6/ 5 .. (¬7) "الكاشف" للذهبي 3/ 280. (¬8) "الكاشف" للذهبي 3/ 280. (¬9) في (ص): غداة. والمثبت من بقية النسخ.

ذا (¬1) مخبر" قلت: لبَّيك يَا رَسُول الله. فذكر قصة الناقة التي نعسَ عَنها فذهبَت، فدَعَا الله تَعالى أن ترد فجَاءت بِهَا إعصَار (¬2) ريح تَسوقها. (¬3) (قَالَ: فَتَوَضَّأَ النبِي - صلى الله عليه وسلم - وضُوءًا لَمْ يَلُتَّ) بِضَم اللام وتشديد التاء المثناة. (مِنْهُ (¬4) التُّرَابُ) أي: لم يبله بالماء جَميعه، وفي روَاية: يُلِث بِضم الياء أوله وكسْر اللام وسُكون الثاء المثلثة، مِن قولهم: ألَثت الشجرة مَا حَوْلهَا إذَا كان يَقطرُ منها الماء عَلَيه، قَالَ أبُو (¬5) عَمرو (¬6): اللَّثى مَاءٌ يَسيل منَ الشجر يشبه الندى. وفيه دَليل عَلى كراهة الإسراف في الماء والرفق فيه مَعَ التعميم، فقد رَوَى الطبرَاني في "الكبير" (¬7) والبَيهقي (¬8) من حَديث أبي أمَامة: أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ بنصف مُد (¬9). ومرَّ النّبي - صلى الله عليه وسلم - بِسَعْد وهو يتَوضأ فقال: "مَا هذا السَّرف؟ " قال: أفي (¬10) الوضوء إسْراف؟ قالَ: "نعَم، وإن كنت عَلى نهر جَار". رَوَاهُ ابن مَاجَه وغَيره (¬11). ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): ذو. (¬2) في (د، س، م): أعصان. (¬3) "المعجم الكبير" للطبراني (4228). (¬4) زاد في (م): يعني. (¬5) في (د): ابن. (¬6) كتاب "العين": لَثي. (¬7) "المعجم الكبير" (8071). (¬8) "السنن الكبرى" للبيهقي 1/ 196. وفي إسناده: الصلت بن دينار قال البيهقي: متروك لا يفرح بحديثه. (¬9) وأخرجه أبو يعلى الموصلي كما في "إتحاف الخيرة" (588). (¬10) في (س، م): في. (¬11) "سنن ابن ماجه" (425)، وأخرجه أحمد 2/ 221 من حديث ابن عمرو - رضي الله عنهما -، وصححه الألباني في "الصحيحة" (3292)، وكان قد ضعفه قديمًا ثم تراجع عن ذلك التضعيف لأسباب ذكرها، وراجع "الصحيحة".

(ثُمَّ أَمَرَ بِلالًا فَأَذَّنَ، ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَرَكَعَ رَكْعَتَينِ غَيرَ) مَنْصُوب عَلى الحَال، وذُو الحَال الضَّمير المُستتر في صَلى، كما في قراءة رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - وعُمر بن الخَطاب، ورَوَيت عن ابن كثير: وذُو الحال فيهَا الضمِير في عَليهم (¬1). (عَجِلٍ) اسْم فاعل من عَجِلَ فَهو [كتعِبَ يتعب] (¬2) فهوَ [تَعِبٌ و] (¬3) فيه الطمأنينة في (¬4) الصَّلاة، وعَدَم العَجلة بحَيث لا يتم ركوعهَا ولا سجُودهَا ولا يتوَاهن (¬5) في السنن (¬6) بَل يَنبغي إكمالَها كما (¬7) تكمل الفَريضة. (ثُمَّ قَالَ لِبِلالٍ: أَقِمِ الصَّلاة) فأقامهَا (ثُمَّ صَلَّى) الفَرْضَ (¬8) (وَهُوَ غَيرُ عَجِلٍ) الوَاو في (وهوَ) وَاو الحَال، والجملة بَعْدَهَا اسْمِيَّة مُرَكَّبَة من مُبتَدأ وخَبر في مَوْضع نَصْب عَلى الحَال، وفيه التَأني في الصلاة وترك الاسْتعجَال، فَإنَّ العَجَلة مِنَ الشيطَان لاسيَّما في الصَّلاة. (قَالَ) إبراهيم بن الحَسَن (عَنْ حَجَّاج، عَنْ يَزِيدَ بْنِ صُلَيح) بفتح اللام، وكَذا ذكرهُ ابن حبان في "الثقات" (¬9) بخط الذهبي. (قَالَ: حَدَّثَنِي ذُو مِخْبَرٍ رَجُلٌ) بالرفع بَدل من (ذو) (مِنَ الحَبَشَةِ) لغة ¬

_ (¬1) يعني قراءة النصب في قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} انظر: "تفسير ابن كثير" 1/ 196. (¬2) في (ص): كبعث يبعث. (¬3) في (ص): بعيث. (¬4) من (د، م). (¬5) في (م): يتهاون. وفي (د): يتهدون. (¬6) في (ص): الستر. (¬7) من (د، س، ل، م). (¬8) سقط من (م). (¬9) "الثقات" 5/ 541.

فارِسِيَّة (وَقَالَ عُبَيْدٌ) ابن أبي الوَزير هوَ (يَزِيدُ بْنُ صُلْح) (¬1) بإسْكان اللام بَدل البَاء، وقالَ الذهَبي في "الكاشف": هوَ يزيد بن صَالح، أو يزيد ابن صُبح (¬2). [446] (ثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ الفَضْلِ) قال: (ثَنَا الوَلِيدُ، عَنْ حَرِيزٍ بْن عُثْمَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ صَلِيحٍ، عَنْ ذِي مِخْبَرِ بْنِ أَخِي النَّجَاشِيِّ فِي هذا الخَبَرِ) و (قَالَ) فيه (فَأَذَّنَ وَهُوَ غَيرُ عَجِلٍ) فيه دَليل عَلى مَا قالهُ أصحَابنَا (¬3) يُستحبّ للمؤَذن أن يرتل الأذان ويدرج الإقَامَة، فَبترتيل المؤذن يعلم السَّامع أنهُ آذان. [447] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى) قال (ثَنَا) غندر (مُحمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ) قال (ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ جَامِعِ (¬4) بْنِ شَدَّادٍ) المحَاربي رَوَى لهُ الجَماعَة. (قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي عَلْقَمَةَ) ويقالُ ابن عَلقمة مختَلف في صُحبته (قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الله بْنَ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - زمن الحُدَيْبِيَةِ) بتخفيف اليَاء الثانية. (فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: مَنْ يَكْلَؤُنَا؟ ) كما قالَ تعالى: {قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} (¬5) أي: يحفظكم إذا نمتم وإذا تصَرفتم (¬6) في مَعَايشكُم. روَاية مُسْلم: "مَن يُوقظنَا". فيه دَليل على أنَّ على الإمام أن يُرَاعيَ ¬

_ (¬1) كذا في جميع النسخ إلا (س) فإن فيها: صالح. لكن ضبط المصنف بعده للاسم لا يؤيده. ولم أقف على من قال: يزيد بن صُلح. وفي معظم نسخ أبي داود: صُبْح. (¬2) "الكاشف" للذهبي 3/ 280. (¬3) يعني الشافعية: "الشرح الكبير" 1/ 412. (¬4) كتب فوقها في (د): ع. (¬5) الأنبياء: 42. (¬6) في (م): انصرفتم.

المصَالح الدينية والبَدَنِية والمالِية، والتَحرز على (¬1) العَسْكر من عَدُو يدهمهم، وأن الحراسَة لا تنافي التوكل. (فَقَالَ بِلَال: أَنا يَا رَسُول الله) وفيه دَليل على احتراز الإمَام عما يحتمل فوات العبَادَة وتضييعهَا (¬2) عَن وَقتها سَفرًا وحَضرًا من بَاب الأولى، وفيه جَوَاز التزام الخادم القيام بمرَاقبَة مَا أمر الإمَام بمرَاقبته، وفيه الاكتفاء في الأمور المهمة بالوَاحد. (فَنَامُوا حَتَى طَلَعَتِ الشَّمْسُ) وفيه خروج الإمام بنَفسه في الغزو (فَاسْتَيقَظَ النبِي - صلى الله عليه وسلم -) وفي روَاية تقدمت: كانَ أول مَن استيقظ عمر، وفي روَاية: أول من استيقظ ذو مخبر، ولعَل هذِه [القَصة مُتعددَة] (¬3) (فَقَالَ: افْعَلُوا) يعني: في الأذان والإقامَة والصَّلَاة (كمَا كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ) قبل ذلك في صَلاة الأداء. (قَالَ: فَفَعَلْنَا) كذَلك (قَالَ: فكَذَلِكَ فَافْعَلُوا) دَائمًا كذلك (لِمَنْ) من مَوصُولَة بِمَعنَى الذي، وَهي من صيغ العُموم، وهذا بناء عَلى قول الجمهور أن للعُموم صيغ تختَص به، وعلى هذا فالتقدير فافعَلوا كذَلك لكل من (نَامَ أَوْ نَسِيَ) (¬4) الصَّلاة فليُصلهَا إذا انتَبه أو ذكرهَا كما تقدم. * * * ¬

_ (¬1) في (د): عن. (¬2) في (د، م): يضيعها. (¬3) في (ص، س): القضية معتذرة. (¬4) هذا طرف من حديث فيه طول، وأورده أبو داود هنا لموضع الشاهد، وأخرجه: أحمد في "مسنده" 1/ 464، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (38017) من طريق غندر به. وصححه ابن حبان من طريق القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن ابن مسعود (1580)، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (474).

12 - باب في بناء المساجد

12 - باب فِي بناءِ المساجِدِ 448 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْن الصَّبّاحِ بْنِ سُفْيانَ، أَخْبَرَنا سُفْيان بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ سُفْيانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبي فَزارَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأصَمِّ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ما أُمِرْتُ بتَشْيِيدِ المَساجِدِ". قالَ ابن عَبّاسٍ: لَتُزَخْرِفُنَّها كَما زَخْرَفَتِ اليَهُودُ والنَّصارَى (¬1). 449 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن عَبْدِ اللهِ الخُزاعِيُّ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْن سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ وَقَتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لا تَقُومُ السّاعَةُ حَتَّى يَتَباهَى النّاسُ فِي المَساجِدِ" (¬2). 450 - حَدَّثَنا رَجاءُ بْنُ المُرَجَّى، حَدَّثَنا أَبُو هَمّامٍ الدَّلَّالُ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَبَّبٍ، حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ السّائِبِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عِياضٍ، عَنْ عُثْمانَ بْنِ أَبي العاصِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أمَرَهُ أَنْ يجعَلَ مَسْجِدَ الطّائِفِ حَيْثُ كانَ طَواغِيتهُمْ (¬3). 451 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ يَحيَى بْنِ فارِسٍ وَمُجاهِدُ بْنُ مُوسَى -وَهُوَ أَتَمُّ- قالا: حَدَّثَنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا أَبي عَنْ صالِحٍ، حَدَّثَنا نافِعٌ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ المَسْجِدَ كانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مبْنِيّا بِاللَّبِنِ والجَرِيدِ -قالَ مُجاهِدٌ: وَعَمَدُهُ مِنْ خَشَبِ النَّخْلِ- فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ شَيْئًا وَزادَ فِيهِ عُمَرُ وَبَناهُ عَلَى بِنائِهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - باللَّبِنِ والجَرِيدِ وَأَعادَ عَمَدَهُ -قالَ مُجاهِدٌ: عُضدَهُ خَشَبًا- وَغَيَّرَهُ عُثْمان فَزادَ فِيهِ زِيادَةً كَثِيرَةً وَبَنَى جِدارَهُ بِالِحجارَةِ المَنْقُوشَةِ والقَصَّةِ وَجَعَلَ عَمَدَهُ مِنْ ¬

_ (¬1) رواه ابن حبان 4/ 493 (1615)، والبيهقي 2/ 438 - 439. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (475). (¬2) رواه النسائي 2/ 32، وابن ماجه (739)، وأحمد 3/ 134. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (476). (¬3) رواه ابن ماجه (743). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (66).

حِجارَةٍ مَنْقُوشَةٍ وَسَقَّفَهُ بِالسّاجِ. قالَ مُجاهِدٌ: وَسَقْفُهُ السّاجُ. قالَ أَبُو داودَ: القَصَّة الجِصُّ (¬1). 452 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ حاتِمٍ، حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى عَنْ شَيْبانَ، عَنْ فِراسٍ عَنْ عَطَيَّةَ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ مَسْجِدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كانَتْ سَوارِيهِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ جُذُوع النَّخْلِ أَعْلاهُ مُظَلَّلٌ بِجَرِيدِ النَّخْلِ ثُمَّ إِنَّها نَخِرَتْ فِي خِلافَةِ أَبِي بَكْرٍ فَبَناها بِجُذُوع النَّخْلِ وَبِجَرِيدِ النَّخْلِ ثُمَّ إِنَّها نَخِرَتْ فِي خِلافَةِ عُثْمانَ فَبَناها بِالآجُرِّ فَلَم تَزَلْ ثابِتَةً حَتَّى الآنَ (¬2). 453 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيّاحِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ، قالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - المَدِينَةَ فَنَزَلَ فِي عُلْوِ المَدِينَةِ فِي حَيٍّ يُقال لَهُمْ: بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَأقامَ فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشَرَةَ لَيْلَةً ثمَّ أَرْسَلَ إِلَى بَنِي النَّجّارِ فَجاءُوا مُتَقَلِّدِينَ سُيُوفَهُمْ - فَقالَ أَنَسٌ - فَكأنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - علَى راحِلَتِهِ وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفَهُ وَمَلأ بَنِي النَّجّارِ حَوْلَهُ حَتَّى ألقَى بِفِناءِ أَبِي أَيُّوبَ وَكانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ ويُصَلِّي فِي مَرابِضِ الغَنَمِ، وَإنَّهُ أَمَرَ بِبِناءِ المَسجِدِ فَأَرْسَلَ إِلَى بَنِي النَّجّارِ فَقالَ: "يا بَنِي النَّجّارِ ثامِنُونِي بحائِطِكُمْ هذا". فَقالُوا: والله لا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إلَّا إِلَى اللهِ عز وجل. قالَ أَنَسٌ: وَكانَ فِيهِ ما أقُولُ لَكُمْ كانَتْ فِيهِ قبُورُ المُشْرِكِينَ وَكانَتْ فِيهِ خِرَبٌ وَكانَ فِيهِ نَخْلٌ فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِقُبُورِ المُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ وَبِالِخرَبِ فَسُوِّيتْ وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ المَسْجِدِ، وَجَعَلُوا عِضادَتَيْهِ حِجارَةً وَجَعَلُوا يَنْقُلُونَ الصَّخْرَ وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ والنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَعهُمْ وَهُوَ يَقُولُ اللَّهُمَّ لا خَيرُ إلَّا خَيْرُ الآخِرَهْ فانْصُر الأنصارَ والمُهاجِرَة (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (446). (¬2) رواه البيهقي في "دلائل النبوة" 2/ 541. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (67). (¬3) رواه البخاري (428)، ومسلم (524/ 9).

454 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي التَّيّاحِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: كانَ مَوْضِعُ المَسْجِدِ حائِطًا لِبَنِي النَّجّارِ فِيهِ حَرثٌ وَنَخْلٌ وَقُبُورُ المُشْرِكِينَ، فَقالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ثامِنُونِي بِهِ". فَقالُوا: لا نَبْغِي بِهِ ثَمَنًا. فَفطِعَ النَّخْلُ وَسُوِّيَ الحَرْث وَنُبِشَ قُبُورُ المُشْرِكِينَ. وَساق الحَدِيثَ وقالَ: "فاغْفِرْ". مَكانَ: "فانْصُرْ". قالَ مُوسَى: وَحَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ بِنَحْوِهِ، وَكانَ عَبْدُ الوارِثِ يَقُولُ: خِرَبٌ، وَزَعَمَ عَبْدُ الوارِثِ أَنَّهُ أَفادَ حَمّادًا هذا الحَدِيثَ (¬1). * * * باب في بناء المساجد [448] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاح بْنِ سُفْيَانَ) الجرجَرائي (¬2). وجرجرايا بَين وَاسط وبغدَاد، وثقهُ أبُو زرعة وغيره (¬3). قال: (أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عيينة (¬4)، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي فزَارَةَ) (¬5) رَاشد بن كيسَان الكوفي أخرَجَ له مُسْلم. (عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ) العَامري التابعي أخرَجَ له مُسْلم أيضًا (عَنِ) ابن خالته (ابْنِ عَباسٍ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: مَا أُمِرْتُ) بضم الهَمزة وكسْر الميم مَبني للمفعُول (بِتَشْيِيدِ المَسَاجِ). قال البغوي: في شرح هذا الحَديث المرَادَ (¬6) مِنَ التشييد رَفع البِنَاء ¬

_ (¬1) رواه البخاري (428)، ومسلم (524/ 9). (¬2) في (م): الجرجاني. (¬3) انظر: "الجرح والتعديل" 7/ 289. (¬4) في (ص): شيبة. (¬5) في (ص): نزارة. (¬6) في (ص) و"شرح السنة": أراد.

وتطويله ومنهُ قَولها تَعَالي: {بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} (¬1) وهي التي طول بنَاؤهَا (¬2) يقال: شدت الشيء (¬3) أشيده مثل بعته (¬4) أبيعُه إذا [بنيته بالشيد] (¬5) وهوَ الجص، وشيدته تشييدًا: طَوَّلته ورَفعته، وقيل: المراد بالبُرُوج المشيدة: المجَصَّصَة، وهَذان القولَان في قوله تعالى: {وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} (¬6) أي: رَفيع طَويل عَال، وقيل: مجصَّص (¬7)، والمشهور في الحَديث أن المُرَاد بِتَشييد المَسَاجِد هنا رَفع البِنَاء وتطويله كما قال البَغَوي. وفيه رَد على من حمل قوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} (¬8) على رَفع بنائه وَهوَ الحقيقة، بل المراد أن تعظم فلا يذكر فيهَا الخنا (¬9) مِنَ الأقوال، وتطهر (¬10) من الأدناس والأنجاس (¬11) ولا ترفع فيهَا الأصوَات. (قَالَ ابن عَبَّاسٍ: ) هَكذَا رَوَاهُ ابن حبَّان مَوقوفًا (¬12). وقبله حَديث ابن ¬

_ (¬1) النساء: 78. (¬2) "شرح السنة" 2/ 349. (¬3) في (ص): البيت، "مرعاة المفاتيح" 2/ 427. (¬4) في (ص، ل): بعت. (¬5) في (ل): بنيته بالشيدة. وفي (م): بنته بالشدة. (¬6) الحج: 45. (¬7) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" 12/ 74. (¬8) النور: 36. (¬9) الخنا: الفحش وقبيح الكلام. "لسان العرب": خنا. (¬10) في (م): تطييبه. (¬11) في (ص): الأفحاش. (¬12) "صحيح ابن حبان" (1615).

عباس (¬1) أيضًا مَرفوع، وظن الطيبي في "شرح المشكاة" أنهما حديث واحِد فَشَرحه عَلى أن اللام في (لتزخرفنها) (¬2) مكسُورَة، قال: وهي لام التعليل للمنفي قبله، والمعنى: مَا أُمرت بالتشييد لِيُجعَل ذريعة إلى الزخرفة، قال: والنون فيه لمجَرد التأكيد، وفيه نَوع تأنيب وتَوبيخ، قَالَ: وَيَجوز فتح اللام على أنها جَوَاب القسَم، أي: المحذوف. قال ابن حجَر: وهذا يَعني فتح اللام وهو المعتَمد. والأول -يَعْني: كسْرَ اللام- لم تثبت به الرِّوَاية أصلا فلا يغتَر (¬3) به، وكلام ابن عَباس فيه مَفصول مِن كَلام النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - في الكتبُ المشهورة وغَيْرهَا، وإنما لم يذكر البخاري المرفوع منه للاختلاف فيه (¬4) عَلى يَزيد بن الأصم في وصله وإرسَاله انتهى (¬5). والزخرفة الزينَة. قالَ مُحْيي السنَّة: إنهم زخرفوا المسَاجد عندَمَا بدلوا دينهم وَحَرفوا كتبهم، وأنتم تَصيرُونَ إلى مثل حَالهم، وسَيَصير أمركم إلى المراءَاة بالمسَاجِد، والمبَاهَاة بتشييدهَا وتزيينها (¬6). قال أبُو الدرْدَاء: إذا حليتم مَصَاحفكم، وزوقتم مَسَاجدكم، فالدمَار عليكم (¬7). وروي أن عُثمان رَأى أترجة من جِص مُعَلقة بالمَسْجِد فأمرَ بهَا ¬

_ (¬1) في (ص): عياش. (¬2) في (ص): لزخرفتها. (¬3) في (ص، س، ل): يعتبر. (¬4) ليست في (م). (¬5) "الفتح" 1/ 643. (¬6) "شرح السنة" 2/ 350. (¬7) أخرجه ابن المبارك في "الزهد" (797)، والفريابي في "فضائل القرآن" (179).

فقطعَت (¬1)، وهذا الحَدِيث فيه مُعْجزة ظاهِرة لإخباره - صلى الله عليه وسلم - عَما سَيَقَع بَعْدَهُ، فإن تزويق المسَاجد والمبَاهَاة بزخرفتها (¬2) كثر (¬3) من الملوك والأمَراء في هذا الزمَان بالقاهرة، والشام، وبيت المقدس، وغَيرهَا بأخذهم أمَوال الناس ظلمًا وعدوانًا (¬4) وعمارَتهم بهَا المدَارس على شكل بديع، فنَسأل الله السَّلامة والعَافيَة. (كمَا زَخْرَفَتِ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى) (¬5) في كنَائسهم وبيَعهم، وهذا يُؤيِّد قوله - صلى الله عليه وسلم - "لتتبعن سُنن مَنْ كَانَ قبلكم" (¬6). [449] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله) بن عُثمان (الْخُزَاعِيُّ) قالَ النسَائي: لا بأسَ بهِ. قال: (ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ) عَبد الله بن زَيد الجرمي. (عَنْ أَنَسٍ) بن مَالك. (و) أيوب أيضًا عَن (قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَى يَتَبَاهَى النَّاسُ) أي: يتفاخَرُون (فِي المَسَاجِدِ) أي: في بِنَاء المَسَاجِد، وكذَا في روَاية. أي: في حُسن بنَاءهَا وَزيَادَة زُخْرفها (¬7) وفي "مسند أبي يَعْلى" (¬8)، و"صَحيح ابن خزيمة" (¬9) من ¬

_ (¬1) "مصنف ابن أبي شيبة" (4617). (¬2) في (ص، س، ل): بزخرفها. (¬3) في (ص، س، ل): كثير. (¬4) ليست في (د، س، ل، م). (¬5) أخرجه البخاري قبل حديث (446). (¬6) أخرجه البخاري (3456)، ومسلم (2669) (6)، وأحمد 2/ 327. (¬7) في (د، م): زخرفتها. (¬8) "مسند أبي يعلى" (2817) بنحوه. (¬9) "صحيح ابن خزيمة" (1321).

طريق أبي قلابة أنَّ أنسًا قال: سَمعته يَقول: "يَأتي عَلى أُمّتي زمَان يتبَاهَون بالمَسَاجد ثم لا يعمرونَها إلا قَليلًا" (¬1). ومعنى: (لا يعمرونها) المراد عمارتها بالصَلاة، وكثرة ذكر الله تعالى والاعتكاف فيهَا، وليسَ به بنيَانها، وكذا روَاية البخَاري: "يتبَاهَونَ بهَا" (¬2) أي بنقش المسَاجد وكثرتها، وروى في "شَرح السُّنَّة" بسنده عَن صَالح بن رستم قال: قال أبو قلابة: غدونا مَعَ أنَس بن مَالك إلى الزاوية فحَضَرت صَلاة الصبح، فَمررنا بمَسْجِد فقالَ أنَس: أي مَسْجد هذا؟ قالوا: مَسْجِد أحدَث الآن. فقال أنس: إنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "سَيَأتي على الناس زَمَان يَتَبَاهَونَ في المَسَاجد، ثم لا يَعْمُرونهَا إلا قَليلًا" (¬3). [450] (ثَنَا رَجَاءُ بْنُ مُرَجَّى) قال: (ثَنَا أَبُو هَمَّامٍ) مُحَمَّدُ بن مُحَبَّب بن (الدَّلالُ) البصري ثقة (¬4) مَاتَ سنة 212. قال: (ثَنَا سَعِيدُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ عِيَاضٍ) الطائفي ذكرهُ ابن حبانَ في "الثقات" (¬5). (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي العَاصِ) بن بشر الثقفي، استَعملهُ النبي - صلى الله عليه وسلم - عَلى الطائف حَيَاته (¬6) (أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَهُ أَنْ يَجْعَلَ مَسْجِدَ الطَّائِفِ) أي: أمَره حين وَلَّاهُ الطائف أن يجعَل مَسْجد أهل الطائف الذي يتخذهُ بهَا ¬

_ (¬1) قال الألباني في "تمام المنة" ص 294: ضعيف بهذا اللفظ. (¬2) "صحيح البخاري" قبل حديث (446) من قول أنس معلقًا. (¬3) "شرح السنة" 2/ 354. (¬4) انظر: "الكاشف" (5135). (¬5) "الثقات" 5/ 378. (¬6) وأقره عليها أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما -.

لإقامة الصلوات (¬1) فيه. (حَيثُ كَانَ طَوَاغِيتُهُمْ) جَمع طَاغوت، وهو بيَت للصنم (¬2) الذي كانُوا يتعبدونَ فيهِ للهِ تعَالى، ويتقَربون إليه بالأصنام عَلى زَعْمهم؛ لأنها أنشئت وجددت عَلى اسم العِبَادَة، وكذَلكَ فعل كثير منَ الصَّحَابة حين فتحوا البلاد، جَعَلوا متعبدَاتهم مُتَعبدَات للمُسْلمين (¬3) وغَيرُوا محاربيها، وكذَا فعَل صَلاح الدين بن أيوب حِينَ افتتح بيت المَقدس. وقَد رَوَى الطبراني في "الكبير" و"الأوسط": أنه جَاء بإدَاوَة مِن عند النبي - صلى الله عليه وسلم - قد غسَل النبي - صلى الله عليه وسلم - وَجهه ومَضمض (¬4) وبَزَق فيهِ وقَال لهُ: "إذا أتَيتَ بِلادك فَرش به تلك البيعة (¬5) واتخذهُ مَسْجدًا". والبيعَة بِكَسْر البَاء للنصَارى، والجَمع بِيَع، مِثل سدرة وسدر، وفي الحَدِيث أنه كانَ يُصَلى في البيعة (¬6) وهي كنيسَة أهل الكتَاب. [451] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى) بْنِ عَبد الله (بْنِ فَارِسٍ) شيخ البخاري قال [الحُسَين بن الحَسَن] (¬7) سَمعتُهُ يَقولُ: ارتحلت ثَلاث رحلات وأنفقت على العلم (¬8) مائة وخَمسين ألفًا. ¬

_ (¬1) في (د): الصلاة. (¬2) في (د، م): الصنم. (¬3) في (ص، س): المسلمين. (¬4) في (م): وتمضمض. (¬5) في (س): البقعة. وكذا هي عند الطبراني في "الأوسط" (1957). (¬6) في (س): البقعة. وكذا هي عند الطبراني في "الأوسط". (¬7) في (د) الحسن بن يحيى. وليست في (م). (¬8) في الأصول الخطية: المائة. والمثبت من "تذكرة الحفاظ" 2/ 87.

(وَمُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى) بن فَروخ الخوَارزمي، شَيخ مُسْلم (وَهُوَ أَتَمُّ) إسنادًا منه (قَالَا: ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) بن سَعْد الزهري، حجة وَرع مَات سنة 208 (¬1). قال: (ثَنَا أَبِي) إبرَاهيم (¬2) بن سَعْد بن إبراهيم بن عَبد الرحمَن بن عَوف (عَنْ صَالِح) بن كيسَان، قال: (ثَنَا نَافِعٌ) مَولى ابن عُمر (أَنَّ عَبْدَ الله بْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَخْبَرَهُ أَنَّ المَسْجِدَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ) بفتح اللام وكَسر البَاء المُوَحَّدَة: مَا يُعمل منَ الطين ويبنى به قبل أن يُشْوى، وَيجوز التخفيف بإسْكان البَاء (¬3). فيه ترك المغالاة في المسَاجِد وأمَاكن العِبَادَة. (وَالْجَرِيدِ) رِوَاية البخَاري: وسَقفه الجَريد (¬4). بِفتح الجيم: وهوَ سَعَف النخل، الوَاحدة (¬5) جَريدة، فَعيلَة بِمَعنَى مَفعُولة، وإنما يسَمى جريدًا (¬6) إذا تجرَّدَ عنهُ خُوصه. (قَالَ مُجَاهِدٌ: عَمَدُهُ) بفتح أوله وثانيه، ويَجوز ضَمُّهمَا، واحده عمود، وقُرِئَ بالوَجهَين في قوله تعالى: {فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} (¬7) (خَشَبِ) يجوز فيه أيضًا الوَجْهَان يَعني: فتحهما وضمهما مُفْرَدًا وجمعًا. ¬

_ (¬1) "الكاشف" للذهبي 3/ 290. (¬2) كتب فوقها في (د): ع. (¬3) ليست في (م). (¬4) "صحيح البخاري" (446). (¬5) في (م): والواحدة. (¬6) في (م): جريد. (¬7) الهمزة: 9.

قال ابن بَطال (¬1) وغَيره: وهذا يَدُل على أن السُّنَّةَ في بنيان المَسْجد القصد (¬2) وترك الغلُو في تحسينه فقد كانَ عُمرُ مَعَ كثرة الفتوح في أيامه، وسَعة المال عندَهُ لم يغَير المَسْجد عَما كانَ عَليه ([النخل] (¬3) فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ شَيئًا) حِينَ جدَّدهُ، وإنما احتاجَ إلى تجديده؛ لأنه كانَ قد تنخر في أيامه. (وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ - رضي الله عنه - وَبَنَاهُ عَلَى بنيَانه) أي: حِيَطانه بجنس الآلات المَذكورة، ولم يغَير شَيئًا من هيئتهِ إلا توسعته. (فِي عَهْدِ) صِفَة للبنيان، وإمَّا حَال (رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بِاللَّبِنِ وَالْجَرِيدِ، وَأَعَادَ عَمَدَهُ) بِوَجهَين كما تقدم، أي: كَما كَانَت. (قَالَ مُجَاهِدٌ): وَجَعَل (عُمُدَهُ خَشَبًا) كما كانت، (وَغَيرَهُ) روَاية البخَاري: "ثم غَيَّرَهُ" (¬4) (عُثْمَانُ) مِنَ الوَجهَين [التوسيع وتغيير] (¬5) الآلات (¬6) (فَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً كَثِيرَةً، وَبَنَى جِدَارَهُ بِالْحِجَارَةِ المَنْقُوشَةِ وَالْقَصَّةِ) بفتح القَاف وتشديد الصَّاد المهملة: وهوَ (¬7) الجِصّ بلُغَة أهل الحجَاز. ¬

_ (¬1) "شرح البخاري" 2/ 97. (¬2) في (ص، س، ل): العقد. (¬3) ساقطة من الأصول، والمثبت من "السنن". (¬4) "صحيح البخاري" (446). (¬5) في (ص): التوسع وتغير، و"الفتح". (¬6) "الفتح" 1/ 643. (¬7) في (د، ل، م): وهي.

قال الخطابي: يشبه الجصّ، وليسَ بهِ (¬1) انتهى. فلعَلهُ أراد به الشيد فإنه أصْل الجِصِّ. (وَجَعَلَ عَمَدَهُ حِجَارَةً مَنْقُوشَةً) بالنصب في الثلاثة مَفعُول أول، ومَفعُول ثان، وصفته. (وَسَقَّفَهُ) بلفظ الماضي: عَطفًا عَلى جَعل. وبإسكان القاف (¬2) عطفًا على عَمَده (بِالسَّاجِ) نَوع مِن الخشب مَعروف يؤتى به منَ الهند. (قَالَ مُجَاهِدٌ: وَسَقَفَهُ) بفتحهما (السَّاج) ويُشبهُ أن يَكون سَقَّفهُ بتشديد القَاف، فَإنَّ سَقَفْتُ البَيتَ بالتخفيف مُتَعَدِّ إلى وَاحِد، وبالتَّشدِيد يتعَدى إلى ثَانٍ كما أنَّهُ بالهَمزة يتعدى إلى اثنَين، ويجوز أن يكونَ السَّاج مَنصُوب بحَذف حَرْف الجر، وأصلهُ سَقفهُ بالسَّاج كما في الروَاية المتقَدمَة. (قَالَ أَبُو دَاودَ: القَصَّةُ الجِصُّ) وأهْل بلادنا يُفَرقونَ بَيْنَ الجِصِّ والشيد، وَحُمِل فِعْلُ عثمان - صلى الله عليه وسلم - عَلى أنهُ حسن المسْجد بمَا لا يقتضي الزخرفة التي أخبرَ عَنهَا - صلى الله عليه وسلم -، ومَعَ ذلك فَقَد أنكر بَعضُ الصَّحَابة عَلَيه، وسَكت كثير من أهل العِلم عَن إنكار ذَلكَ خَوفًا مِن الفتنة، ورَخَّصَ في ذَلك بَعضهم، وهوَ قول أبي حَنيفةٍ (¬3) إذَا وَقَع ذَلك عَلىَ سَبيل التعظيم للمسَاجِد، ولم يَقع الصَّرفُ عَلى ذَلك من بَيت المال. قال ابن المنير: لمَّا شيد الناس بيوتهم وزخرفوها ناسَبَ أن يُصنع ذَلك بالمسَاجِد صوْنًا لها عَن الاستهانة. وتُعقب بأن المنع إن كان ¬

_ (¬1) "معالم السنن" 1/ 141. (¬2) من (د، م). (¬3) انظر: "المبسوط" للسرخسي 30/ 318 - 319.

للحث على اتباع السَّلف في ترك الرفاهية فهوَ كما قَال، وإن كانَ لخَشية شَغْل [القلب للمصَلي] (¬1) بالزخرفة فلا تبقى (¬2) هذِه العلة، وأول مَن زخرف المَسَاجد الوَليد بن عَبد الملك بن مَروَان، وذلك في أوَاخِر عَصْر الصحَابة. [452] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ) (¬3) قال: (ثَنَا عُبَيْدُ الله بْنُ مُوسَى) العَبْسي (عَنْ شَيْبَانَ) بن عَبْد الرحمَن التميمي النحوي. (عَنْ فِرَاسٍ) (¬4) بن محَيى الهمدَاني المُكتب (عَنْ عَطِيَّةَ) بن (¬5) سعْد صدوق يخطيء (¬6). (عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّ مَسْجِدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَتْ سَوَارِيهِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ جُذُوعِ النَّخْلِ [وأَعْلَاهُ مُظلل بِجَرِيدِ النَّخْلِ] (¬7) ثُمَّ إِنَّهَا نَخِرَتْ) بكَسْر الخاء مِثل لعِبَت (¬8) بوزنه أي: بليت وتفتتت مِن طُولْ المدة ([في خلافة أبي بكر] (¬9) - رضي الله عنه - فَبَنَاهَا بِجُذُوعِ النَّخْلِ وَبِجَرِيدِ النَّخْلِ) كما تقدم. (ثُمَّ إِنَّهَا نَخِرَتْ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ - رضي الله عنه - فَبَنَاهَا بِالآجُرِّ) بِمدِّ الهَمزة وتشديد ¬

_ (¬1) في (ل): قلب المصلي. (¬2) في (ص): تنفى. (¬3) ترك بعدها في (د) بياض قدر كلمتين. (¬4) كتب فوقها في (د، ل): ع. (¬5) زاد في (ص، س، ل): عوف قال. وهي زيادة مقحمة وهو عطية بن سعد العوفي كما في (د، م). وانظر ترجمته في "التهذيب" (3956). (¬6) انظر: "تقريب التهذيب" (4649)، قال الحافظ يخطئ كثيرا وكان شيعيا مدلسا. (¬7) سقط من (م). (¬8) في (ص): بغيت. (¬9) من (د). وتقدمت هذه العبارة في (م) فجاءت قبل قوله: بكسر الخاء.

الراء، وهوَ أشهرَ منَ التخفيف: وهوَ اللبِن إذا شُوي بالنار، الوَاحِدَة آجُرَّةٌ، وهوَ مَعرب (¬1) ومَا كرهَ أبُو بَكر وعُمَر تَشييدَهُ وتحسينه إلا لعلمهَما بكرَاهة النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - لذلك وليقتديَ بهَما مَن بَعدهما في الأخذ مِنَ الدنيا بالكفَاية المحصلة للمَقصُود، والزهد عَن مَعَالي أمُورِهَا، وإيثار البلغة منها في القوت واللباس والمكان - رضي الله عنهما -. (فَلَمْ تزَلْ ثابتة حَتَّى الآنَ) حتى أتى زمَان عَبد الله بن عُمَرَ. [453] (ثَنَا مُسَدَّدٌ) قال: (ثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ) بن سَعيد التميمي (عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ) يَزيد بن حُمَيد مصَغر الضُبَعي بضم الضَاد المُعجمة وفتح الموحدة. (عَنْ أنسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - المَدِينَةَ فَنَزَلَ فِي عُلْوِ) بضم العَين وكسْرهَا لغتان مَشهورتان (الْمَدِينَةِ) والعُلْو ضِدُّ السُّفل. (في قَوم يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ) بن (¬2) الخزرَج الأكبر أخي الأوس. (فَأَقَامَ فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشَرَةَ لَيْلَةً) وفي روَاية المُستملي والحموي: "أربعًا وَعشرين ليلة". والصَّوَابُ: أربع عَشرة ليلة كما ذكرهُ المصَنف [ومسلم (¬3) هنا، (¬4) وهذا هوَ المناسب في المعنى؛ لأنه بدر والبدر كماله في أربع عَشرة، فلما ازدَاد كماله في هذِه المدة شَرع في بنَاء بَيت يَعبُد الله تعالى فيه. ¬

_ (¬1) في (ص): معروف. (¬2) في (د): من. (¬3) "صحيح مسلم" (524) (9). (¬4) سقطت من (ص، س).

(ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى) مَلأ (¬1) (بَنِي النَّجَّارِ) بفَتح النون وتشديد الجيم (¬2) واسْم النجار تيم اللات بن ثعلبة بن عَمرو (¬3) بن الخَزرَج، وهم بَطن مِنَ الأنصَار، وروَاية مُسْلم: أرسَل إلى مَلأ بني النجار (¬4) يَعني: أشرافهم التي تملؤ رُؤيتهم الأعين (¬5). (فَجَاءُوا مُتَقَلِّدِينَ سُيُوفَهُمْ) بِنَصْب الفاء مَفعُول مُتَقَلِّدِين؛ لأنه اسْم فاعِل يَعمل عَمل الفِعْل. وَروَاية مُسْلم: "مُتقلدين بسُيُوفهم" (¬6). بزيَادَة البَاء، ومُتقَلدين نُصب على الحَال، وهذِه الروَاية المَشهورة، وفي روَاية كريمة للبخَاري: متقلدي السُيُوف (¬7). بحَذف النونِ للإضافة، والسُيوف مَجْرُور بالإضَافة. والتقليد: جعَل نجاد السيوف على المنكب. قالَ الزَّركشي: يحتمل تقلدهم السيوف ليرهبُوا اليَهُود وليروهم مَا أعدُّوا لنصرته - صلى الله عليه وسلم -. (قَالَ أَنسٌ: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَبُو بَكْرٍ) مُبتَدَأ خَبَره (رِدْفُهُ) بِكَسْر الراء وسُكون الدال. وفي روَاية النسَائي: رديفهُ (¬8) بفتح ¬

_ (¬1) ليست في (د، م). وهي رواية مسلم. (¬2) في (ص، س، ل): النون. وفي (م): الجيم. وعلق عليها في الهامش قائلا: كما في "الأم": النون. والمثبت من (د). (¬3) في (د): عمر. (¬4) "صحيح مسلم" (524) (9). (¬5) في (م): الأعلى. (¬6) "صحيح مسلم" (524) (9). (¬7) "صحيح البخاري" (428). (¬8) "سنن النسائي" 2/ 39.

الراء وكسْر الدال وزَيادَة ياء بعَد الدَال، وهي روَاية النسَائي، وهُما لغتان، والردف والرديف: الذي تحملهُ خلفك عَلى ظهر الدَابة. وفيه (¬1) إردَاف الدَابة إذا كانت مُطيقة. (وَمَلأُ بَنِي النَّجَّارِ حَوْلَهُ حَتَّى أَلْقَى) بفتح الهمزة والقَاف، أي: ألقى رَحله، أي: طَرحَهُ بالأرض. (بِفِنَاءِ) بِكَسْر الفاء والمد، وفناء الدَار مَا امتَد من جَوَانبهَا (أَبِي أَيُّوبَ) خَالد الأنصَاري، والمشهور أن الفناء هوَ المتسع الذي أمَام الدَار (وَكَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -) يحبُّ أن (يُصَلِّي) كذَا في البخَاري (¬2) (حَيثُ) وقَد نص الفُقهاء والأصُوليُّون على أنَّ (حَيْثُ) من صيغ العموم في الأمكنَة، كما أن (أَين) مِن صِيغ العُموم للأزمنة (¬3) فالتقدير: كانَ يُصَلي في أي مكَان (أَدْرَكتْهُ) أي: دَخَل عَليْه وَقت (الصَّلَاة) وهوَ فيهَا، لكن يخص عمُوم الأمكنَة بمَا رَوَاهُ ابن خزيمة والحَاكم والمصَنف مِن روَاية أبي سَعيد أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الأرض كلهَا مَسْجد إلا المقبرَة والحمام" (¬4). (ويُصَلِّي فِي مَرَابِضِ) (¬5) جَمْع مَرْبِضْ بِوَزن مَجْلِس، وقالَ ابن حَجر (¬6): بكَسْر الميم مَأوى (الْغَنَمِ) ليلًا، ورُبُوض الدابة مِثل بُروك الإبل، وقد بَين البخَاري بَما رَوَاهُ مِن حَدِيث أنَس أيضًا أن النَبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) في (د، م): وفي. (¬2) "صحيح البخاري" (428). (¬3) في (ص): اللازمة. (¬4) أخرجه ابن خزيمة (791)، والحاكم 1/ 251. (¬5) زاد في (س): كلمة: الغنم وليس هذا موضعها. (¬6) "فتح الباري" 1/ 627.

كانَ يصلى في مِرابض الغَنَم قبل أن (¬1) يبني المَسْجِد (¬2). والمعنى (¬3): أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ يحب أن يُصَلي الصلاة (¬4) حَيث دَخَل عَليه وقتها، سَوَاء كانَ في مرَابض الغَنم أو غَيرهَا، وَبين في هذا الحَدِيث [أن ذلك كانَ قبل أن يبنى] (¬5) المَسْجد، ثم بَعْد بنَاء المَسْجْد صَار لا يحب الصَّلَاة في غَيره إلا لضَرورَة. قَال ابن بَطال (¬6): هذا الحَدِيث حجَّة عَلى الشَافعي في قَوله بنجَاسَة أبوَال الغَنم؛ لأن مرابض الغنم لا تَسلم مِن ذلك، وتعقب بأن الأصل الطهَارة، وعدَم السَّلَامة منهَا غالبًا (¬7) وإذا تعارَضَ الأصْل والغالب قدم الأصْل (¬8). (وإنَّهُ) بِكَسْر الهَمزَة (أَمَرَ) بفتح الهَمزة والميم عَلى البِنَاء للفاعِل، وروي بضم أوله وكسْر ثانيه عَلى البنَاء للمفعُول أي: أمر من عند الله (بِبِنَاءِ المَسْجِدِ) بعد ذَلك. (فَأَرْسَلَ) حِينَ أرَادَ بناءهُ (إِلَى بَنِي النَجَّارِ وقَالَ: يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي) بالثاء المُثَلثة أي: اذكروا لي ثمنه لأشتَريه منكم، وبَوَّبَ عَلَيه البُخَاري ¬

_ (¬1) ليست في (د). (¬2) "صحيح البخاري" (429). (¬3) في (ص): وروى. وسقطت من (س، ل، م). (¬4) من (د). (¬5) في (ص، س، ل): أنه كان يبني، وفي (م): أن كان بعد بنى. والمثبت من "الفتح". (¬6) "شرح البخاري" 2/ 83. (¬7) في (د، م): غلب. (¬8) "فتح الباري" 1/ 627.

صَاحب السِّلعة أحَقُّ بالسَّوم يَعني منَ المشتري في ذكر الثمن؛ لأنه المالك وفي مَعناهُ المؤجر. (بِحَائِطِكُمْ هذا) والحَائط البُستان الذي عَليْه مَا يحوطه. (فَقَالُوا: والله لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلا) استثناء مُنقطع أي: لكن نكل الأمر فيه (إِلَى الله) وإلى بمعنى من (¬1) وكذَا وَقع عندَ الإسَماعيلي (¬2): لا نطلبُ ثمنهُ إلا منَ الله. ورواية ابن مَاجه: لا نأخذ له ثمنا أبدًا (¬3). وظاهِر الحَديث أنهُم امتنعُوا أن يأخذوا منهُ ثمنًا، لكن ذكر محَمد بن سَعد، عَن الوَاقدي أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - اشتراهُ منهم بَعشرة دَنانير دَفعَهَا عنهُ أبو بكر - رضي الله عنه - (¬4). ويَحتمل أنهم لما امتنعُوا من أخذ ثمنه لم يقبل، بَل ألح عَليهم حَتى أخَذُوا ثَمنه عَشرة دَنَانير. (قَالَ أَنَسٌ: وَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ لَكُمْ: كَانَتْ فِيهِ) أي: في الحَائط الذي بنى في مكانه المَسْجد (قُبُورُ المُشْرِكِينَ، وَكانَتْ فِيهِ خِرَبٌ) قال ابن الجَوزي (¬5): المعَرُوف فيه فتح الخَاء وكسْر الراء بعدهَا بَاء موَحدة، جَمع خربة، كَكَلم وكلمة، وحكى الخطابي (¬6) أيضًا كسْر أوله وفتح ثانيه، جمع خِربة، كعنَب وعنَبة. قالَ ابن حجر: والمشهور في "سُنَن ¬

_ (¬1) من (د، ل، م). (¬2) وكذا عند ابن خزيمة (788). (¬3) "سنن ابن ماجه" (742). (¬4) "الطبقات الكبرى" لابن سعد 1/ 239. (¬5) "كشف المشكل من حديث الصحيحين" 3/ 260. (¬6) انظر: "أعلام الحديث" 1/ 390 - 391.

أبي دَاود" فتح أوله وكسْر ثانيه (¬1). (وَكَانَ فِيهِ نَخْلٌ، فَأَمَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِقُبُورِ المُشْرِكينَ فَنُبِشَتْ) فيه جَوَاز نَبش القُبور الدارسة، وأَنَّهُ إذا أزيل ترابهَا المختلط بِصَديدهم ودمَائهِمْ جَازت الصَّلاة في تلك الأرض، وجَوَاز اتخاذ مَوْضعهَا مَسْجِدًا إذا طُيِّبَت أرضه. وفيه أَن الأرض التي دفن فيها الموتى ودرسَت يَجُوز بَيْعهَا وهبتها، وإن لم يذكر البَيع في الأرض؛ لأنه لو لم يَجُز لم يطلبه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنها بَاقية عَلى ملك صَاحبهَا وورثته من بَعده إذا لم تُوقَفْ. [(وبالخِرب فسُوِّيت)] ومَعنى التسوية أن يكون فيهَا بنَاء هَدم (¬2) أو ارتفاع وانهبَاط من مَوضع الأشجار، فسُوّيت الأرض بإزالته لتَصير جَميع الأرض مُسْتَوية مَبسُوطَة للمصَلين (وَبِالنخْلِ فَقُطِعَ) فيه جَوَاز قطع الأشجار المُثمرَة للحَاجَة، وتعقب لاحتمال أن تكون تلك الأشجار (¬3) (فَصَفُّوا النَّخْلَ) التي قُطِعَت (قِبْلَةً للْمَسْجِدِ). قال الكرمَاني في قوله: (فَصفوا النخل) أي: مَوَاضع النخل، والظاهر أنهمُ صَفوا النخل قائمة في مَوْضع المحراب وغيره مِن جهة القبلَة سُترة للمصَلين، ويدل على ذلك قوله: (وَجَعَلُوا عِضَادَتَيهِ) بِكَسْر المُهملة أي: جَانبا العَتبَة مِنَ البَاب، ويحتمل أن يَكون عضادَتي المِحْراب. (حِجَارَةً، وَجَعَلُوا يَنْقُلُونَ الصخر) (¬4) روَاية ابن مَاجَه: فكانَ النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" 1/ 627. (¬2) في (ص، س): هذه. (¬3) كذا بالأصول الخطية، ولعله سقط لفظة: يابسة. (¬4) من (د، م). وبياض في (ل).

يَبنيه وهمُ يناولونَه والنَّبي - صلى الله عليه وسلم - يَقول (¬1) (وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ) ويقَالُ: يُرجِزُون بوَزن: يُقْبلون أي: يقولُون (¬2) شعر الرَّجز، وهو نَوع مِن أنواع الشعر، وَقيل: لَيْسَ الرجز من أبحر (¬3) الشعر (وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَهُمْ وَ) هُوَ (يَقُولُ) لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يقول الشعر (اللَّهُمَّ لَا خَيرَ إلا خَيرُ الآخِرَهْ) روَاية ابن مَاجَه: "إن العَيشَ عَيشُ الآخِرَة" (¬4). (فَانْصُرِ الأنَصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ) وأكثَر روَاة البخَاري: "فاغفر للأنصَار والمُهَاجره" (¬5). وَروَاه المُستملي والحمَوي "فاغفر الأنصار" (¬6). بحَذف اللام، [توَجه بأن] (¬7) أغفر ضمن مَعنى أستر، وفيه جَوَاز قَول الأشعار في (¬8) حَال البنَاء وغَيره مِنَ الأعمال والأسفار تَنشيطًا للنفوس وتَسهيلًا للأعمال، واختَلفُوا في أنَّ الرَّجز شعر أمْ لَا، واتفقوا على أنَّ الشعر لا يكون شِعرًا إلا بالقَصد، أمَا إذا جَرى كلام مَوزُون بِغَير قصد فلا يكون شِعرًا، وعَليه يحمل مَا جَاء عَن النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك. [454] (ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التبوذكي، قال: (ثَنَا حَمَّادُ) بْنُ سَلَمَةَ (عن أَبِي التَّيَّاحِ) يزيد بن حمَيد. ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (742). (¬2) في (ص، س): يقول. (¬3) من (د، س، ل، م). (¬4) "سنن ابن ماجه" (742). (¬5) "صحيح البخاري" (428). (¬6) في (د): للأنصار. (¬7) في (ص): بوجه ثان. (¬8) سقط من (د).

(عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كانَ مَوْضِعُ المَسْجِدِ حَائِطًا (¬1) لِبَنِي النَّجَّارِ فِيه خِرَب) (¬2) تقدم (¬3). (وَنَخْلٌ وَقُبُورُ المُشْرِكينَ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ثَامِنُونِي بِهِ. فَقَالُوا: لا نَبْغِي) أي: لا نطلب ثمنه (فَقَطَعَ النَّخْلَ) بفتح القَاف والطاء [من قطع] (¬4) ونَصب النخل مَبني للفاعِل أي: أمر بالقطع (وَسُوِّيَ الحَرْثُ) بفتح الحَاء المهملة وآخرهُ ثاء مثَلثة، هَكذا روَاية حَماد عَن أبي التياح (¬5). قال ابن حجرَ: وهم من روى في البخاري بالمهملة (¬6) والمثَلثَة؛ لأنها إنما جَاءت من روَاية ابن سَلمة عن أبي التياح (¬7)، والبخَاري إنما أخرَجَهُ مِن رِوَاية عَبد الوَارث (¬8). قالَ الخَطابي (¬9): لعَلَّ صَوَابه خُرَبٌ بضم الخاء المُعجمة، جَمع خُرْبة بالضم، وهي الخروق في الأرض، أو لَعَلهُ جرف (¬10). قال القاضي: [مَا أدرِي] (¬11) مَا اضطره إلى هذا المعنَى (¬12) يعني: ¬

_ (¬1) في (ص): حافظًا. (¬2) في (ص): حرث. (¬3) سقط من (د). (¬4) من (د، م). (¬5) في (ص): النتاج. (¬6) في الأصول الخطية: بالموحدة. (¬7) في (ص): النتاج. (¬8) "الفتح": 1/ 627. (¬9) "أعلام الحديث" 1/ 390 - 391. (¬10) في جميع النسخ (خرق). (¬11) سقط من (د). (¬12) سقط من (د، م).

أن هذا تكلف لا حَاجَة إليه، فإن الذي ثبت في الروَاية صَحيح المَعْنَي لا حَاجَة إلى تغييره (¬1). (وَنُبِشَ قُبُورُ المُشْرِكينَ) مِنَ الجَاهلية وغَيرهم أي: دونَ غَيرهَا مِن قبور الأنبيَاء وأتباعهم لما في نبش القبر وإخرَاج الميت من إهَانة لهُ، فلهَذا جَاز نَبش قُبور المشركين وغَيرهم ممن لا حُرمة له. (وَسَاقَ الحَدِيثَ) المتَقدم (وَقَالَ) في هذِه الروَاية (فَاغْفِرْ) الأنصَار (مَكَانَ فَانْصُرْ) الأنصَار، وسَبَقَ تَوجيهه (¬2) بأن اغفر ضمن معنى استُر؛ فَإنَّ الغفر هوَ الستر، ومنهُ سُميَ المِغْفَر؛ لأنهُ يَسْتر الرأس. (قَالَ مُوسَى) بن إسماعَيل (وَثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ) التنوري (بِنَحْوِهِ، وَكَانَ عَبْدُ الوَارِثِ يَقُولُ) في روَايته (¬3) (خَرِبٌ) بِفَتح الخاء المُعجمة وكَسْر الرَّاء، (وَزَعَمَ عَبْدُ الوَارِثِ أَنَّهُ أَفَادَ حَمَّادًا) يَعني: ابن سَلمة (هذا الحَدِيثَ) واللهُ أعلم. ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" للنووي 5/ 7. (¬2) في (ص، ل): توجيه. (¬3) في (ص، س، ل): رواية.

13 - باب اتخاذ المساجد في الدور

13 - باب اتخاذ المَساجِدِ فِي الدُّورِ 455 - حَدَّثَنا محَمَّد بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنا حُسَين بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زائِدَةَ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُروَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: أَمَرَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِبِناءِ المَساجِدِ في الدُّورِ وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ (¬1). 456 - حَدَّثَنا محَمَّد بْنُ داودَ بْنِ سُفْيانَ، حَدَّثَنا يحيَى -يَعْنِي ابن حَسّانَ- حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْن مُوسَى، حَدَّثَنا جَعْفَرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ سَمُرَةَ، حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ سُلَيْمانَ، عَنْ أَبِيهِ سُلَيْمانَ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ أَبِيهِ سَمُرَةَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى ابنهِ أَمّا بَعْدُ فَإنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَأمُرُنا بِالمَساجِدِ أَنْ نَصْنَعَها فِي دِيارِنا وَنُصْلِحَ صَنْعَتَها وَنُطَهِّرَها (¬2). * * * باب اتخاذ المساجد في الدور [455] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ العَلَاءِ) قال: (ثَنَا حُسَينُ بْنُ عَلِيٍّ) بن الأسْوَد العجلي، قَالَ أبُو حَاتم: صَدُوق (¬3) (عَنْ زَائِدَةَ) بن قدامة - أو ابن نشيط (¬4) - وهما ثقتان (¬5). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (594)، وابن ماجه (758)، وأحمد 6/ 279. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (480). (¬2) رواه أحمد 5/ 17، والطبراني 7/ 252 (7026). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (481). (¬3) "الجرح والتعديل" 3/ 56. (¬4) المقصود هنا هو ابن قدامة، فإن ابن نشيط لم يرو له أبو داود سوى حديث واحد رقم (1328). ولم يرو عنه سوى ابنه عمران، وفطر بن خليفة. (¬5) في (ص): (نعتان). زائدة بن قدامة ترجمته في "الكاشف" (1608)، وزائدة بن نشيط ترجمته في "الكاشف" (1609).

(عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ) عُروَة بن الزبير أخي عبْد الله، (عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: أَمَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: أذِنَ (بِبِنَاءِ المَسَاجِدِ فِي الدُّورِ). قَالَ في "شَرح السُّنَّة" (¬1): يُريْدُ المحَال التي فيها الدُّور، وَمنهُ قَوله تَعالى: {سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} (¬2)؛ لأنهم كانُوا يسمونَ المحلة (¬3) التي اجتمعت فيهَا قبيلة دَارًا، ومِنهُ الحَديث: مَا بقيت دَار إلا بني فيها مَسْجِد. قَالَ سُفيان: بنَاء المسَاجِد في الدور يَعني القبائل (¬4). أي: منَ العَرب يتصل بعضها ببعْض، وهم بنو أب وَاحِد يبنى لكل قَبيلة مَسْجِدٌ، هذا ظاهِر مَعْنى تفسير سُفيان الدور، ويَدخل في المسَاجِد التي يقَام فيهَا الجُمعَة. قال أهل اللغَة: الأصْل في إطلاق الدُّور عَلى الموَاضِع، وقد تُطلق عَلى القَبائل مجَازًا (¬5). قالَ بَعض المحدثين: والبَسَاتِين في معَنى الدور، وعلى هذا فيُستحب بنَاء المَسْجد من حَجر، أو طُوب، أو لبِن، أو مدر، أو خشب، أو غَير ذَلك في كل محلة يحلهَا المقيمون بهَا، وهي مائة بَيت فما فَوقَها، كَذَا قيَّدَهُ بَعض أهل اللغَة، وكل قبيلَة وكل بَسَاتِين مُجتمعَة. قالَ البغَوي في "شَرح السُّنَّة": في هذا الحَدِيث دَليل على أن المَكان ¬

_ (¬1) "شرح السنة" 2/ 397. (¬2) الأعراف: 145. (¬3) في (د): المحال. (¬4) "شرح السنة" 2/ 399. (¬5) "المصباح المنير" (دور).

لا يصير مَسْجِدًا بالتسمِيَة (¬1) حَتى يُوقفهُ صَاحِبه أو يسبله (¬2) ولو صَار مَسْجِدًا لزَال عنهُ ملك المالك (¬3). (وَأَنْ تُنَظَّفَ) بالظاء المشالة لا بالضاد كما في بعض النسَخ المُصَحفة، ومَعْنَاهُ: تطهر، كما في روَاية ابن مَاجَه (¬4) يَعني تنظف مِنَ الوَسَخ والدنس، واختلاف اللغتَين يَدُل عَلى أن الطهَارة والنظافة بِمعنى واحِد كما تقول الفقهاء، وعَلى هذا فَتُحمل روَاية ابن مَاجَه على الطهَارة اللغَوية والشرعية. (وتُطَيَّبَ) أي: بطيب الرجَال، وهوَ مَا خفي لونه وظهرَ ريحهُ، فإن اللون رُبما شغل نظرَ (¬5) المُصَلي، والأولى في تطييب المسَاجِد (¬6) مَوَاضِع المُصَلين، ومَوَاضِع سُجودهِمْ أولى، وَيجوز أن يحمل التطييب على التجمير في المَسْجد، فَقَد ذكر الحَافظ عَبد الغَني المقدسي [وَرَوَاهُ أبو يَعلى عَن ابن عُمَر] (¬7) أن عُمرَ - رضي الله عنه - جَعَل نعيم بن عبَد الله عَلى إجمَار المَسْجد. أي: تبخيره (¬8) ولهذا سُمي نعيم المجمر بضم الميم وسُكون الجيم (¬9) هكذا ضَبَطهُ ابن دقيق العِيد (¬10)، وأما الحَافظ ¬

_ (¬1) سقط من (د). (¬2) في (ص): يسأله. (¬3) "شرح السنة" 2/ 400. (¬4) "سنن ابن ماجه" (758، 759). (¬5) في (د، م): بصر. (¬6) في (د): المسجد. (¬7) سقط من (م). (¬8) في (م): يبخره. (¬9) في (د): الحاء. (¬10) "إحكام الأحكام" 1/ 36.

أبُو حَاتم محمد ابن حبان فجزم بأن المجمر صفة لأبيه (¬1)، وتبعَهُ النوَوي في "شرح مسلم" (¬2). [456] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاودَ (¬3) بْنِ سُفْيَانَ) قال: (ثَنَا يَحْيىَ بْن حَسَّانَ) التنيسي مُتفق عَليه. قال: (ثَنَا سُلَيمَانُ (¬4) بْنُ مُوسَى) الزهري صَالح الحَديث (¬5). قال: (ثَنَا جَعْفَرُ (¬6) بْنُ سَعْدِ بْنِ سَمُرَةَ) بن جندب، قال: (ثنا خُبَيبُ) بِضَم الخَاء المُعجمَة ثمَّ بموَحدَة مُصَغر (بْنُ سُلَيمَانَ) بن سَمرة، وليسَ في السِّتة إلا خبيب هذا، وخبيب بن عَبد الله بن الزبير (¬7) انفرد به النسَائي، وخبيب بن عَبد الرحمَن عندَ الجماعة. (عَنْ أَبِيهِ سُلَيمَانَ بْنِ سَمُرَةَ) بن جندب (عَنْ أَبِيهِ سَمُرَةَ) بن جندب، (أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى بنيه) بعدَ السَّلام والحَمْدُ لله والصَّلاة عَلى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - (أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَأْمُرُنَا بِالْمَسَاجِدِ أَنْ نَصْنَعَهَا) أي: نَعْمَلهَا فِي دِيَارِنَا. (في (¬8) دورنا) هذا الحَديث روَاهُ أحمَد بإسْناد صحيح عَن عروة بن ¬

_ (¬1) "الثقات" 5/ 476. (¬2) "شرح النووي على مسلم" 3/ 134. (¬3) كتب فوقها في (د، ل): د. (¬4) كتب فوقها في (د، ل): د. (¬5) "الجرح والتعديل" 4/ 142. (¬6) كتب فوقها في (د، ل): د. (¬7) في (م): الزهر. (¬8) سقط من (م).

الزبير [عَمَّن حدثه] (¬1) من أصحَاب رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قال (¬2): كانَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يَأمُرُنا أن نصنع (¬3) المسَاجد في دورنا، وأن نصْلح صَنعتها ونطهرَها. [وجدة عُروَة بن الزبَير هي صَفية بنت المُطلب رَوَت عَن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - عَند (¬4) أحمد فالظاهِر أنها هي] (¬5) ويشبهُ أنَّ المراد بِصنَاعَة المَسَاجد في الدُّور للصَّلاة فيهَا التطوُّع، أو الفَرض إذا لم يذهب إلى المَسجِد الجَامع، وكذا للاعتكاف عندَ مَن يقول به، وقد يُؤخذ منهُ صحة اعتكاف المرأة في مَسْجِد بَيتها؛ وهو المعتزل المهَيأ للصَّلاة فيه، وقد اختلف مَذهَب الشافعي فيه، فالجَديد أنه لا يصح كما لا يَصح مِنَ الرجُل، وهذا هوَ المذهب الذي به قطعَ الجمهُور، والقديم يَصح اعتكاف المرأة في مَسْجِد بَيتها؛ لأنه يُسَمى مَسْجدًا، وقَد أمَر النبي - صلى الله عليه وسلم - باصطناع المَسَاجِد في الدور للصَّلاة فيه (¬6). قالَ شارح "المصَابيح": يحتمل أَنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - أذنَ أن يَبني الرجُل في دَاره مَسْجِدًا يصَلي فيه أهل بَيته، ولا يصير المَوْضع مَسْجدًا بالصَّلاة ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: عن جدته. وهو تحريف في نسخة المصنف، واستمر في الشرح على أساسه، فأخطأ. (¬2) في جميع النسخ قالت. (¬3) في (د): نضع. (¬4) في (ص، س، ل): عن. (¬5) كذا في جميع الأصول، وهذا ناشئٌ عن الخطأ الذي علقنا عليه سابقا والحديث عند أحمد في "مسنده" 5/ 371 من طريق عمر بن عبد الله بن عروة بن الزبير عن جده عروة عمن حدثه من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (¬6) "المجموع" 6/ 480، "الشرح الكبير" 3/ 262 - 263.

فيه. وقالَ أبو حنيفة (¬1): يَصح؛ لأنهُ موضع مسنون صَلاتها فيه، فأشبهَ المَسْجِد في حق الرجُل، وأجَاب الشافعية بأن البَيت مَوضع مَسْنون (¬2) الرجُل، ولَا يَصح اعتكافه فيه بالنفل (¬3). (وَنُصْلِحَ صَنْعَتَهَا) بِضم النُّون مَن نُصلح أي: يحسن صناعتها لا بالنقش والتزويق. (وَنُطَهِّرَهَا) مِنَ النجَاسَة والوَسَخ والدَّنَس، ويُؤخَذ مِنَ الحَدِيث الذي قبلهُ أنها تطيَّب كما تقدم. * * * ¬

_ (¬1) "المبسوط" للسرخسي 3/ 132 - 133. (¬2) زاد في (د): لصلاة. (¬3) في (س): بالليل.

14 - باب في السرج في المساجد

14 - باب فِي السُّرُجِ فِي المَساجِدِ 457 - حَدَّثَنا النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنا مِسْكِينٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ، عَنْ زِيادِ بْنِ أَبِي سَوْدَةَ، عَنْ مَيْمُونَةَ مَوْلاةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّها قالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ أَفْتِنا فِي بَيْتِ المَقْدِسِ فَقالَ: "ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ -وَكانَتِ البِلادُ إِذْ ذاكَ حَربًا- فَإِنْ لَمْ تَأْتُوهُ وَتُصَلُّوا فِيهِ فابْعَثُوا بِزَيْتِ يُسْرَجُ فِي قَنادِيلِهِ" (¬1). * * * باب في السُّرُجِ في المساجد (السُّرج) بِضَم السِّين والراء، جَمع سِرَاج، مثل كتَاب وكُتُب. [457] (ثَنَا النُّفَيلِيُّ)، قال: (ثَنَا مِسْكِينٌ) بن بكير، رَوَى له الشيخَان، (عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ) مُفتي دمشق وعالمها، روى لهُ مُسْلم. (عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي سَوْدَةَ) قالَ الشيخ صَلاح الدين العَلائي (¬2) في "وَسَائل الأنس إلى (¬3) فضَائل القدس": هذا فيه انقطاع، وقد رَوَاهُ مُعَاوية بن (¬4) صَالح، وثور بن يَزيد، عَن زياد بن أبي سودة، عَن أخيه عُثمان (عَنْ مَيمُونَةَ مَوْلَاةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله أَفْتِنَا) بفتح الهمزة. (فِي بَيتِ المَقْدِسِ) قالَ: وزياد بن أبي سَودة ذكرَهُ ابن حبان في ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (1407)، وأحمد 6/ 463. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (68). (¬2) في (ص، س، ل): العلاء. (¬3) في (ص): أي. وفي (ل): في. (¬4) في (ص، س، ل): من.

"الثقات" (¬1) وأخوهُ عُثمان مَشهُورَان (¬2) بالروَاية عَن الصحابة كأبي الدرداء وَعبَادَة بن الصَّامِت وأبي هُرَيرَة (¬3). روى عَنهُ جَمَاعَة كَثيرُون، وقالَ مروان بن محمَّد الدمشقي: هُوَ وأخوهُ ثبتَان (¬4) لم يتكلم فيهمَا أحَدٌ أصلا. والحديث أخرجَهُ ابن مَاجَه وزادَ: قلتُ: يَا رَسُولَ الله أفتنا في بَيت المقدس (¬5) (فَقَالَ: ) "أرْض المحشَر والمنشر (ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ) فإن صلاة (¬6) فيه كألف صَلاة في غَيره" قلت: أرَأيتَ إن لم أسْتَطع أن أتحمَّل (¬7) إليه؟ قالَ: "فتهدي إليه زَيتًا". (وَكَانَتِ البِلاد إِذْ) بمَعنى حين (¬8) [كقوله تعالى] (¬9): {وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} (¬10) أي: حين (¬11) تفيضون فيه. (ذَاكَ) الوَقت (حَرْبًا) يَعني مَعَ الكفار الذين فيه. (فَإِنْ لَمْ تَأتُوهُ وَتُصَلُّوا فِيهِ فَابْعَثُوا بِزَيْتٍ يُسْرَجُ فِي قَنَادِيلِهِ) ويشبه أن ¬

_ (¬1) "الثقات" 4/ 260. (¬2) في (د، م): مشهور. (¬3) في (م): الزهري. (¬4) في (ص): ثقتان. وانظر: "تاريخ دمشق" 38/ 373. (¬5) "سنن ابن ماجه" (1407). (¬6) من (د، م). وفي (ص): الصلاة. (¬7) في (ل) آتي. (¬8) في (ص، س): حيث. (¬9) سقط من (د، م). (¬10) يونس: 61. (¬11) في (ص، س): حيث.

يَكون الجَامع بين (¬1) الصلاة والزيت عند عَدَمهَا أن الصَّلاة نُور كما في "صحيح مسلم" (¬2) وغَيره، فكذلك الزيت نور كما قال تعالى: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} (¬3) وقَالَ ابن عَباس: يَكادُ الزيت الصَّافي يضيء قَبل أن تمسَّهُ النار ازدَادَ ضَوءًا عَلى ضَوءٍ (¬4). زادَ ابن مَاجَة في روَايَته: "فمن فعل ذلك -يَعني بعَث الزيت إليه- فَهْو كمن أتَاهُ" (¬5). ثم قالَ العَلَائي (¬6): هذا حَديث حَسَن -أو (¬7) صَحيح- إن شاء اللهُ، ثم قَالَ: وهوَ أقوى ما وَرَدَ في مقدَار المضَاعفة في الصَّلاة بالمَسْجِد الأقصى (¬8). وميمونة هذِه بنت سَعد، ويقال: بنت سَعيد، مولاةُ النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولهَا في كتُب السنَن أربع أحَاديث هذا أحَدُهَا. وقَد رَوَاهُ محمد بن عبد الرحمَن بن ثوبَان، عن ثور بن يزيد، عن (¬9) مكحول: أنَّ ميمونة سَألت رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - عَن بَيت المقدس؟ قال: "نعم المسكن (¬10) بَيت المقدس، ومن صَلى فيه صَلاة كانت كألف صَلاة فيمَا ¬

_ (¬1) في (ص): بيت. (¬2) "صحيح مسلم" (223). (¬3) النور: 35. (¬4) "تفسير الطبري" 19/ 182. (¬5) "سنن ابن ماجه" (1407). (¬6) في (ص، س، ل): العلاء. وفي (م): للعلالى. (¬7) سقط من (م). (¬8) قول العلائي هذا بنصه في "البلدانيات" للسخاوي ص 67. (¬9) في (د، م): بن. (¬10) من (د). وفي بقية النسخ: السكن.

سواهُ". قالت: فمَن لم (¬1) يُطق ذلك؟ قَال: "فليُهد لهُ زَيتًا" (¬2). ثم قالَ: وهذا مُرْسَل؛ لأنَّ مَكحولًا لم يَسْمَع من ميمونة انتهى. قُلتُ: وهذا الكتَاب "وسَائل الأنس (¬3) " سَمعته في الحضرة الموسَويَّة عندَ ضَريحه - صلى الله عليه وسلم - عند الكثيب (¬4) الأحمر بقراءة عَبد الرحمن بن الشيخ [الإمام العَلامَة] (¬5) شمس (¬6) الدين [محمد بن العَلامة فقيه المذهَب تقي الدين] (¬7) القلقشندي، بروَايته عَن شيخنا الشيخ المعمر شهاب الدين (¬8) أحمد ولد العَلائي المصَنف رَحمهُ (¬9) اللهُ، وفي هذا الحَدِيث فَضِيلة إسرَاج القناديل في المَسَاجد. وروى ابن مَاجَه "أن (¬10) أول من أسْرَج (¬11) في المساجد تميم الداري رَحمهُ اللهُ" (¬12). * * * ¬

_ (¬1) من (د، م). (¬2) أخرجه ابن عساكر في "الجامع المستقصى في فضائل المسجد الأقصى" ق 88 - ب. (¬3) في (ص): الأنسب. (¬4) في (م): المكتب. (¬5) سقط من (د، م). (¬6) في (ل): تقي. (¬7) سقط من (د، م). (¬8) في (د): بن. (¬9) في (د): رحمهما. (¬10) من (م). (¬11) زاد في (م): القناديل. (¬12) "سنن ابن ماجه" (760) قال البوصيري: هو موقوف. وفي إسناده خالد بن إياس اتفقوا على ضعفه، انظر: "مصباح الزجاجة" 1/ 96.

15 - باب في حصى المسجد

15 - باب فِي حَصَى المَسْجِدِ 458 - حَدَّثَنا سَهْلُ بْنُ تَمّامِ بْنِ بَزِيعٍ، حَدَّثَنا عُمَرُ بْنُ سُلَيْمٍ الباهِلِيُّ، عَنْ أَبِي الوَلِيدِ سَأَلت ابن عُمَرَ، عَنِ الحصَى الذِي فِي المَسْجِدِ فَقالَ: مُطِرْنا ذاتَ لَيْلَةٍ فَأَصْبَحَتِ الأَرْضُ مُبْتَلَّةً فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَأْتِي بِالحَصَى فِي ثَوْبِهِ فَيَبْسُطُهُ تَحْتَهُ فَلَمّا قَضَى رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الصَّلاةَ قالَ: "ما أَحْسَنَ هذا" (¬1). 459 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبيِ شَيْبَةَ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ وَوَكِيعٌ قالا: حَدَّثَنا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبيِ صالِحٍ قالَ: كانَ يُقالُ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذا أَخْرَجَ الحَصَى مِنَ المَسْجِدِ يُناشِدُهُ (¬2). 460 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحاقَ أَبُو بَكْرٍ -يَعْنِي: الصّاغانِيَّ- حَدَّثَنا أَبُو بَدْرٍ شُجاعُ بْنُ الوَلِيدِ، حَدَّثَنا شَرِيكٌ، حَدَّثَنا أَبُو حَصِينٍ عَنْ أَبِي صالِحٍ عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ -قالَ أَبُو بَدْرٍ- أُراهُ قَدْ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إنَّ الحَصاةَ لَتُناشِدُ الذِي يُخْرجُها مِنَ المَسْجِدِ" (¬3). * * * باب في حصى المسجد [458] (ثَنَا سَهْلُ (¬4) بْنُ تَمَّامِ) بفتح المثَناة وتشديد الميم (بْنِ بَزِيعٍ) ¬

_ (¬1) رواه ابن خزيمة 2/ 271 (1298)، والبيهقي 2/ 618. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (69). (¬2) رواه البيهقي 2/ 441. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (482). (¬3) رواه العقيلي في "الضعفاء" 2/ 184. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (70). (¬4) كتب فوقها في (د): د.

بِفتح البَاء الموَحَّدة، وكسْر الزاي، ثم مثَناة تحت الطفاوي ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬1) وقَالَ أبُو حَاتم وأبُو (¬2) زرعة: ليسَ بكذاب (¬3). قال: (ثَنَا عُمَرُ بْنُ سُلَيمٍ) بِضَم السِّين مُصَغر (الْبَاهِلِيُّ) صَدَّقَهُ أبُو زرعة (¬4) (عَنْ أَبِي الوَلِيدِ) عَبد الله بن الحَارث البصري نَسِيب (¬5) محمد بن سيرين قاله المنذري (¬6). والأرجح أنهُ مَولى بَني روَاحَة، وهو (¬7) مَجهُول، بخلاف عَبد الله بن الحَارث فإنهُ [في الستة] (¬8) (¬9). (قَالَ: سَأَلْتُ ابن عُمَرَ - رضي الله عنه - عَنِ الحَصَى) الصِّغَار (التي فِي المَسْجِدِ؟ فَقَالَ: مُطرنا (¬10) ذَاتَ لَيْلَةٍ فَأَصْبَحَتِ الأَرْضُ) يَعني: أرض المَسْجد (مُبْتَلَّةً) بإسْكان المُوَحدة وفتح المثناة فَوق (فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَأْتِي بِالْحَصَى فِي ثَوْبِهِ) فيه توَاضُع الصَّحَابة، واحتراصهم عَلى فِعْل الخَير (فَيَبْسُطُهُ تَحْتَهُ ليُصَلي عليه ويَجلس. (فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الصَّلاة) الظاهر أنها صَلاة الصُّبح (قَالَ: مَا ¬

_ (¬1) "الثقات" 8/ 290. (¬2) سقط من (د، م). (¬3) "الجرح والتعديل" 4/ 194. (¬4) "الجرح والتعديل" 6/ 113. (¬5) في (م): نسبه. (¬6) "مختصر السنن" 1/ 259. (¬7) من (د، م). (¬8) في (ص): نسبه. وفي (م): أشبه. (¬9) في (ص، ل): أتى الناسخ بترجمة عمير بن هانئ العنسي، وأقحمها هنا، وليست في (د، م): وهو الصواب. (¬10) في (ص): مضطربًا.

أَحْسَنَ هذا) فيه أن الكبير وإمَام المَسْجِد يُسْتَحبُّ لهُ إذا رَأى شخصًا أو جَمَاعَة فعَلوا في المَسْجِد شَيئًا مِن مَصالحه و (¬1) مَصَالح المُسْلمين أن يثني عَليهم، ويحسن فعلهم، ويدْعُو لهم. [459] (ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ) قال: (ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ) محَمد بن خازم الضرير (¬2) (وَوَكِيعٌ قَالا: ثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذكوَان السمان (¬3) التابعي (قَالَ: كَانَ يُقَالُ إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَخْرَجَ الحَصَى مِنَ المَسْجِدِ يُنَاشِدُهُ) بالله، أي: يستعْطفه ويسألهُ بالله مُقسمة عليه أن لا يخرجهَا مِنَ المَسْجِد. [460] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَبو بَكْرٍ الصَّاغَانِي) شيخ مُسْلم، قال: (ثَنَا أَبُو بَدْرٍ (¬4) شُجَاعُ بْنُ الوَلِيدِ) بن قيس السكوني (¬5)، قال: (ثَنَا شَرِيكٌ) ابن عَبد الله النخعي، قال: (ثَنَا أَبُو حُصيبن) بضم الحَاء وفتح الصَّاد (¬6) المهمَلتَين، واسْمهُ عُثمان (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) الزيات (¬7). (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ أَبُو بَدْرٍ أراه) أي: أظُنهُ (قَدْ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إِنَّ الحَصَاةَ) الوَاحِدة والله (لَتُنَاشِدُ (¬8) الذِي يُخْرِجُهَا مِنَ ¬

_ (¬1) في (د): أو من (¬2) سقط من (د، م). (¬3) في (ص): التيمان. (¬4) في (د) زيد. وكتب فوقها: ع. وبياض في (ل). (¬5) في (م) السلولي. والمثبت من "الثقات" 6/ 451، و"تهذيب الكمال" (2702). (¬6) بفتح الحاء وكسر الصاد. (¬7) في (ص): الريان. (¬8) في (ص): ليتناشد. وبياض في (س، ل).

المَسْجِدِ) إذَا أرَادَ إخرَاجهَا مِنهُ، يَجوز أن يَكون هذا بِوَحيٍ من الله تَعَالى، ويجوز أن يَكونَ إخبَارًا عَن سَمَاعهَا مُناشدَتها لآخذهَا، فيَكون هذا مِنْ مُعجِزَاته كما كانَ يُسَبح (¬1) الحَصَى في كفه - صلى الله عليه وسلم -. وفي هذا النهيُ عَن إخرَاج تراب المَسجد وحجارته وسَائر أجزائه منه إلى غَير المَسْجِد، وإذا صَدَر هذا مِنَ الجماد فما ظنك أيهَا الآدمي بأن يكون قد أكرمَك الله بإدخَاله بَيته، فتخرج مِنه بنَفسك لغَير ضَرُورَة ولا إكرَاه، ورُبمَا خرَجَ منهُ لغَير حَاجَة أكيدَة. ¬

_ (¬1) في (د): تسبيح.

16 - باب في كنس المسجد

16 - باب فِي كَنْسِ المَسْجدِ 461 - حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهّابِ بْن عَبْدِ الحَكَمِ الخَزّازُ، أَخْبَرَنا عَبْدُ المجِيدِ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوّادٍ، عَنِ ابن خرَيْجٍ عَنِ المطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَنْطَبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "عُرِضَتْ عَلي أُجُورُ أُمَّتِي حَتَّى القَذاةُ يُخْرِجُها الرَّجُلُ مِنَ المَسْجِدِ وَعُرِضَتْ عَلي ذُنُوبُ أُمَّتِي فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ القُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيَها رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَها" (¬1). * * * باب في كنس المسجد [461] (ثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الحَكَمِ) الوَراق (الْخَزَّازُ) ثقة صَالح، قالَ أحمد: قل من يَرى مثله (¬2)، قالَ: (أَخْبَرَنَا [عَبْدُ المَجِيدِ] (¬3) بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ [أَبِي رَوَّاب]) (¬4) بتشديد الوَاو الأزدي مَولاهُم المكي، وثقهُ يَحيى بن معين (¬5)، (عَن) عَبد الملك (ابن جريج (¬6)، عَنِ المُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ حَنْطَبٍ) بفتح الحَاء المُهملَة وسُكون النون، وفي نُسَخ "الموَطأ" حوَيْطب بِدَل حنطب، وهو خَطأ، (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2916). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (71). (¬2) "بحر الدم" ص 103، و"التهذيب" 18/ 499. (¬3) في (س): عبد العزيز. (¬4) في (م): أواد. (¬5) "تاريخ ابن معين رواية الدوري" 3/ 60، ورواية الدارمي (676). (¬6) في (ص): جرير.

قال: (¬1) قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي) أي: أُجُور أعمال أُمتي جَميعها (حَتَّى) لانتهاء غاية مَا عرضت عَليه. (الْقَذَاةِ) بتخفيف الذال المعجمة والقَصر [والجَر بِحَتَّى] (¬2): الوَاحِدَةُ مِنَ التبن والتراب وغَير ذَلك. (يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ) أو المرأة. (مِنَ المَسْجِدِ) وهذا فيهِ تَرغيب في تنظيف المَسَاجِد مما يَحصُل فيهَا مِنَ القمامَات القَليلة، وأنهَا تكتب في أُجورهم وتعرض عَلى نَبيِّهم، وإذا كتب هذا القَليل وعرض، فيكتب الكثير ويُعرض من بَاب الأولى، ففيه تنبيه بالأَدنى عن الأعلى، وبالطَّاهِر عن النَّجس، والحَسَنَات عَلى قدر الأعمال، وسَمعتُ من (¬3) بَعض المشايخ أنهُ يَنبغي لمن أخرجَ قذاة مِنَ المَسْجِد، أو أذى مِنْ طَريق المُسْلمين أن يقول عندَ أخذهَا لإزَالتها: لا إله إلا الله، لِيَجْمَع بينَ أدنَى شعَب الإيمان وأعلاهَا، وهي كلمَة التوحيد، وبَيْنَ الأفعَال والأقوال، وإن اجتمع القَلب مَعَ اللسَان كانَ ذلك أكمل. (وَعُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ) جَميع (أُمَّتِي) فأضافَهم إليه تَكريمًا لهُمْ، وأنهم مَعَ الذنوب دَاخلون في أمته. (فَلَمْ أَرَ) منهَا حين عرضت علي (ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ (¬4) سُورَةٍ مِنَ القُرْآنِ أَوْ آيَةٍ) من القرآن (أُوتِيَهَا رَجُلٌ) (¬5) أي: امتنَّ الله تعالى عليه بِتَعلمِهَا. ¬

_ (¬1) من (د). (¬2) سقط من (م). (¬3) سقط من (د). (¬4) زاد في (م): أوتي. (¬5) سقط من (م).

(ثُمَّ نَسِيَهَا) فيه دَليل عَلى جَوَاز قَول الإنسَان: نسيت [آية كذا، أو سورة كذا من غير كراهة، أما ما رواه مسلم: "بئسما لأحدهم أن يقول نسيت آية كيت وكيت] (¬1) بَل هوَ نُسِّي" (¬2). قَال المازري: أولى (¬3) مَا يُؤَوَّلُ به أن يَكونَ هذا مِن ذَم الحال و [كراهته، لا ذم] (¬4) القول، أي: بئستِ الحَالة والصِّفة لمن أُوتي القرآن أن يغفل عنهُ حتى نَسيهُ، فقال: نَسيته وهوَ لم ينسَ مِنْ قبَل نفسه، إذ ليْسَ النسْيان من فِعله، لكنَّهُ مِن فِعْل الله الذي نَساهُ إيَّاهُ عُقوبة لإعراضه عنهُ واستخفافه بحقه، وحكاهُ النوَوي عَن القاضي عياض وقال: يُكرَهُ أن يَقول نَسيت آية كَذَا وَكذَا كَرَاهة تَنزِيه انتَهى (¬5). قال شارح "المصَابيح": قولهُ في الحَديث: "فَلَمْ أرَ ذَنبًا أعظم" أي: مِن سَائر الذنوب الصَّغَائر؛ لأن نسيَان القرآن مِنَ الحفظ لَيْسَ بِذَنب كبير، إن لم يَكن مِن استخفاف وقلة تَعظيمه للقرآن، وإنما قال عليه السلام هذا التشديد العَظيم تَحريضًا منهُ على مُرَاعَاة حِفظ القُرآن (¬6). * * * ¬

_ (¬1) من (د، م). (¬2) "صحيح مسلم" (790) (229). (¬3) في (ص): أول. (¬4) في (ص، س، ل): كراهية ذم. (¬5) "إكمال المعلم" 3/ 155، وانظر: "شرح النووي على مسلم" 6/ 76. (¬6) انظر: "نيل الأوطار" 2/ 159 فقد نقل الكلام برمته، و"مرعاة المفاتيح" 2/ 429.

17 - باب في اعتزال النساء في المساجد عن الرجال

17 - باب فِي اعْتزالِ النِّساءِ فِي المَساجدِ عَنِ الرِّجالِ 462 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ وَأَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ، حَدَّثَنا أَيُّوبُ، عَنْ نافِع، عَنِ ابن عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ تَرَكْنا هذا البابَ لِلنِّساءِ". قالَ نافِعٌ: فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ ابن عُمَرَ حَتَّى ماتَ. وقالَ غَيْرُ عَبْدِ الوارِثِ: قالَ عُمَرُ، وَهُوَ أَصَحُّ (¬1). 463 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ قُدامَةَ بْنِ أَعْيَنَ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نافِعٍ قالَ: قالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - فَذَكَرَهُ بِمَعْناهُ وَهُوَ أَصَحُّ (¬2). 464 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ -يَعْنِي ابن سَعِيدٍ- حَدَّثَنا بَكْرٌ -يَعْنِي ابن مُضَرَ- عَنْ عَمْرِو بْنِ الحارِثِ عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ نافِع أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ كانَ يَنْهَى أَنْ يُدْخَلَ مِنْ بابِ النِّساءِ (¬3). * * * باب في اعتزال النساء في المساجد عن الرجال [462] (ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمرو) بن أبي الحَجاج مَيسرَة المنقري (أَبُو مَعْمَرٍ) شيخ البخَاري، قال: (ثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ) بن سَعيد، قال: (ثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِع، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: لَوْ تَرَكنَا) يُشبهُ أن يَكون معْنى (لو) التمني فإن عَلامتهَا أن يَصح مَوضعهَا "ليت" ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في "الأوسط" 1/ 303 (1018)، وابن حزم في "المحلى" 3/ 131، وابن عبد البر في "التمهيد" 23/ 397. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (483). (¬2) صححه الألباني في "صحيح أبي داود" 2/ 361. (¬3) رواه البخاري في "التاريخ الكبير" 1/ 60. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (73).

كقوله تعَالى: {فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} (¬1) والتمني فى مَعنَى (¬2) الطلب أن يكون (هذا البَابَ لِلنِّسَاءِ) ولما فهمَ منهُ ابن (¬3) عمر ذَلك. ([قال نافع: ] (¬4) فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ ابن عُمَرَ حَتَّى مَاتَ) لشدة تمسكه بأقوَال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفعَاله وَإرَادَته، وكما جَعَل للنسَاء بَاب يَدْخلن منهُ، ويخرُجنَ منهُ، جَعل لَهُنَّ في الطريق حَافات الطرِيق، كما في روَاية أبي أسيد من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "عَلَيكُن بحَافات الطريق" (¬5). وكَذا يَجعَل لهُنَّ في مَسْجِد الأقصىَ ونَحْوه مَوَاضع مُعدة يُصَلِّين فيهن ويَعتكفنَ فيهن لئَلا يَخْتَلطنَ بالرجَال. (وَقَالَ غَيرُ عَبْدِ الوَارِثِ: قَالَ عُمَرُ، وَهُوَ) أي: ترك البَاب لَهُنَّ (أَصَحُّ) (¬6) مِن اجتماعِهِن في بَاب وَاحِد (¬7). [463] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ بْنِ أعين) (¬8) المصيصي مَوْلى بَني هَاشِم، قالَ الدَارقطني: ثقَة (¬9). (قال: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ) ابن عُليَّة (عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ ¬

_ (¬1) الشعراء: 102. (¬2) في (س): طلب. (¬3) سقط من (د). (¬4) من (د). (¬5) رجح الدارقطني رواية الوقف على عمر - رضي الله عنه -. انظر: "علل الدارقطني" (2922). (¬6) أخرجه أبو داود في "سننه" (5272). (¬7) لم يقصد أبو داود رحمه الله بقوله: وهو أصح. ما ذكره المصنف هنا رحمه الله وإنما عنى أن رواية الوقف أصح من رواية الرفع والله أعلم. (¬8) في (ص): أعنز. (¬9) "العلل" 10/ 137.

الخَطَّابِ بِمَعْنَاهُ وَهُوَ أَصَحُّ) (¬1) وأولى. [464] (ثَنَا قُتَيبَةُ بن سَعِيدٍ) قال: (ثَنَا بَكْر (¬2) بْنَ مُضَرَ) رَوَى لهُ الشَّيخَان (عَنْ عَمْرِو بْنِ الحارث) (¬3) روى له الجَماعة (عَنْ بُكَيرٍ) (¬4) ابن عَبْد الله (عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - كَانَ يَنْهَى) الرجال (أَنْ يُدْخَلَ مِنْ بَابِ النِّسَاءِ)، وكذا ينهى النسَاء أن يدخلنَ مِن بَاب الرجَال، وإذا مُيِّز الرجَالُ عَنِ النسَاء في الأبوَاب والطرُق، فَبالأولى أن يمَيزن في مَوَاضِع الصَّلوَات في المسَاجد ومُصلَّى العِيد وفي المطَاف. * * * ¬

_ (¬1) وعلى هذه الرواية فالأثر منقطع فإن نافعًا لم يدرك عمر - رضي الله عنه -، وكذا الرواية التي تليها. وقال الدارقطني في "العلل" (2922): قال ابن عيينة: عن نافع عن ابن عمر عن عمر من قوله، وهو الصواب. وكذا رواه عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر عن عمر موقوفًا. فعلى هذا تكون رواية عمر - رضي الله عنه - متصلة. إلا أني لم أقف على هاتين الروايتين عن عمر. ثم وقفت على الحديث مرفوعًا من رواية أبي داود الطيالسي عن عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه الطيالسي 1/ 251. لكن عبد الله بن نافع: ضعيف. قال البخاري: منكر الحديث. (¬2) في (د): بكير. (¬3) في (ص): الخازن. (¬4) كتب فوقها في (د): ع.

18 - باب فيما يقوله الرجل عند دخوله المسجد

18 - باب فِيما يقولُهُ الرَّجُلُ عِنْدَ دُخُولِهِ المَسْجدَ 465 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ عُثْمانَ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ -يَعْنِي الدَّراوَرْدِيَّ- عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ قالَ: سَمِعْتُ أَبا حُمَيْدٍ أَوْ أَبا أُسَيْدٍ الأنصارِيَّ يَقُولُ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا دَخَلَ أَحَدُكمُ المَسْجِدَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَ لْيَقُلِ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوابَ رَحْمَتِكَ فَإِذا خَرَجَ فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ" (¬1). 466 - حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بْن بِشْرِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبارَكِ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ قالَ: لَقِيتُ عُقْبَةَ بْنَ مُسْلِمٍ فَقُلْتُ لَه: بَلَغَنِي أَنَّكَ حَدَّثْتَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كانَ إِذا دَخَلَ المَسْجِدَ قالَ: "أَعُوذُ باللهِ العَظِيمِ وَبِوَجْهِهِ الكَرِيمِ وَسُلْطانِهِ القَدِيمِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيم". قالَ: أَقَطُّ قُلْتُ: نَعَمْ. قالَ: فَإِذا قالَ ذَلِكَ قالَ الشَّيْطانُ: حُفِظَ مِنِّي سائِرَ اليَوْمِ (¬2). * * * باب ما يقوله الرجل عند دخوله المسجد [465] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ) أبُو الجَماهِر (الدِّمَشْقِيُّ) قالَ عُثمَان الدارمي: هُوَ أوثق مَن أدركنا بِدمشق (¬3)، وَرَوَى أبُو دَاود عَن محمود بن خالد عنهُ. قَالَ أبُو حَاتم الرازي: مَا رَأيتُ أفصَح من أبي الجَماهِر (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (713). (¬2) رواه البيهقي في "الدعوات الكبير" (68) من طريق أبي داود. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (485). (¬3) "تهذيب الكمال" 26/ 100، "الكاشف" 2/ 200. (¬4) "الجرح والتعديل" 1/ 287.

قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِي، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) فَروخ مَوْلى آل المُنكدِر فَقِيه المدِينَة (¬1)، (عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ) الأنصَاري صَدُوق (¬2). قَالَ: (سَمِعْتُ أَبَا حُمَيدٍ) عَبد الرحمَن بن سَعْد السَّاعدي (أَوْ أَبَا أُسيدٍ) بِضَم الهَمزة مُصَغر مَالك بن ربيعَة السَّاعدي (الأَنْصَارِيَّ) رَوَاهُ أبو عوَانة (¬3) [وابن مَاجَه (¬4)] (¬5) مِن حديث أبي حميد وَحده، ولفظة (¬6) أبي عوانة: أن النبِي - صلى الله عليه وسلم - كانَ يقول: "اللهم افتح لنا أبواب رَحْمَتك وسَهل لنا أبواب رزقك". (يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -) أي (¬7) بعد الصلاة عَلَيه كما قالَ تعَالى: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (¬8) وروَاية ابن السُّني عَن أنَس، كانَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - إذَا دخَلَ المَسْجِد قالَ: "بسم الله اللهم صَل عَلى محمد"، وإذا خرج قالَ: "بسم الله اللهُمَّ صَل على محَمد" (¬9). ¬

_ (¬1) كان يلقب بربيعة الرأي. (¬2) "الكاشف" (3454). (¬3) "صحيح أبي عوانة" (1236). (¬4) "سنن ابن ماجه" (772). (¬5) جاءت في (م): بعد قوله: حميد. (¬6) في (د، م): لفظ. (¬7) سقط من (م). (¬8) الأحزاب: 56. (¬9) "عمل اليوم والليلة" لابن السني (87) من حديث أنس - رضي الله عنه - وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (6953): منكر لم يذكر البسملة.

قَالَ النووي: وروينا الصَّلاة عَلى النبي - صلى الله عليه وسلم -[عند دخول المسجد] (¬1) والخروج منهُ مِن روَاية ابن عمر أيضًا (¬2). وروى ابن مردويه السَّلام عَلى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - عندَ دخوله المَسجد والخروج منهُ، وزَادَ في الموضعَين بَعد قَوله والسَّلام عَلى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم صَل عَلى محَمد وعَلى آل محَمد". (ثُمَّ لْيَقُلِ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي) روَاية أبي عوَانة المتقدمة: "اللهم افتح لنا" (¬3) (أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ) وقَد يجمعَ بيَنهما بأن المنفرد يقول: اللهم افتح لي أبوَاب رَحمَتك، وإذا دَخل ومَعَهُ غَيره يقول: اللهم افتح لنا (¬4) أبواب رَحمتك. زاد أبو عوَانة في الروَاية المتقدمة: "وسَهل لنا أبواب رزقَك" (¬5). وروَاية ابن مَاجه فيهَا زيَادَة ولفظه عَن فاطمة بنت رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: كانَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دَخل المَسْجِد قال: "بِسْمِ الله والسَّلام على رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبوَاب رَحمتك" (¬6). (فَإِذَا خَرَجَ) مِنَ المَسْجد (فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ) وروَاية الطبراني في "الأوسط" عَن ابن عمر: وإذَا خَرَجَ قال: "اللهم افتح لنَا ¬

_ (¬1) من (د، م). (¬2) "الأذكار" للنووي (84). (¬3) "صحيح أبي عوانة" (1236). (¬4) في (م): لي. (¬5) "صحيح أبي عوانة" (1236). (¬6) "سنن ابن ماجه" (771) وصححه الألباني.

أبوَاب فَضلك" (¬1). وفي سَنَده سَالم بن عَبْد الأعلى (¬2). وهذا يَدُل على أن مَن خرجَ مَعَهُ غَيره فليَأت بصيغة الجَمع: اللهمُ إنا نسألك من فَضلكَ، وسُؤَال الفَضل عند الخُروج مِنَ المَسْجد مُوَافِقٌ لِقَوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} (¬3) يَعني: الرزق الحَلال، وقيل: ابتغُوا مِنْ فَضل الله، هُوَ طَلبُ العِلم، والوَجهَان مُتَقَاربَان، فَإنَّ العِلم هُو مِن رزق الله تعالى، فإن الرزق لا يختَص بقوت (¬4) الأبدَان؛ بَل يَدْخل فيهِ قوت الأرواح والأسمَاع وغَيرهَا، وقيل: فضل الله عيَادَة مَريض وَزيَارة أخٍ صَالح (¬5). [466] (ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَنْصُورٍ) السُّليمي (¬6) ثقة. روى عنهُ ابن مَاجَه وابن خزيمة (¬7). قال: (ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ، عَنْ حَيوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، قَالَ: لَقِيتُ عُقْبَةَ بْنَ مُسْلِمٍ) التُّجِيبي بِضَم التاء فوقَها نُقطتَان وكَسر الجيم المصري التابعي (فَقُلْتُ لَهُ: بَلَغَنِي أَنَّكَ) بِفَتح الهَمزة؛ لأنهَا تقدر هي (¬8) وَمَا بَعْدَهَا بالمَصْدر ¬

_ (¬1) "المعجم الأوسط" (6612). (¬2) قال البخاري في "الضعفاء الصغير" (150): سالم بن عبد الأعلى أبو الفيض عن نافع وعقيل: تركوه. (¬3) الجمعة: 10. (¬4) في (ص): بعيوب. (¬5) انظر: "نيل الأوطار" 2/ 162. (¬6) في (س): السلمي. (¬7) "الكاشف" للذهبي 1/ 120. (¬8) من (د، م).

(تحدث) تقديره بَلغني حَديثك (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ إِذَا دَخَلَ المَسْجِدَ) يحتمل أن يَكون تقديرهُ: إذا أرَادَ أن يدخل المَسْجِد، ويحتَمل أن يحمل عَلى عَدَم التقدير. (قَالَ: أَعُوذُ باللهِ العَظِيمِ) أي: الملك والقدرة عَلى عصمَتي مِنَ الشيطَان. (وَبِوَجْهِهِ) أي: ذَاته، والوَجْه يُعَبر به عَن الجُملة، (الْكَرِيمِ) أي: الذي أكرَمَني، وأحْسَن إليَّ بأن أهلَنِي لدُخُول بَيته الكَريم. (وَسُلْطَانِهِ) كُل بَيْت مَالكه سُلطَانه وبَيت الله سُلطانه (الْقَدِيمِ) وفي الحَدِيث: "لا يؤم الرجُل في سُلطَانه" (¬1) (مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ) أي: المَرْجُوم بالشهب مِن أسماء الله تعَالى. (قَالَ) عقبة: (أَقَط) بفتح الهَمزة والقَاف وسكون الطاء، ويجوز كسْرهَا بِلا تنوين [الهمزة فيه للاستفهام، قط بمعنى حسب] (¬2) أي: أَحَسْب؟ والمعنى: أقال (¬3) ذَلكَ فقط ولَم يَزدْ عَليه (قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِذَا قَالَ) الداخل (ذَلِكَ قَالَ الشَّيطَانُ: حُفِظَ مِنِّي سَائِرَ) بالهَمز أي: بَاقي هذا (الْيَوْمِ) بأسره، وعَن ابن عَباس - رضي الله عنهما - في قوله تَعَالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} (¬4) قال: هوَ المَسْجِد إذا دَخلتهُ فَقُل السَّلام عَلينَا وعلى عبَادِ الله الصَّالحين. رَوَاهُ الحَاكم في "المستدرك" وقَالَ صَحيْح على شَرط الشيخين (¬5). وقَد يؤخَذ مِنه أن الشيطان يَدخل ¬

_ (¬1) طرف حديث أخرجه مسلم (673) (290) وسيأتي تخريجه عند الكلام عليه. (¬2) تأخرت هذه العبارة في (ص) فجاءت بعد قوله: ولم يزد عليه. (¬3) في (م): قال. (¬4) النور: 61. (¬5) "المستدرك" للحاكم 2/ 401. وأخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (14894).

المَسْجِد، ولكن تكون وسوسته أضعَفُ مِنَ الوَسْوَسَة خارجَه، وفيه حفظ قائل هذا الدعاء من الشيطان في المَسْجِد وخَارجه إلى غرُوب الشمس، والظاهِر أنَّ قَوله: (حُفِظ مِنِّي) لَا يختصُّ بشَيطَان وَاحِد بَل يحفَظ (¬1) من جَميع الشيَاطين، فَإنَّ الأَلِف واللام في قولهِ: (مِنَ الشَيطَان) للجنس فَتعم كل شَيطان. * * * ¬

_ (¬1) سقطت من (د).

19 - باب ما جاء في الصلاة عند دخول المسجد

19 - باب ما جاءَ فِي الصَّلاةِ عنْدَ دُخولِ المَسْجِدِ 467 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، حَدَّثَنا مالِك، عَنْ عامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ، عَنْ أَبِي قَتادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إِذا جاءَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ فَلْيُصَلِّ سَجْدَتَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَجْلِسَ" (¬1). 468 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ الواحِدِ بْنُ زِيادٍ، حَدَّثَنا أَبُو عُمَيْسٍ عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ عامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي زرَيْقٍ عَنْ أَبي قَتادَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِنَحْوِهِ زادَ: "ثُمَّ لْيَقْعُدْ بَعْدُ إِنْ شاءَ أَوْ لِيَذْهَبْ لِحاجَتِهِ" (¬2). * * * باب الصلاة عند دخول المسجد [467] (ثَنَا القَعْنَبِيُّ، قال: ثَنَا مَالِكٌ) بن أنس (عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيرِ) بن العَوام اشترى نَفسَهُ مِنَ الله تعالى بِسَبْع ديَات (عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيمٍ) مصَغَّر (¬3) الزُّرَقِيِّ. (عَنْ أَبِي قَتَادَةَ) الحَارث (أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ) روَاية مَالك في "الموطأ" "إذا دَخَل أحَدكم المَسْجد" (¬4). يدخل في عمومه المجتاز ونازعَ في ذلك ابن دقيق العيد لرواية الصَّحِيحين: "إذا دَخَل أحَدكم المَسْجِد فَلا يَجلس حَتى يُصَلي ¬

_ (¬1) رواه البخاري (444، 1163)، ومسلم (714). (¬2) رواه أحمد 5/ 311. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (487). (¬3) في (س): مصعب. (¬4) "الموطأ" 1/ 162.

رَكعتَين" (¬1). لأنه عَلقَ النهي عَن الجُلوس بالصَّلَاة، فإذَا لم يكن جُلوسٌ انتفى النهي (¬2). قيلَ: فيه نظر؛ لأن الجلوس بخُصُوصه لَيْسَ هُوَ المقصود بالتعليق عَليه، بَل المقصود هو الحُصُول في بقعة، كما نَبهَ عَلَيه إمَام الحرمين، والنهي عن الجُلوس إنما ذُكر للتنبيه على أنه لا يشتَغل بشَيء غَير صَلاة رَكعتَين، كما في نظيره وهوَ تَحية البَيت الحَرام [لا المَسْجد] (¬3) الطواف بالبيت، فَإنهُ مُعَلق بِالحُصول في الحَرَم لا بالجُلوس. قال البرماوي: ويَدُل على ذَلك أنه لَو دَخَلَ ونَام، أو (¬4) استَمر قائمًا فَإنهُ يكرَه لهُ ذَلكَ حَتى يُصَلي ركعتين (¬5) وحَديث أبي داود هذا مُصَرح بذلك، فإنهُ أخرج الحديث بِلفظ: "إذا جَاء أحَدكم المَسْجِد" [(فَلْيُصَلِّ) ركعتَين (سَجْدَتَينِ)] (¬6) وكذا الرِّوَاية الآتية تَدل عَلى هذا، ومُقتضاهُ أنَّ التَّحية لا تحصُل بأقَل من رَكعتَين عَلى الصحيح، وفي وَجْه تَحصُل بِرَكعة؛ لحصُول الإكرام، والمرادُ بالركعتَين الإحرَام بهما حَتى لو صَلاهما قَاعِدًا كفَى، سَوَاءٌ أحْرَم قائمًا ثم جَلسَ أو أحرَم جَالسًا واتصل إحرامه بأول جلوسه؛ لأن النهي عَن جُلوس في غَير صَلاة، ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (1167)، و"صحيح مسلم" (714) (70). (¬2) "إحكام الأحكام" 1/ 191. (¬3) في (ص، ل): المسجد أو. وفي (س، م): أو المسجد. (¬4) في (د): و. (¬5) من (د). (¬6) في (د): فليصل سجدتين. وفي (م) فليصل ركعتين. وعلق أمامها في الهامش قائلا: فليصل سجدتين من قبل أن يجلس.

والركعتَان أيضًا ليسَ بقَيد (¬1) [حَتى لو صَلَّى أربَعًا بتَسليمَة كانَ كذَلكَ كما في "شرح المهَذب" (¬2). والمرادُ بالمَسْجِد الموضع المعَد للمصَلين فيه بالوَقف والتحبيس، أو مَا يقوم مَقامه كإحيَاء الموات ونَحو ذَلك، كتوسعة مَسْجد النبي - صلى الله عليه وسلم - كما تقدمَ، لا الموضع مِنَ الدَّار المعَدَّ لصَلاةِ المرأة في بَيتها. [468] (ثَنَا مُسَدَّد) قالَ: (ثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ) قال: (ثَنَا أَبُو عُمَيسٍ عُتْبَةُ (¬3) بْنُ عَبْدِ اللهِ) المَسْعودي أخُو عَبد الرحمَن (عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ الزُّبَيرِ) بن العَوام (عَنْ رَجُل مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ) وهوَ عَمْرو بن سُليم الزُّرقي روى (عَنْ أَبِي قَتَادَةَ) في الصَّحيحين، ذَكرهُ شَيخنا أبو زرعة عَن وَالده العِرَاقي (عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نحْوه)، و (زَادَ) فيه (ثُمَّ يَقْعُد بَعْدُ) بضَم الدال، أي: الركعتَين، وفيه الجُلوس عَن قيام، والقعود عَن سُجُود، خِلَافًا لمن قال في الفرق بينَهُ وبَين القعُود، أن الجُلوس عَن نَوم ونحوه، بِخلاف القعُود. (إِنْ شَاءَ) استمرار القعُود (أَوْ لِيَذْهَبْ) مَجْزوم بلَام الأمر (لِحَاجَتِهِ) قال ابن عَبد البرْ جمهُور الفُقهاء في دَاخِل المَسْجِد أن يَركع رَكعتَين وإن شاء لم يَركع؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمَر مَرَّةً رجلا دَخَل المَسْجِد وهوَ يخطب يوم الجُمعة أن يركع الركعتين، وأمَر آخَرَ مَرَّةً أخرى رَآهُ يتخطى رقاب الناس بالجُلوس، ولم يقل له اركع، وأوجَبَ أَهلُ الظَّاهِر عَلى ¬

_ (¬1) من هنا يبدأ سقط طويل في (د). (¬2) "المجموع" 4/ 52. (¬3) في (م): عقبة.

كل مَن دَخَل المَسْجِد طاهرًا في حينٍ يجوز فيه النافلة أن يركع. قال: والذي عليه السَّلف مَا ذَهَبَ إليه الفقهاء، وذكر ابن أبي شَيبة، عَن الدراوردي، عَن زَيد بن أسلم، قالَ: كانَ أصحَابُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يَدْخُلون المَسْجِد ثُم يَخرُجُونَ ولا يُصلُّون (¬1). وَروى حَماد بن زَيد، عن الجريري، عن جَابر بن زَيد قَال: إذا دَخَلت المَسْجِد فصَل فيه، فَإن لم تصَل فيه فاذكر الله فكأنك قد صَليت. انتهى (¬2). وهذا مما قاله الغَزالي وغَيره: أنَّ دَاخِل المَسْجِد إذا كانَ عَلى غَير وضُوء يَقول: سُبحَانَ الله والحمدُ لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر (¬3). * * * ¬

_ (¬1) "مصنف ابن أبي شيبة" (3447). (¬2) "الاستذكار" 6/ 221 - 224. (¬3) "إحياء علوم الدين" 1/ 205.

20 - باب في فضل القعود في المسجد

20 - باب فِي فَضْلِ القعُودِ فِي المَسْجِدِ 461 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبي الزِّنادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "المَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ ما دامَ فِي مُصَلَّاهُ الذِي صَلَّى فِيهِ ما لَمْ يُحْدِثْ أَوْ يَقُم: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ" (¬1). 470 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنادِ، عَنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لا يَزالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاةٍ ما كانَتِ الصَّلاةُ تَحْبِسُهُ لا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا الصَّلاةُ" (¬2). 471 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ ثابِتٍ، عَنْ أَبِي رافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لا يَزالُ العَبْدُ فِي صَلاةٍ ما كانَ فِي مُصَلَّاهُ يَنْتَظِرُ الصَّلاةَ، تَقُولُ المَلاِئكَةُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ. حَتَّى يَنْصَرِفَ أَوْ يُحْدِثَ". فَقِيلَ: ما يُحْدِثُ؟ قالَ: يَفْسُو أَوْ يَضْرِط (¬3). 472 - حَدَّثَنا هِشامُ بْن عَمّارٍ، حَدَّثَنا صَدَقَةُ بْن خالِدٍ، حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبِي العاتِكَةِ الأَزْدِيُّ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ هانِئٍ العَنْسِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَتَى المَسْجِدَ لِشَيءٍ فَهُوَ حَظُّهُ" (¬4). * * * فضل القعود في المسجد [469] (ثَنَا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عَبد الله بن ذكوَان، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (445)، ومسلم (649/ 276). (¬2) رواه البخاري (659)، ومسلم (649/ 275). (¬3) رواه مسلم (649/ 274). (¬4) رواه البيهقي 2/ 447، 3/ 66 من طريق أبي داود. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (491).

(عَنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: الْمَلَائكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ) قيلَ: تستغفر له، ويبعدهُ أنَّ الملائَكة حَمَلة العرش يستغفرونَ للذين آمَنوا فلا يبقى لمنتظر الصَّلَاة خُصُوصيَّة، والصواب مَا قاله ابن عَبد البرَ: أنهُ قد بان (¬1) من سياق الحَدِيث مَعْنى الصَّلَاة، وذَلك قوله بَعْدَ ذلك: "اللهمَّ اغفر لهُ، اللهمَّ ارحَمْهُ". فمَعنَى تُصَلي على أحَدكم يرُيدُ: تَدعُو لهُ، وتترحم عليه (¬2). قال بعضهم: عبَّر بـ "تصلي" عن الدعاء والترحم؛ ليتناسب الجزاء والعَمَل، يَعْني وإن كانت صَلاة الملائكة لُغَوية، والصَّلاة التي ينتظرهَا المصَلي شرعية. (مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ) ينتظر الصَّلاة كما في روَاية البُخَاري في الطهَارة. قالَ ابن عبد البر: ومُصلاهُ (الَّذِي يصَلَّى فِيهِ) موضع صَلاته. قالَ: وذَلكَ عندي في المَسْجِد؛ لأن (¬3) هناكَ يَحصُل مُنتظر الصَّلاة في جَمَاعَة، وهذا هُوَ الأغلب في مَعنى انتظار الصَّلاة، ولو قعَدَت المرأة في مُصَلى بَيتها تنتَظر دُخُول وقت صَلاة أخرى فتقوم إليهَا لم يبعُد أن تدخل (¬4) في مَعْنَى الحَديث، لأنها حَبَسَت نفسَها عَن التصَرُّفِ رَغبَةً في الصَّلاة، وخَوفًا أن تكون (¬5) في شغل يفوتها منه الصَّلاة، ومن هذا ¬

_ (¬1) في (س): كان. (¬2) "الاستذكار" 6/ 210. (¬3) في (ص، س، ل): لأنه. والمثبت من (م)، و"الاستذكار". (¬4) في (ص، ل): يتدخل. والمثبت من (س، م)، و"الاستذكار". (¬5) في (ص، ل): تيسر. وفي (م): تسب. وفي (س): تسببت. والمثبت من "الاستذكار".

المَعنى قيل (¬1): انتظار الصَّلاة رباط؛ لأن المُرابط يَحبس نَفسَهُ عَن المَكاسب والتصَرف إرصَادًا للعَدُو، ومُلازَمة للمَوضع الذي يخشى فيه طروق العَدُوِّ (¬2). قال: وقد روي عَن سَعيد بن المُسيب أنهُ عُوتبَ عَلى (¬3) تخلفه عَن صَلاة الجنَائز، فقال: قعُودي في المَسْجِد أنتظر الصَّلاة أحَب إليَّ؛ لأنَّ الملائكة تصَلي عَليَّ تقول: اللهمَّ اغفر لسعيد بن المسيب. قَال: وهذا مَذهَب شعبة (¬4) أن شهود الجنائز أفضل. قالَ: وذكرنَا في "التمهيد": مَنْ خَالفَهُ؛ لأن صَلاة الجنَائز فَرض كفايَة، والفَرض عَلى الكفَاية أفضل من التطوع بالنافلة (¬5). (مَا لَمْ يُحْدِثْ) قالَ مَالك في مَعناهُ: أنهُ الحَدَث الذي يَنقض الطهَارة؛ لأن المحْدث القاعِد في المَسْجِد عَلى غَير وضوء لا يكون مُنتظر الصَّلَاة. قَالَ ابن عَبْد البر: وقول مَالك هذا أولى من قول مَنْ قالَ: إن الحَدَث هَاهُنَا هوَ الكلام القَبيح. قالَ: وهذا قول ضَعيف؛ لأن مَنْ تكلم بَما لَا يصْلح من القَول لا يخرجهُ ذَلك مِن أن يَكون مُنتظرًا للصَّلَاة، ويُرجَى لهُ أن يَدخل في دُعَاء الملائكة بالمغفرة والرحمة؛ لأنهُ مُنتظر للصَّلَاة في حَال يَجوز لهُ ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "الاستذكار" 6/ 210. (¬3) في (م): عن. (¬4) في (ص): سعيد بن المسيب، والمثبت من (م). (¬5) "الاستذكار" 6/ 40، وانظر: "التمهيد" 19/ 40.

بِهَا الصَّلَاة إذا كانَ عَقدهُ ونيته انتظار الصَّلاة بَعْدَ الصَّلاة. (¬1) (أَوْ يَقُمِ) مَن يجلسه، والمراد كما تقدم مَا لمْ يَذهَب منَ المَسْجِد لحاجته، فإن المَسْجِد مُصَلاه. (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ) ذنوبه. (اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ) وناهيك (¬2) بدُعَاء الملائكة الذينَ قال اللهُ فيهم: {لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} (¬3) ودعَاؤُهم لا يرد. [470] (ثَنَا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ) [في صلاة] (¬4) خَبر لقَوله: "لا يزال". (مَا كَانَتِ الصَّلاةُ) في روَاية الصَحيحين: "مَا دَامَت الصَّلاة". فإن قلتَ: لم عَدل عَن التعريف، ولم يَقل: لَا يَزال أحَدُكم في الصَّلاة؟ أجاب الكرماني: ليعلم أن المراد نَوع صَلاته التي ينتظرهَا (¬5). والتنكير للتنويع، كأن كما لو كانَ في صَلَاة الظهْر كان في صلاة الظهر وهَلم جَرا. فإن قلتَ: لم جَازَ لهُ التكلم وسَائر مَا لَا يَجوز في الصَّلَاةِ، وَكذَا لو عَلَّقَ الطلَاقَ بالصَّلاة فبالانتظار لا تطلق؟ قلتُ: فيه إضمَار تقديرُه "لا يَزال العَبْد في ثواب الصَّلاة" (¬6) مَا دَامَ مُنتظر ¬

_ (¬1) "الاستذكار" 6/ 215. (¬2) في (ص): ومراده. (¬3) الأعراف: 206. (¬4) من (س، ل، م). (¬5) "الفتح" 1/ 339، وانظر: "صحيح البخاري بشرح الكرماني" 5/ 45. (¬6) في (م): صلاة.

الصَّلاة، نَعَم لو كانَ عَلى ظَاهره لكان كذَلكَ. (تَحْبِسُهُ) عن الذهَاب في حَاجَته (لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ) بالقَاف والموَحدة (إِلَى أَهْلِهِ إِلا الصَّلاة) (¬1) يقتضي أنهُ إذا صَرَف نِيَّتَهُ عَن ذَلكَ صَارِف آخر غَير الصَّلاة انقطعَ عنهُ الثواب المذكور، وكذَلكَ إذا شارَك نية الانتظار أمرٌ آخر. وَفيه دَليل عَلى أَنَّ المراد في الحَديث قبلَه بِالحَدَثِ انتقاض الطهَارة. ويؤخذ منهُ أن اجتناب حَدَث اللسَان واليَد من بَاب الأولَى؛ لأن الأذى منهُما أشَد كما أشارَ إليه ابن بَطال (¬2). [471] (ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التبوذكي الحَافظ، قال: (ثَنَا حَمَادٌ) ابن زَيد (¬3). (عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: لَا يَزَالُ العَبْدُ) المتَذلل (فِي صَلَاةٍ مَا كَانَ فِي مُصَلاه) الذي صَلى فيه. (يَنْتَظِرُ الصَّلَاة) الكاملة الركوع (¬4) والسُجُود. (تَقُولُ المَلاِئكَةُ) لعَلهم غَير الحَفَظَة وغَير حَملَة العَرش. (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ) أي: قائلين ذلك. زاد ابن مَاجَه: "اللهم تُب عَليه" (¬5) واسْتدل به على فضيلة (¬6) الصَّلَاة عَلى غَيرهَا مِنَ الأعمال ¬

_ (¬1) زاد هنا في (م): يدل. (¬2) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 2/ 284 - 285. (¬3) قال بهز كما في "صحيح مسلم" (649) (274): حماد بن سلمة، ورواه أبو عوانة عن أبي داود (1320) بسنده فقال: حماد بن زيد. (¬4) في (م): للركوع. (¬5) "سنن ابن ماجه" (799) من حديث أبي صالح عن أبي هريرة. (¬6) في (ل، م): أفضلية.

المذكورَة (¬1) مِن صَلاة الملائكة عَليه ودُعَائهم لهُ بالرَّحمة والتوبة، وعلى تفضيل صَالحي الآدميين على الملائكة؛ لأنهم يكونون في تَحصيل الدرَجَات بعبَادتهم، والملائكة يشتغلون بالدعاء والاستغفار لهم. (حَتَّى يَنْصَرِفَ أَوْ يُحْدِثَ. فقيل) روَاية البخَارى: "فقال رَجُل أعجمي" (¬2). أي: غَير فَصيح بكلام العَرب، سَوَاء كَانَ عربي الأصل أم لا. (مَا) معنى (يُحْدِثُ؟ قَالَ: يَفْسُو) بسُكون الوَاو (أَوْ يَضْرط) بِفتح الرَّاء ومَاضيَه بكسر الراء (¬3) كنعَت يَنعَت، وفي لغَة ضَرَطَ يَضرِطْ كَضَرَبَ يَضْرِب، والاسم: الضراط، وإنما خصهَما بالذكر دُونَ مَا هوَ أشَدَّ منهما؛ لكونِهمَا لا يخرج مِنَ المرء في المَسْجِدِ غَيرهما، فالظاهر أنَّ السؤال وقع عن الحَدث الخَاصِّ، وهوَ المعهودُ وقوعه غَالبًا في الصَّلَاة. [472] (ثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ) السُّلمي الدّمشقي، خَطيب دمشق شيخ البخَاري. (قال: ثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ) الدمشقي رَوَى له البخاري، قَال: (ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي العَاتِكَةِ) الدّمشقي القاص (¬4) ضَعفهُ النسَائي (¬5) ووثقهُ ¬

_ (¬1) في (م): مما ذكر. وفي (س): لما ذكر. (¬2) "صحيح البخاري" (176). (¬3) من (م). (¬4) في الأصول الخطية: العاص. وفي (س): القاضي. والمثبت من "تهذيب الكمال" (3827)، و"الثقات" 7/ 202. (¬5) "الضعفاء والمتروكين" للنسائي ص 215.

غَيرُه (¬1) (الأَزْدِيُّ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ هَانِيءٍ العَنْسِيِّ) بإسكان النون، الدَّاراني. (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: مَنْ أَتَى المَسْجِدَ لِشَيءٍ) يقصدُه. (فَهُوَ حَظُّهُ) أي: نَصيبهُ من إتيانه لا يحصُل لهُ غَيره، فمَن أتى المَسْجد للصَّلاة فيه كان لهُ أجره، ومَن أتَاهُ للصلاة وزيَارَة بَيت الله حَصَلا لهُ، ومَن أتاهُ لهَذين مَعَ تعلم علم أو إرشاد جَاهِل فيه حَصَل لهُ مَا أتَاهُ لأجله، ففيه حَث عَلى تكثير المقاصِد وحُسْن النية فيهَا، ومَن أتاهُ لِتَفَرُّجٍ أو للحَديث فيه أو غَير ذلك فهوَ حظه، ومَنْ أتَاهُ لإنشادِ الضَالَّةِ (¬2) فيه فهوَ حظه منهُ، ولهذا عَقَّبهُ هذا الحَديث (¬3) واللهُ أعلم. * * * ¬

_ (¬1) "الكاشف" للذهبي 2/ 251. (¬2) في (م): ضالة. (¬3) يعني حديث إنشاد الضَّالَّة.

21 - باب في كراهية إنشاد الضالة في المسجد

21 - باب في كَراهيَة إِنْشادِ الضّالَّة فِي المَسْجِدِ 473 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْن عُمَرَ الجشَمِيِّ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن يَزِيدَ، حَدَّثَنا حَيْوَة -يَعْنِي ابن شرَيْحٍ- قالَ: سَمِعْتُ أَبا الأسْوَدِ -يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ- يَقُولُ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ مَوْلَى شَدّادٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبا هُرَيْرَةَ يَقول سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضالَّةً فِي المَسْجِدِ فَلْيَقُلْ لا أَدّاها الله إِلَيكَ فَإِنَّ المَساجِدَ لَمْ تُبْنَ لهذا" (¬1). * * * باب كراهية إنشاد الضالة في المسجد [473] (ثَنَا عُبَيدُ الله) بالتصغير (بْنُ عُمَرَ) القواريري شيخ البخاري ومُسلم (الْجُشَمِيُّ) بِضَم الجيم وفتح المعجمة، قَال: (ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ) المقرئ، قالَ: (ثَنَا حَيوَةُ بْن شُرَيْحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الأَسْوَدِ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الزَحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ) بن الأسود القرشي الأسدي، جده الأسود الحبشي من مهاجرة الحَبشة، سَكنَ أبو الأسود مصر بعد سكناه المدينة. (يَقُولُ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ) سَالم بن عَبد الله (مَوْلَى) عَبْد الله بن (¬2) (شَدَّادٍ، أَنهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يقول: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: مَنْ سَمِعَ رَجُلًا ينشد) بفَتح اليَاء وضَم الشين، يقالُ: نشدت الضالة ¬

_ (¬1) رواه مسلم (568). (¬2) كذا كتب الشارح: عبد الله بن شداد. وإنما هو مولى شداد بن أوس - رضي الله عنه -. وهو سالم مولى شداد، وسالم سبلان، وسالم مولى دوس، وسالم مولى النصريين كل هذا يقال فيه.

بمعَنى: طلبتها وأنشدتها: عَرفتها. (ضَالَّةً) يُقَالُ بالهَاء للذكر والأنثى، والجَمع الضّوال، مثل دَابَّة ودَوَابٍّ، والضالة مَخصُوصَة بالحَيَوان ويُقالُ لغَير الحَيَوَان ضائع ولقطة (فِي المَسْجِدِ فَلْيَقُلْ: لَا أَدَّاهَا الله إِلَيكَ) دَعَاء عَلى الناشِد في المَسْجِد بعدم الوجدَان مُعَاقبة لهُ في مَاله عَلى نَقيض مَقصُوده] (¬1) فَليلحق به مَا في معَناهُ، فيمن رَفع صوته فيه بمَا يقتضي مَصْلحة ترجع إلى الرَّافِع صَوته، وفيه النهي عن رفع الصوت بنشد الضالة وما في معناه من البَيع والشراء والإجَارَة والعقود. قال مَالك (¬2) وجَماعَة منَ العُلماء: يكره رَفع الصوت في المَسْجِد بالعلم وغيره. وأجاز أبو حَنيفة (¬3) ومحمَّد بن مسلمة مِن أصحَاب مَالك رفع الصوت فيه بالعلم والخصُومة وغَير ذلكَ مما يحتَاج إليه النَّاس؛ لأنه مجمعهم ولا بدَّ لهُمْ منهُ (¬4). (فَإِنَّ المَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لهذا) روَاية مُسْلم: "إنما بُنيَت المَسَاجد لما بنيت له" (¬5) يدَل على أن الأصْل أن لا يعمل (¬6) في المسجد غَير الصَّلوات والأذكار وقرَاءة القرآن والعلم والمُذَاكرَة في الخير. ¬

_ (¬1) هنا ينتهي الجزء الساقط من (د). والذي يبدأ من منتصف باب الصلاة عند دخول المسجد. (¬2) انظر: "البيان والتحصيل" 1/ 495. (¬3) "الدر المختار" 1/ 660. (¬4) انظر: "إكمال المعلم" 5/ 502. (¬5) "صحيح مسلم" (569). (¬6) زاد في (ص، س): أو لا يعمل.

قَالَ القَاضي عِيَاض: فيهِ دَليل عَلى منع عَمَل الصَّانِع في المَسْجِد كالخِيَاطة وشبههَا (¬1). وَكره بَعض المالكية تعليم الصبيان في المسَاجِد (¬2) وقَال: إنهُ مِن بَاب البَيع، وهذا إذا كانَ بأجرَة، فإن كان بِغَير أجرة مُنعَ أيضًا مِن وجه آخر وهوَ أن الصِّبيَان لَا يتحرَّونَ مِن القذر والوَسَخ فيَؤدي ذلك إلى (¬3) عَدَم تنظيف المَسْجِد، وقَد أمَرَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - بتنظيفها وتطييبهَا، وقالَ: "جَنِّبُوا مَسَاجدكم صِبيَانكم" (¬4). والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" 2/ 503. (¬2) "التاج والإكليل" 6/ 15، "منح الجليل" 8/ 92 وانظر: "الموطأ" 1/ 175. (¬3) من (د، م). (¬4) طرف حديث أخرجه ابن ماجه (750)، "ومجانينكم، وشراركم، وبيعكم، وخصوماتكم، ورفع أصواتكم، وإقامة حدودكم، وسل سيوفكم، واتخذوا على أبوابها المطاهر، وجمروها في الجُمع" من حديث مكحول عن واثلة بن الأسقع - رضي الله عنه -. قال ابن الملقن في "البدر المنير" 9/ 565: وهو حديث ضعيف، في إسناده الحارث بن نبهان الجرمي، وقد ضعفوه. وقال الألباني في "الإرواء" 7/ 362: إسناده ضعيف جدًّا. ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (29247) بسنده عن مكحول عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال الألباني: إسناد مرسل صحيح.

22 - باب في كراهية البزاق في المسجد

22 - باب فِي كَراهِيةِ البُزاقِ فِي المَسْجِدِ 474 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا هِشامٌ وَشُعْبَةُ وَأَبانُ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "التَّفْلُ فِي المَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكفّارَتُهُ أَنْ تُوارِيَهُ" (¬1). 475 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "البُزاقُ فِي المَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفّارَتُها دَفْنُها" (¬2). 476 - حَدَّثَنا أَبُو كامِلٍ، حَدَّثَنا يَزِيدُ -يَعْنِي ابن زُرَيْعٍ- عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "النُّخاعَةُ فِي المَسْجِدِ". فَذَكَرَ مِثْلَهُ (¬3). 477 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، حَدَّثَنا أَبُو مَوْدُود عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الأسلَمِيِّ سَمِعْتُ أَبا هُرَيْرَةَ يَقُول: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ دَخَلَ هذا المَسْجِدَ فَبَزَقَ فِيهِ أَوْ تَنَخَّمَ فَلْيَحْفِرْ فَلْيَدْفِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلْيَبْزُقْ فِي ثَوْبِهِ ثُمَّ لْيَخْرُجْ بِهِ" (¬4). 478 - حَدَّثَنا هَنّادُ بْنُ السَّرِيِّ عَنْ أَبِي الأحْوَصِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعِيِّ عَنْ طارِقِ بْنِ عَبْدِ اللهِ المُحارِبِيِّ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا قامَ الرَّجُلُ إِلَى الصَّلاةِ - أَوْ إِذا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلا يَبْزُقْ أَمامَهُ وَلا عَنْ يَمِينِهِ ولكن عَنْ تِلْقاءِ يَسارِهِ إِنْ كَانَ فارِغًا أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ اليُسْرَى ثُمَّ لْيَقُلْ بِهِ" (¬5). 479 - حَدَّثَنا سُلَيْمان بْن داودَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، حَدَّثَنا أَيُّوبُ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن ¬

_ (¬1) رواه البخاري (415)، ومسلم (552/ 56). (¬2) رواه مسلم (552/ 55). (¬3) رواه أحمد 3/ 109، 209، 234. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (495). (¬4) رواه بنحوه البخاري (408 - 411، 416)، ومسلم (548، 550). (¬5) رواه الترمذي (571)، والنسائي 2/ 52، وابن ماجه (1021). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (497).

عُمَرَ قالَ بَيْنَما رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ يَوْمًا إِذْ رَأَى نُخامَةً فِي قِبْلَةِ المَسْجِدِ فَتَغَيَّظَ عَلَى النّاسِ ثمَّ حَكَّها قالَ: وَأَحْسِبُهُ قالَ: فَدَعا بِزَعْفَرانٍ فَلَطَّخَهُ بِهِ وقالَ: "إِن الله قِبَلَ وَجْهِ أَحَدِكُمْ إِذا صَلَّى فَلا يَبْزُقْ بَينَ يَدَيْهِ". قالَ أَبُو داودَ: رَواهُ إِسْماعِيلُ وَعَبْدُ الوارِثِ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نافِعٍ وَمالِكٌ وَعُبَيْدُ اللهِ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نافِعٍ نَحْوَ حَمّادٍ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرُوا الزَّعْفَرانَ وَرَواهُ مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ وَأَثْبَتَ الزَّعْفَرانَ فِيهِ. وَذَكَرَ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ عَنْ نافِعٍ الخَلُوقَ (¬1). 480 - حَدَّثَنا يَحْيَى بْن حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ، حَدَّثَنا خالِدٌ -يَعْنِي ابن الحارِثِ- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلانَ، عَنْ عِياضِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُجِبُّ العَراجِينَ وَلا يَزالُ فِي يَدِهِ مِنْها فَدَخَلَ المَسْجِدَ فَرَأَى نُخامَةً فِي قِبْلَةِ المَسْجِدِ فَحَكَّها ثمَّ أَقْبَلَ عَلَى النّاسِ مُغْضَبًا فَقالَ: "أَيَسُرُّ أَحَدَكُمْ أَنْ يُبْصَقَ فِي وَجْهِهِ إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذا اسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ فَإِنَّما يَسْتَقْبِلُ رَبَّهُ جَلَّ وَعَزَّ والمَلَكُ، عَنْ يَمِينِهِ فَلا يَتْفُلْ عَنْ يَمِينِهِ وَلا فِي قِبْلَتِهِ وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ فَإِنْ عَجِلَ بِهِ أَمْرٌ فَلْيَقُلْ هَكَذا". وَوَصَفَ لَنا ابن جلانَ ذَلِكَ أَنْ يَتْفُلَ فِي ثَوْبِهِ ثمَّ يَرُدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ (¬2). 481 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن صالِحٍ، حَدَّثَنا عَبْدٌ اللهِ بْن وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوادَةَ الجُذامِيِّ عَنْ صالِحِ بْنِ خَيْوانَ، عَنْ أَبِي سَهْلَةَ السّائِبِ بْنِ خَلَّادٍ - قالَ أَحْمَدُ: مِنْ أَصْحابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ رَجُلًا أَمَّ قَوْمًا فَبَصَقَ فِي القِبْلَةِ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْظُرُ فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ فَرَغَ: "لا يُصَلِّي لَكُمْ". فَأرادَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُصَلِّيَ لَهُمْ فَمَنَعُوهُ وَأَخْبَرُوهُ بِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ: "نَعَمْ". وَحَسِبْتُ أَنَّهُ قالَ: "إِنَّكَ آذَيْتَ الله وَرَسُولَهُ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (406)، ومسلم (547). (¬2) رواه البخاري (414)، ومسلم (548) بنحوه. (¬3) رواه أحمد 4/ 56، والطبراني في "الأوسط" 6/ 215 (6221)، وأبو نعيم في =

482 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، أَخْبَرَنا سَعِيدٌ الجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي العَلاءِ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ قالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُصَلِّي فَبَزَقَ تَحْتَ قَدَمِهِ اليُسْرَى (¬1). 483 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْن زُرَيْعٍ عَنْ سَعِيدٍ الحرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي العَلاءِ عَنْ أَبِيهِ بِمَعْناهُ زادَ ثُمَّ دَلَكَهُ بِنَعْلِهِ (¬2). 484 - حَدَّثَنا قُتَيْبَة بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا الفَرَجُ بْنُ فَضالَةَ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ قال: رأيْتُ واثِلَةَ بْنَ الأَسْقَعِ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ بَصَقَ عَلَى البُورِيِّ ثُمَّ مَسَحَهُ بِرِجْلِهِ فَقِيلَ لَهُ لمَ فَعَلْتَ هذا؟ قالَ لأني رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُهُ (¬3). 485 - حَدَّثَنا يَحْيَى بْن الفَضْلِ السِّجِسْتانِيُّ وَهِشامُ بْنُ عَمّارٍ وَسُلَيْمان بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيّانِ بهذا الحَدِيثِ -وهذا لَفْظُ يَحْيَى بْنِ الفَضْلِ السِّجِسْتانِيِّ- قالُوا: حَدَّثَنا حاتِمُ بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا يَعْقُوبُ بْنُ مُجاهِدٍ أَبُو حَزْرَةَ، عَنْ عُبادَةَ بْنِ الوَلِيدِ بْنِ عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ أَتَيْنا جابِرًا -يَعْنِي ابن عَبْدِ اللهِ- وَهُوَ فِي مَسْجِدِهِ فَقالَ: أَتانا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في مَسْجِدِنا هذا وَفِي يَدِهِ عُرْجُونُ ابن طابٍ فَنَظَرَ فَرَأَى فِي قِبْلَةِ المَسْجِدِ نُخامَة فَأَقْبَلَ عَلَيْها فَحَتَّها بِالعُرْجُونِ ثمَّ قالَ: "أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يُعْرِضَ اللهُ عَنْهُ بِوَجْهِهِ" ثُمَّ قالَ: "إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذا قامَ يُصَلِّي فَإِنَّ اللَّه قِبَلَ وَجْهِهِ فَلا يَبْصُقَنَّ قِبَلَ وَجْهِهِ وَلا عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَبْزُقْ عَنْ يَسارِهِ تَحْتَ رِجْلِهِ اليُسْرَى فَإِنْ عَجِلَتْ بِهِ بادِرَةٌ فَلْيَقُلْ بِثَوْبِهِ هَكَذا". وَوَضَعَهُ عَلَى فِيهِ ثُمَّ دَلَكَهُ ثُمَّ قالَ: "أَرُونِي عَبِيرًا". فَقامَ ¬

_ = "معرفة الصحابة" 5/ 2920 (6841). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (501). (¬1) رواه مسلم (554/ 58). (¬2) رواه مسلم (554/ 59). (¬3) رواه أحمد 3/ 490. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (74).

فَتًى مِنَ الحيِّ يَشْتَدُّ إِلَى أَهْلِهِ فَجاءَ بِخَلُوقٍ فِي راحَتِهِ فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجَعَلَهُ عَلَى رَأْسِ العُرْجُونِ ثُمَّ لَطَخَ بِهِ عَلَى أَثَرِ النُّخامَةِ. قال جابِرٌ فَمِنْ هُناكَ جَعَلْتُمُ الخلُوقَ فِي مَساجِدِكُمْ (¬1). * * * باب في كراهية البزاق في المسجد [474] (ثَنَا مُسْلِمُ (¬2) بْنُ إِبْرَاهِيمَ) الفراهيدي، شيخ البخَاري، قال: (ثَنَا هِشَامٌ) الدسْتوائي (وَشُعْبَةُ وَأَبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَال: التَّفْلُ) بفتح التاء المثَناة فوق وسُكون الفَاء، وهوَ النفخ بالبُصَاق القَليل (فِي المَسْجِدِ) وَروَاية البخاري: "البزَاق في المَسْجِد". (خَطِيئَةٌ) و"التفل" رواية مُسْلم، وهوَ أخف من البزاق، "والنفث" بِمثلثَة آخره أخَف مِنهُ. قَال القَاضِي عِيَاض: إنما يَكون خطيئة إذا لم يدْفنهُ، وأمَّا من أرَادَ دَفنه فلَا (¬3). وردَّه النوَوي (¬4) فقال: هُوَ خلاف صَريح الحَدِيث، وحَاصِل النزاع أن هُنَا عمومَين تعارضا (¬5) وهما قَوله: "البزاق في المَسْجد خطيئة". و"ليبصق (¬6) عن يسَاره أو تحت قدَمه" (¬7). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (3008). (¬2) في (ص): مسلمة. والمثبت من (د، س، ل، م)، و"سنن أبي داود". (¬3) "إكمال المعلم" 2/ 487. (¬4) "شرح النووي على مسلم" 5/ 41. (¬5) من (د، م). (¬6) في (ص، س، ل): ليبزق. والمثبت من (د، م). (¬7) سيأتي قريبًا.

فالنوَوي (¬1) يجعل الأوَّل عامًّا ويخص الثاني بما (¬2) إذا لم يكن في المَسْجِد، والقاضي يخالفه فيجعَل الثاني عامًّا ويخص الأول بمن (¬3) لم يُرد دَفنهَا، وقَد وافق القَاضي جماعَة منهم ابن مكي في "التنقيب" (¬4)، والقرطبي في "المفهم" (¬5) وغَيرهما، ويشهد لهُ ما (¬6) رَوَاهُ أحمَد بإسْنَاد صَحيح من حَديث سَعد (¬7) بن أبي وَقاص مَرفوعًا قال: "من تنخم في المَسْجِد فلم يدْفنهُ فسَيئة، [وإن دفنه فحسنة"] (¬8) (¬9). فلم يجعَله سيئة إلا عندَ عَدَم دَفنه، وروى سَعيد بن منصُور، عن أبي عبيدة بن الجراح أنه تنخم في المَسْجِد ليلة فنَسي أن يدفنها حَتى رَجَعَ إلى منزله، فَأخَذ شعْلة مِن نار ثمُ جَاء فطَلبَهَا حَتى دَفَنَهَا، ثم قال: الحمدُ للهِ الذي لم يكتب عَليَّ خَطيئة الليْلة. فدَل عَلَى أن الخَطيئة لمَنْ تَرَكها لَا لمنْ دَفَنَهَا (¬10). ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): قال النووي. والمثبت من (د، م). (¬2) في (ص): كما. (¬3) في (م): لمن. (¬4) في الأصول الخطية: التثقيف. (¬5) "المفهم" 2/ 160. (¬6) في (ص، س، ل): لما. والمثبت من (د، م). (¬7) في (س): سعيد. (¬8) من (د، م). (¬9) إنما أخرجه أحمد من حديث أبي أمامة 5/ 260 ولم يخرجه من حديث سعد رضي الله عنهما. وأما حديث سعد فلفظه: إذا تنخم أحدكم في المسجد فليغيب نخامته أن تصيب جلد مؤمن أو ثوبه فتؤذيه 1/ 179. وحسنه الحافظ في "الفتح" 1/ 512. (¬10) انظر: "فتح الباري" 1/ 512.

(وَكَفَّارَتُهُ) أي: كفارة خَطيئَته (أَنْ تُوَارِيَهُ) بفتح اليَاء بعد الراء بلا هَمز أي: أن تستره لئلا يتَأذى المؤمن به. [475] (ثَنَا مُسَدَّدٌ، قال: ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ) الوَضَّاح (عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَس، قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: البُزَاقُ فِي المَسْجِدِ) ظرف متَعلق بالبزَاق. (خَطِيئَةٌ) فلا يشترط في الخَطيئَة كَون الفَاعل فيه حَتى لو كانَ البَاصِق خَارج المَسْجِد وبَصقَ فيه تناوله النهي (¬1). (وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا) قال النوَوي: قوله "كفارتها" قال الجَمهُور: يدْفنها في تراب المَسْجِد ورمله وَحصبَائه، وحَكى الرويَاني أنَّ المراد بِدَفنهَا إخراجهَا مِنَ المَسْجِد أصلا (¬2). [476] (ثَنَا أَبُو كَامِلٍ) الجحدري، قال: (ثَنَا يَزِيدُ بْن زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قال (¬3): قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: النُّخَاعَةُ) بِضَم النون مَا يخرجُه الإنسَان مِن حَلقه مِن مخرج الخاء المعجمة، كذَا قيدَهُ ابن الأثير (¬4). وقال المطرزي: النخاعة هي النخامة (¬5). وكذَا قال في "العبَاب" وزاد المطرزي: وهي مَا يخرج من الخيشوم عند التنخع (¬6)، وَيقالُ: تنخع رَمى ¬

_ (¬1) في (ص، س): انتهى. (¬2) "شرح النووي على مسلم" 5/ 41. (¬3) من (د). (¬4) "النهاية" 5/ 33 - 35. (¬5) "المغرب في ترتيب المعرب" ص 459. (¬6) السابق.

نخاعَته (¬1) (فِي المَسْجِدِ .. ) خَطيئَة (فَذَكَرَ مِثْلَهُ) عَلى مَا تقدم. [477] (ثَنَا القَعْنَبِيُّ) قال: (ثَنَا أَبُو مَوْدُودٍ) (¬2) عَبْد العَزيز بن أبي سُليمان مَولى هذيل المدَني. قال أحَمد بن حَنبل (¬3) ويحيى بن معين (¬4): ثقة. (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الأَسْلَمِيِّ، قال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: مَنْ دَخَلَ هذا المَسْجِدَ) مَسْجِد المِدَينَة (فَبَزَقَ فِيهِ أَوْ تَنَخَّمَ) قال القفال (¬5) في "فتاويه": هذا الحَدِيث محمول على مَا يخرج مِنَ الفَم وهَو البزَاق، أو ينزل منَ الرأس وهوَ النخامة، وأما ما يخرج منَ الصدر يَعني المتصل بالمعدة (¬6) فهو نجس لا يدْفن في المَسجِد انتهىَ (¬7). وهذا عَلى مَذهبه، لكن فيما يخرج مِنَ الصَدر تفصيل، فيما إذا كانَ طرفًا من قيء أو خَالط البزاق دم (¬8). (فَلْيَحْفِرْ) بفَتح أوله وكسْر ثالثه، كضرب يضرب، وكذا (فَلْيَدْفِنْهُ) والمعنى أن من بزق في المَسْجِد أو تنخم فليَحفر لبزاقه حُفرة ¬

_ (¬1) انظر: "العين" 1/ 112، "الصحاح" 3/ 1288. (¬2) في (ص): مردود. وفي (س): داود. والمثبت من (د، ل، م) و"السنن". (¬3) "العلل ومعرفة الرجال" 1/ 526. (¬4) "تاريخ ابن معين رواية الدوري" 4/ 166. (¬5) في (م): البقال. (¬6) في (ص): من المعدة. (¬7) "فتح الباري" 1/ 513. (¬8) السابق.

وليدفنه (¬1) فيه (¬2) وأتى بفاء التعقيب في قوله: "فليَدفنهُ" أي: عَقب (¬3) ذلك من غَير تأخِير (¬4). قال ابن أبي جَمرَة (¬5) قوله: "فليدفنهَا" ولم يقُل فليُغَطه؛ لأن التغطِيَة يَسْتمرُّ الضرَر بهَا ولَا يأمَن أن يَجلس غَيره عَليَهَا بخلاف الدَّفن، فإنه يفهم منه التعميق في بَاطِن الأرض. وقال النوَوي في "الرياض" (¬6): المرادُ بَدفنها مَا إذا كانَ المَسْجِد ترابيًّا أو رَمليًّا، فأمَّا إذا كانَ مُبَلَّطًا مثلًا، فدَلكها عَليه بِشيء مثلًا، فليس ذلكَ بِدَفن بَل زَيادَة في التقذير (¬7). (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلْيَبْزُقْ فِي ثَوْبِهِ) أي: وَيردّ بَعضهُ عَلى بَعْض. (ثُمَّ لْيَخْرُجْ بِهِ) مِنَ المَسْجِد فإن المَسَاجِد لا تَصْلح لشيء (¬8) مِنَ المُسْتقذرَات. فائدة: كما تُدفَنُ النخامَة في المَسْجِد تُدْفَنُ القملَة؛ لما روى الطبرَاني في "الأوسط" والبزار، عن أبي هريرَة قال رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا وَجَدَ ¬

_ (¬1) في (م): فليدفنه. (¬2) من (د، م). (¬3) في (م): عقيب. (¬4) في (د): ناحية. (¬5) في (د، م): حمزة. (¬6) "رياض الصالحين" 2/ 253 - 254. (¬7) هذا نص ما ذكره الحافظ في "الفتح" 1/ 513. (¬8) في (ص): بشيء.

أحَدكم القملَة في المَسْجِد فليدْفنهَا" وزادَ "أو ليمطهَا (¬1) عَنْهُ" (¬2) وروى في "الكبير" بسند فيه موثقون [عن مَالك بن يخامر قال: رَأيت معَاذَ بن جَبل يقتل القمل والبراغيث في المَسْجِد (¬3) وعَن] (¬4) رَجُل من الأنصَار؛ أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا وَجَدَ أحَدكم القملة في ثوبه فَليَصُرّهَا في ثَوبه، ولَا يلقها في المَسْجِد" (¬5). [478] (ثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، عَنْ أَبِي الأحوَصِ) سَلام بن سُليم الحنفي (عَنْ مَنْصُورٍ عن (¬6) رِبْعِيٍّ) بن حراش (عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ اللهِ المُحَارِبِيِّ) الصَّحَابِي (قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: إِذَا قَامَ الرَّجُلُ إِلَى الصَّلَاةِ -أَوْ إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ-) شك من الراوي (فَلَا يَبْزُقْ) (¬7) -فلا يبزقنَ- (¬8)، وَروَايَة ¬

_ (¬1) من (د). وفي بقية النسخ: وليمطها. (¬2) "البحر الزخار" 16/ 252 (9433)، والطبراني في "الأوسط" 2/ 46 (1197)، وضعفه عبد الحق ووافقه القطان كما في "بيان الوهم والإيهام" 3/ 196، وقال الهيثمي في "المجمع" 2/ 20: وفيه يوسف بن خالد السمتي وهو ضعيف. وضعفه الألباني في "الضعيفة" 6/ 244. (¬3) أخرجه الطبراني في "الكبير" 20/ 35 (51). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 2/ 131: رجاله موثقون. (¬4) تقدمت هذه العبارة في (م) فجاءت بعد لفظة "الأوسط". (¬5) أخرجه أحمد في "مسنده" 5/ 410، والبيهقي في "الكبرى" 2/ 294، قال الهيثمي في "المجمع" 2/ 132: رجاله موثقون. وقال الألباني في "الضعيفة" 6/ 244: سنده ضعيف. (¬6) من (د، م)، وفي بقية النسخ: من. (¬7) ليست في (م). (¬8) ليست في (د).

البخَاري: "إذَا قامَ أحَدكم إلى الصَّلاة" (¬1) مِنْ غَير شَك، وإيرَاد هذا الحَديث في بَاب كراهية البزَاق في المَسْجِد كأنه فهمَ من قوله: "قامَ إلى الصَلاة". أنَّ ذلك يَختص بالمَسْجِد، لكنَّ اللفظ أعَم مِن ذَلك. (أَمَامَهُ) يَعْنِي: إلى القِبلَة (¬2)، وأمَامَهُ ظَرف لقوله قَبْلَه "صَلَّى"، ومقتَضاهُ تخصيص المنع مِنَ البزاق أمَامَهُ بمَا إذا كانَ في الصَّلَاة، ولكن التعليل بأذى المُسْلم يقتضي المنع في جدَار المَسْجِد ولو لم يَكُنْ في صَلَاة، فيجمَع بأن كونهُ في صَلاة أشَدَّ إثمًا مُطلقًا، وكونه في جدَار القبلة أشد إثمًا مِن كونه في غيرهَا مِن (¬3) جدَار المسْجِد، فهيَ مَراتب مَعَ الاشتراك في المنع. (وَلَا عَنْ يَمِينِهِ) روَاية النسَائي: "إذا كنت تصَلي فَلَا تبصُقَن (¬4) بَينَ يدَيكَ ولا عن يمَينك". (¬5) يَعني لأن عَن يَمينه مَلك. (ولكن عَنْ تِلْقَاءِ) بِكَسْر التاء أي قبَالة أو (¬6) جهَة. (يَسَارِهِ) زادَ النسَائي فَقَال: "وابصق خلفك أو تلقاء شمالك" (¬7). (إِنْ كَانَ) خلفك أو شمالك (فَارِغًا) مِنْ آدَمي يَتَأذى مِنَ البزَاق أو (¬8) ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (416) من حديث أبي هريرة. (¬2) في (س): الليلة. (¬3) في (د، م): في. (¬4) في (د): تبصق. (¬5) "المجتبى" 2/ 52. (¬6) في (د): و. (¬7) "المجتبى" 2/ 52. (¬8) ليست في (د، م).

إلى جهته، فَإنَّ كثيرًا مِنَ الناس إذَا بزق أحَد إلى جهَته يَشق عليه ويقول بَصَقَ عَليَّ، وبوَّب النسَائي على هذا الحَدِيث بَاب الرخصَة للمصَلي أن يَبصُق خلفه أو تلقاء شماله. (أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ اليُسْرَى) فيه (¬1) تفضيْل اليَمين عَلى اليسَار [وأن اليسَار] (¬2) للمُستقذرَات، والمراد بَما تحت القدَم أن يدفنها تحتهُ إن كَانَ تحت قَدَمَيه (¬3) ترابًا أو رَملًا وإن كانَ بَلاطًا دلكهُ (¬4) بِحَيث لا يبقى لهُ أثَر (¬5). (ثُمَّ لْيَقُلْ بِهِ) سَيَأتي في الروَاية الآتية: "أو تحت قدمه، فإن عجل به أمر فَليَقُل هَكذَا"، ووَصف ابن عجلان أن يتفل في ثَوبه ثُم يَرُدّ بعضهُ على بعض. [479] (ثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ دَاودَ) قال: (ثَنَا حَمَّادٌ) قال: (ثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ) رضي الله عنهمَا (قَال: بَينَمَا رَسُولُ) بالرَّفع، وأصْل بينما بينَا، ووزنها فَعلى أُشبعت (¬6) الفَتحة فصَارَت ألفًا، ثم زيدَت الميم بَعْدَ ذلك فقال بَينَما، ولابد بَعْدَهَا من تقدير مَحذُوف؛ لأنهَا تُضاف إلى الجُملَة، ولا يُضاف إلى الجُملَة إلا أسْماءُ الزمَان دُوْنَ غَيرهَا (¬7). ¬

_ (¬1) من (د، م). (¬2) ليست في (د). (¬3) في (د، م): قدمه. (¬4) في (م): لكنه. (¬5) ليست في (م). (¬6) في (ص): اشتقت. (¬7) كقولك: جئتك زَمنَ الحجاجُ أميرٌ.

والمرادُ بِقَوله بَيْنَمَا رَسُولُ (اللهِ - صلى الله عليه وسلم -): بَينما أوقاتٍ؛ لأنَّ بَيْن لَا تَجيء إلَّا فيما لهُ عَدَد، أو فيما عطف عَليه بالوَاو دُونَ غَيرهَا، نَحو "المال بَيْنَ زَيد وعَمرو" لذلك (¬1) احتجنَا إلى التقدير هُنَا، والأكثر عَلى أنَّ مَا بَعْدَهَا مُبتَدأ والخَبر بعَدها (¬2) ويكوَنُ موضع الجملَة جرًّا (¬3) بإضافة بَينما إليه، ومنهم من يجر مَا بعَدهَا عَلى حَقيقةِ الإضافَة ويَجْعَل الميم والألف زَائدَتَين. (يَخْطُبُ يَوْمًا إِذْ رَأَى نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ المَسْجِدِ، فَتَغَيَّظَ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ حَكَّهَا) روَاية النسَائي: فغضب حَتى احْمرَّ وجهه (¬4) روَاية البخَاري: "ثم حَكها بيَده" (¬5) [أي توَلى] (¬6) ذَلك بِنَفسهِ، فحكها بآلة في يَده، أو بَاشَرت يَدَه ذلكَ. ونَازَع الإسَماعِيلي في ذَلك فقال قوله: حكها بيده. أي: تَولى ذلكَ بِنفسه لا أنهُ باشرَ بيَده النخامَة، ويؤيد ذَلك الحَديث الآتي: أن حكها بعرجون. ولا مَانِع أن تتعدَّد القصة، وفي هذا الحَدِيث دلَالة عَلى إزَالة مَا يستقذر أو يتَنزه عنهُ من المَسْجِد، وعلى تفقد الإمَام أحوَال المَسَاجد وتعظيمهَا وصيَانتها، وأنهُ يؤدبهم بإظهَار التغيظ (¬7) على فعل ¬

_ (¬1) في (ص): كذلك. وفي (م): ولذلك. (¬2) في (د، م): بعده. (¬3) في (ص): خبرًا. (¬4) "المجتبى" 2/ 52 من حديث أنس - رضي الله عنه -. (¬5) "صحيح البخاري" (6111). (¬6) تكرر في (م). (¬7) في (د): التغليظ.

المكروه في المَسْجِد (قال) [نافع: (وأحسبه)] (¬1) لعَله ابن عُمرَ. (قَال: فَدَعَا بِزَعْفَرَانٍ فَلَطَّخَهُ بِهِ) فيه تلطيخ المسَاجِد بالزعفران ونَحوه، وروَاية النسَائي: فقامَت امرأة مِنَ الأنصَار فحكتهَا و (¬2) جعَلت مكانهَا خلوقًا، فَقَال رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3): "مَا أحسَن هذا" (¬4) وزادَ عَبد الرزاق عن معمر عَن أيوب: فلذلك صُنِعَ (¬5) الزعفران في المَسَاجد (¬6). (وَقَال: إِن اللهَ قِبَلَ وَجْهِ أَحَدِكُمْ إِذَا صَلَّى) أي: في جهة وجههِ. قال الخَطابي: معناهُ أن توَجُّههُ إلىَ القِبلة [مُفضٍ بالقصد] (¬7) منه إلى رَبه، فصَارَ في التقدير كأن المقصود بينهُ وبَين قبلته (¬8) (فَلَا يبزقن بَينَ يَدَيْهِ) سَيَأتي أن ظاهرهُ التحريم. [480] (ثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ) الحارثي، شيخ مُسْلم، قال: (ثَنَا خَالِدٌ بنُ الحَارِثِ) الهجيمي روى له (¬9) الجماعة. ([عن محمد بن عجلان] (¬10) عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللهِ) الفهري مِن روَاة مُسْلم. ¬

_ (¬1) من (د، م). وجاءت كلمة (وأحسبه) في (ص، س، ل): بعد قوله: ابن عمر. (¬2) سقط من (م). (¬3) من هنا سقط في (د) حتى قبل باب في المشرك يدخل المسجد ببضعة أسطر. (¬4) "المجتبى" 2/ 52 من حديث أنس - رضي الله عنه -. (¬5) من (م). وفي بقية النسخ: منع. (¬6) "مصنف عبد الرزاق" (1683). (¬7) في (ص): بعض ما يقصد. وفي (س): مُفضٍ ما يقصد. والمثبت من (ل، م). (¬8) "معالم السنن" 1/ 124. (¬9) في (م): عنه. (¬10) من (م)، و"سنن أبي داود".

(عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يحب (¬1) العَرَاجِينَ) جَمع عُرجُون، وَهي (¬2) أصْل الكناسَة التِي يَكون عَليهَا الرطب أولًا سُمّي عُرجُونًا لانعراجه وانعطَافِهِ والنون فيه زَائدة. (وَلَا يَزَالُ فِي يَدِهِ) عرجون (مِنْهَا) قال الشيخ قطب الدين (¬3) في "المورد العَذب الهني": كان له - صلى الله عليه وسلم - عَسيب. بِفَتح العَين وكسْر السِّين المهملة، وهي جريدَة مِنَ النخل، وَفي البخَاري مِنْ حَدِيث عَلقمة عن ابن مَسْعُود قال: بَينا أنا أمشي مَعَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - في خرب (¬4) المدينة، وهوَ يتوكأ على عسيب مَعَهُ، فمرَّ بِنَفَر مِنَ المشركين فسَألهُ بَعضهم عَن الروح (¬5). قال: وكانَ لهُ مخصرة (¬6) تسَمَّى العُرْجُون يتكئ عَلَيهَا أي: وتبقى مَعَهُ، وَلعَلَّ اتخاذهُ العُرجُون دُونَ العَصَا ليتذكر عَود البَدْر (¬7) الكامِل دَقيقًا (¬8) أعوَج كالعرُجُون القَديم، فيعتبر برؤيته ولتستن به أمته. (فَدَخَلَ المَسْجِدَ فَرَأَى نُخَامَةً، فَحَكَّهَا ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ مُغْضَبًا) بِضَم ¬

_ (¬1) بياض في (ل). (¬2) في (م): هو. (¬3) هو قطب الدين عبد الكريم بن محمد الحنفي الحلبي توفي سنة 735 هـ. وكتابه "المورد العذب الهني في الكلام على سيرة عبد الغني" هو شرح لكتاب الحافظ عبد الغني المقدسي في السيرة. انظر: "المعجم المفهرس" لابن حجر ص 398، "كشف الظنون " 2/ 1012. (¬4) في (ص): حرز. وفي (ل): حرث. (¬5) "صحيح البخاري" (125). (¬6) في (م): مجعرة. (¬7) في (م): البدن. (¬8) في (س): دفينا.

المِيم وفتح الضاد، أي: غضبانًا (فَقَال: أَيَسُرُّ أَحَدَكُمْ) بنَصب (¬1) الدال مَفعُول مقدم. (أَنْ يُبْصَقَ) أن مصدرية تقدر هي ومَا بَعدها بالمصدر الذي هوَ فاعِل يسر أي: أيَسر أحَدكم البَصق (فِي وَجْهِهِ؟ إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ فَإِنَّمَا يَسْتَقْبِلُ رَبَّهُ) والمعنى إقباله عليه بالرحمة وَالرضوَان، وظاهِر هذا الحَديث أن البزاق في القبلة حَرَام إذا كانَ يصلي سَوَاء كان في المَسْجِد أم لَا، ولا يجري فيه الخلاف في أن كراهية البزَاق في المسجد هل هي للتنزيه أو للتحريم؟ . (وَالْمَلَكُ عَنْ يَمِينِهِ) (¬2) روى عَبد الرزاق وغَيره عَن ابن مَسْعود أنهُ كرهَ أن يَبْصُقَ عن يمينه (¬3). وعَنْ مُعَاذ بن جَبل - رضي الله عنه - قال: مَا بَصَقت عَن يَميْني مُنذ أسْلَمت (¬4). (فَلَا يَبصُق عَنْ يَمِينِهِ) وَرَوَى الطبرَاني في "الكبير" عن أبي أمَامَة: " إن أحَدكم إذا قامَ في مُصَلاهُ فإنما (¬5) يقوم بَينَ يَدي الله عز وجل مُستقبل ربه، وملكه عَن يمينه، وقرينه عَن يسَاره" (¬6). ¬

_ (¬1) في (م): نصب. (¬2) في (م): يساره ويمينه فلا يبصق عن يمينه. (¬3) "مصنف عبد الرزاق" 1/ 435 (1699)، ورواه الطبراني 9/ 256 (9267). (¬4) "مصنف عبد الرزاق" 1/ 435 (1700). (¬5) في (ص، س): قائما. والمثبت من (ل، م). (¬6) "المعجم الكبير" (7808). وقال الهيثمي في "المجمع" 2/ 130: رواه الطبراني من رواية عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد وكلاهما ضعيف.

(وَلَا فِي قِبْلَتِهِ، وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ) فالبُزاق عَن يسَاره إنما يقع عَلى قرينه وهوَ الشيطان، وهذا يظهر استشكال بَعضهم بالبَصْق عَلى اليسَار؛ لأن عَلى اليسَار مَلكًا كما على اليَمِين، وَأُجيب باحْتِمال اختصاص بالمنع على اليَمين تشريفًا لملك اليَمين وتكريمًا دون كاتب السَّيئات، وأجَابَ بعض المتَأخرين بأن الصلاة أمُّ الحَسَنَات البدَنِيِّة فلا مدخل لكِاتب السيئات فيهَا، ويشهد مَا روي مِن حَديث حُذيفة في هذا الحَديث: "ولا عَن يمينه فإن عن يَمينه كاتب الحَسَنَات" (¬1). (أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ) الأيسَر كما تقدمَ (فَإِنْ عَجِلَ بِهِ أَمْرٌ) مِن الأُمور (فليقل) (¬2) أي: فليفعل (¬3) (هَكَذَا وَوَصَفَ لَنَا) محمد (بْنُ عَجْلَانَ) الراوي (ذَلِكَ) وهوَ (أَنْ يَتْفُلَ فِي ثَوْبِهِ ثُمَّ يَرُدَّ بَعْضَهُ على (¬4) بَعْضٍ) فيه البَيَان بالفعل ليَكون أوقع في نفس السَّامِع. [481] (ثَنَا أَحْمَدُ (¬5) بْنُ صَالِحٍ) قال: (أنا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ) قال: (أَخْبَرَنِي عَمْرٌو) بن الحَارث (عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ) بتَخفيف الوَاو (الْجُذَامي) (¬6) بِضَم الجِيم وتخفيف الذال المعجمة، أخرجَ لهُ مُسْلمٌ (عَنْ صَالِحِ بْنِ خَيْوَانَ) (¬7) بفتح الخاء المُعجمة وإسْكان الياء (¬8) المثناة ¬

_ (¬1) أخرجه عبد الرزاق (1689)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (7532). (¬2) في (ص): فليتفل. (¬3) في (ص، ل): فليتفل. (¬4) من (م)، و"سنن أبي داود". (¬5) في (م): محمد. (¬6) في (ص): الجذا. (¬7) في (س): خيران. (¬8) سقط من (م).

تحت، قال الذَهبِي: ويقال ابن (¬1) حيوان بالحاء المُهملَة (¬2). قال أبو داود: ليس أحَد يقول خيوان (¬3) بالخاء المعجمة إلا قد أخطأ (¬4). وقال ابن ماكولا: قاله (¬5) ابن يونس بالحاء المُهملة، وكذَلك قال البخاري (¬6) ولكنهُ وهم (¬7) كما قال الدارقطني أنه (¬8) بالخاء المعجمة (¬9). لم يرو عنه أبُو داود غير هذا الحديث. (عَنْ أَبِي سَهْلَةَ) واسْمه (السَّائِبِ بْنِ خَلَّادٍ) بن سُوَيد الخزرَجي الصحابي. (- قَال أَحْمَدُ) بن صَالح (مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ رَجُلًا أَمَّ قَوْمًا فَبَصَقَ فِي القِبْلَةِ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْظُرُ) إليه (فَقَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ فَرَغَ) من صلاته: (لَا يُصَلِّي) بإثبات (¬10) اليَاء؛ لأن لَا نَافِيَة، لا ناهية (لَكُمْ) هذا فيه كما كانَ مِن صفاته أن لا يُوَاجه أحدًا بما يكره. ¬

_ (¬1) "ميزان الاعتدال" 2/ 293 (3784). (¬2) من (م). (¬3) في (س): خيران. (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 13/ 38. (¬5) في (ص، س، ل): قال. والمثبت من (م)، و"الإكمال". (¬6) زاد في الأصول الخطية: ثم قال الذهبي. والمثبت من "الإكمال". (¬7) "الإكمال": 2/ 581. (¬8) سقط من (م). (¬9) "المؤتلف والمختلف" 2/ 754. (¬10) في (ص): بإتيان.

(فَأَرَادَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهمْ فَمَنَعُوهُ، وَأَخْبَرُوهُ بِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَال: نَعَمْ) قال الراوي: (وحَسِبْتُ) أي: ظننت (أَنَّهُ قَال) له: (لأنك) قد (آذَيْتَ اللَّه وَرَسُولَهُ) أو نحو ذلك. استدل به عَلى أن البُزاق في القبلة حَرَام؛ لأن أذى الله وَرَسُولهُ حَرَام؛ ولأنه رَأى أن ذلك قادحًا في ولايته. ويَدل عَلى التحريم مَا وَرَدَ في صَحيحي ابن خزيمة وابن حبان مِن حَديث حُذَيفة مَرفوعًا: "من تفل تجاه القبلة جَاء يَوم القيامة وتفله بَين عينَيه" (¬1). وفي رواية لابن خزيمة مِن حَدِيث ابن عمرَ: "يبعَث صَاحب النخامَة في القبلة يَوم القيَامَة وَهي في وَجهه" (¬2). وَللطبرَاني في "الكبير" عَن أبي أمَامة، عَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - "مَن بَزق في قِبلَته (¬3) ولَمْ يوَارِها (¬4) جَاءت يَوم القيامة أحمىَ مَا يكون حَتى تقع بَين عينيه" (¬5). [482] (ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسمَاعِيلَ) قال: (ثَنَا حَمَّادٌ) قال: (أنا سَعِيدٌ) بن إياس (الْجُرَيْرِيُّ) بضم الجيم (عَنْ أَبِي العَلَاءِ) يزيد بن عبد الله (¬6) بن الشخير العَامري. ¬

_ (¬1) "صحيح ابن خزيمة" (925)، و "صحيح ابن حبان" (1639). وبعضه عند المصنف وسيأتي تخريجه إن شاء الله. (¬2) "صحيح ابن خزيمة" (1313). (¬3) في (م): قبلة. (¬4) من (م) وفي (ص): يواريها. (¬5) "المعجم الكبير" (7960). (¬6) في (ص، س، ل): عبيد الله. والمثبت من (م)، و"الإكمال" 5/ 47.

(عَنْ) أخيه (مُطَرِّفٍ) بن عبد الله (¬1) بن الشخير (عَنْ أَبِيهِ) عبد الله بن الشخير (قَال: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُصَلِّي فَبَصَقَ تَحْتَ قَدَمِهِ اليُسْرَى) يشبه أن يكون فعل ذلكَ للجَواز، وَفيه البَيَان (¬2) بالفعل كما تقدم بَيَانه بالقول، وفيه دلالة عَلى طَهَارة البصَاق والنخامة. [483] (ثَنَا مُسَدَّدٌ) قال (¬3): (ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ) بن إياس (الْجُرَيْرِيِّ) البصري. (عَنْ أَبِي العَلَاءِ) يزيد (عَنْ أَبِيهِ) عبد الله بن الشخير بن عَوف (¬4) ابن كعب الحُرشي الصحَابي. (بِمَعْنَاهُ وزَادَ) فيه: (ثُمَّ دَلَكَهُ بِنَعْلِهِ) فيه رَد عَلى مَن منع الدلك، وقال: إنه يزيد الموضع (¬5) اسْتقذارًا. [484] (ثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ) قال: (ثَنَا الفَرَجُ بْنُ فَضَالةَ) بن النعمان الحِمْصِي، قدمَ بغدَاد وَولي بيت المال في أول خلافة المهدي، وَثقه أحمد (¬6)، وروى أبو داود عَن أحمد بن حَنبل: إذا حدث عَن الشاميين فليسَ به بأس (¬7). ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): عبيد الله. والمثبت من (س، م)، و"الإكمال" 5/ 47. (¬2) في (س): الثبات. (¬3) من (م). (¬4) في (ص): عون. والمثبت من (س، ل، م)، و"تهذيب الكمال" (3329). (¬5) في (م): المكان. (¬6) "تاربخ بغداد" 12/ 395. (¬7) "سؤالات أبي داود للإمام أحمد" ترجمة (304).

(عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) (¬1) الحَميري الحِمْصِي (قال: رأيْتُ وَاثِلَةَ بْنَ الأَسْقَعِ) ابن كعب الليثي (فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ) وهوَ اَخِر الصحَابة مَوتًا بدمشق (بَصَقَ عَلَى البُورِيِّ) بِضَم البَاء الموَحدَة، لغة في البَارية (¬2) بالتشديد، وهوَ الحصير مِن سَعف (¬3) القَصَب ينسج، فإذا كانَ فيها التمر تسمى القوصَرَة. (ثُمَّ مَسَحَهُ بِرِجْلِهِ) دليل عَلى طهَارَته (¬4) وَفعل ذلك ليُرِيَهم كيفَ فعل رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - (فَقِيلَ لَهُ: لِمَ فَعَلْتَ هذا؟ قَال: لأَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُهُ) هَكذَا، وَفيه التعليم بالفعل (¬5) والإقتداء بأفعَال النَّبي - صلى الله عليه وسلم - في الأفعَال المبَاحَة، وأَنَّ ذلك لا يبطل الصَّلَاة، وأن البُصَاق تَحتَ القَدَم اليُسْرَى لا يشترط لهُ أن يكونَ في تراب أو رَمل، يكِفي البُصَاق في اليَابِس أيضًا. [485] (ثَنَا يَحْيَى بْنُ الفَضْلِ السِّجِسْتَانِيُّ، وَهِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ) شَيخ البُخَاري، خَطيب دمشق ومقرئهَا وعَالمهَا. (وَسلَيمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالُوا: ثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) قال: (ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُجَاهِدٍ أَبُو حَزْرَةَ) بِفَتح الحَاء المهملَة وَسُكون الزاي مَولَاهُم القرشي، روى له مُسلم. (عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ) - رضي الله عنه - قال: (أَتَيْنَا جابر) (¬6) بْنَ ¬

_ (¬1) بياض قدر كلمة في (س، ل). (¬2) في (ص، س): البادية. (¬3) في (ص): سقف. (¬4) في (س، ل): طهارة. (¬5) في (ص): فالفعل. (¬6) في (ص): خالد.

عَبْدِ اللهِ (وَهُوَ فِي مَسْجِدِه) (¬1) وكانَتَ (¬2) لهُ فيه حَلقة يأخذونَ عنهُ (¬3) السنة. (فَقَال: أَتَانَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَسْجِدِنَا هذا وَفِي يَدِهِ عُرْجُونُ) بِضَم الجِيم (ابْنِ طَابٍ) اسْم لنوع من تمر المدينة مَعْرُوف عندَهُم، كما يُقال لِرَديء التمر: ابن حبيق (فَنَظَرَ فَرَأَى فِي قِبْلَةِ المَسْجِدِ نُخَامَةً) قيل: هي ما يخرج من الصدر، وَقيلَ: النخاعَة بِالعَيْن مِنَ الصَّدْر، وبالميم مِنَ الرأس. (فَأَقْبَلَ عَلَيهَا فَحَتَّهَا) بِمثَناة فوق. قال الأزهري (¬4): الحتُّ أن يحكَّ بِطَرف حجر أو عُود، والقَرص أن يدلك بأطراف الأصَابع والأظفار وَيصبُّ عَلَيْه الماء. (بِالْعُرْجُونِ ثُمَّ قَال: أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يُعْرِضَ) بِضَم أوله (اللهُ عَنْهُ؟ ) فيه الحَثُّ عَلى ترك هذا الفعل. (ثُمَّ قَال: إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ يُصَلِّي فَإِنَّ اللهَ تعَالى قِبَلَ وَجْهِهِ) فيه مَا تقدمَ. (فَلَا يَبْصُقَنَّ قِبَلَ وَجْهِهِ) أي: تلقاء وَجهه صيَانة للقبلَة عَما لَيْسَ فيه تعظيمهَا (وَلَا عَنْ يَمِينِهِ) تعظيمًا للمَلَكِ الذي يكتُب الحَسَنَات، ومن يكتب الحَسَنَاتِ أشرف مِنَ الذي يكتب السَّيئات؛ ولأنَّ جَانب يَمين الرجل أفضَل مِن شماله. ¬

_ (¬1) من (م). وفي بقية النسخ: مسجد. (¬2) في (م): كان. (¬3) في (م): عليه. (¬4) "تهذيب اللغة" (حت).

(وليَبْصُق عَنْ يَسَارِهِ تَحْتَ رِجْلِهِ اليُسْرَى) فيه دلالة على طَهَارة البزَاق، ولَا أعَلم أحَدًا قال بِنجاسَة (¬1) البزاق إلا إبراهيم النخعي (¬2). (فَإِنْ عَجِلَتْ) بكسر الجيم (بِهِ بَادِرَةٌ) غَصْبٍ أي: سَبَقت منه بادرة، والبَادرة الخَطأ. (فليقل (¬3) بِثَوْبِهِ (¬4) هَكَذَا- وَوَضَعَهُ) أي: وضع الثوب (عَلَى فِيهِ) ليَبْصُق فيه (ثُمَّ دَلَكَهُ-) أي: دَلك النخامة بثَوبه ليخف أثرهَا. ثُمَّ قَال: (أَرُونِي عَبِيرًا) أي: ائتوني به، والعبير بفتح العين المُهملَة مثل كَرِيم طيب معمول من أخلاط يجمع من الزعفران، وقيل: هو الزعفران وحدهُ، وقَد ذكر مُسْلم في حَدِيث جَابر الطويل: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جَعَل مكان النخامة عَبيرًا (¬5)، وتقدمَت روَايَة النسَائي: فقامَت امرأة مِنَ الأنصار فحَكتهَا وجَعَلت مكَانها خلوقًا. قال القرطبي: يَصح الجمع بينهما بأن ذلك كانَ في أوقَات مختلفة، ففي وقت حكها بيده وَطيبهَا، وفي وَقت فعَلَت هذِه المرأة، وَيمكن أن يقال نسبة (¬6) الحك والطيب للنبي - صلى الله عليه وسلم - مِن حَيث الأمر به، والمرأة (¬7) من حَيث المبَاشرة (¬8). ¬

_ (¬1) في (ص، ل): بنجاسته. (¬2) انظر: "الأوسط" لابن المنذر 1/ 409. (¬3) في (ص): فليتفل. (¬4) في (س): بيده. (¬5) "صحيح مسلم" (3008 - 74) وهو حديث طويل. (¬6) من (م). (¬7) في الأصول الخطية: الأمر. والمثبت من "المفهم". (¬8) "المفهم" 2/ 158.

وفي هذا الحَديث اسْتحباب أو جَوَاز تطييب (¬1) المَسَاجد بالطيب بعد تنظيفها كما تقدمَ. (فَقَامَ فتى (¬2) مِنَ الحَيِّ يَشْتَدُّ) (¬3) أي: يُسْرع في المشي بشدة. (إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِخَلُوقٍ) بفتح الخاء المعجمة، مثل رَسُول: مَا يُتخلق به (¬4) منَ الطيب. قال بَعْضُ الفُقهاء: وهوَ مَائع فيه صُفرة. (فِي رَاحَتِهِ، فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجَعَلَهُ عَلَى رَأْسِ العُرْجُونِ، ثُمَّ لَطَخَ بِهِ عَلَى أَثَرِ النُّخَامَةِ. قَال جَابِرٌ) بن عَبد الله (فَمِنْ هُنَاكَ) أي: من ذَلك الوَقت، وَهنَا اسْم إشارة للزَمَان كقوله تعالى: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ} (¬5) (جَعَلْتُمُ الخَلُوقَ فِي مَسَاجِدِكُمْ). وفيه دَليل على تطييب المَسَاجد المعَدَّةِ للصلَاة، حَتى مَسْجِد المرأة في بَيتها المعدّ للصَّلاة فيه، وإذا طيبَت المَسَاجد فالكعبَة المُشرفة أحَق وأولى بالتطيب (¬6)، وقَد يَدْخل في تطييب المَسَاجد تطييب أعضاء السجود المذكورة في قوله تَعَالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} (¬7) واللهُ أعلم. * * * ¬

_ (¬1) في النسخ: تطييب. (¬2) في (ص): فيء. وبياض في (ل). (¬3) نهاية السقط. (¬4) سقط من (م). (¬5) الأحزاب: 11. (¬6) سقط من (د). (¬7) الجن: 18.

23 - باب ما جاء في المشرك يدخل المسجد

23 - باب ما جاءَ في المشْرِكِ يدْخُلُ المَسْجِدَ 486 - حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ حَمّادٍ، حَدَّثَنا اللَّيْث، عَنْ سَعِيدٍ المقْبُرِيِّ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي نَمِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مالِكٍ يَقول: دَخَلَ رَخلٌ عَلَى جَمَلٍ فَأَناخَهُ فِي المَسْجِدِ ثمَّ عَقَلَة ثمَّ قال: أَيُّكُمْ محمَّدٌ وَرَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - متَّكِئٌ بَيْنَ ظَهْرانَيْهِمْ فَقُلْنا لَهُ: هذا الأبْيَضُ المتَّكِئُ. فَقال الرَّجُلُ: يا ابن عَبْدِ المطَّلِبِ. فَقال لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ أَجَبْتُكَ". فَقال لَه الرَّجُلُ: يا محَمَّد إِنِّي سائِلُكَ. وَساقَ الحَدِيثَ (¬1). 487 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنا سَلَمَةُ حَدَّثَنِي محَمَّدُ بْن إِسْحاقَ حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ وَمحَمَّدُ بْنُ الوَلِيدِ بْنِ نُوَيْفِعٍ، عَنْ كرَيْب، عَنِ ابن عَبّاسٍ قال بَعَثَ بَنُو سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ ضِمامَ بْنَ ثَعْلَبَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَدِمَ عَلَيْهِ فَأَناخَ بَعِيرَهُ عَلَى بابِ المَسْجِدِ ثمَّ عَقَلَهُ ثُمَّ دَخَلَ المَسْجِدَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ قال: فَقال: أَيُّكُم ابن عَبْدِ المطَّلِبِ؟ فَقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنا ابن عَبْدِ المطَّلِبِ" قال: يا ابن عَبْدِ المطَّلِبِ. وَساقَ الحَدِيثَ (¬2). 488 - حَدَّثَنا محَمَّد بْن يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزّهْرِيِّ، حَدَّثَنا رَجُلٌ مِنْ مزَيْنَةَ وَنَحْنُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ المسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: اليَهُودُ أَتَوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ جالِسٌ في المَسْجِدِ في أَصْحابِهِ، فَقالُوا: يا أَبا القاسِمِ فِي رَجُلٍ وامْرَأَةٍ زَنَيا مِنْهُمْ (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (63). (¬2) رواه أحمد 3/ 168، والحاكم 3/ 54، وابن عبد البر في "التمهيد" 16/ 168. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (505). (¬3) رواه عبد الرزاق 7/ 315 (13330). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (75).

باب في المشرك يدخل المسجد [486] (ثَنَا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ) بن مسْلم التجيبي، شيخ مسْلم. قَال: (أنا اللَّيْثُ) بن سَعْد (¬1) (عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ) ذكرهُ ابن سَعْد في الصحابة، وأخرج له ابن السَّكن حَديثًا، أغفلهُ ابن الأثير (¬2) (أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - يَقُولُ: دَخَلَ رَجُلٌ) هوَ ضمام بن ثَعلبَة (عَلَى جَمَلٍ فَأَنَاخَهُ فِي المَسْجِدِ) استنبَط منه ابن بَطال (¬3) وغَيره طَهَارَة أبْوَال الإبل وَأرْوَاثها، إذ لا يؤمن ذلك منهُ مدة كَونه في المَسْجِد، ولمْ ينكرهُ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -، ودلالته غَير واضحة، وإنَّما فيهِ مجَرد احتمال، ويدفعهُ الروَاية الآتية: فأنَاخ بعَيره عَلى بَاب المَسْجِد، [ثم دَخَل المَسْجد] (¬4) فتكونُ هذِه الروَاية فيهاَ المجَاز بالحذف، والتقدير في سَاحَة المَسْجِد أو تجاه المَسْجِد ونَحو ذَلكَ، ويحتمل تعدد الوَاقعَة جَمعًا (¬5) بينهما. (ثُمَّ عَقَلَهُ) بِتَخفيف القَاف، أي: شدَّ عَلى سَاق الجَمل بعد أن ثنى ركبته (ثُمَّ قَال: أَيُّكُمْ محَمدٌ؟ و (¬6) رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - متَّكِئٌ) فيه جَوَاز اتكاء الإمَام بَيْنَ أتبَاعه، وَفيه مَا كانَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - عليه (¬7) من تَرك التكبر ¬

_ (¬1) في (س): سعيد. (¬2) "الفتح" 1/ 150. (¬3) "شرح البخاري" لابن بطال 1/ 144. (¬4) سقط من (د). (¬5) في (ص): جمعها. (¬6) من (د، س، ل). (¬7) سقط من (ص، س، ل).

لقَولهِ (بَينَ ظَهْرَانَيْهِمْ) بفتح النون، أي: بَينهم، وَزيد لفظ الظهر ليَدُل عَلى أن [ظهرًا منهم] (¬1) وراءه و [ظهرًا منهم] (¬2) قدامه فهو محفوف بهم (¬3) من جانبيه، والألف والنون فيه للتأكيد. قاله صاحب "الفائق" (¬4). (فَقُلْنَا لَهُ: هذا الأَبْيَضُ) أي: المشرب بحمرة كما في رِوَاية الحَارث ابن [عمَير الأمغر أي] (¬5) بالغَين المعجمة قال حمزة بن الحارث: هو الأبيَض المشرب بحمرة، أنه لم يكن أبيض، أي: أبيض صرفًا (¬6). (الْمُتَّكِئُ. فَقَال له الرَّجُلُ: يَا ابن عَبْدِ المطَّلِبِ) هذِه روَاية في البخَاري (¬7)، والروَاية المشهورَة: "ابنَ عَبد المطلب" بنصب عَلى تقدير حَرف النداء. (فَقَال لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: قَدْ أَجَبْتُكَ) قيل: إنما لم يقل له نَعم؛ لأنه لمْ يُخَاطبهُ بما يليق به (¬8) مِنَ التعظيم، والعذر عنهُ إن قلنا أنهُ قدم مسلمًا أنه لم يبلغهُ النهي وكانت فيه بقية من جفاء العرب، وقد ظهرت بعد ذلك في قوله: (فمشدد (¬9) عليك) وروى أبو عوانة: كانُوا عَلى ذَلك ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): ظهرانيهم. والمثبت من (د، م). و"الفائق"، و"الفتح". (¬2) في (ص، س، ل): ظهرانيهم. والمثبت من (د، م). و"الفائق"، و"الفتح". (¬3) في (ص): لهم. (¬4) "الفائق في غريب الحديث" (أزر). (¬5) في (ص، د، م): عمر الاسغرايني. وفي (ل): الأسغرالي، في (س): عمر الاسفراني. والمثبت من "الفتح". (¬6) "الفتح" 1/ 151. (¬7) "صحيح البخاري" (63). (¬8) في (ص): له. (¬9) في (ص، س، ل): ومشدد. والمثبت من (د، م).

أجرأ (¬1) منا" يعني أن الصَّحابة واقفون عند النهي، وأولئك يعذرونَ بالجهل. (فَقَال لَهُ الرَّجُلُ: يَا محَمَّدُ) هذا يَدُل عَلى أنه لم يسْلم بَعْد، وَيَدُلُ عَليه (¬2) تبويب المصَنِّف: بَاب المشرك يَدخلُ المسْجِد (إِنِّي سَائِلُكَ .. وَساقَ الحَدِيثَ). وذكرهُ البخاري: إني (¬3) [سائلك فمشدد] (¬4) عَليك في المسألة، فلا تجد عَلي في نفسكَ. فقال: "سَلْ عَمَّا بَدَا لك؟ ". فقال: إني أسْألُك بَربِّك وَربِّ من قبلك آلله أرسَلك إلى النَّاس كلهم؟ الحَدِيث (¬5). [487] (ثَنَا محَمَّدُ بْنُ عَمْرو) (¬6) بن عباد العتكي (¬7) شيخ مسلم قال: (ثَنَا سَلَمَةُ) بن الفضل الأبرش الأنصَاري. قال ابن معين: ثقة (¬8). كانَ مِن أحسَن الناس في صلاته، قَال: (حَدَّثَنِي محَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ) قال: (حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ كُهَيلٍ وَمحَمَدُ بْنُ ¬

_ (¬1) "مسند أبي عوانة" (1). (¬2) من (د، م). وفي بفية النسخ: على. (¬3) من (ل، م). وفي باقي النسخ: أنه. (¬4) في (ص، س): مسائلك فمسدد. (¬5) "صحيح البخاري" (63). (¬6) في (د): عمر. (¬7) كذا في الأصول الخطية ولعله سهو، وصوابه: محمد بن عمرو بن بكر بن سالم أبو غسان، ولقبه زنيج. وقد روى الحديث الطبراني في "الكبير" من طريقه (8149). (¬8) "تهذيب الكمال" 11/ 308.

الوَلِيدِ بْنِ نُوَيْفِعٍ) مصَغر نافِع الأسدي مَولَى آل الزبير، ذكرهُ ابن حبان في "الثقات" (¬1). (عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ، قَال: بَعَثَ بَنُو سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ (¬2) ضِمَامَ بْنَ ثَعْلَبَةَ) هَكذَا روَاية أحمد (¬3) والحاكم (¬4) (إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) وعندَ الطبرَاني: جَاء رَجُل من بَني سَعد بن بَكر إلى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانَ مسْترضعًا فيهم فقال: أنا وَافد قومي وَرَسُولهم (¬5) (فَقَدِمَ عَلَيهِ) جزم ابن إسحاق (¬6) وأبو عَبيد أن قدوم ضمام كانَ في سَنة تسع (فَأَنَاخَ بَعِيرَهُ عَلَى بَابِ المَسْجِدِ، ثُمَّ عَقَلَهُ، ثُمَّ دَخَلَ المَسْجِدَ). قال ابن حجَر: تبويب أبي داود عليه (¬7) بَاب المشرك يدخل المَسْجِد ليسَ [مصيرًا منه] (¬8) إلى أن ضمامًا قدم مشركًا، بل وَجهه أنهم تركوا (¬9) شخصًا قادمًا يدخل المَسْجِد مِن غير استفصَال، ويؤيد (¬10) ذلك أن قوله: "آمنت" إخبار أنه لم يَسْأل (¬11) عَن دليل (¬12) التوحيد، بَل عن (¬13) عموم ¬

_ (¬1) "الثقات" 7/ 420. (¬2) زاد في (ص): ابن. (¬3) "مسند أحمد" 1/ 250. (¬4) "المستدرك" 3/ 54. (¬5) "معجم الطبراني" (8150). (¬6) انظر: "سيرة ابن هشام" 4/ 241 - 242. (¬7) في (ص، س، ل، م): على. (¬8) في (ص، س): مصر أمنه. (¬9) في (ص، س): نزلوا. (¬10) في (ص، س، ل، م): يؤكد. (¬11) في (م): يشك. (¬12) في (ص، س، ل): ذلك. (¬13) ساقطة من (ص).

الرسَالة، وعَن شرائع الإسْلام، ولو كانَ إنشاء لكان طلب معجزة منهُ توجب (¬1) لهُ التصديق. قاله الكرمَاني، وعكسه (¬2) القرطبي فاسْتَدل به عَلى صحة إيمان المقلد للرسُول ولو لم يظهر له معجزة، وكذَا أشار إليه ابن الصَلاح انتهى (¬3). ومما (¬4) حملهم عَلى تأويل تبويب أبي داود، تبويب البخاري باب القرَاءة (¬5) والعرض عَلى المحدث، وليتهم أولُوا تبويب البخاري، وأجرَوْا تبويب أبي دَاود عَلى ظاهِره، فإنهُ أصرح في المَسْألة والله أعلم. (فَذَكَرَ نَحْوَهُ قَال: فَقَال: أَيُّكُم ابن عَبْدِ المطَّلِبِ؟ ) يَحتَمل أن السَّائل قال: أيكُّمْ محمَّد بن عبد المطلب، فذكر كل [راو أحد] (¬6) الجزئين. (فَقَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَا ابن عَبْدِ المطَّلِبِ) فيه دليل عَلى جواز قول المتكلم أنا، وإن أنكرهَا بَعضهم (فقَال: يَا (¬7) ابن عَبْدِ المطَّلِبِ) إني سَائلك (وَسَاقَ الحَدِيثَ) المذكور. [488] (ثَنَا محَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ) قال: (ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ) قال: (أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ) قال: (ثَنَا رَجُلٌ مِنْ مزَيْنَةَ) مَنقول مِن مزينة تصغير ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): فوجب. (¬2) في (ص) تمسكه. (¬3) "الفتح" 1/ 152. (¬4) في (م): ما. (¬5) في (د، م): البراءة. (¬6) في (د): واحد. (¬7) في (م): أنا.

مزنة، وهي الواحدة من المزن، وهوَ السَّحاب (وَنَحْنُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ المسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَال: إن اليَهُود أَتَوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ جَالِسٌ فِي المَسْجِدِ فِي أَصْحَابِهِ) فيه دَليل عَلى جوَاز (¬1) دخول الكفار المساجد، وقد جَعَل له البخاري بابين (¬2) بَاب رَبط الأسير [في المسجد (¬3)] (¬4) وبَاب دُخول المشرك المَسْجِد (¬5) وذكر في البَابيَن حَديث ثمامة بن أثال وَربطهُ إلى سَاريَة مِنْ سواري المَسْجِد، وذكرهُ في المغازي، وفي دُخول المشرك المَسْجِد مَذاهِب، فعَن الحنَفيَّة الجوَاز مطلَقًا (¬6). وعَن المالكية (¬7) والمزَني المنع مطلقًا (¬8)، وعَن الشافعية التفصيْل بَيْنَ المَسْجِد الحرام وغَيره للآية (¬9)، وقيل: يؤذن للكتابي خَاصَّة، وهذا الحَديث وَحَديث ثمامَة يرد عليه، فإن ثمامة ليسَ من أهْل الكتَاب. (فَقَالُوا: يَا أَبَا القَاسِمِ) مَا تقول (فِي رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ زَنَيَا مِنْهُمْ) وسَيَأتي تتميمه في الحُدُود. * * * ¬

_ (¬1) سقط من (د، م). (¬2) في (ص، س، ل): ما بين. (¬3) "صحيح البخاري" (462). (¬4) من (د، ل، م). (¬5) "صحيح البخاري" (469). سيأتى تخريجه في كتاب الحدود إن شاء الله. (¬6) "بدائع الصنائع" 5/ 128. (¬7) "الذخيرة" 1/ 315. (¬8) "مختصر المزني" المطبوع مع "الأم" (ص 23). (¬9) "الأم" 1/ 121، "المجموع" 2/ 174.

24 - باب المواضع التي لا يجوز الصلاة فيها

24 - باب المَواضِعِ التِي لا يَجُوزُ الصَّلاة فِيها 489 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ عَنِ الأعمَشِ عَنْ مجاهِدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا" (¬1). 490 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ داودَ، أَخْبَرَنا ابن وَهْب قال حَدَّثَنِي ابن لَهِيعَةَ وَيَحْيَى بْنُ أَزْهَرَ، عَنْ عَمّارِ بْنِ سَعْدٍ المرادِيِّ عَنْ أَبِي صالِحٍ الغِفارِيِّ أَنَّ عَلِيًّا - رضي الله عنه - مَرَّ بِبابِلَ وَهوَ يَسِير فَجاءَهُ المؤَذِّن يُؤَذِّنُ بِصَلاةِ العَصْرِ فَلَمّا بَرَزَ مِنْها أَمَرَ المؤَذِّنَ فَأَقامَ الصَّلاةَ فَلَمّا فَرَغَ قال: إِنَّ حَبِيبِي - صلى الله عليه وسلم - نهانِي أَنْ أُصَلِّيَ فِي المقْبرَةِ وَنَهانِي أَنْ أُصَلِّيَ فِي أَرْضِ بابِلَ فَإنَّها مَلْعُونَةٌ (¬2). 411 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَزْهَرَ وابْنُ لَهِيعَةَ، عَنِ الحَجَّاجِ بْنِ شَدّادٍ عَنْ أَبي صالِح الغِفارِيِّ عَنْ عَليٍّ بِمَعْنَى سُلَيْمانَ بْنِ داودَ قال: فَلَمّا خَرَجَ. مَكانَ فَلَمّا بَرَزَ (¬3). 492 - حَدَّثَنا موسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ (ح)، وحَدَّثَنا مسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ الواحِدِ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وقال موسَى فِي حَدِيثِهِ فِيما يَحْسَبُ عَمْرٌو - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "الأَرْضُ كلُّها مَسْجِدٌ إِلَّا الحَمّامَ والمَقْبُرَةَ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة 5/ 246 (7839)، وأحمد 5/ 147، والحاكم 2/ 424. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (506). (¬2) رواه البيهقي 2/ 451 من طريق أبي داود. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (76). (¬3) رواه البيهقي 2/ 451 من طريق أبي داود. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (77). (¬4) رواه الترمذي (317)، وابن ماجه (745)، وأحمد 3/ 83. =

باب في (¬1) المواضع التي لا تجوز الصلاة فيها [489] (ثنا عثمان (¬2) بْنُ أَبِي شَيبَةَ) قال: (ثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مجَاهِدٍ، عَنْ عُبَيدِ بْنِ عُمَيرٍ) [بن أبي قتادَة] (¬3) قاص أهل مَكة، ولد في زمَان رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: رآه، من كبار التابعين (عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قال: (¬4) قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: جُعِلَتْ لِيَ) جَميع بقاع. (الأرضُ (¬5) طَهُورًا) أي: مطهرًا، وَإن كانَ الطهور قد يطلق بِمَعنىَ الطاهر في نفسه [نحو {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} (¬6) إذ لا تطهير في الجنة، ولكن لا يصح هنا؛ لأنها ظاهرة في حق كل الأمم فلا خصوصية] (¬7) إلا في كونهَا مطَهرة، نَعم تعلق بهذا اللفظ مَن يَرى التيمم بِجَميْع أجزَاء الأرض، وقَد يُجَاب بأنهُ لما اقترن (¬8) بِمَا جَعَلهُ مَسْجِدًا دل أن المراد ترابها لاسِيَّما وقد ورد: "وترابهَا طَهُورًا". مِن روَاية أبي دَاود الطيَالسي بِسَنده (¬9)، وَكذَا أخرجَه أبُو عوَانة في ¬

_ = وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (507). (¬1) من (د). (¬2) من (د، م). وفي بقية النسخ: سليمان. (¬3) كذا في جميع النسخ، وهو سهو أو سبق قلم، والصواب: عبيد بن عمير بن قتادة. (¬4) من (د، م). (¬5) زاد في (ص): مسجدًا و. وهناك تقديم وتأخير في (م). (¬6) الإنسان: 21. (¬7) من (د، م). (¬8) في (ص): اقترب. (¬9) "مسند الطيالسي" (418).

"صحيحه" والدارقطني (¬1) عن أبي مالك، واعلم أن [فعولًا بفتح الفاء قد] (¬2) يكون اسمًا لما يفعَل به الشيء كالسَّنون (¬3) لما يسْتن به، والبَرُود لما يتبرد (¬4) به للعَين والسَّحور (¬5)، ويحتمل أن يكون منه هذا الحَديث (¬6) ويجيء مصدرًا كما نقله الراغب عَن سيبويه، ولَم يرد به هذا هُنَا. (ومَسْجِدًا) قال ابن دَقيق العِيد: يَجُوز أن يجعَل مجَازًا عَن المكان المبني للصَّلاة؛ لأنهُ لما جَازت الصَّلاة في جَميعها كانت كالمَسْجِد (¬7) في ذلك، فأطلق اسْمه عَليْها (¬8) من باب مجاز التشبيه. يَدلُّ عَلى ذلك أن الأمم السَّابقة إنما كانت تخص (¬9) الصَّلاة بِمكان، ولم تكن تخص (¬10) مطلق السجود بمكان (¬11) انتهى بمعناه (¬12). وقَال غَيره: يحتَمل أنه من بَاب تسميَة البَعض باسم الكل، من ¬

_ (¬1) "سنن الدارقطني" 1/ 176. (¬2) في (ص): هو لا يصح الفاقد. (¬3) في (ص): كالمسنون. (¬4) في (ص، س): يبرد. (¬5) في (ص): السجود. (¬6) سقط من (د) .. (¬7) في (م): المسجد. (¬8) في (ص، س، ل): عليه. والمثبت من "إحكام الأحكام". (¬9) في (ص، ل): تختص. (¬10) في (ص، ل): تختص. (¬11) في (م): لمكان. (¬12) "إحكام الأحكام" 1/ 82.

حَيث (¬1) أن موضع السجود بعض المَسْجد العُرفي، ولا يخفَى مَا فيه من نظر. [490] (ثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ دَاودَ) المهري، ثقة فقيه (¬2). قال: (أَنَا) عَبد الله (ابْنُ وَهْبٍ، قَال: حَدَّثَنِي) عَبْد الله (ابْنُ لَهِيعَةَ) الحَضرمي الفقيه قاضي مصر، قَال أبُو دَاود: سَمعت أحمَد بن حَنبل يَقول: من كانَ مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حَديثه وضَبطه وإتقانه (¬3). (وَيَحْيَى بْنُ أَزْهَرَ) المصْري وثقه ابن حبان (¬4) وكانَ من أفاضل الناس وخيَارهم. (عَنْ عَمَّارِ بْنِ سَعْدٍ المرَادِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ) سَعيد بن عَبد الرحمن (الْغِفَارِيِّ) المصري، وثق، وذكرهُ ابن حبان في "الثقات" (¬5) (أَنَّ عَلِيًّا - رضي الله عنه - مَرَّ بِبَابِلَ) الذي أنزلَ عَلى هَاروتَ ومارُوتَ السِّحر فيها كما قال تعالى: {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ} (¬6). قال الزمخشري (¬7): المنزل عَليهمَا السِّحر كانا مَلكَين ببَابِل، وهَارُوت ومَاروت (¬8) عَطف بَيَان للملكين، والباء في ببَابِل بمعَنى في، أي أنزل السِّحر عَلى ¬

_ (¬1) في (س): حين. (¬2) "الكاشف" للذهبي 1/ 392. (¬3) "سؤالات أبي داود لأحمد" (256). (¬4) "الثقات" 9/ 251. (¬5) "الثقات" 4/ 287. (¬6) البقرة: 102. (¬7) "الكشاف" 1/ 198. (¬8) تكرر في (م).

هارُوت وماروت ببَابِل ابتلاء مِنَ الله للناس، من تعلمه منهم وعمل به كان كافِرًا، ومن تجنبهُ كانَ مؤمنًا. (وَهُوَ يَسِيرُ) لعَل هذا كانَ في مسيره إلى البَصْرة (فَجَاءَ المؤَذِّنُ يُؤَذنُه) بتشديد الذال. (بِصَلاةِ العَصْرِ) أي: يعلمه بهَا، وَيجُوز تخفيف الذال، فيه حَذف تقديره فلَم يأذن له بالإقامة. (فَلَمَّا بَرَزَ مِنْهَا) بتخفيف الراء أي: خرج كما في الروَاية الآتية (أَمَرَ المؤَذِّنَ) بالإقامة فيه دلالة على أن الإقامة متَعَلِّقة بنظر الإمَام كما أن الأذان متَعَلق بنظر المؤذن أو الموقت (¬1) إن كانَ. (فَأَقَامَ الصَّلاةَ) فيه أن غير الإمَام يقيم الصَّلاة إن كانَ لهَا رَاتب فهوَ أولى، وإلا فغَيرهُ (فَلَمَّا فَرَغَ) مِنَ الصَّلاة ومَسْنُوناتها. (قَال: إِنَّ حِبي) بِكَسْر الحاء المهملة، هوَ الحَبيب والمحبوب، وروي حَبِيبِي (- صلى الله عليه وسلم - نَهَانِي أَنْ أُصَلِّيَ فِي المَقْبُرَةِ) بضَم البَاء وفتحها مَوضع القبور. (وَنَهَانِي أَنْ أُصَلِّيَ فِي أَرْضِ بَابِلَ) اسْم سُرياني أعجمي، ولهذا منِعَ الصرفَ، وسَبَب تَسميتها ببَابِل (¬2) ما ذكرهُ البغوي (¬3) وغَيرهُ مِنَ المفسرين أن نمرُود بن كنعَان بَنى الصَّرح ببابل ليَصْعَد السَّماء. قال ابن عباس: كان طول الصَرْح خمسَة آلاف ذرَاع. وقال كعب ومقَاتِل: كانَ طُوله فرسَخَين، فهَبت ريح وألقت رَأسهَا في البحر، ¬

_ (¬1) في (م): الوقت. (¬2) في (م): بابل. (¬3) "تفسير البغوي" 1/ 129.

وخَر عَلَيهم البَاقي وهُم تحته، فلما سَقَط الصَّرْح تبلبَلت ألسُن الناس مِنَ الفَزع يَومئذ، فتكلموا بِثلاثة وسبعينَ لسَانًا، فلذَلك سُميَت ببَابل، وكانَ الناس كلهم قَبل ذَلك يتكَلمون بالسريانية (¬1). وفي الحَديث دلالة عَلى كراهَة الصَّلاة في أرض بَابل لهذا الحَديث، وهوَ وإن كانَ في رجَاله مَنْ تكلم فيه، فالأولى أن يسْتدل له بما روَاهُ ابن أبي شيبَة مِنْ طَريق عَبد الله بن أبي المحل بضَم الميم وكَسْر الحَاء المهملَة وتشديد اللام، قَال: كنا مَعَ عَلي فمررنا بأعلى الخَسْف الذي بَبابل، فلم يصل حَتى أجَازَهُ (¬2)، أي: تعداهُ. ومِن طَريق أخرى عن علي قال: مَا كنت لأصَلي في أرض خَسف اللهُ بهَا ثلاث مرار (¬3) والظاهِر أن قوله: ثلاث مِرَار. لَيْس متعَلقًا بالخَسْف؛ لأنه ليسَ فيهَا إلَّا خَسْف وَاحد، وإنما أرَادَ أن عليًّا قال ذَلكَ ثلاثًا، والمرادُ بالخَسْف مَوضع صَرح نَمرود المتقدم ببَابل، وليْسَ الخَسْف المذكورُ هُوَ سَبَبُ كَراهَة الصَّلاة في بَابِل، بَل الخَسْف مسَبَب (¬4)، والسبب هو الكفر الذي وقع فيها مِنَ النمرود وأتباعه، أو الكفر الذي أنزلهُ اللهُ في أرض بَابِل (¬5) على الملكين كما نَطَقَ اللهُ تَعالى به في قوله ¬

_ (¬1) "تفسير البغوي" 5/ 16. (¬2) "مصنف ابن أبي شيبة" 5/ 185 (7640). (¬3) في (م): مرات. وهو كذلك في "مصنف ابن أبي شيبة" 5/ 184 (7638). (¬4) في (ص): سبب. (¬5) هذه العبارة شديدة، وليس من الأدب مع الله أن نقول: الكفر الذي أنزله الله. ولو قال: الذي امتحن الله به. لكان حسنًا. أو لو ذكر الآية فقط لكان خيرًا له.

تعالى: {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ} (¬1) كما تقدمَ، ثم قَال بَعْدَهُ: {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُر} (¬2) فَعَلى هذا العِلَّة في الحقيقة هي كَونهَا أرض فيهَا كفر (¬3) وسحر، ومنه (¬4) التفرقة بين المَرءِ وزَوْجه، أو كفر غَيْره، وتتعَدى هذِه العلة في كل مَكان فيه كُفر. قال السُّبكي: وقد اتفق الأصحَاب عَلى كراهة الصَّلاة في مأوى الشيْطَان، مثل مَواضع الخَمْر، والحَانة، ومَوَاضع المكوس، ونَحوهَا مِنَ المعَاصي الفَاحِشَة، قال: والكنائس، والبِيَع التي للكفر أحَق الأشياء بِذَلك (¬5). (فَإِنَّهَا) أي: أرض بَابل (مَلْعُونَةٌ) فيه اسْتعمالُ المجَاز، فإن الملعُون أهلهَا لا الأرض التي لم يصدر منهَا شيء تلعن لأجله، وإنَّ هذا مِنَ التعبير بالمحل عن الحَالِّ فيه، أو هوَ من مجَاز المجَاورة. [491] (ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ) قال (¬6): (ثَنَا ابن وَهْبٍ) قال: (أَخْبَرَنِي يَحْيى بْنُ أَزْهَرَ، وَابْنُ لَهِيعَةَ، عَنِ الحَجَّاجِ بْنِ شَدَّادٍ) الصنعاني (¬7) المصري مقبول (عَنْ أَبِي صَالِحٍ (¬8) الغِفَارِيِّ) اسْمهُ سَعيد بن عَبد الرحمَن (عَنْ عَلِيٍّ ¬

_ (¬1) البقرة: 102. (¬2) البقرة: 102. (¬3) سقط من (د، س). (¬4) في (ص، س): فيه. (¬5) "المجموع" 3/ 162. (¬6) سقط من (د، س). (¬7) في (ل، م): الصغاني. (¬8) كتب فوقها في (د): د.

- رضي الله عنه - بِمَعْنَى حديث سُلَيمَانَ بْنِ دَاودَ) و (قَال) فيه: (فَلَمَّا خَرَجَ) منها (¬1) (مَكَانَ: لما (¬2) بَرَزَ) وَهما متقاربَان في المعنى. [492] (ثَنَا موسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) قال: (ثَنَا حَمَادٌ ح) التحويل (وَثَنَا مسَدَّدٌ) قال: (ثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ) (¬3) بن زَياد العَبدي (عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ) يَحيى بن عمارة بن أبي حَسَن المازني (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) الخدري (قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: - وَقَال موسَى) بن إسماعيل (فِي حَدِيثِهِ فِيمَا يَحْسَبُ عَمْرٌو) بن يَحيَى (أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَال: ) وَرَوَاهُ الشافعي (¬4) وأحمد (¬5) والترمذي (¬6) وابن مَاجَه، وابن خزيمة، والحاكم (¬7) من حَدِيث أبي سعيد لكن اختلف في (¬8) وصْله وقطعه، ورَجح البَيْهقي المرسَل (¬9)، وقال الدارقطني في "العلل" (¬10): المرسَل المحفوظ، وَقال: ثنا جَعفر بن محَمد المؤذن (¬11) ثقة، ثنا السَّري بن ¬

_ (¬1) من (د، م). (¬2) من (د، م). (¬3) كتب فوقها في (د): ع. (¬4) "مسند الشافعي" ص 70 قال الشافعي: وجدت هذا الحديث في كتابي في موضعين أحدهما منقطع، والآخر عن أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬5) "مسند أحمد" 3/ 83. (¬6) "سنن الترمذي" (317)، وقال: هذا حديث فيه اضطراب. (¬7) "سنن ابن ماجه" (745)، "صحيح ابن خزيمة" (791)، "المستدرك" 1/ 251 قال الحاكم: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه. (¬8) من (م). (¬9) "السنن الكبرى" 2/ 434. (¬10) "العلل" 11/ 320 - 321. (¬11) في (ص): المؤدب.

يَحيى، ثنا إبَراهيم (¬1) وقبيصة، ثنَا سُفيَان، عَن عَمرو بن يَحيى، عَن أبيه، عَن أبي سَعيد مَوْصُولًا، والمرسَل المَحْفوظ (¬2). (الأرضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ) المسجد لهُ مَعْنيَان أحَدُهما: البِناء الموقوف مَسْجِدًا، والذي يَنبَغي أن يفَسر (¬3) به هُنَا (¬4) مَوْضع السُّجود أي: مكان، وهوَ معَناهُ اللغوي، ويأتي كلام ابن دَقيق العِيْد أنه مجَاز (¬5). (إِلَّا الحَمَّامَ)، وكذا مَسْلخه على الصحيح. قال إمَام الحَرَمَين (¬6): نهيه عَن الصَّلاة في الحمام [هي كراهة تنزيه] (¬7)، وذكر الفقهاء مَعنَيين: أحَدُهما: لا يخلو عَن رشاش وكشف عَورَات (¬8). والثاني: أنه بَيْت الشياطِين. وخرَّجوا (¬9) على ذَلك الصَّلاة في المسْلخ، فإن عللنا النهي بالترشيش مِنَ النجاسَة فلا يكره، وإن عللنَا بأنهُ مَأوى للشيَاطِين (¬10) فيكرَه وهوَ الأصح. ¬

_ (¬1) كذا في جميع النسخ التي لدينا، وفي "العلل": أبو نعيم وهو الصواب. (¬2) الذي في "العلل" بهذا السند: عن عمرو بن يحيى عن أبيه، عن النبي مرسلاً. ولعل هذا سهو. (¬3) في (د): يعتبر. (¬4) في (م): هذا. (¬5) "إحكام الأحكام" 1/ 82. (¬6) "نهاية المطلب" 2/ 334 - 335. (¬7) في (د، م): هي كراهية. (¬8) في (د): العورات. (¬9) في (ص، س): حرحروا. (¬10) في (د، م): الشياطين.

(وَالْمَقْبرةَ) الطَّاهِرَة (¬1)؛ فَإنَّ النجسَة (¬2) لا تصَح الصَّلاة فيهَا إلَّا أن يَكون بَينَهُ وبَينها حَائل. قال النوَوي وغيرهُ: إن تحقق نبشها (¬3) لمْ تصَحّ صَلاته فيهَا بلا خلاف إذا لم يَبسُط تحته شَيئًا، وإن تحقق عَدَم نبشها (¬4) صَحت بلا خلاف، وهي مكروهة كراهة تنزيه، وإن شك في نبْشها (¬5) فالأصح الصحة مَعَ الكرَاهَة (¬6). * * * ¬

_ (¬1) وهي التي لم تنبش، فتكره الصلاة فيها. (¬2) في (س): التحتية. (¬3) في (ص): يبسها. (¬4) في (ص): يبسها. (¬5) في (ص): يبسها. (¬6) "المجموع" 3/ 158.

25 - باب النهي عن الصلاة في مبارك الإبل

25 - باب النَّهْي عَنِ الصَّلاة فِي مَبارِكِ الإِبِلِ 493 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا أَبُو معاوِيَةَ، حَدَّثَنا الأعمَشُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبدِ اللهِ الرّازِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي لَيْلَى عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ قال: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الصَّلاةِ فِي مَبارِكِ الإِبِلِ فَقال: "لا تُصَلُّوا فِي مَبارِكِ الإِبِلِ فَإِنَّها مِنَ الشَّياطِينِ" وَسُئِلَ عَنِ الصَّلاةِ فِي مَرابِضِ الغَنَمِ فَقال: "صَلُّوا فِيها فَإِنَّها بَرَكَةٌ" (¬1). * * * باب النهي عن الصلاة في مبارك الإبل [493] (ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ) قال: (ثَنَا أَبُو معَاوِيَةَ) (¬2) قال: (ثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الرَّازِيِّ) قاضي الري ثقة (¬3). (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رضي الله عنهما - قَال: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) قال ابن عَبد البَر: روي هذا المعنى عَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - مِنْ وجوهٍ كثيرة مِنْ حَديث أبي هُريرة (¬4) والبَراء بن عازب وجابر بن سَمرة (¬5) وعَبد الله بن مغفل (¬6)، وكلهَا بأسَانيد حسَان، وأكثرهَا توَاترًا وأحسَنها حَديث ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (768)، وأحمد 4/ 288. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (178). (¬2) في (ص، س، ل): عوانة. والمثبت من (د، م)، و"السنن". (¬3) "الكاشف" للذهبي 2/ 102. (¬4) رواه الترمذي (348)، وابن ماجه (768)، وأحمد 4/ 150. (¬5) رواه مسلم (360). (¬6) رواه النسائي 2/ 56، وابن ماجه (769).

البَراء وحديث عَبد الله بن مغفل رَوَاهُ عَن الحَسَن نَحو (¬1) خمسة عَشر رَجُلًا (¬2). (عَنِ الصَّلاةِ فِي مَبَارِكِ الإِبِلِ) وهوَ يشمل مَعَاطنها ومَراحهَا [(فقال: لا تصلوا في مبارك الإبل)] (¬3). قال ابن عَبد البر: عطن الإبل مَوضع بُروكها عندَ سَقيها؛ لأنهَا في سَقيها لهَا شَربتان ترد الماء (¬4) فيهَا مَرتَين، فموضِعُ بُروكها بين (¬5) الشربتَين هُوَ عَطنها، لا موضع مَبيتها (¬6)، ومَوضع مَبيتها هُوَ مراحها كما مراح الغنم موضع مقيلهَا وموضع مَبيتها (¬7). (فَإِنَّهَا) خلقت (مِنَ الشَّيَاطِينِ) وفي روَاية: فإنها خلقت من جن أو (¬8) من عنان (¬9) الشيَاطين، وهذِه ألفاظ محَفوظة من حَديث عَبد الله بن مغفل من كتاب عَبْد الرزاق وأبي بكر بن أبي شيبة (¬10). (وَسُئِلَ عَنِ الصَّلاةِ فِي مَرَابِضِ) جَمع مَرْبِض بفَتح المِيم وكسْرِ البَاء وهوَ الموْضع الذي يَكون فيه (الغنم؟ ) في الليل. ¬

_ (¬1) ليست في (د). (¬2) "التمهيد" 22/ 333، و"الاستذكار" 6/ 306 - 307. (¬3) من (د، م). (¬4) زاد في (ص): في. وهي زيادة مقحمة. (¬5) في (ص، س، ل): موضع. والمثبت من (د، م) و"الاستذكار". (¬6) في (ص، س، ل): مشيها. والمثبت من (د، م)، و"الاستذكار". (¬7) "الاستذكار" 6/ 307. (¬8) في (ص): و. (¬9) في (م): عيال. وفي (ل): عتات. (¬10) "الاستذكار" 6/ 308.

(فَقَال: صَلُّوا فِيهَا فَإِنَّهَا بَرَكَةٌ) (¬1) وقد اختلف العُلماء في المعنى الذي ورد له هذا الحَديث منَ الفرق بين عطن الإبل ومرابض الغنم، فقال بَعضهم: من أجل أنهُ كانَ يَستتر بالإبل ورحالهَا عند الخلاء، وهذا خَوف النجَاسَة من غَيرهَا لا منها، وَيَدل عليه (¬2) ما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج قلتُ لعطاء: أتكره أن أصلي في أعطان الإبل؟ قَال: نَعم من أَجْلِ أنه يَبُول الرجل إلى البعير البَارك (¬3). وقال آخرُونَ: النهي عَن ذَلك من أجل أنها لا تستقر في عطنها، ولهَا إلى الماء نزوع، فَرُبمَا [نزعت فقطعت] (¬4) صَلاة المصَلي وهجَمت عليه فآذَته وقطعَت صَلاته (¬5). قال أبُو عُمر (¬6): لا أعلم في شيء من الآثار المرفوعة، ولا عَن السَّلَف أنهم كرهوا الصَّلاة في مَرَاح الغَنَم، وذَلك دَليْل عَلى طهَارة أبعَارهَا وأبوَالهَا، ومعلوم أن الإبل مثلها في إبَاحَة أكل لحومها، واختلف العُلماء فيمَن صَلى في أعطَان الإبل والموضع سَالم من النجاسَة، فقال أهل الظاهر: صَلاته فاسدة؛ لأنها طابقت النهي ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد 4/ 288، وصححه ابن خزيمة (32) قال عقبه: ولم نر خلافًا بين علماء أهل الحديث أن هذا الخبر أيضا صحيح من جهة النقل لعدالة ناقليه. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (178). (¬2) في (م): على. (¬3) "مصنف عبد الرزاق" (1594). (¬4) في (ص، س، ل): قطعت. (¬5) "الاستذكار" 6/ 308. (¬6) في (م): عمرو.

ففسَدَت لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "كل عمل ليَس عليه أمرنا فهوَ رَد" (¬1). أي: مَردُود. وقال أكثر العُلماء: صَلاته تامَّة (¬2) إذا سَلم مِن نجاسَة أو غَيرهَا، ولا أعلم أحَدًا أجَاز الصَّلاة في أعطَان الإبل إلا مَا ذكر وَكيع، عَن إسرائيل، عَن جَابِر، عَن عَامِر، عن جندب بن عَامِر السُّلمي أنه كانَ يُصَلي في أعطَان الإبل (¬3). ثم قال ابن عَبْد البر: وهذا لم يسمع بالنهي (¬4). قال السُّبكي: ولم أر أحَدًا ذكر الكرَاهة في مَرابض الغَنم، بَل وَرَدَ حَديث: "أكرموا المعزى، فامسَحُوا عَليهَا، فإنها مِنْ دَوَابِّ الجَنَّة، وصَلُّوا في مَراحهَا" (¬5). ذكره الثقفي (¬6) في "نصرة الصحَاح" وعَلل ببركتها (¬7) كما في الحَديث، وكون (¬8) كُل نبي رعاها (¬9) لكن في "سُنن ابن مَاجَه" بِسَنَد ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2697). وسيأتي تخريجه باستفاضة عند الحديث عليه إن شاء الله. (¬2) في (د، م): ماضية. (¬3) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (3912). (¬4) "الاستذكار" 6/ 309. (¬5) أخرجه عبد بن حميد في "مسنده" (987)، والبزار 15/ 280 (8771) من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (2070)، وقال الهيثمي في "المجمع" 4/ 66: فيه يزيد بن عبد الملك النوفلي، وهو متروك. (¬6) من (د، م)، وفي بقية النسخ: البيهقي. (¬7) في (د، م): بتركها. (¬8) من (د، م). (¬9) يعني حديث: "ما بعث الله نبيًّا إلا رعى الغنم ... " أخرجه البخاري (2262)، وابن ماجه (2149).

صَحيح من روَاية أبي هُريرة قَال رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن لم تجدوا (¬1) إلا مرابض الغَنَم وأعْطَان الإبل فصَلوا في مَرابض الغَنم، ولا تصَلوا في أعَطان الإبل" (¬2). ثم قال: وهذا الحَدِيث يصْلح (¬3) أن يَكون مقيِّدًا للحَدِيث المطلق، وتَبينَ أن الصَّلاة في مَرابض الغَنَم إذا لَم يجد غَيرهَا حَتى لو (¬4) وَجَد غَيرهَا كانَ أولى منهَا واللهُ أعلم. * * * ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: أر. والمثبت من "سنن ابن ماجه". (¬2) "سنن ابن ماجه" (768). (¬3) في (م): يصح. (¬4) في (م): لن.

26 - باب متى يؤمر الغلام بالصلاة

26 - باب مَتَى يُؤْمَرُ الغُلام بِالصَّلاةِ 494 - حَدَّثَنا محَمَّد بْن عِيسَى -يَعْنِي: ابن الطَّبّاعِ- حَدَّثَنا إِبْراهِيم بْن سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قال: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مرُوا الصَّبِيَّ بِالصَّلاةِ إِذا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ وَإذا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ فاضْرِبُوهُ عَلَيها" (¬1). 495 - حَدَّثَنا مؤَمَّل بْن هِشامٍ -يَعْنِي: اليَشْكرِيَّ- حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ، عَنْ سَوّارٍ أَبِي حَمْزَةَ -قال أَبُو داودَ: وَهوَ سَوّارُ بْنُ داودَ أَبُو حَمْزَةَ المزَنِيُّ الصَّيْرَفِيُّ- عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مرُوا أَوْلادَكمْ بِالصَّلاةِ وَهُمْ أَبْناءُ سَبْعِ سِنِينَ، واضْرِبُوهُمْ عَلَيها وَهُمْ أَبْناءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي المَضاجِعِ" (¬2). 496 - حَدَّثَنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، حَدَّثَنِي داودُ بْنُ سَوّارٍ المزَنِيُّ بإِسْنادِهِ وَمَعْناهُ وَزادَ: "وإذا زَوَّجَ أَحَدُكمْ خادِمَهُ عَبْدَهُ أَوْ أَجِيرَهُ فَلا يَنْظُرْ إِلَى ما دُونَ السُّرَّةِ وَفَوْقَ الرُّكْبَةِ". قال أَبُو داودَ: وَهِمَ وَكِيعٌ فِي اسْمِهِ وَرَوَى عَنْهُ أَبُو داودَ الطَّيالِسِيُّ هذا الحَدِيثَ فَقال: حَدَّثَنا أَبُو حَمْزَةَ سَوّارٌ الصَّيْرَفِيُّ (¬3). 497 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ داودَ المهْرِيُّ، حَدَّثَنا ابن وَهْب، أَخْبَرَنا هِشام بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي معاذ بْن عَبْدِ اللهِ بْنِ خُبَيْبٍ الجُهَنِيُّ قال: دَخَلْنا عَلَيْهِ فَقال لامرَأَتِهِ: مَتَى ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (407)، وأحمد 3/ 404. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (508). (¬2) رواه ابن أبي شيبة 3/ 201 (3501)، وأحمد 2/ 180، والحاكم 1/ 197، والبيهقي 2/ 229. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (509). (¬3) رواه أحمد 2/ 187. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (510).

يُصَلِّي الصَّبِيُّ فَقالتْ: كانَ رَجُلٌ مِنّا يَذْكُرُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ سُئِلَ، عَنْ ذَلِكَ فَقال: "إِذا عَرَفَ يَمِينَهُ مِنْ شِمالِهِ فَمرُوهُ بِالصَّلاةِ" (¬1). * * * باب متى يؤمر الغلام بالصلاة [494] (ثَنَا محَمَدُ بْنُ عِيسَى بن) نجيح أبو جعفر (الطَّبَّاعِ) بِتشديد البَاء الموحَّدة [أخو إسحاق ويوسف قال أبو داود: وكان يتفقه ويحفظ (¬2) نحوًا من أربعين ألف حديث، قال النسائي: ثقة (¬3)، قال: (ثنا (¬4) إبراهيم بن سعد) المدني (عن عبد الملك بن الربيع بن سبرة) بإسكان الباء الموحدة] (¬5) (عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ) سَبْرَةَ بن سَعد الجهَني المدَني الصَّحابي توفي في آخِر خلافة معَاويَة. (قال: قال (¬6) رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: مروا) هذا أمر منَ الشارع لأولياء الصَّبِي إما الأب أو الجَد وإن عَلا، أو الوَصي أو القيم مِن جهَة الحَاكم. و(الصَّبِيَّ) مَأمور من جهة الولي بأمره بذلك. قال النووي (¬7): هوَ يتناوَل الصَّبِي والصَّبية لا فرق بينَهما بلا خلاف، ¬

_ (¬1) رواه ابن حبان في "المجروحين" 3/ 89، والطبراني في "الأوسط" 3/ 235 (3019). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (78). (¬2) سقطت من (م). (¬3) "تهذيب الكمال" 26/ 263. (¬4) زاد في (م): ابن الربيع. (¬5) سقطت من (ص). (¬6) من (د). (¬7) انظر: "المجموع" 3/ 11.

وأمر الولي للِصَّبِي وَاجِب، وقيل مستحب. (بِالصَّلاةِ) وعلموهم الصلوات الفَرائض، وإن احتَاجَ إلى أُجرة [التعليم فهي في] (¬1) مال الصبي، قال (¬2): فإن لم يَكن (¬3) مَال فعَلى الأب، فإن لم يكن فعَلى الأم، والأصَح أنهُ يعْطى من مَال الصبي أُجرة التعليم للسُّنن أيضًا، ويجب على السَّيد تَعليم مَملوكه الكَبير ما (¬4) لا تصح الصَّلاة إلا به، أو يخليه حَتى يتعلم. (إِذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ) كوامل و (¬5) لابد مع السَّبع من التمييز، والتقييد بالسبع إنما هوَ لوقوع التمييز فيه غَالبًا. قال المحب الطبري: ولا يقتصر في الأمر عَلى مجَرَّد صيغته، بَل لابد معه من التهديد (¬6)، وكما يُؤمَر بالأدَاء يُؤمر بالقضاء. (وَإِذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ) أي: كاملة (فَاضْرِبُوهُ عَلَيهَا) رواه أبو نعيم في "المعرفة" من حَديث [عبد الله بن مَالك الأشجعي] (¬7) وإسناده ضعيف (¬8). وعَن أنس بلفظ: "مروهُم بالصَّلاة لِسبع، واضْرِبوهُم عليها لثَلاث عَشرة". ¬

_ (¬1) في (د): تعليم فهي في. وفي (م): تعليم فهو من. (¬2) ليست في (د، م). (¬3) زاد في (د، م): له. (¬4) في (ص، س): بما. (¬5) من (د، م): وفي بقية النسخ: أو. (¬6) "الإقناع" 1/ 114، "مغني المحتاج" 1/ 131. (¬7) كذا في جميع النسخ، وهو سهو أو خطأ، والصواب عبد الله أبو مالك الخثعمي. (¬8) رواه أبو نعيم في "المعرفة" (4574) من طريق عمرو بن عبد الله عن أبيه أبو مالك الخثعمي. فذكره.

مِن روَاية الطبرَاني (¬1)، وعَن أبي رَافع: وجدنا (¬2) في صحيفة في قراب (¬3) رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: "واضربُوا أبناءكم عَلى الصَّلاة إذَا بَلغوا تسَع (¬4) سنين" (¬5). والروَاية المشهورة لعَشر سنين، وإنما أمر (¬6) بالضرب لعَشر؛ لأنه حَدٌّ (¬7) يَحْتمل فيه الضرب غَالبًا، والمرادُ بالضرب ضربًا غير مبرح، وأن يتقي الوجه في الضَرب. [495] (ثَنَا مؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ اليَشْكُرِيَّ) شَيخ البخَاري، قال: (ثَنَا إِسْمَاعِيلُ) ابن علية (عَنْ سَوَّارٍ بنِ دَاودَ) المزَني (أَبِي حَمْزَةَ) بالحَاء المهملة والزاي (الْمزَنِيُّ) بِضَم الميم وفتح الزاي ثم نُون، اسْمه سَوار. قال إسْحَاق بن مَنصُور عَن يَحيى بن مَعين: ثقة (¬8). وذكرهُ ابن حبان في "الثقات" (¬9) (الصَّيرَفِيُّ) البصري (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَال: قال (¬10) رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: مرُوا ¬

_ (¬1) أخرجه الطبراني في "الأوسط" (4129)، وقد تفرد بروايته داود ابن المحبر وهو متروك، واللفظ منكر. (¬2) في (س): وحديثًا. (¬3) في (ص) تراب. وفي (س): فوات. (¬4) في (ص): سبع. (¬5) أخرجه البزار في "مسنده" (3885)، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 2/ 25: فيه غسان بن عبيد الله عن يوسف بن نافع ولم أجد من ذكرهما. وقد شك الراوي في لفظ التسع فقال: أظنها تسع. (¬6) في (م): أمروا، وفي (س): أمرت. (¬7) من (د، م). (¬8) "تهذيب الكمال" 12/ 236. (¬9) "الثقات" 6/ 422. (¬10) من (د، م).

أَوْلادَكُمْ) يشمل الذكر والأنثى. (بِالصَّلاةِ) الوَاجبة أمر إيجاب، والمندوبة (¬1) أمْر ندب. (وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبع سِنِينَ) قَمرية. (وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ) المرَادُ بالسَّبع والعَشر هُو استكمالهَا كما صَرَّحَ بهِ الشيخ نصر (¬2) في "المقصود" ودَلَّ عليه كَلام الرافعي فإنهُ قال: يَجِبُ عَلى الآباء والأُمَّهَات تعليم الأولاد الطَّهَارة والصَّلاة والشرائع بعد السَّبع، وَالضرب عَلَى تركها بَعْدَ العَشر، وذكرُوا في اختصَاص الضَّرب بالعَشر مَعْنَيين أحَدُهما: أنهُ زَمَن (¬3) احتمال البُلُوغ بالاحتلام، فَرُبما بَلَغَ وأخفى أمره، فإنهُ رُبما يَسْتَحي من أبيه بذكر البُلوغ. والثاني: أنهُ حينئذ يقوى ويحتمل الضرب (¬4). قال الإسنَوي: وَقياس المعنى الأول من معنى (¬5) الضرب أن يكون دَائرًا مع إمكان البلوغ، وقد صرح به الماوردي حتى يضرب باستكمال التسع (¬6) إذا قلنا إن إمكان البلوغ يحصُل به، وهو الصَّحيح (¬7)، ولهذا ¬

_ (¬1) في (م): وا لمتقدم. (¬2) يعني: الشيخ نصر بن إبراهيم المقدسي الشافعي ت 490 هـ، وكتابه في فروع فقه الشافعية. انظر: "كشف الظنون" 2/ 1807. (¬3) من (م). (¬4) "الشرح الكبير" 1/ 393. (¬5) في (ص، س، ل): تغشى. (¬6) في (ص، س، ل): السبع. (¬7) "الحاوي" 2/ 313.

قال الطبَري في "شرحه": هل يعتبر في أمْره وضَربه استكمال السَّابعة أو العَاشرَة؟ وجهَان، واعلم أن التعليمَ والضرب عليه يشرعَان بِمجَرد (¬1) التمييز كما هوَ المعهُود منَ المعَلمين والأطفال، فقد قال الشافِعِي في "المختصَر": وعَلى الآباء والأمهَات أن يؤدبُوا أولادَهم، ويعلموهم (¬2) الطهارة وَالصَّلاة ويضربوهم على ذلك إذا عقلوا (¬3)، هذه عبارته (¬4). (وَفَرِّقُوا بَينَهُمْ فِي المَضَاجِعِ) (¬5) أي: بَيْنَ الذكور، وأما التفريق بَين الذكر والأنثى فهوَ أولىَ، والمرادُ بالتفريق أن يعزل فراش أحَدهما عن الآخر. وفي حَديث أبي رَافِع: وَجَدْنَا في صَحيفة في قراب رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - بعدَ وَفاته فيهَا مَكتوب: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فرقوا بَينَ مَضَاجِع الغِلمان والجوَاري، والأخوَة والأخوات لِسَبْع سنين (¬6). رَوى أبو الشيخ ابن حيان في كتاب "الضحَايَا والعَقيقة" مِن حَديث أنسَ: عقوا عَن الغُلام يَوم السَّابع، وأدبوهُ لِسَبْع، واعزلوا فراشه في العَاشِر، وزَوِّجُوهُ لسَبْع عَشرة، ثم ليَأخذ بيَد وَلَده (¬7) ويقول: قد أدبتك وعَلَّمتُك وأنكحتُك، أعُوذ بالله من فتنتك في الدُنيا، وعَذَابك في ¬

_ (¬1) في (م): لمجرد. (¬2) في جميع النسخ: يعلمونهم. والمثبت من "مختصر المزني". (¬3) في (م): غفلوا. (¬4) "مختصر المزني" المطبوع مع "الأم" ص 26. (¬5) أخرجه أحمد 2/ 180، والحاكم في "المستدرك" 1/ 197، وحسنه النووي في "المجموع" 3/ 10. قال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (509): حسن صحيح. (¬6) سبق تخريجه. (¬7) في (د): ولدك.

الآخرة (¬1). [496] (ثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ) قال: (ثَنَا وَكيعٌ) بن الجَراح قال: (حَدَّثَنِي دَاودُ بْنُ سَوَّارٍ المزَنِيُّ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ، وزاد (¬2): وَإذَا زَوَّجَ أَحَدُكمْ خَادِمَهُ) والخادم يُطلق عَلى الغلام والجَارية، لكن المراد هُنَا الجَارية والخَادمَة بالهَاء في المؤنث قليل. (عبده) فيه دَليل عَلى أن الإنسَان إذا كان له عَبد وجَاريَة فيَجوز أن يزَوج الجارية للعَبد وهما في ملكه، وإذا زوجَ أمته بعَبده (¬3) لم يَجب عَلى العَبْد مهر؛ لأن السَّيد لا يثبت له على عَبده دَين، بدليل جنايته عليه وإتلافه مَال سَيده. ومَعنى الحَدِيث: إذَا زَوجَ أحَدكم جَاريته بعَبده؛ لأن زوج يتَعدى بنفسه إلى اثنَين، ويجوز أن يتعدى إلى الثاني بالباء (¬4). (أَوْ أَجِيرَهُ) الذي استأجره، فعيل بمعنى فاعل كنديم [بالنصب عَطف] (¬5) عَلَى العَبد، وإذَا زوجها لأجيره يستخدمهَا نهَارًا ويُسَلمهَا للزوج ليلًا؛ لأنهُ وقت الاستمتاع. ونص الشافعي في البُويطي (¬6) [أنَّ تسليمهَا] (¬7) بعد الثلث الأول، ولا ¬

_ (¬1) أخرجه قوام السنة في "الترغيب والترهيب" (604). وعزاه العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" 681: لأبي الشيخ قال: وفي إسناده من لم يسم. (¬2) من (م). (¬3) في (ص): لعبده. (¬4) في (م): ثالثًا. (¬5) في (د): وهو منصوب بالعطف. وليست في (م). (¬6) "أسنى المطالب" 3/ 191، "مغني المحتاج" 3/ 218. (¬7) في (د): أنْ يسلمها.

فَرق هُنا بَين أن يزَوجهَا لأجِير أو أجنَبي. (فَلا يَنْظُرْ إِلَى مَا دُونَ السُّرَّةِ وَفَوْقَ الرُّكْبَةِ) أي: يحرُم عَلى السَّيد إذا زَوَّجَ أمَتَهُ الاستمتاع منها بالنظر والمسِّ (¬1) بِطَريق الأولى إلى مَا بَيْنَ سرتها وَرُكبَتها؛ لأنهَا مبَاحة للزوج، ولا تحل امرأة لرَجُلَين، ومَفهُومه إبَاحَة النظر واللمس (¬2) إلى مَا عَدَاهُ (¬3). (قَال أَبُو دَاودَ: وَهِمَ وَكيعٌ فِي اسْمِهِ) فإنه سَماهُ دَاود بن سَوَّار (¬4) وَالصحيح أنَّ اسْمه سوَّار بن دَاود المزَني كما تقدم. (وَرَوَى عَنْهُ) أي: روى عَن وَكيع (أَبُو دَاودَ) سُليمان بن دَاود (الطَّيَالِسِيُّ هذا الحَدِيثَ قَال: ثَنَا أَبُو حَمْزَةَ سَوَّارٌ) بن دَاود (الصَّيرَفِيُّ) صَاحب الحلي. [497] (ثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ دَاودَ المَهْرِيُّ) (¬5) قال: (ثَنَا ابن وَهْبٍ) قال: ¬

_ (¬1) في (د، م): اللمس. (¬2) في (س): وا لمس. (¬3) قال البيهقي في "السنن الكبرى" 2/ 226: وهذه الرواية إذا قرنت برواية الأوزاعي دلنا على أن المراد بالحديث نهي السيد عن النظر إلى عورتها إذا زوجها، وأن عورتها ما بين السرة والركبة. وسائر طرق الحديث يدل، وبعضها ينص على أن المراد به نهي الأمة عن النظر إلى عورة السيد بعد ما زُوِّجت، أو نهى الخادم مِن العبد أو الأجير عن النظر إلى عورة السيد بعد ما بلغا النكاح؛ فيكون الخبر واردًا في بيان مقدار العورة من الرجل لا في بيان مقدارها من الأمة. وقال في 2/ 227: فأما حديث عمرو بن شعيب فقد اختلف في متنه فلا ينبغي أن يعتمد عليه في عورة الأمة. (¬4) في جميع النسخ: (سيار) إلا (م) فإن فيها: يسار. والجميع خطأ، والمثبت من "السنن". (¬5) في (ص): المهدي. والمثبت من (د، س، ل، م) و"السنن".

(أَخْبَرَنَي هِشَام بْنُ سَعْدٍ) المدَني، قال أبُو زرَعة: شَيخ محله الصدق (¬1). قال: (حَدَّثَنِي معاذ (¬2) بْنُ عَبْدِ اللهِ بن خبيب (¬3) الجهَني) وثقهُ ابن معين وأبُو دَاود (¬4). (قَال) هشَام: (دَخَلْنَا عَلَيهِ فَقَال لاِمْرَأَتِهِ: مَتَى يُصَلِّي الصَّبِيُّ؟ فَقَالتْ: كَانَ رَجُلٌ مِنَّا (¬5) يَذْكُرُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَال: إِذَا عَرَفَ يَمِينَهُ مِنْ شِمَالِهِ فَمرُوهُ بِالصَّلاةِ) وقد اختلفت عبَارَاتهم في ضَابط التمييز، فقيل: إن التمييز قوة في الدمَاغ تستنبط بهَا المعَانِي، وقيلَ: إذا عَرف الصبي مضاره مِن منافعه فمروه بالصَّلاة، ولا يقتصر عَلى الأمر بل لابد معه من التهديد بالضرب، وَقال الإسنَوي: أحسَن مَا قيل فيه أن يَصير الطفل بحَيث يَأكُلُ وَحْدَهُ، ويشرب وَحْدَهُ، ويَستنجي وَحَدهُ (¬6). وما ورد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن كان في إسناده مجهول فهوَ أحسَن وأقوى حجة، ومما يُرَجِّحُه أنه إذا مَيَّزَ اليَمينَ مِنَ الشِمال كانَ ذَلك عَونًا لِتَأديبه بأن يُقَال: كُل بيمينك، اشرب بيَمينك، أمخط بشمالك، ونَحو ذَلك واللهُ أعلم. * * * ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 9/ 62. (¬2) ساقطة من (ص). (¬3) في (ص، ر، ل): حسن. والمثبت من (د، م)، و"السنن". (¬4) "تهذيب الكمال" 28/ 125، "تاريخ ابن معين" رواية الدارمي (778). (¬5) بياض في (د): قدر ثلاث كلمات. (¬6) "كفاية الأخيار" ص: 446.

27 - باب بدء الأذان

27 - باب بدْءِ الأَذانِ 498 - حَدَّثَنا عَبّادُ بْنُ مُوسَى الختَّلِيُّ وَزِياذ بْنُ أَيُّوبَ -وَحَدِيثُ عَبّادٍ أَتَمُّ- قالا: حَدَّثَنا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ -قال زِيادٌ، أَخْبَرَنا أَبُو بِشْرٍ- عَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمُومَةٍ لَه مِنَ الأنصارِ قال: اهْتَمَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - للصَّلاةِ كَيْفَ يجمَعُ النّاسَ لَها فَقِيلَ لَهُ: انْصِبْ رايَةً عِنْدَ حُضُورِ الصَّلاةِ فَإِذا رَأَوْها آذَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ قال: فَذُكِرَ لَهُ القُنْعُ -يَعْنِي الشَّبُّورَ- وقال زِيادٌ شَبُّورَ اليَهُودِ فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ وقال: "هُوَ مِنْ أَمْرِ اليَهُودِ". قال: فَذُكِرَ لَه النّاقُوسُ فَقال: "هُوَ مِنْ أَمْر النَّصارَى". فانْصَرَفَ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ وَهُوَ مهْتَمٌّ لِهَمِّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأُرِيَ الأذَانَ فِي مَنامِهِ -قال- فَغَدا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرَة فَقال لَهُ: يا رَسُولَ اللهِ إِنِّي لَبَيْنَ نائِمٍ وَيَقْظانَ إِذْ أَتانِي آتٍ فَأَرانِي الأذَانَ. قال: وَكانَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ - رضي الله عنه - قَدْ رَآه قَبْلَ ذَلِكَ فَكَتَمَهُ عِشْرِينَ يَوْمًا -قال: - ثُمَّ أَخْبَرَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقال لَه: "ما مَنَعَكَ أَنْ تُخْبِرَنِي". فَقال: سَبَقَنِي عَبْدُ اللهِ بْن زَيْدٍ فاسْتَحْيَيْت فَقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يا بِلال قُمْ فانْظُرْ ما يَأْمُرُكَ بِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ فافْعَلْهُ". قال: فَأَذَّنَ بِلال. قال أَبُو بِشْرٍ: فَأَخْبَرَنِي أَبُو عُمَيْرٍ أَنَّ الأَنْصارَ تَزْعُمُ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ زَيْدٍ لَوْلا أَنَّهُ كانَ يَوْمَئِذٍ مَرِيضًا لَجَعَلَهُ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُؤَذِّنًا (¬1). * * * باب بدء الأذان [498] (ثَنَا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى الخُتَّلِيُّ) بِضَم الخاء المُعجمة وتشدِيد المثَناة فوق شَيخ مُسْلم (وَزِيادُ بْنُ أَيُّوبَ) الطوسي شَيخ البخَاري (- وَحَدِيثُ عَبَّادٍ أَتَمُّ -) من حديث زياد (قَالا: ثَنَا هُشَيمٌ) بن بشير أحد ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 1/ 390، وابن عبد البر في "التمهيد" 24/ 21 كلاهما من طريق أبي داود. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (511).

الأعلام الحُفَّاظ (عن (¬1) أَبِي بِشْرٍ) جَعفر بن أبي وحشية اليشكري، واسْم أبي وَحشية إياس (¬2) ثقة عندَ جَميعهم (¬3). (قَال زِيَادٌ: أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ أَبِي عُمَيرِ) بِضَم العَين المهملة مُصَغر، أكبر أولاد أنس بن مَالك [واسمه عبد الله] (¬4) (بْنِ أَنَسٍ) [بن مالك] (¬5)، (عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ (¬6) مِنَ الأَنْصَارِ قَال: اهْتمَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِلصَّلاةِ) أي: لأجل الصَّلاة. (كيفَ يَجْمَعُ النَّاسَ لَهَا؟ ) فإنهم كانوا أول مَا قدمُوا المدينة يتحينُون الصلاة أي: يتَطلبُون (¬7) الحين الذي يُصَلوا فيه، وليسَ ينادي بهَا أحَد (فَقِيلَ لَهُ: انْصِبْ رَايَةً عِنْدَ حُضُورِ الصَّلاةِ، فَإِذَا رَأَوْهَا آذَنَ) بالمد أي: أعلم (بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ)؛ لأنه وقت اشتغال الناس بمعايشهم ومقيلهم في بيوتهم فلا يدرون بالراية. (قَال: فَذُكِرَ لَهُ القُنْعُ) بضم القاف وإسْكان النون، وروي القبع بالبَاء الموَحَّدة المفتوحة (¬8) بدل النون. قال الخطابي: وقد سألت غير واحد مِن أهل اللغة فلم يفسره على واحد من الوجهين، قال: فإن كانت الروَاية ¬

_ (¬1) من (د، م). (¬2) زاد في (د، س، ل): ولينظر، وفي (م): وليس. (¬3) "تهذيب التهذيب" 2/ 72. (¬4) ساقطة من (ص). (¬5) ساقطة من (ص). (¬6) بياض في (د، س): قدر ثلاث كلمات. (¬7) في (م): يطلبون. (¬8) من (د، م).

بإسْكان النون صَحيحة، فلا أرَاهُ سمي إلا لإقناع (¬1) الصوت وهو رفعه، يقال: أقنع الرجل صوته، وأقنع رأسه إذا رفعه، قيل: ومنه قوله تعالى: {مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} (¬2) وأما القبع بالباء الموحدة، فلا أحسبُه سمي قبعًا إلا لأنه يقبع صاحِبه أي: يَستره، يقال: أقبع الرجُل [رَأسه في جَيْبه] (¬3) إذا أدْخلهُ فيه (¬4). قال الهَروي: وذكر بعضهم أنه القثع بالثاء المثَلثة عَن أبي عُمرَ الزاهد، فحكيته للأزهري فقال: هذا بَاطِل (¬5). وعلى كل تقدير فقد فسَّرهُ في الحَديث بأنهُ (¬6) (-يَعْنِي: الشَّبُّورَ) بفتح الشين المُعجمة وتشديد البَاء الموَحدة، وهوَ البُوق لَفظة عبرانية (وَقَال زِيَادٌ: ) ابن أيوب مثل (شَبُّورَ اليَهُودِ- فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ وَقَال: هُوَ مِنْ أَمْرِ اليَهُودِ) فيه دَليل عَلى ترك التشبه بأفعَال اليَهود وأقوالهم. (قَال: فَذُكِرَ لَهُ النَّاقُوسُ، فَقَال: هُوَ مِنْ أَمْرِ النَّصارَى) وفي روَاية: روح بن عَطاء عَن خَالد عند (¬7) أبي الشيخ فقالوا: لو رَفعنَا نَارًا، فقال: "ذَلك (¬8) للمجوس" (¬9). ¬

_ (¬1) في (ص) الإقناع، وفي (د، س، م) لإيقاع، والمثبت من (ل)، و"معالم السنن". (¬2) إبراهيم: 43. (¬3) في (س): صاحبه. (¬4) "معالم السنن" 1/ 151. (¬5) "النهاية في غريب الحديث" 4/ 190. (¬6) في (ص): فإنه، وفي (د، م) أنه. (¬7) في (ص، س، ل): عن. (¬8) من (د، م)، وفي بقية النسخ: ذاك. (¬9) أخرجه أبو الشيخ في "كتاب الأذان" كما في "كنز العمال" (23153).

وروى مَالك في "الموطأ" قال (¬1): كان رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - أرَادَ أن يتخذ خَشَبَتَين يضرب بهما (¬2). وفي هذِه الرَوايات كلهَا (¬3) قال البَاجي: دليل على أن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - كانَ له الاجتهاد في أمُور الشريعَة مَا لمَ ينص له على الحكم، وإنما أرَادَ بِذَلك - صلى الله عليه وسلم - اجتماع الناس للصَّلاة لفضيلة الجَماعة وإقامَة الصَّلاة في المساجِد (¬4). (فَانْصَرَفَ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْد وَهُوَ مُهْتَمٌّ لِهَمِّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) فيه: أن المريد والتلميذ يَهتَم لهَمِّ شَيخه وَيفرح لفرحه، كما في الصَّديق مَعَ صَديقه (فَأُرِيَ) بِضَم الهمزة وكسْر الراء مَبني للمفعُول، وأري هذِه الحكمية دَخلت هَمزة التعدية فيهَا عَلى رَأى فتعدى الفعل بهَا إلى ثلاثة مفاعيل (¬5) فالضمير العَائد على (¬6) عَبد الله هو الأول النائب عن الفاعل (الأذان) مفعول ثان (في منامه) أي كيفيته وصورته في الليل. (فغدا) أي أتى غدوة وهو (¬7) ما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس [على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فأخبره) بما رأى، ثم أخبره بكيفية الرؤيا] (¬8) ¬

_ (¬1) ليست في (د، م). (¬2) "موطأ مالك" 1/ 67 مرسلا. (¬3) في (د، م) كما. (¬4) "المنتقى" 2/ 3. (¬5) في (ص): تفاعيل. (¬6) من (د، ل، م). (¬7) في (ص، ل): هي. (¬8) سقط من (د).

(فقال: يا رسول الله إني لبين [نائم ويقظان] (¬1) إذ أتاني آت فأراني) كيفية (الأذان) في النوم (قال: وكان عمر بن الخطاب قد رآه) أي رأى كيفية الأذان (قبل ذلك) في منامه (فكتمه عشرين ليلة) (¬2) لأنه لم يقبله ولا اعتمده، ولا رأى صحة المنام، ثم لما رآه عبد الله وأخبر به قبله ورأى صحته (قال: ثم أخبر النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -) برؤياه (فقال له: ما منعك أن تخبرنا؟ ) به (فقال: سبقني عبد الله بن زيد) بن [عبد ربه] (¬3) الأنصاري (فاستحييت) وقيل: إن سبعة رأوه كما رآه عمر (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا بلال قم) فيه أن السنة للمؤذن القيام؛ لأنه أبلغ في الإعلام، فلو أذن القادر على القيام قاعدًا أو مضطجعًا صح لحصول المقصود، ولكن يكره لمخالفة السنة، وقيل: لا يصح لنقل السلف عن الخلف المداومة عليه، وكذلك يستحب القيام للإقامة (فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله). قال ابن عبد البر: فيه أوضح دليل على أن الرؤيا [وحي، ولهذا كانت] (¬4) جزءًا من أجزاء النبوة، وحسبك بذلك فضلًا وشرفًا، ولو لم تكن من الوحي ما جعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شرعةً ومنهاجًا لدينه (¬5). قال (¬6): (فأذن بلال) وأشار السهيلي إلى أن الحكمة في ابتداء شرع ¬

_ (¬1) في (م): النائم واليقظان. (¬2) في (م): يوم. وغير واضحة في (ص). (¬3) في (س): عبد الله. (¬4) سقط من (س، ل). (¬5) "التمهيد" 24/ 27. (¬6) سقط من (س، ل).

الأذان على [لسان غير] (¬1) النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - التنويه بقدره على لسان غيره ليكون أفخم لشأنه (¬2). (قال أبو بشر: فأخبرني أبو عمير) بن أنس بن مالك (أن الأنصار تزعم أن عبد الله بن زيد لولا أنه كان مريضًا) وقت الأذان (لجعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مؤذنًا) لأن مشروعية الأذان كانت من جهته؛ ولأنه أندى صوتًا من (¬3) بلال (¬4). * * * ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): غير لسان. (¬2) "الروض الأنف" 4/ 384. (¬3) سقط من (س، ل). (¬4) في (ص، س، ل، م): عبد الله. والمثبت من (د).

28 - باب كيف الأذان

28 - باب كَيْفَ الأَذانُ 499 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الطُّوسِي، حَدَّثَنا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْراهِيمَ بْنِ الحارِثِ التَّيْمِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ قال حَدَّثَنِي أَبِي عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ قال: لمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالنّاقُوسِ يُعْمَلُ لِيُضْرَبَ بِهِ لِلنّاسِ لِجَمْعِ الصَّلاةِ طافَ بِي وَأَنا نائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ ناقُوسًا فِي يَدِهِ فَقُلْتُ: يا عَبْدَ اللهِ أَتَبِيعُ النّاقُوسَ؟ قال: وَما تَصْنَعُ بِهِ فَقُلْتُ: نَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلاةِ. قال: أَفَلا أَدُلُّكَ عَلَى ما هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ لَهُ: بَلَى. قال: فَقال: تَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلا اللهُ أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلا اللهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى الفَلاحِ حَيَّ عَلَى الفَلاحِ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إله إِلا اللهُ. قال: ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ قال: وَتَقُولُ إِذا أَقَمْتَ الصَّلاةَ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلا الله أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَا رَسُولُ اللهِ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى الفَلاحِ قَدْ قامَتِ الصَّلاةُ قَدْ قامَتِ الصَّلاةُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إله إِلا اللهُ فَلَمّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْتُهُ بِما رَأَيْتُ فَقال: "إِنَّها لَرُؤْيا حَقٌّ إِنْ شاءَ اللهُ فَقُمْ مَعَ بِلالٍ فَأَلْقِ عَلَيهِ ما رَأَيْتَ فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ". فَقُمْتُ مَعَ بِلالٍ فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ عَلَيْهِ وَيُؤَذِّنُ بِهِ -قال- فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ يَجُرُّ رِداءَهُ وَيَقُولُ: والَّذِي بَعَثَكَ بِالحقِّ يا رَسُولَ اللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ ما رَأَى. فَقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَلِلَّهِ الحَمْدُ". قال أَبُو داودَ: هَكَذا رِوايَةُ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ وقال: فِيهِ ابن إِسْحاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: "الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ". وقال مَعْمَرٌ وَيُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِيهِ: الله أَكْبَرُ اللُّه أَكْبَرُ. لَمْ يُثَنِّيا (¬1). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (189)، وابن ماجه (706)، وأحمد 4/ 42. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (512).

500 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا الحارِث بْن عُبَيْدٍ عَنْ محَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قال: قُلْت: يا رَسُولَ اللهِ عَلِّمْنِي سُنَّةَ الأذَانِ. قال: فَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِي وقال: "تَقُولُ اللُّه أَكْبَرُ اللُّه أَكْبَرُ اللُّه أَكْبَرُ اللُّه أَكْبَرُ تَرْفَعُ بِها صَوْتَكَ ثُمَّ تَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللُّه أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللُّه أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ تَخْفِضُ بها صَوْتَكَ ثُمَّ تَرْفَعُ صَوْتَكَ بِالشَّهادَةِ أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللُّه أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللُّه أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى الفَلاحِ حَيَّ عَلَى الفَلاحِ فَإِنْ كانَ صَلاةَ الصُّبْحِ قُلْتَ: الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ اللُّه أَكْبَرُ اللُّه أَكْبَرُ لا إله إِلَّا اللُّه" (¬1). 501 - حَدَّثَنا الحَسَن بْن عَلِيٍّ، حَدَّثَنا أَبُو عاصِمٍ وَعَبْدُ الرَّزّاقِ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، قال: أَخْبَرَنِي عُثْمانُ بْنُ السّائِبِ أَخْبَرَنِي أَبِي وَأمُّ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ، عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَ هذا الخبَرِ وَفِيهِ: "الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ فِي الأُولَى مِنَ الصُّبْحِ". قال أَبُو داودَ: وَحَدِيثُ مُسَدَّدٍ أَبْيَنُ قال: فِيهِ قال وَعَلَّمَنِي الإِقامَةَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ: "اللُّه أَكْبَرُ اللُّه أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللُّه أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللُّه أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى الفَلاحِ حَي عَلَى الفَلاحِ اللُّه أَكْبَرُ اللُّه أَكْبَرُ لا إله إِلَّا اللُّه". وقال عَبْدُ الرَّزّاقِ: "وَإِذا أَقَمْتَ الصَّلاةَ فَقُلْها مَرَّتَينِ قَدْ قامَتِ الصَّلاةُ قَدْ قامَتِ الصَّلاةُ أَسَمِعْتَ". قال: فَكانَ أَبُو مَحْذُورَةَ لا يَجُزُّ ناصِيَتَة وَلا يَفْرِقها لأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَسَحَ عَلَيْها (¬2). 502 - حَدَّثَنا الحَسَن بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنا عَفّان وَسَعِيدُ بْنُ عامِرٍ وَحَجّاجٌ - والمعْنَى ¬

_ (¬1) رواه مسلم (379). (¬2) رواه عبد الرزاق 1/ 457 (1779)، وأحمد 3/ 408، والحاكم 3/ 514. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (514).

واحِدٌ - قالوا: حَدَّثَنا هَمّامٌ، حَدَّثَنا عامِرٌ الأحوَل حَدَّثَنِي مَكْحُولٌ أَنَّ ابن مُحَيْرِيزٍ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبا مَحْذورَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَّمَهُ الأذَانَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً والإِقامَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً الأذَان: "اللُّه أَكْبَرُ اللُّه أَكْبَرُ اللُّه أَكْبَرُ اللُّه أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللُّه أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللُّه أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللُّه أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللُّه أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ أَشْهَدُ أَن مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى الفَلاحِ حَيَّ عَلَى الفَلاحِ اللُّه أَكْبَرُ اللُّه أَكْبَرُ لا إله إِلَّا اللُّه والإِقامَةُ اللُّه أَكْبَرُ اللُّه أَكْبَرُ اللُّه أَكبَرُ اللُّه أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللُّه أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللُّه أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى الفَلاحِ حَيَّ عَلَى الفَلاحِ قَدْ قامَتِ الصَّلاةُ قَدْ قامَتِ الصَّلاةُ اللُّه أَكْبَرُ اللُّه أَكْبَرُ لا إله إِلَّا اللُّه". كَذا فِي كِتابِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي مَحْذورَةَ (¬1). 503 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشّارٍ، حَدَّثَنا أَبُو عاصِمٍ، حَدَّثَنا ابن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابن عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذورَةَ -يَعْنِي عَبْدَ العَزِيزِ- عَنِ ابن مُحَيْريزٍ، عَنْ أَبِي مَحْذورَةَ، قال ألقَى عَليَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - التَّأْذِينَ هُوَ بِنَفْسِهِ فَقال: "قُلِ اللُّه أَكْبَرُ اللُّه أَكْبَرُ اللُّه أَكبَرُ اللُّه أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللُّه أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللُّه أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ أَشْهَدُ أَن مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ -مَرَّتَينِ مَرَّتَينِ- قال: ثُمَّ ارْجِعْ فَمُدَّ مِنْ صَوْتِكَ أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللُّه أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللُّه أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى الفَلاحِ حَيَّ عَلَى الفَلاحِ اللُّه أَكْبَرُ اللُّه أَكبَرُ لا إله إِلَّا اللُّه" (¬2). 504 - حَدَّثَنا النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ إِسْماعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذورَةَ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (379). (¬2) رواه النسائي 2/ 5، وابن ماجه (758). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (515).

قال: سَمِعْتُ جَدِّي عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ أَبِي مَحْذُورَةَ يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبا مَحْذُورَةَ يَقُولُ أَلْقَى عَلي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الأذَانَ حَرْفًا حَرْفًا: "اللُّه أَكْبَرُ اللُّه أَكبَرُ اللُّه أَكْبَرُ اللُّه أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللُّه أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللُّه أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللُّه أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللُّه أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى الفَلاحِ حَيَّ عَلَى الفَلاحِ". قال وَكانَ يَقول فِي الفَجْرِ: الصَّلاة خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ (¬1). 505 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ داودَ الإِسْكَنْدَرانِيُّ، حَدَّثَنا زِيادٌ -يَعْنِي ابن يُونُسَ- عَنْ نافِعٍ بْنِ عُمَرَ -يَعْنِي الجمَحِيَّ- عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذورَةَ أَخْبَرَة، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ الجُمَحِيِّ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَّمَة الأذَانَ يَقُولُ: "اللُّه أَكْبَرُ اللُّه أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللُّه أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللُّه أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ". ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ أَذانِ حَدِيثِ ابن جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَمَعْناهُ. قال أَبُو داودَ: وَفِي حَدِيثِ مالِكِ بْنِ دِينارٍ قال: سَأَلْتُ ابن أَبِي مَحْذورَةَ قُلْتُ: حَدِّثْنِي عَنْ أَذانِ أَبِيكَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فذَكَرَ فَقال: "اللُّه أَكْبَرُ اللُّه أَكْبَرُ". قَطُّ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمانَ، عَنِ ابن أَبِي مَحْذورَةَ، عَنْ عَمِّهِ عَنْ جَدِّهِ إِلا أَنَّهُ قال: "ثُمَّ تَرجع فَتَرفع صَوْتَكَ اللُّه أَكْبَرُ اللُّه أَكْبَرُ" (¬2). 506 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، أَخْبَرَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مرَّةَ قال: سَمِعْتُ ابن أَبِي لَيْلَى ح، وحَدَّثَنا ابن المثَنَّى، حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ سَمِعْتُ ابن أَبِي لَيْلَى قال أُحِيلَتِ الصَّلاةُ ثَلاثَةَ أَحْوالٍ -قال-: وحَدَّثَنا أَصْحابُنا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَقَدْ أَعْجَبَنِي أَنْ تَكُونَ صَلاةُ المُسْلِمِينَ -أَوْ قال المُؤْمِنِينَ- واحِدَةً حَتَّى لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَبُثَّ رِجالًا فِي الدُّورِ يُنادُونَ النّاسَ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (191). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (519). (¬2) صححه الألباني في "صحيح أبي داود" (520).

بِحِينِ الصَّلاةِ وَحَتَّى هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رِجالًا يَقُومُونَ عَلَى الآطامِ يُنادُونَ المُسْلِمِينَ بِحِينِ الصَّلاةِ حَتَّى نَقَسُوا أَوْ كادُوا أَنْ يَنْقُسُوا". قال: فَجاءَ رَجُلٌ مِنَ الأنصارِ فَقال: يا رَسُولَ اللهِ إِنِّي لَمّا رَجَعْتُ - لِما رَأَيْتُ مِنَ اهْتِمامِكَ - رَأَيْتُ رَجُلًا كَأَنَّ عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ أَخْضَرَيْنِ فَقامَ عَلَى المَسْجِدِ فَأَذَّنَ ثمَّ قَعَدَ قَعْدَةً ثُمَّ قامَ فَقال مِثْلَها إِلا أَنَّهُ يَقولُ: قَدْ قامَتِ الصَّلاة وَلَوْلا أَنْ يَقُولَ النّاسُ -قال ابن المُثَنَّى: أَنْ تَقُولُوا - لَقُلْتُ: إِنِّي كُنْت يَقْظانًا غَيْرَ نائِمٍ. فَقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وقال ابن المُثَنَّى: "لَقَدْ أَراكَ اللُّه خَيرًا". وَلَمْ يَقلْ عَمْرٌو: "لَقَدْ أَراكَ اللُّه خَيرًا فَمُرْ بِلالًا فَلْيُؤَذِّنْ". قال: فَقال عُمَرُ: أَما إِنِّي قَدْ رَأَيْت مِثْلَ الذِي رَأَى وَلَكِنِّي لَمّا سُبِقْتُ اسْتَحْيَيْتُ. قال: وَحَدَّثَنا أَصْحابُنا قال: وَكانَ الرَّجُلُ إِذا جاءَ يَسْأَلُ فَيُخْبر بِما سُبِقَ مِنْ صَلاتِهِ وَإنَّهُمْ قامُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ بَيْنِ قائِمٍ وَراكِعٍ وَقاعِدٍ وَمُصَلٍّ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قال ابن المثَنَّى: قال عَمْرٌو وَحَدَّثَنِي بِها حُصَينٌ، عَنِ ابن أَبِي لَيْلَى حَتَّى جاءَ مُعاذٌ. قال شُعْبَة: وَقَدْ سَمِعْتُها مِنْ حُصَيْنٍ فَقال: لا أَراهُ عَلَى حالٍ إِلَى قَوْلِهِ كَذَلِكَ فافْعَلُوا. قال أَبُو داودَ: ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مَرْزُوقٍ قال: فَجاءَ مُعاذٌ فَأَشارُوا إِلَيْهِ -قال شُعْبَةُ وهذِه سَمِعْتُها مِنْ حُصَيْنٍ- قال: فَقال مُعاذٌ: لا أَراهُ عَلَى حالٍ إِلا كُنْتُ عَلَيْها. قال: فَقال إِنَّ مُعاذًا قَدْ سَنَّ لَكمْ سُنَّةً كَذَلِكَ فافْعَلُوا. قال: وَحَدَّثَنا أَصْحابُنا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمّا قَدِمَ المَدِينَةَ أَمَرَهُمْ بِصِيامِ ثَلاثَةِ أَيّامٍ ثُمَّ أُنْزِلَ رَمَضان وَكانُوا قَوْمًا لَمْ يَتَعَوَّدُوا الصِّيامَ وَكانَ الصِّيامُ عَلَيْهِمْ شَدِيدًا فَكانَ مَنْ لَمْ يَصُمْ أَطْعَمَ مِسْكِينًا فَنَزَلَتْ هذِه الآيَةُ {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} فَكانَتِ الرُّخْصَة لِلْمَرِيضِ والمُسافِرِ فَأُمِرُوا بِالصِّيامِ. قال: وَحَدَّثَنا أَصْحابُنا قال: وَكانَ الرَّجُل إِذا أَفْطَرَ فَنامَ قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَ لَمْ يَأْكُلْ حَتَّى يُصْبِحَ. قال: فَجاءَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ فَأَرادَ امْرَأَتَهُ فَقالتْ: إِنِّي قَدْ نِمْتُ فَظَنَّ أَنَّها تَعْتَلُّ فَأَتاها فَجاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصارِ فَأَرادَ الطَّعامَ فَقالوا حَتَّى نُسَخِّنَ لَكَ شَيْئًا فَنامَ فَلَمّا أَصْبَحُوا أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ هذِه الآيَةُ {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} (¬1). ¬

_ (¬1) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 79، 80، وابن حزم في "المحلى" =

507 - حَدَّثَنا محَمَّد بْن المُثَنَّى عَنْ أَبِي داودَ ح، وحَدَّثَنا نَصْرُ بْنُ المُهاجِرِ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْن هارُونَ، عَنِ المسْعُودِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنِ ابن أَبِي لَيْلَى، عَنْ مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ قال: أُحِيلَتِ الصَّلاة ثَلاثَةَ أَحْوالٍ وَأُحِيلَ الصِّيامُ ثَلاثَةَ أَحْوالٍ وَساقَ نَصْرٌ الحَدِيثَ بِطُولهِ واقْتَصَّ ابن المثَنَّى مِنْهُ قِصَّةَ صَلاتِهِمْ نَحْوَ بَيْتِ المقْدِسِ قَطُّ قال الحال الثّالِثُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدِمَ المَدِينَةَ فَصَلَّى -يَعْنِي نَحْوَ بَيْتِ المقْدِسِ- ثَلاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا فَأَنْزَلَ الله تَعالى هذِه الآيَةَ {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} فَوَجَّهَه الله تَعالى إِلَى الكَعْبَةِ. وَتَمَّ حَدِيثُه وَسَمَّى نَصْرٌ صاحِبَ الرُّؤْيا قال: فَجاءَ عَبْدُ اللهِ بْن زَيْدٍ رَجُلٌ مِنَ الأنصارِ وقال: فِيهِ فاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ قال الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللهُ أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلا اللهُ أَشْهَدُ أَنَّ محَمَّدًا رَسُول اللهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدا رَسُولُ اللهِ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ مَرَّتَيْنِ حَيَّ عَلَى الفَلاحِ مَرَّتَيْنِ الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ لا إله إِلا اللهُ ثُمَّ أَمْهَلَ هُنَيَّةً ثُمَّ قامَ فَقال مِثْلَها إِلا أَنَّهُ قال زادَ بَعْدَ ما قال: "حَيَّ عَلَى الفَلاحِ". قَدْ قامَتِ الصَّلاة قَدْ قامَتِ الصَّلاة. قال: فَقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَقِّنْها بِلالًا". فَأَذَّنَ بِها بِلال وقال: فِي الصَّوْمِ قال: فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَصُومُ ثَلاثَةَ أَيّامٍ مِنْ كلِّ شَهْرٍ وَيَصُومُ يَوْمَ عاشُوراءَ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {طَعَامُ مِسْكِينٍ} فَكانَ مَنْ شاءَ أَنْ يَصُومَ صامَ وَمَنْ شاءَ أَنْ يُفْطِرَ وَيُطْعِمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ وهذا حَوْل فَأَنْزَلَ الله تَعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} إِلَى {أَيَّامٍ أُخَر} فَثَبَتَ الصِّيامُ عَلَى مَنْ شَهِدَ الشَّهْرَ وَعَلَى المُسافِرِ أَنْ يَقْضِيَ وَثَبَتَ الطَّعائم لِلشَّيْخِ الكَبِيرِ والعَجُوزِ اللَّذَيْنِ لا يَسْتَطِيعانِ الصَّوْمَ وَجاءَ صِرْمَة وَقَدْ عَمِلَ يَوْمَهُ وَساقَ الحَدِيثَ (¬1). ¬

_ = 3/ 157، والبيهقي 1/ 420. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (523). (¬1) رواه أحمد 5/ 246، والطبراني 20/ 132 (270). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (524).

باب كَيْفَ الأَذَنُ [499] (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ) بن داود (الطُّوسِيُّ) العابد نزيل بغداد، قال: (حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ) (¬1) بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، قال: (حَدَّثَنَا أَبِي) إبراهيم (¬2) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ) قال: (حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ (¬3) الحَارِثِ التَّيمِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ [بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ]) (¬4) الأنصاري، قَال: (حَدَّثَنِي أَبِي عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ) رضي الله عنه. (قَال: لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالنَّاقُوسِ) أن (يُعْمَلُ لِيُضْرَبَ بِهِ) بضم الياء (¬5) وفتح الراء (¬6) على البناء للمفعول (لِلنَّاسِ لِجَمْعِ) بكسر اللام وسكون الميم [أي جمع] (¬7) الناس إلى (الصَّلاةِ) يحتمل كانَ أَمرَ به أولًا ثم كرهَهُ إمَا بِوَحي أو إلهَام قَال عبد الله: (طَافَ بِي) يُريد الطيف الذي يرَاهُ النائم (وَأَنَا) بين (نَائِمٌ) وَيَقْظَانَ (رَجُل يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ) عَلى صُورَة مَن يحمل (¬8) سلعَة للبَيع (فَقُلْتُ: يَا عَبْدَ اللهِ) فيه ندَاء مَنْ لا ¬

_ (¬1) كتب فوقها في (د): ع. (¬2) كتب فوقها في (د): ع. (¬3) سقط من (د). (¬4) سقط من (ص). (¬5) في (ص): الراء. (¬6) في (ص): الياء. (¬7) سقط من (ص، س، ل، م). (¬8) في (ص): يحمله. والمثبت من (د، س، ل، م).

يَعرف اسْمه بيَا عَبد الله، أو يَا أخي، أو يَا سيدي، أو يَا صَاحِب الناقوس، ونَحو ذلك مما لا يتأذى به، ولا يَكون فيه مَلَق. (أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟ قَال: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ فَقُلْتُ: نَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلاةِ) أي: نضرب به فيسْمعُونه فيَأتونَ إلى الصَّلاة (قَال: أَفَلا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لكم مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ: بَلَى) قال الطيبي: في قوله: "أفَلا أدُلك" الهَمزة إنكار للجُملة الأولى، أي: المقَدرة وتقرير للجملة الثانية (¬1). (قَال: فَقَال تَقُولُ): فيه أن مَن كانَ له سلعة يَعرضهَا للبيع فجاءهُ شخص يَشتَريهَا ليَسْتعملهَا في حَاجَة لهُ، وَعلم أن له شيئًا هو (¬2) أنفَع له من تلكَ السّلعَة أن يَدُلهُ عَلى ذَلك الشيء، ويَكون هذا مِنَ النصح في الدين، ولا يَسْكت عَن إعلامه ليروج سلعته، ولاسِيَّما إن كانَ مَا يَدله أنفع لعُموم المُسْلمينَ، ولا تختص المنفعَة بالمسَاوم (¬3) وفيه أن مَن رَأى أسْتاذه يحتَاج إلى شيء ينتفع به أو يَنتفع به المُسْلمين ورَآه يُبَاع أن يُبادر إلى شرائه وَدَفع ثمنه مِن عنده، وَيكون هذا مِنَ المعَاونة عَلى البرِّ والتقوى. (الله أَكْبَرُ) قيلَ: معناهُ اللهُ الكَبير لا غيره، وقيل: تقديره أكبر من كل شيء، فحذف الجار والمجرُور المتعَلق به (الله أَكبَرُ اللُّه أَكبَرُ الله أَكبَرُ) فيه تَربيع التكبير في أول الأذان، وَأمَا قَولهُ في الحَديث الآتي: أمر بلال أن ¬

_ (¬1) "فتح الباري" 2/ 96. (¬2) في (ص): قد به. (¬3) في (ص): بالسام، وسقط من (س)، وفي (ل): التسام. وفي (م): بالمسام. والمثبت من (د).

يشفع الأذان فالمراد به معظمه. (أشهد) أي: أعلم وَأتحقق (أَنْ لا إله) هي أن المخففة منَ الثقيلَة أي: أَنَّهُ لا إله (إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إله) أي: لا شَريك لهُ في الإلهيَّة ([إلا الله) تقرير للوحدانية بنفي غيره وإثباته، فَلا يجوز أن يُسَمى غَيره إلهًا] (¬1) (أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ) [إقرار لرَسُوله] (¬2) - صلى الله عليه وسلم - بالرسَالة (أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ). (حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ) أي: أقبلوا عَليْهَا (حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ) فيه تثنية (¬3) في الأذان بخلاف الإقامة؛ لأنه إعلام للسَّامع. (حَيَّ عَلَى الفَلاحِ حَيَّ عَلَى الفَلاحِ) الفلاح الفوز والبَقاء الدَائم، أي: هَلُمُّوا إلى سَبَب ذَلك (اللُّه أَكْبَرُ اللُّه أَكْبَرُ) قيلَ هوَ أكبرَ من أن ينسَب إليه مَا لا يليق بجَلاله. (لا إله إِلَّا اللُّه) خَتم الأذان بلا إله إلا الله ليختم بالتوحيد لله تَعالى كما بَدَأ بِهِ، وشرعَ مَرة وَاحِدَة في الأخير إشارة إلى وحدانية المعبود سبحانه. (قال (¬4): ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عني (¬5) غَيرَ بَعِيدٍ) يَدُلُّ عَلَى أنَّ الإقامَة في غَير مَوضع الأذان مُسْتَحبة. (ثُمَّ قَال: ثم تَقُولُ: ) ثم تفيد (¬6) أن بَين الأذَانِ وَالإقامَة مُهْلة (إِذَا ¬

_ (¬1) هناك تقديم وتأخير في (ص، س، ل) والمثبت من (د، م). (¬2) في (ص، س، ل): إقرارًا لرسوله. (¬3) في (ص، س): تنبيه. (¬4) من (ل، م). (¬5) في (ص، س): به. (¬6) في (ص، س، ل، م): بعد.

أَقَمْتَ) أي: إذا أرَدت أن تقيم. (اللُّه أَكْبَرُ (¬1) اللُّه أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللُّه، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدا رَسُولُ اللهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ، حَيَّ عَلَى الفَلاحِ، قَدْ قَامَتِ الصَّلاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلاةُ، اللُّه أَكْبَرُ، اللُّه أَكبَرُ، لا إله إِلَّا اللُّه) فيه دَليل للشافعي (¬2) ومَنْ تبعه (¬3). (فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ) أي: رَأيتهُ، فحذف الضمِير العَائد عَلى الموْصُول، وهوَ كثير في المنصُوب المتصل بالفعل (فَقَال: إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٌّ إِنْ شَاءَ اللُّه) تعالى فيه دَليْل عَلى أن التقييد بالمشيئة في الأشياء المحققة عَلى سَبيل التبرك وامتثال قوله تعَالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (¬4) وقيلَ غَير ذلك. (فَقُمْ مَعَ بِلالٍ فَأَلْقِي) بِفتح الهمزة (عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ) في المنام أي: أَمْلِهِ عَلَيه وَهُوَ كالتَّعليم وأصْلهُ من إلقاء الشيء وهوَ طَرحُه (فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ) وقال الإمَام والقَاضي حُسَين والغَزالي: أن عَبد الله بن زيد أذنَ مَرة بإذن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - وأنه أول مُؤذن في الإسْلام (¬5). قال ابن الصلاح: لم أجد هذا بعد البحث عَنهُ. ¬

_ (¬1) إلى هنا انتهت المخطوطة (د). (¬2) في (ص): للساهي. والمثبت من (س، ل، م). (¬3) انظر: "الأم" 1/ 173. (¬4) الكهف: 23، 24. (¬5) "مغني المحتاج" 1/ 133.

(فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ) الأندى هو الأبعد مدى كما نَص عَليه الجَوْهري (¬1) والهروي وجمهور أهْل اللغة (¬2) ولهذا وَرَدَ في روَاية الترمذي وصححها ابن خزيمة: "فإنه أندَى أو أمدُّ صَوتًا مِنك" (¬3). وحَكى ابن (¬4) الأثير في "النهاية" قولًا ضعيفًا: أنه الأحسَن (¬5)، وقد اسْتدل الفُقهاء بهذا عَلَى أنه يُستحبُ أن يَكون المؤذن صَيِّتًا أي عَالي الصَوْت؛ لأن حكمة الأذان هوَ الإبلاغ بدخول الوَقت، وهو كلمَا عَلا الصَّوت كانَ أبلغ. (فَقُمْتُ مَعَ بِلالٍ فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ عَلَيهِ) كلمة كلمة (وَيُؤَذِّنُ بِهِ) وكانَ مبدأ (¬6) الأذان في الإسْلام في السنة الأولى مِنَ الهجرة عَلى رَأس تَسْعَة أشهر منها، حِين شاورَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - أصحَابه فأري عَبد الله بن زَيد بن ثعلبة بن عَبد ربه الأنصاري (¬7) الأذَان وألقَاهُ على بلال. (قَال: فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ) أي: يَسْحَبهُ عجلًا وهوَ (يَقُولُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ) نبيا (¬8) (بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ اللهِ ¬

_ (¬1) "الصحاح" (ندا). (¬2) في (س): الفقه. (¬3) "سنن الترمذي" (189)، و"صحيح ابن خزيمة" (363) قال الترمذي وعبد الله بن زيد هو ابن عبد ربه: لا يعرف له عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء يصح غير هذا الحديث الواحد في الأذان. (¬4) من (س، م). (¬5) "النهاية" (ندا). (¬6) في (ص، س، ل): هذا. (¬7) من (م). (¬8) من (س).

لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ مَا أُرِي) (¬1) [هكذَا أكثر النسَخ بضم الهمزة وكسْر الراء، وفي بَعضها: رأى عَبد الله بن زيد، وفي بعض كتب الفقهاء أنه رَآهُ سَبعة من الأنصَار، وفي شَرح "التنبيه" (¬2) للجيْلي] (¬3) أنه رآه أربعة عشر صَحَابيًّا (¬4). وحكى البَاجي في "المنتقى": أنه روي أن عمر بن الخَطاب أشارَ بذَلِكَ من رَأيه (¬5). (فَقَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: فَلِلَّهِ الحَمْدُ) فيه اسْتحبَاب حَمد الله تَعالى عندَ كل نعمة تتجدَّد، ونَاهيك بهذِه النعَمة العَامة، وإظهَار شعار الإسلام. (هَكَذَا رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسيبِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ) بن ثعلبَة بن عَبد ربه الأنصَاري، ثمَّ من بَني الحَارث بن الخَزرج كذَا في "الموطأ" (¬6) (وَقَال فيه) (¬7): محَمد (بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: اللُّه أَكبَرُ اللُّه أَكبَرُ، اللُّه أَكْبَرُ اللُّه أَكبَرُ) فيه تَربيع التكبير في أول الأذان كما سَيَأتي الخلاف فيه. (وَقَال مَعْمَرٌ وَيُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِيهِ: اللُّه أَكْبَرُ اللُّه أَكبَرُ لَمْ يُثَنِّ) بِكَسْر ¬

_ (¬1) في (م): رأى. (¬2) في (ص): الشبيه. وفي (م): النبيه. وفي (س): السنة. والمثبت من (ل)، "شرح الزرقاني". (¬3) حدث هنا تقديم وتأخير في النسخة (م) فجاءت: عبد الله بن زيد، وفي بعض كتب الفقهاء أنه رآه سبعة من الأنصار. وفي شرح أري هكذا أكثر النسخ بضم الهمزة وكسر الراء. وفي بعضها التنبيه للجيلي. (¬4) "شرح الزرقاني" 1/ 198. (¬5) "المنتقى" 2/ 4. (¬6) "الموطأ" 1/ 67. (¬7) من (س، ل، م).

النون يَعني الزهري (¬1) لم يثن التكبير في روَايته بأن جَعَلهُ أربَعًا مُفردات، وسُمى التربيع تثنية؛ لأن اللهُ أكبرَ الله أكبر كلمة وَاحَدة، ولهذا شرع جمع كل تكبيرتَين في الأذان بِنَفَس وَاحد كما ذكرهُ النوَوي (¬2). وفي روَاية: "لَم يَثنيا" (¬3). يَعني معمر وُيونس في الرواية عَن الزهري. [500] (ثَنَا مُسَدَّدٌ) قال: (ثَنَا الحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ) الإيادي، بكسْر الهمزة وتخفيف المثناة تحت، صَدُوق يخطئ، أبُو قدامة. (عَنْ مُحَمَّدِ) ذكرهُ ابن حبان في "الثقات" (¬4) (بْنِ عَبْدِ المَلِكِ) أحَد مَشَاهير التابعين، وذكرهُ ابن حبان في "الثقات" (¬5) أيضًا (بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ) فقيل: اسمه أوس، وقيل: سَمرة بن مِعْير، بكسْر الميم وسكون العين، وقيل: سليمان ذكره (¬6) ابن قتيبَة. وقيل: هَو جَابر (عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ) (¬7) أبي محذورَة بن معير (¬8) وقيلَ: ابن عمير الجمحي نقل ابن خزيمة عن الذهلي: ليس في طرق عَبد الله بن زَيد أصَح من هذا (¬9)؛ لأنَّ محمدًا سَمع من أبيه، ولم يسمع عَبد الرحمن بن عَبْد ¬

_ (¬1) زيادة في (ص، س، ل): أي الزهري. (¬2) "شرح النووي على مسلم" 4/ 79. (¬3) في (ص، س، ل): يبينا. (¬4) "الثقات" 7/ 434. (¬5) "الثقات" 5/ 117. (¬6) من (س، ل، م). (¬7) كتب فوقها في (م): محمد. (¬8) في (س): مغيرة. (¬9) "فتح الباري" 2/ 93.

الله بن زَيد (قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ عَلّمْنِي سُنَّةَ الأَذَانِ) أي: كمال الأذان المشروع. (قَال: فَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِه) لما سَيَأتي قريبًا في هذا الحَدِيث، ذكرهُ النسَائي بأبسَط من هذا فقال: لما خَرج رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - من حنين خَرَجت عَاشِر عَشرَة من أهل مكة لطلبهم، فسَمعناهُم يؤَذنونَ بالصَّلاة، فقمنا نؤذن نستهزئ (¬1) بهم، فقال النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "قد سَمعت في هؤلاء تأذين (¬2) إنسَان حسن الصوت" فأرسَل إلينَا فأَذَّنَّا رَجل رجل وكنت آخرهم، فقال حِينَ أذنت: "تعال" (¬3) فَأجْلسَني بَين يدَيه، فمَسَحَ عَلى نَاصِيَتي وبَرَّك عَليَّ ثَلاث مرار (¬4) ثم قال: "اذهَب فَأَذِّنْ عندَ المَسْجِد الحَرام". فقلتُ: يَا رَسُول الله فَعَلِّمْني (¬5). (قَال: تَقُولُ اللُّه أَكبَرُ اللُّه أَكبَرُ، اللُّه أَكبَرُ اللُّه أَكبَرُ) زادَ إمَامُ الحَرَمَين في روَاية هذا الحديث زيادَة تبين معناهُ، فقال: أرسَلهم كلهم وَحبسني، ثم قال: "قل الله أكبر" ولا شيء أكره إليَّ مِن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا مما أمَرني به، ثم قال: "قل أشهد أن لا إله إلا الله" ثم ذكر هذا إلى آخِر الأذان [قال: ثم] (¬6) أدناني ومَسَحَ بيَدهِ عَلى ناصيَتي ووَجهي، فما بَلَغَت يده ¬

_ (¬1) في (ص): نستهدي. والمثبت من (س، ل، م). (¬2) في (س): يا زيد. (¬3) في (س): قال. (¬4) في (م): مرات. (¬5) "سنن النسائي" 2/ 7. (¬6) في (م): ثم قال ثم.

صَدْري حَتى عَادَت تلكَ الكراهية كلهَا محَبة، ثم ألقى إلي صُرة فيهَا دُريْهَمات (¬1). [ولفظ روَاية ابن مَاجَه من روَاية ابن محيريز (¬2): ثم دَعَاني حين قضيت التأذين وأعَطاني صُرة فيها شيء من فضة، ثم وضع (¬3) يده (¬4) عَلي نَاصِية أبي محذورَة، ثم أمَرهَا عَلى وَجهه [ثم على ثديه] (¬5) ثُمَّ على كبده، ثمَ بَلغت يَد رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -[سرة أبي محذورة] (¬6) ثم قَال: "بَارَكَ اللهُ لك وعَليكَ" [ثم ذهبَ] (¬7) كل شَيْءٍ كانَ لرَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الكراهية وعَادَ ذَلك كلهُ محَبة" (¬8)] (¬9) وفي هذا الحديث حجة (¬10) لما يَقولهُ الإمَام الشافِعي إن في أول الأذان التكبير (¬11) أربَع مَرات (¬12). قال ابن عبد البر في "الاستذكار": وذلك محفوظ من روَاية الثقات مِن حَديث أبي محذورة، وفي حَديث عَبد الله بن زَيد قَال: وَهيَ زِيَادَة ¬

_ (¬1) "نهاية المطلب" 2/ 36. (¬2) في (ص): محريز. (¬3) في (س، ل): ومر. (¬4) من (س، ل، م). (¬5) في (ص) من بين ثدييه. وفي (م): مرتين ثدييه. والمثبت من "سنن ابن ماجه". (¬6) ليست في (س، ل، م). (¬7) في (م): فذهب. (¬8) "سنن ابن ماجه" (758). (¬9) تأخرت هذه العبارة في (م) فجاءت بعد قوله: كما سيأتي. (¬10) من (س، ل، م). (¬11) في (م): التكبيرات. (¬12) "الشرح الكبير" 1/ 411.

يجب قبولها، قَالَ: وزَعم الشافعي أن أذان أهل مكة [لم يزل في] (¬1) آل أبي محذورة إلى وقته وعَصْره، وكذَلك هو عندَهمُ إلى الآن، قال: وذهَبَ مالك وأصحابه إلى أن التكبير في أول الأذان اللهُ أكبر مرتين (¬2). كَما سَيَأتي. (تَرْفَعُ بِهَا) أي: بالتكبيرَات الأربَع (صَوْتَكَ) فيه اسْتحباب رَفع الصوت، والمراد به أن يُبَالغ في رَفع صَوته مَا أمكنهُ بِحَيث لا يلحقهُ ضَرَر، وذلكَ عَلى جَهة الاسْتحبَاب، وَهوَ في غير المنفرد متفق عليه، وفي المنفرد عَلى الصحيح. (ثُمَّ تَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللُّه، أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللُّه) بالشفع (أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، تَخْفِضُ بِهَا صَوْتَكَ) قال أصحَابنَا: المرادُ بالخفض أن يسْمع مَن بقربه أو أهل المَسْجِد إن كانَ واقفًا عليهم، والمَسْجِد متوسط الخطة (¬3) كذَا قال (¬4) الجوَيني (¬5) وَالقَاضِي حُسَين، وَنَص عَليه الشافعي (¬6). قال الإمَام: ويحتمل أنهُ كالقراءة في السُّورَة، والأول أشبه قاله في "الكفاية"، والحكمة في خفض الصَّوت بالشهَادَتَين أن يأتي المؤذن بهَما ¬

_ (¬1) في (ص، ل): ثم ترك في. وفي (م): ثم تر. والمثبت من (س)، "الاستذكار". (¬2) " الاستذكار" 4/ 12. (¬3) في (ص، س، ل، م): الحصير. والمثبت من "أسنى المطالب" 1/ 127، "مغني المحتاج" 1/ 136، "إعانة الطالبين" 1/ 236. (¬4) من (س). (¬5) "نهاية المطلب" 2/ 41. (¬6) "مغني المحتاج" 1/ 136.

بتدبر وإخلاص لكونهما المنجيتَين مِنَ الكُفر المدخلتين في الإسلام، ورفع الصوت لا يتأتى مَعَهُ تدَبر ولا إخلاص. (ثُمَّ) يَرجع إلى رَفع الصَوت (تَرْفَعُ صَوْتَكَ بِالشَّهَادَةِ) (¬1) أي: لله تعالى وَلرسُوله، فلله بالتوحيد، وَللرسُول بالرسَالة كلما رَفعت صَوتك بالتكبير كما تقدم. (أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللُّه، أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللُّه) قَال القَاضي عياض وغَيره: اعلم أن كلمَات الأذان عَظيمة، جمعت عقَائد الإيمان، فإن الله أكبرَ فيها إثبات الذات الشريفة ومَا يَسْتحقه مِنَ الكمال والتنزيه، وفي أشهد أن لا إله إلا اللهُ إثبات الوحدَانية، وفي (أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ (¬2) أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ) إثبات الرسالة لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وإثبات ذلك كله يجزم به، عَقْدُه بالقلب والعقل (¬3). (حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ) دعَاء إلى الصلاة، وجعل ذلك عَقِب إثبات الرسَالة؛ لأن مَعرفتها مِن جهة الشرع الذي أرسل به لا مِن جهة العقل. (حَيَّ عَلَى الفَلاحِ، حَيَّ عَلَى الفَلاحِ) دُعَاء إلى الفَلاح، وَهوَ الفَوز (¬4) وَالبَقاء. وفيه إشعَار (¬5) بأمور الآخرة مِنَ البعث والجزَاء. ¬

_ (¬1) في (س): بالشهادتين. (¬2) من (س، ل، م). (¬3) في (ص): الفعل. (¬4) في (س): النور. (¬5) في (م): إشهاد.

(فَإِنْ كَانَ) الأذان في (صلاة الصُّبْحِ قُلْتَ: الضَلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ) فيه أن (¬1) التثويب في صَلاة الصبح وحْدَهَا لما روى الترمذي وابن مَاجَه مِن حَدِيث بلال: قال لي رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تثوبَن (¬2) في شيء مِن الصَّلاة إلا [في صَلاة الفجر" (¬3)] (¬4)، وصَحح ابن خزيمة عَن أنس أنهُ قال: مِنَ السُّنة إذَا قَال المؤَذن في أذان الفَجر حي على الفلاح قال: الصَّلاة خَيرٌ من النوم الله أكبر اللهُ أكبر لا إله إلا الله" (¬5). وَقال البَيْهَقي: إسناده صَحيح (¬6). إلا أنَّ ذكره في هذِه الروَاية إنما وَقعَ مَرة وَاحِدَة، ولا يُستَحب التثويب في غَير الصبح بل يكرَه كما قَالهُ في "الروضة" (¬7) (الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ) فيه دَليل عَلى أن الصلاة خَير منَ النوم مرتين سُنَّة في الأذان. قال السُّبكي: وقيل: فيه قولان: أحَدهما: هذا وهو القديم المفتى به، والثاني: وهوَ الجديد أنه لا يُسَن (¬8). قال الشافِعي: لأن أبَا محذورة لم يروه (¬9). قال الأصحَاب (¬10): وَقد ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (ص): تثويب. والمثبت من (ل، م). (¬3) أخرجه الترمذي (198)، وابن ماجه (715) بنحوه، وضعفه الترمذي. (¬4) من (م): وفي بقية النسخ: صلاة الصبح. (¬5) "صحيح ابن خزيمة" (386)، إلى قوله الصلاة خير من النوم. (¬6) "سنن البيهقي الكبرى" 1/ 423 وذكره بتمامه. (¬7) "روضة الطالبين" 1/ 258. (¬8) "روضة الطالبين" 1/ 199. (¬9) "الأم" 1/ 173 - 174. (¬10) "المهذب" 1/ 57.

صَح أنه رَوَاه (¬1). قال إمام الحرمين: ذكر بَعض المصَنفين أن التثويب عَلى قولنا مَشروع ليسَ بُركن للأذان وَجهًا وَاحِدًا، وإنما الخلاف في الترجيع، ثم قال: وهذا إن صَح فسببه أنه صَح في الترجيع عدُّه (¬2) في الأذان، ولم (¬3) يصح مثله في التثويب. قال: وفي التثويب عندي احتمال مِنْ جهة أنه يُضَاهي كلم الأذَان في [شرع رفع] (¬4) الصوت به، والأظهر في الترجيع أنهُ غير معدود مِن أركان الأذان (¬5). وعَلى القول بمشروعية التثويب قال الرافِعِي: ذكر في "التهذيب" أنه إذا ثوَّب في الأول لا (¬6) يثوب في الثاني عَلى أصَح الوَجهَين (¬7). وَذكَرَ نحوهُ في "الشرح الصَّغير"، وقال السُّبكي: إذَا ثوبَ في الأذان الذي قبل الفجر، لم يثوب في الذي بَعْدَهُ عَلى الأصَح (¬8). (الله أَكبَرُ الله أَكبَرُ، لا إله إِلَّا الله) خَتم الأذَان بِكلمة التوحِيد كما تقدم. [501] (ثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ) الحلوَاني شَيخ الشيخين، قال: (ثَنَا أَبُو ¬

_ (¬1) في (م): رآه. (¬2) في (ص): عد. (¬3) من (م). وفي بقية النسخ: وإن لم. (¬4) في (ص، م): تبرع رجع. وفي (س): رجع، والمثبت من (ل)، "النهاية". (¬5) "نهاية المطلب" 2/ 42. (¬6) في (ص): ثم. وفي (س، ل، م): لم. والمثبت من "الشرح الكبير". (¬7) "الشرح الكبير" 1/ 414. (¬8) "المجموع" للنووي 3/ 92.

عَاصِمٍ) الضحاك بن مخلد النبيل (¬1). قال البخاري: سَمِعتُ أبا عَاصِم يقول: مُنذ سَمِعْتُ أن الغِيبَة حَرَام مَا اغتبت أحَدًا قط (¬2). قال إبرَاهيم بن يحيى: رَأيته في المنَام بَعد مَوته فقلت: مَا فعَل الله بك؟ قال: غفر لي، ثم قال: كيفَ حَدِيثي فيكم؟ (¬3) قلت: إذا قلنا: ثنا أبُو عَاصِم فليسَ أحَد يَرُد عَلينَا، فَسَكتَ ثم قال: إنما يعْطى الناس عَلى قدر نياتهم (¬4)، روى له الجَماعة. (وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابن جُرَيْج قَال: أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ بْنُ السَّائِبِ) مَولَى أبي محَذورة وثق (¬5) قَال: (أَخْبَرَنِي أَبِي) السائب مولى أبي محذورة وثق، (وَأُمُّ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ، عن أبي محذورة (¬6)، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَ هذا الخَبَرِ) ذكرهُ النسَائي بهذِه الروَاية وقَال في آخِره: قال ابن جريج: أخبرَني عُثمان هذا الخَبر كله، عَن أبيه، عَن أُم عَبد الملك ابن أبي (¬7) محذورة، أنهما سَمِعَا ذَلكَ مِن أبي محذورة (¬8). فصرحَا بالسَّماع عَن أبي محذورة (وَفِيهِ: الصَّلاةُ خَيرٌ مِنَ النَّوْمِ، الصَّلاةُ خَيرٌ مِنَ النَّوْمِ فِي المَرة الأوُلَى مِنَ) أذان (الصُّبْحِ) وَروَاية النسَائي: الصَّلاة خَير مِنَ ¬

_ (¬1) في (ص) النبد. (¬2) "التاريخ الكبير" (3038). (¬3) زاد في (م): قال. (¬4) "تهذيب الكمال" 13/ 289. (¬5) "الكاشف" للذهبي 2/ 250. (¬6) من (س، ل، م). (¬7) ليست في (م). (¬8) "سنن النسائي" 2/ 7.

النَّوم، الصَّلاة خَيْرٌ منَ النوم في أذان الأول مِنَ الصُبح (¬1). وفي هذا تقييد لما أطلقهُ في الروَاية قبلهُ في قوله: "فإن كانَ صَلاة الصبح". قلت: وصحح ابن خزيمَة هذِه الروَاية من طَريق ابن جريج (¬2). قال: أخبرَني عُثمانُ بن السَّائب، أخبرَني أبي، وَأُمُّ عَبد الملك بن أَبي محذورة، عَن أبي محذورة، وهَاتان الروَايتَان روَاية أبي دَاود وَروَاية النسائي (¬3) اللتان صَححهُمَا ابن خزيمة (¬4) صَريحَان في أَنَّ التثويب بالصَّلاة خَير مِنَ النوم مَرَّتَين مَخصوص بالأذان الأول دُونَ الثاني؛ لأن الأذان الأول إنما شرع [لإيقاظ النَائم] (¬5) كما في الحَديث: "نائمكم" (¬6). ولهذا قال فيه: الصلاة خَير من النوم، وأما الثاني فإنما هوَ للإعلام بدُخول (¬7) الوقت من أرَادَ أن يُصَلي في أول الوقت، ولكَون المُصَلين (¬8) فيه غَالبًا قد استيقظوا بالأذان الأول، واستعَدوا للصَّلاة بالوضُوء وغَيره، وَيدل عَلى ذَلكَ مَا رَوَاهُ ابن مَاجَه قال: ثنا ¬

_ (¬1) "سنن النسائي الكبرى" (1597). (¬2) "صحيح ابن خزيمة" (385). (¬3) ليست في النسخ، وإثباتها مقتضى السياق. (¬4) تقدم. (¬5) في (س): لإنقاص اليوم! . (¬6) يعني حديث: لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره؛ فإنه يؤذن. أو قال: ينادي. ليرجع قائمكم، وينبِّهَ نائمكم ... الحديث. وهو حديث متفق عليه. أخرجه البخاري (621)، ومسلم (1093) (39)، وأبو داود (2347) وسيأتي ذكره ثانية إن شاء الله. (¬7) من (م)، وفي بقية النسخ: لدخول. (¬8) في النسخ الخطية: المصلون. والمثبت الجادة.

عمرو بن رافع، ثنا عبد الله بن المبَارك، عَن معمر، عَن الزهري، عَن سَعيد بن المسيب، عن بلال أنه أتى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - يُؤذنه بصَلاة الفَجر، فقيل: هوَ نائم، فقال: الصَّلاة خير من النوم، الصَّلاة خير من النوم، فأقرت في تأذين الفَجر، فثبتَ الأمر عَلى ذلك (¬1). ومَعْلوم أن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - إنما كانَ ينَام قبل الأذان الأول، فما (¬2) بين الأذان الأول وَالثاني نوم؛ لأنه لم يكن بينهما (¬3) نوم إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا، وروى الطبرَاني وَالبيهقي من حَديث ابن عجلان، عَن نافِع، عَن ابن عمرَ: كانَ الأذان الأول بَعد حي عَلى الصَّلاة حَي على الفلاح: الصَّلاة خير منَ النوم مَرتَين (¬4). وسَنَده حَسن. والعجَبُ مِن أئمة مذهب الشَافِعِي رضي الله عنهم! مَعَ كثرة هذِه الروَايَات في أنَّ: الصَّلاة خَير مِنَ النوم في الأذان الأول، ولَم يتعرضوا لهذا الحَديث، ولا اسْتدلوا لهُ بِحَديث ولا أثر؛ فإنَّ الإسنوي لما ذكر هذِه المسألَة قال: مُقتضى إطلاق المصنف أَنَّهُ لا فَرْقَ في اسْتحباب التثويب بَين المأتيِّ به قبل الفَجر وبعَده قال: وهذا مَا نقلهُ الرافعي عَن إطلاق الغَزالي، ولكن في "التهذيب": أنهُ إذا ثوبَ في ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (716). قال الحافظ في "التلخيص" 1/ 501: فيه انقطاع مع ثقة رجاله. وصححه الألباني بشواهده، انظر: "تخريج فقه السيرة" (203). (¬2) في (م): فيما. (¬3) في (م، س): بينهم. (¬4) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 1/ 424. وعزاه الحافظ في "التلخيص" 1/ 502. للطبراني والبيهقي والسراج وقال: سنده حسن.

الأول لم يثوب في الثاني عَلى أصح الوجهين (¬1). وذكر نحوهُ في "الشرح الصَّغير" وقال النووي في "شرح المهَذب": ظاهِر إطلاق الأصحاب أنه لا فرق بَين الأول والثاني، وصَرح (¬2) بتصحيحه في "التحقيق"، وتقدم قول السُّبكي إذا ثوبَ في الأذان الأول قَبْل الفَجر لم يثوب في الذي بَعدَهُ عَلى الأصَح. (قَال أَبُو دَاودَ: وَحَدِيثُ مُسَدَّدٍ) المتقدم (أَبْيَنُ قَال فِيهِ: قَال: وَعَلَّمَهُ (¬3) الإِقَامَةَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا الله، أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا الله، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ، حَي عَلَى الصَّلاةِ، حَيَّ عَلَى الفَلاحِ، حَيَ عَلَى الفَلاحِ، اللهُ أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ، لا إله إِلَّا الله). هكذَا روَاية النسَائي (¬4) وفي هذا الحَديث دلالة لما ذَهَبَ إليه أبُو حَنيفة وأصحابه مِن أن الإقامَة مثنى (¬5) مَثنى (¬6) خلافًا للشافِعِي (¬7) (¬8) والجمهور. قال ابن السّمعَاني في "الاصْطلام": لَم ينقل مَا صَارَ إليه أبو حَنيفة ¬

_ (¬1) "المجموع" 3/ 92. (¬2) في (س): خرج. (¬3) في (ل، م): علمني. (¬4) "المجتبى" 2/ 3. وقال الألباني: منكر مخالف للروايات الأخرى عن أبي محذورة. (¬5) من (م). (¬6) "المبسوط" للسرخسي 1/ 272. (¬7) في (س، ل، م): للشافعية. (¬8) "الشرح الكبير" 1/ 411.

عَن أحَدٍ مِن الأئمة إلا عَن سُفيان وابن المبَارك، وَروى إفراد الإقامَة عَن سَعيْد بن المسَيب والفقهاء السَّبعَة بالمدينة والحَسَن البَصْري (¬1) كَذَلك، وكذلك عن عروة بن الزبَير وعمرَ بن عَبد العزيز وسَالم بن عَبْد الله [بن عمر] (¬2) وأبي قلابة وعراك بن مَالك ومحَمد بن كعب القرظي وابن شهاب الزهري وغَيرهم ممن يكثر عَدَدهم، وقَد ذهبَ إلى هذا مِن الأئمة مَالك بن أنسَ (¬3) والأوزاعي والليث بن سَعد وأحمد بن حَنبل وإسحاق بن إبراهيم (¬4) وغيرهم. قال: وقد ورد في الخَبَر: "عَليكم بالسَّوَاد الأعظَم" (¬5). وهوَ معنا في هذِه المسألة، وَحمل بَعضهم هذا الحَديث عَلى أن المؤَذن إن رَجَّع في الأذان ثنى جميع كلمَاتِ الإقَامَة فتكون سَبْعَة عَشر، كما رَواهُ همام في الحَديث الآتي، وإن لم يُرجِّع أفردَ الإقامة فجعَلهَا إحدَى عشرة، واختارَهُ ابن خزيمة من أصحَابنا زاعمًا أَنَّ كلا من (¬6) الأمرين صَح مِنَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - بخلاف تثنية الأذان بلا ترجيع مَع تثنية الإقامَة كما يقوله بَعض الناس فإنه لم يثبت (¬7)، وتوقف البَيهقي في صحة التثنية في ¬

_ (¬1) "الأوسط" لابن المنذر 3/ 152. (¬2) من (م). (¬3) "المدونة الكبرى" 1/ 158. (¬4) "مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج" (168). (¬5) أخرجه ابن ماجه (3950)، وعبد بن حميد في "مسنده" (1220) وضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه" (856). (¬6) من (م). (¬7) "سنن البيهقي الكبرى" 1/ 418.

الإقَامَة سِوَى لفظ التكبير وكلمَتي الإقامَة، وفي دوام (¬1) أبي محذورة وأولاده علي الترجيع في الأذان وإفراد الإقامة ما يؤذن بضعف من روى تثنية الإقامة (¬2) كما في هذا الحَديث، فلما لم يختلف حديث أبي محذورة في الأذان أخذنا به فيه (¬3)، ولما اختلف في الإقامة أخذنا بإفرادهَا أخذًا بالحَديث الثابت في الصَّحيحين (¬4)، وحَديث ابن عُمرَ الصَّحِيح الآتي بعد حَدِيث أنَس. قال (¬5): (وَقَال عَبْدُ الرَّزَّاقِ) في رَوايته: (وَإذَا أَقَمْتَ الصَّلاةَ فَقُلْهَا مَرَّتَينِ) يعني: (قَدْ قَامَتِ الصَّلاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلاةُ) والمعَنى: في تثنيَة لفظ الإقامة دون بقيةَ ألفاظهَا؛ لأنهَا المصَرحة بالمقصُود. (أَسَمِعْتَ؟ ) فيه تثبت للسَّامع ليحقق مَا سَمِعَهُ. (قَال: فَكَانَ أَبُو مَحْذُورَةَ لا يَجُز نَاصِيَتَهُ) اعلَم أن قول أهْل اللغَة النزعتان هما البَيَاضَان اللذان يكتنفان الناصِيَة، والقَفا مؤُخَّر الرأس، والجانبان ما بين النزعتين والقفا، والوَسَط مَا أحَاطَ به ذلكَ. وتسميتهم كل مَوضع باسْمٍ يخصه كالصريح في أن الناصِيَة شعر مقدم الرأس، ويشكل عَلى هذا تقدير أبي حنيفة الناصية بربع الرأس (¬6). ومنع أبي محذورَة من جَزِّ ناصيته. ¬

_ (¬1) في (ص، س): رواية. (¬2) "سنن البيهقي الكبرى" 1/ 418. (¬3) من (م). (¬4) "صحيح البخاري" (605)، "صحيح مسلم" (378) (2) من حديث أنس. (¬5) من (م). (¬6) "بداية المبتدي" 1/ 3، و"الهداية شرح البداية" 1/ 12.

(وَلا يَفْرُقُهَا) بفتح أوله وضَم ثالثه مَعَ التخفيف، وهوَ أشهرَ من التشديد، وشدَّدَهَا بَعضهم، والمفرق كمَسجِد مَكان فرق الشعر مِنَ الجَبين إلى دَائر وَسَط الرأس. ترك أبو محَذورة جز ناصِيَته وفرْقها لراحَة النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - حِين مسَّتها، والشعر الذي مَسقَ جلد النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - ولمسته رَاحته لا ينبغي أن يجزه ولا يفارقه إلى أن يَموتَ، ولا يُفْرَقُ بَعضُه من بَعض، كُلُّ هذا تعظيمًا للنَّبي - صلى الله عليه وسلم -. [502] (ثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ) تقدَم في الحَديث قبله، قال: (ثَنَا عَفَّانُ) ابن مُسْلم الصفار (وَسَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، وَحَجَّاجٌ - المَعْنَى وَاحِدٌ - قَالوا: ثَنَا هَمَّامٌ) بن يَحيىَ، قال: (ثَنَا عَامِرٌ) بن عَبد الوَاحِد (الأَحْوَلُ) مِن رجَال مُسْلم. قال: (حَدَّثَنِي مَكْحُولٌ، أَنَّ) عَبد الله (بْنَ مُحَيرِيز حدثه (¬1)، أَن أَبَا (¬2) مَحْذُورَةَ - رضي الله عنه - حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَمَهُ الأَذَانَ تسَع (¬3) عَشْرَةَ) [بإسْكان شيْن عَشرة] (¬4) (كَلِمَةً) التكبير أولًا أربَع كلمَات، والشهَادَتان ثمان كلمَات أربَع في نَفسه وأربع يَرفع الصَوت، والحيْعَلة أربَع، والتكبير الآخر كلمتان، والتهليل [لا إله إلا الله] (¬5) كلمة، وليس (¬6) المراد بالكلمة لفظة وَاحِدَة، فيه دَليل على مشروعيَّة الترجيع؛ لأن الأذان لا ¬

_ (¬1) في (ص، س): جرير. (¬2) في (م): أبي. (¬3) في (ص): سبع. (¬4) ليست في (م). (¬5) ليست في (س، ل، م). (¬6) في (ص، س، ل): فأتى.

يبلغ هذا العَدَد إلا إذا حُسِبَ الترجيعُ من الأذان. وأمَا أبو حَنيفة فإنه لَم يزد الترجيع وَحَمل حَدِيث أبي مَحذُورَة على أن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - ذكر الشهادتين سَرْدًا على أبي محذورة لتأكيد حِفظه في التلقين إذا كَانَ صيتًا ثم لما رآهُ استظهرَ أمرهُ أن يُرَجِّع ويمد صَوته (¬1). وأمَا مَالك فقَد حكى الصَّيدلاني من مذهبه أنه كانَ يرَى التَّرجيعَ ولا يزيد في كلمَات الأذان، وكانَ يَقول: ينبغي للمؤذن أن يَقول مَرة وَاحدة أشهَدُ أن لا إله إلا الله ثم مَرة أشهدُ أن محمدًا رسُول الله (¬2). ومَا ذكرهُ الشافعي (¬3) أفضل (¬4) الطرق، ومَا ذكرهُ أبو حنيفة من تَرديد الكلام لا يستمر لهُ من (¬5) أوجه: أحَدُهَا: أنهُ خصَّصَ كلمتي الشهادَة بهذا، وقاعِدة التلقين للحفظ أن يكون في غَيرهمَا. الثاني: أنَّه (¬6) صَحَّ أَنَّ أبا محذورة كان يرجع في أذانه طول زَمَانه، وهذا قاطع في أنه فهم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأمر بالترجيع. والثالث: قوله في هذا الحديث الأذان تسع عَشَرة كلمَة، وهذا يُبطل مَذهَب مالك أيضًا. ¬

_ (¬1) "المبسوط " للسرخسي 1/ 271. (¬2) "المدونة الكبرى" 1/ 157، "الاستذكار" 4/ 13. (¬3) "الأم" 1/ 172 - 173. (¬4) ليست في (م). (¬5) من (س، ل، م). (¬6) من (م). وفي باقي النسخ: إن.

(وَالإقَامَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ كلِمَةً) هذا حجة لما (¬1) صَححهُ ابن خُزيمة فيمَا تَقَدم: أَنَّ مَن رَجَّعَ ثنَّى كلمَات الإقامَة والأذان (اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ أَن مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ) ثم يُرجع فيَرفَع صَوته كما تَقدم. ([أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ) أي: تعالوا إليهَا، فإنَّ حَيَّ بمعَنْى هَلمَّ وأقبل وهي اسْم لِفِعْلِ الأمر، قالوا: وفتحت الياء لسُكونها وسُكون اليَاء التي قبلهَا التي هي مُدغمة فيهَا. (حَيَّ عَلَى الفَلاحِ حَيَّ عَلَى الفَلاحِ)، فيهِ الدعاء لأسَباب الفلاح، ولهذا تسميَة السحور فلاحًا لما فيه من الخَير والبركة ففي حَديث أبي ذَرّ في صيَامهم مَعَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - وقيامهم فَلَما كانت الليلة الثالثَة جَمَعَ أهله ونسَاءه فقامَ بنَا حَتى خَشينَا أن يفوتنا الفلاح. قُلت: ومَا الفلاح؟ قال: السُحور، ثم لم يقم بنَا بقية الشهر. رَوَاهُ أبو دَاود والنسائي والترمذي وقال: حَديث حَسَن (¬2). ويقال في الفلاح: الفلح (¬3) "بشرك الله بخَير وفلح". قال ابن الأثير: هوَ مَقصُور منَ الفلاح (¬4). ¬

_ (¬1) في (ص): وما. (¬2) أخرجه أبو داود (1375)، والنسائي 3/ 83، والترمذي (806) قال الترمذي: حسن صحيح. (¬3) في (م): المفلح، وفي (س): الفلاح. (¬4) "النهاية" (فلح).

(اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لا إله إِلَّا اللهُ. وَالإِقَامَةُ) هي من قولهم [أقامَ الصَّلاة] (¬1) إذَا نادى بهَا (¬2) اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، حَي عَلَى الصَّلاةِ، حَي عَلَى الصَّلاةِ، حَيَّ عَلَى الفَلاحِ، حَيَّ عَلَى الفَلاحِ). (قَدْ) قال الخَليل: إن قولكَ "قد" فعل (¬3) كلام لقوَم ينتظرون وقوع الخَبر (¬4)، ولذلك تستعمل في الأشياء المترقبة، ومنهُ قَول المؤَذن: قَد (قَامَتِ الصَّلاةُ) لأن الجَماعة ينتظرون إقامَتها (¬5). وظَاهِر كَلام ابن مَالك إنها لم (¬6) تدخل على التوقع لإفادَة كونه مُتوَقعًا، بَلْ لتقريبه مِنَ الحَال، فإنهُ قال: فتدخل على مَاض مُتَوقع لا يشبهُ الحَرف لتقريبه مِنَ الحال (¬7). قال الزَركشي: وَلا يبعد أن يُقَال إنها حينئذ تفيد المعنيين. (قَدْ قَامَتِ الصَّلاةُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لا إله إِلَّا اللهُ) فيه تثنية لفظ الإقامَة وهوَ محَمُول عَلى مَا تقدم. ¬

_ (¬1) في (م): أقام للصلاة. (¬2) في (م): لها. (¬3) في (ص، س): فعد. وفي (م): يعد. والمثبت من "مغني اللبيب". (¬4) في (ص): الخير. والمثبت من (س، ل، م)، و"مغني اللبيب". (¬5) "مغني اللبيب" 1/ 228، و"همع الهوامع" 2/ 596. (¬6) في (م): لا. (¬7) "مغني اللبيب" 1/ 230.

(كَذَا فِي كِتَابِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ) - رضي الله عنه -. [503] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بشار) (¬1) قال: (ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ) الضحاك بن مخلد. قال: (ثَنَا) عَبد الملك (ابْنُ جُرَيْجٍ) قال: (أَخْبَرَنِي ابن عَبْدِ المَلِكِ ابْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ -[يعني: عبد العزيز] (¬2) - عن) عَبد الله (بن (¬3) مُحَيْرِيزٍ) بن جنادة بن وهب القرشي الجمحي المكي (¬4) نزيل بَيت المقدس رَباهُ أبو محذورة المؤذن فروى عنه (عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ) - رضي الله عنه -. روَاية النسَائي فيها زِيَادَة، ولفظه: أن (¬5) ابن محيريز كان في حجر أبي مَحذورة حَتى جَهزهُ إلى الشام، قَال: قلت لأبي محذورَة: إني خارج إلى الشام، وأخشى أَنْ أُسْأَلَ عَن تَأذِينك، فأخبرني أن أبا محذورة قال له: خَرجتُ في نَفَر فكنا ببَعْض (¬6) طَريق حُنين، فقفل رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - مِن حنَين، فلقينا رَسُول الله [في بَعض الطريق، فأذن مُؤذن رَسُول الله] (¬7) بالصَّلاة عندَ رَسُول الله، فسَمعنَا صَوت المؤذن ونَحنُ عنهُ متنكبون، [فَظللنَا نحكيه (¬8)] ونهزأ به، فسَمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) نقطها في (ص): يسار. (¬2) من (س، ل، م). (¬3) من (س، ل، م). (¬4) في (ص، س): الملكي. والمثبت من (ل، م). و"التهذيب" (3555). (¬5) من (م). (¬6) في (ص، ل) في بعض. (¬7) سقط من (م). (¬8) في (ص، س، ل): فطلبنا عليه.

الصوت فأرسَل إلينا حَتى وقفنا بين يديه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيكم الذي سَمعت صَوْته قَد ارتفعَ". فأشارَ القَوم إليَّ، فأرسلهم كلهم وَحبَسَني فقال: "قم فأذن بالصَّلاة". فقُمت (¬1). (فأَلْقَى عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - التَّأْذِينَ هُوَ بِنَفْسِهِ) هُوَ تأكيدٌ لرَفع توهم المجَاز بأن يكُون ألقى عَليه غَيره بإذنه فَنسب إليه (فَقَال: قُلِ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ) قال الهَروي في "الغريبين": قال أبو بكر: عوَام الناس يَضُمونَ رَاء أكبر من قوله الله أكبر، وكان أبو العَباس يَقول: اللهُ أكبرَ اللهُ أكبر، يَعْني بفتح رَاء أكبرَ الأولى عَلى نقل حَركة الهَمزة إليهَا، واحتج بأنَّ الأذان سمعَ مَوقُوفًا غَير مُعرب في مقاطعه، كقولهم: حَي عَلى الصَلاة، حي على الفلاح، قال: والأصْلُ فيه اللهُ أكبرْ اللهُ أكبرْ، بتسكين الراء فنقلَت فتحة الألف مِنَ الله تعالى إلى الراء الساكنة التي قبلهَا كما في النقل (¬2). ومراده بأبي بكر الأنباري في كتاب "الزاهِر" (¬3) لكنه إنما نقل (¬4) عن أبي العَباس ثعلب إجَازته، فالوجهان (¬5) على رأيه جائزان، لكن النَّقلَ ليسَ مَذهب كل العرب. (اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللهُ، ¬

_ (¬1) "المجتبى" 2/ 5. (¬2) "الغريبين" 5/ 1611. (¬3) من (م). وفي بقية النسخ: الزاهد. (¬4) في (م): ينقل. (¬5) في (ص): بالوجهات، وفي (س، م) والوجهان.

أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ) ثم (قَال: ثُمَّ (¬1) أرْجِعْ) بوصل الهَمزة روَاية مُسْلم: "ثم يَعُود" (¬2) (فَمُدَّ) روَاية النسَائي: "فامدُد" (¬3). بالفاء وهيَ لغَة أهل الحِجَاز (مِنْ صَوْتِكَ) فيه حجة بَينة وَدلالة وَاضِحة لمذهب مَالِك والشافعي وأحمد وجمهور العُلماء أن الترجيع في الأذان ثابت مَشروع (¬4). وهوَ العَود إلى الشهادتين مَرتَين بعد رَفع الصَوْت بعد قولهما مرتين بخفض الصَّوت خِلافًا لأبي حَنيفة، وتقدمَ الجَواب عَما احتج به من كلام إمَام الحَرمَين. (أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ، حَيَّ عَلَى الفَلاحِ، حَيَّ عَلَى الفَلاحِ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لا إله إِلَّا اللهُ). قال النووي في "الأذكار": المذهَب الصحيح المختار اسْتحباب مدِّ لا إله إلا الله (¬5). يعني: المدَّ قبل هَمزة إله، وأمَا المَدُّ في الجَلالة قَبل الهَاء فجائز للوقف، لكن قدر ثلاث ألفات أو أربع ألفات كما ذكر في كتب القراءات. (ثَنَا) عَبد الله بن نفيل (النُّفَيلِيُّ) قال: (ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "صحيح مسلم" (379/ 6). (¬3) "سنن النسائي" 2/ 6. (¬4) انظر: "الأوسط" لابن المنذر 3/ 147. (¬5) "الأذكار" 1/ 13.

عَبْدِ المَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ) (¬1) تفرد به أبو داود، ولم يذكره الذهبي بجرح ولا تعديل. [504] (قال: سَمِعْتُ جَدِّي عَبْدَ المَلِكِ بْنَ أَبِي مَحْذُورَةَ يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا مَحْذُورَةَ يَقُولُ: أَلْقَى عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) كلمَات (الأَذَانَ حَرْفًا حَرْفًا) هَكذَا يُسْتحب من لقن الأذان أو الإقامَة أو آية من كلام الله تعالىَ أن يلقيهَا عَليه كلمة كلمَة، ولا يلقي عَليه الآية جملة وَاحِدَة، فإنها إذَا ألقيت عَليْه (¬2) كلمة كلمة كانَ ذَلك أثبت وأرْسَخ (¬3) في قلب المتلقن وسَمعه. (اللهُ أَكْبَرُ) ينبغي أن يحترز المؤذن والمحرم للصلاة والمقيم والمبَلغ مِن أغاليط المؤذنين في مَدِّ الباء مِن أكبرَ فيَقولونَ: أكبَار فينقلب المعنى مِنَ التكبير إلى جمعِ كبر بفتحتين وهوَ الطبل، مثل سَبَب وأسْبَاب، وَالكَبَرُ فارسي معرب. (اللهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ) ينبغي أن يحَترز من مَدِّ أشهد لئلا تخرج من لفظ الخَبر إلى الاستفهام (أَنْ لا إله إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا الله، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ أَن مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ) [ثم يُرَجع فيَمدُّ صَوته فيَقول: (أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَن مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ أَن مُحَمَّدا رَسُولُ اللهِ] (¬4) حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ، ¬

_ (¬1) زاد في (ص، س، ل): يذكر أنه سمع أبا محذورة. (¬2) ليست في (م). (¬3) زاد في (م): وأوقع. (¬4) سقط من (م).

حَي عَلَى الصَّلاةِ، حَيَّ عَلَى الفَلاحِ، حَي عَلَى الفَلاحِ) فيه دلالة لمالك في إسَقاطه تربيع (¬1) التكبير في أول الأذان وَجَعله مثنى، مَعَ أن التربيع ثابت في مُسْلم في بَعْض النسَخ (¬2) مِن حَديث أبي محذورة، وهوَ المشهور أيضًا في حَديث عَبد الله بن زَيد. وقال أبو حَنيفة: هوَ خمسَ عَشرة بإسْقاط الترجيع (¬3)، واختار بَعْض أصحَاب مَالك الترجيع (¬4)، وحكى الخرقي (¬5) عَن أحمد أنه لا ترجيع (¬6)، وحَكى في "الاستذكار" قيل لأبي عَبد الله أحمدَ: حَدِيثُ أبي محَذورة صَحيح؟ قال: أما أنا فلا أدفعه (¬7). قيل له: أفليسَ حَديث أبي محَذورة بعد حَديث عَبد الله بن زَيد؛ لأنَّ حَديث أبي مَحذُورَة بعد فتح مَكة؟ فقال: أليسَ قد رَجَعَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة فأقَر بلالا عَلَى أذَان عَبد الله بن زَيد - رضي الله عنه - (¬8). (قَال (¬9): وَكَانَ يَقُولُ فِي الفَجْرِ الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ) يعني: مرتين ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) وقع ذلك في بعض طرق الفارسي في "صحيح مسلم" كذا قال القاضي عياض رحمه الله. نقله عنه النووي في شرحه على مسلم 4/ 81. (¬3) في الأصول الخطية: التربيع، والمثبت مستفاد من "المبسوط" 1/ 271، "البحر الرائق" 1/ 270. (¬4) "المدونة" 1/ 157، "الاستذكار" 4/ 13. (¬5) "مختصر الخرقي" 1/ 20، "المغني" 2/ 56. (¬6) في (ص، س، ل): يرجع. والمثبت من (م)، و"المغني". (¬7) في الأصول الخطية: أربعه. والمثبت من "الاستذكار". (¬8) "الاستذكار" 4/ 15 - 16. (¬9) سقط من (م).

[كما تقدم] (¬1). [505] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاودَ) بن رزق (¬2) المَهْري (الإِسْكَنْدَرَانِيُّ) وثقَهُ النسَائي (¬3)، قال: (ثَنَا زِيَادٌ بن يُونُسَ) الحضرمي الإسْكندراني ثقة (¬4)، (عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ) المكي (الْجُمَحِيِّ) الحَافظ. (عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ، أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَيرِيزٍ الجُمَحِيِّ، عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَّمَهُ الأذانَ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ) أكبر ممَا جَاء مِنْ أفعل التفضيْل بمعنى اسْم الفاعِل، وهو كثير (¬5) في اللغة كقوله تعالى: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} (¬6) أي: هَين عَليه، وَقيل: أكبر من كل شيء، عَلى أن المراد الكِبَر المعنوي، ولكن هذا لا يخلص من الإشكال الذي في الأصْل، وهوَ أن أفعَل التفضيل يقتضي الشركة، والله تعَالى مُنَزَّهٌ عَن مُشارَكة شيء في كبريَائه وعَظمَته، وقيل: معَناهُ اللهُ أكبر كَبير فهوَ للِمبَالغة في الوَصْف من غير أن يقصد (¬7) تفضيل كما تقول أعَز عزيز. (أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللهُ ... ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ أَذَانِ حَدِيثِ ابن جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ وَمَعْنَاهُ) المذكور (وَفِي ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): أف. (¬3) "مشيخة النسائي" (177). (¬4) من (م). (¬5) في (ل): ليسَ. (¬6) الروم: 27. (¬7) من (م). وفي باقي النسخ: يفضل.

حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ قَال: سَأَلْتُ عَبد الملك بْنَ أَبِي مَحْذُورَةَ قُلْتُ: حَدِّثْنِي عَنْ أَذَانِ أَبِيكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَهُ فَقَال: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، قَطْ) بِسُكُون الطاء بمعنى حسب (¬1) وهوَ بمَعنى الاكتفاء بالمرتين دونَ التربيع، وهوَ من أدلة التكبير أول الأذان، وعندَ الشافعي ومَن تَبِعَهُ التربيع (¬2). وممَّا اسْتدل به الشافعية عَلى التربيع روَاية ابن عُمر عَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَن أَذَّن ثنتي عَشرة سَنة وَجَبَت له الجنة، وَكتبَ لهُ بكل أذان ستون حَسنة، وبكل إقامة ثَلاثون حَسَنة" (¬3). ففي هذا دَليل على أَنَّ الإقامة عَلى النصف مِنَ الأذان، وَالحَنفية يقولون بتثنية (¬4) ألفاظ الإقامَة، والتكبير في الإقامة مَرتَين، فيَكون في الأذان أربع مَرات. (وَكَذَلِكَ حَدِيثُ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ) الضبَعي، بضَم الضاد المعجمة وفتح البَاء الموَحَّدة، صَدُوق زاهِد لكنه كانَ يتشيع (¬5). (عَنِ) [عَبد الملك] (¬6) (ابْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ، عَنْ عَمِّهِ) عَبد الله بن ¬

_ (¬1) في (ص، س): حسن. والمثبت من (ل، م). (¬2) من (م)، وفي بقية النسخ: الترجيع. (¬3) أخرجه ابن ماجه (728)، والحاكم في "المستدرك" 1/ 205، والطبراني في "الأوسط" (8733). قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (248). (¬4) في (ص، س): تشبه. (¬5) "تقريب التهذيب" (944). (¬6) من (م)، وفي بقية النسخ: عبد العزيز.

محيريز (عَنْ جَدِّهِ) أبي مَحْذورَة. (إِلَّا أَنَّهُ قَال: ثم (¬1) ترَجع) بِفتح التاء وكَسْر الجيم مخففًا؛ لأن في روَاية مُسْلم "ثم يعود"، ويقال رجَّع بالتشديد إذا أتى في أذانه بالشهادَتين مَرة خفضَا، ثم يأتي بهَما مَرة ثانية رَفعا (فَتَرفَع صَوْتَكَ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ) إلى آخره. [506] (ثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ) البَاهِلي شَيخ البخَاري، قال: (أَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ) بن عَبد الله بن طارق بن الحَارث بن سَلمة (¬2) ابن كعب بن وائل بن جمل الجملي (قَال: سَمِعْتُ) عَبد الرحمَن (ابْنَ أَبِي لَيْلَى). (ح وَثَنَا ابن المُثَنَّى) قال: (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غندر، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَال: سَمِعْتُ) عَبد الرحمن (ابْنَ أَبِي لَيلَى قَال: أُحِيلَتِ) بضم الهَمزة وكَسْر الحَاء المهملة. (الصَّلاةُ) أي: نقلت من حَال إلى حَال، قالهُ ابن الأثير (¬3) يقال: أحلت الشيء إحَالة إذا نقلته من مكان إلى مَكان (ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ). (قَال: وَثَنَا أَصْحَابُنَا) قال المنذري: إن أرَادَ به الصحابة فيَكون مُسندًا، وإلا فهوَ مُرسَل (¬4). ¬

_ (¬1) من (س، ل، م). (¬2) في (م): مسلمة. (¬3) "النهاية" (حول). (¬4) "مختصر السنن" 1/ 279.

قال شَيخنا ابن حجر: في رِوَاية [أبي بكر] (¬1) بن أبي شَيبة (¬2) وابن خزيمة (¬3) والطحَاوي (¬4) والبَيهقي (¬5): ثنا أصحَاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، فتعين الاحتمال الأول، ولهذا صححهَا (¬6) ابن حزم وابن دَقيق العِيْد (¬7). (أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَال: لَقَدْ أَعْجَبَنِي) يحتمل أن تكون قد هنا لانتظار وقوع مَا يعجِبُه (¬8) كما تقدم في آخِر الورقة قَبلها (أَنْ تَكُونَ صَلاةُ المُسْلِمِينَ - أَوْ قَال صَلاة المُؤْمِنِينَ -) شك مِنَ الراوي (وَاحِدَةَ، حَتى لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَبُثَّ) بالموَحدة والمثلثة، يشبهُ أن يكون معَناهُ أَنْشُرَ (¬9) (رِجَالا فِي الدُّورِ) رجَالًا متفرقين من قولهم: بَثَّ السلطان الجند في البلاد وَفرقهم. (يُنَادُونَ النَّاسَ بحين) (¬10) يحتمل أن تكون البَاء بِمَعنَى في، أي وقتِ (الصَّلاة) كقَوله تعالى: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (¬11) أي في وَقت الأسْحَار ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "مصنف ابن أبي شيبة" (2131) مختصرًا. (¬3) "صحيح ابن خزيمة" 1/ 197 معلقًا. (¬4) "شرح معاني الآثار" 1/ 131. (¬5) "سنن البيهقي الكبرى" 1/ 420. (¬6) في (م): صححهما. (¬7) "التلخيص الحبير" 1/ 363. (¬8) في (م): أعجبه. (¬9) من (ل)، وفي (م): أبشر، وفي (ص، س): أيسر. (¬10) من (س، م) وفي بقية النسخ: بحيث. (¬11) الذاريات: 18.

يستغفرون (¬1)، وَقَولهُ تَعالى: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ} (¬2) والصحيح أنَّ الظرفية التي بمَعني في تدخل على المعرفة [كما في هذِه الأمثلة] (¬3) وتكون مَعَ النكرة كقوله تعالى: {نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} (¬4). قال أبو الفتح (¬5) في "التنبيه" (¬6): وتوهم بعضهم أنها لا تقَع إلا مَعَ المعَرفَة نَحو كُنا بالبصرة، وأقمنَا بالمدينة (¬7). (وَحَتَّى هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ (¬8) رِجَالًا يَقُومُونَ عَلَى الآطَامِ) بالهَمزة الممدُودَة جَمع أطم كَعُنق وأعنَاق، ويقال أيضًا: إطام بِكَسْر الهَمزة، وَهوَ بناء مُرتفع، وَآطام المِدَينة: حُصُون كانت لأهلها. (يُنَادُونَ المُسْلِمِينَ بِحِينِ الصَّلاةِ) ومَعْنَى ينَا دون أي: يُؤْذِنُون، والمرادُ به الإعلام المحض بحضور وَقتها لا خُصُوصَ الأذان (¬9) المشروع. (حَتَّى نَقَسُوا) بفَتح القَاف المخففة وضَم السِّين المهملة، يقال: نَقَسَ نقْسًا، كقتل قتلًا، إذا ضربَ بالناقوس، خشبة طَويلة تضرب بها النصَارى بِدُخُول وَقت صَلاتهم. ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) الصافات: 137، 138. (¬3) من (م). (¬4) القمر: 34. (¬5) من (م). وفي بقية النسخ: الشيخ. (¬6) في (ص): البينة. والمثبت من (ل، م). (¬7) نقله عنه الزركشي في "البرهان في علوم القرآن" 4/ 256. (¬8) في (س): أمرنا. (¬9) من (م): وفي بقية النسخ: للأذان.

(- أَوْ كَادُوا أَنْ يَنْقُسُوا -) بِضَم القاف، وضبطه بعضهم في بَعْض النسَخ بِكَسْرِهَا أي: يضربوا بالناقوس كما تقدم. (قَال: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ) هو عبد الله بن زيد (فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ إِني لَمَّا رَجَعْتُ) بتشديد ميم لما، وهي حرف وجود لوجود، أو وجوب لوجُوب، أي: لما وجِدَ رُجُوعي مهتمًّا. (لِمَا) بتخفيف مَا أي: لأجل مَا (رَأَيْتُ مِنَ اهْتِمَامِكَ) وهذا نظير مَا تقدم في أول بَاب بَدء الأذان: فانصَرَف عَبد الله وهوَ مُهتَم لهَمّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -. (رَأَيْتُ رَجُلًا كَأَنَّ عَلَيهِ) [وَروَاية أبي الشيخ مِنْ طَريق عَبد الله بن زَيد رأيت رجلًا عليه ثوبان أخضران] (¬1) يحتمل أن يكون كأن هنا للتحقيق لا للتشبيه، ومِن ورودهَا للتحقيق ما أنشده الزَجَّاج: فأصبَح بَطْنُ مَكَّة مقشعرًّا ... كأنَّ الأرض لَيْسَ بهَا هشامُ (¬2) وكانَ ينبغي أن لا تقشعر مع دفن هشام الذي كانَ كالغَيث لهَا، لكن لمَّا خلف هشام مِنَ الوَلد مَا يَسدُّ مسَدَّه (¬3) اقشعرَّتْ، ويدل عَلى أنها للتحقيق رواية ابن ماجه بحذفها ولفظه: رأيت رَجُلًا عليه ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ (¬4). وهكذا وجد في بَعْض النسخ: بالرَّفع ثوبان أخضران، ¬

_ (¬1) تأخرت هذه العبارة في (م) فجاءت في غير موضعها. (¬2) البيت من بحر الوافر، وأورده المبرد في "الكامل". (¬3) في (م): مسدوه. (¬4) "سنن ابن ماجه" (706) من رواية محمد بن عبد الله بن زيد عن أبيه.

وفي بَعضها: كأنَّ عليه (ثَوْبَينِ أَخْضَرَيْنِ) وهذا هُوَ القَاعدة في العَربية، وعَلى تقدير صحة الروَاية في رَفعهَما [فعلى لغة الحَارِث] (¬1) بن كعب في آخر البَيت: [بألف دائمًا] (¬2) كقوله في: بلغا في المجد غايتاهَا، ومنهُ {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} (¬3). وَيجوز أن يكون اسْم كأن ضمير الشأن والقصة، وعَليْهِ ثوبان مُبتَدأ وَخبَر، وأخْضَران صِفَة للثَّوْبَيْن، وَالجملة الاسْمِية خَبَر كأنَّ، كما قال الشاعِر في كأنْ المخففة مِنَ الثقيلة: ووجه مُشْرِق النحْر ... كأنْ ثدياه حُقَّانِ (¬4) ولعَل السِّر في اختصاص الملك بالثوبين الأخضرَين الإشارة إلى أن الدعَاء إلى الصَّلاة بالأذَان والإقامَة مُوجبَان لدُخول الجنة وَلُبْسِ سُنْدُسِها الأخضَر، كما قال تعالى: {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ} (¬5) كقوله تعَالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا} (¬6). (فَقَامَ) فيه القيام للأذان كما تقدم (عَلَى) ظهر (الْمَسْجِدِ) أو عَلى بَابه ¬

_ (¬1) من (م)، وفي بقية النسخ: مبالغة ياحارث. (¬2) في (ص): يالرداها! وفي (س): بالرداها، والمثبت من (د، م). (¬3) طه: 63. (¬4) انظر: "الكتاب" لسيبويه 2/ 135. (¬5) الإنسان: 21. (¬6) فصلت: 33.

محتمل لكن الأول هوَ الحقيقة (فَأَذَّنَ) أذان الصَّلاة (ثُمَّ قَعَدَ قَعْدَةً) أي: لطيفة (ثُمَّ قَامَ) فيه القيام لإقامة الصلاة (فَقَال مِثْلَهَا إِلَّا أَنَّهُ يَقُولُ) فيهَا: (قَدْ قَامَتِ الصَّلاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلاةُ، وَلَوْلا أَنْ يَقُولَ) النَّاسُ (- قَال ابن المُثنى) في روَايته: (لوْلا أَنْ يَقولوا -) النَّاسُ، وعَلى هذا فيَكون هذا عَلى لغَة: أكلوني البَرَاغيث، وَهي واردَة في الكتاب والسُّنة الصحيحة، ويحتمل أن يَكون: تقولوا. بتاء المخاطبين أَوَّلَه أي: تقولوا أنتم (لقُلْتُ: إِنِّي (¬1) كُنْتُ يَقْظَانًا غَيرَ نَائِم) تأكيد لليقظة. (فَقَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ) لَقَدْ أَرَاكَ اللهُ ... " الحديث. (- وَقَال ابن المُثَنَّى -) في روَايته: قال رسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لَقَدْ) اللام في لَقَد جَوَاب القَسَم المحذُوف (أَرَاكَ اللهُ) -عَزَّ وَجَلَّ- الذي فيه للناس (¬2) (خَيْرًا) كثيرًا. (- وَلَمْ يَقُلْ عَمْرٌو) بن مَرزوق في روَايته: (لقَدْ -) بَل قال: أَرَاكَ اللهُ خَيْرًا، ثم قال رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - لِعَبْد الله بن زَيد الرجل الأنصَاري (فَمُرْ بِلالًا فَلْيُؤَذِّنْ) فإنه [أندى منك] (¬3) صوتًا. (قَال: فَقَال عُمَرُ) - رضي الله عنه - لَمَّا سَمِعَ الرؤيَا: (أَمَا) بالتخفيف (إِنِّي قَدْ (¬4) رَأَيْتُ مِثْلَ الذِي رَأَى، وَلَكِنِّي لَمَّا سُبِقْتُ) بِضَم السِّين وكسْر الباء الموحدة (¬5)، بالكلام (اسْتَحْيَيتُ) بيَائين بعد الحَاء المفتوحَة على اللغة ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): أي. (¬2) في (ص): الناس. (¬3) في (ص): الذي معك. (¬4) ليست في (م). (¬5) ليست في (م).

الفَصيحة المشهورَة، وفي لغة: استحيت بفتح التاء وَياء وَاحِدَة، والحيَاء تغير وانكسَار يعتري الإنسَان من تخوف (¬1) مَا يعاب به ويذم (¬2) عليه. (قَال) ابن أبي ليلى: (وَحَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا) فيه مَا (¬3) تقدم عَن المنذري (قَال: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا جَاءَ) إلى الصَّلاة (يَسْأَلُ) الناس (فَيُخْبَرُ) أي: يخبرهُ المصَلون وَهُمْ في الصَّلاة فيخبرونه بالإيماء (بِمَا سُبِقَ) بِضَم السِّين وكَسْر الباء (مِنْ صَلاِئهِ) وَيوضح ذلك مَا رَوَاهُ الإمَام أحمد في "مسنده" مِن حَديث عَبْد الرحمَن بن أبي ليلى، عَن مُعَاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: كانَ الناس عَلى عَهد رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سُبِق الرجُل ببَعض صَلاته سَألَهم، فأومئوا إليه بالذي سُبِقَ به مِنَ الصَلاة، فَيبدَأ فيقضي مَا سُبق به، ثم يَدخل مَعَ القَوم في صَلاتهم، فجاء معَاذ بن جَبَل والقوم قعود في صلاتهم، فأشير إليه [بالذي سُبق به] (¬4) قال: فقلت: لا أجدهُ عَلَى حَالٍ إِلَّا كُنْتُ عَلَيْهَا فقعد معهم، فلما فَرغَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قامَ فقضى مَا كانَ سُبق به، فقال رسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قد سَن لكم معَاذ فاقتدوا به" (¬5). وَجَاء هذا الحَديث في "الكبير" (¬6) وإسنادُه صَحيح، لكن فيه إرسال مِنْ جهة أن ابن أبي ليلى لم يَلق مُعَاذًا - رضي الله عنه - (¬7). ¬

_ (¬1) في (ص): لحوق. (¬2) في (ص، ل). (¬3) ليست في (م). (¬4) ليست في (م). (¬5) "مسند أحمد" 5/ 246. (¬6) "المعجم الكبير" 20/ 132 (275). (¬7) قال الدارقطني في "العلل" 6/ 61: في سماع عبد الرحمن ابن أبي ليلى من معاذ =

(وَإنَّهُمْ قَامُوا) إلى الصَّلاة (مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) وهُم (مِنْ بَيْنِ قَائِمٍ وَرَاكِعٍ وقاعد وَمُصَلٍّ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) (قال ابن المثني) في روَايته: (قَال عَمْرٌو) لعله ابن مرزوق (¬1) (وَحَدَّثَنِي بِهَا) أي: بهذِه القصَّة (حُصَينٌ) بِضَم الحاء المهملة وفتح الصاد المهملة أيضا وهوَ ابن عَبد الرَّحَمن, (عَن) عَبد الرحمَن (ابْنِ أَبِي لَيْلَى) اسْتمروا على حَالة سُؤال المصَلين عما سُبِقَ به من صَلاته (حَتَى جَاءَ مُعَاذٌ) بن جَبَل - رضي الله عنه - (قَال شُعْبَةُ) في روَايته (وَقَدْ سَمِعْتُهَا مِنْ حُصَيْنٍ) بن عَبد الرحمَن، قال معَاذ - رضي الله عنه - (لا أَرَاهُ) بفتح الهَمزة والراء [وهَاء الضمير] (¬2) عَائدَة على النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - (عَلَى حَالٍ) مِنْ أحوال الصَّلاة (إِلَى قَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - كلذَلِكَ) أي: كما قال مُعَاذ وفعَل (فَافْعَلُوا) في صَلاتكم. (ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مَرْزُوقٍ قَال: فَجَاءَ مُعَاذٌ فَأَشَارُوا إِلَيهِ) بما سُبِقَ مِنْ صَلاته، كما كانوا يَفعَلون، فيه دلالة عَلى أن الإشارَة لا تبطل الصَّلاة وإن كانت مُفهمَةُ، يفهمهَا كل أحَد. (- قَال شُعْبَةُ: هذِه) القصة (سَمِعْتُهَا مِنْ حُصَينٍ - قَال فَقَال مُعَاذٌ - رضي الله عنه - لا أَرَاهُ) يَعني النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - في صَلاته. (عَلَى حَالٍ إِلَّا كُنْتُ عَلَيهَا) فيه أن المَسْبوق إذا جَاء إلى الصَّلاة وَوَجَدَ القَوم في صَلاة لا يسألهم بَما سُبقَ عَن الصَّلاة وَلا يخبره (¬3) به المُصلون ¬

_ = نظر، لأن معاذًا قديم الوفاة مات في طاعون عمواس، وله نيف وثلاثون سنة. (¬1) بل هو عمرو بن مُرة، فإن عمرو بن مرزوق لم يدرك حصين بن عبد الرحمن. (¬2) في (ص): والهاء للضمير. (¬3) في (ص، س، ل): يخبر به. والمثبت من (م).

بالإشارة وَالإيماء، كما تقدم بَل يَدْخل مع الإمَام في الصَّلاة على أي حَالة كانَ عليهَا مِن قيام وَركوع وسجود وقعود، ثم إذا فرغ الإمَام يَقومُ إلى الصَّلاة ويأتي بما سُبق به، وَفيه أنه إذا وجد الإمَام قد رفع رأسه للاعتدَال عَن الركوع يَدخل مَعَهُ وكذلك إن وجدهُ في السجدَة الأولى يَدخل في الصَّلاة وَيجب عليه متابعَة الإمام إلا أنه لا يحسَب له ما (¬1) فعله مَعَ الإمام حَتى يقوم من تلك الركعة إلى التي بَعْدَهَا بل يكون له أجره عليه أجر (¬2) الوجوب، وإن لم يحسَب له بخلاف مَا يفعَلهُ اليَوم كثير ممن لا يعرف أحكام الصَّلاة إذا رفع الإمام رَأسَهُ من ركوع (¬3)، يَسْتمر واقفًا إلى أن يَأتي بالركعة التي بَعْدَهَا. (قَال: فَقَال) رَسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إِنَّ مُعَاذًا قَدْ سَنَّ لَكُمْ سُنَّةً) فيه منقَبَة عَظيمة لمعَاذ، حيث (¬4) سَنَّ هذه السنة الحسنة (¬5) كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "مَن سَنَّ سُنَّةً حَسَنَة فلهُ أجرهَا وأجر مَن عمل بهَا إلى يَوم القيامَة" (¬6). (كذَلِكَ فَافْعَلُوا) وفيه أمر النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - باتباعه والاقتداء به كما قال: "أصَحابي كالنجوم بأيَهم اقتديتم اهتديتم" (¬7). وَفيه المنقبة العَظيمة في ¬

_ (¬1) سقطت من (ص، س، ل). (¬2) من (س، م). (¬3) في (ل، م): الركوع. (¬4) في (ص، س): حين. (¬5) من (م). (¬6) طرف حديث أخرجه مسلم (1017) (69)، والترمذي (2675)، والنسائي 5/ 75، وابن ماجه (203)، وأحمد 4/ 375 من حديث جرير بن عبد الله - رضي الله عنه -. (¬7) أخرجه ابن بطة في "الإبانة" 2/ 564 من طريق حمزة بن أبي حمزة عن عمرو بن =

حَق معَاذٍ باجتهاده بحَضرة النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -، وإقرَار النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - له على ذلك، وقَد اختلفَ الأصُوليون في جَوَاز الاجتهاد في عَصره - صلى الله عليه وسلم - عَلى خمسَة أقوال: أصحهَا عندَ الأكثَرين: الجوَاز، وَقيل: لا يجوز مُطلقًا، والثالث: يَجوز بإذنه الصَّريح أو غَيره، ورابعها (¬1): يجوز للغَائب دون من بحضرته، لأن الغائب لو أخر الحادثة إلى لقائه لفاتت (¬2) المصْلحة، وخامِسهَا: يَجوز للغائبين مِنَ الولاة كعَلي وَمعَاذ - رضي الله عنه -، وعلى القول بالجوَاز اختلفوا في وقوعه على خمسة أقوال أيضًا: أصحها: وقوعه من مجتهدي الصحَابة في حُضوره كما في مَسالتنا، والثاني: لَم يقع وهوَ بعيد، وَالثالث: لَم يقع للحَاضِر، وَالرابع: الوقف (¬3)، وَاختاره البيضاوي ونسبهُ للأكثرين، والخامس: الوقف (¬4) في حق الحاضرين (¬5) [وأما الغائبون] (¬6) فالظاهر وقوع تعبدهم (¬7) وهذا الحَديث يشهد للجِوَاز ¬

_ = دينار عن ابن عباس، وحمزة متروك. "التقريب" (1519)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" 2/ 183 من حديث جابر - رضي الله عنه - وقال: هذا إسناد لا تقوم به حجة؛ لأن الحارث بن غصين - أحد رجال إسناده - مجهول. اهـ. وسئل أحمد عن هذا الحديث فقال: لا يصح هذا الحديث انظر: "المنتخب من علل الخلال" (69). وأخرجه عبد بن حميد في "مسنده" 7831) من حديث ابن عمر - رضي الله عنه -، وإسناده ضعيف جدا. وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (58): موضوع. (¬1) في (ص): رابعه. (¬2) في (ص): لقاس. (¬3) في (ص): الوقوع. (¬4) في (ص): الوقوع. (¬5) في جميع النسخ للغائبين. والمثبت مستفاد من "نهاية السول" وغيره. (¬6) من (ل، م). وفي (س): وأما الغائب. (¬7) في (ص): تقيدهم.

وَالوقوع في حَضرته لكن للمجتهدين واللهُ أعلم (¬1). قال ابن أبي ليْلى: (وَثَنَا أَصْحَابُنَا) يَعني: معَاذًا (أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَا قَدِمَ المَدِينَةَ) وَجَدَ اليَهود يصومُون عاشُورَاء، وقال: إن مُوسَى صامَهُ، وإنه اليَوم الذي نجى اللهُ فيه مُوسَى، وغرق فِيه فرعَون (¬2). فأوحى الله إلى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - بذَلك (أمَر) رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -. (بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) مِن كل شهر وهي الأيام البيض. (ثُمَّ أُنْزِلَ) صِيَام شهر (رَمَضَانُ) وفي هذا الحَديث حجة للقائلين في قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (¬3) أن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - لما هَاجر إلى المدينة كُتب عليه صيام ثلاثة أيام من كل شهر، كما كتب على الذين (¬4) من قبلنا ثم نُسِخ بصيام شهر رَمَضان، قال معاذ ابن جبل وعَطاء: التشبيه في الآية واقع على الصوم لا على الصفة ولا عَلى العَدَد وَالمعَنى كتبَ عليكم الصيَام أي: في أول الإسْلام ثلاثة أيام من كل شهر، وَيوم عَاشوراء فصَام - صلى الله عليه وسلم - كذَلك، حِينَ قدومه المدينة سَبْعَة (¬5) عَشر شهرًا ثم نسخ بشهر رمضان قال مُعَاذ: نُسخَت (¬6) الأيام المعدُودَات بشهر رَمَضان. حكاه القرطبي (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: "التمهيد في تخريج الفروع على الأصول" للإسنوي (ص 519 - 520). (¬2) أخرجه أبو داود (2444) وهو في الصحيح وسيأتي تخريجه إن شاء الله. (¬3) البقرة: 183. (¬4) ليست في (م). (¬5) في (س): تسعة. (¬6) في (م): فنسخت. (¬7) "الجامع لأحكام القرآن" 2/ 275.

(وَكَانُوا قَوْمًا لَمْ يَتَعَوَّدُوا الصِّيَامَ وَكَانَ الصّيَامُ عَلَيهِمْ شَدِيدًا) لأَنَّهم لم يَعتادوه، فإنَّ من اعتادَ شَيئًا، سَهُل عَليه فِعْلُه. (فَكَانَ مَنْ) أرَادَ أنه (لمْ يَصُمْ) أفظر و (أَطْعَمَ) عَن ذلكَ اليوم (مِسْكِينًا) فدية فطره كما قال تعَالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (¬1) وَاختلف من أوجَبَ الفدية في مقدارها فقال مَالك (¬2) والشافعي (¬3) قدره مد بمد النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - عَن كل يَوم أفطرَهُ يملكه كل يوم من غالب قوت البلد، وَقال أبو حنيفة: صَاع تمر أو نصف صَاع من (¬4) بر (¬5). (فَنَزَلَتْ هذِه الآيَةُ) ناسِخَة للفِطر مُوجبَة للصيَام {فَمَنْ شَهِدَ}) (¬6) أي: حَضرَ وفيه إضمار تقديره: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} مقيمًا في المصر عَاقلًا بَالغًا صَحيحًا {فَلْيَصُمْهُ} وهوَ يقال عَام مخصص بقوله: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} (¬7) (فَكَانَتِ الرُّخْصَةُ لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ) وَأمَّا غَيرهم (فَأُمِرُوا بِالصّيَامِ). وروى البخاري في حُكم هذِه الآية: ثنا (¬8) ابن نمير، [حدثنا ¬

_ (¬1) البقرة: 184. (¬2) "الموطأ" 1/ 254. (¬3) "الأم" 2/ 143. (¬4) من (م). (¬5) "بداية المبتدي" 1/ 41. (¬6) البقرة: 184. (¬7) البقرة: 184. (¬8) كذا في جميع النسخ، وإنما قال البخاري: قال ابن نمير .. هكذا معلقا ولم يرو البخاري عن عبد الله بن نمير فهو لم يدركه، وإنما روى عن ابنه.

الأعمش] (¬1)، ثنا عمرو بن مرة، ثنا ابن أبي ليلى، ثنا أصحَاب محَمد - صلى الله عليه وسلم - نزل رَمَضان فشق عَليهم فكان من أفطر أطعَم عَن كل يَوم مسْكينًا ترك الصوم ممَّن يُطيقه ورخص لهم في ذلكَ فنسخها {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} (¬2). واستشكل النَّسْخ (¬3) بقوله تعالى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} فإن الجملة خَبَرية والخيرية لا تقتضي الوجُوب، وأجيبَ بأن معَناهُ: وَالصوم خَيرٌ من التطوع بالفدية (¬4) والتطوع به سنة بدليل أنه خير والخير من السُّنة لا يكون إلا واجِبًا. قالهُ الكرمَاني (¬5). (قَال: وَثَنَا أَصْحَابُنَا قَال: وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا) كانَ صَائمًا وَ (أَفْطَرَ) فنام (¬6) (قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَ) (¬7) ليلتهُ تلك (لَمْ يَأْكُلْ (¬8) حَتَّى يُصْبِحَ) ويُمسي من ذلك اليَوم. (فَجَاءَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ) مِن عند النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - وقد سمر ليله عند النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فوجد امْرَأَتَهُ قد نَامَت (فَأَرَادَ أمْرَأَتَهُ، فَقَالتْ: إِنِّي قَدْ نِمْتُ) فقال: مَا نمت (وَظَنَّ أَنهَا تَعْتَلُّ) أي: تحتج بعلة لئلا يَطأهَا. ¬

_ (¬1) ساقطة من النسخ. (¬2) "صحيح البخاري" معلقًا قبل حديث (1949). (¬3) في (ص، س، ل): الشيخ. (¬4) في (ص): بالقربة. (¬5) "الكواكب الدراري" 9/ 119. (¬6) في (ص): صام. (¬7) زاد في (م): لم يأكل. (¬8) في (م): ولا يومه الذي بعده.

(فَأَتَاهَا) بقصر الهَمزة أي: جَامَعَهَا، والإتيان كناية عَن الجماع والمأتِيُّ مَوضعه، وَروى البخاري عَن البرَاء قال: كانَ أصحَاب رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كانَ الرجل صَائمًا فحضر الطعَام فنامَ قبل أن يفطر لم يَأكل ليلته ولا يوَمه حَتى يمسي، وإنَّ قيس بن صرمة الأنصَاري كان صَائمًا، فلما حَضر الإفطار أتى امرأته فقال لهَا: عندكَ طعَام؟ قالت: لا، ولكن أنطلق فأطلب لك، وكانَ يومه يعمل فغلبته عَيناهُ، فجاءتهُ امرأته فلما رَأته قالت: خيبة لك، فلما انتصف النهار غُشي عَليه، فذكر ذلكَ للنَّبي - صلى الله عليه وسلم - فنزلت الآية {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ} إلى .. {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} (¬1) فَفَرحوا بذلكَ فرحًا شَديدًا (¬2). وفي البخَاري عَن البرَاء، قال: لما نزل صَوم رَمَضان كانوا لا يَقَربُونَ النسَاء رَمَضان كله، وكانوا (¬3) رجَال يخونون أنفسهم بالمبَاشرة في ليَالي الصوم (¬4). وذكر الطبَري أنَّ عمرَ بن الخطاب أرادَ امرأته فقالت: نمت. فقال: مَا نمت فوَقع بهَا، وصنعَ كعب بن مَالك مثله، فغدا عُمَر إلى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فاعتذر فأنزل الله الآية (¬5). ورَوَى الطبرَي أيضًا مِن طَرِيق، قال كانَ عُمرَ بن الخَطاب وَقع عَلى ¬

_ (¬1) البقرة: 187. (¬2) "صحيح البخاري" (1915). (¬3) كذا، وفي "صحيح البخاري": وكان. وهو أفصح. (¬4) "صحيح البخاري" (4508). (¬5) "تفسير الطبري" 3/ 496 - 497.

جَاريَة له في ناس من المُسلمين لم يملكوا أنفسهم فأتى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فاعتذر إليه فذكر نحوه (¬1). (فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَأَرَادَ الطَّعَامَ فَقَالوا: حَتَّى نُسَخِّنَ لَكَ شَيْئًا) فيه أنَّ أكل الطعَام السخن قَليلًا أو المسخن (¬2) أولى مِنَ البَارد، خصوصًا إن كان في الأوقات البَاردة، فيه خدمة أهْل الصَّلاح وعرض مَا فيه رفق بهم علَيهم قبل أن يقعد (¬3). (فَنَامَ) قبلَ أن يَأكل (فَلَمَّا أَصْبَحُوا) ذكرُوا ذلك للنَّبِي - صلى الله عليه وسلم - و (أُنْزِلَتْ عَلَيهِ هذِه الآيَةُ {أُحِلَّ}) أي: أحل اللهُ ({لَكُمْ}) ولفظة أحِلَّ تقتضي أنه كانَ محرَّمًا قبلَ ذلك ثم نسخ {لَيْلَةَ الصِّيَامِ}) نَصب ليلة عَلى الظرف وهي اسم جنس فلذلك أفردت {الرَّفَثُ}) كنَاية عَن الجماع؛ لأن الله كريم يكني قاله ابن عَباس والسُّدي وغَيرهما (¬4)، وَقال الأزهري، والزَّجَّاج: الرفث كلمة جَامعة لكل مَا يُريدهُ الرجُل من امرأته (¬5). وَرَوى الحَاكم في "المستدرك" من طريق زياد بن الحصين، عن أبي العَاليَة، عَن ابن عَباس - رضي الله عنهما - أنهُ تمثل بهذا البَيت وهو محْرم: وهن يمشين بنا هميسَا ... إن تصدق الطير نَنِك لميسَا ¬

_ (¬1) "تفسير الطبري" 3/ 502. (¬2) في (ص): السخن. والمثبت من (م). (¬3) في (ل، م): كلمة غير واضحة كانها يثقل أو ينقل. وفي (س): يفعل. (¬4) انظر: "تفسير الطبري" 3/ 487 - 488. (¬5) "تهذيب اللغة" 5/ 90.

فَقَال لهُ أبو العَالية: أرفثت وأنت محْرم؟ ! فقال: إنَّما (¬1) الرفث مَا روجع به النسَاء (¬2). وَأخرجَه ابن أبي شيبَة (¬3)، والطبري (¬4) من هذا الوَجْه، وذكر التفتازاني في شرح هذا البَيت مِن شرحه على "الكشاف" للزمخشري قوله: وهن يعني: العيس والهميس بفتح الهَاء وكَسْر الميم وبَعد الياء سِين مُهملة ضَرْبٌ سَهل من السَّير لا يسمع له وقع، وهمس الكلام إخفاؤه وهمس الأقدام وَالأخفاف أخفى مَا يكون صَوتها إن تصدق أن (¬5) عيَافة الطير حيث (¬6) دَلَّت عَلى الوصُول، ولميس اسْم امرأة. وقولُ أبي العَاليَة: أَرَفَثت؟ روى بفتح الراء عَلى أن الهَمزة للاستفهام وبسكونها مِن الإرفاث وَقول [ابن عباس] (¬7): إنما الرفث ما روجع به النسَاء أي (¬8) الذي يكون معهن عند الجماع فإن قلت لم كنى عنه بلفظ: الرفث الدال عَلى مَعنى القبح بخلاف قوله {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} (¬9)، {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا} (¬10)، {بَاشِرُوهُنَّ} (¬11)، {أَوْ لَامَسْتُمُ ¬

_ (¬1) من (م). وفي بقية النسخ: إنَّ. (¬2) "المستدرك" 2/ 276، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (¬3) "مصنف ابن أبي شيبة" (14707). (¬4) "تفسير الطبري" 4/ 127. (¬5) كذا في كل النسخ ولعل الصواب: أي. (¬6) من (م). وفي بقية النسخ حين. (¬7) في (م): عمر. (¬8) من (م). (¬9) النساء: 21. (¬10) الأعراف: 189. (¬11) البقرة: 187.

النِّسَاءَ} (¬1)، {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ} (¬2). أجاب الزمخشري: استهجَانًا لما وَجَدَ منهم قبل الإباحَة [كما سماه] (¬3) اختيانًا لأنفسهم (¬4). ({إِلَى نِسَائِكُمْ}) إن قلت: عدى الرفث بإلى وأنت لا تقول: رفثت إلى النسَاء الجَوَابُ لتضمنه معنى الإفضاء الذي يراد به الملامَسة. [507] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، عَنْ أَبِي دَاودَ) سُليمان بن دَاود الطيالِسي. (ح (¬5) وَثَنَا نَصْرُ بْنُ المُهَاجِرِ) المصيصي ذكرهُ ابن حبان في "الثقات" (¬6) (ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ) بن زاذى (¬7) ويقال ابن زاذان السلمي، آمرًا بالمعرُوف ناهيًا عَن المنكر. قال المأمون: لولا مَكان يَزيد بن هَارُون لأظهرت القرآن مخلوق ولا أرتضيه (¬8) لأن له سلطنة، بل أخاف أن يرد عَليَّ فيتبعه (¬9) ناس وَتكون فتنة (¬10). روئي في النوم فقيل: ما فعَل اللهُ بك؟ فقال: غفر لي ¬

_ (¬1) النساء: 43. (¬2) البقرة: 223. (¬3) من (م)، و"الكشاف". (¬4) "الكشاف" 1/ 256 - 257. (¬5) من (ل، م). (¬6) "الثقات" 9/ 216. (¬7) في (ص، س، ل): زادن. والمثبت من (م). (¬8) في (س، ص): ارتضيته. (¬9) في (ص، ل): فسقه. (¬10) "تاريخ بغداد" 14/ 342.

وشفعَني وعَاتبني، وقال: أَتُحدِّث (¬1) عن حريز بن عثمان؟ فقلت: يَا رَب مَا علمت إلا خَيرًا! قال: إنهُ كانَ يَبغض عَليًّا (¬2). (عَنِ) عَبد الرحمَن بن عَبد الله (الْمَسْعُودِيِّ) قال الحَاكم (¬3): محَله الصّدق. وأخرجَ لهُ (¬4) حَديثه في "المستدرك"، وروى عنهُ البخَاري في "الأدَب" (¬5). (عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ) بن طَارق الكوفي الجملي بفتح الجيم وَالميم أحَد الأعلام. (عَنِ) عَبد الرحمن (بْنِ أَبِي لَيلَى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَل قال (¬6): أُحِيلَتِ الصَّلاة) بكسْر الحَاء المهملة كما تقدم. (ثَلَاثةَ) بالنصب (أَحْوَالٍ، وَأُحِيلَ الصِّيَامُ ثَلَاثةَ أَحْوَالٍ وَسَاقَ نَصْرٌ) ابن المهاجر (الْحَدِيثَ) المتقدم (بِطُولِهِ وَاقْتَصَّ) بتشديد الصَّاد يقال: قصَّ الحَديث وَاقتصهُ إذا حدث به على وجهه محمد (ابْنُ المُثَنَّى مِنْهُ قِصَّةَ صَلاتِهِمْ نَحْوَ بَيتِ المَقْدِسِ قَطْ) بسكون الطاء أي: حسب. (قَال: الحَال الثالِثُ) مِن أحوَال الصلاة (أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدِمَ المَدِينَةَ) ذكر أبو محَمد بن قدامَة أنهُ نزل المدينة عَشية الجمعة سنة ¬

_ (¬1) في (م): الحديث. (¬2) "سير أعلام النبلاء" 9/ 365. (¬3) "المستدرك" 2/ 10. (¬4) ليست في (م). (¬5) "الأدب المفرد" (382، 673). (¬6) من (م).

ثلاث وخمسين من عام الفيل. قال أبو عُمر: روي عَن ابن شهاب أنه قدمَ المدينة لهلال رَبيع الأول (¬1). وقال ابن الكلبي: خرج من الغار أول يوم من ربيع الأول وقدمَ المدينة يوم الجمعة لاثنتي عَشرة ليلة مَضت منه (¬2). (فَصَلَّى -يَعْنِي: نَحْوَ بَيتِ المَقْدِسِ- ثَلاثةَ عَشَرَ شَهْرًا) قال شَيخنا ابن حجر: كانَ القُدُوم في شهر ربيع الأَول بلا خلاف وكانَ التحويل في نصف شهر رَجَب مِنَ السنة الثانية عَلى الصحيح وبه جَزم الجمْهور (¬3)، والذي ذكره النووي في "الروضة" أنهُ في شعبان (¬4) وأقره مع كونه رجح في شرحه (¬5) روَاية: سِتة عَشر شهرًا. لكونها مجزومًا بها عند مُسْلم، ولا يَستقيم أن يكون ذلكَ في شعبَان، ورواية البخاري: ستة عَشر شَهرًا [أو سَبْعَة عَشر] (¬6) كذَا وَقع مَعَ الشك (¬7). قال: والجَمع بينَ الروَايتَين سهْل بأن يكون مَن جَزم بستة عَشر لفق من شهر القدوم وشهر التحويل (¬8) شهرًا ومن جَزمَ بسَبعة عشر عَدهما معًا قال: ومنَ الشذوذ روَاية: ثلاثة عَشر شهرًا (¬9). وَروَاية: تسَعَة (¬10) أشهر وعَشرة ¬

_ (¬1) "التمهيد" 3/ 26. (¬2) "الروض الأنف" 2/ 330. (¬3) "الفتح" 1/ 96 - 97. (¬4) "روضة الطالبين" 10/ 206. (¬5) ليست في (م). (¬6) انظر: "المجموع" 3/ 191. (¬7) "صحيح البخاري" (41). (¬8) في (ص، س، ل): التحول. والمثبت من (م)، و"الفتح". (¬9) وهي الرواية التي معنا. وانظر: "الفتح" 1/ 97 قال: وأسانيد الجميع كلها ضعيفة. (¬10) في (ص، س، ل): سبعة. والمثبت من (م)، و"الفتح".

أشهُر ومَا فيه جمع بين روايتي البخاري أولى. (وَأَنْزَلَ اللهُ هذِه الآيَةَ {قَدْ نَرَى}). قال الزمخشري: أي رُبما نرى ومَعناهُ كثرة الرؤية كقوله: قد [أترك القِرنَ] (¬1) مُصفرًّا أنامله ... كأنَّ أثوابهُ مُجَّتْ بفِرصَاد (¬2) أرَادَ أن قد في البيت للتكثير. قال التفتازاني: معنى مُجَّت بفرصاد (¬3) أي: صبغت بماء الفِرْصَاد وَحَقيقته مجَّ الفرصَاد عليه من مججت الريق. ({تَقَلُّبَ}) أي: تردد ({وَجْهِكَ}) وتحوله إلى السَّماء. وقال الزَّجاج: تقلبَ عينيك في النظر إلى السَّماء (¬4). قال السدي: كانَ إذا صَلى نَحو بَيت المقدس رَفَعَ رَأسَهُ إلى السَّماء ينظر مَا يُؤمَر به (¬5). ({فِي}) جهة ({السَّمَاءِ}) وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوقع (¬6) مِن ربه أن يحَولهُ إلى الكعبَة؛ لأنها قبلة إبراهيم وَأدعى للعَرب (¬7) إلى الإيمان؛ لأنها مَزارهم ومَطافهم ولمخَالفَة اليهود فكانَ يُرَاعي نزول جبريل عَليه الصلاة ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): بزى القرى، وفي (م): أترك القرآن. والمثبت من "الكشاف". (¬2) "الكشاف" 1/ 227. (¬3) الفرصاد: هو التوت الأحمر القانئ. انظر للفائدة "لسان العرب": قنأ، فرصد. (¬4) "الجامع لأحكام القرآن" 2/ 158. (¬5) "الجامع لأحكام القرآن" 2/ 158. (¬6) في (ص، س، ل): يوقع. والمثبت من (م)، و"الكشاف" 1/ 228. (¬7) في جميع النسخ: العرب. والمثبت من "الكشاف".

والسَّلام ({فَلَنُوَلِّيَنَّكَ}) فَلَنُعْطِيَنَّكَ ولنمكننك من استقبالها، من قولكَ: وَلَّيتُهُ كذَا إذَا جَعَلتهُ واليًا ({قِبْلَةً تَرْضَاهَا}) تحبُّهَا وتَميلُ إِليهَا لما أضمرته وَوَافقت مَشِيئة الله تعالى ({فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ}) أي: نحوه. قال الشاعر: [وَأظعَن بالقوم شطرَ الملوك] (¬1) أي: أسير بهم نحو الملوك، وشطر منصوبٌ عَلى الظرف أي: تلقاء المَسْجِد، وذكر المسْجِد دون الكعبة دَليل على أن الواجب مُرَاعَاة [الجهة دُون العين] (¬2). ({الْحَرَامِ}) سُمِّيَ بذلك؛ لأنه يحرُم انتهاك حرمته بمَا يفعَل فيه مِنَ المحَرمات. ({وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ}) حَيث ظرف (¬3) فولوا وجوهكم وإن جعَلهَا (¬4) شرط انتصبَ بكنتم؛ لأنهُ مَجزُوم بهَا وَهي منصوبة ({فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}) لا خلاف بَيْنَ العُلماء أن الكعبة قبلة كل أفق، وَأَنَّ مَن عَاينهَا فُرِضَ عَلَيْه اسْتقبالهَا، وإن عَلى كل من غابَ عَنها أن يَستقبل ناحيتها وتلقاءهَا فإن خَفيَت عَلَيْه، فعَلَيه أن يَسْتَدِلَّ بِكل مَا يمكنه منَ النجوم والرياح والجِبَال وَغَير ذلك. (فَوَجَّهَهُ اللهُ تَعَالى إِلَى الكَعْبَةِ. وَتَمَّ حَدِيثُهُ) أي: روَاية ابن المثنى (وَسَمَّى نَصْرٌ) ابن المهَاجر (صَاحِبَ الرُّؤْيَا قَال: فَجَاءَ عَبْدُ اللهِ بن [زيد ¬

_ (¬1) في (س): وأطعم بالقوم ينظرون الملوك. (¬2) في (ص): الجمعة دون المسجد. (¬3) سقط من هنا في (س) إلى ما قبل نهاية الباب ببضعة عشر سطرًا. (¬4) في (ل، م): جعلتها.

ابن]) (¬1) عبد ربه وهوَ (رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، وَقَال فِيهِ) أي: في حَديثه (فَاسْتَقْبَلَ) الملك (الْقِبْلَةَ) وأذن اسْتدل به على أن (¬2) استقبال القبلة في الأذان سُنَّة، وقيلَ: شَرط لِلموَاظبَة عَليْه سَلَفًا وخَلَفًا، وَلأنها أشرف الجِهَات. (قَال: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَر) فيه تثنية التكبير أوَّل الأذان وقد تقدمَ مَا فيه وَأنه مذهَب الشَافعي. (أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدا رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ - مَرَّتَينِ - حَيَّ عَلَى الفَلاحِ - مَرَّتَينِ -، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لا إله إِلَّا اللهُ، ثُمَّ أَمْهَلَ هُنَيَّةً) [تصغير هنة] (¬3) بضَم الهَاء، وَتشديد اليَاء أي: سَاعَة لطيفة ويُقال: هُنيهَة (¬4)، والهَمْز خَطَأ. (ثُمَّ قَامَ) فيه القيام لإقامَة الصَّلاة، وَكَذا الاستقبَال كما في الأذَان. (فَقَال مِثْلَهَا) فيه التثنيَة في الإقامة. قَال ابن السمعَاني في "الاصطلام": أجمع أهل العِلم بالرجَال أن عَبد الرحمَن ابن أبي ليلى لم يسمع مِنْ عَبد الله بن زيد الذي أُري الأذان شَيئًا وَكذَلك لَمْ يسمَع مِن معَاذ شَيئًا ولم يدركهما أصْلًا وتقدمت روَاية محَمد بن عَبْد الله بن زيد عَن أبيه هذا الخَبَر وذكر أنهُ حَكى إفراد الإقامَة، وَقيل: إنَّ روَاية محَمد أصح الروَايَات في البَاب. (إِلَّا أَنَّهُ قَال) في روَايته و (زَادَ بَعْدَ مَا قَال: حَي عَلَى الفَلاحِ، قَدْ قَامَتِ ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) ليست في (ل، م). (¬3) من (ل). (¬4) في (م): هنيه.

الصَّلاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلاةُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: لَقِّنْهَا) يقال: لقنته الشيء فتلقنهُ إذا أخَذهُ مِنْكَ مُشافهة (بِلالًا. فَأَذَّنَ بِهَا بِلالٌ) وَاسْتَمر على الأذان (وَقَال فِي الصَّوْمِ: قَال قال رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: كَانَ يَصُومُ ثَلَاثةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ) يَعْني: الأيام البيض ولفظة كان تشعر بالدوَام وَكان (يَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ) بالمد والقَصْر مَعَ الألف بعد الراء، وَعَاشور عَلى وَزن هَارون وهو عَاشُور المحَرم على الأصَح. قال ابن عَباس: كانَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - أول (¬1) قدُومه المَدِينة يَصُوم ثلاثة أيام من كل شهر ويوْمَ عَاشُورَاء سَبْعَة عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ نُسِخَ ذَلك (¬2). (فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}) أي: فرضَ عَليكم صيَام شهر رَمَضان ({كَمَا}) الكاف في مَوضع نصب على النعت التقدير: كتابًا كما أوْ: صَومًا كما أو عَلى الحال (¬3) منَ الصِّيَام، أي: كتبَ عليكم [الصيام مشبِها] (¬4) كَمَا ({كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}) على الأنبياء والأمَم مِنْ لدُن آدم إلى عَهْدكم، قال علي: أولهم آدم، يَعني: أن الصَوْم عبَادَة قَدِيمة أصلية (¬5) ما أخلى الله أمة من افتراضهَا عليهم (¬6). قال مجاهد: كتبَ اللهُ صوم شهر رمضان على كل أُمة (إِلَى قَوْلِهِ) فدية ({طَعَامُ مِسْكِينٍ}) قرأ ابن عَباس: (طَعَامُ مسْكين) بالإفراد فيما ذكر البخَاري (¬7)، وهي قراءة حَسَنة؛ لأنها سَبَب الحُكم في اليَوم وَاختَارها ¬

_ (¬1) في (م): أوان. (¬2) لم أقف عليه. (¬3) من (م). (¬4) في (ص): منها. (¬5) في (م): أصله. (¬6) "البحر المحيط" 2/ 36. (¬7) "صحيح البخاري" (4505).

أبو عبيَد وهي قراءة أبي عَمرْو وحَمزة والكسَائي (¬1). قال أبو عبيد: فبينت (¬2) أن لكل يوم إطعام (¬3) وَاحِد، فالواحد مترجم عن الجمِيع، وليْسَ الجمَيع مترجم عن الوَاحد (¬4). وتقدم أن لكل مسكين مدًّا بمد النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -. (فَكَانَ مَنْ شَاءَ أَنْ يَصُومَ) وهوَ أوْلى؛ لأن الله تعالى بدَأ به فقدمَهُ (¬5) (وَمَنْ شَاءَ أَنْ يُفْطِرَ وَيُطْعِمَ) فدية عنه (¬6) لقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} (¬7). [قال الفَراء (¬8): الضمِير في "يطيقونهُ" يجوز أن يعود على الصيام أي: وعَلى الذينَ يُطيقونَ الصِّيَام] (¬9) إن شاءوا أن يطعم من أفطر عن (كل (¬10) يوم) أفطرَهُ (مِسْكِينًا) أو فَقيرًا؛ لأنه أسْوَء حَالأ منه لا إلى الأصنَاف الثمانية مُدًّا مِن غالب قُوت البلد، ولا يَجب المدّ إلا إذا فضلَ عَن قُوتِه وقُوتِ مَن تلزمه مَؤنته [وله صَرْف] (¬11) الأمدَاد إلى ¬

_ (¬1) وهي قراءة عاصم كذلك انظر: "إتحاف فضلاء البشر" ص 199. (¬2) في الأصول الخطية: فثبت. والمثبت من "الجامع لأحكام القرآن". (¬3) في الأصول الخطية: طعام. والمثبت من "الجامع لأحكام القرآن". (¬4) "الجامع لأحكام القرآن" 2/ 287. (¬5) في (م): ففد به. (¬6) في (م): عليه. (¬7) البقرة: 184. (¬8) "معاني القرآن" 1/ 101. (¬9) سقطت من (م). (¬10) من (ل، م). (¬11) في (م): وليصرف.

مسْكين وَاحد بخلاف المدِّ الوَاحِد فلا يَجوز صَرفه إلى شخصَين؛ لأن كُل مُدِّ بمثابة كفارة وَاحدة. (أَجْزَأَهُ ذَلِكَ) (¬1) إطعَام المسْكين عن الصيَام. (فهذا تحَوُّلٌ (¬2) وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالى {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}) قال أهل التَارِيخ: أول مَنْ صَام رَمَضَان نوح لَما خرج (¬3) مِنَ السَّفينة حَكاهُ القرطبي (¬4)، وَقد تقدمَ مَا يخَالفهُ، وَقوله {أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} نصٌّ في أن القرآن نزل في شَهر رَمَضان، وهذا يبين قوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} (¬5) , {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (¬6) التي عَظم الله شَأنها. وفي هذا دَليل عَلى أن ليْلة القَدر إنما تكونُ في رَمَضَان لا في غَيره، ولا خلاف أَنَّ القرآن أنزل مِنَ (¬7) اللوْح المَحْفُوظ في لَيلَة القَدر جملَة وَاحِدة فوضع في بَيت العِزة في سماء الدُّنيَا ثم كان جبريل يَنزل به مُنَجَّمًا (إِلَى) قوله تعالى: ({أَيَّامٍ أُخَرَ}) لم تنصَرف عندَ سيبويه؛ لأنها مَعْدُولة عن الألف وَاللام، لأن [أُخَر جَمْعُ] (¬8) أُخْرَى وَزنها فُعْلَى تأنيث أفعل كَكُبَر جمع كبرى تأنيث أكبر، وسبيل فُعَلْ من هذا البَاب أن يَأتي بالألف واللام نَحو الكبَرْ والكبرى، أو بالإضَافة كَأكبرِ ¬

_ (¬1) ليست في (م). (¬2) كذا في جميع النسخ، وفي "السنن": حول. (¬3) في (ص): أخرج. والمثبت من (ل، م)، و"الجامع لأحكام القرآن". (¬4) "الجامع لأحكام القرآن" 2/ 290. (¬5) الدخان: 3. (¬6) القدر: 1. (¬7) في (م): إلى. (¬8) من (م).

القوم أو بمن كأكبر من عمرو، وَحُكْم الجمع حكم المفرد ولا إضَافة في أخَر ولا مِن، فَتَعَين أن يكون بالألف وَاللام فَلما لم توجد فيه حُكِم بِأَنَّهُ مَعْدُول عَن الألف وَاللام. (فَثَبَتَ الصِّيَامُ عَلَى مَنْ شَهِدَ) شَيئًا مِن (الشَّهْر) وقد اختلفَ العُلماء في تأويْل هذِه الآية فقال عَلي وابن عَباس، وسُوَيد بن غفلة، وعَائشَة أربعَة مِنَ الصحابة وأبُو مجلز (¬1) وعبيدة السلماني أي: من حضر دخول الشهر وكانَ مُقيمًا في أوله في بلده وأهله فليكمل صيَامه سَافر بَعْدَ ذَلك أو أقَامَ وإنما يفطر في السَّفر مَنْ دَخَل عليه رَمَضان وَهو في سَفره (¬2)، وقال جمهور الأُمَّة: مَنْ شَهد أوَّل الشهر أو آخِره فَليَصم مَا دَامَ مُقيمًا فإن سَافَر أفطرَ وعَليْه تدل الأخبار الثابتة (¬3) وقد ترجمَ البخاري رَدًّا على القول (¬4) الأول باب (¬5) إذَا صام أيامًا مِن رمضان ثم سَافر. (وَعَلَى المُسَافِرِ) في رَمَضَان إذا أفطر (أَنْ يَقْضِيَ) هَكذَا (¬6) تقدير عند الجمهور فظاهر (¬7) كما في قَوله تَعَالى: {أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (¬8) أن المسَافر يقضي، وإن صَام كما روي عَن عمرَ وابن عَباس وأبي هريرة وابن عمَر أن الصَّوم لا ينعقد في السفر. ¬

_ (¬1) في (م): مخلد. (¬2) "الجامع لأحكام القرآن" 2/ 299. (¬3) في (ص): الثانية. (¬4) من (م). (¬5) في كل النسخ: بأن. والمثبت من "صحيح البخاري". (¬6) هنا ينتهي السقط الذي في النسخة (س). (¬7) في (م): فظاهره. (¬8) البقرة: 184.

قال ابن عمر: مَن صام في السَّفر قضى في الحَضر (¬1). وعَن عبد الرحمَن بن عوف قال: الصَّائم في السَّفر كالمفطر في الحضر. واختلف العُلماء في قَوله تعَالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ (¬2)}) فقيل: حكمها ثابت، وَأن مَعنى قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} أي الذين كانوا يطيقونه في حَال شَبابِهِم فَإذا كبروا عجزُوا عَن الصوم لكبرهم فَلَهم أن يفطروا ويَفتدُوا قاله سَعيد بن المسَيب والسُّدي (¬3)، وَقال ابن عَباس: (ثَبَتَ) أن هذِه الآية فيها أن يرخص (الطَّعَامُ لِلشَّيْخِ الكَبِيرِ) العَاجز عن الصيَام لكبره. (وَالْعَجُوزِ) الكَبيرة (اللَّذَيْنِ لا) يُطيقان ولا (يَسْتَطِيعَانِ الصَّوْمَ) إذا أفطرُوا (وَجَاءَ صِرْمَةُ) بِكَسْر الصاد وسكون الراء ابن قيس بن مَالك الأنصَاري، وإنما (¬4) قال بَعضهم: صرمة بن مَالك نسبة (¬5) إلى جَده، وأما البخَاري والترمذي فقالا فيه (¬6): قيس بن صرمة (¬7) الأنصَاري. (وَقَدْ عَمِلَ يَوْمَهُ) فغلبته عَينَاهُ (وَسَاقَ الحَدِيثَ) وقد تقدمَت روَاية البخاري وغيره. ¬

_ (¬1) لم أقف عليه مسندًا، وذكره ابن عبد البر في "التمهيد" 2/ 170. (¬2) في (م): مساكين. (¬3) "الكشف والبيان" للثعلبي 2/ 65. (¬4) في (س، ل، م): وربما. (¬5) في (م): ونسبه. وفي (ل): فنسبه. (¬6) "صحيح البخاري" (1915)، و"سنن الترمذي" (2968). (¬7) في (ص): صدمة.

29 - باب في الإقامة

29 - باب فِي الإِقامَةِ 508 - حَدَّثَنا سُلَيْمان بْنُ حَرْبٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ المُبارَكِ قالا: حَدَّثَنا حَمّادٌ عَنْ سِماكِ بْنِ عَطَيَّةَ ح، وحَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا وهَيْبٌ جَمِيعًا عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ قال: أُمِرَ بِلالٌ أَنْ يَشْفَعَ الأذَانَ وَيُوتِرَ الإِقامَةَ. زادَ حَمّادٌ فِي حَدِيثِهِ إِلا الإِقامَةَ (¬1). 509 - حَدَّثَنا حُمَيْدُ بْن مَسْعَدَةَ، حَدَّثَنا إِسْماعِيل، عَنْ خالِدٍ الحذّاءِ عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ مِثْلَ حَدِيثِ وهَيْبٍ. قال إِسْماعِيل فَحَدَّثْت بِهِ أَيُّوبَ فَقال: إِلا الإِقامَةَ (¬2). 510 - حَدَّثَنا محَمَّد بْنُ بَشّارٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ سَمِعْتُ ابا جَعْفَرٍ يُحدِّثُ عَنْ مُسْلِمٍ أَبِي المُثَنَّى، عَنِ ابن عُمَرَ قال: إِنَّما كانَ الأذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مرَّتَينِ مَرَّتَينِ والإِقامَةُ مَرَّةً مَرَّة غَيْرَ أَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ قامَتِ الصَّلاةُ قَدْ قامَتِ الصَّلاة فَإِذا سَمِعْنا الإِقامَةَ تَوَضَّأْنا ثُمَّ خَرَجْنا إِلَى الصَّلاةِ. قال شُعْبَة: وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ غَيْرَ هذا الحَدِيثِ (¬3). 511 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا أَبُو عامِرٍ -يَعْنِي العَقَدِيَّ عَبْدُ الْمَلِكِ بْن عَمْرٍو - حَدَّثَنا شعْبَة، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُؤَذِّنِ مَسْجِدِ العُريانِ قال: سَمِعْتُ أَبا المُثَنَّى مُوذِّنَ مَسْجِدِ الأكبَرِ يَقُولُ سَمِعْتُ ابن عُمَرَ وَساقَ الحَدِيثَ (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (605)، ومسلم (378/ 5). (¬2) رواه البخاري (603)، ومسلم (378). (¬3) رواه النسائي 2/ 3، وأحمد 2/ 85. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (527). (¬4) رواه النسائي 2/ 20.

باب في الإقامة [508] (ثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ حَرْب وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ المُبَارَكِ قَالا: ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ عَطِيَةَ) البصْري روى له البخاري (¬1) هذا الحَديث، وَحَديث: "يَا عَبد الرحمن لا تسأل الإمارة" (¬2). (ح (¬3) وَثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) قال: (ثَنَا وهَيْبٌ جَمِيعًا، عَنْ أَيُّوبَ، عَن أَبِي قِلابَةَ، عَن أَنسٍ قَال: أُمِرَ) [بضم الهمزة وكسر الميم] (¬4) (بِلالٌ) أي: أمَرَهُ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - كما جَاء مُبيَّنًا صَريحًا. في النسَائي (¬5)، و"صَحيح أبي عوَانة" (¬6)، وابن حبان (¬7)، والحاكم وقال: صَحيح عَلى شَرط الشيخَين (¬8) بل لو لم ترد هذِه الصّيغة فهيَ محمولة على الرفع عِند أهْل الحَدِيث والأصُول. وَأَمَّا القَول بأنَّ الآمر لِبلال هُوَ أبُو بكر وعمر ففاسد؛ لأن بلالًا لحقَ بالشام بَعْدَ مَوته - صلى الله عليه وسلم - واسْتمر عَلى الأذان في المَسْجِد سَعْد القرظ وقوله: (أمر بلال) ليس فيه دليل على الوجوب؛ لأن المندوب أيضًا مأمور به عَلى الراجح في الأصُول وقولهم إن الأمر للوجوب إنما ذلكَ في صيغة افْعل ¬

_ (¬1) في (م): الشيخان. (¬2) ذكره البخاري متابعة في حديث رقم (6722). (¬3) ساقطة من (ص). (¬4) من (م)، وفي بقية النسخ: للمقيم. (¬5) "المجتبى" 2/ 3. (¬6) "صحيح أبي عوانة" (956). (¬7) "صحيح ابن حبان" (1676). (¬8) "المستدرك" للحاكم 1/ 198.

ونَحوهَا كما تقررَ ذلكَ في مَحله مِنَ الأصُول. (أَنْ يَشْفَعَ الأذان) (¬1) بفتح أَوَّلِه وَثالِثه أي: يَأتي به شفعا وَمَعناهُ الإتيان بكل كلمَة مَرتَين والتكبير في أوله وَإن كان أربعًا؛ لأن كل كلمة مِنهُ تقال مَرتَين عَلى التوَالي بِنَفَسٍ وَاحِد (¬2) فيَصيرَان (¬3) كالكلمة الوَاحِدَة، ثم يشفع، فلَم يخرج عَن الشفع. أو أن الأربعَة أيضًا شفع؛ لأن المراد بالشفع خلاف الوِتر وفي اللُّغة الضَمُّ إلى الفَرْد وكلمة لا إله إلا الله في آخره وَاحِدَة فالمراد شفع (¬4) غَالبه وَرُوي عَن بَعض السلف القول (¬5) بإفراد الأذان وَيُؤَوَّلُ الحَدِيث عَلى أن مَعناهُ يجعَلهُ شفعًا لأذَان ابن أم مكتوم وهوَ مَعْدُود مِنَ التأويلات البَعيدة مِنَ (¬6) الفَهم. (وَيُوتِرَ الإِقَامَةَ) أي: يَأتي بهَا وترًا فيفرد كلمَاتها أي: الغالب وإلا فالتكبير أولهَا اثنان إلا أن يجَاب بأنها مكرَّرَة فهي كالكلمَة الوَاحِدَة فإذا لم يُعِد مَرة أخرى وإلا فهوَ وتر كما سَبَق تقريره في الأذَان نَعَمْ كلمة الإقامَة شفع ولا يقدح ذلك في الإطلاق؛ لأنه بحَسْب الغالب عَلى أنهُ [قَد جاء في روايته] (¬7) التصريح باستثناء (¬8) الإقامة، وَالمراد ¬

_ (¬1) من (س، ل). (¬2) يوجد هنا في حاشية (ل): واستدل بورود الأمر على وجوب الأذان ..... بأن الأمر إنما ورد بصيغة الأذان لا به. (¬3) في (م): فيصيرا. (¬4) في (م): يشفع. (¬5) في (ص): الفعل. (¬6) ليست في (م). (¬7) في (ص): قدحًا أو أنه. وفي (س): قد جاء رواية. والمثبت من (ل، م). (¬8) في (س): باستيفاء.

بالإقامة الأولى جَميع الألفاظ المشروعة عند القيام إلى الصَلاة: وَالمراد بالإقامة الثانية المستثناة: خصُوص قوله: قد قامت الصَلاة، وحصل من ذلك جناسٍ (¬1) تام. وَادعى ابن منده أن قوله [إلا الإقامَة] (¬2) مِن قول أيوب غَيرَ مُسْندٍ كما في روَاية إسماعيل بن إبراهيم وَأشارَ إلى أن في روَاية سماك بن عَطيَّة هذِه إدرَاجًا وَكذا قال (¬3) أبو محمد الأصِيلي قوله: إلا الإقامة. هوَ مِن قول أيوب وليسَ مِنَ الحَديث (¬4). (زَادَ حَمَّادٌ) فِي روَايته (إِلَّا الإِقَامَةَ) أي: فَإنه (¬5) مَثنى، وإنما ثُنِّيَت (¬6) الإقامَة دُون غَيرهَا؛ لأنهَا هي المقصودة بالذكر (¬7) بالذات، وَالحكمة في تَثنية الأذان وإفراد الإقامة أنَّ الأذان [لإعلام الغائبين] (¬8) فَتَكَرَّرَ ليكون أوصَلَ إليهم، بخلاف الإقامة فإنها للحَاضرين ومن ثَمةَ استُحِبَّ أن يَكونَ الصَّوْتُ في الأذَان أرْفَعَ منهُ في الإقامَة، وَأن يكون المؤذن عَلى مَكان مُرْتَفِع وأن يكون الأذان مُرَتَّلًا والإقَامَة بِسُرْعة (¬9). ¬

_ (¬1) من (م)، وفي بقية النسخ قياس. (¬2) من (م)، وفي بقية النسخ: الإقامة. (¬3) من (م)، وفي بقية النسخ: قول. (¬4) "فتح الباري" 2/ 99. (¬5) كذا في جميع النسخ، والأقرب: فإنها. (¬6) في (ص، س): تثبت. (¬7) في (ص): في الذكر. (¬8) في (م): الإعلام للغائبين. (¬9) في (ص): مسرعة.

[509] (ثَنَا حُمَيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ) البَاهلي، شيخ مُسْلم، قال: (ثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - بمِثْل حَدِيثِ وهَيبٍ. قَال إِسْمَاعِيلُ) بن إبراهيم (فَحَدَّثْتُ بِهِ أَيُّوبَ فَقَال: إِلَّا الإِقَامَةَ) تقدم عَن الأصيْلي أَنَّ قوله: إلا الإقامة من قول أيوب وفيه نظر؛ لأن عَبْدَ الرزاق رَوَاهُ عَن معمر عَن أيوب بسَنده متصلًا [بالخبر نفسه] (¬1) ولفظه: كانَ بلال يثني الأذان وَيوتر الإقامة إلا قولهُ قَد قامَت الصَلاة (¬2) [وأخرجه أبو عوانة في "صحيحه" والإسماعيلي من هذا الوجه ويقول قد قامت الصلاة] (¬3) مرتين (¬4) والأصل أَنَّ مَا كانَ في الخبرِ متصلًا فَهو منهُ حَتى يَقُومَ دَليل عَلى خلافِه، ولا دَليل في روَاية إسماعيل إنما يحصُل مِنها أن خالدًا كانَ لا يذكر الزيَادَة وكانَ أيُوب يذكرهَا وكلا منهما روى الحديث عن أبي قلابة عَن أنس. [510] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بشَّار) قال (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ) قال: (ثَنَا شُعْبَةُ، قال: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ) محمد بن إبرَاهيم المؤذن كما سَيَأتي. (يحدث عن مسلم) بن المثنى - ويقال: ابن مهران بن المثنى - (أبي المثنى) وثقه أبو زرعة (¬5) (عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: إنما كان الأذان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرتين مرتين) أي: غالبه وإلا فالتكبير أربعًا، ولا ¬

_ (¬1) في (ص): مفسرًا، وفي (ل): بالخبر مفسرًا. (¬2) "مصنف عبد الرزاق" (1794)، وعنده: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة. (¬3) سقطت من (ص). والمثبت من (م). (¬4) انظر: "مسند أبي عوانة" (955). (¬5) "الجرح والتعديل" 8/ 195.

إله إلا الله آخره مرة كما تقدم. (والإقامة مرة مرة غير أنه يقول) في الإقامة (قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، فإذا سمعنا الإقامة توضأنا) ويجوز في لغة: توضينا بإبدال الهمزة ياء (¬1). ويطلق الوضوء على غسل اليدين فقط، وحمل عليه: "الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر" (¬2). وحمل بعضهم عليه: "توضؤوا مما غيرت النار (¬3) " (¬4). أي: اغسلوا أيديكم. (ثم خرجنا إلى الصلاة) يعني: في بعض الأوقات أو بعض الصحابة؟ إذ لا يظن أن الصحابة - رضي الله عنهم - بأسرهم كانوا لا يتوضؤون إلا بعد إقامة الصلاة، وإنما ذكر ابن عمر - رضي الله عنهما - ليعرف السامع أنَّ هذا جائز (¬5)، لا أنه كان صفة جميعهم. (قال شعبة (¬6): لم أسمع من أبي جعفر) محمد بن إبراهيم حديثًا (غير هذا الحديث) [بالجر بدل] (¬7) مما قبله. [511] (ثنا محمد بن يحيى) بن (¬8) عبد الله (بن فارس) بن ذؤيب (¬9) ¬

_ (¬1) وهي لغة هذيل، انظر: "تاج العروس" 1/ 490. (¬2) أخرجه الشهاب القضاعي في "مسنده" (310) من حديث موسى بن جعفر عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأخرجه الطبراني في "الأوسط" (7166) بنحوه. وقال الألباني في "ضعيف الجامع" (6165): موضوع. (¬3) في (ص): الناس، وسقط من (س). (¬4) سبق تخريجه. (¬5) في (س): جائزة. (¬6) في (ص): سعيد. والمثبت من (م). (¬7) في (م): بدلا. (¬8) في (س): عن. (¬9) في (ص): دوير.

الذهلي، من رجال البخاري (¬1)، قال: (ثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو) القيسي (¬2) العقدي الحافظ، قال: (ثنا شعبة، عن أبي جعفر) محمد بن إبراهيم بن صدران بن أبي سليم الأزدي (مؤذن مسجد العريان) ضد الكاسي، لعله بالبصرة؛ لأن أبا جعفر بصري (قال: سمعت أبا المثنى) مسلم بن المثنى (مؤذن مسجد الأكبر) ضد الأصغر بالكوفة؛ لأن أبا المثنى كوفي (يقول: سمعت ابن عمر - رضي الله عنهما - يقول): إنما كان (¬3) الأذان (وساق الحديث) إلى آخره كما تقدم، والله سبحانه أعلم. ¬

_ (¬1) هو من رجال البخاري على اختلاف فيه، وقيل: لم يرو عنه البخاري شيئًا. (¬2) في (س، م): العبسي. (¬3) سقط من (م).

30 - باب في الرجل يؤذن ويقيم آخر

30 - باب فِي الرَّجُلِ يؤذّنُ وَيقِيمٌ آخَرُ 512 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ بْن خالِدٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ عَمْرٍو عَنْ محَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ قال: أَرادَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - في الأذَانِ أَشْياءَ لَمْ يَصْنَعْ مِنْها شَيْئًا قال: فَأُرِيَ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ الأذَانَ فِي المنامِ فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرَهُ فَقال: "أَلْقِهِ عَلَى بلالٍ". فَأَلْقاهُ عَلَيْهِ فَأَذَّنَ بِلالٌ فَقال: عَبْدُ اللهِ أَنا رَأَيْتُهُ وَأَنا كُنْتُ أُرِيدُهُ قال: "فَأَقِمْ أَنْتَ" (¬1). 513 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ القَوارِيرِيّ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو - شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ مِنَ الأنصارِ - قال: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُحَمَّدٍ قال: كانَ جَدِّي عَبْدُ اللهِ بْن زَيْدٍ يُحَدِّثُ بهذا الخبَرِ قال: فَأَقامَ جَدِّي (¬2). 514 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ غانِمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيادٍ -يَعْنِي: الإِفْرِيقِيَّ- أنَّه سَمِعَ زِيادَ بْنَ نُعَيْمٍ الحضْرَمِيَّ أَنَّهُ سَمِعَ زِيادَ بْنَ الحارِثِ الصُّدائِيَّ قال: لّمَا كانَ أَوَّلُ أَذانِ الصّبْحِ أَمَرَنِي -يَعْنِي: النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَذَّنْتُ فَجَعَلْتُ أقولُ: أُقِيمُ يا رَسُولَ اللهِ فَجَعَلَ يَنْظرُ إِلَى ناحِيَةِ المشْرِقِ إِلَى الفَجْرِ فَيَقُول: "لا". حَتَّى إِذا طَلَعَ الفَجْرُ نَزَلَ فَبَرَزَ ثمَّ أنْصَرَفَ إِلَيَّ وَقَدْ تَلاحَقَ أَصْحابُهُ - يَعْنِي فَتَوَضَّأَ - فَأَرادَ بِلالٌ أَنْ يُقِيمَ فَقال لَه نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ أَخا صُداءٍ هُوَ أَذَّنَ وَمَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ". قال: فَأَقَمْتُ (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 42، والبيهقي 1/ 399. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (81). (¬2) ضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (82). (¬3) رواه الترمذي (199)، ابن ماجه (717)، وأحمد 4/ 169. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (83).

باب في الرجل يؤذن ويقيم آخر [512] (ثنا عثمان بن أبي شيبة) قال: (ثنا حماد بن خالد) الخياط روى له مسلم، قال: (ثنا محمد بن عمرو) الأنصاري المدني (عن محمد بن عبد الله) هذا قول حماد بن خالد، والصواب (¬1) كما قال عبد الرحمن بن مهدي وغيره: عن محمد بن عمرو (¬2)، عن عبد الله بن محمد (عن عمه عبد الله بن زيد) كما سيأتي عنه (قال: أراد النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - في الأذان أشياء لم يصنع منها شيئًا) قد يستدل (¬3) به من يقول أنه لم يكن له الاجتهاد في الأحكام الشرعية، بل ينتظر الوحي؛ إذ لو كان له الاجتهاد لاجتهد في هذِه الأشياء التي في الأذان، وصنع فيها ما أَدَّى إليه اجتهاده، ولكان اجتهاده - صلى الله عليه وسلم - أقوى من رُؤيا عبد الله بن زيد إلَّا أَنْ يقال: إنه لم يأمر بالأذان بالرؤيا، بل لما رأى عبد الله وعمر الأذان تذكر ما أوحي إليه من أمر الأذان ليلة الإسراء كما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى. وحجة المانعين (¬4) القائلين يمنع من (¬5) الاجتهاد قوله تعالى: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} (¬6) الجمهور على جوازه وعلى الوقوع (¬7)، وأما الآية ¬

_ (¬1) من (س، ل، م). (¬2) في (س): عوف. (¬3) من (م)، وفي بقية النسخ: استدل، لكن ما في (م) هو الأقرب فأثبتناه. (¬4) من (م). (¬5) من (م). (¬6) الأنعام: 50. (¬7) سبق تقرير هذه المسألة في حديث سابق.

فيجاب عنها بِأَنَّ الآية وقعت جوابًا للمشركين حين طلبوا منه مثل القرآن، ولم يَكُنِ الرسول - صلى الله عليه وسلم - قادرًا على ذلك. (فأُرِي) بضم الهمزة وكسر الراء (عبد الله) بالرفع نائب عن الفاعل (ابن زيد) بن عبد ربه (الأذان): مفعول ثانٍ, (في المنام) في موضع المفعول الثالث (فأتى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره) بما رأى (فقال) له: (ألقه) بفتح الهمزة أوله وسكون هاء (¬1) السكت عوضًا عن الياء المحذوفة التي هي لام الفعل في ألقه، وقد وردت أحاديث تدل على أن الأذان شرع بمكة قبل الهجرة، منها للطبراني عن ابن عمر قال: لما أسري بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أوحى الله إليه الأذان، فنزل به فعلمه بلالًا (¬2). وللدارقطني من حديث أنس: أن جبريل أمر النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - بالأذان حين فرضت الصلاة (¬3). وللبزار وغيره من حديث علي: لما أراد الله أن يُعلم (¬4) رسوله الأذان أتاه جبريل بدابَّة يُقال لها البراق فركبها ... وفيه: إذ خرج ملك من الحجاب فقال: الله أكبر الله أكبر .. إلى آخره: ثم أخذ الملك بيده فأمَّ أهلَ السماء (¬5). ¬

_ (¬1) في (ص): الهاء. (¬2) "المعجم الأوسط" للطبراني (9246)، إلا أنَّ فيه: فعلمه جبريل بدل (فعلمه بلالًا)، وقد رواه ابن شاهين في "ناسخ الحديث ومنسوخه" (181) من طريق محمد بن ماهان فقال: "فعلمه بلالًا"، وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" 2/ 87 فقال: فيه طلحة بن زيد ونُسب إلي الوضع. (¬3) طرف حديث أخرجه الدارقطني في "سننه" 1/ 260. (¬4) في (م): يعلمه. (¬5) "مسند البزار" (508). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 2/ 86: فيه زياد بن المنذر وهو مجمع على =

قال بعضهم: إن عبد الله بن زيد لما أُري الأذان [تذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة الإسراء، فيكون الأذان] (¬1) بالوحي لا برؤيا عبد الله. (على بلال) بن حمامة (¬2) (فألقاه عليه) كلمة كلمة كما تقدم (فأذَّن بلال، فقال عبد الله) بن زيد (أنا رأيته) - يعني: الأذان في المنام - (وأنا كنت أريده. فقال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (فأقم أنت) فيه توكيد الضمير المتصل بالمنفصل مطلقًا، سواء كان المتصل ظاهرًا أو مقَدَّرًا، وسواء كان مرفوعًا أو منصوبًا أو مجرورًا، فيقال: قوموا أنتم، وقمت أنت، ورأيتك إياك، ومررت بك أنت. وقد استُدِلَّ بهذا الحديث على أنه لو أذن مؤذن وأقام آخر جاز (¬3)، وقطع الأئمة أَنَّ ذلك جائز، وذكر بعض المصنفين أن فيه خلافًا، وزعم أنه مبني على أنه لو خطب رجل يوم الجمعة وصلى غيره هل يجوز ذلك أم لا؟ قال إمام الحرمين: هذا بعيد (¬4)، وتلقي الأذان من الخطبتين غير سديد (¬5). [513] (ثنا عبيد الله) بالتصغير (ابن عمر القواريري، ثنا عبد الرحمن ¬

_ - ضعفه. اهـ. وهذه الأحاديث السابقة التي ذكرها المصنف كلها وإن صحت - وهي ضعيفة - لا تقاوم الأحاديث الصحيحة التي خرجها الشيخان والتي تدل على أن بدء الأذان كان بالمدينة. (¬1) سقط من (م). (¬2) حمامة هي أمه، وكانت مولاة لبعض بني جمح. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ص): يعتد. (¬5) "نهاية المطلب" 2/ 51.

ابن مهدي) قال: (ثنا محمد بن عمرو) (¬1) قال: (سمعت عبد الله بن محمد) ابن عبد الله بن زيد (قال: كان جدي عبد الله بن زيد - رضي الله عنه - يحدث بهذا الخبر قال) (¬2): فأذن بلال (فأقام جدي) وقال البخاري: عبد الله بن محمد بن عبد الله بن زيد، عن أبيه، عن جده لم يذكر سماع بعضهم من بعض (¬3). كأنه يشير إلى ما رواه البيهقي من طريق أبي العميس، عن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن زيد، عن أبيه، عن جده: أنه رأى الأذان والإقامة مثنى مثنى، فأتى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره فقال: "علمهنَّ بلالًا". فقال: فتقدمت فأمرني أن أقيم فأقمت (¬4). قال الحاكم: رواه الحفاظ من أصحاب أبي العميس، عن زيد بن محمد ابن عبد الله بن زيد (¬5). وعند ابن شاهين: "أن عمر جاء فقال: أنا رأيت الرؤيا ويؤذن بلال؟ ! قال: "فأقم أنت" وقال: غريب لم أر أحدًا قال فيه أن الذي أقام عمر إلا هذا، والمعروف أنه عبد الله بن زيد (¬6)، وله مِنْ طريق أخرى أخرجها أبو الشيخ في كتاب الأذان من حديث الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال: كان أول مَنْ أذن في الإسلام بلال، ¬

_ (¬1) أقحم هنا في (ص): قال ثنا. (¬2) زاد في (م): فيه. (¬3) "التاريخ الكبير" 5/ 183. (¬4) "السنن الكبرى" للبيهقي 1/ 399 بنحو هذا اللفظ، وأخرجه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" (4157) من طريق عبد الله بن محمد بن عبد الله بن زيد، عن أبيه، عن جده. (¬5) "البدر المنير" 3/ 416. (¬6) "ناسخ الحديث ومنسوخه" لابن شاهين (172).

وأول مَنْ أقام عبد الله بن زيد. وإسناده منقطع بين الحكم ومقسم؛ لأن هذا من الأحاديث التي لم يسمعها (¬1). [514] (ثنا [عبد الله بن مسْلمة)] (¬2) القعنبي، قال: (ثنا عبد الله بن عمر بن غانم) الرعيني قاضي أفريقية، وعنه (¬3) القعنبي فقط، قال ابن يونس: أحد الثقات الأثبات (¬4)، عن ([عبد الرحمن] (¬5) بن زياد) بن أنعم [بن ذرى] (¬6) (الأفريقي) ولي قضاء أفريقية لمروان بن محمد، كان محمد بن إسماعيل يقوِّي أمره، أرسل إليه أبو جعفر فقدم (¬7) عليه، فقال له والربيع قائم على رأسه فقال له: كيف ما مررت به من أعمالنا إلى أن وصلت إلينا؟ فقال: أعمالًا سيئة، وظلفا فاشيًا، وظننته لبعد البلاد منك، فجعلت كلما دنوت كان أعظم، فنكس رأسه أبو جعفر، ثم قال: كيف لي بالرجال؟ فقال له: أفليس عمر بن عبد العزيز كان يقول: إن الوالي بمنزلة السوق يجلب إليها ما ينفق فيها، فإن كان بَرًّا أتوه بِبِرّهم، وإن كان فاجرًا أتوه بفجورهم؟ فأطرق طويلًا، فقال له الربيع وأومأ: أن اخرج، فخرج (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: "التلخيص الحبير" 1/ 518. (¬2) في (م): عبد بن مسلم بن مسلم. (¬3) في (س، م): عند. (¬4) "تهذيب الكمال" 15/ 344. (¬5) في (س): عبد الله. (¬6) في (ص): بردزى. (¬7) في (ص، م): فقام. (¬8) "تاريخ بغداد" 10/ 215.

(أنه سمع زياد) بن ربيعة (بن نعيم الحضرمي) المصري ثقة (¬1) (أنه سمع زياد بن الحارث الصدائي) بضم (¬2) الصاد المهملة وتخفيف الدال وبعد الألف همزة، حليف بني الحارث بن كعب، بايع (¬3) النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -[وأذن بين يديه] (¬4). (قال: لما كان أول أذان الصبح أمرني - يعني: النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فأذنت) أبين يديه] (¬5) (فجعلت أقول أقيم) (¬6) الصلاة (يا رسول الله) فيه أن الإقامة ينظر الإمام، فلا يقيم المؤذن حتى يحضر الإمام ويستأذنه؛ لأن بلالًا كان يستأذن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -. وروى أبو (¬7) حفص بإسناده عن علي - رضي الله عنه - أنه قال: المؤذن أَمْلكُ بالأذان، والإمام أملك بالإقامة (¬8). وفيه أَنَّ منْ أذَّن لغير الفجر قبل دخول الوقت يُسَنُّ (¬9) له أن يعيد إذا دخل الوقت، وهو ردٌّ على من قال: إنما (¬10) يجوز التقديم إذا كان له مؤذنان. ¬

_ (¬1) "الكاشف" للذهبي 1/ 330. (¬2) في (س): بفتح. (¬3) في (س): تابع. (¬4) في (ل): أن بين يديه، وفي (س): أَنَّ بين. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (ص): أقيمت. (¬7) في (م): ابن. (¬8) أخرجه عبد الرزاق (1836)، وابن أبي شيبة (4194). (¬9) في (م): ليس. (¬10) في (م): إنه.

(فجعل ينظر إلى ناحية المشرق) فيه مراقبة الإمام لأوقات الصلوات (¬1) والاعتناء بها، لاسيما النظر (إلى الفجر) الصادق والاجتهاد في أمره، وهذا دليل على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يجتهد على إقامة الصلاة في أول وقتها، وهذا وإن كان الوقت بنظر المؤذن لكن لا يقلده الإمام، بل ينظر أيضًا كما فعل النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -، فأقول: أقيم الصلاة؟ (فيقول: لا، حتى إذا طلع الفجر) الصادق، وهو المعترض ضوؤه بالأُفق. (نزل) عن الدَّابة (فبرز) بتخفيف [الراء، أي] (¬2): ذهب إلى البراز وهي الأرض البارزة، ثم كُنى به عن النَّجْوِ كما كُنِّيَ بالغائط فقيل: تبرز كما قيل: تغوط. (ثم انصرف إليَّ وقد تلاحق) به (أصحابه فتوضأ) للصلاة (فأراد بلال أن يقيم) الصلاة (فقال له نبي الله - صلى الله عليه وسلم -: إن أخا صداء) بضم الصاد والمد، على وزن غراب (¬3)، وهمزته أصليَّة، وإذا نُسب إلى ما همزته أصلية قال ابن الحاجب: تثبت (¬4) الهمزة عند الأكثر فيقول: قرائي (¬5) وصدائي (¬6) من اليمن، ومن جعل همزته للتأنيث وهي زائدة منعه من الصرف للتأنيث والعلمية. ¬

_ (¬1) في (م): الصلاة. (¬2) في (س): الزاي. (¬3) في (ص): عزان. (¬4) في (ص): نسب. (¬5) من (م). وفي بقية النسخ: فراري. (¬6) في جميع النسخ: صداحي، والمثبت الصواب.

(هُوَ أَذَّنَ وَمَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ) الصلاة (قَال: فَأَقَمْتُ) أي: الإقامة حق من أذن. قال الباجي: استدل به الشافعي على من أذن كره لغيره الإقامة يعني لأنها حقه فيكره أن يقيم غير من أذَّن إلا برضاه، وفي "الموطأ": سئل مالك عن أهل المسجد هل تصلون بإقامة غير المؤذن؟ فقال: إقامته وإقامة غيره سواء (¬1). قال الباجي: دليلنا على ذلك أن هذا مؤذن فجاز أن يقيم غيره كالمؤذن الثاني والثالث (¬2). قال ابن عبد البر: اختلف في هذِه المسألة، فأما مالك وأبو حنيفة وأصحابهما فقالوا: لا بأس أن يؤذن المؤذن ويقيم غيره. وقال الثوري (¬3) والليث بن سعد والشافعي وأصحابه: من أذَّن فهو يقيم. وحجتهم هذا الحديث، وحجة مالك وأصحابه قوله لبلال لَمَّا أذَّن، قال لعبد الله بن زيد: "أقم أنت" كما في الحديث قبله (¬4). قال: فهذا الحديث أحسن إسنادًا من حديث الأفريقي، ومن جهة النظر ليست الإقامة مرتبطة بالأذان (¬5)، والله أعلم. ¬

_ (¬1) "الموطأ" 1/ 70. (¬2) "المنتقى" 2/ 18. (¬3) في (س، م): النووي. (¬4) "الاستذكار" 4/ 68 - 70. (¬5) "الاستذكار" 4/ 70.

31 - باب رفع الصوت بالأذان

31 - باب رَفْعِ الصَّوْتِ بِالأَذانِ 515 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمَرِيُّ، حَدَّثَنا شعْبَةُ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عُثْمانَ، عَنْ أَبِي يَحْيَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "المُؤَذِّنُ يُغْفَرُ لَهُ مَدَى صَوْتِهِ وَيَشْهَدُ لَهُ كُلُّ رَطْب وَيابِسٍ وَشاهِدُ الصَّلاةِ يُكْتَبُ لَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ صَلاةً وَيُكَفَّرُ عَنْهُ ما بَينَهُما" (¬1). 516 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنادِ عَنِ الأعرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذا نُودِيَ بِالصَّلاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطانُ وَلَهُ ضُراطٌ حَتَّى لا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ فَإِذا قُضِيَ النِّداءُ أَقْبَلَ حَتَّى إِذا ثُوِّبَ بِالصَّلاةِ أَدْبَرَ حَتَّى إِذا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ المرْءِ وَنَفْسِهِ ويَقُولَ: اذْكُرْ كَذا اذْكُرْ كَذا لِما لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَضِلَّ الرَّجلُ إِنْ يَدْرِي كَمْ صَلَّى" (¬2). * * * باب رفع الصوت بالأذان [515] (ثنا حفص بن عمر النمري) بفتح النون والميم، قال: (ثنا شعبة، عن موسى بن أبي عائشة) (¬3) الهمداني الكوفي مولى أبي جعدة بن هبيرة المخزومي. قال جرير: إذا رأيته ذكرت الله لرؤيته (¬4). ¬

_ (¬1) رواه النسائي 2/ 12، وابن ماجه (724). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (528). (¬2) رواه البخاري (1222)، ومسلم (389/ 19). (¬3) كذا في جميع النسخ التي لدينا، وفي بعض نسخ "السنن" موسى بن أبي عثمان، وأثبتها محققة، لما رواه النسائي وغيره كذلك. (¬4) "تهذيب الكمال" 29/ 92.

(عن أبي يحيى) المكي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬1)، وزعم أنه سمعان الأسلمي. ورواه البيهقي من وجهين آخرين عن الأعمش، قال تارةً: عن أبي صالح، وتارةً عن مجاهد، عن أبي هريرة، ومن طريق أخرى عن مجاهد، عن ابن عمر (¬2). قال الدارقطني: الأشبه أنه عن مجاهد مرسل (¬3). (عن أبي هريرة، عن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قال: المؤذن يغفر له مدى صوته) أي [منتهاه وغايته] (¬4) (ويشهد له كل رطب ويابس) ورواه أحمد والنسائي من حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - بلفظ: "المؤذن يغفر له مدّ صوته ويصدقه من يسمعه من رطب ويابس، وله مثل أجر من صلى معه" (¬5). وصححه ابن السكن، وقد استدل به على أنه يستحب للمؤذن أن يبالغ في رفع صوته ما أمكنه، بحيث لا يلحقه ضرر، وهذا على وجه الاستحباب، وهو في غير المنفرد متفق عليه، وفي المنفرد على الصحيح، ولا يرفع صوته بمسجد وقعت فيه جماعة لئلا يتوهم وقت صلاة أخرى (¬6). (وشاهد الصلاة) أي حاضر صلاة الجماعة (¬7) (يكتب له خمس وعشرون صلاة) كما سيأتي (ويكفر عنه ما بينهما) أي: ما بين ¬

_ (¬1) "الثقات" لابن حبان 7/ 667. (¬2) "السنن الكبرى" للبيهقي 1/ 431. (¬3) "العلل" 8/ 236. (¬4) في (ص): شهده وعاينه. (¬5) "سنن النسائي" 2/ 13، و"مسند أحمد" 4/ 284، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (235) لغيره. (¬6) انظر: "نهاية المطلب" 2/ 45 - 47، "روضة الطالبين" 1/ 200. (¬7) في (س): الجمعة.

الصلاتين أي (¬1): ما بين كل صلاتين من الصغائر، وإن لم يوجد صغيرة فَيُرجى أن يخفف عنه من الكبائر إن شاء الله تعالى. [516] (ثنا القعنبي (¬2)، عن مالك، عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان مولى رملة بنت شيبة. (عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا نودي للصلاة) وللنسائي: "بالصلاة" (¬3)، وهي رواية لمسلم أيضًا، ويمكن حملهما على معنى واحد. (أدبر الشيطان وله ضراط) (¬4) هذه رواية البخاري (¬5)، والرواية المشهورة: "له ضراط (¬6) " بلا واو، وهي جملة اسمية وقعت حالًا. قال عياض: يمكن حمله على ظاهره؛ لأنه جسم متغذ يصح منه خروج الريح، ويحتمل أنها عبارة عن شدة [نفاره (¬7)، ويُقَرِّبُه] (¬8) رواية لمسلم: "وله حصاص" (¬9) بمهملات مضموم (¬10) الأول، وفسّره ¬

_ (¬1) في (ص): إلى. (¬2) في (ص): الفقيه. (¬3) "سنن النسائي الكبرى" (1176)، وهي رواية أبي داود أيضا. (¬4) في (م): ضراد. (¬5) "صحيح البخاري" (608). (¬6) في (م): طرطه. (¬7) "تنوير الحوالك" 1/ 69. (¬8) في (ص): تعاده وتعديه. (¬9) "صحيح مسلم" (389) (17). (¬10) في (ص، س): مضمومة.

الأصمعي بشدة العدو (¬1). قال الطيبي: شبه شغل (¬2) الشيطان نفسه عن سماع الأذان بالصوت الذي يملأ السمع ويمنعه عن سماع غيره، ثم سمَّاه ضراطًا تقبيحًا له ولفاعله قصدًا، والظاهر أن المراد بالشيطان إبليسُ كما دلَّ عليه كثير من الشراح، ويحتمل أن يراد جنس الشيطان، وهو كل متمرِّد من الجنِّ أو الإنس، لكن المراد هنا شيطان الجنِّ خاصّة (¬3). (حتى لا يسمع) منصوب بحتى و"لا" غير حاجزة] (¬4) كقوله تعالى: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً} (¬5) (التأذين) ظاهره أنه يتعمد إخراج ذلك إما ليشتغل بسماع الصوت الذي يخرجه عن سماع المؤذن، أو يخرج ذلك استخفافًا بالأذان كما يفعل السفهاء، ويحتمل أن لا يقصد ذلك، بل يحصل له عند سماع الأذان شدة خوف يحدث منه الحدث. واستدل به على استحباب رفع الصوت بالأذان، لأن قوله: "حتى لا يسمع" ظاهر في أنه يبعد إلى غاية ينتفي (¬6) فيها سماعه للصوت، وقد وقع بيان الغاية في رواية لمسلم من حديث جابر فقال: "حتى يكون بمكان الروحاء" (¬7). وبين المدينة والروحاء ستة وثلاثون ميلًا. ولفظ إسحاق ¬

_ (¬1) "غريب الحديث" لأبي عبيد 4/ 181. (¬2) في (م): سفل. (¬3) "فتح الباري" 2/ 85. (¬4) في (ص، س، ل): حاححره، وفي (م): ما جحده، ولعل المثبت الصواب. (¬5) الحشر: 7. (¬6) في (ص، س): ينبغي. (¬7) "صحيح مسلم" (388) (15).

في "مسنده": "حتى يكون بالروحاء". وهي ثلاثون ميلًا من المدينة (¬1). فأدرجه في الخبر. (فإذا قُضي) بضم أوله وكسر ثانيه، والمراد به الفراغ أو الانتهاء، ويروى بفتح أوله على حذف الفاعل، والمراد المنادي (النداء) واستدل به على أنه كان بين الأذان والأقامة فصل خلافًا من شرط في إدراك فضيلة (¬2) أول الوقت أن يكون متطهرًا. (حتى إذا ثوب) بضم المثلثة وتشديد الواو المكسورة. قيل: هو من ثَابَ إذا رجع، وقيل: من ثَوَّبَ إذا أشار بثوبه عند الفراغ لإعلام غيره. قال الجمهور: المراد بالتثويب هنا: الإقامة؛ وبذلك جزم أبو عوانة في "صحيحه" والبيهقي وغيرهما (¬3). قال القرطبي: ثُوِّب بالصلاة أي أقيمت، وأصله أنه رجع إلى ما [يشبه الأذان (¬4)] (¬5)، وكل مردد صوتًا فهو مثوب، ويدل عليه رواية مسلم: "فإذا سمع الإقامة ذهب" (¬6). (بالصلاة أدبر حتى إذا قضي التثويب) يعني الإقامة (أقبل حتى يخطُر) بضم الطاء. قال عياض: كذا سمعناه (¬7) من أكثر الرواة، وضبطناه عن ¬

_ (¬1) لم اْجده في المطبوع من "مسند إسحاق بن راهويه". (¬2) في (ص): فضله. (¬3) "مسند أبي عوانة" (975)، و"السنن الكبرى" 1/ 432. (¬4) "المفهم" للقرطبي 2/ 16. (¬5) في (ص): سببه الإدراك. (¬6) "صحيح مسلم" (389) (16). (¬7) في (م): سمعنا.

المتقنين بالكسر وهو الوجه، ومعناه: فيوسوس، وأصله من خطر البعير بذنبه إذا حرّكه فضرب به فخذيه، وأما بالضم فمن المرور أي يدنو منه فيمر بينه وبين قلبه فيشغله (¬1). (بين المرء ونفسه) أي: قلبه، وكذا هو في رواية للبخاري في بدء الخلق (¬2). قال الباجي: المعنى أنه يحول بين المرء وبين ما يريده من إقباله على صلاته وإخلاصه فيها (¬3) (ويقول: اذكر كذا، اذكر كذا) وفي رواية للبخاري بواو (¬4) العطف: "واذكر كذا"، وهي لمسلم (¬5) وللبخاري في صلاة السهو. (لما) أي يذكره بغير (¬6) ما (لم يكن يذكر) وربما يذكره بما كان نسيه (¬7) منذ (¬8) أيام أو أشهر (حتى يظل) بفتح الياء والظاء المشالة، كذا للجمهور، ومعنى يظل في الأصل اتصاف المخبر عنه بالخبر نهارًا، لكنها هنا بمعنى يصير أو يبقى، ووقع في رواية البخاري للأُصيلي: "يضِل" بكسر الضاد الساقطة أي ينسى، ومنه قوله ¬

_ (¬1) "مشارق الأنوار" 1/ 234. (¬2) "صحيح البخاري" (3285). (¬3) "المنتقى" 2/ 11. (¬4) في (م): كواو. (¬5) "صحيح مسلم" (389) (19). (¬6) في (ص): لغير. (¬7) في (س): يشبه. (¬8) في (ص، س): مثل.

تعالى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا} (¬1) أو بفتحها بمعنى يخطئ بمعنى {لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} (¬2) والمشهور الأول. (إِنْ) بكسر الهمزة، وهي نافية بمعنى لا كما في رواية البخاري في الأذان (¬3). وحكى ابن عبد البر عن الأكثر في "الموطأ" بفتح الهمزة (¬4). قال القرطبي: فتح الهمزة رواية أبي عمر، ومعناها لا يدري، وكذا ضبطها الأصيلي في كتاب البخاري أن بالفتح، قال: وليست هذِه الرواية بشيء إلا مع رواية الضاد فتكون أن مع الفعل (¬5). وهو (يدري) بتأويل (¬6) المصدر، ومفعول ضل (¬7) أن (¬8) بإسقاط حرف الجر أي: يضل عن درايته (كم صلى) فينسى كم عدد ركعاته، أي ويبقى متحيرًا في صلاته. والله أعلم. ¬

_ (¬1) البقرة: 282. (¬2) طه: 52. (¬3) "صحيح البخاري" (1231). (¬4) "التمهيد" 18/ 319. (¬5) "المفهم" للقرطبي 2/ 17. (¬6) من (م). وفي بقية النسخ: بيا وقيل. (¬7) من (س، ل، م). (¬8) من (م).

32 - باب ما يجب على المؤذن من تعاهد الوقت

32 - باب ما يَجِبُ عَلى المُؤَذِّنِ مِنْ تعاهُدِ الوَقْتِ 517 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا محَمَّد بْن فُضَيْلٍ، حَدَّثَنا الأعمَشُ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي صالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الإِمامُ ضامِنٌ والمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ اللَّهُمَّ أَرْشِدِ الأَئِمَّةَ واغْفِرْ لِلْمُؤَذنِينَ" (¬1). 518 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْن عَلِيٍّ، حَدَّثَنا ابن نُمَيْرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ قال: نبِّئْتُ، عَنْ أَبِي صالِحٍ -قال: وَلا أُرانِي إِلا قَدْ سَمِعْتُهُ مِنْهُ- عَنْ أَبي هُرَيرَةَ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَهُ (¬2). * * * باب ما يجب على المؤذن [من تعاهُد] (¬3) الوقت [517] (ثنا أحمد بن حنبل) قال: (ثنا محمد بن فضيل) بن غزوان الضبي مولاهم الكوفي، روى له الجماعة قال: (ثنا الأعمش، عن رجل) يحتمل أنه سهيل بن أبي صالح؛ [لأن في رواية الشافعي] (¬4) عن إبراهيم بن أبي يحيى، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة (¬5). ورواه ابن حبان من طريق [الدراوردي] (¬6) عن سهيل به، ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (207)، وأحمد 2/ 232. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (530). (¬2) رواه البيهقي 1/ 435 من طريق أبي داود. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (531). (¬3) في (م): أن يتعاهد. (¬4) من (م). وفي بقية النسخ: للشافعي. (¬5) ذكره الحافظ في "التلخيص" 1/ 511. (¬6) في جميع النسخ: الدارمي. والمثبت من المصادر.

وعن سفيان (¬1)، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة يبلغ به بلفظه (¬2)، ورواه ابن خزيمة من طريق عبد الرحمن بن إسحاق ومحمد بن عمارة، عن سهيل به (¬3)، وقال أحمد في "مسنده": ثنا قتيبة، ثنا عبد العزيز، عن سهيل مثله (¬4). قال ابن عبد الهادي: أخرج مسلم بهذا الإسناد نحوًا من أربعة عشر حديثًا (¬5). (عن أبي صالح السّمان، عن أبي هريرة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الإمام ضامن) [قيل: معناه ضمن لهم دعاء يعم القوم، وقيل: ضمن أن يأتي بشروط الصلاة وأركانها] (¬6) أي: حافظ يراعي (¬7) أمور المأمومين من عدد الركعات، ويحمل عنهم القيام والقراءة إذا أدركوه في الركوع، ويستحب له أن يدعو لهم في الصلاة بلفظ الجمع، فعلى هذا الإمام ضامن أي حافظ لصلاتهم، وليس هو من باب الضمان يعني (¬8) الغرامة، ولا يلزمه إثم بالإمامة إذا فعل ما يقدر عليه، بل يحصل له ثواب من صلى معه كما تقدم. (والمؤذن مؤتمن) أي: أمين في مراعاة أوقات الصلوات (¬9)؛ لأن الناس يصلون بأذانه، ويعتمدون عليه في أذانه، ويفطرون بأذانه، وإنما ¬

_ (¬1) في (م): شيبان. (¬2) انظر: "صحيح ابن حبان" (1671 - 1672). (¬3) "صحيح ابن خزيمة" (1530) وعنده محمد بن عمار. (¬4) "مسند أحمد" 2/ 419. (¬5) "تنقيح التحقيق" 2/ 504. (¬6) من (م). (¬7) في (م): راعي. (¬8) في (م): بمعنى. (¬9) في (ص): الصلاة.

قال - صلى الله عليه وسلم - هذا ليعلم الأئمة أنهم حافظون لصلاة من اقتدى بهم، ليكونوا متيقظين في حفظ عدد الركعات، ويدعوا بلفظ الجمع، ويجتهدوا في تطهير الثياب والبدن، وإتمام أركان الصلاة وحفظ أمورها؛ لأن الغالب أن يكون المأموم (¬1) من العوام، وقلَّ ما يعلمون أمور الصلاة من السهو وغيره، وكذلك المؤذنون يجتهدون (¬2) في محافظة الأوقات لئلا يبطلوا صلاة الذين اعتمدوا (¬3) عليهم وصومهم بالأذان في غير وقته. (اللهم أَرْشد) بفتح الهمزة (الأئمة) جمع إمام، أي: إلى الصواب واحفظهم من الخطأ فيما عليهم من أحكام الصلاة، وارزقهم على ذلك الثواب. (واغفر للمؤذنين) قال شارح "المصَابيح": يحتمل أن يكون دعا لهم بالمغفرة لما يصدر منهم من الخطأ في تقدم الأذان عن وقته أو تأخيره (¬4)، والسهو في ذلك، ويحتمل أن يكون دعاء لهم لا عن صدور سهو بَلْ مُجَازَاةً لَهُمْ لإحسانهم إلى الناس بإعلامهم إياهم أوقات الصلوات (¬5). وقد استدل بهذا الحديث بعض أصحابنا على أن الأذان أفضل من الإمامة (¬6)، وهذا يأتي على أن الدعاء بالمغفرة لما يصدر منهم من الخطأ. قال في "شَرح السُّنَّة": فيه دلالة على تفضيل الأذان؛ لأن حال الأمين أحسن من حال الضمين (¬7). والمغفرة أعلى من الإرشاد، ولقول ¬

_ (¬1) من (م)، وفي بقية النسخ (الإمام)، وعلق عليها في حاشية (ل): هو المأموم. (¬2) في (ل، م): ليجتهدون. (¬3) في (ص): اعتدوا. (¬4) في (م): تأخره. (¬5) في (م): الصلاة. (¬6) انظر: "التنبيه" للشيرازي ص 26، "المجموع" 3/ 78. (¬7) "شرح السنة" 2/ 280.

عمر: لولا الخِلِّيفا لأذنت (¬1). والخِلِّيفا بكسر الخاء وتشديد اللام مع القصر يعني لولا الخلافة من أبنية المبالغة، يريد كثرة اجتهاده في ضبط أمور الخلافة وتصريف أعنتها. [518] (ثنا الحسن بن علي) (¬2)، قال: (ثنا) عبد الله (بن نمير) الهمداني. (عن الأعمش، قال: نُبئت) بضم النون وتشديد الباء، أي: أُخْبِرْتُ (¬3) (- ولا أُراني) (¬4) بضم الهمزة، أي: أظنني (إلا قد سمعته منه -) وعلق الترمذي مثله دون قوله: ولا أراني (¬5) (¬6). قال ابن المديني: لم يسمعه الأعمش من أبي صالح [بيقين؛ لأنه يقول: نُبِّئت. (عن أبي صالح) وكذا قال البيهقي في "المعرفة" (¬7)، ورجح العقيلي طريق أبي صالح (¬8)] (¬9) (عن أبي هريرة) على طريق أبي صالح عن عائشة (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثله). ¬

_ (¬1) عزاه الحافظ في "التلخيص" 1/ 522 لأبي الشيخ في "الأذان" بهذا اللفظ. وأخرجه عبد الرزاق (1869) في "مصنفه" بلفظ: "لو كنت أطيق الأذان مع الخليفا لأذنت". (¬2) زاد في (ص، س، ل): ابن عثمان، وهو خطأ. (¬3) في (ص): اخترت. والمثبت من (س، ل، م). (¬4) زاد بعدها في (ص، س): أي. (¬5) في (م): أرى. (¬6) "سنن الترمذي" 1/ 402، قال الأعمش: حُدِّثت عن أبي صالح. (¬7) "معرفة السنن والآثار" 1/ 450 - 451. (¬8) "الضعفاء الكبير" 4/ 435/ 370 - 371. (¬9) من (م).

33 - باب الأذان فوق المنارة

33 - باب الأَذانِ فَوْقَ المنارة 519 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ، حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ محَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النَّجّارِ قالتْ: كانَ بَيْتِي مِنْ أَطْوَلِ بَيْتٍ حَوْلَ المَسْجِدِ وَكانَ بِلال يُؤَذِّن عَلَيْهِ الفَجْرَ فَيَأْتِي بِسَحَرٍ فَيَجْلِسُ عَلَى البَيْتِ يَنْظُرُ إِلَى الفَجْرِ فَإِذا رَآهُ تَمَطَّى ثمَّ قال: اللَّهمَّ إِنِّي أَحْمَدُكَ وَأَسْتَعِينُكَ عَلَى قُرَيْشٍ أَنْ يُقِيمُوا دِينَكَ قالتْ: ثُمَّ يُؤَذِّنُ قالتْ: والله ما عَلِمْتُهُ كانَ تَرَكَها لَيْلَةً واحِدَةً تَعْنِي هذِه الكَلِماتِ (¬1). * * * باب الأذان فوق المنارة بفتح الميم، ويقال بكسرها هي المئذنة بكسر الميم وسكون الهمزة، وقد تخفف الهمزة ياء. [519] (ثنا أحمد بن محمد بن أيوب) الناسخ كتب المغازي للبرامكة، وثِّقَ (¬2)، قال: (ثنا إبراهيم بن سعد) أظنه الزهري (عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير) بن العوام (عن) عمه (عروة بن الزبير) بن العوام (عن امرأة من بني النجار) بتشديد الجيم، وهم بنو عدي أخوال النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - (قالت: كان بيتي من أطول بيت حول المسجد) أي: مسجد النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - (وكان بلال) بن حمامة (يؤذن عليه ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 1/ 425 من طريق أبي داود. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (532). (¬2) "ذكر أسماء من تكلم فيه وهو موثق" (21).

الفجر فيأتي بسحر) السَّحَرُ هو الزمن الذي قبيل الفجر. (فيجلس على) ظهر (البيت ينظر إلى الفجر) الأول وهو الكاذب ليؤذن عليه الأذان الأول، فيه أن الأذان متعلق بالمؤذن فعليه مراعاة أوقات الصلوات والاجتهاد فيها (فإذا رآه تمطى) بفتح التاء والميم والطاء وسكون الألف غير مهموز، أي: مدَّ مَطَاه وأعضاءه ليستوي قائمًا، والمطا بوزن العصا هو الظَّهْر، ومنه قيل للبعير مَطِيَّة فعيلة بمعنى مفعولة، وفيه دلالة على أنه يستحب للمؤذن أن يستوي قائمًا وينصب فقاره وأعضاءه على هيئة القيام للصلاة. (ثم قال: اللهم إني أحمدك) على نعمة الإسلام والقيام بشعار الإسلام، وأستعين بك, (وأستعينك (¬1) على قريش أن يقيموا دينك) جملة (أن يقيموا) بدل من (قريش) كما في قوله تعالى: {مَا يُقَال لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ} (¬2) فجملة {إِنَّ رَبَّكَ} بدل من (الرسل) وكقول الشاعر: لقد أذهلتني أم عمرو بكلمة ... أتصبر يوم البين (¬3) أم لست تصبِرُ (¬4) [فجملة (أتصبر) (¬5) بدل من (كِلْمَةً)] (¬6). ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) فصلت: 43. (¬3) في (س): اثنين. (¬4) انظر: "مغني اللبيب" ص 595. (¬5) في (ص): الصبر. (¬6) سقط من (س).

(قالت: ثم يؤذن) بعد ذلك أذان الفجر، وفيه مشروعية الدعاء قبل أذان الفجر الثاني، وفيه رد على ما عليه مؤذنو بلادنا من الدعاء الطويل قبل الفجر الأول، والاقتداء بمؤذن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - والعمل به أولى، والمراد من الحديث أن بلالًا استعان بالله تعالى على قريش أن يوحدوا الله تعالى ويقيموا الصلاة وما يتبعها من شرائع الدين، وإنما خصّ هذا الوقت بالدعاء؛ لأنه وقت السَّحَر الذي يستجاب فيه الدعاء وتفتح فيه أبواب السماء. (قالت: والله ما علمته كان تركها (¬1) ليلة واحدة) تعني (هذِه الكلمات) فيه استحباب الدعاء قبل الأذان الأول لنفسه وللمسلمين وولاتهم بعد حمد الله تعالى والصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذِه الفضيلة أعني الدعاء قبل الأذان الأول معمول به إلى وقتنا هذا بأن يدعو المؤذن أو من يؤذن بالجماعة بصوت يسمعه من حول المسجد، فلله الحمد والمنَّةُ على ذلك، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) من (م): وفي بقية النسخ: يتركها.

34 - باب في المؤذن يستدير في أذانه

34 - باب فِي المُؤَذِّن يَسْتَدِيرُ فِي أذانِهِ 520 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا قَيْسٌ يَعْنِي ابن الرَّبِيعِ (ح)، وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمانَ الأنبارِيُّ، حَدَّثَنا وَكيعٌ عَنْ سُفْيانَ جَمِيعًا عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ قال: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بمَكَّةَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ حَمراءَ مِنْ أَدَمِ فَخَرَجَ بِلالٌ فَأَذَّنَ فَكُنْتُ أَتَتَبَّع فَمَهُ ها هُنا وَها هُنا. قال: ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمراءُ بُرُودٌ يَمانِيَة قِطْرِيٌّ. وقال مُوسَى: قال: رأيْت بِلالًا خَرَجَ إِلَى الأبطَحِ فَأَذَّنَ فَلَمّا بَلَغَ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى الفَلاحِ لَوَى عُنُقَهُ يَمِينًا وَشِمالًا وَلَمْ يَسْتَدِرْ ثُمَّ دَخَلَ فَأَخْرَجَ العَنَزَةَ وَساقَ حَدِيثَهُ (¬1). * * * باب المؤذن يستدير في أذانه يجوز أن يُقرأ: يستدير بكسر الدال وسكون المثناة تحت، وبسكون الدال وكسر الباء الموحدة. [520] (ثنا موسى بن إسماعيل) قال: (ثنا قيس بن الربيع، ح (¬2) وثنا محمد بن سليمان الأنباري) قال: (ثنا وكيع، عن سفيان جميعًا، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه) وهب بن عبد الله، وكان علي يسميه وهب الخير، نزل الكوفة وابتنى بها دارًا، جعله علي على بيت المال بالكوفة، كان إذا تغدى لا يتعشى، وإذا تعشى لا يتغدى، السُّوائي بضم السين والمدِّ نسبة إلى سُواء ابن عامر. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (633، 634)، ومسلم (503). (¬2) من (س، م).

(قال: أتيت النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - بمكة (¬1) وهو في قبة) أصلها في البناء معروف، ويشبه (¬2) بها ما ينصب من أدم وغيره، ويصنع من خشب، وهو ضيق الرأس، ويغشى بالأدم المصبوغ (¬3) بالحمرة، ولهذا قال (حمراء) وهذا وصف باعتبار صباغه (¬4) من باب وصف الشيء باعتبار ما ظهرت رؤيته (من أم) بفتح الهمزة والدال جمع أديم وهو الجلد، وهو جمع نادر، وربما سُمِّي وجه الأرض أديمًا. (فخرج بلال) من القبة (فأذن) أذان الصلاة (فكنت أتتبع فمه) فيه إثبات الميم (¬5) في الإضافة وهي لغة؛ كقول الشاعر: يصبح ظمآنا وفي البحر فمه بضم الميم، وفي لغة أخرى إتباع الفاء الميم فيضم الفاء تبعًا لضمه الميم، واللغة الفصحى بالألف مكان الميم كما في رواية الصَّحيحين: أتتبع فاه (¬6). أي: في حال التفاته يمينًا وشمالًا (هاهنا وهاهنا) وهاهنا ظرف مكان متعلق بأتتبع، وفي بعض النسخ: من هاهنا وهاهنا. (قال: ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه حلة) الحلة ثوبان غير لفقين (¬7) [إزار ورداء] (¬8) (حمراء) ووقع في "سنن البيهقي" في كتاب الجنائز: أن ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (س، ل، م): نسبه. (¬3) في (ص): المصنوع. (¬4) في (ص): صناعة. (¬5) في (ص، س): الفم. (¬6) "صحيح البخاري" (634) مختصرًا، "صحيح مسلم" (503/ 249). (¬7) في (ص): تنقيب وفي (س): لفيقين. (¬8) في (م): إزارًا ورداءًا.

الحلة ثوبان أحمران غالبًا (¬1)، لكن تقييده بالحمرة ليس معروفًا في اللغة، والحلة بردة (يمانية) نسبة إلى اليمن على غير قياس، وعلى هذا ففي الياء (¬2) مذهبان: أحدهما: وهو الأشهر، تخفيفها، واقتصر عليه كثيرون، وجهه (¬3) أن الألف دخلت قبل الياء (¬4) لتكون عوضًا عنها لئلا تثقل فتخفف الياء لئلا يجتمع (¬5) العوض والمعوض. والثاني: التثقيل؛ لأن الألف زيدت بعد النسبة (¬6) فيبقى (¬7) التثقيل الدال على النسبة (¬8) تنبيهًا على جواز حذفها، وسُمِّيت اليمن يمنًا؛ لأنها على يمين الشمس. (قطري) بكسر القاف ضرب من البرود. قال الأزهري: قال شمر: هي حمر ولها أعلام فيها بعض الخشونة، قال: وقال غيره: هي حلل جياد تحمل من قبل البحرين (¬9). قال الأزهري: وفي البحرين قرية يقال لها [قطر بين] (¬10) عمان وسيف البحر (¬11). ¬

_ (¬1) "السنن الكبرى" للبيهقي 3/ 403. (¬2) في (ص، م): الهاء. (¬3) في (ص، س، ل): وجه. (¬4) في (م): الهاء. (¬5) في (م): يجمع بين. (¬6) في جميع النسخ: التشبيه، والمثبت من "المصباح المنير" 2/ 682. (¬7) في (م): فينتفي. (¬8) في (ص، س): التشبيه. (¬9) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 4/ 129. (¬10) في (م): قطرية من. (¬11) "تهذيب اللغة" (قطر).

(وقال موسى بن إسماعيل: رأيت بلالًا خرج إلى الأبطح) رواية الترمذي: فخرج بلال بين يديه بالعنزة فركزها بالبطحاء (¬1) (¬2). انتهى. والبطحاء والأبطح كلُّ مكان متسع منبسط (فأذن، فلما بلغ حي على الصلاة حي على الصلاة لوى) بتخفيف الواو (عنقه) أي أماله (¬3) (يمينًا وشمالًا) منصوبان على الظرفية عاملهما لوى، أي: لوى وجهه وعنقه إلى جهة اليمين قائلًا: حي على الصلاة حي على الصلاة مرتين في الأذان، ولوى وجهه وعنقه إلى جهة الشمال قائلًا: حي (¬4) على الفلاح، حي على الفلاح مرتين على الخلاف المعروف في كتب الفقه. (ولم يستدر) بكسر الدال وإسكان الراء من الاستدارة، ولفظ الترمذي: رأيت بلالًا يؤذن ويدور ويتبع فاه هاهنا وهاهنا (¬5). لكن قوله: (يدور) فهو مدرج في رواية سفيان عن عون (¬6)، وقد بيَّن ذلك يحيى بن آدم عن سفيان: كان حجاج - يعني: ابن أرطاة - يذكره لنا عن عون أنه قال: فاستدار في أذانه (¬7)، فلما لقينا عونًا لم يذكر فيه الاستدارة. أخرجه الطبراني (¬8) وأبو الفتح من طريق يحيى بن آدم، ¬

_ (¬1) من (م) وفي باقي النسخ بالأبطح. (¬2) "جامع الترمذي" (197). (¬3) في (س): لوى وجهه. (¬4) من (ل، م). (¬5) "سنن الترمذي" (197). (¬6) في (س): عوف. (¬7) في (ص، س، ل): أزاديه. (¬8) "المعجم الكبير" 22/ 105 (261).

وكذا أخرجه البيهقي من (¬1) طريق عبد الله بن الوليد العدني (¬2) عن سفيان، لكن لم يسمِّ حجاجًا، وهو مشهور عن حجاج (¬3). أخرجه ابن ماجه (¬4) وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة (¬5)، ويمكن الجمع بأن من أثبت الاستدارة عنى (¬6) استدارة الرأس، ومن نفاها عنى استدارة الجسد كله (¬7)، والاستدارة بالعنق كما هو (¬8) في هذا الحديث هو مذهب الشافعي (¬9). (ثم دخل فأخرج العنزة) فركزها في الأرض، والعنزة بفتح النون: هي الحربة القصيرة. قال الخوارزمي في "مفاتيح العلوم": هذِه العنزة كان النجاشي أهداها للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فكانت تقدم (¬10) بين يديه إذا خرج إلى المصلى، وتوارثتها (¬11) من بعده الخلفاء (¬12). ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): عن. (¬2) في (ص، س، ل): العبدي، وفي (م): المعدي، والمثبت من "السنن الكبرى" للبيهقي. (¬3) انظر: "سنن البيهقي الكبرى" 1/ 395. (¬4) "سنن ابن ماجه" (711). (¬5) "مصنف ابن أبي شيبة" (2189). (¬6) في (م): أعني. (¬7) زاد في (م): قال. (¬8) سقط من (م). (¬9) "المجموع" 3/ 107 - 108. (¬10) في (م): تقام. (¬11) في (م): توارثها. (¬12) "مفاتيح العلوم" للخوارزمي 1/ 22.

وفي "الطبقات": أهدى النجاشي إلى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - ثلاث عنزات، فأمسك واحدة لنفسه، وأعطى عليًّا واحدة، وأعطى عمر واحدة (¬1). وللعنزة فوائد: الستر بها في الصلاة [حين يحذر] (¬2) المرور فإنه يكتفي بها في السترة، ونبش الأرض الصلبة عند قضاء الحاجة إذا كانت صلبة خشية الرشاش، ومنها دفع العدو، واتقاء السبع، وتعليق الأمتعة بها، والتوكؤ عليها، وفيها مآرب أخرى. (وساق حديثه) المتقدم، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) "طبقات ابن سعد" 3/ 235. (¬2) في (م): حيث يخشى. وفي (س): حين يجوز.

35 - باب ما جاء في الدعاء بين الأذان والإقامة

35 - باب ما جاء فِي الدُّعاءِ بَينَ الأذانِ والإِقامةِ 521 - حَدَّثَنا محَمَّد بْن كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ زَيْدٍ العَمِّيِّ عَنْ أَبِي إِياسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قال: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُرَدُّ الدُّعاءُ بَينَ الأَذانِ والإِقامَةِ" (¬1). * * * باب في الدعاء بين الأذان والإقامة [521] (ثنا محمد بن كثير) قال: (أنا سفيان، عن زيد) بن الحواري (¬2) (العمِّي) بفتح العين المهملة وتشديد الميم، قاضي هراة. (عن أبي إياس) (¬3) معاوية بن قرة (¬4) بن إياس كان عالمًا عاملًا. (عن أنس - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة) رواه ابن حبان في الصلاة ولفظه: "الدعاء بين الأذان والإقامة يُستجاب (¬5) ¬

_ (¬1) روا 5 الترمذي (212)، وأحمد 2/ 254. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (534). (¬2) في (ص): الحواربي. وفي (س): الخوارزمي. وفي (ل): الحوارمى، والمثبت من (م). (¬3) زاد هنا في (م): عامر بن عبدة بإسكان الباء الموحدة البجلي. اهـ. وكنيته أيضًا أبو إياس. فلعل الشارح تردد في أيهما أبو إياس هل هو معاوية بن قرة، أم عامر بن عبدة فذكرهما. والذي معنا هنا هو ابن قرة، فإن أبا إياس الكوفي البجلي لم يرو عنه سوى المسيب بن رافع، وأبو إسحاق السبيعي، وقد صرح باسمه في رواية الترمذي وأحمد والله أعلم. (¬4) في (ص): مرة. (¬5) من (م). وفي بقية النسخ: مستجاب.

فادعوا" (¬1) وهذا عام بين كل أذان (¬2) وإقامة من الصلوات الخمس، وللمؤذن والسامع ومن لم يسمع. ¬

_ (¬1) أخرجه ابن حبان (1696) من طريق بريد بن أبي مريم عن أنس به. وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (534). (¬2) في (م): أذانين.

36 - باب ما يقول إذا سمع المؤذن

36 - باب ما يَقُولُ إِذا سَمعَ المُؤَذِّنَ 522 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابِ عَنْ عَطَاءِ بنِ يَزِيدَ اللَّيثِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ المخدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذا سَمَعْتُمُ النِّداءَ فَقُولُوا مِثْلَ ما يَقُولُ المُؤَذِّنُ" (¬1). 523 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، عَنِ ابن لَهِيعَةَ وَحَيْوَةَ وَسَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ أنَهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِذا سمِعْتُمُ المُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ ما يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلي فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلي صَلاةً صَلَّى الله عَلَيهِ بِها عَشْرًا ثُمَّ سَلُوا الله -عَزَّ وَجَلَّ- لِيَ الوَسِيلَةَ فَإِنَّها مَنْزِلَةٌ فِي الجَنَّةِ لا تَنْبَغِي إِلا لِعَبْدٍ مِنْ عِبادِ اللهِ تَعالى وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنا فوَ فَمَنْ سَأَلَ اللهَ لِيَ الوَسِيلَةَ حَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّفاعَةُ" (¬2). 524 - حَدَّثَنا ابن السَّرْحِ وَمحَمَّد بْنُ سَلَمَةَ قالا: حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ عَنْ حُيَيٍّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ - يَعْنِي الحُبُلِيَّ - عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَجُلًا قال: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ المُؤَذّنِينَ يَفْضُلُونَنا. فَقال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قُلْ كَما يَقُولُونَ فَإذا انتَهَيتَ فَسَلْ تُعْطَهْ" (¬3). 525 - حَدَّثَنا قُتَيْبَة بْن سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللَّيْث، عَنِ الحكيم بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ قال حِينَ يَسْمَعُ المُؤَذِّنَ: وَأَنا أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ رَضِيتُ باللهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا وَبِالإِسْلامِ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (611)، ومسلم (383). (¬2) رواه مسلم (384). (¬3) رواه أحمد 2/ 172. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (537).

دِينًا غُفِرَ لَهُ" (¬1). 526 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْن مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إِذا سَمِعَ المؤَذِّنَ يَتَشَهَّدُ قال: "وَأَنا وَأَنا" (¬2). 527 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى حَدَّثَنِي محَمَّدُ بْنُ جَهْضَمٍ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عُمارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسافٍ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عاصِمِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذا قال المُؤَدنُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ فَقال أَحَدُكُمُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ فَإِذا قال: أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللهُ. قال: أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللهُ. فَإِذا قال: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ قال: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدا رَسُولُ اللهِ ثُمَّ قال حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ قال: لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا باللِّه ثُمَّ قال حَي عَلَى الفَلاح قال: لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا باللِّه ثُمَّ قال اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ قال اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ ثمَّ قال: لا إله إلَّا اللهُ قال: لا إله إِلَّا اللهُ مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الجَنَّةَ" (¬3). * * * باب ما يقول إذا سمع المؤذن [522] (ثنا عبد الله بن مسْلمة القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي سعيد) سعد بن مالك الخدري - رضي الله عنه - (أن ¬

_ (¬1) رواه مسلم (386). (¬2) رواه ابن حبان 4/ 580 (1683)، والطبراني في "الأوسط" 5/ 82 (4735)، والحاكم افي "المستدرك" 1/ 204، والبيهقي 1/ 409، وابن عبد البر في "التمهيد" وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (538). (¬3) رواه مسلم (385).

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا سمعتم النداء)، ظاهره اختصاص الإجابة بمن يسمع حتى لو رأى المؤذن مثلا على المنارة في الوقت وعلم أنه يؤذن لكن لم يسمع أذانه لبُعد أو صمم لا يشرع له المتابعة قاله النووي في "شرح المهذب" (¬1). وفيه حذف تقديره: إذا سمعتم قول المؤذن، وهذا اللفظ فيه عموم يشمل الأذان والإقامة إلا أنه يقول فيها: أقامها الله وأدامها (¬2)، فإن أقامها غير المؤذن فهو ملحق به قياسًا، ولا ينبغي أن يقدر: إذا سمعتم أذان المؤذن لئلا يخرج الإقامة، إلا أن يقال: الإقامة تسمى أذانًا كما صرَّح به في أحاديث (¬3)، وفيه العموم لكل مؤذن، وأنه لا يختص بالمؤذن الأول حتى أنه يجيب (¬4) من أذن ثانيًا خلافًا لما ذكره الرافعي في "الإيجاز في أخطار الحجاز" فإنه يجد سنة إعادة الصلاة في جماعة، وفي قوله: "سمعتم" عموم المؤذن (¬5) أيضًا إذا سمع أذان غيره، وليس فيه نقل عندنا. قال البرماوي: وظاهر الحديث يقتضي أنه يحكيه (¬6). ¬

_ (¬1) "المجموع" 3/ 120. (¬2) كما في الحديث الذي أخرجه أبو داود (528). (¬3) كحديث "بين كل أذانين صلاة". أخرجه البخاري (624)، ومسلم (838) (304)، ويعني بالأذانين: الأذان والإقامة. (¬4) في (ص): يخير. (¬5) في (م): للمؤذن. (¬6) في (ص، س، ل): محكيه.

(فقولوا) الأمر للندب عند الجمهور، وحكى الطحاوي قولًا أنه للوجوب (¬1). والصارف به عن الوجوب على ما قيل كما في الحديث الآخر: "ثم صلُّوا عليَّ ثم سلوا الله لي الوسيلة" (¬2). وهما مستحبان فالإجابة أيضًا مستحبة، وفيه نظر؛ فإن دلالة الاقتران غير معمول بها عند الجمهور خلافًا لأبي يوسف والمزني (¬3)، والعموم في قوله (مثل ما) يدخل فيه الحيعلتان، والتثويب في الصبح، وترجيع المؤذن، فأما الأول فورد استثناؤه في مسلم إلا في الحيعلة فقولوا: "لا حول ولا قوة إلا بالله" (¬4). فيخصص به عموم الأول كما ذهب إليه الشافعي، ونحوه من الأحاديث المطلقة (¬5) (يقول) قال الكرماني: قال: "مثل ما يقول". ولم يقل مثل ما قال؛ ليشعر بأنه يجيبه بعد كل كلمة مثل كلمتها (¬6). وقد صرح بذلك في رواية النسائي من حديث أم حبيبة: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقول كما (¬7) يقول المؤذن حتى يسكت (¬8). قال ابن المنذر: يحتمل أن يكون ذلك من الاختلاف المباح يقول ¬

_ (¬1) "شرح معاني الآثار" 1/ 296. (¬2) سيأتي قريبًا. (¬3) "إرشاد الفحول" 2/ 197. (¬4) "صحيح مسلم" (385) (12). (¬5) "المجموع" 3/ 116. (¬6) "الكواكب الدراري " للكرماني 5/ 211. (¬7) في (س): مثل ما. (¬8) "السنن الكبرى" للنسائي 6/ 14 (9865).

تارة كذا وتارة كذا (¬1). وحكى بعض المتأخرين عن بعض أهل الأصول أن الخاص والعام إذا أمكن الجمع بينهما وجب إعمالهما. قال: فلم لا يقال: يستحب للسامع أن يجمع بين الحيعلة والحوقلة وهو وجه عند الحنابلة (¬2). (المؤذن) ادعى ابن وضاح أن قوله: "المؤذن" (¬3) مدرج (¬4)، وأن الحديث انتهى عند قوله: "مثل ما يقول" وتُعقب بأن الإدراج لا يثبت بمجرد الدعوى. [523] (ثنا محمد بن سلمة) (¬5) قال: (ثنا ابن وهب، عن عبد الله بن لهيعة، وحيوة) (¬6) بن شريح (وسعيد بن أبي أيوب) المصري (عن كعب ابن (¬7) علقمة، عن عبد الرحمن بن جبير، عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أنه سمع النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - يقول: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليّ) عقب الأذان، فيه استحباب الصلاة على النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - بعد فراغه من متابعة (¬8) المؤذن، ويستحب ذلك للمؤذن والسامع، فكما (¬9) يستحب الصلاة على النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - يستحب السلام أيضًا، وقد ¬

_ (¬1) "الأوسط" لابن المنذر 3/ 170. (¬2) "الإنصاف" 1/ 301. (¬3) من (م). (¬4) في (م): يندرج. (¬5) في جميع النسخ: مسلمة. والمثبت من "السنن". (¬6) في (ص): جبرة. (¬7) من (م): وفي بقية النسخ: عن. (¬8) في (م): مبالغة. (¬9) في (م): كما.

ذكر النووي في "الأذكار" وغيره من كتبه أنه يكره إفراد الصلاة عن السلام لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (¬1)، وأما لفظ الصلاة فقال بعض أصحابنا: يقول: اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد وسلم وارض عني رضًا لا سخط بعده. (فإنه من صلى عليَّ صلاة) واحدة، ويدخل في عمومه المؤذن وغيره (صلى الله عليه) الصلاة من الله الرحمة (بها عشرًا). وروى الإمام أحمد والطبراني في "الأوسط" عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قال حين ينادي المنادي: اللهم رب هذِه الدعوة القائمة والصلاة النافعة (¬2)، صل على محمد وارض عني رضًا لا سخط (¬3) بعده استجاب الله تعالى دعوته" (¬4). وروى النسائي عن أبي هريرة (¬5) قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحط عنه عشر خطيئات، ورفع له عشر درجات" (¬6). وله عن أبي طلحة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء ذات يوم والبِشْرُ في وجهه؛ فقلت: إنا لنرى البِشْرَ في وجهك؟ ! قال: "أتاني ¬

_ (¬1) الأحزاب: 56. وانظر: "الأذكار" للنووي 1/ 117. (¬2) في (س): التامة. (¬3) في (س): تسخط. (¬4) "مسند أحمد" 3/ 337، والطبراني في "الأوسط" 1/ 69 (194) وعنده "الدعوة التامة". (¬5) كذا في جميع النسخ، ولعله سهو من الناسخ، فالحديث الذي ذكره من رواية أنس - رضي الله عنه -. (¬6) "سنن النسائي" 3/ 50 من حديث أنس - رضي الله عنه - وصححه ابن حبان (904). وصححه الألباني في تعليقه على "الترغيب والترهيب" (922).

الملك فقال: يا محمد إن ربك يقول: أما يرضيك أنه لا يصلي عليك أحد إلا صليت عليه عشرًا، ولا يسلم عليك إلا سلمت عليه عشرًا" (¬1). (ثم سلوا الله -عَزَّ وَجَلَّ- لي الوسيلة) وهي في اللغة كل ما يتقرَّب به من وَسَلَ إلى الله بالعمل يسل، كوعد يعدْ، أي: رغب إليه وتقرب، وتوسل إلى الله (¬2) بوسيلة: تقرب إليه بعمل صالح (فإنها منزلة في الجنة) هذا تفسير للوسيلة هنا أنها المنزلة الرفيعة عند الله تعالى في الجنة الا تنبغي إلا لعبد من عباد الله) تعالى لا لغيره (وأرجو) هو الظن القوي القريب من العلم أو عَلِمَه من (¬3) الله تعالى بوحي أو غيره (أن أكون أنا) تأكيد للضمير المستتر في أكون، و (هو) ضمير رفع في محل رفع بالابتداء وخبره محذوف تقديره أكون هو ذلك الرجل، ولا يكون منصوبًا خبر كان؛ لأن ضمائر النصب إياي وفروعها، بل الجملة الاسمية خبر كان. (فمن سأل الله تعالى لي) تلك (الوسيلة حلت) أي: غشيته ونزلت (عليه الشفاعة) يوم القيامة، وقيل: حلت أي: وجبت وحقت. وعلى هذا فَعَلَيه بمعنى له كما في رواية ابن حبان: "حلت له الشفاعة" (¬4). ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 3/ 44، 50 من حديث أبي طلحة - رضي الله عنه -، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (829). (¬2) زاد هنا في (ص): بالعمل. (¬3) من (م). قال المعلق: وقد أخرجه ابن حبان رحمه الله في صحيحه (1690) فصرح في السند أنه ابن نفير. والله أعلم. (¬4) "صحيح ابن حبان" (1962)، وكذا هو عند مسلم بلفظ: له. وقد تقدم.

[524] (ثنا) أحمد بن عمرو (بن السرح ومحمد بن سلمة قالا: ثنا) عبد الله (بن وهب، عن حيي) تصغير حي (¬1) ابن عبد الله المعافري، قال ابن معين: ليس به بأس (¬2) (عن أبي عبد الرحمن) عبد الله بن يزيد الحُبُلِّي بضم الحاء المهملة مع الباء الموحدة وتشديد اللام روى له مسلم. (عن عبد الله بن عمرو بن العاص (¬3) - رضي الله عنه -: أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن المؤذنين يَفضُلوننا) بفتح الياء وضم الضاد المعجمة (¬4) المخففة أي: في الأجر. (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قل كما يقولون) أي: إلا في الحيعلتين فتقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، ويدخل فيه الإقامة فيقول مثلها إلا في قوله: قد قامت الصلاة فتقول: أقامها الله وأدامها كما سيأتي (فإذا انتهيت) إلى آخر متابعة الأذان (فسل) بفتح السين، ويجوز فاسأل أي: من الله ما تريد من أمور الدنيا والآخرة (تعط) جواب الأمر مجزوم وعلامة جزمه حذف الألف. [525] (ثنا قتيبة بن سعيد) قال: (ثنا الليث، عن الحكيم) (¬5) بضم الحاء المهملة مصغر (بن عبد الله بن قيس) بن مخرمة بن المطلب بن ¬

_ (¬1) في (ص): أخي. وفي (س): أحي. (¬2) "الجرح والتعديل" 3/ 272. (¬3) زاد في (م): قال صاحب الكتاب. (¬4) سقط من (م). (¬5) في (س): الحكم.

عبد مناف القرشي، روى له مسلم. (عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن) أبيه (سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من قال حين يسمع المؤذن) أي: الأذان كما في رواية ابن حبان (وأنا) هذِه رواية قتيبة كما هنا وفي النسائي وابن حبان (¬1)، لكن قال مسلم في "صحيحه" عقب هذا الحديث: قال ابن رمح في روايته: "من قال حين يسمع المؤذن: وأنا أشهد" ولم يذكر قتيبة: "وأنا" (¬2). (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، رضيت بالله ربًّا وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - رسولًا) ورواية ابن حبان: "رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولًا" (¬3). بتقديم "وبالإسلام دينًا" على "وبمحمد رسولًا" وهو الأليق بالمعنى (وبالإسلام دينًا) أي: رضيت بشريعة الإسلام وما فيها من الحدود والمعالم والمحرمات والمحللات، وبما هي عليه دينًا ألتزمه ولا أفارقه. قال النووي: فيه أنه يستحب أن يقول بعد قوله: وأنا أشهد أن محمدًا رسول الله، رضيت بالله ربًّا، وبمحمد رسولًا، وبالإسلام دينًا (¬4). وفيه ردٌّ على مَنْ يقوله (¬5) بعد كمال الأذان، وقوله: رضيت بالله يعود ¬

_ (¬1) "صحيح ابن حبان" (1693)، و"سنن النسائي" 2/ 26. (¬2) "صحيح مسلم" (386) (13). (¬3) "صحيح ابن حبان" (1693)، و"سنن النسائي" 2/ 26. (¬4) "شرح النووي على مسلم" 4/ 87 - 88. (¬5) في (م): يقول.

على قوله (¬1) أشهد أن لا إله إلا الله، وقوله: وبمحمد رسولًا يعود على أشهد أن محمدًا رسول الله. (غفر له) زاد مسلم: "ذنبه" وفي (¬2) رواية ابن حبان: "غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه" (¬3). قال النووي: فيه أن من رغب غيره في خير يستحب له أن (¬4) يذكر له شيئًا من دلائله - أي: وفضائله - لينشطه للعمل به (¬5). [526] (ثنا إبراهيم بن مهدي) قال: (ثنا علي بن مسهر) الكوفي الحافظ (عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير. (عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سمع المؤذن يتشهد قال) عند الشهادتين: (وأنا، وأنا) أي: عند شهادة أن لا إله إلا الله: وأنا، عند شهادة (¬6) أن محمدًا رسول الله: وأنا. رواه ابن حبان من طريق هشام، عن أبيه أيضًا (¬7)، وبَوَّب عليه: باب إباحة الاقتصار للمرء عند سماعه الأذان على قوله: وأنا وأنا دون تلفظ الأذان كلمة بلسانه انتهى. وهذا يدل على أنه إذا اقتصر على وأنا وأنا يحصل له فضيلة متابعة الأذان كله. [527] (ثنا محمد بن المثنى) قال: (حدثني محمد بن جهضم) اليمامي، روى له الشيخان، قال: (ثنا إسماعيل بن جعفر، عن عمارة ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) من (م). (¬3) "صحيح ابن حبان" (1693)، و"سنن النسائي" 2/ 26. (¬4) زاد في (م): لا وهو خطأ. (¬5) "شرح النووي على مسلم" 4/ 88. (¬6) من (م)، وفي بقية النسخ: أشهد. (¬7) "صحيح مسلم" (385) (12).

ابن غزية، عن خُبيب) بضم الخاء المعجمة مصغر (ابن عبد الرحمن بن إساف) الخزرجي. (عن حفص بن عاصم بن عمر، عن أبيه، عن جده عمر بن الخطاب) هكذا في مسند مسلم (¬1) لورحنه (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -قال: إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر) فيه تثنية (¬2) التكبير، فلعله محمول على الرواية المتقدمة بالتربيع. (فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر) ويجيء في الإجابة: الله أكبر بفتح الراء كما تقدم في الأذان (فإذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فإذا قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، قال: أشهد أن محمدًا رسول الله) بلسانه وقلبه. (ثم (¬3) قال: حيَّ على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله) أي: في المرتين] (ثم قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله) قال الطيبي: معنى الحيعلتين: هلم بوجهك وسريرتك إلى الهدى، وبالصلاة عاجلًا، وبالفوز بالنعيم آجلًا، فناسب (¬4) أن يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله (¬5) أي: هذا أمر عظيم لا أستطيع مع ضعفي القيام به إلا إذا وفقني الله بحوله وقوته، ومما لوحظت فيه المناسبة ما نقل عبد الرزاق عن ابن جريج قال: حدثت أن الناس كانوا ينصتون للمؤذن إنصاتهم للقرآن فلا يقول شيئًا إلا قالوا مثله حتى إذا قال: حي على الصلاة، قالوا (¬6): لا ¬

_ (¬1) 385. (¬2) في (ص): تنبيه. والمثبت من (س، ل، م). (¬3) من (م). وفي (س، ص): فإذا. (¬4) من (م)، وفي بقية النسخ: فباشر. (¬5) زاد في (م): العلي العظيم. (¬6) في (م): قال.

حول ولا قوة إلا بالله (¬1)، وإذا قال: حي على الفلاح، قالوا: ما شاء الله (¬2) انتهى. وإلى هذا صار بعض الحنفية (¬3). وروى ابن أبي شيبة مثله عن عثمان (¬4). وروى سعيد بن جبير قال: يقول في جواب الحيعلة: سمعنا وأطعنا (¬5). وقال بعضهم: يَجْمع بين الحيعلة والحوقلة. واختاره شيخ الإسلام البلقيني. (ثم قال: الله أكبر الله أكبر قال) المجيب (¬6): (الله أكبر الله أكبر). وفي هذا الحديث دلالة على استحباب المتابعة عقب كل كلمة لا معها ولا يتأخر عنها، فإن ترَك الإجابة لشغل أو نسيالن أو عامدًا حتى فرغ المؤذن. قال الإسنوي: فالظاهر أنه يتداركه قبل طول الفصل لا بعده، ولك أن تقول تكبير العيد المشروع عقب الصلاة يتداركها الناسي وإن طال الفصل في أصح الوجهين فما الفرق؟ (¬7). (ثم قال: لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا الله) فيه الاستحباب لكل سامع ومستمع من طاهر ومحدث وجُنُب وحائض. قال السبكي: وفيه نظر؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - لما سلَّم عليه [المهاجر بن قنفذ] (¬8) وهو يبول توضأ (¬9) ¬

_ (¬1) زاد في (م): العلي العظيم. (¬2) "مصنف عبد الرزاق" (1849). (¬3) "البحر الرائق" 1/ 273. (¬4) "مصنف ابن أبي شيبة" (2381). (¬5) "فتح الباري" 2/ 109. (¬6) سقط من (م). (¬7) "أسنى المطالب في شرح روض الطالب" 1/ 130. (¬8) في (ص، س): المهاجرون قعد. وفي (م): المهاجرون فبعد. وفي (ل): المهاجرون قنفذ. والمثبت من المصادر. (¬9) في (س): يومًا.

وقال: "كرهت أن أذكر الله إلا على طهر - أو على طهارة" (¬1). وهو حديث صحيح. ثم قال: والتوسط أنه يستحب للمحدث، ولا يستحب للجنب والحائض. وفي الحديث: كان يذكر الله على كل أحيانه (¬2). إلا الجنابة (¬3). فإن كان في صلاة فالمشهور في المذهب كراهة الإجابة (¬4) في الصلاة، بل يؤخرها حتى يفرغ، فإن أجاب في الحيعلة بطلت، كذا أطلقه كثير منهم (¬5)، ونصَّ الشافعي في "الأم" على عدم فساد الصلاة بذلك (¬6)، وظاهر الحديث يعمُّ سماع المصلي وغيره، وكذا إطلاق الأمر في قوله: "فقولوا مثل ما قال" ولأن المجيب لا يقصد المخاطبة، وليس عنده من يخاطبه. (من قلبه) فيه أن الأعمال يشترط لها القصد والإخلاص؛ لأن الإخلاص محله القلب كما في الحديث، وهو محل نظر الله تعالى. (دخل الجنة) يشبه أن يكون مع السابقين، وإلا فمجرد الإسلام موجب لدخول الجنة إذا مات عليه. * * * ¬

_ (¬1) سبق تخريجه. (¬2) رواه مسلم (373). (¬3) "حاشية الرملي" 1/ 130. (¬4) في (م): الإقامة. (¬5) "روضة الطالبين" 1/ 203. (¬6) "الأم" 1/ 181.

37 - باب ما يقول إذا سمع الإقامة

37 - باب ما يَقُولُ إِذا سَمِعَ الإِقامَةَ 528 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ داودَ العَتَكِيُّ، حَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ ثابِتٍ حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشّامِ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبي أمامَةَ أَوْ عَنْ بَعْضِ أَصْحابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ بِلالًا أَخَذَ فِي الإِقامَةِ فَلَمّا أَنْ قال قَدْ قامَتِ الصَّلاةُ. قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَقامَها اللهُ وَأَدامَها". وقال فِي سائِرِ الإِقامَةِ كَنَحْوِ حَدِيثِ عُمَرَ - رضي الله عنه - فِي الأذَانِ (¬1). * * * [528] (ثنا سليمان بن داود العتكي) قال: (ثنا محمد بن ثابت، [قال: حدثني رجل من أهل الشام] (¬2)، عن شهر بن حوشب) بفتح الحاء المهملة، الأشعري الشامي، أصله من دمشق، سكن البصرة، وهو تابعي مشهور (عن أبي أمامة) صدي بن عجلان - رضي الله عنه - (- أو عن بعض أصحاب النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: أن بلالًا أخذ في الإقامة، فلما أن قال: قد قامت الصلاة) قد قامت الصلاة (قال النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: أقامها الله) تعالى (وأدامها). فيه دليل على مشروعية إجابة المؤذن [في الإقامة] (¬3) كما تقدم في عموم (¬4) قوله: "إذا سمعتم الأذان فقولوا". وعلى استحباب: أقامها الله وأدامها عند قوله [في الإقامة] (¬5) قد قامت الصلاة؛ لما فيه من ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 1/ 411. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (84). (¬2) من (س، م). (¬3) من (ل، م). (¬4) من (م). (¬5) سقط من (ل، م).

المناسبة، ويتابع في بقية الإقامة كما يتابع في الأذان قال السبكي: إلا على وجه ضعيف (¬1) قال: ويحولق في الحيعلتين مرتين. قال الإسنوي: يقول في كلمة الإقامة: أقامها الله وأدامها وجعلني من صالحي أهلها. وذكره في "النهاية" بلفظ الأمر (¬2). وفي "تحرير الجرجاني" وكثير من نسخ "التنبيه": أقامها الله وأدامها ما دامت السماوات والأرض. (وقال في سائر الإقامة كنحو حديث عمر - رضي الله عنه - في الأذان) قبل هذا الحديث، وأنه كان يتابعه كلمة كلمة كما تقدم عن السبكي، والله أعلم. ¬

_ (¬1) في (س): ضعف. (¬2) "أسنى المطالب في شرح روض الطالب" 1/ 130.

38 - باب ما جاء في الدعاء عند الأذان

38 - باب ما جاءَ في الدُّعاء عِنْد الأَذانِ 529 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَلِيُّ بْنُ عَيّاشٍ، حَدَّثَنا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قال حِينَ يَسْمَعُ النِّداءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هذِه الدَّعْوَةِ التّامَّةِ والصَّلاةِ القائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلَةَ والفَضِيلَةَ وابْعَثْهُ مَقامًا مَحْمُودًا الذِي وَعَدْتَهُ، إِلَّا حَلَّتْ لَهُ الشَّفاعَةُ يَوْمَ القِيامَةِ" (¬1). * * * باب الدعاء عند الأذان [529] (ثنا أحمد بن حنبل) قال: (ثنا علي بن عياش) بالياء المثناة والشين المعجمة الألهاني شيخ البخاري قال: (ثنا شعيب بن أبي حمزة) بالحاء المهملة والزاي، مولى بني أمية عنده عن الزهري نحو ألف وسبعمائة حديث، وكان بديع الخط، قال أحمد بن عبد الله العجلي (¬2) ويعقوب بن شيبة وأبو حاتم (¬3) والنسائي: ثقة (¬4) (عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من قال حين يسمع النداء) أي تمام النداء، وظاهره أنه يقول الذكر المذكور حال سماع المؤذن، ولا يتقيد بفراغه، لكن يحتمل أن يكون المراد من النداء تمامه كما تقدم، والمطلق يحمل على الكامل، ويؤيده ¬

_ (¬1) رواه البخاري (614، 4719). (¬2) "الثقات" للعجلي (732). (¬3) "الجرح والتعديل" 4/ 345. (¬4) "تهذيب الكمال" 12/ 519.

حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند مسلم بلفظ: "قولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليّ ثم سلوا الله لي الوسيلة" (¬1) ففي هذا أن الذكر يقال عند فراغ (¬2) الأذان، واستدل الطحاوي بهذا الحديث على أنه لا يتعين إجابة المؤذن بمثل (¬3) ما يقول، بل لو اقتصر على الذكر المذكور لكفاه (¬4). (اللهم رب هذِه الدعوة) بفتح الدال، زاد البيهقي من طريق محمد بن عوف عن علي بن عياش: "اللهم إني أسألك بحق هذِه الدعوة" (¬5). والمراد بها دعوة التوحيد، لقوله تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ} (¬6) (التامة) قيل لكلمة (¬7) التوحيد تامة، لأن النقص منها شرك، والتامة التي لا يدخلها نقص ولا تغيير ولا تبديل، بل هي باقية (¬8) إلى يوم النشور. قال ابن التين: وصفت بالتامة، لأن فيها أتم القول، وهو لا إله إلا الله. قال الطيبي (¬9): من أوله إلى محمد رسول الله هي الدعوة (¬10) التامة. ¬

_ (¬1) تقدم. (¬2) في (م): سماع. (¬3) في (م): مثل. (¬4) انظر: "شرح معاني الآثار" 1/ 146. (¬5) "السنن الكبرى" للبيهقي 1/ 410. (¬6) الرعد: 14. (¬7) في (م): بكلمة. (¬8) في (س): ثابتة. (¬9) من (م). (¬10) سقط من (م).

(والصلاة) هنا هي الحيعلة؛ لقوله: {وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} ويحتمل أن يراد بالصلاة الدعاء، وبالصلاة (القائمة) الدائمة من قولهم: قام بالشيء إذا داوم عليه، ويحتمل أن يراد بالصلاة المعهودة المدعوِّ لها (¬1)، وهو أظهر (¬2). (آت) سيدنا (محمدًا الوسيلة) هي ما يتقرب بها إلى الكبير، وتطلق على المنزلة الرفيعة. (والفضيلة) أي: الرتبة الزائدة على سائر الخلق، ويحتمل أن تكون منزلة أخرى، أو تفسيرًا للوسيلة. (وابعثه مقامًا محمودًا) أي: يحمد (¬3) من يقوم فيه، وهو مطلق في كل ما يجلب الحمد من أنواع الكرامات، ونصب على الظرفية، أي: ابعثه يوم القيامة وأقمه مقامًا محمودًا، أو على أنه مفعول به أو ضُمِّنَ (¬4) ابعثه معنى أقمه، ويجوز أن يكون حالًا أي ابعثه ذا مقام محمود، قال النووي: ثبتت الرواية بتنكيره، وكأنه حكاية لفظ القرآن. قال الطيبي: إنما نكره لأنه أفخم وأجزل، كأنه قيل: مقامًا، [وأيُّ مقام] (¬5) محمودًا بكل لسان. (الذي وعدته) زاد البيهقي: "إنك لا تخلف الميعاد" (¬6). قال الطيبي: ¬

_ (¬1) في (م): بها. (¬2) انظر: "فتح الباري" 2/ 113. (¬3) في كل النسخ: (محمد)، وما أثبتناه أقرب. (¬4) في (ص): ضمر. (¬5) في (ص، س، ل): أي مقامًا. (¬6) "سنن البيهقي الكبرى" 1/ 410.

المراد بذلك قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} (¬1) وأطلق عليه الوعد؛ لأن عسى من الله واقع كما صح عن ابن عيينة وغيره، والموصول إما بدل أو عطف بيان، هكذا قال شيخنا ابن حجر (¬2)، وفيه نظر؛ لأن شرط عطف البيان كما قال ابن مالك وغيره أنه (¬3) لا يخالف متبوعه في تعريفه وتنكيره (¬4)؛ ولهذا ردوا قول الزمخشري أن {مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} (¬5) عطف بيان على {آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} وقالوا: أنه سهو، وكذا رُد عليه في قوله: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى} (¬6) و {وَأَنْ تَقُومُوا} عطف على (وَاحِدَةٍ) ولا يختلفون في جواز ذلك في البدل نحو {صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ} (¬7) ونحو {بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ} (¬8). ويحتمل أن يجاب عن الزمخشري بأن النكرة إذا خصصت بالوصف صارت في معنى المعرفة، ولهذا جاز الابتداء بالنكرة إذا وصفت، وجاز ¬

_ (¬1) الإسراء: 79. (¬2) "فتح الباري" 2/ 95. (¬3) في (م): أن. (¬4) عطف البيان تابع يجري مجرى النعت في تكميل متبوعه، ومجرى التوكيد في تقوية دلالته، ومجرى البدل في صلاحيته للاستقلال. ولهذا وجب أن يكون موافقًا المتبوع في الإفراد والتذكير وملحقاتهما. انظر: "شرح الشافية الكافية" لابن مالك 3/ 1192. (¬5) آل عمران: 97. (¬6) سبأ: 46. (¬7) الشورى: 52 - 53. (¬8) العلق: 15 - 16.

أن تكون الجملة حالًا عن النكرة إذا تخصصت كما في قوله تعالى: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ} (¬1) أي: {أنزلناه} جملة حالية من {ذكر}؛ لأنه مخصوص بالصفة؛ ولهذا أجاز أبو الحسن وصف النكرة بالمعرفة في قوله تعالى: {فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ} (¬2) أن الأوليان صفة لآخران لتخصصه بالصفة، وهي {يَقُومَانِ}، واستبعد أبو حيان أن يكون {مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} عطف بيان من جهة أخرى، وهي أن مذهب البصريين أن عطف البيان لا يجوز إلا أن يكونا معرفتين، ولا يجوز أن يكونا نكرتين، قال: ولم يقم لهم دليل على تعيين (¬3) عطف البيان في النكرة (¬4)، وما ذكره أبو حيان لا يرد على الزمخشري على ما قررناه؛ لأن {آيَاتٍ} لما تخصصت صارت معرفة، وعطف البيان في المعرفة بالمعرفة لا نزاع فيه (¬5). وعلى كل حال فالأولى أن يعرب {مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} والموصول في الحديث بدلا من "مقامًا محمودًا" أو يكون خبر مبتدأ محذوف أي: هو الذي وعدته، أو مبتدأ حذف خبره أي؛ الذي وعدته هو المقام المحمود، ويكون "الذي وعدته" ذكر بصيغة الموصول لتعظيم وعد الله تعالى وصدقه، ويجوز أن يكون "الذي" منصوب على تقدير أعني، أو أمدح الذي وعدته، ومما يدل على أن الصفة إذا تخصصت صارت ¬

_ (¬1) الأنبياء: 50. (¬2) المائدة: 107. (¬3) في (س): نفس. (¬4) "البحر المحيط" 3/ 10. (¬5) من (م).

معرفة وروده (¬1) معرفة في رواية أخرى، فقد وقع في رواية النسائي وابن خزيمة وغيرهما: "المقام المحمود (¬2) الذي وعدته" (¬3) وهذا مبطل للنزاع. وقال ابن الجوزي: الأكثر على أن المراد بالمقام المحمود الشفاعة، وقيل (¬4): إجلاسه على العرش، وقيل: على الكرسي، وعلى تقدير الصحة لا ينافي الأول؛ لاحتمال أن يكون الإجلاس علامة الإذن في الشفاعة، ويحتمل أن يكون المراد بالإجلاس الدرجة الرفيعة التي هي الوسيلة (¬5). [(إلا حلَّت)] (¬6) أي استحقت ووجبت، ووقع في الطحاوي من رواية ابن مسعود: "وجبت له" (¬7). ولا يجوز أن يكون حلت من الحِل (¬8)؛ لأنها لم تكن قبل ذلك محرمة (له) هذا يدل على أن الرواية المتقدمة: "حلت عليه". على فيها بمعنى اللام، أو يقال هنا أن اللام بمعنى على كما في حديث عائشة: "واشترطي (¬9) لهم الولاء" (¬10). ¬

_ (¬1) في (م): ورواه. (¬2) زاد في (س): الشفاعة. (¬3) "سنن النسائي" 2/ 26، و"صحيح ابن خزيمة" (680). (¬4) زاد في (م): هي. (¬5) "فتح الباري" 2/ 95. (¬6) في (م): أحلت. (¬7) "شرح معاني الآثار" 1/ 145. (¬8) في (م): الحلال. (¬9) في (ص): واشترطت. (¬10) طرف حديث أخرجه البخاري (2168)، ومسلم (1504) (8) وأبو داود (3929) وسيأتي تخريجه إن شاء الله عند شرحه.

(الشفاعة يوم القيامة) استشكل بعضهم جعل ذلك جوابًا لقائل (¬1) ذلك مع ما ثبت من أن الشفاعة للمذنبين، وأجيب: بأن - صلى الله عليه وسلم - شفاعات أخر، كإدخال الجَنَّة بغير حساب، وكرفع الدرجات. ونقل القاضي عياض عن بعض شيوخه أنه كان يرى اختصاص ذلك لمن قاله من قلبه مخلصًا، لا من قصد مجرد الثواب (¬2)، قال ابن حجر: وهو غير مرضي، ولو كان أخرج الغافل الناسي لكان أشبه انتهى (¬3). ويدل على ذلك (¬4) ما نقله عياض عن شيخه قوله في حديث المتابعة في الأذان "من قلبه دخل الجَنَّة" كما تقدم. قال المهلب: وفي الحديث الحضُّ على الدعاء في أوقات الصلوات؛ لأنه حال رجاء الإجابة (¬5). * * * ¬

_ (¬1) في (م): لتقابل. (¬2) "إكمال المعلم" 2/ 253. (¬3) "فتح الباري" 2/ 96. (¬4) سقط من (م). (¬5) انظر: "فتح الباري" 2/ 96.

39 - باب ما يقول عند أذان المغرب

39 - باب ما يَقُولُ عِنْدَ أَذانِ المَغْرِبِ 530 - حَدَّثَنا مُؤَمَّل بْن إِهابٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن الوَلِيدِ العَدَنِيُّ، حَدَّثَنا القاسِمُ بْنُ مَعْنٍ، حَدَّثَنا المسْعُودِيُّ، عَنْ أَبِي كَثِيرٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قالتْ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أقولَ عِنْدَ أَذانِ المَغْرِبِ: "اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا إِقْبال لَيلِكَ وَإدْبارُ نَهارِكَ وَأَصْواتُ دُعاتِكَ فاغَفِرْ لِي" (¬1). * * * [530] (ثنا مؤمل بن إهاب) بن عبد العزيز الربعي الكوفي فزل الرملة، قال أبو حاتم: صدوق، توفي بالرملة سنة أربعة وخمسين (¬2) قال: (ثنا عبد الله بن الوليد) بن ميمون (العدني) نسبة إلى عدن، كان يقول: أنا مكي فلم يقال عدني؟ ! قال أبو زرعة: صدوق (¬3)، روى له البخاري في "الأدب". قال: (ثنا القاسم بن معن) بفتح الميم وسكون المهملة المسعودي، وثقه أحمد (¬4)، قال: (ثنا) عبد الرحمن بن عبد الله (المسعودي، عن أبي كثير) لم أقف على اسمه، وذكره الذهبي في "الكُنى" ولم يسمه (¬5) (مولى أم سلمة) روى عنه الترمذي أيضًا (عن) مولاته (أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقول عند أذان المغرب: اللهم هذا) الوقت ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3589). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (85). (¬2) انظر: "الجرح والتعديل" (1715). (¬3) انظر: "الجرح والتعديل" (875). (¬4) "بحر الدم فيمن تكلم فيه أحمد بمدح أو ذم" (842). (¬5) "المقتنى في سرد الكنى" (5197).

وقت (إقبال ليلك، وإدبار نهارك) وكذا يقول عند أذان (¬1) الفجر: اللهم هذا إقبال نهارك وإدبار ليلك (وأصوات دعاتك) جمع داعي، كقاضي وقضاة، وزاد: "وحضور (¬2) صلواتك" (¬3). (فاغفر لي) قال شارح "المصابيح": يعني بحق (¬4) هذا الوقت الشريف اغفر لي (¬5)، ورواه الحاكم في "المستدرك" وقال: صحيح (¬6). * * * ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): حصول. (¬3) "سنن الترمذي" (3589). (¬4) في (س): نحو. (¬5) "مشكاة المصابيح" 1/ 198. (¬6) "المستدرك" 1/ 199.

40 - باب أخذ الأجر على التأذين

40 - باب أخْذِ الأَجْرِ عَلَى التَّأْذِينِ 531 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنا سَعِيدٌ الحرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي العَلاءِ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ عُثْمانَ بْنِ أَبِي العاصِ قال: قُلْت: وقال مُوسَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إِنَّ عُثْمانَ بْنَ أَبي العاصِ قال: يا رَسُولَ اللهِ اجْعَلْنِي إِمامَ قَوْمِي. قال: "أَنْتَ إِمامُهُمْ واقْتَدِ بِأَضْعَفِهِمْ واتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لا يَأْخُذُ عَلَى أَذانِهِ أَجْرًا" (¬1). * * * باب أخذ الأجر على التأذين [531] (ثنا موسى بن إسماعيل) قال: (ثنا حماد) قال: (ثنا سعيد) بن إياس (الجريري) بضم الجيم مصغر (عن أبي العلاء) يزيد بن عبد الله (¬2) ابن الشخير العامري (عن) أخيه (¬3) مطرف بن عبد الله، عن عثمان بن أبي العاص) بن بشر الثقفي، وفد على النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - في وفد ثقيف، وكان أحدثهم سنًّا، وله تسع وعشرون سنة، وذلك سنة عشر (قال: قلت) يا رسول الله (- وقال موسى) بن إسماعيل (في موضع آخر: إن) بكسر الهمزة؛ لأنها بعد القول (عثمان بن أبي العاص قال - يا رسول الله اجعلني إمام قومي) فيه جواز طلب الإمامة من الإمام الأعظم إذا عرف من نفسه القيام بحقوقها، ولعله كان أَوْلَاهم بالإمامة فتعيَّن عليه طلبها ليحفظ على المسلمين صلواتهم، أو (¬4) كان فيها من لا يصلح. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (468) بنحوه، ورواه بلفظه النسائي 2/ 23، وأحمد 4/ 21، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (541). (¬2) في (م): عبد العلاء. (¬3) من (م). (¬4) في (م): و.

(قال: أنت إمامهم) فيه إعطاء الإمامة من (¬1) طلبها إذا عرف منه أنه أهل لها أو هو أحقهم بالإمامة، ولا يقدح الطلب في أهليته (واقتد بأضعفهم) أي: قوة في البدن وحيلة في أمور الدنيا وأكثرهم خشوعًا وتذللًا في نفسه لله تعالى ولإخوانه المسلمين، ويحتمل أن يراد به أكثرهم رقة في قلبه وضعفًا عن أذى الناس (¬2)، وهو ضد المتكبر الأشر، وفي الحديث: "أهل الجَنَّة كل ضعيف متضعف (¬3) " (¬4)، ويحتمل به الضعيف من الكبر (¬5) فيجتمع فيه ضعف وشيبة، وقِدمَ سنٍّ في الإسلام. والمراد أنك وإن كنت إمامهم ومقدَّم عليهم فلا تترك التواضع لهم، والاقتداء بأضعفهم إذا فرغت من إمامتك (¬6) ووجدته يصلي منفردًا أو خلفه جماعة (¬7). (واتخذ مؤذنًا) محتسبًا لا يطلب ثواب أذانه من أحد من الخليقة، إلا من الله تعالى (¬8)؛ فلهذا قال: (لا يأخذ على أذانه أجرًا) من بيت المال ولا من غيره، [واستدل به أبو حنيفة على أنه لا يجوز أخذ الأجرة على ¬

_ (¬1) في (م): لمن. (¬2) في (س): المسلمين. (¬3) في (ص، س، ل): متعفف. (¬4) أخرجه البخاري (4918)، ومسلم (2853/ 46)، والترمذي (2605)، وابن ماجة (4116) من حديث حارثة بن وهب - رضي الله عنه -. (¬5) في (س): الكبير. (¬6) في (ص): إقامتك. (¬7) هذا الكلام بعيد جدًّا قال ابن رجب في "الفتح" 6/ 77: واقتد بأضعفهم: أي: راع حال الأضعف، وصل صلاة لا تشق عليهم. (¬8) هذا استثناء منقطع، والمعنى لكن يطلبه من الله تعالى.

الأذان (¬1)، وحمله الشافعي على الكراهة] (¬2)، وقال إمام الحرمين: وإذا وجد الإمام من يتطوع بالأذان لم يستأجر من بيت مال المسلمين، وإن لم يجد من يتطوع فيستأجر حينئذٍ، ثم ظاهر نص الشافعي أنه لا يستأجر أكثر من مؤذن واحد. قال: والمراد أنه لا يستأجر في مسجدٍ واحد أكثر من مؤذنٍ، ولو كان صوت مؤذن واحد لا يسمعه أهل البلد فلابد من استئجار من يبلغ صوتهم أهل البلد وإن بلغوا عددًا (¬3). وقد ذكر البيهقي في "المعرفة" أن الشافعي احتج في "الإملاء" بقصة عثمان في جواز أكثر من مؤذنين (¬4)، قال الرافعي: اتخذ عثمان أربعة من المؤذنين ولم يزد (¬5) الخلفاء على هذا القدر (¬6) (¬7)، قال إمام الحرمين: وهو محمول على ما ذكرته من تحصيل الغرض في إسماع أهل البلد (¬8). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "المبسوط" 1/ 152. (¬2) جاءت هذه العبارة في (م): بعد قوله: فيستأجر حينئذ. (¬3) "نهاية المطلب" 2/ 63. (¬4) "معرفة السنن والآثار" 2/ 269. (¬5) زاد في (س): به. (¬6) في (س، ل، م): العدد. (¬7) "الشرح الكبير" 1/ 425. (¬8) "نهاية المطلب" 2/ 64.

41 - باب في الأذان قبل دخول الوقت

41 - باب فِي الأَذانِ قَبْل دُخُولِ الوَقْتِ 532 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ وَداودُ بْن شَبِيبٍ - الْمَعْنَى - قالا: حَدَّثَنا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ بِلالًا أَذَّنَ قَبْلَ طُلُوعِ الفَجْرِ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَرْجِعَ فَيُنادِيَ: "أَلَا إِنَّ العَبْدَ قَدْ نَامَ أَلَا إِنَّ العَبْدَ قَدْ نَامَ". زَادَ مُوسَى فَرَجَعَ فَنادَى أَلا إِنَّ العَبْدَ نَامَ. قال أَبُو داودَ: وهذا الحَدِيثُ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَيُّوبَ إِلا حَمَّادُ بْن سَلَمَةَ (¬1). 533 - حَدَّثَنا أَيُّوبُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنا شعَيْبٌ بْنُ حَرْبٍ عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ، أَخْبَرَنا نَافِعٌ عَنْ مُؤَذِّنٍ لِعُمَرَ يُقال لَه مَسْرُوحٌ، أَذَّنَ قَبْلَ الصُّبْحِ، فَأَمَرَهُ عُمَرُ. فَذَكَرَ نَحْوَهُ. قال أَبُو دَاودَ: وَقَدْ رَواهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ أَوْ غَيْرِهِ أَنَّ مُؤَذِّنًا لِغمَرَ يُقال لَه مَسْرُوحٌ أَوْ غَيْرُهُ. قال أَبُو داودَ: وَرَواهُ الدَّراوَرْدِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قال: كانَ لِعُمَرَ مُؤَذِّنٌ يُقال لَهُ: مَسْعُودٌ، وَذَكَرَ نَحْوَهُ وهذا أَصَحُّ مِنْ ذَلِكَ (¬2). 534 - حَدَّثَنا زُهَيْرُ بْن حَرْبٍ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقانَ، عَنْ شَدَّادٍ مَوْلَى عِياضِ بْنِ عامِرٍ عَنْ بِلالٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَال لَهُ: "لا تُؤَذِّنْ حَتَّى يَسْتَبينَ لَكَ الفَجْرُ هَكَذا". وَمَدَّ يَدَيْهِ عَرْضًا. قال أَبُو داودَ: شَدَّادٌ مَوْلَى عِياضِ يُدْرِكْ بِلَالًا (¬3). ¬

_ (¬1) رواه عبد بن حميد (782)، والطحاوي في شرح معاني الآثار" (864)، والبيهقي 1/ 383. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (542). (¬2) رواه البيهقي 1/ 384 من طريق أبي داود. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (543). (¬3) رواه الطبراني 1/ 365 (1121)، والبيهقى 1/ 384. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (545/ م).

باب في الأذان قبل دخول الوقت [532] (ثنا موسى بن إسماعيل وداود بن شبيب المعنى، قالا: ثنا حماد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن بلالًا أذّن قبل طلوع الفجر) وفي رواية الترمذي (¬1): أذّن بليل (¬2) (فأمره النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - أن يرجع) بفتح أوله وكسر ثالثه مع التخفيف، أي: إلى الموضع الذي أذَّن فيه قبل الفجر، (فينادي) فيه (الا إن العبد) قد (نمام)، ويشبه أن يكون المراد إن العبد نام واستيقظ من نومه فأذن قبل الوقت المعتاد لبقايا أثر النوم معه. (زاد موسى) [بن إسماعيل] (¬3) في روايته (¬4): (فرجع) زاد البزار: فرقى بلال وهو يقول: ليت بلالًا ثكلته أمه (¬5) (ونادى) في مكانه الأول (ألا إن العبد نام) استدل به أبو حنيفة على أنه لا يجوز الأذان قبل الفجر (¬6)، وادعى بعض الحنفية كما حكاه السروجي عنهم أن النداء قبل الفجر الوارد في الصَّحيحين: "إن بلالًا يؤذن بليل" (¬7) لم يكن بألفاظ الأذان، وإنما كان تذكيرًا وتسحيرًا كما يقع للناس ¬

_ (¬1) في (س): للترمذي. (¬2) "سنن الترمذي" (203) معلقًا، وقال عقبه: هذا حديث غير محفوظ. (¬3) في (س): أن إسماعيل قال. (¬4) في (م): رواية. (¬5) "مسند البزار" (6667) من طريق الحسن عن أنس. (¬6) "بدائع الصنائع" 1/ 154. (¬7) أخرجه البخاري" (617)، ومسلم (1092) (36، 37).

اليوم (¬1)، وهذا مردود؛ لأن الذي يصنعه الناس اليوم محدث قطعًا، وقد تظافرت الطرق على التعبير بلفظ الأذان فحمله على معناه الشرعي مقدم، وادعى ابن القطان أن ذلك كان في رمضان خاصةً (¬2)، وفيه نظر، وأجاب أصحابنا بأن (هذا الحديث لم يروه عن أيوب إلا حماد ابن سلمة) وهو غير صحيح. [533] (ثنا أيوب بن منصور) قال: (ثنا شعيب بن حرب) المدائني البغدادي نزيل مكة، من أبناء خراسان، روى له البخاري (عن عبد العزيز بن أبي رواد) بفتح الراء والواو المشددة، مولى المهلب بن أبي صفرة، ثقة، روى له البخاري في "الأدب". (قال: أنا نافع، عن مؤذن لعمر يقال له مسروح) بمهملات مولى عمر بن الخطاب ومؤذنه، ويقال مسعود، ذكره ابن حبان في "الثقات" فقال: مسروح بن سبرة النهشلي (¬3). (أذن قبل الصبح) بليل (فامره عمر - رضي الله عنه - .. فذكر نحوه) أي: أمره عمر أن يعيد الأذان، فقال: قل: إن مسروحًا نام. وأجاب أصحابنا عن هذا بأنه رواه نافع عن عمر فهو مرسل، والمرسل ليس بحجة عند [الشافعي إلا مرسل سعيد بن المسيب، فإنها فتشت فوجدت مسانيد، (¬4)، وقد وصله الدارقطني من طريق أبي يوسف، عن سعيد، عن قتادة، عن (¬5) أنس، ¬

_ (¬1) "شرح كنز الدقائق" للزيلعى 1/ 93. (¬2) "بيان الوهم والإيهام" 5/ 337. (¬3) "الثقات" لابن حبان 5/ 461، وفيه: مروح بن سبرة النهشلي يروي عن عمر. (¬4) جاءت هذه العبارة في (م) بعد قوله: والمرسل أصح. (¬5) من (م). وفي باقي النسخ: بن.

ثم قال: والمرسل أصح (¬1). (وقد رواه حماد بن زيد (¬2) عن عبيد الله) بالتصغير (بن عمر، عن نافع، أو عن (¬3) غيره أن مؤذنًا لعمر) - رضي الله عنه - (يقال له مسروح). (ورواه) عبد العزيز بن محمد (الدراوردي، عن عبيد الله (¬4)، عن نافع، عن ابن عمر قال: كان لعمر مؤذن) هو مولاه (يقال له مسعود .. وذكر نحوه. وهذا أصح من ذلك) أي من حديث (¬5) حماد بن سلمة. [534] (ثنا زهير بن حرب) قال: (ثنا وكيع) قال: (ثنا جعفر بن برقان) بضم الباء الموحدة وتخفيف القاف، الكلابي الرقي (¬6)، روى له مسلم (عن شداد مولى عياض بن عامر) بن الأسقع العامري. (عن بلال) بن حمامة مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: لا تؤذن حتى يستبين لك) [وفي رواية للبخاري: "حتى يستنير" (¬7) بنون وآخره راء من الاستنارة] (¬8). قال المزي (¬9): وقع لنا عاليًا فأسنده بلفظ "لا تؤذن حتى ترى .. " (¬10). (الفجر هكذا) استدل به الحنفية أيضًا على أنه لا يجوز الأذان قبل ¬

_ (¬1) "العلل للدارقطني" 12/ 339. (¬2) في (م): يزيد. (¬3) من (س). (¬4) في (م): عبد الله. (¬5) من (م). (¬6) من (س، ل، م). (¬7) انظر: "جامع الأصول" 6/ 12. (¬8) جاءت هذه العبارة في (م) بعد قوله حتى ترى. (¬9) في جميع النسخ: الذهبي، وهو خطأ، والمثبت من المصادر. (¬10) "تهذيب الكمال" 12/ 407.

الفجر (¬1)، وأجاب أصحابنا بأنه يحتمل أنه أراد الإقامة فإنها تسمى أذانًا كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "بين كل أذانين صلاة" (¬2) أو قال ذلك في اليوم الذي كان نوبته أن يؤخر، فقد كان بلال يؤذن مرّة وابن أم مكتوم مرّة. (ومد يديه) (¬3) رواية الصَّحيحين عن ابن مسعود: ليس الذي يقول هكذا وجمع أصابعه ورفعها إلى فوق ثم نكسها إلى الأرض (¬4)، وفي (¬5) رواية للبخاري: بإصبعيه ورفعهما ولكن الذي يقول هكذا ووضع المسبحة على المسبحة ومد يده (¬6). كأنه جمع بين إصبعيه ثم فرقهما، أي: فرق مسبحتيه مع مد يديه. (عرضًا) في الأفق زاد البخاري: عن يمينه وشماله (¬7)، أي: ذاهبًا باليد اليمنى يمينًا وبالأخرى شمالًا، بخلاف الفجر الكاذب فإنه يظهر في أعلى السماء ثم يخفض، وإلى هذا أشار في هذا الحديث رفع ثم طأطأ. (قال أبو داود: شداد مولى عياض لم يدرك بلالًا) ولم يرو أبو داود عن شداد غير هذا الحديث، وقد روى في غير أبي داود، عن سالم بن وابصة بن معبد، وأبيه وابصة بن معبد، وأبي هريرة. * * * ¬

_ (¬1) "بدائع الصنائع" 1/ 154. (¬2) سيأتي تخريجه إن شاء الله. (¬3) في (ص): يده. (¬4) "صحيح البخاري" (7247)، و"صحيح مسلم" (1093). (¬5) من (م). (¬6) هذه رواية مسلم السابقة، ولم أقف على هذه الرواية في "صحيح البخاري". (¬7) "صحيح البخاري" (621).

42 - باب الأذان للأعمى

42 - باب الأَذَانِ لِلأَعْمَى 535 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سالمِ بنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّ ابن أُمِّ مَكْتُومٍ كانَ مُؤَذِّنًا لِرَسُولِ اللِّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ أَعْمَى (¬1). * * * [535] (ثنا محمد بن سلمة) (¬2) قال: (ثنا ابن وهب، عن يحيى بن عبد الله) بن سالم العمري، صدوق، روى له مسلم. (وسعيد بن عبد الرحمن، عن هشام (¬3) بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة: أن ابن أم مكتوم) اسمه عمرو، وقيل: كان اسمه الحصين فسماه النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - عبد الله، ولا يمتنع أنه كان له اسمان، وهو قرشي عامري، أسلم قديمًا، والأشهر في اسم أبيه قيس بن زائدة [وكان النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - يكرمه ويستخلفه على المدينة] (¬4)، وشهد القادسية في خلافة عمر، واستشهد بها. (كان مؤذنًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو أعمى) المعروف أنه عمي قبل بدر بسنتين، وهو الأعمى المذكور في سورة عبس، واسم أمه عاتكة بنت عبد الله المخزومية، وزعم بعضهم أنه ولد أعمى فكنيت أمه (¬5) أم ¬

_ (¬1) رواه مسلم (381). (¬2) من (س): وفي بقية النسخ: مسلمة. (¬3) في (ص): مسلم. (¬4) من (م). (¬5) من (م)، وفي (س، ل): أم.

مكتوم لاكتتام (¬1) نور بصره، وفيه دليل على جواز ذكر الرجل بما فيه من العاهة إذا كان بقصد التعريف ونحوه، وجواز نسبة الرجل إلى أمه إذا اشتهر بذلك كما في جماعة من الصحابة وممن بعدهم، وعلى صحة أذان الأعمى إذا اعتمد على ثقة في دخول الوقت، وعلى جواز شهادة الأعمى (¬2). * * * ¬

_ (¬1) في (س): لالتقام. (¬2) ليس هذا الكلام على إطلاقه؛ فإن الحنفية لم يجوزوا شهادته أصلًا، وأما الشافعي فقال: تقبل شهادته في أربعة أشياء فيما رآه وهو بصير ثم عَمِيَ، فشهد عليه بعد ذلك، وفي الاستفاضة والترجمة، والضبط ولا تقبل شهادته بالضبط حتى يتعلق بإنسان يسمع إقراره، ثم لا يتركه من يده حتى يؤدي شهادته عليه.

43 - باب الخروج من المسجد بعد الأذان

43 - باب الخُرُوجِ مِن المَسْجِدِ بَعْد الأَذانِ 536 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن كَثِيرٍ، حَدَّثَنا سُفْيان، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ المُهَاجِرِ عَنْ أَبِي الشَّعْثاءِ قال: كُنّا مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي المَسْجِدِ فَخَرَجَ رَجُلٌ حِينَ أَذَّنَ المؤَذِّنُ لِلْعَصْرِ فَقال أَبُو هُرَيْرَةَ: أَمّا هذا فَقَدْ عَصَى أَبا القَاسِمِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (¬1). * * * باب الخروج من المسجد بعد الأذان [536] (ثنا محمد بن كثير) قال: (أنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن إبراهيم بن المهاجر) البجلي الكوفي، روى له مسلم. (عن أبي الشعثاء) سليم بن أسود المحاربي، يقال في ابنه: أشعث بن أبي الشعثاء، ويقال: أشعث بن سليم، قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه ثقة (¬2)، روى له الجماعة من كبار التابعين. (قال: كنا مع أبي هريرة في المسجد فخرج رجل) من المسجد (حين أذّن المؤذن (¬3) للعصر، فقال أبو هريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم محمد - صلى الله عليه وسلم -. فيه دلالة على أن الخروج من المسجد بعد الأذان وقبل الصلاة مكروهٌ عند عامة أهل العلم، هذا إذافَإن لغير عذر، فإن خرج لطهارة أو عذر جاز بلا كراهة. قال القرطبي: هذا محمول على أنه حديث ¬

_ (¬1) رواه مسلم (655/ 258). (¬2) انظر: "تهذيب التهذيب" (287). (¬3) في (س): المؤذنون.

مرفوع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدليل نسبته إليه، وكأنه سمع ما يقتضي تحريم الخروج من المسجد بعد الأذان فأطلق لفظ المعصية عليه (¬1)، وفيه التحريم من الخروج حتى يصلي؛ لأن ذلك المسجد تعيَّن لتلك الصلاة، أو لأنه إذا خرج قد يمنعه مانع من الرواح (¬2) إليه (¬3). * * * ¬

_ (¬1) وقد ورد ما يؤيد ذلك، ففي إحدى روايات الحديث من طريق شريك بن عبد الله القاضي عن أشعث وزاد: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كنتم في المسجد فنودي بالصلاة فلا يخرج أحدكم حتى يصلي". لكنها زيادة فيها كلام؛ فإن شريكًا - رحمه الله - تفرد بها وحفظه سيئ. (¬2) في (م): الرجوع. وفي (ل): الروح، وفي (س): الخروج. (¬3) "المفهم للقرطبي" 2/ 281.

44 - باب في المؤذن ينتظر الإمام

44 - باب في المُؤَذِّنِ يَنْتظِرُ الإِمَامَ 537 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا شَبابَة، عَنْ إِسْرائِيلَ، عَنْ سِماكٍ عَنْ جابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قال: كانَ بِلالٌ يُؤَذِّن ثمَّ يُمْهِل فَإِذا رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ خَرَجَ أَقامَ الصَّلَاةَ (¬1). * * * باب في المؤذن ينتظر الإمام [537] (ثنا عثمان بن أبي شيبة) (¬2) قال: (ثنا شبابة) (¬3) بن سوار الفزاري (عن إسرائيل) بن يونس (عن سماك، عن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: كان بلال يؤذن) زاد مسلم: إذا دحضت الشمس (¬4) (ثم يُمهِل فإذا رأى النبِي - صلى الله عليه وسلم - قد خرج أقام الصلاة) رواية مسلم: يؤذن إذا دحضت الشمس فلا يقيم حتى يخرج النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -، فإذا خرج أقام الصلاة حين يراه (¬5). قال القاضي عياض: يجمع بين مختلف الأحاديث أن بلالًا كان يراقب خروج النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - من حيث (¬6) لا يراه غيره، أو إلا القليل، فعند أول خروجه يقيم (¬7). قال العلماء: والنهي عن القيام قبل أن يروه لئلا يطول عليهم القيام، ولأنه قد يعرض له عارض فيتأخر بسببه. * * * ¬

_ (¬1) رواه مسلم (606) بنحوه. (¬2) في (س): قتيبة. (¬3) في (س): شيبة. (¬4) "صحيح مسلم" (606) (160). (¬5) "صحيح مسلم" (606) (160). (¬6) في (س): حين. (¬7) انظر: "شرح النووي على مسلم" 5/ 103.

45 - باب في التثويب

45 - بَاب فِي التَّثْوِيبِ 538 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْن كَثِيرٍ، حَدَّثَنا سُفْيان، حَدَّثَنا أَبُو يَحْيَى القَتّاتُ، عَنْ مُجاهِدٍ قال: كُنْتُ مَعَ ابن عُمَرَ فَثَوَّبَ رَجُلٌ فِي الظُّهْرِ أَوِ العَصْرِ قال: اخْرُجْ بِنا فَإِنَّ هَذِهِ بِدْعَةٌ (¬1). * * * باب في التثويب مأخوذٌ من قولهم: ثوَّب الداعي تثويبًا ردد دعاءه. [538] (ثنا محمد بن كثير) قال: (ثنا سفيان) قال: (ثنا أبو يحيى) القتات، قال أبو حاتم؛ اسمه دينار الكوفي (¬2)، وقيل: اسمه زاذان، قال عثمان الدارمي، عن ابن معين: ثقة، حكاه في "التهذيب" (¬3). (عن مجاهد قال: كنت مع ابن عمر - رضي الله عنهما - فثوّب رجل) قيل: هو من ثاب إذا رجع سمي تثويبًا؛ لأن المؤذن دعا إلى الصلاة بالحيعلتين، ثم عاد فدعا إليها. (في الظهر - أو العصر) شك من الراوي (- قال: اخرج بنا من هذا المسجد فإن هذه) الدعوة الثانية (بدعة) فيه استحباب مفارقة من ارتكب بدعة، والخروج من المكان الذي فيه بدعة إذا لم يمكنه إبطالها، وفيه أنه لا يجوز التثويب في غير الصبح، وقد صرَّح النووي في "الروضة" ¬

_ (¬1) رواه الطبراني 12/ 403 (13486)، والبيهقي 1/ 424 من طريق أبي داود. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (549)، وفي "الإرواء" (236). (¬2) انظر: "الجرح والتعديل" (1965). (¬3) "تهذيب الكمال" 34/ 402.

بأنه يكره (¬1)، ويشبه أن يراد بهذا التثويب أن يخرج إلى باب المسجد فينادي: الصلاة رحمكم الله. * * * ¬

_ (¬1) "روضة الطالبين" 1/ 208.

46 - باب في الصلاة تقام ولم يأت الإمام ينتظرونه قعودا

46 - باب فِي الصَّلاةِ تُقامُ وَلَمْ يأْتِ الإِمَامُ ينْتَظِرُونَهُ قُعُودًا 539 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ وَمُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ قالا: حَدَّثَنا أَبانُ، عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتادَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَلا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي". قال أَبُو داودَ: وَهَكَذا رَواهُ أَيُّوبُ وَحَجَّاجُ الصَّوَّافُ، عَنْ يَحْيَى. وَهِشامٌ الدَّسْتَوائِيُّ قال: كَتَبَ إِلَيَّ يَحْيَى. وَرَواهُ مُعاوِيةُ بْن سَلَّامٍ وَعَلِيُّ بْنُ المُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى وَقالا فِيهِ: "حَتَّى تَرَوْنِي وَعَلَيكُمُ السَّكِينَةُ" (¬1). 540 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنا عِيسَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بإِسْنادِهِ مِثْلَهُ قال: "حَتَّى تَرَوْنِي قَدْ خَرَجْتُ". قال أَبُو داودَ: لَمْ يَذْكرْ: "قَدْ خَرَجْتُ". إِلا مَعْمَرٌ. وَرَواهُ ابن عُيَيْنَةَ، عَنْ مَعْمَرٍ لَم يَقُلْ فِيهِ: "قَدْ خَرَجْتُ" (¬2). 541 - حَدَّثَنا مَحْمُودُ بْن خالِدٍ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ قال: قال أَبُو عَمْرٍو، ح، وحَدَّثَنا داودُ بْنُ رُشَيْدٍ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ - وهذا لَفْظُهُ - عَنِ الأوزاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الصَّلاةَ كانَتْ تُقامُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَيَأْخُذُ النَّاسُ مَقامَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - (¬3). 542 - حَدَّثَنا حُسَيْنُ بْنُ مُعاذٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الأعلَى عَنْ حُمَيْدٍ قال: سَأَلْتُ ثابِتًا البُنانِيَّ، عَنِ الرَّجُلِ يَتَكَلَّمُ بَعْدَ ما تُقامُ الصَّلاة فَحَدَّثَنِي عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قال: أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَعَرَضَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ فَحَبَسَهُ بَعْدَ ما أقيمَتِ الصَّلاة (¬4). 543 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن عَلِيِّ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ مَنْجُوفٍ السَّدوسِيُّ، حَدَّثَنا عَوْن بْنُ كَهْمَسٍ عَنْ أَبِيهِ كَهْمَسٍ قال: قُمْنْا إِلَى الصَّلاةِ بِمِنًى والإِمامُ لَمْ يَخْرُجْ فَقَعَدَ بَعْضُنا ¬

_ (¬1) رواه البخاري (637)، ومسلم (604). (¬2) رواه مسلم (604). (¬3) رواه مسلم (605/ 159). (¬4) رواه البخاري (643).

فَقال لي شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ: ما يُقْعِدُكَ؟ قُلْتُ: ابن بُرَيْدَةَ. قال: هذا السُّمُودُ. فَقال لِي الشَّيْخُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْسَجَةَ، عَنِ البَراءِ بْنِ عازِب قال: كُنَّا نَقُومُ فِي الصُّفُوفِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طَوِيلًا قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ قال وقال: "إِنَّ اللَّه وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الذِينَ يَلُونَ الصُّفُوفَ الأُوَلَ وَما مِنْ خَطْوَةٍ أَحَبَّ إِلَى اللهِ مِنْ خَطْوَةٍ يَمْشِيها يَصِلُ بِها صَفًّا" (¬1). 544 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ قال: أُقِيمَتِ الصَّلاةُ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَجِيُّ فِي جانِبِ المَسْجِدِ فَما قامَ إِلَى الصَّلاةِ حَتَّى نامَ القَوْمُ (¬2). 545 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِسْحاقَ الجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنا أَبُو عاصِمٍ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سالِمٍ أَبِي النَّضْرِ قال: كَانَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ تقامُ الصَّلاةُ في المَسْجِدِ إِذا رَآهُمْ قَلِيلًا جَلَسَ لَمْ يُصَلِّ وَإذا رَآهُمْ جَمَاعَة صَلَّى (¬3). 546 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنا أَبُو عاصِمٍ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالِبٍ - رضي الله عنه - مِثْلَ ذَلِكَ (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه النسائي 2/ 13، وابن ماجة (997)، وأحمد 4/ 284. وقال الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" (86): إسناده ضعيف. والصحيح عن البراء: الصلاة على الصفوف الأول فقط. (¬2) رواه البخاري (642)، ومسلم (376/ 123، 124). (¬3) رواه الحاكم 1/ 202، والبيهقي 2/ 20. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (87). (¬4) رواه الحاكم في "المستدرك" 1/ 202. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (88).

باب في الصلاة تقام ولم يأت الإمام ينتظرونه قعودًا (¬1) [539] (ثنا مسلم بن إبراهيم وموسى بن إسماعيل، قالا: ثنا أبان) بن يزيد (¬2) العطار البصري، روى له مسلم. (عن يحيى) [بن أبي كثير] (¬3) (عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه) أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري فارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (عن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني) أي: إذا ذكرت ألفاظ الإقامة فلا تقوموا إلى الصلاة حتى تروني، فيه جواز الإقامة والإمام في منزله إذا كان يسمعها. قال القرطبي: ظاهر الحديث أن الصلاة كانت تقام قبل أن يخرج النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - من بيته، وهو معارض لحديث (¬4) جابر بن سمرة: أن بلالًا كان لا يقيم حتى يخرج النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - (¬5)، ويجمع بينهما بأن بلالًا كان يراقب خروج النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -، فأول ما يراه يشرع في الإقامة قبل أن يراه غالب الناس، ثم إذا رأوه قاموا فلا يقوم في مقامه حتى تعتدل ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في جميع النسخ: صمعة. وهو خطأ، والصواب: أبان بن يزيد، بدليل أنه قال بعده: العطار، وليس لأبان بن صمعة رواية عن يحيى بن سعيد أو يحيى بن أبي كثير ثم بعد ذلك ظن الشارح رحمه الله أن يحيى المذكور في السند بعده هو القطان، وهذا لا يتأتى أبدًا. ويحى هذا هو ابن أبي كثير كذا صرح أحمد وغيره عند رواية الحديث. (¬3) في جميع النسخ: القطان. وقد نبهنا عليه في التعليق السابق. (¬4) في (س، م): بحديث. (¬5) تقدم تخريجه في الحديث السابق.

صفوفهم (¬1). ويشهد له ما رواه عبد الرزاق، عن ابن جريجٍ، عن ابن شهاب: أن الناس كانوا ساعة يقول المؤذن: الله أكبر يقومون إلى الصلاة، فلا يأتي النبي (¬2) - صلى الله عليه وسلم - مقامه حتى تعتدل صفوفهم (¬3) (¬4). (هكذا رواه أيوب وحجاج) بن أبي عثمان البصري (الصوَّاف، عن يحيى [ابن أبي كثير] (¬5)، (وهشام) بالرفع، وهو ابن أبي عبد الله الدستوائي، كان يبيع الثياب الدستوائية، قال ابن معين: كان يحيى القطان إذا سمع الحديث من هشام الدستوائي لا يبالي أن لا يسمعه من غيره (¬6) (قال: كتب إليَّ يحيى) بن أبي كثير، وهو ظاهر في أنه لم يسمعه. (ورواه معاوية بن سلام) بالتشديد بن أبي سلام ممطور (¬7) الحبشي (وعلي بن المبارك) البصري (عن يحيى) بن أبي كثير و (قالا فيه: ) فلا تقوموا (حتى تروني وعليكم السكينة) (¬8) أي: في جميع أموركم خصوصًا في الوفود إلى جناب رب العزة، وفرق الكرماني بين السكينة ¬

_ (¬1) "المفهم" للقرطبي 2/ 221 - 222. (¬2) في (ص، س): إليه. (¬3) في (م): الصفوف. (¬4) "مصنف عبد الرزاق" (1942). (¬5) جاء في جميع النسخ: القطان. وهو خطأ، وقد نبهنا عليه سابقًا. (¬6) "الجرح والتعديل" 9/ 59. (¬7) في (ص، س): مخطور. (¬8) "صحيح البخاري" (909) من طريق علي بن المبارك.

والوقار بأن السكينة التأني في الحركات واجتناب العبث ونحوه، والوقار في غض البصر وخفض الصوت، قال التيمي: روي: السكينة بالرفع والنصب على الإغراء (¬1). [540] (ثنا إبراهيم بن موسى) قال: (أنا عيسى، عن معمر، عن يحيى) بن أبي كثير (بإسناده) وصرَّح (¬2) أبو نعيم في "المستخرج" (¬3) من وجه آخر عن هشام: أن يحيى كتب إليه، أن عبد الله بن أبي قتادة حدثه (وقال) فيه: فلا تقوموا (حتى تروني قد خرجت). ولابن حبان من طريق عبد الرزاق وحده: "حتى تروني خرجت إليكم" (¬4). وفيه مع ذلك حذف تقديره: فقوموا حينئذٍ. قال مالك في "الموطأ": لم أسمع في قيام الناس حين (¬5) تقا"الصلاة حد محدود إلا أني أرى ذلك على طاقة (¬6) الناس، فإن فيهم الثقيل والخفيف (¬7). والأكثر أن الإمام إذا كان في المسجد معهم لم يقوموا حتى تفرغ الإقامة، ورواه سعيد بن منصور من طريق أبي إسحاق، عن أصحاب عبد الله، وعن سعيد بن المسيب قال: إذا قال المؤذن: الله أكبر، وجب القيام، وإذا قال حي على الصلاة عدلت الصفوف، وإذا قال: ¬

_ (¬1) في (ص): الإعراب. (¬2) في (ص): خرَّج. (¬3) "مستخرج أبي نعيم" (1340). (¬4) "صحيح ابن حبان" (2223) من طريق عبد الرزاق به. (¬5) في (م): حتى. (¬6) في (ص، س): طلاقة. (¬7) "الموطأ" 1/ 70.

لا إله إلا الله كبر الإمام (¬1)، وأما إذا لم يكن الإمام في المسجد فذهب الجمهور إلى أنهم لا يقومون حتى يروه، وحديث الباب (¬2) حجة على من خالف هذا. و(لم يذكر: قد خرجت. إلا معمر) ورواية ابن حبان كما تقدم (ورواه) سفيان (بن عيينة، عن معمر، ولم يقل فيه: قد خرجت) في روايته. [541] (ثنا محمود بن خالد) قال: (ثنا الوليد) بن مسلم، قال: (قال أبو عمرو (الأوزاعي (وثنا داود [بن رُشَيد)] (¬3) بضم الراء مصغرٌ، أخرج له البخاري، قال: (ثنا الوليد) بن مسلم (وهذا لفظه، عن) أبي عمرو عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي، عن الزهري، عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة) قال: (أن الصلاة كانت تقام لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -) المراد بالإقامة ذكر الألفاظ المشهورة المشعرة بالشروع في الصلاة، و [هي أخت] (¬4) الأذان. (فيأخذ الناس مقامهم) في الصفوف، وتعدل الصفوف وتسوى (قبل أن يأخذ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -) أي: مقامه للصلاة. رواية البخاري في الغسل: أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف قيامًا، فخرج إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما قام في مصلاه ذكر أنه جُنُب (¬5). وروايته في الصلاة: أقيمت ¬

_ (¬1) أخرجه ابن عبد البر في "التمهيد" 9/ 193. (¬2) في (ص): أبان. (¬3) في (س): وسعد. (¬4) في (م): هن أحب. وفي (س): هي أحب. (¬5) "صحيح البخاري" (275).

الصلاة فسوى الناس صفوفهم، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتقدم (¬1). وفي هذِه الأحاديث [قيام المأمومين و] (¬2) اعتدال الصفوف قبل خروج الإمام، وقبل تقدمه عليهم وقيامه في مقامه، وفيه جواز الفصل بين الإقامة والصلاة، وفيه جواز انتظار المأمومين مجيء الإمام قيامًا في صفوفهم عند الضرورة. [542] (ثنا حسين بن معاذ) قال: (ثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي بالسين المهملة والإسناد كلهم (¬3) بصريون. (عن حميد) الطويل (قال: سألت ثابتًا البناني) بضم الباء الموحدة، فيه إشعار بأن الاختلاف في حكم المسألة كان قديمًا، ثم إنه (¬4) ظاهر في كون حميد أخذه عن أنس بواسطة، وحميد يروي كثيرًا عن أنس بغير واسطة. قال البزار: إن عبد الأعلى بن عبد الأعلى تفرد عن حميد بذلك، ورواه عامة أصحاب حميد عنه عن أنس بغير واسطة. قال ابن حجر: وكذا أخرجه أحمد عن يحيى القطان وجماعة عن حميد، وكذلك أخرجه ابن حبان (¬5) من طريق هشيم عن حميد، لكن لم أقف في شيء من طرقه على تصريح حميد بسماعه له من أنس وهو مدلس، قال: ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (640). (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): كله. (¬4) سقط من (م). (¬5) "صحيح ابن حبان" (2035).

فالظاهر أن رواية عبد الأعلى هي المتصلة (¬1). (عن الرجل يتكلم بعد ما تقام الصلاة، فحدثني عن أنس) بن مالك - رضي الله عنه - (قال: أقيمت الصلاة فعرض لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل فحبسه) عن الصلاة بسبب (¬2) التكلم معه (¬3)، ذكر بعض الشراح أن هذا الرجل كان كبيرًا في قومه فأراد أن يتألفه على الإسلام (¬4) (بعدما أقيمت الصلاة) وزاد هشيم في روايته في البخاري: حتى نعس بعض القوم (¬5). قال التيمي: في هذا رد على من قال: إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة وجب على الإمام تكبيرة الإحرام، وفيه دليل على أن اتصال الإقامة بالصلاة ليس من تأكيد السنن بل من مستحباتها (¬6)، وكره قومٌ الكلام بعد الإقامة، والحديث حجة عليهم وعلى كل من كرهه مطلقًا. [543] (ثنا أحمد) بن عبد الله (بن علي) بن منجوف، بسكون النون وضم الجيم (السدوسي) بفتح السين المهملة، شيخ البخاري قال: (ثنا عون بن كهمس) التميمي (عن أبيه كهمس) بن الحسن التميمي البصري التابعي، سمع البراء (قال: قمنا إلى الصلاة بمنى والإمام لم يخرج) بعد إلى الصلاة (فقعد بعضنا) قيل لأبي عبد الله البخاري: إذا أقيمت ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" 2/ 125. (¬2) في (م): لسبب. (¬3) في (م): و. (¬4) زاد في (م): معه. وانظر: "فتح الباري" 2/ 124. (¬5) لم أجد هذه الرواية عند البخاري، وإنما رواها ابن حبان (2035)، وقد عزاها له الحافظ في "الفتح" 2/ 125. (¬6) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 2/ 268.

الصلاة أينتظرون الإمام قيامًا [أو قعودًا؟ فقال: إن كان قبل التكبير فلا بأس أن يقعدوا، وإن كان بعد التكبير ينتظرونه قيامًا (¬1)] (¬2) (قال لي شيخ من أهل الكوفة: ما يقعدك؟ ) أي والناس قيام. [قال البيهقي: الأشبه أنهم كانوا يقومون إلى الصلاة قبل خروج النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -، ولأخذون مقامهم قبل أن يأخذ، ثم أمرهم بأن لا يقوموا حتى يروه قد خرج تخفيفًا عليهم (¬3)] (¬4). (قلت) قول عبد الله (بن بُريدة) بضم الباء الموحدة مصغر، ابن الحصيب (¬5)، وكان قاضي مرو، وتوفي وهو قاضيها في ولاية (¬6) أسد بن عبد الله، وكان هو وسليمان توأمين: (هذا) هو (السمود) أي الذي ذَمَّهُ الله تعالى في قوله تعالى {وَلَا تَبْكُونَ وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} (¬7) فقد حكى الماوردي [والبيهقي عن أبي خالد الوالبي، (¬8)، عن علي - رضي الله عنه -، عن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: أنه خرج إلى الصلاة فرأى الناس ينتظرونه قيامًا فقال: "ما لي أراكم سامدين" (¬9). ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" 2/ 122. (¬2) تكرر في (ص). (¬3) "السنن الكبرى" للبيهقى 2/ 20. (¬4) جاءت هذه العبارة في (م) بعد قوله: سليمان توأمين. (¬5) في (ص، م): الخصب. (¬6) في (س): رواية. (¬7) النجم: 61. (¬8) سقط من (م). (¬9) ذكره البيهقي في "الكبرى" 2/ 20 معلقًا موقوفًا على علي - رضي الله عنه -. وذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - هنا سهو لعله من الناسخ.

وحكى المهدوي وابن الأثير عن علي - رضي الله عنه - أنه خرج والناس ينتظرونه قيامًا فقال: ما لي أراكم سامدين؟ ! (¬1). ولعل هذا كان في أول الإسلام، ولهذا [قال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون أن ينتظروا الإمام قيامًا ويقولون: ذلك السمود (¬2) و] (¬3) حكى القرطبي عن عَلِي: أن معنى سامدين: أن يجلسوا غير مصلين ولا منتظرين الصلاة (¬4). ويدل عليه ما بعده {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ} أي سجود التلاوة إذا قرأتم {وَاعْبُدُوا} الله بالأذكار والاستغفار والدعاء ما دمتم في المسجد، وقال الحسن: واقفون للصلاة قبل وقوف الإمام (¬5). والمعروف في اللغة سمد يسمد سمودًا إذا لَهَى، والسامد: اللاهي (¬6)، ويقال للمغنية: أَسْمَدَتْنا أي: الهتنا بالغناء. وقال الضحاك في الآية: سامدون شامخون متكبرون. وفي "الصحاح": سمد سمودا رفع رأسه تكبرًا، وكل رافع رأسه سامد (¬7)، وحاصل معناه في اللغة يرجع إلى اللهو، أو إلى رفع الرأس، فإن قلنا باللهو فيحتمل أنهم كانوا ينتظرون الصلاة قيامًا مع ¬

_ (¬1) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 3/ 359 (4117). (¬2) "مصنف ابن أبي شيبة" 3/ 359 (4120). (¬3) من (م). (¬4) "تفسير القرطبي" 17/ 123. (¬5) "تفسير القرطبي" 17/ 123. (¬6) في (ص، س): الملاهي. (¬7) "تفسير القرطبي" 17/ 123.

لهو وغفلةٍ من غير خشوع ولا خضوع، ولا وَجَلٍ مما هم داخلون فيه من مناجاة الجليل جلَّ جلاله، وربما تحدثوا في القيام بأمور الدنيا. وإن قلنا برفع الرأس، فيحتمل أنهم كانوا ينتظرونه قيامًا مع رفع رءوسهم وتلفتهم إلى الجهة التي يأتي منها النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - وتشوفهم برفع رؤوسهم إلى جهته، وعلى هذا فالمنهي عنه في الحديث ليس هو القيام للانتظار، بل (¬1) الحالة التي كانوا (¬2) يقومون عليها من رفع الرأس واللهو. والمراد من القيام: أن يقفوا بخشوع وتذلل، والمؤذن ينظر (¬3) إلى جهة النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - ليراه قبلهم، فإذا رآه أذَّن فدخلوا في الصلاة، ويحتمل أن تكون كراهة القيام كانت أول الإسلام ثم جاءت السنة باستحبابها. (فقال لي الشيخ) الكوفي: (حدثني عبد الرحمن بن عوسجة) الكوفي النهمي (¬4) بكسر النون وسكون الهاء، الهَمْدَاني التابعي (عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: كنا نقوم في الصفوف على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقوفًا (طويلًا قبل أن يكبر) للصلاة (قال عبد الرحمن: وقال البراء: إن الله تعالى وملائكتَه يصلون على الذين) أي يرحمهم الله والملائكة تدعو لهم، فصلاة الله تعالى الرحمة، وصلاة الملائكة الدعاء والاستغفار. (يلون) بفتح الياء وضم اللام المخففة، من ولي الشيء إذا تلاه وقرب منه، أي: الذين يقربون من (الصفوت) رواية (¬5) البيهقي: "الصف ¬

_ (¬1) في (س): من. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): ينتظر. (¬4) في (ص): النهمني. (¬5) سقط من (س، ل، م).

الأَوَّل" (¬1) (الأوُل) إذا لم يكن فيهم فرجة من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليليني منكم ذوو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" (¬2) ففي ترك الصفوف الأُوَل إذا تراصوا والصلاة فيما يليهم (¬3) فضيلة. وقد روى الطبراني في "الأوسط" عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من ترك الصف الأول (¬4) مخافة أن يؤذي أحدًا أضعف الله له الصف الأول" (¬5)، وكذا رواية الطبراني في "الكبير" عن ابن عباس، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من عمَّر جانب المسجد الأيسر لقلة (¬6) أهله فله أجران" (¬7) لكنَّ في سنده بقية (¬8)، وفي بعض النسخ: "إن الله وملائكته يصلون على الذين يَصِلُون الصفوف الأوُل" (¬9). وأكثر الأحاديث على هذِه الرواية، فروى الطبراني في "الكبير" عن عبد الله بن زيد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله وملائكته يصلون على الذين يَصِلون الصفوف" [وروى في "الأوسط" عن أبي هريرة أن رسول الله ¬

_ (¬1) "السنن الكبرى" 2/ 20. (¬2) أخرجه مسلم (432) (122)، وأبو داود (675)، وسيأتي تخريجه عند شرحه إن شاء الله. (¬3) في (ص، س، ل): بينهم. (¬4) من (م). (¬5) "المعجم الأوسط" (537)، وقال الألباني في "الضعيفة" (3268): موضوع. (¬6) في (س): ليلة. (¬7) "المعجم الكبير" (11459)، وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (5708). (¬8) هو بقية بن الوليد كان كثيرًا ما يدلس عن الضعفاء، وهو في نفسه ثقة. (¬9) أي: يصلون بدل قوله: يلون.

- صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف] (¬1) ولا يَصل عبدٌ صفًّا إلا رفعه الله بها درجة، وذرَّت عليه الملائكة من البر (¬2) " (¬3) لكن في سنده غانم (¬4) بن أحوص، قال الدارقطني: ليس بالقوي (¬5). وروى ابن حبان في الصلاة من طريق زبيد (¬6) الأيامي، يحدث عن طلحة بن مصرف، عن عبد الرحمن بن عوسجة، عن البراء قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأتينا فيمسح عواتقنا (¬7) وصدورنا ويقول: "لا تختلف صفوفكم فتختلف قلوبكم، إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول" (¬8). وطلحة بن مصرف شيخ كوفي من أقرأ أهل الكوفة وخيارهم، فلعله الراوي عن عبد الرحمن، وقد اجتمع قُرَّاءُ أهل الكوفة في منزل الحكم بن عتيبة (¬9) فأجمعوا على أن أقرأ أهل الكوفة طلحة. (وما من خطوة أحب) بالرفع، والنصب علامة الجر؛ لأنه غير منصرف (إلى الله من خطوة يمشيها يَصِل بها صفًّا). ¬

_ (¬1) سقط من (ص). (¬2) في (س): الأرض. (¬3) "المعجم الأوسط" (3771)، وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (1667). (¬4) في الأصول الخطية: حاتم. والمثبت من "الأوسط" للطبراني. (¬5) ذكره الدارقطني في "الضعفاء والمتروكون" 3/ 127. (¬6) في (ص): زيد. (¬7) في (ص): على رءوسنا. (¬8) "صحيح ابن حبان" (2157). (¬9) في (ص): شيبة. وفي (س): عيينة.

وروى الطبراني في "الكبير" عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من خطوة أعظم أجرًا من خطوة مشاها (¬1) رجل إلى فرجة في الصف فسدها" (¬2). وفي "الأوسط" عن عائشة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من سدّ فرجة في صف رفعه الله بها درجة، وبنى له بيتًا في الجَنَّة" (¬3). وروى البزار بإسناد حسن: عن أبي جحيفة أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "من سد فرجة في الصف غفر له" (¬4). [544] (ثنا مسدد) قال: (ثنا عبد الوارث، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس قال: أقيمت الصلاة) أي صلاة العشاء، بيّنه ثابت عن أنس عند مسلم (¬5). (ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - نَجِي) على فعِيل يوضحه رواية البخاري وابن حبان: يناجي رجلًا (¬6). أي: يحادثه سرًّا. قال ابن حجر: لم أقف على اسم هذا الرجل، وذكر بعض الشراح أن هذا (¬7) الرجل كان كبيرًا في قومه، فأراد أن يتألفه على الإسلام، قال: ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): يمشيها. (¬2) لم أقف عليه في "الكبير"، وأخرجه الطبراني في "الأوسط" (5217)، وذكره الألباني في "الصحيحة" (2533). (¬3) "المعجم الأوسط" (5797). وقال الهيثمي في "المجمع" 2/ 251: فيه مسلم بن خالد الزنجي وهو ضعيف، وقد وثقه ابن حبان. وقال الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (505): صحيح لغيره. (¬4) "مسند البزار" (4232)، وضعفه الألباني في "الضعيفة" (5047). (¬5) "صحيح مسلم" (376) (126). (¬6) "صحيح البخاري" (642)، و"صحيح ابن حبان" (4544). (¬7) ليست في (م).

ولم أقف على مستند ذلك (¬1). (في جانب المسجد فما قام إلى الصلاة حتى نام (¬2) القوم) وفي رواية ابن حبان: حتى نعس القوم (¬3)، وهذا (¬4) يدل على أن نوم القوم لم يكن مستغرقًا، وترجم البخاري على هذا الحديث في الاستئذان طول النجوى (¬5)، وفيه جواز الفصل بين الإقامة والإحرام إذا كان لحاجة. [545] (ثنا عبد الله بن إسحاق الجوهري) البصري، قال ابن حبان: مستقيم الحديث (¬6)، قال: (أنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل الشيباني (عن ابن جريجٍ، عن موسى بن عقبة) بن أبي عباس مولى آل الزبير (عن سالم) بن أبي أمية (أبي النضر) المدني، مولى عمر بن عبد الله التيمي، يعد في التابعين (قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين (¬7) تقام الصلاة في المسجد إذا رآهم) يعني المصلين (قليلًا) أي قليلين، فهو في معنى الجمع، وورد المفرد بمعنى الجمع كثير، ومنه قوله تعالى {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} (¬8) ويجوز (¬9) أن يكون الضمير ¬

_ (¬1) "فتح الباري" 2/ 124. (¬2) في (س): قام. (¬3) "صحيح ابن حبان" (4544). (¬4) في (م): وهو. (¬5) (6292). (¬6) "الثقات" 8/ 363. (¬7) في (ص): حيث. (¬8) الحاقة: 47. (¬9) في (ص): ونحو.

مراد به العدد، والتقدير: رأى عددهم قليلًا، أو صفة لمصدر (¬1) محذوف، أي رآهم عددًا قليلًا كما في قوله تعالى {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا} (¬2) أي ضحكًا (¬3) قليلًا. (جلس لم يصل) بهم إلى أن يجتمعوا، فيه دليل على أن انتظار الجماعة أفضل من (¬4) المبادرة في أول الوقت بالصلاة، ويدخل في ذلك الإمام وغيره؛ لأن الجماعة فرض أو فيها خلاف، بخلاف الصلاة أول الوقت فلا خلاف في أستحبابها، وهذا هو الذي صححه السبكي، وقيل إن التقديم أفضل؛ لأن فضيلته متيقنة (¬5) بخلاف الجماعة، ويحمل هذا الحديث على أن جلوسه عن الصلاة كان في شدة الحر في الظهر، فأخر الصلاة لباقي الجماعة التي يبردون (¬6) بالصلاة كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال السبكي: واعلم أن الإمام الحاضر في المسجد الذي تقصده الجماعة من بُعْدٍ، ينتظرهم الإمام كما فعل النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا الخلاف يجري في المسافر إذا ظن الوصول إلى الماء قبل خروج الوقت، فهل يصلي أول الوقت بتيمم (¬7) أو ينتظر الوضوء؟ وكذا العاجز عن القيام ¬

_ (¬1) في (ص): بمصدر. (¬2) التوبة: 82. (¬3) في (م): ضحا. (¬4) في (ص، س، م): إلى. (¬5) في (م): منتفية. (¬6) في (س): يترددون. (¬7) في (س): بينهم.

إذا رجا القدرة على القيام، والعاري إذا رجا القدرة على السترة، وهذا كله لمن لم يُصَلِّ مرتين، فأما في مسألة تعارض أول الوقت والجماعة فالأفضل أن يصلي منفردًا في أول الوقت، ثم يصلي مع الجماعة إذا حضرت، فإن لم يصل إلا واحدة فإنَّ التأخير للجماعة أفضل لهذا الحديث، ولما تقدم من كون الجماعة فرضًا أو مختلفًا فيها. (وإذا رآهم جماعة) أي كثيرين (صلى) بهم، وفيه جواز تأخير الصلاة عن الإقامة وإن طال الفصل. [546] (ثنا عبد الله بن إسحاق) الجوهري، قال: (أنا أبو عاصم الضحاك، عن ابن جريجٍ، عن موسى بن عقبة، عن نافع بن جبير (¬1)، عن أبي مسعود الزرقي) كذا ذكروه في المبهمات (¬2)، ولم يذكروا اسمه لأنه لا يعرف (¬3) (عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - مثل ذلك) كما تقدم والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) في (م): جبر. (¬2) في (م): المهمات. (¬3) بل ذكروا أن اسمه: مسعود بن الحكم الزرقي الأنصاري، انظر: "التاريخ الكبير" للبخاري 7/ 424، "الجرح والتعديل" 8/ 282.

47 - باب في التشديد في ترك الجماعة

47 - باب فيِ التَّشْدِيدِ فِي تَرْكِ الجَماعَةِ 547 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن يُونُسَ، حَدَّثَنَا زائِدَة، حَدَّثَنا السَّائِبُ بْنُ حُبَيْشٍ عَنْ مَعْدانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ اليَعْمُرِيِّ عَنْ أَبِي الدَّرْداءِ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقول: "ما مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلا بَدْوٍ لا تُقامُ فِيهِمُ الصَّلاةُ إِلَّا قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيهِمُ الشَّيطانُ فَعَلَيكَ بِالجَماعَةِ فَإِنَّما يَأكُلُ الذئْبُ القاصِيَةَ". قال زائِدَةُ: قال السَّائِبُ: يَعْنِي بِالجماعَةِ الصَّلاةَ فِي الجماعَةِ (¬1). 548 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ أَبِي صالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَتُقَامَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لا يَشْهَدُونَ الصَّلاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ" (¬2). 549 - حَدَّثَنا النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنا أَبُو المَلِيحِ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْن يَزِيدَ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ الأَصَمِّ سَمِعْت أَبا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ فِتْيَتِي فَيَجْمَعُوا حُزَمًا مِنْ حَطَب ثُمَّ آتِيَ قَوْمًا يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ لَيسَتْ بِهِمْ عِلَّةٌ فَأُحَرِّقُهَا عَلَيهِمْ". قُلْت لِيَزيدَ بْنِ الأَصَمِّ: يا أَبا عَوْفٍ الجُمُعَةَ عَنَى أَوْ غَيْرَها؟ قال: صُمَّتا أُذُنايَ إِنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْتُ أَبا هُرَيْرَةَ يَأْثِرُهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ما ذَكَرَ جُمُعَةً وَلا غَيْرَها (¬3). 550 - حَدَّثَنا هارُونُ بْنُ عَبّادٍ الأزدِيُّ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ عَنِ المسْعُودِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الأَقمَرِ، عَنْ أَبِي الأَحوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قال: حافِطوا عَلَى هؤلاء الصَّلَواتِ ¬

_ (¬1) رواه النسائي 2/ 106، وأحمد 6/ 446. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (556). (¬2) رواه البخاري (644، 657)، ومسلم (651/ 252). (¬3) رواه مسلم (651/ 253).

الخَمْسِ حَيْثُ يُنادَى بِهِنَّ فَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الهُدَى وَإِنَّ اللهَ شَرَعَ لِنَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - سُنَنَ الهُدَى وَلَقَدْ رَأَيْتنا وَما يَتَخَلَّفُ عَنْها إِلَّا مُنَافِقٌ بَيِّن النِّفاقِ وَلَقَدْ رَأَيْتُنا وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ وَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَلَهُ مَسْجِدٌ فِي بَيْتِهِ وَلَوْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيوتِكم وَتَرَكْتُم مَسَاجِدَكمْ تَرَكْتمْ سُنَّةَ نَبِيِّكمْ - صلى الله عليه وسلم - وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكمْ - صلى الله عليه وسلم - لَكَفَرْتُم" (¬1). 551 - حَدَّثَنا قُتَيْبَة، حَدَّثَنا جَرِيرٌ عَنْ أَبِي جَنابٍ عَنْ مَغْراءٍ العَبْدِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ سَمِعَ المُنادِيَ فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنَ اتِّباعِهِ عُذْرٌ". قَالوا: وَما العُذْرُ؟ قال: خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ "لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ الصَّلَاةُ التِي صَلَّى". قال أَبُو داودَ: رَوَى عَنْ مَغْراءٍ أَبُو إِسْحاقَ (¬2). 552 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْن حَرْبٍ، حَدَّثَنا حَمَّادٌ بْن زَيْدٍ، عَنْ عاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، عَنِ ابن أُمّ مَكْتُومٍ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رَسُولَ اللهِ إِنِّي رَجُلٌ ضَرِيرُ البَصَرِ شاسِعُ الدَّارِ وَلِي قائِدٌ لا يُلائِمُنِي فَهَلْ لِي رُخْصَةٌ أَنْ أُصَلِّيَ في بَيْتِي قال: "هَلْ تَسْمَعُ النِّداءَ". قال: نَعَمْ. قال: "لا أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً" (¬3). 553 - حَدَّثَنا هارُونُ بْنُ زيدِ بْنِ أَبِي الزَّرْقاءِ، حَدَّثَنا أَبِي، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عابِسٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ ابن أُمَّ مَكْتُومٍ قال: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ المَدِينَةَ كَثِيرَةُ الهَوامِّ والسِّباعِ. فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - "أَتَسْمَعُ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى الفَلاحِ فَحَيَّ هَلَا". ¬

_ (¬1) رواه مسلم (654/ 257) بلفظ: (لضللتم) بدلا من (لكفرتم). قال الألباني في "الإرواء" 2/ 247 عن رواية أبي داود: ضعيفة منكرة؛ لمخالفتها سائر الروايات. (¬2) رواه ابن ماجة (793)، وابن حبان (2064). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (560). (¬3) رواه ابن ماجة (792)، وأحمد 3/ 423. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (561).

قال أَبُو داودَ: وَكَذا رَواهُ القاسِمُ الجَرْمِيُّ، عَنْ سُفْيانَ لَيْسَ فِي حَدِيثِهِ: "حَيَّ هَلا" (¬1). * * * باب التشديد في ترك الجماعة [547] (ثنا أحمد بن يونس) قال: (ثنا زائدة) قال: (ثنا السائب بن حبيش) بضم الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة مصغر (¬2)، الكلاعي، الحمصي. قال العجلي: ثقة (¬3) [ذكره البخاري في "تاريخه" (¬4)، وابن حبان في "الثقات" (¬5)] (¬6). (عن معدان بن أبي طلحة) ويقال ابن طلحة اليعمري الكناني، وثقه ابن سعد (¬7) والعجلي (¬8) (اليعمري) بفتح الميم (عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ما من ثلاثة) أي ثلاثة رجال (في ¬

_ (¬1) رواه النسائي 2/ 109. قال النووي في "خلاصة الأحكام" 2/ 653 (2257): إسناده حسن. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (562). (¬2) زاد هنا في (س، ل، م): الأسدي أسد قريش. وهو خطأ إذ السائب بن حبيش الأسدي، غير الكلاعي، فالأول صحابي أو مختلف في صحبته. وهذا الذي معنا أدرك صغار التابعين. (¬3) "الثقات" للعجلي 1/ 384. (¬4) "التاريخ الكبير" (2296). (¬5) "الثقات" لابن حبان 6/ 413. (¬6) من (م). (¬7) "الطبقات الكبرى" 7/ 444. (¬8) "الثقات" 2/ 286.

قرية) قال في "كفاية المتحفظ": القرية كل مكان اتصلت أبنيتُه واتُّخِذَ قرارًا، ويقع على المدن وغيرها، والجمع قرى على غير قياس (¬1). وفيه دلالة لما نقله صاحب "التلخيص" عن القديم أن الجمعة تصح ابتداء من ثلاثة رجال والإمام ثالثهم. قال إمام الحرمين: وقد بحث الأئمة عن كتب الشافعي في القديم فلم (¬2) يجدوا هذا القول أصلًا فردوه (¬3). (ولا بدو) على وزن فلس، وهو خلاف الحضر، والنسبة إلى البادية بدوي على غير قياس العربية (لا تقام فيهم الصلاة) أي: صلاة الجماعة (إلا) وقد (استحوذ عليهم الشيطان) أي: استولى عليهم وغلبهم؛ لأنه تَرْكُ شعار من شعار الإسلام وأمور الشريعة بغير (¬4) عذر من متابعة (¬5) الشيطان واستيلائه. وقد استدل بعض أصحابنا بهذا الحديث على أن (¬6) الجماعة فرض كفاية على الرجال، فتجب بحيث يظهر الشعار في القرية، ولا يشترط أن يحضرها جمهور أهلها، ولا فرق في هذا الفرض بين أهل القرى والبوادي والمسافرين؛ لأن الوعيد فيه لأهل القرية والبدو، والمسافرين في معناهم، وتوقف إمام الحرمين في البوادي (¬7)، ورد ¬

_ (¬1) "كفاية المتحفظ" لأبي إسحاق الطرابلسي 1/ 172. (¬2) في (س): فلا. (¬3) "نهاية المطلب" 2/ 481. (¬4) في (ل، م): لغير. (¬5) في (س): مبالغة. (¬6) ساقطة من (ص). (¬7) "نهاية المطلب" 2/ 366.

عليه النووي (¬1) بقوله في هذا الحديث "ولا بدو" (¬2). (فعليك) رواية النسائي: "فعليكم" (¬3) (بالجماعة) فيه الحث والتحريض على الصلاة في الجماعة، ثم ذكر العلة في ذلك: (فإنما يأكل الذئب) من الغنم الشاة (القاصية) أي: البعيدة المنفردة من قطيع الغنم، وهذا على طريق ضرب المثل، فشبه الشيطان في بعده واعتزاله عن جماعة المسلمين بالذئب فإنه لا يأكل من الغنم المتجمعة (¬4) التي تحت [اطلاع الراعي] (¬5) وملاحظته، ويستولي الشيطان على من فارق الجماعة، كما أن الذئب يأكل المنفردة من الأغنام، والراعي (¬6) لجماعة المصلين هو نظر الله إلى الجماعة المصلين وحفظه كما في الحديث "يد الله على الجماعة، ومن شذّ شذّ في النار" (¬7). (قال زائدة) بن قدامة: (قال السائب) بن حبيش: (يعني بالجماعة الصلاة في الجماعة) وأقل الجماعة إمام ومأموم، وهذا هو المعروف عند الشافعية (¬8)، لكن قوله أول الحديث "ما من ثلالة لا تقام فيهم ¬

_ (¬1) في (ص): الثوري. (¬2) "المجموع" 4/ 187. (¬3) "المجتبى" 2/ 106. (¬4) في (س، م): المجتمعة. (¬5) في (ص) إبلاغ الداعي. وفي (س، ل): إبلاغ الراعي. (¬6) في (ص): الداعي. (¬7) أخرجه الترمذي (2167)، وابن أبي عاصم في "السنة" (80)، والحاكم في "المستدرك 1/ 115، وصححه الألباني دون قوله: ومن شذ شذ في النار. "ضعيف الجامع" (1848)، "المشكاة" (173). (¬8) "المجموع" 4/ 196.

الجماعة" يدل على أن أقل الجماعة إمام ومأمومان. [548] (ثنا عثمان بن أبي شيبة) قال: (ثنا أبو (¬1) معاوية) الضرير (عن الأعمش، عن أبي صالح) السمَّان (¬2) (عن أبي هريرة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لقد هممت) أي: عزمت، ومضارعه أَهُمَّ بضم ثانيه (أن آمر) بالمد أصله أَأْمر بهمزتين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة، فقلبت الهمزة ألفًا من جنس حركة ما قبلها (بالصلاة) أي: بإقامة الصلاة (فتقام) نُصِبَ وما بعده من الأفعال عطفًا على آمر الذي قبله، والألف واللام في الصلاة للعهد، ويحتمل أن تكون للجنس، أي: أي صلاة فرضت، وعلى الأول يحتمل العشاء كما في رواية، ويحتمل الجمعة؛ لأن الجماعة شري فيها. (ثم آمر رجلًا فيصلي بالناس) الجماعة (ثم أنطلق برجال) فيه أن الإمام إذا عرض له شغل يستخلف من يصلي بالناس، وفيه جواز الانصراف بعد إقامة الصلاة لعذر (معهم حُزَم) بضم الحاء وفتح الزاي جمع حُزْمة، كغرف جمع غرفة (من حطب) يقال: حَزَّمْت الحطب وغيره جعله حزمة، رواية البخاري: "ثم أخالف إلى رجال" (¬3). (إلى قوم) هو بمعنى الرجال، قال أهل اللغة: القوم جماعة الرجال ليس فيهم امرأة (¬4) سموا بذلك لقيامهم بالعظائم والمهمات، وخرج بالرجال أو القوم النساء فإنهم ليس عليهم حضور الجماعة، وقول ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ص): السمار. (¬3) "صحيح البخاري" (644) من طريق الأعرج عن أبي هريرة. (¬4) "المصباح المنير" 2/ 520.

البخاري: "أخالف" أي: آتيهم من خلفهم، أو أخالف الفعل الذي أظهرته من إقامة الصلاة، أو أخالف ظنهم (¬1) في أني مشغول بالصلاة. (لا يشهدون) أي: لا يحضرون (الصلاة) مع الجماعة، فيه ردٌّ لمن يقول: المراد من التهديد قوم تركوا الصلاة رأسًا لا مجرد الجماعة، ولو أن المراد تركوا الصلاة رأسًا لقال (¬2): لا يصلون، ويدل على هذا رواية عجلان عن أبي هريرة عند أحمد: "لا يشهدون العشاء في الجميع" (¬3)، أي: في جماعة، وفي حديث أسامة بن زيد عند ابن ماجة مرفوعًا: "لينتهين رجال (¬4) عن تركهم الجماعات أو لأحرقن بيوتهم" (¬5). (فَأُحرِّق) بالنصب، وهو بضم الهمزة وتشديد الراء هذِه الراوية المشهورة. قال البرماوي: ويروى بالتخفيف (¬6)، قال ابن الأثير في "شرح مسند الشافعي": التشديد هو الأكثر في الرواية؛ لأنه [يدل على] (¬7) التكثير والمبالغة في الفعل، يقال: حرقه إذا بالغ في تحريقه (عليهم) مشعرة بأن (¬8) التحريق بأبدانهم؛ لأن من حُرِقَ بيته عليه ¬

_ (¬1) في (ص): ظنه. (¬2) في (م): لقتال. (¬3) "مسند أحمد" 2/ 292. (¬4) في (ص، س، ل): برجال. (¬5) "سنن ابن ماجة" (795)، وصححه الألباني. (¬6) "حاشية البجيرمي" 1/ 288، وأشار بالرمز (بر) إلى هذا القول يعني البرماوي. (¬7) من (م)، وفي باقي النسخ: بدل من. (¬8) في (ص، ل): بيان.

احترق بالنار، ولو أريد حرق البيوت فقط لَأُسقطت لفظة: "عليهم" ويشهد لهذا ما في "مسند أحمد": "لولا ما في البيوت من النساء والذرية لأقمت (¬1) صلاة العشاء، وأمرت فتياني يحرقون ما في البيوت" (¬2). (بيوتهم بالنار) وبوب عليه البخاري: باب وجوب صلاة الجماعة، وهو أعم من كونه وجوب عين أو كفاية، لكن الأثر الذي ذكره عن الحسن - رضي الله عنه -: إن منعته أمه عن العشاء في جماعة شفقة لم يطعها (¬3). يشعر بكونه يريد وجوب عين، وهو مذهب عطاء وأحمد والأوزاعي وجماعة من محدثي الشافعية كأبي ثور وابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان، وبالغ داود ومن تبعه (¬4) فجعلها شرطًا في صحة الصلاة (¬5). وأشار ابن دقيق العيد إلى أنه ينبني على أن ما وجب في العبادة كان شرطًا لها، ولما كان الوجوب قد ينفك (¬6) عن الشرطية قال أحمد بالوجوب دون الشرط (¬7). وظاهر نص الشافعي أنها فرض كفاية، وعليه جمهور المتقدمين من ¬

_ (¬1) في (س، ل): أقمت. (¬2) "مسند أحمد" 2/ 367، وضعفه الألباني بلفظه هذا، انظر: "ضعيف الترغيب والترهيب" (225). (¬3) لم أقف عليه مسندًا، وعزاه ابن حجر في "تغليق التعليق" 2/ 275 للحسين بن الحسن المروزي في "كتاب الصيام". (¬4) في (ص): معه. (¬5) "المجموع" 4/ 189. (¬6) في الأصول الخطية: ينقل. والمثبت من مصادر التخريج. (¬7) انظر: "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" 1/ 118.

أصحابه (¬1)، وقال به كثير من الحنفية والمالكية، والمشهور عن الباقين أنها سنة مؤكدة (¬2)، وأجابوا عن ظاهر هذا الحديث بأجوبة منها: أن بعضهم استنبط منه عدم الوجوب لكونه - صلى الله عليه وسلم - هم بالتوجه إلى المتخلفين، فلو كانت الجماعة فرض عين ما همَّ بتركها، وتعقب بأن الواجب يجوز تركه لما هو أوجب منه. ومنها ما قاله ابن بطال: لو كانت (¬3) فرضًا لقال حين توعد بالإحراق: من تخلف عن الجماعة لم تجز صلاته؛ لأنه وقت البيان (¬4). وتعقبه ابن دقيق العيد بأن البيان قد يكون بالنص (¬5) وقد يكون بالدلالة، فلما قال: "فلقد (¬6) هممت .. " إلى آخره، دل على وجوب الحضور وهو كاف في البيان (¬7). ومنها ما قاله الباجي وغيره: أن الخبر ورد مورد الزجر، وحقيقته غير مرادة، وإنما المراد المبالغة. ويرشد (¬8) إلى ذلك وعيدهم بالعقوبة التي يعاقب بها الكفار (¬9)، وقد ¬

_ (¬1) "الأم" 1/ 153 - 154. (¬2) "المجموع" 4/ 189. (¬3) في (ص، س، ل): كان. (¬4) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 2/ 270. (¬5) في (ص): بالقصد. وفي (م): بالتنصيص. (¬6) في (س، م): لقد. (¬7) "إحكام الأحكام" 1/ 195. (¬8) في (س): يشهد. (¬9) "المنتقى شرح الموطأ" 1/ 230.

[انعقد الإجماع] (¬1) على منع عقوبة المسلمين بذلك. وأجيب: بأن المنع وقع بعد نسخ التعذيب بالنار، وكان قبل ذلك جائزًا. ومنها قال عياض: ليس في الحديث حجة؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - همَّ ولم يفعل (¬2)، زاد النووي: ولو كانت (¬3) فرض عين لما تركهم (¬4)، وضعفه ابن دقيق العيد؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لا يهمُّ إلا بما يجوز فعله (¬5). [549] (ثنا النفيلي) قال: (ثنا أبو المليح) الحسن بن عمرو الرقي، وثقه (¬6) أحمد وأبو زرعة (¬7). قال: (حدثني يزيد بن يزيد) كلاهما من الزيادة، ابن جابر الأزدي، احتج به مسلم، وكان ثقة (¬8) صالحًا. قال: (حدثني يزيد) من الزيادة (بن الأصم) العامري، أحتج به مسلم أيضًا، قال: (سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لقد هممت) (¬9) اللام جواب القسم، والهم (¬10) العزم، وقيل دونه، زاد مسلم في أوله: ¬

_ (¬1) في (س): اتفقت الأئمة. (¬2) "إكمال المعلم" 2/ 622. (¬3) في (ص، س، ل): كان. (¬4) "شرح النووي على مسلم" 5/ 153. (¬5) "إحكام الأحكام" 2/ 195. (¬6) في (ص): في وقعة. (¬7) انظر: "تهذيب الكمال" 6/ 282، و"الجرح والتعديل" 3/ 25. (¬8) في (س): يعد. (¬9) سقط من (س، ل، م). (¬10) في (س): وأبهم.

أنه فقد ناسًا في بعض الصلوات فقال: "لقد هممت" (¬1)، فأفاد ذكر سبب الحديث. (أن آمر فتيتي) بكسر الفاء جمع فتى، جمع قلة، وفي الكثرة فتيان، وهي رواية ابن حبان وغيره، والأصل فيه أن يقال للشاب الحدث فتى، ثم استعير للعبد وإن كان شيخًا، والأول الأصل، وهو المراد هنا، وفي هذا أن الأمور المهمة التي تحتاج إلى قوة ونشاط خصوصًا إن كانت ليلًا يجهر فيها الشباب الأقوياء دون الشيوخ. (فيجمعوا حزمًا من حطب) رواية "الموطأ": "أن آمر بحطب فيحطب" (¬2). وهي رواية البخاري (¬3) (¬4). ومعنى يحطب أن يكسر ليسهل اشتعال النار به. (ثم آتي قومًا يصلون في بيوتهم) فيه دلالة على أن هذا الحديث في المسلمين المنافقين نفاق معصية لا نفاق كفر؛ لأن المنافق الكافر لا يصلي في بيته إنما يصلي في المسجد رياء وسمعة، ويدل على هذا ما في الحديث "لولا ما في البيوت من النساء والذرية" (¬5) لأنهم ما (¬6) كانوا كفارًا؛ لأن تحريق بيت الكافر إذا تعين طريقًا إلى الغلبة عليه لم يمنع ذلك وجود النساء والذرية في البيوت. ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (651) (251) من طريق الأعرج عن أبي هريرة. (¬2) "الموطأ" 1/ 129. (¬3) "صحيح البخاري" (644). (¬4) في (م): للبخاري. (¬5) سبق تخريجه. (¬6) في النسخ: لو. والمثبت الأنسب للسياق، وانظر: "الفتح" 2/ 127.

(ليست بهم علة) أي: عذر يمنعه من الحضور، وسيأتي في الحديث الآتي، وما العذر؟ خوف أو مرض، وللجماعة والجمعة أعذار كثيرة غير هذين كما سيأتي بعضها (فأحرقها) بنصب القاف عُطِفَ على ما قبله (عليهم قال يزيد بن يزيد: قلت ليزيد بن الأصم: يا أبا عوف) فيه نداء الرجل بكنيته؛ لأن فيه نوع إكرام (الجمعة) بالنصب مفعول مقدم (عَنَى) لأن الجماعة شرط فيها (أو غيرها؟ ) من الصلوات (قال: صَمَّتَا) بفتح الصاد والميم والتاء مبنيًّا للفاعل، والألف علامة التثنية (¬1) مع كون الفاعل ظاهر وهو (أذناي) على لغة: أكلوني البراغيث، ورواية الطبراني على اللغة الفصحى: صمت أذناي (¬2)، وصمت أصلها صَمِمَتْ بكسر الميم الأولى كتعِبَ (¬3) ومعناه: بطل سمعها، كذا فسره الأزهري وغيره، ويتعدى بالهمزة فيقال: أصمه الله، ولا يستعمل الثلاثي متعديًا، فلا يقال: صَمَّ الله الأذن، ولا ينبني (¬4) للمفعول، فلا يقال: صُمَّتْ، هكذا نقله أهل اللغة، وعلى هذا فلا يجوز أن يقرأ الحديث صُمَّتَا (¬5) بضم الصاد، ولا يعتبر بضبط (¬6) بعض النسخ. (إن لم أكن سمعت أبا هريرة يأثره) بضم المثلثة لا غير، يقال: أثرت ¬

_ (¬1) في (ص): الستة. (¬2) لم أقف عليه عند الطبراني. (¬3) في (ص): لنعت. (¬4) في (ص): شيء. (¬5) في (م): صما. (¬6) في (م): لضبط.

الحديث (¬1) بقصر الهمزة آثره بالمد (¬2) وضم المثلثة أثرًا، كقتلته (¬3) قتلًا، وَأصل آثَرهُ بالمد أأثُرُه بهمزتين، لكن أبدلت الثانية ألفًا، ومعنى يأْثَره أي يحدث به ويثقله، والأثر بفتحتين اسم منه، وحديث مأثور أي: منقول. (عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما ذكر) في (جمعة ولا غيرها) فيه دلالة على أن هذا التهديد يعم سائر الصلوات المفروضة، وقد أورد الحديث مسلم من طريق وكيع، عن جعفر بن برقان، عن يزيد بن الأصم، عنه (¬4). وساقه الترمذي وغيره من هذا الوجه بإبهام الصلاة (¬5)، وكذا رواه السراج وغيره من طرق عن جعفر، وخالفهم معمر عن جعفر فقال: الجمعة. أخرجه عبد الرزاق عنه (¬6)، والبيهقي من طريقه، وأشار إلى ضعفها لشذوذها (¬7)، وهذه الرواية هنا ورواية الطبراني من طريق يزيد بن يزيد. قال ابن حجر: فظهر بهذا أن الراجح في حديث أبي هريرة أنها غير الجمعة، وأما حديث ابن أم مكتوم فسيأتي (¬8). [550] (ثنا هارون بن عباد)، بتشديد الباء الموحدة الأزدي المصيصي الأنطاكي، قال: (ثنا وكيع) بن الجراح، قال عباس (¬9) ¬

_ (¬1) في (س): الحديد. (¬2) سقط من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) مسلم (651/ 253). (¬5) الترمذي (217). (¬6) "مصنف عبد الرزاق" (1986) غير أنه لم يسق لفظه. (¬7) "سنن البيهقي الكبرى" 3/ 56. (¬8) "فتح الباري" 2/ 151. (¬9) في (ص): عياش.

الدوري: قال لي أحمد: حدثني من لم تر عيناك مثله (¬1). قدم وكيع مكة فرآه (¬2) الفضيل (¬3) بن عياض (¬4) فقال: ما هذا السِّمَنُ وأنت [راهب العراق؟ ] (¬5) قال: مِنْ فَرَحِي بالإسلام. فأفحمه وقال: لو علمت (¬6) أن الصلاة أفضل من الحديث ما حدثتكم. (عن) عبد الرحمن بن عبد الله (المسعودي، عن علي بن الأقمر) (¬7) الوادعي (عن أبي الأحوص) عوف بن مالك، (عن عبد الله بن مسعود، قال: حافظوا على) أداء (هؤلاء الصلوات) الخمس اللاتي كتبهن الله عليكم في كل يوم وليلة، (حيث) أي: في المكان الذي (ينادى بهن) فيه، وهي المساجد والجوامع. وزاد النسائي أوله: "من سرَّه أن يلقى الله غدًا مسلمًا فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث (¬8) ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيه - صلى الله عليه وسلم - سنن الهدى" (¬9). (فإنهن من سنن الهدى) قال القرطبي روي السَّنن بفتح السين وهو الطريق، وبضمها جمع سنة وهي الطريقة التي سنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬10)، ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 30/ 472. (¬2) في (م): فرآهم. (¬3) في جميع النسخ: الفضل. والمثبت من "سير أعلام النبلاء" 9/ 156. (¬4) زاد في (م): سمنًا. (¬5) في (ص): ذاهب للعراق. (¬6) في (م): علم. وفي (س): علمي. (¬7) من (م)، وفي بقية النسخ: الأحمر. (¬8) في (ص): حين. (¬9) "سنن النسائي" 2/ 108. (¬10) "المفهم" للقرطبي 2/ 280.

وهي طريق الصواب التي من سلكها فقد هدي إلى صراط مستقيم. (وأن الله شرع لنبيه - صلى الله عليه وسلم - سُنن) بضم السين وفتحها (الهدى) قال ابن عبد البر في قول ابن مسعود في الصلوات الخمس في جماعة: إنها من سنن نبيكم دليل واضح على أن شهود الجماعة في غير الجمعة سنة من مؤكدات السنن، ومما يوضح لك أنها سنة وفضيلة لا فريضة قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء فابدؤوا بالعَشاء" رواه ابن عمر وعائشة وأنس عن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه ثابتة (¬1)، ومثله الرخصة [لآكل الثوم] (¬2) من التخلف عن الجماعة (¬3). (ولقد رأيتنا) (¬4) هذا من غرائب الضمائر، وهي الجمع بين ضميرين كلاهما للمتكلم، وإن كان أحدهما للمتكلم خاصة، والآخر للمتكلم ومعه (¬5) غيره، كما في قوله تعالى: {أَرَأَيْتَكَ} (¬6) في الأنعام في موضعين ليس لها في العربية نظير، وهي الجمع بين علامتي خطاب، وهما التاء والكاف. (وما يتخلف عنها إلا منافق بَيِّنُ النفاق، ولقد رأيتنا وإن الرجل) منا (ليهادى) رواية النسائي: لقد رأيت الرجل يهادى (¬7) (بين الرجلين) ¬

_ (¬1) سيأتي تخريجه. (¬2) في (ص): لا كل اليوم. (¬3) "الاستذكار" 5/ 326. (¬4) في (ص): رأينا. (¬5) في (ص، س، م): من. (¬6) في الأنعام (أرأيتكم) مرتين (40، 47)، ووردت في الإسراء (أرأيتك) 62. (¬7) "سنن النسائي" 2/ 108.

أي: يعتمد عليهما متكئًا على كل واحد منهما من جهة في مشيه (حتى يقام في الصف) قال النووي: في هذا كله تأكيد أمر الجماعة، وتحمل أمر (¬1) المشقة في حضورها، وأنه إذا أمكن المريض ونحوه التوصُّل إليها استحب له حضورها (¬2)، وإن كان مع مشقة. (وما منكم من أحدٍ إلا وله مسجد) أي: مكان (في بيته) معدٌّ للصلاة فيه يستحب تنظيفه وتطييبه كما تقدم. (ولو صليتم في بيوتكم) الفرائض (وتركتم مساجدكم) التي للجمعة والجماعة (تركتم) رواية النسائي: "لتركتم" (¬3) بزيادة اللام (سنة نبيكم). وروى الطبراني في "الأوسط" بإسناد رجال الصحيح عن ابن عباس، قال: من سمع حي على الفلاح فلم يجبه فقد ترك سنة محمد - صلى الله عليه وسلم - (¬4). انتهى (¬5) ومن ترك سنة محمد - صلى الله عليه وسلم - فقد ضلَّ. (ولو تركتم سنة نبيكم لكفرتم) بالسنة، ولم تروها سنة، ولا ترجون ثوابها، فيئول ذلك (¬6) بكم إلى الكفر بأن تتركوا شيئًا فشيئًا حتى تخرجوا من الملة وتضلوا عن الإسلام، رواية (¬7) مسلم والنسائي وغيرهما: لضللتم (¬8). ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "شرح النووي على مسلم" 5/ 157. (¬3) "سنن النسائي" 2/ 108. (¬4) "المعجم الأوسط" (7990)، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (432). (¬5) من (م). (¬6) من (م). (¬7) في (س): رواه. (¬8) "صحيح مسلم" (654) (257)، و"سنن النسائي" 2/ 108.

وفي هذا الحديث تأكد شهود الصلوات في الجماعة، ولذلك قال جماعة: أنها فرض كفاية كما تقدم. قال القاضي عياض: اختلف في المتمادي (¬1) على ترك ظاهر السنن هل يقاتل عليها أم لا؟ قال: والصحيح قتالهم؛ لأن في (¬2) التمادي على تركها إماتتها (¬3). وقال أصحابنا في كتاب الشهادات: أن من ترك السنن الراتبة وتسبيح الركوع والسجود أحيانًا لم ترد شهادته، أو اعتاد تركها رُدت شهادته (¬4). [551] (ثَنَا قُتَيبَةُ) قال: (ثَنَا جَرِيرٌ) بفتح الجيم، بن عبد الحميد الضبي. (عَنْ أَبِي جَنَابٍ) بفتح الجيم وتخفيف النون، واسمه يحيى بن أبي حية - ضد ميتة - الكلبي، قال النسائي: ليس بالقوي (¬5)، وحصل له عمى في بصره فدعا له بعض أصحابه برده (¬6) فعطس فرد، وكان ذلك يوم الجمعة. (عَنْ مَغْرَى) بفتح الميم وإسكان الغين المعجمة وفتح الراء مقصور (الْعَبْدِيِّ) (¬7) أبي المخارق (¬8)، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬9). (عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَال ¬

_ (¬1) في (س، م): التمادي. (¬2) من (م). (¬3) "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 1/ 350. (¬4) "روضة الطالبين" 11/ 233 - 234. (¬5) نقله عنه المزي في "تهذيب الكمال " 31/ 289، وقال النسائي في "الضعفاء والمتروكين" (640): ضعيف كوفي. (¬6) تحرفت في (س) إلى: بركاه. (¬7) ويقال أيضًا: العيذي لأنه من بني عائذ. (¬8) في (ص): المخارف. (¬9) "الثقات" لابن حبان 5/ 464.

رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: مَنْ سَمِعَ المُنَادي) بالنصب (فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنَ اتِّبَاعِهِ) رواه ابن ماجه (¬1)، وابن حبان (¬2)، والدارقطني (¬3)، والحاكم (¬4)، عن عبد الحميد بن بيان، عن هشيم، عن شعبة بلفظ: "من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له" (إلا من عُذْر) مرفوعًا هكذا، وإسناده صحيح (قَالوا: وَمَا العُذْرُ) المانع؟ وهذا استفهام تصور، فإن الاستفهام ينقسم إلى قسمين؛ لأنه إما أن يطلب منه التصور أو التصديق، فالتصور كقولك: أعسلٌ في الزق (¬5) أم دِبْس؟ وهذا الحديث، والتصديق مثل: أقام زيد؟ ومنه في حديث ذي اليدين: "أحقٌّ ما يقول ذو اليدين" (¬6). (قَال: خَوْفٌ) هذا خبر مبتدأ محذوف، حذف (¬7) للعلم به، والتقدير: هو خوف. قال في "شَرح السُّنَّة": اتفق العلماء على أنه لا رخصة في ترك الجماعة إلا من عذر (¬8)، فإنها تسقط به سواء قلنا سنة [أم فرض عين] (¬9) أم فرض كفاية، ومعنى السقوط سقوط الإثم على قول الفرض، والكراهة على قول السنة، وليس معناه أنه إذا ترك الجماعة لعُذْر أنه يحصل له فضيلتها، وقد قطع النووي بأنه لا تحصل له فضيلتها (¬10)، وذلك ظاهر فيما إذا لم تكن له عادة، أما إذا كان ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (793). (¬2) "صحيح ابن حبان" (2064). (¬3) "سنن الدارقطني" 1/ 420. (¬4) "المستدرك " 1/ 245. (¬5) في (ص): الرف. (¬6) سيأتي تخريجه عند الكلام عليه إن شاء الله تعالى. (¬7) سقط من (م). (¬8) "شرح السنة" 3/ 348. (¬9) من (م). (¬10) "شرح مسلم" 5/ 155.

ملازمًا للجماعة وحبسه عنها عذر فينبغي أن يحصل له فضيلتها لحديث: "إن العبد إذا مرض أو سافر يكتب له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا" (¬1) والعذر إما عام كالمطر والريح العاصف بالليل؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر مؤذنًا يؤذن ثم يقول على أثره: "ألا صلوا في رحالكم" في الليلة المطيرة أو الباردة رواه البخاري (¬2). أو خاص كالخوف، ويدخل فيه الخوف من ظالم على نفسه أو ماله، أو على مريض عنده بلا متعهد، ولا عِبْرَة (¬3) بالخوف ممن يطالبه بحق هو ظالم في منعه، بل عليه حضور الجماعة وتوفية الحق. (أَوْ مَرَضٌ) وضابط المرض أن يحصل من الذهاب إلى الجماعة مشقة كمشقة المشي في المطر، فإن كانت مشقة المرض يسيرة كوجع الضرس والصداع اليسير والحمى الخفيفة فليس بعذر إذا لم يصل (¬4) مشقته كمشقة المشي في المطر. (لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ (¬5) الصَّلاةُ التِي صَلَّاها) في غير الجماعة، هكذا رواية أبي داود، والرواية المتقدمة: "فلا صلاة له" وكذا رواية الحاكم في الشواهد التي ذكرها من طريق أبي [بكر بن] (¬6) عياش، عن أبي حصين، عن (¬7) أبي بردة، عن أبيه بلفظ: "من سمع النداء فارغًا ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2996)، وسيأتي إن شاء الله. (¬2) "صحيح البخاري" (632). (¬3) تحرفت في جميع النسخ إلى (غيره). (¬4) من (م). وفي باقي النسخ: يحصل. (¬5) زاد في (س): إلا. (¬6) من (ل، م). (¬7) زاد في (ص): بكر بن.

صحيحًا فلم يجب فلا صلاة له" (¬1) أي لا صلاة كاملة لمن صلى منفردًا. [552] (ثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ حَرْبٍ) قال: (ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ) بن أبي النجود، أحد القرَاء السبعة. (عَنْ أَبِي رَزِينٍ) بفتح الراء وكسر الزاي، هو مسعود بن مالك التابعي الأسدي الكوفي، قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه ثقة (¬2). (عَنِ ابن أُمِّ مَكْتُومٍ) تقدم الخلاف في اسمه (أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَال: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي رَجُلٌ ضَرِيرُ البَصَرِ شَاسِعُ) أي: بعيد (الدَّارِ) من المسجد، من شسع بفتحتين. (وَلِي [قَائِدٌ لا يُلاومُنِي)] (¬3) قال الخطابي: هكذا يروى في الحديث يلاومني بالواو، والصواب يلائمني أي: يوافقني (¬4). وهو بالهمزة المرسومة بالواو، والهمزة فيه أصلية من لأمت الخرق أصلحته، و [لاءمت] (¬5) بين القوم ملاءمة مثل صالحت (¬6) ووافقت بينهم وزنًا ومعنى، وأما الملاومة بالواو فهي من اللوم، وليس هذا موضعه، ورواية الطبراني في "الكبير" عن أبي أمامة قال: أقبل ابن أم مكتوم ¬

_ (¬1) "المستدرك" للحاكم 1/ 246. قال الألباني في "الإرواء" 2/ 338: وهذا سند صحيح على شرط البخاري لولا أن ابن عياش فيه ضعف من قبل حفظه، لكن تابعه مسعر عند أبي نعيم في "أخبار أصبهان" 2/ 342. (¬2) "الاستغناء في معرفة المشهورين بالكنى" (698). (¬3) تحرفت في (س) إلى: فلا بد لا يلازمني. (¬4) "معالم السنن" المطبوع مع "مختصر سنن أبي داود" 1/ 291. (¬5) في (ص، س): لاء من. (¬6) في (م): صافحت.

وهو أعمى، وهو الذي أنزل الله فيه {عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} (¬1) فقال: يا رسول الله بأبي وأمي أنت (¬2) كما تراني قد كبر (¬3) سني، ورق عظمي، وذهب بصري، ولي قائد لا يلائمني قياده (¬4) إياي (¬5). (فَهَلْ) تجد (لِي رُخْصَةٌ) بوزن غرفة، وبضم الخاء للاتباع مثل ظلمة وظلمة، والرخصة التسهيل في الأمر والتيسير. وفي هذِه الأحاديث دلالة على أن السائل إذا سأل المفتي عن حكم هو عزيمة، وسأل عن الرخصة فيه يذكر له الأسباب التي يطلب بها الرخصة (أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي؟ ) الصلوات، وفي رواية في (¬6) "الأوسط" و"الكبير": إني أسمع النداء فلعلي لا أجد قائدًا ويشق عليّ، أفأتخذ مسجدًا في داري؟ (¬7). (قَال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ؟ ) يعني: الأذان كما في رواية ابن حبان (¬8). (قَال: نَعَمْ. قَال: لا أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً) رواية ابن حبان: "فأتها ولو حبوًا". زاد الطبراني: "على يديه ورجليه" (¬9)، وفي رواية عن أحمد ¬

_ (¬1) عبس: 1 - 2. (¬2) من (م). (¬3) في (م): كبرت. (¬4) في (س): فناداه. (¬5) "المعجم الكبير" للطبراني (7886). (¬6) سقط من (م). (¬7) "المعجم الكبير" 19/ 139 (305)، و"المعجم الأوسط" (7431). (¬8) "صحيح ابن حبان" (2063). (¬9) "المعجم الكبير" (7886).

وأبي يعلى: "ولو حبوًا أو زحفًا" (¬1). وفي هذا الحديث دلالة لمن قال الجماعة فرض عين، وأجاب الجمهور عنه بأنه سأل هل له رخصة في أن يصلي في بيته ويحصل له فضيلة الجماعة بسبب عذره فقال (¬2): لا، ويؤيد هذا أن حضور الجماعة تسقط بالعذر بإجماع المسلمين، ومن العذر العمى إذا لم يجد قائدًا فيسقط عنه الجمعة والجماعة، وأجاب عنه بعضهم بأن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - علم منه أنه يمشي بلا قائد لشدة حِذقه وذكائه كما هو مشاهد في بعض العميان يمشي بلا قائد، لا سيما إذا كان يعرف المكان قبل العمى، أو تكرر المشي إليه بقائد، فلكثرة عادته في التردد استغنى عن القائد. [553] (ثَنَا هَارُونُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي الزَّرْقَاءِ) أبو موسى التغلبي الموصلي نزيل الرملة، قال أبو حاتم: صدوق (¬3)، قال: (ثَنَا أَبِي) زيد بن أبي الزرقاء الموصلي، الزاهد المحدث كثير الرحلة، صدوق، قال: (ثَنَا سفيان (¬4)، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ) روى له الشيخان. (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ ابن أُمِّ مَكْتُومٍ - رضي الله عنه - قَال: قلت يَا رَسُولَ الله إِنَّ المَدِينَةَ كثِيرَةُ الهَوَامِّ) بتشديد الميم جمع هامة، وهوام الأرض حشراتها التي لا يقتل سمها (وَالسِّبَاعِ) ورواية أحمد: يا رسول الله إن بيني وبين المسجد نخل وشجر ولا أقدر على قائد كل ساعة (¬5). ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 3/ 367، و"مسند أبي يعلى" (1885) من حديث جابر - رضي الله عنه -. (¬2) تكرر في (م). (¬3) "الجرح والتعديل" (371). (¬4) في (ص): شيبان. (¬5) "مسند أحمد" 3/ 423.

(فَقَال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: أَتَسْمَعُ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى الفَلاحِ) خصهما بالذكر في هذا الحديث؛ لأن فيهما (¬1) الدعاء إلى الصلاة، زاد النسائي: قال: نعم (¬2). قال: (فَحَيَّ) حي كلمة مفردة بمعنى هلم، و (هَلا) بتخفيف اللام مع النون بمعنى عجِّل وأسرع، فجُعِلا معًا كلمة واحدة، وبنيت حي على الفتح (¬3)، وهَلًا مشبهة بصَهْ ومَهْ. اعتمد ابن خزيمة وغيره على هذا الحديث على فرضية الجماعة في الصلوات كلها، وحمله جمهور العلماء على أنه كان لا يشق عليه التصرف بالمشي (¬4) وحده ككثير من العميان (¬5) وتقدم. (كَذَا رَوَاهُ (¬6) القَاسِمُ) بن يزيد (الْجَرْمِيُّ) الموصلي (عَنْ سُفْيَانَ) عن عبد الرحمن بن عابس .. إلى آخره. * * * ¬

_ (¬1) من (م). وفي باقي النسخ: فيها. (¬2) "سنن النسائي" 2/ 109. (¬3) في (م): الفلاح. (¬4) في (م): بالشيء. (¬5) في (م): الغلمان. (¬6) زاد في (م): أبو.

48 - باب في فضل صلاة الجماعة

48 - باب فِي فَضْلِ صَلاة الجَماعَةِ 554 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا شعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحاقَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قال: صَلَّى بِنا رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا الصُّبْحَ فَقال: "أَشاهِدٌ فُلانٌ". قالوا لا. قال: "أَشاهِدٌ فُلانٌ؟ ". قالوا: لا. قال: "إِنَّ هاتَينِ الصَّلَاتينِ أَثْقَلُ الصَّلَواتِ عَلَى المُنافِقِينَ وَلَوْ تَعْلَمُونَ ما فِيهِما لأَتَيْتُمُوهُما وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الرُّكَبِ وَإنَّ الصَّفَّ الأَوَّلَ عَلَى مِثْلِ صَفِّ المَلائِكَةِ وَلَوْ عَلِمْتُمْ ما فَضِيلَتُهُ لابْتَدَرْتُمُوهُ وَإِنَّ صَلاةَ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلاتِهِ وَحْدَهُ وَصَلاتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلاِتهِ مَعَ الرَّجُلِ وَما كثُرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى الله تَعالى" (¬1). 555 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا إِسْحاقُ بْن يُوسُفَ، حَدَّثَنا سُفْيان، عَنْ أَبِي سَهْلٍ -يَعْنِي عُثْمانَ بْنَ حَكِيمٍ- حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ عُثْمانَ بْنِ عَفّانَ قال: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ صَلَّى العِشاءَ فِي جَماعَةٍ كانَ كَقِيامِ نِصفِ لَيْلَةٍ وَمَنْ صَلَّى العِشاءَ والفَجْرَ فِي جَمِاعَةٍ كانَ كَقِيامِ لَيْلَةٍ" (¬2). * * * باب فَضْلِ الجَمَاعَةِ [554] (ثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ) قال: (ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) [سليمان بن أبي سليمان الشيباني، ثقة حجة] (¬3) (عَنْ عَبْدِ الله بْنِ أَبِي ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 140، والحاكم 1/ 247، والبيهقي 3/ 67 - 68. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (563). (¬2) رواه مسلم (656) دون ذكر العشاء في الشطر الثاني، ورواه بلفظه الترمذي (221). (¬3) كذا ذكره المصنف أنه سليمان بن أبي سليمان، وليس هو المراد هنا في السند، وإنما المقصود: أبو إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله الهمداني، الحافظ العلم وهو مشهور جدًّا.

بصير) العبدي الكوفي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬1)، لكن لم يرو عنه غير أبي إسحاق فقط. (عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رضي الله عنه - قَال: صَلَّى بِنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا) صلاة (الصُّبْحَ، فَقَال: أَشَاهِدٌ) رواية النسائي: "أَشَهِدَ" (¬2) (فُلانٌ) الصلاة؟ (قَالوا: لا) قال: ففلان (¬3). قالوا: لا. (قَال: أَشَاهِدٌ فُلانٌ؟ قَالوا: لا. قَال: إِنَّ هَاتَيْنِ الصَّلاتَيْنِ) يعني الفجر والعشاء، وتقدم ذكر الصبح دون العشاء؛ لأنهما قرينتان، وقد ورد التصريح بهما في البخاري وغيره. (أَثْقَلُ الصَّلَوَاتِ عَلَى المُنَافِقِينَ) دل هذا على أن الصلوات كلها ثقيلة على المنافقين؛ لقوله تعالى: {وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالى} (¬4)، وإنما كانت العشاء والفجر أثقل عليهم من غيرهما لقوة الداعي إلى تركهما؛ لأن العشاء وقت السكون والراحة، والصبح وقت لذة النوم، وقيل: وجهه كون المؤمنين [يفوزون بما ترتب] (¬5) عليهما من الفضل لقيامهم بحقهما دون المنافقين. (وَلَوْ يعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا) أي: من الفضل العظيم (لأَتَوهُمَا) أي: لأتوا المسجد الذي يصليان فيه جماعة (وَلَوْ حَبْوًا (¬6) عَلَى الرُّكَبِ) أي: يزحفون (¬7) إذا منعهم مانع من المشي كما يزحف الصغير، وفي رواية ¬

_ (¬1) "الثقات" 5/ 15. (¬2) "سنن النسائي" 2/ 104. (¬3) في (س): بفلان. (¬4) التوبة: 54. (¬5) من (م)، وفي باقي النسخ: يقوون بما حث. (¬6) في (ص): حثوًا. (¬7) في (س): يرجعون.

ابن أبي شيبة من (¬1) حديث أبي الدرداء: ولو حبوًا على المرافق والركب (¬2). (وَإنَّ الصَّفَّ الأَوَّلَ) في الفضيلة (عَلَى مِثْلِ) الصف الأول من (صَفِّ المَلائِكَةِ) عند ربهم، وروى الإمام أحمد والبزار بسندٍ رجاله ثقات عن النعمان بن بشير: "إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول أو الصفوف الأول" (¬3) (وَلَوْ عَلِمْتُمْ مَا فَضِيلَتُهُ) عند الله تعالى (لابْتَدَرْتُمُوهُ) أي: لأسرعتم المبادرة إليه، ومنه قوله تعالى: {إِسْرَافًا وَبِدَارًا} (¬4) وروى الطبراني في "الكبير" عن عبد العزيز بن رفيع، قال: حدثني عامر بن مسعود القرشي، وزاحمني بمكة أيام ابن الزبير عند المقام في الصف الأول فقلت له (¬5): كأنَّ في الصف الأول خير؟ قال: أجل (¬6) والله لقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو يعلم الناس ما في الصف الأول ما صفوا فيه إلا بقرعة أو سهم" (¬7). ورجاله ثقات إلا أن عامر بن مسعود اختلف في صحبته (وَإِن صَلاةَ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى) أي: أكثر ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "مصنف ابن أبي شيبة" (3374) عن أبي الدرداء موقوفًا. (¬3) "مسند أحمد" 4/ 268، و"مسند البزار" (3224). وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (1839). (¬4) النساء: 6. (¬5) سقط من (م)، وفي (س): أنه. (¬6) في (ص، س): أجد. (¬7) لم أقف عليه في "المعجم الكبير" قال الهيثمي في "المجمع" 2/ 92: رواه الطبراني في "الكبير" ورجاله ثقات، إلا أن عامر بن مسعود اختلف في صحبته، والحديث أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (3832).

أجرًا، أو أبلغ في تطهير المصلي وتكفير ذنوبه (مِنْ صَلاِتهِ وَحْدَهُ) لما في الاجتماع في بيت الله تعالى على الصلاة وتلاوة القرآن والذكر من نزول الرحمة والسكينة دون الانفراد (وَصَلاتُهُ) أي: صلاة الرجل كما في النسائي (¬1) (مَعَ الرَّجُلَيْنِ) خصت هذِه الفضيلة بالرجال، يدل على أن النساء ليست لهن (¬2) هذِه الفضيلة في حضور الجمعة والجماعة، ويشبه (¬3) أن يدخل الصبيان المأمورون بالصلاة في هذِه الفضيلة (أَزْكَى) أي: أكثر ثوابًا (مِنْ صَلاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ) الواحد، وروى البزار والطبراني، ورجال الطبراني موثقون، عن قباث، بضم القاف وتخفيف الباء الموحدة وآخره ثاء مثلثة، ابن أشيم الليثي الكناني، وهو من أمراء يوم اليرموك الصحابي، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صلاة الرجلين يؤم أحدهما صاحبه أزكى عند الله من صلاة أربعة تترا، وصلاة أربعة يؤم أحدهم أزكى عند الله من صلاة ثمانية تترا، وصلاة ثمانية يؤم أحدهم أزكى عند الله من مائة تترا" (¬4). (وَمَا كَثُرَ جمعه فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى الله تَعَالى) استدل به أصحابنا وغيرهم على أن ما كثر جمعه في الصلوات والعبادات مرغوبٌ فيه، وهو أفضل مما قل جمعه وإن كان بعيدًا، إلا إذا كان إمام ذلك المسجد مبتدعًا، أو تعطل مسجد قريب منه لغيبته عنه، أو كان إمام الجمع فاسقًا، أو يعتقد عدم وجوب بعض أركان الصلاة، ففي هذِه الأحوال المسجد ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 2/ 104. (¬2) من (س)، وفي باقي النسخ: لهم. (¬3) في (ص، س): والسنة. وغير واضحة في (ل)، والمثبت من (م). (¬4) "المعجم الكبير" للطبراني 19/ 36 (73)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (3836).

القليل الجماعة أولى، فإن لم تحصل الجماعة إلا مع هذِه الأحوال، قال السبكي: فكلامهم يشعر بأنه أفضل من الانفراد (¬1). [555] (ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ) قال: (ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ) الأزرق الواسطي، قال: (ثَنَا سُفْيَانُ، عن (¬2) أَبِي سَهْلٍ عُثْمَانَ بْنَ حَكِيمٍ) بن عباد (¬3) الأوسي، روى له مسلم، قال: (ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ) [الأنصاري القاص] (¬4). (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رضي الله عنه - قَال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: مَنْ صَلَّى العِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ) ذكر في "الموطأ" أوله: جاء عثمان بن عفان إلى صلاة العشاء فرأى أهل المسجد قليلًا، فاضطجع في مؤخر المسجد ينتظر (¬5) الناس أن يكثروا، فأتاه ابن أبي عمرة فجلس إليه فسأله من هو؟ فأخبره، فقال له: ما معك من القرآن؟ فأخبره، فقال له عثمان: من شهد العشاء في جماعة .. (¬6). (كَانَ كقِيَامِ) رواية "الموطأ": فكأنما قام (¬7) (نِصْفِ لَيلَةٍ). وحكى ابن عبد البر عن عمر - رضي الله عنه -: لأن أشهد صلاة الصبح في جماعة أحب إليَّ (¬8) من أن أقوم ليلة (¬9)، وكذلك قول عثمان: من قدم العشاء ¬

_ (¬1) "أسنى المطالب شرح روض الطالب" 1/ 211. (¬2) في (ص): بن. (¬3) من (م). وفي بقية النسخ: عبد. (¬4) في (ص): الأنصار أبي العاص. (¬5) في (س): ينتظره. (¬6) "الموطأ" 1/ 131. (¬7) "الموطأ" 1/ 131. (¬8) في (ص، ل): إليه. والمثبت من (م). (¬9) أخرجه مالك في "الموطأ" 1/ 131، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (423).

فكأنما قام نصف الليل، ومن شهد الصبح فكأنما قام ليلة (¬1). وروى ابن عبد البر بسنده عن عثمان قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صلاة العشاء في جماعة تعدل قيام ليلة، وصلاة الفجر في جماعة تعدل قيام نصف ليلة" (¬2). ثم (¬3) قال: هكذا قال في صلاة العشاء قيام ليلة وفي صلاة الفجر نصف ليلة. (وَمَنْ صَلَّى العِشَاءَ وَالْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كقِيَامِ لَيْلَةٍ) قال ابن عبد البر: فيه دليل على أن أعمال الفرائض والسنن وإقامتها على وجوهها أفضل من النوافل والتطوع كله، وكذلك قال عمر بن عبد العزيز: أفضل الفضائل أداء الفرائض واجتناب المحارم. وهذا شيء لا خلاف فيه، وترتيب الفضائل عند العلماء: الفرائض المتعينة كالصلوات الخمس وما أشبهها، ثم ما كان فرضًا على الكفاية كالجهاد وطلب العلم والصلاة على الجنائز (¬4) والصلاة في الجماعة، قد قلنا أنها من هذا القسم أو من وكيد السنن كالعيدين والكسوف، ثم كل ما واظب عليه من النوافل كصلاة الليل وركعتي الفجر، ثم سائر التطوع فقِفْ (¬5) على (¬6) هذا الأصل فإنه يشهد له سائر الأصول (¬7). [والله سبحانه وتعالى أعلم] (¬8). * * * ¬

_ (¬1) "التمهيد" 23/ 352. (¬2) "التمهيد" 23/ 354. (¬3) سقط من (م). (¬4) كلمة غير واضحة في (م). (¬5) في (ص): ثبت. والمثبت من (ل، م)، وسقط من (س). (¬6) تكررت في (ص). (¬7) "الاستذكار" 5/ 338. (¬8) سقط من (س، م).

49 - باب ما جاء في فضل المشي إلى الصلاة

49 - باب ما جاءَ فِي فَضْلِ المَشْي إلى الصَّلاةِ 556 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنِ ابن أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مِهْرانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "الأَبْعَدُ فالأَبْعَدُ مِنَ المَسْجِدِ أَعْظَمُ أَجْرًا" (¬1). 557 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنا زهَيْرٌ، حَدَّثَنا سُلَيْمانُ التَّيْمِيُّ أَنَّ أَبا عُثْمانَ حَدَّثَهُ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قال: كانَ رَجُلٌ لا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ مِمَّنْ يُصَلِّي القِبْلَةَ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ أَبْعَدَ مَنْزِلًا مِنَ المَسْجِدِ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ وَكانَ لا تُخْطِئُهُ صَلاةٌ فِي المَسْجِدِ فَقُلْتُ: لَوِ اشْتَرَيْتَ حِمارًا تَرْكَبُهُ فِي الرَّمْضاءِ والظُّلْمَةِ. فَقال ما أُحِبُّ أَنَّ مَنْزِلِي إِلَى جَنْبِ المَسْجِدِ فَنُمِيَ الحَدِيثُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلهُ عَنْ قَوْلِهِ ذَلِكَ فَقال: أَرَدْتُ يا رَسُولَ اللهِ أَنْ يُكْتَبَ لي إِقْبالِي إِلَى المَسْجِدِ وَرُجُوعِي إِلَى أَهْلي إِذا رَجَعْتُ. فَقال: "أَعْطاكَ الله ذَلِكَ كُلَّهُ أَنْطاكَ الله جَلَّ وَعَزَّ ما احْتَسَبْتَ كُلَّهُ أَجْمَعَ" (¬2). 558 - حَدَّثَنا أَبُو تَوْبَةَ، حَدَّثَنا الهَيْثَمُ بْن حُمَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الحارِثِ، عَنِ القاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي أُمامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الحاجِّ المُحْرِمِ وَمَنْ خَرَجَ إِلَى تَسْبِيحِ الضُّحَى لا يُنْصِبُهُ إِلَّا إِيّاهُ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ المُعْتَمِرِ وَصَلاةٌ عَلَى أَثَرِ صَلاةٍ لا لَغْوَ بَينَهُما كِتابٌ فِي عِلِّيِّينَ" (¬3). 559 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ أَبِي صالِحٍ، عَنْ أَبِي ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (782)، وأحمد 2/ 351. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (565). (¬2) رواه مسلم (663). (¬3) رواه أحمد 5/ 263، 268، والبيهقي 3/ 63 من طريق أبي داود. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (567).

هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "صَلاةُ الرَّجُلِ فِي جَماعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَصَلاتِهِ فِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَذَلِكَ بِأَنَّ أَحَدَكُمْ إِذا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوضُوءَ وَأَتَى المَسْجِدَ لا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلاةَ وَلا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلاةُ لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَ لَهُ بِها دَرَجَةٌ وَحُطَّ عَنْهُ بِها خَطِيئَةٌ حَتَّى يَدْخُلَ المَسْجِدَ فَإِذا دَخَلَ المَسْجِدَ كانَ فِي صَلاةٍ ما كانَتِ الصَّلاةُ هِيَ تَحْبِسُهُ والمَلائِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَى أَحَدِكُمْ ما دامَ فِي مَجْلِسِهِ الذِي صَلَّى فِيهِ يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ ما لَمْ يُؤْذِ فِيهِ أَوْ يُحْدِثْ فِيهِ" (¬1). 560 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْن عِيسَى، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنْ هِلالِ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الصَّلاةُ فِي جَماعَةٍ تَعْدِلُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ صَلاةً فَإِذا صَلَّاها فِي فَلاةٍ فَأَتَمَّ رُكُوعَها وَسُجُودَها بَلَغَتْ خَمْسِينَ صَلاةً". قال أَبُو داودَ: قال عَبْدُ الواحِدِ بْن زِيادٍ فِي الحَدِيثِ: "صَلاةُ الرَّجُلِ فِي الفَلاةِ تُضاعَفُ عَلَى صَلاتِهِ فِي الجَماعَةِ". وَساقَ الحَدِيثَ (¬2). * * * باب فَضْلِ المَشْي إِلَى الصَّلاةِ [556] (ثَنَا مُسَدَّدٌ) قال: (ثَنَا يَحْيَى) القطان (عَنِ) محمد بن عبد الرحمن (ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مِهْرَانَ) بكسر الميم (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ) الأعرج أبي حميد المقعد، أخرج له مسلم في سجود التلاوة. (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -[قَال: الأَبْعَدُ فَالأَبْعَدُ) داره (مِنَ المَسْجِدِ) التي تقام فيه الجماعة (أَعْظَمُ أَجْرًا) من البعد لما يحصل في ¬

_ (¬1) رواه البخاري (477، 647، 2119)، ومسلم (649/ 272). (¬2) رواه البخاري (646) مختصرا.

البعد عن المسجد من كثرة الخُطَى، وفي كل خطوة عشر حسنات، كما رواه أحمد من رواية عقبة بن عامر (¬1)، لكن بشرط أن يكون متطهرًا. [557] (ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيلِيُّ) قال (ثَنَا زُهَيْرٌ) بن معاوية الجعفي، قال (ثَنَا سُلَيمَانُ التَّيْمِيُّ، أَنَّ أَبَا عُثْمَانَ النهدي (¬2) حَدَّثَهُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَال: كَانَ رَجُلٌ) من الأنصار كما في مسلم (¬3) ([لا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ] (¬4) مِمَّنْ يُصَلِّي) إلى (الْقِبْلَةَ) أي من المسلمين (مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ أَبْعَدَ مَنْزِلًا مِنَ المَسْجِدِ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ) الأنصاري (وَكَانَ لا تُخْطِئُهُ) بضم أوله وكسر ثالثه، أي: لا يفوته (صَلاة) ولا يتركها، من قولهم: أخطأ السهم الرمية إذا حاد عنه وتجاوز عنه فلم يصبه (فِي المَسْجِدِ) مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (فقلت (¬5) له: لَوِ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا تَرْكبُهُ فِي الرَّمْضَاءِ؟ ! ) وهي الحجارة الحامية من حر الشمس، وكذا التراب والرمل (وَالظُّلْمَةِ) في الليل (فَقَال: مَا أُحِبُّ أَنَّ مَنْزِلِي إِلَى جَنْبِ المَسْجِدِ) رواية مسلم: لو أنك اشتريت حمارًا يقيك من هوام الأرض؟ ! فقال: أما والله ما أحب بيتي (¬6) مطنب ببيت ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 4/ 157، وصححه ابن حبان (2045)، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (298). (¬2) من (م). (¬3) "صحيح مسلم" (663). (¬4) جاء ما بين القوسين في (م) قبل قوله: من صلى العشاء والفجر في جماعة. مع تقديم وتكرار. (¬5) في (ص): فقال. (¬6) في (س، م): شيء.

محمد - صلى الله عليه وسلم - (¬1). ومطنب بضم الميم وتشديد النون المفتوحة، أي: ما أحبه أنه مشدود بالأطناب، وهي الحبال إلى بيت النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -، بل أحب أن يكون بعيدًا ليكثر ثوابي وخطاي إليه. (فَنمى الحَدِيثُ) بفتح النون والميم المخففة (¬2) (إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -) النامي للحديث هو أبي بن كعب راوي الحديث؛ لأن في مسلم قال: فحملت حملًا حتى أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته قال: فدعاه (¬3) (فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَال: أَرَدْتُ يَا رَسُولَ الله أَنْ يُكْتَبَ لِي إِقْبَالِي) في المشي (إِلَى المَسْجِدِ وَرُجُوعِي) منه (إِلَى أَهْلِي إِذَا رَجَعْتُ. فَقَال: أَعْطَاكَ الله) تعالى (ذَلِكَ كُلَّهُ) أكده بكله ليدل على أنه يكتب له أجر الذهاب والإياب، لدفع توهم أن يحصل له أجر الإقبال فقط، لكن لا يلزم من ذلك أن يكون أجر الرجوع كأجر الإقبال. (أَنْطَاكَ الله) الإنطاء هو الإعطاء بلغة أهل اليمن، وقرئ في الشواذ {إنا أنطيناك الكوثر} رواها الهذلي عن الحسن البصري (¬4) (مَا احْتَسَبْتَ) أي: أدخرته عند الله لا يرجو له ثوابًا في الدنيا (كُلَّهُ أَجْمَعَ) تأكيد بعد تأكيد للمبالغة في حصول ذلك كله. [558] (ثَنَا أَبُو تَوْبَةَ) بالمثناة أوله المفتوحة والموحدة بعد الواو (¬5)، ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (663). (¬2) في (م): الخفيفة. (¬3) "صحيح مسلم" (663). (¬4) "الجامع لأحكام القرآن" 20/ 216. (¬5) في (م): الراء و.

الربيع بن نافع، روى له الشيخان بواسطة عن معاوية بن سلام، وهو آخر من روى عنه، وعاش نيفًا وتسعين سنة. قال: (ثَنَا الهَيْثَمُ بْنُ حُمَيدٍ) الغساني مولاهم الدمشقي، قال أبو داود: قدري ثقة (¬1). (عَنْ يَحْيَى بْنِ الحَارِثِ) الذماري (¬2) أبي عمرو إمام جامع دمشق، قرأ القرآن على عبد الله بن عامر، وثقه دحيم وابن معين (¬3) وأبي حاتم (¬4). (عَنِ القَاسِمِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ) الشامي، أدرك أربعين من المهاجرين، وقيل: أربعين بدريًّا. (عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَال: (مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ) من الخمس، ويحتمل أن يكون في معناه من خرج إلى المصلى بجنازة (¬5) (فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الحَاجِّ المُحْرِمِ) الحاج لا يكون إلا محرمًا، ولعل المراد كأجر الحاج إذا أحرم من دويرة أهله (وَمَنْ خَرَجَ إِلَى تَسْبِيحِ) أي: صلاة (الضُّحَى) سميت الصلاة سبحة (¬6) لما فيها من تسبيح الله تعالى وتنزيهه، قال الله تعالى: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} (¬7) أي من (¬8) المصلين، وفيه دلالة على أن صلاة الضحى ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 30/ 372. (¬2) في (ص): الدناري. (¬3) "تهذيب الكمال" 31/ 258. (¬4) "الجرح والتعديل" (575). (¬5) من (م). وفي بقية النسخ: إلى الجنازة. (¬6) في (م): تسبيحة. وفي (س): مسبحة. (¬7) الصافات: 143. (¬8) سقط من (س، ل، م).

في المسجد أفضل، ويحتمل أن يراد به أحد المساجد الثلاثة، ويدل على عموم المساجد رواية الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية فغنموا وأسرعوا الرجعة، فتحدث الناس بقرب مغزاهم وسرعة رجعتهم وكثرة غنيمتهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من توضأ ثم غدا إلى المسجد لسبحة الضحى فهو أقرب منهم مغزى، وأكثر غنيمة، وأوشك رجعة" (¬1) ويحتمل أن يراد بتسبيح الضحى [صلاة الضحى] (¬2) في يوم الجمعة دون غيره لأدلة وردت به (¬3) (¬4). (لا يُنْصِبُهُ) بضم أوله وكسر ثالثه، أي: لا يزعجه ويخرجه، ويجوز فتحها (إِلَّا إِيَّاهُ) (¬5) أي: تسبيح الضحى، وأصله من التعب، يقال: أنصَبَهُ ينْصِبُه (¬6)، قال ابن دريد: يقال: أنصبه (¬7) المرض ونصبه، وأنصبه أعلا (¬8)، قال صاحب "الأفعال": هو تغير الحال من مرض أو نَصِب (¬9) ينصب بالكسر أعيا من التعب (¬10). ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد 2/ 175، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (668). (¬2) في الأصول: الصلاة الأضحى. (¬3) من ذلك ما رواه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" 1/ 249 من حديث ابن عباس عن فضل من صلى الضحى يوم الجمعة. قال الشوكاني في "الفوائد" ص 36: حديث طويل موضوع وفي إسناده مجاهيل. وقال الألباني في "الضعيفة" (5700): موضوع. (¬4) سقط من (م). (¬5) في (ص): أتاه. (¬6) من (م). وفي بقية النسخ: ينصب. (¬7) في (م): أنصب. (¬8) "جمهرة اللغة" لابن دريد (ب - ص - ن). (¬9) من (م)، وفي باقي النسخ: تعب. (¬10) "كتاب الأفعال" 3/ 234، ونصه مختلف قليلًا.

(فأَجْرُهُ كَأَجْرِ المُعْتَمِرِ) فيه أن أجر التطوعات المؤكدة دون أجر الفرائض، فإنه جعل في الحديث الذاهب إلى المكتوبة كالحاج، والذاهب إلى المؤكدة كالمعتمر، وروى الطبراني في "الكبير" عن أبي أمامة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الغدو والرواح إلى المسجد من الجهاد في سبيل الله" (¬1). لكن في سنده أيضًا القاسم بن عبد الرحمن (¬2). (وَصَلاةٌ عَلَى أَثَرِ) بفتح الهمزة والثاء (¬3)، وكسر الهمزة وسكون الثاء لغتان (صَلاةٍ لا لَغْوَ) اللغو (¬4) هو الهَذَر من الكلام وأخلاطه (بَينَهُمَا كِتَابٌ) أي: مكتوب (فِي عِلِّيِّينَ) تصعد به الملائكة المقربون إلى عليين لكرامة المؤمن وعمله الصالح كما قال تعالى: {إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} (¬5) وورد في حديث البراء: أن عليين في السماء السابعة (¬6) تحت العرش، وقيل: هو أعلى مكان في الجنة، والمراد بالصلاة على أثر الصلاة، أي: صلاة تتبع صلاة وتتصل بها، ويدخل فيه الصلوات في الليل والنهار، ونفل بعد فرض وعكسه. [559] (ثَنَا مُسَدَّدٌ) قال: (ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ) محمد بن خازم، بالخاء ¬

_ (¬1) "المعجم الكبير" (7739)، وفيه القاسم أبو عبد الرحمن الشامي له غرائب كثيرة، وقد أخرج أحمد هذا الحديث ملصقًا بحديثنا هذا 5/ 268 فقال: وقال أبو أمامة: الغدو والرواح إلى هذه المساجد من الجهاد في سبيل الله. اهـ. موقوفًا. وهذا الحديث الذي رواه الطبراني قال الألباني في "الضعيفة" (2007): موضوع. (¬2) انظر التعليق السابق. (¬3) في (س): الفاء. (¬4) في (س): اللهو. (¬5) المطففين: 18. (¬6) رواه البيهقي في "شعب الإيمان" (395).

والزاي المعجمتين، الضرير (عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: صَلاةُ الرَّجُلِ) لا شك أن المرأة هنا كالرجل، وإنما هو على جهة التمثيل كما في: "من أعتق شركًا له في عبد" (¬1) فالجارية مثل العبد، {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ} (¬2) وأشباهه، فإن المراد الرجال والنساء، وإن كان القوم خاصًّا بالرجال. قال الماوردي: وهل يكون جماعة النساء في الفضل والاستحباب كجماعة الرجال؟ وجهان: أظهرهما أن جماعة الرجال أفضل من جماعتهن؛ لقوله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}) (¬3) (¬4). (فِي جَمَاعَةٍ) وأقل الجماعة اثنان إمام ومأموم (تضعف عَلَى صَلاِتهِ فِي بَيتِهِ، وَصَلاِتهِ فِي سُوقِهِ) أي: تزيد على من صلى في البيت أو في السوق منفردًا، هذا هو الصواب. قال النووي: وما سواه باطل (¬5). أي: كما نقل ابن التين في "شرح البخاري": أنه لو صلى في سوقه جماعة كان كالمنفرد أخذًا بظاهر الحديث؛ لأن السوق مأوى الشياطين. (خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً) في الجنة، زاد ابن حبان من وجه آخر عن أبي سعيد: "فإن صلاها في فلاة فأتم ركوعها وسجودها بلغت خمسين ¬

_ (¬1) تمامه: "فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة العدل فأعطي شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق منه ما عتق". اهـ. وهو حديث صحيح أخرجه مسلم (1501)، وأبو داود (3490)، وسيأتي مع شرحه إن شاء الله تعالى. (¬2) الشعراء: 105. (¬3) البقرة: 228. (¬4) "الحاوي الكبير" 2/ 356 - 357. (¬5) "شرح النووي على مسلم" 5/ 165.

صلاة" (¬1). وكأنَّ السر في ذلك أن الجماعة لا تتأكد في حق المسافر لوجود مشقة السفر، وقد جاء عن بعض الصحابة قَصْر (¬2) التضعيف إلى خمس وعشرين على التجميع في المسجد الجامع، مع تقرير التفضل (¬3) في غيره، فروى سعيد بن منصور بإسناد حسن، عن أوس المعافري (¬4) أنه قال لعبد الله بن عمرو بن العاص: أرأيت من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى في بيته؟ قال: حسن جميل. قال (¬5): فإن صلى في مسجد عشيرته؟ قال: خمس عشرة صلاة. قال: فإن مشى إلى مسجد جماعة فصلى فيه؟ قال: خمس وعشرون (¬6). واعلم أن رواية الصحيحين: "تضعف على صلاته". قال البرماوي: يحتمل أن تضعف الصلاة فتصير ثنتين، ثم تضعف الاثنان أربعة، ثم الأربعة ثمانية، ثم الثمانية ستة عشر، وهكذا إلى أن تنتهي إلى خمسة وعشرين ضعفًا، وذلك شيء كثير من فضل الله. قال: وحمله على هذا أجود. (وَذَلِكَ بِأَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَوَضَّأَ) ظاهر في أن الأمور المذكورة علة للتضعيف المذكور إذ (¬7) التقدير: وذلك لأن أحدكم، ويدل عليه أن ¬

_ (¬1) "صحيح ابن حبان" (2055) نحوه. وصححه الحاكم 1/ 208 على شرط الشيخين. والحديث في "سنن أبي داود" (560)، وهو الحديث التالي بعد الذي نحن بصدده. (¬2) في (س): قصة. (¬3) في (س، م): الفضل. (¬4) في (ص): المعامري. (¬5) من (م). (¬6) حسنه الحافظ في "الفتح" 2/ 135. (¬7) في (م): إذا.

الباء قد جاءت للسببية (¬1) والتعليل، كقوله تعالى: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} (¬2) {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا} (¬3) {ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ} (¬4) فكأنه يقول: هذِه الزيادة المذكورة بسبب (¬5) كيت وكيت، وإذا كان كذلك فما رتب على أسباب متعددة لا يوجد بوجود بعضها إلا إذا دل الدليل على إلغاء ما ليس معتبرًا منها، أو ليس مقصودًا لذاته، وهذِه المعاني التي في الحديث معقولة المعنى مناسبة، فالأخذ بها متوجه. (فَأَحْسَنَ الوضُوءَ) أي: أتى به كاملًا بسننه وشرائطه وآدابه، ولا شك أن هذا على الغالب، وإلا فالغسل (¬6) مراد كالوضوء (وَأَتَى المَسْجِدَ) المسجد وصف معتبر فلا يصح إلغاؤه، ويشبه أن يكون المصلي لصلاة (¬7) الجنازة في معناه. (لا يُرِيدُ) بخروجه (إِلَّا الصَّلاة) أي: قصد الصلاة في الجماعة، واللام فيها للعهد الذهني، وفيه الإخلاص في العبادة بأن لا يريد مع الخروج تجارة ولا شغلا آخر، فليس من خرج له فقط كمن خرج له ولغيره، لكن قد يلحق بالصلاة ما في معناها مما فيه إظهار شعار الإسلام كالعمرة والأذان (¬8) ونحوهما. ¬

_ (¬1) من (ل، م)، وفي بقية النسخ: للتشبيه. (¬2) العنكبوت: 40. (¬3) النساء: 160. (¬4) البقرة: 54. (¬5) في (ص): ليست. (¬6) في (م): بالغسل. (¬7) في (ص): بصلاة. (¬8) من (م).

(ولا يَنْهَزُهُ) يعني بفتح الياء والهاء، أي: لا ينهضه، وينهضه شيء (إِلَّا الصَّلاةُ) يقال: نهز الرجل، أي: نهض (لَمْ يَخْطُ) بفتح أوله وضم الطاء، أي: لم يمش، وهو على وزن علا يعلو (خُطْوَةً) ضبطه القرطبي بضم الخاء (¬1)، وهي واحد الخطا، وهي ما بين القدمين، وضبطه ابن التين شارح البخاري واليعمري بفتحها، وقال غيرهما: القياس الأوجه الثلاثة في جَذْوَة المقروء بها في السبع؛ لأن كل ما كان فَعْلَة لامه واو، وبعدها تاء التأنيث كان في أولها التثليث. (إِلَّا رفعَ) الله لَهُ (بِهَا دَرَجَةٌ) يحتمل أن هذِه الدرجة معنوية بمعنى ارتفاع رتبته ومنزلته (¬2) عند الله تعالى، أو في الجنة، ويجوز أن تكون حقيقية وهي درج الجنة، لكن ما بعده يرجح الأول (أو حُطَّ بِهَا) أي: بسببها أو لأجلها ([عنه خطيئة]) (¬3) أي محيت من صحيفته. قال الداودي: إن كان له خَطِيئَةٌ وإلا رفعت (¬4) له درجات، وهذا يقتضي أن الحاصل بالخطوة درجة واحدة إما بالحط وإما بالرفع، وتكون الواو بمعنى "أو" كقولهم الكلمة اسمٌ وفعلٌ وحرف، وخالفه غيره فقال: الحاصل بالخطوة ثلاثة أشياء كما في الحديث الآخر: "كتب له بكل خطوة حسنة، ورفع بها درجة، وحط عنه خطيئة" (¬5). ¬

_ (¬1) "المفهم" للقرطبي 2/ 290. (¬2) في (ص) أقحم هنا جملة: وإلا رفع له درجات. وهذا يقتضي أن الحاصل بالخطوة. وستأتي بعد قليل. (¬3) من (م). (¬4) في (م): رفع. (¬5) "المفهم" للقرطبي 2/ 290.

ورواية أبي يعلى من حديث أبي هريرة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من مسلم يتوضأ فيحسن الوضوء، ثم يمشي إلى بيتٍ من بيوت الله تعالى يصلي فيه صلاة مكتوبة، إلا كتب له بكل خطوة حسنة، ويمحى عنه بالأخرى سيئة، ويرفع بالأخرى درجة" (¬1)، وفي سنده (¬2) عبد الأعلى بن أبي المساور وهو ضعيف. (حَتَّى يَدْخُلَ المَسْجِدَ، فَإِذَا دَخَلَ المَسْجِدَ) رواية البخاري: "فإذا صلى" (¬3) (كَانَ فِي صَلاةٍ (¬4) مَا كَانَتِ الصَّلاةُ هِيَ تَحْبِسُهُ) عن الذهاب في حاجته ويشبه أن يكون في معناه أن كل من حبس (¬5) لانتظار عبادة، كقراءة (¬6) وذكر وعيادة مريض واعتكاف، أو وجد المسجد مغلوقًا وانتظر فتحه، فهو في تلك العبادة إلى أن يحصل له حقيقتها. (وَالْمَلائِكَةُ) يحتمل أن يكونوا غير الحفظة، وقد اختلف في حقيقة (¬7) الملائكة فقيل: أجسام لطيفة قادرة على التشكل فيما شاءت، وقيل: غير ذلك، وهل (¬8) هي متحيزة أو لا؟ وهل يستقل العقل بمعرفتها أو لا؟ وفي ذلك خلاف مشهور في علم الكلام. ¬

_ (¬1) "مسند أبي يعلى" (6637) وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 2/ 146: فيه عبد الأعلى بن أبي المساور، وهو ضعيف. (¬2) من (م). وفي باقي النسخ: مسنده. (¬3) "صحيح البخاري" (647). (¬4) في (م): صلاته. (¬5) في (م): جلس. (¬6) في (م): لقراءة. (¬7) زاد في (م): يعني. وفي (س، ل): معنى. (¬8) من (م). وفي باقي النسخ: قيل.

(يُصَلُّونَ) رواية البخاري: (تصلي (¬1) عَلَى أَحَدِكُمْ مَا) مصدرية ظرفية (دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الذِي صَلَّى فِيهِ) من المسجد، وهذا خرج مخرج الغالب، وإلا فلو قام إلى بقعة (¬2) أخرى من المسجد مستمرًا على انتظار الصلاة كان كذلك، وقد تقدم معناه عن ابن عبد البر. (يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ) أي: تقول الملائكة ذلك في صلاتهم عليه، (اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيهِ) والدعاء بالتوبة في رواية لمسلم وابن ماجه (¬3)، واستدل به على فضيلة (¬4) الصلاة على غيرها من الأعمال لما ذكر من صلاة الملائكة عليه، ودعاءهم بالرحمة والمغفرة والتوبة، وعلى تفضيل صالحي الناس على الملائكة؛ لأنهم يكونون في تحصيل الدرجات في عبادتهم والملائكة مشغولون (¬5) بالاستغفار والدعاء. (مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ) أي: ما لم يصدر منه ما يتأذى به بنو آدم والملائكة، قاله القرطبي (¬6). (أَوْ يُحْدِثْ) فسره أبو هريرة بحدث الوضوء، وابن أبي أوفى: بحدث الإثم (فِيهِ) أي في ذلك المجلس. [560] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى) بن الطباع، نزل أذنة، كان يحفظ نحوًا ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (477). (¬2) في (ص): نفقة. (¬3) "صحيح مسلم" (272/ 649)، و"سنن ابن ماجه" (799). (¬4) في (م): أفضلية. (¬5) في (م): مشتغلون. (¬6) "المفهم" للقرطبي 2/ 290.

من أربعين ألف حديث، علق له البخاري. قال: (ثَنَا أَبُو (¬1) مُعَاوِيَةَ) الضرير (عَنْ هِلالِ بْنِ مَيمُونٍ) الجهني الفلسطيني الرملي، حدث بالكوفة، وثقه ابن معين وغيره (¬2). (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) سعد (الْخُدْرِيِّ، قَال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -) "الصَّلاةُ) المكتوبة (فِي جَمَاعَةٍ تَعْدِلُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ صَلاةً) أشار (¬3) ابن عبد البر إلى (¬4) أن بعضهم حمله على صلاة النافلة، ورده بحديث: "أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة" (¬5) واستدل به على تساوي الجماعات في الفضل، سواء كثرت الجماعة أم قلت؛ لأن الحديث دل على فضيلة الجماعة على المنفرد بغير واسطة، فيدخل فيه كل جماعة، كذا قال بعض المالكية وقواه، لما رواه ابن أبي شيبة بإسنادٍ صحيح عن إبراهيم النخعي قال: إذا صلى الرجل مع الرجل فهما جماعة، لهما التضعيف (¬6) خمسًا وعشرين (¬7). وهو مُسلَّم في أصل الحصول، لكن لا يبقى مزيد الفضل لما كان أكثر لا سيما مع وجود النص في الحديث المتقدم الذي صححه ابن خزيمة وغيره من حديث أُبَيِّ مرفوعًا: "صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "تهذيب الكمال" 30/ 349. (¬3) في (م): استند. (¬4) من (م). (¬5) "الاستذكار" 2/ 138. (¬6) في (ص): وتضعيف. انظر: "الاستذكار" 6/ 287. (¬7) "مصنف ابن أبي شيبة" (8904)، وفيه: التضعيف خمس وعشرون. وهو الصواب.

وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر جمعه (¬1) فهو أحب إلى الله تعالى" (¬2). (فَإِذَا صَلَّاهَا فِي فَلاةٍ) وهي الأرض المتسعة لا ماء فيها، والجمع فَلَا، مثل حَصاة وحَصَا (فَأَتَمَّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا) بكمال الطمأنينة، وبقية شروطها وسننها وآدابها (بَلَغَتْ خَمْسِينَ صَلاةً) عند الله تعالى. (قَال عَبْدُ الوَاحِدِ بْن زِيَادٍ) العبدي (¬3) مولاهم البصري (¬4) (فِي هذا الحَدِيثِ) دلالة على أن: (صَلاةُ الرَّجُلِ فِي الفَلاةِ تُضَاعَفُ عَلَى صَلاِتهِ فِي الجَمَاعَةِ .. وَسَاقَ الحَدِيثَ) وكأنه أخذه من إطلاق قوله في الحديث: "فإن صلاها (¬5) " لتناوله الجماعة والانفراد، لكن (¬6) حمله على الجماعة أولى، وهو الذي يظهر من السياق، وتقدم أن السر في تفضيل الصلاة في الفلاة أن الجماعة (¬7) لا تتأكد في حق المسافر لوجود المشقة، فإن (¬8) صلاها المسافر مع حصول المشقة جماعة تَضَاعَفَ أجرها على المقيم. * * * ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) تقدم، وهو في "صحيح ابن خزيمة" (1477). (¬3) في (م): العندلي. (¬4) في (س): العبدي. (¬5) في (س): صلاته. (¬6) في (س): وكثر. (¬7) في (م): الصلاة. (¬8) في (م): فإذا.

50 - باب ما جاء في المشي إلى الصلاة في الظلم

50 - باب ما جاءَ فِي المَشْيِ إِلَى الصَّلاةِ فِي الظُّلَمِ 561 - حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنا أَبُو عُبَيْدَةَ الحدّادُ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ أَبُو سُلَيْمانَ الكَحّال، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ بُرَيْدَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "بَشِّرِ المَشّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى المَساجِدِ بِالنُّورِ التّامِّ يَوْمَ القِيامَةِ" (¬1). * * * [باب ما جاء في المشي إلى المساجد في الظلم] (¬2) [561] (ثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ) بفتح الميم، قال: (ثَنَا أَبُو عُبَيْدَة) بالتصغير، عبد الواحد بن واصل (الْحَدَّادُ) روى له البخاري، قال: (ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن سُلَيمَانَ الكَحَّال) الضبي، قال أبو حاتم: صالح الحديث (¬3) (عَنْ عَبْدِ الله بْنِ أَوْسٍ، عَنْ بُرَيْدَةَ) بن الحصيب - رضي الله عنه - (عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَال: بَشِّرِ المَشَّائِينَ) بالهمز والمد، فيه فضيلة المشي على الرجلين إلى المساجد سريعًا كان المشي أو بطيئًا (فِي الظُّلَمِ) فيه فضيلة المشي إلى مساجد الجماعات في ظلمة الليل وهو يعم ظلمة العشاء والفجر، لكن رواية الطبراني في "الكبير" عن أبي أمامة: "بشر المدلجين إلى المساجد [في الظلم] (¬4) " (¬5) والإدلاج بتخفيف الدال هو ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (223). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (570). (¬2) من (م). (¬3) "الجرح والتعديل" (594). (¬4) سقط من (س، ل، م). (¬5) "المعجم الكبير" (7633).

المشي في جميع الليل، وبالتشديد المشي آخر الليل. (إِلَى المَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ) يعني من جميع جوانبهم، فإنهم يختلفون في النور على قدر أعمالهم (يَوْمَ القِيَامَةِ) على الصراط، ويحتمل أن يراد بالنور المنابر التي من النور لرواية الطبراني: "بشر المدلجين إلى المساجد في الظلم بمنابر من نور يوم القيامة يفزع الناس ولا يفزعون" (¬1) والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) "المعجم الكبير" (7633).

51 - باب ما جاء في الهدي في المشي إلى الصلاة

51 - باب ما جاءَ في الهَدْيِ فِي المَشْي إِلَى الصَّلاةِ 562 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن سُلَيْمانَ الأَنْبارِيُّ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ عَمْرٍو حَدَّثَهُمْ عَنْ داودَ بْنِ قَيْسٍ قال حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ إِسْحاقَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ المقْبُرِيِّ حَدَّثَنِي أَبُو ثُمامَةَ الحنّاطُ أَنَّ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ أَدْرَكَهُ وَهُوَ يُرِيدُ المَسْجِدَ أَدْرَكَ أَحَدُهُما صاحِبَهُ قال: فَوَجَدَنِي وَأَنا مُشَبِّكٌ بِيَدَيَّ فَنَهانِي عَنْ ذَلِكَ، وقال إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وضُوءَهُ ثُمَّ خَرَجَ عامِدًا إِلَى المَسْجِدِ فَلا يُشَبِّكَنَّ يَدَيهِ فَإِنَّهُ فِي صَلاةٍ" (¬1). 563 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعاذِ بْنِ عَبّادٍ العَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيبِ قال حَضَرَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصارِ الموْتُ فَقال إِنِّي مُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا ما أُحَدِّثُكُمُوهُ إِلَّا احْتِسابًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقُولُ: "إِذا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ الوضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلاةِ لَمْ يَرْفَعْ قَدَمَهُ اليُمْنَى إِلَّا كَتَبَ الله عز وجل لَهُ حَسَنَةً وَلَمْ يَضَعْ قَدَمَهُ اليُسْرَى إِلَّا حَطَّ الله عز وجل عَنْهُ سَيِّئَةً فَلْيُقَرِّبْ أَحَدُكمْ أَوْ لِيُبَعِّدْ فَإِنْ أَتَى المَسْجِدَ فَصَلَّى فِي جَماعَةٍ غُفِرَ لَهُ فَإِنْ أَتَى المَسْجِدَ وَقَدْ صَلَّوْا بَعْضًا وَبَقِيَ بَعْضٌ صَلَّى ما أَدْرَكَ وَأَتَمَّ ما بَقِيَ كانَ كَذَلِكَ فَإِنْ أَتَى المَسْجِدَ وَقَدْ صَلَّوْا فَأَتَمَّ الصَّلاةَ كانَ كَذَلِكَ" (¬2). * * * باب الهَدْي فيِ المَشْيِ إِلَى الصَّلاةِ والهدي بسكون الدال طريقة النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (387)، وابن ماجه (967). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (571). (¬2) رواه البيهقي 3/ 69. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (572).

[562] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الأَنْبَارِيُّ، أَنَّ عَبْدَ المَلِكِ بْنَ عَمْرٍو) أبو عامر العقدي الحافظ. (حَدَّثَهُمْ عَنْ دَاودَ بْنِ قَيسٍ) الفراء الدباغ، احتج به مسلم (قَال: حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ إِسْحَاقَ) بن كعب بن عجرة، قال: (حَدَّثَنِي أَبُو ثُمَامَةَ) بضم المثلثة (الْحَنَّاطُ) بفتح الحاء المهملة وتشديد النون، ويقال: القَمَّاح بفتح القاف وتشديد الميم، حجازي تابعي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬1). (أَنَّ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ - رضي الله عنه - أَدْرَكَهُ وَهُوَ يُرِيدُ المَسْجِدَ - أَدْرَكَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ - قَال: فَوَجَدَني (¬2) وَأَنَا مُشَبِّكٌ) بتشديد الباء، وتشبيك الأصابع دخول بعضها في بعض (يَدَيَّ) بتشديد الياء آخره للتثنية (فَنَهَانِي (¬3) عَنْ ذَلِكَ وَقَال: إِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَال: إِذَا تَوَضأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وضُوءَهُ) أي: بإسباغه والإتيان بسننه وآدابه وترك مكروهاته. (ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إِلَى المَسْجِدِ) لا يريد إلا الصلاة فيه (فَلا يُشَبِّكَنَّ) بتشديد نون التوكيد (يَدَيْهِ) أي: لا يشبك بين أصابعه. قال الشيخ صلاح الدين العلائي والد شيخنا المعمر شهاب الدين في "نظم الفرائد فيما تضمنه حديث ذي اليدين من الفوائد": لا تعارض بين هذا الحديث وبين حديث ذي اليدين الذي رواه البخاري في أوائل كتاب الصلاة، وترجم عليه: باب تشبيك الأصابع في المسجد من قول أبي ¬

_ (¬1) "الثقات" لابن حبان 5/ 566. (¬2) في (ص): فوجدت. (¬3) في (س): فيها.

هريرة: فقام - يعني: - النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان (¬1)، ووضع يده اليمنى على اليسرى وشبك بين أصابعه، ووضع خده الأيمن على ظهر كفه اليسرى (¬2). وجمع بينهما بأن حديث كعب بن عجرة فيه النهي عن التشبيك لمن هو عامد إلى الصلاة (فإِنَّهُ (¬3) فِي صَلاةٍ) وفي حديث ذي اليدين إنما شبك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو معتقد أنه قد أكمل الصلاة، ففيه دليل على إباحة التشبيك في المسجد كما بوب عليه البخاري، وقد كره إبراهيم النخعي تشبيك الأصابع في المسجد (¬4)، وما به بأس، وإنما يكره في الصلاة، وكذلك جاء أيضًا عن ابن عمر وابنه سالم والحسن البصري: أنه لا بأس بتشبيك الأصابع في المسجد (¬5)، ثم حكى كلام الخطابي قال: وبه يظهر أن التشبيك في الصلاة على مراتب: إحداها: إذا كان الإنسان في الصلاة فلا شك في كراهته؛ لأنه تعاطى فعلا ليس من أفعال الصلاة، وغالب ما ينشأ (¬6) مثله عن البطالة (¬7) والعبث المنافي (¬8) للصلاة. ¬

_ (¬1) في (ص): غضابا. (¬2) "صحيح البخاري" (482) وهو حديث مشهور. (¬3) في النسخ التي لدينا: وإنه. والمثبت من نسخة "سنن أبي داود". (¬4) "مصنف ابن أبي شيبة" (4863). (¬5) انظر: "مصنف ابن أبي شيبة" (4864، 4865، 4866). (¬6) في (ص): بنا. (¬7) في (س): أمثلته. (¬8) في (س): التالي.

وثانيها: إذا كان في المسجد منتظرًا للصلاة أو هو عامد إلى المسجد يريدها بعد ما تَطَهَّر (¬1) فالظاهر أنه مكروه لحديث كعب المذكور، وهو حديث حسن، لكن تكون الكراهة فيه أخف منها في حالة الصلاة. وثالثها: إذا كان في المسجد بعد فراغه من الصلاة، وليس يريد صلاة أخرى ولا ينتظرها، فهذا لا بأس به عملًا بحديث ذي اليدين فعله النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - يومئذٍ في المسجد، ولكن بعد إكمال الصلاة في ظنه كما ذكرنا. ورابعها: في غير المسجد فهو أولى الوجوه بالإباحة وعدم الكراهة، وقد احتج له البخاري في الباب الذي أشرنا إليه مع (¬2) حديث ذي اليدين بحديث ابن عمرو (¬3): "شبّك النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - أصابعه، وقال: كيف بك يا (¬4) ابن عمرو (¬5) إذا بقيت في حثالة (¬6) من الناس هكذا" (¬7). وبحديث أبي موسى، أن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قال: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا"، وشبك أصابعه - صلى الله عليه وسلم - (¬8). ثم قال: وهكذا الحديثان لا نعرف الموضع الذي قالهما فيه. ¬

_ (¬1) في (ص): فيظهر. (¬2) في (م): من. (¬3) في جميع النسخ: عمر. والمثبت من "صحيح البخاري" وهو الصواب. (¬4) زاد في (م): عبد الله. (¬5) في جميع النسخ: عمر. والمثبت من "صحيح البخاري" وهو الصواب. (¬6) في (ص): حالة. وفي (س): حيالة. (¬7) "صحيح البخاري" (480). (¬8) "صحيح البخاري" (481).

[وأما ما] (¬1) رواه ابن أبي شيبة من حديث يزيد بن خصيفة (¬2) عن سعيد بن المسيب، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبكن أصابعه". وهذا مرسل جيد (¬3). وما رواه الإمام أحمد بإسناد حسن عن مولى لأبي سعيد الخدري، قال: بينا أنا مع أبي سعيد وهو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ دخلنا المسجد فإذا رجلٌ جالس في وسط المسجد محتبيًا مشبكًا أصابعه بعضها في بعض، فأشار إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يفطن الرجل لإشارته، فالتفت إلى أبي سعيد فقال: "إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبكن فإن التشبيك من الشيطان" (¬4) فمحمولان على من يريد الصلاة جمعًا بين هذين وحديث ذي اليدين، فإنه (¬5) في صلاة ما دام عامدًا إليها وهو يريدها. [563] (ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ عَبادٍ العَنْبَرِيُّ) قال: (ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ) الوضاح بن عبد الله اليشكري. (عن يعلى بن عطاء) العامري، نزيل واسط، وثقه ابن معين والنسائي (¬6). (عَنْ مَعْبَدِ بْنِ هُرْمُزَ) الحجازي، وثق (عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسيب، قَال: ¬

_ (¬1) في (م): وله ما. وفي (ل): وأما. (¬2) في جميع النسخ: أبي حبيب. والمثبت من "المصنف". (¬3) "مصنف ابن أبي شيبة" (4860). وهو مرسل جيد؛ لكون مرسله سعيد بن المسيب، وجل شيوخه من الصحابة. (¬4) "مسند أحمد" 3/ 54. (¬5) في (ص): بأنه. (¬6) "تهذيب الكمال" 32/ 394.

حَضَرَ رَجُلًا) مفعول مقدم (مِنَ الأَنْصَارِ المَوْتُ فَقَال: إِنِّي مُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا مَا أُحَدِّثُكُمُوهُ إِلَّا احْتِسَابًا) مفعول له، أي: إلا لأحتسبه في حسناتي قبل موتي وأدخر أجره عند الله تعالى (سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: (إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ (¬1) الوضُوءَ) شرط في تحصيل الفضيلة (ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلاةِ لَمْ يَرْفَعْ قَدَمَهُ اليُمْنَى إِلَّا كَتَبَ اللُّه تعالى لَهُ (¬2) حَسَنَةً، وَلَمْ يَضَعْ قَدَمَهُ اليُسْرَى إِلَّا حَطَّ اللُّه تعالى عَنْهُ سَيِّئَةً) وروى الطبراني في "الكبير" (¬3) عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه لا ينزعه إلا الصلاة لم تزل رجله اليسرى تمحو سيئة والأخرى تثبت حسنة حتى يدخل المسجد" (¬4) ورجاله ثقات. وتخصيص الحسنة باليمنى [إكرامًا لليمنى] (¬5) على اليسرى التي يحط بها سيئة كما في كاتب الحسنات على اليمين وكاتب السيئات على اليسار، وفي الحديث إشارة إلى أن [السنة لمن] (¬6) ذهب إلى المسجد أن يبدأ باليمين التي يكتب بها الحسنة، وأن الماشي إلى المسجد يرفع اليمنى (¬7) في المشي أكثر من اليسرى؛ ولهذا قال في اليمين يرفع، ¬

_ (¬1) في (س): فاحتسب. (¬2) في (م): بها. وفي (ل): له بها. (¬3) في (س): القديم! (¬4) "المعجم الكبير" (13328)، وقال الهيثمي في "المجمع" 2/ 147: رجاله موثقون. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (441). (¬5) سقط من (م). (¬6) في (س): السيئة لما. (¬7) في (م): اليمين.

وفي اليسرى يضع، مع أن الأقيس (¬1) فيهما الرفع في المشي. (فَلْيُقَرِّب) بتشديد الراء (أَحَدُكُمْ) إلى المسجد (أَوْ لِيُبَعِّدْ) بضم الياء وكسر (¬2) العين (فَإِنْ أَتَى المَسْجِدَ فَصَلَّى) فيه (فِي جَمَاعَةٍ غُفِرَ لَهُ) فيه فضيلة الجماعة في المسجد. (فَإِنْ أَتَى) إلى (¬3) (الْمَسْجِدَ و) وجدهم (قَدْ صَلَّوْا بَعْضًا) من الصلاة (وَبَقِيَ) عليهم (بَعْضٌ) لم يصلوه (¬4) (صَلَّى) معهم (مَا أَدْرَكَ) منها (وَأَتَمَّ) بعد فراغهم (مَا بَقِيَ) عليه (كَانَ كَذَلِكَ) أي كمن أتى (¬5) في المشي (¬6) إلى المسجد، وصلى في الجماعة من أولها. وفي قوله: "وأتم ما بقي عليه" حجة للشافعي والجمهور (¬7) أن ما أدركه المسبوق مع الإمام هو أول صلاته، وما يلي (¬8) بعد سلامه هو تمام صلاته في آخرها (¬9) وعكسه أبو حنيفة (¬10) وطائفة لرواية: "واقض ما سبقك" (¬11) وأجابوا عن هذِه الرواية بأن المراد القضاء قضاء الفعل ¬

_ (¬1) في (م): الاثنين. (¬2) من (م)، وفي بقية النسخ: ضم. (¬3) سقط من (س، ل، م). (¬4) في (م): يصلوا. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (س): المسجد. (¬7) سقط من (م). (¬8) في (م): يأتي به. وفي (س): يأتي. (¬9) "الأم" 1/ 178. (¬10) "المبسوط" للسرخسي 1/ 348. (¬11) أخرجه مسلم في "صحيحه" (602) (154)، وأحمد في "مسنده" 2/ 427.

لا القضاء المصطلح عليه، وهذا كالتعليل لإتيانه الصلاة بسكينة ووقار دون السعي كما في الصحيح: "فلا تأتوها تسعون وأتوها تمشون عليكم السكينة والوقار، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا" (¬1) ولهذا ذكره المصنف في المشي إلى الصلاة. (فَإِنْ أَتَى المَسْجِدَ و) وجدهم (قَدْ صَلَّوْا) ولحقهم قبل السلام (فأتم الصلاة) بعد سلامهم إذا أدرك معهم تكبيرة الإحرام (كان) حكم المشي إلى الصلاة (كذلك) لا ينقص من أجره شيء، فإن لم يدرك معهم شيء ووجدهم قد صلوا فليرجع إلى منزله يصلي بأهله؛ لما روى الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" ورجاله ثقات، عن أبي بكرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقبل من نواحي المدينة يريد الصلاة، فوجد الناس قد صلوا، فمال إلى منزله فجمع أهله فصلى بهم (¬2). وهذا يدل على أن الجماعة في البيت أفضل من الانفراد في المسجد كما سيأتي في الباب بعده، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) سيأتي قريبًا. (¬2) "المعجم الأوسط" (4601)، وقال الهيثمي في "المجمع" 2/ 173: رجاله ثقات، وحسنه الألباني في "تمام المنة" (ص: 155 - 156).

52 - باب فيمن خرج يريد الصلاة فسبق بها

52 - باب فِيمَنْ خَرجَ يُريدُ الصَّلاةَ فسُبِقَ بِها 564 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ -يَعْنِي ابن محَمَّدٍ- عَنْ محَمَّدٍ -يَعْنِي ابن طَحْلاءَ- عَنْ مُحْصِنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَوْفِ بْنِ الحارِثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وضُوءَهُ ثُمَّ راحَ فَوَجَدَ النّاسَ قَدْ صَلَّوْا أَعْطاهُ اللُّه جَلَّ وَعَزَّ مِثْلَ أَجْرِ مَنْ صَلَّاها وَحَضَرَها لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أَجْرِهِمْ شَيْئًا" (¬1). * * * باب فِيمَنْ خَرَجَ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فَسُبِقَ بِهَا [564] (حدثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ) القعنبي، قال: (ثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنَ مُحَمَّدٍ) الدراوردي (عَنْ مُحَمَّدٍ بنِ طَحْلَاءَ) (¬2) بفتح الطاء والمد، المدني مولى جويرية، قال أبو حاتم: ليس به بأس (¬3)، وليس له عند أبي داود والنسائي غير هذا الحديث (عَنْ مِحْصن) بكسر الميم (بْنِ عَلِيٍّ) الفهري بكسر الفاء المدني في "ثقات ابن حبان" (¬4) (عَنْ عَوْف (¬5) بْنِ الحَارِثِ) بن الطفيل الأزدي التابعي، روى له البخاري (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ¬

_ (¬1) رواه النسائي 2/ 111، وأحمد 2/ 380. قال النووي في "خلاصة الأحكام" 2/ 663 (2294): إسناده حسن. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (573). (¬2) في (س): طحلان. (¬3) "الجرح والتعديل" (1584). (¬4) "الثقات" 5/ 458، وقال: يروي المراسيل. (¬5) في (ص): عون.

- رضي الله عنه - (قَال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وضُوءَهُ ثُمَّ رَاحَ) رواية النسائي: "ثم خرج عامدًا إلى المسجد" (¬1). (فَوَجَدَ النَّاسَ قَدْ صَلَوْا) وفرغوا من صلاتهم (أَعْطَاهُ اللُّه تعالى مِثْلَ أَجْرِ مَنْ صَلَّاهَا وَحَضَرَهَا لَا يَنْقُصُ) بفتح الياء وضم القاف (ذَلِكَ مِنْ أجورهم) أنسخة: من أجرهم، (¬2) (شَيْئًا) لفظ النسائي: "كلتب الله تعالى له (¬3) مثل أجر من حضرها" (¬4). وبوب عليه النسائي: حدُّ (¬5) إدراك الجماعة، فجعل أن من أتى بالصفات المذكورة في الحديث يكون مدركًا لفضيلة (¬6) الجماعة كمن أتى أولها، وعلى هذا فمن أدرك الجماعة قبل السلام بتكبيرة كان أحرى بحيازة جميع الصلاة، وفضل الله واسع، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 2/ 111. (¬2) سقط من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) "سنن النسائي" 2/ 111. (¬5) في (س): قد. (¬6) في (س): مدرك الفضيلة.

53 - باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد

53 - باب ما جاءَ فِي خُرُوجِ النِّساءِ إلَى المسْجِدِ 565 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تَمْنَعُوا إِماءَ الله مَساجِدَ الله ولكنَ لِيَخْرُجْنَ وَهُنَّ تَفِلاتٌ" (¬1). 566 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قال: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَمْنَعُوا إِماءَ الله مَساجِدَ الله" (¬2). 567 - حَدَّثَنا عُثْمان بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْن هارُونَ، أَخْبَرَنا العَوّامُ بْن حَوْشَبٍ حَدَّثَنِي حَبِيبُ بْن أَبِي ثابِتٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَمْنَعُوا نِساءَكُمُ المَساجِدَ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيرٌ لَهُنَّ" (¬3). 568 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ وَأَبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُجاهِدٍ قال: قال عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ائْذَنُوا لِلنِّساءِ إِلَى المَساجِدِ بِاللَّيْلِ". فَقال ابن لَهُ: والله لا نَأْذَن لَهُنَّ فَيَتَّخِذْنَهُ دَغَلًا والله لا نَأْذَن لَهنَّ. قال: فَسَبَّهُ وَغَضِبَ وقال: أَقول قال رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ائْذَنُوا لَهُنَّ". وَتَقُولُ: لا نَأْذَن لَهنَّ (¬4). * * * باب خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى المَسْجِدِ [565] (ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) قال: (ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 438، 475، 528، والبيهقي 3/ 134. قال النووي في "خلاصة الأحكام" 2/ 678 - 679 (2353): رواه أبو داود بإسناد الصحيحين. اهـ وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (574). (¬2) رواه البخاري (865، 873، 875، 900)، ومسلم (442). (¬3) رواه أحمد 2/ 76، والحاكم 1/ 209، والبيهقي 3/ 131. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (576). (¬4) رواه البخاري (899)، ومسلم (442/ 139).

عَمْرٍو) [بن علقمة] (¬1) بن وقاص الليثي (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف. (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَن رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَال: لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ) بكسر الهمزة والمد، جمع أمة (الله مَسَاجِدَ الله) فيه جواز خروج المرأة إلى المسجد لشهود الجماعة بالشروط الآتية، ومن العلماء من خص الإذن لهن في المساجد بالليل لصلاة العشاء والفجر. قال ابن عبد البر: وفي معنى الإذن لها في المساجد دليل على أن كل مباح وفضل حكمه كحكمه في ذلك من خروجهن إليه مثل زيارة الآباء والأمهات و [ذوي] (¬2) المحارم من القرابات، وما كان مثله (¬3)، لأن الخروج إلى المسجد ليس بواجب على النساء؛ لأنه قد جاء أن صلاتهن في بيوتهن خير لهن (¬4)، وإذا لم يكن للزوج أن يمنع امرأته من المسجد إذا استأذنته كان أوجب عليه أن لا يمنعها من خروجها إلى الحج في جماعة النساء وإن لم يكن معها محرم (¬5). (ولكن لِيَخْرُجْنَ وَهُنَّ تَفِلَاتٌ) بفتح التاء المثناة فوق وكسر الفاء. قال ابن عبد البر: التفلة المتغيرة الريح غير المتطيبة. لئلا يحركن الرجال بطيبهن. قال: وعن يحيى بن سعيد: أن عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (ص): دور. وفي (س، م): ذو. والمثبت من (ل). (¬3) في (س): حكمه. (¬4) سيأتي قريبًا. (¬5) "الاستذكار" 7/ 246.

كانت تستأذن زوجها عمر بن الخطاب إلى المسجد فيسكت فتقول: والله لأخرجن إلا أن يمنعني، فلا يمنعها (¬1). قال: وعاتكة هذِه كانت تحت عبد الله بن أبي بكر الصديق فقتل عنها يوم الطائف، ثم تزوجها زيد بن الخطاب فقتل عنها في اليمامة، ثم تزوجها عمر فقتل عنها، ثم تزوجها الزبير وعرض له معها خبر طريف في خروجها إلى المسجد (¬2). [566] (ثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ حرب) قال: (ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابن عُمَرَ، قَال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ الله مَسَاجِدَ الله) قال النووي: ظاهره أن المرأة لا تمنع من المسجد لكن بشروط ذكرها العلماء مأخوذة من الأحاديث: وهو أن لا تكون متطيبة، ولا متزينة، ولا ذات خلاخيل يسمع صوتها، ولا ثياب فاخرة، ولا مختلطة بالرجال، ولا شبابة ونحوها ممن يعتبر بها، وأن لا يكون في الطريق ما يخاف منه مفسدة (¬3). [567] (ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ) قال: (ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ) قال: (أَنَا العَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ) قال: (حَدَّثَنِي حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ المَسَاجِدَ) فيه أن المرأة إذا استأذنت زوجها أو وليها إن لم يكن لها زوج فيما فيه منفعتها لا يمنعها من ذلك لكن بشرط الأمن من الفتنة أو المفسدة التي تحصل، وكان الزبير (¬4) شديد ¬

_ (¬1) "الاستذكار" 7/ 248 - 249. (¬2) "الاستذكار" 7/ 249 - 250. (¬3) "شرح النووي على مسلم" 4/ 161 - 162. (¬4) في (ص): عمر. وسقط من (س، ل). والمثبت من (م).

الغيرة، وكانت زوجته عاتكة بنت زيد جميلة، وكان يكره منعها للحديث ويكره جلوسها، فذُكر أنه جلس لها في الغلس في طريق المسجد فمس طرف ثوبها وهي لا تعرفه، فرجعت فقال لها: لم لا تخرجين؟ فقالت: كنا نخرج حين (¬1) كان الناس ناسًا (¬2). (وَبُيُوتُهُنَّ) أي: وصلاتهن في بيوتهن (خَيْرٌ لَهُنَّ) من صلاتهن في المساجد، وأكثر أجرًا لو علمن ذلك، لكنهن لم يعلمن فيسألن الخروج إلى الجماعة يعتقدن أن أجرهن أكثر أجرًا، ألا ترى أن المرأة في زمن الحسن البصري لما اعتقدت ذلك حلفت إن خرج زوجها من السجن أن تصلي في كل مسجد يقام فيه الجماعة بالبصرة ركعتين، فسئل الحسن عن ذلك؟ فقال الحسن: تصلي في مسجد قومها لا تطيق ذلك لو أدركها عمر لأوجع رأسها ضربًا (¬3). [568] (ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ) قال: (ثَنَا جَرِيرٌ) بن عبد الحميد الضبي (وَأَبُو مُعَاوِيَةَ) محمد بن خازم الضرير (عَنْ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَال: قَال عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ: قَال النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: ائْذَنُوا لِلنّسَاءِ) فيه أن للزوج منعها من الخروج، وكذا وليها، ولولاه لخوطب النساء بالخروج كما خوطبن (¬4) في قوله {وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ} (¬5). ¬

_ (¬1) في (ص): حيث. (¬2) انظر: "الاستيعاب" 4/ 1879. (¬3) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (7700). (¬4) زاد في (س، ل، م): بالخروج. (¬5) الأحزاب: 33.

(إِلَى المَسَاجِدِ بِاللَّيْلِ) رواية البخاري: "بالليل" (¬1). لصلاتهن في مساجد الجماعة، وخص الليل بالذكر لما فيه من الستر، وظلمة الغلس مثله كما زاده (¬2) البخاري في التبويب عليه، فيه أن المرأة إذا استأذنت زوجها للحج لا يمنعها، ويكون وجه نهيه عن (¬3) منعها المسجد الحرام لأداء فرض الحج نهي إيجاب، وهو قول مالك (¬4)، وأحد قولي الشافعي: أن المرأة ليس لزوجها منعها من الحج (¬5)، ويكون وجه نهيه عن الصلوات الخمس في المساجد نهي أدب لا أنه واجب عليه أن لا يمنعها، وفي معنى الإذن للمسجد ما في معناه (¬6) من العبادة وشهود العيد وزيارة قبر ميت لها، وإذا كان حقًّا عليهم أن يأذنوا فيما هو مطلق لهن الخروج فيه، فالإذن لهن فيما هو فرض عليهن أو ندب الخروج إليه أولى كخروجهن لأداء شهادة لزمتهن أو لِتَعرُّف أسباب (¬7) دينهن. (فَقَال ابن لَهُ): بيّنه في رواية مسلم: فقال ابن له يقال له واقد: إذًا يتخذنه دغلًا (¬8). ورواه مسلم من وجه آخر عن ابن عمر وسمى الابن بلالًا، فأخرجه من طريق علقمة (¬9)، عن بلال بن عبد الله: والله لنمنعهن (¬10). ¬

_ (¬1) يعني بتقديم كلمة (بالليل) قبل (إلى المساجد). أخرجه البخاري (899). (¬2) في (م): رواه. (¬3) في (م): من. (¬4) انظر: "التمهيد" 24/ 282. (¬5) انظر: "الحاوي الكبير" 4/ 363. (¬6) في (م): بمعناه. (¬7) في (ص): أستار. (¬8) "صحيح مسلم" (442) (139). (¬9) كذا في جميع النسخ، وهو وهمٌ. والصواب: كعب بن علقمة. (¬10) "صحيح مسلم" (442) (140).

(والله لَا نَأْذَنُ لَهُنَّ) وللطبراني من طريق عبد الله بن هبيرة، عن بلال بن عبد الله نحوه، وفيه: فقلت: أما أنا فسأمنع (¬1) أهلي فمن شاء فليسرح أهله (¬2). ولأحمد في رواية شعبة عن الأعمش المتقدمة: فقال سالم: أو بعض بنيه ... (¬3). قال ابن حجر: والراجح من هذا أن صاحب القصة بلال كما قاله ابن عبد البر لورود ذلك من روايته نفسه (¬4)، قال: ولم أر في شيء من الروايات عن الأعمش مسمى، ولا عن شيخه مجاهد، ولم يسمه أحدٌ منهم، فإن كانت رواية عمرو بن دينار عن مجاهد محفوظة في تسمية واقد فيحتمل (¬5) أن يكون كل من بلال وواقد وقع منه ذلك إما في مجلس أو مجلسين، وأجاب [ابن عمر] (¬6) كلًّا منهما بجواب يليق به، ويُقَوِّي هذا اختلاف النقلة في جواب ابن عمر (¬7). (فَيَتَّخِذْنَهُ دَغَلًا) بفتح الدال والغين المعجمة، وهو الفساد والخداع والريبة، وأصل الدغل الملتف بالشجر الذي يكون منه الفساد؛ أدغلت في الأمر إذا أدخلت فيه ما يخالفه، وإذا دخل الرجل مدخلًا مريبًا قيل دغل فيه. (والله لَا نَأْذَنُ لَهُنَّ، فَسَبَّهُ) وفي رواية بلال عند مسلم: فأقبل عليه ¬

_ (¬1) من (م)، وفي (ص): فليس لي منع. وفي (س): فلست أمنع. وغير واضحة في (ل). (¬2) "المعجم الكبير" للطبراني (13251). (¬3) "مسند أحمد" 2/ 43. (¬4) في جميع النسخ: ثقة. والمثبت من "الفتح". (¬5) من (م)، وفي باقي النسخ: فيحمل. (¬6) في (س): ابن عبد البر. (¬7) "فتح الباري" 2/ 405.

عبد الله فسبه سبًّا ما سمعته سبّه مثله قط (¬1)، وفسر عبد الله بن هبيرة في رواية الطبراني (¬2) السب المذكور باللعن [ثلاث مرات] (¬3)، وفي رواية زائدة عن الأعمش [عند أحمد] (¬4): فانتهره (¬5)، وله عن ابن نمير عن الأعمش: فعل الله بك وفعل (¬6). (وَغَضِبَ) واختلاف النقلة في ألفاظ ابن عمر يدل على أن بلالا وواقدًا خالفاه، ويحتمل أن يكون بلال البادئ، فلذلك أجاب بالسب المفسر باللعن، وكان السر في ذلك أن بلالا عارض الخبر برأيه ولم يذكر علة المخالفة، ووافقه واقد، لكن ذكر العلة بقوله: يتخذنها دغلًا؟ وقال ذلك لما رأى من (¬7) فساد الزمان، وفساد النساء في ذلك الوقت، وحملته على ذلك الغيرة؛ وإنما أنكر ابن عمر لمخالفته الحديث، وإلا فلو قال: إن الزمان تغير وأن بعضهن يُظْهِرن المسجد و [يضمرن] (¬8) غيره لما سبه. (وَقَال: أَقُولُ: قَال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ائذَنُوا لَهُنَّ) وتخالفه أنت (وَتَقُولُ) والله (لَا نَأْذَنُ لَهُنَّ) وهذا يدل على أنه لم يسبه إلا لمخالفته (¬9) الخبر. * * * ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (442) (135). (¬2) "المعجم الكبير" للطبراني (13251). (¬3) من (م). (¬4) من (م). (¬5) "مسند أحمد" 2/ 127. (¬6) "مسند أحمد" 2/ 143. (¬7) من (م). (¬8) في (ص): يعمرن. (¬9) في (م): لمخالفة.

54 - باب التشديد في ذلك

54 - باب التَّشْدِيدِ فِي ذَلِكَ 569 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّها أَخْبَرَتْهُ أَنَّ عائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالتْ: لَوْ أَدْرَكَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أَحْدَثَ النِّساء لَمَنَعَهُنَّ المَسْجِدَ كَما مُنِعَهُ نِساءُ بَنِي إِسْرائِيلَ. قال يَحْيَى: فَقُلْتُ لِعَمْرَةَ: أَمُنِعَهُ نِساءُ بَنِي إِسْرائِيلَ؟ قالتْ: نَعَمْ (¬1). 570 - حَدَّثَنا ابن المُثَنَّى أَنَّ عَمْرَو بْنَ عاصِمٍ حَدَّثَهُمْ قال: حَدَّثَنا هَمّامٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ مُوَرِّقٍ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ الله عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "صَلاةُ المَرْأَةِ فِي بَيْتِها أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِها فِي حُجْرَتِها وَصَلاتُها فِي مَخْدَعِها أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِها فِي بَيْتِها" (¬2). 571 - حَدَّثَنا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ، حَدَّثَنا أَيُّوبُ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قال: قال رَسُلُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ تَرَكْنا هذا البابَ لِلنِّساءِ". قال نافِعٌ: فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ ابن عُمَرَ حَتَّى ماتَ. قال أَبُو داودَ: رَواهُ إِسْماعِيلُ بْن إِبْراهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نافِعٍ قال: قال عُمَرُ وهذا أَصَحُّ (¬3). * * * [569] (ثَنَا القعنبي (¬4)، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) بن قيس الأنصاري قاضي المدينة، ثم قاضي العراق (عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن سعد بن زرارة الأنصارية الفقيهة، كانت في حجر ¬

_ (¬1) رواه مسلم (445). (¬2) رواه الحاكم 1/ 209، والبيهقي 3/ 131، وابن عبد البر في "التمهيد" 23/ 398. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (579). (¬3) تقدم برقم (462). (¬4) في (ص): الفقيه.

عائشة فحفظت عنها الكثير. (أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ عَائِشَةَ قَالتْ: لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ) بعده من حسن الملابس والطيب والزينة والتبهرج (لَمَنَعَهُنَّ المَساجِدَ) وإنما كان النساء يخرجن في المروط والأكسية والشملات الغلاظ، وتمسك بعضهم بقول عائشة على منع النساء مطلقًا، وفيه نظر؛ إذ لا يترتب على ذلك تغير الحكم؛ لأنها علقته (¬1) على شرط لم يوجد في زمانها، بل قالته بناء على ظن ظنته فقالت: لو رأى لمنع، فيقال عليه: لم ير ولم يسمع فاستمر الحكم حتى (¬2) أن عائشة لم تصرح بالمنع، وإن كان كلامها يشعر بأنها ترى المنع، وقد علم الله أنه سيحدث فما أوحى إلى نبيه بمنعهن، ولو كان ما أحدثن (¬3) يستلزم منعهن من المساجد لكان يمنعهن من غيرها كالأسواق فإنها أولى، وأيضًا فالإحداث إنما وقع من بعض النساء لا من جميعهن، فإن تعين المنع فليكن لمن أحدثن (¬4) (كَمَا مُنِعَهُ (¬5) نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ). (قَال يَحْيَى) بن سعيد (فَقُلْتُ لِعَمْرَةَ: أَمُنِعَهُ) (¬6) أي المساجد (نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالتْ: نَعَمْ) فيحتمل أنها تلقت (¬7) ذلك عن عائشة، ويحتمل أن يكون تلقته (¬8) عن غيرها، وقد ثبت ذلك من حديث عروة عن عائشة مرفوعًا أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح ولفظه قالت: كن نساء بني ¬

_ (¬1) ساقطة من (ص). (¬2) في (س): على. (¬3) في (س): أحدثت. (¬4) في (س، م): أحدثت. (¬5) في (م): منعت. (¬6) في (م): أمنعت. (¬7) في (ص، س، م): بلغت. (¬8) في (س): بلغته.

إسرائيل يتخذن أرجلًا من خشب يتشرفن للرجال في المساجد فحرم الله عليهن المساجد، و [سلطت عليهن] (¬1) الحيضة (¬2). وهذا وإن كان موقوفًا فحكمه الرفع؛ لأنه لا يقال بالرأي. [570] (ثَنَا ابن المُثَنَّى، أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَاصِمٍ) الكلابي الحافظ (قال: ثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُوَرِّقٍ) (¬3) العجلي أبي المعتمر (عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ) عوف بن مالك الجشمي، ولأبيه مالك بن نضلة صحبة، (عَنْ عَبْدِ الله) بن مسعود - رضي الله عنه - (عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَال: صَلَاةُ المَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا) يشبه أن يكون المراد به موضع مبيتها الذي تنام فيه (أَفْضَلُ مِنْ صَلَاِتهَا فِي حُجْرَتِهَا) الحجرة بضم الحاء، كل موضع حجر عليه بالحجارة من بيت ونحوه. (وَصَلَاتُهَا فِي مُخْدَعِهَا) بضم الميم وفتحها وكسرها، بيت صغير يحرز (¬4) فيه الشيء يعني كالخزانة في البيت، وتثليث الميم فيه لغة مأخوذة (¬5) من أخدعت الشيء بالألف إذا أخفيته. (أَفْضَلُ مِنْ صَلَاِتهَا فِي بَيْتِهَا) الذي تسكن فيه، ولأحمد والطبراني من حديث أم حميد الساعدية، أنها جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إني أحب الصلاة معك. فقال: "قد علمت، وصلاتك (¬6) ¬

_ (¬1) في (ص): سلطن عليهن. وفي (م): سلطت عليه. والمثبت من (ل). (¬2) "مصنف عبد الرزاق" (15114). وقال الحافظ في "الفتح" 2/ 350: إسناده صحيح. (¬3) زاد في (ص، س، ل): ابن. (¬4) في (م): يجوز. (¬5) في (م): مأخوذ. (¬6) زاد هنا في (س، ل، م): لك.

في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير لك من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير لك من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير لك من صلاتك في مسجد الجماعة" (¬1). وإسناد أحمد حسن، وللطبراني في "الكبير" ورجاله رجال الصحيح، عن ابن مسعود قال: ما صلت المرأة في موضع خير لها [من قعر] (¬2) بيتها .. ، وفيه: "أن المرأة إذا خرجت استشرفها الشيطان" (¬3). [571] (ثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ) عبد الله بن عمرو المقعد، أحد الحفاظ قال: (ثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ) قال: (ثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابن عُمَرَ، قَال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: لَوْ تَرَكْنَا هذا البَابَ لِلنِّسَاءِ) يدخلون منه ويخرجون لئلا يختلطوا بالرجال (قَال نَافِعٌ: فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ ابن عُمَرَ حَتَّى مَاتَ) وقد تقدم، (رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِع قَال: قَال عُمَرُ. وهذا أَصَحُّ) إسنادًا مما قبله، وفيهما دليل على أنه لا يجوز اختلاط الرجال بالنساء في مسجد ولا غيره لما فيه من المفسدة العظيمة، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 6/ 371، وصححه ابن خزيمة (1689)، وحسنه الألباني لغيره، انظر: "صحيح الترغيب والترهيب" (340). (¬2) سقط من (م). (¬3) أخرجه الطبراني في "الكبير" (9481).

55 - باب السعي إلى الصلاة

55 - باب السَّعْيِ إلىَ الصَّلاةِ 572 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا عَنْبَسَة، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبا هُرَيْرَةَ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِذا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَلا تَأْتُوها تَسْعَوْنَ وَأْتُوها تَمْشُونَ وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ فَما أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَما فاتَكُمْ فَأَتِمُّوا". قال أَبُو داودَ: كَذا قال الزُّبَيْدِيُّ وابْن أَبِي ذِئْبٍ وَإِبْراهِيمُ بْنُ سَعْدٍ وَمَعْمَرٌ وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزّهْرِيِّ: "وَما فاتَكُمْ فَأَتِمُّوا". وقال ابن عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ وَحْدَهُ: "فاقْضُوا". وقال مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَجَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ: "فَأَتِمُّوا". وابْن مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو قَتادَةَ وَأَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كُلُّهُمْ قالوا: "فَأَتِمُّوا" (¬1). 573 - حَدَّثَنا أَبُو الوَليدِ الطَّيالِسِيُّ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْراهِيمَ قال: سَمِعْتُ أَبا سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -قال: "ائْتُوا الصَّلاةَ وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ فَصَلُّوا ما أَدْرَكْتُمْ واقْضُوا ما سَبَقَكُمْ". قال أَبُو داودَ: وَكَذا قال ابن سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: "وَلْيَقْضِ". وَكَذا أَبُو رافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبُو ذَرٍّ رُوِيَ عَنْهُ: "فَأَتِمُّوا واقْضُوا". واخْتُلِفَ عَنْهُ (¬2). * * * باب السَّعْيِ إِلَى الصَّلَاةِ [572] (ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِح) قال: (ثَنَا عَنْبَسَةُ) قال: (أَخْبَرَنِي يُونُسُ) ابن يزيد الأيلي (عَنْ ابن شِهَابٍ) قال: (أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ وَأَبُو ¬

_ (¬1) رواه البخاري (636، 908)، ومسلم (602). (¬2) رواه أحمد 2/ 382، 386، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 396، وابن عبد البر في "التمهيد" 20/ 230. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (585).

سَلَمَةَ) عبد الله (بْنُ (¬1) عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ) عبر بالإقامة؛ لأن سماعها هو الحامل غالبًا على الإسراع ليترجى (¬2) المصلي إدراك تكبيرة الإحرام، ومع هذِه الفضيلة فنهى (¬3) عن الإسراع في قوله: (فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ) وإذا نهى هذا فغيره ممن يأتي المسجد قبل الأذان أو قبل إقامة الصلاة أولى بأن لا يسرع؛ لأنه يتحقق إدراك الصلاة كلها، وقد لحظ فيه بعضهم معنى آخر غير هذا فقال: الحكمة في التقييد بالإقامة (¬4)؛ لأن المسرع (¬5) إذا أقيمت الصلاة يصل إليها وقد [انبهر وضاق] (¬6) نفسه من سرعة المشي، فإذا وصل يقرأ وهو في تلك الحالة فلا يحصل له تمام الخشوع في القراءة وبقية (¬7) الصلاة، فالخشوع في الصلاة هو اللب المقصود في الصلاة، وأما من جاء قبل ذلك وأسرع فإن الصلاة قد لا تقام حتى يستريح لكن لا يحصل له الخشوع في تحية المسجد، وعلى هذا فالنهي عن الإسراع بعد الإقامة أبلغ؛ لأن فيه إذهاب الخشوع في الفرض بخلاف إذهابه في النفل، وهو التحية أو السنة. (وَأْتُوهَا تَمْشُونَ) وأما قوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (¬8) فالمراد ¬

_ (¬1) في (س): عن. (¬2) في (ل): لترجى. (¬3) في (س): منهي. (¬4) من (م). وفي بقية النسخ: في الإقامة. (¬5) في (م): المشروع. (¬6) في (ص): انتهر وضاق. وفي (م): انبهر وسارق. والمثبت من (ل). (¬7) في (س): وهذه. (¬8) الجمعة: 9.

بالسعي هنا الذهاب والمضي، وفي "الموطأ" عن مالك أنه سأل ابن شهاب عن هذِه الآية فقال: كان يقرؤها: إذا نودي للصلاة فامضوا (¬1)، فكأنه فسر السعي بالذهاب والمضي، وأشار المصنف بإيراد هذا الحديث بأن السعي المأمور به في الآية غير السعي المنهي عنه في الحديث، والحجة فيه أن السعي في الآية فسر بالمضي، والسعي في الحديث فسر بالعدو وسرعة المشي، ولمقابلته للمشي حيث (¬2) قال: "فلا تأتوها تسعون وأتوها تمشون". (وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ) كذا في رواية للبخاري عند غير أبي ذر (¬3)، ولمسلم من طريق يونس (¬4)، وضبطها القرطبي شارحه بالنصب على الإغراء (¬5). وضبطها النووي بالرفع على أنها جملة في موضع الحال، واستشكل بعضهم دخول (¬6) الباء؛ لأنه متعدٍّ بنفسه لقوله: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} (¬7) وفيه نظر لثبوت رواية الباء في الأحاديث الصحيحة كحديث: "عليكم برخصة الله" (¬8)، "فعليه بالصوم فإنه له وجاء" (¬9) ¬

_ (¬1) "الموطأ" 1/ 106. (¬2) في (س): حين. (¬3) في (م): داود. (¬4) "صحيح مسلم" (602) (151). (¬5) "المفهم " 2/ 220. (¬6) في (ل): إدخال بعضهم، وفي (س): دخول بعضهم. (¬7) المائدة: 105. (¬8) "صحيح مسلم" (1115). (¬9) "صحيح البخاري" (1905)، ومسلم (1400) (2)، وسيأتي تخريجه إن شاء الله.

و (¬1) حديث: "عليك بالمرأة" قاله لأبي طلحة في قصة صفية (¬2). و"عليك بخويصة نفسك" (¬3) وغير ذلك. ولا [يمتنع من] (¬4) كونه متعدٍّ بنفسه أن لا يتعدى بالباء (¬5)، والحكمة في هذا الأمر تستفاد من زيادة وقعت لمسلم من طريق العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - فذكر نحو حديث (¬6) الباب وقال آخره: "وإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في الصلاة" (¬7). أي: أنه في حكم المصلي فينبغي له اعتماد ما ينبغي للمصلي (¬8) ويجتنب ما ينبغي للمصلي اجتنابه، وفي الصَّحيحين: "السكينة والوقار" (¬9)، قال عياض (¬10) والقرطبي (¬11): هو بمعنى السكينة، وقال النووي: الظاهر أن بينهما فرقًا؛ لأن السكينة التأني في الحركات واجتناب العبث، والوقار في الهيئة كغض البصر وخفض الصوت وعدم الالتفات (¬12) (فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا) قال الكرماني: الفاء في فما جواب شرط محذوف أي: إذا ¬

_ (¬1) في (ص): في. (¬2) البخاري (3086)، وفي (3085) قال: "عليك المرأة"، وأخرجه أحمد 3/ 189. (¬3) سيأتي تخريجه إن شاء الله تعالى. (¬4) في (م): يمنع. وفي (ل): يمنع من. (¬5) في (ص): ثانيًا. (¬6) من (م). (¬7) "صحيح مسلم" (602) (152). (¬8) سقط من (م). (¬9) رواه البخاري (636)، ومسلم (602). (¬10) "إكمال المعلم" 2/ 553. (¬11) "المفهم" للقرطبي 2/ 220. (¬12) "شرح النووي على مسلم" 5/ 100.

ثبت لكم ما هو أولى بكم فما أدركتم فصلوا (¬1). أو (¬2) التقدير: إذا فعلتم فما أدركتم من الصلاة جميعها فصلوه (¬3) كلها مع الجماعة، واستدل بهذا الحديث على حصول فضيلة الجماعة بإدراك جزء من الصلاة؛ لقوله: "فما أدركتم فصلوا" ولم يفصل بين القليل والكثير، وهذا قول الجمهور، وقيل: لا تدرك الجماعة بأقل من ركعة؛ لحديث: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك" (¬4) وقياسًا على الجمعة، واستدل به أيضًا على استحباب الدخول مع الإمام في أي حالة وجده عليها بحديث أخرجه ابن أبي شيبة من طريق عبد العزيز بن رفيع، عن رجل من الأنصار مرفوعًا: "من وجدني راكعًا (¬5) أو قائمًا أو ساجدًا فليكن معي على حالتي التي أنا عليها" (¬6). وحكى الترمذي عن بعض أهل العلم [أنه يغفر له] (¬7) بمجرد ذلك. (وَمَا فَاتَكُمْ قَأَتِمُّوا) أي كملوه (¬8)، هذا هو الصحيح في رواية الزهري. ورواه ابن عيينة: "فاقضوا" كما سيأتي، وإنما يظهر فائدة ذلك إذا جعلنا بين لفظي الإتمام والقضاء مغايرة، لكن إذا كان مخرج الحديث واحدًا ¬

_ (¬1) "فتح الباري" 2/ 140. (¬2) في (س، م): و. (¬3) في (م): فصلوها. (¬4) تقدم. (¬5) في (س): رافعًا. (¬6) طرف حديث أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (2616). (¬7) سقط من (م). (¬8) في (م): كملوا.

واختلف في لفظة منه وأمكن رد الاختلاف إلى معنى واحد كان أولى، وهنا كذلك؛ لأن القضاء وإن كان يطلق (¬1) على الفائت غالبًا، لكن يطلق على الأداء أيضًا ويرد بمعنى الفراغ كقوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} (¬2)، ويرد بمعنى آخر، فيحمل قوله هنا على معنى الأداء أو الفراغ، فلا تغاير قوله: "فأتموا". (كَذَا قَال) محمد بن الوليد بن عامر (الزُّبَيدِيُّ) روى له الشيخان، (و) محمد بن عبد الرحمن (ابْنُ أَبِي ذِئْبِ، وَإبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، وَمَعْمَرٌ وشعيب (¬3) بْنُ أَبِي حَمْزَةَ) بالمهملة، كلهم (عَنْ الزُّهْرِيِّ). وأخرجه مسلم (¬4) عن محمد بن رافع، عن عبد الرزاق بلفظ (وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا) هذا هو الصحيح في رواية الزهري. (وقَال سفيان بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ الزُّهْرِيِّ وَحْدَهُ: فَاقْضُوا) وحكم مسلم في "التمييز" عليه بالوهم في هذِه اللفظة مع أنه أخرج إسناده في "صحيحه" لكن لم يسق لفظه (¬5)، وكذا روى أحمد، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة قال: "فاقضوا" (¬6). (وقَال مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو) بن علقمة بن وقاص الليثي، أخرج له ¬

_ (¬1) في (ص): مطلق. (¬2) الجمعة: 10. (¬3) في (ص): سعيد. (¬4) "صحيح مسلم" (602) (153). (¬5) "صحيح مسلم" (602) (151). (¬6) "مسند أحمد" 2/ 318.

الشيخان (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) بن عبد الرحمن (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَ) رواه (جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ) بن شرحبيل الكندي. (عَنْ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - وما فاتكم فَأَتِمُّوا و) كذا رواه عبد الله (ابْنُ مَسْعُودٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَ) رواه (أَبُو قَتَادَةَ) الحارث بن ربعي (وَأَنَسٌ) ابن مالك كلهم (عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كُلُّهُمْ) أي كل واحد منهم (قَال: أَتِمُّوا) وهو الصحيح الذي عليه أكثر رواة مسلم. [573] (ثَنَا أَبُو الوَلِيدِ) هشام بن عبد الملك (الطَّيَالِسِيُّ) قال: (ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَال: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ) بن عبد الرحمن (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ائْتُوا) يجب إبدال الهمزة الثانية الساكنة ياء ولا تقرأ بالهمز الساكن في الابتداء؛ لئلا يقع بعد همز وصل فيجتمع همزتان كما تبدل من {اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} (¬1) [في الابتداء] (¬2) (الصَّلَاةَ) بلا إسراع ولا سعي. (وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ) هذا يؤيد ما قاله النووي عند حذف الواو بلفظ: "عليكم السكينة" أن السكينة بالرفع والجملة حالية، فإن واو الحال ظهرت في هذِه الرواية، وقريبٌ من هذِه الرواية رواية الطبراني في "الأوسط" ورجاله موثقون، عن أنس - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أتيتم الصلاة فأتوا وعليكم السكينة" (¬3). ¬

_ (¬1) البقرة: 283. (¬2) من (م). (¬3) "المعجم الأوسط" (4406) من حديث أنس - رضي الله عنه -، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد": رجاله موثقون، وله طريق رجالها رجال الصحيح.

(فَصَلُّوا مَا أَدْرَكْتُمْ، وَاقْضُوا مَا سَبَقَكُمْ) وقد اختلف في رواية أبي قتادة، فرواية الجمهور: "فأتموا" (وَكَذَا قَال ابن سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلْيَقْضِ) ما سبقه، ورواية ابن سيرين عند مسلم بلفظ: "صلِّ ما أدركت واقض ما سبقك" (¬1) (وَكَذَا قَال أَبُو رَافِع) نفيع الصائغ المدني، نزيل البصرة، أدرك الجاهلية (¬2). (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - وَ) أما (أَبُو ذَرٍّ) الغفاري، فإنه (روي عَنْهُ: فَأَتِمُّوا، و) روي عنه (اقْضُوا، وَاخْتُلِفَ) في الرواية (عنه) (¬3)، والأصح عنه وعن غيره: "فاقضوا" وإنما يظهر فائدة هذا الاختلاف عند من فرق بين معنى الإتمام والقضاء (¬4)، والله سبحانه وتعالى أعلم. * * * ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (154) (602). (¬2) ولم ير النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهو تابعي من كبار التابعين. (¬3) من (س، ل، م). (¬4) لأن من فرق بين المعنيين اعتبر أن ما صلاه المسبوق مع الإمام هو أول صلاته، ويتم ما بقي هذا الإتمام. وأما القضاء فإن المسبوق يقضي ما فاته مع الإمام وهو أول الصلاة، فيكون ما صلاه مع الإمام آخر صلاته، وقد ذكرنا اختلاف الفقهاء فيما مر، والله تعالى أعلم.

56 - باب في الجمع في المسجد مرتين

56 - باب فِي الجَمْعِ فِي المَسْجدِ مَرَّتَيْنِ 574 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا وهَيْبٌ عَنْ سُلَيْمانَ الأَسوَدِ عَنْ أَبِي المُتَوَكِّلِ عَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبْصَرَ رَجُلًا يُصَلِّي وَحْدَهُ فَقال: "أَلا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هذا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ" (¬1). * * * باب الجَمْعِ فِي مَسْجِدٍ مَرَّتَيْنِ [574] (ثنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) قال: (ثنا وهَيبٌ) بن خالد الباهلي. (عَنْ سُلَيمَانَ الأَسْوَدِ) الناجي أبي محمد البصري، وثقه ابن معين وغيره (¬2). (عَنْ أَبِي المُتَوَكِّلِ) علي بن داود الناجي، قال أبو زرعة: بصري ثقة (¬3). (عَنْ أَبِي سعِيدِ الخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَبْصَرَ رَجُلًا يُصَلِّي وَحْدَهُ فَقَال: أَلَا رَجُلٌ) يحتمل أن يكون (ألا) هنا للعرض (¬4) أو للتحضيض، ومعناهما طلب الشيء، لكن العرض طلب بِلين (¬5)، والتحضيض طلب بِحَث، لكن تختص "ألا" هذِه بالأفعال كقوله تعالى: {أَلَا ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (220)، وأحمد 3/ 64. (¬2) "تهذيب الكمال" 12/ 109. (¬3) انظر: "الجرح والتعديل" (1014). (¬4) في (س): للفرض. (¬5) في (ص): تلبث.

تُقَاتِلُونَ}، فعلى هذا يكون رجل مرفوع بفعل محذوف يفسره الظاهر تقديره ألا يتصدق رجل يتصدق عليه أي (يَتَصَدَّقُ عَلَى هذا) الرجل، وزاد الترمذي، ولفظه عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد، قال: [صلى بنا (¬1) رسول الله] (¬2) - صلى الله عليه وسلم - الظهر، فدخل رجل فقام يصلي الظهر، فقال: "ألا رجل يتصدق على هذا" (¬3). (فَيُصَلِّيَ مَعَهُ) ورواه ابن حبان والحاكم والبيهقي (¬4)، قال ابن الرفعة: وقد اتفق الكل على أن من رأى شخصًا يصلي منفردًا لم يلحق الجماعة فيستحب له أن يصلي معه، وإن كان قد صلى في جماعة كما في رواية الترمذي، وقد استدل بهذا الحديث على أن من صلى جماعة ثم رأى جماعة يصلون يستحب له أن يصليها معهم لهذا الحديث (¬5). وقال القاضي حسين: يحتمل أن يقال: إن كانت الجماعة الثانية أكثر وإمامهم أورع، وأهدى لأركان الصلاة بشرائطها وأركانها وهيئاتها، فيستحب له أن يعيد الصلاة التي صلاها مع الجماعة؛ لأنه يكسب (¬6) ¬

_ (¬1) في (س، ل): لنا. (¬2) سقط من (م). (¬3) ذكره الترمذي في "علله" (93) بهذا اللفظ، وقد أخرجه في "سننه" (220) بنحوه فقال: أيكم يتجر على هذا. بدل يتصدق. (¬4) "صحيح ابن حبان" (2397)، و"المستدرك" 1/ 209 وقال: صحيح على شرطهما. والبيهقي في "الكبرى" 3/ 68. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (589). (¬5) نقله عنه الشوكاني في "نيل الأوطار" 3/ 185. (¬6) في (س): لكثير.

زيادة فضيلة لم تكن له في الأولى، وإن كانت الجماعة الثانية مثلها (¬1) أو دونها لا يستحب، وهذا ما صححه الكافي، انتهى. وعلى هذا إن كانت المعادة في أوقات الكراهة فيحتمل أنها لا تنعقد، بل هي باطلة كما في التطوعات التي لا تستحب في أوقات (¬2) الكراهة، والله تعالى أعلم. * * * ¬

_ (¬1) في (م): مثل الأولى. (¬2) في (س، م): وقت.

57 - باب فيمن صلى في منزله ثم أدرك الجماعة يصلي معهم

57 - باب فِيمَنْ صَلَّى فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ أدْرَكَ الجَماعَةَ يُصَلِّي مَعَهُمْ 575 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْن عَطاءٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ غُلامٌ شابٌّ فَلَمّا صَلَّى إِذا رَجُلانِ لَمْ يُصَلِّيا فِي ناحِيَةِ المَسْجِدِ فَدَعا بِهِما فَجِيءَ بِهِما تُرْعَدُ فَرائِصُهُما فَقال: "ما مَنَعَكُما أَنْ تُصَلِّيا مَعَنا". قالا: قَدْ صَلَّيْنا في رِحالِنا. فَقال: "لا تَفْعَلُوا إِذا صَلَّى أَحَدُكُمْ فِي رَحْلِهِ ثُمَّ أَدْرَكَ الإِمامَ وَلَمْ يُصَلِّ فَلْيُصَلِّ مَعَهُ فَإِنَّها لَهُ نافِلَةٌ" (¬1). 576 - حَدَّثَنا ابن مُعاذٍ، حَدَّثَنا أَبِي، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطاءٍ عَنْ جابِرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ قال: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الصُّبْحَ بِمِنًى بِمَعْناهُ (¬2). 577 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنا مَعْنُ بْن عِيسَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ السّائِبِ، عَنْ نُوحِ بْنِ صَعْصَعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عامِرٍ قال: جِئْتُ والنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الصَّلاةِ فَجَلَسْتُ وَلَمْ أَدْخُلْ مَعَهُمْ فِي الصَّلاةِ - قال - فانْصَرَفَ عَلَيْنا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَرَأَى يَزِيدَ جالِسًا فَقال: "أَلَمْ تُسْلِمْ يا يَزِيدُ". قال: بَلَى يا رَسُولَ الله قَدْ أَسْلَمْتُ. قال: "فَما مَنَعَكَ أَنْ تَدْخُلَ مَعَ النّاسِ فِي صَلاِتهِمْ". قال: إِنِّي كُنْتُ قَدْ صَلَّيْتُ فِي مَنْزِلِي وَأَنا أَحْسِبُ أَنْ قَدْ صَلَّيْتُمْ. فَقال: "إِذا جِئْتَ إِلَى الصَّلاةِ فَوَجَدْتَ النّاسَ فَصَلِّ مَعَهُمْ وِإنْ كنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ تَكُنْ لَكَ نافِلَة وهذِه مَكْتُوبَةً" (¬3). 578 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ قال: قَرَأْت عَلَى ابن وَهْبِ قال: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (219)، والنسائي 2/ 112، وأحمد 4/ 160، 161. وصححه النووي في "خلاصة الأحكام" 1/ 271 - 272 (770)، وابن الملقن في "البدر المنير" 4/ 412، والألباني في "صحيح أبي داود" (590). (¬2) صححه الألباني في "صحيح أبي داود" (591). (¬3) رواه البيهقي 2/ 302 من طريق أبي داود. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (89).

بُكَيْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَفِيفَ بْنَ عَمْرِو بْنِ المُسَيَّبِ يَقُولُ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ أَنَّهُ سَأَلَ أَبا أَيُّوبَ الأنصارِيَّ فَقال: يُصَلِّي أَحَدُنا فِي مَنْزِلِهِ الصَّلاةَ ثُمَّ يَأْتيِ المَسْجِدَ وَتُقامُ الصَّلاةُ فَأُصَلِّي مَعَهُمْ فَأَجِدُ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا. فَقال أَبُو أَيُّوبَ: سَألْنا عَنْ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: "ذِلِكَ لَهُ سَهْمُ جَمْعٍ" (¬1). * * * باب منْ صَلَّى فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ أَدْرَكَ الجَمَاعَةَ يُصَلِّي مَعَهُمْ [575] (ثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ) بن (¬2) الحارث النمري، شيخ البخاري، قال (ثنا شُعْبَةُ) قال (أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ) العامري، قدم من الطائف واسطًا فأقام بها في سلطان بني أمية، روى له مسلم. (عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ الأَسْوَدِ) السوائي (¬3)، وثقه النسائي (¬4) (عَنْ أَبِيهِ) يزيد بن الأسود، ويقال: [ابن أبي] (¬5) الأسود، حليف قريش (¬6)، نزل الكوفة: "أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ، فَلَمَا أن صَلَّى إِذَا رَجُلَانِ لَمْ يُصَلِّيَا فِي نَاحِيَةِ المَسْجِدِ، فَدَعَا بِهِمَا فَجِيءَ بِهِمَا تُرْعَدُ) بضم أوله وفتح ثالثه. (فَرَائِصُهُمَا) جمع فريصة بالصاد المهملة وهي اللحمة من الجنب ¬

_ (¬1) رواه الطبراني (3998)، والمزي في "تهذيب الكمال" 20/ 183. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (90). (¬2) من (ل، م). (¬3) في (ص): السوار. (¬4) "تهذيب الكمال" 4/ 465. (¬5) في (م): أقربائي. (¬6) في (ص): يونس.

والكتف التي لا تزال ترعد أي تتحرك من الدابة، واستعير للإنسان؛ لأن له فريصة وهي ترجف عند الخوف. وقال الأصمعي: الفريصة اللحمة بين الكتف والجنب (¬1)، وسبب ارتعاد (¬2) فرائصهما لما اجتمع في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الهيبة العظيمة والحرمة الجسيمة لكل من رآه مع كثرة تواضعه. (فَقَال: مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟ قَالا: ) يا رسول الله، إنا كنا (قَدْ صَلَّينَا فِي رِحَالِنَا) فيه أن الصلاة أمانة فيصدق (¬3) من ذكر أنه صلاها ولا يطالب (¬4) ببينة على فعلها. (فَقَال: لَا تَفْعَلُوا) أي مثل هذا، فيه أن الاثنان جمع، ولهذا أعاد الواو في ضميرهما، والواو ضمير جمع، ومنه قول الشاعر: يُحيى بالسلام غَنيُّ قوم ... ويُبْخَل بالسلام على الفقير أليس الموت بينهما سواءٌ ... إذا ماتوا وصاروا في القبور وجاء في رواية أحمد والترمذي: "فلا تفعلا" (¬5). (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فِي رَحْلِهِ ثُمَّ أَدْرَكَ الإِمَامَ)، رواية أحمد: "ثم أتيتما ¬

_ (¬1) "الصحاح في اللغة" (فرص). (¬2) من (م). وفي بقية النسخ: إرعاد. (¬3) في (م): فيتصدق. (¬4) من (م)، وفي بقية النسخ: يطالبه. (¬5) "مسند أحمد" 4/ 160، و"سنن الترمذي" (219).

مسجد جماعة" (¬1). (وَلَمْ يُصَلِّ فَلْيُصَلِّ مَعَهُ) لفظ ابن حبان: "إذا صليتما في رحالكما ثم أدركتما الصلاة فصليا" (¬2) فيه الأمر بإعادة الصلاة مع الإمام لمن صلى في رحله، سواء كان صلى في رحله في جماعة أو صلى منفردًا، فإطلاقه في الأمر بالإعادة من غير تفصيل عن صلاته في بيته يدل على الأمر بالإعادة في الحالين؛ لأن ترك الاستفصال في المقال منزل منزلة العموم في المقال كما هو مقرر عند الأصوليين. قال ابن عبد البر: قال جمهور الفقهاء: إنما يعيد الصلاة مع الإمام في جماعة من صلى وحده في بيته وأهله أو في غير بيته، وأما من صلى في جماعة وإن قلت فإنه لا يعيد في جماعة أكثر منها ولا أقل، وكل من صلى عندهم مع آخر فقد صلى في جماعة، فلا يعيد في أخرى قلَّت أو كثرت، ولو أعاد في جماعة أخرى لأعاد (¬3) في ثالثة ورابعة إلى ما لا نهاية له، وهذا لا يخفى فساده. قال: وممن قال هذا القول مالك بن أنس وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم، ومن حجتهم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تصلى صلاة في يوم مرتين" (¬4). (فَإِنَّهَا لَهُ نَافِلَةٌ) فيه تصريح في أن الثانية في الصلاة المعادة نافلة، وهو ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 4/ 160. (¬2) "صحيح ابن حبان" (1564). (¬3) في (س): لعاد. (¬4) "الاستذكار" 5/ 356، والحديث أخرجه أحمد 2/ 19، وابن خزيمة (1641)، وسيأتي تخريجه.

حجة للقول الجديد الصحيح من مذهب الشافعي أن الأولى (¬1) فرض والثانية نفل، والقديم كما قال أبو إسحاق إن الله يتقبل أيتهما (¬2) شاء (¬3). وقال القاضي: إنه قولٌ مخرج، وقيل: إنه منصوص عليه في الإملاء، ووراء القولين (¬4) وجهان: أحدهما: عن بعض الأصحاب أن الفرض هي الثانية، لأنه استحب له إعادة الفريضة ليكملها بالجماعة ولو كانت نفلًا لما حصل بها الكمال فتبين أن الأولى وقعت نفلًا. والثاني: حكاه في "التتمة"، أن كلا الصلاتين فرضٌ؛ لأن الخطاب يسقط بالأولى وكانت فرضًا، وقد فاتت صفة الصلاة فيها فأمرنا بإعادتها، وليس يمكن إعادة الصفة وحدها فحكمنا بأن الجميع فرض (¬5). [576] (ثنا عبيد الله) بالتصغير (بْنُ مُعَاذٍ) بن معاذ العنبري شيخ مسلم، وروى له البخاري، قال: (ثنا أَبِي) معاذ بن معاذ العنبري، قال: (ثنا شُعْبَةُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ (¬6) بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ) يزيد بن الأسود (قَال: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -)، رواية ابن حبان عنه قال: شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجته، فصليت معه صلاة. (الصبح) ¬

_ (¬1) في (س، م): الأول. (¬2) في (س، م): أيهما. (¬3) انظر: "العرف الشذي" 1/ 229. (¬4) في (س): القول. وفي بقية النسخ: القولان. والمثبت يوافق الصواب. (¬5) "الشرح الكبير" 4/ 301 - 302. (¬6) في (ص): خالد.

في مسجد الخيف في منى (¬1). (بمنى) فالباء بمعنى في كقوله تعالى {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ} (¬2) أي في بدر ... (بمعناه). ولابن حبان: فلما قضى صلاته إذا رجلان في آخر الناس لم يصليا .. الحديث (¬3). وبوب عليه باب: بيان أن حكم صلاة الغداة في الإباحة للمأموم أن يتنفل بصلاته خلف من يؤدي فرضه حكم غيرها من الصلوات. قال أصحابنا: هذا الحديث كالمصرح بأنه لا فرق في الصلاة المعادة بين أن تكون مما تكره الصلاة بعدها أو لا؛ لأنه نص في الصبح، وهي مما يكره الصلاة بعدها، فغيرها أولى (¬4)، وهو مذهب الشافعي، وحكي عن بعض الأصحاب: أنه لا يعيد صلاة الصبح والعصر، ويعيد ما سواهما؛ لأن الصلاة بعد الصبح والعصر مكروهة (¬5) بغير سبب، ولا سبب هنا، وحكى الإمام عن شيخه وجهًا: أن المغرب لا تعاد؛ لأنها وتر النهار (¬6). قال أبو بكر الصيدلاني: ولو كانت الصلاة المعادة مغربًا، وقلنا بالحديث الذي هو الجديد عند الشافعي أن المعادة نفل زاد فيها حال الإعادة ركعة، فإن الأحب (¬7) في النوافل أن يكون شفعًا، وهذا ما ¬

_ (¬1) "صحيح ابن حبان" (1565). (¬2) آل عمران: 123. (¬3) "صحيح ابن حبان" (1565). (¬4) في (م): بالأولى. (¬5) من (م)، وفي باقي النسخ: مكروه. (¬6) انظر: "الشرح الكبير" 4/ 302 - 303. (¬7) في (ص): الآخر. وفي (س): الأجر.

حكاه القاضي حسين لا غير، وقال الإمام: إنه حسن بالغ. قال ابن عبد البر: وقد اختلف في ذلك عن سعيد بن المسيب كما اختلف عن ابن (¬1) عمر، فروى همام عن قتادة قال: قلت لسعيد بن المسيب: إذا صليت وحدي ثم أدركت الجماعة. فقال: أعد غير أنك إذا أعدت المغرب فاشفع بركعة، واجعل صلاتك وحدك تطوعًا، ثم قال أبو عمر: وهذا شيء لا يعرف وجهه كيف يشفع المغرب بركعة وتكون الأولى تطوعًا، وقد أجمع العلماء على أن المغرب إذا نوى بها الفريضة لم يشفعها بركعة، وما أظن الحديث والله أعلم إلا والأولى فريضة، فإن صح ما ذكرناه عنه فهو وهمٌ من قتادة أو ممن دونه في الإسناد، وقد كان جماعة من العلماء يضعفون أشياء من حديث قتادة عن ابن المسيب (¬2). [577] (ثنا قُتَيْبَةُ) بن سعيد، قال: (ثنا مَعْنُ بْنُ عِيسَى) بن يحيى الأشجعي، (عَنْ سَعِيدِ بْنِ السَّائِبِ) الثقفي، قال أبو داود: لا بأس، كانت دموعه جارية، إن صلى فهو يبكي، وإن طاف فهو يبكي، وإن قرأ في المصحف فهو يبكي، فعوتب في ذلك فبكى وقال: ينبغي أن تعتبوني على التقصير والتفريط اللذين استوليا علي. قال ابن حرب: كنا نراه من الأبدال (¬3). (عَنْ نُوحِ بْنِ صَعْصَعَةَ) الطائفي ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4)، (عَنْ ¬

_ (¬1) من "الاستذكار". (¬2) "الاستذكار" 5/ 364. (¬3) "تهذيب الكمال" 10/ 459. (¬4) "الثقات" 5/ 482. وقال: شيخ. يروي المراسيل.

يَزِيدَ بْنِ عَامِرٍ) بن الأسود السوائي، شهد حنينًا، قيل: إن يزيد بن الأسود ويزيد بن عامر رجل واحد. (قَال: جِئْتُ وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الصَّلَاةِ فَجَلَسْتُ وَلَمْ أَدْخُلْ مَعَهُمْ فِي الصَّلَاةِ، قَال: فَانْصَرَفَ عَلَيْنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -) فيه أنه لا يكره أن يقال: انصرفنا من الصلاة لقوله تعالى {ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} (¬1). (فَرَأَى يَزِيدَ جَالِسًا) لم يصل معهم (فَقَال: أَلَمْ) فيه تقرير لإسلامه؛ لأن الاستفهام إنكار، ونفي النفي إثبات (تُسْلِمْ) في رواية "الموطأ" قال لبشر بن محجن حين جلس ولم يصل مع الناس: "ألست برجل مسلم" (¬2) (يَا يَزِيدُ؟ قَال: بَلَى يَا رَسُولَ الله، قَدْ أَسْلَمْتُ). قال ابن عبد البر: فيه من الفقه أن من لم يصل فليس بمسلم، ومن صلى الصلاة مواظبًا عليها شهد له بالإسلام، وأجمع المسلمون أن جاحد فرض الصلاة كافر، واختلفوا في المقر بها التارك عمدًا لعملها وهو على القيام بها قادر، فروي عن علي وابن عباس وجابر وأبي الدرداء تكفير تارك الصلاة (¬3). (قَال: فَمَا مَنَعَكَ (¬4) أَنْ تَدْخُلَ مَعَ النَّاسِ فِي صَلَاِتهِمْ؟ ) فيه سؤال تارك الصلاة هل له عذر يظهره قبل أن يقضى عليه (قَال: إِنِّى كُنْتُ قَدْ (¬5) صَلَّيْتُ فِي مَنْزِلِي)، فيه أن من أقر بعمل الصلاة وإقامتها على ما يجب ¬

_ (¬1) التوبة: 127. (¬2) "الموطأ" 1/ 132. (¬3) "الاستذكار" 5/ 341 - 342. (¬4) في (م): يمنعك. (¬5) سقط من (م).

منها وكل إلى قوله، ويقبل منه؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - قبل من يزيد بن عامر ومن محجن الديلي في رواية "الموطأ": صَلَّيْتُ فِي مَنْزِلِي. (وَأَنَا أَحْسبُ) بكسر السين (أَنْ قَدْ صَلَّيْتُمْ) فصليت في منزلي قبل أن أحضر (فَقَال: إِذَا جِئْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَوَجَدْتَ النَّاسَ) يصلون (فَصَلِّ مَعَهُمْ وَإنْ كُنْتَ قَدْ صَلَّيتَ) في منزلك، وخص بعضهم هذا بالمساجد الثلاثة. قال ابن عبد البر: وفي رواية قال مالك: ومن صلى في جماعة ولو مع واحد فإنه لا يعيد تلك الصلاة إلا أن يعيدها في مسجد النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -، أو المسجد الحرام، أو مسجد بيت المقدس. قال مالك: فإن دخل الذي صلى وحده المسجد فوجد القوم جلوسًا في آخر صلاتهم فلا يدخل معهم إلا إن علم أنه يدرك من صلاتهم ركعة يسجد فيها (¬1). (تكن) بالجزم جواب الأمر الذي قبله، وهو "فَصَلِّ" (لك) أي الصلاة الأولى التي في منزلك (نَافِلَةً، وهذِه) تكن لك (مَكْتُوبَةٌ). قال في "الذخائر": هذا الخبر موافق للقول المنسوب للقديم (¬2) من مذهب الشافعي، وحكاه الإمام عن رواية شيخه عن بعض الأصحاب أن الفرض هو الثانية والأولى (¬3) وقعت نافلة، وهذا الحديث حجة لهذا القول، ووجهه كما تقدم أن من دخل فوجد الجماعة يصلون استحب (¬4) له إعادة الفريضة ليكملها بالجماعة، ولو كانت الثانية نفلًا ¬

_ (¬1) "الاستذكار" 5/ 360. (¬2) في (س): بتقديم. (¬3) في (س): وإلا. (¬4) في (س، ل): يستحب.

لما حصل بها الكمال فتبين بالأخيرة التي حصل بها كمال صلاته أن الأولى وقعت نفلًا. [578] (ثنا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، قَال: قَرَأْتُ عَلَى) عبد الله (بْنِ وَهْبٍ، قَال: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو) بن الحارث الأنصاري أحد الأعلام. (عَنْ بُكَيرٍ) بن عبد الله بن الأشج (أَنَّهُ سَمِعَ عَفِيفَ (¬1) بْنَ عَمْرِو بْنِ المُسَيِّبِ) وثقه النسائي (¬2). (يَقُولُ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ فَقَال: يُصَلِّي أَحَدُنَا فِي مَنْزِلِهِ الصَّلَاةَ ثُمَّ يَأْتِي المَسْجِدَ وَتُقَامُ الصَّلَاةُ فَأُصَلِّي مَعَهُمْ) تلك الصلاة التي صليتها في منزلي (فَأَجِدُ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا) في أيتهما أجعل صلاتي الأولى أو الثانية؟ (فَقَال أَبُو أَيُّوبَ: سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَال: وذَلِكَ لَهُ سَهْمُ جَمْعٍ) قال الخطابي: يريد بقوله: "له (¬3) سهم جمع" أي له سهمه (¬4) من الخير جمع له فيه حظان. قال: وقال الأخفش (¬5): يريد به سهم الجيش (¬6). قال: والجمع الجيش ها هنا (¬7)، [وقيل: جمع أي جماعة] (¬8)، واستدل بقوله {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ} (¬9) ¬

_ (¬1) في (س): عتيق. (¬2) "تهذيب الكمال" 20/ 183. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): سهم. (¬5) في (م): الأخنس. (¬6) "معالم السنن" 1/ 165. (¬7) السابق. (¬8) سقط من (م). (¬9) الشعراء: 61.

وبقوله {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ} (¬1) يعني الجيش، وقيل: ثوابه كمن شهد جمعًا، وهي المزدلفة، وذكر مالك، عن نافع، عن ابن عمر، وعن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب بمعنى واحد، أن سائلًا سأل كل واحد منهما قال له: إنه يصلي في بيته ثم يأتي المسجد فيجد الناس يصلون، أنصلي معهم؟ فقالا: نعم، فقال: فأيهما (¬2) أجعل من (¬3) صلاتي؟ فقال: ذلك إلى الله يجعلها (¬4) أيتهما (¬5) شاء. قال ابن عبد البر بعد هذا: وذكر بعض أصحاب مالك أن هذا مذهبه لا يدري أي الصلاتين فريضة ولا أيتهما (¬6) هي النافلة، وإنما ذلك إلى الله (¬7). * * * ¬

_ (¬1) القمر: 45. (¬2) في (م): فأيتهما. (¬3) في (ص): في. (¬4) في (ص): يحلها. في (س): يحلهما. (¬5) في (م): أيهما. (¬6) في (م): أيهما. (¬7) "الاستذكار" 5/ 362، وهو نص "المدونة" 1/ 180.

58 - باب إذا صلى ثم أدرك جماعة أيعيد

58 - باب إِذا صَلَّى ثُمَّ أدْرَكَ جَماعَةً أَيُعِيدُ 579 - حَدَّثَنا أَبُو كامِلٍ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنا حُسَيْنٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ يَسارٍ -يَعْنِي: مَوْلَى مَيْمُونَةَ- قال: أَتَيْتُ ابن عُمَرَ عَلَى البَلاطِ وَهُمْ يُصَلُّونَ فَقُلْت: أَلا تُصَلِّي مَعَهُمْ قال: قَدْ صَلَّيْتُ، إِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لا تُصَلُّوا صَلاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْن" (¬1). * * * باب إذا صلى ثم أدرك جماعة يعيد؟ [579] (ثنا أبو كامل) الجحدري (¬2)، قال: (ثنا يزيد بن زريع) قال: (ثنا حسين) بن ذكوان المعلم (عن عمرو بن شعيب، عن سليمان) بن يسار (مولى ميمونة) أم المؤمنين، وهو أخو عطاء (قال: أتيت ابن عمر) - رضي الله عنهما -، لفظ النسائي: رأيت ابن عمر جالسًا (¬3) (على البلاط)، وهو موضع مفروش بالبلاط بين المسجد والسوق بالمدينة (وهم يصلون فقلت: ألا تصلي معهم؟ ) لفظ النسائي: فقلت: يا أبا عبد الرحمن لم لا تصلي؟ (¬4). وفيه تنبيه الآدمي من هو أعلم منه وأجلُّ بما يظهر أنه من العبادات والقُرَب. (قال: قد صليت)، ثم ذكر حجته فقال: (إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) رواه النسائي 2/ 114، وأحمد 2/ 19، 41. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (592). (¬2) في (م): الحجازي. (¬3) "المجتبى" 2/ 114. (¬4) السابق.

يقول: لا تصلوا صلاة في يوم مرتين) لفظ النسائي: "لا تعاد الصلاة في يوم مرتين" (¬1). فيه حجة للوجه الذي صححه الصيدلاني والغزالي وصاحب المرشد وغيرهم، أن من صلى في جماعة ثم أدرك جماعة يصلون لا يصلي معهم كيف كانت؛ لأن الإعادة لتحصيل فضيلة الجماعة وقد حصلت [له، ولو] (¬2) قيل أنه يعيدها (¬3) لقيل يعيدها ثانية وثالثة ورابعة، وهو مخالف لما كان عليه الأولون (¬4)، والحديث الذي قبله مختص بحالة الانفراد، وفيه جَمْعٌ بين الأحاديث. قال في "الاستذكار": اتفق أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه على أن معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تصلوا صلاة في يوم مرتين" أن ذلك أن يصلي الرجل صلاة مكتوبة عليه ثم يقوم بعد الفراغ منها فيعيدها على جهة الفرض أيضًا، قال: وأما من صلى الثانية مع الجماعة على أنها نافلة اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في أمره بذلك وقوله للذين أمرهم بإعادة الصلاة في جماعة: "إنها لكم نافلة" فليس ذلك من إعادة الصلاة في يوم مرتين؛ لأن الأولى فريضة والثانية نافلة فلا إعادة حينئذٍ (¬5). * * * ¬

_ (¬1) "المجتبى" 2/ 114. (¬2) في (ص): ولو. واضطربت العبارة في (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) نقله ابن حجر الهيتمي عن ابن الرفعة في "الفتاوى" 1/ 208. (¬5) "الاستذكار" 5/ 357 - 358.

59 - باب في جماع الإمامة وفضلها

59 - باب فِي جِماعِ الإمامَةِ وَفَضْلِها 580 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ داوُدَ المهْرِيُّ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الهَمْدانيِّ، قال: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عامِرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ أَمَّ النّاسَ فَأَصابَ الوَقْتَ فَلَهُ وَلَهُمْ وَمَنِ انْتَقَصَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعَلَيْهِ وَلا عَلَيْهِمْ" (¬1). * * * باب في فضل الإمامة [580] (ثنا سليمان بن داود المهري) (¬2) قال: (ثنا ابن (¬3) وهب) قال: (أخبرني يحيى بن أيوب) الغافقي مولى بني أمية أحد علماء مصر. (عن عبد الرحمن بن حرملة) الأسلمي، أخرج له مسلم (عن أبي علي) [ثمامة بن شُفَي] (¬4) (الهمداني) بسكون الميم التجيبي. (قال: سمعت عقبة بن عامر - رضي الله عنه - يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من أمَّ الناس فأصاب الوقت) استدل به بعضهم على صحة [الائتمام بمن] (¬5) يخل بشيء من الصلاة، ركنًا كان أو غيره، إذا أتم المأموم وصلى الإمام بعد دخول الوقت وقبل خروجه؛ لأنه لم يشترط في ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (983)، وأحمد 4/ 146. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (593). (¬2) من (ل، م)، وفي باقي النسخ: المهدي. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ص): هامة بن شفي. وفي (س): هامة بن صيفي. (¬5) في (ص): الاهتمام بمن. وفي (م): الائتمام لمن.

إصابة الإمام إلا الوقت. قال إمام الحرمين: اختار المزني القول (¬1) القديم أنه يصح اقتداء القارئ بالأمي الذي لا يحسن حرفًا بأن اقتداء القائم بالقاعد العاجز عن القيام صحيح (¬2)، وكذلك اقتداؤه بالمريض المومئ، وكذا اقتداء المتوضئ بالمتيمم، فإذا كانت القدوة تصح [مع أداء] (¬3) صحت صلاة الإمام سواء كان بعض (¬4) صلاته راجعًا إلى ركن أو شرط فليكن العجز عن القراءة الشديدة بهذِه المثابة، ثم قال: ولا شك في نصرة هذا القول في اتجاه القياس، ومما يدل على أن إصابة الوقت هي المعتبرة بحديث ابن مسعود مرفوعًا: " لعلكم تدركلون أقوامًا يصلون الصلاة لغير وقتها، فإذا أدركتموهم (¬5) فصلوا في بيوتكم في الوقت، ثم صلوا معهم واجعلوها سبحة". أخرجه النسائي وغيره (¬6)، فالتقدير على هذا: فإن أصاب الوقت، وإن أخطأ الوقت. (فله) أي: فتحصل الصلاة التي في الوقت وثوابها للإمام (ولهم) أي: وللمأمومين وفي رواية لأحمد في هذا الحديث: "فإن صلوا ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "الشرح الكبير" 4/ 318. (¬3) في (م): إذا. (¬4) في (ل، م): نقض. (¬5) في (م): أدركتموه. (¬6) أخرجه النسائي في "المجتبى" 2/ 75، وابن ماجه في "سننه" (1255)، وأحمد في "مسنده" 1/ 379. وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" (1037).

الصلاة لوقتها وأتموا الركوع والسجود فهي لكم ولهم" (¬1). وهذا يدل على أن المراد ما هو أعم من إصابة الوقت. قال ابن المنذر: هذا الحديث (¬2) يرد على من زعم أن صلاة الإمام إذا فسدت فسدت صلاة من خلفه (¬3)، أي ارتكبوا الخطيئة ولم يرد به الخطأ المقابل للعمد؛ لأنه لا إثم فيه. قال المهلب: فيه جواز الصلاة خلف البر والفاجر، أي ما أصاب الوقت إذا خيف (¬4) منه، ووجَّه غيره قوله إذا خيف منه، بأن الفاجر إنما يَؤُم إذا كان صاحب شوكة (¬5). قال في "شَرح السُّنَّة": فيه دليل على أنه إذا صلى بقوم محدثًا أنه يصح صلاة المأمومين وعليه الإعادة (¬6). (ومن انتقص من ذلك) ظاهر الانتقاص لا يقابل الوقت، فيشبه أن يكون كما تقدم ليس المراد إصابة الوقت فقط، بل كما في رواية أحمد المذكورة، بل إصابة الوقت وإتمام الركوع والسجود (¬7)، ويكون المراد بالانتقاص هنا من الركوع والسجود [(شيئًا فعليه] (¬8) ولا عليهم) (¬9) ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 4/ 146 من حديث عقبة بن عامر. (¬2) في (م): حديث. (¬3) "الأوسط" 4/ 164. (¬4) في (م): اختلف. (¬5) "فتح الباري" 2/ 220. (¬6) "شرح السنة" 3/ 405. (¬7) زاد في (م): فعليه. (¬8) سقط من (م). (¬9) سقط من (م).

يحتمل أن يكون فيه حذف تقديره: ولهم الثواب لا عليهم الإثم، والمراد أن الإمام إن كان في صلاته نقص وخلل بأن (¬1) كان جنبًا أو محدثًا أو عليه نجاسة، ولم يعلم المأموم بحاله فللمأمومين الثواب وصلاتهم صحيحة ولا إثم عليهم. ورواية ابن ماجه: أن أبا علي الهمداني خرج في سفينة فيها عقبة بن عامر الجهني، فحانت صلاة من الصلوات فأمرناه أن يؤمنا وقلنا له: إنك أحقنا بذلك، أنت صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأبى وقال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من أمّ الناس فأصاب فالصلاة له ولهم، وإن انتقص من ذلك فعليه ولا عليهم" (¬2) أي عليه الإثم من النقص. * * * ¬

_ (¬1) في (ص): فإن. والمثبت من باقي النسخ. (¬2) "سنن ابن ماجه" (893).

60 - باب في كراهية التدافع على الإمامة

60 - باب فِي كَراهيَةِ التَّدافُعِ على الإِمامَةِ 581 - حَدَّثَنا هارُونُ بْنُ عَبّادٍ الأَزْدِيُّ، حَدَّثَنا مَرْوانُ، حَدَّثَتْنِي طَلْحَةُ أُمُّ غُرابٍ، عَنْ عَقِيلَةَ -امْرَأةٌ مِنْ بَنِي فَزارَةَ مَوْلاةٌ لَهُمْ- عَنْ سَلامَةَ بِنْتِ الحرِّ أُخْتِ خَرَشَةَ بْنِ الحرِّ الفَزارِيِّ قالتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ مِنْ أَشْراطِ السّاعَةِ أَنْ يَتَدافَعَ أَهْلُ المَسْحِدِ لا يَجِدُونَ إِمامًا يُصَلِّي بِهِمْ" (¬1). * * * باب في كراهية التدافع في الإمامة [581] (ثنا هارون بن عباد الأزدي) المصيصي الأنطاكي مقبول، قال: (ثنا مروان) بن معاوية الفزاري، قال: (حدثتني طلحة أم غراب) روى لها ابن ماجه، وروت عن عقيلة وغيرها، وروى عنها ابنها عبد الله بن معاوية، ووكيع (عن عقيلة) بفتح العين، يقال: هي جدة لعلي (¬2) بن غراب (امرأة من بني فزارة) بفتح الفاء اسم قبيلة منقولة من أنثى الببر بفتح الباء الأولى وإسكان الثانية، سميت بذلك لشدتها، (مولاة لهم) أي لبني فزارة (عن سلامة بنت الحر) ضد العبد الفزاري، قال أبو داود: لها ولأخيها خرشة صحبة (أخت خرشة) بمفتوحات والخاء والشين معجمات، مات خرشة سنة أربع وسبعين - رضي الله عنه - (ابن الحر (¬3) الفزاري - رضي الله عنهما - قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن من ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (982)، وأحمد 6/ 381. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (91). (¬2) في (ص): يعلى. والمثبت من باقي النسخ. (¬3) في (م): الحارث.

أشراط الساعة أن يتدافع أهل المسجد) رواية (¬1) ابن ماجه (¬2) من طريق وكيع عن أم غراب بلفظ: "يأتي على الناس زمان يقومون ساعة". (لا يجدون إمامًا يصلي بهم) فيه أنه لا ينبغي تدافع أهل المسجد في الإمامة، بل يصلي بهم من يظهر أنه أحقهم؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "صلوا خلف من قال لا إله إلا الله". رواه الدارقطني عن ابن عمر، وهو في الطبراني (¬3). وفيه معجزة ظاهرة لإخباره - صلى الله عليه وسلم -عما يقع بعده، فقد وجد وشوهد مرارًا (¬4) أقوام (¬5) يقومون (¬6) للصلاة لا يوجد فيهم من يصلح للإمامة، وذلك من قلة العلم، وكما في الحديث "من أشراط الساعة أن يقل العلم ويكثر الجهل" (¬7) والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) في (م): رواه. (¬2) "سنن ابن ماجه" (982). (¬3) "سنن الدارقطني" 2/ 56، وأخرجه الطبراني في "الكبير" (13622)، وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (3483). (¬4) من (م). (¬5) في الأصول: أقواما. والمثبت الجادة. (¬6) في (م): يقفون. (¬7) أخرجه البخاري (80)، ومسلم (2671/ 8).

61 - باب من أحق بالإمامة

61 - باب مَنْ أَحَقُّ بِالإِمامَةِ 582 - حَدَّثَنا أَبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسِيُّ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي إِسْماعِيلُ بْنُ رَجاءٍ سَمِعْتُ أَوْسَ بْنَ ضَمْعَجٍ يُحدِّثُ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ البَدْرِيِّ قال: قال رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَؤُمُّ القَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتابِ الله وَأَقْدَمُهُمْ قِراءَةً فَإِنْ كانُوا فِي القِراءَةِ سَواءً فَلْيَوُمَّهُمْ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً فَإِنْ كانُوا فِي الهِجْرَةِ سَواءً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ سِنًّا وَلا يُوَمُّ الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ وَلا فِي سُلْطانِهِ وَلا يُجْلَسُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ". قال شعْبَةُ فَقُلْتُ لإِسْماعِيلَ: ما تَكْرِمَتُهُ قال: فِراشُهُ (¬1). 583 - حَدَّثَنا ابن مُعاذٍ، حَدَّثَنا أَبِي، حَدَّثَنا شُعْبَة بهذا الحَدِيثِ قال: فِيهِ: "وَلا يَوُمُّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطانِهِ". قال أَبُو داوُدَ: كَذا قال يَحْيَى القَطّانُ، عَنْ شُعْبَةَ: "أَقْدَمُهُمْ قِراءَةً" (¬2). 584 - حَدَّثَنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِسْماعِيلَ بْنِ رَجاءٍ عَنْ أَوْسِ بْنِ ضَمْعَجٍ الحَضْرَمِيِّ قال: سَمِعْتُ أَبا مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بهذا الحَدِيثِ قال: "فَإِنْ كانُوا فِي القِراءَةِ سَواءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنْ كانُوا فِي السُّنَّةِ سَواءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً". وَلَمْ يَقُلْ: "فَأَقْدَمُهُمْ قِراءَةً". قال أَبُو داوُدَ: رَواهُ حَجّاجُ بْنُ أَرْطاةَ، عَنْ إِسْماعِيلَ قال: "وَلا تَقْعُدْ عَلَى تَكْرِمَةِ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ" (¬3). 585 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمِّادٌ، أَخْبَرَنا أَيُّوبُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ قال: كُنّا بِحاضِرٍ يَمرُّ بِنا النّاسُ إِذا أَتَوُا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَكانُوا إِذا رَجَعُوا مَرُّوا بِنا فَأَخْبَرُونا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: كَذا وَكَذا وَكُنْتُ غُلامًا حافِظًا فَحَفِظْتُ مِنْ ذَلِكَ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (673/ 291). (¬2) صححه الألباني في "صحيح أبي داود" (595). (¬3) رواه مسلم (673/ 290).

قُرْآنًا كَثِيرًا فانْطَلَقَ أَبِي وافِدًا إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ فَعَلَّمَهُمُ الصَّلاةَ فَقال: "يَؤُمُّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ". وَكُنْتُ أَقْرَأَهُمْ لمِا كُنْتُ أَحْفَظُ فَقَدَّمُونِي فَكُنْتُ أَؤمُّهُمْ وَعَلَيَّ بُرْدَةٌ لِي صَغِيرَةٌ صَفْراءُ فَكُنْتُ إِذا سَجَدْتُ تَكَشَّفَتْ عَنِّي فَقالتِ امْرَأَةٌ مِنَ النِّساءِ: وارُوا عَنّا عَوْرَةَ قارِئِكُمْ. فاشْتَرَوْا لِي قَمِيصًا عُمانِيًّا فَما فَرِحْتُ بِشَيءٍ بَعْدَ الإِسْلامِ فَرَحِي بِهِ فَكُنْتُ أَؤُمُّهُمْ وَأَنا ابن سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمانِ سنِينَ (¬1). 586 - حَدَّثَنا النُّفَيْليُّ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا عاصِمٌ الأَحْوَلُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ بهذا الخَبَرِ قال: فَكُنْتُ أَؤُمُّهُمْ فِي بُرْدَةٍ مُوصَلَةٍ فِيها فَتْقٌ فَكُنْتُ إِذا سَجَدْت خَرَجَتِ اسْتِي (¬2). 587 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ حَبِيبٍ الجَرْمِيِّ، حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ سَلِمَةَ، عَنْ أَبِيهِ أنَّهُمْ وَفَدُوا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمّا أَرادُوا أَنْ يَنْصَرِفُوا قالوا: يا رَسُولَ اللهِ مَنْ يَؤُمُّنا قال: "أَكْثَرُكُمْ جَمْعًا لِلْقُرْآنٍ". أَوْ: "أَخْذًا لِلْقُرآنِ". قال: فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ القَوْمِ جَمَعَ ما جَمَعْتُهُ -قال- فَقَدَّمُوني وَأَنا غلامٌ وَعَلَيَّ شَمْلَةٌ لِي فَما شَهِدْتُ مَجْمَعًا مِنْ جَرْمٍ إِلَّا كُنْتُ إِمامَهُمْ وَكُنْتُ أُصَلِّي عَلَى جَنائِزِهِمْ إِلَى يَوْمِي هذا. قال أَبُو داوُدَ: وَرَواهُ يَزِيدُ بْن هارُونَ، عَنْ مِسْعَرِ بْنِ حَبِيبٍ الجرْمِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ قال: لّمَا وَفَدَ قَوْمِي إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَقُلْ عَنْ أَبِيهِ (¬3). 588 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، حَدَّثَنا أَنَسٌ يَعْنِي ابن عِياضٍ ح، وحَدَّثَنا الهَيْثَمُ بْنُ خالِدٍ الجُهَنِيُّ - الْمَعْنَى - قالا: حَدَّثَنا ابن نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّهُ قال: لمَّا قَدِمَ المُهاجِرُونَ الأوَّلُونَ نَزَلُوا العَصْبَةَ قَبْلَ مَقْدَمِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَكانَ يَؤُمُّهُمْ سالِمٌ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4302). (¬2) رواه البيهقي 3/ 91. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (600). (¬3) رواه أحمد 5/ 29. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (601).

مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَكانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا. زادَ الهَيْثَمُ وَفِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الأَسَدِ (¬1). 589 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ ح، وحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا مَسْلَمَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ - الْمَعْنَى واحِدٌ - عَنْ خالِدٍ عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَن مالِكِ بنِ الحوَيرِثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لَهُ أَوْ لِصاحِبٍ لَهُ: "إِذا حَضَرَتِ الصَّلاةُ فَأَذِّنا ثُمَّ أَقِيما ثُمَّ لْيَؤُمَّكُما أَكْبَرُكُما". وَفِي حَدِيثِ مَسْلَمَةَ قال وَكُنّا يَوْمَئِذٍ مُتَقارِبَيْنِ فِي العِلْمِ. وقال فِي حَدِيثِ إِسْماعِيلَ: قال خالِدٌ: قُلْتُ لأبِي قِلابَةَ: فَأَيْنَ القُرْآنُ؟ قال: إِنَّهُما كانا مُتَقارِبَيْنِ (¬2). 590 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا حُسَيْنُ بْنُ عِيسَى الحَنَفِيُّ، حَدَّثَنا الحَكَمُ بْنُ أَبانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قال: قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لِيُؤَذِّنْ لَكُمْ خِيارُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ قُرّاؤُكُمْ" (¬3). * * * باب: من أحق بالإمامة [582] (ثنا أبو الوليد) هشام (الطيالسي) قال: (ثنا شعبة) قال: (أخبرني إسماعيل بن رجاء، قال: سمعت أوس بن ضمعج) بفتح الضاد المعجمة والعين، أي: ناقة غليظة، الكوفي شيخ مسلم. (يحدث عن أبي (¬4) مسعود) عقبة بن عمرو (البدري) الأنصاري - رضي الله عنه -، (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يؤم القوم أقرؤهم) فيه تقديم الأقرأ (لكتاب الله). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (692، 7175). (¬2) رواه البخاري (630، 658، 7246)، ومسلم (674). (¬3) رواه ابن ماجه (726). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (92). (¬4) في (ص): ابن. والمثبت من باقي النسخ.

قال الشافعي - رضي الله عنه -: والمخاطب بذلك الذين كانوا في عصره كان أقرؤهم أفقههم فإنهم يسلمون كبارًا ويتفقهون قبل أن يقرؤوا (¬1) فلا يوجد قارئ منهم إلا وهو فقيه، وكان يوجد الفقيه وهو ليس بقارئ فإنه قيل: لم يحفظ القرآن من الصحابة إلا خمسة [أو قريب منها، والخمسة] (¬2): أبو بكر، وعثمان، وعلي، وأبي بن كعب، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، قيل: وعبد الله بن عباس، فلذلك ذكر الأقرأ وأمر بتقديمه، ولم يذكر الأفقه وهو مما تقدم به؛ لأنهم كلهم كانوا ذوي أنساب، ويشهد لقول الشافعي: إن أَقرؤُهم حينئذٍ أفقههم قول ابن مسعود: كنا لا نجاوز عشر آيات حتى نعرف أمرها ونهيها وأحكامها (¬3)، وقول ابن عمر: ما كانت السورة تنزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا ونتعلم أمرها ونهيها. فإن قلت: قول الشافعي: إن أقرأهم كان أفقههم أعامٌّ في كل أحد من القراء أو (¬4) هو الأغلب؟ فالذي أشار إليه (¬5) الإمام الثاني؛ لأجل أن (¬6) عمر - رضي الله عنه - لم يُعَدَّ ممن يحفظ القرآن؛ لأنه كان يعسر عليه الحفظ، وهو مفضل على عثمان وعلى عَلِيٍّ مع حفظهم القرآن. ¬

_ (¬1) "مختصر المزني" الملحق بكتاب "الأم" 9/ 28. (¬2) من (م). (¬3) أخرجه أبو عمرو الداني في "البيان" (ص 33) بنحوه عن عثمان وابن مسعود، وأبي بن كعب - رضي الله عنهم -. (¬4) في (س، م): و. (¬5) من (م). (¬6) من (م).

قال ابن الرفعة: ويحتمل أن يبقى كلام الشافعي على عمومه؛ لأن المراد بالأقرأ أصحهم قراءةً لا أكثرهم حفظًا، وإذا كان كذلك فيجوز أن يكون عمر أصح قراءةً من غيره، أي وهو الأَوْلى، لكن قول الإمام فيه إشارة أن الأقرأ أكثر حفظًا، والأول هو المصرح به، لكن على قول الإمام ما رواه الطبراني في "الكبير" ورجاله رجال الصحيح، عن عمرو بن سلمة: انطلقت مع أبي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسلام قومه فكان فيما أوصانا: " ليؤمكم أكثركم قرآنًا"، فكنت أكثرهم قرآنًا فقدموني (¬1). وهو في "الصحيح" في حديثه عن أبيه، [والطبراني عنه نفسه] (¬2)، وفي رواية الطبراني عن مرثد (¬3) الغنوي: "إن سركم أن تقبل صلاتكم فليؤمكم علماؤكم، فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم عز جل" (¬4). (وأقدمهم قراءة) أي: من تقدمت قراءته مقدم على من قرأ بعده؛ لأنه متقن للقراءة أكثر وأبعد في الخطأ منه والنسيان، وأكرم على الله، والإمامة سفارة (¬5) بين الله تعالى وبين الخلق. (فإن كانوا في القراءة سواء) أي استويا في القراءة، رواية مسلم فيها زيادة ولفظه: "فإن كانت القراءة واحدة فأعلمهم بالسنة، فإن كانت السنة سواء واحدة فليؤمهم أقدمهم هجرة" (¬6). ¬

_ (¬1) "المعجم الكبير" للطبراني 17/ 30 (55). (¬2) ليست في (س). (¬3) في (ص، س): يزيد. والمثبت من (ل، م). (¬4) "المعجم الكبير" 20/ 328 (777). (¬5) في (ص، س): شعاره. (¬6) "صحيح مسلم" (673)، (290).

فإن قلت: إذا كان المراد بالأقرأ الأفقه كما تقدم في كلام الشافعي، فكيف قال في الحديث بعد القراءة: أعلمهم بالسنة؟ فالجواب: أن القرآن والسنة من مشرع (¬1) واحد؛ لقوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (¬2) فكلاهما وحي، ولأن الإنسان يقرأ القرآن ويتفقه فيه، ثم يتعلم السنة والأحاديث. (فليؤمهم) بفتح الميم المشددة، ويجوز ضمها اتباعًا للهاء التي بعدها (أقدمهم هجرة)؛ لقوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ} (¬3) أي لا يستوي في الفضل من أنفق ماله وقاتل العدو في الإسلام قبل فتح مكة مع من أنفق وقاتل بعد الفتح {أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً} (¬4). قال الأصحاب: ثم الهجرة المقدم (¬5) بها في الإمامة لا تنقطع إلى يوم القيامة (¬6). فإذا أسلم اثنان وتقدم أحدهما في الهجرة، فإنا نقدمه عليه (¬7) في الإمامة، [ونقدم أولاد المهاجرين] (¬8) على أولاد غيرهم، ونقدم أولاد المهاجرين بعضهم على بعض لتقدم هجرة آبائهم. ¬

_ (¬1) في (س): مسوغ. (¬2) النجم: 3 - 4. (¬3) الحديد: 10. (¬4) الحديد: 10. (¬5) من (س). وفي باقي النسخ: المقدمة. (¬6) "نيل الأوطار" 3/ 192. (¬7) في (م): عليهم. (¬8) سقط من (م).

(فإن كانوا في الهجرة سواء) أي: استويا في القراءة وتقدمها والسنة والهجرة (فليؤمهم أكبرهم سنًّا) أي: فيقدم في الإمامة من كبر سنه في الإسلام، لأنها فضيلة يرجح بها، فالمسن المراد في الشريعة هو في الإسلام، فمن أسلم من شهر وهو ابن عشرين سنة، يقدم على من أسلم بعده، وإن كان ابن ثلاثين سنة (¬1). قال البغوي: ومن أسلم أحد آبائه قبل آباء الآخر فهو المقدم، نعم من أسلم بنفسه أولى ممن أسلم بأحد أبويه، وإن تأخر إسلامه (¬2) عن إسلام من أسلم أبواه؛ لأنه إذا أسلم بنفسه فقد اكتسب هو تلك الفضيلة، وهذا ظاهر إذا كان إسلام من أسلم بنفسه قبل بلوغ من حكمنا بإسلامه تبعًا لأبيه، أما إذا كان بعد بلوغ من حكمنا بإسلامه تبعًا لأبيه، فالذي يظهر كما قال ابن الرفعة تقديم من حكمنا بإسلامه تبعًا لأبيه. (ولا يُؤَم) بضم أوله وفتح الهمزة على البناء للمفعول (الرجل في بيته) والمراد بصاحب البيت مستحق منافعه مالكًا كان أو مستأجرًا لكن يقدم المعير على المستعير؛ نعم (¬3) لو كان الساكن عبدًا فسيده أحق منه، ولا يكون صاحب البيت مقدمًا إلا إذا وجدت فيه شرائط الإمامة، سواء كان غيره أكمل منه بفضيلة أخرى أم لا؛ لإطلاقه في الحديث. (ولا) يؤم الرجل (في سلطانه) أي: في بيته ومحله؛ لأنه موضع ¬

_ (¬1) سقط من (س، ل، م). (¬2) في (ص): إسلام. (¬3) سقط من (م).

سلطنته. قال النووي: معناه ما ذكره أصحابنا وغيرهم أن صاحب البيت والمجلس وإمام المسجد أحق من غيره وإن كان ذلك الغير أفقه وأقرأ وأكبر سنًّا (¬1). فإن لم يتقدم قدم من شاء ممن يصلح للإمامة، وإن كان غيره أصلح منه؛ لأن الحق فيها له فاختص بالتقدم والتقديم، ويراعى في الولاة تفاوت الدرجة الأعلى فالأعلى من الولاة والحكام. (ولا يُجْلَسُ) بضم أوله (على تكرمته) بفتح التاء وكسر الراء، وهي الفراش ونحوه مما يبسط لصاحب المنزل، ويختص به دون أهله، وقيل: هي الوسادة، وفي معناها السرير ونحوه (إلا بإذنه) رواية مسلم: "ولا تجْلِسْ على تكرمته في بيته إلا أن يأذن لك (¬2)، فإذا أذن فلا بأس بالجلوس، فإن أقسم تعين عليه وتأكد. (قال شعبة: فقلت لإسماعيل) ابن رجاء (فما تكرمته؟ قال) في (¬3) (فراشه) الذي يختص به. [583] (ثنا) عبيد الله (¬4) (بن معاذ) قال: (ثنا أبي) معاذ بن معاذ، (عن شعبة بهذا الحديث) و (قال فيه: لا يَؤُمُّ) بضم الهمزة (الرجل الرجل) الأول مرفوع والثاني منصوب (في سلطانه). زاد في بعضها (قال أبو داود: وكذا قال يحيى القطان عن شعبة: ¬

_ (¬1) "شرح النووي على مسلم" 5/ 173. (¬2) "صحيح مسلم" (673) (291). (¬3) من (م). (¬4) في (م): عبد الله.

أقدمهم قراءة) يعني (¬1) أن السلطان أو نائبه في محل ولايته أولى من غيره إذا كان يعلم من القرآن والفقه ما يصح به الصلاة، وإن كان غيره أقرأ وأفقه منه. [584] (ثنا الحسن بن (¬2) علي) قال: (ثنا عبد الله بن نمير، عن الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن أوس بن ضمعج (¬3) الحضرمي) نسبةً إلى حضرموت. قال الصاغاني: حضرموت بلدة وقبيلة (¬4) (قال: سمعت أبا مسعود - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا الحديث) و (قال) فيه: (فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة) أي: بالأحاديث ومعانيها وما يتعلق بها من العلوم كما تقدم عن رواية مسلم. (فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة) فإذا استوى اثنان في القراءة والسنة وأحدهما من أولاد أولاد أولاد (¬5) من تقدمت هجرته والآخر من أولاد من تأخرت هجرته قدم الأول (ولم يقل) في هذِه الرواية (فأقدمهم قراءة) أي: تقدم من تقدم في القراءة وسبق إليها كما تقدم. [585] (ثنا موسى بن إسماعيل) قال: (ثنا حماد) قال: (أنا أيوب، عن عمرو بن سلمة) بكسر اللام، واختلف في صحبة عمرو، فروى ¬

_ (¬1) في (س): مع. (¬2) في (ص): عن. (¬3) من (م). وفي باقي النسخ: ضمجع. (¬4) لم أجده في "التكملة والذيل" للصغاني، وهو في "الصحاح" 2/ 634 [حضر]. (¬5) سقط من (م).

الطبراني ما يدل على أنه وفد مع أبيه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - (قال: كنا بحاضر) (¬1) الحاضر: القوم النزول على [الماء مقيمون به ولا يرحلون عنه] (¬2). قال الخطابي: ربما جعلوا الحاضر (¬3) اسمًا للمكان المحضور، فهو فاعل بمعنى المفعول (¬4) حاضر بمعنى محضور (¬5). (يمر بنا الناس إذا أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكانوا إذا رجعوا مروا بنا) فنسألهم ما قال (فأخبرونا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال كذا وكذا)، فيه تبليغ الشاهد الغائب (وكنت غلامًا حافظًا) لما أسمعه (فحفظت) بكسر الفاء (من ذلك قرآنا كثيرًا، فانطلق أبي) سلمة - بكسر اللام - ابن قيس، وقيل: ابن نفيع بن قدامة البصري (وافدًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -) وجمع الوافد وفد، وهم القوم يأتون الملوك (¬6) ركبانًا، قال الله تعالى {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} (¬7) (في نفر من قومه) فيه الرحلة لقراءة القرآن وحفظ السنة. (فعلمهم الصلاة) فيه فضيلة تعليم الإمام آحاد (¬8) الرعية شرائع الإسلام كالصلاة والزكاة والصيام (وقال: يؤمكم أقرؤكم) أي: فكل ¬

_ (¬1) في (ص): لحاضر. وفي (ل، م): نحاضر. والمثبت من (س). (¬2) في (م): ما. (¬3) في (م): حاضر. (¬4) زاد في (م): ما يقيمون قدر ولا يرحلون عنه، مقيمون به ولا يرحلون عنه وهو فاعل بمعنى مفعول. (¬5) "معالم السنن" 1/ 169. (¬6) كلمة غير مقروءة في (س). (¬7) مريم: 85. (¬8) في (س): أحد.

من اتصف بذلك جازت إمامته من عبد وصبي وغيرهما، واستدل بقوله: "أقرؤهم" على أن إمامة الكافر لا تصح؛ لأنه لا قراءة له. (وكنت أقرؤهم لما كنت أحفظ) من كتاب الله تعالى (فقدموني). يدل على أن من ارتضاه القوم وقدموه فهو أولى، وإنما قدموا عَمْرًا وهو صبي على (¬1) غيره من البالغين؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قال لهم: "يؤمكم أقرؤكم" نظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنًا منه، والذي قال الأصحاب أن البالغ أولى من الصبي وإن كان أفقه وأقرأ؛ لأن البالغ مكلف فهو أحرص على المحافظة على حدودها، ولأنه مجمع على صحة الاقتداء به بخلاف الصبي، فقد كره الصلاة (¬2) خلفه جماعة منهم الشعبي، وبه قال مالك، والثوري، والأوزاعي، وأحمد، وأصحاب الرأي، والشافعي أجاز الصلاة خلفه في غير الجمعة (¬3)، وأجاب الأصحاب عن هذا الحديث بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينص لهم على تقديم عمرو إنما هم فعلوه بعد رجوعهم من عند النبي - صلى الله عليه وسلم - باجتهادهم وحملهم الحديث على عمومه. فإن قلت: فيرد على الأصحاب احتجاجهم به في جواز إمامة الصبي، وأجاب السبكي بأن الجواز مستند إلى ذلك مع القياس فإن صلاته صحيحة في نفسه مع غلبة الظن بوصول الأخبار إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، ولو لم يكن جائزًا لما أقره، وأما كونه أفضل فلا يلزم. (فكنت أؤمهم وعلي بردة لي صغيرة). والبردة كساء صغير مربع، ¬

_ (¬1) زاد في (م): من. (¬2) سقط من (م). (¬3) نقل هذه الأقوال عن أصحابها ابن المنذر في "الأوسط " 4/ 170.

ويقال: كساء أسود صغير، وبه كني أبو بردة واسمه هانئ بن [نيار البلوي] (¬1) (صفراء) هذا يرجح القول الأول بأنها كساء مربع (فكنت إذا سجدت تكشفت) (¬2) الشملة (عني فقالت امرأة من النساء) هذا يدل على أنه كان يقتدي به رجال ونساء. (وَارُوا) أي استروا (عنا) ورواية البخاري: ألا تغطوا عنا (¬3). قال السفاقسي فيه: صوابه تغطون؛ لأنه مرفوع على أصله (¬4). (عورة قارئكم) رواية البخاري أصرح وهي: است قارئكم (¬5)، (فاشتروا لي قميصًا عمانيًّا) منسوب إلى عمان بتخفيف الميم بوزن غراب بلدة باليمن على ساحل البحر بين مهرة والبحرين ينسج بها الثياب، وأما عَمَّان [بتشديد الميم وفتح العين بلد] (¬6) بطرف الشام من بلاد البلقاء. (فما فرحت بشيء بعد الإسلام فرحي به) فيه أن الإنسان لا يُسَرُّ بشيء ولا يرى (¬7) نعمة أعظم من الإسلام (فكنت أؤمهم وأنا ابن سبع) بتقديم السين على [الباء (سنين) (¬8) أو ثمان سنين). ورواية البخاري: "قدموني ¬

_ (¬1) في (ص): نيار البكري. وفي (م): بيان البلوى. (¬2) في (س): تنسفت. (¬3) "صحيح البخاري" (4302). (¬4) "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" 26/ 166. (¬5) "صحيح البخاري" (4302). (¬6) في (س، ل، م): بفتح العين وتشديد الميم فبلد. (¬7) من (م). وفي بقية النسخ: بذي. (¬8) من (م).

بين أيديهم وأنا ابن ست -أو سبع سنين" (¬1). ورواية النسائي بلفظ (¬2): فكنت أؤمهم وأنا ابن ثمان سنين (¬3)، ورواية الطبراني: وأنا ابن ست سنين (¬4). [586] (ثنا النفيلي، قال: ثنا زهير، قال: ثنا عاصم الأحول، عن عمرو بن سلمة) بكسر اللام (بهذا الخبر، قال: فكنت أؤمهم). ظاهره أنه يؤمهم في جميع الصلوات الفرائض والنوافل، الجمعة وغيرها، وبه قال الحسن إذا كان ممن يعقل (¬5) (في بردة موصلة) أي من قطع وصل بعضها ببعض كالمرقعة (فيها فتق) بفتح الفاء وسكون التاء، أي: موضع تفتقت (¬6) خياطته، وقال الجوهري: الفتق الشق. (¬7) (فكنت إذا سجدت خرجت) أي: برزت (استي) بهمزة وصل ولامه محذوفة، وهي العجز (¬8)، ويراد به حلقة الدبر، وأصلها سته بفتح التاء، ولهذا تجمع على أستاه، ويصغر على سُتَيهَة، وفي الحديث: "العينان وكاء السه" (¬9) بالهاء (¬10) ويروى بالتاء. ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (4302). (¬2) في (م): بلفظة. (¬3) "سنن النسائي" 2/ 80. (¬4) "المعجم الكبير" (6349). (¬5) "الأوسط" لابن المنذر 4/ 170. (¬6) في (م): نقضت. (¬7) "الصحاح في اللغة" 2/ 33. (¬8) في (ص، ل): الفخذ. (¬9) سبق تخريجه. (¬10) من (م).

[587] (أنا قتيبة، قال: ثنا وكيع، عن مسعر) بكسر الميم (بن حبيب الجرمي) بفتح الجيم أبي الحارث البصري، وثقه ابن معين وغيره (¬1) قال: (ثنا عمرو بن سلمة، عن أبيه) (¬2) سلمة بن قيس كما تقدم (أنهم وفدوا) بفتح الفاء، أي: قومه جرم (إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -) فأسلموا (فلما أرادوا أن ينصرفوا) من عنده (قالوا: يا رسول الله من يؤمنا؟ قال): يؤمكم (أكثركم جمعًا للقرآن، أو) أكثركم (أخذًا للقرآن). بهذا قال سفيان الثوري (¬3) وأحمد (¬4) خلافًا للشافعي وأبي حنيفة فإنهما يقولان: الأفقه أولى (¬5). قال: (فلم يكن أحد (¬6) من القوم جمع ما جمعته) من القرآن، إنما اعتبر في الحديث الكثرة من القرآن؛ لأن القوم كانوا عَرَبًا ويأخذون القرآن من معدنه، فكانوا كلهم مجيدون القراءة، وأما أكثر أهل (¬7) زماننا فإنهم لا يجيدون القرآن في آدابه وإتقان حروفه حتى يكون لها إلمام بالقراءة. قال: ولست (¬8) أعني بذلك المخارج الظاهرة (¬9) فإن ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 27/ 460. (¬2) في جميع النسخ: أبي. وهو خطأ. والمثبت من "السنن". (¬3) "الأوسط" لابن المنذر 4/ 167. (¬4) "مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج" (157). (¬5) "الأم" 1/ 282 - 283، و"المبسوط" للسرخسي 1/ 144. (¬6) زاد في (س، ل، م): منهم جمع. (¬7) من (م). (¬8) من (م). وفي باقي النسخ: الليث. وهو خطأ. (¬9) في (ص، س، ل): الظاهر. والمثبت من (م).

تلك واجبة، وأكثر الناس يحسنونها، وإنما الخفي من ذلك كالإخفاء والإقلاب والهمس والاسترخاء (¬1) وغير ذلك، ولم أر الأصحاب تعرضوا، قال: وعندي أنه أهم من كثرة الحفظ فينبغي أن من يكون بهذِه الصفة إذا كان يحفظ ما يجب في الصلاة أولى ممن لا يحسن ذلك ممن يحفظ أكثر منه. (قال: فقدموني وأنا غلام وعليَّ شملة لي) والشملة (¬2): كساء صغير يؤتزر به، والجمع شملات بفتح الميم مثل [سجدة وسجدات] (¬3) (فما شهدت مجمعًا من) قَوْمي (جرم إلا كنت إمامهم) أخذًا بالعموم في الحديث أنه يؤم الأقرأ، وإن كان في غيره صفات أكثر بأن يكون غيره بالغًا وهو صبي، أو يكون غيره مالك البيت أو المنفعة أو أقدم هجرة أو أكبر سنًّا ونحو ذلك [فيه أنه لا يكره أن يؤم قومًا فيهم أبوه، فإن سلمة كان يقتدي بابنه] (¬4). (وكنت أصلي على جنائزهم) قد يؤخذ منه أن الأقرأ يقدم على وليه من أبٍ وجدٍّ ونحوهما. والحديث (¬5) من مذهب (¬6) الشافعي أن القريب أولى؛ لأنه يختص ¬

_ (¬1) زاد في (م): والاسترعاء. (¬2) في (ص): فالشملة. (¬3) في (ص): شجرة وشجرات. خطأ. (¬4) سقط من (م). (¬5) في (س): والجديد. وهما بمعنى. (¬6) في (م): حديث.

بمزيد شفقة فدعاؤه (¬1) أقرب إلى الإجابة (¬2)، لكن هذا إذا كان القريب يحسن الصلاة على الجنازة، فلعل قومه لم يكن منهم (¬3) من يحسنها غيره (إلى يومي هذا) قال الذهبي: صلى بقومه أيام النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬4). (ورواه يزيد بن هارون) بن زاذان، أحد الأعلام. (عن مسعر بن حبيب، عن عمرو بن سلمة قال: لما وفد قومي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -) رواية الطبراني في "الكبير" ورجاله ثقات قال: انطلقت مع أبي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسلام قومه، فكان فيما أوصانا: "ليؤمكم أكثركم قرآنا" (¬5) ورواية الحديث من حديثه عن أبيه، وهنا عنه نفسه (فلم يقل عن أبيه) وعَنَى نفسه. [588] (ثنا القعنبي، قال: ثنا أنس بن عياض. ح وثنا الهيثم بن خالد الجهني) الكوفي أبو الحسن، وثقه أبو داود (¬6)، حدث سنة خمس وثلاثين ومائتين، وفي "المشايخ النبل" أنه مات سنة 237. (المعنى قال (¬7): ثنا) عبد الله (بن نمير، عن [عبيد الله) بالتصغير العمري] (¬8). ¬

_ (¬1) في (ص): بدعائه. وفي (س، ل، م): لدعاؤه. (¬2) "الحاوي الكبير" للماوردي 3/ 45. (¬3) في (س، ل، م): فيهم. (¬4) "سير أعلام النبلاء" 3/ 523. (¬5) "المعجم الكبير" 17/ 30 (55). (¬6) "تهذيب الكمال" 30/ 378. (¬7) هكذا في جميع النسخ، وفي "السنن": قالا. (¬8) في (م): عبد الله.

(عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أنه لما قدم المهاجرون الأولون) أي من مكة إلى المدينة، وصرح به في رواية الطبراني. (نزلوا (¬1) العصبة) بالنصب على الظرفية لقوله: نزلوا (¬2) أي المكان المسمى بذلك وهو بإسكان الصاد المهملة بعدها باء موحدة، واختلف في أوله فقيل: بفتح العين، وقيل بضمها. قال أبو عبيد: لم يضبطه الأصيلي في روايته، والمعروف المعصب بتشديد الصاد (¬3)، وفي "صحيح البخاري" أنه موضع بقباء (قبل مقدم) بفتح الميم والدال المخففة. (النبي - صلى الله عليه وسلم -) المدينة. (فكان يؤمهم سالم مولى) آمرأة من الأنصار فأعتقته وكان إمامته فيهم قبل أن يعتق، ولذلك بوب عليه البخاري: باب إمامة العبد والموالي، وقوله: ولا يمنع العبد من الجماعة بغير علة، وإنما قيل له مولى (أبي حذيفة)؛ لأنه لازم أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بعد أن عتق فتبناه، فلما نُهُوا عن ذلك قيل له مولاه، واستشهد سالم باليمامة في خلافة أبي بكر - رضي الله عنه - (وكان أكثرهم قرآنًا) أشار إلى سبب تقدمهم له على غيره. (زاد الهيثم) بن خالد: (وفيهم عمر بن الخطاب) زاد في "الأحكام" من رواية ابن جريج عن نافع: وفيهم أبو بكر وعمر (وأبو سلمة) أي (ابن عبد الأسد) المخزومي، أحد السابقين عبد الله أخو النبي - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة، وزيد بن حارثة وخارجة بن ربيعة، واستشكل ذكر أبي بكر ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) من (ل). وفي بقية النسخ: قدموا. (¬3) "فتح الباري" 2/ 218.

فيهم إذ كان رفيقه ووَجَّهَه البيهقي باحتمال أن يكون سالم المذكور استمر على الصلاة بهم فيصح ذكر أبي بكر ووجه الدلالة منه اجتماع كبار الصحابة القرشيين على تقدمة سالم عليهم (¬1). [589] (ثنا مسدد قال: ثنا إسماعيل ح. وثنا مسدد قال: ثنا مسلمة (¬2) بن محمد المعنى واحد عن خالد) الحذاء (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي (عن مالك بن الحويرث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له أو لصاحب له) رواية النسائي عن مالك: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أنا وابن عمٍّ لي. وقال مرة: أنا وصاحب لي (¬3). وهذه الرواية تدل على أن رواية المصنف: قال له ولصاحب له أنه ابن عمٍّ له (إذا حضرت الصلاة) رواية النسائي: "إذا سافرتما (¬4) فأذِّنا" (¬5). قال أبو الحسن بن القصار: أراد به الفضل وإلا فأذان الواحد يجزئ فكأنه فهم منه أنه أمرهما أن يؤذنا جميعًا كما هو ظاهر اللفظ، فإن أراد أنهما يؤذنان (¬6) معًا فليس ذلك بمراد؛ لأن المنقول عن السلف خلافه، وإن أراد أن (¬7) كلًّا منهما يؤذن على حِدَةٍ ففيه نظر فإن أذان الواحد يكفي الجماعة، نعم يستحب لكل أحد إجابة المؤذن والأولى حمل الأمر على أن أحدهما يؤذن والآخر يجيب (¬8). وللطبراني من طريق حماد بن سلمة، عن خالد الحذاء في هذا ¬

_ (¬1) "سنن البيهقي الكبرى" 3/ 89. (¬2) في (ل، م): سلمة. (¬3) "سنن النسائي الكبرى" (856). (¬4) في (س): سافر بها. (¬5) "سنن النسائي الكبرى" (856). (¬6) من (م). وفي باقي النسخ: يؤذنا. (¬7) من (م). (¬8) في (م): مجيب.

الحديث: "إذا كنت مع صاحبك فأذن وأقم" (¬1). انتهى كلام ابن حجر (¬2). وهذا الذي قاله يبعده ما بعده. (ثم أقيما) وحمل اللفظ على أذانهما معًا كما هو الظاهر أولى، إلا أن يأتي في صريح لفظ ما يحوج إلى خروجه عن ظاهره (ثم ليؤمكما أكبركما) استدل بهذا الحديث على أفضلية الإمام على الأذان، وعلى وجوب الأذان عند من قال به، وهذا يرد النقل للإجماع على عدم وجوب الأذان. (وفي حديث مسلمة) بن محمد [(وكنا يومئذٍ] (¬3) متقاربين في العلم) فإذا تقاربوا في العلم وتساووا فيه فيقدم أكبرهم سنًّا في الإسلام، والصحيح أنه لا يعتبر الشيخوخة، بل المعتبر تقارب السن. (وقال في حديث إسماعيل) بن علية (قال خالد) الحذاء (قلت لأبي قلابة: فأين) كثرة (القرآن) المذكورة في الحديث؟ (قال: فإنهما كانا متقارنين) بالنون عند ابن حزم، وبالباء الموحدة للخطيب في موضعين في حفظ القرآن. [590] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: ثنا حسين بن عيسى) بن مسلم (الحنفي) أبو عبد الرحمن الكوفي أخو سليم القارئ. (قال: ثنا الحكم ابن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ليؤذن لكم خياركم) أراد بالخيار الصلحاء؛ لأن الخِيار جَمْع خَير؛ ¬

_ (¬1) "المعجم الكبير" للطبراني 19/ 288 (638). (¬2) "فتح الباري" 2/ 132 - 133. (¬3) في (ص): وكانوا منذ.

لأنه يؤذن على موضع عالٍ فإذا لم يكن خيرًا لم يُؤْمَنْ أن ينظر إلى العورات. قال الشافعي: أحب أن لا يكون مؤذن الجماعة إلا عدلًا ثقة (¬1)، قيل: أراد عدلًا في دينه ثقة في معرفة المواقيت. [وأخرجه عبد الرزاق من وجه آخر فزاد بدل هذِه: ولا يؤذن لكم غلام لم يحتلم (¬2)] (¬3). (وليؤمكم [قراؤكم) هذا] (¬4) رواية ابن ماجه (¬5): وروايةُ البزار بإسناد حسن: "فليؤمكم أقرؤكم وإن كان أصغركم، فإذا أمَّكم فهو أميركم" (¬6)، وروى الطبراني في الأوسط: "من أَمَّ قومًا وفيهم من هو أقرأ لكتاب الله منه لم يزل في سفال (¬7) إلى يوم القيامة" (¬8)، والله تعالى أعلم. ¬

_ (¬1) "مختصر المزني" الملحق بكتاب "الأم" 9/ 15. (¬2) انظر: "الدراية في تخريج أحاديث الهداية" 1/ 118، ولم أقف عليه عند عبد الرزاق بهذا اللفظ، ولفظه عند عبد الرزاق عن ابن عباس: لا يؤم الغلام حتى يحتلم، وليؤذن لكم خياركم. "مصنف عبد الرزاق" (1872، 3847). (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): أقرؤكم هكذا. (¬5) أخرجه ابن ماجه (726). (¬6) "مسند البزار" (8577)، ورجح الدارقطني في "العلل" (1795) إرساله. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 2/ 206: إسناده حسن، وضعفه الألباني في "الضعيفة" (2623). (¬7) من (م)، وفي بقية النسخ: إسفال. (¬8) "معجم الطبراني الأوسط" (4582)، وقال الألباني في "الضعيفة" (1415): ضعيف جدًّا.

62 - باب إمامة النساء

62 - باب إِمامَةِ النِّساءِ 591 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا وَكِيعُ بْنُ الجَرّاحٍ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُمَيعٍ قال: حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَلَّادٍ الأنْصارِيُّ، عَنْ أُمِّ وَرَقَةَ بِنْتِ نَوْفَلٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لّمَا غَزا بَدْرًا قالتْ: قُلْتُ لَه: يا رَسُولَ اللهِ ائْذَنْ لِي فِي الغَزْوِ مَعَكَ أُمَرِّضُ مَرْضاكُمْ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنِي شَهادَةً. قال: "قِرِّي فِي بَيْتِكِ فَإِنَّ اللهَ تَعالى يَرْزُقُكِ الشَّهادَةَ". قال: فَكانَتْ تُسَمَّى الشَّهِيدَةَ. قال: وَكانَتْ قَدْ قَرَأَتِ القُرْآنَ فاسْتَأْذَنَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تَتَّخِذَ فِي دارِها مُؤَذِّنًا فَأَذِنَ لَها. قال: وَكانَتْ دَبَّرَتْ غلامًا لَها وَجارِيَةً فَقاما إِلَيها بِاللَّيلِ فَغَمّاها بِقَطِيفَةٍ لَها حَتَّى ماتَتْ وَذَهَبا فَأَصْبَحَ عُمَرُ فَقامَ فِي النّاسِ فَقال: مَنْ كانَ عِنْدَهُ مِنْ هَذَيْنِ عِلْمٌ أَوْ مَنْ رَآهُما فَلْيَجِئْ بِهِما فَأَمَرَ بِهِما فَصُلِبا فَكانا أَوَّلَ مَصْلُوب بِالمدِينَةِ (¬1). 592 - حَدَّثَنا الحَسَن بْن حَمّادٍ الحضْرَمِيُّ، حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ فُضَيْلٍ عَنِ الوَلِيدِ بْنِ جُمَيْع عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَلَّادٍ عَنْ أُمِّ وَرَقَةَ بِنْتِ عَبدِ اللهِ بْنِ الحارِثِ بهذا الحَدِيثِ والأوَّل أَتَمُّ قال: وَكانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَزُورُها فِي بَيْتِها وَجَعَلَ لَها مُؤَذِّنًا يُؤَذِّن لَها وَأَمَرَها أَنْ تَؤُمَّ أَهْلَ دارِها. قال عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَأَنا رَأَيْتُ مُؤَذِّنَها شَيْخًا كَبِيرًا (¬2). * * * ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 405، والطبراني 25 (326، 327)، والحاكم 1/ 203، والبيهقي 1/ 406، 3/ 130. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (605). (¬2) رواه أحمد 6/ 405، والحاكم 1/ 203. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (606).

باب إمامة النساء [591] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: ثنا وكيع بن الجراح، قال: ثنا الوليد بن عبد الله بن جُميع) بضم الجيم مصغر، قال أبو داود وغيره: ليس به بأس (¬1)، وقال أبو حاتم: صالح الحديث (¬2)، أخرج له مسلم. (قال: حدثتني جدتي (¬3) وعبد الرحمن بن خلاد الأنصاري) في "ثقات ابن حبان" (¬4) (عن أم ورقة بنت نوفل) والذي صححه ابن عبد البر وجزم به الذهبي وغيره أنها بنت عبد الله بن الحارث بن عويم (¬5) الأنصاري، وهي مشهورة بكنيتها، واضطرب في نسبها، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسميها الشهيدة (¬6). (وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما غزا بدرًا قالت: قلت له: يا رسول الله، أئذن لي في الغزو معك أمرِّض) بتشديد الراء المكسورة أي أتكفل بمداواة (مرضاكم) وأداوي جرحاكم (لعل الله أن يرزقني الشهادة. قال) لها (قِرِّي) بكسر القاف مع تشديد الراء من قر بالمكان يقر إذا ثبت فيه واستقر، ويجوز فتح القاف مع الكسر، وهي لغة، قررت بالمكان أقر، ويجوز كسر القاف مع تخفيف الراء من وقر يقر إذا ثبت، والمراد بالحديث: الزمن بيوتكن، والجلوس ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 31/ 36. (¬2) "الجرح والتعديل" 9/ 8. (¬3) بياض في (م) عقب قوله: جدتي. (¬4) "الثقات" 5/ 98. (¬5) في (م): هريم. وفي بقية النسخ: عويمر. والمثبت من "الاستيعاب". (¬6) "الاستيعاب" لابن عبد البر 4/ 1965.

فيها على الحصر كما قال لهن [حين حججن معه] (¬1) "هذِه، وظهور الحصر" (¬2)، وهذِه الأوجه الثلاثة مذكورة في قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} (¬3) وعلى القول من قرَّ بتشديد الراء يقر فكان أصله التشديد لكن حذفت إحدى الراءين كما حذفت إحدى اللامين في قولك (¬4): طلبه فرارًا (¬5) من التكرير (¬6)، وقيل في الآية أنه أقر من الوقار، أي: كن (في بيوتكن) أهل وقار وسكن، بدليل قوله بعده (¬7): {وَلَا تَبَرَّجْنَ} (¬8) (فإن الله تعالى يرزقك الشهادة) وفي رواية: "فإن الله مُهدٍ لك الشهادة" (¬9) بضم الميم وتنوين الدال من أهدى له (فكانت تسمى الشهيدة) بين قومها. (قال: وكانت قد قرأت القرآن) كله (فاستأذنت النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تتخذ في دارها مؤذنًا فأذن لها) وفي بعضها: "يؤذن لها" فيه دليل على أنها كانت تؤم أهل بيتها في الفرائض؛ فإن الأذان إنما شرع في الفرائض. (قال: وكانت دبرت غلامًا لها وجارية) فيه دليل على جواز تدبير الغلام والجارية وأنها كانت (¬10) مشهورة عندهم، وقد دبر ابن عمر ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): حيث حججه. وفي (م): حجبن. ولعل المثبت الصواب. (¬2) رواه أبو داود (1722) بلفظ: (ثم) بدلا من (و). (¬3) الأحزاب: 33. (¬4) في (م): قوله. (¬5) في (م): قرانا. (¬6) في (ص): التكبير. (¬7) في (ص، س): بعده. (¬8) الأحزاب: 33. (¬9) "حلية الأولياء" 2/ 63. (¬10) من (م). وفي بقية النسخ: كان.

جاريتين وكان يطؤهما، ذكره مالك في "الموطأ" (¬1) عن نافع والشافعي (¬2) (¬3). (فقاما إليها بالليل فغماها) [بفتح الغين وتشديد الميم وأصل الغم التغطية، ومنه قيل للحزن: غمٌّ؛ لأنه يغطي السرور (بقطيفة (¬4) لها) وضعاها على فمها وأنفها وهي دثارٌ له حمل (حتى ماتت وذهبا) عنها] (¬5) لعلهما غماها استعجالًا للعتق عن التدبير بأنهما يعتقان وإن ماتت (¬6) بقتلهما كما أن الدين يحل إذا قتل صاحب الدين المديون. (فأصبح عمر فبلغه ذلك، فقام في الناس) حيث (¬7) لم يعلم من قتلها (فقال من عنده من هذين علم أو من رآهما فليجئ بهما) فإنهما هربا، فأمر بطلبهما فأدركا، فأتي بهما (فصلبا، فكانا أول مصلوب) وفي رواية: فكانا أول مصلوبين (¬8) (في المدينة) فيه أن من قتل بخنق أو غم أو رمي به من شاهق أنه يصلب على خشبة ونحوها، ولم أجد أحدًا قال به، والمشهور في مذهب (¬9) الشافعي لأنه عمل (¬10) يقتص منه بمثل فعله، ويراعي الكيفية ¬

_ (¬1) "الموطأ" 2/ 814. (¬2) أخرجه البيهقي في "الكبرى" من طريق الشافعي عن مالك به. 10/ 315. (¬3) في (م): للشافعي. (¬4) في (ص): تغطيته. (¬5) تأخرت العبارة في (م)، وجاءت بعد قوله: المديون. (¬6) في (م): مات. (¬7) في (س): حين. (¬8) "مسند أحمد" 6/ 405. (¬9) في (م): مذاهب. (¬10) في (ص): عمد، وفي (س): من عمد.

والمقدار، ففي الغم بمثل ما غمه بحسب الفعل (¬1)، وفي الخنق بمثل ما خنق مثل تلك المدة (¬2)، وكان عمر - رضي الله عنه - يقول: صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث يقول: "انطلقوا بنا نزور الشهيدة"، وفيه أنه من قتل بالغم والخنق له أجر شهيد عند الله تعالى، وأن الشهداء لا تنحصر في سبع. [592] (ثنا الحسن بن حماد الحضرمي، قال: ثنا محمد بن فضيل) ابن غزوان الضبي (عن الوليد بن جُميع، عن عبد الرحمن بن خلاد، عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث) الأنصارية كما تقدم، وهذا هو الصحيح في نسبها (بهذا الحديث) المتقدم (و) الحديث (الأول أتم) [من هذا] (¬3) (قال: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزورها في بيتها) فيه زيارة النساء الخيرات، قيل أنه كان - صلى الله عليه وسلم - (¬4) لا تستتر (¬5) منه النساء؛ لأنه كان معصومًا بخلاف غيره من الرجال. (وجعل لها مؤذنًا يؤذن لها) في بيتها (وأمرها أن تؤم أهل دارها) إطلاقه يقتضي أنها تؤم الرجال والنساء. قال الشافعي: قصرت (¬6) المرأة أن يكون لها ولاية؛ لقوله - عليه السلام -: "أَخِّرُوهُنَّ من حيث أخرهن الله" (¬7) فإذا وج ¬

_ (¬1) في (ل، م): المثل. (¬2) "روضة الطالبين" 9/ 229. (¬3) سقط من (م). (¬4) من (م). (¬5) من (م)، وفي بقية النسخ: تستحي. (¬6) في (ص): قصدت. (¬7) هذا الحديث من قول ابن مسعود - رضي الله عنه -، ولا أصل له مرفوعًا. وأخرجه عبد الرزاق (5115)، وصححه ابن خزيمة (1700) كلاهما من كلام =

تأخيرهن حرم تقديمهن (¬1)، وقد حكي عن المزني وأبي ثور أنه يجوز أن تؤم المرأة في صلاة التراويح (¬2)، وبعضهم يضيف إلى ذلك شرطًا آخر وهو أن لا يكون قارئ ثم غيرها، وإنما يقف خلفهن واحتجا بالحديث، ووجه الدلالة من الحديث أنه عام في التراويح وغيرها، والرجال والنساء، وجوابه: أن الدارقطني قال: إنما أذن لها أن تؤم نساء أهل دارها (¬3)، ويجب الحمل على ذلك، وإذا أمَّتِ النساء فتقف وسطهن (قال عبد الرحمن) بن خلاد: (فأنا رأيت مؤذنها شيخًا) فيه أن المرأة إذا اتخذت مؤذنًا تتخذه شيخًا (كبيرًا) قد ضعفت شهوته عن النكاح، والله تعالى أعلم. ¬

_ = ابن مسعود موقوفًا عليه. قال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (918): الموقوف صحيح الإسناد ولكن لا يحتج به لوقفه. (¬1) انظر: "الحاوي الكبير" 2/ 326. (¬2) انظر: "المجموع" 4/ 255. (¬3) "سنن الدارقطني" 1/ 403.

63 - باب الرجل يؤم القوم وهم له كارهون

63 - باب الرَّجُلِ يَؤُمُّ القَوْمَ وَهُمْ لهُ كارِهُونَ 513 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ غانِم، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيادٍ، عَنْ عِمْرانَ بْنِ عَبْدِ المعافِرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَقُولُ: "ثَلاثَةٌ لا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُمْ صَلاةً مَنْ تَقَدَّمَ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كارِهُونَ وَرَجُلٌ أَتَى الصَّلاةَ دِبارًا". والدِّبارُ أَنْ يَأْتِيَها بَعْدَ أَنْ تَفُوتَهُ: "وَرَجُلٌ اعْتَبَدَ مُحَرَّرَهُ" (¬1). * * * باب الرجل يؤم قومًا وهم له كارهون [593] (ثنا القعنبي (¬2) قال: ثنا عبد الله بن عمر بن غانم) الرعيني قاضي أفريقية، قال ابن يونس: أحد الثقات الأثبات (¬3). (عن عبد الرحمن بن زياد) بن أنعم السفياني الأفريقي قاضي أفريقية أيضًا. (عن عمران بن عبدٍ) بالتنوين (المعافري) بفتح الميم والعين المهملة، ومعافر حي من أحياء اليمن، ومعافر قيل: هو مفرد على غير قياس مثل حضاجر وبلاذر. (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص - رضي الله عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول) ورواه الطبراني في "الكبير" عن طلحة بن عبيد الله أنه صلى بقومٍ فلما انصرف قال: إني نسيت أن أستأمركم قبل أن أتقدم أرضيتم بصلاتي؟ ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (970). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (93) وقال: إلا الجملة الأولى فإنها صحيحة. (¬2) في (ص): الفقيه. (¬3) "تهذيب الكمال" 15/ 344.

قالوا: نعم، ومن يكره ذلك يا حواري رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أيما رجل أم قومًا وهم له كارهون لم تجز صلاته أذنيه (¬1) " (¬2). (ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة) أي مع الصحة (من تقدم قومًا وهم) أي كلهم (له كارهون) فأما إذا كان بعضهم يكرهه فلا؛ فإنه قل أن يجتمع الناس على محبة أحد، فيه أنه لا يحل للرجل أن يصلي بقومٍ يعلم أنهم يكرهونه (¬3). ويكره للإمام أن يوليه عليهم، ويحتمل أن يأتي هذا (¬4) في الإمارة عليهم، ولا يكره عندنا أن يحضر المسجد من كرهه أهل المسجد؛ لأن غيره لا ترتبط صلاته بصلاته حكاه في "الروضة" عن نص الشافعي والأصحاب، ولو كرهه نصف من يصلي خلفه لم تكره صلاته (¬5). لكن في تعليق القاضي أبي الطيب عن نص الشافعي قال: إذا أمَّ قومًا وفيهم من يكرهه كرهنا له ذلك، والأفضل أن لا يصلي بهم. فإن قيل: قد (¬6) قال الشافعي: إذا كره بعض الناس القاضي فإن كرهه النصف أو أكثر فلا [يتخلف عنهم] (¬7)، بل يستخلف عليهم، وإن كان ¬

_ (¬1) من (س، ل، م). (¬2) "المعجم الكبير" (210)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (2718). (¬3) من (ل)، وفي بقية النسخ: يكرهون. (¬4) في (م): لهذا. (¬5) "روضة الطالبين" 1/ 378. (¬6) في (م): بل. (¬7) في (ص): يستخلف عنهم. وفي (س): يتخلف منهم. والمثبت من (ل، م).

الأكثر يكرهونه تركهم هلَّا قلتم في هذا مثله. قلنا: الفرق أن القاضي إذا حكم فنصف الناس يكرهونه؛ لأن من حكم عليه يكرهه، ومن حكم له لا يكرهه، والاعتبار في الكراهة بأهل الدين دون غيرهم حتى قال في "الإحياء": لو كان الأقل من أهل الدين يكرهه فالنظر إليهم (¬1)، وأما إذا كانوا يكرهونه من غير موجب فلم يكره أن يؤمهم (¬2)؛ لأن الذنب (¬3) لهم، ووبال الكراهة عليهم، ثم الظاهر من كلام القوم أن هذِه الكراهة كراهة تنزيه. (ورجل أتى الصلاة دبارًا) بكسر الدال وتخفيف الباء، قال ابن الأعرابي: جمع دبر (¬4) أي بإسكان الباء ككعب وكعاب وفرخ وفراخ، أو جمع دبر كجند وجناد، ويحتمل أن يكون مصدر أدبر النهار إذا انصرم على غير لفظ الفعل المذكور أو نائب عن الإدبار كأنبت نباتًا. وفي الحديث: لا يأتي الصلاة إلا دبريًّا (¬5). أي: إذا أدبر وقتها (والدبار) آخر (¬6) أوقات الشيء، وقيل: (أن يأتيها بعد أن تفوته). وفي "سنن ابن ماجه": يعني بعد ما يفوته الوقت (¬7). (ورجل اعتبد) أي اتخذه عبدًا بعدما أعتقه بأن يعتقه ثم يكتمه ذلك ¬

_ (¬1) "الإحياء" 1/ 173. (¬2) في (م): يؤم بهم. (¬3) في (س): الدين. (¬4) "تاج العروس" (دبر). (¬5) "مصنف ابن أبي شيبة" (35694)، وهو طرف من خطبة ابن مسعود - رضي الله عنه -. (¬6) في (ص): أحد. (¬7) "سنن ابن ماجه" (970).

ويستعمله، يقال: اعتبدته و [أعبدته] (¬1) اتخذته عبدًا مثل العبد المملوك، وعَبَّدتُه مثله. قال الله تعالى: {أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} (¬2) أي: اتخذتهم عبيدًا. (محرره) أي: معتوقه الذي عتقه، وروى ابن ماجه عن ابن عباس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرًا: رجلٌ أمَّ قومًا وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وأخوان متصارمان (¬3) " (¬4). ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): اعتبدته. (¬2) الشعراء: 22. (¬3) في (س): متضاربان. (¬4) "سنن ابن ماجه" (971)، وصححه ابن حبان (1757). وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (2593).

64 - باب إمامة البر والفاجر

64 - باب إمامَةِ البَرِّ والفاجِرِ 594 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، حَدَّثَنِي مُعاوِيَةُ بْن صالِحٍ، عَنِ العَلاءِ بْنِ الحارِثِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الصَّلاةُ المَكْتُوبَةُ واجِبَةٌ خَلْفَ كُلِّ مُسْلِمٍ بَرًّا كانَ أوْ فاجِرًا وَإِنْ عَمِلَ الكَبائِرَ" (¬1). * * * باب إمامة البر والفاجر [594] (ثنا أحمد بن صالح، قال: ثنا ابن وهب، قال: حدثني معاوية بن صالح) الحضرمي [قاضي الأندلس] (¬2)، أحد الأعلام، أخرج له مسلم. (عن العلاء بن الحارث) الحضرمي الفقيه، وثقوه مع قوله بالقدر، أخرج له مسلم (عن مكحول، عن أبي هريرة) ورواه الدارقطني من حديث الحارث عن علي (¬3)، ومن حديث علقمة والأسود عن عبد الله (¬4)، ومن حديث مكحول أيضًا عن واثلة (¬5). وروى البيهقي في هذا أحاديث كلها ضعيفة، وأصح (¬6) ما فيه حديث ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 3/ 121. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (94). (¬2) في (م): الأندلسي. (¬3) "سنن الدارقطني" 2/ 57، ولفظه: من أصل الدين الصلاة خلف كل بر وفاجر. (¬4) "سنن الدارقطني" 2/ 57. وفي إسناده عمر بن صبح متروك. (¬5) "سنن الدارقطني" 2/ 57 في إسناده مجهول. (¬6) في (س): واحتج.

مكحول عن أبي هريرة على إرساله. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الصلاة المكتوبة واجبة خلف كل مسلم برًّا" [فيه تقديم خبر كان عليها] (¬1) (كان أو فاجرًا) من فجر يفجر كقتل يقتل إذا فسق وزنى (وإن عمل الكبائر) استدل به على جواز الصلاة خلف الفاسق وإن عمل الكبائر، ولو جمع المأموم الفضائل كلها، وترجح في الفقه و (¬2) القراءة وغيرهما؛ لأنه تصح صلاته وحده فكذا الصلاة خلفه، وقد صلى ابن عمر خلف الحجاج وناهيك بفسقه، وصلى جماعة من السلف خلف أئمة الجَوْرِ وغيرهم من الفساق، والله أعلم. ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ص): في.

65 - باب إمامة الأعمى

65 - باب إِمامَةِ الأَعْمَى 595 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَنْبَرِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنا ابن مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنا عِمْران القَطّانُ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أسْتَخْلَفَ ابن أُمِّ مَكْتُومٍ يَؤُمُّ النّاسَ وَهُوَ أَعْمَى (¬1). * * * باب إمامة الأعمى [595] (ثنا محمد بن عبد الرحمن العنبري أبو عبد الله) (¬2) البصري، وثقه علي بن الحسين بن الجنيد (¬3) (قال: ثنا ابن مهدي، قال: ثنا عمران) ابن داوَر بفتح الواو (القطان) البصري، صدوق. (عن قتادة، عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استخلف ابن أم مكتوم) أي جعله خليفة عنه أن (يؤم الناس) ورواه الطبراني من حديث عطاء عن ابن عباس (¬4) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استخلف ابن أم مكتوم على الصلاة وغيرها من أمر المدينة، وإسناده حسن (¬5). ومن حديث ابن بحينة بلفظ: كان إذا سافر استخلف ابن أم مكتوم على المدينة، فكان يؤذن ويقيم ويصلي ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 3/ 88 من طريق أبي داود. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (608). (¬2) من (م)، وأقحم بعدها في (م): محمد. وفي بقية النسخ: محمد دون عبد الله. (¬3) "تهذيب الكمال" 25/ 614. (¬4) في (م): السائب. (¬5) "المعجم الكبير" (11435). قال الألباني في "صحيح أبي داود" (608): إسناده حسن.

بهم (¬1)، وفي الباب عن عبد الله بن عمر الخطمي أنه كان يؤم قومه في خطمه وهو أعمى على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وغزا معه وهو أعمى. ورواه الطبراني في "الكبير" ورجاله رجال الصحيح، أخرجه الحسن بن سفيان في "مسنده" وابن أبي خيثمة، وعنه قاسم بن أصبغ في "مصنفه" (¬2)، وقد استدل بهذا الحديث على أن إمامة الأعمى أفضل من إمامة البصير، واختاره أبو إسحاق المروزي ثم الغزالي (¬3)، ولأنه أكثر خشوعًا من البصير؛ لأن البصر يفرق القلب، ورجح بعضهم أن البصر أولى لأنه أشد توقيًّا للنجاسة التي اجتنابها شرط في الصحة، وأكثر علمًا للاستقبال (¬4)، واختاره في "المرشد"، والذي فهمه الماوردي من نص الشافعي أن إمامة الأعمى والبصير سواء في عدم الكراهية؛ لأن في كل منهما فضيلة غير أن إمامة البصير أفضل؛ لأن أكثر من جعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إمامًا بصيرًا (¬5)، واستنابة النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن أم (¬6) مكتوم في غزواته؛ لأنه كان لا يتخلف عن الغزو من المؤمنين إلا معذور، فلعل لم يكن في النفر (¬7) المتخلفين من يقوم مقام ابن أم ¬

_ (¬1) أخرجه الطبراني في "الكبير" كما في "مجمع الزوائد" 2/ 208. قال: وفيه الواقدي وهو ضعيف. (¬2) انظر: "التلخيص الحبير" 2/ 91. (¬3) "الشرح الكبير" للرافعي 4/ 328. (¬4) في (م): الاستقبال. (¬5) "الحاوي الكبير" 2/ 321 - 322. (¬6) سقط من (ل). (¬7) في (م): البصراء.

مكتوم أو لم يتفرغ لذلك، أو استخلفه لبيان الجواز، وأما إمامة عتبان بن مالك لقومه فلعله لم يكن في قومه في مثل حاله بصير، ويؤخذ من الحديث أنه لو اجتمع حر ضرير وعبد بصير فالحر الضرير أولى؛ لأن ابن أم مكتوم لما استخلفه النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقتدي به جمع من العبيد البصراء (وهو أعمى) ولفظ أحمد: كان يصلي بهم وهو أعمى (¬1). ورواه ابن حبان في "صحيحه" (¬2). وفي الحديث على أن الإمام الأعظم لا يستخلف إلا عن ضرورة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرد عنه فيما بلغنا أنه استخلف إلا في غيبته في غزواته وفي مرضه لما قال: "مروا أبا بكرٍ فليصل بالناس" (¬3) وفي غيبته، وأما مع حضوره وقدرته على الحضور إلى المسجد فلم يرد عنه ولو كان جائزًا لفعله مرة واحدة للجواز [أو بينته الأئمة] (¬4)، وكذا من ارتضاه جماعة المسجد وقدموه لإمامتهم، وعلى هذا فالأولى بعدم الجواز الإمام الذي يأخذ جعلًا على الإمامة، فإذا استخلف في حضوره مع قدرته لا يجوز له ولا يستحق شيئًا من المعلوم؛ لأنهم قالوا: إن الإمامة من باب الجعالة فمتى فعل استحق المعلوم وإلا فلا. والله - سبحانه وتعالى - أعلم. ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 3/ 192. (¬2) "صحيح ابن حبان" (2134) من حديث عائشة. (¬3) طرف حديث أخرجه البخاري (682)، وغيره. (¬4) في (م): أي بينه للأئمة. وفي (س): أو بينه الأئمة.

66 - باب إمامة الزائر

66 - باب إِمامَةِ الزّائِر 596 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْن إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا أَبانُ، عَنْ بُدَيْلِ حَدَّثَنِي أَبُو عَطِيَّةَ مَوْلًى مِنّا قال: كانَ مالِكُ بْن حُوَيْرِث يَأْتِينا إِلَى مُصَلَّانا هذا فَأُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَقُلْنا لَهُ: تَقَدَّمْ فَصَلِّهْ. فَقال لَنا قَدِّمُوا رَجُلًا مِنْكُمْ يُصَلِّي بِكُمْ وَسَأحَدِّثُكُمْ لِمَ لا أُصَلِّي بِكُمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَن زارَ قَوْمًا فَلا يَؤُمَّهُمْ وَلْيَؤُمَّهُمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ" (¬1). * * * باب إمامة الزائر [596] (ثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي شيخ البخاري (قال: ثنا أبان، عن بديل) بن ميسرة العقيلي وثقه جماعة، وروى له مسلم (قال: حدثني أبو عطية) مولى بني عقيل فلهذا قال: (مولى منا) ليس له غير هذا الحديث. (قال: كان مالك بن الحويرث - رضي الله عنه - يأتينا إلى مصلانا هذا) يتحدث (فأقيمت الصلاة) يومًا، قال أبو عطية: (فقلنا: تقدم فصلِّهْ) هذِه هاء السكت في آخره جبرًا لما حصل لفعل الأمر من حذف حرف العلة وهي الياء من آخره، ويجوز حذف هذِه الهاء (فقال لنا: قدموا رجلًا منكم يصلي بكم) (¬2) الإمام الراتب إن كان وإلا فغيره ممن يصلح، (وسأحدثكم لم لا أصلي بكم) وقد سألتموني وارتضيتموني، إني ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (356)، والنسائي 2/ 80، وأحمد 3/ 436، 5/ 53. وصححه لغيره الألباني في "صحيح أبي داود" (609). (¬2) في (م): لكم.

(سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من زار قومًا فلا يؤمهم، وليؤمهم رجل منهم) رواه الترمذي وحسنه، لكن رواه مرفوعًا وأسقط ذكر المولى (¬1)، لم أر أحدًا قال به، فإن المعروف ولا خلاف بين العلماء أن صاحب الدار أولى من الزائر لما تقدم، ويروى عن أبي موسى أنه أم ابن مسعود وحذيفة في داره، وفعله ابن عمر، وكذا قال عطاء: صاحب الدار يؤم من جاءه، وهو قول مالك والشافعي. قال ابن بطال: لم أجد فيه خلافًا (¬2)، واستدل على ترك ظاهر هذا الحديث بما رواه البخاري عن عتبان بن مالك: استأذن عليَّ (¬3) النبي - صلى الله عليه وسلم - فأذنت له فقال: " أين تحب أن أصلي في بيتك؟ " فأشرت له إلى المكان الذي أحب، فقام (¬4) وصففنا خلفه (¬5). قال ابن بطال: في هذا رد لحديث: "من زار قومًا فلا يؤمهم"، ويمكن الجمع بينهما بأن ذلك على الإعلام بأن صاحب الدار أولى بالإمامة (¬6) إلا أن يشاء رب الدار فيقدم من هو أفضل منه استحبابًا، بدليل تقديم عتبان في بيته الشارع (¬7)، وقد قال مالك يستحب لصاحب ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (356). (¬2) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 2/ 308. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): فقال. (¬5) "صحيح البخاري" (424). (¬6) في (م). بالأمة. (¬7) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 2/ 307 - 308.

المنزل إذا حضر فيه من هو أفضل منه أن يقدمه للصلاة (¬1) وحمله جماعة على زيارة الإمام الأعظم. قال ابن المنير: مراده أن الإمام الأعظم ومن يجري مجراه إذا حضر بمكان مملوك لا يتقدم عليه مالك الدار أو المنفعة، ولكن ينبغي للمالك أن يقدمه ويأذن له ليجمع بين الحقين: حق الإمام في التقدم وحق المالك في منع التصرف بغير إذنه (¬2)، ويدل على هذا زيادة رزين في آخر الحديث، وسمعته يقول: "لا يؤمن رجل رجلًا في سلطانه إلا بإذنه" (¬3)، وقد تقدم في رواية ابن مسعود في البخاري، فإنَّ مالك الشيء له (¬4) سلطان عليه والإمام الأعظم سلطان على المالك، والله أعلم. ¬

_ (¬1) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 2/ 308. (¬2) "فتح الباري" 2/ 202. (¬3) "جامع الأصول" (3821). (¬4) سقط من (ل، م).

67 - باب الإمام يقوم مكانا أرفع من مكان القوم

67 - باب الإِمامِ يَقُومُ مَكانًا أَرْفَعَ مِنْ مَكانِ القَوْمِ 597 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن سِنانٍ وَأَحْمَدُ بْنُ الفُراتِ أَبُو مَسْعُودٍ الرّازِيُّ - الْمَعْنَى - قالا: حَدَّثَنا يَعْلَى، حَدَّثَنا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ هَمّامٍ أَنَّ حُذَيْفَةَ أَمَّ النّاسَ بِالمدائِنِ عَلَى دُكّانٍ فَأَخَذَ أَبُو مَسْعُودٍ بِقَمِيصِهِ فَجَبَذَهُ فَلَمّا فَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ قال: أَلْم تَعْلَمْ أَنَّهُمْ كانُوا يُنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ؟ قال: بَلَى قَدْ ذَكَرْتُ حِينَ مَدَدْتَنِي (¬1). 598 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا حَجّاجٌ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو خالِدٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثابِتِ الأَنْصارِيِّ حَدَّثَنِي رَجُلٌ أَنَّهُ كانَ مَعَ عَمّارِ بْنِ ياسِرٍ بِالمدائِنِ فَأُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَتَقَدَّمَ عَمّارٌ وَقامَ عَلَى دُكّانٍ يُصَلِّي والنّاسُ أَسْفَلَ مِنْهُ فَتَقَدَّمَ حُذَيْفَةُ فَأَخَذَ عَلَى يَدَيْهِ فاتَّبَعَهُ عَمّارٌ حَتَّى أَنْزَلَهُ حُذَيْفَة فَلَمّا فَرَغَ عَمّارٌ مِنْ صَلاتِهِ قال لَهُ حُذَيْفَة: أَلْم تَسْمَعْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِذا أَمَّ الرَّجُلُ القَوْمَ فَلا يَقُمْ فِي مَكانٍ أَرْفَعَ مِنْ مَقامِهِمْ". أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. قال عَمّارٌ: لِذَلِكَ اتَّبَعْتُكَ حِينَ أَخَذْتَ عَلَى يَدَيَّ (¬2). * * * باب الإمام يقوم مكانًا أرفع من مكان مقام (¬3) القوم [597] (ثنا أحمد بن سنان وأحمد بن الفرات) بن خالد (الرازي أبو مسعود) الضبي، أحد الأعلام، قال أحمد: ما تحت أديم السماء أحفظ لأخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أبي مسعود (¬4). قال أبو الشيخ: بلغني أن رجلًا ¬

_ (¬1) رواه ابن خزيمة (1523)، وابن حبان (2143)، والحاكم 1/ 210. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (610). (¬2) رواه الخطيب في "تاريخ بغداد" 1/ 151، والبيهقي 3/ 109 من طريق المصنف. وضعفه الألباني في "الإرواء" (544). (¬3) من (م). (¬4) "تهذيب الكمال" 1/ 423.

قال لأبي مسعود: إننا ننسى الحديث فقال: أيكم يرجع في حفظ حديث واحدٍ خمسمائة مرة؟ [قالوا: و] (¬1) من يقوى على هذا؟ قال: فلذلك لا تحفظون (¬2). قال رحمه الله: كتبت عن ألفٍ وسبعمائة وخمسين رجلًا أدخلت في تصنيفي ثلاثمائة وعشرة وكتبت ألف ألف حديث وخمسمائة ألف حديث، فأخذت من ذلك ثلاثمائة ألف في التفسير والأحكام والفوائد (¬3). (قالا: ثنا يعلى قال: ثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن همام) [هو ابن الحارث النخعي (¬4) الكوفي] (¬5) (أن حذيفة) بن اليمان (أَمَّ الناس بالمدائن) المدائن مدينة قديمة على دجلة تحت بغداد بينهما سبعة (¬6) فراسخ، قاله المنذري بالمد والهمز على القول بأصالة الميم، يعني مدائن كسرى التي فيها الإيوان، وكان فتحها في صفر سنة ستة عشر (¬7). قال ابن الأثير: وكان في الإيوان القطف، وهو بساط واحد طوله ستون ذراعًا وعرضه ستون ذراعًا مقدار (¬8) جريب (¬9)، كانت الأكاسرة تعده للشتاء (¬10) إذا ¬

_ (¬1) في (م): أو. (¬2) "طبقات المحدثين بأصبهان" 2/ 256. (¬3) "تهذيب الكمال" 1/ 424 - 425. (¬4) في (س): الحنفي. (¬5) سقط من (م). (¬6) من (م)، وفي بعض النسخ: سبع. (¬7) في (م): ست عشر. (¬8) في (ص): مقدا. (¬9) من (س، م). وفي باقي النسخ: حرير. (¬10) من (م). وفي باقي النسخ: للنساء.

ذهبت الرياحين يشربوا عليه كأنهم في رياض منه (¬1)، وكان عمر ولاه المدائن، وكان عمر إذا بعث أميرًا كتب إليهم: اسمعوا وأطيعوا، فلما بعث حذيفة ركبوا إليه ليتلقوه فتلقوه على بغلة تحته إكافٌ وهو (¬2) معترض (¬3) عليه فلم يعرفوه وأجازوه فلقيهم الناس فقالوا: أين الأمير؟ قالوا: هو الذي لقيتم، فركضوا في أثره فأدركوه وفي يده رغيف، وفي الأخرى عرقٌ وهو يأكل فسلموا عليه فنظر إلى عظيمٍ منهم فناوله العرق والرغيف، فلما غفل ألقاه إلى خادمه. (على دكان) والدكان الحانوت، وقيل: النون زائدة وقيل: أصلية وهي الدكة بفتح الدال، وهو المكان المرتفع يجلس عليه وهو المسطبة معرب، قال السرقسطي (¬4): النون في الدكان زائدة عند سيبويه، وكذا قال الأخفش مأخوذة من قولهم: أكمة (¬5) دكاء أي منبسطة كما اشتق السلطان من السليط (¬6) و (¬7) رواية ابن حبان عن الشافعي عن سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن همام قال: صلى بنا حذيفة على دكان مرتفع (¬8). أي والناس أسفل منه، وكما في رواية ¬

_ (¬1) "الكامل" لابن الأثير 2/ 362. (¬2) في (س): كان. (¬3) في (ص): معرض. (¬4) في (ص): السرقنيطي. (¬5) في (ص): أده. وفي (م): أكدة. (¬6) "المصباح المنير في غريب الشرح الكبير" 1/ 198. (¬7) من (م). (¬8) "صحيح ابن حبان" (2143).

الشافعي (¬1) وفيها: فسجد عليه فجبذه (فأخذ أبو مسعود - رضي الله عنه - بقميصه فجبذه) قيل: جذبه مقلوب منه لغة تميمية، وأنكره ابن السراج، وليس أحدهما من الآخر. زاد ابن حبان: فتابعه حذيفة (¬2). (فلما فرغ من صلاته قال له: ألم تعلم أنهم كانوا يُنهون) بضم الياء وفتح الهاء، رواية ابن حبان: أليس قد نهي عن هذا (¬3) (عن (¬4) ذلك) فيه التلطف في حسن التعليم، ألم تعلم النهي، ألم يبلغك أنه منهي عنه، ونحو ذلك، ولا تقول له بغلظة وتعاظم: هذا حرام لا يجوز لك فعله، ونحو ذلك. (قال: بلى، قد ذكرت حين مددتني) أي مددت قميصي وجبذته إليك، رواية ابن حبان: ألم ترني (¬5) قد تابعتك (¬6). وقد استدل بهذا الحديث على أنه يكره ارتفاع المأموم على إمامه في المجلس، وإذا كره أن يرتفع الإمام على المأموم الذي يقتدي به فلأن يكره ارتفاع المأموم على إمامه أولى. [598] (ثنا أحمد بن إبراهيم قال: ثنا حجاج، عن) عبد الملك (بن جريج، قال: أخبرني أبو خالد) قال مسلم: أبو خالد عثمان روى عنه ابن جريج. (عن عدي بن ثابت الأنصاري قال: حدثني [أنه كان] (¬7) رجل مع ¬

_ (¬1) في (م): للشافعي. (¬2) "صحيح ابن حبان" (2143). (¬3) السابق. (¬4) في (م): من. وبياض في (ل). (¬5) في (ص): تر. (¬6) "صحيح ابن حبان" (2143). (¬7) من (س، ل، م).

عمار بن ياسر - رضي الله عنه - بالمدائن) تقدم (فأقيمت الصلاة فتقدم عمار وقام على دكان) أي مسطبة كما تقدم (يصلي (¬1) والناس) يصلون (أسفل) بالنصب على الظرفية كقوله تعالى: {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} (¬2) (منه فتقدم حذيفة) بن اليمان (¬3) (فأخذ على يديه) أي تناوله وجبذه. فيه النهي عن المنكر باليد والمبادرة إليه وهو في الصلاة ولم يمهله حتى فرغ منها. (فاتَّبعَهُ) فيه التخفيف والتشديد لغتان قرئ بهما في السبع (عمار) في ما جبذه (حتى أنزله حذيفة) عن الدكان وفيه متابعة المصلي من نهاه عما لا يجوز في الصلاة وانقياده (¬4) إلى الخير، والفعل القليل في الصلاة لا يبطلها لا سيما إن كان ترك منهيٍّ عنه أو لحاجة. (فلما فرغ عمار من صلاته قال له حذيفة: ألم تسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إذا أم الرجل القوم فلا يقم في مكان أرفع من مقامهم أو (¬5) نحو ذلك) من الألفاظ (قال عمار: لذلك اتبعتك) بتخفيف المثناة وفيها قراءتان في السبع (حين أخذت على يدَيَّ) بتشديد آخره على التثنية. وروى الطبراني عن عبد الله بن مسعود أنه كره أن يؤمهم على المكان المرتفع ورجاله رجال الصحيح (¬6). ¬

_ (¬1) من (م). وفي بقية النسخ: فصلى. (¬2) الأنفال: 42. (¬3) بدأ من هنا سقط في (ص)، وسنشير إليه عند انتهائه. (¬4) في (س): والعبادة. (¬5) في (م): و. (¬6) "المعجم الكبير" (9561)، وقال الهيثمي في "المجمع" 2/ 211: رجاله رجال الصحيح.

وهذان الحديثان (¬1) استدل بهما على كراهة ارتفاع الإمام على المأموم لكن محل الكراهة إذ لا حاجة كما إذا أراد الإمام تعليم المأمومين أفعال (¬2) الصلاة فيستحب أن يقف الإمام على موضع عالٍ ولهذا ذكر ابن حبان بعد حديث الكراهة باب إباحة قيام الإمام على مكان أرفع من المأمومين إذا أراد تعليمهم الصلاة لقرب عهدهم بالإسلام هذا لفظه (¬3). وذكر فيه حديث الصحيحين [صلى النبي] (¬4) - صلى الله عليه وسلم - على المنبر فكبر وكبر الناس من ورائه، وفي آخر الحديث: "إنما فعلت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي" (¬5). ¬

_ (¬1) يعني هذا، والذي قبله. (¬2) في (س): أيقال. (¬3) ليس هو في "صحيحه" بترتيب الأمير ابن بلبان بهذا اللفظ، ولعله في "الأنواع والتقاسيم" بهذا اللفظ. (¬4) سقط من (س). (¬5) "صحيح ابن حبان" (2142)، وهو في "صحيح البخاري" (917) وسيأتي تخريجه إن شاء الله تعالى.

68 - باب إمامة من يصلي بقوم وقد صلى تلك الصلاة

68 - باب إِمامَةِ مَنْ يُصَلِّي بِقَوْمٍ وقَدْ صَلَّى تِلْكَ الصَّلاةَ 599 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْن عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْن سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلانَ، حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مِقْسَمٍ عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ مُعاذَ بْنَ جَبَلٍ كانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - العِشاءَ ثُمَّ يَأْتِي قَوْمَهُ فَيصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلاةَ (¬1). 600 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ سَمِعَ جابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: إِنَّ مُعاذًا كانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ (¬2). * * * باب إمامة من صلى بقوم (¬3) وقد صلى تلك الصلاة [599] (حدثنا عبيد الله) بالتصغير (بن عمر بن ميسرة قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن محمد بن عجلان، قال: ثنا [عبيد الله) مصغر] (¬4) (بن مقسم) بكسر الميم وفتح السين التابعي. (عن جابر بن عبد الله أن معاذ بن جبل) كان يصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشاء) رواية مسلم: عشاء الآخرة (¬5) هي (¬6) التي كان يواظب فيها على الصلاة مرتين (ثم يأتي قومه) رواية البخاري: ثم يرجع فيؤم قومه (¬7) ¬

_ (¬1) رواه البخاري (700)، ومسلم (465). (¬2) انظر الحديث السابق. (¬3) في (س): يقدم. (¬4) من (س). وفي باقي النسخ: عبد الله. (¬5) "صحيح مسلم" (465) (180). (¬6) في (س): أي وهو. (¬7) "صحيح البخاري" (700).

(فيصلي بهم تلك الصلاة) فيه رد على من زعم أن المراد أن الصلاة التي كان يصليها مع النبي - صلى الله عليه وسلم - غير الصلاة التي كان يصليها بقومه. [600] (حدثنا مسدد قال: ثنا سفيان، عن عمرو بن دينار سمع جابر بن عبد الله يقول: إن معاذًا كان يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يرجع فيؤم قومه) وفي رواية البخاري (¬1) عن (¬2) الحميدي عن ابن عيينة: يرجع إلى بني سلمة فيصليها (¬3) بقومه في بني سلمة (¬4). ولأحمد عنه ثم يرجع فيؤمنا (¬5). وقد استدل أصحابنا بهذا الحديث على أبي حنيفة على صحة اقتداء المفترض (¬6) بالمتنفل (¬7) بناءً على أنَّ معاذًا كان ينوي الأولى الفرض (¬8) وبالثانية النفل ويدل (¬9) عليه ما رواه عبد الرزاق والشافعي والطحاوي والدارقطني وغيرهم من طريق ابن جريج عن عمرو بن دينار عن جابر أيضا في حديث الباب وزاد فهي ¬

_ (¬1) كذا ذكر البخاري في جميع النسخ، وليس هو فيه، ولفظه هنا مقحم، فقد ذكر الحافظ في "الفتح" 2/ 193 قال: وفي رواية الحميدي .. فلعل الأمر التبس على المصنف. (¬2) من (س، ل). (¬3) كلمة غير واضحة في (س). (¬4) أخرجه أبو عوانة في "مسنده" (1775) من طريق الحميدي به. (¬5) "مسند أحمد" 3/ 308. (¬6) في (س): المعترض. (¬7) يرى أبو حنيفة رحمه الله عدم صحة اقتداء المفترض بالمتنفل لكون الفريضة أقوى من النافلة والقاعدة عنده: لا يصح بناء القوي على الضعيف، ولعله لم يبلغه الخبر. (¬8) سقط من (س). (¬9) في (س): ونزل.

له تطوع ولهم فريضة (¬1). وهو حديث صحيح رجاله رجال الصحيح، وتعليل الطحاوي لهذِه الزيادة أن ابن عيينة ساقه عن عمرو بن دينار أتم من سياق ابن جريج ولم يذكر هذِه الزيادة. قلنا (¬2): هذا ليس بقادح (¬3) في صحته لأن ابن جريج أسن وأجل من ابن عيينة وأقدم أخذًا عن عمرو منه ولو لم يكن كذلك فهي زيادة من ثقة حافظ ليست منافية لمن هو أحفظ منه ولا أكثر عددا فلا معنى للتوقف (¬4) بصحتها وأما رد الطحاوي لها باحتمال أن تكون مدرجة (¬5) فجوابه أن الأصل عدم الإدراج حتى يتبين التفصيل فمهما كان مضموما إلى الحديث فهو منه لا سيما إذا روي من وجهين وهو هنا كذلك وقول الطحاوي: هو ظن من جابر مردود؛ لأن جابرا كان ممن يصلي مع معاذ فهو محمول على أنه سمع منه ولا يظن بجابر أن يخبر عن شخص بأمر غير مشاهد إلا بأن يكون ذلك الشخص أطلعه عليه وقول الطحاوي: لا حجة في هذِه [الصلاة الثانية] (¬6) لأنها لم تكن [بأمره - صلى الله عليه وسلم -] (¬7) ولا تقريره (¬8)، ¬

_ (¬1) "مصنف عبد الرزاق" (2266)، و"مسند الشافعي" (305)، و"سنن الدارقطني" 1/ 274، و"شرح معاني الآثار" للطحاوي 2/ 322. (¬2) في (س): خليًا. (¬3) في (س): يقدح. (¬4) في (س): للتوثق. (¬5) "شرح معاني الآثار" 2/ 322. (¬6) سقط من (س). (¬7) في جميع النسخ الخطية: بأمر الصلاة. والمثبت مستفاد من "شرح معاني الآثار". (¬8) "شرح معاني الآثار" 2/ 322.

فجوابه أنهم لا يختلفون أن رأي الصحابي إذا لم يخالفه غيره حجة (¬1) والواقع هنا كذلك فإن الذين كان يصلي بهم معاذ كلهم صحابة وفيهم ثلاثون عَقَبيًّا وأربعون بدريا قاله ابن حزم (¬2). قال ولا يحفظ عن غيرهم من الصحابة امتناع ذلك. قال ابن السمعاني: ومثل (¬3) معاذ وعلو منزلته في الدين لا يقدم على مثل هذا إلا بعلم من النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد ثبت علم النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك في الصحيح وافتتاحه (¬4) لسورة البقرة في العشاء وقوله لمعاذ: "أفتان أنت" (¬5). ¬

_ (¬1) سقط من (س). (¬2) "المحلى" 8/ 121 - 122. (¬3) في (م): قيل. (¬4) في (س): واحتياجه. (¬5) أخرجه البخاري (705)، ومسلم (465) (178).

69 - باب الإمام يصلي من قعود

69 - باب الإِمامِ يُصَلِّي مِنْ قُعُودٍ 601 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَكِبَ فَرَسًا فَصُرِعَ عَنْهُ فَجُحِشَ شِقُّهُ الأَيْمَنُ فَصَلَّى صَلاةً مِنَ الصَّلَواتِ وَهُوَ قاعِدٌ وَصَلَّيْنا وَراءَهُ قُعُودًا فَلَمّا انْصَرَفَ قال: "إِنَّما جُعِلَ الإِمامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذا صَلَّى قائِمًا فَصَلُّوا قِيامًا وَإِذا رَكَعَ فارْكعُوا وَإِذا رَفَعَ فارْفَعُوا وَإِذا قال سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنا وَلَكَ الحَمْدُ وَإِذا صَلَّى جالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ" (¬1). 602 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ وَوَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيانَ، عَنْ جابِرٍ قال: رَكِبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَسًا بِالمدِينَةِ فَصَرَعَهُ عَلَى جِذْمِ نَخْلَةٍ فانْفَكَّتْ قَدَمُهُ فَأَتَيْناهُ نَعُودُهُ فَوَجَدْناهُ فِي مَشْرَبَةٍ لِعائِشَةَ يُسَبِّحُ جالِسًا قال: فَقُمْنا خَلْفَهُ فَسَكَتَ عَنّا ثُمَّ أَتَيْناة مَرَّةً أُخْرَى نَعُودُهُ فَصَلَّى المكْتُوبَةَ جالِسًا فَقُمْنا خَلْفَهُ فَأَشارَ إِلَيْنا فَقَعَدْنا. قال: فَلَمّا قَضَى الصَّلاةَ قال: "إِذا صَلَّى الإِمامُ جالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا وَإِذا صَلَّى الإِمامُ قائِمًا فَصَلُّوا قِيامًا وَلا تَفْعَلُوا كما يَفْعَلُ أَهْلُ فارِسَ بِعُظَمائِها" (¬2). 603 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ وَمُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ - الْمَعْنَى -، عَنْ وُهَيْبٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي صالِح، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّما جُعِلَ الإِمامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَلا تُكَبِّرُوا حَتَّى يُكَبِّرَ وَإِذا رَكَعَ فارْكعُوا وَلا تَرْكعُوا حَتَّى يَرْكَعَ وَإِذا قال: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنا لَكَ الحَمْدُ". قال مُسْلِمٌ: "وَلَكَ الحَمْد، وَإِذا سَجَدَ فاسْجُدُوا وَلا تَسْجُدُوا حَتَّى يَسْجُدَ وَإِذا صَلَّى قائِمًا فَصَلُّوا قِيامًا وَإِذا صَلَّى قاعِدًا فَصَلُّوا ¬

_ (¬1) رواه البخاري (689)، ومسلم (411). (¬2) رواه أحمد 3/ 300، ورواه بنحوه مسلم (413).

قُعُودًا أَجْمَعُونَ". قال أَبُو داوُدَ: "اللَّهُمَّ رَبَّنا لَكَ الحَمْدُ". أَفْهَمَنِي بَعْضُ أَصْحابِنا عَنْ سُلَيْمانَ (¬1). 604 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ آدَمَ المصّيصِيُّ، حَدَّثَنا أَبُو خالِدٍ، عَنِ ابن عَجْلانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي صالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّما جُعِلَ الإِمامُ لِيُوْتَمَّ بِهِ". بهذا الخَبَرِ زادَ: "وَإِذا قَرَأَ فَأَنْصِتوا". قال أَبُو داوُدَ: وهذِه الزِّيادَةُ: "وَإِذا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا". لَيْسَتْ بِمَحْفُوظَةٍ الوَهَمُ عِنْدَنا مِنْ أَبِي خالِدٍ (¬2). 605 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّها قالتْ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيْتِهِ وَهُوَ جالِسٌ فَصَلَّى وَراءَهُ قَوْمٌ قِيامًا فَأَشارَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا فَلَمّا انْصَرَفَ قال: "إِنَّما جُعِلَ الإِمامُ لِيُوْتَمَّ بِهِ فَإِذا رَكَعَ فارْكَعْوا وَإِذا رَفَعَ فارْفَعُوا وَإِذا صَلَّى جالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا" (¬3). 606 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَيَزِيدُ بْنُ خالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ - الْمَعْنَى - أَنَّ اللَّيْثَ حَدَّثَهُمْ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ قال اشْتَكَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّيْنا وَراءَهُ وَهُوَ قاعِدٌ وَأَبُو بَكْرٍ يُكَبِّرُ لِيُسْمِعَ النّاسَ تَكْبِيرَهُ ثُمَّ ساقَ الحَدِيثَ (¬4). 607 - حَدَّثَنا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنا زَيْدٌ -يَعْنِي ابن الحُبابِ- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صالِحٍ حَدَّثَنِي حُصَيْنٌ مِنْ وَلَدِ سَعْدِ بْنِ مُعاذٍ، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ أَنَّهُ كانَ يَؤُمُّهُمْ. قال: فَجاءَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُهُ فَقالوا: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ إِمامَنا مَرِيضٌ. فَقال: "إِذا صَلَّى قاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا". قال أَبُو داوُدَ: هذا الحَدِيثُ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (734)، ومسلم (414). (¬2) رواه ابن ماجه (846)، وصححه مسلم بعد حديث (404/ 63). (¬3) رواه البخاري (688)، ومسلم (412). (¬4) رواه مسلم (413). (¬5) رواه الحاكم 3/ 289. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (620) لشواهده.

باب إذا صلى الإمام قاعدا [601] (حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركب فرسا) بالمدينة كما في الحديث بعده (فصرع عنه) بضم الصاد وكسر الراء أي سقط عنه كما في رواية الصحيح (¬1) (فجحش) قال النووي: بجيم مضمومة وحاء مكسورة مهملة أي خدش (¬2) والخدش قشر الجلد، قال ابن حبان إنه حين جحش شقه كان في ذي الحجة آخر سنة خمس (¬3) (شقه) بكسر الشين، أي جانبه (الأيمن) من السقطة. (فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد) وقد صلى النبي (¬4) - صلى الله عليه وسلم - قاعدًا في ثلاثة (¬5) مواضع حين جحش شقه، وفي مرض موته، وفي غزوة أحد [في رواية سفيان عن الزهري: فحضرت الصلاة، وكذا رواية حميد عن أنس عند الإسماعيلي، قال القرطبي: اللام للعهد ظاهر أو المراد الفرض؛ لأنها التي عرف من عادتهم أنهم يجتمعون لها بخلاف النافلة (¬6)] (¬7). وفي رواية جابر عند ابن خزيمة وأبي داود: فصلى بنا يومئذٍ (¬8) فذكر ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (1114)، و"صحيح مسلم" (411) (77). (¬2) "شرح النووي على مسلم" 4/ 132. (¬3) "صحيح ابن حبان" 5/ 491. (¬4) إلى هنا ينتهي السقط الذي في (ص) ومقداره ورقة كاملة. (¬5) في (س): يديه. (¬6) "فتح الباري" 2/ 211. (¬7) من (م). (¬8) قوله: (فصل بنا يومئذٍ) من رواية أنس وليس من رواية جابر - رضي الله عنهما -. وهو في "صحيح البخاري" (732).

اليوم يدل على أنها كانت ظهرًا أو عصرًا (وهو قاعد) قال القاضي عياض: يحتمل أنه كان أصابه من السقطة رض في الأعضاء منعه من القيام (¬1). قال ابن حجر: وليس كذلك إنما كانت قدمه منفكة كما في رواية بشر بن المفضل عن حميد، عن أنس عند الإسماعيلي، وكذا لأبي داود وابن خزيمة من رواية أبي سفيان عن جابر، وأما رواية يزيد عن حميد عن أنس: جُحش ساقه أو كتفه فلا ينافي كون قدمه انفكت (¬2)؛ لاحتمال الأمرين (¬3). (فصلينا وراءه قعودًا) ظاهره (¬4) مخالف لحديث عائشة الآتي: فصلى وراءه قومٌ قيامًا فأشار إليهم أن اجلسوا، والجمع بينهما أن رواية هذا الحديث فيها اختصار، وكأنه اقتصر على ما آل إليه الحال بعد أمره لهم بالجلوس (فلما انصرف) من صلاته، وإلا فهو في بيته بسبب مرضه (قال: إنما جعل الإمام) المفعول (¬5) الثاني لجَعَلَ محذوف؛ لأنها في معنى صُيِّر (¬6) فيتعدى إلى مفعولين، والتقدير: إنما جعل الإمام إمامًا (ليؤتم) أي ليقتدى (به) في أفعاله وأقواله، ومعنى الحصر بإنما ظاهر. (فإذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا) الفاء في قوله: "فصلوا" وكذا ما بعدها ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" 2/ 311. (¬2) في (س): القلب. (¬3) "فتح الباري" 2/ 209. (¬4) من (م)، وفي بقية النسخ: ظاهر. (¬5) في (س): المحذوف. (¬6) في (س، ل): غير.

فاء (¬1) التعقيب فيقتضي (¬2) أن يكون أفعال المأموم عقب (¬3) أفعال الإمام القولية والفعلية إلا في التأمين؛ فإنه معه لا قبله ولا بعده. (وإذا ركع فاركعوا) الظاهر من قوله: فإذا ركع أي كمل ركوعه فاركعوا عقبه، ويدل عليه حديث البراء المتفق عليه: كنا نصلي خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا قال: "سمع الله لمن حمده" لم يحن أحدٌ منا ظهره حتى يضع النبي - صلى الله عليه وسلم - جبهته على الأرض". (¬4) وهذا هو المعتبر عند أصحابنا في المتابعة في الأفعال حيث (¬5) فسروا المتابعة بأن (¬6) تجري على أثر الإمام بحيث يكون (¬7) ابتداؤه بكل واحد منهما متقدمًا على فراغه منه، وذلك كله في غير تكبيرة الإحرام، وفي السلام يجوز المقارنة فيه على الأصح؛ لأنه لم يذكره في الحديث (وإذا (¬8) رفع) رأسه من الركوع (فارفعوا) وهو يتناول الرفع من الركوع والرفع من السجود في جميع السجدات، والرفع لا يكون إلا بعد كمال ركوع الإمام كما في سائر الانتقالات كما دلت عليه الأحاديث. (وإذا قال سمع الله لمن حمده) أي تقبل منه وجازاه به، ولهذا عدي ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): و. (¬2) من (س، ل، م). (¬3) في (م): عقيب. (¬4) "صحيح البخاري" (690)، و"صحيح مسلم" (198/ 474). (¬5) من (م). وفي بقية النسخ: حين. (¬6) من (س، ل، م). (¬7) سقط من (م). (¬8) في (ص، س): كذا.

باللام مع أنه متعدٍّ في الأصل بنفسه لكن لما ضمن معنى استجاب، ومن مجيء السمع (¬1) بمعنى الإجابة {إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ} (¬2) أي: اسمعوا مني سمع الطاعة والقبول، ثم هذا الكلام يحتمل أن يكون دعاء من الإمام للمأمومين لأنهم يقولون: ربنا لك الحمد، و [هذا على] (¬3) قول من يقول أن المأموم لا يقول سمع الله لمن حمده، ومذهب الشافعي أن سمع الله لمن حمده ذكر النهوض، وربنا ولك الحمد ذكر الاعتدال سواء في ذلك الإمام والمأموم والمنفرد (¬4). (فقولوا: ربنا ولك الحمد) بزيادة الواو في ولك الحمد، وإثباتها أحسن لدلالتها على معنى وهو النداء بالاستجابة فكأنه يقول: يا ربنا استجب أو تقبل ونحوهما، ثم استأنف خبرًا بقوله: ولك الحمد الكامل، أو بأنك مستحق الحمد الكامل، ومع حذف الواو لا يكون في الكلام إلا معنى واحد، ومثله أيضًا في السلام الواو في وعليكم السلام إثباتها يتضمن الدعاء لنفسه ولمن سلم عليه؛ لأن تقديره: علينا وعليكم السلام، فحذف علينا لدلالة العطف عليه بخلاف إسقاطها فإنه (¬5) لا يقتضي إلا إثبات الدعاء لنفسه خاصةً. (وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا) استدل به على صحة إمامة ¬

_ (¬1) في (ص): التسميع. (¬2) يس: 25. (¬3) في (ص، س، ل): على هذا على. والمثبت من (م). (¬4) "الأم" 1/ 216. (¬5) في (س): فإنها.

الجالس، وادعى بعضهم أن المراد بالأمر أن يقتدى به في جلوسه في التشهد وبين السجدتين؛ لأنه ذكر ذلك عقب ذكر الركوع والرفع منه والسجود، فيحمل على أنه لما جلس بين السجدتين قاموا تعظيمًا له فأمرهم بالجلوس تواضعًا، وتعقبه ابن دقيق العيد بأنه لو كان المراد الأمر بالجلوس في الركن لقال: وإذا جلس فاجلسوا (¬1) ليناسب قوله: فإذا سجد فاسجدوا، فلما عدل عن ذلك إلى قوله: "وإذا صلى جالسًا" كان كقوله: وإذا صلى قائمًا والمراد بذلك جميع الصلاة، ويؤيد ذلك قول أنس: فصلينا وراءه قعودًا. (أجمعون) هكذا (¬2) وقع أجمعون بالرفع في الرواية وحقه من جهة العربية (¬3) النصب؛ لأنه حال، وقد جاء في رواية ضعيفة أجمعين بالنصب، وفيه نظر لما سيأتي، والمراد بكونه حالًا أن يكون حالًا من الضمير في الحال الأولى وهي جلوسًا لا [مؤكدًا لجلوسًا] (¬4) لأنه نكرة فلا يؤكد، وبالجملة فالظاهر الرفع؛ لأنه توكيد للضمير في فصلوا، أو للضمير المستتر في الحال وهو جلوسًا، ومما يرد كونه حالًا أن المعنى لا يرد عليه، وأنه (¬5) لم يجئ في أجمعين إلا التأكيد في المشهور، نعم أجاز ابن درستويه حالية أجمعين، وعليه تتخرج رواية النصب، والأحسن رواية النصب، إن صحت أنها على بابها ¬

_ (¬1) في (ص): فاجلس. (¬2) في (ص، ل): هذا. (¬3) في (س): القرينة. (¬4) في (ص): يؤكد الجلوسا. (¬5) في (م): إن. وفي (س): إنما.

للتأكيد، لكن توكيد لضمير مقدر منصوب كأنه قال: عنيتكم (¬1) أجمعين، ولا يخفى ما فيه من البعد. [602] (ثنا عثمان بن أبي شيبة) قال: (ثنا جرير) بفتح الجيم (ووكيع، عن الأعمش، عن أبي سفيان) طلحة بن نافع، روى له البخاري مقرونًا بغيره وبقية الجماعة (عن جابر - رضي الله عنه - قال: ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرسًا بالمدينة) وأتى الغابة (¬2) فسقط عن فرسه وفي هذا الشهر دفَّت دافَّةُ بني عامر ابن صعصعة فأمرهم أن لا يدخروا من ضحاياهم شيئًا ليواسوا (¬3) المحتاجين، ثم قال لهم: "كلوا وادخروا بعد ثلاث" (¬4) فهذان النقلان يدلان على أنه انقطع غير مرة وصلى بهم جالسًا ساكتًا غير مرة من سقطه، وأن أمرهم (¬5) بالصلاة خلفه جلوسًا مقدم على قصة الصديق وصلاته بالناس. (فصرعه) صرع الرجل عن دابة (¬6) إذا سقط عن ظهرها، فيه ركوب الخيل لأهل الفضل والدين لما في ذلك من العزة والعون على الجهاد في سبيل الله كما ركب - صلى الله عليه وسلم - فرسًا لأبي طلحة عريانًا (¬7) (على جذم) بكسر ¬

_ (¬1) في (م): أعنيكم. وفي (س، ل): أعنيتكم. (¬2) في (س): العالية. (¬3) في (ص، س، ل): ليساووا. وفي (م): ليساروا. والمثبت مستفاد من الشروح وهو الأليق. (¬4) سيأتي تخريجه لاحقًا إن شاء الله تعالى. (¬5) في (م): أمره لهم. (¬6) في (ل): دابته. (¬7) يعني أن الفرس كان بلا سرج، وسيأتي تخريج الحديث في حينه إن شاء الله تعالى.

الجيم وسكون الذال المعجمة، وهو أصل الشيء، والمراد هنا أصل (نخلة) [ذهب أعلاها وبقي أصلها] (¬1)، ورواية ابن حبان: على جذع نخلة (¬2). في الأرض، وحكى الجوهري فتح الجيم (¬3) وهي ضعيفة فإن الجذم بالفتح القطع مصدر جذم يجذم ومنه يقال: جُذِمَ الإنسان بالبناء للمفعول إذا أصابه الجذام؛ لأنه يقطع اللحم ويسقطه. (فانفكت) الفك نوع من الوهن والخلع، وانفك العظم انتقل من مفصله، يقال: فككت الشيء أبنت بعضه من بعض. (قدمه) لا يخالف رواية خُدش، لاحتمال الخدش والفك، فإن الخدش بمفرده لا يمنع القيام وقد تقدم (فأتيناه نعوده) فيه فضل (¬4) عيادة المريض جماعة وفضيلة المشي إليه وأن العيادة لا تختص بالمرض بل يعاد مَنْ خُدِشَ رجله أو دَمِيَت أو انفكت (¬5) عضوٌ من أعضائه أو رمد فانقطع، وقد سمى من الذين عادوه أنس كما في رواية البخاري (¬6)، وأبو بكر وعمر كما في رواية الحسن مرسلًا عند عبد الرزاق (¬7). (فوجدناه في مشربة) بضم الراء وفتحها هي الغرفة، وقيل: كالخزانة فيها الطعام والشراب، ولهذا سميت مشربة؛ فإن المشربة بفتح الراء فقط ¬

_ (¬1) جاءت هذه العبارة في (م) بعد قوله: جذع نخلة. (¬2) "صحيح ابن حبان" (2112). (¬3) "الصحاح في اللغة" (جذم). (¬4) في (س): قصد. (¬5) في (م): انفك. (¬6) "صحيح البخاري" (732). (¬7) "مصنف عبد الرزاق" (4081).

هي الموضع الذي يشرب منه الناس (لعائشة - رضي الله عنهما -)، أي في المشربة [التي في حجرة عائشة] (¬1) (يسبح) أي يصلي نافلة سميت الصلاة تسبيحًا لما فيها من التسبيح، ومنه قوله تعالى: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} (¬2) ومنه سبحة الضحى. (جالسًا قال: فقمنا خلفه) صلاة القائم في النفل خلف إمامٍ جالس إجماع، قال ابن عبد البر: وأجمع العلماء على جواز صلاة الجالس خلف الإمام القائم في النافلة، لكن صلاته جالسًا وهو قادر نصف صلاته قائمًا (¬3). (فسكت عنا) سكوته عنهم دليل على جواز ما فعلوه؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - لا يقر على باطل (ثم أتيناه) يحتمل أن يكون هم الزائرون أولًا بأعيانهم، ويحتمل أن يكون تغير بعضهم فيدخله المجاز (مرة أخرى نعوده) فيه تكرار عيادة المريض، لكن لا يلزم أن يكون ذلك ثاني (¬4) يوم فقد روى ابن أبي الدنيا بإسنادٍ ضعيف من حديث جابر - رضي الله عنه -: "أغبوا في العيادة وأربعوا إلا أن يكون مغلوبًا" (¬5). والغبُّ أن يأتي يومًا ويترك يومًا، كما في حمى الغب والأرباع أن يعوده يومًا وينقطع يومين ثم يأتي في الرابع كما في حمى الربع، ويشبه أن يكون حديث ابن أبي الدنيا على حالين وهي أن من كانت حماه غبًّا فيغب في عيادته وعلى ¬

_ (¬1) سقط من (س). (¬2) الصافات: 143. (¬3) "الاستذكار" 5/ 389 - 390. (¬4) في (م): بأي. (¬5) في (س، ل، م): ليغتنم.

هذا فيأتيه في يوم تأتيه الحمى فيغتنم (¬1) أجر دعاء المحموم، ومن كانت حماه ربعًا أن يتركه يومين ويأتيه في الرابع في اليوم الذي تأتيه. (فصلى المكتوبة جالسًا) فيه جواز صلاة الفرض جالسًا لعذر وله أجر القائم (فقمنا خلفه فأشار إلينا فقعدنا) فيه جواز الإشارة باليد وغيرها والعمل القليل في الصلاة لحاجة وإن كانت الإشارة المفهمة لكل الناس في البيع وغيره من المعاملات كالنطق (¬2) حتى لو باع في الصلاة بالإشارة أو اشترى صح البيع، ولا تبطل الصلاة. (قال: فلما قضى الصلاة قال: إذا صلى الإمام جالسًا فصلوا جلوسًا، وإذا صلى الإمام قائمًا فصلوا قيامًا ولا تفعلوا كما يفعل أهل فارس) هم جيل من الناس كالروم (بعظمائها) جمع عظيم، وهو من يعظمه الناس، وإنما أتى بهاء التأنيث في إعادته إلى أهل فارس ولم يقل بعظمائهم (¬3)؛ لأن فارس غلب عليهم التأنيث (¬4) فيقال: هي فارس، وإليهم ينسب التمر الفارسي وهو جنس من التمر جيد. وقوله: "لا تفعلوا كما يفعل أهل فارس" هو العلة في إشارته إليهم بالقعود لئلا يشابهوا الكفار في تعظيمهم رؤسائهم وملوكهم، ولهذا ذكر ابن حبان هذا الحديث بلفظه وبوَّب عليه باب ذكر العلة التي من أجلها أمر المأموم بالصلاة قعودًا إذا صلى إمامهم جالسًا. ¬

_ (¬1) في (ص، س): كالنظر. (¬2) في (م): لعظمائهم. (¬3) في (س): الناس. (¬4) "الكافي في فقه أهل المدينة" 1/ 212 - 213.

[603] (ثنا سليمان بن حرب ومسلم بن إبراهيم المعنى، عن وهيب) ابن خالد بن عجلان الباهلي الحافظ أحد الأعلام (عن مصعب بن محمد، عن أبي صالح) السمان (عن أبي هريرة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنما جعل الإمام ليؤتم به). قال ابن عبد البر: واختلفوا فيمن كانت نيته مخالفة لنية الإمام، فقال مالك وأصحابه (¬1): لا يجزئ أحدًا أن يصلي الفريضة خلف المتنفل، ولا يصلي عصرًا خلف من يصلي ظهرًا ومتى اختلفت نية الإمام والمأموم في الفريضة بطلت صلاة المأموم دون الإمام، وكذلك من صلى فرضه خلف المتنفل. (¬2) وهو قول أبي حنيفة وأصحابه (¬3)، وهو قول أكثر التابعين بالمدينة والكوفة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما جعل الإمام ليؤتم به" فمن خالفه في نيته فلم يأتم به. وقال: "لا تختلفوا" ولا اختلاف أكبر وأشد من اختلاف النية التي عليها مدار الأعمال (¬4). وقال الشافعي والأوزاعي والطبري، وهو المشهور عن أحمد: يجوز أن يقتدي في الفريضة بالمتنفل، وأن يصلي الظهر خلف من يصلي العصر، فإن كل مصلٍّ مصل (¬5) لنفسه وله ما نواه من صلاته والأعمال بالنيات، وأجابوا عن الحديث بأنا إنما أمرنا أن نأتم بالإمام فيما يظهر ¬

_ (¬1) في (ص): نفل. والمثبت من (م). وسقط من (س، ل). (¬2) "البحر الرائق" 1/ 382. (¬3) "الاستذكار" 5/ 386 - 387. (¬4) من (س، ل، م). (¬5) "الاستذكار" 5/ 387.

من أفعاله إلينا، فأما النية فمغيبة عنا، ومحال أن نؤمر باتباعه فيما يخفى علينا من أفعاله، قالوا: وفي الحديث نفسه ما يدل على ذلك فإنه قال: "فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا" (¬1)، ويدل على هذا التأويل أيضًا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" (¬2) فنهى أصحابه وسائر أمته أن يشتغلوا بنافلة وقد أقيمت الصلاة، فكيف يظن بمعاذ أن يترك صلاة لم يصلها بعد، وهي مفروضة عليه ويتنفل، وتلك الصلاة تقام في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو قد قال: "لا صلاة إلا المكتوبة" التي تقام (¬3). (فإذا كبر فكبروا) وفي رواية لمسلم: "لا تبادروا الإمام، إذا كبر فكبروا" (¬4) وجزم ابن بطال وابن دقيق العيد أن الفاء في قوله: "فكبروا" للتعقيب. قالوا: ومقتضاه الأمر بأن أفعال المأموم تقع عقب فعل الإمام، ولو سبق إمامه بتكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته، وهي ركن أو شرط، وخرج المالكية على هذا الإحرام قبل دخول الوقت أو غيره، وتعقب القول بالتعقيب بالفاء (¬5) التي للتعقيب هي العاطفة، وأما التي هنا فهي للربط فقط؛ لأنها وقعت جوابًا للشرط فعلى هذا لا يقتضي تأخر أفعال المأموم عن الإمام إلا (¬6) على القول بتقديم الشرط ¬

_ (¬1) سيأتي تخريجه لاحقًا إن شاء الله. (¬2) سقط من (م). (¬3) "صحيح مسلم" (415) (87). (¬4) في (م): بأن الفاء. (¬5) في (م): لا. (¬6) من (س). وفي بقية النسخ: ينبغي.

على الجزاء، وقد قال قومٌ أن الجزاء يكون مع الشرط فعلى هذا لا تنتفي (¬1) المقارنة (ولا تكبروا حتى يكبر) أي ينتهي تكبير الإمام جميعه، فإن التكبير يطلق على جميعه حقيقة، هذِه من زيادة أبي داود على الصحيحين، وهي زيادة من الثقة (¬2) مقبولة وهي حسنة في المعنى تنتفي توهم جواز مقارنة الإمام والتقدم على أفعاله وأقواله. (وإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتى يركع) أي إذا كمل ركوعه فاركعوا عقبه فإنه جعل لجواز ركوعهم غاية وهي إذا انتهى كمال ركوعه فلا يقارنه ولا يتقدم عليه، وقد قال أصحابنا صاحب "التهذيب" (¬3) وغيره: مقارنة المأموم الإمام جائزة مع الكراهة، وتفوت به فضيلة الجماعة، قال السبكي: وقد يقال تصريحهم بعدم فساد الصلاة يقتضي أن الصلاة لا تخرج بذلك عن كونها صلاة جماعة وإلا لزم الفساد بمتابعة من ليس بإمام ومع الحكم بالجماعة كيف لا تحصل فضيلتها. (وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم) فيه فضيلة ابتداء الدعاء بقوله: اللهم، وبوب ابن حبان على هذا الحديث، باب (¬4) ذكر الإباحة للمرء أن يجعل ابتداء دعائه اللهم (ربنا لك الحمد) احتج به مالك ومن تبعه على ما قال به أبو يوسف ومحمد بن الحسن والشافعي وأحمد على أن الإمام يقول: سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد، كما يقول المنفرد، ¬

_ (¬1) في (ص، ل): البقية. (¬2) في (ص): فإن. وفي (س): فإذا. وفي (م): بأن. (¬3) "التهذيب" للبغوي 2/ 270. (¬4) "التمهيد" 22/ 32.

بل يقتصر الإمام على سمع الله لمن حمده دون أن يقول: ربنا لك الحمد، ويقتصر المأموم على ربنا لك الحمد، دون أن يقول: سمع الله لمن حمده، كما في هذا الحديث، حكاه ابن عبد البر (¬1)، وقال: لا أعلم خلافًا أن المنفرد يقول: سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد أو ولك الحمد، وإنما اختلفوا في الإمام والمأموم (¬2). وقال الشافعي: يقول المأموم أيضًا: سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد، كما يقول الإمام والمنفرد (¬3)؛ لأن الإمام إنما جعل ليؤتم به. وقال مالك (¬4) وأبو حنيفة (¬5) وأصحابهما والثوري وأحمد (¬6): لا يقول المأموم سمع الله لمن حمده، وإنما يقول: ربنا لك الحمد فقط. (قال مسلم) بن إبراهيم في روايته: ربنا (ولك الحمد) وفيه زيادة فائدة كما تقدم بالواو (وإذا سجد فاسجدوا، ولا تسجدوا حتى يسجد) ويتكامل سجوده (وإذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا أجمعون) في بعضها أجمعين فيه حجة لمذهب أحمد بن حنبل، وهو وجوب اتباع الإمام في جلوسه إذا صلى الفريضة جالسًا لعذر (¬7) كما ¬

_ (¬1) "التمهيد" 6/ 148. (¬2) "الأم" 1/ 220. (¬3) "المدونة الكبرى" 1/ 167 - 168. (¬4) "البحر الرائق" 1/ 322. (¬5) "مسائل أحمد رواية عبد الله" (262، 264، 265). (¬6) أخرجه مسلم (415) (87) بنحوه. والنسائي 2/ 141، وابن ماجه (846)، وأحمد 2/ 341. (¬7) من (م).

هو ظاهر الحديث. والمسألة فيها مذاهب: أحدها هذا، وبه قال من الصحابة جابر وأبو هريرة وأسيد بن حضير وقيس بن قهْد بفتح القاف وإسكان الهاء، وبه أفتى جابر بن زيد أبو الشعثاء، وهو من سادات التابعين، وهو قول الأوزاعي [في شعبة] (¬1) ومذهب مالك بن أنس ومقلديه، واختيار أحمد بن حنبل في موافقته، وهو قول إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، وأبي أيوب الهاشمي وأبي خيثمة وأبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن إسماعيل البخاري ومن تبعه من أئمة أصحاب الحديث، وهو اختيار محمد بن نصر ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، حكى هذا كله (¬2) ابن حبان (¬3)، وقال به سائر مشايخنا. قال: ويلزم بعض أئمتنا -يعني: الشافعي - رضي الله عنه - القول به ضرورة على مذهبه، وذلك أن عنده أن الصحابة إذا أفتى واحد منهم بشيء ولم يوجد له خلاف من سائر الصحابة كان ذلك القول إجماعًا يلزم قبوله، وقد أفتى من الصحابة أربعة أن الإِمام إذا صلى قاعدًا يجب على المأمومين أن يصلوا قعودًا كما تقدم، ولم يرو عن أحد من الصحابة لا بسند صحيح ولا واهٍ خلاف لهؤلاء، فكأن الصحابة أجمعوا على ذلك، ويلزمه من جهة أخرى وذلك أن عنده أن التابعي إذا أفتى بشيء ثم لم يخالف فيه من أقرانه أن ذلك القول إجماع. وقد أفتى بهذا القول أبو الشعثاء جابر بن زيد وهو من سادات ¬

_ (¬1) هكذا في جميع النسخ. (¬2) في (ص): غلة. والمثبت من (س، ل). وليست في (م). (¬3) "صحيح ابن حبان" 5/ 462.

التابعين بالبصرة ولم يخالفه أحد من التابعين ولا روي عن (¬1) أحد من التابعين لا بسندٍ صحيح ولا واهٍ خلاف له، فكأن التابعين أيضًا قد أجمعوا على أن الإِمام إذا صلى قاعدًا [أن يصلوا] (¬2) خلفه قعودًا. ويلزمه من جهة ثالثة، وذلك أنه عمد إلى الخبرين المرويين في نكاح ميمونة فقبل أحدهما إذ هو موافق لنهي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - عن نكاح المحرم وإنكاحه، وقد روي عنه في صلاته خبران تضادا في الظاهر كما تضاد الخبران في نكاح ميمونة في الظاهر، فيجب على مقالته أن يأخذ أحدهما؛ إذ هو موافق لأمر المصطفى المأمومين أن يصلوا قعودًا إذا صلى إمامهم جالسًا، فمن أتى (¬3) ما وصفت فقد باعد الإنصاف. قال: ولا يظن أن هذا مضاد (¬4) لقول الشافعي، وإن كان المشهور في كتبه (¬5) خلافه؛ لأن كل ما يصح من الحديث فهو قوله، وذلك أني سمعت ابن خزيمة يقول: سمعت المزني يقول: سمعت الشافعي يقول: إذا صحّ لكم الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فخذوا به ودعوا قولي (¬6). والقول الثاني قول أبي حنيفة والثوري وأبي ثور، وإحدى الروايتين عن مالك قال النووي: وهو قول الشافعي وجمهور السلف أنه لا يجوز ¬

_ (¬1) من (س، ل، م). (¬2) في (س): فصلوا. (¬3) في (م): أين. (¬4) من (م)، وفي باقي النسخ: مضاف. (¬5) في (ص، ل): شبه. (¬6) "صحيح ابن حبان" 5/ 497.

صلاة القادر خلفه إلا قائمًا (¬1)، ولو صلى إمامه جالسًا، والقول الثالث وهو رواية عن مالك أنه لا يجوز إمامة المجالس أصلًا لا للقائمين ولا للجالسين. (قال أبو داود: اللهم ربنا لك الحمد) بغير واو (أفهمني بعض أصحابنا، عن سليمان) بن حرب (ثنا محمد بن آدم المصيصي، قال: ثنا أبو خالد) سليمان بن حيان الأحمر. (عن محمد بن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: إنما جعل الإِمام ليؤتم به) يحتمل أن يكون جعل بمعنى سمي؛ لقوله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ} (¬2)، والتقدير: إنما سمي الإِمام إمامًا؛ لأنه يؤتم به، والأظهر أنه بمعنى صير كما تقدم. (بهذا الخبر زاد) فيه: (وإذا قرأ) يعني الإِمام (فأنصتوا) بفتح الهمزة يتعدى بحرف الجر أي للقارئ الإِمام احتج به الحنفية وبقوله تعالى: {فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} (¬3) على كراهة قراءة المأموم خلف الإِمام بكل حالة؛ لأن الأمر للوجوب فوجب الاستماع والإنصات إذا قرأ الإِمام جهرًا ووجب الإنصاف إذا لم يجهر (¬4). وأجاب أصحابنا عن الآية بأنها في الخطبة في الجمعة، ونحن نقول ¬

_ (¬1) "شرح النووي على مسلم" 4/ 133. (¬2) الزخرف: 19. (¬3) الأعراف: 204. (¬4) "بدائع الصنائع" 1/ 110.

بذلك في خطبة الجمعة على أن عندنا نقرأ في سكتات الإِمام وعند قراءته نستمع وننصت، فإن قالوا: فإذا لم يسكت الإِمام قلنا: نقرأ ويكره للإمام أن لا يسكت، فإن لم يسكت فالوبال عليه لا على المأموم، وعلى هذا يخرج (¬1) جواب هذِه الزيادة: "وإذا قرأ فأنصتوا" على أن الأصح في هذا الخبر كما قال ابن السمعاني وغيره أنه خالي (¬2) عن هذِه اللفظة، وإنما وردت هذِه اللفظة الزائدة في بعض الروايات وعلى ذلك فنحن قائلون به (¬3) كما تقدم، ويدل على عدم صحتها، قال أبو داود: (وهذِه الزيادة ليست بمحفوظة والوهم) فيها (عندنا من أبي خالد) الأحمر. قال المنذري: في هذا نظر؛ فإن أبا خالد هو: سليمان بن حيَّان الأحمر من الثقات، احتج به البخاري ومسلم في صحيحيهما ولم ينفرد بل تابعه عليها (¬4) أبو سعد محمد بن سعد الأنصاري وخرج هذِه الزيادة النسائي (¬5) من رواية أبي خالد الأحمر (¬6). [605] (ثنا القعنبي، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام. (عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيته) وهو شاكٍ ¬

_ (¬1) في (م): يتخرج. (¬2) في (م): أحال. (¬3) من (م). (¬4) في (م): عليهما. (¬5) "سنن النسائي" 2/ 141. (¬6) "مختصر سنن أبي داود" للمنذري 1/ 313.

المكتوبة (وهو جالس، وصلى وراءه قومٌ قيامًا) نصب قيامًا على الحال من الفاعل وهو قوم، وفيه شاهد لقول سيبويه إن الحال يكون من النكرة بلا مسوغ من صفة ونحوها وإن كان في غير الشعر (¬1) قليلًا، كقولهم: عليه مائة بِيضًا أي مائة درهم بِيضًا بكسر الباء جمع أبيض (¬2)، لكن مذهب يونس والخليل أن ما سمع من ذلك لا يقاس عليه (¬3). (فأشار إليهم أن اجلسوا) أن المفتوحة في هذا الحديث تفسيرية تسبق ما في "أشار" من معنى القول دون حروفه فهو مثل {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ} (¬4)، ويدل لكون الإشارة فيها معنى القول قول الشاعر: أشارت بطرف العين خيفة أهلها ... إشارة مذعور ولم تتكلم فأيقنت أن الطرف قد قال مرحبًا ... وأهلًا وسهلًا بالحبيب المتيم (فلما انصرف) من الصلاة وإلا فهو في بيته شاكٍ. (قال: إنما جُعل الإِمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا) وإذا رفع فارفعوا، وفي الحديث دلالة على أن الإشارة المفهمة باليد لا تبطل الصلاة، وأن إشارة الإِمام قائمة مقام إشارة الأخرس بجامع ما بينهما من المنع من الكلام باللسان، وكذا إشارة غير الإِمام حتى لو تبايعا ¬

_ (¬1) في (س): السفر. (¬2) سقط من (م). (¬3) انظر: "الكتاب" 1/ 272. (¬4) المؤمنون: 27.

في الصلاة بالإشارة صح البيع (¬1) ولم تبطل الصلاة، وفيه وجوب متابعة المأموم للإمام إذا لم يأت بما يبطل الصلاة. (وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا) زعم جماعة من العلماء أن المراد بقوله: "إذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا" إذا تشهد جالسًا فتشهدوا أجمعين، قال ابن حبان: في قوله - صلى الله عليه وسلم - في الأحاديث المتقدمة الأمر للمأمومين أن يصلوا قيامًا إذا صلى إمامهم قائمًا، وبالأمر بالصلاة قعودًا إذا صلى قاعدًا أبين البيان أنه لم يرد به في الأمرين جميعًا التشهد إذا تشهد (¬2)؛ لأن التشهد لا يكون في حالة القيام، فلما استحال هذا المعنى في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا" استحال ذلك في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وإذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا أجمعين" لا ينكر هذا [إلا من جاهَدَ] (¬3) العقل وكابر العيان. [606] (ثنا قتيبة بن سعيد ويزيد بن خالد بن موهب) بفتح الميم والهاء (المعنى أن الليث حدثهم، عن أبي الزبير) محمد بن [مسلم المكي] (¬4). (عن جابر - رضي الله عنه - قال: اشتكى النبي - صلى الله عليه وسلم - فصلينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر يكبر لِيُسمع) بكسر اللام ونصب العين بالناصب المقدر (الناس تكبيره) تكبير (¬5) النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال ابن حبان: إن هذا لم يكن إلا في مرض ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "صحيح ابن حبان" 5/ 480. (¬3) في (ص): الأمر جاهز. وفي (م): إلا جاحد. والمثبت من (س). (¬4) في (م): شهاب الزهريّ. (¬5) في (م): تكبيرة.

موته؛ لأن صلاته في مرضه الأول كانت في مشربة عائشة ومعه نفر من أصحابه (¬1) لا يحتاجون إلى من يسمعهم تكبيره بخلاف صلاته في مرض موته فإنها كانت في المسجد بجمع أكثر من الصحابة، فاحتاج أبو بكر أن يسمعهم التكبير (¬2)، لكن إسماع (¬3) التكبير في هذا لم يتابع أبا الزبير عليه وعلى تقدير أنه حفظه فلا مانع أن (¬4) يسمعهم أبو بكر التكبير في تلك الحالة؛ لأنه يحمل (¬5) أن صوته في ذلك الوقت كان خفيًّا من الوجع فكان أبو بكر يجهر عنه بالتكبير، وفي مرسل عطاء: أنهم استمروا قيامًا إلى أن انقضت الصلاة (¬6) (ثم ساق الحديث) المتقدم. [607] (حدثنا (¬7) عبدة بن عبد الله) بن عبدة الخزاعي، أخرج له البخاري. (قال: أنا زيد بن الحباب) العكلي (¬8) الحافظ، أخرج له مسلم. (عن محمد بن صالح) المدني الأزرق، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬9). (قال: حدثني حصين) بمهملتين مصغر، ابن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ الأنصاري (من ولد سعد بن معاذ) كما تقدم، قال ابن ¬

_ (¬1) في (م): الصحابة. (¬2) "صحيح ابن حبان" 5/ 492. (¬3) من (م). وفي باقي النسخ: استماع. (¬4) من (م). وفي باقي النسخ: أنه. (¬5) كذا في جميع النسخ، ولعلها: يحتمل. (¬6) "مصنف عبد الرزاق" (4074). (¬7) من (ل، م). (¬8) في (ص): العتكي. (¬9) "الثقات" 7/ 385.

سعد: مات (¬1) سنة 126 (¬2). (عن أسيد بن حضير - رضي الله عنه - أنه كان يؤمهم): يؤم قومه بني عبد الأشهل وغيرهم. (قال: فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعوده) فيه عيادة (¬3) الكبير أصحابه (¬4) ماشيًا (قالوا (¬5): يا رسول الله، إن إمامنا مريضٌ) وفي الحديث جواز صلاة المريض قاعدًا إذا خشي زيادة مرضه. وقال ابن مهران: من لم يطق القيام لزمه (¬6) يصلي قاعدًا (¬7) (فقال: إذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا) أجمعون، يؤخذ منه جواز صلاة المريض المنفرد قاعدًا؛ لأن القعود إذا جاز مع الإِمام [القادر فللمريض] (¬8) أولى (هذا الحديث ليس بمتصل (¬9)؛ لأن حصينًا لم يدرك أسيد بن حضير. قال الذهبي: روى عن أسيد: محمد بن إبراهيم وحصين الأشهلي (¬10)، ولم يدركاه (¬11)، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "الطبقات الكبرى" القسم المتمم 1/ 294. (¬3) في (م): إعادة. (¬4) من (م). وفي بقية النسخ: الصحابة. (¬5) في (م): فقال. (¬6) في (م): لزمناه. (¬7) "الشرح الكبير" لابن قدامة 2/ 86. (¬8) من (م). وفي (ص): للقادر بالمريض. وفي (س): القادر فالمريض. (¬9) في (ص): متصل. (¬10) في النسخ: النهشلي. والمثبت الصواب. (¬11) انظر: "تهذيب الكمال" 3/ 246 - 247.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

شَرْحُ سُنَنِ أَبِي دَاوُد لِابْنِ رَسْلَان [4]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ جميعُ الحقوقِ مَحْفوظَة لِدَارِ الفَلَاحِ وَلَا يجوز نشر هَذَا الْكتاب بِأَيّ صِيغَة أَو تَصْوِيره PDF إِلَّا بِإِذن خطي من صَاحب الدَّار الْأُسْتَاذ/ خَالِد الرَّباط الطَّبْعَةُ الأُولَى 1437 هـ - 2016 م رَقم الْإِيدَاع بدَارِ الكتُب 17164/ 2015 دَارُ الفَلَاحِ لِلبحثِ العِلمي وتَحْقِيق التُّرَاثِ 18 شَارِع أحمس - حَيّ الجامعة - الفيوم ت: 01000059200 [email protected] تطلب منشوراتنا من: • دَار الْعلم - بلبيس - الشرقية - مصر • دَار الأفهام - الرياض • دَار كنوز إشبيليا - الرياض • مكتبة وتسجيلات ابْن الْقيم الإسلامية - أَبُو ظَبْي • دَار ابْن حزم - بيروت • دَار المحسن - الجزائر • دَار الْإِرْشَاد - استانبول • دَارُ الفَلَاحِ - الفيوم

70 - باب الرجلين يؤم أحدهما صاحبه كيف يقومان

70 - باب الرَّجُلَين يَؤمُّ أَحَدهما صاحبهُ كيْفَ يقُومان 608 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، أَخْبَرَنا ثابِتٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دخل عَلَى أُمِّ حَرام فَأَتَوْه بِسَمْنٍ وَتَمْرٍ فَقال: "رُدُّوا هذا في وِعائِهِ وهذا في سِقائِهِ فَإنِّي صائِمٌ". ثمَّ قامَ فَصَلَّى بِنا رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا فَقامَتْ أمُّ سُلَيْمٍ وَأُمُّ حَرامٍ خَلْفَنا. قال ثابِتٌ: وَلا أَعْلَمهُ إِلا قال: أَقامَنِي عَنْ يَمِينِهِ عَلَى بِساطٍ (¬1). 609 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْن عُمَرَ، حَدَّثَنا شعْبَة، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ المخْتارِ عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ يحَدِّثُ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمَّهُ وامْرَأَةً مِنْهُمْ فَجَعَلَهُ، عَنْ يَمِينِهِ والمرْأَةَ خَلْفَ ذَلِكَ (¬2). 610 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمانَ، عَنْ عَطاءٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قال بِتُّ في بَيْتِ خالتِي مَيْمُونَةَ فَقامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ اللَّيْلِ فَأَطْلَقَ القِربَةَ فَتَوَضَّأَ ثمَّ أَوْكَأَ القِرْبَةَ ثُمَّ قامَ إِلَى الصَّلاةِ فَقُمْت فَتَوَضَّأْتُ كَما تَوَضَّأَ ثمَّ جِئْتُ فَقمْتُ، عَنْ يَسارِهِ فَأَخَذَني بِيَمِينِهِ فَأَدارَنيِ مِنْ وَرائِهِ فَأَقامَنِي عَنْ يَمِينِهِ فَصَلَّيْتُ مَعَهُ (¬3). 611 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْن عَوْنٍ، أَخْبَرَنا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ في هذِه القِصَّةِ قال: فَأَخَذَ بِرَأْسِي أَوْ بِذؤابَتِي فَأَقامَنِي عَنْ يَمِينِهِ (¬4). * * * باب الرجلين يؤم أحدهما صاحبه كيف يقومان [608] (ثنا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا حماد، قال: أنا ثابت) ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1982)، ومسلم (660). (¬2) رواه مسلم (660). (¬3) رواه البخاري (138)، ومسلم (763). (¬4) رواه البخاري (699)، وانظر الحديث السابق.

[بن عجلان] (¬1)، أخرج له البخاري وغيره. (عن أنس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على أم حرام) بنت ملحان، وأم حرام هذِه: هي أخت أم سليم أم أنس بن مالك، وكان اسم أم (¬2) حرام الرميصاء، وقيل: الغميصاء، وإنما الرميصاء أم سليم، وكذا ذكره البخاري، ودخول النبي - صلى الله عليه وسلم - على أم حرام؛ لأنها كانت إحدى خالاته من الرضاعة كما قال ابن وهب، وقال غيره: بل كانت خالته لأبيه (¬3) أو لجده؛ لأن أم عبد المطلب من بني النجار (¬4). وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت. (فأتوه) أم حرام ومن معها (بسمنٍ وتمر) فيه دليل على جواز تصرف المرأة في إطعام الضيف ومن في معناه من طعام زوجها؛ لأن الأصل في أطعمة الدار إنما هي من مال الزوج، وفيه جواز ادخار (¬5) الأطعمة في البيت لما يرد عليهم من ضيف ونحوه وليأكل منه أهل الدار إذا احتاجوا إليه ليقل الخروج إلى السوق عند كلِّ ما احتيج الأكل (¬6)، وفيه خلوة الرجل مع ذات محرمه. (فقال: ردوا هذا) يعني التمر (في وعائه) الوعاء ما يوعى فيه الشيء ¬

_ (¬1) كذا قال المصنف أنه ثابت بن عجلان، وليس هو، والصواب أنه ثابت البناني فإن حماد بن سلمة لا يروي عن ابن عجلان، والحديث مشهور من رواية البناني. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (ص): لأمه. (¬4) "المفهم" 3/ 752. (¬5) من (م)، وفي بقية النسخ: الادخار. (¬6) في (م): للأكل.

أي يجمع من قوله تعالى: {وَجَمَعَ فَأَوْعَى (18)} (¬1)، (وهذا) يعني السمن (في سقائه) بكسر السين والمد، وهو يكون للماء واللبن والسمن ونحوها من المائعات، فيه أنه إذا سكب من الوعاء شيء لضيف ونحوه فلم يؤكل أو أكل مثله وبقي بعضه أن يرد إلى الوعاء الذي أخذ منه ليجتمع الطعام بعضه على بعض، وليجعل (¬2) البركة فيه ولا يترك في الإناء الذي سكب فيه؛ لأنه يتطرق إليه الفساد من جهات، وفيه إرشاد الضيف لأهل المنزل بما فيه صلاح لهم من أمر الدين والدنيا. (فإني) امرؤٌ (صائم) محمول على أنه يقوله لهم اعتذارًا عن عدم أكل طعامهم وإعلامًا لهم بحاله، كما أنه يعتذر لمن أهديت له هدية وله عذر كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم" (¬3) وفيه أن الصائم إذا قدم إليه طعام لا يلزمه الأكل وإن كان متنفلًا، ويكون الصوم عذرًا في ترك الأكل بخلاف المفطر فإنه إذا دعي لوليمة أنه يلزمه الأكل على أصح الوجهين عندنا، قاله النووي (¬4)، وأما الأفضل للصائم قال أصحابنا: إن كان يشق على صاحب (¬5) الطعام صومه استحب له الفطر وإلا فلا (¬6)، هذا إذا كان صوم تطوع، فإن كان صومّا واجبًا حرم الفطر. وفي هذا الحديث أنه لا بأس بإظهار نوافل العبادة من الصلاة ¬

_ (¬1) المعارج: 18. (¬2) في (م): ليحصل. وبياض في (ل). (¬3) سيأتي تخريجه إن شاء الله. (¬4) "شرح النووي على مسلم" 8/ 28. (¬5) في (س): خاص. (¬6) "شرح النووي على مسلم" 8/ 28.

والصوم ونحوهما إذا دعت إليه حاجة والمستحب إخفاؤها إذا لم يكن حاجة (ثم قام فصلى بنا ركعتين) الظاهر: أن هذا في وقت الضحى تطوعًا فيه جواز النافلة جماعة، وتبريك (¬1) الرجل الصالح والعالم أهل المنزل بصلاته في منزله، قال بعضهم: ولعله أراد تعليمهم أفعال الصلاة مشاهدة مع تبركهم فإن المرأة قل ما تشاهد أفعاله في المسجد، فأراد أن تشاهدها وتتعلمها وتعلمها غيرها. (فقامت أم سليم) بنت ملحان واسم ملحان مالك بن خالد النجاري، واختلف في اسمها فقيل: سهلة، وقيل: رميلة، وقيل: مليكة وقيل: الغميصاء، وقيل: الرميصاء، وقيل غير ذلك (وأم حرام) أختها (خلفنا) خلف ابنها المقتدي بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فيه أنه إذا اجتمع رجال ونساء قدم الرجال لفضلهم (¬2) ثم النساء. (قال ثابت: ولا أعلمه (¬3) إلا قال: أقامني عن يمينه)، فيه أن الذكر يقف عن يمين الإِمام رجلًا كان أو صبيًّا؛ فإن أنسًا يحتمل أنه كان صبيًّا، فإن جاء بعده آخر أحرم عن يساره (على بساط) معروف، ويكون من صوف وغيره وهو فعال بمعنى مفعول ككتاب بمعنى مكتوب وفراش بمعنى مفروش، وفيه دليل على أن الأصل في البسط والحصر والثياب ونحوها الطهارة، وأن حكم الطهارة مستمر للصلاة ونحوها حتى تتحقق نجاسته وفيه جواز الصلاة على ما بسط (¬4) على الأرض لكن الحصير والسجادة التي من قطن أو من سعف النخل ¬

_ (¬1) في (ص، س): ويتبرك. (¬2) في (م): لفضلهن. (¬3) في (م): أعلم. (¬4) في (م): يبسط.

ونحوه مما تنبته الأرض مجمع عليه، وما روي عن عمر بن عبد العزيز خلاف ذلك، وعن مالك (¬1) أنه كره الصلاة على غير الأرض أو ما نبت (¬2) منها محمول على استحباب التواضع بمباشرة نفس الأرض أو ما نبت (¬3) منها للجبهة التي [هي] أشرف أعضاء الآدمي الظاهرة. [609] (ثنا حفص بن عمر، قال: ثنا شعبة، عن عبد الله بن المختار) البصري، وثقه ابن معين والنسائي (¬4). (عن موسى بن أنس) بن مالك (يحدث عن) أبيه (أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أَمَّه) أي صلى به إماما (وامرأة) بالنصب عطف [على هاء] (¬5) الضمير المنصوب في أمه، وفيه شاهد على أن ضمير النصب في العطف عليه كالظاهر بلا ضمير فاصل بخلاف الضمير المرفوع (منهم) هذِه المرأة هي أمه أو خالته، ورواية مسلم والنسائي: أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى به وبأمه أو خالته فأقامني عن يمينه وأقام المرأة خلفنا (¬6). (فجعله عن يمينه) فيه أن الإِمام يتولى (¬7) ذلك إذا لم يعرفه المأموم (وجعل المرأة خلف ذلك) فيه أن الذكر يقف خلف الإِمام والمرأة خلف الرجال، وإن كان فيهم صبيان خلف الصبيان. [610] (ثنا مسدد، قال: ثنا يحيى) القطان (عن عبد الملك بن أبي ¬

_ (¬1) "المدونة" 1/ 170. (¬2) في (ل، م): ينبت. (¬3) في (ل، م): ينبت. (¬4) "تهذيب الكمال" 16/ 112. (¬5) من (م). وفي (ص): عليها. وفي (س): على. (¬6) "صحيح مسلم" (660) (269)، والنسائي 2/ 86. (¬7) في (ص): ينوي.

سليمان) الكوفي، أخرج له مسلم. (عن عطاء، عن ابن عباس قال: بتُّ في بيت خالتي ميمونة) جاء في رواية ضعيفة أن خالته كانت حائضًا (¬1)، ولذلك نام ابن عباس عندها بحضور (¬2) زوجها؛ بسبب مراقبة أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - والتعلم منه والاقتداء بأفعاله، ولو كانت طاهرة لما بات عندها (¬3) وهو معنى حسن وأدب معتبر، وكان ابن عباس سنه حين ذلك عشر سنين كما رواه أحمد (¬4)، وفي "معجم الطبراني الأوسط": أن سبب مبيته تلك الليلة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان وعد العباس بذودٍ من الإبل فأرسل ابنه (¬5) عبد الله بن عباس يتقاضاه فبات تلك الليلة وأخذ الذود (¬6). (فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم - من الليل) الظاهر أن مِنْ ظرفية بمعنى في كقوله تعالى: {مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} و (¬7) أي في يوم الجمعة، وجوَّز بعضهم التبعيض لرواية الصحيح: فلما كان في بعض الليل (¬8)، ولعله بعد نصف الليل كما في الحديث (فأطلق) أي حل سياق القربة، وهو الخيط الذي توكأ به وتعلق. ¬

_ (¬1) "المعجم"الأوسط" (650). وفي إسناده محمد بن ثابت العبدي، وهو صدوق لين الحديث، وتفرد بهذه الرواية. (¬2) من (م). وفي بقية النسخ: لحضور. (¬3) في (ص، س): عندنا. والمثبت من (م). (¬4) أحمد 1/ 364. (¬5) في (م): ولده. (¬6) "المعجم الأوسط" (7229)، وصححه ابن خزيمة (1093). (¬7) الجمعة: 9. (¬8) "صحيح البخاري" (138).

(فتوضأ) وضوءًا يخففه عمرو ويقلله أي يصفه بالتقليل (¬1) والتخفيف، [وعمرو هو ابن الحارث المدني (¬2)] (¬3) كذا وقع عند أبي نعيم، قال ابن المنير: يخففه أي: لا يكثر الدلك. ويقلله (¬4)، أي: لا يزيد على مرة مرة (¬5). (ثم أوكأ) بهمز آخره (القربة) دليل على أن اللغة الفصحى أوكأ السقاء بالألف أي: سد فيه بالوكاء وكيته من باب: وعد لغة قليلة (ثم قام إلى الصلاة) فيه فضيلة قيام الليل، وكان واجبًا عليه ثم نسخ (فقمت فتوضأت كما توضأ) وفي رواية للبخاري: فصنعت مثل ما صنع (¬6)، وفي رواية: فتوضأت نحوًا مما توضأ (¬7). قال الكرماني: لم يقل مثلًا؛ لأن حقيقة (¬8) مماثلته - صلى الله عليه وسلم - لا يقدر عليها غيره (¬9)، وفيه نظر كما تقدم، ولأنه لا يلزم من إطلاق المثلية المساواة من كل جهة. (ثم جئت فقمت عن يساره فأخذني بيمينه) فيه جواز الائتمام بمن لم ¬

_ (¬1) في (م): بالقليل. (¬2) في (م): المصري. وعمرو هذا مصري أصله مدني. (¬3) كذا ذكر المصنف أن عمرًا هذا وابن الحارث، وليس بسديد، وعمرو هنا هو ابن دينار المكي. وروايته في الصحيح. (¬4) هذا اللفظ في رواية البخاري (138). (¬5) "فتح الباري" 1/ 239. (¬6) "صحيح البخاري" (183). (¬7) "صحيح البخاري" (138). (¬8) في (ص): صفته. وفي (ل): صفة. (¬9) "شرح الكرماني" 2/ 176.

ينو الإمامة فإن إحرامه بعد دخوله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة منفردًا، ويحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - نوى الإمامة لما اقتدى به فلا دلالة فيه إذًا. قال القاضي: واختلفوا في الائتمام بمن لم ينو أن يؤمك فذهب مالك إلى جوازه، وذهب بعضهم إلى منعه لغير الإِمام والمؤذن، وذهب أبو حنيفة إلى منع ذلك للنساء دون الرجال (¬1)، ومذهبنا أنها مستحبة. (فأدارني من ورائه) وفي رواية: أخذ برأسي (¬2)، وفي رواية: أخذ بذؤابتي (¬3)، وفي رواية بعضدي (¬4)، وفي رواية: فأخذ بأذني اليمنى يفتلها (¬5)، وفي رواية: أخذ برأسي من ورائي (¬6). قال المازري (¬7): قيل في أخذه بأذنه أنه أراد أن يذكره القضية بعد ذلك لصغر سنه، وقيل: لينفي عنه النوم، وفي رواية: فأخذ بشحمة أذني (¬8)، أي: لينبهه (¬9) من النوم، وهذا الأخذ كله باليمين كما في الحديث، وفي الحديث دليل على أن الجماعة تحصل بصبي مميز، وأن موقف الرجال في الصف عن يمين الإِمام، وأن قيام المأموم عن ¬

_ (¬1) انظر: "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 2/ 330 - 331. (¬2) "صحيح البخاري" (699). (¬3) "صحيح البخاري" (5919). (¬4) "مسند أحمد" 1/ 268. (¬5) "صحيح البخاري" (183). (¬6) "صحيح البخاري" (726). (¬7) في (س): الماوردي. (¬8) "صحيح مسلم" (763) (185). (¬9) في (ص): بتنبيهه.

يسار الإِمام لا يبطل صلاته؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يبطل صلاة ابن عباس مع كونه وقف عن يساره. وعن أحمد أنها تبطل؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يقره على ذلك (¬1)، والأول قول الجمهور، بل قال سعيد بن المسيب: إن موقف المأموم عن يسار الإِمام (¬2). ولم يتابع عليه، وأن الإِمام إذا اطلع على مخالفة من (¬3) المأموم يرشده إليها بالفعل وهو في الصلاة، وأن العمل اليسير لا يبطل الصلاة ولا يسجد لسهوه. (فأقامني عن يمينه) فيه أن المأموم إذا وقف في غير موقفه تحول إلى غيره سواء كان في الصلاة أو غيرها بشرط عدم تكرار أفعال متوالية ثلاث (فصليت) معه (¬4) فيه فضيلة صلاة الليل في (¬5) جماعة. [611] (ثنا عمرو بن عون) بالنون آخره الواسطي البزاز (قال: أنا هشيم، عن أبي بشر) جعفر بن إياس اليشكري. (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في هذِه القصة قال: فأخذ برأسي أو بذؤابتي) بضم الذال المعجمة وفتح الهمزة أي: من الشعر (فأقامني عن يمينه) أي أداره من خلفه من جهة اليسار إلى اليمين إكرامًا للجهة اليمنى، واستدل به على أنه لا يُبطِل الصلاة والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) "المغني" 2/ 42. (¬2) "مصنف ابن أبي شيبة" (4971). (¬3) من (م). (¬4) من (م). (¬5) من (م).

71 - باب إذا كانوا ثلاثة كيف يقومون

71 - باب إِذا كانوا ثَلاثةً كيْف يَقُومُونَ 612 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ إِسْحاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ جَدَّتَة مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِطَعامٍ صَنَعَتْهُ فَأكلَ مِنْهُ ثُمَّ قال: "قُومُوا فَلأُصَلِّيَ لَكُمْ". قال أَنَسٌ: فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنا قَدِ اسوَدَّ مِن طُولِ ما لبِسَ فَنَضَحْتُهُ بِماءٍ فَقامَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَصَفَفْتُ أَنا واليَتِيمُ وَراءَهُ والعَجُوزُ مِنْ وَرائِنا فَصَلَّى لَنا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). 613 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ فُضَيْلٍ عِنْ هارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ قال: اسْتَأذَنَ عَلْقَمَةُ والأسْوَدُ عَلَى عَبْدِ اللهِ وَقَدْ كُنّا أَطَلْنا القُعُودَ عَلَى بابِهِ فَخَرَجَتِ الجارِيَةُ فاسْتَأذَنَتْ لَهُما فَأَذِنَ لَهُما ثُمَّ قامَ فَصَلَّى بَيْنِي وَبَيْنَهُ ثُمَّ قال: هَكَذا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَعَلَ (¬2). * * * باب إذا كانوا ثلاثة كيف يقومون [612] (ثنا القعنبي، عن مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري النجاري (¬3) المدني قال ابن معين: ثقةٌ حجة (¬4) (عن) عمه لأمه (أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن جدته) الضمير في الجدة لا يصح عوده على أنس على الراجح؛ لأنها أم أنس، وإنما يعود على إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة؛ لأنها جدته أم أبيه عبد الله (¬5) ¬

_ (¬1) رواه البخاري (380)، ومسلم (658). (¬2) رواه مسلم (534). (¬3) سقط من (م). وبياض في (ل). (¬4) "تهذيب التهذيب" 1/ 154. (¬5) وقيل: مليكة جدة أنس أم أمه - رضي الله عنه -.

(مُلَيكة) بضم الميم على التصغير على المشهور، ويروى مَليكة بفتح الميم على التكثير وهي أم سليم بنت ملحان، قال أبو الحسن بن الحصار في "تقريب المدارك": أنها جدة أنس أم أبيه وجدة إسحاق أم أبيه أيضًا، وعلى هذا فلا اختلاف [إن ثبت] (¬1)، وهي في غاية البعد. (دعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لطعام) أي: لأكل طعام ونحوه من المضافات المصححة للمعنى واللام [لتعليل (صنعته)] (¬2) لأجله فأكل منه، عطف على جملة محذوفة أي فجيء به (فأكل منه) فيه أن من دعي لوليمة (¬3) أو أضيف فلا يأكل جميع ما تقدم منه بل يبقي منه ويدل على هذا قوله منه، فإن من للتبعيض، فإنه إذا أكل الجميع توهم صاحب المنزل أنه لم يشبع منه ولم يكفه وعلى هذا فمسح الإناء مخصوص بغير الضيف. (ثم قال: قوموا) وفيه دليل على عظم تواضعه - صلى الله عليه وسلم - في إجابة دعوة الرجل والمرأة، وعلى إجابة الداعي لغير العرس، لكن إجابتها عندنا غير واجبة على الأظهر، وظواهر الأحاديث الإيجاب، قال بعض المالكية: المقصود بهذِه الدعوة: إنما كان للصلاة لهم ليتخذوا مكانه مصلى، والطعام تبع، ولهذا بدأ بالطعام قبل الصلاة (¬4)، ولكن يرده لام التعليل في قوله: لطعام. (فلأصلي لكم) روي بكسر اللام ونصب الياء في (أصلي) على أنها ¬

_ (¬1) في (م): أن تثبت. وفي (س، ص): أنها ست. (¬2) في (س): للتقليل منعته. (¬3) في (م): إلى وليمة. (¬4) في (م): الأكل. وفي (س): الأكل بالطعام قيد الصلاة.

لام كي والفاء زائدة كما في: زيد فمنطلق، وقيد (¬1) الفراء والأعلم (¬2) وجماعة جواز زيادتها يكون الخبر أمرًا أو نهيًا، وحمل عليه الزجاج {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ} (¬3) والنهي: زيد فلا تضربه (¬4). والفاء في قوله تعالى: {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُد} (¬5) زائدة عند الفارسي، وقدم المنصوب على الفاء إصلاحًا للفظ كيلا تقع الفاء صدرًا، وذهب الأخفش إلى أنه قياسي، وروي بكسر اللام وحذف الياء للجزم، لكن أكثر ما يجزم بلام الأمر الفعل المبني للفاعل إذا كان للغائب ظاهرًا (¬6) [كما في] (¬7) {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} (¬8) أو ضميرًا نحو: "مره فليراجعها" وأقل منه أن يكون مسندًا للضمير المتكلم نحو: {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} (¬9) ومثله في هذا الحديث: "فلأصلي لكم" وأقل من ذلك ضمير المخاطب، كقراءة: [فبذلك فلتفرحوا] (¬10) بتاء الخطاب. فإن قيل: في إسناده إلى ضمير المتكلم أمر الشخص نفسه، فهو مستحيل. قيل: أوله السهيلي بوجهين: ¬

_ (¬1) في (م): قد. (¬2) تكررت في (ص). (¬3) ص: 57. (¬4) في (ص): مقرابة. وفي (م): حصر به. (¬5) الزمر: 66. (¬6) "مغني اللبيب" (ص 219 - 220). (¬7) في (ص، س): كان. (¬8) الطلاق: 7. (¬9) العنكبوت: 12. (¬10) يونس: 58. وهي قراءة يعقوب من رواية رويس انظر: "تيسير التحبير" لابن الجزري (ص 400).

أحدهما: أن يكون من باب قوله تعالى: {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} (¬1) أف أمرٌ ومعناه الخبر. الثاني: أن يكون أمرًا بالائتمام لكنه أضافه إلى نفسه لارتباط فعله بفعلهم (¬2). ورواية ثالثة بفتح اللام من (لَأُصلي) والياء ساكنة وهي أبعد من الأوليين؛ لأن اللام تكون حينئذٍ جوابًا للقسم المحذوف فيلزمها نون التوكيد في الأشهر، قال البطليوسي: كثير من الناس يتوهمون في الكلام قسمًا وهو غلط؛ لأنه لا وجه للقسم ها هنا, ولو كان قسمًا لقال لأصلين، وإنما الرواية الصحيحة: (فلأصل) على معنى الأمر (¬3). وحكى صاحب "المطالع": فلنصل بالنون وكسر اللام الأولى (¬4) والجزم (¬5)؛ لأنه أمر للجميع (لكم) اللام فيه للتعليل، و (¬6) المراد: أَلا أصلي لتعليمكم وتبليغكم ما أمرني به ربي، وليس فيه تشريك في العبادة فيؤخذ منه أن المصلي [لا يضره] (¬7) أن يكون مع نية صلاته إرادة التعليم فإنه عبادة أخرى، ويدل على جواز (¬8) مثل هذا ما رواه ¬

_ (¬1) مريم: 75. (¬2) "فتح الباري" 1/ 584. (¬3) "مشكلات موطأ مالك" للبطليوسي (ص 87). (¬4) في جميع النسخ: آخره. والمثبت من "المطالع"، وانظر: "الفتح" 1/ 490. (¬5) "مطالع الأنوار" 4/ 584. (¬6) أقحم هنا بعد الواو في جميع النسخ كلمة: ليس. ولا معنى لها هنا. (¬7) في (ص، س، ل): مضره. والمثبت من (م). (¬8) من (م).

البخاري عن أبي قلابة: جاءنا مالك بن الحويرث في مسجدنا هذا فقال: إني لأصلي بكم وما أريد الصلاة (¬1)، وبوب عليه البخاري: باب من صلى بالناس وهو لا (¬2) يريد إلا أن يعلمهم. (قال أنس: فقمت إلى حصير) يحتمل (¬3) أن يكون فعيل بمعنى مفعول، وهي تطلق على ما عمل من سعف النخل والقصب والأسل المسمى سمار (¬4)، وغير ذلك، وجمعها حصر مثل بَريد وبُرُد بضم الباء والراء وتأنيثها بالهاء آخرها عامِّيٌّ (¬5) (لنا) يحتمل أن يكون الضمير له ولأبويه (قد اسود من طول ما لبس) فيه أن الافتراش يطلق عليه (¬6) لباس؛ لأن لبس كل شيء بحسبه وإن كان لا يسمى افتراش الحصير في العرف لباسًا (¬7) حتى لو حلف لا يلبس شيئًا لا يحنث بافتراش الحصير، أو لا يلبس ثوبًا فافترشه خلافًا لمالك (¬8)، واحتج بالحديث، والشافعية: لا يحنث (¬9)؛ لأن الأيمان مبناها (¬10) العرف، ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (677). (¬2) سقط من (م). (¬3) من (م). (¬4) في (م): سماد. (¬5) انظر: "المصباح المنير" [حصر]. (¬6) في (ص): على. (¬7) في (م): لبسًا. (¬8) انظر: "شرح النووي على صحيح مسلم" 5/ 163. (¬9) "شرح النووي على صحيح مسلم" 5/ 163. (¬10) في (ص): نشأها. وبياض في (ل).

وهذا لا يسمى في العرف لباسًا (¬1)، ويلزم على قاعدة مالك في رواية البخاري عن حذيفة: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لبس الحرير (¬2). أن يجوز الجلوس عليه وافتراش الحرير للنساء؛ لأن الافتراش لبس، ولهذا صحح النووي جواز افتراش الحرير للنساء (¬3)؛ لأنه يسمى لباسًا، وقد أحل لهن اللباس، وأصحهما عند الرافعي المنع؛ لأن اللباس العرفي في البدن (¬4)، وفي "المدخل" لابن الحاج المالكي أنه يجوز لها (¬5) استعمال ذلك خاصة، وأما زوجها فسمعت سيدي أبا محمد يقول: أنه لا يجوز له ذلك إلا على التبع لها فلا يدخل الفراش إلا بعد دخولها ولا يقيم في الفراش بعد قيامها، ويجب عليها أن توقظه إذا قامت أو تزيله عنه (¬6). (فنضحته) بفتح الضاد والحاء المهملة ومضارعه ينضحه بكسر الضاد، وهو الرَّشّ كما قال الجوهري (¬7)، وقيل: هو الغَسْل، وهذا (¬8) النضح يجوز أن يكون لأجل [تليينه وتهيئته] (¬9) للجلوس عليه فإنه كان ¬

_ (¬1) في (م): لبسًا. وبياض في (ل). (¬2) "صحيح البخاري" (5837). (¬3) "روضة الطالبين" 2/ 67. (¬4) "الشرح الكبير" للرافعي 5/ 34 - 35. (¬5) سقط من (م). (¬6) "المدخل" لابن الحاج 1/ 274. (¬7) "الصحاح" نضح. (¬8) في (م): هو. (¬9) في (ص): تلبسه وتهيئه. والمثبت من (م).

من جريد كما في مسلم (¬1)، واختاره النووي (¬2)، ويجوز أن يكون لطهارته وزوال ما يعرض من الشك في (¬3) نجاسته، ورجحه القاضي (¬4)، فإن احتراز الصبيان عن النجاسة بعيد ويؤيد هذا كون أبي عمير صاحب النُّغَيْر كان معهم طفلًا صغيرًا (بماء) مطلق غير مستعمل (وصففت) روي صفِفْتُ بضم الصاد على المفعول ووقع في "شرح (¬5) الوجيز" لابن يونس أنه الأرجح قال: لأنه متعدٍّ، وليس في اللفظ مفعوله، وجوابه أنَّ صف يستعمل لازمًا فيقال: صَفَفتُهم [فصفوا، وصف] (¬6) الطائر بسط جناحيه في طيرانه، وفي الحديث: "كل ما دفَّ ودع ما صفَّ" (¬7) أي: يؤكل ما يحرك جناحيه في طيرانه ويضرب بهما دفته أي جنبيه يعني جناحيه، كالحمام، ولا يؤكل ما صف جناحيه كالنسر والصقر. (أنا واليتيم) فيه شاهد على أنه لا يعطف على ضمير الرفع إلا بضمير منفصل يفصل بينهما وهو هنا أنا، واليتيم في الناس من قبل الأب وفي البهائم من قبل الأم، وحكى الماوردي أنه يقال في بني آدم أيضًا، وفعيل ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (659) (267). (¬2) "شرح النووي على مسلم" 5/ 164. (¬3) في (م): من. (¬4) "إكمال المعلم" 9/ 376: غريب. (¬5) في (م): شرحه. (¬6) في (ص): فصفف أو صف. (¬7) ذكره الخطابي في "غريب الحديث" 3/ 212، وقال ابن الملقن في "البدر المنير" 9/ 376: غريب، وقال الحافظ في "التلخيص" 4/ 154: لم أر من خرجه.

فيه لغير المبالغة، وكذلك فعول في عجوز والألف واللام في اليتيم للعهد الذهني باعتبار راوي الحديث ومرويه (¬1) وإلا فلم يتقدم له ذكر، واليتيم هو ضميرة بن أبي ضميرة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو جد حسين بن عبد الله بن أبي (¬2) ضميرة (وراءه) فيه صحة صلاة الصبي المميز، وأن للصبي موقفًا في الصف، وهو الصحيح من مذهبنا (¬3)، وقول الجمهور، وعن أحمد كراهيته (¬4)، وروي عن عمر أنه كان إذا أبصر صبيًّا في الصف أخرجه (¬5)، ونحوه عن بعض السلف، وهو محمول على صبي لا يعقل الصلاة، وفيه أن الاثنين يكونان صفّا، وراء الإِمام صفًّا وهو مذهب العلماء إلا ابن مسعود وأبا حنيفة والكوفيون؛ فإنهم قالوا: يكونان عن يمينه (¬6) ويساره (¬7)، واستدل بحديث عنه أجوبة. (والعجوز (¬8) من ورائنا) [العجوز هي مليكة المذكورة] (¬9) فيه أن موقف المرأة في الصلاة وراء الصبي؛ فإنها إذا لم يكن معها امرأة (¬10) ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): عروبة. (¬2) سقط من (س، ل، م). (¬3) "المجموع" 5/ 227. (¬4) "الإنصاف" 2/ 200. (¬5) "مصنف ابن أبي شيبة" (4192) عن عمر - رضي الله عنه -، وهو منقطع. (¬6) من (م). (¬7) "المبسوط" للسرخسي 1/ 76. ومذهب أبي حنيفة أن الاثنين يقفان خلف الإِمام، وإن قام في وسطهما جاز. (¬8) في (م): عجوز. (¬9) سقط من (م). (¬10) سقط من (م).

تقف وحدها، وهذا لا خلاف فيه، ويجوز أن يستدل به على أن المرأة لا تؤم الرجال؛ لأن مقامها في الائتمام متأخر عن مرتبتهم (¬1) فكيف تتقدم أمامه، هذا مذهب الجمهور خلافًا للطبري وأبي ثور؛ فإنهما أجازا إمامة المرأة للرجال والنساء (¬2). (فصلى لنا ركعتين) أدخل مالك هذا الحديث في ترجمة باب جامع سبحة الضحى، واستدل به عياض بذلك، وقال الباجي: حديث أنس أنه لم ير النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي الضحى إلا مرة واحدة في دار رجل من الأنصار سأله أن يصلي فيه ليتخذ مكانه مصلى، وقد يجمع بينه وبين [هذا بأن] (¬3) يقال: لعل مالكًا بلغه أن صلاته في دار مليكة كانت ضحى، ويحتمل أن يكون مالك لم يبلغه ذلك ولكن لما كانت صلاة الضحى نافلة عبر عنها بصلاة الضحى، وجعلها تنوب عنها (¬4). قال صاحب العشر (¬5): إنما أخذ مالك أنها صلاة الضحى؛ لأن الظاهر أن الصلاة كانت في وقت الغداء للدعوة عند تناول الغداء، وعلى هذا فيؤخذ منه أن صلاة الضحى تحصل [فضيلتها بركعتين] (¬6) (ثم انصرف - صلى الله عليه وسلم -) يحتمل الانصراف من البيت، ورجحه ابن دقيق العيد، ويحتمل وهو الظاهر المراد من الانصراف ¬

_ (¬1) في (س): من بينهم. (¬2) أجاز لها فقط في صلاة التراويح، إذا لم يكن هناك قارئ غيرها، انظر: "حلية العلماء" للقفال 2/ 170. (¬3) من (م)، وفي بقية النسخ: هذان. (¬4) "المنتقى" 1/ 274. (¬5) كذا في (ص، م)، وفي (س): العين. وبياض في (ل) ولم أقف على هذا النص. (¬6) في (م): فضلها ركعتين. وفي (س): فضلها بركعتين.

من الصلاة بناء على أن السلام (¬1) لا يدخل تحت مسمى الصلاة (¬2) عند أبي حنيفة (¬3)، وأما على رأي غيره فيكون الانصراف عبارة عن التحلل، ويؤيده الحديث الآخر: "لا تسبقوني بالركوع ولا بالانصراف" (¬4) يعني السلام، فيكون أراد بالانصراف السلام. [613] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: ثنا [محمد بن] (¬5) فضيل) بن غزوان الضبي الحافظ (عن هارون بن عنيزة) (¬6) بن (¬7) عبد الرحمن الشيباني، وثقه أحمد (¬8) وابن معين (¬9) (عن عبد الرحمن بن الأسود) أحد فقهاء التابعين (عن أبيه) الأسود بن يزيد النخعي (قال: استأذن علقمة) بن يزيد (و (¬10) الأسود) النخعي (على عبد الله) بن مسعود، وكان يقرأ القرآن على ابن مسعود - رضي الله عنه - (وقد كنا) قد هنا للتوقع كما أثبته الأكثرون، لقوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا}؛ لأنها كانت تتوقع إجابة الله تعالى لدعائها وأنكر بعضهم كونها للتوقع ¬

_ (¬1) من (م). وفي بقية النسخ: الكلام. (¬2) من (م). وفي بقية النسخ: السلام. (¬3) إذ السلام عنده ليس هو ركن من أركان الصلاة، بل هو علامة انقضائها، انظر: "المبسوط" للسرخسي 1/ 230. (¬4) طرف حديث أخرجه أحمد 3/ 102، ومسلم (112) (426) وغيرهما. (¬5) من (س، ل، م). (¬6) من (ل، م). (¬7) في (س): عن. (¬8) "سؤالات أبي داود لأحمد" (369). (¬9) "تهذيب الكمال" 30/ 101. (¬10) من (م). وفي باقي النسخ: بن.

مع الماضي، وقال: التوقع انتظار الوقوع (¬1)، والماضي قد وقع، ويرد هذا أنها تدل على أن (¬2) الفعل الماضي كان قبل الإخبار متوقعًا. كما أخبر الأسود أنه كان يتوقع الإذن لا (¬3) أنه الآن متوقع، وعبارة ابن مالك في ذلك حسنة؛ فإنه قال: إنها تدخل على ماضٍ متوقع ولم يقل أنها تفيد التوقع (¬4). (أطلنا القعود على بابه) ليؤذن لنا (فخرجت الجارية فاستأذنت لهما) فيه أنه لا بأس بالكبير أن يكون له جارية تخدمه وتعينه على العبادة وتستأذن له في الباب ليتوفر عنه الظهور كل وقت وعلى زوجته من مخاطبة الأجانب وغير ذلك (فأذن) لها أن تأذن (لهما) فدخلا (ثم قام فصلى) فيه وجوب القيام في الصلاة للقادر (بيني وبينه) أي: بين علقمة بن يزيد حتى (¬5) دخل وقت الصلاة. (ثم قال: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل) احتج به أبو حنيفة والكوفيون أن الإِمام إذا كان خلفه ذَكَرَانِ يكون أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره (¬6)، وقد يحتج أيضًا بما رواه المصنف: "وسِّطوا الإِمام وسدوا الخلل" (¬7)، ورأى الشافعي أن هذا منسوخ بحديث أنس ¬

_ (¬1) من (س، م). وفي باقي النسخ: الموقوع. (¬2) من (م). (¬3) في (م): إلا. (¬4) انظر: "مغني اللبيب" ص 228. (¬5) من (م). وفي باقي النسخ: حين. (¬6) "شرح فتح القدير" 1/ 355 - 356. (¬7) أخرجه المصنف (681)، وسيأتي تخريجه إن شاء الله تعالى.

المتفق على صحته: صليت أنا ويتيم خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتنا وأم سليم خلفنا (¬1). ويعضده ما (¬2) رواه مسلم من حديث جابر (¬3): صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقمت عن يمينه [ثم جاء] (¬4) آخر فقام عن يساره فدفعنا جميعًا (¬5) حتى أقامنا خلفه. وسمى الآخر جبار (¬6) بن صخر. فرأى الشافعي حديث أنس ناسخًا لحديث ابن مسعود، قال إمام الحرمين: وثبت عنده تأخر هذا الفعل -والله أعلم- قال: وفي بعض كلامه تقديم رواية أنس؛ لأنه كان في حجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ ذاك فرأى (¬7) روايته أثبت والله أعلم. ¬

_ (¬1) "الأم" 7/ 185 ط دار المعرفة. (¬2) في (م): بما. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ص): مخرجا. (¬5) من (م). وفي بقية النسخ: جمعنا. (¬6) في (ص): حياب. (¬7) من (س، م). وفي باقي النسخ: برأي.

72 - باب الإمام ينحرف بعد التسليم

72 - باب الإِمامِ يَنْحَرِفُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ 614 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى عَنْ سُفْيانَ حَدَّثَنِي يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ الأسوَدِ، عَنْ أَبِيهِ قال: صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فكانَ إِذا انْصَرَفَ انْحَرَفَ (¬1). 615 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ رافِعٍ، حَدَّثَنا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنا مِسْعَرٌ، عَنْ ثابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ البَراءِ، عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ قال: كُنّا إِذا صَلَّينا خَلْفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحْبَبْنا أَنْ نَكونَ عَنْ يَمِينِهِ فَيُقْبِلُ عَلَيْنا بِوَجْهِهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬2). * * * باب الإِمام ينحرف بعد التسليم [614] (ثنا مسدد قال: ثنا يحيى القطان، عن سفيان قال: حدثني يعلى بن عطاء) العامري (¬3)، نزيل واسط، أخرج له مسلم (عن جابر بن يزيد بن الأسود) السوائي، ويقال: الخزاعي (¬4)، وثقه النسائي (¬5) (عن أبيه) يزيد بن الأسود - رضي الله عنه - قال (¬6): (صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكان ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (219)، والنسائي 3/ 67، وأحمد 4/ 161. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (627). (¬2) رواه مسلم (709). (¬3) في (ص): الغامدي. (¬4) في (م): هنا زيادة مقحمة: قال محمد بن عبد الله بن الحكم: سمعت الشافعي يقول: قال سفيان لشعبة: لئن ... ثم بتر الكلام. وتمامه: لئن تكلمنا في جابر الجعفي لأتكلمن فيك. والظاهر أن المصنف خلط بين جابر الجعفي وبين السوائي وليست هذه الزيادة في النسخ الأخرى. (¬5) "تهذيب الكمال" (878). (¬6) سقط من (م).

إذا انصرف) أي من صلاته بالسلام (انحرف) أي: مال عن شقه الأيمن أو الأيسر، وروى ابن حبان عن قبيصة بن هلب رجل من طيء، عن أبيه: أنه صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان ينصرف عن شقيه (¬1). قال أصحابنا: إذا أراد أن ينفتل في المحراب ويقبل على الناس للذكر والدعاء وغيرهما جاز أن ينفتل كيف شاء، وأما الأفضل فقال البغوي: الأفضل أن ينفتل عن يمينه (¬2)، وفي كيفيته وجهان سيأتيان في الحديث بعده. [615] (ثنا محمد بن رافع قال: ثنا أبو أحمد) محمد بن عبد الله بن الزبير (قال: ثنا مسعر، عن ثابت بن عبيد) الكوفي مولى زيد بن ثابت، روى له مسلم. (عن عبيد بن البراء) بن عازب (عن) أبيه (البراء) بن عازب - رضي الله عنهما -. (قال: كنا إذا صلينا خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - أحببنا أن نكون عن يمينه فيقبل (¬3) (بالنصب على العطف (علينا) إذا سلم (بوجهه - صلى الله عليه وسلم -) لنظفر برؤيته. تقدم أن الأفضل أن ينفتل الإِمام عن يمينه لحديث: أنه كان يحب التيامن ما استطاع (¬4). وفي كيفيته وجهان، أحدهما -وبه قال أبو حنيفة-: يدخل يمينه في المحراب ويساره إلى الناس، ويجلس على يمين المحراب، والثاني وهو الأصح: يدخل يساره في المحراب ¬

_ (¬1) وكذا أخرجه المصنف (1041) وسيأتي تخريجه إن شاء الله. (¬2) "شرح السنة" 3/ 213. (¬3) في (ص، س): فيقتل. وفي (م): فينفتل. (¬4) سيأتي تخريجه إن شاء الله.

ويمينه إلى القوم ويجلس على يسار المحراب (¬1)، وجزم البغوي في "شَرح السُّنَّة" بالثاني (¬2)، واستدل له بهذا الحديث رواية (¬3) مسلم، وفي آخره: فسمعته يقول: "رب قني عذابك يوم تبعث أو تجمع عبادك" (¬4) فإذا انصرف فينصرف في جهة حاجته أي جهة كانت، وإن لم يكن له حاجة كان جهة اليمين أولى. قال السبكي: وليس تخصيص (¬5) جهة بسنة، وروى ابن حبان بسنده عن ابن مسعود: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان عامة ما ينصرف من الصلاة عن يساره إلى الحجرات (¬6)، وبوب عليه: باب ذكر العلة التي من أجلها كان المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ينصرف من صلاته عن يساره، والله سبحانه وتعالى أعلم. ¬

_ (¬1) "المجموع" 3/ 490. (¬2) "شرح السنة" 3/ 213. (¬3) في (م): رواه. (¬4) مسلم (709). (¬5) في (ص): تخصص. (¬6) "صحيح ابن حبان" (1999).

73 - باب الإمام يتطوع في مكانه

73 - باب الإمامِ يتطَوَّعُ في مَكانه 616 - حَدَّثَنا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نافِعٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَريزِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ القُرَشِيُّ، حَدَّثَنا عطَاءٌ الخُراسانِيُّ، عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُصَلِّي الإِمامُ في المَوْضِعِ الذِي صَلَّى فِيهِ حَتَّى يَتَحَوَّلَ". قال أبو داوُدَ: عطَاءٌ الخُراسانيُّ لَمْ يُدْرِكِ المغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ (¬1). * * * باب الإِمام يتطوع في مكانه [616] (ثنا أبو توبة الربيع بن نافع قال: ثنا عبد العزيز بن عبد الملك) [القرشي تفرد] (¬2) عنه أبو توبة الحلبي فقط (قال: ثنا عطاء) بن أبي مسلم (الخراساني) واسم أبي مسلم عبد الله، وهو مولى المهلب بن أبي صفرة، روى له مسلم في الجنائز (عن المغيرة بن شعبة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يصل الإمام في الموضع الذي صلى فيه حتى يتحول) منه. قال أصحابنا: إن لم يرجع المصلي إلى بيته وأراد التنفل في المسجد فيستحب أن ينتقل عن موضعه قليلًا لتكثر مواضع سجوده، هكذا علله البغوي وغيره (¬3)؛ لأن مواضع السجود تشهد له كما في قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4)} (¬4) أي تخبر بما عمل عليها، وورد في تفسير قوله تعالى: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ} (¬5) أن المؤمن إذا ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (1428). وصححه الألباني بشواهده في "صحيح أبي داود" (629). (¬2) في (ص): القرشي يعدل. وفي (م): المقدسي تفرد. والمثبت من (س). (¬3) "المجموع" 3/ 491. (¬4) الزلزلة: 4. (¬5) الدخان: 29.

مات بكى عليه مصلاه من الأرض، ومصعد عمله من السماء، قيل: وعلامة البكاء احمرار السماء عند موته، وهذِه العلة تقتضي أن ينتقل أيضًا إلى الفرض من موضع نفله، وأن ينتقل لكل صلاة يفتتحها من إفراد النوافل كالضحى والتراويح فإن لم ينتقل المصلي إلى موضع آخر فينبغي أن يفصل بين الفريضة والنافلة بكلام إنسان (¬1). واستدل له البيهقي وآخرون (¬2) بحديث عمر بن عطاء، أن نافع بن جبير أرسله إلى السائب ابن أخت نمر فسأله عن شيء رآه منه معاوية في الصلاة قال: نعم، صليت معه الجمعة في المقصورة فلما سلم الإِمام قمت في مقامي فصليت، فلما دخل أرسل إلى فقال: لا تعد لما فعلت "إذا صليت الجمعة فلا تصلها (¬3) بصلاة حتى تتكلم أو تخرج، [فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا بذلك أن لا نوصل صلاة حتى نتكلم أو نخرج] (¬4). رواه مسلم (¬5). و(عطاء الخراساني لم يدرك المغيرة بن شعبة) فإن عطاء مات سنة 135، قال الخطيب: مات المغيرة سنة خمسين (¬6)، أجمع العلماء على ذلك، وعلى تقدير الانقطاع فالعمدة في ذلك رواية مسلم المتقدمة، والله أعلم. ¬

_ (¬1) في (م): الناس. (¬2) في (م): آخران. (¬3) في (ص): تصل. (¬4) سقط من (م). (¬5) "صحيح مسلم" (883) (73). (¬6) "تاريخ بغداد" 1/ 193.

74 - باب الإمام يحدث بعد ما يرفع رأسه من آخر الركعة

74 - باب الإِمامِ يُحْدثُ بَعْد ما يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ آخِرِ الرَّكْعَة 617 - حدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا زُهَيْرُ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيادِ بْنِ أَنْعُمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رافِع وَبَكْرِ بْنِ سَوادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذا قَضَى الإِمامُ الصَّلاةَ وَقَعَدَ فَأَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلاتُهُ وَمَنْ كانَ خَلْفَهُ مِمَّنْ أَتَمَّ الصَّلاةَ" (¬1). * * * باب الإِمام يحدث بعد ما يرفع رأسه [617] (ثنا أحمد بن يونس قال: ثنا زهير قال: ثنا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم) الشعباني قاضي أفريقية، قال الترمذي: رأيت البخاري يقوي أمره (¬2)، (عن عبد الرحمن بن رافع) التنوخي قاضي أفريقية (وبكر بن سوادة) بتخفيف الواو ابن ثمامة الجذامي، روى له مسلم والبخاري تعليقًا. (عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا قضى الإِمام الصلاة وقعد فأحدث قبل أن يتكلم) أي يسلم أو يتكلم بشيء من كلام الآدميين (فقد تمت صلاته) احتج به أبو حنيفة على أن السلام آخر الصلاة غير واجب، بل يجوز أن يخرج من الصلاة بكل ما ينافيها من سلام أو كلام أو قيام أو قعود (¬3) وبأن السلام خطاب خاص ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (408). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (95). (¬2) "جامع الترمذي" 1/ 384. (¬3) في (ل، م): فعل.

للحاضرين فلا يجب كالتسليمة الثانية (¬1)، وأجاب الشافعية عنه بأن بكر (¬2) بن سوادة لم يلق عبد الله بن عمرو وعبد الله بن رافع مجهول (¬3). قال البيهقي: هذا الحديث كان قبل أن يشرع التشهد في الصلاة، والصلاة (¬4) على النبي - صلى الله عليه وسلم - والتحلل منها بالتسليم، ثم صار منسوخًا، قال: والدليل على صحة ذلك الرواية الثانية (¬5) عن عطاء بن أبي رباح: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قعد في آخر صلاته قدر التشهد أقبل على الناس بوجهه وذلك قبل أن ينزل التسليم (¬6). قال الشيخ أبو إسحاق في "النكت": يحتمل أنه أراد: وأتى بالتشهد والسلام، وعبّر عن ذلك كله بالقعود؛ لأنه محل له، وقولهم في الرواية التي رووها قبل أن يسلم، فالمراد به التسليمة الثانية، قال: وقولهم الحديث (¬7) ينافي الصلاة [جاز أن] (¬8) يتحلل بفعله منها كالسلام. قلنا: لا نسلم، بل السلام ركن من أركانها، وإنما قلنا تبطل الصلاة (¬9) إذا وُجِد في أثنائها؛ لأنه قدم ركنًا على ركن. قال ابن الرفعة: إن صح ¬

_ (¬1) انظر: "المبسوط" للشيباني 1/ 175. (¬2) في (س): بنت! (¬3) "المجموع" 3/ 463. (¬4) سقط من (م). (¬5) في (س): الثابتة. (¬6) "السنن الكبرى" 2/ 175 - 176. (¬7) في (ص، ل): الحدث. (¬8) من (م)، وفي بقية النسخ: إذا وجد. (¬9) من (س، م).

هذا الحديث فهو محمول على ما بعد التسليمة الأولى وقبل الثانية والفرق بين الثانية والأولى أنه لما لم تجب ما يقوم مقام الثانية لم يجب، وليس كذلك الأولى (¬1). (ومن كان خلفه) منصوب، أي: من المقتدين به (ممن أتم الصلاة) والتقدير: فقد تمت صلاته وصلاة من خلفه ممن أتم صلاته. ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: الثانية، والصواب ما أثبتناه. وانظر: "الحاوي" 2/ 144.

75 - باب في تحريم الصلاة وتحليلها

75 - باب في تحْرِيمِ الصَّلاة وتَحْليلِها 618 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا وكيع عَنْ سُفْيانَ، عَنِ ابن عَقِيلِ عَنْ مُحَمَّدِ ابن الحنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مِفْتاحُ الصَّلاةِ الطُّهُورُ وَتَحْرِيمُها التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُها التَّسْلِيمُ" (¬1). [618] (ثنا عثمان بن أبي شيبة قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن) عبد الله بن محمد (ابن عقيل) بن أبي طالب الهاشمي، قال الترمذي: سمعت محمد بن إسماعيل: كان أحمد بن حنبل وإسحاق والحميدي يحتجون بحديث ابن عقيل (¬2) عن خاله. (عن محمد ابن الحنفية، عن علي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مفتاح الصلاة الطهور) بضم الطاء المصدر يعني التطهر، وهو استعارة لطيفة، وذلك أن الحدث لما منع من الصلاة شبهه بالغلق على الباب المانع من دخوله ونحوها والطهور لما رفع الحدث المانع، وكان سببًا للدخول في الصلاة، شبهه بالمفتاح الذي يفتح به الغلق، وقال أبو نعيم في كتاب الصلاة: ثنا زهير، ثنا أبو إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله فذكره بلفظ: مفتاح الصلاة التكبير وانقضاؤها التسليم (¬3) وإسناده صحيح وهو موقوف. (وتحريمها التكبير) قال الأزهري وغيره: سمي التكبير تحريمًا من ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 123. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (55, 630). (¬2) "جامع الترمذي" 1/ 9. (¬3) "فضائل الصلاة" لأبي نعيم (2).

قولك: حرمت فلانًا كذا وأحرمته إذا منعته إياه (¬1)، وأحرم الرجل إذا أدخل نفسه في شيء حرم عليه به ما كان حلالًا له (¬2) كما يقال: أنجد إذا أتى نجدًا، وكذلك المصلي بالتكبير بالإحرام بالصلاة صار ممنوعًا من محرمات الصلاة كالأفعال والخطوات الكثيرة وكلام الآدميين، قيل للتكبير: تحريم لمنعه المصلي من هذِه الأشياء. (وتحليلها التسليم) أي: يدخل بالسلام في حل ما كان حرامًا عليه، ويباح له ما كان ممنوعًا منه، كما يحل المحرم بالتقصير من شعره وغيره من إحرامه ويخرج منه (¬3) بذلك، ويباح له ما كان حرامًا عليه، وقد استدل أصحابنا بهذا الحديث على أن تعيين (¬4) لفظي التكبير والتسليم دون غيرهما (¬5) خلافًا للحنفية لاعتقادهم أن الحديث من قبيل المفهوم، وهو غير حجة (¬6)، ودفعه (¬7) إمام الحرمين بأن التعيين (¬8) مستفاد من الحصر المدلول (¬9) عليه بالمبتدأ والخبر، فإن التحريم منحصر في التكبير والتحليل منحصر في التسليم، كانحصار زيد في صداقتك، إذا ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) انظر: "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" 1/ 85. (¬3) في (س): له. (¬4) في (س): نفس. (¬5) "الأم" 1/ 199. (¬6) "البحر الرائق" 1/ 323. (¬7) في (ص): أزيفه. وفي (س): أرفعه. ولعلها: أرجعه. (¬8) في (س): النفس. (¬9) من (م). وفي بقية النسخ: المذكور.

قلت: صديقي زيد (¬1)، وقرره (¬2) الشيخ شهاب الدين ابن النحاس بأن المبتدأ لا يكون أعم من الخبر، لا تقول: الحيوان إنسان، وإذا قلت: زيد صديقي لم يكن حصرًا؛ لأنَّ الخبر يكون أعم من المبتدأ فلا تنحصر الصداقة في زيد بخلاف قولك: صديقي زيد، والله أعلم (¬3). ¬

_ (¬1) "البرهان في أصول الفقه" للجويني 1/ 317. (¬2) في (م): قدره. (¬3) انظر: "شرح الكوكب المنير" 3/ 519.

76 - باب ما يؤمر به المأموم من اتباع الإمام

76 - باب ما يُؤْمَرُ بِهِ المَأْمُومُ مِنَ اتباع الإِمامِ 619 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنِ ابن عَجْلانَ حَدَّثَنِي محَمَّد بْن يَحْيَى بْنِ حَبّانَ، عَنِ ابن مُحَيْرِيزٍ عَنْ مُعاوَيةَ بنِ أَبي سُفْيانَ قال: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُبادِرُوني بِرُكُوعٍ وَلا بِسُجُودٍ، فَإِنَّهُ مَهْما أَسْبِقْكُمْ بِهِ إِذا رَكعْتُ تُدْرِكُوني بِهِ إِذا رَفَعْتُ إِنِّي قدْ بَدَّنْتُ" (¬1). 620 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْن عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحاقَ قال: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ يَزِيدَ الخَطْمِي يخطبُ النّاسَ قال: حَدَّثَنا البَراءُ -وَهُوَ غَيْرُ كَذُوبٍ- أَنَّهُم كانُوا إِذا رَفَعُوا رؤوسَهمْ مِنَ الرّكُوعِ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قامُوا قِيامًا فَإذا رَأَوْه قَدْ سَجَدَ سَجَدوا (¬2). 621 - حَدَّثَنا زُهَيْرُ بْن حَرْبٍ وَهارُون بْن مَعْرُوفٍ -الْمَعْنَى- قالا: حَدَّثَنا سُفْيان، عَنْ أَبانَ بْنِ تَغْلِبَ -قال أَبُو داوُدَ: قال زهَيْرٌ: حَدَّثَنا الكوفِيّونَ أَبان وَغَيْرُهُ- عَنِ الحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي لَيْلَى، عَنِ البَراءِ قال: كُنّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلا يحنو أحدٌ مِنّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَرَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَضَعُ (¬3). 622 - حَدَّثَنا الرَّبِيعُ بْن نافِعٍ، حَدَّثَنا أَبُو إِسْحاقَ -يَعْنِي الفَزارِيَّ- عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنْ مُحارِبِ بْنِ دِثارٍ قال: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ يَزِيدَ يَقول عَلَى الِمنْبَرِ: حَدَّثَنِي البَراءُ أَنَّهُمْ كانوا يُصَلُّونَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَإِذا رَكَعَ رَكَعُوا وَإذا قال: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ". لَمْ نَزَلْ قِيامًا حَتَّى يَرَوْهُ قَدْ وَضَعَ جَبهَتَهُ بِالأرْضِ ثمَّ يَتَّبِعُونَهُ - صلى الله عليه وسلم - (¬4). ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (963)، وأحمد 4/ 92، 98. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (631). (¬2) رواه البخاري (690، 747)، ومسلم (474). (¬3) رواه مسلم (474/ 200). (¬4) رواه مسلم (474/ 199).

باب ما يؤمر المأموم من اتباع الإِمام [169] (ثنا مسدد، ثنا يحيى) القطان (عن) محمد (بن عجلان) القرشي (¬1)، روى له مسلم والبخاري تعليقًا. (قال: حدثني محمد بن يحيى بن حبان) بفتح مهملة الحاء وتشديد الموحدة، ابن منقذ الأنصاري الفقيه (¬2)، كان له حلقة في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحدث ويفتي (عن) عبد الله (بن محيريز) (¬3) الجمحي المكي (عن معاوية بن أبي سفيان) صخر بن حرب وهو وأبوه من مسلمة الفتح. (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تبادروني بركوع ولا سجود فإنه) هو ضمير الشأن والقصة (مهما) اسم يعود الضمير عليه في به، وقال بعضهم: إنها ضمير زمان، والمعنى: أي وقت، وزعم السهيلي أنها حرف (¬4)؛ لأنها بمعنى أن، وأنها لا محل (¬5) لها، والصحيح أنها اسم يحتمل أن يكون مبتدأ وما بعده الخبر، وأنها بسيطة لا مركبة من مه وما الشرطية، ولا من ما الشرطية وما الزائدة، وهي تجزم الشرط والجزاء، وعلى القول بأنها (¬6) ظرفية فهي ظرف لفعل الشرط الذي هو ¬

_ (¬1) في (م): المقدسي. (¬2) من (م). (¬3) في (ص): بكير بن. والمثبت من (ل، م). (¬4) "شرح قطر الندى" (ص 37). (¬5) في (ص، ل): محمل. (¬6) من (ل، م). وفي بقية النسخ: فإنها.

(أسبقكم) وهو بجزم (¬1) القاف شرط مهما (به) متعلق بأسبق (إذا ركعت) أي حين أركع (تدركوني) بضم أوله مجزوم جواب الشرط وعلامة الجزم حذف النون الأولى أصله تدركونني بنونين. (إذا رفعت) رأسي زاد أحمد وابن ماجه: "ومهما (¬2) أسبقكم به إذا سجدت تدركوني به إذا رفعت" (¬3)، ورواه ابن حبان من حديث معاوية (¬4). (إني قد (¬5) بدنت) روي بتشديد الدال وتخفيفها، فمن قرأ بدَّنْت بالتشديد فمن قولهم: بَدَّنَ الرجل إذا كبر وأسن، أو ثقلت حركته (¬6) من السّن (¬7)، ومن قرأ بتخفيفها فيفتح الدال من قولهم بدن الرجل بدونًا كقعد قعودًا إذا عظم بدنه بكثرة لحمه ويقال: بدن بضم الدال كضخم ضخامة وأنكر ابن دريد وغيره التخفيف؛ لأن معناه عظم بدنه [ولم تكن هذِه صفته - صلى الله عليه وسلم -] (¬8)، وفي حديث عائشة ما يصحح الوجهين؛ وذلك قولها: فلما أسن وأخذه اللحم (¬9)، ومن صفات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه بادن (¬10)، وفسر بالعظيم (¬11) البدن. قال ابن الأثير: لما قال: بادن ¬

_ (¬1) من (ل). وفي بقية النسخ: بحرف. (¬2) في (س): وهما. (¬3) "مسند أحمد" 4/ 92، و"سنن ابن ماجه" (963). (¬4) "صحيح ابن حبان" (2229). (¬5) من (م). (¬6) في (س): فمركبة. (¬7) في (ص): الشيب. (¬8) سقط من (م). (¬9) رواه الترمذي في "الشمائل" (8) من حديث هند بن أبي هالة. (¬10) رواه مسلم (746) وسيأتي برقم (1342). (¬11) في (ص، س): بالعظم.

أردفه بمتماسك، وهو الذي يمسك بعض أعضائه بعضًا فهو معتدل الخلق (¬1). وفسر المتماسك اللحم بالذي هو غير مسترخيه، وفي الحديث النهي عن مسابقة الإِمام فإن سبقه بالتحرم لم تنعقد صلاته، أو بالفاتحة أو بالتشهد لم يضره، وإن سبقه بركنين عامدًا بطلت صلاته إن كانا فعليين، وإن سبقه بركوع أو سجود أو مما هو دون الركنين الفعليين لم تبطل، ويحكى عن نص الشافعي؛ لأنها مخالفة يسيرة، وصرح صاحب "التتمة" و"التهذيب" أن ذلك حرام، لورود النهي عنه، ومقتضى الحديث (¬2) أن مبادرته بركوع أو سجود حرام. [620] (ثنا حفص بن عمر قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق) السبيعي (قال: سمعت عبد الله بن يزيد الخطمي) بفتح الخاء المعجمة وسكون الطاء نسبة إلى بطن من الأوس، وكان عبد الله أميرًا على الكوفة في زمن ابن الزبير (يخطب الناس قال: ثنا البراء) بن عازب - رضي الله عنهما -، وأبو إسحاق معروف بالرواية عن البراء، لكنه سمع هذا الحديث هنا بواسطة عبد الله وفيه لطيفة، وهو رواية صحابي عن صحابي، كلاهما من الأنصار ثم من الأوس، وكلاهما سكن الكوفة. (وهو غير كذوب) الظاهر أنه من كلام عبد الله بن يزيد، وعلى ذلك جرى الحميدي في "جمعه" (¬3)، وصاحب "العمدة" (¬4)، لكن روى عباس (¬5) الدوري في "تاريخه" عن يحيى بن معين أنه قال: قوله: غير ¬

_ (¬1) "النهاية" لابن الأثير (بدن). (¬2) "الجمع بين الصحيحين" (846). (¬3) "عمدة الأحكام" (82). (¬4) من (م). (¬5) في (ص، ل): عياش.

كذوب إنما يريد عبد الله بن يزيد الراوي لا البراء، ولا يقال لرجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه غير كذوب؛ لأن هذِه العبارة إنما تحسن لمشكوك في عدالته (¬1). قال عياض (¬2) وتبعه النووي: لا وصم في هذا على الصحابي؛ لأنه لم يرد به التعديل، وإنما أراد به تقوية الحديث، ومثل هذا قول أبي مسلم الخولاني: حدثني الحبيب الأمين، وقد قال ابن مسعود وأبو هريرة: [حدثنا الصادق المصدوق] (¬3) وهذا تنبيه على صحة الحديث لا على أن قائله قصد به تعديل (¬4)، وروى الطبراني في: "مسند عبد الله بن يزيد" سبب قول البراء هذا الحديث الآتي فأخرج من طريقه أنه كان يصلي بالناس بالكوفة فكان الناس يضعون رؤوسهم قبل أن يضع رأسه ويرفعون قبل أن يرفع رأسه (¬5)، فذكر هذا الحديث في إنكاره عليهم. (أنهم كانوا إذا رفعوا رؤوسهم من الركوع (¬6) مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) حين يقول سمع الله لمن حمده (قاموا قيامًا) فلم يزالوا قيامًا (فإذا رأوه قد سجد سجدوا) استدل به ابن الجوزي على أن المأموم لا يشرع في الركوع (¬7) ¬

_ (¬1) "تاريخ ابن معين" رواية الدوري 3/ 518، وانظر: "فتح الباري" 2/ 181. (¬2) ساقطة من جميع النسخ، وأثبتناها من المصادر. (¬3) في (ص، ل، م): عياش. وفي (س): ابن عياض. والمثبت من "فتح الباري". (¬4) "إكمال المعلم" 2/ 389، "شرح مسلم للنووي" 4/ 190، وانظر: "فتح الباري" 2/ 181. (¬5) أخرجه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" 1/ 66 - 67 من طريق الطبراني وفي آخره: أيها الناس لم تأثمون وتؤثمون؟ صليت بكم صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لا أخرم عنها. (¬6) في "الفتح": الركن. (¬7) أقحم هنا في (ص، س، ل): عند.

حتى يتمه الإِمام (¬1). وفيه جواز النظر إلى إمامه لاتباعه في انتقالاته وكذا يجوز نظر المأموم إلى بعض الصفوف الذين خلف الإِمام. [621] (ثنا زهير بن حرب وهارون بن معروف) أبو علي المروزي الضرير، روى عنه مسلم والبخاري عن رجل عنه (المعنى قالا: ثنا سفيان، عن أبان بن تغلب) لا ينصرف للتعريف، ووزن الفعل الربعي الكوفي، روى له مسلم [تلقن القرآن من] (¬2) الأعمش، وعرض على عاصم (قال زهير) -دون هارون- (ثنا الكوفيون أبان وغيره، عن الحكم) بن عتيبة بفتح المثناة فوق، مصغر عتبة، ابن النهاس (¬3) الكوفي، روى له الشيخان (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء - رضي الله عنه - قال: كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا يحنو) بفتح المثناة تحت وسكون الحاء المهملة، أي: يثني من حنَيت (¬4) العود إذا ثنيته، وفي رواية البخاري: لم يحن (¬5)، بكسر النون وحذف الياء للجزم وهما لغتان صحيحتان يقال: حنيت الشيء وحنوته لغتان. (أحد منا ظهره) لركوع أو سجود (حتى يرى النبي - صلى الله عليه وسلم - يضع) أي جبهته على الأرض كما في البخاري (¬6)، وكما سيأتي، وفي رواية لأحمد حتى ¬

_ (¬1) "فتح الباري" 2/ 182. (¬2) في (ص): زمن. (¬3) في جميع النسخ: ابن النحاس. وهو خطأ، وابن النهاس الكوفي غير الذي معنا هنا؛ فابن النهاس قاضي الكوفة لم يرو له شيء من الحديث. وقد خلط بينهما عدد من الأئمة. انظر: "التاريخ الكبير" 2/ 332، "الجرح والتعديل" 3/ 123 - 125، "تهذيب الكمال" 7/ 114. (¬4) في (ص): حنين. (¬5) "صحيح البخاري" (690) من طريق عبد الله بن يزيد عن البراء. (¬6) "صحيح البخاري" (811).

يسجد ثم يسجدون (¬1)، وفي رواية لمسلم: فكان لا يحني أحدٌ منا ظهره حتى يستتم ساجدًا (¬2)، وهذا صريح في أنه لا يشرع في ركن حتى يتمه الإمام وهو واضح (¬3) في [انتفاء المقارنة] (¬4). [622] (ثنا الربيع بن نافع) أبو توبة، نزيل طرسوس، روى له الشيخان (قال: ثنا أبو إسحاق الفزاري، عن أبي إسحاق) سليمان بن أبي سليمان فيروز الشيباني (عن محارب بن دثار قال: سمعت عبد الله بن يزيد) الخطمي - رضي الله عنه - في الكوفة. (يقول على المنبر: حدثني البراء - رضي الله عنه - أنهم كانوا) يعني الصحابة - رضي الله عنهم - (يصلون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا ركع ركعوا) أي: إذا تكامل ركوعه ركعوا بعده (وإذا قال: سمع الله لمن حمده) فيه جهر الإمام بسمع الله لمن حمده (لم نزل) بسكون اللام (¬5) (قيامًا) فيه الالتفات من الغيبة إلى الخطاب، والمقصود به نقل الكلام من أسلوب إلى آخر صيانة لخاطر السامع عن الملال، والضجر (¬6) كما قيل: لا يصلح النفس إذ كانت مصرفة ... إلا التنقل من حال إلى حال وقد تكرر الالتفات في أول سورة سبحان (¬7) إلى قوله: {السَّمِيعُ ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 4/ 284. (¬2) "صحيح مسلم" (475) (201) من حديث عمرو بن حريث. (¬3) في (س): أصح. (¬4) في (ص): انتقالات مقارنة. (¬5) سقط من (م). (¬6) من (م). وفي باقي النسخ: الصحة. (¬7) الإسراء: 1.

الْبَصِيرُ} في أربع مواضع، فانتقل من الغيبة إلى الخطاب في قوله: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} إلى التكلم في قوله: {بَارَكْنَا حَوْلَهُ} ثم عن التكلم إلى الغيبة في قوله: {لِنُرِيَهُ} على قراءة الحسن (¬1) ثم إلى التكلم في قوله: {آيَاتِنَا} ثم إلى الغيبة في قوله: {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}، وكذلك في الحديث من الغيبة في قوله: "فإذا ركع ركعوا" ثم إلى الخطاب بالمتكلم ومن معه في قوله: (لم نزل) ثم إلى الغيبة في قوله: (حتى يروه) بالمثناة تحت أوله (قد وضع جبهته بالأرض)، ورواية أبي يعلى من حديث أنس: حتى يتمكن النبي - صلى الله عليه وسلم - من السجود (¬2) (ثم يتبعونه) هو بإثبات النون التي هي علامة للرفع على الاستئناف، وليس معطوفًا على (يروه) المنصوب بحتى، وكذا (¬3) رواية البخاري: حتى يقع النبي - صلى الله عليه وسلم - ساجدًا ثم نقع سجودًا (¬4)، الرواية: نقع بالرفع على الاستئناف، وفيه ما كانت الصحابة عليه من الاقتداء بالشارع والمتابعة له في الصلاة وغيرها حتى لم يتلبسوا بالركن الذي ينتقل إليه حتى يشرع في الهوِيِّ إليه، بل يتأخرون عنه، وهو دليل واضح على انتفاء مقارنة المأموم الإمام وفي فعل الصحابة ذلك دليل (¬5) على طول الطمأنينة في الركوع والسجود. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "إتحاف فضلاء البشر" ص 281. (¬2) "مسند أبي يعلى" (4082) وإسناده ضعيف فيه رجل مبهم. (¬3) من (س، ل، م). (¬4) "صحيح البخاري" (690). (¬5) من (م).

77 - باب التشديد فيمن يرفع قبل الإمام أو يضع قبله

77 - باب التَّشْدِيدِ فيمَنْ يرْفَعُ قبْل الإِمامِ أَوْ يَضَعُ قَبْلَهُ 623 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْن عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَة، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيادٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَما يَخْشَى - أَوْ أَلا يَخْشَى - أَحَدُكُمْ إِذا رَفَعَ رَأْسَهُ والإِمامُ ساجِدٌ أَنْ يُحَوِّلَ الله رَأْسَهُ رَأْسَ حِمارٍ أَوْ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمارٍ" (¬1). * * * باب التشديد فيمن يرفع قبل الإمام ويضع قبله [623] (ثنا حفص بن عمر قال: ثنا شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما يخشى) بتخفيف الميم حرف استفتاح مثل أَلَا، وأصلها النافية دخل فيها حرف الاستفهام وهو هنا استفهام توبيخ (أو) الشك من الراوي (ألا) لا النافية دخلت عليها همزة الاستفهام للتوبيخ (¬2) (يخشى) يخاف (أحدكم إذا رفع رأسه) [لفظ خبر، ومعناه الأمر، أي ليخش وهو توعد عظيم] (¬3) (والإمام ساجد) لله تعالى. وفي رواية ابن خزيمة (¬4) في رواية حماد بن زيد عن محمد ابن زياد (¬5) زيادة: "في صلاته"، وفي رواية حفص بن عمر المذكورة: "الذي يرفع رأسه والإمام ساجد"، وهذا مبين لرواية الصَّحيحين: "إذا ¬

_ (¬1) رواه البخاري (691)، ومسلم (427). (¬2) بعدها في جميع النسخ: (مثل ألا)، ولعل الصواب حذفها. (¬3) سقط من (م). (¬4) "صحيح ابن خزيمة" (1600). (¬5) زاد في (ص): بن.

رفع رأسه قبل الإمام" (¬1). قال ابن دقيق العيد: الحديث نص في المنع من تقدم المأموم على الإمام في الركوع والسجود معًا (¬2)، وإنما هو نص في السجود، ويلتحق به الركوع لكونه في معناه، ويمكن أن يفرق بينهما بأن السجود له مزيد مزية في الفضيلة؛ لأن العبد أقرب ما يكون فيه من ربه تعالى؛ ولأنه غاية الخضوع المطلوب، وأما التقدم على الإمام في الخفض للركوع والسجود، فقيل: يلتحق به؛ لأن الاعتدال والجلوس بين السجدتين من الوسائل والرفع من الركوع والسجود قبل الإمام يستلزم قطعه عن غاية كماله ودخول النقص في المقاصد أشد من دخوله في الوسائل، وقد ورد الزجر عن الخفض والرفع قبل الإمام في حديث أخرجه البزار من رواية ابن (¬3) عبد الله السعدي عن أبي هريرة: الذي يخفض ويرفع قبل الإمام إنما ناصيته بيد شيطان (¬4)، وروى ابن أبي شيبة عن أبي هريرة: الذي يرفع رأسه ويخفضه قبل الإمام، فإنما ناصيته بيد شيطان يخفضها ويرفعها (¬5). ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (691)، ومسلم (427) (114). (¬2) "إحكام الأحكام" ص 230. (¬3) من (م). (¬4) رواه البزار مرفوعًا كما في "إتحاف الخيرة" 1065/ 2. ورواه عبد الرزاق (3753) في "مصنفه"، والحميدي في "مسنده" (989) موقوفًا. قال الحميدي: وقد كان سفيان ربما رفعه وربما لم يرفعه. وقال الحافظ في "الفتح" 2/ 183: أخرجه عبد الرزاق من هذا الوجه موقوفًا وهو المحفوظ. (¬5) "مصنف ابن أبي شيبة" (7223).

(أن يحول الله تعالى رأسه) رواية البخاري: أن يجعل (¬1)، واختلف في معنى التحويل أو الجعل في هذا الحديث هل هو أمر معنوي وهو أن الحمار موصوف بالبلادة فاستعير هذا المعنى للجاهل بما (¬2) يجب عليه من فرض الصلاة ومتابعة الإمام، ويرجع هذا التأويل أن التحويل لم يقع مع كثرة الفاعلين له، لكن ليس في الحديث ما يدل على أنه يقع؛ ولأن العقوبة من جنس العمل لقوله عليه السلام: "من تحلم كاذبًا ألزم أو كلف أن يعقد بين شعيرتين وليس بعاقد (¬3) " (¬4) أي من كذب في حلمه فادعى أنه رأى في النوم ما لم يره فكأنه ادعى أن الله أوحى إليه؛ لأن الرؤيا جزء من النبوة، فكلف أن يأتي بما هو خارق للعادة، وهو عقد شعيرتين. قال ابن بزيزة (¬5): يحتمل أن يراد بالتحويل المسخ أو تحويل الهيئة الحسنة (¬6)، ففي البخاري في الأشربة دليل على جواز وقوع المسخ في هذِه الأمة (¬7)، ويقوي حمله على ظاهره أن في رواية ابن حبان عن ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (691). (¬2) في (س): مما. وفي (ل): لما. (¬3) في (س): بغافل. (¬4) أخرجه البخاري في "صحيحه" (7402). (¬5) في (ص، ل): زيدة. وفي (س): زبدة. والمثبت من "فتح الباري". (¬6) انظر: "فتح الباري" 2/ 215. (¬7) يعني: حديث أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم - يعني الفقير - لحاجة فيقولون: ارجع غدًا فيبيتهم الله ويضع العلم ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة". أخرجه البخاري في الأشربة (5590).

محمد بن زياد: أن يحول الله رأسه رأس (¬1) كلب بدل (رأس حمار) فهذا يبعد المجاز لانتفاء المناسبة التي ذكروها في بلادة الحمار (أو) شكٌّ من الراوي وهو شعبة، كما رواه الطيالسي عن حماد بن سلمة (¬2) يجعل الله (صورته صورة حمار) ورواية الربيع: "وجهه وجه حمار" (¬3)، ورواية ابن جميع: "أن يحول الله رأسه رأس شيطان" (¬4)، والظاهر أنه من تصرف الرواة. قال عياض: هذِه الروايات متفقة؛ لأن الوجه من الرأس ومعظم الصورة فيه (¬5)، ولفظ الصورة يطلق على الوجه أيضًا، وأما الرأس فرواتها أكثر وهي أشمل، فهي المعتمدة وخص وقوع الوعيد عليها؛ لأن بها وقعت المخالفة والمعصية بالرفع به، وظاهر الحديث يقتضي تحريم الرفع قبل الإمام؛ لأنه توعد عليه بالمسخ وهو أشد العقوبات، وبذلك جزم النووي في "شرح المُهَذب" (¬6)، ومع (¬7) القول بالتحريم فالجمهور أنه يأثم فاعله وتجزئ صلاته، وعن ابن عمر تبطل وبه قال أحمد وأهل الظاهر بناء على أن النهي يقتضي الفساد، وعن أحمد: لو صحت صلاته لرجى له الثواب ولم يخش عليه العقاب (¬8). ¬

_ (¬1) من (م)، "صحيح ابن حبان" (2283). (¬2) "مسند الطيالسي" (2490). (¬3) "صحيح مسلم" (427) (116). (¬4) "معجم الشيوخ" لابن جميع (102). (¬5) "إكمال المعلم" 2/ 215. (¬6) "المجموع" 4/ 234. (¬7) في (ص): وما. وفي (ل): وأما. والمثبت من (م). (¬8) "الإنصاف" للمرداوي 2/ 166.

قلت: والظاهر أن هذا التوعد لمن رفع رأسه متعمدًا، أما من ظن أن الإمام رفع رأسه فرفعه تبعًا للإمام في ظنه؛ فلا إثم أو رفعه ناسيًا أو جاهلًا بالتحريم، وعلى كلِّ تقدير فإذا رفع رأسه ووجد الإمام لم يرفع رأسه فيجب عليه أن يرجع لمتابعة الإمام كما قالوا: يجب على المأموم إذا نسي التشهد وقام أن يرجع إلى التشهد لمتابعة (¬1) الإمام، والله أعلم. وفي الحديث كمال شفقته - صلى الله عليه وسلم - على أمته وبيانه لهم الأحكام وما يترتب عليها من الثواب والعقاب، واستدل به على جواز المقارنة لأفعال الإمام، ولا دلالة فيه لأنه دل بمنطوقه على منع المسابقة ومفهومه على طلب المتابعة، وأما المقارنة فمسكوت عنها، وفي الحديث لطيفة ذكرها في "القبس" (¬2) قال: ليس التقدم (¬3) بالرفع قبل الإمام ونحوه سبب إلا طلب (¬4) الاستعجال، ودواؤه أن يستحضر العبد أنه لا يسلم قبل سلام الإمام فلا يستعجل في هذِه الأفعال، والله المستعان. * * * ¬

_ (¬1) من (م). وفي باقي النسخ: متابعة. (¬2) من (ل، م). وفي (ص، س): السبب. (¬3) في (م): التقديم. (¬4) في (س): ما طلبه.

78 - باب فيمن ينصرف قبل الإمام

78 - باب فِيمَنْ يَنْصَرِفُ قَبْلَ الإِمامِ 624 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنا حَفْصُ بْن بُغَيْلٍ المُرْهِبِيُّ، حَدَّثَنا زائِدَةُ، عَنِ المُخْتارِ بْنِ فُلْفلٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حَضَّهُمْ عَلَى الصَّلاةِ وَنَهاهُمْ أَنْ يَنْصَرِفوا قَبْلَ انْصِرافِهِ مِنَ الصَّلاةِ (¬1). * * * باب فيمن ينصرف قبل الإمام [624] (ثنا محمد بن العلاء قال: أنا حفص بن بغيل) بضم الباء الموحدة وفتح الغين المعجمة، تصغير بغل، وهو الحيوان المعروف، (المرهبي) بضم الميم وإسكان الراء المهملة وكسر الهاء والباء الموحدة، الكوفي، وفي بعض النسخ: (الدهني) بضم الدال وكسر النون، وفي عبد القيس دهن بن عذرة (¬2)، وفي بجيلة دهن بن معاوية (قال: ثنا زائدة) بن قدامة (عن المختار بن فلفل) أخرج له مسلم. (عن أنس - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حضهم على الصلاة) أي في جماعة، أي: حملهم عليه. قال النحاة: التحضيض (¬3) على المستقبل حث على الفعل وطلب له، وعلى الماضي توبيخ على ترك (¬4) الفعل نحو: هلا تنزل عندنا وهلا نزلت ¬

_ (¬1) رواه مسلم (426) بمعناه، ورواه الحاكم بلفظه: 1/ 218، وصححه على شرط مسلم. (¬2) في (ص): غدرة. (¬3) في (ص، ل): التحضض. (¬4) في (ص، س): بدل.

عندنا (¬1) (ونهاهم أن ينصرفوا قبل انصرافه من الصلاة) أي: قبل انصراف الإمام إلى بيته إن كان ينصرف (¬2) وإلا قبل انتقاله إلى موضع آخر أو يستقبلهم بوجهه؛ فإن الإمام له ثلاثة أحوال. وقد روى الطبراني في الكبير، ورجاله ثقات، عن عبد الله بن مسعود (¬3) قال: إذا سلم الإمام وللرجل حاجة فلا ينتظره إذا سلم أن يستقبله بوجهه وإن فصل الصلاة التسليم وكان عبد الله إذا سلم لم يلبث أن يقوم أو يتحول من مكانه أو (¬4) يستقبلهم بوجهه (¬5). ومن فوائد النهي عن الانصراف قبل الإمام والتأخر في المصلى لاحتمال أن يكون الإمام قد حصل له في صلاته سهو فيذكر وهو في المسجد وعاد قبل طول الفصل إلى تكميل الصلاة وسجود السهو، فيكون مدركًا للتكميل والسجود معه كما في قصة ذي اليدين أنه سلم وقام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ (¬6) عليها ووضع يده اليمنى على اليسرى وشبك بين أصابعه وخرجت السرعان (¬7) من أبواب المسجد، فقال ذو اليدين: أنسيت أم قصرت؟ فصلى ما ترك ثم سلم (¬8). ¬

_ (¬1) من (م). وفي بقية النسخ: عنده. (¬2) في (م): منصرف. (¬3) زاد في (ص، س، ل): و. (¬4) في (س): وأن. (¬5) "المعجم الكبير" (9339). (¬6) من (م). وفي باقي النسخ: واتكأ. (¬7) في (ص، س): للسرعان. (¬8) طرف حديث أخرجه البخاري (482)، ومسلم (573). وسيأتي تخريجه إن شاء الله تعالى عند شرحه.

لكن في رواية في "السنن" (¬1) أنه صلى العصر فسلم من ثلاث ركعات، ثم دخل منزله، وفي لفظ: فدخل الحجرة، فقال الخرباق: وذكر له صنعه فخرج يجر رداءه حتى انتهى إلى الناس فصلى ركعة ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم (¬2). وقد يؤخذ من الحديث أن المأموم لا ينصرف من المسجد حتى (¬3) يحضر الدعاء مع الإمام فإن في الدعاء معه فضيلة. وقد يؤخذ منه أن التلميذ إذا كان مع شيخه في عبادة من طواف أو سعي أو جهاد أو مجلس علم أو سماع حديث لا يفارقه حتى يفرغ من تلك العبادة، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) في (ص، س): أنسيت. (¬2) أخرجه مسلم (574). وأخرجه المصنف في "السنن" (1018) وسيأتي أيضًا إن شاء الله تعالى. (¬3) في (س): حين.

79 - باب جماع أثواب ما يصلى فيه

79 - باب جِماع أَثْوابِ ما يُصَلَّى فِيهِ 625 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ، عَنِ الصَّلاةِ فِي ثَوْبٍ واحِدٍ فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوَلِكُلِّكُمْ ثَوْبانِ" (¬1). 626 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ أَبِي الزِّنادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُصَلِّ أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الواحِدِ لَيْسَ عَلَى مَنْكِبَيْهِ مِنْهُ شَيءٌ" (¬2). 627 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى ح، وحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ - الْمَعْنَى - عَنْ هِشامِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا صَلَّى أَحَدُكُمْ فِي ثَوْبٍ فَلْيُخالِفْ بِطَرَفَيْهِ عَلَى عاتِقَيْهِ" (¬3). 628 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي أُمامَةَ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ قال: رأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ واحِدٍ مُلْتَحِفًا مُخالِفًا بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْهِ (¬4). 629 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا مُلازِمُ بْنُ عَمْرٍو الحَنَفِيُّ، حَدَّثَنا عَبْدُ الله بْنُ بَدْرٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ، عَنْ أَبِيهِ قال: قَدِمْنا عَلَى نَبِيِّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجاءَ رَجُلٌ فَقال يا نَبِيَّ الله ما تَرَى فِي الصَّلاةِ فِي الثَّوْبِ الواحِدِ؟ قال: فَأَطْلَقَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِزارَهُ طارَقَ بِهِ رِداءَهُ فاشْتَمَلَ بِهِما ثُمَّ قامَ فَصَلَّى بِنا نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمّا أَنْ قَضَى الصَّلاةَ قال: ¬

_ (¬1) رواه البخاري (358)، ومسلم (515). (¬2) رواه البخاري (359)، ومسلم (516). (¬3) رواه البخاري (360). (¬4) رواه البخاري (354 - 356)، ومسلم (517).

"أَوَكُلُّكُمْ يَجِدُ ثَوْبَيْنِ؟ " (¬1) * * * باب جماع أبواب (¬2) ما يصلَّى فيه يجوز أن يقرأ: يصلي بكسر اللام المشددة وفتحها. [625] (ثنا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الصلاة) قال شيخنا ابن حجر: لم أقف على اسم السائل (¬3) (في ثوب واحد، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أولكلكم ثوبان) الهمزة لاستفهام التوبيخ، والواو المفتوحة للعطف على مقدر: أي أنت سائل عن الصلاة في الثوب الواحد، وليس لكل أحد منكم ثوبان، والمعنى: لا تسألوا عن (¬4) الثوب الواحد ولا ثوبين لكلكم؛ لأن الاستفهام مقيد للنهي بقرينة المقام، وهذا التقدير على سبيل التمثيل ولفظه استخبار ومعناه الإخبار عن الحال (¬5) التي كانت الصحابة عليها من ضيق الثياب وقلتها، والمراد أن ستر العورة إذا كان واجبًا على كل واحد منكم وكانت الصلاة لازمة له، وليس لكل واحد منهم ثوبان، فكيف لم يعلموا أن الصلاة في الثوب الواحد جائزة؟ قال ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 22، والبيهقي 2/ 240. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (640). (¬2) في (ص): أثواب. (¬3) "فتح الباري" 1/ 561. (¬4) من (س، ل، م). (¬5) من (م). وفي بقية النسخ: الحالة.

الطحاوي: معناه: لو كانت الصلاة مكروهة في الثوب الواحد لكرهت لمن لا يجد إلا ثوبًا واحدًا (¬1)، وهذِه الملازمة في مقام المنع للفرق بين القادر وغيره، والسؤال إنما هو عن الجواز وعدمه، لا عن الكراهة. [626] (ثنا مسدد قال: ثنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يصلي) قال ابن الأثير: كذا هو في الصَّحيحين بإثبات الياء (¬2) ووجهه أن (لا) نافية لا ناهية، وهو خبر بمعنى النهي، ورواه الدارقطني في "غرائب مالك" من طريق الشافعي، عن مالك بلفظ: "لا يصل" بغير ياء، ومن طريق عبد الوهاب بن عطاء، عن مالك: "لا يصلين" بزيادة نون التوكيد، ورواه الإسماعيلي من طريق الثوري عن أبي الزناد: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (أحدكم في الثوب الواحد) الثوب لغة ما ليس (¬3) مخيطًا من رداء أو إزار ونحوهما، وربما أطلق على المخيط كالقميص ونحوه (ليس على منكبيه) بلفظ التثنية (منه شيء) ومنكب الشخص هو مجتمع رأس العضد والكتف؛ لأنه يعتمد عليه، ورواية البخاري: "عاتقه شيء" (¬4) ويقال لما بين المنكب والعنق: عاتق، وهو موضع [الرداء يذكر ويؤنث] (¬5) والمراد لا يتزر في وسطه ويشد طرفي الثوب في حقويه، ¬

_ (¬1) "شرح معاني الآثار" 1/ 380. (¬2) "فتح الباري" 1/ 561. (¬3) في (ص، ل): لبس. (¬4) "صحيح البخاري" (359). (¬5) في (م): الزائد لو طويت.

ثم يتوشح بهما على عاتقيه ليحصل الستر لجزء من أعالي بدنه وإن كان ليس بعورة، ويكون ذلك أمكن في ستر العورة، وظاهر النهي يقتضي التحريم، لكن الإجماع منعقد على جواز تركه؛ إذ المقصود ستر العورة، فبأي وجه حصل ستر العورة جاز. [627] (ثنا مسدد قال: ثنا يحيى) القطان (وثنا مسدد قال: ثنا إسماعيل) ابن علية (المعنى، عن هشام بن أبي (¬1) عبد الله الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا صلى أحدكم في ثوب فليخالف) وفي رواية للبخاري: "في ثوب واحد فليخالف" (¬2) (بطرفيه) رواية أحمد: "بين طرفيه" (¬3) (على عاتقيه) والمخالفة بين الطرفين لا تتيسر إلا بجعل شيء من الثوبين على العاتقين أو العاتق. وقد حمل الجمهور هذا الأمر على الاستحباب، وعن أحمد: لا تصح صلاة من قدر على ذلك فتركه فجعله من الشرائط، وعنه: تصح ويأثم (¬4)، وقال الكرماني: ظاهر النهي [يقتضي التحريم لكن الإجماع على جواز تركه؛ إذ المقصود ستر العورة فبأي وجه حصل جاز] (¬5) والسنة في جعل بعض ثوب المصلي على عاتقه إذا كان مكشوفًا، فأما ¬

_ (¬1) من (س، ل، م). (¬2) "صحيح البخاري" (360). (¬3) "مسند أحمد" 2/ 255. (¬4) "الإنصاف" 1/ 320 - 321. (¬5) سقط من الأصول الخطية، والمثبت من "الكواكب الدراري" للكرماني 4/ 18.

إذا كان مستورًا بقميص ونحوه فلا، لكن يستحب للرجل أن يصلي في أحسن ما يجد من ثيابه ويتعمم ويتقمص ويرتدي، قال القاضي حسين: ويتطليس. قال العلماء: الحكمة في أن يجعل طرفيه على عاتقيه لأنه لم يأمن أن تنكشف عورته، بخلاف ما إذا جعل طرفيه على عاتقيه، ولأنه إذا لم يجعله على عاتقه يحتاج إلى إمساكه بيده أو [يديه فيشتغل] (¬1) بذلك ويفوته سنة، وضع (¬2) اليمين (¬3) على اليسرى تحت صدره، ورفعهما حيث شرع الرفع وغير ذلك، والمخالفة أن يجعل كل طرف من الثوب على خلاف ما عليه الطرف الآخر من العاتق ونحوه. [628] (ثنا قتيبة بن سعيد، قال: ثنا الليث، عن يحيى بن سعيد، عن أبي أمامة) أسعد (بن سهل) الأنصاري (عن (¬4) عمر بن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الأسد المخزومي ربيب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأمه أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولد بأرض الحبشة في السنة الثانية (قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في ثوب واحد متلحفًا) (¬5) من قولهم: التحفت المرأة بالملاءة (¬6) (مخالفًا بين طرفيه) طرف على عاتق والطرف الآخر على خلاف ذلك العاتق (على ¬

_ (¬1) في (س): بدنه فيستقبل. (¬2) في (ص): ومع. (¬3) في (م): اليمنى. (¬4) في (ص): ابن. (¬5) كذا في جميع النسخ التي لدينا، وفي "السنن": ملتحفًا. (¬6) في (س): بالمرأة.

منكبيه) وهما العاتقان. اختلف العلماء في ستر المنكب في الصلاة: هل هو مستحب أو واجب؟ فذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي والجمهور إلى الأول، وأن تركه مكروه كراهة تنزيه، وذهب أحمد وبعض السلف إلى الوجوب وعدم الصحة بتركه إذا قدر على ستره أو وضع شيء عليه لظاهر هذِه الأحاديث (¬1). [629] (ثنا مسدد قال: ثنا ملازم) بضم الميم وكسر الزاي (بن عمرو) ابن عبد الله بن بدر (الحنفي) اليمامي، وثقه أحمد وابن معين والنسائي (¬2)، أحد الفصحاء (عن عبد الله بن بدر) بن عميرة سِبطه (¬3) ملازم بن عمرو، وثقه ابن معين (¬4) وأبو زرعة (¬5) وغيرهما. (عن قيس بن طلق) بن علي (¬6) (عن أبيه) طلق بن علي بن المنذر الحنفي (قال: قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وهو يعمل في بناء المسجد (فجاء رجل فقال: يا نبي الله، ما ترى) يا رسول الله (في الصلاة في ¬

_ (¬1) انظر مذاهب العلماء في ذلك في "المجموع" 3/ 175. (¬2) "الجرح والتعديل" 8/ 435 - 436، و"تاريخ ابن معين" رواية الدارمي (741). (¬3) في جميع النسخ: سبط. وهو خطأ، والمثبت هو الصواب فإن ملازمًا هو سبط عبد الله بن بدر لا العكس. (¬4) "تاريخ ابن معين" رواية الدارمي (487). (¬5) "الجرح والتعديل" 5/ 12. (¬6) ضعفه أبو حاتم، وقال أبو زرعة: لا تقوم به حجة، ووثقه العجلي وقال الشافعي: سألنا عنه فلم نجد من يعرفه، ووثقه ابن معين في رواية وقال في أخرى: لقد أكثر الناس في قيس وأنه لا يحتج بحديثه. "تهذيب التهذيب" 8/ 356.

الثوب الواحد؟ قال: فأطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إزاره طَارَق) بفتح الراء والقاف (به) أي: بالإزار (رداءه) أي: طبَّق (¬1) الإزار على الرداء وجعله عليه ولبسهما جميعًا، قال الجوهري: طارق الرجل بين الثوبين (¬2)، أي: لبس أحدهما على الآخر من قولهم: طارق بين النعلين إذا وضع أحدهما على الأخرى وجعلها من جلود عدة واحدًا فوق واحد، وخاطهما طبقات (فاشتمل بهما) يعني التحف بالإزار والرداء اللذين طارقهما. (ثم قام فصلى بهما (¬3) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فيه دلالة على جواز الصلاة في الثوب إذا لم يطرح على عاتقه منه شيء كما فعل - صلى الله عليه وسلم - (قال: أوكلكم) (¬4) أي أوكل واحد منكم (يجد) عند كل صلاة (ثوبين) يصلي فيهما فيه إخبار منه - صلى الله عليه وسلم - عن ضيق حال الصحابة - رضي الله عنهم -، وأكثرهم كان لا يجد إلا ثوبًا واحدًا، بل بعضهم لا يجد إلا ثوبًا واحدًا له ولزوجته كما سيأتي. * * * ¬

_ (¬1) في (م): أطبق. (¬2) زاد في "الصحاح": إذا ظاهر بينهما. (¬3) كذا في جميع النسخ التي لدينا، وفي "السنن": بنا. وكذا في مصادر التخريج. (¬4) من (م). وفي بقية النسخ: أولكلكم.

80 - باب الرجل يعقد الثوب في قفاه ثم يصلي

80 - باب الرَّجُلِ يَعْقِدُ الثوبَ فِي قَفاهُ ثُمَّ يُصَلِّي 630 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن سُلَيْمانَ الأَنْبارِيُّ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيانَ، عَنْ أَبِي حازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قال: لَقَدْ رَأَيْتُ الرِّجال عاقِدِي أُزُرِهِمْ فِي أَعْناقِهِمْ مِنْ ضِيقِ الأُزُرِ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الصَّلاةِ كَأَمْثالِ الصِّبْيانِ فَقال قائِلٌ: يا مَعْشَرَ النِّساءِ لا تَرْفَعْنَ رُءُوسَكُنَّ حَتَّى يَرْفَعَ الرِّجال (¬1). * * * باب الرجل يعقد الثوب في قفاه ثم يصلي [630] (ثنا محمد بن سليمان الأنباري) (¬2) بتقديم النون على الباء الموحدة تحت. (قال: ثنا وكيع، عن سفيان) الثوري (عن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي، واسمه سلمة بن دينار (¬3). (عن سهل بن سعد) الساعدي (¬4) (قال: لقد) (¬5) اللام الداخلة على قد جواب القسم (رأيت الرجال) رواية البخاري: كان رجال (¬6). بالتنكير وهو أظهر؛ لأن التنكير للتنويع، أي بعض الرجال، والمعرَّف يفيد الاستغراق وهو غير المقصود فإن بعضهم كان بخلاف ذلك، ويحتمل أن تكون اللام ¬

_ (¬1) رواه البخاري (362)، ومسلم (441). (¬2) في (س): الأنصاري. (¬3) ثقة حكيم زاهد. انظر: "تهذيب الكمال" (2450). (¬4) من (س، ل، م). (¬5) في (س): أحد. (¬6) "صحيح البخاري" (362).

هنا للتعريف الذهني، أي: رجال معهودين عند الراوي والسامعين (عاقدي) جمع عاقد وحذفت النون منه للإضافة، وهو منصوب (¬1)؛ لأنه مفعول ثانٍ لرأيت (أزرهم) بضم الزاي جمع إزار جمع كثرة، وأما جمع القلة فآزِرَة كحمار (¬2) وأحمرة، وجمع الكثرة كحمار وحُمُر (في أعناقهم لضيق (¬3) الأزر) اللام للتعليل، أي كانوا يعقدون الأزر لأجل ضيق أزرهم وصغرها، فلم تكن كبيرة يتمكنون من الاستتار بها، ورواية البخاري: على أعناقهم (¬4)، ولم تكن لهم (¬5) سراويلات تسترهم فكان أحدهم يعقد إزاره في قفاه ليكون مستورًا إذا ركع وسجد. (خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة) إذا صلوا جماعة (كأمثال الصبيان) رواية البخاري: كهيئة الصبيان (¬6)، أي: كما يُعقد للصبيان يؤخذ منه أن الالتحاف أولى من الاتزار لأنه أبلغ في التستر. (فقال قائل) وفي رواية للبخاري: ويقال للنساء (¬7)، وهي رواية الكشميهني، أي: يقال للنساء بسبب (¬8) ذلك: (يا معشر النساء لا ترفعن رؤوسكن) أي من السجود (حتى يرفع) رواية البخاري: حتى ¬

_ (¬1) زاد في (ص، س، ل): المحل. (¬2) في (م): كحمارة. (¬3) في (م): من ضيق. وكذا في "السنن". (¬4) "صحيح البخاري" (362). (¬5) من (م). (¬6) "صحيح البخاري" (362). (¬7) السابق. (¬8) من (م).

يستوي (¬1) (الرجال) أي يعتدلوا في الجلوس أو القيام، من سويت السهم إذا عدلته فاستوى أي: اعتدل، وهو أبلغ من الرفع فإن فيه معنى زائدًا وهو الاعتدال ولم أر من نبه على هذا، فإنه يؤخذ منه وجود الاعتدال في الجلوس بين السجدتين وتساوي الظهر وفقاراته كما في القيام، وزاد البخاري فقال: حتى يستوي الرجال جلوسًا (¬2)، فهو جمع جالس أو مصدر بمعنى جالسين كقوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا} (¬3) أي: غائرًا، وإنما نهى عن ذلك لئلا يلمحن عند رفع رؤوسهن من السجود شيئًا من عورات الرجال عند نهوضهم، ويؤخذ منه أنه لا يجب الستر للدورة من أسفل، والله سبحانه وتعالى أعلم. * * * ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (362). (¬2) "صحيح البخاري" (362). (¬3) الملك: 30.

81 - باب الرجل يصلي في ثوب واحد بعضه على غيره

81 - باب الرَّجُلِ يُصَلِّي في ثَوْبٍ واحِدٍ بَعْضُهُ علَى غيْرِهِ 631 - حَدَّثَنا أَبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسِيُّ، حَدَّثَنا زائِدَةُ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صالِحٍ، عَنْ عائِشَةَ - رضي الله عنها - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى فِي ثَوْبٍ واحِدٍ بَعْضُهُ عَلَيَّ (¬1). * * * باب الرجل يصلي في ثوب بعضه على غيره [631] (ثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك (الطيالسي، قال: ثنا زائدة، عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين، عثمان. (عن أبي صالح) السمان (عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في ثوب) واحد (بعضه علي) فيه جواز صلاة الرجل في ثوب بعضه عليه وبعضه على غيره، وكذا المرأة تصلي في ثوب بعضه عليها وبعضه على امرأة أخرى أو نسوة أخر أو صبيان، وفيه جواز صلاة الرجل في ثوب بعضه عليه وبعضه على امرأة أخرى إذا كانت زوجته أو بينهما محرمية وتصح صلاته، ولو كانت المرأة حائضًا أو نفساء لما رواه ابن حبان مسندًا عن ميمونة قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي وعليّ مرط عليَّ بعضه (¬2) وعليه بعض وأنا حائض (¬3). وبوب عليه: باب ذكر الإباحة للمرء أن يصلي في الثوب الذي تلبسه امرأة حائض ما لم يعلم عليه نجاسة، وكذا يجوز له أن يصلي على الفراش ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 70. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (642). (¬2) في (ص، س، ل): بعض. (¬3) "صحيح ابن حبان" (2329).

الذي تنام عليه امرأة حائض إذا لم يعلم عليه نجاسة كما في حديث عائشة - رضي الله عنها -: كان يصلي من الليل على الفراش الذي يضطجع عليه هو وأهله (¬1). والله سبحانه أعلم. * * * ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" (515) وغيره، وسيأتي تخريجه مفصلًا إن شاء الله عند الكلام عليه.

82 - باب في الرجل يصلي في قميص واحد

82 - باب فِي الرَّجُلِ يُصلِّي فِي قمِيصٍ واحِدٍ 632 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ -يَعْنِي: ابن مُحَمَّدٍ- عَنْ مُوسَى بْنِ إِبْراهِيمَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قال: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ إِنِّي رَجُلٌ أَصِيدُ، أَفأُصَلِّي فِي القَمِيصِ الواحِدِ؟ قال: "نَعَمْ وازْرُرْهُ وَلَوْ بِشَوْكَةٍ" (¬1). 633 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن حاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْن أَبِي بُكَيْرٍ عَنْ إِسْرائِيلَ، عَنْ أَبِي حَوْمَلٍ العامِرِيِّ. قال أَبُو داوُدَ: كَذا قال والصَّوابُ أَبُو حَرْمَلٍ عَنْ -مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ قال: أَمَّنا جابِرُ بْن عَبْدِ الله فِي قَمِيصٍ لَيْسَ عَلَيْهِ رِداءٌ، فَلَمّا انْصَرَفَ قال: إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِي قَمِيصٍ (¬2). * * * باب الرجل يصلي في قميص [632] (ثنا القعنبي قال: ثنا عبد العزيز بن محمد) الدراوردي (عن موسى بن إبراهيم) بن أبي ربيعة المخزومي، ذكره ابن حبان في مسند هذا الحديث (عن سلمة بن الأكوع قال: قلت يا رسول الله، إني رجل أصيد) رواية ابن حبان: إني أكون في الصيد وليس علي إلا قميص واحد (¬3) (أفأصلي في القميص الواحد؟ ) رواية النسائي: إني لأكون في ¬

_ (¬1) رواه النسائي 2/ 70، وأحمد 4/ 49، 54. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (643). (¬2) رواه البيهقي 2/ 239 من طريق أبي داود. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (96). (¬3) "صحيح ابن حبان" (2294).

الصيد (¬1) وليس علي إلا قميص (¬2) أفأصلي فيه (¬3)؛ (قال: نعم، وازرره) بضم الراء الأولى، رواية ابن حبان والنسائي: قال: "زرَّه" (¬4)، بتشديد الراء، والصحيح المختار ضمها، وجوّز ثعلب فتحها وكسرها (¬5)، وإذا كانت الكلمة فعلًا مضارعًا مجزومًا أو فعل أمر جاز الفك والإدغام فالفك لغة أهل الحجاز؛ لقوله تعالى: {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} (¬6) والإدغام لغة تميم، وقرئ بالفك والإدغام في السبع في قوله تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} (¬7). (ولو) أن تزره (بشوكة) من شوك الشجر بأن تجمع بين طرفيه بشوكة، واستدل بهذا على أن الصلاة في القميص أولى من الصلاة في الثوب الذي ليس بمخيط؛ لأنه أعم في الستر؛ لأنه يستر العورة ويحصل على الكتف، فإن كان القميص واسع الفتح بحيث يرى عورته في قيامه أو ركوعه أو سجوده، فليزره بأزرار أو غيرها ولو بشوكة؛ فإن لم يزره فليطرح على عاتقه شيئًا يستره؛ لأن الستر يحصل به أو ليشد وسطه، ¬

_ (¬1) في (ص، ل): الصيف. (¬2) في (ص، س، ل): واحد. (¬3) "سنن النسائي" 2/ 70. (¬4) هي رواية النسائي 2/ 70 ولم أقف عليها عند ابن حبان. (¬5) وغلَّطوه في تجويزه الفتح، انظر: "حاشية الخضري على ابن عقيل" 3/ 276. (¬6) لقمان: 19. (¬7) البقرة: 217، ولم يختلف فيها القراء، إنما الاختلاف حدث في آية المائدة: 54 {مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} فقرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي {يَرْتَدِدْ} وقرأ نافع وابن عامر (يرتدد). انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص 245، "إتحاف فضلاء البشر" ص 201.

فإن تركه على حاله لم تصح صلاته، وفي الحديث دليل على أمر شرع في فضائل (¬1) الأفعال التي تحتاج إلى حركة ونشاط ينزع عنه بعض ثيابه إذا لم يخَف بردًا وغيره ويقتصر على ما يستر العورة لأن الثياب كلما خفت عن الآدمي كان أنشط وأسرع في حركته ويدخل في هذا نزع بعض الثياب للاستنجاء والوضوء والغسل ونحو ذلك. [633] (ثنا محمد بن حاتم بن بزيع) بفتح الباء الموحدة وكسر الزاي البصري، شيخ البخاري (قال: ثنا يحيى بن أبي (¬2) بكير) النخعي الكوفي، حدث بمصر (¬3) (عن إسرائيل، عن أبي (¬4) حومل) بفتح الحاء المهملة وإسكان الواو وفتح الميم (العامري) وكذا ذكره الذهبي في "التذهيب" (¬5) وغيره (¬6). (قال أبو داود: كذا قال) أظنه إسرائيل (والصواب) أنه هو (أبو (¬7) حرمل) بالراء بدل الواو، وكذا ذكره ابن عبد البر في "الكُنى" في النسخة التي وقفت (¬8) عليها، وهي معتمدة، وذكره في القسم الثاني ¬

_ (¬1) في (ص): فصل يل. وفي (س، ل): تعديد. (¬2) سقط من (م). (¬3) يحيى بن أبي بكير المذكور هنا هو ابن أسيد العبدي القيسي كوفي الأصل ولي قضاء كرمان، وهو ثقة. وأما النخعي هذا، فهو مستور لم يخرج له أحدٌ من الستة، وليس في طبقة ابن أبي بكير القيسي، وذكره المزي في "تهذيبه" تمييزا. انظر: "تهذيب الكمال" 31/ 245، 248. (¬4) في (م): ابن. (¬5) في (ص، س، ل): التهذيب. (¬6) "تذهيب التهذيب" 10/ 245 (8115)، "الكاشف" (6597). (¬7) في (م): ابن. (¬8) في (س): وقعت.

الذي لم يعرف أسماؤهم ولم يذكر الذهبي أيضًا اسمه (¬1) (عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر، عن أبيه) عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - (¬2) (قال: أمنا) بتشديد الميم (جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - في قميص ليس عليه رداء) القميص ما كان مخيطًا، والرداء بالمد ما يرتدى به على ظهره، والإزار ما يجعل في الوسط (قال: إني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في قميص) ولابن ماجه من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلبس قميصًا قصير اليدين والطول (¬3)، وسيأتي لأبي داود والترمذي والنسائي من حديث أم سلمة (¬4): كان أحب الثياب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القميص (¬5)؛ لأنه يستر أكثر من الرداء ونحوه، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) "الاستغنا" (1565). (¬2) ليس الأمر كما قال الشارح رحمه الله فليس هذا الراوي محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ولا أبوه ابن الصديق وإنما هو راوٍ مجهول، قال بعضهم: إنه محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن جدعان المليكي وهو متروك. وردَّ المزي هذا في "التهذيب" (3770) فقال: خلط بعضهم هذه الترجمة بترجمة المليكي وذلك وهم، فإن هذا أقدم من المليكي وليس للمليكي رواية عن أحد من الصحابة. (¬3) "سنن ابن ماجه" (3577)، وفي إسناده مسلم بن كيسان الأعور الملائي، وهو ضعيف. "التقريب" (6641). (¬4) في (س): أم سليم. (¬5) "سنن أبي داود" (4025)، والترمذي (1762)، والنسائي في "الكبرى" (9668)، وسيأتي تخريجه عند الكلام عليه إن شاء الله تعالى.

83 - باب إذا كان الثوب ضيقا يتزر به

83 - باب إذا كان الثَّوْبُ ضَيِّقًا يَتَّزِرُ بِهِ 634 - حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ عَمّارٍ وَسُلَيْمانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ الفَضْلِ السِّجِسْتانيُّ قالوا: حَدَّثَنا حاتِمٌ -يَعْنِي ابن إِسْماعِيلَ- حَدَّثَنا يَعْقوبُ بْن مُجاهِدٍ أَبُو حَزْرَةَ، عَنْ عُبادَةَ بْنِ الوَلِيدِ بْنِ عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ قال: أَتَيْنا جابِرًا - يَعْنِي: ابن عَبْدِ اللهِ - قال: سِرْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوةٍ فَقامَ يُصَلِّي وَكانَتْ عَلي بُرْدَةٌ ذَهَبْتُ أُخالِفُ بَيْنَ طَرَفَيْها فَلَمْ تَبْلُغْ لِي وَكانَتْ لَها ذَباذِبُ فَنَكَسْتُها ثُمَّ خالفْتُ بَيْنَ طَرَفَيْها ثُمَّ تَواقَصْتُ عَلَيْها لا تَسْقُطُ ثُمَّ جِئْتُ حَتَّى قُمْتُ عَنْ يَسارِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدارَنِي حَتَّى أَقامَنِي عَنْ يَمِينِهِ فَجاءَ ابن صَخْرٍ حَتَّى قامَ، عَنْ يَسارِهِ فَأَخَذَنا بِيَدَيْهِ جَمِيعًا حَتَّى أَقامَنا خَلْفَهُ قال: وَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَرْمُقنِي وَأَنا لا أَشْعُرُ ثُمَّ فَطِنْتُ بِهِ فَأَشارَ إِلَيَّ أَنْ أتَّزِرَ بِها فَلَمّا فَرَغَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا جابِرُ". قال: قُلْتُ: لَبَّيْكَ يا رَسُولَ اللهِ. قال: "إِذا كانَ واسِعًا فَخالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ وَإِذا كانَ ضَيِّقًا فاشْدُدْهُ عَلَى حَقْوِكَ" (¬1). * * * باب إذا كان ثوبًا ضيقًا يتزر به [634] (ثنا هشام بن عمار وسليمان بن عبد الرحمن الدمشقي) ابن بنت شرحبيل، روى له البخاري والأربعة غير مسلم (ويحيى بن الفضل السجستاني قالوا: ثنا حاتم بن إسماعيل) المدني (قال: ثنا يعقوب بن مجاهد) القرشي (أبو حزرة) بفتح الحاء المهملة، أخرج له مسلم والبخاري في "الأدب" (عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت) ¬

_ (¬1) رواه البخاري (361)، ومسلم (3010) مطولا.

روى له الشيخان، روى عن جده وأبيه. (قال: أتينا جابر بن عبد الله) رواه ابن حبان بسنده إلى سعيد بن الحارث أنه أتى (¬1) جابر بن عبد الله هو ونفر قد سماهم، فلما دخلنا عليه وجدناه يصلي (¬2) (قال: سرت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة فقام يصلي وكانت علي بردة ذهبت أخالف بين طرفيها فلم تبلغ) أي تصل (لي) لقصرها وضيقها، من قولهم: بلغ (¬3) المنزل إذا وصله (وكانت لها ذباذب) بذالين معجمتين، وذباذب (¬4) الثوب أهدابه؛ سميت ذباذب لتذبذبها، أي تحركها (¬5) يقال: ذبذبه ذبذبة أي: تركه حيران مترددًا يحرك فكره فيما يفعل (فنكستها) بتخفيف الكاف (¬6)، أي: قلبتها، ونكس المريض بالبناء للمفعول عاوده المرض، كأنه قلب إلى المرض الأول (ثم خالفت بين طرفيها) أي كما يفعل القصار في الماء (ثم تواقصت عليها) بإسكان الصاد المهملة أي: ثنيت (¬7) عنقي لأمسك به الثوب كأنه يحكي خلقة الأوقص من الناس، وهو القصير العنق (لا) أي: لئلا (تسقط) [بالنصب بأن المقدرة] (¬8) عني. ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "صحيح ابن حبان" (2305) بنحوه. (¬3) من (م). وفي بقية النسخ: يبلغ. (¬4) في (س): ذياب. (¬5) في (م): وتحركها. (¬6) في (س، ل): السين. (¬7) في (ص): بينت. (¬8) سقط من (م).

(ثم جئت حتى قمت) في الصلاة (عن يسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ بيدي) بكسر الدال على الإفراد (وأدارني حتى أقامني عن يمينه) فيه أن الإمام عليه إرشاد من اقتدى به من إشارة ونحوها، وأن الفعل القليل لا يبطل الصلاة (فجاء) جَبَّار بفتح الجيم وتشديد الموحدة (ابن صخر) ابن أمية بن خنساء الأنصاري السلمي، شهد العقبة وبدرًا وما بعدها من المشاهد وكان أحد السبعين ليلة العقبة حتى قام عن يساره (فأخَذنا بيديه جميعًا حتى أقامنا خلفه) استدل به على أن الأفضل فيما إذا كان عن يمين الإمام واحد ثم جاء آخر أن يتأخران حتى يصيرا صفًّا خلفه فإن تأخرا بأنفسهما وإلا أخرهما الإمام بيده أو أشار إليهما ليتأخرا، ووجه فضيلة تأخرهما على تقدمه أن الإمام متبوع فلا ينتقل عن مكانه، وهذا هو الصحيح للحديث، وقيل: تقدم الإمام أولى؛ لأنه يبصر ما بين يديه، ولأن فعل واحد أخف من فعل اثنين، وهذا إذا كان خلف الإمام وقدامه متسعًا أما لو تعين أحدهما لضرورة لضيق المكان فلا خلاف في سلوكه. (قال: وجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرمقني) بعينه ويطيل النظر إلي (وأنا لا أشعر) به فيه جواز المسارقة (¬1) بالنظر عن موضع سجوده لحاجة، وقد صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يلاحظ يتلفت إلى الشعب كما سيأتي في باب الحرس في سبيل الله (¬2) (ثم فطنت) بكسر الطاء كبعت، وبفتحها كقتل، فطنة وفطانة بالكسر فيهما (به فأشار إليَّ) فيه جواز الإشارة في ¬

_ (¬1) في (ص): المشارفة. (¬2) سيأتي برقم (2501).

الصلاة لحاجة كما تقدم (أن) بتخفيف النون تفسيرية كما في قوله تعالى: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ} (¬1) (اتزر) كذا بالتشديد وهو المشهور. قال المطرزي: هو عامي والصواب اأتزر (¬2) بهمزتين، الأولى للوصل والثانية فاء (¬3) افتعل (¬4)، وقد نص الزمخشري على خطأ من قال: اتزر بالإدغام (¬5)، وأما ابن مالك فحاول تخريجه (¬6) على وجه يصح (¬7)، وقال: إنه مقصور على السماع كاتزر واتكل، ومنه قراءة ابن محيصن (¬8): (فليؤد الذي اتمن أمانته) (¬9) بألف وصل (¬10) وتاء مشددة (بها، فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يا جابر، قلت: لبيك يا رسول الله) رواية البخاري: قال: "ما السُّرَى (¬11) يا جابر؟ " فأخبرته بحاجتي (¬12) قال: ما هذا الاشتمال الذي رأيت؟ قلت: كان ثوبًا واحدًا (¬13) (قال: ¬

_ (¬1) المؤمنون: 27. (¬2) في (ص، س، ل): أتزر. (¬3) في (ص، س): تاء. (¬4) "المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي (أزر). (¬5) "الفائق" 1/ 26، وفيه: وقولهم: (اتزر) عامي، والفصحاء على (ائتزر). (¬6) في (ص، س، ل): بحركة. (¬7) في (ص): نصح. (¬8) في (ص، ل، م): محيض. (¬9) "روح المعاني" 3/ 63. (¬10) سقط من (م). (¬11) في جميع النسخ: الشرك. والمثبت من "صحيح البخاري". (¬12) في (ل): فجاء حتى. (¬13) "صحيح البخاري" (361).

إذا كان واسعًا فخالف بين طرفيه) قال في "السنة": المراد [به أنه] (¬1) لا يشد الثوب على وسطه فيصلي مكشوف المنكبين، بل يتزر به (¬2) ويرفع طرفيه فيخالف بينهما ويشده على عاتقه فيكون بمنزلة الإزار والرداء، هذا إذا كان الثوب الواحد واسعًا (¬3). (وإذا كان ضيقا فاشدده على حقوك) بفتح الحاء المهملة موضع شد الإزار، وهو الخاصرة، ثم توسعوا حتى سموا الإزار الذي يشد على العورة حقو. وسيأتي الحديث الذي يليه بسنده ومتنه في كتاب اللباس (¬4). * * * ¬

_ (¬1) في (س): منه له. (¬2) من (م). (¬3) "شرح السنة" 2/ 423. (¬4) الحديث هو حديث أبي هريرة (638)، وسيأتي في كتاب اللباس، باب ما جاء في إسبال الإزار (4086).

85 - باب الإسبال في الصلاة

85 - باب الإسْبالِ فِي الصَّلاةِ 637 - حَدَّثَنا زَيْدُ بْن أَخْزَمَ، حَدَّثَنا أَبُو داوُدَ، عَنْ أَبِي عَوانَةَ، عَنْ عاصِمٍ عَنْ أَبِي عُثْمانَ، عَنِ ابن مَسْعُودٍ، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ أَسْبَلَ إِزارَهُ فِي صَلاتِهِ خُيَلاءَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي حِلٍّ وَلا حَرامٍ". قال أَبُو داوُدَ: رَوَى هذا جَماعَةٌ عَنْ عاصِمٍ مَوْقُوفًا عَلَى ابن مَسْعُودٍ مِنْهُمْ حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَحَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَأَبُو الأَحْوَصِ، وَأَبُو مُعاوِيَةَ (¬1). * * * باب ما جاء في إسبال الإزار (¬2) [637] (ثنا زيد بن أخزم) بالخاء والزاي المعجمتين الطائي البصري روى عنه البخاري في ذكر بني إسرائيل (قال: ثنا أبو داود) سليمان بن داود الطيالسي (عن أبي عوانة) الوضاح بن عبد الله (عن عاصم) بن سليمان الأحول (عن أبي عثمان) عبد الرحمن النهدي. (عن ابن مسعود قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من أسبل إزاره) أي: أرخاه، وهو بمعنى السدل (¬3)، وهو أن يرسل طرفي الرداء وما في معناه من الطيلسان ونحوه حتى يصيب (¬4) الأرض ذيلها وهو طرفها الذي فيه الأهداب (في صلاته) النهي عنه في الصلاة أبلغ من غيرها، فقد قال ¬

_ (¬1) رواه النسائي في "الكبرى" 5/ 483 - 484 (9680). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (647). (¬2) هذا الباب تأخر في بعض روايات "السنن" عن موضعه هذا. (¬3) في (م): البدل. (¬4) في (ص، س، ل): يصيبه.

الشافعي في البويطي: لا يجوز السدل في الصلاة، ولا في غيرها (¬1) (خيلاء) بضم الخاء والمد، وهو الكبر وإعجاب المرء بنفسه، قيل: ومنه سميت الخيل خيلًا؛ لاختيالها وهو إعجابها بنفسها. قال النووي: مذهبنا أن السدل في الصلاة وفي غيرها سواء، فإن سدل للخيلاء فهو حرام، وإن كان لغير الخيلاء فمكروه وليس بحرام. فأما السدل لغير الخيلاء في الصلاة فهو خَفيف (¬2)؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر، وقال له: إن إزاري يسقط من أحد شقي، فقال له: "لست منهم" هذا نصه في البويطي، وحديث أبي بكر في البخاري (¬3) (¬4). (فليس من الله في حل) بكسر الحاء (ولا حرام) قيل: معناه: لا يؤمن بحلال الله تعالى وحرامه. وقيل: معناه: ليس من الله في شيء. وقيل: ليس من دين الله (¬5) فيما أحل وحرم في شيء. قال النووي: ومعناه قد برئ من الله تعالى وفارق دينه (¬6). (روى هذا جماعة عن عاصم) الأحول (موقوفًا على ابن مسعود) والموقوف على الصحابي عندهم أن يروى الحديث مسندًا إلى الصحابي، فإذا بلغ الصحابي، قال: إنه كان يقول: من أسبل إزاره في صلاته .. الحديث (منهم حماد بن سلمة وحماد بن زيد وأبو ¬

_ (¬1) "المجموع" 3/ 177. (¬2) السابق. (¬3) في (ص): حقيق. (¬4) "صحيح البخاري" (6062) من حديث ابن عمر - رضي الله عنه -. (¬5) من (م). (¬6) "المجموع" 3/ 177.

الأحوص) [عوف بن مالك الجشمي (¬1) (وأبو معاوية) عبيد بن نضلة الخزاعي المقرئ، احتج به مسلم، ووثقه النسائي (¬2)، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) كذا سمى المصنف رحمه الله أبا الأحوص عوف بن مالك! وهو وهم، والمراد هنا أبو الأحوص الراوي عن عاصم الأحول، وهو سلام بن سليم الكوفي. انظر "تهذيب الكمال" 12/ 282. (¬2) كذا ذكر هنا أبا معاوية فسماه عبيد بن نضلة وهذا أيضًا غير المراد، والمراد هنا محمد بن خازم الضرير. "تهذيب الكمال" 25/ 123. ومنشأ الخطأ أنه توهم أن أبا داود يريد الرواة عن ابن مسعود، وليس كذلك وإنما أراد الرواة عن عاصم الأحول.

84 - باب من قال: يتزر به إذا كان ضيقا

84 - باب مَنْ قال: يَتَّزِرُ بهِ إِذا كانَ ضَيِّقًا 635 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْن حَرْبٍ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْن زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، قال: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ قال: قال عُمَرُ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا كانَ لأَحَدِكُمْ ثوْبانِ فَلْيُصَلِّ فِيهِما فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا ثَوْبٌ واحِدٌ فَلْيَتَّزِرْ بِهِ وَلا يَشْتَمِلِ اشْتِمال اليَهُودِ" (¬1). 636 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فارِسٍ الذُّهْلِيُّ، حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ مُحمدٍ، حَدَّثَنا أَبُو تُمَيْلَةَ يَحْيَى بْنُ واضِحٍ، حَدَّثَنا أَبُو المُنِيبِ عُبَيْدُ اللهِ العَتَكِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ: قال نَهَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُصَلَّى فِي لحِافٍ لا يَتَوَشَّحُ بِهِ والآخَرُ أَنْ يُصَلَّى فِي سَراوِيلَ وَلَيْسَ عَلَيْكَ رِداءٌ (¬2). 638 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا أَبانُ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: بَيْنَما رَجُلٌ يُصَلِّي مُسْبِلًا إِزارَهُ إِذْ قال لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اذْهَبْ فَتَوَضَّأْ". فَذَهَبَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ جاءَ ثُمَّ قال: "اذْهَبْ فَتَوَضَّأْ". فَذَهَبَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ جاءَ فَقال لَهُ رَجُلٌ: يا رَسُولَ اللهِ ما لَكَ أَمَرْتَهُ أَنَّ يَتَوَضَّأَ فَقال: "إِنَّهُ كانَ يُصَلِّي وَهُوَ مُسْبِلٌ إِزارَهُ وَإِنَّ الله تَعالى لا يَقْبَلُ صَلاةَ رَجُلٍ مُسْبِلٍ إِزارَهُ" (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 148، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 377، والبيهقي 2/ 236، وابن عبد البر في "التمهيد" 6/ 371. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (645). (¬2) رواه الحاكم 1/ 250، 4/ 272، والبيهقي 2/ 236. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (646). (¬3) رواه البيهقي 2/ 241. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (97).

باب من قال: يتزر إذا كان ضيقًا [635] (ثنا سليمان بن حرب قال: ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر [- رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو قال: قال عمر] (¬1) - رضي الله عنه -: إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما) وروى ابن حبان بسنده إلى ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا صلى أحدكم فليتزر وليرتدي" (¬2) أي يشد أحدهما على وسطه والآخر على ظهره. وقال أصحابنا: يستحب أن يصلي الرجل في أحسن ثيابه، فإن اقتصر على ثوبين فالأفضل قميص ورداء أو قميص وإزار أو قميص وسراويل. (فإن لم يكن) له (إلا ثوب) واحد (فليتزر به) أي: يشده على حقوه كما تقدم (ولا يشتمل) أي: يتلفف بالكساء (اشتمال اليهود) قال الخطابي: اشتمال اليهود المنهي عنه هو أن يجلِّل بدنه (¬3) ويسبله من غير أن يرفع طرفه (¬4). قال البغوي: وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن الصماء: اشتمال اليهود (¬5) فجعلهما شيئًا واحدًا (¬6). ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "صحيح ابن حبان" (1713). (¬3) في (ص): يديه. (¬4) "معالم السنن" 1/ 178. (¬5) أخرجه أحمد في "مسنده" 2/ 503 من حديث أبي هريرة، مطولًا. (¬6) "شرح السنة" 2/ 425.

وروى ابن حيان عن ابن عمر قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا صلى أحدكم في ثوب واحد فليشده على حقويه، ولا تشتملوا كاشتمال اليهود" (¬1). قال ابن حبان (¬2): اشتمال الصماء (¬3) المنهي عنه هو أن يضع المرء إزاره على رأسه أو عاتقه ثم يقول بأحد الطرفين فيضعه على عاتقه ويسبل باقيه، وبوب عليه: باب الزجر عن اشتمال الصماء؛ إذ استعماله من أفعال أهل الكتاب (¬4). [636] (ثنا محمد بن يحيى الذهلي) بالذال المعجمة المضمومة نسبة إلى قبيلة هي ذهل (¬5) بن ثعلبة. (قال: ثنا سعيد (¬6) بن محمد) بن سعيد الجرمي أخرج له الشيخان. (قال: ثنا أبو تميلة) بضم التاء المثناة مصغر يحيى بن واضح المروزي (قال: ثنا أبو المنيب) (¬7) بضم الميم وكسر النون (¬8). (عبيد الله) بالتصغير: ابن عبد الله العتكي، وثقه ابن معين (¬9) ¬

_ (¬1) "ذكر الأقران" ص 113 (422). (¬2) زاد بعدها بعدها في النسخ: قال أبو حاتم. (¬3) في (م): الصحى. (¬4) لم أقف عليه هكذا عند ابن حبان، ومثل هذا الباب ذكره ابن حبان مرتين في "صحيحه" قبل حديث (2290)، (5426). (¬5) في (س): وهل. (¬6) كتب فوقها في (م): خ م. (¬7) في (ص، س): المنير. وبياض في (ل). (¬8) في (س): الدال. (¬9) "تاريخ ابن معين رواية الدوري" (4794).

وغيره (¬1) (عن عبد الله بن بريدة) قاضي مرو (¬2)، كان هو وأخوه سليمان توأمين (عن أبيه) بريدة بن الحصيب - رضي الله عنه -. (قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصلَّى) بفتح اللام المشددة مبني للمفعول (في لحاف) هو كل ثوب يغطَّى به جمعه لُحُف، ككتاب وكُتُب (لا يتوشح به) حكى ابن عبد البر عن الأخفش التوشح: هو أن يأخذ طرف الثوب الأيسر من تحت يده اليسرى فيلقيه على منكبه الأيمن، ويلقي طرف الثوب الأيمن من تحت يده اليمنى على منكبه الأيسر قال: وهذا هو (¬3) التوشح الذي جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى في ثوب واحدٍ متوشحًا به (¬4). (والآخر أن يصلي في سراويل) اسم أعجمي، وقيل عربي، جمع: سروالة، وفرق في "المجرد" بين صيغتي التذكير والتأنيث فقال: هي السراويل وهو السروال (¬5)، والمشهور أنه لا ينصرف مع أنه مفرد على الصحيح، فقيل: إنه أعجمي حمل (¬6) على [موازنه من العرفيِّ ونقل ¬

_ (¬1) قال البخاري: عنده مناكير. انظر: "الضعفاء" للبخاري (211)، وأنكر أبو حاتم على البخاري إدخاله أبا المنيب في "الضعفاء" فقال: يحول منه. انظر: "الجرح والتعديل" 5/ 322. (¬2) في (م): بريدة. (¬3) سقط من (م). (¬4) "التمهيد" 22/ 210. (¬5) نقله عن "المجرد" في "المصباح المنير" (ص 275). (¬6) في (ص): جل. والمثبت من بقية النسخ.

ابن الحاجب أن من العرب من يصرفه وأنكر ابن مالك عليه ذلك وإن سمي بهذا] (¬1) الجمع (وليس عليه رداء)؛ لأن السراويل المفردة (¬2) تَصِفُ الأعضاء، ولا تتجافى عن الجسد، ولهذا قال أصحابنا: إن (¬3) لم يكن له قميص وأراد (¬4) الاقتصار على ثوب فالرداء أولى؛ لأنه يمكنه أن يستر به العورة ويبقي منه [ما يطرحه] (¬5) على الكتف فإن لم يكن؛ فالإزار أولى من السراويل؛ لأن الإزار يتجافى عنه ولا يصف الأعضاء. [638] (ثنا موسى بن (¬6) إسماعيل، قال: ثنا أبان، قال: ثنا يحيى) ابن أبي كثير. (عن أبي جعفر) الأنصاري المدني (¬7)، قال الترمذي: لا نعرف اسمه (¬8)، كثير بن جمهان السلمي أو راشد بن كيسان. (عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: بينما رجل يصلي مسبل) بالرفع والنصب فالنصب على الحال من الضمير المستتر في يصلي، والرفع على أنه صفة لرجل، والأول أقوى على الحال (إزارَه) بالنصب ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) من (م). وفي بقية النسخ: بمفرده. (¬3) زاد في (م): من. (¬4) في (م): رداء. (¬5) في (م): بطرحه. (¬6) في (س): عن. (¬7) في (م): الذي. (¬8) "جامع الترمذي" 5/ 468 - 469.

مفعول لاسم الفاعل قبله وهو مسبل (إذ قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اذهب فتوضأ، فذهب فتوضأ ثم جاء ثم قال [له) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬1): (اذهب فتوضأ ثم جاء فقال له رجل: يا رسول الله، ما لك أمرته أن يتوضأ) بعد أن توضأ؟ ! (قال: إنه كان يصلي وهو مسبل إزاره)؛ لأنه مسبل، والمسبل لا يقبل منه حل أي حلال ويدخل في الحلال الواجب والمندوب والمباح، والوضوء من ذلك فيعيد ما دام مسبلًا، والحرام يشمل الحرام والمكروه (وإن الله لا يقبل صلاة مسبل إزاره) قال النووي: إسناده صحيح على شرط مسلم (¬2)، أي: لا يقبل منه صلاة ولا وضوء ولا غيره كما في الحديث: "لا يقبل منه صرف ولا عدل" (¬3). * * * ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "المجموع" 3/ 178، ولعله قال ذلك بناءً منه على أن أبا جعفر المدني هو الباقر. (¬3) رواه البخاري (1870)، ومسلم (1370) من حديث علي.

86 - باب في كم تصلي المرأة

86 - باب فِي كَمْ تُصَلِّي المَرْأَةُ 639 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ قُنْفُذٍ، عَنْ أُمِّهِ أَنَّها سَأَلَتْ أُمَّ سَلَمَةَ ماذا تُصَلِّي فِيهِ المرْأَةُ مِنَ الثِّيابِ؟ فَقالتْ: تُصَلِّي فِي الخِمارِ والدِّرْعِ السّابغِ الذِي يُغَيِّبُ ظُهُورَ قَدَمَيْها (¬1). 640 - حَدَّثَنا مُجاهِدُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنا عُثْمان بْن عُمَرَ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ -يَعْنِي ابن دِينارٍ-، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ بهذا الحَدِيثِ قال: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أنَّها سَأَلتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَتُصَلِّي المرْأَةُ فِي دِرْعٍ وَخِمارٍ لَيْسَ عَلَيْها إِزارٌ قال: "إِذا كانَ الدِّرْعُ سابِغًا يُغَطِّي ظُهُورَ قَدَمَيْها". قال أَبُو داوُدَ: رَوَى هذا الحَدِيثَ مالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَبَكْرُ بْنُ مُضَرَ وَحَفْصُ بْن غِياثٍ وَإِسْماعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ وابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وابْنُ إِسْحاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أُمِّهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَصَرُوا بِهِ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها - (¬2). * * * باب في كم تصلي المرأة [639] (ثنا القعنبي، عن مالك، عن محمد بن زيد بن قنفذ) بضم القاف والفاء والذال المعجمة وتفتح الفاء تخفيفًا، ابن عمير (¬3) بن ¬

_ (¬1) رواه مالك في "الموطأ" 1/ 142، والبيهقي 2/ 232، والبغوي في "شرح السنة" 2/ 435 (526). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (98). (¬2) رواه الحاكم 1/ 250، والبيهقي 2/ 233. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (99). (¬3) في (س): عمر.

جدعان التيمي (¬1)، وثقه أحمد وجماعة (¬2) (عن أمه) وهي أم حرام لا يعرف اسمها (أنها سألت أم سلمة) زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ماذا تصلي فيه المرأة من الثياب؟ فقالت (¬3): تصلي في الخمار) وهو ثوب (¬4) تغطي به المرأة رأسها وعنقها (¬5) ويقال له: مقنعة. (والدرع) وهو قميص المرأة الذي يغطي يديها ورجليها (السابغ) يقال: سبغ الدرع وكل شيء إذا طال من فوق إلى أسفل (الذي يغيب) أي: يغطي ويستر (ظهور قدميها). وروى الترمذي والنسائي عن ابن عمر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة" فقالت أم سلمة: فكيف تصنع النساء بذيولهن؟ قال: "يرخين شبرًا (¬6) ". فقالت: إذًا تنكشف أقدامهن. قال: "فترخيه ذراعًا لا تزدن عليه" (¬7). قال الترمذي: حديث صحيح (¬8). والظاهر أن المراد بالشبر (¬9) والذراع أن يكون هذا القدر زائدًا على ¬

_ (¬1) في (م): التميمي. (¬2) "تهذيب الكمال" 25/ 232. (¬3) في جميع النسخ: قال. والمثبت من "سنن أبي داود". (¬4) في (س): مغرب! (¬5) في (م): عينها. (¬6) في (ص): يسيرًا. (¬7) "سنن الترمذي" (1731)، و"المجتبى" للنسائي 8/ 209، وصححه الألباني في "جلباب المرأة المسلمة" (ص 79 - 80). (¬8) "سنن الترمذي" 4/ 196، وفيه: حديث حسن صحيح. (¬9) في (ص): باليسير.

قميص الرجل لا أنه زائد عن الأرض، والله سبحانه وتعالى أعلم. [640] (ثنا مجاهد بن موسى) بن فروخ الخوارزمي شيخ مسلم، (قال: ثنا عثمان بن عمر) بن فارس العبدي. (قال: ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار) أخرج له البخاري. (عن محمد بن زيد) بن قنفذ عن أمه (بهذا الحديث قال: عن أم سلمة - رضي الله عنهما - أنها سألت النبي - صلى الله عليه وسلم -: أتصلي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار؟ قال: إذا كان سابغًا (¬1) يغطي ظهور قدميها) قال ابن عبد البر: قال جابر بن زيد: تصلي المرأة في درع صفيق (¬2)، وخمار صفيق (¬3). قال: وهو قول فقهاء الأمصار (¬4). قال أصحابنا: يستحب للمرأة حرة كانت أو أمة أن تصلي في ثلاثة أثواب: درع يغطي بدن المرأة ورجليها، وخمار: أي: مقنعة تستر الرأس والعنق، وسراويل؛ لأن ذلك ستر المرأة، وعن عمر أن المرأة تصلي في ثلاثة أثواب: درع وخمار وإزار (¬5) أي: ملحفة فوق ثيابها ويكون ثوبها صفيقًا (¬6) غليظ الغزل سديد النسج بحيث لا يظهر منه لون بدنها ولا لون ثيابها ويجافيها في الركوع والسجود، كذا حكاه القاضي حسين. ¬

_ (¬1) في (ص): شائعًا. (¬2) في (م): ضيق. (¬3) في (م): ضيق. (¬4) "الاستذكار" 5/ 442. (¬5) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" مختصرًا (6224)، والبيهقي في "الكبرى" 2/ 235. (¬6) في (ل، م): ضيقًا.

(روى هذا الحديث مالك بن أنس وبكر بن مضر) بن محمد المصري مولى شرحبيل بن حسنة، روى له الشيخان [(وحفص بن غياث)] (¬1) النخعي قاضي الكوفة. (وإسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الزرقي (¬2) سكن بغداد وأدب بها ابن المهدي عليًّا، وله نحو خمسمائة حديث. (و) محمد بن عبد الرحمن (بن أبي ذئب و) محمد (بن إسحاق)، كلهم رووه (عن محمد بن زيد) بن قنفذ (عن أمه) أم حرام (عن أم سلمة) زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - موقوفًا عليها (¬3) (لم يذكر [أحد منهم] (¬4) النبي - صلى الله عليه وسلم -) بل (قصروا به على أم سلمة - رضي الله عنها -). * * * ¬

_ (¬1) في (ص): جعفر بن عنان. (¬2) في (ص): الدرقي. (¬3) في جميع النسخ: عليه. (¬4) سقط من (م).

87 - باب المرأة تصلي بغير خمار

87 - باب المَرْأَةِ تُصَلِّي بِغَيْرِ خِمارٍ 641 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنا حَجّاجُ بْنُ مِنْهالٍ، حَدَّثَنا حَمّادٌ عَنْ قَتادَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيِرينَ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ الحارِثِ عَنْ عائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قال: "لا يَقْبَلُ الله صَلاةَ حائِضٍ إِلا بِخِمارٍ". قال أَبُو داوُدَ: رَواهُ سَعِيدٌ -يَعْنِي ابن أَبِي عَرُوبَةَ- عَنْ قَتادَةَ، عَنِ الحَسَنِ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). 642 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن عُبَيْدٍ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ عائِشَةَ نَزَلَتْ عَلَى صَفِيَّةَ أُمِّ طَلْحَةَ الطَّلَحاتِ فَرَأَتْ بَناتٍ لَها فَقالتْ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ وَفِي حُجْرَتِي جارِيَةٌ فَأَلْقَى لِي حِقْوَهُ وقال: "شُقِّيهِ بِشَقَّتَيْنِ، فَأَعْطِي هذِه نِصْفًا والفَتاةَ التِي عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ نِصْفًا فَإِنِّي لا أُراها إِلَّا قَدْ حاضَتْ أَوْ لا أُراهُما إِلَّا قَدْ حاضَتا". قال أَبُو داوُدَ: وَكَذَلِكَ رَواهُ هِشامٌ، عَنِ ابن سِيرِينَ (¬2). * * * باب المرأة تصلي بغير خمار [641] (ثنا ابن المثنى قال: ثنا حجاج بن منهال، قال: ثنا حماد، عن قتادة، عن محمد بن سيرين، عن صفية بنت الحارث) بن طلحة العبدرية أم طلحة الطلحات، ذكرها ابن حبان في "الثقات" (¬3)، وكانت نزلت على ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (377)، وابن ماجه (655)، وأحمد 6/ 150، 218، 259. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (648). (¬2) رواه أحمد 6/ 96، والبيهقي 6/ 75. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (100). (¬3) "الثقات" 4/ 385.

عائشة (عن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: لا يقبل الله صلاة حائض) بغير هاء؛ لأن الحيض وصف خاص بالمرأة لا يتأتى من الرجل فلا يحتاج إلي هاء التأنيث الفاصلة بين الذكر والأنثى، وليس (¬1) المراد بالحائض المتلبسة بالحيض؛ فإن الصلاة حرام عليها حين الحيض، بل المراد بها هنا التي بلغت، سميت حائضًا؛ لأنها بلغت سن المحيض (¬2)، هذا هو الصواب في العبارة عنها، ويقع في كثير من كتب شروح الحديث وكتب الفقه أن المراد بالحائض التي بلغت سن المحيض (¬3). قال النووي: وهذا تساهل؛ لأنها قد تبلغ سن المحيض ولا تبلغ البلوغ الشرعي، ثم إن التقييد بالحائض خرج مخرج الغالب وهو أن التي دون البلوغ لا تصلي وإلا فلا تقبل صلاة الصبية المميزة إلا بخمار (¬4)، ومفهومه لا يعمل به، فكأنه قال: لا يقبل الله صلاة أنثى صغيرة كانت أو كبيرة إلا بخمار. واعلم أن الحديث مخصوص بالحرة، خص بأمر خارج فإن الأمة تصح صلاتها مكشوفة الرأس (إلا بخمار) فيه دليل على أن رأسها عورة، فلو صلت مكشوفة الرأس لا تصح صلاتها؛ لأن رأسها عورة، وإذا ثبت وجوب الستر على المرأة بهذا الحديث ثبت وجوب الستر على الرجل؛ إذ لا فرق بين الرجل والمرأة في وجوب الستر عليهما بالجملة بالاتفاق، ويؤيد هذا الحديث ويوضحه رواية الطبراني في "الصَّغير" و"الأوسط" من حديث ¬

_ (¬1) من (س، م). (¬2) و (¬3) في (س، م): الحيض. (¬4) "المجموع" 3/ 166.

أبي قتادة بلفظ: "لا يقبل الله من امرأة صلاة حتى تواري زينتها، ولا جارية بلغت المحيض حتى تختمر" (¬1)، وفي "الأوسط": عن علي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا علي، مر نساءك لا تصلين عطلًا ولو أن يتقلدن سيرًا (¬2) " (¬3) وفي إسناده [رائطة بنت] (¬4) عبد الله بن علي، وقل من ذكرها. (ورواه سعيد) بن أبي عروبة (عن قتادة، عن الحسن، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) بنحو ما تقدم. [642] (ثنا محمد بن عبيد) بن حسان البصري شيخ مسلم. (قال: ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد) بن سيرين (أن عائشة نزلت على صفية بنت الحارث) بن طلحة (أم طلحة) بن عبد الله (¬5) بن خلف الخزاعي المعروف بطلحة الطلحات، أحد الأجواد المفضلين والأسخياء المشهورين وأجود أهل البصرة في زمانه، كان مع عائشة يوم الجمل. قال الأصمعي: الطلحات المعروفون بالكرم: طلحة بن عبد الله بن عثمان التيمي، وهو الفياض (¬6)، وطلحة بن عمر بن عبيد الله التميمي وهو طلحة الجود، وطلحة بن عبيد الله بن عوف ابن أخي عبد الرحمن بن عوف، وهو طلحة الندى، وطلحة بن الحسن بن علي وهو طلحة الخير، وطلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعي، وهو طلحة ¬

_ (¬1) "المعجم الأوسط" (7606)، و"المعجم الصغير" (920). (¬2) في (ص، س): شبرًا. (¬3) "المعجم الأوسط" (5929). (¬4) في (ص، س، ل): رابطة. (¬5) في (ص): عبيد الله. (¬6) في الأصول: العباس. والمثبت من "تهذيب التهذيب" 5/ 16.

الطلحات؛ سمي بذلك لأنه أجودهم (¬1)، قيل: دخل كثير عزة عليه عائدًا (¬2) فقعد عند رأسه فلم يكلمه لشدة ما به، فأطرق مليًّا ثم قال: لقد كان بحرًا زاخرًا وغيفا ماطرًا، ولقد كان هَطِل السحاب، حلو الخطاب، إن سئل جاد، وإن جاد عَادَ، وإن فوخر فخر، وإن جني (¬3) عليه غفر، يبذل عطاؤه ويرفد (¬4) جلساؤه، ففتح طلحة عينيه وأمر له بعطية سنية، وقال: هي لك ما عشت كل سنة. (فرأت بنات لها) لعلهن كن أو بعضهن مكشوفات الرؤوس (فقالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل) عليَّ (وفي حجرتي) الحجرة البيت، والجمع حُجَر وحُجُرات، كغرفة وغرفات (جارية) أصلها السفينة (¬5) سميت بذلك لجريها في البحر، ومنه قيل للأمة جارية على التشبيه لجريها مستسخرة في أشغال مواليها، والأصل فيها الشابة لخفتها، ثم توسعوا حتى سموا كل أمة جارية وإن كانت عجوزًا لا تقدر على السعي تسمية لما (¬6) كانت عليه. (فألقى إلي حقوه) بالفتح أصله موضع شد الإزار، وهو الخاصرة، ثم توسعوا حتى سموا الإزار الذي يشد على العورة حقوًا مجازًا من باب تسمية الحالِّ باسم ما يحل عليه، ولعل السبب (¬7) في إلقاء حقوه إليها ¬

_ (¬1) "تهذيب التهذيب" 5/ 16. (¬2) من (م). (¬3) في (س): خفي. (¬4) في (س): يزيد. (¬5) في (س): الشقة. (¬6) في (ل، م): بما. (¬7) في (ص): الستر.

لما رأوها (¬1) مكشوفة الرأس (وقال: شقيه بشقتين) بكسر الشين، قال ابن مالك: الشقة بالفتح المرة من الشق، وبالكسر القطعة من الشيء (¬2). والمراد هنا (¬3) شقيه نصفين أي منتصفًا فهو منصوب على الحال من المفعول وهو الهاء، والباء فيه زائدة للتوكيد (¬4)، وزيادة الباء في الحال كثيرة، ذكره ابن مالك وأنشد عليه: كائن دعيت إلى [بأساء داهمةٍ] (¬5) ... فما [انبعثت بمزؤود] (¬6) ولا وَكِلُ ونازعه [أبو حيان] (¬7) [في ذلك] (¬8) وأوَّلَ البيت، و (¬9) أيضًا فإن (¬10) ابن مالك إنما ذكر ذلك بشرط النفي كما في البيت، كما قال ابن مالك في "الكافية": وربما جر بباء إن نفي ... عامله كلم أعد بمخلف (¬11) ¬

_ (¬1) في (ل، م): رآها. (¬2) "الإعلام بتثلثيث الكلام" 2/ 344. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ص): في التوكيد. (¬5) في (ص، س، م): نائما ذا همة. (¬6) في (ص): أشقيت لمردود. (¬7) في جميع النسخ: ابن حبان. وهو خطأ، والمثبت من "مغني اللبيب" (ص 150). (¬8) من (م). (¬9) سقط من (م). (¬10) في (م): قال. (¬11) "شرح الكافية الشافية" 2/ 726.

(فأعطي هذِه) الجارية (نصفا والفتاة التي عند أم سلمة نصفًا) وهذا فيه دليل على العدل بين الزوجات في حقوقهن وحقوق إمائهن وأولادهن (فإني لا أُراها) (¬1) بضم الهمزة (أو) شك من الراوي، قال: (لا أُراهما) بضم الهمزة أي أظنهما (إلا قد حاضتا) فيه بلوغ الأنثى بالحيض [كما أنه] (¬2) يحصل بالسن، أي: كانت الجارية والفتاة أمتين، كما أنه ظاهر في استعمال اللفظتين، ففي الحديث حجة لما ذهب إليه محمد بن سيرين راوي الحديث أن أم الولد يلزمها ستر الرأس في الصلاة (¬3). والحديث محمول على أنهما كانتا أم ولدين كما حكاه المتولي وإن كانتا (¬4) حرتين ربيبتين أو غيرهما، فيكون هذا العطاء من مكارم أخلاقه والمواساة بين الضرائر، وإن لم يكن واجبًا. (وكذلك (¬5) رواه هشام) بن حسان القردوسي. (عن) محمد (ابن سيرين) (¬6) أدرك ابن سيرين ثلاثين صحابيًّا (¬7)، والله سبحانه أعلم. * * * ¬

_ (¬1) في (ص، س): أراهما. (¬2) في (م): كأنه. (¬3) "المجموع" 3/ 169. (¬4) في (ص، س، ل): كانت له. (¬5) في (س): وكذا. (¬6) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (6271) من طريق هشام عن ابن سيرين به. (¬7) لكنه لم يدرك عائشة - رضي الله عنها - فيبقى الحديث منقطعًا، انظر: "المراسيل" لابن أبي حاتم (687).

88 - باب ما جاء في السدل في الصلاة

88 - باب ما جاءَ فِي السَّدْلِ فِي الصّلاةِ 643 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ وَابْراهِيم بْن مُوسَى، عَنِ ابن المُبارَكِ عَنِ الحَسَنِ بْنِ ذَكْوانَ، عَنْ سُلَيْمانَ الأحْوَلِ عَنْ عَطَاءٍ قال إِبْراهِيمُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنِ السَّدْلِ فِي الصَّلاةِ وَأَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فاهُ. قال أَبو داودَ: رَواهُ عِسْلٌ، عَنْ عَطاءٍ، عَنْ أَبِي هرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنِ السَّدْلِ فِي الصَّلاةِ (¬1). 644 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن عِيسَى بْنِ الطَّبّاعِ، حَدَّثَنا حَجّاجٌ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، قال: أَكْثَرُ ما رَأَيْتُ عطَاءً يُصَلِّي سادِلًا قال أَبو داؤدَ: وهذا يُضَعِّف ذَلِكَ الحَدِيثَ (¬2). * * * باب السدل في الصلاة [643] (ثنا محمد بن العلاء وإبراهيم بن موسى، عن) عبد الله (ابن المبارك، عن الحسن بن ذكوان) البصري، أخرج له البخاري (عن سليمان الأحول، عن عطاء قال إبراهيم) بن موسى في روايته دون ابن العلاء (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه-: وكذا رواه ابن حبان من طريق حبان (¬3) ابن موسى عن ابن المبارك (¬4) (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن السدل) بإسكان الدال مصدر سدلت الثوب أسدله، كقتلته أقتله قتلًا، إذا أرخيته وأرسلته من غير ضم جانبيه ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (378)، وابن ماجه (966)، وابن خزيمة (772). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (650). (¬2) صححه الألباني في "صحيح أبي داود" (652). (¬3) من (م). وفي بقية النسخ: حسان. (¬4) أخرجه ابن حبان (2353).

فإن ضممتهما فهو قريب من التلفيف (¬1) (في الصلاة) واختلف العلماء في السدل، فذهب بعضهم إلى كراهته في الصلاة، قالوا: وهكذا تصنع اليهود، وممن كرهه ابن المبارك وسفيان الثوري والشافعي في الصلاة وغيرها كما تقدم (¬2)، وقال أحمد: إنما يكره (¬3) السدل في الصلاة إذا لم يكن عليه إلا ثوب واحد، فأما إذا سدل على القميص فلا بأس (¬4). (وأن يغطي الرجل) أو المرأة، بل هي أولى بالمنع (¬5) (فاه) قال أبو حيَّان (¬6): لأنه من زي المجوس. قال: وإنما زجر عن تغطية الفم في الصلاة على الدوام لا عند التثاؤب بمقدار ما يكظمه لحديث: "إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه، فإن الشيطان يدخل" (¬7) وقد استُدِل به على كراهة أن يصلي الرجل متلثمًا أو مغطيًا فاه بيده أو غيرها، وأن تنتقب (¬8) المرأة في ¬

_ (¬1) في (س، م): التلفيق. (¬2) "المجموع " 3/ 177. (¬3) من (م). (¬4) "شرح السنة" 2/ 428. (¬5) في (ص، س، ل). (¬6) في جميع النسخ: ابن حبان. وهو خطأ، ونقله عن أبي حيان: العيني في "شرحه" و"سنن أبي داود" 3/ 181 قال: والحكمة في هذا أنه يشبه فعل المجوس حال عبادة النيران، كذا قاله صاحب "المحيط". (¬7) أخرجه أبو داود (5026)، وأحمد 3/ 31، وغيرهما، وسيأتي تخريجه في موضعه إن شاء الله. (¬8) في (م): تنقب. وفي (س): تتبعت.

الصلاة؛ لأن الوجه من المرأة ليس بعورة فهي (¬1) كالرجل. [644] (ثنا محمد بن عيسى) بن نجيح (بن الطباع) البغدادي الحافظ، أخو إسحاق ويوسف سكن أَذَنة شيخ البخاري (قال: ثنا حجاج (¬2)، عن) عبد الملك (ابن جريج قال: أكثر ما رأيت عطاء يصلي سادلا) لعله فعل (¬3) ذلك ليبين أنه ليس بحرام، فإنه راوي الحديث، وممن رخص فيه مكحول والزهري والحسن وابن سيرين ومالك (¬4)، قال النووي: يشبه أن يكونوا فرقوا بين إجازته (¬5) في الصلاة دون غيرها؛ لأن المصلي لا يمشي في الثوب وغيره يمشي فيه ويسبله، وذلك من الخيلاء المنهي عنه (¬6) (وروى عِسل) بكسر العين المهملة وإسكان السين المهملة أيضًا قال أحمد: ليس عندي بقوي الحديث (¬7) (عن عطاء، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن السدل في الصلاة) وهكذا رواه ابن حبان عن عِسل بن سفيان، عن عطاء، عنه (¬8)، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (ص، س، ل): جميع. (¬3) فى (ص): يفعل. (¬4) "المجموع" 3/ 177. (¬5) في (ص): حادثة. وفي (ل): إرخائه. (¬6) "المجموع" 3/ 177. (¬7) "مسائل أحمد رواية ابن هانئ" (2281). (¬8) "صحيح ابن حبان" (2289).

89 - باب الصلاة في شعر النساء

89 - باب الصَّلاةِ فِي شُعرِ النِّساءِ 645 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعاذٍ، حَدَّثَنا أَبِي، حَدَّثَنا الأشعَث، عَنْ مُحَمَّدٍ -يَعْنِي: ابن سِيرِينَ- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ عائِشَةَ قالتْ: كانَ رَسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لا يُصَلِّي فِي شعُرِنا أَوْ لُحُفِنا. قال عُبَيْد اللهِ: شَكَّ أَبِي (¬1). * * * باب الصلاة في شُعُر النساء [645] (ثنا عبيد الله) بالتصغير (¬2) (بن معاذ (¬3) قال: ثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري، ولي قضاء البصرة للرشيد (قال: ثنا الأشعث) بن عبد الملك (عن محمد) بن سيرين (عن عبد الله بن شقيق، عن عائشة قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يصلي في شُعُرنا) الشعر بضم الشين والعين جمع شعار وهو ما يلي الجسد من الثياب، والدثار هو ما فوق الشعار مما يتدفأ به (أو) قالت الحفنا) جمع لحاف، وكل ما تغطيت به فقد التحفت به، ورواه الترمذي من هذِه الطريق بلفظ: كان لا يصلي في لحف نسائه (¬4)، و [خص] (¬5) الشعار بالذكر؛ لأنه أقرب إلى ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 101. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (393). (¬2) في (س): بالتضعيف. (¬3) في (ص، س، ل): أن معاذًا. (¬4) "سنن الترمذي" (600)، وقال عقبه: هذا حديث حسن صحيح، وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- رخصة في ذلك. (¬5) في (ص، س، ل): خصت.

النجاسة من الدثار، يحتمل أن يكون ترك الصلاة فيها تنزهًا أو في بعض الأوقات، فإنَّ بعض أصحابنا قال: يعفى عن دم البراغيث من نفسه ولا يعفى عن دم البراغيث من غيره، ولما فيها من نجاسة الصغار الذين ينامون فيها، ولما يحدث للمرأة من دم الاستحاضة وغيرها، واستدل ابن حبان على إباحة الصلاة على الفراش الذي ينام عليه هو وامرأته بحديث عائشة -رضي الله عنهما-: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل وأنا راقدة معترضة بينه وبين القبلة على الفراش الذي يضطجع عليه هو وأهله (¬1)، واستدل على الصلاة في ثياب الصبيان بصلاته -صلى الله عليه وسلم- وأمامة على عاتقه (¬2). (قال عبيد الله: شك أبي) يعني [معاذ بن معاذ] (¬3). * * * ¬

_ (¬1) سيأتي تخريجه قريبًا إن شاء الله تعالى. (¬2) سيأتي تخريجه قريبًا إن شاء الله تعالى. (¬3) في (س): معاذ بن جبل.

90 - باب الرجل يصلي عاقصا شعره

90 - باب الرَّجُلِ يُصَلِّي عاقِصًا شَعْرَهُ 646 - حَدَّثَنا الحَسَن بن عَليٍّ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي عِمْرانُ بْنُ موسَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبِي سَعِيدٍ المقْبرِيِّ يُحدِّثُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَأَى أَبا رافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ بِحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِما السَّلامُ وَهُوَ يُصَلِّي قائِمًا وَقَدْ غَرَزَ ضُفْرَةً فِي قَفاهُ، فَحَلَّها أَبُو رافِعٍ فالتَفَتَ حَسَنٌ إِلَيْهِ مُغْضَبًا فَقال أَبُو رافِعٍ: أَقْبِلْ عَلَى صَلاتِكَ وَلا تَغْضَبْ فَإنِّي سَمِعْت رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقولُ: "ذَلِكَ كِفْلُ الشّيْطان" يَعْنِي مَقْعَدَ الشَّيْطانِ يَعْنِي: مَغْرِزَ ضُفُرِهِ (¬1). 647 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الحارِث أَنَّ بُكَيْرًا حَدَّثَهُ، أَنَّ كرَيْبًا مَوْلَى ابن عَبّاسٍ حَدَّثَهُ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبّاسٍ رَأَى عَبْدَ اللهِ بْنَ الحارِثِ يُصَلِّي وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ مِنْ وَرائِهِ فَقامَ وَراءَهُ فَجَعَلَ يَحُلُّهُ، وَأَقَرَّ لَهُ الآخَر، فَلَمّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ إِلَى ابن عَبّاسٍ فَقال: ما لَكَ وَرَأْسِي؟ قال: إِنِّي سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "إِنَّما مَثَلُ هذا مَثَلُ الذِي يُصَلِّي وَهُوَ مَكْتُوفٌ" (¬2). * * * باب الرجل يصلي عاقصًا شعره [646] (ثنا الحسن بن علي، قال: ثنا عبد الرزاق، عن ابن جريج، قال: حدثني عمران بن موسى (الأموي، وثقوه (¬3) (عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه) أبي سعيد كيسان (أنه رأى أبا رافع) أسلم (مولى ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (384)، وابن ماجه (1042)، وأحمد 6/ 10. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (653). (¬2) رواه مسلم (492). (¬3) في (م): وثق. وعمران ذكره ابن حبان في "الثقات" 7/ 240، وقال الذهبي في "الكاشف" (4277): وثق. بينما قال ابن حجر في "التقريب" (5173): مقبول.

رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويقال: مولى العباس بن عبد المطلب (مر بحسن بن علي) ابن أبي طالب (وهو يصلي قائمًا وقد غرز ضفرةً) بالتنوين، أي: من ضفائره التي ضفرها من شعره، والضفائر هي العقائص، وعقيصة المرأة هو الشعر الذي يلوى ويدخل أطرافه في أصوله (في قفاه) مقصور، أي: في قفا رأسه، إمَّا غرزها في عمامته أو في أصول شعره المضفور تحت العمامة في أعلى الشعر. قال في "النهاية": أي لوى شعره وأدخل أطرافه في أصوله (¬1). (فحلها أبو رافع) أي: حل ضفيرة شعره وهو يصلي، والظاهر أن المرأة والصبي في معنى الرجل، لكن رواية الطبراني عن أم سلمة بلفظ: "نهى أن يصلي الرجل ورأسه معقوص". ورجاله رجال الصحيح (¬2)، فخصه بالرجال (فالتفت حسن) بن علي بن أبي طالب (إليه)، أي بعد فراغه من الصلاة (مغضبًا) بضم الميم وفتح الضاد، أي من حل شعره؛ إذ لم يبلغه الخبر ([فقال أبو رافع] (¬3): أقبل) بفتح الهمزة وسكون القاف وكسر الباء (على) ما بقي من (صلاتك) إن كان بقي عليك شيء (ولا تغضب) مما فعلته (فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث والأثر" (غرز). (¬2) أخرجه الطبراني في "الكبير" 23/ 252 (512)، قال أبو حاتم: أخطأ مؤمل بن إسماعيل (يعني في ذكره أم سلمة في الحديث) إنما الحديث عن أبي رافع. وقال الهيثمي في "المجمع" 2/ 86: رجاله رجال الصحيح. وانظر: "مسند إسحاق بن راهويه" 4/ 157 (1936). والخلاصة أن الحديث في نفسه صحيح لكن ذكر أم سلمة فيه خطأ من المؤمل. (¬3) سقط من (م).

يقول: ذلك) أي: مجتمع ضفر الشعر (كفل) بكسر الكاف (الشيطان يعني: مقعد) أي موضع قعود (الشيطان. يعني: مغرز) أي: موضع (ضفْره) (¬1) بسكون الفاء: الشعر، هو مكان قعود الشيطان الذي يقعد عليه، وأصل الكفل أن يدير الكساء ويجمعه على سنام البعير وحوله ثم يركب عليه، وإنما أمره بإرسال شعره ليسقط معه على الموضع الذي يصلي فيه فيسجد معه، ويدل عليه الحديث الآخر: " أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ولا أكف شعرًا ولا ثوبًا" (¬2). [647] (ثنا محمد بن سلمة) (¬3) بفتح السين واللام، المرادي المصري، شيخ مسلم، كان فقيهًا من أصحاب ابن القاسم (قال: ثنا ابن وهب، عن عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري أحد الأعلام (أن بكيرًا) الطائي الضخم (¬4) (حدثه أن كريبًا مولى ابن عباس حدثه، أن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- رأى عبد الله بن الحارث) بن جزء بفتح الجيم وسكون الزاي (¬5) بعدها همزة، السهمي، شهد بدرًا (يصلي ورأسه معقوص) أي: مضفور، والضفر: الفتل في الأصل، والعقاص خيط ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): مسلمة. (¬2) رواه البخاري (810)، ومسلم (490) من حديث ابن عباس. (¬3) في (ص، س، ل): مسلمة. (¬4) كذا ذكر المصنف هنا أن بكيرًا هو الطائي الضخم، وليس صحيحًا فإن بكيرًا هنا هو ابن الأشج الثقة، أما الأول فمقبول وقد رمي بالرفض، وقد اشتركا في شيخهما كريب لكن الضخم لم يرو عنه عمرو بن الحارث وإنما روى عن ابن الأشج. وقد جاء مصرحًا به في رواية أحمد 1/ 304. فثبت ما ذكرنا والله تعالى أعلم. (¬5) زاد في (م): الذي.

يجمع به أطراف الذوائب، والجمع: عقص، مثل: كتاب وكتب (من ورائه) أي: تحت عمامته ونحو ذلك. (فقام وراءه فجعل (¬1) يحله) وهو في الصلاة، فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن ذلك لا يؤخر؛ إذ لم يؤخره ابن عباس حتى يفرغ من الصلاة، وأن المكروه ينكر كما ينكر المحرم، وأن من رأى منكرًا وأمكنه أن يغيره بيده غيره بها، وفيه دليل على تغليظ ذلك، لكن لم يأمره بالإعادة، وهو مجمع عليه على ما حكاه الطبري، وقد حكى ابن المنذر فيه الإعادة عن الحسن البصري وحده (¬2) (¬3) (وأقر) بفتح القاف أي: استقر لما فعله ولم يتحرك (الآخر، فلما انصرف) من الصلاة. (أقبل إلى ابن عباس فقال: ما لك ورأسي؟ ) حللت عقاصه؟ (قال: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إنما مثل) مِثْل ومَثَل، كشِبه وشَبَه، لغتان (هذا مثل الذي يصلي وهو مكتوف) من قولهم: كَتَفْتُه كَتْفًا، كضربته ضربًا إذا شددت يديه إلى خلف كتفيه موثقًا بحبل ونحوه، والتشديد فيه للمبالغة، وقد اتفق العلماء على النهي عن الصلاة وثوبه مشمرًا أو كمه أو ذيله أو مغروز العذبة ونحو ذلك، وأما شد الوسط فقد تقدم الحديث فيه، والحكمة فيه حتى يسجد الثوب والشعر معه، ولهذا شبهه (¬4) بالذي يصلي وهو مكتوف، وهذِه الكراهة كراهة تنزيه، ومن صلى كذلك غير ناسٍ ولا جاهل فقد أساء وصحت صلاته. * * * ¬

_ (¬1) في (م): فجعله. (¬2) سقط من (م). (¬3) انظر: "المجموع" 4/ 98. (¬4) في (م): شبه.

91 - باب الصلاة في النعل

91 - باب الصّلاةِ في النَّعْلِ 648 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يحيَى، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْنُ عَبّادِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنِ ابن سُفْيانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ السّائِبِ قال: رأيْتُ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي يَوْمَ الفَتْحِ وَوَضَعَ نَعْلَيْهِ عَنْ يَسارِهِ (¬1). 641 - حَدَّثَنا الْحَسَنُ بْن عَلِيٍّ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ وَأَبُو عاصِمٍ قالا: أَخْبَرَنا ابن جُرَيْجٍ قال: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبّادِ بْنِ جَعْفَرٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ سُفْيانَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ المُسَيَّبِ العابِدِيُّ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ السّائِبِ قال: صَلَّى بِنا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الصُّبْحَ بِمَكَّةَ فاسْتَفْتَحَ سُورَةَ المُؤْمِنِينَ حَتَّى إِذا جاءَ ذِكْرُ مُوسَى وَهارُونَ -أَوْ ذِكْرُ مُوسَى وَعِيسَى ابن عَبّاد يَشُكُّ أَوِ اخْتَلَفُوا- أَخَذَتْ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- سُعْلَةٌ، فَحَذَفَ فَرَكَعَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ السّائِبِ حاضِرٌ لِذَلِكَ (¬2). 650 - حَدَّثَنا موسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْن زَيْدٍ، عَنْ أَبي نَعامَةَ السَّعْدِيِّ، عَنْ أَبي نَضْرَةَ، عَنْ أَبي سَعِيدِ الخدْرِيِّ قال: بَينَما رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي بِأَصْحابِهِ إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُما عَنْ يَسارِهِ، فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ القَوْمُ ألقَوْا نِعالهُمْ، فَلَمّا قَضَى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلَّم- صلاتَهُ قال: "ما حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقائِكُمْ نِعالكُمْ؟ ". قالوا: رَأَيناكَ ألقَيْتَ نَعلَيكَ فَألقَينا نِعالنا. فَقال رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ جِبْرِيلَ -عليه السلام- أَتاني فَأَخْبَرَني أَنَّ فِيهِما قَذَرًا". وقال: "إِذا جاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى المَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ، فَإنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِما" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه النسائي 2/ 74، وابن ماجه (1431)، وأحمد 3/ 410. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (655). (¬2) رواه مسلم (455). (¬3) رواه أحمد 3/ 92، وأبو يعلى في "المسند" 2/ 409 (1194)، وابن خزيمة =

651 - حَدَّثَنا مُوسَى -يَعْنِي: ابن إِسْماعِيلَ- حَدَّثَنا أَبانُ، حَدَّثَنا قَتادَةُ حَدَّثَنِي بَكْرُ بْن عَبْدِ اللهِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بهذا قال: "فِيهِما خَبَث". قال فِي الموْضِعَيْنِ: "خَبَثٌ" (¬1). 652 - حَدَّثَنا قُتَيْبَة بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا مَرْوان بْن مُعاوِيَةَ الفَزارِيُّ، عَنْ هِلالِ بْنِ مَيْمُونٍ الرَّمْليِّ، عَنْ يَعْلَى بْنِ شَدّادِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ أَبِيهِ قال: قال رَسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم -: "خالِفُوا اليَهُودَ فَإِنَّهُمْ لا يُصَلُّونَ فِي نِعالِهِم وَلا خِفافِهِمْ" (¬2). 653 - حَدَّثَنا مسْلِم بْن إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا عَلِيُّ بْن المُبارَكِ، عَنْ حُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شعَيْب، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قال: رأيْتُ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلّي حافِيًا وَمُنْتَعِلًا (¬3). * * * باب الصلاة في النعل [648] (ثنا مسدد، قال: ثنا يحيى، عن ابن جريج، قال: حدثني محمد بن عباد بن جعفر) بن رفاعة المخزومي (عن) (¬4) عبد الله (ابن سفيان) المخزومي، التابعي أخرج له مسلم (عن عبد الله بن السائب، ¬

_ = 2/ 107 (1017)، وابن حبان 5/ 560 (2185)، والحاكم 1/ 260، والبيهقي 2/ 402. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (657). (¬1) رواه البيهقي 2/ 431. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (658). (¬2) رواه ابن حبان 5/ 261 (2186)، والحاكم 1/ 260، والبيهقي 2/ 432. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (659). (¬3) رواه ابن ماجه (1038)، وأحمد 2/ 174، 215. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (660). (¬4) في (ل، م): يقول أخبرني أبو سلمة.

قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي) الصبح، كذا في رواية ابن حبان (¬1) (يوم الفتح ووضع نعليه عن يساره) لفظ ابن حبان: فخلع نعليه فوضعهما (¬2) عن (¬3) يساره (¬4)، وبوَّب عليه: باب ذكر الموضع الذي يضع المرء نعليه إذا كان منفردًا يصلي، أي كما في البزاق فلا يضعه أمامه ولا عن يمينه فإن عن يمينه ملك، ولكن عن يساره إذا كان منفردًا ليس هناك أحد فبقي عن يمينه. [649] (ثنا الحسن بن علي، قال: ثنا عبد الرزاق وأبو عاصم) النبيل (قالا: ثنا ابن جريج، قال: سمعت محمد بن عباد بن جعفر يقول: أخبرني أبو سلمة بن سفيان وعبد الله بن المسيب) بن عابد المخزومي (العابدي) العابدي بكسر الباء الموحدة، نسبة إلى جده عابد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، لجده (¬5) هجرة بعد (¬6) خيبر فهو من أبناء المهاجرين (وعبد الله بن عمرو) بن العاص (¬7)، قال النووي: صوابه: عبد الله بن عمرو القاري (¬8). ¬

_ (¬1) "صحيح ابن حبان" (1815). (¬2) في الأصول: (فوضع) والمثبت من "صحيح ابن حبان". (¬3) في (م): على. (¬4) "صحيح ابن حبان" (2189). (¬5) في (س): عدَّه. (¬6) في (م): بعيد. (¬7) وقع في "صحيح مسلم": ابن العاص. قال النووي: وهو خطأ كما بينه المصنف. (¬8) في (ص، ل): البكري. والمثبت من (م). وقوله في "شرح النووي على مسلم " 4/ 177.

(عن عبد الله بن السائب، قال: صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصبح بمكة) قال الرافعي في "شرح المسند (¬1) " (¬2): قد يستدل به (¬3) على أن سورة المؤمنين مكية، وهو قول الأكثرين، قال: ولمن (¬4) خالف أن (¬5) يقول: يحتمل أن يكون قرأ بمكة أي في الفتح وحجة الوداع (¬6). وقد صرح بقضية الاحتمال النسائي في روايته فقال: في فتح مكة (¬7). (فاستفتح) أي: بعد الفاتحة (سورة المؤمنين) يقرؤها (حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون عليهما السلام) فإن قيل: ما وجه المناسبة في ذكر الحديث في باب الصلاة في النعل؟ . قلت: يحتمل أن في حصول السعلة عند ذكر موسى وهارون عليهما السلام دون غير هذا الموضع إشارة إلى نزع النعال في الصلاة، كما في شريعة موسى -عليه السلام- {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ} وكان الموجب للنزع أنه كان فيهما قذر، كما جاء أن موسى -عليه السلام- أمر بخلع النعل؛ لأنه كان من جلد حمار فاتخذ اليهود النزع في الصلاة، فلهذا جاء في الحديث الآتي (¬8): خالفوا اليهود في نزع الخفاف والنعال الطاهرة (¬9)، والله أعلم. ¬

_ (¬1) في (م): السنة. (¬2) يعني "شرح مسند الشافعي". (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ص): بمن. (¬5) سقط من (م). (¬6) "شرح مسند الشافعي" 3/ 9. (¬7) رواه النسائي 2/ 176. (¬8) سقط من (م). (¬9) الحديث سيأتي قريبًا برقم (652) إن شاء الله.

(أو ذكر موسى وعيسى) محمد (ابن عباد يشك) (¬1) في أنه سمع موسى وهارون أو موسى وعيسى، ورواية ابن ماجه: فلما بلغ ذكر عيسى وأمه أخذته سعلة (¬2)، وفي رواية شرقة (أو اختلفوا، أخذت النبي -صلى الله عليه وسلم- سعلة) بفتح السين وهو من السعال، قال ابن التين (¬3): [بفتح السين] (¬4) كذا رويناه وروي بضمها، ولابن ماجه (¬5): [شرقة بفتح الشين المعجمة والقاف] (¬6) (فحذف) بالحاء المهملة والذال المعجمة أي ترك القراءة، وأسقطها، من قولهم: حذفت رأسه، أي: قطعته، وفسره بعضهم [برمي النخامة الناشئة] (¬7) من السعلة، والأول أظهر؛ لقوله: فركع، ولو كان معناه أزال ما عاقه عن القراءة لتمادى فيها، واستدل به على أن السعال لا يبطل الصلاة، قال الإسنوي: ويعذر القارئ في السعال والعطاس كما يعذر في التنحنح والضحك والبكاء والأنين والنفخ، قال: والصواب التسوية في الجميع في عدم الإبطال لعدم إمكان الاحتراز (¬8)، لكن في الرافعي (¬9) و"الروضة" (¬10): إن غَلبَه السعال ¬

_ (¬1) في (م): فشك. (¬2) هذه رواية الحميدي (840). (¬3) في (ص، س، م): أنس. (¬4) من (م). (¬5) "سنن ابن ماجه" (820). (¬6) في (ص): بفتح السين المهملة والعين. (¬7) في (س): ترك النخامة اليابسة. (¬8) انظر: "مغني المحتاج " 1/ 195 - 196. (¬9) "الشرح الكبير" 2/ 45. (¬10) "روضة الطالبين" 1/ 290.

والكلام. وألحق بهما النووي في "شرح المهذب" السعال بين القليل والكثير (¬1). قالوا: والمراد بالقراءة التي يعذر فيها القراءة الواجبة، ولا يعذر في ذلك في الجهر؛ لأنه سنة فلا ضرورة إليه على الأصح، والثاني: أنه عذر؛ لأنه إقامة لشعار الجهر. قلت: وظاهر الحديث أنه عذر في قراءة غير الواجب؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما سعل في السورة وهي من السنن، وأن تركه القراءة لعدم الجهر (فركع) استدل به على جواز قطع القراءة وجواز القراءة ببعض السورة، وكرهه مالك (¬2)، وتعقب بأن الذي كرهه مالك أن يقتصر على بعض السورة مختارًا (¬3)، والمستدل به ظاهر في أنه كالت لضرورة (¬4) فلا يرد عليه، وكذا يرد على من استدل به على أنه لا يكره قراءة بعض السورة (¬5) أخذًا من قوله: حتى إذا ذكر موسى وهارون؛ لأن هذا في وسط آية، وفيه ما تقدم؛ نعم الكراهة لا تثبت إلا بدليل، وأدلة الجواز كثيرة، وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح، عن أبي بكر الصديق أنه أَمَّ الصحابة في صلاة الصبح بسورة البقرة قرأها في الركعتين (¬6). وهذا إجماع منهم على ذلك. (وعبد الله بن السائب) بن أبي السائب، صيفي بن عابد المخزومي ¬

_ (¬1) "المجموع" 4/ 80. (¬2) "حاشية الدسوقي" 1/ 242. (¬3) في (ص): مجازًا. والمثبت من بقية النسخ. (¬4) في (م): للضرورة. (¬5) في (م): الآية. (¬6) "مصنف عبد الرزاق" (2713).

الصحابي قارئ مكة، مات قبل الزبير وأسلم عام الفتح، وكان شريك النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال له -عليه السلام-: " نعم الشريك كنت، لا تداري (¬1) ولا تماري" (¬2) (حاضر لذلك) (¬3) فيه تأكيد الكلام عند السامع؛ فإنه إذا قال: سمعت فلانًا يقول: وكان فلان حاضرًا ترجح قوله. [650] (ثنا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا حماد) بن سلمة، (عن أبي نعامة) بفتح النون عبد ربه، وقيل: عمرو (السعدي) البصري، روى له مسلم (عن أبي نضرة) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة، المنذر بن مالك، روى له البخاري تعليقًا، العبدي ثم العوقي. (عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري -رضي الله عنه- قال: بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره) وفي "المفاتيح في شرح المصابيح" أن علة خلع النعلين ووضعهما عن اليسار هو العلة المتقدمة في إلقاء البزاق. (فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم) وروى الطبراني في "الأوسط" عن أنس قال: لم يخلع النبي -صلى الله عليه وسلم- نعليه في الصلاة إلا مرة، فخلع الناس نعالهم (¬4). ¬

_ (¬1) في (ص): تدار. (¬2) سيأتي تخريجه قريبًا إن شاء الله تعالى. وأما قوله: فقال له -عليه السلام-: نعم الشريك كنت ... إلخ. فهذا من قول السائب -رضي الله عنه- للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وليس العكس كما ذكر المصنف. (¬3) أخرجه مسلم (455)، وأحمد 3/ 411، وابن خزيمة (546)، وعبد الرزاق (2667)، وقال عبد الرزاق في إسناده: عبد الله بن عمرو بن عبد القارئ. وقال ابن خزيمة بعد أن ذكره في الإسناد بابن العاصي، قال: ليس هو عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي. (¬4) "المعجم الأوسط" (4293) قال الهيثمي 2/ 56: رجاله رجال الصحيح. =

(فلما قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاته قال: ما حملكم على) أن خلعتم نعالكم (إلقائكم نعالكم؟ قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا) وفي الحديث دليل على أن الصلاة في النعل الطاهر جائزة، فإنه يجوز المشي في المسجد بالنعل، وأنَّ العمل القليل في الصلاة جائز، وأن أفعال النبي -صلى الله عليه وسلم- يقتدى بها كأقواله. ومما يدل على أن العمل القليل جائز وأن أفعاله -صلى الله عليه وسلم- من السنة كما أن أقواله، ما رواه ابن حبان عن أبي الصهباء قال: كنا عند ابن عباس فقال: لقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بالناس فجاءت جاريتان من بني عبد المطلب اقتتلتا فأخذهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنزع إحداهما (¬1) عن الأخرى وما بالى بذلك، وبوب عليه الإباحة للمرء أن يحجز بين المقتتلين (¬2) وهو في صلاته (¬3). ومن فوائد حديث أبي سعيد الخدري المذكور أن الكلام في الصلاة لا يجوز سواء كان لمصلحتها أو لغيرها، ولولا ذلك لسألهم النبي -صلى الله عليه وسلم- عند نزعهم ولم يؤخر سؤالهم. (فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن جبريل -عليه السَّلام- أتاني) وأنا في الصلاة ¬

_ = ورواه ابن حبان كما في "الإتحاف" 1/ 575، 4/ 311، والحاكم 1/ 139، والبيهقي 2/ 404، والضياء في "المختارة" (1831) وصححه الحاكم على شرط البخاري. (¬1) في (ص، س، ل): أحدهما. (¬2) في (س): القتيلين. (¬3) "صحيح ابن حبان" 6/ 120 (2356)، وسيأتي برقم (716، 717). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (711).

(فأخبرني) فيه جواز كلام المصلي، وإعلامه بما يتعلق بمصالح الصلاة، وأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة. (أن فيهما قَذَرًا) بفتح القاف والذال المعجمة، هو ما يكرهه الطبع من نجاسة ومخاط ومني وغير ذلك. واختلف العلماء في معنى القذر هاهنا؛ لكونه يطلق على النجس والطاهر، وبنوا عليه الخلاف في صحة صلاة من صلى وفي ثوبه نجاسة لم يعلم بها ثم علم، فاستدل به مالك والشافعي (¬1) في قوله القديم على صحتها؛ لأن القذر كان نجاسة لم يعلم بها، ثم لما أخبره جبريل بها نزع النعلين اللتين فيهما النجاسة في الحال، واستمر على صلاته ولم يستأنفها (¬2) مع أنه صلى بعض صلاته بنعل نجس، ومن ورود القذر على النجاسة قوله في النازع (¬3): {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} (¬4) كنَّى بالغائط عن القذر، وقول الأزهري: النجس القذر الخارج من بدن الإنسان (¬5)، وما حكاه النووي (¬6) وغيره أن في رواية: "دم حلمة" (¬7)، والحلمة بفتح الحاء واللام: القراد العظيم، والجمع ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع" 3/ 157. (¬2) في (س): يسابقها. (¬3) في (ص، س): التاريخ. (¬4) النساء: 43، والمائدة: 6. (¬5) رواه الدارقطني في "السنن" 1/ 399. قال ابن الملقن في "البدر المنير" 4/ 137: إسناده ضعيف. (¬6) "المجموع " 3/ 140. (¬7) انظر: "تهذيب اللغة" (نجس).

حَلَمْ كقصبة وقصب، ومذهب الشافعي في الجديد، وبه قال أبو حنيفة وأحمد وجمهور العلماء من السلف والخلف: أن إزالة النجاسة شرط (¬1) لجميع (¬2) الصلوات فإن علم بها لم تصح صلاته بلا خلاف وإن نسيها أو جهلها، فقال مالك في الأشهر والقديم عند الشافعي: تصح (¬3) [ولا يجب القضاء، نقله ابن المنذر عن خلائق، واختاره هو والمصنف (¬4) في "شرح المُهَذب" لما رواه المصنف في هذا الحديث] (¬5). وأجاب الشافعي والجمهور عن هذا الحديث بجوابين: أحدهما: أن المراد بالقذر هو الشيء المستقذر كالمخاط والبزاق والمني وغيره، ولا يلزم من القذر أن يكون نجسًا. والثاني: لعله كان دمًا يسيرًا أو شيئًا يسيرًا من طين الشارع، وذلك معفو عنه، وأخبره جبريل بذلك لئلا يتلوث ثيابه بشيء مستقذر. (¬6) (وقال: إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر) رواية ابن حبان: إذا أتى أحدكم المسجد فلينظر في نعليه (¬7)، هكذا رواه بالتثنية (¬8). (فإن رأى في نعليه قذرًا أو أذى) الأذى يطلق على المستقذر فيكون ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (س): جميع. (¬3) انظر: "المجموع" (3/ 156 - 157). (¬4) يعني: النووي. (¬5) سقط من (م). (¬6) "المجموع" 3/ 139 - 140. (¬7) "صحيح ابن حبان" (2185). (¬8) في (س): بالتنبيه.

الاسمان مترادفين (¬1)، ويطلق على النجس؛ لأن الله تعالى سمى دم الحيض أذى في قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} (¬2) ورواية الطبراني: "فإذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعليه، فإن رأى فيهما شيئًا" (¬3) (فليمسحه وليصل فيهما) " (¬4). واختلف العلماء في القذر هنا أيضًا كما اختلفوا في الأول، فإن كان القذر هنا شيئًا طاهرًا، فلا كلام في جواز الصلاة فيه، وإن كان شيئًا نجسًا فهل يطهر بمسح النعلين [في الأرض] (¬5) أو لا؟ فيه خلاف، ومذهب الشافعي وغيره: أن النجس لا يطهر بمسحه الأرض (¬6). [651] (ثنا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا أبان، قال: ثنا قتادة، قال: حدثني بكر بن عبد الله) بن عمرو بن هلال المزني التابعي. و (¬7) الحديث مرفوع، له نحو خمسين حديثًا، كان يقول: إياك من الكلام ما إن أصبت فيه لم تؤجر، وإن أخطأت وزرت، وهو سوء الظن بأخيك (¬8) كانت قيمة ¬

_ (¬1) في النسخ: مترادفان. (¬2) البقرة: 222. (¬3) "المعجم الأوسط" 8/ 313 (8735) من حديث أبي هريرة. ورواه البزار 17/ 221 (9884). قال الهيثمي 2/ 55: في إسنادهما عباد بن كثير، سكن مكة، ضعيف. (¬4) أخرجه أحمد 3/ 20 وعنده: بهما خبثًا، أي النعلين في الموضعين، وابن خزيمة في "صحيحه" (1017). (¬5) في (م): بالأرض. (¬6) "المجموع " 2/ 599. (¬7) في (م): بذا. (¬8) أخرجه ابن سعد في "الطبقات" 7/ 209 - 210.

كسوته أربعة آلاف وأمه ذات يسار وله طيلسان بأربعمائة درهم، قال البخاري: مات سنة ست (¬1) ومائة (¬2) (عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا) الحديث و (قال: فيهما) أي في النعلين: (خبث، قال في الموضعين) أي: في الصلاة وعند دخول المسجد (خبث) وهو أدل على النجاسة من رواية: قذر. [652] (ثنا قتيبة بن سعيد، قال: ثنا مروان بن معاوية) بن الحارث (الفزاري) بفتح الفاء نسبة إلى فزارة بن ذبيان (¬3). (عن هلال بن ميمون) الفلسطيني (الرملي) وثقه ابن معين وغيره (¬4) (عن يعلى بن شداد بن أوس) الأنصاري المقدسي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬5). (عن أبيه) شداد بن أوس (¬6) أبي يعلى، نزل بيت المقدس وغلط من عده بدريًّا. (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: خالفوا اليهود) قد يؤخذ منه عدم مخالفة النصارى، فإنهم أقرب مودة للذين آمنوا بخلاف اليهود والذين أشركوا، فإنهم أشد عداوة للمؤمنين وإن اشتركوا فيها، ويدل على ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): تسع. (¬2) "التاريخ الكبير" (1795) نقلًا عن أحمد بن حنبل، عن عبيد الله بن محمد. (¬3) انظر: "اللباب في تهذيب الأنساب" 2/ 430. (¬4) "تهذيب الكمال" (6630). (¬5) "الثقات" 5/ 556. (¬6) في (م): أنس.

ذلك حديث: كان يحب موافقة أهل الكتاب (¬1)، يعني: النصارى (¬2). ورواية البزار عن أنس: "خالفوا اليهود فصلوا في خفافكم ونعالكم" (¬3) (فإنهم لا يصلون في خفافهم ولا نعالهم) [ولعلهم يستندون] (¬4) في ذلك إلى نزع موسى نعليه لقوله تعالى: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ} (¬5) فيه التصريح بأن العلة في لبس النعلين والخفين [مخالفة اليهود] (¬6) خلافًا لابن دقيق العيد أنه ليس المطلوب في لبسهما إلا لكونهما من ملابس الزينة (¬7)، وللطبراني: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى في النعلين والخفين (¬8). [653] (ثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي (قال: ثنا علي بن المبارك) الهنائي بضم الهاء وتخفيف النون (عن حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده) الأعلى أو الأسفل؛ فإنه عمرو بن شعيب ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3558)، ومسلم (2336) من حديث ابن عباس. (¬2) لا يؤخذ من الحديث موافقة النصارى في شيء، فهو هنا إنما خص اليهود في الحديث لأنهم هم من يصلي في نعالهم، وليس المقصود موافقة النصارى. وأما حديث كان يحب موافقة أهل الكتاب ففيما لم يؤمر به أو بعضه. وقد ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه خالفهم بعد. (¬3) "مسند البزار" 13/ 456 (7235)، قال الهيثمي 2/ 54: مداره على عمر بن نبهان وهو ضعيف. (¬4) في (س): ولهم يستندن. (¬5) طه: 12. (¬6) في (س): مخالفًا لليهود. (¬7) انظر: "فتح الباري" 1/ 494. (¬8) أخرجه الطبراني في "الأوسط" (2901) من حديث أنس، وقال الهيثمي 2/ 54: مداره على عمر بن نبهان وهو ضعيف. =

ابن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، فإن روى عن جده الأعلى فالحديث متصل، أو الأدنى (¬1) وهو محمد فحديثه مرسل (¬2)، والأكثرون على الاحتجاج به حملًا على جده الأعلى (قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي حافيًا ومنتعلًا) فيه دليل على جواز الأمرين، وللطبراني في "الكبير" عن أوس بن أوس: أقمت عند النبي -صلى الله عليه وسلم- نصف شهر فرأيته يصلي (¬3) وعليه نعلان (¬4). وله في "الأوسط" ورجاله ثقات: عن عائشة: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يشرب قائمًا وقاعدًا، ويصلي منتعلًا وحافيًا، وينفتل عن يمينه وشماله (¬5). يعني توسعًا لأمته. * * * ¬

_ = وروى ابن ماجه (1039)، وتمام في "فوائده" (1716) عن ابن مسعود قال: لقد رأينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي في النعلين والخفين. وضعفه البوصيري في "المصباح " 1/ 125. (¬1) في (س): الأولى. (¬2) في (م): منكر. (¬3) أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (596) ولفظه: أقمنا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- نصف شهر، فرأيته ينفتل عن يمينه، ورأيته ينفتل عن يساره، ورأيت نعليه له قبالان. ورواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 512، وابن الأعرابي في "المعجم" (314). قال الهيثمي في "المجمع" 2/ 55: رجاله ثقات. (¬4) سقط من (م). (¬5) "المعجم الأوسط" (1213). قال الهيثمي 2/ 55: رجاله ثقات.

92 - باب المصلي إذا خلع نعليه أين يضعهما

92 - باب المُصَلِّي إذا خَلَعَ نَعْلَيْهِ أَيْنَ يضَعهما 654 - حَدَّثَنا الحَسَن بْن عَلِيٍّ، حَدَّثَنا عُثْمان بْن عُمَرَ، حَدَّثَنا صالِحُ بْنُ رُسْتمَ أَبُو عامِرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ يوسُفَ بْنِ ماهَكَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلا يَضِعْ نَعْلَيْهِ عَنْ يَمِينِهِ وَلا عَنْ يَسارِهِ فَتَكُونَ عَنْ يَمِينِ غَيْرِهِ إِلَّا أَنْ لا يَكُون عَنْ يَسارِهِ أَحَدٌ، وَلْيَضَعْهُما بَيْنَ رِجْلَيْهِ" (¬1). 655 - حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهّابِ بْن نَجْدَةَ، حَدَّثَنا بَقِيَّةُ وَشعَيْب بْنُ إِسْحاقَ، عَنِ الأوزاعِي، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الوَلِيدِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ فَلا يُؤذِ بِهِما أَحَدًا، لِيَجْعَلْهُما بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَوْ لِيُصَلِّ فِيهِما" (¬2). * * * باب المصلي إذا خلع نعليه أين يصلي؟ (¬3) [654] (ثنا الحسن بن علي) بن راشد الواسطي (¬4)، (قال: ثنا عثمان بن عمر) بن فارس العبدي من الصالحين الثقات (¬5). ¬

_ (¬1) رواه ابن خزيمة (1016)، وابن حبان (2188)، والحاكم 1/ 259، والبيهقي 2/ 432. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (661). (¬2) رواه ابن ماجه (1432). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (662). (¬3) في هامش (ل): (ونسخة: أين يضعهما). وفي (ص): أن يضعها. وفي (ل): أين يضعهما. (¬4) كذا قال المصنف، وهو غير سديد والصحيح أنه الحلواني الخلال، وليس هو الواسطي، انظر: "تهذيب الكمال" 6/ 259 (1250). (¬5) "الكاشف" للذهبي 2/ 254.

(قال: ثنا صالح بن رستم) المزني مولاهم (أبو عامر) استشهد به البخاري في "الصحيح"، وروى له في "الأدب" (عن عبد الرحمن بن قيس) العتكي (¬1)، قال المنذري: يشبه أن يكون: الزعفراني البصري، كنيته: أبو معاوية، لا يحتج به (¬2). (عن يوسف بن ماهك) فيه الصرف وعدمه (عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا صلى أحدكم فلا يضع نعليه عن يمينه)، فإن عن يمينه ملك فلا يضع المستقذر من جهته إكرامًا له (ولا عن يساره) إن كان عن يمين أحد من المصلين (فتكون عن يمين غيره) من المصلين إكراما للملك الذي عن يمين غيره. وأما حديث ابن السائب أول الباب قبله أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وضع نعليه عن يساره فمحمول (¬3) على ما إذا كان منفردًا، ولهذا بوب ابن حبان على حديث ابن السائب باب ذكر الموضع الذي يضع المرء نعليه إذا كان منفردًا يصلي (¬4) (إلا أن لا (¬5) يكون على يساره أحد، وليضعهما بين رجليه) يعني: إن كانا طاهرين. وروى الطبراني في "الكبير" عن أبي بكرة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "مختصر سنن أبي داود" 1/ 329، وقال الحافظ في "التهذيب" 6/ 232: وليس كما ظن فإن الزعفراني يصغر عن إدراك يوسف بن ماهك، وأيضًا فقد ذكره ابن حبان في "الثقات"، وأما الزعفراني فواهي الحديث كما ترى. (¬3) "صحيح ابن حبان" 5/ 563 وفيه: ذكر وضع المصلي نعليه إذا أراد الصلاة. (¬4) في (ص): محمول. (¬5) سقط من (م).

صلى أحدكم فخلع نعليه فلا يضعهما (¬1) عن يمينه فيأثم، ولا من خلفه فيأتم بهما صاحبه ولكن ليجعلهما (¬2) بين ركبتيه" (¬3)، وفيه المنع من أذى الآدميين والملائكة بما فيه رائحة كريهة أو استقذار، ويفهم منه المنع من الأذى بالسَّب والضرب وغير ذلك من باب الأولى. [655] (ثنا عبد الوهاب بن نجدة) بفتح النون الحوطي بفتح الحاء المهملة، وإسكان الواو، ثم طاء مشالة وثقه يعقوب بن شيبة (¬4). (قال: ثنا بقية) بن الوليد أخرج له البخاري تعليقًا (¬5)، قال غير واحد: [ثقة] (¬6) إذا روى عن الثقات يعني: كالأوزاعي هنا (¬7). قال: دخلت على هارون الرشيد، فقال حدّثني فحدثته ففرح، وقال: يا غلام ناولني الدواة، وكان القيم (¬8) بأمره الفضل بن ربيع، ومرتبته بعيده من هارون، فناداني فقال: ناول أمير المؤمنين الدواة بجنبك، فقلت: ¬

_ (¬1) في (م): يجعلهما. (¬2) في (س)، (ص): ليخلعهما. (¬3) لم أقف عليه في "الكبير"، ورواه الطبراني في "المعجم الأوسط" 5/ (5273)، وفي "الصغير" 2/ (798). وأورده الهيثمي في "المجمع" 2/ 191. وقال: فيه زياد الجصاص ضعفه ابن معين وابن المديني وغيرهما وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال الألباني في "الضعيفة" (986): ضعيف جدا. (¬4) "الكاشف" للذهبي 2/ 254. (¬5) روى له متابعة بعد حديث (707). (¬6) ليست في النسخ، والمثبت كما في "ميزان الاعتدال" 1/ 331 (1250). (¬7) ساقطة من (م). (¬8) في (م): المقيم.

ناوله أنت يا هامان، فقال: سمعت ما قال لي يا أمير المؤمنين؟ قال: اسكتْ؛ فما كنتَ عنده هامان حتى أكون أنا (¬1) عنده فرعون (¬2). (وشعيب بن إسحاق، عن الأوزاعي، قال: حدثني محمد بن الوليد) ابن عامر القاضي الزبيدي، روى له الشيخان. (عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه) أبي سعيد: كيسان (عن أبي هريرة، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا صلى أحدكم فخلع نعليه فلا يؤذ) بسكون الهمزة ويجوز إبدالها واوًا، (بهما أحدًا) يعني بأن يضعهما أمام غيره أو عن يمينه أو خلفه فيكونان أمام غيره اليجعلهما) بجزم اللام، جزمه لام الأمر يعني لينزعهما (¬3) من رجليه، ويضعهما (بين رجليه) يعني إذا كانتا طاهرتين (¬4) أو في شيء يستر (¬5) النجاسة ويحجز (¬6) عنها، ويؤخذ منه أن المصلي يستحب أن يفرق بين رجليه بمقدار شبر أو فِترٍ (¬7) ونحو ذلك، فإن رزين نقل عن الترمذي أن النبي ¬

_ (¬1) ساقطة من (ص). (¬2) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 10/ 349 - 350، وذكره الذهبي في "سير أعلام النبلاء" 8/ 531 - 532. (¬3) في (م): ينزعهما. وفي (س): له من تحتهما. (¬4) في (ص): ظاهرتين. (¬5) في (ص): يسير. (¬6) في (س): وعجز. (¬7) الفتر: ما بين طرف الإبهام وطرف السبابة. وقيل: ما بين الإبهام والسبابة. وقال الجوهري: ما بين طرف السبابة والإبهام إذا فتحتهما. انظر: "لسان العرب": فتر.

-صلى الله عليه وسلم- نهى عن الصفد والصفن (¬1)؛ فالصفد أن يجمع بين رجليه بعضهما إلى بعض من قوله تعالى: {مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ} (¬2)، والصفن أن يرفع إحدى رجليه في الصلاة من قوله تعالى: {الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ} (¬3). وروى سعيد بن منصور، عن ابن (¬4) مسعود رأى رجلًا صافًّا (¬5) أو صافنًا قدميه، فقال: أخطأ هذا السنة (¬6). ويؤخذ من قوله "ليجعلهما بين رجليه" ترجيح طهارتهما بالمسح أو بماء بعدهما؛ فإنه إذا جعلهما بين رجليه لابد أن يباشرهما بدن المصلي أو ثوبه، ولو كانا نجسين ما أمر بذلك (أو ليصل فيهما) (¬7) ففي البخاري، عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ¬

_ (¬1) قال العراقي: عزاه رزين إلى الترمذي، ولم أجده عنده ولا عند غيره، وإنما ذكره أصحاب الغريب كابن الأثير في "النهاية". انظر: "المغني عن حمل الأسفار" 1/ 108 (411). (¬2) إبراهيم: 49، ص: 38. (¬3) ص: 31. (¬4) في (ص، س، ل): أبي. (¬5) في (ل): صافدًا. (¬6) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (7135)، وعبد الرزاق (3306)، والنسائي 2/ 128 بنحوه من طريق أبي عبيدة بن عبد الله عن أبيه وهو منقطع. (¬7) أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (2182)، وابن أبي شيبة بنحوه (7983) من طريق المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، وأخرجه ابن ماجه (1432)، وابن خزيمة (1009)، وابن حبان (2183) من طرق عن المقبري، عن أبي هريرة دون ذكر أبيه، وأشار الدارقطني في "علله" (14069) إلى الخلاف الواقع في الإسناد، ورجح قول من قال: عن المقبري عن أبيه. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (662).

كان يصلي في نعليه (¬1). قال ابن بطال: هو محمول على ما إذا لم يكن فيهما نجاسة (¬2)، وهي من الرخص كما قال ابن دقيق العيد (¬3)، لا من المستحبات؛ لأن ذلك لا يدخل في المعنى المطلوب من الصلاة، وهو إن كان من ملابس الزينة. وروى الطبراني عن ابن (¬4) مسعود، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من تمام الصلاة الصلاة في النعلين" (¬5)، وله عن ابن عباس، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أنه نزع خفيه، وقال: "إني مللت (¬6) منهما" (¬7). قال ابن دقيق العيد: وإن قلنا أنهما من ملابس الزينة لكن ملامسة الأرض التي تكثر فيها النجاسة قد يقصر (¬8) به عن هذِه الزينة (¬9)، وإذا تعارضت (¬10) مراعاة التحسين، ومراعاة إزالة النجاسة قدمت الثانية؛ لأنها من باب دفع المفاسد، والأخرى من باب جلب المصالح. ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (386). (¬2) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 2/ 49. (¬3) "إحكام الأحكام" 1/ 161. (¬4) في (س): أبي. (¬5) "المعجم الأوسط" (150)، وقال الألباني في "الضعيفة" (6084): منكر. (¬6) في (س): ملكت. (¬7) عزاه الهيثمي في "المجمع" 2/ 55 للطبراني، وقال: فيه محمد بن عبيد الله العرزمي وهو متروك. (¬8) في (ص): يقصد. (¬9) "إحكام الأحكام" 1/ 161. (¬10) في (ص): تعارض.

وورد في كون الصلاة في النعال من الزينة المأمور بها في قوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ} (¬1) حديث ضعيف أورده ابن عدي في "الكامل"، وابن مردويه في "تفسيره" من حديث أبي هريرة، والعقيلي من حديث أنس (¬2). * * * ¬

_ (¬1) الأعراف: 31. (¬2) حديث أبي هريرة رواه ابن عدي في "الكامل" 6/ 313 ولفظه: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: {خُذُوا زِينَتَكُمْ} في الصلاة. قلنا: وما ذاك؟ قال: "البسوا نعالكم وصلوا فيها". وفي إسناده علي بن أبي علي القرشي مجهول ومنكر الحديث. ورواه ابن عدي أيضا 7/ 356، وعنه السهمي في "تاريخ جرجان" ص 356 - 357، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات 2/ 95 من طريق محمد ابن الفضل، قال الإمام أحمد: ليس بشيء، حديثه حديث أهل كذب. وذكره ابن أبي حاتم في "العلل" 1/ 155 وقال: قال أبي: هذا حديث منكر. وأما الحديث الآخر فأخرجه العقيلي في "الضعفاء الكبير" 3/ 142 باسناده عن أنس -رضي الله عنه-. ورواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 36/ 362، 51/ 185، وابن الجوزي في "الموضوعات" 2/ 95 من طريق عباد بن جويريه. قال ابن الجوزي: حديث لا يصح، ولا يعرف إلا بعباد بن جويريه، ولا يتابع عليه، قال أحمد والبخاري: كذاب. فقول المصنف: ضعيف، يعني مردود، ولا يعني الضعف الاصطلاحي وإلا فهو منكر أو موضوع. ورواه ابن بشران في "أماليه" (252)، والخطيب في "تاريخه" 14/ 288 من طريق آخر، وأورده الألباني في "الضعيفة" (6083) وقال: منكر.

93 - باب الصلاة على الخمرة

93 - باب الصَّلاةِ عَلَى الخُمْرة 656 - حَدَّثَنا عَمْرو بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنا خالِدٍ، عَنِ الشَّيْباني، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدّادٍ، حَدَّثَتْنِي مَيْمُونَة بِنْتُ الحارِثِ قالتْ: كانَ رَسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي وَأَنا حِذاءَهُ وَأَنا حائِض وَرُبَّما أَصابَنِي ثَوْبُهُ إِذا سَجَدَ، وَكانَ يُصَلِّي عَلَى الخمْرَةِ (¬1). * * * باب الصلاة على الخُمرة [656] (ثنا عمرو بن عون) بالنون آخره (قال: ثنا خالد) بن عبد الله الواسطي (عن) سليمان (الشيباني، عن عبد الله بن شداد قال: حدثتني) خالتي (¬2) (ميمونة بنت الحارث -رضي الله عنهما- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي وأنا حذاءه) أي: موازية له فيه دليل على أن محاذاة المرأة لا تفسد الصلاة (وأنا حائض) وفي لغة ضعيفة: حائضة (¬3). (وربما أصابني ثوبه) فيه أن عين (¬4) الحائض وجسمها طاهر، وأن ملاقاة بدن الطاهر وثيابه لا تفسد الصلاة، ولو كان ملتبسًا بنجاسة حكمية، وفيه إشارة إلى أن النجاسة إذا كانت عينية قد تضر (إذا سجد) ¬

_ (¬1) رواه البخاري (333)، ومسلم (513). (¬2) سقط من (م). (¬3) يقال للمرأة: حائض بغير هاء؛ لأن هذا من الأوصاف التي تختص بها فلا يحتاج فيها إلى الهاء للتفرقة بينها وبين المذكر كقائم وقائمة، وهذا قول الكوفيين. وأما البصريون فإنهم قالوا: إن المعنى ذات حيض وليس الوصف هنا من الفعل، وأما إن كان الوصف من الفعل كحاضت فهي حائضة. انظر: "المذكر والمؤنث" لابن الأنباري 1/ 173. (¬4) في (م): غير.

لأنها كانت مفترشة، فإذا دنا من الأرض للسجود أصابه ثوبها (وكان يصلي على الخمرة) بضم الخاء المعجمة وإسكان الميم، وهي السجادة يسجد عليها المصلي، سميت خمرة لأنها تخمر وجه المصلي، أي: تستره عن الأرض. قال أبو عبيد: الخمرة شيء منسوج من سعف النخل ينسج بالخيوط وهي صغيرة على قدر ما يسجد عليه المصلي بوجهه أو فوق ذلك فإن عظم حتى يكفي لجسده كله في صلاته أو مضجعه أو أكثر من ذلك فهو حينئذٍ حصير، وليس بخمرة. (¬1) والصلاة على الخمرة رخصة ولا خلاف بين العلماء، كما قال ابن بطال (¬2) في جواز الصلاة عليها إلا ما روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يؤتى بتراب فيوضع على الخمرة فيسجد عليه (¬3). ولعله كان يفعله على جهة المبالغة في التواضع والخشوع فلا يكون فيه مخالفة للجماعة. وقد روى ابن أبي شيبة، عن عروة بن الزبير، أنه كان يكره الصلاة على شيء دون الأرض (¬4). وكذا روى عن غير عروة كما تقدم روايته عن مالك، وعلى هذا فتكون الكراهة كراهة تنزيه. والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) "غريب الحديث" 3/ 247. (¬2) "شرح صحيح البخاري" 2/ 43. (¬3) في (س): عليها. ولم أقف على الأثر مسندًا. (¬4) "مصنف ابن أبي شيبة" (4085).

94 - باب الصلاة عما الحصير

94 - باب الصّلاةِ عَما الحَصِيرِ 657 - حَدَّثَنا عُبَيْد اللهِ بْنُ مُعاذٍ، حَدَّثَنا أَبي، حَدَّثَنا شُعْبَة، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيِرينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قال: قال رَجلٌ مِنَ الأنصارِ: يا رَسُولَ اللهِ إِنِّي رَجُلٌ ضَخْم -وَكانَ ضَخْمًا- لا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُصَلِّيَ مَعَكَ -وَصَنَعَ لَهُ طَعامًا وَدَعاهُ إِلَى بَيْتِهِ- فَصَلِّ حَتَّى أَراكَ كَيْفَ تُصَلِّي فَأَقْتَدِيَ بِكَ. فَنَضَحُوا لَهُ طَرَفَ حَصِيرٍ كانَ لَهُمْ فَقامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ. قال فُلانُ ابْن الجارُودِ لأنسِ بْنِ مالِكٍ: أكَانَ يُصَلِّي الضُّحَى؟ قال: لَمْ أَرَهُ صَلَّى إِلا يَوْمَئِذٍ (¬1). 658 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا المُثَنَّى بْنُ سَعِيدِ الذَّرّاعُ، حَدَّثَنا قَتادَة، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِك أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كانَ يَزُورُ أُمَّ سُلَيْمٍ فَتُدْرِكُهُ الصَّلاة أَحْيانًا فَيُصَلِّي عَلَى بِساطٍ لَنا، وَهوَ حَصِيرٌ نَنْضَحهُ بِالماءِ (¬2). 651 - حَدَّثَنا عُبَيْد اللهِ بْن عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ وَعُثْمان بْن أَبي شَيْبَةَ -بِمَعْنَى الإِسْنادِ والحدِيثِ- قالا: حَدَّثَنا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، عَنْ يُونسَ بْنِ الحارِثِ، عَنْ أَبي عَوْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ المغِيرَةِ بْنِ شعْبَةَ قال: كانَ رَسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي عَلَى الحصيرِ والفَرْوَة المدْبُوغَةِ (¬3). * * * باب الصلاة على الحصير [657] (ثنا عبيد الله بن معاذ قال: ثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري ¬

_ (¬1) رواه البخاري (670). (¬2) رواه البخاري (6203)، ومسلم (659). (¬3) رواه أحمد 4/ 254، وابن خزيمة (1006)، والحاكم 1/ 259، والبيهقي 2/ 420. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (101).

(قال: ثنا شعبة، عن أنس بن سيرين، عن أنس بن مالك، قال: قال رجل من الأنصار) قيل: إنه عتبان (¬1) بن مالك (يا رسول الله إني رجل ضخم) أي عظيم الجسم، ثقيل البدن سمين (وكان) رجلًا (ضخمًا) كما ذكر (لا أستطيع أن أصلي معك) كل وقت من ثقل جسمي، فيه أن السمن المفرط الذي لا يستطاع (¬2) معه المشي (¬3) إلا بمشقة شديدة عذر عن الجماعة و [به] (¬4) صرح ابن حبان في "صحيحه" حيث (¬5) قال: الأعذار عشرة، وعَدَّ منها هذا، وذكر الحديث (¬6). (وصنع له طعاما، ودعاه إلى بيته) فيه جواز الدعاء إلى الطعام، وإن لم يكن وليمة، واستدعاء الكبير إلى الطعام القليل (فصل) في بيتي (حتى أراك كيف تصلي) فيه أن التعليم بالفعل كالتعليم بالقول بل هو أبلغ. (فأقتدي) بالنصب [جواب الأمر] (¬7) الذي هو: فَصل ويحتمل أن ينصب (¬8) بالعطف على محل (¬9) أراك فإنها منصوبة بحتى (¬10) لكن لا يظهر فيها الإعراب. ¬

_ (¬1) في (ص): عثمان و. وفي (م): غسان. والمثبت من (ل). (¬2) في (ص، س، ل): يستطيع. (¬3) قبلها في (ص، س، ل): على. (¬4) في (م): قد. (¬5) من (م). (¬6) "صحيح ابن حبان" (2070). (¬7) في (ص): جواز الأمر. وفي (س، ل): جواب للأمر. (¬8) في (م): ينتصب. (¬9) من (م). (¬10) في (ص): لحتى.

فيه دعاء الإنسان إلى منزله (¬1) العالِمَ ليتبرك (¬2) به، وليقتدي بأفعاله هو وأهله وأولاده (بك فنضحوا) بفتح الضاد المعجمة ينضح بكسرها (¬3) وهو (¬4) الرش كما قال الجوهري (¬5) أو الغسل، وهذا النضح يجوز أن يكون لأجل تليينه وتهيئته للجلوس عليه، (له (¬6) طرف) بفتح الراء أي جانب (حصير) هو المعمول من سعف النخل ونحوه، ويحتمل أن يكون النضح للتطهير والأول أولى؛ لأن الأصل الطهارة (كان لهم) لكن كون أهل البيت هم الذين نضحوا حصيرهم يفهم منه أنهم إنما نضحوه لما يعلموا (¬7) في الحصير من الشك في (¬8) الطهارة. (فقام فصلى ركعتين) زاد عبد الحميد: وصلينا معه (¬9). فيه دليل على الاقتصار في صلاة النهار النافلة على ركعتين خلافًا لمن اشترط أربعًا، والنكتة في هذا الباب إشارة إلى ما رواه ابن أبي شيبة وغيره، من طريق شريح بن هانئ أنه سأل عائشة: أكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي على الحصير؟ والله تعالى يقول: {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ ¬

_ (¬1) في (م): ميزة. (¬2) في (م): المتبرك. (¬3) ويجوز فتحها، وبالكسر ضبطه النووي في "شرح مسلم" 12/ 150، وانظر: "تنوير الحوالك" 1/ 49. (¬4) في (ص): هي. (¬5) "الصحاح في اللغة" (نضح). (¬6) سقط من (س، ل، م). (¬7) في (س): فعلواه. (¬8) في (س): من. (¬9) هو عبد الحميد بن المنذر بن الجارود، وهذه الزيادة في "سنن ابن ماجه" (765).

حَصِيرًا} (¬1) فقالت: لم يكن يصلي على الحصير (¬2)، لكنه لم يثبته أكثر المحدثين، أو رأوه شاذًّا مردودًا لمعارضة ما هو أقوى منه بهذِه الأحاديث، وللبخاري من طريق أبي سلمة، عن عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان له حصير يبسطه ويصلي عليه (¬3). (قال فلان ابن الجارود) كذا رواية البخاري في الضحى (¬4)، وروايته في باب هل يصلي الإمام بمن حضر، فقال رجل من آل الجارود (¬5)، قال ابن حجر: كأنه عبد الحميد بن المنذر بن الجارود المصري، وذلك أن ابن ماجه وابن حبان أخرجاه من رواية أنس بن سيرين، عن عبد الحميد بن المنذر بن الجارود، عن أنس (¬6)، وقد صرح ابن سيرين بسماعه من أنس، فرواية ابن ماجه إما من المزيد في متصل الأسانيد أو (¬7) يكون فيها وهم؛ لكون ابن الجارود كان حاضرًا عند أنس لمَّا (¬8) حدث بهذا الحديث، وسأله عما سأله من ذلك فظن بعض الرواة أن له فيه رواية (¬9) (لأنس بن مالك، أكان يصلي الضحى؟ قال: لم أره يصلي (¬10) ¬

_ (¬1) الإسراء: 8. (¬2) أخرجه أبو يعلى في"مسنده" (4448)، وهو في "إتحاف المهرة" 2/ 132، 6/ 228 منسوبا لابن أبي شيبة. (¬3) "صحيح البخاري" (730). (¬4) "صحيح البخاري" (1179). (¬5) "صحيح البخاري" (670). (¬6) "سنن ابن ماجه" (756)، و"صحيح ابن حبان" (5295). (¬7) في (م): و. (¬8) من (م)، وفي باقي النسخ: بما. (¬9) "فتح الباري" 2/ 186. (¬10) في (ص، ل): صلى رواية. ووضع عليها علامة.

إلا يومئذ) ليس في هذا ما يرد الأحاديث الواردة في صلاة الضحى؛ لأن من لم ير ليس بشاهد، ولا يحتج بمن لم يرَ على من رأى أو علم. قال ابن عبد البر: ليس أحد من الصحابة إلا وقد فاته من علم السنن ما وجد عند غيره، ممن هو أقل ملازمة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- منه (¬1). [685] (ثنا مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا المثنى بن سعيد) البصري القسام (الذَّارع) الضبعي ولم تكن ضبعة من قومه إنما نزل فيهم. (قال: ثنا قتادة، عن أنس بن مالك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يزور أم سليم) (¬2) فيه زيارة النساء المحارم والمرأة الصالحة الكبيرة (¬3)، قال الله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ} (¬4)، وفي رواية النسائي أن أم سليم سألته أن يأتيها فيصلي في بيتها (¬5)، وهي كانت أم خادمهِ أنس. (فتدركه الصلاة) لعلَّ الصلاة صلاة الضحى فإن الزيارة في أول النهار أو أوسطه أفضل كما سيأتي، (أحيانًا) جمع حين فهو الزمان قل أو كثر. (فيصلي على بساط) البساط الذي يفرش، فعال بمعنى مفعول النا وهو حصير) من سعف النخل ونحوه (ننضحه) بكسر الضاد المعجمة كما تقدم (بالماء). ¬

_ (¬1) "التمهيد" 8/ 135. (¬2) في (س): سالم. (¬3) سقط من (م). (¬4) النور: 60. (¬5) "المجتبى" 2/ 56.

قال ابن عبد البر: قال بعض أصحابنا: إن النضح طهارة لما شك فيه لتطيب النفس للصلاة عليه اتباعًا لعمر في قوله: أغسِلُ ما رأيت، وأَنضَحُ ما لم أرَ (¬1). ثم قال أبو عمر (¬2): والذي أقول به أن ثوب المسلم محمول على الطهارة، حتى يستيقن النجاسة، وأن النضح فيما هو نجس لا يزيده إلا شرًا، وقد يسمى الغسل نضحًا، وما جاء عن السلف فهو احتياط غير ضار (¬3). [659] (ثنا عبيد الله) بالتصغير (بن عمر بن ميسرة) القواريري روى له الشيخان (¬4) (وعثمان (¬5) بن أبي شيبة بمعنى الإسناد، والحديث) دون لفظه (قالا: ثنا أبو أحمد) محمد بن عبد الله بن الزبير بن محمد الأسدي مولاهم (الزبيري)، وثقه ابن معين وغيره (¬6). (عن يونس بن الحارث) الثقفي الطائفي، قال ابن معين: ليس به بأس يكتب حديثه (¬7). (عن أبي عون) محمد بن عبيد الثقفي، روى له الشيخان (عن أبيه) ¬

_ (¬1) "مصنف عبد الرزاق" (1445)، (1446). (¬2) "التمهيد" 1/ 265. (¬3) "التمهيد" 1/ 265 - 266. (¬4) في (م): البخاري. (¬5) في (س): عباد. (¬6) "تاريخ ابن معين" رواية الدارمي (95). (¬7) هذا قول ابن معين في رواية ابن أبي مريم، وأما قوله في رواية عباس الدوري (317) فقال: ضعيف. وفي رواية أخرى قال: كنا نضعفه ضعفًا شديدًا، وانظر: "تهذيب التهذيب" (747).

عبيد الله بن سعيد الثقفي من أفراد أبي داود (عن المغيرة بن شعبة) (¬1) قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي على الحصير، والفروة) التي تلبس جمعها فراء، كسهم وسهام، (المدبوغة) (¬2) فإن دباغها طهورها، وفيه رد على من كره الصلاة على غير الأرض أو ما خلق منها؟ وهو منقول عن مالك (¬3). * * * ¬

_ (¬1) في (س): سعيد. (¬2) أخرجه أحمد 4/ 254، وابن خزيمة في "صحيحه" (1006)، والحاكم في "المستدرك " 1/ 259. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بذكر الفروة، وإنما أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد في الصلاة على الحصير. اهـ. وأخرجه البيهقي في "الكبرى" 2/ 420 كما عند أبي داود، ومن طريق أخرى عن يونس بن الحارث فذكره إلا أنه لم يقل عن أبيه. وسئل عنه الدارقطني في "العلل" (1257) فذكر الاختلاف في إسناده وقال: ولعل هذا من يونس مرة يرسله ومرة يسنده، وليس بالقوي، وحكم عليه الألباني بالنكارة في "ضعيف سنن أبي داود" (101). (¬3) "المدونة" 1/ 170.

95 - باب الرجل يسجد على ثوبه

95 - باب الرَّجُل يَسْجُدُ على ثَوْبِهِ 660 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل، حَدَّثَنا بِشْرٌ -يَعْنِي ابن المُفَضَّلِ- حَدَّثَنا غالِبٌ القَطّان، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبدِ اللهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قال: كنّا نُصِلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي شِدَّةِ الحرِّ فَإذا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنا أَنْ يُمَكِّنَ وَجْهَهُ مِنَ الأرْضِ بَسَطَ ثَوْبَهُ فَسَجَدَ عَلَيْهِ (¬1). * * * باب الرجل يسجد على ثوبه [660] (ثنا أحمد بن حنبل، قال: حدثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا غالب القطان) هو: ابن خُطاف (¬2) بضم المعجمة، ابن أبي غيلان، روى له الجماعة، (عن بكر بن عبد الله) بن عمرو البصري (¬3) أحد الأعلام، (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كنا نصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شدة الحر) وفي معناه شدة البرد إذا كان يصلي على حجارة ونحوها، لكن القائل بجواز الصلاة على ما يتحرك بحركته لا يقيده بالحاجة. في هذا الحديث أن قول الصحابي: "كنا نفعل" من قبيل المرفوع، لاتفاق الصحيحين وغيرهما على تخريج هذا الحديث في صحيحيهما (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (385)، ومسلم (620). (¬2) في (ص، س، ل): خطاب. (¬3) في (م): المصري. (¬4) قول الصحابي: كنا نفعل، له حالتان: الأول: أن يضيفه إلى زمان النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في هذا الحديث الذي نحن بصدده- =

وفي البخاري: كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة، ويداه في كمه (¬1)، أي: ويد كل واحد منهم في كمه. ووصل هذا عبد الرزاق، عن هشام بن حسان، عن الحسن أن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانوا يسجدون وأيديهم في ثيابهم، ويسجد الرجل منهم على قلنسوته وعمامته، وهكذا رواه ابن أبي شيبة، عن هشام (¬2). (فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن وجهه) والاستطاعة الطاقة والقدرة، والمراد بالوجه هنا الجبهة كما في رواية ابن حبان: "إذا سجدت فمكن جبهتك من الأرض ولا تنقر نقرًا" (¬3)، ويدل عليه الحديث الصحيح: ¬

_ = والثاني: أن لا يضيفه إلى زمانه -صلى الله عليه وسلم-. فإن كان من النوع الأول فالأكثرون على رفعه، وحكي عن الإسماعيلي أنه أنكر كونه مرفوعًا، وكونه مرفوعًا هو الأظهر؛ لأن الصحابي لم يكن ليضيفه لزمان النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا ليشعر أنه -صلى الله عليه وسلم- قد اطلع عليه وأقرهم بفعلهم لاسيما إن كان في القصة اطلاعه -صلى الله عليه وسلم- فهو مرفوع بلا خلاف. وإن كان من النوع الثاني: فهو من الموقوف. وفي المسألة مذاهب أخرى؛ فعلى من أراد الاطلاع الرجوع إلى كتب المصطلح ولا يحتمل المقام هنا أكثر من ذلك. والحديث في "صحيح البخاري" (385)، و"صحيح مسلم" (620/ 191). (¬1) ذكره البخاري معلقًا من كلام الحسن في باب السجود على الثوب في شدة الحر. قبل حديث (385). ووصله ابن أبي شيبة في "المصنف" (2754). (¬2) وصله عبد الرزاق (1566)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (2754). (¬3) طرف حديث أخرجه ابن حبان 5/ 206 (1887) من حديث ابن عمر-رضي الله عنهما-، وضعفه النووي في "الخلاصة" 1/ 407 (1299)، وفي "المجموع" 3/ 397.

"أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، الجبهة .. " (¬1) وحديث الخباب بن الأرت: شكونا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حر الرمضاء في جباهنا وأكُفّنا (¬2). (من الأرض) فيه دليل لمذهب الشافعي (¬3) والجمهور كما قال النووي على وجوب وضع الجبهة على الأرض، وأن الأنف لا يجزئ عنها (¬4)، ولا يجب السجود عليه لكن يستحب. وقال أبو حنيفة: هو مخير بينها وبين الأنف (¬5). وعن مالك (¬6) وأحمد (¬7) روايتان كالمذهبين. (بسط ثوبه) هكذا رواية مسلم، و (¬8) رواية البخاري: يضع أحدنا طرف كمه (¬9)، وفي رواية من طريق غالب: سجدنا على ثيابنا اتقاء الحر (¬10). والثوب في الأصل يطلق على غير المخيط، وفيه إشارة إلى أن (¬11) مباشرة الأرض في السجود هو الأصل عند عدم الضرورة؛ لأنه علق بسط الثوب بعدم الاستطاعة، وفيه جواز استعمال الثياب ¬

_ (¬1) رواه البخاري (812)، ومسلم (490/ 230) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-. (¬2) في (ص، ل): وأنفنا. وفي (س): وأيضًا. والحديث رواه البيهقي 2/ 104، 107، وأصله في مسلم (619). (¬3) "الأم" 1/ 222. (¬4) "المجموع" 3/ 423. (¬5) "المبسوط" للسرخسي 1/ 133. (¬6) "التمهيد" 23/ 61 - 62. (¬7) "الإنصاف" 2/ 66 - 67. (¬8) زاد في (م): في. (¬9) "صحيح البخاري" (385). (¬10) "صحيح البخاري" (542). (¬11) من (م).

والبسط، والخمرة، وغيرها، في الحيلولة بين المصلي وبين الأرض كما تقدم، وفيه جواز العمل القليل في الصلاة. قال ابن أبي جمرة (¬1): وهل يكون الفعل اليسير في الصلاة معفوًّا عنه لعذر، أو لا يكون هنا عذر، أو لا يكون إلا مع العذر؟ ينظر (¬2) إن كانت العلة هنا قلة الشغل (¬3) ليس إلا، فعلى هذا يجوز لعذر ولغير عذر، وإن كانت العلة رعي زوال التشويش في الصلاة فيجوز الشغل في الصلاة وإن كثر، ما لم يتفاحش، فإنه إذا تفاحش خرج أن يكون صلاة، ولذلك لم يختلفوا أن الشغل اليسير إذا كان لصلاحها أنها لا تبطل، واختلفوا إذا كثر ولم يتفاحش، ولم يختلفوا أنها تبطل إذا تفاحش وقد حد التفاحش بمثل أن يأكل (¬4) بقدر ما يقارب الشبع. قال: وهذا الشيء المفعول هل لا يفعله إلا أن [لا يجدَ] (¬5) بد، منه؟ أو يفعله مع وجود البدل؟ أو (¬6) هو جائز مع وجود البدل؟ أو فعل البدل أحب؟ مثاله أن يقول: لا نتقي بفضل ثيابنا إلا حتى لا نجد شيئًا نتقي به الأرض، أو هو من باب الأولى، فإن نظرنا إلى لفظ الحديث أجزناه (¬7) مع وجود غيره وفعل غيره يكون أحب، ولا أظن أحدًا اختلف في أن هذا هو المستحب، وإن نظرنا لما نعلم من حال ¬

_ (¬1) "بهجة النفوس" 1/ 179. (¬2) في (م): فينظر. (¬3) في (س، ل، م): العمل. (¬4) في (م): يأخذ. (¬5) في (م): يتخذ. وفي (ص، س، ل): يجد. والمثبت صواب ليستقيم السياق. (¬6) في (ص): و. (¬7) في (ص): أخذناه.

الصحابة -رضي الله عنهم- فهم لم يكن لهم من الدنيا إلا قدر الضرورة، وأنهم في الغالب ليس لهم فضل عن ثيابهم، قلنا: لا يجوز مع (¬1) وجود غيره، ولعل هذا الحديث لم يكن إلا بعد أن ظهر الإسلام، وكثر عليهم الخير، فلا يترك لفظ الحديث لشيء محتمل. (¬2) وقوله: "كنا نصلي" بلفظ الجمع لأنهم كانوا الكل على ذلك، أو عبَّر بالأكثر عن الجميع كما هو شائع، وقوله: مع النبي -صلى الله عليه وسلم-. أخبر هنا بالفعل؛ لأنهم كانوا يفعلون مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع قوله: "إني أراكم في الصلاة خلفي كلما أراكم أمامي" (¬3) فإقراره على ذلك حكم. (فسجد (¬4) عليه) (¬5) استدل به مالك (¬6)، وأبو حنيفة (¬7)، وأحمد (¬8) في رواية أنه يصح السجود على الذيل والكم واليد، وإن كان متصلًا به، واستدل أيضًا بما رواه أحمد في "مسنده" عن ابن عباس: لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في يوم مطير (¬9) وهو ينقي الطين إذا سجد بكساء عليه. (¬10) وقياسًا على باقي الأعضاء. ¬

_ (¬1) في (س): بيع. (¬2) "بهجة النفوس" 1/ 179 - 180. (¬3) أخرجه البخاري (418)، ومسلم (424/ 109). (¬4) في (س، ل): فصلى. (¬5) أخرجه البخاري (385)، ومسلم (620/ 191)، والترمذي (584)، والنسائي 2/ 216، وابن ماجه (1033)، وأحمد 3/ 100. (¬6) "المدونة الكبرى" 1/ 170. (¬7) "مراقي الفلاح" 1/ 126. (¬8) "مسائل أحمد برواية ابن هانئ" (224). (¬9) في (ص): مطر. (¬10) "مسند أحمد" 1/ 256.

واحتج أصحابنا على أنه لا يصح السجود على ما يتصل إذا كان [يتحرك لحركته] (¬1) في القيام والقعود، وغيرهما لحديث خباب بن الأرت: شكونا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حر الرمضاء فلم يشكنا (¬2)، وأجابوا عن هذا الحديث بأنه محمول على ثوب منفصل. وأما حديث ابن عباس في "مسند أحمد" فضعيف في إسناده (¬3)، وأجاب البيهقي والأصحاب عن هذا الحديث بأن الرجل يسجد على العمامة مع بعض جبهته. وأيد البيهقي مذهب الشافعي (¬4) بما رواه الإسماعيلي من هذا الوجه بلفظ: فيأخذ أحدنا الحصى في يده فإذا برد وضعه وسجد عليه (¬5). قال: فلو كان السجود على المتصل جائزًا لما احتاجوا إلى تبريد (¬6) الحصا، وتعقب بأن يكون الذي كان يبرد الحصا لم يكن في ثوبه فضلة يسجد عليها مع بقاء سترته. وفيه: تقديم الظهر في أول الوقت، وظاهر الأحاديث الواردة في الأمر بالإبراد يعارضه، فمن قال الإبراد بالظهر رخصة فلا إشكال، وإلا فنقول: هذا منسوخ بالإبراد، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) في (م): متحرك بحركته. وفي (س): يتحرك بحركته. (¬2) أخرجه مسلم (619/ 190). (¬3) في إسناده حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس. ضعيف. (¬4) "المجموع" 3/ 426. (¬5) أخرجه البيهقي في "الكبرى" 2/ 106 من طريق الإسماعيلي. (¬6) في (س): تنزيل.

96 - باب تسوية الصفوف

تفريع أبواب الصفوف 96 - باب تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ 661 - حَدَّثَنا عَبْد اللهِ بْن محَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنا زهَيْرٌ قال: سَألت سُلَيْمانَ الأعمَشَ، عَنْ جابِرِ بْنِ سَمُرَةَ فِي الصُّفوفِ المقَدَّمَةِ، فَحَدَّثَنا عَنِ المسَيَّبِ بْنِ رافِعٍ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرْفَةَ، عَنْ جابِرِ بْنِ سَمرَةَ قال: قال رَسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَلا تَصُفُّون كما تَصُفُّ المَلائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَلَّ وَعَزَّ". قُلْنا: وَكَيْفَ تَصُفُّ الملائِكَة عِنْدَ رَبِّهِمْ؟ قال: "يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ المُقَدَّمَةَ وَيَتَراصُّونَ فِي الصَّفِّ" (¬1). 662 - حَدَّثَنا عُثْمان بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عَنْ زَكَرِيّا بْنِ أَبِي زائِدَةَ، عَنْ أَبِي القاسِمِ الجَدَلِيِّ قال: سَمِعْتُ النُّعْمانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ أقْبَلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم - عَلَى النّاسِ بِوَجْهِهِ فَقال: "أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ" ثَلاثًا "والله لَتُقِيمُنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ". قال: فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يلْزِق مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صاحِبِهِ وَركْبَتَهُ بِرُكْبَةِ صاحِبِهِ وَكَعْبَهُ بِكَعْبِهِ (¬2). 663 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ سِماكِ بْنِ حَرْبٍ قال: سَمِعْتُ النُّعْمانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ كانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُسَوِّينا فِي الصُّفوفِ كَما يُقَوَّمُ القِدْحُ حَتَّى إِذا ظَنَّ أَنْ قَدْ أَخَذْنا ذَلِكَ عَنْه، وَفَقِهْنا أَقْبَلَ ذاتَ يَوْمٍ بِوَجْهِهِ إِذا رَجُلٌ مُنْتَبذٌ بِصَدْرِهِ فَقال: "لتسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (430). (¬2) رواه بتمامه أحمد 4/ 276، وابن حبان (2176). وحسنه النووي في"المجموع" 1/ 421، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (668). وروى البخاري (717)، ومسلم (436) من طريق سالم بن أبي الجعد عن النعمان قوله: " لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم". (¬3) رواه مسلم (436/ 128).

664 - حَدَّثَنا هَنّادُ بْن السَّرِيِّ وَأَبُو عاصِمِ بْنِ جَوّاسٍ الحَنَفِيُّ، عَنْ أَبِي الأحوَصِ، عَنْ مَنْصورٍ، عَنْ طَلْحَةَ اليامِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْسَجَةَ، عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ قال: كانَ رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَتَخَلَّل الصَّفَّ مِنْ ناحِيَةٍ إِلَى ناحِيَةٍ يَمْسَحُ صُدُورَنا وَمَناكِبَنا وَيَقُولُ: "لا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوُبكُمْ". وَكانَ يَقُول: "إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصُّفُوفِ الأُوَلِ" (¬1). 665 - حَدَّثَنا ابن مُعاذٍ، حَدَّثَنا خالِدُ بْن الحارِثِ، حَدَّثَنا حاتِم -يَعْنِي ابن أَبِي صَغِيرَةَ- عَنْ سِماكٍ قال: سَمِعْتُ النُّعْمانَ بْنَ بَشِيرٍ قال: كانَ رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُسَوِّي صُفُوفَنا إِذا قُمْنا لِلصَّلاةِ فَإِذا اسْتَوَيْنا كَبَّرَ (¬2). 666 - حَدَّثَنا عِيسَى بْن إِبْراهِيمَ الغافِقِي، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ ح، وحَدَّثَنا قُتَيْبَة بْن سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللَّيْث -وَحَدِيثُ ابن وَهْبٍ أَتَمُّ- عَنْ معاوِيَةَ بْنِ صالِحٍ، عَنْ أَبِي الزّاهِرِيَّةِ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -قال قُتَيْبَة: عَنْ أَبِي الزّاهِرِيَّةِ، عَنْ أَبِي شَجَرَةَ لَمْ يَذْكُرِ ابن عُمَرَ- أَنَّ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: "أَقِيمُوا الصُّفُوفَ وَحاذُوا بَيْنَ المَناكبِ وَسُدُّوا الخَلَلِ وَلينُوا بِأَيْدِي إِخْوانِكُمْ". لَمْ يَقلْ عِيسَى: - "بِأَيْدِي إِخْوانِكُمْ"- "وَلا تَذرُوا فُرُجاتٍ لِلشَّيْطان، وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللهُ وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللهُ ". قال أَبو داوُدَ: أَبُو شَجَرَةَ: كَثِيرُ بْنْ مرَّةَ. قال أَبو داوُدَ: وَمَعْنَى: "وَلينُوا بِأَيْدِي إِخْوانِكُمْ": إِذا جاءَ رَجُلٌ إِلَى الصَّفِّ فَذَهَبَ يَدْخل فِيهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُلَيِّنَ لَه كلُّ رَجُل مَنْكِبَيْهِ حَتَّى يَدْخُلَ فِي الصَّفِّ (¬3). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 285، والنسائي 2/ 89. وصححه الألباني (670). (¬2) رواه أبو عوانة 2/ 40 - 41، والبيهقي 2/ 21، والبغوي في "شرح السنة" (810). وصححه الألباني (671). (¬3) رواه أحمد 2/ 97، والطبراني 13/ 319 (14113)، والبيهقي 3/ 143. وصححه الألباني (672)، "الصحيحة" (743).

667 - حَدَّثَنا مُسْلِم بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا أَبانُ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: "رُصُّوا صُفُوفَكُمْ وَقارِبُوا بَيْنَها وَحاذُوا بِالأعْناقِ، فَوالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لأرَى الشَّيْطانَ يَدْخُلُ مِنْ خَلَلِ الصَّفِّ كَأَنَّها الحَذَفُ" (¬1). 668 - حَدَّثَنا أَبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسِيُّ وَسُلَيْمانُ بْن حَرْبٍ قالا: حَدَّثَنا شعْبَةُ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قال: قال رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "سوُّوا صُفُوفَكُمْ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ تَمامِ الصَّلاةِ" (¬2). 669 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنا حاتِمُ بْنُ إِسْماعِيلَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ ثابِتِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ السّائِبِ صاحِبِ المقْصُورَةِ قال: صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ يَوْمًا فَقال: هَلْ تَدْرِي لِمَ صُنِعَ هذا العُودُ؟ فَقلْتُ: لا والله. قال: كانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَضَعُ يَدَهُ عَلَيْهِ فَيَقولُ: "اسْتَوُوا وَعَدِّلُوا صُفُوفَكُمْ" (¬3). 670 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا حميْدُ بْن الأسوَدِ، حَدَّثَنا مُصْعَب بْن ثابِتٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مسْلِمٍ، عَنْ أَنَسٍ بهذا الحَدِيثِ، قال: إِنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كانَ إِذا قامَ إِلَى الصَّلاةِ أَخَذَهُ بِيَمِينِهِ ثمَّ التَفَتَ فَقال: "اعْتَدِلُوا سوُّوا صُفُوفَكُمْ". ثُمَّ أَخَذَهُ بِيَسارِهِ فَقال: "اعْتَدِلُوا سوُّوا صُفُوفَكُمْ" (¬4). 671 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ سُلَيْمانَ الأنبارِيُّ، حَدَّثَنا عَبْد الوَهّابِ -يَعْنِي ابن عَطَاءٍ- عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: "أَتِمُّوا الصَّفَّ المُقَدَّمَ ثُمَّ الذِي يَلِيهِ فَما كانَ مِنْ نَقْصٍ فَلْيَكُنْ فِي الصَّفِّ ¬

_ (¬1) رواه النسائي في "الكبرى" 3/ 142 (5179)، وابن خزيمة 3/ 22 (1545)، وابن حبان (2166). وصححه الألباني (673). (¬2) رواه البخاري (723)، ومسلم (433). (¬3) رواه أحمد 3/ 254، وابن حبان (2170). وضعفه الألباني (102). (¬4) رواه ابن حبان (68 - 21)، والبيهقي 3/ 130. وضعفه الألباني (103).

المُؤَخَّرِ" (¬1). 672 - حَدَّثَنا ابن بَشَّارٍ، حَدَّثَنا أَبُو عاصِمٍ، حَدَّثَنا جَعْفَرُ بْنُ يحيَى بْنِ ثَوْبانَ قال: أَخْبَرَني عَمِّي عُمارَةُ بْنُ ثَوْبانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قال: قال رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "خيارُكُمْ أَلْيَنكُمْ مَناكِبَ فِي الصَّلاةِ". (¬2) قال أَبو داوُدَ: جَعْفَرُ بْنُ يحيَى مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ. * * * [تفريع أبواب الصفوف] (¬3) باب في تسوية الصفوف [661] (ثنا عبد الله بن محمد النفيلي، قال: ثنا زهير، قال: سألت سليمان الأعمش عن حديث جابر بن سمرة في الصفوف المقدمة) يتم صفوفها قبل ما بعدها. (فحدثنا عن المسيب بن رافع) الضرير الكاهلي، روى له الشيخان. (عن تميم بن طرفة) بفتح الطاء المهملة والراء والفاء، الطائي التابعي من أهل الكوفة. (عن جابر بن سمرة: قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ألا) للعرض والتحضيض، ومعناها طلب الشيء بحث (¬4)، ولكن العرض طلب ¬

_ (¬1) رواه أحمد في 3/ 233، و"ابن حبان" (2155)، وحسنه النووي في "المجموع" 4/ 227، وصححه الألباني (675). (¬2) رواه ابن حبان (1756)، والبيهقي 3/ 101، وصححه الألباني (676). (¬3) من (س، م). (¬4) في (س): بحب.

بلين (¬1) والتحضيض وتختص ألا (¬2) هذِه بالفعلية، كقوله تعالى: {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} (¬3) {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} (¬4). (تصفون) بفتح التاء وضم الصاد، وبضم أوله مبني للمفعول أي: في صلاتكم (كما تصف الملائكة) فيه الاقتداء بأفعال الملائكة في صلاتهم وتعبداتهم وغير ذلك، كما استدل بقوله تعالى: {بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} (¬5) على أنه يستحب أن يكون للمجاهدين علامة يعرفون بها من غيرهم، لرواية ابن عباس: كانت سيماء الملائكة يوم بدر عمائم بيض ويوم حنين (¬6) عمائم خضر، ولم تقاتل الملائكة في يوم (¬7) سوى يوم بدر إنما يكونون في سواه مددًا (¬8). وفيه الحث على الاصطفاف في الصلاة وفي الجهاد (عند ربهم) كذا للنسائي، ولابن حبان: عند ربها (¬9). وفيه مشروعية الاصطفاف في الجلوس عند الكبير، ولو بالتحليق. (قلنا) كذا لابن حبان، وللنسائي (¬10) (وكيف تصف الملائكة عند ¬

_ (¬1) في (ص): تثبت. (¬2) سقط من (م). (¬3) التوبة: 13. (¬4) النور: 22. (¬5) آل عمران: 125. (¬6) في (م): خيبر. (¬7) سقط من (م). (¬8) أخرجه الطبراني في "الكبير" (12085)، وعند الطبراني: عمائم حمر. بدل خضر. (¬9) "المجتبى" 2/ 92، و"صحيح ابن حبان" (2162). (¬10) "المجتبى" 2/ 92، و"صحيح ابن حبان" (2162).

ربهم؟ قال: يتمون الصفوف) الأُوَل (¬1) (المقدمة) أي (¬2): المتقدمة (¬3) ولابن حبان والنسائي: "يتمون الصف الأول" (¬4)، ورواية الطبراني في "الأوسط" عن ابن عمر: "صفوا كما تصف الملائكة عند ربهم" قالوا: يا رسول الله وكيف تصف الملائكة عند ربهم؟ قال: "يقيمون الصفوف، ويجمعون مناكبهم" (¬5). وبوَّب عليه ابن حبان: باب استحباب إتمام الصف الأول إقتداءً بالملائكة في صفوفها (¬6). وفيه: فضيلة الصف الأول والأمر بسد الفرج فيه، لكن بحيث أن لا يجيء المتأخر، فيزاحم من سبق إلى الصف الأول ويؤذيه، وربما أدته المزاحمة إلى ترك سنة من سنن (¬7) الصلاة وهي [ .... ] (¬8) في الركوع والسجود، ويدل على ذلك ما رواه الطبراني في "الأوسط"، عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من ترك الصف الأول مخافة أن يؤذي أحدًا أضعف الله له أجر الصف الأول" (¬9). ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) من (س، ل). (¬3) سقط من (م). (¬4) "المجتبى" 2/ 92، و"صحيح ابن حبان" (2154) وعنده: الصفوف الأول. (¬5) "المعجم الأوسط" (8449)، وقال الهيثمي في "المجمع" 2/ 249: فيه من لم أعرف ولم أجد من ترجمه. (¬6) "صحيح ابن حبان" 5/ 527. (¬7) في (ص، ل): سن. (¬8) كلمة غير مقروءة في (ص) رسمها: النحوبه. ولعل المراد: التمكن. (¬9) "المعجم الأوسط" (537)، وقال الهيثمي في "المجمع" 2/ 259: وفيه نوح ابن أبي مريم وهو ضعيف. =

(ويتراصُّون) بضم الصاد المشددة، أصله يتراصصون بفتح الأولى وضم الثانية، ثم أدغمت الصاد الأولى فسكنت وأدغمت في الثانية وجوبًا، واستمرت ضمة الثانية على حالها، فإن القاعدة أنه يجب إدغام أول المثلين المحركين (¬1) في كلمة واحدة سواء كان يحرك أول المثلين بالضمة (¬2) أو الفتحة أو الكسرة، وسواء كانت الكلمة اسمًا أو فعلًا أو حرفًا إلا ما استثني مما هو مذكور في كتبه (في الصف) (¬3) أي في كل صف، وتراص القوم في الصفوف مأخوذ من رصصت البنيان رصًّا من باب قتلت قتلًا، إذا ضممت بعضه إلى بعض، وفيه دليل على استحباب انضمام المصلين بعضهم إلى بعض ليس بينهم فرجة ولا خلل كما يصفون في قتالهم لا يزولون عن أماكنهم كأنهم بنيان مرصوص رص بعضه إلى بعض، وألزق بعضه إلى بعض وأحكم. [662] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: ثنا وكيع، عن زكريا (¬4) بن أبي زائدة، عن أبي القاسم) حسين (¬5) بن الحارث الكوفي (الجدلي) بفتح الجيم والدال المهملة، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬6)، أخرج له ¬

_ = لكن نوح هذا كذاب فالحق أن يقال: موضوع. وكذا حكم عليه الألباني رحمه الله بالوضع في "السلسلة الضعيفة" (5046). (¬1) في (م): المتحركين. (¬2) في (ص، س، ل): بالضم. (¬3) أخرجه مسلم (430/ 119) بنحوه، والنسائي 2/ 92، وابن ماجه (992)، وابن خزيمة (1544) جميعًا من حديث تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة. (¬4) في (س): زائدة. (¬5) في (ص): عن أبي حسين. وبياض في (ل). (¬6) "الثقات" لابن حبان 4/ 155.

النسائي أيضًا، لعله نسبة إلى جديلة قبيلة من طيءٍ. (قال: سمعت النعمان بن بشير يقول: أقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الناس بوجهه) عند تسوية الصفوف كذا في تبويب البخاري (¬1). (فقال: أقيموا صفوفكم) أي سووها وعدلوها، يقال: أقام العود [إذا عدله] (¬2) وسواه (ثلاثًا) رواية النسائي عن أنس بلفظ: "استووا استووا استووا"، وبوب عليه: باب كم مرة يقول: استووا (¬3) (والله لتقيمُن) بضم الميم أصلها لتقيمُون (صفوفكم) قال ابن دقيق العيد: معناه: أو ليخالفن إن لم يساووا؛ لأنه قابل بين التسوية وبينه، أي: الواقع أحد الأمرين التسوية أو المخالفة (¬4). فتكون أو فيه للتقسيم الذي عبر عنه ابن مالك بالتفريق (¬5) المجرد، واختلف في معنى قوله (أو ليخالفن الله بين قلوبكم) [كذا رواية ابن حبان (¬6)] (¬7). قال النووي: اختلاف القلوب أن يوقع بينكم (¬8) العداوة والبغضاء، كما يقال: لا تُغيِّر قلبك عليَّ (¬9) (قال: فرأيت الرجل يلزق) بضم أوله ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" قبل حديث (719). (¬2) في (م): أعدله. (¬3) "سنن النسائي" 2/ 91. (¬4) "إحكام الأحكام" 1/ 136. (¬5) في (ص، س، ل): بالتنوين. (¬6) "صحيح ابن حبان" (2176). (¬7) سقط من (م). (¬8) في (ص، س): بينهم. (¬9) "شرح النووي على مسلم" 4/ 157.

يتعدى بالهمزة والتضعيف (¬1)، يقال: ألزقته ولزَّقته تلزيقًا فعلته من غير إحكام ولا إتقان (¬2)، وأما ألصقته ففيه الإحكام والإتقان (¬3)، يقال: ألصق الجرح على الدواء إذا شده على العضو للتداوي. (منكِبه بمَنكِب صاحبه) منكب الرجل هو مجتمع العضد والكتف؛ لأنه يعتمد عليه والمراد بإلصاق المنكب بالمنكب (وركبته بركبة صاحبه) والقدم بالقدم في الصف المبالغة في تعديل الصف وسد خلله، وقد (¬4) ورد الأمر بسد خلل الصف، والترغيب فيه في أحاديث كثيرة (¬5). (وكعبه بكعبه) (¬6). استدل به على أن المراد بالكعب في قول تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (¬7) العظم الناتئ في جانبي الرجل عند مفصل الساق، ¬

_ (¬1) في (ص، س): والتصغير. (¬2) في جميع النسخ: اتفاق. والتصويب من "المصباح المنير": لزق. (¬3) في جميع النسخ: الاتفاق. وانظر التعليق السابق. (¬4) في (ص، ل، م): وقيل. (¬5) سيأتي في ذلك أحاديث خلال الأبواب التالية إن شاء الله. (¬6) أخرجه أحمد 4/ 276، وصححه ابن خزيمة (160) وقال عقب روايته معرِّضًا بمن يقول إن الكعب هو ظهر القدم قال: وفي هذا الخبر ما نفى الشك والارتياب أن الكعب هو العظم الناتئ الذي في جانب القدم الذي يمكن القائم في الصلاة أن يلزقه بكعب من هو قائم إلى جنبه في الصلاة، والعلم محيط عند من ركب فيه العقل أن المصلين إذا قاموا في الصف لم يمكن أحد منهم إلزاق ظهر قدمه بظهر قدم غيره، وهذا غير ممكن، وما كونه غير ممكن لم يتوهم عاقل كونه. اهـ. وحسنه النووي في "المجموع" 1/ 421، وذكره البخاري معلقًا بصيغة الجزم في أبواب تسوية الصفوف. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (668). (¬7) المائدة: 6.

والقدم وهو الذي يمكن أن يلزق بالذي إلى جانبه خلافًا لمن ذهب إلى أن المراد بالكعب هو مؤخر القدم، وهو قول شاذ ينسب إلى بعض الحنفية (¬1)، ولم يثبته (¬2) محققوهم، وكذا أنكر الأصمعي قول من زعم أنه في ظهر القدم (¬3). [663] (ثنا موسى بن إسماعيل قال: ثنا حماد، عن سماك بن حرب، قال: سمعت النعمان بن بشير) -رضي الله عنهما- فإنه صحابي ابن صحابي أمير الكوفة وحمص، وقاضي حمص، وأول مولود وُلد للأنصار بعد الهجرة، وكان جوادًا شاعرًا. (يقول: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يسوينا في الصفوف كما يُقوَّم) أي: يُسوَّي (القدح) (¬4) القداح جمع قِدْح، بكسر القاف وإسكان الدال، هو السهم قبل أن يُراش ويركب فيه النصل، [مبني للمفعول] (¬5) جمعه قداح، وفيه إشارة إلى أنه يستحب لصانع السهام أن يجتهد في تقويم السهام وتسويتها؛ ليستقيم الرمي بها، وكذلك كل صاحب صنعة من الصنائع التي هي آلة للعبادة من جهاد وحج، وغير ذلك. وفيه: استحباب تسوية الإمام الصفوف وقبل الدخول في الصلاة ويأمرهم به، ملتفتًا يمينه ويساره. ¬

_ (¬1) حكاه هشام عن محمد بن الحسن قالوا: وهو سهو منه ولم يعن محمد بن الحسن ما حكاه عنه هشام. انظر: "البحر الرائق" 1/ 14. (¬2) في (ص): يتنبه. (¬3) "لسان العرب": كعب. (¬4) زاد هنا في (م): الأكبر. (¬5) سقط من (س، ل، م).

(حتى إذا ظن أن) مخففة من الثقيلة ولها شرطان: الأول: أن يكون اسمها ضميرًا مستورًا، تقديره: ظن أننا. الثاني: شرط خبرها أن يكون جملة، ويقع هذا (¬1) بعد اليقين، أو ما نزل منزلته نحو {أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا} (¬2)، {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ} (¬3) فيمن رفع. (قد أخذنا ذلك عنه) هذِه الجملة الخبرية في موضع [رفعٍ، خبرٌ] (¬4) لـ"أنْ" المخففة، (وفقهنا) بكسر القاف، ذلك أي: علمناه عنه. قال ابن فارس: كل علم بشيء (¬5) فهو فقه (¬6). والفقه (¬7) على لسان (¬8) حملة الشرع علم خاص (أقبل ذات يوم بوجهه) الكريم علينا؛ لتسوية الصفوف (إذا) هذِه الفجائية (رجل) مبتدأ، وهذا شاهد على ما ذكره النحاة أن من مسوغات الابتداء أن تقع النكرة بعد إذا (¬9) الفجائية نحو: خرجت فإذا أسدٌ ورجلٌ بالباب؛ إذ لا توجب العادة أن لا يخلو الحال من أن يفاجئك عند خروجك أسد أو رجل (منتبذ) أي ¬

_ (¬1) في (م): هذه. (¬2) طه: 89. (¬3) المائدة: 71. قرأها بالرفع أبو عمرو وحمزة والكسائي، انظر: "الحجة" 3/ 246. (¬4) في (ص، س، ل): خبر رفع. (¬5) في (ص، ل): يبنى. وفي (س): شيء. (¬6) "مجمل اللغة" 1/ 703. (¬7) في (ص، س، ل): والفقيه. (¬8) من (م). (¬9) في (م): إذ.

خارج (بصدره) قال الله تعالى: {إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا} (¬1) أي خرجت من عند أهلها آخذة {مَكَانًا شَرْقِيًّا} ورواية النسائي: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقوم الصفوف كما تقوم القداح، فأبصر رجلًا خارجًا صدره من الصف (¬2). (فقال: لتسوُّنَّ) جواب قسم محذوف، والأصل في لتسوُّنَّ لتسوون الواو (¬3) الأولى المشددة من أصل الفعل (¬4)، والواو التي بعدها واو الضمير فحذفت استثقالًا، وأُبقيت الضمة على الواو قبلها دالة عليها، وحذفت أيضًا نون الرفع، والنون المشددة النافية هي نون التوكيد، لمَّا استثقل اجتماع النونين (¬5) حذفت إحداها، وقيل: المحذوف إحدى نوني التوكيد، ووُجِّهَ أيضًا بوجوه مشهورة (¬6) في العربية. (صفوفكم، أو ليخالفن الله) فيه من اللطائف وقوع الوعيد من جنس الجناية، وهي المخالفة، لما خالف هذا المخالف بصدره صدور المصلين، ومقتضى هذا الوعيد وجوب استواء الصفوف إذ لا يحصل الوعيد إلا على محرم التفريط فيه، ويؤيده حمله على ظاهره حديث أبي أمامة (¬7) بلفظ: "لتُسَوُّنَّ صفوفكم، أو لتطمسن (¬8) الوجوه" (¬9)؛ ¬

_ (¬1) مريم: 16. (¬2) "المجتبى" 2/ 89. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ص، ل): النقل. (¬5) في جميع النسخ: النونان. والمثبت هو الصواب. (¬6) في (ص، س، ل): مستمدة. (¬7) زاد هنا في (م): أخرجه. (¬8) هكذا هي في (م)، وفي بقية النسخ: لتطمس. (¬9) أخرجه أحمد 5/ 258. وفي إسناده عبيد الله بن زحر وعلي بن يزيد وهما ضعيفان. =

ولهذا قال ابن الجوزي (¬1): الظاهر أنه مثل الوعيد الذي في قوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا} (¬2)، وحديث أبي أمامة أخرجه أحمد، وإن كان في إسناده ضعف (¬3) (بين وجوهكم) (¬4). قال القرطبي: معناه تفترقون فيأخذ كل واحد وجهًا غير الذي أخذ صاحبه (¬5)؛ لأن تقدم (¬6) الشخص على غيره مظنة الكبر المفسد للقلب الداعي إلى القطيعة. [664] (ثنا هناد بن السري، وأبو عاصم) أحمد (بن جواس) بفتح الجيم (الحنفي) أخرج له مسلم. (عن أبي الأحوص) سلام بن سليم الحنفي (¬7) الكوفي. (عن منصور) ابن المعتمر بن عبد الله الكوفي أحد الأعلام. (عن طلحة) بن مصرف (اليامي، عن عبد الرحمن بن عوسجة، عن البراء بن عازب قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتخلل الصف) (¬8) رواية النسائي: ¬

_ = "مجمع الزوائد" 2/ 90. وضعف إسناده الحافظ في "الفتح" 2/ 207. (¬1) في (س): الجوهري. (¬2) النساء: 47، وانظر: "فتح الباري" 2/ 243. (¬3) أخرجه أحمد 5/ 258. وفي إسناده عبيد الله بن زحر وعلي بن يزيد وهما ضعيفان. (¬4) أخرجه مسلم (436/ 128)، والترمذي (227)، والنسائي 2/ 89، وابن ماجه (994) جميعًا من طريق سماك بن حرب عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما. (¬5) في (ص، ل): أخر صاحبه. وفي (س): أخذ جناحيه. (¬6) في (م): تقديم. (¬7) من (م). (¬8) في (س): الصفوف.

يتخلل الصفوف (¬1). وهو من تخللت القوم إذا دخلت بين خللهم، وخلالهم (من ناحية إلى ناحية) من الصف (¬2)، فـ (يمسح صدورنا) أي: يضع يده على صدورنا لتستوي صدورنا (ومناكبنا) في الصف، رواية ابن حبان: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأتينا فيمسح عواتقنا، وصدورنا (¬3) (ويقول: لا تختلفوا) رواية ابن حبان: "لا تختلف صفوفكم" أي: بالتقدم والتأخر (فتختلف) منصوب بأن المقدرة؛ لأنها جواب للنهي (قلوبكم) أي بالعداوة والبغضاء كما تقول تغير وجه فلان عليَّ إذا ظهر في وجهه الكراهة؛ لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفة في ظواهرهم، واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن. (وكان يقول: إن الله وملائكته يصلون) أي يستغفرون (على الصفوف الأول) (¬4) رواية النسائي (¬5): "الصفوف المتقدمة"، ولابن حبان: "على الصف الأول" (¬6). وروى البزار عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استغفر للصف الأول ثلاثًا، وللثاني مرتين، وللثالث مرة (¬7). [665] (ثنا عبيد الله) بالتصغير (ابن معاذ) العنبري. ¬

_ (¬1) "المجتبى" 2/ 89. (¬2) في (س): الصفوف. (¬3) "صحيح ابن حبان" (2157). (¬4) أخرجه النسائي 2/ 89، وابن ماجه (997) بنحوه، وأحمد 4/ 285، وصححه ابن خزيمة (1551، 1552)، وابن حبان (670). (¬5) "المجتبى" 2/ 89. وزاد بعدها في (م): أي. (¬6) "صحيح ابن حبان" (2157). (¬7) "البحر الزخار" 15/ 213 (8623).، قال الهيثمي في "المجمع" 2/ 92: فيه أيوب بن عتبة ضُعف من قبل حفظه.

(ثنا خالد بن الحارث قال: ثنا حاتم بن أبي صغيرة) ضد كبيرة ثقة (¬1). (عن سماك بن حرب قال: سمعت النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسوي صفوفنا) بعد إقامة الصلاة؛ لأنه قال (إذا قمنا إلى الصلاة) لأن القيام إلى الصلاة لا يكون إلا بعد الإقامة؛ لأن المتقدم على الشيء متقدم على ما بعده (فإذا استوينا) أي: استوت صفوفنا (كبَّر) (¬2) للإحرام، فيه: أن التسوية بعد الإقامة، وأن الإمام لا يكبر حتى تستوي الصفوف، وهذا هو المشهور، وذهب بعض أصحابنا كما قال الروياني في "تلخيصه": إلى أنه يسوي الصفوف في (¬3) أواخر الإقامة، فإذا فرغ المؤذن كبر. قال: وهو خلاف النص، وظاهر هذا الحديث يخالفه. [666] (ثنا عيسى بن إبراهيم) بن مثرود (¬4) (الغافقي) بالغين المعجمة، وثقوه (¬5). (قال: ثنا ابن وهب ح) تحويل سند (وثنا قتيبة بن سعيد قال: ثنا الليث، وحديث) عبد الله (بن وهب أتم) من حديث الليث. (عن معاوية بن صالح) الحضرمي، قاضي الأندلس أخرج له مسلم ¬

_ (¬1) "الكاشف" للذهبي 1/ 191. (¬2) أخرجه أبو عوانة في "صحيحه" (1380)، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (671). (¬3) ساقطة من (ص). (¬4) في (ص): فيروز. وسقطت من (س، ل). (¬5) "تهذيب الكمال" 22/ 583.

(عن أبي الزاهرية) بالزاي وكسر الهاء والراء وتشديد ياء النسب، واسمه: حُدير -بضم الحاء وفتح الدال المهملتين (¬1) مصغر- ابن كريب الحميري، أخرج له مسلم في الصيد (¬2). (عن كثير بن مرة، عن عبد الله بن عمر، قال: قتيبة) في روايته: (عن أبي الزاهرية، عن أبي شجرة) بفتح الشين المعجمة والجيم وسيأتي اسمه، و (لم يذكر) عبد الله (بن عمر) في روايته هذِه (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: أقيموا الصفوف) أي: سووها فإن (¬3) إقامة الصف من حُسْن (¬4) الصلاة (¬5)، وقد تقدم (وحاذوا) بالحاء المهملة والذال المعجمة، أي: اجعلوا بعضها حذاء بعض (بين المناكب) (¬6) أي: بحيث يكون منكب كل واحد من المصلين موازيًا لمنكب الآخر، ومسامتًا له؛ فتكون المناكب والأعناق والأقدام على سمت واحد (وسدوا الخلل) بفتحتين: الفرجة بين الشيئين، أي: إذا كانت تسَع المصلي بلا مزاحمة مؤذية للمصلين مانعة من المجافاة المرفقين. (ولينوا) بكسر اللام وسكون المثناة تحت من لان الشيء يلين لينًا وليانًا فهو لين، ومنه الحديث: "خياركم ألينكم مناكب" (¬7)، فإن أفعل ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): المهملة. (¬2) برقم (1931/ 11، 1975/ 35). (¬3) في (م): كأن. (¬4) في (ص): جنس. (¬5) في (س): الصفوف. (¬6) زاد في (م): أي اجعلوا بعضها حذاء بعض. (¬7) أبو داود (672)، ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" (1566).

التفضيل لا يستعمل إلا من الثلاثي (بأيدي إخوانكم) ورواية أحمد: "لينوا في أيدي إخوانكم" (¬1) أي: إذا جاء المصلي ووضع يده على منكب المصلي فيلين له بطبعه، وكذا إذا أمره من يُسوي الصفوف بالإشارة بيده أن يستوي في الصف، أو وضع يده على منكبه (¬2) ليستوي فيستوي بطبعه كما أمره، وكذا لو أراد أحد أن يدخل في الصف فيوسع له بلين جانبه ليدخل ولا يمنعه. قال في "المفاتيح شرح المصابيح": وهذا أولى وأليق من معنى قول الخطابي أن معنى لين المنكب السكون والخشوع في الصلاة (¬3). والله أعلم. [(لم يقل عيسى: بأيدي إخوانكم] (¬4)، ولا تذروا) أي تتركوا، وأماتت (¬5) العرب ماضيه ومصدره فإذا أريد الماضي قيل: تَرَكَ، ولا يستعمل منه اسم الفاعل (فُرُجَاتٍ) بالتنوين بضم الفاء والراء، جمع فرْجة بسكون الراء، ويجمع على فُرَج كغرفة وغُرُفات، وكل [منفرج بين شيئين] (¬6) فرجة. ورواية أحمد: "وسدوا الخلل فإن الشيطان يدخل فيما بينكم" (¬7). (للشيطان) فيه: الحث على المنع من كل سبب يؤدي ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 2/ 97. (¬2) في (س): منكبيه. (¬3) "معالم السنن" 1/ 159. (¬4) سقط من (س، ل، م). (¬5) في (ص): وأماير. (¬6) في (م): مفرج بين الشيئين. (¬7) "مسند أحمد" 5/ 262.

إلى دخول الشيطان، وسد ذلك عنه، كما أمر عند التثاؤب بكظم يده على فيه لئلا يدخل الشيطان في فيِهِ (ومن وصل صفًّا وصله الله تعالى) برحمته. وروى الطبراني عن عائشة -رضي الله عنها- قال -صلى الله عليه وسلم-: "من سدَّ فرجة في صف رفعه الله بها درجة، وبنى له بيتًا في الجنة" (¬1). (ومن [قطع صفًا)] (¬2) بِأَن كان في صف فخرج منه أو جاء إلى صف وترك بينه وبين من في الصف فرجة بغير حاجة. (قطعه الله) فيه أن الجزاء من قبيل العمل. (وأبو شجرة) اسمه (كثير (¬3) بن مرة) (¬4) الحضرمي الرهاوي الحمصي، [روايته المتأخرة] (¬5) مرسلة وثقه ابن سعد (¬6) (¬7)، ¬

_ (¬1) "المعجم الأوسط" (5797) من طريق مسلم بن خالد الزنجي عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها به، ورواه ابن أبي شيبة 3/ 290 (3844) عن عروة مرسلا. وأخرجه ابن أبي شيبة (3844) من طريق وكيع عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن عروة مرسلًا. لكن أخرجه المحاملي في "أماليه" (221) بسندٍ رجاله ثقات عن وكيع بإسناده عن عائشة مرفوعًا. وصححه الألباني في "الصحيحة" (1892). (¬2) في (س، ل، م): قطعه. (¬3) في (ص): بشر. وفي (م): كثيرة. (¬4) أخرجه النسائي 2/ 93 مقتصرًا على الجملة الأخيرة، وكذا ابن خزيمة (1549)، وأخرجه أحمد 2/ 97 بنحوه. وصححه الحاكم 1/ 213 في "مستدركه" على شرط مسلم. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (672): إسناده صحيح. (¬5) في (ص، ل): رواية المتأخرة. (¬6) في (ص، س): أبو سعد. وفي (م): ابن سعيد. (¬7) "الطبقات الكبرى" 7/ 448.

والعجلي (¬1) قيل: إنه أدرك سبعين بدريًّا، قال أبو الزاهرية عنه قال: دخلت المسجد يوم الجمعة فمررت بعوف بن مالك الأشجعي، وهو باسط رجليه فضمهما ثم قال: يا كثير أتدري لما بسطت رجلي؟ بسطتهما (¬2) رجاء أن يجيء رجل صالح وإني أرجو أن تكون رجلًا صالحًا. قال أبو مسهر: بقي إلى خلافة عبد الملك بن مروان (¬3). [667] (ثنا مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا أبان، عن قتادة، عن أنس، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: رصوا) بضم الراء (صفوفكم) الرص الاجتماع والانضمام، ومنه قوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} (¬4) أي: متصل بعضه ببعض بحيث لا يكون بينهم فرجة يدخل الشيطان فيها. وفي رواية الطبراني، عن علي قال -صلى الله عليه وسلم-: "استووا وتماسوا" (¬5). قال سُرَيج: تماسوا يعني: ازدحموا في الصلاة. وقال غيره: تماسوا: تواصلوا (¬6) (وقاربوا بينها) المقاربة ضد المباعدة، فيه: فضيلة المقاربة بين الصفوف ليشاهد كل صف أفعال ما (¬7) أمامه في الانتقالات وغيرها، وليكونوا أقرب إلى الإمام، فإن القرب منه معتبر لسماع القراءة وغيرها. ¬

_ (¬1) "تاريخ الثقات" (1410). (¬2) في (م): بسطها. وفي (ل): بسطهما. (¬3) انظر: "سير أعلام النبلاء" 4/ 47. (¬4) الصف: 4. (¬5) من (م). (¬6) "المعجم الأوسط" (5121). (¬7) ليست في (س).

(وحاذوا بالأعناق) أي: تكون الأعناق محاذية، ومسامتة لبعض، ولا يتقدم بعضها على بعض (فو الذي نفسي بيده إني لأرى) هذِه اللام لام الابتداء، وفائدتها توكيد مضمون الجملة، ولهذا أخروها بعد إنَّ عن (¬1) صدر الكلام كراهية ابتداء الكلام بمؤكدين، وتخلص المضارع للحال، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر بهذا حال رؤيته كما يقتضيه سياق الكلام، كذا قاله الأكثرون، واعترض ابن مالك على هذا بقوله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (¬2)، ووجدت في بعض النسخ المعتمدة، فإني لا أرى، بزيادة ألف، وإن صح هذا فهو محمول على الزيادة كما قيل في قوله تعالى: {لَا أُقْسِمُ} أن التقدير لَأُقسِمُ. قال الزمخشري: لأقسم هي لام الابتداء دخلت (¬3) على مبتدأ محذوف تقديره: لأَنا أقسم (¬4). ولم يقدرها لام القسم؛ لأنها عنده ملازمة لنون التوكيد. ورواية أبي يعلى، عن ابن عباس، قال رسول الله-صلي الله عليه وسلم-: "تراصوا الصفوف فإني رأيت (الشيطان) تخللكم كأنها أولاد الحذف" (¬5). (يدخل من خلل) أي من فرج (الصف كأنها) أولاد (¬6) (الحذف) (¬7) ¬

_ (¬1) في (ص): عبر. (¬2) النحل: 124. (¬3) في (م): أدخلت. (¬4) "الكشاف عن حقائق التنزيل" 4/ 660. (¬5) "مسند أبي يعلى" (2657). (¬6) سقط من (ص). (¬7) أخرجه النسائي 2/ 92، وأحمد 3/ 260، وصححه ابن خزيمة (1545)، =

قال النووي بحاء مهملة وذال معجمة مفتوحتين، ثم فاء (¬1)، أي: واحدتها: حذفة (¬2) مثل: قصب وقصبة، وبمصغر الواحدة سُمِّي حذيفة، وهي غنم سود صغار تكون باليمن، والحجاز، والضمير في "كأنها" راجع إلى مقدار، أي: جعل نفسه شاة أو ماعزة كأنها أولاد (¬3) الحذف، وقيل: هي غنم صغار ليس لها [أذناب و] (¬4) لا آذان يُجَاء بها من جرش، سميت حَذَفًا، لأنها محذوفة عن مقدار الكبار، وتشبيهه -صلى الله عليه وسلم- بالغنم الصغار ليدل على أن النهي حاصل في الفرجة الصغيرة، فتدخل في الفرجة الكبيرة من باب الأولى، والتشبيه بالسواد في الغنم أقرب إلى صورة الشيطان. [668] (ثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك (الطيالسي، وسليمان بن حرب قالا: ثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس قال رسول الله-صلي الله عليه وسلم-: سووا صفوفكم" فيه الأمر بتسوية الصفوف الأول فالأول، وهو اعتدال القائمين للصلاة على سمت واحد، والأمر في تسويتها موافقة للملائكة كما تقدم (فإنَّ) هذا كالتعليل لما قبله (تسوية الصف) فيه رد على من يقول أن المفرد المحلى بالألف واللام لا يعم، ووجهه أنه ¬

_ = وابن حبان (2166) جميعًا من طريق قتادة عن أنس به. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (673). (¬1) "تهذيب الأسماء واللغات" 3/ 63، "رياض الصالحين" (ص 406). (¬2) من (م). (¬3) في (ص): أو. (¬4) من (م).

أضاف الصفوف بصيغة (¬1) الجمع فَعمَّت ثم أفرد؛ فلو لم يكن للعموم (¬2) لتناقض بالعموم في الأول والتخصيص في الثاني، فدل على أن المراد بالصف العموم أيضًا (من تمام الصلاة) (¬3) فيه، كما قال ابن دقيق العيد (¬4) وغيره: قرينة صارفةٌ الأمرَ (¬5) بالتسوية قبله، عن الوجوب إلى الندب خلافًا لمن يحمله على الوجوب كابن (¬6) حزم (¬7)؛ لأن تمام الشيء أمر زائد على حقيقة الوجوب. قال القاضي عياض: تمام الشيء وحسنه، وكماله بمعنى واحد؛ ولهذا جاء في رواية ابن حبان بلفظ: "من حسن الصلاة" (¬8) [مكان "تمام"] (¬9). [669] (ثنا قتيبة) بن سعيد (قال: ثنا حاتم بن إسماعيل) المدني أبو إسماعيل (عن مصعب بن (¬10) ثابت بن عبد الله بن الزبير) الأسدي، قال أبو حاتم: صدوق كثير الغلط (¬11). ¬

_ (¬1) في (ص، ل): لصفة. وفي (س): بصفة. (¬2) في (م): للمعهود. (¬3) أخرجه البخاري (723)، ومسلم (433/ 124)، وابن ماجه (993)، وأحمد 3/ 122 بنحوه، جميعًا من طريق قتادة عن أنس به. (¬4) "إحكام الأحكام" 1/ 26. (¬5) في (م): لأمره. (¬6) في (ص): كانت. (¬7) "المحلى" 4/ 55. (¬8) "صحيح ابن حبان" 5/ 551 (2177). (¬9) في (ص): مكان حمام. وفي (ل، م): حمام! والمثبت ملفق من (ص، س). (¬10) في (م): عن. (¬11) "الجرح والتعديل" 8/ 304، وزاد: ليس بالقوي.

(عن محمد بن مسلم بن السائب) بن خباب (¬1) المدني (صاحب المقصورة) ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2). (قال: صليت إلى جنب أنس بن مالك يومًا فقال: هل تدري لم) أصلها: لما، حُذفت ألف ما الاستفهامية (¬3). (صنع هذا العود) وأشار إلى عود كان في القبلة معد لتسوية الصفوف به مستويًا (فقلت: لا والله) فيه جواز الحلف من غير استحلاف (قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يضع يده عليه) حين يسوي الصفوف، فيأخذه فيشير (¬4) به كما سيأتي بعده (¬5) (فيقول: استووا وعدلوا) بالتشديد (صفوفكم) أي: سووها، يقال: عدلته تعديلًا فاعتدل أي سويته فاستوى، ومنه قسمة التعديل فيكون من الأفعال المترادفة، وإذا اختلف اللفظ جاز عطف أحدهما على الآخر، ويحتمل أن يكون اللفظان على حالين فإذا التفت إلى اليمين قال: استووا، وإذا التفت إلى اليسار قال: عدلوا صفوفكم. [670] (ثنا مسدد، قال: ثنا حميد بن الأسود) أبو الأسود الكرابيسي أخرج له البخاري. (قال: ثنا مصعب بن ثابت) بن عبد الله بن الزبير الأسدي. ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: حبان. والمثبت من المصادر. (¬2) "الثقات" 5/ 373. (¬3) جاءت هذه الجملة بعد موضعها بسطرين وشيء في (ص، س، ل) وسقطت من (م). (¬4) في (ص): فيسند. (¬5) هنا جاءت جملة: في أصلنا لما حذفت ألف ما الاستفهامية. وقد نبهنا إلى أن هذا ليس موضعها.

(عن محمد بن مسلم، عن أنس [بهذا الحديث] (¬1) قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا قام إلى الصلاة أخذه) أي العود يحتمل أن يكون هذا العود هو العرجون الذي كان يأخذه بيده، وتقدم في (¬2) باب المساجد أنه لما رأى النخامة في المسجد أقبل عليها فحتها بالعرجون، وسيأتي في باب: الرجل يعتمد في الصلاة على عصا، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما أسن وحمل اللحم اتخذ عمودًا في مصلاه يعتمد عليه (¬3)، ويحتمل أن العرجون الذي أشار به غير هذا (بيمينه) فيه: استحباب الأخذ باليمين، وكذا الإعطاء باليمين، وورد النهي عن الأخذ باليسار؛ فإن الشيطان يأخذ بشماله، ويعطي بشماله، أو كما قال (¬4). (ثم التفت) إلى الصف (فقال) (¬5) أي: مشيرًا به لمن عن يمينه (اعتدلوا سووا صفوفكم) فيه دليل على ما قاله أصحابنا وغيرهم (¬6) أنه يستحب للإمام أن يلتفت يمينًا فيقول: سووا صفوفكم رحمكم الله، أو أقيموا صفوفكم بارك الله فيكم، ونحو ذلك (ثم أخذه بيساره) يحتمل أنه يتناوله من الأرض باليمين ثم نقله إلى اليسار ليشير به إلى جهة اليسار (فقال) مشيرًا به (اعتدلوا سووا صفوفكم) فيه: أن الإمام إذا فرغ ¬

_ (¬1) و (¬2) سقط من (م). (¬3) سيأتي برقم (948). (¬4) روي من حديث أبي هريرة وغيره، فأما حديث أبي هريرة فأخرجه ابن ماجه (3266)، والطبراني في "الأوسط" (6775)، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1236). (¬5) زاد هنا في (س): قم مكان. (¬6) انظر: "الحاوي" 2/ 297، "المغني" 2/ 126.

من جهة اليمين، يلتفت إلى جهة الشمال فيقول أيضًا: أعتدلوا [سووا صفوفكم] (¬1) غفر الله لكم، ونحو ذلك. [671] (ثنا محمد بن سليمان الأنباري قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء) الخفاف العجلي أخرج له مسلم. (عن سعيد) بن أبي (¬2) عروبة (عن قتادة، عن أنس، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: أتموا)، ويجوز فك التشديد فيقال: أَتْمِموا بسكون التاء وكسر الميم الأولى (الصف المقدم) (¬3) يعني: الأول، قال الغزالي في "الإحياء": إن المنبر يقطع بعض الصفوف، وإنما الصف الأول المتصل الذي في فناء المنبر فهو الأول، وما عن طرفيه مقطوع، قال: وكان سفيان الثوري يقول: الصف الأول هو الخارج بين يدي المنبر، وهو مستحب؛ لأنه متصل؛ ولأن الجالس (¬4) فيه يقابل الخطيب ويسمع، قال: ولا يبعد أن يقال: الأقرب إلى القبلة هو الصف الأول (¬5)، وما قاله من تفسير الصف الأول مقالة مرجوحة (¬6). قال النووي في "شرح مسلم": الصف الأول الممدوح الذي وردت الأحاديث بفضله هو الصف الذي (¬7) يلي الإمام سواء جاء صاحبه مقدمًا ¬

_ (¬1) تكررت في (ص). (¬2) سقط من (م). (¬3) في (س): الأول. (¬4) في (س): الجالسين. (¬5) "إحياء علوم الدين" 1/ 183. (¬6) في (ص، ل، م): مرفوضة. والمثبت من (س). (¬7) من (س، م).

أو مؤخرًا، سواء تخلله مقصورة ونحوها هذا هو الصحيح الذي جزم به المحققون، وقالت طائفة من العلماء: الصف الأول هو المتصل من طرف المسجد إلى طرفه لا يقطعه مقصورة ونحوها، فإن تخلل الذي يلي الإمام فليس بأول، بل الأول ما لم يتخلله شيء، وهذا هو الذي ذكره الغزالي. وقيل: الصف الأول عبارة عن مجيء الإنسان إلى المسجد أولًا وإن صلى في صف آخِر (¬1)، قيل لبشر بن الحارث: نراك تبتكر وتصلي في آخر الصفوف، فقال: إنما يراد قرب القلوب لا قرب الأجساد، وأشار بذلك إلى أن ذلك أسلم لقلبه (¬2). قال سعيد بن عامر: صليتُ إلى جنب أبي الدرداء فجعل يتأخر في الصفوف حتى كنا في آخر الصفوف، فلما صلينا قلتُ له: أليس خير الصفوف أولها؟ قال: نعم. إن هذِه الأمة مرحومة (¬3) منظور إليها من بين الأمم، فإن الله تعالى إذا نظر إلى عبدٍ في صلاة غفر له ولمن وراءه من الناس، وإنما تأخرتُ رجاء أن يغفر لي بواحد منهم ينظرُ الله تعالى إليه (¬4). وذكر بعض الرواة أنه قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول ذلك، فمن تأخر ¬

_ (¬1) "شرح النووي" لصحيح مسلم 4/ 160، قال: وهذان القولان -يعني المتأخرين- غلط صريح، وإنما أذكره ومثله لأنبه على بطلانه لئلا يغتر به، والله أعلم. (¬2) انظر: "قوت القلوب" لأبي طالب المكي 1/ 125. (¬3) في (س): مرجوحة. (¬4) "إحياء علوم الدين" 1/ 183.

بهذِه النية إيثارًا لغيره فلا بأس، والأعمال بالنيات. قلت (¬1): قال العراقي في تخريج أحاديثه: هذا الحديث لم أجده (¬2). (ثم) أتموا الصف (الذي يليه) ثم الذي يليه، وهلم جرا. (فما كان من نقص) في صف (فليكن) النقص (في الصف المؤخر) (¬3) فهو أولى بالنقص. [672] (ثنا) محمد (بن بشار) بن عثمان العبدي. (قال: ثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل. (قال: ثنا جعفر بن يحيى بن ثوبان) أخرج له البخاري في "الأدب". (قال: أخبرني عمي عمارة بن ثوبان) وثق (¬4) لكن لم يرو عنه غير ابن أخيه جعفر بن يحيى (عن عطاء، عن ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: خياركم ألينكم مناكب (¬5) في الصلاة) (¬6). ¬

_ (¬1) في (م): لكن. (¬2) "المغني عن حمل الأسفار" [تخريج أحاديث إحياء علوم الدين] 1/ 136 (535). (¬3) أخرجه النسائي 2/ 93، وأحمد 3/ 132، وصححه ابن خزيمة (1546). وحسنه النووي في "المجموع" 4/ 227. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (675). (¬4) وثقه ابن حبان (4685). (¬5) في (ص): مناكبا. (¬6) أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" (1566) من هذا الطريق، قال: خيركم بدل خياركم، وكذا ابن حبان (1756)، والبيهقي 3/ 144 من طريق المصنف. وأخرجه البزار في "مسنده" (5195) وقال: وجعفر بن يحيى وعمه من أهل مكة مستورون. وله شواهد، منها حديث ابن عمر: رواه البزار (5922) قال: وهذا الحديث لا نعلم رواه عن نافع إلا ليث. وليث هو ابن أبي سليم. لكن أخرجه الطبراني في "الأوسط" من طريق أيوب السختياني عن نافع عن =

قال الخطابي (¬1): لين المنكب لزوم السكينة في الصلاة والطمأنينة فيها (¬2) وأن لا يحاكك بمنكبه منكب صاحبه، وفيه [وجوه أخر] (¬3) وهو أن لا يمتنع على من يريد الدخول بين الصفوف لسد الخلل أو لضيق المكان، بل يمكنه من ذلك، ويلين له (¬4) معطفه، ولا يدفعه (¬5) بمنكبه، وقد يراد المجموع، قيل: كانت الصحابة يتحاذون (¬6) بالمناكب ويتضامون بالكعاب. * * * ¬

_ = ابن عمر به (5291) لكن تفرد به عاصم بن هلال عن أيوب، وعاصم حدث عن أيوب بأحاديث مناكير كما قال أبو زرعة عنه. وضعفه الدارقطني وغيره. على أن ليث بن أبي سليم قد روى هذا الحديث، عن مجاهد عن ابن عمر، كما في "معجم الطبراني الأوسط" (5217)، ورواه أيضًا عن عبد الله بن الحسن عن أمه فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخرجه الخطيب 12/ 49. فليث بن أبي سليم له في هذا الحديث ثلاثة أسانيد، وليث ممن لا يحتمل هذا رحمه الله. والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود" بشواهده (676). (¬1) "معالم السنن" المطبوع مع "مختصر سنن أبي داود" 1/ 334. (¬2) في (ص): منها. (¬3) في (م): وجه آخر. (¬4) سقطت من (ص، س، ل). (¬5) في (م): يمكنه بدفعه. (¬6) في (ص): يحاذوه.

97 - باب الصفوف بين السواري

97 - باب الصُّفُوفِ بَينَ السَّوارِي 673 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشّارٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ يحيَى بْنِ هانِئٍ، عَنْ عَبْدِ الحمِيدِ بْنِ مَحْمُودٍ قال: صَلَّيْتُ مَعَ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ يوْمَ الجُمُعَةِ فَدُفِعْنا إِلَى السَّوارِي فَتَقَدَّمْنا وَتَأَخَّرْنا. فَقال أَنَسٌ: كُنّا نَتَّقِي هذا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- (¬1). * * * باب الصفوف بين السواري (¬2) [673] (ثنا محمد بن بشار قال: ثنا عبد الرحمن) (¬3) بن مهدي (قال: ثنا سفيان) الثوري، (عن يحيى بن هانئ بن عروة) المرادي الكوفي، من أشراف العرب وأهل الكوفة، قال ابن معين وأبو حاتم: ثقة (¬4). (عن عبد الحميد بن محمود) المعولي (¬5)، ثقة (¬6). (قال: صليت مع أنس بن مالك يوم الجمعة فدفعنا إلى) الصلاة بين (السواري)، بتخفيف الياء جمع سارية بتخفيف الياء أيضًا، والسارية: الأسطوانة، مثل جواري جمع جارية، (فتقدمنا) إلى الصف (وتأخرنا) إلى السواري أيضًا حين دفعنا (فقال أنس: كنا نتقي هذا على عهد ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (229)، والنسائي في "السنن الكبرى" 1/ 290 (895). وصححه الألباني (677). (¬2) في (ص): السراري. (¬3) سقط من (ص، س، ل). (¬4) "الكاشف" 2/ 152. (¬5) في (ص): المغربي. وفي بقية النسخ: المعوني. والمثبت من المصادر. (¬6) "الكاشف" 2/ 152.

رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) (¬1). رواية ابن حبان: عن عبد الحميد قال: صليت إلى جنب أنس بن مالك فقال: كنا نتقي الصلاة بين السواري على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وبوب عليه: باب الزجر عن أن يصطف بين السواري للجماعة (¬2). وصحح الحاكم من حديث [قرة بن إياس] (¬3): كنا ننهى عن الصلاة بين السواري (¬4) ونطرد عنها. (¬5) وقال [ابنُ مسعود] (¬6): لا تصلوا بين الأساطين وأتموا الصفوف. قال المحب الطبري: كره قوم الصف بين السواري (¬7) للنهي (¬8) الوارد عن ذلك، والحكمة فيه: إما لانقطاع الصف، أو لأنه موضع النعال. انتهى. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (229) بنحوه، والنسائي 2/ 94، وأحمد 3/ 131 به، وصححه ابن خزيمة (1568) بنحوه. وقال الترمذي: حديث أنس حديث حسن. وصححه الحاكم 1/ 218، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (677). (¬2) "صحيح ابن حبان" (2218). (¬3) في (م): أنس. وسقطت من (ص، س، ل)، والمثبت من "المستدرك". (¬4) في (ص): السراري. (¬5) "المستدرك" 1/ 218. ورواه ابن ماجه (1002)، وصححه ابن خزيمة 3/ 29 (1567)، وابن حبان 5/ 597 - 598 (2219)، والحاكم، والنووي في "الخلاصة" 2/ 720 - 721 (2524)، والألباني في "الصحيحة" (335). (¬6) ساقط من النسخ. والأثر رواه عبد الرزاق 2/ 60 (2488)، وابن الجعد (1964)، وابن أبي شيبة (7580)، بنحوه. (¬7) في (ص): السراري. (¬8) في (ص): بينهما. وفي (س): ينتهي.

قال القرطبي: روي (¬1) أن سبب [كراهة ذلك] (¬2) أنه مصلى الجن المؤمنين (¬3). واختلف السلف في الصلاة بين السواري (¬4): فكرهه أنس بن مالك، وقال: كنا نتقيه على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما تقدم، وروى ابن عمر فيه أثرًا (¬5) (¬6) وأجازه الحسن (¬7)، وابن سيرين، وكان سعيد بن جبير وإبراهيم التيمي، وسويد بن علقمة يَؤُمُّون قومهم بين الأساطين، وهو قول الكوفيين (¬8)، وقال مالك في "المدونة" (¬9): لا بأس بالصلاة بينهما (¬10) لضيق المسجد لاسيما يوم الجمعة، وقال ابن حبيب: ليس النهي عن تقطيع الصفوف إذا ضاق المسجد، وإنما نهي عنه إذا كان المسجد واسعًا وأمكن الاستغناء عما بينهما (¬11). * * * ¬

_ (¬1) سقطت من (ص، س، ل). (¬2) في (م): كراهية لذلك. (¬3) "المفهم" 2/ 108. (¬4) (ص): السراري. (¬5) هو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بين الساريتين اللتين في الكعبة وهو حديث صحيح أخرجه البخاري (397) وغيره. (¬6) في (ص، ل): أبدًا. (¬7) انظر هذه الآثار في "المصنف" لابن أبي شيبة 5/ 160، وما بعدها. (¬8) "المبسوط" للسرخسي 2/ 54. (¬9) "المدونة الكبرى" 1/ 195. (¬10) في (س، ل): بينها. (¬11) انظر: "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 2/ 134.

98 - باب من يستحب أن يلي الإمام في الصف وكراهية التأخر

98 - باب مَنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَلِيَ الإِمامَ فِي الصَّفِّ وكراهِيَةِ التأَخُّر 674 - حَدَّثَنا ابن كَثِيرٍ، أَخْبَرَني سُفْيان، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ عُمارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبي مَعْمَرٍ، عَنْ أَبي مَسْعُودٍ قال: قال رَسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الأَحْلامِ والنُّهَى ثُمَّ الذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الذِينَ يَلُونَهُمْ" (¬1). 675 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ زرَيْعٍ، حَدَّثَنا خالِدٌ، عَنْ أَبي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مِثْلَهُ. وَزادَ: "وَلا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوُبكُمْ، وَإِيّاكُمْ وَهَيْشاتِ الأَسْواقِ" (¬2). 676 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا مُعاوِيَة بْن هِشام، حَدَّثَنا سُفْيان، عَنْ أسامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عُثْمانَ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ قالتْ: قال رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى مَيامِنِ الصُّفُوفِ" (¬3). * * * باب من يستحب أن يلي الإمام في الصف وكراهية التأخر [674] (ثنا) محمد (بن كثير) العبدي البصري شيخ البخاري. (قال: أنا سفيان، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير) الكوفي، (عن أبي معمر) عبد الله بن سخبرة الأزدي الكوفي. (عن أبي مسعود) الأنصاري (قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ليليني ¬

_ (¬1) رواه مسلم (432/ 122). (¬2) رواه مسلم (433/ 123). (¬3) رواه ابن ماجه (1005)، وابن حبان في "صحيحه" (2160). وحسن إسناده الألباني (680).

منكم) (¬1) قال النووي: هو بكسر اللامين (¬2) وتخفيف النون من غير ياء قبل النون، ويجوز إثبات الياء مع تشديد النون على التوكيد (¬3)، واللام في أوله لام الأمر المكسورة، أي: ليقرب مني. (أولوا الأحلام) أي البالغون بالاحتلام، واحتلم إذا رأى في منامه وأنزل (والنّهى) بضم النون قال: {لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى} (¬4)، والنُّهى: العقول، جمع نُهية، بضم النون مثل مُدَى ومُدْية (¬5) سمي نُهْيَة؛ لأن صاحبه ينتهي إلى ما أمر به ولا يتجاوزه، وقيل: لأنه ينهى عن القبائح. قال أبو علي الفارسي: يجوز أن يكون النُّهى مصدرًا كالهدى، وأن يكون جمعًا كالظُّلَم (¬6)، وإنما خص -صلى الله عليه وسلم- هذا النوع بالتقديم؛ لأنه الذي يتأتى منهم التبليغ إلى غيرهم، وأن يستحلف منهم إذا احتاج إليه، وفي تنبه الإمام على سهو إن احتاج إليه لأمر يطرأ، ولأنهم أحق بالتقدم في الصف على من سواهم لفضيلة البلوغ والعقل. (ثم الذين يلونهم) أي: ثم الذين يقربون منهم في هذين الوصفين. (ثم الذين يلونهم) (¬7) أي: ثم يتقدم بعدهم من يقرب منهم فيقتدون ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (س): النون. (¬3) "شرح النووي على مسلم" 4/ 154. (¬4) طه: 54، 128. (¬5) في (م): يدية. (¬6) انظر: "التبيان في آداب حملة القرآن" ص 202. (¬7) أخرجه مسلم (432)، والنسائي 2/ 87، وابن ماجه (976)، وأحمد 4/ 122. زاد بعضهم: قال أبو مسعود: فأنتم اليوم أشد اختلافًا.

بي مستدلين على أفعالي بأفعالهم، ففيه اعتماد المأموم الصف (¬1) الذي أمامه في متابعة الإمام الذي لا يراه ولا يسمعه، وتمسك به الشعبي على ما قاله أن كل صف منهم إمام لمن وراءه، وعامة الفقهاء لا يقولون بهذا؛ لأن ذلك الكلام يحتمل أن يراد به الأقتداء بالمأمومين، وأن يراد به في نقل أقواله وأفعاله. [675] (ثنا مسدد، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا خالد) الحذاء، (عن أبي معشر) زياد (¬2) بن كليب (عن إبراهيم) النخعي، (عن علقمة) بن وقاص (¬3) (عن عبد الله) بن مسعود (¬4) (عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بمثله) بمثل الرواية المتقدمة، (وزاد) عليه: (ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم) لأن مخالفة الصفوف مخالفة الظواهر، واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن. (وإياكم وهيشات) (¬5) بفتح الهاء وإسكان الياء (¬6) المثناة تحت، وبالشين المعجمة وهي منصوب بكسر التاء، أي: اختلاطها (¬7) والمنازعة، والخصومات، وارتفاع الأصوات، والفتن التي فيها والهوشة الفتنة والاختلاط، يقال: هوش القوم، إذا اختلطوا، ومنه: ¬

_ (¬1) في (س): للوصف. (¬2) في (ص، س، ل): زيد. (¬3) كذا قال، وليس بسديد، وإنما علقمة هنا هو ابن قيس النخعي خال إبراهيم النخعي. ولا نعلم علقمة بن وقاص روى عن ابن مسعود ولا روى عنه إبراهيم النخعي. والله أعلم. (¬4) في (ص، س، ل): مغروز. (¬5) زاد في (م): الأسواق. (¬6) سقط من (ل، م). (¬7) في (ص): أخلاطها.

"من أصاب مالًا من نهاوش أذهبه الله في نهابر" (¬1)، قال أبو عبيد: هو كل مال أخذ من غير حله (¬2)، وهو [شبيه بما] (¬3) ذكرناه من الهوشات (الأسواق) (¬4) (¬5). [676] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: ثنا معاوية بن هشام، قال: ثنا سفيان، عن أسامة بن زيد) الليثي، أخرج له البخاري في "القراءة خلف الإمام"، ومسلم (عن عثمان بن عروة) بن الزبير (عن) أبيه (¬6) (عروة، عن عائشة -رضي الله عنه- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن الله تعالى) يصلي (وملائكته يصلون) فصلاة الله الرحمة وصلاة الملائكة الاستغفار (على ميامن الصفوف) (¬7). وروى الطبراني في "الأوسط"، و"الكبير" عن ابن عباس: "عليكم ¬

_ (¬1) رواه القضاعي في "مسنده" 1/ 271 - 272 (441 - 442)، والرامهرمزي في "أمثال الحديث" ص 162 من حديث أبي سلمة الحمصي. قال الزركشي في "التذكرة في الأحاديث المشهرة" ص 224: قال أبو الحسن السبكي: لم يصح، ولا هو وارد في كتاب. وقال الألباني في "الضعيفة" (41): لا يصح. (¬2) "غريب الحديث" لأبي عبيد 4/ 86. (¬3) في (ص): سببه بما. وفي (س): سببه مما. والمثبت من (ل). (¬4) أخرجه مسلم (432/ 123)، والترمذي (228)، والنسائي في "السنن الكبرى" 10/ 354، وابن خزيمة في "صحيحه" (1572) وليس عند مسلم قوله: "ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم"، وعند النسائي: وهوْشات. (¬5) سقط من (م). (¬6) زاد في (م): عن. (¬7) أخرجه ابن ماجه (1005)، وصححه ابن حبان (2160). وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (680): إسناده حسن، وهو على شرط مسلم =

بالصف الأول، وعليكم بالميمنة منه وإياكم والصف بين السواري" (¬1)، وفي "الأوسط"، عن أبي بردة الأسلمي قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن استطعت أن تكون خلف الإمام وإلا فعن يمينه" (¬2). والله تعالى أعلم. * * * ¬

_ = كما قال النووي، لكن أخطأ في متنه بعض رواته حيث قال: على ميامن الصفوف. والصواب فيه ما رواه الجماعة من الثقات بلفظ: على الذين يصلون الصفوف. وقال البيهقي إنه المحفوظ. وأخرجه ابن خزيمة على اللفظ الصحيح (1550)، وابن حبان (2163) والحاكم في "المستدرك" 1/ 214 وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. (¬1) "المعجم الكبير" (12004)، و"المعجم الأوسط" (3338) مرفوعًا، وضعفه الألباني في "السلسلة الضعيفة" (2895). (¬2) "المعجم الأوسط" (6078)، قال الهيثمي في "المجمع" 2/ 253: فيه من لم أجد له ذكرًا.

99 - باب مقام الصبيان من الصف

99 - باب مُقامِ الصِّبْيان مِنَ الصَّفِّ 677 - حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ شاذانَ، حَدَّثَنا عَيّاشٌ الرَّقّامُ، حَدَّثَنا عَبْدُ الأعلَى، حَدَّثَنا قُرَّةُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا بُدَيْلٌ، حَدَّثَنا شَهْرُ بْن حَوْشَبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْم قال: قال أَبُو مالِكٍ الأشعَرِيُّ: أَلا أُحَدِّثكُمْ بِصَلاةِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: فَأَقامَ الصَّلاةَ وَصَفَّ الرِّجال وَصَفَّ خَلْفَهم الغِلْمانَ ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ، فَذَكَرَ صَلاتَهُ ثُمَّ قال: هَكَذا صَلاةُ، قال عَبْدُ الأعلَى: لا أَحْسَبُهُ إِلا قال: "صَلاةُ أُمَّتِي" (¬1). * * * باب مقام الصبيان من الصف [677] (ثنا عيسى بن شاذان) بالشين والذال المعجمتين، البصري القطان الحافظ مات شابًا. (قال: ثنا عياش) بالمثناة تحت والشين المعجمة (ابن الوليد الرقام) بتشديد القاف، شيخ البخاري، والرقام (¬2) نسبة إلى رقم الثياب وهو وشيها ونقشها (قال: ثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى الشامي. قال: (قال: ثنا قرة بن خالد، قال: ثنا بُديل) بضم الموحدة مصغر، بن ميسرة العقيلي، أخرج له مسلم. (قال: ثنا شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم) بفتح الغين المعجمة وسكون النون، الأشعري الشامي، أدرك الجاهلية والإسلام، وأسلم على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم يره ولم يَفِد (¬3) عليه ولازم معاذ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 341، والطبراني 3/ 281 (3416). وضعفه الألباني (105). (¬2) في (ص): والرقام يشبه، وسقطت كلمة: "الرقام" من (م). (¬3) في جميع النسخ: يعبر، والمثبت مستفاد من "الاستيعاب" 2/ 850.

ابن جبل منذ بعثه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن إلى أن مات معاذ. وقال البخاري: له صحبة (¬1). والصحيح الأول، وكان أفقه أهل الشام، وهو الذي فقه عامة التابعين بالشام. (قال: قال أبو مالك الأشعري: ألا أحدثكم بصلاة (¬2) النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ قالوا: بلى. قال: فأقام الصلاة، وصف الرجال) خلفه (وصف خلفهم الغلمان) رواه أحمد من طريق عبد الرحمن بن غنم أيضًا، عن أبي مالك، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بزيادة، ولفظه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يسوي بين الأربع ركعات في القراءة والقيام، ويجعل الركعة الأولى من أطولهن لكي يثوِّب الناس، ويجعل الرجال قدام الغلمان، والغلمان خلفهم، والنساء خلف الغلمان (¬3). (فصلَّى (¬4) بهم، ثم ذكر صلاته) فيه دلالة على أنه إذا كثر (¬5) الرجال، والصبيان، والنساء، فيقدم الرجال، ثم الصبيان، ثم النساء. هكذا قال أصحابنا وأكثر (¬6) العلماء، وبالتعبير (¬7) بالغلمان كما في الحديث أولى من الصبيان، فإن الصبي يطلق على من لم يميز بخلاف الغلام، فإنه ¬

_ (¬1) "التاريخ الكبير" 5/ 247. (¬2) في (ص): بكلام. (¬3) "مسند أحمد" 5/ 344. (¬4) في (ص، س، ل): يصلى. (¬5) في (ص): كبروا. وفي (م): كبر. والمثبت من (ل). (¬6) في (م): أكثرهم. (¬7) في (ص، س، ل): وبالعبيد.

مشتق من غَلِمْتُ (¬1) بكسر اللام، كبعتُ (¬2) إذا اشتد شبقه للنكاح. هكذا إذا كان الغلمان عدد، فإن كان صبي واحد دخل مع الرجال، ولا ينفرد خلف الصف، قاله السبكي، وقيل عند اجتماع الرجال والصبيان يقف بين كل رجلين صبي ليتعلموا منهم الصلاة وأفعالها، والحديث حجة على هذا، قلت: ينبغي إذا كان الصبيان يكثر منهم اللعب إذا اجتمعوا صفًّا بانفرادهم، بأن يقع منهم الضحك، ودفع بعضهم لبعض في السجود، وغير ذلك مما شاهدناه في زماننا فيعمل بالأول (ثم قال هكذا صلاة) (¬3) هكذا الرواية يعني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فحذف المضاف للعلم به، وهو شاهد على ذلك ومنه قوله تعالى: {فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (¬4) فيمن لم يُنَوِّنْ، أي: فلا خوفَ شيءٍ عليهم، وسمع: سلام عليكم فالتقدير سلام الله عليكم، ويحتمل أن يكون من حذف (ال) والتقدير. هكذا الصلاة المشروعة كما قيل تقدير سلام عليكم بلا تنوين: السلام عليكم، والأول أظهر. (قال عبد الأعلى: لا أحسبه إلا قال: صلاة أمتي) (¬5) فيه التعليم بالفعل كما بالقول، والتعليم بهما أقوى وأبلغ، والله سبحانه أعلم. * * * ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): غلم. (¬2) كذا في جميع النسخ، ولعلها: كلَعِبْتُ. (¬3) في (ص): الصلاة. وسقطت من (س). (¬4) البقرة: 38. (¬5) ضعفه الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" (105) لضعف شهر بن حوشب، ولكونه لم يجد له شاهدًا ولا متابعًا، والله تعالى أعلم.

100 - باب صف النساء وكراهية التأخر عن الصف الأول

100 - باب صَفِّ النِّساءِ وَكَراهِيَةِ التَّأَخُّرِ عن الصَّفِّ الأَوَّل 678 - حَدَّثَنا محَمَّد بْن الصَّبّاحِ البَزّاز، حَدَّثَنا خالِدٍ وإسْماعِيل بْن زَكَرِيّا، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبى صالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هرَيْرَةَ قال: قال رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجالِ أَوَّلُها وَشَرُّها آخِرُها، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّساءِ آخِرُها وَشَرُّها أَوَّلُها" (¬1). 679 - حَدَّثَنا يحيَى بْن مَعِينٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، عَنْ عِكرِمَةَ بْنِ عَمّارٍ، عَنْ يحيَى بْنِ أَبى كَثِيرٍ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ عائِشَةَ قالتْ: قال رَسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لا يَزال قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ، عَنِ الصَّفِّ الأَوَّلِ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللهُ فِي النّارِ" (¬2). 680 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ وَمُحَمَّدُ بْن عَبْدِ اللهِ الخزاعِي قالا: حَدَّثَنا أَبُو الأشهَبِ، عَنْ أَبي نَضْرَةَ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- رَأَى فِي أَصْحابِهِ تَأَخُّرًا فَقال لَهُمْ: "تَقَدَّمُوا فائتمُّوا بِي وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ وَلا يَزال قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللهُ -عز وجل-" (¬3). * * * باب صف النساء وكراهة التأخر عن الصف الأول [678] (ثنا محمد بن الصباح البزاز) بزائين معجمتين، تقدم. (قال: ثنا خالد) بن عبد الله الواسطي مولى مزينة، اشترى نفسه من الله ثلاث مرات بزنة (¬4) نفسه فضة (وإسماعيل بن زكريا، عن سهيل بن أبي ¬

_ (¬1) رواه مسلم (440). (¬2) رواه ابن خزيمة 3/ 97 (1696)، وابن حبان (2156). وقال الألباني (682) حديث صحيح، دون قوله: "في النار". (¬3) رواه مسلم (438). (¬4) في (م): بوزن.

صالح) قال ابن عيينة: كنا نعده [ثبتًا في] (¬1) الحديث (¬2) (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان. (عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: خير صفوف الرجال) يعني: أكثرها أجرًا وثوابًا، وأقربها من مطلوب الشرع (أولها) هذا على عمومه، فخيرها الصف الأول، ثم الذي يليه، كما تقدم أبدًا، "وشرها آخرها" أبدًا، (و) أما قوله (خير صفوف النساء آخرها) فالمراد به اللواتي يصلين مع الرجال، وأما إذا صلين متميزات لا مع الرجال فهن كالرجال خير صفوفهن أولها، وشرها آخرها، ألا أنَّ ذلك ذم لآخرها] (¬3) (وشرها) أي؟ أقلها ثوابًا وفضلًا (أولها) وإنما كان الصف الأول من [صفوف النساء] (¬4) شرًّا من آخرها لما فيه من مقاربة أنفاس (¬5) الرجال للنساء؛ فقد يُخاف أن تشوش المرأة على الرجل برائحتها ونفسها أو تظهر زبنتها كما هو مشاهد الآن، وإذا كان هذا في الصلاة فغيرها (¬6) أولى ببعدهن عن الرجال. [679] (ثنا يحيى بن معين) بفتح الميم قال: (ثنا عبد الرزاق، عن عكرمة بن (¬7) عمار) العجلي اليمامي، أخرج له مسلم. ¬

_ (¬1) في (ص): ساقي. (¬2) انظر: "الكواكب النيرات" 1/ 245. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ص): الصفوف. وفي (ل): من صفوفهن. (¬5) في (س): الناس. (¬6) في (م): فغير. (¬7) في (س، م): عن.

(عن يحيى بن أبي (¬1) كثير، عن أبي سلمة) بن (¬2) عبد الرحمن بن عوف قيل: اسمه كنيته، وقيل: اسمه عبد الله، وهو الأصح عند أهل (¬3) النسب، قاله ابن عبد البر (¬4). وهو أحد فقهاء المدينة (عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله) تعالى، عن رحمته وعظيم فضله، وعن رتبة العلماء المأخوذ عنهم، أو عن رتبة السابقين (في النار) (¬5) قيل: إنَّ هذا في المنافقين، والظاهر أنه عامٌّ في المنافقين وغيرهم. [680] (ثنا موسى بن إسماعيل ومحمد بن عبد الله الخزاعي قالا: ثنا أبو الأشهب) جعفر بن حيان العطاردي من كبار قراء البصرة ذكر أبو عمرو أنه قرأ على أبي رجاء العطاردي (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك ¬

_ (¬1) سقط من (ص). (¬2) في (س، م): عن. (¬3) سقط من (م). (¬4) "التمهيد" 7/ 57. (¬5) أخرجه عبد الرزاق (2453)، وصححه ابن خزيمة (1559)، وابن حبان (2156) بنحوه. قال النووي في "خلاصة الأحكام" (2490): رواه أبو داود بإسنادٍ على شرط مسلم. إلا أن أحاديث عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير قد ضعفها المحققون فقال ابن معين: ليست بصحاح، انظر: "الجرح والتعديل" 1/ 236، 7/ 10. وقال أبو حاتم: في حديثه عن يحيى بن أبي كثير بعض الأغاليط. "الجرح والتعديل" 7/ 11. والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود" (682) دون قوله: "في النار" فإنه حكم بأنها زيادة منكرة. والحديث التالي عن أبي سعيد -رضي الله عنه- يقويه.

العبدي (¬1) أخرج له مسلم، والبخاري في "القراءة خلف الإمام" (عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى في أصحابه تأخرًا) عن الصف الأول (فقال لهم: تقدموا) إلى الصف الأول (فَأتمُّوا بي) واقتدوا بي في صلاتي (وليأْتْمَّ بكم من بعدكم) تمسك به الشعبي على (¬2) قوله أن كل صف منهم إمام لمن وراءه، وعامة الفقهاء لا يقولون بهذا؛ بل المراد به (¬3) أن تقديره أن من بعدكم يقتدون بي، مستدلين على أفعالي بأفعالكم، ففيه جواز اعتماد المأموم على متابعة الإمام الذي لا يراه ولا يسمعه على مبلغ عنه، أو صفَّ قدامه يراه متابعًا لإمامه (ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله تعالى) فيه ما تقدم، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) في (ص): المعبدي. (¬2) في (س): عن. (¬3) من (م).

101 - باب مقام الإمام من الصف

101 - باب مُقامِ الإِمامِ مِن الصَّفِّ 681 - حَدَّثَنا جَعْفَرُ بْن مُسافِرٍ، حَدَّثَنا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنْ يحيَى بْنِ بَشِيرِ بْنِ خَلَّادٍ، عَنْ أُمِّهِ أنَّها دَخَلَتْ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِي فَسَمِعَتْهُ يَقول: حَدَّثَنِي أَبو هُرَيْرَةَ قال: قال رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "وَسِّطُوا الإِمامَ وَسدُّوا الخَلَلَ" (¬1). * * * باب في مقام الإمام من الصف [681] (ثنا جعفر بن مسافر) التنيسي أبو صالح الهذلي، قال النسائي: صالح (¬2)، قال: (ثنا) محمد بن إسماعيل (ابن أبي فديك، عن يحيى بن بشير) بفتح الباء الموحدة، وكسر المعجمة (ابن خلاد) الأنصاري. (عن أمه) أمة الواحد بن يامين بفتح الياء المثناة تحت أوله، ولم يسمها في "السنن" (¬3)، وسماها إبراهيمُ بن المنذر (¬4). (أنها دخلت على محمد بن كعب) القرظي من حلفاء الأوس، وأبوه من سبي بني قريظة سكن الكوفة مدة، قال: لأنْ أقرأ في ليلتي حتى أصبح بإذا زلزلت والقارعة لا أزيد عليهما وأتردد فيهما وأتفكر، أحب إليَّ من ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في "الأوسط" 4/ 369 (4457)، والبيهقي 3/ 104. وضعف الألباني إسناده (106). (¬2) "مشيخة النسائي" (55). (¬3) في (س): النسب. (¬4) كما في رواية الطبراني في "المعجم" (4457) عن إبراهيم بن المنذر الحزامي عن يحيي بن خلاد عن أمِّه أمة الواحد بنت يامين بن عبد الرحمن بن يامين. انظر أيضًا "تهذيب الكمال" 35/ 129.

أن أهذ (¬1) القرآن ليلتي هذا وأنثره نثرًا (¬2). (فسمعته يقول: حدثني أبو هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: وسِّطوا) بتشديد السين المكسورة (الإمام) أي: اجعلوه وسط الصفوف؛ لينال كل واحد ممن على يمينه وشماله حظه من السماع والقرب وغيرهما، كما أن الكعبة وسط الأرض لينال كل جانب منها حظه من البركة، ولذلك جعل المحراب الذي يقف فيه في وسط (¬3) القبلة. ويحتمل أن يكون معنى: (وسطوا الإمام) من (¬4) قولهم: [فلان واسطة] (¬5) قومه، أي: خيارهم وأكثرهم حسبًا وعلمًا؛ لما روى الطبراني في "الكبير"، عن مرثد (¬6) بن أبي مرثد (¬7) الغنوي، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن سَرَّكم أن تقبل صلاتكم فليؤمكم علماؤكم؛ فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم" (¬8) لكن سياق الحديث إنما هو في الصف لا في الإمام، ويجوز أن يستدل به على أنَّ (¬9) إمامة النساء تقف وسطهُنَّ؛ لولا (¬10) أن الخطاب للذكور (¬11) لأن عائشة وأم سلمة أمَّتا نساء فقامتا وسطهن، رواه البيهقي والشافعي بإسنادين حسنين (¬12). وإنما قيل الإمام ¬

_ (¬1) في (ص): أهدر. (¬2) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" 3/ 214 - 215. (¬3) في (ص): وسطه. (¬4) في (م): أي. (¬5) في (ص): ولأن واسطة. وفي (م): فلان وسط. والمثبت من (س، ل). (¬6) و (¬7) في (ص، س): مزيد. (¬8) "المعجم الكبير" 20/ 328 (777)، ورواه الدارقطني 2/ 88 وقال: إسناد غير ثابت. (¬9) من (م). (¬10) تكررت في (م). (¬11) في (م): للمذكرين. (¬12) "السنن الكبرى" للبيهقي 3/ 131، وانظر كلام الشيخ الألباني عليه في "تمام المنة" =

ولم يُقَل الإمامةُ؛ لأن أئمة اللغة نقلوا أن الإمام هو من يؤتم به في الصلاة (¬1)، وأنه يطلق على الذكر والأنثى، حتى قال بعضهم: الهاء في الإمامة خطأ، والصواب حذفها؛ لأن الإمام اسم لا صفة. ويقرب من هذا ما (¬2) حكاه ابن السكيت، تقول العرب: أميرنا امرأة، وإنما ذكر لأنه يكون في الرجال أكثر مما يكون في النساء، فلما احتاجوا فيه للنساء أخذوه على الأكثر في موضعه (¬3)، وقوله تعالى {لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) نَذِيرًا لِلْبَشَرِ} (¬4)، فذكر نذيرًا، وهو لإحدى؛ لأن النذير يكثر في الرجال؛ بل لا يكون إلا فيهم، وعلى هذا فلا يمتنع أن يقال: امرأة إمامة بالهاء؛ لأن الإمام هنا صفة (¬5) لكن الأول أقرب؛ لأن الإمامة تقل في النساء، بل منعها بعضهم، قلت: وإنما ذكرت هذين الاحتمالين لأن ظاهر لفظ الحديث أن الإمام يكون وسط الصف فيما بينهم غير متقدم عليهم، فإن مساواة الإمام مكروهة كما ذكره النووي في "شرح المهذب" (¬6)، ولم أرَ من قال بأن المساواة أفضل. (وسدوا الخلل) قال المنذري: هو بفتح الخاء المعجمة واللام أيضًا، وهو ما يكون (¬7) بين الاثنين من الاتساع عند عدم التراص. * * * ¬

_ = (ص 153، 154). (¬1) سقط من (م). (¬2) في (س): كما. (¬3) انظر: "التوقيف على التعاريف" للمناوي ص 90. (¬4) المدثر: 35 - 36. (¬5) في (م): صيغة. (¬6) "المجموع" 4/ 292. (¬7) سقط من (م).

102 - باب الرجل يصلي وحده خلف الصف

102 - باب الرَّجلِ يُصَلِّي وَحْدَهُ خَلْفَ الصَّفِّ 682 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ وَحَفْصُ بْنُ عُمَرَ قالا: حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ هِلالِ بْنِ يِسافٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ راشِدٍ، عَنْ وابِصَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ. قال سُلَيمانُ بْنُ حَرْب: الصَّلاةَ (¬1). * * * باب الرجل يكون وحده يصلي خلف الصف [682] (ثنا سليمان بن حرب وحفص (¬2) بن عمر، قالا: ثنا شعبة، عن عمرو بن مرة) الجملي بفتح الجيم والميم، أحد الأعلام. (عن هلال بن يساف) بالتنوين، الأشجعي، أخرج له مسلم. (عن عمرو بن راشد) الأشجعي، وثق (¬3). (عن وابصة) بن معبد الأسدي، وفد على النبي -صلى الله عليه وسلم- في عشرة من بني أسد سنة تسع (¬4) فأسلموا وَرَدَّ إلى بلاده. قال أبو راشد: ما أتيته إلا وجدت المصحف بين يديه (¬5) (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلًا يصلي خلف الصف وحده) رواه ابن حبان من طريق زيد ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (230)، وابن ماجه (1004). وحسنه الترمذي وصححه الألباني (683). (¬2) في (م): جعفر. خطأ. وحفص هو ابن عمر الأزدي. (¬3) "الكاشف" (4154). (¬4) في (ص، ل): سبع. (¬5) رواه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" 5/ 2725، وأبو راشد هو الأزرق.

ابن أبي (¬1) أنيسة، عن عمرو بن مرة كما تقدم بلفظ: رأى رجلًا (¬2) يصلي وحده خلف الصفوف فأمره أن يعيد الصلاة، ثم قال بعده: باب ذكر العلة التي من أجلها أمر هذا المصلي بإعادة الصلاة. أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى (¬3)، ثنا زكريا بن يحيى بن حمويه، ثنا هشيم، عن حصين، عن هلال بن يساف، قال: أخذ بيدي زياد بن أبي الجعد، ونحن بالرقة، فأقامني على شيخ من بني أسد يقال له: وابصة بن معبد، قال: حدثني هذا الشيخ أن رجلًا صلى خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- وحده لم يتصل بأحد، فأمره أن يعيد الصلاة (¬4). قال أبو حاتم: سمع هذا الخبر [هلال بن يساف] (¬5)، عن عمرو بن [راشد عن] (¬6) وابصة، وسمعه [من] (¬7) زياد بن أبي الجعد عن وابصة. فالطريقان جميعًا محفوظان ومتنهما معًا صحيحان، ثم قال: باب ذكر خبر يدحض تأويل من حرف هذا الخبر عن وجهه وزعم أن هذا الرجل إنما أمر بإعادة الصلاة لشيء علمه النبي -صلى الله عليه وسلم- منه، لا من أجل أنه صلى وحده خلف الصف، أخبرنا أبو خليفة (¬8)، أنبأنا مسدد، ¬

_ (¬1) سقطت من جميع النسخ، والمثبت من "صحيح ابن حبان" 5/ 575 (2198). (¬2) من (م). (¬3) هو أبو يعلى الموصلي. (¬4) (2200). (¬5) في (ص): بلال بن يسار. (¬6) في (ص): واسل بن. وفي (م): أسد عن. (¬7) مستدركة من "صحيح ابن حبان" 5/ 577. (¬8) في (س): حذيفة.

أنبأنا ملازم بن عمرو، أنبأنا عبد الله بن بدر، عن عبد الرحمن بن علي بن شيبان (¬1)، عن أبيه، وكان أحد الوفد قال: قدمنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلينا خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما قضى الصلاة إذا رجل فرد، فوقف عليه نبي الله -صلى الله عليه وسلم- حتى قضى الرجل الصلاة، ثم قال له (¬2): "استقبل صلاتك فإنه لا صلاة لفرد خلف الصف" (¬3). قال أبو حاتم: في هذا الخبر (¬4) بيان واضح، أن المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أمر بإعادة صلاة (¬5) من صلى خلف الصف؛ لأنه صلى منفردًا لا أنه علم بإعلام الله إياه في ذلك الرجل ما يوجب عليه (¬6) إعادة الصلاة مثل ترك الطهارة وما أشبهها من الأحوال التي لا تجوز الصلاة معها؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- أبان العلة التي من أجلها أمر بإعادة الصلاة؛ حيث (¬7) قال: "استقبل صلاتك فإنه لا صلاة لفرد خلف الصف"، علمنا منه بأنه علم أن في أمته من يجيء فيتأول خبره تاويلًا هو بالتبديل أشبه. انتهى. وممن استدل به على أن صلاة المنفرد باطلة ابن المنذر (¬8) من أصحابنا وعليه أحمد (¬9) وإسحاق (¬10)، واستدلوا أيضًا بما رواه ابن ¬

_ (¬1) في (ص): يسار. وفي (م): يسأل. وفي (ل): يساف. (¬2) من (س، ل، م). (¬3) "صحيح ابن حبان" 5/ 575 - 580 (2198، 2200، 2202). (¬4) في (س): الحديث. (¬5) من (م). (¬6) من (ل). (¬7) في (س): حين. (¬8) "الأوسط" 4/ 184. (¬9) "مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج" (264). (¬10) السابق.

ماجه بإسناد حسن: "لا صلاة للذي خلف الصف" (¬1) وحمل هذين الحديثين [أصحابنا على الاستحباب جمعًا بين الأدلة. قال السبكي: وفيه نظر؛ لأن قوله في حديث أبي بكرة (¬2) يجوز أن يكون] (¬3) وقت مشروعية هذا الحكم فلا يلزم منه إعادة تلك الصلاة، أو أن ذلك مما تعذر فيه لعدم العلم، كما في حديث معاوية بن الحكم لما تكلم في الصلاة (¬4)، والذين قالوا: لا تصح صلاة المنفرد خلف الصف، قالوا: إنه يصح إحرامه فإن دخل في الصف قبل الركوع صحت قدوته وإلا بطلت صلاته، وهذا يصلح أن يكون جوابًا آخر. انتهى. قال ابن حبان (¬5): خبر أبي (¬6) بكرة يوهم عالمًا من الناس أن صلاة المصلي خلف الصف وحده جائزة لجواز (¬7) المصطفى صلاة أبي بكرة، وقد افتتحها وحده ثم لحق بالصف وليس (¬8) كذلك؛ لأن المصطفى -صلى الله عليه وسلم- قد يزجر عن الشيء بلفظ العموم، ثم يستثني بعض ذلك العموم فيبيحه بشرط معلوم، ويبقى الباقي منه مزجورًا عنه، كنهيه -صلى الله عليه وسلم- عن المزابنة (¬9) ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (1003). (¬2) أنه انتهى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "زادك الله حرصًا ولا تعد". رواه البخاري (873). (¬3) ما بين المعقوفين ساقط من (م). (¬4) رواه مسلم (537) وسيأتي برقم (930). (¬5) انظر: "صحيح ابن حبان 5/ 570 بنحوه. (¬6) في (ص، س): أبو. (¬7) زاد في (ص، س، ل): صلاة. (¬8) من (م). (¬9) المزابنة: هي بيع الرطب أو العنب على النخل أو الكرمة بتمرٍ مقطوع أو زبيب مثل =

بلفظ العموم [ثم استثنى بعض ذلك وهو بيع العرايا (¬1) فأباحه بشرط معلوم وبقي باقي المزابنة منهيًّا عنه وكذلك زجر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن صلاة المرء خلف الصف وحده بلفظ العموم] (¬2)، ثم استثنى بعض ذلك العموم، وهو مقدار دخول المرء في الصلاة قبل أن يلحق بالصف، وبقي الباقي على حاله (¬3) مزجورًا عنه لا ينكر هذا إلا من قل عمله بالسنن وألفاظها والنواهي وأنواعها، ثم حُرِمَ التوفيق بالجمع بينهما إذا تضادت (¬4) في الظاهر. (فأمره أن يعيد قال سليمان بن حرب: يعني الصلاة) يجوز أن يكون قوله (قال: سليمان بن حرب) جملة معترضة بين الفعل ومفعوله [وهذِه الجملة] (¬5) جيء بها للتفسير والبيان، كما يجاء بها للتحسين (¬6) والإجمال، ومن اعتراضها بين الفعل والمفعول قول الشاعر: وبُدِّلت والدهر ذو تبَدُّلِ ... هيفا دبورًا بالصبا والشمألِ * * * ¬

_ = كيله خرصًا أي: تقديرًا بالتخمين. وفي الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن المزابنة والمحاقلة. أخرجه البخاري (2171)، ومسلم (1542) من حديث ابن عمر. (¬1) العرايا: هي أن يوهب للإنسان من النخل ما ليس فيه خمسة أوسق فيبيعها بخرصها من التمر لمن يأكلها رطبا. وقد أباحه أكثر أهل العلم لترخيص النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه. انظر: "المغني" 4/ 196. وسيأتي الكلام على المزابنة والعرايا في موضعه إن شاء الله تعالى. (¬2) ما بين المعقوفين من (م). (¬3) في (م): حالته. (¬4) في (م): تمادت. (¬5) في (س): وهي جملة. (¬6) في (ص): للتجنيس.

103 - باب الرجل يركع دون الصف

103 - باب الرَّجُل يَرْكع دُون الصّفِّ 683 - حَدَّثَنا حُمَيْدُ بْنُ مَسعَدَةَ، أَنَّ يَزِيدَ بْنَ زرَيْعٍ حَدَّثَهمْ، حَدَّثَنا سَعِيد بْنُ أَبي عَرُوبَةَ، عَنْ زِيادٍ الأعلَمِ، حَدَّثَنا الْحَسَنُ، أَنَّ أَبا بَكْرَةَ حَدَّثَ أَنَّهُ دَخَلَ المَسْجِدَ وَنَبِيّ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- راكِعٌ قال: فَرَكَعْتُ دُونَ الصَّفِّ، فَقال النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "زادَكَ اللهُ حِرْصًا وَلا تَعُدْ" (¬1). 684 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، أَخْبَرَنا زِيادٌ الأعلَمُ، عَنِ الحَسَنِ أَنَّ أَبا بَكْرَةَ جاءَ وَرَسُولُ اللهِ راكِعٌ فَرَكَعَ دُونَ الصَّفِّ ثُمَّ مَشَى إِلَى الصَّفِّ فَلَمّا قَضَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- صَلاتَهُ قال: "أَيُّكُمُ الذِي رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ ثُمَّ مَشَى إِلَى الصَّفِّ؟ ". فَقال أَبو بَكْرَةَ أَنا. فَقال النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "زادَكَ اللهُ حِرْصًا وَلا تَعُدْ" (¬2). قال أَبُو داوُدَ: زِيادٌ الأعلَمُ: زِيادُ بْنُ فُلانِ بْنِ قُرَّةَ وَهُوَ ابن خالةِ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ. * * * باب الرجل يركع دون الصف [683] (ثنا حميد بن مسعدة) بن مبارك السَّامي (¬3) أو الباهلي، روى له مسلم والأربعة (أن يزيد بن زريع حدثهم) قال: (ثنا سعيد بن أبي ¬

_ (¬1) رواه البخاري (783). (¬2) رواه أحمد 5/ 45، والطحاوي 1/ 395 (2306)، والبيهقي 3/ 105 - 106. وصححه الألباني (685). (¬3) السامي بالسين المهملة نسبة إلى بني سامة بن لؤي وهم جماعة منهم: عبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي شيخ أحمد، ومحمد بن عبد الرحمن السامي شيخ ابن حبان، وغيرهم. انظر: "تبصير المنتبه" لابن حجر 2/ 802.

عروبة، عن زياد) بن حسان بن (¬1) قرة (الأعلم) الباهلي، قال ابن حنبل: ثقة ثقة (¬2) (¬3). قال: (ثنا الحسن، أن أبا بكرة) نُفَيعًا (¬4) (حدَّث (¬5): أنه دخل المسجد والنبي -صلى الله عليه وسلم- راكع، قال: فركعت دون الصف) اختلف العلماء فيمن ركع دون الصف فروي عن زيد بن ثابت، وابن مسعود أنهما فعلا (¬6) ومشيا إلى الصف ركوعًا، وفعله عروة، وسعيد بن جبير (¬7)، وأبو سلمة، وعطاء، وقال: مالك (¬8)، والليث (¬9): لا بأس به إذا كان قريبًا قدر ما يلحق (¬10) به. وحد القرب فيما حكاه القاضي إسماعيل، عن مالك، أن يصل إلى الصف قبل سجود الإمام. وفي "العتبية" (¬11) ثلاثة صفوف (¬12). وفي "الأوسط" للطبراني من حديث ابن (¬13) جريج، عن عطاء، أن ابن الزبير قال على المنبر: إذا دخل أحدكم المسجد، والناس ركوع، فليركع حين (¬14) يدخل ثم ¬

_ (¬1) زاد في (م): مهران اليشكري. وموضعها عند قوله: أبي عروبة وهذا اسمه. (¬2) "العلل ومعرفة الرجال" برواية عبد الله (3462). (¬3) سقطت: (ثقة) الثانية من (ص، س، ل). (¬4) من (م). (¬5) في (ص، س): حدثه. (¬6) في (م): فعلاه. (¬7) انظر هذه الآثار في "مصنف ابن أبي شيبة" (2637 - 2642). (¬8) "الاستذكار" 6/ 246. (¬9) "الاستذكار" 6/ 246. (¬10) في (ص): تخلف. وفي (س، ل): يحلق. (¬11) في (ص): الهشة. (¬12) انظر: "الذخيرة" للقرافي 2/ 273. (¬13) من (م). (¬14) في (ص، م): حتى.

يدب (¬1) راكعًا حتى يدخل في الصف، فإن ذلك السنة. قال عطاء: فقد رأيته يصنع ذلك (¬2). وفي "مصنف عبد الرزاق" بسند صحيح (¬3)، عن زيد بن وهب قال: خرجت مع عبد الله [من دَارِه] (¬4) فلما توسطنا المسجد ركع الإمام فكبر عبد الله، ثم ركع وركعت معه، ثم مشينا إلى الصف الأخير حتى رفع القوم رؤوسهم، فلما قضى الإمام الصلاة قمت لأصلي فأخذ بيدي عبد الله فأجلسني، وقال: إنك قد أدركت. وبسند صحيح أن أبا لبابة فعل ذلك، وزيد بن ثابت، وسعيد بن جبير، وعروة، وعطاء كما سلف، وقال أبو حنيفة والثوري: يكره ذلك للواحد ولا يكره للجماعة (¬5). ذكره الطحاوي قال: وأجاز أبو حنيفة (¬6)، ومالك (¬7)، والشافعي (¬8)، والليث صلاة المنفرد وحده دون الصف، وقال مالك (¬9): لا يجذب إليه رجلًا. وقال الأوزاعي، وأحمد، وإسحاق (¬10): إن ركع دون الصف بطلت صلاته محتجين بقوله: "ولا تَعُد". ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "المعجم الأوسط" (7016). (¬3) هذا الذي نقله المصنف إنما هو لفظ ابن أبي شيبة (2637)، ورواه عبد الرزاق بنحوه (3381). (¬4) في جميع النسخ: بن والمثبت من المصادر. (¬5) "الاستذكار" 6/ 246. (¬6) "المبسوط" 1/ 350. (¬7) "المدونة" 1/ 194. (¬8) "الحاوي الكبير" 2/ 340. (¬9) "المدونة" 1/ 194. (¬10) في "مسائل الإمام أحمد وإسحاق" برواية الكوسج (260): قال أحمد: إذا كان وحده وظن أنه يدرك فعَل وإن كان مع غيره فيركع حيثما أدركه الركوع. قال إسحاق: لا يركع أبدًا إذا كان وحده.

(فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: زادك الله حرصًا) فيه الدعاء لمن فعل فعلًا أراد به فعل الخير ولم يصب في فعله تحريضًا وحثًّا على أفعال الخير، وفيه جواز الاجتهاد بحضرته -صلى الله عليه وسلم- فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقره على ما فعله باجتهاد ولم يصب فيه (ولا تعُد) بفتح التاء وضم العين. اختلف (¬1) العلماء في معناه، فقيل: معناه: لا تعد أن تركع دون الصف حتى تقوم في الصف (¬2). حكاه ابن التين (¬3) عن الشافعي، ويؤيده ما رواه ابن أبي شيبة عن أبي هريرة بإسناد صحيح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أتى أحدكم إلى الصف فلا يركع دون الصف، ولا تُكبِّر حتى تأخُذَ مقامك (¬4) من الصف" (¬5) وقال ابن حبان: لا تعد في إبطاء المجيء إلى الصلاة (¬6)، وقال المهلب بن أبي صفرة: معناه لا تعد إلى دخولك في الصف تمشي وأنت راكع فإنها كمشية البهائم. قال ابن القطان: وهذا هو المراد فإن في "مصنف حماد بن سلمة" عن الأعلم، عن الحسن، عن أبي بكرة، أنه دخل المسجد، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي، وقد ركع فركع ثم دخل الصف وهو راكع فلما انصرف النبي ¬

_ (¬1) في (ص): اخلف. (¬2) انظر: "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 2/ 401. (¬3) في (ص): أنس. (¬4) في (ص): مقامه. (¬5) أخرجه ابن أبي شيبة موقوفًا على أبي هريرة (2651) قال: "لا تكبر حتى تأخذ مقامك من الصف". وأما مرفوعًا فقد رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 396 من طريق المقدَّمي، وهو يدلس تدليس السكوت وهذا النوع من التدليس سيء جدًّا، وانظر تعليق الألباني في "الضعيفة" (977). (¬6) "صحيح ابن حبان" 5/ 570 - 571.

- صلى الله عليه وسلم - قال: "أيكم دخل الصف، وهو راكع؟ "، فقال له أبو بكرة: أنا. فقال: زادك الله حرصًا ولا تعُد. قال ابن القطان: فبيَّن بهذِه الزيادة أن الذي أنكر عليه الشارع إنما هو أَن دَبَّ راكعًا (¬1). قال الطحاوي: ولا يختلفون فيمن صلى وراء الإمام في صف فخلى موضع رجل أمامه، أنه ينبغي أن يمشي إليه (¬2)، وقيل: معناه: لا تعد إلى إتيان الصلاة مسرعًا (¬3) بل تأتي وعليك السكينة والوقار، واحتج له بما رواه ابن السكن في "صحيحه" بلفظ: أقيمت الصلاة فانطلقت أسعى حتى دخلت في الصف فلما قضى الصلاة، قال: "من (¬4) المصلي آنفًا؟ " قال أبو بكرة: فقلت: أنا. فقال: "زادك الله حرصًا ولا تعُد" (¬5). [684] (ثنا موسى بن إسماعيل) قال: (ثنا حماد) قال: (أنا زياد) بن حسان (الأعلم، عن الحسن، أن أبا بكرة جاء ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - راكع) قوله (ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - راكع) جملة اسمية في موضع نصب على الحال، كقوله تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} (¬6) فجملة: {اسْتَمَعُوهُ} حال من مفعول: {يَأْتِيهِمْ} أو من فاعله، وأما {وَهُمْ يَلْعَبُونَ} فحال من فاعل: {اسْتَمَعُوهُ}، و {لَاهِيَةً} أيضًا حال ¬

_ (¬1) "بيان الوهم والإيهام" 5/ 610. (¬2) "شرح معاني الآثار" 1/ 397. (¬3) كلمة غير مقروءة في (م). (¬4) في (م): أين. (¬5) انظر: "التلخيص الحبير" 1/ 285. (¬6) الأنبياء: 2.

من فاعل {يَلْعَبُونَ} (فركع دون (¬1) الصف ثم مشى) بفتح الشين (إلى الصف) أي: دب (¬2) دبيبًا كمشية البهائم. (فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاته قال: أيكم الذي ركع دون الصف، ثم مشى إلى الصف؟ ) رواية حماد بن سلمة المتقدمة: فلما انصرف النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أيكم دخل الصف وهو راكع؟ " (فقال أبو بكرة: أنا) فيه أنه لا كراهة في قول الإنسان: أنا (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: زادك الله حرصًا) [على أفعال الخير] (¬3) (ولا تعُد) قال السبكي: الظاهر أن معناه ولا تعُد إلى الإحرام خارج الصف (¬4). وإذا قلنا: إن الإحرام في آخر المسجد والانتقال في أثناء الصلاة إلى القرب من الإمام أو إلى الصف منهي عنه، فيؤخذ منه ما قاله أصحابنا أن الإمام إذا أحَسَّ في الركوع بمن دخل المسجد، وهو قريب فيستحب له أن ينتظره حتى يصل إلى الصف، ولا يحوجه أن يحرم آخر المسجد ويمشي إلى الصف؛ فإنه مكروه، كما تقدم على الأصح، أما إذا لم يكن دخل المسجد، فلا ينتظره، قولًا واحدًا (¬5). * * * ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): إلى. (¬2) في (م): يدب. (¬3) سقط من (م). (¬4) في جميع النسخ: الصلاة. والمثبت من "فتاوى السبكي" 1/ 140. (¬5) انظر: "الحاوي الكبير" 2/ 320 - 321.

104 - باب ما يستر المصلي

104 - باب ما يَسْتُرُ المُصَلِّي 685 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن كَثِيرٍ العَبْدِيُّ، حَدَّثَنا إِسْرائِيلُ، عَنْ سِماكٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ قال: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا جَعَلْتَ بَيْنَ يَدَيْكَ مِثْلَ مُؤَخَّرَةِ الرَّحْلِ فَلا يَضُرُّكَ مَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْكَ" (¬1). 686 - حَدَّثَنا الْحَسَنُ بْن عَلِيٍّ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، عَنْ عَطاءٍ قال: آخِرَة الرَّحْلِ ذِراعٌ فَما فَوْقَهُ (¬2). 687 - حَدَّثَنا الْحَسَنُ بْن عَلِيٍّ، حَدَّثَنا ابن نُمَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إِذا خَرَجَ يَوْمَ العِيدِ أَمَرَ بِالحرْبَةِ فَتُوضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيُصَلِّي إِلَيْها والنّاسُ وَراءَهُ، وَكانَ يَفْعَل ذَلِكَ فِي السَّفَرِ، فَمِنْ ثَمَّ اتَّخَذَها الأُمَراءُ (¬3). 688 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْن عُمَرَ، حَدَّثَنا شعْبَةُ، عنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى بِهِمْ بِالبَطْحاءِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ والعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ يَمُرُّ خَلْفَ العَنَزَةِ المرْأَةُ والِحمارُ (¬4). * * * باب ما يستر المصلي [685] (ثنا محمد بن كثير (¬5) العبدي) قال: (أنا إسرائيل، عن سماك) ابن حرب. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (499). (¬2) "مصنف عبد الرزاق" 2/ 9 (2272)، ورواه ابن خزيمة (807)، والبيهقي 2/ 269. قال الألباني (687): رجاله ثقات رجال الشيخين. (¬3) رواه البخاري (494)، ومسلم (501). (¬4) رواه البخاري (495)، ومسلم (503). (¬5) في (ص): عنبر.

(عن موسى بن طلحة، عن أبيه طلحة بن عبيد الله) بن عثمان القرشي أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يدي أبي بكر، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد الستة أصحاب الشورى. (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا جعلت بين يديك) شيئًا مرتفعًا (مثل مُؤْخِرة) بضم الميم ثم همزة ساكنة، وأما الخاء فجزم أبو عبيد بكسرها، وجوز الفتح، وأنكر ابن قتيبة الفتح، وعكس ذلك ابن (¬1) مكي، فقال: لا يقال مقدم ومؤخر بالكسر إلا في العير خاصة، وأما في غير العير فيقال بالفتح فقط (¬2). ورواه بعضهم بفتح الهمزة وتشديد الخاء، والمراد به العود الذي [يستند إليه الراكب في آخر (الرحل)] (¬3) من كور البعير إذا ركب الجمل، وفيه دليل على أن السُّنة للمصلي أن يكون بين يديه سترة من جدار أو سارية أو غيرهما، ويكون ارتفاعه قدر ثلثي ذراع فصاعدًا وهو قدر عظم الذراع، وقدر مؤخرة الرحل على المشهور، وقيل: قدر ذراع، كما حُكِي عن عطاء، ويؤيده ما رواه عبد الرزاق، عن نافع: أن مؤخرة رحل ابن عمر كانت قدر ذراع (¬4). وبه قال عطاء (¬5)، ¬

_ (¬1) زاد هنا في (س): أبي. (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض 1/ 21. (¬3) في (س، م): في آخر الرحل الذي يستند إليه الراكب. (¬4) مصنف عبد الرزاق" (2273). (¬5) "مصنف عبد الرزاق" (2272).

والثوري (¬1) وهي (¬2) أشهر الروايتين عن أحمد (¬3)، وفي الحديث دلالة على أن قدر السترة على سبيل التقريب لا التحديد؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدرها بمؤخرة الرحل، ومؤخرة الرحل تختلف في الطول والقصر، فتارة تكون ثلثي ذراع، وما بين الثلثين والذراع [يجزئ، وكذا] (¬4) ما زاد، ولا حد في غلظ السترة ورقتها؛ لرواية الأثرم: "استتروا في الصلاة ولو بسهم" (¬5). (فلا يضرك من مر بين يديك) رواية مسلم وغيره: "لا يضره من مر وراء ذلك" (¬6)، ورواية الترمذي: "من مر من وراء ذلك" (¬7). [686] (ثنا الحسن بن علي) قال: (ثنا عبد الرزاق، عن ابن جريج (¬8)، عن عطاء قال: آخرة الرحل) بمد الهمزة لغة في مؤخرته (ذراع فما فوقه) هذا مذهب عطاء وابن عمر، كما تقدم، والمشهور أنها ثلثا ذراع، كما تقدم. ¬

_ (¬1) "مصنف عبد الرزاق" (2272). (¬2) في (م): هو. (¬3) "مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج" (154). (¬4) في (م): تحرك وهما. (¬5) أخرجه أحمد 3/ 404، وصححه ابن خزيمة (310)، والحاكم في "المستدرك" 1/ 252 من حديث سبرة بن معبد الجهني - رضي الله عنه -. وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2783)، وكان قد ضعفه قديمًا فانتبه. وانظر تعليقه هناك. (¬6) "صحيح مسلم" (499/ 241). (¬7) "سنن الترمذي" (235). (¬8) في (ص، س، ل): جرير.

[687] (ثنا الحسن بن علي) قال: (ثنا) عبد الله (بن نمير، عن عبيد الله) بالتصغير (عن نافع، عن [ابن عمر] (¬1) - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خرج يوم العيد) رواية البخاري: في العيدين من طريق الأوزاعي، عن نافع: كان يغدو إلى المصلى والعنزة تحمل وتنصب بين يديه (¬2). (أمر بالحربة) أي: خادمه يحمل الحربة، والحربة كالرمح لكن أصغر منه [في قدر نصفه] (¬3) (فتوضع بين يديه) عند الصلاة فيه أنه يستحب لمن صلى في صحراء [ليس فيها جدار ولا سارية ونحوها أن يغرز بين يدي المصلي حربةً أو عصا ونحوها مما يستر المصلي] (¬4) ويستحب أن يكون ارتفاع ذلك ثلثي ذراع فصاعدًا كما تقدم، ويستحب أن تجعل على يمينه أو يساره، ولا يصمد إليها أي: لا يجعلها تلقاء وجهه، كما سيأتي. (فيصلي إليها، والناس) بالرفع عطفًا على فاعل (فيصلي) المستتر (وراءه) أي يصلون وراءه. (وكان يفعل ذلك في السفر) أي: يأمر أن تنصب الحربة بين يديه حيث لا يكون جدار ولا سارية، ونحو ذلك (فمن ثم) بفتح المثلثة والميم، وهي يسَارُ بها إلى المكان البعيد، والتقدير: فمن تلك الجهة (اتخذها الأمراء) فصارت الحربة يخرج بها بين أيديهم في العيد، ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "صحيح البخاري" (973). (¬3) سقط من (م). (¬4) من (م).

ونحوه، وزاد ابن خزيمة وابن ماجه، والإسماعيلي وذلك أن المصلى كان فضاء ليس فيه شيء (¬1). وقوله: فمن ثم اتخذها الأمراء فصل هذِه الجملة عليُّ بن مسهر من حديث ابن عمر فجعلها من كلام نافع كما أخرجه ابن ماجه فيكون مدرجًا (¬2). وفي الحديث من الفوائد: الاحتياط للصلاة بوضع ما يمنع المرور، وإن لم يكن مارٌّ كما سيأتي، وفيه (¬3) حديث أخذ المسافر ونحوه، أخذ آلة دفع الأعداء، لكن في السفر أهم، وفيه جواز الاستخدام في السفر والإقامة لحاجة وغيرها (¬4). [688] (ثنا حفص بن عمر) قال: (ثنا شعبة، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه) أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي (¬5) بضم السين المهملة، والمد؛ (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم بالبطحاء) أي: ببطحاء الوادي (¬6) بمكة وهو المحصَّب وهو معروف على باب مكة، والأبطح كل مكان متسع (وبين يديه عنزة) بفتح النون، وهي عصا نحو نصف رمح في أسفلها زُج بضم الزاي وهو الحديدة التي تكون (¬7) في أسفل ¬

_ (¬1) في (ص): مبنى. "صحيح ابن خزيمة" 2/ 344 (1435)، "سنن ابن ماجه" (1304). (¬2) "سنن ابن ماجه" (1305). (¬3) بعدها في (م): حديث. (¬4) في (س): ونحوها. (¬5) في (ص، س، ل): السواء. (¬6) من (س، ل، م). (¬7) سقط من (م).

الرمح (الظهر ركعتين، والعصر ركعتين) قصرًا. واختلفوا في القصر هل هو عزيمة أو رخصة؟ عند الشافعي رخصة (¬1)، وعند أبي حنيفة - رضي الله عنهما - عزيمة (¬2). (يمر خلف العنزة المرأة) ذكرت المرأة من الآدميين؛ لأن الصلاة إذا صحت مع مرور المرأة، فمع مرور الرجل أولى، وذكر (الحمار) من جنس الدواب؛ لأنها إذا صحت مع مرور الحمار، والكلب كما هو في رواية الصحيحين أعني اللَّذَين هما أرذل الدواب، فمع غيرهما من الفرس والشاة وغيرهما أولى بالصحة، والله سبحانه وتعالى أعلم. * * * ¬

_ (¬1) "الأم" 1/ 313، 320. (¬2) "المبسوط" 1/ 407.

105 - باب الخط إذا لم يجد عصا

105 - باب الخَطِّ إِذا لَمْ يجِدْ عَصًا 689 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا بِشْرُ بْنُ المفَضَّلِ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بْن أُمَيَّةَ، حَدَّثَنِي أَبُو عَمْرِو بْن محَمَّدِ بْنِ حُرَيْثٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَدَّهُ حُرَيْثًا يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذا صَلَّى أَحَدُكمْ فَلْيَجْعَلْ تِلْقاءَ وَجْهِهِ شَيْئًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَنْصِبْ عَصًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصًا فَلْيَخْطُطْ خَطًّا ثُمَّ لا يَضُرُّهُ ما مَرَّ أَمامَهُ" (¬1). 610 - حَدَّثَنا محَمَّد بْن يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا عَلِيٌّ -يَعْنِي: ابن المدِينِيِّ- عَنْ سُفْيانَ، عَنْ إِسْماعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ جَدِّهِ حُرَيْثٍ - رَجُلٍ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ -، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِي القاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - قال فَذَكَرَ حَدِيثَ الخطِّ. قال سُفْيانُ: لَمْ نَجِدْ شَيْئًا نَشُدُّ بِهِ هذا الحَدِيثَ وَلَمْ يَجِئْ إِلَّا مِنْ هذا الوَجْهِ. قال: قُلْتُ لِسُفْيانَ: إِنَّهُمْ يَخْتَلِفُون فِيهِ. فَتَفَكَّرَ ساعَةً ثُمَّ قال: ما أَحْفَظُ إِلَّا أَبا محَمَّدِ بْنَ عَمْرٍو. قال سُفْيانُ: قَدِمَ ها هُنا رَجُلٌ بَعْدَ ما ماتَ إِسْماعِيل بْنُ أُمَيَّةَ فَطَلَبَ هذا الشَّيْخَ أَبا محَمَّدٍ حَتَّى وَجَدَهُ فَسَأَلهُ عَنْهُ فَخَلَطَ عَلَيْهِ (¬2). قال أَبُو داوُدَ: وَسَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ سُئِلَ عَنْ وَصْفِ الخطِّ غَيْرَ مَرَّةٍ فَقال: هَكَذا عَرْضًا مِثْلَ الهِلالِ. قال أَبُو داوُدَ: وَسَمِعْتُ مُسَدَّدًا قال: قال ابن داوُدَ: الخطُّ بِالطُّولِ. قال أَبُو داوُدَ: وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَصَفَ الخَطَّ غَيْرَ مَرَّةٍ فَقال هَكَذا - يَعْنِي: - بِالعَرْضِ حَوْرًا دَوْرًا مِثْلَ الهِلالِ يَعْنِي: مُنْعَطِفًا. ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (943)، وأحمد 2/ 249، وابن خزيمة 2/ 13 (811)، وابن حبان 6/ 125 (2361). وضعفه الألباني (107). (¬2) انظر السابق، وقد ضعفه الألباني أيضًا (108).

691 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنا سُفْيان بْنُ عُيَيْنَةَ قال: رأيْتُ شَرِيكًا صَلَّى بِنا فِي جَنازَةٍ العَصْرَ فَوَضَعَ قَلَنْسُوَتَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ يَعْنِي: فِي فَرِيضَةٍ حَضَرَتْ (¬1). * * * باب الخط إذا لم يجد عصا [689] (ثنا مسدد) قال: (ثنا بشر بن المفضل) قال: (ثنا إسماعيل بن أمية) بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي المكي. قال: (حدثني أبو عمرو بن محمد، بن (¬2) حريث) العذري، والصواب: [أبو محمد بن عمرو] (¬3) كما سيأتي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4) (أنه سمع جده حريثًا) (¬5) بن سليم (¬6). (يحدث عن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئًا) رحلًا أو متاعًا أو هِدْفَةً (¬7) أو غيرها بحيث تكون ثلثي ذراع كما تقدم (فإن لم يجد) شيئًا (فليَنصِب) بفتح الياء ¬

_ (¬1) صححه الألباني (690). (¬2) قبلها في (ص، س، ل). (¬3) في الأصول الخطية: أبو عمرو بن محمد. وقصد المصنف ما أثبتناه، وهو خلاف في اسمه، نُقِل في "تهذيب الكمال"، والكتب التي صنفت عليه. انظر: "تهذيب الكمال" 34/ 259، و"تهذيب التهذيب" 12/ 200. (¬4) "الثقات" 7/ 655. (¬5) في (ص): حريب. (¬6) ويقال: حريث بن سليمان. ويقال: ابن عمار. انظر: "تهذيب الكمال" 5/ 565. (¬7) يعني: قطعة. انظر: "لسان العرب": هدف.

وكسر الصاد أي: يرفع أو يقيم (عصًا) مغروزة في الأرض، ومذهبنا أنه لا فرق بين أن تكون العصا غليظة أو رفيعة (¬1)؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "استتروا في صلاتكم ولو بسهم" (¬2)، وقوله: "يجزئ من السترة قدر مُؤخرَة الرحل ولو بدقة شعرة" رواهما الحاكم، وقال الأول على شرط مسلم، والثاني على شرطهما (¬3). (فإن لم يكن معه عصا) هكذا لفظ ابن حبان (¬4)، ولفظ ابن ماجه: "فإن لم يجد" (¬5). (فليخطط) بضم الطاء الأولى، رواية ابن ماجه، وابن حبان كلاهما فليخط (خطًّا) كما (¬6) سيأتي كيفيته (ثم (¬7) لا يضره ما مر أمامه) (¬8) لفظ ابن ماجه: "ما مر بين ¬

_ (¬1) في (س، م): رقيقة. (¬2) تقدم. وأخرجه الحاكم 1/ 252. (¬3) "المستدرك" 1/ 252. وقال: على شرطهما ولم يخرجاه مفسرًا بذكر دقة الشعر. والحديث ليس على شرط أحدهما فضلًا عن أن يكون على شرطهما فإن الذي رواه عن ثور هو محمد بن القاسم الأسدي، وهو متروك وكذبه بعضهم. قاله ابن طاهر المقدسي في "ذخيرة الحفاظ" (6491). (¬4) "صحيح ابن حبان" (2376). (¬5) "سنن ابن ماجه" (943). (¬6) سقط من (س، ل، م). (¬7) سقط من (ص). (¬8) أخرجه ابن ماجه (943)، وأحمد 2/ 249، وابن خزيمة (812) وغيرهم. وهناك اضطراب شديد في إسناد هذا الحديث؛ فبعضهم قال: عن أبي محمد بن عمرو بن حريث، وبعضهم قال: عن أبي عمرو بن محمد بن حريث، وبعضهم قال: عن جده، وبعضهم قال: عن أبيه. وهذا الحديث قد ذكره ابن الصلاح في "مقدمته" ص 94 - 95 مثالًا على الحديث المضطرب. =

يديه" (¬1)، ولفظ ابن حبان: "من (¬2) مر أمامه". وروى هذا الحديث الشافعي في القديم، وأحمد، والبيهقي (¬3)، وصححه أحمد وابن المديني فيما نقله ابن عبد البر في "الاستذكار" (¬4)، وابن المنذر أطلق القول بأنه صح (¬5). ورواه المزني في "المبسوط" عن الشافعي بسنده، وهو من الجديد ولا اختصاص له بالقديم (¬6). [690] (ثنا محمد بن يحيى بن فارس، ثنا علي - يعني: ابن المديني - عن سفيان) بن عيينة. (عن إسماعيل بن أمية، عن أبي محمد بن عمرو بن حريث عن جده حريث) بن سليم (رجل من بني عذرة) بإسكان الذال المعجمة. (عن أبي هريرة، عن أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم - قال: فذكر حديث الخط) المتقدم. قال أبو داود (¬7) (قال سفيان) بن عيينة (لم نجد) بفتح النون (شيئًا) من الأسانيد القوية (نشد به) سند (هذا الحديث) المقدم (ولم يجئ إلا من هذا ¬

_ = وقد ذكر الدارقطني الاختلاف فيه في "العلل" (2010). وضعفه الدارقطني والنووي وغيرهم. وضعفه الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" (107/ 108). (¬1) "سنن ابن ماجه" (943). (¬2) في (ص، س، ل): ما. (¬3) "السنن الكبرى" 2/ 270. (¬4) "الاستذكار" 2/ 281. (¬5) في "الأوسط" 5/ 77 - 78. (¬6) لم أقف عيه. (¬7) في جميع الأصول: ابن ماجه. والصواب ما أثبتناه، ولعله سبق قلم.

الوجه) المذكور (قال) محمد بن يحيى (¬1) (قلت لسفيان: إنهم يختلفون فيه. فتفكر) أي: ردد معنى ما قاله له في فكره وتدبره ليتذكر (ساعة، ثم قال: ما أحفظ) اسمه (إلا أبا محمد بن عمرو) وهكذا ذكره ابن حبان (¬2)، والحافظ الذهبي (¬3). وذكره ابن عبد البر، وابن ماجه في "سننه" (¬4): عن [أبي عمرو بن محمد بن حريث] (¬5). قال الطحاوي: أبو عمرو وجده مجهولان (¬6) (قال سفيان: قدم هاهنا رجل (¬7) بعدما مات إسماعيل بن أمية فطلب هذا الشيخ أبا محمد) بن عمرو (حتى وجده فسأله (¬8) عنه فخلط عليه) في كلامه، وفي كلام سفيان هذا إشارة إلى ضعف هذا الحديث. وكذلك الشافعي في "البويطي" حيث قال: ولا يخط المصلي بين ¬

_ (¬1) كذا قال المصنف: محمد بن يحيى، والقائل إنما هو علي بن المديني الراوي عن سفيان هذا الحديث. ويؤيده ما أخرجه البيهقي في "الكبرى" 2/ 271 بسنده قال: سمعت عثمان بن سعيد الدارمي يقول: سمعت عليًّا - يعني ابن المديني - يقول: قال سفيان. فذكره. (¬2) "صحيح ابن حبان" (2376). (¬3) "الكاشف" (6814). (¬4) "سنن ابن ماجه" (943)، و"التمهيد" 4/ 199. (¬5) في (م): ابن عمر محمد بن عمرو بن حريث. وتصحفت حريث في (ص) إلى: حريب. (¬6) "مختصر اختلاف العلماء" للطحاوي 1/ 69. (¬7) من (م). (¬8) في (س): يسأله.

يديه خطًّا إلا أن يكون في ذلك حديث ثابت. وكذا قال في "سنن حرملة"، فعلق الحكم في الخط على ثبوت الحديث وصحته (¬1). وعلى كل حال فعلى القول بضعفه فلا بأس بالخط، فإن هذا من فضائل الأعمال يعمل فيها بالضعيف. قال ابن عبد البر (¬2)، والليث، وأبو حنيفة (¬3)، ومالك (¬4) كلهم يقول: الخط ليس بشيء. وهو قول إبراهيم النخعي (¬5). (قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل) و (سئل عن وصف الخط) الذي يصلى إليه (غير مرة، فقال: هكذا) يكون (عرضا مثل الهلال) اختلف القائلون بالخط في كيفيته فاختار الإمام أحمد أن يكون مقوسًا كالمحراب، ويصلي إليه كما يصلي في المحراب (¬6). (وسمعت مسددًا قال: قال) شيخه عبد الله (بن داود) [الخريبي، والخريبة] (¬7) محلة بالبصرة، وهو أحد رجال البخاري الثقات الأعلام كان (¬8) يقول: يود للرجل أن يكره ولده على طلب الحديث، وقال: ليس الدين بالكلام إنما الدين بالآثار (¬9). ¬

_ (¬1) "المجموع" 3/ 246. (¬2) "التمهيد" 4/ 198. (¬3) "المبسوط" 1/ 349. (¬4) "المدونة" 1/ 202. (¬5) انظر: "التمهيد" 4/ 198. (¬6) "مسائل الإمام أحمد" رواية أبي داود ص 66 - 67. (¬7) في (ص): الحريثي، والحريثة. (¬8) في (س): قال كان. (¬9) أخرجه الخطيب في "شرف أصحاب الحديث" (130).

(الخط بالطول) أي يكون مستقيمًا بين (¬1) يديه إلى القبلة، قال النووي: المختار في كيفيته ما قاله الشيخ أبو إسحاق: أنه إلى القبلة؛ لقوله في الحديث: "تلقاء وجهه"، واختار في "التهذيب" أن يكون من المشرق إلى المغرب كالجنازة، وفائدة الخط: تحصيل حريم (¬2) المصلي كالشاخص بين يديه (¬3). قال الإمام: استقر أن الخط لا يكفي إذ الغرض الإعلام، وهو لا يحصل بالخط (¬4). وقاس أصحابنا الشافعية على الخط فجعلوا في معناه لو بسط (¬5) مُصلًّى يصلي عليه كسجادة، وحصير، ومنديل ونحو ذلك، وفي "الروضة" تبعا للرافعي أن الخط والمصلَّى في مرتبة واحدة، وأن شرط الاعتداد (¬6) بهما عدم الشاخص (¬7). وخالف النووي في "التحقيق" فشرط في الخط عدم المصلى، قال: فإن عجز عن سترة بسط مُصلى؛ فإن عجز خط خطًا على المذهب، وذكر مثله في "شرح مسلم" (¬8). ¬

_ (¬1) في (م): من بين. (¬2) في (ص): تحريم. (¬3) انظر: "المجموع" 3/ 248، و"روضة الطالبين" 1/ 295. (¬4) "نهاية المطلب" 2/ 226. (¬5) في (س): سقط. (¬6) "الروضة" 1/ 295 - 296. (¬7) في (ص): الاعتدال. (¬8) "شرح النووي على مسلم" 4/ 217، و"أسنى المطالب" 1/ 184.

وزاد نقلًا عن الأصحاب فإن لم يجد عصا ونحوها (¬1) جمع أحجارًا أو ترابًا، وإلا فليبسط مُصلَّى، وإلا فليتخذ (¬2) خطًّا. [691] (ثنا عبد الله بن محمد الزهري، ثنا سفيان بن عيينه قال: رأيت شريكًا صلى بنا في جنازةٍ العصر فوضع قلنسوته) بفتح القاف واللام (¬3)، وسكون النون، وضم السين، وزنها فَعَنْلُوَة، وهي الطاقية المعروفة، وقد تكون باذان (¬4) (بين يديه) فيه أنه لا يشترط في السترة أن تكون ذراعًا بل يكفي ثلثي ذراع (يعني في) صلاة، ولهذا اتخذها الصوفية [طويلة مرتفعة] (¬5) ليصلوا إليها إذا لم يجدوا سترة يصلون إليها، فيضعون بين أيديهم، ويصلون إليها (فريضة حضرت) (¬6) سواء كانت من المكتوبات الخمس أو جنازة، وفي معنى الفريضة المسنونات والنوافل، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) في (س): ونحوهما. (¬2) في (م): فليخط. (¬3) في (م): العين. (¬4) قلنسوة باذان: نوع من أنواع القلانس ذو طول. (¬5) في (م): مرتفعة وسيعة. (¬6) وممن روي عنه أنه صلى إلى قلنسوته؛ عمر - رضي الله عنه - أخرجه عبد الرزاق (2302)، عن رجل ثقة قال: أخبرني إبراهيم بن أبي عبلة قال: أخبرني من رأى عمر بن الخطاب. فذكره. لكن إسناده كما ترى، لا يعرف شيخ عبد الرزاق، ولا شيخ إبراهيم ابن أبي عبلة.

106 - باب الصلاة إلى الراحلة

106 - باب الصَّلاة إِلَى الرّاحِلَةِ 692 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَوَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ وابْنُ أَبِي خَلَفٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ قال عُثْمانُ: حَدَّثَنا أَبُو خالِدٍ، حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُصَلِّي إِلَى بَعِيرِهِ (¬1). * * * باب الصلاة إلى الراحلة [692] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، ووهب بن بقية و) محمد بن أحمد (ابن أبي خلف) محمد السلمي، إمام مسجد أبي معمر، أخرج له مسلم. (وعبد الله بن سعيد، قال عثمان: ثنا أبو خالد) الأحمر قال: (ثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي إلى بعيره) فيه دليل على جواز الستر بما يستقر على الأرض من الحيوان. ولا يعارضه النهي عن الصلاة في معاطن الإبل؛ لأن المعاطن مواضع إقامتها عند الماء، فيحمل صلاته في السفر إلى البعير على حالة الضرورة، ونظيره صلاته إلى السرير الذي عليه المرأة؛ لكون البيت كان ضيقًا، [وعلى هذا فقول] (¬2) الشافعي في البويطي: لا يستتر بامرأة ولا دابة (¬3) أي: في حال الاختيار (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (430)، ومسلم (502). (¬2) في (ص، س، م): وعلي يقول. وفي (ل): وعنى بقول. والمثبت من "فتح الباري". (¬3) "المجموع" 3/ 248. (¬4) انظر: "فتح الباري" 1/ 581.

وروى عبد الرزاق، عن ابن عيينة، عن عبد الله بن دينار، أن ابن عمر كان يكره أن يصلي إلى بعير إلا وعليه رحله (¬1)، وكأن الحكمة في ذلك أنها في حال شدِّ الرحل عليها أقرب إلى السكون من حال تجريدها ولعلها كانت معقولة، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) لم أقف عليه عند عبد الرزاق، وأخرجه ابن أبي شيبة (3889) عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال: كان ابن عمر يصلي إلى البعير إذا كان عليه رحل.

107 - باب إذا صلى إلى سارية أو نحوها، أين يجعلها منه؟

107 - باب إِذا صَلَّى إِلَى سارِيَةٍ أَوْ نَحْوِها، أَيْنَ يَجْعلُها مِنْهُ؟ 693 - حَدَّثَنا مَحْمُودُ بْنُ خالِدٍ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنا عَلِيُّ بْنُ عَيّاشٍ، حَدَّثَنا أَبُو عُبَيْدَةَ الوَلِيدُ بْنُ كامِلٍ، عَنِ المهَلَّبِ بْنِ حُجْرٍ البَهْرانيِّ، عَنْ ضُباعَةَ بِنْتِ الِمقْدادِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيها قال: ما رَأَيْتُ رَسُوِلَ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي إِلَى عُودٍ وَلا عَمُودٍ وَلا شَجَرَةٍ إِلَّا جَعَلَهُ عَلَى حاجِبِهِ الأَيْمَنِ أَوِ الأَيْسَرِ وَلا يَصْمُدُ لَهُ صَمْدًا (¬1). * * * باب إذا صلى إلى سارية أو نحوها، أين يجعلها منه؟ [693] (ثنا محمود (¬2) بن خالد الدمشقي) بفتح الميم، وثقه أبو حاتم والنسائي (¬3)، قال: (ثنا علي بن عياش) بالمثناة تحت والشين المعجمة، الألهاني البكاء، روى عنه البخاري، قال يحيى بن أكثم: أدخلته على المأمون فتبسم ثم بكى، فقال: أدخلت عليَّ مجنونًا؟ . قلت: هذا خير أهل الشام وأعلمهم بالحديث، ما خلا أبا (¬4) المغيرة (¬5). قال: (ثنا أبو عبيدة الوليد بن كامل) البجلي الشامي، قواه ابن حبان (¬6) ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 4، والطبراني 20/ (610)، والبيهقي 2/ 271. وضعفه الألباني (109). (¬2) في (م): محمد بن محمود. (¬3) "الجرح والتعديل" 8/ 292، و"مشيخة النسائي" (151). (¬4) في (س): أنبأنا. (¬5) انظر: "سير أعلام النبلاء" 10/ 339. (¬6) "الثقات" لابن حبان (7/ 554)، وقال: يروي المراسيل والمقاطيع.

(عن المهلب (¬1) بن حُجر) بضم المهملة وإسكان الجيم (البهراني) بفتح الباء الموحدة، وثق (¬2). (عن ضُباعة) بضم الضاد المعجمة (بنت المقداد بن الأسود) ويقال: ضبعة بنت المقدام بن معدي كرب، فقال بقية: ضبعة بنت المقدام. وقال علي بن عياش (¬3): ضباعة بنت المقداد. كما ذكره المصنف (عن أبيها) المقداد بن الأسود. (قال: ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي إلى عود) واحد العيدان (ولا عمود) واحد العَمَد (¬4) (ولا شجرة) أي: ولا غيرها مما هو شاخص على قدر ثلثي ذراع فصاعدًا (إلا جعله على حاجبه الأيمن أو الأيسر)، ولعل الأيمن أولى ولهذا بدأ به في الحديث، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحب التيمن، وقد استدل به على أن المصلي إذا صلى إلى سترة أو عصا أو خطًّا ونحوه، فيستحب له أن تكون السترة على يمينه أو شماله. (ولا يصمد) بفتح أوله وضم ثالثه (له صمدًا) [بسكون الميم] (¬5) أي لا يجعله قصده الذي يصلي إليه تلقاء وجهه، والصمد في اللغة القصد، قال الله تعالى: {اللَّهُ الصَّمَدُ} الذي {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3)} (¬6). ¬

_ (¬1) في (ص، س): المهلب بن معاذ. وهو خطأ. وابن معاذ هذا إنما هو الوليد بن كامل الراوي قبله. (¬2) "الكاشف" 3/ 180. (¬3) في (س): عباس. (¬4) في (م): العمدة. (¬5) من (س، ل، م). (¬6) الإخلاص: 2 - 3.

قال البيهقي: قال أبو سليمان الأشقر فيما أخبرت عنه: الصمد الذي يصمد إليه في الأمور ويقصد في الحوائج والنوازل. قال: وأصل الصمد القصد، يقال للرجل: اصمد صمد فلان. أي: أقصد قصده، قال: واحتج بما يشهد له من الاشتقاق (¬1). قال: وقال الحليمي: معنى الصمد المقصود بالحوائج المصمود بها، قال: وقد يقال ذلك على أنه المستحق بأن يقصد بها، قال: ثم لا يبطل هذا الاستحقاق، ولا تزول هذِه الصفة بذهاب من يذهب عن الحق ويضل السبيل؛ لأنه إذا كان هو الخالق المدبر لما خلق، وهي بالحقيقة لا قاضي لها غيره جهل من جهل، وحمق والجهل بالله تعالى حدُّه (¬2) جهلٌ وكفر انتهى (¬3). وقد استدل ابن الرفعة بهذا الحديث واستأنس به على أن الخط الذي يصلَّى إليه يكون إلى القبلة، قال: ووجه التمسك به على المدعي أنه لم يجعل السترة قصده، وجعل الخط بين يديه يكون قصده، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) "الأسماء والصفات" للبيهقي 1/ 160. (¬2) من (م). (¬3) "الأسماء والصفات" للبيهقي 1/ 155.

108 - باب الصلاة إلى المتحدثين والنيام

108 - باب الصَّلاةِ إِلَى المُتَحَدِّثِينَ والنِّيامِ 694 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ القَعْنَبِيُّ، حَدَّثَنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيْمَنَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحاقَ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ قال: قُلْتُ لَهُ -يَعْنِي: لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْن عَبّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تُصَلُّوا خَلْفَ النّائِمِ وَلا المُتَحَدِّثِ" (¬1). * * * باب الصلاة إلى المتحدثين والنيام (¬2) [694] (ثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (ثنا عبد الملك بن محمد بن أيمن، عن عبد الله بن يعقوب بن إسحاق) المدني، قال ابن القطان (¬3): عبد الله بن يعقوب بن إسحاق لا يعرف أصلًا وكذلك عبد الملك بن محمد بن أيمن (¬4). (عن من حدثه، عن محمد بن كعب القرظي) من بني قريظة (قال: قلت له - يعني: لعمر بن عبد العزيز -: حدثني عبد الله بن عباس) لفظ ابن ماجه: عن محمد بن كعب، عن ابن عباس. ولم يذكر ابن عبد العزيز. (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تصلوا) لفظ ابن ماجه: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصلى (¬5) (خلف النائم ولا المتحدث) (¬6) بكسر الدال. ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (959). وضعفه الألباني (691). (¬2) في (ص، س، ل): والنائم. (¬3) في (ص): العطار. (¬4) انظر: "ذيل ميزان الاعتدال" (512). (¬5) "سنن ابن ماجه" (959). (¬6) قال النووي في "المجموع" 3/ 251: ضعيف باتفاق المحدثين. وقال الخطابي: =

قال ابن حجر: وفي الباب عن ابن عمر أخرجه ابن عدي، وعن أبي هريرة أخرجه الطبراني في "الأوسط" (¬1) قال: وهما واهيان، وكره مجاهد وطاوس ومالك (¬2) الصلاة إلى النائم خشية ما يبدو منه مما يلهي المصلي عن صلاته (¬3). انتهى. ¬

_ = هذا الحديث لا يصح. وقال ابن خزيمة في ترجمته على هذا الحديث 2/ 18: باب ذكر البيان على توهين خبر محمد بن كعب: لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدثين. ولم يرو ذلك الخبر أحد يجوز الاحتجاج بخبره. أهـ. على أن هذا الحديث مخالف لفعله - صلى الله عليه وسلم -: أنه كان يصلي وعائشة راقدة معترضة على فراشه. أخرجه البخاري (512)، وفي (513) قالت: كنت أنام بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجلاي في قبلته .. ". والحديث قد كان الألباني رحمه الله ضعفه، ثم حسنه من طريق أخرى. انظر: "صحيح أبي داود" (691)، وانظر التعليق التالي. (¬1) "المعجم الأوسط" (5246)، وقال الهيثمي في "المجمع": 2/ 202: فيه محمد بن عمرو بن علقمة، واختلف في الاحتجاج به. قال الألباني: ومحمد هذا حسن الحديث عندنا، فإذا لم يكن قد أخطأ فيه أو لم يكن للحديث علة أخرى فأنا أرى أن الحديث أقل أحواله أن يكون حسنًا. أهـ. ولكن الظاهر أن محمد بن عمرو هذا قد أخطأ فيه؛ فإن أبا يعلى قد أخرجه (2738) من طريق محمد بن عمرو عن أبي أمية - هو عبد الكريم بن أبي المخارق - عن ابن عباس. وعبد الكريم متروك، فضلًا عن أنه لم يدرك ابن عباس. وقد أخرجه غير واحد من طريق عبد الكريم فالظاهر أن هذا المحفوظ، أو يكون الخطأ من غير محمد بن عمرو؛ فإن الذي رواه عنه هو شجاع بن الوليد أبو بدر، وهو صدوق له أوهام. (¬2) "الذخيرة" للقرافي 2/ 157. (¬3) "فتح الباري" 1/ 699 - 700.

والمتحدث يلهي (¬1) بحديثه أكثر ما يلهي النائم، وظاهر تبويب المصنف عدم الكراهة حيث يحصل الأمن من ذلك، وذكر البخاري في هذا الباب حديث عائشة: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي وأنا راقدة معترضة على فراشه (¬2). ووجه الدليل أنه لم يفرق بين كونها يقظانة أو نائمة، بل الظاهر من قولها: وأنا راقدة النوم (¬3)، فإن الله تعالى سمى الرقاد نومًا، قال الله تعالى: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ} (¬4)، وقال أهل اللغة: الرقاد (¬5): النوم ليلًا كان أو نهارًا، وبعضهم يخصه بنوم الليل، والأول أليق، ويشهد له المطابقة في الآية، والله سبحانه وتعالى أعلم (¬6). * * * ¬

_ (¬1) في (م): يُلتَهى. (¬2) "صحيح البخاري" (512). (¬3) في (س): القوم. (¬4) الكهف: 18. (¬5) في (ص): الرقود. (¬6) قول عائشة - رضي الله عنها -: وأنا راقدة. يعني النوم بلا شك، ولا حاجة لما ذكره المصنف من أن معنى الرقاد النوم أو غيره؛ فإن بقية الحديث الذي ذكره المصنف يؤكد ذلك؛ تقول عائشة - رضي الله عنها -: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي وأنا راقدة معترضة على فراشه؛ فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترت. فقولها: أيقظني، يدل على أنها كانت نائمة.

109 - باب الدنو من السترة

109 - باب الدُّنُوِّ مِنَ السُّتْرَةِ 695 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبّاحِ بْنِ سُفْيانَ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ ح، وحَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَحامِدُ بْنُ يَحْيَى وابْنُ السَّرْحِ قالوا: حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ صَفْوانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ نافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى سُتْرَةٍ فَلْيَدْنُ مِنْها لا يَقْطَعُ الشَّيْطانُ عَلَيْهِ صَلاتَهُ" (¬1). قال أَبُو داوُدَ: رَواهُ واقِدُ بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ صَفْوانَ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَوْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال بَعْضُهُمْ: عَنْ نافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ واخْتُلِفَ فِي إِسْنادِهِ. 696 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ والنُّفَيْلِيُّ قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أَبِي حازِمٍ قال: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ سَهْلٍ قال: وَكانَ بَيْنَ مُقامِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَبَيْنَ القِبْلَةِ مَمَرُّ، عَنْزٍ (¬2). قال أَبُو داوُدَ: الخَبرُ لِلنُّفَيْلِيِّ. * * * باب الدنو من السترة [695] (ثنا محمد بن الصباح بن سفيان) قال: (أنا سفيان ح (¬3) وثنا عثمان بن أبي شيبة، وحامد بن يحيى) البلخي نزيل طرسوس، قال ابن حبان: كان أعلم أهل زمانه بحديث سفيان، أفنى (¬4) عمره في ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 2، والنسائي في "الكبرى" 1/ 271 (824)، وابن حبان 6/ 136 (2373). وصححه الألباني (692). (¬2) رواه البخاري (496)، ومسلم (508/ 262). (¬3) من (س، م). (¬4) في (م): ابن. خطأ.

مجالسته (¬1). قال أبو حاتم: صدوق (¬2). (و) عبد الله (¬3) (بن السرح، قالوا: ثنا سفيان، عن صفوان بن سليم) القرشي الزهري، قال ابن حنبل: يستسقى بحديثه، وينزل القطر بدعائه (¬4). كان يتردد إلى البقيع (¬5) فيقنع رأسه عند قبر ولم يزل يبكي حتى يُظَنَّ أن صاحب ذلك القبر أحد أبويه مات فى يومه، فكان كلما وجد في قلبه قسوة فعل ذلك (¬6). قلت: وهذِه الزيارة هي التي تلين القلب القاسي؛ لا (¬7) زيارة الغافل (¬8). (عن نافع بن جبير، عن (¬9) سهل بن أبي حثمة) بايع تحت الشجرة، وكان دليل النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة أُحد (¬10) (يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها) بحيث أن لا يزيد ما بينه وبينها على ثلاثة أذرع جدارًا كان أو سارية أو عصا أو نحوها، وكذا بين الصفين، وهو ¬

_ (¬1) "الثقات" 8/ 218. (¬2) "الجرح والتعديل" 3/ 301. (¬3) كذا قال المصنف: عبد الله! وليس كذلك، وإنما الراوي هنا عن سفيان هو: أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن السرح، وهو ثقة. (¬4) انظر: "سير أعلام النبلاء" 5/ 265، وعنده: (يستشفى) عوض: يستسقى. (¬5) في (س، ص، م): المغيرة. وفي (ل): المقبرة. والمثبت من مصادر الترجمة. (¬6) انظر: "سير أعلام النبلاء" 5/ 265. (¬7) في (ص): لأن. (¬8) في (س): المغافل. (¬9) في (س): بن. (¬10) انظر: "الجرح والتعديل" 4/ 200 (864).

مقدار مسجد على التوسع (¬1)، قال الشافعي: وقد صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في الكعبة، وكان بينه وبين الحائط قريب من ثلاثة أذرع (¬2). وكذا رواه البخاري عن ابن عمر (¬3)، فلو خالف المصلي ذلك فتباعد عن سترته أكثر من ذلك كان كما لو صلى إلى غير سترة. قال ابن المنذر: وكان مالك يصلي متباعدًا عن السترة فمر به رجل لا يعرفه، فقال له: أيها المصلي ادنُ من سترتك، قال: فجعل يتقدم، ويقول: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} (¬4) نعم نعم. فإذا دنا إلى السترة على هذا حرم المرور بين يديه كما سيأتي. (لا يقطع) يجوز في العين الرفع والنصب والكسر، تُجزم العين، وتكسر لالتقاء الساكنين لأنه جواب الأمر في قوله: (فليدن) كما قيل في قوله تعالى: {لَا يَضُرُّكُمْ} أن حقه الجزم؛ لأنه جواب لاسم الفعل في قوله تعالى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} فإن تقديره احفظوا أنفسكم لا يضركم، ويظهر الجزم في قراءة (¬5) من قرأ: (يَضِرْكُمْ) بتخفيف الراء وسكونها مع كسر الضاد، من ضاره يضيره إذا ضره (¬6). وأما قراءة الجمهور بالرفع وتشديد الراء، فهو أيضًا مجزوم على أنه ¬

_ (¬1) في (م): المتوسع. (¬2) انظر: "الأم" 1/ 197. (¬3) "صحيح البخاري" (506، 1599). (¬4) النساء: 113. (¬5) في (س): قولة. (¬6) انظر: "مختصر شواذ القرآن" ص 41.

جواب الأمر أيضًا، والضمة فيه اتباع كالضمة في: لم تَرُدُّ. ولم تَسُدُّ. ويجوز رفع العين من (يَقْطَع) على الاستئناف، كما جوز أن تكون الراء في (يضركم) ضمة إعراب على الاستئناف، ورجحه جماعة، ويجوز نصب العين على أن يكون أصل التقدير: لئلا يقطع. ثم حذفت لام الجر، وأن الناصبة، ونظير هذا الحذف ما نقل في قوله تعالى: {قُلْ تَعَالوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا} (¬1) [وفي كونه نظيرًا نَظَرٌ ظاهر؛ لأن أن في الآية موجودة واللام مقدرة أمَّا (¬2) الحديث ففيه حذف اللام وأن جميعًا، مع بقاء عمل أن، والمقرَّر أنَّ تقدير أن الناصبة للمضارع في [هذا الموضع شاذ] (¬3) لا يقاس عليه، كما في الأوضح وشرحه] (¬4)؛ إذِ الأصل: لئلا تشركوا. وعلى هذا فما موصولة منصوبة بـ {أَتْلُ}، والمراد: تعالوا اتلوا الذي حرمه ربكم عليكم فتعرفوه، وتجتنبوا غيره لئلا تشركوا بتحريم ما حرمه عليكم رؤساؤكم؛ لأنكم إذا طاوعتم رؤساؤكم فيما حرموا عليكم مما أحله الله تعالى من بحيرة وسائبة ووصيلة، أشركتم بالله، لأنكم جعلتم غير الله تعالى بمنزلته في التحريم والتحليل. ¬

_ (¬1) الأنعام: 151. (¬2) في (س): إلى. والمثبت هو اللائق بالسياق. (¬3) في (س): غير المواضع أشار. وهي جملة لا معنى لها. ولعل المثبت أقرب للصواب؛ إذ تقدير أن هنا واللام، تكلف زائد. (¬4) ما بين المعقوفين من (س)، وقد جاءت هذه العبارة قبل موضعها. بعد قوله: وأن الناصبة، وأثبتناها في موضعها الصحيح بعد الآية.

(الشيطان عليه صلاته) (¬1)، والمراد بالشيطان هنا المار بين يدي المصلي. قال في "شرح المصابيح": معناه يدنو (¬2) من السترة حتى لا يشوش (¬3) الشيطان عليه صلاته. انتهى. وسيأتي سبب تسمية المار شيطانًا، والخلاف فيه؛ فإن الشيطان الداعي للمرور. ¬

_ (¬1) أخرجه النسائي 2/ 62، وأحمد 4/ 2، وهو في "السنن المأثورة" عن الشافعي (184)، وصححه ابن خزيمة (803)، وابن حبان (2373). وقد اختلف في إسناد هذا الحديث. - فرواه واقد بن محمد عن صفوان عن محمد بن سهل عن أبيه، أو عن محمد بن سهل عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه عبد بن حميد، انظر: "المنتخب من مسند عبد بن حميد" (447). - ورواه داود بن قيس عن نافع بن جبير، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا. أخرجه عبد الرزاق (2303)، وابن وهب في "الجامع" (399). وأخرجه الطبراني في "الكبير" (1588) من طريق داود بن قيس عن نافع بن جبير عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. - قال أبو داود عقب الحديث: قال بعضهم: عن نافع بن جبير عن سهل بن سعد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه الطبراني في "الكبير" (6014)، والطحاوي في "مشكل الآثار" (2614). قال البيهقي بعد أن ذكر بعض الاختلافات في إسناد الحديث في "السنن الكبرى" 2/ 386: قد أقام إسناده سفيان بن عيينة، وهو حافظ حجة. اهـ. والكلام على هذه الأسانيد التي أوردناها يطول، وفي كلام الإمام البيهقي مَقنع وكفاية. والحديث صححه الحاكم على شرط الشيخين 1/ 251 - 252، وصححه الألباني على شرطهما، انظر: "صحيح أبي داود" (692). (¬2) في (م): يدلو. (¬3) في (س): يوسوس.

(ورواه واقد (¬1) بن محمد) بن زيد (¬2) العمري المدني، روى له الشيخان (عن صفوان) بن سليم (عن محمد بن سهل، عن أبيه) سهل ابن أبي حثمة، واسمه عبد الله شهد المشاهد كلها إلا بدرًا (أو) (¬3) رواه (عن محمد بن سهل، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) بنحو ما تقدم (وقد قال بعضهم: عن نافع بن جبير) بن مطعم بن عدي النوفلي من جلة التابعين حج ماشيًا وراحلته تقاد معه [(عن سهل بن سعد] (¬4) و) قد (اختلف في إسناده) على وجوه. [696] (ثنا القعنبي، والنفيلي قالا: ثنا عبد العزيز بن أبي حازم قال: أخبرني أبي) أبو حازم [سلمة بن دينار، عابد الحجاز] (¬5). (عن سهل) بن سعد الساعدي (قال: كان بين مقام النبي - صلى الله عليه وسلم -) الذي يقوم فيه، ورواية البخاري: كان بين مصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬6) (وبين القبلة ممر) بالرفع، وكان تامة، أو ممر اسم كان، والخبر: قدر أو نحوه، أو الظَّرف الخبر (¬7)، وأعربه الكرماني بالنصب على أن الممر خبر (¬8) كان ¬

_ (¬1) في (ص): وائل. (¬2) في جميع النسخ: يزيد. والصواب ما أثبتنا. وهو من رجال "التهذيب". (¬3) في جميع النسخ: و. والمثبت من "سنن أبي داود". (¬4) ما بين المعقوفين ساقط من "السنن". (¬5) أثبتنا هذه العبارة في هذا الموضع كما في (م)، وقد جاءت في بقية النسخ بعد قوله عبد العزيز بن أبي حازم. (¬6) "صحيح البخاري" (496). (¬7) في (ص): الصرف والخبر. وفي (س، ل): الصرف الخبر. (¬8) من (م).

واسمها نحو: قدرُ المسافة، قال: والمساق يدل عليه (¬1). وروى الإسماعيلي من طريق أبي عاصم، عن يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة: كان المنبر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس بينه وبين حائط القبلة إلا قدر ما يمر العنز. وأصله في البخاري (¬2). قال ابن بطال (¬3): هذا أقل ما يكون بين المصلي وسترته - يعني: قدر ممر الشاة - وقيل: أقل ذلك ثلاثة أذرع لحديث بلال، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في الكعبة وبينه وبين الجدار ثلاثة أذرع (¬4). وجمع الداوودي بأن أقله ممر الشاة، وأكثره ثلاثة أذرع، وجمع بعضهم بأن ممر الشاة في حال القيام، والثلاثة أذرع في حال الركوع والسجود. قال ابن الصلاح: قدروا ممر الشاة بثلاثة أذرع (¬5). انتهى. وثلث ذراع أقرب إلى المعنى من ثلاثة أذرع، قال البغوي: استحب أهل العلم الدنو من السترة بحيث يكون بينه وبينها قدر إمكان السجود، وكذلك بين الصفوف (¬6). (عنز) هي الأنثى من المَعْز إذا أتى عليها حول وهي الماعزة، وهذا (الخبر) إسناده (للنفيلي) دون القعنبي. * * * ¬

_ (¬1) "الكواكب الدراري" للكرماني 4/ 153. (¬2) "صحيح البخاري" (497). (¬3) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 2/ 130. (¬4) "صحيح البخاري" (506)، وسيأتي تخريجه عند الكلام عليه إن شاء الله تعالى. (¬5) انظر: "عون المعبود" 2/ 390. (¬6) "شرح السنة" للبغوي 2/ 447.

110 - باب ما يؤمر المصلي أن يدرأ عن الممر بين يديه

110 - باب ما يؤْمَرُ المُصَلِّي أَنْ يَدْرَأَ عَنِ المَمَرِّ بَينَ يَدَيْهِ 697 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلا يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلْيَدْرَأْهُ ما اسْتَطاعَ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقاتِلْهُ فَإِنَّما هُوَ شَيْطانٌ" (¬1). 698 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنا أَبو خالِدٍ، عَنِ ابن عَجْلانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيُصَلِّ إِلَى سُتْرَةٍ وَلْيَدْنُ مِنْها". ثُمَّ ساقَ مَعْناهُ (¬2). 699 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ الرّازِيُّ، أَخْبَرَنا أَبو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، أَخْبَرَنا مَسَرَّةُ بْنُ مَعْبَدٍ اللَّخْمِيُّ - لَقِيتُهُ بِالكُوفَةِ - قال: حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدٍ حاجِبُ سُلَيْمانَ قال: رأيْتُ عَطاءَ بْنَ يَزِيدَ اللَّيْثِيَّ قائِمًا يُصَلِّي فَذَهَبْتُ أَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَرَدَّنِي، ثمَّ قال: حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنِ اسْتَطاعَ مِنْكُمْ أَنْ لا يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِبْلَتِهِ أَحَدٌ فَلْيَفْعَلْ" (¬3). 700 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا سُلَيْمانُ -يَعْنِي ابن المُغِيرَةِ-، عَنْ حُمَيْدٍ -يَعْنِي ابن هِلالٍ- قال: قال أَبُو صالِحٍ: أُحَدِّثُكَ عَمّا رَأَيْتُ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ وَسَمِعْتُهُ مِنْهُ دَخَلَ أَبُو سَعِيدٍ عَلَى مَرْوانَ فَقال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِذا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النّاسِ فَأَرادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْ فِي نَحْرِهِ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقاتِلْهُ فَإِنَّما هُوَ شَيْطانٌ". قال أَبُو داوُدَ: قال سُفْيانُ الثَّوْرِيُّ: يَمرّ الرَّجُلُ يَتَبَخْتَرُ بَيْنَ يَدَيَّ وَأَنا أُصَلِّي ¬

_ (¬1) رواه مسلم (505). (¬2) رواه ابن ماجه (954)، وابن حبان (2372). وصححه الألباني (695). (¬3) رواه أحمد 3/ 82. وصححه الألباني (696).

فَأَمْنَعُهُ وَيَمُرُّ الضَّعِيفُ فَلا أَمْنَعُهُ (¬1). * * * باب ما يؤمر المصلي أن يدرأ عن الممر بين يديه [697] (ثنا القعنبي، عن مالك، عن زيد بن أسلم) المدني الفقيه أحد الأعلام. (عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري) أخرجه له مسلم. (عن) أبيه (أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا كان أحدكم يصلي) إلى شيء يستره (فلا يدع) أي: يترك (أحدًا) قال أهل اللغة: إذا [نُفِيَ أحد] (¬2) اختص بالعاقل لكن يشمل الذكر والأنثى قال الله تعالى: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} (¬3)، وهو في حال النفي للعموم (يمر بين يديه) أي فيما بينه وبين السترة، كما هو مفهوم من الكلام، وإلا فلا فائدة في السترة (وليدرأه) بإسكان الدال المهملة، أي فليدفعه، والأمر وإن كان (¬4) ظاهره الوجوب لكن هنا للندب إجماعًا. قال النووي: لا أعلم أحدًا من العلماء أوجبه (¬5). وصرح بوجوبه (¬6) ¬

_ (¬1) رواه البخاري (509)، ومسلم (505/ 259). (¬2) في (ص، س): بقي أحدًا. (¬3) الأحزاب: 32. (¬4) سقط من (ل). (¬5) "شرح النووي على مسلم" 4/ 223. (¬6) في (م): بوجه.

أهل الظاهر، فلعل الشيخ (¬1) لم يراجع كلامهم (ما استطاع) أي: على قدر طاقته بأسهل الوجوه، قال الإمام (¬2): لا ينتهي دفع المار إلى أمر محقق بل يومئ، ويشير برفق في صدر من يمر عنه (¬3). وينبغي تنبيهه. قال القرطبي: يدفعه بالإشارة، ولطيف المنع (¬4). (فإن أبى) أن يندفع عن المرور (فليقاتله) أي يزيد في (¬5) دفعه الثاني أشد من الأول، وأجمعوا على أنه لا يلزم منه أن يقاتله بالسلاح؛ لمخالفة ذلك لقاعدة (¬6) الإقبال على الصلاة والاشتغال بها والخشوع فيها. انتهى. وأطلق جماعة من الشافعية (¬7) أن له أن يقاتله حقيقة، [قال أصحابنا: يرد بأسهل ما يرده به إلى أن ينتهي إلى المقاتلة، حتى لو أتلف منه شيئًا في ذلك لا ضمان عليه كالصائل (¬8)] (¬9) وإذا انتهى الأمر إلى الموت فلا قود اتفاقًا، والصحيح في الدية المنع، وصحح الماوردي الوجوب، وقيل: ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): أن. (¬2) يعني إمام الحرمين رحمه الله. (¬3) نقله العيني في "عمدة القاري" 4/ 292. وفيه: (منع). بدل: (أمر). (¬4) "المفهم" 2/ 104 - 105. (¬5) من (م). (¬6) في (ص): بقاعدة. (¬7) "المجموع" 3/ 249. (¬8) الصائل: هو العادي على غيره يريد نفسه أو عرضه أو ماله. انظر: "معجم لغة الفقهاء" (ص: 269). (¬9) من (م).

المراد بالمقاتلة اللعن كما في قوله تعالى: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10)} (¬1) وتعقب بأنه يستلزم التكلم في الصلاة، وهو مبطل بخلاف الفعل اليسير، ويحتمل أن يكون أراد أن يلعنه داعيًا لا مخاطبًا، ونقل ابن بطال (¬2)، وغيره الاتفاق (¬3) على أنه لا يجوز له المشي من مكانه ليدفعه، ولا العمل الكثير في مدافعته؛ لأن ذلك أشد في منافاة الصلاة (¬4) من المرور بين يديه (فإنما هو شيطان) أي: إنما حمله على هذا المرور الشيطان، وقيل: المعنى أنه فَعَل فِعل الشيطان، وقيل: الذي زين له هذا شيطانه (¬5). وفيه: جواز إطلاق الشيطان على المسلم إذا فعل معصية، وإطلاق لفظ (¬6) الشيطان على المارد من الإنس شائع سائغ، قال الله تعالى (¬7): {شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ} (¬8). قال ابن بطال (¬9): في هذا الحديث جواز إطلاق لفظ الشيطان على من يفتن (¬10) في الدين، وأن الحكم للمعاني (¬11)، وهذا مبني على أن ¬

_ (¬1) الذاريات: 10. (¬2) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 2/ 136. (¬3) في (ص، س، ل): الوجوب الاتفاق. (¬4) في (س): الدعاء. (¬5) اضطربت العبارة في (ص، س، ل). (¬6) ليست في (م). (¬7) سقط من (ص). والمثبت من (س)، وفي (ل، م): شائع قال تعالى. (¬8) الأنعام: 112. (¬9) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 2/ 137. (¬10) في (ص، ل) يفتر. (¬11) في (ص، ل): المعاني. وفي (س): المعلق.

الشيطان يطلق حقيقة على الجني، ومجازًا على الإنسي، وفيه بحث، وفي رواية الإسماعيلي: "فإن معه شيطان". وهل المقاتلة لخلل في صلاة المصلي [بالمرور، أو لدفع الإثم عن المار؟ . قال ابن أبي جمرة (¬1): الظاهر الثاني، وقال غيره: الأول أظهر؛ لأن إقبال المصلي] (¬2) على صلاته أولى من اشتغاله بدفع الإثم عن غيره. وقد روى ابن أبي شيبة، عن ابن مسعود أن المرور بين يدي المصلي يقطع نصف صلاته (¬3). [698] (ثنا محمد بن العلاء) قال: (ثنا أبو خالد) الأحمر، وهو سليمان بن حيان الأزدي الإمام (عن) محمد (ابن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة) قال في "الإحياء": فإن ذلك يقصر مسافة البصر، ويمنع تفرق الفكر، وليحجر المصلي على بصره أن يجاوز أطراف المصلى وحدود الخط إن كان خط شيئًا (¬4) (وليدن منها) كما تقدم (ثم ساق معناه) أي: معنى الحديث المتقدم. [699] (ثنا أحمد) بن الصباح (بن أبي سُريج) (¬5) بضم السين المهملة، وآخره جيم (الرازي) روى عنه البخاري في التوحيد (¬6)، ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" 1/ 695. (¬2) سقط من (م). (¬3) "مصنف ابن أبي شيبة" (2925). (¬4) "إحياء علوم الدين" 1/ 153. (¬5) في (ص، ل): سرج. (¬6) "صحيح البخاري" (7540).

قال: (أنا أبو أحمد) محمد بن عبد الله بن الزبير الزبيري (¬1)، قال: (أنا مَسَرَّة) بفتح الميم والسين المهملة والراء المشددة (ابن معبد اللخمي) وثق (¬2)، قال: (لقيته (¬3) بالكوفة، قال: حدثني أبو عبيد) قال ابن عبد البر: اسمه حيَّ بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء، وقيل: حوِّي بتشديد الواو المكسورة (¬4) (حاجب (¬5) سليمان) بن عبد الملك بن مروان، وكان يحجبه فلما وُلِّيَ عمر بن عبد العزيز قال له: هذِه الطريق إلى فلسطين، وأنت من أهلها فالحق بها. قيل: لو رأيت تشميره (¬6) للعبادة قال: ذاك أحق (¬7). أخرج له مسلم. (قال: رأيت عطاء بن يزيد الليثي قائمًا يصلي، فذهبت أمر بين يديه، فردني) فيه: النهي عن المنكر باليد في الصلاة، وأن هذا من الأفعال القليلة (ثم قال) لما انصرف من صلاته. (حدثني أبو سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من استطاع منكم أن لا (¬8) يحول بينه وبين قبلته أحد) يدخل فيه الرجل والمرأة والدابة ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "الكاشف" 3/ 136. (¬3) في (م): لقيه مرة. (¬4) "التمهيد" 24/ 155، وفيه: حيِّي. وانظر: "المؤتلف والمختلف" للدارقطني 2/ 779. (¬5) في (م): صاحب. (¬6) في (ص): سخرة. وفي (ل): تسخيرة. وفي (س): نسخة. (¬7) في (ص، س، ل): حق. وبقية العبارة: ذاك أحق ألَّا يفتنه. رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 67/ 72. (¬8) سقط من (س).

والمستيقظ والنائم، وغير ذلك (¬1) (فليفعل) ذلك قدر استطاعته (¬2). [700] (ثنا موسى بن إسماعيل) قال: (ثنا سليمان بن المغيرة) القيسي (¬3) مولى بني قيس بن ثعلبة. (عن حميد بن هلال) العدوي (قال: قال أبو صالح) السمان (أحدثك عما رأيت من أبي سعيد) الخدري (وسمعت منه: دخل أبو سعيد - رضي الله عنه - على مروان) بن الحكم بن أبي العاص كاتب عثمان وابن عمه، ثم ولي إمرة المدينة لمعاوية وحارب الضحاك بن قيس بمرج دمشق وانتصر عليه واستولى على الشام ومصر. (قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس) قد يؤخذ منه أن الجن والملائكة لا يَستر (¬4) من رؤيتهم شاخص ولا غيره لكن الاستتار بذكر اسم الله تعالى لما في الحديث: "ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا وضع ثوبه أن يقول: باسمك اللهم" (¬5) (فأراد أحد أن يجتاز [أبين يديه]) (¬6) أي: يمر بين يديه، أي، ¬

_ (¬1) وليس هذا على إطلاقه؛ فقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى العشاء وعائشة - رضي الله عنها - معترضة بينه وبين القبلة، وقد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى إلى بعير، وقد تقدم. (¬2) في (م): الاستطاعة. (¬3) في (ص): العبسي. (¬4) في (ص، س، ل): يستتر. (¬5) أخرجه الترمذي (606)، وابن ماجه (297) من رواية أبي جحيفة، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -. وعندهم: "بسم الله" عِوض: باسمك اللهم. قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وإسناده ليس بذاك القوي. أهـ. وصححه الألباني بمجموع طرقه. انظر: "الإرواء" 1/ 87 - 88. (¬6) "صحيح البخاري" (509).

بالقرب منه فيما بينه، وبين السترة، وعبَّر باليدين؛ لأن أكثر الشغل يقع بهما (فليدفع) لفظة البخاري: "فليدفعه" (¬1) (في نحره) كذا في مسلم (¬2) ولفظ الإسماعيلي (فإن أبى) "فليجعل يده في صدره، وليدفعه". والنحر موضع القلادة من الصدر، جمعه نحور مثل فلس وفلوس، ويطلق النَّحر على الصدر (فإن أبى) أن يرد عن المرور (فليقاتله) قيل: المراد بالمقاتلة قوة المنع من المرور من غير أن ينتهي في دفعه إلى عمل ينافي الصلاة (فإنما هو شيطان) "هو" ضمير الشأن، وشرطه أن يكون مبتدأ في الحال، كقوله: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (¬3)، وكقوله هنا (هو شيطان) أو هو مبتدأ في الأصل، كقوله تعالى: {تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا} (¬4) وفائدة ضمير الشأن الإعلام من أول الأمر بأن ما بعده خبر لا تابع، ولهذا سمي فصلًا؛ لأنه فصل بين الخبر والتابع (¬5)، والشيطان هو الشأن الذي تقدم ضميره عليه؛ لأنه هو الحامل له على المرور لا غيره من الآدميين، ولهذا قدم الضمير ليفيد الاختصاص أو الحصر عند بعضهم إذ الحصر إثبات (¬6) المذكور، ونفي ما عداه (¬7) فأثبت أن الشيطان حمله على ذلك، ونفى [أنَّ غيره] (¬8) لم يحمله، ¬

_ (¬1) من "السنن". (¬2) "صحيح مسلم" (505/ 259). (¬3) انظر: "مغني اللبيب" ص 641. (¬4) البقرة: 5. (¬5) المزمل: 20. (¬6) في (ص): إتيان. (¬7) في (ص): مجراه. (¬8) في (ص): غيره أن.

ونظير الحصر بضمير (¬1) الشأن قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} (¬2) وهذا من المواضع الذي يعود (¬3) فيها الضمير على ما تأخر لفظًا ورتبة نحو قوله تعالى: {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} (¬4)، والكوفي يسميه ضمير المجهول، وهذا الضمير مخالف للقياس من خمسة أوجه: أحدها: عوده على ما بعده كما ذكرنا. الثاني: أنه لا يتبع بتابع كما تقدم. الثالث: أن لا يعمل فيه إلا الابتداء أو أحد نواسخه (¬5). الرابع: لزوم الإفراد فلا يثنى ولا يجمع. الخامس: الأكثر أن يكون خبره جملة (¬6). * * * ¬

_ (¬1) في (م): لضمير. (¬2) الإخلاص: 1. (¬3) في (ص): تفرَّد. (¬4) الأنبياء: 97. (¬5) في (ص، ل): نواصحه. (¬6) انظر تفصيل ذلك في "مغني اللبيب" ص 636 - 637.

111 - باب ما ينهى عنه من المرور بين يدي المصلي

111 - باب ما يُنْهَى عَنْهُ مِنَ المُرُورِ بينَ يَدَي المُصَلِّي 701 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خالِدٍ الجُهَنِيَّ أَرْسَلَهُ إِلَى أَبِي جُهَيْمٍ يَسْأَلُهُ، ماذا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي المارِّ بَيْنَ يَدَي المصَلِّي، فَقال أَبُو جُهَيْمٍ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ يَعْلَمُ المارُّ بَيْنَ يَدَي المُصَلِّي ماذا عَلَيْهِ لَكانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ". قال أَبُو النَّضْرِ: لا أَدْرِي قال: أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً (¬1). * * * باب ما ينهى عنه من المرور بين يدي المصلي [701] (ثنا القعنبي، عن مالك، عن أبي النضر) سالم بن أبي أمية (مولى عمر بن عبيد (¬2) الله) بن معمر الليثي القرشي روى له الجماعة. (عن بسر بن سعيد أنَّ (¬3) زيد بن خالد الجهني) الصحابي (أرسله إلى أبي جهيم) [بضم الجيم] (¬4) مصغر، واسمه: عبد الله بن جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري (¬5)، وقيل: هو عبد الله بن الحارث بن الصمة (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (507). (¬2) في (م): عبد. (¬3) في (ص): بن. وغير واضحة في (ل). (¬4) من (م). (¬5) "الكنى والأسماء" للإمام مسلم (598). (¬6) "معرفة الصحابة" لأبي نعيم 3/ 1611.

وروى هذا الحديث البخاري، ومالك في "الموطأ" (¬1) هكذا لم يختلف عليه فيه (¬2) أنَّ المرسلَ هو زيد، وأن المرسلَ إليه هو أبو جهيم، وتابعهما سفيان الثوري، عن أبي النضر [عند مسلم وابن ماجه (¬3) وغيرهم، وخالفهم ابن عيينة عن أبي النضر] (¬4)، فقال: عن بسر بن سعيد قال: أرسلني أبو جهيم إلى زيد بن خالد أسأله، فذكر هذا الحديث (¬5). قال ابن عبد البر: هكذا رواه ابن عيينة مقلوبًا (¬6). أخرجه ابن أبي خيثمة، عن أبيه، عن ابن عيينة (¬7)، قال ابن القطان: ليس هذا بخطأ؛ لاحتمال أن يكون أبو جهيم بعث بسرًا إلى زيد وبعثه زيد إلى أبي جهيم، يستثبت (¬8) كل واحد منهما ما عند الآخر (¬9) (يسأله (¬10) ماذا سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المار بين يدي المصلي) اختلف في تحديد ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (510)، و"موطأ مالك" 1/ 154. (¬2) من (م). (¬3) "صحيح مسلم" (507)، و"سنن ابن ماجه" (945). (¬4) من (س، م). (¬5) رواه هكذا أحمد 4/ 116، وعبد بن حميد في "المنتخب" 1/ 234 (282)، والدارمي 2/ 888 (1456)، والبزار في "المسند" 9/ 239 (3782). (¬6) "التمهيد" 21/ 147. (¬7) "تاريخ ابن أبي خيثمة" السِّفر الثالث (1014)، ونقل عن ابن معين خطأ هذه الرواية، قال ابن معين: إنما هو زيدٌ إلى أبي جهيم. (¬8) في (ص): سميت. وفي (م): يستصلب. والمثبت من (س، ل). (¬9) "بيان الوهم والإيهام" 2/ 107. وتعقبه الحافظ في "الفتح" 1/ 585. (¬10) في (ص): سأله.

ذلك، فقيل: إذا مر بينه وبين مقدار موضع سجوده، وقيل: بينه وبين ثلاثة أذرع، وقيل: بينه وبين قدر رمية حجر، ولم يذكر السترة في هذا الحديث، فقيل: المطلق في هذا الحديث محمول على المقيد بالسترة. وروى عبد الرزاق، عن عمر (¬1) التفرقة بين من يصلي إلى سترة أو إلى غير سترة (¬2)، فإن الذي يصلي إلى غير سترة مقصر بتركها لاسيَّما إن صلى إلى شارع المشاة، وفي "الروضة" تبعًا للرافعي لو صلى إلى غير سترة، أو كانت (¬3) سترة وتباعد منها، فالأصح أنه ليس له الدفع لتقصيره، ولا يحرم المرور بين يديه، ولكن الأولى تركه (¬4). [(فقال (¬5) أبو جهيم) بالتصغير (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لو يعلم المار بين يدي المصلي (¬6)] استنبط ابن بطال من قوله: (لو يعلم) أن الإثم مختص بمن علم بالنهي وارتكبه. انتهى (¬7)، وهو معلوم من أدلة أخرى. وظاهر الحديث أن النهي والوعيد فيه في هذا الحديث مختص بمن ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): معمر. (¬2) أخرجه عبد الرزاق من طريق قتادة عن عمر قال: لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه، كان يقوم حولًا خير له من ذلك، إذا لم يكن بين يدي المصلي سترة. انظر: "المصنف" (2324). وفي (2339) عن عبد الله بن شقيق قال: مرَّ عمر بن الخطاب برجل يصلي بغير سترة، فلمَّا فرغ قال: لو يعلم المارُّ والممرور عليه ماذا عليهما ما فعلا. (¬3) في (ص، س، ل): كان. (¬4) "روضة الطالبين" 1/ 295. (¬5) في (م): فقال عليه. (¬6) سقط من (س). (¬7) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 2/ 138.

مرَّ، لا بمن وقف عامدًا مثلًا بين يدي المصلي أو قعد أو رقد، لكن إن كانت العلة فيه التشويش على المصلي فهي في معنى المار، وظاهره عموم النهي في كل مصل. وخصه بعض المالكية بالإمام والمنفرد لأن المأموم لا يضره من مر بين يديه؛ لأن سترة إمامه سترة له [أو إمامه سترة له] (¬1) (¬2) (ماذا عليه) زاد الكشميهني في رواية للبخاري: "من الإثم" (¬3) وفي مصنف ابن أبي شيبة: يعني: من الإثم (¬4). وقد عزى (¬5) هذِه الزيادة المحب الطبري في الأحكام للبخاري (لكان أن يقف) يعني المار لو علم مقدار الإثم الذي يلحقه في مروره بين يدي المصلي لاختار أن يقف (أربعين) حتى لا يلحقه ذلك الإثم. قال الكرماني: جواب (¬6) (لو) ليس هو المذكور، بل التقدير: لو يعلم (¬7) ما عليه لوقف أربعين، ولو وقف أربعين لكان خيرًا له (¬8). وأبهم المعدود تفخيمًا للأمر وتعظيمًا، وأبدى الكرماني لتخصيص الأربعين بالذكر حكمتين: إحداهما: كون الأربعة أصل جميع الأعداد، فلما أُرِيدَ التكثير ¬

_ (¬1) من (س، ل، م). (¬2) "المدونة" 1/ 202 - 203. (¬3) قال ابن رجب في "فتح الباري" 4/ 91: وهي غير محفوظة. (¬4) "مصنف ابن أبي شيبة" (2910). (¬5) في (ص، س): روى. وغير واضحة في (ل). (¬6) في (ص): جواد. (¬7) في (س): علم. (¬8) "شرح البخاري" للكرماني 4/ 163.

ضُرِبت في عشرة. ثانيهما: كون كمال أطوار الإنسان بأربعين كالنطفة، والمضغة، والعلقة، وكذا بلوغ الأشد، قال: ويحتمل غير ذلك. انتهى (¬1). وفي ابن ماجه وابن حبان من حديث أبي هريرة: "لكان أن يقف مائة عام خير له من الخطوة التي خطاها" (¬2). وهذا مشعر بأن إطلاق الأربعين للمبالغة في تعظيم الأمر لا لخصوص عدد معين، واحتج الطحاوي إلى أن التقييد بالمائة وقع بعد التقييد بالأربعين زيادة في تعظيم الأمر على المار؛ لأنهما لم يقعا معًا (¬3)؛ إذ المائة أكثر من الأربعين، والمقام مقام زجر وتهديد، فلا يناسب أن يتقدم ذكر المائة على الأربعين؛ بل المناسب أن يتأخر (¬4). ووقع في ["مسند البزار" من طريق ابن عيينة (¬5): "لكان أن يقف أربعين خريفًا" (¬6). (خير) بالرفع كما في رواية] (¬7) الترمذي (¬8) على أنه اسم كان، وما ¬

_ (¬1) "شرح البخاري" للكرماني 4/ 163. (¬2) "سنن ابن ماجه" (946)، و"صحيح ابن حبان" (2365). وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (4859). (¬3) في (س): تبعًا. (¬4) "شرح مشكل الآثار" 1/ 84. (¬5) بعدها في (م): التي ذكرها القطان. ولا نعلم وجهًا لها. (¬6) "مسند البزار" (3782). (¬7) من (م). (¬8) "جامع الترمذي" (336).

قبله الخبر، كقول الشاعر: يكون مزاجها عسل وماء و(¬1) يجوز أن يكون خبر [مبتدأ محذوف] (¬2) تقديره: وقوفه أربعين هو خير له، ورواية البخاري بالنصب (¬3)، على أنه خبر كان، و (أن يقف) اسمها (له من أن يمر بين يديه قال أبو النضر) سالم، وهو كلام مالك وفي هذا الحديث أخذ [القرين عن قرينه] (¬4) واستفتائه فيما سمع منه، وفيه الاعتماد على خبر الواحد فإنه اكتفى برسوله، وفيه استعمال لو في الوعيد. (لا أدري قال: أربعين يومًا أو شهرًا أو سنة) وقد تقدم ما فيه. * * * ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (ص): مستند المحذوف. وفي (س، ل): مبتدأ لمحذوف. (¬3) "صحيح البخاري" (510). (¬4) في (ص، س): القريب عن قريبه.

112 - باب ما يقطع الصلاة

112 - باب ما يَقْطَعُ الصَّلاةَ 702 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْن عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ ح، وحَدَّثَنا عَبْدُ السَّلامِ بْنُ مُطَهَّرٍ وابْنُ كَثِيرٍ - الْمَعْنَى - أَنَّ سُلَيْمانَ بْنَ المُغِيرَة أَخْبَرَهُمْ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ - قال حَفْصٌ - قال: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقالا: عَنْ سُلَيْمانَ قال أَبُو ذَرٍّ: "يَقْطَعُ صَلاةَ الرَّجُلِ - إِذا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ قِيدُ آخِرَةِ الرَّحلِ: الحِمارُ والكَلْبُ الأَسْوَدُ والمَرْأَةُ". فَقُلْتُ: ما بال الأَسْوَدِ مِنَ الأَحْمَرِ مِنَ الأَصْفَرِ مِنَ الأَبْيَضِ؟ فَقال يا ابن أَخِي سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَما سَأَلْتَنِي فَقال: "الكَلْبُ الأَسْوَدُ شَيْطانٌ" (¬1). 703 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنا قَتادَة قال: سَمِعْتُ جابِرَ بْنَ زَيْدٍ يُحَدِّثُ، عَنِ ابن عَبّاسٍ -رَفَعَهُ شُعْبَةُ- قال: "يَقْطَعُ الصَّلاةَ: المَرْأَةُ الحائِضُ والكَلْبُ" (¬2). قال أَبُو داوُدَ: وَقَفَهُ سَعِيدٌ وَهِشامٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ جابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَلَى ابن عَبّاسٍ. 704 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْماعِيلَ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنا مُعاذٌ، حَدَّثَنا هِشامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قال: أَحْسَبُهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ صَلاتَهُ: الكَلْبُ والحِمارُ والخِنْزِيرُ واليَهُودِيُّ والمَجُوسِيُّ والمَرْأَةُ، وَيُجْزِئُ عَنْهُ إِذا مَرُّوا بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى قَذْفَةٍ بِحَجَرٍ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (510). (¬2) رواه النسائي 1/ 272 (827)، وابن ماجه (949)، وأحمد (3241). وصححه الألباني (700). (¬3) "مصنف عبد الرزاق" 2/ 27 (2352)، "مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 281 (2913). ضعفه الألباني (789).

قال أَبُو داوُدَ: فِي نَفْسِي مِنْ هذا الحَدِيثِ شَيءٌ كُنْتُ أُذاكِرُ بِهِ إِبْراهِيمَ وَغَيْرَهُ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا جاءَ بِهِ عَنْ هِشامٍ وَلا يَعْرِفُهُ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا يُحَدِّثُ بِهِ، عَنْ هِشامٍ وَأَحْسَبُ الوَهَمَ مِنَ ابن أَبِي سَمِينَةَ -يَعْنِي: مُحَمَّدَ بْنَ إِسْماعِيلَ البَصْرِيَّ مَوْلَى بَنِي هاشِمٍ- والمنْكَرُ فِيهِ ذِكْرُ المجُوسِيِّ وَفِيهِ: "عَلَى قَذْفَةٍ بِحَجَرٍ". وَذِكْرُ الِخنْزِيرِ، وَفِيهِ نَكارَةٌ. قال أَبُو داوُدَ: وَلَمْ أَسْمَعْ هذا الحَدِيثَ إِلا مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْماعِيلَ وَأَحْسَبُهُ وَهِمَ؛ لأنَّهُ كانَ يُحَدِّثُنا مِنْ حِفْظِهِ. 705 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمانَ الأَنْبارِيُّ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ، عَنْ مَوْلًى لِيَزِيدَ بْنِ نِمْرانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ نِمْرانَ قال: رأيْتُ رَجُلًا بِتَبُوكَ مُقْعَدًا فَقال: مَرَرْتُ بَيْنَ يَدَي النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنا عَلَى حِمارٍ وَهُوَ يُصَلِّي فَقال: "اللَّهُمَّ اقْطَعْ أَثَرَهُ". فَما مَشَيْتُ عَلَيْها بَعْدُ (¬1). 706 - حَدَّثَنا كَثِيرُ بْن عُبَيْدٍ يَعْنِي: المذْحِجِيَّ، حَدَّثَنا أَبُو حَيْوَةَ، عَنْ سَعِيدٍ بإسْنادِهِ وَمَعْناهُ زادَ فَقال: "قَطَعَ صَلاتَنا قَطَعَ اللهُ أَثَرَهُ". قال أَبُو داوُدَ: وَرَواهُ أَبُو مُسْهِرٍ، عَنْ سَعِيدٍ قال فِيهِ: "قَطَعَ صَلاتَنا" (¬2). 707 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الهَمْدانِيُّ ح، حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ داوُدَ قالا: حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي مُعاوِيَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ غَزْوانَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ نَزَلَ بِتَبُوكَ وَهُوَ حاجٌّ فَإِذا رَجُلٌ مُقْعَدٌ فَسَأَلَهُ عَنْ أَمْرِهِ فَقال لَهُ: سَأُحَدِّثُكَ حَدِيثًا فَلا تُحَدِّثْ بِهِ ما سَمِعْتَ أَنِّي حَيٌّ إِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نزَلَ بِتَبُوكَ إِلَى نَخْلَةٍ فَقال: "هذِه قِبْلَتُنا" ثمَّ صَلَّى إِلَيْها، فَأَقْبَلْتُ وَأَنا غُلامٌ أَسْعَى حَتَّى مَرَرْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَها، فَقال: "قَطَعَ صَلاتَنا قَطَعَ اللهُ ¬

_ (¬1) رواه البخاري في "التاريخ الكبير" 8/ 365 (3349)، وابن أبي شيبة 1/ 283 (2937)، والبيهقي 2/ 275. وضعفه الألباني (111). (¬2) رواه البيهقي في 2/ 324. وضعفه الألباني (112).

أَثَرَهُ". فَما قُمْتُ عَلَيْها إِلَى يَوْمِي هذا (¬1). * * * باب ما يقطع الصلاة [702] (ثنا حفص بن عمر) قال: (ثنا شعبة ح (¬2)، وثنا عبد السلام بن مطهر) بضم الميم وتشديد الهاء المكسورة (¬3)، ابن حسام بن مصك بفتح الميم والصاد المهملة (¬4)، الأزدي، روى له البخاري (و) محمد (ابن كثير) العبدي، شيخ البخاري (المعنى (¬5) أن سليمان بن المغيرة) القيسي (¬6) (أخبرهم، عن حميد (¬7) بن هلال، عن عبد الله بن الصامت) الغفاري البصري وثقه النسائي (¬8) (عن) عمه (أبي ذر) الغفاري. ¬

_ (¬1) رواه البخاري "التاريخ الكبير" 8/ 365، والطبري في "تهذيب الآثار" 1/ 302 (561)، والطبراني في "مسند الشاميين" 3/ 195 (2067)، والبيهقي 2/ 275، والمزي في "التهذيب" 23/ 101. وضعفه الألباني (112). (¬2) من (س، ل، م). (¬3) كذا قيده الشارح، وقيده آخرون بفتح الهاء مع التشديد، لا بكسرها. انظر: "فتح الباري" لابن حجر 11/ 239، "عمدة القاري" للعيني 1/ 236، 23/ 36. (¬4) كذا قيده المصنف، وقيده آخرون بكسر الميم وفتح الصاد بعدها كاف مثقلة. ومعناه: القوي الجسيم الشديد الخلق. انظر: "مطالع الأنوار" 4/ 279، "النهاية" لابن الأثير 3/ 43. (¬5) في (س): المفتي. (¬6) في (ص): العبسي. (¬7) في (م): أحمد. (¬8) "تهذيب الكمال" 15/ 120.

(قال حفص) بن عمر في روايته (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وقالا) أي عبد السلام وابن كثير دون حفص (عن سليمان) بن المغيرة (قال: قال أبو ذر يقطع صلاة الرجل) وكذا المرأة، والصبي (إذا لم يكن بين يديه قِيد) بكسر القاف يقال بينهما قيد رمح وقاد رمح أي قدره (آخرة) بمد الهمزة (الرحل) والسرج، وهي الخشبة التي يستند إليها الراكب، والجمع الأواخر، وهذِه أفصح اللغات، وهي أفصح من مُؤْخِرَة كما تقدَّم، وتقدَّم تقديرها بثلثي ذراع على المشهور والمراد: إذا وضع شيئًا مرتفعًا بقدر مُؤخِرَةِ الرَّحل، فإذا وضع ذلك فلا يضره مَن مَرَّ من (¬1) وراء ذلك؛ فإن لم يضع شيئًا يقطع صلاته من مَرَّ، هذا ظاهر الحديث. ولكن لا يجوز أن يُحمل هذا الحديث على ظاهره للأحاديث الدالة على خلاف ذلك فيحمل القطع هنا على أن المراد هنا يقطع كمال الصلاة؛ لأن الرجل إذا مر بين يديه شيء من هذِه الأشياء شوش عليه قلبه واجتماع حضوره، فإذا زال حضور القلب زال كمال الصلاة. (الحمار) بالرفع فاعل يقطع (والكلب الأسود) وتقييد الكلب بالأسود في مسلم أيضًا (¬2) (والمرأة) سيأتي (¬3) تقييدها بالحائض (فقلت: ما بال) الكلب (الأسود من الأحمر من) الكلب (الأصفر من الأبيض؟ ) من الأحمر (¬4) (فقال: يا ابن أخي) أي: فقال أبو ذر لعبد الله (¬5) بن ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "صحيح مسلم" (510/ 265). (¬3) في (ص، س): شيئًا في. (¬4) ذِكرُ الأحمر في الشرح هنا مكرر، وقد تقدم ذكره في المتن. (¬5) كانت في (ص، س، م): عبادة. والمثبت من (ل).

الصامت: يا ابن أخي (سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما سألتني، فقال: الكلب الأسود شيطان) والمراد بالأسود: البهيم، وهو الذي ليس في لونه شيء سوى السواد، [وأخذ به أحمد] (¬1)، فقال: إذا مر الكلب الأسود البهيم بين يدي المصلي، فإنه يقطع صلاته، ولا يقطعها شيء غيره؛ لا من الكلاب، ولا من غيرها (¬2). وإذا لم يكن الأسود بهيمًا لم يقطعها؛ لقوله عليه السلام: "لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها، فاقتلوا منها كل أسود بهيم" (¬3)، فخص الأسود البهيم بالذكر. قال الطحاوي وغيره: إن حديث أبي ذر ومن وافقه منسوخ (¬4)، بحديث عائشة الآتي، وغيرها، وتعقب بأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا علم التاريخ وتعذر الجمع، والتاريخ هنا لم يحقق، والجمع لم يتعذر. ومال الشافعي، وغيره إلى تأويل القطع في حديث أبي ذر بأن المراد به قطع كمال الصلاة كما تقدم (¬5)، ونقص الخشوع لا الخروج من الصلاة، ويؤيد ذلك أنَّ الصحابي راوي الحديث سأل عن الحكمة (¬6) في التقييد بالأسود؟ فأجيب بأنه شيطان، ويشبه أن الكلب الأسود ¬

_ (¬1) في (ص): آخرته أحمر. وسقط من (س). (¬2) انظر: "مسائل أحمد" رواية عبد الله (365/ 415). (¬3) أخرجه أحمد 4/ 85، وأبو داود (2845) وغيرهما من حديث عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه -. وسيأتي تخريجه في بابه إن شاء الله تعالى. (¬4) زاد في (م): والكلب. (¬5) انظر: "المجموع" 3/ 250 - 251. (¬6) في (ص، س، ل): الحكم.

يتصور به الشيطان دون الأحمر والأبيض، وقد علم أن الشيطان لو مر بين يدي المصلي لم يفسد صلاته كما في "الصحيح": "إن الشيطان عرض لي فشدَّ علي" (¬1)، وللنسائي من حديث عائشة: "فأخذته فخنقته فصرعته" (¬2). فقد حصل المرور منه، ولم تفسد صلاته. وقال بعضهم: حديث أبي ذر مُقَدَّم؛ لأن حديث عائشة على أصل الإباحة. انتهى. وهو مبني على أنهما متعارضان، ومع إمكان الجمع المذكور لا تعارض. [703] (ثنا مسدد) قال: (ثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن شعبة) بن الحجاج العتكي، قال: (ثنا قتادة) بن دعامة السدوسي. (قال: سمعت جابر بن زيد) الأزدي، صاحب ابن عباس (يحدث عن ابن عباس - رفعه شعبة - قال: يقطع الصلاة المرأة الحائض والكلب) كذا قيد المرأة بالحائض ابن ماجه من طريق أبي بكر بن خلاد، عن يحيى بن سعيد المذكور، ولفظه: "يقطع الصلاة الكلب الأسود والمرأة الحائض" (¬3)، وفي معنى الحائض: النفساء، ويشبه أن يكون الرجل الجنب في معنى الحائض، وإذا قطعت الصلاة بالمرأة الحائض عند من قال به؛ فبالرجل المشرك أولى. (قال أبو داود: أوقفه (¬4) سعيد، وهشام، وهمام، عن قتادة، عن جابر ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (1210). (¬2) "السنن الكبرى" (11375)، وفيه: فأخذه فصرعه فخنقه. أي: من فعله عليه السلام لا من قوله. (¬3) "سنن ابن ماجه" (949). (¬4) في (ص، س، ل): وفيه.

ابن زيد، على بن عباس) (¬1) والموقوف على الصحابي عندهم أن يروي الراوي الحديث مسندًا إلى الصحابي، فإذا وصل إلى الصحابي وقف عليه، وقال: إنه كان يقول كذا وكذا. [704] (ثنا محمد بن (¬2) إسماعيل) ابن أبي سمية (¬3) (البصري) مولى بني (¬4) هشام، روى له (¬5) البخاري عن محمد بن أبي غالب، عنه (¬6). ¬

_ (¬1) أما الطريق المرفوعة فأخرجها ابن ماجه (949)، وأحمد 1/ 347، وابن خزيمة (832)، وابن حبان (2387). وهذه طريق شعبة. وأما الرواية الموقوفة فأخرجها النسائي 2/ 64 من طريق شعبة وهشام عن قتادة، وقفه هشام ورفعه شعبة. وأخرجه البزار في "مسنده" (5268)، من طريق سعيد عن قتادة. وفي "علل ابن أبي حاتم" (606): وسالت أبي عن حديث رواه يحمى بن سعيد القطان، عن شعبة، عن قتادة قال: سمعت جابر بن زيد يحدث عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يقطع الصلاة المرأة الحائض والكلب". قال يحيى بن سعيد: أخاف أن يكون وهم. وقال أبو حاتم: هو صحيح عندي. ورجح الإمام أحمد رواية الوقف. نقله ابن رجب في "فتح الباري" 4/ 121 قال: وقال الإمام أحمد: ثنا يحيى، قال شعبة رفعه، قال: وهشام لم يرفعه. قال أحمد: كان هشام حافظًا. قال ابن رجب: وهذا ترجيح من أحمد لوقفه. وصححه الألباني على شرط البخاري في "صحيح أبي داود" (700). (¬2) من (س، م). (¬3) في (ص، س): ابن أبي. وسقط من (م). والمثبت من (ل) والمصادر. (¬4) في (م): ابن. (¬5) من (م). (¬6) "صحيح البخاري" (7554).

قال: (ثنا معاذ) قال: (ثنا هشام، عن يحيى، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: أحسبه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا صلى أحدكم إلى غير سترة) بالشروط المتقدمة. (فإنه يقطع صلاته الحمار) والكلب الأسود (والخنزير، واليهودي) والنصراني (والمجوسي، والمرأة) الحائض (ويجزئ عنه) [أي عن الساتر] (¬1) إذا مروا) يعني الحمار، واليهودي، فغلب ضمير المذكر العاقل على غيره، أن يبعُدوا عنه إذا مروا [بين يديه] (¬2) (على قذفة) أي: رمية (بحجر) فيه دلالة على أن التحديد بين المصلي وبين المار بين يديه إذا لم يكن سترة، مقداره رمية بحجر، وفي المسألة ثلاثة أوجه تقدمت قريبًا، وهذا أقواها لهذا الحديث. [(قال أبو داود: في نفسي من هذا الحديث شيء ذاكرته إبراهيم وغيره [فلم أر أحدًا] (¬3) يحدث به عن هشام، والوهم من ابن أبي سمينة [والمنكر فيه] ذكر المجوسي وفيه على قذفة بحجر، وذكر الخنزير، وفيه نكارة، [ولم أسمع] (¬4) هذا الحديث إلا من محمد بن إسماعيل بن أبي سمينة، وأحسبه وهم لأنه كلان يحدثنا من حفظه)] (¬5). [705] (ثنا محمد بن سليمان الأنباري) بتقديم النون على الموحدة قال: (ثنا وكيع، عن سعيد بن عبد العزيز، عن مولى) اسمه سعيد ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) من (م). (¬3) و (¬4) ساقط من (م). (¬5) ما بين المعقوفين من (م)، والمثبت من "السنن".

(ليزيد بن نمران) بكسر النون وسكون الميم [ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬1). (عن يزيد بن نمران) بكسر النون وسكون الميم، (¬2) بعد الألف نون - ويقال: يزيد بن غزوان - المذحجي بفتح الميم وإسكان الذال المعجمة، الذماري، شهد يوم راهط مع مروان، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3). (قال: رأيت رجلًا بتبوك مُقعدًا) بضم الميم وفتح العين مِن: أُقعِد بالبناء للمفعول إذا أصابه داء في جسده فلا يستطيع المشي والقيام، فسألته (فقال: مررت بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنا على حمار، وهو يصلي فلم أنزل عنه، فقال: اللهم اقطع أثره) دعا (¬4) عليه بالزمانة؛ لأنه إذا زَمِنَ انقطع مشيُه، فانقطع أثره من الأرض، فلا يرى لأقدامه في الأرض أثر، ومنه قوله تعالى: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} (¬5) أي: خطاهم إلى المسجد، ومنه حديث: "يا (¬6) بني سلمة دياركم تكتب آثاركم" (¬7) (¬8) (فما مشيت) بفتح الشين (عليها بعد) كذا رواية المصنف ¬

_ (¬1) "الثقات" 6/ 373. (¬2) من (س، ل). (¬3) "الثقات" 5/ 539. (¬4) قبلها في (س، ص، ل): وفي رواية ذكرها. (¬5) يس: 12. (¬6) سقط من (ص). (¬7) أخرجه مسلم (665/ 280). (¬8) زاد هنا في جميع النسخ: ورواه أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر. وليس هذا موضعها. وهي زيادة مقحمة.

(عليها) بالإفراد، ورواه المستغفري في "دلائل النبوة" بهذا اللفظ إلا أنه قال: فما مشيت عليهما (¬1). بزيادة الميم على التثنية للرجلين. [706] (ثنا كثير (¬2) بن عبيد) مصغر الحمصي (المذحجي) (¬3) المقرئ إمام جامع حمص، أم بأهل حمص ستين سنة فما سها في صلاته قط، وثقه أبو حاتم (¬4). قال: (ثنا حيوة) (¬5) بن شريح (¬6) بن صفوان التجيبي، قال خالد بن الفِزْر (¬7): كان ضيق الحال جدًّا فجلست إليه وهو يدعو، فقلت: لو دعوت الله أن يوسع عليك. فالتفت يمينًا وشمالًا فلم ير أحدًا، فأخذ حصاة، فقال: اللهم اجعلها ذهبًا. فإذا هي والله تبرة في كفه فرمى بها إلي، وقال: لا خير في الدنيا إلا للآخرة. فقلت: ما أصنع بهذِه؟ فقال: استنفقها. فهبته والله أن أرُدَّه (¬8). (عن سعيد) بن عبد العزيز (بإسناده ومعناه) المتقدم و (زاد) فيه (قطع ¬

_ (¬1) أخرجه ابن أبي شيبة في "مسنده" (717). (¬2) في (ص، س، ل): محمد. (¬3) في جميع النسخ: المدلجي. والمثبت من المصادر. (¬4) "الجرح والتعديل" 7/ 155. (¬5) كذا في جميع النسخ: حيوة. وهو خطأ والصواب: أبو حيوة. وبناءً على هذا الخطأ فسَّره الشارح بأنه حيوة بن شريح الزاهد. وأبو حيوة هو شريح بن يزيد الحمصي، وثقه ابن حبان. (¬6) في (ص): سريج. (¬7) في (ص): العدر. (¬8) أخرجه ابن أبي الدنيا في "مجابو الدعوة" (122)، وليعلم أن هذه المنقبة إنما هي لحيوة بن شريح، وليس هو الراوي هنا كما قدمنا.

صلاتنا قطع الله (¬1) أثره) فيه: جواز الدعاء على المسلم إذا فعل معصية تضر بالدين، وهذا الحديث يؤيد مذهب ابن حنبل بقطع الصلاة (¬2)؛ لأن الصلاة لو لم تبطل لما دعا عليه. (ورواه أبو مسهر) عبد الأعلى بن مسهر، الغساني، شيخ الشام (عن سعيد) بن عبد العزيز (فقال فيه: قطع صلاتنا) (¬3) أي قطع كمال صلاتنا، أو أنه منسوخ كما تقدم عن الطحاوي. [707] (ثنا أحمد بن سعيد الهمداني) بإسكان الميم، المصري، قال النسائي: ليس بالقوي (¬4). وقال: تفرد بحديث الغار من وجه غريب، ولو رجع عنه لحدثت عنه (¬5). قال: (ثنا سليمان بن داود) بن حماد المهري، كان فقيهًا على مذهب مالك زاهدًا، قال النسائي: ثقة (¬6). (قالا: أنا) عبد الله (ابن وهب) قال (أخبرني معاوية) بن صالح الحضرمي. (عن سعيد بن غزوان) الشامي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬7) لم يرو عنه أبو داود غير هذا الحديث. ¬

_ (¬1) ساقطة من (ص). (¬2) "مسائل أحمد" رواية ابنه عبد الله (365). (¬3) أخرجه أحمد 5/ 376، والبخاري في "التاريخ" 8/ 365. قال الذهبي في "الميزان" 2/ 154: قال عبد الحق وابن القطان: إسناده ضعيف. قلت: أظنه موضوعًا. أهـ. وقال الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" (112): إسناده ضعيف. والمتن منكر. (¬4) انظر: "المعجم المشتمل" (31). (¬5) انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 314. (¬6) "مشيخة النسائي" (93). (¬7) "الثقات" 6/ 354.

(عن أبيه) غزوان الشامي (أنه نزل بتبوك (¬1) وهو حاج، فإذا رجل) مبتدأ، وهو نَكِرَة، وجاز الابتداء به لوروده بعد إذا الفجائية. (مُقعَدٌ فسأله عن أمره، فقال له: سأحدثك حديثًا، فلا تحدث) مجزوم بلا (¬2) الناهية (به ما) ظرفية زمانية، وهي حرف يدل على الزمان بالنيابة، ولو دَلَّت (¬3) على معنى الزمان بذاتها؛ لكانت اسمًا (سمعت) أي: مدة سماعك (أني حي) ومنه قوله تعالى: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} (¬4) {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (¬5). (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نزل بتبوك إلى نخلة) أي: تحتها (فقال: هذِه) النخلة (قبلتنا) فيه: أن المسافر إذا أراد النزول في مكان فيستحب أن ينزل بالقرب من حائط أو شجرة، أو غير ذلك مما يعد سترة للمصلي كما تقدم، وإن لم يجد شيئًا فينصب عصا ونحوها. (ثم صلى إليها) إلى النخلة (فأقبلت وأنا غلام): الصغير ما لم يبلغ، ويطلق على الرجل مجازًا باسم ما كان عليه (أسعى حتى مررت بينه وبينها) أي: النخلة التي اتخذها سترة. (فقال: قطع صلاتنا قطع الله أثره) أصل الأثر أثر مشيه كما تقدم، ويطلق على ما يخلفه الإنسان بعده من أثر حسن، كعِلمٍ علَّمه أو ¬

_ (¬1) في (ص): تبوك. والمثبت من (س) وبقية النسخ. (¬2) في (ص، ل): بلام. (¬3) في (ص): دل. (¬4) هود: 88. (¬5) التغابن: 16.

كتاب (¬1) صنَّفه، أو وَقفٍ أوقفه، أو بناءِ رباط، أو مسجد، ونحو ذلك، ويحتمل أن هذا المُقْعَد حُرِم هذا أيضًا بدعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الزمانة الظاهرة (فما قمت عليها إلى يومي هذا) (¬2) وهذا معدود من دلائل نبوته الظاهرة (¬3). * * * ¬

_ (¬1) في (ص): كان. (¬2) أخرجه الطبراني في "مسند الشاميين" (2067)، وفي إسناده سعيد بن غزوان وأبوه لا يعرفان. قال ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" 2/ 65: والحديث في غاية الضعف، ونكارة المتن؛ فإن دعاءه عليه السلام لمن ليس له بأهل زكاة ورحمة فاعلم ذلك. وحكم عليه الألباني بالنكارة كما في "ضعيف سنن أبي داود" (113). (¬3) معلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرحم الخلق بالخلق، وما كان ليدعوَ على غلام يلعب - صلى الله عليه وسلم -.

113 - باب سترة الإمام سترة من خلفه

113 - باب سُتْرَة الإِمامِ سُتْرَةُ مَنْ خلْفَهُ 708 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ الغازِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قال: هَبَطْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - منْ ثَنِيَّةِ أَذاخِرَ فَحَضَرَتِ الصَّلاةُ -يَعْنِي- فَصَلَّى إِلَى جِدارٍ فاتَّخَذَهُ قِبْلَةً وَنَحْنُ خَلْفَهُ فَجاءَتْ بَهْمَةٌ تَمرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَما زال يُدارِئُها حَتَّى لَصِقَ بَطْنُهُ بِالجِدارِ وَمَرَّتْ مِنْ وَرائِهِ. أَوْ كَما قال مُسَدَّدٌ (¬1). 709 - حَدَّثَنا سُلَيْمان بْن حَرْب وَحَفْصُ بْنُ عُمَرَ قالا: حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الجَزّارِ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُصَلِّي فَذَهَبَ جَدْيٌ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَتَّقِيهِ (¬2). * * * باب سترة الإمام سترة من خلفه (¬3) [708] (ثنا مسدد) قال: (ثنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق، أحد الأعلام قال: (ثنا هشام بن الغاز) بالغين المعجمة والزاي، ابن ربيعة الجرشي ولي بيت المال للمنصور عابدًا فاضلًا ثقة (¬4)، قرأ القرآن على يحيى الذماري. (عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده - رضي الله عنه - قال: هبطنا مع رسول ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 196، والبيهقي في "الكبرى" 2/ 268. وصححه الألباني (701). (¬2) رواه الطيالسي 4/ 471 (2877)، وابن أبي شيبة 1/ 283 (2934)، والبيهقي 2/ 268 (3584). وصححه الألباني (702). (¬3) في (س): فتاب ما يؤمر المصلي أن يدرأ على الممر المرور بين يديه. وقد تقدم قبله بتباين. (¬4) "الثقات" لابن حبان 7/ 569، و"تهذيب الكمال" 30/ 258.

الله - صلى الله عليه وسلم - من ثنية) هي الطريق في الجبل، ومنه ثنية الوداع (أَذَاخِر) بفتح الهمزة، والذال المعجمة المخففة، وبعد الألف خاء معجمة مكسورة، اسم جبل بين مكة والمدينة، وفي الحديث ذكر تمر ذخيرة وهو (¬1) نوع من التمر معروف، فلعله منسوب إلى ذلك الجبل، قال المنذري: كأنها مسماة بجمع الإذخر. (فحضرت الصلاة، فصلى يعني إلى جَدْرٍ) بفتح الجيم، وسكون الدال المهملة لغة في الجدار، وهو الحائط، أي: وبينه وبين الجدر (¬2) قدر ممر عنز كما تقدم. (فاتخذه قبلة) يستتر به (ونحن) نصلي (خلفه، فجاءت بَهْمَةٌ) بفتح الباء الموحدة وسكون الهاء، وهي ولد الضأن، يطلق على الذكر والأنثى والجمع: [بهم] مثل تمر وتمرة، قال أبو زيد: يقال لأولاد الغنم ساعة تضعها الضأن أو المعز ذكرًا كان الولد (¬3) أو أنثى: سخلة، ثم هي بهمة (¬4). (تَمُرُّ بين يديه فما زال يدارئها) بدال مهملة، وهمزة بعد الراء، أي يُدافعها. قال ابن الأثير: ويروى بغير همز، من المداراة (¬5) في حسن الخلق، ¬

_ (¬1) في (ص): هو. (¬2) في (م): الحدار. (¬3) من (م). (¬4) "الصحاح" 5/ 1728. (¬5) "النهاية في غريب الحديث والأثر" (درأ).

والصحبة، والملاطفة (حتى لصق) بكسر الصاد، من باب تَعِبَ (¬1)، مثل لزق (بطنه بالجدار) ويشبه أنَّ المراد: أنَّ البهمة لما أرادت أن تمر بين يديه لاطفها ودارأها بالإشارة باليد، والمشي قليلًا قليلًا إلى الجدار حتى ألصق بطنه به، وفي رواية الطبراني في "الكبير": بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي إذ جاءت شاة تسعى بين يديه فساعاها حتى ألزق بطنه بالحائط (¬2) (ومرت من ورائه) أي: من وراء الجدار (أو كما قال: مسدد) بن مسرهد (¬3). [709] (ثنا سليمان بن حرب، وحفص بن عمر قالا (¬4): ثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن يحيى بن الجزار) بفتح الجيم والزاي المشدَّدة العُرَني بضم العين المهملة الكوفي، روى له مسلم في الآيات (¬5). (عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي فذهب جَدْيٌ) بفتح الجيم وسكون الدال. قال ابن الأنباري: هو الذكر من أولاد المعز، والأنثى منها عناق، ¬

_ (¬1) في (ص): نَعَت. (¬2) أخرجه الطبراني في "الكبير" (11937) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وصححه ابن خزيمة (827)، وابن حبان (2371)، وقال الحاكم في "المستدرك" 1/ 254: صحيح على شرط البخاري. وصححه الألباني على شرط البخاري كذلك في "صفة صلاة النبي" ص 122. (¬3) في (ص): مسدد. (¬4) في (ص): قال. (¬5) "صحيح مسلم" (2799/ 42).

وقيده بعضهم بكونه في السنة الأولى، والجمع أَجْدٍ وجِدَاء (¬1)، مثل [دَلْو وأَدْلٍ ودِلَاء] (¬2)، والجِدْي بكسر الجيم لغة رديئة (¬3). (يمر بين يديه) رواه ابن ماجه عن الحسن العُرَني قال: ذكر عند ابن عباس ما يقطع الصلاة، فذكر الكلب والحمار والمرأة، فقال: ما تقولون في الجدي؟ إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي يومًا فذهب جَديٌ يمر بين يديه فبادره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القبلة (¬4). (فجعل يتقيه) قد يُجمع بينه وبين بَادَرَه في رواية ابن ماجه أنه جعل يُسرع إلى القبلة ويتقي الجدي أن يمر بين يديه إلى أن (¬5) حجر بينه وبينها، وفي هذا الحديث والذي قبله (¬6) جواز المسارقة بالنظر (¬7)، والعمل القليل بالمشي، والإشارة إذا كان لحاجة كدفع المار ونحوه. قال أصحابنا: ولا يجوز المشي إلى دفع المار؛ لأن مفسدة المشي أشد من مرور المار بين يديه (¬8)، ولعل مرادهم بالمشي الخطوات الكثيرة المتفرقة أما الخطوة أو الخطوتان الخفيفتان (¬9) فظاهر الحديث جواز ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): أجْدٍ أو جِدَاء. (¬2) في (م): دلاء وأدل ودلاء. (¬3) "المصباح المنير" (جدي). (¬4) "سنن ابن ماجه" (953)، وسقطت كلمة القبلة من (م). (¬5) من (م). (¬6) زاد هنا في جميع النسخ: على. والمثبت أليق بالسياق. (¬7) في (م): بالطوف. (¬8) "تحفة المحتاج" 2/ 160. (¬9) في (ص): أو الخطوات الحقيقيات.

ذلك، وفيه دليل على جواز العمل القليل في الصلاة لدفع المار لكونه لحاجة، كما أنه - صلى الله عليه وسلم - خلع نعليه في الصلاة، ووضعهما عن يساره كما تقدم (¬1)، وأَمَرَ (¬2) بقتل الأسودين في الصلاة الحية والعقرب (¬3). * * * ¬

_ (¬1) تقدم برقم (65). (¬2) في (ص، س، ل): والأمر. (¬3) سيأتي برقم (921).

114 - باب من قال: المرأة لا تقطع الصلاة

114 - باب منْ قال: المَرْأَةُ لا تقْطعُ الصَّلاة 710 - حَدَّثَنا مسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْراهِيمَ، عَنْ عُرُوَةَ، عَنْ عائِشَةَ قالتْ: كنْت بَيْنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَبَيْنَ القِبْلَةِ -قال شعْبَة: أَحْسَبُها قالتْ- وَأَنا حائِضٌ (¬1). قال أَبُو داوُدَ: رَواة الزُّهْرِيّ وَعَطَاءٌ وَأَبُو بَكْرِ بْن حَفْصٍ وَهِشامُ بْنُ عُرْوَةَ وَعِراكُ بْنُ مالِكٍ وَأَبُو الأسوَدِ وَتَمِيمُ بْن سَلَمَةَ كُلُّهُمْ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ وِابْراهِيم، عَنِ الأسْوَدِ، عَنْ عائِشَةَ وَأَبُو الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عائِشَةَ والقاسِمُ بْن محَمَّدٍ وَأَبُو سَلَمَةَ، عَنْ عائِشَةَ لَمْ يَذْكرُوا: وَأَنا حائِضُ. 711 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونسَ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا هِشام بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ، أَنَّ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يصلِّي صَلاتَهُ مِنَ اللَّيْلِ وَهِيَ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ راقِدَةً عَلَى الفِراشِ الذِي يَرْقُدُ عَلَيْهِ حَتَّى إِذا أَرادَ أَنْ يُوتِرَ أَيْقَظَها فَأَوْتَرَتْ (¬2). 712 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ قال: سَمِعْتُ القاسِمَ يُحدِّثُ عَنْ عائِشَةَ قالتْ: بِئْسَما عَدَلْتُمُونا بِالِحمارِ والكَلْبِ، لقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصلِّي وَأَنا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِذا أَرادَ أَنْ يَسْجُدَ غَمَزَ رِجْلِي فَضَمَمْتُها إِلَيَّ ثمَّ يَسْجُدُ (¬3). 713 - حَدَّثَنا عاصِمُ بْنُ النَّضْرِ، حَدَّثَنا المُعْتَمِرُ، حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ أبي النَّضْرِ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عائِشَةَ أنَّها قالتْ: كنْت أَكُونُ نائِمَةً وَرِجْلايَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فَإِذا أَرادَ أَنْ يَسْجُدَ ضَرَبَ رِجْلَيَّ فَقَبَضْتهما فَسَجَدَ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (382)، ومسلم (512/ 272). (¬2) رواه البخاري (512)، (997)، ومسلم (512/ 268). (¬3) رواه البخاري (519)، ومسلم (744/ 135). (¬4) رواه البخاري (382)، ومسلم (512/ 272).

714 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ ح. قال أَبُو داوُدَ: وَحَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ -يَعْنِي: ابن محَمَّدٍ وهذا لَفْظُهُ- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عائِشَةَ أنَّها قالتْ: كُنْتُ أَنامُ وَأَنا مُعْتَرِضَةٌ فِي قِبْلَةِ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فيُصَلِّي رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وأَنا أَمامَة فَإِذا أَرادَ أَنْ يُوتِرَ. زادَ عُثْمانُ غَمَزَني ثُمَّ اتَّفَقا فَقال: "تَنَحِّيْ" (¬1). * * * باب من قال أن المرأة لا تقطع الصلاة [710] (ثنا مسلم بن إبراهيم) قال: (ثنا شعبة، عن سعد (¬2) بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، أمه أم كلثوم بنت سعد بن أبي وقاص، ولي قضاء المدينة. (عن عروة، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كنت بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين القبلة، قال شعبة: أحسبها قالت: وأنا حائض) التقييد بالحائض رواية مسلم أيضًا (¬3)، قال بعضهم: المرأة في حديث أبي ذر المتقدم (¬4) المتقدمة مُطلَقة (¬5)، وفي حديث عائشة مقيدة لكونها زوجته، فقد يحمل المطلق على المقيد، ويقال بتقييد القطع بالأجنبية لخشية الافتتان بها بخلاف الزوجة فإنها حاصلة، وقد يقال: إن حديث عائشة واقعة حال يتطرق ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 182، وابن حبان (2346). وصححه الألباني (714). (¬2) في (م): سعيد. (¬3) مسلم (514/ 247). (¬4) سقط من (م). (¬5) في (ص، ل): مبطلة.

إليها الاحتمال بخلاف حديث أبي ذر فإنه مسوق مساق التشريع العام. (قال أبو داود: رواه) أي: هذا الحديث (الزهري (¬1)، وعطاء (¬2)، وأبو بكر بن حفص) (¬3) بن عمر بن سعد بن أبي وقاص. (وهشام بن عروة (¬4)، وعراك بن مالك (¬5)، وأبو الأسود) (¬6) المدني شيخ مالك، ويعرف بيتيم عروة؛ لأنه كان في حجر عروة بن الزبير وكان أبوه قد أوصى إليه به، وهو محمد بن عبد الرحمن المدني (¬7)، (وتميم بن سلمة (¬8)، كلهم عن عروة، عن عائشة) رضي الله تعالى عنها (والقاسم بن محمد (¬9)، وأبو سلمة) (¬10) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، قيل: اسمه كنيته، وقيل اسمه عبد الله. وهو الأصح، قاله ابن عبد البر (¬11)، (عن عائشة، لم يذكروا) واحد منهم: (وأنا حائض). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (383) من طريق الزهري بنحوه. (¬2) "مصنف عبد الرزاق" (2373) من طريق عطاء بنحوه. (¬3) "صحيح مسلم" (512/ 269) بنحوه. (¬4) "صحيح البخاري" (512). (¬5) "صحيح البخاري" (384). (¬6) "مسند أحمد" 6/ 103. (¬7) من (م). (¬8) قد أخرجه مسلم وغيره دون موضع الشاهد، وهو اعتراض عائشة رضي الله عنها بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين القبلة. وأخرجه أبو الطاهر المخلِّص في "المخلصيات" (2493) من طريق تميم بن سلمة عن عروة عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي وأنا بينه وبين القبلة. (¬9) "صحيح البخاري" (519). (¬10) "صحيح البخاري" (382). (¬11) "التمهيد" 7/ 57.

[711] (ثنا أحمد بن يونس) قال: (ثنا زهير) قال: (ثنا هشام بن عروة، عن عروة، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي صلاته من الليل) أي: تطوعًا (وهي معترضة بينه وبين القبلة (¬1) راقدة) بوَّب عليه البخاري: باب التطوع خلف المرأة (¬2). وباب الصلاة خلف النائم (¬3). قال الشافعي في البويطي: ولا يستتر المصلي بامرأة؛ لأنها ربما شغلت ذهنه (¬4). قال النووي: فيه دلالة على جواز الصلاة إلى النائم من غير كراهة، وأما الحديث المتقدم: "لا تصلوا خلف النائم والمتحدث" فضعيف باتفاق الحفاظ (¬5)، وتقدمت الكراهة عن مالك، ولعل القائل بالكراهة يجيب عن هذا الحديث بأنها كانت في ظلمة الليل فوجودها كعدمها؛ إذ لا ينظر إليها ولا يستقبلها (على الفراش الذي يرقد عليه) فيه دلالة على النوم مع المرأة في الفراش فإذا أراد أن يقوم من الليل أنسل ثم تطوع خلفها (حتى إذا أراد أن يوتر) فيه دلالة على أن الأفضل أن يكون الوتر آخر صلاته من الليل كما في الحديث (أيقظها) من النوم فيه التصريح بأن المراد بالرقاد المتقدم هو نفس النوم لا الاضطجاع مع اليقظة، واستدل بالحديث الآتي فإذا أراد أن يسجد [غمز رجلي] (¬6) (فأوترت) ¬

_ (¬1) في (ص): القبنة. (¬2) "صحيح البخاري" قبل حديث (513). (¬3) قبل حديث (512). (¬4) انظر: "المجموع" 3/ 248. (¬5) "المجموع" 3/ 251، والحديث تقدم تخريجه. (¬6) في (ص، س): غمزني.

فيه دليل على ما قاله النووي في "شرح المهذب": أن من لم يكن له تهجد، ولكن وثق باستيقاظه آخر الليل؛ فيستحب له تأخير الوتر ليفعله آخر الليل لهذا الحديث وغيره (¬1). [712] (ثنا مسدد) قال: (ثنا يحيى) القطان (عن عبيد الله) بالتصغير هو العمري (قال: سمعت القاسم) بن محمد بن أبي بكر (يحدث عن عائشة قالت: بئسما عدلتمونا) بتخفيف الدال، وما في بئسما نكرة مفسرة لفاعل بئس، والمخصوص بالذم محذوف تقديره عدلكم أي تسويتكم إيانا بما ذكر، ومعني (عدلتمونا) أي: شبهتمونا، كما في رواية (¬2)، وأصله من قولهم: عدلت هذا بهذا عدلًا. من باب ضرب، إذا جعلته مثله (¬3) وقائمًا مقامه. قال الله تعالى: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} (¬4) (بالحمار والكلب، لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي وأنا معترضة بين يديه، فإذا أراد أن يسجد غمز) بالغين المعجمة والزاي (رجلي) بكسر اللام على الإفراد، والغمز الكبس باليد، ومنه حديث الغسل قال لها (¬5): "اغمزي قرونك" (¬6) أي: اكبسي ضفائر شعركِ عند الغسل، وحديث عمر أنه ¬

_ (¬1) "المجموع" 4/ 14. (¬2) أخرجه البخاري (514)، ومسلم (512/ 270). (¬3) في (س): مثلًا. (¬4) الأنعام: 1. (¬5) من (م). (¬6) في (ص، س): فروتك، وقد سبق برقم (252).

كان له غلام أسود يغمز ظهره (¬1). قال في "المطالع": أي: طعن بإصبعه فيَّ لأقبض رجلي من قبلته (¬2) (فضممتها إلي) والغمز يكون بالعين، ومنه: {وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30)} (¬3)، ويكون باليد (¬4) كقول الشاعر: وكنت إذا غمزت قناة قوم ... كسرت كعوبها (¬5) أو تستقيما (¬6) وهذا الثاني هو المراد في الحديث، استدل به من يقول: أن لمس النساء لا ينقض الوضوء، والجمهور على النقض. وحملوا هذا الحديث على أنه كان فوق حائل، قال النووي: وهذا هو الظاهر من حال النائم فلا دلالة فيه على عدم النقض (¬7)، وهذِه فروع على مذهب مالك في النقض. فمحل الاتفاق على النقض عندهم إذا وجدت اللذة في كبيرة غير ¬

_ (¬1) أخرجه الطبراني في "الأوسط" (8077)، و"الصغير" (226) عن عمر أنه دخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنسان يغمز ظهره فسأله عمر فقال: إن الناقة أتعبتنى البارحة. أو كما قال. وقال العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" 1/ 88: أخرجه الطبراني في "الأوسط" بسند ضعيف. (¬2) "مطالع الأنوار" بتحقيقنا 5/ 153. (¬3) المطففين: 30. (¬4) في (ص): بالليل. (¬5) في (س): كقرنها! (¬6) نسبه سيبويه في "الكتاب" 3/ 48 وغيره لزياد الأعجم. (¬7) "شرح النووي على مسلم" 4/ 229 - 230.

محرم قصدها أو لا، فإن قصد فلم يجد، فكذلك على الأصح، وإن لم يقصد [ولم يجد] (¬1) فلا نقض، والحائل الخفيف كالعدم، واللذة بالنظر لا تنقض على الأصح (¬2) (ثم يسجد) فيه التأخر عن السجود لانتظار قبضها، وفيه أن العمل اليسير بتحريك اليد لا يبطل الصلاة، ولا يكره إذا كان لحاجة. [713] (ثنا عاصم بن النضر) بن المنتشر (¬3) التيمي (¬4)، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬5)، وروى له النسائي، قال: (ثنا المعتمر) بن سليمان، قال: (ثنا [عبيد الله عن أبي النضر]) (¬6) سالم بن أبي أمية مولى عمر بن عبد الله بن معمر، أجمعوا أنه ثقة (¬7). (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: كنت أكون نائمة ورجلاي بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أشار ابن بطال إلى أن ذلك كان من خصائصه - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه كان يقدر على أن يملك إربه على ما لا يقدر عليه غيره، أما غيره فيخشى عليه الاشتغال بالنظر إليها؛ لأن النفوس مجبولة على ذلك (¬8) (وهو يصلي من الليل) (¬9) أي في الظلمة، ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "الشرح الكبير" للدردير 1/ 120. (¬3) في (ص): المبر. وفي (س): الميم. وفي (س، ل): المبشر. والمثبت من المصادر. (¬4) في (س): التميمي. وهو خطأ. (¬5) "الثقات" 8/ 506. (¬6) في (ص، س): عبد الله بن أبي النضر. وفي (م): عبد الله عن أبي النضر. وبياض في (ل). والمثبت من "سنن أبي داود". (¬7) انظر: "تهذيب الكمال"10/ 129. (¬8) "شرح ابن بطال" 2/ 141. (¬9) في (م): الظاهر.

والبيوت ليس فيها مصابيح (فإذا أراد أن يسجد ضرب رجلَيَّ) بتشديد الياء على التثنية (¬1)، الظاهر أن هذِه الحالة غير الحالة التي تقدمت في صلاته - صلى الله عليه وسلم -، وهي معترضة بينه وبين القبلة، رواية البخاري: وأنا مضطجعة على السرير (¬2)، فإنه في تلك الحالة (¬3) كان غير محتاج لضربها رجلها ليسجد مكان رجليها، ويمكن أن يجمع بينهما بأن يقال: كانت صلاته فوق السرير لا أسفل منه، كما جنح إليه الإسماعيلي؛ لكن حمله على حالتين أولى (¬4)؛ إذ لا مانع (فقبضتهما) من موضع سجوده فيه طاعة المرأة زوجها فيما يريده في غير التمتع بها إذا علمت ذلك، ولو لم يأمرها به (فسجد) فيه السجود في موضع النائم، وأن الأصل في الأشياء الطهارة. [714] (ثنا عثمان بن أبي شيبة) قال: (ثنا محمد بن بشر) بكسر الباء الموحدة (ح (¬5) وثنا القعنبي) قال: (ثنا عبد العزيز بن محمد، وهذا لفظه عن محمد بن عمرو) بن علقمة [بن وقاص] (¬6) (عن أبي سلمة، عن عائشة أنها قالت: كنت أنام وأنا معترضة في قبلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيصلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أمامه) بفتح الهمزة، وهو محمول على أن البيوت ليس فيها ¬

_ (¬1) في (م): السد. (¬2) "صحيح البخاري" (511). (¬3) في (م): الحاجة. (¬4) في (م): أولًا. (¬5) من (س، م). (¬6) في (ص، س، ل): ابن أبي وقاص. وفي (م): ابن أبي وقاص بن وقاص. والمثبت هو الصواب.

مصابيح، وأن ذلك كان في الظلمة كما تقدم فلا ينظرها، ويكون وجودها كالعدم (فإذا أراد أن يوتر) في آخر صلاته. (زاد عثمان) بن أبي شيبة دون القعنبي (غمزني) أي طعن بإصبعه فيَّ لأقبض رجلي من قبلته (ثم اتفقا، فقال) لي (تنحي) أي: عن مكان السجود، وهذا القول محمول على أنه قال: ذلك خارج الصلاة بعد ما سلم من ركعتين، والله سبحانه وتعالى أعلم. * * *

115 - باب من قال: الحمار لا يقطع الصلاة

115 - باب مَنْ قال: الحِمارُ لا يَقْطَعُ الصَّلاة 715 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا سُفْيان بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قال: جِئْتُ عَلَى حِمارٍ. ح، وحَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قال: أَقْبَلْتُ راكِبًا عَلَى أَتانٍ وَأَنا يَوْمَئِذٍ قَدْ ناهَزْتُ الاحْتِلامَ وَرَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي بِالنّاسِ بِمِنًى فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ فَنَزَلْتُ فَأَرْسَلْتُ الأتَانَ تَرْتَعُ وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ (¬1). قال أَبُو داوُدَ: وهذا لَفْظُ القَعْنَبِيِّ وَهُوَ أَتَمُّ. قال مالِك: وَأَنا أَرَى ذَلِكَ واسِعًا إِذا قامَتِ الصَّلاةُ. 716 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الجَزّارِ، عَنْ أَبِي الصَّهْباءِ قال: تَذاكَزنا ما يَقْطَعُ الصَّلاةَ عِنْدَ ابن عَبّاسٍ، فَقال: جِئْتُ أَنا وَغُلامٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ المطَّلِبِ عَلَى حِمارٍ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فَنَزَلَ وَنَزَلْتُ وَتَرَكْنا الِحمارَ أَمامَ الصَّفِّ فَما بالاهُ وَجاءَتْ جارِيَتانِ مِنْ بَنِي عَبْدِ المطَّلِبِ فَدَخَلَتا بَيْنَ الصَّفِّ فَما بالى ذَلِكَ (¬2). 717 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَداوُدُ بْن مِخْراقٍ الفِرْيابِيُّ قالا: حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ بهذا الحَدِيثِ بإِسْنادِهِ قال: فَجاءَتْ جارِيَتانِ مِنْ بَنِي عَبْدِ المطَّلِبِ اقْتَتَلَتا فَأَخَذَهُما. قال عُثْمان: فَفَرَّعَ بَيْنَهُما. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (493)، (861)، ومسلم (504/ 254). (¬2) رواه النسائي في "الكبرى" 1/ 272 (827)، وأحمد 1/ 308، وابن حبان 6/ 142 (2381). وصححه الألباني (710).

وقال داوُدُ: فَنَزَعَ إِحْداهُما مِنَ الأخرَى فَما بالى ذَلِكَ (¬1). * * * باب من قال: الحمار لا يقطع الصلاة [715] (ثنا عثمان بن أبي شيبة) قال: (ثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عبيد الله) بالتصغير (ابن عبد الله) بن (¬2) عتبة بن مسعود الهذلي ولد ولد أخي عبد الله بن مسعود، أحد الفقهاء السبعة. (عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: جئت على حمار، وثنا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس أنه قال: أقبلت راكبًا على) حمار (أتان) بفتح الهمزة والمثناة فوق، الأنثى من الحمر. وحكى الصغاني (¬3) كسر الهمزة (¬4)، قال في "الصحاح ": لا يقال: أتانة (¬5). لكن حكاها صاحب "المطالع" عن يونس (¬6) وغيره، والأتان أخص من الحمار؛ لأن الحمار يطلق على الذكر والأنثى، كشاةٍ. (وأنا يومئذ قد ناهزت) أي: قاربت، من قولهم: نهز نهزًا، من باب منع (¬7). أي: نهض، يقال: ناهز الصبي البلوغ. أي: داناه (الاحتلام) ¬

_ (¬1) رواه ابن حبان في "صحيحه" 6/ 120 (2356)، وأحمد 1/ 308. وصححه الألباني (711). (¬2) في (م): و. (¬3) في (ص، س، ل): الصنعاني. (¬4) انظر: "عمدة القاري" 2/ 68. (¬5) "الصحاح" 5/ 2067. (¬6) في (ص): يوسف. (¬7) في (ص، س، ل): يقع.

افتعال من الحلم، وفي قول ابن عباس هذا دليل على أنه كان حين توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن ثلاث عشرة سنة، أو نحو ذلك خلافًا لمن قال: إنه كان ابن عشر سنين، ونحوها، وإنما ذكر ابن عباس هذا تأكيدًا للحكم، وتقريرًا لروايته (¬1)، وأنه لو كان ما فعله منكرًا لأنكره عليه؛ لأن المراهق للبلوغ يُنكَرُ عليه المنكَر كالبالغ. (ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس بمنى) فيه الصرف وعدمه، فيصرف على تقدير الوضع، ويمنع باعتبار البقعة للعلمية والتأنيث. واقتصر ابن قتيبة في "أدب الكاتب" على المنع (¬2)، كما اقتصر الجوهري على الصرف (¬3)، بينها وبين مكة ثلاثة أميال. زاد في الصَّحيحين: وهو إلى غير جدار (¬4) (فمررت بين يدي بعض الصف) أي وأنا راكب. (فنزلت، فأرسلت الأتان) فيه: فضيلة أن من كان راكبًا دابة ونزل عنها (¬5) أن يُعجِّل مصلحتها في العلف، فإن كان هناك مرعى فيرسلها ترتع فيه، وإلا فيضع لها تبنًا (¬6) أو شعيرًا تشتغل فيه، وأن هذا مقدم على غيره مما يحتاج إليها، ألا ترى أن ابن عباس جاء وهم في صلاة ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): لرواية. (¬2) في (ص، س، ل): الصرف. وقال ابن قتيبة في "أدب الكاتب" (ص: 282): أسماء الأرضين لا تنصرف في المعرفة، وتنصرف في النكرة. (¬3) "الصحاح في اللغة" 3/ 1167. (¬4) "صحيح البخاري" (76). (¬5) في (س): عليها. (¬6) في (س): عنبًا.

فقدم إرسالها إلى المرعى على الصلاة التي هي أهم العبادات (ترتع) من باب نفع أي: ترعى، وأصل الرتع: الاتساع في الخصب، والموضع منه (¬1) مرتع مثل جعفر، ومنهم من يرويه: ترتعي بزيادة الياء، وهو تفتعل من المرعى (ودخلت في الصف) فيه دليل على أن الصبي إذا لم يكن معه غيره يدخل في الصف مع الرجال، ولا ينفرد خلفهم في صف وحده كالمرأة (فلم ينكر ذلك) يعني: مروره على الدابة بين يدي بعض الصف، ولا يعارض هذا الحديث الأحاديث المتقدمة: "يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود" بجواز (¬2) أن يكون المراد بقطع كمال الصلاة أو (¬3) الخشوع كما تقدم أو قبول الصلاة كما أجاب به الشافعي وغيره، أو (¬4) أن ذلك منسوخ بهذا الحديث [أو بحديث] (¬5) عائشة، كما تقدم عن الطحاوي، وعن بعض الصحابة، أو بحديث أبي (¬6) سعيد الآتي: "لا يقطع الصلاة شيء" (¬7). عليَّ (أحد) فيه: حجة لمن يقول أن سكوت الصحابة عن الإنكار حجة على جوازه؛ لكن مذهب الشافعي لا ينسب (¬8) لساكت قول (¬9). لكن هؤلاء الساكتون هنا ¬

_ (¬1) في (س): فيه. (¬2) في (س، م): يجوز. (¬3) في (م): و. (¬4) في (م): و. (¬5) و (¬6) سقط من (م). (¬7) قريبا برقم (719). (¬8) في (م): يفسر. (¬9) "الحاوي للفتاوى" للسيوطي 1/ 71.

كان فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما لم يقل: فلم ينكر ذلك عليَّ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان اللفظ يعمه؛ لأنه إنما مر بين يدي بعض الصف. وقد يمتد (¬1) الصف حتى لا يرى الإمام (¬2) من يمر بين يدي آخره (¬3)، فيحتمل أنه اطَّلع على ذلك، ويحتمل أنه لم يطلع عليه، لكنَّ في الاستدلال بعدم (¬4) إنكار غير النبي - صلى الله عليه وسلم - مع وجوده بُعدٌ، قاله بعضهم (هذا لفظ القعنبي، وهو أتم) من لفظ عثمان (¬5). (قال مالك: وأنا أرى ذلك) أي: المرور بين يدي المصلي، فإنه بوب في "الموطأ" على هذا الحديث: باب الرخصة في المرور بين يدي المصلي (¬6). [قال ابن عبد البر] (¬7) قال مالك: أنا أرى ذلك (واسعًا إذا قامت الصلاة) إذا أقيمت الصلاة وبعد أن يحرم الإمام ولم يجد المرء مدخلًا إلى المسجد إلا بين (¬8) الصفوف (¬9). انتهى. [716] (ثنا مسدد) قال (ثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله الواسطي مولى يزيد بن عطاء من سبي جرجان. (عن منصور) بن المعتمر الكوفي (عن الحكم) بن عتيبة الكندي مولاهم الكوفي. ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): تميز. (¬2) في (ص): إلا. وفي (ل): إلا ما. (¬3) في (ص، س): أخوه. (¬4) في (ص): تقدم. (¬5) سقط من (م). وعثمان هو ابن أبي شيبة. (¬6) "الموطأ" قبل حديث (366). (¬7) من (س، ل، م). (¬8) في (س): من. (¬9) "الاستذكار" 6/ 177.

(عن يحيى بن الجزار) بفتح الجيم والزاي، كما تقدم قريبًا. (عن أبي الصهباء) بفتح الصاد المهملة والباء الموحدة، صهيب البكري، روى له مسلم في الصرف (¬1)، روى عن مولاه عبد الله بن عباس. (قال: تذاكرنا ما يقطع الصلاة عند ابن عباس قال: جئت أنا وغلام من بني عبد المطلب) رواه ابن ماجه، عن ابن عباس أيضًا: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي بعرفة فجئت أنا والفضل على أتان، فمررنا على بعض الصف فنزلنا (¬2) عنها وتركناها ثم دخلنا في الصف (¬3). (على حمار) تقدم أن الحمار يطلق على الذكر والأنثى، وفيه جواز الإرداف على الدابة إذا كانت تطيق (ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي) أي: بالناس كما لابن حبان (¬4)، أي: بعرفة كما لابن ماجه (¬5) (فنزل) يعني: الفضل؛ لأنه كان أكبر من عبد الله بل كان أكبر أولاد العباس، ولهذا يكنى به، وكان للعباس عشرة من الولد لم يسلم غير هذين وقُثَم وهم أشقاء، أمهم أم الفضل لبابة بنت الحارث أخت ميمونة - رضي الله عنها - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - (ونزلت) بعده (وتركنا الحمار) يرتع (أمام الصف فما بالاه) يقال: لا أباليه، ولا أبالي به أي: لا أهتم به، ولا أكترث له (¬6)، ولم أبال ولم أبل للتخفيف، قالوا: ولا تستعمل إلا مع الجحد. ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (15940) (100). (¬2) في (م): فنسرلنا. (¬3) "سنن ابن ماجه" (947). (¬4) "صحيح ابن حبان" (2381). (¬5) "سنن ابن ماجه" (947). (¬6) في (ص): به.

وروى أحمد والنسائي، عن الفضل بن عباس قال: زار النبي - صلى الله عليه وسلم - عباسًا في بادية لنا، ولنا كليبة، وحمارة ترعى فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العصر وهما بين يديه، فلم يؤخرا ولم يزجرا (¬1) (¬2). كما سيأتي معناه. (وجاءت جاريتان من بني عبد المطلب) وفي رواية النسائي: فجاءت جاريتان تسعيان من بني عبد المطلب فأخذتا بركبتيه ففرَّع بينهما ولم ينصرف (¬3). يعني: من (¬4) صلاته، ففرق بينهما ولم يقطع، وفي رواية لغيره: أن جاريتين جاءتا (¬5) تشتدان (فدخلتا بين الصف) أي: من غير صلاة وأخذتا بركبتي النبي - صلى الله عليه وسلم - تقتتلان (¬6) (فما بالى ذلك) ولا اكترَثَ به. [717] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، وداود بن مخراق) بكسر الميم وإسكان الخاء المعجمة (¬7) آخره قاف، ويقال: ابن محمد بن مخراق (الفريابي) بكسر الفاء وبعد الراء ياء مثناة تحت وبعد الألف موحدة، قال ابن حجر: صدوق مات بعد الأربعين (¬8). (قالا: ثنا جرير، عن منصور بهذا الحديث بإسناده) المتقدم. [(قال: فجاءت جاريتان] (¬9) من بني عبد المطلب اقتتلتا) أي: تضاربتا ¬

_ (¬1) في (م): يزجر. (¬2) أخرجه أحمد 1/ 211، والنسائي 2/ 65. وسيأتي تخريجه. (¬3) "سنن النسائي " 2/ 65. (¬4) في (ص، س، ل): عن. (¬5) من (م). (¬6) رواه أبو يعلى 5/ 133 (2749)، والبيهقي 2/ 277. (¬7) سقط من (م). (¬8) "تقريب التهذيب" (1821). (¬9) تكررت في (م).

(فأخذهما) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ففرع) بفتح الفاء والراء والعين المهملتين. [قال الهروي: فرع ونزع وفرق بمعنى واحد] (¬1) (بينهما) أي: حجز وكف بينهما، يقال: فرعت بين المقتتلين (¬2)، أي: حجزت، أَفْرعُ بفتح الراء، ويقال: افرَع فرسك أي: كُفَّه. (وقال داود) بن مخراق (فنزع) بفتح النون والزاي، والعين المهملة، أي: كف (إحداهما من الأخرى) هكذا عند أبي داود، المعروف في اللغة تقدير: بعَنْ (¬3)، كما في رواية ابن حبان: فنزع إحداهما عن (¬4) الأخرى (¬5). وبوب عليه باب الإباحة للمرء أن يحجز بين المقتتلين، وهو في صلاته (فما بالى ذلك) أي: فما بالى بذلك (¬6)، كما في رواية ابن حبان، وتقدم أنه يقال بالاه، وبالى (¬7) به، أي: ما اهتم به ولا اكترث] (¬8). * * * ¬

_ (¬1) جاءت هذه العبارة في (م): بعد قوله: افرع فرسك أي كُفَّهُ. (¬2) غير واضحة في (ص). (¬3) في (ص، س): نعت. (¬4) في (ص، س، ل): من. (¬5) "صحيح ابن حبان" (2356) لكن فيه: فزع إحداهما من الأخرى. (¬6) في (م): لذلك. (¬7) تكررت في (ص، س، ل). (¬8) تقدمت هذه العبارة في (م) من قوله: قال: فجاءت جاريتان. إلى هنا تقدم في (م)، كما سيأتي معناه.

116 - باب من قال: الكلب لا يقطع الصلاة

116 - باب مَنْ قال: الكَلْبُ لا يَقْطَعُ الصَّلاةَ 718 - حَدَّثَنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ قال حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَليٍّ، عَنْ عَبّاسِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبّاسٍ، عَنِ الفَضْلِ بْنِ عَبّاسٍ قال أَتانا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ونَحْنُ فِي بادِيَةٍ لَنا وَمَعَهُ عَبّاسٌ فَصَلَّى في صَحْراءَ ليْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ، وَحِمارَةٌ لَنا وَكَلْبَةٌ تَعْبَثانِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَما بالى ذَلِكَ (¬1). * * * باب فيمن قال: الكلب لا يقطع الصلاة [718] (ثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث) الفهمي أخرج له مسلم في الفتن (¬2) (قال: حدثني (¬3) أبي، عن جدي) الليث بن سعد (¬4) (عن يحيى بن أيوب) الغافقي حدث عن أهل مكة والمدينة، والشام، وأهل مصر والعراق، [وغير ذلك] (¬5). (عن محمد بن عمر بن علي) بن أبي طالب (عن عباس) بالباء الموحدة (ابن عبيد الله) بالتصغير (ابن) عبد الله بن (عباس (¬6)، عن) عمه (الفضل بن عباس - رضي الله عنهما - قال: أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: زائرًا لأقاربه: [عمه العباس] (¬7) - رضي الله عنه - (ونحن في بادية) البدو ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 212. وضعفه الألباني (114). (¬2) "صحيح مسلم" (25/ 2898)، وفي مواضع أخرى كثيرة. (¬3) في (ص): عن. وبياض في (ل). (¬4) في (ص، س، ل): سعيد. (¬5) سقط من (س، م). (¬6) كذا قال: عباس بن عبيد الله بن عبد الله بن عباس، فجعل عبيد الله هو ابن عبد الله بن عباس وليس كذلك، وإنما هو أخوه فتنبه. (¬7) في (م): بالعباس.

خلاف الحضر. (ومعه عباس، فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة، وحمارة) فيه شاهد على أن الحمار للذكر، والأنثى: حمارة (¬1)، قال الجوهري: وربما قالوا: حمارة (¬2)، والأكثر أن يقال للأنثى: أتان (لنا وكلبة) رواية (¬3) أحمد والنسائي: كليبة. بالتصغير (¬4). قال في "المفاتيح" (¬5): التاء في حمارة وكلبة للإفراد كما يقال: تمر وتمرة، ويجوز أن تكون للتأنيث (تعبثان بين يديه) بفتح أوله والباء الموحدة من العبث، وهو ما لا فائدة فيه. ورواية أحمد والنسائي: ولنا كليبة وحمارة ترعى (¬6) (فما بالى بذلك) احتج به الشافعي (¬7)، وعامة أهل العلم على أن مرور الحمار والكلب بين يدي المصلي لا يقطع الصلاة، وذهب الحسن إلى أن الصلاة تبطل بمرور المرأة والحمار والكلب، وقال أحمد وإسحاق (¬8): تبطل بمرور الكلب الأسود فقط، واحتجوا بأحاديث متقدمة. واحتج الشافعي بهذا الحديث وغيره على عدم البطلان، والله أعلم (¬9). * * * ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "الصحاح" 2/ 636. (¬3) في (س): رواه. (¬4) "سنن النسائي" 2/ 65، وأحمد 1/ 211. (¬5) في (س): المصابيح. (¬6) "سنن النسائي" 2/ 65، وأحمد 1/ 211. (¬7) "الحاوي الكبير" 2/ 208. (¬8) "مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج" (292). (¬9) "الحاوي الكبير" 2/ 208.

117 - باب من قال: لا يقطع الصلاة شيء

117 - باب مَنْ قال: لا يَقْطَعُ الصَّلاةَ شَيءٌ 719 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنا أَبُو أُسامَةَ، عَنْ مُجالِدٍ، عَنْ أَبي الوَدّاكِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَقْطَعُ الصَّلاةَ شَيءٌ وادْرَؤوا ما استَطَعْتُمْ فَإِنَّما هُوَ شَيْطانٌ" (¬1). 720 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ الواحِدِ بْنُ زِيادٍ، حَدَّثَنا مُجالِدٌ، حَدَّثَنا أَبُو الوَدّاكِ قال: مَرَّ شابّ مِنْ قرَيْشِ بَيْنَ يَدَيْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ وَهُوَ يُصَلِّي فَدَفَعَهُ ثُمَّ عادَ فَدَفَعَهُ ثَلاثَ مَرّاتٍ فَلَمّا انْصَرَفَ قال: إِنَّ الصَّلاةَ لا يَقْطَعُها شَيءٌ ولكن قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ادْرَؤوا ما اسْتَطَعْتُمْ فإنَّهُ شَيْطانٌ". قال أَبُو داوُدَ: إِذا تَنازَعَ الخَبَرانِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نُظِرَ إِلَى ما عَمِلَ بِهِ أَصْحابُهُ مِنْ بَعْدِهِ (¬2). * * * باب من قال لا يقطع الصلاة شيء [719] (ثنا محمد بن العلاء) قال: (ثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة بن زيد، الكوفي الحافظ (عن مجالد) بكسر اللام، ابن سعيد الهمداني الكوفي، أخرج له مسلم مقرونًا بغيره (¬3)، قال النسائي: ثقة. وقال في موضع آخر: ليس بالقوي (¬4). ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة 1/ 280، والبيهقي في "الكبرى" 2/ 278. وضعفه الألباني (115). (¬2) رواه البيهقي في "الكبرى" 2/ 278. وضعفه الألباني. (¬3) "صحيح مسلم" (1480/ 42). (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 27/ 223.

(عن أبي الوداك) واسمه جبر بفتح الجيم وإسكان الباء الموحدة، ابن نوف (¬1) البكالي، أخرج له مسلم في النكاح والفتن (¬2). (عن أبي سعيد) الخدري (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يقطع الصلاة شيء وادرؤوا) أي: ادفعوا من مر بين أيديكم (ما استطعتم) أي: بأسهل ما استطعتم. (فإنما هو شيطان) قال ابن عبد البر: هذا الحديث يفسر حديث أبي سعيد المتقدم: " إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدًا يمر بين يديه وليدرءه ما استطاع، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان" (¬3). فيؤخذ من الحديثين أن المرور لا يقطع الصلاة، وأن المرور إذا كان المصلي وحده وصلى إلى غير سترة ليس بحرام بل هو مكروه. قال ابن عبد البر: وكذلك حكم الإمام إذا صلى إلى غير سترة، وأشد من ذلك أن يدخل المار بين المصلي وبين (¬4) سترته، هذا في الإمام وفي المنفرد، فأما المأموم فلا يضره من مر بين يديه، كما أن الإمام والمنفرد لا يضر واحد منهما من مر من وراء سترته؛ لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه، وإذا كان الإمام والمنفرد مصليا إلى سترة فليس عليه أن يدفع من يمر من وراء سترته، ثم قال: وهذا كله لا خلاف فيه بين (¬5) العلماء على ما رسمته (¬6). ¬

_ (¬1) في (ص، ل): قوف. وسقط من (س). (¬2) "صحيح مسلم" (1438/ 133، 2938/ 113). (¬3) "الاستذكار" 6/ 181. (¬4) من (م). (¬5) في (ص، س، ل): من بين. (¬6) "الاستذكار" 6/ 162 - 163.

[720] (ثنا مسدد) قال: (ثنا عبد الواحد بن زياد) العبدي مولاهم، البصري، قال: (ثنا مجالد) بن سعيد بن عمير الهمداني، قال: (ثنا أبو الوداك) (¬1) جبر، كما تقدم. (قال: مر شاب من قريش بين يدي أبي سعيد الخدري وهو يصلي فدفعه ثم عاد فدفعه ثلاث مرات) فيه: تكرار الدفع إذا تكرر المرور. قال أصحابنا: يدفعه أولًا بالأسهل، فإن عاد ثانيًا فبأشد من الأولى، فإن عاد ثالثًا فبأشد من الثانية، فإن أدى إلى قتله كان هدرًا، ولا يجب شيء به (¬2) كالصائل (¬3) (فلما انصرف) أي: من صلاته. (قال: إن الصلاة لا يقطعها شيء) قال ابن عبد البر: قال أبو بكر: وحدثنا ابن عينية، عن عبد الكريم قال: سألت سعيد بن المسيب فقال: لا يقطع الصلاة إلا الحدث (¬4) يعني: إلا ما يوجب الحدث الأصغر أو الأكبر، وفي معناه الحيض، قال: وحدثنا عبدة بن سليمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه أنه كان يقول: لا يقطع الصلاة شيء (¬5) إلا الكفر (¬6). (ولكن قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ادرؤوا) يعني: المار (ما استطعتم) يعني ادفعوا المار بما تقدرون عليه (فإنه شيطان) قال ابن حبان: له معنيان، ¬

_ (¬1) في (ص): داود. (¬2) من (م). (¬3) تقدم ذكر هذه المسألة. (¬4) "المصنف" (2905). (¬5) من (س، م). (¬6) "المصنف" (2908)، "الاستذكار" 6/ 162 - 163.

أحدهما: أن المراد إذا كان عالمًا بنهي المصطفى عن المرور بين يدي المصلي ثم مر بين يديه كان آثمًا عاصيًا، والعاصي يقال له في اللغة شيطان سواء كان من الجن أو الإنس؛ إذ العرب في لغتها توقع اسم الشيطنة على العصاة من أولاد آدم كما توقع مثله في العصاة من الجن، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ} (¬1). والثاني: أن المار بين يدي المصلي يكون معه شيطان يأمره بذلك، فأطلق اسم الشيطان على المار بين يدي المصلي على سبيل المجاز، كما في حديث ابن عمر: "فإن أبى فليقاتله فإن معه القرين" (¬2). (قال أبو داود: إذا تنازع الخبران) أي: تعارضا، واختلف معناهما من قولهم: تنازع القوم، إذا اختلفوا فيما بينهم (عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) هذا يدل على أن الأحاديث المتقدمة متعارضة عند أبي داود رحمه الله تعالى، وإذا تعارض الحديثان نظر إلى الترجيح من خارج، لإجماع الصحابة والأمة على ترجيح بعض الأدلة على بعض، والعمل بالراجح واجب، والقاعدة أن الخبرين المتعارضين إذا كان تاريخهما معلومًا، والمدلول قابل للنسخ، فالمتأخر ناسخ للمتقدم، ولو نقل المتأخر بالآحاد فإنه لا يرجح أحد الدليلين على الاخر إلا إذا لم يمكن (¬3) العمل بكل واحد منهما، فإن أمكن ولو من وجه دون وجه فهو أولى من الترجيح؛ لأن ¬

_ (¬1) الأنعام: 112. (¬2) أخرجه مسلم (506)، وابن ماجه (955)، وأحمد 2/ 86 من حديث ابن عمر. (¬3) في (ص، ل): يكمن. وفي (س): تكملت.

فيه إعمال الدليلين، والترجيح يؤدي إلى العمل بالراجح، وإهمال المرجوح. وقد اختلف العلماء في العمل بهذِه الأحاديث المتقدمة، فقال الطحاوي (¬1) وغيره: أحاديث القطع بالمرور منسوخة بالأحاديث الدالة على عدم القطع، كحديث عائشة، وابن مسعود (¬2)، وغيرهما، وتعقب بأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا علم التاريخ، وتعذر (¬3) الجمع كما تقدم، والتاريخ هنا لم يعلم، والجمع لم يتعذر (¬4). وجمع الشافعي بينهما بأن أحاديث القطع محمولة على قطع الكمال بنقص (¬5) الخشوع (¬6). ورجح بعضهم أحاديث قطع الصلاة والدالة على تحريم (¬7) المرور، على حديث عائشة الدال على الإباحة؛ لأنه أحوط، ونص عليه أحمد (¬8)، وبه قال الكرخي والرازي من الحنفية، وابن برهان من الشافعية، لكن هذا القول مبني على أنهما متعارضان، ومع إمكان الجمع المذكور لا تعارض، نظر إلى الترجيح من خارج، وهو أن ينظر. ¬

_ (¬1) "شرح معاني الآثار" 1/ 463. (¬2) تقدم الحديثان قريبًا. (¬3) في (ص): تقدر. وبياض في (ل). (¬4) في (ص): يتقدر. (¬5) في (ص، س): ببعض. (¬6) "نهاية المحتاج" 2/ 57. (¬7) في (ص): تحذير. وبياض في (ل). (¬8) انظر: "مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج" (292، 293).

(إلى ما عمل به الصحابة) (¬1) جميعهم، وكذا إلى ما عمل به أكثرهم، وكذا يرَجَّحَ بعمل (¬2) أهل المدينة. قال ابن التيمية كما قالت الشافعية فيما ذكره ابن العاص، وكذلك ذكره ابن برهان، وأبو الطيب (¬3)، واختاره أبو الخطاب من الحنابلة؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - مات بينهم وهو أعلم بالسنة، وفي بعض النسخ: نظر إلى ما عمل به الناس (من بعده) (¬4) - صلى الله عليه وسلم - لأن الأمة لا تجتمع على خطأ. ألا ترى إلى النزاع لما وقع للصحابة في ميراث النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولمعارضة قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} (¬5) فإنها عامة، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا نورث ما تركناه صدقة" (¬6) عمل بالحديث؛ لأن الصحابة اتفقوا على العمل به دون عموم الآية، ولم ينقل عن أحد منهم أنه رد الحديث ولا عمل بخلافه، دل على ترجيحه، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) في (ص، س): الصحاح. وبياض في (ل). (¬2) في (م): فعل. (¬3) زاد في (م): قال و. (¬4) في مطبوع "السنن": نظر إلى ما عمل به أصحابه من بعده. (¬5) النساء: 11. (¬6) سيأتي تخريجه إن شاء الله تعالى.

118 - باب رفع اليدين في الصلاة

أبواب تفريع استفتاح الصلاة 118 - باب رَفْعِ اليَدَيْنِ فِي الصَّلاةِ 721 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قال: رأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا اسْتَفْتَحَ الصَّلاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحاذِيَ مَنْكِبَيْهِ وإِذا أَرادَ أَنْ يَرْكَعَ وَبَعْدَ ما يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ - وقال سُفْيانُ مَرَّةً: وَإذا رَفَعَ رَأْسَهُ. وَأَكثَرْ ما كانَ يَقُولُ وَبَعْدَ ما يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكوعِ - وَلا يَرْفَعُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ (¬1). 722 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُصَفَّى الِحمْصِيُّ، حَدَّثَنا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنا الزُّبَيْدِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قال: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا قامَ إِلَى الصَّلاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى تَكُونا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ كَبَّر وهُما كَذَلِكَ فَيَرْكَعُ ثُمَّ إِذا أَرادَ أَنْ يَرْفَعَ صُلْبَهُ رَفَعَهُما حَتَّى تَكُونا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ قال: سَمِعَ اللهُ لَمِنْ حَمِدَهُ وَلا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي السُّجُودِ وَيَرْفَعُهُمُا فِي كُلِّ تَكبِيرَةٍ يُكبِّرُها قَبْلَ الرُّكُوعِ حَتَّى تَنْقَضِيَ صَلاتُهُ (¬2). 723 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ الجُشَمِيُّ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ بْنُ سَعِيدٍ قال: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جُحادَةَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الجَبّارِ بْنُ وائِلِ بْنِ حُجْرٍ قال: كُنْتُ غُلامًا لا أَعْقِلُ صَلاةَ أَبِي قال: فَحَدَّثَنِي وائِلُ بْنُ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي وائِلِ بْنِ حُجْرٍ قال: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فكانَ إِذا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ - قال - ثُمَّ التَحَفَ ثُمَّ أَخَذَ شِمالهُ بِيَمِينِهِ وَأَدْخَلَ يَدَيْهِ فِي ثَوْبِهِ، قال: فَإذا أَرادَ أَنْ يَرْكَعَ أَخْرَجَ يَدَيْهِ ثُمَّ رَفَعَهُما وَإذا أَرادَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ سَجَدَ وَوَضَعَ وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ وَإِذا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ أَيْضًا رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ. قال مُحَمَّد: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلْحَسَنِ ابْنِ أَبِي الحَسَنِ فَقال: هِيَ صَلاةُ رَسُولِ اللهِ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (735)، ومسلم (390/ 21). (¬2) رواه البخاري (735).

- صلى الله عليه وسلم - فعَلَهُ مَنْ فَعَلَهُ وَتَرَكَهُ مَنْ تَرَكَهُ (¬1). قال أَبُو داوُدَ: رَوَى هذا الحَدِيثَ هَمّامٌ، عَنِ ابن جُحادَةَ، لَمْ يَذْكُرِ الرَّفْعَ مَعَ الرَّفْعِ مِنَ السُّجُودِ. 724 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحِيم بْن سُلَيْمانَ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ النَّخَعِيِّ، عَنْ عَبْدِ الجَبّارِ بْنِ وائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ أنَهُ أَبْصَرَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قامَ إلَى الصَّلاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى كانَتا بِحِيالِ مَنْكِبَيْهِ وَحاذَى بإبْهامَيْهِ أُذُنَيْهِ ثُمَّ كَبَّرَ (¬2). 725 - حَدَّثَنا مسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَزِيدُ -يَعْنِي: ابن زُرَيْع- حَدَّثَنا المسْعُودِيُّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الجَبّارِ بْنُ وائِلٍ، حَدَّثَنِي أَهْل بَيْتِي، عَنْ أَبي أنَّهُ حَدَّثَهُمْ أنَّه رَأَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ التَّكْبِيرَة (¬3). 726 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا بِشْرُ بْنُ المفَضَّلِ، عَنْ عاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وائِلِ بْنِ حُجْرٍ قال: قُلْتُ: لأنظُرَنَّ إِلَى صَلاةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَيْفَ يُصَلِّي قال: فَقامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ فَكَبَّرَ فَرَفَعَ يدَيْهِ حَتَّى حاذَتا أذنَيْهِ ثمَّ أَخَذَ شِمالهُ بِيَمِينِهِ فَلَمّا أَرادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَهُما مِثْلَ ذَلِكَ ثمَّ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَلَمّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكوعِ رَفَعَهُما مِثْلَ ذَلِكَ فَلَمّا سَجَدَ وَضَعَ رَأسَهُ بِذَلِكَ المنْزِلِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ثُمَّ جَلَسَ فافْتَرَشَ رِجْلَهُ اليُسْرَى وَوَضَعَ يَدَهُ اليُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ اليُسْرَى وَحَدَّ مِرْفَقَهُ الأيمَنَ عَلَى فَخِذِهِ اليُمْنَى وَقَبَضَ ثِنْتَيْنِ وَحَلَّقَ حَلْقَةً وَرَأَيْتُة يَقولُ هَكَذا. وَحَلَّقَ بِشْرٌ الإِبْهامَ والوُسْطَى وَأَشارَ بِالسَّبّابَةِ (¬4). 727 - حَدَّثَنا الحَسَن بْن عَليٍّ، حَدَّثَنا أَبُو الوَليدِ، حَدَّثَنا زائِدَةُ، عَنْ عاصِمِ بْنِ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (401/ 54). (¬2) رواه النسائي في "الكبرى" 221/ 1 (643). وضعفه الألباني (117). (¬3) رواه الطبراني في "مسند الشاميين" 3/ 45. وصححه الألباني (725). (¬4) رواه أحمد 4/ 318، والنسائي في "الكبرى" 1/ 310 (993). وصححه الألباني (716).

كُلَيْب بإِسْنادِهِ وَمَعْناهُ قال: فِيهِ ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ اليُسرَى والرُّسْغِ والسّاعِدِ وقال فِيهِ: ثُمَّ جِئْتُ بَعْدَ ذَلِكَ في زَمانٍ فِيهِ بَرْدٌ شَدِيدٌ فَرَأَيْتُ النّاسَ عَلَيْهِمْ جُلُّ الثِّيابِ تَحَرَّك أَيْدِيهِمْ تَحْتَ الثِّيابِ (¬1). 728 - حَدَّثَنا عُثْمان بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا شَرِيكٌ، عَنْ عاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ وائِلِ بْنِ حُجْرٍ قال: رَأيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ افْتَتَحَ الصَّلاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حِيال أُذُنَيْهِ، قال: ثُمَّ أَتَيْتهُمْ فَرَأَيْتُهُمْ يَرْفَعُونَ أَيْدِيهُمْ إِلَى صُدُورِهُمْ في افْتِتاحِ الصَّلاةِ وَعَلَيْهِمْ بَرانِسُ وَأكسِيَةٌ (¬2). * * * أبواب تفريع استفتاح الصلاة باب [رفع اليدين] (¬3) [721] (ثنا أحمد بن حنبل) قال: (ثنا سفيان، عن الزهري، عن سالم) بن عبد الله (عن أبيه) عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - (قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استفتح) وفي رواية: افتتح (¬4) (الصلاة) أي: إذا شرع في الصلاة (رفع يديه) اختلفوا في الحكمة في رفع اليدين وسببه، فقيل: إن كفار قريش وغيرهم كانوا يصلون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصنامهم تحت آباطهم؛ فأُمِرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برفع يديه ليرفعوهما معه فتسقط ¬

_ (¬1) رواه النسائي في "الكبرى" 1/ 310 (993). وصححه الألباني (717). (¬2) رواه الطحاوي 1/ 196، والخطيب في "الفصل للوصل" 1/ 442. وصححه الألباني (718). (¬3) في (س): في افتتاح الصلاة. (¬4) رواه مسلم (390).

أصنامهم (¬1). وقيل: ليراه من لا يسمع التكبير فيعلم (¬2) دخوله في الصلاة فيقتدي به. وقيل: معناه الإشارة إلى طرح الدنيا والإقبال بكليته على العبادة. وقيل: إشارة إلى تمام القيام. وقيل: لرفع الحجاب بين العبد والمعبود. وقيل: ليستقبل بجميع بدنه. قال القرطبي: هذا أقيسها (¬3). وقال الربيع: قلت للشافعي: ما معنى رفع اليدين في الصلاة؟ فقال: تعظيم الله، واتباع سنة نبيه (¬4). ونقل ابن عبد البر، عن ابن عمر أنه قال: رفع اليدين من [زينة الصلاة] (¬5) بكل رفع عشر حسنات، بكل إصبع حسنة (¬6). وقال بعض الصوفية: هو إشارة إلى طرح الدنيا وراء ظهره والإقبال بكليته على صلاته، كما يضمن قوله: الله أكبر؛ ليطابق فعله قوله. (حتى يحاذي) الحذاء - بالذال المعجمة - والإذاء والمقابل، بمعنى واحد (منكبيه) بفتح الميم وكسر الكاف، وهو ما بين الكتف والعنق، والمراد باليدين محاذاة الكفين المنكبين، كما سيأتي. ¬

_ (¬1) انظر: "شرح مختصر الخليل" للخرشي 1/ 280. (¬2) في (ص، ل): يتعلم. (¬3) انظر: "فتح الباري" 2/ 256، و"فيض القدير" للمناوي 5/ 196. وقال القرطبي في "المفهم" 2/ 20: أنسبها مطابقة قوله الله أكبر لفعله. (¬4) "الأم " 7/ 331. (¬5) في (ص): الله. وفي (ل): زينة. (¬6) "التمهيد" 7/ 83.

(و) يرفع يديه حتى يحاذي منكبيه (إذا أراد أن يركع) روى البخاري في جزء له في رفع اليدين عن شيخه علي بن المديني قال: حق على المسلمين أن يرفعوا أيديهم عند الركوع، والرفع منه (¬1)؛ لما روى نافع؛ أن ابن عمر كان إذا رأى رجلًا لا يرفع يديه إذا ركع وإذا رفع رماه بالحصا (¬2) (و) يرفع يديه (بعد ما يرفع رأسه من الركوع) كما يرفع يديه للإحرام. قال البخاري في جزء "رفع اليدين": من زعم أنه بدعة فقد طعن في الصحابة؛ فإنه لم يثبت عن أحد منهم تركه (¬3). قال: ولا أسانيد أصح من أسانيد الرفع (¬4). وذكر البخاري أيضًا أنه رواه سبعة عشر رجلًا من الصحابة (¬5). وذكر الحاكم وأبو القاسم ابن منده ممن (¬6) رواه: العشرة المبشرة بالجنة (¬7). قال ابن حجر: قال شيخنا أبو الفضل الحافظ أنه تتبع من رواه من الصحابة فبلغوا خمسين رجلًا (¬8). و(قال سفيان) في روايته (مرة: و) يكبر (إذا رفع رأسه. وأكثر ما كان ¬

_ (¬1) "رفع اليدين" (19). (¬2) "رفع اليدين" (36). (¬3) "رفع اليدين" (132). (¬4) "رفع اليدين، (135). (¬5) "رفع اليدين" (9). (¬6) في (ص): من. (¬7) انظر: "فتح الباري" 2/ 258. (¬8) "فتح الباري" 2/ 258.

يقول: وبعد ما يرفع رأسه من الركوع) اعلم أن كيفية الرفع أن يبدأ به وهو قائم مع ابتداء التكبير، فإذا حاذى كفَّاه منكبيه انحنى، كذا نقله في "شرح المهذب" (¬1) عن الأصحاب، وهذا [في الرفع للركوع] (¬2)، وأما رفعهما إذا رفع رأسه فيكون مع ابتداء رفع رأسه، وهو مقتضى الرواية الأولى عن سفيان بن عيينة، وأما الرواية الثانية التي رواها عن الزهري، وأخرجها عنه أحمد: بعد ما يرفع رأسه من الركوع. فمعناه: بعد ما يشرع في الرفع. لتتفق الروايات. (ولا يرفع) يديه (بين السجدتين) ورواية البخاري (¬3): ولا حين يرفع رأسه من السجود. وسيأتي في (¬4) رواية: ولا يرفع يديه في شيء من صلاته وهو قاعد (¬5). فيحتمل أن [عدم الرفع في القعود؛ لأن الرفع حكمته لتمام القيام؛ فإذا] (¬6) عدم القيام عدم الرفع، ويحتمل خلاف ذلك. [722] (ثنا محمد بن المصفى) بضم الميم وفتح الصاد والفاء المشددة (الحمصي) الحافظ الثقة، قال: (ثنا بقية) بن الوليد الكلاعي الحافظ، قال النسائي: إذا قال: ثنا وأنا. فهو ثقة (¬7). ¬

_ (¬1) "المجموع" 3/ 396. (¬2) في (ص، س، ل): للرفع في الركوع. (¬3) "صحيح البخاري" (738). (¬4) من (م). (¬5) رواها أحمد 1/ 93 من حديث علي. (¬6) سقط من (م). (¬7) انظر: "المغني في الضعفاء" للذهبي 1/ 109.

وقال ابن عدي: إذا روى عن أهل الشام فهو ثبت (¬1). قال: (ثنا) محمد بن الوليد (الزبيدي) بضم الزاي، الحمصي، قال ابن سعد: كان أعلم أهل الشام بالفتوى، والحديث (¬2) روى له الشيخان. (عن الزهري، عن سالم، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة رفع يديه) أي: كفيه في تكبيرة الإحرام (حتى تكونا حذو) بفتح الحاء وإسكان الذال المعجمة، أي: مقابل (منكبيه) يعني مفرقة الأصابع تفريقًا وسطًا، ويستحب كشف اليدين عند الرفع. (ثم كبر) للإحرام (وهما كذلك) أي: مرتفعتان، كذا في رواية مسلم (¬3)، [أخذ به] (¬4) صاحب "الهداية" من الحنفية، فقال: الأصح يرفع ثم يكبر؛ لأن الرفع صفة لنفي الكبرياء والعظمة عن غير الله تعالى، والتكبير إثبات ذلك له، والنفي سابق على الإثبات كما في كلمة الشهادة (¬5). وهذا مبني على أن الحكمة في الرفع ما ذكره، وقد تقدم في الحكمة مناسبات أخر قريبًا، ثم يقرأ، وإذا فرغ من القراءة (فيركع) ويرفع يديه للركوع كما في الرواية التي قبلها (ثم إذا أراد أن يرفع صلبه) بسكون ¬

_ (¬1) "الكامل في ضعفاء الرجال" 2/ 276. (¬2) "الطبقات الكبرى" 7/ 465. (¬3) "صحيح مسلم" (390/ 22). (¬4) في (ص، س): ثم حد به. وبياض في (ل). (¬5) "الهداية شرح البداية" للمرغيناني 1/ 46، وانظر: "تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق" للزيلعي 6/ 109.

اللام، وتضم للإتباع، والصلب كل ظهر له فقار، وسيأتي رواية الصحيح الآتية: وإذا أراد أن يرفع رأسه من الركوع رفع يديه (¬1) (رفعهما حتى تكونا حذو منكبيه) أي: مقابلهما مع تفرقة الأصابع وكشفهما، ثم قال. أي: يبتدئ قوله مع ابتداء رفع الرأس والصلب واليدين (سمع الله) أي: تقبل الله (لمن) أي: ممن، فاللام بمعنى من، نحو: سمعت له صراخًا، وقال جرير: لنا الفضل في الدنيا وأنفك راغم ... ونحن لكم يوم القيامة أفضل (¬2) (حمده) وجازاه عليه. ولو قال: من حمد الله سمع له. أجزأه، كما قاله في "الروضة" (¬3) (ولا يرفع يديه في السجود) أي: [لا يرفع يديه إذا قصد السجود، ولا] (¬4) في رفع رأسه من السجود، كما يرفع في (¬5) الرفع من الركوع. والفرق بينهما أن في الرفع من الركوع يرفع ليعتدل قائمًا، وأما الرفع من السجود فيرفع منه ليقعد، والقعود ليس [فيه رفع] (¬6) كما تقدم، وفيه رد على من قال: يسن الرفع فيه. وقد نقل ذلك عن ابن المنذر، وأبي علي الطبري من أصحاب الشافعي، وبعض أهل الحديث كما قال النووي (¬7) ¬

_ (¬1) الحديث الآتي. (¬2) البيت من بحر الطويل. من قصيدة لجرير يهجو بها الأخطل. انظر: "خزانة الأدب" 9/ 482. (¬3) "روضة الطالبين" 1/ 258. (¬4) و (¬5) و (¬6) سقط من (م). (¬7) "المجموع" 3/ 446 - 447.

احتجاجًا بحديث وائل الآتي الذي ذكره ابن عبد البر؛ فإن فيه: وإذا رفع رأسه من السجود رفع يديه (¬1)، فإذا صح هذا فهو زيادة من ثقة، يجب العمل بها كما قال المحدثون. وحكى النووي (¬2) وجهًا في تحقيقه أنه يستحب الرفع في كل خفض ورفع (¬3)، واستدل له بأحاديث صحيحة. (ويرفعهما في كل تكبيرة يكبرها) أي: للركوع في جميع صلاته يكبرها وهو قائم منتصب (¬4)، يبتدئ الرفع مع أبتداء التكبير؛ فإذا حاذى كفاه منكبيه، وهو قائم (قبل الركوع) انحنى بعد ذلك، نقل معنى ذلك النووي في "شرح المهذب" (¬5) عن الأصحاب، وبوب ابن حبان على حديث ابن عمر: باب ذكر البيان بأن رفع اليدين عند الركوع يجب أن يكون قبل الركوع (¬6). لكن ذكره من طريق ابن جريج، فإن بقية ليس على شرطه، يفعل ذلك في كل ركعة (حتى تنقضي صلاته) (¬7) كلها، يعني: في الفرائض والنوافل. ¬

_ (¬1) "التمهيد" 9/ 227. (¬2) "المجموع" 3/ 447. (¬3) في (ص، ل): وقع. وسقط من (س). (¬4) في (ص): منتقب. والمثبت من (س، م، ل). (¬5) "المجموع" 3/ 396. (¬6) "صحيح ابن حبان" 5/ 197. (¬7) أخرجه الطبراني في "مسند الشاميين" (1777)، والدارقطني في "سننه" 1/ 288، والبيهقي في "السنن الكبرى" 2/ 83 من طريق الزبيدي به. وقال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (713): إسناده صحيح. وكذا قال النووي؛ إلا أنه قال: أو حسن.

[723] (ثنا عبيد الله) بالتصغير (ابن عمر بن ميسرة الجشمي) مولاهم البصري القواريري، شيخ الشيخين، روى عنه البخاري في الجمعة (¬1)، ومسلم في غير موضع (¬2)، قال: (ثنا عبد الوارث بن سعيد) بن (¬3) ذكوان التميمي مولاهم التنوري، كان مهذبًا (¬4) فصيحًا. (قال: ثنا محمد بن جحادة) بضم الجيم الكوفي، قال: (حدثني عبد الجبار بن وائل بن حجر) بضم [الحاء المهملة وسكون] (¬5) الجيم، الحضرمي الكوفي، أخو علقمة، ولد بعد موت أبيه بستة أشهر، روى له مسلم في الصلاة (¬6)، هكذا قال محمد بن طاهر المقدسي (¬7) في "الجمع بين الصحيحين" (¬8). (قال: كنت غلامًا لا أعقل صلاة أبي) استدل بهذا الذهبي (¬9) على الرد على ما قال ابن معين (¬10): بعد أن وثقه، ثم قال: لم يسمع من أبيه شيئًا. وقال أيضًا: مات وهو حمل. ¬

_ (¬1) (920) قال: حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري. (¬2) (181، 1419، 1456). (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): معربًا. (¬5) سقط من (م). (¬6) "صحيح مسلم" (54/ 401). (¬7) في (م): القرشي. (¬8) "الجمع بين رجال الصحيحين" 1/ 327. (¬9) "تذهيب التهذيب" 5/ 362. (¬10) "تاريخ ابن معين" برواية الدوري 3/ 11، 390.

وقال ابن حبان في "الثقات": مات سنة ثنتي عشرة ومائة (¬1). قال: (فحدثني وائل بن علقمة، عن وائل بن حجر) بإسكان الجيم، قال الذهبي (¬2): والصواب علقمة بن وائل، عن أبيه، وعنه أخوه؛ فإن رواية مسلم (¬3): حدثني عبد الجبار بن وائل، عن علقمة بن وائل ومولى لهم، أنهما حدثاه، عن أبيه وائل بن حجر أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (قال: صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان إذا كبر رفع يديه) قال القرطبي: زعم بعض من لقيناه من الفقهاء أن "كان" مهما أطلقت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلزمها الدوام والكثرة، قال: بحكم عرفهم، وإلا فأصلها أن تصدق على من فعل الشيء مرة واحدة (¬4). انتهى. ولم يرد التفرقة بين الرجل والمرأة في الرفع إلا عند الحنفية (¬5)، كما سيأتي [فاعلم ذلك] (¬6). (قال: ثم التحف) زاد مسلم: بثوبه. والالتحاف والاشتمال والتلفف كله بمعنًى، وفيه دليل على أن العمل اليسير في الصلاة لا يفسدها خلافًا لما حكى العبدي (¬7) من متأخري أئمة العراقيين أن العمل فيها عمدًا مفسد ¬

_ (¬1) "الثقات" 7/ 135. (¬2) "تذهيب التهذيب" 9/ 341. (¬3) (401/ 54). (¬4) "المفهم" 2/ 18. (¬5) انظر: "البحر الرائق" 1/ 339. (¬6) سقط من (س، م). (¬7) هو: أحمد بن محمد البصري العبدري المالكي. كنيته أبو يعلى. توفي (490 هـ). انظر ترجمته في "سير أعلام النبلاء" (19/ 156 - 157).

للصلاة، قال: ويستوي في ذلك قليله وكثيره حكاه عنه القرطبي (¬1). (ثم أخذ شماله بيمينه) لفظ مسلم: ثم وضع يده اليمنى على اليسرى. وفيه دليل على استحباب وضع اليد اليمنى على اليسرى بعد تكبيرة الإحرام ويجعلهما تحت صدره فوق سرته، هذا مذهبنا المشهور (¬2)، وهي رواية مطرف وابن الماجشون، عن مالك (¬3)، وبه قال الجمهور (¬4). وقال أبو حنيفة (¬5)، وسفيان الثوري، وإسحاق بن راهويه (¬6)، وأبو إسحاق المروزي من أصحابنا: يجعلهما تحت سرته، وعن أحمد (¬7) روايتان كالمذهبين، ورواية ثالثة أنه مخير بينهما، ولا ترجيح، وبهذا قال الأوزاعي، وابن المنذر (¬8). ورواية ابن القاسم، عن مالك (¬9) أنه يسدلهما، وروى أشهب التخيير والإباحة، قال النووي (¬10): ورواية جمهور أصحابه الإرسال، وهو مذهب الليث بن سعد (¬11)، وعن ¬

_ (¬1) "المفهم لما أشكل من صحيح مسلم" 2/ 21. (¬2) انظر: "المجموع" 3/ 313. (¬3) انظر: "المفهم" 2/ 21. (¬4) انظر: "المجموع" 3/ 313. (¬5) "المبسوط " 1/ 112. (¬6) "مسائل أحمد وإسحاق" برواية الكوسج (216). (¬7) السابق (215، 216). (¬8) " الأوسط" 3/ 243. (¬9) انظر: "المدونة" 1/ 169. (¬10) "شرح النووي على مسلم" 4/ 114 - 115. (¬11) انظر: "شرح النووي على مسلم" 4/ 115.

مالك (¬1) أيضًا استحباب الوضع في النفل والإرسال في الفرض، ورجحه البصريون (¬2) من أصحابه. (وأدخل يديه في ثوبه) فيه: جواز (¬3) إدخال اليد في الكم في الصلاة؛ (قال: فإذا أراد أن يركع أخرج يديه، ثم رفعهما) فيه جواز استحباب كشف اليدين عند رفعهما للتكبير، وفيه دليل على رفع اليدين للركوع إذا أراد أن يركع، كما تقدم. (وإذا أراد أن يرفع رأسه من الركوع رفع يديه) أي: إلى حذو منكبيه. رواية مسلم: فلما قال: "سمع الله لمن حمده" رفع يديه (¬4). (ثم سجد، ووضع وجهه بين كفيه) فيه دليل على أن السنة في السجود أن يضع كفيه حذو وجهه، ومقابل (¬5) منكبيه، كما في تكبيرة الإحرام. والذي قاله أصحابنا أن السنة أن يضم أصابع يديه ويبسطها إلى جهة القبلة ويضع كفيه حذو منكبيه، ويعتمد على راحتيه ويرفع ذراعيه، كما سيأتي في حديث أبي حميد في الباب بعد هذا؛ أنه وضع كفيه حذو منكبيه. وكذا رواية (¬6) ابن خزيمة أيضًا (¬7) (وإذا رفع رأسه من السجود ¬

_ (¬1) "المدونة" 1/ 169. (¬2) في النسخ الخطية: المصريون. والمثبت من "شرح النووي على مسلم" 4/ 115. (¬3) سقط من (س، م، ل). (¬4) "صحيح مسلم" (401). (¬5) في (ص، ل): مقابلة. وفي (س): يقابله. (¬6) في (م): رواه. (¬7) 1/ 323 (640).

أيضًا رفع يديه) قال ابن عبد البر: ومن أهل الحديث من يرفع يديه عند السجود، والرفع منه (¬1) لحديث وائل بن حجر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك (¬2). (حتى فرغ من صلاته) كلها (قال محمد) بن جحادة (فذكرت ذلك للحسن بن أبي الحسن) يسار قيل مولى زيد بن ثابت أمه: خيرة مولاة أم المؤمنين أم سلمة مات سنة عشرة ومائة، عاش نحوًا من ثمان وثمانين سنة. (فقال: هي صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعله من فعله، وتركه من تركه) أي: [من رفع] (¬3) يديه كما ذكر فقد فعل سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن تركه فقد تركها. (روى هذا الحديث همام) بن يحيى بن دينار العوذي. قال أحمد: ثبت في كل المشايخ (¬4). (عن) محمد (ابن جحادة) و (ولم يذكر الرفع) أي: رفع اليدين (مع الرفع من السجود) (¬5). ومخالفة همام لعبد الوارث لا تكون علة (¬6)؛ لأن عبد الوارث ثقة، ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "الاستذكار" 4/ 102. (¬3) في (م): فمن. (¬4) انظر: "سير أعلام النبلاء" 7/ 198. (¬5) أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" (905) وابن حبان في "صحيحه" (1862) من طريق عبد الوارث بن سعيد، به. وقال الألباني: إسناده صحيح على شرط مسلم، وقد أعله المصنف بأن همامًا رواه عن ابن جحادة فلم يذكر فيه رفع اليدين عند الرفع من السجود. وهذه علة غير قادحة؛ لأن زيادة الثقة مقبولة. انظر: "صحيح سنن أبي داود" (714). (¬6) من (م)، وفي (س، ل): عد به.

وزيادته مقبولة، وعدم (¬1) ذكرها في مسلم (¬2) لا يدل على عدم صحته، وجودها من طريق غيره، بل يؤيدها ما رواه أحمد بن حنبل في "مسنده" قال: ثنا يزيد [ثنا أشعث] (¬3)، عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه: صليت خلف النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكان يرفع يديه كلما كبر، ورفع ووضع، وبين السجدتين (¬4). ففي هذِه الرواية الرفع بين السجدتين من رواية عبد الجبار، عن أبيه. استدل به بعض أصحابنا على استحباب رفع اليدين في الرفع من السجود. قال ابن الملقن: وهو قوي، فقد صح في النسائي من حديث أبي قلابة. قال ابن القطان (¬5): صح الرفع بين السجدتين، وعند الرفع من السجود حتى النهوض إلى ابتداء الركعة من حديث ابن عباس ومالك بن الحويرث، عند النسائي، وابن عمر عند الطحاوي (¬6). ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (401/ 54). (¬2) في (ص، س، ل): خالف. (¬3) في (ص، س، ل): بن أشعب. (¬4) "مسند أحمد" 4/ 317. (¬5) "بيان الوهم والإيهام" 5/ 612 - 613. (¬6) أخرج النسائي في "المجتبى" 2/ 232 من حديث النضر بن كثير أبو سهل الأزدي قال: صلى إلى جنبي عبد الله بن طاوس بمنى في مسجد الخيف فكان إذا سجد السجدة الأولى فرفع رأسه منها رفع يديه تلقاء وجهه، فأنكرت أنا ذلك، فقلت لوهيب بن خالد: إن هذا يصنع شيئًا لم أر أحدًا يصنعه! فقال له وهيب: تصنع شيئًا لم نر أحدًا يصنعه؟ ! فقال عبد الله بن طاوس: رأيت أبي يصنعه، وقال أبي: رأيت ابن عباس يصنعه، وقال ابن عباس: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصنعه. =

قال ابن عبد البر: قيل لأحمد بن حنبل: يُرفع عند القيام من اثنتين، وبين السجدتين؟ قال: لا، أنا أذهب إلى حديث سالم، عن أبيه، ولا أذهب إلى حديث وائل بن حجر؛ لأنه مختلف في ألفاظه. وقد عارضه حديث ابن عمر في "صحيح البخاري" (¬1): ولا يفعل ذلك حين يسجد ولا حين يرفع رأسه من السجود (¬2). وروى الدارقطني من رواية أبي موسى: ولا يرفع بين السجدتين (¬3). ورجاله ثقات (¬4). [725] (ثنا مسدد) قال: (ثنا يزيد بن زريع) قال: (ثنا) عبد الرحمن بن عبد الله (المسعودي) الكوفي أحد الأعلام، قال الحاكم في (¬5) المسعودي: محله الصدق. وأخرج له في "المستدرك" (¬6) قال: (حدثني عبد الجبار بن وائل) ¬

_ = وأخرج النسائي في "السنن الكبرى" 1/ 228 من حديث مالك بن الحويرث؛ أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يرفع يديه في صلاته إذا رفع رأسه من ركوعه، وإذا سجد، وإذا رفع رأسه من سجوده حتى يحاذي بهما فروع أذنيه. وأخرج الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (5831) من حديث ابن عمر؛ أنه كان يرفع يديه في كل خفض ورفع وركوع وسجود، وقيام وقعود بين السجدتين، ويزعم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يفعل ذلك. (¬1) "صحيح البخاري" (738). (¬2) "الاستذكار" 4/ 106. (¬3) "سنن الدارقطني" 1/ 292. (¬4) قاله الحافظ في "التلخيص" 1/ 542. (¬5) سقط من (م). (¬6) "المستدرك" 2/ 10.

قال: (حدثني أهل بيتي) يقال: إنه أخوه علقمة (عن أبي) هذا يدل على أنه لم يدرك أباه، وهو الصواب كما تقدم (أنه حدثهم، أنه رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرفع يديه مع التكبيرة) (¬1) لفظة مع (¬2) هنا دالة على المقارنة والمصاحبة، بخلاف الرواية المتقدمة بلفظ: رفع يديه، ثم كبر. وفي رواية مسلم (¬3)، عن مالك بن الحويرث: كبر ثم رفع يديه. وأما ورود مع بمعنى بعد [كما قال بعض] (¬4) أهل اللغة في قوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5)} (¬5) لتعذر المصاحبة في الآية، فالوجه فيه أن يقال: لما وعده الله تعالى اليسر، وكان وعد الله مفعولًا، عبَّر عنه بالمصاحبة والاقتران تحقيقًا للقرب. وقد اختلف العلماء في مقارنة التكبير بالرفع، والأصح عند الشافعي ابتداء رفع اليدين مع ابتداء التكبير ولا استحباب في الانتهاء. والوجه الثاني وصححه النووي (¬6)، وصححه عن نص الشافعي في "الأم" (¬7) صريحًا وجزم به صريحة أن يكون ابتداؤه مع ابتدائه وانتهاؤه ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد 4/ 316، والبيهقي في "السنن الكبرى" 2/ 26 من طريق المسعودي به. وقال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (715): حديث صحيح. ورجال إسناده موثقون، إلا أن فيه جهالة بين عبد الجبار وأبيه، لكن الحديث صحيح؛ لأن له طرقًا أخرى. (¬2) من (م). (¬3) "صحيح مسلم" (391/ 24). (¬4) في (ص، ل): كمال بعض. (¬5) الشرح: 5. (¬6) "المجموع" 3/ 308، و"شرح النووي على مسلم" 3/ 307. (¬7) "الأم" 1/ 205 - 206.

مع انتهائه. وادعى الشيخ أبو حامد أنه لا خلاف فيه (¬1). وهو المرجح عند المالكية (¬2)، وهو قصد المعية في هذا الحديث. [724] (ثنا عثمان بن أبي شيبة) قال: (ثنا عبد الرحيم بن سليمان) المروزي بالكوفة الحافظ المصنف. (عن الحسن بن عبيد الله) بالتصغير، أبي عروة (النخعي) أخرج له مسلم في مواضع، مات سنة تسع وثلاثين ومائة. (عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه: أنه أبصر النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قام إلى الصلاة رفع يديه) أي: كفيه. لفظ مسلم (¬3): رفع يديه حين دخل في الصلاة، كبر وصف كفيه (حتى كانتا بحيال) قال النووي (¬4): بكسر الحاء (منكبيه) (¬5) أي: قبالتهما (¬6). قال القرطبي: حيال وحذاء وإزاء، بمعنى واحد (¬7). (وحاذى) أي: قابل (إبهاميه) هكذا الرواية، ويحتمل أن يكون على حذف حرف الجر أي: حاذى بإبهاميه فلما حذف حرف (¬8) الجر انتصب، كقوله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} (¬9) أي: يخوفكم ¬

_ (¬1) "المجموع" 3/ 307 - 308 (¬2) انظر: "الكافي" 1/ 206، و"حاشية الدسوقي" 1/ 247 (¬3) "صحيح مسلم" (401/ 54). (¬4) شرح النووي على مسلم " 4/ 114. (¬5) في جميع النسخ الخطية. والمثبت من متن "سنن أبي داود"، ومصادر التخريج. (¬6) في (م) قبالهما. (¬7) "المفهم" 2/ 20. (¬8) سقط من (س، م). (¬9) آل عمران: 175.

بأوليائه (¬1) (أذنيه) ورواية ابن حبان (¬2) من رواية وائل أيضًا: يرفع إبهاميه إلى شحمة أذنيه. ولفظ النسائي (¬3): حتى تكاد إبهاماه تحاذي شحمة أذنيه. وفي "المستدرك" (¬4)، والدارقطني (¬5) من طريق عاصم الأحول، عن أنس قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كبر فحاذى بإبهاميه أذنيه (¬6). ومن طريق حميد، عن أنس: كان إذا افتتح الصلاة كبر ثم رفع يديه حتى يحاذي بإبهاميه أذنيه، ثم كبر. هذِه الرواية مع رواية ابن عمر المتقدمة: رفع يديه حتى تكونا حذو منكبيه ثم كبر. وهما كذلك. أي: وهما قارتان تدلان على أنه يرفع يديه بلا تكبير. (ثم يكبر) (¬7) أي: ثم يرسلهما بعد فراغه. قال السبكي: هذا هو المختار، وصححه البغوي (¬8). قال: لرواية أبي داود (¬9) بإسناد صحيح ¬

_ (¬1) انظر: "تفسير الطبري" 7/ 416. (¬2) لم أقف على تلك الرواية بهذا اللفظ عند ابن حبان، وإنما الوارد في "صحيحه" (1860): ورفع يديه حتى حاذتا أذنيه. وفي (1945): ورفع يديه حتى رأيت إبهاميه قريبًا من أذنيه. (¬3) "سنن النسائي" 2/ 123. (¬4) "المستدرك" 1/ 226. (¬5) "سنن الدارقطني" 1/ 345. وعنده: (حتى حاذى) بدلًا من: فحاذى. (¬6) "سنن الدارقطني" 1/ 300. وعنده: (إبهاميه) بدلًا من: بإبهاميه. (¬7) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 24) من طريق أبي داود. قال المنذري في "مختصر سنن أبي داود" (693): عبد الجبار بن وائل لم يسمع من أبيه. وقال الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" (117): إسناده ضعيف؛ لانقطاعه، وإن كان رجاله ثقات. (¬8) انظر: "المجموع" للنووي 3/ 308. (¬9) "سنن أبي داود" (722).

أو حسن: ثم كبر وهما كذلك (¬1). قال: ويمكن حمل رواية البخاري (¬2): يرفع بلا تكبير، ثم يكبر. وفي رواية قال: يرفع يديه حين (¬3) يكبر (¬4). [726] (ثنا مسدد) قال: (ثنا بشر بن المفضل، عن عاصم بن كليب) أخرج له مسلم. (عن أبيه) كليب بن شهاب الجرمي (¬5) الكوفي، وثقه ابن سعد (¬6)، وذكره (¬7) في "الثقات" (¬8). (عن وائل بن حجر) بإسكان الجيم تقدم. (قال: قلت: لأنظرن إلى صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كيف يصلي) فيه استحباب من رأى عالمًا في عبادة من وضوء أو صلاة أو طواف، ونحو ذلك أن ينظر إلى عبادته ليقتدي به فيها إذا كان عاملًا بعلمه، ولا يعتبر هذا في هذا الزمان إلا القليل منهم بل لا ينبغي أن ينظر في هذا الزمان إلى أكثر (¬9) علمائه في عبادة فإنه يؤديه إلى إساءة الظن به بل الأولى أن يبعد منهم كما قال الغزالي، وعلى هذا ينبغي لهذا العالم أن لا يصلي، ولا يتوضأ، ولا يفعل شيئًا من ذلك ظاهرًا للناس إلا في الفرائض. ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع" 3/ 308. (¬2) "جزء رفع اليدين" للبخاري (87، 102). (¬3) في (م): حتى. (¬4) "صحيح البخاري" (736) بنحوه. (¬5) في الأصول الخطية: المجنون. والمثبت من مصادر التخريج. (¬6) "الطبقات الكبرى"6/ 123. (¬7) زاد في (س، ل): ابن سعد. (¬8) "الثقات" 3/ 356. (¬9) في (س، م): أكبر. وغير منقوطة في (ل).

(قال: فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاستقبل القبلة فكبر فرفع يديه) فيه دلالة على القيام للصلاة واستقبال القبلة والتكبير، ورفع اليدين بعد التكبير؛ لأنه (¬1) أتى بفاء التعقيب (حتى حاذتا) أي: إبهاماه كما في الرواية التي قبلها (أذنيه) أي: شحمتي أذنيه، كما سيأتي في الباب بعده من رواية وائل (ثم أخذ شماله بيمينه) كما سيأتي. (فلما أراد أن يركع رفعهما مثل ذلك) أي: حتى حاذتا أذنيه (ثم) لما ركع (وضع يديه على ركبتيه) هذا بيان أقل الركوع بالنسبة (¬2) إلى القائم، وهو أن ينحني (¬3) قدر (¬4) بلوغ راحتيه ركبتيه لو أراد وضعهما عليهما لأنه بدون ذلك لا يسمى ركوعًا، وهذا عند اعتدال الخلقة مع وجود الطمأنينة [كما سيأتي] (¬5). (فلما رفع رأسه من الركوع رفعهما مثل ذلك) أي: حتى (¬6) حاذتا شحمتي أذنيه. (فلما سجد وضع رأسه بذلك المنزل) أي: المكان، أي: أقام بيديه (¬7) رأسه في السجود بمقدار المكان الذي أقامها (¬8) فيه (من بين يديه) في حال افتتاح الصلاة بحيث يكون كفاه محاذيين (¬9) لمنكبيه، كما تقدم. ورواية ابن الجارود في "المنتقى" (¬10) وهو ملتزم للصحة عن وائل بن ¬

_ (¬1) في (م): لا. (¬2) في (ص): بالسنة. (¬3) في (ص): ينحى. (¬4) تكررت في (ص). (¬5) من (س، م، ل). (¬6) من (س، ل). (¬7) سقط من (س، م). (¬8) في (م) أقامه. وفي (س، ل): أقامهما. (¬9) في (م): محاذيتين. (¬10) "المنتقى" (202).

حجر أيضًا قال: قلت: لأنظرن إلى صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: فلما افتتح الصلاة كبر ورفع يديه فرأيت إبهاميه قريبًا من أذنيه، ثم قال: فسجد فوضع رأسه بين (¬1) يديه على مثل مقدارهما حين افتتح الصلاة. وهكذا ذكره أصحابنا -رضي الله عنهم- (ثم جلس فافترش رجله اليسرى) أي: جعلها (¬2) على الأرض كالفراش له، وصورة الافتراش بين السجدتين وفي التشهد الأول، كما قال الأصحاب: أن ينصب رجله اليمنى وتكون أطراف الأصابع على الأرض منتصبة، والعقب منتصبة، ويفرش رجله اليسرى، ويجلس عليها، والقدم من الرجل اليسرى مضطجعة، وظهر القدم إلى الأرض. هذا لفظ ابن عبد السلام (¬3) في "الجمع بين الحاوي والنهاية". (ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى) قال إمام الحرمين (¬4): ينشر أصابعها مع التفريج المقتصد، وتكون أطراف الأصابع مسامتة للركبة اليسرى (¬5). (وحدَّ) بالنصب معطوف على يده، أي: ووضع حدَّ (مرفقه) أي: طرفه ومنتهاه، . ومنتهى كل شيء: حدُّه، ومنه الحديث في صفة (¬6) ¬

_ (¬1) في (ص): من. والمثبت من (س)، و"المنتقى". (¬2) في (ص): جعلهما. (¬3) هو: عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام، الملقب بسلطان العلماء، فقيه شافعي مجتهد، توفي 660 هـ. "تاريخ الإسلام " 48/ 416، "الأعلام" للزركلي 4/ 21. (¬4) هو أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني. فقيه شافعي. توفي 478. (¬5) "نهاية المطلب" 2/ 175. (¬6) من (س، م).

القرآن: "لكل حرف حدّ" (¬1) أي: نهاية ينتهي إليها، ومنه حدود الدار، وقال في "المفاتيح في شرح المصابيح": وحدَّ مرفقه، أي: رفع مرفقه عن فخذه، وجعل عظم مرفقه كأنه (¬2) رأس وتد (¬3). ومرفق الإنسان بفتح الميم وكسر الفاء مثل مسجد، وبالعكس لغتان، سمي بذلك؛ لأنه يرتفق به بالاتكاء عليه (الأيمن على فخذه اليمنى) يعني: يرفع طرف مرفقه من جهة العضد عن فخذه حتى يكون مرتفعًا عنه كما يرتفع الوتد عن الأرض، ويضع طرفه الذي من جهة الكف على طرف فخذه الأيمن. قال النووي (¬4): أما اليد اليمنى فيضعها على طرف الركبة اليمنى، (وقبض (¬5) ثنتين) أي إصبعين من أصابع يده اليمنى، وهما الخنصر والبنصر (وحلَّق) بتشديد اللام، أي: جعل (¬6) أصبعيه (حلقة) مستديرة، والحلقة بسكون اللام، جمعها حلق بفتحتين على غير قياس، وقال الأصمعي (¬7): الجمع: حِلق بكسر الحاء مثل قصعة وقصع، وبدرة وبدر. وحكى يونس عن أبي العلاء أن الحلقة بفتح اللام لغة في السكون، وعلى هذا فالجمع بحذف الهاء قياس، مثل: قصبة وقصب (¬8). ¬

_ (¬1) أخرجه الطبري في "تفسيره"1/ 22، والبغوي في "معالم التنزيل" 1/ 46 من طريق أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود. (¬2) زاد في (ص): صفة. وليست في (س، ل، م). (¬3) انظر: "المجموع" 3/ 453. (¬4) "المجموع" 3/ 453. (¬5) في (ص، ل): وينصب. (¬6) في (ص، س): أجعل. (¬7) انظر: "مختار الصحاح" (حلق). (¬8) انظر: "المصباح المنير" للفيومي (حلق).

(ورأيته يقول هكذا، وحلق بشر) بن المفضل (الإبهام والوسطى) وفي كيفية التحليق وجهان حكاهما البغوي وآخرون، قالوا أصحهما: يحلقهما برأسيهما (¬1)، وبهذا قطع المحاملي في كتابيه (¬2). والثاني: يضع أنمله الوسطى بين عقدتي الإبهام، والأصح عند الشافعية (¬3) أن يقبض الوسطى والإبهام أيضًا، وفي كيفية قبض الإبهام على هذا وجهان: أصحهما: يضعها بجنب المسبحة كأنه عاقد ثلاثة وخمسين. والثاني: يضعها على حرف إصبعه الوسطى كأنه عاقد ثلاثة وعشرين. قال أصحابنا: وكيف فعل من هذِه الهيئات، فقد أتى بالسنة، وإنما الخلاف في الأفضل (¬4). (وأشار بالسبابة) سميت بذلك؛ لأنها يشار بها عند المسابة والمخاصمة، وتسمى المسبحة؛ لأنها يشار بها إلى التوحيد والتنزيه لله تعالى، وهي التي تلي الإبهام، والحكمة في الإشارة بها إلى أن المعبود -سبحانه وتعالى- واحد؛ ليجمع في توحيده بين القول والفعل والاعتقاد. [727] (ثنا الحسن بن علي) قال: (ثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي. قال: (ثنا زائدة، عن عاصم بن كليب) عن أبيه (بإسناده) المتقدم ¬

_ (¬1) في (س، م): برأسهما. (¬2) انظر: "المجموع" للنووي 3/ 454. (¬3) "المجموع" 3/ 452 - 453. (¬4) انظر: "المجموع" للنووي 3/ 454.

(ومعناه، قال فيه: ثم وضع) أي: بعد تكبيرة الإحرام (يده اليمنى على ظاهر) (¬1) لفظ ابن حبان (¬2): على ظهر (كفه اليسرى) لئلا يعبث بهما في الصلاة، وضعت اليمنى على اليسرى لفضلها (¬3). ورواه الطبراني بلفظ: وضع يده اليمنى على ظهر اليسرى في الصلاة قريبًا من الرسغ (¬4). (والرسغ) بالسين والصاد، (والساعد) بالجر فيهما عطفًا على (ظاهر) والتقدير على ما قاله الأصحاب: أنه إذا وضع اليمنى على اليسرى يقبض بكفه اليمنى كوع اليسرى، وبعض رُسغها وساعدها، وعبارة ابن حبان: ووضع يده اليمنى على ظهر اليسرى، والرسغ على الساعد (¬5). قال القفال: يتخير بين بسط أصابع اليمنى في عرض المفصل، وبين نشرها في صوب الساعد (¬6). قال في "الإحياء": يقبض كوعه بإبهامه وكرسوعه بخنصره، ويرسل الباقي (¬7) صوب الساعد. (¬8) (والرسغ) بضم الراء، وإسكان السين، ¬

_ (¬1) كذا في النسخة التي اعتمد عليها الشارح. والثابت في نسخة أبي بكر بن داسة واللؤلؤي: ظهر. (¬2) "صحيح ابن حبان" (1860). (¬3) في (م): لفضيلتها. (¬4) رواية الطبراني في "المعجم الكبير" 22/ 35 (82): وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى بين الرسغ والساعد. ولفظ رواية عبد الجبار بن وائل عن أبيه في "الكبير" 22/ 25 (52): يضع يده اليمنى على اليسرى في الصلاة قريبًا من الرسغ. (¬5) "صحيح ابن حبان" (1860) وفيه: الرسغ والساعد، بدلًا من: الرسغ على الساعد. (¬6) انظر: "شرح سنن أبي داود" للعيني 3/ 312. (¬7) زاد في (م): في. (¬8) انظر: "إحياء علوم الدين" 1/ 153.

وبالغين المعجمة، وضم السين للإتباع لغة، وهو مفصل ما بين الكف (والساعد). وبين القدم والساق. والكوع: طرف الزند الذي يلي الإبهام. والذي يلي الخنصر، يقال له: كرسوع. (وقال فيه: ثم جئت بعد ذلك في زمان) يطلق على الوقت القليل والكثير، والزمن مقصور منه (فيه برد شديد فرأيت الناس عليهم جل) بضم الجيم (الثياب) أي: معظمها (تحرك) بضم المثناة فوق وفتح الحاء، ويجوز فتحها، أصله: تتحرك (أيديهم تحت الثياب) (¬1) وعن الطحاوي (¬2) أن الرفع إلى الصدر والمنكبين في زمن البرد، وإلى الأذنين وفوق الرأس في زمن غير (¬3) البرد؛ لأن أيديهم في زمن البرد تكون (¬4) ملفوفة في ثيابهم، وفي غيره بادية. [728] (ثنا عثمان بن أبي شيبة) قال: (ثنا شريك) أبن عبد الله النخعي، استشهد به البخاري وروى له في "رفع اليدين" وروى له ¬

_ (¬1) أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (1860)، والطبراني في "المعجم الكبير" 22/ 35 (82) من طريق أبي الوليد الطيالسي عن زائدة به. ورواه أحمد 4/ 418 قال: ثنا عبد الصمد، وابن خزيمة (480)، والدارمي في "سننه" كلاهما عن معاوية بن عمرو، والنسائي 2/ 126 عن عبد الله بن المبارك. كلهم عن زائدة بنحوه. قال النووي في "المجموع" 3/ 312: رواه أبو داود بإسناد صحيح. وقال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (717): إسناده صحيح ورجاله ثقات رجال مسلم، غير كليب، وهو ثقة. (¬2) "شرح معاني الآثار" 1/ 196. (¬3) سقط من (م). (¬4) من (م).

مسلم أيضًا] (¬1). (عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر) بسكون الجيم، كان وائل من أكابر العرب، وأولاد ملوك حمير، كنيته أبو هنيدة عاش إلى أيام معاوية. (قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- حين افتتح الصلاة رفع (¬2) يديه حيال) بكسر الحاء المهملة، حيال الشيء وحذوه (¬3) ومقابله بمعنًى (أذنيه، قال: ثم أتيتهم فرأيتهم يرفعون أيديهم إلى صدورهم [في افتتاح الصلاة]) (¬4) يشبه أن تكون أيديهم مرسلة، فإذا أرادوا رفع اليدين رفعوها إلى صدورهم، ولا يستطيعون الرفع إلى الأذنين لضيق البرانس التي عليهم، ويحتمل أن التقدير: يرفعون أيديهم لتكبيرة الإحرام حتى تحاذي شحمة الأذنين، ثم يضعون يمينهم على يسارهم على صدورهم، للراوية الآتية في رفع الأيدي: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يضع يده اليمنى على اليسرى ثم يشد بهما على صدره، وهو في الصلاة (¬5). وروى البزار (¬6) عن وائل بن حجر أيضًا في حديث طويل (¬7)، وفيه: ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ص، س): فرفع. وفي (م): يرفع. وبياض في (ل)، والمثبت من "السنن". (¬3) كذا في (م)، وفي باقي النسخ: حدوده. (¬4) ليست في (ص، س، ل)، والمثبت من (م) ومتن "سنن أبي داود". (¬5) "سنن أبي داود" (759) وفيه: يشد بينهما. بدلًا من: يشد بهما. (¬6) "مسند البزار" (4488) ولفظه: عند صدره. بدلًا من: وتحت صدره. ورواه الطبراني في "الكبير" 22/ 49 (118) ولفظه: على صدره. (¬7) في (ص، ل): طول.

ثم رفع يديه حتى حاذتا شحمة أذنيه، ثم وضع يمينه على يساره، وتحت صدره. وفيه (¬1) دليل على أن السنة في وضع اليدين أن يكون على الصدر، خلافًا لأبي حنيفة (¬2)، كما سيأتي (وعليهم برانس) قال في "ديوان الأدب" في باب فعلل بضم الفاء واللام: البرنس كل ثوب له رأس ملتزق به ذراعه (¬3) وكان يلبسه العُباد وأهل الخير، وهو عربي مشتق من البرس (¬4) بكسر الراء، وهو القطن (وأكسية) (¬5) بلا همز جمع كساء، قوله (عليهم برانس وأكسية) هو كالعلة لرفع أيديهم إلى الصدور على حسب استطاعتهم لضيق البرانس والأكسية فلا يستطيعون رفع الأيدي إلى الأذنين. * * * ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "المبسوط " 1/ 112. (¬3) انظر: "لسان العرب" (برنس). (¬4) في (س، م): البرنس. (¬5) أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 196، والطبراني في "المعجم الكبير" 18/ 336 (861) من طريق شريك به. وقال الهيثمي في "المجمع" 2/ 184: رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون. ورواه أحمد في "مسنده" 4/ 318 من طريق زهير بن معاوية قال: قال عاصم: وحدثني عبد الجبار عن بعض أهله أن وائلًا قال .. فذكر الحديث بنحوه.

119 - باب افتتاح الصلاة

119 - باب افتِتاح الصَّلاةِ 721 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمانَ الأنبارِيّ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وائِلٍ، عَنْ وائِلِ بْنِ حُجْرٍ قال: أَتَيْتُ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- فِي الشِّتاءِ فَرَأَيْتُ أَصْحابَهُ يَرْفَعُونَ أَيْدِيهمْ فِي ثِيابِهِمْ فِي الصَّلاةِ (¬1). 730 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا أَبُو عاصِمٍ الضَّحّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ ح، وحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يحيَى -وهذا حَدِيثُ أَحْمَدَ قال: - أَخْبَرَنا عَبْدُ الحمِيدِ -يَعْنِي: ابنَ جَعْفَرٍ- أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عطَاءٍ قال: سَمِعْتُ أَبا حُمَيْدٍ السّاعِدِيَّ فِي عَشْرَةٍ مِنْ أَصْحابِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْهمْ أَبُو قَتادَةَ قال أَبُو حُمَيْدٍ: أَنا أَعْلَمُكُمْ بِصَلاةِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-. قالوا: فَلِمَ؟ فَواللهِ ما كُنْتَ بِأكثَرِنا لَهُ تَبعًا وَلا أَقْدَمِنا لَهُ صُحْبَةً. قال: بَلَى. قالوا: فاعْرِضْ. قال: كانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذا قامَ إِلَى الصَّلاةَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُحاذِي بِهِما مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ يُكَبِّرُ حَتَّى يَقِرَّ كُلُّ عظمٍ فِي مَوْضِعِهِ مُعْتَدِلًا ثمَّ يَقْرَأ ثُمَّ يُكَبِّرُ فَيَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُحاذِيَ بِهِما مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ يَرْكَعُ وَيَضَعُ راحَتَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَعْتَدِلُ فَلا يَصُبُّ رَأْسَهُ وَلا يُقْنِعُ ثُمَّ يَرفَعُ رَأْسَهُ فَيَقُولُ: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ". ثُمَّ يَرفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُحاذِيَ بِهِما مَنْكِبَيْهِ مُعْتَدِلًا ثُمَّ يَقولُ: "اللهُ أَكْبَرُ". ثُمَّ يهوِي إِلَى الأرْضِ فَيُجافِي يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ ثمَّ يَرفَع رَأْسَهُ وَيَثْنِي رِجْلَهُ اليُسْرَى فَيَقْعُدُ عَلَيْها وَيَفْتَحُ أَصابعَ رِجْلَيْهِ إِذا سَجَدَ وَيَسْجُدُ ثُمَّ يَقُولُ: "اللهُ أكبر". ويرفَعُ رَأْسَهُ ويثْنِي رِجْلَهُ اليُسْرَى فَيَقْعُدُ عَلَيْها حَتَّى يَرجِعَ كُلُّ عظمٍ إِلَى مَوْضِعِهِ ثُمَّ يَصْنَعُ فِي الأخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ إِذا قامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ كبَّر وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحاذِيَ بِهِما مَنْكِبَيْهِ كَما كَبر عِنْدَ افْتِتاحِ الصَّلاةِ، ثُمَّ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ صَلاتِهِ، حَتَّى إِذا كانَتِ السَّجْدَةُ التِي فِيها ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 316، والبيهقي في "معرفة السنن والآثار" 2/ 338 (2965)، والبغوي في "شرح السنة" 3/ 29 (565). وصححه الألباني (719).

التَّسْلِيمُ أَخَّرَ رِجْلَهُ اليُسْرَى وَقَعَدَ مُتَوَرِّكًا عَلَى شِقِّهِ الأيسَرِ. قالوا: صَدَقْتَ، هَكَذا كانَ يُصَلِّي -صلى الله عليه وسلم- (¬1). 731 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ، حَدَّثَنا ابن لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ -يَعْنِي ابنَ أَبي حَبِيبٍ- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو العامِرِيِّ قال: كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ مِنْ أَصْحابِ رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَتَذاكَروا صَلاةَ رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقال أَبو حُمَيْدٍ فَذَكَرَ بَعْضَ هذا الحَدِيثِ وقال: فَإذا رَكَعَ أَمْكَنَ كَفَّيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ وَفَرَّجَ بَيْنَ أَصابِعِهِ ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ غَيْرَ مُقْنِعٍ رَأْسَهُ وَلا صافِحٍ بِخَدِّهِ، وقال: فَإذا قَعَدَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَعَدَ عَلَى بَطْنِ قَدَمِهِ اليُسْرَى وَنَصَبَ اليُمْنَى فَإذا كانَ فِي الرّابِعَةِ أَفْضَى بِوَرِكِهِ اليُسْرَى إِلَى الأرْضِ وَأَخْرَجَ قَدَمَيْهِ مِنْ ناحِيَةٍ واحِدَةٍ (¬2). 732 - حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ إِبْراهِيمَ الِمصْرِيُّ، حَدَّثَنا ابنُ وَهْبٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدٍ القُرَشِيِّ وَيَزِيدَ بْنِ أَبي حَبِيبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ نَحْوَ هذا قال: فَإذا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلا قابِضِهِما واسْتَقْبَلَ بِأَطْرافِ أَصابِعِهِ القِبْلَةَ (¬3). 733 - حَدَّثَنا عَليُّ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا أَبُو بَدْرٍ، حَدَّثَنِي زُهَيْرٌ أَبُو خَيثَمَةَ، حَدَّثَنا الحَسَن بْنُ الحرِّ حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عطَاءٍ أَحَدِ بَنِي مالِكٍ، عَنْ عَبَّاسٍ - أَوْ عَيَّاشِ- بْنِ سَهْلٍ السّاعِدِيِّ أنَّهُ كانَ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ أَبُوهُ وَكانَ مِنْ أَصْحابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَفِي المجْلِسِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو حُمَيْدٍ السّاعِدِيُّ وَأَبُو أُسَيدٍ، بهذا الخبَرِ يَزِيدُ أَوْ يَنْقُصُ، قال فِيهِ: ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ -يَعْنِي مِنَ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (304)، وابن ماجه (862)، وأحمد 5/ 424. قال الترمذي: حسن صحيح. وصححه الألباني (720). (¬2) رواه البخاري (828). (¬3) انظر ما قبله.

الرُّكُوعِ- فَقال: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ اللَّهُمَّ رَبَّنا لَكَ الحَمْدُ". وَرَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ قال: "اللهُ أكبر". فَسَجَدَ فانْتَصَبَ عَلَى كَفَّيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَصُدُورِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ ساجِدٌ ثُمَّ كَبَّر فَجَلَسَ فَتَوَرَّكَ وَنَصَبَ قَدَمَهُ الأخرَى ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ ثُمَّ كَبَّر فَقَامَ وَلَمْ يَتَوَرَّكْ، ثُمَّ ساقَ الحَدِيثَ: قال: ثُمَّ جَلَسَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ حَتَّى إِذا هُوَ أَرادَ أَنْ يَنْهَضَ لِلْقِيامِ قامَ بِتَكْبِيَرةٍ ثُمَّ رَكَعَ الرَّكْعَتَيْنِ الأخرَيَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرِ التَّوَرُّكُ فِي التَّشَهُّدِ (¬1). 734 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الملِكُ بْنُ عَمْرٍو أَخْبَرَنِي فُلَيْحٌ، حَدَّثَنِي عَبّاسُ بْنُ سَهْلٍ قال: اجْتَمَعَ أَبُو حُمَيْدٍ وَأَبُو أسَيْدٍ وَسَهْلُ بْن سَعْدٍ وَمُحَمَّد بْن مَسْلَمَةَ فَذَكرُوا صَلاةَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فقال أَبُو حُمَيْدٍ: أَنا أَعْلَمُكُمْ بِصَلاةِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فذَكَرَ بَعْضَ هذا، قال: ثُمَّ رَكَعَ فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ كَأَنَّهُ قابِضٌ عَلَيْهِما وَوَتَّرَ يَدَيْهِ فَتَجافَى، عَنْ جَنْبَيْهِ قال: ثُمَّ سَجَدَ فَأَمْكَنَ أَنْفَهُ وَجَبْهَتَهُ وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ حَتَّى رَجَعَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ حَتَّى فَرَغَ، ثُمَّ جَلَسَ فافْتَرَشَ رِجْلَهُ اليُسْرَى وَأَقْبَلَ بِصَدْرِ اليُمْنَى عَلَى قِبْلَتِهِ وَوَضَعَ كَفَّهُ اليُمْنَى عَلَى رُكْبَتِهِ اليُمْنَى وَكَفَّهُ اليُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ اليُسْرَى وَأَشارَ بِأُصْبُعِهِ (¬2). قال أَبُو داوُدَ: رَوَى هذا الحَدِيثَ عُتْبَةُ بْنُ أَبي حَكِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عِيسَى، عَنِ العَبّاسِ بْنِ سَهْلٍ لَم يَذْكُرِ التَّوَرُّكَ، وَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ فلَيْحٍ وَذَكَرَ الْحَسَنُ بْنُ الحرِّ نَحْوَ جِلْسَةِ حَدِيثِ فُلَيْحٍ وَعُتْبَةَ. 735 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عُثْمانَ، حَدَّثَنا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنِي عُتْبَة، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ ¬

_ (¬1) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 260 (1545)، وابن حبان 5/ 180 (1866)، والبيهقي 2/ 101، 118. وضعفه الألباني (171). (¬2) رواه الترمذي (259، 269، 293)، وابن ماجه (863)، وابن حبان 5/ 188 (1871). وصححه الألباني (723).

عِيسَى، عَنِ العَبّاسِ بْنِ سَهْلٍ السّاعِدِيِّ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ بهذا الحَدِيثِ قال: وإذا سَجَدَ فَرَّجَ بَيْنَ فَخِذَيْهِ غَيْرَ حامِلٍ بَطْنَهُ عَلَى شَيءٍ مِنْ فَخِذَيْهِ (¬1). قال أَبو داودَ: رَواهُ ابن المبارَكِ، أَخْبَرَنا فلَيْحٍ، سَمِعْتُ عَبّاسَ بْنَ سَهْلٍ يحدِّث فَلَمْ أَحْفَظْهُ فَحَدَّثَنِيهِ أُراهُ ذَكَرَ عِيسَى بْنَ عَبْدِ اللهِ أنَّه سَمِعَهُ مِنْ عَبّاسِ بْنِ سَهْلٍ قال حَضَرْتُ أَبا حُمَيْدٍ السّاعِدِيَّ، بهذا الحَدِيثِ. 736 - حَدَّثَنا محَمَّد بْن مَعْمَرٍ، حَدَّثَنا حَجّاج بْن مِنْهالٍ، حَدَّثَنا هَمّامُ، حَدَّثَنا محَمَّدُ بْن جحادَةَ، عَنْ عَبْدِ الجبّارِ بْنِ وِائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي هذا الحَدِيثِ قال: فَلَمّا سَجَدَ وَقَعَتا رُكْبَتاهُ إِلَى الأرْضِ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ كَفّاهُ قال: فَلَمّا سَجَدَ وَضَعَ جَبْهَتَة بَيْنَ كَفَّيْهِ وَجافَى عَنْ إِبْطَيْهِ. قال حَجّاجٌ: وقال هَمّامٌ: حَدَّثَنا شَقِيقٌ حَدَّثَنِي عاصِم بْن كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بمِثْلِ هذا وَفِي حَدِيثِ أَحَدِهِما وَأكبَرُ عِلْمِي أنَّه حَدِيث محَمَّدِ بْنِ جحادَةَ، وَإذا نَهَضَ نَهَضَ عَلَى رُكبَتَيْهِ واعْتَمَدَ عَلَى فَخِذَيْهِ (¬2). 737 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْد اللهِ بْنُ داوُدَ، عَنْ فِطْرٍ، عَنْ عَبْدِ الجَبّارِ بْنِ وائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ قال: رأيْتُ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَرْفَعُ إِبْهامَيْهِ فِي الصَّلاةِ إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ (¬3). 738 - حَدَّثَنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْن شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ يحيَى بْنِ أَيوبَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ ¬

_ (¬1) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 260 (1548)، والبيهقي 2/ 115. وضعفه الألباني (119). (¬2) رواه الطبراني 22/ 27 (60)، والبيهقي 2/ 98. وضعفه الألباني (121). (¬3) رواه أحمد 4/ 316، والنسائي في "الكبرى" 1/ 308 (956). وضعفه الألباني (123).

ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحارِثِ بْنِ هِشامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قال: كانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذا كَبَّرَ لِلصَّلاةِ جَعَلَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَإذا رَكَعَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ وَإذا رَفَعَ لِلسُّجودِ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ وَإذا قامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ (¬1). 739 - حَدَّثَنا قتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ، حَدَّثَنا ابن لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي هُبَيْرَةَ، عَنْ مَيْمُونِ المكِّيِّ أنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَصَلَّى بِهِمْ يُشِيرُ بِكَفَّيْهِ حِينَ يَقُومُ وَحِينَ يَرْكَعُ وَحِينَ يَسْجُدُ وَحِينَ يَنْهَضُ لِلْقِيامِ فَيَقُومُ فَيُشِيرُ بِيَدَيْهِ فانْطَلَقْتُ إِلَى ابن عَبّاسٍ فَقُلْتُ: إِنِّي رَأَيْتُ ابن الزُّبَيْرِ صَلَّى صَلاةً لَمْ أَرَ أَحَدًا يُصَلِّيها فَوَصَفْتُ لَهُ هذِه الإِشارَةَ فَقال: إِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى صَلاةِ رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فاقْتَدِ بِصَلاةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ (¬2). 740 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدِ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبانَ -الْمَعْنَى- قالا: حَدَّثَنا النَّضْرُ بْنُ كَثِيرِ -يَعْنِي: السَّعْدِيَّ- قال صَلَّى إِلَى جَنْبِي عَبْدُ اللهِ بْنُ طاوُسِ فِي مَسْجِدِ الحنَيْفِ فَكانَ إِذا سَجَدَ السَّجْدَةَ الأوُلَى فَرَفَعَ رَأْسَهُ مِنْها رَفَعَ يَدَيْهِ تِلْقاءَ وَجْهِهِ فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ فَقُلْتُ لِوُهَيْبِ بْنِ خالِدٍ، فَقال لَهُ وُهَيْبُ بْنُ خالِدٍ: تَصْنَعُ شَيْئًا لَمْ أَرَ أَحَدًا يَصْنَعُهُ! فَقال ابن طاوُسٍ: رَأَيْتُ أَبِي يَصْنَعُهُ وقال أَبي: رَأَيْتُ ابن عَبّاسٍ يَصْنَعُهُ وَلا أَعْلَمُ إلا أنَّهُ قال: كانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَصْنَعُهُ (¬3). 741 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْنُ عليٍّ، أَخْبَرَنا عَبْدُ الأعلَى، حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّهُ كانَ إِذا دَخَلَ فِي الصَّلاةِ كبَّر وَرَفَعَ يَدَيْهِ وإِذا رَكَعَ وإِذا قال سَمِعَ اللهُ لَمِنْ حَمِدَهُ وَإذا قامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ وَيَرْفَع ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 132، وابن خزيمة 1/ 344 (694). وضعفه الألباني (124). (¬2) رواه أحمد 1/ 255، والطبراني 1/ 133 (11273). وصححه الألباني (724). (¬3) رواه النسائي في "الكبرى" 1/ 368 (736)، وأبو يعلى 5/ 95 (2704). وصححه الألباني (725). (¬4) رواه البخاري (739)، ومسلم (390).

قال أَبُو داوُدَ: الصَّحِيح قَوْلُ ابن عُمَرَ وَلَيْسَ بِمَرْفُوعٍ. قال أَبُو داوُدَ: رَوَى بَقِيَّةُ أَوَّلَهُ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ وَأَسْنَدَهُ، وَرَواهُ الثَّقَفِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، أَوْقَفَهُ عَلَى ابن عُمَرَ وقال فِيهِ: وإذا قامَ مِنَ الرَّكعَتَيْنِ يَرفَعُهُما إِلَى ثَدْيَيْهِ. وهذا هُوَ الصَّحِيحُ. قال أَبُو داوُدَ: وَرَواهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَمالِك وَأَيوبُ وابْنُ جُريجٍ مَوْقُوفًا وَأَسْنَدَهُ حَمَّادُ بْن سَلَمَةَ وَحْدَهُ، عَنْ أَيُّوبَ وَلَمْ يَذْكُرْ أَيوبُ وَمالِكٌ الرَّفْعَ إِذا قامَ مِنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَذَكَرَهُ اللَّيْثُ فِي حَدِيثِهِ قال ابن جُرَيْجٍ فِيهِ: قُلْتُ لِنافِعٍ: أكَانَ ابن عُمَرَ يَجعَلُ الأولَى أَرْفَعَهُنَّ؟ قال: لا، سَواءً. قُلْتُ: أَشِر لِي. فَأَشارَ إِلَى الثّدْيَيْنِ أَوْ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ. 742 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ كانَ إِذا ابْتَدَأَ الصَّلاةَ يَرفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَإذا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَهُما دُونَ ذَلِكَ (¬1). قال أَبُو داوُدَ: لَمْ يَذْكُر رَفْعَهُما دُونَ ذَلِكَ أَحَدٌ غَيْرَ مالِكٍ فِيما أَعْلَمُ. * * * باب افتتاح الصلاة [729] (ثنا محمد بن سليمان الأنباري) قال: (ثنا وكيع، عن شريك) ابن عبد الله النخعي (¬2) (عن عاصم بن كليب، عن علقمة بن وائل) هذا هو الصواب كما تقدم لا وائل بن علقمة. (عن وائل بن حجر قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في الشتاء) أي: في زمان فيه برد شديد، كما تقدم. (فرأيت أصحابه يرفعون أيديهم في ثيابهم) أي: في (¬3) برانسهم ¬

_ (¬1) "الموطأ" 1/ 79. وصححه الألباني (727). (¬2) من (م). (¬3) سقط من (س، ل).

وأكسيتهم (في الصلاة) أي إلى صدورهم، كما في الحديث قبله، جمعًا بين الأحاديث فيه دليل على جواز الاقتصار في رفع اليدين إلى صدورهم ودون ذلك وفوقه، إذا لم يتمكنوا من رفعها (¬1) إلى الأذنين؟ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" (¬2) وفيه: جواز رفع اليدين في الكمين؛ لبرد ونحوه. [730] (ثنا أحمد بن حنبل) قال: (ثنا أبو عاصم الضحاك) [النبيل (ابن (¬3) مخلد) بن الضحاك] (¬4) الشيباني (¬5) (ح وثنا مسدد) قال: (ثنا يحيى) القطان (وهذا حديث أحمد، قال: أنا عبد الحميد بن جعفر) (¬6) ابن عبد الله الأنصاري، أخرج له مسلم (¬7). قال (أخبرني محمد بن عمرو بن عطاء) بن عباس، القرشي العامري، كانوا يتحدثون في المدينة في حياته أن الخلافة تفضي إليه؛ لهيبته ومروءته وعقله وكماله. (قال: سمعت أبا حميد) عبد الرحمن بن سعد (الساعدي في عشرة من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم أبو قتادة) الحارث، ومنهم محمد بن سلمة وأبو أسيد وسهل بن سعد (قال أبو حميد) للعشرة من الصحابة (أنا ¬

_ (¬1) في (م): رفعهما. (¬2) رواه البخاري (7288)، ومسلم (1337) من حديث أبي هريرة. (¬3) في (ص، ل، م): عن أبيه. والمثبت من مطبوعة "سنن أبي داود". (¬4) ليست في (س). (¬5) في (ص، ل): البناني. وفي (م): السفياني. (¬6) في (ص): جد أحمد بن معبد. وبياض في (ل). (¬7) "صحيح مسلم" (533).

أعلمكم بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) فيه: مدح الإنسان نفسه لمن يأخذ عنه ليكون كلامه أوقع وأثبت عند السامع، كما أنه يجوز مدح الإنسان نفسه وافتخاره في الجهاد ليوقع الرهبة (¬1) في قلوب الكفار (قالوا: فلم؟ ) ويجوز: فلمه بزيادة الهاء (¬2)، هاء السكت، كقراءة البزي في السبعة (فوالله ما كنت بأكثرنا له تبعًا ولا أقدمنا) بكسر الميم (له صحبة) فيه تقديم الراوي وترجيح تحديثه لطول صحبته، كما قدموا حديث عائشة وأبي هريرة على غيرهما بطول صحبتهما (قال: بلى. قالوا) له (فاعرض) بوصل الهمزة وكسر الراء من قولهم عرضت (¬3) الكتاب عرضًا: قرأته عن ظهر قلب، ويحتمل أن يكون من قولهم: عرضت الشيء عرضًا، من باب: ضرب، أي: أظهرته وأبرزته (¬4). (قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم يكبر حتى يقر) بكسر القاف، أي: يستقر (كل عظم في موضعه) أي: عند التكبير (معتدلًا) منصوب على الحال من ضمير يكبر، أي: يكبر في حال اعتداله قائمًا، ورواية الترمذي: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائمًا، ورفع يديه حتى يحاذي منكبيه (¬5) (ثم يقرأ) ما تيسر له. ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): الوهم. (¬2) ليست في (س). (¬3) في (ص، س): عرض. (¬4) في (ص، س، م): أنذرته. والمثبت من (ل). (¬5) "سنن الترمذي" (304).

(ثم يكبر فيرفع يديه) للركوع (حتى يحاذي بهما منكبيه) تقدم (ثم يركع، ويضع راحتيه على ركبتيه، ثم يعتدل) يوضحه رواية الترمذي (¬1) ولفظه: فإذا أراد أن يركع رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم قال الله أكبر وركع، ثم اعتدل. (فلا يصب) بفتح أوله وضم الصاد وتشديد الباء الموحدة، قال ابن الأثير: أي: لم يمله إلى أسفل (¬2)، والصب قلب الماء من فوق إلى أسفل، قال الأزهري (¬3): الصواب يصوب (¬4) بزيادة الواو المشددة المكسورة كما في رواية الترمذي: فلم يصوب رأسه. قال النووي: وهو (¬5) بضم الياء، وفتح الصاد وبالباء الموحدة، أي لم يبالغ في خفضه، وتنكيسه (¬6). ولفظ ابن ماجه (¬7): لا ينصب. وقال ابن الأثير في "النهاية": وفي حديث الصلاة في باب النون والصاد لا ينصب رأسه ولا يقنعه أي لا يرفعه كذا في "سنن أبي داود" قال: والمشهور لا يصبي (¬8). أي بضم الياء وإسكان الصاد وتخفيف الباء الموحدة. وقال بعضهم: إنما هو ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (304). (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (صبب). (¬3) انظر: "لسان العرب" (صبا). (¬4) في (س، ل): مصوب. (¬5) في (ص): يصب. وفي (س): يقر. والمثبت من (م، س)، و"المجموع". (¬6) "المجموع" 3/ 407 - 408 (¬7) "سنن ابن ماجه" (1061) ولفظه: لا يصب. (¬8) "النهاية في غريب الحديث" (نصب).

يصبئ بهمز آخره، من صبأ من دين إلى دين، إذا خرج من دين إلى آخر. (ولا يقنع) بضم الياء وإسكان القاف وكسر النون، أي: لا يرفعه حتى يكون أعلى من ظهره، يقال: أقنع رأسه يقنعه إقناعًا، ومنه قوله تعالى: {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} (¬1) وذلك أن ينصب رأسه، ولا يلتفت يمينًا ولا (¬2) شمالًا، ويجعل طرفه موازيًا لما بين يديه، ومنه حديث الدعاء: "وتقنع يديك" (¬3). أي: ترفعهما، وقد استدل به على أكمل الركوع في الهيئة، وهو أن ينحني بحيث يستوي (¬4) ظهره وعنقه ويمدهما كالصفحة، فإن خفض رأسه أو رفعه كره ذلك. وظاهر قول النووي في سجود السهو من "المنهاج": والمبالغة في خفض الرأس في ركوعه (¬5). يقتضي أن الخفض بغير مبالغة مكروه، وهو خلاف نص (¬6) الشافعي في "الأم" فإنه قال (¬7): ويمد ظهره وعنقه ولا يخفض [عنقه عن ظهره] (¬8) ولا يرفعه، ويجتهد أن يكون مستويًا، ¬

_ (¬1) إبراهيم: 43. (¬2) من (م). (¬3) أخرجه أحمد 1/ 211، والترمذي (385)، والنسائي في "الكبرى" (528) من حديث الفضل بن العباس. وقال الألباني في "ضعيف سنن الترمذي" (279): ضعيف. (¬4) في (م): يسوى. (¬5) "منهاج الطالبين وعمدة المتقين" ص 109 باب: شروط الصلاة. (¬6) سقط من (م). (¬7) "الأم" 1/ 219. (¬8) في النسخ: عنقه عن ظهره، والمثبت من "الأم".

فإن رفع رأسه عن ظهره، أو ظهره عن رأسه، أو جافى ظهره حتى يكون كالمحدودب، كرهته (¬1)، ولا إعادة عليه (¬2). (ثم يرفع رأسه) من الركوع (فيقول: سمع الله لمن حمده) تقدم معناه، (ثم يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه معتدلًا) زاد ابن ماجه: حتى يقر كل عظم إلى موضعه (¬3). (ثم يقول: الله أكبر) فيه حجة للشافعي والأصحاب (¬4) أنه يستحب للإمام والمأموم والمنفرد أن يجمع بين قوله: سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد. وهذا لا خلاف فيه عندنا، سواء رضي المأمومون بهذا أم لا، خلافًا لأبي حنيفة (¬5) فإنه قال (¬6): لا يجمع بينهما. كما سيأتي. (ثم يهوي) كيضرب، هُويًّا، بضم الهاء وفتحها، إذا سقط من علو إلى سفل (إلى الأرض) ساجدًا (فيجافي) بغير همز، أي: يباعد (يديه عن جنبيه) ومنه الحديث الآخر: "إذا سجدت فتجاف" (¬7)، وهو من الجفاء، وهو البعد عن الشيء. يقال: جفا إذا بعد عنه وأجفاه إذا ¬

_ (¬1) في (ص، م): كرهه. والمثبت من (س، ل). (¬2) "الأم" 1/ 219. (¬3) "سنن ابن ماجه" (1061). (¬4) "الأم" 1/ 220. (¬5) "المبسوط" 1/ 106. (¬6) سقط من (م). (¬7) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (3158) من حديث مجاهد مقطوعًا. وقوله: إذا سجدت فتجاف. أي: لا تضغط برأسك إلى الأرض لكي لا يؤثر الحصى في جبينك.

أبعده، ومنه الحديث في القرآن: "ولا تجفوا عنه" (¬1) أي: تعاهدوه ولا تبعدوا عن تلاوته، ولفظ رواية الترمذي: ثم جافى عن إبطيه (¬2). وسيأتي بقية الكلام في الاستدلال به (ثم يرفع رأسه) من السجود (ويثني) بفتح أوله، أي: يعطف (رجله اليسرى فيقعد عليها) أي: مفترشًا، كما تقدم ويكون جلوسه على كعب يسراه، وينصب يمناه كما تقدم (ويفتخ) بفتح أوله والخاء المعجمة آخره (أصابع) قال النووي (¬3): أي يلينهما ويثنيهما إلى القبلة. قال ابن الأثير: الفتخ بالخاء المعجمة: اللين والاسترخاء، وفتخ أصابعه إذا أرخاها وثناها معطوفة، وقيل: هو أن ينصب أصابعه ويغمز موضع المفاصل منها إلى [باطن الراحة من اليد، وفي الرجل إلى] (¬4) ما يلي وجه القدم (¬5). قال الأصمعي (¬6): أصل الفتخ اللين، تقول: رجل أفتخ بيِّن الفتخ، إذا كان عريض الكف والقدم مع اللين، وعقاب فتخاء لأنها إذا انحطت كسرت جناحها وغمزتها، وهذا لا يكون إلا من اللين (رجليه) بالتثنية، وظاهره التسوية بين أصابع الرجلين، والسنة فيهما أن يفرج أطراف أصابع ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد 3/ 428، وأبو يعلى في "مسنده" (1518) من حديث عبد الرحمن بن شبل. وقال الهيثمي في "المجمع" 4/ 95: رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في "الكبير"، ورجاله ثقات. (¬2) "سنن الترمذي" (304). (¬3) انظر: "المجموع" 3/ 430. قاله بمعناه. (¬4) ما بين القوسين مستدرك من "جامع الأصول". (¬5) "جامع الأصول" 5/ 376. (¬6) انظر: "الصحاح في اللغة" (فتخ).

رجليه مستقبلًا بهما إلى القبلة، والذي صححه الأئمة أنه لا يتحامل عليها (إذا سجد) أي: يكون بثني أصابع رجليه واعوجاجها حين سجوده (ثم يسجد) كذلك (ثم يقول: الله أكبر. ويرفع رأسه) مع التكبير. زاد ابن ماجه (¬1): ويجلس. (ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها) مفترشًا (¬2)، وتسمى هذِه جلسة الاستراحة، وقد استدل أصحابنا بهذا على استحباب جلسة الاستراحة، وهو الصحيح المشهور عندنا، وبه قال جماعة من الصحابة والتابعين، وهو رواية عن أحمد (¬3)، وقال كثيرون أو الأكثرون: لا يستحب، بل إذا رفع رأسه من السجود نهض قائمًا (¬4)، حكاه ابن المنذر (¬5) عن مالك (¬6) وأحمد (¬7) وأصحاب الرأي (¬8)، وقال أحمد: أكثر الأحاديث على هذا. قال الطحاوي: لا ذكر لجلسة الاستراحة في حديث أبي حميد قال: ولأنها لو كانت مشروعة لكان لها ذكر (¬9). قال النووي: معنى قول أحمد أن أكثر الأحاديث ليس فيها ذكر ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (1061). (¬2) في (م): مفترشة. (¬3) "الإنصاف" 2/ 71 - 72 (¬4) سقط من (س، م، ل). (¬5) "الأوسط" لابن المنذر 3/ 197. (¬6) انظر: "المدونة" 1/ 168. (¬7) انظر: "مسائل أحمد وإسحاق" برواية الكوسج (227). (¬8) انظر: "المبسوط" 1/ 110. (¬9) "شرح مشكل الآثار" 15/ 358 - 359.

الجلسة إثباتًا ولا نفيًا ولا يجوز أن يحمل كلامه على أن مراده أن أكثر الأحاديث تنفيها؛ لأن الموجود في كتب الحديث ليس كذلك، وإذا تقرر أن مراده أن أكثر الروايات ليس فيها إثباتها ولا نفيها، لم يلزم من ذلك رد سنة ثابتة عن جماعات من الصحابة، وأما قول الطحاوي أنها ليست في حديث أبي حميد، فمن العجب الغريب فإنها مشهورة في كتب السنن والمسانيد (¬1). (حتى يرجع كل عظم) منه (إلى موضعه) فيه فضيلة الطمأنينة في هذِه الجلسة. قال أصحابنا: وهي جلسة خفيفة جدًّا، وهي تسن عقيب كل سجدة لا يعقبها تشهد، وينبغي المحافظة على هذِه الجلسة، لصحة الأحاديث فيها، وعدم المعارض الصحيح لها؛ لقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (¬2) (ثم يصنع) زاد ابن ماجه بيانًا فقال: ثم يقوم فيصنع (¬3) (في) الركعة (الأخرى مثل ذلك) وهذا كقوله للمسيء صلاته: "ثم افعل ذلك في صلاتك كلها" (¬4). قال أصحابنا: يستثنى من ذلك النية؛ لأنها تراد للعقد، وقد انعقدت فلا تعاد في الركعة الثانية، وكذا دعاء الاستفتاح؛ لأنه لافتتاح الصلاة، ¬

_ (¬1) "المجموع" 3/ 444. (¬2) آل عمران: 31. (¬3) "سنن ابن ماجه" (1061). (¬4) أخرجه البخاري (793)، ومسلم (397/ 45)، وأبو دا ود (856)، والترمذي في "جامعه" (303)، والنسائي 2/ 124، وابن ماجه (1060) من حديث أبي هريرة.

والتعوذ على قول؛ لأنه يراد للدخول في القراءة، وقد دخل فيها في الركعة الأولى، وكذا تكبيرة الإحرام، والرفع فيها على وجه، وقراءة السورة في الركعة الثانية أقصر (¬1) من الأولى، وهذِه المستثنيات تأتي على قولنا الركعة الثانية مثل الأولى، أي: في الفرائض والمستحبات. وأما الحديث فليس فيه الركعة الأولى هذِه المستثنيات (ثم إذا قام من الركعتين) والسنة في هذا القيام أن يقوم معتمدًا بيديه على الأرض، وكذا إذا قام من التشهد الأول، سواء في ذلك القوي والضعيف والرجل والمرأة، وإذا اعتمد على الأرض جعل بطن راحتيه وبطون أصابعه على الأرض بلا خلاف. قال في "الإحياء" (¬2): ولا يقدم إحدى رجليه في حالة القيام على الأخرى (كبر) أصح الأوجه أنه يرفع رأسه مكبرًا ويمده إلى أن يستوي قائمًا ويخفف الجلسة، قال في "الإحياء" (¬3): يبتدئ التكبير في وسط ارتفاعه [إلى القيام] (¬4) حتى يكون التكبير في وسط انتقاله ولا يخلو عنه إلا طرفاه، فهذا أقرب للتعميم (ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما كبر عند افتتاح الصلاة) وسيأتي في (¬5) الجمع بين الأحاديث كما قال الشافعي (ثم يصنع ذلك) لفظ ابن ماجه (¬6): ثم يصلي (في بقية ¬

_ (¬1) في (س): أوجز. (¬2) و (¬3) "إحياء علوم الدين" 1/ 155. (¬4) في (ل، م): إلى القعود. وفي (ص، س): أو التعوذ. والمثبت من "الإحياء". (¬5) سقط من (س، ل). (¬6) "سنن ابن ماجه" (1061).

صلاته) هكذا (حتى إذا كانت السجدة التي) زاد ابن ماجه: ينقضي (فيها التسليم) وهو التشهد الأخير (أخر رجله اليسرى) أي: أخرجها من تحته. قال الشافعي والأصحاب (¬1): هذا الحديث صريح في الفرق بين التشهد الأول والأخير، ومن روى الافتراش في حديث أراد به الأول، وهذا متعين للجمع بين الأحاديث الصحيحة لا سيما حديث أبي حميد هذا؛ فإنه وافقه عليه عشرة من كبار الصحابة منهم: سهل (¬2) ابن سعد، وأبو أسيد الساعدي، ومحمد بن مسلمة (¬3)، أخرجها أحمد وغيره، وسمى منهم: أبو هريرة، وأبو قتادة (وقعد متوركًا) التورك في الصلاة القعود على الورك اليسرى، والوركان فوق الفخذين كالمنكبين (¬4) فوق العضدين (على شقه) بكسر الشين، أي: جانبه (الأيسر) متمكنًا وتكون رجله اليسرى مضطجعة، واليمنى منصوبة (قالوا: صدقت، هكذا كان يصلي) رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (¬5). تصديق أكابر الصحابة يدل على قوة الحديث، وترجيحه على غيره من الأدلة التي استدل بها على خلاف ذلك. ¬

_ (¬1) "المجموع" 3/ 451. (¬2) في (س، ص، ل): سهيل، والمثبت من (م). (¬3) في (ص، س، ل): سلمة. (¬4) في (م): كالكعبين. (¬5) أخرجه الترمذي (304، 305)، وابن ماجه (1061)، وابن خزيمة في "صحيحه" (677)، وابن حبان في "صحيحه" (1867) من طريق عبد الحميد بن جعفر به. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" (870): صحيح.

[731] (ثنا قتيبة بن سعيد) قال: (ثنا) عبد الله (بن لهيعة) بفتح اللام، ابن عقبة الحضرمي، قاضي مصر وعالمها ومسندها. قال ابن أبي مريم: سمعت ابن حنبل يقول (¬1): من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه. احترق منزله وكتبه سنة سبعين ومائة. (عن يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن عمرو بن حلحلة، عن محمد بن عمرو) بن عطاء القرشي (العامري قال: كنت في مجلس من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتذاكروا صلاته -صلى الله عليه وسلم-، فقال أبو حميد) الساعدي (فذكر بعض هذا الحديث) المتقدم. (وقال: فإذا ركع أمكن كفيه من ركبتيه) قال ابن عبد السلام: يضم راحتيه على ركبتيه، ويقبض ركبتيه براحتيه (وفرج بين أصابعه) أي: فرق بينهم كذا رواه البيهقي (¬2)، وصححه ابن حبان (¬3)، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم (¬4). لأن كل إصبع بالتفريق يصير مستقلًا بالعبادة، وتكون أصابعه للقبلة؛ لأنه ثبت في السجود ضمها (¬5)، فقسنا هذا عليه ولأنها أشرف الجهات (ثم هصر) بفتح الهاء والصاد المهملة والراء، [(ظهره)] (¬6) أي: ثناه للركوع في استواء من غير تقويس. ¬

_ (¬1) "سير أعلام النبلاء" 8/ 13. (¬2) "السنن الكبرى" 2/ 84. (¬3) "صحيح ابن حبان" (1869). (¬4) "المستدرك" 1/ 224. (¬5) في (س، ل، م): ضمهما. (¬6) مستدركة من "سنن أبي داود".

قال في "النهاية" (¬1): أصل الهصر أن يأخذ برأس العود فيجذبه ويعطفه (¬2) إليه، ومنه حديث النسائي: أنه -صلى الله عليه وسلم- كان مع أبي طالب فنزل تحت شجرة فتهصرت أغصان الشجرة (¬3). أي: تهدلت عليه (غير) بالنصب (مقنع) بضم الميم وإسكان [القاف وكسر] (¬4) النون وتنوين آخره تقدم قريبًا (رأسه ولا صافح) بالتنوين أي: مبرز جانب وجهه (بخده) مائلًا في أحد الشقين. قاله ابن الأثير (¬5)، والصفحة إحدى جانبي الوجه يقال: نظر إلي بصفح وجهه بفتح الصاد، وصفح وجهه بضمها، والفاء (¬6) ساكنة، والصفحة بالهاء مثله، ويقال: صفحت (¬7) القوم صفحًا: رأيت صفحات وجوههم. (وقال فيه (¬8): فإذا قعد في الركعتين) الأوليين للتشهد (قعد على بطن قدمه اليسرى) وكعبها (ونصب اليمنى) أي: ووضع أطراف أصابعها على الأرض متوجهة إلى القبلة (فإذا كان في) الركعة (الرابعة) وجلس للتشهد الأخير (أفضى) قال ابن فارس (¬9) وغيره: يقال: أفضى بيده إلى الأرض، ¬

_ (¬1) "جامع الأصول" 5/ 514، وانظر: "النهاية في غريب الحديث" (هصر). (¬2) في (ص، ل): يعظم. (¬3) سقط من (م). (¬4) لم أجده عند النسائي، ولم يعزه له ابن الأثير وهو المنقول من كتابه هنا. (¬5) "النهاية في غريب الحديث" (صفح). (¬6) في (م): الميم. (¬7) من (م). (¬8) زاد في (م): فيه. (¬9) "معجم مقاييس اللغة" (فضي).

أي: مسها بباطن راحته (بوركه) بكسر الراء، ويجوز التخفيف بكسر الواو وسكون الراء، [هكذا ضبط] (¬1) (اليسرى إلى الأرض، وأخرج قدميه) من جهة يمينه (من ناحية واحدة) [أي: واضع (¬2) كفيه ومرفقيه على الأرض] (¬3) لكن رجله اليسرى مضطجعة، واليمنى منصوبة، ويمكن مقعده بالأرض، وهذا حجة لمذهب الشافعي (¬4) التفريق بين التشهدين، فيجلس في الأول مفترشًا، وفي الثاني متوركًا. وذهب أبو حنيفة (¬5) إلى أنه يجلس فيهما (¬6) جميعًا مفترشًا، وقال مالك (¬7): يجلس فيهما جميعًا متوركًا. [732] (ثنا عيسى بن إبراهيم) بن [مثرود (المصري)] (¬8) روى عنه ابن خزيمة (¬9) والنسائي (¬10)، وثقوه (¬11). قال: (ثنا ابن وهب، عن الليث بن سعد، عن يزيد بن محمد) بن ¬

_ (¬1) من (ص). (¬2) في (ص): ورجع. وبياض في (ل). (¬3) جاءت هذه العبارة في (م) في الحديث الآتي، بعد قوله: المطلبي القرشي. (¬4) "المجموع" 3/ 451. (¬5) "المبسوط" 1/ 113. (¬6) في (ص): منهما. (¬7) "المدونة" 1/ 168. (¬8) في (ص): مبرود البصري. (¬9) "صحيح ابن خزيمة" (310). (¬10) "المجتبى" 2/ 93، 5/ 113، 126، و"السنن الكبرى" 1/ 289 (893)، 2/ 303 (3639). (¬11) "تقريب التهذيب" (5320)، "الكاشف" 2/ 366.

قيس المطلبي (القرشي) روى له البخاري (¬1) مقرونًا بيزيد بن أبي حبيب، وذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2). (ويزيد بن أبي حبيب، عن محمد بن عمرو بن حلحلة، عن محمد بن عمرو بن عطاء، نحو هذا، قال) فيه (فإذا سجد وضع يديه غير) بالنصب (مفترش) يوضحه رواية مسلم (¬3) في حديث طويل عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان ينهى أن يفترش (¬4) الرجل ذراعيه افتراش السبع. (ولا قابضهما) أي: ولا ضام يديه ومرفقيه إلى جنبيه بل يجافيهما، عن الجنبين (¬5)، كما سيأتي. (واستقبل بأطراف أصابعه) أي: أصابع يديه ورجليه (القبلة) فيه حجة لما قاله الأصحاب أن السنة أن ينصب قدميه في السجود، وأن تكون أصابع رجليه متوجهة إلى القبلة، وإنما يحصل توجيهها بالتحامل عليها والاعتماد عليها (¬6)، وكذلك السنة في [اليدين أن] (¬7) يضم أصابعهما ويبسطهما إلى جهة القبلة، ويعتمد على يديه ويرفع ذراعيه، وسياق الحديث يقتضي أن الضمير في أصابعه يعود على اليدين. ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (828). (¬2) "الثقات" لابن حبان 7/ 629. (¬3) "صحيح مسلم" (498/ 240). (¬4) في (م): يفرش. (¬5) في (ص، س): الحسن. والمثبت من (م، ل). (¬6) في (م): على بطونهما. (¬7) في (ص): اليدان. والمثبت من (س، م، ل).

[733] (ثنا علي بن الحسين بن إبراهيم) بن إشكاب العامري، وثقه النسائي (¬1)، ولم يرو عنه، وروى عنه ابن ماجه (¬2) قال: (ثنا أبو بدر) شجاع ابن الوليد بن قيس الكوفي قال: (حدثني زهير) بن معاوية بن حديج (أبو) [(خيثمة) الجعفي، (¬3) الكوفي، نزيل الجزيرة، أصابه الفالج قبل موته بسنة، قال ابن حنبل: مات سنة أربع وسبعين (¬4). قال: (ثنا الحسن بن الحر) بن الحكم النخعي الكوفي، قال العجلي (¬5): هاجت فتنة بالكوفة فعمل طعامًا ودعا قراء الكوفة فكتبوا كتابًا يرون (¬6) بالكف عنها فتكلم هو بثلاث كلمات أغنت عن الكتاب: رحم الله امرءًا ملك لسانه، وكف يده، وعالج ما في صدره، تفرقوا (¬7) فإنه كان يكره طول المجلس. وكان يجلس على بابه، فإذا رأى بياعًا رأس ماله نحو درهمين يعطيه خمسة دراهم يقول: اجعلها رأس مالك. ويعطيه خمسة أخرى [يقول: اشتري بها لأهلك طعامًا، ويعطيه خمسة أخرى] (¬8) يقول: اشتري بها قطنًا لأهلك يغزلوه (¬9). وثقه ابن معين ¬

_ (¬1) انظر: "الكاشف" للذهبي 2/ 37. وقال النسائي كما في "تهذيب التهذيب" لابن حجر 7/ 267: كتبنا عنه ببغداد وأصله من نسا، ولا بأس به. (¬2) "سنن ابن ماجه" (845). (¬3) في (ص): خيثم الجعبي. والمثبت من (س، م، ل). (¬4) انظر: "مولد العلماء ووفياتهم" للربعي 1/ 398. (¬5) "الثقات" 1/ 433. (¬6) كذا بالنسخ الخطية. وفي "ثقات العجلي" وغيره: يأمرون. (¬7) في (ص، م): فعرفوا. والمثبت من (س، ل)، و"تاريخ الثقات". (¬8) سقط من (م). (¬9) انظر: "تاريخ دمشق" 13/ 57.

وابن خراش (¬1). قال: (حدثني عيسى بن عبد الله بن مالك) الدار، وثق (¬2) (عن محمد بن عمرو بن عطاء) العامري المدني ([أحد بني مالك] (¬3)، عن عباس) بالباء الموحدة والسين المهملة، هكذا ورد في الصَّحيحين (¬4) (أو عياش) بالمثناة تحت والشين المعجمة (ابن سهل) بن سعد (الساعدي) الأنصاري سمع أبا حميد الساعدي عند الشيخين (¬5)، وسمع أباه سهلًا عند البخاري (¬6) (أنه كان في مجلس فيه أبوه) سهل بن سعد (وكان من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-) مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو ابن خمس عشرة سنة، أرسل إليه الحجاج سنة أربع وسبعين، فقال: ما منعك من نصر أمير المؤمنين عثمان. قال: قد فعلت. قال: كذبت. فأمر به فختم في عنقه، وختم في عنق أنس، وختم في عنق جابر إذلالًا لهم بذلك؛ لئلا يجيبهم (¬7) الناس، ولا يسمعوا منهم (¬8). (وفي المجلس أبو هريرة، وأبو حميد الساعدي، وأبو أسيد) وتقدمت زيادة أحمد فيمن كان معهم (¬9) من أكابر الصحابة، وأبو أسيد بضم الهمزة ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 6/ 81. (¬2) "الكاشف" 2/ 368. (¬3) من "السنن". (¬4) البخاري (1872، 2855، 3791) ومسلم (1392، 1610، 1392). (¬5) "صحيح البخاري" (1872)، "صحيح مسلم" (1392)، وفي غير هذه المواضع. (¬6) "صحيح البخاري" (2855). (¬7) في "تهذيب الكمال" 12/ 190 وغيره: وأن يجتنبهم. (¬8) انظر ترجمته في "أسد الغابة" 1/ 486. (¬9) في (م): معه.

مصغر، هو مالك بن ربيعة الساعدي (بهذا الخبر) المتقدم (يزيد) بعضهم على بعض (أو ينقص) بفتح الياء وسكون النون. و(قال فيه: ثم رفع رأسه يعني (¬1): من الركوع، فقال: سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد) استدل به على أن الإمام يجمع بين قوله: سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد، وهو قول الشافعي (¬2)، وأحمد (¬3)، وأبي يوسف ومحمد (¬4) والجمهور، والأحاديث الصحيحة تشهد له. وزاد الشافعي (¬5) أن المأموم يجمع بينهما، قال ابن حجر: لكن لم يصح في ذلك شيء ولم يثبت عن ابن المنذر أنه قال إن الشافعي انفرد بذلك؛ لأنه قد نقل في "الإشراف" عن عطاء وابن سيرين وغيرهما القول بالجمع بينهما للمأموم، وأما المنفرد فحكى الطحاوي وابن عبد البر -رحمهما الله تعالى- الإجماع على أنه يجمع بينهما، وجعله الطحاوي حجة لكون الإمام يجمع بينهما للاتفاق على اتحاد حكم الإمام والمنفرد؛ ولكن أشار صاحب "الهداية" -رحمه الله- إلى خلاف عندهم في المنفرد (¬6). (ورفع يديه) حتى حاذى بهما منكبيه (ثم قال: الله أكبر، فسجد) فيه ¬

_ (¬1) من (م، س). (¬2) "الأم" 1/ 220. (¬3) "مسائل الإمام أحمد" برواية ابنه عبد الله (262). (¬4) "المبسوط" 1/ 106. (¬5) "الأم" 1/ 220. (¬6) "فتح الباري" 2/ 331.

دليل على رفع اليدين للسجود، وهو خلاف ما عليه (¬1) الجمهور (¬2). وأغرب الشيخ أبو حامد في "تعليقه" فنقل الإجماع على أنه لا يشرع الرفع في غير ثلاثة مواضع، وهي تكبيرة (¬3) الإحرام والركوع والرفع منه وتعقب لصحة ذلك عن ابن عمر وابن عباس وطاوس ونافع وعطاء كما أخرجه عبد الرزاق (¬4)، وغيره عنهم بأسانيد قوية (¬5)، وقد قال به من الشافعية: ابن خزيمة، وابن المنذر (¬6). قال ابن حجر (¬7): أصح ما وقفت عليه من الأحاديث في ذلك ما رواه النسائي (¬8) من رواية سعيد بن أبي عروبة، عن مالك بن الحويرث أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يرفع يديه في صلاته إذا ركع، وإذا رفع رأسه من ركوعه، وإذا سجد، وإذا رفع رأسه من سجوده حتى يحاذي بهما فروع أذنيه (¬9). ¬

_ (¬1) في (ص، ل): عملته. (¬2) انظر: "المجموع" 3/ 447. (¬3) في (م): لتكبيرة. (¬4) أخرج عبد الرزاق في "مصنفه" (2934): أن ابن عمر كان يقول: إذا سجد أحدكم فليضع يديه مع وجهه؛ فإن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه، وإذا رفع رأسه فليرفعهما معه. (¬5) أخرج البخاري في جزء "رفع اليدين" (123) عن الربيع بن أنس قال: رأيت الحسن ومجاهد وعطاء وطاوس وقيس بن سعد والحسن بن مسلم يرفعون أيديهم إذا ركعوا وإذا سجدوا. (¬6) انظر: "الأوسط" 3/ 307، و"فتح الباري" 2/ 261. (¬7) "فتح الباري" 2/ 61. (¬8) "سنن النسائي" 2/ 206 (¬9) سبق تخريجه.

وروى الطحاوي في "مشكله" (¬1) من طريق نصر بن علي، عن عبد الأعلى بلفظ: كان يرفع يديه في كل خفض، ورفع، وركوع، وسجود، وقيام، وبين السجدتين، ويذكر (¬2) أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يفعل ذلك لكن هذه رواية شاذة (فانتصب) للسجود (على كفيه، وركبتيه، وصدور قدميه، وهو ساجد) فيه السجود على سبعة أعضاء كما سيأتي، لكن لم يذكر في هذا الوجه؛ لأنه هو المقصود بالسجود، فكان معلومًا (ثم كبر) للرفع من السجود (فجلس فتورك) فيه حجة على ما نقل عن أبي حنيفة (¬3) أنه يجلس في التشهدين جميعًا مفترشًا، لكن سيأتي أن عتبة بن أبي حكيم روى هذا الحديث، عن عبد الله بن عيسى، ولم يذكر التورك (¬4)، فلا يرد على مذهب الشافعي (¬5) أنه لا يتورك إلا في التشهد الأخير (ونصب قدمه الأخرى) يعني: اليمنى كما تقدم (ثم كبر فسجد) ثانيًا [(ثم كبر)] (¬6) ثم رفع رأسه (فقام ولم يتورك) لأن التورك لا يكون إلا في تشهد يعقبه سلام كما ذهب إليه الشافعي (ثم ساق الحديث) كما تقدم (وقال) فيه: (ثم جلس بعد الركعتين) (¬7) الأوليين للتشهد الأول (حتى إذا هو) يعني: المصلي (أراد ¬

_ (¬1) "شرح مشكل الآثار" (5831). (¬2) في "شرح مشكل الآثار": يزعم. (¬3) "المبسوط" 1/ 113. (¬4) "سنن أبي داود" 1/ 488. (¬5) "المجموع " 3/ 450. (¬6) من (م). (¬7) زاد في (ص، س): ثم كبر.

أن ينهض للقيام) من التشهد (قام بتكبيرة) فيه التكبير للقيام من التشهد الأول كما يكبر لسائر الانتقالات، لئلا يخلو جزء من صلاته عن ذكر، وتقدم محل هذا التكبير (ثم ركع الركعتين الأخريين) بضم الهمزة وسكون الخاء وبالمثناة تحت بعد الراء، خلافًا لما تصحفه بعضهم فيمد الهمزة ويكسر الخاء، وبعد الراء مثناة من فوق تثنية آخرة. (ولم يذكر التورك في التشهد) وتقدم في الرواية السابقة ذكر التورك، والقاعدة عند الأصوليين تقديم الرواية المثبتة على النافية، كما في حديث بلال وأسامة في الصلاة في الكعبة حيث قدم ذكر الحديث المثبت على النافي، وقال به الفقهاء لزيادة علمه خلافًا للقاضي عبد الجبار فإنه قال (¬1): يتساويان لأن المثبت إن كان عنده (¬2) زيادة علم، فالنافي أيضًا يعتضد بالأصل المعروف، وهو العدم فلما تعارضا تساويا. [734] (ثنا أحمد بن حنبل) قال: (ثنا عبد الملك بن عمرو) بن قيس أبو عامر العقدي، قال (أخبرني فليح) قال: (حدثني عباس) بالموحدة كما تقدم (ابن سهل) بن سعد الساعدي. (قال: اجتمع أبو حميد) الساعدي (وأبو أسيد) بضم الهمزة، مالك بن ربيعة (وسهل بن سعد، ومحمد بن سلمة (¬3) فذكروا صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال أبو حميد) الساعدي (أنا أعلمكم) بإسكان العين (بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) فيه ما تقدم (فذكر بعض هذا) الحديث المتقدم (وقال) فيه (ثم ¬

_ (¬1) انظر: "الإحكام" للآمدي 4/ 271. و"التحبير شرح التحرير" للمرداوي 8/ 4193. (¬2) في (م، ل): معه. (¬3) في (م): مسلمة.

ركع فوضع يديه على ركبتيه كأنه قابض عليهما ووتر) بتشديد المثناة فوق، أي جعلها كالقوس الموتور حتى (¬1) جافاهما عن جثبيه. قال شارح "المصابيح": التوتير جعل الوتر على القوس، يعني أبعد مرفقيه عن جنبيه حتى كأن يديه كالوتر، وجنبيه كالقوس (¬2). وفي رواية البزار: وقوس بذراعيه (¬3) (فتجافى) أي ارتفع عضداه ويداه (عن جنبيه) من قولهم جفوته إذا رفعت نفسك عن حديثه. ويوضحه رواية الترمذي: فوضع يديه على ركبتيه كأنه قابض عليهما ووتر يديه فنحاهما (¬4) عن جنبيه (¬5)، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ورفع يديه واعتدل حتى رجع كل عظم في موضعه معتدلًا (ثم سجد فأمكن أنفه وجبهته) (¬6) من الأرض، يقال: أمكنته من الشيء، ومكنته منه تمكينًا فتمكن واستمكن أي قوي عليه واشتد، احتج به من قال بوجوب السجود على الأنف والجبهة، وهو قول سعيد بن جبير، والنخعي وإسحاق (¬7)، وهو رواية عن أحمد (¬8) ومالك (¬9)، ومذهبنا (¬10) أنه ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): حين. (¬2) "مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" 3/ 72. (¬3) "مسند البزار" (4488). (¬4) في (ص، ل): فتجافاهما. والمثبت من (س) و"سنن الترمذي". (¬5) "سنن الترمذي" (260). (¬6) في (ص، س، م): جبينه. والمثبت كما في "سنن أبي داود". (¬7) "مسائل أحمد وإسحاق" برواية الكوسج (223). (¬8) "الإنصاف" 2/ 66، و"المسائل رواية الكوسج" (223). (¬9) "الاستذكار"10/ 325. (¬10) في (ص، س): وقد ذهب.

لا يجب السجود على الأنف لكن يستحب، وحكاه ابن المنذر (¬1)، عن طاوس، وعطاء، وعكرمة، وأجاب أصحابنا عن هذا الحديث؛ بأن المراد به الاستحباب؛ لأن الأحاديث الصحيحة المطلقة في الأمر بالجبهة من غير ذكر الأنف جمعًا بين الأحاديث، وضعف هذا الاستدلال؛ لأن رواية الأنف والجبهة في زيادة، وزيادة الثقة مقبولة، ولا منافاة بينهما إذا ذكرت الجبهة في حديث، والأنف معها في حديث آخر. (ونحى يديه عن جنبيه) فيه التخوية (¬2) في السجود كما في الركوع، (ووضع كفيه) هذا مبين للرواية المتقدمة، ووضع يديه (حذو منكبيه) ومخصص له (ثم رفع رأسه) من السجود (¬3) (حتى رجع) أي عاد (كل عظم في موضعه) فيه وجوب الطمأنينة في كل فعل هو ركن في الصلاة، كما ذهب إليه الشافعي (¬4) (حتى فرغ) من الركعتين (ثم جلس) للتشهد الأول (فافترش رجله اليسرى) أي جعلها لمقعده كالفراش من الأرض (وأقبل بصدر) رجله (اليمنى) أي أقبل بما ارتفع من ظهر (¬5) قدمه اليمنى (على قبلته) يحتمل أن يكون على بمعنى اللام لقوله تعالى: {لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} (¬6) أي لهدايتكم. ¬

_ (¬1) "الأوسط" لابن المنذر 3/ 176. (¬2) التخوية: أن يجافي المرأ عضده عن جنبيه حتى يخوي ما بين ذلك. انظر: "الفائق" للزمخشري 1/ 402. (¬3) في (م): التحوية. (¬4) "الأم" 1/ 201. (¬5) في (ص، س، ل): ظهور. (¬6) الحج: 37.

(ووضع كفه اليمنى على ركبته اليمنى) أي: كما تقدم (¬1) في رواية وائل، وقبض ثنتين وحلق الإبهام والوسطى، وبدل على هذا التقدير قوله بعد: وأشار لإصبعه. يعني: السبابة كما في رواية وائل. (وكفه اليسرى على ركبته اليسرى) أي: مع التفريج الوسط، وتكون أطراف الأصابع مسامتة للركبة. (وأشار بإصبعه) السبابة، كما تقدم، أي: قاصدًا بها التوحيد والإخلاص عند كلمة الإثبات الذي بعد النفي وهي إلا الله. وحكي عن الإمام أنه يشير بها من أول قوله: أشهد أن لا إله إلا الله. (قال أبو داود: روى هذا الحديث عتبة) (¬2) بسكون المثناة فوق (ابن أبي حكيم) قال أبو حاتم: صالح (¬3). مات بصور (¬4) سنة 147. (عن عبد (¬5) الله بن عيسى) بن عبد الرحمن الأنصاري (¬6). (عن العباس بن سهل) و (لم يذكر التورك) المتقدم في حديثه (وذكر نحو حديث فليح، وذكر الحسن بن الحر) حديثه (نحو) ما تقدم في (جلسة) بكسر الجيم للنوع والحال التي يكون عليها المصلي وغيره ¬

_ (¬1) في (ص): بغلام. والمثبت من (س، م، ل). (¬2) في (ص، س): عقبة. والمثبت من (م، ل). (¬3) "الجرح والتعديل" 6/ 371. (¬4) في (ص): بصبور. (¬5) في (م): عبيد. (¬6) كذا نسبه الشارح، وهو خطأ، إنما هو عيسى بن عبد الله بن مالك الدار بن عياض العمري، مولاهم، وقيل: عبد الله بن عيسى وهو وهم. انظر: "تهذيب الكمال" 22/ 623 (4635).

كجلسة الاستراحة والتشهد، وجلسة الفصل بين السجدتين؛ لأنها نوع من أنواع الجلوس، والنوع هو الذي يفهم منه معنى زائد على الجنس والفعل الذي اشتق منه (فليح) بن سليمان العدوي (وعتبة) (¬1) بن أبي الحكيم. [و (رواه) عبد الله (بن المبارك) قال: (أنا فليح) قال) سمعت عباس بن سهل يحدثه) عن أبي حميد (فلم أحفظه فحدثنيه أراه) بضم الهمزة أي: أظنه (ذكر عيسى بن) (¬2) عبد الله) بن مالك الدار، وثق (أنه سمعه من عباس بن سهل قال: حضرت أبا حميد الساعدي) يحدث (بهذا الحديث) المذكور] (¬3). [735] (ثنا عمرو بن عثمان) بن سعيد بن كثير (¬4) الحمصي، كان حافظًا صدوقًا، مات سنة 250 (¬5). قال: (ثنا بقية) بن الوليد تقدم قريبًا، قال: (حدثني عتبة) قال: (حدثني عبد الله بن عيسى، عن العباس بن سهل الساعدي، عن أبي حميد الساعدي بهذا الحديث، وقال) فيه (وإذا سجد فرج) بتشديد الراء ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (260)، وابن ماجه (863)، وابن خزيمة في "صحيحه" (589)، وابن حبان في "صحيحه" (1871) من طرق عن فليح به. ورواية بعضهم أتم من بعض. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (723): إسناده صحيح على شرط الشيخين. (¬2) في (ص): بينا. وبياض في (ل). (¬3) أورد الشارح عبارة أبي داود في هذا الموضع بجميع الأصول الخطية بينما جاءت في النسخ المطبوعة من "سنن أبي داود" بعد حديث عمرو بن عثمان التالي لها هنا. (¬4) في (ص) بشير. والمثبت من (س، م، ل). (¬5) "الكاشف" 2/ 336.

(بين فخذيه) أي: فرق بين فخذيه وركبتيه وقدميه. قال في "الروضة" عن الأصحاب: أنه يكون التفريق بين القدمين بقدر شبر (¬1) (غير) بالنصب (حامل) أي: غير واضع (بطنه، على شيء من فخذيه) أي: لم يجعل شيئًا من فخذيه حاملًا لبطنه بل يرفع بطنه عن فخذيه، حتى لو شاءت بهمة أن تمر بين يديه لمرت، فيه فضيلة رفع البطن عن الفخذين في السجود كما يرفعه في الركوع، وأنهما من السنة. [736] (ثنا محمد بن معمر) بن ربعي القيسي (¬2) قال: (ثنا حجاج بن منهال) قال: (ثنا همام) قال: (ثنا محمد بن جحادة) بضم الجيم، الأودي الكوفي. (عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه) وائل بن حجر، بإسكان الجيم، الحضرمي، وقيل: إن عبد الجبار لم يسمع من أبيه، والحديث المتقدم: كنت غلامًا لم أعقل صلاة أبي. (عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا [الحديث] (¬3) قال) فيه (فلمّا سجد وقعتا) هذه الألف ليست بضمير التثنية؛ لأن الفاعل مذكور بعدها، وإنما هي حرف علامة التثنية على لغة أكلوني البراغيث (ركبتاه) فاعل (وقعتا) فهو كما قال المتنبي: ¬

_ (¬1) "المجموع" 3/ 430. (¬2) في (ص، س): العبسي. والمثبت من (م، ل). (¬3) من "السنن".

ورمى وما رمتا يداه أصابني (¬1) ... سهم يعذب والسهام تريح (¬2) (إلى الأرض قبل أن تقع كفاه) كذا رواه الترمذي (¬3)، والنسائي (¬4)، وابن ماجه (¬5) بلفظ: إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه. ورواه ابن خزيمة (¬6)، وابن حبان (¬7)، وابن السكن في صحاحهم من طريق شريك القاضي، وروى له مسلم فهو صحيح على شرطه. قال البيهقي (¬8): وتابعه همام، عن عاصم، عن أبيه مرسلًا. وله شاهد من الوجه الذي ذكره المصنف، وشاهد آخر، وهو ما روى الدارقطني (¬9)، والحاكم (¬10)، والبيهقي (¬11)، من طريق حفص بن ¬

_ (¬1) في المصادر: فصابني. (¬2) انظر: "شرح ديوان المتنبي" ص 56. (¬3) "سنن الترمذي" (268) وقال الترمذي: حديث حسن غريب لا نعرف أحدًا رواه مثل هذا عن شريك. والعمل عليه عند أكثر أهل العلم يرون أن يضع الرجل ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه. (¬4) "سنن النسائي" 2/ 234. وقال أبو عبد الرحمن: لم يقل هذا عن شريك غير يزيد بن هارون. (¬5) "سنن ابن ماجه" (882). (¬6) "صحيح ابن خزيمة" (626). (¬7) "صحيح ابن حبان" (1912). (¬8) "السنن الكبرى" 2/ 99. (¬9) "سنن الدارقطني" 1/ 345. (¬10) "المستدرك" 1/ 226. (¬11) "السنن الكبرى" 2/ 99.

غياث (¬1)، عن عاصم الأحول، عن أنس في حديث (¬2) فيه: ثم انحط بالتكبير فسبقت ركبتاه يديه. ورجحوه أيضًا بحديث سعد بن أبي وقاص، قال: كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا بالركبتين قبل اليدين، رواه ابن خزيمة (¬3) في "صحيحه" وجعلوه عمدة في النسخ. قال السبكي: وأكثر العلماء على تقديم الركبتين. وقال الخطابي: إنه أثبت من حديث تقديم اليدين، وهو أرفق بالمصلي وأحسن في الشكل ورأي العين (¬4). ورواية المصنف (قبل أن تقع كفاه) مبينة للمراد باليدين. في رواية غيره، وأما الذراع فيرفعه عن الأرض بلا نزاع. (قال: فلما سجد وضع جبهته بين كفيه) في السجود كما وضع كفيه [حذو منكبيه] (¬5) حذو وجهه لافتتاح الصلاة وغيرها مع التكبير (وجافى) أي: عضداه كما في رواية المصنف رحمه الله. (عن إبطيه) حكى بعض المتأخرين أن كسر الباء فيه لغة، وهي ما تحت العضد من الجنب، وفي "صحيح البخاري": كان إذا صلى فرَّج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه (¬6). وقال أبو نعيم في "دلائله" (¬7): إن بياض إبطيه -عليه السلام- من علامات نبوته. ¬

_ (¬1) في (ص): عتاب. (¬2) في (م): حديثه. (¬3) "صحيح ابن خزيمة" (628). (¬4) "معالم السنن" بحاشية "مختصر سنن أبي داود" 1/ 397. (¬5) من (م). (¬6) "صحيح البخاري" (390). (¬7) لم أقف عليه في "الدلائل".

(قال حجاج) بن منهال (قال همام) بن يحيى (وثنا شقيق) أبو (¬1) ليث التابعي (¬2)، قال: (حدثني عاصم بن كليب، عن أبيه) قال المزي (¬3) في "التهذيب": وقيل همام عنه، عن عاصم بن شنتم بفتح الشين المعجمة، والتاء المثناة فوق بينهما نون هكذا قيده الأمير أبو نصر بن ماكولا بالشين المعجمة المفتوحة وبالنون الساكنة (¬4)، وهكذا أخرجه القاضي أبو الحسين عبد الباقي بن قانع في حرف الشين من "معجم الصحابة" (¬5) ثم قال: روى لشقيق أبو داود هذا الحديث الواحد فإن صحت رواية ابن قانع يشبه أن يكون الحديث متصلًا، وإن كانت رواية أبي داود هي الصحيحة فالحديث مرسل، والله أعلم (¬6). (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثل هذا) المذكور (وفي حديث أحدهما، وأكبر علمي أنه حديث محمد بن جحادة) بضم الجيم (و) فيه: (إذا نهض) من السجود (نهض على ركبتيه واعتمد) أي: بيديه؛ لأن الاعتماد افتعال من العماد، والمراد به الاتكاء، وهو باليد (على فخذه) (¬7) كذا روي بالإفراد، ولعل المراد به (¬8) التثنية كما في ركبتيه، وقد يرد المفرد بمعنى التثنية. ¬

_ (¬1) في (ص): بن. (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 12/ 558. (¬3) في الأصول الخطية: الذهبي. وهو تصحيف. (¬4) "الإكمال" 5/ 41 (¬5) "معجم الصحابة" 1/ 350. (¬6) "تهذيب الكمال" 12/ 558. (¬7) انفرد به أبو داود، وقال الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" (149): ضعيف. (¬8) سقط من (م).

وضعف النووي هذه الرواية، وقال: اتفق الحفاظ على أن عبد الجبار لم يسمع من أبيه شيئًا ولم يدركه (¬1)، قال: ومذهب الشافعي (¬2) أنه يستحب أن يقوم معتمدًا على يديه، وحكى ابن المنذر (¬3) هذا عن ابن عمر، ومالك (¬4)، وأحمد (¬5)، وقال أبو حنيفة (¬6): يقوم غير معتمد بيديه على الأرض بل يعتمد صدور قدميه. [737] (ثنا مسدد) قال (ثنا عبد الله بن داود) بن عامر الهمداني أخرج له البخاري (¬7) (عن فطر) بكسر الفاء وسكون الطاء (¬8)، ابن خليفة المخزومي، أخرج له البخاري (¬9). (عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفع إبهاميه في الصلاة إلى شحمة أذنيه) اختلفت الأحاديث في كيفية رفع اليدين في الصلاة، وقد جمع الشافعي بين الأخبار، وذلك أنه لما قدم إلى العراق اجتمع عنده أحمد والكرابيسي وأبو ثور، فسئل عن أحاديث الرفع، وأنه روي أنه عليه السلام رفع حذو منكبيه، وحذو أذنيه، ¬

_ (¬1) "المجموع" 3/ 446. (¬2) "الأم" 1/ 226. (¬3) "الأوسط" 3/ 367. (¬4) "التاج والإكليل" 1/ 541. (¬5) حكي عن أحمد أنه لا يعتمد على يديه إلا أن يكون شيخًا كبيرًا. "مسائل ابن هانئ" (259). (¬6) "المبسوط" 1/ 110. (¬7) أخرج له البخاري في "صحيحه" في الوضوء من المذي (132) وغير ذلك الموضع. (¬8) زاد في (م، ل): المهملة. (¬9) أخرج له البخاري في "صحيحه" مقرونًا بغيره (5991).

وحذو شحمة أذنيه، فقال: أرى أن يرفعهما بحيث يحاذي أطراف أصابعه أعلى أذنيه، وكفاه منكبيه وإبهاميه (¬1) شحمة أذنيه (¬2). وقال القاضي حسين: إنه الأولى، فإن لم يفعل ذلك، فالسنة عندنا أن يرفعهما حذو المنكبين (¬3). [738] (ثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث) قال: (حدثني أبي، عن جدي) الليث بن سعد (عن يحيى بن أيوب، عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج) القرشي مولاهم المكي أحد الأعلام (عن) محمد (ابن شهاب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام) المخزومي أحد فقهاء أهل (¬4) المدينة من التابعين، قيل: اسمه المغيرة، قال ابن عبد البر (¬5): ولا يصح، المغيرة أخوه، وهو أصغر سنًّا منه، والصحيح أن اسمه أبو بكر، وكنيته أبو عبد الرحمن (عن أبي هريرة أنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كبر للصلاة جعل يديه حذو منكبيه، وإذا ركع فعل مثل ذلك وإذا رفع للسجود فعل مثل ذلك) هذا يشمل إذا نهض من السجود إلى الثانية والرابعة والتشهدين ويشمل ما إذا قام إلى الثالثة (¬6) أيضًا. وتقدم أن أصح ما ورد في الرفع من السجود، هو ما رواه النسائي، ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): وإبهامه. (¬2) "المجموع" 3/ 305 - 306. (¬3) انظر: "عون المعبود" 2/ 443. (¬4) من (م، ل). (¬5) "التمهيد" 8/ 394. (¬6) في (ص، س، ل): الثانية.

عن مالك بن الحويرث أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه في صلاته إذا ركع، وإذا رفع رأسه من ركوعه، وإذا سجد، وإذا رفع رأسه من سجوده حتى يحاذي بهما فروع أذنيه (¬1). (وإذا قام من الركعتين فعل مثل ذلك) أي: جعل يديه حذو منكبيه أي إذا قام من التشهد، احتج به جماعة من أصحابنا على استحباب الرفع من التشهد الأول. قال النووي: وهذا هو الصواب، وممن قال به من أصحابنا: ابن المنذر (¬2)، وأبو علي الطبري، وأبو بكر البيهقي، وصاحب "التهذيب"، وفي "شرح السنة" وغيرهم، وهو مذهب البخاري وغيره من المحدثين (¬3). [739] (ثنا قتيبة بن سعيد) قال: (ثنا) عبد الله (بن لهيعة) تقدم (عن أبي هبيرة) خليفة بن خياط بالمثناة تحت العصفري (¬4). (عن ميمون المكي؛ أنه رأى عبد الله بن الزبير - رضي الله عنهما - وصلى بهم يشير بكفيه) يشبه أن يراد بالإشارة رفع اليدين كما تقدم في افتتاح الصلاة، وعبر عن الرفع هنا بالإشارة؛ لأنه لما كان إمامًا كان رفعهما إشارة للمأمومين أن يقتدوا به في رفعهما (حين يقوم) للصلاة إذا افتتحها ¬

_ (¬1) أخرجه النسائي في "المجتبى" 2/ 205. (¬2) كذا قال المصنف في اسم أبي هبيرة وضبطه، وهو خطأ، فأبو هبيرة هنا هو عبد الله بن هبيرة بن أسعد بن كهلان، السبئي، الحضرمي، وهو الذي يروي عن ميمون المكي، وعنه ابن لهيعة: "تهذيب الكمال" 16/ 242 (3628). (¬3) "الأوسط" 3/ 369. (¬4) انظر: "المجموع" 3/ 447.

(وحين يركع، وحين يسجد، وحين ينهض للقيام) (¬1) من السجود أو التشهد (فيقوم فيشير بيديه) إذا استوى قائمًا، كما تقدم في الحديث قبله. (فانطلقت إلى ابن عباس - رضي الله عنهما - فقلت) له (إني رأيت) عبد الله (بن الزبير صلى صلاة لم أر أحدًا يصليها) فيه الإنكار على الأئمة وغيرهم إذا رأى منهم ما يعتقد خلافه، وسؤاله عن غيره من العلماء قبل أن يذكر لمن (¬2) فعله شيئًا من ذلك حتى يحقق علم ما رأى منه ولا يبادر بالإنكار، (فوصف (¬3) هذِه الإشارة) التي رآها من ابن الزبير (فقال) ابن عباس: (إن أحببت أن تنظر إلى صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاقتد بصلاة عبد الله بن الزبير) (¬4) - رضي الله عنهما -. [740] (ثنا قتيبة بن سعيد، ومحمد بن أبان المعنى قالا: ثنا النضر) بالضاد المعجمة (ابن كثير السعدي) ويقال: الضبي البصري العابد قال النسائي: صالح (¬5). قال الفلاس: يعد من الأبدال (¬6). (قال: صلى إلى جنبي عبد الله بن طاوس) بن كيسان اليماني، كان من ¬

_ (¬1) في جميع الأصول الخطية: من القيام. والمثبت من مطبوعة "سنن أبي داود". (¬2) في (ص، س): ممن. (¬3) كذا في الأصول الخطية. وفي مطبوعة أبي داود: فوصفت له. (¬4) أخرجه أحمد 1/ 255. وقال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (724): هذا إسناد ضعيف؛ فيه ابن لهيعة، وهو ضعيف من قبل حفظه، وفيه: ميمون المكي، وهو مجهول. ولكن الحديث له شواهد كثيرة يرقى بها إلى درجة الصحيح لغيره. (¬5) "تهذيب الكمال" 29/ 401. (¬6) "تهذيب التهذيب" 5/ 626.

أعلم الناس بالعربية (في مسجد الخيف) بمنى (فكان إذا سجد السجدة الأولى فرفع رأسه منها رفع يديه تلقاء وجهه) فيه دليل على رفع اليدين بين السجدتين، كذا بوب عليه النسائي (¬1). وحد الرفع أن تصيرا مقابل وجهه (فأنكرت ذلك) عليه (فقلت لوهيب) بالتصغير (ابن خالد) بن عجلان الباهلي، مولاهم أحد الأعلام، قال أبو حاتم: لم يكن بعد شعبة أعلم بالرجال منه (¬2)، كان قد سجن فذهب بصره، فكان يملي من حفظه، وكان أحفظ من أبي عوانة. زاد النسائي: إن هذا يصنع شيئًا لم أر أحدًا يصنعه (¬3). (فقال له وهيب بن خالد: تصنع شيئًا لم أر (¬4) أحدًا يصنعه؟ فقال) عبد الله (ابن طاوس: رأيت أبي) طاوس (يصنعه، [وقال أبي: رأيت ابن عباس يصنعه] (¬5) ولا أعلم إلا أنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنعه) (¬6) ولفظ النسائي، فقال عبد الله بن طاوس: رأيت أبي يصنعه، وقال أبي: رأيت ابن عباس يصنعه، وقال عبد الله بن عباس: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يصنعه (¬7). ¬

_ (¬1) بوب النسائي في "سننه" 2/ 232 باب رفع اليدين بين السجدتين تلقاء الوجه. (¬2) "الجرح والتعديل" 9/ 35. (¬3) "سنن النسائي" 2/ 232 أي: قبل قول وهيب بن خالد الآتي هنا وعند النسائي. (¬4) من (م). (¬5) من مطبوع "السنن". (¬6) أخرجه النسائي كما مر، وقال الألباني في "صحيح سنن أبي داود": رجال إسناده كلهم ثقات رجال البخاري غير النضر بن كثير، فإنه ضعيف الحديث. لكن يشهد لهذا الحديث الحديث الذي قبله. (¬7) "سنن النسائي" 2/ 232.

[741] (ثنا نصر بن علي) الجهضمي، قال: (أنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى، قال: (ثنا عبيد الله) بالتصغير هو ابن عمر بن حفص (عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه كان إذا دخل في الصلاة كبر ورفع يديه، وإذا ركع) رفع يديه (وإذا قال: سمع الله لمن حمده) رفع يديه (وإذا قام من الركعتين) بعد التشهد (رفع يديه، ويرفع ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، والصحيح قول) عبد الله (بن عمر) أنه (¬1) (ليس بمرفوع) إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. و(روى بقية) بن الوليد (أوله، عن عبيد الله) عمر بن حفص (¬2) (وأسنده) إلى آخره. (ورواه) عبد الوهاب بن عبد المجيد بن الصلت (الثقفي) الحافظ أحد أشراف البصرة (عن عبيد الله) و (أوقفه على) عبد الله (بن عمر) وحكى الدارقطني في "العلل" الاختلاف (¬3) في رفعه ووقفه وقال: الأشبه بالصواب قول عبد الأعلى (¬4). وحكى الإسماعيلي عن بعض مشايخه أنه أومأ إلى أنَّ عبد الأعلى أخطأ في رفعه (¬5)، قال الإسماعيلي: وخالفه عبد الله بن إدريس وعبد الوهاب الثقفي والمعتمر، يعني عن عبيد الله فوقفوه على ابن عمر ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في الأصول: ابن الأخنس. وهو خطأ، والمثبت الصواب. فهو الذي لبقية رواية عنه. انظر: "علل الدارقطني" 12/ 13. (¬3) في (ص): في الأخلاق، وسقط من (س). (¬4) "علل الدارقطني" 13/ 13 - 14. (¬5) في (ص، م): وقفه. والمثبت من (س) ومصادر التوثيق.

ووقفه معتمر وعبد الوهاب، عن عبيد الله، عن نافع كما قال لكن رفعاه (¬1) عنه، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر (¬2). (وقال فيه: وإذا قام من الركعتين يرفعهما إلى ثدييه) أصل الثدي للمرأة، ويستعمل للرجل تجوزًا، وللرجل ثندوة بضم الثاء والدال، وهذِه الرواية ضعيفة، والرواية المشهورة الصحيحة التي في البخاري وغيره عن ابن عمر: حتى يجعلهما حذو منكبيه (¬3). ولا يبعد أن تكون رواية الثديين ها هنا في معنى رواية أنه كان يرفعهما إلى صدره فإن الثديين في الصدر. وروى الطبراني في حديث طويل في مناقب عن وائل بن حجر قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا وائل إذا صليت فاجعل يديك حذاء أذنيك، والمرأة تجعل يديها حذاء ثدييها" (¬4). وقد تقدم عن أبي حنيفة (¬5) أنه يفرق في الرفع بين الرجل والمرأة عملًا بهذا (وهذا) أي كونه موقوفًا على ابن عمر (هو الصحيح) كما تقدم. (ورواه الليث بن سعد ومالك وأيوب و) عبد الملك (بن جريج) أي عن نافع (موقوفًا) على ابن عمر - رضي الله عنهما - (وأسنده حماد بن سلمة وحده عن أيوب، ولم يذكر أيوب ومالك الرفع) أي: رفع يديه (إذا قام من ¬

_ (¬1) في (س): وقفاه. (¬2) "فتح الباري" 2/ 260. (¬3) "صحيح البخاري" (837). (¬4) "المعجم الكبير" 22/ 19 (28). (¬5) انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 199.

السجدتين) أي: من الركعتين قال في "شرح المهذب": المراد بالسجدتين الركعتان بلا شك كما جاء (¬1) في رواية الباقين، وهكذا قاله العلماء من المحدثين، والفقهاء إلا الخطابي فإنه ظن أن المراد السجدتان المعروفتان، ثم استشكل الحديث، وقال: لا أعلم أحدًا من الفقهاء قال به. فكأنه لم يقف على طرق الحديث، ولو وقفه عليها لحمله على الركعتين كما حمله الأئمة (¬2). (وذكره الليث في حديثه، قال ابن جريج: وفيه: قلت لنافع: أكان ابن عمر يجعل الأولى أرفعهن) بنصب العين (قال: لا) ولم يرد في روايات الحديث ما يدل على التفرقة في الرفع بين الرجل والمرأة، وعن الحنفية (¬3) يرفع الرجل إلى الأذنين، والمرأة إلى المنكبين؛ لأنه أستر لها. وروى مالك في "الموطأ" (¬4)، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما دون ذلك، كما سيأتي. (سواء) بالرفع خبر مبتدأ محذوف، بالنصب بفعل محذوف دلَّ عليه ما قبله أي جعلهن سواء كلهن. (قلت: أشر لي) إلى أين أرفعهن (فأشار إلى الثديين) قال ابن عبد البر: اختلفت الآثار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في كيفية رفع اليدين في ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "المجموع" للنووي 3/ 447. (¬3) "بدائع الصنائع" 1/ 199. (¬4) "الموطأ" 1/ 87.

الصلاة، فروي عنه أنه كان يرفع يديه مدًا (¬1) فوق أذنيه مع رأسه (¬2). وروي عنه: أنه كان يرفعهما [حذو منكبيه] (¬3) إلى صدره، وكلها آثار معروفة مشهورة، قال: وأثبت ما في ذلك حديث ابن عمر: أنه كان يرفع إلى حذو منكبيه. وعليه جمهور التابعين وعلماء الأمصار وأهل الحديث (¬4) (أو) أشار إلى مكان (أسفل) مجرور بنصب اللام؛ لأنه لا ينصرف؛ للوصف ووزن الفعل كما في قوله تعالى: {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا} (¬5) (من ذلك) هذا شك من الراوي، وظاهر كلام ابن عمر أنه يرفع في جميع الانتقالات سواء، وأن إشارته لنافع بذلك لا تكون من قبل رأيه بل عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأما تفريقه في الآتي بعده في الرفع بين الافتتاح وبين الرفع من الركوع فلبيان الجواز، وكذلك اختلاف هذه الروايات لبيان الجواز، والذي واظب عليه إلى حذو المنكبين، وإن أمكن [أن تكون] (¬6) هذه الرواية فيما جمعه الشافعي في المتقدم عنه، فهو يرفع الخلاف. [742] (ثنا القعنبي، عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان إذا ¬

_ (¬1) من (ل، م)، و"التمهيد". (¬2) أخرجه الترمذي (240)، والنسائي 2/ 124، وابن خزيمة في "صحيحه" (459) من حديث أبي هريرة. قال الألباني في "الجامع الصغير" (8892): صحيح. (¬3) سقط من (س، م). (¬4) "التمهيد" 9/ 229. (¬5) النساء: 86. (¬6) سقط من (س، م).

ابتدأ الصلاة) وكبر (¬1) لافتتاح الصلاة (يرفع يديه) أي: كفيه (حذو منكبيه، وإذا رفع رأسه من الركوع) رواية "الموطأ": في غير الإحرام (رفعهما دون ذلك) وهي أعم من رواية المصنف. (قال أبو داود: لم يذكر رفعهما دون ذلك أحد غير) بالرفع وهي استثنائية بمعنى إلا، وهذه اللغة الفصحى، ويجوز النصب على أصل (¬2) الاستثناء، وهذان الوجهان جائزان في كل استثناء متصل قام والمستثنى فيه بعد كلام غير موجب (مالك) قال ابن عبد البر (¬3) بعد ذكر هذا الحديث: وكل ذلك واسع حسن، وابن عمر روى هذا (¬4) الحديث يعني الرفع إلى حذو منكبيه، وهو أعلم بمخرجه وتأويله، وكل ذلك معمول به عند العلماء. انتهى. (فيما أعلم) (¬5) يدل على كثرة ورع أبي داود فيما يحكيه؛ إذ لم يجزم بالنفي، بل (¬6) قيده بما يعلم، فإن الشهادة على النفي لا تقبل إلا في صور. * * * ¬

_ (¬1) في (ص): كيف. والمثبت من (س، م، ل). (¬2) من (م). (¬3) "التمهيد" 9/ 229. (¬4) من (م). (¬5) في (ص، س، ل): أعلمه. (¬6) سقط من (م).

120 - باب

120 - باب 743 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ المحارِبِيُّ قالا: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ مُحارِبِ بْنِ دِثارٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قال: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إذا قامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ (¬1). 744 - حَدَّثَنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنا سُلَيْمان بْنُ داوُدَ الهاشِمِيُّ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنادِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الفَضْلِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الحارِثِ بْنِ عَبْدِ المطَّلِبِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رافِعٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالِبٍ - رضي الله عنه -، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كانَ إِذا قامَ إِلَى الصَّلاةِ المكْتُوبَةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَيَصْنَعُ مِثْلَ ذَلِكَ إِذا قَضَى قِراءَتَهُ وَأَرادَ أَنْ يَرْكَعَ وَيَصْنَعُهُ إِذا رَفَعَ مِنَ الرُّكُوعِ وَلا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيءٍ مِنْ صَلاتِهِ وَهُوَ قاعِدٌ وَإِذا قامَ مِنَ السَّجْدَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ كَذَلِكَ وَكَبَّرَ (¬2). قال أَبُو داوُدَ: وفِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدِ السّاعِدِيِّ حِينَ وَصَفَ صَلاةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِذا قامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحاذِيَ بِهِما مَنْكِبَيْهِ كَما كَبَّرَ عِنْدَ افْتِتاحِ الصَّلاةِ. 745 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ نَصْرِ بْنِ عاصِمٍ، عَنْ مالِكِ بْنِ الحوَيْرِثِ قال: رأيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذا كَبَّرَ وَإِذا رَكَعَ وَإِذا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ حَتَّى يَبْلغَ بِهِما فُرُوعَ أُذُنيْهِ (¬3). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 145، والبخاري في "رفع اليدين" (24). وصححه الألباني (728). (¬2) رواه الترمذي (3721)، وابن ماجه (864)، وأحمد 1/ 93. وصححه الألباني (729). (¬3) رواه البخاري (737)، ومسلم (391).

746 - حَدَّثَنا ابن مُعاذٍ، حَدَّثَنا أَبِي ح، وحَدَّثَنا مُوسَى بْن مَرْوانَ، حَدَّثَنا شُعَيْبٌ يَعْنِي: ابْنَ إِسْحاقَ الْمَعْنَى، عَنْ عِمْرانَ، عَنْ لاحِقٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ قال: قال أَبُو هُرَيْرَةَ: لَوْ كُنْتَ قُدّامَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَرَأَيْتَ إِبْطَيْهِ. زادَ ابن مُعاذٍ قال: يَقُولُ لاحِقٌ: أَلا تَرَى أَنَّهُ فِي الصَّلاةِ وَلا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَكُونَ قُدّامَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَزادَ مُوسَى: يَعْنِي: إِذا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ (¬1). 747 - حَدَّثَنا عُثْمان بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا ابن إِدْرِيسَ، عَنْ عاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَلْقَمَةَ قال: قال عَبْدُ اللهِ: عَلَّمَنا رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الصَّلاةَ فَكَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَلَمّا رَكَعَ طَبَّقَ يَدَيْهِ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ قال: فَبَلَغَ ذَلِكَ سَعْدًا فَقال: صَدَقَ أَخِي قَدْ كُنّا نَفْعَل هذا ثُمَّ أُمِرْنا بهذا يَعْنِي: الإِمْساكَ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ (¬2). * * * باب (¬3) كذا في بعض النسخ [لم يذكر هذا الباب] (¬4). [743] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، ومحمد بن عبيد) بن محمد أبو جعفر (المحاربي) بموحدة بعد الراء، الكوفي. قال النسائي: لا بأس به (¬5) (قالا: ثنا محمد بن فضيل) بن غزوان، ¬

_ (¬1) رواه النسائي في "الكبرى" 1/ 351 (698). وصححه الألباني (731). (¬2) رواه أحمد 1/ 418، والنسائي في "الكبرى" 1/ 321 (623)، وابن خزيمة 1/ 301 (595). وصححه الألباني (732). (¬3) من (م)، واسم الباب سقط من النسخ الأربعة، وأثبته شعيب الأرناؤوط في نشرته 2/ 62 وقال: أثبته من نسخة على هامش (د، هـ). (¬4) ساقطة من (م). (¬5) انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 71.

قرأ القرآن على حمزة (¬1) (عن عاصم بن كليب، عن محارب بن دثار، عن ابن عمر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام في (¬2) الركعتين) بعد التشهد (كبر، ورفع يديه) حجة لمن قال برفع اليدين لمن قام بعد التشهد الأول. [744] (ثنا الحسن بن علي) قال: (ثنا سليمان بن داود) بن علي (الهاشمي) قال الحسن بن محمد الزعفراني: قال لي الشافعي: ما رأيت أعقل من رجلين أحمد بن حنبل، وسليمان بن داود الهاشمي (¬3). قال ابن حنبل: لو قيل لي اختر رجلًا للأمة تستخلفه عليهم. استخلفت سليمان بن داود الهاشمي (¬4)، قال: (ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي. (عن عبد الله بن الفضل بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب) بن هاشم المدني. (عن عبد الرحمن (¬5) الأعرج، عن عبيد الله) بالتصغير (ابن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة) وغير المكتوبة في معناها (كبر ورفع يديه حذو منكبيه، ويصنع مثل ذلك إذا قضى قراءته) أي: فرغ منها، لقولهم (¬6) قضيت حاجتي، ¬

_ (¬1) زاد في (م): الزيات. (¬2) في مطبوعة "سنن أبي داود" رواية اللؤلؤي: من. والمثبت من جميع الأصول الخطية وهو الموافق لرواية ابن داسة. (¬3) "تهذيب الكمال" 11/ 412. (¬4) "تهذيب الكمال" 11/ 412. (¬5) في (ص، س، ل): عبد الله. (¬6) في (م): كقوله.

والمراد بالقراءة هنا قراءة السورة (وإذا) وفي "مختصر المنذري" بلفظ. إذا قضى قراءته و (أراد أن يركع) (¬1) فحذف: (وإذا) يحتمل أن تكون هذِه الواو واو الحال التي يؤتى بها لتأكيد لصوق ما بعدها بما قبلها، وإفادة أن ما بعدها أمر ثابت كما قيل في قوله تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} (¬2) وإذا بعدها تأكيد لإذا الأولى، وليست الواو هنا عاطفة؛ لأن العاطفة توهم أن المراد أنه يكبر، ويرفع يديه إذا قضى قراءته، ويكبر ويرفعهما إذا أراد أن يركع. (ويصنعه إذا رفع من الركوع، ولا يرفع يديه في شيء من صلاته وهو قاعد) كذا رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح (¬3). قد يستدل به من يقول الحكمة في رفع اليدين كون رفعهما من تمام القيام في الصلاة فإذا انتفى القيام انتفى الرفع. وقال القرطبي: الحكمة في رفعهما أن يستقبل القبلة بجميع بدنه (¬4) قال: وهذا أقيسها (¬5). انتهى. ويؤخذ منه أن من صلى قاعدًا للعجز عن القيام أو في النوافل لا يرفع، وقد قال الشافعي في "الأم": استحب الرفع لكل مصل رجل ¬

_ (¬1) "مختصر سنن أبي داود" للمنذري 1/ 367. (¬2) البقرة: 216. (¬3) "سنن الترمذي" (3423). (¬4) في (م): يديه. (¬5) انظر: "فتح الباري" 2/ 256. وقال القرطبي في "المفهم" 2/ 20: أنسبها مطابقة قوله الله أكبر لفعله.

أو امرأة، وفي تكبيرات الجنازة، والعيدين، والاستسقاء، وسجود القرآن (¬1)، والشكر، وسواء في هذا كله من صلى وهو قائم أو قاعد أو مضطجع يومئ إيماء؛ لأنه في ذلك كله في موضع قيام (¬2). وحجته حديث ابن عمر المتفق عليه، ولا يفعل ذلك في السجود يعني رفع اليدين، وهو مقدم على هذا الحديث؛ لأنه أخص منه وأصح. (وإذا قام من السجدتين رفع يديه كذلك) قال ابن عبد البر: كل من رأى الرفع، وعمل به من العلماء لا يبطل صلاة من لم يرفع، إلا الحميدي، وبعض أصحاب داود، ورواية عن الأوزاعي (¬3) (وكبر) كما تقدم. (وفي حديث أبي حميد الساعدي حين وصف صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي) أي: يقابل (بهما منكبية، كما كبر عند افتتاح الصلاة) وتقدم. [745] (ثنا حفص بن عمر) قال: (ثنا شعبة، عن قتادة، عن نصر بن عاصم) الليثي البصري النحوي المقرئ، قال خالد الحذاء: هو أول من وضع العربية، ويقال: هو أول من نقط المصاحف وخمسها وعشرها، قال أبو عمرو الداني: قرأ القرآن على أبي الأسود الدؤلي، روى عنه القراءة أبو عمرو بن العلاء، أخرج له مسلم (¬4). ¬

_ (¬1) في (ص): القراءات، وفي (س): القراءة. (¬2) "الأم" 1/ 205 - 207. (¬3) "الاستذكار" 4/ 107. (¬4) "صحيح مسلم" (391) باب استحباب رفع اليدين.

(عن مالك بن الحويرث قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه إذا كبر، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه [من الركوع] (¬1) حتى يبلغ بهما فروع أذنيه) فرع الأذن أعلاها، وتقدم جمع الشافعي بين الروايات، فقال: يرفع بحيث يكون كفاه حذاء منكبيه، وإبهاميه حذاء شحمتي أذنيه وأطراف أصابعه فرعي أذنيه، فجمع بين الروايات الثلاث (¬2). [746] (ثنا) عبيد الله بالتصغير (ابن معاذ) شيخ مسلم. قال: (ثنا أبي) معاذ بن معاذ، [ح] (وثنا موسى بن مروان) التمار الرقي البغدادي صدوق مات سنة 246 (¬3). قال: (ثنا شعيب بن إسحاق) بن عبد الرحمن الأموي الدمشقي، مولى رملة بنت عثمان أخرج له الشيخان (عن عمران) بن حدير - بضم الحاء المهملة وفتح الدال مصغر، السدوسي. روى له مسلم. (عن لاحق) بن حميد أبي مجلز السدوسي، روى له الجماعة. (عن بشير) بفتح الموحدة (ابن (¬4) نهيك قال: قال أبو هريرة: لو كنت) بفتح تاء المخاطب (قدام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرأيت) بفتح التاء أيضًا (إبطيه) قال ابن التين: هذا يدل على أنه لم يكن عليه قميص لانكشاف إبطيه، وتعقب باحتمال أن يكون القميص واسع الأكمام لما روى الترمذي في "الشمائل": كان أحب الثياب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) ليست في النسخ الخطية، والمثبت من مطبوعة "سنن أبي داود" - روايتي اللؤلؤي وابن داسة. ومصادر التخريج. (¬2) انظر: "الشرح الكبير" 1/ 475 - 476. (¬3) "الكاشف" 3/ 188. (¬4) في (م): عن.

القميص (¬1). وفيه دليل على التفريج في السجود والركوع. ورواية البخاري: عن عبد الله بن مالك بن بحينة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صلى فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه (¬2). وحكى المحب الطبري في الاستسقاء من "الأحكام" له أن من خصائصه أن الإبط من جميع الناس متغير اللون (¬3)، غيره (¬4). (زاد) عبيد الله (بن معاذ، قال: يقول لاحق) [بن حميد] (¬5) هو أبو (¬6) مجلز (ألا ترى أنه في صلاة، ولا يستطيع) في الصلاة (أن يكون قدام النبي - صلى الله عليه وسلم -) لكن قد ثبت أن عائشة كانت قدام النبي - صلى الله عليه وسلم - معترضة بينه وبين القبلة (¬7)، لكن كان في الظلمة، والبيوت ليس فيها مصابيح. (وزاد موسى) بن مروان (يعني: إذا كبر) للصلاة (ورفع يديه) فيها. [747] (ثنا عثمان بن أبي شيبة) قال: (ثنا) عبد الله أبو محمد (بن ¬

_ (¬1) "الشمائل" (24)، والحديث أخرجه أبو داود (4026)، والترمذي (1763)، وابن ماجه (3575) من طريق يحيى بن واضح، عن عبد المؤمن بن خالد، عن عبد الله بن بريدة، عن أم سلمة به. وقال الألباني في "مختصر الشمائل" (46): صحيح. (¬2) "صحيح البخاري" (390)، وأخرجه مسلم (495). (¬3) بعدها في (م): عن. (¬4) انظر: "فتح الباري" 2/ 344. (¬5) في (م): لا. (¬6) في (م) ابن. (¬7) يشير بذلك إلى ما أخرجه البخاري (383)، ومسلم (512/ 267) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل، وأنا معترضة بينه وبين القبلة كاعتراض الجنازة.

إدريس) بن يزيد الأودي (عن عاصم بن كليب، عن عبد الرحمن بن الأسود) بن يزيد النخعي الكوفي. (عن علقمة) عم أبيه (¬1) (قال: قال عبد الله) بن مسعود، ورواية الدارمي (¬2)، عن إسرائيل، عن مصعب قال: كان بنو عبد الله بن مسعود إذا ركعوا جعلوا (¬3) أيديهم بين أفخاذهم، فصليت إلى جنب أبي: سعد بن أبي وقاص، فطبقت بين كفي، فنهاني أبي (علمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة، فكبر (¬4) ورفع يديه) لافتتاح الصلاة (فلما ركع طبق) بتشديد الباء الموحدة [(يديه) أي: كفيه] (¬5) وهو أن يجعل بطن كل يد ببطن (¬6) الأخرى، ويجعلهما في الركوع بين فخذيه، قال في "النهاية": هو أن يجمع بين أصابع يديه، ويجعلهما بين ركبتيه في الركوع والتشهد (¬7). انتهى، والتشهد يشمل (¬8) الأول والأخير، وأصل الطبق أن يوضع الشيء على مقدار الشيء مطبقًا له من جميع جوانبه كالغطاء له، والسماوات طباق، أي كل سماء كالطبق للأخرى. (بين ركبتيه) أي: فخذيه (قال: فبلغ ذلك سعدًا) بالنصب، أي: ¬

_ (¬1) وقعت هنا في جميع النسخ الخطية عبارة: ابن أبي وقاص. ولا وجه لها. فإن علقمة هو ابن قيس النخعي الكوفي وهو عم الأسود بن يزيد. (¬2) "سنن الدارمي" (1303). (¬3) سقط من (س، م، ل)، وزاد هنا في الأصول الخطية: تحت. وليست عند الدارمي. (¬4) سقط من (م). (¬5) من (م). (¬6) في (م): لبطن. (¬7) "النهاية في غريب الحديث" (طبق). (¬8) في (س، ص): تشهد.

وصل إليه خبر ذلك (فقال: صدق أخي) أي: في الإيمان (قد كنا نفعل هذا) على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ثم أمرنا) هذه الصيغة مختلف فيها عند المحدثين، والراجح في حكمها الرفع. وروى عبد الرزاق، عن عمر ما يوافق قول (¬1) سعد، أخرجه من وجه آخر عن علقمة و (¬2) الأسود قالا: صلينا مع عبد الله فطبق، ثم لقينا عمر فصلينا معه (¬3) فطبقنا، فلما انصرفنا قال: ذلك شيء كنا نفعله ثم تُرِكَ (¬4) (بهذا، يعني) بـ (الإمساك) بالركب (¬5). أي: إمساك اليدين (على الركبتين) وفي الترمذي من طريق أبي عبد الرحمن السلمي قال (¬6): قال لنا عمر ابن الخطاب: إن الركب سنت (¬7) لكم فخذوا بالركب (¬8). وهذا أيضًا حكمه الرفع؛ لأن الصحابي إذا قال: السنة كذا أو (¬9): سن كذا، كان الظاهر ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): بن. (¬3) من (م). (¬4) "مصنف عبد الرزاق" (2866). (¬5) أخرجه النسائي 2/ 184، وأحمد 1/ 418، وابن خزيمة في "صحيحه" (595) من طريق ابن إدريس به. وقال الدارقطني في "سننه" 1/ 339: إسناد ثابت صحيح. وقال الحاكم في "المستدرك" 1/ 224: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه بهذه السياقة. وقال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (732): إسناده صحيح على شرط مسلم. (¬6) من (س، ل، م). (¬7) في (ص، س، ل): تثبت. (¬8) "سنن الترمذي" (258). (¬9) في (م): و.

انصراف ذلك إلى سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، لا سيما إذا قال ذلك مثل عمر. ورواية البخاري فيها زيادة على المصنف (¬1)، ولفظه: كنا نفعله فنهينا عنه، وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب. فجمع بين أُمرنا ونُهينا، واستدل به ابن خزيمة (¬2) على أن التطبيق غير جائز. والنهي يجوز أن يكون للكراهة، وقد روى ابن أبي شيبة من طريق عاصم بن ضمرة، عن علي قال: إذا ركعت فإن شئت قلت (¬3) هكذا - يعني: وضعت يديك على ركبتيك - وإن شئت طبقت. وإسناده حسن (¬4)، وهو ظاهر في أنه كان يرى (¬5) التخيير، فإما أنه لم يبلغه النهي، وحمله على كراهة التنزيه، ومما يدل على أنه ليس بحرام كون عمر وغيره ممن أنكره لم يأمر من فعله بالإعادة. وحكى ابن بطال (¬6)، عن الطحاوي (¬7) وأقره عليه أن طريق النظر يقتضي أن تفريق اليدين أولى من تطبيقهما؛ لأن السنة جاءت بالتجافي في الركوع والسجود فلما اتفقوا على أولوية التفريق في المجافاة في الركوع والسجود، واختلفوا في التفريق في الركوع، اقتضى النظر أن ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (790). (¬2) "صحيح ابن خزيمة" 1/ 301. (¬3) في (ص، س، ل): فكن. والمثبت من (م) و"مصنف ابن أبي شيبة". (¬4) قال الحافظ في "الفتح" 2/ 320 بعد أن عزاه لابن أبي شيبة: إسناده حسن. وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة (4138): منكر موقوف. (¬5) في (ص، س): نوى. (¬6) "شرح صحيح البخاري" 2/ 406 - 407. (¬7) "شرح معاني الآثار" 1/ 230.

يلحق ما اختلفوا فيه بما اتفقوا عليه. وقد وردت الحكمة في إيثار التفريج على التطبيق (¬1) عن عائشة - رضي الله عنها -، أورده سيف (¬2) في "الفتوح" من رواية مسروق أنه سألها عن ذلك فأجابت بما محصله (¬3) أن التطبيق من صنيع اليهود وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى [عنه لذلك] (¬4)، وكان - صلى الله عليه وسلم - يعجبه موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه، ثم أمر في آخر الأمر بمخالفتهم. قال الترمذي: التطبيق منسوخ عند أهل العلم لا اختلاف بين العلماء في ذلك إلا ما روي عن ابن مسعود وأصحابه (¬5). وقد روى ابن المنذر عن ابن عمر بإسناد قوي (¬6) قال: إنما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم -. يعني: التطبيق مرة واحدة (¬7)، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) في النسخ الخطية: التفريق. والمثبت من "فتح الباري" 2/ 320. (¬2) في (ص، س، ل): سبق. وهو سيف بن عمر الأسدي. (¬3) في (ص): محله. (¬4) في (ص): عن ذلك. (¬5) "سنن الترمذي" 2/ 43. (¬6) قاله الحافظ في "الفتح" 2/ 320. (¬7) "الأوسط" لابن المنذر 3/ 309. ولفظه: إنما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة يعني: التطبيق.

121 - باب من لم يذكر الرفع عند الركوع

121 - باب مَنْ لَمْ يَذْكُرِ الرَّفْعَ عنْدَ الرُّكُوعِ 748 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ عاصِمٍ -يَعْنِي: ابن كلَيْبٍ-، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَلْقَمَةَ قال: قال عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ أَلا أُصَلِّي بِكُمْ صَلاةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: فَصَلَّى فَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ إِلا مَرَّةً (¬1). قال أَبُو داوُدَ: هذا مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَلَيْسَ هُوَ بِصَحِيحٍ عَلَى هذا اللَّفْظِ. 749 - حَدَّثَنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنا مُعاوِيَةُ وَخالِدُ بْنُ عَمْرٍو وَأَبُو حُذَيْفَةَ قالوا: حَدَّثَنا سُفْيانُ بإِسْنادِهِ بهذا قال: فَرَفَعَ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ وقال بَعْضُهُمْ: مَرَّةً واحِدَةً (¬2). 750 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ البَزَّازُ، حَدَّثَنا شَرِيكٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيلَى، عَنِ البَراءِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إِذا افْتَتَحَ الصَّلاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى قَرِيبٍ مِنْ أُذُنَيْهِ ثُمَّ لا يَعُودُ (¬3). 751 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ يَزِيدَ نَحْوَ حَدِيثِ شَرِيكٍ لَمْ يَقُلْ: ثُمَّ لا يَعُودُ. قال سُفْيانُ: قال لَنا بِالكُوفَةِ بَعْدُ: ثُمَّ لا يَعُودُ (¬4). قال أَبُو داوُدَ: وَرَوَى هذا الحَدِيثَ هُشَيْمٌ وَخالِدٌ وابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ يَزِيدَ لَمْ يَذْكُرُوا: ثُمَّ لا يَعُودُ. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (257)، وأحمد 1/ 388، والنسائي في "الكبرى" 1/ 332 (649). وصححه الألباني (733). (¬2) انظر الحديث الذي قبله. وصححه الألباني (734). (¬3) رواه الدارقطني 2/ 49 (972)، وابن أبي شيبة 1/ 233 (2425، 2426)، وأحمد 1/ 301. وضعفه الألباني (125). (¬4) رواه الشافعي في "مسنده" 1/ 73 (215)، والحميدي 1/ 573 (741). وضعفه الألباني (126).

752 - حَدَّثَنا حُسَيْنُ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنا وَكِيعٌ، عَنِ ابن أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَخِيهِ عِيسَى، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ قال: رأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ افْتَتَحَ الصَّلاةَ ثمَّ لَمْ يَرْفَعْهُما حَتَّى انْصَرَفَ (¬1). قال أَبُو داوُدَ: هذا الحَدِيثُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ. 753 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنِ ابن أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَمْعانَ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ قال: كانَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا دَخَلَ فِي الصَّلاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ مَدًّا (¬2). * * * باب من لم يذكر الرفع عند الركوع [748] (ثنا عثمان بن أبي شيبة) قال: (ثنا وكيع، عن سفيان، عن عاصم بن كليب) الجرمي. (عن عبد الرحمن بن الأسود) بن يزيد النخعي (¬3). (عن) عم أبيه (علقمة) بن قيس بن عبد الله بن مالك النخعي (¬4) (قال: قال عبد الله بن مسعود، ألا) بتخفيف اللام للعرض عليهم (أصلي بكم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) قالوا: بلى. ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 1/ 236 (2455)، وأحمد في "العلل" 1/ 374 (717)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 384. وضعفه الألباني (752). (¬2) رواه الترمذي (239)، والنسائي في "الكبرى" 1/ 308 (957)، وأحمد 2/ 434، 500. وصححه الألباني (735). (¬3) في (ص، ل): الأسود. (¬4) في جميع النسخ الخطية: علقمة بن أبي وقاص. وهو وهم، وإنما هو علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك النخعي وهو عم الأسود بن يزيد.

(فصلى بهم، فلم يرفع يديه إلا) في أول (مرة) استدل به أبو حنيفة (¬1) على أنه لا (¬2) يسن رفع اليدين إلا مرة واحدة عند افتتاح الصلاة. وقال ابن (¬3) السمعاني: في "الاصطلام": والجواب [عن هذا] (¬4) الحديث ما روى سفيان بن عبد الملك، عن ابن المبارك قال: ثبت حديث من رفع، ولم يثبت حديث ابن مسعود؛ لأن عبد الرحمن بن الأسود لا يصح سماعه من علقمة. قال: ويحتمل أنه خفي على ابن مسعود هذه السنة، كما خفي عليه الأخذ بالركبة في حال الركوع، وقيل (¬5): كان يطبق إلى أن توفاه الله تعالى. [750] (ثنا محمد بن الصباح البزاز) بزائين معجمتين، التاجر، قال: (ثنا شريك) بن عبد الله القاضي، أخرج له البخاري في "رفع اليدين في الصلاة". (عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء) بن عازب - رضي الله عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه) في التكبيرة الأولى (إلى قريب من أذنيه، ثم لا يعود) قال ابن السمعاني: لم يعد غير ثابت، وقد كان يزيد بن أبي زياد روى بالحجاز هذا الحديث من غير هذِه ¬

_ (¬1) "المبسوط" 1/ 90. (¬2) سقط من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) في (م): قد.

الزيادة، ثم روى بالكوفة مع هذه الزيادة، فيحتمل أنه لقن فتلقن (¬1)، وقد كان اختلط في آخر عمره. قال ابن حجر (¬2): وقد اتفق الحفاظ على أن قوله: ثم لم يعد. مدرج (¬3) في الحديث من قول يزيد بن أبي زياد، ورواه عنه بدونها شعبة، والثوري، وخالد الطحان، وزهير، وغيرهم من الحفاظ، قال الحميدي: إنما روى هذِه الزيادة يزيد، ويزيد يُزيد، وقال عثمان الدارمي (¬4)، عن ابن حنبل: لا يصح. وكذا ضعفه البخاري وأحمد ويحيى والدارمي والحميدي، وغير واحد (¬5). [751] (ثنا عبد الله بن محمد الزهري (¬6)، ثنا سفيان، عن يزيد) بن أبي زياد (نحو حديث شريك) و (لم يقل) فيه (ثم لا يعود) قال يحيى بن محمد بن يحيى: سمعت أحمد بن حنبل يقول: هذا حديث واهٍ قد كان يزيد يحدث به برهة من دهره، لا يقول فيه: ثم لا يعود. فلما لقنوه تلقن، فكان يذكرها (¬7). (قال سفيان: قال لنا بالكوفة: بعدُ) بالضم؛ لأنه قطع عن الإضافة، تقديره: بعد أن قدم من الحجاز، وزاد (ثم لا يعود) روى الدارقطني من طريق علي بن عاصم، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن يزيد ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): يختلقن. (¬2) "التلخيص الحبير" 1/ 400 - 401. (¬3) في (ص، س، ل): مندرج. والمثبت من (م)، و"التلخيص الحبير". (¬4) في (م): اليامي. (¬5) "التلخيص الحبير" 1/ 401. (¬6) في (ص): ابن المري. (¬7) "التلخيص الحبير" 1/ 401.

ابن أبي زياد هذا الحديث قال علي بن عاصم: فقدمت الكوفة فلقيت يزيد بن أبي زياد فحدثني به وليس فيه: ثم لا يعود. فقلت له: إن ابن أبي ليلى حدثني عنك وفيه: ثم لا يعود. قال: لا أحفظ هذا (¬1). (وروى هذا الحديث هشيم) (¬2) بن بشير (وخالد) (¬3) الطحان (و) عبد الله (بن إدريس، عن يزيد) بن أبي زياد و (لم يذكروا) (¬4) فيه (ثم لا يعود) قال البيهقي: رواه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، واختلف فيه (¬5). وقال البزاز: لا يصح قوله في هذا الحديث: ثم لا يعود (¬6). [749] (ثنا الحسن بن علي) قال: (ثنا معاوية، وخالد بن عمرو) الأموي السعيدي الكوفي، روى عن شعبة، وسفيان، وطائفة (وأبو (¬7) حذيفة) موسى بن مسعود النهدي (¬8) شيخ البخاري. (قالوا: ثنا سفيان) الثوري، عن يزيد بن أبي زياد (بإسناده) المذكور (بهذا) الحديث، و (قال) فيه (فرفع (¬9) يديه في أول مرة، وقال بعضهم) فرفع يديه (¬10) (مرة واحدة) هذا مما استدل به الحنفية أيضًا، وقال: هو حركة بلا معنى. ¬

_ (¬1) "سنن الدارقطني" 1/ 294. (¬2) في (ص): هشام. (¬3) في (ص): جابر. (¬4) زاد في (م): الطحان. (¬5) و (¬6) "التلخيص الحبير" 1/ 401. (¬7) في (ص): ابن. (¬8) في النسخ: الهندي. (¬9) في (ص): يرفع. (¬10) في (س، ص، ل): يده.

قال ابن السمعاني: وجوابه أن الاعتراض على السنة بمثل هذا الكلام باطل، وقال (¬1): إنه زينة الصلاة. قال ابن عبد البر: ذكر ابن وهب قال: أخبرني عياض بن عبد الله الفهري، أن عبد الله بن عمر كان يقول: لكل شيء زينة، وزينة الصلاة التكبير ورفع الأيدي فيها (¬2). قال: وعن ابن لهيعة، عن ابن عجلان، عن النعمان بن أبي عياش (¬3) قال: لكل شيء زينة، وزينة الصلاة التكبير ورفع الأيدي (¬4) (¬5). [752] (ثنا حسين بن عبد الرحمن) الجرجرائي، روى عنه النسائي وابن ماجه، توفي سنة 253. قال: (أنا وكيع، عن) محمد بن عبد الرحمن (بن أبي ليلى، عن أخيه عيسى) قال البيهقي: رواه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، ثم اختلف فيه فقيل: عن أخيه عيسى، عن أبيهما، وقيل: (عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) وقيل عن يزيد بن أبي زياد. وقال عثمان الدارمي: لم يروه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أحد أقوى من يزيد بن أبي زياد (¬6). (عن البراء بن عازب - رضي الله عنهما - قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رفع يديه حين ¬

_ (¬1) في (م): أنه. (¬2) سبق تخريجه. (¬3) في (ص، س، ل): عباس. (¬4) أخرجه البخاري في "رفع اليدين" (58). (¬5) "التمهيد" 7/ 83. (¬6) "السنن الكبرى" للبيهقي 2/ 77.

افتتح الصلاة، ثم لم يرفعهما) بعد (حتى انصرف) (¬1) أي: من صلاته. (قال أبو داود: هذا الحديث ليس بصحيح) كلها. قال ابن عبد البر: اختلف العلماء في رفع اليدين في الصلاة، فقال مالك فيما رواه عنه ابن القاسم (¬2): يرفع إذا كبر للإحرام، ولا يرفع في غيرها، وقال: إن كان (¬3) الرفع ففي الإحرام. وهو قول الكوفيين، وأبي حنيفة وأصحابه (¬4) وسائر فقهاء الكوفة قديمًا وحديثًا، قال ابن [خواز بنداد] (¬5): الذي عليه أصحابنا لا يرفع إلا في تكبيرة (¬6) الإحرام لا غير (¬7). [753] (ثنا مسدد، ثنا يحيى) القطان (عن) محمد بن عبد الرحمن (ابن أبي ذئب، عن سعيد (¬8) بن سمعان) بفتح السين وكسرها مولى الزُّرقيين، وثق (¬9). (عن أبي هريرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل في الصلاة رفع يديه مدًّا) (¬10)، فوق أذنيه مع رأسه، هكذا في رواية ذكرها ¬

_ (¬1) قال الألباني في "ضعيف سنن أبي داود": إسناده ضعيف، ورجاله ثقات. (¬2) "المدونة" 1/ 165. (¬3) من (م). (¬4) "المبسوط" للسرخسي 1/ 90. (¬5) في (س، م): جرير بن سداد. في "التمهيد" (9/ 214): خواز بندار، وفي "لسان الميزان" (7871): خواز منداد. (¬6) سقط من (م). (¬7) "التمهيد" 9/ 212 - 213، 214. (¬8) في (ص، س): سعد. (¬9) "الكاشف" 1/ 336. (¬10) أخرجه الترمذي (240)، والنسائي 2/ 124، وأحمد 2/ 434 من طريق ابن أبي ذئب بنحوه. وقال الترمذي: قال عبد الله بن عبد الرحمن: وهذا أصح من حديث يحيى بن اليمان، وحديث يحيى بن اليمان خطأ. =

ابن عبد البر (¬1)، ومدًّا منصوب على المصدر الذي للتأكيد، وحذف فعله، تقديره يمدهما مدًّا إلى فوق أذنيه، ويجوز أن يكون منصوبًا على الحال أي رفع يديه في حال كونه مادًّا لهما إلى رأسه، ويجوز أن يكون منصوبًا على أن يكون مصدرًا على المعنى؛ لأن رفع بمعنى مد، كما في قوله تعالى: {وَتَخِرُّ الْجِبَال هَدًّا} (¬2)؛ لأن تخر بمعنى تهد (¬3)، [ولفظ رواية ابن حبان: عن سعيد (¬4) بن سمعان قال: دخل علي [أبو هريرة] (¬5)، فقال: ثلاث كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعمل بهن، ثم تركهن الناس: كان (¬6) إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مدًّا، وكان يقف قبل القراءة هنية يسأل الله من فضله، وكان يكبر كلما ركع ورفع (¬7) (¬8). وبوب عليه: باب مد المرء يديه عند إرادته الصلاة] (¬9). * * * ¬

_ = وقال الحاكم في "المستدرك" 1/ 215: إسناده صحيح. وكذا قال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (735). (¬1) "التمهيد" 9/ 229. (¬2) مريم: 90. (¬3) في (ص، س، ل): تمد. (¬4) في (ص، س): سعد. (¬5) في (ص، س، ل): أبي هريرة. وفي (م): ابن بريرة. والمثبت من "صحيح ابن حبان". (¬6) سقط من (م). (¬7) في رواية ابن حبان: وسجد. (¬8) "صحيح ابن حبان" (1777). (¬9) تأخرت هذه العبارة في (م) فجاءت بعد قوله: يا غلام الدواة والقرطاس وكتبهما.

122 - باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة

122 - باب وضْعِ اليُمْنَى عَلَى اليُسْرَى فِي الصَّلاةِ 754 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنا أَبُو أَحْمَدَ، عَنِ العَلاءِ بْنِ صالِحٍ، عَنْ زُرْعَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قال: سَمِعْتُ ابن الزُّبَيْرِ يَقُولُ: صَفُّ القَدَمَيْنِ وَوَضْعُ اليَدِ عَلَى اليَدِ مِنَ السُّنَةِ (¬1). 755 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكّارِ بْنِ الرَّيّانِ، عَنْ هُشَيْمِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنِ الحَجّاجِ بْنِ أَبِي زَيْنَبَ، عَنْ أَبِي عُثْمانَ النَّهْدِيِّ، عَنِ ابن مَسْعُودٍ أَنَّهُ كانَ يُصَلِّي فَوَضَعَ يَدَهُ اليُسْرَى عَلَى اليُمْنَى، فَرَآهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَوَضَعَ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى اليُسْرَى (¬2). 756 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ، حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ غِياثٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ زِيادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ أَنَّ عَلِيًّا - رضي الله عنه - قال: السُّنَّةُ وَضْعُ الكَفِّ عَلَى الكَفِّ فِي الصَّلاةِ تَحْتَ السُّرَّةِ (¬3). 757 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ قُدامَةَ -يَعْنِي ابن أَعْيَنَ-، عَنْ أَبِي بَدْرٍ، عَنْ أَبِي طالوتَ عَبْدِ السَّلامِ، عَنِ ابن جَرِيرِ الضَّبِّيِّ، عَنْ أَبِيهِ قال: رأيْتُ عَلِيًّا - رضي الله عنه - يُمْسِكُ شِمالهُ بِيَمِينِهِ عَلَى الرُّسْغِ فَوْقَ السُّرَّةِ (¬4). قال أَبُو داوُدَ: وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَوْقَ السُّرَّةِ. وقال أَبُو مِجْلَزٍ: تَحْتَ السُّرَّةِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَيْسَ بِالقَوِيِّ. ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 2/ 30، وابن عبد البر في "التمهيد" 20/ 73. وضعفه الألباني (128). (¬2) رواه النسائي 2/ 126، وابن ماجه (811). وصححه الألباني (736). (¬3) رواه ابن أبي شيبة 1/ 391 (3966)، وعبد الله بن أحمد في زوائده على "المسند" 1/ 110، والدارقطني 1/ 286، والبيهقي 2/ 31. وضعفه الألباني (129). (¬4) رواه ابن أبي شيبة 1/ 390 (3961)، والبيهقي 2/ 29. وضعفه الألباني (130).

758 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ الواحِدِ بْنُ زِيادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحاقَ الكُوفيِّ، عَنْ سَيّارٍ أَبِي الحَكَمِ، عَنْ أَبِي وائِلٍ قال: قال أَبُو هُرَيْرَةَ: أَخْذُ الأكُفِّ عَلَى الأَكُفِّ فِي الصَّلاةِ تَحْتَ السّرَّةِ (¬1). قال أَبُو داوُدَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يُضَعِّفُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ إِسْحاقَ الكُوفِيَّ. 759 - حَدَّثَنا أَبُو تَوْبَةَ، حَدَّثَنا الهَيْثَمُ -يَعْنِي: ابن حُمَيْدٍ- عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ طاوُسٍ قال: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَضَعُ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى يَدِهِ اليُسْرَى ثمَّ يَشُدُّ بَيْنَهُما عَلَى صَدْرِهِ وَهُوَ فِي الصَّلاةِ (¬2). * * * باب وضع اليمين على اليسار في الصلاة [754] (ثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ) بن نصر الجهضمي قال: دخلت على المتوكل فإذا هو يمدح الرفق، فأكثر، فقلت: يا أمير المؤمنين أنشدني الأصمعي: لم أر مثل الرفق في لينه ... أخرج العذراء من خدرها ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني 1/ 284. وضعفه الألباني (131). (¬2) رواه المصنف أيضا في "المراسيل" (33). قال الألباني في "صحيح أبي داود" (737): هذا حديث مرسل، وهو حديث صحيح. وقال في "الإرواء" 2/ 71: وهو وإن كان مرسلا فهو حجة عند جميع العلماء على اختلاف مذاهبهم في المرسل؛ لأنه صحيح السند إلى المرسِل.

من يستعن بالرفق في أمره ... يستخرج الحية من جحرها فقال: يا غلام الدواة والقرطاس وكتبهما. قال: (أَنَا أَبُو أَحْمَدَ) محمد بن عبد الله بن الزبير الزبيري (¬1) قال ابن عبد البر (¬2): ثقة حافظ للحديث عابد مجتهد. (عَنِ العَلَاءِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ زُرْعَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) الكوفي (¬3)، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4). (قال: سَمِعْتُ) عبد الله (بْنَ الزُّبَيرِ يَقُولُ (¬5): صَفُّ القَدَمَيْنِ) أي: تساويهما في القيام. قال النووي: يكره أن يقدم إحدى قدميه على الأخرى، ويكره أن يلصق القدمين، بل يستحب تفريقهما (¬6). أي: قدر يسير (¬7) فإن ذلك مما كان يستدل به (¬8) على فقه الرجل، وقد نُهي عن الصفن والصفد في الصلاة، فالصفن رفع إحدى الرجلين من قوله تعالى: {الصَّافِنَاتُ ¬

_ (¬1) في (ص، س): الزبيدي. والمثبت من (م، ل). (¬2) كذا في الأصول الخطية. ولعله سبق قلم. فإن قائل هذه العبارة أبو حاتم كما في "الجرح والتعديل" 7/ 297. (¬3) سقط من (م). (¬4) "الثقات" 4/ 268. (¬5) سقط من (م). (¬6) "المجموع" 3/ 266. (¬7) في (س، ل، م): شبر. (¬8) ليست بالأصول الخطية، والسياق يقتضيها.

الْجِيَادُ} (¬1) والصفد هو إقران القدمين معًا من قوله تعالى: {مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ} (¬2)، وعزى رزين افهي عن الصفن والصفد في الصلاة إلى الترمذي، وروى سعيد بن منصور، أن ابن مسعود رأى رجلًا صافًّا أو صافنًا قدميه، فقال: أخطأ هذا السنة (¬3). (وَوَضْعُ اليَدِ) اليمنى (عَلَى اليد) (¬4) اليسرى (مِنَ السُّنَّةِ) (¬5) تقدم قريبًا أن الصحابي إذا قال: من السنة كذا أو سن كذا، فالظاهر انصراف ذلك إلى سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - لا سيمًا إذا قال ذلك عبد الله بن الزبير. [755] (ثَنَا محمد بن بَكَّارِ بْنِ الريانِ) الهاشمي مولاهم، شيخ مسلم (عَنْ هُشَيْمِ) مصغر (ابْنِ بَشِيرٍ) بفتح الباء الموحدة ابن القاسم الواسطي، قيل له: كم كنت تحفظ يا أبا (¬6) معاوية؟ قال: كنت أحفظ في مجلس مائة، ولو سئلت عنها بعد شهر لأجبت. (عَنِ الحَجَّاجِ ابن أَبِي زَيْنَبَ) بفتح الزاي والنون بعد المثناة تحت، ¬

_ (¬1) ص: 31. (¬2) إبراهيم: 49، وص: 38. (¬3) انظر: "إحياء علوم الدين" 1/ 152. (¬4) في (ص): الأيسر. والمثبت من (س، م، ل). (¬5) الحديث انفرد به أبو داود. وقال النووي في "خلاصة الأحكام" 1/ 357: إسناده حسن. وقال ابن الملقن في "البدر المنير" 3/ 512: إسناده جيد. وقال الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" (643): ضعيف. (¬6) في النسخ الخطية: باباعن. والمثبت من مصادر ترجمة هشيم. انظر: "تهذيب الكمال" 30/ 284.

الصيقل الواسطي، أخرج له مسلم في الأطعمة، عن أبي سفيان طلحة (¬1). (عَنْ أَبِي عُثْمَانَ) عبد الرحمن بن مل بكسر الميم وضمها وتشديد اللام (النَّهْدِيِّ، عَنِ) عبد الله (بنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فَوَضَعَ يَدَهُ اليُسْرَى عَلَى اليُمْنَى، فَرَآهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَوَضَعَ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى اليُسْرَى) (¬2) فيه المبادرة إلى تغيير المنكر، ولو كان مكروهًا، ولو كان في الصلاة. وروى البيهقي (¬3)، والدارقطني (¬4) عن ابن عباس، وابن أبي شيبة (¬5) من حديث أبي الدرداء موقوفًا: ثلاث من أخلاق النبيين: تعجيل الفطر، وتأخير السحور، ووضع اليمين على الشمال في الصلاة. ولفظ ابن حبان: "إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نؤخر سحورنا، ونعجل فطرنا، وأن نمسك بأيماننا على شمائلنا في الصلاة" (¬6). [756] (ثنا محمد بن محبوب) (¬7) قال: (ثنا حفص بن غياث (¬8)، عن ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2052/ 169). (¬2) الحديث أخرجه النسائي في "المجتبى" 2/ 126، وابن ماجه في "سننه" (811) من طريق هشيم به. قال النووي في "الخلاصة" (1090): إسناده صحيح على شرط مسلم. قال الزيلعي في "نصب الراية" 1/ 318: في إسناده حجاج بن أبي زينب وفيه لين. وقال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (736): إسناده حسن. (¬3) "السنن الكبرى" للبيهقي 4/ 238. وقال: هذا حديث يعرف بطلحة بن عمرو المكي، وهو ضعيف. (¬4) "سنن الدارقطني" 1/ 284. (¬5) "مصنف ابن أبي شيبة" (9050). (¬6) "صحيح ابن حبان" (1770). (¬7) في (ص): محيرب. وفي (س): محمد بن. (¬8) في (ص): عتاب.

عبد الرحمن بن إسحاق) (¬1)، أبي شيبة الواسطي، قال البخاري: فيه نظر (¬2). (عن زياد بن زيد) (¬3) السوائي الأعسم (¬4) (عن أبي جحيفة) بضم الجيم وهب بن عبد الله السوائي بضم السين، من صغار الصحابة، توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يبلغ الحلم جعله علي (¬5) على بيت المال بالكوفة. (أن عليًّا قال: السنة وضع الكف) الأيمن (على الكف) الأيسر (في الصلاة تحت السرة) احتج به أبو حنيفة (¬6) على أن وضع اليمين على اليسار تحت السرة (¬7)، والجمهور على أنهما فوق الصدر فوق السرة. وأجابوا عن حديث علي بأن الرواية اختلفت عنه، فروي عنه (¬8) في الحديث الذي بعد هذا، أنه يمسك شماله بيمينه فوق السرة (¬9). ولم تختلف الرواية عنه أنه فسَّر قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (¬10) أنه وضع اليمين على الشمال (¬11). والمراد به تحت النحر، وفوق السرة، ¬

_ (¬1) زاد في (ص): ابن أبي شيبة. وهي زيادة مقحمة. (¬2) "التاريخ الكبير" (835). (¬3) في (م): يزيد. (¬4) في (م): الأعم. (¬5) من (ل). (¬6) "المبسوط" 1/ 112 - 113. (¬7) في (م): الصدر. (¬8) من (م). (¬9) سيأتي تخريجه. (¬10) الكوثر: 2. (¬11) أخرجه الدارقطني في "سننه" 1/ 285، والبيهقي في "الكبرى" 2/ 29.

واستدلوا بأنه أحفظ للستر. قلنا: المقصود به التواضع دون الستر؛ لأن الستر يحصل بالسترة. [757] (ثنا محمد بن قدامة بن أعين) بفتح الهمزة والياء المصيصي ثقة (¬1) (عن أبي بدر) شجاع بن الوليد السكوني (¬2) الكوفي. (عن أبي طالوت عبد السلام) بن أبي حازم العبدي، قال أبو حاتم: يكتب حديثه (¬3). (عن) غزوان (بن جرير) بفتح الجيم وثق (¬4) (عن أبيه) جرير الضبي وعبد السلام، وابن جرير وأبوه تابعيون يروي بعضهم عن بعض، انفرد عنهم المصنف. (قال: رأيت عليًّا يمسك) بضم أوله (شماله بيمينه على الرسغ) هو من الإنسان مفصل ما بين الكف والساعد، ومفصل الساق إلى القدم (فوق السرة) هذا حجة الشافعي (¬5) وغيره. قال ابن عبد السلام: كيفية وضعهما: أن يأخذ الكوع من يده اليسرى بكفه اليمنى بحيث يحتوي عليهما، أي: على الكوع والكرسوع، قال: وله صورتان كان القفال يخير بينهما، إحداهما: أن يقبض بكفه اليمنى على كوعه من يسراه ويبسط أصابعه على عرض المفصل، والثانية: أن ¬

_ (¬1) "الكاشف" 3/ 90. (¬2) في (ص): البكري. وفي (س): اليشكري. (¬3) "تهذيب الكمال" 18/ 65. (¬4) "الكاشف" 2/ 375. (¬5) انظر: "المجموع" 3/ 113.

يأخذ كوعه من يسراه من أعلاه وينشر أصابعه في صوب ساعده، وهو في الوجهين قابض على كوعه ويده اليمنى عالية. قال أبو حنيفة: يضع بطن كفه اليمنى على ظهر كوعه من يده اليسرى من غير احتواء (¬1). (وروي عن (¬2) سعيد بن جبير) وداود (¬3) (فوق السرة وقال أبو مجلز) بكسر الميم وسكون الجيم، لاحق بن حميد، اسمه لاحق بن حميد، بصري ثقة (¬4) (تحت السرة) ورواه ابن المنذر (¬5) عن النخعي، وبه قال أبو حنيفة (¬6)، والثوري، وإسحاق (¬7)، وأبو إسحاق المروزي من أصحابنا (وروي) تحت السرة. (عن أبي هريرة [وليس بالقوي) والقوي ما احتج به الشافعي وهو رواية أبي بكر بن خزيمة في "صحيحه". [758] (حدثنا مسدد قال] (¬8): ثنا عبد الواحد بن زياد) العبدي مولاهم البصري (عن عبد الرحمن بن إسحاق) أبو شيبة، قال الذهبي: ¬

_ (¬1) انظر: "المبسوط" 1/ 112. (¬2) من (م). (¬3) انظر: "المجموع" 3/ 269. (¬4) "الكاشف" 3/ 247. (¬5) "الأوسط" لابن المنذر 3/ 242. (¬6) انظر: "المبسوط" 1/ 112. (¬7) "مسائل أحمد وإسحاق" برواية الكوسج (216). (¬8) من (م).

الواسطي (¬1). ويقال (الكوفي) قال البخاري: فيه نظر (¬2). (عن سيار) بتقديم السين على المثناة تحت المشددة بن أبي سيار، وردان العنزي (¬3)، من عنزة، وعنزة بفتح العين المهملة والنون، ابن أسد (¬4) بن ربيعة من خزاعة (¬5)، وكذا عنزة بن عمرو بن عوف، من الأزد، وفي الأزد: عبرة (¬6) بضم العين المهملة وسكون الموحدة، وهو عوف ابن منهب، بإسكان النون (أبي الحكم، عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي. (قال: قال أبو هريرة: أخذ الأكف على الأكف) قال به أبو حنيفة كما تقدم، وهو وضع بطن الكف اليمنى على ظهر كفه من يده اليسرى من غير (¬7) احتواء (في الصلاة تحت السرة) (¬8). (قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يضعف عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي) وقال ابن خزيمة وغيره: لا يحتج به (¬9). ¬

_ (¬1) "الكاشف" 3/ 155، "ميزان الاعتدال" 4/ 260. (¬2) "التاريخ الكبير" 5/ 259. (¬3) في (ص): العنبري. (¬4) في (م): أسيد. (¬5) في "الإكمال" 6/ 296 - 297 أن الذي من خزاعة: عنزة بن عمرو بن أفصى بن حارثة الخزاعي. (¬6) في (س، ص، ل): عبر. بلا هاء. (¬7) سقط من (م). (¬8) الحديث أخرجه الدارقطني في "سننه" 1/ 284. وقال الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" (129): إسناده ضعيف. (¬9) "تهذيب الكمال" 16/ 518.

[759] (ثنا أبو توبة) بفتح المثناة والموحدة (حدثنا (¬1) الهيثم بن حميد) الغساني مولاهم الدمشقي، قال دحيم: ثقة، أعلم الأولين والآخرين (¬2). وقال أبو داود: قدري ثقة (¬3) (عن ثور) بالمثلثة، ابن يزيد الحمصي الحافظ، أخرج له البخاري في غير موضع، كان قدريًّا أخرجوه من حمص وأحرقوا داره، توفي في بيت المقدس سنة 153 (¬4). (عن سليمان بن موسى) القرشي فقيه أهل الشام في زمانه، روى له مسلم في مقدمة كتابه، والأربعة (عن طاوس) بن كيسان التابعي. (قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضع يده اليمنى على يده اليسرى ثم يشد بينهما على صدره) رواية ابن خزيمة بلفظ: وضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره (¬5). والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) سقطت من الأصول الخطية. والمثبت من مطبوعة "سنن أبي داود". (¬2) "سير أعلام النبلاء" 8/ 353. (¬3) "سير أعلام النبلاء" 8/ 353. (¬4) "الكاشف" 1/ 175. (¬5) "صحيح ابن خزيمة" (479).

123 - باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء

123 - باب ما يُسْتَفْتَحُ بِهِ الصَّلاةُ مِنَ الدُّعاءِ 760 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعاذٍ، حَدَّثَنا أَبِي، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْن أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَمِّهِ الماجِشُونِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رافِعٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالِبٍ - رضي الله عنه - قال: كانَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا قامَ إِلَى الصَّلاةِ كَبَّرَ ثُمَّ قال: "وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَواتِ والأَرْضَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَما أَنا مِنَ المُشْرِكينَ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لله رَبِّ العالمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ اللَّهُمَّ أَنْتَ المَلِكُ لا إله لِي إِلَّا أَنْتَ أَنْتَ رَبِّي وَأَنا عَبْدُكَ ظَلَمْتُ نَفْسِي واعْتَرَفْتُ بِذَنْبي فاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا إِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ واهْدِنِي لأحْسَنِ الأخْلاقِ لا يَهْدِي لأَحْسَنِها إِلَّا أَنْتَ واصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَها لا يَصْرِفُ سَيِّئَها إِلَّا أَنْتَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ والخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ والشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ أَنا بِكَ وَإِلَيْكَ تَبارَكْتَ وَتَعاليْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ". وَإِذا رَكَعَ قال: "اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعِظامِي وَعَصَبِي". وِإذا رَفَعَ قال: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنا وَلَكَ الحَمْدُ مِلْءَ السَّمَواتِ والأَرْضِ وَمِلْءَ ما بَيْنَهُما وَمِلْءَ ما شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ". وَإِذا سَجَدَ قال: "اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ فَأَحْسَنَ صُورَتَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخالِقِينَ". وَإِذا سَلَّمَ مِنَ الصَّلاةِ قال: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ما قَدَّمْتُ وَما أَخَّرْتُ وَما أَسْرَرْتُ وَما أَعْلَنْتُ وَما أَسْرَفْتُ وَما أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ المُقَدِّمُ والمُؤَخِّرُ لا إله إِلَّا أَنْتَ" (¬1). 761 - حَدَّثَنا الحَسَن بْن عَلِيٍّ، حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ داوُدَ الهاشِمِيُّ، أَخْبَرَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي الزِّنادِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الفَضْلِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (771).

الحارِثِ بْنِ عَبْدِ المطَّلِبِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رافِعٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالِبٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كانَ إِذا قامَ إِلَى الصَّلاةِ المكْتُوبَةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَيَصْنَعُ مِثْلَ ذَلِكَ إِذا قَضَى قِراءَتَهُ وَإِذا أَرادَ أَنْ يَرْكَعَ وَيَصْنَعُهُ إِذا رَفَعَ مِنَ الرُّكُوعِ وَلا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلاتِهِ وَهُوَ قاعِدٌ وَإِذا قامَ مِنَ السَّجْدَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ كَذَلِكَ وَكَبَّرَ وَدَعا نَحْوَ حَدِيثِ عَبْدِ العَزِيزِ فِي الدُّعاءِ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ الشَّيْءَ وَلَمْ يَذْكُرْ: "والخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ والشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ". وَزادَ فِيهِ: وَيَقُولُ عِنْدَ انْصِرافِهِ مِنَ الصَّلاةِ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ما قَدَّمْتُ وَأَخَّرْتُ وَما أَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ أَنْتَ إِلَهِي لا إله إِلَّا أَنْتَ" (¬1). 762 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عُثْمانَ، حَدَّثَنا شُرَيْحُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنِي شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ قال: قال لِي مُحَمَّدُ بْنُ المُنْكَدِرِ وابْنُ أَبِي فَرْوَةَ وَغَيْرُهُما مِنْ فُقَهاءِ أَهْلِ المَدِينَةِ: فَإِذا قُلْتَ أَنْتَ ذاكَ فَقُلْ: "وَأَنا مِنَ المُسْلِمِينَ". يَعْنِي قَوْلَهُ: "وَأَنا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ" (¬2). 763 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، أَخْبَرَنا حَمّادٌ، عَنْ قَتادَةَ وَثابِتٍ وَحُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ رَجُلًا جاءَ إِلَى الصَّلاةِ وَقَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ فَقال: اللهُ أَكْبَرُ الحمْدُ لله حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبارَكًا فِيهِ. فَلَمّا قَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلاتَهُ قال: "أَيُّكُمُ المُتَكَلِّمُ بِالكَلِماتِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بَأْسًا". فَقال الرَّجُلُ: أَنا يا رَسُولَ اللهِ جِئْتُ وَقَدْ حَفَزَنِي النَّفَسُ فَقُلْتُها. فَقال: "لَقَدْ رَأَيْتُ اثْنَيْ عَشَرَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَها أَيُّهُمْ يَرْفَعُها". وَزادَ حُمَيْدٌ فِيهِ: "وَإِذا جاءَ أَحَدُكُمْ فَلْيَمْشِ نَحْوَ ما كانَ يَمْشِي فَلْيُصَلِّ ما أَدْرَكَهُ وَلْيَقْضِ ما سَبَقَهُ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3721)، وأحمد 1/ 93. وصححه الألباني (739). (¬2) رواه الدارقطني 1/ 298. وصححه الألباني (740). (¬3) رواه مسلم (600).

764 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، أَخْبَرَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مرَّةَ، عَنْ عاصِمٍ العَنَزِيِّ، عَنِ ابن جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي صَلاةً. قال عَمْرٌو: لا أَدْرِي أَيَّ صَلاةِ هِيَ فَقال: "اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا والحَمْدُ لله كَثِيرًا والحَمْدُ لله كَثِيرًا والحَمْدُ لله كَثِيرًا وَسُبْحانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا. -ثَلاثًا- أَعُوذُ باللهِ مِنَ الشَّيْطانِ مِنْ نَفْخِهِ وَنَفْثِهِ وَهَمْزِهِ". قال: نَفْثُهُ: الشِّعْرُ وَنَفْخُهُ الكِبْرُ وَهَمْزُهُ المُوتَةُ (¬1). 765 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مرَّةَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ نافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ فِي التَّطَوُّعِ، ذَكَرَ نَحْوَهُ (¬2). 766 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ رافِعٍ، حَدَّثَنا زَيْدُ بْن الحبابِ أَخْبَرَنِي مُعاوِيَةُ بْن صالِحٍ أَخْبَرَنِي أَزْهَرُ بْن سَعِيدٍ الحرازِيُّ، عَنْ عاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ قال: سَأَلْتُ عائِشَةَ بِأَيِّ شَيْءٍ كانَ يَفْتَتِحُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قِيامَ اللَّيْلِ فَقالتْ: لَقَدْ سَأَلَتَنِي عَنْ شَيْءٍ ما سَأَلنِي عَنْهُ أَحَدٌ قَبْلَكَ، كانَ إِذا قامَ كَبَّرَ عَشْرًا وَحَمِدَ اللهَ عَشْرًا وَسَبَّحَ عَشْرًا وَهَلَّلَ عَشْرًا واسْتَغْفَرَ عَشْرًا، وقال: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي واهْدِنِي وارْزُقْنِي وَعافِنِي". وَيَتَعَوَّذ مِنْ ضِيقِ المقامِ يَوْمَ القِيامَةِ (¬3). قال أَبُو داوُدَ: وَرَواهُ خالِدُ بْنُ مَعْدانَ، عَنْ رَبِيعَةَ الجُرَشِيِّ، عَنْ عائِشَةَ نَحْوَهُ. 767 - حَدَّثَنا ابن المُثَنَّى، حَدَّثَنا عُمَرُ بْن يُونُسَ، حَدَّثَنا عِكْرِمَةُ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: سَأَلْتُ عائِشَةَ بِأَيِّ شَيْءٍ كانَ نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَفْتَتِحُ صَلاتَهُ إِذا قامَ مِنَ اللَّيْلِ؟ قالتْ: كانَ إِذا قامَ مِنَ اللَّيْلِ ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (708)، وأحمد 4/ 80. وضعفه الألباني (132). (¬2) رواه أحمد 4/ 80. (¬3) رواه ابن ماجه (1356)، والنسائي في "الكبرى" 2/ 122 (1319). وصححه الألباني (742).

يَفْتَتِحُ صَلاتَهُ: "اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكائِيلَ وَإِسْرافِيلَ فاطِرَ السَّمَواتِ والأَرْضِ عالِمَ الغَيْبِ والشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِي لِما اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ أَنْتَ تَهْدِي مَنْ تَشاءُ إِلَى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ" (¬1). 768 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ رافِعٍ، حَدَّثَنا أَبُو نُوحٍ قُرادٌ، حَدَّثَنا عِكْرِمَةُ بِإِسْنادِهِ بِلا إِخْبارٍ وَمَعْناهُ، قال: كانَ إِذا قامَ بِاللَّيْلِ كَبَّرَ وَيقُولُ (¬2). 769 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ قال: لا بَأْسَ بِالدُّعاءِ في الصَّلاةِ في أَوَّلهِ وَأَوْسَطِهِ وَفِي آخِرِهِ فِي الفَرِيضَةِ وَغَيْرِها (¬3). 770 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ المُجْمِرِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى الزُّرَقِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رِفاعَةَ بْنِ رافِعٍ الزُّرَقِيِّ قال: كُنّا يَوْمًا نُصَلِّي وَراءَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمّا رَفَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأْسَهُ مِنَ الرّكُوعِ قال: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ". قال رَجُلٌ وَراءَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: اللَّهُمَّ رَبَّنا وَلَكَ الحمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبارَكًا فِيهِ. فَلَمّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنِ المُتَكَلِّمُ بِها آنِفًا". فَقال الرَّجُلُ أَنا يا رَسُولَ اللهِ. فَقال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَقَدْ رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلاثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَها أَيُّهُمْ يَكْتُبُها أَوَّلَ" (¬4). 771 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ طاوُسٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إِذا قامَ إِلَى الصَّلاةِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ يَقُول: "اللَّهُمَّ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (770). (¬2) رواه أحمد 6/ 156. وصححه الألباني (743). (¬3) رواه مالك في "الموطأ" 2/ 305. وقال الألباني: صحيح مقطوع (769). (¬4) رواه البخاري (799).

لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَواتِ والأَرْضِ وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ قَيَّامُ السَّمَواتِ والأَرْضِ وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَواتِ والأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ أَنْتَ الحَقُّ وَقَوْلُكَ الحَقُّ وَوَعْدُكَ الحَقُّ وَلِقاؤُكَ حَقٌّ والجَنَّةُ حَقٌّ والنّارُ حَقٌّ والسّاعَةُ حَقٌّ اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ وَبِكَ خاصَمْتُ وَإِلَيْكَ حاكَمْتُ فاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَأَخَّرْتُ وَأَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ أَنْتَ إِلَهِي لا إله إِلَّا أَنْتَ" (¬1). 772 - حَدَّثَنا أَبُو كامِلٍ، حَدَّثَنا خالِدٌ -يَعْنِي: ابن الحارِثِ- حَدَّثَنا عِمْرانُ بْنُ مُسْلِمٍ، أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ حَدَّثَهُ قال: حَدَّثَنا طاوُسٌ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ فِي التَّهَجُّدِ يَقُولُ بَعْدَ ما يَقُول: "اللهُ أَكْبَرُ". ثمَّ ذَكَرَ مَعْناهُ (¬2). 773 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الجبّارِ نَحْوَهُ، قال قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنا رِفاعَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ رِفاعَةَ بْنِ رافِعٍ، عَنْ عَمِّ أَبِيهِ مُعاذِ بْنِ رِفاعَةَ بْنِ رافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ قال: صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَعَطَسَ رِفاعَةُ لَمْ يَقُلْ قُتَيْبَةُ: رِفاعَةُ فَقُلْتُ: الحمْدُ لله حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبارَكًا فِيهِ مُبارَكًا عَلَيْهِ كَما يُحِبُّ رَبُّنا وَيَرْضَى. فَلَمّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - انْصَرَفَ فَقال: "مَنِ المُتَكَلِّمُ فِي الصَّلاةِ؟ ". ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ مالِكٍ وَأَتَمَّ مِنْهُ (¬3). 774 - حَدَّثَنا العَبّاسُ بْنُ عَبْدِ العَظِيمِ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ، أَخْبَرَنا شَرِيكٌ، عَنْ عاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِيهِ قال: عَطَسَ شابٌّ مِنَ الأَنْصارِ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي الصَّلاةِ فَقال: الحمْدُ لله حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبارَكًا فِيهِ حَتَّى يَرْضَى رَبُّنا وَبَعْدَ ما يَرْضَى مِنْ أَمْرِ الدُّنْيا والآخِرَةِ. فَلَمّا انْصَرَفَ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1120)، ومسلم (769). (¬2) رواه مسلم (769). (¬3) رواه الترمذي 2/ 254 (404)، والنسائي في "الكبرى" 1/ 322 (1003). وحسنه الألباني (747).

رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنِ القائِلُ الكَلِمَةَ؟ ". قال: فَسَكَتَ الشّابُّ ثُمَّ قال: "مَنِ القائِلُ الكَلِمَةَ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بَأْسًا؟ ". فَقال: يا رَسُولَ اللهِ أَنا قُلْتُها لَمْ أُرِدْ بِها إِلَّا خَيْرًا. قال: "ما تَناهَتْ دُونَ عَرْشِ الرَّحْمَنِ تَبارَكَ وَتَعالى" (¬1). * * * باب فيما يستفتح به الصلاة من الدعاء [760] (ثنا عبيد الله) مصغر (ابن معاذ) قال: (ثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري، قال: (ثنا عبد العزيز) بن عبد الله (بن أبي سلمة) التيمي مولاهم الفقيه. (عن عمه) يعقوب بن أبي سلمة (الماجشون) بكسر الجيم، مولى آل (¬2) المنكدر، أخرج له مسلم عن الأعرج (¬3)، (بن أبي سلمة عن عبد الرحمن) بن هرمز (الأعرج، عن عبيد الله) بالتصغير (ابن أبي رافع) كاتب علي. (عن علي بن أبي طالب قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة) زاد مسلم: من جوف الليل. وبوب عليه: باب دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الليل (¬4). ورواية ابن حبان: إذا افتتح الصلاة (¬5) (كبر) لافتتاح الصلاة، ¬

_ (¬1) رواه البزار 6/ 418 (2446). وضعفه الألباني (134). (¬2) من (س، م، ل). (¬3) "صحيح مسلم" (771) (202). (¬4) "صحيح مسلم" (769). (¬5) رواية ابن حبان: كان إذا ابتدأ الصلاة المكتوبة. "صحيح ابن حبان" (1771) أما رواية: إذا افتتح الصلاة. فهي عند ابن خزيمة في "صحيحه" (462).

(ثم قال: وجهت وجهي) أي: قصدت بعبادتي. وقيل: أقبلت (¬1) بوجهي اللذي فطر) خلق من (¬2) غير مثال سابق أو ابتدأ خلقي على غير مثال سابق خلق (السماوات والأرض) وجمع السما وات دون الأرض، وإن كانت سبعًا أيضًا؛ لأن السماء أشرف، وقال القاضي أبو الطيب: لأنا لا ننتفع من الأرض إلا بالطبقة الأولى بخلاف السماء فإن الشمس والقمر والكواكب موزعة عليها (حنيفًا) منصوب على الحال، الحنيف يطلق على المائل والمستقيم، فعلى الأول يكون المراد المائل إلى الحق، والحنيف أيضًا عند العرب من كان على ملة إبراهيم عليه السلام (مسلمًا) (¬3) بعد قوله: حنيفًا ليست في رواية مسلم (¬4) أيضًا بل رواها ابن حبان في "صحيحه" (¬5) (وما أنا من المشركين) بيان للحنيف وإيضاح لمعناه (إن صلاتي ونسكي) النسك العبادة لله استحقاقًا وملكًا، وهذا من ذكر العام بعد الخاص (ومحياي ومماتي) أي: حياتي وموتي، كما قال للأنصار: "المحيا محياكم والممات مماتكم" (¬6). والجمهور على فتح الياء الآخرة في محياي، وأصلها الفتح؛ لأنها حرف مضمر، فهي كالكاف في رأيتك والتاء في قمت، وقرئ بإسكان الياء كما تسكن في أبي، ونحوه، وجاز ذلك وإن كان قبلها ساكن؛ ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): أقبل. (¬2) في (م): على. (¬3) تكررت في (ص، س، ل). (¬4) "صحيح مسلم" (771) (201). (¬5) "صحيح ابن حبان" (1771). (¬6) أخرجه مسلم في "صحيحه" (1780) (84) من حديث أبي هريرة.

لأن المدة تفصل بينهما. قال أبو (¬1) البقاء: وقرئ في الشاذ بكسر الياء على أنه اسم مضمر كُسِر لالتقاء الساكنين، ويجوز الفتح في مماتي على أصل الضمير (لله) أي: ذلك كله مستحق (رب العالمين) أي: مالكهم (¬2)، وكل من ملك شيئًا فهو ربه، والرب هو المصلح والمدبر والقائم بالمصالح (لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) المتمكنين في الاستسلام الذين سلموا أنفسهم وجميع أمورهم لله تعالى، وفي رواية لمسلم (¬3) - وهي (¬4) رواية أكثرهم كما قال الشافعي في "الأم" (¬5) -: "وأنا أول المسلمين"؛ لأنه عليه السلام كان أول مسلمي هذِه الأمة، ومقتضى الإطلاق أنه لا فرق في قوله: "وأنا من المسلمين" وبقوله: "وما أنا من المشركين" بين الرجل والمرأة، وهو صحيح على [الإرادة للشخص] (¬6)، وفي "المستدرك" للحاكم من رواية عمران بن حصين، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لفاطمة: "قومي فاشهدي أضحيتك، وقولي: إن صلاتي ونسكي، إلى قوله: من المسلمين" (¬7)؛ فدل على ما ذكرناه. ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ص، س، ل): مماليكه. (¬3) (771/ 202). (¬4) في (ص): هو. (¬5) "الأم" 1/ 207. (¬6) في (م): إرادة الشخص. وفي (ل): الإرادة الشخص. (¬7) "المستدرك" 4/ 222.

(اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت) زاد الطبراني: "سبحانك وبحمدك" (¬1) (أنت ربي) المنعم (وأنا عبدك) المسيء (ظلمت نفسي) بملابسة ما يوجب غبنها أو ينقص حظها، وللظلم تقسيم ومراتب، نعوذ بالله من جميعها، وأراد بالنفس ها هنا الذات المشتملة على الروح. (واعترفت بذنبي) أي: بذنوب عظيمة (فاغفر لي) رجح بعضهم هذا في الاستغفار على قوله: أستغفرك؛ لأن قوله (¬2): أستغفرك. إذا قاله ولم يكن متصفًا به كان كاذبًا. وهو ضعيف؛ لأن السين في أستغفرك للطلب فكأنه يقول: أطلب مغفرتك، وليس المراد الإخبار بأنه مستغفر، فاغفر لي (ذنوبي جميعًا) بالتنوين وهو للتوكيد، زاد مسلم (إنه) ولفظ الطبراني: فإنه (لا) أحد (يغفر الذنوب إلا أنت) أي: لا يغفر المعصية ويزيل عقوبتها إلا أنت (واهدني لأحسن الأخلاق) أي: لأكملها وأفضلها، ووفقني للتخلق به. قال القرطبي: أجاب الله دعاء نبيه في ذلك فجمع له منها ما تفرق في العالمين (¬3). وذكر بعضهم زيادة، فقال: "واهدني لأحسن الأخلاق والأعمال والأهواء" (¬4) (لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها) أي: قبيحها (لا يصرف) عني (¬5) (سيئها إلا أنت، لبيك) من ألب ¬

_ (¬1) "المعجم الكبير" للطبراني 19/ 231 (515). (¬2) سقط من (م). (¬3) "المفهم" 2/ 401. (¬4) رواه الدارقطني 1/ 298، وابن الجوزي في "التحقيق" 1/ 342. (¬5) من (م).

بالمكان إذا أقام به، ويبنى (¬1) هذا المصدر مضافًا إلى المكان. وقيل (وسعديك) أي: أنا ملازم لطاعتك لزومًا بعد لزوم، وعن الخليل أنهم بنوه على جهة التأكيد، وأصل لبيك: لبين لك، فحذفت النون للإضافة (والخير كله في يديك) زاد الشافعي (¬2)، عن مسلم بن خالد، عن موسى بن عقبة: "والمهدي (¬3) من هديت" أي (¬4): (والشر ليس إليك) أي: لا يضاف إليك؛ مخاطبة لك (¬5) ونسبة إليك تأدبًا مع الله بقضاء الله وقدره، وقد قال تعالى: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} (¬6) (أنا بك) بتخفيف النون، أي: التجائي (و) انتمائي (إليك) وتوفيقي بك. (تَبَارَكْتَ وَتَعَاليْتَ) أي: استحققت (¬7) الثناء، وقيل: ثبت (¬8) الخير عندك. قال ابن الأنباري: تبارك (¬9) العباد بتوحيدك (¬10) (أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ) زاد الطبراني في "الكبير" (¬11) بعد قوله: "لبيك وسعديك والخير ¬

_ (¬1) في (م): بنى. (¬2) "الأم" 1/ 207. (¬3) في (م): الهدى. في (ص، س، ل): المهتدي. والمثبت من (م) و"الأم". (¬4) ورد بعدها في (م): [والشر كله في يديك، وهو نظير قوله تعالى: {بِيَدِكَ الْخَيْرُ}، زاد مسلم. (¬5) سقط من (م). (¬6) النساء: 78. (¬7) في (س، ص، ل): استحقيت. (¬8) في (ص): يثن. (¬9) في (م)، و"شرح النووي": تباركت. (¬10) "شرح النووي على مسلم" 6/ 59. (¬11) 1/ 314 (928) من حديث أبي رافع.

في يديك: ولا منجا ولا ملجأ منك إلا إليك أستغفرك وأتوب إليك" ثم يقرأ وملجأ (¬1) بهمز آخره دون ملجا (¬2) (وَإذَا رَكَعَ قَال: اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ وَبِكَ آمَنْتُ) أي: صدقت بك، وكل ما أخبرت به وأمرت ونهيت (وَلَكَ أَسْلَمْتُ) هكذا لمسلم وابن حبان (¬3)، زاد الشافعي (¬4) في روايته: "وأنت ربي". ومعنى: أسلمت استسلمت وانقدت لأمرك ونهيك (خَشَعَ لَكَ) أي: خضع وأقبل بقلبه عليك من قولهم خشعت الأرض إذا سكنت واطمأنت (سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي) المراد به هنا الدماغ وأصله الودك الذي في العظم، وخالص كل شيء مخه (وَعِظَامِي) هكذا الرواية، ورواية مسلم: "وعظمي" (¬5) بالإفراد (وَعَصَبِي). والعصب طنب (¬6) المفاصل، تقول: عصب اللحم بكسر الصاد كثر عصبه، وهو ألطف (¬7) من العظم. زاد الشافعي في "مسنده" (¬8) من رواية أبي هريرة: "وشعري وبشري". وإن كان الجمهور على تضعيفه؛ لكن (¬9) الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال. وزاد النسائي من رواية جابر: "ودمي ولحمي" (¬10). وزاد ابن حبان ¬

_ (¬1) في (ص، س): (منجأ). (¬2) لعل الصواب: (منجا). (¬3) "صحيح مسلم" (771)، "صحيح ابن حبان" 1/ 336 (2597). (¬4) "الأم" 1/ 217. (¬5) "صحيح مسلم" (771). (¬6) الطنب: عصبة تشد العظام والمفاصل وتربطها ببعضها. "اللسان" مادة: طنب. (¬7) في (ص، س، ل): العطف. (¬8) "مسند الشافعي" ص 38. (¬9) في النسخ: لأن. والمثبت أليق بالسياق. (¬10) "المجتبى" 2/ 192.

في "صحيحه": "وما استقلت (¬1) به قدمي لله رب العالمين" (¬2). وقدمي بميم (¬3) مكسورة وياء ساكنة على أنه مفرد، ولا يصح هنا التشديد على أنه مثنى؛ لأنه مرفوع إذ لو كان مثنى لقال: قدماي، والقدم مؤنثة فلهذا قال: وما استقلت، قال الله تعالى: {فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا} (¬4) لكن القدم تأنيثه مجازي فيجوز إثبات التاء وحذفها، ومعنى استقلت حملت يعني وجميع جسمي (¬5) الذي حمله قدمي ورفعه. (وَإذَا رَفَعَ) رأسه من الركوع (قَال: سَمِعَ اللُّه لِمَنْ حَمِدَهُ) تقدم، وقيل: معناه سمع حمد الحامدين (¬6) له (رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ) بالواو وكما تقدم أنه أبلغ (ملء) يجوز فيه الرفع على الصفة للحمد، ويجوز النصب (¬7) على الحال أي: مالئًا (السماوات والأرض وَمَا بَينَهُمَا). قال عياض في "الإكمال": قيل: هو محتمل لطريق الاستعارة إذ الحمد ليس بجسم فيقدر بالمكيال وتسعه الأمكنة والأوعية، فالمراد تكثير العدد كما لو كان مما يقدر بمكيال أو ما يملأ الأماكن لكان بهذا المقدار، وقيل أن يعود ذلك التقدير لأجورهما وقيل: يحتمل التعظيم والتفخيم لشأنهما، وقد قيل: إن الميزان له كفتان كل كفة ¬

_ (¬1) في (ص): استقل. (¬2) "صحيح ابن حبان" (1901). (¬3) في (ص): بهمز. (¬4) النحل: 94. (¬5) في (ص، س، ل): حملي. (¬6) في (ص، س، ل): الحامد. (¬7) في (ص، ل): الحمد.

طباق السماوات والأرض. وفي الحديث: "والحمد لله تملآن -أو تملأ- ما بين السماء والأرض" (¬1). قال: والأول أظهر للحديث الآخر: "سبحان الله عدد خلقه وزنة عرشه" (¬2). وظاهره تكثير (¬3) العدد، قال: والملء بكسر الميم وفتحها المصدر. (¬4) (وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شيء بَعْدُ) أي: كالكرسي والعرش وغيرهما مما لم نعلمه قال الله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} (¬5) وفي الحديث: "إن السماوات والأرض في الكرسي كالحلقة الملقاة في فلاة من الأرض" (¬6)، والكرسي وما فيه في العرش كحلقة ملقاة في فلاة من الأرض، ويحتمل أن يكون معناه: من شيء يمكن أن يخلقه بعد، ومقصود هذا الحديث الاعتناء في تكثير الحمد والثناء. (وإذَا سَجَدَ قَال) في سجوده (اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ سَجَدَ وَجْهِي لِلَذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ) قال البيهقي في "الأسماء والصفات" (¬7): خلق الله عز وجل الإنسان في أرحام الأمهات ثلاث (¬8) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (223) (1)، والترمذي (3517) من حديث أبي مالك الأشعري. (¬2) "إكمال المعلم" 3/ 134. (¬3) أخرجه مسلم (2726) (79)، والترمذي (3555)، والنسائي في "المجتبى" 3/ 77 من حديث جويرية بنت الحارث. (¬4) في (ص، ل): يكثر. (¬5) البقرة: 255. (¬6) أخرجه محمد بن أبي شيبة في "العرش" (58) من حديث أبي ذر الغفاري. وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (109) بمجموع طرقه. (¬7) "الأسماء والصفات" 1/ 79. (¬8) في (ص، ل): بلاد.

خلق: جعله (¬1) علقة، ثم مضغة، ثم جعله صورة، وهو التشكيل الذي يكون به ذا صورة وهيئة يعرف بها ويتميز (¬2) عن غيره (فَأَحْسَنَ صُورَهُ) هكذا أكثر النسخ (¬3)، وهي رواية مسلم (¬4)، وهو الموافق لقوله تعالى: {فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} (¬5)، وفي بعض النسخ: "فأحسن صورته" على الإفراد، وهي رواية ابن حبان (¬6). قال الزمخشري: قرئ (فأحسن صوركم) بكسر الصاد (¬7)، قال: والمعنى واحد، قيل: لم يخلق حيوانًا أحسن صورة من الإنسان (¬8). ولهذا لو نظر إلى من صورته ذميمة في غاية القبح، فقال: والله وجهك أحسن من القمر لم يحنث؛ لقوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} (¬9) (فشَق) هكذا الرواية، ورواية مسلم وابن حبان: "وشق" بالواو (¬10) (يسَمْعَهُ وَبَصَرَهُ) أي: منفذهما، قال القرطبي: أي ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): خلقه. والمثبت من (م) و"الأسماء والصفات". (¬2) في (ص، ل): تمييز. (¬3) وفي النسخة التي بين أيدينا: "فأحسن صورته". (¬4) "صحيح مسلم" (771/ 202). (¬5) غافر: 64. والتغابن: 3. (¬6) رواه النسائي 2/ 220، والبزار 2/ 168 (563)، وأبو عوانة 1/ 504 (1886)، والطبراني في "الدعاء" (579 - 580). أما رواية ابن حبان 5/ 315 (1977): "فأحسن صوره" كرواية مسلم. (¬7) هي قراءة أبي رزين. "مختصر شواذ القرآن" ص 133. (¬8) "الكشاف عن حقائق التنزيل" 3/ 435. (¬9) التين: 4. (¬10) مسلم (771)، وابن حبان 5/ 315 - 316 (1977 - 1978).

خلق فيه السمع والبصر (¬1). قال عياض: قال الإمام (¬2): يحتج به من يقول إن (¬3) الأذنين من الوجه يغسلان في الوضوء؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أضاف السمع إلى الوجه، واختلف في حكمهما، فقيل: يمسحان؛ لأنهما من الرأس، وقيل: يغسلان؛ لأنهما من الوجه، وقيل: أما باطنهما فيغسل مع الوجه، وأما ظاهرهما فيمسح مع الرأس (¬4). ومذهب الشافعي (¬5): يمسح ظاهرهما وباطنهما لكن باطنهما يكون بماء جديد؛ لأنه من الأذن، كالأنف والفم من الوجه (وَتَبَارَكَ) بالواو، ورواية الشافعي وابن حبان بالفاء (¬6)، وهو في مسلم بدون الفاء (¬7) (اللُّه) أي: تعالى؛ لأن البركة الزيادة، وما زاد على الشيء قد علاه. وقال ابن فارس: معناه ثبت الخير عنده، وقيل: استحق التعظيم (أَحْسَنُ الخَالِقِين) أي: المصورين والمقدرين، والخلق في اللغة الفعل الذي يوجده فاعله مقدرًا له لا عن سهو وغفلة، والعبد قد يوجد منه ذلك؛ ولهذا استدل به على أن العباد يخلقون، كما قال تعالى: {بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} (¬8) و {أَرْحَمُ ¬

_ (¬1) "المفهم" 2/ 403. (¬2) هو المازري في "المعلم بفوائد مسلم". (¬3) سقط من (م). (¬4) "المعلم بفوائد مسلم" 1/ 220 - 221، "إكمال المعلم" 3/ 135. (¬5) "الأم" 1/ 85، ولكنه قال: يمسح ظاهر أذنيه وباطنهما بماء غير ماء الرأس. (¬6) "صحيح ابن حبان" (1977). (¬7) مسلم (771/ 201). (¬8) هود: 45.

الرَّاحِمِينَ} (¬1)، قال الكعبي (¬2): لكن لا يطلق الخالق على العبد إلا مقيدًا كالرب ورُدَّ هذا القائل بأن أفعال العباد مخلوقة بقوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} (¬3) قال المعتزلة: كونه أحسن الخالقين يدل على أن كل ما خلقه حسن فلا يكون خالقًا للكفر والمعصية، وأجيب بأن المراد بالأحسن: الإحكام والإتقان. وعن ابن عباس أن ابن (¬4) أبي السرح لما انتهى في الكتابة إلى قوله {خَلْقًا آخَرَ} (¬5) عجب فقال: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} (¬6)، فقال له (¬7) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اكتب، هكذا أنزلت" فشك ابن أبي السرح فارتد (¬8)، وقيل: قائل هذا عمر، ولهذا قال: وافقت ربي في أربع، منها هذا (¬9). قال العارفون: فالآية سبب لسعادة (¬10) عمر، وشقاوة الآخر {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا} (¬11)، وصدور هذا من البشر موافقًا ¬

_ (¬1) الأعراف: 151. وغيره. (¬2) في (ص، ل): الكفتي. (¬3) الرعد: 16، والزمر: 62. (¬4) من (م). (¬5) و (¬6) المؤمنون: 14. (¬7) و (¬8) من (م). (¬9) رواه الطيالسي في "المسند" 1/ 64 (41)، ومن طريقه الآجري في "الشريعة" 4/ 1896 (1369) عن أنس بن مالك، عنه. (¬10) في (م): سعادة. (¬11) البقرة: 26.

للقرآن لا يقدح في إعجازه. (وَإذَا سَلَّمَ مِنَ الصَّلَاةِ) أي: قارب أن يسلم من باب إطلاق مما قارب الشيء عليه، كما قال تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} (¬1) أي: قاربن بلوغه، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ} (¬2) أي: الذين يقاربون الوفاة، ويدل على هذا التقدير رواية مسلم في "صحيحه": "ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والسلام: اللهم اغفر لي" .. إلى آخره (¬3)، ويجوز أن يكون فعله قبل السلام هو الأكثر، وقاله بعد السلام مرة. (قَال: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ) والمراد بقوله: "ما أخرت" إنما هو بالنسبة إلى ما وقع من ذنوبه المتأخرة؛ لأن الاستغفار قبل الذنب محال، كذا ذكره في شرح خطبة "رسالة الشافعي" لأبي الوليد النيسابوري أحد أصحاب ابن شريح نقلًا عن الأصحاب، قال الإسنوي: ولقائل أن يقول المحال إنما هو طلب مغفرته قبل وقوعه، وأما الطلب قبل الوقوع أن يغفر إذا وقع فلا استحالة فيه (¬4) (وما أسررت وما أعلنت) أي: جميعها؛ لأن الذنب إما سر أو علن (وَمَا أَسْرَفتُ) أي: في أموري من الكبائر؛ لأن الإسراف الإفراط في الشيء ومجاوزة الحد فيه، وأما ما قدمت وأخرت فصغائر (وَمَا أنت أَعْلَم به مني) من ذنوبي وإسرافي في ¬

_ (¬1) البقرة: 231. (¬2) البقرة: 240. (¬3) "صحيح مسلم" (771/ 201) (¬4) سقط من (م).

أموري وغير ذلك (أَنْتَ المُقَدِّمُ و) أنت (الْمُؤَخِّرُ) قال البيهقي: قدم من شاء بالتوفيق إلى مقامات السابقين، وأخر من شاء عن مراتبهم وثبطهم بمحقها (¬1)، وأخر الشيء عن حين توقعه لعلمه بما في عواقبه من الحكمة، وقيل: قدم من أحب من أوليائه على غيرهم من عبيده، وأخر من أبعده عن غيره، فلا مقدم لما أخر، ولا مؤخر لما قدم (¬2). ولكون (¬3) المقدم والمؤخر بمعنى الهادي والمضل، قدم من شاء لطاعته؛ لكرامته، وأخر من شاء بقضائه؛ لشقاوته (لَا إله إِلَّا أَنْتَ) أي: ليس لنا معبود نتذلل له ونتضرع إليه في غفران ذنوبنا إلا أنت. [761] (ثنا الحسن بن علي) قال: (ثنا سليمان بن داود) بن داود بن علي (الهاشمي) قال النسائي: ثقة مأمون (¬4). قال: (ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة، عن عبد الله بن الفضل بن ربيعة بن الحارث بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ) الهاشمي. (عَنْ) عبد الرحمن (الأَعْرَجِ (¬5)، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ (¬6) رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنه كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ المَكْتُوبَةِ) وكذا غير المكتوبة (كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيهِ وَيَصْنَعُ مِثْلَ ذَلِكَ إِذَا قَضَى ¬

_ (¬1) في "الأسماء والصفات": عنها. (¬2) "الأسماء والصفات" للبيهقي 1/ 210. (¬3) في (س): ويكون. (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 11/ 410. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (ص): من. والمثبت من (س، م، ل).

قِرَاءَتَهُ) تقدم قريبًا. (وَإذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ وَيَصْنَعُهُ إِذَا رَفَعَ) (¬1) تقدم بسنده (مِنَ الرُّكُوعِ وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شيء مِنْ صَلَاتهِ وَهُوَ قَاعِدٌ) فيه ما تقدم، وحمله بعضهم على ما إذا رفع رأسه من السجود للقعود؛ فإنه لا يرفع يديه كما تقدم. (وَإذَا قَامَ مِنَ السَّجْدَتَينِ) بعد التشهد الأول (يرفَعَ يَدَيْهِ) وتقدم قول النووي أن المراد بالسجدتين الركعتين بلا خلاف إلا الخطابي فإنه ظن أن المراد السجدتان المعروفتان، ثم استشكل الحديث، وقال: لا أعلم أحدًا من الفقهاء قال به، فلعله لم يقف على طرق هذا الحديث، ولو وقف عليها لحمله على الركعتين كما حمله الأئمة (¬2) (كَذَلِكَ) أي: حتى يحاذي منكبيه (وكبر) للقيام (ودعا) أي: بعد تكبيرة الإحرام، وفي الركوع والسجود كما تقدم (نحو حديث عبد العزيز) بن أبي سلمة (في الدعاء) المذكور إلا أنه (يزيد) البعض (وينقص) بفتح أوله (الشيء) بالنصب (وَلَمْ يَذْكُرْ) فيه (وَالْخَيْرُ [كله] (¬3) فِي يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ) قال الإمام: تتعلق به المعتزلة في أن الله لا يخلق الشر، ونحمله نحن على أن معناه لا نتقرب إليك بالشر. وقيل: لا يضاف إلى الله مخاطبة ونسبة تأدبًا مع الله تعالى [مع أنه] (¬4) بقضاء الله تعالى وقدره واختراعه، فهو خالق له كالخير لقوله تعالى: {قُلْ ¬

_ (¬1) في (م): ركع. (¬2) "المجموع" 3/ 447. (¬3) مستدركة من "السنن". (¬4) ليست في الأصول الخطية. والمثبت من "المفهم" للقرطبي 2/ 401.

كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} (¬1) (¬2) {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ} (¬3). (وَزَادَ فِيهِ: ويَقُولُ عِنْدَ انْصِرَافِهِ مِنَ الصَّلَاةِ) وفي رواية لمسلم من طريق الماجشون: وإذا سلم من الصلاة قال (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ و) ما (أَخَّرْتُ وَ) مَا (أَسْرَرْتُ و) ما (أَعْلَنْتُ) أَنْتَ المقدم وأنت المؤخر (أنت إِلَهِي لَا إله إِلَّا أَنْتَ) زاد ابن ماجه بعد: "لا إله إلا أنت: ولا إله غيرك، ولا حول ولا قوة إلا بك" (¬4). [762] (ثنا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ) بن سعيد بن كثير الحمصي، كان حافظًا صدوقًا، مات سنة 250 (¬5). قال (ثَنَا شُرَيْحُ) بضم الشين المعجمة (ابْنُ يَزِيدَ) الحضرمي المؤذن، والد حيوة بن شريح، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬6)، قال (حَدَّثَنِي شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ) بالحاء المهملة والزاي، واسمه دينار القرشي الأموي، قال حين حضرته الوفاة: هذِه كتبي قد صححتها من أراد أن يأخذها فليأخذها، ومن أرد أن يسمعها من ابني فليسمعها فإنه سمعها مني (قال: قَال لِي) محمد (بْنُ المُنْكَدِرِ و) إسحاق بن عبد الله (ابْنُ أَبِي فَرْوَةَ وَغَيرُهُمَا مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ المَدِينَةِ فَإِذَا قُلْتَ أَنْتَ ذَلكَ) يعني دعاء ¬

_ (¬1) النساء: 78. (¬2) ساقطة من (ص). (¬3) الأنعام: 17. (¬4) أخرجه الترمذي (3423)، وابن ماجه (864)، وأحمد 1/ 93 من طريق سليمان بن داود به. (¬5) "الكاشف" 2/ 336. (¬6) "الثقات" (1363).

التوجه (فَقُلْ: وَأنا مِنَ المُسْلِمِينَ -يَعْنِي) مكان ([قوله] (¬1): وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ) هكذا ذكرها المصنف موقوفة على بعض التابعين، وهي في رواية لمسلم (¬2). قال الشافعي: أستحب أن يأتي به المصلي بتمامه ويجعل مكان: "وأنا أول المسلمين": "وأنا من المسلمين" (¬3). [763] (ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) قال: (ثنا حَمَادٌ، عَنْ قَتَادَةَ وَثَابِتٍ وَحُمَيدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكِ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى الصَّلَاةِ) قال الخطيب: هو رفاعة الأنصاري (¬4) (وَقَدْ حَفَزَهُ) بفتح الحاء المهملة والفاء (¬5) والزاي المفتوحتين (النَّفَسُ) أي: أجهده من شدة الاستعجال، ومنه الحديث: أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بتمر فجعل يقسمه وهو محتفز (¬6). أي: مستعجل يريد القيام (فقال: الله أكبر الحمد لله حمدًا كثيرَا طَيِّبًا) الطيب من الحمد وغيره من الكلام، [هو أفضله وأحسنه [(مُبَارَكًا فِيهِ)] (¬7) زاد الطبراني في "الأوسط": "ينبغي لكرم (¬8) وجه ربنا عز وجل" (¬9) البركة: زيادة الخير. ¬

_ (¬1) من "السنن". (¬2) "صحيح مسلم" (771) (202). (¬3) "الأم" 1/ 208. (¬4) "الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة" (ص 76). (¬5) سقط من (س، م). (¬6) أخرجه مسلم (2044) (149) من حديث أنس. (¬7) تأخرت تلك العبارة في (ص، س، ل) فجاءت بعد قوله: ربنا عز وجل. والمثبت كما في (م). (¬8) في (م): لكن. (¬9) "المعجم الأوسط" (6965) من حديث أبي ثعلبة الخشني.

(فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَاتهُ قَال: أَيُّكُمُ المُتَكَلِّمُ بِالْكَلِمَاتِ) زاد مسلم (¬1): فأرم -بفتح الراء وتشديد الميم (¬2) - القوم، أي: سكتوا، من الرم وهو القطع، والرمة بضم الراء القطعة من الجبل، وبها كُني ذو (¬3) الرمة، قال القاضي عياض: ورواه بعضهم في غير "صحيح مسلم" بالزاي المفتوحة وتخفيف الميم من الأزم (¬4). وهو: الإمساك، قال ابن الأثير: الرواية المشهورة فأرم بالراء وتشديد الميم، والثانية فأزم القوم بالزاي، أي: أمسكوا عن الكلام كما يمسك الصائم عن الطعام، قال: ومنه سميت الحمية عن الطعام: الأزم (¬5). (فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بَأْسًا) أي: شيئًا في كراهة ولا ضرر. (فقال الرجل: [أنا يا] (¬6) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جئت وَقَدْ حَفَزَنِي النَّفَسُ) أي: أزعجني من سرعة المشي (فَقُلْتُهَا. فَقَال: لَقَدْ رَأَيْتُ اثْنَي عَشَرَ) بسكون الياء وفتح العين والشين بعدها (مَلَكًا) بفتح اللام (يَبْتَدِرونَهَا) أي: يتسابقون (¬7) إليها (أَيهُمْ) يكتبها، أيهم (يَرْفَعُهَا) إلى المحل الذي ترفع إليه الصلاة، [فيه دليل على بعض الطاعات قد يكتبها غير الحفظة ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (650) (149). (¬2) زاد في (م): ورواية النسائي: من صاحب الكلمة. وهذه الزيادة مخرجة عند النسائي في "المجتبى" 2/ 145 من حديث وائل بن حجر. (¬3) في (ص، س، ل): ذي. (¬4) "إكمال المعلم" 2/ 551. (¬5) "النهاية في غريب الحديث" (أزم). (¬6) في (ص): أتانا. وبياض في (ل). (¬7) في (م): يتسارعون.

الكرام أيضًا] (¬1) زاد الطبراني في "الأوسط": ثم شخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببصره حتى توارت بالحجاب، قال: "هي لك بخاتمها يوم القيامة ومثلها" (¬2). [ورواه أحمد في ثلاثياته من "المسند" (¬3)، عن ابن أبي (¬4) عدي، عن حميد، عن أنس، قال: أقيمت الصلاة فجاء رجل يسعى فانتهى (¬5) وقد حفزه النفس أو انبهر، فلما انتهى إلى الصف قال: الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، فلما قضى صلاته قال: "أيكم المتكلم؟ " فسكت القوم، قال: "أيكم المتكلم فإنه قال خيرًا، ولم يقل بأسًا" ... الحديث] (¬6). (زَادَ حُمَيدٌ) بن أبي حميد، عن أنس بن مالك (فِيهِ: وإذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ) إلى الصلاة (فَلْيَمْشِ نَحْوًا مما (¬7) كَانَ يَمْشِي) قبلْ أن يأتي الصلاة (فَلْيُصَلِّ) منها (مَا أَدْرَكَ وَلْيَقْضِ مَا سَبَقَهُ) فيه أن ما أدركه المسبوق مع الإمام هو آخر صلاته، وأنه يكون قاضيًا لما سبق به (¬8) من الأقوال والأفعال، وهو مذهب أبي حنيفة (¬9). ¬

_ (¬1) تأخرت هذه العبارة في (ص، س، ل) فجاءت بعد قوله: مثلها. والمثبت كما في (م). (¬2) في (ص، س، ل): ومسكها. "المعجم الأوسط" 7/ 97 (6965). (¬3) "المسند" 3/ 106. (¬4) سقط من (م). (¬5) سقط من (م). (¬6) تأخرت هذه العبارة في (ص، س، ل) فجاءت بعد قوله: مذهب أبي حنيفة. (¬7) في مطبوعة أبي داود: نحو ما. (¬8) سقط من (م). (¬9) "المبسوط" 1/ 135.

وحكى القرطبي عن أبي محمد عبد الوهاب أنه مشهور مذهب مالك (¬1)، وتقدم أن مذهب الشافعي (¬2) أنه أول صلاته، وأنه (¬3) كما يكون ثابتًا عليه في الأقوال والأفعال متممًا (¬4) لصلاته، وأجابوا عن هذا الحديث بأن المراد بالقضاء الفعل لا القضاء المصطلح عليه. [764] (ثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ) قال: (أنا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَاصمٍ) بن عمير (الْعَنَزِيِّ) بفتح العين والنون، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬5)، وروى له المصنف وابن ماجه (¬6) ولم يرويا عنه غيره، (عَنِ) نافع (بنِ جُبَيرِ بْنِ مُطْعِمٍ) شريف مفتي (عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -[يصلي صلاة] (¬7) قال عمرو: لا أدري أيَّ) بالتشديد والنصب؛ لأن أيا الاستفهامية والشرطية تعربان دائمًا، وكذلك جعل الكوفيون وجماعة من البصريين مثلها معربة دائمًا (صَلاةً هي) رواية الحاكم من حديث أبي سعيد الخدري: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة بالليل كبر، ثم يقول: "سيحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، ثم يقول: لا إله إلا الله ثلاثًا (¬8)، ثم يقول: الله ¬

_ (¬1) "المفهم" 2/ 221. (¬2) "الأم" 1/ 311. (¬3) في (ص): إنما. (¬4) في (ص، ل): منها. وفي (س): منهما. (¬5) "الثقات" (4657). (¬6) (807). (¬7) من مطبوع "السنن". (¬8) سقط من (م).

أكبر ثلاثًا" (¬1). (فقال: الله أكبر كبيرًا) منصوب بإضمار فعل كأنه قال: أكبر كبيرًا، وقيل: منصوب على القطع من اسم الله (الله أكبر كبيرًا، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله) حمدًا (كثيرًا الحمد لله كثيرًا) كذا لابن ماجه (¬2)، ولم يثلث (وسبحان الله بكرة) البكرة وقت الغداة، جمعها: بُكر، مثل: غرفة وغُرف، وأبكار: جمع الجمع، مثل: رطب، وأرطاب، وإذا أريد بكرة يوم بعينه منعت الصرف للتأنيث والعلمية (وأصيلًا) الأصيل: العشي، وهو ما بعد صلاة العصر إلى الغروب (ثلاثًا) يحتمل أن يعود التثليث على (¬3) الأخير، ويحتمل أن يعود على الثلاثة جميعها، وهو الظاهر، وكذا رواه ابن حبان (¬4)، فإن قاعدة مذهب الشافعي والأصوليين أن الصفة والاستثناء (¬5) وعطف البيان والتأكيد والبدل إذا ورد عقب جمل يعود على (¬6) جميع ما قبله، والوارد بعد مفردات أولى بالعود (أعوذ) أي: ألجأ (بالله من الشيطان) اسم لكل متمرد عات، مأخوذ من شطن إذا بعد، وقيل: من شاط إذا احترق (من نفخه ونفثه وهمزه. قال) عمرو: كذا لابن ماجه (¬7)، وهو عمرو بن مرة الجملي، بفتح الجيم ¬

_ (¬1) سيأتي برقم (775)، ولم أقف عليه في "المستدرك" وإنما هو فيه 1/ 235 من حديث جبير بن مطعم، وانظر ص 324 هنا. (¬2) "سنن ابن ماجه" (807). (¬3) في (ص، س): إلى. (¬4) "صحيح ابن حبان" 5/ 80 (1780)، 6/ 336 - 337 (2601). (¬5) في (م): الاستئناف. (¬6) في (ص): إلى. والمثبت من (س). (¬7) "سنن ابن ماجه" (807).

والميم، وهو الإمام الحجة العامل. قال (¬1) مسعر: لم يكن بالكوفة أفضل منه (¬2) (نفثه: الشعر) قال ابن الأثير: لأنه ينفث من الفم، والنفث شبيه بالنفخ، وهو أقل من التفل؛ [لأن التفل] (¬3) لا يكون إلا ومعه شيء من الريق (¬4). ومنه: {النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} (¬5) وهي: السواحر اللاتي يعقدن عقدًا في خيوط وينفثن ويرقين عليها، ولعل المراد بالشيطان الذي يقول الشعر: شياطين الجن والكهان الذين يقولون الشعر والسجع كثيرًا، ويحتمل أن يراد به: شياطين الإنس من الشعراء المداحين الهجائين المعظمين المحقرين بالشعر، وسموا بذلك؛ لأن الشيطان هو الذي يدعوهم إلى ذلك فيختلقون كلامًا يخيلونه لا حقيقة له (ونفخه: الكبر) لأن المتكبر يتعاظم ويجمع نفسه لا سيمًا إذا مدح فيحتاج إلى أن ينفخ الشيطان فيه، ويقال: رجل منتفخ ومنفوخ، أي: سمين (وهمزه: الموتة) بسكون الواو ودون همز، وأما مؤتة بالهمز فهي قرية من أرض البلقاء قريبة من الكرك كان بها وقعة مشهورة، قتل فيها جعفر وزيد بن حارثة، وعبد الله بن رواحة والمراد بالموتة هنا: الجنون، ولعل المراد بالجنون هنا الحاصل من شرب محرم كالمسكر ونحوه. ¬

_ (¬1) زاد بعدها في (ص، س): ابن. (¬2) انظر: "ميزان الاعتدال"، للذهبي (6453). (¬3) من (س، م) و"النهاية". (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (نفث). (¬5) الفلق: 4.

ورواية الحاكم في رواية أبي سعيد المتقدمة (¬1): "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه". ورواه أحمد (¬2) من حديث أبي أمامة نحوه، وفيه: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم". لكن في إسناده من لم يسم. [765] (ثنا [مسدد) قال: (ثنا] (¬3) يحيى) القطان (عن مسعر) بكسر الميم. (عن عمرو بن مرة، عن رجل، عن نافع بن جبير، عن أبيه) جبير ابن مطعم. (قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في) صلاة (التطوع) ويدل عليه الرواية المتقدمة رواية الحاكم: إذا قام إلى الصلاة بالليل (¬4) ([ذكر] (¬5) نحوه) وروى ابن ماجه (¬6)، وابن خزيمة (¬7) من حديث ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه". ورواه أحمد (¬8) والبيهقي (¬9) بلفظ: كان إذا دخل في الصلاة. ¬

_ (¬1) سبق، ولم أقف على رواية الحاكم من حديث أبي سعيد، وإنما الرواية عنده من حديث جبير بن مطعم 1/ 235. (¬2) "مسند أحمد" 5/ 253 من طريق يعلى بن عطاء عن رجل حدثه. (¬3) في (ص): سنيد. وفي (ل): مسدد ثنا. (¬4) سقط من (م). (¬5) من المطبوع. (¬6) "سنن ابن ماجه" (808). وقال البوصيري في "الزوائد": في إسناده مقال. (¬7) "صحيح ابن خزيمة" (472). (¬8) أخرجه أحمد 4/ 80 عن يحيى القطان به. (¬9) "السنن الكبرى" للبيهقي 2/ 36.

[766] (ثنا محمد بن رافع) قال: (ثنا زيد بن الحباب) بضم الحاء المهملة وتكرير الموحدة. قال: (أخبرني معاوبة بن صالح) قال (أخبرني أزهر بن سعيد الحرازي) بفتح الحاء المهملة وتخفيف الراء وبعد الألف زاي، الحميري الحمصي، [أخرج له البخاري في كتاب "الأدب"] (¬1). [قال الدارقطني: ثقة، وهو صاحب معاذ بن جبل] (¬2). (عن عاصم بن حميد) السكوني (قال: سألت عائشة بأي شيء كان يفتتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قيام الليل؟ فقالت: لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك، كان إذا قام) أي: أراد القيام، قال النووي: يستحب لمن أراد القيام إلى الصلاة في الليل ما جاء في حديث عاصم (¬3) بن حميد. (كبر عشرًا وحمد) بكسر الميم (الله عشرًا، وسبح عشرًا، وهلل) أي: قال لا إله إلا الله (عشرًا) أي: عشر مرات (واستغفر عشرًا، وقال: اللهم اغفر لي واهدني وارزقني وعافني) وعند ابن حبان: اللهم اغفر لي واهدني وارزقني، عشرًا (¬4) (ويتعوذ) بالله (من ضيق (¬5) المقام) بفتح الميم (يوم ¬

_ (¬1) تأخرت تلك العبارة في (ص، س، ل) فجاءت بعد معاذ بن جبل. والمثبت من (م). (¬2) وردت هذه العبارة في هذا الموضع بجميع الأصول الخطية كتعليق على أزهر بن سعيد. وهو وهم وإنما ورد كلام الدارقطني هذا في عاصم بن حميد كما في "تهذيب الكمال" 13/ 481. (¬3) في (ص) صحيح. (¬4) "صحيح ابن حبان (2602). (¬5) في (ص): سوء.

القيامة) أي: من ضيق القيام في عرصات يوم القيامة إذا ازدحم أهل السماوات السبع والأراضين (¬1) السبع من ملك وجن وإنس وشيطان ووحش وطائر، ويدافع بعضهم من بعض من شدة الزحام واختلاف الأقدام. (ورواه خالد بن معدان، عن ربيعة) بن عمرو (الجرشي) -بضم الجيم، وفتح الراء وبالشين المعجمة- نزيل دمشق، مختلف في صحبته، قال أبو حاتم وغيره: ليس له صحبة، كان فقيه الناس في زمن معاوية (¬2)، قتل يوم مرج راهط (¬3) عام 64 (¬4) (عن عائشة نحوه) أي: نحو ما تقدم. [767] (ثنا) محمد (بن المثنى) قال: (ثنا عمر بن يونس) اليمامي وثقوه (¬5)، قال: (ثنا عكرمة) قال: (حدثني يحيى بن أبي كثير) قال: (حدثني أبو سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن بن عوف، قال: سألت عائشة - رضي الله عنها - بأي شيء كان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - يفتتح صلاته إذا قام من الليل؟ قالت: كان إذا قام من الليل يفتتح صلاته (يقول (اللهم رب جبريل) ابتدأ به (¬6)، لأنه أفضلهم (وميكائيل وإسرافيل) عليهم السلام، قال في ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): الأرض. (¬2) "الجرح والتعديل" 3/ 472. (¬3) في (ص): راهه. وفي (س): دابق. (¬4) "الكاشف" 1/ 307. (¬5) "الكاشف" 2/ 323. (¬6) من (م).

"الإكمال": [تخصصهم بربوبيته] (¬1) (¬2) وهو رب كل شيء وجاء مثل هذا كثير من إضافة كل عظيم الشأن له دون ما يستحقر ويستصغر وششقذر، كالحشرات والكلاب والقردة إلا على سبيل العموم. ({فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ}) (¬3) قدَّم صفة القدرة على صفة العلم، لأن العلم بكونه تعالى قادرًا متقدم على العلم بكونه عالمًا ({أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ}) قيل: لما شق على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شدة شكيمتهم في الكفر والعناد قيل له: ادع الله تعالى بأسمائه العظمى، وقل: أنت وحدك تقدر على الحكم بيني وبينهم ({فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}) ولا حيلة فيهم على ما وقع منهم من الاختلاف والعناد والحكم بينهم إلا أنت يوم القيامة، وفيه إعذار لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتسلية له ووعيد لهؤلاء الكفار، وعن الربيع بن خثيم، وكان قليل الكلام أنه أخبر بقتل الحسين وسخط على قاتليه، قالوا: الآن يتكلم فما زاد على أن قال: أو (¬4) قد فعلوا؟ وقرأ هذِه الآية؛ لأنه كان لا يتكلم إلا بالقرآن (اهدني لما اختلف فيه من الحق) قال في "الإكمال": أي: ثبتني، مثل قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (¬5). وقال القرطبي: أرشدني ودلني على صواب ما اختلف فيه (¬6) (بإذنك) ¬

_ (¬1) في (ص، ل): تخصيصهم بربويتهم. وفي (س): تخصيصه بربوبيته. (¬2) انظر: "فيض القدير" 2/ 185. (¬3) الزمر: 46. (¬4) في (م): و. (¬5) الفاتحة: 6، "إكمال المعلم" 3/ 78. (¬6) "المفهم" 2/ 400.

أي: بتمكينك ([إنك تهدي] (¬1) من تشاء إلى صراط مستقيم) أي: لا اعوجاج فيه، زاد ابن ماجه: قال عبد الرحمن بن عمر -يعني: شيخه- احفظوه جبرئيل مهموزة؛ فإنه كذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). [768] (ثنا محمد بن رافع) قال: (ثنا أبو نوح، قراد) بضم القاف وتخفيف الراء وبعد الألف دال، اسمه: عبد الرحمن بن غزوان البغدادي أخرج له البخاري، قال: (ثنا عكرمة) عن يحيى (بإسناده بلا إخبار، ومعناه قال: إذا قام) إلى صلاة (كبر) للإحرام (ويقول) الدعاء إلى آخره. [769] (ثنا القعنبي، عن مالك) بن أنس (قال: لا بأس بالدعاء في أوله) أي: في أول قيام الليل كما تقدم (و) في (أوسطه) لما في الحديث: "خير الأمور أوسطه" (¬3) حكاه القرطبي (¬4)، والذي هو خير يرتجى فيه إجابة الدعاء. وروى المصنف (¬5) والترمذي (¬6)، وصححه من حديث عمرو بن عبسة (¬7): أي الليل أسمع قال: "جوف الليل" (وفي آخره) لأنه تهجده ¬

_ (¬1) في مطبوعة أبي داود: إنك أنت تهدي. (¬2) "سنن ابن ماجه" (1357). (¬3) انظر: "المقاصد الحسنة" ص 332. (¬4) " المفهم" 9/ 137. (¬5) "سنن أبي داود" (1277). (¬6) "سنن الترمذي" (3579). (¬7) في (ص، س): عنبسة.

فيختمه بالدعاء؛ لأنه وقت انصراف الملائكة عنه، ويدعو (في الفريضة و) في (غيرها) من النوافل. [770] (ثنا القعنبي، عن مالك، عن نعيم بن عبد الله المجمر) بسكون الجيم والخفض صفة لنعيم ولأبيه، سمي بذلك؛ لأنه كان يجمر المسجد أي: يبخره. (عن علي بن يحيى الزرقي) وفيه رواية الأكابر عن الأصاغر؛ لأن نعيمًا أكبر سنًّا من علي بن يحيى، وأقدم سماعًا منه، وفيه ثلاثة من التابعين في نسق، وهم بين مالك والصحابي هذا في الراوية. (عن أبيه) وأما من حيث شرف الصحبة فيحيى بن خلاد والد علي مذكور في الصحابة؛ لأنه قيل: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قبله (¬1) لما ولد. (عن رفاعة بن رافع (¬2) الزرقي قال: كنا يومًا نصلي وراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما رفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) رأسه (من) [الركعة من] (¬3) (الركوع قال: سمع الله لمن حمده) ظاهره أن قوله (سمع الله لمن حمده) وقع بعد رفع الرأس من الركوع فيكون من أذكار الاعتدال. وفي حديث أبي هريرة في البخاري (¬4) وغيره ما يدل على أنه ذكر ¬

_ (¬1) كذا في جميع الأصول الخطية. والصواب: حنكه. كما أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" 8/ 269. وابن سعد في "الطبقات الكبرى" 5/ 72. (¬2) في (ص): نافع. (¬3) سقط من (م). (¬4) "صحيح البخاري" (796) ولفظه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده. فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه".

الانتقال وهو المعروف عند الفقهاء، ويمكن الجمع بينهما بأن يقال: معنى قوله: فلما رفع رأسه أي: فلما شرع في رفع رأسه ابتدأ القول المذكور وأتمه بعد أن اعتدل. (قال رجل وراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) قال ابن بشكوال: هذا الرجل هو رفاعة بن رافع راوي الحديث، واستدل على ذلك بما رواه النسائي وغيره، عن قتيبة، عن رفاعة بن يحيى الزرقي، عن عم أبيه معاذ بن رفاعة، عن أبيه قال: صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - فعطست فقلت: الحمد لله .. الحديث (¬1)، وأفاد بشر بن عمر الزهراني (¬2) في روايته، عن رفاعة بن يحيى أن تلك الصلاة كانت المغرب (¬3). (ربنا ولك الحمد) كذا ثبت بزيادة الواو، وثبت في بعضها بحذف الواو، قال ابن دقيق العيد: إثبات الواو دال على معنى زائد؛ لأنه يكون التقدير: ربنا استجب ولك الحمد فيشتمل على معنى الدعاء، ومعنى الخير (¬4). انتهى، وهذا بناء (¬5) منه على أن الواو عاطفة، ومنهم من جعلها حالية، والجملة الاسمية منصوبة على الحال، ورجح الأكثر ثبوتها (حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه) زاد رفاعة بن يحيى: مباركًا عليه ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (404)، والنسائي في "المجتبى" 2/ 145، وقال الترمذي: حديث حسن. (¬2) في (م): الزهري. (¬3) "غوامض الأسماء المبهمة" 1/ 388. (¬4) "إحكام الأحكام" 1/ 224. (¬5) في (ص، س): ثناء.

كما يحب ربنا ويرضى (¬1)، فأما قوله: مباركًا عليه، فيحتمل أن يكون تأكيدًا، وهو الظاهر، وقيل: الأول بمعنى الزيادة. والثاني بمعنى البقاء، قال الله تعالى: {وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} (¬2) فهذا يناسب الأرض؛ لأن المقصود به النماء والزيادة لا البقاء؛ لأنه بصدد التغير، وقال تعالى: {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ} (¬3) فهذا يناسب الأنبياء؛ لأن البركة باقية لهم. ولما كان الحمد يناسبه المعنيان جمعهما (¬4)، كذا قرره بعض شراح البخاري. وقوله: كما يحب ربنا ويرضى، فيه من حسن التفويض إلى الله تعالى ما هو الغاية في القصد. (فلما انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال من المتكلم آنفًا؟ ) بالمد والقصر لغتان قرئ بهما في السبع (¬5)، زاد رفاعة بن يحيى: في الصلاة. فلم يتكلم أحد، ثم قالها الثانية فلم يتكلم أحد، ثم قالها الثالثة فقال رفاعة بن رافع: (فقال الرجل: أنا يا رسول الله. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) كيف قلت؟ فذكره، فقال: والذي نفسي بيده (لقد رأيت بضعة وثلاثين ¬

_ (¬1) انظر الحديث الآتي (773). (¬2) فصلت: 10. (¬3) الصافات: 113. (¬4) في (م): جميعها. (¬5) انظر: "الحجة للقراء السبعة" 6/ 192.

ملكًا) والبضع بكسر الباء الموحدة (¬1) وحكي الفتح وهو من الثلاثة إلى التسعة، ويستعمل فيما دون العشرة في المذكر والمؤنث بلا هاء، وهو (¬2) من ثلاثة عشر إلى تسعة عشر بالهاء في البضع مع المذكر وبحذفها مع المؤنث، قيل: ولا يستعمل فيما زاد على العشرين، وأجازه بعضهم، وهذا الحديث شاهد له، وهكذا قاله أبو زيد، وعلى هذا فمعنى البضع والبضعة قطعة مبهمة غير محدودة. (يبتدرونها أيهم يكتبها أول) وفي رواية رفاعة بن يحيى: "أيهم يصعد بها أول". وللطبراني من حديث أبي أيوب: "أيهم يرفعها" (¬3). قال السهيلي: روي أولُ. بالضم على البناء؛ لأنه ظرف قطع عن الإضافة، وبالنصب على الحال. انتهى. وأما (أيهم) قال ابن حجر: رويناها بالرفع وهو مبتدأ وخبره: (يكبتها) قال القرطبي (¬4) وغيره تبعًا لأبي البقاء، في إعراب قوله تعالى: {يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} (¬5) إن (¬6) {أَيُّهُمْ يَكْفُلُ}: جملة في موضع نصب، قال: والعامل فيه ما دل عليه {يُلْقُونَ} أي: يقترعون (¬7). وأي: استفهامية والتقدير مقول فيهم {أَيُّهُمْ} يكتبها، ¬

_ (¬1) و (¬2) سقط من (س، ل، م). (¬3) "المعجم الكبير" (4088). (¬4) في (م): الطيبي، وانظر: "الجامع لأحكام القرآن" 4/ 86. (¬5) آل عمران: 44. (¬6) في (م): أي. (¬7) "التبيان في إعراب القرآن" للعكبري 1/ 259.

ويجوز في أيهم النصب بأن يقدر المحذوف ينظرون (¬1) أيهم، وعند سيبويه: أي: [موصولة] (¬2) والتقدير يبتدرون الذي هو يكتبها أول، وأنكر ذلك الكوفيون وجماعة من البصريين (¬3). وقال الزجاج: ما تبين لي أن سيبويه غلط إلا في موضعين هذا أحدها، فإنه يسلم (¬4) أن أيا الموصولة تعرب (¬5) إذا أفردت، فكيف يقول ببناءها (¬6) إذا أضيفت (¬7)، ولا تعارض بين روايتي يكتبها، ويصعد بها؛ لأنه يحمل على أيهم (¬8) يكتبونها ويصعدون بها، واستدل به على أن لله ملائكة غير الحفظة يكتبون، ويؤيده ما في "الصحيح" (¬9)، عن أبي هريرة مرفوعًا: "إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر (¬10) ". وقد استشكل تأخير رفاعة إجابة النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى كرر سؤاله ثلاثًا مع أن إجابته واجبة عليه وعلى كل من سأله، وأجيب بأنه لما لم يعين واحدًا ¬

_ (¬1) في (ص): للظروف. (¬2) انظر: "فتح الباري" 2/ 286. (¬3) من "فتح الباري" 2/ 286. (¬4) في جميع النسخ الخطية: لا يسلم. والمثبت من "مغني اللبيب". (¬5) في (م): تعرف. (¬6) في (م): شأنها. (¬7) "مغني اللبيب" 1/ 108. (¬8) في (ل، م): أنهم. (¬9) "صحيح البخاري" (6408). (¬10) في جميع النسخ الخطية: الحديث. والمثبت من "الصحيح".

بعينه لم تتعين المبادرة بالجواب من المتكلم ولا من واحد (¬1) بعينه، وحمله على ذلك خشية أن يبدو في حقه شيء ظنًّا منهم (¬2) أنه أخطأ فيما فعل ورجوا أن يقع العفو عنه قبل أن يعلم، وفهم النبي - صلى الله عليه وسلم - من سكوتهم ذلك فعرفهم أنه لم يقل بأسًا، ويدل على ذلك رواية سعيد بن عبد الجبار، عن رفاعة بن يحيى، عند ابن قانع (¬3) قال رفاعة: فوددت أني أخرجت من مالي وأني لم أشهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك الصلاة (¬4). وللطبراني من رواية أبي أيوب: "من هو؟ فإنه لم يقل إلا صوابًا" فقال: أنا قلتها يا رسول الله أرجو بها الخير (¬5). والحكمة في سؤاله - صلى الله عليه وسلم - عما قال؛ ليتعلم السامعون كلامه، فيقولوا مثله، واستدل به على جواز إحداث ذكر ودعاء في الصلاة غير مأثور إذا كان غير مخالف للمأثور، وعلى جواز رفع الصوت بالذكر ما لم يشوش على الحاضرين وعلى أن العاطس في الصلاة يحمد الله بغير كراهة، وأن المتلبس بالصلاة لا يتعين عليه تشميت العاطس، وعلى تطويل الاعتدال كما سيأتي واستنبط منه ابن بطال جواز رفع الصوت بالتبليغ خلف الإمام في الجملة (¬6). قيل: الحكمة في اختصاص العدد المذكور من الملائكة بهذا الذكر ¬

_ (¬1) في (م): أحد. (¬2) في (م): منه. (¬3) في (ص، س، ل): عن ابن نافع. والمثبت من (م) و"فتح الباري". (¬4) أخرجه الطبراني في "الكبير" 5/ 41 (4532)، والبيهقي في "الكبرى" 2/ 95. (¬5) "المعجم الكبير" للطبراني (4088). (¬6) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 2/ 419 بمعناه.

أن عدد حروفه مطابق لهذا العدد المذكور فإن البضع من الثلاث إلى التسع، وعدد الذكر المذكور ثلاثة وثلاثون حرفًا ويعكر على هذا الزيادةُ المتقدمة في [رواية] (¬1) رفاعة، والقصة واحدة، ويمكن أن يقال: المتبادر (¬2) إليه هو (¬3) الثناء الزائد على المعتاد، وهو من قوله: حمدًا كثيرًا إلى آخره دون قوله: مباركا عليه. فإنها كما تقدم للتأكيد وعدد ذلك سبعة وثلاثون حرفًا. وأما الرواية المتقدمة رواية مسلم (¬4)، عن أنس: "لقد رأيت اثنى عشر ملكًا يبتدرونها". وفي حديث أبي أيوب عند الطبراني: "ثلاثة عشر" فهو مطابق لعدد الكلمات المذكورة في سياق رفاعة بن يحيى ولعددها في سياق حديث الباب. [771] (ثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك، عن أبي الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس (¬5) مولى حكيم بن حزام (عن طاوس) بن كيسان، طاوس القراء. (عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قام للصلاة من جوف الليل) شبه (¬6) حديث عائشة، عن مسروق قلت لعائشة: أي: الليل كان ¬

_ (¬1) ليست بالأصول الخطية: والمثبت من "فتح الباري" 2/ 286 لحاجة السياق إليها. (¬2) في (م): المشار. (¬3) في (ص، س، ل): من هذا. (¬4) "صحيح مسلم" (600) (149). (¬5) في (ص): بدر نبت. (¬6) في (م): يثبته.

يقوم؟ قالت: إذا سمع الصارخ (¬1). ورواية ابن ماجه (¬2): كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا تهجد من الليل (يقول: اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض) وقوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (¬3) قيل: معناه: منور السماوات والأرض، أي: خالق نورهما. قال أبو عبيد: معناه بنورك يهتدي أهل السماوات والأرض (¬4). وقال أبو العالية: مزين السماوات بالشمس والقمر والنجوم، ومزين الأرض بالأنبياء (¬5). وقال أبو القاسم القشيري: مزين الآفاق بالنجوم والأنوار، ومنور القلوب بالدلائل والبرهان، وقال الحليمي: هو الهادي لا يعلم العباد إلا ما علمهم ولا يدركون إلا ما يسر (¬6) لهم إدراكه بالحواس والعقل فطرته (¬7)، وفيه خلاف للمجسمة بل هو تعالى نور من حيث هو خالق النور وجاعله أو مدبر خلقه بذلك فيكون صفة فعل أو من حيث هو مبين، وهاد بإرادته وقدرته فيكون صفة ذات أو (¬8) على لسان أنبيائه وجعل ذلك في قلوب أوليائه فيكون صفة فعل. (ولك الحمد أنت قيَّام السموات والأرض) قال في "الإكمال" في ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1132)، ومسلم (741) (131). (¬2) "سنن ابن ماجه" (1355). (¬3) النور: 35. (¬4) انظر: "شرح النووي على مسلم" 6/ 54. (¬5) انظر: "تحفة الأحوذي" 9/ 257. (¬6) في (ص، س): بين. (¬7) في (ص، س): فطر به. (¬8) في (ص، س): و.

أسمائه: قيام وقيوم، وقرئ بهما، وقيَّام: فيعال، وقيوم: فيعول من القيام بالأمور على المبالغة، وقائم أيضًا، وجاء في الحديث: "قيم" (¬1) قال ابن عباس: القيوم الذي لا يزول. وقال غيره: القائم على كل شيء ومعناه: مدبر أمر الخلق (¬2) قال الله تعالى: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} (¬3) (ولك الحمد أنت رب السموات والأرض ومن فيهن) أي: مصلحها ومصلح من فيها، من الربة، وهو نبت تصلح بها المواشي (أنت الحق) الحق من أسماء الله تعالى، قيل: معناه: المحقق وجوده، وكل شيء ثبت كونه ووجوده فهو حق، ومنه الحاقة أي: الكائنة حقًا بغير شك، ومنه قوله بعد هذا: "ولقاءك حق والجنة حق" (وقولك) أي: كلامك (حق) وقيل: خيرك حق (ووعدك الحق) أي: الصدق، ويحتمل أن الوعد راجع إلى ما جاء (¬4) بعده (ولقاؤك حق) فهو من وعد الله تعالى [قال الله تعالى] (¬5): {أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} (¬6)، وفي "الإكمال": لقاؤك حق، يعني: الموت، ويحتمل أنه البعث (¬7). قال النووي: والقول بأن (لقاؤك حق) (¬8) هو الموت. باطل في هذا ¬

_ (¬1) روى البخاري (1120) من حديث ابن عباس قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الليل يتهجد قال: "اللهم أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن ... ". (¬2) في (ص): الخلائق. (¬3) الرعد: 33. (¬4) من (م). (¬5) سقط من (م). (¬6) يونس: 55. (¬7) "إكمال المعلم" 3/ 131. (¬8) ليست في (س، ل، م).

الموضع، ونبهت عليه لئلا يغتر به، قال: والصواب: البعث؛ فهو الذي يقتضيه سياق الكلام (¬1) (والجنة حق، والنار حق، والساعة حق) أي: إتيانها حق لا ريب فيه، كما قال تعالى: {وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا} (¬2). (اللهم لك أسلمت) أي: استسلمت وانقدت لأمرك ونهيك (وبك آمنت) أي: صدقت وجاء هنا التفريق بين الإيمان والإسلام، وهو قول الجمهور كما قال تعالى: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} (¬3). (وعليك توكلت) أي: اعتمدت في جميع أموري. (وإليك أنبت) أي: أطعت ورجعت إلى عبادتك، والإقبال على ما يقرب إليك، والإنابة الرجوع، وقيل: رجعت إليك في أموري. (وبك خاصمت) أي: بما آتيتني من الحجج والبراهين، خاصمت من عاندك وكفر بك وخاصم فيك بسيف أو لسان (وإليك حاكمت) أي: كل من أبى قبول الحق إليك أحاكمهم بالحجج والسيف دون غيرك ممن كانت تتحاكم إليه الجاهلية من الكهان والأصنام والنيران والشياطين، لا أرضى إلا حكمك ولا أتوكل إلا عليك كما قال تعالى: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} (¬4)، {أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} (¬5) كما تقدم (فاغفر لي ما قدمت و) ¬

_ (¬1) "شرح النووي على مسلم" 6/ 55. (¬2) الحج: 7. (¬3) الحجرات: 14. (¬4) الأعراف: 89. (¬5) الزمر: 46.

ما (أخرت، وأسررت وأعلنت، أنت إلهي لا إله إلا أنت). [772] (ثنا أبو كامل) الجحدري، قال: (ثنا خالد بن الحارث) قال: (ثنا عمران بن مسلم) القصير، أبو بكر (أن قيس بن سعد) المكي الحبشي مفتي مكة. (حدثه قال: حدثه (¬1) طاوس، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في التهجد يقول) كما تقدم عن رواية ابن ماجه، وفيه دليل على أن هذا الدعاء لا يقوله الإمام إلا أن يكون خلفه جماعة محصورون يؤثرون التطويل، أما المنفرد في التهجد، وغيره من الصلوات فيطول ما شاء (بعدما يقول الله أكبر، ثم ذكر معناه) أي: معنى اللفظ المذكور، وفيه دليل على رواية الحديث بالمعنى. [773] (ثنا قتيبة بن سعيد، وسعيد بن عبد الجبار) بن يزيد القرشي شيخ مسلم نزيل مكة روى عن رفاعة بن يحيى الزرقي في جماعة (نحوه قال قتيبة) دون سعيد (ثنا رفاعة بن يحيى بن عبد الله بن رفاعة ابن رافع) ابن مالك الزرقي [وثق (¬2). (عن عم أبيه معاذ بن رفاعة بن رافع عن أبيه) رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان الزرقي، (¬3) مات أول خلافة معاوية (قال: صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعطس) كضرب، وفي (¬4) لغة كقتل، وعطس الصبح: ¬

_ (¬1) في (م): و. (¬2) "الكاشف" 1/ 311. (¬3) من (س، ل، م). (¬4) في (م): فيه.

أنار، على الاستعارة (رفاعة) يعني: نفسه (ولم يقل قتيبة) بن سعيد (رفاعة، فقلت: الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه مباركًا عليه) تقدم الكلام عليه في الحديث قبله (كما يحب ربنا ويرضى) فمعنى يحبه ويرضاه أي: يثيب عليه جزيل إنعامه وفضله، وتكون المحبة والرضا من صفات الفعل لا من صفات الذات، ومعنى المحبة لعبده إحسان مخصوص بعبده (فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف) من صلاته (فقال: من المتكلم في الصلاة) تقدم أنه كرر ذلك ثلاثًا، وأنه لم يجبه إلا بعد الثلاثة، وتقدم الكلام فيه (ثم ذكر نحو حديث مالك) بن أنس (وأتم منه) أي: بزيادة عليه. [774] (ثنا العباس بن عبد العظيم) بن إسماعيل بن توبة العنبري، كانوا يقولون: ما بالبصرة أعقل منه. أخرج له البخاري تعليقًا، ومسلم، قال: (ثنا يزيد بن هارون) قال: (ثنا شريك، عن عاصم بن عبيد الله) بالتصغير ابن عاصم بن عمر العمري. (عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه) عامر بن ربيعة العنزي، أسلم قبل عمر وهاجر الهجرتين، وذكره ابن سعد في الطبقة الأولى ممن شهد بدرًا كان حليفًا للخطاب قد تبناه ودعي إليه، وكان يقال له: عامر بن الخطاب حتى نزل القرآن {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} (¬1) فرجع عامر إلى نسبه، وهو صحيح النسب في وائل (¬2). (قال: عطس شاب من الأنصار خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في الصلاة ¬

_ (¬1) الأحزاب: 5. (¬2) "الطبقات الكبرى" لابن سعد 3/ 386.

فقال: الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه حتى يرضى ربنا، وبعد ما يرضى) ربنا به (من أمر الدنيا والآخرة) يحتمل أن المراد أنه حمده على أمور الدنيا والآخرة {لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ} (¬1) أي يحمده أولياؤه في الدنيا وفي الجنة. ومذهب أهل السنة أن الثواب على الحمد وغيره فضل وإحسان من الله تعالى، ويرد على المعتزلة فيما يقولون: أن الثواب واجب على الله تعالى؛ لأن الحمد في الجنة، والجنة لا ثواب فيها. (فلما انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من القائل الكلمة؟ ) أي (¬2): التي في الصلاة (قال: فسكت الشاب) تقدم الجواب عن سكوته مع أن إجابة النبي - صلى الله عليه وسلم - واجبة على كل من دعاه؛ لقوله تعالى: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} (¬3) وتقدم أن العاطس يحمد الله في الصلاة من غير كراهة مع فوائد أخر في الباب قبله. (ثم قال: من القائل الكلمة فإنه لم يقل بأسًا؟ ) وتقدمت رواية الطبراني: "إنه لم يقل إلا صوابًا" (¬4). (فقال: يا رسول ألله أنا قلتها ولم أرد بها إلا) تقدمت رواية الطبراني: فقال: إنما (¬5) قلتها يا رسول الله أرجو بها الخير (¬6). ¬

_ (¬1) القصص: 70. (¬2) من (م). (¬3) الأنفال: 24. (¬4) "المعجم الكبير" (4088). (¬5) في (س، م): أنا. (¬6) "المعجم الكبير" (4088).

(خيرًا) أي: ثوابًا من الله تعالى (قال: ما تناهت) الكلمة (دون عرش الرحمن) وتقدم أنه لا يعارض هذِه الرواية المتقدمة: "يبتدرونها أيهم يكتبها أول يصعد بها"، لأن المراد به محمول على أنهم يبتدرونها للكتابة، فإذا كتبوها صعدوا بها إلى أن ينتهوا (¬1) بها دون عرش الرحمن، ولعل المراد أنهم (¬2) ينتهون بها [إلى] (¬3) سدرة المنتهى التي ينتهى ويبلغ بالوصول إليها؛ فإنها لا يتجاوزها أحد من الملائكة، ولا علم الخلائق من البشر والملائكة، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) في النسخ: ينتهون. (¬2) في (ص، س): أيهم. (¬3) ليست بالأصول الخطية والسياق يقتضيها.

124 - باب من رأى الاستفتاح بسبحانك اللهم وبحمدك

124 - باب مَنْ رَأى الاسْتِفْتاحَ بِسُبْحانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ 775 - حَدَّثَنا عَبْدُ السَّلامِ بْنُ مُطَهَّرٍ، حَدَّثَنا جَعْفَرٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَلِيٍّ الرِّفاعِيِّ، عَنْ أَبي المتَوَكِّلِ النّاجِيِّ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قال: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا قامَ مِنَ اللَّيْلِ كَبَّرَ ثُمَّ يَقُول: " سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبارَكَ اسْمُكَ وَتَعالى جَدُّكَ وَلا إله غَيْرُكَ". ثُمَّ يَقُولُ: "لا إله إِلَّا اللهُ". ثَلاثًا، ثُمَّ يَقُولُ: "اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا ثَلاثًا: "أَعُوذُ باللهِ السَّمِيع العَلِيم مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيم مِنْ هَمْزهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ". ثمَّ يَقْرَأُ (¬1). قال أَبُو داوُدَ: وهذا الحَدِيثُ يَقُولُونَ هوَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ الحَسَنِ مُرْسَلًا، الوَهَمُ مِنْ جَعْفَرٍ. 776 - حَدَّثَنا حُسَيْنُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنا طَلْقُ بْنُ غَنّامٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ السَّلامِ بْنُ حَرْبٍ الملائِيُّ، عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَبي الجَوْزاءِ، عَنْ عائِشَةَ قالتْ: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا اسْتَفْتَحَ الصَّلاةَ قال: " سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبارَكَ اسْمُكَ وَتَعالى جَدُّكَ وَلا إله غَيْرُكَ" (¬2). قال أَبُو داوُدَ: وهذا الحَدِيث لَيْسَ بِالمشْهُورِ عَنْ عَبْدِ السَّلامِ بْنِ حَرْبٍ، لَمْ يَرْوِهِ إِلَّا طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ، وَقَدْ رَوَى قِصَّةَ الصَّلاةِ عَنْ بُدَيْلٍ جَماعَةٌ لَم يَذْكُرُوا فِيهِ شَيْئًا مِنْ هذا. * * * ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (242)، وابن ماجه (804)، والنسائي في "الكبرى" 1/ 313 (973) وأحمد 3/ 50. وصححه الألباني (748). (¬2) رواه الترمذي (243)، وابن ماجه (806). قال الألباني (749): حديث صحيح.

باب من رأى الاستفتاح بسبحانك (¬1) [775] (ثنا عبد السلام بن مطهر) بتشديد الهاء المفتوحة، ابن حسام الأزدي، شيخ البخاري، قال: (ثنا جعفر) بن سليمان الضبعي نزل في بني ضبعة فنسب إليهم (¬2)، البصري، أخرج له البخاري في "الأدب" وبقية الجماعة، جمع الرقائق، وجالس زهاد البصرة فحفظ عنهم. (عن علي بن علي) بن نجاد (الرفاعي) البصري العابد، وثقوه، وكان يشبه بالنبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3). (عن أبي المتوكل) علي بن داود (الناجي) التابعي مات سنة 152 (¬4). (عن أبي سعيد الخدري) قال (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الليل) للتهجد (كبر) للإحرام (¬5) (ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك) أي: سبحت (¬6). وروى الطبراني في "الكبير" (¬7) بزيا دة: "وجهت وجهي" [فقال: عن أبي رافع: [وقع] (¬8) إلي كتاب فيه استفتاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استفتح ¬

_ (¬1) في مطبوعة أبي داود: بسبحانك اللهم وبحمدك. (¬2) في (ص، س، ل): إليه. (¬3) "الكاشف" 2/ 291. (¬4) كذا في النسخ الخطية. وقد ذكر ابن حبان أن وفاته كانت سنة ثمان ومائة، وقيل: اثنتين ومائة. انظر: "الثقات" (4372)، و"تهذيب الكمال" 20/ 425. (¬5) زاد في (ص، س): ثلاثًا. (¬6) في (م): استجب ثلاثًا. وفي (س): يستجيب. (¬7) "المعجم الكبير" (928). (¬8) من "المعجم الكبير".

الصلاة. وعن ابن عمر كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إذا استفتح الصلاة قال: "وجهت وجهي] (¬1) للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا، وما أنا من المشركين سبحانك اللهم وبحمدك" (¬2) (تبارك اسمك وتعالى جدك) ". قال ابن الأثير: أي: علا جلالك وعظمتك (¬3). (ولا إله غيرك، ثم يقول: لا إله إلا الله ثلاثا، ثم يقول: الله أكبر كبيرًا (¬4) ثلاثًا، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم) أخذ به بعض أصحابنا، وقال: الأحب (¬5) في الاستعاذة أن يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. والصحيح أن الأحب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. (من همزه ونفخه ونفثه) تقدم تفسيره وما يتعلق به (ثم يقرأ) الفاتحة وفيه دليل على تقديم الاستعاذة على القراءة، وهو مذهب الجمهور، وروي عن أبي هريرة أن الاستعاذة بعد القراءة، وحكاه القرطبي عن داود (¬6)، قال القاضي أبو بكر بن العربي انتهى العي بقوم إلى أن قالوا: إذا فرغ القارئ من القراءة يستعيذ من الشيطان الرجيم (¬7)؛ لظاهر قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ¬

_ (¬1) سقطت من (م). (¬2) أخرجه الطبراني في "الكبير" (13324) من حديث ابن عمر. (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (جدد). (¬4) من (م). (¬5) في (ص، س): الآخر. (¬6) "الجامع لأحكام القرآن" 1/ 88. (¬7) "الجامع لأحكام القرآن" 1/ 157.

(98)} (¬1). (قال أبو داود: هذا الحديث يقولون: هو عن علي بن علي) [فهو مرسل] (¬2) (عن الحسن) البصري (الوهم من جعفر) بن سليمان، وقد احتج به مسلم في "صحيحه"، وأما علي بن علي فوثقه (¬3) وكيع ويحيى بن معين (¬4)، وقد تُكلم في إسناد هذا الحديث، فقال أحمد: لا يصح. وقال ابن المديني عن يحيى بن سعيد: كان علي بن علي يرمى (¬5) بالقدر. وكذا قال غيره: أبو حاتم، والعقيلي (¬6)، وغيرهما (¬7). [776] (ثنا الحسين بن عيسى) بن حمران (¬8) الطائي، أخرج له الشيخان قال (¬9): (ثنا طلق بن غنام) بن طلق بن معاوية [أخرج له] (¬10) البخاري والأربعة قال: (ثنا عبد السلام بن حرب الملائي) بضم الميم والمد مع التخفيف (عن (¬11) بديل) بالتصغير (ابن ميسرة) تابعي، احتج به مسلم (عن أبي الجوزاء) أوس بن عبد الله الربعي، بفتح الموحدة ¬

_ (¬1) النحل: 98. (¬2) من (م). (¬3) في (ص): فوقفه. (¬4) زا د في (م): وزرعة. (¬5) في (م) و"تهذيب الكمال": يرى. (¬6) "الضعفاء الكبير" 3/ 240. (¬7) انظر: "تهذيب الكمال" 21/ 74. (¬8) في (ص، س، ل): عمران. (¬9) سقط من (م). (¬10) في (ص، س، ل): شيخ. (¬11) في (ص، س، ل): بن.

البصري. (عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استفتح الصلاة قال: سبحانك) أقيم مقام المصدر (¬1) وهو التسبيح، وتقديره: أسبحك تسبيحًا أي: أنزهك وأبعدك عما لا يليق بحضرتك من أوصاف المخلوقات (اللهم وبحمدك) أي: وبحمدك أسبحك وأحمدك قال في "شرح المصابيح": ويحتمل أن يكون تقديره وفقني لحمدك أي بأن أحمدك (وتبارك اسمك) أي: كثرت بركة اسمك في السموات والأرض؛ إذ أوجدت كل خير من ذكر اسمك و [ .... جعلت] (¬2) البركة في كل موضع ذكر فيه أو كتب اسمك عليه انتهى، أو طعام أو شراب سمي عليه، ومنه قوله عليه السلام: "بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء [وهو السميع العليم] " (¬3) (وتعالى جدك) الجد: العظمة، وتعالى تفاعل من العلو، أي: علت ورفصت عظمتك على عظمة كل أحد غيرك غاية العلو والرفعة (ولا إله غيرك) أي: لا معبود ولا موجود إلا أنت. (قال أبو داود: هذا الحديث ليس بالمشهور عن عبد السلام بن حرب، لم يروه إلا طلق بن غنام) بن طلق (وقد روى) بفتح الراء والواو مبني للفاعل الذي بعده (قصة الصلاة) المذكورة (عن بديل) بن ميسرة ¬

_ (¬1) في (ص): المصور. (¬2) في (ص، س): يوريه جعل. (¬3) سقط من (س، م). وهو حديث سيأتي برقم (5088)، ورواه الترمذي (3388)، وابن ماجه (3869)، وأحمد 1/ 26، 66، 72 من حديث عثمان بن عفان. وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (655).

(جماعة لم يذكروا فيه شيئًا من هذا) يعني: دعاء الاستفتاح، وهذا الذي أعله أبو داود هو من هذه الطريق، وأما من طرق غيرها فقد رواه الحاكم (¬1) بإسناد رجاله ثقات لكن فيه انقطاع، كذا قال ابن حجر: قال: وله طرق رواها الترمذي (¬2)، وابن ماجه (¬3) من طريق ابن أبي الرجال، عن عمرة، عن عائشة، وابن أبي الرجال اسمه حارثة بالمهملة والمثلثة ابن محمد بن عبد الرحمن الأنصاري قال ابن حجر: قد صح ذلك عن عمر وهو في "صحيح ابن خزيمة" (¬4)، وفي "صحيح مسلم" (¬5)، [عن عبدة، عن عمر] (¬6) أيضًا ذكره في موضع غير مظنته استطرادًا، وفي إسناده انقطاع، والله أعلم (¬7). * * * ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم في "المستدرك" 1/ 235، والبيهقي في "السنن" 2/ 33 من طريق عباس بن محمد الدوري عن طلق به. وقال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (749): حديث صحيح. (¬2) "سنن الترمذي" (243). (¬3) "سنن ابن ماجه" (806). (¬4) "صحيح ابن خزيمة" (471). (¬5) "صحيح مسلم" (399) (25) عن الأوزاعي، عن عبدة أن عمر بن الخطاب كان يجهر بهؤلاء الكلمات. فذكره. (¬6) سقط من (م). (¬7) "التلخيص الحبير" 1/ 560.

125 - باب السكتة عند الافتتاح

125 - باب السَّكْتةِ عِنْد الافْتِتاحِ 77 - حَدَّثَنا يَعْقُوبُ بْن إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الحَسَنِ قال: قال سَمُرَةُ: حَفِظْتُ سَكْتَتَيْنِ فِي الصَّلاةِ سَكْتَةً إِذا كَبَّرَ الإِمامُ حَتَّى يَقْرَأَ وَسَكْتَةً إِذا فَرَغَ مِنْ فاتِحَةِ الكِتابِ وَسُورَةٍ عِنْدَ الرّكُوعِ، قال: فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ عِمْرانُ بْنُ حُصَيْنٍ قال: فَكَتَبُوا فِي ذَلِكَ إِلَى المَدِينَةِ إِلَى أُبَيٍّ فَصَدَّقَ سَمُرَةَ (¬1). قال أَبُو داوُدَ: كَذا قال حُمَيْدٌ فِي هذا الحَدِيثِ: وَسَكْتَةً إِذا فَرَغَ مِنَ القِراءَةِ. 778 - حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بن خَلَّادٍ، حَدَّثَنا خالِدُ بنُ الحارِثِ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كانَ يَسْكُتُ سَكْتَتَيْنِ إِذا اسْتَفْتَحَ وَإذا فَرَغَ مِنَ القِراءَةِ كُلِّها. فَذَكَرَ مَعْنَى حَدِيثِ يُونُسَ (¬2). 771 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَزِيدُ، حَدَّثَنا سَعِيد، حَدَّثَنا قَتادَةُ، عَنِ الحَسَنِ، أَنَّ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ وَعِمْرانَ بْنَ حُصَيْنِ تَذاكَرا فَحَدَّثَ سَمُرَةُ بْن جنْدُبِ أَنَّهُ حَفِظَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَكْتَتَيْنِ سَكْتَةً إِذا كَبَّرَ وَسَكْتَةً إِذا فَرَغَ مِنْ قِراءَةِ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فَحَفِظَ ذَلِكَ سَمُرَةُ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ عِمْرانُ بْنُ حُصَيْنٍ فَكَتَبا في ذَلِكَ إِلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَكانَ فِي كِتابِهِ إِلَيْهِما أَوْ فِي رَدِّهِ عَلَيْهِما أَنَّ سَمُرَةَ قَدْ حَفِظَ (¬3). 780 - حَدَّثَنا ابن المُثَنَّى، حَدَّثَنا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنا سَعِيدٌ بهذا، قال: عَنْ قَتادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ قال: سَكْتَتانِ حَفِظْتُهُما عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قال فِيهِ: قال سَعِيدٌ: قُلْنا لِقَتادَةَ: ما هاتانِ السَّكْتَتانِ؟ قال: إِذا دَخَلَ فِي صَلاتِهِ وَإِذا فَرَغَ مِنَ ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه 1/ 275 (845)، وأحمد 5/ 21. وضعفه الألباني (135). (¬2) انظر الحديث السابق، رواه أحمد 5/ 20. وضعفه الألباني (136). (¬3) رواه أحمد 5/ 7. وضعفه الألباني (137).

القِراءَةِ. ثُمَّ قال بَعْدُ: وَإذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} (¬1). 781 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن أَبِي شعَيْبٍ، حَدَّثَنا محَمَّد بْنُ فضَيْلٍ، عَنْ عُمارَةَ ح، وحَدَّثَنا أَبُو كامِلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الواحِدِ، عَنْ عُمارَةَ -الْمَعْنَى- عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: كانَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا كَبَّرَ فِي الصَّلاةِ سَكَتَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ والقِراءَةِ فَقُلْتُ لَهُ: بِأَبي أَنْتَ وَأُمِّي أَرَأَيْتَ سُكُوتَكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ والقِراءَةِ أَخْبِرْنِي ما تَقُولُ. قال: "اللَّهُمَّ باعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطايايَ كَما باعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ اللَّهُمَّ أَنْقِنِي مِنْ خَطايايَ كالثَّوْبِ الأَبْيَضِ مِنَ الدَّنَسِ اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي بِالثَّلْجِ والماءِ والبَرَدِ" (¬2). * * * باب في السكتة عند الاستفتاح [777] (ثنا يعقوب بن إبراهيم) قال: (ثنا إسماعيل) ابن علية [(عن يونس) بن عبيد أحد أئمة البصرة. (عن الحسن) بن أبي الحسن البصري] (¬3) (قال: قال سمرة) بن جندب (حفظت) بكسر الفاء أي (¬4): من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (سكتتين في الصلاة) سيأتي أن السكتات أربعة (سكتة) بالنصب على البدل، ويجوز الرفع، أي: إحداهما سكتة كما قال تعالى: {فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (251)، وابن ماجه (844). وضعفه الألباني (138). (¬2) رواه البخاري (744)، ومسلم (598). (¬3) في (م): ابن أبي الحسن البصري، عن يونس، عن الحسن بن عبيد، أحد أئمة البصرة. (¬4) من (م).

تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (¬1). (إذا كبر الإمام) تكبيرة الإحرام (حتى (¬2) يقرأ) استدل به على أن الإمام يسكت بعد التكبير بمقدار ما يقرأ من خلفه فاتحة الكتاب، وذلك وقت قرائته لدعاء الاستفتاح، فإنه إن لم يسكت تفوتهم استماع قراءة الفاتحة فيكون عليه ما نقص من صلاتهم، وهذِه السكتة أطول السكتات، ولا يمتنع تسمية هذا سكوتًا مع إتيانه بدعاء الاستفتاح؛ لأنه سكوت بالنسبة إلى الجهر قبله وبعده، فهو سكوت عن الجهر لا عن الإسرار. (وسكتة إذا فرغ من فاتحة الكتاب) ليتمم من لم يقرأ الفاتحة في السكتة الأولى فاتحته، قال الغزالي: وهو (¬3) نصف السكتة الأولى (¬4). قال النووي عن الأصحاب: يسكت قدر قراءة المأمومين الفاتحة. قال السرخسي في "الأمالي": [ويستحب أن يدعو] (¬5) كما سيأتي في الحديث الثاني: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي" إلى آخره، قال النووي: ويختار الذكر والدعاء والقراءة سرًّا؛ لأن الصلاة ليس فيها سكوت حقيقي في حق الإمام، وبالقياس على قرائته في انتظاره في صلاة الخوف (¬6). ¬

_ (¬1) آل عمران: 13. (¬2) في (ص، س): حين. (¬3) في (ص، س، ل): من. (¬4) "إحياء علوم الدين" 1/ 176. (¬5) ليست بالأصول الخطية، واستدركتها من "المجموع" لضرورة السياق. (¬6) "المجموع" 3/ 364.

(و) أراد (¬1) أن يقرأ (سورة (¬2) عند الركوع) ويحتمل أن تكون هذِه السكتة بعد قراءة السورة؛ فإن القراءة بعد الفاتحة ستأتي، وعلى هذا فإن هذِه حرف مصدري، ويقال: موصول حرفي، وعليها (¬3) فتقدر هي وما بعدها بمصدر مجرور بالعطف على فاتحة الكتاب (¬4) والتقدير: وسكتة إذا فرغ من فاتحة الكتاب، وقراءة سورة عند الركوع، أي: قبل الركوع، وهن (¬5) أخف من السكتتين اللتين قبلهما، وذلك بمقدار ما تنفصل القراءة عن التكبير، فقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوصل فيه. (قال: فأنكر ذلك عليه عمران بن حصين) قال شيخنا العراقي: رواية الإمام أحمد (¬6): كانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - سكتتان في صلاته، وقال عمران: أنا أحفظهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكتبوا بذلك إلى أبي. ثم (¬7) قال: هكذا (¬8) وجدته في غير ما نسخة صحيحة من "المسند" (¬9). (قال: فكتبوا في ذلك (¬10) إلى المدينة) شرفها الله تعالى (إلى أبي) بن ¬

_ (¬1) زاد في (ص، س): الأكثر سورة. (¬2) في (ص): السورة. (¬3) في (س، ل، م): عليهما. (¬4) من (م). (¬5) في (م) وقف. وفي (س): هي. (¬6) "مسند أحمد" 5/ 6. (¬7) في (م): بم. (¬8) تكررت في (م). (¬9) "المغني عن حمل الأسفار" 1/ 126. (¬10) في (ص، س، ل): بذلك.

كعب (فصدق سمرة) بن جندب. (قال أبو داود: كذا قال حميد) عن (¬1) الحسن في روايته (في [هذا] (¬2) الحديث: وسكتة) بالنصب (إذا فرغ من القراءة) وأراد أن يركع. [778] (ثنا أبو بكر بن خلاد) اسمه محمد، قال: (ثنا خالد بن الحارث) أبو عثمان الهجيمي (¬3). (عن أشعث) (¬4) [بن عبد الملك الحمراني] (¬5) (عن الحسن) [بن أبي الحسن] (¬6) البصري (عن سمرة بن جندب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ أنه كان يسكت سكتتين إذا استفتح) الصلاة، وإذا فرغ من القراءة كلها) رواية ابن ماجه (¬7) من طريق قتادة، عن الحسن: كان يعجبهم إذا فرغ من القراءة يسكت حتى يتراد إليه نفسه (فذكر معنى حديث يونس) بن أبي إسحاق السبيعي (¬8). ¬

_ (¬1) في النسخ: بن. (¬2) من المطبوع. (¬3) في (م): الفحيمي. (¬4) في (ص): أشعب. (¬5) في الأصول الخطية: ابن إسحاق بن سعد بن مالك. وهو وهم من المصنف. وإنما هو: أشعث بن عبد الملك الحمراني، كما صرح بذلك العيني في شرحه لـ "سنن أبي داود" 3/ 394، وانظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 3/ 277. أما أشعث بن إسحاق بن سعد بن مالك، فاثنان: الأول: روى له أبو داود حديثًا واحدًا عن عمه عامر بن سعد بن أبي وقاص عن سعد قال: "خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة نريد المدينة .. " الحديث. وأما الثاني فقد ذكره المزي تمييزًا إذ ليس له رواية في الكتب الستة. انظر: "تهذيب الكمال" 3/ 258 - 259. (¬6) من (ل، م). (¬7) "سنن ابن ماجه" (844). (¬8) كذا قال رحمه، وإنما هو يونس بن عبيد البصري، المذكور في الحديث (888) وهناك نسبه الشارح صوابًا.

[779] (ثنا مسدد) قال: (ثنا يزيد) بن زريع (¬1) قال: (ثنا سعيد) بن أبي عروبة مهران العدوي، روى عن قتادة في قوله تعالى: {سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} (¬2): مصر، وجعل أبو زرعة يستعظم هذا (¬3). قال أبو داود الطيالسي: كان أحفظ أصحاب قتادة. قال: (ثنا قتادة، عن الحسن) البصري. (أن سمرة بن جندب، وعمران بن حصين - رضي الله عنهما - تذاكرا) فيه فضيلة المذاكرة في العلم وفي الحديث والتفسير وغير ذلك من العلوم الشرعية (فحدث (¬4) سمرة بن جندب، أنه حفظ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سكتتين، سكتة إذا كبر) للإحرام، والغرض من هذِه السكتة ليفرغ المأمومون (¬5) من النية وتكبيرة الإحرام؛ لأنه لو قرأ الإمام عقب التكبير الفاتحة ربما يكون بعض المأمومين مشتغلًا بالنية والتكبيرة فيفوته بعض سماع قراءة الإمام الفاتحة (وسكتة إذا فرغ) الإمام (من قراءة: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}) (¬6) وبعد آمين أيضًا، والغرض من هذِه السكتة ليقرأ المأمومون الفاتحة بعد فراغ الإمام منها، وليرجع إلى الإمام النفس ويستريح. وروى الدارقطني من حديث ¬

_ (¬1) في (ص): دريع. (¬2) الأعراف: 145. (¬3) قال الحافظ العراقي في "التقييد والإيضاح" 1/ 283: بلغنا عن أبي زرعة الرازي أن يحيى بن سلام -المفسر- حدث عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله تعالى: {سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} قال: مصر. واستعظم أبو زرعة هذا واستقبحه، وذكر أنها في تفسير سعيد عن قتادة: مصيرهم. اهـ. ويستشهد بهذا على التصحيف. (¬4) في (س، ص، ل): فذكر. (¬5) في (م): المأمون. (¬6) الفاتحة: 7.

أبي هريرة، وضعفه: "من صلى صلاة مكتوبة مع الإمام فليقرأ فاتحة الكتاب في سكتاته" (¬1) (فحفظ ذلك سمرة) أي: تذكره من حفظه. (وأنكره عمران بن حصين عليه فكتبا في ذلك إلى أبي بن كعب فكان في كتابه إليهما أو في رده) الجواب (عليهما) يحتمل أن يكون على بمعنى إلى فإنه يقال: رددت عليه قوله، وردد إليه جوابه، أي: رجعته وأرسلته (أن سمرة قد حفظ) وفيه العمل (¬2) بالمكاتبة وأنه حجة، وبه قال أيوب ومنصور والليث، وغير واحد من الفقهاء والأصوليين، حتى قال ابن السمعاني (¬3): إنها أقوى من الإجازة خلافًا لجماعة منهم الماوردي حيث قطع به في "الحاوي" (¬4). [780] (ثنا ابن المثنى) قال: (ثنا عبد الأعلى) قال: (ثنا سعيد) بن أبي عروبة (بهذا) الإسناد (قال) فيه: (عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة) بن جندب. (قال: سكتتان حفظتهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) تقدم أن [السكتات أربع] (¬5)، فتقدم في الحديث ثلاثة والرابعة وذكرها أصحابنا أو جماعة منهم وهي: السكوت (¬6) بين {وَلَا الضَّالِّينَ} وبين آمين، فيستحب أن ¬

_ (¬1) أخرجه ابن خزيمة (1578)، والحاكم 1/ 215. وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وضعفه الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" (137). (¬2) زاد في (ص): أقوى. (¬3) "شرح النووي على مسلم" 14/ 45. و"التقرير والتحبير" لابن أمير الحاج 2/ 372. (¬4) "الحاوي الكبير" 16/ 90. (¬5) في (ص، س، ل): السكتتان أربعة. (¬6) زاد في (ص): من.

لا يصل آمين بقوله: {وَلَا الضَّالِّينَ}، بل يفصل بينهما بسكتة لطيفة جدًّا ليعلم المأمومون أن لفظة آمين ليست من القرآن، لئلا يعتقد في وصلها بالقراءة، وأنها منه، ولهذا الفصل اللطيف نظائر في التكبير (¬1)، وهو أن يستحب للملبي أن يقف وقفة (¬2) لطيفة عند قوله لبيك اللهم لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، ثم يقول لا شريك لك، وكذا في غير التلبية، وممن نص على استحباب هذِه السكتة (¬3) القاضي حسين والواحدي والبغوي والرافعي وغيرهم. وأما قول إمام الحرمين يتبع التأمين القراءة. قال النووي: فيمكن حمله على موافقة الجماعة ويكون معناه لا يسكت طويلًا (¬4) انتهى. وكما يسكت ليفصل بين القراءة وآمين تستحب هذِه السكتة لمن قال عقب آخر البقرة {عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (¬5): آمين، وعند آخر المؤمنون (¬6)، {وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (¬7) آمين وكذا كل دعاء وقف عليه يقول بعده: آمين، ويسكت بين القراءة (¬8) وآمين سكتة لطيفة قياسًا على آخر الفاتحة، ولم أجده منقولًا والله أعلم. (قال فيه: قال سعيد قلنا لقتادة ما هاتان السكتتان؟ قال: إذا دخل في صلاته) يدخل فيه الفرض والنفل والجنازة وغيرهما، لكن ينبغي أن يكون ¬

_ (¬1) في (ل، م): التلبية. (¬2) في (ص): ومعه. (¬3) سقط من (م). (¬4) "المجموع" 2/ 373. (¬5) البقرة: 286. (¬6) في (ص، س): المؤمنين. وفي (م): الفرقان. والمثبت من (ل). (¬7) المؤمنون: 118. (¬8) في (م): القرآن.

هذا في الصلاة التي يستحب فيها دعاء التوجه إن قلنا أتى (¬1) بسكتة ليؤتي فيها بدعاء التوجه فيما لا توجه فيه، كصلاة الجنازة لا يستحب فيه على هذا (وإذا فرغ من القراءة، ثم قال بعد) بضم الدال، أي: بعد ذلك. (وإذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}) (¬2) آمين، أي (¬3): يسكت كما تقدم، وهذا عند الشافعي (¬4) وأحمد (¬5) يسكت كما يسكت بعد التكبيرة الأولى. وكره ذلك أبو حنيفة (¬6) ومالك (¬7) رحمهما الله تعالى. [781] (ثنا أحمد بن) عبد الله بن (أبي شعيب) (¬8) الحراني، أبو الحسن (¬9)، شيخ البخاري. قال: (ثنا محمد بن فضيل) (¬10) بن غزوان (عن عمارة، ح (¬11) وثنا أبو كامل) الجحدري قال: (ثنا عبد الواحد) بن زياد (عن عمارة) بن القعقاع (المعنى (¬12) عن أبي زرعة) هو ابن عمرو بن جرير البجلي. (عن أبي هريرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كبر في الصلاة سكت) ¬

_ (¬1) في (م): أن. (¬2) أخرجه الترمذي (251)، وابن ماجه (844)، وابن حبان (1807). وقال الترمذي: حديث حسن. وقال الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" (138): وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين، غير أنه معلل بعنعنة الحسن. (¬3) سقط من (م). (¬4) "المجموع" 3/ 364، 395. (¬5) "الإنصاف" 2/ 230. (¬6) انظر: "المبسوط" 1/ 357 - 359. (¬7) "الاستذكار" 4/ 238. (¬8) في (م): سعيد. (¬9) في الأصول الخطية: الحسين. (¬10) في (ص): الفضيل. (¬11) ساقطة من (ص). (¬12) سقط من (م).

بفتح السين والكاف، من السكوت، ورواية البخاري (¬1): يسكت (¬2). بفتح الياء أوله، وحكى الكرماني: بضم أوله وكسر الكاف من الإسكات. قال الجوهري: يقال تكلم الرجل ثم سكت بغير ألف وإذا انقطع كلامه فلم يتكلم قلت (¬3): أسكت (¬4) (بين التكبير والقراءة) إسكات (¬5) بكسر أوله، سياق الحديث يقتضي أنه أراد السكوت عن الجهر لا عن مطلق القول أو السكوت عن القراءة لا عن الذكر. (فقلت له: بأبي) الباء متعلقة بمحذوف اسم أو فعل والتقدير (أنت) مفدى أو أفديك (¬6) أبي (وأمي) واستدل به على جواز قول: فداك. بل على استحبابه وزعم بعضهم أنه من خصائصه - صلى الله عليه وسلم -، والأصل عدم التخصيص حتى يثبت. (أرأيت) بفتح تاء المخاطب، بمعنى أخبرني (¬7)، كما تقول: أرأيت زيدًا: كيف حاله؟ قال الفاكهي: روايتنا فيه ضم التاء يعني: مع حذف الهمزة قبله من رؤية القلب لا (¬8) العين. (سكوتك) هذِه رواية مسلم (¬9) (بين التكبير والقراءة، أخبرني ما تقول) فيه [ما] (¬10) يشعر بأن هناك قول. ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "صحيح البخاري" (744). (¬3) في (ص، س): قال. والمثبت من (م)، و"الصحاح". (¬4) "الصحاح في اللغة" (سكت). (¬5) في (م): إسكاة. (¬6) في (ص): أفدك. (¬7) في (م): أخبرك. (¬8) في (ص، س): أو. (¬9) "صحيح مسلم" (598) (147). (¬10) ليست في النسخ الخطية.

قال ابن دقيق العيد (¬1): ولعله استدل على أصل القول بحركة الفم كما استدل غيره على القراءة باضطراب لحيته (¬2)، نقل ابن بطال (¬3) عن الشافعي أن سبب هذِه السكتة للإمام أن يقرأ المأموم فيها الفاتحة. وهذا النقل غير معروف عن الشافعي، وفي "الإحياء" (¬4) أن المأموم يقرأ الفاتحة إذا اشتغل الإمام بدعاء الاستفتاح، وخولف (¬5) في ذلك، بل أطلق المتولي وغيره كراهة تقديم المأموم قراءة الفاتحة عن الإمام، وفي وجه إن قرأها (¬6) قبله بطلت صلاته [ووافق الغزالي على قراءة الفاتحة في هذِه السكتة الفارقيُّ وابن أبي عصرون] (¬7). (أخبرني ما تقول) في سكوتك؛ فيه: استعمال المجاز بتسمية الكلام السر سكوتًا، وفيه سؤال العلماء عما يحدث وعما يشاهدوه من أفعالهم، ولم يتضح لهم أمره، وفيه ملاحظة العاملين في تعبداتهم (¬8) ليقتدوا بهم فيها، فإن العلماء ورثة الأنبياء. (قال) أقول (اللهم) فيه تقديم اللهم في الدعاء حتى قال بعضهم: إنها أبلغ من يا الله، وقيل: إنها إياها ثم حذف منها وعوض. ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" 2/ 229. (¬2) انظر ما رواه البخاري (746). (¬3) "شرح صحيح البخاري" 2/ 261. (¬4) "إحياء علوم الدين" 1/ 176. (¬5) في (ص): حولق. (¬6) في (ص، س): فرغها. (¬7) جاءت هذه العبارة في (م) بعد قوله: الاستفتاح. (¬8) في (ص): قعيداتهم.

(باعد بيني وبين) قال الكرماني (¬1): كرر لفظ بين (¬2)؛ لأن العطف على الضمير المجرور يعاد فيه الخافض سواء جرًّا بالحرف أو الإضافة. (خطاياي) بفتح الياء على الأفصح، كما تقدم في محياي ومماتي. (كما باعدت بين المشرق والمغرب) فيه مجازان الأول: استعمال المباعدة التي هي في الأصل من العوارض التي تعرض في الزمان والمكان للأجسام، ثم استعملها في المعاني. المجاز الثاني: استعمال المباعدة في الإزالة بالكلية مع أن أصلها لا يقتضي (¬3) الزوال أو في معنى الانتفاء الكلي، كما في قوله تعالى: {تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} (¬4) إذ (¬5) المراد التبري منه (¬6) بالكلية، يعني: من الخطايا الصادرة منه والعصمة (¬7) منها في المستقبل، وموضع التشبيه أن التقاء (¬8) المشرق والمغرب مستحيل، فكأنه أراد أن لا يقع له منها اقتراب كما لا (¬9) يقع بين المشرق والمغرب بالكلية. (اللهم أنقني) بفتح الهمزة وكسر القاف، ورواية البخاري (¬10) وغيره: "نقني". بتشديد القاف، وهو مما يتعدى بالهمزة والتضعيف كقوله تعالى: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ ¬

_ (¬1) "شرح البخاري" للكرماني 4/ 112. (¬2) زاد في (ص): بين هام. (¬3) في (م): ينتفي. (¬4) آل عمران: 30. (¬5) في (م): إذا. (¬6) من (س، ل، م). (¬7) في (ص): العصمية. (¬8) من (س، ل، م). (¬9) سقط من (س، م). (¬10) "صحيح البخاري" (744).

التَّوْرَاةَ} (¬1) (من خطاياي) من الخطأ بكسر أوله قال الله تعالى: {إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} (¬2) قال أبو عبيد: خطئ وأخطأ بمعنى (¬3). وقال غيره: المخطئ من أراد الصواب فوقع في غيره، والخاطئ من تعمد ما لا ينبغي، وفرق بعضهم بين الخطية والذنب بأن الخطية فيما بين العبد وبين ربه، والذنب فيما بينه وبين المخلوقين (كالثوب الأبيض) أي: كما ينقى الثوب الأبيض كرواية الصحيحين (¬4)، وهو أيضًا مجاز عن زوال الذنوب، ومحو آثارها بالكلية (من الدنس) وهو الوسخ، تدنس الثوب إذا (¬5) اتسخ. (اللهم اغسلني بالثلج والماء والبرد) بفتح الراء، ولما كان الدنس في الثوب الأبيض أظهر من غيره من الألوان، وقع التشبيه به، ولهذا ندب لبس البياض للجمعة؛ لأنه يظهر فيه النجاسة أكثر من غيره من الألوان. قال الهروي: سمي البرد بردًا؛ لأنه يبرد وجه الأرض، أي: يقشره (¬6). ويحتمل أن يكون لما فيه من البرودة، قال الأصمعي: قلت لأعرابي: ما يحملكم على نوم الضحى؟ قال: أنها مبردة في الصيف مسخنة (¬7) في الشتاء (¬8). ¬

_ (¬1) آل عمران: 3. (¬2) الإسراء: 31. (¬3) "لسان العرب": مادة: خطأ. (¬4) أخرجه البخاري (744)، ومسلم (598) (147). (¬5) سقط من (س، م). (¬6) "الغريبين" ص 163. (¬7) في (م): مستحبة. (¬8) "لسان العرب": مادة: برد.

وجمع بين النقاء والغسل وإن كان كل واحد منهما كافيًا في المقصود (¬1) تأكيدًا ومبالغة كما في قوله تعالى: {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا} (¬2) والمراد: الارتقاء في أرفع الدرجات في الثلاث من ذلك فلذلك طلب أولًا ما يليق بالعبودية، وهو المباعدة من الخطايا، ثم ترقى وطلب التنقية من الدنس، ثم طلب ما هو الأبلغ وهو الغسل، ولهذا أكده بقوله: (بالماء والثلج والبرد). وورد في مسلم (¬3) زيادة وصف الماء بالبرودة، وكأنه جعل الخطايا بمنزلة جهنم لكونها منتشئة (¬4) عنها، فعبر عن إطفاء حرارتها بالغسل، وبالغ فيه باستعمال المبردات. قال التوربشتي (¬5): خص هذِه الثلاثة بالذكر لأنها مُنَزَّلة من السماء (¬6). وقد استدل بالحديث على مشروعية الدعاء بين التكبير والقراءة خلافًا للمشهور عن مالك، ونقل الساجي عن الشافعي استحباب الجمع بين التوجه (¬7) والتسبيح وهو اختيار ابن خزيمة وجماعة من الشافعية، واستدل به على جواز الدعاء في الصلاة بما ليس في القرآن خلافًا ¬

_ (¬1) زاد في (ص): و. (¬2) البقرة: 286. (¬3) "صحيح مسلم" (476) (204) من حديث ابن أبي أوفى. (¬4) في (م): مسببة. (¬5) في (ص): الثوري. وفي (س): النووي. (¬6) انظر: "فتح الباري" 2/ 230. (¬7) في "فتح الباري": التوجيه.

للحنفية (¬1)، واستدل به بعض الشافعية (¬2) على أن الثلج والبرد مطهران أي: قبل أن يذوبا، واستبعده ابن عبد السلام، وأبعد منه استدلال بعض الحنفية (¬3) على نجاسة الماء المستعمل (¬4). والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) "المبسوط" 1/ 356. (¬2) انظر: "المجموع" 1/ 80 - 81. (¬3) "المبسوط" 1/ 151 - 152. (¬4) "فتح الباري" 2/ 269.

126 - باب من لم ير الجهر بـ (بسم الله الرحمن الرحيم)

126 - باب مَنْ لَمْ يَرَ الجَهْرَ بِـ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) 782 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْن إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا هِشامٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمانَ كانُوا يَفْتَتِحُونَ القِراءَةَ بِـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ} (¬1). 783 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حُسَيْنٍ المعَلِّمِ، عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَبِي الجَوْزاءِ، عَنْ عائِشَةَ قالتْ: كانَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَفْتَتِحُ الصَّلاةَ بِالتَّكْبِيرِ والقِراءَةَ بِـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ} وَكانَ إِذا رَكَعَ لَمْ يُشْخِصْ رَأْسَهُ وَلَمْ يُصَوِّبْهُ ولكن بَيْنَ ذَلِكَ وَكانَ إِذا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قائِمًا وَكانَ إِذا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قاعِدًا وَكانَ يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ: "التَّحِيّاتُ". وَكانَ إِذا جَلَسَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ اليُسْرَى وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ اليُمْنَى وَكانَ يَنْهَى عَنْ عَقِبِ الشَّيْطانِ وَعَنْ فِرْشَةِ السَّبُعِ وَكانَ يَخْتِمُ الصَّلاةَ بِالتَّسْلِيمِ (¬2). 784 - حَدَّثَنا هَنّادُ بْنُ السَّرِيِّ، حَدَّثَنا ابن فُضَيْلٍ، عَنِ المُخْتارِ بْنِ فلْفُلٍ قال: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مالِكٍ يَقُولُ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أُنْزِلَتْ عَلي آنِفًا سُورَةٌ". فَقَرَأَ بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} حَتَّى خَتَمَها. قال: "هَلْ تَدْرُونَ ما الكَوْثَرُ". قالوا اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قال: "فَإنَّهُ نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي فِي الجَنَّةِ" (¬3). 785 - حَدَّثَنا قَطَنُ بْنُ نُسَيْرٍ، حَدَّثَنا جَعْفَرٌ، حَدَّثَنا حُمَيْدٌ الأعْرَجُ المكِّيُّ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ وَذَكَرَ الإِفْكَ قالتْ: جَلَسَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ وقال: "أَعُوذُ بِالسَّمِيعِ العَلِيمِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} ". الآيَةَ. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (743)، ومسلم (399). (¬2) رواه مسلم (498). (¬3) رواه مسلم (400).

قال أَبُو داوُدَ: وهذا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ. قَدْ رَوَى هذا الحَدِيثَ جَماعَةٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ لَمْ يَذْكُرُوا هذا الكَلامَ عَلَى هذا الشَّرْحِ وَأَخافُ أَنْ يَكُونَ أَمْرُ الاسْتِعاذَةِ مِنْ كَلامِ حُمَيْدٌ (¬1). * * * باب الجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [782] (ثنا مسلم بن إبراهيم) قال: (ثنا هشام) الدستوائي (¬2) (عن قتادة، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر وعثمان) أجمعين (كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله) بضم الدال على الحكاية (¬3)، وقد استدل به (¬4) مالك (¬5) وغيره على ترك التسمية في ابتداء الفاتحة، وأنها ليست منها (¬6)، ونقله القرطبي عن الجمهور، وتأوله الشافعي (¬7) والأكثرون القائلون بأنها من الفاتحة أن المراد يفتتحون القراءة بسورة الحمد لا بسورة غيرها، وقد قامت (¬8) أدلة على أن البسملة منها، والخلاف في ذلك طويل مشهور صنف فيه أبو شامة (¬9) المقدسي مجلد ضخم، وقبله ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 2/ 43 من طريق أبي داود. وضعفه الألباني (139). (¬2) سقط من (م)، وقطع في (ل). (¬3) في (ص): الخطابة. (¬4) سقط من (م)، وقطع في (ل). (¬5) "المدونة" 1/ 162. (¬6) سقط من (م)، وقطع في (ل). (¬7) "الأم" 1/ 210 - 211. (¬8) في (ص): قاموا. (¬9) في (ص، س): أسامة.

سليم الرازي والخطيب، وابن عبد البر من المالكية (رب العالمين) مما يقوي أن المراد به السورة لئلا يتوهم أن المراد بالحديث الابتداء بمجرد الحمد كما في قوله عليه السلام: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد (¬1) الله فهو أجذم" (¬2). [783] (ثنا مسدد) قال: (ثنا عبد الوارث بن سعيد) بن ذكوان التميمي مولاهم (عن حسين المعلم، عن بديل (¬3) بن ميسرة، عن أبي الجوزاء) أوس (¬4) بن عبد الله (عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفتتح الصلاة بالتكبير) وهو: الله أكبر ونحوه على ما بُيِّن في الفقه، وفيه رد على من يقول: يدخل في الصلاة بغير لفظ التكبير من أنواع التعظيم؛ كما يقوله أبو حنيفة (¬5)، نحو: الله أجل. الله أعظم. ويدل للجمهور: "صلوا كما رأيتموني أصلي" (¬6) ولأن [فعله بيان لمجمل] (¬7) واجب فكان واجبًا، وهو (¬8) قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} (¬9) إذا قيل بأنها مجملة، والحكمة في افتتاح الصلاة بالله أكبر ¬

_ (¬1) في (م): بالحمد. وقطع في (ل). (¬2) أخرجه ابن ماجه (1894)، وأحمد 2/ 359 من حديث أبي هريرة بنحوه. وقال الألباني في "ضعيف الترغيب" (958): ضعيف. (¬3) في (ص): يزيد. (¬4) في (م): أويس. (¬5) "المبسوط" 1/ 136. (¬6) هذا طرف من حديث أخرجه البخاري (630) من حديث مالك بن الحويرث به. (¬7) في (ص): قوله بيان لمحل. وفي (س): فعل بيان لمحل. وفي (ل): فعله بيان لمحل. (¬8) في (ص): نحو. (¬9) البقرة: 43. وغير ذلك.

تنبيه (¬1) المصلي على معنى هذِه الكلمة التي (¬2) معناها أنه الموصوف بالعظمة والجلال وعظمة الشأن، وأن كل شيء دون جلاله حقير، فإذا تذكر الآدمي هذِه الكلمة استحقر أن يذكر معه غيره (¬3) أو يحدث نفسه بسوى ما أمره به مما يقربه إليه. ويفتتح (القراءة) [بالنصب ويجوز الجر بتقديره: بالتكبير والقراءة] (¬4) (بالحمد لله رب العالمين) تقديره عند (¬5) الشافعي (¬6): يفتتح الصلاة بسورة الحمد التي أولها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وأجاب بعض المخالفين عن هذا التأويل بأن لفظ الحديث إن أجري مجرى الحكاية اقتضى البدأة به بعينه، ولا يكون قبله دعاء الافتتاح ولا غيره؛ لأن الغير يكون حينئذ هو المفتتح به، وإن جعل اسمًا [للفاتحة، فالفاتحة] (¬7) لا تسمى بمجموع الحمد لله رب العالمين بل سورة الحمد، وقوله: لا يسمى بهذا المجموع. غلط، فقد روى المصنف عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الحمد لله رب العالمين أم القرآن والسبع المثاني" (¬8) وأجاب بعض المخالفين أيضًا عن تقدير الشافعي إنما كان ¬

_ (¬1) في (ص): شبيه. (¬2) في (ص، س، ل): إلى. (¬3) جاءت هذه العبارة في (ص) في غير موضعها. (¬4) من (م)، وبياض في (ل). (¬5) في (ص، س): غير. (¬6) "الأم": 1/ 210 - 211. (¬7) في (ص، س، ل): الفاتحة بالفاتحة. (¬8) سيأتي برقم (1457)، ورواه البخاري (4704).

يحتمل لو كانت الرواية [بخفض الدال] (¬1)، وأما على الضم على الحكاية حكاية لفظه - صلى الله عليه وسلم -، فكأنها قالت: كان يبتدئ الصلاة. بهذا اللفظ. فائدة تتعلق بإثبات البسملة في الفاتحة روى الروياني في "البحر" (¬2) عن أبي سهل الأبيوردي أن خطيبًا ببخاري من العلماء الزهاد رأى خبرًا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أن من قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ألف مرة رفع الله عنه وجع الضرس والسن فوجع سنه فقرأها ألفًا، فلم يزل الوجع بل زاد، فرأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المنام فسأله عن وجع السن، وعما فعل وأنه لم يسكن وجعه، فقال عليه السلام: إنك قرأتها بلا تسمية فاقرأها بالتسمية. فانتبه فقرأها فزال وجع سنه ولم يعد، قال هذا الخطيب: فاعتقدت مذهب الشافعي في هذِه المسألة، فلا أُصَلِّ إلا بها (¬3). ولعل المراد بهذِه القراءة أن تكون في ليلة واحدة، وإن كانت الصلاة فهو أبلغ، قيل لبعض العارفين: بماذا ارتفع مذهب الشافعي وغلب ذكره، فقال: بإظهار بسم الله في البسملة لكل صلاة، وكذا بوجوب الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة. (وكان إذا ركع لم يشخص) بضم أوله وكسر ثالثه، لم يرفع، ومنه الشخص لارتفاع قامته، وأشخص بصره رفعه، والهمزة فيه للتعدية (¬4)، ¬

_ (¬1) في (م): بحفظ الدار. (¬2) في (م): النخبة. (¬3) "بحر المذهب" 2/ 138. (¬4) بعدها في (س، ص، ل): رأسه.

والأصل شخص (رأسه) لازمًا (ولم يصوبه) أي: ولم ينكسه، ومنه الصيب (¬1) من المطر، والمراد بنفي (¬2) التشخيص والتصويب أن يكون معتدل العنق والساق مع الظهر، وهو معنى قوله (¬3) (ولكن بين ذلك) [وفيه إشارة إلى أن المسنون في الركوع استواء الظهر والعنق] (¬4). وفي "مجمع الغرائب" لعبد الغافر الفارسي: [يصبي رأسه] (¬5) بفتح الصاد وكسر الباء المشددة وزيادة ياء بعدها، يقال: صبا رأسه يصبي إذا خفضه جدًّا، وقوله: (بين ذلك) فيه إضافة بين إلى اسم الإشارة مع كونها لا تضاف إلا لمتعدد؛ لأن ذلك متضمنة متعدد كما قال تعالى: {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} (¬6) (وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد) بالتحتانية، أي: لم يشرع - صلى الله عليه وسلم - في السجود حتى يستوي ظهره. (حتى يستوي قائمًا) فيه دليل على أن الرفع من الركوع والاعتدال فيه بأن يستوي قائمًا، وقد اختلف فيه على ثلاثة أقوال: أحدها: يجب، وثانيها: يستحب، وثالثها: يجب إلى ما هو إلى للاعتدال أقرب، ويستحب ما زاد عليه. (وكان إذا رفع رأسه من السجود لم يسجد حتى يستوي جالسًا) (¬7) فيه ¬

_ (¬1) في (س، م): الصب. (¬2) في (ص، س): يلي. (¬3) سقط من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) سقط من (م). (¬6) البقرة: 68. (¬7) في (س): قائمًا. وفي مطبوعة أبي داود: قاعدًا.

دليل على الرفع من السجود، والاستواء في الجلوس بين السجدتين، أما الرفع فلا بد منه لعدم (¬1) تصور عدد السجدتين بدونه، واستحب بعض المالكية (¬2) كشف الكفين (¬3). (وكان يقول في كل ركعتين التحيات) [بالرفع على الحكاية] (¬4) أطلقت على التشهد كله من باب إطلاق الجزء على الكل، وسيأتي شرح معناها. (وكان إذا جلس يفرش) بضم الراء وكسرها والضم أشهر، وعد ابن مكي (¬5) الكسر من لحن العوام (¬6)، وليس كذلك. (رجله اليسرى) أي: تحته (وينصب رجله اليمنى) أي ينصب قدمه اليمنى بحيث يضع أصابع رجله اليمنى على الأرض ويرفع عقبها، واستدل به أصحاب أبي حنيفة (¬7) على الافتراش في جميع الجلسات، وفيه دليل على فضيلة نقل (¬8) أفعاله وأقواله وأحواله كما فعلته عائشة، واستدل الشافعي (¬9) برواية البخاري: فإذا جلس في الركعتين جلس ¬

_ (¬1) في (ص): تقدم. (¬2) "التاج والإكليل" 1/ 521. (¬3) في (م): الكعبين. (¬4) سقط من (م). (¬5) في (س، ص، ل): مالك. (¬6) انظر: "تثقيف اللسان" لابن مكي الصقلي ص 146. (¬7) "المبسوط" 1/ 113. (¬8) في (ص): فضل. (¬9) "الأم" 1/ 226، و"المجموع" 3/ 407.

على رجله (¬1) اليسرى ونصب اليمنى، وإذا جلس في (¬2) الركعة الأخيرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى، وقعد على مقعدته (¬3). وحمل هذا (¬4) الحديث على الجلسة التي قبل الأخير، جمعًا بينه وبين حديث أبي حميد (وكان ينهى عن عقب) بفتح العين وكسر القاف، وحكي ضم العين مع فتح القاف، جمع عقبة بسكون القاف، وبالإفراد رواية الصحيح (¬5) (الشيطان) وتسمى هذِه الهيئة الإقعاء، وتفسيره أن يفرش قدميه، ويجلس بأليتيه على عقبيه كما يجلس الرجل عند الإهواء، أما الإقعاء الذي هو سنة كما في "صحيح مسلم" من حديث ابن عباس (¬6)، فهو أن ينصب أصابع قدميه ويجلس بوركه على عقبه. (و) ينهى (عن فرشة) بفتح الفاء وإسكان الراء، مصدر فرش يفرش، كقتل، وفي لغة كضرب (السبع) رواية الصَّحيحين: "أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع" (¬7). وهو أن يضع ذراعيه على الأرض في السجود، ويفضي [بمرفقيه وكفيه] (¬8) إلى الأرض والسنة أن يرفع ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): ظهر. (¬2) سقط من (م). (¬3) "صحيح البخاري" (828). (¬4) في (ص، س، ل): على هذه الحالة. (¬5) "صحيح مسلم" (498). (¬6) "صحيح مسلم" (536) (32). (¬7) "صحيح مسلم" (498) من حديث عائشة. وهو مما انفرد به مسلم عن البخاري فأما رواية البخاري (822) فمن حديث أنس: ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب. (¬8) في (م): بمرفقه وكفه. وفي (ل): بمرفقيه وكفه.

مرفقيه ويكون الموضوع على الأرض كفيه، وإنما نهى عن ذلك لأنها صفة المتكاسل المتهاون بأمر الصلاة مع ما فيه من التشبه بالسباع والكلاب، كما نهى عن التشبه بهما في الإقعاء، وفيه دليل على مخالفة الحيوان كالكلب والسبع والغراب، وبروك الجمل، وغير ذلك خصوصًا في الصلاة، ولا شك أن الله تعالى جبل الحيوان على أحوال محمودة ومذمومة فبين الشرع ما كان محمودًا ومذمومًا للاكتساب والاجتناب، فمن الأفعال المحمودة عشرة في الكلاب وقد صنف بعض العلماء كتابًا سماه "تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب" (¬1). (وكان يختم الصلاة) أي: يتحلل منها (بالتسليم) (¬2) كما في الحديث الآخر: "وتحليلها التسليم" (¬3). والتسليم هو: السلام عليكم. أو: سلام عليكم (¬4) وفيه دليل على أن السلام ركن من أركان الصلاة، وليس ذلك بالقوي الظهور، وادعى (¬5) الرافعي الاتفاق على ركنيته وليس كما ادعى، ¬

_ (¬1) صنفه أبو بكر محمد بن خلف بن المرزبان بن بسام الآجري المحولي، المتوفى سنة تسع وثلاثمائة وهو كتاب مطبوع. انظر: "توضيح المشتبه" 8/ 78، "الأعلام" 6/ 115، "إيضاح المكنون" 3/ 312. (¬2) أخرجه مسلم (498) (240)، وابن ماجه (812)، وأحمد 6/ 31، وابن خزيمة (699). (¬3) أخرجه أبو داود (61)، والترمذي (3)، وابن ماجه (275)، وأحمد 1/ 123 من حديث علي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم". (¬4) من (س، ل، م). (¬5) في (ص): ورد عن.

فقد حكى القاضي مجلي (¬1) وجهًا أنه شرط، ولو قال المصلي: سِلْمٌ عليكم. بكسر السين وسكون اللام، قال ابن الملقن (¬2): لم أره منقولًا، ولكن ظاهر كلامهم المنع لكنها لغة في السلام حكاها الخطابي (¬3). واعلم أن هذا الحديث أورده في "العمدة" (¬4) عن الصحيحين (¬5). قال ابن دقيق العيد: وهو سهو منه (¬6)، فإنه مما انفرد به مسلم عن البخاري (¬7). [784] (ثنا هناد بن السري) قال: (ثنا) محمد (بن فضيل) بن غزوان الضبي مولاهم الكوفي. (عن المختار بن فلفل، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنزلت) زاد مسلم (¬8) قبله: فقال: عن أنس قال: بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة، ثم رفع رأسه متبسمًا فقلنا: ما ¬

_ (¬1) هو مجلى بن جميع بن نجا، أبو المعالي القرشي المخزومي الشامي، ثم المصري، شيخ الشافعية بمصر، مصنف كتاب "الذخائر"، وهو من كتب المذهب المعتبرة، فيه خبآت لا توجد في غيره، مات سنة خمسين وخمسمائة. انظر: "وفيات الأعيان" 4/ 154، "سير أعلام النبلاء" 20/ 325 (218). (¬2) "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 3/ 61 - 62. (¬3) "شأن الدعاء" للخطابي ص 43. (¬4) "عمدة الأحكام" (87). (¬5) في (ص): الهمزة. (¬6) من (م). (¬7) "إحكام الأحكام" 1/ 146. (¬8) في جميع الأصول الخطية: البخاري. والمثبت هو الصواب.

أضحكك يا رسول الله؟ قال: "أنزلت" (عليَّ آنفًا) (¬1) بالمد والقصر لغتان أي: قريبًا (سورة) عظيمة (فقرأ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)} حتى ختمها) استدل به على أن البسملة في أوائل السور من القرآن، وهو مقصود مسلم بإدخال هذا الحديث في كتاب الصلاة، وبوب عليه: باب حجة من قال: البسملة آية من [أول] (¬2) كل سورة سوى برآءة. ولهذا ذكره المصنف في هذا الباب ثم (قال: هل تدرون ما الكوثر؟ ) فيه فضيلة التعليم لمن هو محتاج إليه وإن لم يسأل عنه. (قالوا: الله ورسوله أعلم) فيه: حسن الأدب في مخاطبة أهل العلم والصلاح (قال: فإنه نهر) بفتح الهاء، وحكي بإسكان الهاء، هو الماء الجاري المتسع. (وعدنيه ربي في الجنة) زاد مسلم: "عليه خير كثير" وجاء في هذا الحديث تفسير الكوثر بأنه نهر في الجنة. وروى البخاري، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: الكوثر هو الخير الذي أعطاه الله إياه. قلت لسعيد: فإن ناسًا يزعمون أنه نهر في الجنة، فقال سعيد: النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه (¬3). وفيه دليل على إثبات الحوض، وأن الإيمان به واجب على كل مؤمن (¬4) مكلف. ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (400) (53). (¬2) ليست في الأصول الخطية. والمثبت من "صحيح مسلم". (¬3) "صحيح البخاري" (4966). (¬4) من (م).

[785] (ثنا قطن) بفتح القاف والطاء (ابن نسير) بضم النون وفتح السين المهملة، مصغر، الغبري، بضم الغين وفتح الباء الموحدة، شيخ مسلم. قال: (ثنا جعفر) بن سليمان الضبعي، نزل في بني ضبعة (¬1) فنسب إليهم، أخرج له البخاري في "الأدب" وبقية الجماعة، قال: (ثنا حميد الأعرج المكي، عن) محمد (بن شهاب، عن عروة، عن عائشة) - رضي الله عنها -. [(وذكر) حديث (الإفك) والإفك الكذب يقال: أفك كضرب فهو أفاك، وكل امرء صرف عن وجهه فقد أفك] (¬2) (قالت) عائشة (جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) على المنبر، ثم قام (وكشف عن وجهه) الكريم للناس (وقال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم) فيه استحباب التعوذ بهذا اللفظ، وروى الترمذي، عن عائشة: "لما نزل عذري قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر فذكر ذلك، وتلا القرآن" (¬3). وفيه: الجهر بالتعوذ قبل القراءة خارج الصلاة، وقد تقدم أنه موافق لقوله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لْعَلِيمُ (36)} (¬4) {إِنَّ الَّذِينَ} فيه دليل لمن يقول: أن الأفضل لمن ابتدأ القراءة بجزء من أثناء السورة أن يترك البسملة؛ لأنه لم يرد في ذلك ما ورد في أول السور (¬5) من نزول جبريل بالبسملة وأمره - صلى الله عليه وسلم - بالإتيان بها، ¬

_ (¬1) في (م): ضبيعة. (¬2) سقط من (م). (¬3) "سنن الترمذي" (3181). (¬4) فصلت: 36. (¬5) في (ص): السورة.

قال أبو عبد (¬1) الله القابسي شارح "الشاطبية": كان شيخنا أبو العباس أحمد بن موسى الفروخاني يأخذ علينا في الأجزاء (¬2) المذكورة بترك البسملة ويأمرنا بها في مثل: {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ} (¬3) لما فيها بعد الاستعاذة من قبح اللفظ، وكذا قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ} (¬4)، وأجاز (¬5) بعضهم الإتيان (¬6) بالبسملة. قال أبو القاسم المسيبي: كنا إذا افتتحنا الآية على مشايخنا من بعض السورة نبدأ ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وروى نحوه عن حمزة (¬7). قال عاصم ابن (¬8) يزيد الأصبهاني: سئل حمزة عن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -. فقرأ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ} (¬9) وروي عن ابن عباس أنه كان يفتتح القراءة ببسم الله [الرحمن الرحيم] (¬10) وهو عام في أوائل السور وأبعاضها. {بِالْإِفْكِ} وهم عبد الله بن أُبي ومن تبعه، والإفك أعظم ما يكون من الكذب، وسمي إفكًا لعظمه؛ لأن عائشة زوجة المعصوم ومحصنة، ¬

_ (¬1) في (س): عبيد. (¬2) في (م): الأخر. (¬3) فصلت: 47. (¬4) الأنعام: 141. (¬5) في (م): واختار. (¬6) في (م): الإثبات. (¬7) انظر: "الإقناع في القراءات السبع" ص 56. (¬8) سقط من (ل، م). (¬9) البقرة: 134، 141. (¬10) من (م).

وبنت أبي بكر، والإجماع على أن المراد بهذِه الآية ما كذب به على عائشة، ولم يشك النبي - صلى الله عليه وسلم - في أمرها، وضيق صدره إنما هو من قول الكفار والمنافقين، وهذا الكلام إنما صدر من المنافقين، وهم أعداء، وكلام الأعداء لا يقبل. ({عُصْبَةٌ}) وهم الجماعة من العشرة إلى الأربعين. ({مِنْكُمْ}) أي: من المؤمنين الذين يظهرون الإيمان، وأنه لا يكفر أحد بذنب (¬1) سوى الشرك (الآية) وتبويب المصنف على هذا الحديث يشعر أنه بسمل سرًّا ولم يجهر به فلم يسمعه الحاضرون، ولو سمعوا (¬2) لنقلوه ووصل إلينا. (قال أبو داود: هذا حديث منكر) ثم ذكر وجه الإنكار وهو أنه (قد روي هذا الحديث عن) محمد بن شهاب (الزهري) (¬3) - أحد رواته - جماعة و (لم يذكروا هذا الكلام على هذا الشرح) بذكر الاستعاذة (وأخاف أن يكون أمر الاستعاذة) منه هكذا الرواية، أي: مدرج (من كلام حميد) الأعرج، لكن إذا احتمل واحتمل فالأصل (¬4) أن لا مدرج حتى يثبت، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) في (ص): بدين. (¬2) في (م): سمعوه. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): فالأفضل.

127 - باب من جهر بها

127 - باب مَنْ جهَرَ بِها 786 - أَخْبَرَنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنا هُشَيْمٌ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ يَزِيدَ الفارِسِيِّ قال: سَمِعْتُ ابن عَبّاسٍ قال: قُلْتُ لِعُثْمانَ بْنِ عَفّانَ: ما حَمَلَكمْ أَنْ عَمَدْتُمْ إِلَى بَراءَةَ وَهِيَ مِنَ الِمئِينَ وَإلَى الأَنْفالِ وَهِيَ مِنَ المثانِي فَجَعَلْتُمُوهُما فِي السَّبْعِ الطُّوَلِ وَلَمْ تَكْتُبُوا بَيْنَهُما سَطْرَ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}؟ قال عُثْمانُ: كانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِمّا يَنْزِلُ عَلَيْهِ الآياتُ فَيَدْعُو بَعْضَ مَنْ كانَ يَكْتُبُ لَهُ وَيَقُولُ لَهُ: "ضَعْ هذِه الآيَةَ فِي السُّورَةِ التِي يُذْكَرُ فِيها كَذا وَكَذا". وَتَنْزِلُ عَلَيْهِ الآيَةُ والآيَتانِ فَيَقولُ مِثْلَ ذَلِكَ وَكانَتِ الأَنْفال مِنْ أَوَّلِ ما أُنْزِلَ عَلَيْهِ بِالمدِينَةِ وَكانَتْ بَراءَةُ مِنْ آخِرِ ما نَزَلَ مِنَ القُرْآنِ وَكانَتْ قِصَّتُها شَبِيهَةً بِقِصَّتِها فَظَنَنْتُ أَنَّها مِنْها فَمِنْ هُناكَ وَضَعْتُهُما فِي السَّبْعِ الطُّوَلِ وَلَمْ أَكْتُبْ بَيْنَهُما سَطْرَ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (¬1). 787 - حَدَّثَنا زِيادُ بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنا مَرْوانُ -يَعْنِي: ابن مُعاوِيَةَ- أَخْبَرَنا عَوْفٌ الأَعْرابِيُّ، عَنْ يَزِيدَ الفارِسِيِّ، حَدَّثَنا ابن عَبّاسٍ بِمَعْناهُ قال فِيهِ: فَقُبِضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنا أَنَّها مِنْها (¬2). قال أَبُو داوُدَ: قال الشَّعْبِيُّ وَأَبُو مالِكٍ وَقَتادَةُ وَثابِتُ بْنُ عُمارَةَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَكْتُبْ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} حَتَّى نَزَلَتْ سُورَةُ النَّمْلِ هذا مَعْناهُ. 788 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ وابْنُ السَّرْحِ قالوا: حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ -قال قُتَيْبَةُ فِيهِ- عَنِ ابن عَبّاسٍ قال: كانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لا يَعْرِفُ فَصْلَ السُّورَةِ حَتَّى تُنَزَّلَ عَلَيْهِ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3086)، وأحمد 1/ 69، والنسائي في "الكبرى" 5/ 10 (8007). وضعفه الألباني (140). (¬2) رواه الترمذي (3086)، أحمد 1/ 57، والنسائي في "الكبرى" 5/ 10 (8007). وضعفه الألباني (140).

وهذا لَفْظُ ابن السَّرْحِ (¬1) * * * باب من جهر بها هذا في بعض النسخ. [786] (أخبرنا عمرو بن عون) قال: (أنا هشيم) ابن بشير الواسطي (عن عوف) (¬2) بن أبي جميلة، بندويه، ويقال: رزينة، يعرف بالأعرابي، وليس بأعرابي الأصل (عن يزيد) البصري (الفارسي) كتب مصحفًا لعبيد الله بن زياد، وروى له الترمذي والنسائي. (قال: سمعت ابن عباس قال: قلت لعثمان بن عفان: ما حملكم) على (أن عمدتم) بفتح الميم، كضرب أي: قصدتم وتعمدتم. (إلى) سورة (براءة) لها عشرة أسماء براءة والتوبة، والمقشقشة؛ لأنها تقشقش من النفاق (¬3)، أي: [تتبرأ منه] (¬4)، والمبعثرة؛ لأنها تبعثر عن أحوال المنافقين وتبحث عنها، والفاضحة؛ لأنها فضحت المنافقين، وسورة العذاب، والمخزية؛ لأن فيها خزي المنافقين (¬5). ¬

_ (¬1) رواه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 3/ 407 (1376)، والحاكم 2/ 610، والبيهقي 2/ 42، والضياء في "المختارة" 4/ 498 (336). وصححه الألباني (754). (¬2) في (ص، س): عون. (¬3) في (م): المنافقين. (¬4) في (م): تتبرى منهم. (¬5) ذكر المصنف سبعة أسماء فقط من العشرة، وتتمتها: المثيرة؛ لأنها أثارت مخازي المنافقين، والمشردة؛ لأنها تشرد بالمنافقين، والمدمدمة؛ لأنه تدمدم عليهم. انظر: "الكاشف" للزمخشري 2/ 229.

(وهي من المئين) والمراد والله أعلم بالمئين (¬1) ما زادت عدد آياته على المائة، فجعلوا الزائد على المائة الذي هو بعضها منزل منزلة المائة بكمالها؛ لأن الشيء يذكر بلفظ الكل، ويراد به بعضه، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أيام منى أيام أكل وشرب" (¬2) وإنما هي يومان وبعض (¬3) الثالث، ومنه قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} (¬4) وإنما هي شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، وتقول: جئتك العام ورأيتك اليوم، وإنما رآه في بعضه، وجعل [الاثنين جمع] (¬5) على ما ذهب إليه مالك والأستاذ والغزالي محتجين بأن الجمع مشتق من اجتماع الشيء بالشيء، ومذهب الشافعي وأبي حنيفة لا يطلق على الاثنين جمع إلا (¬6) مجازًا. [قال الشيخ برهان الدين المقرئ الجعبري: سميت المئين لمقاربتها المائة وهي إحدى عشرة سورة: يونس، وهود، ويوسف، والنحل، وسبحان، والكهف، وطه، والأنبياء، والمؤمنون، والشعراء، والصافات. وقيل: من سبحان إلى المؤمنين] (¬7). (و) عمدت (إلى الأنفال، وهي من المثاني) قيل: هي السور التي ¬

_ (¬1) في (ص): بالمائتين. (¬2) أخرجه مسلم (1142) (145) من حديث كعب بن مالك. (¬3) في (م): تعين. (¬4) البقرة: 197. (¬5) في (ص): الأشيب. وفي (س): الأيتين. (¬6) سقط من (م). (¬7) سقط من (م).

تقصر (¬1) عن المئين وتزيد على المفصل، قال ابن الأثير: كأن المئين جعلت مبادي يعني: بعد الطول، والتي تليها مثاني (¬2). وهذا يرجح أحد الأقوال في قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} (¬3) أن المثاني هي السور التي هي (¬4) دون الطول، وفوق المفصل، وهي المئين، وحجة هذا القول ما أخرجه البغوي بإسناد الثعلبي، عن ثوبان، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله أعطاني السبع الطول مكان التوراة، وأعطاني المئين مكان الإنجيل، وأعطاني مكان الزبور المثاني، وفضلني ربي بالمفصل" (¬5). قال برهان الدين (¬6) الجعبري: سميت المثاني لقصورها عن المئين وهي عشرون سورة: الرعد، وإبراهيم، والحجر، ومريم، والحج، والنور، والفرقان، والنمل، والقصص، والعنكبوت، والروم، ولقمان، والسجدة، والأحزاب، وسبأ، وفاطر، ويس، وص، والزمر، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - (فجعلتموهما) أي: قرنتم (¬7) بينهما وجعلتموهما سورة واحدة (في السبع الطول) بضم الطاء وفتح الواو، جمع طولى، ككبرى وكبر، ¬

_ (¬1) في (ص، س): نقص. (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (ثنا). (¬3) الحجر: 87. (¬4) سقط من (م). (¬5) أخرجه البغوي في "تفسيره" 4/ 391 من طريق الثعلبي في "الكشف والبيان" 9/ 67 - 68. (¬6) سقط من (م). (¬7) في (م): فرقتم.

وفضلى وفضل. (ولم تكتبوا بينهما سطرًا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فيه دليل على أن البسملة إذا كتبت بين سورتين [تكتب سطرًا واحدًا بمفردها بينهما، يفصل بين السورتين] (¬1) ليعلم الناظر انتهاء الأولى وابتداء الثانية، وعلى هذا فالأولى أن تستعمل في المكاتبات وغيرها سطرًا بمفردها، بل إفرادها في المكاتبات أولى فلا يخلط بها بعدها غيرها تفضيلًا لها على ما يأتي بعدها من كلام الآدميين. (قال عثمان: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - مما ينزل عليه) يحتمل أن يكون في هذا شاهد لما قاله ابن خروف والسيرافي وابن طاهر والأعلم: أن (من) تأتي بمعنى رُبَّ إذا اتصلت بـ (ما) كقوله: وإنا (¬2) لمَّا نضرب الكبش ضربة ... على رأسه تلقي اللسان من الفم (¬3) والتقدير على هذا ربما (¬4) ينزل عليه، وكذا تحتمله رواية الترمذي: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما يأتي الزمان وهو ينزل عليه السور (¬5) ذوات العدد (¬6) (الآيات) من السورة (فيدعو بعض من كان يكتب له) قد يستدل به على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يحسن الكتابة. ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في الأصول الخطية: إنما. والمثبت من "همع الهوامع" للسيوطي 2/ 463. (¬3) البيت لأبي حية النميري. انظر: "الكتاب" 3/ 156، "مغني اللبيب" ص 409. (¬4) في (م): إنما. (¬5) في (ص): السورة. (¬6) "سنن الترمذي" (3086).

(ويقول ضع هذِه الآية في السورة) (¬1) فيه دليل على أن ترتيب الآيات في السور (¬2) على ما هو عليه في مصحفنا توقيف (¬3) من النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال القرطبي (¬4): وقراءة القرآن منكوسًا فيبتدئ من آخر السورة إلى أولها حرام محظور؛ لأن فيه إفساد لنظم السورة، ومخالفة لما قصد منها. (التي يذكر فيها كذا وكذا) قد يستدل به لما قاله بعض السلف كما حكاه النووي، وهو أنه يكره أن يقول: سورة البقرة، وسورة آل عمران، وسورة النساء، وسورة العنكبوت، وكذلك البواقي بل يقال: السورة التي يذكر فيها البقرة، [والسورة التي يذكر فيها آل عمران] (¬5) والسورة التي يذكر فيها النساء كما في هذا الحديث. قال النووي: والصواب أن ذلك جائز لا كراهة فيه، وهو قول جماهير المسلمين من سلف الأمة وخلفها (¬6). والأحاديث فيه أكثر من أن تحصر لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من قرأ الآيتان من آخر سورة البقرة كفتاه" (¬7) وعلى هذا فأقل مراتب هذا الحديث أن يحمله على أنه خلاف الأولى، وأن الأولى أن يقول: السورة التي يذكر فيها كذا، بل يقال ¬

_ (¬1) زاد في (س، م): التي. وبياض في (ل). (¬2) في (م): السورة. (¬3) في (ص، س): توفيق. والمثبت من (م)، وبياض في (ل). (¬4) "الجامع لأحكام القرآن" 1/ 61. (¬5) سقط من (س، ل، م). (¬6) "شرح النووي على مسلم" 6/ 90. (¬7) رواه البخاري (4008، 4009)، ومسلم (807، 808).

بالكراهة، فإنها أدنى مراتب الحديث، ويكون فيه (¬1) جمع بين الأحاديث؛ فإن هذا الحديث أخرجه أصحاب السنن، وابن حبان، وأحمد، ويدل عليه أيضًا قوله (وتنزل عليه الآية والآيتان، فيقول مثل ذلك) أي: ضعوها في مكان كذا، وروي عن ابن عباس: آخر ما نزل من القرآن: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} (¬2) فقال جبريل: يا محمد ضعها في رأس ثمانين ومائتين من البقرة. (وكانت الأنفال (¬3) من أول ما أنزل عليه بالمدينة) فيه التصريح بأنها نزلت بالمدينة يعني إلا سبع آيات فإنها نزلت بمكة، وهي من قوله تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} (¬4) هذا هو الأصح، وإن كانت (¬5) الواقعة مكية. وفي الصَّحيحين من رواية سعيد بن جبير: قلت لابن عباس: سورة (¬6) الأنفال؟ قال: نزلت في بدر (¬7). (وكانت براءة من آخر ما نزل من القرآن) ونزلت جملة واحدة كما روى الثعلبي بإسناد واهٍ، عن عائشة: "ما نزل عليّ القرآن إلا آية آية، ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): تحته. (¬2) البقرة: 281. (¬3) في (م): الآيتان. (¬4) الأنفال: 30. (¬5) في (ص، س، ل): كان. (¬6) سقطت من (م). (¬7) أخرجه البخاري (4645)، ومسلم (3031) (31).

ما خلا سورة براءة، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)}؛ فإنهما نزلتا عليّ ومعهما سبعون ألف ملك من الملائكة" (¬1). والإجماع منعقد على أن براءة أيضًا نزلت بالمدينة سوى آيتين. (وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظننت أنها منها) زاد إسحاق بن راهويه في "مسنده": فلذلك قرنت بينهما. وهذا الحديث رواه أصحاب السنن، وابن حبان، وأحمد، وإسحاق، وأبو يعلى، والبزار من طريق يوسف بن مهران، عن ابن عباس، وذكروا الحديث سوى قوله: تدعى القرينتين. فلم يذكرها إلا إسحاق (¬2). (فمن هناك وضعتها (¬3) في السبع الطول) قال الزجاج: والشبه (¬4) الذي بين السورتين أن في الأنفال ذكر العهود، وفي براءة نقضها (¬5)، وكان قتادة يقول: هما سورة واحدة (¬6)، وقيل: إن الصحابة اختلفوا في أن سورة الأنفال وسورة براءة هل هما سورة واحدة أم سورتان؟ فقال بعضهم: سورة واحدة؛ لأنهما نزلتا في القتال، ومجموعهما معًا مائتان وخمس آيات، فكانت هي السابعة (¬7) من السبع الطول، وقال ¬

_ (¬1) أخرجه الثعلبي في "الكشف والبيان" 5/ 5. (¬2) انظر: "تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الكشاف" للزيلعي (519). (¬3) في (ص): وضعها. وفي (س): وصفها. (¬4) في (ص، س): التنبيه. (¬5) في الأصول الخطية: بعضها. والمثبت من "تفسير الخازن" 3/ 56، وتفسير "زاد المسير" لابن الجوزي. 3/ 390. (¬6) انظر: "زاد المسير" 3/ 390، و"تفسير الخازن" 3/ 56. (¬7) في (ص، س، ل): السابع.

بعضهم: هما سورتان، فلما حصل هذا الاختلاف من الصحابة تركوا بينهما فرجة تنبيهًا (¬1) على قول من يقول هما (¬2) سورتان، ولم يكتبوا بينهما بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تنبيهًا (¬3) على قول من يقول: هما سورة واحدة. (ولم أكتب بينهما سطرًا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فيه دلالة على أنهم كانوا يكتبون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بين غير هاتين السورتين سطرًا، قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أحسن ما يحتج به أصحابنا أن البسملة من القرآن في فواتح السور كتابتها في المصاحف في غير براءة، فكيف يتوهم عليهم أنهم كتبوا مائة وثلاثة عشر آية ليست من القرآن (¬4). وقال الغزالي: أظهر الأدلة كونها مكتوبة بخط القرآن، ونحن نقنع في هذِه المسألة (¬5) بالظن ولاشك أنه حاصل قالوا: أثبتت (¬6) للفصل بين السور؟ قلنا: كان الفصل ممكن بدون هذِه الزيادة في كتابة القرآن، وهو ما فصل به بين الأنفال وبراءة، لم (¬7) ينتقض بكتابتها في أول الفاتحة (¬8). ¬

_ (¬1) من (س، ل، م) (¬2) من (س، ل، م). (¬3) في (ص): بينما. (¬4) "معرفة السنن والآثار" للبيهقي 1/ 512. (¬5) في (ص، س، ل): البسملة. (¬6) في (ص، س): اثنين. (¬7) في (م): ثم. (¬8) "المستصفى" 1/ 82 - 83.

[787] (ثنا زياد بن أيوب) قال: (ثنا مروان بن معاوية) بن الحارث الفزاري الكوفي. قال أبو داود عن أحمد: ما كان أحفظه، كان يحفظ حديثه، قال: (أنا عوف) بن أبي جميلة (الأعرابي، عن يزيد الفارسي) قال: (حدثني ابن عباس بمعناه) و (قال فيه: فقبض (¬1) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يبين أنها منها) ولا بكتابتها في أولها، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر في كل سورة بكتابة {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فيها، فضمت إلى الأنفال لشبهها بها (¬2)، قاله أبي بن كعب. (قال الشعبي) واسمه عامر (وأبو مالك) سعد بن طارق الأشجعي (وقتادة وثابت بن عمارة) بضم العين الحنفي البصري، وثقه ابن معين وغيره وكذلك روى الأعمش. (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) كان يكتب باسمك اللهم حتى أُمِرَ أن يكتب بسم الله فكتبها فلما نزلت {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} (¬3) كتب بسم الله الرحمن. و(لم يكتب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قد يستدل به أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكتب؛ لأن مفهومه كان يكتب غيرها، وقد يجاب عنه بأن التقدير لم يأمر كاتبه أن يكتبها في شيء من كتبه (حتى نزلت سورة النمل) فكتب {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (هذا معناه). ¬

_ (¬1) في (م): فقضى. (¬2) من (م). (¬3) الإسراء: 110.

فائدة: روى القرطبي، عن ابن مسعود: من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر فليقل: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يجعل الله بكل حرف منها جُنَّة من كل واحد، فالبسملة تسعة عشر حرفًا على عدد الزبانية، قال الله فيهم: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30)} (¬1)، وهم يقولون في كل أفعالهم بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. فمن هنالك قوتهم (¬2). وروى البيهقي في "الشعب" عن أحمد بن حنبل، أنه قال: من لم يقرأ في كل سورة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فقد ترك مائة وثلاثة عشر آية من كتاب الله تعالى (¬3). قال الشهرزوري في "المصباح": إنما لم يقل: [أربعة عشر] (¬4)؛ لأن براءة لا بسملة فيها (¬5). [788] (ثنا قتيبة بن سعيد، وأحمد بن محمد المروزي، و) أحمد بن عمرو (بن السرح) المصري (قالوا: ثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بن دينار (عن سعيد بن جبير (¬6)، قال قتيبة) بن سعيد (عن ابن عباس قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يعرف فصل السورة) أي: انقضائها تدل عليه رواية ابن حبان: عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: إن المؤمنين كانوا في ¬

_ (¬1) المدثر: 30. (¬2) ذكره القرطبي "الجامع لأحكام القرآن" 1/ 92، ورواه الثعلبي مسندًا في "الكشف والبيان" 1/ 91. (¬3) "شعب الإيمان" للبيهقي 2/ 440. (¬4) في (م): أربع عشرة. (¬5) انظر تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف 1/ 22. (¬6) في (ص): جنيد.

عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يعلمون انقضاء السورة (¬1) (حتى تنزل (¬2) عليه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) زاد ابن حبان: فإذا نزل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ علموا أن السورة قد انقضت، ونزلت سورة أخرى. وأخرج الحاكم في "المستدرك على الصحيحين" ثلاثة أحاديث كلها عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. الأول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا جاءه جبريل فقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ علم أنها سورة (¬3). الثاني: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يعلم ختم السورة حتى تنزل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬4). الثالث: كان المسلمون لا يعلمون انقضاء السورة حتى تنزل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فإذا نزلت علم أن السورة قد انقضت (¬5). * * * ¬

_ (¬1) رواه ابن حبان كما في "إتحاف المهرة" 7/ 74 (7365). (¬2) في (ص، س، ل): نزلت. (¬3) "المستدرك" 1/ 231. (¬4) "المستدرك" 1/ 231. (¬5) "المستدرك" 1/ 232.

129 - باب في تخفيف الصلاة

129 - باب فِي تَخْفِيفِ الصَّلاةِ 790 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَهُ مِنْ جابِرٍ قال: كانَ مُعاذٌ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّنا - قال مَرَّةً: ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُصَلِّي بِقَوْمِهِ - فَأَخَّرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَيلَةً الصَّلاةَ - وقال مَرَّةً: العِشاءَ - فَصَلَّى مُعاذٌ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ جاءَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ، فَقَرَأَ البَقَرَةَ فاعْتَزَلَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ فَصَلَّى، فَقِيلَ: نافَقْتَ يا فُلانُ. فَقال: ما نافَقْتُ. فَأَتَى رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقال: إِنَّ مُعاذًا يُصَلِّي مَعَكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّنا يا رَسُولَ الله وَإِنَّما نَحْنُ أَصْحابُ نَواضِحَ وَنَعْمَلُ بِأَيْدِينا وَإِنَّهُ جاءَ يَؤُمُّنا فَقَرَأَ بِسُورَةِ البَقَرَةِ. فَقال: "يا مُعاذُ أَفَتّانٌ أَنْتَ أَفَتّانٌ أَنْتَ اقْرَأْ بِكَذا اقْرَأْ بِكَذا". قال أَبُو الزُّبَيْرِ بِـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} فَذَكَرْنا لِعَمْرٍو فَقال: أُراهُ قَدْ ذَكَرَهُ (¬1). 791 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا طالِبُ بْنُ حَبِيبٍ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جابِرٍ يُحَدِّثُ، عَنْ حَزْمِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّهُ أَتَى مُعاذَ بْنَ جَبَلٍ وَهُوَ يُصَلِّي بِقَوْمٍ صَلاةَ المَغْرِبِ فِي هذا الخبَرِ قال: فَقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يا مُعاذُ لا تَكُنْ فَتّانًا فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَراءَكَ الكَبِيرُ والضَّعِيفُ وَذُو الحاجَةِ والمُسافِرُ" (¬2). 792 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا حُسَيْنُ بْنُ عَليٍّ، عَنْ زائِدَةَ، عَنْ سُلَيْمانَ، عَنْ أَبِي صالِحٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِرَجُلٍ: "كَيْفَ تَقُولُ فِي الصَّلاةِ". قال: أَتَشَهَّدُ وَأَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النّارِ، أَما إِنِّي لا أُحْسِنُ دَنْدَنَتَكَ وَلا دَنْدَنَةَ مُعاذٍ. فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "حَوْلَها ¬

_ (¬1) رواه البخاري (701)، ومسلم (465). (¬2) رواه البزار في "كشف الأستار" 1/ 237 (483)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 10/ 411 (4217)، والبيهقي 3/ 117. وضعفه الألباني (142).

نُدَنْدِنُ" (¬1). 713 - حَدَّثَنا يَحْيَى بْن حَبِيبٍ، حَدَّثَنا خالِدُ بْنُ الحارِثِ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن عَجْلانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ جابِرٍ ذَكَرَ قِصَّةَ مُعاذٍ قال: وقال -يَعْنِي: النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لِلْفَتَى-: "كَيْفَ تَصْنَعُ يا ابن أَخِي إِذا صَلَّيْتَ؟ ". قال: أَقْرَأُ بِفاتِحَةِ الكِتابِ وَأَسْأَلُ اللهَ الجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِهِ مِنَ النّارِ وَإِنِّي لا أَدْرِي ما دَنْدَنَتُكَ وَلا دَنْدَنَةُ مُعاذٍ. فَقال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي وَمُعاذٌ حَوْلَ هاتَيْنِ". أَوْ نَحْوَ هذا (¬2). 794 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُريرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ فَإِن فِيهِمُ الضَّعِيفَ والسَّقِيمَ والكَبِيرَ وَإِذا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ ما شاءَ" (¬3). 795 - حَدَّثَنا الْحَسَنُ بْنُ عَليٍّ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابن المسَيَّب وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمُ السَّقِيمَ والشَّيْخَ الكَبِيرَ وَذا الحاجَةِ" (¬4). * * * باب تخفيف الصلاة (¬5) [790] (ثنا أحمد بن حنبل، ثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بن دينار ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (910)، وأحمد 3/ 474. وصححه الألباني (757). (¬2) رواه البخاري في "القراءة خلف الإمام" (176)، وابن خزيمة 3/ 64، والبيهقي 3/ 116. وصححه الألباني (758). (¬3) رواه مسلم (467). (¬4) رواه مسلم (467). (¬5) تقدم هذا الباب هنا على الباب الآتي. وفي المطبوع: باب تخفيف الصلاة للأمر يحدث، ثم: باب في تخفيف الصلاة.

(سمعه من جابر) بن عبد الله - رضي الله عنهما -؛ لأنه (¬1) ووالده صحابيان (كان معاذ) ابن جبل (يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يرجع فيؤمنا) و (قال مرة) أخرى (ثم يرجع فيصلي بقومه) لفظ البخاري: ثم يأتي قومه فيصلي بهم (¬2). وفي هذا الحديث جواز صلاة المفترض خلف المتنفل؛ لأن معاذًا كان يصلي الفريضة (¬3) مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فيسقط فرضه، ثم يصلي مرة ثانية بقومه فهي له تطوع، ولهم فريضة، وقد جاء هذا مصرحًا به فيما رواه البيهقي، عن أبي عاصم، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار عن جابر أن معاذًا كان يصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشاء ثم ينصرف إلى قومه فيصلي بهم فهي له تطوع ولهم فريضة (¬4). ورواه عن ابن جريج أيضًا عبد الرزاق بمثله إلا أنه قال: فيصلي بهم تلك الصلاة هي له نافلة، ولهم فريضة (¬5). والزيادة من الثقة مقبولة، وهذا جائز عند الشافعي وأحمد، ولم يجزه مالك وأبو حنيفة، وتأولوا حديث معاذ على أنه كان يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - تنفلًا، ومنهم من تأوله على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعلم به، ومنهم من قال في حديث جابر (¬6): "هي له تطوع، ولهم فريضة". إنه قول ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): لأنهما. (¬2) "صحيح البخاري" (711). (¬3) من (م). (¬4) "السنن الكبرى" للبيهقي 3/ 86. (¬5) رواه الدارقطني "سننه" 1/ 275، والبيهقي "السنن الكبرى" 3/ 86 من طريق عبد الرزاق. (¬6) من (م).

بعض الرواة يعني: مدرجًا في آخر (¬1) الحديث. قال البيهقي: بل هو قول جابر؛ فإن الأصل أن ما كان موصولًا بالحديث كان منه، إلا أن تقوم دلالة على التمييز (¬2). (فأخر النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة الصلاة - وقال مرة) أخر صلاة (العشاء) فيه: ترجيح القول المرجوح أن تأخير العشاء أفضل. (فصلى معاذ مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم جاء يؤم قومه (¬3) فقرأ البقرة) أي: افتتحها. لرواية مسلم: فأمهم فافتتح سورة البقرة فانحرف رجل (¬4). وفيه: جواز قول: سورة البقرة، وسورة النساء، وسورة المائدة، ومنعه بعض السلف، وزعم أنه لا يقال إلا: السورة التي يذكر فيها البقرة، وهو خطأ صريح. (فاعتزل رجل من القوم) قال الخطيب: هذا الرجل حرام بن ملحان خال أنس (¬5). وسماه المصنف: حزم بن أبي بن كعب، عم كعب بن مالك بن كعب وكذا سماه البخاري في "تاريخه الكبير" (¬6)، وذكر المصنف أيضًا: أنه حزم بن أبي بن كعب بن أبي الغيث، وذكر النسائي (¬7) أنه حرام بالمهملة. ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "معرفة السنن والآثار" 2/ 365 - 366. (¬3) في (ص): قوم. وسقط من (س). (¬4) "صحيح مسلم" (465) (178). (¬5) "الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة" ص 51. (¬6) "التاريخ الكبير" (373). (¬7) "السنن الكبرى" للنسائي (11673).

(فصلى) لفظ مسلم: "فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف، فقالوا له: أنافقت" (¬1). واستدل أصحابنا، وغيرهم بهذا الحديث على أنه يجوز للمأموم أن ينوي المفارقة ويتم صلاته منفردًا. وفي المسألة ثلاثة أوجه أصحها عند أصحابنا أنه يجوز المفارقة لعذر ولغير عذر والعذر ما يسقط به عنه الجماعة ابتداء، وكذا تطويل القراءة على الأصح أو خوف شيء يفسد صلاته. قال النووي: هذا الاستدلال ضعيف؛ لأنه ليس في الحديث أنه فارقه وبنى على صلاته، بل في الرواية الأولى - يعني: لمسلم - أنه سلم وقطع الصلاة من أصلها، ثم استأنفها وهذا لا دليل فيه للمسألة المذكورة، وإنما يدل على جواز قطع الصلاة وإبطالها لعذر. والله أعلم (¬2). قلت: وهو عجيب منه فإن رواية مسلم ليس فيها أنه قطع الصلاة من أصلها، ولا أنه استأنفها، بل لفظه فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده، ويمكن أن يكون هذا الرجل قلبها نفلًا وسلم من صلاته وصارت له تطوعًا، ثم أعاد صلاة العشاء كاملة وحده كمن دخل المسجد فصلى ركعتين أو ثلاثًا ينوي بها الظهر، ثم جاء المؤذن فأقام الصلاة وصلى بهم الإمام فقلب (¬3) الصلاة تطوعًا، وسلم من صلاته وجعلها تطوعًا، ثم دخل مع الإمام وأتم صلاته. والله أعلم. ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (465) (178). (¬2) "شرح النووي" (4/ 182). (¬3) في (ص، س، ل): فقلبت.

(فقيل) له (نافقت يا فلان) وفيه: الإنكار على المكروهات كما في المحرمات، وفيه: الاكتفاء في تغيير المنكر بالكلام دون الفعل ونسبوه إلى النفاق؛ لأنه فعل ما (¬1) لا يجوز فعله (¬2) في الشريعة، وهذا من خصال المنافقين. وفي "صحيح البخاري": قال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من (¬3) أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كلهم يخاف النفاق على نفسه (¬4) (فقال: ما نافقت) وهذا من أحاسن أخلاق الصحابة حيث (¬5) نسبوه إلى النفاق فلم يسبهم ولا عنفهم بل نفى النفاق عن نفسه. (فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال) يا رسول الله (إن معاذًا يصلي معك ثم يرجع فيؤمنا) (¬6) بعد ما صلى (يا رسول الله، وإنما نحن أصحاب نواضح) جمع ناضح وهو البعير الذي يستقى عليه، والأنثى ناضحة سميت بذلك لنضحها الماء باستقائها، والنضح الرش. (ونعمل) أعمالنا (بأيدينا) ونباشرها بأنفسنا دون خدام ولا أجراء ولا نأتي من أعمالنا إلى المساء (وإنه جاء يؤمنا، فقرأ بسورة البقرة) بكمالها، وفيه شاهد على أن قرأ يتعدى بنفسه وبالباء. (فقال: يا معاذ أفتان أنت أفتان أنت) وللبخاري: "فتان فتان فتان" ¬

_ (¬1) في (ص): مما. (¬2) سقط من (س، م). وضرب عليها في (ل). (¬3) من (س، ل، م). (¬4) "صحيح البخاري" (47). (¬5) في (ص): حين. (¬6) في (ص): فتوضأ.

ثلاث مرار (¬1). ولمسلم: " أتريد أن تكون فاتنًا" (¬2). وفي قول المصنف: "أفتان أنت". شاهد على قول النحاة مبتدأ له فاعل سد مسد الخبر؛ فإن الهمزة همزة استفهام، وفتان مبتدأ، وأنت فاعل أغنى عن الخبر، وجاز الابتداء بالنكرة لاعتمادها على همزة الاستفهام، والمعنى: أأنت منفر عن الدين (¬3) وصاد (¬4) عنه المصلين بفتنتك في التطويل (اقرأ بكذا اقرأ بكذا) كذا كناية عن مبهم، ولعله ذكره مبينًا، فلما نسيه أبهم ذكره، وقد فسره أبو الزبير بعده. (قال أبو الزبير) محمد بن مسلم المكي، مولى حكيم بن حزام: اقرأ (بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)}) نص على سبح؛ لأنه ورد أنه كان يحبها ({وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1)}) (¬5). يحتمل أن يراد اقرأ في الأولى بسبح، وفي الثانية بالليل، وفيه إشارة إلى أن الأولى تكون أطول من الثانية وأنها تكون فوق الثانية على ترتيب السور، وزاد البخاري: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1)} (¬6). وهذِه السور ذكرها على سبيل المثال، والضابط كما في البخاري: من سورتين من أوسط ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (701). (¬2) "صحيح مسلم" (465) (179). (¬3) في (ص): الذنب. (¬4) في (ص): حاد. (¬5) أخرجه مسلم (465) (178)، والنسائي في "المجتبى" 2/ 102، وأحمد 3/ 308، وابن خزيمة (521)، وابن حبان (1840) من طريق سفيان به نحوه. وأخرجه البخاري (705) من طريق محارب بن دثار قال: سمعت جابر به نحوه. (¬6) "صحيح البخاري" (705).

المفصل (¬1). وفيه حجة لما قاله أصحابنا وغيرهم: يستحب أن يقرأ في الصبح والظهر من طوال المفصل، وفي العصر والعشاء من أوساط المفصل، وفي المغرب من قصاره. (فذكرنا لعمرو) بن دينار ما قال أبو الزبير (فقال: أراه) بضم الهمزة، أي: أظنه كما (قد ذكره) أبو الزبير. [791] (ثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (ثنا طالب بن حبيب) بن عمرو بن سهل بن قيس الأنصاري، ويقال له: طالب بن الضجيع (¬2)؛ لأن جده سهل بن قيس بن أبي بن كعب، وهو ابن عم كعب بن مالك أحد من استشهد يوم أحد (¬3)، وكان ضجيع حمزة بن عبد المطلب، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4) ولم يذكر له المصنف غير هذا الحديث قال (سمعت عبد الرحمن بن جابر) بن عبد الله الأنصاري أبا عتيق (يحدث عن حزم) بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي (ابن أُبي بن كعب) الأنصاري السلمي الصحابي، وهو الذي طول عليه معاذ في العشاء كما تقدم في حديثه [(أنه أتى] (¬5) معاذ بن جبل وهو يصلي بقوم صلاة المغرب) لعل المراد بالمغرب هنا العشاء؛ لأنه اشتهر عند العرب إطلاق لفظ العشاء على المغرب، ففي "صحيح البخاري": "لا ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (701). (¬2) في (ص، س، ل): الضجع. (¬3) في (م): بدر. (¬4) "الثقات" (6/ 492). (¬5) في (ص): ابن أبي.

تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم المغرب" قال: وتقول: الأعراب العشاء (¬1). فلو قال الشارع: لو تعلمون ما في الصبح والعشاء، لتوهموا أن المراد المغرب (في هذا الخبر) الذي قبله. (قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا معاذ لا تكن فتانا) تصرفهم عن الدين وتحملهم على الضلال (فإنه يصلي وراءك) الشيخ (الكبير، و) المريض (الضعيف، وذو الحاجة) أي: صاحب حاجة يريد أن يقضيها بعد الصلاة. (والمسافر) فيه فضيلة الجماعة للضعيف والمسافر، وأن فضيلة الجماعة مقدمة على حاجة الآدمي. [792] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا حسين بن علي) بن الوليد الجعفي. (عن زائدة) بن قدامة (عن سليمان) (¬2) بن مهران الأعمش (عن أبي صالح) [باذام مولى أم هانئ ثقة] (¬3). (عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -) لعل البعض أبو هريرة؛ لأن ابن ماجه روى هذا الحديث عن أبي صالح، عن أبي هريرة. (قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لرجل) قال الخطيب: هو سليم يعني: ابن الحارث بن ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (563). (¬2) في (م): سليم. (¬3) كذا في جمع الأصول الخطية: باذام مولى أم هانئ. وفيه نظر؛ فإن أبا صالح هذا هو ذكوان السمان كما عند الحافظ المزي في "تحفة الأشراف" (15565)، وصرح به العيني في شرحه هذا الحديث في "شرح سنن أبي داود" 3/ 250. أما باذام مولى أم هانئ؛ فقد تكلم فيه جماعة من الأئمة، وقال ابن عدي: لا أعلم أحدًا من المتقدمين رضيه. وانظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 9/ 83.

ثعلبة الأنصاري السلمي البدري قتل يوم أحد (¬1). (كيف تقول في الصلاة) إذا جلست للتشهد؟ (قال: أتشهد) (¬2) أي: أقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله. (وأقول: اللهم إني أسألك الجنة، وأعوذ بك من النار، أما) والله (إني لا أُحْسِنُ دندنتك، ولا دندنة معاذ) الدندنة أن يتكلم الرجل الكلام يسمع نغمته ولا يفهم معناه وهو أرفع من الهينمة قليلًا. (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: حَوْلَهَا) كذا في نسخ أبي داود وفي بعض نسخ ابن ماجه، والرواية الصحيحة لابن ماجه: "حولهما ندندن" (¬3). أي: حول الجنة والنار وفي طلبهما، ويروى: "عنهما ندندن"، ومعناه: دندنتنا (¬4) صادرة (¬5) عنهما، وكائنة بسببهما. [793] (ثنا يحيى بن [حبيب) بن عربي] (¬6) البصري، ثقة (ثنا خالد بن الحارث) الهجيمي البصري. (ثنا محمد بن عجلان) القرشي أخرج له مسلم (عن عبيد الله) ¬

_ (¬1) "الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة" ص 116. (¬2) في (ص): التشهد. (¬3) أخرجه أحمد 3/ 474 من طريق زائدة، وأخرجه ابن ماجه في "سننه" (910)، وابن خزيمة في "صحيحه" (725)، وابن حبان في "صحيحه" (868) من طريق جرير بن عبد الحميد عن الأعمش به. وقال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (757): إسناده صحيح. (¬4) في (ص، س): دندنا. (¬5) في (م): صارت. (¬6) في (ص): حبير بن عدي.

بالتصغير (ابن مقسم) أخرج له الشيخان. (عن جابر) بن عبد الله (ذكر قصة معاذ) بن جبل (قال: [وقال: يعني] (¬1) النبي - صلى الله عليه وسلم -[للفتى] (¬2): كيف تصنع يا ابن أخي إذا صليت؟ قال: أقرأ) في القيام (بفاتحة الكتاب، و) في الجلوس الأخير (أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار) فيه صحة الصلاة بالفاتحة دون غيرها، وقد يؤخذ منه الاقتصار في التشهد على ما ذكر لولا الأحاديث الصحيحة تعارضه (¬3) (ولا أدري [ما] (¬4) دندنتك ولا دندنة معاذ) تقدم. (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إني ومعاذ (¬5) حول هاتين) يعني الجنة والنار ندندن (أو) قال (نحو هذا). [794] (ثنا) عبد الله بن مسلمة (¬6) (القعنبي، عن مالك، عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان. (عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن (¬7) النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا صلى أحدكم) ولمسلم: "إذا أَمَّ أحدكم" (¬8). (للناس فليخفف) زاد مسلم: ¬

_ (¬1) في (م): يعني قال. (¬2) من المطبوع. (¬3) في (م): تعارضت. (¬4) من المطبوع. (¬5) في (ص، س، ل): معاذًا. (¬6) في (م): مسلم. (¬7) في (ص): عن. (¬8) "صحيح مسلم" (467) (183).

"الصلاة" (¬1). وفيه الأمر بالتخفيف (¬2) بحيث لا يخل بمقاصدها إلا إذا كان ورائه قوم يريدون التطويل كما إذا اجتمع قوم لقيام الليل (فإن فيهم الضعيف) يحتمل أن يراد به النحيف البدن الذي يشق عليه التطويل. (والسقيم) هو المريض ليس إلا (والكبير) [السن الهرم] (¬3) (وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء) في الأركان التي تحتمل (¬4) التطويل، وهي القيام والركوع والسجود والتشهد دون الاعتدال والجلوس بين السجدتين، واستثنى بعضهم المغرب، وكذا ركعتي (¬5) الفجر. [795] (ثنا الحسن بن علي) الهذلي شيخ الشيخين (ثنا عبد الرزاق، أنا (¬6) معمر (¬7)، عن الزهري، عن) سعيد (بن المسيب، وأبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا صلى أحدكم للناس فليخفف؛ فإن فيهم) فيه تبيين العلة في الأحكام لكونه أدعى في القبول والعمل (السقيم، والشيخ الكبير، وذا الحاجة) فيه الرفق بالمأمومين والأتباع ومراعات مصلحتهم، وأن لا يدخل شيئًا يشق عليهم وإن كان يسيرًا من غير ضرورة، فإنه مسئول عن رعيته والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (467) (184). (¬2) في (م): تخفيف. (¬3) في (م): الشيء الهم، وفي (س): السن الهم. (¬4) في (ص، س): تحمل. (¬5) في النسخ: ركعتا. (¬6) في (م): عن. (¬7) في (ص، س، ل): المعمر.

128 - باب تخفيف الصلاة للأمر يحدث

128 - باب تَخْفِيفِ الصَّلاةِ لِلأَمْرِ يَحْدْثُ 789 - حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الواحِدِ وَبِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ الأَوْزاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتادَةَ، عَنْ أَبِيهِ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي لأَقُومُ إِلَى الصَّلاةِ وَأَنا أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيها، فَأَسْمَعُ بُكاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ كَراهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ" (¬1). * * * باب تخفيف الصلاة لأمر يحدث [789] (ثنا عبد الرحمن بن إبراهيم) قال: (ثنا عمر (¬2) بن عبد الواحد، وبشر) بكسر الموحدة (ابن بكر) (¬3) البجلي الدمشقي الأصل أخرج له البخاري. (عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة) روى له الجماعة. (عن أبيه) الحارث بن ربعي الأنصاري مات في خلافة عليّ بالكوفة وهو ابن سبعين سنة، صلى عليه عليٌّ فكبَّر سبعًا. (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إني لأقوم إلى الصلاة) رواية البخاري: "لأقوم في الصلاة" (¬4) (وإني أريد أن أطول فيها) فيه أن من قصد في الصلاة الإتيان بشيء مستحب لا يجب عليه الوفاء به خلافًا لأشهب حيث (¬5) ذهب: أن من نوى التطوع قائمًا ليس له أن يتمه جالسًا (¬6). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (707). (¬2) في (ص، س، ل): عمرو. (¬3) في (م): بكير. (¬4) "صحيح البخاري" (707). (¬5) في (ص، س، ل): حين. (¬6) "مواهب الجليل" 2/ 273.

(فأسمع بكاء الصبي) استدل به على جواز إدخال الأطفال (¬1) المسجد، وفي الحديث: "جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم" (¬2) وقد يقال في هذا الحديث: يحتمل أن يكون الصبي كان متخلفًا في بيت يقرب من المسجد بحيث يسمع بكاؤه، وعلى جواز صلاة النساء في الجماعة مع الرجال، وفيه شفقة النبي - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه ومراعاة أحوال الكبير منهم والصغير. قال ابن بطال: احتج به من قال: يجوز للإمام إطالة الركوع إذا سمع بحس داخل ليدركه (¬3). وتعقبه ابن المنير (¬4) بأن التخفيف نقيض (¬5) التطويل فكيف يقاس عليه، ثم إن فيه مغايرة للمطلوب؛ لأن فيه إدخال مشقة (¬6) على جماعة لأجل واحد، قال محمد بن الحسن: أخشى أن يكون شركًا (¬7). (فأتجوز كراهية أن أشق على أمه) فيه كمال شفقة النبي - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه من النساء والرجال والأطفال. * * * ¬

_ (¬1) في (م): الصبيان. وفي (س، ل): الأطفال الصبيان. (¬2) أخرجه ابن ماجه (750) من حديث واثلة بن الأسقع. وضعفه الحافظ في "التلخيص" 4/ 456 - 457. (¬3) "شرح ابن بطال" 2/ 336. (¬4) انظر: "المتواري على أبواب البخاري" ص 122 بنحوه. (¬5) في (ص، س، ل): يقتضي. والمثبت من (م) و"فتح الباري". (¬6) في (ص، س، ل): شفقة. والمثبت من (م)، و"فتح الباري". (¬7) "فتح الباري" 2/ 203.

130 - باب ما جاء في نقصان الصلاة

130 - باب ما جاءَ فِي نُقْصانِ الصَّلاةِ 796 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ، عَنْ بَكْرٍ -يَعْنِي: ابن مُضَرَ- عَنِ ابن عَجْلانَ، عَنْ سَعِيدٍ المقْبُرِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَنَمَةَ المُزَنِيِّ، عَنْ عَمّارِ بْنِ ياسِرٍ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْصَرِفُ وَما كُتِبَ لَهُ إِلَّا عُشْرُ صَلاتِهِ تُسْعُها ثُمُنُها سُبُعُها سُدُسُها خُمُسُها رُبُعُها ثُلُثُها نِصْفُها" (¬1). * * * [باب ما جاء في نقصان الصلاة] (¬2) [796] (ثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي. (عن بكر بن مضر) بن محمد القرشي مولى شرحبيل بن حسنة أخرج له الشيخان. (عن) محمد (بن عجلان، عن سعيد المقبري، عن عمر بن الحكم) ابن ثوبان، أخرج له مسلم. (عن عبد الله بن عنمة) بفتح العين المهملة والنون (¬3) والميم، له عند المصنف والنسائي هذا الحديث فقط، ويقال: فيه عبد الرحمن بن (¬4) عنمة (عن عمار بن ياسر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن الرجل ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (868)، وابن ماجه (991) من طريق بشر بن بكر به. (¬2) ليست بالأصول الخطية وأدرجتها من مطبوعة "سنن أبي داود". (¬3) رواه أحمد 4/ 319، والنسائي في "الكبرى" 1/ 211 (611)، وابن حبان 5/ 210 (1889). قال الألباني (761): حديث حسن. وأخرجه أحمد بإسناد صححه الحافظ العراقي. (¬4) في (ل، م): أبو. وسقطت من (س، ص)، والمثبت الصواب.

لينصرف) يعني: من صلاته (وما كتب له) منها (إلا عشر (¬1) صلاته) ولأحمد زيادة في أوله: أن عمار بن ياسر صلى صلاة فأخفها فقيل له: يا أبا اليقظان خففتَ! فقال: هل رأيتموني نقصت من حدودها شيئًا؟ فقالوا: لا. قال: إني بادرت سهو الشيطان، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الرجل ليصلي صلاة لا يكتب له نصفها ". الحديث إلى آخره (¬2)، أو كما قال. قال (¬3) العراقي: وإسناده صحيح (¬4). وفي هذا الحديث الحث الأكيد والحض الشديد على الخشوع والخضوع في الصلاة، وحضور القلب مع الله تعالى، والإتيان بالسنن (¬5) والآداب الزائدة على الفرائض والشرائط؛ فإن الصلاة لا تقع صحيحة، ويكتب للمصلي فيها أجر كالعشر والتسع (¬6) ونحوهما إلا إذا أتى بهما كاملين، فمتى أَخَلَّ بفرض أو شرط منها لم تصح، ولم يكتب له (¬7) أجر أصلًا. ويدل على هذا قول عمار في أول الحديث: هل رأيتموني تركت من حدودها شيئًا. وقوله: إني بادرت سهو الشيطان. يدل على أن سبب ذهاب تسعة أعشار فضيلة الصلاة من وسوسة الشيطان، وذكره شيئًا من الأمور ¬

_ (¬1) زاد في (ص، س): من. (¬2) "مسند أحمد" 4/ 321. (¬3) من (س، ل، م). (¬4) انظر: "المغني في حمل الأسفار" 1/ 119 - 120 (462). (¬5) في (م): بالشيء. (¬6) في (م): السبح. (¬7) في (م): لها.

الدنيوية واسترساله في ذكره، ومن أعرض عما يذكره به الشيطان، ولم يسترسل معه لا ينقص من أجره شيئًا، كما دل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها" (¬1)، وهذا العشر الذي يكتب للمصلي يكمل به تسعة الأعشار من التطوعات. كما روى الحافظ أبو يعلى، عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله أول ما يُحَاسِبُ به الصلاة يقول: انظروا في صلاة عبدي فإن كانت تامة كتبت تامة، وإن كانت ناقصة يقول: انظروا هل لعبدي من تطوع، فإن كان له تطوع تمت (¬2) الفريضة من التطوع" (¬3) الحديث (¬4). ويقال: إن الصلوات الخمس تلفق بعضها إلى بعض حتى يتم للعبد بها صلاة واحدة. وقيل: من الناس من يصلي خمسين صلاة فيكمل له بها خمس صلوات (تسعها) بضم التاء هو وما بعده مرفوع على أنه بدل مما قبله، وقد ذكر هذا الحديث أقضى القضاة أبو العباس الحلبي في "شرح التسهيل" مثالًا (¬5) لبدل البداء بفتح الباء الموحدة [وبعدها دال مهملة، والكلمة ممدودة] (¬6)، ونقل عن بعضهم أن البدل مقصود كالأول المبدل منه، وخالف في ذلك ابن مالك (¬7)؛ فإنه جعل الثاني مقصودًا ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5269)، ومسلم (127) (201)، والترمذي (1183)، والنسائي في "المجتبي" 6/ 157، وابن ماجه (2040) من حديث أبي هريرة. (¬2) في (م): تممت. (¬3) "مسند أبي يعلى" (4124)، وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب" (211). (¬4) في (م): لو كانت. (¬5) في (م)، (ص): مما لا. (¬6) من (ل). (¬7) "شرح ابن عقيل" (3/ 249).

كالأول، كما في بدل الاضطراب، ولفظه في "التسهيل": وبدل اضطراب أو بداء أن باين الأول (¬1) مطلقًا وقصدًا، وإلا فبدل غلط. وقال في شرحه: بدل البدأ كالناسخ والمنسوخ ولو جعل بينهما أي: بين البدل والمبدل منه بل لكان حسنًا، لكن يزول عنه ببل (¬2) إطلاق البدل؛ لأن البدل تابع بلا متبع، والذي يظهر لي من الحديث وهو المتبادر [إلى الذهن] (¬3) أن قوله: تسعها (ثمنها) بضم الميم، ويجوز التسكين تخفيفًا (سبعها) بضم الموحدة (سدسها، خمسها) وكذا ما بعده بدل تفصيل (¬4) كما في قول الشاعر: وكنت كذي رِجْلَيْن رِجْل صحيحة ... وَرِجْل رَمَى فِيهَا الزَّمَان فَشُلَّتِ وكذا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فأذن (¬5) لها بنفسين نفس في الشتاء، ونفس في الصيف" (¬6). والمراد أن (¬7) اختلاف المقدار في التسع، والثمن، والسبع، ونحوه يختلف باختلاف الأشخاص بحسب (¬8) الخشوع والتدبر، ونحو ذلك مما يقتضي الكمال، كما في صلاة الجماعة: خمس وعشرون (¬9)، وسبع ¬

_ (¬1) في (ص)، (س): نائب لأول. (¬2) في (ص): نيل. وفي (م): بل. والمثبت من (ل). (¬3) في (ص): الذهب. (¬4) في (ص، س): يقصد. (¬5) في (م): فإن. (¬6) أخرجه البخاري (537)، ومسلم (617) (185). (¬7) من (م). (¬8) في (ص): بحسن. (¬9) يشير بذلك إلى قوله - صلى الله عليه وسلم - في فضل صلاة الجماعة: "تفضل صلاة الجميع صلاة =

وعشرون (¬1). ويدل على أن المراد به التفصيل ما رواه النسائي بإسناد حسن عن أبي اليسر -بالياء المثناة تحت والسين المهملة مفتوحتين-، واسمه كعب بن عمرو السلمي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "منكم من يصلي الصلاة كاملة ومنكم من يصلي النصف والثلث والربع والخمس" حتى بلغ العشر (¬2). (ربعها) بضم الراء (¬3) وإسكان الباء، وربيع (¬4) بفتح الراء وكسر الباء وبعدها ياء ثلاث لغات ذكرها في "المُحْكَم" قال: ويطرد ذلك عند بعضهم في هذِه الكسور كلها (¬5) (ثلثها، نصفها) ومقتضى تبويب المصنف على هذا الحديث نقصان أجر الصلاة لمن خففها لأمر حدث، وقياس ما ورد في أن (¬6) من صلى قاعدًا مع العذر لا ينقص من أجره شيء، وأن من تأخر عن الجماعة لعذر يكتب له أجر الجماعة أن له الأجر كاملًا. * * * ¬

_ = أحدكم وحده بخمس وعشرين جزءًا .. " الحديث. أخرجه البخاري (648)، ومسلم (1418) وغيرهما من حديث أبي هريرة. (¬1) يشير بذلك إلى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة" والحديث أخرجه البخاري (645)، ومسلم (1421) وغيرهما من حديث ابن عمر. (¬2) "السنن الكبرى" للنسائي (613). (¬3) في (م): الباء. (¬4) في (ص، س، ل): ربع. (¬5) "المحكم" لابن سيده، مادة: ربع. (¬6) زاد في (ص): أن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهي زيادة مقحمة.

131 - باب ما جاء في القراءة في الظهر

131 - باب ما جَاءَ فِي القِراءَةِ فِي الظُّهْر 797 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ وَعُمارَةَ بْنِ مَيْمُونٍ وَحَبِيبٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَباحٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قال: فِي كُلِّ صَلاةٍ يُقْرَأ فَما أَسْمَعَنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أسمَعْناكُمْ وَمَا أُخْفَى عَلَيْنا أَخْفَيْنا عَلَيْكُمْ (¬1). 798 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ هِشامِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ ح، وحَدَّثَنا ابن الْمُثَنَّى، حَدَّثَنا ابن أَبِي عَدِيٍّ، عَنِ الحَجِّاجِ - وهذا لَفْظُهُ - عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتادَةَ، - قال ابن المُثَنَّى: وَأَبِي سَلَمَةَ - ثُمَّ اتَّفَقا عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قال: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي بِنا فَيَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ والعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأولَيَيْنِ بِفاتِحَةِ الكِتابِ وَسُورَتَيْنِ وَيُسْمِعُنَا الآيَةَ أَحْيانًا وَكانَ يُطَوِّل الرَّكْعَةَ الأوُلَى مِنَ الظُّهْرِ وَيُقَصِّرُ الثَّانِيَةَ وَكَذَلِكَ في الصُّبْحِ (¬2). قال أَبُو دَاوُدَ: لَمْ يَذْكُرْ مُسَدَّدٌ فاتِحَةَ الكِتابِ وَسُورَةً. 799 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْن عَلِيٍّ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ، أَخْبَرَنا هَمَّامٌ وَأَبَانُ بْنُ يَزِيدَ العَطَّارُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتادَةَ، عَنْ أَبِيهِ بِبَعْضِ هَذَا، وَزادَ فِي الأُخْرَيَيْنِ بِفاتِحَةِ الكِتابِ. وَزادَ عَنْ هَمّامٍ قال: وَكانَ يُطَوِّل فِي الرَّكْعَةِ الأولَى ما لا يُطَوِّلُ فِي الثَّانِيَةِ وَهَكَذا فِي صَلاةِ العَصْرِ وَهَكَذا فِي صَلاةِ الغَداةِ (¬3). 800 - حَدَّثَنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتادَةَ، عَنْ أَبِيهِ قال: فَظَنَنَّا أَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يُدْرِكَ النَّاسُ الرَّكْعَةَ الأُوْلَى (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (772)، ومسلم (396). (¬2) رواه البخاري (759)، ومسلم (451). (¬3) رواه مسلم (451). (¬4) "مصنف عبد الرزاق" 2/ 104 (2675)، ورواه البيهقي 2/ 66، وصححه الألباني (763).

801 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ الواحِدِ بْن زِيادِ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ عُمارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ قال: قُلْنا لِخبَّابٍ: هَلْ كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقْرَأ في الظُّهْرِ والعَصْرِ؟ قال: نَعَمْ. قُلْنا: بِمَ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ ذاكَ؟ قال: بِاضْطِرابِ لْحِيَتِهِ (¬1). 802 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا عَفَّانُ، حَدَّثَنا هَمَّامٌ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جُحادَةَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَقُومُ فِي الرَّكعَةِ الأولَى مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ حَتَّى لا يَسْمَعَ وَقْعَ قَدَمٍ (¬2). * * * باب القراءة في الظهر [797] (ثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي، قال: (ثنا حماد) بن سلمة (عن قيس بن سعد) المكي الحبشي مفتي مكة، أخرج له مسلم (وعمارة) بضم العين (ابن ميمون) انفرد به المصنف، لم يرو عنه غير قيس فقط (¬3) (وحبيب) المعلم أبو محمد (عن عطاء بن أبي رباح، أن أبا هريرة قال: في كل (¬4) صلاة يقرأ) كذا رواية البخاري (¬5)، قال ابن حجر: هو بضم أوله انتهى. وفي بعض النسخ: في كل الصلاة نقرأ. بفتح النون أوله، قال ابن حجر: وهذا وإن كان موقوفًا على أبي هريرة فقوله فيما بعد: ما أسمعنا، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (746). (¬2) رواه أحمد 4/ 356، وابن أبي شيبة 1/ 337 (3419)، البزار 8/ 302 (3376)، والبيهقي 2/ 66. وضعفه الألباني (143). (¬3) من (م). (¬4) في (ص): لكل. (¬5) "صحيح البخاري" (772).

وما أخفى (¬1) عنا، يشعر بأن جميع ما ذكره متلقى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيكون للجميع (¬2) حكم المرفوع (¬3). ويحتمل أن يكون المراد بقوله: كل صلاة. أي كل ركعة لما في حديث الأعرابي المتفق عليه حيث (¬4) قال له: "اقرأ بأم القرآن"، ثم قال: في آخره: "ثم اصنع ذلك في كل ركعة" هذا لفظ رواية أحمد (¬5) وابن حبان في "صحيحه" (¬6)، ولفظ الصَّحيحين (¬7): "ثم أفعل ذلك في صلاتك كلها". وهو بمعناه، ويؤخذ من هذا أن الفاتحة واجبة في كل ركعة سواء كانت الصلاة سرية أو جهرية، وسواء كانت فرضًا أو نفلًا، وسواء كان المصلي إمامًا أو مأمومًا، لكن يستثنى من ذلك ركعة المسبوق. ولم يستثن الرافعي والنووي غيرها. قال الإسنوي: وهذا الحصر منهما ليس بمعتد (¬8) لما ذكره أصحابنا في الجمعة والجماعة من أن يتصور سقوط الفاتحة في غير المسبوق، وذلك كل موضع حصل له عذر تخلف بسببه عن الإمام بأربعة أركان طويلة، وزال عذره والإمام ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): خفى. (¬2) في (ص، س، ل): الجميع. (¬3) "فتح الباري" 2/ 295. (¬4) في (س، ل): حين. (¬5) "مسند أحمد" 4/ 345 من حديث رفاعة بن رافع. (¬6) "صحيح ابن حبان" (1787) من حديث رفاعة بن رافع. (¬7) "صحيح البخاري" (793)، و"صحيح مسلم" (397) (45) من حديث أبي هريرة. (¬8) في (م): بعيد. وفي (ل): بمعتبر.

راكع كما لو كان بطيء القراءة (¬1) أو نسي أنه في الصلاة أو امتنع من السجود بسبب زحمة أو شك بعد ركوع إمامه في قراءة الفاتحة فتخلف لها (¬2). (فما أسمعنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أسمعناكم) يقال: أسمعت القوم القراءة إذا أبلغتهم (¬3) إياها، فيه دليل على أنه يستحب للإمام أن يسمع المأمومين القراءة في الصلاة الجهرية، وكذا التأمين عقب الفاتحة، ويدخل في الحديث إسماع الخطبة فيجب على الخطيب رفع صوته بالخطبة بحيث يسمع أربعين رجلًا كاملين، فلو كانوا صمًّا (¬4) أو بعضهم لم يصح على الصحيح كما لو بعد (وما أخفى علينا) من القراءة وغيرها (أخفينا عليكم) هذا فيه حجة لمن جعل حرف الصلة فارقًا (¬5) بين خفي بمعنى استتر، وبمعنى ظهر فيقال: خفي عليه إذا استتر، وخفي له إذا ظهر، خلافًا لمن جعل خفي من الأضداد يستعمل (¬6) بمعنى ظهر، وبمعنى استتر، وفيه دليل على أن [إخفاء القراءة] (¬7) في مواضعها سنة كما أن الجهر سنة، ولا ثالث لهما؛ لكن قال أصحابنا وغيرهم: يستحب في صلاة الليل النافلة أن يتوسط في قراءتها بين الجهر والإسرار. ¬

_ (¬1) في (ص، ل): القرآن. (¬2) "مغني المحتاج " 1/ 157. (¬3) في (م): بلغهم. (¬4) من (م). (¬5) في (م): قال ما. (¬6) في (ص): يستمعن. وفي (ل): يستمعل. (¬7) في (م): الإخفاء للقراءة.

[798] (ثنا مسدد) قال: (ثنا يحيى) القطان. (عن هشام بن أبي عبد (¬1) الله) الدستوائي. (ح (¬2) وثنا) محمد (¬3) (بن المثنى) قال: (ثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) البصري. (عن (¬4) الحجاج) بن أرطاة، قال الذهبي في "الميزان": كان يرسل (¬5) عن يحيى بن أبي كثير فإنه لم يسمع منه، روى نحوًا من ستمائة حديث (¬6). (وهذا) يعني الآتي في الحديث (لفظه عن يحيى، عن عبد الله بن أبي (¬7) قتادة) السلمي بفتح السين واللام. (قال ابن المثنى: وأبي سلمة) هو معطوف على عبد الله بن أبي (¬8) قتادة، تقديره: وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وعن أبي قتادة، وعنه يحيى بن أبي كثير (ثم اتفقا) يعني: ابن المثنى، ومسدد. (عن أبي قتادة) الحارث بن ربعي (قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي بنا) أي: ¬

_ (¬1) في (ص): عبيد. (¬2) رمز تحويل الإسناد من مطبوعة "سنن أبي داود". (¬3) في الأصول: عبد الله. وهو خطأ. وإنما هو محمد بن المثنى كما أثبتناه. (¬4) من (م). (¬5) "ميزان الاعتدال" (1/ 458). (¬6) في الأصول: ابن أرطاة. وهو خطأ، فهو ابن أبي عثمان الصواف، أبو الصلت البصري. ولم نثبته بالمتن لتوالي ترجمة المصنف الخطأ. انظر: "تهذيب الكمال" 5/ 443 (1123). (¬7) من (م). (¬8) من (م).

يواظب على الإمامة، وكذا الخلفاء من بعده. وقد استدل بهذا على أنها أفضل من الأذان، وإن كان - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أذن مرّة في مسير (¬1) راكبًا كما رواه الترمذي (¬2) بإسناد جيد كما قاله في "شرح المهذب" (¬3) فإن ما واظب عليه أفضل مما فعله مرّة؛ ولأن القيام بالشيء أولى من الدعاء إليه. (فيقرأ في) صلاة (الظهر) فيه جواز تسمية الصلاة بوقتها (والعصر) وكذا العصر (في الركعتين الأوليين) بمثناتين تحت تثنية الأولى، ولا يغتر (¬4) بكثرة من يصحفه فيقول: الأولتين بتشديد الواو وفتح المثناة فوق تثنية الأولة (بفاتحة الكتاب) لهذِه السورة عشرة أسماء؛ أحدها؛ فاتحة الكتاب، الثاني والثالث: أم الكتاب وأم القرآن، الرابع: الأساس، الخامس: الحمد، السادس: السبع المثاني، السابع: الصلاة، لحديث: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي" (¬5)، الثامن: ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): سفر. والمثبت من (م)، و"سنن الترمذي". (¬2) "سنن الترمذي" (411) ولفظه: عن يعلى بن مرّة قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسير، فانتهوا إلى مضيق، وحضرت الصلاة فمطروا السماء من فوقهم والبلة من أسفل منهم فأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على راحلته وأقام فتقدم على راحلته فصلى بهم .. الحديث. وقال الترمذي: هذا حديث غريب. وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (6434): إسناده ضعيف. (¬3) "المجموع": (3/ 106). (¬4) في (م): يغير. (¬5) أخرجه مسلم (395)، أبو داود (821)، والترمذي (3953)، والنسائي في "المجتبى" 2/ 135، وابن ماجة (3784)، وأحمد 2/ 285. من حديث أبي هريرة.

الوافية - بالفاء - التاسع: الكافية، العاشر: الشفاء. (وسورتين) (¬1) أي: في كل ركعة سورة (¬2)، استدل به على أن (¬3) قراءة سورة قصيرة أفضل من قراءة قدرها من طويلة، قاله النووي (¬4)، وزاد البغوي: ولو قصرت السورة عن المقروء (¬5)، وكأنه مأخوذ من قوله: كان يفعل؛ لأنها تدل على الدوام أو الغالب كما تقدم (¬6). (ويسمعنا الآية أحيانًا) كذا في رواية للبخاري (¬7)، وفي رواية: ويسمع الآية (¬8)، وللنسائي من حديث البراء: كنا نصلي خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - الظهر فنسمع منه الآية بعد الآية من سورة لقمان والذاريات (¬9). ولابن خزيمة من حديث أنس نحوه لكن قال: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} (¬10). واستدل به على جواز الجهر ببعض السورة في السرية، وأن هذا الجهر لا يسجد له للسهو، سواء قلنا يفعل ¬

_ (¬1) في (م): بسورتين. (¬2) زاد في (ص، س، ل): وفي مسلم وكذا في الصبح. وهي زيادة مقحمة. (¬3) سقط من (م). (¬4) "المجموع" 3/ 385. (¬5) في (ص، س، ل): المفرد. (¬6) "فتح الباري" 2/ 285. (¬7) "صحيح البخاري" (762). (¬8) "صحيح البخاري" (759). (¬9) "السنن الكبرى، للنسائي (11525)، وكذا لفظه في "المجتبى" 2/ 163 غير أنه قال: الآية بعد الآيات. وقد ضعف الألباني تلك الرواية في "السلسلة الضعيفة" (4120). (¬10) "صحيح ابن خزيمة" (512).

ذلك عمدًا لبيان الجواز أو بغير قصد للاستغراق في التدبر. وفيه حجة على من زعم أن الإسرار شرط لصحة الصلاة السرية، وقوله: (أحيانًا) يدل على تكرار ذلك منه. قال ابن دقيق العيد: فيه دليل على جواز الاكتفاء بظاهر الحال دون التوقف على اليقين؛ لأن الطريق إلى العلم بقراءة السورة في السرية لا يكون إلا بسماع كلها (¬1). ويحتمل أن يكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يخبرهم عقب الصلاة دائمًا أو غالبًا بقراءة السورتين، وهو [بعيد جدًّا] (¬2). (وكان يطول الركعة (¬3) الأولى من الظهر، ويقصر) بالتشديد (الثانية [وكذلك في الصبح]) (¬4) حكى النووي عن العلماء: كانت صلاته - صلى الله عليه وسلم - تختلف في الإطالة والتخفيف باختلاف الأحوال، فإذا كان المأمومون يريدون (¬5) التطويل ولا شغل هناك لهم ولا له طوَّل، وإذا لم يكن ذلك خفف، وقد يريد (¬6) الإطالة ثم يعرض ما يقتضي التخفيف كبكاء الصبي ونحوه، ويضم إلى هذا أنه قد يدخل في الصلاة في أثناء الوقت فيخفف، وقيل: إنما طوَّل في بعض الأوقات، وهو الأقل (¬7). ¬

_ (¬1) "إحكام الأحكام" 1/ 173. (¬2) في (ص): تعيين آخر. (¬3) زاد في (ص، س، ل): يستحب للقراءة. (¬4) من المطبوع. (¬5) في (س، ل، م): يؤثرون. (¬6) في (ل): يؤثر. وفي (س)؛ يؤيد. (¬7) "شرح النووي" 4/ 174.

قال الشيخ تقي الدين: السبب في تطويل الأولى أن النشاط في الأولى يكون أكثر، وناسب تخفيف الثانية حذرًا (¬1) من الملل انتهى (¬2). روى عبد الرزاق، عن معمر، عن يحيى في آخر هذا الحديث: فظَنَنَّا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى (¬3) من الظهر وكذا غيرها من الصلوات الفرائض، ويحتمل أن تكون النوافل كذلك، ولم أمعن النظر هل ذكر هذا أصحابنا أم لا. (لم يذكر مسدد) في روايته (فاتحة الكتاب وسورة) بعدها. [799] (ثنا الحسن بن علي) الحلواني الحافظ شيخ الشيخين. قال: (ثنا يزيد بن هارون) السلمي بضم السين، أحد الأعلام، متعبد حسن الصلاة جدًّا، يصلي الضحى ست عشرة ركعة، وقد عمي. قال: (ثنا همام) بن يحيى بن دينار العوذي، وعوذ بفتح العين المهملة وبالذال المعجمة، ابن سود بن الحجر (وأبان) عدم الصرف أرجح (ابن يزيد العطار) (¬4) البصري، أخرج له مسلم. (عن يحيى) بن أبي كثير (عن عبد الله بن أبي قتادة) وللنسائي (¬5)، وابن حبان (¬6) في كتاب الصلاة من رواية الأوزاعي، عن يحيى لكن (¬7) ¬

_ (¬1) في (ص): حذارًا. (¬2) "إحكام الأحكام" 1/ 237. (¬3) "مصنف عبد الرزاق" (2675). (¬4) في (ص): القطان. (¬5) "سنن النسائي" 2/ 164. (¬6) "صحيح ابن حبان" (1831). (¬7) ليست في (م).

بلفظ التحديث مصرح به، وكذا رواية أبي [إسماعيل] (¬1) إبراهيم القناد، عن يحيى، حدثني عبد الله (¬2)، فأمن بذلك تدليس يحيى. (عن أبيه) أبي قتادة الأنصاري (ببعض هذا) الحديث (وزاد) فيه، و (في الأخيرتين) (¬3) بفتح الهمزة (بفاتحة الكتاب) قد يستدل باقتصاره على فاتحة الكتاب من يقول أنه لا سورة في الأخريين من الرباعية، وهو الأظهر عند الشافعي (¬4)، واستثنى منه المسبوق إذا سبقه الإمام بالأوليين، فيقرأ السورة في الأخريين؛ لئلا تخلو صلاته من ذلك، وقيل: لا استثناء كما لا يجهر فيهما (¬5). (وزاد همام قال: وكان يطول في الركعة الأولى ما لا يطول في الثانية) وجمع بين هذا الحديث وبين حديث سعد الآتي حيث (¬6) أمد في الأوليين (¬7) أن المراد تطويلهما على الأخريين لا التسوية بينهما في الطول، وقال من استحب استواءهما: إنما طالت الأولى بدعاء الاستفتاح، والتعوذ. (و) يطول في الركعة الأولى (هكذا في صلاة العصر، وهكذا في صلاة ¬

_ (¬1) ليست في الأصول، وأثبتناها من "تهذيب الكمال" 2/ 140 (209). (¬2) "السنن الكبرى" للنسائي 2/ 102 - 11 (1048) ط/ مؤسسة الرسالة، وهو في "تحفة الأشراف" 9/ 255. (¬3) في الأصول: الأخريين. (¬4) "الأم" 1/ 311 - 312. (¬5) في (م): فيها. (¬6) في (ص، س): حين. (¬7) حديث (803).

الغداة) فيه دليل على أن صلاة الصبح تسمى صلاة الغداة، سميت باسم وقتها. [800] (ثنا الحسن بن علي) قال: (ثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري، قال: (أخبرنا معمر، عن يحيى) بن أبي كثير. (عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه) أبي قتادة (قال) كان يطول في الأولى ما لا يطول في الثانية (فظَنَنَّا أنه يريد بذلك أن) فيه شاهد على استعمال أن الخفيفة للتعليل. قال السبكي في "رفع الحاجب": لأن ذلك في تقدير اللام فهي في الحقيقة لام مقدرة (¬1)، وفي الحديث الصحيح في قصة الزبير قول الأنصاري الذي كان يخاصم النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن كان ابن عمتك (¬2). (يدرك الناس) يعني: المسبوقين (الركعة الأولى) ولابن خزيمة نحو هذا من رواية أبي خالد، عن سفيان، عن معمر (¬3). وقال من استحب استواء الأولى والثانية: إنما طالت الأولى بدعاء الافتتاح والتعوذ، وأما في القراءة فهما سواء. ويدل عليه حديث أبي سعيد عند مسلم: كان يقرأ في الظهر في الأوليين (¬4) في كل ركعة قدر ثلاثين ¬

_ (¬1) "رفع الحاجب" 4/ 314. (¬2) أخرجه البخاري (2359، 2360)، ومسلم (2357) (129)، وأبو داود (3637)، والترمذي (1363)، والنسائي في "المجتبى" 8/ 245، وابن ماجة (15)، وأحمد 4/ 4 من حديث عبد الله بن الزبير. (¬3) "صحيح ابن خزيمة" (1580). (¬4) في (ص، س، ل): الأول.

آية (¬1). وفي رواية لابن ماجة (¬2): أن الذين حذروا ذلك كانوا ثلاثين من الصحابة. وادعى ابن حبان أن الأولى إنما طالت على الثانية بالزيادة في الترتيل فيها مع استواء المقروء فيهما، وروى ابن حبان هذِه الرواية من طريق سفيان، عن معمر ولفظه: كنا نرى ذلك أنه يفعل ليتدارك الناس (¬3). وبوب عليه ذكر السبب الذي من أجله كان يطول المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في الركعة الأولى. [801] (وثنا مسدد) قال: (ثنا عبد الواحد بن زياد) العبدي مولاهم البصري (عن الأعمش، عن عمارة بن عمير) بضم العين فيهما الكوفي (عن أبي معمر) بفتح الميمين، وسكون العين المهملة، واسمه عبد الله بن سخبرة بفتح السين المهملة، وسكون الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة، الأزدي الكوفي. (قال: قلنا: لخباب) بن الأرت (هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في) صلاة (الظهر والعصر؟ قال: نعم) استدل به البخاري وغيره على القراءة في صلاة العصر، ولفظ رواية ابن حبان: قلنا لخباب: بأي شيء كنتم تعرفون قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الظهر والعصر؟ (¬4). (قلنا (¬5): بم) بحذف ألف (¬6) ما الاستفهامية لدخول حرف الجر عليها ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (452) (157). (¬2) "سنن ابن ماجة" (828). (¬3) "صحيح ابن حبان" (1855). (¬4) "صحيح ابن حبان" (1826). (¬5) في النسخ الخطية: قال. (¬6) من (م).

(كنتم تعرفون ذلك؟ قال: باضطراب لحيته) بكسر اللام، تابع عبد الواحد بن زياد: وكيع، وأبو معاوية عند ابن حبان (¬1) قال: وقال أبو معاوية: لحييه (¬2). يعني: قال في [رواية أبي] (¬3) معاوية، عن الأعمش: "باضطراب لحييه" (¬4) تثنية لحي بفتح اللام وسكون الحاء، واللحيان هما العظمان اللذان عليهما الأسنان وهما الفكان، وحكى صاحب "مطالع الأنوار" كسر اللام (¬5). وفيه ثبوت الحكم بالدليل؛ لأنهم حكموا باضطراب لحيته على قراءته، لكن لا بد من قرينة تعيِّن القراءة دون الذكر والدعاء؛ لأن اضطراب اللحية يحصل بكل منهما (¬6) وكأنهم نظروه بالصلاة الجهرية؛ لأن ذلك المحل منها هو محل القراءة لا الذكر والدعاء، وإذا انضم إلى ذلك قول أبي قتادة: كان يسمعنا الآية أحيانًا (¬7). قوي الاستدلال. والله أعلم. واستدل به البخاري على رفع بصر المأموم إلى الإمام، واستدل به البيهقي على أن الإسرار بالقراءة لابد فيه من إسماع المرء نفسه، وذلك لا يكون إلا بتحريك اللسان والشفتين بخلاف ما إذا أطبق ¬

_ (¬1) أما متابعة وكيع فعند ابن حبان (1830)، وأما متابعة أبي معاوية فلم أقف عليها عند ابن حبان وإنما هي عند أحمد 5/ 112، والنسائي في "الكبرى" (530)، وابن خزيمة (505). (¬2) في (ص، س): لحيته. وفي (م): لحيه. والمثبت من (ل). (¬3) في (م): روايته أي. (¬4) في (م): لحيه. والمثبت من (ل). (¬5) "مطالع الأنوار" 3/ 422 بتحقيقنا دار الفلاح. (¬6) في (ص، ل): منها. (¬7) أخرجه البخاري (759)، ومسلم (451) (155).

شفتيه وحرك لسانه بالقراءة، فإنه لا تضطرب بذلك لحيته ولا يسمع نفسه انتهى (¬1). وفيه نظر؛ لأن تحريك اللسان والشفتين لا تنتهي حركتهما إلى أن تسمعها الأذن. [802] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة) قال: (حدثنا عفان) لا ينصرف وهو ابن مسلم الصفار، شيخ البخاري، قال: (ثنا همام) قال: (ثنا محمد بن جحادة، عن رجل) لا يعرف، سماه بعضهم طرفة الحضرمي، وهو مجهول، أخرجه البزار (¬2) وسياقه أتم (عن عبد الله بن أبي أوفى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم) أي: ينتظر في صلاته، كما في رواية أحمد (¬3)، وهو يعم صلاة الظهر وغيرها من الصلوات (في الركعة الأولى من صلاة الظهر حتى) أي: إلى أن (لا) زائدة كما في قوله تعالى: {أَلَّا تَتَّبِعَنِ} (¬4) (يسمع) بالتحتانية المفتوحة منصوب بحتى. (وقع قدم) يمشي (¬5) على الأرض، ورواية أحمد: كان ينتظر في صلاته ما سمع وقع نعل (¬6). وهو بمعنى الحديث الذي قبله، وظَنَنَّا أنه ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" 2/ 287. (¬2) "مسند البزار" (3375). (¬3) أورد هذه الرواية الرافعي في "الشرح الكبير" 4/ 293، وعنه الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" 2/ 72، وابن الملقن في "البدر المنير" 4/ 410. ولم أقف عليها عند أحمد، ولفظ روايته في "المسند" 4/ 356: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم في الركعة الأولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع قدم. (¬4) سورة طه: 93. (¬5) في (ص، س، ل): يسمى. (¬6) أورد هذه الرواية الرافعي في "الشرح الكبير" 4/ 293، وعنه الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" 2/ 72، وابن الملقن في "البدر المنير" 4/ 410. =

يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى. قال القرطبي: يعني (¬1): حتى يتكامل الناس ويجتمعوا (¬2)، ويدركوا (¬3) فضيلة إدراك الركعة الأولى. واستدل بعض الشافعية بهذا الحديث على استحباب تطويل (¬4) الركعة الأولى، وعلى جواز تطويل الإمام في الركوع لأجل الداخل. قال القرطبي: ولا حجة فيه؛ لأن ما ذكر ليس تعليلًا لتطويل الأولى، وإنما هي حكمته (¬5) ولا يعلل (¬6) بالحكمة لخفائها أو لعدم انضباطها، وأيضًا فلم يكن يدخل في الصلاة مريدًا تقصير تلك الركعة ثم يطولها لأجل الداخل، وإنما كان يدخل فيها ليفعل الصلاة على سننها (¬7) من تطويل الأولى فافترق الأصل والفرع فامتنع الإلحاق، والله أعلم (¬8). * * * ¬

_ = ولم أقف عليها عند أحمد، ولفظ روايته في "المسند" 4/ 356: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم في الركعة الأولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع قدم. (¬1) في (م): بمعنى. (¬2) "المفهم" 2/ 73. (¬3) في (ص): يدرك. (¬4) في (ص، س): تطول. (¬5) في (ص، س): حكميه. (¬6) في (ص): يطلل. وفي (س، ل): يطل. والمثبت من (م) و"المفهم". (¬7) في "المفهم" للقرطبي: هيئتها. (¬8) "المفهم" 2/ 74.

132 - باب تخفيف الأخريين

132 - باب تَخْفِيفِ الأُخْرَيَيْنِ 803 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ أَبي عَوْنٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قال: قال عُمَرُ لِسَعْدٍ: قَدْ شَكاكَ النّاسُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى فِي الصَّلاةِ. قال: أَمّا أَنا فَأَمُدُّ فِي الأُولَيَيْنِ وَأَحْذِفُ في الأُخْرَيَيْنِ وَلا آلُو ما اقْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ صَلاةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قال: ذاكَ الظَّنُّ بِكَ (¬1). 804 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ -يَعْنِي: النُّفَيْليَّ-، حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنا مَنْصُورٌ، عَنِ الوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ الهُجَيْمِيِّ، عَنْ أَبي الصِّدِّيق النّاجِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قال: حَزَرْنا قِيامَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في الظُّهْرِ والعَصْرِ فَحَزَرْنا قِيامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ قَدْرَ ثَلاثِينَ آيَة، قَدْرَ {الم (1) تَنْزِيلُ} السَّجْدَةِ. وَحَزَرْنا قِيامَهُ فِي الأُخْرَيَيْنِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ وَحَزَرْنَا قِيامَهُ فِي الأُولَيَيْنِ مِنَ العَصْرِ عَلَى قَدْرِ الأُخْرَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَحَزَرْنا قِيامَهُ فِي الأُخْرَيَيْنِ مِنَ العَصْرِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ (¬2). * * * باب تخفيف الأخريين [803] (ثنا حفص بن عمر) بن الحارث بن سخبرة الأزدي الحوضي، شيخ البخاري، قال: (ثنا شعبة، عن محمد بن عبيد الله) بالتصغير كنيته (أبي عون) الثقفي أخرج له الشيخان. (عن جابر بن سمرة) بن جنادة، بضم الجيم وتخفيف النون، وجابر ووالده سمرة صحابيان، وكان جابر نزل الكوفة، ومات بها سنة أربع وسبعين (قال: قال عمر) بن الخطاب (لسعد) بن أبي وقاص، وهو ¬

_ (¬1) رواه البخاري (755)، ومسلم (453). (¬2) رواه مسلم (452).

خال جابر بن سمرة الراوي عنه: (شكاك الناس) فيه مجاز، وهو من إطلاق الكل على البعض، والمراد بالبعض هنا بعض أهل الكوفة، وفي رواية (¬1) البخاري: شكا أهل الكوفة [سعدًا (¬2). و] (¬3) فيه: فقال عمر: لقد شكوك (¬4). (في كل شيء حتى في الصلاة) قال ابن سعد (¬5) وسيف: زعموا أنه حابى في بيع خمس باعه، وأنه صنع على داره بابًا من خشب، وكان السوق مجاورًا له، فكان يتأذى بأصواتهم، وذكر سيف أنهم زعموا أنه كان يلهيه الصيد (¬6) عن الخروج في السرايا (¬7). قال الزبير بن بكار في كتاب "النسب": رفع أهل الكوفة عليه أشياء كشفها عمر فوجدها باطلة (¬8)، ولكن عزله واستعمل عليهم عمار بن ياسر، قال خليفة: استعمل عمار على الصلاة، وابن مسعود على بيت المال، وعثمان بن حنيف على مساحة الأرض (¬9). (قال: أمَّا) بتشديد الميم (أنا) وهي للتقسيم، والقسم هنا محذوف، ¬

_ (¬1) تكررت في (ص). (¬2) "صحيح البخاري" (755). (¬3) في (ص): أو. (¬4) "صحيح البخاري" (770). (¬5) "الطبقات الكبرى" 5/ 62. (¬6) في (ص، س): الصد. والمثبت من (م)، و"فتح الباري". (¬7) انظر: "فتح الباري" 2/ 278. (¬8) "فتح الباري" 2/ 278. (¬9) "تاريخ خليفة" 1/ 31.

تقديره: وأما هم فقالوا ما قالوا. (فأمد في الأوليين) بتحتانيتين، تثنية الأولى، أو كما قال، ورواية الصحيحين (¬1): فأركد في الأوليين. وهما متقاربتان، قال القزاز: ثم إني أقيم طويلًا أطول فيهما القراءة، ويحتمل أن يكون التطويل بما هو أعم كالأذكار والقراءة والركوع والسجود و (¬2) في المعهود في التفرقة (¬3) بين الركعات إنما هو في القراءة (¬4). (وأحذف) بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة، قال ابن حجر: وكذا هو في جميع طرق هذا الحديث الذي وقفت عليها، لكن في رواية البخاري (¬5): وأخف. بضم الهمزة وكسر الخاء المعجمة، وفي رواية محمد بن كثير، عن شعبة عند الإسماعيلي بالميم بدل الفاء، والمراد بالحذف (¬6) حذف التطويل وتقصيرهما (¬7) عن الأوليين [لا حذف أصل القراءة والإخلال بها، فكأنه قال: أحذف (¬8) المد، وفيه دليل على أن الأوليين] (¬9) من الرباعية متساويتان في الطول وكذا الأوليان من ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (755)، و"صحيح مسلم" (453) (158). (¬2) ليست في (م). (¬3) في (م): التفرق. (¬4) "عون المعبود" 3/ 14. (¬5) "صحيح البخاري" (755). (¬6) من (م). (¬7) في (ص، س): يقصدهما .. و"فتح الباري". (¬8) "فتح الباري" 2/ 279. (¬9) من (م).

الثلاثية (¬1)، وتقدم شيء من هذا. (ولا آلو) بمد الهمزة من ألو وضم اللام بعدها، أي: لا أقصر في ذلك، ومنه قوله تبارك وتعالى: {لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا} (¬2) أي: لا يقصرون في إفسادكم. (ما اقتديت به من صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فيه الاقتداء بما وردت به السنة من أقواله - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله. (قال: ذاك الظن بك) يا أبا إسحاق. كما في الصَّحيحين (¬3)، أي: هذا الذي تقوله هو الذي كنا نظنه بك، وفيه: جواز مدح الرجل الجليل في وجهه إذا لم يخف عليه فتنة بإعجاب ونحوه، والنهي عن ذلك إنما هو لمن خيف عليه الفتنة، وقد جاءت فيه أحاديث كثيرة في الصحيح بالأمرين. [804] (ثنا عبد الله بن محمد) بن علي (النفيلي)، وبقية إسناده من رجال مسلم، قال: (ثنا هشيم) ابن بشير بفتح الموحدة وكسر المعجمة أخرج له الستة، (¬4) قال: (أنا منصور) ابن زاذان، (¬5) (عن الوليد بن مسلم الهجيمي) العنبري التابعي، وليس هو الوليد بن مسلم الدمشقي الإمام الجليل المشهور صاحب الأوزاعي (عن أبي (¬6) ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): الثلاثة. (¬2) آل عمران: 118. (¬3) البخاري (755)، ومسلم (453). (¬4) ليست في (م). (¬5) بياض في (م). (¬6) زاد هنا في (س): بكر.

الصديق) بكسر الصاد والدال المشددتين، بكر بن عمرو، وقيل: ابن قيس (الناجي) بالنون والجيم، منسوب (¬1) إلى ناجية قبيلة. (عن أبي سعيد الخدري قال: حزرنا) لفظ مسلم: كنا نحزر قيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). [وحزرنا [نحزُر نحزِر] (¬3) بضم الزاي وكسرها، والحزر: التقدير. (قيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ولفظ ابن حبان (¬4): كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم (في) صلاة (الظهر والعصر، فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين) بمثناتين تحت، كما تقدم (من (صلاة (الظهر قدر) قراءة، كذا لمسلم (¬5)، وابن (¬6) حبان (ثلاثين آية) زاد ابن حبان: في كل ركعة (¬7). فيه نص على استحباب قراءة هذا القدر في الركعة الأولى كتبارك الملك فإنها ثلاثون آية أيضًا، وعلى أن القراءة في الصلاة لا تختص بالمفصل، ولهذا قدروا قراءته بقوله: (قدر) بالنصب بدل، وفيه: شاهد على جواز اتحاد البدل والمبدل منه لفظًا، إن كان مع الثاني زيادة بيان، فإن قدر الثانية فيها زيادة مثال الثلاثين آية، وهي ({الم (1) تَنْزِيلُ} بالرفع، ومثاله قوله تعالى في قراءة يعقوب ({وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ ¬

_ (¬1) في (ص): منشور. (¬2) "صحيح مسلم" (452) (156). (¬3) في (ل): ويجوز. (¬4) "صحيح ابن حبان" (1825). (¬5) (452/ 157). (¬6) في (س، ل، م): لابن. (¬7) (1825).

جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ} (¬1) بنصب كل الثانية على أنها بدل من الأولى. (السجدة) يجوز جر السجدة على البدل ونصبها بأعني، ورفعها خبر مبتدأ محذوف، وفيه (¬2) دليل على أن قراءة صلاة الظهر تنقص عن طوال المفصل، فإن من طوال المفصل سورة الرحمن، وهي ثمان (¬3) وسبعون (¬4) آية، ومنه الذاريات ستون آية. وعبارة الرافعي (¬5) والنووي: ويقرأ في الظهر بما يقرب من القراءة في الصبح (¬6). وكذا الإمام في "النهاية" (¬7)؛ ولعل السبب فيه أن وقت [الصبح طويل (¬8) والصلاة ركعتان فحسن تطويلهما، بخلاف] (¬9) الظهر والعشاء فإنهما وإن كانتا طويلتين لكن صلاتهما طويلة، فلما تعارض رتب عليه التوسط، وفي مسلم عن جابر: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الظهر {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} (¬10) " (¬11). ولأن قوله: حزرنا. يدل على أنه تقدير وتخمين من أبي سعيد، فإن حزرنا بمعنى قدرنا. ¬

_ (¬1) قراءة الجمهور برفع كل الثانية على أنها مبتدأ. الجاثية: 28. (¬2) في (ص): وقفه. (¬3) في جميع النسخ الخطية: سبع. والمثبت هو الصواب. (¬4) في (م): تسعون. (¬5) "الشرح الكبير" 3/ 358. (¬6) "روضة الطالبين" 1/ 248. (¬7) "نهاية المطلب" 2/ 287. (¬8) في (س، ل): طول. والمثبت أنسب للسياق. (¬9) سقط من (م). (¬10) الليل: 1. (¬11) "صحيح مسلم" (459) (170).

(وحزرنا قيامه في الركعتين) الأخريين (¬1) كذا لابن حبان (على النصف من ذلك) فإن لفظه: وفي الركعتين الأخريين قدر خمس عشرة آية (¬2). (وحزرنا قيامه في الأوليين من) صلاة (العصر على قدر) قراءة (الأخريين) بضم الهمزة وسكون الخاء. (من الظهر) فيه أن القراءة في العصر أقصر من القراءة في الظهر، وروى ابن حبان عن أبي هريرة: ما رأيت رجلًا أشبه صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فلان، فكان يطيل الأوليين من الظهر ويخفف الأخريين ويخفف العصر (¬3). وفيه دليل على قراء السورة بعد الفاتحة في الأخريين من الظهر، وكذا العصر، وثالثة المغرب. (و [حزرنا] (¬4) قيامه في الأخريين من) صلاة (العصر) للقراءة (على النصف من ذلك) يبين هذا رواية مسلم من رواية أبي سعيد أيضًا: وفي العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر قراءة خمس عشرة آية، وفي الأخريين قدر نصف ذلك (¬5). واستدل الشافعي بهذا الحديث على استحباب القراءة في الثالثة ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "صحيح ابن حبان" 5/ 133 (1825). (¬3) "صحيح ابن حبان" (1837) ولفظه: ما رأيت أحدًا. (¬4) من المطبوع. (¬5) "صحيح مسلم" (452) (157).

والرابعة بعد الفاتحة، وعلى تقدير أن تكون الفاتحة داخلة في هذا القدر، ففيه دليل أيضًا؛ لأن الفاتحة سبع آيات فقط بالإجماع، ونصف الخمس عشرة يزيد على سبع آيات، وهذا هو الذي نص عليه الشافعي في "الأم" (¬1)، وصححه البيضاوي في شرحه لكتاب "التبصرة" المسمى بـ "التذكرة"، وأكثر العراقيين. قال السبكي (¬2) وتبعه الأذرعي (¬3) وغيره، وهو المختار؛ لهذا الحديث، وثبت في "الموطأ" (¬4) من فعل الصديق ما يدل على هذا؛ ولعل حديث أبي قتادة كان في بعض الأحيان لحاجة. * * * ¬

_ (¬1) "الأم" 1/ 215. (¬2) "الأشباه واالنظائر" 1/ 231. (¬3) في (س، م): الأوزاعي. (¬4) "الموطأ" 1/ 89.

133 - باب قدر القراءة في صلاة الظهر والعصر

133 - باب قَدْرِ القِراءَةِ في صَلاةِ الظُّهْرِ والعَصْرِ 805 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمَّادٌ، عَنْ سِماكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ والعَصْرِ بِالسَّماءِ والطَّارِقِ والسَّماءِ ذاتِ البُرُوجِ وَنَحْوِهِما مِنَ السُّوَرِ (¬1). 806 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْن مُعاذٍ، حَدَّثَنا أَبِي، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ سِماكِ سَمِعَ جابِرَ بْنَ سَمُرَةَ قال: كانَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إذا دَحَضَتِ الشَّمْسُ صَلَّى الظُّهْرَ وَقَرَأَ بِنَحْوٍ مِنْ (واللَّيْلِ إِذا يَغْشَى) والعَصْرَ كَذَلِكَ والصَّلَواتِ كَذَلِكَ إِلا الصُّبْحَ فَإِنَّهُ كانَ يُطِيلُها (¬2). 807 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنا مُعْتَمِرُ بْن سُلَيْمانَ وَيَزِيدُ بْن هارُونَ وَهُشَيمٌ، عَن سُلَيمانَ التَّيمِيِّ، عَنْ أُمَّيَّةَ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سَجَدَ في صَلاةِ الظُّهْرِ ثُمَّ قامَ فَرَكَعَ فَرَأَيْنا أَنَّهُ قَرَأَ تَنْزِيلَ السَّجْدَةِ. قال ابن عِيسَى: لَمْ يَذْكُرْ أُمَّيَّةَ أَحَدٌ إِلا فعْتَمِرٌ (¬3). 808 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ، عَنْ مُوسَى بْنِ سالِمٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ قال: دَخَلْتُ عَلَى ابن عَبّاسٍ في شَبَابٍ مِنْ بَنِي هاشِمٍ، فَقُلْنا لِشابٍّ مِنَّا: سَلِ ابن عَبّاسٍ أكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ والعَصْرِ؟ فَقال: لا لا. فَقِيلَ لَهُ: فَلَعَلَّهُ كانَ يَقْرَأُ فِي نَفْسِهِ. فَقال: خَمْسًا هذِه شَرٌّ مِنَ الأُوْلَى كانَ عَبْدًا مَأْمُورًا بَلَّغَ ما أُرْسِلَ بِهِ وَما اخْتَصَّنا دُونَ النّاسِ بِشَيءٍ إِلَّا بِثَلاثِ خِصالٍ أَمَرَنا أَنْ نُسْبغَ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (307) والنسائي 2/ 166، وأحمد 5/ 103. وصححه الألباني (767). (¬2) روى الجزء الأول منه مسلم (618)، والجزء الثاني (459). (¬3) رواه أحمد 2/ 83، وابن أبي شيبة 2/ 22 (4419)، والبيهقي 2/ 322. وضعفه الألباني (143).

الوُضُوءَ وَأَنْ لا نَأْكُلَ الصَّدَقَةَ وَأَنْ لا نُنْزِيَ الِحمارَ عَلَى الفَرَسِ (¬1). 809 - حَدَّثَنا زِيادُ بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنا حُصَينٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قال: لا أَدْرِي أَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ والعَصْرِ أَمْ لا (¬2). * * * باب قدر القراءة في صلاة الطهر والعصر (¬3) [805] (ثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي، قال: (ثنا حماد) بن سلمة، (عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الظهر والعصر بـ {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} قد يستدل بإطلاقه على جواز قراءة سورة، ثم يقرأ بعدها أخرى هي قبلها في النظم، فقد سئل أحمد عن هذه المسألة فقال: لا بأس به اليس تعلم الصبيان على هذا، وقد روي أن الأحنف قرأ بالكهف في الأولى، وفي الثانية بيوسف، وذكر أنه صلى مع عمر الصبح بهما (¬4)، استشهد به البخاري (¬5). وقد يقال: إن هذا لبيان الجواز، وأن الأفضل خلاف ذلك، وأن ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1701)، والنسائي 6/ 224، وأحمد 1/ 225. وصححه الألباني (769). (¬2) رواه أحمد 1/ 249، وإسحاق بن راهويه في "مسنده" (973)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 205 (1218). وصححه الألباني (770). (¬3) ليست بالأصول الخطية، وأثبتها من مطبوعة أبي داود. (¬4) "المغني" 1/ 169. (¬5) "صحيح البخاري" قبل حديث (775).

الأصل الترتيب، والواو هنا لا تقتضي الترتيب كما هو المشهور في العربية، ويدل على الترتيب رواية الترمذي، عن جابر أيضًا: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الظهر والعصر بـ {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ}، {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} وشبههما" (¬1). ثم (¬2) قال: وحديث جابر حديث حسن. (ونحوهما من السور) وروى الطبراني في "الأوسط"، عن أنس "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم الهاجرة فرفع صوته فقرأ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} " (¬3). وروى البزار بإسناد رجاله رجال الصحيح، عن أنس: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الظهر والعصر بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} (¬4). [806] (ثنا عبيد (¬5) الله بن معاذ) قال: (ثنا أبي) معاذ بن معاذ، قال: (ثنا شعبة، عن سماك) بن حرب (سمع جابر بن سمرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإذا دحضت) بفتح الدال والحاء المهملة، [(الشمس)] (¬6)، أي: زالت عن وسط السماء إلى جهة المغرب كأنها زلفت (صلى الظهر) وفيه دليل ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (307). (¬2) من (م). (¬3) "المعجم الأوسط" (9261). وقال الهيثمي في "المجمع" 2/ 294: فيه أبو الرجال الأنصاري البصري، وهو منكر الحديث. (¬4) "مسند البزار" (7262). وقال الهيثمي 2/ 294: رجاله رجال الصحيح. (¬5) في جميع النسخ الخطية: عبد. والمثبت كما في مطبوعة أبي داود. وهو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري، من رجال التهذيب. (¬6) من المطبوع.

على استحباب تقديمها إذا كان في غير شدة الحر (¬1)؛ لحديث: "أبردوا عن الحر في الصلاة" (¬2). وبه قال الجمهور جمعًا بين الأدلة. (وقرأ بنحو من (¬3) {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}) وروى الطبراني في "الأوسط"، عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم الهاجرة فرفع صوته فقرأ: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} (¬4). لكن في سنده أبو الرجال البصري. (والعصر كذلك) أي: دون ذلك، لأن الظهر يفعل في القائلة فطولت الأوليان ليدركهما المتأخر بغفلة ونحوها، والعصر ليس (¬5) كذلك بل تفعل في وقت تعب أهل الأعمال فخففت عن ذلك، ويدل على أن العصر دون الظهر رواية مسلم والنسائي: وفي العصر نحو ذلك (¬6). (و) في بقية (الصلوات كلذلك إلا الصبح فإنه كان يطيلها) (¬7)؛ لأنها تفعل (¬8) في وقت الغفلة بالنوم في آخر الليل. قال القرطبي: وقد استقر (¬9) عمل أهل المدينة على استحباب إطالة القراءة في الصبح قدرًا لا يضر بمن خلفه، يقرأ فيها بطوال المفصل (¬10). ¬

_ (¬1) في (م): الحرب. (¬2) رواه البخاري (533)، ومسلم (615) عن أبي هريرة. (¬3) في (م): الشمس. (¬4) سبق تخريجه قريبًا. (¬5) في (م): ليست. (¬6) أخرجه مسلم (459) (170)، والنسائي في "المجتبى" (980). (¬7) السابق. (¬8) في (ص، س، ل): لا يفعل. (¬9) في (ص): أسبقه. (¬10) "المفهم" 2/ 73.

كالذاريات والطور، وقاف، والرحمن، ونحو ذلك. [807] (ثنا محمد بن عيسى) بن نجيح البغدادي الحافظ، استشهد به البخاري في "الصحيح" تعليقًا (¬1)، قال أبو حاتم (¬2): ثقة مبرز (¬3) وله مصنفات عديدة، قال: (ثنا [معتمر بن سليمان) بن طرخان] (¬4) التيمي، ولم يكن من بني (¬5) تيم بل نزل فيهم (¬6) فنسب إليهم (ويزيد بن هارون) السلمي أحد الأعلام (وهشيم، عن سليمان التيمي، عن أمية، عن أبي مجلز) بكسر الميم وفتح اللام وبعدها زاي، واسمه [لاحق بن] (¬7) حميد (¬8) السدوسي. (عن ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد في صلاة الظهر) استدل به الشافعي على أنه لا يكره للإمام قراءة آية فيها سجدة في صلاة لا يجهر فيها، وإن قرأ بها سجد (¬9) لما ورد في هذا الحديث، واتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى، فإذا سجد الإمام سجد معه المأموم لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا سجد فاسجدوا" (¬10). ¬

_ (¬1) من (س، ل، م). (¬2) "الجرح والتعديل" 8/ 39. (¬3) ساقطة من (ص). (¬4) في (ص): معمر بن شيبان بن فرحان. (¬5) سقط من (م). (¬6) من (س، ل، م). (¬7) سقط من (م). (¬8) في (ص، س، ل، م): عبد الله بن حصن. وما أثبتناه الصواب. (¬9) "المجموع" للنووي 4/ 72. (¬10) أخرجه البخاري (378)، ومسلم (411) وغيرهما من حديث أنس - رضي الله عنه -.

وكرهه أبو حنيفة (¬1)، وبه قال بعض أصحاب أحمد؛ لأن فيه إيهامًا على المأموم. وقال بعض أصحاب أحمد: المأموم مخير بين اتباع إمامه في السجود أو تركه؛ لأنه ليس بمسنون للإمام، ولم يوجد الاستماع المفضي للسجود، وهذا ينتقض (¬2) بما إذا كان المأموم بعيدًا في صلاة الجهر لا يسمع أو أطروشًا فإنه يسجد لسجود إمامه مع ما ذكروه (¬3). (ثم قام) أي: عاد إلى القيام، وظاهر إطلاقه أنه لا يكبر في السجود والرفع منه؛ لتفارق هذِه السجدة سجدات الصلاة، والمشهور عند الشافعية أن من سجد في الصلاة [كبر للهوي] (¬4) والرفع، ولا يرفع يديه فيهما (¬5) كما في صلب الصلاة. (فركع فرأوا) (¬6) أي: ظنوا؛ لما رواه أبو يعلى، عن البراء قال: سجدنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الظهر فظَنَنَّا ... (¬7) (أنه قرأ تنزيل) بالرفع على الحكاية، وبالنصب مفعول قرأ، والتقدير: قرأ سورة تنزيل، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه (السجدة) تقدم أنه يجوز فيه الرفع والنصب. ¬

_ (¬1) "بدائع الصنائع" للكاساني 1/ 192. (¬2) في (ص): يتبعض. (¬3) "الشرح الكبير" لابن قدامة 1/ 792. (¬4) في (ص): كيف الهوى. (¬5) في (ص، س): فيها. (¬6) كذا في الأصول الخطية. والذي في مطبوعة السنن: فرأينا. (¬7) "مسند أبي يعلى" (1671).

(قال) محمد (بن عيسى) شيخ المصنف (لم يذكر أمية) بالنصب (¬1) (أحد إلا معتمر) بن سليمان، وفي رواية الطحاوي (¬2): وسليمان عن أبي مجلز قال: ولم أسمعه منه. لكنه عند الحاكم (¬3) بإسقاطه، ودلَّت (¬4) رواية الطحاوي على أنه مدلس. [808] (ثنا مسدد) قال: (ثنا عبد الوارث) بن سعيد (¬5) التميمي. (عن موسى بن سالم) أبي جهضم مولى بني العباس مرسل ومتصل، وثقه ابن معين وغيره (¬6). وقال أبو زرعة: صالح الحديث (¬7)، قال: (ثنا عبد الله بن عبيد الله) بالتصغير ابن العباس بن عبد المطلب الهاشمي المدني توفي سنة تسع ومائة. (قال: دخلت على) عبد الله (بن عباس في شباب) يحتمل أن تكون (في) بمعنى (مع) كقوله تعالى: {ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} (¬8) أي: معهم، ويحتمل أن يكون التقدير: في جملة شباب. فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه (من بني هاشم) بن عبد مناف (فقلنا لشاب منا: سل) (¬9) الأصل في ¬

_ (¬1) من (س، ل، م). (¬2) "شرح معاني الآثار" للطحاوي 1/ 207. (¬3) "المستدرك" 1/ 221. (¬4) في (ص): ذكر. (¬5) في (ص، س، ل): سعد. (¬6) "تاريخ ابن معين" رواية الدارمي (772). (¬7) "الجرح والتعديل" (649). (¬8) الأعراف: 38. (¬9) في (ص، س، ل): سأل.

الأمر من سأل يسأل اسأل بهمزة وصل، وفي لغة سال يسال مثل خاف يخاف، والأمر من هذِه سل كما هنا (ابن عباس أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الظهر والعصر شيئًا؟ (¬1) فقال: لا لا) قال الخطابي: هذا وهم من ابن عباس، وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الظهر والعصر من طرق كثيرة تقدمت، كحديث (¬2) أبي قتادة: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة (¬3). وحديث خباب بن الأرت وغيرهما من الأحاديث الصحيحة المثبتة (¬4). وهذا الحديث فيه الشهادة على النفي، والإثبات مقدم على النفي، لا سيما وتلك الأحاديث ثابتة في الصَّحيحين وغيرهما (¬5)، وهذا الحديث في سنده أمية وهو مجهول لا يعرف. (فقيل له: فلعله كان يقرأفي نفسه فقال: خمشًا) بفتح الخاء المعجمة وسكون الميم بعدها شين معجمة، دعاء عليه بأن يخمش وجهه أو جلده، كما يقال: جدعًا له وقطعًا وصلبًا وطعنًا، ونحو ذلك من الدعاء بالسوء، وهو منصوب بفعل لا يجوز إظهاره، وكذا ما كان في الدعاء له كقوله: سُقيًا له ورعيًا، والتقدير في الدعاء عليه: خمش الله وجهه وجلده خمشًا، وجدع أنفه، وسقاه الله سقيًا في الدعاء له، وهو كثير، [والخمش في ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (ص): بحديث. وسقط من (س). (¬3) سبق تخريجه. (¬4) "معالم السنن" 1/ 202. (¬5) في (م): غيرها.

الوجه، والخدش في غيره وقيل هما بمعنى] (¬1). (هذِه) الكلمة (أشر (¬2) من) الكلمة (الأولى، كان) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (عبدًا مأمورًا بلغ) أي: أظهر تبليغ جميع (ما أرسل به) إلى الناس كافة؛ لأنه كان في أول الإسلام يخفيه خوفًا من المشركين، ثم أمره الله تعالى بإظهاره وأعلمه أنه يعصمه من الناس في قوله تعالى: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} (¬3) فدلت الآية وما شهد حبر الأمة عبد الله بن عباس على رد من قال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتم شيئًا من أمر الدين كان بالناس حاجة إليه بينة، ودلا على بطلانه وهم الرافضة، ودلا على أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يسر إلى أحد من أمر الدين؛ لأن المعنى: بلغ جميع ما أنزل إليك ظاهر (وما اختصنا) أي: خصنا، فهو من ورود (¬4) افتعل بمعنى فعل (دون الناس بشيء إلا بثلاث خصال) ثم فسرها: (أمرنا أن نسبغ الوضوء) أي: تكميله وإيعابه مع شدة البرد وألم الجسم وشدة المشقة، وظاهره إيجاب الإسباغ عليهم وإن وجدت المشقة بخلاف غيرهم فإنه من الكفارات، وهو من باب الفضائل ويدل على [اختصاصه بالمشقة، ويدل على، (¬5) ذلك ما رواه عبد الله بن أحمد في زياداته في "المسند" على (¬6) أبيه، عن علي بن أبي ¬

_ (¬1) جاءت هذه العبارة في (س، ص، ل) بعد قوله: وجلده خمسا. (¬2) كذا في جميع النسخ الخطية والذي في مطبوعة "سنن أبي داود": شر. (¬3) المائدة: 67. (¬4) في (ص، س، ل): ورد. (¬5) من (م). (¬6) في (ص): عن.

طالب قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا علي أسبغ الوضوء وإن شق عليك، ولا تأكل الصدقة، ولا تنز الحمر على الخيل، ولا تجالس أصحاب النجوم" (¬1) لكن في سنده القاسم بن عبد الرحمن، وفي سنده ضعف (¬2). (وأن لا نأكل الصدقة) فيه دليل على تحريم الصدقة على بني عبد (¬3) المطلب وبني هاشم؛ لما روى مسلم في "صحيحه" من حديث عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب: "إنما هذِه الصدقة أوساخ الناس، وأنها لا تحل لمحمد، ولا لآل محمد" (¬4). وفي لفظ لأبي نعيم في "معرفة الصحابة" من حديث نوفل بن الحارث: "إن لكم في خمس الخمس ما يكفيكم، أو يغنيكم" (¬5)، وقد استدل به الرافعي للإصطخري في أن خمس الخمس إذا منعه أهل البيت حل لهم الصدقة. (وأن لا ننزي) بضم النون (الحمار على الفرس) قال الخطابي: يشبه أن يكون المعنى أن الحمير إذا حملت على الخيل تعطلت منافع الخيل وقل عددها، والخيل يحتاج إليها للطلب وعليها يجاهد العدو ولحمها مأكول، ويسهم للفرس بخلاف البغل (¬6). ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 1/ 78. (¬2) كذا قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 1/ 541. (¬3) سقط من (م). (¬4) "صحيح مسلم" (1072) (167). (¬5) "معرفة الصحابة" لأبي نعيم (6430). وقال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (769): إسناده صحيح. (¬6) "معالم السنن" 2/ 251 - 252.

ويقال: أول من نزى الحمار على الفرس قارون فأتى منه البغل، فهو مركب من الفرس والحمار، فإذا كان الذكر حمارًا كان شديد الشبه بالفرس، وإذا (¬1) كان الذكر فرسًا كان شديد الشبه بالحمار. وقد يقال: إن سبب اختصاص بني العباس والمطلب بتحريم نزو الحمار على الفرس أن حرفة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأهل بيته الجهاد [وجعل رزق النبي - صلى الله عليه وسلم - وآل بيته تحت ظل رماحهم، ونزو الحمير على الخيل يعطل آلة الجهاد] (¬2) والغزو بالخيل التي تصلح للكر والفر دون غيرها. [908] (ثنا زياد بن أيوب) الطوسي، حافظ بغداد يلقب بشعبة الصغير شيخ البخاري، قال: (ثنا هشيم) قال: (أنا حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين مصغر ابن عبد الرحمن السلمي (عن عكرمة، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لا أدري أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في (صلاة (¬3) (الظهر والعصر أم لا) فيه دلالة على أنه اعتمد في قوله في الحديث قبله أنه كان لا يقرأ في الظهر والعصر على عدم الدراية لا على قرائن دلت على ذلك، وفيه دلالة على تخفيف (¬4) القراءة في صلاة الظهر والعصر، وفيه دليل على إسرار القراءة فيهما وهو سنة، والله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالى - أعلم. * * * ¬

_ (¬1) في (م): إن. (¬2) من (م). (¬3) زاد في (م): النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬4) في (ص، س): تحقيق.

134 - باب قدر القراءة في المغرب

134 - باب قَدْرِ القِراءَةِ فِي المَغْرِبِ 810 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ، أَنَّ أُمَّ الفَضْلِ بِنْتَ الحَارِثِ سَمِعَتْهُ وَهُوَ يَقْرَأ {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا} فَقالتْ: يا بُنَيَّ لَقَدْ ذَكَّرْتَنِي بِقِراءَتِكَ هذِه السُّورَةَ إِنَّها لَآخِرُ ما سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقْرَأ بِها فِي المَغْرِبِ (¬1). 811 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقْرَأُ بِالطُّورِ فِي المَغْرِبِ (¬2). 812 - حَدَّثَنا الْحَسَنُ بْن عَلِيٍّ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي ابن أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ مَرْوانَ بْنِ الحَكَمِ قال: قال لِي زَيْدُ بْنُ ثابِتٍ: ما لَكَ تَقْرَأُ فِي المَغْرِبِ بِقِصَارِ المُفَصَّلِ وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقْرَأُ فِي المَغْرِبِ بِطولَى الطُّولَيَيْنِ؟ قال: قُلْتُ: ما طولَى الطُّولَيَيْنِ قال: الأعراف والأخْرَى الأَنْعامُ. قال: وَسَأَلْتُ أَنا ابن أَبِي مُلَيْكَةَ فَقال لِي مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ: المائِدَةُ والأعرافُ (¬3). * * * باب قدر القراءة في المغرب [810] (ثنا) (¬4) عبد الله بن مسلمة بن قعنب (¬5) (القعنبي) شيخ الشيخين أحد الأعلام. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (763)، ومسلم (462). (¬2) رواه البخاري (765)، ومسلم (463). (¬3) رواه البخاري (764). (¬4) سقط من (م). (¬5) في (ص، س): قعب.

(عن مالك، عن) محمد (بن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) ابن مسعود التابعي، وهو ولد (¬1) ولد أخي عبد الله بن مسعود أحد الفقهاء السبعة. (عن) عبد الله (بن عباس - رضي الله عنهما - أم الفضل) لبابة بضم اللام وتخفيف الباء (¬2) الموحدة الأولى (بنت الحارث) أخت ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - والدة ابن عباس الراوي عنها (¬3)، وبذلك صرح الترمذي (¬4) في روايته فقال: عن أمه أم الفضل. (سمعته) أي: سمعت ابن عباس، وفيه التفات؛ لأن السياق يقتضي أن يقول: سمعتني. (وهو يقرأ: {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1)} قال الفراء: هي الملائكة ترسل بالمعروف (¬5). (فقالت) لابن عباس (يا بني لقد ذكرتني) وفي بعض النسخ: ذكرتني بقراءتك. بسكون الراء وزيادة الباء (قراءتك هذِه السورة) رواية البخاري: لقد ذكرتني بقراءتك هذِه السورة (¬6). أي: شيئًا نسيته. (إنها لَآخر ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وفي رواية للبخاري، عن ابن ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): والد. (¬2) من (س، ل، م). (¬3) سقطت من (م). (¬4) "سنن الترمذي" (308). (¬5) "معاني القرآن" 3/ 221. (¬6) "صحيح البخاري" (763).

شهاب: إنها آخر صلوات النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم ما صلى لنا بعدها حتى قبضه الله تعالى. أورده البخاري في باب الوفاة (¬1)، وذكر في باب: إنما جعل الإمام ليؤتم به، من حديث عائشة أن الصلاة التي صلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه في مرض موته كانت الظهر (¬2). والجمع بينه وبين حديث أم الفضل هذا بأن الصلاة التي حكتها عائشة كانت في المسجد، والتي حكتها أم الفضل كانت في بيته، كما رواه النسائي (¬3)، لكن يعكر عليه رواية أبي إسحاق، عن ابن شهاب في هذا الحديث بلفظ: خرج إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو عاصب رأسه في مرضه فصلى المغرب (¬4). الحديث أخرجه الترمذي، ويمكن حمل قولها: خرج إلينا [رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬5). أي: من مكانه الذي كان راقدًا فيه إلى من في البيت فصلى بهم فتلتئم الروايات. (يقرأ بها في المغرب) هو في موضع الحال، والتقدير: سمعته في حال قراءته. [811] (ثنا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه) جبير بن مطعم بن عدي القرشي (¬6)، أسلم قبل الفتح ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (4429) باب مرض النبي ووفاته. (¬2) "صحيح البخاري" (687). (¬3) "سنن النسائي" 2/ 168. (¬4) أخرجه الترمذي في "سننه" (308). (¬5) من (م). (¬6) من (م).

(أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بالطور) [أي: بسورة الطور] (¬1) وفي بعضها: قرأ. قال ابن الجوزي: يحتمل أن تكون الباء بمعنى من كقوله تعالى: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} (¬2) (¬3). قال الترمذي: ذكر عن مالك أنه كره أن يقرأ في المغرب بالسور الطوال نحو الطور والمرسلات (¬4). قال الشافعي: لا أكره ذلك بل أستحبه (¬5)، وكذا نقله البغوي في "شَرح السُّنَّة" (¬6) عن الشافعي، والمعروف عند الشافعية أنه لا كراهة في ذلك ولا استحباب، وأما مالك فاعتمد العمل بالمدينة (¬7). قال ابن دقيق العيد: استمر العمل على تطويل القراءة في الصبح وتقصيرها في المغرب (¬8) والأحاديث التي ذكرها البخاري هنا ثلاثة مختلفة المقادير؛ لأن الأعراف من السبع الطوال، والطور من طوال المفصل، والمرسلات من قصاره (¬9). ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) الإنسان: 6. (¬3) "زاد المسير" 8/ 444. (¬4) "سنن الترمذي" 2/ 113. (¬5) "الأم" 7/ 344. (¬6) "شرح السنة" 3/ 68. (¬7) "فتح الباري" 2/ 290. (¬8) "إحكام الأحكام" 1/ 174. (¬9) "فتح الباري" 2/ 290.

قال ابن حجر: ولم أر حديثًا مرفوعًا فيه التنصيص على القراءة فيها أي (في المغرب) بشيء من قصار المفصل إلا حديثًا في ابن ماجة، عن ابن عمر نص فيه على الكافرون، والإخلاص (¬1)، قال: وظاهر إسناده الصحة إلا أنه معلول (¬2) في المغرب (¬3). قال الدارقطني: أخطأ بعض رواته فيه (¬4). والمحفوظ أنه (¬5) قرأ بهما في الركعتين بعد المغرب، واعتمد بعض أصحابنا، وغيرهم حديث سليمان بن يسار (¬6)، عن أبي هريرة أنه قال: ما رأيت أحدًا أشبه صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فلان. قال سليمان: فكان يقرأ في الصبح بطوال المفصل، وفي المغرب بقصار المفصل. الحديث أخرجه النسائي (¬7) وصححه ابن خزيمة (¬8)، وغيره، ولفظة (كان) هنا تشعر بالمواظبة على ذلك (¬9). [812] (ثنا الحسين بن علي) بن الأسود العجلي الكوفي، قال أبو ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجة" (833) ولفظه: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. (¬2) "فتح الباري" 2/ 290. (¬3) في (م): المعنى. (¬4) "علل الدارقطني" 13/ 27، وانظر: "فتح الباري" 2/ 290. (¬5) في (ص، س، ل): أنهما. (¬6) في (ص): بشار. (¬7) "سنن النسائي" 2/ 167. (¬8) "صحيح ابن خزيمة" (520). (¬9) "فتح الباري" 2/ 290.

حاتم: صدوق (¬1) (ثنا عبد الرزاق، عن) عبد الملك (بن جريجٍ) قال: (حدثني) عبد الله بن عبيد الله (بن أبي مليكة) التيمي مؤذن ابن الزبير، وقاضيه. (عن عروة بن الزبير، عن مروان بن الحكم) بن أبي العاص الأموي، ولد بعد سنتين من الهجرة، ولم يصح له سماع من النبي - صلى الله عليه وسلم -، روى له البخاري والأربعة. (قال: قال لي زيد بن ثابت) بن الضحاك كاتب الوحي (ما لك تقرأ في) صلاة (المغرب بقصار المفصل؟ ) سمي بالمفصل لكثرة الفصول فيه بين سوره، وقيل: لقلة المنسوخ فيه، وآخره {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)}، وفي أوله عشرة أقوال: أحدها "قاف" لحديث ورد فيه (¬2)، وروي عن كثير من الصحابة، وقيل: من "الحجرات" ورجحه النووي (¬3) في "التحرير" و"الدقائق"، وطوال المفصل مثل: "الحجرات"، و"قاف"، و"الذاريات"، و"الطور". وأوساطه: كـ"الجمعة" و"المنافقين". وقصاره كسورة (¬4) "الإخلاص" ونحوها (¬5). ¬

_ (¬1) كذا ذكره المصنف رحمه الله، وهو خطأ، فهو الحسن بن علي بن محمد الهذلي الخلال، وهو الذي له رواية عن عبد الرزاق، وأما الذي ذكره فليس له رواية عن عبد الرزاق وإن كان من شيوخ أبي داود. انظر: "تهذيب الكمال" 6/ 259 (1250)، 6/ 391 (1320). (¬2) انظر ما رواه أحمد 4/ 9، 343 من حديث أوس بن حذيفة. (¬3) "المجموع" 3/ 384 - 385. (¬4) في (س، ل، م): كسورتي. (¬5) في (س، ل، م): نحوهما.

وقال ابن معن في "التنقيب": طواله من "الحجرات" إلى "عم"، ومنها إلى "الضحى" أوساطه، ومنها إلى آخره قصاره (¬1). وروى الربيع، عن نص الشافعي تمثيل القصار بـ "العاديات" ونحوها، وسيأتي عن الزبير في الباب بعده ما يدل عليه. (وقد رأيت) (¬2) بالضم، يحتمل أن تُقْرأ (¬3) بالفتح؛ لأنه ولد سنة اثنتين من الهجرة. وسمعت (¬4) (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب بطولى) (¬5) مؤنث أطول، وجمع المؤنث طُوَل بضم الطاء وفتح الواو، مثل كبرى وكبر، يقال: قرأت السبع الطول. (الطوليين) بمثناتين تحت، تثنية طولى (قال: قلت: وما طولى الطوليين؟ قال: الأعراف) لأنها أطول (¬6) من أختها من "الأنعام". فإن قيل: "البقرة"؟ قيل: لو أرادها [لقال] (¬7): بطولى الطول. رواية ابن حبان قال زيد بن ثابت لمروان بن الحكم: أبى عبد الملك أن يقرأ في المغرب إلا بـ {قُل هُوَ اللَّهُ}، {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} وقال زيد: ¬

_ (¬1) "المنهج القويم" 1/ 198. (¬2) في (م): أريت. (¬3) في (ص، س): يقول. وفي (ل): يقوله. (¬4) تقدمت هذه العبارة في (ص، س، ل): سطرًا فجاءت بعد قوله وقد رأيت. والمثبت كما في (م). (¬5) في النسخ الخطية: بطوال. (¬6) في (م): أكمل. (¬7) ليست بالأصول الخطية. والسياق يقتضيها.

فحلفت بالله لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ فيهما بأطول الطوليين {المص} (¬1) وروى الإمام أحمد والطبراني، عن زيد بن ثابت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ في المغرب بـ "الأعراف" فرقها في الركعتين" (¬2). (قال) ابن جريجٍ (وسألت أنا) عبد الله (¬3) (بن أبي مليكة) عن طولى الطوليين (فقال لي (¬4) من قبل) بكسر القاف وفتح الباء (نفسه: ) هما (المائدة والأعراف) (¬5) وروى الطبراني في "الكبير" ورجاله رجال الصحيح، عن مروان قال: قال زيد بن ثابت: ما لي أراك تقرأ في الصلاة بقصار المفصل، ولقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بالطوليين؟ قلت: وما الطوليين؟ قال: "الأعراف" و"يونس" (¬6). وفيه دليل على جواز القراءة في المغرب بطوال السور على حسب رضى المأمومين، كذا بوب عليه ابن حبان في كتاب الصلاة (¬7)، والله سبحانه أعلم. * * * ¬

_ (¬1) "صحيح ابن حبان" (1836). (¬2) أخرجه أحمد 5/ 418، والطبراني في "الكبير" 4/ 131 (4823). (¬3) سقط من (م). (¬4) من (م). (¬5) أخرجه عبد الرزاق (5691)، وابن خزيمة (516)، والبيهقي في "السنن الكبرى" 2/ 392. (¬6) "المعجم الكبير" (4812). (¬7) "صحيح ابن حبان" 5/ 143.

135 - باب من رأى التخفيف فيها

135 - باب مَنْ رَأَى التَّخْفِيفَ فِيهَا 813 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنا هِشامُ بْنُ عُرْوَةَ أَنَّ أَباهُ كانَ يَقْرَأُ فِي صَلاةِ المَغْرِبِ بِنَحْوِ ما تَقْرَءُونَ {وَالْعَادِيَاتِ} وَنَحْوِها مِنَ السُّوَرِ (¬1). قال أَبُو داوُدَ: هذا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذاكَ مَنْسُوخٌ وهذا أَصَحُّ. 814 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ السَّرْخَسِيُّ، حَدَّثَنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنا أَبِي قال: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحاقَ يُحَدِّثُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ قال: ما مِنَ المفَصَّلِ سُورَةٌ صَغِيرَةٌ وَلا كَبِيرَةٌ إِلَّا وَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَؤُمُّ النَّاسَ بِها فِي الصَّلاةِ المكْتُوبَةِ (¬2). 815 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعاذٍ، حَدَّثَنا أَبِي، حَدَّثَنا قرَّة، عَنِ النَّزَّالِ بْنِ عَمّارٍ، عَنْ أَبِي عُثْمانَ النَّهْدِيِّ أَنَّهُ صَلَّى خَلْفَ ابن مَسْعُودٍ المَغْرِبَ فَقَرَأَ بـ {قُلْ هُوَ اللهُ أَحدٌ} (¬3). * * * باب من رأى التخفيف فيهما [813] (ثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي، قال: (ثنا حماد) بن سلمة، قال: (أنا هشام بن عروة) بن الزبير (أن أباه) الزبير بن العوام الأسدي القرشي (كان يقرأ في صلاة المغرب بنحو ما تقرؤون) ثم بيَّن ما يقرؤون به {وَالْعَادِيَاتِ} ونحوها) بنصب الواو عطفًا على ما قبلها، فإنه منصوب بيقرأ، وإن كانت الياء مكسورة على حكاية ما في كتاب ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 2/ 392 من طريق المصنف. وصححه الألباني مقطوعًا (774). (¬2) رواه البيهقي 2/ 388. وضعفه الألباني (144). (¬3) رواه ابن أبي شيبة 1/ 358 (3615)، والبيهقي 2/ 391. وضعفه الألباني (145).

الله تعالى. (من السور) مثل: "القارعة"، و"ألهاكم"، و"الهمزة"، و"الماعون" ونحو ذلك، وهذا موافق لما تقدم من رواية الربيع، عن نص الشافعي تمثيله قصار المفصل بـ "العاديات" ونحوها يعني إلى آخر القرآن العظيم. (قال أبو داود: هذا) يعني: قراءة الزبير بن العوام، وفعل السلف (يدل على أن ذاك) يعني: القراءة بطوال (¬1) السور (منسوخ) بناسخ متقدم، والفعل نفسه لا ينسخ، وإنما يدل على نسخ سابق، ولا يمكن بأن يكون فعلًا ناسخًا، لأن له أزمنة متعاقبة فلو كان هو الناسخ لما تحقق نسخ إلا بعد انقضائه [فكان قبل انقضائه] (¬2) واقعًا على وجه باطل وهو محال. [814] (ثنا أحمد بن سعيد) الدارمي (¬3) (السرخسي) شيخ الشيخين، قال: (ثنا وهب بن جرير) قال: (حدثني أبي) جرير بن حازم (¬4) الأزدي. (قال: سمعت محمد بن (¬5) إسحاق) المطلبي مولاهم، صاحب "المغازي" (يحدث عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده) الأعلى عبد الله بن عمرو السهمي، فإنه عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله. قال البخاري: رأيت أحمد، وابن المديني، وأبا عبيد، وإسحاق، ¬

_ (¬1) في (ص، س): بطول. (¬2) من (م). (¬3) في الأصول الخطية: المروزي. والمثبت الصواب. انظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 1/ 314. (¬4) في (م): حرام. (¬5) من (س، ل، م).

وعامة أصحابنا يحتجون به - يعني بعمرو بن شعيب (¬1). (أنه) يعني: عبد الله بن عمرو (قال: ما من المفصل سورة) بالرفع (صغيرة) فيه دلالة على أنه يجوز أن يقال: سورة صغيرة، وقرأت شوية وبقي علي شوية، وإن كان تركه أولى. (ولا كبيرة إلا وقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يؤم الناس بها في الصلاة المكتوبة) قراءته - صلى الله عليه وسلم - جميع المفصل في الصلاة محمول على أنه كان يقرأ ما استحسنه (¬2) أصحابنا وغيرهم أنه يقرأ في الصبح بطوال المفصل "الحجرات"، و"الواقعة"، وفي الظهر بقريب من ذلك، وفي العصر والعشاء بأوساطه، وفي المغرب بقصاره، ويدل ذلك على ما رواه الإمام أحمد (¬3) والنسائي (¬4) من حديث سليمان بن يسار، عن أبي هريرة أنه قال: ما رأيت رجلًا أشبه صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فلان - لإمام كان بالمدينة -. قال سليمان: فصليت خلفه فكان يقرأ في الأوليين من المغرب بقصار المفصل، ويقرأ في الأوليين من العشاء من وسط المفصل، ويقرأ في الغداة بطوال المفصل. [815] (ثنا عبيد الله) بالتصغير (بن معاذ) قال: (ثنا أبي) معاذ بن معاذ، قال: (ثنا قرة) بن خالد السدوسي (عن النزَّال) بتشديد الزاي ¬

_ (¬1) "التاريخ الكبير" 6/ 343. (¬2) في (س، م): استحبه. (¬3) "مسند أحمد" 2/ 300. (¬4) "سنن النسائي" 2/ 167.

(ابن عمار) وثق، (عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن مل بكسر الميم وضمها وفتحها أيضًا وتشديد اللام (النهدي) [بفتح النون] (¬1) التابعي مخضرم (¬2) (أنه صلى خلف) عبد الله (بن مسعود) صلاة (المغرب فقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (¬3) يعني: في الثانية؛ لما روى ابن ماجة عن ابن عمر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (¬4). وروى الطبراني في "الكبير" بسند فيه جابر الجعفي، وقد وثقه شعبة، عن عبد الله بن يزيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في المغرب {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} " (¬5). والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (م): مخصوص. (¬3) الحديث أخرجه البيهقي 2/ 391 من طريق المصنف. وقال الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" (145) (1): هذا إسناد ضعيف. (¬4) "سنن ابن ماجة" (833). (¬5) أخرجه الطبراني في "الكبير" كما في "مجمع الزوائد" 2/ 297.

137 - باب القراءة في الفجر

137 - باب القِرَاءَةِ فِي الفَجْرِ 817 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ، أَخْبَرَنا عِيسَى -يَعْنِي: ابن يُونُسَ، عَنْ إِسْماعِيلَ، عَنْ أَصْبَغَ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ قال: كَأَنِّي أَسْمَعُ صَوْتَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ في صَلاةِ الغَداةِ {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} (¬1). * * * باب القراءة في صلاة الفجر (¬2) [817] (ثنا إبراهيم بن موسى الرازي) الحافظ، قال: (أنا عيسى بن يونس) سيأتي، (عن إسماعيل) بن أبي خالد الحافظ الإمام. (عن أصبغ مولى عمرو بن حريث) بضم الحاء المهملة مصغر. (عن عمرو بن حريث) (¬3) المخزومي الصحابي نزل الكوفة (قال: كأني أسمع صوت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في صلاة الغداة) فيه جواز تسمية صلاة الصبح صلاة الغداة. ولفظ رواية مسلم: يقرأ في الفجر (¬4). وفيه دليل على جهر القراءة في صلاة الصبح. ({فَلَا أُقْسِمُ}) أي: بالسورة التي فيها {فَلَا أُقْسِمُ}، قيل: لا ¬

_ (¬1) رواه مسلم (475). (¬2) تقدم هذا الباب هنا على الذي بعده خلافًا لما في مطبوعة "السنن". (¬3) في (ص، س، ل): جرير. (¬4) "صحيح مسلم" (456) (164).

زائدة معناه فأقسم ({بِالْخُنَّسِ}) يعني النجوم، فهي تخنس بالنهار فتختفي ولا تُرى ({الجوار}) أي (¬1): التي تجري ({الْكُنْسَ}) (¬2). أي: تكنس في وقت غروبها، أي: تغيب، من كنس الظبي إذا تغيب واستتر في كناسته [وهو الموضع الذي يأوي إليه، والله أعلم] (¬3). * * * ¬

_ (¬1) من (م، ل). (¬2) الحديث أخرجه ابن ماجة (817)، وأبو يعلى (1463). وقال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (776): حديث صحيح. (¬3) سقط من (م).

136 - باب الرجل يعيد سورة واحدة في الركعتين

136 - باب الرَّجُلِ يُعِيدُ سُورَةً واحِدَةً فِي الرَّكْعَتَيْنِ 816 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنِ ابن أَبِي هِلالٍ، عَن مُعاذِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الجُهَنِيِّ، أَنَّ رَجُلًا مِن جُهَينَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ} فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِما فَلَا أَدْرِي أَنَسِيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمْ قَرَأَ ذَلِكَ عَمْدًا (¬1). * * * باب الرجل يعيد سورة واحدة في الركعتين [816] (ثنا أحمد بن صالح) الحافظ المصري، شيخ البخاري قال: (أنا) عبد الله (بن وهب) الفهري، قال: (حدثني عمرو) بن الحارث بن يعقوب الأنصاري مولاهم المصري أحد الأعلام. (عن) سعيد (بن أبي هلال) الليثي (عن معاذ بن عبد الله) بن خبيب (الجهني) المدني، وثقه المصنف، وابن معين (¬2). (أن رجلًا من جهينة أخبره: أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الصبح) بعد الفاتحة ({إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالهَا}) (¬3) أي: حركت حركة شديدة عند قيام الساعة، تحرك الأرض فتضطرب فيكسر كل شيء عليها، وتخرج كل شيء دخل فيها، وفيه دليل على استحباب [قراءة سورة بعد الفاتحة، ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 2/ 390 من طريق المصنف. وصححه الألباني (775). (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 28/ 125. (¬3) الزلزلة: 1.

وعلى جواز قراءة] (¬1) قصار المفصل في الصبح، وأن سورة كاملة أفضل من قدرها من بعض سورة طويلة؛ لأنه إذا قرأ بعض سورة فقد يقف في غير موضع الوقف، وهو انقطاع الكلام المرتبط وقد يخفى ذلك. (في الركعتين كلتيهما) أي: في الركعة الأولى والثانية. قال الجهني (فلا أدري أنسي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فيه دليل على جواز النسيان عليه - صلى الله عليه وسلم -. قال القاضي عياض: جمهور المحققين على جواز النسيان [عليه - صلى الله عليه وسلم -] (¬2) ابتداءً فيما ليس طريقه البلاغ، ومَن جوَّزه قال: لا يقر عليه بل لابد أن يتذكره (¬3)، واختلفوا هل من شرط ذلك الفور أم يصح على التراخي قبل وفاته - صلى الله عليه وسلم - (¬4). (أم قرأ ذلك عمدًا) تردد الصحابي في أن (¬5) إعادة النبي - صلى الله عليه وسلم - {إِذَا زُلْزِلَتِ} في الركعة الثانية هل فعله ناسيًا لكون المعتاد من قراءته أن يقرأ في الركعة الثانية غير ما قرأ به في الأولى فلا يكون مشروعًا لأمته، أو فعله عمدًا ليكمل للمصلي ثواب ختمة كاملة فإن {إِذَا زُلْزِلَتِ} تعدل قراءتها نصف ختمة، فيكون ذلك (¬6) مشروعًا لأمته يقتدى ¬

_ (¬1) تكررت في (ص). (¬2) من (م). (¬3) في (ص، س، ل): يتذكر. والمثبت من (م)، و"شرح النووي". (¬4) "الشفا بتعريف حقوق المصطفى" 2/ 150، وانظر: "شرح النووي" (6/ 76). (¬5) من (م). (¬6) من (س، ل، م).

به فيه ويجري هذا في قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} قياسًا عليها، وعلى هذا فيكون إعادة السورة مستحبة إذا كان قراءتها تعد (¬1) جزءًا من القرآن، ويحتمل أن يكون أعادها عمدًا لبيان الجواز، وعلى هذا فيكون الإعادة في حقه - صلى الله عليه وسلم - فيها فضيلة لتبيينه (¬2) الأمور الشرعية وفي حقنا الجواز [بلا فضيلة] (¬3)، وإن كان أعادها ناسيًا فلا مشروعية أصلًا فتكون الإعادة مترددة بين المشروعية، وعدمها، وإذا دار الأمر بين أن يكون مشروعًا أو غير مشروع فحمل فعله - صلى الله عليه وسلم - على المشروعية أولى، لأن الأصل في أفعاله التشريع، والنسيان على خلاف الأصل، ونظير هذِه القاعدة ما ذكره الأصوليون فيما تردد فيه فعله - صلى الله عليه وسلم - بين أن يكون فعله جبليًّا فلا مشروعية فيه (¬4) أو فعله لبيان الحكم الشرعي فيه ومثلوه بالحج راكبًا. وحكى الرافعي (¬5) وجهين في مسألة ذهاب العيد في طريق والرجوع في آخر، وقال: إن الأكثرين على التأسي به ويجري هذان الوجهان في كل ما أمكن حمله على العبادة المشروعة أو على غير العبادة كالعادة والنسيان ونحوهما والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) في (م): تعدل. (¬2) في (ص، س): لنسيه. (¬3) في (م): للأفضلية. (¬4) سقط من (م). (¬5) "الشرح الكبير" 5/ 56.

138 - باب من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب

138 - باب مَنْ تَرَكَ القِراءَةَ فِي صَلاتِهِ بِفَاتِحَة الكِتَابِ 818 - حَدَّثَنا أَبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسِيُّ، حَدَّثَنا هَمّامٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قال: أُمِرْنا أَنْ نَقْرَأَ بِفِاتِحَةِ الكِتابِ وَما تَيَسَّرَ (¬1). 819 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْن مُوسَى الرَّازِيُّ، أَخْبَرَنا عِيسَى، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مَيْمُونٍ البَصْرِيِّ، حَدَّثَنا أَبُو عُثْمانَ النَّهْدِيُّ، قال: حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ قال: قال لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - "اخْرُجْ فَنادِ فِي المَدِينَةِ أَنَّهُ لا صَلاةَ إِلَّا بِقُرْآنٍ وَلَوْ بِفاتِحَةِ الكِتابِ فَما زادَ" (¬2). 820 - حَدَّثَنا ابن بَشَّار، حَدَّثَنا يَحْيَى، حَدَّثَنا جَعْفَرٌ، عَنْ أَبِي عُثْمانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: أَمَرَني رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أُنَادِيَ أَنَّهُ لا صَلاةَ إِلَّا بِقِراءَةِ فَاتِحَةِ الكِتَابِ فَما زادَ (¬3). 821 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ العَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا السَّائِبِ مَولَى هِشام بْنِ زُهْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيها بِأُمِّ القُرْآنِ فَهِيَ خِداجٌ فَهِيَ خِداجٌ فَهِيَ خِداجٌ غَيْرُ تَمامٍ". قال: فَقُلْتْ: يا أَبا هُرَيْرَةَ إِنِّي أَكُونُ أَحْيانًا وَراءَ الإِمامِ. قال: فَغَمَزَ ذِراعِي وقَال: اقْرَأْ بِها يا فارِسِيُّ فِي نَفْسِكَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقولُ: "قال ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 3، والبخاري في "القراءة خلف الإمام" (13، 75)، وعبد بن حميد في "المنتخب" 1/ 278 (879)، والبزار 18/ 71 (7)، وغيرهم. وصححه الألباني (777). (¬2) رواه أحمد 2/ 428، والبخاري في "القراءة خلف الإمام" (70)، والببيهقي 2/ 37. وصححه الألباني (778). (¬3) رواه أحمد 2/ 428، والبخاري في "القراءة خلف الإمام" (58)، وابن حبان 5/ 93 (1791). وصححه الألباني (778).

اللهُ تَعَالى: قَسَمْتُ الصَّلاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ فَنِصْفُها لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي وَلعَبْدِي ما سَأَلَ". قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اقْرَءُوا، يَقُولُ العَبْدُ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ} يَقُولُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: حَمِدَنِي عَبْدِي، يَقُولُ العَبْدُ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} يَقُولُ الله -عَزَّ وَجَلَّ-: أَثْنَى عَلي عَبْدِي يَقُول العَبْدُ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} يَقُولُ اللهُ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، يَقُولُ العَبْدُ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} يَقُولُ الله: وهذِه بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلعَبْدِي ما سَأَلَ، يَقُول العَبْدُ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)} يَقُولُ اللهُ: فهَؤُلَاء لِعَبْدِي وَلِعَبدِي ما سَأَلَ" (¬1). 822 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وابْنُ السَّرْحِ قالا: حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ يَبْلُغ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفاتِحَةِ الكِتابِ فَصاعِدًا". قال سُفْيانُ: لَمِنْ يُصَلِّي وَحْدَهُ (¬2). 823 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ قال: كُنّا خَلْفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي صَلاةِ الفَجْرِ فَقَرَأَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ القِراءَةُ فَلَمّا فَرَغَ قال: "لَعَلَّكُمْ تَقْرَؤُونَ خَلْفَ إِمامِكُمْ". قُلْنا: نَعَمْ هذّا يا رَسُولَ اللهِ. قال: "لا تَفْعَلُوا إِلَّا بِفاتِحَةِ الكِتابِ فَإِنَّهُ لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِها" (¬3). 824 - حَدَّثَنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمانَ الأَزْدِيُّ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنا الهَيْثَمُ بْن حُمَيْدٍ أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ واقِدٍ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ نافِعِ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيِّ، قال نافِعٌ: أَبْطَأَ عُبادَةُ بْنُ الصَّامِتِ عَنْ صَلاةِ الصُّبْحِ فَأَقامَ أَبُو نُعَيْمٍ المُؤَذِّنُ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (395). (¬2) رواه البخاري (756)، ومسلم (394). (¬3) رواه الترمذي 2/ 116 (311)، والإمام أحمد 5/ 81، (1848). وضعفه الألباني (146).

الصَّلاةَ فَصَلَّى أَبُو نُعَيْمٍ بِالنَّاسِ وَأَقْبَلَ عُبادَةُ وَأَنا مَعَهُ حَتَّى صَفَفْنا خَلْفَ أَبِي نُعَيْمٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ يَجْهَرُ بِالقِراءَةِ فَجَعَلَ عُبادَةُ يَقْرَأُ بِأُمِّ القُرْآنِ فَلَمّا انْصَرَفَ قُلْتُ لِعُبادَةَ: سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ بِأُمِّ القُرْآنِ وَأَبُو نُعَيْمٍ يَجْهَرُ قال: أَجَلْ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْضَ الصَّلَواتِ التِي يَجْهَرُ فِيها بِالقِراءَةِ قال: فالتَبَسَتْ عَلَيْهِ القِراءَة فَلَمّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَيْنا بِوَجْهِهِ وقال: "هَلْ تَقْرَؤُونَ إِذا جَهَرْتُ بِالقِراءَةِ". فَقال بَعْضُنا: إِنّا نَصْنَعُ ذَلِكَ. قال: "فَلا وَأَنَا أَقُولُ ما لِي يُنازَعُنِي القُرْآنُ فَلا تَقْرَءُوا بِشَيْءٍ مِنَ القُرْآنِ إِذا جَهَرْتُ إِلَّا بِأُمِّ القُرْآنِ" (¬1). 825 - حَدَّثَنا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ، حَدَّثَنا الوَليدُ، عَنِ ابن جابِرٍ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ العَلاءِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ عُبادَةَ نَحْوَ حَدِيثِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمانَ قالوا: فَكانَ مَكْحُولٌ يَقْرَأُ فِي المَغْرِبِ والعِشاءِ والصُّبْحِ بِفاتِحَةِ الكِتابِ فِي كلِّ رَكْعَةٍ سِرًّا. قال مَكْحُولٌ: اقْرَأْ بِها فِيما جَهَرَ بِهِ الإِمامُ إِذا قَرَأَ بِفاتِحَةِ الكِتابِ وَسَكَتَ سِرًّا فَإِنْ لَمْ يَسْكُتِ اقْرَأْ بِها قَبْلَهُ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ لا تَتْرُكْها عَلَى حالٍ (¬2). * * * باب من ترك القراءة في صلاته (¬3) [818] (ثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك (الطيالسي) البصري، قال أبو حاتم: ما رأيت قط كتابًا أصح من كتابه (¬4)، قال: (ثنا همام، عن قتادة، عن أبي نضرة) المنذر بن مالك العبدي، عداده في تابعي ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني 1/ 319 (9)، والنسائي في "الكبرى" 1/ 320 (992). وضعفه الألباني (147). (¬2) انظر الحديث السابق. (¬3) زاد في مطبوعة "سنن أبي داود" بفاتحة الكتاب. (¬4) انظر: "تهذيب الكمال"30/ 231.

البصرة. (عن أبي سعيد) سعد بن مالك الخدري (قال: أمرنا) بضم الهمزة، وكسر الميم وسكون الراء (أن نقرأ) رواه ابن الجوزي في "التحقيق" بلفظ: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نقرأ (بفاتحة الكتاب) في كل ركعة. وقال: رواه أصحابنا من حديث عبادة وأبي سعيد (¬1)، وعزاها غيره إلى رواية إسماعيل بن سعيد الشالنجي (¬2). قال ابن عبد الهادي في "التنقيح": رواه إسماعيل هذا، وهو صاحب الإمام أحمد (¬3). وفي "سنن ابن ماجة" معناه، ولفظه: "لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ} وسورة، في فريضة أو غيرها" (¬4). وفي هذِه الروايات حجة لما ذهب إليه الشافعي، وغيره من وجوب الفاتحة في كل ركعة، ويعضدها رواية أحمد (¬5)، وابن حبان (¬6)، والبيهقي (¬7) في قصة المسيء صلاته، وقال في آخره: "ثم افعل ذلك في كل ركعة". ويعضدها أيضًا رواية البخاري من حديث أبي قتادة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ¬

_ (¬1) "التحقيق في أحاديث الخلاف" لابن الجوزي 1/ 372 من حديث عبادة وأبي سعيد بلفظ: أمرنا رسول الله أن نقرأ بالفاتحة في كل ركعة. (¬2) انظر: "التلخيص الحبير" 1/ 566. (¬3) "تنقيح التحقيق" 1/ 384. (¬4) "سنن ابن ماجة" (839) وقال الحافظ في "التلخيص" 1/ 567: إسناده ضعيف. (¬5) "مسند أحمد" 4/ 340. (¬6) "صحيح ابن حبان" 1787. (¬7) "السنن الكبرى" 2/ 374.

يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب (¬1). وهذا مع قوله: "صلوا كلما رأيتموني أصلي" (¬2). (وما تيسر) هكذا رواه ابن حبان، ولفظه: أمرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - أن نقرأ بفاتحة الكتاب، وما تيسر (¬3). وبوب عليه: ذكر الخبر المصرح بإباحة تعقيب المرء قراءة فاتحة الكتاب بما أحب من السور في صلاته. ثم قال آخر الحديث (¬4): هذا الحديث مما نقول في كتبنا أن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - قد يأمر بشيئين مقرونين في اللفظ، أحدهما يكون فرضًا تقوم الدلالة على فرضيته من خبر آخر، والاخر (¬5) يكون نفلًا يدل الإجماع على نفليته، وذلك أن الأمر بقراءة فاتحة الكتاب في الصلاة أمر فرض قامت الدلالة من خبر ثان على فرضيته كما ذكرنا، وما تيسر من القرآن سوى فاتحة الكتاب أمر نفل دل الإجماع على نفليته. [819] (ثنا إبراهيم بن موسى الرازي) الحافظ، قال: (أنا عيسى) بن يونس بن أبي إسحاق أحد الأعلام في الحفظ والعبادة كان يحج سنة ويغزو سنة. (عن جعفر بن ميمون البصري) بياع الأنماط، روى له الأربعة، قال: (ثنا أبو عثمان) عبد الرحمن بن ملّ (النهدي، قال: حدثني أبو هريرة قال: ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (759). (¬2) أخرجه البخاري (631) من حديث مالك بن الحويرث. (¬3) "صحيح ابن حبان" (1790). (¬4) "صحيح ابن حبان" 5/ 93. (¬5) سقط من (م).

قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اخرج فناد في المدينة) لفظ ابن حبان فى روايته: "اخرج فناد في الناس أن لا صلاة إلا بقراءة" (¬1). (أنه لا صلاة إلا بقرآن، ولو بفاتحة الكتاب) رواية (¬2) ابن حبان: "لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب" (¬3). (فما زاد) يعني: عليها. [820] (ثنا) محمد (بن بشار) بندار. قال: (ثنا يحيى) القطان، قال: (ثنا جعفر) بن ميمون. (عن أبي عثمان) النهدي (عن أبي هريرة قال: أمرني النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أنادي) في الناس بالمدينة. (أنه لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب فما زاد) عليها، تعم السورة أو بعضها من الآي، ويدخل في عمومه ما رواه الطبراني في "الأوسط" بسند فيه سهيل بن أبي حزم، وثقه ابن معين (¬4) وبقية رجاله ثقات، عن أنس بن مالك قال: كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرؤون القرآن من أوله إلى آخره في الفرائض (¬5). وروى أيضًا عن ابن عمرو (¬6) قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعدد الآي ¬

_ (¬1) "صحيح ابن حبان" (1791). (¬2) في (م): رواه. (¬3) "صحيح ابن حبان" (1791). (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 12/ 218. (¬5) "المعجم الأوسط" (8162). (¬6) في جميع الأصول الخطية عمر. والمثبت كما في "مجمع الزوائد" للهيثمي 2/ 290.

في الصلاة (¬1). [821] (ثنا) عبد الله (القعنبي (¬2)، عن مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن) مولى الحرقة، أخرج له مسلم والأربعة (أنه سمع أبا السائب) يقال: اسمه السائب. (مولى هشام بن زهرة) التابعي، قال ابن عبد البر: لا يعرف اسمه (¬3). وهذا هو الأصح، وكان من جلساء أبي هريرة، قال: وأجمعوا على أنه ثقة مقبول النقل. (يقول: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج) بكسر الخاء المعجمة. قال الخليل بن أحمد والأصمعي والهروي وآخرون؛ الخداج النقصان (¬4) يقال: خدجت الناقة إذا القت ولدها قبل أوان النتاج، وإن كان تام الخلق. فقوله (خداج) أي: ذات خداج، فحذفت ذات وأقام الخداج (¬5) مقامه، هذا مذهب الخليل وأبي حاتم والأصمعي، وأما الأخفش فعكس وجعل الإخداج قبل الوقت وإن كان تام الخلق (¬6). ¬

_ (¬1) أخرجه الطبراني كما في "المجمع" 2/ 290. وقال الهيثمي: في سنده نصر ابن طريف وهو متروك. (¬2) سقط من (ص)، وفي (م): التجيبي. والمثبت من (س، ل). (¬3) "الاستغنا" 2/ 923 (1106)، 3/ 1576 - 1577 (2443). (¬4) "غريب الحديث" 1/ 65. (¬5) في (ص، س، ل): خداه. (¬6) "المفهم" بتصرف 2/ 25.

(فهي خداج فهي خداج) فيه التأكيد بإعادة اللفظ (غير) بالرفع صفة لما قبلها (تمام) أي: ناقصة غير تامة. قال أبو السائب (فقلت: يا أبا هريرة إني أكون أحيانًا) لفظ رواية مسلم: إنا نكون (¬1) (وراء الإمام. قال: فغمز ذراعي) الذراع الساعد، وغمزه كبسه باليد ليكون أبلغ في حفظ ما ينقله عنه. (وقال: اقرأ بها يا فارسي) كذا (¬2) للنسائي (¬3)، وابن حبان (¬4)، وليس تسميته بالفارسي في مسلم (في نفسك) فيه دليل على أن قراءة الفاتحة واجبة على الإمام والمأموم والمنفرد ومعناه اقرأها سرًا بحيث تسمع نفسك، وأما ما حمله بعض المالكية وغيرهم أن المراد يدبَّر ذلك ويذَّكره فلا يقبل؛ لأن القراءة لا تطلق إلا على حركة اللسان بحيث يسمع نفسه؛ ولهذا اتفقوا على أن الجنب لو تدبر القرآن بقلبه من غير حركة لسانه لا يكون قارئًا مرتكبًا لقراءة الجنب المحرمة، وحكى عياض وغيره، عن علي بن أبي طالب وربيعة ومحمد بن أبي صفرة وبعض أصحاب مالك: أنه لا يجب قراءة أصلًا، وهي رواية شاذة عن مالك والمشهور عن مالك وابن المسيب في جماعة من التابعين وغيرهم وفقهاء الحجاز والشام (¬5) كما قال القرطبي أنه لا يقرأ معه ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (395) (38). (¬2) في (ص): لكن. (¬3) "سنن النسائي" 2/ 135. (¬4) "صحيح ابن حبان" (1784). (¬5) من (س، ل، م).

فيما جهر فيه، وإن لم يسمعه، ويقرأ معه فيما أسر الإمام تمسكًا بقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} (¬1) (¬2) وبقول أبو هريرة: فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: قال الله -عَزَّ وَجَلَّ-: قسمت) معنى القسمة هنا من جهة المعاني؛ لأن نصفها الأول في حمد الله تعالى وتمجيده والثناء عليه وتوحيده، والنصف الثاني في أعتراف العبد بعجزه وحاجته إليه وسؤاله في تثبيته بهدايته ومعونته على ذلك، وهذا التقسيم حجة لمالك وغيره من القائلين بأن البسملة ليست من الفاتحة (¬3)، وهو من أوضح ما احتجوا به لأنها سبع آيات بالإجماع فثلاث في أولها ثناء أولها الحمد لله، وثلاث بدعاء أولها: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ} والسابعة متوسطة وهي (¬4) {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وقالوا: ولأنه تعالى قال: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي فإذا قال {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ} فلم يذكر البسملة، وأجاب أصحابنا وغيرهم بأجوبة. أحدها: أن النصف عائد إلى جملة الصلاة لا إلى الفاتحة هذا حقيقة اللفظ، والثاني: أن النصف عائد إلى ما يختص بالفاتحة من الآيات الكاملة، والثالث: معناه: فإذا انتهى العبد في قرائته إلى الحمد لله رب العالمين. (الصلاة) يعني: أم القرآن سماها (¬5) صلاة؛ لأن الصلاة لا تصح أو ¬

_ (¬1) الأعراف: 204. (¬2) "المفهم" 2/ 28. (¬3) "الذخيرة" 2/ 178. (¬4) من (م). (¬5) في (ص): سماه.

لا تتم إلا بها، وهو كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الحج عرفة" (¬1). وفيه دليل على وجوبها بعينها في الصلاة. (بيني وبين عبدي نصفين فنصفها) وصف (لي ونصفها) وصف العبدي، ولعبدي) أن أعطيه (¬2) (ما سأل) فإن النصف الثاني دعاء العبد لنفسه، والنصف الأول ثناء على الله تعالى، وفيه: بيان أدب الدعاء وهو تقديم المدح والثناء على الله. (قال رسول الله: - صلى الله عليه وسلم - اقرؤوا) أم القرآن فحيث (يقول العبد) فيها رواية النسائي موافقة لرواية المصنف {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ (2)} يقول الله تعالى: حمدني) بكسر الميم (عبدي) قال في "النهاية": الحمد رأس الشكر؛ لأن فيه إظهار النعمة والاعتراف بها والحمد أعم من الشكر، فهو شكر وزيادة (¬3). و(يقول: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، يقول الله تعالى: أثنى علي عبدي) جمعهما الثناء (¬4)؛ لاشتمال اللفظين على الصفات الذاتية والفعلية. (يقول العبد: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} أي: يوم الحساب والجزاء (يقول الله تعالى: مجدني عبدي) قال العلماء: قوله: (حمدني ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (889)، والنسائي في "المجتبى" 5/ 256، وابن ماجة (3015)، وأحمد 4/ 309، وابن خزيمة (2822). وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬2) في (ص، س): أعطيته. (¬3) "النهاية": (حمد). (¬4) من (س، ل، م).

عبدي) و (أثنى علي) و (مجدني) إنما قاله لأن التحميد الثناء بجميل الفعال والتمجيد (¬1) الثناء بصفات الجلال، ويقال: أثنى عليه في ذلك كله (¬2)، ومعنى "مجدني": ذكرني بالعظمة والجلال، وهذِه الآية بيني وبين عبدي يعني: الآية الآتية. (يقول العبد: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} أي: نطيع {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، أي: نطلب العون والتأييد. قال السلمي في "حقائقه": سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان (¬3) يقول: سمعت أبا حفص الفرغاني يقول: من أقر بإياك نعبد وإياك نستعين فقد برئ من الجبر والقدر (¬4). (وهذِه بيني وبين عبدي) قال القرطبي: إنما قال الله هذا؛ لأن في ذلك تذلل العبد لله وطلبه الاستعانة منه، وذلك يتضمن تعظيم الله وقدرته على ما طلب منه (¬5) (ولعبدي ما سأل) أي: أعطيه ما سأله. (يقول العبد: {وَاهْدِنَا} أرشدنا وثبتنا على الهداية ({اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}) الذي لا عوج فيه ({صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}) المنعم عليهم هم: النبيون والصديقون والشهداء والصالحون ({غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}) وهم اليهود ({وَلَا الضَّالِّينَ}) هم النصارى عند ¬

_ (¬1) في (ص، ل): التحميد. (¬2) "شرح النووي" 4/ 104. (¬3) في (م): يسادان. (¬4) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" 1/ 145. (¬5) "المفهم" 2/ 27.

الجمهور، وجاء هذا التفسير مفسرًا في حديث عدي بن حاتم وقصة إسلامه أخرجه أبو داود الطيالسي في "مسنده" (¬1) والترمذي في "جامعه" (¬2) ويشهد لهذا التفسير أيضًا قوله تعالى في اليهود: {وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} (¬3)، وقال في حق النصارى: {قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} (¬4). (فهؤلاء لعبدي) هو إشارة بجمع، وأقل الجمع ثلاثة، قال مالك وغيره: في قوله إشارة إلى أن من قوله: {اهدنا} إلى آخر السورة ثلاث آيات لا آيتان؛ لأن المسلمين اتفقوا على أن الفاتحة سبع آيات، فإذا كانت ثلاث آيات عند (¬5) قوله {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} بقيت (¬6) أربع آيات {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} آية (¬7) بقيت ثلاث آيات، فتصح الإشارة إليها بهؤلاء. وقد عد المصريون (¬8) والشاميون والمدنيون {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} آية، وعليه (¬9) تصح القسمة والإشارة انتهى (¬10). ¬

_ (¬1) "مسند الطيالسي" (1040). (¬2) "جامع الترمذي" (2953). (¬3) البقرة: 61، آل عمران: 112. (¬4) المائدة: 77. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (م): تعقب. وفي (ل): بقت. (¬7) من (س، ل، م). (¬8) في (م): البصريون. (¬9) في (م): عليهم. (¬10) "الاستذكار" 4/ 201 - 202.

وفي المسألة خلاف مبني على أن البسملة من الفاتحة أم لا، قال النووي: مذهبنا ومذهب الأكثرين أنها من الفاتحة، وأنها آية، وأن: {وَاهْدِنَا} وما بعدها آيتان، والأكثرون على أن المراد بالإشارة بـ (هؤلاء) الكلمات لا الآيات؛ بدليل رواية مسلم (¬1) وابن حبان (¬2): "فهذا لعبدي". قال: وهذا أحسن من الجواب بأن الجمع محمول على اثنين؛ لأن هذا مجاز عند الأكثرين فيحتاج إلى دليل على صرفه عن الحقيقة إلى المجاز (¬3). ورواية النسائي (¬4) كرواية المصنف، (ولعبدي) أعطيه جميع (ما سأل) والله أعلم. [822] (ثنا قتيبة (¬5) بن سعيد، و) أحمد بن عمرو (بن السرح، قالا: ثنا سفيان) بن عيينة. (عن الزهري، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت) الصحابي (يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم -) قال ابن الصلاح وغيره: قول (¬6) الراوي عن الصحابي: يرفع الحديث. أو: يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - أو ينميه. حكمه عند أهل العلم حكم المرفوع صريحًا (¬7). ورواه ابن حبان من طريق معمر، عن الزهري، عن محمود بن ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (395). (¬2) "صحيح ابن حبان" (776). (¬3) "شرح النووي" 4/ 104. (¬4) "سنن النسائي" 2/ 135. (¬5) في (ص): ميسرة. والمثبت من (س، ل). (¬6) قبلها في (س، ص، ل): هو. (¬7) "مقدمة ابن الصلاح" 1/ 28.

الربيع، عن عبادة بن الصامت، قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (قال: لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن) (¬1) (¬2) فيه رد لمن كره تسميتها بأم القرآن مع وجود هذا الحديث، وكره أنس وابن سيرين تسميتها بأم الكتاب وأم القرآن. (فصاعدًا) اسم فاعل من صعد يصعد إذا ارتقى من سفل إلى علو ومعنى صاعد هنا الزائد، والصاعد هنا منصوب على الحال، تقديره لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن فقط أو بأم القرآن في حال كونه صاعدًا في حال قراءته أي: زائدًا على أم القرآن، وفيه دليل على أن قراءة شيء من القرآن بعد الفاتحة بشيء (¬3). وبوب ابن حبان على هذا الحديث ذكر الخبر الدال على أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فلا تفعلوا إلا بأم القرآن" لم يرد به الزجر عن قراءة ما وراء فاتحة الكتاب (¬4). [823] (ثنا عبد الله بن محمد النفيلي) قال: (ثنا محمدبن سلمة) بفتح السين واللام، [ابن عبد الله] (¬5) الباهلي مولاهم الحراني، أخرج له مسلم والأربعة. (عن محمد بن إسحاق) صاحب"المغازي" (عن مكحول) صرح ابن حبان بالتحديث عن مكحول فقال: ثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى، ثنا ابن إسحاق، حدثني مكحول. ¬

_ (¬1) قبلها في مطبوعة "سنن أبي داود": بفاتحة الكتاب. (¬2) "صحيح ابن حبان" (1786). (¬3) كذا في الأصول الخطية، ولعلها: يسن. (¬4) "صحيح ابن حبان" 5/ 87. (¬5) في (ص): وابن عبد.

(عن محمود بن الربيع) الأنصاري، وكان يسكن إيلياء، كذا لابن حبان (¬1). (عن عبادة بن الصامت قال: كنا خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الفجر) رواية ابن حبان: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح (¬2). (فثقلت عليه القراءة) أي: شق عليه التلفظ والجهر بالقراءة ويحتمل أن يراد به أنها [التبست عليه] (¬3) القراءة بدليل الرواية الآتية وهو الأظهر. (فلما فرغ) من صلاته (قال: لعلكم) يصلح أن يكون شاهدًا على أن لعل تأتي بمعنى الاستفهام كما أثبته الكوفيون؛ ولهذا علق بها الفعل في نحو {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} (¬4)، {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3)} (¬5)، ويدل على أنها للاستفهام قولهم في الجواب: نعم، وعلى تقدير أنها للاستفهام فهو استفهام إنكار لقوله بعده (لا تفعلوا). (تقرؤون خلف إمامكم) فيه أن السنة للمأمومين أن يقفوا خلف الإمام صفًّا؛ فإن وقفوا قدامه لم يصح عند الشافعي (¬6) وأحمد (¬7)، وقال إسحاق (¬8) ومالك (¬9): يصح؛ لأن ذلك لا يمنع الاقتداء به فأشبه من ¬

_ (¬1) "صحيح ابن حبان" (1785). (¬2) "صحيح ابن حبان" (1785). (¬3) في (ص): أسست. وفي (س، ل): التبست. (¬4) الطلاق: 1. (¬5) عبس: 3. (¬6) "الأم": 1/ 301 - 302. (¬7) و (¬8) "المغني" 3/ 52. (¬9) "التمهيد" 1/ 267 - 268.

خلفه (قلنا: نعم هَذًّا) بفتح الهاء والذال المعجمة المشددة، منصوب على المصدر أي: نهذُّه هَذًّا. أي: نسرع في قراءتها ونستعجل، والهذُّ: سرعة القطع (يا رسول الله) فيه الأدب في مخاطبة الكبير أن لا يسميه باسمه، بل يقول في جوابه: نعم يا سيدي. أو: يا أستاذي، ونحوه. (قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب) هذا مخصوص بالصلاة التي يجهر فيها الإمام؛ لما روى الإمام مالك في "الموطأ" (¬1) والترمذي (¬2)، وحسنه عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف من صلاته فقال: "هل قرأ معي أحد منكم؟ " فقال رجل: نعم يا رسول الله. قال: "ما لي أنازع القرآن؟ ! ". قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما جهر فيه حين سمعوا ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3). ورواه الدارقطني بلفظ آخر قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة فلما قضاها قال: "هل قرأ أحد منكم معي شيء من القرآن؟ " فقال رجل من القوم: أنا يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إني أقول ما لي أنازع القرآن، إذا أسررت بقراءتي (¬4) فاقرؤوا، وإذا جهرت بقراءتي فلا يقرأ معي أحد" (¬5). ففي هذين الحديثين دليل على أن حديث هذا الباب مقيد ¬

_ (¬1) "الموطأ" (193). (¬2) "سنن الترمذي" (312). (¬3) وأخرجه أيضًا النسائي 2/ 140، وابن ماجة (848)، وأحمد 2/ 240، وابن حبان (1843). (¬4) في (ص): بقراءة. (¬5) "سنن الدارقطني" 1/ 333.

بالصلاة الجهرية أن المأموم لا يقرأ السورة بل يستمع؛ فإن الاستماع مستحبٌ. وفي "فوائد المهذب" للفارقي شيخ ابن أبي عصرون وتلميذ الشيخ أبي إسحاق: الجزم بوجوب الاستماع، وهو مقتضى الحديث. وفي "التتمة" وجه أن قراءة السورة مستحبة، وهذا في الجهرية، وأما السرية فوجهان لأصحابنا أحدهما: لا يقرأ غير الفاتحة، وإذا قلنا بهذا الوجه لا يقرأ غير الفاتحة فالقياس أنه يشتغل بالذكر ولا يسكت، لأن السكوت في الصلاة منهي عنه، وهذا الوجه هو مقتضى إطلاق الحديث، والثاني: وهو الأصح أنه يقرأ السورة لانتفاء المعنى الموجب للسكوت والإنصاف (فإنه لا صلاة) أي: لا تجزئ صلاة، أو لا تصح صلاة، ويدل على هذا التقدير رواية أبي بكر ابن خزيمة في "صحيحه" بإسناد صحيح عن أبي هريرة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب" (¬1). وكذا رواه (¬2) أبو حاتم (¬3) ابن حبان (¬4). واستدل به على أن قراءة الفاتحة واجبة في الصلاة وركن من أركانها لا تصح إلا بها، وقال أبو حنيفة: لا تتعين الفاتحة وتجزئ قراءته (¬5) آية ¬

_ (¬1) "صحيح ابن خزيمة" (490). (¬2) في (س، ص، ل): رواية. والمثبت الأنسب نحويًّا. (¬3) زاد في (ص، س): و. (¬4) "صحيح ابن حبان" (1789). (¬5) في (ص، س، ل): يجب قراءة.

من القرآن أي موضع كان (¬1). وهو رواية عن أحمد لقوله - صلى الله عليه وسلم - للمسيء صلاته: "اقرأ ما تيسر لك من القرآن" (¬2). وحملوا حديث الباب على أن تقديره لا صلاة كاملة. قال النووي: وهو خلاف ظاهر اللفظ (¬3). وأما استدلال الحنفية لما روى أبو سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب أو (¬4) غيرها" (¬5) فإن راويه أبو سفيان طريف بن شهاب السعدي، قال أحمد: لا يكتب حديثه (¬6). ثم يحتمل أنه أراد: أو غيرها ممن (¬7) لا يحسنها. والدليل عليه أنه روي في حديث (¬8) "أو نحوها". (لمن لم يقرأ بها) أي: سواء كان إمامًا أو مأمومًا أو منفردًا. [824] (ثنا الربيع بن سليمان الأزدي) المؤذن بمصر ثقة، قال: (ثنا (¬9) عبد الله بن يوسف) التنيسي الكلاعي الدمشقي شيخ البخاري. قال يحيى بن معين: أثبت الناس في "الموطأ" القعنبي، وعبد الله بن ¬

_ (¬1) "المبسوط" 1/ 104. (¬2) سبق تخريجه قريبًا. (¬3) "شرح النووي" 4/ 102. (¬4) في (ص): و. (¬5) رواه الترمذي (238)، وابن ماجة (839) بنحوه. (¬6) وضعفه ابن معين وأبو حاتم والبخاري وأبو داود والنسائي والدارقطني وابن حبان والذهبي وابن حجر. انظر: "تهذيب الكمال" 13/ 377 (2961)، والحديث ضعفه النووي في "الخلاصة" 1/ 363 (1117). (¬7) في (س، م): لمن. (¬8) في (م): حديثه. (¬9) في (ص، ل): لنا.

يوسف، وقال أيضًا: سمعت يحيى بن معين يقول: ما بقي على أديم الأرض أوثق في "الموطأ" من عبد الله بن يوسف التنيسي (¬1). قال: (أنا الهيثم بن حميد) الغساني قال المصنف: ثقة قدري (¬2). وقال دحيم: كان أعلم الناس بقول مكحول (¬3)، قال: (أخبرني زيد بن واقد) الدمشقي القرشي، من كبار أصحاب مكحول أخرج له البخاري. (عن مكحول) قال ابن حبان في "الثقات": مكحول بن عبد الله كان هنديًا من سبي كابل لسعيد بن العاص فوهبه لامرأة من هذيل فأعتقته بمصر ثم تحول إلى دمشق (¬4). (عن نافع بن محمود بن الربيع الأنصاري) المقدسي ثقة (¬5). (قال نافع: أبطأ عبادة بن الصامت) يومًا (عن صلاة الصبح، فأقام أبو نعيم المؤذن الصلاة فصلى أبو نعيم بالناس) فيه: أن الإمام ينتظر ليصلي بالناس فإن أبطأ أقيمت الصلاة في غيبته، وفيه: أن المؤذن والمقيم يكون واحدًا وأن الإمام إذا أبطأ ينوب عنه المؤذن إذا كان أهلًا. (وأقبل عبادة) بن الصامت إلى المسجد (وأنا معه حتى صففنا خلف أبي نعيم) صفًّا في أواخر الصفوف. (وأبو نعيم يجهر بالقراءة) أي في صلاة الصبح (فجعل عبادة) بن الصامت (يقرأ بأم القرآن) خلفه وأنا أسمع، وفيه جواز جهر المأموم بالقراءة خلف الإمام. ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 16/ 335. (¬2) و (¬3) "تهذيب الكمال" 30/ 372. (¬4) "الثقات" 5/ 446. (¬5) "الثقات" لابن حبان 5/ 470.

(فلما انصرف) فيه جواز قول: انصرفت من الصلاة، خلافًا لمن كرهه لقوله تعالى: {ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} (قلت لعبادة: سمعتك تقرأ بأم القرآن، وأبو نعيم) الإمام (يجهر) بالقراءة. (قال: أجل) بفتح الهمزة والجيم، وسكون اللام المخففة، أي: نعم (صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعض الصلوات التي يجهر فيها بالقراءة) فيه ذكر الدليل للسائل ليكون أبلغ في الجواب. (قال: فالتبست عليه القراءة) أي: بعض ما يقرأ به (فلما انصرف) من الصلاة (أقبل علينا بوجهه وقال: هل تقرؤون) خلفي (إذا جهرت بالقراءة؟ ) يؤخذ منه الدليل على تحريم الكلام في الصلاة إذ لو كان الكلام في الصلاة جائزًا لأنكر عليهم في الصلاة، فلما لم يكن جائزًا أخر الإنكار إلى أن انصرف من الصلاة واستفهمهم استفهام إنكار (فقال بعضنا: إنا نصنع ذلك) في الصلاة. (قال: فلا) تفعلوا، ثم ذكر السبب الموجب لالتباس القراءة واشتباهها عليه فقال (وأنا أقول) فيه جواز قول: أنا أفعل كذا وكذا، أو: فعلت كذا وكذا. خلافًا لمن أنكره. (ما لي ينازعني) بضم الياء المثناة تحت (القرآن) بالرفع، وسيأتي معنى المنازعة (فلا تقرؤوا بشيء من القرآن إذا جهرت إلا بأم القرآن) (¬1). اشتراط الجهر للإمام في النهي عن القراءة بما زاد عن الفاتحة ¬

_ (¬1) أخرجه النسائي 2/ 141، والدارقطني 1/ 320 من طريق زيد بن واقد. وقال الدارقطني؛ هذا إسناد حسن ورجاله ثقات كلهم. وقال الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" (147): إسناده ضعيف.

يفهم (¬1) أن الصلاة التي يسر فيها الإمام يقرأ فيها بسورة بعد الفاتحة أو بعض سورة، وهذا هو أصح الوجهين عند الشافعي (¬2) جمعًا بين الأحاديث، وقد تقدم. [825] (ثنا علي بن سهل) بن قادم (الرملي) قال النسائي: ثقة نسائي سكن الرملة، يقال: مات سنة 261 (¬3). قال: (ثنا الوليد) بن مسلم عالم أهل الشام. (عن) يزيد بن يزيد (¬4) (ابن جابر) (¬5) الأزدي، أخرج له مسلم خلف مكحولًا بدمشق (¬6). (وسعيد بن عبد العزيز) التنوخي مفتي دمشق، كان بكاءً فسئل فقال: ما قمت إلى صلاة إلا مثلت لي جهنم، أخرج له مسلم والأربعة. (وعبد الله بن العلاء، عن مكحول) أبو (¬7) عبد الله كان جده شاذل من أهل هراة فتزوج امرأة ملك من ملوك كابل، ثم هلك عنها وهي حامل فانصرفت إلى أهلها فولدت شهراب، فلم يزل في أخواله بكابل حتى ¬

_ (¬1) في (م): ففهم. (¬2) "الحاوي الكبير" 2/ 140 - 143. (¬3) "تهذيب الكمال" 20/ 455. (¬4) كذا قال الشارح، وصوابه عبد الرحمن بن يزيد، وهما أخوان، وكلاهما يروي عن مكحول، لكن لا رواية للوليد إلا عن عبد الرحمن، انظر: "تهذيب الكمال" 5/ 18 (3992)، 32/ 273 (7063). (¬5) في (ص): خالد. (¬6) انظر ترجمته في "الكاشف اللذهبي (9367). وقد ذكر العيني في "شرح سنن أبي داود" 3/ 507 أنه: عبد الرحمن بن يزيد بن جابر. وهو أخو يزيد بن يزيد بن جابر المذكور. (¬7) في النسخ: بن.

ولد له مكحول بكابل، فلما ترعرع سبي من ثمة فوقع إلى سعيد ابن العاص فوهبه لامرأة (¬1) من هذيل فأعتقته، وعلى هذا فهو مكحول بن أبي مسلم شهراب بن شاذل. (عن عبادة) وهذا السند منقطع؛ لأن مكحولًا لم يدرك عبادة (¬2) بن الصامت (¬3). (نحو حديث الربيع بن سليمان) الأزدي (قالوا) يعني: الثلاثة (وكان مكحول) يقول: (يقرأ) (¬4) فيما جهر فيه الإمام (في) صلاة (المغرب والعشاء والصبح بفاتحة الكتاب في كل ركعة سرًّا) الذي عليه جمهور علماء المسلمين القراءة خلف الإمام في السرية والجهرية، وقال أبو حنيفة: لا يجب على المأموم قراءة (¬5). ونقل القاضي أبو الطيب والعبدري عن أبي حنيفة: أن قراءة المأموم معصية (¬6). و(قال مكحول: اقرأ فيما (¬7) جهر به الإمام إذا قرأ) استدل به الشافعي على وجوب القراءة على [المأموم في الصلوات] (¬8) الجهرية، ولعموم الأحاديث الواردة بقراءة الفاتحة في كل ركعة (¬9). ¬

_ (¬1) في (م): لامرأته. (¬2) زاد في (ص): عن عبادة. وهي زيادة مقحمة. (¬3) زاد هنا في (م): بن. (¬4) في (ص): هذا. (¬5) "البحر الرائق" 1/ 383. (¬6) "المجموع" 3/ 365. (¬7) في (ص): إذا. (¬8) في (م): الإمام في الصلاة. (¬9) "الحاوي الكبير" 2/ 331.

وخالف في ذلك أحمد وغيره، ومما استدل به أحمد قول علي: ليس على الفطرة من قرأ خلف الإمام (¬1). وقال ابن مسعود: وددت أن من قرأ خلف الإمام ملئ فوه (¬2) ترابًا (¬3) (¬4). ولا يقاس على المنفرد؛ لأن المنفرد ليس له من يتحمل القراءة عنه خلاف المأموم. (بفاتحة الكتاب وسكت) أي: إذا قرأ المأموم خلف الإمام فيقرأ إذا سكت الإمام فاتحة الكتاب إذا أمكنه ذلك، قال ابن قدامة في "المغني": إذا قرأ بعض الفاتحة في سكتة الإمام ثم قرأ الإمام أنصت له وقطع قراءته، ثم قرأ بقية الفاتحة في السكتة الأخرى (¬5). يعني: بعد فراغ الإمام من (¬6) القراءة، وتصح ولا تنقطع قراءته؛ لأنه مشروع فأشبه السكوت اليسير، وما أظن الشافعية تسمح بهذا فإن الرافعي قال (¬7): يقطع القراءة السكوت الطويل سواء كان القارئ مختارًا أم لعارض كالسعال والتوقف في القراءة ونحوها فإن كان ناسيًا لم يضر (¬8). (سرًّا) أي: يقرأ المأموم الفاتحة في الصلاة الجهرية سرًّا لئلا يشوش على الإمام، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما لي أنازع القرآن" (¬9). ولحديث أبي هريرة: ¬

_ (¬1) أخرجه ابن عدي في "الكامل" 6/ 187. (¬2) في (ص): فاه. (¬3) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (2807). (¬4) "المغني" 2/ 269. (¬5) "المغني" 2/ 268. (¬6) ليست في الأصول الخطية، والسياق يقتضيها. (¬7) من (س، ل، م). (¬8) "الشرح الكبير" 1/ 498. (¬9) سبق تخريجه قريبًا.

"من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج" فقال له حامل الحديث: إني أحيانًا أكون خلف الإمام قال: اقرأ بها في نفسك (¬1). (فإن لم يسكت) الإمام عقب (¬2) قراءته الفاتحة (اقرأ بها قبله) أي: قبل قراءته الفاتحة وهذا فيما إذا علم بذلك أول صلاته. (ومعه) الواو هنا بمعنى أو كقولك: الكلمة اسم و (¬3) فعل و (¬4) حرف، وقول الشاعر: كما الناس مجروم عليه وجارم (¬5) قال البغوي في "شَرح السُّنَّة": فإن أمكنه أن يقرأ الفاتحة في سكتة الإمام" وإلا قرأ معه (¬6). (وبعده) تقديره: أو يقرأ الفاتحة بعد فراغ الإمام من القراءة قبل أن يركع. و(لا تتركها) يعني: الفاتحة (على) كل (حال) إلا في ركعة المسبوق فإن الإمام يتحملها عنه بعد أن وجبت عليه وفي حكم المسبوق المزحوم لو دام على المتابعة ثم سجد ثم أدرك الإمام راكعًا، فالأصح أنه يدع القراءة ويركع معه كالمسبوق. * * * ¬

_ (¬1) سبق تخريجه قريبًا. (¬2) في (ص): عن. (¬3) و (¬4) في (ص): أو. (¬5) عجز بيت لعمرو بن براقة الهمداني وصدره: (وننصر مولانا ونعلم أنه) انظر: "سمط اللآلي" 1/ 749. (¬6) "شرح السنة" 3/ 85.

139 - باب من كره القراءة بفاتحة الكتاب إذا جهر الإمام

139 - باب مَنْ كَرِهَ القِراءَة بِفاتِحَةِ الكِتابِ إِذَا جَهَرَ الإِمامُ 826 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنِ ابن أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - انْصَرَفَ مِنْ صَلاةٍ جَهَرَ فِيها بِالقِراءَةِ فَقال: "هَلْ قَرَأَ مَعِي أَحَدٌ مِنْكُمْ آنِفًا". فَقال رَجُلٌ: نَعَمْ يا رَسُولَ اللهِ. قال: "إِنِّي أَقُولُ ما لِي أُنازَعُ القُرْآنَ". قال: فانْتَهَى النّاسُ، عَنِ القِراءَةِ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا جَهَرَ فِيهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالقِراءَةِ مِنَ الصَّلَواتِ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). قال أَبُو دَاوُدَ: رَوَى حَدِيثَ ابن أُكَيْمَةَ هذا مَعْمَرٌ وُيُونسُ وَأُسَامَة بْن زَيْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَلَى مَعْنَى مالِكٍ. 827 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَأَحْمَدُ بْن محَمَّدٍ المرْوَزِيُّ وَمحَمَّد بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبي خَلَفٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ محَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ وابْن السَّرْحِ قالوا: حَدَّثَنا سُفْيان، عَنِ الزُّهْرِيِّ سَمِعْتُ ابن أُكَيْمَةَ يُحَدِّث سَعِيدَ بْنَ المسَيَّبِ قال: سَمِعْتُ أَبا هُريرَةَ يَقولُ صَلَّى بِنا رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلاةً نَظنُّ أنَّها الصُّبْح بِمَعْناهُ إِلَى قَوْلهِ: "ما لِي أُنازَعُ القُرْآنَ" (¬2). قال أَبُو دَاوُدَ: قال مُسَدَّدٌ فِي حَدِيثِهِ: قال مَعْمَرٌ: فانْتَهَى النَّاسُ عَنِ القِراءَةِ فِيما جَهَرَ بِهِ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وقال ابن السَّرْحِ فِي حَدِيثِهِ قال مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قال أَبُو هُرَيْرَةَ: فانْتَهَى النّاسُ. وقال عَبْدُ اللهِ بْن مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيّ مِنْ بَيْنِهِمْ، قال سُفْيانُ: وَتَكَلَّمَ الزُّهْرِيُّ بِكَلِمَةٍ لَم أَسْمَعْها فَقال مَعْمَرٌ: إِنَّهُ قال: فانْتَهَى النّاسُ. قال أَبُو دَاوُدَ: وَرَواهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن إِسْحاقٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ وانْتَهَى حَدِيثهُ إِلَى قَوْلِهِ: "ما لِي أُنازَعُ القُرْآنَ". وَرَواهُ الأوْزاعِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قال فِيهِ قال الزُّهْرِيُّ: ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (312)، وأحمد 2/ 285، 301. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (781). (¬2) رواه ابن ماجة (848). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" 3/ 412.

فاتَّعَظَ المُسْلِمُونَ بِذَلِكَ فَلَمْ يَكُونُوا يَقْرَءُونَ مَعَهُ فِيما يَجهَرُ بِهِ - صلى الله عليه وسلم -. قال أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنِ فارِسٍ قال: قَوْلُهُ: فانْتَهَى النّاسُ. مِنْ كَلامِ الزُّهْرِيِّ. * * * [باب من كره القراءة بفاتحة الكتاب إذا جهر الإمام] (¬1) [826] (ثنا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن ابن أكيمة) قال الترمذي، والبغوي في "شَرح السُّنَّة": ابن أكيمة اسمه عمارة، ويقال: عمرو بن أكيمة (الليثي) (¬2) روى له الأربعة. (عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة) كالصبح والمغرب والعشاء. (فقال: هل قرأ معي أحد منكم آنفًا؟ ) بمد الهمزة وقصرها، لغتان قُرِيء بهما في السبع (¬3)، أي: قريبًا. (فقال رجل: نعم) أنا. كذا لابن حبان (¬4) (يا رسول الله. قال: إني أقول ما لي أنازع) [بكسر الزاي] (¬5) وبضم همزة المتكلم مضارع [لم يسم] (¬6) فاعله، ومفعوله الأول مضمر فيه، والقرآن مفعوله الثاني، قاله شارح المصابيح (¬7). ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "شرح السنة" 3/ 84. (¬3) انظر: "النشر" لابن الجزري 2/ 374. (¬4) "صحيح ابن حبان" (1849). (¬5) في (ص): القرآن. وليست في (س، ل). (¬6) في (م): اسم. (¬7) "مرقاة المفاتيح" 3/ 393.

(القرآن) (¬1) قال في "النهاية": أي أجاذب في قراءته كأنهم جهروا بالقراءة خلفه فشغلوه فالتبست عليه القراءة، وأصل النزع (¬2) الجذب، ومنه نزع الميت بروحه (¬3). (قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما جهر فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقراءة من الصلوات حيث) (¬4) رواية الترمذي (¬5): "حين" (سمعوا ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) (¬6). ورواية ابن حبان (¬7) انتهت عند قوله: "حين سمعوا ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وبوب عليه ذكر خبر (¬8) أوهم عالمًا من الناس أن قراءة الفاتحة لا يلزم فرضها لمن صلى صلاة يجهر فيها بالقراءة، وسيأتي أن قوله: ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (م): النزاع. (¬3) "النهاية": نزع. (¬4) رواية أبي داود كما في المطبوع: حين. (¬5) "سنن الترمذي" (312). (¬6) الحديث أخرجه مالك في "الموطأ" (193)، ومن طريقه الترمذي (312)، والنسائي في "المجتبى" 2/ 140، وأحمد 2/ 301، وابن حبان (1849). وقال الترمذي: هذا حديث حسن. وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (781): إسناده صحيح. وأخرجه ابن ماجة (849)، وأحمد 2/ 284، وعبد الرزاق في "مصنفه" (2795) من طريق معمر بن راشد البصري، وأخرجه ابن ماجة (848)، وأحمد 2/ 240 من طريق سفيان بن عيينة. وأخرجه البخاري في "القراءة خلف الإمام" (96) من طريق يونس بن يزيد الليثي. (¬7) "صحيح ابن حبان" (1849). (¬8) في (ص): حين.

"فانتهى الناس .. " إلى آخره من كلام الزهري لا عن أبي هريرة. (وروى حديث [ابن أكيمة) هذا] (¬1) (معمر) بن راشد البصري الأزدي (ويونس) بن يزيد الليثي (وأسامة بن زيد) الليثي، قال ابن معين: ثقة (¬2). وكذا رواه ابن عيينة كلهم (عن الزهري) عن ابن أكيمة، عن أبي هريرة، فقوى الحديث بمتابعتهم (على معنى) رواية (مالك) عن ابن شهاب الزهري. [827] (ثنا مسدد، وأحمد بن محمد) بن شبويه (المروزي، ومحمد بن أحمد بن أبي خلف) القطيعي شيخ مسلم. (وعبد الله بن محمد الزهري، و) أحمد بن عمرو (بن (¬3) السرح) المصري (قالوا) الخمسة: (ثنا سفيان) بن عيينة. (عن الزهري قال: سمعت ابن أكيمة) ذكر غير الترمذي أن اسمه عامر، وقيل: عمار، وقيل: يزيد، وقيل: عباد، وأن كنيته أبو الوليد حكاها المنذري (¬4). (يحدث سعيد بن المسيب قال: سمعت أبا هريرة يقول (¬5): صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة نظن أنها (صلاة (الصبح) ثم ذكر (بمعناه إلى قوله: ما لي أنازع القرآن .. ) الحديث (¬6). (قال مسدد في حديثه) بالسند المذكور: (فانتهى الناس عن القراءة ¬

_ (¬1) من (س، ل، م). (¬2) "تاريخ ابن معين برواية الدوري" (665). (¬3) زاد في (م) أبي. (¬4) "مختصر سنن أبي داود" للمنذري (789). (¬5) سقط من (م). (¬6) تقدم تخريجه.

فيما جهر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) (¬1) أي: انتهوا عن قراءة ما زاد على الفاتحة، وأما الفاتحة فيقرؤون بها في أنفسهم. وروى الطبراني عن عبد الله بن جهر قال: قرأت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما انصرف قال: "يا جهر أسمع ربك ولا تسمعني" (¬2). قال الهيثمي: وعبد الله بن جهر لم أجد من ذكره (¬3). (وقال) أحمد بن عمرو (بن السرح في حديثه: قال معمر، عن الزهري) في روايته (قال أبو هريرة: فانتهى الناس) يعني عن القراءة، هذا يخالف ما نقله المصنف عن ابن فارس فيما سيأتي أن قوله: "فانتهى الناس" من كلام الزهري، وهذا يدل على أنه إنما هو من كلام أبي هريرة، وأنه نقله عنه. (وقال عبد الله بن محمد) بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة (الزهري) المسوري البصري أخرج له مسلم (قال سفيان) بن عيينة: (وتكلم الزهري بكلمة لم (¬4) أسمعها فقال معمر) عنه: (إنه قال: فانتهى الناس) عن القراءة (¬5). (وروى (¬6) عبد الرحمن بن إسحاق) بن عبد الله بن الحارث القرشي العامري، مولاهم المدني، ويقال له: عباد بن إسحاق، أخرج له مسلم والأربعة، (عن الزهري) قال في روايته: (وانتهى حديثه إلى قوله: ما لي ¬

_ (¬1) أخرجه مسدد كما في "إتحاف الخيرة المهرة" للبوصيري (1074). (¬2) أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (2200). (¬3) "مجمع الزوائد" 2/ 110. (¬4) من (م، ل). (¬5) حكاه الحميدي في "مسنده" (953). (¬6) في مطبوعة "سنن أبي داود": ورواه.

أنازع القرآن) أي ولم يذكر: "فانتهى الناس" (¬1). (ورواه الأوزاعي، عن الزهري وقال فيه: قال الزهري: فاتعظ الناس بذلك) أي بقوله: "ما لي أنازع القرآن" (فلم يكونوا يقرؤون معه فيما جهر به) غير أم القرآن. (قال) المصنف: (وسمعت محمد بن يحيى) بن عبد الله بن خالد (بن فارس) الذهلي النيسابوري، شيخ البخاري (قال: قوله: ) في الحديث المتقدم (فانتهى الناس) هو (من كلام الزهري) مدرج في الحديث، وليس هو من كلام أبي هريرة. قال النووي: وهذا مما لا خلاف فيه بينهم، وممن قال ذلك الأوزاعي، ومحمد بن يحيى الذهلي إمام أهل نيسابور، وقاله البخاري في "تاريخه"، والخطابي، وغيرهم (¬2). وعلى تقدير أن يكون من كلام أبي هريرة فقال البغوي في "شَرح السُّنَّة": ليس فيه ما يدخل على من رأى القراءة خلف الإمام؛ لأن أبا هريرة الراوي روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج"، فقال له حامل الحديث: إني أحيانًا أكون وراء (¬3) الإمام؟ قال: اقرأها (¬4) في نفسك (¬5). والله أعلم (¬6). * * * ¬

_ (¬1) رواه بهذه الطريق البوصيري في "إتحاف الخيرة المهرة" (1074) (2). (¬2) "المجموع" 3/ 368. (¬3) في (م): خلف وراء. (¬4) في (م): اقرأ بها. وفي (س). اقرأ. (¬5) سلف برقم (821). (¬6) "شرح السنة" (3/ 84).

140 - باب من رأى القراءة إذا لم يجهر

140 - باب مَنْ رَأَى القِراءَةَ إِذَا لَمْ يَجْهَرْ 828 - حَدَّثَنا ابُو الوَلِيدِ الطَّيالِسِيُّ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ ح، وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ العَبْدِيُّ، أَخْبَرَنا شُعْبَةُ - الْمَعْنَى - عَنْ قَتادَةَ، عَنْ زُرارَةَ، عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى الظُّهْرَ فَجاءَ رَجُلٌ فَقَرَأَ خَلْفَهُ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} فَلَمّا فَرَغَ قال: "أَيُّكُمْ قَرَأَ؟ ". قالوا: رَجُلٌ. قال: "قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ بَعْضَكُمْ خالجَنِيهَا" (¬1). قال أَبُو دَاوُدَ: قال أَبُو الوَلِيدِ فِي حَدِيثِهِ: قال شُعْبَةُ: فَقُلْتُ لِقَتادَةَ: أَليْسَ قَوْلُ سَعِيدٍ أَنْصِتْ لِلْقُرْآنِ؟ قال: ذاكَ إِذا جَهَرَ بِهِ. وقال ابن كَثِيرٍ فِي حَدِيثِهِ: قال: قُلْتُ لِقَتادَةَ: كَأَنَّهُ كَرِهَهُ. قال: لَوْ كَرِهَهُ نَهَى عَنْهُ. 821 - حَدَّثَنا ابن المُثَنَّى، حَدَّثَنا ابن أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ زُرارَةَ، عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى بِهِمُ الظُّهْرَ فَلَمّا انْفَتَلَ قال: "أَيُّكُمْ قَرَأَ بِـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}؟ فَقال رَجُلٌ: أَنا. فَقال: "عَلِمْتُ أَنَّ بَعْضَكُمْ خالجَنِيها" (¬2). * * * باب من رأى القراءة إذا لا يجهر الإمام (¬3) [828] (ثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك (الطيالسي) قال: (ثنا شعبة ح وثنا) محمد بن كثير (¬4) (العبدي) البصري (¬5)، أبو عبد الله، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (398). (¬2) رواه مسلم (398/ 49). (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ص): أبو لبيد. (¬5) في (ص، س، ل): المصري.

شيخ البخاري، قال: (أنا شعبة المعنى) بفتح النون (عن قتادة) بن دعامة السدوسي الأعمى. (عن زرارة) بن أوفى قاضي البصرة، كان يقضي في داره وأم يومًا بالناس فقرأ: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8)} (¬1) فشهق فمات (عن عمران بن حصين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى) بهم (الظهر، فجاء رجل فقرأ (¬2) خلفه) لفظ رواية ابن حبان: أن رجلًا قرأ خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - في الظهر والعصر فقال: "أيكم قرأ بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} " (¬3). وبوب عليه: ذكر خبر يوهم من لم يحكم صناعة العلم أن القراءة بفاتحة الكتاب غير فرض على المأموم في صلاته. (بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}) ظاهر إطلاقه أنه أكمل السورة (فلما فرغ قال: أيكم قرأ) بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}؟ قالوا) قرأ (رجل) رواية ابن حبان: "فقال رجل من القوم: أنا" (¬4). (قال: قد عرفت أن بعضكم خالجنيها) (¬5) قال القرطبي: أي: خالطنيها، ويروى: نازعنيها. أي: كأنه نزع ذلك من لسانه، وهو مثل حديثه الآخر: "ما لي أنازع القرآن" (¬6). ¬

_ (¬1) المدثر: 8. (¬2) في (ص): يقرأ. (¬3) "صحيح ابن حبان" (1845). (¬4) "صحيح ابن حبان" (1845). (¬5) الحديث أخرجه مسلم (398) (48)، والنسائي في "المجتبى" 2/ 140، وأحمد 4/ 426 من طريق شعبة به. (¬6) "المفهم" 2/ 30.

وأصل الخلج: الجذب والنزع، كأن القراءة تنزع من لسانه وهو يجذبها، وفي الحديث: فحنت الخشبة حنين الناقة الخلوج (¬1). وهي التي اختلج ولدها أي: انتزع منها. (قال أبو الوليد) الطيالسي (في حديثه: قال شعبة: فقلت لقتادة) (¬2) بن دعامة (أليس قول سعيد) بن المسيب (أنصت للقرآن؟ قال: ذاك إذا جهر به) نهى عنه، ذهب سعيد بن المسيب إلى أن المأموم إذا كان يسمع قراءة الإمام لم تجب عليه القراءة (¬3) ولا يستحب له وقال سعيد أيضًا ومحمد بن كعب والزهري والحسن: إن هذِه الآية: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} (¬4) إنها نزلت في شأن الصلاة. قال زيد بن أسلم وأبو العالية: كانوا يقرؤون خلف الإمام فنزلت {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}. (وقال) محمد (بن كثير في حديثه: قال: قلت لقتادة) (¬5) كأنه كرهه؟ قال: لو كرهه نهى عنه) فيه أن المكروه داخل في المنهي عنه، وفيه: شدة اعتناء الصحابة بالنهي عما نهي عنه وأنهم لا تأخذهم في الله لومة لائم. [829] (ثنا) محمد (بن المثنى) قال: (ثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي، عن سعيد) بن أبي عروبة (عن قتادة) بن دعامة (عن زرارة) بن أوفى ¬

_ (¬1) أخرجه الدارمي في "سننه" (35). (¬2) في (ص، س، ل): لعبادة. (¬3) في (م): القرآن. (¬4) الأعراف: 204. (¬5) في (ص، س، ل): لعبادة.

(عن عمران بن حصين) بن عبيد الخزاعي (أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم الظهر فلما انفتل) من صلاته (قال: أيكم قرأ) في الصلاة (بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} قال رجل) من القوم (أنا) زاد النسائي وغيره: ولم أرد إلا الخير (¬1) (فقال) قد (علمت أن بعضكم خالجنيها) قال النووي: معنى هذا الحديث الإنكار عليه، والإنكار في جهره أو رفع صوته بحيث أسمع غيره لا عن أصل القراءة بل فيه أنهم كانوا يقرؤون بالسورة في الصلاة السرية، وفيه إثبات قراءة السورة في الظهر (¬2). قال القرطبي: ولا حجة فيه لمنكري القراءة (¬3) خلف الإمام؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنكر المخالفة لا القراءة (¬4). * * * ¬

_ (¬1) هذه رواية مسلم (398) (47)، والنسائي في "المجتبى" 2/ 140. (¬2) "شرح النووي" 4/ 109. (¬3) في (ص، س، ل): القرآن. (¬4) "المفهم" 2/ 30.

141 - باب ما يجزئ الأمي والأعجمي من القراءة

141 - باب ما يُجْزِئُ الأُمِّيَّ وَالأَعْجَمِيَّ مِنَ القِراءَةِ 830 - حَدَّثَنا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، أَخْبَرَنا خالِدٌ، عَنْ حُمَيْدٍ الأَعرَجِ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قال: خَرَجَ عَلَيْنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ نَقْرَأُ القُرْآنَ وَفِيْنَا الأعرابِيُّ وَالأَعْجَمِيُّ فَقال: "اقْرَءُوا فَكُلٌّ حَسَنٌ وَسَيَجِيءُ أَقْوامٌ يُقِيمُونَهُ كَما يُقامُ القِدْحُ يَتَعَجَّلُونَهُ وَلا يَتَأَجَّلُونَهُ" (¬1). 831 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو وابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوادَةَ، عَنْ وَفاءِ بْنِ شريحٍ الصَّدَفِيِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السّاعِدِيِّ قال: خَرَجَ عَلَيْنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا وَنَحْنُ نَقْتَرِئُ فَقال: "الحَمْدُ لله كِتَابُ اللهِ واحِدٌ وَفِيكُمُ الأحْمَرُ وَفِيكُمُ الأَبْيَضُ وَفِيكُمُ الأَسْوَدُ اقْرَؤوهُ قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَهُ أَقْوامٌ يُقِيمُونَهُ كَما يُقَوَّمُ السَّهْمُ يَتَعَجَّلُ أَجْرَهُ وَلا يَتَأَجَّلُهُ" (¬2). 832 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا وَكِيعُ بْنُ الجَرّاحِ، حَدَّثَنا سُفْيان الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي خالِدٍ الدّالانِيُّ، عَنْ إِبْراهِيمَ السَّكْسَكِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قال: جاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ مِنَ القُرْآنِ شَيْئًا فَعَلِّمْنِي ما يُجْزِئنِي مِنْهُ. قال: "قُلْ سُبْحانَ اللهِ والحَمْدُ لله وَلا إِلَه إِلَّا اللهُ والله أَكْبَرُ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا باللهِ". قال: يا رَسُولَ اللهِ هذا لله -عَزَّ وَجَلَّ- فَما لِي؟ قال: "قُلِ اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وارْزُقْنِي وَعافِنِي واهْدِنِي". فَلَمَّا قَامَ قال هَكَذا بِيَدِهِ فَقال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَّا فَقَدْ فَقَدْ مَلَأ يَدَهُ مِنَ الخَيْرِ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 297، والبغوي 3/ 88 (609). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (783). (¬2) رواه أحمد 5/ 338، وابن حبان 3/ 36 (760)، والطبراني 6/ 207 (6024). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (784). (¬3) رواه النسائي 2/ 143، وأحمد 4/ 353. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (785).

833 - حَدَّثَنا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ، أَخْبَرَنا أَبُو إِسْحَاقَ -يَعْنِي: الفَزارِيَّ- عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قال: كُنَّا نُصَلِّي التَّطَوُّعَ نَدْعُو قِيامًا وَقُعُودًا وَنُسَبِّحُ رُكُوعًا وَسُجُودًا (¬1). 834 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمَّادٌ، عَنْ حُمَيْدٍ مِثْلَهُ لَمْ يَذْكُرِ التَّطَوُّعَ قال: كانَ الْحَسَنُ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ والعَصْرِ إِمامًا أَوْ خَلْفَ إِمامٍ بِفاتِحَةِ الكِتابِ وَيُسَبِّحُ وَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ قَدْرَ ق والذَّارِياتِ (¬2). * * * باب ما يجزئ الأمي والأعجمي من القراءة [830] (ثنا وهب بن بقية) الواسطي، شيخ مسلم، قال: (أنا خالد) ابن عبد الله الواسطي (عن) حميد بن قيس (¬3) (الأعرج، عن محمد بن المنكدر) بن عبد الله القرشي، ومن كلامه: [نعم العون] (¬4) على تقوى الله (¬5) الغنى. (عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نقرأ القرآن) أي: نقرأ منه. (وفينا الأعرابي) ما كان من البدو صاحب نجعة، زاد الأزهري فقال: ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 2/ 88. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (149). (¬2) انظر: "ضعيف أبي داود" 1/ 330. (¬3) زاد في (ص، ل): عن. وهي مقحمة. (¬4) من (س، ل، م). (¬5) ليست بالأصول الخطية والسياق يقتضيها، وقد أثبتها من "سير أعلام النبلاء" 5/ 355.

سواء كان من العرب أو من مواليهم (¬1). (والعجمي) واحد المعجم بفتحتين منسوب إليهم والياء فيه للوحدة، والعجم خلاف العرب، وأما الأعجم (¬2) فهو غير الفصيح، مأخوذ من العجمة وهي اللكنة (¬3) وعدم فصاحته. (¬4) (فقال: اقرؤوا) على الكيفية التي تسهل (¬5) على ألسنتكم النطق بها مع اختلاف السنتكم في الفصاحة واللكنة واللثغة (¬6) من غير تكلف ولا مشقة في مخارج الحروف، ولا مبالغة ولا إفراط في المد والهمز والإشباع وإفحاش في الإضجاع والإدغام، فقد كانت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخيار (¬7) السلف والتابعين سهلة رسلة، لو أراد السامع أن يعدها حرفًا حرفًا لعدها، وقد أقر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل كل لسان على قراءتهم الجبلية التي طبعهم الله تعالى عليها (¬8)، ولم يكلف أحدًا منهم بأن يجتهد في إصلاح لسانه وتردده إلى المعلمين كما في هذا الزمان حتى أن بعضهم يستمر (¬9) يقرأ في فاتحة (¬10) الكتاب شهرًا أو نحوه، ويلازم ¬

_ (¬1) "تهذيب اللغة" 2/ 218. (¬2) في (س، ل، م): الأعجمي. (¬3) في (م): لكنه. (¬4) في (م): فصاحة. (¬5) في (ص): تشهد. (¬6) في (ص): اللغة. (¬7) في (ص): أجاد. (¬8) من (م). (¬9) زاد في (ص): أن. (¬10) في (م): أم.

التلفظ بالضاد المعجمتين في: {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} أيامًا. قال ابن قيم الجوزية: ومن مكائد الشيطان ومكره وتلعبه بالمقرئين الوسوسة في مخارج الحروف والتنطع فيها (¬1). ونحن نذكر ما قاله العلماء بألفاظهم قال أبو الفرج ابن الجوزي: قد لبس إبليس على بعض المصلين في مخارج الحروف فتراه يقول: الحمد الحمد، فيخرج إعادة الكلمة عن قانون أدب الصلاة، وتارة يلبس عليه في تحقيق التشديد، وفي إخراج ضاد المغضوب، قال (¬2): ولقد رأيتُ من يخرج بصاقه مع إخراج الضاد لقوة تشديده، والمراد تحقيق الحرف حسب الطاقة (¬3)، وإبليس يخرج هؤلاء عن حد التحقيق بالزيادة ويشغلهم بالمبالغة في الحروف عن فهم التلاوة (¬4). وعد الغزالي في "الإحياء" من الأسباب المانعة من فهم معاني كلام الله والحجب التي أسدلها الشيطان على قلوبهم فعميت عليهم عجائب أسرار القرآن أن يكون هَمُّ القارئ منصرفًا إلى تحقيق الحروف بإخراجها من مخارجها، وللقراء شيطان يصرفهم عن معاني كلام الله تعالى، فهو موكل بهم فلا يزال يحملهم على ترديد الحرف، ويخيل إليهم أنه لم يخرجه من مخرجه، فهذا يكون تأمله مقصورًا على مخارج الحروف، فأنى تنكشف له المعاني، فما أعظم ضحكة ¬

_ (¬1) "إغاثة اللهفان" 1/ 160. (¬2) من (س، ل، م). (¬3) سقط من (س، ل، م). (¬4) "تلبيس إبليس" 1/ 126.

الشيطان بمن كان مطيعًا لمثل هذا التلبيس. انتهى (¬1). والمقصود أن السلف الصالح والأئمة كرهوا التنطع في مخارج الحروف والغلو في النطق بها فنسأل الله العافية من ذلك، ومن تأمل هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وإقراره أهل البوادي وجلف الأعراب، ومن أسلم من الأعاجم على قراءتهم التي يألفونها ووصف قراءتهم مع قراءة فصحاء العرب بالحسن قوله اقرؤوا كما أنتم تقرؤون ودوموا عليها (فكل) هذا (حسن) وفيه فضيلة وأجر وثواب. (وسيجيء أقوام) يشبه أن يكون الأقوام في قرون متوالية، في كل قرن قوم (يقيمونه) بألسنتهم (كما يقام القدح) بكسر القاف وسكون الدال، هو السهم كما يأتي في الرواية الآتية، وهو الذي يرمى به من القوس، والقدَّاح صانعه، وفي حديث عمر: كان يقومهم في الصف كما يقوم القداح القدح (¬2). (يتعجلونه ولا يتأجلونه) (¬3) أي: يطلبون بقراءتهم الأجر عاجلًا ولا يلتفتون إلى الأجر الآجل في الدار الاخرة ولا يطلبونه. قال في "النهاية": التأجل (¬4) تفعُّل (¬5) من الأجل وهو الوقت المضروب المحدود في ¬

_ (¬1) "إحياء علوم الدين" 1/ 284. (¬2) ذكره ابن الأثير في "النهاية" 4/ 20، وغيره من أصحاب المعاجم. (¬3) أخرجه أحمد 3/ 397، وسعيد بن منصور في "سننه" 1/ 152، والبيهقي في "شعب الإيمان" (2643). وقال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (783): إسناده صحيح على شرط مسلم. (¬4) في (ص): التأجيل. والمثبت من (س، ل) و"النهاية". (¬5) في (م): تفعيل.

المستقبل، أي: يتعجلون العمل بالقرآن ولا يؤخرونه (¬1). [831] (ثنا أحمد بن صالح) الطبري الحافظ المقرئ شيخ البخاري، قال: (ثنا عبد الله بن وهب) الفهري مولاهم، المصري الحافظ، قال: (أخبرني عمرو) بن الحارث بن يعقوب الأنصاري مولاهم، المصري، أحد الأعلام (و) عبد الله (بن لهيعة، عن بكر بن سوادة) بتخفيف الواو، الجذامي الفقيه، أخرج له مسلم. (عن وفاء) [بتخفيف الفاء] (¬2) (ابن شريح) بضم الشين المعجمة (الصدفي) (¬3) ذكره البخاري في "تاريخه" (¬4). (عن سهل بن سعد الساعدي، قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا ونحن نقترئ) بسكون القاف وهمز آخره، أي: نقرأ كتاب الله تعالى ونتدارسه و [هو مما] (¬5) جاء فيه افتعل (¬6) بمعنى فعل، كاقتدر بمعنى قدر. (فقال: الحمد لله) فيه استحباب حمد الله تعالى إذا رأى زوجته أو ولده أو أحدًا (¬7) من إخوانه في عبادة وطاعة لله تعالى، وإظهار ذلك لهم ليقتدوا به من السنة. ¬

_ (¬1) "النهاية": (أجل). (¬2) سقط من (م). (¬3) في (ص، س، ل): الدقي. وفي (م): العقدي. والمثبت من "التاريخ الكبير" للبخاري. (¬4) "التاريخ الكبير" 8/ 191. (¬5) في (ص): هو لما. وفي (م): هما مما. والمثبت من (س، ل). (¬6) في (ص): أفعل. (¬7) في (س، ل، م): أحد.

(كتاب الله) بالرفع على الابتداء، لفظه (واحد و) ألسنتكم مختلفة (فيكم الأحمر) من أهل الشام سموا بذلك؛ لأن الغالب على ألوانهم الحمرة وعلى أموالهم الذهب. (وفيكم الأبيض) (¬1) من أهل فارس، سموا بذلك لبياض ألوانهم؛ ولأن الغالب على أموالهم الفضة وهم المسمون قبله المعجم، وفي الحديث: "أعطيت الكنزين الأحمر والأبيض" (¬2) يعني: ملك الشام وملك فارس والمراد أن فيهم [العرب والعجم] (¬3). (وفيكم الأسود) كما في الحديث قبله (اقرؤوه قبل أن يقرأه أقوام يقيمونه) بألسنتهم دون قلوبهم (كما يقوم) القِدح (السهم يتعجل) (¬4) بمثناتين مفتوحتين أوله. (أجره ولا يتأجله) أي: يطلب بقراءته أجره العاجل في الدنيا ولا يطلب الآجل في الآخرة، وفي هذِه معجزة ظاهرة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وقوع ما أخبر به قبل مجيئه. [832] (ثنا عثمان بن أبي شيبة) شيخ الشيخين، قال: (ثنا وكيع بن الجراح) الرؤاسي، أحد الأعلام، قال: (ثنا سفيان الثوري، عن أبي خالد) يزيد بن عبد الرحمن الأسدي (الدالاني) كان ينزل في دالان. ¬

_ (¬1) زاد هنا في (م): وفيكم الأسود. (¬2) أخرجه مسلم (2889) (19). (¬3) من (م). (¬4) في (م): بتعجيل.

(عن إبراهيم) بن عبد الرحمن (السكسكي) بفتح السينين (¬1) كذا ضبطه السمعاني، وقال: نسبة (¬2) إلى سكسك بطن من الأزد (¬3). الكوفي، أخرج له البخاري في الجهاد والشهادات وأنه سمع ابن أبي أوفى وأبا بردة (¬4). قال ابن عدي: لم أجد له حديثًا [منكر المتن] (¬5). ولم ينفرد بروايته (¬6) بل رواه الطبراني (¬7) وابن حبان في "صحيحه" (¬8) أيضًا من طريق طلحة بن مصرف، عن ابن أبي أوفى. (عن عبد الله بن أبي أوفى) علقمة بن أبي خالد الأسلمي (قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني لا أستطيع أن آخذ) أي: أحفظ (من القرآن شيئًا) لفظ ابن حبان (¬9) في الصلاة: إني لا أحسن من القرآن شيئًا. (فعلمني) شيئًا يجزئني منه (ما يجزئني منه) وفي بعض النسخ: "ما يجزئ منه". ويجزئ بضم أوله وهمز آخره، يقال: أجزأ بالألف وهمز آخره، أي: أغنى. ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): السين. (¬2) في (م): نسبته. (¬3) "الأنساب" 3/ 267، وفي "اللباب" 2/ 123: نسبة إلى السكاسك، وهو بطن من كندة. (¬4) "صحيح البخاري" (2675، 2996). (¬5) من "الكامل" 1/ 345. (¬6) أي: هذا الحديث. (¬7) رواية الطبراني في "المعجم الكبير" كما في "البدر المنير" 3/ 577. (¬8) (1810). (¬9) "صحيح ابن حبان" (1808).

قال الأزهري: والفقهاء تقول فيه أجزى من غير همز (¬1). قال: ولم أجده لأحد من أئمة اللغة، وبوب ابن حبان على هذا الحديث ذكر ما يقوم مقام قراءة فاتحة الكتاب في الصلاة لمن لا يحسنها. قال شارح "المصَابيح": اعلم أن هذِه الواقعة لا يجوز أن تكون في جميع الأزمان؛ لأن من يقدر على تعلم هذِه الكلمات لا محالة يقدر على تعلم الفاتحة بل تأويله: لا أستطيع أن أتعلم شيئًا من القرآن في هذِه الساعة، وقد دخل علي وقت الصلاة فقال: قل كذا، فإذا فرغ من تلك الصلاة لزمه أن يتعلم الفاتحة. (فقال: قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله) يجوز فيه خمسة أوجه مشهورة لأهل العربية، قيل: معناه لا حول في دفع شر ولا قوة في تحصيل خير إلا بالله، وقيل: لا حول عن معصية الله إلا بعصمته ولا قوة على طاعته إلا بمعونته، ويعبر عن هذِه الكلمة بالحولقة والحوقلة، وبالأول جزم الأزهري والأكثرون، فالحاء من الحول، والقاف من القوة، واللام من اسم الله. (قال: يا رسول الله هذا لله فما لي؟ ) يعني: هذِه الكلمات ذكر لله تعالى وثناء عليه، فعلمني شيئًا يكون فيه دعاء لي ينفعني الله تعالى به في الدنيا والآخرة. ([قال: قل] (¬2) اللهم ارحمني) ولابن حبان (¬3): "اللهم اغفر لي ¬

_ (¬1) "تهذيب اللغة": جزى. (¬2) سقط من (م). (¬3) "صحيح ابن حبان" (1809).

وارحمني" بزيادة "اغفر لي" قبل "ارحمني". وانتهت رواية النسائي (¬1) عند قوله: "ولا حول ولا قوة إلا بالله". (وعافني) يعني من الأسقام والذنوب (واهدني وارزقني) (¬2) يعني ما أنتفع به من الحلال (فلما قام قال) فيه: استعمال القول بمعنى الفعل. (هكذا بيده) وفي بعض النسخ: "بيديه". يشبه أن يكون بسط يديه للدعاء الذي علمه النبي - صلى الله عليه وسلم -. (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما هذا فقد ملأ يده) وفي بعضها: "ملأ يديه". (من الخير) الألف واللام فيه للعموم الذي بمعنى كل، كقوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)} (¬3) أي: ملأ يديه من خيري الدنيا والآخرة. قال أبو حاتم بن حبان: في هذا الخبر (¬4) بيان واضح أن من لم يحسن قراءة فاتحة الكتاب كان عليه أن يقول مما (¬5) علم النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا السائل، فكان ذلك مجزيًا عن فرضه الذي يلزمه في قراءة فاتحة الكتاب وليس عليه أن يقرأ بفاتحة الكتاب بالفارسية؛ لأن قراءتها بالفارسية لا تكون قراءة قرآن، ولما سأل هذا السائل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني لا أحسن من القرآن شيئًا فعلمني شيئًا يجزئني منه. وكان هذا السؤال بلفظ العموم لم يعلمه النبي - صلى الله عليه وسلم - قراءة (¬6) فاتحة الكتاب بلغة من اللغات غير ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 2/ 143. (¬2) رواية أبي داود في النسخة المطبوعة: (وارزقني) قبل: (وعافني). (¬3) العصر: 2. (¬4) في (ص، س، ل): الحديث. (¬5) في (م، س، ل): ما. (¬6) في (س، ص، ل): فملاه.

القرآن كان فيه الدليل الواضح على أن القرآن إذا تلي بلغة من اللغات سوى ما أنزله الله تعالى لم يكن ذلك بقرآن. انتهى. قال أصحابنا وغيرهم: أن من جهل الفاتحة حفظ سبع آيات، لأن هذا العدد مرعي في الفاتحة قال الله تعالى: {سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} وقال الشافعي: واستحب أن يقرأ ثمان آيات لتكون الآية الثامنة بدلًا عن السورة، كذا نقله عنه (¬1) الماوردي (¬2) فإن عجز أتى بالذكر المذكور في هذا الحديث، وقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقن العاجز عقب الذكر المتقدم ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. [833] (ثنا أبو توبة الربيع بن نافع) الحلبي، من الأبدال، روى له الشيخان. قال: (أنا أبو إسحاق) (¬3) إبراهيم بن محمد بن الحارث (الفزاري) بفتح الفاء من أنفسهم (¬4) أصله الكوفة وسكن الشام كان يلزم (¬5) ثغور الشام للعبادة والجهاد وكان فاضلًا عالمًا ورعًا صاحب سنة. (عن حميد) الطويل (عن الحسن) البصري، فيه انقطاع هنا لما ذكر علي بن المديني وغيره أن الحسن البصري لم يسمع من جابر. (عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: كنا نصلي التطوع) من الصلوات ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): عن. (¬2) "الحاوي الكبير" (2/ 234). (¬3) زاد في (م): محمد بن. (¬4) في (م): الفهم. (¬5) في (ص): يكرم.

(ندعو قيامًا وقعودًا) (¬1) يحتمل أن يراد بالقيام القيام (¬2) للقنوت وفي القعود بين السجدتين (ونسبح ركُوعًا وسجودًا) أي: في حال الركوع والسجود، لأنهما حالتا تواضع وخضوع لله تعالى فناسب فيهما (¬3) التسبيح الذي هو تنزيه لله تعالى عما لا يليق به، قال أحمد بن حنبل في رسالته: جاء الحديث عن الحسن البصري (¬4) أنه قال: التسبيح التام سبع، والوسط (¬5) خمس، وأدناه ثلاث. [834] (ثنا موسى بن إسماعيل) قال: (ثنا حماد) بن سلمة (عن حميد) الطويل (مثله: ولم يذكر التطوع) في هذِه الرواية، وعلى هذِه الرواية لا فرق بين الفرض والتطوع و (قال) في هذِه الرواية (كان الحسن) البصري (يقرأ في الظهر والعصر إمامًا) كان (أو خلف إمام بفاتحة الكتاب وبسبح) أي: وسورة {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} (¬6) (ويكبر ويهلل) في (¬7) (قدر) سورتي (قاف والذاريات) والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): سجودًا. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (ص، س، ل): فيها. (¬4) زاد في (م): فيه انقطاع هنا لما ذكر علي بن المديني وغيره أن الحسن البصري لم يسمع من جابر. (¬5) في (ص، ل): الوسطى. (¬6) كذا قرأها الشارح، كذا فسرها أنها سورة الأعلى.، والذي في مطبوع "السنن": (ويسبح) أي: يقول: سبحان الله، وهو أكثر مناسبة لما بعده من قوله: (ويكبر ويهلل) والله أعلم. (¬7) بعدها في (م): في.

142 - باب تمام التكبير

142 - باب تَمامِ التَّكْبِيرِ 835 - حَدَّثَنا سُلَيْمان بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا حَمَّادٌ، عَنْ غَيْلانَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ قال: صَلَّيْتُ أَنا وَعِمْران بْنُ حُصَيْنٍ خَلْفَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالِبٍ له فَكانَ إِذا سَجَدَ كَبَّرَ وَإِذَا رَكَعَ كَبَّرَ وَإِذَا نَهَضَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ فَلَمّا انْصَرَفْنا أَخَذَ عِمْرانُ بِيَدِي وقال لَقَدْ صَلَّى هذا قِبَلَ أَوْ قال لَقَدْ صَلَّى بِنا هذا قِبَلُ صَلاةِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). 836 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عُثْمانَ، حَدَّثَنَا أَبِي وَبَقِيَّةُ، عَنْ شعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قال أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبُو سَلَمَةَ أَنَّ أَبا هُرَيْرَةَ كانَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ صَلاةٍ مِنَ المَكْتُوبَةِ وَغَيْرِها يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ ثمَّ يَقُول سَمِعَ الله لَمِنْ حَمِدَهُ ثُمَّ يَقُولُ رَبَّنا وَلَكَ الحمْدُ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ ثُمَّ يَقُولُ: الله أَكْبَرُ حِينَ يَهْوِي ساجِدًا ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ ثمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنَ الجُلُوسِ فِي اثْنَتَيْنِ فَيَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ حَتَّى يَفْرُغَ مِنَ الصَّلاةِ، ثمَّ يَقُولُ حِينَ يَنْصَرِفُ والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَقْرَبُكُمْ شَبَهًا بِصَلاةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِنْ كانَتْ هذِهِ لَصَلاتُهُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيا (¬2). قال أَبُو دَاوُدَ: هذا الكَلامُ الأَخَيرُ يَجعَلُهُ مالِكٌ والزُّبَيدِيُّ وَغَيْرُهُما، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، وَوافَقَ عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ شُعَيْبَ بْنَ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. 837 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وابْنُ المُثَنَّى قَالا: حَدَّثَنا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ عِمْرانَ قال ابن بَشَّارٍ الشَّامِي. وقال أَبُو داوُدَ: أَبُو عَبْدِ اللهِ العَسْقَلانِيُّ عَنِ ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَ لا يُتِمُّ التَّكْبِيرَ (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (786، 826)، ومسلم (393). (¬2) رواه البخاري (785، 789، 803)، ومسلم (392). (¬3) رواه أحمد 3/ 406، 407، والبيهقي 2/ 347. =

قال أَبُو دَاوُدَ: مَعْناهُ إِذا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرّكُوعِ وَأَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ لَمْ يُكَبِّرْ وَإِذا قامَ مِنَ السُّجُودِ لَمْ يُكَبِّرْ. * * * باب في تمام التكبير [835] (ثنا سليمان بن حرب) الواشحي البصري، وواشح من الأزد، سكن مكة، وكان قاضيها قال: (ثنا حماد) بن زيد (عن غيلان بن جرير) بفتح الجيم، الأزدي المعولي. (عن مطرف) بن عبد الله بن الشخير الحرشي. (قال: صليت أنا وعمران بن حصين) الخزاعي، وكان أسلم مع [أبي هريرة (¬1)، وروى عنه] (¬2) مطرف ويزيد ابنا الشخير (خلف علي بن أبي طالب) واستدل به على أن موقف الاثنين يكون خلف الإمام خلافًا لمن قال يجعل أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، وفيه نظر؛ لأنه ليس فيه أنه لم يكن معهما غيرهما، وفي البخاري (¬3) أن ذلك كان بالبصرة ولأحمد (¬4) من طريق سعيد بن أبي عروبة عن (¬5) غيلان أنه كان بالكوفة، عن معمر، عن قتادة وغير واحد، عن مطرف (¬6) ¬

_ = وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (150). (¬1) في النسخ الخطية: أبو بريدة. والصواب ما أثبتناه، وانظر ترجمة عمران بن حصين في "تهذيب الكمال" 22/ 319. (¬2) من (م). (¬3) "صحيح البخاري" (784). (¬4) "مسند أحمد" 4/ 429. (¬5) في (ص): بن. (¬6) "المسند" 4/ 429.

(فكان (¬1) إذا سجد كبر، وإذا ركع كبر) رواية البخاري (¬2): وإذا رفع رأسه كبر بدل: وإذا ركع كبر (وإذا نهض من الركعتين كبر) ذكره التكبير في السجود والركوع والنهوض من الركعتين يشعر بأن هذِه المواضع الثلاثة هي التي كان تُرك التكبير فيها حتى تذكَّرها عمران بصلاة علي (فلما انصرفنا) من الصلاة (أخذ عمران بيدي وقال: لقد صلى) بنا (هذا قبل) بضم اللام أصله قبل هذا الوقت، فلما حذف ما يضاف إليه وهو مستو (¬3) في المعنى، بنيت قبل على الضم؛ لشبهها بحرف الجواب في الاستغناء بها عما بعدها، مع ما فيها من شبه الحرف بالجمود والافتقار (أو قال: لقد صلى بنا هذا قبل) بضم اللام كما تقدم، والشك [من أحد رواته، ويحتمل] (¬4) أن يكون من حماد (صلاة) بالنصب دون تنوين، وفيه حذف، تقديره: مثل صلاة، على أن مثل صفة لمحذوف تقديره صلى بنا صلاة مثل ويدل على هذا الحذف رواية أحمد (¬5) من رواية سعيد بن أبي عروبة بلفظ: صلى بنا هذا مثل صلاة (محمد -صلى الله عليه وسلم- (¬6) من غير شك، وفي رواية قتادة، عن مطرف قال عمران: ما صليت منذ حين -أو منذ كذا وكذا- أشبه بصلاة رسول ¬

_ (¬1) في (ص): فقال. (¬2) "صحيح البخاري" (784). (¬3) في (م): ينوي. وفي (س، ل): متوي. (¬4) من (س، ل، م). (¬5) "مسند أحمد" 4/ 428. (¬6) أخرجه البخاري (784)، ومسلم (393) (33)، والنسائي 2/ 204، وابن خزيمة (581) من طرق عن مطرف بن الشخير بنحوه.

الله -صلى الله عليه وسلم- من هذِه الصلاة (¬1). [836] (ثنا عمرو بن عثمان) بن سعيد كان حافظًا صدوقًا، قال: (ثنا أبي) عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي، مولى بني أمية، وكان ثقة من العابدين. (و) ثنا (بقية) بن الوليد كلاهما (عن شعيب) بن أبي حمزة دينار القرشي الأموي مولاهم (عن) محمد أبن مسلم، (¬2) بن شهاب (الزهري، قال: أخبرني أبو بكر) اسمه كنيته، وقيل: إن اسمه: أبو بكر، وكنيته أبو عبد الرحمن (بن عبد الرحمن) بن الحارث بن هشام المخزومي التابعي. (وأبو سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري (أن أبا هريرة) عبد الرحمن بن صخر (كان يكبر في كل صلاة من) الصلوات (المكتوبة وغيرها) من السنن والتطوعات، ثم بين مواضع التكبير من الصلاة فقال: (يكبر حين يقوم) إلى الصلاة تكبيرة الإحرام، ويقرن النية بهذِه التكبيرة (ثم يكبر) للركوع (حين يركع) فيبدأه مع ابتداء هويه ويمد التكبير إلى أن يحصل راكعًا، وهكذا يمد كل تكبير من تكبيرات الانتقال على أن يحصل في الركن المنتقل إليه حتى لا يخلو جزء من صلاته من ذكر. (ثم يقول) إذا رفع رأسه (سمع الله لمن حمده) ويبتدئه مع ابتداء رفع رأسه وبدنه (¬3) ويمده إلى أن ينتصب قائمًا، ومعنى: سمع الله لمن حمده. ¬

_ (¬1) رواها أحمد 4/ 429 وغيره. (¬2) من (م). (¬3) في (ص، س، م): يديه. والمثبت من (ل).

أي: تقبله (¬1) منه وجازاه عليه، ولو قال من حمد الله سمع له. كفى، كما قاله النووي في "الروضة" (¬2)، وقيل: معنى سمع الله لمن حمده: أي: غفر له. (ثم يقول: ربنا ولك الحمد) هكذا [ورد في] (¬3) الصحيح (¬4) بالواو، وورد بدونها، وهذِه الواو زائدة أو عاطفة على محذوف تقديره: ربنا أطعناك ولك الحمد، ومقتضى الجمع بين سمع الله لمن حمده، وربنا لك الحمد. يدخل فيه الإمام والمأموم والمنفرد، وهو كذلك عندنا، ويجهر الإمام والمبلغ (¬5) بسمع الله لمن حمده؛ لأنه ذكر الانتقال ولا يجهر بربنا ولك الحمد، وإذا جمع بينهما فيقول: سمع الله لمن حمده في حال رفع صلبه من الركوع، وإذا انتصب قائمًا قال: ربنا ولك الحمد. (قبل أن يسجد) أي: قبل أن يشرع في السجود فإن السجود له ذكر آخر غير التسميع. (ثم يقول: الله أكبر حين يهوي) بكسر الواو [مع فتح أوله، أي: سقط] (¬6) (ساجدًا) ويستحب مد التكبير من حين يشرع في الهوي حتى يضع جبهته على الأرض هذا هو المذهب، وفيه قول ضعيف حكاه الخراسانيون؛ أنه يستحب أن لا يمده. ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): تقبل. (¬2) "روضة الطالبين"1/ 252. (¬3) في (م): رواية. (¬4) "صحيح البخاري" (803)، و"صحيح مسلم" (392) (28). (¬5) زاد في (م) هنا: يسمع الإمام والمبلغ. (¬6) سقط من (س، م).

(ثم يكبر حين يرفع رأسه) ويمده إلى أن يجلس من غير أن يرفع يديه في التكبير كما تقدم. (ثم يكبر حين يسجد) السجدة الثانية (ثم يكبر حين يرفع رأسه) كما في الرفع من السجدة الأولى. (ثم يكبر حين يقوم من الجلوس) أي: من جلسة التشهد الأول (في) ركعتين (اثنتين، فيفعل ذلك في كل ركعة) من الصلوات خمس تكبيرات، وفي الثانية إحدى عشرة تكبيرة (حتى يفرغ من الصلاة) كلها. (ثم يقول حين ينصرف) من الصلاة (والذي نفسي بيده) هذا مما يصح به اليمين كـ: والذي أعبده، وما شابهه، وفيه جواز الحلف من غير استحلاف تأكيدًا للكلام. (إني لأقربكم) برفع الباء (شبهًا بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إن كانت) إن المخففة من الثقيلة، واسمها ضمير محذوف (هذِه) اسم كان واللام في قوله (لصلاته) عوض من المحذوف (¬1)، وقيل: فصل باللام بين إن المخففة من الثقيلة وبين غيرها من أقسام إن، وقال الكوفيون: إن بمعنى ما (¬2) واللام بمعنى إلا وهو ضعيف جدًّا من جهة أن وقوع اللام بمعنى إلا. لا يشهد له سماع ولا قياس واسم كان مضمر دل عليه الكلام تقديره، وإن كانت (¬3) الصلاة. ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): الحذف. والمثبت من (ل). (¬2) في (م): أما. (¬3) في (م): كان.

(حتى فارق الدنيا) أي لم ينسخ من أحكامها شيء. (وهذا الكلام الأخير) يعني: إن كانت، إلى آخره. (يجعله مالك، و) محمد بن الوليد الشامي (الزبيدي) بضم الزاي، قال ابن سعد: كان أعلم أهل الشام بالفتوى والحديث (¬1). (وغيرهما عن الزهري، عن علي بن حسين) زين العابدين (ووافق عبد الأعلى) برفع الدال فاعل وافق، وهو ابن عبد الأعلى السامي (عن معمر) ابن راشد البصري، عن الزهري (شعيب) بالنصب مفعول وافق (ابن أبي حمزة) بالمهملة والزاي، واسمه دينار القرشي الأموي المذكور في السند قبله (عن الزهري) وهذا من المتابعات المرجحة. [837] (ثنا محمد بن بشار، و) محمد (بن المثنى قالا: ثنا أبو داود) واسمه سليمان بن داود الطيالسي الفارسي (عن شعبة، عن الحسن بن عمران- قال) محمد (بن بشار الشامي) في روايته. (قال أبو داود) الطيالسي في روايته: الحسن بن عمران هو (¬2) هو (أبو عبد الله العسقلاني عن) سعيد (بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه) عبد الرحمن بن أبزى الخزاعي، مولى نافع بن عبد الحارث، مختلف في صحبته، سكن الكوفة. (أنه صلى مع النبي) -صلى الله عليه وسلم- هذا يدل على صحبته. (وكان لا يتم) بضم أوله (التكبير) أي: يمده بحيث ينتهي بتمامه إلى ¬

_ (¬1) "الطبقات الكبرى"7/ 465. (¬2) من (م).

أن يتلبس بالركن (¬1) الذي بعده أو يقال: المراد إتمام عدد تكبيرات الصلاة بالتكبير، وفي الصلاة الرباعية اثنان وعشرون تكبيرة، وفي الثنائية (¬2) إحدى عشرة، وفي الثلاثية سبع عشرة، وفي الصلوات الخمس أربع وتسعون تكبيرة، قاله الكرماني. قال ابن حجر: في قول البخاري بأن إتمام التكبير لعله أراد بلفظ الإتمام الإشارة إلى تضعيف رواية أبي داود: صليت خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يتم التكبير. قال الطبري والبزار: تفرد به الحسن بن عمران، وهو مجهول. وأجيب على تقدير صحته بأنه فعل ذلك لبيان الجواز، أو المراد لم يتم الجهر به، والله -سبحانه وتعالى- أعلم (¬3). * * * ¬

_ (¬1) في (م): بالذكر. (¬2) في (س، م): الثانية. (¬3) "فتح الباري" 2/ 269.

143 - باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه

143 - باب كَيْف يضَع رُكْبَتَيْه قبْلَ يدَيْهِ 838 - حَدَّثَنا الْحَسَنُ بْن عَلِيٍّ وَحسَين بْن عِيسَى قالا: حَدَّثَنا يَزِيدُ بْن هارونَ، أَخْبَرَنا شَرِيكٌ، عَنْ عاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وائِلِ بْنِ حجْرٍ قال: رأيْت النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- إِذا سَجَدَ وَضَعَ ركبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ، وإذا نَهَضَ رَفَعَ يَدَيْهِ قَبلَ رُكْبَتَيهِ (¬1). 839 - حَدَّثَنا محَمَّد بْنُ مَعْمَرٍ، حَدَّثَنا حَجّاجُ بْنُ مِنْهالٍ، حَدَّثَنا هَمّامٌ، حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ جُحادَةَ، عَنْ عَبْدِ الجَبّارِ بْنِ وائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرَ حَدِيثَ الصَّلاةِ قال: فَلَمّا سَجَدَ وَقَعَتا رُكْبَتاهُ إِلَى الأرْضِ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ كَفّاهُ. قال هَمّام وحَدَّثَنا شَقِيقٌ قال حَدَّثَنِي عاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بمِثْلِ هذا وَفِي حَدِيثِ أَحَدِهِما وَأكبَرُ عِلْمِي أنَّه فِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ جُحادَةَ: وإذا نَهَضَ نَهَضَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ واعْتَمَدَ عَلَى فَخِذِهِ (¬2). 840 - حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَريزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي محَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَسَنٍ، عَنْ أَبي الزِّنادِ، عَنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلا يَبْرُكْ كَما يَبْرُكُ البَعِيرُ وَلْيَضَعْ يَدَيْهِ قَبْلَ ركبَتَيْهِ" (¬3). 841 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن نافِعٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَسَنٍ، عَنْ أَبي الزِّنادِ، عَنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبي هرَيْرَةَ قال: قال رَسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ فَيَبْرُكُ كما يَبْرُكُ الجَمَلُ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (268)، والنسائي 2/ 206، 234، وابن ماجه (882). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (151). (¬2) رواه الطبراني في "المعجم الكبير" 22/ 27 (60)، والبيهقي 2/ 98، 99. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (121). (¬3) رواه الترمذي (269)، والنسائي 2/ 207. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (789). (¬4) راجع السابق.

باب يضع يديه قبل ركبتيه [838] (ثنا الحسن بن علي) الهذلي الحلواني الخلال شيخ الشيخين (وحسين بن عيسى) البسطامي الدامغاني، أخرج له الشيخان، شيخ الشيخين أيضًا [كما هو مفهوم] (¬1) (قالا: ثنا يزيد بن هارون) بن زاذان (¬2) السلمي. قال: (أنا شريك) بن عبد الله النخعي القاضي، قال الدارقطني: تفرد بهذا الحديث يزيد، عن شريك، ولم يحدث به عن عاصم بن كليب غير شريك، وشريك ليس بالقوي فيما تفرد (¬3) به (¬4). وقال أبو بكر البيهقي: هذا حديث يعد في أفراد شريك القاضي، وإنما يتابعه همام مرسلًا، هكذا ذكره البخاري وغيره من الحفاظ المتقدمين رحمهم الله تعالى (¬5). هذا آخر كلامه. وشريك أخرج له مسلم في المتابعة قال أبو توبة الربيع بن نافع: سمعت عيسى بن يونس يقول: ما رأيت أحدًا قط أورع في علمه من شريك. وقال أبو توبة أيضًا: كنا بالرملة فقالوا: من رجل الأمة؟ فقال عيسى بن يونس: رجل الأمة شريك بن عبد الله، وكان يومئذٍ حيًّا (¬6). ¬

_ (¬1) سقط من (س، م). (¬2) في (ص): داود. (¬3) في (م): ينفرد. وفي "سنن الدارقطني": يتفرد. (¬4) "سنن الدارقطني" 1/ 345. (¬5) "السنن الكبرى" 2/ 99. (¬6) "تهذيب الكمال" 12/ 470 - 471.

(عن عاصم بن كليب) بن شهاب الكوفي، استشهد به البخاري في "الصحيح" وروى له في كتاب "رفع اليدين في الصلاة" وروى له في "الأدب". (عن أبيه) كليب بن شهاب الجرمي روى له الأربعة وثق، (عن وائل بن حجر) (¬1) أبي هنيدة الكندي. (قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سجد وضع) لفظ الترمذي: "يضع" (ركبتيه قبل يديه) بوب عليه ابن حبان: ذِكْر أن المصلي إذا أراد السجود يجب أن يضع أولًا ركبتيه ثم يديه. والمراد باليد هو الكف، وأما الذراع فيرفعه. قال الخطابي: إن تقديم الركبتين أثبت (¬2) من تقديم اليدين، وهو أرفق بالمصلي (¬3). ورجحوه بقول سعد بن أبي وقاص: كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا (¬4) بالركبتين قبل اليدين. رواه ابن خزيمة في "صحيحه" (¬5)، وله شاهد من وجه آخر، روى الدارقطني (¬6) والحاكم (¬7) ¬

_ (¬1) في (ص): حجير. (¬2) في (ص): أبين. (¬3) "معالم السنن" 1/ 208. (¬4) في (ص): فأمر. (¬5) "صحيح ابن خزيمة" (628). وقال الألباني: إسناده ضعيف جدًّا، فيه إسماعيل بن يحيى بن سلمة وهو متروك، وابنه إبراهيم ضعيف. (¬6) "سنن الدارقطني" 1/ 345. (¬7) "المستدرك" 1/ 226.

والبيهقي (¬1) من طريق حفص بن غياث (¬2)، عن عاصم الأحول، عن أنس في حديث فيه: ثم انحط بالتكبير فسبقت ركبتاه يديه. (وإذا نهض) من السجدة الثانية أو الأولى (رفع يديه قبل ركبتيه) (¬3) استدل به وبالرواية الآتية أحمد بن حنبل على أنه إذا نهض للقيام بعد سجدتيه ينهض على صدور قدميه معتمدًا على ركبتيه بيديه رافعًا يديه قبل ركبتيه. قال القاضي من أصحابه: لا يختلف قوله أنه لا يعتمد على الأرض سواء قلنا يجلس للاستراحة أو لا يجلس (¬4) وحمل حديث مالك بن الحويرث في صفة صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أنه كان لمشقة القيام عليه لضعفه وكبره، فإنه قال -عليه السلام-: "إني قد بدنت فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود". [839] (ثنا محمد بن معمر) بن ربعي [القيسي، قال: ] (¬5) (ثنا حجاج بن منهال) قال: (ثنا همام) بن يحيى العوذي الحافظ. قال: (ثنا محمد بن جحادة) الأودي الكوفي (عن عبد الجبار بن وائل) بن حجر الحضرمي، أخرج له مسلم، ووثقه ابن معين وقال: لم ¬

_ (¬1) "السنن الكبرى"2/ 99. (¬2) في (م): عباد. (¬3) أخرجه الترمذي (268)، والنسائي 2/ 206، وابن ماجه (882)، وابن خزيمة (626)، وابن حبان (1912) من طريق يزيد بن هارون به. وقال الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" (151): إسناده ضعيف. (¬4) "المغني" 2/ 213. (¬5) في (ص، س، ل): النبيسى.

يسمع من أبيه شيئًا (¬1)، وقال أيضًا: مات وهو حمل (¬2). قال الذهبي: وهذا القول مردود بما صح عن عبد الجبار قال: كنت غلامًا لا أعقل صلاة أبي (¬3) (عن أبيه) وائل بن حجر بضم الحاء المهملة أوله: (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ... فذكر حديث الصلاة) المذكور قبل هذا الإسناد و (قال) في هذه الرواية: (فلما سجد وقعتا ركبتاه) هكذا الرواية بإثبات ألف التثنية مع أن الفاعل المسند إليه ظاهر، وهذا على اللغة المعروفة بأكلوني البراغيث، وحمل ابن مالك عليها: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل" (¬4) وقد نوزع في ذلك. (إلى الأرض قبل أن يقعا) بفتح المثناة تحت، وبألف التثنية كقول المتنبي: ورمى (¬5) وما رمتا يداه فصابني ... سهم يعذب والسهام تريح (¬6) وهذِه الألف علامة للاثنين، وهي حرف (يداه) (¬7) وهو أيضًا على اللغة المذكورة. ¬

_ (¬1) "تاريخ ابن معين" برواية الدوري 3/ 11. (¬2) "تهذيب الكمال" 16/ 394 - 395. (¬3) تهذيب الكمال" 16/ 394 - 395. (¬4) رواه البخاري (555)، ومسلم (55). (¬5) ليست بالأصول الخطية، وأثبتُّها من "ديوان المتنبي". (¬6) "ديوان المتنبي" ص 66. (¬7) الحديث أخرجه البيهقي 2/ 98 - 99 من طريق حنبل بن إسحاق. وقال الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" (121): إسناده ضعيف.

(قال همام) بن يحيى (وثنا شقيق) أبو ليث (قال: حدثني عاصم بن كليب، عن أبيه) كليب بن شهاب، تقدم، قال المزي في "تهذيب الكمال": همام بن يحيى، عن عاصم بن شنتم، عن أبيه، هكذا قيده الأمير أبو نصر بن ماكولا، بالشين المعجمة المفتوحة وبالنون الساكنة، وهكذا أخرجه القاضي أبو الحسين عبد الباقي بن قانع، في حرف الشين المعجمة (¬1) روى له أبو داود هذا الحديث الواحد، فإن صحت رواية ابن قانع فيشبه أن يكون الحديث متصلًا، وإن كانت (¬2) رواية أبي داود هي الصحيحة فالحديث مرسل (¬3). (عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بمثل هذا) الحديث المذكور (و (¬4) في حديث أحدهما) يعني: همامًا أو (¬5) شقيفا قال: (وأكبر) بفتح الباء الموحدة (علمي) إن قلنا: إن (¬6) العلوم تتفاوت فيقال: علم أجلى من علم، فهذا العلم على بابه، وإن قلنا العلوم لا تتفاوت كما حكاه إمام الحرمين عن المحققين، فلا يقال: علم أبين من علم، إذ المعلم (¬7) يبين المعلوم على ما هو معه (¬8)، ولا يجامعه استرابة أصلًا، فعلى هذا المراد ¬

_ (¬1) في (م): في معجمه. (¬2) زاد في (ص، ل): من. (¬3) "تهذيب الكمال" 12/ 558، وانظر: "معجم الصحابة" 1/ 350، وفيه: شُتَيم. (¬4) سقطت من (م). (¬5) في (م): و. (¬6) سقطت من (م). (¬7) في (م): العلم. (¬8) في (ص، س): منه.

بقوله: أكبر علمي، أي: أكبر ظني (أنه في حديث محمد بن جحادة) بضم الجيم (و) قال فيه: (إذا نهض نهض (¬1) على ركبتيه واعتمد) بيديه (على فخذه) (¬2) بالإفراد هكذا الرواية، وفي رواية أظنها لغير المصنف على فخذيه بالتثنية (¬3)، وهو اللائق بالمعنى، يعني لا على الأرض كما تقدم توجيهه (¬4). [840] (ثنا سعيد بن منصور) الخراساني، نشأ ببلخ وسكن مكة ومات بها، شيخ مسلم، قال: (ثنا عبد العزيز بن محمد) الدراوردي، قال: (حدثني محمد بن عبد الله بن حسن) بن حسن بن علي بن أبي طالب العلوي، قال النسائي: ثقة (¬5). (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان، مولى مسة بنت ربيعة (عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير) على الأرض (وليضع يديه قبل (¬6) ركبتيه) استدل به على أن المصلي يضع يديه قبل ركبتيه، وقال نافع: كان (¬7) ابن عمر يضع يديه قبل ركبتيه، وبه قال الأوزاعي ومالك أنه يضع يديه قبل ركبتيه (¬8)، وهو رواية عن أحمد (¬9). ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (س، م): فخذيه. (¬3) بل هي عند المصنف في "المراسيل" (42). (¬4) من (م). (¬5) تهذيب الكمال" 25/ 465. (¬6) في (ص، س): على. (¬7) في (ص). قال. (¬8) "مواهب الجليل" 2/ 247 - 248. (¬9) "المغني" لابن قدامة 2/ 193.

وذكر ابن حبان بعد أن (¬1) روى بسنده حديث ابن عمر أنه كان يضع يديه قبل ركبتيه، ويقول: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعل ذلك، ثم قال: باب (¬2) البيان بأن خبر ابن عمر الذي ذكرناه خبر منسوخ، نسخه خبر وائل وغيره، ثم روى بسنده (¬3) إلى شعد بن أبي وقاص قال: كنا نضع اليدين قبل الركبتين، فأمرنا بالركبتين قبل اليدين (¬4). وقال في "شَرح السُّنَّة" بعد ذكر حديث وائل المذكور في هذا الباب: ذكر بعض العلماء أنه منسوخ بحديث مصعب بن سعد: كنا نضع اليدين قبل الركبتين، فأمرنا بالركبتين قبل اليدين (¬5). [841] (ثنا قتيبة بن سعيد) البلخي، قال: (ثنا عبد الله بن نافع) بن أبي نافع الصائغ المدني مولى بني مخزوم، أخرج له مسلم والأربعة. (عن محمد بن عبد الله بن حسن) تقدم قبله (عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) أكثر النسخ "يعتمد" (يعمد) كيضرب (أحدكم) أي: يقصد (في صلاته) إلى السجود، وفي رواية: " يعتمد أحدكم" وهو بمعناه، فيقصد (فيبرك) بركبتيه قبل يديه (كما يبرك الجمل) فيه النهي عن التشبه بالبعير في البروك، [وأما (¬6) ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ص): بأن. (¬3) من (م) (¬4) سبق تخريجه قريبًا. (¬5) "شرح السنة" 3/ 135، وفيه: زعم. بدل: ذكر. وقال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (789) إسناده صحيح. (¬6) في (ص، س، ل): إنما.

في الخضوع والانقياد والطيوع لمالك أمره فورد في الحديث التشبيه به لما روى الترمذي (¬1) وابن ماجه (¬2)] (¬3): "المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد". [وفي رواية لغيرهما: "المؤمنون هينون لينون كالخف الأنف المأنوف" (¬4). والأنف بضم الهمزة والنون: المخزوم الذي لا يمتنع على قائده. قال ابن الأثير: الأنف: الذي عقر الخشاش أنفه فهو لا يمتنع على قائده للوجع الذي به، وقيل: الأنف (¬5) الذلول، ويروى الآنف بمد الهمزة، يقال: أنف البعير يأنف أنفًا فهو آنف إذا اشتكى أنفه من الخشاش، (¬6)، وكان الأصل أن يقال: مأنوف؛ لأنه مفعول كما يقال: مصدور (¬7) ومبطون للذي يشتكي صدره (¬8) وبطنه، وإنما جاء هذا بالمد شاذا، والله أعلم (¬9). * * * ¬

_ (¬1) لم أقف عليه عند الترمذي. (¬2) "سنن ابن ماجه" (43)، وأخرجه أحمد 4/ 126، والطبراني في "الكبير" (18/ 247 رقم 619) من حديث العرباض بن سارية مرفوعا. وقال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (43): صحيح. (¬3) من (م). (¬4) في (ل، م): المألوف. (¬5) من (ل، م)، و"النهاية". (¬6) تكرار في (ص، ل) مع بعض الزيادة. (¬7) في (ص، س، ل): مصدر. (¬8) في (ص): ضرره. (¬9) "النهاية": 1/ 75.

144 - باب النهوض في الفرد

144 - باب النُّهُوضِ فِي الفَرْدِ 842 - حَدّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ -يَعْنِي: ابن إِبْراهِيمَ-، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبي قِلابَةَ قال: جاءَنا أَبُو سُلَيْمانَ مالِكُ بْنُ الحوَيْرِثِ إِلَى مَسجِدِنا فَقال والله إِنِّي لأُصَلِّي بكمْ وَما أُرِيدُ الصَّلاةَ وَلَكِنِّي أُرِيد أَنْ أُرِيَكمْ كَيْفَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي. قال: قُلْتُ لأبِي قِلابَةَ: كَيفَ صَلَّى؟ قال: مِثْلَ صَلاةِ شَيخِنا هذا -يَعْنِي: عَمْرَو بْنَ سَلِمَةَ إِمامَهُمْ- وَذَكَرَ أَنَّهُ كانَ إِذا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ الآخِرَةِ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى قَعَدَ ثمَّ قامَ (¬1). 843 - حَدّثَنا زِيادُ بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ، عَنْ أَيوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ قال: جاءَنا أَبُو سُلَيْمانَ مالِكُ بْنُ الحوَيْرِثِ إِلَى مَسْجِدِنا فَقال: والله إِنِّي لأُصَلِّي وَما أُرِيدُ الصَّلاةَ وَلَكِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْفَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يصَلِّي. قال: فَقَعَدَ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى حِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ الآخِرَةِ (¬2). 844 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، عَنْ خالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ مالِكِ بْنِ الحُوَيْرِثِ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- إِذا كانَ في وِتْرٍ مِنْ صَلاتِهِ لَمْ يَنْهَضْ حَتَّى يَستَويَ قاعِدًا (¬3). * * * باب النهوض في الفرد [842] (ثنا مسدد) قال: (ثنا إسماعيل (¬4) بن إبراهيم) ابن علية (عن ¬

_ (¬1) رواه البخاري (677، 802، 818، 824). (¬2) راجع السابق. (¬3) رواه البخاري (823). (¬4) في (ص): سعيد.

أيوب) بن أبي تميمة، كيسان السختياني. (عن أبي قلابة) بكسر القاف وتخفيف اللام، عبد الله بن زيد الجرمي، التابعي المشهور. (قال: جاءنا أبو سليمان مالك) فيه أن الاسم والكنية إذا اجتمعا قدمت الكنية (بن الحويرث في مسجدنا) رواية النسائي: جاءنا إلى مسجدنا (¬1). وكان أبو قلابة يسكن الشام وكان واليًا [على حمص] (¬2). (فقال: والله إني لأصلي بكم) كذا للبخاري في باب من صلى بالناس وهو لا يريد إلا أن يعلمهم (¬3)، قال الكرماني: لعله أراد مسجد البصرة (¬4). (ولا (¬5) أريد الصلاة) أي: ليس مقصودي أداء فرض الصلاة؛ لأنه كان في غير وقت الصلاة كما صرح به البخاري في باب الطمأنينة (¬6) (ولكني أريد أن أريكم كيف) (كيف) محلها النصب مفعول ثان لأريكم. (رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي) في هذا دلالة على أنه يجوز للإنسان بل يستحب أن يصلي أو يتوضأ أو يتيمم ونحو ذلك ليعلم غيره ممن لا يحسن ذلك، وينوي نية معتبرة فقط، ولا يضر قصده تعليم غيره فإنه يحصل نواه ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 2/ 233. وكذا هي رواية أبي داود في النسخة المطبوعة. (¬2) تكرر في (ص). (¬3) "صحيح البخاري" (677). (¬4) "البخاري بشرح الكرماني" 5/ 95. (¬5) رواية أبي داود في النسخة المطبوعة: وما. والمثبت كما بالأصول الخطية. (¬6) "صحيح البخاري" (824).

[أم لا] (¬1) كما لو توضأ ونوى التبرد، فإن قلت: كيفية الرؤية لا يمكن أن يريهم إياها، أجاب الكرماني: المراد لازمها وهي كيفية صلاته -صلى الله عليه وسلم-؛ فإن قلت: ما حكم هذِه الصلاة حيث لم يقصد بها عبادة الله تعالى قلت: هي أمر (¬2) مباح من حيث الرؤية لكنها طاعة من حيث (¬3) كان المقصود بها تعليم الشريعة (¬4). زاد البخاري: فقلت لأبي قلابة: كيف كان يصلي؟ قال: مثل صلاة شيخنا هذا أبي يزيد. انتهى، وأبو يزيد هو عمرو بن سلمة الجرمي، واختلف في ضبط كنيته، فضبطه الأكثر بالتحتانية والزاي، وعند الحموي وكريمة بالموحدة والراء مصغر، وكذا ضبطه مسلم في "الكُنى" (¬5). (فقلت: لأبي قلابة كيف كان يصلي) النبي -صلى الله عليه وسلم- (قال: مثل صلاة شيخنا هذا -يعني: عمرو بن سلمة إمامهم- وذكر أنه إذا رفع رأسه من السجدة الآخرة في الركعة الأولى قعد، ثم قام) (¬6) أخرجه البخاري والنسائي (¬7)، وسلمة بكسر اللام. [843] (ثنا زياد بن أيوب، ثنا إسماعيل، عن أيوب، عن أبي قلابة ¬

_ (¬1) من (س، ل، م). (¬2) من (س، ل، م). (¬3) من (م). (¬4) "البخاري بشرح الكرماني" 5/ 60. (¬5) "الكنى والأسماء" 1/ 158. (¬6) الحديث أخرجه البخاري (824)، والنسائي 2/ 233 من طريق أيوب به. (¬7) تقدم.

قال: جاءنا أبو سليمان مالك بن الحويرث إلى مسجدنا فقال: ) أي أبي سليمان (وما أريد الصلاة ولكني أريد أن أريكم كيف رأيت رسول الله يصلي. قال: فقعد (¬1) في الركعة الأولى) فإن قلت: المناسب أن يقال من الركعة الأولى؛ لأن النهوض منها لا فيها (¬2). قلت: هو متعلق بالسجود، أي السجود الذي في الركعة الأولى، وهو خبر مبتدأ محذوف، أي هذا الحكم كان فيها أو تكون في بمعنى من؛ والغرض منه بيان سنة جلسة الاستراحة، وقد يؤخذ منه أن جلسة الاستراحة من الركعة الأولى تبعًا للسجود، وقيل: هي من الركعة الثانية، والمشهور أنها فاصلة بين الركعتين، وقوله: (في الركعة الأولى) يشمل الفرض والنفل. (حين يرفع رأسه من السجدة الآخرة) (¬3) يعني: السجدة الثانية، ويخرج بهذا التقييد سجدة التلاوة فإنه لا يستحب فيها هذا الجلوس كما ذكره النووي من زوائد "الروضة" (¬4)؛ لأنه زيادة في الصلاة لم يرد فعلها، وفي هذا الحديث دليل على أنه يجوز للرجل أن يعلم غيره الصلاة والوضوء عملًا وعيانًا كما فعل جبريل -عليه السلام-. [844] (ثنا مسدد، قال: ثنا هشيم) بن بشير الواسطي (عن خالد) بن ¬

_ (¬1) في (م): يفعل. (¬2) في (م): لها. (¬3) تقدم تخريجه. (¬4) 1/ 369.

مهران البصري المجاشعي الحذاء وما حذا نعلًا قط وما باعها، ولكنه تزوج امرأة في الحذائين فنسب إليهم (¬1). (عن أبي قلابة، عن مالك بن الحويرث أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا كان في وتر من صلاته) أي من ركعات صلاته (لم ينهض) إلى الركعة التي بعدها (حتى يستوي قاعدًا) (¬2). فيه دليل على مشروعية جلسة الاستراحة، وهي جلسة خفيفة بعد السجدة الثانية في كل ركعة يقوم عنها، وإذا ثبتت هذِه الجلسة [في الأوتار] (¬3) ففي محل التشهد أولى، وأخذ (¬4) الشافعي وطائفة بهذِه الجلسة، ولم يستحبها الأكثر، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "سير أعلام النبلاء" 6/ 192. (¬2) الحديث أخرجه البخاري (823)، والترمذي (287)، والنسائي 2/ 234، وابن خزيمة (686)، وابن حبان (1934) من طريق خالد الحذاء به. (¬3) من (س، ل، م). (¬4) في (ص، س، ل): أحد قولي.

145 - باب الإقعاء بين السجدتين

145 - باب الإِقْعاء بَينَ السَّجْدَتيْنِ 845 - حَدَّثَنا يحيَى بْن مَعِينٍ، حَدَّثَنا حَجّاج بْنُ محَمَّدٍ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أنَّه سَمِعَ طاوسًا يَقولُ قلْنا لايْنِ عَبّاسٍ فِي الإِقْعاءِ عَلَى القَدَمَيْنِ فِي السُّجودِ. فَقال: هِيَ السُّنَّةُ. قال: قُلْنا: إِنّا لَنَراهُ جَفاءً بِالرَّجُلِ. فَقال ابن عَبّاسٍ: هِيَ سُنَّةُ نَبِيِّكَ -صلى الله عليه وسلم- (¬1) * * * باب الإقعاء بين السجدتين [845] (ثنا يحيى بن معين) بفتح الميم، أبو زكريا المري (¬2) البغدادي [إمام المحدثين] (¬3)، قال: (ثنا (¬4) حجاج بن محمد) المصيصي الأعور الحافظ (عن) عبد الملك (ابن جريج) قال: (أخبرني أبو الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس (أنه سمع طاوسًا يقول: قلنا لابن عباس في الإقعاء) قال في "النهاية": الإقعاء [المنهي عنه] (¬5) هو أن يلصق الرجل أليتيه بالأرض وينصب ساقيه وفخذيه، ويضع يديه على الأرض كما يقعى الكلب، وقيل: هو أن يضع أليتيه على عقبيه بين السجدتين، والقول الأول أصح (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (536). (¬2) في (ل، م): المزني. (¬3) في (ص): إمام الحرمين. (¬4) من (م). (¬5) في (م): قلت. (¬6) "النهاية": 4/ 89.

(على القدمين في السجود) هكذا الرواية، فإن قلت الروايات المشهورة منها رواية مسلم: قال طاوس: قلت لابن عباس في الإقعاء على القدمين؟ قال: هي السنة (¬1). وكذا رواية الترمذي (¬2) وغيره، ولم يذكر فيهما ولا في غيرهما فيما رأيت: "في السجود" وظاهره غير متصور، والصور التي ذكرها أهل اللغة والفقهاء إنما هي بين السجدتين. وقد صرح به البيهقي فيما رواه، عن ابن عباس قال: من سنة الصلاة أن تمس إليتاك عقبيك بين السجدتين (¬3). ثم روى البيهقي، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أيضا: "أنه كان إذا رفع رأسه من السجدة الأولى يقعد على أطراف أصابعه ويقول: إنه من السنة" (¬4)، ثم روى عن ابن عباس، وابن عمر: "أنهما كانا يقعيان" وروى عن طاوس: "أنه كان يقعي"، ثم قال البيهقي: وحديث (¬5) ابن عباس، وابن عمر صحيح (¬6). قلت: الجواب: أن الإقعاء متعلق بالسجود أيضًا، والتقدير في الإقعاء على القدمين، إذا رفع رأسه من السجود الأول، وعلى هذا ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (536). (¬2) "سنن الترمذي" (283). (¬3) السنن الكبرى" 2/ 119. (¬4) "السنن الكبرى" 2/ 119. (¬5) من (س، ل، م). (¬6) "السنن الكبرى" 2/ 120.

فيجوز أن تكون "في" بمعنى "من" قول الشاعر: ألا عم صباحًا أيها الطلل البالي ... وهل [يعمن من] (¬1) كان في (¬2) العصر (¬3) الخالي وهل يعمن (¬4) من كان أحدث عهده ... ثلاثين شهرًا في ثلاثة أحوال أي من ثلاثة أحوال، وقيل: الأحوال جمع حال لا حول. وقال ابن جني: التقدير في عقب ثلاثة أحوال، ولا دليل على هذا التقدير (¬5). قال البيهقي: وهذا الإقعاء المرخص فيه أو المسنون على ما روينا عن ابن عباس وابن عمر هو أن يضع أطراف أصابع رجليه على الأرض ويضع إليتيه على عقبيه ويضع ركبتيه على الأرض (¬6). ثم روى الأحاديث الواردة في النهي عن الإقعاء بأسانيد عن الصحابة وضعفها كلها، وبين ضعفها ثم قال: حديث ابن عباس وابن عمر صحيح. انتهى (¬7). وحديث النهي عن الإقعاء في الصلاة رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط البخاري (¬8)، أي: في أن الحسن سمع من سمرة مطلقًا، كما ¬

_ (¬1) في (م): يعمر من في. (¬2) سقطت من الأصول الخطية واستدركتها من المصادر اللغوية. (¬3) في (ص): لقصر. (¬4) في (م): يعمر. (¬5) "الخصائص" لابن جني 2/ 314، وانظر: "مغني اللبيب" لابن هشام 1/ 225. (¬6) "السنن الكبرى" 2/ 119. (¬7) "السنن الكبرى" 2/ 120. (¬8) "المستدرك" 1/ 272.

نقله ابن عبد البر في "الاستذكار" عن الترمذي خلافًا لمن قال أنه لم يسمع منه إلا حديث العقيقة (¬1). (فقال: هي) يعني فعلة الإقعاء (السنة) أي من سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- (قال: قلنا: إنا لنراه جفاء) بمد الهمزة (بالرجل) قال المنذري (¬2): هو بفتح الراء وضم الجيم يعني بالمصلي نفسه، وروي بالرجل بكسر الراء وسكون الجيم يريد جلوسه على رجله في الصلاة، ووقع في "مسند الإمام أحمد" إنا لنراه جفاء بالقدم (¬3). وهو شاهد لرواية الكسر وسكون الجيم. وفي كتاب ابن أبي خيثمة: إنا لنراه جفاء بالمرء (¬4) وهذا (¬5) شاهد لمن (¬6) رواه بفتح الراء وضم الجيم، قال: وحكاه المعافري (¬7)، قال النووي: ضبطناه بفتح الراء وضم الجيم. قال القرطبي (¬8): كذا في روايتنا (¬9)، وكذا نقله القاضي عن جميع رواة مسلم، قال: وضبطه أبو عمر بن عبد البر بكسر الراء وإسكان ¬

_ (¬1) "الاستذكار" 4/ 271، 5/ 19. (¬2) زاد في (م): صح. (¬3) كذا عزاه ابن الملقن لأحمد في "البدر المنير" 3/ 672. ولم أقف عليه في نسخة "المسند" المطبوعة. (¬4) كذا عزاه ابن الملقن لابن أبي خيثمة كما في "البدر المنير" 3/ 672. ولم أقف عليه. (¬5) في (س، م): هو. (¬6) في (ص، س، ل): من. (¬7) في (ص): المعاقدي. (¬8) "المفهم" 2/ 137. (¬9) في (ص): روايته.

الجيم قال أبو عمر: ومن ضم الجيم فقد غلط (¬1)، ورد الجمهور على ابن عبد البر وقالوا: الصواب الضم، وهو الذي يليق به إضافة الجفاء إليه (¬2) يعني: في جلسته المكروهة (¬3) عند العلماء ولا معنى للرجل بكسر الراء. (فقال ابن عباس: هي سنة نبيك -صلى الله عليه وسلم-) (¬4) فيه دليل على جواز قول الرجل لمن يخاطبه قال: نبيك، ولم يقل نبينا، مع أنه نبي الخلق كافة -صلى الله عليه وسلم-. * * * ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" 2/ 460. (¬2) "شرح النووي" 5/ 19. (¬3) في (ص): المكذوبة. (¬4) أخرجه مسلم (536) (32)، والترمذي (283)، وأحمد 1/ 313، وابن خزيمة (680) من حديث أبي الزبير به.

146 - باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع

146 - باب ما يَقُولُ إذا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ 846 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن نُمَيْرٍ وَأَبُو معاوِيَةَ وَوَكيعٌ وَمُحَمَّدُ بْن عُبَيْدٍ كلُّهُمْ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ الحَسَنِ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى يَقُولُ: كانَ رَسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ يَقولُ: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ اللَّهُمَّ رَبَّنا لَكَ الحَمْدُ مِلْءَ السَّمَواتِ وَمِلْءَ الأرْضِ وَمِلْءَ ما شِئْتَ مِنْ شيْءٍ بَعْدُ". قال أَبو داوُدَ: قال سُفْيانُ الثَّوْرِيُّ وَشُعْبَة بْن الحَجَّاجِ، عَنْ عُبَيْدِ أَبِي الحَسَنِ بهذا الحَدِيثِ لَيْسَ فِيهِ بَعْدَ الرُّكُوعِ. قال سُفْيانُ: لَقِينا الشَّيْخَ عُبَيْدًا أَبا الحَسَنِ بَعْدُ فَلَمْ يَقُلْ فِيهِ بَعْدَ الرّكوعِ. قال أَبو داوُدَ: وَرَواهُ شعْبَةُ، عَنْ أَبِي عِصْمَةَ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ عُبَيْدٍ قال: بَعْدَ الرُّكُوعِ (¬1). 847 - حَدَّثَنا مؤَمَّل بْنُ الفَضْلِ الحرَّانيُّ، حَدَّثَنا الوَلِيد ح، وحَدَّثَنا مَحْمودُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا أَبو مسْهِرٍ ح، وحَدَّثَنا ابن السَّرْح، حَدَّثَنا بِشْرُ بْن بَكْرٍ ح، وحَدَّثَنا محَمَّد بْن مُصْعَبٍ، حَدَّثَنا عَبْد اللهِ بْن يُوسُفَ كَلُّهمْ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ، عَنْ عطَيَّةَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ قَزَعَةَ بْنِ يحيَى، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كانَ يَقُولُ حِينَ يَقول سَمِعَ الله لَمِنْ حَمِدَهُ: "اللَّهُمَّ رَبَّنا لَكَ الحَمْدُ مِلْءَ السَّماءِ". قال مُؤَمَّلٌ: "مِلْءَ السَّمَواتِ وَمِلْءَ الأرْضِ وَمِلْءَ ما شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ أَهْلَ الثَّناءِ والمجْدِ أَحَقُّ ما قال العَبْدُ وَكُلُّنا لَكَ عَبْدٌ لا مانِعَ لمِا أَعطيْتَ". زادَ مَحْمُودٌ: "وَلا مُعْطِيَ لِما مَنَعْتَ". ثُمَّ اتَّفَقُوا-: "وَلا يَنْفَعُ ذا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ". قال بِشْرٌ: "رَبَّنا لَكَ الحَمْدُ".لم يَقلْ مَحْمُودٌ: "اللَّهُمَّ". قال: "رَبَّنا وَلَكَ الحَمْدُ" (¬2). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (476). (¬2) رواه مسلم (477).

848 - حَدَّثَنا عَبْد اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذا قال الإِمامُ سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا اللَّهُمَّ رَبَّنا لَكَ الحَمْدُ فَإِنَّهُ مَنْ وافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ المَلائِكَةِ غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" (¬1). 841 - حَدَّثَنا بِشْرُ بْن عَمّارٍ، حَدَّثَنا أَسْباطٌ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عامِرٍ قال: لا يَقُولُ القَوْمُ خَلْفَ الإِمامِ: سَمِعَ الله لَمِنْ حَمِدَهُ. ولكن يَقولُونَ: رَبَّنا لَكَ الحمْدُ (¬2). * * * باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع [846] (ثنا محمد بن عيسى) روى له البخاري تعليقًا، قال أبو حاتم: محمد بن عيسى بن الطباع ثقة مأمون (¬3) (¬4). قال: (ثنا عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي. (وأبو معاوية) محمد بن خازم الضرير، ذهب بصره وهو ابن ثمان سنين (ووكيع (¬5) ومحمد بن عبيد) (¬6) أبي أمية الطنافسي الكوفي الأحدب أحد الأخوة. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (796، 3228)، ومسلم (409). (¬2) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 2/ 458 (2613). وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (795): إسناده حسن. (¬3) من (م). (¬4) "الجرح والتعديل" 8/ 39. (¬5) في (ص): ربيع. (¬6) في (م): حبيب بن.

(كلهم عن الأعمش، عن عبيد بن الحسن) المزني (¬1) يعد في الكوفيين، أخرج له مسلم هذا الحديث (¬2) (قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله عنهما- يقول: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا رفع رأسه من الركوع يقول: سمع الله لمن حمده) (¬3) أي: أجاب الله حمد من حمده، وقيل: غفر الله له (اللهم ربنا لك الحمد) ويجوز ربنا ولك الحمد كما تقدم قبله (¬4). (ملء السماوات وملء الأرض) قال الخطابي (¬5): هو تمثيل وتقريب، والمراد تكثير العدد حتى لو قدر ذلك أجسامًا (¬6) ملأ ذلك كله. وقال غيره: المراد بذلك التعظيم كما يقال هذه الكلمة تملأ طباق الأرض. وقيل: المراد أجرها وثوابها. ويجوز في ملء الرفع على الصفة للحمد، ويجوز النصب على الحال، أي: مالئًا السماوات والأرض لو كان جسمًا. (وملء ما شئت من شيء) أي: كالعرش والكرسي ونحوهما مما هو في مقدور الله تعالى ولم نعلمه نحن. (بعد) بالضم؛ لأنه ظرف قطع عن الإضافة مع إرادة المضاف وهو السموات والأرض، فبني على الضم؛ لأنه أشبه حرف الغاية الذي هو منذ. ¬

_ (¬1) في (ص): المدني. وفي (س): المري. (¬2) "صحيح مسلم" (476). (¬3) سقط من (س، م). (¬4) من (س، ل، م). (¬5) "معالم السنن" 1/ 210. (¬6) في (ص): أقسامًا. وفي (س): إنسانًا.

قال المصنف: و (قال سفيان) بن سعيد (الثوري وشعبة بن الحجاج: عن عبيد) بن الحسن (أبي الحسن) المزني (هذا الحديث ليس فيه) ذكر (بعد الركوع) و (قال سفيان) الثوري (لقينا الشيخ عبيدًا) المكي (أبا الحسن بعد) بالضم، أي: بعد ذلك، فحدثنا بالحديث (ولم يقل فيه بعد الركوع) كما تقدم في الرواية قبله. [847] (ثنا مؤمل بن الفضل الحراني) أبو سعيد، قال أبو حاتم: ثقة رضى (¬1). قال: (ثنا الوليد) بن مسلم، عالم أهل الشام، يقال: من كتب مصنفاته صلح للقضاء (¬2). ([ح] وثنا محمود بن خالد) بن يزيد السلمي الدمشقي (¬3)، قال أبو حاتم: ثقة رضيٌّ (¬4). ووثقه النسائي (¬5) (ثنا أبو مسهر) عبد الأعلى بن مسهر الغساني، أخرج له الشيخان. ([ح] وثنا) أحمد بن عمرو (بن السرح) المصري، قال (ثنا بشر بن بكر) التنيسي شيخ البخاري. ([ح] وثنا محمد) بن محمد (بن مصعب) الصوري المعروف بوحشي، قال ابن أبي حاتم: سمعت منه بمكة وهو صدوق ثقة (¬6)، قال: (ثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي الكلاعي الدمشقي نزيل تنيس، ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 8/ 375. (¬2) انظر: "الكاشف" (6094). (¬3) زاد هنا في (ل): الغساني أخرج له الشيخان. وستأتي في مكانها. (¬4) "الجرح والتعديل" 8/ 292. (¬5) "المعجم المشتمل" (1028)، تهذيب الكمال" 27/ 297. (¬6) "الجرح والتعديل" 8/ 88.

شيخ البخاري. (كلهم) أي: كل واحد من الأربعة روى (عن سعيد بن عبد العزيز) ابن يحيى التنوخي، أخرج له مسلم والأربعة (عن عطية بن قيس) الحمصي، أخرج له مسلم والأربعة. (عن قزعة بن يحيى) ويقال: ابن الأسود (عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول حين يقول: سمع الله لمن حمده) لفظ (¬1): رواية ابن حبان (¬2): كان إذا [قال: سمع الله لمن حمده] (¬3). (قال: اللهم ربنا [لك الحمد]) (¬4) لفظ ابن حبان: قال: "ربنا ولك الحمد". (قال مؤمل) بتشديد الميم المفتوحة، ابن الفضل الحراني، شيخ المصنف: (ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل) منصوب على النداء، وجوز بعضهم رفعه على تقدير أنت (الثناء): المدح (والمجد) العظمة. (أحق) هو مبتدأ (ما قال العبد، وكلنا) وذكر في "شرح المهذب" وغيره أن الصواب الذي رواه مسلم (¬5) وسائر المحدثين إثبات ألف "أحق" (¬6) وواو "وكلنا"، وما اقتضاه كلامه من إنكارهما باطل، ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "صحيح ابن حبان" (1905). (¬3) تكررت في (م). (¬4) من (م). (¬5) "صحيح مسلم" (477). (¬6) "المجموع" 3/ 418.

ففي (¬1) رواية النسائي (¬2) بحذفهما، وعلى هذِه الرواية فـ"حق" مبتدأ خبره "ما قال العبد" وقوله: "كلنا لك (¬3) عبد" جملة معترضة (¬4) بين الجملتين الاسميتين، قال ابن الصلاح: (كلنا لك عبد) اعتراض بين المبتدأ والخبر يعني كقول الشاعر: وفيهن والأيام يعثرن (¬5) بالفتى ... نوادب لا يمللنه (¬6) ونوائح (¬7) فقوله: والأيام يعثرن (¬8) بالفتى. جملة معترضة، ثم قال ابن الصلاح: أو يكون قوله: "أحق ما قال العبد" خبرًا لما قبله، أي: خبر لقوله: "ربنا لك الحمد"، والأول أولى. قال النووي (¬9): وهذا الذي رجحه هو الراجح الذي يحسن أن يقال أنه أحق ما قال العبد؛ لما فيه من كمال التفويض لله تعالى والاعتراف بكمال قدرته وعظمته وقهره وسلطانه، وانفراده بالوحدانية (¬10). قال صاحب "الإقليد": "أحق " أفعل تفضيل، "وكلنا لك عبد" جملة ¬

_ (¬1) في (ص): هي. (¬2) "سنن النسائي" 2/ 198. (¬3) في (ص): و. (¬4) في (ص، س، ل): معارضة. (¬5) في (ص، س، ل): يقترن. (¬6) في (م): يملكنه. (¬7) نسبه ابن جني في "الخصائص" 1/ 340 إلى معبد بن أوس. (¬8) في (ص، س، ل): يقترن. (¬9) في (ص): الثوري. وسقط من (س). (¬10) "المجموع" 3/ 415.

معترضة مؤكدة للمعنى المقصود، والقول الموصوف بأنه أحق ما قال العبد، وربما قيل: "أحق" أي: أصدق قول العبد "كلنا [لك عبد] " (¬1) والألف واللام في "العبد" لتعريف الجنس لا لتعريف العهد، والعبد بمعنى العبيد. (لك عبد) أي: عبيد، فهو مفرد بمعنى الجمع كقوله تعالى: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي} (¬2). (لا مانع لما أعطيت. زاد محمود) بن خالد الدمشقي شيخ المصنف (ولا معطي لما منعت. ثم اتفقا) أي: شيخا المصنف على زيادة (ولا ينفع ذا الجد) بفتح الجيم على المشهور، وحكى ابن عبد البر (¬3) وجماعة كسرها، والصحيح الأول، ومعنى الجد: الحظ والغنى، أي: لا يمنع ذا المال والحظ والغنى ويمنعه من عقابك، وإنما ينفعه ويمنعه من عقابك العمل الصالح، وعلى رواية كسر الجيم يكون معناه لا ينفع ذا الإسراع في الهرب، الإسراع (¬4) والهرب. قال صاحب "الإقليد": يجوز أن يكون الجد الثاني فاعل ينفع، وذا الجد مفعول يعني مقدم، أي: لا ينفع ذا الجد صاحبه، وأن يكون الأخير مبتدأ خبره: منك الجد. وقوله: (منك الجد) ذكر في "الفائق" أنه من قولهم: هذا من ذاك ¬

_ (¬1) من (س، م). (¬2) الشعراء: 77. (¬3) في "الاستذكار" 26/ 108، "التمهيد" 23/ 82. (¬4) في (ص): الإسماع.

أي: بدل ذاك، ومنه قوله تعالى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60)} (¬1) أي: بدلكم ملائكة، قال: ويجوز أن تكون "من" على أصل معناها أي الابتداء والغاية وتتعلق إما بينفع أو بالجد، والمعنى أن المجدود لا ينفعه منك الجد الذي منحته (¬2) وإنما ينفعه أن تمنحه التوفيق (¬3). قال الجوهري والأزهري: "منك" هنا بمعنى عندك (¬4) يعني كقوله تعالى: {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} (¬5). قاله أبو عبيدة (¬6). (قال بشر) بن بكر التنيسي في روايته (ربنا لك الحمد) بحذف الواو (ولم يقل محمود) بن خالد (اللهم) بل (قال: ربنا ولك الحمد) قال الشافعي في "الأم": رواية "ربنا ولك الحمد" أحب إلي (¬7)، وزاد النووي في "تحقيقه": حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه (¬8)، وهو في "صحيح البخاري" (¬9) ولم يذكره الجمهور. [رواه الوليد بن مسلم، عن سعيد قال: "ربنا لك الحمد"، ولم يقل: "ولا معطي لما منعت" أيضًا. قال ¬

_ (¬1) الزخرف: 60. (¬2) في (ص، س، ل، م): ينجيه. والمثبت من "الفائق". (¬3) "الفائق" 1/ 193. (¬4) "الصحاح في اللغة" (جدد). (¬5) آل عمران: 10. (¬6) "مجاز القرآن" 1/ 17. (¬7) "الأم" 1/ 216. (¬8) انظر: "المجموع" 3/ 420. (¬9) "صحيح البخاري" (799) من حديث رفاعة بن رافع الزرقي مرفوعًا.

أبو داود: لم يجيء به إلا أبو مسهر] (¬1). [848] (حدثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك، عن سُمَيٍّ) مولى أبي بكر بن عبد الرحمن. (عن أبي صالح) ذكوان (السمان، عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده) استدل به على أن الإمام لا يقول ربنا لك الحمد، وعلى أن المأموم لا يقول سمع الله لمن حمده، لكون ذلك لم يذكر في هذه الرواية. كذا حكاه الطحاوي (¬2) وهو قول مالك (¬3) وأبي حنيفة (¬4)، وفيه نظر؛ لأنه ليس فيه ما يدل على النهي بل فيه أن قول المأموم: (ربنا لك الحمد) يكون عقب قول الإمام: (سمع الله لمن حمده) والواقع في التصوير ذلك؛ لأن الإمام يقول التسميع في حال انتقاله، والمأموم يقول التحميد في حال اعتداله، فقوله يقع عقب لفظ الإمام على لفظ الخبر. وهذا الموضع يقرب من مسألة التأمين فلا يلزم من قوله: "إذا قال: ولا الضالين، فقولوا: آمين" (¬5) أن الإمام لا يؤمن بعد قوله: ولا الضالين وليس فيه أن الإمام يؤمن كما أنه ليس في هذا أنه يقول: ربنا لك الحمد. لكنهما مستفادان من أدلة أخرى صحيحة صريحة أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يجمع بين ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "شرح معاني الآثار" 1/ 238. (¬3) "المدونة" 1/ 167 - 168. (¬4) انظر: "المبسوط" 1/ 20. (¬5) أخرجه البخاري (782)، ومسلم (415) من حديث أبي هريرة مرفوعًا.

التسميع والتحميد (¬1). وأما ما احتجوا به من أن معنى سمع الله لمن حمده طلب التحميد فناسب حال الإمام، وأما المأموم فناسبه الإجابة بقوله: ربنا لك الحمد. ويقويه حديث أبي موسى الأشعري عند مسلم (¬2). (فقولوا: اللهم ربنا (¬3) لك الحمد) يسمع الله لكم، وجوابه أن يقال: لا يدل ما ذكرتم على أن الإمام لا يقول: ربنا ولك الحمد إذ لا يمتنع أن يكون طالبًا مجيبًا، ويقرب منه الجمع بين الحيعلة والحوقلة لسامع المؤذن، وقصة ذلك أن الإمام يجمعهما، وهو قول الشافعي (¬4)، وأحمد (¬5)، وأبي يوسف (¬6) ومحمد (¬7) والجمهور والأحاديث الصحيحة تشهد له. [849] (ثنا بشر بن عمار) القهستاني (¬8)، وثق (¬9)، قال: (ثنا أسباط) ابن عمير الهذلي (عن مطرف) بن طريف. (عن عامر) الشعبي (قال: لا يقول القوم خلف الإمام: سمع الله لمن حمده، ولكن يقولون: ربنا لك الحمد) استدل به الشعبي على أن المأموم ¬

_ (¬1) رواه البخاري (789)، ومسلم (392/ 28). (¬2) "صحيح مسلم" (404). (¬3) زاد في (م): و. (¬4) "الأم" 1/ 220. (¬5) "المغني"2/ 186 - 189. (¬6) "تبيين الحقائق" 1/ 115. (¬7) "تبيين الحقائق" 1/ 115. (¬8) في (م): القستاني. (¬9) من (م).

يقتصر على قوله ربنا لك الحمد. ولا يقول: سمع الله لمن حمده. وبه قال مالك وأحمد وأبو حنيفة، ويكون ربنا لك الحمد عقب قول الإمام: سمع الله لمن حمده. من غير فصل لحديث: "إذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا" (¬1) لأن الفاء للتعقيب. وذهب الشافعي إلى أن المأموم يجمع بينهما، لكن لم يصح في ذلك شيء، ونقل عن ابن المنذر (¬2) أنه قال: إن الشافعي انفرد بذلك. وهذا ليس بصحيح عنه، فقد نقل في "الإشراف" عن عطاء وابن سيرين وغيرهما القول بالجمع بينهما للمأموم (¬3)، وأما المنفرد فحكى الطحاوي (¬4) وابن عبد البر (¬5) الإجماع على أنه يجمع بينهما، وجعله الطحاوي حجة لكون الإمام يجمع بينهما للاتفاق على اتخاذ حكم الإمام والمنفرد لكن أشار صاحب "الهداية" (¬6) إلى خلاف عندهم في المنفرد والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) متفق عليه وقد سبق تخريجه. (¬2) انظر: "الأوسط" 4/ 354. (¬3) "الإشراف" 2/ 30. (¬4) "شرح معاني الآثار" 1/ 238. (¬5) "التمهيد" 6/ 148. (¬6) "الهداية شرح البداية"1/ 49.

147 - باب الدعاء بين السجدتين

147 - باب الدُّعاءِ بَينَ السَّجْدَتَيْنِ 850 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ، حَدَّثَنا زَيْدُ بْنُ الحبابِ، حَدَّثَنا كامِلٌ أَبُو العَلاءِ حَدَّثَنِي حَبِيبُ بْنُ أَبي ثابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كانَ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وارْحَمْنِي وَعافِنِي واهْدِنِي وارْزُقْني" (¬1). * * * باب الدعاء بين السجدتين [850] (ثنا محمد (¬2) بن مسعود) بن يوسف العجمي النيسابوري، نزيل طرسوس المصيصي، قال محمد أبن وضاح، (¬3): رفيع الشأن فاضل، ليس بدون أحمد بن حنبل (¬4). وقال الخطيب: ثقة (¬5). (قال: ثنا زيد (¬6) بن الحباب) بضم المهملة وتخفيف الموحدة، أبو الحسين العكلي (¬7) الخراساني، ثم الكوفي الحافظ، أخرج له مسلم والأربعة، قال: (ثنا كامل) بن العلاء (أبو العلاء) التميمي الكوفي، ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (283، 284)، وابن ماجه (898)، وأحمد 1/ 315. قال الترمذي حديث غريب. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (796). (¬2) في (م): محمود. (¬3) في (ص، ل): وصحاح. (¬4) "تهذيب الكمال" 26/ 398. (¬5) "تاريخ بغداد" 3/ 301. (¬6) في (ص، س): يزيد. (¬7) في (ص): العلاء.

وثقه ابن معين (¬1)، قال: (حدثني حبيب بن أبي ثابت) الأسدي المجتهد (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول بين السجدتين: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني، وعافني وارزقني". وجمع ابن ماجه بين "ارحمني واجبرني"، وزاد: "ارفعني" (¬2) ولم يقل "اهدني" ولا (¬3) "عافني". وروى البزار من حديث بريدة: "وارزقني (¬4) إني لما أنزلت إلي من خير فقير" (¬5) وقال ابن كج: وغيره يقول: رب اغفر لي ثلاثًا قال المتولي: ويستحب للمنفرد أن يزيد هنا (¬6): اللهم هب لي قلبًا تقيًّا نقيًّا من الشرك بريًّا لا كافرًا ولا شقيًّا (¬7). قال الأذرعي: لحديث ورد فيه (¬8). والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) "تاريخ ابن معين رواية الدوري" 3/ 273. (¬2) "سنن ابن ماجه" (898). (¬3) من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) "البحر الزخار" 10/ 332 (4462). (¬6) من (م). (¬7) انظر: "أسنى المطالب" 1/ 163. (¬8) هذا الحديث رواه ابن بشران في "أماليه" (1416)، والبيهقي في "الدعوات الكبير" (531) من حديث عائشة مرفوعًا. ضعفه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" 2/ 68 - 69 (918)، قال: قال أبو الفتح الأزدي الحافظ: سعيد بن عبد الكريم متروك.

148 - باب رفع النساء إذا كن مع الرجال رؤوسهن من السجدة

148 - باب رَفعِ النِّساءِ إِذا كُنَّ مَعَ الرِّجالِ رُؤوسَهُنَّ مِنَ السَّجْدَةِ 851 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ المتَوَكِّلِ العَسقَلانِيُّ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ أَنْبَأَنا مَعْمَرٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُسْلِمٍ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَوْلَى لأسماءَ ابنةِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَسْماءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قالتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقولُ: "مَنْ كانَ مِنْكُنَّ يُؤْمِنُ باللهِ واليَوْمِ الآخِرِ فَلا تَرْفَعْ رَأْسَها حَتَّى يَرْفَعَ الرِّجال رُءُوسَهُمْ". كَراهَةَ أَنْ يَرَين مِنْ عَوراتِ الرِّجالِ (¬1). * * * باب رفع النساء رؤوسهن من السجود إذا كن مع الرجال [851] (ثنا محمد بن المتوكل) بن عبد الرحمن بن حسان (العسقلاني) مولى بني هاشم، قال: (ثنا عبد الرزاق) بن همام. قال أحمد بن حنبل: إذا اختلف الناس في حديث معمر فالقول ما قال عبد الرزاق (¬2)، قال: (أنا معمر) قال: (عن (¬3) عبد الله بن مسلم) بن عبد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري المدني (أخي الزهري)، وكان الأكبر (عن مولى لأسماء بنت أبي بكر) قال المنذري: مولى أسماء مجهول (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 348، والطبراني 24/ 97، 98 (262، 263)، والبيهقي 2/ 241. قال الألباني في "صحيح أبي داود" (797): حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات غير مولى أسماء فإنه مجهول. (¬2) رواه السراج في "حديثه" (345). (¬3) في (ص، س): ثنا. (¬4) "مختصر سنن أبي داود" 1/ 404.

(عن أسماء بنت أبي بكر) الصديق، كانت تحت الزبير بن العوام، وأسلمت قديمًا بمكة، وهاجرت إلى المدينة وهي حامل بعبد الله بن الزبير فوضعته بقباء، وتوفيت بمكة سنة ثلاث وسبعين بعد قتل ابنها عبد الله بن الزبير بيسير، لم تلبث بعد إنزاله من الخشبة (¬1) ودفنه إلا ليالي، وكان قد ذهب بصرها [وهي ذات النطاقين] (¬2). (قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: من كان) هذا من مراعاة لفظ من، وهو أولى من مراعاة معناها، ولو روعي المعنى لقيل: من كانت. (منكن يؤمن) بالتحتانية للمؤنث بالرفع والمثناة تحت (بالله واليوم الآخر) أي: يؤمن حق الإيمان، ومن كانت كذلك تأتمر بما أمرت به، كقولك: إن كنت حرًّا فانتصر. وأنت تخاطب حرًّا. (فلا ترفع) بالمثناة الفوقانية (رأسها) (¬3) {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا} (¬4) قال أبو البقاء: قرئ الأولى بالياء والثانية بالتاء (¬5). قال بعضهم: هذا ضعيف (¬6)؛ لأن التذكير أصل فلا يجعل تبعًا للتأنيث، وتعقب بقوله تعالى: {خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا} (¬7) وهذا من أمر (¬8) مراعاة المعنى بعد مراعاة اللفظ كقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي} (¬9) فراعى فيه (¬10) اللفظ، ثم ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): الحبشة. (¬2) من (س، ل، م). (¬3) سقط من (س، م). (¬4) الأحزاب: 31. (¬5) "إعراب القرآن" 7/ 183. (¬6) زاد في (م): رأسها. (¬7) الأنعام" 139. (¬8) سقط من (س، م). (¬9) التوبة: 49. (¬10) من (م).

قال: {أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} (¬1) فراعى المعنى، ويعتبر المعنى بعد اعتبار اللفظ كثيرًا. (حتى يرفع الرجال رؤوسهم) ثم ذكر العلة في سبب النهي عن هذا فقال: (كراهية) يحتمل أنه مدرج من كلام، بتخفيف الياء منصوب على أنه مفعول له (أن يرين) بالتحتانية، النساء (من) للتبعيض أي: بعض (عورات الرجال) الذين هم قدامهن، فإن السنة أن تصلي النساء خلف الرجال، فنهيت المرأة إذا صلت خلف الرجل أو الرجال أن ترفع رأسها من السجود قبل أن يرفع الرجال رؤوسهم ويجلسوا على الأرض، فإن المرأة إذا رفعت رأسها قبل الرجال ربما رأت عورة رجل في حال سجوده، أو في جلوسه وحركته للجلوس؛ لِقِصَرٍ في ثوبه أو شق أو قطع وتخرق ونحو ذلك كما في قصة عمرو (¬2) بن سلمة لما كان يؤم قومه وهو ابن سبع سنين فقالت امرأة ممن صلين خلفه: "غطوا عنا است قارئكم .. " (¬3) الحديث، وفي الحديث (¬4): "رأيت الرجال عاقدي أزُرِهم .. " (¬5) يعني: لئلا ينكشف شيء من العورة. * * * ¬

_ (¬1) التوبة: 49. (¬2) من (س، ل، م). (¬3) أخرجه البخاري (4302)، وأحمد 5/ 30، وابن خزيمة (1512) من حديث عمرو بن سلمة. (¬4) في (س، ل، م): الصحيح. (¬5) رواه مسلم (441) من حديث سهل بن سعد.

149 - باب طول القيام من الركوع وبين السجدتين

149 - باب طُولِ القِيامِ مِنَ الرُّكُوعِ وَبَينَ السّجْدَتيْنِ 852 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، عَنِ ابن أَبى لَيْلَى، عَنِ البَراءِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كانَ سُجُودُهُ وَرُكُوعُهُ وَقُعُودُهُ وَما بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قَرِيبًا مِنَ السَّواءِ (¬1). 853 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّاد، أَخْبَرَنا ثابِتٌ وَحُمَيْدٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قال: ما صَلَّيْتُ خَلْفَ رَجُلٍ أَوْجَزَ صَلاةً مِنْ رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي تَمام وَكانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذا قال: "سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ ". قامَ حَتَّى نَقُولَ قَدْ أَوْهَمَ ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَسْجُدُ وَكانَ يَقْعدُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ حَتَّى نَقُولَ قَدْ أَوْهَمَ (¬2). 854 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَأَبو كامِلٍ -دَخَلَ حَدِيثُ أَحَدِهِما فِي الآخَرِ- قالا: حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ هِلالِ بْنِ أَبي حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي لَيْلَى، عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ قال: رَمَقْتُ مُحَمَّدًا -صلى الله عليه وسلم- وقال أَبُو كامِلٍ: رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الصَّلاةِ فَوَجَدْتُ قِيامَهُ كَرَكْعَتِهِ وَسَجْدَتِهِ واعْتِدالَهُ فِي الرَّكعَةِ كَسَجْدَتِهِ وَجَلْسَتَهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَسَجْدَتَهُ ما بَيْنَ التَّسْلِيمِ والانصِرافِ قَرِيبًا مِنَ السَّواءِ. قال أَبو داودَ: قال مُسَدَّدٌ: فَرَكْعَتَهُ واعْتِدالهُ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ فَسَجْدَتَهُ فَجَلْسَتَهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَسَجْدَتَهُ فَجَلْسَتَهُ بَيْنَ التَّسْلِيمِ والانصِرافِ قَرِيبًا مِنَ السَّواءِ (¬3). * * * باب طول القيام من الركوع وبين السجدتين [852] (ثنا حفص بن عمر) بن الحارث بن سخبرة الحوضي (¬4) شيخ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (792، 801، 820)، ومسلم (471/ 194). (¬2) رواه البخاري (800، 821)، ومسلم (472، 473). (¬3) رواه مسلم (471/ 193). (¬4) في (ص): الحرص.

البخاري، قال: (ثنا شعبة، عن الحكم) بن عتيبة الكندي مولاهم فقيه الكوفة (عن) عبد الرحمن (بن أبي ليلى) التابعي المشهور. (عن البراء) بن عازب -رضي الله عنهما- (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان سجوده وركوعه وما بين السجدتين) [أي: وجلوسه بين السجدتين. (قريبًا من السواء)] (¬1) فيه إشعار بأن فيها تفاوتًا لكنه لم يعينه، وهو دال على الطمأنينة في الاعتدال وما بين السجدتين لما علم من عادته من تطويل الركوع والسجود، والمراد أن زمان ركوعه وسجوده واعتداله وجلوسه بين السجدتين متقارب (¬2) ولعل المراد أن (¬3) جلوسه بين السجدتين [متقارب لركوعه] (¬4) وسجوده وهو دونهما في التطويل. [853] (ثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي، قال: (ثنا حماد) بن سلمة، قال: (أنا ثابت) بن أسلم البناني بضم الباء الموحدة وتخفيف النون (وحميد) بن أبي حميد الطويل، سمي بذلك لقصره، قال الأصمعي: رأيت حميدًا ولم يكن طويلًا ولكن كان طويل اليدين (¬5). (عن أنس بن مالك قال: ما صليت خلف رجل أوجز) بالنصب صفة (¬6) لمصدر محذوف أي: ما صليت صلاة أوجز (صلاة) بالجر (¬7) ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) من (س، ل). (¬3) من (م). (¬4) من (م). (¬5) انظر: "ألقاب الصحابة والتابعين" 1/ 9. (¬6) في (ص): معه. (¬7) سقطت من (م).

أي: أخفها، يقال كلام وجيز أي: خفيف مقتصد مع التمام (من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في تمام) أي: يجمع -صلى الله عليه وسلم- في صلاته بين الخفة والاقتصاد مع تمام الأركان والأفعال. ولمسلم عن أنس أيضا: ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم صلاة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (¬1)، وفي رواية له: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان من أخف الناس صلاة في تمام" (¬2)، وفي رواية: "كان يوجز الصلاة ويتم" (¬3). (وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قال: سمع الله لمن حمده قام حتى نقول) بالنون (قد أوهم) بالألف كذا رواية مسلم (¬4) وغيره، وفي رواية له: "كان (¬5) إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائمًا حتى يقول القائل: قد نسي" (¬6). قال القرطبي: كذا صوابه بفتح الهمزة والهاء فعل ماض مبني للفاعل ومعناه ترك قال ثعلب: يقال: أوهمت الشيء إذا تركته كله أوهم، ووهمت في الحساب وغيره إذا غلطت (¬7) أوهم ووهمت إلى الشيء إذا ذهب وهمك إليه وأنت تريد غيره (¬8). ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (469) (190). (¬2) "صحيح مسلم" (469) (189). (¬3) "صحيح مسلم" (469) (188). (¬4) "صحيح مسلم" (473). (¬5) من (م). (¬6) "صحيح مسلم" (472). (¬7) في (ص، ل، م): غلب. والمثبت من "المفهم". (¬8) "المفهم" 2/ 81.

وقال في "النهاية": أوهم في صلاته أي: أسقط منها شيئًا، يقال: أوهمت الشيء إذا تركته، وأوهمت في الكلام والكتاب إذا أسقطت منه شيئًا، ووهم يعني بكسر الهاء ويوهم وهمًا بالتحريك إذا غلط قال: وفي الحديث: قيل له -صلى الله عليه وسلم-: كأنك وهمت؟ ! قال: "كيف لا إيْهَمُ (¬1) " هذا [على لغة] (¬2) بعضهم، الأصل أوْهَمُ بالفتح والواو فكسر الهمزة؛ لأن قومًا من العرب يكسرون مستقبل فَعِلَ فيقولون: إعلم ونِعْلَم وتِعْلَم فلما كسر همزة أوْهَمُ انقلبت الواو ياء (¬3). (ثم يكبر ويسجد، وكان يقعد بين السجدتين حتى نقول قد أوهم) ويحتمل أن يكون معناه: نسي أنه في صلاة كرواية مسلم: "وإذا رفع رأسه من السجدة (¬4) مكث حتى يقول القائل: قد نسي" (¬5). أي: نسي وجوب الهوي إلى السجود. قاله الكرماني (¬6). ويحتمل أن يكون المراد أنه نسي أنه في صلاة أو ظن أنه في وقت القنوت حيث كان معتدلًا، والتشهد حيث كان جالسًا. ووقع عند الإسماعيلي من طريق غندر عن شعبة: قلنا: قد نسي من طول القيام. أي: لأجل طول قيامه. فيه دليل على جواز تطويل الركن القصير، واختاره النووي فهو خلاف المرجح في المذهب، واستدل ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): أهم أيهم. (¬2) في (ص، س): مخالفة. (¬3) "النهاية" (وهم). (¬4) في (ص، س): السجدتين. (¬5) "صحيح مسلم" (472/ 195). (¬6) "شرح صحيح البخاري" للكرماني 5/ 155.

لذلك بحديث حذيفة في مسلم (¬1): أنه -صلى الله عليه وسلم- قرأ في ركعة بالبقرة ثم قرأ نحوًا من ذلك. ثم قال النووي: والجواب عن هذا الحديث صعب والأقوى جواز الإطالة بالذكر (¬2). وقد أشار الشافعي في "الأم" إلى عدم البطلان، فقال: ولو أطال القيام بذكر الله يدعو أو ساهيًا وهو لا ينوي به القنوت كرهت له ذلك ولا إعادة (¬3). إلى آخر كلامه، والعجب مِمَّن يصحح من الشافعية مع هذا بطلان الصلاة بتطويل الاعتدال والجلوس بين السجدتين وتوجيههم ذلك أنه إذا أُطيل انتفت الموالاة (¬4)، معترض (¬5) بأن معنى الموالاة أن لا يتخلل فصل طويل بين الأركان بما ليس منها، وما ورد به الشرع لا يصح نفي كونه منها. [854] (ثنا مسدد وأبو كامل) فضيل بن حسين الجحدري (دخل حديث أحدهما في الآخر قالا: ثنا أبو عوانة) الوضاح مولى ابن عطاء اليشكري، بصري رأى الحسن وابن سيرين. (عن هلال بن أبي حميد) ويقال: هلال بن حميد الجهني الوزان الكوفي، أخرج له الشيخان (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب رطا قال: رمقت محمدًا -صلى الله عليه وسلم- قال أبو كامل) الجحدري في روايته: محمدًا (رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة) إطلاقه يحتمل الفرضية والنفلية. ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (772) (203). (¬2) "المجموع" 4/ 127. (¬3) "الأم" 1/ 221. (¬4) و (¬5) من (س، ل، م).

(فوجدت قيامه كركعته وسجدته) فيه دليل على تخفيف القراءة في القيام فإنه شبهه بالركعة والسجدة وإطالة الركوع والسجود، وهذا محمول على بعض الأحوال، وإلا [فقد ثبتت] (¬1) الأحاديث الصحيحة بتطويل القيام، وأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في الصبح بالستين إلى المائة (¬2) وفي الظهر بـ {الم (1) تَنْزِيلُ} السجدة (¬3)، وأنه كان تقام الصلاة فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يرجع إلى أهله ويتوضأ ثم يأتي المسجد فيدرك الركعة الأولى من الصلاة (¬4)، وفي البخاري أنه قرأ في المغرب بالأعراف (¬5). (و) وجدت (اعتداله) بنصب اللام (في الركعة) في بمعنى من كما تقدم في قول الشاعر: ثلاثين شهرًا في ثلاثة أحوال أي: من ثلاثة أحوال (¬6) (كسجدته، وجلسته) بفتح الجيم للمرة وكسرها للهيئة (بين السجدتين) فيه أن الاعتدال ركن طويل كما ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): تقدمت. (¬2) رواه البخاري (541)، ومسلم (461) من حديث أبي برزة. (¬3) رواه مسلم (452) من حديث أبي سعيد الخدري. (¬4) رواه مسلم (454) من حديث أبي سعيد الخدري. (¬5) "صحيح البخاري" (764) من حديث زيد بن ثابت، ولفظه عن مروان بن الحكم قال: قال لي زيد بن ثابت: ما لك تقرأ في المغرب بقصار وقد سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ بطولي الطوليين؟ وسبق برقم (812) تفسير الطوليين أنهما الأعراف والأنعام أو المائدة والأعراف. (¬6) سقطت من (س، م).

[تقدم، كذا الجلسة بين السجدتين؛ فإنه جعل الاعتدال والجلوس بين السجدتين كالسجود. (وسجدته) كذا وجد في بعض أكبر النسخ، وهي محمولة على سجدته للسهو إذا سها قريبًا من السواء، ولعله: جلسته، (¬1) كما سيأتي في رواية مسدد يعني بالنصب والجر. (بين التسليم) من الصلاة (والانصراف) منها (قريبًا من السواء) يدل على أن بعض هذِه الأركان أطول من بعض إلا أنها غير متباعدة وهذا واضح في كل الأركان إلا في القيام فإنه ثبت أنه كان يطوله كما تقدم، ويحتمل أن يكون ذلك الطول كان في أول أمره (¬2) ثم كان التخفيف بعد ذلك، كما قال جابر بن سمرة: ثم كانت صلاته بعد تخفيفًا (¬3)، وقد قيل: إن هذِه الرواية التي وقع فيها ذكر القيام وهم، والصحيح إسقاطه كما رواه البخاري (¬4) ومسلم (¬5) في رواية البراء [بن عازب] (¬6) ولم يذكر فيها القيام، وزاد البخاري (¬7) فيه ما عدا القيام ¬

_ (¬1) من (ل) وفي باقي النسخ: تقدم، وهي محمولة على سجدته للسهو إذا سها قريبًا من السواء وكذا الجلسة بين السجدتين فإنه جعل الاعتدال والجلوس بين السجدتين كالسجود وسجدته كذا وجد في أكثر النسخ: وجلسته. كما سيأتي في رواية مسدد يعني: بالنصب والجر. (¬2) في (م): مرة. (¬3) أخرجه مسلم (458). (¬4) "صحيح البخاري" (792). (¬5) "صحيح مسلم" (471) (194). (¬6) من (ع). (¬7) "صحيح البخاري" (792).

والقعود، قال القرطبي: والطريقة الأولى أحسن وأسلم (¬1)، وقوله: وجلسته (¬2) بين التسليم والانصراف. دليل على أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يجلس بعد التسليم شيئًا يسيرًا في مصلاه. قال مسدد في روايته: (فركعته) بالرفع مبتدأ (فاعتداله بين الركعتين) رواية مسلم: "فاعتداله بعد ركوعه" (¬3). (فسجدته فجلسته بين السجدتين فجلسته بين التسليم والانصراف قريبًا من السواء) كذا لمسلم في "صحيحه" (¬4) وهذه الجلسة لا تخلو من ذكر مشروع لها لكن لم (¬5) يبينه (¬6)، والله -سبحانه وتعالى- أعلم. * * * ¬

_ (¬1) "المفهم" 2/ 81. (¬2) من (م)، وفي غسرها: وجلسة. (¬3) "صحيح مسلم" (471/ 193). (¬4) السابق، وفيه زيادة على أبي داود قبل (فجلسته ما بين التسليم والانصراف) قوله: (فسجدته). (¬5) ليست بالأصول الخطية، والسياق يقتضيها. (¬6) في (ص، س): سنة.

150 - باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود

150 - باب صَلاةِ مَنْ لا يُقِيمُ صُلْبَهُ في الرُّكُوعِ والسُّجودِ 855 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمَرِيُّ، حَدَّثَنا شُعْبَة، عَنْ سُلَيْمانَ، عَنْ عُمارَةَ بنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبي مَعْمَرٍ، عَنْ أَبي مَسعُودٍ البَدْرِيِّ قال: قال رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لا تُجْزِئُ صَلاةُ الرَّجُلِ حَتَى يُقِيمَ ظَهْرَهُ فِي الرُّكُوعِ والسُّجُودِ" (¬1). 856 - حَدَّثَنِي القَعْنَبِيُّ، حَدَّثَنا أَنَسٌ يَعْنِي ابن عِياضٍ ح، وحَدَّثَنا ابن المثَنَّى، حَدَّثَنِي يحيَى بْنُ سَعِيدِ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ -وهذا لَفْظ ابن المُثَنَّى- حَدَّثنِي سَعِيدُ بْنُ أَبي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- دخَلَ المَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى ثُمَّ جاءَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَرَدَّ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عليه السَّلامُ وقال "ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ". فَرَجَعَ الرَّجُلُ فَصَلَّى كَما كانَ صَلَّى ثُمَّ جاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقال لَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "وَعَلَيكَ السلامُ ثُمَّ قال: "ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ". حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلاثَ مِرارٍ فَقال الرَّجُلُ: والَّذِي بَعَثَكَ بِالحقِّ ما أُحْسِنُ غَيْرَ هذا فَعَلِّمْنِي. قال: "إِذا قُمْتَ إِلَى الصَّلاةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ ما تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ ثمَّ ارْكعْ حَتَى تَطْمَئِنَّ راكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قائِمًا ثُمَّ اسْجُدْ حَتَى تَطْمَئِنَّ ساجِدًا ثُمَّ اجْلِسْ حَتَى تَطْمَئِنَّ جالِسًا ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّها". قالَ أَبُو داوُدَ: قال القَعْنَبِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ المقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وقال: في آخِرِهِ: "فَإِذا فَعَلْتَ هذا فَقَدْ تَمَّتْ صَلاتُكَ وَما انتَقَصْتَ مِنْ هذا شَيئًا فَإِنَّما انتَقَصْتَهُ مِنْ صَلاتِكَ". وقال فِيهِ: "إِذا قُمْتَ إِلَى الصَّلاةِ فَأَسْبغِ الوُضُوءَ" (¬2). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (265)، والنسائي 2/ 183، وابن ماجه (870)، وأحمد 4/ 119، وابن خزيمة في "صحيحه" (591)، وابن حبان في "صحيحه" (1892). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (801). (¬2) رواه البخاري (757، 793، 6251، 6667)، ومسلم (397).

857 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ إِسْحاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بنِ خَلَّادٍ، عَنْ عَمِّهِ أَنَّ رَجلًا دَخَلَ المَسْجِدَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ قال: فِيهِ فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّهُ لا تَتِمُّ صَلاةٌ لأَحَدٍ مِنَ النّاسِ حَتَّى يَتَوَضَّأَ فَيَضَعَ الوُضُوءَ". يَعْنِي: مَواضِعَهُ: "ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَحْمَدُ اللهَ جَلَّ وَعَزَّ وَيُثْنِي عَلَيهِ وَيَقْرَأُ بِما تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ ثُمَّ يَقُولُ اللُّه أَكْبَرُ ثُمَّ يَرْكَعُ حَتَى تَطْمَئنَّ مَفاصِلُهُ ثُمَّ يَقُولُ سَمِعَ اللُّه لِمَنْ حَمِدَهُ حَتَى يَسْتَوِيَ قائِمًا ثُمَّ يَقُولُ اللُّه أَكبَرُ ثمَّ يَسْجُدُ حَتَى تَطْمَئِنَّ مَفاصِلُهُ ثُمَّ يَقُولُ اللُّه أَكْبَرُ وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَى يَسْتَوِيَ قاعِدًا ثُمَّ يَقُولُ اللُّه أَكبَرُ ثُمَّ يَسْجُدُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفاصِلُهُ ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ فَيُكَبِّرُ فَإِذا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلاتُهُ" (¬1). 858 - حَدَّثَنا الحَسَن بْن عَلِيٍّ، حَدَّثَنا هِشامُ بْن عَبْدِ الْمَلِكِ والحجّاجُ بْن مِنْهالٍ قالا: حَدَّثَنا هَمّامٌ، حَدَّثَنا إِسْحاقُ بْن عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمِّهِ رِفاعَةَ بْنِ رافِعٍ بِمَعْناهُ قال فَقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّها لا تَتِمُّ صَلاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُسْبغَ الوُضُوءَ كَما أَمَرَهُ اللهَ عزَّ وجلَّ فَيَغْسِلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الِمرْفَقَيْنِ وَيَمْسَحَ بِرَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ إِلَى الكَعْبَيْنِ ثمَّ يُكَبِّرُ اللهَ عز وجل وَيَحْمَدُهُ ثُمَّ يَقْرَأُ مِنَ القُرْآنِ ما أُذِنَ لَه فِيهِ وَتَيَسَّرَ". فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ حَمّادٍ قال: "ثُمَّ يُكَبِّرُ فَيَسْجُدُ فَيُمَكِّنُ وَجْهَهُ". قال هَمَّامٌ: وَرُبَّما قال: "جَبْهَتَهُ مِنَ الأرضِ حَتَى تَطْمَئِنَّ مَفاصِلُهُ وَتَسْتَرْخِيَ ثُمَّ يُكَبِّرُ فَيَسْتَوِي قاعِدًا عَلَى مَقْعَدِهِ وَيُقِيمُ صُلْبَهُ". فَوَصَفَ الصَّلاةَ هَكَذا أَرْبَعَ رَكَعاتٍ حَتَّى فَرَغَ: "لا تَتِمُّ صَلاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ" (¬2). 859 - حَدَّثَنا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، عَنْ خالِدٍ عَنْ مُحَمَّدٍ -يَعْنِي ابن عَمْرٍو- عَنْ عَلِيِّ ¬

_ (¬1) رواه النسائي 2/ 20، 225، وابن ماجه (460). وصححه الألباني. (¬2) رواه النسائي 2/ 20، 225، وابن ماجه (460). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (804).

ابْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رِفاعَةَ بْنِ رافِعٍ بهذِه القِصَّةِ قال: "إِذا قُمْتَ فَتَوَجَّهْتَ إِلَى القِبْلَةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ القُرْآنِ وَبِما شاءَ اللهُ أَنْ تَقْرَأَ وَإذا رَكعْتَ فَضَعْ راحَتَيْكَ عَلَى رُكْبَتَيكَ وامْدُدْ ظَهْرَكَ". وقال: "إِذا سَجَدْتَ فَمَكِّنْ لِسُجُودِكَ فَإِذا رَفَعْتَ فاقْعُدْ عَلَى فَخِذِكَ اليُسْرَى" (¬1). 860 - حَدَّثَنا مُؤَمَّلُ بْنُ هِشامٍ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَلَّاد بْنِ رافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمِّهِ رِفاعَةَ بْنِ رافِع عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بهذِه القِصَّةِ قال: "إِذا أَنْتَ قُمْتَ فِي صَلاِتِكَ فَكَبِّرِ اللَّه تَعالى ثُمَّ اقْرَأْ ما تَيَسَّرَ عَلَيكَ مِنَ القُرْآنِ". وقال فِيهِ: "فَإِذا جَلَسْتَ فِي وَسَطِ الصَّلاةِ فاطْمَئِنَّ وافْتَرِشْ فَخِذَكَ اليُسْرَى ثُمَّ تَشَهَّدْ ثُمَّ إِذا قُمْتَ فَمِثْلَ ذَلِكَ حَتَى تَفْرُغَ مِنْ صَلاِتكَ" (¬2). 861 - حَدَّثَنا عَبّادُ بْنُ مُوسَى الخُتَّلِيُّ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ -يَعْنِي: ابن جَعْفَرٍ- أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّاد بْنِ رافِعٍ الزُّرَقِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَنْ رِفاعَةَ بْنِ رافِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فقَصَّ هذا الحَدِيثَ قال: فِيهِ: "فَتَوَضَّأْ كما أَمَرَكَ اللهُ جَلَّ وَعَزَّ ثُمَّ تَشَهَّدْ فَأَقِمْ ثُمَّ كبِّرْ فَإِنْ كَانَ مَعَكَ قُرْآنٌ فاقْرَأْ بِهِ وِإلَّا فاحْمَدِ اللَّه وَكبِّرْهُ وَهَلِّلْهُ". وقال فِيهِ: "وإنِ انْتَقَصْتَ مِنْهُ شَيئًا انْتَقَصْتَ مِنْ صَلاتِكَ" (¬3). 862 - حَدَّثَنا أَبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسِيُّ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الحَكَمِ ح، وحَدَّثَنا قُتَيْبَة، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصارِيِّ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ مَحْمُودٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ قال: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ نَقْرَةِ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 340، وابن حبان في "صحيحه" (484). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (805). (¬2) رواه البيهقي 2/ 133 - 134. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (806)، وقال: إسناده حسن. (¬3) رواه الترمذي (302)، وابن خزيمة في "صحيحه" (454). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (807).

الغُرابِ وافْتِراشِ السَّبُعِ وَأَنْ يُوَطِّنَ الرَّجُلُ المَكانَ فِي المَسْجِدِ كَما يُوَطِّنُ البَعِيرُ. هذا لَفْظُ قُتَيْبَةَ (¬1). 863 - حَدَّثَنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنْ عطَاءِ بْنِ السّائِبِ، عَنْ سالِمٍ البَرّادِ قال: أَتَينا عُقْبَةَ بْنَ عَمْرٍو الأنصارِيَّ أَبا مَسْعُودٍ فَقُلْنا لَهُ حَدِّثْنا عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فقامَ بَيْنَ أَيْدِينا فِي المَسْجِدِ فَكَبَّرَ، فَلَمّا رَكَعَ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَجَعَلَ أَصابِعَهُ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ، وَجافَى بَيْنَ مِرْفَقَيْهِ حَتَّى اسْتَقَرَّ كُلُّ شَيءٍ مِنْهُ، ثمَّ قال: سَمِعَ اللهُ لَمِنْ حَمِدَهُ، فَقامَ حَتَّى اسْتَقَرَّ كُلُّ شَيءٍ مِنْهُ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى الأرْضِ، ثُمَّ جافَى بَيْنَ مِرْفَقَيْهِ حَتَّى اسْتَقَرَّ كُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ، ثمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَجَلَسَ حَتَّى اسْتَقَرَّ كُلُّ شَيءٍ مِنْهُ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ أَيْضًا، ثُمَّ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعاتٍ مِثْلَ هذِه الرَّكْعَةِ فَصَلَّى صَلاتَهُ ثُمَّ قال: هَكذا رَأَيْنا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي (¬2). * * * باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود [855] (ثنا حفص بن عمر) بن الحارث بن سخبرة الحوضي (النمري) بفتح النون والميم، قال: (ثنا شعبة، عن سليمان) بن مهران الأعمش (عن عمارة بن عمير) بضم العين فيهما الكوفي وثقوه (عن أبي معمر) عبد الله بن سخبرة الأزدي الكوفي. (عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو الأنصاري (البدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تجزئ) بضم أوله (صلاة الرجل حتى يقيم ظهره) ولفظ ¬

_ (¬1) رواه النسائي 2/ 214، وابن ماجه (1429)، وأحمد 3/ 428، 444، وابن خزيمة (662). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (808). (¬2) رواه النسائي 2/ 187، وأحمد 5/ 274، وابن خزيمة في "صحيحه" (598). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (809).

الترمذي (¬1): "لا تجزئ صلاة لا يقيم فيها الرجل -يعني-: صلبه". (في الركوع والسجود) ثم قال: قال (¬2) الشافعي (¬3) وأحمد وإسحاق (¬4): من لم يقم صلبه في الركوع والسجود فصلاته فاسدة لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود" وكذا رواية ابن حبان (¬5) والنسائي (¬6)، قال شارح "المصابيح": أجزأ يجزئ إذا أغنى، يعني: لا تجوز صلاة من لا يستوي (¬7) ظهره في الركوع والسجود، قال: والمراد منهما الطمأنينة واجبة في الركوع والسجود (¬8). [856] (ثنا) عبد الله بن مسلمة (القعنبي) قال: (ثنا أنس بن عياض) الليثي من أنفسهم من أهل المدينة أبو ضمرة (¬9)، يقال: إنه ليس بأخي يزيد بن عياض وليس بينهما قرابة إلا القبيلة. [ح] (وثنا) محمد (بن المثنى) قال: (حدثتي يحيى بن سعيد) القطان (عن عبيد الله) بالتصغير ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (265). (¬2) سقط من (م). (¬3) "الأم" 1/ 223. (¬4) "مسائل أحمد وإسحاق" برواية الكوسج (186). (¬5) سبق تخريجه. (¬6) سبق تخريجه. (¬7) في (م): يسوي. (¬8) انظر: "مصابيح الجامع" 9/ 378. (¬9) في (ص، س): حمزة.

(وهذا لفظ ابن المثنى) قال: (حدثني سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه) أبي سعيد كيسان المقبري. (عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل المسجد فدخل رجل) هو خلاد بن رافع جد علي بن يحيى أحد رواة هذا الحديث؛ روى ابن أبي شيبة (¬1)، عن عباد بن العوام، عن محمد بن عمرو، عن علي بن يحيى، عن رفاعة: إن خلادًا دخل المسجد. وروى أبو موسى في "الذيل" من جهة ابن عيينة، عن ابن عجلان، عن علي بن يحيى بن عبد الله بن خلاد، عن أبيه، عن جده، أنه دخل المسجد، انتهى، وفيه أمران: زيادة عبد الله في نسب علي بن يحيى، وجعل الحديث من رواية خلاد جد علي، وما وقع عند الترمذي: إذ جاء رجل كالبدوي فصلى فأخف صلاته (¬2). فهذا لا يمنع تفسيره بخلاد؛ لأن رفاعة شبهه بالبدوي لكونه أخف الصلاة أو لغير ذلك (فصلى) زاد النسائي من رواية داود بن قيس: ركعتين (¬3)، وفيه إشعار بأنه صلى نفلًا والأقرب أنها تحية المسجد. وروى ابن أبي شيبة من رواية أبي خالد: وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يرمقه ونحن لا نشعر (¬4)، كأنه قال: ولا نشعر بما يعيب فيها. (ثم جاء فسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم -) وفي رواية أبي أسامة: "فجاء ¬

_ (¬1) "مصنف ابن أبي شيبة" (2540)، وليس فيه أن خلادًا دخل المسجد. ومن طريقه رواه ابن بشكوال في "غوامض الأسماء المبهمة" 2/ 583. (¬2) "سنن الترمذي" (302) من حديث رفاعة بن رافع. (¬3) "المجتبى" 3/ 60. (¬4) "مصنف ابن أبي شيبة" (2975).

فسلم" (¬1). وهي أولى، لأنه لم يكن بين صلاته ومجيئه تراخي. (فرد رسول الله عليه السلام) في هذا رد على ابن المنير حيث قال: إن الموعظة في وقت الحاجة أهم من رد السلام، قال: ولعله لم يرد عليه تأديبًا فيؤخذ منه التأديب بترك السلام. انتهى. قال ابن حجر: والذي وقفنا عليه من نسخ الصحيحين ثبوت الرد في هذا الموضع وغيره إلا الذي في الأيمان والنذور، وقد ساقه صاحب "العمدة" (¬2) [بلفظ الباب إلا أنه حذف منه "فرد النبي - صلى الله عليه وسلم -" فلعل ابن المنير اعتمد على النسخة التي اعتمد عليها صاحب "العمدة"] (¬3) (¬4) رحمه الله تعالى. (وقال: ارجع فصل) في رواية ابن عجلان: فقال: "أعد صلاتك" (¬5). وفيه دليل على وجوب الإعادة على من أخل بشيء من واجبات الصلاة، وفيه أن الشروع في النافلة ملزم لكن يحتمل أن تكون تلك الصلاة كانت فريضة، وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المسجد وغيره وحسن التعليم بغير تعنيف. (فإنك لم تصل) وفيه أن الصلاة الفاسدة لا تسمى صلاة حتى أنه لو حلف لا يصلي وصلى صلاة باطلة لا يحنث إلا بالصحيحة. (حتى فعل (¬6) ذلك ثلاث مرار) المعلوم من عادته - صلى الله عليه وسلم - استعمال ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6667). (¬2) "عمدة الأحكام" (101). (¬3) من (م). (¬4) "فتح الباري" 2/ 324 - 325. (¬5) أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (1787). (¬6) في (ص): يعد.

الثلاث في تعليمه غالبًا، وفيه دليل على تكرار السلام إذا ولى بظهره عن المسلم عليه، وإعادة السلام عليه وإن لم يخرج من الموضع إذا وقعت صورة انفصال. (فقال الرجل: والذي بعثك بالحق) فيه جواز الحلف من غير استحلاف، وأن قوله: والذي بعثك بالحق، والذي أرسلك بالمعجزات، ونحوهما مما (¬1) ينعقد به اليمين. (ما أحسن غير هذا) وفيه الاعتراف بالتقصير والتسليم للعالم والانقياد له. (علمني) لفظ الصَّحيحين: "فعلمني" (¬2). وفي رواية يحيى بن علي: "فقال الرجل: فأرني وعلمني. إنما أنا بشر أصيب وأخطئ فقال: "أجل" (¬3). وفيه دليل على الاعتراف بحكم البشرية في جواز الخطأ عليه. (قال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ) فيه أن القيام إلى الصلاة ليس مقصودًا لذاته، وإنما يقصد للتكبير والقراءة، وفيه تأخير البيان في المجلس للمصلحة، وقد استشكل تقرير النبي - صلى الله عليه وسلم - له على صلاته وهي فاسدة على القول بأنه أخل ببعض الواجبات، وأجاب المازري بأنه أراد استدراجه بفعل ماجهله (¬4) مرات لاحتمال أن يكون فعله ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "صحيح البخاري" (757)، ولفظ مسلم: علمني. (¬3) أخرجه الترمذي (302)، وابن خزيمة في "صحيحه" (545). (¬4) في (ص، س، ل): جعله.

ناسيًا أو غافلًا فيتذكره فيفعله من غير تعليم، وليس ذلك من باب التقرير على الخطأ بل من باب تحقق الخطأ (¬1). وقال النووي نحوه وقال: إنما لم يعلمه أولًا ليكون أبلغ في تعريفه وتعريف غيره بصفة الصلاة المجزئة (¬2). وقال ابن الجوزي: يحتمل أن يكون ترديده (¬3) لتفخيم الأمر وتعظيمه عليه، ورأى أن الوقت لم يفته (¬4). وقال ابن دقيق العيد: ليس التقرير بدليل على الجواز مطلقًا، بل لابد من انتفاء الموانع، ولاشك أن (¬5) في زيادة قبول المتعلم لما يلقى إليه بعد تكرار فعله واستجماع نفسه وتوجه سؤاله مصلحة مانعة من وجوب المبادرة إلى التعليم، لا سيما مع عدم خوف الفوات (¬6) (¬7). وفيه حجة للرد على من أجاز القراءة بالفارسية لكون ما ليس بلسان العرب لا يسمى قرآنًا، قاله القاضي عياض (¬8). قال النووي: وفيه وجوب القراءة في الركعات كلها (¬9). ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" 2/ 328. (¬2) "شرح النووي" 4/ 109. (¬3) في (ص، ر، ل): نزل. وفي (م): برد. والمثبت من "كشف المشكل" لابن الجوزي 1/ 939. (¬4) "كشف المشكل من حديث الصحيحين" لابن الجوزي 1/ 939. (¬5) من (م). (¬6) في (ص، س، ل): فوت الثواب. والمثبت من (م) و"إحكام الأحكام". (¬7) "إحكام الأحكام" 1/ 170. (¬8) انظر: "فتح الباري" 2/ 328. (¬9) "شرح النووي" 4/ 108.

(ما تيسر من (¬1) القرآن) لم تختلف الروايات في هذا عن أبي هريرة، وأما رفاعة ففي رواية إسحاق: "ويقرأ ما تيسر (¬2) من القرآن مما علمه الله" (¬3). ومعنى ما تيسر الإتيان بالفاتحة، فإن بيان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد عين بما لا تجزئ الصلاة إلا به من القرآن حيث (¬4) يسره كما قال الله تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} (¬5) أو على ما زاد على الفاتحة بعدها أو يحمل على من عجز عن الفاتحة. (ثم اركع حتى تطمئن راكعًا) وفي رواية: "حتى تطمئن مفاصله وتسترخي" (¬6) قال الرافعي: قوله: (حتى تطمئن راكعًا) يشعر بأن الطمأنينة ليست ركنًا مستقلًا بل هيئة تابعة للركن، ومنهم من جعلها أركانًا مستقلة (¬7). وبه جزم النووي في "التحقيق" واعلم أن الطمأنينة [سكون بعد] (¬8) حركة، فلابد هنا أن يصبر حتى تستقر أعضاؤه في حال ركوعه، وينفصل هويّه عن ارتفاعه منه. (ثم ارفع حتى تعتدل) وفي رواية ابن نمير عند ابن ماجه (¬9): "حتى ¬

_ (¬1) في (م): (معك منه). (¬2) زاد في (ص، س): معك. (¬3) أخرجه النسائي 2/ 225. (¬4) في (ص، س): حين. (¬5) القمر: 17. (¬6) سيأتي قريبا برقم (858). (¬7) "الشرح الكبير" للرافعي 3/ 255. (¬8) من (س، ل، م). (¬9) "سنن ابن ماجه" (1060).

تطمئن قائمًا (¬1) " أخرجه عن ابن أبي شيبة عنه. وقد أخرج مسلم إسناده بعينه في هذا الحديث لكن لم يسق لفظه فهو على شرطه، وكذا أخرجه إسحاق بن راهويه في "مسنده" عن أبي أسامة، وهو في "مستخرج أبي نعيم" (¬2) من طريقه، وكذا أخرجه السراج، عن يوسف بن موسى أحد شيوخ البخاري، عن أبي أسامة (¬3). فثبت ذكر الطمأنينة في الاعتدال على شرط الشيخين، ومثله في حديث رفاعة عند أحمد (¬4) وابن حبان (¬5)، وعرف بهذا أن قول إمام الحرمين في القلب من إيجابها -أي (¬6): الطمأنينة في الرفع من الركوع- شيء؛ لأنها لم تذكر في حديث المسيء صلاته، دال على أنه لم يقف على هذِه الطرق الصحيحة، وسيأتي له مزيد عند رواية المصنف: ثم قال: "سمع الله لمن حمده" فقام حتى استقر كل شيء منه ثم كبر (¬7). (ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا) وفي رواية إسحاق بن أبي طلحة: ثم يكبر فيسجد حتى يمكن وجهه أو جبهته حتى تطمئن مفاصله وتسترخي (¬8). ويأتي فيه كالكلام على قوله: "ثم اركع حتى تطمئن راكعًا". ¬

_ (¬1) في (ص): فإنما. (¬2) "المسند المستخرج على صحيح مسلم" (881). (¬3) "حديث السراج" (2526). (¬4) "مسند أحمد" 4/ 340. (¬5) "صحيح ابن حبان" (1787). (¬6) في (م): إلى. (¬7) أخرجه أبو داود (863). (¬8) أخرجه النسائي 2/ 225.

(ثم اجلس حتى تطمئن جالسًا)، ويأتي فيه الكلام على قوله: "ثم اركع". وفي رواية إسحاق المذكورة: "ثم يكبر فيرفع حتى يستوي قاعدًا على مقعدته، ويقيم صلبه" (¬1)، وفي رواية محمد بن عمرو: "فإذا رفعت رأسك فاجلس على فخذك اليسرى" (¬2). (ثم افعل ذلك في صلاتك كلها) وفي رواية محمد بن عمرو: "ثم اصنع ذلك في كل ركعة وسجدة". قال ابن دقيق العيد: تكرر من الفقهاء الاستدلال بهذا الحديث على وجوب ما ذكر فيه، وعلى عدم وجوب ما لم يذكر فيه، أما الوجوب فلتعلق الأمر به، وأما عدمه فليس لمجرد كون الأصل عدم الوجوب بل لكون الموضع موضع تعليم وبيان للجاهل، وذلك يقتضي انحصار الواجبات فيما ذُكِر، ويتقوى ذلك بكونه ذكر ما تعلقت به الإساءة من هذا المصلي وما لم يتعلق به، فدل على أنه لم يقصر المقصود على ما وقعت فيه الإساءة قبل (¬3)، قال: فكل موضع اختلف الفقهاء في وجوبه وكان مذكورًا في هذا الحديث فلنا أن نتمسك به في وجوبه، وبالعكس (¬4). لكن يحتاج [إلى جمع] (¬5) طرقه، فمما لم يذكر فيه من الواجبات ¬

_ (¬1) السابق. (¬2) أخرجه أحمد 4/ 340، وابن حبان في "صحيحه" (1787). (¬3) ليست في (م). (¬4) "إحكام الأحكام" 1/ 166 - 167. (¬5) تكررت في (م).

المتفق عليها النية والقعود الأخير، ومن المختلف فيه التشهد الأخير والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه والسلام في آخر الصلاة. قال النووي: وهو محمول على أن ذلك كان معلومًا عند الرجل (¬1). انتهى. وفيه دليل على الإقامة والقعود ودعاء الافتتاح ورفع اليدين في الإحرام وغيره، ووضع اليمين على اليسرى، وتكبيرات الانتقالات، وتسبيحات الركوع والسجود، ونحو ذلك مما لم يذكر في هذا (¬2) الحديث ليس بواجب. (قال (عبد الله بن مسلمة (القعنبي) في روايته: (عن سعيد بن أبي سعيد)، عن أبي سعيد (المقبري) بضم الموحدة وفتحها، وسمي بذلك لأنه كان يسكن عند مقبرة فنسب إليها (عن أبي هريرة، وقال في آخره: فإذا فعلت هذا) يعني المذكور (فقد تمت صلاتك وما انتقصت من هذا) المذكور (فإنما انتقصته من صلاتك) (¬3) أي: انتقص (¬4) من واجباتها، وإذا انتقصته (¬5) شيئًا من واجباتها ولم يتدراكه عن قرب بطلت صلاته (وقال فيه) أي: في لفظ هذا الحديث من هذِه الطريق: (إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء) يعني: كما أمرك الله تعالى كما سيأتي في ¬

_ (¬1) "شرح النووي" 4/ 107. (¬2) سقط من (م). (¬3) أخرجه أبو عوانة من طريق المصنف (1609). وقال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (802): إسناده صحيح. (¬4) من (م)، وفي غيرها: انتقصه. (¬5) من (م)، وفي غيرها: انتقصت.

الرواية الآتية وإسباغ الوضوء إتمامه. [857] (ثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي، قال: (ثنا حماد) بن سلمة (عن إسحاق [بن عبد الله] (¬1) بن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري ابن أخي أنس بن مالك. (عن علي بن يحيى بن خلاد) تقدم ما ذكره أبو موسى في "الذيل" من جهة ابن عيينة أنه علي بن يحيى بن عبد الله بن خلاد. قال ابن حجر: وهذا وهم من الراوي عن ابن عيينة؛ لأن سعيد بن منصور قد رواه عنه كذلك، لكن بإسقاط عبد الله. (عن عمه) (¬2) قال المنذري: المحفوظ في هذا: علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه، عن عمه رفاعة بن رافع كما سيأتي (¬3). (أن رجلًا) هو خلاد كما تقدم (دخل المسجد) وفي رواية ابن نمير: "ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس [في ناحية المسجد] (¬4) " (¬5)، وللنسائي من رواية إسحاق بن أبي طلحة: "بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس ونحن حوله" (¬6). (فذكر نحوه) و (قال فيه: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إنه) هذا الضمير هو ضمير الشأن والقصة. ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "فتح الباري" 2/ 324. (¬3) "مختصر سنن أبي داود" 1/ 406. (¬4) في (ص): ونحن حوله. (¬5) أخرجه البخاري (6251)، والترمذي (2692)، وابن ماجه (3695) من طريق عبد الله بن نمير. (¬6) "سنن النسائي" 2/ 225.

(لا تتم) بتاءين مثناتين (صلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ فيضع) (¬1) منصوب بالعطف. (الوضوء مواضعه) يشبه أن يكون المراد: فيأتي بالوصائف اللازمة للمتوضئ، ويدل على هذا ما في حديث طهفة (¬2): "لكم يا بني نهد (¬3) ودائع الشرك ووضائع الملك" (¬4). فإن المراد بالوضائع الوصائف التي تلزم المسلمين إخراجها من الصدقة والزكاة. (ثم يكبر) فيه دليل على وجوب تكبيرة الإحرام. (ويحمد الله ويثني عليه) يحتمل أن يراد به الفاتحة فإنها تجمع الحمد والثناء، ويدل على أن المراد الفاتحة الأحاديث المصرحة بوجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، ويحمل على أن المراد من (¬5) لم يحسن الفاتحة يحمد الله ويثني عليه، ويدل على هذا التقدير (¬6) رواية يحيى بن علي: "فإن كان معك قرآن فاقرأ، وإلا فاحمد الله تعالى وكبره وهلله" (¬7). (ويقرأ بما شاء من القرآن) يعني: بعد الفاتحة، وفيه أن السورة لا ¬

_ (¬1) في (ص، س): فيسبغ. (¬2) هو طهفة بن أبي زهير النهدي. ترجمته في "الإصابة" 2/ 235. (¬3) في الأصول الخطية: زيد. والمثبت من "معرفة الصحابة". (¬4) أخرجه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" 3/ 1570 - 1571 (3972). (¬5) في (م): و. (¬6) في (م): التقرير. (¬7) سيأتي برقم (861)، ورواه أيضًا الترمذي (302)، والنسائي في "الكبرى" (1631). وقال أبو عيسى الترمذي: حديث حسن. وقال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (807): إسناده صحيح.

تتعين ولا المفصل (ثم يقول: الله أكبر) للركوع (¬1) ويمده، كما تقدم (ثم يركع حتى تطمئن مفاصله) قال ابن النحاس: وزن (¬2) اطمأن افلعل مقلوب من افعلل (¬3)؛ لأن سيبويه ذكر مطمئنًا في باب تحقير ما فيه قلب فقال: إنما هو من طأمنت (¬4) ولكنهم أخروا الهمزة (¬5) والطمأنينة هي السكون (¬6) [(ثم يقول: سمع الله لمن حمده) أي: قبل حمد من حمده، كما في قولهم سمع القاضي البينة أي قبلها (حتى يستوي قائمًا] (¬7) ثم يقول: الله أكبر، ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله) أي: تسكن عن الحركة. (ثم يقول: الله أكبر ويرفع رأسه حتى يستوي) أي: يستقر (قاعدًا) (¬8) ويقال: استوى المكان: اعتدل، وسويته: عدلته. (ثم يقول: الله أكبر. ثم يسجد حتى تطمئن) ويجوز تطبئن بإبدال الميم باء (مفاصله) من حركة الهوي (ثم يرفع رأسه فيكبر) وهكذا في كل ركعة (فإذا فعل ذلك) كله (فقد تمت صلاته) وإلا فلا. [858] (ثنا الحسن بن علي) الهذلي الحلواني الخلال الحافظ شيخ الشيخين، قال: (ثنا هشام بن عبد الملك) أبو الوليد الطيالسي مولى باهلة ¬

_ (¬1) في النسخ: للسجود. وهو سهو. (¬2) في (م): وإن. (¬3) في (م): افعليل. (¬4) في (ل، ع): طمأنين. والمثبت الموافق لما في "كتاب سيبويه". (¬5) "الكتاب" 3/ 467. (¬6) في (م): السكوت. (¬7) من (م). (¬8) زاد في (م): فيضجعه.

البصري (والحجاج بن منهال) الأنماطي البصري. (قالا: ثنا همام) بن منبه، قال: (ثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) تقدم (عن علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه) يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي حنكه النبي - صلى الله عليه وسلم -. (عن عمه رفاعة بن رافع) بن مالك الزرقي البدري (بمعناه) أي: بمعنى ما تقدم. و(قال) فيه (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ) بضم أوله. (الوضوء كما أمر (¬1) الله) تعالى، احتج بهذِه الرواية الحنفية على عدم وجوب النية، وقالوا: إن الله تعالى أمر بغسل هذِه الأعضاء الأربعة فلا تجب سواها، ومن شرط النية على هذِه الأربعة فيكون زيادة على النص الوارد في الكتاب والسنة، والزيادة على الكتاب نسخ لأنه يتضمن تغيير (¬2) حكمه وبيان التغيير (¬3) في مسألتنا أن نص الآية اقتضى إطلاق الصلاة عند غسل الأعضاء الأربعة فإن تقدير الآية: إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا الأعضاء الأربعة وصلوا، وعند شرط النية يتغير (¬4) هذا الحكم؛ لأنه لا تطلق له الصلاة ما لم ينو وهو أمر وراء ما ورد به النص فيكون إتيانه [تغييرًا للحكم] (¬5). ¬

_ (¬1) في (م): أمرنا. (¬2) في (م): تعيين. (¬3) في (م): التغيين. (¬4) في (م): يتعين. (¬5) في (م): تعيين الحكم.

وأجاب الشافعية بأن اشتراط النية يثبت (¬1) عندنا بالسثة الصحيحة، ومثل هذا لا يعد نسخًا، ولا يجوز اعتقاد النسخ فيه أصلًا، ومن اعتقد الثسخ في مثل هذا لم يعرف النسخ. (فيغسل) بالنصب (وجهه، ويديه إلى المرفقين) بكسر الميم وفتح الفاء، وإنما لم يجمع المرفقان هنا كما في الآية، لأن التثنية هنا في مقابلة تثنية (¬2) اليدين والجمع في الآية في مقابلة جمع الأيدي، لأن العرب (¬3) إذا قابلت جمعًا بجمع حملت كل مفرد من هذا على كل مفرد من هذا، كقوله تعالى: {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} (¬4)، {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} (¬5)، أي: وليأخذ كل واحد سلاحه، ولا ينكح كل واحد ما نكح أبوه من النساء. (وبمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين) فيه ما تقدم في المرفقين، ولم يقل هنا: إلى الكعاب (¬6) اعتبارًا بمفرد الرجل، ففي كل رجل كعبان. (ثم يكبر الله وبحمده) رواية النسائي (¬7) بزيادة: "وبمجده" (¬8). (ثم يقرأ من القرآن ما أذن الله تعالى له فيه وتيسر) وفي رواية إسحاق ¬

_ (¬1) في (ص): تكن. (¬2) في (ص): سنة. (¬3) في (ص): القرب. (¬4) النساء: 102. (¬5) النساء: 22. (¬6) في (ص): الكعبان. وفي (س): الكعبين. (¬7) "سنن النسائي" 2/ 225. (¬8) في (ص، س، ل): يحمده.

المذكورة: "ويقرأ ما تيسر من القرآن مما علمه الله تعالى" (¬1). وهذا متمسك أبي حنيفة، فإنه يأخذ بعمومه، وجوابه أن ما تيسر هو الفاتحة؛ لأن الله تعالى قد يسرها على ألسنة الناس صغارهم وكبارهم، ويؤيد هذا التقدير قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب" (¬2) (فذكر نحو حديث حماد) بن سلمة (وقال) فيه (ثم يكبر فيسجد فيمكن وجهه) من الأرض (قال همام) بن يحيى (وربما قال) يمكن (جبهته من الأرض) فيه دليل على وجوب وضع الجبهة على الأرض والاقتصار على الجبهة يدل على أن الأنف لا يجب وضعه على الأرض بل يستحب (حتى تطمئن مفاصله وتسترخي) على الأرض. (ثم يكبر فيستوي قاعدًا على [مقعده) ولفظ النسائي: "مقعدته" بزيادة التاء] (¬3) يحتمل أن يكون على بمعنى [الباء كقوله: اركب] (¬4) علي اسم أي: باسم الله، ويكون [تقدير الحديث] (¬5) فيستوي قاعدًا بمقعده (¬6) على رجله اليسرى أو الأرض. (ويقيم صلبه) منتصبًا (فوصف الصلاة) كلها (هكذا أربع ركعات) بفتح الكاف (لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك) ولفظ النسائي: ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 2/ 225. (¬2) سبق تخريجه. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ص، ل): التاء بقوله: ازلت. (¬5) في (ص): تقديم، وفي (ل): تقدير. (¬6) في (م): بمقعدته.

"فإذا لم يفعل هكذا لم تتم صلاته". [859] (ثنا وهب بن بقية) الواسطي شيخ مسلم (عن خالد) بن عبد الله الطحان المزني الواسطي. (عن محمد بن عمرو، عن علي بن يحيى بن خلاد) تقدم (عن رفاعة بن رافع) الزرقي البدري (بهذِه القصة) المذكورة (فقال: إذا قمت إلى الصلاة فتوجهت) بوجهك (إلى القبلة) فيه دليل على اشتراط استقبال القبلة (فكبر، ثم اقرأ بأم القرآن، وبما شاء الله أن تقرأ، وإذا ركعت فضع راحتيك) تثنية راحة، وهي الكف جمعها راح بغير تاء (على ركبتيك) هكذا فعل عمر وعلي وابن عمر وجماعة من التابعين، وبه (¬1) يقول مالك والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي، وفيه رد على من قال بالتطبيق -وهم جماعة من السلف- وهو أن يجعل المصلي إحدى كفيه على الأخرى ثم يجعلهما بين ركبتيه إذا ركع. (وأمدد ظهرك) أي: سَوِّهِ (¬2) بحيث (¬3) لا ترفع رأسك ولا تنكسه، وروى البزار عن وائل بن حجر في حديث طويل قال: شهدت النبي - صلى الله عليه وسلم -. ثم قال: ثم ركع فجعل يديه على ركبتيه وفرج بين أصابعه وأمهل في الركوع حتى اعتدل وصار صلبه لو وضع عليه قدح من الماء ما انكفأ (¬4). ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في النسخ الخطية: سويه. والمثبت الجادة. (¬3) في (ص): بحقب. (¬4) "مسند البزار" (4488).

(وقال: إذا سجدت فمكن لسجودك) اللام للتعليل أي: لأجل سجودك كقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8)} (¬1)، ويحتمل أن تكون بمعنى في كقوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} (¬2)، وقال تعالى: {يَقُولُ يَاليْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} (¬3)، وقيل: للتعليل، أي: لأجل حياتي، والتقدير: فمكن جبهتك بالأرض في حال سجودك، وفي رواية البزار المتقدمة: ثم أثبت جبهته (¬4) في الأرض حتى إني أرى (¬5) أنفه في الأرض. (فإذا رفعت) رأسك (فاقعد على فخذك) وروى الطبراني في "الكبير": كان إذا جلس في آخر صلاته اعتمد على فخذه اليسرى، ويده اليمنى على فخذه اليمنى، ويشير بإصبعه إذا دعا (¬6). والمراد بالفخذ هنا الرّجل؛ لرواية أبي حميد في "الصحيح" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جلس فافترش رجله اليسرى، وأقبل بصدر اليمنى على قبلته (¬7). كما تقدم. [850] (ثنا مؤمل بن هشام) اليشكري البصري شيخ البخاري، قال (ثنا إسماعيل) بن إبراهيم ابن علية (عن محمد بن إسحاق) صاحب "المغازي" قال: (حدثني علي بن يحيى بن خلاد بن رافع، عن أبيه) ¬

_ (¬1) العاديات: 8. (¬2) الأنبياء: 47. (¬3) الفجر: 24. (¬4) في (ص، س): جبهتك. (¬5) سقط من (ص). (¬6) "المعجم الكبير" للطبراني 20/ 74 (139). (¬7) سبق تخريجه.

يحيى بن خلاد الزرقي. (عن عمه رفاعة بن رافع) بن مالك الزرقي البدري (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذِه القصة) (¬1) المذكورة (قال: إذا أنت قمت في صلاتك فكبر الله تعالى، ثم اقرأ ما تيسر عليك من القرآن) احتج به أبو حنيفة على أن الفاتحة لا تتعين بل يقرأ ما شاء من القرآن (¬2) ولو آية غيرها. (وقال فيه: فإذا جلست في وسط) بفتح السين قال في "النهاية": يقال فيما كان متفرق الأجزاء غير متصل كالناس والدواب بسكون السين (¬3) وما كان متصل الأجزاء كالدار والرأس فهو بالفتح، وقيل: ما كان يصلح فيه بين (¬4) فهو بالسكون، وما لا يصلح فيه بين (¬5) فهو بالفتح (¬6) (¬7). (الصلاة) يعني: التشهد الأول في الصلاة الرباعية، وللحق به في الصلاة الثلاثية (¬8) وهي المغرب. (فاطمئن) قد يؤخذ منه أن المصلي لا يشرع في التشهد حتى يطمئن يعني: يستقر كل مفصل في مكانه ويسكن من الحركة. (وافترش (¬9) فخذك اليسرى) أي: ألقها على الأرض وابسطها ¬

_ (¬1) في (م): القضية. (¬2) "المبسوط" للسرخسي 1/ 102. (¬3) في (ص): الناس. (¬4) في (ص): نبت. (¬5) في (ص): نبت. (¬6) في (س، ل، م): بالسكون. (¬7) "النهاية": وسط. (¬8) في (ص، ل): الثلاثة. (¬9) في (ص، س): تفترش.

كالفراش للجلوس عليها، والافتراش في وسط الصلاة موافق لمذهب الشافعي وأحمد لكن أحمد يقول: يفترش في التشهد الثاني كالأول (¬1) والشافعي يتورك في الثاني، ومالك يتورك فيهما لحديث ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجلس في وسط الصلاة وفي آخرها متوركًا (¬2). (ثم تشهد، ثم إذا قمت فمثل) منصوب بفعل محذوف أي (¬3): فافعل مثل (ذلك) ومن حذف فعل الأمر قوله تعالى: {انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ} (¬4) [أي: وائتوا خيرًا لكم] (¬5) وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} (¬6) أي: واعتقدوا الإيمان من قبل هجرتهم (حتى تفرغ من صلاتك كلها). [861] (ثنا عباد بن موسى الختلي) بضم الخاء المعجمة و [تشديد التاء] (¬7) المثناة فوق بالفتح، وكذا ابنه إسحاق بن عباد سكن عباد بغداد، وكان من الأتقياء، قال (ثنا إسماعيل بن جعفر) المدني، قال: (أخبرني يحيى (¬8) بن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي، عن أبيه) علي بن يحيى (عن جده) يحيى بن خلاد بن رافع بن مالك الزرقي ¬

_ (¬1) "المغني" 2/ 225. (¬2) رواه أحمد 1/ 459. (¬3) سقط من (م). (¬4) النساء: 171. (¬5) من (س، ل، م). (¬6) الحشر: 9. (¬7) في (م): بشد. (¬8) في (ص): علي.

(عن) عمه (رفاعة بن رافع) الزرقي (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَصَّ هذا الحديث) المذكور (وقال فيه: فتوضأ كما أمرك الله تعالى) فيه ما تقدم (ثم تشهد) أي: ائت بالشهادتين عقب الوضوء فيه الأمر بالتشهد المأثور في الأحاديث المشهورة [التي تقدمت] (¬1). (فأقم) فيه الأمر بإقامة الصلاة المشروعة (¬2). (ثم كبر، فإن كان معك قرآن فاقرأ به) يعم الفاتحة وغيرها كما تقول الحنفية، والشافعية يخصونه بالفاتحة، فإن لم يحسنها فغيرها من القرآن (وإلا) فإن لم يكن معك شيء من القرآن. (فاحمد) بفتح الميم (الله تعالى وكبره وهلله) أي: وسبحه كما في الحديث الذي رواه ابن أبي أوفى في الرجل الذي قال: لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئًا قال: "قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله" (¬3) (وقال فيه: وإن انتقصت منه شيئًا، انتقصت من صلاتك). [862] (ثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك (الطيالسي) مولى باهلة البصري قال: (ثنا الليث) بن سعد. (عن يزيد (¬4) بن أبي حبيب) الأزدي عالم أهل مصر (¬5). ¬

_ (¬1) سقط من (س، ل، م). (¬2) في (ص، ل): المشروعية. (¬3) سبق برقم (832)، والنسائي 2/ 143، وأحمد 4/ 353، وابن خزيمة في "صحيحه" (544). (¬4) في (م): قلد. (¬5) من (م)، وفي غيرها: البصرة.

(عن جعفر بن) [عبد الله بن] (¬1) (الحكم ح (¬2) وثنا قتيبة) بن سعيد أبو رجاء البلخي (ثنا الليث) بن سعد (عن جعفر بن عبد الله) بن الحكم (الأنصاري) الأوسي. (عن تميم بن محمود) قال البخاري: في حديثه نظر (¬3). (عن عبد الرحمن بن شبل) بن عمرو بن زيد الأنصاري الأوسي، أحد علماء الصحابة نزل حمص ومات في إمارة معاوية، له في الكتب الستة ثلاثة أحاديث. (قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نقرة) بفتح النون (الغراب) المراد به كما قال ابن الأثير: ترك الطمأنينة وتخفيف السجود، وأنه لا يمكث (¬4) فيه إلا قدر وضع الغراب منقاره فيما يريد الأكل منها كالجيفة، فتراه يتابع في النقر منها من غير تلبث، وفي حديث أبي ذر: فلما فرغوا (¬5) جعل ينقر من طعامهم أي يأخذ منه بإصبعه مسرعًا (¬6). (وافتراش السبع) هو أن يضع ساعديه على الأرض في السجود كما يقعد الكلب في بعض حالاته، كذا (¬7) غيره من السباع كالذئب وغيره (وأن يوطن الرجل) بكسر الطاء المشددة. ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) من (س، م). (¬3) "التاريخ الكبير" 2/ 154. (¬4) في (ص، س): يمكن. (¬5) في (ص): فرغ. (¬6) "النهاية لما: (نقر). (¬7) في (م): كذلك.

(المكان في المسجد) قال ابن الأثير: معناه أن يألف الرجل مكانًا معلومًا في المسجد يصلي فيه ويختص به (كما يوطن) بكسر الطاء (البعير) المبرك الدمث الذي [قد أوطنه] (¬1)، واتخذه مناخًا له، فلا يأوي من عطن إلا إلى ذلك المبرك، وقيل: معناه أن يبرك على ركبتيه قبل يديه إذا أراد السجود مثل بروك البعير على المكان الذي أوطنه، يقال: أوطنت الأرض ووطنتها واستوطنتها، أي: اتخذتها وطنًا ومحلًا، قال: ومنه الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن إيطان المساجد، أي: اتخاذها وطنًا وفي صفته - صلى الله عليه وسلم - كان لا يوطن الأماكن أي لا يتخذ لنفسه مجلسًا يعرف به، والموطن مفعل (¬2) منه (¬3) (هذا لفظ قتيبة) بن سعيد. [863] (ثنا زهير بن حرب) أبو خيثمة النسائي الحافظ الورع (¬4) شيخ الشيخين، قال: (ثنا جرير) بن حازم الأزدي العتكي رأى جنازة أبي الطفيل (عن عطاء بن السائب، عن سالم البراد) بفتح الباء الموحدة وتشديد الراء الكوفي، ثقة صالح [أبو عبد الله البراد كان من خيار المسلمين، قيل له: البراد لأنه كان يبرد الماء في الكيزان والجرار، وفي الرواة البراد نسبة إلى بيع البارود] (¬5). (قال: أتينا عقبة بن عمرو) بن ثعلبة (الأنصاري) المشهور بكنيته أعني (أبا مسعود) البدري؛ لأنه كان يسكن بدرًا ولم يشهد بدرًا وشهد أحدًا وما ¬

_ (¬1) في (ص): وطنه. (¬2) في (ص): يفعل. (¬3) رواه الخطابي في "غريب الحديث" 2/ 283. (¬4) سقط من (س، ل، م). (¬5) سقط من (م).

بعدها وذكره البخاري في البدريين (¬1) (فقلنا له: حدثنا عن صلاة (¬2) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقام بين أيدينا في مسجد فكبر) للإحرام (فلما ركع وضع يديه على ركبتيه) وألقم راحتيه ركبتيه (وجعل أصابعه أسفل من ذلك) أي: أسفل من ركبتيه، وجافى بين مرفقيه، أي: باعدهما عن جنبيه، وهو من الجفاء وهو البعد عن الشيء (¬3) حتى يستقر كل مفصل منه عن الحركة، وهذا حد الطمأنينة. (ثم قال: سمع الله لمن حمده) أي: أجاب حَمْدَ من حمده (فقام حتى استقر كل شيء منه) أي: من أعضائه (ثم كبر وسجد فوضع كفيه على الأرض، ثم جافى مرفقيه حتى استقر كل شيء منه، ثم رفع رأسه فجلس حتى استقر كل شيء منه، ففعل مثل ذلك أيضًا) فيه وجوب الطمأنينة في الركوع والرفع منه، والسجود والرفع منه (ثم صلى أربع ركعات مثل هذِه الركعة فصلى صلاته، ثم قال: هكذا رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي) فيه التعليم بالفعل؛ لأنه أبلغ من التعليم بالقول، وذكر الدليل مع ذلك وهو رؤية (¬4) النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله. * * * ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" بعد حديث (4027). (¬2) من (س، م). (¬3) في (م): المشي. (¬4) في (م): رؤيته.

151 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كل صلاة لا يتمها صاحبها تتم من تطوعه"

151 - باب قَوْلِ النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ صَلاةٍ لا يُتِمُّها صاحِبُها تَتِمُّ منْ تَطوُّعِهِ" 864 - حَدَّثَنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ، حَدَّثَنا يُونُسُ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ حَكِيمٍ الضَّبِّيِّ قال: خافَ مِنْ زِيادٍ أَوِ ابن زِيادٍ فَأَتَى المَدِينَةَ فَلَقِيَ أَبا هُرَيْرَةَ قال: فَنَسَّبَنِي فانْتَسَبْتُ لَهُ، فَقال: يا فَتَى أَلا أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا قال: قُلْتُ: بَلَى رَحِمَكَ اللهُ. قال يُونُسُ: أَحْسِبُهُ ذَكَرَهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِن أَوَّلَ ما يُحاسَبُ النّاسُ بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ مِنْ أَعْمالِهِمُ الصَّلاةُ قال يَقُولُ رَبُّنا جَلَّ وَعَزَّ لِمَلائِكَتِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ انْظُرُوا فِي صَلاةِ عَبْدِي أتَمَّها أَمْ نَقَصَها فَإِنْ كانَتْ تامَّةً كُتِبَتْ لَهُ تامَّةً وَإنْ كانَ انتَقَصَ مِنْها شَيئًا قال: انظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ، فَإِنْ كانَ لَهُ تَطَوُّعٌ قال: أَتِمُّوا لِعَبْدِي فَرِيضَتَهُ مِنْ تَطَوُّعِهِ، ثُمَّ تُؤْخَذُ الأَعْمال عَلَى ذاكُمْ" (¬1). 865 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمَّادٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَلِيطٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِنَحْوِهِ (¬2). 866 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ داوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ زُرارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ تَمِيمٍ الدّارِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بهذا الْمَعْنَى قال: "ثُمَّ الزَّكاةُ مِثْلُ ذَلِكَ ثُمَّ تُؤْخَذُ الأعمال عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ" (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (413)، وابن ماجه (1425)، وأحمد 2/ 425. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (810). (¬2) رواه ابن ماجه (1426)، وأحمد 4/ 103. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (811). (¬3) رواه أحمد 4/ 103، والدارمي (1395)، والحاكم 1/ 261 - 262، والبيهقي 2/ 387. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (812).

باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: كل صلاة لا يتمها صاحبها تتمم من تطوعه [864] (ثنا يعقوب بن إبراهيم) بن كثير الدورقي البغدادي الحافظ، وليس دورق ببلد وإنما كانوا يلبسون قلانس تسمى الدورقية، فنسبوا إليها قال (ثنا إسماعيل) ابن علية، قال (ثنا يونس) بن عبيد البصري (عن الحسن) بن أبي الحسن البصري. (عن أنس بن حكيم) بفتح الحاء (الضبي قال: خاف من (¬1) زياد) بن أبيه أو ابن أمه أو زياد بن سمية (¬2)، و"زياد" قال المنذري: يقال: هو زياد ابن أبيه أو زياد بن أمه، وزياد بن سمية، وزياد بن عبيد كل هذا قبل أن يستخلفه معاوية قال: وليست لزياد صحبة ولا رواية ولَّاه معاوية العراقين جميعًا، وسمية أمه (¬3)، وابنه عبيد الله بن زياد ولَّاه معاوية البصرة وأقره بعد أبيه، وضم إليه الكوفة (أو من ابن زياد) شك من الراوي. (فأتى المدينة) خوفًا منه (فلقي أبا هريرة قال: فنسَّبني) بتشديد السين أي: طلب مني أن أنتسب كما يقول: شجعني فتشجعت (فانتسبت له) أي: ذكرت له نسبي فيه فضيلة السؤال عن نسب من لا يعرف نسبه ليعرف منزلته وكرم أصله، وفيه فضيلة الاعتناء بحفظ الأنساب (¬4) ¬

_ (¬1) في (م): أبي بن. (¬2) في (م): خيثمة. (¬3) زاد في (م): وهو زيد فما يلحق بأبي سفيان بن حرب. (¬4) في (م): الإنسان.

وإكرام من شرف نسبه (ثم قال: يا فتى ألا) بالتخفيف ومعناها العرض (أحدثك حديثًا) عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيه تعليم العلم لمن لا يسأل عنه، وحث (¬1) الشبان [وحديثي الأسنان] (¬2) على الصلوات والمحافظة عليها، وذكر فضائلها لهم وترغيبهم في إقامتها، ومعرفة شرائطها، وفرائضها وسننها وآدابها (قال: قلت: بلى يرحمك الله) فيه الدعاء لمن دله على فعل خير، والثناء عليه. (قال يونس) بن عبيد في روايته (وأحسبه ذكره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة أمن أعمالهم، (¬3) الصلاة)، فيه تشديد أمر الصلوات الخمس، فإذا ضاق الوقت واجتمع فرض وصلاة جنازة قدم الفرض وكذا غيرها من العبادات حتى إذا ضاق (¬4) وقت عرفة واجتمع فرض وحضور عرفة قدم الفرض، وإن فات الحج هكذا رواية الطبراني في "الأوسط"، عن عبد الله بن قرط: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله" (¬5)، قال المنذري: إسناده لا بأس به انتهى (¬6)، لكن فيه القاسم بن عثمان قال البخاري: له أحاديث لا ¬

_ (¬1) في (م): وحسب. (¬2) من (س، ل، م). (¬3) سقطت من (م). (¬4) في (ص): ضاقت. (¬5) أخرجه الطبراني في "الأوسط" كما بـ "الترغيب والترهيب" للمنذري (515)، ولم أقف عليه في "المعجم الأوسط" إلا في (1859) من رواية أنس بن مالك. (¬6) "الترغيب والترهيب" 1/ 150.

يتابع عليها (¬1). لكن ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2). وروى الحافظ أبو يعلى عن أنس بن مالك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن أول ما افترض الله على الناس من دينهم الصلاة، وآَخِر ما يبقى (¬3) الصلاة، وأول ما يحاسب به الصلاة يقول الله تعالى: انظروا في صلاة عبدي فإن كانت تامة كتبت له (¬4) تامة، وإن كانت ناقصة قال: انظروا هل له من تطوع، فإن وجد له تطوع تممت الفريضة من التطوع" (¬5). (قال: يقول ربنا) سبحانه جل وعلا (لملائكته وهو أعلم) بهم، أي: العليم بجميع المعلومات كأكبر بمعنى كبير. (انظروا في صلاة عبدي) [أي: (أتمها] (¬6) أم نقصها) بتخفيف القاف، أي: نقص (¬7) من شرائطها وأركانها كقوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ} (¬8) أي ينقصوا من شروط عهدكم شيئًا (فإن كانت) صلاته (تامة) أي: تام وضوؤها، وموا قيتها وخشوعها وركوعها وسجودها وشرائطها وأركانها وأبعاضها (¬9) (كتبت له تامة) بالنصب، أي: كتب له ثوابها كاملًا مضاعفًا أضعافًا كثيرة (وإن انتقص منها شيئًا قال) الله تعالى لملائكته ¬

_ (¬1) انظر: "ميزان الاعتدال" 4/ 295 (6825). (¬2) 5/ 307. (¬3) في (ص): نهى. (¬4) من (م). (¬5) "مسند أبو يعلى" (4124). (¬6) في (س، م): أأتمها. (¬7) في (م): بعض. (¬8) التوبة: 4. (¬9) في (ص، ل): أرحاضها.

(انظروا هل لعبدي من تطوع) يشمل المسنون المؤكد وغير المؤكد والمؤقت وذات السبب، والمستحبات والنوافل المطلقة. (فإن كان له تطوع قال: أتموا لعبدي فريضته من تطوعه) رواية أبي يعلى المذكورة: "فإن وجد له (¬1) تطوع تمت الفريضة من التطوع". (ثم تؤخذ الأعمال على ذاكم) [هذا الأكثر، والأقل ذيكم، قاله ابن مالك] (¬2) أي: على هذا الحكم، ورواية أبي يعلى المذكورة: "ثم قال: انظروا هل زكاته تامة، فإن وجدت زكاته تامة كتبت تامة، وإن كانت ناقصة قال: انظروا هل له صدقة، فإن كانت له صدقة تمت (¬3) له زكاته". وفي إسناده يزيد الرقاشي، وثقه ابن معين وابن عدي (¬4). وعن يحيى بن يعمر، عن رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أول ما يحاسب به العبد صلاله، فإن كان أتمها كتبت له تامة، وإن لم يكن أتمها قال الله تعالى: هل تجدون لعبدي من تطوع فتكملون بها فريضته، ثم الزكاة كذلك، ثم الأعمال على حسب ذلك" (¬5). قال الهيثمي (¬6): روى النسائي (¬7) عن يحيى بن يعمر، عن أبي هريرة مثل هذا فلا أدري أهو هذا أم لا، وقد ذكره الإمام أحمد في ترجمة ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) سقط من (م). (¬3) في (ص، ل): كتبت. (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 32/ 68 - 69. (¬5) أخرجه أحمد 4/ 65. (¬6) في (ص، س، ل): الهيثم. (¬7) "سنن النسائي" 1/ 233.

رجل، عن أبي هريرة، ورجاله رجال الصحيح (¬1). [865] (ثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (ثنا حماد) بن سلمة (عن حميد) بن تير الطويل. (عن الحسن) البصري (عن رجل من بني سليط) بفتح السين و (¬2) كسر اللام قبيلة (عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه) ولعل الحديث الذي نحوه هو الحديث الذي ذكره الإمام أحمد في ترجمة رجل كما تقدم. [866] (ثنا موسى بن إسماعيل) قال: (ثنا حماد) بن سلمة. (عن داود (¬3) بن أبي هند) البصري أحد الأعلام، رأى أنس بن مالك. (عن زرارة بن أوفى) [أبو حاجب الحرشي] (¬4) قاضي البصرة، أم قومًا فقرأ: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8)} (¬5) فشهق فمات (¬6) (عن تميم) بن أوس (الداري) أسلم سنة تسع (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا المعنى) و (قال) فيه بعد ذكر الصلاة (ثم الزكاة مثل ذلك، ثم تؤخذ الأعمال) بعد (على حسب) بفتح السين (ذلك) والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) "مجمع الزوائد" 1/ 291. (¬2) زاد في (ص): الذي. (¬3) في (ص، ل): أدد. (¬4) في (ص، س): أي: صاحب الجرشي. (¬5) المدثر: 8. (¬6) انظر: "الطبقات الكبرى" 7/ 150.

152 - باب وضع اليدين على الركبتين

تَفْريعُ أبْوابِ الرُّكُوعِ والسُّجُودِ 152 - باب وَضْعِ اليَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ 867 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْن عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ -قال أَبُو داوُدَ: واسْمُهُ وَقْدان- عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سعْدٍ قال: صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ أَبِي فَجَعَلْتُ يَدَيَّ بَيْنَ رُكْبَتَيَّ فَنَهانِي عَنْ ذَلِكَ فَعُدْتُ فَقال: لا تَصْنَعْ هذا فَإِنّا كُنّا نَفْعَلُهُ فَنُهِينا عَنْ ذَلِكَ وَأُمِرْنا أَنْ نَضَعَ أَيْدِيَنا عَلَى الرُّكَبِ (¬1). 868 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيةَ، حَدَّثَنا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ والأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قال: إِذا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَفْرِشْ ذِراعَيْهِ عَلَى فَخِذِهِ وَلْيُطَبِّقْ بَيْنَ كَفَّيْهِ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى اخْتِلافِ أَصابعِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬2). * * * باب تفريع الركوع والسجود ووضع اليدين على الركبتين [867] (ثنا حفص بن عمر) بن الحارث بن سخبرة الحوضي قال: (ثنا شعبة، عن أبي يعفور) بفتح المثناة تحت وضم الفاء (واسمه وقدان) بسكون القاف، وتخفيف الدال المهملة، العبدي الكبير، وقيل: واقد بن أبي أوفى. (عن مصعب بن سعد قال: صليت إلى جنب أبي) (¬3) سعد بن أبي وقاص (فجعلت يدي بين ركبتي) بتشديد يائي التثنية فيهما، وهذا ¬

_ (¬1) رواه البخاري (790)، ومسلم (535). (¬2) رواه مسلم (534). (¬3) من (س، ل، م).

الوضع المذكور هو التطبيق المنسوخ، وهو أن يجعل المصلي إحدى كفيه على الأخرى، ثم يجعلهما بين ركبتيه إذا ركع، وهذا كان في أول الإسلام (فأمرنا أن نضع أيدينا) بنصب ياء المنقوص (¬1) (على الركب) كما تقدم. [868] (ثنا محمد بن عبد الله بن نمير) قال: (ثنا أبو معاوية) محمد بن حازم الضرير السعدي، قال: (ثنا) سليمان بن مهران (الأعمش، عن إبراهيم) بن يزيد النخعي الفقيه. قال الذهبي: ولم يثبت له سماع منه (¬2) (عن علقمة) بن قيس النخعي التابعي الكبير [(والأسود) بن يزيد بن] (¬3) قيس النخعي، ابن أخي علقمة بن قيس، كان [أسن من] (¬4) عمه، وهو خال إبراهيم (¬5) النخعي الراوي عنهما (عن عبد الله) بن مسعود (قال: إذا ركع أحدكم فليفرش) (¬6) بضم الياء وكسر الراء (ذراعيه على فخذيه وليطبق) بتشديد الباء الموحدة (بين كفيه) (¬7) بأن يجعل بطن كفه إلى بطن كفه الأخرى ويجعلهما في الركوع بين فخذيه، وهو مذهب ابن مسعود، ثم نسخ (وكأني أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) بين فخذيه. * * * ¬

_ (¬1) في (ص، ل): المنتعرص. (¬2) "ميزان الاعتدال" 1/ 74 - 75. (¬3) من (لا، م). (¬4) في (ص): أنس بن. (¬5) زاد في (ص، ر): والأسود بن يزيد. (¬6) في (ص): فاليفترش. (¬7) في (ص، س، ل): ركبتيه.

153 - باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده

153 - باب ما يَقُولُ الرَّجُلُ فِي رُكُوعِهِ وسُجُودِهِ 861 - حَدَّثَنا الرَّبِيعُ بْنُ نافِعٍ أَبُو تَوْبَةَ وَمُوسَى بْن إِسْماعِيلَ -الْمَعْنَى- قالا: حَدَّثَنا ابن المُبارَكِ عَنْ مُوسَى -قال أَبُو سَلَمَةَ: مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ- عَنْ عَمِّهِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ قال: لَمّا نَزَلَتْ {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اجْعَلُوها فِي رُكُوعِكُمْ". فَلَمّا نَزَلَتْ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} قال: "اجْعَلُوها فِي سُجُودِكُمْ" (¬1). 870 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ -يَعْنِي ابن سَعْدٍ- عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى -أَوْ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ- عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ بِمَعْناهُ، زادَ قال: فَكانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إذا رَكَعَ قال: "سُبْحانَ رَبِّيَ العَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ". ثَلاثًا وَإِذا سَجَدَ قال: "سُبْحانَ رَبِّيَ الأعلَى وَبِحَمْدِهِ". ثَلاثًا. قال أَبُو داوُدَ: وهذِه الزِّيادَةُ نَخافُ أَنْ لا تَكُونَ مَحْفُوظَةً. قال أَبُو داوُدَ: انْفَرَدَ أَهْلُ مِصْرَ بإِسْنادِ هَذَيْنِ الحدِيثَيْنِ حَدِيثِ الرَّبِيعِ وَحَدِيثِ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ (¬2). 871 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا شعْبَة قال: قُلْتُ لِسُلَيْمانَ: أَدْعُو فِي الصَّلاةِ إِذا مَرَرْتُ بِآيَةِ تَخَوُّفٍ؟ فَحَدَّثَنِي عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُسْتَوْرِدٍ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فكانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: "سُبْحانَ رَبِّيَ العَظِيمِ". وَفِي سُجُودِهِ: "سُبْحانَ رَبِّيَ الأَعْلَى". وَما مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إِلا وَقَفَ عِنْدَها ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (887)، وأحمد 4/ 155. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (152). (¬2) رواه البيهقي 2/ 86 من طريق المصنف. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (153).

فَسَأَلَ، وَلا بِآيَةِ عَذابٍ إِلا وَقَفَ عِنْدَها فَتَعَوَّذَ (¬1). 872 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْن إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا هِشامٌ، حَدَّثَنا قَتادَة، عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَقُول فِي رُكوعِهِ وَسُجُودِهِ: "سُبُّوحٌ قُدُوسٌ رَبُّ المَلائِكَةِ والرُّوحِ" (¬2). 873 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، حَدَّثَنا مُعاوِيَةُ بْنُ صالِحٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مالِكٍ الأَشْجَعِيِّ قال: قُمْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ليْلَةً فَقامَ فَقَرَأ سُورَةَ البَقَرَةِ لا يَمرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إِلا وَقَفَ فَسَأَلَ وَلا يَمُرُّ بِآيَةِ عَذابٍ إِلا وَقَفَ فَتَعَوَّذَ قال: ثُمَّ رَكَعَ بِقَدْرِ قِيامِهِ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: "سُبْحانَ ذِي الجَبَرُوتِ والمَلَكُوتِ والكِبْرِياءِ والعَظَمَةِ". ثمَّ سَجَدَ بِقَدْرِ قِيامِهِ ثمَّ قال: في سُجُودِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قامَ فَقَرَأَ بِآلِ عِمْرانَ ثُمَّ قَرَأَ سُورَةً سُورَةً (¬3). 874 - حَدَّثَنا أَبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسِيُّ وَعَلِيُّ بْن الجَعْدِ قالا: حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ مَوْلَى الأَنْصارِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَبْسٍ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فَكانَ يَقُولُ: "اللهُ أَكْبَرُ -ثَلاثًا- ذُو المَلَكُوتِ والجَبَرُوتِ والكِبْرِياءِ والعَظَمَةِ". ثُمَّ اسْتَفْتَحَ فَقَرَأَ البَقَرَةَ ثُمَّ رَكَعَ فَكانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيامِهِ وَكانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: "سُبْحانَ رَبِّيَ العَظِيم سُبْحانَ رَبِّيَ العَظِيمِ". ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكوعِ فَكانَ قِيامُهُ نَحْوًا مِنْ رُكُوعِهِ يَقول: "لِرَبِّيَ الحَمْدُ". ثمَّ سَجَدَ فَكانَ سُجُودُهُ نَحْوًا مِنْ قِيامِهِ فَكانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: "سُبْحانَ رَبِّيَ الأعلَى". ثُمَّ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (772). (¬2) رواه مسلم (487). (¬3) رواه النسائي 2/ 191، 223، وأحمد 6/ 24. قال النووي في "خلاصة الأحكام" 1/ 395 - 396 (1254): رواه أبو داود بإسناد صحيح. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (817).

رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجودِ وَكانَ يَقْعُدُ فِيما بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ نَحْوًا مِنْ سُجُودِهِ وَكانَ يَقُولُ: "رَبِّ اغْفِرْ لِي، رَبِّ اغْفِرْ لِي". فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعاتٍ فَقَرَأَ فِيهِنَّ البَقَرَةَ وَآلَ عِمْرانَ والنِّساءَ والمائِدَةَ أَوِ الأنعامَ شَكَّ شُعْبَةُ (¬1). * * * باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده [869] (حدثنا الربيع بن نافع أبو توبة) الحلبي ساكن طرسوس (وموسى بن إسماعيل) التبوذكي (المعنى (¬2)، قالا (¬3): حدثنا) عبد الله (ابن المبارك) بن (¬4) واضح المروزي شيخ الإسلام (عن موسى بن أيوب) الغافقي المصري أخرج له النسائي في "مسند علي"، ووثقه ابن معين (¬5)، وأبو داود (¬6) (عن عمه) إياس بن عامر الغافقي (عن عقبة بن عامر قال: لما نزلت (¬7): {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} (¬8) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اجعلوها في ركوعكم) أي: قولوا في الركوع: سبحان ربي العظيم. ويستحب أن يضيف إليه وبحمده، كما جزم به النووي (¬9) في "التحقيق"؛ لما روى الدارقطني من حديث ابن مسعود قال: من السنة أن يقول الرجل في ركوعه: سبحان ربي العظيم وبحمده. وفي سجوده سبحان ربي الأعلى وبحمده (¬10). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (772). (¬2) في (م): العمي. (¬3) في (ص): قال. (¬4) من (ل، م). (¬5) "تاريخ ابن معين برواية الدوري" 4/ 429. (¬6) "تهذيب الكمال" 29/ 32. (¬7) زاد في (م): سورة. (¬8) الواقعة: 74. (¬9) "المجموع" 3/ 412 - 413. (¬10) "سنن الدارقطني" 1/ 341 - 342.

وفي [سنده السري] (¬1) بن إسماعيل، عن الشعبي، عن مسروق، عنه، والسري (¬2) ضعيف، وأنكر ابن الصلاح وغيره هذِه الزيادة. وسئل أحمد بن حنبل عنها (¬3) فيما حكاه ابن المنذر فقال: أما أنا فلا أقول: وبحمده (¬4). (فلما نزلت: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} (¬5) قال: اجعلوها في سجودكم) وهكذا رواه ابن حبان في "صحيحه" (¬6) والحاكم في "مستدركه" (¬7)، وقال: إنه صحيح الإسناد. والحكمة في هذا التخصيص أن الأعلى أفعل تفضيل بخلاف العظيم، فإنه لا يدل على رجحان معناه على غيره، والسجود في غاية التواضع لما فيه من وضع الجبهة التي هي أشرف الأعضاء على مواطئ الأقدام، ولهذا كان أفضل من الركوع، فجعل الأبلغ مع الأبلغ، والمطلق مع المطلق. [870] (حدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) اليربوعي الحافظ قال: (حدثنا الليث بن سعد، عن أيوب بن موسى أو) عن (موسى بن أيوب) الغافقي كما تقدم، وهذا هو المعروف (عن رجل من قومه) يعني: من غافق، وهذا الرجل هو إياس بن عامر الغافقي كما أفاده الحافظ جمال الدين المزي (¬8)، وصرح به في "مستدرك الحاكم" (¬9) كما تقدم ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): مسند السندي. (¬2) في (ص، س): السدي. (¬3) في (م): عنهما. (¬4) "الأوسط" 3/ 159. (¬5) الأعلى: 1. (¬6) "صحيح ابن حبان" (1898). (¬7) 1/ 225. (¬8) "تهذيب الكمال" 3/ 404. (¬9) "المستدرك" 2/ 519.

قبله (¬1). (عن عقبة بن عامر بمعناه (¬2) [زاد قال) عقبة (فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ركع قال) في ركوعه (سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثًا، وإذا سجد قال) في سجوده (سبحان ربي الأعلى وبحمده. ثلاثًا)، (¬3). ورواه الدارقطني (¬4) أيضًا من حديث محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن (¬5) الشعبي، عن صلة (¬6)، عن حذيفة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في ركوعه: "سبحان ربي العظيم وبحمده" ثلاثًا، وفي سجوده: "سبحان ربي الأعلى وبحمده" ثلاثًا. ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ضعيف. (قال المصنف: وهذِه الزيادة نخاف) بفتح النون (أن لا تكون محفوظة) ولهذا أنكرها ابن الصلاح وغيره كما تقدم. وسئل عنها أحمد فقال: أما أنا فلا أقول: وبحمده (¬7). [871] (حدثنا حفص بن عمر) بن الحارث بن سخبرة الحوضي شيخ الشيخين، قال: (حدثنا شعبة قال: قلت لسليمان) بن مهران الأعمش (أدعو في الصلاة إذا مررت بآية تخوف) أو عذاب (فحدثني عن سعد بن عبيدة) السلمي (عن مستورد) بن الأحنف الكوفي، أخرج له مسلم والأربعة (عن صلة (¬8) بن زفر) بالنصب غير منصرف للعلمية والعدل، ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) زاد في (م): "وبحمده ثلاثًا". (¬3) تأخرت هذه العبارة في (م) فجاءت بعد قوله: ابن أبي ليلى ضعيف. (¬4) "سنن الدارقطني" 1/ 341. (¬5) في (م): على. (¬6) في (ص): جبلة. (¬7) انظر: "المغني" 2/ 180. (¬8) في (ص): جبلة.

ابن زفر العبسي أبي العلاء. (عن حذيفة) بن اليمان (أنه صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده سبحان ربي الأعلى) وليس في هذه الرواية وبحمده. وكذا رواه النسائي (¬1)، وكذا رواه الطبراني (¬2) وأحمد (¬3) من حديث أبي مالك الأشعري وفيه: "وبحمده". وأحمد (¬4) من حديث ابن السعدي وليس فيه: "وبحمده"، وإسناده حسن. (وما مر بآية رحمة إلا وقف عندها فسأل) الله تعالى فقال: "اللهم ارحمني" (ولا بآية عذاب) أو تخويف (إلا وقف عندها فتعوذ) بالله من عذابه وشر عقابه، ولا بآية تسبيح إلا سبح وكبر، ولا بآية دعاء واستغفار إلا دعا واستغفر، [وإن مر بمرجو سأل، يفعل] (¬5) ذلك بلسانه أو بقلبه. [872] (حدثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي الفراهيدي شيخ البخاري قال: (حدثنا هشام) بن أبي (¬6) عبد الله الدستوائي كان يبيع الثياب الدستوائية، ودستوا من الأهواز قال: (حدثنا قتادة، عن مطرف، عن عائشة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في ركوعه وسجوده: سبوح قدوس) بضم السين والقاف وفتحهما، والضم أفصح وأكثر، قال ثعلب: كل اسم على فعول مفتوح الأول إلا السبوح والقدوس، فإن الضم فيهما ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 2/ 176. (¬2) "المعجم الكبير" 3/ 284 (3422). (¬3) "مسند أحمد" 5/ 343. (¬4) "مسند أحمد" 5/ 271. (¬5) في (ص): ففعل. (¬6) من (م).

أكثر، وكذلك الذروح بحاء مهملة آخره، وهي دويبة حمراء منقطة بسواد تطير، وهي من ذوات السموم، ويقال لها الذرحرح (¬1). قال ابن فارس: سبوح هو الله تعالى (¬2). والمراد بالسبوح والقدوس المسبح والمقدس (¬3). فكأنه قال: مسبح ومقدس، ومعناهما المنزه عن صفات (¬4) المخلوقات، وهما خبران مبتدؤهما محذوف تقديره: ركوعي وسجودي لمن هو سبوح قدوس. (رب الملائكة والروح) هو من (¬5) عطف الخاص على العام، والروح من الملائكة، وأفرد بالذكر مع أنه من الملائكة للتشريف والتخصيص، والروح ملك عظيم يكون إذا [وقف كجميع] (¬6) الملائكة، وقيل: خلق لا تراهم الملائكة [كما لا نرى نحن الملائكة] (¬7) فنسبتهم من اللطافة إلى الملائكة كنسبة الملائكة إلينا. وقيل: الروح جبريل عليه السلام. [873] (حدثنا أحمد بن صالح) المصري، قال: (أنبأنا) عبد الله (ابن وهب) قال: (حدثني معاوية بن صالح) بن حدير الحضرمي قاضي الأندلس، أخرج له مسلم والأربعة (عن عمرو بن قيس) الكندي السكوني الحمصي سيد أهل حمص في زمانه، عمي (عن عاصم بن ¬

_ (¬1) انظر: "لسان العرب": (سبح)، (قدس). (¬2) "المجمل" 1/ 482 قال: وفي صفات الله جل ثناؤه سبوح قدوس. (¬3) انظر: "شرح النووي" 4/ 204. (¬4) في (س، ل، م): أوصاف. (¬5) زاد في (ص، س، ل): فقرأ سورة البقرة. وستأتي في مكانها بعد قليل. (¬6) بياض في (ص، س). (¬7) من (س، ل، م).

حميد) السكوني الحمصي. قال الدارقطني: ثقة (¬1) (عن عوف بن مالك الأشجعي قال: قمت) (¬2) إلى الصلاة (مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة) في قيام الليل، وفيه فضيلة الحض على قيام الليل والحرص على الاقتداء بالعلماء العاملين وعباد الله الصالحين (فقام) (¬3) رواية النسائي [فبدأ واستاك] (¬4) وتوضأ، ثم قام فصلى فبدأ (¬5) فاستفتح (¬6) (¬7). (فقرأ سورة البقرة) فيه جواز تسمية السور بالبقرة وآل عمران والعنكبوت والروم ونحو ذلك خلافًا لمن كره ذلك وقال: إنما يقال: السورة التي يذكر فيها البقرة، وفيه استحباب تطويل صلاة الليل الا يمر بآية) فيها ذكر (رحمة إلا وقف) عن القراءة (فسأل) الله تعالى من فضله العظيم. (ولا يمر بآية) تخويف و (عذاب إلا وقف فتعوذ) بالله من عذابه وأليم عقابه كما تقدم. قال عياض: وفيه آداب تلاوة القرآن في الصلاة وغيرها واستعمال حدود كتاب الله. قال النووي: وفيه استحباب هذِه الأمور لكل قارئ في الصلاة وغيرها، يعني: فرضها ونفلها. ومذهبنا استحبابها للإمام والمأموم والمنفرد (¬8). ¬

_ (¬1) "سؤالات البرقاني للدارقطني" (341). (¬2) في (ص، س، ل): قمنا. (¬3) زاد في (ص، س، ل): فقرأ سورة البقرة. وستأتي في مكانها بعد قليل. (¬4) في (ص): فيه فاستاك. (¬5) في (ص): فقرأ. (¬6) "سنن النسائي" 2/ 223. (¬7) زاد في (ص، س، ل): البقرة. وزاد في الأصول: لا يمر بآية رحمة إلا. وستأتي. (¬8) "شرح النووي" 6/ 62.

(قال: ثم ركع بقدر قيامه) لفظ النسائي: ثم ركع فمكث راكعًا بقدر قيامه (¬1). وفيه فضيلة تطويل الركوع والسجود. (يقول في ركوعه: سبحان ذي الجبروت) من جبر الفقير، قال بعض المتأخرين يقال في الآدمي: جبرؤت بالهمز؛ لأن زيادة الهمزة تؤذن بزيادة الصفة، وتجددها مأخوذ من كلام "التهذيب" (¬2) للأزهري فإنه مهموز في صفات الآدمي والهمز للفرق بين صفة الله وصفة الآدمي، وهو فرق حسن هو فعلوت (¬3) من الجبر وهو القهر يقال: جبرت وأجبرت بمعنى قهرت، وفي الحديث: "ثم يكون ملك، وجبروت (¬4) " (¬5)، أي: عتو (¬6) وقهر، يقال: جبار بين الجبرية والجبروة والجبروت (والملكوت) والرهبوت اشتق (¬7) من الملك والرهبة، وهي الخوف كالجبروت فيما تقدم. (والكبرياء) تكرر ذكرها في الحديث، وهي من الكبر بكسر الكاف وهي العظمة، ويقال: منه كبر بضم الكاف، أي: عظم، والكبرياء قيل: هي العظمة والملك (¬8) فعلى هذا هو من الأسماء المترادفة، وقيل: هي عبارة عن كمال الذات والوجود، ولا يوصف بها (¬9) إلا الله تعالى. ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 2/ 223. (¬2) "تهذيب اللغة": (جبر). (¬3) في (ص): فعول. (¬4) في النسخ الخطية: جبروه. والمثبت كما في "سنن الدارمي". (¬5) أخرجه الدارمي في "سننه" (2146). (¬6) في (ص، س، ل): عنوة. (¬7) في (س، ل، م): اسم. (¬8) من (م). (¬9) سقط من (م).

(ثم سجد بقدر قيامه) رواية النسائي: ثم سجد بقدر ركوعه (¬1) (ثم قال في سجوده مثل ذلك) يعني: قال في السجود: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، وصرح به النسائي. (ثم قام فقرأ بآل عمران ثم قرأ سورة سورة) يحتمل أن المراد ثم قرأ بسورة النساء، ثم سورة المائدة، زاد النسائي: ثم فعل مثل ذلك (¬2). أي فعل في الركوع والسجود مثل ما فعل في الركعتين قبلهما. [874] (حدثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك (الطيالسي، وعلي بن الجعد) بن عبيد الجوهري الهاشمي مولاهم، روى عنه البخاري في كتابه اثني عشر حديثًا. ([قالا: حدثنا] (¬3) شعبة، عن عمرو بن مرة) الجملي أحد الأعلام. (عن أبي حمزة) طلحة بن يزيد (مولى الأنصار) يعني: مولى قرظة (¬4) ابن كعب الأنصاري (عن رجل) قال النسائي: يشبه أن يكون صلة (¬5) (¬6) يعني: صلة (¬7) بن زفر العبسي الكوفي كنيته أبو بكر، [ويقال: أبو] (¬8) العلاء. احتج به البخاري ومسلم. (من بني عبس) بن بغيض بن ريث بن غطفان (عن حذيفة) بن اليمان (أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل فكان يقول: الله أكبر ثلاثًا. وروى الإمام أحمد وأبو يعلى عن علي، عن أبي أمامة الباهلي قال: ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 2/ 223. (¬2) السابق. (¬3) في (م): قال. (¬4) في (ص): قريظة. (¬5) في (ص): جبلة. (¬6) "السنن الكبرى" (1379). (¬7) في (ص): جبلة. (¬8) في (ص): قال ابن.

كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل في الصلاة من الليل كبر ثلاثًا وسبح ثلاثًا وهلل ثلاثًا، ثم يقول: "اللهم (¬1) إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه وشركه" (¬2). سبحان (ذي [الملكوت) الملك والجبروت والكبرياء والعظمة فالملكوت] (¬3) في صفات الله بلا همز بالاتفاق (والجبروت والكبرياء) (¬4) فيه ما تقدم. (ثم استفتح) القراءة (فقرأ) سورة (البقرة ثم ركع فكان ركوعه نحوًا من قيامه) أي: قريبًا منه. (وكان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم سبحان ربي العظيم) (¬5) أي: ثلاثًا كما في الروايات المتقدمة. (ثم رفع رأسه من الركوع (¬6)، فكان قيامه نحوًا من قيامه) (¬7) فيه جواز تطويل الاعتدال وأنه لا يبطل عمده الصلاة؛ لأن الصحيح المختار عند ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) رواه أحمد 5/ 253 عن شيخ من أهل دمشق أو عن رجل عن أبي أمامة به، ولم يذكر في سنده عليًّا. ولم أقف عليه عند أبي يعلى إلا من رواية ابن مسعود (4994) بلفظ: عن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه، ونفخه، ونفثه" فقال: فهمز ته: الموتة، ونفثه: الشعر، ونفخه: الكبر. قال الهيثمي عن حديث أبي أمامة في "المجمع " 2/ 265: رواه أحمد، وفيه من لم يسم. (¬3) في (م): الملكوت كالملكوت. وفي (ص، س، ل) الملك والجبروت والكبرياء والعظمة فالملكوت. (¬4) من (م). (¬5) تكرر التسبيح في (م) فقط. (¬6) في (م): الركعة. (¬7) في مطبوعة "سنن أبي داود": ركوعه.

الشافعية (¬1) أن إطالته بالذكر لا تضر للأحاديث الصحيحة به، وقيل إن تطويله يبطل الصلاة؛ لأنه ركن قصير كالجلوس بين السجدتين والغرض منهما الفصل؛ فيبطل تطويلهما. ((¬2) وكلان يقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى سبحان ربي الأعلى (¬3)، ثم رفع رأسه من السجود وكان يقعد فيما (¬4) بين السجدتين نحوًا من سجوده) فيه جواز تطويل القعود بين السجدتين بالذكر، وهو المختار الصحيح كما تقدم. (وكان يقول: رب اغفر لي رب اغفر لي) يكرر ذلك (فصلى أربع ركعات) ففعل فيهن مثل ذلك (فقرأ فيهن) سورة (البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة) أي: قرأ في الأربع ركعات بهذِه السور الأربع الأولى للأولى والثانية للثانية والثالثة للثالثة والرابعة للرابعة (أو الأنعام) هذا (شك) من (شعبة) الراوي هل قرأ في الرابعة المائدة أو الأنعام. * * * ¬

_ (¬1) "أسنى المطالب" 1/ 188. (¬2) النص في "السنن" فيه هنا: قولُ: "لِرَبِّيَ الحَمْدُ". ثُمَّ سَجَدَ فَكانَ سُجُودُهُ نَحْوًا مِنْ قِيامِهِ. (¬3) تكرر التسبيح في (م، ص) فقط. (¬4) من (م).

154 - باب في الدعاء في الركوع والسجود

154 - باب فِي الدُّعاء فِي الرُّكوعِ والسُّجُودِ 875 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ قالوا: حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَنا عَمْرٌو -يَعْنِي ابن الحارِثِ- عَنْ عُمارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبا صالِحٍ ذَكْوانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَقْرَبُ ما يَكُونُ العَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ ساجِدٌ فَأَكثِرُوا الدُّعاءَ" (¬1). 876 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا سُفْيان، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ سُحَيْمٍ عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْبَدٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَشَفَ السِّتارَةَ والنّاسُ صُفوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فَقال: "يا أَيُّها النّاسُ، إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّراتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيا الصّالِحَةُ يَراها المُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ راكِعًا أَوْ ساجِدًا فَأَمّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا الرَّبَّ فِيهِ وَأَمَّا السُّجُودُ فاجْتَهِدُوا فِي الدُّعاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجابَ لَكُمْ" (¬2). 877 - حَدَّثَنا عُثْمان بْن أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عائِشَةَ قالتْ: كانَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكوعِهِ وَسُجُودِهِ: "سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي". يَتَأَوَّلُ القُرْآنَ (¬3). 878 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ ح، حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن السَّرْحِ، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْن أَيُّوبَ، عَنْ غمارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي صالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلُّهُ دِقَّهُ وَجِلَّهُ وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ". زادَ ابن السَّرْحِ: "عَلانِيَتَهُ وَسِرَّهُ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (482). (¬2) رواه مسلم (479). (¬3) رواه البخاري (794)، ومسلم (484). (¬4) رواه مسلم (483).

879 - حَدَّثَنا محَمَّد بْن سُلَيْمانَ الأنبارِيُّ، حَدَّثَنا عَبْدَة، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبّانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُريرَةَ، عَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها قالتْ: فَقَدْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذاتَ لَيْلَةٍ فَلَمَسْتُ المَسْجِدَ فَإِذا هُوَ ساجِدٌ وَقَدَماهُ مَنْصُوبَتانِ وَهُوَ يَقولُ: "أَعُوذُ بِرِضاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَأَعُوذُ بِمُعافاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لا أُحْصِي ثَناءً عَلَيكَ، أَنْتَ كَما أَثْنَيتَ عَلَى نَفْسِكَ" (¬1). * * * باب في الدعاء في الركوع والسجود [875] (حدثنا أحمد بن صالح) المصري (وأحمد بن عمرو بن السرح) المصري (ومحمد بن سلمة) بن (¬2) المرادي (قالوا) الثلاثة: (حدثنا) عبد الله (بن وهب) قال (أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري مولاهم المصري. (عن عمارة بن غزية) المازني الأنصاري، استشهد به البخاري في الزكاة في باب خرص التمر (¬3)، وأخرج له مسلم في مواضع (¬4). (عن سمي) القرشي المخزومي المدني (مولى أبي بكر) بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام. (أنه سمع أبا صالح ذكوان) السمان (يحدث عن أبي هريرة أن رسول ¬

_ (¬1) رواه مسلم (486). (¬2) زاد في (م): قا. (¬3) "صحيح البخاري" (1482) معلقًا. (¬4) "صحيح مسلم" (246، 385، 482، 483، 7482، 916، 979/ 3، 1167/ 215، 1406/ 20، 2002، 2490).

الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أقرب ما يكون العبد من ربه) أي: أقرب ما يكون من رحمة (¬1) ربه وفضله (وهو ساجد) الوا وفي (وهو) للحال، أي: أقرب حالات العبد من رحمة ربه حال كونه ساجدًا، وإنما يكون العبد في السجود أقرب من سائر أحوال الصلاة وغيرها لأن العبد بقدر ما يبعد عن نفسه يقرب من ربه، والسجود غاية التواضع وترك التكبر وكسر النفس؛ لأنها لا تأمر الرجل بالمذلة، ولا ترضى بها، ولا بالتواضع، بل بخلاف ذلك، فإذا سجد فقد خالف نفسه وبعد عنها فإذا بعد عنها قرب من ربه. (فأكثروا) من (الدعاء) في السجود؛ لأنه حالة قرب، وحالة القرب مقبول دعاؤها؛ لأن الحبيب يحب عبده الذي يطيعه ويتواضع له ويقبل منه ما يقوله وما يسأله. [876] (حدثنا مسدد) قال: (حدثنا سفيان) بن عيينة. (عن سليمان بن سحيم) بضم السين، وفتح الحاء (¬2) المهملة مصغر، المدني، أخرج له مسلم في هذا الحديث وغيره. (عن إبراهيم بن عبد الله (¬3) بن معبد) الهاشمي (عن أبيه) عبد الله بن معبد بن عباس. (عن) عمه عبد الله (ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كشف الستارة) بكسر السين، وهي الستر الذي يكون على باب البيت والدار (والناس صفوف) ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) من (م). (¬3) في (ص، س): عباس.

هذِه الواو واو الحال هذِه الرواية المشهورة رواية مسلم (¬1). وفي بعض نسخ أبي داود "صفوفًا" ووجهه على تقدير صحتها أن يكون حذف الخبر، ونصب صفوفًا على الحال تقديره والناس يصطفون صفوفًا، أو يجتمعون صفوفًا، وقرئ في الشاذ: (ونحْنُ عُصْبةً) (¬2) بالنصب (¬3) (خلف أبي بكر) الصديق (فقال: يا أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة) أي من أول ما يبدو منها، مأخوذ من تباشير الصبح وبشائره، وهو أول ما يبدو منه وهذا كقول عائشة - رضي الله عنها -: أول ما بُدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي (¬4). (إلا الرؤيا الصالحة) في النوم (يراها المسلم (¬5) أو ترى له) فيه أن الرؤيا الصالحة مبشرة سواء رآها المسلم بنفسه أو رآها غيره (¬6) له. (وإني نهيت) وفي رواية علي نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أن اقرأ) القرآن (راكعًا أو ساجدًا) فيه النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، وإنما وظيفة الركوع [التسبيح، ووظيفة السجود] (¬7) التسبيح والدعاء، فلو قرأ في ركوع أو سجود غير الفاتحة كره، ولم تبطل صلاته وإن قرأ الفاتحة ففيه وجهان لأصحابنا. ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (482). (¬2) انظر: "التبيان في إعراب القرآن" للعكبري 2/ 50. (¬3) من (م). (¬4) أخرجه البخاري (4)، ومسلم (160). (¬5) في (م): الإنسان. (¬6) في (م): غيرها. (¬7) في (ص، س، ل): والسجود.

أصحهما: أنه كغير الفاتحة فيكره ولا تبطل صلاته، والثَّاني يحرم. وتبطل صلاته، هذا إذا كان عمدًا، فإن قرأ سهوًا لم يكره، وسواء قرأ سهوًا أو عمدًا فإنَّه يسجد للسهو عند الشافعي (¬1). (فأمَّا الركوع فعظموا [الرب فيه]) (¬2) قال الشافعي (¬3) والكوفيون: يقول في الركوع سبحان ربي العظيم. (وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء) أي: بعد التسبيح، فإن التسبيح فيهما، وذهب بعضهم إلى وجوب ذلك في الركوع والسجود، وذهب إسحاق (¬4) وأهل الظاهر إلى وجوب الذكر فيهما تسبيحًا كان أو ذكرًا أو دعاء ليجمع بين حديث عقبة وهذا الحديث، وأنَّه يعيد الصلاة [من غير تعين] (¬5) من تركه (¬6). (فقَمن) بفتح القاف وفتح الميم وكسرها لغتان مشهورتان، واقتصر القرطبي على الفتح فمن فتح فهو عنده مصدر لا يثنى ولا يجمع ومن كسر فهو وصف يثنى ويجمع وفيه لغة ثالثة قمين بزيادة ياء وفتح القاف وكسر الميم ومعناه حقيق، وجدير (¬7). وفيه الحث على الدعاء في ¬

_ (¬1) "المجموع" 3/ 414. (¬2) في (م): فيه الرب. (¬3) "الأم" 1/ 217. (¬4) "مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج" (191). (¬5) سقط من (م). (¬6) انظر: "المحلى" 3/ 260. (¬7) "المفهم" 2/ 86.

السجود فيستحب أن يجمع في سجوده بين الدعاء والتسبيح. (أن يستجاب لكم) فيه فضيلة الدعاء في السجود، وأنَّه من مظان الإجابة لما تقدم. [877] (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) قال (حدّثنا جرير) بفتح الجيم، ابن [عبد الحميد الضبي] (¬1) أصله من الكوفة. (عن منصور) بن المعتمر (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح مصغر الهمداني الكوفيِّ، قيل: إنَّه مولى لآل سعيد (¬2) بن العاص (عن مسروق) ابن الأجدع، يقال: إنَّه سرق صغيرًا ثم وجد فسمي مسروقًا وهو ابن أخت معدي كرب، أسلم قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، كانت عائشة تتبناه (¬3) فسمى ابنته عائشة وكني بها. (عن عائشة قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك) اسم [علم لمصدر] (¬4) سبِّح وقع موقعه فنصب نصبه، وهو لا ينصرف للعلمية (¬5)، والألف والنون الزائدتين كعثمان، ومعناه البراءة لله من كل نقص وسوء، وذهب بعضهم إلى (¬6) أنه جمع سبِّح (¬7) للمبالغة من ¬

_ (¬1) من (م)، وفي (ل): عبد المجيد الضبي. وفي (س، ص): عبد المجيد العنسي. (¬2) من (م)، وفي غيرها: سعد. (¬3) في (س، ل، م): تبنته. (¬4) في (ص): مصدر علم. (¬5) في (س، ل، م): للتعريف. (¬6) من (م). (¬7) في (ص، س): تسبيح.

التسبيح مثل خبير (¬1) وعليم، ويجمع سبحان كقضيب وقضبان وهو ضعيف بدليل عدم صرفه. (اللهم وبحمدك) متعلق بفعل محذوف دل عليه التسبيح، أي: بحمدك سبحتك، أي (¬2): بفضلك (¬3)، وهدايتك هكذا (¬4) قولهم وكأنهم لاحظوا أن الحمد هنا بمعنى الشكر. قال القرطبي: ويظهر وجه آخر، وهو إبقاء معنى الحمد على أصله وتكون الباء باء السبب، ويكون معناه بسبب أنك موصوف بصفات الكمال والجلال سبحك المسبحون وعظمك المعظمون (¬5). (اللهم اغفر لي. يتأول القرآن) معناه تمثيل ما آل إليه معنى القرآن في قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} (¬6) من الأمر بالأمر بالتسبيح والحمد. [878] (حدّثنا (¬7) أحمد) بن عمرو (بنِ السرح) قال (حدّثنا) عبد الله (ابن وهب) قال: (أخبرني يحيى بن أيوب) الغافقي (عن عمارة بن غزية، عن سمي مولى أبي بكر) بن عبد الرحمن قتلته الحرورية بقديد (عن أبي صالح) السمان (عن أبي هريرة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في سجوده: اللهم ¬

_ (¬1) في (ص): حبيب. (¬2) من (س، ل، م). (¬3) في (ص، س، ل): بتفضلك. (¬4) من (س، ل، م). (¬5) "المفهم" 2/ 88. (¬6) سورة النصر. (¬7) زاد في مطبوعة "سنن أبي داود" هنا: أحمد بن صالح، حدّثنا ابن وهب ح وحدثنا.

اغفر لي ذنبي كله) فيه دليل على نسبة الذنوب إليه، وقد اختلف الناس في ذلك، فمنهم من يقول الأنبياء كلهم معصومون من الكبائر والصغائر، وهذا هو اللائق بمرتبتهم الشريفة. (دقه وجله) بكسر أولهما، أي: قليله وكثيره (وأوله وآخره، زاد) أحمد بن عمرو (بن السرح) في روايته: (وعلانيته وسره). قال النووي (¬1): فيه تكثير لألفاظ الدعاء وتوكيده وإن أغنى بعضها عن بعض. [879] (حدّثنا محمد بن سليمان الأنباري) بتقديم النون على الموحدة، وثقه الخطيب (¬2)، قال: (حدّثنا عبيدة) (¬3) بفتح العين وكسر الموحدة، ابن حميد الكوفيّ (عن عبيد الله) بالتصغير، ابن عمر بن ميسرة الجشمي (¬4) (عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة، ابن منقذ المازني الفقيه. (عن عبد الرحمن) بن هرمز (الأعرج، عن أبي هريرة، عن عائشة - رضي الله عنهما - قالت: فقدت النبي - صلى الله عليه وسلم -) من الفراش، كذا لابن حبان (¬5) ومسلم (¬6) (ذات ليلة) وفي رواية لمسلم (¬7): افتقدت. وهما بمعنًى، زاد النسائي: وظننت ¬

_ (¬1) "المجموع" 3/ 434. (¬2) "تاريخ بغداد" 5/ 292. (¬3) في النسخ المطبوعة من "السنن": (عبدة) وهو ابن سليمان الكلابي. (¬4) بل هو: عبيد الله بن عمر العمري. (¬5) "صحيح ابن حبان" (1932). (¬6) "صحيح مسلم" (486). (¬7) "صحيح مسلم" (485).

أنه ذهب إلى بعض نسائه، فتحسسته (¬1). يعني بحاء مهملة. (فلمست) بفتح الميم (المسجد) يحتمل أن يراد [باللمس الحقيقة] (¬2) وبالمسجد موضع السجود من بدن الإنسان، ورواية مسلم وابن حبان: فالتمسته، فوقعت يدي على بطن قدميه (¬3) وهو في المسجد وهما منصوبتان (¬4) (¬5). (فإذا هو ساجد وقدماه منصوبتان) فيه أن السنة في السجود نصب القدمين (وهو يقول) اللهم إنِّي (أعوذ برضاك من سخطك) بوب عليه ابن حبان ذكر الاستحباب للمرء أن يتعوذ برضى الله من سخطه في سجوده (¬6) قال القاضي عياض رحمه الله: وسخطه من صفات (¬7) أفعال الله تعالى، فاستعاذ من المكروه منهما إلى المحبوب (¬8). (وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك) استعاذ من الشر إلى الخير (وأعوذ بك منك) قال القرطبي (¬9): ترقَّى من الأفعال إلى منشئ الأفعال فقال: بك منك مشاهدة للحق وغيبة عن الخلق، وهذا محض المعرفة الذي لا يعبر (¬10) عنه قول ولا يضبطه وصف (¬11). ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 2/ 223. (¬2) في (ص، س، ل): بالحقيقة. (¬3) في (ص، س، ل): قدمه. (¬4) في (ص، س): منصوبان. (¬5) "صحيح مسلم" (486)، "صحيح ابن حبان" (1932). (¬6) "صحيح ابن حبان" 5/ 258. (¬7) في (ص، س، ل): صفة. (¬8) انظر: "إكمال المعلم" 2/ 401. (¬9) من (م). (¬10) في (ص، س): يغيب. (¬11) انظر: "المفهم" 5/ 258.

(لا أحصي ثناء عليك) زاد بعضهم [في رواية] (¬1): "ولو حرصت" (¬2)، يعني: لا أطيق الثّناء عليك ولا أنتهي إلى غايته، ولا أحيط بمعرفته كما قال - صلى الله عليه وسلم - مخبرًا عن حاله في المقام المحمود حين يخر تحت العرش للسجود: "فأحمده بمحامد لا أقدر عليها إلا أن يلهمنيها" (¬3). وروي عن مالك: لا أحصي نعمك وإحسانك والثناء عليك وإن اجتهدت في ذلك (¬4). والأول أولى لقوله بعده (أنت كما أثنيت على نفسك) ومعنى ذلك اعتراف بالعجز عندما ظهر له من صفات جلاله تعالى وكماله وصمديته ما لا ينتهي إلى عده، ولا يوصل إلى حده، ولا يحصله عقل، ولا يحيط به فكر، وعند الانتهاء إلى هذا المقام انتهت معرفة الأنام، ولذلك قال الصديق: العجز عن درك الإدراك إدراك (¬5). * * * ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) رواه النسائي في "الكبرى" (10727)، والطبراني في "الأوسط" 2/ 283 (1992) من حديث علي، بلفظ: عن علي بن أبي طالب قال: بت عند رسول الله ذات ليلة، فكنت أسمعه إذا فرغ من صلاته وتبوأ مضجعه يقول: "اللهم .. لا أستطيع ثناء عليك ولو حرصت .. " الحديث. وذكره الهيثمي في "المجمع" 10/ 124، وقال: رواه الطبراني في "الأوسط"، ورجاله رجال الصحيح غير إبراهيم بن عبد الله القارئ، وقد وثقه ابن حبان. (¬3) أخرجه مسلم (193) (326). (¬4) انظر: "مسند الموطأ" للجوهري ص 604 (815). (¬5) انظر: "المفهم" للقرطبي 2/ 89 - 90.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

شَرْحُ سُنَنِ أَبِي دَاوُد لِابْنِ رَسْلَان [5]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ جميعُ الحقوقِ مَحْفوظَة لِدَارِ الفَلَاحِ وَلَا يجوز نشر هَذَا الْكتاب بِأَيّ صِيغَة أَو تَصْوِيره PDF إِلَّا بِإِذن خطي من صَاحب الدَّار الْأُسْتَاذ/ خَالِد الرَّباط الطَّبْعَةُ الأُولَى 1437 هـ - 2016 م رَقم الْإِيدَاع بدَارِ الكتُب 17164/ 2015 دَارُ الفَلَاحِ لِلبحثِ العِلمي وتَحْقِيق التُّرَاثِ 18 شَارِع أحمس - حَيّ الجامعة - الفيوم ت: 01000059200 [email protected] تطلب منشوراتنا من: • دَار الْعلم - بلبيس - الشرقية - مصر • دَار الأفهام - الرياض • دَار كنوز إشبيليا - الرياض • مكتبة وتسجيلات ابْن الْقيم الإسلامية - أَبُو ظَبْي • دَار ابْن حزم - بيروت • دَار المحسن - الجزائر • دَار الْإِرْشَاد - استانبول • دَارُ الفَلَاحِ - الفيوم

155 - باب الدعاء في الصلاة

155 - باب الدُّعاءِ في الصَّلاةِ 880 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عُثْمانَ، حَدَّثَنا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَدْعُو فِي صَلاتِهِ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذاب القَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجّالِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيا والمَمَاتِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ المَأْثَمِ والمَغْرَم". فَقال لَهُ قائِلٌ: ما أكْثَرَ ما تَسْتَعِيذُ مِنَ المغْرَمِ! فَقال: "إِنَّ الرَّجُلَ إِذا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ" (¬1). 881 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْد اللهِ بْنُ داوُدَ، عَنِ ابن أَبِي لَيْلَى، عَنْ ثابِتٍ البُنانِيِّ، عَنْ عَبدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيلَى، عَنْ أَبِيهِ قال: صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي صَلاةِ تَطَوُّعٍ فَسَمِعْتُهُ يَقُول: "أَعُوذُ بالله مِنَ النّارِ وَيْلٌ لأَهْلِ النّارِ" (¬2). 882 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا عَبْد اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبا هُرَيْرَةَ قال: قامَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الصَّلاةِ وَقُمْنا مَعَهُ فَقال أَعْرابِيٌّ فِي الصَّلاةِ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا وَلا تَرْحَمْ مَعَنا أَحَدًا، فَلَمّا سَلَّمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال لِلأعرابيِّ: "لَقَدْ تَحَجَّرْتَ واسِعًا". يُرِيدُ رَحْمَةَ اللهِ -عزَّ وَجَلَّ- (¬3). 883 - حَدَّثَنا زُهَيْرٌ بْن حَرْبٍ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ عَنْ إِسْرائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحاقَ، عَنْ مُسْلِمٍ البَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاس أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إِذا قَرَأَ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} قال: "سبْحانَ رَبِّيَ الأَعْلَى" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (832، 2397)، ومسلم (587، 589). (¬2) رواه ابن ماجة (1352)، وأحمد 4/ 347. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (154). (¬3) رواه البخاري (6010). (¬4) رواه أحمد 1/ 232، والطبراني 12/ 16 (12335) والبيهقيّ 2/ 310، والحاكم 1/ 264 وقال: صحيح على شرط الشيخين. ولم يخرجاه. =

قال أَبو داودَ: خُولِفَ وَكِيعٌ فِي هذا الحَدِيثِ وَرَواهُ أَبُو وَكِيعٍ وَشعْبَة، عَنْ أَبي إِسْحاق، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ مَوْقوفًا. 884 - حَدَّثَنا محَمَّد بْنُ المثَنَّى حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنا شُعْبَة، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبي عائِشَةَ قال: كانَ رَجلٌ يصلِّي فَوْق بَيْتِهِ وَكانَ إِذا قَرَأَ {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} قال: سبْحانَكَ فَبَلَى فَسَألُوهُ، عَنْ ذَلِكَ فَقال سَمِعْتُهُ مِنْ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). قال أَبُو داودَ: قال أَحْمَدُ: يُعْجِبُنِي فِي الفَرِيضَةِ أَنْ يَدْعوَ بِما فِي القرْآنِ. * * * باب الدعاء في الصلاة [880] (حدّثنا عمرو بن عثمان) بن [سعيد بن كثير الحمصي كان حافظًا صدوقًا، قال (ثنا بقية) بن] (¬2) الوليد، قال النسائي: إذا قال حدّثنا [أو أنبأنا فهو ثقة (¬3). قال: (ثنا شعيب] (¬4)، عن الزُّهريّ، عن عروة) بن الزبير. (أن عائشة - رضي الله عنهما - أخبرته، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو في صلاته) لا تقييد في الدعاء به بل يعم جميع الصلاة من غير تعيين محله. ¬

_ = وصحَّحه الألباني في "صحيح أبي داود" (826). (¬1) رواه البيهقي 2/ 310. وصحَّحه الألباني في "صحيح أبي داود" (827). (¬2) من (م). (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 4/ 198. (¬4) بياض في (ص)، والمثبت من (ل، م).

قال ابن دقيق العيد: لعل الأولى أن يكون في أحد موضعين (¬1)، السجود، أو التشهد (¬2). وبوب عليه البخاري: باب الدعاء قبل السلام (¬3). أي: بعد التشهد وليس في الحديث تقييد. قال الكرماني: إن لكل مقام ذكرًا مخصوصًا فتعين أن يكون محله بعد الفراغ من الكل (¬4). انتهى. وأشار البخاري إلى ما ورد في بعض الطرق من تعيينه بهذا المحل، فقد روى ابن خزيمة من طريق ابن جريج، أخبرني عبد الله بن طاوس، عن أبيه أنه كان يقول بعد التشهد كلمات يعظمهن جدًّا قلت: في التشهدين (¬5) كليهما. قال: بل في التشهد الأخير. قلت: ما هي؟ قال: (اللهم إنِّي أعوذ بك من عذاب القبر) (¬6) فيه رد على من أنكر عذاب القبر. (وأعوذ بك من فتنة) قال أهل اللغة: الفتنة الامتحان والاختبار (¬7). قال عياض: واستعمالها في العرف لكشف ما كره (¬8). انتهى. قال القرطبي: يريد بذلك محنة الدنيا وما بعدها ويحتمل أن يريد بذلك حالة الاحتضار (¬9) وحالة المساءلة في القبر (¬10). ¬

_ (¬1) في (ل، م): موطني. (¬2) "إحكام الأحكام" 1/ 208. (¬3) "صحيح البخاري" قبل حديث (832). (¬4) "شرح البخاري" للكرماني 5/ 185. (¬5) في (ص، س، ل): المعنى. (¬6) "صحيح ابن خزيمة" (722). (¬7) "لسان العرب" (فتن). (¬8) "إكمال المعلم" 1/ 451 نحوه. (¬9) في (ص، س، ل): الاختبار. (¬10) "المفهم" 2/ 208.

(المسيح) بفتح الميم وتخفيف السين المكسورة وآخره حاء مهملة، يطلق على (الدجال) اختلف في تلقيب الدجَّال بالمسيح، فقيل: لأنه ممسوح العين. وقيل: لأن أحد شقي وجهه خُلِقَ (¬1) ممسوحًا لا عين فيه ولا حاجب. وقيل: لأنه يمسح الأرض إذا خرج. وأما عيسى فسمي بذلك؛ لأنه خرج من بطن أمه ممسوحًا بالدهن، وقيل: للبسه (¬2) المسوح، وقيل: هو (¬3) بالعبرانية مَشِيحًا (¬4) فعرب للمسيح (¬5). (وأعوذ بك من فتنة المحيا و) فتنة (الممات) كذا للبخاري (¬6)، قال ابن دقيق العيد: فتنة المحيا ما (¬7) يعرض للإنسان مدة حياته من الافتتان (¬8) بالدنيا والشهوات والجهالات، وأعظمها والعياذ بالله سوء (¬9) الخاتمة عند الموت [قال: وفتنة الممات يجوز أن يراد بها الفتنة عند الموت] (¬10) أضيفت إليه لقربها منه، ويكون المراد بفتنة المحيا على هذا ما قبل ذلك (¬11). ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) غير واضحة في (ص). (¬3) من (م). (¬4) في جميع الأصول الخطية: ماشيحًا. والمثبت من مصادر اللغة. (¬5) من (م). (¬6) "صحيح البخاري" (832). (¬7) من (م). (¬8) في (م): الإنسان. (¬9) في "إحكام الأحكام": أمر. والمثبت كما بالأصول الخطية. (¬10) ساقطة من (ص). (¬11) "إحكام الأحكام" 1/ 207.

وقيل: المراد بفتنة المحيا (¬1) الابتلاء مع زوال الصبر وبفتنة الممات السؤال في القبر مع الحيرة وهو من العام بعد الخاص؛ لأن عذاب القبر داخل تحت فتنة الممات، وفتنة الدجَّال داخل تحت فتنة المحيا. (اللهم إنِّي أعوذ بك من المأثم والمغرم) المأثم الأمر الذي يأثم به الإنسان، أو هو الإثم بعينه (¬2)، وضعًا للمصدر موضع الاسم. والمغرم الدَّين، يقال: غرم بكسر الراء أي: ادان، والمراد به ما يستدان فيما لا يجوز أو فيما يجوز، ثم يعجز عن أدائه، ويحتمل أن يراد به ما هو أعم من ذلك، وقد استعاذ - صلى الله عليه وسلم - من غلبة الدين. (فقال له قائل): قال ابن حجر: لم أقف على اسمه (¬3) (ما أكثر) بفتح الراء على التعجب (ما تستعيذ من المغرم، فقال: إن الرجل) يعني: أو المرأة (إذا غرم) بكسر الراء (حدث فكذب) بفتح الذال يعني: إذا تقاضاه مستحق الدين (¬4) ولم يكن له مال يؤديه في الدين يكذب معه في كلامه ليتخلص من طلبه في ذلك الوقت ومن سجنه فيقول: لي (¬5) مال غائب إذا حضر أعطيك منه أولى ذهب أو فضة في مكان لا أصل إليه ذا الوقت. (ووعد فأخلف) وعده بأن يقول غدًا أو يوم الجمعة أعطيك ونحو ¬

_ (¬1) من (س، ل، م). (¬2) في (ل، م): نفسه. (¬3) "فتح الباري" 2/ 372. (¬4) من (ل، م). (¬5) في (ص، س) في.

ذلك، فيستحب للإنسان الدعاء بهذا الدعاء ليحفظه الله من ذلك. [881] (حدّثنا مسدد) قال: (حدّثنا عبد الله بن (¬1) داود) بن عامر الهمداني أخرج له البخاري (عن) محمد بن عبد الرحمن (بن أبي ليلى) الأنصاري القاضي (عن ثابت) بن أسلم (البناني) بضم الباء، يقال بنانة هم (¬2) بنو سعد بن لؤي وهو بصري (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) الأنصاري كان (¬3) أصحابه يعظمونه كأنه أمير (عن أبيه) أبي ليلى الأنصاري، قيل: اسمه بلال. وقيل داود بن بلال. وقيل أوس شهد أحدًا وقتل بصفين. وشهد هو وابنه عبد الرحمن مع علي بن أبي طالب مشاهده كلها (قال: صليت إلى جنب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة تطوع فسمعته يقول) يشبه أن يكون في السجود فإنَّه مظنة الدعاء (أعوذ بالله من النار) يحتمل أن يكون التقدير أعوذ بك من عذاب النار، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه؛ بدليل رواية مسلم: "اللهم إنِّي أعوذ بك من عذاب (¬4) القبر وعذاب النار" (¬5). (ويل لأهل النار) فيه إشارة (¬6) إلى تكرار الاستعاذة منها ليسلم من عذابها وويلها وهو وادٍ فيها كما قيل. [882] (حدّثنا أحمد بن صالح) المصري، قال: (حدّثنا عبد الله بن ¬

_ (¬1) بياض في (ص). (¬2) في (ص): هو. (¬3) في (ص، س، ل): كانوا. (¬4) من (ل، م). (¬5) أخرجه مسلم (588) من حديث أبي هريرة مرفوعًا. (¬6) في (ص): إشعار.

وهب) قال: (أخبرني يونس) بن يزيد بن أبي النجاد القرشي (عن) محمد (ابن شهاب) الزُّهريّ. (عن أبي سلمة) عبد الله على الأصح (بن (¬1) عبد الرحمن) بن عوف الزهري. (أن أبا هريرة قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الصلاة وقمنا معه، فقال أعرابي) وهو (في الصلاة: اللهم ارحمني ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا) فيما بعده إشارة إلى ترك هذا الدعاء والنهي عنه، بل يستحب الدعاء لغيره من المسلمين بالرحمة والهداية ونحوهما (فلما سلم (¬2) [رسول الله - صلى الله عليه وسلم -]) (¬3) من صلاته. (قال للأعرابي: لقد تحجرت) شيئًا (واسعًا) أي: ضيقت ما وسعه الله تعالى وخصصت به نفسك دون إخوانك من المسلمين والمؤمنين، هلا سألت الله (¬4) لك ولكل المؤمنين وأشركتهم في رحمة الله تعالى التي وسعت كل شيء (يريد) ضيقت سعة (رحمة الله تعالى) قال الحسن وقتادة: وسعت في الدنيا البر والفاجر، وهي يوم القيامة للمتقين خاصة (¬5). جعلنا الله ممن وسعته رحمة الله. [883] (حدّثنا زهير بن حرب) أبو خيثمة النسائي الحافظ محدث بغداد شيخ الشيخين، قال: (ثنا (¬6) وكيع) بن الجراح (عن إسرائيل) بن ¬

_ (¬1) في (م): عن. (¬2) سقطت من (م). (¬3) من (م). (¬4) من (ل، م). (¬5) رواه الطبري في "تفسيره" 9/ 80. (¬6) ليست بالأصول الخطية، والمثبت من مطبوع "سنن أبي داود".

يونس السبيعي (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن مسلم) بن عمران الكوفيِّ، شهرته (البطين) بفتح الباء الموحدة (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قرأ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} في صلاته (قال: سبحان (¬1) ربي الأعلى) وقال ابن عباس أيضًا: من قرأ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} فليقل: سبحان ربي الأعلى الذي خلق فسوى (¬2). [(قال أحمد) بن حنبل: (يعجبني أن يدعو في الفريضة) يعني فريضة الصلاة (بما) ورد (في القرآن) (¬3)، وقيل لأحمد: إذا قرأ {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)} هل يقول: سبحان [اللهم بلى] (¬4)؟ قال: إن شاء قاله فيما بينه وبين نفسه، ولا يجهر به في المكتوبة وغيرها (¬5). (قال المصنف: خولف وكيع) بن الجراح (في هذا الحديث (¬6)، رواه أبو وكيع) الجراح بن مليح، سمع منه ابنه وكيع (وشعبة، عن أبي إسحاق) السبيعي (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس موقوفًا) عليه. ¬

_ (¬1) في (م): سبِّح. (¬2) رواه عبد الرزاق 2/ 451 (4051)، وابن أبي شيبة 5/ 527 (8734)، والبيهقيّ في "شعب الإيمان" 2/ 377 (2100) واللفظ للبيهقي بدون (الذي خلق فسوى). (¬3) "مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج" (230). (¬4) في الأصول: (ربي الأعلى) والمثبت من "مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج" (162) وهو الموافق لمدلول الآية. (¬5) أتت هذه العبارة هنا متقدمة كما في (ص، س، ل) وكان حقها التأخير حيث وردت في عقب الحديث التالي بالنسخ المطبوعة لـ "سنن أبي داود". (¬6) في (م): بحديث.

[884] (حدّثنا محمد بن المثني) قال (حدثني محمد بن جعفر) الهذلي مولاهم البصري، غندر (¬1) الحافظ. قال (حدّثنا شعبة، عن موسى بن أبي عائشة) الهمداني الكوفيِّ، مولى آل جعدة بن هبيرة المخزومي. (قال: كان رجل يصلِّي فوق بيته) فيه جواز الصلاة على ظهر البيت والمسجد ونحوهما، فرضًا أو نفلًا (وكان إذا قرأَ {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)} (¬2) قال: سبحانك) أي: تنزيهًا لك (¬3) أن يقدر أحد على (¬4) إحياء الموتى غيرك، وسبحانك منصوب على المصدر، وقال الكسائي: منصوب على أنه منادى مضاف (¬5)، وسيأتي في أول (¬6) الباب بعده أنه يقال عند قراءتها: بلى (فبكى) (¬7) وأكثر النسخ المعتمدة فبلى (¬8) باللام بدل الكاف؛ بدليل الرّواية الآتية: فانتهى إلى {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)} فليقل: بلى (¬9). ¬

_ (¬1) جاءت هذه العبارة في (م) عقب الحديث مباشرة بعد قوله: فسوى. (¬2) القيامة: 40. (¬3) من (ل، م). (¬4) سقط من (م). (¬5) انظر: "المحرر الوجيز" 1/ 238، "البحر المحيط" 1/ 147، وقال أبو حيان: ويبطله أنه لا يحفظ دخول حرف النداء عليه، ولو كان منادى لجاز دخول حرف النداء عليه ونقل لنا. (¬6) سقط من (ل، م). (¬7) من (م). (¬8) في (ص، س): قيل. (¬9) سيأتي قريبًا (887).

فيه جواز البكاء في الصلاة، وأنَّه لا يبطلها، وإطلاقه يقتضي أنها لا تبطل، وإن بأن منه حرفان، قال الإسنوي: وهو نص الشافعي؛ لأنه ليس من جنس الكلام (¬1). وقيل: إن كان البكاء من خشية الله لم تبطل، وإن كان لحزن (¬2) يذكره في الصلاة بطلت حكاه ابن الرفعة. (فسألوه عن ذلك فقال: سمعته) يعني: قوله: سبحانك [عند الآية] (¬3) (من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فيه دلالة على أن المصلي يقول: سبحانك. جهرًا بحيث يسمع غيره، وكذا ما في معناه. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "روضة الطالبين" 1/ 290. (¬2) زاد في (م): على. (¬3) في (ص): عندا.

158 - باب في الرجل يدرك الإمام ساجدا كيف يصنع

158 - باب في الرَّجُلِ يُدْرِكُ الإِمام ساجِدًا كيْفَ يصْنعُ 893 - حَدَّثَنا محَمَّد بْن يَحْيَى بْنِ فارِسٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الحَكَمِ حَدَّثَهُمْ، أَخْبَرَنا نافِعُ بْن يَزِيدَ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي سلَيْمانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي العَتّابِ وابْنِ المقْبريِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا جِئْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ وَنَحْنُ سُجُودٌ فاسْجُدُوا وَلا تَعُدُّوها شَيئًا، وَمَنْ أَدْرَكَ الركعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاةَ" (¬1). * * * باب الرجل يدرك الإمام راكعًا (في نسخة: ساجدا) كيف يصنع؟ (¬2) [893] (حدّثنا محمد بن يحيى) بن عبد الله بن خالد (بن فارس) بن ذؤيب الذهلي، روى عنه البخاري في "صحيحه" في عدة أحاديث (أن سعيد بن الحكم) أبي مريم بن محمد مولى بني جمح المصري. (حدثه) قال: (أنبأنا نافع بن يزيد) الكلاعي أخرج له مسلم والبخاري في الصلاة وفي الجهاد (¬3)، قال: (حدثني يحيى بن أبي سليمان) المديني ¬

_ (¬1) رواه البخاري في "القراءة خلف الإمام" (148)، وابن خزيمة 3/ 57 (1622)، والدارقطني 1/ 347، والحاكم 1/ 216، والبيهقيّ 2/ 89. قال ابن خزيمة: في القلب منه شيء. وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وحسنه الألباني (832). (¬2) سقط من (ل، م)، وهذا الباب اختلفت نسخ أبي داود المطبوعة في ترتيبه وأثبته محققو نشرة الرسالة بعد بابين، وعلقوا فقالوا: هذا الباب هذا الباب جاء في (ج) بعد الباب الذي يليه وفي (هـ) بعد الحديث (902) وسقط مع حديثيه من (د) وجاء في (أ)، (ب) قبل الباب الذي قبله. اهـ. (¬3) "صحيح البخاري" (850، 1243)، "صحيح مسلم" (1906/ 154).

ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬1)، وروى الحاكم هذا الحديث في "المستدرك" وقال: صحيح (¬2)، ووثق يحيى بن أبي سليمان هذا (¬3). (عن زيد بن أبي العتاب) بضم العين المهملة (¬4) وتشديد المثناة فوق وبعد الألف باء موحدة، وثقه ابن معين (¬5) وغيره. (و) سعيد (بن) أبي سعيد كيسان (المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود) نحن سجود جملة اسمية (¬6) منصوبة على الحال أي: في حال كوننا ساجدين (فاسجدوا) معنا، فيه دليل على أن المسبوق إذا أدرك الإمام في الاعتدال أو السجود الأول فما بعده استحب له أن يحرم بالصلاة خلفه. وقد صرح بالاستحباب بعض أصحابنا خلافًا لما أطبق عليه أكثر العوام بل كلهم أنه إذا وجد الإمام قد رفع رأسه من الركوع أو في السجود الأول فما بعده يستمر قائمًا إلى أن ينتصب الإمام للركعة الثانية وتفوته فضيلة الصلاة مع الإمام حال وقوفه، ويدل على هذا الاستحباب ما رواه الترمذي وغيره من حديث أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حال فليصنع كما يصنع (¬7) الإمام" (¬8). ¬

_ (¬1) "الثقات" 7/ 610. (¬2) 1/ 216. (¬3) السابق 1/ 336. (¬4) من (س، ل، م) ولم أجد من ضبطه بالضم، بل هو بالفتح. (¬5) "تاريخ ابن معين برواية الدَّارميِّ" 1/ 137 (453). (¬6) من (م). (¬7) في (ص، س): صنع. (¬8) أخرجه الترمذي (591)، والشاشي في "مسنده" (1358، 1359) من حديث علي =

(ولا تعدوها) بضم العين وتشديد الدال (شيئًا) وفي بعض النسخ بزيادة تاء مع تشديد الدال من قولهم اعتددت بالركعة وغيرها على افتعلت أي: أدخلتها في عدد الركعات فهي معتد بها أي: داخلة في الحساب غير ساقطة، والمعنى هنا إذا أدركتموه في السجود فوافقوه فيه وفيما بعده، ولكن لا تجعلوها ركعة؛ فإن الرَّكعة لا تحصل لكم إلا إذا أدركتم الركوع مع الإمام. (ومن أدرك الرَّكعة) قيل: المراد بالركعة هنا الركوع مع الإمام (فقد أدرك) تلك (الصلاة) ومعنى الصلاة الرَّكعة، أي: صحت له تلك الرَّكعة وحصلت له فضيلتها حتى تحصل له صلاة الجمعة إن كانت، ثم بعد سلام الإمام يقوم ويأتي بالركعة الثانية، وكذلك يحصل له ثواب الجمعة. وقيل: معناه من أدرك ركعة فقد حصل له فضيلة صلاة الجماعة (¬1) وإن أدرك أقل منها لا يحصل له فضيلة الجماعة عند بعضهم، والأول هو المشهور. * * * ¬

_ = ابن أبي طالب ومعاذ بن جبل مرفوعًا. وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعلم أحدًا أسنده إلا ما روي من هذا الوجه، والعمل على هذا عند أهل العلم. (¬1) في (ص، س): الجمعة.

156 - باب مقدار الركوع والسجود

156 - باب مِقْدارِ الرّكُوعِ والسُّجُودِ 885 - حَدَّثَنا مسدَّدٌ، حَدَّثَنا خالِدُ بْن عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنا سَعِيدٌ الجُرَيْرِيّ، عَنِ السَّعْدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ أَوْ عَنْ عَمِّهِ قال: رَمَقْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي صَلاتِهِ فَكانَ يَتَمَكَّنُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجودِهِ قَدْرَ ما يَقول: "سُبْحانَ الله وَبِحَمْدِهِ". ثَلاثًا (¬1). 886 - حَدَّثَنا عَبْد الْمَلِكِ بْن مَرْوانَ الأهوازِيّ، حَدَّثَنا أَبُو عامِرٍ وَأَبو داوُدَ، عَنِ ابن أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ إِسْحاقَ بْنِ يَزِيدَ الهُذَلِيِّ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعودٍ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا رَكعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ ثَلاثَ مَرّات: سُبْحانَ رَبِّيَ العَظِيمِ، وَذَلِكَ أَدْناهُ وإِذا سَجَدَ فَلْيَقُلْ: سُبْحانَ رَبِّيَ الأعلَى ثَلاثًا، وَذَلِكَ أَدْناهُ". قال أَبو داوُدَ: هذا مرسَلٌ عَوْنٌ لَمْ يُدْرِكْ عَبْدَ اللهِ (¬2). 887 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ محَمَّد الزُّهْرِيّ، حَدَّثَنا سُفْيانُ حَدَّثَنِي إِسْماعِيل بْن أُمَيَّةَ سَمِعْت أَعْرابِيًّا يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبا هُرَيْرَةَ يَقُول: قال رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَرَأَ مِنْكُمْ {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} فانْتَهَى إِلَى آخِرِها {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} فَلْيَقُلْ: بَلَى وَأَنا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشّاهِدِينَ، وَمَنْ قَرَأَ: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} فانْتَهَى إِلَى {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} فَلْيَقُلْ: بَلَى، وَمَنْ قَرَأَ: {وَالْمُرْسَلَاتِ} فَبَلَغَ {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} فَلْيَقُلْ: آمَنّا بالله". قال إِسْماعِيلُ: ذَهَبْتُ أُعِيدُ عَلَى الرَّجُلِ الأعرابِيِّ وَأَنْظُرُ لَعَلَّهُ فَقال: يا ابن أَخِي أَتَظُنّ أَنِّي لَمْ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 271، ورواه البيهقي 2/ 86 من طريق أبي داود. قال ابن حجر في "التلخيص" 1/ 243: إسناده حسن. وصحَّحه الألباني في "صحيح أبي داود" (828)، قال: حديثٌ صحيحٌ، وهذا إسناد رجاله ثقات، غير السعدي؛ فإنَّه مجهول، لكن أحسن الجريري الثّناء عليه. (¬2) رواه الترمذي (261)، وابن ماجة (890) قال الترمذي: حديث ابن مسعود ليس إسناده بمتصل؛ عون لم يلق عبد الله بن مسعود. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (155).

أَحْفَظْهُ لَقَدْ حَجَجْتُ سِتِّينَ حَجَّةً ما مِنْها حَجَّةٌ إِلا وَأَنا أَعْرِفُ البَعِيرَ الذِي حَجَجْتُ عَلَيْهِ (¬1). 888 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ وابْنُ رافِعٍ قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِبْراهِيمَ بْنِ عُمَرَ بْنِ كَيْسانَ حَدَّثَنِي أَبي، عَنْ وَهْبِ بْنِ مانُوسٍ قال: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مالِكٍ يَقول: ما صَلَّيْتُ وَراءَ أَحَدٍ بَعْدَ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَشْبَهَ صَلاةً بِرَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ هذا الفَتَى يَعْنِي عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ. قال: فَحَزَرْنا فِي رُكُوعِهِ عَشْرَ تَسبِيحاتٍ وَفِي سُجُودِهِ عَشْرَ تَسبِيحاتٍ. قال أَبُو داوُدَ: قال أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ قُلْتُ لَهُ: مانُوسٌ أَوْ مابُوسٌ؟ قال: أَمّا عَبْد الرَّزّاقِ فَيَقولُ: مابوسٌ. وَأَمّا حِفْظِي فَمانُوسٌ. وهذا لَفْظُ ابن رافِعٍ. قال أَحْمَدُ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ (¬2). * * * باب مقدار الركوع والسجود [885] (حدّثنا مسدد، قال: حدّثنا خالد بن عبد الله) الواسطيِّ الطحان، اشترى نفسه [من الله] (¬3) ثلاث مرات يتصدق بزنة نفسه فضة قال: (حدّثنا سعيد) بن إياس (الجريري) بضم الجيم البصري. (عن السعدي، عن أبيه أو عمه) هكذا ذكره الذهبي ولم يسمه (¬4)، قال ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3347)، وأحمد 2/ 249 لكن رواية الترمذي موقوفة على أبي هريرة ومختصرة. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (156): إسناده ضعيف، وهب بن مانوس مجهول. (¬2) رواه النسائي 2/ 224، وأحمد 3/ 162. وضعفه الألباني (157). (¬3) من (س، ل، م). (¬4) في (س، ص): يسمعه.

شيخنا ابن حجر: لا يعرف، ولم يسم (¬1). (قال: رمقت النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاته) فيه فضيلة ملاحظة العالم في صلاته وتعبداته ليقتدى به فيها، وهذا في العلماء العاملين، أما فقهاء زماننا فأكثرهم ينبغي أن لا تلاحظ أفعاله، وإن رئيت فلا يقتدى به. (فكان يتمكن) أي (¬2): (في سجوده) (¬3) من الأرض، وقد استدل به وبغيره على أنه يجب على الساجد أن يطمئن وينال (¬4) مكان سجوده ثقل (¬5) رأسه ويتحامل (¬6) بحيث لو فرض تحته حشيش أو قطن لانكبس وظهر أثره على يده لو فرضت تحت ذلك القطن (¬7). (قدر) أي: مقدار (ما يقول) القائل (سبحان الله) تعالى (وبحمده ثلاثًا) وهذا أدنى التسبيح كما سيأتي في الحديث بعده (¬8)، لكن ليس فيه وبحمده، ولا يزيد الإمام على الثلاث. [886] (حدّثنا عبد الملك بن مروان) بن قارظ (الأهوازي) وثق [قال: (حدّثنا] (¬9) أبو عامر) عبد الملك بن عمرو العقدي (¬10) مولى العقديين، ¬

_ (¬1) "تقريب التهذيب" (8578). (¬2) سقط من (م). (¬3) في "السنن": ركوعه وسجوده. (¬4) في (ص): في ... والمثبت من (س، ل، م). (¬5) في (م): بقلب. (¬6) في (م): فيحلعل. (¬7) سقط من (س، ل، م). (¬8) من (ل، م). (¬9) سقط من (م). (¬10) في (ص، س): البغدادي.

والعقديون بطن من قيس (وأبو داود) سليمان بن داود بن الجارود الطيالسي البصري (عن) محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة (بن أبي ذئب) العامري المدني. (عن إسحاق بن يزيد الهذلي) أخرج له الترمذي، وابن ماجة (عن عون بن عبد الله) بن عتبة [بن مسعود] (¬1) البجلي الكوفيِّ الزَّاهد الفقيه، أخرج له مسلم والأربعة. (عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا ركع أحدكم فليقل) في ركوعه (ثلاث مرات: سبحان ربي العظيم) فيه حجة لأحمد في الرّواية المشهورة عنه أن تسبيح الركوع والسجود واجب لأنه أمر به، والأمر يقتضي الوجوب، وهو قول إسحاق (¬2) وداود؛ لأنه فعله، وقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" (¬3)؛ ولأن مواضع هذِه الأركان أركان في الصلاة، فكان فيها ذِكر واجب كالقيام، وأجاب عما استدل به الشافعي (¬4) وغيره على عدم الوجوب بحديث المسيء صلاته (¬5) فقد جاء في رواية تعليمه ذلك وهي زيادة يجب قبولها؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعلمه كل الواجبات. (وذلك) يعني: الثلاث (أدناه) أي: أدنى في الكمال في الدعاء، ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) انظر: "المغني" 2/ 385. (¬3) سبق برقم (869). (¬4) "الحاوي الكبير" 2/ 119 - 120. (¬5) سبق برقم (856).

ويدل على هذا حديث عقبة المتقدم لما نزلت: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)} (¬1) قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اجعلوها في ركوعكم" (¬2) يعني: مرة واحدة، ولم يقل ثلاث مرات [ولا مرتين فدل على أن المراد أدنى الكمال ثلاث] (¬3)؛ لأن فيه الجمع بين (¬4) الحديثين. (وإذا سجد فليقل) في سجوده (سبحان ربي الأعلى) تقدم. وجه الحكمة في استعمال الأدنى في السجود. (ثلاثًا، وذلك أدناه) أي: أدنى الكمال كما تقدم. وفي "الإقناع" (¬5) للماوردي: يقول ثلاثًا وأدناه مرة وأكمله سبعًا (¬6). وحكاه الشيخ أبو حامد عن بعض أصحابنا، واختاره صاحب "الفروع" من أصحابنا، وهو رواية عن أحمد لما روى في "رسالته" عن الحسن البصري أنه قال: التسبيح التَّام سبع، والوسط خمس، وأدناه ثلاث (¬7). وفي "البحر" (¬8) أنه يسبح في الرّكعتين الأوليين إحدى عشر إحدى عشر، وفي الأخيرتين سبعًا سبعًا في الركوع والسجود، وذكر فيه حديثًا. (قال المصنف: هذا) الحديث (مرسل)؛ لأن (عون) بن عبد الله (لم ¬

_ (¬1) الواقعة: 74. (¬2) سبق برقم (869). (¬3) من (ل، م). (¬4) سقط من (م). (¬5) في (ص): الامتاع. والمثبت من (س، ل، م). (¬6) "الإقناع" ص 39. (¬7) انظر: "المغني" 2/ 178 - 179. (¬8) "بحر المذهب" 2/ 158.

يدرك عبد الله) بن مسعود. وكذا ذكره البخاري في "تاريخه الكبير" أنه مرسل (¬1)، والمرسل عندنا حجة إذا عضده منها قول الصحابي، أو فتوى أكثر أهل العلم، وذلك موجود ها هنا قاله الإسنوي (¬2). [887] (حدّثنا عبد الله بن محمد) بن أبي شيبة إبراهيم العبسي مولاهم الكوفي الحافظ (¬3)، قال (حدّثنا سفيان) بن عيينة الكوفيِّ قال: (حدثني إسماعيل بن أميَّة) بن عمرو بن سعيد الأموي له نحو (¬4) ستِّين حديثًا قال: (سمعت أعرابيًّا) بدويًّا، كذا للترمذي (¬5). (يقول: سمعت أبا هريرة) قال: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من قرأ منكم بالتين والزيتون) لفظ الترمذي: من قرأ {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1)} فقرأ: {أَلَيْسَ} (¬6). (فانتهى إلى آخرها {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)} فليقل: بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين) كذا للترمذي بزيادة "بلى"، وقال بعده: هذا الأعرابي لا يسمى، فيه أنه يستحب لكل من قرأ في الصلاة أو في غيرها أن يقول ذلك. وروى الإمام أحمد في مسند الزبير بن العوام، قال: سمعت رسول ¬

_ (¬1) "التاريخ الكبير" 1/ 405. (¬2) "نهاية السول" ص 278. (¬3) كذا قال، والصَّواب أنه عبد الله بن محمد الزُّهريّ. (¬4) من (ل، م). (¬5) "السنن" (3347). (¬6) السابق.

الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقرأ هذِه الآية: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)} (¬1) يقول: "وأنا على ذلك من الشاهدين" (¬2). (ومن قرأ: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1)} فانتهى إلى) قوله تعالى: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)} فليقل: بلى) زاد ابن السني [من رواية أبي هريرة أيضًا: "وأنا على ذلك من الشاهدين إن شاء الله تعالى"] (¬3) (ومن قرأ {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1)} فبلغ {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} فليقل آمنًا بالله) كذا رواه ابن السني إلا أنه قال: "فانتهى إلى آخرها" (¬4). (قال إسماعيل) بن أميَّة أحد الرواة: (ذهبت أعيد على الرجل الأعرابي وانظر) إليه (لعله) تغير حاله من الكبر، فنظر إلي (فقال: يا ابن أخي أتظن أني لم أحفظه؟ لقد حججت ستِّين حجة) لعل سبب كثر حجه أنه كان مقيمًا بمكة فتيسر الحج عليه كل سنة. (ما منها حجة إلا وأنا أعرف البعير الذي حججت عليه) في كل سنة، فيه إشارة إلى أن الحاج والمسافر يتولى خدمة دابته بنفسه من علف وسقي وتغيير رحل وغير ذلك كما كانت الصحابة تفعل، فإنَّه لم يعرف البعير هذِه المعرفة إلا وقد تولى خدمة هذِه الأبعرة بنفسه. ¬

_ (¬1) آل عمران: 18. (¬2) "مسند أحمد" 1/ 166، وذكره الهيثمي في "المجمع" 6/ 325 وقال: رواه أحمد والطبراني ... وفي أسانيدهما مجاهيل. (¬3) من (ل، م). (¬4) "عمل اليوم والليلة" لابن السني (436)، وليس فيه لفظ: إن شاء الله تعالى.

[888] (حدّثنا أحمد بن صالح) المصري (و) محمد (بن رافع) [ابن أبي زيد سابور القشيري مولاهم الزَّاهد أحد الحفَّاظ والرحالين الصنعاني (¬1) أخرج له الجماعة] (¬2) إلا ابن ماجه. (قالا: حدّثنا عبد الله بن إبراهيم بن عمر بن كيسان) أبو يزيد الصنعاني، قال أبو حاتم: صالح الحديث (¬3). وقال النسائي: ليس به بأس في كتابي أبي داود والنسائي (¬4) له هذا الحديث (¬5)، قال: (حدّثنا أبي) إبراهيم بن عمر بن كيسان الصنعاني، ثقة (¬6). (عن وهب بن مانوس) بميم ونون مضمومة (¬7) بعد الألف ثقة. (قال: سمعت سعيد بن جبير يقول: سمعت أنس بن مالك يقول: ما صليت وراء) بالمد (¬8) (أحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشبه) الناس (صلاة) بالنصب (برسول الله - صلى الله عليه وسلم -) [رواية النسائي بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬9) (من هذا الفتى يعني: عمر بن عبد العزيز) فيه فضيلة عمر بن عبد العزيز الإمام العادل أمير المؤمنين، فما أحق مثل هذا بالإمامة (فحزرنا) أي ¬

_ (¬1) من (ل). (¬2) من (ل، م). (¬3) "الجرح والتعديل" 5/ 2 - 3. (¬4) "المجتبى" 2/ 224. (¬5) انظر: "تهذيب الكمال" 14/ 273. (¬6) في (ص، س): معه. (¬7) من (م). (¬8) بياض في (ص). (¬9) سقط من (م).

قدرنا (ركوعه) لفظ النسائي: "في ركوعه" (¬1) (عشر تسبيحات، وفي سجوده عشر تسبيحات) و [هكذا رواه] (¬2) أحمد في "المسند" (¬3). وفيه حجة لمن قال: إن كمال السنة عشر تسبيحات. والمذكور في "النهاية" (¬4) و "التتمة" وغيرهما أن المنفرد يزيد في التسبيح ما أراد، وكلما زاد كان أولى، وهذا هو الأصح المختار، والأحاديث الصحيحة في تطويله - صلى الله عليه وسلم - ناطقة به (¬5). (قال أحمد بن صالح: قلت له) يعني: لشيخه الراوي عنه هو (مانوس أو مابوس) يعني: بالنون أو بالباء الموحدة. (قال) أما (عبد الرزاق) بن همام الحافظ (فيقول: مابوس) بالباء الموحدة (وأما حفظي فمانوس) بالنون، وهو المشهور كما تقدم في السند (¬6). (وهذا لفظ) محمد (بن رافع، قال أحمد) بن صالح: حدّثنا عمرو بن إبراهيم قال: حدّثنا أبي، عن وهب بن مانوس. (عن سعيد بن جبير، عن أنس بن مالك) بلفظ العنعنة فيهما ولم يصرح بالتحديث كما في الرّواية المتقدمة. * * * ¬

_ (¬1) "المجتبى" 2/ 224. (¬2) في (م): كذا رواية. (¬3) "المسند" 3/ 162. (¬4) "نهاية المطلب" 2/ 159. (¬5) كما في حديث حذيفة عن مسلم (772)، سبق برقم (874). (¬6) في (ص، س): السنن.

157 - باب أعضاء السجود

157 - باب أَعْضاءِ السُّجُودِ 889 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَسُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ قالا: حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ، عَنْ طاوُسٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "أُمِرْتُ". قال حَمّاد: أُمِرَ نَبِيُّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةٍ وَلا يَكُفَّ شَعْرًا وَلا ثَوبًا (¬1). 890 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ عَنْ طاوُسٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "أُمِرْتُ". وَرُبَّما قال أُمِرَ نَبِيُّكُم - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ آرابٍ (¬2). 891 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا بَكْرٌ -يَعْنِي ابن مُضَرَ- عَنِ ابن الهادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْراهِيمَ، عَنْ عامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ العَبّاسِ بْنِ عَبْدِ المطَّلِبِ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقُولُ: "إِذا سَجَدَ العَبْدُ سَجَدَ مَعَهُ سَبْعَةُ آرابٍ، وَجْهُهُ وَكفّاهُ وَرُكبَتاهُ وَقَدَماهُ" (¬3). 892 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ -يَعْنِي: ابن إِبْراهِيمَ- عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ رَفَعَهُ قال: "إِنَّ اليَدَيْنِ تَسْجُدانِ كما يَسْجُدُ الوَجْهُ فَإِذا وَضَعَ أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ فَلْيَضَعْ يَدَيْهِ وَإذا رَفَعَ فَلْيَرْفَعْهُما" (¬4). * * * باب أعضاء السجود [889] (حدّثنا مسدد وسليمان بن حرب) الواشحي البصري قاضي ¬

_ (¬1) رواه البخاري (809)، ومسلم (490). (¬2) رواه البخاري (810)، ومسلم (490/ 228) وليس عندهما لفظ: آراب. (¬3) رواه مسلم (491). (¬4) رواه مالك 1/ 163، والنسائي 2/ 207، وأحمد 2/ 6. وصحَّحه الألباني في "الإرواء" (313).

مكة شيخ البخاري (قالا: حدّثنا حماد بن زيد (¬1)، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أمرت، وقال حماد) بن زيد (أمر) مبني للمفعول (نبيكم - صلى الله عليه وسلم -) ورواية مسلم: "أمرت" (¬2). من غير اختلاف. (أن يسجد على سبعة) أعظم، كذا لمسلم، أي أعضاء، فسمى كل عضو عظمًا، وإن كان (¬3) فيه عظام كثيرة (ولا يكف) وفي رواية الصحيحين (¬4): "ولا نكفت". بزيادة المثناة آخره، والكف والكفت معناهما الجمع والضم (شعرًا ولا ثوبًا) والمراد أنه لا يجمع شعره ولا ثوبه، وظاهره أن النهي عنه إنما هو في حال الصلاة، وإليه جنح الداودي (¬5) وذلك لأنه شغل في الصلاة لم تدعو (¬6) إليه حاجة أو لأنه يرفع ثوبه وشعره عن مباشرة الأرض في السجود فيكون ذلك كبرًا. وذهب الداودي إلى (¬7) أن ذلك لمن فعله في الصلاة. قال عياض (¬8): ودليل الآثار وفعل الصحابة يخالفه؛ فإن الجمهور كرهوا ذلك للمصلي، سواء فعله في الصلاة أو قبل ذلك، واتفقوا ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): سلمة. (¬2) "صحيح مسلم" (490/ 228). (¬3) من (م). (¬4) "صحيح البخاري" (812)، "صحيح مسلم" (490) (230). (¬5) في (م): الداروردي. (¬6) في (ل، م): يرهو. وفي (س): يرهق. (¬7) من (ل، م). (¬8) "إكمال المعلم" 2/ 406.

على أنه لا يفسد الصلاة لكن حكى ابن المنذر عن الحسن وجوب الإعادة (¬1) قيل: والحكمة في ذلك أنه إذا رفع ثوبه وشعره عن مباشرة الأرض أشبه المتكبر (¬2). [890] (حدّثنا محمد بن كثير) العبدي شيخ البخاري. قال: (أخبرنا شعبة، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس) - رضي الله عنهما - (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أمرت، وربما قال أمر) على البناء لما لم يسم فاعله، وكذا جميع روايات البخاري. (نبيكم) والمراد بفاعله هو الله تعالى، قال البيضاوي: عرف ذلك بالعرف، وذلك يقتضي الوجوب قيل: وفيه نظر؛ لأنه ليس فيه صيغة، وهذا محتمل للخصوصية (¬3). ولكن في رواية للبخاري ما يقتضي العموم، وهو من رواية شعبة عن عمرو بن دينار أيضًا (¬4)، وعرف بهذا أن ابن عباس تلقاه عن النّبي - صلى الله عليه وسلم - إما سماعًا أو بلاغًا عنه (¬5). وفي لفظ لمسلم (¬6): "إذا سجد العبد (¬7) ". كما سيأتي في الرِّواية الآتية، وهذا يرجح أن النون في أمرنا نون الجمع. ¬

_ (¬1) "الأوسط" 3/ 348. (¬2) انظر: "فتح الباري" 2/ 345. (¬3) انظر: "فتح الباري" 2/ 345. (¬4) "صحيح البخاري" (810). (¬5) في (ص): منه. (¬6) "صحيح مسلم" (491). (¬7) في (ص): يعيد. وفي (س): للبعيد.

(أن يسجد على [سبعة آراب]) (¬1) بالمد جمع إرب بكسر أوله وإسكان ثانيه، وهو العضو أيضًا. [891] (حدّثنا قتيبة بن سعيد) قال: (حدّثنا بكر بن مضر) بن محمد بن حكيم بن سلمان القرشي المصري، مولى شرحبيل بن حسنة، أخرج له الشيخان. (عن) يزيد بن عبد الله بن أسامة (ابن الهاد) أخرج له مسلم (عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث التَّيميّ القرشي المدني (¬2)، أخرج له مسلم. (عن عامر بن سعد) بن أبي وقاص، واسمه: مالك القرشي الزُّهريّ. (عن العباس بن عبد المطلب أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب: الجبهة) (¬3) فيه دلالة على أن الجبهة الأصل في السجود وأن الأنف تبع له. وقد اختلف العلماء فيمن اقتصر على إحداهما دون الأخرى على ثلاثة أقوال: الإجزاء ونفيه (¬4)، والتفرقة؛ فإن اقتصر على الجبهة أجزأه، وإن اقتصر على الأنف لم يجزه، وهذا مذهب الشافعي قال القرطبي: وهو مشهور مذهبنا (¬5). ¬

_ (¬1) في (ص): سبع أرابة. (¬2) في (ل، م): المديني. (¬3) كذا في هذه النسخة، وهو موافق لما عند الطبري في "تهذيب الآثار" (399) ورواية "سنن أبي داود" المطبوعة: وجهه. (¬4) في (ص): بنفيه. (¬5) "المفهم" 2/ 94.

وفي هذِه الأحاديث الأمر بالسجود على السبعة الأعضاء، فدل هذا الظاهر على أن من أخل بعضو من تلك الأعضاء مع تمكنه (¬1) من ذلك لم يفعل السجود المأمور (¬2) به (¬3)، قال النووي (¬4): أظهر القولين عند الشافعي وجوب وضع هذِه الأعضاء؛ للأمر به (¬5). والقول الثاني: لا يجب، لأنه لو وجب وضعها لوجب الإيماء بها عند العجز، وتقريبها من الأرض كالجبهة (وكفاه) ولا يجب كشفهما، وفي قول: يجب كشفهما (وركبتاه) ويكفي وضع جزء منهما (وقدماه) والمراد به (¬6) بطون أصابعهما فلا يجزئ الظهر منهما (¬7) ولا الحرف، قاله الإسنوي، وقيل: يجوز السجود على ظهر القدمين، حكاه في "شرح المهذب" (¬8). * * * ¬

_ (¬1) في (ص، ر، ل): تمكينه. (¬2) في (م): المأخوذ. (¬3) "المفهم" 2/ 94. (¬4) "شرط النووي" 4/ 208. (¬5) من (س، م). (¬6) سقط من (م). (¬7) في (ص): منها. (¬8) 3/ 404.

159 - باب السجود على الأنف والجبهة

159 - باب السُّجُودِ عَلَى الأَنْفِ والجَبْهَةِ 894 - حَدَّثَنا ابن المُثَنَّى، حَدَّثَنا صفوانُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنا مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رُئِيَ عَلَى جَبْهَتِهِ وَعَلَى أَرْنَبَتِهِ أثَرُ طِينٍ مِنْ صَلاةٍ صَلاها بِالنّاسِ (¬1). 895 - حَدَّثَنا محَمَّد بْن يَحْيَى، حَدَّثَنا عَبْد الرَّزّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، نَحْوَه (¬2). * * * باب السجود على الأنف والجبهة [894] (حدّثنا) محمد (بن المثني) قال (حدّثنا صفوان بن عيسى) القرشي الزُّهريّ، استشهد به البخاري في "الصحيح" (¬3)، و [روى له] (¬4) في "الأدب" (¬5) وروي له الباقون قال (حدّثنا معمر) بن راشد أبو عروة البصري الأزدي مولى عبد السلام بن عبد القدوس (عن يحيى بن أبي كثير) أبي (¬6) نصر اليمامي مولى طيء وأحد الإعلام. (عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف، الزُّهريّ (عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رُئي) (¬7) بضم الراء مبني للمفعول ¬

_ (¬1) رواه البخاري (669)، ومسلم (1167). (¬2) انظر تخريج الحديث السابق. (¬3) عقب حديث (6412). (¬4) في (ص، س): رواية. (¬5) "الأدب المفرد" (124، 1007، 1190، 1237). (¬6) في (م): بن. (¬7) في (ص): روى.

والفاعل أبو سعيد الخدري كما سيأتي (على جبهته وعلى أرنبته) وأرنبة الأنف طرفه، ورواية مسلم (¬1): روثة (¬2) أنفه بالثاء المثلثة، وهي طرفها أيضًا. (أثر طين) احتج بهذا الحديث على أن السنة للمصلي أن لا يمسح جبهته في الصلاة، وكذلك قال العلماء: يستحب أن لا يمسحها في الصلاة. قال النواوي (¬3): وهذا محمول على أنه كان شيئًا يسيرًا لا يمنع مباشرة بشرة (¬4) الجبهة للأرض، فأنه لو كان كثيرًا بحيث يمنع ذلك لم يصح سجوده بعده عند الشافعي وموافقيه [في منع] (¬5) السجود على حائل متصل به (¬6). [وروى (¬7) الطبراني في "الكبير" عن واثلة بن الأسقع قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يمسح الرجل جبهته حتى (¬8) يفرغ من صلاته، فإن الملائكة تصلي عليه ما دام أثر السجود بين عينيه] " (¬9) (¬10) (من صلاة صلاها بالنَّاس) وهذِه الصلاة هي صلاة الصبح، صلاها في ليالي رمضان وسيأتي في ليلة ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1167) (215). (¬2) في (ص): رواية. (¬3) من (م). (¬4) من (م). (¬5) سقط من (م). (¬6) "شرح النووي" 8/ 61. (¬7) في (م): رواه. (¬8) في (م): حين. (¬9) جاءت هذه العبارة في (م) بعد قوله: في الصلاة. (¬10) "المعجم الكبير" 22/ 56 (134).

القدر في (¬1) باب من قال: هي ليلة إحدى وعشرين من حديث أبي سعيد أيضًا: "من اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر، وقد أريت هذِه الليلة، ثم أنسيتها، وقد رأيتني أسجد في صبيحتها (¬2) في ماء وطين" قال أبو سعيد: فأبصرت النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى جبهته وأنفه (¬3) أثر الماء والطين في صبيحة إحدى وعشرين (¬4). [895] قال المصنف: (حدّثنا محمد بن يحيى) بن فارس الذهلي شيخ البخاري، قال: (حدّثنا عبد الرزاق، عن معمر) بن راشد، عن يحيى بن أبي كثير .. إلى آخر الحديث. * * * ¬

_ (¬1) في (ص، س): من. (¬2) في (ل، م): صبحها. (¬3) سقط من (م). (¬4) سيأتي برقم (1382).

160 - باب صفة السجود

160 - باب صِفة السجودِ 896 - حَدَّثَنا الرَّبِيعُ بْنُ نافِعِ أَبُو تَوْبَةَ، حَدَّثَنا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحاقَ قال: وَصَفَ لَنا البَراءُ بْنُ عازِبٍ فَوَضَعَ يَدَيْهِ واعْتَمَدَ عَلَى ركْبَتَيْهِ وَرَفَعَ عَجِيزَتَه وقال: هَكَذا كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يسْجُدُ (¬1). 897 - حَدَّثَنا مُسْلِمٌ بْن إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "اعْتَدِلُوا فِي السجودِ وَلا يَفْتَرِشْ أَحَدُكُمْ ذِراعَيهِ افْتِراشَ الكَلْبِ" (¬2). 898 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَمِّهِ يَزِيدَ بْنِ الأصَمِّ، عَنْ مَيْمونَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إِذا سَجَدَ جافَى بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى لَوْ أَنَّ بَهْمَةً أَرادَتْ أَنْ تَمُرَّ تَحْتَ يَدَيْهِ مَرَّتْ (¬3). 899 - حَدَّثَنا عَبْد اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا أَبُو إِسْحاقَ، عَنِ التَّمِيمِي الذِي يحدِّثُ بِالتَّفْسِيرِ، عَنِ ابن عَبّاسٍ، قال: أَتَيْتُ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - مِنْ خَلْفِهِ فَرَأَيْتُ بَياضَ إِبْطَيْهِ وَهُوَ مجخٍّ قَدْ فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ (¬4). 900 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا عَبّادُ بْن راشِدٍ، حَدَّثَنا الْحَسَنُ، حَدَّثَنا أَحْمَرُ بْنُ جَزْءٍ صاحِبُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إِذا سَجَدَ جافَى عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، حَتَّى نَأْوِيَ لَهُ (¬5). ¬

_ (¬1) رواه النسائي 2/ 212، وأحمد 4/ 303، وابن خزيمة (646)، والبيهقيّ 2/ 115. وضعفه الألباني (158). (¬2) رواه البخاري (532)، ومسلم (493). (¬3) رواه مسلم (496). (¬4) رواه أحمد 1/ 267، والحاكم 1/ 228، والبيهقيّ 2/ 115. وصحَّحه الألباني في "صحيح أبي داود" (836). (¬5) رواه ابن ماجه (886)، وأحمد 4/ 342. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (837).

901 - حَدَّثَنا عَبْد الْمَلِكِ بْن شعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنْ دَرّاجٍ، عَنِ ابن حُجَيْرَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلا يَفْتَرِشْ يَدَيْهِ افْتِراشَ الكَلْبِ، وَلْيَضُمَّ فَخِذَيْهِ" (¬1). * * * باب كيف السجود [896] (حدّثنا الربيع بن نافع أبو توبة) الحلبي، أخرج له الشيخان، قال: (حدّثنا شريك) بن عبد الله النَّخعيّ. (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (قال: وصف) بفتح الواو، والصاد (¬2) المهملة (لنا البراء بن عارب) - رضي الله عنهما - سجود رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (فوضع يديه) أي: كفَّيه على الأرض (واعتمد على ركبتيه) أي: وبطون راحة يديه، ويتحامل على يديه وركبتيه بحيث ينكبس (¬3) ما يسجد عليه، قال أصحابنا وغيرهم: يستحب أن يفرق بين ركبتيه وقدميه قدر شبر (ورفع عجيزته) العجيزة جمعها عجيزات، وهي ¬

_ (¬1) رواه ابن خزيمة 1/ 328 (653)، وابن حبان 5/ 245 (1917)، والبيهقيّ 2/ 115. صحَّحه الألباني في "صحيح أبي داود" (837/ 2)، وهذا الحديث من تراجعات الألباني؛ حيث ضعفه في "ضعيف أبي داود" (159)، ثم تراجع وصحَّحه في هذا الموضع، قال: قلت: هذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات رجال مسلم، غير دراج، وهو ضعيف، ثم تبيّن لي فيما بعد أنه مستقيم الحديث فيما رواه عن ابن حجيرة، ضعيف فيما رواه عن أبي الهيثم في بحث تراه في "الصحيحة"، فلينقل هذا إلى الصحيح هنا. (¬2) سقط من (س، ل، م). (¬3) في (م): ينكس.

مختصة بالمرأة، والعجز من كل شيء آخره استدل به أصحابنا على أنه يجب في السجود رفع أسافله على أعاليه وهو الأصح، والثَّاني ونقله الرافعي في ["شرح المسند" عن] (¬1) النص: أنه يجوز مساواتها؛ لحصول اسم السجود ويحمل هذا الحديث على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين في سجوده الهيئة الفاضلة، فلو لم يرتفع لحصل السجود، وإذا كان مسمى السجود قد حصل (¬2). (وقال: هكذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسجد) رواية ابن حبان: يفعل مكان يسجد، وبوب عليه ذكر الاستحباب للمرء أن يرفع العجيزة عن الساقين والقدمين في سجوده (¬3). [897] (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي، شيخ البخاري، قال: (حدّثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أعتدلوا في السجود) أي: كونوا متوسطين بين الافتراش والقبض، قال ابن دقيق العيد: لعل المراد بالاعتدال هنا وضع هيئة السجود على وفق الأمر؛ لأن الاعتدال الحسي المطلوب في الركوع لا يتأتى هنا فإنَّه هنا استواء الظهر والعنق، والمطلوب هنا ارتفاع الأسافل على الأعالي (¬4). (ولا يفترش أحدكم ذراعيه) هي بمعنى يبتسط (¬5) أحدكم ذراعيه، في ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) انظر: "المجموع" 3/ 435 - 436. (¬3) لم أقف عليه عند ابن حبان، ولفظ: (يفعل) رواه النسائي 2/ 212، وابن خزيمة (646). (¬4) "إحكام الأحكام" 1/ 165. (¬5) في (ص، ل): يبسط.

"الصحيح" بتاء مثناة فوق بعد الباء الموحدة (¬1)؛ ولهذا بَوَّب البخاري على هذا الحديث: باب لا يفترش ذراعيه في السجود، ولم يذكر هذِه الرِّواية، بل رواية: "لا يبسط" (¬2) (¬3)، وهذِه إحدى الروايات الثلاث، وفيه روايتان أخريان: إحداهما: "ينبسط" بتقديم النون على الباء الموحدة (¬4)، ورواية ثالثة: يبسط بموحدة ساكنة فقط وعليها (¬5) اقتصر صاحب "العمدة" (¬6) قلت: ويحتمل أن [يكون افتعل هنا] (¬7) بمعنى فعل المجرد أي: لا يفرش أحدكم ذراعيه ويبسطهما على الأرض أي: لا يجعل يديه على الأرض كالفراش والبساط. قال القرطبي: ولا شك في كراهة هذِه الهيئة (¬8)، ولا في استحباب نقيضها، وهو التجنيح الوارد في فعله - صلى الله عليه وسلم -، وهو التفريج والتخوية، والحكمة في كراهة هذِه الهيئة واستحباب نقيضها التخوية، أن التخوية يعتمد فيها على يديه فيخف اعتماده على وجهه الذي هو أشرف الأعضاء، ولا يتأذى بملاقاة الأرض، فيحصل له التشويش في صلاته، بخلاف ما إذا بسط يديه فإنَّه يكون اعتماده على وجهه، ¬

_ (¬1) هذه رواية الحموي لـ "صحيح البخاري"، انظر: "فتح الباري" 2/ 302. (¬2) في (س، م): يتبسط. (¬3) "صحيح البخاري" (822). (¬4) هذه رواية ابن عساكر لـ "صحيح البخاري"، انظر: "فتح الباري" 2/ 302. (¬5) هذه رواية الأكثرين لـ "صحيح البخاري"، انظر: "فتح الباري" 2/ 302. (¬6) في (م): عليهما. (¬7) في (ص): أفعل هذا. وفي (س): افتعل هذا. (¬8) في (م): الأرض.

وحينئذ يتأذى ويخاف عليه التشويش (¬1). (افتراش الكلب) فيه النهي عن التشبه بالحيوانات، كما تقدم في بروك البعير (¬2)، ونقرة الغراب (¬3). [898] (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عبيد الله) مصغر (بن عبد الله) بن الأصم، كذا لمسلم (¬4) (عن عمه يزيد بن الأصم) العامري أبي عوف (عن) خالته (ميمونة) بنت الحارث، زوج النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سجد جافى بين يديه) ولمسلم من (¬5) رواية جعفر بن ربيعة: إذا سجد فرج (¬6) يديه عن إبطيه (¬7). ومعنى جافى: باعد، والمراد أنه فرق بين يديه وجنبيه، بحيث تقدر السخلة أن تمر بين يديه وجنبيه. قال ابن المنير في "الحاشية": الحكمة فيه أن يظهر كل عضو بنفسه ولا يعتمد بعض الأعضاء على بعض [وهذا ضد ما ورد في الصفوف من التصاق بعضهم ببعض] (¬8) لأن المقصود هنالك (¬9) الاتحاد بين المصلين، ¬

_ (¬1) "المفهم" 2/ 96. (¬2) سبق برقم (840). (¬3) سبق برقم (862). (¬4) (496). (¬5) من (م). (¬6) زاد في (ص، س): بين. (¬7) "صحيح مسلم" (495/ 236). (¬8) سقط من (م). (¬9) في (ص، س): هنا.

حتى كأنهم جسد واحد (¬1) (¬2) (حتى لو أن بهمة) بفتح الباء وسكون الهاء (أرادت أن تمر بين يديه مرت) والبهمة من أولاد الغنم، يقال ذلك للذكر والأنثى وجمعه بهم. قال ابن خالويه: جمع البهم بهام (¬3). وهذا الحديث يدل على شدة رفع بطنه عن الأرض، وهذا حكم الرجال، وأما النساء فيستحب لهن الانضمام والاجتماع، وخيرهن الكوفيُّ بين الانفراج والانضمام. [899] (حدّثنا عبد الله بن محمد) بن علي بن نفيل القضاعي، أحد أئمة الحديث، أخرج له البخاري والأربعة، قال: (حدّثنا زهير) بن محمد التميمي المروزي (¬4) نزل الشَّام، قال: (حدّثنا أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي الهمداني (عن التميمي الذي يحدث بالتفسير) يقال: اسمه أربد بالراء المهملة ساكنة والباء الموحدة، ويقال: أربدة لم يرو عنه إلا أبو إسحاق فقط، قيل: والمنهال وهو صدوق (¬5). (عن ابن عباس) - رضي الله عنهما - قال: (أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - من خلفه) وهو يصلِّي (فرأيت بياض إبطيه) قال ابن التين: فيه دليل على أنه لم يكن عليه قميص؛ لانكشاف إبطيه. وتعقب باحتمال أن يكون القميص واسع الأكمام، فقد روى الترمذي في "الشَّمائل" عن أم سلمة قالت: كان ¬

_ (¬1) في (م): جسدًا واحدًا. (¬2) "فتح الباري" 2/ 343. (¬3) "القاموس المحيط" 1/ 1398. (¬4) قلت: بل هو: زهير بن معاوية بن حديج، فهو شيخ عبد الله بن محمد النوفلي. وانظر: "شرح سنن أبي داود" للعيني 4/ 120. (¬5) انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 310 - 311.

أحب الثياب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - القميص (¬1) أو أراد [الراوي أن موضع] (¬2) بياضهما لو لم يكن عليه ثوب لرئي (¬3). قاله القرطبي (¬4)، واستدِل به على أن إبطيه لم يكن عليهما شعر، وفيه نظر؛ فقد حكى المحب الطبري في الاستسقاء في "الأحكام" له أن من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - أن الإبط من جميع الناس متغير اللون غيره (¬5). (وهو مجخ) بضم الميم وفتح الجيم وتشديد الخاء المعجمة [كذا ذكره] (¬6) الدارقطني وغيره. قال ابن الأثير: المجخ الذي فتح عضديه (¬7) عن جنبيه وجافاهما عنهما (¬8). وهذا هو الأشهر ويروى: كان إذا سجد (¬9) جخى (¬10)، وهو بمعناه مثل صَلَّى فهو مصلي. قال الجوهري: جخى في سجوده، أي: خوى ومد ضبعيه (¬11)، وتجافى عن الأرض وجخى الشيخ أنجخى (¬12) قال الشَّاعر: ¬

_ (¬1) "الشَّمائل" (54). (¬2) في (ص): الرائي أن يرى مواضع. (¬3) انظر: "فتح الباري" 2/ 294 - 295. (¬4) "المفهم" 2/ 97. (¬5) "فتح الباري" 2/ 295. (¬6) في (ص، س، ل): قال. (¬7) في (ص): عقبيه. وفي (س): عصبته. (¬8) "النهاية": جخا. (¬9) في (م): سج. (¬10) رواه النسائي "2/ 212، وابن خزيمة (647). (¬11) بياض في (ص، س). (¬12) في (ص، س، ل): انحنى.

لا خير في الشيخ إذا ما جخَّى (¬1) والضبع بسكون الموحدة العضد (¬2) (قد فرج) بتشديد الراء (يديه) أي عن إبطيه كما تقدم، عن رواية مسلم (¬3). [900] (حدّثنا مسلم (¬4) بن إبراهيم) الفراهيدي، قال (حدّثنا عباد بن راشد) التميمي البصري البزار، أخرج له البخاري. (عن الحسن) البصري قال (حدّثنا أحمر) بسكون الحاء المهملة وراء آخره (بن جزء) بفتح الجيم وسكون الزاي المخففة بعدها همزة السدوسي (صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سجد جافى) أي: باعد (جنبيه عن عضديه) بفتح العين وضم الضَّاد على أفصح اللغات الخمس، وبضمتين في لغة الحجاز، وقرأ بها الحسن في قوله تعالى: {وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} (¬5) (¬6) أي: معتمدًا على الاستعارة من العضد المذكور، وهو ما بين المرفق إلى الكتف (¬7) (حتى نأوي) (¬8) [بنون وهمزة ساكنة، أي: نرق] (¬9). وفي حديث آخر: كان يصلِّي [حتى آوى] (¬10) (له) أي: أرق له وأرني، ومنه حديث المغيرة: تأوي من قلة (¬11). أي: لا ترحم زوجها ¬

_ (¬1) "الصحاح" 6/ 2298 - 2299. (¬2) بياض في (ص)، وفي (ل): الضبع. (¬3) سبق تخريجه. (¬4) في (م): علي. (¬5) الكهف: 51. (¬6) انظر: "إعراب القرآن" للنحاس 2/ 280. (¬7) في (ص، س، ل): الكف. (¬8) في (م): خاوى. (¬9) سقط من (م). (¬10) في (م): حناء أرى. (¬11) رواه ابن عساكر في "تاريخه" 60/ 56.

ولا ترق له عند الإعدام. [901] (حدّثنا عبد الملك بن شعيب بن اللَّيث) الفهمي، أخرج له مسلم قال: (حدّثنا) عبد الله (ابن وهب) الفهري قال: (أخبرني اللَّيث) ابن سعد الفهمي. (عن دراج) بفتح (¬1) الدال وتشديد الراء، ابن سمعان، قال الصغاني: قد سموا سمعان مثل عمران، والعامة تفتح السين، ومنه دير سمعان (¬2)، وثقه ابن معين (¬3). (عن) عبد الرحمن (بن حجيرة) بضم الحاء المهملة مصغر، الخولاني أخرج له مسلم. (عن أبي هريرة، أن (¬4) النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا سجد أحدكم فلا يفترش ذراعيه افتراش الكلب) تقدم (وليضم فخذيه) كذا ذكره ابن حبان من غير ذكر الافتراش وبوب عليه: باب (¬5) الاستحباب للمرء أن يضم الفخذين في سجوده (¬6)، ولعل هذا للمرأة، أما الرجل فإنَّه يفرق بين ركبتيه كما ذكره الرافعي (¬7) وغيره لحديث أبي حميد الساعدي المتقدم في باب افتتاح الصلاة، ولفظه: وإذا سجد فرج بين فخذيه (¬8). * * * ¬

_ (¬1) في (م): براء. (¬2) انظر: "المصباح المنير" 1/ 289. (¬3) "تاريخ ابن معين" رواية الدوري 4/ 413 (5039)، "تهذيب الكمال" 8/ 478. (¬4) في (س، ل، م): عن. (¬5) في (ل، م): ذكر. (¬6) "صحيح ابن حبان" (1917)، لكنَّه ذكر الافتراش في باب ذكر الأمر بضم الفخذين عند السجود للمصلي. (¬7) "الشرح الكبير" 2/ 525. (¬8) تقدم برقم (735).

161 - باب الرخصة في ذلك للضرورة

161 - باب الرُّخْصَةِ فِي ذَلِك لِلضَّرُورةِ 902 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنِ ابن عَجْلانَ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: اشْتَكَى أَصْحابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَشَقَّةَ السُّجُودِ عَلَيْهِم إِذا انْفَرَجُوا فَقال: "اسْتَعِينُوا بِالرُّكبِ" (¬1). * * * باب الرخصة في ذلك [902] (حدّثنا قتيبة بن سعيد) قال: (حدّثنا اللَّيث) بن سعد (عن) محمد (ابن عجلان) المدني الفقيه الصالح، قال الحاكم: خرج له مسلم ثلاثة عشر حديثًا كلها في الشواهد (¬2). (عن سمي، عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة قال: اشتكى أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -[إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -] (¬3) مشقة السجود عليهم إذا انفرجوا) أي فرجوا أيديهم (¬4) عن آباطهم في السجود، كما تقدم (فقال: استعينوا بـ) وضع المرفقين على (الركب) كذا رواه ابن حبان (¬5) من غير ذكر الانفراج، وبوب عليه: ذكر الإباحة للمرء أن يستعين ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (286)، وأحمد 2/ 339. قال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجه. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (160). (¬2) "سير أعلام النبلاء" 6/ 320. (¬3) من (م). (¬4) في (م): أبدانهم. (¬5) "صحيح ابن حبان" (1918).

بالركب في الاعتماد بالمرفقين عليهما (¬1) عند ضعف أو كبر سن، وهذا في الرجل، أما المرأة فتضم بعضها إلى بعض من غير عذر؛ لأنه عليه السلام مر على امرأتين تصليان فقال: "إذا سجدتما فضما بعض اللحم إلى الأرض" عزاه البيهقي للمصنف وقال: إنه منقطع (¬2). والخنثى كذلك لاحتمال أنها امرأة. ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): عليها. (¬2) "السنن الكبرى" 2/ 223، وهو عند أبي داود في "المراسيل" ص 117 (87) عن يزيد بن أبي حبيب.

162 - باب في التخصر والإقعاء

162 - باب فِي التَّخَصُّرِ والإِقْعاءِ 903 - حَدَّثَنا هَنّادُ بْنُ السَّرِيِّ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زِيادٍ، عَنْ زِيادِ بْنِ صُبَيْحٍ الحنَفِيِّ، قال: صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ ابن عُمَرَ فَوَضَعْتُ يَدَيَّ عَلَى خاصِرَتَيَّ فَلَمّا صَلَّى قال: هذا الصَّلْبُ فِي الصَّلاةِ وَكانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَى عَنْهُ (¬1). * * * باب التخصير والإقعاء [903] (حدثنا هناد بن السري) التميمي الدارمي الحافظ الزاهد، شيخ مسلم والأربعة (عن وكيع) بن الجراح أحد الأعلام (عن سعيد بن زياد) الشيباني المكي قال ابن معين: صالح. (¬2) له عند المصنف والنسائي هذا الحديث (¬3). (عن زياد (¬4) بن صبيح) بضم الصاد المهملة وفتح الباء الموحدة مصغر (الحنفي) (¬5) المكي تابعي ثقة. (قال: صليت إلى جنب) عبد الله (ابن عمر - رضي الله عنهما - فوضعت يدي على خاصرتي) رواية النسائي على خصري (¬6)، والخصر من الإنسان وسطه ¬

_ (¬1) رواه النسائي 2/ 127، وأحمد 2/ 30، 106. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (838). (¬2) في "تاريخ ابن معين" رواية الدوري ص 119: ثقة. (¬3) "الجرح والتعديل" 4/ 22، "تهذيب الكمال" 10/ 440. (¬4) في (ص، س، ل): زيادة. (¬5) في (ص، س، ل): النخعي. (¬6) "المجتبى" 2/ 127.

وهو المستدق فوق الوركين، والخاصرة هي الشاكلة والطفطفة (فلما صلى) رواية النسائي: فوضعت يدي على خصري فقال هكذا ضربة (¬1) بيده، فلما صليت قلت لرجل: من هذا؟ قال: عبد الله بن عمر. قلت: يا أبا عبد الرحمن ما رابك مني؟ (¬2) (قال: ) إن (هذا) هو (الصلب) بفتح الصاد وإسكان اللام. قال ابن الأثير: هو الذي يضع يديه على خاصرتيه، ويجافي بين عضديه في القيام (¬3). وفي "الإحياء" للغزالي يفسره بهذا (¬4) (وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن ذلك) (¬5). وفي حكمة النهي عنه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه فعل المتكبرين (¬6)، والثاني: إنه فعل الكفار وهم اليهود والنصارى، كما سيأتي في باب الاختصار في الصلاة، والثالث: فعل الشيطان، وحكى النووي في "شرح مسلم" أن إبليس هبط من الجنة وهو كذلك، وفيه النهي عن التشبه بما فعل إبليس (¬7). * * * ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) سبق تخريجه. (¬3) "النهاية: (صلب). (¬4) "إحياء علوم الدين" 1/ 157. (¬5) رواه النسائي 2/ 127، وأحمد 2/ 30 من طريق سعيد به. وقال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (838): إسناده صحيح. (¬6) في (م): المستكبرين. (¬7) "شرح النووي" 5/ 36.

163 - باب البكاء في الصلاة

163 - باب البُكاءِ فِي الصَّلاةِ [904]- حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ، حَدَّثَنا يَزِيدُ -يَعْنِي: ابن هارُونَ- أَخْبَرَنا حَمّادٌ -يَعْنِي: ابن سَلَمَةَ- عَنْ ثابِتٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ قال: رأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي وَفِي صَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الرَّحَى مِنَ البُكاءِ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). * * * باب البكاء في الصلاة [904] (حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن سلام) بتشديد اللام، ابن ناصح الطرسوسي، وثقه النسائي (¬2)، قال: (حدثنا يزيد بن هارون) أبو خالد السلمي، كان يصلي الضحى ست عشرة ركعة، وقد عمي، قال: (حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن مطرف) بن عبد الله التابعي (عن أبيه) عبد الله بن الشخير بن عوف الحرشي، والحرش بطن من بني عامر، صحابي يعد في البصريين. (قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي وفي صوته) بالقراءة (أزيز) قال في "النهاية" أي: خنين من الخوف بالخاء المعجمة، وهو صوت البكاء، وقيل: هو (¬3) أن يَجِيش جوفُه ويغلي من البكاء. وفي الحديث ¬

_ (¬1) رواه النسائي 3/ 13، وأحمد 4/ 25، وابن خزيمة (900)، وابن حبان في "صحيحه" (665)، والحاكم 1/ 264. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (839). (¬2) "المعجم المشتمل" (540)، "تهذيب الكمال" 17/ 392. (¬3) سقطت من (ص، س).

فإذا المسجد يتأزز (¬1). أي: يموج فيه الناس، مأخوذ من حديث (كأزيز) المرجل (¬2)، بكسر الميم [وسكون الراء] (¬3) وفتح الجيم، قدر من نحاس، وقد يطلق على كل قدر يطبخ فيها، ولعله المراد في الحديث فإن غالب قدورهم كانت برامًا والنحاس قليل، والمرجل رواية النسائي (¬4). (الرحى) مقصور، هي الطاحون، ويجوز كتابتها بالألف والياء؛ لأن تثنيته كما قال ابن السكيت رحيان ورحوان (¬5). قال الزجاج: الرحى أنثى والجمع أرحاء، ولا يجوز: أرحية؛ لأن أرحية (¬6) جمع الممدود، وليس في المقصور شيء يجمع على أفعلة، وجوزه بعضهم ومنعه أبو حاتم، وقال: هو خطأ (¬7). (من البكاء) فيه دليل على أن البكاء لا يبطل الصلاة سواء ظهر منه حرفان أم لا، وقد تقدم حكايته عن النص (¬8)، وقيل: إن كان بكاؤه من خشية الله تعالى لم تبطل، وهذا الحديث يدل عليه. ويدل عليه أيضًا ما رواه ابن حبان بسنده إلى علي بن أبي طالب قال: ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 16، والطبراني في "المعجم الكبير" 7/ 189 (6797). (¬2) "النهاية": (أزز). (¬3) سقط من (ل، م). (¬4) "سنن النسائي" 3/ 13. (¬5) انظر: "إصلاح المنطق" ص 164، "المخصص" لابن سيده 4/ 35. (¬6) في (م): راحية. (¬7) انظر: "تاج العروس" (رحى). (¬8) في (ص): النفس.

ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد، ولقد رأيتنا وما فينا قائم إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح (¬1). وبوب عليه: ذكر الإباحة للمرء أن يبكي في صلاته إذا كان من خشية الله تعالى، ويؤيده ما رواه المصنف أن النبي - صلى الله عليه وسلم -] (¬2) نفخ في صلاة الخوف وبكى (¬3). * * * ¬

_ (¬1) "صحيح ابن حبان" (2257). (¬2) من (ل، م). (¬3) رواه النسائي 3/ 137، وأحمد 2/ 159 من حديث عبد الله بن عمرو. لكنه في ذكر صلاة الكسوف، وليس صلاة الخوف.

164 - باب كراهية الوسوسة وحديث النفس في الصلاة

164 - باب كَراهِيَةِ الوَسْوَسَةِ وَحَدِيثِ النَّفْسِ فِي الصَّلاةِ [905]- حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنا هِشامٌ -يَعْنِي: ابن سَعْدٍ- عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطاءِ بْنِ يَسارٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خالِدٍ الجُهَنِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَينِ لا يَسْهُو فِيهِما غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" (¬1). [906]- حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا زَيْدُ بْن الحُبابِ، حَدَّثَنا مُعاوِيَةُ بْنُ صالِحٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الخوْلانِيِّ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ الحَضْرَمِيِّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ الجُهَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الوُضُوءَ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يُقْبِلُ بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ عَلَيْهِما إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ" (¬2). * * * باب كراهية حديث النفس بالوسوسة في الصلاة [905] (حدثنا أحمد بن حنبل) قال: (حدثنا عبد الملك بن عمرو) القيسي، أبو عامر العقدي، قال: (حدثنا هشام بن سعد) القرشي المدني مولى لآل أبي لهب بن عبد المطلب، أخرج له مسلم. (عن زيد بن أسلم) مولى عمر بن الخطاب العدوي (عن عطاء بن يسار، عن زيد بن خالد الجهني) المدني (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من توضأ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 117، وعبد بن حميد في "المنتخب" 1/ 118 (280)، وأبو عبيد في "الطهور" (10)، والطبراني 5/ 249 (5242)، الحاكم 1/ 131، وقال: صحيح على شرط مسلم. وصححه الألباني (840). (¬2) رواه مسلم (234).

فأحسن الوضوء) أي: أتمه وأكمله فأتى بشرائطه وفرائضه وسننه وآدابه. (ثم صلى ركعتين لا يسهو) أي: لا يغفل (فيهما) عن ذكر الله تعالى إلى حديث نفسه والإقبال عليه كما قال تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ} (¬1) ثم قال: {وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} أي عن ذكر الله تعالى في الصلاة واللاهين عنه، والذكر عام في الأذكار (¬2) من قراءة القرآن والدعاء والتسبيح والتهليل والتكبير والحمد وغير ذلك، وهذا هو المراد بقوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (¬3) ويحتمل أن يراد بالسهو الموجب لسجود السهو. (غفر له ما تقدم من ذنبه) ظاهره العموم، أي: جميع الذي تقدم من ذنوبه؛ لأن "ما" (¬4) الموصولة تقتضي العموم، وقيل: هذا مخصوص بالصغائر؛ لأن الكبائر لا تكفر إلا بالتوبة، واستدلوا على ذلك بأن الغفران ورد مقيدًا في مواضع كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر" (¬5) فجعلوا هذا القيد في هذِه الأمور مقيدًا للمطلق في غيرها. [906] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة) قال (حدثنا زيد بن الحباب) أبو الحسين العكلي الخراساني، ثم الكوفي الحافظ، أخرج له مسلم ¬

_ (¬1) الأعراف: 205. (¬2) في (م): الأركان. (¬3) طه: 14. (¬4) في النسخ: من. (¬5) أخرجه مسلم (233) من حديث أبي هريرة.

والأربعة. قال: (حدثنا معاوية بن صالح) بن حدير الحضرمي الحمصي قاضي الأندلس، أخرج له مسلم والأربعة. (عن ربيعة بن يزيد) (¬1) القصير الإيادي فقيه دمشق. (عن أبي إدريس) عائذ الله بن عبد الله (الخولاني) الدمشقي، لأبيه صحبة (عن جبير بن نفير الحضرمي، عن عقبة بن عامر الجهني، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ما من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء) أي: لم يترك من شرائطه وفرائضه وسننه شيئًا. (ويصلي ركعتين) فيه استحباب صلاة ركعتين فأكثر عقب كل وضوء، وذلك عند الشافعية (¬2) من السنن المؤكدة، حتى تفعل عندهم في أوقات الكراهة؛ لأن لها سببًا واستدلوا على ذلك بحديث بلال المخرج في البخاري (¬3). وعند المالكية (¬4) لا تنفل في أوقات النهي مطلقًا، وليستا من السنن، وإنما يستحب (¬5) في غير أوقات النهي. وأجابوا عن حديث بلال بأنه يجوز أن يكون مخصوصًا بغير أوقات النهي، وليس ذلك بأول عام خص، ويكون ذلك (¬6) جمعًا بين حديثه ¬

_ (¬1) في (م): زيد. (¬2) "المجموع" 3/ 519. (¬3) أخرج البخاري (1149) من حديث أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لبلال عند صلاة الفجر: "يا بلال، حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة؟ " قال: ما عملت عملًا أرجى عندي أني لم أتطهر طهورًا في ساعة ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي. (¬4) "حاشية الدسوقي" 1/ 314. (¬5) في (ص، ل): المستحب. (¬6) من (م).

وحديث النهي عن الصلاة في أوقات النهي. (يقبل بقلبه) فيه الحث على الإخلاص في الطاعات، وأن تكون متمحضة لله تعالى لا يشوبها شيء (ووجهه) هو الوجه الذي استقبل به الكعبة، ويحتمل أن يراد بالوجه الذات جميعها كقوله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} (¬1). وقيل: بعبادته كما في قوله تعالى: {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ} (¬2) أي: قصدت بعبادتي (عليهما) يحتمل أن يكون "على" بمعنى "في" كقوله تعالى: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ} (¬3). (إلا وجبت له الجنة) أي: هذا الفعل المذكور أوجب له وحق له على كرم الله تعالى أو بفضله الجنة؛ لأن المخلوق لا يجب له على خالقه شيء. * * * ¬

_ (¬1) الرحمن: 27. (¬2) الأنعام: 79. (¬3) القصص: 15.

165 - باب الفتح على الإمام في الصلاة

165 - باب الفَتْحِ علَى الإِمامِ فِي الصَّلاةِ 907 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ العَلاءِ وَسُلَيْمانُ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيُّ قالا: أَخْبَرَنا مَرْوانُ بْنُ مُعاوِيَةَ، عَنْ يَحْيَى الكاهِلِيِّ، عَنِ المسَوَّرِ بْنِ يَزِيدَ المالِكِيِّ -أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قال يَحْيَى: وَرُبَّما قال: شَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الصَّلاةِ فَتَرَكَ شَيْئًا لَمْ يَقْرَأْهُ فَقال لَهُ رَجُلٌ: يا رَسُولَ اللهِ تَرَكْتَ آيَةَ كَذا وَكَذا. فَقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هَلَّا أَذْكَرْتَنِيها". قال سُلَيْمانُ فِي حَدِيثِهِ: قال: كُنْتُ أُراها نُسِخَتْ (¬1). 907 م- وقال سُلَيْمانُ قال: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ الأَزْدِيُّ، قال: حَدَّثَنا المسوَرُ بْنُ يَزِيدَ الأسَدِيُّ المالِكِيُّ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ، أَخْبَرَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ العَلاءِ بْنِ زَبْرٍ، عَنْ سالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى صَلاةً فَقَرَأَ فِيها فَلُبِسَ عَلَيْهِ فَلَمّا انْصَرَفَ قال لأُبَيٍّ: "أَصَلَّيْتَ مَعَنا". قال: نَعَمْ. قال: "فَما مَنَعَكَ؟ " (¬2). * * * باب الفتح على الإمام في الصلاة [907] (حدثنا محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني (وسليمان بن عبد الرحمن) التميمي (الدمشقي) أخرج له البخا ري والأربعة (قالا (¬3): أخبرنا ¬

_ (¬1) رواه عبد الله بن أحمد في زوائده على "المسند" 4/ 74، والبخاري في "التاريخ الكبير" 8/ 40، وفي "القراءة خلف الإمام" (124)، وابن أبي عاصم 2/ 151 (872)، وابن حبان 6/ 13 (2241)، والطبراني 20/ 34، والبيهقي 3/ 211. وصححه الألباني (842). (¬2) رواه ابن حبان 6/ 13 (2242)، والطبراني 12/ 313، وتمام في "فوائده" 1/ 95 (216)، والبغوي في "شرح السنة" 3/ 160 (665). وصححه الألباني (843). (¬3) في (ص، س): قال.

مروان بن معاوية) بن الحارث الفزاري الكوفي (¬1)، كان يلتقط شيوخه من السكك (عن يحيى) بن كثير (الكاهلي، عن المسور) بضم الميم وتشديد الواو (¬2) المفتوحة (بن يزيد) الكاهلي (الأسدي) الصحابي (المالكي) نسبة إلى بطن من بني أسد بن خزيمة، له هذا الحديث فقط. (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال يحيى) بن كثير في روايته: (وربما قال) المسور (شهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ (¬3) في صلاة) الصبح (فترك شيئًا لم يقرأه) ولابن حبان: فتعايا في آية. أي: لم ييسر له وجه القراءة المشروعة (فقال له رجل: يا رسول الله آية كذا وكذا) توضحه رواية ابن حبان: يا رسول الله إنك تركت آية [كذا وكذا (¬4). وقد وجدت هذِه اللفظة في كتب من أصول أبي داود كأصل ابن داسة وغيره] (¬5) (فقال) له (¬6) (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فهلا أذكرتنيها) إذًا، كذا لابن حبان، وزاد بعده قال (¬7): ظننت أنها نسخت. قال: "فإنها لم تنسخ". وبوب عليه باب ذكر البيان بأن المصطفي - صلى الله عليه وسلم - أمر بتذكيره من الآية التي وصفناها (¬8). (قال سليمان) الدمشقي (في حديثه: قال) يعني: الرجل، والحديث الآتي لابن حبان يدل على أنه أبي بن كعب. (كنت أراها) بضم الهمزة أي: أظنها (نسخت). (وقال سليمان) بن عبد الرحمن (حدثنا يحيى بن كثير الأسدي) قال ¬

_ (¬1) من (س، ل، م). (¬2) زاد في (س، ل، م): المشددة. (¬3) من (م). (¬4) "صحيح ابن حبان" (2241). (¬5) و (¬6) و (¬7) من (م). (¬8) كذا، وفي مطبوع ابن حبان "إحسان": ذِكر العلة التي من أجلها لم يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - تلك الآية.

ابن حبان (¬1): يحيى بن كثير شيخ له قديم (قال: حدثني المسور بن يزيد الأسدي المالكي) .. الحديث. [907 م] (حدثنا يزيد بن محمد) بن عبد الصمد (¬2) (الدمشقي) ثقة، حافظ، قال: (حدثنا هشام بن إسماعيل) الدمشقي العطار، ثقة مفتي عابد، قال: (حدثنا محمد بن شعيب) بن شابور الدمشقي، من كبار محدثي الشام، كان يفتي في مجلس الأوزاعي، وكان يسكن بيروت، قال: (أنبأنا عبد الله بن العلاء بن زَبر) بفتح الزاي وسكون الموحدة، ابن عطارد الربعي [أبو زَبر] (¬3) الدمشقي أخرج له البخاري والأربعة. (عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة فقرأ فيها فلبس) بضم (¬4) اللام والباء الموحدة المخففة، أي: التبس واختلط عليه، ومنه قوله تعالى: {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} (¬5)، وفي بعض النسخ بضم اللام وتشديد الموحدة المكسورة [قال المنذري: لبس بالتخفيف أى: مع ضم اللام وكسر الموحدة] (¬6) (¬7). (فلما انصرف قال لأبي) بن كعب (أصليت معنا؟ قال: نعم. قال: فما منعك؟ ) ولابن حبان في "السنن": فالتبس عليه، فلما فرغ قال لأبيّ: "أشهدت معنا؟ " قال: نعم. قال: "فما منعك أن تفتحها عليَّ" (¬8). ¬

_ (¬1) "صحيح ابن حبان" 6/ 13، وانظر: "الثقات" 5/ 527. (¬2) زاد في (ص، س، ل): قال. (¬3) في (م): الوزير. (¬4) في (ر): بفتح. (¬5) الأنعام: 9. (¬6) من (ل، م). (¬7) انظر: "عون المعبود" 3/ 175. (¬8) "صحيح ابن حبان" (2242).

وروى الأثرم وغيره من حديث المسور بن يزيد نحوه، وروى الحاكم عن أنس: كنا نفتح على الأئمة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). وقد صح عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: قال علي: إذا استطعمك الإمام فأطعمه (¬2). وروى ابن حبان في كتاب الصلاة بسند إلى أبي بن كعب قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة فترك آية، وفي القوم أبي بن كعب، فقلت: يا رسول الله نسيت آية كذا وكذا، أو نسخت؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: "نسيتها". وبوب عليه ذكر الإباحة للمرء أن يلقن الإمام إذا تعايا في القراءة (¬3) سواء كان الملقن إمامًا أو لم يكن. وهكذا أطلق أصحابنا الجواز، قال الرافعي: وجواز الفتح على الإمام يدل عليه حديث التسبيح للرجال (¬4). ولعله لم يقف على هذِه الأحاديث أو قاله تقوية لها بهذا القياس والمعنى الجامع بينهما أن يقصد مع الذكر غيره فإن التسبيح والقراءة يجمعهما الذكر فإذا سهى الإمام يقول: سبحان الله ولا تبطل صلاته إذا قصد الذكر والتنبيه، وكذا لا تبطل إذا ارتج على الإمام في القراءة فقرأ الآية وقصد القراءة والفتح على الإمام سواء كان قد انتهى في قراءته إلى تلك الآية أو أنشأ قراءتها. * * * ¬

_ (¬1) "المستدرك" للحاكم 1/ 276. (¬2) أخرجه ابن أبي شيبة 3/ 530 (4829). (¬3) الحديث عند ابن خزيمة (1647) بالتبويب المذكور، ولم أجده عند ابن حبان. (¬4) "العزيز" للرافعي 2/ 48 - 49، "التلخيص الحبير" 1/ 676.

166 - باب النهي عن التلقين

166 - باب النَّهْي عَنِ التَّلْقِينِ 908 - حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الفِرْيابِيُّ، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحاقَ، عَنْ أَبِي إِسْحاقَ، عَنِ الحارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ - صلى الله عليه وسلم - قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يا عَلِيُّ، لا تَفْتَحْ عَلَى الإِمامِ فِي الصَّلاةِ". قال أَبُو داوُدَ: أَبُو إِسْحاقَ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الحارِثِ إِلَّا أَرْبَعَةَ أَحادِيثَ لَيْسَ هذا مِنْها (¬1). * * * باب النهي عن التلقين [908] (حدثنا عبد الوهاب بن نجدة) الحوطي، أبو محمد، وثقه يعقوب بن شيبة (¬2). (حدثنا محمد بن يوسف) بن واقد الضبي مولاهم (الفريابي) بكسر الفاء وبعد الراء ياء (¬3) مثناة من تحت وآخره بعد الألف باء (¬4) موحدة، منسوب إلى فرياب من خراسان. (عن يونس بن أبي إسحاق) [السبيعي الهمداني، أخرج له مسلم في الجهاد عن عبد الله بن أبي السفر (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 146، وعبد الرزاق 2/ 144 (2836)، والبيهقي 3/ 212. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود (161). (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 18/ 520. (¬3) من (ل، م). (¬4) من (م). (¬5) "صحيح مسلم" (1844).

(عن أبي إسحاق)] (¬1) عمرو بن عبد الله السبيعي الهمداني. (عن الحارث) بن عبد الله، ويقال (¬2): ابن عبيد الكوفي الأعور الهمداني بسكون الميم التابعي المشهور بصحبة علي. (عن علي قال قال (¬3) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا علي لا تفتح على الإمام) يقال: فتح المأموم على إمامه إذا قرأ الآية التي ارتج (¬4) على الإمام فيها ليعرفه، استعارة من فتح الباب المغلق فكأن الإمام لما ارتج عليه انغلق عليه باب القراءة (في الصلاة) وتخصيص النهي بحالة الصلاة حجة لمذهب أحمد ابن حنبل في أنه يكره أن يفتح من هو في الصلاة على من هو في صلاة أخرى، أو على من ليس في صلاة؛ لأن ذلك يشغله عن صلاته، وفي الحديث: "إن في الصلاة لشغلًا" (¬5). ولإطلاق هذا الحديث، ولما روى عبد الرزاق في "مصنفه" من طريق الحارث عن علي مرفوعًا: "لا تفتحن على الإمام في الصلاة" (¬6). وقد روى البخاري بإسناده قال: كنت قاعدًا بمكة فإذا رجل عند المقام يصلي، وإذا رجل خلفه يلقنه فإذا هو عثمان (¬7)، وهذا يدل على أنه يجوز أن يفتح على المصلي من ليس معه في الصلاة. ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (م): ولا يقال. (¬3) من (ل، م). (¬4) في (ص، س، ل): ارتجت. (¬5) أخرجه البخاري (1216)، ومسلم (538) من حديث عبد الله بن مسعود. (¬6) "مصنف عبد الرزاق" (2822). (¬7) لم أجده عند البخاري، وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 3/ 212 عن عامر بن سعد.

(قال المصنف: أبو إسحاق) يعني السبيعي، وسبيع بطن من همدان (لم يسمع من الحارث) بن عبد الله الهمداني (إلا أربعة) بالنصب بدل من المحذوف، تقديره: لم (¬1) يسمع شيئًا (أحاديث، ليس هذا منها) وروى أبو إسحاق عن جماعة من همدان وغيرهم لم يرو عنهم غيره. * * * ¬

_ (¬1) زاد في (س، ل): يكن.

167 - باب الالتفات في الصلاة

167 - باب الالتِفاتِ فِي الصَّلاةِ 909 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن صالِحٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ قال: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ قال: سَمِعْتُ أَبا الأَحْوَصِ يُحَدِّثُنا فِي مَجْلِسِ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ قال: قال أَبُو ذَرٍّ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَزال اللُّه عز وجل مُقْبِلًا عَلَى العَبْدِ وَهُوَ فِي صَلاتِهِ ما لَمْ يَلْتَفِتْ فَإذا التَفَتَ انْصَرَفَ عَنْهُ" (¬1). 910 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنِ الأَشْعَثِ -يَعْنِي: ابن سُلَيْمٍ- عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عائِشَةَ قالتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، عَنِ التِفاتِ الرَّجُلِ فِي الصَّلاةِ فَقال: "إِنَّما هُوَ اخْتِلاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطانُ مِنْ صَلاةِ العَبْدِ" (¬2). * * * باب الالتفات في الصلاة [909] (حدثنا أحمد بن صالح) المصري، قال: (حدثنا) عبد الله (بن وهب) قال: (أخبرني يونس، عن ابن شهاب) الزهري (قال: سمعت أبا الأحوص) قال المنذري: أبو الأحوص هذا لا يعرف اسمه (¬3)، لم يرو عنه غير الزهري، وقد صحح له الترمذي وابن حبان (¬4). انتهى. قال ابن عبد البر: أبو الأحوص مولى بني غفار إمام مسجد بني ليث، وقال سعد بن إبراهيم الزهري من أبو الأحوص؟ ! كالمغضب ¬

_ (¬1) رواه النسائي 3/ 8، وأحمد 5/ 172، وابن خزيمة 1/ 243 (482)، والحاكم 1/ 236، والبيهقي 2/ 281. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. اهـ وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (843/ م): إسناده ضعيف. وقال في "صحيح الترغيب والترهيب" (554): حسن لغيره. (¬2) رواه البخاري (751). (¬3) من (م). (¬4) "مختصر سنن أبي داود" 1/ 429.

حين حدث الزهري فقال له الزهري: أما تعرف الشيخ مولى بني غفار الذي كان يصلي عند الروضة؟ ! وجعل يصفه وهو لا يعرفه (¬1)، ثم قال: روى عباس، عن ابن معين قال: أبو الأحوص الذي روى عنه الزهري ليس بشيء (¬2) قال: وليس لقول (¬3) ابن معين أصل غير قول سعد بن إبراهيم، وقد تناقض ابن معين في هذا المعنى، ولأنه قيل له ابن أكيمة، لم يرو عنه غير الزهري، فقال: يكفيك قول الزهري، حدثني ابن أكيمة قال: ويلزمه مثل هذا في أبي الأحوص (¬4). (يحدثنا في مجلس سعيد بن المسيب قال: قال أبو ذر) الغفاري (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يزال الله عز وجل مقبلًا على العبد وهو في صلاته) وروى الترمذي في حديث صححه عن الحارث الأشعري في حديث طويل: "إن الله أمركم بالصلاة فإذا صليتم فلا تلتفتوا، فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته" (ما لم يلتفت) (¬5) يعني لغير حاجة (فإذا التفت انصرف عنه) بوجهه. [910] (حدثنا مسدد) قال (حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي الكوفي (عن الأشعث، يعني ابن سليم) أبي الشعثاء بن الأسود. (عن أبيه) أبي الشعثاء سليم بن أسود الكوفي بن الأسود المحاربي، لازم عليًّا. (عن مسروق، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن التفات الرجل في صلاته) فيه النهي عن التفات الرجل بوجهه في الصلاة ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 33/ 18. (¬2) "تاريخ ابن معين" برواية الدوري 4/ 444. (¬3) في (م): هذا القول. (¬4) انظر: "تهذيب التهذيب" 4/ 478 (¬5) "سنن الترمذي" (2863).

يمينًا أو شمالًا، فإنه مكروه كراهة تنزيه. وقال المتولي في "التتمة": يحرم للحديث الذي (¬1) قبله: "لا يزال الله مقبلًا على العبد ما لم يلتفت" (¬2). قال الأذرعي: والمختار أنه إن تعمده مع علمه بالخبر حرم (¬3)، قال: والأشبه إن كرره ثلاثًا عامدًا ذاكرًا متواليًا البطلان، وقولنا بوجهه احتزازًا عما لو التفت فتحول صدره أو قدميه فإن صلاته تبطل. (فقال: هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد) والاختلاس أخذ الشيء بسرعة، ويقال: اختلس الشي إذا استلبه، وفي الحديث النهي عن الخليسة (¬4) (¬5). بفتح الخاء، وهو ما يستخلص من السبع فيموت قبل أن يذكى. والنهي عن الالتفات لا يكره إلا لغير حاجة، فإن كان لحاجة لم يكره؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في سفر فأرسل فارسًا في شعب من أجل الحرس، فجعل يصلي وهو يلتفت إلى الشعب (¬6). كما سيأتي في (¬7) الحديث في الجهاد (¬8)، وقال الحاكم أنه على شرط الشيخين (¬9). * * * ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) انظر: "فتح الباري" 2/ 274. (¬3) انظر: "مرقاة المفاتيح" 4/ 77. (¬4) في (م): المختلسة. (¬5) رواه الترمذي (1474)، والإمام أحمد 4/ 127 من حديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه -. (¬6) سيأتي برقم (916) من حديث سهل ابن الحنظلية. (¬7) سقط من (ل، م). (¬8) سيأتي برقم (2501). (¬9) "المستدرك" 2/ 84.

168 - باب السجود على الأنف

168 - باب السُّجُودِ عَلَى الأَنْفِ 911 - حَدَّثَنا مُؤَمَّلُ بْنُ الفَضْلِ، حَدَّثَنا عِيسَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رُئِيَ عَلَى جَبْهَتِهِ وَعَلَى أَرْنَبَتِهِ أَثَرُ طِينٍ مِنْ صَلاةٍ صَلَّاها بِالنّاسِ. قال أَبُو عَلِيٍّ: هذا الحَدِيثُ لَمْ يَقْرَأْهُ أَبُو داوُدَ فِي العَرْضَةِ الرّابِعَةِ (¬1). * * * [باب السجود على الأنف [911] (حدثنا مؤمل بن الفضل) الحراني، قال أبو حاتم: ثقة (¬2). قال: (حدثنا عيسى) بن يونس بن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله الهمداني. (عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف، واسمه عبد الله على الأصح. [(عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬3) رئي على جبهته وعلى أرنبته) أي: طرف أنفه. (أثر طين من صلاة صلاها للناس) وهذا الحديث تقدم قريبًا في باب أعضاء السجود من طريق صفوان بن عيسى، عن معمر وقال فيه: صلاة صلاها بالناس (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (669)، ومسلم (1167). (¬2) "الجرح والتعديل" 8/ 375. (¬3) سقط من (م). (¬4) سبق برقم (894) باب السجود على الأنف والجبهة.

(قال أبو علي) التستري أحد الرواة عن أبي داود (¬1): (هذا الحديث لم يقرأه أبو داود في العرضة الرابعة) [على شيخه] (¬2) (¬3). * * * ¬

_ (¬1) الراجح أنه أبو علي اللؤلؤي محمد بن أحمد بن عمرو راوي "السنن" المعروف، أما أبو علي التستري فهو علي بن أحمد بن علي فروى "السنن" عن أبي عمر الهاشمي عن اللؤلؤي. انظر: "سير أعلام النبلاء" 15/ 307، 18/ 481. (¬2) سقط من (م). (¬3) ذكر هذا الباب في (م) قبل الباب السابق (باب الالتفات في الصلاة).

169 - باب النظر في الصلاة

169 - باب النَّظَر فِي الصَّلاةِ 912 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ ح، وحَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ -وهذا حَدِيثُهُ وَهُوَ أَتَمُّ- عَنِ الأَعْمَشِ عَنِ المُسَيَّبِ بْنِ رافِعٍ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ الطّائِيِّ، عَنْ جابِرِ بْنِ سَمُرَةَ -قال عُثْمانُ- قال: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - المَسْجِدَ فَرَأَى فِيهِ ناسًا يُصَلُّونَ رافِعِي أَيْدِيهِمْ إِلَى السَّماءِ -ثُمَّ اتَّفَقا- فَقال: "لَيَنْتَهِيَنَّ رِجالٌ يَشْخَصُونَ أَبْصارَهُمْ إِلَى السَّماءِ -قال مُسَدَّدٌ: فِي الصَّلاةِ- أَوْ لا تَرْجِعُ إِلَيْهِمْ أَبْصارُهُمْ" (¬1). 913 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مالِكٍ حَدَّثَهُمْ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ما بال أَقْوامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصارَهُمْ فِي صَلاتِهِمْ". فاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ فَقال: "لَيَنْتَهُنَّ، عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصارُهُمْ" (¬2). 914 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ قالتْ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي خَمِيصَةٍ لَها أَعْلامٌ فَقال: "شَغَلَتْنِي أَعْلامُ هذِه اذْهَبُوا بِها إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَأْتُونِي بِأَنْبِجانِيَّتِهِ" (¬3). 915 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعاذٍ، حَدَّثَنا أَبِي، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ -يَعْنِي: ابن أَبِي الزِّنادِ- قال: سَمِعْتُ هِشامًا يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ بهذا الخَبَرِ قال وَأَخَذَ كُرْدِيًّا كانَ لأَبِي جَهْمٍ فَقِيلَ: يا رَسُولَ اللهِ، الخمِيصَةُ كانَتْ خَيْرًا مِنَ الكُرْدِيِّ (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه مسلم (428). (¬2) رواه البخاري (750) .. (¬3) رواه البخاري (752)، ومسلم (556). (¬4) رواه أحمد 6/ 46 بلفظ: (أنبجانية) بدلًا من (كردي). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (841).

باب النظر في الصلاة [912] (حدثنا مسدد) قال (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير، [ح] (وحدثنا عثمان بن أبي شيبة) قال: (حدثنا جرير) بفتح الجيم، ابن حازم الأزدي (¬1). (وهذا حديثه، وهو أتم) من حديث (¬2) أبي معاوية (عن) سليمان بن مهران (الأعمش، عن المسيب بن رافع) أبي (¬3) العلاء الأسدي الكاهلي الضرير. (عن تميم بن طرفة) بفتح الراء والفاء (الطائي) أخرج له مسلم. (عن جابر بن سمرة. قال: عثمان) بن أبي شيبة الراوي (قال: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد فرأى فيه ناسًا يصلون) فيه أن الإمام إذا دخل المسجد يتفقد أحوال المصلين فيه. (رافعي أيديهم) وفي بعض النسخ: رافعي أبصارهم. بسكون الياء قبل الهاء علامة للجر بالإضافة (إلى السماء) وأبصارهم (ثم اتفقا) يعني مسدد وعثمان (فقال: لينتهين) (¬4) بتشديد النون (رجال) فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يواجه أحدًا بمكروه، بل إن رأى أو سمع ما يكره قال: "ما بال أقوام يشترطون شروطًا ليست (¬5) في كتاب الله" (¬6) (يشخصون) بضم الياء ¬

_ (¬1) كذا عند الشارح، ولعله وهم؛ فإن جريرًا هذا هو ابن عبد الحميد كما في "شرح سنن أبي داود" للعيني 4/ 135. (¬2) من (س، ل، م). (¬3) في (م): ابن. (¬4) في (ص): لينتهن. (¬5) سقط من (س، م). (¬6) سيأتي برقم (3929).

وكسر الخاء المعجمة، أي: يمدون (¬1) (أبصارهم) يقال: أشخص بصره مدَّه ولم يطرفه، وأصل الشخوص الرفع (إلى السماء). (قال مسدد) في روايته (في الصلاة) رواية مسلم: "لينتهين أقوام عن رفع (¬2) أبصارهم إلى السماء عند الدعاء في الصلاة" (¬3) (أو) بإسكان الواو (لا ترجع إليهم أبصارهم) هذا وعيد شديد (¬4) يخوف من إعماء أبصارهم إذا رفعوا رؤوسهم وأبصارهم إلى السماء في الصلاة، وإطلاقه يقتضي أنه لا فرق بين أن يكون عند الدعاء أو عند غيره؛ لأن الوعيد إنما تعلق به من حيث أنه إذا رفع بصره إلى السماء أعرض (¬5) عن القبلة وخرج [عن سمتها] (¬6) وعن هيئته في الصلاة. وحكي عن شريح أنه قال لمن رأه يفعله: اكفف يدك، واخفض بصرك عن السماء، فإنك لن تراه ولن تناله (¬7). [913] (حدثنا مسدد) قال: (حدثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن سعيد أبن أبي عروبة) واسمه مهران العدوي، مولى بني عدي بن يشكر. (عن قتادة أن أنس بن مالك] (¬8) حدثهم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما ¬

_ (¬1) في (ل، م): يمدونها. وفي (س): يحدونها. (¬2) في (س، ل، م): رفعهم. (¬3) "صحيح مسلم" (429). (¬4) في (م): بشديد. (¬5) في (م): عرض. (¬6) سقط من (م). (¬7) رواه ابن أبي شيبة 4/ 365 (6379). (¬8) من (ل، م).

بال أقوام يرفعون أبصارهم في صلاتهم؟ ! ) قال ابن المنير: نظر المأموم للإمام من مقاصد الائتمام، فإن تمكن من مراقبته بغير التفات أو رفع بصر إلى السماء فإن (¬1) ذلك من إصلاح صلاته (¬2). وإنما أبهم الفاعلين لئلا ينكسر خاطرهم، فإن النصيحة على رؤوس الأشهاد فضيحة. وقال ابن بطال: فيه حجة لمالك في أن نظر المصلي يكون إلى جهة القبلة، وقال الشافعي والكوفيون: يستحب له أن ينظر إلى موضع سجوده، لأنه أقرب إلى الخشوع (¬3). وورد ذلك في حديث أخرجه سعيد بن منصور من مراسيل محمد بن سيرين ورجاله ثقات، وأخرجه البيهقي موصولًا وقال: المرسل هو المحفوظ (¬4). ويمكن أن يفرق بين المأموم والإمام، فيستحب للمأموم النظر إلى موضع السجود إلا حيث يحتاج إلى مراقبة إمامه، وكذا الإمام والمنفرد، واستثنى بعض أصحابنا الصلاة في الكعبة فإنه ينظر إليها (¬5). وروى ابن ماجه بإسناد حسن عن أم سلمة بنت أبي أمية زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: كان الناس في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام المصلي يصلي لم يعد بصر أحدهم موضع [قدميه فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان الناس إذا قام أحدهم يصلي لم يعد بصر أحدهم موضع] (¬6) جبينه، فتوفي أبو بكر فكان عمر، ¬

_ (¬1) في (ل، م): كان. (¬2) نظر: "فتح الباري" 2/ 271 (¬3) "شرح صحيح البخاري" 2/ 363. (¬4) "السنن الكبرى" 2/ 283، وانظر: "فتح الباري" 2/ 271. (¬5) انظر: "المقدمة الحضرمية" ص 66. (¬6) من (ل، م).

وكان الناس إذا قام أحدهم يصلي لم يعد بصر أحدهم موضع القبلة، وكان عثمان وكانت الفتنة فتلفت (¬1) الناس يمينًا وشمالًا (¬2). لكن في إسناده موسى بن عبد الله بن أبي أمية لم يخرج له من الكتب الستة غير ابن ماجه. (فاشتد قوله في ذلك) إما بتكرير ذلك أو غيره من المبالغة فيه (فقال: لينتهين) اللام جواب قسم محذوف، وفيه روايتان للبخاري، فالأكثرون بفتح أوله وضم الهاء وحذف الياء وتشديد النون (¬3) على البناء للفاعل، والثانية: بضم الياء وسكون النون وفتح المثناة فوق والهاء والياء وتشديد النون للتأكيد على البناء للمفعول (عن ذلك، أو) للتخيير نظير قوله تعالى: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} (¬4) أي: يكون أحد الأمرين إما المقاتلة أو الإسلام، وهو خبر في معنى الأمر (لتخطفن) بضم التاء وفتح الفاء على البناء للمفعول (أبصارهم) يعني: لا يخلو الحال من أحد الأمرين، إما الانتهاء عنه وإما العمى، وهو وعيد عظيم وتهديد شديد وعلى هذا فالفعل المذكور حرام. والمشهور في المذهب أنه مكروه، وبالغ ابن حزم فقال: تبطل الصلاة (¬5). وقيل: المعنى في ذلك أنه يخشى على الأبصار من الأنوار التي تنزل بها الملائكة على المصلي كما في حديث أسيد بن حضير ¬

_ (¬1) في (ص): فالتفتت. وفي (س، ل): فتلفتت. (¬2) "سنن ابن ماجه" (1634). (¬3) في (س، ل، م): الياء. (¬4) الفتح: 16. (¬5) "المحلى" 3/ 349.

في فضائل القرآن (¬1)، وأشار إلى ذلك الداودي ونحوه في "جامع حماد بن سلمة" عن أبي مجلز أحد التابعين. وروى أبو هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صلى رفع بصره إلى السماء فنزلت {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (¬2) فطأطأ رأسه رواه الحاكم في "المستدرك" وقال: إنه على شرط البخاري ومسلم (¬3). [914] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة) قال: (حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عروة) بن الزبير. (عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خميصة) وهي ثوب خز أو صوف مربع معلم، وقيل: لا تسمى خميصة إلا أن تكون سوداء معلمة. وكانت من لباس الناس قديمًا، وجمعها الخمائص. (لها أعلام) جمع علم أي: علامة يقال: أعلمت الثوب جعلت له علمًا من طراز ونحوه (فقال) لما فرغ من صلاته (شغلتني أعلام هذِه) (¬4) وفي رواية مسلم: "ألهتني" (¬5). وفيه مع ما بعده الأمر بسد الذرائع والانتزاع عما يشغل الإنسان في الصلاة عن الخشوع، وكذا ما كان من واجبات الدين ومندوباته فإنه في معنى الصلاة وإخراجه ¬

_ (¬1) مسلم (796)، والبخاري معلقًا (5018). (¬2) المؤمنون: 1 - 2. (¬3) "المستدرك" 2/ 393، ورواه البيهقي 2/ 283 مرة موصولا وأخرى مرسلا، ورجح المرسل وقال: وهو المحفوظ. وكذا قال الألباني في "الإرواء" 2/ 72. (¬4) سقط من (م). (¬5) (556/ 62).

عنه من فضائل الأعمال. وروى الإمام مالك أن رجلًا من الأنصار كان يصلي في حائط له بالقف واد من أودية المدينة في زمان التمر والنخل قد ذللت وهي مطوقة بتمرها فنظر إليها فأعجبته، ثم رجع إلى صلاته فإذا هو لايدري كم صلى فقال: لقد أصابتني في مالي هذا فتنة. فجاء عثمان وهو يومئذ خليفة فذكر ذلك له وقال: هو صدقة فاجعله في سبيل الخير. فباعه بخمسين ألفًا (¬1)، فسمي ذلك المال الخمسين (¬2). (اذهبوا بها إلى أبي جهم) عامر بن حذيفة بن غانم القرشي العدوي المدني الصحابي، وهو غير أبي جهيم بالتصغير المذكور في التيمم، وفي مرور المار بين يدي المصلي، وفيه دليل على صحة الصلاة في الثوب الذي له أعلام، وإن حصل منها فكر في تشاغل ونحوه مما ليس متعلقًا بالصلاة، وإن كان غيره أولى. (وائتوني بأنبجانيته) وهو كساء غليظ لا علم له، وهو بفتح الهمزة وكسرها [وبفتح الباء الموحدة وكسرها] (¬3) وبالوجهين ذكرهما ثعلب. قال القرطبي: روي بتشديد الياء وكسرها في غير مسلم، قال ابن قتيبة: إنما هو منبجاني منسوب إلى منبج، وفتح الباء في النسب، وأبدلت الميم همزة؛ لأنه خرج مخرج مخبراني (¬4)، وقيل: إنها ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "الموطأ" (223). (¬3) من (ل، م). (¬4) "المفهم" 2/ 162 - 163.

منسوبة إلى موضع اسمه انبجان. قال الداودي (¬1): هو كساء سداه قطن أو كتان ولحمته صوف. وقال ثعلب: هو كل ما كثف (¬2). وإنما بعث (¬3) الخميصة لأبي جهم؛ لأنه كان أهدى الخميصة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وطلب منه الأنبجانية لئلا يؤثر رد الهدية في قلبه ولم يبعثها ليصل فيها بل لينتفع بها في غير الصلاة، وفي إرسالها إليه وطلب أنبجانيته تطييب لقلبه ومباسطة معه وهذا مع من يعلم طيب نفسه وصفاء وده ومحبته جائز مندوب لأن فيه سببًا لتأليف القلوب واستجلابها. [915] (حدثنا عبيد الله) بالتصغير (ابن معاذ) [قال: (حدثنا أبي)] (¬4) معاذ بن معاذ، قال: (حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد قال: سمعت هشامًا يحدث عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام (عن) خالته (عائشة - رضي الله عنه - بهذا الخبر) المذكور (قال) فيه (وأخذ كرديًّا) بضم الكاف وإسكان الراء لعله منسوب إلى الأكراد، ولكونه يعمل في بلادهم (¬5) أو لغير ذلك ولم أجد من تكلم عليه (فقيل: يا رسول الله، الخميصة كانت خيرًا من الكردي) فيه مكافأة الهدية بأحسن منها. * * * ¬

_ (¬1) في (م): الدراوردي. (¬2) انظر: "شرح النووي" 5/ 43. (¬3) في (م): بعثت. (¬4) في (م): بن. (¬5) في (ص، س، ل): بلاده.

170 - باب الرخصة في ذلك

170 - باب الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ 916 - حَدَّثَنا الرَّبِيعُ بْنُ نافِعٍ، حَدَّثَنا مُعاوِيةُ -يَعْنِي ابن سَلَّامٍ- عَنْ زَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبا سَلَّامٍ قال: حَدَّثَنِي السَّلُولِيُّ -هُوَ أَبُو كَبْشَةَ- عَنْ سَهْلِ ابن الحنْظَلِيَّةِ قال: ثُوِّبَ بِالصَّلاةِ -يَعْنِي: صَلاةَ الصُّبْحِ- فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي وَهُوَ يَلْتَفِتُ إِلَى الشِّعْبِ. قال أَبُو داوُدَ: وَكانَ أَرْسَلَ فارِسًا إِلَى الشِّعْبِ مِنَ اللَّيْلِ يَحْرُسُ (¬1). * * * باب الرخصة في ذلك [916] (حدثنا) أبو توبة (الربيع بن نافع) أخرج له الشيخان، قال: (حدثنا معاوية بن سلام) بن أبي سلام ممطور الحبشي الدمشقي (عن) أخيه (زيد) بن سلام، ثقة. (أنه) لما (¬2) (سمع أبا سلام) جده، واسمه ممطور الأسود الحبشي ويقال: الباهلي، الأعرج الدمشقي، قيل: إن الحبشي نسبة إلى حي من حمير، وهو تابعي ثقة، أخرج له مسلم والأربعة (قال: حدثني) أبو كبشة (السلولي) بفتح السين، قال أبو حاتم: لا أعلمه يسمى (¬3). ¬

_ (¬1) رواه النسائي في "الكبرى" 8/ 140 (8819)، وابن خزيمة (486)، والطبراني 6/ 96 (5619)، والحاكم 2/ 84. وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (850). (¬2) ليست في (ل، م). (¬3) "الجرح والتعديل" 9/ 430.

وذكره ابن عبد البر فيمن لم يذكر له اسم سوى كنيته (¬1)، أخرج له البخاري في الهبة (¬2) وذكر الأنبياء (¬3) (عن سهل ابن) الربيع بن عمرو الأنصاري الأوسي، و (الحنظلية) أم جده، وقيل: أمه، وإليها نسب، وبها يعرف، كان ممن بايع تحت الشجرة فاضلًا معتزلا عن الناس، عقيمًا لا يولد له ولد، سكن الشام، ومات بدمشق أيام معاوية. (قال: ثوب) بضم المثلثة مبني للمفعول (بالصلاة) وهو قوله بعد الحيعلتين الصلاة خير من النوم مرتين، والأظهر أن التثويب هنا هو إقامة الصلاة، والأصل فيه أن (¬4) يجيء الرجل مستصرخًا فيلوح بثوبه ليُرَى ويشتهر (¬5) فسمي التثويب بذلك، وكل داع إلي شيء مثوب (يعني صلاة الصبح). وفي حديث بلال: أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا أثوب في شيء من الصلاة إلا الصبح (¬6) (¬7). (فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) (حين صلى) (¬8) (يصلي وهو يلتفت إلى ¬

_ (¬1) "الاستغناء" 2/ 1225. (¬2) "صحيح البخاري" (2631). (¬3) "صحيح البخاري" (3461). (¬4) من (س، م). (¬5) في (م): يسهر. (¬6) سقط من (م). (¬7) أخرجه الترمذي (198)، وابن ماجه (715)، وأحمد 6/ 14 من طريق عبد الرحمن ابن أبي ليلى، عن بلال به. وقال الألبانى فى "الإرواء" 1/ 254: إسناده ضعيف. (¬8) سقط، من (م).

الشعب) بكسر الشين، وهو ما انفرج بين الجبلين، وسيأتي الحديث بتمامه في الجهاد في فضل الجهاد (¬1)، وفيه: حتى إذا قضى صلاته وسلم، قال: "أبشروا". (قال) المصنف (وكان أرسل فارسًا) وهو أنس بن أبي مرثد الغنوي كما سيأتي (إلى الشعب من الليل يحرس) في أعلى كما سيأتي في حديث سهل في الجهاد. وقد استدل به المصنف على الرخصة (في جواز النظر) (¬2) في الصلاة إلى غير موضع سجوده، والالتفات فيها إذا كان لحاجة؛ فإن كان الالتفات لغير حاجة كره أو حرم كما تقدم. * * * ¬

_ (¬1) برقم (2501). (¬2) سقط من (م).

171 - باب العمل في الصلاة

171 - باب العَمَلِ فِي الصَّلاةِ 917 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، حَدَّثَنا مالِكٌ، عَنْ عامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِي قَتادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُصَلِّي وَهُوَ حامِلٌ أُمامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَإِذا سَجَدَ وَضَعَها، وَإذا قامَ حَمَلَها (¬1). 918 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ -يَعْنِي: ابن سَعِيدٍ- حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبا قَتادَةَ يَقُولُ: بَيْنا نَحْنُ فِي المَسْجِدِ جُلُوسٌ خَرَجَ عَلَيْنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَحْمِلُ أُمامَةَ بِنْتَ أَبِي العاصِ بْنِ الرَّبِيعِ -وَأُمُّها زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهِيَ صَبِيَّةٌ يَحْمِلُها عَلَى عاتِقِهِ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهِيَ عَلَى عاتِقِهِ يَضَعُها إِذا رَكَعَ وَيُعِيدُها إِذا قامَ حَتَّى قَضَى صَلاتَهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِها (¬2). 919 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ المرادِيُّ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، عَنْ مَخْرَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ قال: سَمِعْتُ أَبا قَتادَةَ الأَنْصارِيَّ يَقُولُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي لِلنّاسِ وَأُمامَةُ بِنْتُ أَبِي العاصِ عَلَى عُنُقِهِ فَإِذا سَجَدَ وَضَعَها. قال أَبُو داوُدَ: وَلَمْ يَسْمَعْ مَخْرَمَةُ مِنْ أَبِيهِ إِلا حَدِيثًا واحِدًا (¬3). 920 - حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنا مُحَمَّدٌ -يَعْنِي: ابن إِسْحاقَ- عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ، عَنْ أَبِي قَتادَةَ صاحِبِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: بَيْنَما نَحْنُ نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِلصَّلاةِ فِي الظُّهْرِ أَوِ العَصْرِ وَقَدْ دَعاهُ بِلالٌ لِلصَّلاةِ إِذْ خَرَجَ إِلَيْنا وَأُمامَةُ بِنْتُ أَبِي العاصِ بِنْتُ ابنتِهِ عَلَى عُنُقِهِ فَقامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي مُصَلَّاهُ وَقُمْنا خَلْفَهُ وَهِيَ فِي مَكانِها الذِي هِيَ فِيهِ قال: ¬

_ (¬1) رواه البخاري (516) ومسلم (543). (¬2) رواه البخاري (5996)، ومسلم (543/ 43). (¬3) رواه مسلم (543/ 43).

فَكَبَّرَ فَكَبَّرْنا قال حَتَّى إِذا أَرادَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يَرْكَعَ أَخَذَها فَوَضَعَها، ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ حَتَّى إِذا فَرَغَ مِنْ سُجُودِهِ، ثُمَّ قامَ أَخَذَها فَرَدَّها فِي مَكانِها فَما زال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُ بِها ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ (¬1). 921 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا عَلِيُّ بْن المُبارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ جَوْسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اقْتُلُوا الأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلاةِ الحَيَّةَ والعَقْرَبَ" (¬2). 922 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمُسَدَّدٌ - وهذا لَفْظُهُ - قال: حَدَّثَنا بِشْرٌ -يَعْنِي ابن المفَضَّلِ - حَدَّثَنا بُرْدٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عائِشَةَ قالتْ: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قال أَحْمَدُ: يُصَلِّي والبابُ عَلَيْهِ مُغْلَقٌ فَجِئْتُ فاسْتَفْتَحْتُ، قال أَحْمَدُ: فَمَشَى فَفَتَحَ لِي ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مُصَلَّاهُ. وَذَكَرَ أَنَّ البابَ كانَ فِي القِبْلَةِ (¬3). * * * باب العمل في الصلاة [917] (حدثنا) عبد الله بن مسلمة (القعنبي) قال: (حدثنا مالك، عن عامر بن عبد الله بن الزبير) بن العوام الأسدي المدني (عن عمرو بن سليم) الزرقي (عن أبي قتادة) الحارث بن ربعي الأنصاري (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ¬

_ (¬1) رواه البغوي في "شرح السنة" (743) من طريق المصنف، وأصله في مسلم (543). وقال الألباني في "ضعيف أبي داود" (163): إسناده ضعيف. (¬2) رواه الترمذي (390)، والنسائي 3/ 10، وابن ماجه (1245)، وأحمد 2/ 233، وابن خزيمة (869) وقال الترمذي: حسن صحيح. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (854). (¬3) رواه الترمذي (601)، والنسائي 3/ 11، وأحمد 6/ 234. قال الترمذي: حسن غريب. وحسن الألباني إسناده في "صحيح أبي داود" (855).

يصلي وهو حامل) وفي رواية لمسلم: كان يصلي بالناس وهو حامل (¬1)، وفي رواية له: كان يؤم الناس (¬2)، وفي الرواية الآتية كان يصلي للناس (أمامة بنت زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وكانت زينب أكبر بناته رضي الله عنهن، وقال ابن الكلبي (¬3): أول أولاده أسلمت وهاجرت حين أبى زوجها أبو (¬4) العاص أن يسلم. وفيه دليل على كثرة تواضعه - صلى الله عليه وسلم - وكمال شفقته، وجواز حمل ما لا يشغل في الصلاة شغلًا كثيرًا (فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها) قال الخطابي: يشبه أن يكون هذا كان منه - صلى الله عليه وسلم - عن غير قصد وتعمد، لكن لعل الصبية تعلقت به فحملها عن غير قصد لطول إلفها له (¬5). قال القرطبي: وهذا باطل لقوله في الحديث: خرج علينا حاملا أمامة على عنقه، والأشبه أنه كان لضرورة وأنه لم يقدر على (¬6) أن ينفك عنها (¬7). [918] (حدثنا قتيبة بن سعيد) قال: (حدثنا الليث، عن سعيد بن أبي سعيد) كيسان المقبري، كان جار المقبرة (عن عمرو بن سليم الزرقي أنه سمع أبا قتادة) الأنصاري (يقول: بينما نحن في المسجد جلوس) بالرفع ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (543/ 41). (¬2) "صحيح مسلم" (543/ 42). (¬3) انظر: "أسد الغابة" 7/ 130. (¬4) في النسخ الخطية: أبي. والمثبت الجادة. (¬5) "معالم السنن" 1/ 217. (¬6) من (م). (¬7) "المفهم" 2/ 153.

خبر "نحن" وبالنصب على الحال، و"في المسجد" الخبر، وكان جلوسهم ينتظرون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصلي بهم (إذ خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحمل أمامة بنت أبي العاص) مقسم بكسر الميم وسكون القاف وفتح السين، وقيل: اسمه لقيط. وقيل: ياسر، وقيل غير ذلك. (ابن الربيع) بن عبد العزى بن عبد شمس [القرشي العبشمي] (¬1) صهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعرف بجرو البطحاء هو وأخوه يقال لهما جروا البطحاء، وأمه هالة بنت خويلد (وأمها زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محبًا لها معظمًا لشأنها. (وهي صبية) أي (¬2): صغيرة (يحملها) استدل به الرافعي على أن رجحان أحد قولي الشافعي أن ما غلبت نجاسة مثله ولا يتيقن نجاسته، أن الظاهر استصحاب الأصل المتيقن فيه وهو الطهارة فإنه أصدق وأظهر وأضبط من القول الثاني بأن الغالب في مثله النجاسة فيعمل بغلبة الظن، وجعل الحديث يعضد هذا الظاهر الذي يختلف باختلاف الأزمان والأحوال (¬3)، ووجه كونه عاضدًا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حملها في الصلاة مع أن الغالب في ثياب الأطفال النجاسة، وكذا ثياب أمهاتهم، وبهذا يترجح طهارة [ماء أحد] (¬4) الإناءين، بكونه من مياه مدمني الخمر أو الكفار المتدينين بإستعمال النجاسة فهو كاستيقان ¬

_ (¬1) في (ص، س): المقدسي العبسي. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (ص، س): الأحمال. (¬4) في (م): ما أخذ.

النجاسة، وعليه ينبني منع صحة الصلاة في المقابر المنبوشة، ومع طين الشارع، وكل ما الغالب فيه النجاسة (¬1). (على عاتقه) وهو ما بين العنق والكتف، فيه استحباب حمل الصبي على العاتق والظهور به إلى المساجد والأسواق والطرق، وأنه ليس فيه من إسقاط المروءة بل هو من (¬2) أعظم أبواب (¬3) التواضع والشفقة بالأطفال. (فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي على عاتقه) فيه أن حمل الطير وجميع الحيوانات الطاهرة في الصلاة لا يبطلها، وإن كانت النجاسة في باطنه فمعفو عنها لكونها في معدتها. (يضعها) على الأرض (إذا ركع) قال شارح "المصابيح" (¬4): أي: إذا فرغ من القراءة وأراد الركوع وضعها (ويعيدها) أي: يرفعها ويحملها (إذا) رفع رأسه من السجود الثاني و (قام) إلى القراءة (حتى قضى صلاته) كلها (يفعل ذلك بها) في كل ركعة. استدل به على أن الأفعال الكثيرة وهي ثلاث فما فوقها إذا كانت متفرقة لا تؤثر في بطلان الصلاة، بل تصح الصلاة معها كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في أمامة حين حملها. ومثل أصحابنا (¬5) التفرق بما إذا خطا مثلًا خطوة، ثم بعد زمان خطوة أخرى وهلم جرا، وكذا لو خطا ¬

_ (¬1) "الشرح الكبير" 1/ 74 - 75. (¬2) من (ل، م). (¬3) في (ص، س، ل): باب. (¬4) "مرعاة المفاتيح" 3/ 351. (¬5) من (س، ل، م).

خطوتين، ثم بعد زمان خطوتين، وضابط التفريق أن يعد الثاني منقطعًا (¬1) عن الأول (¬2) في العادة. قال البغوي في "التهذيب": وعندي أن يكون الضابط بينهما قدر ركعة كما في حديث أمامة، وهذا في المتفرق، أما ثلاثة أفعال متوالية فتبطل صلاته (¬3) (¬4). [919] (حدثنا محمد بن سلمة) بن عبد الله بن أبي فاطمة (المرادي) الجملي مولاهم المصري شيخ مسلم، قال: (حدثنا) عبد الله (ابن وهب، عن مخرمة) بن بكير، أخرج له مسلم. (عن أبيه) بكير بن عبد الله بن الأشج، قال أحمد: مخرمة لم يسمع [من أبيه] (¬5) شيئًا إنما يروي من كتاب أبيه (¬6) (عن عمرو بن سليم الزرقي قال: سمعت أبا قتادة الأنصاري يقول: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي للناس) كذا لمسلم (¬7) (وأمامة) وُلدت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان يحبها وأهديت له هدية فيها قلادة من جزع فقال: "لأدفعنها إلى أحب أهلي إلي" فقالت النساء: فازت بها ابنة أبي قحافة فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمامة بنت زينب فأعلقها في عنقها (¬8). وتزوجها علي بن أبي طالب بعد ¬

_ (¬1) في (م): منقطعة. (¬2) في (م): الأولى. (¬3) في (ل، م): الصلاة. (¬4) "التهذيب" للبغوي 2/ 163. (¬5) سقط من (م). (¬6) "الجرح والتعديل" 8/ 363. (¬7) "صحيح مسلم" (543/ 43). (¬8) أخرجه أحمد 6/ 101 من حديث عائشة. وقال الهيثمي في "المجمع" 9/ 411: إسناد أحمد حسن.

فاطمة، زوجها منه الزبير بن العوام، وكان أبوها أبو العاص أوصى بها إليه. (بنت أبي العاص على عنقه) يحتمل أن يكون المراد على كتفه حذاء عنقه، ويحتمل أن تكون في حضنه ورأسها عند عنقه وهو واضع يده اليمنى على اليسرى عليها تمسكا بها، فإن هذِه الهيئة أفعالًا مما قبلها (فإذا سجد وضعها) (¬1). (قال) المصنف: (مخرمة لم يسمع من أبيه) بكيرًا (إلا حديثًا واحدًا) وهو حديث الوتر، يعني ولكن أخذ من كتبه بعد موته، قال أحمد بن زهير عن ابن معين: وقع إلى مخرمة بن بكير كتاب أبيه ولم يسمعه (¬2). وقال (¬3) سعيد بن أبي مريم، عن خاله موسى بن (¬4) سلمة قال: أتيت مخرمة فقال: لم أدرك أبي، ولكن هذِه كتبه (¬5). [920] (حدثنا يحيى بن خلف) أبو سلمة الباهلي شيخ مسلم، قال: (حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى، قال: (حدثنا محمد بن إسحاق، عن سعيد بن أبي (¬6) سعيد المقبري، عن عمرو بن سليم الزرقي، عن أبي قتادة) الأنصاري (صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: بينما نحن ننتظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) رواه مسلم (543) (43) من طريق ابن وهب به. (¬2) "تاريخ ابن أبي خيثمة" 2/ 334 السفر الثالث، وانظر: "تاريخ ابن معين" برواية الدوري 3/ 254. (¬3) في (ص، س، ل): كان. (¬4) زاد في (س، ص): أبي. (¬5) "الجرح والتعديل" 8/ 364. (¬6) سقط من (م).

للصلاة (¬1) في الظهر أو العصر) وفي رواية للطبراني: أنه كان في الصبح (¬2). وفي هذا الحديث التصريح بأن هذِه الصلاة كانت فريضة، ورد على ما رواه ابن القاسم، عن مالك أنه كان في صلاة النافلة (¬3)، ومما يدل على أنها لم تكن نافلة قوله في الرواية السابقة: بينما نحن في المسجد جلوس ننتظره (¬4). وهي رواية مسلم (¬5)؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما كان يتنفل في بيته، ثم يخرج لصلاة الفريضة، فإذا رآه بلال خارجًا أقام الصلاة. (وقد دعاه بلال للصلاة) فيه أن المؤذن يأتي إلى الإمام ليعلمه باجتماع الناس. (إذ خرج) فيه أن المؤذن إذا أعلم الإمام باجتماع المصلين يخرج على الفور، ويدل على هذا إذ التي للمفاجأة. (إلينا وأمامة بنت أبي العاص بنت ابنته على عنقه) فيه دليل على أن من حمل حيوانًا جازت صلاته، وإن كان (¬6) باطنه نجسًا، إذا كانت النجاسة [مستورة خلقة] (¬7)، بخلاف حمله قارورة مصممة (¬8) الرأس فيها نجاسة. ¬

_ (¬1) من (س، ل، م). (¬2) "المعجم الكبير" 22/ 442 (1079). (¬3) انظر: "المنتقي" للباجي 1/ 304. (¬4) سبقت برقم (918). (¬5) "صحيح مسلم" (543/ 43). (¬6) سقط من (م). (¬7) في (م): مسورة خلفه. وفي (س): مستورة خلفه. (¬8) في (م): مضممة.

(فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مصلاه) فيه أنه يستحب أن يكون للإمام موضع معين يصلي فيه كالمحراب ونحوه. (وقمنا خلفه) وهذا يدل أيضًا على أن هذِه الصلاة لم تكن نفلًا؛ لأن الغالب من (¬1) عادته - صلى الله عليه وسلم - أنه (¬2) كان يؤم الناس ويصطفون خلفه في صلاة الفرض خلافًا لما نقل عن مالك. (وهي في مكانها الذي هي فيه) على عنقه - صلى الله عليه وسلم -. (قال: فكبر) تكبيرة الإحرام (وكبرنا (¬3) قال: حتى إذا أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يركع أخذها فوضعها) على الأرض (ثم ركع وسجد حتى إذا فرغ من سجوده ثم قام) (¬4) أي: أراد القيام (أخذها فردها في مكانها فما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع بها ذلك في كل ركعة حتى فرغ من صلاته) قد اضطرب كثير من العلماء في هذِه الأفعال المغايرة لأفعال الصلاة، فنقل عن مالك أن هذا كان (¬5) في النفل دون الفرض، وقد تقدم رده، وروى عنه (¬6) أشهب وابن نافع أن هذا كان للضرورة حيث لم يجد من يقوم بالولد الصغير، وروى عنه (¬7) التنيسي أن هذا الحديث منسوخ، وقال أبو عمر بن عبد البر: لعل هذا نسخ بتحريم العمل والاشتغال ¬

_ (¬1) في (س، ل، م): في. (¬2) زاد في (س، ل، م): إنما. (¬3) من (م). (¬4) في (م): قائم. (¬5) من (ل، م). (¬6) في (ص، س، ل): عن. (¬7) في (ص): عن.

في الصلاة بغيرها (¬1). وهو بعيد (¬2)؛ فإن نسخ (¬3) الناسخ لا يتبين إلا بتأخره عن المنسوخ، فإنه رفع لحكم سابق؛ لكن جزم ابن دقيق العيد (¬4) أن هذا الفعل متأخر عن قوله في رواية مسلم وغيره: "إن في الصلاة لشغلًا" (¬5). وادعى آخرون خصوصية ذلك برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ لا يؤمن من الطفل البول، وفيه نظر، فأي دليل دل على الخصوصية في ذلك برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي الباب حديث عن أنس رواه ابن عدي من طريق أشعث بن عبد الملك، عن الحسن، عن أنس، قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي والحسن على ظهره، فإذا سجد نحاه (¬6)، قال ابن حجر: وإسناده حسن، والله أعلم (¬7). [921] (حدثنا مسلم (¬8) بن إبراهيم) الأزدي الفراهيدي شيخ البخاري، قال: (حدثنا علي بن المبارك) الهنائي قال: (حدثنا يحيى بن أبي كثير، عن ضمضم) بفتح الضادين المعجمتين (بن جوس) بفتح الجيم وإسكان الواو وآخره سين مهملة، ويقال: ضمضم بن الحارث بن جوس الهنائي اليمامي. ¬

_ (¬1) "الاستذكار" 6/ 314. (¬2) في (س): مقيد. (¬3) سقط من (م). (¬4) في "إحكام الأحكام" ص 262. (¬5) رواه البخاري (1199)، ومسلم (538) عن ابن مسعود. (¬6) "الكامل" 2/ 39. (¬7) "التلخيص الحبير" 1/ 73. (¬8) في (م): على.

قال صالح بن أحمد بن حنبل، عن أبيه: ليس به بأس (¬1)، وعن يحيى بن معين (¬2) وأحمد بن عبد الله العجلي: ثقة (¬3). (عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اقتلوا الأسودين) من التغليب (¬4) كالأسودين التمر والماء، وهذا الأمر بقتلهما (في الصلاة) أمر ندب لا إيجاب (الحية والعقرب) بنصبهما. قال في "شَرح السُّنَّة": فيه دلالة على جواز العمل اليسير في الصلاة، وأن موالاة (¬5) الفعل مرتين في حالة واحدة لا تفسد الصلاة، وذلك أن قتل العقرب غالبًا يكون بالضربة والضربتين، وأما إذا تتابع العمل وصار في حد الكثرة بطلت صلاته (¬6). قال: وفي معنى الحية والعقرب كل ضرار مباح للقتل كالزنابير والشبثان (¬7). ولعل المراد [بالشبثان الشبث] (¬8) وهو العنكبوت، ونحو هذا رخص فيه عامة العلماء من الصحابة فمن بعدهم في قتل الأسودين في الصلاة إلا إبراهيم النخعي فإنه لم يرخص وقال: إن في الصلاة شغلا (¬9). ثم قال: ¬

_ (¬1) "مسائل أحمد" رواية صالح (1022). (¬2) "تاريخ ابن معين" برواية الدارمي 1/ 135. (¬3) "معرفة الثقات" 1/ 474. (¬4) في (ص، س): الثعلبين. (¬5) في (ص، س): توالا. (¬6) "شرح السنة" 3/ 267 - 268. (¬7) في (م): السبيتان. وفي (س): النسيان. (¬8) في (س، م): بالسبتان السبت. (¬9) "مصنف عبد الرزاق" (1756).

والسنة أولى بالاتباع (¬1) ثم (¬2) قال: وروى معاذ عن أنس أنهم كانوا يقتلون القمل والبراغيث في الصلاة (¬3)، وفي المرسل في القملة يصرها حتى يصلي (¬4)، وعن ابن المسيب يدفنها كالنخامة (¬5) (¬6). انتهى. ويدل على أن الحكم لا يختص بالحية والعقرب ما رواه مسلم في "صحيحه" من حديث زيد بن جبير، عن ابن عمر، عن إحدى نسوة النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يأمر بقتل الكلب العقور والفأرة والعقرب والحديا والغراب، وقال: في الصلاة (¬7). وروى المصنف بإسناد منقطع عن رجل من بني عدي بن كعب، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهم: "إذا وجد أحدكم عقربًا وهو يصلي فليقتلها بنعله اليسرى" (¬8). [922] (حدثنا أحمد بن حنبل، ومسدد وهذا لفظه) قال: (حدثنا بشر بن المفضل) قال: (حدثنا برد) بضم الباء الموحدة وإسكان الراء ثم دال مهملة، وهو ابن سنان أبو العلاء، وثقه جماعة (¬9). (عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول ¬

_ (¬1) "شرح السنة" 3/ 268. (¬2) سقط من (م). (¬3) رواه الدولابي في "الكنى والأسماء" 1/ 480 (1702) عن توبة. (¬4) رواه البيهقي 2/ 294. (¬5) انظر: "سنن البيهقي الكبرى" 2/ 294. (¬6) "شرح السنة" 3/ 268. (¬7) "صحيح مسلم" (1198) (68). (¬8) "مراسيل أبي داود" (47). (¬9) انظر: "تهذيب الكمال" (655).

الله - صلى الله عليه وسلم - قال أحمد) بن حنبل في روايته (¬1): (يصلي) زاد النسائي: تطوعًا (¬2). وكذا ترجم عليه الترمذي (¬3). (والباب عليه (¬4) مغلق) فيه أن المستحب لمن صلى في مكان بابه للقبلة أن يغلق الباب عليه ليكون سترة للمار بين يديه؛ ولأن غلق الباب أستر، وفيه إخفاء صلاته عن الآدميين (فجئت فاستفتحت) أي: استأذنت؛ لما روى ابن حبان من طريق حماد بن سلمة، عن برد، عن عائشة قالت: استأذنت و (¬5) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬6) يصلي فمشى عن يمينه أو عن شماله، ثم فتح لي، ثم رجع إلى مقامه، وبوب عليه ذكر الإباحة للمرء أن يفتح بابًا عند الحادثة بحدث وهو يصلي (¬7). (قال أحمد) ابن حنبل: (فمشى ففتح لي ثم رجع إلى مصلاه) الذي كان فيه أولًا (¬8)، وهذا المشي محمول على أنه مشى خطوة أو خطوتين أو مشى أكثر من ذلك متفرقًا كما تقدم، وفيه دليل على أن الخطا اليسيرة تباح في الصلاة [لسبب يحدث] (¬9). ¬

_ (¬1) في (ص): رواية. (¬2) "سنن النسائي" 3/ 11. (¬3) قبل حديث (601). (¬4) سقط من (م). (¬5) من (ل، م). (¬6) زاد في (ص): وهو. (¬7) لم أجده فيه، وانظر: "صحيح ابن حبان" (2355). (¬8) سقط من (س، ل، م). (¬9) في (م): ليست بحدث.

ومن الأسباب ما رواه ابن حبان بسنده في كتاب الصلاة إلى الأزرق بن قيس قال: كنت مع أبي برزة بالأهواز فقام يصلي، فكان عنان (¬1) دابته في يده [فجعلت ترجع، وجعل أبو برزة ينكص معها قال: ورجل قال من الخوارج] (¬2) فجعل يسبه فلما صلى قال: إني سمعت مقالتكما، وإني غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ستًّا أو سبعًا، وشهدت من تيسيره (¬3) وأمره، وإني إن أرجع مع دابتي أحب إلي من أن أدعها تأتي مألفها فيشق علي (¬4). و(ذكر) أحمد (أن الباب كان في القبلة) كما تقدم. * * * ¬

_ (¬1) في (ص، س): عناق. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (ص): سيره. (¬4) لم أقف عليه عند ابن حبان، وأخرجه البخاري (1211)، وروى ابن حبان في "التقاسيم والأنواع" 6/ 316 عن عائشة - رضي الله عنه - قالت: استفتحت الباب ورسول الله يصلي تطوعًا والباب في القبلة فمشى النبي عن يمينه أو عن يساره حتى فتح الباب ثم رجع إلى الصلاة.

172 - باب رد السلام في الصلاة

172 - باب رَدِّ السَّلامِ فِي الصَّلاةِ 923 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنا ابن فُضَيْلٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قال: كنّا نُسَلِّمُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي الصَّلاةِ فَيَرُدُّ عَلَيْنا فَلَمّا رَجَعْنا مِنْ عِنْدِ النَّجاشِيِّ سَلَّمْنا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنا، وقال: "إِنَّ فِي الصَّلاةِ لَشُغْلًا" (¬1). 924 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا أَبانُ، حَدَّثَنا عاصِمٌ، عَنْ أَبِي وائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قال: كُنّا نُسَلِّمُ فِي الصَّلاةِ وَنَأْمُرُ بِحاجَتِنا فَقَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُصَلِّي فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلي السَّلامَ، فَأَخَذَنِي ما قَدُمَ وَما حَدُثَ، فَلَمّا قَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الصَّلاةَ قال: "إِنَّ اللَّه يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ ما يَشاءُ وَإنَّ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ قَدْ أَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ أَنْ لا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلاةِ". فَرَدَّ عَلي السَّلامَ (¬2). 925 - حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ خالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَّ اللَّيْثَ حَدَّثَهُمْ، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ نابِلٍ صاحِبِ العَباءِ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنْ صُهَيْبٍ أَنَّهُ قال: مَرَرْتُ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُصَلِّي فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ إِشارَةً. قال: وَلا أَعْلَمُهُ إِلا قال إِشارَةً بِأُصْبُعِهِ وهذا لفْظُ حَدِيثِ قُتَيْبَةَ (¬3). 926 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ قال: أَرْسَلَنِي نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَى بَنِي المصْطَلِقِ، فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى بَعِيرِهِ فَكَلَّمْتُهُ فَقال لِي بِيَدِهِ هَكَذا، ثُمَّ كَلَّمْتُهُ فَقال لِي بِيَدِهِ هَكَذا، وَأَنا أَسْمَعُهُ يَقْرَأُ وَيُومِئُ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1199)، ومسلم (538). (¬2) رواه النسائي 3/ 19، وأحمد 1/ 377، وابن حبان 6/ 15 (2243)، والطبراني 10/ 109 (10120)، وعلقه البخاري قبل (7522). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (857). (¬3) رواه الترمذي (367)، والنسائي 3/ 5، وأحمد 4/ 332. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (858).

بِرَأْسِهِ فَلَمَّا فَرَغَ قال: "ما فَعَلْتَ فِي الذِي أَرْسَلْتُكَ فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أُكَلِّمَكَ إِلَّا أَنِّي كنْتُ أُصَلِّي" (¬1). 127 - حَدَّثَنا الحُسَيْنُ بْنُ عِيسَى الخُراسانيُّ الدّامَغانيُّ، حَدَّثَنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنا نافِعٌ قال: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى قُباءَ يُصَلِّي فِيهِ قال: فَجاءَتْهُ الأَنْصارُ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي. قال: فَقُلْتُ لِبِلالٍ: كَيْفَ رَأَيْتَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَرُدُّ عَلَيْهِمْ حِينَ كانُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي قال: يَقُولُ هَكَذا وَبَسَطَ كَفَّهُ. وَبَسَطَ جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ كَفَّهُ وَجَعَلَ بَطْنَهُ أَسْفَلَ وَجَعَلَ ظَهْرَهُ إِلَى فَوْقٍ (¬2). 928 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ أَبِي مالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، عَنْ أَبِي حازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا غِرارَ فِي صَلاةٍ وَلا تَسْلِيم". قال أَحْمَدُ: يَعْنِي فِيما أُرَى أَنْ لا تُسَلِّمَ وَلا يُسَلَّمَ عَلَيْكَ وَيُغَرِّرُ الرَّجُلُ بِصَلاتِهِ فَيَنْصَرِفُ وَهُوَ فِيها شاكٌّ (¬3). 929 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، أَخْبَرَنا مُعاوِيَةُ بْن هِشامٍ عَنْ سُفْيانَ، عَنْ أَبِي مالِكٍ، عَنْ أَبِي حازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: -أُراهُ رَفَعَهُ- قال: "لا غِرارَ فِي تَسْلِيمٍ وَلا صَلاةٍ". ¬

_ (¬1) رواه مسلم (540). (¬2) رواه الترمذي (368)، وأحمد 6/ 12، والبزار 4/ 194 (1353)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 453 (2614)، وابن حبان 6/ 33 (2258)، والطبراني 1/ 342 (1027). قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (860). (¬3) رواه أحمد 2/ 461، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 4/ 274 (1597)، والحاكم 1/ 263، والبيهقي 2/ 260. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (861).

قالَ أَبُو داوُدَ: وَرَواهُ ابن فُضَيْلٍ عَلَى لَفْظِ ابن مَهْدِيٍّ وَلَمْ يَرْفَعْهُ (¬1). * * * باب رد السلام [923] (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني مولاهم الكوفي أحد الأعلام شيخ البخاري. قال: (حدثنا) محمد (بن فضيل) مصغر، ابن غزوان الضبي مولاهم. (عن) سليمان (¬2) بن مهران (الأعمش، عن إبراهيم) بن يزيد النخعي الكوفي (عن علقمة) بن قيس (عن عبد الله) بن مسعود (قال: كنا نسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في الصلاة [فيرد علينا]) (¬3) هذا كان منه - صلى الله عليه وسلم - إذ كان الكلام مباحًا في الصلاة في أول (¬4) الأمر كما في رواية زيد بن أرقم: كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (¬5) فأمرنا بالمسكوت ونهينا عن الكلام، رواه مسلم (¬6)، وهذا يدل على تحريم جميع أنواع كلام الآدميين. (فلما رجعنا من عند) أصحمة (¬7) بن بجري (النجاشي سلمنا عليه) على عادتنا وكان الكلام في الصلاة نسخ. ¬

_ (¬1) انظر تخريج الحديث السابق. (¬2) في (م): سلمان. (¬3) من "السنن". (¬4) سقط من (م). (¬5) البقرة: 238. (¬6) "صحيح مسلم" (539). (¬7) في (ص): أصمحة.

(فلم يرد علينا) السلام نطقًا. قال القرطبي: وفي هذا حجة على من أجاز للمصلي أن يرد السلام نطقًا (¬1)، وهم [أبو هريرة] (¬2)، وأبو بكرة (¬3) والحسن وجابر وسعيد بن المسيب وقتادة (¬4) وأما الرد بالإشارة فسيأتي. (وقال: إن في الصلاة لشغلا) فيه شاهد على حذف الصفة كقوله تعالى: {يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ} (¬5) أي: صالحة، بدليل أنه قرئ كذلك في الشاذ، وتقدير الصفة المحذوفة هنا: "إن في الصلاة لشغلًا" كافيًا عن غيره من الكلام أو لشغلًا مانعًا من الكلام وغيره من الأفعال المخالفة لأفعال الصلاة، ويفهم منه التفرغ للصلاة من جميع الأشغال ومن جميع المشوشات وأن يقبل على الصلاة بظاهره وباطنه. [924] (حدثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي، قال: (حدثنا أبان) الأفصح فيه عدم الصرف، وهو أبان بن يزيد العطار، أخرج له الشيخان. ([حدثنا عاصم] (¬6) عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي (عن عبد الله) بن مسعود (قال: كنا نسلم) على من إلى جنبنا ونكلمه (في الصلاة ونأمر بحاجتنا) ونحن في الصلاة. (فقدمت) مع أصحابي من عند النجاشي (على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ¬

_ (¬1) "المفهم" 2/ 146. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): بكر. (¬4) روى هذه الآثار ابن أبي شيبة 3/ 535 - 536 (4849، 4850)، وابن المنذر في "الأوسط" 3/ 436. (¬5) الكهف: 79. (¬6) من "السنن".

فسلمت عليه فلم يرد عليَّ السلام) كما كان يرد قبل النسخ (فأخذني ما قدم وما حدث) بضم الدالين فيهما يريد أخذني الحزن والكآبة ولا يضم حدث في شيء من الكلام إلا في هذا الموضع، وذلك اتباع لـ "قدم" قبله على الازدواج، والمعنى: إني (¬1) عاودني (¬2) الأحزان القديمة فاتصلت بالحديثة، وقيل: معناه: غلب عليّ التفكر في أحوالي القديمة والحديثة بسبب تركه السلام علي (فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة قال: إن الله تعالى يحدث من أمره ما يشاء) لا مغير لحكمه وأمره أي يزيل حكمًا كان عمل به ويأتي بحكم (¬3) أحدث أعلى منه (¬4) لنبيه - صلى الله عليه وسلم - (وإن الله قد أحدث من أمره أن لا تكلموا) أي: تتكلموا فحذفت إحدى التائين (في الصلاة). قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن من تكلم في صلاته عامدًا وهو لا يريد إصلاح صلاته أن صلاته فاسدة (¬5). (فرد (¬6) علي السلام) أي: بعد فراغه من الصلاة، وقد استدل به على أنه يستحب لمن سلم عليه في الصلاة أن لا (¬7) يرد السلام إلا (¬8) بعد فراغه من الصلاة. ¬

_ (¬1) في (م): أي. (¬2) في (م): عاوردتي. (¬3) في (م): بحكمه. (¬4) في (م): به. (¬5) "الإجماع" (46). (¬6) زاد في (م): عليه. (¬7) و (¬8) من (م).

وقد (¬1) روي هذا عن أبي ذر وعطاء والنخعي والثوري (¬2) ومذهب الشافعي، والجمهور أن المستحب أن يرد السلام في الصلاة بالإشارة (¬3) كما سيأتي. [925] (حدثنا يزيد بن خالد) بن يزيد بن عبد الله (بن موهب) بفتح الميم والهاء (¬4)، الرملي الزاهد الثقة. (وقتيبة بن سعيد أن (¬5) الليث) بن سعد (حدثهم، عن بكير) بن عبد الله بن الأشج (عن نابل) بنون وباء موحدة مكسورة مقبول (صاحب العباء) بالمد وهو الأكسية، [ثقة. (عن ابن عمر - رضي الله عنهما -] (¬6)، عن صهيب) بن سنان مولى عبد الله بن جدعان، أسلم هو وعمار بن ياسر وغيرهما (¬7). (أنه قال: مررت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي) فيه جواز الصلاة في الطريق الشارع (فسلمت عليه) فيه السلام على المصلي، ومذهب الشافعي أنه لا يسلم عليه، فإن سلم لم يستحق جوابًا (¬8) وقال به ¬

_ (¬1) سقطت من (ل، م). (¬2) روى هذه الآثار ابن أبي شيبة 3/ 533 (4843)، 535 (4847 - 4848)، 536 (4853)، 537 (4856)، وابن المنذر في "الأوسط" 3/ 437 - 438. (¬3) "المجموع" 4/ 103. (¬4) في (م): وأهلي. (¬5) في (م): بن. (¬6) من (م). (¬7) كذا بالأصول. ولعلها (قديما) أو المراد أن صهيبًا وعمارًا أسلما في يوم واحد. (¬8) "المجموع" 4/ 103.

جماعة من العلماء. وعن مالك روايتان: إحداهما كراهة السلام، والثانية: جوازه للحديث إذ لم ينكر (¬1)، ولو كان غير جائز لأنكر (¬2). (فرد إشارة) منصوب على حذف حرف الجر، أي: بالإشارة، [أو مصدر] (¬3) بمعنى اسم الفاعل، وهو منصوب على الحال، أي: رد في حال كونه مشيرًا بأصبعه (قال) بعض الرواة في روايته (ولا أعلمه إلا قال) رد عليه (إشارة بإصبعه) كذا للترمذي، ثم قال: وفي الباب عن بلال وأبي هريرة وأنس وعائشة (¬4) (هذا لفظ حديث قتيبة) بن سعيد. [926] (حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي) قال المصنف: ما رأيت [أحفظ منه! (¬5) قال: (ثنا زهير) بن محمد التميمي (¬6)، قال: (ثنا أبو الزبير)] (¬7) محمد بن مسلم بن تدرس المكي (عن جابر قال: أرسلني نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بني المصطلق) [بكسر اللام] (¬8)، وهم بطن من خزاعة، واسم المصطلق خزيمة بن سعد بن عمرو بن ربيعة، وخزاعة ¬

_ (¬1) في (م): ينكره. (¬2) انظر: "التاج والإكليل" للعبدري 2/ 32. (¬3) في (م): المصدر. (¬4) "سنن الترمذي" (367). (¬5) "سؤالات الآجري لأبي داود" (1789). (¬6) كذا ذكره الشارح. ولعل صوابه زهير بن معاوية بن حديج؛ فهو شيخ عبد الله بن محمد النوفلي وتلميذ أبي الزبير. وانظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 9/ 420. (¬7) من (ل، م). (¬8) من (س، ل).

أولاد عمرو بن ربيعة وهم من الأزد. (فأتيته) بعد قضاء حاجته (وهو يصلي على بعيره) وفي رواية (¬1): فرجعت وهو يصلي على راحلته ووجهه إلى غير القبلة فسلمت (¬2). (فكلمته، فقال لي) إشارة (بيده هكذا) يعني: وبسط كفه كما سيأتي (ثم كلمته) ثانيًا (فقال لي) فيه تسمية الإشارة باليد قولًا مجازًا كما سمى الشاعر الرمز بالعين قولا في قوله: فقالت له العينان: سمعًا وطاعة (¬3) (هكذا) فيه دليل على استحباب الإشارة باليد عند الحاجة، وقد صحت الإشارة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من رواية أم سلمة في حديث الركعتين بعد العصر (¬4)، ومن حديث عائشة وجابر لما صلى بهم جالسًا في مرض له فقاموا خلفه فأشار إليهم أنِ اجلسوا (¬5). وأصرح (¬6) من ذلك ما رواه ابن حبان بسنده عن ابن عمر: دخل النبي ¬

_ (¬1) بياض في (ص، س، ل، م). (¬2) "صحيح مسلم" (540) (38). (¬3) أورده ابن جني في "الخصائص" 1/ 32 ولم ينسبه لأحد. (¬4) أخرج البخاري (1233)، ومسلم (834) من حديث أم سلمة أنها قالت: أرسلت جارية إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت لها: قومي بجنبه فقولي له: تقول أم سلمة: يا رسول الله، إني أسمعك تنهى عن هاتين الركعتين، وأراك تصليهما؟ فإن أشار بيده فاستأخري عنه. ففعلت الجارية. فأشار بيده فاستأخرت عنه .. الحديث. (¬5) أخرجه البخاري (688)، ومسلم (412) (82) من حديث عائشة. وأخرجه مسلم (413) من حديث جابر. (¬6) في (م): أخرج.

- صلى الله عليه وسلم - مسجد بني عمرو بن عوف -يعني: مسجد قباء- فدخل رجال من الأنصار يسلمون عليه قال ابن عمر: فسألت صهيبًا وكان معه كيف كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل إذا كان يسلم عليه وهو يصلي؟ قال: كان يشير بيده (¬1). (وأنا أسمعه يقرأ) في الصلاة (يومئ) بهمز آخره (برأسه) للركوع والسجود، وفيه دليل على جواز الإيماء بالركوع (¬2) والسجود على الراحلة ويكون سجوده أخفض. ويدل على هذا أيضًا ما رواه الإمام أحمد، عن جابر قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي وهو على راحلته النوافل في كل جهة ولكن يخفض السجود عن الركعة ويومئ إيماء (¬3). وفي لفظ الترمذي وصححه بعثني (¬4) النبي - صلى الله عليه وسلم - في حاجة فجئت (¬5) وهو يصلي على راحلته نحو المشرق والسجود أخفض من الركوع (¬6). (قال جابر: فلما فرغ) من صلاته (قال: ما فعلت في) الأمر (الذي أرسلتك) فيه سؤال الرسول في الحاجة قبل أن يتكلم. (فإنه لم يمنعني أن أكلمك إلا أني (¬7) كنت أصلي) فيه استحباب الاعتذار لمن ترك شيئًا من حقوقه الواجبة أو المندوبة، كما اعتذر ¬

_ (¬1) "صحيح ابن حبان" (2258). (¬2) في (م): في الركوع. (¬3) "مسند أحمد" 3/ 296. (¬4) في (ص، س): يعني. (¬5) في (ص، س): قمت. (¬6) "سنن الترمذي" (351). (¬7) في (ل، م): أنني.

النبي - صلى الله عليه وسلم - للصعب بن جثامة حين رد هديته وقال: "إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم" (¬1). [927] (حدثنا حسين بن عيسى) أبو (¬2) علي الطائي (الخراساني الدامغاني) القومسي البسطامي، أخرج له الشيخان قال: (حدثنا جعفر بن عون) بن جعفر المخزومي العمري قال: (حدثنا هشام بن سعد) القرشي المدني (¬3) مولاه (¬4) لآل أبي لهب بن عبد المطلب، أخرج له مسلم في مواضع قال: (حدثنا نافع) مولى ابن (¬5) عمر (قال: سمعت عبد الله بن عمر يقول خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى قباء) كي (يصلي فيه) فيه استحباب زيارة مسجد قباء وفضل (¬6) الصلاة فيه. ويدل (¬7) عليه ما روى البخاري ومسلم، عن ابن عمر كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يزور قباء أو يأتي قباء راكبًا وماشيًا، زادا في روايته: فيصلي فيه ركعتين (¬8). وفي رواية [للبخاري كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬9) يأتي مسجد قباء كل سبت (¬10) راكبًا وماشيًا، وكان ابن عمر يفعله (¬11). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1825)، ومسلم (1193). (¬2) في (ص): بن. (¬3) في (م): المديني. (¬4) في (م، ل): مولًا. (¬5) في (م): أبي. (¬6) في (ص، س): قصد. (¬7) في (ص، س): نزل. (¬8) أخرجه البخاري (1194)، ومسلم (1399) (516). (¬9) في (ل، م): البخاري والنسائي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان. (¬10) في (ص، س): سنة. (¬11) "صحيح البخاري" (1193).

وروى الطبراني في "الكبير": قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم دخل مسجد قباء فركع (¬1) فيه أربع ركعات كان ذلك عدل رقبة" (¬2) (قال: فجاءته الأنصار فسلموا عليه، وهو) [في الصلاة] (¬3). (يصلي (¬4) فقلت لبلال: كيف رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرد عليهم [حين كانوا] (¬5) يسلمون عليه وهو يصلي؟ ) زاد الترمذي: في مسجد بني (¬6) عمرو بن عوف (قال) كان يرد إشارة. (يقول: هكذا) ثم بين الكيفية (وبسط) يعني: (كفه (¬7) وبسط جعفر بن عون) المخزومي. (كفه وجعل بطنه) أي: بطن كفه إلى (أسفل وظهره إلى فوق) قال الترمذي: كلا الحديثين صحيح. يعني: هذا الحديث وحديث نابل. قال (¬8): لأن قصة حديث صهيب غير قصة بلال، وإن كان ابن عمر روى عنهما فاحتمل أن يكون سمع منهما جميعًا (¬9). انتهى. وفي هذين الحديثين دليل على جواز الرد على المُسَلِّم بالإشارة ¬

_ (¬1) في (م): فيركع. (¬2) "المعجم الكبير" 6/ 75 (5560). (¬3) سقطت من (س، ل، م). (¬4) زاد في (ل، م): قال. (¬5) في (ص): وهم. (¬6) من (ل). (¬7) في (ص، ل): كفيه. (¬8) من (س، ل، م). (¬9) "سنن الترمذي" عقب حديث (368).

بالأصبع (¬1) وبالكف كما في الحديث. [928] (حدثنا أحمد بن حنبل) قال: (حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) ابن حسان أبو سعيد البصري مولى الأزد. (عن سفيان) الثوري (عن أبي مالك) سعد بن طارق بن أشيم (الأشجعي) ويقال: ابن الأشيم الكوفي أخرج له مسلم. (عن أبي حازم) سلمان مولى عزة الأشجعية الكوفي (¬2). (عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا غرار) بكسر الغين المعجمة وتخفيف الراء، أصل الغرار النقصان من قولهم: غارت الناقة بتشديد الراء إذا نقص لبنها (¬3). (في صلاة) هو في الصلاة أن لا يتم هيئتها ولا ركوعها ولا سجودها ولا في أركانها كاملة بل ناقصة. وقيل: الغرار: النوم. ومعنى: لا (¬4) غرار. أي: لا نوم في الصلاة، وغرار (¬5) النوم قلته ونقصه (ولا) في (تسليم) فيه وجهان، من رواه بالجر جعله معطوفًا على قوله في صلاة فيكون المعنى: لا نقص في صلاة. ولا في تسليم وهو أن يقول إذا سلم من الصلاة: السلام عليكم ولا يقول: ورحمة الله، وكذا ابتداء السلام لا يقول: السلام عليكم (¬6). ويدع ورحمة الله ¬

_ (¬1) من (س، ل، م). (¬2) زاد هنا في الأصول الخطية: مولى عزة. (¬3) في (ص، س): رعيها. (¬4) في (م): إلا. (¬5) في (م): فالغرار. (¬6) من (م).

وبركاته وكذا (¬1) المجيب لا يقول: وعليكم. فقط بل يقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. والوجه الثاني: أن (¬2) يروى منصوبًا ويكون معطوفًا على قوله: لا غرار فيكون المعنى: لا نقص في صلاة ولا تسليم فيها أي: لا تسليم (¬3) على من هو في الصلاة، أو لا نوم في صلاة ولا تسليم فيها، لأن التسليم من كلام الآدميين وهو غير جائز فيها وعلى الوجه الأول يكون لتأويل الغرار بالنوم مدخل. (قَال أَحْمَدُ) بن حنبل (المعنى) للحديث (فِيمَا أُرَى) بضم الهمزة، أي: أظن (أَنْ لَا تُسَلِّمَ) على من كان في صلاة (وَلَا يُسَلَّمَ) بفتح اللام أي: لا يسلم أحدٌ (عَلَيكَ) وأنت في صلاة (وَيُغَرِّرُ) بفتح الغين وتشديد الراء المكسورة (الرَّجُلُ بِصَلاِتهِ) من قولهم: غرَّ الشخص بالأمر يغر بكسر الغين غرارةً بفتحها، فهو غار (¬4) بالتشديد، وغر بكسر الغين والتشديد إذا غفل عن الأمور وجهل بها، فإذا غفل (¬5) الشخص في الصلاة ولم يقبل عليها بقلبه وقالبه (فَيَنْصَرِفُ) منها (وَهُوَ فِيهَا شَاكٌّ) برفغ الكاف وتشديدها يعني: شاكٌّ في عدد ركعاتها والإتيان بواجباتها وأبعاضها ومسنوناتها. ¬

_ (¬1) في (م): كذلك. (¬2) سقطت من (م). (¬3) في (م): يسلم. (¬4) من (م). (¬5) من (م).

[929] (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ) قال: (حدثنا مُعَاوِيةُ بْنُ هِشَامٍ) القصار الكوفي، مولى بني أسد، أخرج له مسلم. (عَنْ سُفْيَانَ) الثوري (عَنْ أَبِي مَالِكٍ) سعد بن طارق الأشجعي (عَنْ أَبِي حَازِمٍ) سليمان (¬1) (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال) الراوي (أُرَاهُ) بضم الهمزة معناه: أظنه (رَفَعَهُ) إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - (قَال: لَا غِرَارَ فِي تَسْلِيمٍ وَلَا صَلَاةٍ) هذِه الرواية تدل على الجر في الرواية التي قبلها، وأن الجر أرجح من النصب كما تقدم في معناه. (وَرَوَاهُ) محمد (ابْنُ فُضَيلٍ عَلَى لَفْظِ) عبد الرحمن (ابْنِ مَهْدِيٍّ وَلَمْ يَرْفَعْهُ) كما رفعه الراوي قبله. * * * ¬

_ (¬1) في (ل، م): سلمان.

173 - باب تشميت العاطس في الصلاة

173 - باب تَشْمِيتِ العاطِسِ في الصَّلاةِ 930 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى ح وَحَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بْنُ إِبْراهِيمَ -الْمَعْنَى- عَنْ حَجَّاجٍ الصَّوّافِ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ هِلالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ عَطاءِ بْنِ يَسارٍ، عَنْ مُعاوِيةَ بْنِ الحَكَمِ السُّلَمِيِّ قال: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَعَطَسَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ فَرَمانِي القَوْمُ بِأَبْصارِهِمْ فَقُلْت: واثُكْلَ أُمِّياهُ ما شَأْنُكمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخاذِهِمْ فَعَرَفْتُ أنَّهُمْ يُصَمِّتونِي -فَقال عُثْمانُ: - فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُسَكِّنُونِي لَكِنِّي سَكَتُّ قال: فَلَمّا صَلَّى رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -بِأَبِي وَأُمِّي- ما ضَرَبَنِي وَلا كَهَرَنِي وَلا سَبَّنِي ثُمَّ قال: "إِنَّ هذِه الصَّلاةَ لا يَحِلُّ فِيها شَيْءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ هذا إِنَّما هُوَ التَّسْبِيحُ والتَّكْبيرُ وَقِراءَةُ القُرْآنِ". أَوْ كَما قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قُلْت: يا رَسُولَ اللهِ إِنّا قَوْمٌ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجاهِلِيَّةٍ وَقَدْ جاءَنا الله بِالإِسْلَامِ وَمِنَّا رِجالٌ يَأْتُونَ الكُهَّانَ. قال: "فَلا تَأْتِهِمْ". قال: قُلْتُ: وَمِنَّا رِجالٌ يَتَطَيَّرُونَ. قال: "ذاكَ شَيْءٌ يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ فَلا يَصُدُّهُمْ". قُلْتُ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ. قال: "كانَ نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِياءِ يَخُطُّ فَمَنْ وافَقَ خَطَّهُ فَذاكَ". قال: قُلْتُ: جارِيَةٌ لِي كانَتْ تَرْعَى غنَيْماتٍ قِبَلَ أُحُدٍ والجَوّانِيَّةِ إِذِ اطَّلَعْتُ عَلَيْها إِطْلَاعَةً فَإِذا الذِّئْبُ قَدْ ذَهَبَ بِشاةٍ مِنْها وَأَنا مِنْ بَنِي آدَمَ آسَفُ كَما يَأْسَفُونَ لَكِنِّي صَكَكتُها صَكَّةً فَعَظَّمَ ذاكَ عَلى رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: أفَلا أَعْتِقُهَا؟ قال: "ائْتِنِي بِها". قال: فَجِئْتُهُ بِها فَقال: "أَيْنَ اللُّه". قالتْ: فِي السَّماءِ. قال: "مَنْ أَنَا". قالتْ: أَنْتَ رَسُول اللهِ. قال: "أَعْتِقْها فَإِنَّها مُؤْمِنَةٌ" (¬1). 131 - حَدَّثَنا محَمَّد بْنُ يُونُسَ النَّسائِيُّ، حَدَّثَنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْن عَمْرٍو، حَدَّثَنا فُلَيْحٌ عَنْ هِلالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَطاءِ بْنِ يَسارٍ، عَنْ مُعاوِيَةَ بْنِ الحَكَمِ السُّلَمِيِّ قال: لَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عُلِّمْتُ أمُورًا مِنْ أُمُورِ الإِسْلَامِ فَكانَ فِيما عُلِّمْتُ أَنْ قال ¬

_ (¬1) رواه مسلم (537).

لِي: "إِذا عَطَسْتَ فاحْمَدِ اللَّه وَإذا عَطَسَ العاطِسُ فَحَمِدَ اللَّه فَقُلْ يَرْحَمُكَ اللهُ". قال: فَبَيْنَما أَنا قائِمٌ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الصَّلاةِ إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ فَحَمِدَ اللهَ فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ الله رافِعًا بِها صَوْتِي فَرَمانِي النَّاسُ بِأَبْصارِهِمْ حَتَّى احْتَمَلَنِي ذَلِكَ فَقُلْتُ: ما لَكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ بِأَعْيُنٍ شُزْرٍ! قال: فَسَبَّحُوا فَلَمّا قَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الصَّلاةَ قال: "مَنِ المُتَكَلِّمُ". قِيلَ: هذا الأعرابِيُّ. فَدَعانِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقال لِي: "إِنَّما الصَّلاةُ لِقِراءَةِ القُرْآنِ وذِكْرِ الله جَلَّ وَعَزَّ، فَإِذا كُنْتَ فِيها فَلْيَكُنْ ذَلِكَ شَأْنُكَ". فَما رَأَيتُ مُعَلِّمًا قَطُّ أَرْفَقَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -" (¬1). * * * باب تَشْمِيتِ العَاطِسِ فِي الصَّلَاةِ [930] (حَدَّثَنَا مُسدَّدٌ) قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى) بن سعيد القطان. ([ح] وحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ) قال (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) ابن علية أبو بشر قالا جميعًا. (الْمَعْنَى، عَنْ حَجَّاجٍ) بن أبي عثمان. (الصَّوَّافِ) البصري، قال (حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيمُونَةَ) ويقال: [هلال بن أبي ميمونة] (¬2)، ويقال: هلال بن أبي هلال، وهو هلال بن علي، مات في آخر خلافة هشام بن عبد الملك (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الحَكَمِ) بن خالد (السُّلَمِيِّ) بضم ¬

_ (¬1) رواه البخاري في "القراءة خلف الإمام" (67 - 70)، ورواه البيهقي 2/ 249 من طريق أبي داود. وانظر ما قبله. وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (164). (¬2) كذا بالأصول الخطية.

السين وفتح اللام. (قَال: صَلَّيتُ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَعَطَسَ) بفتح الطاء يعطس بكسرها، وفي لغة: يعطُس (¬1) بالضم في المستقبل كيقتل. (رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللُّه) قال ابن دقيق العيد: قول المشمت: (يرحمك الله) الظاهر منه والسابق إلى الفهم أنه دعاء له بالرحمة، ويحتمل أن يكون إخبارًا على (¬2) طريقة البشارة المبنية على حسن الظن كقوله - صلى الله عليه وسلم - للمحموم: "لا بأس طهور إن شاء الله" (¬3) والله أعلم بمراد رسوله، وكأن المشمت بشر العاطس لحصول الرحمة في المستقبل بسبب حصولها في الحال الحاضر (¬4)، فإن العطاس (¬5) رحمة من الله يدفع المؤذي في المستقبل فيكون من باب قوله تعالى: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} (¬6) عند من فهم منه هذا المعنى كما أحسن الله فيما مضى كذلك يحسن فيما بقي، ومناسبة الدعاء بالرحمة من حيث (¬7) أنه دفع المؤذي للجسد بإحساسه فتسهيله (¬8) نعمة من الله تعالى ناسب أن يحمد الله تعالى عليها، والنعمة من الله تعالى رحمة ¬

_ (¬1) في (م): عطس. (¬2) في (ص، س): عن. (¬3) أخرجه البخاري (3616). (¬4) انظر: "فتح الباري" (10/ 624). (¬5) في (ص، س): العاطس. (¬6) مريم: 4. (¬7) سقطت من (م). (¬8) في (م): فسهله.

للعبد (¬1) فيدعى له بعد الرحمة الخاصة بالرحمة العامة. (فَرَمَانِي القَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ) أي: نظروا إليّ بأبصارهم نظر منكر، ولما كان المحل محل إنكار استعير له الرمي بالشيء وهو إلقاء الشيء من يد الإنسان وحذفه، من قولهم: رميت بالقوس إذا ألقيته من يدي (¬2) [ويدل على هذا رواية ابن حبان: "فحدقني (¬3) القوم بأبصارهم"] (¬4). (فَقُلْتُ: وَا) (¬5) للندبة (ثُكْلَ) بضم المثلثة وإسكان الكاف وبفتحهما جميعًا لغتان كالبُخْل والبَخَل حكاهما الجوهري وغيره، وهو فقدان المرأة ولدها وحزنها عليه لفقده، وامرأة ثكلى وثاكل، وثكلته أمه بكسر الكاف وأثكله الله أمه (¬6). (أُمِيَاهُ) بفتح الميم المشددة، وأصلها الكسر؛ لأنها قبل الساكنة، وأصله: أمي وأمياه مضاف إلى ثُكل، وكلاهما مندوب كما قالوا: [وأمير المؤمناه] (¬7) واأمياه أصله أمي زيدت عليه الألف لمد الصوت، وأردفت بهاء السكت الثابتة في الوقف المحذوفة في الوصل (¬8). (مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ؟ ) نظر المنكر قال (فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ أَيْدِيهمْ) ¬

_ (¬1) في (ص، س): للغيب. (¬2) في (س، ل، م): يدك. (¬3) من (ل، م). (¬4) "صحيح ابن حبان" (2247). (¬5) في (ص): يا. (¬6) "الصحاح": (ثكل). (¬7) في (ل، م): واأمير المومناه. (¬8) من (ل، م).

بسكون الياء الثانية على حذف حرف (¬1) الجر وهو الباء، رواية مسلم (¬2) وأكثر نسخ أبي داود بإثبات (¬3) حرف الجر، ويجوز حذفها كقول الشاعر: تمرون الديار ولا تعوجوا ... كلامكم عليَّ إذًا حرام (¬4) فإن اليدين هنا مضروبة (عَلَى أَفْخَاذِهِمْ) وإنما فعلوا هذا الضرب ليسكتوه عن (¬5) الكلام، وهذا الضرب محمول على أنه كان قبل أن يشرع التسبيح لمن نابه شيء في صلاته للرجال والتصفيق للنساء، قال الإسنوي: فلو صفق الرجال وسبح النساء جاز (¬6)، لكن خالفا السنة. وفي "الكفاية" (¬7): أن تصفيق الرجل عامدًا يضر. قال القرطبي: في هذا الحديث يحتمل أن يقال: إنهم فهموا أن التصفيق المنهي عنه إنما هو ضرب الكف على الكف أو (¬8) الأصابع على الكف، ويبعد أن يسمى من ضرب على فخذه وعليها ثوبه مصفقًا؛ ولهذا قال: فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، ولو كان يسمى هذا تصفيقًا لكان الأقرب في ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) "صحيح مسلم" (537). (¬3) في (م): روشان. (¬4) البيت لجرير. انظر: "المحكم" 10/ 247. (¬5) في (ص، س): على. (¬6) في (ل، م): لم يضر. (¬7) في (ص، س، ل): الكافية. (¬8) في (ص): و.

لفظه أن يقول (¬1): يصفقون لا غير (¬2). (فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ يُصَمِّتُونِي) أي: يسكتوني (قَال عُثْمَانُ) بن أبي شيبة (فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُسَكِّتُونِي لَكِنّي سَكَتُّ) قال المنذري: يريد لم أتكلم لكني سكت. ورود (لكن) هنا مشكل فإنها للاستدراك، وفسر بأن تثبت (¬3) لما بعدها حكمًا مخالفًا لحكم ما قبلها، كذلك لا بد أن يتقدمها كلام مناقض لما بعدها نحو: ما هذا ساكنًا لكنه متحرك، أو ضد لما قبلها نحو: ما هو أبيض، لكنه أسود، ويحتمل أن يراد بها معنى الاستدراك الذي فسره في "البسيط" وهو رفع ما توهم ثبوته ويكون التقدير: فلما رأيتهم يسكتوني لم أكلمهم بعد ذلك، لكني سكت؛ لأن ضربهم على أفخاذهم مراد به (¬4) [ترك كلامه؛ لأنه مفهوم ضربهم، ومقتضاه بالاستدراك هنا من نفي كلامه (¬5) الذي اقتضاه ضربهم ونظير هذا الاستدراك في (¬6) رفع ما توهم ثبوته قولهم (¬7): ما زيد شجاعًا لكنه كريم؛ لأن الشجاعة والكرم لا يكادان يفترقان، فالاستدراك من توهم نفي كرمه ويحتمل (¬8) أن تكون لن هنا للتأكيد نحو: لو جاءني أكرمته ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): يقولوا. (¬2) "المفهم" 2/ 138. (¬3) في (م): تنسب. وفي (س): ينصب. (¬4) من هنا بداية سقط في (ل). (¬5) في (ص، س، ل): طلبهم. (¬6) من (م). (¬7) في (م): قوله. (¬8) في (ص): لكن.

لكن لم يجيء، فأكدت لكن ما أفادته (لو) من الامتناع، وكذا في الحديث أكدت لكن ما أفاده ضربهم من ترك الكلام. (فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -بِأَبِي وَأُمِّي-) بالجر متعلق بفعل محذوف تقديره أفديه بأبي وأمي (مَا ضَرَبَنِي) جواب لقسم (¬1) محذوف ظهر في رواية مسلم: فبأبي هو وأمي ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه، فوالله ما ضربني (¬2). (وَلَا كَهَرَنِي) أي: ما (¬3) انتهرني، والكهر الانتهار، قاله أبو عبيد (¬4)، وفي قراءة عبد الله بن مسعود: (فأما اليتيم فلا تكهر) (¬5) وقيل: الكهر العبوس في وجه من تلقاه (¬6)، وفيه بيان ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عظيم الخلق الذي شهد الله تعالى له به ورفقه (¬7) بالجاهل ورحمته بأمته وشفقته عليهم وفيه (¬8) التخلق بخلقه - صلى الله عليه وسلم - بتعليم (¬9) الجاهل واللطف في التعليم. (وَلَا شتمني) (¬10) وفي صفته - صلى الله عليه وسلم -: لم يكن لعَّانًا ولا سبابًا (¬11) ولا ¬

_ (¬1) في (م): القسم. (¬2) "صحيح مسلم" (537). (¬3) من (س، م). (¬4) "غريب الحديث" 1/ 76. (¬5) انظر: "معاني القرآن" للفراء 3/ 274، "المحرر الوجيز" لابن عطية 5/ 467. (¬6) "لسان العرب": (كهر). (¬7) في (ص، س): رفعته. (¬8) من (س، م). (¬9) في (ص، س): تعليم. (¬10) رواية أبي داود في النسخة المطبوعة: سبني. (¬11) في (ص، س): شتامًا.

فاحشًا ولا متفحشًا (¬1). (ثُمَّ قَال: إِنَّ هذِه الصَّلَاةَ) يعني مطلق الصلاة، فيشمل الفرائض فرض عين والكفاية والسنن المؤكدات والمستحبات والسنن (لَا يَحِلُّ فِيهَا شَيءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ) فيه تحريم الكلام في الصلاة سواء كان لحاجة أم لا وسواء كان لمصلحة الصلاة أو غيرها فإن احتاج إلى تنبيه أو إذن لداخل ونحوه سبح إن كان رجلًا، وصفقت إن كانت امرأة، وهذا مذهبنا، والأئمة الثلاثة وجمهور السلف والخلف، وقالت طائفة منهم الأوزاعي: يجوز الكلام لمصلحة الصلاة لحديث ذي اليدين (¬2). وسيأتي إيضاحه إن شاء الله تعالى (هذا) يحتمل أن يكون هذا (¬3) إشارة لما هو معلوم في الذهن من كلامهم. (إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ القُرْآنِ) يدل على منع الكلام بغير التسبيح والتكبير والقراءة ومنع تشميت العاطس فيها وهو متمسك لمن منع الدعاء في الصلاة بغير ألفاظ القرآن؛ لأن إنما للحصر وتنفصل عنه بما (¬4) ثبت من تخصيص هذا الحديث بدعائه - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة على قوم بأعيانهم (¬5). (أَوْ كَمَا قَال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -) هذا يستعمله المحدثون فيما رووه ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6031). (¬2) "شرح النووي" 5/ 21. (¬3) في (ص، س): هنا. (¬4) في (م): كما. (¬5) في (ص، س): بأيمانهم.

بالمعنى؛ فإنهم قالوا: ينبغي لمن روى بالمعنى أن يقول: أو كما قال، [أو يقول: ] (¬1) أو نحو هذا وما أشبه ذلك، فقد ورد ذلك عن ابن مسعود وأبي الدرداء وهم من أعلم الناس بمعالم الحديث، وكذا إذا شك المحدث (¬2) في لفظة أو أكثر فقرأها على الشك فإنه يحسن أن يقول: أو كما قال، وفيه إشارة إلى جواز رواية الحديث بالمعنى، وهو مذهب أكثر أهل الحديث والفقه الأول (¬3) إذا كان الراوي عالمًا بمدلول الألفاظ ومقاصدها وما يحل (¬4) معناها. (قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله إِنَّا قَوْمٌ) رواية مسلم: "إني" (حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ) أي: قرب عهدنا بالجاهلية التي كنا عليها ولم نعرف أحكام الإسلام، وسموا بجاهلية (¬5) لكثرة جهالاتهم، والجاهلية ما قبل ورود الشرع (¬6) (وَقَدْ جَاءَنَا (¬7) اللُّه) تعالى (بِالإِسْلَامِ وَمِنَّا رِجَالٌ يَأْتُونَ الكُهَّانَ) الكهان: جمع كاهن ككتاب جمع كاتب، ويجمع الكاهن على كهنة كما في رواية ابن حبان: إن رجالا منا يأتون الكهنة (¬8). كما يجمع الكاتب كتبة، والساحر سحرة، والكاهن الذي يتعاطى علم ما غاب ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (م): قارئ الحديث. (¬3) في (ص): إلا و. (¬4) في (م): يحتل. (¬5) في (م): جاهلية. (¬6) زاد في (م): ومنا رجال يأتون. (¬7) في (م): جاء. (¬8) "صحيح ابن حبان" (2247).

عنه، وهم (¬1) أقسام (¬2). قال الخطابي في حديث: "من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد برئ مما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -" (¬3) قال: كان في العرب كهنة يدّعون أنهم يعرفون كثيرًا من الأمور، فمنهم من يزعم أن له رئيًا من الجن يلقي إليه الأخبار، ومنهم من يدير استدراك ذلك بفهم أعطيه، ومنهم من يسمى عرافًا وهو الذي يزعم معرفة الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها، كمعرفة من يسرق الشيء الفلاني، ومعرفة من تتهم به المرأة، ونحو ذلك، ومنهم من يسمي المنجم كاهنًا. (قَال (¬4): فَلَا تَأْتِهِمْ) يشمل النهي عن إتيان هؤلاء كلهم والرجوع إلى قولهم وتصديقهم فيما يدعونه (¬5). قال النووي بعد حكايته: وهو نفيس (¬6). قال القرطبي: كان أهل الجاهلية يترافعون إلى الكهان في وقائعهم وأحكامهم ويرجعون إلى أقوالهم كما فعل عبد المطلب حيث (¬7) أراد ذبح ابنه عبد الله في نذر ¬

_ (¬1) في (م): هي. (¬2) في (س، م): أصنام. (¬3) سيأتي برقم (3904)، ورواه أيضًا الترمذي (135)، وابن ماجة (639) من حديث أبي هريرة. وقال الحاكم في "المستدرك" 1/ 8: هذا حديث صحيح على شرطهما ولم يخرجاه. وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3387). (¬4) زاد في (س، م): فقوله. (¬5) "معالم السنن" 4/ 229. (¬6) "شرح النووي" 5/ 22. (¬7) في (ص، س): حتى.

كان نذره فمنعه قومه وترافعوا إلى الكاهن، فلما بعث الله سبحانه رسوله أرسلت الشهب على الجن فلم يتمكنوا مما كانوا يتمكنون منه، فارتفعت الكهانة لئلا يجر ذلك [إلى تغير] (¬1) الشرع، لكنها وإن انقطعت فبقي قوم يتشبهون بالكهان، فنهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن إتيانهم؛ لأنهم كذبة مُمَخْرِقُون مبطلون ضالون مضلون، فيحرم إتيانهم واستماع كلامهم، وقد كثر هذا النوع في نساء الأندلس [وكثير من رجال غير الأندلس] (¬2) فليحذروا (¬3). قال الماوردي في "الأحكام السلطانية": يمنع المحتسب الناس من التكسب بالكهانة واللهو، وبؤدب (¬4) عليه الآخذ والمعطي (¬5). [(قال: قلت: ومنا رجال يتطيرون) يتعلقون من الطيرة مصدر طار يطير طيرة وطيرانًا والتطير التشاؤم بالشيء وأصله: أن العرب كانوا إذا خرج الواحد منهم في حاجته نظر إلى أول طائر يراه فإن طار عن يمينه تشاءم به وامتنع عن المضيّ في تلك الحاجة وإن طار عن يساره تيمَّن به ومضى في حاجته وأصل هذا أن الرامي للطير إنما يصيب ما كان عن يساره ويخيبه ما كان عن يمينه فسمي التشاؤم تطيّرًا من ذلك] (¬6). (قَال: ذَاكَ شَيءٌ يَجِدُونَهُ) بالياء المثناة تحت (فِي صُدُورِهِمْ) أي: في نفوسهم ضرورة (فَلَا يَصُدُّهُمْ) ذلك عن حاجتهم، رواية ابن حبان: "ذاك ¬

_ (¬1) في (ص): تغيير. (¬2) زيادة من "المفهم" أضفناها لتتناسب مع الضمير. (¬3) "المفهم" 2/ 139 - 140. (¬4) في (م): بوب. (¬5) "الأحكام السلطانية" 2/ 27. (¬6) من (س، م).

شيء تجدونه في صدوركم فلا يضرنكم" بتشديد نون التوكيد، والمعنى: إن ذلك الشيء الذي يحصل في نفوسكم بحسب العادة من النفرة والكراهة من رؤية ما يتطير به فينبغي أن لا تلتفتوا إليه وامضوا لوجهكم الذي خرجتم إليه (¬1) فإن تلك الطيرة لا تضركم، وإذا لم تضر الآدمي ولا يحصل له منها ضرر (¬2) فلا يصد (¬3) الإنسان ذلك عن حاجته وأشار الشارع بذلك إلى أن الأمور كلها بيد الله تعالى، فينبغي أن يعول عليه ويفوض إليه (¬4) جميع حوائجه التي يشرع فيها، ويؤخذ منه أن هذا الوجدان الذي يحصل في النفس لا يلام (¬5) من وجده في نفسه شرعًا؛ لأنه لا يقدر على الانفكاك عنه، وإنما يلام أو يمدح على ما كان داخلًا تحت استطاعته [فإنه مكلف] (¬6) به، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على النهي عن التطير والطيرة، وهي محمولة على العمل بها لا على ما يوجد في النفس من غير قصد منه ولا اختيار له، وسيأتي الكلام عليه في بابه إن شاء الله تعالى. (قُلْتُ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ) قال ابن عباس في تفسير هذا الحديث: هو الخط (¬7) الذي يخطه الحازي فيعطى عليه حلوانًا، والحازي بالحاء ¬

_ (¬1) في (م): له. (¬2) في (م): حزن. (¬3) في (ص، س): يضر. (¬4) من (س، م). (¬5) في (ص، س): يلزم. (¬6) في (ص، س): فإن المكلف. (¬7) في (م): الخيط.

المهملة والزاي هو الذي ينظر في النجوم فربما أصاب، وقيل: الحازي هو الذي إذا أعطي حلوانًا يقول: أقعد حتى أخط لك. وبين يديه غلام معه ميل ثم يأتي إلى أرض رخوة فيخط عليها أو يكون معه .... (¬1) خشب يبسط فيه رملًا فيه وصلًا، ثم يخط فيه خطوطًا معجلة لئلا يلحقها العدد، ثم يرجع فيمحو على مهك خطين خطين، فإن بقي خطان فهي علامة النجح، وإن بقي خط فهي علامة الخيبة، والعرب تسميه الأسحم، وهو مشؤوم عندهم حكاه القرطبي (¬2). (قَال: كَانَ نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ) يقال أن هذا النبي هو خالد بن سنان العبسي جاءت ابنته إلى نبينا - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ذاك نبي ضيعه قومه" (¬3). ويقال: إنه إدريس - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وفي تفسير مكي أن هذا النبي كان يخط لإصبعه السبابة والوسطى في الرمل ثم يزجر (¬4) (فمن وافق خطه) خطه (فذاك). قال النووي: الصحيح أن معناه (¬5) من وافق خطه فهو مباح له، لكن لا طريق لنا إلى العلم اليقيني بالموافقة فلا يباح، والمقصود أنه (¬6) حرام لأنه لا يباح إلا بنفس الموافقة، وليس لنا يقين بها. وقال (¬7) القاضي ¬

_ (¬1) كلمة غير مقروءة. ولعلها: نحت. (¬2) "المفهم" 2/ 141. (¬3) رواه الطبراني 11/ 441 (12250). (¬4) "الهداية إلى بلوغ النهاية" 11/ 6810. (¬5) من (م). (¬6) في (س، م): به. (¬7) سقط من (م).

عياض: المختار أن معناه أن (¬1) مَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ الذي يجدون إصابته فيما (¬2) يقول [لا أنه] (¬3) أباح ذلك لفاعله قال: ويحتمل أن هذا نسخ في شرعنا (¬4) فحصل من مجموع كلام العلماء فيه الاتفاق على النهي عنه الآن (¬5). (قَال: قُلْتُ) و (جَارَيةٌ لِي كَانَتْ تَرْعَى غُنَيمَاتٍ) لفظ مسلم: ترعى غنمًا لي (¬6). (قِبَلَ) بكسر القاف وفتح الموحدة أي: جهة جبل (أُحُدٍ) ومنه قولهم: لي (¬7) قبله كذا، أي: في (¬8) جهته، وأُحد بضم الهمزة والحاء جبل معروف بالمدينة سمي بذلك لتوحده وانقطاعه عن جبال أخر (¬9) هناك. (وَالْجَوَّانِيَّةِ) بفتج الجيم وتشديد الواو وبعد الألف نون ثم ياء مشددة، قال النووي: كذا ضبطه أبو عبيد البكري والمحققون وهو موضع بقرب أحد في شمال المدينة؛ كأنه نسب إلى جوان وقول القاضي عياض أنها من عمل الفرع ليس بمقبول؛ لأن الفرع بين مكة ¬

_ (¬1) من (س، م). (¬2) في (م): فيها. (¬3) في (م): لأنه. (¬4) "إكمال المعلم" 2/ 464. (¬5) "شرح النووي" 5/ 23. (¬6) "صحيح مسلم" (537) (33). (¬7) زاد في (م): في. (¬8) سقط من (م). (¬9) في (ص، س): أحد.

والمدينة بعيد من الفرع (¬1) وأحد في شام المدينة، وتقدم في الحديث قبل أحد والجوانية فكيف يكون عند الفرع؟ ! وفيه دليل على جواز استخدام السيد جاريته في الرعي، وإن كانت تنفرد في المرعى، وإنما حرم الشرع مسافرة المرأة وحدها؛ لأن السفر مظنة الطمع فيها، وانقطاع ناصرها، لكن إن خيف مفسدة من رعيها لريبة فيها، أو لفساد من يكون في الناحية التي ترعى فيها ونحو ذلك لم تمكن الحرة ولا الأمة من الرعي؛ لأنه حينئذ يكون في السفر الذي حرمه الشرع على المرأة فإن كان معها في الرعي محرم أو نحوه ممن تأمن معه على نفسها فلا مانع حينئذٍ قاله النووي (¬2). (إِذِ اطلَعْتُ عَلَيهَا) رواية مسلم: فاطلعت ذات يوم (¬3). (إِطْلَاعَةً) واحدة (فَإِذَا الذِّئْبُ) [بالهمز، ويجوز قلبها] (¬4) (قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْهَا) أي: من غنمها كما في مسلم (وَأَنَا) رجل (مِنْ بَنِي آدَمَ آسَفُ) قال الله تعالى: {فَلَمَّا آسَفُونَا} (¬5) بالمد وفتح السين (¬6) أي: أغضب (كَمَا يَأْسَفُونَ) بفتح السين و (صَكَكْتُهَا) قال المنذري (¬7): ¬

_ (¬1) في الأصول الخطية: المدينة. ولعله سبق قلم، والمثبت هو الصواب. (¬2) "شرح النووي" 5/ 23 - 24. (¬3) "صحيح مسلم" (537) (33). (¬4) سقط من (م). (¬5) الزخرف: 55. (¬6) في (ص): الهمزة. والمثبت من (س، م). (¬7) "مختصر سنن أبي داود" 1/ 437.

رواية: لكني صككتها. يريد (¬1) لم أصبر لكني صككتها (¬2) أي: لطمتها. (صَكَّة) واحدة في وجهها (فَعَظمَ) بتشديد الظاء (ذَلكَ) [يعني ذلك] (¬3) الفعل [وهو الصكة] (¬4) (عَلَيَّ) بتشديد الياء (¬5) (رَسُولُ (¬6) الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: فخم أمره واستعظم. (فَقُلْتُ) له: (أَفَلَا أُعْتِقُهَا) بضم الهمزة (قَال: ائْتِنِي بِهَا. قَال: فَجِئْتُ) (¬7) لفظ مسلم فأتيته (بِهَا فَقَال) لها (أَيْنَ اللُّه) هذا السؤال من النبي - صلى الله عليه وسلم - تَنَزُّلٌ مع (¬8) الجارية على قدر فهمها إذ أراد أن يظهر منها ما يدل على أنها ليست ممن يعبد الأصنام ولا الأوثان ولا الحجارة التي تعبد في الأرض من دون الله و"أين" يُسأل به عن المكان الظرف كما أن متى (¬9) يسأل بها عن ظرف الزمان وهو مبني لتضمنه معنى همزة الاستفهام وحرك لالتقاء الساكنين وخص بالفتح تخفيفًا وهو خبر المبتدأ الواقع بعده وإنما قدم وهو خبر؛ لأن الاستفهام له صدر الكلام وهذا السؤال لا يصح إطلاقه على الله تعالى بالحقيقة؛ إذ الله تعالى منزه عن المكان كما هو منزه عن الزمان، بل هو خالق المكان ¬

_ (¬1) في (م): بذلك. (¬2) في (م): صصكتها. (¬3) من (س، م). (¬4) سقط من (م). (¬5) زاد في (م): وهو الصكة. (¬6) زاد في (س، م): بالرفع. (¬7) كذا بالأصول الخطية. وفي مطبوعة السنن: فجئته. (¬8) في (ص): من. وفي (م): ورفع. (¬9) في (ص): أين. وفي (س): من.

والزمان ولم يزل موجودًا ولا زمان ولا مكان، وهو الآن على ما عليه كان، ولو كان قابلًا للمكان مختصًّا به فيحتاج إلى مخصص، ولكان فيه إما متحركًا أو ساكنًا، وهما أمران حادثان، وما يتصف بالحوادث (¬1) حادث ولما صدق قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ} (¬2)، وإذا ثبت ذلك ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أطلقه على الله تعالى بالتوسع والمجاز لضرورة إفهام (¬3) المخاطبة القاصرة الفهم الناشئة مع قوم معبوداتهم في بيوتهم فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتعرف منها (¬4) هل هي ممن يعتقد أن معبودها في بيت الأصنام أم لا؟ فقال لها: "أين الله؟ ". (قَالتْ: فِي السَّمَاءِ) فقنع منها بذلك وحكم بإيمانها إذ لم يتمكن من فهم غير ذلك منها وحملها على قولها في السماء أنها (¬5) رأت المسلمين يرفعون أبصارهم وأيديهم إلى السماء عند الدعاء فقنع منها بذلك؛ إذ لو قيل لها في تلك الحالة: الله تعالى يستحيل عليه المكان والزمان لخيف عليها أن تعتقد النفي المحض والتعطيل؛ إذ ليس لها عقل يقبل هذا، بل إنما يعقل (¬6) هذا العالمون الذين شرح الله صدورهم لهدايته، ثم (قَال) لها (مَنْ أَنَا؟ قَالتْ: أَنْتَ رَسُولُ الله) فيه دليل على أن الكافر لا يصير مؤمنًا إلا بالإقرار بالله تعالى وبرسالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفيه أن من أقر بالشهادتين ¬

_ (¬1) في (ص، س): بالحادث. (¬2) الشورى: 11. (¬3) في (م): إنها. (¬4) من (م). (¬5) في (ص): أنه. (¬6) في (م): يفعل.

واعتقد ذلك جزمًا كفاه ذلك في صحة إيمانه، ولا يكلف مع هذا إقامة الدليل والبرهان على ذلك، ولا يلزمه معرفة الدليل، وهذا هو الصحيح الذي عليه الجمهور. (قَال: أَعْتِقْهَا) بقطع الهمزة المفتوحة (فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ) فيه دليل على أن عتق المؤمن أفضل من الكافر، ولا خلاف في جواز عتق الكافر في التطوع، وأنه لا يجزئ في كفارة القتل، نص"الله تعالى على المؤمنة، واختلف في كفارة اليمين والظهار وتعمد الوطء في رمضان فمالك والشافعي وعامتهم لا يجيزون إلا مؤمنة حملًا لمطلق هذِه الكفارات على مقيد كفارة القتل، وذهب الكوفيون إلى (¬1) أن ذلك ليس شرطًا [وهذا متوسط] (¬2) في كتب الأصول. [931] (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ النَّسَائِيُّ) بفتح النون والسين المهملة وثقه المصنف وتفرد بالرواية عنه (¬3) قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ عَمْرٍو) القيسي (¬4)، وهو أبو عامر العقدي البصري الحافظ، قال: (حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ) بالتصغير ابن سليمان (¬5) العدوي (¬6). (عَنْ هِلَالِ بن) أبي ميمونة (عَلِيٍّ) تقدم (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) من (م). (¬3) "تهذيب الكمال" 27/ 82. (¬4) في (ص، س): العنسي. (¬5) في (ص، س): اليمان. (¬6) كذا بالنسخ الخطية. ولم أقف على تلك النسبة في مصادر ترجمته وإنما هو الخزاعي.

مُعَاوِيَةَ بْنِ الحَكَمِ السُّلَمِيِّ) الصحابي له أحاديث وأصل حديثه واحد وفرق فجعل أحاديث. (قَال: لَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - عُلِّمْتُ) بكسر اللام المشددة مبني للمفعول (أُمُورًا مِنْ أُمُورِ الإِسْلَامِ) فيه تعليم من أسلم شرائع الدين وأحكامه وإن لم يسأل عنها (فَكَانَ فِيمَا عُلِّمْتُ) بضم أوله مبني للمفعول أيضًا (أَنْ قيلَ (¬1) لِي: إِذَا عَطَسْتَ) بفتح الطاء (فَاحْمَدِ اللَّه) تعالى، يعني: على دفع الأذى عنك بالعطاس، وهذا الحمد في غير الصلاة جهرًا وفي الصلاة سرًّا. (وَإذَا عَطَسَ العَاطِسُ فَحَمِدَ اللَّه) تعالى (فَقُلْ) هذِه الفاء للتعقيب، ودخولها على الأمر بالتشميت (¬2) يقتضي الفورية لكن قال ابن دقيق العيد: ينبغي إذا عطس العاطس أن يتأنى عليه حتى يسكن ما به (¬3) ثم يشمته (¬4) يعني: إذا حمد الله تعالى ولا تعاجلوه بالتشميت (يَرْحَمُكَ اللُّه) تعالى يعني بكاف الخطاب كما في هذا الحديث وما يفعله هؤلاء المتأخرون إذا شمتوا من يعظمونه قالوا: يرحم الله تعالى سيدنا أو مولانا أو نحو ذلك من غير خطاب مخالف لما دل عليه هذا الأمر قال ابن دقيق العيد: وبلغني عن بعض رؤساء أهل هذا (¬5) العلم في ¬

_ (¬1) في النسخة المطبوعة: قال. (¬2) من (م). (¬3) "فتح الباري" 10/ 623. (¬4) في (س، م): يشمتوه. (¬5) من (م).

زماننا أنه خوطب بهذا الذي جرت عادتهم به فقال: قل يرحمك الله يا سيدنا أو كما قال، وكأنه قصد الجمع (¬1) بين لفظ الحديث وبين ما اعتادوه (¬2) من التعظيم، وذكر بعض أكابر الفقهاء (¬3) فيما إذا علم من رجل أنه يكره التشميت فإنه لم يشمت وقال: لا إجلالا له بل (¬4) إجلالًا للتشميت أن يؤهل له من يكرهه قال الله تعالى حكاية عن نوح: {أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} (¬5). فإن قيل: إذا كان التشميت سنة فكيف تترك السنة بكراهة من كرهها؟ قيل: هي سنة لمن أحبها لا لمن كرهها كمن (¬6) كره أن يسلم عليه عند اللقاء لم يسلم عليه كما أن المريض إذا كره أن يعاد لم يعد (¬7). (فَبَينَمَا أَنَا (¬8) قَائِمٌ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي الصَّلَاةِ إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ فَحَمِدَ) بكسر الميم (اللَّه) تعالى (فَقُلْتُ له: يَرْحَمُكَ اللُّه) تعالى (رَافِعًا) منصوب على الحال من فاعل يرحمك أو فاعل فقلت (بِهَا) أي بكلمة يرحمك الله (¬9). ¬

_ (¬1) "فتح الباري" 10/ 624. (¬2) في (م): يعتاده. (¬3) في (م): العلماء. (¬4) في (ص، س): قل. والمثبت من (م). (¬5) هود: 28. (¬6) في (م): فمن. (¬7) "فتح الباري" 10/ 622. (¬8) سقط من (م). (¬9) من (م).

(صَوْتِي، فَرَمَانِي النَّاسُ بِأَبْصَارِهِمْ) فيه ما (¬1) تقدم، ورواية ابن حبان: فحذفني الناس بأبصارهم (حَتَّى احْتَمَلَنِي ذَلِكَ) يجوز أن يكون احتملني من ورود افتعل بمعنى فعل كاقتدر بمعنى قدر، والمراد حملني ذلك على الكلام ثانيًا بالإنكار عليهم. (فَقُلْتُ مَا لَكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ بِأَعْيُنٍ) [بالتنوين (شُزْرٍ) وتقدم] (¬2) التنوين في أعين للإضافة أي نظر الغضبان بمؤخر العين من (¬3) اليمين والشمال كنظر المبغض (قَال فَسَبَّحُوا) أي: قالوا: سبحان الله! فيه أنه يستحب لمن نابه (¬4) شيء في (¬5) صلاته أن يسبح إن كان رجلًا قال أصحابنا: ويستحب لمن سبح أن يقصد الذكر والإعلام (¬6). (فَلَمَّا قَضَى النبي - صلى الله عليه وسلم - الصَّلَاةَ قال: مَنِ المُتَكَلِّمُ؟ ) آنفًا (قِيلَ: هذا الأعرَابِيُّ) فيه أن من علم بمنكر ولم يعلم فاعله أن يسأل عنه] (¬7) لينهاه، أو علم بمن جهل حكمًا شرعيًّا ولم يعلم عينه أن يسأل [عنه ليعلمه، أو كان مع جماعة وسمع أحدهم يغتاب (¬8) أو ينقل نميمة ولم ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): شرر. بالتنوين في شرر وعدم. (¬3) في (م): عن. (¬4) في (م): فاته. (¬5) في (م): من. (¬6) "كفاية الأخيار" 1/ 118. (¬7) هنا ينتهي السقط من (ل). (¬8) في (ص، س): بعنار.

يعلمه لظلمة أو غيرها أن يسأل] (¬1) عنه وينهاه، ولا يسقط عنه النهي لعدم معرفة عينه (¬2) إلا إذا لم يتمكن معرفته (¬3). (فَدَعَانِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -) فيه دعاء المتعلم وطلبه ليأتي إليه ولا يمشي العالم إلى المتعلم، وهذا من إكرام العلم وتعظيمه فهو كما يقال: العلم يسعى إليه، وكقصة (¬4) هارون الرشيد لما طلب مالك بن أنس ليسمع أولاده الحديث فامتنع لذلك [كما قيل] (¬5). (فَقَال: إِنَّمَا الصَّلَاةُ) أي إنما وضعت الصلوات (لِقِرَاءَةِ القُرْآنِ) والتسبيح والتهليل والتكبير (وَذِكْرِ الله تعالى) كما تقدم (فَإِذَا كنْتَ فِيهَا فَلْيَكُنْ ذَلِكَ) المذكور (شَأْنَكَ) فيها دون غيره من كلام الآدميين، قال: (فَمَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَطُّ أَرْفَقَ) بالنصب (مِنْ رَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -) بالمتعلمين. * * * ¬

_ (¬1) سقط من (ل). (¬2) في (م): عيبه. (¬3) في (ص): معرفة عينه. (¬4) في (ص، س، ل): قضية. (¬5) سقط من (م).

174 - باب التأمين وراء الإمام

174 - باب التَّأْمِينِ وراءَ الإِمامِ 132 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ حُجْرٍ أَبي العَنْبَسِ الحضْرَمِيِّ، عَنْ وائِلِ بْنِ حُجْرٍ قال: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَرَأَ (وَلا الضَّالِّينَ) قال: "آمِينَ". وَرَفَعَ بِها صَوْتَهُ (¬1). 933 - حَدَّثَنا مَخْلَدُ بْنُ خالِدٍ الشَّعِيرِيُّ، حَدَّثَنا ابن نُمَيْرٍ، حَدَّثَنا عَلِيُّ بْن صالِحٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ حُجْرِ بْنِ عَنْبَسٍ، عَنْ وائِلِ بْنِ حُجْرٍ أَنَّهُ صَلَّى خَلْفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجَهَرَ بِآمِينَ وَسَلَّمَ، عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمالِهِ حَتَّى رَأَيْت بَياضَ خَدِّهِ (¬2). 934 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْن عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا صَفْوانُ بْنُ عِيسَى عَنْ بِشْرِ بْنِ رافِعٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ ابن عَمِّ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا تَلَا (غَيْرِ المغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) قال: "آمِينَ". حَتَّى يَسْمَعَ مَنْ يَلِيهِ مِنَ الصَّفِّ الأَوَّلِ (¬3). 935 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صالِحٍ السَّمّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذا قَال الإِمامُ (غَيرِ المَغْضُوب عَلَيهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) فَقُولُوا: آمِينَ. فَإِنَّهُ مَنْ وافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ المَلائِكَةِ غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (248، 249)، والنسائي 2/ 122، وابن ماجة (855)، وأحمد 4/ 315. وانظر ما بعده. قال الترمذي: حديث حسن. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (863). (¬2) رواه أحمد 4/ 318، وابن أبي شيبة 3/ 55 (3064)، والطبراني 22/ 45 (113، 114، وانظر السابق. قال الألباني في "صحيح أبي داود" (864): إسناده حسن صحيح. (¬3) رواه ابن ماجة (853)، ورواه بنحوه ابن حبان (1806)، والحاكم 1/ 223، والبيهقي 2/ 58. وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (166).

مِنْ ذَنْبِهِ" (¬1). 936 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُما أَخْبَراهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذا أَمَّنَ الإِمامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ المَلائِكَةِ غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". قال ابن شِهاب وَكانَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُول: "آمِينَ" (¬2). 937 - حَدَّثَنا إِسْحاقُ بْنُ إِبْراهِيمَ بْنِ راهَوَيْهِ، أَخْبَرَنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ عاصِمٍ عَنْ أَبِي عُثْمانَ، عَنْ بِلالٍ أَنَّهُ قال: يا رَسُولَ اللهِ لا تَسْبِقْنِي: "بِآمِينَ" (¬3). 938 - حَدَّثَنا الوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ الدِّمَشْقِيُّ وَمَحْمُودُ بْنُ خالِدٍ قالا: حَدَّثَنَا الفِرْيابيُّ، عَنْ صُبَيْحِ بْنِ مُحْرِزٍ الِحمْصِيِّ حَدَّثَنِي أَبُو مُصْبِحٍ المقْرائِيُّ قال: كنّا نَجْلِسُ إِلَى أَبِي زُهَيْرٍ النُّمَيْرِيِّ -وَكانَ مِنَ الصَّحابَةِ- فَيَتَحَدَّثُ أَحْسَنَ الحَدِيثِ فَإِذا دَعا الرَّجُلُ مِنَّا بِدُعاءٍ قال اخْتِمْهُ بِآمِينَ فَإِنَّ آمِينَ مِثْلُ الطَّابَعِ عَلَى الصَّحِيفَةِ. قال أَبُو زُهَيْرٍ أُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ خَرَجْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذاتَ لَيْلَةٍ فَأَتَيْنا عَلَى رَجُلٍ قَدْ أَلحَّ فِي المسْأَلةِ فَوَقَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يسْتَمِعُ مِنْهُ فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوْجَبَ إِنْ خَتَمَ". فَقال رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ بِأَيِّ شَيْءٍ يَختِمُ قال: "بِآمِينَ فَإِنَّهُ إِنْ خَتَمَ بِآمِينَ فَقَدْ أوْجَبَ". فانْصَرَفَ الرَّجُلُ الذِي سَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فأَتَى الرَّجُلَ فَقال اخْتِمْ يا فُلَان بِآمِيْنَ وَأَبْشِرْ. وهذا لَفْظُ مَحْمُودٍ. قال أَبُو دَاوُدَ: المقْراء قَبِيلٌ مِنْ حِمْيَرَ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (780، 781، 782، 4475، 6402)، ومسلم (410). وانظر ما بعده. (¬2) انظر السابق. (¬3) رواه أحمد 6/ 12، 15، وابن خزيمة في "صحيحه" (573). وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (167). (¬4) رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1443)، والطبراني 22/ 296 - 297 (756). وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (168).

باب التَّأْمِينِ وَرَاءَ الإِمَامِ [932] (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ) العبدي قال: (أنبأنا سُفْيَانُ) بن سعيد الثوري (عَنْ سَلَمَةَ) بن كهيل الحضرمي (عَنْ حُجْرٍ) بضم الحاء المهملة وسكون الجيم المشهور بكنيته. (أَبِي العَنْبَسِ) بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح الباء الموحدة ثم سين مهملة، وهو ابن عنبس. (الْحَضْرَمِيِّ) قال ابن القطان: اختلف شعبة وسفيان فيه، فقال شعبة: حجر أبي (¬1) العنبس. وقال سفيان الثوري: حجر بن عنبس. وصوب البخاري وأبو زرعة قول الثوري (¬2)، وجزم ابن حبان في "الثقات" أن كنيته كاسم أبيه (¬3). ولكن قال البخاري: إن كنيته أبو السكن (¬4). ولا مانع أن يكون له كنيتان، وحجر هذا ثقة معروف، وثقه ابن معين (¬5) وغيره، قيل: له صحبة. قال الترمذي في "جامعه": سمعت محمدًا -يعني: البخاري- يقول: [حديث سفيان] (¬6) أصح من حديث شعبة في هذا، قال (¬7): وأخطأ شعبة ¬

_ (¬1) في (م): ابن. (¬2) "بيان الوهم والإيهام" 3/ 374. (¬3) "الثقات" 4/ 177. (¬4) "التاريخ الكبير" 3/ 73. (¬5) "تاريخ ابن معين" رواية الدارمي 1/ 94. (¬6) في (ص، س): سمعت. والمثبت من "الجامع". (¬7) من (ل، م).

في مواضع من هذا الحديث، فقال: عن حجر (¬1) أبي العنبس [وإنما هو حجر بن العنبس] (¬2) ويكنى أبا السكن، وزاد فيه: عن علقمة بن وائل، وليس فيه (¬3) عن علقمة، إنما هو حجر بن عنبس (¬4). (عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ) بن ربيعة بن وائل الحضرمي، يكنى أبا هنيدة، كان قيلًا (¬5) من أقيال حضرموت، وكان أبوه من ملوكهم، بشر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل قدومه وإسلامه فقال: "يأتيكم وائل بن حجر من أرض بعيدة طائعًا راغبًا في الله -عَزَّ وَجَلَّ- وفي رسوله، وهو بقية أبناء الملوك" (¬6)، فلما قدم عليه (¬7) رحّب به وبسط له رداءه واستعمله على أقيال حضرموت، وكتب [معه ثلاثة] (¬8) كتب، وأرسل معه (¬9) معاوية بن أبي سفيان فخرج معاوية (¬10) راجلًا معه و (¬11) وائل على ناقته راكبًا، فشكى إليه معاوية حر الرمضاء، فقال له: انتعل ظل الناقة. ثم عاش وائل حتى ولي معاوية الخلافة فدخل عليه فعرفه وذكَّره بذلك وأجازه لوفوده عليه فأبى ¬

_ (¬1) زاد في (ص، س): بن. (¬2) من (س، م). (¬3) ليست في (م). (¬4) "سنن الترمذي" عقب حديث (248). (¬5) القَيِّل: هو الملك النافذ القول والأمر. "النهاية" مادة (قول). (¬6) انظر: "الاستيعاب" 4/ 123 (2765)، "أسد الغابة" 5/ 435 (5463). (¬7) في (ص، س): به. (¬8) في (ص، س): له ثلاث. وفي (ل): معه ثلاث. (¬9) من (ل، م). (¬10) في (ص، س): معه. (¬11) من (س، م).

قبولها (¬1). (قَال: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَرَأَ) وقال: (وَلَا الضَّالِّينَ. قَال) بعدها: (آمِينَ) قال أصحابنا وغيرهم: ويستحب أن يفصل [بين آمين] (¬2) {وَلَا الضَّالِّينَ} وبسكتة لطيفة ليميزها من القرآن (¬3)، قال الشافعي في "الأم": ولو قال: آمين رب العالمين. وغير ذلك من ذكر الله تعالى كان حسنًا (¬4) (وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ) احتج الرافعي بهذا الحديث على استحباب الجهر بآمين (¬5)، وقال في "أماليه": يجوز حمله على أنه (¬6) تكلم بها على لغة المدّ دون القصر من جهة اللفظ (¬7). ولفظ الترمذي: ومد (¬8) (¬9) عوض (¬10) عن رفع. وتبويب (¬11) المصنف يدل على أن وائل كان مقتديًا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والرواية التي بعده مصرحة بهذا، لكن هل كان هذا في الصلاة السرية أو الجهرية؟ محتمل. [933] (حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ خَالِدٍ) نزيل طرسوس العسقلاني، شيخ ¬

_ (¬1) انظر: "الاستيعاب" 4/ 123 (2765)، "أسد الغابة" 5/ 435 (5463). (¬2) من (ل، م). (¬3) "روضة الطالبين" 1/ 247. (¬4) "الأم" 1/ 215. (¬5) "الشرح الكبير" 1/ 505. (¬6) زاد في (ص، س): من. (¬7) انظر: "التلخيص الحبير" 1/ 429. (¬8) من (س، م). (¬9) "سنن الترمذي" (248). (¬10) في النسخ الخطية: عوضًا. (¬11) في (ص، س): تنوين.

مسلم (الشَّعِيرِيُّ) بفتح الشين المعجمة، أخرج له مسلم في الزكاة (¬1). قال: (حَدَّثَنَا) عبد الله (ابْنُ نُمَيرٍ) بضم النون مصغر، الهمداني الكوفي، قال: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ) الهمداني، أخرج له مسلم، وكان رأسًا في العلم والعمل والقراءة، قرأ على عاصم. (عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيلٍ عَنْ حُجْرِ بْنِ عَنْبَسٍ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ) بضم الحاء المهملة. (أَنَّهُ صَلَّى خَلْفَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فَجَهَرَ) بعد الفاتحة (بِآمِينَ) وهذا في الصلوات الجهرية، وهو الأظهر عند الشافعي، وأما الصلوات السرية فيقرأ (¬2) به سرًّا (وَسَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شمَالِهِ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ خَدِّهِ) كذا لمسلم (¬3) والدارقطني: كان يسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده، وعن يساره حتى يرى بياض خده. ثم قال: هذا إسناد صحيح (¬4). وقيل: يلتفت حتى يرى من كل جانب خداه. وعن ابن مسعود: لم أنس تسليم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة عن يمينه وشماله: السلام عليكم ورحمة الله [السلام عليكم ورحمة الله] (¬5)، ثم قال: كأني أنظر إلى بياض خديه - صلى الله عليه وسلم -. رواه الدارقطني (¬6) وصححه ابن حبان (¬7). ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1060/ 138). (¬2) في (ص، س، ل): فيوتى. (¬3) "صحيح مسلم" (581/ 118). (¬4) "سنن الدارقطني" 1/ 356. (¬5) من (ل، م). (¬6) "سنن الدارقطني" 1/ 357. (¬7) "صحيح ابن حبان" (1994).

[934] (حَدَّثَنَا نَصر (¬1) بْنُ عَلِيٍّ) الجهضمي قال: (حدثنا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى) القرشي الزهري، استشهد به البخاري في "الصحيح" (¬2)، وروى له في "الأدب" (¬3) وروى له الباقون (عَنْ بِشْرِ بْنِ رَافِعٍ) أبي (¬4) الأسباط، الحارثي قواه (¬5) ابن معين (¬6). (عَنْ أَبِي عَبْدِ الله ابن عَمِّ أَبِي هُرَيْرَةَ) ذكره ابن عبد البر فيمن لم يذكر له اسم سوى كنيته. (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا تَلَا {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قد يؤخذ من ابتداء أبي هريرة بغير المغضوب عليهم (¬7) دون غيرها أنه كان يقف على {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} وعلى هذا فيستدل على أنها رأس آية؛ فإن (¬8) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقف على رؤوس الآي، وإذا كانت {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} إحدى الآيات السبع فيؤخذ منه أن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ليست آية من الفاتحة ({وَلَا الضَّالِّينَ} قَال) بعدها: (آمِينَ) خفيفة الميم بالمد، ويجوز القصر لغتان مشهورتان، والمد أشهر، وحكى الواحدي مع المد الإمالة (¬9)، وجوز غير ذلك، ¬

_ (¬1) في (ص، س): نصير. (¬2) "صحيح البخاري" عقب حديث (6412) معلقًا. (¬3) "الأدب المفرد" (124، 1007، 1190، 1237). (¬4) في (ص، س): إلى. (¬5) في (ص، س): قراءة. (¬6) "تاريخ ابن معين" برواية الدوري 3/ 133. (¬7) من (ل، م). (¬8) في (م): قال. (¬9) "السراج الوهاج" 1/ 44.

ومعناها: استجب (حَتَّى يَسْمَعَ) بفتح الياء ويجوز الضم، والظاهر أن فيه حذفًا تقديره: قال آمين فرفع بها صوته حتى يسمع (مَنْ يَلِيهِ مِنَ الصَّفِّ الأَوَّلِ) فيه دلالة على أن الإمام يجهر بالتأمين. [935] (حَدَّثَنَا) عبد الله بن مسلمة (الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ) بن عبد الرحمن بن الحارث. (عَنْ أَبِي صالِحٍ) ذكوان (السَّمَّانِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَال: إِذَا قَال الإِمَامُ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فَقُولُوا: آمِينَ) استدل به أصحاب مالك على أنه لا يسن التأمين للإمام (¬1)، وقال الشافعي (¬2) وأحمد والجمهور (¬3): إن التأمين سنة للإمام والمأموم. وأجابوا عن هذا الحديث بأن المقصود به (¬4) تعريفهم موضع تأمينهم، وهو عقيب (¬5) قول الإمام {وَلَا الضَّالِّينَ} لأنه موضع تأمين الإمام ليكون تأمين الإمام والمأموم] (¬6) في وقت واحد موافقًا لتأمين الملائكة. وقد جاء هذا مصرحًا به هكذا وهو ما رواه الإمام أحمد في "مسنده" عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قال الإمام {وَلَا الضَّالِّينَ} فقولوا ¬

_ (¬1) "التمهيد" 7/ 11. (¬2) "الأم" 1/ 214. (¬3) "المغني" 2/ 160 - 161. (¬4) زاد في (م): تفرد به. (¬5) في (ص، س، ل): عقبه. (¬6) سقط من (ص، م).

[آمين، فإن الملائكة تقول آمين والإمام يقول آمين" (¬1)] (¬2). (فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ المَلَائِكَةِ) بوَّب عليه البخاري: باب جهر المأموم بالتأمين (¬3)، قال ابن رشيد (¬4): تؤخذ المناسبة من جهة [أن في الحديث الأمر بقول آمين؛ الإمام إذا قال فقولوا] (¬5)، فقابل القول بالقول، والإمام إنما قال ذلك جهرًا فكان الظاهر الاتفاق في الصفة الجهرية (¬6). (غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) ظاهره أن (¬7) الذنوب الماضية تغفر (¬8) وهو محمول عند العلماء على الصغائر، وقد تقدم الكلام عليه فيمن توضأ كوضوئه - صلى الله عليه وسلم - وصلى ركعتين، استدل به بعض المعتزلة على أن الملائكة أفضل من الآدميين لقوله: "قول الملائكة". [936] (حَدَّثَنَا) محمد (¬9) (الْقَعْنَبِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ) محمد (ابْنِ شِهَابٍ) الزهري. (عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ) عبد الله (بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 2/ 233. (¬2) سقط من (م). (¬3) "صحيح البخاري" قبل حديث (782). (¬4) في (ص، س، ل): رشد. (¬5) كذا بالأصول الخطية، وفي "فتح الباري" 2/ 311، و"مرعاة المفاتيح" 3/ 122 أنه قال: "إذا قال الإمام فقولوا". (¬6) "فتح الباري" 2/ 311. (¬7) في (م): غفران. (¬8) سقط من (س، ل، م). (¬9) زاد في (ص): بن. وهي زيادة مقحمة.

عوف. (أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَال: إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ) استدل به على مشروعية التأمين للإمام، قيل: وفيه نظر؛ لكونها قضية شرطية، وأجيب بأن التعبير بإذا يشعر بتحقق (¬1) الوقوع، وخالف مالك في إحدى الروايتين عنه. وهي رواية ابن (¬2) القاسم (¬3) فقال: لا يؤمِّن الإمام في الجهرية كما تقدم، وفي رواية: لا يؤمِّن مطلقًا. وأجاب عن حديث ابن شهاب المتقدم (¬4) بأنه لم يره في حديث غيره، وهي علة غير قادحة (¬5)؛ فإن ابن شهاب إمام لا يضره التفرد، ورجح بعض المالكية بأن الإمام لا يؤمن من حيث المعنى، فإنه داعٍ فناسب أن يختص المأموم بالتأمين، وهذا يجيء على قولهم أنه لا قراءة على المأموم، وأما من أوجبها عليه فله أن يقول: كما اشتركا في القراءة فينبغي أن يشتركا في التأمين. ومنهم مَن أوَّل قوله: "إذا أَمَّن الإمام" فقال: معناه دعا. قال: وتسمية الداعي مؤمِّنًا سائغ (¬6)؛ لأن المؤمن يسمى داعيًا كما في قوله تعالى: {قَدْ أُجِيبَتْ} (¬7) وكان موسى داعيًا وهارون مؤَمِّنًا كما رواه ابن مردويه من ¬

_ (¬1) في (م): بتخفيف. (¬2) في (م): أبي. (¬3) "الاستذكار" 4/ 253. (¬4) من (س، ل، م). (¬5) في (ص): قاده. (¬6) في (م): شائعة. (¬7) يونس: 89.

حديث أنس (¬1)، وتعقب [بعدم الملازمة] (¬2) فلا يلزم من تسمية المؤمِّن داعيًا عكسه، قاله ابن عبد البر (¬3)، على أن الحديث في الأصل لم يصح، ولو صحَّ فإطلاق كون هارون داعيًا إنما هو للتغليب، وقال بعضهم: معنى قوله: "إذا أمّن" بلغ موضع التأمين، كما يقال: أنجد، إذا (¬4) بلغ نجدًا وإن لم يدخلها، قال ابن دقيق العيد: وهذا مجاز؛ فإن وجد دليل يرجحه (¬5) عمل به وإلا فلا؛ لأن الأصل عدم (¬6) المجاز (¬7). وجمع الجمهور بين الروايتين بأن المراد بقوله: "إذا أمَّن" أي: أراد التأمين ليقع تأمين الإمام والمأموم معًا. (فَأَمِّنُوا) استدل به على تأخير تأمين المأموم [عن تأمين الإمام] (¬8)، لكن المراد به هنا المقارنة، وبذلك قال الجمهور، قال أبو محمد الجويني: لا يستحب مقارنة الإمام في شيء من الصلاة غيره. قال إمام الحرمين: يمكن تعليله بأن التأمين لقراءة الإمام لا لتأمينه (¬9)؛ فلذلك ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي أسامة في "بغية الباحث" (172) من حديث أنس مرفوعًا. (¬2) في (ص، س): تقدم الملائكة. (¬3) "التمهيد" 7/ 12. (¬4) من (س، ل، م). (¬5) من (ل، م). (¬6) في (ص، س، ل): جمع. (¬7) "إحكام الأحكام" 1/ 143. (¬8) من (س، ل، م). (¬9) "نهاية المطلب" 2/ 153.

لا يتأخر عنه. وهو أصح (¬1)، ثم إن هذا الأمر عند الجمهور للندب، وحكى ابن بزيزة عن بعض أهل العلم وجوبه على المأموم عملًا بظاهر الأمر، قال: وأوجبه (¬2) الظاهرية على كل مصلٍّ، ثم في مطلق أمر المأموم بالتأمين أنه يؤمِّن وإن كان مشتغلًا بالقراءة في الفاتحة، وبه قال أكثر الشافعية، ثم اختلفوا: هل تنقطع بذلك الموالاة؟ على وجهين: أصحهما لا تنقطع؛ لأنه مأمورٌ بذلك لمصلحة الصلاة، بخلاف الأمر الذي لا يتعلق بها كالحمد للعاطس (¬3). (فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ المَلَائِكَةِ) وفي رواية لمسلم: "فإن الملائكة تؤمّن" قبل قوله: "فمن وافق" (¬4) وكذا رواية البخاري (¬5) في الدعوات، وهو دالٌّ على أن المراد الموافقة في القول والزمان، خلافًا لمن قال: إنَّ (¬6) المراد الموافقة في الإخلاص والخشوع ونحو ذلك من الصفات المحمودة، أو في إجابة الدعاء أو في الدعاء بالطاعة خاصة، أو المراد (¬7) بتأمين الملائكة استغفارهم للمؤمنين. وقال ابن المنير: الحكمة في إيثار (¬8) الموافقة في القول والزمان أن ¬

_ (¬1) في (م): واضح. (¬2) في (ص): واجب. (¬3) انظر: "فتح الباري" 2/ 309. (¬4) "صحيح مسلم" (410/ 74) بنحوه. (¬5) "صحيح البخاري" (6402). (¬6) من (م). (¬7) في (م): أراد. (¬8) في (م): إتيان.

يكون المأموم على يقظة للإتيان بالوظيفة (¬1) في محلها؛ لأن الملائكة لا غفلة عندهم، فمن وافقهم كان متيقظًا، ثم ظاهره أن المراد بالملائكة جميعهم، واختاره ابن بزيزة (¬2)، وقيل: الحفظة منهم. وقيل: الذين يتعاقبون فيهم إذا قلنا أنهم غير الحفظة (¬3). وفي رواية للبخاري: "فوافق ذلك قول أهل السماء" (¬4)، وروى عبد الرزاق عن عكرمة قال: "صفوف أهل الأرض على صفوف أهل السماء فإذا وافق آمين في الأرض آمين في السماء غفر للعبد" (¬5). انتهى. ومثل هذا لا يقال بالرأي، والمصير إليه أولى. (غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) وقع في "أمالي الجرجاني" عن أبي العباس الأصم، عن بحر بن نصر، عن ابن وهب، عن يونس في آخر هذا الحديث: "وما تأخر" وهي زيادة شاذة، وقد رواه ابن الجارود في "المنتقى" (¬6) عن بحر بن نصر بدونها، وكذا رواه مسلم (¬7) عن حرملة، وابن خزيمة (¬8) عن يونس بن عبد الأعلى، كلاهما عن ابن وهب، قال ¬

_ (¬1) في (م): المواظبة. (¬2) بياض في (ص، س). (¬3) "فتح الباري" 2/ 309. (¬4) هذا اللفظ لم أقف عليه عند البخاري، وهو عند مسلم (410/ 76)، وعند البخاري لفظ قريب منه برقم (871). (¬5) "مصنف عبد الرزاق" 2/ 98 (2648). (¬6) "المنتقى" (322). (¬7) "صحيح مسلم" (410) (74). (¬8) "صحيح ابن خزيمة" (1583).

ابن حجر (¬1): وجدت في بعض النسخ من ابن ماجة: عن هشام بن عمار وأبي بكر بن أبي شيبة كلاهما عن ابن عيينة (¬2) بإثباتها، ولا يصح؛ لأن أبا بكر بن أبي شيبة قد رواه في "مسنده" و"مصنفه" بدونها (¬3)، وكذلك حفاظ أصحاب ابن عيينة: الحميدي وابن المديني وغيرهما. وله طريق أخرى ضعيفة من رواية أبي (¬4) فروة محمد بن يزيد بن سنان، عن أبيه، عن عثمان، والوليد بن ساج عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة. (قَال ابن شِهَابٍ: وَكَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: آمِينَ) كذا للبخاري (¬5). قال ابن حجر: وهو متصل إليه برواية مالك عنه، وأخطأ من زعم أنه معلَّق. وفي هذا حجة على الإمامية في قولهم: إن التأمين يبطل الصلاة، ولأنه (¬6) لفظ ليس بقرآن ولا ذكر. ويمكن أن مستندهم ما نقل عن جعفر الصادق أن معنى آمين المشددة: قاصدين إليك، وبه تمسك من قال أنه بالمد والتشديد، وصرح المتولي من الشافعية بأن من قالها هكذا بطلت صلاته، وظاهر سياق الأمر أن المأموم إنما يؤمن إذا أمَّن الإمام، لا (¬7) إذا ترك، وقال به بعض الشافعية كما صرح به صاحب ¬

_ (¬1) "فتح الباري" 2/ 265، 266. (¬2) في (م): عتيبة. (¬3) "مصنف ابن أبي شيبة" 5/ 309 (8041)، 20/ 174 (37546). (¬4) في (م): ابن. (¬5) "صحيح البخاري" (780). (¬6) في (ص): كأنه. والمثبت من "فتح الباري". (¬7) في (ص، س): لأنه.

"الذخائر"، ونصَّ الشافعي في "الأم" (¬1) على أن المأموم يؤمِّن و (¬2) لو تركه الإمام عمدًا أو سهوًا (¬3). [937] (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) بن مخلد الإمام أبو يعقوب (بْنِ رَاهَوَيْهِ) المروزي، شيخ الشيخين، قال: (أنبأنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ) بن عيينة (عَنْ عَاصِمٍ) بن سليمان الأحول. (عَنْ أَبِي (¬4) عُثْمَانَ) عبد الرحمن بن مِلّ، بكسر الميم وضمها وتشديد اللام، النهدي (¬5). (عَنْ بِلَالٍ) بن رباح أمه حمامة (أَنَّهُ قَال يَا رَسُولَ الله لَا تَسْبِقْنِي بِآمِينَ) قال ابن الأثير: يشبه أن يكون معناه أن بلالًا كان يقرأ الفاتحة في السكتة الأولى من السكتتين، فربما بقي عليه الشيء منها [ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد فرغ من قراءتها فاستمهله بلال في التأمين بقدر ما تتم فيه] (¬6) قراءة بقية السورة حتى ينال بركة موافقته في التأمين (¬7)، وتأوله بعضهم على أن بلالًا كان يقيم في الموضع الذي يؤذن فيه من وراء الصفوف، فإذا قال: قد قامت الصلاة كبَّر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فربما سبقه ببعض ما يقرؤه فاستمهله قدر ما يلحق ¬

_ (¬1) "الأم" 1/ 214 - 215. (¬2) من (ل، م). (¬3) "فتح الباري" 2/ 310. (¬4) في (م): ابن. (¬5) في (م): المهدي. (¬6) من (ل، م). (¬7) "النهاية": (أمه).

القراءة والتأمين. [938] (حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ) بسكون المثناة، أبو العباس (الدِّمَشْقِيُّ) الأشجعي، مات بصور (وَمَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ) بن يزيد الدمشقي، وثقه النسائي (¬1) (قَالا (¬2): حَدَّثَنَا) محمد بن يوسف الضبي، مولاهم (الْفِرْيَابِيُّ) بكسر الفاء وسكون الراء بعدها ياء (¬3) مثناة تحت، وبعد الألف موحدة، نسبة إلى فرياب من خراسان. (عَنْ صبيح) بفتح الصاد المهملة وكسر الباء الموحدة ثم مثناة تحت، وبعضهم بالتصغير [قال ابن ماكولا (¬4): والأكثر بالفتح (¬5) كما تقدم] (¬6) (ابْنِ مُحْرِزٍ) بضم الميم وسكون الحاء المهملة وكسر الراء (¬7) ثم زاي (الْحِمْصِيِّ) وُثِّق، قال: (حَدَّثَنِي أَبُو مُصبحٍ) بضم الميم وكسر الباء الموحدة المشددة. قال ابن عبد البر: سئل أبو زرعة عن أبي المصبح فقال: ثقة حمصي، لا أعرف اسمه (¬8) (المقرائي) بضم الميم، [وقيل: بفتحها] (¬9) وسكون القاف. قال أبو داود: المقرائي قبيل من حمير، قاله ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 27/ 297. (¬2) في (ص، س، ل): قال. (¬3) من (ل، م). (¬4) "الإكمال" 5/ 167. (¬5) من (ل). (¬6) سقط من (م). (¬7) زاد في (م): المفرد. (¬8) "الجرح والتعديل" 9/ 374. (¬9) سقط من (م).

المنذري، هكذا ذكره غيره، وذكر أبو سعيد المروزي أن (¬1) هذِه النسبة إلى مقراء (¬2) قرية بدمشق [نسب إليها جماعة] (¬3)، قال: والأول أشهر (¬4). (قَال: كُنا نَجْلِسُ إِلَى أَبِي زُهَيرٍ) تصغير زهر [قال المنذري: أبو زهير هو فلان بن شرحبيل] (¬5) (¬6) (النُّمَيرِيِّ) بضم النون تصغير نمر، قيل: اسمه يحيى بن نفير بضم النون وفتح الفاء مصغر، ومن روايته عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقتلوا (¬7) الجراد؛ فإنه جند الله الأعظم" (¬8) (وَكانَ مِنَ الصَّحَابَةِ فَنَتَحَدَّثُ) بفتح النون والمثناة فوق (أَحْسَنَ الحَدِيثِ، فَإِذَا دَعَا الرَّجُلُ مِنَّا بِدُعَاءٍ قَال: اخْتِمْهُ بِآمِينَ) فيه الأمر بختم الدعاء بآمين لمن سمعه يقرأ وتركه، وكذا يستحب لكل قارئ الفاتحة، وكذا لكل من قرأ الفاتحة في صلاة أو غيرها، وكذا يستحب لمن دعا بدعاء في غير القراءة. (فَإِنَّ آمِينَ مِثْلُ الطَّابَعِ) بفتح الباء وكسرها، وهو ما يطبع به (عَلَى الصَّحِيفَةِ) قال الهروي: قال أبو بكر: معناه أنه طابع الله على عباده؛ ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (ص، س): مقر. (¬3) سقط من (م). (¬4) "مختصر سنن أبي داود" 1/ 441. (¬5) من (م). (¬6) "مختصر سنن أبي داود" 1/ 441. (¬7) في (م): تقتل. (¬8) أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" 22/ 297 رقم (757)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (10127). وقال الهيثمي في "المجمع" 4/ 54: رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، وفيه محمد بن إسماعيل بن عياش وهو ضعيف. وقد أورده الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2428).

لأنه يدفع الآفات والبلايا، فكان كخاتم الكتاب الذي يصونه (¬1) ويمنع من إفساده وإظهار ما هو مستور فيه (¬2). قال القرطبي: وفي الخبر "لقنني جبريل آمين عند فراغه (¬3) من فاتحة الكتاب وقال: إنه كالخاتم على الكتاب" وفي حديث آخر: "آمين خاتم رب العالمين" (¬4) (¬5) انتهى (¬6). وفي هذِه الأحاديث دليل على أنه يستحب لكل من كتب كتابًا أن يختمه بهذِه الأحاديث؛ ولقوله تعالى {إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} (¬7) قال الضحاك: سمته (¬8) كريمًا لأنه كان مختومًا (¬9)، ويدل عليه رواية الثعلبي عن ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كرامة الكتاب ختمه" (¬10) واصطنع النبي - صلى الله عليه وسلم - خاتمًا ليختم به الكتب (¬11)، وقال ابن المقفع: من ¬

_ (¬1) في (ص، س): يصف به. والمثبت من "النهاية". (¬2) "تهذيب اللغة" 15/ 512 - 513. (¬3) في (ص، س): قراءتي. وفي (ل): فراغي. (¬4) "الجامع لأحكام القرآن" 1/ 127. (¬5) رواه الطبراني في "الدعاء" (219)، وابن عدي في "الكامل" 8/ 194 من حديث أبي هريرة. ضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (16). (¬6) من (س، ل، م). (¬7) النمل: 29. (¬8) في (م): سميته. (¬9) انظر: "الوسيط" للواحدي 3/ 376، "معالم التنزيل" 6/ 159. (¬10) "الكشف والبيان" للثعلبي 7/ 206. ورواه الطبراني في "الأوسط" (3872). وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (1567): موضوع. (¬11) في (ص، س): الكتاب.

كتب إلى أخيه كتابًا ولم يختمه فقد استخف به (¬1). (قَال أَبُو زُهَيْرٍ) يحيى بن نفير (أُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ) إنا (¬2) (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ لَيلَة، فَأَتَينَا عَلَى رَجُلٍ قَدْ أَلَحَّ فِي المَسْأَلَةِ) (¬3) أي: في الدعاء، فيه أن من آداب الدعاء تكراره ثلاثًا والإلحاح فيه، فقد روى المصنف عن أبي أمية المخزومي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (¬4) لما أتي باللص الذي اعترف به (¬5) ولم يوجد معه متاع: "اللهم تُب عليه" ثلاثًا (¬6)، وقال لأبي بكر: "يا أبا بكر يغفر الله لك" ثلاثًا، رواه البخاري (¬7). (فَوَقَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -[للسمع مِنْهُ، فَقَال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ] (¬8) أَوْجَبَ إِنْ خَتَمَ) يقال: أوجب الرجل إذا فعل فعلًا وجبت له به الجنة وجوب فضل وكرم. (فَقَال رَجُلٌ مِنَ القَوْم: بِأَيِّ شَيْءٍ يَخْتِمُ، قَال) يختم دعاءه (بِآمِينَ، فَإِن ختم) دعاءه (بِآمِينَ فَقَدْ أَوْجَبَ) أي وجبت له على الله تعالى تفضلًا منه الجنة (فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ الذِي سَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -) عن الختم. (فَأَتَى) إلى (الرَّجُل) الملِحّ في المسألة (فَقَال) له (اخْتِمْ يَا فُلَانُ بِآمِينَ ¬

_ (¬1) انظر: "الكشف والبيان" للثعلبي 7/ 206. (¬2) في (م): إننا. (¬3) في (م): الدعاء به. (¬4) من (س، ل، م). (¬5) سيأتي برقم (4380). (¬6) من (س، ل، م). (¬7) "صحيح البخاري" (3661). (¬8) سقط من (ل، م).

وَأَبْشِرْ) بفتح الهمزة، فيه فضيلة سؤال الشخص لأهل العلم عما فيه صلاح أخيه المسلم ومنفعته بغير إذنه، ويكون هذا من المعاونة على البر والتقوى الذين (¬1) أمر الله تعالى بهما، وفيه استحباب فضيلة (¬2) البشارة. (وهذا لَفْظُ مَحْمُودٍ) بن خالد الراوي. (والْمَقْرَائي) تقدم (¬3)، بالمد وهمزة مكسورة (قَبِيلٌ) (¬4) بفتح القاف وكسر الموحدة (مِنْ حِمْيَرَ) أبو قبيلة من اليمن، وهو حمير بن سنان (¬5) ابن يشجب بن يعرب بن قحطان، ومنهم كانت الملوك في الدهر الأول، وقال المنذري: المقرائي بضم الميم، وقيل: بفتحها. والضم أشهر، ممدود، نسبة إلى قرية بدمشق (¬6). * * * ¬

_ (¬1) في (س، ل، م): الذي. (¬2) من (س، ل، م). (¬3) سقط من (م)، وسبق في ص 247. (¬4) في (ص، س): قبل. (¬5) في (م): سبأ. (¬6) "مختصر سنن أبي داود" 1/ 441.

175 - باب التصفيق في الصلاة

175 - باب التَّصْفِيقِ فِي الصَّلاةِ 939 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "التَّسْبِيحُ لِلرِّجالِ والتَّصْفِيقُ لِلنِّساءِ" (¬1). 940 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبِي حازِمِ بْنِ دِينارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ وَحانَتِ الصَّلاةُ فَجاءَ المؤَذِّن إِلَى أَبِي بَكرٍ - رضي الله عنه - فَقال أَتُصَلِّي بِالنّاسِ فَأُقيمَ؟ قال: نَعَمْ. فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ فَجاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - والنّاسُ فِي الصَّلاةِ فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ فَصَفَّقَ النّاسُ وَكانَ أَبُو بَكْرٍ لا يَلْتَفِتُ فِي الصَّلاةِ فَلَمّا أَكْثَرَ النّاسُ التَّصْفِيقَ التَفَتَ فَرَأَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَشارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنِ امْكثْ مَكانَكَ فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللهَ عَلَى ما أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ ذَلِكَ ثمَّ اسْتَأْخَرَ أَبو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فصَلَّى فَلَمّا انْصَرَفَ قال: "يا أَبا بَكْرٍ، ما مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ إِذْ أَمَرْتُكَ؟ ". قال أَبُو بَكْرٍ: ما كانَ لِابْنِ أَبِي قُحافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَينَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ما لِي رَأَيْتُكُمْ أَكثَرْتُمْ مِنَ التَّصْفِيحِ مَنْ نابَهُ شَيْءٌ فِي صَلاِتهِ فَلْيُسَبِّحْ فَإِنَّهُ إِذا سَبَّحَ التُفِتَ إِلَيهِ وَإِنَّما التَصْفِيحُ لِلنِّساءِ". قال أَبُو داوُدَ: وهذا فِي الفَرِيضَةِ (¬2). 941 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْن عَوْنٍ، أَخْبَرَنا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي حازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قال: كانَ قِتالٌ بَيْنَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَتاهُمْ لِيصْلِحَ بَيْنَهُمْ بَعْدَ الظُّهْرِ فَقال لِبِلالٍ: "إِنْ حَضَرَتْ صَلاةُ العَصْرِ وَلَمْ آتِكَ فَمُرْ أَبا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنّاسِ". فَلَمّا حَضَرَتِ العَصْرُ أَذَّنَ بِلالٌ ثمَّ أَقامَ ثُمَّ أَمَرَ أَبا بَكْرٍ فَتَقَدَّمَ قال: ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1203)، ومسلم (422). وانظر ما سيأتي برقم (944). (¬2) رواه البخاري (684، 1201)، ومسلم (421). وانظر ما بعده.

فِي آخِرِهِ: "إِذا نابَكُمْ شَيْءٌ فِي الصَّلاةِ فَلْيُسَبِّحِ الرِّجال وَلْيُصَفِّحِ النِّساءُ" (¬1). 142 - حَدَّثَنا مَحْمُودُ بْن خالِدٍ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ، عَنْ عِيسَى بْنِ أَيُّوبَ قال: قَوْلُهُ: "التَّصْفِيحُ لِلنِّساءِ". تَضْرِبُ بِأُصْبُعَيْنِ مِنْ يَمِينِها عَلَى كَفِّها اليُسْرَى (¬2). * * * باب التَّصْفِيقِ فيِ الصَّلَاةِ [939] (حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) بن عبد الرحمن بن عوف. (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال (¬3): قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ) وللبخاري: "من نابه شيء في صلاته فليقل: سبحان الله" (¬4). (وَالتَّصْفِيقُ) سيأتي كيفيته، اختلف فيه، فقيل: لا يجوز التصفيق في الصلاة لا للرجال ولا للنساء، وإنما هو التسبيح للجميع؛ لقوله عليه السلام: "من نابه شيء في صلاته فليسبح فإنه إذا سبَّح التفت إليه" (¬5) قال القرطبي: هذا مشهور مذهب مالك وأصحابه، وتأولوا قوله عليه السلام: "إنما التصفيق" (لِلنِّسَاءِ) أن ذلك ذم للتصفيق، والمعنى أنه من شأن النساء لا الرجال، وقيل (¬6): هو سنة للنساء دون الرجال لهذا الحديث ¬

_ (¬1) انظر السابق. (¬2) صححه الألباني في "صحيح أبي داود" (870). (¬3) من (م). (¬4) "صحيح البخاري" (1218). (¬5) سيأتي تخريجه في الحديث التالي. (¬6) من (س، ل، م).

ولما بعده، وهو مذهب الشافعي وغيره من العلماء، وحكي عن مالك أيضًا، وعللوا اختصاص النساء بالتصفيق لأن أصواتهن عورة ولذلك منعن من الأذان ومن الجهر بالإقامة والقراءة، وهو معنى مناسب يشهد الشرع له بالاعتبار (¬1). [940] (حَدَّثَنَا) عبد الله بن مسلمة (الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكِ، عَنْ أَبِي حَازِمِ) الحكيم (¬2) سلمة (بْنِ دِينَارٍ) مولى الأسود بن سفيان الأعرج المدني الأفزر (¬3) (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ) الساعدي - رضي الله عنهما - (أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ) بن الخزرج الأكبر، أخي الأوس (لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ وَكَانَتِ الصَّلَاةُ) أي قرب وقتها، فيه فضل الإصلاح بين الناس، ومشي الإمام وغيره في ذلك، وإن كان وقت الصلاة قد قرب، ومعلوم أن صلاة الجماعة مفوتة لاشتغاله في الإصلاح بينهم. (فَجَاءَ المُؤَذِّنُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ) فيه أن المؤذن يأتي إلى الإمام ليعلمه بحضور الجماعة واَذنه (فَقَال: أَتُصَلِّي بِالنَّاسِ فَأُقِيمَ؟ ) بنصب فأقيم جواب الاستفهام كقوله تعالى: {فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ} (¬4) فيه عرض المؤذن على الفاضل في غيبة الإمام أن ينوب عنه (قَال: نَعَمْ) فيه الإجابة إلى مطلوب المؤذن في النيابة عن الإمام (فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ) بالناس فيه أن الذي ينوب عن الإمام يكون أفضل القوم وأصلحهم ¬

_ (¬1) "المفهم" 2/ 56. (¬2) في (ص، س، ل): الحكم. (¬3) في (ص، س، ل): الأعرا. (¬4) الأعراف: 53.

لذلك الأمر وأقومهم به. (فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالنَّاسُ) مبتدأ (فِي الصَّلَاةِ فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ) توضحه رواية النسائي: فخرق الصفوف حتى قام في الصف المقدم (¬1). فيه دليل على جواز خرق الإمام الصفوف ليصل إلى موضعه إذا احتاج إلى خرقها لخروجه لطهارة أو رعاف ونحوهما ورجوعه، وكذا من احتاج إلى الخروج من المأمومين لعذر، وكذا له خرقها في الدخول إذا رأى قدامهم فرجة، فإنهم مُقصرون بتركها. (فَصَفَّقَ النَّاسُ) رواية النسائي: "فصفح الناس بأبي بكر ليؤذنوه برسول الله - صلى الله عليه وسلم -". فيه دليل على أن الفعل اليسير كالتصفيق لا يبطل الصلاة، وفيه أن الإمام إذا لم ينتبه بفعل واحد يصفق جماعة، وظاهر الحديث تصفيق المأمومين جميعهم، ويحتمل أن يراد بالناس أكثرهم، أما إذا تنبه الإمام بتصفيق واحد منهم (¬2) فهل يجوز لغيره التصفيق أيضًا؟ لم أجده منقولًا (¬3)، ويحتمل كراهيته لعدم الاحتياج إليه. (وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَلْتَفِتُ فِي الصَّلَاةِ) وفيه فضله وكثرة خشوعه في الصلاة (فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ التَّصْفِيقَ) فيه تكرار التصفيق إذا لم يحصل التنبيه بمرة، فإن حصل بمرة كره أن يزيد عليها، فإن كان التنبيه (¬4) لا ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 3/ 3. (¬2) سقط من (ل، م). (¬3) في (م): فعولا. (¬4) سقط من (م).

يحصل إلا بالكلام لم يجب عليه ذلك، وفي بطلان الصلاة به وجهان، أصحهما عند الأكثرين البطلان. (الْتَفَتَ) يعني: برأسه دون صدره، وفيه دليل على جواز الالتفات في الصلاة لحاجة، ورواية النسائي: فلما أكثروا علم أنه قد نابهم شيء في صلاتهم فالتفت فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فَرَأَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) فيه دليل على جواز الجمع (¬1) بين (¬2) الالتفات بالرأس ورؤية (¬3) المصلين خلفه إذا كان لحاجة. (فَأَشَارَ إِلَيهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) الظاهر أن هذِه الإشارة بيده (أَنِ امْكُثْ مَكَانَكَ) فيه دليل على أن الإشارة المفهومة من المصلي في صلاته لا تقطع صلاته، ويدل على ذلك ما رواه ابن حبان عن عبد الله يعني ابن مسعود قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره فإذا منعوهما أشار إليهم أن دعوهما، فلما قضى الصلاة وضعهما في حجره وقال: "من أحبني فليحب هذين" (¬4). (فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ) فيه أن من آداب الدعاء أن يرفع يديه ويستقبل القبلة؛ لما روى المصنف والحاكم في "المستدرك" عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك والاستغفار أن تشير بإصبع واحدة، والابتهال أن تمدّ يديك جميعًا" (¬5)، ¬

_ (¬1) من (س، ل). (¬2) ليست في (م). (¬3) في (م): ورواية. (¬4) "صحيح ابن حبان" (6970). (¬5) سيأتي برقم (1489)، ورواه الحاكم 4/ 320.

وكما ترفع للدعاء عقب النعمة باستمرارها ترفع بحمد الله على نعمه اقتداءً بأبي بكر (وحَمِدَ اللهَ تعالى عَلَى مَا أَمَرَ (¬1) بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) لما كانت إشارته - صلى الله عليه وسلم - مفهمة لطلب استمراره على المكث، فكأنه سمى الإشارة أمرًا تجوزًا (مِنْ ذَلِكَ) فيه استحباب حمد الله تعالى لمن تجددت عليه نعمة من الله تعالى وإن كان في الصلاة، وجواز الجهر بهذا الحمد، وإن كان الجهر ليسمعه (¬2) من خلفه فيقتدي به فيها فيكون مستحبًّا. (ثُمَّ اسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ) لفظ النسائي: ثم رجع القهقرى (حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ) الذي خلفه. فيه جواز مشي الخطوة والخطوتين في الصلاة، وفيه أن هذا القدر لا يكره إذا كان لحاجة، وفيه ملازمة الأدب مع الكبار (¬3)، ورواية مسلم: ورجع القهقرى وراءه (¬4). يدل على أن من رجع في صلاته بشيء يكون برجوعه إلى وراء ولا يستدبر القبلة في رجوعه إلى الصف الأول ولا ينحرف عنها. (وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى) فيه دليل على جواز استخلاف الإمام من سبق (¬5) (¬6) ببعض الصلاة، وهو مذهبنا (¬7)، وعلى جواز الانتقال ¬

_ (¬1) في (م): أمره. (¬2) في (ص): يسمعه. (¬3) في (م): الكتاب. (¬4) "صحيح مسلم" (421). (¬5) في (م): يتبقى. (¬6) زاد في (ص): الإمام. (¬7) في (م): مذهبه.

من جماعة إلى جماعة أخرى حال العذر. قال ابن قدامة: فيخرج من هذا أنه لو أدرك نفسان بعض الصلاة مع الإمام فلما سلم الإمام ائتم أحدهما بصاحبه ونوى الآخر إمامته أن ذلك يصح؛ لأنه في معنى الاستخلاف، ومن لم يجز الاستخلاف لم يجز ذلك، ولو تخلف إمام الحي عن الصلاة لغيبة أو مرض أو عذر وصلى غيره وحضر إمام الحي في أثناء الصلاة فتأخر الإمام وتقدم إمام (¬1) الحي فيبني على صلاة (¬2) خليفته كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، ففي ذلك وجهان: أحدهما: يجوز لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعله، فيجوز لغيره أن يفعل مثل فعله. والثاني: لا يجوز؛ لاحتمال أن يكون ذلك خاصًّا للنبي - صلى الله عليه وسلم - لعدم مساواة (¬3) غيره له في الفضل (¬4). انتهى (¬5). وإذا [دار الأمر بين] (¬6) التخصيص وعدمه فالأصل عدم التخصيص. (فَلَمَّا انصَرَفَ قَال: يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ) في الصلاة (إِذْ أَمَرْتُكَ؟ ) فسمى الإشارة أمرًا، رواية النسائي (¬7): "ما منعك إذ أومأت إليك أن تصلي" (¬8) وهو بمعناه، فإن الاستمرار على الثبوت في الصلاة ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) زاد في (م): إمامه. (¬3) في (م): مواساة. (¬4) "المغني" 2/ 510 - 511. (¬5) من (ل، م). (¬6) في (م): أراد الأمرين. (¬7) في (ص): السني. (¬8) أخرجه النسائي 2/ 82.

صلاة (فقَال أَبُو بَكْرٍ: مَا كَانَ ينبغي لابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَينَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) وللنسائي: "ما كان ينبغي لابن أبي قحافة أن يؤم برسول الله - صلى الله عليه وسلم -". ولعل أبا (¬1) بكر عمل بظاهر قوله تعالى: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (¬2). قال النووي: وفيه أن التابع إذا أمره المتبوع بشيء وفهم منه إكرامه بذلك الشيء لا يتحتم الفعل، فله أن يتركه ولا يكون هذا مخالفة للأمر، بل يكون أدبًا وتواضعًا وتحذقًا في فهم المقاصد (¬3). وللصوفية كلام في الشيخ إذا أراد أن يفعل بتلميذه ما لا يليق بالأدب فعله فيقولون: هل الأفضل امتثال الأمر أم سلوك الأدب؟ كما اتفق لبعض المشايخ حين أراد أن يغسل رجليّ تلميذه في الحمام ويحكها بالحجر، ويحملون على ذلك هل الأفضل أن يقال في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد أن يقول: اللهم صلّ على سيدنا محمد، أم يقتصر على ما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: "قولوا اللهم صلِّ على محمد" (¬4). (فَقَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: مَا لِي رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرْتُمْ التَّصْفِيحِ! ) هذِه الرواية الصحيحة، وفي بعضها: "التصفيق" كرواية مسلم وغيره، وهما بمعنى واحد، وسيأتي تفسيره. (مَنْ نَابَهُ) أي نزل به (شَيْءٌ في (¬5) صَلاتهِ) من المهمات والحوادث، ¬

_ (¬1) في النسخ: أبو، والمثبت الجادة. (¬2) الحجرات: 1. (¬3) "شرح النووي" 4/ 145. (¬4) أخرجه البخاري (3369)، ومسلم (407) (69) من حديث أبي حميد الساعدي. (¬5) في (ص، س): من.

وأراد إعلام غيره إمامًا كان أو غيره كإذنه لداخل أو إنذار أعمى أو تنبيه ساهٍ أو غافل (فَلْيُسَبِّحْ) الرجل، و (¬1) الخنثى كما هو ظاهر لفظ الحديث، و [الظاهر أن] (¬2) يصفق؛ لاحتمال أن يكون امرأة (¬3) فلا يجهر بالتسبيح كما صرح به القاضي أبو الفتوح في "أحكام الخناثى". (فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ) بفتح السين (الْتُفِتَ) بضم التاء مبني للمفعول (إِلَيْهِ) أي (¬4): كما في العادة غالبًا؛ فإن الإمام مثلًا إذا سها في صلاته فسبح المأموم وعلم الإمام حين تذكر ما سهى عنه فلا يجوز له الالتفات؛ إذ لا حاجة له. (وَإنَّمَا التَّصْفِيحُ لِلنِّسَاءِ) تقدم عن مالك (¬5) حمل هذا على أن المراد به ذم النساء على التصفيق، وأن المرأة تسبح كالرجل، قال النووي: التسبيح والتصفيق [سنتان إن كان التنبيه قربة ومباحان إن كان التنبيه مباحًا] (¬6) وأنه لو صفق الرجل أو سبَّحت المرأة لم يضر، ولكن خالفا السنة (¬7)، وقد تقدم. قَال المصنف (هذا فِي الفَرِيضَةِ) لا في النافلة. [941] (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ) (¬8) الواسطي البزار الحافظ قال: (أنبأنا ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): ذكر. وهي زيادة مقحمة. (¬2) في (ل، م): القياس أنه. (¬3) في (م): أمرا. (¬4) من (ل، م). (¬5) في (م): ذلك. (¬6) في (ص، س): سيان إذ السنة قوية ومباحًا. (¬7) "المجموع" 4/ 82. (¬8) في (م): عوف.

حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ) سلمة بن دينار الأفزر الأعرج التابعي (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ) الساعدي (قَال: كَانَ قِتَالٌ بَينَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ) فيما بينهم (فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ (¬1) - صلى الله عليه وسلم -) والنبي منصوب على المفعولية وليس بفاعل، وطريق معرفة المفعول من الفاعل أن تنظر في الاسم الذي يشتبه عليك هل هو (¬2) فاعل أو مفعول؟ فإن صلح أن يقع فيه ضمير المتكلم المرفوع فهو فاعل مرفوع، وإن صلح أن يقع فيه ضمير المتكلم المنصوب فهو منصوب على المفعولية فتقول هنا إذا [حدثت بلغني] (¬3) ذلك الخبر ولا تقول بلغت ذلك الخبر. (فَأَتَاهُمْ لِيُصْلِحَ بَينَهُمْ) فيه ذهاب الكبير إلى من وقعت بينهم الخصومة ليصلح بينهم، فإن قصدوه ليصلح بينهم فيتأكد الصلح بينهم، لكن الذهاب إليهم، وليس على العالم في (¬4) ذلك إهانة (بَعْدَ) صلاة (الطهْرِ فَقَال لِبِلَالٍ إِنْ (¬5) حَضَرَتْ) أي إن (¬6) حضر وقت (صَلَاةُ العَصْرِ وَلَمْ آتِكَ فَمُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ) فيه جواز (¬7) استنابة الإمام عند غيبته لحاجة، وجواز التوكيل في الإنابة (¬8) للمؤذن وغيره، وأنه يستنيب ¬

_ (¬1) زاد في (ل، م): بالنصب. (¬2) سقط من (س، ل، م). (¬3) في (ص، س): قدرت المعنى. وفي (ل) قدرت بلغني. (¬4) في (ص، س): و. والمثبت من (ل، م). (¬5) في (م): إذا. (¬6) سقط من (م). (¬7) من (س، ل، م). (¬8) في (س، ل، م): الاستنابة.

أولى الناس بذلك، فإن أبا بكر أفضل الصحابة، وأولى بالتقديم من كل أحد، وفيه فضيلة أبي بكر. (فَلَمَّا حَضَرَتِ العَصْرُ) أي حضر وقتها (أَذَّنَ) بتشديد الذال يعني لصلاة العصر (بِلَالٌ (¬1) ثُمَّ أَقَامَ) الصلاة (¬2) فيه أن من أذّن فهو يقيم (ثُمَّ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ) فيه أن الكلام بين الإقامة وتكبيرة الإحرام لا يضر (فَتَقدَّمَ) يعني: للإمامة فيه مشروعية تقدم الإمام على الصفوف ولا يقف وسطهم كالنساء و (قَال فِي آخِرِهِ) أي: آخر الحديث (إِذَا نَابَكُمْ شَيْءٌ فِي الصَّلَاةِ فَلْيُسَبِّحِ الرِّجَال وليصفح (¬3) النِّسَاءُ) كما سيأتي تفسيره. [942] (حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ) بن يزيد السلمي الدمشقي، قال أبو حاتم: كان ثقة رضًى (¬4) قال: (حَدَّثَنَا الوَلِيدُ) بن مسلم (عَنْ عِيسَى بْنِ أَيُّوبَ) القيني بكسر القاف، الدمشقي. (قَال: قَوْلُهُ) في الحديث (التَّصْفِيحُ لِلنِّسَاءِ) هو أن (تَضْرِبُ) المرأة (بِأُصْبُعَينِ مِنْ يَمِينِهَا عَلَى) باطن (كفِّهَا اليُسْرَى) وهو صفحها، وصفح كل شيء جانبه، وصفحتا السيف جانباه (¬5). وقيل: التصفيح الضرب بظاهر إحداهما على الأخرى، والتصفيق الضرب بباطن إحداهما على باطن الأخرى، وقيل: التصفيح بإصبعين ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ص، س): الناس. (¬3) في (ص، س، ل): لتصفق. (¬4) "الجرح والتعديل" 8/ 292. (¬5) في (ص، س): جانبه.

للتنبيه وبالقاف بالجميع (¬1) للهو واللعب فإن فعلته (¬2) عالمة بالتحريم بطلت صلاتها، وإن قلَّ كما قاله الرافعي (¬3)، والمشهور عند الشافعية (¬4) أن تضرب ببطن اليمين على ظهر اليسرى، وحكى الجيلي (¬5) وجهًا أنها تضرب بكفها على كوعها الأيسر وهو صفحته. * * * ¬

_ (¬1) في (ص): الجميع. وفي (س، ل): للجميع. (¬2) في (ص، س): عليه. (¬3) "الشرح الكبير" 2/ 49. (¬4) "المجموع" 4/ 82. (¬5) في (م): الحبلى.

176 - باب الإشارة في الصلاة

176 - باب الإِشارَةِ فِي الصَّلاةِ 143 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَبُّويَةَ المرْوَزِيُّ وَمحَمَّدُ بْنُ رافِعٍ قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُشِيرُ فِي الصَّلاةِ (¬1). 944 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا يُونُسُ بْن بُكَيْرٍ عَنْ محَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ الأَخْنَسِ، عَنْ أَبِي غَطَفانَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "التَّسْبِيحُ لِلرِّجالِ". يَعْنِي: فِي الصَّلاةِ: "والتَّصْفِيقُ لِلنِّساءِ مَنْ أَشارَ فِي صَلاتهِ إِشارَة تُفْهَمُ عَنْهُ فَلْيَعُدْ لَها". يَعْنِي الصَّلاةَ. قال أَبُو داوُدَ: هذا الحَدِيثُ وَهَمٌ (¬2). * * * باب الإِشَارَةِ فِي الصَّلَاةِ [943] (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ) بن ثابت بن عثمان الخزاعي أبو الحسن (بْنِ شَبُّويه) بفتح الشين المعجمة وتشديد الباء الموحدة الثقيلة (الْمَرْوَزِيُّ) قال ابن حجر: ثقة من العاشرة (¬3)، وقال الذهبي: من كبار ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 138، وابن خزيمة (885)، وابن حبان (2264). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (871). (¬2) رواه إسحاق بن راهويه في "مسنده" (543)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 453، والدارقطني 2/ 83. وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (169). وقوله: "التسبيح للرجال والتصفيق للنساء" سلف بإسناد صحيح برقم (939). (¬3) "تقريب التهذيب" (95).

الأئمة (¬1) (وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ) القشيري (¬2) مولاهم الزاهد شيخ الشيخين. (قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ (¬3) قال: أنبأنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُشِيرُ فِي الصَّلَاةِ) أي: بيده عند الحاجة كما تقدم في إشارته - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر، وكرد (¬4) السلام بالإشارة، ونحو ذلك مما تقدم. [944] (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ) بن حصين الكندي الكوفي، قال: (حَدَّثَنَا يُونُسُ (¬5) بْنُ بُكَيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ الأَخْنَسِ) بالخاء المعجمة والنون، الثقفي، ثقة من العلماء (¬6). (عَنْ أَبِي غَطَفَانَ) بفتح المعجمة والمهملة، واسمه سعد بن طريف بفتح الطاء المهملة، المري (¬7) بضم الميم، وتشديد الراء، المدني، الثقة كما قال ابن معين (¬8)، التابعي. (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ. يَعْنِي فِي الصَّلَاةِ وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ مَنْ أَشَارَ فِي صَلَاتهِ إِشَارَة تُفْهَمُ) مبني للمفعول غيره معنى (عَنْهُ) وفيه حجة لأبي حنيفة. أن من أفهم غير إمامه بالتسبيح بطلت صلاته؛ لأنه خطاب آدمي، وذلك كمن (¬9) يُستأذن (¬10) عليه وهو في ¬

_ (¬1) "الكاشف" 1/ 68. (¬2) في (م): التستري. (¬3) "مصنف عبد الرزاق" 2/ 258 (3276). (¬4) في (م): كذا. (¬5) في (ص، س): قريش. (¬6) "الكاشف" 3/ 292. (¬7) في (م): المدني. (¬8) "الجرح والتعديل" 9/ 422. (¬9) في (ص، س، ل): لمن. (¬10) في (م): استأذن.

الصلاة فسبح ليُعلم أنه في صلاة أو خشي على إنسان [من شيء] (¬1) فسبح به (¬2) ليوقظه، ودليلنا حديث علي: كنت أستأذن على النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن كان في صلاة سبَّح (¬3). (فَلْيعد) بضم الياء وكسر العين (لَهَا) أي: للإشارة المفهمة، يعني: لأجلها. (يَعْنِي: الصَّلاة) أي: يعيد تلك الصلاة التي أشار فيها إشارة مفهمة ثانيًا، واللام على هذا زائدة، والتقدير: فليعدها كما زيدت في قولهم: أراك لشاتمي (¬4) أي: أراك تشتمني، وحمل على الزيادة قوله تعالى: {يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ} (¬5). (قَال) المصنف (هذا الحَدِيثُ وَهَمٌ) يعني من جهة الرواية، وكذا من جهة المعنى، فإنه [مخالف للأحاديث] (¬6) الصحيحة المصرحة بجواز الإشارة المفهمة في الصلاة [منها حديث] (¬7) عائشة وجابر لما صلى بهم جالسًا فقاموا خلفه فأشار إليهم أن أجلسوا (¬8). وغير ذلك. * * * ¬

_ (¬1) بياض في (ص). (¬2) من (م). (¬3) رواه أبو يعلى في "المسند" كما في "إتحاف الخيرة المهرة" (1465) من حديث أبي أمامة. (¬4) في (ص، س، ل): لشاتمني. (¬5) الحج: 13. (¬6) في (ص، س، ل): تخالفه الأحاديث. (¬7) في (س، ل، م): لحديث. (¬8) حديث عائشة رواه البخاري (688)، ومسلم (412)، وحديث جابر سبق برقم (602).

177 - باب في مسح الحصى في الصلاة

177 - باب فِي مسْح الحَصَى فِي الصَّلاةِ 145 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا سُفْيان، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي الأحوَصِ -شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ- أَنَّهُ سَمِعَ أَبا ذَرٍّ يَرْوِيهِ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذا قامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تُواجِهُهُ فَلا يَمْسَحِ الحَصَى" (¬1). 146 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْن إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا هِشامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ مُعَيْقِيبٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تَمْسَحْ وَأَنْتَ تُصَلِّي فَإِنْ كُنْتَ لا بُدَّ فاعِلًا فَواحِدَةً تَسْوِيَةَ الحَصَى" (¬2). * * * باب في مَسْحِ (¬3) الحَصَى [945] (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ) قال المنذري: لا يعرف اسمه، صحح له الترمذي وابن حبان وغيرهما (¬4) (شَيخٍ) (¬5) بالجر بدل. (مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا ذَرٍّ) رواية النسائي عن الزهري: سمعت أبا الأحوص يحدثنا في مجلس ابن المسيب، وابن المسيب جالس، أنه ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (379)، والنسائي 3/ 6، وابن ماجه (1027)، وأحمد 5/ 149، 150، 163، 179، وابن خزيمة (913، 914)، وابن حبان (2273، 2274). قال الترمذي: حديث حسن. وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (170). (¬2) رواه البخاري (1207)، ومسلم (546). (¬3) في (م): مس. (¬4) "مختصر سنن أبي داود" للمنذري 1/ 444. (¬5) من (ل، م).

سمع أبا ذر الغفاري يقول (¬1): [(يَرْوِيهِ عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَال] (¬2): إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَإِن الرَّحْمَةَ) [من الله] (¬3) (تُوَاجِهُهُ) [رواه أحمد والنسائي: "لا يزال الله مقبلًا على العبد في صلاته ما لم يلتفت" (¬4). وهو بمعناه فإن المراد لا يزال الله تعالى مقبلًا على عبده بالرحمة] (¬5) رواية النسائي (¬6): "إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يمسح الحصا فإن الرحمة تواجهه" (¬7). (فَلَا يَمْسَحِ الحَصَى) فيه دلالة على كراهة مسح الحصا يعني مسح التراب والحصا عن الموضع الذي يسجد فيه وتسوية الموضع ليسجد (¬8) لئلا يتأذى به؛ لأنه ينافي طلب التواضع ويشغل المصلي، وقيل: المراد به مسح التراب والحصا الذي يعلق بوجهه؛ لأن (¬9) الرحمة تواجهه، وكره السلف مسح الجبهة في الصلاة وقبل الانصراف مما يتعلق بها من الأرض لكثرة الأجر في تتريب الوجه والإقبال على صلاته بجميعه، وروى الترمذي عن أم سلمة: رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - غلامًا لنا ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 3/ 8. (¬2) سقط من (م). (¬3) ليست في (م). (¬4) رواه النسائي 8/ 3، وأحمد 5/ 175 من حديث أبي ذر. (¬5) من (ل، م). (¬6) من (ل، م). (¬7) "سنن النسائي" 3/ 6. (¬8) في (م): للسجدة. وفي (ل): للسجد. (¬9) في (س، ل، م): فإن.

يقال له: أفلح إذا سجد نفخ، فقال: "يا أفلح، ترِّب وجهك" (¬1) وروى الطبراني من (¬2) حديث حذيفة: "ما من حالة يكون العبد فيها أحب إلى الله من أن يراه ساجدًا يعفر وجهه في التراب" (¬3). [946] (حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) الأزدي الفراهيدي. قال: (حَدَّثَنَا هِشَامٌ) الدستوائي (عَنْ يَحْيَى) بن أبي كثير. (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف (عَنْ مُعَيقِيبٍ) بقاف مكسورة بين التحتانيتين. ويقال: معيقب. بحذف الياء، الدوسي المدني، أسلم قديمًا، كان على خاتم النبي - صلى الله عليه وسلم -، استعمله الشيخان على بيت المال (أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَال (¬4): لَا تَمْسَحْ) لفظ مسلم: ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - المسح في المسجد يعني الحصا (¬5). كذا فسره، وفي رواية له: قال في الرجل يسوي التراب حيث (¬6) يسجد (¬7). وكذا لفظ البخاري (¬8). (وَأَنْتَ تُصَلِّي) يدل على أنه لو سوى الحصا أو التراب قبل الدخول في الصلاة فلا بأس به، ليستغني بذلك عن تحريك الحصا في الصلاة. ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (381). وقال الترمذي: غريب. (¬2) سقط من (م). (¬3) "المعجم الأوسط" للطبراني (6075). وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (215). (¬4) سقط من (م). (¬5) "صحيح مسلم" (546) (47). (¬6) في (ص، س، ل): حين. (¬7) "صحيح مسلم" (546) (49). (¬8) "صحيح البخاري" (1207).

(فَإِنْ كُنْتَ لَابُدَّ) المعنى: لا تمسح وإن كنت لابد لك من المسح وأن تكون (فَاعِلًا) له (فَوَاحِدَةً) أي ففعلة (¬1) واحدة قال القرطبي (¬2): رويناه بنصب واحدة ورفعه فنصبه بإضمار فعل أمر تقديره: فامسح واحدة، أو يكون نعتًا لمصدر محذوف، أي: فامسح مسحة واحدة، ورفعه [على الابتداء] (¬3) تقديره فواحدة تكفيه أو كفايته (¬4)، ويجوز أن تكون واحدة خبرًا مقدمًا و (تَسْوِيَةَ) نصب على أنه مفعول له، أي: لأجل تسوية (الْحَصَى) الحصا مبتدأ مؤخر هذا على الرفع، وعلى النصب يجوز أن يكون فيه تقديم وتأخير أيضًا، وتسوية الحصا يُفعل مرة واحدة، والله تعالى أعلم. * * * ¬

_ (¬1) في (م): فعلته. (¬2) "المفهم" 2/ 156. (¬3) في (م): من مبتدأ. (¬4) في (م): كفاية.

178 - باب الرجل يصلي مختصرا

178 - باب الرَّجُلِ يُصَلِّي مُخْتَصِرًا 147 - حَدَّثَنا يَعْقُوبُ بْنُ كَعْبٍ، حَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: نَهَى رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عنْ الاخْتِصارِ فِي الصَّلاةِ (¬1). قال أَبُو داوُدَ: يَعْنِي يَضَعُ يَدَهُ عَلَى خاصِرَتِهِ. * * * باب الاختصار في الصلاة [947] (حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ كَعْبٍ) الحلبي الأنطاكي، ثقة صالح (¬2)، قال (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ) (¬3) بن عبد الله الباهلي، أخرج له مسلم. (عَنْ هِشَامٍ) بن حسان [القردوسي بضم القاف والقراديس] (¬4) من الأزد (عَنْ مُحَمَّدٍ) بن سيرين (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الاخْتِصَارِ فِي الصَّلَاةِ) مشتق من الخاصرة، أو من المخصرة، وهي أن يأخذ بيده عصا يتوكأ عليها، أو يختصر السورة فيقرأ من أولها آية أو آيتين، وقيل: هو أن يحذف من الصلاة فلا يتم ركوعها وسجودها. والأول الصحيح؛ لقوله: (يعني: يضع (¬5) يده على خاصرته) نهى عنه لأنه فعل اليهود، أو هبط إبليس من الجنة كذلك، أو فعل المتكبرين، أو استراحة أهل النار. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1207)، ومسلم (545). (¬2) "الكاشف" للذهبي 3/ 293. (¬3) في (ص، س): مسلمة. (¬4) في (م): الفردوسي بضم الفاء والفرادس. (¬5) من (ل، م).

179 - باب الرجل يعتمد في الصلاة على عصا

179 - باب الرَّجُلِ يَعْتَمِدُ فِي الصَّلاةِ عَلَى عَصًا 948 - حَدَّثَنا عَبْدُ السَّلامِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الوابِصِيُّ، حَدَّثَنا أَبي عَنْ شَيْبانَ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ هِلالِ بْنِ يِسافٍ قال: قَدِمْتُ الرَّقَّةَ فَقال لِي بَعْضُ أَصْحابِي: هَلْ لَكَ فِي رَجُلٍ مِنْ أَصْحابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: قُلْتُ: غَنِيمَةٌ. فَدَفَعْنا إِلَى وابِصَةَ قُلْتُ لِصاحِبِي: نَبْدَأُ فَنَنْظُرُ إِلَى دَلِّهِ. فَإِذا عَلَيْهِ قَلَنْسُوَةٌ لاطِئَةٌ ذاتُ أُذُنَيْنِ وَبُرْنُسُ خَزٍّ أَغْبَرُ وَإذا هُوَ مُعْتَمِدٌ عَلَى عَصًا فِي صَلاتِهِ فَقُلْنا بَعْدَ أَنْ سَلَّمْنا. فَقال: حَدَّثَتْنِي أُمُّ قَيْسٍ بِنْتُ مِحْصَنٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لما أَسَنَّ وَحَمَلَ اللَّحْمَ اتَّخَذَ عَمُودًا في مُصَلَّاهُ يَعْتَمِدُ عَلَيهِ (¬1). * * * باب الرَّجُلِ يَعْتَمِدُ عَلَى عَصًا فِي الصَّلَاةِ [948] (حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن صخر (الْوَابِصِيُّ) بباء موحدة ثم صاد مهملة، قاضي الرقة ثم بغداد للمتوكل قال: (حَدَّثَنَا أَبِي) عبد الرحمن بن صخر بن عبد الرحمن بن وابصة بن معبد الأسدي الرقي، له في السنن الستة هذا الحديث فقط. (عَنْ شَيبَانَ) بن عبد الرحمن التميمي (¬2)، مولاهم، النحوي الهاشمي، كان مؤدب (¬3) سليمان بن داود الهاشمي. ¬

_ (¬1) رواه الطبراني 25/ 177 (434)، والحاكم 1/ 264 - 265، والبيهقي 2/ 288. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (874). (¬2) في (م): السهمي. (¬3) في (م): مؤذن.

(عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) أبي الهذيل السلمي (عَنْ هِلَالِ بْنِ يِسَافٍ) بفتح المثناة تحت وتخفيف السين المهملة، غير منصرف لوزن الفعل والعلمية، مولى أشجع، أدرك علي بن أبي طالب، وسمع أبا مسعود الأنصاري الكوفي، ثقة (¬1). (قَال: قَدِمْتُ الرَّقَّةَ) بفتح الراء وتشديد القاف، اسم بلد، قال البكري في "معجم البلدان": هي بالعراق (¬2). (فَقَال لِي بَعْضُ أَصْحَابِي: هَلْ لَكَ فِي رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ ) فيه فضيلة الدلالة على أهل العلم والدين والصلاح لما يحصل من الخير في اجتماعهم، وهو من باب التعاون على البر والتقوى والدلالة على الخير (قَال: قُلْتُ غَنِيمَةٌ) بفتح الغين المعجمة، والغنيمة (¬3) خبر مبتدأ محذوف، أي: هو غنيمة لمن يجتمع به، كما أن مال الكفار غنيمة المجاهدين (فُدُفِعْنَا) بضم الدال وكسر الفاء (إِلَى وَابِصَةَ) بالباء الموحدة والصاد المهملة، ابن (¬4) معبد بن مالك بن [عبيد الأسدي] (¬5) يكنى أبا شداد، ويقال: أبا قرصافة (¬6). سكن الكوفة ثم تحول إلى الرقة، وبها عقبه ومسجده، ومات بها (¬7). (فقُلْتُ لِصَاحِبِي نَبْدَأُ) بفتح النون وهمز آخره، أي: نبتدئ قبل ¬

_ (¬1) "الكاشف" 3/ 229. (¬2) "معجم ما استعجم" 2/ 258. (¬3) في (م): العين. (¬4) في (ص): أي. (¬5) في (ص): عبد الأسد. وفي (س، ل): عبد الأسدي. (¬6) في (ص، س، ل): فرصادية. (¬7) انظر: "الاستيعاب" لابن عبد البر (2720).

الاجتماع به (¬1) (فننظر إلى دله) بفتح الدال (¬2) وتشديد اللام، الدل والهدي والسمت بفتح أوائل الثلاثة قربت بعضها من بعض، وهي عبارة عن الحالة التي يكون عليها الإنسان من السكينة والوقار وحسن الشمائل والسيرة (¬3) والطريقة واستقامة المنظر والهيئة والحديث والحركة، وقد كان السلف الصالح يذهبون إلى عمر فينظرون إلى سمته ودله (¬4) فيتشبهون به (¬5). (فَإِذَا عَلَيهِ قَلَنْسُوَةٌ) ويقال: قلنسية (¬6). فإذا فتحت القاف ضممت السين، وإن ضممت القاف كسرت السين (¬7) وقلبت الواو ياء، وهي مضرية كالمزدوجة (¬8)، إلا أنها تزيد عليها بما ينزل من آخرها على (¬9) الرقبة والأذنين، ولها زوايا (لَاطِئَةٌ) بهمزة مفتوحة بعد الطاء، أي: ملتصقة بالرأس غير مرتفعة عنه كما يفعل في هذا الزمان، يقال: لطئ بالأرض ولطئ إذا لصق بها، وفي حديث نافع بن جبير: إذا ذكر عبد مناف فألطه (¬10). هو من لطئ بالأرض، فحذفت الهمزة من آخره ثم أتبعها هاء السكت، يريد: إذا ذكر فالتصقوا (¬11) بالأرض ولا تعدوا ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) في (م): اللام. (¬3) من (ل، م). (¬4) بياض في (ص، س). (¬5) انظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد 2/ 101، "النهاية" لابن الأثير 2/ 131، 397. (¬6) في (م): قلنسة. (¬7) من (ل، م). (¬8) في (م): بصرية كالمردوحة. (¬9) في (م): من. (¬10) انظر: "النهاية" لابن الأثير 4/ 249. (¬11) في (ص): فالصقوا.

أنفسكم ولا ترفعوها عند ذكره [وكونوا كالتراب] (¬1) (¬2). (ذَاتُ أُذُنَينِ) بضم الذال، ويجوز (¬3) تسكينها، فيه فضيلة لبس القلنسوة، لكن لم يذكر في هذا الحديث لونها، وقد روى الطبراني والبيهقي في "شعب الإيمان" وأبو الشيخ من حديث ابن عمر: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلبس قلنسوة بيضاء (¬4) ولأبي الشيخ من حديث ابن عباس كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث قلانس: قلنسوة بيضاء مضرية، وقلنسوة برد حبرة، وقلنسوة ذات آذان يلبسها في السفر، فربما وضعها بين يديه إذا صلى (¬5). يعني: سترة قال: وإسنادهما ضعيف، وسيأتي حديث ركانة: فرق ما (¬6) بيننا وبين المشركين العمائم على القلانس (¬7)، ولغيره: فربما لبسها بغير عمامة، وربما لبس العمائم (¬8) بغير قلانس (¬9) (وَبُرْنُسُ) البرنس معروف وكان يلبسه العُبَّاد قديمًا (خَزٍّ) الظاهر أنه مجرور بالإضافة تقديره: برنس من خزٍّ. ¬

_ (¬1) في (ص، س): ارموا بالتراب. (¬2) زاد هنا في (ل): بالأرض. (¬3) سقط من (م). (¬4) رواه الطبراني كما في "المجمع" 5/ 121، والبيهقي في "الشعب" (6259)، وأبو الشيخ في "أخلاق النبي" (313)، وقال البيهقي: تفرد به ابن خراش، وهو ضعيف. (¬5) "أخلاق النبي" (316). (¬6) سقط من (م). (¬7) سيأتي برقم (4078). (¬8) في (م): العمامة. (¬9) رواه الروياني وابن عساكر من رواية ابن عباس كما في "فيض القدير" 5/ 314 (7168)، "تحفة الأحوذي" 5/ 393. وقال الألباني في "ضعيف الجامع" (4619): ضعيف جدًّا.

قال ابن (¬1) الأثير: الخز المعروف أولًا ثياب تنسج من صوف وإبريسم وهي مباحة، وقد لبسها الصحابة والتابعون (¬2). وأما الخز المعروف الآن فلبسه حرام، لأن جميعه معمول من الإبريسم وعليه يحمل حديث: "سيأتي (¬3) قومٌ يستحلون الخز والحرير" (¬4)، وقيل: الخز اسم دابة ثم أطلق على الثوب المتخذ من وبرها والجمع خزوز مثل فلس وفلوس. (أَغْبَرُ) قال الجوهري: لونه شبيه بالغبار (¬5). يعني: غبار تراب الأرض [وأصل الخز من وبر الأرنب وغيره] (¬6). (وَإِذَا هُوَ مُعْتَمِدٌ عَلَى عَصًا فِي صَلاتهِ) فيه دليل على ما قاله أصحابنا وغيرهم: أن من احتاج في قيامه إلى (¬7) أن يتكئ على عصا أو عكاز أو يستند إلى حائط أو يميل على أحد جانبيه جاز له ذلك. قال القاضي حسين: لم يلزمه ذلك، وصرَّح المتولي والإمام باللزوم، ورجح الأذرعي وغيره اللزوم أيضًا، قال ابن قدامة الحنبلي: يلزمه ذلك؛ لأنه قادر على القيام من غير ضرر، فلزمه كما لو قدر بغير هذِه الأشياء (¬8). ¬

_ (¬1) زاد في (م): دقيق. (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (خزز). (¬3) في (م): ستأتي إلى. (¬4) سيأتي برقم (4039)، وأخرجه البخاري معلقا (5590) كلاهما من حديث أبي مالك الأشعري مرفوعًا. وقال الألباني في "مشكاة المصابيح" (5343): صحيح. (¬5) "الصحاح في اللغة" (غبر). (¬6) سقط من (م). (¬7) من (س، ل، م). (¬8) "المغني" 2/ 571.

(فَقُلْنَا) (¬1) له (بَعْدَ أَنْ سَلَّمْنَا) (¬2) عليه، فيه بيان أن من السنة أن (¬3) من لقي إنسانًا أن يسلم عليه قبل أن يشرع في الكلام، لما روى جابر: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "السلام قبل الكلام" (¬4) قال القاضي (¬5) عبد الحق في "الأحكام" وبإسناد هذا الحديث عن جابر أيضًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تدعوا أحدًا إلى الطعام حتى يسلم" (¬6) زاد ابن عبد البر: فقلنا: ما دعاك إلى العصا (¬7). (فَقَال: حَدَّثَتْنِي أُمُّ قَيْسٍ بِنْتُ مِحْصَنٍ) (¬8) الأسدية أخت عكاشة - رضي الله عنهما - (أَن رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا أَسَنَّ وَحَمَلَ) جسده (¬9) (اللَّحْمَ اتَّخَذَ عَمُودًا) (¬10) يتكئ عليه، والعمود عمود البيت والخباء ونحو ذلك. * * * ¬

_ (¬1) في (م): فقلت. (¬2) في (م): سلمت. (¬3) سقط من (م). (¬4) أخرجه الترمذي (2699)، وقال: هذا حديث منكر لا نعرفه إلا من هذا الوجه. (¬5) في (م): الحافظ. (¬6) أخرجه الترمذي (2699)، وقال: هذا حديث منكر لا نعرفه إلا من هذا الوجه. (¬7) روى هذه الزيادة أبو علي القشيري في "تاريخ الرقة" (9). (¬8) في (ص): محيصن. (¬9) سقط من (م). (¬10) في (م): عودًا.

180 - باب النهي عن الكلام في الصلاة

180 - باب النَّهْي عَن الكَلامِ فِي الصَّلاة 949 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنا إِسْماعِيل بْنُ أَبِي خالِدٍ، عَنِ الحارِثِ بْنِ شُبَيْلٍ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبانِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قال: كانَ أَحَدُنا يُكَلِّمُ الرَّجُلَ إِلَى جَنْبِهِ فِي الصَّلاةِ فَنَزَلَتْ: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} فَأُمِرْنا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينا عَنِ الكَلامِ (¬1). * * * باب النَّهْي عَنِ الكَلَامِ فيِ الصَّلَاةِ [949] (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى) بن نجيح البغدادي الحافظ، ابن الطباع، استشهد به البخاري تعليقًا (¬2) له مصنفات عدة، قال أبو حاتم: ثقة مبرز. قال: خرجت مع أخي إلى الري وقدم جرير العراق فحضرت عنده مع أخي إسحاق فسأله عني فقال: يتيم أنا ربيته قال: كيف شكره لك؟ فإنه يقال: إن اليتيم لا يكاد يشكر (¬3). قال: (حَدَّثَنَا (¬4) هُشَيمٌ) بن بشير الواسطي، قال: (أنبأنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ) سعد الأحمسي. (عَنِ الحَارِثِ بْنِ شُبَيْلٍ) بضم الشين المعجمة وفتح الباء (¬5) الموحدة ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1200)، ومسلم (539). (¬2) في موضعين من "صحيحه" (1769، 6072). (¬3) "الجرح والتعديل" 8/ 39. (¬4) سقط من (م). (¬5) من (س، ل، م).

مصغر البجلي (عَنْ أَبِي عَمْرٍو) سعد بن (¬1) إياس (الشَّيبَانِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ) الأنصاري الخزرجي (قَال: كَانَ أَحَدُنَا يُكَلِّمُ الرَّجُلَ إِلَى جَنْبِهِ فِي الصَّلَاةِ) مبالغة باعتبار الزيادة على أصل الكلام وهو مخاطبة الرجل لصاحبه (فَنَزَلَتْ) رواية الصَّحيحين: حتى نزلت (¬2). هذا أحد ما يستدل به على النسخ وهو ذكر الراوي تقدم أحد الحكمين على الآخر بخلاف ما لو قال (¬3) هو منسوخ لاحتمال أن يقوله عن اجتهاد ({وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}) (¬4) قيل (¬5): ساكتين وهو وجه استدلال الراوي، لكن تفسير الصحابي لا ينزل منزلة المرفوع إلا حيث يتعلق بسبب نزول أو شيء مما لا يكون باجتهاد فيكون مرفوعًا، وهذا الوضع ليس صريحًا في أنه (¬6) سبب النزول، بل صريح في أنها أمر للمصلي بالسكوت. (فأمرنا بالسكوت) يحتمل أن يكون سبب النسخ هو الأمر المذكور في الآية على تقدير أن يكون القنوت السكوت، وقد (¬7) قيل: معنى قانتين مطيعين كما قال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا} (¬8) أي ¬

_ (¬1) زاد في (ل، م): أبي. (¬2) "صحيح البخاري" (1200)، "صحيح مسلم" (395). (¬3) في (م): قالوا. (¬4) البقرة: 238. (¬5) في (ص، س، ل): غير. (¬6) في (ص، س): آية. (¬7) من (م). (¬8) النحل: 120.

مطيعًا. وفي "صحيح ابن حبان" من حديث أبي سعيد مرفوعًا: "كل حرف في القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعة" (¬1)، وقيل: قانتين أي داعين [حتى يجعل، (¬2) ذلك دليلًا على أن (¬3) الصلاة الوسطى الصبح؛ لأن فيها القنوت وهو الدعاء، وقيل: أصله الدوام على الشيء. ومنه حديث: قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهرًا يدعو على قبائل من العرب (¬4). أي: داوم (¬5) الدعاء. قال الشيخ تقي الدين: حيث (¬6) حمل على السكوت فالمراد به الذي (¬7) لا يتعلق بالصلاة. (ونهينا عن الكلام) الذي ليس قرآنًا ولا ذكرًا بل من كلام الناس الذي لا يليق أن يكون في الصلاة فهو توضيح وتبيين للسكوت المأمور به قبله (¬8). ولا يستدل به على أن الأمر بالشيء ليس نهيًا عن ضده من حيث أنه لو كان كذلك لما قيل: ونهينا عن الكلام. أو يقال: إنما أعيد تصريحًا بالنهي لأنه إنما كان في الأول ضمنًا أو لازمًا عند القائل به في الأصول. واعلم أن هاهنا إشكالًا؛ لأن راوي هذا الحديث زيد بن أرقم أنصاري مدني، فظاهر روايته هذِه أن تحريم ¬

_ (¬1) "صحيح ابن حبان" (309). (¬2) في (ص، س، ل): حين جعل. (¬3) من (م). (¬4) أخرجه البخاري (4089)، ومسلم (677) (304) من حديث أنس بلفظ: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قنت شهرًا يدعو على أحياء من أحياء العرب. (¬5) في (م): أدام. (¬6) في (ص، س، ل): حين. (¬7) في (م): الدعاء. (¬8) من (م، ل).

الكلام في الصلاة كان بالمدينة بعد الهجرة، وممن استدل به مجد الدين بن تيمية في "أحكامه" (¬1) لكن ثبت (¬2) في الصحيحين (¬3) عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال: "كنا نسلم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا" (¬4). وفي رواية المصنف والنسائي: فسلمت عليه فلم يرد عليَّ السلام فأخذني ما قدُم وما حدُث (¬5). كما تقدم، وابن مسعود إنما قدم من الحبشة إلى مكة قبل الهجرة، لأنه روى حديث إسلام الجن (¬6)، وأنه خرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم -[إلى نواحي مكة قال: فخط لي خطًّا .. (¬7). الحديث فاندفع به أن يكون ابن مسعود تخلف في الحبشة حتى جاؤوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -] (¬8) بعد الهجرة. وأجيب عن ذلك بوجوه: أحدها: أن يكون زيد بن أرقم ممن لم يبلغه تحريم الكلام في الصلاة إلى حين نزول الآية، وكذلك الذي أخبر أن الرجل يكلم صاحبه فيكون نزول الآية غاية لعدم بلاغ النهي عن الكلام لا لعدم النهي على الإطلاق، ويؤيده ما سبق من قول (¬9) كثير من المفسرين أن قانتين بمعنى مطيعين لا ¬

_ (¬1) برقم (1059). (¬2) في (ص، س): بين. (¬3) زاد في (م): وغيرهما. (¬4) أخرجه البخاري (1199)، ومسلم (538) (34). (¬5) سبق تخريجه قريبًا برقم (924)، "المجتبى" 3/ 19. (¬6) رواه البخاري (3859)، ومسلم (450). (¬7) أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (9968). (¬8) من (م). (¬9) في (ص، س): قوله.

بمعنى ساكتين، ويؤيده أنه أسند الحكم إلى قوله: فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام. ولم يسنده إلى (¬1) الآية، اللهم إلا أن يريد الأمر الواقع في الآية ضمنًا. الثاني: يجوز أن يكون نسخ تحريم الكلام وقع بمكة ثم أبيح ثم نسخت الإباحة بحديث زيد بن أرقم. الثالث: حمل حديث ابن مسعود على تحريم ما سوى الكلام لمصلحة الصلاة، وحديث زيد [بن أرقم] (¬2) على تحريم (¬3) سائر الكلام، لكن يضعف هذا بأن في بعض طرق حديث زيد يكلم أحدنا صاحبه و [يأتيه بالحاجة] (¬4) (¬5) ومعلوم أن هذا لا يتعلق بمصلحة الصلاة إلا على تأويل بعيد (¬6). الرابع: المصير إلى حديث ابن مسعود؛ لأنه أرجح؛ لأنه حكى فيه حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويحكى هذا عن ابن شريح والقاضي أبي الطيب، وهذا على أحد الاحتمالين السابقين، وهو رفع إباحة الكلام بقوله (¬7): أمرنا بالسكوت. * * * ¬

_ (¬1) ليست في (س، ل). (¬2) سقط من (ل، م). (¬3) من (س، ل، م). (¬4) في (ص، س): ثالثة بإلحاقه. (¬5) رواها البخاري (1250، 4534). (¬6) في (ص): بضد. (¬7) في (ص): معل. وفي (س، ل): بنقل.

181 - باب في صلاة القاعد

181 - باب في صَلاةِ القاعدِ 950 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن قُدامَةَ بْنِ أَعْيَنَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلالٍ -يَعْنِي ابن يِسافٍ- عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قال: حُدِّثْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "صَلاةُ الرَّجُلِ قاعِدًا نِصْفُ الصَّلاةِ". فَأَتَيْتُهُ فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي جالِسًا فَوَضَعْت يَدَيَّ عَلَى رَأْسِي فَقال ما لَكَ يا عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو قُلْتُ: حُدِّثْت يا رَسُولَ اللهِ أَنَّكَ قُلْتَ: "صَلاةُ الرَّجُلِ قاعِدًا نِصْفُ الصَّلاةِ". وَأَنْتَ تُصَلِّي قاعِدًا قال: "أَجَلْ وَلَكِنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ" (¬1). 951 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ حُسَيْنٍ المعَلِّمِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَلاةِ الرَّجُلِ قاعِدًا فَقال: "صَلاتُهُ قائِمًا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتهِ قاعِدًا وَصَلاتُهُ قاعِدًا عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلاتهِ قائِمًا وَصَلاتُهُ نائِمًا عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلاتِهِ قاعِدًا" (¬2). 952 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن سُلَيْمانَ الأَنْبارِيُّ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ طَهْمانَ، عَنْ حُسَيْنٍ المعَلِّمِ، عَنِ ابن بُرَيْدَةَ، عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ قال: كانَ بِيَ النّاصُورُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: "صَلِّ قائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جنبٍ" (¬3). 953 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ قالتْ: ما رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقْرَأ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلاةِ اللَّيْلِ جالِسًا قَطُّ حَتَّى دَخَلَ فِي السِّنِّ فَكانَ يَجْلِسُ فِيها فَيَقْرَأُ حَتَّى إِذا بَقِيَ أَرْبَعُونَ أَوْ ثَلاثُونَ آيَةً قامَ فَقَرَأَها ثُمَّ سَجَدَ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (735). (¬2) رواه البخاري (1115، 1116). وانظر ما بعده. (¬3) رواه البخاري (1117). وانظر ما قبله. (¬4) رواه البخاري (1118، 4837)، ومسلم (731). وانظر ما بعده.

954 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ وَأَبِي النَّضْرِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُصَلِّي جالِسًا فَيَقْرَأُ وَهُوَ جالِسٌ وَإِذا بَقِيَ مِنْ قِراءَتِهِ قَدْرُ ما يَكونُ ثَلاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً قامَ فَقَرَأَها وَهُوَ قائِمٌ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ سَجَدَ ثمَّ يَفْعَل فِي الرَّكْعَةِ الثّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ. قال أَبُو داوُدَ: رَواهُ عَلْقَمَةُ بْنُ وَقّاصٍ، عَنْ عائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نحْوَهُ (¬1). 955 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ قال: سَمِعْتُ بُدَيْلَ بْنَ مَيْسَرَةَ وَأَيُّوبَ يُحَدِّثانِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ عائِشَةَ قالتْ: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي لَيْلًا طَوِيلًا قائِمَا وَلَيْلًا طَوِيلًا قاعِدًا فَإِذا صَلَّى قائِمًا رَكَعَ قائِمًا وَإذا صَلَّى قاعِدًا رَكَعَ قاعِدًا (¬2). 956 - حَدَّثَنا عُثْمان بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْن هارُونَ، حَدَّثَنا كَهْمسُ بْنُ الحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ قال: سَأَلْتُ عائِشَةَ أَكانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ السُّورَةَ فِي رَكْعَةٍ؟ قالت: المُفَصَّلَ. قال: قُلْتُ: فَكانَ يُصَلِّي قاعِدًا؟ قالتْ: حِينَ حَطَمَهُ النّاسُ (¬3). * * * باب فِي صَلَاةِ القَاعِدِ [950] (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ بْنِ أَعْيَنَ) المصيصي مولى بني هاشم. قال الدارقطني: ثقة (¬4). قال: (حَدَّثَنَا جَرِيرٌ) بفتح الجيم، ابن عبد الحميد الضبي الرازي (عَنْ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1119)، ومسلم (731/ 112). (¬2) رواه مسلم (730). (¬3) رواه مسلم (732). (¬4) "العلل" للدارقطني 10/ 137.

مَنْصُورٍ) بن المعتمر أبي عتاب السلمي من أئمة الكوفة. (عَنْ هِلَالٍ بن يِسَافٍ عَنْ أَبِي) [مصاع (يَحْيَى) الأعرج] (¬1) مولى معاذ بن عفراء الأنصاري، أخرج له مسلم والأربعة. (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو) ويقال أنه مولاه (قَال حُدِّثْتُ) بضم الحاء مبني للمفعول (أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَال: ) لا تضر جهالة الصحابي؛ لأنهم كلهم عدول (صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا) نصب على الحال (نِصْفُ) خبر المبتدأ (الصَّلَاةِ) أي ثواب صلاة الرجل قاعدًا مع القدرة على القيام على نصف ثواب الصلاة قائمًا، أما العاجز عن القيام فله مثل أجر صلاة القائم؛ لأنه لم يترك القيام إلا لعذر. (فَأَتَيْتُهُ فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي جَالِسًا فَوَضَعْتُ يَدَيَّ عَلَى رَأْسِي) يحتمل أنه وضع يده على رأس نفسه عند التعجب من صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعدًا، وكانت عادة العرب إذا تعجبوا من أمر (¬2) وضعوا أيديهم (¬3) على رؤوسهم بدليل رواية البغوي وغيره أن المشركين لما (¬4) أخبرهم (¬5) النبي - صلى الله عليه وسلم - بمسراه بقوا بين مصفق وواضع يده على رأسه متعجبًا (¬6). يعني مما أخبرهم به. هكذا للمصنف، ورواية مسلم: ¬

_ (¬1) في (س، ل، م): يحيى مصدع المعروف الأعرج. (¬2) في (م): شيء. (¬3) في (ص، س، ل): يدهم. (¬4) سقط من (م). (¬5) في (ص): أمرهم. (¬6) "معالم التنزيل" 5/ 65، ورواه النسائي في "الكبرى" (11321)، وأحمد 1/ 309، وأورده الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3021).

فوضعت يدي على رأسه (¬1). قال القرطبي: هذا يدل على عظيم تواضع النبي - صلى الله عليه وسلم - وحسن أخلاقه، وأنه كان مع خاصة أصحابه فيما يرجع إلى المعاشرة والمخالطة كواحد منهم؛ إذ كان يباسطهم ويمازحهم ويكون معهم في عملهم ولا يترفع (¬2) عليهم، ومن كانت هذِه حاله فلا يستنكر (¬3) من بعض أصحابه أن يعامله بمثل ذلك في بعض الأحوال سيما وكان مقصود عبد الله أن يقبل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى (¬4) يجيبه عما وقع في خاطره من هذا الأمر الديني المهم في حقه، والله أعلم. وهذا كله على ما صح عندي من الرواية: على رأسه. وظاهره أنه عائد على النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال: وقد ذكر لي أن بعض الناس رواه: رأسيه. فألحق به ياء المتكلم وهاء السكت، ووجهها واضح لو ثبت، قال: وأظنه رأي وإصلاح لا رواية، ويقرب من فعل عبد الله فعل جبريل حيث (¬5) أسند ركبتيه [إلى ركبتيه] (¬6) ووضع كفيه على فخذيه (¬7) على قول من قال: إنه أراد فخذي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الصحيح (¬8). انتهى. وهذا عجيب منه مع أنه (¬9) كثير النقل عن أبي داود والاحتجاج ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (735) (120). (¬2) في (م): يرتفع. وفي (س): يتوقع. (¬3) في (ص، س، ل): يستكبر. (¬4) في (س): حين. (¬5) في (ص، س، ل): حين. (¬6) سقط من (م). (¬7) رواه مسلم (8). (¬8) "المفهم" 2/ 371 - 372. (¬9) من (ل، م).

بروايته لكنه (¬1) في هذا الموضع لم يراجعه، ولو راجع هذِه الرواية الصحيحة لزال عنه هذا الإشكال، ولما قال: أظنه إصلاح ورأي لا رواية. قلت: وعلى رواية "صحيح مسلم" (¬2) يحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يتهجد في الليل فإنه لم يكن لهم مصابيح، وأنه لما أتى إليه لم [ينظره؛ فوضع يده ليتفقده] (¬3) فوقعت يده عليه جالسًا، ويدل على هذا قوله بعده (فَقَال مَا لَكَ يَا عَبْدَ الله) ليعرفه بنفسه ويستفهمه عما يريد منه في الليل. (قُلْتُ: حُدِّثْتُ يَا رَسُولَ اللهِ أَنَّكَ قُلْتَ: صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ) رواية مسلم: على نصف (الصَّلَاةِ وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا) يعني في الأجر مع (¬4) عدم العذر المانع من القيام. [قال القرطبي: حمله بعضهم على من رُخِّص له في الصلاة جالسًا من أصحاب الأعذار الذين لو كلفوا أنفسهم ذلك] (¬5) لقدروا على القيام بمشقة. قال: وهذا يطرد في الفرض والنفل وهو قول مالك وأحمد وإسحاق، ومنع الشافعي (¬6) صلاة الفرض قاعدًا إلا مع عدم (¬7) القدرة على القيام، ويجوز ذلك في النفل مع القدرة بإجماع (¬8). ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) في الأصول الخطية: داود. ولعله سبق قلم. (¬3) في (ص، س): ينكره ليتعرفه. (¬4) في (م): معنى. (¬5) من (م). (¬6) زاد في (س، م): من. (¬7) من (ل، م). (¬8) "المفهم" 2/ 371.

(قَال: أَجَلْ) بسكون اللام الخفيفة أي: نعم وزنًا ومعنى (وَلَكِنِّي لَسْتُ [كَأَحَدٍ منكُمْ)] (¬1): أي: فلا يكون له في صلاته قاعدًا نصف الأجر بل يحصل له جميع الأجر كاملًا موفرًا، وهذا عند الشافعية من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعلت نافلته قاعدًا مع القدرة على القيام كنافلته قائمًا تشريفًا له وتعظيمًا كما خص بأشياء معروفة في كتب أصحابنا وغيرهم. قال القاضي عياض: معناه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لحقه مشقة من القيام لحطم الناس وللسن؛ فكان أجره تامًّا بخلاف غيره ممن لا عذر له (¬2). قال النووي: وهذا ضعيف أو باطل؛ لأن غيره - صلى الله عليه وسلم - إن كان معذورًا فثوابه أيضًا كامل وإن كان قادرًا على القيام فليس هو كالمعذور فلا يبقى فيه تخصيص ولا يحسن على هذا التقدير: "لست كأحد (¬3) منكم" فالصواب ما قاله أصحابنا أن نافلته - صلى الله عليه وسلم - قاعدًا مع القدرة كثوابه قائمًا وأن هذا من الخصائص والله أعلم (¬4). [951] (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى) بن سعيد القطان (عَنْ حُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ) بن الحصيب الأسلمي قاضي مرو (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَينٍ) بن عبيد بن خلف الخزاعي، أسلم (¬5) عام خيبر هو (¬6) وأبوه وسكن البصرة إلى أن مات. ¬

_ (¬1) في (ص، س): كأحدكم. (¬2) انظر: "إكمال المعلم" 3/ 76، و"شرح النووي على مسلم" 6/ 15. (¬3) في (ص): كأحدكم. (¬4) "شرح النووي على مسلم" 6/ 15. (¬5) سقط من (م). (¬6) من (ل، م).

(أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَلَاةِ الرَّجُلِ قَاعِدًا فَقَال: صَلَاتُهُ قَائِمًا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهِ قَاعِدًا) لعله قال هذا قبل أن يوحى إليه أنه على النصف من صلاة القائم (وَصَلَاتُهُ قَاعِدًا عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاتِهِ قَائِمًا) هذا إذا كان قادرًا، فإن كان عاجزًا فأجر القاعد كأجر القائم بلا تفاوت وذلك تخفيف من ربكم ورحمة. (وَصَلَاتُهُ نَائِمًا) قال البخاري بعد رواية هذا الحديث: نائمًا عندي مضطجعًا هاهنا يعني (¬1): على هيئة النائم، وذكر في أوله أن عمران بن حصين كان مبسورًا يعني بالباء الموحدة، والباسور واحد البواسير وهو علة تحدث [في المقعدة] (¬2) (عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلاتِهِ قَاعِدًا) وهذا في القادر على القعود أيضًا. قال الخطابي: لا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه أرخص في صلاة التطوع نائمًا كما أرخص فيها قاعدًا، فإن صحت هذِه اللفظة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم تكن من كلام بعض الرواة أدرجه في الحديث وقاسه على صلاة القاعد أو اعتبره بصلاة المريض نائمًا إذا (¬3) لم يقدر على القعود (¬4) انتهى. والأصح عند الشافعي (¬5) أن للقادر التنفل مضطجعًا لهذا الحديث، ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) في (م): بالمقعدة. (¬3) في (ص): و. (¬4) "معالم السنن" للخطابي 1/ 454. (¬5) انظر: "الأم" 7/ 478، و" المجموع" 3/ 276.

والثاني لا لما فيه من انمحاق (¬1) صورة الصلاة، وعلى هذا فيؤول هذا الحديث. وزعم السهيلي في "الروض" أن الخطابي (¬2) وابن عبد البر (¬3) قالا: اجتمعت الأمة على المنع (¬4) منه، ولم يقولا ذلك؛ لأن الترمذي حكاه عن الحسن البصري (¬5)، وهو الأصح عند الشافعية (¬6)، وإذا قلنا بالأصح وهو جواز الاضطجاع فهل يجزئ الاقتصار على الإيماء في الركوع والسجود أم يلزمه أن يقعد للركوع والسجود؟ قولان، أصحهما الثاني. وإذا قلنا بجواز (¬7) الاضطجاع للقادر فهل يجوز للصبي أن يصلي الخمس مضطجعًا لأنها نافلة في حقه؟ فيه وجهان. [952] (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الأَنْبَارِيُّ) بتقديم النون على الباء كما تقدم قال: (حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ، عَنْ حُسَينٍ المُعَلِّمِ، عَنِ) عبد الله (ابْنِ بُرَيْدَةَ) تقدم قبله (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) - رضي الله عنهما - قال عمران: وكانت تسلم علي الملائكة حتى اكتويت، فتركوا فتركت الكي، فعادوا يسلمون (¬8)، وكان يراهم عيانًا. ¬

_ (¬1) في (م): انحاف. (¬2) "معالم السنن" للخطابي 1/ 445. (¬3) انظر: "فيض القدير" 4/ 290. (¬4) في (ص): منعه. (¬5) "الروض الأنف" 3/ 17. (¬6) "المجموع" 3/ 276. (¬7) في (م): يجوز. (¬8) رواه الحاكم 4/ 214 بنحوه مختصرًا، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.

(قَال: كَانَ بِيَ (¬1) الناصُورُ) قال الجوهري: يقال بالسين والصاد جميعًا، وهو علة تحدث في المقعدة في طرف المعى (¬2). (فَسَأَلْتُ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فَقَال: صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا) (¬3) كيف شاء ولا ينقص ثوابه؛ لأنه معذور. قال الرافعي: ولا يعني بالعجز عدم الإمكان فقط بل في معناه خوف الغرق والهلاك وزيادة المرض ولحوق المشقة الشديدة ودوران الرأس في حق راكب السفينة ورؤية العدو له (¬4) (¬5). واختار إمام الحرمين في ضبط العجز أن يلحقه بالقيام مشقة تذهب خشوعه (¬6). وقال في "شرح المهذب" أن المذهب خلافه (¬7). (فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) ويستحب أن يكون على الجنب الأيمن لينال (¬8) فضيلة التيامن، وإن صلى على الأيسر جاز، وهو مقتضى إطلاق الحديث، وزاد النسائي في روايته (¬9) بعد قوله: "فعلى جنب": "فإن لم تستطع فمستلقٍ، لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها" (¬10) واستدركه ¬

_ (¬1) في (ص، س): في. (¬2) "الصحاح في اللغة" (نسر). (¬3) زاد في (م): قال. (¬4) من (س، ل، م). (¬5) "الشرح الكبير" 1/ 481. (¬6) انظر: "نهاية المطلب" 2/ 516، 18/ 419. (¬7) انظر: "المجموع" 4/ 310. (¬8) في (ص، س، ل): لبيان. (¬9) في (ص، س، ل): رواية. (¬10) وهم المصنف في عزوه هذه الزيادة للنسائي؛ حيث لم أجدها في "السنن الصغرى" ولا "الكبرى"، ولم يعزها المزي في "تحفة الأشراف" للنسائي، انظر: "تحفة =

الحاكم (¬1). قال ابن حجر: فوهم (¬2). [953] (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ) اليربوعي الحافظ، قال: (حَدَّثَنَا زُهَيرٌ) بن معاوية الجعفي، سكن الجزيرة، قال: (حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ) بن الزبير (عَنْ) أبيه (عُرْوَةَ) بن الزبير (عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاةِ اللَّيلِ) التي يتهجد بها (جَالِسًا قَطُّ) فيه فضيلة القراءة في الصلاة قائمًا إلا لحاجة فيقرأ جالسًا (حَتَّى دَخَلَ فِي السِّنِّ) أي: سن الشيخوخة وطال عمره (فَكَانَ يَجْلِسُ) في حال القراءة، وللنسائي عن حفصة: ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى في سبحته قاعدًا قط حتى كان قبل وفاته بعام (¬3). ولمسلم: فلما أسن وكثر لحمه (¬4). (فَيَقْرَأُ حَتَّى إِذَا بَقَّىَ) (¬5) بفتح الباء الموحدة وتشديد القاف ¬

_ = الأشراف" 8/ 185 (10832)، ووهم الحافظ ابن حجر أيضًا في عزو هذه الزيادة للنسائي في "التلخيص الحبير" 1/ 225. (¬1) "المستدرك" 1/ 314. (¬2) "التلخيص الحبير" 1/ 225. (¬3) "سنن النسائي" 3/ 223. (¬4) لم أقف على هذا اللفظ عند مسلم، وإنما وقفت على لفظ مقاب منه في حديث سعد بن هشام بن عامر في سؤاله عائشة عن وتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برقم (746/ 139) بلفظ: فلما أسن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وأخذه اللحم أوتر بسبع. وروى أبو عوانة في "مستخرجه على مسلم" (1997) من حديث عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما كبر وكثر لحمه كان أكثر صلاته جالسًا. (¬5) تكررت في (س، م).

المفتوحة (¬1)، أي: بقي النبي (¬2) - صلى الله عليه وسلم - (أَرْبَعُينَ) فبقى تعدى بالتشديد قدر أربعين كذا الرواية (أَوْ ثَلَاثُونَ آيَةً قَامَ) فيه جواز الركعة الواحدة بعضها من قيام وبعضها من قعود، وأنه (¬3) يجوز الانتقال في النافلة من الجلوس إلى القيام أو من القيام إلى الجلوس عند جمهور العلماء مالك والشافعي وأبو حنيفة وغيرهم، وكره محمد بن الحسن وأبو يوسف أن يبتدئ صلاته قائمًا ثم يقعد ثم يركع قاعدًا، وحجة الجمهور؛ أنه (¬4) انتقال من حال إلى حال لو ابتدأ الصلاة عليه لجاز كالانتقال من القعود إلى القيام المتفق عليه عندهم وعندنا (فَقَرَأَهَا) قائمًا ثم ركع (ثُمَّ سَجَدَ) لأن الانتقال من القيام إلى الركوع والسجود أفضل من الانتقال من القعود إلى الركوع والسجود. * * * ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) في (ص، س، ل): الله. (¬3) زاد في (ص): لا. (¬4) في (ص، س): لأنه.

182 - باب كيف الجلوس في التشهد

تفريع أبواب التشهد 182 - باب كَيْفَ الجُلُوس فِي التَّشَهُّدِ 958 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القاسِمِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قال: سُنَّةُ الصَّلاةِ أَنْ تَنْصِبَ رِجْلَكَ اليُمْنَى وَتَثْنِيَ رِجْلَكَ اليُسْرَى (¬1). 959 - حَدَّثَنا ابن مُعاذٍ، حَدَّثنا عَبْدُ الوَهّابِ قال: سَمِعْتُ يَحْيَى قال: سَمِعْتُ القاسِمَ يَقولُ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يَقُول: مِنْ سُنَّةِ الصَّلاةِ أَنْ تُضْجِعَ رِجْلَكَ اليُسْرَى وَتَنْصِبَ اليُمْنَى (¬2). 960 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ عَنْ يَحْيَى بإِسْنادِهِ مِثْلَهُ. قال أَبُو داوُدَ: قال حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى أَيْضًا مِنَ السُّنَّةِ كَما قال جَرِيرٌ (¬3). 961 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ القاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ أَراهُمُ الجُلُوسَ فِي التَّشَهُّدِ فَذَكَرَ الحَدِيثَ (¬4). 962 - حَدَّثَنا هَنّادُ بْنُ السَّرِيِّ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيانَ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ إِبْراهِيمَ قال: كانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذا جَلَسَ فِي الصَّلاةِ افْتَرَشَ رِجْلَهُ اليُسْرَى حَتَّى اسْوَدَّ ظَهْرُ قَدَمِهِ (¬5). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (827). وانظر ما بعده. (¬2) انظر ما قبله وما بعده. (¬3) انظر سابقيه. (¬4) انظر ما سلف برقم (958 - 960). (¬5) رواه عبد الرزاق 2/ 193 (3037)، وابن أبي شيبة 2/ 543 (2942). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (170/ م).

باب كَيفَ الجُلُوسُ فيِ التَّشَهُّدِ [954] (حَدَّثَنَا) عبد الله بن مسلمة (الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ) المخزومي، المقرئ، الأعور. (وَأَبِي النَّضْرِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) عبد الله (بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن عوف (عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -[أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -] (¬1) كَانَ) يشعر بالاستمرار والدوام (يُصَلِّي جَالِسًا) وللنسائي عن عائشة: ما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى كان أكثر صلاته جالسًا إلا المكتوبة (¬2). (فَيَقْرَأُ وَهُوَ جَالِسٌ) يعني: متربعًا لما روى النسائي عن عائشة قالت: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي متربعًا (¬3) وصححه ابن حبان (¬4) والحاكم وقال: إنه على شرط الشيخين (¬5). وصححه من أصحابنا الروياني في "تلخيصه" وصاحب "الانتصار"، وجزم به في "تنبيهه". واقتضى إيراد سليم (¬6) في "المجرد" أنه المذهب، قال الأذرعي (¬7): وهو المختار لهذا الحديث (وَإذَا بَقِيَ) بكسر القاف على اللغة الفصحى، وبها جاء القرآن في قوله: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} (¬8). ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) "سنن النسائي" 3/ 222. (¬3) "سنن النسائي" 3/ 224. (¬4) "صحيح ابن حبان" (2512). (¬5) "المستدرك" 1/ 258. (¬6) في (م): تسليم. (¬7) في (م): الأوزاعي. (¬8) البقرة: 278.

(مِنْ قِرَاءَتِهِ قَدْرُ مَا يَكُونُ ثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً قام) فيه أنه يستحب لمن أسن وشق عليه طول القيام لقراءته التي اعتادها أنه يجلس فيقرأ وهو جالس؛ لأنه حالة استقرار لطول المكث للقراءة، فالجلوس أجمع لقلبه وأرفق به، فإذا بقي عليه من قراءته التي اعتادها قدر ثلاثين أو أربعين آية قَامَ فيقرأ (¬1) وَهُوَ قَائِمٌ) ما لا يشق عليه قيامه فيكون قد أتى مما اعتاده بقدر استطاعته، وامتثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" (¬2) فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان أحب العمل إليه ما داوم عليه صاحبه (ثُمَّ رَكَعَ) إذا فرغ من قراءته ثم اعتدل. (ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ يَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ) في تهجده كله. (قَال المصنف: وقد روى عَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَهُ) (¬3). [955] (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) قال: (حَدَّثَنَا حَمَادُ بْنُ زَيْدٍ، قَال: سَمِعْتُ بُدَيْلَ) بضم الموحدة مصغر (بْنَ مَيسَرَةَ) العقيلي، أخرج له مسلم والأربعة. (وَأَيُّوبَ) بن أبي تميمة واسمه كيسان (¬4)، أخرج له مسلم هنا (¬5). ¬

_ (¬1) كذا في النسخ، وفي مطبوعة "السنن": فقرأها. (¬2) أخرجه البخاري (7288)، ومسلم (1337). (¬3) أخرجه مسلم (731) (114)، وأحمد 6/ 237 من طريق محمد بن عمرو، عن محمد بن إبراهيم، عن علقمة ولفظه، قلت لعائشة: كيف كان يصنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الركعتين وهو جالس؟ قالت: كان يقرأ فيهما، فإذا أراد أن يركع قام فركع. (¬4) زاد في (ص): المقبري. (¬5) "صحيح مسلم" (730/ 107).

(يحدثان (¬1)، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي لَيْلًا طَوِيلًا) امتثالا لقوله تعالى: {وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا} (¬2) فإن التسبيح هو الصلاة (قَائِمًا، وَلَيلًا طَوِيلًا قَاعِدًا) فيه جواز التنفل قاعدًا ولا خلاف فيه، ويختلف حاله في التهجد فإن وجد نشاطًا في بعض الليالي صلى قائما، وإن فتر (¬3) في بعضها صلى قاعدًا. (فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا رَكَعَ قَائِمًا، وَإذَا صَلَّى قَاعِدًا رَكَعَ قَاعِدًا) وهذا لا يناقض الحديث الذي قبله أنه كان يقرأ وهو جالس فإذا بقي قدر أربعين آية قام فقرأ وهو قائم، ثم ركع، ثم سجد. فإن ذلك كان منه في أوقات مختلفة، وبحسب ما يجده من المشقة ومن النشاط والفتور. [956] (حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ) بن زاذان كان جده زاذان مولى لأم عاصم امرأة عتبة بن فرقد فأعتقته قال: (أنبأنا كَهْمَسُ بْنُ الحَسَنِ) تميمي نزل البصرة. (عَنْ (¬4) عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ قَال: سَأَلْتُ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ السُّورَ) جمع سورة (فِي (¬5) رَكعَةٍ؟ ) واحدة (قَالتِ: المُفَصَّلَ) مفعول فعل محذوف تقديره: يقرأ المفصل، أو على حذف حرف الجر يعني: يجمع بين السور من المفصل في ركعة. ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) الإنسان: 26. (¬3) في (ص، س): قيد. (¬4) في (م): ابن. (¬5) زاد في (م): كل.

ويدل على تقدير حرف الجر ما صححه ابن خزيمة من طريق عبد الله ابن شقيق أيضًا قال: سألت عائشة: أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجمع بين السور (¬1)؟ قالت: نعم من المفصل (¬2). ولا يخالف هذا حديث التهجد أنه جمع بين البقرة وغيرها من الطوال (¬3)؛ لأنه محمول على النادر، ويدل على جواز جمع السور قول البخاري: باب (¬4) الجمع بين السورتين في الركعة (¬5). لأنه إذا جمع بين السورتين ساغ الجمع بين الثلاث فصاعدًا لعدم الفرق، وسُمي المفصل مفصلًا لكثرة الفصل بين سوره بالبسملة على الصحيح، وأنه من قاف إلى آخر القرآن. (قَال: قُلْتُ فَكَانَ يُصَلِّي قَاعِدًا؟ قَالتْ: حِينَ حَطَمَهُ) بفتح المهملتين (النَّاسُ) قال أبو عبيد: يقال: حطم فلانًا أهله إذا كبر فيهم كأنه بما يحمل من أثقالهم صيروه شيخًا محطومًا، والحطم كسر الشيء اليابس (¬6) يؤيد هذا قول حفصة أنه - صلى الله عليه وسلم - ما صلى سبحته قاعدًا حتى كان قبل وفاته بعام (¬7). (البأس) قال المنذري (¬8): كذا وقع بالباء الموحدة، وله وجه، والمشهور فيه الناس بالنون، والرواية الأخرى مفسرة. * * * ¬

_ (¬1) في (م): السورتين. (¬2) "صحيح ابن خزيمة" (539). (¬3) رواه مسلم (772). (¬4) في (م): بأن (¬5) "صحيح البخاري" قبل حديث (774/ م). (¬6) "الغريبين" ص 461. (¬7) أخرجه مسلم (733) (118). (¬8) "مختصر سنن أبي داود" ومعه "معالم السنن" 1/ 447.

182 - باب كَيفَ الجُلُوسُ في التَّشَهُّدِ 957 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا بِشْرُ بْنُ المفَضَّلِ عَنْ عاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وائِلِ بْنِ حُجْرٍ قال: قُلْتُ: لأَنْظُرَنَّ إِلَى صَلاةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَيْفَ يُصَلِّي فَقامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ فَكَبَّرَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى حاذَتا بِأُذُنَيْهِ ثمَّ أَخَذَ شِمالهُ بِيَمِينِهِ فَلَمّا أَرادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَهُما مِثْلَ ذَلِكَ قال: ثُمَّ جَلَسَ فافْتَرَشَ رِجْلَهُ اليُسْرَى وَوَضَعَ يَدَهُ اليُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ اليُسْرَى وَحَدَّ مِرْفَقَهُ الأَيْمَنَ عَلَى فَخِذِهِ اليُمْنَى وَقَبَضَ ثِنْتَيْنِ وَحَلَّقَ حَلَقَةً وَرَأَيْتُهُ يَقُول هَكَذا، وَحَلَّقَ بِشْرٌ الإِبْهامَ والوُسْطَى وَأَشارَ بِالسَّبّابَةِ (¬1). * * * باب كَيْفَ الجُلُوسُ فيِ التَّشَهُّدِ [957] (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قال: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ) بن لاحق قال ابن المديني: كان يصلي كل يوم أربعمائة ركعة (¬2) (عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيبٍ) أخرج له مسلم. (عَنْ أَبِيهِ) كليب بن شهاب الجرمي، وثق (¬3) (عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ) بن ربيعة الحضرمي كان أبوه من ملوك حضرموت، بشر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يأتي ويسلم (قَال: قُلْتُ: لأَنْظُرَنَّ إِلَى صَلَاةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَيْفَ يُصَلِّي)، فيه ما كان عليه هو (¬4) وأمثاله من الحرص على الخير وعلى ¬

_ (¬1) سلف برقم (726). وهو صحيح. (¬2) "تهذيب الكمال" 4/ 150. (¬3) "الكاشف" 3/ 10. (¬4) من (ل، م).

تعلم العلم، والاقتداء به عليه الصلاة والسلام والاقتباس منه وحفظ أقواله وأفعاله (فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ) لأنها شرط من شروط الصلاة. (فَكَبَّرَ) تكبيرة الإحرام (فَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى حَاذَتَا) أي: صارتا بإزاء (أُذُنَيهِ) يعني الكفين كما تقدم (ثُمَّ أَخَذَ شِمَالهُ بِيَمِينِهِ) أي تحت صدره فوق سرته؛ لما روى ابن خزيمة عن وائل بن حجر أيضًا: صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فوضع يده اليمنى على اليسرى على صدره (¬1)، وللبزار: عند صدره (¬2). (فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَهُمَا مِثْلَ ذَلِكَ) أي: حتى حاذيا أذنيه (قَال: ثُمَّ جَلَسَ فَافْتَرَشَ رِجْلَهُ اليُسْرَى، وَوَضَعَ يَدَهُ اليُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ اليُسْرَى وَحَدَّ) بفتح الحاء المهملة، وتشديد الدال المهملة مع النصب، كما تقدم الحديث بكماله مع زيادة في باب رفع اليدين (¬3)، وحد الشيء طرفه ومنتهاه. قال الجاربردي: جعله منفردًا عن فخذه، يعني: رفع (مِرْفَقَهُ) عن فخذه، هكذا فسره بعض الشارحين كأنه جعله من التوحيد، فعلى هذا يكون وحد بفتح الحاء المهملة المشددة، وتخفيف الدال ومرفقه منصوبًا مفعول لوحد، والرواية المشهورة أنه بنخفيف (¬4) المهملة ¬

_ (¬1) "صحيح ابن خزيمة" (479). (¬2) "البحر الزخار" 10/ 355 (4488). (¬3) سبق (726). (¬4) في (م): عقيب.

وتشديد الدال، أي (¬1): جعل عظم مرفقه كأنه رأس وتد فجعله من الحدة. قال: وروي: (مد) مكان (وحد) فأبدل (¬2) الميم مكان الحاء مرفقه (اليمنى) أنسخة الأيمن، (¬3) والمرفق بفتح الميم و [بكسر الفاء] (¬4) كمسجد (¬5) وبالعكس لغتان، وقوله في هذِه الرواية: مرفقه اليمنى. فأنث على تأويل الجارحة، واللغة الفصحى مرفقه الأيمن كما في روايته في باب رفع اليدين (عَلَى فَخِذِهِ اليُمْنَى، وَقَبَضَ ثِنْتَينِ) أي: الإصبعين الثنتين وهما الخنصر والبنصر كما صرح بذلك في رواية البيهقي عن وائل بن حجر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عقد في جلوسه للتشهد الخنصر والبنصر، وحلّق الوسطى بالإبهام (¬6). (وَحَلَّقَ حَلقَةً) بإسكان اللام (وَرَأَيْتُهُ يَقُولُ هَكَذَا: وَحَلَقَ بِشْرٌ) بن المفضل (الإِبْهَامَ وَالْوُسْطَى) وفي كيفية التحليق وجهان: أنه يحلق بينهما برأسيهما، والثاني: يضع رأس أنملة الوسطى بين أنملتي الإبهام (وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ) وهي المسبحة والمهللة بأن يرفعها عند قوله: لا إله إلا الله. والحكمة في ذلك الإشارة (¬7) إلى أن المعبود واحد سبحانه وتعالى ليجمع ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) في (ص، س): ما بضم. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ص، س، ل): وبكسرها. (¬5) من (ل، م). (¬6) "السنن الكبرى" 2/ 131. (¬7) من (س، ل، م).

في توحيده بين الفعل والقول والاعتقاد ووقت (¬1) الرفع عند الهمزة لأنه حال إثبات الوحدانية لله سبحانه وتعالى، ويستحب أن يميل مسبحته (¬2) قليلًا [عند رفعها] (¬3) لما رواه المصنف (¬4) والنسائي (¬5) وصححه ابن حبان (¬6)، عن مالك بن نمير، عن أبيه: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - رافعًا إصبعه السبابة قد حناها شيئًا. * * * ¬

_ (¬1) في (ص): وقع. (¬2) في (ص): مسبحة. (¬3) سقط من (م). (¬4) سيأتي برقم (993). (¬5) "سنن النسائي" 3/ 39. (¬6) "صحيح ابن حبان" 1946.

183 - باب من ذكر التورك في الرابعة

183 - باب منْ ذَكَر التَّوَرُّكَ فِي الرّابِعَةِ 163 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا أَبُو عاصِمٍ الضَّحّاك بْنُ مَخْلَدٍ، أَخْبَرَنا عَبْدُ الحمِيدِ يَعْنِي: ابن جَعْفَرٍ ح، وحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، حَدَّثَنا عَبْدُ الحمِيدِ -يَعْنِي: ابن جَعْفَرٍ- حَدَّثَنِي مَّحَمَّدُ بْن عَمْرٍو، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السّاعِدِيِّ قال: سَمِعْتُهُ فِي عَشْرَةٍ مِنْ أَصْحابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وقال أَحْمَدُ: قال: أَخْبَرَنِي محَمَّدُ بْن عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ قال: سَمِعْتُ أَبا حُمَيْدٍ السّاعِدِيَّ فِي عَشْرَةٍ مِنْ أَصْحابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهُمْ أَبُو قَتادَةَ قال أَبُو حُمَيْدٍ: أَنا أَعْلَمُكمْ بِصَلاةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قالوا: فاعْرِضْ. فَذَكَرَ الحَدِيثَ. قال: وَيَفْتَحُ أَصابِعَ رِجْلَيْهِ إِذا سَجَدَ ثمَّ يَقُولُ الله أَكْبَرُ وَيَرْفَعُ وَيَثْنِي رِجْلَهُ اليُسْرَى فَيَقْعُدُ عَلَيْها ثمَّ يَصْنَعُ فِي الأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ فَذَكَرَ الحَدِيثَ. قال: حَتَّى إِذِا كانَتِ السَّجْدَة التِي فِيها التَّسْلِيمُ أَخَّرَ رِجْلَهُ اليُسْرَى وَقَعَدَ مُتَوَرِّكًا عَلَى شِقِّهِ الأَيْسَرِ. زادَ أَحْمَدُ: قالوا صَدَقْتَ هَكَذا كانَ يُصَلِّي. وَلَمْ يَذْكُرا فِي حَدِيثِهِما الجُلُوسَ فِي الثِّنْتَيْنِ كَيْفَ جَلَسَ (¬1). 164 - حَدَّثَنا عِيسَى بْن إِبْراهِيمَ الِمصْرِيُّ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدٍ القُرَشِيِّ وَيَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ أَنَّهُ كانَ جالِسًا مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بهذا الحَدِيثِ ولم يَذْكُرْ أَبا قَتادَةَ قال: فَإِذا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ اليُسْرَى، فَإِذا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الأَخَيرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ اليُسْرَى وَجَلَسَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ (¬2). 965 - حَدَّثَنا قُتَيْبَة، حَدَّثَنا ابن لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو العامِرِيِّ قال: كنْتُ فِي مَجْلِسٍ بهذا الحَدِيثِ قال فِيهِ: فَإِذا قَعَدَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَعَدَ عَلَى بَطْنِ قَدَمِهِ اليُسْرَى وَنَصَبَ اليُمْنَى فَإِذا ¬

_ (¬1) سلف برقم (730). وانظر الأحاديث الآتية بعده. وهو صحيح. (¬2) سلف برقم (732). وهو صحيح.

كانَتِ الرّابِعَة أَفْضَى بِوَرِكِهِ اليُسْرَى إِلَى الأرضِ وَأَخْرَجَ قَدَمَيْهِ مِنْ ناحِيَةٍ واحِدَةٍ (¬1). 966 - حَدَّثَنا عَليُّ بْنُ الحسَيْنِ بْنِ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا أَبُو بَدْرٍ، حَدَّثَنِي زهَيْرٌ أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنا الْحَسَنُ بْنُ الحرِّ، حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مالِكٍ، عَنْ عَبّاسِ -أَوْ عَيّاشِ- بْنِ سَهْلٍ السّاعِدِيِّ أَنَّهُ كانَ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ أَبُوهُ فَذُكِرَ فِيهِ قال: فَسَجَدَ فانْتَصَبَ عَلَى كَفَّيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَصُدُورِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ جالِسٌ فَتَوَرَّكَ وَنَصَبَ قَدَمَهُ الأُخْرَى ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ، ثُمَّ كَبَّرَ فَقامَ وَلَمْ يَتَوَرَّكْ ثُمَّ عادَ فَرَكَعَ الرَّكْعَةَ الأخْرَى فَكَبَّرَ كَذَلِكَ ثُمَّ جَلَسَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ حَتَّى إِذا هُوَ أَرادَ أَنْ يَنْهَضَ لِلْقِيامِ قامَ بِتَكْبِيرٍ ثُمَّ رَكَعَ الرَّكْعَتَيْنِ الأُخْرَيَيْنِ فَلَمّا سَلَّمَ سَلَّمَ، عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمالِهِ. قال أَبُو داوُدَ: لَمْ يَذْكُرْ فِي حَدِيثِهِ ما ذَكَرَ عَبْدُ الحمِيدِ فِي التَّوَرُّكِ والرَّفْعِ إِذا قامَ مِنْ ثِنْتَيْنِ (¬2). 967 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، أَخْبَرَنِي فُلَيْحٌ أَخْبَرَنِي عَبّاسُ بْنُ سَهْلٍ قال: اجْتَمَعَ أَبُو حُمَيْدٍ وَأَبُو أُسَيْدٍ وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ وَمُحَمَّد بْن مَسْلَمَةَ. فَذَكَرَ هذا الحَدِيثَ وَلَمْ يَذْكرِ الرَّفْعَ إِذا قامَ مِنْ ثِنْتَيْنِ وَلا الجُلُوسَ، قال: حَتَّى فَرَغَ ثُمَّ جَلَسَ فافْتَرَشَ رِجْلَهُ اليُسْرَى وَأَقْبَلَ بِصَدْرِ اليُمْنَى عَلَى قِبْلَتِهِ (¬3). * * * باب مَنْ ذَكَرَ التَّوَرُّكَ فِي الرَّابِعَةِ (¬4) [963] (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ) أبو عاصم النبيل قال: (أنبأنا عَبْدُ الحَمِيدِ بْنَ جَعْفَرٍ) الأوسي المدني ¬

_ (¬1) سلف برقم (731). وهو صحيح. (¬2) سلف برقم (733). وهو ضعيف. (¬3) سلف برقم (734). وهو صحيح. (¬4) تأخر هذا الباب في النسخة المطبوعة فأتى بعد باب كيف الجلوس في التشهد.

الأنصاري، أخرج له مسلم والأربعة. (وحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى القطان، حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيدِ بْنَ جَعْفَرٍ قال: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو) بن عطاء القرشي العامري. (عَنْ أَبِي حُمَيدٍ) عبد الرحمن بن سعد (السَّاعِدِيِّ قَال: سَمِعْتُهُ فِي عَشْرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَال أَحْمَدُ) بن حنبل في روايته: (قَال) عبد الحميد بن جعفر. (أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو (¬1) بْنِ عَطَاءٍ) بن عباس بن علقمة المدني قال ابن سعد: كانت له هيبة ومروءة، وكانوا يتحدثون في المدينة أن الخلافة تفضي إليه لكمال مروءته (¬2). (قَال: سَمِعْتُ أَبَا حُمَيدٍ السَّاعِدِيَّ فِي عَشرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النبي - صلى الله عليه وسلم - مِنْهُمْ أَبُو قَتَادَةَ) الحارث بن ربعي، وزعم ابن القطان (¬3) تبعًا للطحاوي (¬4) أن هذا الحديث غير (¬5) متصل لأمرين: أحدهما: أنه سيأتي بعده أن عيسى بن عبد الله بن مالك رواه عن محمد بن عمرو (¬6) فأدخل بينه وبين الصحابة عباس بن سهل. ثانيهما: أن في بعض طرقه تسمية أبي قتادة في الصحابة المذكورين، وأبو قتادة قديم الموت يصغر سن محمد بن عمرو، عن إدراكه. ¬

_ (¬1) في (ص): عمر. (¬2) "تهذيب الكمال" 26/ 211. (¬3) انظر: "بيان الوهم والإيهام" 2/ 462 - 465. (¬4) انظر: "شرح معاني الآثار" 1/ 261. (¬5) من (م). (¬6) في (م): عمر.

والجواب عن ذلك: أما الأول فلا يضر الثقة المصرح بسماعه أن يدخل بينه وبين شيخه واسطة، إما لزيادة في الحديث وإما لتثبيت فيه، وقد صرح محمد بن عمرو المذكور بسماعه؛ فتكون رواية عيسى عنه من المزيد في متصل الأسانيد، وأما الثاني فالمعتمد فيه قول بعض (¬1) أهل التاريخ أن أبا قتادة مات في خلافة علي، وصلى عليه علي، وكان قتل علي سنة أربعين، وأن محمد بن عمرو مات بعد سنة عشرين ومائة، وله نيف وثمانون سنة، فعلى هذا لم يدرك أبا قتادة، والجواب أن أبا قتادة اختلف في وقت موته فقيل: مات سنة أربع وخمسين، وعلى هذا فلقاء (¬2) محمد بن عمرو (¬3) له ممكن. (قَال أَبُو حُمَيْدٍ: أَنا أَعْلَمُكُمْ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قَالوا: فَاعْرِضْ) علينا (فَذَكَرَ الحَدِيثَ) المذكور و (قَال) فيه (وَيَفْتَخ) بالخاء المعجمة وتخفيف الفوقانية (أصابع رجليه) [(إذا سجد) وبوب عليه ابن حبان ذكر استحباب تفريج أَصَابِع الرجلين إِذَا سَجَدَ] (¬4) قال أحمد بن حنبل: يستحب للمصلي أن يفتخ أصابع رجليه [إذا سجد] (¬5) لتكون أصابعهما للقبلة (¬6). ¬

_ (¬1) من (س، ل، م). (¬2) في (ص، س): فلعل. (¬3) في (م): عمر. (¬4) سقط من (م). (¬5) من (م). (¬6) "مختصر الإنصاف والشرح الكبير" 1/ 124.

وفي رواية للترمذي: وفتح أصابع رجليه (¬1). وهذا معناه وتقدم: أن يفتخ بالخاء المعجمة ومعناه هنا أنه يثني أصابع رجليه إلى ما يلي وجه القدم، ومنه قيل للغراب فتخاء بالمد؛ لأنها إذا انحطت كسرت جناحيها. (ثُمَّ يَقُولُ) إذا رفع رأسه من السجود (اللهُ أَكْبَرُ، وَيَرْفَعُ) مع التكبير رأسه ويمد التكبير ويثني بفتح أوله (رِجْلَهُ اليُسْرَى) كالفراش لوركه (فَيَقْعُدُ عَلَيهَا ثُمَّ يَصْنَعُ فِي) السجدة (الأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، فَذَكَرَ الحَدِيثَ) و (قَال) فيه (حَتَى إِذَا كَانَتِ السَّجْدَةُ التِي فِيهَا التَّسْلِيمُ أَخَّرَ رِجْلَهُ اليُسْرَى) أي: أخرجها من جهة يمينه، فيه حجة للشافعي (¬2) ورد لما ذهب إليه الحنابلة (¬3) وغيرهم أنه يجلس في التشهدين مفترشًا سواء أكان آخر صلاته أم لم يكن، والحكمة في التورك في الآخر أنه ليس بعده عمل بل يسن (¬4) بعده المكث للتسبيحات والدعاء للحاضرين ولانصراف النساء ونحو ذلك فناسب فيه التورك لأنه هيئة المستقر (¬5). (وَقَعَدَ مُتَوَرِّكًا) وهو افتعال من الورك بأن يضع وركه (عَلَى شِقِّهِ الأَيْسَرِ) يلصقه بالأرض (زَادَ أَحْمَدُ) بن حنبل في روايته (قَالوا) له (صَدَقْتَ هَكَذَا كَانَ يُصَلِّي) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (وَلَمْ يَذْكُرَا) يعني: أحمد ومسددًا (فِي حَدِيثِهِمَا الجُلُوسَ فِي الثِّنْتَينِ) أي: بعد (¬6) الركعتين، ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (304). (¬2) "الأم": 1/ 226. (¬3) "مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج" (218). (¬4) في (م): ليس. (¬5) في (ص): المتوقر. (¬6) في (ص، س): يصلي.

وعلى هذا فيكون في بمعنى من كما تقدم (كَيفَ جَلَسَ) يعني مفترشًا أو متوركًا. [964] (حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ المِصْرِيُّ) (¬1) قال: (حَدَّثَنَا) عبد الله (ابْنُ وَهْبٍ) الفهري مولاهم المصري (عَنِ اللَّيثِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدٍ) بن قيس بن مخرمة، أخرج له البخاري. (الْقُرَشِيِّ، وَيَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ) الأزدي أبو رجاء عالم أهل مصر. (عَنْ محَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ) الديلي، وقيل: الدؤلي. قال البخاري: الديلي من بني حنيفة والدؤلي من كنانة (¬2). (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاء) العامري (أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) وساق الرواية (بهذا الحَدِيثِ وَلَمْ يَذْكُرْ) في هذِه الرواية (أَبَا قَتَادَةَ) الأنصاري و (قَال) فيها (فَإِذَا جَلَسَ فِي) أي من (الرَّكْعَتَينِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ اليُسْرَى) فيه تجوز بإطلاق الرجل، والمراد بها (¬3) الكعب التي يجلس عليها وينصب يمناه ويضع أطراف أصابعه للقبلة، وهذِه الهيئة المسماة بالافتراش؛ لأنه يفرش كعبه ليجلس عليه. (فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الآخرَةِ) يدخل فيه الجلوس في آخر الثنائية والثلاثية والرباعية (قدَّمَ) بتشديد الدال، أي: أخرج (رِجْلَهُ اليُسْرَى) من جهة يمينه (وَجَلَسَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ) بفتح الميم والعين، وفي رواية ابن حبان: فإذا جلس في الركعة التي تكون خاتمة الصلاة أخر رجله ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "رجال صحيح البخاري" (1082). (¬3) من (م).

اليسرى فقعد متوركًا على شقه الأيسر (¬1). زاد ابن إسحاق في روايته (¬2): ثم سلم (¬3). وفي هذا الحديث حجة قوية للشافعي (¬4) ومن قال بقوله في أن هيئة الجلوس في التشهد الأول مغايرة لهيئة الجلوس في الآخر، وخالف في ذلك المالكية (¬5) والحنفية (¬6) فقالوا: يسوي بينهما لكن قال المالكية: يتورك فيهما كما جاء في التشهد الأخير وعكسه الآخرون، وقد قيل في حكمة المغايرة بينهما إنه أقرب إلى عدم اشتباه عدد الركعات. [965] (حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ) بن سعيد، قال (حَدَّثَنَا) عبد الله (ابْنُ لَهِيعَةَ) بفتح اللام الحضرمي، قاضي مصر، قال المصنف: سمعت أحمد بن حنبل يقول: من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه (¬7) (عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مُحَمَدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو) بن عطاء (الْعَامِرِيِّ) تقدم (¬8) الثلاثة قبله. (قَال: كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ) مع نفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر (بهذا) اللفظ (الْحَدِيثِ، قَال فِيهِ: فَإِذَا قَعَدَ فِي الرَّكْعَتَينِ قَعَدَ عَلَى بَطْنِ ¬

_ (¬1) "صحيح ابن حبان" (1876). (¬2) في (ص): رواية. (¬3) "صحيح ابن خزيمة" (587). (¬4) "الأم" 1/ 226. (¬5) "المدونة" 1/ 168. (¬6) "المبسوط" للسرخسي 1/ 113. (¬7) "سؤالات أبي داود للإمام أحمد" (256). (¬8) من (م).

قَدَمِهِ اليُسْرَى) بحيث أن يضجعها حتى يلي ظهرها الأرض (وَنَصَبَ) الرجل (الْيُمْنَى) يعني القدم منها (فَإِذَا كَانَتِ) الجلسة بعد الركعة (الرَّابِعَةُ أَفْضَى بِوَرِكِهِ اليُسْرَى إِلَى الأَرْضِ وَأَخْرَجَ قَدَمَيهِ مِنْ نَاحِيَةٍ وَاحِدَةٍ) أي: من الناحية اليسرى. [966] (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الحُسَينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ) بن إشكاب العامري، وثق (¬1)، قال (حَدَّثَنَا أَبُو بَدْرٍ) شجاع بن الوليد بن قيس الكوفي، قال (حَدَّثَنِي زُهَيْرٌ) بن معاوية بن حديج (¬2) أبو (¬3) خيثمة الجعفي قال: (حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ الحُرِّ) ضد العبد، ابن الحكم النخعي نزيل دمشق، ثقة نبيل (¬4) قال: (حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكٍ) الدار وثق (عَنْ عَبَّاسِ) بالموحدة والمهملة (أَوْ عَيَّاشِ) بالمثناة تحت، والشين المعجمة، والصحيح عباس (¬5) الأول وعليه اقتصر الذهبي (¬6)، وابن طاهر وغيرهما (بْنِ سَهْلٍ السَّاعِدِيِّ) أخرج له الشيخان. (أَنَّهُ كَانَ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ أَبُوهُ) سهل بن سعد الساعدي، قال: (فَذكَر) بفتح الذال والكاف (فِيهِ) هذا الحديث و (قَال) فيه (فَسَجَدَ فَانْتَصَبَ) نسخة (¬7): وانتصب. أي: اعتمد (عَلَى كَفَّيْهِ وَرُكْبَتَيهِ وَصُدُورِ قَدَمَيْهِ) ¬

_ (¬1) من (س، ل، م). (¬2) في (م): جرير. (¬3) في (ص، س، ل): بن. (¬4) "الكاشف" 1/ 219. (¬5) زاد في (م): من. (¬6) "الكاشف" (2596). (¬7) سقط من (م).

أي: وجبهته للحديث المتفق عليه: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: الجبهة واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين" (¬1). (وَهُوَ) يشبه أن تكون هذِه الواو الداخلة على "هو" هي الواو العاطفة جملة على جملة فحذفت الجملة الأولى لدلالة ما [بعدها عليها] (¬2) فيكون التقدير: فكبر وهو جالس لدلالة قوله بعده في السجود: ثم كبر. كما حذف الفعل في قوله: علفتها تبنًا وماء باردًا (¬3) والتقدير: وسقيتها ماء باردًا، فحذف سقيتها لدلالة الكلام عليه. (فَتَوَرَّكَ) وأخرج قدمه اليسرى من جهة يمينه (وَنَصَبَ قَدَمَهُ الأُخْرَى) وألصق وركه بالأرض (ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ ثُمَّ كَبَّرَ فَقَامَ وَلَمْ يَتَوَرَّكْ) حين قام إلى الركعة الثانية حين جلس جلسة (¬4) الاستراحة. (ثُمَّ عَادَ فَرَكَعَ الرَّكْعَةَ الأُخْرَى) يعني: الثانية (فَكَبَّرَ كذَلِكَ) أي: كما في الركعة الأولى. (ثُمَّ جَلَسَ بَعْدَ الرَّكْعَتَينِ) للتشهد الأول (حَتَّى إِذَا هُوَ) لعل زيادة "هو" تفيد اختصاص (¬5) إرادة النهوض بالإمام دون المأمومين كما يفيده ضمير الفصل ولم أرهم ذكروا (¬6) المعنى إلا لضمير الفصل وهو لا يصلح هنا ¬

_ (¬1) سبق برقم (889). (¬2) في (م): بعده عليه. (¬3) شطر بيت لبعض بني أسد يصف فرسه. انظر: "معاني القرآن" للفراء 1/ 14، 3/ 124. (¬4) في (م): خلفه. (¬5) في (ص، س): الاختصاص على. (¬6) من (س، ل، م).

لأنهم شرطوا فيه أن يكون مبتدأ في الحال أو في (¬1) الأصل فإن جاز أن يكون هنا مبتدأ و (أَرَادَ) و (¬2) ما بعده الخبر فلا كلام، ويبعد كونه مبتدأ [تخصيصهم في إذا] (¬3) الظرفية بالدخول على الجملة الفعلية. (أَنْ يَنْهَضَ لِلْقِيَامِ قَامَ بِتَكْبِيرٍ) والصحيح أنه يمد هذا التكبير من الرفع من السجود إلى أن يستوي قائمًا. (ثُمَّ رَكَعَ (¬4) الرَّكْعَتَينِ الأُخْرَيَينِ) بضم الهمزة وسكون الخاء وفتح المثناة الأولى و (¬5) تثنية أخرى، وإنما ضبطته (¬6) لئلا يصحف تثنية آخرة بمد الهمزة المفتوحة (فَلَمَّا سَلَّمَ سَلَّمَ) الأولى (عَنْ يَمِينِهِ و) الثانية (عَنْ شِمَالِهِ). (ولَمْ يَذْكُرْ فِي حَدِيثِهِ) هذا (مَا ذَكَرَه عَبْدُ الحَمِيدِ) بن جعفر (من التَّوَرُّكِ وَ (¬7) الرَّفْعِ إِذَا قَامَ مِن اثنْتَينِ) في روايته. [967] (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ) قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ عَمْرٍو) العبسي أبو عامر العقدي قال: (أَخْبَرَنِي فُلَيْحٌ) بن سليمان العدوي، قال: (أَخْبَرَنِي عَبَّاسُ) بالموحدة والمهملة (بْنُ سَهْلٍ) بن سعد الساعدي (قَال: اجْتَمَعَ أَبُو حُمَيدٍ) الساعدي (وَأَبُو أُسَيْدٍ) بضم الهمزة تصغير ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) من (س، ل، م). (¬3) في (ص، س): بخصوصهم. (¬4) في (ص، س، ل): ذكر. (¬5) زيادة يقتضيها السياق. (¬6) في (ص، س): ضبطه. (¬7) في (ل، م): في.

أسد، واسمه مالك بن ربيعة الساعدي. (و) أبوه (سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ) بن خالد الأنصاري الأشهلي، شهد المشاهد كلها [إلا تبوك] (¬1)، وسمى منهم أحمد بن حنبل أبا هريرة (فَذَكَرَ) هذا (¬2) (الْحَدِيثَ، وَلَمْ يَذْكُرِ الرَّفْعَ إِذَا قَامَ مِنْ ثِنْتَينِ وَلَا الجُلُوسَ) بل (قَال) عباس (حَتَّى فَرَغَ، ثُمَّ جَلَسَ فَافْتَرَشَ رِجْلَهُ اليُسْرَى) يعني: يضجعها كالفراش له بحيث يلي ظهرها الأرض (وَأَقْبَلَ بِصَدْرِ) قدمه (الْيُمْنَى عَلَى قِبْلَتِهِ) وهو بمعنى رواية البخاري: واستقبل بأطراف رجليه القبلة (¬3). * * * ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) من (س، ل، م). (¬3) "صحيح البخاري" (828).

184 - باب التشهد

184 - باب التَّشَهُّدِ 968 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، أَخْبَرَنا يَحْيَى، عَنْ سُلَيْمانَ الأَعْمَشِ، حَدَّثَنِي شَقِيقُ بْن سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قال: كُنّا إِذا جَلَسْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الصَّلاةِ قلْنا: السَّلامُ عَلَى اللهِ قَبْلَ عِبادِهِ، السَّلامُ عَلَى فلانٍ وَفلانٍ فَقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَقُولُوا السَّلامُ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللَّه هُوَ السَّلامُ، ولكن إِذا جَلَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ التَّحِيّاتُ لله والصَّلَواتُ والطَّيِّباتُ، السَّلامُ عَلَيكَ أَيُّها النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، السَّلامُ عَلَينا وَعَلَى عِبادِ اللهِ الصّالِحِينَ فَإِنَّكُمْ إِذا قُلْتُمْ ذَلِكَ أَصابَ كُلَّ عَبْدٍ صالِح فِي السَّماءِ والأرضِ -أَوْ بَيْنَ السَّماءِ والأَرْضِ- أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ثُمَّ لْيَتَخَيرْ أَحَدُكمْ مِنَ الدُّعاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيهِ فَيَدْعُو بِهِ" (¬1). 161 - حَدَّثَنا تَمِيمُ بْنِ المُنْتَصِرِ، أَخْبَرَنا إِسْحاقُ -يَعْنِي: ابن يُوسُفَ- عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي إِسْحاقَ، عَنْ أَبِي الأحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللهِ قال: كُنّا لا نَدْرِي ما نَقُول إِذا جَلَسْنا فِي الصَّلاةِ وَكانَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ عَلِمَ .. فَذَكَرَ نَحْوَهُ (¬2). 969 م- قال شَرِيكٌ: وَحَدَّثَنا جامِعٌ -يَعْنِي: ابن شَدّادٍ-، عَنْ أَبِي وائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بمِثْلِهِ قال: وَكانَ يُعَلِّمُنا كَلِماتٍ وَلَمْ يَكنْ يُعَلِّمُناهُنَّ كَما يُعَلِّمُنا التَّشَهُّدَ: "اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنا وَأَصْلِحْ ذاتَ بَيْنِنا واهْدِنا سُبُلَ السَّلامِ وَنَجِّنا مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَجَنِّبْنا الفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ، وَبارِكْ لَنا فِي أَسْماعِنا وَأَبْصارِنا وَقُلُوبِنا وَأَزْواجِنا وَذُرِّيّاتِنا وَتُبْ عَلَينا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوّابُ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (831، 835، 1202، 6230، 6265، 6328، 7381)، ومسلم (402). وانظر ما بعده. (¬2) انظر السابق.

الرَّحِيمُ واجْعَلْنا شاكِرِينَ لِنِعْمَتِكَ مُثْنِينَ بِها قابِلِيها وَأَتِمَّها عَلَيْنا" (¬1). 970 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن محَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنا زهَيْرٌ، حَدَّثَنا الْحَسَنُ بْنُ الحُرِّ، عَنِ القاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ قال: أَخَذَ عَلْقَمَةُ بِيَدِي فَحَدَّثَنِي أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ أَخَذَ بِيَدِهِ وَأَنَّ رِسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَخَذَ بِيَدِ عَبْدِ اللهِ فَعَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ فِي الصَّلاةِ فَذَكَرَ مِثْلَ دُعاءِ حَدِيثِ الأعْمَشِ: "إِذا قُلْتَ هذا أَوْ قَضَيْتَ هذا فَقَدْ قَضَيتَ صَلَاتَكَ إِنْ شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقْعُدَ فاقْعُدْ" (¬2). 171 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْن عَلِيٍّ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ سَمِعْتُ مُجاهِدًا يُحَدِّثُ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي التَّشَهُّدِ: "التَّحِيّاتُ لله الصَّلَواتُ الطيِّباتُ، السَّلامُ عَلَيكَ أَيها النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ". قال: قال ابن عُمَرَ زِدْت فِيها وَبَرَكاتُهُ. "السَّلامُ عَلَينا وَعَلَى عِبادِ اللهِ الصّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللهُ". قال ابن عُمَرَ: زِدْت فِيها وَحْدَة لا شَرِيكَ لَهُ: "وَأَشْهَدُ أَن مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ" (¬3). 972 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْن عَوْنٍ، أَخْبَرَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ قَتادَةَ ح، وحَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 394، والبزار 5/ 153 (1745)، وابن حبان (996)، والطبراني 10/ 191 (10426)، والحاكم 1/ 265. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه. وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (172). (¬2) رواه أحمد 1/ 422، والدارمي في "سننه" (1341)، وابن حبان (1961)، والبيهقي 2/ 174. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (891)، قال: إسناده صحيح، لكن قوله: إذا قلت هذا .. شاذ، أدرجه بعضهم في الحديث! والصواب أنه من قول ابن مسعود موقوفًا عليه، كما قال ابن حبان والدارقطني والبيهقي. (¬3) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 263 - 264، والدارقطني 1/ 351، والبيهقي 2/ 139. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (892).

حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا هِشامٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ حِطّانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الرَّقاشِيِّ، قال: صَلَّى بِنا أَبُو مُوسَى الأشعَرِيُّ فَلَمّا جَلَسَ فِي آخِرِ صَلاتِهِ قال: رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ أُقِرَّتِ الصَّلاةُ بِالبِرِّ والزَّكاةِ. فَلَمّا انْفَتَلَ أَبُو مُوسَى أَقْبَلَ عَلَى القَوْمِ فَقال: أَيُّكُمُ القائِلُ كَلِمَةَ كَذا وَكَذا فَأَرَمَّ القَوْمُ فَقال: أَيُّكُمُ القائِل كلِمَةَ كَذا وَكَذا فَأَرَمَّ القَوْمُ قال: فَلَعَلَّكَ يا حِطّانُ أَنْتَ قُلْتَها. قال: ما قُلْتُها وَلَقَدْ رَهِبْت أَنْ تَبْكَعَنِي بِها. قال: فَقال رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: أَنا قُلْتُها وَما أَرَدْتُ بِها إِلا الخَيْرَ. فَقال أَبُو مُوسَى أَما تَعْلَمُونَ كَيْفَ تَقُولُونَ فِي صَلاتِكمْ إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَطَبَنا فَعَلَّمَنا وَبَيَّنَ لَنا سُنَّتَنا وَعَلَّمَنا صَلاتَنا فَقال: "إِذا صَلَّيْتُمْ فَأَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ ثُمَّ لْيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ فَإِذا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وإذا قَرَأَ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فَقُولُوا آمِينَ يُجِبْكُمُ اللهُ وَإذا كَبَّرَ وَرَكَعَ فَكَبِّرُوا وارْكَعُوَا فَإِنَّ الإِمامَ يَرْكَعُ قَبْلَكُمْ وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ". قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَتِلْكَ بِتِلْكَ وَإذا قال سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا اللَّهُمَّ رَبَّنا لَكَ الحَمْدُ يَسْمَعِ اللهُ لَكُمْ فَإِنَّ اللَّه تَعالى قال عَلَى لِسانِ نَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم -: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَإِذا كَبرَ وَسَجَدَ فَكَبِّرُوا واسْجُدُوا، فَإِنَّ الإِمامَ يَسْجُدُ قَبْلَكُمْ وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ". قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَتِلْكَ بتِلْكَ فَإِذا كانَ عِنْدَ القَعْدَةِ فَلْيَكُنْ مِنْ أَوَّلِ قَوْلِ أَحَدِكُمْ أَنْ يَقُولَ التَّحِيّاتُ الطَّيِّباتُ الصَّلَواتُ لله السَّلامُ عَلَيْكَ أَيها النَّبِي وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ السَّلامُ عَلَينا وَعَلَى عِبادِ اللهِ الصّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ". لَمْ يَقُلْ أَحْمَدُ: "وَبَرَكاتُهُ". وَلا قال: "وَأَشْهَدُ". قال: "وَأَنَّ مُحَمَّدًا" (¬1). 973 - حَدَّثَنا عاصِمُ بْنُ النَّضْرِ، حَدَّثَنا المعْتَمِرُ، قال: سَمِعْتُ أَبِي، حَدَّثَنا قَتادَةُ، عَنْ أَبِي غَلَّابٍ يُحَدِّثُهُ، عَنْ حِطّانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الرَّقاشِيِّ بهذا الحَدِيثِ زادَ: "فَإِذا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا". وقال فِي التَّشَهُّدِ بَعْدَ أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلا اللهُ زادَ: "وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ". قال أَبُو داوُدَ: وَقَوْلُهُ: "فَأَنْصِتُوا". لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ لَمْ يَجِئْ بِهِ إِلَّا سُلَيْمانُ التَّيْمِيُّ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (404). وانظر ما بعده.

فِي هذا الحَدِيثِ (¬1). 974 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللَّيْث، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَطاوُسٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّهُ قال: كانَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعَلِّمُنا التَّشَهُّدَ كَما يُعَلِّمُنا القُرْآنَ وَكانَ يَقُولُ: "التَّحِيّاتُ المُبارَكاتُ الصَّلَواتُ الطَّيِّباتُ لله السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّها النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ السَّلامُ عَلَيْنا وَعَلَى عِبادِ اللهِ الصّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا الله وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ" (¬2). 975 - حَدَّثَنا محَمَّد بْنُ داوُدَ بْنِ سُفْيانَ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ حَسّانَ، حَدَّثَنا سُلَيْمان بْن مُوسَى أَبُو داوُدَ، حَدَّثَنا جَعْفَرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، حَدَّثَنِي خُبَيبُ بْنُ سُلَيْمانَ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ أَبِيهِ سُلَيْمانَ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَمّا بَعْدُ أَمَرَنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إذا كانَ فِي وَسَطِ الصَّلاةِ أَوْ حِينَ انْقِضائِها فابْدَءوا قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَقُولُوا: "التَّحِياتُ الطَّيِّباتُ والصَّلَواتُ والمُلْكُ لله ثُمَّ سَلِّمُوا عَلَى اليَمِينِ ثُمَّ سَلِّمُوا عَلَى قارِئِكُمْ وَعَلَى أَنْفُسِكُمْ". قال أَبُو داوُدَ: سُلَيْمانُ بْنُ مُوسَى كُوفِيُّ الأصْلِ كانَ بِدِمَشْقَ. قال أَبُو داوُدَ: دَلَّتْ هذِه الصَّحِيفَةُ عَلَى أَنَّ الحَسَنَ سَمِعَ مِنْ سَمُرَةَ (¬3). * * * باب في التَّشَهُّدِ [968] (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) قال: (حدثنا يَحْيَى) (¬4) بن سعيد القطان (عَنْ ¬

_ (¬1) انظر السابق. (¬2) رواه مسلم (403). (¬3) رواه الطبراني 7/ 250 (7018، 7019)، ورواه البيهقي 2/ 181 من طريق أبي داود. وستأتي قطعة السلام على الإمام برقم (1001). وقال الحافظ في "التلخيص الحبير" 1/ 271: إسناده ضعيف لما فيه من المجاهيل. وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (173). (¬4) من (س، ل، م).

سُلَيْمَانَ) بن مهران (الأعْمَشِ) قال (حَدَّثَنِي شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ) أبو وائل الأسدي (¬1) شقيق أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يسمع منه ولم يره، بل سمع من جماعة من الصحابة (¬2) قال: إني لأذكر وأنا ابن عشر حجج (¬3) في الجاهلية أرعى غنمًا -وفي رواية: إبلًا- (¬4) لأهلي بالبادية حتى (¬5) بُعث النبي - صلى الله عليه وسلم -. (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَال: كُنَّا إِذَا جَلَسْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الصَّلَاةِ) يعني: للتشهد (قُلْنَا: السَّلَامُ) السلام (¬6) هنا التحية (عَلَى اللهِ) تعالى (قَبْلَ) السلام على (عِبَادِهِ) المؤمنين (السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ) كذا للبخاري في الاستئذان (¬7)، وفي رواية عبد الله بن نمير، عن الأعمش، عند ابن ماجه: السلام على فلان وفلان يعنون: الملائكة (¬8). وللإسماعيلي من رواية علي بن مسهر: فنعد (¬9) الملائكة. ومثله للسراج من رواية محمد بن فضيل، عن الأعمش بلفظ: فنعد من الملائكة ما شاء الله. (فَقَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: لَا تَقُولُوا السَّلَامُ عَلَى اللهِ) تعالى (فَإِنَّ اللهَ) تعالى ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) زاد في (م): المرادي الأسدي. (¬3) من (س، ل، م). (¬4) سقط من (م). (¬5) في (ص، س، ل): حين. (¬6) سقط من (س، ل، م). (¬7) "صحيح البخاري" (6230). (¬8) "سنن ابن ماجه" (899). (¬9) في (ص): فنقصد. وفي (س): فيقف.

(هُوَ السَّلَامُ) قال الكرماني: حاصله أنه - صلى الله عليه وسلم - أنكر التسليم على الله تعالى، فإن كل سلام ورحمة هو منه وله وهو [مالكهما ومعطيهما] (¬1) (¬2). قال الخطابي: المراد أن الله تعالى هو ذو السلام (¬3) فلا تقولوا: السلام على الله. فإن السلام منه بدأ وإليه يعود، ومرجع الأمر في إضافته إليه أنه ذو السلام من كل اَفة وعيب، ويحتمل أن يكون مرجعها إلى حظ العبد فيما يطلبه من السلامة من الآفات والمهالك (¬4) (ولكن إِذَا جَلَسَ) أَحَدُكُمْ للتشهد (فَلْيَقُلِ التَّحِيَّاتُ) جمع تحية (لله) وهي الملك الحقيقي التام، وقيل: العظمة الكاملة، وقيل: السلامة من جميع النقائص. وقيل: التحية السلام؛ لقوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ} (¬5) أي: سُلِّم عليكم. ويجوز أن يكون [لفظ التحية] (¬6) مشتركًا بين هذِه المعاني اشتراكًا معنويًّا كما أشار إليه المحب الطبري قال: وكونها بمعنى السلام أنسب (¬7). وقال غيره: إنما (¬8) جمعت لأن كل ملك من ملوك الجاهلية وملوك الفرس وملوك الإسلام وغيرهم من ملوك الأرض له تحية يحيا بها، فأمرنا أن نقول: إن الكل مستحق لله ¬

_ (¬1) في (س، ل): مالكها ومعطيها. (¬2) "شرح البخاري" للكرماني 5/ 181 - 182. (¬3) في (م): السلامة. (¬4) "أعلام الحديث" 1/ 548، 549. (¬5) النساء: 86. (¬6) من (ل). (¬7) "فتح الباري" 2/ 365. (¬8) في (ص، س): إنها.

تعالى (¬1). ونقل القاضي عن شيخه أبي إسحاق بن جعفر: جمعت لأنها تجمع معاني التحية من الملك والبقاء والسلام (¬2). (وَالصَّلَوَاتُ) تروى مع ما بعدها بواو العطف وبإسقاطها من حديث ابن عباس (¬3)، وبالواو أوضح وأصح؛ لأن العطف يقتضي المغايرة، وأما الحذف فليس لكونه صفة للأول ولا بدلًا منه لما سيأتي [من المغايرة في المعنى بل حذف اختصار، وهو جائز معروف في اللغة كقولهم: أكلت خبزًا تمرًا سمنًا حكاه أبو زيد (¬4)، ومثله] (¬5) حكاية الأخفش: أعطوه درهمًا (¬6) درهمين ثلاثة (¬7). ومنه قراءة الكسائي: (أن الدين عند الله الإسلام) بالفتح (¬8)، أي: وأن الدين، ومنها: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ} (¬9) أي: ووجوه، وغير ذلك. واختلف في المراد بالصلوات هنا، فقال ابن المنذر وآخرون: المكتوبات الخمس، أي: واجبة لله، و (¬10) مخلصة لله (¬11). وقيل: ¬

_ (¬1) "مشارق الأنوار" 1/ 218. (¬2) انظر: "إكمال المعلم" 2/ 293. (¬3) سيأتي قريبا برقم (974). (¬4) انظر: "مغني اللبيب" ص 831. (¬5) في (ص، س): في. وسقط من (ل). (¬6) سقط من (م). (¬7) "معاني القرآن" للأخفش 2/ 552. (¬8) انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص 202 - 203، "الحجة للقراء السبعة" 3/ 22. (¬9) الغاشية: 8. (¬10) في (ل، م): أو. (¬11) "الأوسط" لابن المنذر 3/ 208.

النوافل أي: مخلصة لله، وقيل: الدعاء والتضرع، وقيل: الرحمة التي يرحم بها عباده، لله أي منه لا من غيره، وتأويل معنى الرحمة منه (¬1) مشهور، وقيل: مطلق العبادات. (وَالطَّيِّبَاتُ) فالأكثر هي الكلمات الطيبات، وهي ذكر الله تعالى، وقيل: الأعمال الصالحات، فيكون أعم من القول والفعل وطيبها كونها بصفة الكمال والخلوص من شوائب النقص (السَّلَامُ) اسم مصدر (¬2) من سلم يسلم تسليمًا بمعنى التحية على الأظهر، وقيل: من أسماء الله تعالى (عَلَيْكَ) قال النووي: يجوز فيه وفيما بعده من السلام حذف اللام وإثباتها، والإثبات أفضل (¬3) وهو الموجود في روايات الصَّحيحين. قال ابن حجر: ولم يقع في شيء من طرق حديث ابن مسعود بحذف اللام وإنما اختلف في ذلك في (¬4) حديث ابن عباس وهو من أفراد مسلم. قال الطيبي (¬5): أصل: سلام عليك: سلمت سلامًا عليك، ثم حذف الفعل وأقيم المصدر مقامه (¬6)، وعدل عن النصب إلى الرفع على الابتداء، للدلالة على ثبوت المعنى والاستقرار، ثم التعريف إما للعهد التقريري، أي: ذاك السلام الذي وجه إلى الرسل والأنبياء عليك أيها النبي وكذلك السلام الذي وجه إلى الأمم السالفة علينا وعلى إخواننا وإما للجنس، والمعنى: إن حقيقة السلام الذي يعرفه كل أحد، ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) في (س، ل): المصدر. (¬3) "المجموع" 3/ 440. (¬4) في (م): ففي. (¬5) في (م): الصبي. (¬6) سقط من (م).

ويجوز أن يكون للعهد الخارجي إشارة (¬1) إلى قوله تعالى: {وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} (¬2) قال: ولا شك أن هذِه التقادير أولى من تقدير النكرة (¬3). قال البيضاوي: علمهم أن يفردوه - صلى الله عليه وسلم - (¬4) بالذكر لشرفه ومزيد حقه عليهم (¬5). [فإن قيل] (¬6): ما الحكمة في العدول عن الغيبة إلى الخطاب في قوله السلام عليك. مع أن لفظ الغيبة هو الذي يقتضيه السياق كأن يقول: السلام على النبي فينتقل من تحية الله إلى تحية النبي ثم إلى تحية النبيين ثم إلى الصالحين؟ . أجاب الطيبي بما محصله: نحن نتبع لفظ الرسول بعينه الذي علمه للصحابة، ويحتمل أن يقال على طريق أهل العرفان: إن المصلين لما استفتحوا باب (¬7) الملكوت بالتحيات أذن لهم بالدخول في حريم الحي الذي لا يموت فقرَّت أعينهم بالمناجاة، فنبهوا على أن ذلك بواسطة نبي الرحمة وبركة متابعته فالتفتوا فإذا الحبيب في حرم الحبيب حاضر، فأقبلوا عليه قائلين: السلام عليك، وقد ورد في بعض طرق حديث ابن مسعود ما يقتضي المغايرة بين زمنه (¬8) - صلى الله عليه وسلم - فيقال بلفظ ¬

_ (¬1) في (م): أشار به. (¬2) النمل: 59. (¬3) انظر: "فتح الباري" 2/ 365. (¬4) من (م). (¬5) "فتح الباري" 2/ 365 - 366. (¬6) في (ص): قلت. وفي (ل): فإن قلت. (¬7) في (ص): بأن. (¬8) في (م): أمته.

الخطاب، وأما بعده فيقال بلفظ الغيبة ففي الاستئذان من "صحيح البخاري" بعد أن ساق حديث التشهد قال: وهو (¬1) بين ظهرانينا فلما قبض قلنا السلام على النبي. كذا وقع في البخاري (¬2). وأخرجه أبو عوانة في "صحيحه" والسراج والجوزقي (¬3) وأبو نعيم الأصبهاني والبيهقي من طرق متعددة إلى أبي نعيم شيخ البخاري بلفظ: فلما قبض قلنا: السلام على النبي (¬4). بحذف لفظة يعني، وكذلك رواه أبو بكر بن أبي شيبة (¬5)، عن أبي نعيم. قال السبكي بعد أن ذكر هذِه الرواية من عند أبي عوانة وحده: إن صح هذا عن الصحابة دل على أن الخطاب في السلام بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - غير واجب، فيقال: السلام على النبي (¬6). قال ابن حجر: وقد صحَّ بلا ريب، وقد وجدت له متابعًا قويًّا. قال (¬7) عبد الرزاق: [أنا ابن جريج] (¬8) أخبرني عطاء: أن الصحابة كانوا يقولون والنبي حي: السلام عليك أيها النبي، فلما مات قالوا: ¬

_ (¬1) في (ص): هي. (¬2) "صحيح البخاري" (6265). (¬3) في (ص، س): الخدرجي. (¬4) "مسند أبو عوانة" (2026)، "حديث السراج" (724)، "المسند المستخرج على صحيح مسلم" (894)، "السنن الكبرى" 2/ 138. (¬5) "المصنف" 3/ 31 (3003). (¬6) انظر: "فتح الباري" 2/ 366. (¬7) زاد في (ص، س): ابن. (¬8) في (ص، س): أن ابن.

السلام على النبي (¬1)، وهذا إسناد صحيح (¬2). (أَيُّهَا) حذف منه حرف النداء، وهو كثير نحو: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ} (¬3) {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} (¬4) (النَّبِي) إن قيل: لم عدل عن الوصف بالرسالة إلى الوصف بالنبوة مع أن الوصف بالرسالة أعم في حق البشر (¬5)؟ . أجاب بعضهم بأن الحكمة في ذلك أن يجمع بين الوصفين لكونه وصفه بالرسالة في آخر التشهد وإن كان الرسول البشري يستلزم النبوة لكن التصريح بهما (¬6) أبلغ. قيل: والحكمة في تقديم (¬7) الوصف بالنبوة أنها كذلك وجدت في الخارج لنزول قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} (¬8) قبل قوله: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ} (¬9). (وَرَحْمَةُ اللهِ) أصل الرحمة من المخلوق رقة القلب، ومعناه من الله العفو والرأفة والإحسان (وَبَرَكَاتُهُ) جمع بركة وهي النمو والزيادة من الخير، ويقال: البركة جماع كل خير (السَّلَامُ عَلَيْنَا) استدل به على استحباب الابتداء في الدعاء بالنفس للآدمي، وفي الترمذي مصححًا من حديث أبي بن كعب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ذكر أحدًا فدعا له بدأ بنفسه (¬10). ¬

_ (¬1) "المصنف" 2/ 204 (3075). (¬2) انظر: "فتح الباري" 2/ 366. (¬3) الرحمن: 31. (¬4) يوسف: 29. (¬5) في (م): البشرى. (¬6) في (م): بها. (¬7) في (ص، س، ل): تقدم. (¬8) العلق: 1. (¬9) المدثر: 1. (¬10) "سنن الترمذي" (3385).

وأصله في مسلم (¬1)، ومنه دعاء نوح وإبراهيم كما في التنزيل (¬2). (وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ) الأشهر في تفسير الصالح أنه القائم بما يجب عليه من حقوق الله وحقوق عباده، وتتفاوت درجاته. قال الترمذي الحكيم: من أراد أن يحظى بهذا السلام الذي يسلمه الخلق في صلاتهم فليكن عبدًا صالحًا وإلا حرم هذا الأجر العظيم (¬3). وإضافة العباد إلى الله تعالى إضافة تشريف كقوله {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} (¬4) قال الفاكهاني: ينبغي للمصلي أن يستحضر في هذا المحل جميع الأنبياء والملائكة والمؤمنين يعني ليتوافق لفظه مع قصده (¬5). (فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمْ ذَلِكَ أَصَابَ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) هذِه جملة معترضة بين قوله: الصالحين وبين قوله: أشهد. ولا محل لها من الإعراب، وإنما قدمت للاهتمام بها لكونه أنكر عليهم عد (¬6) الملائكة واحدًا واحدًا، فلا يمكن استيفاؤهم فعلمهم لفظًا يشمل الجميع مع غير الملائكة من النبيين والمرسلين والصديقين وغيرهم بغير مشقة، ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2380) (172) وهو جزء من حديث موسى والخضر. (¬2) حكى التنزيل العزيز عن نوح عليه السلام قوله: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا} (نوح: 28). كما حكى عن إبراهيم عليه السلام قوله: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41)} (إبراهيم: 41). (¬3) "فتح الباري" 2/ 367. (¬4) الإسراء: 1. (¬5) "فتح الباري" 2/ 367. (¬6) في (م): عدد.

وهذا من جوامع الكلم الذي أوتيها - صلى الله عليه وسلم -، وإلى ذلك أشار ابن مسعود بقوله: وأن محمدًا علم فواتح الكلم وخواتمه (¬1). وقد ورد في بعض طرقه سياق التشهد متواليًا وتأخير الكلام المذكور بعد (¬2)، ولعله من تصرف الرواة، وقد استدل بقوله: عباد الله. على أن الجمع المضاف من صيغ العموم [وبقوله الصالحين] (¬3) على أن المحلى بـ (ال) للعموم لقوله: "أصابت كل عبدٍ صالح"، واستدل به على أن للعموم صيغة، قال ابن دقيق العيد: وهو مقطوع به عندنا في لسان العرب وتصرفات ألفاظ الكتاب والسنة (¬4)، وقد استشكل هذا بعض المتأخرين؛ لأن الصالحين إنما وقع صفة تابعًا لما قبله فعمومه بطريق التبع. (أَوْ بَينَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) هذا شك من مسدد الراوي، وإلا فقد رواه غيره عن يحيى بلفظ: "من أهل السماء والأرض". أخرجه الإسماعيلي وغيره. (أَشْهَدُ أَنْ لَا إله إِلَّا اللهُ) زاد ابن أبي شيبة من رواية أبي عبيدة، عن أبيه: وحده لا شريك له وسنده ضعيف (¬5). لكن ثبتت هذِه الزيادة في ¬

_ (¬1) أخرجه ابن ماجه (1892)، وأحمد 1/ 408، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1483). (¬2) رواه البخاري (1202). (¬3) من (ل، م). (¬4) "إحكام الأحكام" ص 318. (¬5) كذا قال الحافظ في "الفتح" 2/ 315. ولم أقف على هذه الزيادة في "المصنف" 3/ 34 (3004).

حديث أبي موسى عند مسلم (¬1) (وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) وروى عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن عطاء: بينا النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم التشهد قال رجل: أشهد أن محمدًا رسوله وعبده. فقال عليه السلام: "لقد كنت عبدًا قبل أن أكون رسولًا، قل: عبده ورسوله" (¬2). ورجاله ثقات إلا أنه مرسل، وفي حديث ابن عباس عند مسلم وأصحاب السنن: "وأشهد أن محمدًا رسول الله" (¬3). ومنهم من حذف أشهد، ورواه ابن ماجه بلفظ ابن مسعود (ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ أَحَدُكُمْ (¬4) مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ) أي: لا يجب دعاء مخصوص، قال ابن رشيد: ليس (¬5) التخيير في آحاد الشيء يدل على عدم وجوبه، فقد يكون أصل الشيء واجبًا ويقع التخيير في وصفه (¬6). قال ابن المنير: التخيير وإن كان بصيغة (¬7) الأمر لكنها كثيرًا ما ترد للندب، وادعى بعضهم الإجماع على عدم الوجوب (¬8). (فيدعو به) وللبخاري في الدعوات: "ثم ليتخير من الثناء ما شاء" (¬9). ¬

_ (¬1) كذا قال الحافظ في "الفتح" 2/ 315. ولم أقف على هذه الزيادة في "صحيح مسلم"، وإنما وجدتها في "سنن النسائي" 2/ 242. (¬2) "مصنف عبد الرزاق" 2/ 204 (3076). (¬3) أخرجه مسلم (403/ 60)، وأبو داود في "سننه" (974)، والترمذي (290)، والنسائي 2/ 242، وابن ماجه (900). (¬4) سقط من (م). (¬5) من (م)، "فتح الباري". (¬6) انظر: "فتح الباري" 2/ 373. (¬7) في (ص، س): يضعفه. (¬8) "فتح الباري" 2/ 373 - 374. (¬9) "صحيح البخاري" (6328).

ولمسلم بلفظ: "من المسألة" (¬1). واستدل به على جواز الدعاء في الصلاة بما اختار المصلي من أمر الدنيا والآخرة. قال ابن بطال: خالف في ذلك النخعي وطاوس وأبو حنيفة فقالوا: لا يدعو في الصلاة إلا بما يوجد [في القرآن] (¬2) (¬3) كذا أطلق هو ومن تبعه عن أبي حنيفة، والمعروف في كتب الحنفية (¬4) أنه لا يدعو في الصلاة إلا بما جاء في القرآن أو ثبت في الحديث، لكن ظاهر حديث الباب يرد [عليه، وكذا يرد] (¬5) على قول ابن سيرين: لا تدعو في الصلاة إلا بأمر الآخرة (¬6). [969] (حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ المُنْتَصِرِ) الواسطي، ثقة (¬7) قال: (حدثنا إِسْحَاقُ بْنَ يُوسُفَ) الأزرق (عَنْ شَرِيكٍ) بن عبد الله النخعي القاضي، أدرك زمان عمر بن عبد العزيز، أخرج له مسلم في مواضع (¬8). (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) عمرو بن عبد الله السبيعي (عَنْ أَبِي الأحوَصِ) عوف بن مالك الجشمي الكوفي (¬9) (عَنْ عَبْدِ اللهِ) بن مسعود. (قَال: كُنَّا لَا نَدْرِي مَا نَقُولُ إِذَا جَلَسْنَا فِي الصَّلَاةِ) للتشهد (وَكَانَ ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (402) (55). (¬2) من (ل، م). (¬3) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 2/ 449. (¬4) "المبسوط" للسرخسي 1/ 356. (¬5) من (ل، م). (¬6) رواه ابن أبي شيبة 3/ 51 (3056) بنحوه. (¬7) "تقريب التهذيب" (813). (¬8) "صحيح مسلم" (162/ 262، 469/ 190، 948/ 59، 2231، 2403/ 29). (¬9) سقط من (م).

رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ علمَ) بضم العين وتشديد اللام المكسورة (¬1) مبني للمفعول، أي علمه الله تعالى من أحكام الدين ما لم يكن يعلم، وللترمذي، عن أبي الأحوص، عن عبد الله: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسلم (¬2) عن يمينه وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، حتى يرى بياض خده من هاهنا، وبياض خده من هاهنا (¬3). وفي رواية له (¬4): حتى يرى (خده الأيسر) (¬5) (¬6) (فَذَكَرَ نَحْوَهُ) نحو هذِه الرواية (قَال) القاضي (شَرِيكٌ) بن عبد الله: (حَدَّثَنَا جَامِعٌ بنَ شَدَّادٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ) شقيق بن سلمة (عَنْ عَبْدِ اللهِ) بن مسعود (بِمِثْلِهِ) بمثل ما تقدم (قَال (¬7): وَكَانَ يُعَلِّمُنَا كَلِمَاتٍ وَلَمْ يَكُنْ يُعَلِّمُنَاهُنَّ) الكلمات (كَمَا يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ) كما يعلمنا السورة من القرآن (اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَينَ قُلُوبِنَا) بالمحبة والمودة؛ فإن قلوبنا بيدك تقلبها (¬8) كيف تشاء (وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا) أي: أصلح ما بيننا (¬9) من الأحوال حتى تكون أحوال ألفة ومحبة واتفاق بيننا حتى نتساوى فيما رزقنا الله تعالى ويساعد بعضنا بعضًا. ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (ص، س): سلم. (¬3) "سنن الترمذي" (295). (¬4) سقط من (س، م). (¬5) في (م): بياض خده. وفي (س، ل): بياض خده الأيسر. (¬6) أخرجه النسائي في "المجتبى" 3/ 63. (¬7) سقط من (س، م). (¬8) في (س، ل، م): تولفها. (¬9) في (م): تشاء.

(وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ) أي وأرشدنا إلى سلوك طرق السلامة أو إلى طرق دار السلام وهي الجنة (وَنَجِّنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) من ظلمات الجهل إلى نور العلم، قال الواقدي: كل ما في القرآن من الظلمات إلى النور فإنه [تعالى أراد] (¬1) الكفر والإيمان غير قوله تعالى في سورة الأنعام {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} فإنه يريد به الليل والنهار (¬2). (وَجَنِّبْنَا) باعد بيننا وبين (الْفَوَاحِشَ) الزنا والمعاصي (مَا ظَهَرَ مِنْهَا) العلانية (وَمَا بَطَنَ) السر (وَبَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا) والبركة هنا زيادة النفع بهما وكثرة الخير الحاصل بهما من العبادات بهما، وقيل: البركة دوام النفع بهما من برك البعير إذا ناخ في موضع ودام فيه، ويشهد له قوله - صلى الله عليه وسلم -: "متعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا أبدًا ما أبقيتنا (¬3) " (¬4) ومنه حديث: "اللهم بارك على محمد و (¬5) آل محمد" (¬6) أي: أدم لهم ما أعطيتهم من التعظيم والكرامة. (وَقُلُوبِنَا وَأَزْوَاجِنَا) يدخل فيه من دخل بها ومن لم يدخل بها (¬7) ومن يتزوجها بعد ذلك (¬8) في المستقبل، حتى في الجنة (وذرياتنا) الذرية فعيلة ¬

_ (¬1) في (س، ل): يقال. (¬2) انظر: "تفسير البغوي" 3/ 126. (¬3) كذا بالأصول الخطية. والثابت من مصادر التخريج: أحييتنا. (¬4) أخرجه الترمذي (3502). (¬5) زاد في (ل، م): على. (¬6) أخرجه البخاري (3370)، ومسلم (406) (66) من حديث كعب بن عجرة. (¬7) ليست في (ل، م). (¬8) من (م).

من الذر وهم صغار النمل (¬1)، واستشهدهم على أنفسهم، ويدخل في الذرية أولاد البنين والبنات وإن بعدوا كما في الوقف (¬2). (وَتُبْ عَلَينَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ) ولعلمائنا في وصف الرب بالتواب ثلاثة أقوال: أحدها: أنه تجوز في حق الرب فيدعى به في الكتاب والسنة ولا يتأول. والثاني: هو وصف حقيقي لله تعالى، وتوبة الله على العبد رجوعه من حالط المعصية إلى حال الطاعة. والثالث: توبة الله على العبد قبوله توبته. (الرَّحِيمُ، وَاجْعَلْنَا شَاكِرِينَ لِنِعْمَتِكَ مُثْنِينَ) بضم الميم وسكون الثاء المثلثة وكسر النون، اسم فاعل من أثنيت وأثنى علي نعم الله، وأثنى (بِهَا) قائلوه (¬3)، واجعلنا يا رب (قَابِلِيهَا) أي: قابلين لنعمتك التي أسبغتها علينا (وَأَتِمَّهَا عَلَينَا) تمام النعمة أن تكون معينة على عبادة الله تعالى. [970] (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيلِيُّ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ الحُرِّ) ضد العبد، ابن الحكم النخعي، ويقال: الجعفي نزيل دمشق، ثقة مُقِل (عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُخَيمِرَةَ) بضم الميم وفتح الخاء المعجمة مصغر، أبي عروة، أخرج له مسلم والأربعة. (قَال: أَخَذَ عَلْقَمَةُ) بن قيس بن مالك النخعي أبو شبل (¬4) التابعي ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): النسل. (¬2) زاد في (م): عليهم. (¬3) من (م). (¬4) في (ص، س): سيد.

(بِيَدِي فَحَدَّثَنِي (¬1): أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ) (أَخَذَ بِيَدِهِ وَ) حدث: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَخَذَ بِيَدِ عَبْدِ اللهِ) بن مسعود (فَعَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ فِي الصَّلَاةِ فَذَكَرَ مِثْلَ دُعَاءِ حَدِيثِ الأَعْمَشِ) الذي قبله وقال: (إِذَا قُلْتَ [هذا أَوْ] (¬2) قَضَيْتَ هذا فَقَدْ قَضَيتَ صَلَاتكَ إِنْ شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ، وَإنْ شِئْتَ أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ) قال أبو بكر الخطيب: قوله: إذا قلت ذلك فقد تمت صلاتك. وما بعده إلى آخر الحديث ليس من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما هو قول ابن مسعود أدرج في الحديث (¬3). وقد بينه (¬4) شبابة بن سوار في روايته عن زهير بن معاوية وفصل كلام ابن مسعود من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬5)، وكذلك رواه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن الحسن بن الحر مفصلًا مبينًا (¬6) (¬7). قال البيهقي: قال أبو حنيفة: كل ما قطع الصلاة إذا فعله في خلالها عمدًا خرج به من (¬8) الصلاة إذا فعله في آخرها (¬9). واستدلوا لهذا بحديث أن (¬10) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيد عبد الله [بن ¬

_ (¬1) في (م): فجذبني. (¬2) في (ص، س): هكذا و. (¬3) "الفصل للوصل المدرج" 1/ 103. (¬4) في (ص): تنبه. (¬5) روى هذه الرواية الدارقطني 1/ 353. (¬6) في (ص، س): مثبتا. (¬7) روى هذه الرواية ابن حبان (1962)، والدارقطني 1/ 354. (¬8) من (ل، م). (¬9) "المبسوط" للسرخسي 1/ 268. (¬10) من (ل، م).

مسعود] (¬1) فعلمه التشهد في الصلاة فقال: قل: "التحيات لله (¬2) " وذكره، ثم قال: "وإذا فعلت هذا أو قلت هذا فقد قضيت صلاتك، فإن شئت أن تقم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد" (¬3). قال أبو عبد الله الحاكم: المدرج في هذا الخبر: إذا قلت هذا أو قضيت هذا فقد قضيت صلاتك .. إلى آخره من كلام ابن مسعود، لا من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬4). والدليل على صحة ما قلناه أن أبا خيثمة قد أقر بالشك في ذلك الموضع من الخبر في الروايات كلها عنه، قال البيهقي: وقد سُمي الإمام أبو زكريا يحيى بن يحيى التميمي ريحانة أهل خراسان بروايته عن زهير بن معاوية، وأتقن عنه إرساله هذِه اللفظة عن مجهول لم يذكره، وأما أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي فإنه قد أخبر في روايته عن زهير بن معاوية أن بعض (¬5) هذا الحديث انمحى من كتاب زهير أو خُرِقَ (¬6)، فذلك (¬7) شك فيه (¬8). ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) من (ل، م). (¬3) "مختصر خلافيات البيهقي" لأحمد بن فرح الإشبيلي 2/ 220، 223. والحديث أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 2/ 174. (¬4) "معرفة علوم الحديث" ص 84. (¬5) في (ص، س، ل): تعقب. (¬6) في (ص): أو عرفة. وفي (س، ل، م): وعروة. والمثبت من "السنن الكبرى" للبيهقي. (¬7) في (ص): فكذلك. (¬8) "مختصر خلافيات البيهقي" 2/ 224.

قال البيهقي: ورواه أبو داود، عن زهير موقوفًا (¬1). قال: وقد رواه مكحول فقيه أهل دمشق، ويزيد بن أبي مريم، عن القاسم بن مخيمرة (¬2)، دون ذكر هذِه الزيادة، ورواه عامر الشعبي وإبراهيم النخعي وعمرو بن عبد الله السبيعي وعبد الملك بن عمير، عن علقمة بن قيس دون ذكر هذِه الزيادة، وزهير بن معاوية (¬3) وإن كان عدلًا ثقة فقد أقر على نفسه بالشك في آخر الحديث، ولا يذهب يقين غيره بشكه فقد حفظه ابن ثوبان وميزه (¬4) عن كلام النبوة (¬5). قال البيهقي: واستدلوا لمذهب أبي حنيفة بحديث ابن عمرو (¬6) مرفوعًا (¬7): "إذا رفع رأسه من آخر السجود ثم أحدث فقد تمت صلاته" (¬8). قال أبو عبد الله الحافظ للمحتج بهذا الخبر: إنه خبر مضطرب المتن والإسناد (¬9). ¬

_ (¬1) "مختصر خلافيات البيهقي" 2/ 224 - 225. (¬2) في (ص): عن علقمة بن قيس. وهي زيادة. (¬3) في (ص، ل): عمرو بن عمر. وفي (س، م): عمرو. والمثبت من "مختصر خلافيات البيهقي"، وهو الصواب. (¬4) في (ص): ميزوه. (¬5) "مختصر خلافيات البيهقي" 2/ 226. (¬6) في الأصول الخطية: عمر. والمثبت من مصادر التخريج. (¬7) في (ص، س): موقوفًا. (¬8) سبق برقم (617)، ورواه أيضًا الترمذي (408) كلاهما من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم به. وقال الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" (95): إسناده ضعيف. (¬9) "مختصر خلافيات البيهقي" 2/ 227.

وقال الخطابي: إن صح هذا الحديث مرفوعًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ففيه دلالة على أن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد غير واجبة، وقوله: قد قضيت صلاتك يريد معظم الصلاة من القرآن، والخفض والرفع وغير ذلك، وإنما بقي عليه الخروج من الصلاة بالسلام فكنَّى عن التسليم بالقيام إذ كان القيام إنما يقع عقبه، ولا يجوز أن يقوم بغير تسليم؛ لأنه يبطل (¬1) صلاته؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "تحريمها التكبير وتحليلها التسليم" (¬2) (¬3). قال البيهقي: وروى الشافعي عن عبد الله قال: مفتاح الصلاة التكبير، وانقضاؤها التسليم، إذا سلم الإمام فقم إن شئت (¬4). [971] (حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ) الجهضمي (حَدَّثَنِي أَبِي) علي بن نصر الجهضمي كما تقدم (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ) بيان بالموحدة والمثناة تحت المفتوحتين المخففتين المؤذن قال: (سَمِعْتُ مُجَاهِدًا) وهو ابن جبر ¬

_ (¬1) في (ص): متصل. (¬2) سبق برقم (61)، ورواه أيضًا الترمذي (3)، وابن ماجه (275)، كلهم من حديث علي بن أبي طالب. وقال الترمذي" هذا الحديث أصح شيء في الباب. وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (55). (¬3) "معالم السنن" 1/ 198. (¬4) "السنن الكبرى" للبيهقي 2/ 173، و"مختصر خلافيات البيهقي" 2/ 222. ولعل المصنف وهم حين عزا رواية هذا الأثر للشافعي عند البيهقي؛ فإن البيهقي لم يره من طريق الشافعي، وأما رواية الشافعي فهي في "الأم" 1/ 100 من طريق علي بن أبي طالب بلفظ: (مفتاح الصلاة الوضوء).

بفتح الجيم وسكون الموحدة، ويقال: ابن جبير مصغر، كنيته أبو الحجاج، قرشي مخزومي مولاهم، مكي، أحد علماء التابعين (يُحَدِّثُ عَنِ) عبد الله (ابْنِ عُمَرَ) - رضي الله عنهما -. (عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي التَّشَهُّدِ: التَّحِيَّاتُ لله الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيكَ) هو اسم التسليم (¬1) [من التحية] (¬2) وهو السلامة (¬3)، واختلف فيهما (¬4) فقيل: التسليم مصدر سلم، والسلام اسم للمصدر وهو الأظهر. (أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ) الرحمة في الإنسان رقة القلب وهي من الله تعالى على معانٍ، فوردت بمعنى العفو وترك العقاب، ووردت بمعنى الإحسان. قال مجاهد (قَال ابن عُمَرَ: زِدْتُ فِيهَا وَبَرَكَاتُهُ) وروى الطبراني في "الأوسط" من حديث عبد الله بن عطاء، حدثني البهزي (¬5)، سألت (¬6) الحسين بن علي عن تشهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: [تسألني عن تشهد النبي فقلت: حدثني بتشهد علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ] (¬7) "التحيات لله، والصلوات والطيبات والغاديات والرائحات والزاكيات والناعمات والسابغات الطاهرات لله" (¬8). وإسناده ضعيف وله ¬

_ (¬1) في (ص): السلام. (¬2) ليست في (م). (¬3) في (م): للسلامة. (¬4) في (م): فيها. (¬5) في (ص، س): النهدي. وفي (ل، م): المهدى. والمثبت من "المعجم الأوسط". (¬6) في (م): سأل. (¬7) من (ل، م). (¬8) "المعجم الأوسط" (2917).

طريق أخرى عن علي رواه ابن مردويه (¬1) من طريق أبي إسحاق، عن الحارث، عنه، ولم يرفعه، وفيه من الزيادة: ما طاب فهو لله وما خبث فهو لغيره. وروى الطبراني في "الأوسط" و"الكبير" من طريق ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد، سمعت أبا الورد، وسمعت عبد الله بن الزبير يقول: إن تَشَهُّد النبي - صلى الله عليه وسلم -: [بسم الله] (¬2) وبالله خير الأسماء، التحيات لله (¬3). (السَّلَامُ عَلَينَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ) فيه دليل على أن جمع التكثير للعموم، وعلى صحة القول بالعموم من غير توقف ولا تأخر، وقد نبَّه النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك حين (¬4) قال: "أصابت كل عبد صالح" (¬5)، فأدخل فيها كل صالح في السماء والأرض حتى الملائكة (أَشْهَدُ أَنْ لَا إله إِلَّا اللهُ) تقدم في الأذان (قَال ابن عُمَرَ: زِدْتُ فِيهَا وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ) في ملكه (وَأَشْهَدُ أَن مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) ورواه الدارقطني، عن ابن أبي داود، عن نصر بن علي، وقال: إسناده صحيح، وقد تابعه على رفعه ابن أبي علي (¬6) عن شعبة، ووقفه غيرهما (¬7). ¬

_ (¬1) رواه ابن مردويه كما في "التلخيص الحبير" 1/ 640. (¬2) في (ص، س، ل): بالله. (¬3) أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" 14/ 265 (14906)، و"المعجم الأوسط" (3116)، وذكره الهيثمي في "المجمع" 2/ 141 - 142 وقال: ... ومداره على ابن لهيعة، وفيه كلام. (¬4) في (م): حيث. (¬5) تقدم تخريجه في أول هذا الباب. (¬6) في (س، ل، م): عدي. (¬7) "سنن الدارقطني" 1/ 351.

ورواه البزار عن نصر بن علي أيضًا وقال: رواه غير واحد عن ابن عمر، ولا أعلم أحدًا رفعه عن شعبة إلا علي بن نصر كما (¬1) قال، وقول الدارقطني (¬2) السابق يرد عليه. وقال يحيى بن معين: كان شعبة (¬3) يضعف حديث أبي بشر، عن مجاهد وقال: لم يسمع منه شيئًا، إنما رواه ابن عمر، عن أبي بكر الصديق موقوفًا (¬4). [972] (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أنبأنا أَبُو عَوَانَةَ) الوضاح بن عبد الله الحافظ (عَنْ قَتَادَةَ وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) القطان (حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ) بضم الجيم مصغر أبي غلاب الباهلي البصري (عَنْ حِطَّانَ) (¬5) بكسر الحاء والطاء المشددة المهملتين (بْنِ عَبْدِ اللهِ الرَّقَاشِيِّ) بفتح الراء وتخفيف القاف وآخره شين معجمة نسبة إلى امرأة اسمها رقاش بنت قيس كَثُرَ أولادها [فنسبوا إليها] (¬6). (قَال: صَلَّى بِنَا أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ فَلَمَّا جَلَسَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ قَال رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ أُقِرَّتِ) بضم الهمزة وكسر القاف وتشديد الراء (الصَّلَاةُ قال القرطبي: أي قرنت الصلاة (بِالْبِرِّ وَالزَّكَاةِ) قال: والباء بمعنى ¬

_ (¬1) في (س، ل، م): كذا. (¬2) في (ص، س): القرطبي. (¬3) زاد في (ص): بن معين. (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 5/ 9. (¬5) في (ص، س): خطاب. (¬6) في (ص): منسوب إليها. وفي (م): فنسبوا.

"مع" أي قرنت مع البر والزكاة فصارت معهما مستوية في [أحكامهما وتأكيدهما] (¬1) (¬2)، ويحتمل أن يراد بالبر هنا المبرة، وبالزكاة الطهارة، ويكون المعنى أن من (¬3) داوم (¬4) على الصلاة بر (¬5) وتطهر من الآثام، والله أعلم (¬6). (فَلَمَا انفَتَلَ أَبُو مُوسَى) من الصلاة (أَقْبَلَ عَلَى القَوْمِ) لفظ مسلم: فلما قضى أبو موسى الصلاة انصرف (¬7) فقال: (أيكم القائل) بالرفع (كلمة) بالنصب، وينتصب المفرد بالقول إذا كان المفرد في معنى الجملة نحو قلت خطبة وشعرًا (كَذَا وَكَذَا) قال (¬8): (فَأَرَمَّ) بفتح (¬9) الهمزة والراء المهملة (¬10) وتشديد الميم هذِه اللغة المشهورة، أي: سكتوا ولم يجيبوا كأنهم أطبقوا (¬11) مرماتهم أي: شفاههم ولم يحركوها، والمرمة بكسر الميم الأولى وفتحها شفة البقرة وكل ذات ظلف؛ لأنها [بها ¬

_ (¬1) في (ص، س، م): أحكامها وتأكيدها. (¬2) زاد في (ل): ويحتمل أن يكون أقرت من القرار، أي: أثبتت معهما، فالباء بمعنى: مع، قال. (¬3) من (م، ل). (¬4) في الأصول الخطية: دام. (¬5) في (م): تبرأ. (¬6) "المفهم" 2/ 36. (¬7) "صحيح مسلم" (404) (62). (¬8) سقط من (س، م). (¬9) في (ص، س): بضم. (¬10) من (م). (¬11) في (ص، س): أطلقوا.

تأكل] (¬1) ويروى: فأزم بالزاي المعجمة المفتوحة والميم المخففة (الْقَوْمُ) أي: أمسكوا عن الكلام ولم يفتحوها بكلمة. (قَال فَلَعَلَّكَ يَا حِطَّانُ أَنْتَ (¬2) قُلْتَهَا؟ قَال: مَا قُلْتُهَا، وَلَقَدْ رهبت) (¬3) بفتح الهاء [كقعدت بمعنى خفت] (¬4) (أَنْ تَبْكَعَنِي) أي تستقبلني (بِهَا). يقال: بكعت الرجل بكعًا إذا استقبلته في وجهه بما يكره وهو نحو التبكيت (¬5). (قال: فَقَال رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ (¬6): أَنَا قُلْتُهَا، وَمَا أَرَدْتُ بِهَا إِلَّا الخَيْرَ). فيه استحباب تقديم النية الصالحة لمن أراد أن يتكلم (فَقَال أَبُو مُوسَى: أَمَا تَعْلَمُونَ كَيْفَ تَقُولُونَ فِي صَلاِتكُمْ؟ ) فيه مشروعية تعليم أفعال الصلاة وأقوالها لمن جهلها وإن لم يسأل (إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) لما صعد المنبر (خَطَبَنَا فَعَلَّمَنَا وَبيَّنَ لَنَا سُنَّتَنَا) فيه تمييز السنن من الفرائض (وَعَلَّمَنَا صَلَاتَنَا) فيه تعليم الخطيب (¬7) أحكام الصلاة وفرائضها وسننها للمستمعين، وهذِه سنة متروكة لم أر من [عمل بها] (¬8) ولا بلغني أن خطيبًا علَّم المستمعين أحكام الصلاة في الخطبة. ¬

_ (¬1) في (ص): موكل. (¬2) سقط من (س، م). (¬3) في (م): ذهبت. (¬4) تحرفت في الأصل. (¬5) في (ص، س): التنكير. (¬6) بياض في (م)، وكتب في الهامش هنا بياض في الأم. (¬7) في (ص، س): الخطاب. (¬8) في (س، ل، م): عملها.

(فَقَال: إِذَا صَلَّيتُمْ فَأَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ) أمر بإقامة الصفوف وهو من سنن الصلاة بلا خلاف ولقوله في الحديث الآخر: "فإن تسوية الصفوف (¬1) من تمام الصلاة (¬2) ". (ثُمَّ لْيَؤُمَّكُمْ) بفتح الميم المشددة ويجوز الضم للاتباع، وفيه الأمر بالجماعة في المكتوبات، واختلفوا في أنه أمر ندب أو إيجاب على أربعة مذاهب، فالراجح في مذهبنا وهو نص الشافعي (¬3) وقول أكثر أصحابنا أنها فرض كفاية، وقالت طائفة من أصحابنا: هي سنة، وقال ابن خزيمة من أصحابنا: هي فرض عين (¬4) (أَحَدُكُمْ) مطلق وقد جاء تقييده في أحاديث منها: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله" (¬5). (فَإذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا) فالتعقيب يقتضي أن [تكبير المأموم بعد تكبير الإمام] (¬6) وهذا مذهب كافة العلماء ويتضمن مسألتين إحداهما أنه لا يكبر قبله ولا معه، فلو شرع المأموم في تكبيرة الإحرام ناويًا الاقتداء بالإمام وقد بقي للإمام حرف لم يصح (¬7) إحرام الماموم بلا خلاف، والثانية أنه يستحب أن تكون تكبيرة المأموم عقب تكبيرة الإمام فلو تأخرت جاز وفاتته فضيلة تعجيل التكبير (وَإِذَا قَرَأَ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقولوا: (آمِينَ) قد يؤخذ منه أن المأموم يستحب ¬

_ (¬1) في (م): الصف. (¬2) رواه البخاري (723)، مسلم (433). (¬3) "الأم" 1/ 277. (¬4) "صحيح ابن خزيمة" 2/ 368. (¬5) سبق برقم (582) من حديث أبي مسعود البدري. (¬6) في (م): لا يعد تكبير الإمام عقبه. (¬7) في (ص): يتم.

له أن يقول عقب قول الإمام {وَلَا الضَّالِّينَ}: آمين. وإن تركه الإمام، قال أصحابنا: ويجهر المأموم بالتأمين (¬1) ليسمعه الإمام (¬2) فيتأنى به فيأتي به (يُجِبْكُمُ اللهُ) وهو بالجيم من الإجابة للدعاء كما في مسلم (¬3) وبعضهم يقرؤه هنا بالحاء من المحبة وبالجيم أوفق للمعنى من الحاء. (وَإِذَا كَبَّرَ) الإمام (وَرَكَعَ [فَكَبِّرُوا وَارْكَعُوا] (¬4) فَإِنَّ الإِمَامَ يَرْكَعُ قَبْلَكُمْ وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ) أي: اجعلوا تكبيركم للركوع وركوعكم بعد تكبيره وركوعه وكذلك رفعكم من الركوع يكون بعد رفعه بلحظة (¬5). (قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: فَتِلْكَ بِتِلْكَ) أي: تلك اللحظة بتلك اللحظة وصار قدر ركوعكم بقدر ركوعه، وفي هذا إشارة إلى أن حق الإمام السبق، وإذا تلاه المأموم معقبًا، والباء (¬6) في "بتلك" (¬7) للإلصاق والفاء للتعقيب، وقيل في تلك (¬8) بتلك أن معناه أن الحالة من صلاتكم وأعمالكم أنها تصح بتلك الحالة من اقتدائكم به (¬9). وقيل: تلك الكلمة (¬10) متعلقة بتلك الدعوة وهي آمين. ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) من (م). (¬3) "صحيح مسلم" (404/ 62). (¬4) في (م): فاركعوا. (¬5) في (م): فكبروا. (¬6) في (س، ل، م): الفاء. (¬7) في (ص): تلك. وفي (ل): فتلك. (¬8) في (ص، س): ذلك. (¬9) سقط من (م). (¬10) في (م): الحكمة.

(وَإذَا قَال: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ) فيه حجة لأبي حنيفة (¬1) ومالك (¬2) وأحمد (¬3) وغيرهم أن الإمام والمنفرد يقول كل منهما سمع الله لمن حمده فقط، والمأموم: ربنا لك الحمد. فقط، واحتج أصحابنا بحديث أبي هريرة: "إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا (¬4) لك الحمد". متفق عليه (¬5). (يَسْمَعِ) (¬6) بكسر العين لالتقاء الساكنين، ويجوز الرفع على جعل جملة يسمع صفة لمصدر محذوف تقديره قولًا يسمع الله (لَكُمْ) قولكم، أي: يستجب دعاءكم (فَإنَّ اللهَ عز وجل قَال عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) كذا للنسائي (¬7) دون مسلم (¬8)، أي: أجاب دعاء من حمده، وقيل: أراد به الحث على التحميد. (وَإذَا كبَّرَ وَسَجَدَ فَكَبِّرُوا وَاسْجُدُوا فَإِنَّ الإِمَامَ يَسْجُدُ قَبْلَكُمْ وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ. قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: فَتِلْكَ بِتِلْكَ) أي تلك السبقة التي سبقكم بها الإمام [بقدر المكث] (¬9) بعده في حركاته (فَإِذَا كانَ عِنْدَ القَعْدَةِ) ¬

_ (¬1) "المبسوط" للسرخسي 1/ 156. (¬2) "المدونة" 1/ 167. (¬3) "مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج" (235). (¬4) سقط من (م). (¬5) "صحيح البخاري" (796)، "صحيح مسلم" (409). (¬6) زاد في (ص): لفظ الجلالة. وستأتي في موضعها. (¬7) "سنن النسائي" 2/ 196. (¬8) "صحيح مسلم" (404) (62). (¬9) تحرفت في (ص، س).

التي للتشهد (فَلْيَكُنْ مِنْ أَوَّلِ قَوْلِ أَحَدِكُمْ [أَنْ يَقُولَ] (¬1): التَّحِيَّاتُ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ لله، السَّلَامُ عَلَيكَ أَيُّهَا النَّبِي وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا) أي: على الحاضرين: الإمام والمأمومين و (¬2) الملائكة (وَعَلَى عِبَادِ اللهِ) فيه تعريف السلام الأول والثاني كما في "صحيح مسلم" (¬3) وإحدى روايتي الدارقطني (¬4)، ووقع في رواية الشافعي (¬5) تنكير السلام في الموضعين. وفي "صحيح ابن حبان" (¬6) تعريف الأول وتنكير الثاني، وعكسه الطبراني (¬7) (الصَّالِحِينَ) الصالح هو القائم بحقوق الله وحقوق عباده (أَشْهَدُ أَنْ لَا إله إِلَّا الله) وحده لا شريك له [روى مالك في "الموطأ": شهدت أن لا إله إلا الله (¬8). بلفظ الماضي] (¬9). (وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) وقد جاء في رواية الشافعي وغيره ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (م): من. (¬3) "صحيح مسلم" (404/ 62). (¬4) "سنن الدارقطني" 1/ 351. (¬5) "الأم" 1/ 228 من حديث ابن عباس. (¬6) "صحيح ابن حبان" (1952) من حديث ابن عباس. (¬7) "المعجم الكبير" (10996) من حديث ابن عباس، وفي "المعجم الأوسط" (6521) من حديث ابن مسعود. (¬8) "الموطأ" (204) من حديث ابن عمر. ولفظه: شهدت أن لا إله إلا الله، شهدت أن محمدًا رسول الله. (¬9) سقط من (م).

وأن محمدًا عبده ورسوله (¬1) قال ابن الأثير في "شرح المسند" رواية الشافعي أبلغ؛ لأن فيه جمع التوحيد والرسالة في شهادة واحدة، وعطف: وأن محمدًا وما بعدها على: أن لا إله إلا الله وجعل الفعل الذي هو أشهد جامعًا لهما ولم يعد الفعل وإن كان الأصل؛ لأنك إذا قلت قام زيد وعمرو إنما معناه قام زيد وقام عمرو، وإنما الواو نائب عن إعادة الفعل اكتفاء بدلالة الفعل الأول [على اشتراك المعطوف عليه في إسناده إليهما من الاختصار الذي هو من عادة كلام الله وكلام رسوله، وأما من أعاد الفعل] (¬2) كما في رواية الباب؛ فلأنه الأصل، وفيه زيادة إيضاح وإفهام (¬3) لمن عساه لم يفهم. (لَمْ يَقُلْ أَحْمَدُ) بن حنبل في روايته (وَبَرَكَاتُهُ) كما قال عمرو بن عون في روايته (وَلَا قَال: وَأَشْهَدُ) أن محمدًا بإعادة لفظ الفعل كما تقدم، بل (قَال: وَأَنَّ مُحَمَّدًا) عبده كما تقدم عن رواية الشافعي وأنها أبلغ، ورجح النووي رواية: وأن محمدًا رسول الله (¬4) كما ثبت في "صحيح مسلم" ومراده جواز إسقاط أشهد ووجوب الإتيان باسم الله تعالى في التشهد ظاهرًا لا ضميرًا، وهذِه الرواية [عدل على خلاف] (¬5) الظاهر وإقامة الضمير مقامه فيقول: وأن محمدًا رسوله. ولا يتعين: رسول الله كما سيأتي. ¬

_ (¬1) سقط من (ل، م). (¬2) من (م). (¬3) من (س، ل، م). (¬4) "المجموع" 3/ 440. (¬5) في (ص): عول على حذف. وفي (س، ل): عدل على حذف.

[973] (حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ النَّضْرِ) بن المنتشر (¬1) الأحول التيمي شيخ مسلم. (حَدَّثَنَا المُعْتَمِرُ، قَال: سَمِعْتُ أَبِي) سليمان بن طرخان بكسر الطاء (¬2) المهملة، قيده صاحب الإمام: التيمي، نزل فيهم بالبصرة فنسب إليهم، قال حماد (¬3) بن سلمة: ما أتيناه في ساعة إلا وجدناه في طاعة الله تعالى، قال محمد بن عبد الأعلى (¬4): قال لي ولده المعتمر: لولا أنك من أهلي ما حدثتك بهذا عن أبي: مكث (¬5) أربعين سنة يصلي صلاة الفجر بوضوء صلاة العشاء (¬6). (حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي غَلَّابٍ) بفتح الغين المعجمة وتشديد اللام آخره باء موحدة، اسمه يونس بن جبير الباهلي. (يُحَدِّثُهُ عَنْ حِطَّانَ) (¬7) بكسر الحاء المهملة كما تقدم [ابن عبد الله الرقاشي بفتح الراء كما تقدم] (¬8) بهذا الحديث (وزَادَ) في هذِه الرواية (فَإِذَا قَرَأَ) الإمام (فَأَنْصِتُوا) بفتح الهمزة. قال القرطبي: فيه حجة لمالك ومن قال بقوله أن المأموم لا يقرأ مع ¬

_ (¬1) تحرفت في الأصل. (¬2) في (م): الحاء. (¬3) في (ص، س): محمد. (¬4) في (ص، س): العلاء. (¬5) في (ص، س): بكر. (¬6) انظر: "تهذيب الكمال" (2531). (¬7) في (ص): حطاب. (¬8) من (س، ل، م).

الإمام إذا جهر (¬1). قال الدارقطني: هذِه اللفظة لم يتابع سليمان التيمي فيها عن قتادة، وخالفه الحفاظ فلم يذكروها. قال: وإجماعهم على مخالفته يدل على وهمه فيها (¬2). قال القرطبي (¬3): وقد أشار مسلم في كتابه إلى تصحيح هذِه الزيادة، وهي ثابتة في الأصل في رواية الجلودي، عن إبراهيم بن سفيان قال: وقد تقدم قول إبراهيم بن سفيان لمسلم: لم (¬4) لم تخرج في كتابك: "وإذا قرأ فأنصتوا" أليست (¬5) بصحيحة؟ فقال: ليس كل الصحيح خرجت هنا، وإنما خرجت ما أجمعوا عليه فهذا تصريح بصحتها، إلا أنها ليست (¬6) عنده مما أجمعوا على صحته (¬7). (وَقَال فِي التَّشَهُّدِ بَعْدَ) قوله (أَشْهَدُ أَنْ لَا إله إِلَّا اللهُ زَادَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ) كما في الرواية المتقدمة (قَال المصنف: وَقَوْلُهُ وَأَنْصِتُوا لَيسَ بِمَحْفُوظٍ لَمْ يَجِئْ بِهِ إِلَّا سُلَيْمَانُ) بن طرخان (التَّيمِيُّ) كما تقدم (فِي هذا الحَدِيثِ) ويعضده ما تقدم عن مسلم. [974] (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيثُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ) محمد ¬

_ (¬1) "المفهم" 2/ 39. (¬2) "سنن الدارقطني" 1/ 330. (¬3) "المفهم" 2/ 39. (¬4) في (م): ثم. (¬5) في (ص، س، ل): ليست. (¬6) من (ل، م). (¬7) "المفهم" 2/ 39.

ابن مسلم المكي (عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَطَاوُسٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ) - رضي الله عنهما - أنه (¬1). (قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كمَا يُعَلِّمُنَا القُرْآنَ) لفظ مسلم من طريق محمد بن رمح بن المهاجر: كما يعلمنا السورة من القرآن (¬2). والمراد أن وجوبه مؤكد كما أكد وجوب قراءة الفاتحة، وفيه دليل على أن ألفاظه متعبد بها كما في ألفاظ سورة الفاتحة. (وَكَانَ يَقُولُ: التَّحِيَاتُ المُبَارَكَاتُ) جمع مباركة، وهي الثابتة الباقية، وهي صفة للتحيات (الصَّلَوَاتُ) جمع صلاة، ولها تأويلان، أحدهما: أنه أراد الصلوات الخمس، وقيل: النوافل، والثاني: أنه (¬3) أراد بها الدعاء والرحمة، أي: أن رحمة الله على عباده؛ لقوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} (¬4) والأول أقوى. (الطَّيِّبَاتُ لله) جمع طيبة، والطيب صفة ضد الخبيث، وهي صفة للصلوات، وقيل: الطيبات ما طاب من الكلام وحسن (السَّلَامُ عَلَيكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَينَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ وأَشْهَدُ) بإثبات الواو قبل (¬5) أشهد، وهي واو العطف (أَنْ لَا إله إِلَّا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ) فيه إثبات اسم الله الظاهر دون الضمير. قال الإسنوي: المنقول أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في تشهده: وأشهد أني ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) "صحيح مسلم" (403/ 60). (¬3) من (ل، م). (¬4) البقرة: 157. (¬5) في (ص): وقيل.

رسول الله بالضمير، كذا ذكره الرافعي (¬1) في الأذان. فإن قيل: ما الحكمة في إثبات واو العطف هنا في: وأشهد وإسقاطه من الأذان؟ . فالجواب أن الأذان يطلب فيه إفراد كل كلمة بنفس واحد (¬2)، وذلك يناسب ترك العطف بخلاف التشهد. فإن قيل: هذا المعنى مفقود في الإقامة. قلنا: نعم، ولكنه يسلك به مسلك الأصل. [975] (وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ) التنيسي (¬3)، أخرج له الشيخان. (حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ (¬4) بْنُ مُوسَى) الزهري كنيته (أَبُو دَاوُدَ) الكوفي خراساني الأصل سكن الكوفة ثم تحوَّل إلى دمشق، قال أبو حاتم: أرى حديثه مستقيمًا، محله الصدق صالح الحديث (¬5). (حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ سَمُرَةَ بْنِ (¬6) جُنْدُبٍ)، قال: (حَدَّثَنِي خُبَيْبُ) بضم الخاء المعجمة والتصغير. (ابْنُ سُلَيمَانَ بْنِ سَمُرَةَ) ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬7) (عَنْ أَبِيهِ سُلَيمَانَ بْنِ سَمُرَةَ) (¬8) بْنِ جُنْدُبٍ الفزاري ذكره ابن حبان في ¬

_ (¬1) انظر: "الشرح الكبير" 1/ 421 - 422. (¬2) سقط من (ل، م). (¬3) في (ص، س): السمى. (¬4) في (م): سلمان. (¬5) "الجرح والتعديل" 4/ 142. (¬6) في (ص، س، ل): عن. (¬7) 6/ 274. (¬8) في (ص، س): جمرة.

"الثقات" (¬1) (عن) أبيه (سمرة بن جندب) بن هلال الفزاري الصحابي (¬2) نزل الكوفة وولي البصرة، كان زياد يستخلفه على الكوفة ستة أشهر وعلى البصرة ستة أشهر، فلما مات زياد أقره عليها معاوية عامًا (¬3). (قال) في خطبته (أَمَّا بَعْدُ) فقد (أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا كَانَ أحدنا فِي وَسَطِ) بفتح السين (الصَّلَاةِ) يعني: في التشهد الأول (أَوْ حِينَ انْقِضَائِهَا) يعني: في التشهد الأخير (¬4) (فَابْدَؤُوا) بهمزة مضمومة بعد الدال (قَبْلَ التَّسْلِيمِ) وأول التشهد الأخير (فَقُولُوا التَّحِياتُ الطيِّبَاتُ وَالصَّلَوَاتُ) لله (وَالْمُلْكُ لله) يعني: ملك السماوات والأرض. (ثُمَّ سَلِّمُوا على (¬5) اليَمِينِ) فيه دليل على أنه يستحب في السلام [أن يلتفت باليمين] (¬6) أولًا لما روى مسلم (¬7)، عن سعد بن أبي وقاص: كنت أرى النبي - صلى الله عليه وسلم - يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده (¬8). [وروى الدارقطني (¬9) بإسناد صحيح: كان يسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده] (¬10) قال أصحابنا: وينبغي أن يبتدئ بالتسليمة مستقبل القبلة ¬

_ (¬1) 3/ 174. (¬2) و (¬3) من (م). (¬4) في (ص): الثاني. وفي (س): الأول. (¬5) في (ص، س، ل): عن. (¬6) في (م): باليمين أن يلتفت. (¬7) في (م): هشام. (¬8) أخرجه مسلم (282). (¬9) "سنن الدارقطني" 1/ 356. (¬10) من (ل، م).

ثم يلتفت بحيث يكون انقضاؤها (¬1) مع تمام الالتفات (ثُمَّ سَلِّمُوا عَلَى قَارِئِكُمْ) أي إمامكم، وسيأتي حديث الحسن عن (¬2) سمرة: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نرد على الإمام (¬3). وكذا رواه الحاكم (¬4) وابن ماجه (¬5) والبزار (¬6) بلفظ: أن نسلم على أئمتنا. زاد البزار في الصلاة: وإسناده حسن، فيه استحباب رد السلام على الإمام كما سيأتي في بابه. (و) سلموا (عَلَى أَنْفُسِكُمْ) أي: يسلم بعضكم على بعض كما في رواية البزار بلفظ: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نسلم على أئمتنا، وأن يسلم بعضنا على بعض (¬7). ويدل على هذا التقدير قوله تعالى: {فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} (¬8) أي: سلموا على بعضكم بعضًا، وكذا قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} (¬9) أي لا يقتل بعضكم بعضًا، فجعل المؤمنين في تعاطفهم وتوادهم ونصرة بعضهم بعضًا كنفس واحدة. * * * ¬

_ (¬1) في (ص): قضاؤها. (¬2) في (ص، س، ل): بن. (¬3) سيأتي برقم (1001). (¬4) "المستدرك" 1/ 270. (¬5) "سنن ابن ماجه" (922). (¬6) "مسند البزار" (4566). (¬7) السابق. (¬8) النور: 61. (¬9) النساء: 29.

185 - باب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد التشهد

185 - باب الصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ التَّشَهُّدِ 976 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، عَنِ ابن أَبي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قال: قُلْنا أَوْ قالوا: يا رَسُولَ اللهِ أَمَرْتَنا أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيكَ وَأَنْ نُسَلِّمَ عَلَيْكَ فَأَمّا السَّلامُ فَقَدْ عَرَفْناهُ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ قال: "قُولُوا اللَّهُمَّ صَل عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كما صَلَّيتَ عَلَى إِبْراهِيمَ، وَبارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَما بارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْراهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ" (¬1). 977 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ بهذا الحَدِيثِ قال: "صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كما صَلَّيتَ عَلَى إِبْراهِيمَ" (¬2). 978 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنا ابن بِشْرٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنِ الحَكَمِ بإِسْنادِهِ بهذا، قال: "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كما صَلَّيتَ عَلَى إِبْراهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللَّهُمَّ بارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كما بارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْراهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ" (¬3). قال أَبُو داوُدَ: رَواهُ الزُّبَيْرُ بْن عَدِيٍّ، عَنِ ابن أَبي لَيْلَى كَما رَواة مِسْعَرٌ إِلا أَنَّهُ قال: "كما صَلَّيتَ عَلَى آلِ إِبْراهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجيدٌ وَبارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ". وَساقَ مِثْلَهُ (¬4). 979 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ ح، وحَدَّثَنا ابن السَّرْحِ، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ أنَّهُ قال: أَخْبَرَنِي أَبُو حُمَيْدٍ السّاعِدِيُّ أَنَّهُمْ قالوا: يا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قال: "قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْواجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كما ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6357، 4797)، ومسلم (406). وانظر تالييه. (¬2) انظر السابق. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (897). (¬3) انظر الحديثين السابقين. (¬4) انفرد به أبو داود معلقًا، وأصله في الصحيحين كما تقدم.

صَلَّيتَ عَلَى آلِ إِبْراهِيمَ وَبارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْواجِهِ وَذُرّيَّتِهِ كلما بارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْراهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ" (¬1). 180 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ المجْمِرِ أَنَّ محَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ - وَعَبْدُ اللهِ بْن زَيْدٍ هُوَ الذِي أُرِيَ النِّداءَ بِالصَّلاةِ - أَخْبَرَهُ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأنصارِيِّ أَنَّهُ قال: أَتانا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبادَةَ فَقال لَهُ بَشِيرُ بْن سَعْدٍ أَمَرَنا الله أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ يا رَسُولَ اللهِ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى تَمَنَّيْنا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ، ثمَّ قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قُولُوا". فَذَكَرَ مَعْنَى حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ زادَ فِي آخِرِهِ: "فِي العالمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ" (¬2). 181 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن يُونُسَ، حَدَّثَنا زهَيْرٌ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحاقَ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْراهِيمَ بْنِ الحارِثِ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو بهذا الخَبَرِ قال: "قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ" (¬3). 182 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حِبّانُ بْن يَسارٍ الكِلابِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو مُطَرِّفٍ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ كَرِيزٍ، حَدَّثَنِي محَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الهاشِمِيُّ، عَنِ المُجْمِرِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْتال بِالمِكْيالِ الأَوْفَى إِذا صَلَّى عَلَينا أَهْلَ البَيْتِ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَأَزْواجِهِ أُمَّهاتِ المُؤْمِنِينَ وَذُرِّيَّتِهِ وَأَهْلِ بَيتِهِ كما صَلَّيتَ عَلَى آلِ إِبْراهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ" (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3369، 6360)، ومسلم (407). (¬2) رواه مسلم (405). وانظر ما بعده. (¬3) انظر ما قبله. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (902). (¬4) رواه البخاري في "التاريخ الكبير" 3/ 87، والعقيلي في "الضعفاء" 1/ 318، والبيهقي 2/ 151، وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (174).

باب الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ التَّشَهُّدِ الأول (¬1) [976] (حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ) بن الحارث الحوضي (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ) بن عتيبة بفتح المثناة فوق قبل ياء التصغير الكندي (عَنِ) عبد الرحمن (ابْنِ أَبِي لَيْلَى) التابعي. (عَنْ كعْبِ بْنِ عُجْرَة قال: قُلْنَا، أَوْ) شك من الراوي (قَالوا) لفظ مسلم، عن الحكم: سمعت ابن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية؟ خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلنا: قد عرفنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ قال: "قولوا" (¬2). (يَا رَسُولَ اللهِ، أمرتنا) (¬3) وللنسائي: أمرنا الله عز وجل (¬4) (أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ وَأَنْ نُسَلِّمَ عَلَيْكَ) يعني في قوله تعالى: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (¬5) (فَأَمَّا السَّلَامُ) عليك (فَقَدْ عَرَفْنَاهُ) فيما تقدم من التشهد، وهو السلام عليك (¬6) أيها النبي ورحمة الله وبركاته (فَكَيفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ ) هذا سؤال من أشكل عليه كيفية ما فهم جملته، والتقدير: فكيف نتلفظ بالصلاة، وفي هذا أن من أمر بشيء لا يفهم مراده أن (¬7) يسأل عنه ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "صحيح مسلم" (406) (66). (¬3) ليست بالأصول الخطية. وأثبتها من مطبوعة "السنن" لضرورة السياق. (¬4) "سنن النسائي" 3/ 45. (¬5) الأحزاب: 56. (¬6) زاد هنا في (م): وعلى عباد الله الصالحين. (¬7) سقط من (س، ل، م).

ليعلم كيف يأتي به، ونظير هذا أن يسأل عن كل ما جاء في كتاب الله تعالى وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - من الألفاظ المجملة (¬1) والمطلقة والعامة التي تحتاج إلى بيان وفهم المراد منها، وهذا شيء قل من يسأل عنه من حفاظ كتاب الله تعالى، بل قنعوا بالألفاظ من كتاب الله تعالى فحفظوها واستغنوا بها عن فهم المقصود منها. (قَال: قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ) احتج به الشافعي (¬2) وأحمد (¬3) على وجوب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأخير؛ لأن الأمر للوجوب، وهذا القدر لا يظهر الاستدلال به إلا إذا ضم إليه الرواية الأخرى، وهي: كيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: "قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد" إلى آخره (¬4). وهذِه الزيادة صحيحة، رواها الإمامان الحافظان أبو حاتم بن حبان بكسر الحاء البستي، والحاكم أبو عبد الله في "صحيحيهما" كذا نسبه النووي (¬5) إليهما وعزاه شيخنا ابن حجر (¬6) أيضًا إلى الدارقطني (¬7) ¬

_ (¬1) في (ص، س): المحتملة. (¬2) "الأم" 1/ 228 - 229. (¬3) "الإنصاف" 2/ 116. (¬4) أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (1959)، والحاكم في "المستدرك" 4/ 268 من حديث أبي مسعود الأنصاري. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. (¬5) "شرح النووي على مسلم" 4/ 124. (¬6) "التلخيص الحبير" 1/ 473. (¬7) "سنن الدارقطني" 1/ 354 - 355.

وابن خزيمة (¬1)، وإذا ثبت بهذين الحديثين الوجوب وقد اشتملا على ما لا يجب بالإجماع كالصلاة على الآل والذرية والدعاء فلا يمتنع الاحتجاج بهما فإن الأمر للوجوب، وإذا خرج بعض ما تناوله الأمر (¬2) عن (¬3) الوجوب بدليل بقي الباقي على الوجوب الأصلي، وحكى الجرجاني في "الشافي" قولًا أنها ليست ركنًا في الصلاة، واختاره من أصحابنا ابن المنذر والخطابي، كذا نقله القاضي عياض في "الشفاء" (¬4) (وَآلِ مُحَمَّدٍ) المستحب أن يقال: وعلى آل محمد، وصحح في "الكفاية" أن إعادة "على" واجبة احتج به لأحد قولي الشافعي (¬5) أن الصلاة على الآل واجبة؛ لأن لفظ الأمر يشملها، والأمر للوجوب، والثاني لا يجب، قال النووي في "التنقيح": إن التفرقة بينهما في الوجوب مع الحديث الصحيح فيها نظر، وآل محمد هم بنو هاشم وبنو المطلب، وقيل: كل مسلم. واختاره في "شرح مسلم" (¬6)، وقيل: آل بيته. وقيل: أتباعه. واختلف النحويون هل يضاف الآل إلى المضمر، فذهب النحاس والزبيدي والكسائي (¬7) إلى أنه لا يضاف فلا يقال: اللهم صل على ¬

_ (¬1) "صحيح ابن خزيمة" (711). (¬2) من (س، ل، م). (¬3) في (م): على. (¬4) 2/ 63 - 62. (¬5) "المجموع" 3/ 466. (¬6) 4/ 124. (¬7) في (ص): النسائي.

محمد وآله، بل يقال: وآل محمد. كما في الحديث. (كمَا صَلَّيتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ) وحكى ابن الرفعة: أن الإتيان بقوله كما صليت على إبراهيم يجب، وآل إبراهيم: إسماعيل وإسحاق وأولادهما. قاله الزمخشري (¬1). وخص إبراهيم بالذكر لأن الصلاة من الله تعالى هي الرحمة ولم تجمع الرحمة والبركة لنبي غيره، قال الله تعالى: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} (¬2) فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إعطاءنا (¬3) ما تضمنته هذِه الآية (¬4) مما سبق إعطاؤه لإبراهيم، ويدل على الإشارة بهذِه الآية اتفاق آخرها (¬5) مع آخر التشهد في قوله: حميد مجيد، ورواية النسائي من رواية ابن أبي ليلى أيضًا: "قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد" (¬6). (اللهم بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ) البركة هي الثبوت والدوام من قولهم: برك البعير إذا ثبت (¬7) ودام، أي: أدم شرفه وكرامته وتعظيمه (وَعلى آلِ مُحَمَّدٍ) كذا للنسائي وغيره (كمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ) زاد النسائي والحاكم (¬8): (وعلى آل إبراهيم إِنَّكَ حَمِيدٌ) أي محمود وهو الذي تحمد أفعاله ¬

_ (¬1) "الكشاف" 1/ 383. (¬2) هود: 73. (¬3) في (ص): إعطاء. (¬4) في (ل): الأمة. (¬5) في (ص، س): أحدهما. (¬6) "سنن النسائي" 3/ 47. (¬7) زاد في (م): أي و. (¬8) "المجتبى" 3/ 47 - 48، "المستدرك" 3/ 148.

(مَجِيدٌ) بمعنى الماجد، وهو من كمل في الشرف والكرم والصفات المحمودة. [977] (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا شعْبَةُ (¬1) بهذا الحَدِيثِ) و (قَال) فيه (صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى (¬2) إِبْرَاهِيمَ) اختلف أرباب المعاني في فائدة قوله (كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم) على [تأويلات أظهرها] (¬3): أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل ذلك لنفسه وأهل بيته ليتم (¬4) النعمة والبركة عليهم كما أتمها على إبراهيم وآله، وقيل: بل سأل ذلك لأمته ليثابوا على ذلك. وقيل (¬5): ليبقى له ذلك دائمًا إلى يوم الدين، ويجعل له به (¬6) لسان صدق في الآخرين كما جعله لإبراهيم. [978] (حَدَّثَنَا) أبو كريب (مُحَمَّدُ بْنُ العَلَاءِ، حَدَّثَنَا) محمد (ابْنُ بِشْرٍ) بكسر الموحدة وسكون المعجمة (¬7)، ابن الفرافصة بن المختار العبدي الكوفي أحد علماء الحديث، روى الكديمي (¬8) عن أبي نعيم (¬9) قال: ¬

_ (¬1) في (ص، س): شيبة. (¬2) زاد في (م): آل. (¬3) في (ل): تأويلان أظهرهما. (¬4) في (ص): أن يتم. وفي (س، م): لتعم. (¬5) من (ل، م). (¬6) من (ل، م). (¬7) في (ص): المو حدة. (¬8) في (م): الكريمني. (¬9) في الأصول الخطية: كريم. والمثبت من "تهذيب الكمال" و"السير".

لما خرجنا في جنازة مسعر جعلت أتطاول في المشي فقلت: [تروكي] (¬1) يسألوني عن حديث مسعر، فذاكرني محمد بن بشر بحديث مسعر فأغرب علي سبعين حديثًا لم يكن عندي منها إلا حديث واحد (¬2). (عَنْ مِسْعَرٍ) بكسر الميم، ابن كدام الهلالي الكوفي، عن الحكم بن عتيبة (بِإِسْنَادِهِ) المتقدم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى (بهذا (¬3)، وقَال) فيه (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ) رواية النسائي: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته، وبارك على محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على إبراهيم (¬4). كما سيأتي للمصنف. (كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) قيل: المجيد الكريم الفعال، وقيل: إذا قارن شرف الذات حسن الفعال سمي مجيدًا. (اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ (¬5) إِبْرَاهِيمَ) وآل الشخص أهله وذريته (¬6)، وقد يطلق على أهل (¬7) تبعًا، وأصله عند بعضهم أول تحركت الواو وفتح ما قبلها فقلبت ألفًا مثل قال (إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ). (قَال المصنف: رَوَاهُ الزُّبَيْرُ بْنُ عَدِيٍّ) الهمداني اليامي قاضي الري ¬

_ (¬1) في (ص): ترد من. وفي (ل): يروني. (¬2) "تهذيب الكمال" 24/ 523. و"سير أعلام النبلاء" 9/ 266. (¬3) من (ل، م). (¬4) "سنن النسائي" 3/ 49. (¬5) سقط من الأصل، (س). (¬6) في (س، ل، م): ذو قرابته. (¬7) في (ص): أهله.

(عَن) عبد الرحمن (ابْنِ أَبِي لَيلَى كَمَا رَوَاهُ مِسْعَرٌ) عن الحكم (إِلَّا أَنَّهُ قَال: كَمَا صَلَّيتَ عَلَى آلِ (¬1) إبراهيم) قال ابن الأثير في "شرح مسند الشافعي": هذِه الرواية جاءت على قياس من قال: إن الصلاة لا تختص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وجواز إطلاقها على غيره من أصحابه وأمته. قال: والأحسن أن يقال: إنه أراد في هذِه الرواية بآل إبراهيم من كان فيهم من الأنبياء، فإن (¬2) أولاد إبراهيم وأولاد أولاده أكثرهم أنبياء. قال: وأكثر الروايات (¬3) وأتمها رواية الشافعي؛ لأنه قال في الصلاة: كما صليت على إبراهيم وعلى آل إِبْرَاهِيمَ [وقال في البركة كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم] (¬4). (إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَبَارِكْ) فأتى في هذِه الرواية بالواو، عوضًا عن اللهم في الرواية قبلها (عَلَى مُحَمَّدٍ. وَسَاقَ) الحديث (مِثْلَهُ) أي: مثل ما تقدم. [979] (حَدَّثَنَا القَعْنَبِيّ، عَنْ مَالِكٍ، وَحَدَّثَنَا) أحمد بن عمرو (ابْنُ السَّرْحِ، أَخْبَرَنَا) عبد الله (بْنُ وَهْب، أَخْبَرَنِي مَالِك، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ) الأنصاري المدني (عَنْ أَبِيهِ) أبي بكر، يقال: هو اسمه وكنيته أبو محمد النجاري. (عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيمٍ الزُّرَقِيِّ أَنَّهُ قَال: أَخْبَرَنِي أَبُو حُمَيدٍ) عبد الرحمن ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، (س). (¬2) في (م): قال. (¬3) في (ص، س): الناس. (¬4) من (ل، م).

ابن سعد بن (¬1) المنذر وقيل: اسمه أبو حميد بن (¬2) المنذر (السَّاعِدِيُّ). (أَنَّهُمْ قَالوا: يَا رَسُولَ اللهِ كيفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ) يعني في الصلاة كما تقدم في رواية ابن حبان (¬3) والحاكم (¬4). (قَال: قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ) استدل به طائفة من العلماء على أن آل محمد أزواجه وذريته ووجهه أنه أقام الأزواج والذرية مقام آل محمد كما تقدم في الرواية قبلها. (كمَا صَلَّيتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ) فإن قيل: لم خصَّ إبراهيمَ وآله بالتشبيه دون غيرهم؟ فالجواب: بأنه سمانا المسلمين من قبل فله علينا منة عظيمة، فأمرنا بالمجاراة بتخصيص التشبيه به في رواية وبآله في رواية أخرى بقصد الدعاء بأن يتم البركة لمحمد وآله كما أتمها الله على إبراهيم وآله. (وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ) في العالمين كما سيأتي في الرواية التي بعدها (إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) لا يخفى ذكر مناسبة هذين الاسمين والختم بهما؛ لأن ذلك كإقامة الدليل بهذين الوصفين على استحقاق هذِه الصلاة التي تقربت بها إليه من أولها إلى آخرها. [980] (حَدَّثَنَا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نُعَيْمِ) بضم النون مصغر (بْنِ ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) من (م). (¬3) "صحيح ابن حبان" (1959). (¬4) "المستدرك" 1/ 267.

عَبْدِ اللهِ المُجْمِرِ) بضم الميم وسكون الجيم وكسر الميم (¬1) الثانية، وبالراء، هو مولى عمر بن الخطاب، التابعي (¬2) (أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ و) والده (عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ هُوَ الذِي أُرِيَ) بضم الهمزة وكسر الراء وفتح الياء (النِّدَاءَ) بالنصب مفعول ثانٍ، والأول هو النائب عن الفاعل (بِالصَّلَاة) في النوم كما تقدم في الأذان (¬3) (أَخْبَرَهُ) رواية النسائي: أخبراه (¬4). (عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ) عقبة بن عمرو البدري، منسوب إلى نزوله ببدر لا إلى حضور الوقعة (الأَنْصَارِيّ أَنَّهُ قَال: أَتَانَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) ونحن (فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ) بن دليم (¬5) الأنصاري سيد الأنصار، أحد النقباء الاثني عشر. (فَقَال لَهُ (¬6) بَشِيرُ) بفتح الباء (¬7) الموحدة، وكسر الشين المعجمة (بْنُ سَعْدٍ) والد النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - (أَمَرَنَا اللهُ) تعالى (أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ) بقوله تعالى {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (¬8) (يَا رَسُولَ اللهِ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ ) في الصلاة، قال: (فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) سكوتًا طويلًا (حَتَّى تَمَنَّينَا أَنَّهُ ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) من (م). (¬3) سبق برقم (498). (¬4) في المطبوع من "المجتبى"، والنسائي: أخبره. (¬5) في (ص): دلهم. (¬6) سقط من (م). (¬7) ليست في (ل، م). (¬8) الأحزاب: 56.

لَمْ يَسْأَلْهُ) هذا السؤال، ومعنى "تمنينا": كرهنا سؤاله مخافة أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - كره سؤاله وشق عليه. (ثُمَّ قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) كيفيته (أن تقُولُوا فَذَكَرَ مَعْنَى حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ) وذكره مسلم والنسائي بلفظ: "فقولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على (¬1) إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على (¬2) آل إبراهيم" (¬3) (فِي العَالمِين) كذا في مسلم (¬4) (إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) والسلام كما قد (¬5) علمتم (¬6)، يعني في التشهد، وهو: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. [981] (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ) بن عبد الله (بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيرٌ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ (¬7)، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الحَارِثِ) التيمي المدني أبو عبد الله الفقيه. (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ) والد عبد الله بن زيد الذي أُري الأذان. (عَنْ) أبي مسعود (عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو) البدري الأنصاري (بهذا الخَبَرِ ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) من (ل، م). (¬3) "صحيح مسلم" (405/ 65)، و"المجتبى" 3/ 45 بلفظ: "كما صليت على آل إبراهيم" بدل: "كما صليت على إبراهيم". (¬4) السابق. (¬5) من (م). (¬6) زاد في (س، ل، م): انتهى. (¬7) زاد في (ل، م): قال.

قَال: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ) الذي (¬1) لا يكتب ولا يحسب، أراد أنه على أصل ولادة أمه من جهة عدم تعلم الكتابة والحساب، فهو على جبلته الأولى (وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ) كما تقدم. [982] (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حِبَانُ) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة (بْنُ يَسَارٍ) بالمثناة تحت والمهملة (الْكِلَابِيُّ) بكسر الكاف وتخفيف اللام نسبة إلى كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة قبيلة معروفة (حَدَّثَنِي أَبُو مُطَرِّفٍ عُبَيدُ اللهِ) بالتصغير (بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ) بالتصغير (بْنِ كرِيزٍ) بفتح الكاف وكسر الراء، وبعد المثناة زاي الخزاعي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2)، قال (¬3) (حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ) بن عبد الله بن عباس (الْهَاشِمِي) أبو الخلفاء أخرج له مسلم (عَن) نعيم (¬4) بن عبد الله (الْمُجْمِرِ) بضم الميم، وسكون الجيم، ويقال: بفتح الجيم وتشديد الميم. والأول أكثر، كان أبو عبد الله يجمر (¬5) المسجد أي: يبخره عند قعود عمر بن الخطاب على المنبر، فالمجمر [نعت لأبيه] (¬6) واشتهر (¬7) به نعيم حتى قيل: نعيم المجمر. (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَال: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْتَال بِالْمِكْيَالِ) بكسر ¬

_ (¬1) سقط من (س، ل، م). (¬2) 7/ 146. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ص، س): محمد. (¬5) في (ص، س): مجمر. (¬6) بياض في (ص، س). (¬7) في (ص، س، ل): استشهد.

الميم وهو ما يكال به (الأَوْفَى) أي: أوفى الكيل وأوسعه وافيًا على التمام (إِذَا صَلَّى عَلَينَا أَهْلَ) بالنصب على الاختصاص والمدح أي أخص، وبالجر (¬1) بدل من الضمير في علينا (الْبَيْتِ) فيه استحباب الصلاة على أهل البيت عن أم سلمة، أن (¬2) النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا عليًّا وفاطمة والحسن والحسين فجللهما بكساء ثم قال: "اللهم هؤلاء أهل بيتي الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرًا" (¬3)، وفي "صحيح مسلم": عن زيد بن أرقم (¬4): "أذكركم الله في أهل بيتي" ثلاث مرات، فقيل لزيد: من أهل بيته؟ [أليس نساؤه من أهل بيته؟ ] (¬5) فقال: بلى، إن نساءه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم عليه الصدقة بعده هم آل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل عباس. قال: أكل هؤلاء حرم عليهم الصدقة؟ قال: نعم (¬6). (فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ) قال الإسنوي: قد اشتهر زيادة (سيدنا). قبل (¬7) (محمد) عند أكثر المصلين، وفي كون ذلك أفضل من تركها [فيه نظر، و] (¬8) في حفظي قديمًا أن الشيخ عز الدين بن عبد السلام بناه على أن الأصل (¬9) سلوك الأدب، أم امتثال الأمر، فعلى ¬

_ (¬1) في (ص): بالرفع. وفي (س، ل، م): بالنصب. والمثبت هو الصواب. (¬2) في (ص، س): عن. (¬3) أخرجه أحمد 6/ 292. وفيه: "فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا". (¬4) من (س، ل، م). (¬5) من (س، ل، م). (¬6) "صحيح مسلم" (2408) (36). (¬7) من (م). (¬8) في (م): نظرت. (¬9) في (ل، م): الأفضل.

الأول يستحب دون الثاني؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "قولوا اللهم صل على محمد" انتهى. وأكثر الأحاديث سلوك الأدب أولى؛ [كقول أبي] (¬1) بكر حين أمره أن يثبت مكانه: ما كان ينبغي لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2)، وكقول علي لما أمره أن يمحو في صلح الحديبية محمدًا رسول الله: لا أمحو اسمك أبدًا (¬3). (وَأَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ) فيه استحباب الدعاء للمشايخ وزوجاتهم، وتعظيم الزوجات واحترامهن كما (¬4) في أمهاته اللاتي ولدنه (وَذُرِّيَّتِهِ) الذرية اسم يجمع نسل الإنسان من ذكر وأنثى وإن سفل (وَأَهْلِ بَيْتِهِ كمَا صَلَّيتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) فيه ما تقدم. * * * ¬

_ (¬1) في (ص، س): لقوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي. (¬2) سبق تخريجه في باب (التصفيق في الصلاة). (¬3) أخرجه البخاري (2705)، من حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه -. (¬4) من (س، ل، م).

186 - باب ما يقول بعد التشهد

186 - باب ما يَقُولُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ 983 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ بْن مُسْلِمٍ، حَدَّثَنا الأَوْزاعِيُّ، حَدَّثَنِي حَسّان بْن عَطِيَّةَ، حَدَّثَنِي محَمَّد بْنُ أَبِي عائِشَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّدِ الآخِرِ فَلْيَتَعَوَّذْ باللهِ مِنْ أَرْبَعٍ مِنْ عَذاب جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذابِ القَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيا والمَماتِ وَمِنْ شَرِّ المَسِيحِ الدَّجَّالِ" (¬1). 984 - حَدَّثَنا وَهْبُ بْن بَقِيَّةَ، أَخْبَرَنا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ اليَمامِيّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ طاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ طاوُسٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كانَ يَقُول بَعْدَ التَّشَهُّدِ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذابِ جَهَنَّمَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذابِ القَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجّالِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيا والمَماتِ" (¬2). 985 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن عَمْرٍو أَبُو مَعْمَرِ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ، حَدَّثَنا الحسَين المعَلِّمُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّ مِحْجَنَ بْنَ الأَدْرَعِ حَدَّثَهُ قال: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - المَسْجِدَ فَإِذا هُوَ بِرَجُلٍ قَدْ قَضَى صَلاتَهُ وَهُوَ يَتَشَهَّد وَهُوَ يَقول: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ يا اللهُ الأَحَدُ الصَّمَدُ، الذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكنْ لَه كُفُوًا أَحَدٌ أَنْ تَغْفِرَ لي ذُنُوبِي إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ. قال: فَقال: "قَدْ غُفِرَ لَهُ قَدْ غُفِرَ لَهُ". ثَلاثًا (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1377)، ومسلم (588). (¬2) رواه مسلم (590). وسيأتي برقم (1542). (¬3) رواه النسائي 3/ 52، وأحمد 4/ 338، وابن خزيمة (724)، والحاكم 1/ 265. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (905).

باب ما يَقُولُ بَعد التَّشَهُد [983] (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ) الحافظ أبو (¬1) العباس عالم أهل الشام، يقال: من كتب مصنفاته صلح للقضاء وهي سبعون كتابًا (¬2) (حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ) أبي بكر المحاربي (¬3). (حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَائِشَةَ) ويقال: محمد بن عبد الرحمن بن أبي عائشة المدني مولى بني أمية، قدم دمشق وسكنها، أخرج له مسلم (أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّدِ الآخِرِ) بمد الهمزة، ولفظ النسائي: إذا تشهد أحدكم (¬4). (فَلْيَتَعَوَّذْ باللهِ مِنْ أَرْبَعٍ: مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ القَبْرِ) قال القرطبي: فيه الحجة على صحة اعتقاد أهل السنة فى عذاب القبر وأنه حق، ويرد على المبتدعة المخالفين فى ذلك (¬5). (وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالْمَمَاتِ) أي: الحياة والموت، ويحتمل زمان ذلك؛ لأن ما كان معتل العين من الثلاثي فقد يأتي المصدر والزمان والمكان بلفظ واحد، ويريد بذلك محنة الدنيا وما بعدها من محنة القبر وغيره، ويحتمل أن يريد بذلك حالة الاحتضار وحالة المساءلة ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) انظر: "الكاشف" (6094). (¬3) في (ص، س): الحاوي. وفي (ل): الحادي. (¬4) "سنن النسائي" 3/ 58. (¬5) "المفهم" 2/ 207.

في القبر، فكأنه لما استعاذ من فتنة هذين المقامين سأل التثبيت فيهما كما قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} (¬1). (وَمِنْ شَرِّ المَسِيحِ) سمي بذلك؛ لأن عينه الواحدة ممسوحة، أي: ذهبت عينه واستوى موضعها وقيل: لأنه يمسح الأرض أي: يقطعها، وقال أبو الهيثم: إن المسيخ بوزن سكيت وآخره خاء معجمة وأنه الذي مسخ خلقه أي شوه، والأول أصح (الدَّجَّالِ) على وزن فعال من أبنية المبالغة أي: يكثر منه الكذب والتلبيس وأصل الدجل الخلط، يقال: دجل إذا لبس وموَّه. [984] (حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ) بفتح الموحدة وكسر القاف الواسطي شيخ مسلم. (أخبرنا عمر بن يونس اليمامي) بفتح المثناة تحت وتخفيف الميم نسبة إلى اليمامة مدينة بالبادية من بلاد العوالي أكثر أهلها بني حنيفة وبها نشأ مسيلمة الكذاب. (حَدَّثَني مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ طَاوُسٍ) اليماني، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2) له هذا الحديث فقط (عَنْ أَبِيهِ) عبد الله بن طَاوُس بن كيسان اليماني، عن (أبيه (1) [(طاوس) بن] (¬3) كيسان الخولاني الهمداني، أحد أعلام التابعين. ¬

_ (¬1) إبراهيم: 27. (¬2) 9/ 32. (¬3) من (ل، م).

(عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ) الفتنة ينصرف معناها على وجوه، وأصلها الاختبار على الثبات على الإيمان عند (¬1) خروج الدجال (وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالْمَمَاتِ) اختلفوا في المراد بفتنة الموت فقيل: فتنة القبر. ويحتمل أن يراد بالفتنة الفتنة عند الاحتضار. [985] (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو) بن أبي الحجاج ميسرة المنقري مولاهم، البصري (أَبُو مَعْمَرٍ) المقعد شيخ البخاري (حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ) ابن سعيد بن ذكوان التميمي، مولاهم، البصري الحافظ (حَدَّثَنَا الحُسَينُ) (¬2) بن ذكوان البصري (¬3) (الْمُعَلِّمُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ) بن الحصيب، قاضي مرو وعالمها (عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ عَلِيٍّ) المدني (¬4) الأسلمي، أخرج له مسلم. (أَنَّ مِحْجَنَ) بكسر الميم وسكون الحاء المهملة بعدها جيم مفتوحة (¬5) ثم نون (بْنَ الأَدْرَعِ) بفتح الهمزة وسكون الدال المهملة بعدها راء وعين مهملتان أسلمي من ولد أسلم بن أفصى، سكن البصرة واختط مسجدها، وقال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ارموا وأنا مع ابن ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): الحسن. (¬3) في (م): المصري. (¬4) في (ص، س، ل): المديني. (¬5) من (س، ل، م).

الأدرع" (¬1) له في الكتب الستة هذا الحديث وحديث آخر. (حَدَّثَهُ قَال: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - المَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدْ قَضَى صَلَاتَهُ وَهُوَ يَتَشَهَّدُ) في آخرها (وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ يَا اللهُ) أعظم الأسماء، أسألك أني أشهد أن لا إله إلا أنت (الأَحَدُ الصَّمَدُ الذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ. قَال: فَقَال) له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كذا للنسائي (¬2) (قَدْ غُفِرَ لَهُ) أي غفر الله له ذنوبه يعني: الصغائر كلها (¬3) (قالها ثَلَاثًا) أي: ثلاث مرات ليؤكد (¬4) للسامع، وفي رواية للمصنف وغيره: "لقد سأل الله باسمه الأعظم" (¬5). * * * ¬

_ (¬1) أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (4695)، والحاكم 2/ 94 من حديث أبي هريرة، وأورده الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1439). (¬2) من (س، ل، م). (¬3) "المجتبى" 3/ 52. (¬4) في (م): لتأكيد. (¬5) سيأتي برقم (1494)، ورواه أيضا الترمذي (3475)، وابن ماجه (3857)، وأحمد 5/ 349 من حديث بريدة - رضي الله عنه -. قال الترمذي: حديث حسن غريب. وقال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (1341): إسناده صحيح.

187 - باب إخفاء التشهد

187 - باب إِخْفاءِ التَّشَهُّدِ 986 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن سَعِيدٍ الكِنْدِيُّ، حَدَّثَنا يُونُسُ -يَعْنِي ابن بُكَيْرٍ- عَنْ محَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قال: مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يُخْفَى التَّشَهُّدُ (¬1). * * * باب إِخفَاءِ التَّشَهُّدِ [986] (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ) بن حصين (الْكِنْدِيُّ) الكوفي شيخ الجماعة (حَدَّثَني يُونُسُ بن بُكَيبر) أبو بكر الشيباني (¬2) الحافظ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن الأسود (¬3)، عن أبيه) (¬4) الأسود بن يزيد النخعي (عَنْ عَبْدِ اللهِ) بن مسعود (قَال: مِنَ السُّنَّةِ أَنْ تُخْفي) بضم المثناة فوق وكسر الفاء (التَّشَهُّدُ) يدخل (¬5) في إطلاقه التشهد الأول والثاني وفي الليل والنهار، وقد أجمع العلماء على الإسرار بالتشهدين وكراهة الجهر بهما لهذا الحديث، وقد صححه الحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم (¬6). * * * ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (291)، وابن خزيمة (706) من طريق يونس بن بكير. وقال الترمذي: حديث حسن غريب. وقال الألباني (906): حديث صحيح. (¬2) في (ل، م): السيباني. (¬3) من (ل، م). (¬4) زاد في (ص، س): بن. وهي مقحمة. (¬5) زاد في (م): فيه. (¬6) "المستدرك" 1/ 230.

188 - باب الإشارة في التشهد

188 - باب الإِشارَةِ فِي التَّشَهُّدِ 187 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَليِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُعاوِيِّ قال: رآنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ وَأَنا أَعْبَثُ بِالحَصَى فِي الصَّلاةِ فَلَمّا انْصَرَفَ نَهانِي قال: اصْنَعْ كَما كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُ. فَقُلْتُ: وَكَيْفَ كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُ قال: كانَ إِذا جَلَسَ فِي الصَّلاةِ وَضَعَ كَفَّهُ اليُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ اليُمْنَى وَقَبَضَ أَصابِعَهُ كلَّها وَأَشارَ بِأصْبُعِهِ التِي تَلِي الإِبْهامَ وَوَضَعَ كَفَّهُ اليُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ اليُسْرَى (¬1). 988 - حَدَّثَنا محَمَّد بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ البَزّاز، حَدَّثَنا عَفّانُ، حَدَّثَنا عَبْدُ الواحِدِ بْن زِيادٍ، حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ حَكِيمٍ، حَدَّثَنا عامِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ قال: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا قَعَدَ فِي الصَّلاةِ جَعَلَ قَدَمَهُ اليُسْرَى تَحْتَ فَخِذِهِ اليُمْنَى وَساقِهِ وَفَرَشَ قَدَمَهُ اليُمْنَى وَوَضَعَ يَدَهُ اليُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ اليُسْرَى وَوَضَعَ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ اليُمْنَى وَأَشارَ بِأُصْبُعِهِ. وَأَرانا عَبْدُ الواحِدِ وَأَشارَ بِالسَّبّابَةِ (¬2). 989 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ الحَسَنِ الِمصِّيصِيُّ، حَدَّثَنا حَجّاجٌ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ عَنْ زِيادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلانَ، عَنْ عامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ إِذا دَعا وَلا يُحَرِّكُها. قال ابن جُرَيْجٍ وَزادَ عَمْرٌو بْنُ دِينارٍ قال: أَخْبَرَنِي عامِرٌ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُو كَذَلِكَ وَيَتَحامَلُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ اليُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ اليُسْرَى (¬3). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (580). (¬2) رواه مسلم (579). وانظر الحديثين التاليين. (¬3) انظر السابق. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (909)، قال: إسناده من طريق ابن عجلان حسن، لكن قوله: ولا يحركها ... شاذ؛ لتفرد ابن عجلان به.

990 - حَدَّثَنا محَمَّد بْنُ بَشّارٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى، حَدَّثَنا ابن عَجْلانَ، عَنْ عامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ بهذا الحَدِيثِ قال: لا يُجاوِزُ بَصَرُهُ إِشارَتَهُ. وَحَدِيثُ حَجّاجٍ أَتَمُّ (¬1). 991 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنا عُثْمانُ -يَعْنِي: ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ-، حَدَّثَنا عِصامُ بْن قُدامَةَ -مِنْ بَنِي بُجَيْلَةَ-، عَنْ مالِكِ بْنِ نُمَيْرٍ الخزاعِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قال: رأيْت النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - واضِعًا ذِراعَة اليُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ اليُمْنَى رافِعًا أُصْبُعَهُ السَّبّابَةَ قَدْ حَناها شَيْئًا (¬2). * * * باب الإِشَارَةِ بالتَّشَهُّدِ [987] (حَدَّثَنَا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ) يسار المدني، أخرج له الشيخان. (عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (¬3) المُعَاوِيِّ) بضم الميم وتخفيف العين المهملة نسبة إلى معاوية بن مالك بن عوف بن عمرو [بن عوف] (¬4) بن مالك من الأوس بطن من الأنصار، الأنصاري المدني التابعي، أخرج له مسلم (قال: رآنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - وَأَنَا أَعْبَثُ بِالْحَصَى فِي ¬

_ (¬1) انظر الحديثين السابقين. (¬2) رواه النسائي 3/ 38، 39، وابن ماجه (911)، وأحمد 3/ 471، وابن خزيمة (715، 716)، وابن حبان (1946). وقال الألباني في "ضعيف أبي داود" (176): إسناده ضعيف لجهالة مالك بن نمير، وقد تفرد بذكر إحناء السبابة من بين كل من روى الإصبع في التشهد، فهي زيادة منكرة. (¬3) في (ص): عبد الله. (¬4) من (ل، م).

الصَّلَاةِ) [لفظ مسلم: بالحصباء (¬1). بزيادة الموحدة والمد، وهي صغار الحصى] (¬2)، والمراد بالحصى هو الحصى الذي كان (¬3) في أرض مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - مفروشًا يصلى عليه لا حائل بين المصلي وبينه، وكانوا إذا سجدوا سووا الحصى بأيديهم لموضع السجود فنهوا عنه. (فَلَمَّا انصَرَفَ) من الصلاة (نَهَانِي) فيه دليل على تحريم الكلام في الصلاة، لأنه ترك النهي إلى أن خرج من الصلاة، إذ لو كان جائزًا فيها لما أخره، وفيه دليل على كراهة العبث في الصلاة وتحريك اليد لغير حاجة. (وَقَال: اصْنَعْ كمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُ) فيه التأسي بأفعاله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة وغيرها لقوله: "صلوا كلما رأيتموني أصلي" (¬4) (فَقُلْتُ وَكَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُ؟ قَال: كَانَ (¬5) إِذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ وَضَعَ كفهُ اليُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ اليُمْنَى وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ كلَّهَا) الوسطى والبنصر والخنصر يقبضها إلى باطن كفه [ويعطف إصبعه الإبهام إلى باطن كفه] (¬6) أيضًا ويرسل المسبحة ليشير بها، وهذِه الكيفية هي المعروفة بعاقد ثلاث وخمسين. ¬

_ (¬1) لفظ مسلم (580/ 116) بالحصى. ولعله أراد لفظ مالك فسبقه القلم. انظر: "الموطأ" 1/ 88. (¬2) تأخرت هذه العبارة في (م) فجاءت في آخر الفقرة بعد قوله: فنهوا عنه. (¬3) من (س، ل، م). (¬4) أخرجه البخاري (631) من حديث مالك بن الحويرث. (¬5) من (م). (¬6) من (ل، م).

(وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ) كذا في مسلم و"الموطأ" (¬1) (الَّتِي تَلِي الإِبْهَامَ) وهي المسبحة، قال في "الروضة": تكره الإشارة بالمسبحة اليسرى سواء كان مقطوع اليد اليمنى أم لا (¬2) (وَوَضَعَ كَفَّهُ اليُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ اليُسْرَى) أي: على طرف ركبته (¬3) منشورة الأصابع بحيث تسامت رؤوسها الركبة. [988] (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرحيم البَزَّازُ) بزاءين معجمتين [كما تقدم] (¬4) (قال: أنبأنا عَفَّانُ) بن مسلم الصفار الحافظ قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ) قال: (حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ) بفتح المهملة وكسر الكاف وسكون المثناة، ابن عباد الأوسي (حَدَّثَنَا عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيرِ، عَنْ أَبِيهِ) عبد الله بن الزبير. (قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَعَدَ فِي الصَّلاةِ جَعَلَ قَدَمَهُ اليُسْرَى تَحْتَ فَخِذِهِ اليُمْنَى) ولفظ رواية مسلم (¬5): وجعل قدمه اليسرى بين فخذه (وَسَاقِهِ) بالجر أي: وتحت ساقه (وَفَرَشَ قَدَمَهُ اليُمْنَى) هكذا الرواية للمصنف ومسلم، ولا يصح غيرها (¬6) نقلًا وقد أشكلت هذِه اللفظة على جماعة حتى قال أبو محمد الخشني: صوابه: وفرش قدمه اليسرى ورأى أنه غلط؛ لأن المعروف في اليمنى أنها منصوبة كما تقدم في حديث ابن (¬7) عمر (¬8)، قال القرطبي: والصواب حمل الرواية ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (580/ 116)، "الموطأ" 1/ 88 - 89. (¬2) "روضة الطالبين" 1/ 262. (¬3) في (ص، س، ل): ركبتيه. (¬4) من (م). (¬5) "صحيح مسلم" (579) (112). (¬6) في (ص، س): تميزها. (¬7) في (ص، س): أبي. (¬8) سبق برقم (958).

على الصحة وعلى ظاهرها وأنه - صلى الله عليه وسلم - في هذِه الكرة لم ينصب قدمه اليمنى ولا فتح أصابعه كما تقدم وإنما باشر الأرض بجانب رجله اليسرى وبسطها عليها إما لعذر كما كان ابن عمر يفعل حيث (¬1) قال: إن رجليَّ لا تحملاني (¬2). وإما ليبين أن نصبها وفتح أصابعها ليس بواجب. قال: وهذا هو الأظهر (¬3). (وَوَضَعَ يَدَهُ اليُسْرَى عَلَى) طرف (رُكْبَتِهِ اليُسْرَى) بحيث تسامت رؤوسها الركبة (وَوَضَعَ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ اليُمْنَى) يعني: مفتوحة (¬4) الأصابع كما تقدم في الرواية قبلها (وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ. وَأَرَانَا عَبْدُ الوَاحِدِ) ابن زياد الكيفية بقوله: (وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ) اسم عربي للأصبع المسبحة، سميت بذلك؛ لأنه يشار بها عند المسب. [989] (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الحَسَنِ المِصِّيصِي) بكسر الميم والصاد المشددة نسبة إلى المصيصة مدينة على ساحل البحر (حَدَّثَنَا حَجَاجٌ) بن محمد الأعور (عن) عبد الملك (ابْنِ جُرَيْج، عَنْ زِيَادٍ) بن إسماعيل، أخرج له مسلم (عَنْ مُحَمَدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ) أبيه (عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيرِ - رضي الله عنهما - أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ) السبابة (إِذَا دَعَا) أي قال: لا إله إلا الله. وسمي التهليل دعاء؛ لأنه بمنزلته في استحقاق (¬5) ثواب الله وجزائه كالحديث الآخر: "إذا شغل عبدي ¬

_ (¬1) في (ص، س): حين. (¬2) أخرجه البخاري (827). (¬3) "المفهم" 2/ 200. (¬4) في (ص، س، ل): مقبوضة. (¬5) في (م): استيعاب.

[ثناؤه عليَّ] (¬1) عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين" (¬2)، وفي حديث هرقل: "أدعوك بدعاية الإسلام" (¬3) أي: بدعوته، وهي كلمة الشهادة التي يدعا إليها أهل الملل الكافرة. (وَلَا يُحَرِّكُهَا) ولابن حبان: يشير بإصبعه ولا يحركها ويقول: إنها مدية الشيطان (¬4). والمدية بضم الميم و [سكون] (¬5) الدال هي السكين. وفي تحريك الأصبع (¬6) إذا رفعها للإشارة خلاف، والأصح أنه لا (¬7) يحركها لهذا الحديث، وقيل: يستحب التحريك لرواية ابن حجر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعله (¬8)، والحديثان صحيحان كما قاله البيهقي (¬9)، وقيل: إن التحريك حرام مبطل للصلاة حكاه في "شرح المهذب" (¬10). ولفظ رواية وائل بن حجر المتقدمة: فرأيته يحركها يدعو بها (¬11). ¬

_ (¬1) في (ص): ثنائي غنى. وفي (م): عبد كبناه. (¬2) أخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد، بلفظ: "من شغله القرآن عن ذكري ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين". (2926) وقال: هذا حديث حسن غريب. وضعفه الألباني في "المشكاة" (2136)، وقال: ضعيف جدًّا. (¬3) رواه البخاري (7)، ومسلم (1773). (¬4) "الثقات" 7/ 448 من حديث ابن عمر، بلفظ: "مذبة الشيطان" بدل "مدية الشيطان". (¬5) في (ص، س، ل): تشديد. (¬6) في (ص، س، ل): الأصابع. (¬7) من (س، ل، م). (¬8) سبق برقم (726، 957). (¬9) انظر: "السنن الكبرى" 2/ 131. (¬10) 3/ 434، وقال النووي عقبه: وهو شاذ ضعيف. (¬11) هذا اللفظ رواه النسائي 2/ 126، 3/ 37، وأحمد 4/ 318، والدارمي (1397).

قال القرطبي: وإلى هذا ذهب أكثر العلماء وأكثر أصحابنا ثم من (¬1) قال بالتحريك فهل (¬2) يواليه أم لا؟ اختلف فيه على قولين، وسبب اختلافهم في ماذا (¬3) تعلل به ذلك التحريك، فأما من والى التحريك فيؤول ذلك بأنها مذكرة بموالاة الحضور (¬4) في الصلاة وبأنها مقمعة مدفعة للشيطان، ومن لم يوال رأى تحريكها عند التلفظ بكلمتي الشهادة فقط ويؤول في الحركة كانها نطق تلك الجارحة بالتوحيد (¬5). (قَال ابن جُرَيْجٍ: وَزَادَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ) في روايته (¬6) (قَال: أَخْبَرَنِي عَامِرٌ) بن عبد الله (عَنْ أَبِيهِ) عبد الله بن عمر. (أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُو كَذَلِكَ) يعني: يرفعها من غير تحريك (وَيَتَحَامَلُ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ (¬7) اليُسْرَى) أي (¬8): ويميلها في القبلة، من قولهم كما قال الجوهري (¬9): تحامل عليه إذا مال (عَلَى) طرف (فَخِذِهِ اليُسْرَى) مبسوطة عليه. [990] (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى) بن سعيد القطان (حَدَّثَنَا) محمد (ابْنُ عَجْلَانَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ) ¬

_ (¬1) في (ص، س): ممن. (¬2) في (ص): فهو. (¬3) في (ص): فيماذا. وفي (ل، م): فماذا. (¬4) في (م): الحصول. (¬5) "المفهم" 2/ 202. (¬6) في (ص، س، ل): رواية. (¬7) من (س، ل، م). (¬8) سقط من (م). (¬9) "الصحاح" (حمل).

عبد الله بن الزبير بن العوام (بهذا الحَدِيثِ) و (قَال) فيه (لَا يُجَاوِزُ بَصَرُهُ) بالرفع (إِشَارَتَهُ) انفرد به أبو داود بزيادة على النسائي (¬1)، أي: رؤية (¬2) إصبعه التي يشير بها للقبلة. قال النووي (¬3): السنة أن لا يجاوز بصره إشارته يعني: أشار (¬4) بإصبعه يعني: لا ينظر إلى السماء حين إشارته بإصبعه لتجتمع العبادة بالثلاث وهي إصبعه وبصره وقلبه الذي هو أهم الثلاثة فينوي به التوحيد والإخلاص لله تعالى (وَحَدِيثُ حَجَّاح أَتَمُّ) من حديث النسائي وغيره. [991] (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيلِيُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ (¬5)، حَدَّثَنَا عِصَامُ بْنُ قُدَامَةَ) الكوفي وثقه النسائي وغيره (¬6) (مِنْ بَنِي بجيلة) بفتح الموحدة حي (¬7) من اليمن. (عن مالك بن نمير) بضم النون مصغر، ويقال (¬8): ابن أبي نمير (الخزاعي) ويقال: الأزدي. سكن البصرة، كنيته أبو مالك كني بابنه مالك، قال ابن القطان: لا يعلم روى عنه غير عصام (¬9) بن قدامة (¬10) ¬

_ (¬1) "المجتبى" 3/ 39. (¬2) في (م): رواية. (¬3) شرح النووي على مسلم" 5/ 81 - 82. (¬4) من (م). (¬5) بياض في (ل، م) بقدر ثلاث كلمات. (¬6) "تهذيب الكمال" 20/ 60. (¬7) من (ل، م). (¬8) في (م): قال. (¬9) في (ص، س): عاصم. (¬10) "بيان الوهم والإيهام" 4/ 170.

قال أبو القاسم البغوي: لا أعلم نميرًا روى حديثًا مسندًا غير هذا (عَنْ أبيه) أبي (¬1) (مالك نمير بن أبي نمير الخزاعي) ويقال: الأزدي. سكن البصرة. (قال: رأيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -) زاد النسائي: قاعدًا (¬2) في الصلاة (¬3). (وَاضِعًا ذِرَاعَهُ) لفظ ابن حبان وابن ماجه: واضعًا يده اليمنى (¬4). (عَلَى فَخِذِهِ اليُمْنَى رَافِعًا أُصْبُعَهُ السَّبَّابَةَ قَدْ حَنَاهَا) بفتح الحاء وتخفيف النون (شَيْئًا) ولفظ النسائي: أحناها. بزيادة الهمزة، بوَّب عليه ابن حبان ذكر البيان بأن المشير بالسبابة يجب أن يعوجها قليلًا، وزاد هو والنسائي: وهو يدعو وروى ابن حبان (¬5) عن ابن عمر: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هي أشد على الشيطان من الحربة" (¬6) يعني السبابة. قال المحاملي في "اللباب" يستحب أن يميل مسبحته قليلًا عند رفعها ليكون رأسها للقبلة. * * * ¬

_ (¬1) في (م): أي. (¬2) سقط من (م). (¬3) "المجتبى" 3/ 39. (¬4) "سنن ابن ماجه" (911)، "صحيح ابن حبان" (1946). (¬5) في (ص، ل): أبو حيان. (¬6) أخرجه أحمد 2/ 119. وقال: الحديد بدلًا من الحربة. وقال الهيثمي في "المجمع" 2/ 334: فيه كثير بن زيد، وثقه ابن حبان وضعفه غيره.

189 - باب كراهية الاعتماد على اليد في الصلاة

189 - باب كراهِيَةِ الاعْتِمادِ عَلَى اليَدِ فِي الصَّلاةِ 992 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَبُّويَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رافِعٍ وَمُحَمَّدُ بْن عَبْدِ الْمَلِكِ الغَزّال قالوا: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ إِسْماعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قال: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: أَنْ يَجْلِسَ الرَّجُلُ فِي الصَّلاةِ وَهُوَ مُعْتَمِدٌ عَلَى يَدِهِ. وقال ابن شَبُّويَةَ: نَهَى أَنْ يَعْتَمِدَ الرَّجُلُ عَلَى يَدِهِ فِي الصَّلاةِ. وقال ابن رافِعٍ: نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ وَهُوَ مُعْتَمِدٌ عَلَى يَدِهِ. وَذَكَرَهُ فِي بابِ الرَّفْعِ مِنَ السُّجُودِ. وقال ابن عَبْدِ الْمَلِكِ: نَهَى أَنْ يَعْتَمِدَ الرَّجُلُ عَلَى يَدَيْهِ إِذا نَهَضَ فِي الصَّلاةِ (¬1). 113 - حَدَّثَنا بِشْرُ بْنُ هِلالٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ، عَنْ إِسْماعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ سَأَلْتُ: نافِعًا عَنِ الرَّجُلِ يُصَلِّي وَهُوَ مُشَبِّكٌ يَدَيْهِ؟ قال: قال ابن عُمَرَ: تِلْكَ صَلاة المغْضُوبِ عَلَيْهِمْ (¬2). 994 - حَدَّثَنا هارُون بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي الزَّرْقاءِ، حَدَّثَنا أَبِي ح، وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ وهذا لَفْظُهُ جَمِيعًا، عَنْ هِشامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَتَّكِئُ عَلَى يَدِهِ اليُسْرَى وَهُوَ قاعِدٌ فِي الصَّلاةِ وقال هارُونُ بْنُ زَيْدٍ: ساقِطًا عَلَى شِقِّهِ الأيْسَرِ ثُمَّ اتَّفَقا فَقال لَهُ لا تَجْلِسْ هَكَذا فَإِنَّ هَكَذا يَجْلِسُ الذِينَ يُعَذَّبُونَ (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 147، وابن خزيمة (692). قال الألباني في "صحيح أبي داود" (911): إسناده صحيح على شرط الشيخين، لكن الرواية الأخيرة: إذا نهض في الصلاة ... شاذة. (¬2) رواه البيهقي 2/ 289 من طريق أبي داود. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (912). (¬3) رواه أحمد 2/ 116، والبيهقي 2/ 136. =

باب كَرَاهِيَةِ الاعْتِمَادِ عَلَى اليَدِ فِي الصَّلاةِ [992] (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ) بن ثابت الخزاعي، كنيته (ابْنِ شَبُّويَه) بفتح المعجمة وتشديد الموحدة (وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ) النيسابوري (وَ) أبو بكر (مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ) بن زنجويه البغدادي (الْغَزَّال) بفتح الغين المعجمة والزاي المشددة (قَالوا) الثلاثة (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ (¬1) إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ) بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي المكي. (عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قَال نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَال: أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ) في روايته (أَنْ يَجْلِسَ الرَّجُلُ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ مُعْتَمِدٌ عَلَى يَدِه) الرواية الصحيحة: على يديه. قال شارح "المصَابيح": أي وهو متكئ على يده يعني إذا جلس للتشهد لا يضع يده على الأرض بل يضعها على ركبتيه. انتهى، ويدخل في النهي، النهي عن وضع يده على الأرض إذا جلس بين السجدتين. (وَقَال) أحمد بن محمد (ابْنُ شَبُّويَه) في روايته (نَهَى أَنْ يَعْتَمِدَ الرَّجُلُ عَلَى يَدِهِ) [بل يضعها على فخذه، والحديث يشمل اليد اليمنى واليسرى] (¬2). وَقَال) محمد (¬3) (ابْنُ رَافِعٍ نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ وَهُوَ ¬

_ = وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (913). (¬1) في (ص، س): ابن. (¬2) من (ل، م). (¬3) من (ل، م).

مُعْتَمِدٌ عَلَى يَدِهِ. وَذَكَرَهُ فِي بَابِ الرَّفْعِ مِنَ السجدة) يعني الأولى، بل يضعها على ركبته (¬1). (وَقَالَ) محمد (ابْنُ عَبْدِ المَلِكِ) في روايته (نَهَى أَنْ يَعْتَمِدَ الرَّجُلُ عَلَى يَدَيْهِ إِذَا نَهَضَ [في الصلاة) قال شارح "المصَابيح": يعني لا يضع يديه على الأرض ولا يتكئ عليها إذا نهض] (¬2) للقيام، وهذِه الرواية حجة للحنفية (¬3)، واختيار (¬4) الخرقي، وهو مروي عن عمر وعلي (¬5) وابن مسعود وابن عمر (¬6) وابن عباس، وبه يقول مالك وأصحاب الرأي، وقال أحمد: أكثر الأحاديث على أنه لا يجلس للاستراحة ولا يضع يديه معتمدًا عليهما. وذهب الشافعي (¬7) إلى أنه يجلس، وبه قال مالك بن الحارث (¬8) وأبو حميد ورواية عن أحمد، وحجة الشافعية حديث مالك بن الحويرث: أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدًا. رواه البخاري (¬9). وأجابوا عن قول أحمد أنه الذي عليه أكثر الأحاديث، فمراده أن أكثر الأحاديث ليس فيها ذكر الجلسة إثباتًا ولا نفيًا، واحتجوا على ¬

_ (¬1) في (م): ركبتيه. (¬2) من (ل، م). (¬3) "المبسوط" للسرخسي 1/ 111. (¬4) في (ص، س): اختار. (¬5) رواه ابن أبي شيبة 3/ 333 (4020)، والبيهقي 2/ 136. (¬6) رواه البيهقي 2/ 136. (¬7) "الأم" 1/ 227، وانظر: "المجموع" 3/ 443. (¬8) هكذا في النسخ ولعل الصواب: الحويرث. (¬9) "صحيح البخاري" (823).

الاعتماد على الأرض للقيام بحديث أيوب السختياني (¬1) عن أبي قلابة، وفيه: فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية جلس واعتمد على الأرض ثم قام، رواه البخاري في "صحيحه" (¬2). وأجابوا عن حديث ابن عمر هذا بأنه ضعيف من وجهين: أحدهما: أن راويه (¬3) محمد بن عبد الملك مجهول، والثاني: أنه مخالف لرواية الثقات؛ لأن أحمد بن حنبل [رفيق الغزال] (¬4) في الرواية لهذا الحديث عن عبد الرزاق، وقال فيه: نهى أن يجلس الرجل في الصلاة وهو يعتمد على يده (¬5). ولم يقل بالاعتماد على إحدى اليدين دون الأخرى أحد، وقد تقدم ذلك كله، وقد علم من قاعدة المحدثين وغيرهم أن من خالف الثقات كان حديثه شاذًّا مردودًا، وعلى تقدير صحة هذِه (¬6) الرواية فهي محمولة على أنه - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك في آخر عمره عند كبره وضعفه، وهذا فيه جمع بين الأخبار، وهو محمول على أنه فعله مرة لبيان الجواز. [993] (حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ هِلَالٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ قال: سَأَلْتُ نَافِعًا عَنِ الرَّجُلِ يُصَلِّي وَهُوَ مُشَبِّكٌ يَدَيْهِ) تشبيك اليد إدخال الأصابع بعضها في بعض، قيل: كره ذلك كما كره عقص الشعر والاحتباء. وقيل: التشبيك والاحتباء مما يجلب النوم فنهي عن ¬

_ (¬1) في (م): السجستاني. (¬2) (824). (¬3) في (م): رواية. (¬4) في (ص): رصف العوال. وفي (س): رفيق العوالي. (¬5) "مصنف عبد الرزاق" 2/ 179 (3054). (¬6) من (ل، م).

التعرض في الصلاة لما (¬1) ينقض الطهارة ويدل على (¬2) هذا ما رواه الإمام (¬3) أحمد بإسناد حسن عن مولى لأبي سعيد الخدري قال: بينا أنا مع أبي سعيد وهو (¬4) مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ دخلنا المسجد (¬5) فإذا رجل جالس في وسط المسجد محتبيًا مشبكًا أصابعه بعضها في بعض، فأشار إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلم يفطن الرجل لإشارة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فالتفت إلى أبي سعيد فقال: "إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبكن، فإن التشبيك من الشيطان" (¬6). وتأول بعضهم أن تشبيك اليد كناية عن ملابسته الخصومات والخوض فيها، واحتج بما في الحديث حين ذكر الفتن: وشبك بين أصابعه، وقال: اختلفوا فكانوا هكذا (¬7). (قَال: قَال ابن عُمَرَ: تِلْكَ صَلَاةُ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) يحتمل أن يراد أنها تشبه صلاة اليهود، والجمهور على أن المغضوب عليهم في الآية اليهود كما جاء مفسرًا في رواية الترمذي (¬8) وقيل: المغضوب عليهم ¬

_ (¬1) في (ص): عما. وفي (س): مما. (¬2) في (م): عن. (¬3) من (ل، م). (¬4) ساقطة من (ص). (¬5) سقط من (م). (¬6) "مسند أحمد" 3/ 42. (¬7) سيأتي برقم (4342، 4343)، وأخرجه أيضًا أحمد 2/ 220، والحاكم في "المستدرك" 2/ 159 من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وسيأتي تخريجه في باب الأمر والنهي. (¬8) "سنن الترمذي" (2953).

باتباع البدع وارتكابها، ووجهه أن التشبيك في الصلاة من الهيئات المبتدعة، ومعنى الغضب في صفات الله تعالى إرادة العقوبة بمن فعل ما يوجب غضبه، فهي صفة ذات، وإرادة الله تعالى من صفات (¬1) ذاته (¬2). [994] (حَدَّثَنَا هَارُون بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي الزَّرْقَاءِ) الموصلي نزيل الرملة، ثقة (¬3) (حَدَّثَنَا أَبِي) أبو محمد زيد بن أبي الزرقاء المحدث الموصلي الزاهد، صدوق (¬4). ([ح] وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ) بن عبد الله بن أبي فاطمة المرادي الجملي (¬5)، شيخ مسلم (حَدَّثَنَا) عبد الله (ابْنُ وَهْب، وهذا لَفْظُهُ) كلاهما عن هشام بن سعد القرشي المدني (¬6)، مولى لآل أبي لهب بن عبد المطلب أخرج له مسلم. (عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَتَّكِئُ (¬7) عَلَى يَدِهِ اليُسْرَى وَهُوَ ¬

_ (¬1) في (م): صفة. (¬2) هكذا رد صفة "الغضب" إلى صفة "الإرادة" أو أقحهما فيها، والصحيح أنها صفة دلت عليها القرآن والسنة، قال تعالى: {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ .. }، ووردت في أحاديث كثيرة منها ما رواه البخاري (2468)، ومسلم (1479)، ومعناه ثابت على الوجه الائق بالله فنثبته حقيقة بلا تمثيل، وصدق الله حين جمع لنفسه بين الإثبات ونفي المثيل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}. انظر: "لمعة الاعتقاد" لابن قدامة المقدسي (ص 10)، "شرح الطحاوية" لابن أبي العز الحنفي 2/ 685. (¬3) "الكاشف" 3/ 213. (¬4) "الكاشف" 1/ 339. (¬5) من (س، ل، م). (¬6) في (ل، م): المديني. (¬7) في (م): متكئ.

قَاعِدٌ فِي الصَّلَاةِ وَقَال: هَارُونُ بْنُ زَيْدٍ) (¬1) في روايته (وهو ساقط) أي مائل (عَلَى شِقِّهِ) بكسر الشين أي جانبه (الأيسَرِ ثُمَّ اتَّفَقَا) فيما بعد. (فَقَال: لَا تَجْلِسْ هَكَذَا) يحتمل أن يدخل في النهي كلا الفعلين وهما الاتكاء على اليد اليسرى أو الشق الأيسر وأن كلاهما جلسة الذين يعذبون (¬2) يوم القيامة، ويحتمل أن يراد بالرواية الأولى أن يتكئ على يده اليسرى وهي (¬3) خلف ظهره (فَإِنَّ) هذِه كيفية قوم يعذبون في النار، ولعل هؤلاء من الذين يؤتون كتابهم وراء ظهورهم، ويؤيد هذا ما رواه ابن حبان في "صحيحه" (¬4) والمصنف (¬5) من رواية الشريد بن سويد قال: مر بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا جالس وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري واتكأت على [إلية يدي] (¬6) فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقعد قعدة المغضوب عليهم" وزاد ابن حبان قال ابن جريج: وضع راحتيه على الأرض. فإن (هَكَذَا يَجْلِسُ الذِينَ يُعَذَبُونَ) بفتح الذال المشددة، أي: في النار يوم القيامة، أو يعذبون في الدنيا. * * * ¬

_ (¬1) في (ص، ل): يزيد. (¬2) في (م): يعدلون. (¬3) في (ص، س): هو. (¬4) (5674). (¬5) سيأتي برقم (4850). (¬6) في (ص): اليد اليمنى.

190 - باب في تخفيف القعود

190 - باب فِي تَخْفِيفِ القُعُودِ 995 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَة، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْراهِيمَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ في الرَّكْعَتَيْنِ الأولَيَيْنِ كَأَنَّهُ عَلَى الرَّضْفِ. قال: قُلْتُ: حَتَّى يَقُومَ. قال: حَتَّى يَقُومَ (¬1). * * * باب فِي تَخفِيفِ القُعُودِ [995] (حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ) الحوضي (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، ولي قضاء المدينة (عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ) بالتصغير اسمه عامر بن عبد الله بن مسعود قال الترمذي: حديثه حسن (¬2) إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه (¬3) [هذا (¬4) آخر كلامه. قال المنذري: احتج البخاري ومسلم بحديثه في "صحيحيهما" غير أنه لم يسمع من أبيه] (¬5) كما قاله الترمذي وغيره (¬6). وكذا قال (¬7) الترمذي في كتاب زكاة البقر (¬8): أبو عبيدة بن عبد الله ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (366)، والنسائي 2/ 243، وأحمد 1/ 386، 410، 428، 436، 460، قال الترمذي: هذا حديث حسن. وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (178). (¬2) بياض بالأصل. (¬3) "سنن الترمذي" عقب حديث (366). (¬4) في (م): هكذا. (¬5) من (ل، م). (¬6) "مختصر سنن أبي داود" للمنذري 1/ 458. (¬7) في (م): قاله. (¬8) في (ص، س): النقد.

لم يسمع من عبد الله (¬1). وساق بسنده إلى عمرو بن مرة قال: سألت أبا (¬2) عبيدة بن عبد الله: هل تذكر من عبد الله شيئًا؟ قال: لا (¬3). وقال الكلاباذي: ذكر أبو داود [حدثنا قتيبة أن] (¬4) شعبة قال: كان أبو عبيدة يوم مات أبوه ابن سبع سنين (¬5). وأخوه عبد الرحمن سمع من أبيه حديثًا واحدًا "محرم الحلال كمحل (¬6) الحرام" (¬7) (¬8). (عَنْ أَبِيهِ) عبد الله بن مسعود (عن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال كانَ) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جلس. كذا للترمذي (¬9) (فِي الرَّكْعَتَينِ الأُولَيَينِ) بضم الهمزة وسكون الواو تثنية أولى. (كَأَنَّهُ عَلَى الرَّضْفِ) بفتح الراء وسكون الضاد المعجمة بعدها فاء، وهي الحجارة المحماة على النار، ومنه حديث حذيفة وذكر الفتن: ثم التي تليها ترمي بالرضف (¬10). أي: هي في شدتها وحرها كأنها ترمي ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" عقب حديث (622). (¬2) في (ص، س، م): أبي. (¬3) سنن الترمذي" عقب حديث (624). (¬4) في (ص، س، ل): حديثًا فيه أن. (¬5) انظر: "تهذيب الكمال" 14/ 62. (¬6) في الأصول الخطية: كمحرم. والمثبت من مصادر التخريج. (¬7) أخرجه ابن الجعد في "مسنده" (2533)، والطبراني في "المعجم الكبير" 9/ 172 (8853). وقال الهيثمي في "المجمع" 1/ 177: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. (¬8) انظر: "معرفة الثقات" للعجلي (1052). (¬9) "سنن الترمذي" (366). (¬10) أخرجه الحاكم 4/ 464 - 465. وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.

بالرضف، وبين معناه النسائي فبوب عليه باب التخفيف في التشهد الأول (¬1) (قَال) شعبة كما صرح به الترمذي (¬2) وقال: ثم حرك سعد شفتيه بشيء فأقول (قُلْنا: حَتَّى يَقُومَ؟ قَال: حَتَّى يَقُومَ) [قال أصحابنا وغيرهم: يستحب تخفيف التشهد الأول فلا يزيد فيه على] (¬3) لفظ التشهد والصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والآل (¬4) أو استثناؤهما، ويكره أن يدعو فيه أو يطوله بذكر آخر، فإن فعل لم تبطل صلاته ولم يسجد للسهو. * * * ¬

_ (¬1) "المجتبى" 2/ 243. (¬2) "سنن الترمذي" (366). (¬3) من (ل، م). (¬4) في (م): أو الأول.

191 - باب في السلام

191 - باب فِي السَّلامِ 996 - حَدَّثَنا محَمَّد بْن كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ ح، وحَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن يُونُسَ، حَدَّثَنا زائِدَةُ ح، وَحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو الأحوَصِ ح، وحَدَّثَنا محَمَّد بْنُ عُبَيْدٍ المُحارِبِيُّ وَزِيادُ بْن أَيُّوبَ قالا: حَدَّثَنا عُمَرُ بْن عُبَيْدٍ الطَّنافِسِيُّ ح، وحَدَّثَنا تَمِيمُ بْنُ المُنْتَصِرِ، أَخْبَرَنا إِسْحاقُ -يَعْنِي ابن يُوسُفَ- عَنْ شَرِيكٍ ح، وحَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن مَنِيعٍ، حَدَّثَنا حُسَيْنُ بْنُ محَمَّدٍ، حَدَّثَنا إِسْرائِيلُ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي إِسْحاقَ، عَنْ أَبي الأحوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ وقال إِسْرائِيلُ: عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ والأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُسَلِّمُ، عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمالِهِ حَتَّى يُرَى بَياضُ خَدِّهِ: "السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ". قال أَبُو داوُدَ: وهذا لَفْظُ حَدِيثِ سُفْيانَ وَحَدِيث إِسْرائِيلَ لَمْ يُفَسِّرْهُ. قال أَبُو داوُدَ: وَرَواهُ زُهَيْرٌ عِنْ أَبِي إِسْحاقَ وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ إِسْرائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ وَعَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. قال أَبُو داوُدَ: شُعْبَة كانَ يُنْكرُ هذا الحَدِيثَ -حَدِيثَ أَبي إِسْحاقَ- أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا (¬1). 117 - حَدَّثَنا عَبْدَة بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ قَيْسٍ الحَضْرَمِيُّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وائِلٍ عَنْ أَبِيهِ قال: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَكانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ: "السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ". وَعَنْ شِمالِهِ: "السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ" (¬2). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (295)، والنسائي 3/ 63، وابن ماجه (914)، وأحمد 1/ 390، 408، 409، 444، 448، وابن خزيمة (728)، وابن حبان (1990). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (914). (¬2) رواه الطبراني 22/ 45 (115). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (915).

998 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيّا وَوَكِيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ ابن القِبْطِيَّةِ، عَنْ جابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قال: كنّا إِذا صَلَّيْنا خَلْفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَلَّمَ أَحَدُنا أَشارَ بِيَدِهِ مِنْ عَنْ يَمِينِهِ وَمِنْ عَنْ يَسارِهِ فَلَمّا صَلَّى قال: "ما بال أَحَدِكُمْ يَرْمِي بِيَدِهِ كَأَنَّها أَذْنابُ خَيلٍ شُمْسٍ إِنَّما يَكْفِي أَحَدَكُمْ -أَوْ أَلا يَكْفِي أَحَدَكُمْ- أَنْ يَقُولَ هَكَذا". وَأَشارَ بِأُصْبُعِهِ: "يُسَلِّمُ عَلَى أَخِيهِ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَمَنْ عَنْ شِمالِهِ" (¬1). 999 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْن سُلَيْمانَ الأَنْبارِيُّ، حَدَّثَنا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، بإِسْنادِهِ وَمَعْناهُ قال: "أَما يَكْفِي أَحَدَكُمْ -أَوْ أَحَدَهُمْ- أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ ثُمَّ يُسَلِّمُ عَلَى أَخِيهِ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَمَنْ عَنْ شِمالِهِ" (¬2). 1000 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا الأَعْمَشُ، عَنِ المُسَيَّبِ بْنِ رافِعٍ، عَنْ تَمِيمٍ الطّائِيِّ، عَنْ جابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قال: دَخَلَ عَلَيْنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - والنّاسُ رافِعُو أَيْدِيهِمْ -قال زهَيْرٌ: أُراهُ قال- فِي الصَّلاةِ فَقال: "ما لِي أَراكُمْ رافِعِي أَيْدِيكُمْ كَأَنَّها أَذْنابُ خَيْلٍ شُمْسٍ! اسْكُنُوا فِي الصَّلاةِ" (¬3). * * * باب فيِ السَّلَامِ [996] (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كثِيرٍ) العبدي البصري (أنبأنا سُفْيَانُ [ح] وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ) بن عبد الله (بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ [ح] وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ) سلام بن سليم الحنفي ([ح] وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيدٍ) بن محمد بن ثعلبة العامري الكوفي (الْمُحَارِبِيُّ) نسبة إلى ¬

_ (¬1) رواه مسلم (431). وانظر ما بعده، وما سيأتي برقم (1000). (¬2) انظر السابق. (¬3) رواه مسلم (430). وانظر الحديثين السابقين.

محارب قبيلة من قريش وهو محارب بن فهر بن مالك (وَزِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ) الطوسي شيخ البخاري (قَالا حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدٍ) أبو حفص (الطَّنَافِسِيُّ) الحنفي الإيادي مولاهم. [ح] (وَحَدَّثَنَا تَمِيمُ (¬1) بْنُ المُنْتَصِرِ) الواسطي (أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنَ يُوسُفَ) بن مرداس الأزرق (¬2) الواسطي (عَنْ شَرِيكٍ (¬3) [ح] وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا حُسَينُ بْنُ مُحَمَّدٍ) بن بهرام المعلم (ثنا (¬4) إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسحَاقَ) عمرو بن عبد الله السبيعي (عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ) عوف بن مالك الجشمي (عَنْ عَبْدِ اللهِ) بن مسعود (وَقَال إِسْرَائِيلُ) في روايته (عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ وَالأَسْوَدِ) بن يزيد النخعي. (عَنْ عَبْدِ اللهِ) بن مسعود (أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُسَلِّمُ) تسليمتين (¬5) (عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ حَتَّى يُرَى) بضم الياء مبني للمجهول (بَيَاضُ) بالرفع (خَدِّهِ) فيه دليل على (¬6) المبالغة في الالتفات إلى جهة اليمين وجهة (¬7) اليسار، وزاد النسائي فقال: حتى يرى بياض خده الأيمن، وعن يساره حتى يرى بياض خده الأيسر (¬8). وفي رواية له حتى يرى بياض ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ص): الأزرقي. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ص، س): سأل. (¬5) في (م): بتسليمتين. (¬6) في (ص): في. (¬7) في (ص): بوجهه. (¬8) "المجتبى" 3/ 63.

خده من هاهنا وبياض خده من هاهنا (¬1) (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ) المراد به هاهنا إما التحية وإما السلام والمُسَلَّم عليهم هم الملائكة والإمام ومن على يمين المصلي ويساره من ملائكة وإنس وجن (وَرَحْمَةُ اللهِ، السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ) مذهب الشافعي (¬2) أن السلام في الخروج من الصلاة ركن من أركانها لا تصح الصلاة إلا به ولا يقوم غيره مقامه وقال أبو حنيفة: لا يتعين السلام بل يحصل الخروج منها بأي شيء كان من قول أو فعل ليس من الصلاة، ولفظ السلام عنده سنة (¬3). (قَال المصنف: هذا لَفْظُ حَدِيثِ سُفْيَانَ، وَحَدِيثُ إسرائيل (¬4) لَمْ يُفَسِّرْهُ) يعني: لم يفسر السلام بل اقتصر على قوله: كان يسلم عن يمينه وعن شماله (قَال: وَرَوَاهُ زُهَيرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) السبيعي [(ويحيى بن آدم) بن سليمان الأموي (عن إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق (عن) جده (أبي إسحاق) السبيعي] (¬5) (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ) بن يزيد (عَنْ أَبِيهِ) الأسود بن يزيد النخعي (وَ) عن (عَلْقَمَةَ) بن قيس بن مالك النخعي (عَنْ عَبْدِ اللهِ) بن مسعود (قَال) المصنف: (شُعْبَةُ كَانَ يُنْكِرُ هذا الحَدِيثَ) يعني (حَدِيثَ) بالنصب على البدل (أَبِي إِسْحَاقَ) السبيعي. ¬

_ (¬1) السابق. (¬2) "الأم" 1/ 234. (¬3) "المبسوط" للسرخسي 1/ 268. (¬4) في (ص، س، ل): شريك. (¬5) من (س، ل، م).

[997] (حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ) بن عبدة الخزاعي الصفار، شيخ البخاري. (حَدَّثَنَا يَحْيىَ بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ قَيسٍ الحَضْرَمِيُّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، عن أبيه) وائل بن حجر -بضم المهملة وسكون الجيم- بن ربيعة الحضرمي (قَال صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَكَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ) عدى السلام بعن والقاعدة إنما يعدى بعلى، وفيه وجهان: أحدهما: أن عن ترد في الكلام بمعنى على كقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} (¬1). والثاني: أن معنى عن المجاوزة، [أراد يسلم] (¬2) مجاوزًا ليمينه ويساره. (السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ) وردت زيادة وبركاته في "صحيح ابن حبان" (¬3) من حديث ابن مسعود وهي عند ابن ماجه أيضًا، كذا قال ابن حجر (¬4)، ولم أرها عند (¬5) ابن ماجه [فيتعجب من ابن الصلاح] (¬6) حيث يقول: إن هذه الزيادة ليست في شيء من كتب الحديث. وقد صرّح بزيادتها السرخسي في "المدخل" وإمام الحرمين في "النهاية" (¬7) ¬

_ (¬1) محمد: 38. (¬2) في (ص): زاد مسلم. (¬3) "صحيح ابن حبان" (1993). (¬4) "التلخيص الحبير" 1/ 271. (¬5) في (م): في. وفي (ل): عن. (¬6) من (م). (¬7) "نهاية المطلب" 2/ 184.

والروياني في "الحلية"، وهذِه الأحاديث حجة لهم (وَعَنْ شِمَالِهِ السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وبركاته) (¬1). [998] (حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا) بن أبي زائدة الوادعي، الحافظ (وَوَكيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ) بكسر الميم [بن كدام] (¬2) (عَنْ عُبَيْدِ اللهِ) (¬3) بالتصغير (ابْنِ القِبْطِيَّةِ) بكسر القاف وسكون الموحدة عداده في الكوفيين، تابعي (عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ - رضي الله عنهما - قَال: كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَلَّمَ) بالفاء قبل السين (أَحَدُنَا أَشَارَ من) حرف جر دخلت على اسم وهو عن (¬4). (عَنْ يَمِينِهِ ومن (¬5) عَنْ يَسَارِهِ) ولفظ مسلم: كنا (¬6) إذا كنا (¬7) مع النبي - صلى الله عليه وسلم - قلنا: السلام عليكم ورحمة الله. وأشار بيده إلى الجانبين (¬8). ولفظ النسائي: قلنا: السلام عليكم. وأشار مسعر بيده عن يمينه وشماله (¬9). (فَلَمَّا صَلَّى قَال: مَا بَال أَحَدِكُمْ يَرْمِي) كذا الرواية بفتح الياء وسكون ¬

_ (¬1) ليست في مطبوع "سنن أبي داود". (¬2) سقط من (م). (¬3) زاد في (م): بن كرامة. (¬4) من (س، ل، م). (¬5) من (س، ل، م). (¬6) سقط من (م). (¬7) كذا في الأصول الخطية. ولفظ مسلم: صلينا. (¬8) "صحيح مسلم" (431) (120). (¬9) "سنن النسائي" 3/ 61.

الراء (بِيَدِهِ) وكذا رواية النسائي: "ما بال هؤلاء الذين يرمون بأيديهم". قال ابن الأثير: إن صحت الرواية بالراء (¬1) ولم يكن [تصحيفًا للواو] (¬2) بالراء فقد جعل الرمي باليد موضع الإيماء بها لجواز ذلك في اللغة، يقول: رميت ببصري إليك أي مددته ورميت بنفسي نحوك أي قصدتك، وكذلك رميت إليك بيدي أي: أشرت بها إليك والرواية المشهورة رواية (¬3) مسلم: "على ما تومنون" بهمزة مضمومة بعد الميم. والإيماء الإشارة أومأ يومئ إيماء وهم يومئون مهموزًا ولا تقل: أوميت بياء ساكنة قاله الجوهري (¬4). قال ابن الأثير: وقد جاء في رواية الشافعي يومُون بضم الميم بلا همز، فإن صحَّت الرواية فتكون قد أبدلت من الهمزة ياء، وشرط إبدالها إذا كانت ساكنة أو متحركة، وانكسر ما قبلها، فلما قلبت الهمزة ياء صارت يومي فلما جمع كان القياس يوميون مثل يوطيون (¬5) فلما ثقلت الياء المضمومة وقبلها كسرة حذفت ونقلت ضمتها إلى الميم فقيل: يومون (¬6) (كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ) بإسكان الميم وضمها مع ضم الشين المعجمة فيهما (¬7) جمع شموس بفتح الشين، وهم من ¬

_ (¬1) في (ص، س): بالياء. (¬2) في (ص): تصحف الواو. وفي (س، ل): تصحيف الواو. (¬3) في (ص، س، ل): رواه. (¬4) "الصحاح" (ومأ). (¬5) في (ص، س): يعطئون. (¬6) في (م): يومئون. (¬7) في (م): فيها.

الدواب الذي بهم نفور وامتناع على راكبه يقال: شمس بضم الميم شموسًا وشماسًا فهو شموس ورجل شموس صعب (¬1) الخلق. (إِنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ) بالنصب [بلفظة إنما التي للتخفيف والحصر، فدلالتها صريحة أصرح من] (¬2) الرواية الثانية "أوَلا" (¬3) بفتح الواو التي للعطف كقوله تعالى: {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ} (¬4) [(أَو لَا] (¬5) يَكْفِي أَحَدَكُمْ) على طريق الاستفهام الذي معناه التوبيخ والإنكار (أَنْ يَقُولَ) أن المصدرية [المخففة تقدر هي] (¬6) وما بعدها مؤولة (¬7) بالمصدر الذي هو فاعل يكفي، تقديره: أو لا يكفي أحدكم القول (هَكَذَا وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ يُسَلِّمُ عَلَى أَخِيهِ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ) إذا التفت عن يمينه (وَمَنْ عَنْ شِمَالِهِ) والمراد بالأخ الجنس أي: إخوانه الحاضرين عن اليمين والشمال. [999] (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيمَانَ الأَنْبَارِيّ) بتقديم النون على الموحدة (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْم) الفضل بن دكين. (عَنْ مِسْعَرٍ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاه) المذكور، إلا أنه (قَال) هنا (أَمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ -أَوْ أَحَدَهُمْ- أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ ثُمَّ يُسَلِّمُ عَلَى أَخِيهِ منْ عَنْ يَمِينِهِ وَمنْ عَنْ شِمَالِه) لفظ مسلم: "من على يمينه" (¬8). ¬

_ (¬1) في (ص، س): صعر. (¬2) من (س، ل، م). (¬3) في (ص، ل): أو. (¬4) التوبة: 126. (¬5) في (س): ولا. وفي (ل): لا. وسقط من (م). (¬6) في (ص، س): مخففة بعد وهي. (¬7) سقط من (س، ل، م). (¬8) "صحيح مسلم" (431) (120).

و"من" في (¬1) قوله: من عن يمينه من (¬2) التي لابتداء الغاية، أي: ليكن ابتداؤه بالسلام من جهة اليمين، وأما وجه (¬3) دخولها على عن فقد جاء مبينًا (¬4) في العربية تقول (¬5): جلست من عن يمينه، أي: عن (¬6) جانبه، قال الشاعر: فقلت للركب (¬7) لما أن علا بهم ... من عن يمين الحبيا (¬8) فيه دليل على استحباب تسليمتين، وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وفيه (¬9) دليل على أبي حنيفة (¬10) في أنه يسلم ويلزم منه أنه إن أحدث في جلوسه قبل السلام أعاد الصلاة. [1000] (حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيلِيُّ، حَدَّثَنَا زُهَيرٌ) بن معاوية (حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنِ المُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ) أبي العلاء الأسدي الكاهلي الكوفي الضرير، والد العلاء بن المسيب (عَنْ تَمِيمٍ) بن طرفة بفتح الراء والفاء (الطَّائِيِّ) تابعي من أهل الكوفة. (عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ - رضي الله عنه - قَال: دَخَلَ عَلَينَا (¬11) رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَالنَّاسُ) ¬

_ (¬1) سقط من (ل، م). (¬2) في (م): هي. (¬3) من (ل، م). (¬4) في (م): هنا. (¬5) في (م) كلمة غير مقروءة ورسمها: بذا. (¬6) في (م): من. وفي (ل): على. (¬7) سقط من (ل، م). (¬8) تتمة البيت: نظرة قَبَل. انظر: "جمهرة أشعار العرب" ص 652. (¬9) في (ص): في. (¬10) "المبسوط" للسرخسي 1/ 268. (¬11) في (م): عليَّ.

بالرفع والواو الداخلة عليه واو الحال (رَافِعُوا أَيْدِيهِمْ- قَال زُهَيرٌ) بن معاوية أحد الرواة (أُرَاهُ) بضم الهمزة أي أظنه (قَال) ونحن (فِي الصَّلَاةِ فَقَال: مَا لِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيلٍ شُمْسٍ"! اسْكُنُوا) بضم الهمزة والنون [(في الصلاة)] (¬1). استدل (¬2) الحنفية (¬3) [بهذِه الرواية] (¬4) على عدم رفع اليدين عند الركوع والارتفاع منه؛ لأنه (¬5) نهاهم عن رفع أيديهم في الصلاة وقال: "اسكنوا" وأجاب عنه (¬6) البيهقي بأنها ليس فيها دلالة لهم إنما هذِه الرواية خبر مجمل تبينه (¬7) رواية أخرى بإسناد (¬8) آخر عند مسلم أيضًا في "الصحيح" عنه، قال: كنا إذا صلينا خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - قلنا بأيدينا السلام عليكم السلام عليكم. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما هؤلاء الذين يومئون بأيديهم كأنها أذناب الخيل الشمس، أما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه (¬9) عن يمينه وعن شماله؟ " (¬10). ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) زاد في (ص، س، ل): به. (¬3) "المبسوط" للسرخسي 1/ 93. (¬4) ليست بالأصل. (¬5) في (س، ل، م): لأنهم. (¬6) في (م): عند. (¬7) في (ص، س): سببه. (¬8) في (م): بالإسناد. (¬9) زاد في (ص، س): من. (¬10) أخرجه مسلم (431) (120)، وهذا لفظ البيهقي في "السنن الكبرى" 2/ 180.

192 - باب الرد على الإمام

192 - باب الرَّدِّ على الإِمامِ 1001 - حَدَّثَنا محَمَّد بْن عُثْمانَ أبُو الجَماهِرِ، حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ قَتادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ قال: أَمَرَنا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَرُدَّ عَلَى الإِمامِ وَأَنْ نَتَحابَّ وَأَنْ يُسَلِّمَ بَعْضُنا عَلَى بَعْضٍ (¬1). * * * باب الرَّدِّ عَلَى الإِمَامِ [1001] (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ أَبُو الجمَاهِرِ) بضم الجيم وتخفيف الميم التنوخي الدمشقي الكفرسوسي، وثقه أبو حاتم (¬2). وقال عثمان ابن (¬3) سعيد الدارمي: هو أوثق من أدركنا بدمشق، رأيت (¬4) أهل دمشق مجتمعين على صلاحه (¬5). وقال أبو إسماعيل (¬6) الترمذي: كان من خيار الناس (¬7). (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ) بفتح الموحدة وكسر المعجمة، البصري الحافظ، قال دحيم: ثقة، وكان مشيختنا يوثقونه (¬8). ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (921، 922)، وابن خزيمة (1710)، والحاكم والبيهقي 2/ 181. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (179). (¬2) "الجرح والتعديل" 8/ 25. (¬3) في (ص): أبو. (¬4) في (ص): وأن. (¬5) انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 100، "سير أعلام النبلاء" 10/ 448. (¬6) في الأصول الخطية: سعيد. والمثبت هو الصواب. (¬7) انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 100، "سير أعلام النبلاء" 10/ 449. (¬8) انظر: "الكاشف" 1/ 256.

(عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الحَسَنِ) البصري (عَنْ سَمُرَةَ) بن جندب (قَال: أَمَرَنَا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَرُدَّ عَلَى الإِمَامِ) ولفظ ابن ماجه (¬1) والبزار (¬2): أن نسلم على أئمتنا، وأن يرد بعضنا على بعض. زاد البزار: في الصلاة. وإسناده حسن. قال أصحابنا: إن كان المأموم على يمين الإمام فينوي الرد عليه بالتسليمة الثانية، وإن كان على (¬3) يساره فينوي الرد عليه بالأولى، وإن حاذاه فبما شاء وهو في (¬4) الأولى أحب (¬5). (وَأَنْ نَتَحَابَّ) بتشديد الباء الموحدة المفتوحة والتحابب والتحبب التودد، وتحابوا: أحب كل واحد منهم صاحبه، ولما أمر (¬6) بالتوادد (¬7) والتحابب أمر بعده بما هو سبب للمحبة والتودد (و) هو (أَنْ يُسَلِّمَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ) وهذا شامل للصلاة وغيرها، لكن سياق اللفظ يرجح أن المراد الصلاة أو هو في الصلاة أشد استحبابًا، ويدخل في الحديث سلام الإمام على المأمومين، والمأمومين على الإمام، وسلام المقتدين بعضهم على بعض، وقد استدل به على استحباب (¬8) سلام بعض المأمومين على بعض، وتجتمع هذِه الأقسام في التسليمتين المذكورتين. ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (922). (¬2) "مسند البزار " 10/ 418 (4566). (¬3) في (س، ل، م): عن. (¬4) من (م). (¬5) "الشرح الكبير" 1/ 542. (¬6) في (م): أمرنا. (¬7) في (ص، س): بالتراد. (¬8) من (س، ل، م).

193 - باب التكبير بعد الصلاة

193 - باب التَّكْبِيرِ بَعْدَ الصَّلاةِ 1002 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قال: كانَ يُعْلَمُ انْقِضاءُ صَلاةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالتَّكْبِيرِ (¬1). 1003 - حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ مُوسَى البَلْخِيُّ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاق أَخْبَرَنِي ابن جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنا عَمْرُو بْنُ دِينارٍ أَنَّ أَبا مَعْبَدٍ مَوْلَى ابن عَبّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ ابن عَبّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ لِلذِّكْرِ حِينَ يَنْصَرِفُ النّاسُ مِنَ المكْتوبَةِ كانَ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَّ ابن عَبّاسٍ قال: كنْتُ أَعْلَمُ إِذا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ وَأَسْمَعُهُ (¬2). * * * [1002] (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ) الضبي شيخ مسلم (أنبأنا سُفْيَانُ) بن عيينة. (عَنْ عَمْرو) بن دينار، وهو الجمحي (¬3)، ثقة، أخرج له الجماعة (¬4)، وليس هو [قهرمان آل الزبير] (¬5) فإن المصنف لم يرو له شيئًا وهو ضعيف (¬6)، ولهم ثالث ذكره في "الميزان" (¬7)، شويخ لا يعرف، قاله محمد (¬8). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (841، 842)، ومسلم (583). وانظر ما بعده. (¬2) انظر السابق. (¬3) في (ص، س، ل): اللخمي. (¬4) انظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 22/ 5. (¬5) في (ص، س، ل): زبرقان. (¬6) انظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 22/ 13. (¬7) "ميزان الاعتدال" (6371). (¬8) هو محمد بن أحمد الذهبي.

(عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ) لفظ مسلم: أخبرني بذا أبو معبد مولى ابن عباس (¬1)، واسمه نافد بالنون والفاء، أخرج له الشيخان. (عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَال: كَانَ يُعْلَمُ) بضم المثناة تحت وفتح اللام (انْقِضَاءُ صَلَاةِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بِالتَّكْبِيرِ) قال الطبري: فيه الإبانة عن صحة فعل من كان يفعل ذلك من الأمراء يكبر بعد صلاته ويكبر من وراءه، قال غيره: لم أر أحدًا من الفقهاء قال بهذا إلا ما ذكره ابن حبيب في "الواضحة": كانوا يستحبون التكبير في العساكر والبعوث إثر صلاة الصبح والعشاء تكبيرًا عاليًا ثلاث مرات، وهذا قديم من شأن الناس (¬2). وعن مالك أنه محدث (¬3). [1003] (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى البَلْخِيُّ) السختياني شيخ البخاري (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ (¬4)، أَخْبَرَنِي) عبد الملك (ابْنُ جُرَيْجٍ أنبأنا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ [أن أبا] (¬5) مَعْبَدٍ) نافذ (مَوْلَى ابن عَباسٍ أَخْبَرَهُ أَن ابن عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ لِلذّكرِ) لفظ البخاري: بالذكر (¬6)، وهو أعم من التكبير الذي في الرواية قبلها، فتكون الأولى مفسرة لهذِه، ويكون المراد برفع الصوت بالذكر، أي: بالتكبير، قال ابن حجر: وكأنهم ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (583) (120). (¬2) من (س، ل، م). (¬3) انظر: "إحكام الأحكام" لابن دقيق العيد 1/ 214. (¬4) "مصنف عبد الرزاق" (3225). (¬5) في (ص): أنبأنا. (¬6) "صحيح البخاري" (841).

كانوا يبدؤون بالتكبير بعد الصلاة قبل التسبيح والتحميد الوارد في سبق أهل الدثور بالأجور، وفيه يسبحون ويحمدون ويكبرون، فإن رواياته مختلفة (¬1) (حِينَ (¬2) يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنَ المَكْتُوبَةِ) وفيه دليل على جواز الجهر بالذكر عند الصلاة بل على الاستحباب، وتخصيصه بالمكتوبة يدل على أنه لا يجهر عقب الرواتب والتطوعات. (كَانَ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) فيه أن مثل هذا عند المصنف وكذا عند البخاري والجمهور يحكم له بالرفع خلافًا لمن شذّ (¬3) ومنع ذلك (¬4) (وَأَنَّ ابن عَباسٍ - رضي الله عنهما - قَال: كُنْتُ أَعْلَمُ) ذلك (¬5) (إِذَا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ) فيه إطلاق العلم على الأمر المسند إلى الظن الغالب، وقوله: إذا انصرفوا. أي: أعلم انصرافهم بذلك، أي: برفع الصوت (وَأَسْمَعُهُ) (¬6) أي أسمع الذكر فأعلم بسماعي للذكر انصرافهم، ووقع في رواية الحميدي عن سفيان بالحصر، ولفظه: ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بالتكبير (¬7). وكذا أورده مسلم (¬8)، واختلف في ¬

_ (¬1) "فتح الباري" 2/ 380. (¬2) في (م): حتى. (¬3) في (م): شك. (¬4) من (س، ل، م). (¬5) سقط من (ل، م). (¬6) الحديث أخرجه البخاري (841)، ومسلم (583) (122)، وأحمد 1/ 367 من طريق عبد الرزاق به. (¬7) "مسند الحميدي" (486). (¬8) "صحيح مسلم" (583) (121).

كون ابن عباس قال ذلك [فقال عياض: الظاهر أنه لم يكن يحضر الجماعة؛ لأنه كان صغيرًا ممن لا يواظب على ذلك، (¬1) ولا يُلْزَم به (¬2)، فكان يعرف انقضاء الصلاة كما ذكر. وقال غيره: يحتمل أن يكون حاضرًا في أواخر الصف فكان لا يعرف انقضاءها بالتسليم، وإنما كان يعرفه بالتكبير. قال ابن دقيق العيد: ويؤخذ منه أنه لم يكن هناك مُبَلِّغ جَهير الصوت يُسْمع مَن بَعُد (¬3). قال النووي: حمل الشافعي هذا الحديث على أنهم جهروا به وقتًا يسيرًا لأجل تعليمهم (¬4) صفة الذكر لا أنهم داوموا على الجهر به، والمختار أن الإمام والمأموم يخفيان الذكر، إلا إذا احتيج للتعليم (¬5). ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) "إكمال المعلم" 2/ 535. (¬3) "إحكام الأحكام" 1/ 214. (¬4) في (م): تعليم. (¬5) "شرح النووي على مسلم" 5/ 84.

194 - باب حذف التسليم

194 - باب حَذْفِ التَّسْلِيمِ 1004 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الفِرْيابِيُّ، حَدَّثَنا الأوزاعِيُّ، عَنْ قُرَّةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "حَذْفُ السَّلامِ سُنَّةٌ". قال عِيسَى نَهانِي ابن المُبارَكِ عَنْ رَفْعِ هذا الحَدِيثِ. قال أَبُو داوُدَ: سَمِعْتُ أَبا عُمَيْرٍ عِيسَى بْنَ يُونُسَ الفاخُورِيَّ الرَّمْلِيَّ قال: لمَّا رَجَعَ الفِرْيابِيُّ مِنْ مَكَّةَ تَرَكَ رَفْعَ هذا الحَدِيثِ، قال: نَهاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ رَفْعِهِ (¬1). * * * [1004] (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنِ حَنْبَلٍ (¬2)، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الفِرْيَابِيُّ) بكسر الفاء وتخفيف المثناة تحت وبعد الألف باء موحدة نسبة إلى مدينة بالترك يقال لها: فرياب وفارياب (حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ قُرَّةَ) بضم القاف وتشديد الراء (بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن حيويل المعافري، أخرج له مسلم والأربعة. (عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف. (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: حَذْفُ) بفتح الحاء المهملة وسكون الذال المعجمة بعدها فاء (السَّلامِ) في الصلاة (سُنَّةٌ) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال الترمذي بعد روايته: قال علي بن حجر: قال عبد الله بن ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 532، وابن خزيمة (734، 735)، والحاكم 1/ 231، والبيهقي 2/ 180، ورواه الترمذي (927) وقال الترمذي: حسن صحيح. وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (180). (¬2) "مسند أحمد" 2/ 532.

المبارك: يعني راويتي الحديث عنده [أن لا] (¬1) يمده مدًّا (¬2). بل (¬3) يترك الإطالة في لفظه ويسرع فيه، ويدل عليه (¬4) حديث إبراهيم النخعي: التكبير حزم، والسلام جزم (¬5). بفتح الحاء (¬6) وسكون الزاي، وروي جذم بالذال المعجمة، ومعناه سريع الحزم باللسان السرعة (¬7) فإنه إذا حزم السلام وقطعه فقد خففه (¬8) وحذفه، وقيل: معناه أن لا يكون فيه ورحمة الله، وقد صرح الغزالي في "الإحياء" وغيره على أنه يستحب أن يدرج لفظ السلام من غير مد (¬9) (¬10). قال الترمذي: وهو الذي يستحبه أهل العلم (¬11). * * * ¬

_ (¬1) في (م) لا أي. (¬2) "سنن الترمذي" عقب حديث (297). (¬3) في (م): يعني. وسقط من (ل). (¬4) في (م): على. (¬5) "سنن الترمذي" عقب حديث (297). (¬6) في (م): الجيم. (¬7) سقط من (م). (¬8) في (ص، س): حقنه. (¬9) من (س، م). (¬10) "إحياء علوم الدين" 1/ 208. (¬11) "سنن الترمذي" عقب حديث (297).

195 - باب إذا أحدث في صلاته يستقبل

195 - باب إِذا أَحْدَثَ فِي صَلاتِهِ يسْتَقْبِلُ 1005 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرُ بْن عَبْدِ الحمِيدِ، عَنْ عاصِمٍ الأحْوَلِ، عَنْ عِيسَى بْنِ حِطّانَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ سَلَّامٍ، عَنْ عَليِّ بْنِ طَلْقٍ قال: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا فَسا أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاةِ فَلْيَنْصَرِف فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُعِدْ صَلَاتَهُ" (¬1). * * * باب إِذَا أَحْدَثَ فِي صَلَاتِهِ (¬2) يَسْتَقْبِلُ [1005] (حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ) قال (¬3): (حَدَّثَنَا جَرِيرُ) بفتح الجيم، ابن عبد الحميد العنسي (¬4). (عَنْ عَاصِمٍ الأحوَلِ، عَنْ عِيسَى بْنِ حِطَّانَ) بكسر الحاء وتشديد الطاء المهملتين، الرقاشي (¬5)، وثقوه (¬6) (عَنْ مُسْلِم بْنِ سَلَّامٍ) بتشديد اللام، الحنفي (¬7)، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬8) (عَنْ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ) بن المنذر بن قيس الحنفي اليمامي الصحابي. (قَال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: إِذَا فَسَا أَحَدُكُمْ) (¬9) بفتح الفاء والسين (¬10)، والمضارع منه يفسو، والاسم الفساء، وهو ريح يخرج بغير صوت ¬

_ (¬1) سلف برقم (205). وهو ضعيف. (¬2) في (م): صلاة. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ل، م): الضبي. (¬5) من (م). (¬6) "الكاشف" 2/ 366. (¬7) في (م): الحنبلي. (¬8) 9/ 158. (¬9) سقط من (ل، م). (¬10) زاد في (س، ل، م): أحدكم.

(فِي الصَّلَاةِ فَلْيَنْصَرِفْ) منها (فَلْيَتَوَضَّأ) [رواه الترمذي وحسنه (¬1)، وقد تقدم الحديث في الطهارة (¬2)، (¬3) استدل به على انتقاض الوضوء بخروج الريح من الدبر، وألحق به أصحابنا ما لو خرج الريح من فرج المرأة، أو من ذكر الرجل [لانتفاخ أنثييه] (¬4) (وَلْيُعِدْ صَلَاتَهُ) بضم الياء وكسر العين. قال ابن حبان: لم يقل في هذا الحديث: وليعد صلاته. إلا جرير بن عبد الحميد (¬5) (¬6). روى له الستة، وقال الترمذي: لا أعلم لعلي بن طلق غير هذا الحديث الواحد (¬7). واستدل [بهذا الحديث] (¬8) على أن من سبقه الحدث وهو في الصلاة فسدت صلاته ولزمه استئنافها، وهذا هو الجديد في مذهب الشافعي (¬9)، وبه قال مالك (¬10)، وهو الصحيح من مذهب أحمد (¬11)، وقال أبو حنيفة (¬12) وابن أبي ليلى والأوزاعي بحديث عائشة (¬13)، وهو ضعيف. * * * ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (1164). (¬2) برقم (205). (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ص، س): لانفتاح الدبر. وفي (ل): لانفتاح أنثييه. (¬5) في (ص، س، ل): عبد الله. (¬6) "صحيح ابن حبان" 6/ 9. (¬7) "سنن الترمذي" عقب حديث (1164) نقلا عن البخاري. (¬8) من (س، ل، م). (¬9) "الأم" 1/ 65. (¬10) "الكافي" لابن عبد البر 1/ 214. (¬11) "مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج" (90). (¬12) "المبسوط" للسرخسي 1/ 324 - 325. (¬13) رواه ابن ماجه (1221)، وضعفه البوصيري في "مصباح الزجاجة" 1/ 144.

196 - باب في الرجل يتطوع في مكانه الذي صلى فيه المكتوبة

196 - باب فِي الرَّجُلِ يَتَطَوَّع فِي مَكانِهِ الذِي صلَّى فِيهِ المكْتوبَةَ 1006 - حَدَّثَنا مُسَدَّدُ، حَدَّثَنا حَمّادٌ وَعَبْدُ الوارِثِ، عَنْ لَيْثٍ، عَنِ الحجّاجِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ إِسْماعِيلَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ". قال عَنْ عَبْدِ الوارِثِ: "أَنْ يَتَقدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمالِهِ". زادَ فِي حَدِيثِ حَمّادٍ: "فِي الصَّلاةِ". يَعْنِي: فِي السُّبْحَةِ (¬1). 1007 - حِدَّثَنا عَبْدُ الوَهّابِ بْن نَجْدَةَ، حَدَّثَنا أَشْعَثُ بْنُ شعْبَةَ، عَنِ الِمنْهالِ بْنِ خَلِيفَةَ، عَنِ الأزْرَقِ بْنِ قَيْسٍ قال: صَلَّى بِنا إِمامٌ لَنا يكْنَى أَبا رِمْثَةَ فَقال: صَلَّيْتُ هذِه الصَّلاةَ -أَوْ مِثْلَ هذِه الصَّلاةِ- مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. قال: وَكانَ أبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَقُومانِ فِي الصَّفِّ المقَدَّمِ عَنْ يَمِينِهِ وَكانَ رَجُلٌ قَدْ شَهِدَ التَّكْبِيرَةَ الأُولَى مِنَ الصَّلاةِ فَصَلَّى نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثمَّ سَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسارِهِ حَتَّى رَأَيْنا بَياضَ خَدَّيْهِ ثُمَّ انْفَتَلَ كانْفِتالِ أبِي رِمْثَةَ -يَعْنِي نَفْسَهُ- فَقامَ الرَّجُلُ الذِي أَدْرَكَ مَعَة التَّكْبِيرَةَ الأولَى مِنَ الصَّلاةِ يَشْفَعُ فَوَثَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ فَأَخَذَ بِمَنْكِبِهِ فَهَزَّهُ ثُمَّ قال: اجْلِسْ، فَإِنَّهُ لَمْ يَهْلِكْ أَهْل الكِتابِ إِلَّا أنَّهُ لَمْ يَكنْ بَيْنَ صَلَواتِهِمْ فَصْلٌ. فَرَفَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَصَرَهُ فَقال: "أَصابَ اللهُ بِكَ يا ابن الخَطّاب". قال أَبُو داوُدَ: وَقَدْ قِيلَ أَبُوَ أُمَيَّةَ مَكانَ أبِي رِمْثَةَ (¬2). * * * ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (1427)، وأحمد 2/ 425. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (922): هذا إسناد ضعيف، والحديث صحيح بشواهده. (¬2) رواه الطبراني في "الأوسط" 2/ 316 - 317 (2088)، والحاكم 1/ 270، والبيهقي 2/ 190. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه. وصححه الألباني في "الصحيحة" تحت حديث رقم (3173).

باب الرَّجُلِ يَتَطَوَّعُ فِي مَكَانِهِ الذِي صَلَّى المَكْتُوبَةَ فِيهِ [1006] (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ) بن زيد (وَعَبْدُ الوَارِثِ، عَنْ لَيْثٍ) (¬1) بن أبي سليم [(عن الحجاج بن عبيد) أو ابن أبي عبد الله بن يسار، مجهول (¬2)] (¬3). (عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ) ويقال: إسماعيل بن إبراهيم الحجازي (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: ] (¬4) قَال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: أَيَعْجِزُ) بكسر الجيم (أَحَدُكُمْ. قال) المصنف: (عَنْ عَبْدِ الوَارِثِ) أيعجز أحدكم (أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) وكذا رواه ابن ماجه (¬5) من طريق إسماعيل ابن علية، عن ليث (أَوْ) ينتقل عن مكانه الذي يصلي فيه (عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ. زَادَ) مسدد (¬6) (فِي روايته، عن حَمَّادٍ) بن زيد (فِي الصَّلَاةِ) ثم اتفقا (يَعْنِي: فِي (¬7) السُّبْحَةِ) وكذا رواية ابن ماجه. وفيه دليل على أنه يستحب للمتنفل أن ينتقل عن مصلاه الذي صلى فيه لكل صلاة يفتتحها من أفراد النوافل كالضحى والتراويح وغيرها، ويجوز أن ينتقل بالتقدم أو التأخر أو عن اليمين أو الشمال لتكثر ¬

_ (¬1) زاد في (ص): بن أبي ليث. (¬2) "تقريب التهذيب" (1138). (¬3) من (م). (¬4) في (ص، س): عن إبراهيم. (¬5) "سنن ابن ماجه" (1427). (¬6) في (ص، س، ل): حماد. (¬7) سقط من (س، ل، م).

مواضع العبادة كما قال البخاري ولهذا الحديث، ولم (¬1) يضعفه أبو داود، وفي فوائد رحلة ابن الصلاح من (¬2) "المدخل إلى مختصر المزني" لأبي علي زاهر (¬3) السرخسي أن الإمام إذا سلم من الظهر أو المغرب أو العشاء ثم قام ليركع السنة فليتحول (¬4) عن يمينه أو عن شماله، وإن سلم من الصبح أو العصر أقبل بوجهه على الناس. [1007] (حدثنا عبد الوهاب (¬5) بن نجدة) بفتح النون، الحوطي بفتح الحاء المهملة (¬6) وكسر الطاء المهملة من جبلة الساحل، كنيته أبو محمد: وثقه يعقوب بن شيبة (¬7). (حدثنا أشعث) بالثاء المثلثة بعد العين (بن شعبة) المصيصي ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬8). (عن المنهال بن خليفة) العجلي أبي قدامة الكوفي قال أبو داود: جائز الحديث (¬9). (عن الأزرق بن قيس) بن الحارث البصري (¬10)، أخرج له البخاري ¬

_ (¬1) في (ل): وثقه. (¬2) في (ص، س، ل): عن. (¬3) في الأصول الخطية: زاهد. والمثبت هو الصواب. (¬4) في (ص، س، ل): فيتحول. (¬5) في (ص، س، ل): الوارث. (¬6) من (س، ل، م). (¬7) انظر: "تهذيب الكمال" 18/ 520، "الكاشف" 2/ 222. (¬8) 8/ 129. (¬9) "سؤالات الآجري" (195). (¬10) من (س، ل، م).

في موضعين (¬1). (قال: صلى بنا إمام لنا يكنى أبا رمثة) بكسر الراء وسكون الميم ثم ثاء مثلثة اسمه رفاعة بن يثربي (¬2)، قال الترمذي: اسمه حبيب بن حيان (¬3) التيمي (¬4). تيم الرباب، وقيل: التميمي الكوفي من ولد امرئ القيس بن زيد (¬5) مناة قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أبيه (¬6) فقال: "ما هذا منك؟ " فقال: ابني. فقال: "أما إنك لا تجني عليه ولا يجني عليك" (¬7). وليس لأبي رمثة عند أبي داود غير هذا الحديث. (فقال: صليت) بضم تاء المتكلم (هذِه الصلاة أو) شك من الراوي تقديره أو قال: صليت (مثل هذِه الصلاة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان (¬8) أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - يقومان في الصف المقدم عن يمينه) فيه فضيلة الصف الأول ويمين الإمام الذين تكاثرت الأحاديث في فضيلتهما، وفيه بيان من يستحق أن يكون في الصف الأول عن يمين الإمام [وهو من يصلح لاستخلاف إمامة الصلاة والإمامة العظمى] (¬9) لما يحدث في الصلاة ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري (1211، 6127). (¬2) من (م). (¬3) في الأصول الخطية: وهب. والمثبت من "سنن الترمذي". (¬4) عقب حديث (2812). (¬5) في (م): يزيد. (¬6) في (م): ابنه. (¬7) سيأتي برقم (4208)، (4495). (¬8) من (س، ل، م). (¬9) من (م).

للإمام، وقد روى البزار (¬1) والطبراني (¬2) عن سمرة بن جندب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر المهاجرين أن تقدموا، وأن يكونوا في مقدم الصفوف ويقول: "هم (¬3) أعلم بالصلاة من السفهاء والأعراب، وما أحب (¬4) أن يكون الأعراب أمامهم ولا يدرون كيف الصلاة" (وكان رجل قد شهد التكبيرة الأولى) أي: شهد فضيلتها (من الصلاة) مع النبي - صلى الله عليه وسلم -[(فصلى نبي الله] (¬5) - صلى الله عليه وسلم -[ثم سلم] (¬6) التسليمة الأولى (عن يمينه، و) الثانية (عن يساره) فانفتل (¬7) (حتى رأينا بياض خديه) (¬8) أي: رأى من على يمينه بياض خده الأيمن ومن على يساره بياض خده الأيسر كما هو السنة في التفات الإمام (ثم انفتل) النبي - صلى الله عليه وسلم - (كانفتالة أبي رمثة. يعني: نفسه) يعني ينفتل الإمام بعد التسليمتين حتى يستقبل الناس لما في "صحيح البخاري" (¬9) عن سمرة بن جندب: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه، وساق حديث سمرة أنه كان يواظب على ذلك قيل الحكمة في استقبال المأمومين أن يعلمهم ما يحتاجون إليه. ¬

_ (¬1) "مسند البزار" 10/ 463 (4645). (¬2) "المعجم الكبير" 7/ 266 (7085). (¬3) في (م): لأنهم. (¬4) بياض في الأصل. (¬5) في (ص): فسلم نبي. (¬6) من (م). (¬7) في (م): فانتقل. (¬8) في (ص، س، ل): خده. (¬9) "صحيح البخاري" (845، 1386).

فعلى هذا يختص بمن كان في مثل حاله - صلى الله عليه وسلم - من قصد (¬1) التعليم والحكمة والموعظة، وقيل: الحكمة فيه (¬2) تعريف الداخل بأن الصلاة انقضت، إذ لو استمر الالتفات على حاله لأوهم أنه في التشهد مثلًا، وقال ابن (¬3) المنير: استدبار الإمام المأمومين إنما هو لحق الإمامة (¬4) فإذا انقضت زال السبب واستقبالهم حينئذٍ يرفع الخيلاء والترفع على المأمومين، والله أعلم (¬5). (فقام الرجل الذي أدرك معه) (¬6) فضيلة (التكبيرة الأولى من الصلاة) أي: شهد معهم الصلاة من أولها، وهو احتراز من المسبوق، فإنه يأتي بما بقي عليه في مكانه ولا يجوز [له الفصل بانتقال] (¬7) من موضعه ولا كلام ولا غيره (يشفع) بفتح الياء والفاء أي يصلي الراتبة التي بعد المكتوبة، وسماها شفعًا؛ لأنها ثنتان، من قولهم: شفعت الركعة جعلتها ثنتين، والشفع الزيادة فكأن الراتبة زيادة على المكتوبة، ومنه سميت نافلة، قال الله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً} (¬8) أي من يزد عملًا إلى عمل. ¬

_ (¬1) في (ص): قصة. (¬2) في (ص، س، ل): في. (¬3) في (ص، س): أبو. (¬4) في (م): الإمام. (¬5) انظر: "فتح الباري" 2/ 334. (¬6) في (م): منه. (¬7) في (ص): الفصل بانفصال الإمام. (¬8) النساء: 85.

(فوثب إليه عمر) فيه المبادرة إلى النهي عن المنكر بالفعل (فأخذ بمنكبه) وهو مجمع رأس العضد والكتف؛ لأنه يعتمد عليه (فهزه) ليكون أبلغ في النهي. (ثم قال: اجلس) جمع فيه بين النهي بالفعل ثم بالقول (فإنه لم يهلك) بكسر اللام كما قال تعالى: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ} (¬1) (أهل الكتاب) الذين من قبلكم (إلا أنهم) بالفتح [أي: لأنهم] (¬2) (لم يكن بين صلاتهم فصل) وقوله: فإنه (¬3) لم يهلك. . إلخ يتضمن الوعيد الشديد والنهي الأكيد عما (¬4) كان سببًا لهلاك من قبلهم لئلا يكون سببًا لهلاكهم كما كان سببًا لغيرهم. (فرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - بصره) إلى عمر بن الخطاب. وما رفع (¬5) بصره إلا [لأنه كان خافضه] (¬6) (فقال: أصاب الله بك) أي: أراد بك (¬7) خيرًا، وفي حديث أبي وائل أنه كان يسأل عن التفسير فيقول: أصاب الله الذي (¬8) أراده (¬9). وأصله من الصواب الذي هو ضد الخطأ (يا ابن ¬

_ (¬1) الأنفال: 42. (¬2) من (س، ل، م). (¬3) في (م): فإنك. (¬4) في (م): كما. (¬5) في (ص): رجع. (¬6) في (ص، س): أنه كان حافظه. وفي (ل): أنه كان خافضه. (¬7) في (ص، س، ل): به. (¬8) زاد في (م): أباد إلى أي أباد الله الذي. (¬9) أخرجه ابن أبي شيبة 15/ 500 (30732).

الخطاب) فيه دليل على استحباب قول الإنسان لمن فعل فعلًا يستحسنه الشرع: أصاب الله بك أو أصبت أو أحسنت. ونحوه، ويدل على ذلك ما رواه الطبراني بإسناد حسن عن عبد الواحد بن أبي عون (¬1) قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - كتاب رجل فقال لعبد الله بن الأرقم: "أجب عني" فكتب جوابه ثم قرأه عليه، فقال: "أصبت وأحسنت اللهم وفقه"، فلما ولي عمر كان يشاوره فيما يكتب ويفعل (¬2). * * * ¬

_ (¬1) في (ص): العوالي. وفي (س، ل، م): العول. والمثبت من مصادر التخريج. (¬2) أخرجه الطبراني كما في "المجمع" 9/ 370، قال: رواه الطبراني معضلا، وإسناده حسن، ورواه أيضا الحاكم في "المستدرك" 3/ 335. وقال: حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.

197 - باب السهو في السجدتين

197 - باب السَّهْوِ فِي السَّجْدَتيْنِ 1008 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن عُبَيْدٍ، حَدَّثَنا حَمّاد بْن زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: صَلَّى بِنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِحْدَى صَلَاتَي العَشِيِّ -الظُّهْرَ أَوِ العَصْرَ- قال: فَصَلَّى بِنا رَكْعَتَيْنِ ثمَّ سَلَّمَ ثُمَّ قامَ إِلَى خَشَبَةٍ فِي مُقَدَّمِ المَسْجِدِ فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْها إِحْداهُما عَلَى الأُخْرَى يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الغَضَبُ ثُمَّ خَرَجَ سَرَعانُ النّاسِ وَهُمْ يَقُولُونَ: قَصُرَتِ الصَّلاة قَصُرَتِ الصَّلاةُ، وَفِي النّاسِ أبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَهاباهُ أَنْ يُكَلِّماهُ، فَقامَ رَجُلٌ كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُسَمِّيهِ ذا اليَدَيْنِ فَقال: يا رَسُولَ اللهِ أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتِ الصَّلاةُ؟ قال: "لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تَقْصُرِ الصَّلاةُ". قال: بَلْ نَسِيتَ يا رَسُولَ اللهِ. فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى القَوْمِ، فَقال: "أَصَدَقَ ذُو اليَدَيْنِ". فَأَوْمَئُوا أَي: نَعَمْ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى مَقامِهِ فَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ الباقِيَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثمَّ رَفَعَ وَكَبَّرَ ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ وَكَبَّرَ. قال: فَقِيلَ لِمُحَمَّدٍ: سَلَّمَ فِي السَّهْوِ؟ فَقال: لَمْ أَحْفَظْهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ولكن نُبِّئْتُ أَنَّ عِمْرانَ بْنَ حُصَيْنٍ قال: ثُمَّ سَلَّمَ (¬1). 1009 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ بإِسْنادِهِ -وَحَدِيثُ حَمّادٍ أَتَمُّ- قال: صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، لَمْ يَقُلْ بِنا. وَلَمْ يَقُلْ: فَأَوْمَؤُوا. قال: فَقال النّاسُ: نَعَمْ. قال: ثُمَّ رَفَعَ -وَلَمْ يَقُلْ: وَكَبَّرَ- ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ وَتَمَّ حَدِيثُهُ لَمْ يَذْكرْ ما بَعْدَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ: فَأَوْمَؤُوا. إِلا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ. قال أَبُو داوُدَ: وَكُلُّ مَنْ رَوَى هذا الحَدِيثَ لَمْ يَقلْ فَكَبَّرَ. وَلا ذَكَرَ رَجَعَ (¬2). 1010 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا بِشْرٌ -يَعْنِي ابن المفَضَّلِ- حَدَّثَنا سَلَمَة -يَعْنِي: ابن عَلْقَمَةَ- عَنْ محَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: صَلَّى بِنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، بِمَعْنَى حَمّادٍ كُلِّهِ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (482)، ومسلم (573). (¬2) رواه البخاري (714).

إِلَى آخِرِ قَوْلِهِ: نُبِّئْت أَنَّ عِمْرانَ بْنَ حُصَيْنٍ قال ثُمَّ سَلَّمَ. قال: قُلْتُ: فالتَّشَهُّدُ؟ قال: لَمْ أَسْمَعْ فِي التَّشَهُّدِ، وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَتَشَهَّدَ وَلَمْ يَذْكُرْ: كانَ يُسَمِّيهِ ذا اليَدَيْنِ. وَلا ذَكَرَ فَأَوْمَئُوا. وَلا ذَكَرَ الغَضَبَ وَحَدِيثُ حَمّادٍ عَنْ أَيُّوبَ أَتَمُّ (¬1). 1011 - حَدَّثَنا عَلِيُّ بْن نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ، حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْن حَرْبٍ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيّوبَ وَهِشامٍ وَيَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ وابْنِ عَوْنٍ، عَنْ محَمَّدٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي قِصَّةِ ذِي اليَدَيْنِ أَنَّهُ كَبَّرَ وَسَجَدَ. وقال هِشامٌ يَعْنِي: ابن حَسّانَ: كَبَّرَ ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ. قال أبُو داوُدَ: رَوَى هذا الحَدِيثَ أَيْضًا حَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ وَحُمَيْدٌ وَيُونُسُ وَعاصِمٌ الأحوَلُ، عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، لَمْ يَذْكرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ ما ذَكَرَ حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشامٍ أَنَّهُ كَبَّرَ ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ، وَرَوَى حَمّادُ بْن سَلَمَةَ وَأَبُو بَكْرِ بْن عَيّاشٍ هذا الحَدِيثَ عَنْ هِشامٍ، لَمْ يَذْكرا عَنْهُ هذا الذِي ذَكَرَهُ حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّهُ كَبَّرَ ثُمَّ كَبَّرَ (¬2). 1012 - حَدَّثَنا محَمَّد بْنُ يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّد بْن كَثِيرٍ، عَنِ الأوزاعِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ وَعُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بهذِه القِصَّةِ قال: وَلَمْ يَسْجُدْ سَجْدَتَي السَّهْوِ حَتَّى يَقَّنَهُ اللهُ ذَلِكَ (¬3). 1013 - حَدَّثَنا حَجّاجُ بْنُ أبِي يَعْقوبَ، حَدَّثَنا يَعْقُوبُ -يَعْنِي: ابن إِبْراهِيمَ- ¬

_ (¬1) رواه البخاري بإثر حديث رقم (1228). (¬2) رواه البخاري (482). والحديث أورده الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" (183)، وقال: هذا إسناد صحيح على شرط مسلم، لكن قوله: كبر ثم كبر. . وهم من حماد بن زيد. وأشار إلى شذوذ هذه الزيادة الحافظ في "الفتح" 3/ 120. (¬3) رواه النسائي في "الكبرى" (568). والحديث أورده الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" (184)، وقال: إسناده ضعيف. . . والقصة في الصحيحين دون غيرهما، دون قوله: ولم يسجد سجدتي السهو. فهي زيادة منكرة. انتهى.

حَدَّثَنا أَبي عَنْ صالِحٍ، عَنِ ابن شِهابٍ أَنَّ أَبا بَكْرِ بْنَ سُلَيْمانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بهذا الخَبَرِ قال: وَلَمْ يَسْجُدِ السَّجْدَتَينِ اللَّتَيْنِ تُسْجَدانِ إِذا شَكَّ حَتَّى لَقّاهُ النّاسُ. قال ابن شِهابٍ: وَأَخْبَرَنِي بهذا الخَبَرِ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قال: وَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الحارِثِ بْنِ هِشامٍ وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ. قال أَبُو داوُدَ: رَواهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَعِمْرانُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ والعَلاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ جَمِيعًا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بهذِه القِصَّةِ وَلَمْ يَذْكُر أَنَّهُ سَجَدَ السَّجْدَتَيْنِ. قال أَبُو داوُدَ: وَرَواهُ الزُّبَيْدِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال فِيهِ: وَلَمْ يَسْجُدْ سَجْدَتَي السَّهْوِ (¬1). 1014 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُعاذٍ، حَدَّثَنا أَبي، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْراهِيمَ سَمِعَ أَبا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى الظُّهْرَ فَسَلَّمَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَقِيلَ لَهُ نَقَصَتِ الصَّلاةُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ (¬2). 1015 - حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بْنُ أَسَدٍ، أَخْبَرَنا شَبابَةُ، حَدَّثَنا ابن أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ المقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - انْصَرَفَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ صَلاةِ المكْتُوبَةِ فَقال لَهُ رَجُلٌ أَقَصُرَتِ الصَّلاةُ يا رَسُولَ اللهِ أَمْ نَسِيتَ قال: "كُلَّ ذَلِكَ لَمْ أَفْعَلْ". فَقال النّاسُ: قَدْ فَعَلْتَ ذَلِكَ يا رَسُولَ اللهِ. فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ وَلَمْ يَسْجُدْ سَجْدَتَي السَّهْوِ. قال أَبُو داوُدَ: رَواهُ داوُدُ بْنُ الحصَن عَنْ أَبِي سُفْيانَ مَوْلَى ابن أَبِي أَحْمَدَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بهذِه القِصَّةِ قال ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جالِسٌ بَعْدَ التَّسْلِيمِ (¬3). ¬

_ (¬1) رواه النسائي 3/ 24، وأحمد 2/ 27، والدارمي (1505)، وابن خزيمة (1047)، وابن حبان (2685). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (927). (¬2) رواه البخاري (715)، ومسلم (573) ولم يذكر سجدتي السهو. (¬3) رواه علي بن الجعد في "مسنده" (2851) من طريق أبي ذئب بنحوه، وفي روايته: =

1016 - حَدَّثَنا هارُون بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنا هاشِمُ بْنُ القاسِمِ، حَدَّثَنا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمّارٍ، عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ جَوْسٍ الهِفّانِيِّ، حَدَّثَنِي أبُو هُرَيرَةَ بهذا الخَبَرِ قال: ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَي السَّهْوِ بَعْدَ ما سَلَّمَ (¬1). 1017 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ ثابِتٍ، حَدَّثَنا أبُو أُسامَةَ ح، وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن العَلاءِ، أَخْبَرَنا أبُو أُسامَةَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قال: صَلَّى بِنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فسَلَّمَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ. فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ ابن سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَي السَّهْوِ (¬2). 1018 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْن زُرَيْعٍ ح، وحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا مَسْلَمَةُ بْنُ محَمَّدٍ قال: حَدَّثَنا خالِدٌ الحذّاءُ، حَدَّثَنا أَبُو قِلابَةَ، عَنْ أَبِي المهَلَّبِ، عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ قال: سَلَّمَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي ثَلاثِ رَكَعاتٍ مِنَ العَصْرِ ثُمَّ دَخَلَ -قال: عَنْ مَسْلَمَةَ: الحُجَرَ فَقامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ يُقال لَهُ: الخِرْباقُ، كانَ طَوِيلَ اليَدَيْنِ، فَقال لَهُ: أَقَصُرَتِ الصَّلاةُ يا رَسُولَ اللهِ، فَخَرَجَ مُغْضَبًا يَجُرُّ رِداءَهُ فَقال: "أَصَدَقَ". قالوا: نَعَمْ. فَصَلَّى تِلْكَ الرَّكْعَةَ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْها ثمَّ سَلَّمَ (¬3). ¬

_ = أن السائل هو ذو الشمالين، وأن قوله: "ولم يسجد سجدتي السهو" مدرجة من رواية ابن أبي ذئب، عن الزهري. وقال الألباني في "ضعيف أبي داود" (186): إسناده صحيح، لكن قوله: ولم يسجد سجدتي السهو. . وهم من بعض رواته؛ لمخالفته ما ثبت عن أبي هريرة. (¬1) رواه النسائي 3/ 66، وأحمد 2/ 323، وابن حبان (2687). وقال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (931): حسن صحيح. (¬2) رواه ابن ماجه (1213)، وأحمد 2/ 37، وابن خزيمة (1034)، والبيهقي 2/ 359. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (932). (¬3) رواه مسلم (574).

باب السَّهْوِ فِي السَّجْدَتَيْنِ [1008] (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ) بن حساب الغبري البصري (حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَدٍ) بن سيرين (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: صَلَّى بِنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِحْدَى صَلَاتي (¬1) العَشِيِّ) بفتح العين المهملة وكسر الشين المعجمة وتشديد الياء أصله من العشاء وهي الظلمة، ومنه قولهم: عشا البصر إذا أظلم، وقد اختلف في (¬2) تحديد وقت العشي، فالذي اختاره الأزهري أنه من زوال الشمس إلى غروبها فيقال لما بين ذلك عشي فإذا غابت الشمس فهو العشاء (¬3). وقال ابن سيده في "المُحْكَم": العشي والعشية آخر النهار يقال: جئت عشيةً منونًا. وعن سيبويه ترك التنوين، وأتيته العشية ليومك، وأتيته عشي غد بغير هاء إذا كان للمستقبل (¬4). وفي "الصحاح": العشي والعشية من صلاة المغرب إلى العتمة (¬5). وفي "النهاية": ما بين الزوال إلى المغرب عشي، وقيل: العشي من زوال الشمس إلى الصباح (¬6). قال الشيخ صلاح الدين العلائي في "نظم الفرائد فيما تضمنه حديث ¬

_ (¬1) في (م): صلاة. (¬2) زاد في (ص، س، ل): وقت. (¬3) "تهذيب اللغة" 3/ 58. (¬4) "المحكم والمحيط الأعظم" مادة: عشو. (¬5) "الصحاح في اللغة" (عشا). (¬6) "النهاية في غريب الحديث والأثر" (عشا).

ذي اليدين من الفوائد": كأن هذا القول هو الأقوى، وبه يحصل الجمع بين هذِه الأقوال كلها، فيقال لما بعد غروب الشمس: عشي أيضًا كما قال الجوهري لكنه لا يختص أوله بذلك بل يكون ابتداؤه من زوال الشمس كما حكاه الأزهري عن العرب، واحتج لذلك بهذا الحديث وأما قول ابن سيده: إن العشي آخر النهار، وكان هذا أصل ما وضع اللفظ له، لكنه توسع فيه حتى أطلق على ما بعد الزوال لقربه منه. (الظهر أو العصر) شك من الراوي أبي هريرة وطرأ الشك في تعيينها أيضًا على ابن سيرين، وسيأتي في حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر فسلم في الركعتين (¬1). ففي هذا تعيين الصلاة أنها الظهر من غير شك، لكن في رواية أخرى لمسلم: صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة العصر فسلم في الركعتين (¬2). قال النووي: قال المحققون: هما قضيتان (¬3). قال العلائي: جعل النووي حديث أبي هريرة واقعتين، كان السهو في إحداهما في صلاة الظهر، وفي أخرى في صلاة العصر، وجمع بذلك بين الروايات المختلفة في تعيين الصلاة المسهو فيها، ثم قال: وفي ذلك نظر بل الظاهر الذي يقتضيه كلام ابن عبد البر والقاضي عياض وغيرهما أن حديث أبي هريرة قضية واحدة، لكن اختلفت رواتها فمنهم من تردد في تعيين الصلاة هل هي الظهر أو العصر، ¬

_ (¬1) سيأتي قريبًا في هذا الباب برقم (1014). (¬2) "صحيح مسلم" (573) (99). (¬3) "شرح النووي على مسلم" 5/ 69.

ومنهم من جزم بإحداهما، وبعضهم قال: إحدى صلاتي العشي، وبعضهم قال: يغلب على ظني أنها الظهر، وبعضهم جزم بالعصر، قال: والظاهر أن هذا من تصرف الرواة. ولو استلزم مثل هذا التعدد لقلنا بتعدد وقائع كثيرة جدًّا لاختلاف الألفاظ فيها كما (¬1) في قصة عقد عائشة، ونزول آية التيمم (¬2)؛ لأن بعض الرواة قال: صلوا بغير وضوء. وبعضهم ذكر أنهم لم يصلوا، وبعضهم عين موضعًا كانت القصة فيه، وغيره عين غير ذلك الموضع وقال بعضهم: كان العقد لعائشة. وقال غيره: كان العقد لأسماء استعارته منها عائشة والكل صحيح. وذكروا فيه نزول آية التيمم فيلزم من هذا أن آية التيمم نزلت غير ما مرة ثم قال: بل الحق أن مثل هذا الاختلاف لا يضر الحديث؛ لأنه في غير موضع الدلالة، والمقصود منه نزول آية التيمم وهم لم يختلفوا في ذلك ومتى أمكن الجمع بين الروايات فالأصل عدم التعدد، وهنا يمكن أن تكون القصة (¬3) وقعت مرتين كما قال النووي، لكن الظاهر خلافه. (قال: فصلى بنا (¬4) ركعتين) ساهيًا (ثم سلم ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد) ولمسلم عن ابن عيينة: ثم أتى جذعًا في ناحية (¬5) المسجد ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) رواه البخاري (334)، ومسلم (367). (¬3) في (ص، س، ل): القضية. (¬4) من (س، ل، م). (¬5) كذا في الأصول الخطية. ولفظ مسلم: قبلة.

فاستند إليها (¬1) فالجذع الغصن الكبير من الشجرة الذي له قوة واستمساك يقرب من الخشبة، ولا يقال له جذع حتى يكون لها ساق غيره، كذلك قال الأزهري (¬2) وغيره (¬3). (فوضع يده عليها إحداهما على الأخرى) أي: وضع يده اليمنى على اليسرى كما للبخاري في باب تشبيك الأصابع في المسجد (¬4). قال ابن أبي جمرة: فيه دليل على جواز وضع اليدين بعضها على بعض (¬5). انتهى. وفيه إكرام اليد اليمنى وتفضلها على اليسرى؛ لأنه جعلها عليا (¬6) واليسرى السفلى. (فعرف في وجهه الغضب) يؤخذ منه كثرة اهتمام الصحابة بجميع أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - ولولا كثرة اشتغالهم به لما كانوا ينظرون إلى مثل هذا وغيره، وفيه دليل (¬7) على (¬8) معرف الأشياء بالقرائن وأنها تفيد المعرفة؛ لأنهم رأوا صفة تشبه الغضب، وقد لا يكون في الحقيقة غضبان، بل يكون مشتغل الفكر بشيء آخر. (ثم خرج سرعان) قال القاضي عياض: رويناه بفتح السين والراء من ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (573) (97). (¬2) قال الأزهري: الجذع: جذع النخلة، ولا يتبين لها جذع حتى يتبين لها ساق. انظر: "تهذيب اللغة" مادة: جذع. (¬3) من (ل، م). (¬4) "صحيح البخاري" (482). (¬5) "بهجة النفوس" 1/ 195. (¬6) في (ص): عليها. (¬7) سقط من (س، ل، م). (¬8) بياض في (ص).

متقني (¬1) شيوخنا وهو قول الكسائي، وقال غيره: بسكون الراء (¬2). قال ابن الأثير: وهم أوائل الناس الذين يتسارعون إلى الشيء ويقبلون عليه بسرعة (¬3) قال الخطابي: ويقال لهم أيضًا سِرعان بكسر السين وإسكان الراء جمع سريع كقولهم: رعيل ورعلان، هكذا ذكره في "معالم السنن" (¬4) ولم يتعقبه، والرعيل الجماعة من الخيل. وحكى القرطبي وغيره أن الخطابي ضعف هذِه الرواية، وقال: هو خطأ (¬5). وكان هذا في غير (¬6) "معالم السنن". قال عياض: ورويناه من طريق الأصيلي بضم السين وإسكان الراء جمع سريع، كقفيز وقفزان، وكثيب وكثبان (¬7). فتحصل من هذا كله أربع لغات، والذي قاله جمهور أهل اللغة: فتح السين والراء معًا (¬8). لكن فرق المبرد بما إذا كان السرعان من الناس قيل: بفتح الراء وسكونها، وإن كان من غيرهم فالفتح أفصح، و [يجوز بالإسكان] (¬9). ¬

_ (¬1) بياض في (ص). (¬2) "إكمال المعلم" 2/ 361. (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (سرع). (¬4) 1/ 202. (¬5) "المفهم" 2/ 188. (¬6) من (ل، م). (¬7) "إكمال المعلم" 2/ 519. (¬8) انظر: "مشارق الأنوار" 2/ 213، و"النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 361. (¬9) في (ص): يكون الإسكان.

(وهم يقولون: قصرت الصلاة) فيه لغتان: ضم القاف وكسر الصاد على البناء لما لم يسم فاعله، قال النووي: وهي المشهورة (¬1). والثانية: فتح القاف وضم الصاد، والفعل لازم ومتعدٍّ، فاللازم مضموم الصاد؛ لأنه من الأمور الخلقية كحسن وقبح، والمتعدي يفتح ومنه قصر الصلاة وقصرها بالتخفيف والتشديد وأقصرها على السواء حكاهن الأزهري (¬2)، ولا يقال أن قصر إذا كان مخففًا لا يتعدى إلا بحرف الجر كقوله تعالى: {أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} (¬3) لأنا نقول تعديه بنفسه ثابت منقول عن الجوهري وغيره (¬4)، فأما "من" في الآية عند الأخفش زائدة وأما سيبويه ومن لا يرى زيادتها في الموجب فهي صفة لمحذوف تقديره شيئًا من الصلاة (¬5)، ومعاني هذِه اللفظة ترجع إلى الاختصار والكف، ومنه قوله تعالى: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} (¬6). (وفي الناس أبو بكر وعمر) فيه فضيلة ظاهرة لهما؛ إذ لم يذكر ممن كان حاضرًا غيرهم. (فهاباه أن يكلماه) قوله: أن يكلماه. في موضع نصب على البدل من الهاء في هاباه بدل الظاهر من المضمر، وهو بدل الاشتمال (¬7)؛ لأن أن ¬

_ (¬1) "شرح النووي على مسلم" 5/ 68. (¬2) "تهذيب اللغة" مادة: قصر. (¬3) النساء: 101. (¬4) من (س، ل، م). (¬5) انظر: "التبيان في غريب القرآن" للعكبري 1/ 294 - 295. (¬6) الرحمن: 56. (¬7) في (ص، س): اشتمال.

والفعل يتأولان بالمصدر فكأنه قال: فهاباه تكليمه [والمعنى هابا تكليمه] (¬1)، لأن البدل هو المقصود بالنسبة في الحكم، ومثله قوله تعالى: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} (¬2) فأن أذكره بمعنى ذكره وهو بدل من الهاء في أنسانيه العائد إلى الحوت، وتقدير الكلام: وما أنساني (¬3) ذكره إلا الشيطان، وقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} (¬4) [أن قتال فيه] (¬5) بدل من الشهر الحرام بدل اشتمال. قال السهيلي: في هذا دليل على أن ما وقع به الفعل أو فيه فإنه مشتمل عليه كما يشتمل الفاعل على المفعول (¬6) الذي هو حركة له أو صفة فيه. ومنه قول عمر لابنته حفصة (¬7): لا يغرنك هذِه التي أعجبها حسنها حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياها (¬8) (¬9). فحب بدل من هذِه وإن لم يكن فعلًا لها [ولكنه واقع بها كما أن القتال بدل من الشهر وإن لم يكن فعلًا له] (¬10) وإنما هو واقع فيه (¬11). قال العلائي: وحاصل كلام ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) الكهف: 63. (¬3) في (ص، س): أنسانيه. (¬4) البقرة: 217. (¬5) من (س، ل، م). (¬6) في (س، ل، م): الفعل. (¬7) من (م). (¬8) سقط من (م). (¬9) أخرجه البخاري (4913)، ومسلم (1479/ 31) من حديث ابن عباس. (¬10) من (س، ل، م). (¬11) "نتائج الفكر في النحو" 1/ 243.

النحاة أنه لا بد في بدل الاشتمال من (¬1) أن يكون [الحكم المستند] (¬2) إلى الأول متضمنًا لمعنى الثاني وزيادة، فلهذا قيل له بدل اشتمال والذي عليه الاعتماد هو الاسم الثاني، وإنما ذكر الأول توطئة لبيان الثاني، ويظهر ذلك (¬3) بقوله في هذا الحديث: (فهاباه أن يكلماه) فإن الهيبة لما كانت تشتمل على معاني كثيرة تتعلق بها كالتكليم والنظر إليه والوقوف بين يديه وغير ذلك، كان قوله: (أن يكلماه) مبينًا (¬4) لما تعلقت به الهيبة في هذا المقام، وأتى بالضمير المبدل منه للتوطئة (فقام رجل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسميه ذا اليدين) وللناس خلاف فيما يتعلق بذي اليدين في موضعين: أحدهما (¬5): أنه ذو الشمالين. أو غيره، والثاني: أن ذا اليدين هو الخرباق المذكور في حديث عمران بن الحصين (¬6)، أم هما اثنان، أما الأول فجمهور العلماء على (¬7) أن ذا اليدين المذكور في حديث السهو هذا من رواية أبي هريرة غير ذي الشمالين. قال العلائي (¬8): وهذا هو الصحيح الراجح إن شاء الله تعالى، والحجة كذلك ما ثبت من طرق كثيرة أن أبا هريرة كان حاضرًا هذِه ¬

_ (¬1) في (ص): لا بد. (¬2) في (ص، س، ل): المسند. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ص، س): منشأ. (¬5) زاد في (م): في. (¬6) رواه مسلم (574). (¬7) من (س، ل، م). (¬8) في (ص): العلاء.

القصة يومئذٍ مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، كذلك رواه حماد بن زيد وسفيان بن عيينة، عن أيوب السختياني، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحدى صلاتي العشي. هكذا أخرجه مسلم (¬1) وأبو داود (¬2) من حديث حماد بن زيد، وابن الجارود في "المنتقى" (¬3). وروى مالك في "الموطأ" عن مولى ابن أبي أحمد قال: سمعت أبا هريرة يقول: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة العصر فسلم في (¬4) ركعتين، فقام ذو اليدين (¬5)، وأخرجه البخاري في "صحيحه" عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: "صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر أو العصر فسلم فقال له ذو اليدين" (¬6). فهذِه الأحاديث تدل على أن أبا هريرة كان حاضرًا هذِه القصة، ولا خلاف بين أهل السير أن ذا الشمالين استشهد ببدر سنة اثنتين (¬7). قال أبو بكر الأثرم: سمعت مسدد بن مسرهد يقول: الذي قتل ببدر إنما هو ذو الشمالين بن عبد عمرو حليف لبني زهرة، وذو اليدين رجل من العرب كان بالبادية فيجيء فيصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (573/ 97). (¬2) سيأتي برقم (1010). (¬3) "المنتقى" (243). (¬4) في (ص): من. (¬5) "الموطأ" 1/ 94 (59). (¬6) "صحيح البخاري" (1227). (¬7) انظر: "المغازي" للواقدي 1/ 145.

قال ابن عبد البر: قول مسدد هذا قول أئمة الحديث والسير (¬1). وفي كلام البيهقي ما يشعر بأن الحاكم أبا عبد الله صحح الحديث من رواية ذي اليدين (¬2) واحتج به وقال (¬3) الترمذي في "جامعه" بعد سياقه: وفي الباب عن ابن عمر ومعاوية وذي اليدين (¬4). قال ابن عبد البر: قيل: إن ذا اليدين عمر إلى خلافة معاوية وأنه توفي بذي خشب، وأما رواية الزهري الحديث [وتسميته إياه] (¬5) ذو الشمالين فقد غلط الزهري في ذلك، ولا يمكن الجمع بين حضور أبي هريرة لهذِه القصة (¬6) وبين (¬7) كونها كانت قبل بدر وأن الذي أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - يسمونه ذو الشمالين الذي قتل ببدر؛ لأن إسلام أبي هريرة كان بعد بدر بخمس سنين ونحوها (¬8). واختار القاضي عياض في "الإكمال" (¬9) بأنهما واقعتان إحداهما كانت قبل بدر والمتكلم فيها ذو الشمالين، ولم يشهدها أبو هريرة، بل أرسل روايتها، والثانية كانت بعد إسلامه وحضرها أبو هريرة والمتكلم فيها ذو اليدين. والثاني: أن ذا اليدين هل هو الخرباق المتكلم في حديث عمران بن ¬

_ (¬1) "الاستذكار" 4/ 340. (¬2) زاد في (ص): بينه. (¬3) من (م). (¬4) "سنن الترمذي" عقب حديث (399) وعنده: عمران بن حصين بدلًا من معاوية. (¬5) في (ص، س): التسمية بأباه. وفي (ل): التسمية إياه. (¬6) في (م): القضية. (¬7) من (س، ل، م). (¬8) "الاستذكار" 4/ 341. (¬9) 2/ 516.

حصين أو غيره؟ فالذي اختاره عياض (¬1) وابن الأثير (¬2) والنووي (¬3) في غير موضع أنهما واحد، وأما ابن حبان فإنه جعلهما اثنين فقال في "معجم الصحابة": الخرباق صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث (¬4) سها وهو غير ذي اليدين (¬5). وقال ابن عبد البر: يحتمل ويحتمل (¬6). وقال ابن الجوزي في "الألقاب" قولان: أحدهما: عمير بن عبد عمرو بن نضلة السلمي (¬7) ذكره الأكثرون، والثاني: خرباق (¬8). ذكره أبو بكر الخطيب (¬9). قال العلائي: وعمير (¬10) بن عبد عمرو بن نضلة هو ذو الشمالين لا ذو اليدين، وابن الجوزي وهم في هذِه التسمية (فقال: يا رسول الله، أنسيت؟ ) قال الراغب: النسيان ترك (¬11) ضبط ما استودع إما عن غفلة وإما عن ضعف قلبه، وإما عن قصد حتى ينحذف عن قلبه ذكره، وكل نسيان من الإنسان ذمه الله تعالى فهو ما كان أصله عن تعمد (¬12) وما ¬

_ (¬1) انظر: "إكمال المعلم" 2/ 515. (¬2) "أسد الغابة" 2/ 179. (¬3) "شرح مسلم" 5/ 68. (¬4) في (ص): حين. (¬5) "الثقات" لابن حبان 3/ 114. (¬6) انظر: "التمهيد" 1/ 362 - 363، و"الاستذكار" 4/ 339 - 341. (¬7) في "كشف النقاب": السهمي. (¬8) انظر: "مرعاة المفاتيح" 3/ 413. (¬9) "الأسماء المبهمة" (38). (¬10) في (ص): عير. (¬11) ليست بالأصول الخطية. والسياق يقتضيها. (¬12) "المفردات في غريب القرآن" ص 803.

عذر فيه كقوله: "رفع القلم عن الناسي" (¬1) فهو ما لم يكن تسببه منه. وقد حكى عياض أن بعضهم فرق بين السهو والنسيان، فإن السهو جائز على الأنبياء في الصلاة بخلاف النسيان؛ لأن النسيان غفلة وآفة والسهو إنما هو شغل فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسهو في الصلاة ولا يغفل فيها، وكان يشغله، عن حركات الصلاة ما في الصلاة شغلًا بها لا غفلة عنها (¬2) (¬3). قال العلائي: وهذا القول ضعيف من جهة الحديث ومن جهة اللغة، أما من جهة الحديث فلما في الصحيحين من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما أنا بشر أنسى كما تنسون" (¬4). وأما من جهة اللغة فقال الأزهري: السهو الغفلة، عن الشيء [وذهاب القلب عنه (¬5). وقال في "المُحْكم": السهو نسيان الشيء والغفلة عنه وذهاب القلب إلى غيره (¬6)] (¬7) وكلامهم يدل على أن السهو: والنسيان واحد، وقال ابن الأثير في "النهاية": السهو في الشيء تركه من غير علم، والسهو عنه تركه مع علم (¬8). وهذا فرق حسن دقيق وبه يظهر الفرق بين السهو في الصلاة الذي وقع من النبي - صلى الله عليه وسلم - غير مرة، والسهو عن الصلاة الذي ذم الله فاعله ¬

_ (¬1) لم أقف عليه بهذا اللفظ، وإنما وقفت عليه بلفظ: "إن الله تجاوز عن أمتي ثلاثة: الخطأ، والنسيان، وما أكرهوا عليه" رواه الطبراني 2/ 97 (1430). (¬2) "إكمال المعلم" 2/ 518. (¬3) في (م): بعد. (¬4) أخرجه البخاري (401)، ومسلم (572/ 89) من حديث عبد الله بن مسعود. (¬5) "تهذيب اللغة" (سهو). (¬6) "المحكم والمحيط الأعظم" (سهو). (¬7) من (م). (¬8) "النهاية في غريب الحديث والأثر" (سها).

(أم قصرت) بالروايتين المتقدمتين. (قال: لم أنس ولم تقصر الصلاة) (¬1) فنفى الأمرين، وهذِه رواية البخاري دون مسلم (¬2)، وفيه تأويلان: أحدهما: لم يكن المجموع، والثاني: وهو الصواب لم يكن ذا ولا ذا في ظني، بل في ظني أني أكملت الصلاة أربعًا. قال الكرماني: لم أنس ولم تقصر يتضمن أمرين: أحدهما: حكم في الدين، وهو لفظ لم تقصر عصمه الله من الغلط فيه (¬3) لئلا يعرض في أمر الدين إشكال، والآخر: حكاية عن نفسه، وقد جرى الخطأ فيه إذ كان - صلى الله عليه وسلم - غير معصوم عما يدفع (¬4) إليه البشر من الخطأ والنسيان والأمر موضوع عن الناسي (¬5)، وتلافي الأمر في المنسي سهل غير متعذر (¬6). (قال: بل نسيت (¬7) يا رسول الله) كذا لابن حبان (¬8)، وفي رواية: بلى نسيت (¬9). فيه مواجهة الإمام بما يصدر عنه من النسيان ولا يستحيا منه ولا يراعى في شيء من ذلك. ¬

_ (¬1) من (س، ل، م). (¬2) "صحيح البخاري" (482). (¬3) من (س، ل، م). (¬4) في (ص): يرفع. (¬5) في (م): الناسي. (¬6) "شرح البخاري" للكرماني 4/ 143. (¬7) في (ص): بلى. (¬8) "صحيح ابن حبان" (2675). ولفظه كما بالنسخة المطبوعة: بل نسيت. (¬9) رواها البزار 17/ 190 (9824)، والبيهقي 2/ 346.

(فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على القوم فقال: أصدق ذو اليدين؟ ) فيه دليل على طلب البينة فيما لا يعرف، وإن كان القائل صادقًا. (فأومؤوا [أي نعم]) (¬1) أي: أشاروا. وفيه دليل على أن مَنْ روى: قالوا نعم. إنما هو على المجاز والتوسعة في الكلام، كما يقول الرجل: قلت بيدي وقلت برأسي. قال العلائي: وهذا الجمع إنما يتقوى إذا كان الاختلاف واقعًا من صحابيين فيكون أحدهما سمع الإجابة باللفظ، والآخر رأى الذين أومؤوا، ولم يسمع المجيب باللفظ، وهذا الحديث بهذِه الألفاظ مداره على أبي هريرة، والظاهر أن القصة واحدة كما تقدم ولكن الرواة تصرفوا في أدائه، فبعضهم رواه بالمعنى على نحو ما سمع، فيتعين حينئذٍ إما الجمع بينهما بوجه ما (¬2) وإما الترجيح بأمر آخر، قال (¬3): وهذا يتعلق بقاعدة شريفة عظيمة الجدوى في علم الحديث وهي الاختلاف الواقع بالظنون بحسب الطرق ورد بعضها إلى بعض، إما بتقييد الإطلاق، وإما بتفسير المبهم ونحو ذلك أو (¬4) الترجيح حين (¬5) لا يمكن الجمع أو اعتقاد كونها وقائع متعددة ولم أجد إلى الآن أحدًا من الأئمة المتقدمين يشفي النفس في هذا الموضع بكلام جامع يرجع إليه، بل إنما يوجد عنهم (¬6) كلمات متفرقة، وللبحث فيها مجال طويل، فنقول -وبالله ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) من (ل، م). (¬3) من (ل، م). (¬4) في (ص، س، ل): إذ. (¬5) في (ل، م): حيث. (¬6) في (ص، س): عند.

التوفيق- كما سيأتي في حديث معاوية. (فرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مقامه الذي صلى فيه) وهذا محمول على أنه بالقرب منه، وأراد (¬1) أن يعلم من في المسجد أنه رجوع منه إلى الصلاة التي قام عنها لا أنها صلاة غيرها؛ إذ لو كانت غيرها لصلاها في غيره، ويحتمل غير ذلك والله أعلم. ونظير رجوعه هنا ما رواه الشافعي في القديم وسيأتي بعد هذا عن معاوية بن حديج: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى يومًا فانصرف وقد بقي من الصلاة ركعة، فأدركه رجل، فقال: نسيت من الصلاة ركعة. فرجع فدخل المسجد، فأمر بلالًا فأقام الصلاة، فصلى بالناس ركعة (¬2). كما سيأتي. (فصلى) جاء بفاء التعقيب ليدل على أن من سها فتذكر أنه يجب عليه العود إلى الصلاة عقيب التذكر بلا مهلة، بل على الفور، ولا يجوز. . (¬3). (الركعتين الباقيتين) يدل على أن من سلم ساهيًا وقد بقي عليه شيء من صلاته ركعة أو ركعتين أو أكثر فإنه يأتي بما بقي عليه من صلاته، وهذا مما لا خلاف فيه. (ثم سلم) ليست ثُمَّ هنا على بابها للمهلة، بدليل رواية مسلم: وسلم (¬4). بالواو التي لمطلق الجمع، وهذا الحديث حجة على أن سجود السهو بعد السلام. ¬

_ (¬1) في (ص): هذا. (¬2) انظر: "معرفة السنن والآثار" (1165)، وسيأتي قريبًا برقم (1023). (¬3) بياض في (ص، س، ل، م). (¬4) "صحيح مسلم" (573) (97) من حديث ابن عمر.

قال العلائي: وجميع طرقه ورواياته لم تختلف في شيء منها أن السجود بعد السلام، والشافعية على المشهور عندهم رأوا أن أحاديث أبي سعيد في قوله: "فإن كان (¬1) صلى خمسًا شفعن له صلاته، وإن كان صلى تمامًا لأربع كانت السجدتان ترغيمًا للشيطان"، وقال في كل منهما: "ثم يسجد قبل أن يسلم" (¬2) أولى بالأخذ من أحاديث ذي اليدين؛ لأن دلالة حديث أبي سعيد قولية (¬3) ولا تحتمل التأويل، ودلالة حديث ذي اليدين فعلية يحتمل أنه كان عن سهو منه - صلى الله عليه وسلم -، أعني تأخير السجود إلى ما بعد السلام، ولأن حديث أبي سعيد يحتمل القسمين الزيادة والنقص، وعلى كلا التقديرين قالوا: حديث أبي سعيد أولى من حديث ابن مسعود (¬4) من جهة اتفاق الرواة في الأول على التصريح بالأمر بالسجود قبل السلام وسكوت كثير من الرواة عن التصريح بكون السجود بعد السلام في حديث ابن مسعود، ومن جهة أن أبا سعيد الخدري من أحداث الصحابة، فتشعر روايته بالتأخير، بخلاف ابن مسعود فإنه متقدم الإسلام، وأما اعتراض بعض المالكية على حديث أبي سعيد بالإرسال فيه، فإن هذا الاعتراض ضعيف؛ لأن الحديث صحيح متصل لا ريب فيه. وقد تأول بعض أصحابنا حديث (¬5) ذي اليدين على أن المراد بالسلام ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) أخرجه مسلم (571). (¬3) في (ص): قوية. وفي (س): قوله. (¬4) رواه البخاري (401)، ومسلم (572). (¬5) في (س، ل، م): أحاديث.

الذي وقع السجود بعده هو السلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي في التشهد، وأشار الشافعي في القديم إلى شيء آخر فقال: أنا مطرف بن مازن، عن معمر، عن الزهري، قال: سجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سجدتي السهو قبل السلام وبعده، وآخر الأمرين قبل السلام (¬1) فاعتمد كثير من الأصحاب هذا، وقالوا (¬2): السجود بعد (¬3) السلام منسوخ. وسلك بعض (¬4) الأصحاب في هذِه الأحاديث مسلكًا آخر وهو الترجيح، فجعله من جانب من قال أنه قبل السلام على الإطلاق لكثرة الرواة، والأظهر الترجيح بكثرة الرواة لما تتضمن كثرتهم من قوة الظن المرجحة. (ثم كبر وسجد) أشار القرطبي (¬5) إلى ترجيح القول باشتراط تكبيرة الإحرام إذا كان بعد السلام، قال: لأن قول مالك لم يختلف في وجوب السلام، وما يتحلل منه بسلام [لا بد له من تكبيرة الإحرام كسائر الصلوات. ومذهب أبي حنيفة وأصحابه (¬6) أن يتشهد بعد سجدتي السهو ثم يسلم و] (¬7) لا يحتاج عندهم إلى تكبيرة الإحرام (¬8)، لأنه لم يخرج بالسلام الذي قبل سجود السهو من الصلاة أصلًا، هذا قول ¬

_ (¬1) "معرفة السنن والآثار" 2/ 171. (¬2) في (م): قال. (¬3) في (ص، س، ل): قبل. (¬4) من (ل، م). (¬5) "المفهم" 2/ 182. (¬6) "المبسوط" للسرخسي 1/ 383 - 384. (¬7) من (م). (¬8) سقط من (م).

محمد بن الحسن حتى قال: يجوز للمقتدي أن يأتم به ابتداء بعدما سلم، ويكون كالمسبوق. واشترط القرطبي في اشتراط تكبيرة الإحرام على ما تكرر في روايات حديث ذي اليدين في الصحيح من قول أبي هريرة: فصلى ركعتين ثم كبر ثم سجد ثم كبر ورفع ثم كبر وسجد ثم كبر ورفع، قال: فعطف السجود على التكبيرة الأولى بـ "ثُمَّ" التي تقتضي التراخي ولو كان التكبير للسجود لكان معه ومصاحبًا له (¬1)، ولأتى الراوي بالواو المقتضية للجمع كما فعل في بقية انتقالات السجود، وهذا الاستدلال ليس بالظاهر القوي بل هو محتمل أو قريب من الظهور مع احتمال خلافه. قال العلائي: وأقوى ما يحتج به لذلك ما ثبت، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من التسليم بعد سجود السهو الذي فعله بعد السلام كما ثبت من حديث عمران بن حصين عند مسلم (¬2) والقاعدة تقتضي أن السلام لا يتحلل به إلا من عقد قلبه بتحرم فهذا إذا انضم إلى ما قاله القرطبي أفاد نحوه (¬3) في تكبيرة الإحرام، ولكن هذا إذا قلنا بأنه ليس في الصلاة، أما إذا جعلناه عائدًا إليها [كان الصحيح] (¬4) عند أكثر الأصحاب فيما إذا سلم ناسيًا أن عليه [سجود سهو كمذهب أبي حنيفة (¬5) في أن السلام الأول لم يخرج به من ¬

_ (¬1) "المفهم" 2/ 183. (¬2) "صحيح مسلم" (475) (101). (¬3) في (م): قوة. (¬4) في (س، ل، م): كالصحيح. (¬5) "المبسوط" للسرخسي 1/ 388.

الصلاة إذا كان عليه] (¬1) سجود سهو، فلا معنى هنا لتكبيرة تحريم (¬2) كما تقدم (مثل سجوده) قال الجوهري (¬3): مثل كلمة تسوية يقال: هذا مثله ومثل مثله شِبْهُهُ وشبيهه (¬4) وكذا قال الأزهري وابن سيده (¬5) وغيرهم، إلا أن الراغب زاده كلامًا حسنًا فقال (¬6): المثل عبارة عن المشابهة لغيره في معنى من المعاني أي: معنى كان وهو أعم الألفاظ الموضوعة للمشابهة، وذلك أن الند (¬7) يقال لما يشارك في الجوهر فقط، والشبه فيما يشاركه في الكيفية فقط، والمساوي يقال فيما يشاركه في الكمية فقط، والمثل عام في جميع ذلك، ولذلك لما أراد الله تعالى نفي الشبه عنه من كل وجه قال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ} (¬8) وأما نحو هذا فهي (¬9) لا تعطي هذا المعنى بل تقتضي المشابهة مع التقريب (أو أطول) منه (ثم رفع) رأسه (وكبر) للرفع منه (¬10) (ثم كبر) للسجدة الثانية من سجدتي السهو (وسجد) الثانية (مثل سجوده) المعهود (أو أطول) منه (ثم رفع) منها (وكبر) للرفع من السجدة الثانية. ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) في (ص): التحرم. وفي (س): تحرم. (¬3) "الصحاح في اللغة" (مثل). (¬4) في (س، ل، م)، و"الصحاح": شَبَهُه. (¬5) انظر: "تهذيب اللغة" مادة: (مثل)، "المحكم" مقلوب مادة: (شبه). (¬6) "المفردات في غريب القرآن" (مثل). (¬7) في (م): اليد. (¬8) الشورى: 11. (¬9) من (ل، م). (¬10) من (ل، م).

(قال) المصنف (فقيل لمحمد) بن سيرين أحد الرواة (أسلَّم في السهو؟ فقال: لم أحفظه من رواية أبي هريرة ولكن نبئت) بضم النون للمجهول، أي: أخبرت (أن عمران بن حصين، قال) في روايته (ثم سلَّم) وقد استشهد الأصحاب بحديث عمران بن حصين بأن الأصح باتفاقهم أنه لا بد من السلام سواء قلنا أنه يتشهد أو لا، والأصح في التشهد أيضًا أنه لا يتشهد؛ لأنه لم يذكر في حديث عمران. [1009] (حدثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك (¬1)، عن أيوب، عن محمد) بن سيرين (بإسناده) المذكور (وحديث حماد) بن زيد (أتم) منه، و (قال) فيه: ثم (صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ولم يقل: بِنَا) ولم يقل: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (ولم يقل: فأومؤوا) بل (قال) في روايته (قال الناس نعم). و(قال: ثم رفع) رأسه (ولم يقل: وكبر ثم كبر و (¬2) سجد مثل سجوده أو أطول. وتم حديثه) هنا (ولم يذكر ما بعده من قوله: ثم رفع وكبر وما بعده ولم يذكر) عن ذي اليدين. (فأوموؤا إلا حماد بن زيد) وقد رواه مسلم (¬3) عن حماد بن زيد لكنه لم يذكر سياقه، بل أحاله على حديث سفيان بن عيينة وقال بمعناه. [1010] (حدثنا مسدد، حدثنا بشر بن المفضل، حدثنا سلمة بن (¬4) ¬

_ (¬1) "الموطأ" (210). (¬2) في (م): ثم. (¬3) "صحيح مسلم" (573) (98). (¬4) في (م): عن.

علقمة) التميمي أبو (¬1) بشر البصري، من ولد عامر بن عبيد (¬2)، أخرج له الشيخان وغيرهما سوى الترمذي (عن محمد) بن سيرين (عن أبي هريرة قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمعنى) حديث (حماد) بن زيد (كله إلى آخر قوله نبئت أن عمران بن حصين قال) في روايته (ثم سلَّم) وفي حديث [ضمضم بن جوس] (¬3) عن أبي هريرة: فلما قضى الصلاة سجد سجدتين ثم سلَّم (¬4). كذلك أخرجه البزار (¬5) من حديث علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير عنه (¬6) ثم استغربه. و(قال) سلمة (قلت) لمحمد بن سيرين: (فالتشهد؟ قال: [وأحب إلي] (¬7) أن يتشهد) وكذا روى ابن أبي شيبة، عن ابن سيرين أنه قال: أحب إليَّ أن يتشهد فيهما (¬8). وحكى ابن عبد البر أيضًا، عن يزيد بن قسيط أنه يتشهد بعدهما ولا يسلم قال: وهو رواية (¬9) أيضًا، عن الحكم بن عيينة وحماد بن أبي سليمان (¬10) وإبراهيم النخعي (¬11)، وروى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود ¬

_ (¬1) في (ص، س): بن. (¬2) في (ص، س): عمر. (¬3) في (ص، س): شهر بن حوشب. (¬4) سيأتي تخريجه قريبًا في هذا الباب. (¬5) "مسند البزار" 16/ 243 (9417). (¬6) من (م). (¬7) في (س، ل، م): واجب إلا. (¬8) "مصنف ابن أبي شيبة" 3/ 443 (4495). (¬9) في (م): رواه. (¬10) في (م): سلمان. (¬11) "التمهيد" 10/ 208.

أنه يتشهد فيهما ويسلم (¬1). ورواه عبد الرزاق، عن قتادة (¬2). قال عياض: مذهب مالك (¬3) أنه إذا (¬4) كانتا يعني: السجدتين بعد السلام فيتشهد لهما ثم يسلم، واختلف عنه هل يتشهد لهما إذا كانتا قبل السلام أم لا؟ (¬5)، ومذهب أبي حنيفة وأصحابه (¬6) أنه يتشهد بعد سجدتي السهو ثم يسلم. وقال أحمد (¬7): متى سجد قبل السلام لم يحتج إلى تشهد، وكان سلامه بعد السجود، وأما إذا سجد بعد السلام فإنه يتشهد بعده ثم يسلم. وأما أصحابنا فقالوا: إذا فرعنا على الصحيح المنصوص من أن السجود مطلقًا قبل السلام فلا يتشهد. وحكى ابن عبد البر في "الاستذكار" أن البويطي نقل عن الشافعي (¬8) أنه رأى التشهد بعدهما واجبًا (¬9) [وأما إذا سجد بعد السلام فهل يتشهد أم لا مبني على أنه في هذِه الحالة عائدًا إلى الصلاة أم لا، والأصح عند الأكثرين أنه يكون] (¬10) عائدًا إلى الصلاة وهو قول الشيخ أبي زيد ¬

_ (¬1) "مصنف ابن أبي شيبة" 3/ 442 (4492). (¬2) "مصنف عبد الرزاق" 2/ 314 (3501). (¬3) "المدونة" 1/ 220. (¬4) من (ل، م). (¬5) انظر: "المبسوط" للسرخسي 1/ 384. (¬6) "إكمال المعلم" 2/ 513. (¬7) "مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج" (205). (¬8) "الأم" 1/ 246 - 247. (¬9) 4/ 381. (¬10) من (م).

المروزي وممن رجحه القفال وإمام الحرمين والغزالي في "فتاويه" والروياني، فعلى هذا لا يتشهد؛ لأن الصلاة متحدة، وقد تقدم التشهد الواجب وأجزأ عنه، لكن يجب عليه (¬1) إعادة السلام لأن الأول كان سهوًا، ونقل المزني في "المختصر" فقال: سمعت الشافعي يقول: إذا كانتا سجدتا السهو بعد السلام تشهد لهما، وإذا كانتا قبل السلام أجزأه التشهد الأول (¬2). هذا لفظه ذكره في آخر باب سجود السهو، وقد تأوله الماوردي وابن الصباغ على أنه تفريع على القديم، وجزم الماوردي بأنه إذا نسي سجود السهو قبل السلام أنه يتشهد بعده أيضًا لهذا النص (¬3). قال العلائي: والعجب من تصحيح المتأخرين عدم التشهد مع وجود هذا النص الجديد في "مختصر المزني". (ولم يذكر) أنه (كان يسميه ذا اليدين، ولا ذكر) في روايته (فأومؤوا، ولا ذكر الغضب) كما تقدم أنه يعرف في وجهه الغضب (وحديث أيوب أتم) من رواية سلمة بن علقمة عن ابن سيرين. [1011] (حدثنا علي بن نصر بن علي) (¬4) الجهضمي، أخرج له الشيخان (حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب وهشام) بن حسان الأزدي. ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) "مختصر المزني" المطبوع مع "الأم" 9/ 21. (¬3) "الحاوي الكبير" 2/ 231. (¬4) زاد في (م): حفيد.

(ويحيى بن عتيق) (¬1) الطفاوي بضم الطاء وتخفيف الفاء نسبة إلى طفاوة، أخرج له مسلم (و) عبد الله (ابن عون، عن محمد) بن سيرين. (عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قصة ذي اليدين أنه كبَّر) أي: بعد ما سلم ساهيًا (وسجد، وقال هشام بن حسان) الأزدي (كبر ثم كبر) قال العلائي: لم يأت ذكر تكبيرة الإحرام صريحًا إلا فيما رواه حماد بن زيد، عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة في حديث ذي اليدين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أتم الصلاة وسلَّم منها كبر ثم كبر وسجد للسهو (قال) المصنف (روى هذا الحديث أيضًا حبيب) بفتح المهملة (ابن الشهيد) أيضًا. (وحميد) الطويل (ويونس) بن عبيد، أحد أئمة البصرة. [(وعاصم) بن سليمان] (¬2) (الأحول، عن محمد) بن سيرين (عن أبي هريرة، ولم يذكر أحد منهم ما ذكر حماد بن زيد، عن هشام) بن حسان (أنه كبر ثم كبر) فأشار إلى شذوذ هذِه الرواية، ثم قال: (وروى حماد بن سلمة وأبو بكر بن عياش (¬3) هذا الحديث عن هشام) و (لم يذكر عنه هذا الذي ذكره حماد بن زيد أنه كبر ثم كبر) قال العلائي: ورواه أيضًا عن ابن سيرين: سلمة بن علقمة، وقتادة ابن دعامة. ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) تأخرت هذه العبارة في الأصول الخطية، فجاءت بعد سطرين بعد قوله: شذوذ هذه الرواية. وقد أثبتها كما في مطبوعة "سنن أبي داود". (¬3) في (م): عياض. وبياض في (ل).

أخرج حديثهما ابن خزيمة في "صحيحه" (¬1)، ورواه البزار في "المسند" أيضًا من حديث سعيد بن أبي عروبة، وأسعد (¬2) بن سوار، وقرة بن خالد، وسفيان بن حسين، عن ابن سيرين فهؤلاء الأربعة عشر رجلًا (¬3) تابعوا أيوب السختياني، عن ابن سيرين، وتابع محمد بن سيرين على روايته، عن أبي هريرة جماعة آخرون منهم أبو سفيان مولى ابن أبي أحمد رواه مالك في "الموطأ" عن داود بن الحصين عنه (¬4). [1013] (حدثنا محمد بن يحيى) بن عبد الله (بن فارس) الذهلي (حدثنا محمد بن كثير) بن أبي عطاء الثقفي، قال أبو حاتم: سمعت الحسن بن الربيع يقول: محمد بن كثير اليوم أوثق الناس (¬5). وكان ثقة يذكرون أنه اختلط في آخر عمره. (عن الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة وعبيد الله) بالتصغير (بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود الهذلي أحد الفقهاء السبعة. (عن أبي هريرة بهذِه القصة وقال) فيه: (ولم يسجد سجدتي السهو) في صلاته (¬6). ¬

_ (¬1) "صحيح ابن خزيمة" (1035، 1036). (¬2) في (م): أشعث. (¬3) من (م). (¬4) سبق تخريج هذه الطرق قريبًا. (¬5) "الجرح والتعديل" 8/ 69. (¬6) في (س، ل، م): صلاة.

(حتى يقنه (¬1) الله) بتشديد القاف [وتخفيف النون] (¬2) (ذلك) أي: أعلمه ذلك وأزال شكه [يقول: يَقِنْتُ الأمرَ. بكسر القاف، ويقَّنني الله ذلك] (¬3). بما عَرفه الناس كما سيأتي أنه ذكر فذكره الله النسيان. وفيه حجة للشافعي (¬4) أنه لا يرجع للمأمومين إلا [إذا ذكر] (¬5) من قبل نفسه وذكره الله تعالى. [1013] (حدثنا حجاج بن أبي يعقوب) [يوسف الشاعر الثقفي، من أهل بغداد أخرج له مسلم. (حدثنا يعقوب بن إبراهيم)] (¬6) قال (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد (¬7) ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف المدني، أخرج له الشيخان. (عن) أبي ذكوان (صالح، عن ابن شهاب أن أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة) بفتح الحاء المهملة وسكون المثلثة القرشي العدوي. (أنه بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) صلى ركعتين فقال له ذو الشمالين بنحوه، كذا للنسائي (¬8)، أي: نحو ما تقدم قبله، فقال له ذو الشمالين: أنقصت الصلاة أم نسيت؟ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما يقول ذو اليدين؟ " قالوا: صدق يا ¬

_ (¬1) في (م): لقنه. (¬2) تأخرت هذه العبارة في (م) فجاءت بعد: وأزال شكه. (¬3) تأخرت هذه العبارة في (ص، س، ل) فجاءت في آخر الفقرة. والمثبت كما في (م). (¬4) "المجموع" 4/ 239. (¬5) في (ص، س، ل): بذكر. (¬6) من (ل، م). (¬7) في (م): سعيد. (¬8) "سنن النسائي" 3/ 24.

رسول الله. فأتم بهم الركعتين اللتين نقصت (¬1) (بهذا الخبر) أي: سياق الخبر المتقدم وخالف طريق الأوزاعي الأولى طريق صالح (¬2) الثانية في قوله: ولم يسجد .. إلخ. (قال: ولم يسجد السجدتين اللتين تسجدان) بضم أوله وفتح الجيم (إذا شك حتى لقاه الناس) لقاه (¬3) بفتح اللام والقاف المشددة أي: حتى علمه الناس من قوله تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا}، {وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} أي: ما يعلمها ويتيقنها (¬4) إلا الصابرون على الطاعات والمكاره (¬5)، وفي حديث أشراط الساعة: "ويلقى الشح" (¬6). قال الحميدي: لم يضبط هذا الحرف (¬7). ويحتمل أن يكون يتلقى ويتعلم ويتواصى إليه ويدعى إليه (¬8) من قوله تعالى: {وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ}. (قال ابن شهاب: وأخبرني بهذا الخبر سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: وأخبرني أبو سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف (وأبو بكر [بن عبد الرحمن] (¬9) بن الحارث بن هشام) القرشي ¬

_ (¬1) في (م): نقص. وانظر السابق. (¬2) في (ص): الصالح. (¬3) سقط من (س، ل، م). (¬4) في (س، م): ينبه لها. (¬5) في (ص): المكان. (¬6) رواه البخاري (6037)، ومسلم (157). (¬7) "تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم" ص 273. (¬8) من (م). (¬9) سقط من (ل، م).

المخزومي، أحد الفقهاء السبعة، قيل: اسمه محمد. (وعبيد الله) بالتصغير بن عبد الله بن عتبة (¬1) بن مسعود أحد الفقهاء السبعة من أهل المدينة (قال) المصنف (رواه) محمد بن الوليد بن عامر (الزبيدي) بضم الزاي وفتح الموحدة مصغر وبعد الياء دال نسبة إلى زبيد قبيلة من مذحج (عن الزهري، عن أبي بكر (¬2)، سليمان بن أبي حثمة) تقدم أنه بالمثلثة أنه بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا الخبر. (عن النبي قال فيه: ولم يسجد سجدتي السهو) (¬3) (¬4) وهو جالس في تلك الصلاة وذلك فيما نرى والله أعلم من أجل أن (¬5) الناس يقنوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[حتى استيقن، وهاتان] (¬6) الروايتان عنه في "صحيح ابن خزيمة" (¬7) أيضًا، وكان ابن شهاب يقول: إذا عرف الرجل ما نسي من صلاته فأتمها فليس عليه سجود سهو (¬8). قال الإمام مسلم بن الحجاج في كتاب "التمييز" له: قول ابن ¬

_ (¬1) في (م): عيينة. (¬2) زاد في (ص، س، ل): حدثنا. (¬3) أخرجه مالك في "الموطأ" (212) من طريق ابن شهاب به مرسلًا. ولم يذكر فيه سجدتي السهو. وقال الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" (185): إسناده ضعيف. (¬4) زاد هنا في (ص، س، ل): السجدتين اللتين تسجدان إذا شك حين رآه الناس. والمثبت كما في (م). (¬5) من (ل، م). (¬6) في (ص، س): أيضًا حتى استبعدوها. (¬7) "صحيح ابن خزيمة" (1040، 1051). (¬8) انظر: "التمهيد" 11/ 204.

شهاب: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما سجد يوم ذي اليدين سجدتي السهو خطأ وغلط، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سجد سجدتي السهو ذلك اليوم من أحاديث (¬1) الثقات كابن سيرين وغيره (¬2). قال ابن عبد البر: لا أعلم أحدًا من أهل الحديث المصنفين فيه عول على حديث ابن شهاب في قصة ذي اليدين، وكلهم تركه لاضطراب فيه وأنه لم يقم إسنادًا ولا متنًا وإن كان إمامًا (¬3) عظيمًا في هذا الشأن، فالغلط لا يسلم منه أحد والكمال ليس لمخلوق (¬4). [1014] (حدثنا عبد الله بن معاذ، حدثنا أبي) معاذ بن معاذ التميمي الحافظ قاضي البصرة. (حدثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف. (سمع أبا سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر فسلم في الركعتين، فقيل له) لعل القائل ذو (¬5) اليدين. (نقصت) بضم النون وكسر القاف وفتح الصاد وفي بعض النسخ بثلاث فتحات، رواه البخاري في باب هل يأخذ الإمام إذا شك بقول الناس بلفظ فقيل: صليت ركعتين (¬6). ¬

_ (¬1) في (س، ل، م): الأحاديث. (¬2) "التمييز" ص 68، 70 بنحوه. (¬3) في (م): اتباعًا. (¬4) "التمهيد" 1/ 366. (¬5) في (ص): ذا. (¬6) "صحيح البخاري" (715).

(فصلى ركعتين) ثم سلم (ثم سجد سجدتين) كذا للبخاري (¬1)، ورواه النسائي (¬2) وقال في آخره: لا أعلم أحدًا ذكر في هذا الحديث ثم سجد سجدتين. غير سعد (¬3). (قال) المصنف (رواه يحيى بن أبي كثير وعمران بن أبي (¬4) أنس) من أهل اليمن، ويقال من أهل مصر أخو بني عامر بن لؤي، أخرج له مسلم. (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة بهذِه القصة، ولم يذكر أنه سجد سجدتين، قال) المصنف (ورواه داود بن الحصين، عن أبي سفيان) قزمان، وقال الدارقطني: اسمه وهب (¬5) (مولى عبد الله بن أبي أحمد) بن جحش القرشي الأسدي وفي هذا متابعة لابن سيرين (عن أبي هريرة) في الرواية المتقدمة وهو عند مالك (¬6) ومسلم (¬7): صلى بنا (¬8) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسلم في ركعتين فقام ذو اليدين فقال: أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (بهذِه القصة (¬9) قال): "كل ذلك لم يكن" فقال: قد كان بعض ذلك يا رسول الله، فأقبل ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (1227). (¬2) "المجتبى" 3/ 23، "السنن الكبرى" (560). (¬3) في (ص، س، ل): سعيد. (¬4) زاد في (ص، س، ل): حدثنا. (¬5) انظر: "تهذيب الكمال" 33/ 364. (¬6) "الموطأ" 1/ 94 (59). (¬7) "صحيح مسلم" (573) (99). (¬8) في (س، ل، م): لنا. (¬9) من (م).

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الناس فقال: "أصدق ذو اليدين؟ " فقالوا (¬1): نعم يا رسول الله. فأتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بقي من الصلاة (ثم يسجد سجدتي السهو) بعد السلام. لفظ (¬2) (وهو جالس بعد التسليم) (¬3). [1016] (حدثنا هارون بن عبد الله، حدثنا هاشم بن القاسم) أبو النضر (¬4) الحافظ قيصر (حدثنا عكرمة بن (¬5) عمار) الحنفي (¬6) اليمامي، أخرج له مسلم (عن ضمضم) بفتح (¬7) المعجمتين (بن جوس) بضم (¬8) الجيم وسكون الواو ثم سين مهملة اليمامي، قال أحمد: ليس به بأس (¬9). (الهفاني) بكسر الهاء وتشديد الفاء وبعد الألف نون، نسبة إلى هفان، وهي في حنيفة، وهو هفان بن الحارث، هكذا نسبه، ضبطه ونسبه السمعاني وقال: هو ثقة (¬10). قال: (حدثني أبو هريرة بهذا الخبر) و (قال: ثم سجد سجدتي السهو بعد ما سلم) ... الحديث. ¬

_ (¬1) في (ل، م): فقال. (¬2) بياض في (ص، س، ل، م). (¬3) "صحيح مسلم" (573) (99). (¬4) في (ص): الب. (¬5) في (ص، س): عن. (¬6) كذا في الأصول الخطية، ولعلها: العجلي. كما في مصادر ترجمته. (¬7) في (ص، س): بضم. (¬8) كذا في الأصول الخطية، ولعلها: بفتح. كما في مصادر ترجمته. (¬9) "الجرح والتعديل" 4/ 468. (¬10) "الأنساب" للسمعاني 5/ 557.

[1015] (حدثنا إسماعيل بن أسد) بن أبي الحارث البغدادي، ثقة جليل (¬1) (حدثنا شبابة، حدثنا) محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث (بن أبي ذئب) هشام بن شعبة القرشي العامري المدني. (عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - انصرف من الركعتين من صلاة المكتوبة) من إضافة الصفة إلى الموصوف، وفيه حذف (فقال له رجل: أقصرت الصلاة أم نسيت؟ ) الاستفهام هنا على بابه لم يخرج عن موضوعه (¬2) ولا اقترن باللفظ ما يدل على معنى آخر، والاستفهام تارة يطلب به التصور وتارة يطلب به التصديق، فالأول: كقول ذي اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت؟ [والأول: كقول ذي اليدين، ومثله (¬3): أعسل في الدن أم دبس؟ والثاني: "قوله في هذا الحديث: "أحق ما يقول ذو اليدين؟ " ومثله: أقام زيد؟ (¬4) ثم الذي يلي همزة الاستفهام وهو المسؤول عنه لا غيره، فإذا قلت: أأنت (¬5) فعلت كذا؟ كان الشك في الفاعل من هو مع العلم بوقوع الفعل، وكذلك إذا قلت: أزيدًا ضربت؟ كان الشك في المضروب مع العلم بوجود الضرب، وإذا قلت أفعلت كذا؟ كان الشك في الفعل نفسه، وكان الغرض الاستفهام أن يعلم وجوده هل وقع أم لا. (قَال: كُلَّ) بالنصب مفعول مقدم (¬6) (ذَلِكَ لَمْ أَفْعَلْ) في هذا مع ¬

_ (¬1) "الكاشف" 1/ 120. (¬2) في (ص، س، ل): موصوفة. (¬3) في (ص): مثل. (¬4) زاد في (ص): أم عمرو. (¬5) في (ص، س): أني. (¬6) تقدم موضع العبارة قبل سطر في (ص، س، ل).

جواب ذي اليدين كان بعض ذلك كما لـ "الموطأ" (¬1) ومسلم (¬2) دليل لقاعدة عظيمة بديعة، اتفق عليها أهل المعاني والبيان أن النفي إذا سلط على كل أو كانت في حيزه، فإنه يكون النفي حينئذٍ لنفي الشمول عن المجموع لا لنفي الحكم عن كل فرد فرد، وإن أخرجت كل من حيز النفي بأن قدمت عليه لفظًا ولم تكن معمولة للفعل المنفي توجه النفي إلى أصل الفعل وعم حينئذٍ كل ما أضيف إليه كل، فكان للسلب عن كل فرد فرد. والاحتجاج لهذِه القاعدة بهذا الحديث من وجهين: أحدهما: ما تقدم من أن السؤال بأم عن أحد الأمرين لطلب التعيين (¬3) بعد ثبوت أحدهما عند المتكلم على وجه الإبهام، فجوابه إما بالتعيين أو بنفي كل واحد منهما [فلما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كل ذلك لم يكن" كان جوابه لنفي كل واحد منهما] (¬4)، لكن بالنسبة إلى ظنه - صلى الله عليه وسلم - فلو كان تقديم كل على المنفي إنما يفيد نفي الكلية لا نفي الحكم عن كل فرد لكان قوله - صلى الله عليه وسلم - كل ذلك لم يكن غير مطابق للسؤال، ولا ريب في بطلانه. والوجه الثاني: قول ذي اليدين في جواب هذا الكلام: قد كان بعض ذلك. وهو من العرب الفصحاء، فدل على أن المراد بكل ذلك لم يكن سلب الحكم عن كل فرد فرد لا عن المجموع؛ لأن الإيجاب الجزئي يقتضيه السلب الكلي. قال الجرجاني (¬5): والعلة في ذلك أنك ¬

_ (¬1) "الموطأ" (211). (¬2) "صحيح مسلم" (573) (99). (¬3) من (س، ل، م). (¬4) من (س، ل، م). (¬5) "دلائل الإعجاز" ص 285.

إذا بدأت بكل كنت قد بنيت النفي عليه وسلطت الكلية على النفي وأعملتها فيه، وإعمال معنى الكلية في النفي يقتضي [أن لا] (¬1) يشذ (¬2) شيء عن النفي. واحتج هو وغيره لذلك أيضًا ببيت أبي النجم المشهور: قد أصبحت أم الخيار تدعي ... عليَّ ذنبًا كله لم أصنع فإن الرواة كلهم متفقون على رفع (كله) وهو شاعر فصيح، فلما عدل عن النصب الذي لو أتى به لم ينكسر وزن البيت دل على أنه أراد أن ينفي عن نفسه أنه لم يأت بشيءٍ مما تدعيه عليه [أصلًا وهذا هو سياق كلامه لأنه أراد نفي الكلية وأنه أتى بشيء مما تدعيه] (¬3) لا بالمجموع؛ لأنه لم يقصد هذا فلو كان النصب يفيد ما أراده من نفي كل فرد فرد لعدل إليه، أو كان الرفع غير مفيد (¬4) لذلك لما عدل عن النصب إليه. قال الجرجاني: هاهنا أصل وهو أن من حكم النفي إذا دخل على (¬5) كلام ثم كان في ذلك الكلام تقييد على وجه من الوجوه أن يتوجه إلى ذلك التقييد وإن لم يقع له، فإذا قيل لم يأت القوم مجتمعين كان النفي متوجهًا إلى الاجتماع الذي هو قيد في الإتيان (¬6) دون أصل ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): أنه لانه. (¬2) من (ل). (¬3) من (م). (¬4) في (ل، م): مقيد. وفي (س): متعد. (¬5) في (ص): عليه. (¬6) في (م): الاثبات.

الإتيان (¬1)، فلو قال قائل: لم يأت القوم مجتمعين. وكان (¬2) لم يأت منهم أحد لقيل: لم يأتوك أصلًا فما معنى قوله مجتمعين؟ ! فهذا مما لا يشك فيه عاقل، والتأكيد ضرب من التقييد، فظهر به الفرق بين قولك لم يأتني كل القوم أو القوم كلهم، وبين قولك: كل القوم لم يأتني (¬3). (فَقَال النَّاسُ: قَدْ فَعَلْتَ بعض ذَلِكَ يَا رَسُولَ الله. فَرَكَعَ رَكعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ) بضم الهمزة تثنية أخرى. (ثُمَّ انْصَرَفَ وَلَمْ يَسْجُدْ سَجْدَتَي السَّهْوِ) تقدم عن مسلم أن هذِه الرواية باطلة؛ لأنه ثبت أنه سجد سجدتي السهو عن الثقات. وعلى (¬4) تقدير ثبوت هذِه الرواية، فإما أن تعتبر الرواية التي نفى فيها عدم العلم بوقوع سجود السهو من النبي - صلى الله عليه وسلم - يومئذٍ أو تعتبر الرواية التي جزم فيها بعدم السجود فعلى التقدير الأول لا تعارض بينه وبين بقية الروايات؛ لأنه لم ينف ما أثبتوه بل ذكر أن أحدًا من شيوخه لم يروه له فلا (¬5) يرد مثل هذا على من حفظ ذلك ورواه إجماعًا وأما على التقدير الثاني فهو يتخرج على تعارض المثبت والنافي وجمهور العلماء على ترجيح المثبت على النافي لما عنده من زيادة العلم. [1017] (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ) بن شبويه، كان من كبار الأئمة، تفرد عنه أبو داود، وذكر الدارقطني أنه روى عنه البخاري (¬6). ¬

_ (¬1) في (م): الاثبات. (¬2) في (م): كأنه. (¬3) "دلائل الإعجاز" ص 279 - 280. (¬4) زاد في (ص): كل. (¬5) من (م). (¬6) انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 436.

(حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ) حماد بن أسامة ح (وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ العَلَاءِ، أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ) حماد بن أسامة الكوفي الحافظ (أَخْبَرَنِي عُبَيدُ الله) بن عمر بن حفص (عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قَال صَلَّى رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -) الظهر أو العصر (فَسَلَّمَ من ركعَتَينِ. فَذَكرَ نَحْوَ حَدِيثِ) محمد (ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وقَال ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَي السَّهْوِ) كما تقدم. [1018] (حَدَّثَنَا [مسدد، حدثنا يزيد] (¬1) بْنُ زُرَيْعٍ ح وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا مَسْلَمَةُ (¬2) بْنُ مُحَمَّدٍ) الثقفي البصري قال المصنف: رحمه الله كان له شأن وقدر (¬3) (¬4). وقد ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬5). (قَالا: حَدَّثَنَا خَالِدٌ الحَذاءُ، أنبأنا أَبُو قِلابَةَ) عبد الله بن زيد (عن) عمه (أَبِي المُهَلَبِ) عبد الرحمن بن عمرو الجرمي البصري. (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَينٍ قَال: سَلَّمَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي ثَلاثِ رَكعَاتٍ مِنَ العَصْرِ) قال العلائي: رأيت فيما علقه بعض شيوخنا من أهل الحديث يذكر أن حديث أبي هريرة وعمران بن حصين هذا قضية (¬6) واحدة، ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) في (ص، س، ل): سلمة. (¬3) من (س، ل، م). (¬4) وهم المصنف في هذا القول حيث حسبه أنه قيل عن مسلمة بن محمد، وليس كذلك، فقد قاله المصنف كما في "سؤالات الآجري" (774) في حق مسلمة بن قعنب الحارثي، وإنما قال المصنف عن مسلمة بن محمد كما نقل الآجري عنه: قال الآجري: قلت: قال يحيى: ليس بشيء؟ قال: حدثنا عنه مسدد أحاديث مستقيمة. انظر: "تهذيب الكمال" 27/ 574. (¬5) 9/ 180. (¬6) في (م): قصة.

وتأول قوله هنا: سلم في ثلاث. أي: في (¬1) ابتداء ثلاث، ركعات (¬2)، وتأول قوله فقضى تلك الركعة على أنه أراد أكثر منها كما يقال: كلمة الخطبة والقصيدة ثم قال: وفي ذلك نظر؛ بل الظاهر الذي لا يخفى أنهما قضيتان كما قال الجمهور، وما قاله هذا المتأخر من الجمع بينهما بعيد لا اتجاه (¬3) له (ثُمَّ دَخَلَ. قَال) مسدد في روايته (عن مَسْلَمَةَ) ابن محمد: دخل (الْحُجَرَ) بضم الحاء وفتح الجيم، جمع حجرة، كغرف جمع غرفة، ويجمع على حجرات كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ} (¬4)، والحجرة منزل الإنسان الذي حوط عليه بما (¬5) يمنع من الوصول إليه قال الأزهري (¬6): أصل الحجر لغة ما (¬7) حجرت عليه أي: منعته أن يوصل إليه، وكل شيء منعت منه فقد حجرت عليه، وكذا حجر الحاكم على الأيتام منعهم إياهم، وحجرة البيت معروفة، والحجار حائطها. ولعل المراد بالدخول هنا للحُجَر حُجَر [نسائه فيه دلالة على استحباب] (¬8) الدخول على نسائه بعد صلاة العصر فإنه وقت عشائهم وما يحتاجون إليه آخر نهارهم. ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) من (س، ل). (¬3) في (ص): اتحاد. (¬4) الحجرات: 4. (¬5) في (ص، س، ل): لما. (¬6) "تهذيب اللغة" مادة (حجر). (¬7) في (ص): مع. (¬8) في (ص، ل): عائشة فيه الدلالة على.

(فَقَامَ إِلَيهِ رَجُلٌ يُقَال لَهُ الخِرْبَاقُ) بكسر الخاء المعجمة (¬1) وسكون الراء ثم باء موحدة هو لقب، واسمه عمير بن عبد عمرو يكنى أبا محمد. قال ابن الأثير: يقال له ذو اليدين، وذو الشمالين (¬2). وقال ابن حبان في "معجم الصحابة": الخرباق صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين سها، وهو غير ذي اليدين (¬3). وقال ابن عبد البر: يحتمل أن يكون الخرباق ذا اليدين، ويحتمل أن يكون غيره. وكذا قال القرطبي (¬4)، والذي اختاره عياض (¬5) والنووي في غير (¬6) موضع أنه غيره. (كَانَ طَوِيلَ اليَدَيْنِ) قال العلائي: الأظهر أن المراد بذلك الطول الطول (¬7) الخلقي. وقال القرطبي: يحتمل أن يكون ذلك كناية عن طولهما بالعمل أو بالبذل (¬8). يعني على هذا أنه من الطول بفتح الطاء لا من الطول بضمها، كما قال عليه الصلاة والسلام لأزواجه: "أسرعكن لحوقًا بي أطولكن يدًا"، فظنن أنه يعني طول خلقتها فكن يتطاولن أيهن أطول يدًا وكانت زينب بنت جحش أولهن موتًا وهي كانت أكثرهن صدقة ¬

_ (¬1) من (س، ل). (¬2) "اللباب في تهذيب الأنساب" 1/ 534. (¬3) "الثقات" لابن حبان 3/ 114. (¬4) "المفهم" 2/ 188. (¬5) "إكمال المعلم" 2/ 515 - 516. (¬6) من (م). (¬7) من (س، ل). (¬8) "المفهم" 2/ 188.

قالت عائشة: كانت زينب أطولنا يدًا لأنها كانت تعمل بيدها وتتصدق. أخرجه مسلم (¬1). وكذا في الرواية الأخرى لبسط اليدين يحتمل معنيين؛ لأن البسطة تستعمل في الصورة والمعنى. قال الله تعالى: {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} (¬2) فالبسطة في العلم معنوية وفي الجسم صورية، وقدم المعنوية لشرف العلم. (فَقَال لَهُ: أَقَصُرَتِ الصَّلاةُ) بالوجهين كما تقدم (يَا رَسُولَ الله؟ فَخَرَجَ) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (مُغْضَبًا) بضم الميم وفتح الضاد إذا أغضبه غيره، ورواية مسلم: خرج غضبان (¬3). قال القرطبي (¬4): غضبه - صلى الله عليه وسلم - يحتمل أن يكون إنكارًا على المتكلم إذ قد نسبه إلى ما كان يعتقد خلافه، ولذلك أقبل على الناس متكشفًا عن ذلك، ويحتمل أن يكون غضبه لشيء (¬5) آخر لم يذكره الراوي، وكان الأول أظهر (¬6). انتهى. ويحتمل أن يكون غضبه لكونه (¬7) نسبه إلى عدم تبليغ ما أوحي إليه (¬8) من إعلامهم برخصة قصر الصلاة، وإن كان الصحابي لم يقصد هذا، ويدل على هذا قوله (¬9) في الرواية الآتية: "لو حدث في الصلاة شيء ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2452)، ورواه البخاري أيضًا (1425). (¬2) البقرة: 247. (¬3) "صحيح مسلم" (574). (¬4) "المفهم" 2/ 193 - 194. (¬5) في (س، ل، م): لأمر. (¬6) "المفهم" 2/ 193 - 194. (¬7) من (م). (¬8) في (س، ل، م): عليه. (¬9) من (س، ل، م).

لنبأتكم به" (¬1). (يَجُرُّ رِدَاءَهُ) لكثرة استعجاله [للإتيان بما نسيه من البناء] (¬2) على ما فعل، فخرج مستعجلًا ولم يتمهل لرفع ردائه. (فَقَال: أَصَدَقَ؟ ) الخرباق (قَالوا: نَعَمْ) يحتمل أن يكون القائل بعضهم وسكت الباقون، فنسب إلى الجميع تجوزًا كما في الرواية الآتية عن معاوية بن خديج: فأدركه رجل فقال: نسيت من الصلاة ركعة فخرج (¬3) (¬4) (فَصَلَّى) للناس ركعة، فصلى (تِلْكَ الرَّكْعَةَ) الباقية (¬5). (ثُمَ سَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيهَا، ثُمَّ سَلَّمَ) ورواية النسائي: فصلى تلك الركعة ثم سلم ثم سجد سجدتيها ثم سلم (¬6). وفي رواية لمسلم: فصلى الركعة التي كان ترك، ثم سلم، ثم سجد سجدتي السهو، ثم سلم (¬7). ولابن ماجة: "فسأل فأخبر فصلى تلك الركعة التي كان ترك ثم سلم، ثم سجد سجدتين، ثم سلم (¬8). * * * ¬

_ (¬1) سيأتي برقم (1020). (¬2) في (ص): بلا تيان بنفسه. (¬3) في (م): فرجع. (¬4) سيأتي برقم (1023). (¬5) في (ص، س): الثانية. (¬6) "المجتبى" 3/ 26. (¬7) أخرجه مسلم (574). (¬8) "سنن ابن ماجة" (1215).

198 - باب إذا صلى خمسا

198 - باب إِذا صلَّى خَمْسًا 1019 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْن عُمَرَ وَمُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ - الْمَعْنَى - قال حَفْصٌ: حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قال: صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الظُّهْرَ خَمْسًا. فَقِيلَ لَهُ: أَزِيدَ في الصَّلاةِ؟ قال: "وَما ذاكَ". قال: صَلَّيْتَ خَمْسًا. فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ ما سَلَّمَ (¬1). 1020 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قال: قال عَبْدُ اللهِ صَلَّى رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال إِبْراهِيمُ: فَلا أَدْرِي زادَ أَمْ نَقَصَ - فَلَمّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ يا رَسُولَ اللهِ أَحَدَثَ فِي الصَّلاةِ شَيْءٌ. قال: "وَما ذاكَ". قالوا: صَلَّيْتَ كَذا وَكَذا. فَثَنَى رِجْلَهُ واسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ فَسَجَدَ بِهِمْ سَجْدَتَيْنِ ثمَّ سَلَّمَ فَلَمّا انْفَتَلَ أَقْبَلَ عَلَيْنا بِوَجْهِهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: "إِنَّهُ لَوْ حَدَثَ فِي الصَّلاةِ شَيْءٌ أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ، ولكن إِنَّما أَنا بَشَرٌ أَنْسَى كَما تَنْسَوْنَ، فَإِذا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي". وقال: "إِذا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيهِ ثُمَّ لْيُسَلِّمْ ثُمَّ لْيَسْجُدْ سَجْدَتَينِ" (¬2). 1021 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنا أَبِي، حَدَّثَنا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بهذا، قال: "فَإِذا نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَينِ". ثُمَّ تَحَوَّلَ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ. قال أَبُو داوُدَ: رَواهُ حُصَيْنٌ نَحْوَ حَدِيثِ الأَعْمَشِ (¬3). 1022 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْن عَلِيّ، أَخْبَرَنا جَرِيرٌ، وحَدَّثَنا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنا جَرِيرٌ - وهذا حَدِيثُ يُوسُفَ -، عَنِ الحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (7249)، ومسلم (572). (¬2) رواه البخاري (401)، ومسلم (572). (¬3) رواه مسلم (572).

سُوَيْدٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ قال: قال عَبْدُ اللهِ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَمْسًا فَلَمّا انْفَتَلَ تَوَشْوَشَ القَوْمُ بَينَهُمْ فَقال: "مَا شَأْنُكُمْ". قالوا: يا رَسُولَ اللهِ هَلْ زِيدَ في الصَّلاةِ؟ قال: "لا". قالوا: فَإِنَّكَ صَلَّيْتَ خَمْسًا. فانْفَتَلَ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ قال: "إِنَّما أَنا بَشَرٌ أَنْسَى كَما تَنْسَوْنَ" (¬1). 1023 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللَّيْث -يَعْنِي ابن سَعْدٍ- عَنْ يَزيدَ بْنِ أَبِي حَبِيب أَنَّ سُويدَ بْنَ قَيْسٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ مُعاوِيَةَ بْنِ خدَيْجٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى يَوْمًا فَسَلَّمَ وَقَدْ بَقِيَتْ مِنَ الصَّلاةِ رَكعَةٌ فَأَدْرَكَهُ رَجُلٌ فَقال: نَسِيتَ مِنَ الصَّلاةِ رَكعَةً، فَرَجَعَ فَدَخَلَ المَسْجِدَ وَأَمَرَ بِلالًا فَأَقامَ الصَّلاةَ فَصَلَّى لِلنَّاسِ رَكْعَةً فَأَخْبَرْتُ بِذَلِكَ النّاسَ. فَقالوا لِي: أَتَعْرِفُ الرَّجُلَ قُلْتُ: لا إِلَّا أَنْ أَراهُ. فَمَرَّ بِي فَقُلْتُ: هذا هُوَ. فَقالوا: هذا طَلْحَةُ بْن عُبَيْدِ اللهِ (¬2). * * * باب إِذَا صَلَّى خَمْسًا [1019] (حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ وَمُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) الأزدي الفراهيدي (الْمَعْنَى قَال حَفْصٌ) في روايته (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ (¬3) عَنِ الحَكَمِ) ابن عتيبة بضم المهملة وفتح الفوقانية. (عَنْ إِبْرَاهِيمَ) بن يزيد النخعي (¬4)، أخرج له مسلم. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (572/ 89). (¬2) رواه النسائي 2/ 18، وأحمد 6/ 401، وابن خزيمة (1053)، وابن حبان (2674). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (938). (¬3) في (ص، س): سعيد. (¬4) في (ص، س، ل): البجلي. وفي (م): اليماني. والمثبت هو الصواب.

(عَنْ عَلْقَمَةَ) بن قيس النخعي كان يشبه بعبد الله بن مسعود. (عَنْ عَبْدِ الله) بن مسعود (قَال: صَلَّى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الظُّهْرَ خَمْسًا. فَقِيلَ لَهُ: أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ؟ قَال: وَمَا ذَاكَ؟ . قَال: صَلَيتَ خَمْسًا. فَسَجَدَ سَجْدَتَينِ بَعْدَمَا سَلَّمَ) اختلف العلماء فيمن قام إلى خامسة، فقالت طائفة بظاهر هذا الحديث: إن ذكر وهو في الخامسة قبل كمالها رجع وجلس وتشهد وسلم، وإن لم يذكر إلا بعد فراغه من الخامسة فإنه يسلم ويسجد للسهو، وصلاته مجزئة عنه، هذا قول عطاء (¬1) والحسن (¬2) والزهري (¬3) وإليه ذهب مالك (¬4) والشا فعي (¬5) وأحمد (¬6). قال ابن الملقن (¬7): وعبارة شيخنا قطب الدين في تحرير مذهب أبي حنيفة: ذهب أصحابه إلى أنه إن سها عن القعدة حتى قام إلى الخامسة رجع إلى القعدة ما لم يسجد للخامسة؛ وذلك لأنه لم يستحكم خروجه من الفرض وألغى الخامسة؛ لأن ما دون الرابعة ليس له حكم الصلاة بدليل النص، وشمجد للسهو لتأخير الواجب، وإذا [كان بعد] (¬8) الخامسة بسجدة استحكم دخوله في ركعة كاملة في النفل (¬9) ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق 2/ 302 (3457). (¬2) رواه عبد الرزاق 2/ 303 (3460). (¬3) رواه عبد الرزاق 2/ 302 - 303 (3458). (¬4) "المدونة" 1/ 225. (¬5) "الأم" 1/ 247، وانظر: "المجموع" 4/ 116. (¬6) "مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج" (238). (¬7) "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" 9/ 347 - 348. (¬8) في (ل، م): قعد. (¬9) في (ص، س): الفعل.

فخرج به عن الفرض قبل تمامه فبطلت صلاته، وإن كان قعد في الرابعة مقدار التشهد [ثم سها وقام] (¬1) إلى الخامسة وقيدها بسجدة ضم إليها ركعة أخرى وتمت صلاته وكانت له نافلة ويسجد للسهو. قالوا: وحديث ابن مسعود محمول عندهم على ما إذا قعد في الرابعة مقدار التشهد، وذلك لأن الراوي قال: صلى خمسًا. ولا ظهر بدون ركعة، وهو القعدة الأخيرة. قال السرخسي منهم (¬2): وإنما قام إلى الخامسة على ظن أن هذِه هي القعدة الأولى، والصحيح [أنهما لا ينوبان عن سنة الظهر؛ لأن شروعه فيها لم يكن عن قصد، وفي صلاة العصر] (¬3) لا يضم إلى الخامسة ركعة أخرى بل يقطع التنفل بعد الفرض. وروى هشام عن محمد أنه يضيف إليها ركعة أخرى (¬4)، وكذا روى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله (¬5)، وهو الصحيح؛ لأن (¬6) الكراهة إنما تقع بعده عن قصد. ثم إن (¬7) هذا الحديث دال (¬8) لمذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور أن من زاد في صلاته ركعة [ناسيًا لا تبطل صلاته] (¬9) ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) "المبسوط" للسرخسي 1/ 393. (¬3) من (ل، م). (¬4) انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 178، "المحيط البرهاني" 2/ 320. (¬5) انظر: "المحيط البرهاني" 2/ 320. (¬6) في (ص): أن. (¬7) سقط من (س، ل، م). (¬8) في (ص): قال. (¬9) من (ل، م).

بل إن علم بعد صلاته فقد مضت صلاته صحيحة ويسجد للسهو إن ذكر بعد السلام بقرب، وإن طال فالأصح عندنا أنه لا يسجد، وإن ذكر قبل السلام عاد إلى القعود سواء كان في قيام أو ركوع أو سجود أو غيرها، ويتشهد ويسجد للسهو ويسلم والزيادة على وجه السهو لا تبطل الصلاة سواء قلَّت أو كثرت إذا كانت من جنس الصلاة، قال ابن قدامة: الظاهر أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يجلس عقب الرابعة؛ لأنه لم ينقل؛ ولأنه قام إلى خامسة يعتقد أنه قام عن ثالثة ولم تبطل صلاته بهذا (¬1). والعلة في سهو الشارع التعليم. [1020] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير) بفتح الجيم كما تقدم (عن منصور، عن إبراهيم) بن يزيد النخعي. (عن علقمة قال: قال (¬2) عبد الله) بن مسعود. (صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال إبراهيم النخعي: فلا أدري زاد أم نقص) بتخفيف القاف. (فلما سلم قيل له: يا رسول الله، أحدث في الصلاة شيء) الحادث الذي ليس بمعتاد ولا معروف في السنة وهو سؤال من جوز النسخ على ما هو معروف في (¬3) الشريعة. (قال: وما ذاك؟ ) [سؤال من لم يستقر] (¬4). ¬

_ (¬1) "المغني" 2/ 429. (¬2) من (ل، م). (¬3) في (س، ل، م): من. (¬4) من (ل، م).

(قالوا: صليت كذا وكذا) ركعة (فثنى) بفتح النون المخففة (رجله) كذا نسخ أبي داود والنسائي (¬1) وابن ماجة (¬2) وابن حبان (¬3)، ولمسلم (¬4): رجليه بالتثنية، والرواية الأولى هي اللائقة بالمعنى، ومعنى ثنى رجله صرفها عن حالتها التي كانت عليها. (واستقبل القبلة فسجد بهم) أي: بالمأمومين الذين كانوا مقتدين به (سجدتين) يعني: سجدتي السهو (ثم سلم) للخروج من الصلاة فيه حجة [على أبي حنيفة (¬5) حيث قال: تبطل الصلاة بزيادة الخامسة وهو حجة] (¬6) للشافعي (¬7) ومالك (¬8) على صحة ذلك. (فلما انفتل من الصلاة أقبل علينا بوجهه فقال: لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به) يفهم منه أن الأصل في الأحكام بقاؤها على ما قررت وإن جوز غير ذلك، وأن تأخير البيان لا يجوز لغير حاجة. (ولكن إنما أنا بشر مثلكم) وهذا حصر له في البشرية باعتبار من أنكر نبوته ونازعه فيها وسأله الآيات عنادًا وجحودًا وأما باعتبار غير ذلك مما هو فيه فلا ينحصر في وصف (¬9) البشرية إذ له صفات أخر لكونه جسمًا ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 3/ 32. (¬2) "سنن ابن ماجة" (1211). (¬3) "صحيح ابن حبان" (2656). (¬4) "صحيح مسلم" (572) (89). (¬5) "المبسوط" للسرخسي 1/ 393. (¬6) من (ل، م). (¬7) "الأم" 7/ 293 - 494، و"المجموع" 4/ 90. (¬8) "المدونة" 1/ 220. (¬9) من (م).

حيًّا متحركًا نبيًّا رسولًا بشيرًا نذيرًا سراجًا منيرًا وغير ذلك، والحصر يأتي على ضربين: مطلقًا باعتبار جميع الجهات، ومقيدًا باعتبار بعضها كما في هذِه الآية وهذِه من مسائل المفهوم الحصري (أنسى كما تنسون) زاد النسائي (¬1): "وأذكر كما تذكرون". وفيه دليل على جواز النسيان على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما طريقه البلاغ من الأفعال والأقوال وأحكام الشرع. قال عياض: وهو مذهب عامة العلماء والأئمة النظار، وظاهر القرآن والأحاديث لكن شرط الأئمة أن الله تعالى ينبهه على ذلك ولا يقرُّه عليه، ثم اختلفوا هل من شرط التنبيه اتصاله بالحادثة على الفور، وهذا مذهب القاضي أبي بكر والأكثر من العلماء، أو يجوز في ذلك التراخي ما لم ينخرم عمره وينقطع تبليغه، وإليه نحا (¬2) أبو المعالي، ومنعت طائفة من العلماء السهو عليه في الأفعال البلاغية والعبادات الشرعية كما منعوه اتفاقًا في الأقوال البلاغية (¬3) واعتذروا عن الظواهر الواردة في ذلك، وإليه مال الأستاذ أبو إسحاق (¬4). (فإذا نسيت فذكروني) فيه أمر التابع بتذكير المتبوع لما ينساه، وظاهر الحديث يدل على وجوب ذلك على التلميذ على الفور (¬5) إلا أن يدل (¬6) ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 3/ 33. (¬2) في (م): لمح. وفي (س): نفا. (¬3) من (ل، م). (¬4) "إكمال المعلم" 2/ 513 - 514. (¬5) في (م): القول. (¬6) في (ص، س، ل): يدخل.

دليل على خلاف ذلك، فيحمل على الاستحباب (وقال: إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب) التحري الطلب والاجتهاد في التحصيل والعزم على تخصيص الشيء بالفعل والقول، وفي رواية لمسلم: "فليتحر أقرب ذلك إلى الصواب". وفي رواية: "فليتحر الذي يرى أنه الصواب" (¬1). وفيه دليل لأبي حنيفة (¬2) وموافقيه من أهل الكوفة وغيرهم من أهل الرأي على أن من شك في صلاته في عدد ركعات فإنه يبني في ذلك على غالب ظنه ولا يلزمه الاقتصار على الأقل، والإتيان بالزيادة كما هو مذهب الشافعي (¬3) وغيره، وظاهر هذا الحديث حجة لهم، ثم اختلف هؤلاء فقال أبو حنيفة (¬4) ومالك (¬5) في طائفة: هذا لمن اعتراه الشك مرّة بعد أخرى، وأما غيره فيبني على اليقين. قال القرطبي: والجمهور ردوا هذا إلى حديث أبي هريرة، وهذا لم [تضم إليه] (¬6) ضرورة تعارض إذ يمكن أن يحمل كل واحد من الحديثين على حالة غير الأخرى، فيحمل حديث أبي هريرة فيمن شك ويحمل هذا الحديث (¬7) فيمن ظن، ولا تعارض بينهما، فإن قيل: الموجب لتأويل ¬

_ (¬1) الروايتان في "صحيح مسلم" (572/ 90). (¬2) "المبسوط" للسرخسي 1/ 382 - 383. (¬3) "الأم" 1/ 246. (¬4) "المبسوط" للسرخسي 1/ 383. (¬5) "المدونة" 1/ 220. (¬6) في (ص): تعم إلى. (¬7) من (س، م).

هذا الحديث ورده إلى حديث أبي هريرة أن الصلاة [في ذمته] (¬1) بيقين ولا تبرأ ذمته إلا بيقين (¬2). أجاب القرطبي: بأنا لا نسلم بل تبرأ ذمته بغلبة الظن، بدليل أن صحة الصلاة تتوقف على شروط مظنونة بالاتفاق كطهارة النجاسة وطهارة الحدث، والموقوف على المظنون مظنون، فلا يلزم اليقين وإن كان الأولى هو اليقين (¬3). وحجة الشافعية (¬4) حديث أبي سعيد: فليطرح الشك وليبن على ما استيقن (¬5). وهذا صريح في وجوب البناء (¬6) على اليقين، وحملوا التحري في هذا الحديث على الأخذ باليقين لأن التحري هو القصد لقوله تعالى: {تَحَرَّوْا رَشَدًا} (¬7) فمعنى الحديث: فليقصد الصواب فيعمل به وقصد الصواب هو ما بينه في هذا الحديث ونحوه. وقالت الحنفية (¬8): حديث أبي سعيد ورد في الشك وهو ما استوى طرفاه بخلاف من غلب على ظنه، وجوابه أن تفسير الشك بمستوي الطرفين إنما هو اصطلاح طارئ من الأصوليين، وأما في اللغة فالتردد ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): ذمية. (¬2) في (ص): تتعين. (¬3) "المفهم" 2/ 185 - 186. (¬4) "الأم" 1/ 246. (¬5) أخرجه مسلم (571) (88)، وسيأتي برقم (1024). (¬6) في (ص): البقاء. (¬7) الجن: 14. (¬8) "شرح النووي على مسلم" 5/ 63 - 64.

بين وجوب (¬1) الشيء وعدمه كله سواء استوى طرفاه أو رجح والحديث يحمل على اللغة ما لم يكن هناك حقيقة شرعية أو عرفية، ولا يجوز حمله على ما يطرأ للمتأخرين من الاصطلاح (فليتم) [بضم التحتانية وكسر الفوقانية] (¬2) (عليه ثم ليسلم) فيه حجة للشافعي (¬3) في أنه يطرح الشك ويبني على الأقل ويتمم ما بقي عليه من الركعات وغيرها (ثم يسجد سجدتين) أي: سجدتي السهو ثم يسلم. [1021] (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي شيخ الشيخين (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الهمداني. (حدثنا الأعمش، عن إبراهيم) بن سويد (عن علقمة، عن عبد الله) بن مسعود (بهذا) الحديث (قال: فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين) ثم يسلم (ثم تحول) عبد الله من مكانه (فسجد سجدتين). (قال) المصنف (رواه حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين (نحو حديث الأعمش) المذكور. [1022] و (حدثنا نصر بن علي) الجهضمي (أنبأنا جرير) بفتح الجيم. (وحدثنا يوسف بن موسى) بن راشد القطان الكوفي، أخرج له البخاري (حدثنا جرير، وهذا حديث يوسف) بن موسى (عن الحسن بن عبيد الله) بالتصغير أبي عروة النخعي، أخرج له مسلم. (عن إبراهيم بن سويد، عن علقمة قال: قال عبد الله) بن مسعود (صلى ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): وجود. (¬2) في الأصول الخطية: بضم الفوقانية وكسر التحتانية. وهو وهم. والمثبت الصواب. (¬3) "الأم" 1/ 246.

بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسًا (¬1) فَلَمَّا انْفَتَلَ) من صلاته (تَوَشْوَشَ) بالشين المعجمة هكذا هو في النسخ المعتمدة. قال النووي: ضبطناه بالمعجمة (¬2). وقال القاضي: روي بالمعجمة والمهملة وكلاهما صحيح ومعناه: تحركوا وهمس بعضهم إلى بعض بكلام خفي (¬3). قال المنذري (¬4): وروي (¬5) بالسين المهملة وهو الكلام الخفي، ومن المهملة وسواس الحلي وهو تحركه ووسوسة الشيطان. قال [أهل اللغة] (¬6): الوشوشة بالمعجمة صوت في اختلاط. وذكره في "النهاية" في مادة المعجمة وقال (¬7): الوشوشة كلام مختلط (¬8) خفي لا يكاد يفهم. وقال (¬9) [الأصمعي: رجل وشواش: خفيف] (¬10) (¬11) (الْقَوْمُ) فيما ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) "شرح النووي على مسلم" 5/ 65. (¬3) "إكمال المعلم" 2/ 518، "مشارق الأنوار" 2/ 296 - 297. (¬4) زاد في (م): الأصمعي رجل وشواش خفيف. وسيأتي قريبًا. (¬5) من (س، ل، م). (¬6) من (س، ل، م). (¬7) "النهاية في غريب الحديث" (وشوش). (¬8) في (ص): مختلف. والمثبت من "النهاية". (¬9) ليست بالأصول الخطية والسياق يقتضيها. (¬10) تقدمت في (م) فجاءت بعد كلمة: المنذري. (¬11) انظر: "الصحاح" مادة وشوش.

(بَينَهُمْ فَقَال: مَا شَأْنُكُمْ؟ ) بالرفع فيه سؤال الإمام القوم (¬1) إذا رآهم يتناجون فيما بينهم ليعرفهم ما يتعلق بما هم فيه من الأحكام. (قَالوا: يَا رَسُولَ الله، هَلْ زِيدَ فِي الصَّلَاةِ؟ (¬2) قَال: لَا. قَالوا: فَإِنَّكَ قد (¬3) صَلَّيتَ خَمْسًا) هذا إخبار ممن حقق ما وقع قبول (¬4) النبي - صلى الله عليه وسلم - قول المخبر عما وقع له دليل على قبول الإمام قول من خلفه في إصلاح الصلاة (¬5) إذا كان الإمام على شك بلا خلاف، كذا قاله القرطبي (¬6). قال النووي (¬7): فإن (¬8) قيل كيف رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى قول الجماعة، وعندكم لا يجوز للمصلي الرجوع في قدر صلاته إلى قول غيره [إمامًا كان أو مأمومًا ولا يعمل إلا على يقين نفسه؟ فجوابه أنه - صلى الله عليه وسلم - سألهم ليتذكر فلما ذكروه تذكر فعل السهو فبنى عليه لا أنه رجع إلى مجرد قولهم ولو جاز ترك يقين نفسه والرجوع إلى قول غيره] (¬9) لرجع ذو اليدين حين قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لم تقصر ولم أنس". ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) زاد هنا في (س): شيء. (¬3) من (س). (¬4) في (ص): قول. (¬5) في (ص): صلاته. (¬6) "المفهم" 2/ 184. (¬7) "شرح النووي على مسلم" 5/ 73. (¬8) في (م): قال. (¬9) من (ل، م)، و"شرح النووي".

واستنبط بعض المتأخرين من هذا الحديث فبنى عليه (¬1) مسألة نسيان الأصل الرواية إذا جزم بها عنه فرعه الراوي عنه، فإنهم في هذا الحديث شاهدوا فعله وأخبروه عنه مع نسيانه ما وقع منه، والخلاف فيها بيننا وبين الحنفية وقد يحتجون للمنع في المسألة بكون النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعمل بقول ذي اليدين لما كان ناسيًا حتى (¬2) تذكر بقول الجماعة، وعلى ما اعتمده المالكية والحنابلة من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما اعتمد على قول الجماعة لا على تذكره هو - صلى الله عليه وسلم -، فهو يصلح للاحتجاج به للجمهور في قبول رواية الفرع إذا نسي الأصل أنه (¬3) حدثه ولم يجزم بالتكذيب، وكان الفرع عدلًا جازمًا للرواية عنه. قال العلائي: والذي يتجه أنه لا يحتج للقبول هنا ولا الرد، نعم الحجة منه لمن قال بالمنع من المسألة الأصولية أظهر، فإن ذا اليدين عدل مقبول القول ولم يعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله ما لم يكن ذاكرًا لذلك حتى راجع الجماعة فتذكر. (فَانْفَتَلَ فَسَجَدَ سَجْدَتَينِ ثُمَّ سَلَّمَ) وهذا يندفع به ما (¬4) يستشكل ظاهره، وأن ظاهره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهم هذا الكلام بعد أن ذكر أنه زاد ونقص قبل أن يسجد اللسهو ثم بعد أن قاله سجد للسهو، ومتى ذكر ذلك فالحكم أنه يسجد (¬5)] (¬6) ولا يتكلم ولا يأتي بمنافٍ للصلاة، ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): على. (¬2) في (م): حين. (¬3) في (ص، س، ل): أن. (¬4) في (ص، س، ل): مما. (¬5) في (م): لا يسجد. (¬6) من (س، ل، م).

ويجاب عن هذا الاستشكال بأجوبة أحدها: أن ثم هنا ليست لحقيقة الترتيب، وإنما هي لعطف جملة على جملة، وليس معناه أن التحول والسجود كان بعد الكلام بل (¬1) إنما كان قبله، ومما يؤيد هذا التأويل ما في رواية ابن مسعود: [ثنى رجله] (¬2) فاستقبل القبلة وسجد سجدتين ثم سلم ثم أقبل علينا بوجهه. (فقَال): إنه لو حدث في الصلاة شيء لنبأتكم (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ) فيه جواز النسيان على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما طريقه البلاغ. [1023] (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيثُ بْنَ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ (¬3) سُوَيْدَ بْنَ قَيسٍ) رجال هذا الحديث كلهم رجال الصحيح غير سويد بن قيس هذا [فلم يخرجا] (¬4) له، وهو ثقة بالاتفاق، وثقه النسائي وغيره (¬5)، ولم يتكلم فيه أحد. (أَخْبَرَهُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُدَيْجٍ) بضم الحاء المهملة على وزن التصغير وآخره جيم، ابن جفنة (¬6) بفتح الجيم، بن قتيرة بفتح القاف وكسر التاء المثناة الفوقانية [وإسكان المثناة تحت ثم راء مفتوحة ابن حارثة الكندي التجيبي بضم (¬7) المثناة فوق] (¬8) وكسر الجيم منسوب إلى سعد ¬

_ (¬1) من (س، ل، م). (¬2) في (ص، س، ل): هذه وحبيبه. (¬3) في (م): ابن. (¬4) في (ص، س): كلهم مخرجًا. (¬5) "تهذيب الكمال" 12/ 270. (¬6) في (م): جفية. (¬7) في (ص، ل): بفتح. (¬8) سقط من (م).

ابن (¬1) أشرس بن شبيب ومعاوية بن حديج هذا صحبته ثابتة قال ذلك البخاري (¬2) وغيره، وعداده في المصريين. قال أبو بكر الحميدي: كان إسلامه قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -[بشهرين قال ابن يونس: وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم -]، (¬3) وشهد فتح مصر وقدم على عمر مبشرًا بفتح الإسكندرية، ولي غزو (¬4) المغرب غير (¬5) مرّة وكانت وفاته سنة اثنتين وخمسين (¬6). وحديثه هذا رواه النسائي (¬7) أيضًا، وابن ماجة (¬8) والبخاري في كتاب "الأدب" (¬9)، وابن حبان (¬10) في كتاب الصلاة. (أَنَّ رَسُولَ الله - صلَّى الله عليه وسلم - صَلَّى يَوْمًا فَسَلَّمَ في ركعتين وَقَدْ بَقِيَتْ مِنَ الصَّلَاةِ رَكْعَةٌ فَأَدْرَكَهُ رَجُلٌ) هذِه الصلاة هي (¬11) صلاة المغرب لرواية ابن حبان (¬12) ولفظه عن معاوية بن حديج قال: صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - المغرب فسهى فسلم في الركعتين ثم انصرف، فقال له رجل: يا ¬

_ (¬1) زاد في (م): أبي. (¬2) "التاريخ الكبير" (1407). (¬3) من (س، ل، م). (¬4) في (ص): ولى عمر. (¬5) زاد في (ص): ما. (¬6) "تاريخ ابن يونس" (1307). (¬7) "المجتبى" 2/ 18. (¬8) روى له ابن ماجة في "السنن" (540). (¬9) "الأدب المفرد" (1079). (¬10) "صحيح ابن حبان" (2674). (¬11) سقط من (م). (¬12) "صحيح ابن حبان" (2674).

رسول الله، إنك سهوت فسلمت في الركعتين. الحديث. (فَقَال: نَسِيتَ مِنَ الصَّلَاةِ رَكعَةً. فَرَجَعَ فَدَخَلَ المَسْجِدَ) لأن الرجل أدركه في الطريق وهي لا تصلح للصلاة لكراهة الصلاة فيها. [فدخل المسجد] (¬1). (وَأَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ الصَّلَاةَ) يحتمل أن يكون معنى (¬2) أقام الصلاة دخل فيها فإن قواعد المذهب أنه يعود إلى الصلاة بلا إقامة. (فَصَلَّى لِلنَّاسِ رَكعَةً) رواية ابن حبان ثم أتم تلك الركعة (¬3). (فَأَخْبَرْتُ بِذَلِكَ النَّاسَ. فَقَالوا لِي: أَتَعْرِفُ الرَّجُلَ؟ قُلْتُ: لَا إِلَّا أَنْ أَرَاهُ فَمَرَّ بِي رجل فَقُلْتُ هذا هُوَ) الذي أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له نسيت. (فَقَالوا هذا طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ الله) بن عثمان القرشي التيمي، وقى النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد فشلت إصبعه وجرح يومئذٍ أربعًا وعشرين جراحة. قال الإمام أبو بكر بن خزيمة في "صحيحه" بعد سياقه حديث معاوية بن حديج: هذِه القصة غير قصة ذي اليدين؛ لأن المعلم للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سها في هذِه القصة طلحة بن عبيد الله، ومخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - في تلك القصة ذو اليدين، والسهو من النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما كان في الظهر أو العصر، وفي هذِه القصة إنما كان السهو في المغرب لا في الظهر ولا في العصر، وقصة عمران بن حصين و (¬4) قصة الخرباق فالقولان التسليم ¬

_ (¬1) من (س، ل، م). (¬2) من (س، ل، م). (¬3) "صحيح ابن حبان" (2674). (¬4) من (م).

في خبر عمران من الركعة الثالثة وفي قصة ذي اليدين صلى ركعتين، وفي خبر عمران دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - حجرته ثم خرج من الحجرة، وفي خبر أبي هريرة قام النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى خشبة معروضة في المسجد، وكل هذِه أدلة على أن هذِه القصص ثلاث قصص سها النبي - صلى الله عليه وسلم - وتكلم في المرات الثلاث ثم أتم صلاته (¬1). وتابعه على أن القصص ثلاث تلميذه الحافظ أبو حاتم ابن حبان (¬2) في "وصف الصلاة"، وكذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديثي أبي هريرة وعمران أنهما واقعتان لكنه زاد شيئًا آخر فجعل حديث أبي هريرة أيضًا واقعتين، وكان السهو في إحداهما صلاة الظهر وفي (¬3) الأخرى صلاة العصر، وقد تقدم. * * * ¬

_ (¬1) "صحيح ابن خزيمة" (2/ 129). (¬2) "صحيح ابن حبان" 6/ 397. (¬3) من (م).

199 - باب إذا شك في الثنتين والثلاث من قال يلقي الشك

199 - باب إِذَا شَكَّ فِي الثِّنْتيْنِ والثَّلَاثِ مَنْ قَال يُلْقِي الشَّكَّ 1024 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلَاءِ، حَدَّثَنا أَبُو خالِدٍ، عَنِ ابن عَجْلَانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قال: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ فَلْيُلْقِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى اليَقِينِ فَإِذا اسْتَيْقَنَ التَّمامَ سَجَدَ سَجْدَتَينِ فَإِنْ كانَتْ صَلَاتُهُ تامَّةً، كانَتِ الرَّكْعَةُ نافِلَةً والسَّجْدَتانِ، وِإنْ كانَتْ ناقِصَةً كانَتِ الرَّكْعَةُ تَمامًا لِصَلاِتِهِ وَكانَتِ السَّجْدَتانِ مُرْغِمَتَي الشَّيطانِ". قال أَبُو داوُدَ: رَواهُ هِشامُ بْن سَعْدٍ وَمُحَمَّدُ بْن مطَرِّفٍ عَنْ زَيْدٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَحَدِيثُ أَبِي خالِدٍ أَشْبَعُ (¬1). 1025 - حَدَّثَنا محَمَّد بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ أَبِي رِزْمَةَ، أَخْبَرَنا الفَضْل بْن مُوسَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَيْسانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سَمَّى سَجْدَتَي السَّهْوِ المُرْغِمَتَيْنِ (¬2). 1026 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسارٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتهِ فَلا يَدْرِي كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا، فَلْيُصَلِّ رَكْعَةً وَيَسْجُدْ سَجْدَتَينِ وَهُوَ جالِسٌ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، فَإِنْ كانَتِ الرَّكْعَةُ التِي صَلَّى خامِسَةً شَفَعَها بهاتَينِ، وَإنْ كانَتْ رابعَةً فالسَّجْدَتانِ تَرْغِيمٌ لِلشَّيطانِ" (¬3). 1027 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القارِيُّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (571). (¬2) رواه ابن خزيمة (1063)، وابن حبان (2689)، والحاكم 1/ 261. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (940). (¬3) رواه مالك 1/ 95 (62)، ومن طريقه عبد الرزاق 2/ 305 (3466)، والبيهقي 2/ 338. وقال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (941): حديث صحيح، وإسناده مرسل صحيح.

بِإِسْنادِ مالِكٍ قال إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا شَك أَحَدُكُمْ فِي صَلاتهِ فَإِنِ اسْتَيقَنَ أَنْ قَدْ صَلَّى ثَلَاثًا فَلْيَقُمْ فَلْيُتِمَّ رَكْعَةً بِسُجُودِها ثمَّ يَجْلِسْ فَيَتَشَهَّدْ فَإِذا فَرَغَ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يُسَلِّمَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَينِ وَهُوَ جالِسٌ ثُمَّ لْيُسَلِّمْ". ثُمَّ ذَكَرَ مَعْنَى مالِكٍ. قال أَبُو داوُدَ: كَذَلِكَ رَواهُ ابن وَهْبٍ عَنْ مالِكٍ وَحَفْصِ بْنِ مَيْسَرَةَ وَداوُدَ بْنِ قَيْسٍ وَهِشامِ بْنِ سَعْدٍ إِلا أَنَّ هِشامًا بَلَغَ بِهِ أَبا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ (¬1). * * * باب إِذَا شَكَّ فِي الثِّنْتَين وَالثَّلَاثِ مَنْ قَال يُلْقِي الشَّكَّ [1024] (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ العَلَاءِ) أبو كريب الكوفي. (حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ) سليمان بن حيان المعروف بالأحمر. (عَنِ) محمد (ابْنِ عَجْلَانَ القرشي) المدني (¬2)، مولى فاطمة بنت الوليد بن عتبة، أخرج له مسلم. (عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَال: قَال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: إِذَا شَكَّ أَحَدُكُم" (¬3) فِي صَلاتِهِ) فلم يدر كم صلى (فَلْيُلْقِ) بسكون اللام الأولى والثانية (¬4) وضم التحتانية بينهما وكسر القاف (الشَّكَّ) يفسره رواية مسلم (¬5): "فليطرح الشك". وللنسائي (¬6) ¬

_ (¬1) انظر ما سبق برقم (1024). (¬2) سقط من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) "صحيح مسلم" (571) (88). (¬6) "المجتبى" 3/ 27.

وفي نسخة لابن ماجة (¬1): "فليلغ". بكسر الغين بدل القاف، وهو بمعناه. (وَلْيَبْنِ عَلَى اليَقِينِ) ولمسلم: "وليبن على ما استيقن"، هذا الحديث مع حديث ذي اليدين (¬2) وحديث: "إذا شك أحدكم أخرج منه شيء أم لا، فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا" (¬3). حجة لقاعدة كلية لمذهب (¬4) الشافعي (¬5) وجمهور العلماء، وهو قول الإمام مالك (¬6) بإعمال حكم الاستصحاب، وإلغاء الشك المعارض له، وأن لا يزال إلا بيقين يعارضه، وأن الاستصحاب حجة معمول به، وخالف فيه أكثر الحنفية وجمهور المتكلمين، ويدل على هذِه القاعدة إجماع العلماء على أن من شك في طلاق زوجته هل طلقها أم لا لم يلزمه شيء، وكان له وطؤها استصحابًا لحكم الزوجية الثابتة، وكذا من شك في امرأة هل تزوجها أم لا، لم يكن له وطؤها بالإجماع استصحابًا لحكم التحريم المتقدم. (فَإِذَا اسْتَيقَنَ التَّمَامَ) يشبه أن يكون المعنى أنه إذا بنى على اليقين وهو الأقل وأتى بما يكمله فتيقن (¬7) التمام (سَجَدَ سَجْدَتَينِ) أي: سجدتي ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجة" (1210). (¬2) سبق تخريجه في باب: السهو في السجدتين. (¬3) سبق تخريجه في باب: إذا شك في الحدث. (¬4) في (م): ذهب إليه. (¬5) "شرح النووي على مسلم" 4/ 49، و"المجموع" 1/ 205. (¬6) انظر: "التمهيد" 5/ 28 - 29. (¬7) في (ص، س): فيبقى.

السهو، وهذا استمر شكه إلى آخر الصلاة. قال الرافعي (¬1): البناء على الأقل مستمر على أن الأصل فيما سوى القدر المستيقن العدم، والأمر بالسجود للسهو مخالف لهذا الأصل؛ لأنه إذا بنى على اليقين وهو الأقل وأتى بالمشكوك فيه فقد تمت صلاته خالية عن السهو بالزيادة ظاهرًا فلماذا (¬2) سجد؛ حكى إمام الحرمين عن شيخه أن المعتمد فيه (¬3) هذا الخبر [ولا اتجاه] (¬4) له من جهة المعنى. وقال الشيخ (¬5) أبو علي (¬6): المقتضي للسجود تردده في أمر الركعة الزائدة (¬7)، فإن كانت زائدة فزيادتها تقتضي السجود، وإلا فالتردد فيها أهي أصلية مفروضة أم زائدة يوجب ضعف النية، ويحوج إلى الجبر بالسجود، ويتفرع على هذا ما لو زال شكه وتردده قبل السلام وعرف أن الركعة الأخيرة هي الرابعة حقًّا، وأنه ما زاد (¬8) شيئًا هل يسجد للسهو؟ . قال الشيخ أبو علي (¬9): يسجد؛ لأن تلك الركعة تأدت على التردد وضعف النية فزوال التردد بعد ذلك لا يغني عن الجبر والذي مال إليه ¬

_ (¬1) "الشرح الكبير" 2/ 88. (¬2) في (ص، س): فلما. (¬3) في (م): في. (¬4) في (ص): فلا اتحاد. (¬5) من (ل، م). (¬6) "الشرح الكبير" 2/ 88. (¬7) في "الشرح الكبير": الأخيرة. (¬8) في (ص): زال. (¬9) "الشرح الكبير" 2/ 88 - 89.

إمام الحرمين (¬1) وقطع به شيخه أنه لا يسجد عند زوال التردد، ونقض كلام أبي علي بما إذا لم يدر الرجل أقضى الفائتة التي عليه أم لا، فإنا نأمره بقضائها ولا يسجد للسهو إذا قضاها وإن كان مترددًا في أنها هل هي (¬2) مفروضة عليه من أول الصلاة إلى آخرها أم لا، والحديث يشعر بموافقة إمام الحرمين أنه لا يسجد لأنه في الحديث جعل علة السجود الشك فإذا زال الشك زالت العلة، هاذا زالت العلة زال المعلول. (فإن كانت صلاته) في نفس الأمر على الحقيقة. (تامة كَانَتِ الرَّكْعَةُ) الخامسة (نَافِلَةً) له يكتب له أجرها، وكانت (السَّجْدَتَانِ) نافلة، كذا لابن حبان (¬3)، وفيها بيان للمحذوف المقدر في رواية المصنف (وإنْ كَانَتْ) صلاته في نفس الأمر (نَاقِصَةً كَانَتِ الرَّكْعَةُ) الرابعة (تَمَامًا لِصَلَاتِهِ) كذا لابن حبان أيضًا (وَكَانَتِ السَّجْدَتَانِ مُرْغِمَتَي الشَّيطَانِ) ورواية ابن ماجة (¬4): "ترغم أنف الشيطان". قال القرطبي، أي: غيظًا للشيطان ومذلة له؛ لأنه لما فعل أربع ركعات على ما شرعها الله تعالى فقد أتى بها على الهيئة المطلوبة منه ثم مع تمامها على ما أمر به زاد سجود لله تعالى لأجل (¬5) ما أوقع الشيطان في قلبه من الوسوسة الموجبة للتردد فحصل للشيطان نقيض مقصوده ¬

_ (¬1) "نهاية المطلب" 2/ 238. (¬2) سقط من (س، ل، م). (¬3) "صحيح ابن حبان" (2664). (¬4) "سنن ابن ماجة" (1210)، وفيه" (رغم) بدل: (ترغم). (¬5) في (ص): على.

إذ (¬1) كان مقصوده إبطال الصلاة، فقد صحت الصلاة وعادت وسوسته بزيادة خير وأجر، فازداد غيظًا بذلك ومذلة، والترغيم (¬2) مأخوذ من الرغام وهو التراب (¬3). (قَال) المصنف: (رَوَاهُ هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ) القرشي المديني مولى لآل أبي لهب بن عبد المطلب، أخرج له مسلم في مواضع. (وَمُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّف) بن داود بن مطرف أبو غسان الليثي المدني نزيل عسقلان (عَنْ زَيْدِ بن أسلم، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -) نحوه. (وَحَدِيثُ أَبِي خَالِدٍ) الأحمر (أَشبَعُ) (¬4) من رواية ابن عجلان. [1025] (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ أَبِي رِزْمَةَ) غزوان اليشكري مولاهم المروزي، محدث رحال، أخرج له البخاري قال: (أنبأنا الفَضْلُ بْنُ مُوسَى) الشيباني. (عَنْ عَبْدِ الله بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سَمَّى (¬5) سَجْدَتَي السَّهْوِ المُرْغِمَتَينِ) للشيطان (¬6)، أي: المذلتين المغيظتين، وفي الحديث: "إذا صلى أحدكم فليلزم جبهته وأنفه الأرض ¬

_ (¬1) في (ص، س): إذا. (¬2) في (ص): الرغم. (¬3) "المفهم" 2/ 182. (¬4) أشبع: أي أكثر فائدة. وهذا من قولهم: ثوب شبيع الغزل، أي: كثيره. انظر: "الصحاح" للجوهري مادة: شبع. (¬5) في (ص): سجد. (¬6) سقط من (ل، م).

حتى يخرج منه الرغم" (¬1) بسكون الغين أي: حتى يظهر ذله وخضوعه. [1026] (حَدَّثَنَا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ (¬2)، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) أفأرسله عن أبي سعيد فأرسله (¬3)] (¬4) (أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَال: إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ فَلَا يَدْرِي) كذا الرواية، ولمسلم: "فلم يدر" (¬5) (أصَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا فَلْيُصَلِّ رَكْعَةً) لأنه إذا طرح المشكوك فيه - وهو الرابعة - وبنى على الأقل الذي استيقنه كانت صلاته ثلاثة واحتاج إلى الرابعة (وليَسْجُدْ) للسهو (سَجْدَتَينِ (¬6) وَهُوَ جَالِسٌ) جلوس التشهد الأخير (قَبْلَ التَّسْلِيمِ) احتج بظاهره الشافعي (¬7) على أن سجود السهو كله قبل السلام. قال القرطبي (¬8): واختلف قول مالك (¬9) في الذي لا يدري أصلى ثلاثًا أم أربعًا، والصحيح من مذهبه في هذِه الصورة السجود (¬10) بعد السلام، وأعل أصحابه هذا الحديث بأوجه: أحدها أنه يعارضه ¬

_ (¬1) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" 2/ 181 (2977) من قول عكرمة. (¬2) "الموطأ" (214). (¬3) من (ل). (¬4) تأخرت هذه العبارة في (م) فأتت بعد قوله: فلم يدر. (¬5) زاد في (م): فأرسله عن أبي سعيد فارسله. وقد سبق بيان موضعها. (¬6) في (س، ل، م): ركعتين. (¬7) "الأم" 1/ 246. (¬8) "المفهم" 2/ 180 - 181. (¬9) "المدونة" 1/ 220. (¬10) من (ل، م)، و"المفهم" 2/ 180.

حديث ذي اليدين حيث (¬1) سجد بعد السلام، وهو حديث لا علة فيه، وحديث أبي سعيد هذا أرسله مالك عن عطاء كما أرسله المصنف (¬2) وكان هذا اضطرابًا. ثانيها: يحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - سها عن إيقاعه بعد (¬3) السلام فأوقعه قبله (¬4) واكتفى به إذ قد فعله ولا يتكرر سجود السهو ولا يعاد. ثالثها: يحتمل أن يكون شك في قراءة السورة في إحدى (¬5) الأوليين فتكون معه زيادة الركعة ونقصان قراءة السورة. وأجاب النووي عن علة الإرسال بأن المرسل عند مالك حجة، فهو وارد على المالكية على كل تقدير (¬6). (فَإِنْ كَانَتِ الرَّكْعَةُ التِي صَلَّاها خَامِسَة شَفَعَهَا) أي: شفع الخامسة بهاتين، أي: بسجدتي السهو، والمعنى أنه لما شك هل صلى ثلاثًا أو أربعًا وبنى على الأقل وهو الثلاث فقد طرح الرابعة مع إمكان أن يكون قد فعلها فإن كان في الحقيقة قد فعلها فهي خمس وموضوع تلك الصلاة رباعية وهي شفع فلو لم يسجد للسهو لكانت الخامسة لا تناسب أصل المشروعية فلما سجد سجدتي السهو ارتفعت الوترية (¬7) ¬

_ (¬1) في (ص، س): حين. (¬2) في (ص، س): أبي حنف. (¬3) في (م): قبل. (¬4) في الأصول الخطية: بعده. والمثبت من "المفهم" للقرطبي. (¬5) في (ص، س): أخرى. (¬6) "شرح مسلم" 5/ 60. (¬7) في (ص، س، ل): المشروعية.

وجاءت الشفعية المناسبة للأصل (وَإنْ كَانَتْ رَابِعَةً فَالسَّجْدَتَانِ تَرْغِيمٌ لِلشَّيطَانِ) فيه ما تقدم. [1027] (حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ) بن سعيد (حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القَارِيُّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ بِإِسْنَادِ مَالِكٍ) بن أنس في "الموطأ" عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى [ثَلَاثًا أم أربعًا] (¬1) فليصل ركعة وليسجد سجدتين وهو جالس (¬2) قبل التسليم، فإن كانت الركعة التي صلى خامسة شفعها هاتين السجدتين، وإن كانت رابعة فالسجدتان ترغيم للشيطان" هذا لفظ "الموطأ" (¬3)، وقد انتهى كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى قوله: "ليسجد سجدتين"، والزائد تفسير بعضه لعطاء وبعضه لزيد، وذكر عن مالك رحمه الله تعالى أنه قال: ليتهم طرحوه من "الموطأ" فاعلم ذلك. (قَال إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَال: إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتهِ فَإِنِ اسْتَيقَنَ أَنْ قَدْ صَلَّى ثَلَاثًا) فليقم (¬4) بعد رفعه من السجود (فَلْيُتِمَّ رَكْعَةً) رابعة (بِسُجُودِهَا ثُمَّ يَجْلِسْ فَيَتَشَهَّدْ) التشهد الأخير (فَإِذَا فَرَغَ) من التشهد. (فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يُسَلِّمَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَينِ وَهُوَ جَالِسٌ ثُمَّ يُسَلِّم") (¬5). ¬

_ (¬1) في (ص): أثالثة أم رابعة. (¬2) في (ص): ساجد. (¬3) "الموطأ" (214). (¬4) ضرب عليها في الأصل. (¬5) في (م): أسلم.

ظاهر في الدلالة لمذهب الشافعي (¬1) أنه (¬2) يسجد للزيادة والنقص قبل السلام (ثُمَّ ذَكَرَ مَعْنَى) حديث (مَالِكٍ). (قَال) المصنف: (وكَذَلِكَ رَوَاهُ) عبد الله (بْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ و) رواه (¬3) قال المنذري (¬4): حفص ومن معه رووه عن زيد بن أسلم (حَفْصِ بْنِ مَيْسَرَةَ وَدَاوُدَ بْنِ قَيسٍ) المدني الفراء الدباغ، أخرج له مسلم (¬5). (وَهِشَامِ بْنِ سَعْدٍ) القرشي المديني (إِلَّا أَنَّ هِشَامًا بَلَغَ بِهِ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ) الصحابي؛ فزال الإرسال الذي قبله عن عطاء. * * * ¬

_ (¬1) "الأم" 1/ 246. (¬2) في (ص): ثم. (¬3) زاد في (ص): مالك. وهي مقحمة. (¬4) "مختصر سنن أبي داود" 1/ 467. (¬5) "صحيح مسلم" (571).

200 - باب من قال: يتم على أكبر ظنه

200 - باب مَنْ قَال: يُتِمُّ عَلَى أَكْبْرِ ظَنِّهِ 1028 - حَدَّثَنا النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنا محَمَّد بْن سَلَمَةَ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذا كُنْتَ فِي صَلاةِ فَشَكَكْتَ فِي ثَلاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ وَأَكْبَرُ ظَنِّكَ عَلَى أَرْبَعِ تَشَهَّدْتَ ثُمَّ سَجَدْتَ سَجْدَتَينِ وَأَنْتَ جالِسٌ قَبْلَ أنْ تُسَلِّمَ ثُمَّ تَشَهَّدْتَ أَيْضًا ثُمَّ تُسَلِّمُ". قال أَبُو داوُدَ: رَواهُ عَبْدُ الواحِدِ عَنْ خُصَيْفٍ وَلَمْ يَرفَعْهُ وَوافَقَ عَبْدَ الواحِدِ أَيْضًا سُفْيانُ وَشَرِيك وَإسْرائِيلُ، واخْتَلَفُوا فِي الكَلامِ فِي مَتْنِ الحَدِيثِ وَلَمْ يُسْنِدُوهُ (¬1). 1029 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْن العَلاءِ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بْن إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا هِشامٌ الدَّسْتَوائِيُّ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، حَدَّثَنا عِياضٌ ح، وحَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا أَبانُ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ هِلالِ بْنِ عِياضٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلَمْ يَدْرِ زادَ أَمْ نَقَصَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَينِ وَهُوَ قاعِدٌ، فَإِذا أَتاهُ الشَيطانُ فَقال: إِنكَ قَدْ أَحْدَثْتَ فَلْيَقُلْ كذَبْتَ إِلَّا ما وَجَدَ رِيحًا بِأَنْفِهِ أَوْ صَوْتًا بأُذُنِهِ". وهذا لَفْظُ حَدِيثِ أَبانَ. قال أَبُو داوُدَ: وقال مَعْمَرٌ وَعَلِيُّ بْنُ المُبَارَكِ عِياضُ بْنُ هِلالٍ وقال الأوزاعِيُّ عِياضُ بْن أَبِي زهَيرٍ (¬2). 1030 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ يُصَلِّي جاءَهُ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 428، والنسائي في "الكبرى" (605)، والبيهقي 2/ 336. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (187). (¬2) رواه الترمذي (396)، والنسائي في "الكبرى" 1/ 205 (587، 1204)، وأحمد 3/ 50، وأبو يعلى 2/ 436 (1241)، وابن خزيمة (29)، وابن حبان (2665). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (188).

الشَّيطانُ فَلَبَسَ عَلَيهِ حَتَّى لا يَدْرِي كَمْ صَلَّى، فَإِذا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جالِسٌ". قال أَبُو داوُدَ: وَكَذا رَواهُ ابن عُيَيْنَةَ وَمَعْمَرٌ واللَّيْثُ (¬1). 1031 - حَدَّثَنا حَجّاجُ بْن أَبي يَعْقُوبَ، حَدَّثَنا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنا ابن أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ بِهَذَا الحَدِيثِ بِإِسْنادِهِ، زادَ: "وَهُوَ جالِسٌ قَبْلَ التَّسْلِيمِ" (¬2). 1032 - حَدَّثَنا حَجّاجٌ، حَدَّثَنا يَعْقُوبُ، أَخْبَرَنا أَبِي، عَنِ ابن إِسْحاقٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْنُ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ، بِإِسْنادِهِ وَمَعْناهُ قال: "فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَين قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ ثُمَّ لْيُسَلِّمْ" (¬3). * * * باب مَنْ قَال: يُتِمُّ عَلَى أَكْبَر ظَنِّهِ (¬4) بالباء الموحدة أي: أعظم (¬5) وأقوى ظنه. [1028] (حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ) بفتح السين واللام ابن عبد الله الباهلي مولاهم الحراني، أخرج له مسلم. (عَنْ خُصَيفٍ) بضم الخاء المعجمة وفتح المهملة وبعد ياء التصغير فاء، ابن عبد الرحمن الجزري أبي عون، صدوق سيء الحفظ (¬6) (عن أبي ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1232)، ومسلم (570). (¬2) رواه ابن ماجة (1217)، والبيهقي 2/ 340. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (944). (¬3) رواه ابن ماجة (1216)، والبيهقي 2/ 339. وانظر السابق. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (945). (¬4) سقط من (س، ل، م). (¬5) في (م): أسلم. (¬6) "الكاشف" 1/ 280.

عبيدة) مصغر واسمه عامر (بن عبد الله، عن أبيه) عبد الله بن مسعود (عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَال: إِذَا كُنْتَ فِي صَلَاةٍ وشَكَكْتَ فِي ثَلَاثٍ) ركعات صليت (و (¬1) أَرْبَعٍ) بالواو بمعنى أو (¬2)، تقديره: فشككت في ثلاث ركعات أو أربع (وَأَكْبَرُ) بالباء الموحدة (ظَنِّكَ) أي: أعظم ظنك على أنك صليت (أَرْبَع) ركعات. (تَشَهَّدْتَ) استدل به الحنفية على أن من تكرر منه السهو فله العمل بغلبة الظن، وحملوا حديث أبي هريرة في الأخذ باليقين وهو الأقل على من لم يغلب على ظنه شيء، وحملوا هذا الحديث على من ظن، قالوا: ويندفع به التعارض. وأجابوا عن قولنا في حديث أبي هريرة: إن الصلاة في ذمته بيقين (¬3) فلا تبرأ ذمته إلا بيقين، فإنَّ الظن الغالب تبرأ به الذمة، بدليل أن الصلاة متوقفة على شروط مظنونة بالاتفاق (ثُمَّ سَجَدْتَ) للسهو (سَجْدَتَينِ وَأَنْتَ جَالِسٌ) أي: لئلا يظن أنه محتاج إلى أن يقوم ثم يسجد كأمثاله من السجود، قاله ابن الأثير في "شرح المسند". (قَبْلَ أَنْ تُسَلِّمَ ثُمَ تَشَهَّدْتَ أَيْضًا ثُمَّ تُسَلِّمُ) استدل به على أن سجود السهو يتعقبه بتشهد وسلام. ورواه البيهقي: بلفظ (¬4): "إذا (¬5) كنت في صلاة فشككت في ثلاث أو ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): أو. (¬2) من (ل، م). (¬3) في (ص): ثبتت. وفي (س): تنصب. (¬4) من (س، م). (¬5) في (ص): إن.

أربع" إلى آخره ثم قال: و [هذا غير] (¬1) قوي ومختلف في رفعه ووقفه (¬2)؛ لأن خصيف الجزري ضعفه أحمد، وقال أبو حاتم: تكلم في سوء حفظه (¬3). واستدل به أيضًا لمذهب الشافعي (¬4) أن سجدتي السهو أقبل السلام، (¬5) كما تقدم. (قَال) المصنف: و (رَوَاهُ عَبْدُ الوَاحِدِ عَنْ خُصَيْفٍ وَلَمْ يَرْفَعْهُ، وَوَافَقَ عَبْدَ الوَاحِدِ أَيْضًا سُفْيَانُ وَشَرِيكٌ وَإِسْرَائِيلُ، وَاخْتَلَفُوا فِي الكَلَامِ فِي مَتْنِ الحَدِيثِ وَلَمْ يُسْنِدُوهُ) أي: بل وقفوه، و [تكرر من] (¬6) المنذري (¬7) وغيره أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه شيئًا، يعني (¬8): لأنه كان صغيرًا جدًّا في حياته، قال عمرو (¬9) بن مرّة: سألت أبا عبيدة (¬10): هل تذكر من عبد الله شيئًا قال: لا (¬11). [1029] (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ العَلَاءِ، أنبأنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) بن علية ¬

_ (¬1) في (ص، س): هو. (¬2) "السنن الكبرى" 2/ 355 - 356. (¬3) "الجرح والتعديل" 3/ 403 - 454. (¬4) "الأم" 1/ 246. (¬5) من (م). (¬6) في (ص، س): لكن ذكر. (¬7) "مختصر السنن" 1/ 467. (¬8) سقط من (م). (¬9) في (م): عمر. (¬10) في" (م): عبيد. (¬11) رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 6/ 210.

(حَدَّثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كثِيرٍ، حدثنا (¬1) ابن عياض) سيأتي الخلاف فيه. (وحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبَانُ) الأرجح عدم الصرف (حَدَّثَنَا يَحْيَى) بن أبي كثير (عَنْ هِلَالِ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ أَنَّ رَسُولَ الله) - صلى الله عليه وسلم -. وروايتي الترمذي (¬2) (¬3) وابن ماجة، عن عياض بن هلال أنه سأل أبا سعيد الخدري: أحدنا يصلي فلا يدري كيف صلى ولفظ ابن ماجة (¬4): فلا يدري كم صلى (قَال) (¬5) فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلَمْ يَدْرِ) كم صلى (زَادَ أَو نَقَصَ) ولابن ماجة: "فلم يدر". وللترمذي: كيف صلى؟ (فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ قَاعِدٌ) وبوب عليه الترمذي باب فيمن يشك في الزيادة والنقصان (¬6). ثم قال: وقد روي عن أبي سعيد من غير هذا الوجه، وحديث أبي سعيد حديث حسن. قال: وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "إذا شك أحدكم في الواحدة والثنتين فليجعلهما واحدة، وإذا شك في الاثنتين والثلاث فليجعلهما اثنتين وليسجد في ذلك سجدتين قبل أن يسلم". والعمل على هذا عند أصحابنا. وقال بعض أهل العلم: إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (ص، س، ل): النسائي. (¬3) "سنن الترمذي" (396). (¬4) "سنن ابن ماجة" (1204). (¬5) سقط من (ل، م). (¬6) "سنن الترمذي" قبل حديث (396).

فليعد (¬1). انتهى. وهذا الحديث الذي ذكره بصيغة التمريض، رواه ابن ماجة بسنده (¬2) عن عبد الرحمن بن عوف: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا شك أحدكم في الثنتين والواحدة فليجعلهما واحدة، وإذا شك في الثنتين والثلاث فليجعلهما اثنتين، وإذا شك في الثلاث والأربع فليجعلهما ثلاثًا" (¬3). (فَإِذَا أَتَاهُ الشَّيطَانُ فَقَال إِنَّكَ قَدْ أَحْدَثْتَ فَلْيَقُلْ) له (كذَبْتَ) ورواه ابن حبان، عن أبي سعيد أيضًا بلفظ: "فليقل في نفسه: كذبت" (¬4). (إِلَّا مَا وَجَدَ رِيحًا بِأَنْفِهِ أَوْ صَوْتًا بِأُذُنِهِ) كذا رواه الحاكم (¬5) بهذا اللفظ لكنه من طريق عياض بن عبد الله عنه (¬6). ورواه البزار بلفظ: "يأتي أحدكم الشيطان في صلاته حتى ينفخ في مقعدته فيخيل إليه أنه قد أحدث (¬7) ولم يحدث فإذا وجد ذلك أحدكم فلا ينصرف حتى يسمع صوتًا بأذنه أو يجد (¬8) ريحًا بأنفه" (¬9). وفي ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" عقب حديث (396). (¬2) في (ص): بسند. (¬3) "سنن ابن ماجة" (1209). (¬4) "صحيح ابن حبان" (2666). (¬5) "المستدرك" 1/ 134. (¬6) من (ل، م). (¬7) زاد هنا في (ص): وما أحدث. (¬8) من (س، م). (¬9) أخرجه البزار كما في "مجمع الزوائد" للهيثمي 1/ 552، وقال: رواه الطبراني في "الكبير" والبزار بنحوه وجاله رجال الصحيح.

إسناده أبو أويس (¬1)، لكن تابعه الدراوردي عند البيهقي والمراد بالريح الخارج من الدبر، وأراد بقوله: "يجد ريحًا" أي (¬2): يشمها بفتح الشين، وهو من وجدت الشيء أجده إذا أصبته، والريح يقع على الرائحة، والمراد بالصوت هنا الضرطة، وبالريح الفساء، وهذا التعليق بسماع الصوت وشم الرائحة معناه: حتى يتيقن الحدث؛ فإنه قد يكون أصم فلا يسمع، أو أخشم فلا يشم، وإنما ذكر السماع والشم لأنهما من توابع هذا الحدث فلا (¬3) يخلو من أحدهما، وقد استدل الشافعي (¬4) بهذا الحديث على أن اليقين لا يزول بالشك، فإنه يقول: كذبت (¬5). حتى يتيقن بسماع الصوت ووجود الريح (¬6). (وهذا لَفْظُ حَدِيثِ أَبَانَ) بن يزيد العطار، أخرج له مسلم. (وَقَال مَعْمَرٌ وَعَلِي بْنُ المُبَارَكِ) فنسباه (عِيَاضُ بْنُ هِلَالٍ) وكذا رواه الترمذي (¬7) وذكره ابن الأثير (¬8) وغيره. (وَقَال الأَوْزَاعِيُّ) هو (عِيَاضُ بْنُ أَبِي زُهَيرٍ) الفهري، قيل (¬9): هو ¬

_ (¬1) في (م): أوس. (¬2) من (س، م). (¬3) في (ل، م): فإنه لا. (¬4) "الأم" 1/ 64، 5/ 379. (¬5) تكررت في (ل، م). (¬6) في (م): الرائحة. (¬7) "السنن" (396). (¬8) "جامع الأصول" 5/ 534. (¬9) من (ل، م).

عياض بن هلال وفرق بينهما علي (¬1) بن المديني (¬2). [1030] (حَدَّثَنَا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) عبد الله (بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن عوف (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَن رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَال: إِن أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ يُصَلِّي جَاءَهُ الشَيطَانُ) هذا يدل على أن شيطان الصلاة غير شيطان الآدمي. أما شيطان الآدمي فروى مسلم من حديث ابن مسعود: "ما منكم من أحدٍ إلا وله شيطان" (¬3). وأما شيطان الصلاة فيسمى خنزب كما رواه مسلم من حديث عثمان بن أبي العاص (¬4)، وللنسائي في "الكبرى" من حديث عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي فأتاه الشيطان فأخذه فصرعه فخنقه حتى وجدت (¬5) برد لسانه على يدي (¬6). وللبخاري من حديث أبي هريرة: "إن عفريتًا من الجن تفلت علي البارحة ليقطع عليَّ صلاتي، فأمكنني الله تعالى منه" (¬7)، ولهذا ذكر البخاري هذا الحديث في وصف إبليس (فَلَبَسَ) قال المنذري (¬8): هو بتخفيف الباء وضبطه بعضهم بالتشديد والتخفيف أفصح، قال الله ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) انظر: "تهذيب التهذيب" 3/ 354. (¬3) "صحيح مسلم" (2814/ 69). (¬4) "صحيح مسلم" (2203/ 68). (¬5) في (ص، س، ل): وجد. (¬6) "السنن" 6/ 442 - 443 (11439). (¬7) "صحيح البخاري" (461). (¬8) انظر: "مختصر سنن أبي داود" 1/ 428.

تعالى: {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} (¬1) قال بعضهم: وربما شدد للتكثير عليه أي: خلط (عَلَيهِ) أمر صلاته وشبهها عليه وشككه فيها (حَتَّى لَا يَدْرِي ما صَلَّى) ولا كيف صلى (فَإِذَا وَجَدَ ذلك أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَينِ وَهُوَ جَالِسٌ) فيه الأمر بالسجود عند السهو. قد اختلف العلماء في المراد بهذا الحديث فقال الحسن البصري وطائفة من السلف بظاهر هذا الحديث. وقالوا: إذا شك المصلي فلم يدر زاد أو نقص فليس عليه إلا سجدتان وهو جالس عملًا بظاهر هذا الحديث، وقال الشعبي والأوزاعي وجماعة كثيرة من السلف: إذا لم يدر كم صلى لزمه أن يعيد الصلاة مرة بعد أخرى أبدًا حتى يتيقن (¬2). وقال بعضهم: يعيد ثلاث مرات، فإذا (¬3) شك في الرابعة فلا إعادة عليه، وقد بوب عليه البخاري أي (¬4) على هذا الحديث باب السهو في الفرض والتطوع. قال: وسجد ابن عباس سجدتين بعد وتره (¬5). وقال ابن الملقن: وما نقله البخاري عن ابن عباس إنما يأتي على قول من يقول: إن الوتر سنة (¬6). قال العلائي: والذي ذهب إليه الجمهور من العلماء قديمًا وحديثًا أنه لا فرق بين صلاة الفرض وصلاة النفل في الخبر بسجود السهو؛ لأن الذي يحتاج إليه الفرض من ذلك يحتاج إليه النفل، وذهب ابن ¬

_ (¬1) الأنعام: 9. (¬2) في (س، ل، م): يستيقن. (¬3) في (ص): فلا. (¬4) سقط من (س، ل، م). (¬5) "صحيح البخاري" (1232). (¬6) "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" بتحقيقنا 9/ 368.

سيرين (¬1) وقتادة (¬2) من التابعين إلى أن التطوع لا يسجد للسهو فيه، واختلف [فيه النقل] (¬3) عن عطاء بن أبي رباح (¬4)، وقد نقل هذا (¬5) جماعة من الأصحاب قولًا قديمًا للشافعي (¬6). وقال الشيخ أبو حامد: الذي نص عليه الشافعي في القديم أنه يسجد للسهو في التطوع فيكون له على هذا قولان في القديم، وأما الجديد (¬7) فلم يختلف فيه (¬8) قوله أنه يسجد فيه كما ذهب إليه الجمهور (¬9). ثم قال العلائي في "نظم الفرائد فيما تضمنه حديث ذي اليدين من الفوائد": وهذا له تعلق ببحث أصولي وهو أن اسم الصلاة الذي هو حقيقة شرعية في هذِه الأفعال المخصوصة هل هو متواطئ فيكون مشتركًا معنويًّا فيدخل تحته كل صلاة أو هو مشترك لفظي (¬10) بين صلاتي الفرض والنفل وغيرهما من الصلوات كما يقال في القرء وأمثاله من المشتركات، وهذِه المسألة قليلة الوجود في كتب المتقدمين، والذي اختاره الإمام (¬11) فخر الدين أنه مشترك لفظي لما (¬12) ¬

_ (¬1) "مصنف عبد الرزاق" 2/ 326 (3552، 3556). (¬2) ما وقفنا عليه لقتادة أنه يسجد للسهو في التطوع. "مصنف عبد الرزاق" 2/ 326 (3553). (¬3) في (س، ل): النقل فيه. (¬4) "مصنف عبد الرزاق" 2/ 325 (3549، 3551)، 326 (3557، 3558)، 327 (3560). (¬5) من (م). (¬6) "المجموع" 4/ 161. (¬7) "الأم" 1/ 248. (¬8) سقط من (م). (¬9) "المجموع" 4/ 161. (¬10) من (س، ل، م). (¬11) من (س، ل، م). (¬12) من (م).

بين صلاتي الفرض والنفل من التباين في بعض الشروط كالقيام واستقبال القبلة وعدم اعتبار العدد المنوي، وغير ذلك. ثم قال: والذي يظهر أنه مشترك معنوي، أي: متواطئ لوجود القدر الجامع بين كل ما يسمى صلاة، وهو التحرم والتحلل تعبدًا لله تعالى مع ما يشمل الكل من الشروط التي لا تنفك، وهو أولى من القول الأول؛ لأن الاشتراك اللفظي على خلاف الأصل والتواطؤ خير منه، فعلى هذا يكون قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر صلى ثلاثًا أو أربعًا" وقوله: "إن أحدكم إذا قام يصلي فلبس عليه صلاته". ثم قال بعده: "فليسجد سجدتين" شامل لقسمي الفرض والنفل لدخول كل منهما في اسم (¬1) الصلاة كلفظ الإنسان بالنسبة إلى الأفراد الداخلة تحته، وكذلك سجوده -صلى الله عليه وسلم- عقب سهوه في حديث ذي اليدين وغيره إذا جعلنا (¬2) دلالة [الفعل في مثل هذا يقتضي رجحان الطلب فإنه يشمل نوعي الفرض والنفل] (¬3) لعدم الفرق بينهما ولشمول اسم الصلاة لهما، فأما على القول بأنه مشترك لفظي كما قال فخر الدين فلا عموم له حينئذٍ إلا على ما اختاره الإمام الشافعي أن المشترك يعم جميع مسمياته كاللفظ العام والله أعلم (¬4). ويدل على العموم ترجمة البخاري (¬5) باب السهو في الفرض والنفل (¬6). ¬

_ (¬1) في (ص، س): اسمي. (¬2) في (ص، س): جعلها. (¬3) من (ل، م). (¬4) "نظم الفرائد" ص 575 - 576. (¬5) بعدها في (م): على. (¬6) "صحيح البخاري" قبل حديث (1232)، وفيه (النفل) بدل (التطوع).

(قَال) المصنف (كَذَا رَوَاهُ) سفيان (ابْنُ عُيَيْنَةَ وَمَعْمَرْ وَاللَّيثُ) ثلاثتهم، عن محمد بن شهاب الزهري. [1031] (حدثنا حجاج بن أبي يعقوب) يوسف الثقفي ابن الشاعر شيخ مسلم (حَدَّثَنَا يَعْقُوبَ) بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن (¬1) عبد الرحمن بن عوف المدني (¬2). (حدثنا) محمد بن عمد الله (ابْنُ أَخِي الزهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ) الزهري (بهذا الحَدِيثِ) المذكور (بِإِسْنَادِهِ) و (زَادَ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ التَسْلِيمِ) وفيه حجة لمذهب الشافعي (¬3) وغيره أن السجود للزيادة والنقص قبل التسليم. [1032] (حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ) بن أبي يعقوب (حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ) بن إبراهيم (أنبأنا أَبِي) إبراهيم بن سعد (عَنِ) محمد (ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزهْرِيُّ بِإِسْنَادِهِ) المذكور (وَمَعْنَاهُ) وقَال فيه: (فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَينِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ) قال الزهري أحد الرواة كان آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن سجدتي السهو بين التشهد والسلام (¬4)؛ ولأنه سجود وقع سببه في الصلاة فكان فيها كسجود التلاوة (ثُمَ لْيُسَلِّمْ) لأنه تمام الصلاة. * * * ¬

_ (¬1) في (ص): عن. (¬2) في (ص): الرسري. وفي (س): الزهري. (¬3) "الأم" 1/ 246. (¬4) انظر: "السنن الكبرى" البيهقي 2/ 340.

201 - باب من قال: بعد التسليم

201 - باب مَنْ قال: بَعْدَ التَّسلِيمِ 1033 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا حَجّاجٌ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسافِعٍ أَنَّ مُصْعَبَ بْنَ شَيْبَةَ أَخْبَرَهُ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ محَمَّدِ بْنِ الحارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ شَكَّ فِي صَلاتهِ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَينِ بَعْدَ ما يُسَلِّمُ" (¬1). * * * باب مَنْ قَال بَعْدَ السلام (¬2) أي: من قال إن سجود السهو بعد السلام. [1033] (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) الدورقي الحافظ. (حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ) بن محمد الهاشمي (عن) عبد الملك (بْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الله بْنُ مُسَافِعٍ) بالسين المهملة الحجبي (¬3)، قال العلائي: لم أر أحدًا ضعف عبد الله بن مسافع ولا من وثقه، لكنه معروف روى عنه جماعة (¬4). (أَنَّ مُصْعَبَ بْنَ شَيبَةَ) بن جبير بن شيبة بن عثمان الحجبي، قال ابن معين (¬5): ثقة. احتج به مسلم. (أَخْبَرَهُ عَنْ عُتْبَةَ) بسكون المثناة فوق، ويقال بسكون القاف (بْنِ ¬

_ (¬1) رواه النسائي 3/ 30، وأحمد 1/ 205، وابن خزيمة (1033). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (189). (¬2) تأخر ذكر هذا الباب في (ل)، فجاء بعد باب من قام من ثنتين ولم يتشهد. (¬3) في (ص): الجمحي. (¬4) "نظم الفرائد" ص 517 - 518. (¬5) "الجرح والتعديل " 8/ 305 (1409).

مُحَمَّدِ بْنِ الحَارِثِ) بن نوفل الهاشمي. قال العلائي: لم يضعفه أحد (¬1). ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2) تحول إلى البصرة وكان واليًا بها، يقال: إنه ولد على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأتي به [إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-] (¬3) فحنكه ودعا له، وهو الذي سمي ببة بباءين موحدتين (¬4) أولاهما مفتوحة والثانية مشددة، من (¬5) الطبقة الثانية من التابعين. (عَنْ عَبْدِ الله بْنِ جَعْفَرٍ) بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي، أمه أسماء بنت عميس، ولد بالحبشة، وهو أول مولود ولد في الإسلام بها، يسمى بحر الجود، ولم يكن في الإسلام أسخى منه (أَنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قَال: مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَينِ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ) احتج به أبو حنيفة (¬6) على أن السجود بعد السلام، والأحاديث غيرها قولية وفعلية. قال العلائي: اختلف الأئمة في كيفية العمل بهذِه الأحاديث فأبو حنيفة والشافعي سلكا مسلك الترجيح بينها ورد بعضها إلى بعض، ومالك وأحمد وإسحاق بن راهويه سلكوا الجمع بين الأحاديث والعمل بكلها (¬7). * * * ¬

_ (¬1) وقع هنا في (م) تقديم وتأخير قدر صفحتان. بدءًا من قوله: ويحتمل أن الضمير في قيامه للنبي. إلى قوله: وأنهما لا يختصان بالمواضع التي سها فيها النبي -صلى الله عليه وسلم-. ثم عاد السياق بعد ذلك إلى قوله: ذكره ابن حبان في "الثقات". (¬2) 5/ 249. (¬3) في (م): إليه. (¬4) في (ص، س): مفتوحتين. (¬5) في (م): في. (¬6) "المبسوط" للسرخسي 1/ 383. (¬7) "نظم الفرائد" ص 516 - 517.

202 - باب من قام من ثنتين ولم يتشهد

202 - باب مَنْ قام مِنْ ثِنْتيْنِ وَلَمْ يَتشَهَّدْ 1034 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأعرَجِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بن بُحَيْنَةَ أنَّه قال: صَلَّى لَنا رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ قامَ فَلَمْ يَجلِسْ فَقامَ النّاسٌ مَعَهُ، فَلَمّا قَضَى صَلاتَهُ وانْتَظَرنا التَّسْلِيمَ، كَبَّرَ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهوَ جالِسٌ قَبْلَ التَّسلِيمِ ثَّمَ سَلَّمَ -صلى الله عليه وسلم- (¬1). 1035 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عُثْمانَ، حَدَّثَنا أَبِي وَبَقِيَّة قالا: حَدَّثَنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِمَعْنَى إِسْنادِهِ وَحَدِيثِهِ، زادَ: وَكانَ مِنّا المتَشَهِّدُ فِي قِيامِهِ. قال أَبُو داوُدَ: وَكَذَلِكَ سَجَدَهُما ابن الزّبَيْرِ قامَ مِنْ ثِنْتَيْنِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَهُوَ قَوْل الزُهْرِيِّ (¬2). * * * باب مَنْ قَامَ مِنْ ثِنتَين وَلَم يَتَشَهَّدْ [1034] (حَدَّثَنَا القَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابن شِهَاب عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) ابن هرمز (الأَعْرَجِ) كان يكتب المصاحف، وتوفي بثغر الإسكندرية. (عَنْ عَبْدِ الله بن) مالك بن القشب بكسر القاف وسكون المعجمة وبالباء الموحدة، الأزدي من أزد شنوءة بفتح الشين وضم النون وسكون الواو بعدها همزة مفتوحة، وأمه بحينة، بضم الموحدة وفتح الحاء المهملة وسكون المثناة تحت، كنيته أبو محمد، له صحبة ولأبيه ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1224)، ومسلم (570). (¬2) رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 2/ 156 (878)، والطبراني في "الشاميين" 4/ 243 (3191). ورواه البخاري (829) بدون هذه الزيادة. وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (947).

مالك صحبة ولبحينة صحبة، وهي أم عبد الله، وقيل: هي جدته أم أبيه مالك، وقيل اسمها عبدة ولقبها (بُحَيْنَةَ أَنَّهُ قَال: صَلَّى لَنَا رَسُولُ الله) -صلى الله عليه وسلم-. واللام في قوله (¬1): "لنا" لام أجل التي للتعليل، أي: صلى لأجلنا ويجوز أن تكون بمعنى الباء أي: صلى بنا، ويجوز أن يكون [لما أراد أنه] (¬2) كان إمامًا أعطى صلى معنى أمّ أي: كان إمامًا لنا (رَكْعَتَينِ) بيَّنهما في "الموطأ" (¬3) والبخاري (¬4) بأنها صلاة الظهر. (ثُمَّ قَامَ فَلَمْ يَجْلِسْ) يعني أنه قام إلى الركعة الثالثة ولم يتشهد عقيب الركعتين، قال ابن رشد (¬5): إذا أطلق في الأحاديث الجلوس في الصلاة من غير تقييد (¬6) فالمراد به التشهد الأول. وبهذا يظهر وجه مناسبة الحديث لترجمة المصنف: قام من اثنتين ولم يتشهد. (فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ) لأن متابعة الإمام واجبة، ثم إنا كنا نمنع الإمام من العود (¬7) للتشهد لمنع (¬8) المأموم من الاشتغال بالتشهد، فإن فعل عالمًا بالتحريم بطلت صلاته؛ لأن متابعة الإمام من هذا الجلوس للقيام واجبة، نعم لو نوى مفارقة إمامه ليتشهد جاز وكان مفارقًا لعذر، ¬

_ (¬1) زاد بعدها في (س، ل، م): صلى. (¬2) في (ص): أنه لما. (¬3) "الموطأ" (219). (¬4) "صحيح البخاري" (829). (¬5) انظر: "فتح الباري" 2/ 362. (¬6) في (ص): تشهد. (¬7) في (ص، س، ل): التعود. (¬8) في (ص، س، ل): مع.

ويجوز أن يكونوا علموا حكم هذِه الحادثة أو لم يعلموا لكن سبحوا، فأشار إليهم أن يقوموا. (فَلَمّا قَضَى صَلَاتهُ) [أي: قارب قضاءها وأتى بجميعها غير السلام، وفي قوله: لما قضى صلاته] (¬1) حكم (¬2) بصحة الصلاة (¬3). دليل على أن التشهد الأول غير واجب، إذ لو كان واجبًا لما قيل (¬4) انقضت مع تركه (¬5)، واستدل على عدم وجوبه أنه لو كان واجبًا لرجع إليه لما سبحوا له بعد أن قام، قال ابن بطال: والدليل على أن سجود السهو لا ينوب (¬6) عن الواجب أنه لو نسي تكبيرة الإحرام لم تجبر فكذلك التشهد ولأنه ذكر لا يجهر به بحال فلم يجب كدعاء الافتتاح (¬7). واستدل غيره بتقريره -صلى الله عليه وسلم- الناس (¬8) على متابعته بعد أن علم أنهم تعمدوا تركه. واحتج الطبري لوجوبه بأن الصلاة فرضت أولًا ركعتين وكان التشهد فيها واجبًا فلما زيدت لم تكن الزيادة مزيلة لذلك الواجب، وأجيب بأن الزيادة لم تتعين في الأخريين، بل يحتمل أن يكونا هما الفرض الأول والمزيد هما الركعتان الأوليان بتشهدهما، ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) في (ص، س، ل): حكمه. (¬3) في (ص، س، ل): صلاته. (¬4) من (س، م). (¬5) في (ص، س): قوله. (¬6) في (ص، س): يفوت. (¬7) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 2/ 445. (¬8) سقط من (م).

ويؤيده استمرار السلام بعد التشهد الأخير كما كان. (وَانْتَظَرْنَا التَّسْلِيمَ) يعني الذي يخرج به من الصلاة، وقد يؤخذ منه أن سجود السهو لا يكون إلا بعد الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعد المستحبات بعده كالصلاة على الآل والأدعية؛ لأن انتظار السلام لا يكون إلا بعد هذِه (كبَّرَ) فيه دليل على التكبير لسجود السهو، وهو مشروع بالإجماع، ويدل على قوله أنه -عليه السلام- (¬1) كان يكبر في كل خفض ورفع (¬2) ومذهبنا أن تكبيرات (¬3) الانتقال غير تكبير الإحرام سنة، وعن أحمد رواية أنها كلها واجبة. (فَسَجَدَ) يريد سجود السهو، وجاء به بفاء التعقيب لأنه لا مهلة (¬4) بين التكبير وبين السجود. (سَجْدَتَينِ وَهُوَ جَالِسٌ) لئلا يظن أنه يحتاج إلى قيام (قَبْلَ التَّسْلِيمِ ثُمَّ سلَّمَ) فيه حجة لمذهب الشافعي (¬5) كما تقدم. [1035] (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ) بن سعيد الحمصي، صدوق حافظ (¬6) (حَدَّثَنَا أَبِي) عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي، ثقة من العابدين (¬7) (وَبَقِيَّةُ) بن الوليد (قَالا: حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ) بن أبي حمزة ¬

_ (¬1) زاد في (ص، س، ل): أنه. (¬2) أخرجه البخاري (785)، ومسلم (392) من حديث أبي هريرة. (¬3) في (ص، س): تكبيرة. (¬4) في (ص): مهملة. (¬5) "الأم" 1/ 246. (¬6) "الكاشف" 2/ 336. (¬7) "الكاشف" 2/ 250.

بالحاء المهملة والزاي، واسمه دينار القرشي الحمصي. (عَنِ) محمد بن مسلم بن شهاب (الزُّهْرِيِّ بِمَعْنَى إِسْنَادِهِ وَحَدِيثِهِ، وزَادَ) فيه (وَكَانَ مِنَّا المُتَشَهِّدُ فِي قِيَامِهِ) يحتمل أن يراد: منا من تشهد قبل قيامه، [ويحتمل أن الضمير في قيامه للنبي -صلى الله عليه وسلم- والتقدير: وزاد الزهري في روايته: ومنا من تشهد في حال قيام النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يتابعه عقبه بل تشهد ثم قام] (¬1) ومنا من أتى ببعض التشهد حال قيامه. (قال) المصنف (وَكَذَلِكَ سَجَدَهُمَا عبد الله بْن الزُّبَيرِ) و (قَامَ مِنْ ثِنْتَينِ) قال ابن الأثير في "شرح المسند": من هنا للابتداء أي (¬2): أن ابتداء قيامه كان من الثنتين (قَبْلَ التَّسْلِيمِ) من الصلاة [(وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ)] (¬3). * * * ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) من (س، ل، م). (¬3) سقط من (م).

203 - باب من نسي أن يتشهد وهو جالس

203 - باب منْ نَسيَ أَنْ يَتَشَهَّدَ وَهُوَ جالِسٌ 1036 - حَدَّثَنا الْحَسَنُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الوَلِيدِ، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ جابِرِ -يَعْنِي: الجُعْفِيَّ- قال: حَدَّثَنا المغِيرَةُ بْنُ شُبَيْلٍ الأحمَسِيُّ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبي حازِمِ، عَنِ المُغِيرَة بْنِ شُعْبَةَ قال: قال رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذا قامَ الإِمامُ فِي الرَّكْعَتَينِ فَإِنْ ذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوِيَ قائِمًا فَلْيَجْلِسْ فَإِنِ اسْتَوَى قائِمًا فَلا يَجْلِسْ ويسْجُدُ سَجْدَتَي السَّهْوِ". قال أَبُو داوُدَ: وَلَيْسَ فِي كِتابي عَنْ جابِرٍ الجُعْفِيِّ إِلا هذا الحَدِيثُ (¬1). 1037 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الجُشَمِيُّ، حَدَّثَنا يَريدُ بْنُ هارُونَ، أَخْبَرَنا المسْعُودِيُّ، عَنْ زِيادِ بْنِ عِلاقَةَ قال: صَلَّى بِنا المغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَنَهَضَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قُلْنا: سُبْحانَ اللهِ قال: سُبْحانَ اللهِ وَمَضَى، فَلَمّا أَتَمَّ صَلاتَهُ وَسَلَّمَ سَجَدَ سَجْدَتَي السَّهْوِ، فَلَمّا انْصَرَفَ قال: رأيْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يصْنَعُ كَما صَنَعْتُ. قال أَبو داوُدَ: وَكَذَلِكَ رَواهُ ابن أَبِي لَيْلَى، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ المُغِيرَة بْنِ شعْبَةَ وَرَفَعَهُ، وَرَواهُ أَبُو عُمَيْسٍ، عَنْ ثابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ قال: صَلَّى بِنا المغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ مِثْلَ حَدِيثِ زِيادِ بْنِ عِلاقَةَ. قال أَبُو داوُدَ: أَبُو عُمَيْسٍ أَخُو المسْعُودِيِّ وَفَعَلَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ مِثْلَ ما فَعَلَ المغِيرَةُ وَعِمْرانُ بْنُ حُصَيْن والضَّحّاكُ بْنُ قَيْسٍ وَمُعاوِيَةُ بْن أَبي سُفْيانَ وابْنُ عَبّاسٍ أفتَى بِذَلِكَ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ. قال أَبُو داوُدَ: هذا فِيمَنْ قامَ مِنْ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ سَجَدُوا بَعْدَ ما سَلَّمُوا (¬2). ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (1208)، وأحمد 4/ 253. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (949). (¬2) رواه الترمذي (365)، وأحمد 4/ 247. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (950).

1038 - حَدَّثَنا عَمْرو بْنُ عُثْمانَ والرَّبِيعُ بْن نافِعٍ وَعُثْمان بْنُ أَبي شَيْبَةَ وَشجاعُ بْن مَخْلَدٍ -بِمَعْنَى الإِسْنادِ- أَنَّ ابن عَيّاشٍ حَدَّثَهمْ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدٍ الكَلاعِيِّ، عَنْ زُهَيْرٍ -يَعْنِي: ابن سالِمٍ العَنْسِيِّ- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، قال عَمْرٌ وَحْدَهُ: عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ثَوْبانَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتانِ بَعْدَ ما يُسَلِّمُ". لَم يَذْكرْ عَنْ أَبِيهِ. غَيْر عَمْرٍو (¬1). * * * باب مَنْ نَسِيَ أَنْ يَتَشَهَّدَ وَهُوَ جَالِسٌ [1036] (حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَمْرٍو) السدوسي (عَنْ عَبْدِ الله بْنِ الوَلِيدِ) ابن ميمون العدني (¬2) أبي محمد الأموي مولاهم المكي كان يقول: أنا مكي فلم يقال لي عدني (¬3)؟ ! . قال أبو زرعة: صدوق (¬4). (عَنْ سُفْيَانَ) الثوري (عَنْ جَابِرٍ) بن يزيد (الْجُعْفِيَّ) من أكبر علماء الشيعة وثقه شعبة (¬5)، (قال المصنف: ليس في كتابي له شيء سوى حديث السهو). (حَدَّثَنَا المُغِيرَةُ بْنُ شُبَيلٍ) بضم الشين المعجمة وفتح الموحدة مصغرًا ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (1219)، وأحمد 5/ 280. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (954). (¬2) في (ص، ل): العبدي. (¬3) في (ص): عبدي. (¬4) "الجرح والتعديل" 5/ 188 (875)، "تهذيب الكمال" 16/ 272. (¬5) "الكاشف" 1/ 177 - 178.

(الأحْمَسِيُّ) بحاء مهملة ساكنة نسبة إلى أحمس من بجيلة، وقد بارك -صلى الله عليه وسلم- على خيل أحمس ورجالها لما هدم جرير بن عبد الله البجلي ذا الخلصة، والمغيرة هذا ثقة (¬1). (عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ) واسمه حصين بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين، ابن عوف، من بني أسلم بن أحمس البجلي، أدرك الجاهلية، وأسلم وجاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فوجده قد توفي، يعد في تابعي الكوفة، وقد ذكر في أسماء الصحابة مع اعترافهم بأنه لم ير النبي -صلى الله عليه وسلم-. (عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَال: قَال رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: إِذَا قَامَ الإِمَامُ) وللدارقطني (¬2) في روايته (¬3): "إذا شك أحدكم فقام" (فِي الرَّكعَتَينِ) أي: من الركعتين؛ لرواية ابن ماجه (¬4) بلفظ: "إذا قام الإمام من الركعتين". يعني: في موضع التشهد (¬5). (فَإِنْ ذَكرَ) أي: ذكر التشهد (قَبْلَ أَنْ يَسْتَوِيَ قَائِمًا فَلْيَجْلِسْ) استدل به الشافعي (¬6) على أن من نسي التشهد الأول مع (¬7) نسيان قعوده أو مع الإتيان به ثم [تذكره قبل] (¬8) أن ينتصب قائمًا فعليه أن يعود إلى ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 28/ 369. (¬2) "سنن الدارقطني" 1/ 378. (¬3) في (م) رواية. (¬4) "سنن ابن ماجه" (1208) وفيه: أحدكم بدلًا من الإمام. (¬5) من (س، ل، م). (¬6) "الأم" 1/ 245. (¬7) في (ص): من. (¬8) في (م): تذكر.

الجلوس والتشهد [لهذا الحديث] (¬1). وقيل: إذا صار إلى حال هي أرفع من حد أقل الركوع وكان كالانتصاب فلا يعود، والخلاف مبني على أن القادر على الانتصاب هل له أن يقف (¬2) كذلك. (فَإِنِ اسْتَوَى) أي: انتصب (قَائِمًا فَلَا يَجْلِسْ) أي: فلا يجوز له أن يعود إلى القعود والتشهد؛ لأنه بالانتصاب قد تلبس بالفرض فلا يقطعه ويرجع إلى السنة، وقيل: يجوز له العود [ما لم يشرع في القراءة، فإن عاد عالمًا بالتحريم بطلت؛ لأنه زاد قعودًا وهذا إذا تعمد العود] (¬3) فإن عاد ناسيًا لم تبطل صلاته؛ لأن القلم مرفوع عنه، نعم يلزمه القيام عند التذكر (وَيَسْجُدُ سَجْدَتَي السَّهْوِ)؛ لأنه ترك تشهدًا وزاد جلوسًا، ولا تبطل صلاته أيضًا إذا عاد جاهلًا بالتحريم قياسًا على الناسي؛ لأنه مما يخفى على العوام، وقيل: تبطل صلاة الجاهل لتقصيره بترك تعلم ما يحتاج إليه في صلاته، لا فرق في هذا التفصيل بين الإمام والمنفرد. [1037] ((¬4) حَدَّثَنَا عُبَيدُ الله) بالتصغير (ابْنُ عُمَرَ) بن ميسرة (الْجُشَمِيُّ) بضم الجيم وفتح المعجمة مولاهم البصري القواريري (حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ) بن زاذان السلمي (أخبرنا) عبد الرحمن بن عبد الله (¬5) بن عتبة بن عبد الله بن مسعود (الْمَسْعُودِيُّ) الكوفي أحد ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): الأول. (¬2) في (ص، س): يعد. (¬3) من (ل، م). (¬4) يوجد تقديم وتأخير في (م) قدر ورقة من المخطوط. (¬5) تكررت في (م).

الأعلام، قال عثمان الدارمي: قلت لابن معين: المسعودي؟ قال: هو (¬1) ثقة (¬2). قال الحاكم: محله الصدق (¬3). وأخرج حديثه في "المستدرك". قال المنذري: واستشهد به البخاري (¬4). (عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ) بكسر العين، الثعلبي بالثاء المثلثة والعين المهملة، الكوفي من تابعي الكوفيين، ثقة صدوق. (قَال صَلَّى بِنَا المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَنَهَضَ فِي الرَّكْعَتَينِ) ولم يجلس [ولفظ الترمذي] (¬5): عن زياد بن علاقة: صلى بنا المغيرة بن شعبة فلما صلى ركعتين قام فلم يجلس (¬6). يعني: ساهيًا. (قُلْنَا: سُبْحَانَ الله) وللترمذي: فسبح به (¬7) من خلفه فأشار إليهم أن قوموا. ويؤخذ من الروايتين أن الإمام إذا نابه (¬8) شيء من صلاته [أن يسبح] (¬9) من خلفه، وأن الأفضل أن تسبح جماعة ولا يقتصر على واحد، وهذا ينبغي أن يعد من سنن الكفاية، وهي تحصل بواحد، ¬

_ (¬1) من (م)، و"تاريخ ابن معين برواية الدارمي". (¬2) "تاريخ ابن معين برواية الدارمي" (672). (¬3) "المستدرك" للحاكم 2/ 10. (¬4) "مختصر سنن أبي داود" للمنذري 1/ 469 - 470. (¬5) من (ل، م). (¬6) "سنن الترمذي" (365). (¬7) من (ل، م). (¬8) في (ص، س): فاته. (¬9) في (ص، س): فليسبح.

لكن الجمع، أفضل ولا يختص التسبيح بالمصلي، بل يستحب للمصلي وغيره (قَال: سُبْحَانَ الله) فيه أن التسبيح والتكبير والتهليل وغيرهما من الأذكار والقرآن وكل ما لا يصلح لكلام الآدميين لا يؤثر في بطلان الصلاة وإن قصد به الإفهام وبه صرح الماوردي كما نقله الإسنوي وأقره عليه (¬1) (وَمَضَى) في صلاته، وللترمذي: فسبح به القوم فأشار إليهم أن قوموا. يحتمل أن يكون أشار بيده، ويحتمل أن يكون المراد الإشارة إليهم قوله: سبحان الله. أشار بها إلى طلب قيامهم لتجتمع الروايتان. (فَلَمَّا أَتَمَّ صَلَاتهُ وَسَلَّمَ سَجَدَ سَجْدَتَي السَّهْوِ) ظاهره يدل على أن سجود السهو بعد السلام، ولفظ الترمذي: فلما فرغ من صلاته سلم وسجد سجدتي السهو وسلم (¬2) فذكر السلام مرتين كما تقدم في رواية. (فَلَمَّا انصَرَفَ) من الصلاة (قال: رأيْتُ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يَصْنَعُ كمَا صَنَعْتُ) ثم قال الترمذي: حديث حسن صحيح، ورواه الحاكم من هذا الوجه من حديث ابن عباس ومن حديث عقبة بن عامر مثله (¬3). (قَال) المصنف رحمه الله تعالى (وَكذَلِكَ رواه) محمد بن عبد الرحمن (بن أبي ليلى) الأنصاري القاضي أحد الأعلام. (عَنِ) عامر بن شراحيل (الشَّعْبِيِّ) بفتح الشين وسكون العين المهملة منسوب إلى شعب وهو بطن من همدان وبعضهم يقول: هو منسوب إلى ¬

_ (¬1) "التمهيد" للإسنوي ص 140. (¬2) في (ص، س): ظاهره يدل على أن سجود السهو. (¬3) "المستدرك" 1/ 324.

شعبان بن عمرو بن قيس قال العبدي (¬1) في "تاريخه": أهل مصر إذا نسبوا إلى شعبان قالوا: الأشعوبي، وأهل الكوفة يقولون: الشعبي، وأهل الشام يقولون: الشعباني، وأهل اليمن يقولون: من آل ذي شعبين، وكلهم يريد شعبان هذا. (عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَرَفَعَهُ) إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، هكذا رواه الترمذي، عن هشيم، عن ابن أبي ليلى إلى آخر السند، ولفظه: صلى بنا المغيرة بن شعبة فنهض في الركعتين، فسبح به القوم وسبح بهم، فلما صلى بقية صلاته سلم (¬2)، ثم سجد سجدتي السهو وهو جالس، ثم حدثهم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعل بهم مثل الذي فعل (¬3) (¬4). (وَرَوَاهُ أَبُو عُمَيسٍ) بضم العين المهملة واسمه عتبة بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود المسعودي (عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ) مصغر الأنصاري أخرج له مسلم في الوضوء (¬5). (قَال: صَلَّى بِنَا المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ مِثْلَ حَدِيثِ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ) عن المغيرة بن شعبة. (قَال) المصنف: (أَبُو (¬6) عُمَيْسٍ) هو عتبة بن عبد الله (أَخُو) ¬

_ (¬1) هو: عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق بن منده العبدي الأصبهاني أبو القاسم. حافظ ومؤرخ جليل القدر. توفي 470 هـ. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (ل، م): فعلت. (¬4) "سنن الترمذي" (364). (¬5) برقم (298/ 11، 12)، (709)، (1938/ 30). (¬6) في (ص، س): ابن.

عبد الرحمن (الْمَسْعُودِيِّ) الهذلي الكوفي، قال (وَفَعَلَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاص) واسمه مالك القرشي الزهري أحد العشرة (مِثْلَ مَا فَعَلَ المُغِيرَةُ) [بن شعبة] (¬1) (وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ) بن عبيد الخزاعي أسلم أيام خيبر، واختلف في إسلام أبيه حصين وصحبته والأظهر إثبات ذلك له، بعثه عمر بن الخطاب إلى أهل البصرة ليفقههم قال: ما مسست ذكري بيميني منذ بايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، سُقي بطنه ثلاثين سنة كل ذلك يعرض عليه الكي فيأبى (¬2)، حتى كان قبل موته بسنتين فاكتوى، فكان يقول: كانت الملائكة تسلم علي فلما اكتويت أمسكوا (¬3). (وَالضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ) بن خالد بن ثعلبة الفهري أخو فاطمة بنت قيس، أسلم قبل وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بسبع سنين، ولا يثبتون له سماعًا من النبي -صلى الله عليه وسلم-، قتل بمرج راهط (¬4) (وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَ) عبد الله (بْنُ عَباسٍ -رضي الله عنهما- أَفْتَى بِذَلِكَ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ قَال) المصنف (هذا) الحكم (فِيمَنْ قَامَ) في صلاته [(من ثنتين)] (¬5) ساهيًا، وقال فيه (ثمَّ سَجَدُوا بَعْدَمَا سَلَّمُوا) للخروج من الصلاة. [1038] (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ) بن سعيد الحمصي، صدوق (و) ¬

_ (¬1) من (س، ل، م). (¬2) من (م). (¬3) انظر: "معرفة الصحابة" لأبي نعيم 4/ 2108 (2204)، "أسد الغابة" 4/ 281 - 282 (4042). (¬4) انظر: "معرفة الصحابة" لأبي نعيم 3/ 1537 (1503)، "أسد الغابة" 3/ 49 - 50 (2557). (¬5) بياض في الأصل.

أبو توبة (الرَّبِيعُ بْنُ نَافِع) الحلبي (¬1)، أخرج له الشيخان (وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَشُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ) البغوي شيخ مسلم (بِمَعْنَى الإِسْنَادِ) المذكور (أَنَّ) أبا بكر (بْنَ عَيَّاشٍ) مولى واصل بن حيان الأحدب، قال البخاري (¬2): قال إسحاق: سمعت أبا بكر يقول: اسمي وكنيتي سواء. أخرج له البخاري (¬3). (حَدَّثَهُمْ عَنْ عُبَيدِ الله) بالتصغير (ابْنِ عُبَيْدٍ الكَلَاعِي) بفتح الكاف وتخفيف اللام نسبة إلى الكلاع قبيلة كبيرة نزلت حمص من الشام، وثقه دحيم (¬4). (عَنْ زُهَيرٍ بنَ سَالِمٍ العَنْسِيِّ) بفتح المهملة وسكون النون نسبة إلى عنس بن (¬5) مالك بن أدد حيٌّ من مذحج، وهو ثقة (¬6) (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيرٍ) بضم النون وفتح الفاء مصغر (¬7)، الحضرمي، ثقة (¬8). (قَال عَمْرو) بن عثمان (وَحْدَهُ عَنْ أَبِيهِ) جبير بن نفير بضم النون وفتح ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "رجال صحيح البخاري" للكلاباذي (1403). (¬3) كذا عرف المصنف ابن عياش. والصواب أنه غيره كما سيأتي، وهو إسماعيل بن عياش بن سليم العنسي أبو عتبة الحمصي. انظر ترجمته في "التهذيب" 3/ 163. (¬4) "تهذيب الكمال" 19/ 111. (¬5) في (ص): عن. (¬6) "الكاشف" 1/ 326. (¬7) في (ص، س): ابن. (¬8) "الكاشف" 2/ 159.

الفاء وسكون ياء التصغير بن مالك بن عامر الحضرمي بفتح الحاء (¬1) المهملة تابعي مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام، من ثقات الشاميين (¬2). (عَنْ ثَوْبَانَ) بن بجدد بضم الباء الموحدة وسكون الجيم وضم الدال المهملة الأولى، ويقال: ابن جحدر من السراة، والسراة (¬3) موضع بين مكة واليمن (¬4) أصاب سباء ثوبان، فاشتراه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأعتقه ولم يزل معه سفرًا وحضرًا. (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَال: لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ) هذا الحديث احتج به لمسألتين مخالفتين لمذهب الشافعي (¬5) وغيره المسألة الأولى: احتج به على أن المقتضي لسجود السهو إذا تعددت يجب لكل سهو سجدتان، وحكاه النووي في "شرح مسلم" (¬6) عن ابن أبي ليلى. وحكى ابن المنذر (¬7) عن الأوزاعي أنه إذا سها سهوين سجد أربع سجدات، والذي حكاه القاضي أبو الطيب عن الأوزاعي أنه إن [كان السهوان زيادة أو نقصًا كفاه سجدتان، وإن كان أحدهما زيادة والآخر نقصًا] (¬8) سجد أربع سجدات. ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) "الكاشف" (761). (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ص، س): المدينة. (¬5) "الأم" 1/ 248. (¬6) 5/ 57. (¬7) "الأوسط" لابن المنذر 3/ 512. (¬8) من (ل، م).

وهذا وجه في مذهب أحمد بن حنبل (¬1) حكاه في "المقنع" (¬2) وحكى الماوردي (¬3) عن الأوزاعي تفصيلًا آخر وهو أنه إن كان السهو من جنس واحد نابت السجدتان عن جميعه وإن اختلف كان لكل سهو سجدتان (¬4)، وكذلك ابن الصباغ، وذكر أنه قاس ذلك (¬5) على المحرم إذا لبس ثم لبس تداخل جبرانه (¬6)، وإن لبس ثم تطيب لم يتداخل. والذي عليه جمهور العلماء أن سجود السهو لا يتعدد وإن تعدد مقتضيه؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث ذي اليدين سَلَّم وتكلم ومشى ناسيًا ولم يسجد إلا سجدتين، وأما هذا الحديث فله علل ستأتي وعلى (¬7) تقدير ثبوت (¬8) هذا الحديث والاحتجاج به فلا دلالة فيه على تعدد السجود بتعدد السهو بل معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن لكل سهو سجدتين (¬9) " محمول على الكلية المقتضية للعموم في كل ساهٍ لا العموم المقتضي للتفصيل [بين ما قبله وما بعده] (¬10) فيفيد الحديث أن كل من سها في صلاته بأي سهو كان يشرع له سجدتان جبرًا له، وأنهما لا يختصان بالمواضع التي سها ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" 5/ 57. (¬2) في (ص، س): المطلع. (¬3) "الحاوي الكبير" 2/ 225. (¬4) في (ص، س): سجدتين. (¬5) من (س، م). (¬6) من (ل، م). (¬7) في (ص، س، ل): عليه. (¬8) من (س، م). (¬9) في النسخ الخطية: سجدتان. والجادة المثبت. (¬10) من (م).

فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا بالأنواع التي سها بها فيكون الحديث دليلًا على بطلان قول داود الظاهري ومن تبعه، والحمل على هذا المعنى أولى من حمله على أن كل (¬1) للتفصيل وإن كان هذا هو الظاهر منها للجمع بين هذا الحديث وأحاديث ذي اليدين وهو أولى من تضعيف الحديث [وردِّه. و] (¬2) في "مصنف ابن أبي شيبة" عن الشعبي وإبراهيم النخعي أنهما قالا: لكل سهو سجدتان (¬3). وهذا القول منهما يمكن حمله على المعنى الذي قلناه من حديث ثوبان فلا يكون قولهما منافيًا لقول الجمهور، ويمكن حمله على تعدد السجود وتعدد السهو كما قال ابن أبي ليلى والأوزاعي. وفي "سنن البيهقي" من حديث حكيم بن نافع (¬4) الرقي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سجدتا السهو تجزئان من (¬5) كل زيادة ونقصان" (¬6). ثم قال البيهقي: هذا الحديث يعد من أفراد حكيم بن نافع الرقي، وكان يحيى بن معين يوثقه (¬7). قال أبو زرعة الرازي (¬8) في حكيم بن نافع هذا: ليس بشيء. فلو ثبت ¬

_ (¬1) في (ص): كان. (¬2) في (س، ل، م): ورواه, و. (¬3) "مصنف ابن أبي شيبة" 3/ 446 (4516). (¬4) في (ص، س، ل): رافع. (¬5) في (ص، س، ل): عن. (¬6) "السنن الكبرى" 2/ 346. (¬7) "السنن الكبرى" 2/ 346. (¬8) انظر: "المغني في الضعفاء" 1/ 187 (1693)، "لسان الميزان" 3/ 175.

هذا كان دليلًا ظاهرًا في المسألة على العموم؛ لكنه شاذ بمرة تفرد به (¬1) حكيم من بين أصحاب هشام بن عروة ولا يحتمل منه هذا التفرد، انتهى كلام العلائي في "نظم الفرائد" (¬2) وروى ابن أبي (¬3) شيبة، عن النخعي والشعبي: إن لكل سهو سجدتين (¬4). ورد على وقفه (¬5) حديث ثوبان عند أحمد (¬6) وإسناده منقطع، وحمل على أن معناه أن من سها بأي سهو كان يشرع له سجدتان، أي: لا يختص بما سجد فيه الشارع وتقرر في شريعته (¬7). (ولَمْ يَذْكرْ عَنْ أَبِيهِ. غَيرُ عَمْرو) بن عثمان. قال العلائي: هذا الحديث أقوى ما يحتجون به، وتتعمم محال السهو بصيغة كل، ولأن أبا داود أخرجه وسكت عنه والقاعدة التي سلكها الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله تعالى كثيرًا [بأن كل ما سكت عنه أبو داود فهو حجة لازمة له هنا، لكنه] (¬8) قال في "شرح المهذب" (¬9): هذا حديث ضعيف ظاهر الضعف. ولم يبين ضعفه من أي جهة والحديث مداره ¬

_ (¬1) سقط من (س، ل، م). (¬2) من (س، ل، م). (¬3) ص 572. (¬4) سبق تخريجه. (¬5) بياض في الأصل. (¬6) "المسند" 5/ 280. (¬7) في (ص، س، ل): تفرد في شريعه. (¬8) من (س، ل، م). (¬9) "المجموع" 4/ 155.

على إسماعيل بن عياش، وقال: حدثنا عبيد الله بن عبيد (¬1) الكلاعي، عن زهير بن سالم العنسي، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن ثوبان وعبيد الله بن عبيد (¬2) وزهير بن سالم، وثقهما ابن حبان (¬3) ولم يتكلم فيهما فيما علمت (¬4)، وعبد الرحمن بن جبير [بن نفير] (¬5) وأبوه احتج بهما مسلم، فالذي يتعلق عليه في هذا الحديث (¬6) هو إسماعيل بن عياش فقد ضعفه النسائي وجماعة (¬7). وقال ابن حبان: لا يحتج به (¬8). ثم قال العلائي: وفي هذا التعليق (¬9) نظر؛ فقد وثقه يحيى بن معين ويعقوب بن سفيان وجماعة، وقال يزيد بن هارون: ما رأيت أحفظ من إسماعيل بن عياش. وقال أحمد بن حنبل والبخاري: إذا حدث عن أهل بلده يعني الشاميين فصحيح وإذا حدث عن غيرهم ففيه نظر. وكذلك قال يحيى بن معين في رواية ليس به بأس في أهل الشام. وقال دحيم: هو في الشاميين غاية (¬10). وهذا الحديث من روايته في الشاميين فتضعيفه فيه نظر ثم قال: والذي ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (ص، س): عبد الله. (¬3) في "الثقات" 7/ 144، 6/ 336. (¬4) في (ص، س): غلب. (¬5) سقط من (م). (¬6) من (س، ل، م). (¬7) انظر: "تهذيب الكمال" (472)، "الضعفاء والمتروكون" (34). (¬8) "نظم الفرائد" 518 - 519. (¬9) في (ص، س): التعلق. (¬10) "ميزان الاعتدال" 1/ 141.

اعتمده وتبين (¬1) أن هذا الحديث لا يلزم منه الدلالة على تعدد السجود بتعدد السهو ولو سلم ذلك فإذا رد هذا الفصل لمعارضته لما هو أرجح منه وأثبت (¬2) وأكثر طرقًا (¬3) لا يلزم منه رد الحديث من أصله بحيث يرد الفصل الآخر وهو تعيين (¬4) السجود بعد السلام، وقد أعل هذا الحديث بعلة أخرى، وهي الانقطاع في سنده وتفرد [عمرو ابن] (¬5) عثمان الحمصي أحد شيوخ أبي داود بوصله وهي علة حديثية، وعلى طريقة الفقهاء خصوصًا الشيخ محيي الدين النووي يكون وصله زيادة من ثقة فيقبل (¬6). قال: ثم وجدت الإمام أحمد رواه في "المسند" فقال: حدثنا الحكم بن نافع -يعني: أبا اليمان-، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن عبيد الله بن عبيد الكلاعي، عن زهير بن سالم، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن ثوبان فذكره (¬7). فهذا أبو اليمان وهو أحد شيوخ البخاري قد تابع عمرو بن عثمان على وصله فيضعف التعليل حينئذٍ، والحديث بسند آخر رواه ابن أبي شيببة في "مصنفه" قال: حدثنا المعلى (¬8) بن منصور، حدثنا الهيثم بن حميد، عن عبيد الله بن عبيد، عن زهير الحمصي، عن ثوبان قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لكل سهو سجدتان" (¬9)، وهذا فيه الهيثم بن حميد ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): سبب. (¬2) في (ص، س): أبين. (¬3) في (ص، س): طردًا. (¬4) في (ص، س، ل): يفيد. (¬5) من (س، ل، م). (¬6) "نظم الفرائد" 570. (¬7) "مسند أحمد" 5/ 280. (¬8) في (م): العلاء. (¬9) "مصنف ابن أبي شيبة" 3/ 447 (4517).

وقد تكلم فيه الأوزاعي لمكان القدر، ولكن قال فيه أحمد: ما أعلم إلا خيرًا (¬1). ووثقه أحمد (¬2) وأبو داود (¬3) وغيرهما (¬4)، ومع ذلك فالحديث منقطع بين زهير وثوبان. ثم [على تقدير ثبوت] (¬5) الحديث والاحتجاج به فلا دلالة فيه على تعدد السجود بتعدد السهو بل معنى المسألة الثانية أن في الحديث تصريحًا بأن السجود للسهو محله بعد التسليم، ودل على هذا حديث عبد الله بن جعفر بن أبي طالب المتقدم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعدما يسلم" (¬6). واحتج بهذا الحديث أبو حنيفة (¬7) على ما ذهب إليه أن سجود السهو بعد السلام سواء كان بزيادة أو نقصان، واحتج أيضًا بحديث ابن مسعود المتقدم: "إذا شك أحدكم في صلاته [فليتحر الصواب فليتم عليه، ثم يسلم ثم ليسجد سجدتين" (¬8) وهو صحيح بهذِه الزيادة] (¬9) وانضم إلى ذلك فعله -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث ذي اليدين وما تابعها عن (¬10) أبي هريرة ¬

_ (¬1) "علل الإمام أحمد" 3/ 53 (4129). (¬2) كذا في النسخ، وفي "نظم الفرائد": دحيم. وهو الصواب، وانظر: "تهذيب الكمال" 35/ 372. (¬3) "سؤالات أبي عبيد الآجري لأبي داود" (1662). (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 30/ 372، 373. (¬5) في (ص، س): بعد يوثقون. (¬6) تقدم تخريجه. (¬7) "المبسوط" للسرخسي 1/ 383 - 384. (¬8) تقدم تخريجه. (¬9) من (ل، م). (¬10) سقط من (م).

وعمران بن حصين وغيرهما "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سجد بعد التسليم" (¬1). وقد تقدمت المسألة ومن أحسن ما فيها ما قاله الحافظ أبو بكر البيهقي: روينا عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ أنه سجد للسهو قبل السلام، [وأنه أمر بذلك قبل السلام] (¬2) وروينا أنه سجد بعد السلام وأنه أمر به بعد السلام وكلاهما صحيحان وله شواهد يطول بذكرها الكلام، وفي ألفاظها منع تأويل أحدهما والأخذ بالآخر. فالأشبه بالصواب جواز الأمرين جميعًا، وإلى هذا ذهب كثير من أصحابنا. قال: وهو فيما حكاه لي الشيخ أبو الفتح (¬3) أيده الله تعالى عن صاحب "التقريب" رحمه الله [وحمله الشافعي رحمه الله] (¬4) في كتابه القديم على نسخ السجود بعد السلام بالسجود قبل السلام، وحكاه عن الزهري، واستدل عليه (¬5) برواية ابن بحينة ومعاوية وهما من متأخري الصحابة، قال: ومن أصحابنا من فعل في كل حادثة رويت ما روي فيها، والله أعلم (¬6). * * * ¬

_ (¬1) تقدم تخريجه. (¬2) سقط من (م). (¬3) هو الحافظ أبو الفتح محمد بن محمد بن فارس بن سهل البغدادي توفي سنة 416 هـ. انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ" ص (412). (¬4) من (ل، م). (¬5) في (ص، س) به. (¬6) "مختصر خلافيات البيهقي" 2/ 191 - 192.

204 - باب سجدتي السهو فيهما تشهد وتسليم

204 - باب سجْدَتَي السَّهْوِ فِيهِما تشَهُّدٌ وَتسْليمٌ 1039 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يحيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن عَبْدِ اللهِ بْنِ المُثَنَّى حَدَّثَنِي أَشْعَثُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ خالِدٍ -يَعْنِي: الحذّاءَ- عَنْ أَبي قِلابَةَ، عَنْ أَبي المهَلَّبِ عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- صلَّى بِهِمْ فَسَها فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ تَشَهَّدَ ثمَّ سَلَّمَ (¬1). * * * 205 - باب انصِرافِ النِّساءِ قَبْل الرِّجالِ مِنَ الصَّلاةِ 1040 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْن يحيَى وَمُحَمَّد بْن رافِعٍ قالا: حَدَّثَنا عَبْد الرَّزّاق، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ هِنْدَ بِنْتِ الحارِثِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قالتْ: كانَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذا سَلَّمَ مَكَثَ قَلِيلًا وَكانُوا يَرَوْنَ أَنَّ ذَلِكَ كَيْما يَنْفُذَ النِّساء قَبْلَ الرِّجالِ (¬2). * * * باب انْصِرَاف النِّسَاءِ مِنَ الصَّلَاةِ قَبْلَ الرجال (¬3) [1040] (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيىَ) بن عبد الله بن فارس الذهلي شيخ البخاري والأربعة. (وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ (¬4)، أنبأنا مَعْمَرٌ، عَنِ ¬

_ (¬1) هذا الباب وحديثه لم يذكره الشارح، والحديث رواه الترمذي (395)، والنسائي 3/ 26، وابن حبان (2670). وقال الألباني في "ضعيف أبي داود" (193/ 1): الحديث صحيح دون قوله: ثم تشهد .. فإنه شاذ. (¬2) رواه البخاري (837). (¬3) في (ص، س): السلام. (¬4) "مصنف عبد الرزاق" (3227).

الزّهْرِيِّ، عَنْ هِنْدَ بِنْتِ الحَارِثِ) اختلف على الزهري في نسبها هل هي فراسية أو قرشية، زوجة معبد بن المقداد. (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ) زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-رضي الله عنها- (قَالتْ: كانَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إِذَا سَلَّمَ) من الصلاة (مَكثَ) بضم الكاف لأكثر القراء السبعة، وبفتح الكاف قرأ عاصم، وهما لغتان وأما مصدره (¬1) وهو المكث ... (¬2) الميم، ومعنى مكث أقام في مصلاه (قَلِيلًا) أي يسيرًا قبل أن يقوم، وروى البخاري (¬3) تعليقًا عن أم سلمة أنهن كن يدخلن بيوتهن قبل أن ينصرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (وَكَانُوا) هذا من قول ابن شهاب الزهري كما في البخاري (يُرَوْنَ) بضم الياء أي يظنون (أن ذلك) المكث (كَيْمَا تنْفُذَ) كي (¬4) هنا حرف جر للتعليل بمعنى اللام وما مصدرية وفعل تنفذ منصوب بأن المضمرة دون كي لأن أن أم الباب، وقد ظهرت بعد كي شذوذًا كقول الشاعر: فقالت أكل الناس أصبحت مانحًا ... لسانك كيما أن تغر وتخدعا (¬5) وتنفذ بمعنى تنصرف (النّسَاءُ قَبْلَ الرِّجَالِ)؛ لأن اختلاط النساء ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) كلمة غير مقروءة، ولعلها: فمثلث. (¬3) "صحيح البخاري" (850). (¬4) في (ص، س) كيما. (¬5) هذا البيت من بحر الطويل لجميل بثينة، انظر: "المفصل في صنعة الأعراب" ص 445، "خزانة الأدب" 8/ 481.

بالرجال مظنة الفساد [قال الإسنوي] (¬1): وسكتوا عن الخناثى، والقياس انصرافهم فرادى إما قبل النساء أو بعدهن وقبل الرجال، فإن لم يكن هناك نساء فالمستحب للإمام أن يقوم من مصلاه عقب سلامه، كذا قاله الشافعي (¬2) في "المختصر"، لكن قال النووي (¬3) في قول البراء: رمقت قيامه -صلى الله عليه وسلم- فركعته فاعتداله بعد (¬4) ركوعه فجلسته (¬5) بين التسليم والانصراف قريبًا من السواء (¬6). دليل على أنه-عليه السلام-كان يجلس بين (¬7) التسليم شيئًا يسيرًا في مصلاه. * * * ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "المجموع" 3/ 489. (¬3) "شرح النووي على مسلم" 4/ 187 - 188. (¬4) في (ل، م): بقدر. (¬5) في (م): فجلس. (¬6) تقدم تخريجه في باب: طول القيام من الركوع وبين السجدتين. (¬7) في (س، ل، م): بعد.

206 - باب كيف الانصراف من الصلاة

206 - باب كَيْفَ الانصرافُ مِنَ الصَّلاة 1041 - حَدَّثَنا أَبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسِيُّ، حَدَّثَنا شعْبَةُ، عَنْ سِماكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ هُلْبٍ -رَجُلٍ مِنْ طَيِّئٍ- عَنْ أَبِيهِ أَنَّه صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَكانَ يَنْصَرِفُ عَنْ شِقَّيْهِ (¬1). 1042 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمانَ، عَنْ عُمارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ الأسوَدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قال: لا يجعَلْ أَحَدُكمْ نَصِيبًا لِلشَّيْطانِ مِنْ صَلاتِهِ أَنْ لا يَنْصَرِفَ إِلا عَنْ يَمِينِهِ وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أكثَرَ ما يَنْصَرِفُ عَنْ شِمالِهِ. قال عُمارَةُ: أَتَيْت المَدِينَةَ بَعْدُ فَرَأَيْتُ مَنازِلَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ يَسارِهِ (¬2). * * * باب كَيْفَ الانْصِرَافُ مِنَ الصَّلَاةِ [1041] (حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ) هشام بن عبد الملك (الطَّيَالِسِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ هُلْب) بضم الهاء وسكون اللام، ويقال: الصواب بفتح الهاء وكسر اللام، واسمه يزيد بن عدي بن قنافة بضم القاف وتخفيف النون وبعد الألف فاء الطائي، يقال: إنه وفد على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو أقرع فمسح على (¬3) رأسه فنبت شعره فسمي الهلب (رَجُلِ) بالجر بدل مما قبله (مِنْ طَيِّئٍ) بياء مشددة بعدها ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (301)، وابن ماجه (929)، وأحمد 5/ 226. قال الترمذي: حديث حسن. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (956)، قال: حديث حسن كما قال الترمذي، بل صحيح للذي بعده. (¬2) رواه البخاري (852)، ومسلم (707). (¬3) من (م).

همزة اسمه جلهمة بضم الجيم وسكون اللام ابن أدد، سمي بذلك لأنه أول من طوى المناهل، وقيل: إنه أول من طوى بئرًا له بالشجر فمر به رجل فقال له: ما تصنع؟ قال: طي كما ترى والنسبة إليه طائي على غير قياس. (عَنْ أَبِيهِ أَنهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ) -صلى الله عليه وسلم- أي: خلفه بدليل، رواية الترمذي (¬1): كان يؤمنا (¬2) ورواية ابن ماجه (¬3): أمَّنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (فكَانَ يَنْصَرِفُ عَنْ شِقَّيهِ) بكسر الشين أي: جانبيه لرواية الترمذي وابن ماجه: فينصرف عن جانبيه جميعًا. زاد الترمذي: على يمينه وعلى شماله. ثم قال: وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وأنس وعبد الله بن عمرو، وحديث هلب حديث حسن، وعليه العمل عند أهل العلم (¬4) أنه ينصرف على أي جانبيه شاء إن شاء على يمينه، وإن شاء عن (¬5) يساره، وقد صح الأمران عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. [1042]، (حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) الأزدي الفراهيدي الحافظ. (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيمَانَ بن مهران الأعمش، عَنْ عُمَارَةَ) بضم العين في رواية أبي داود الطيالسي (¬6)، عن شعبة، عن الأعمش: سمعت عمارة بن عمير فصرح بالسماع عن عمارة الكوفي. (عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ) بن قيس بن عبد الله النخعي [أخو عبد الرحمن وابن أخي علقمة بن قيس، وكان أسن من عمه، وهو خال إبراهيم ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (301). (¬2) بياض في الأصل. (¬3) "سنن ابن ماجه" (929). (¬4) زاد في (م): على. (¬5) في (ص، س): على. (¬6) "مسند الطيالسي" 1/ 228 (282).

النخعي] (¬1) يعد في الطبقة الثانية من تابعي البلدان، أدرك زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يره، وفي هذا الإسناد ثلاثة من التابعين كوفيون في نسق واحد يروي بعضهم عن بعض أحدهم الأسود بن يزيد. (عَنْ عَبْدِ الله) بن مسعود (قَال: لَا يَجْعَلْ) وفي (¬2) رواية ابن ماجه (¬3): لا يجعلن بزيادة نون التأكيد (¬4) الثقيلة (أَحَدُكُمْ نَصِيبًا لِلشَّيطَانِ) في رواية وكيع وغيره، عن الأعمش عند مسلم (¬5): جزءًا. ولابن ماجه: لا يجعلن أحدكم للشيطان في نفسه جزءًا. (من صلاته) يعني: بل يجعلها كلها (¬6) خالصة لله تعالى على (¬7) وفق السنة لا يتعداها في شيء، زاد البخاري (¬8): يرى [أن حقًّا] (¬9) وزاد ابن ماجه: لله عليه، ويرى بفتح أوله أي: يعتقد ويجوز الضم، أي يظن (أن لا ينصرف) هو بيان للجعل المذكور الذي هو حظ للشيطان، أي: لا يجعل للشيطان جزءًا مِنْ صلاته بأن يعتقد أن واجبًا عليه أن لا ينصرف إلا عن اليمين. قال ابن المنير (¬10): فيه أن المندوبات قد تنقلب مكروهات إذا رفعت يعني: بالاعتقاد عن رتبتها المشروعة، لأن التيامن يستحب في كل شيء من أمور العبادة، لكن لما خشي ابن مسعود أن يعتقد وجوبه أشار إلى كراهته. ¬

_ (¬1) من (س، ل، م). (¬2) سقط من (س، ل، م). (¬3) "سنن ابن ماجه" (930). (¬4) في (س، ل): التوكيد. (¬5) "صحيح مسلم" (707). (¬6) في (ص): كل. (¬7) من (م). (¬8) "صحيح البخاري" (852). (¬9) زاد في (م): على. (¬10) "فتح الباري" 2/ 394.

(إِلَّا عَنْ) جهة (يَمِينِهِ) وقول البخاري: كان أنس بن مالك [ينفتل عن يمينه (¬1)] (¬2) وصله مسدد في "مسنده الكبير" من طريق سعيد، عن قتادة قال: كان (¬3) أنس بن مالك ينفتل عن يمينه وعن يساره ويعيب على من يتوخى أو من يعمد (¬4) الانفتال [عن يمينه] (¬5) [وينفتل أي: و] (¬6) يدور كما يدور الحمار. وظاهر ما ورد عن أنس هذا مخالف لما رواه مسلم في "صحيحه" من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن السدي (¬7) قال: سألت أنسًا كيف أنصرف إذا صليت عن يميني أو عن يساري؟ قال: أما أنا فأكثر ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينصرف عن يمينه (¬8). ويجمع بينهما بأن أنسًا عاب من يعتقد وجوب ذلك، وأما إذا استوى الأمران فجهة اليمين أولى؛ لأني أكثر ما رأيت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينصرف عن يمينه يعني (¬9): من غير اعتقاد وجوبه. (وَقَدْ رَأَيْتُ (¬10) رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَكثَرَ مَا يَنْصَرِفُ عَنْ شِمَالِهِ) كذا لمسلم (¬11)، وفيه معارضة لرواية مسلم المتقدمة: أكثر ما رأيت من (¬12) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينصرف عن يمينه. وأما رواية البخاري: كثيرًا ينصرف ¬

_ (¬1) سقط من (س، ل، م). (¬2) "صحيح البخاري، عقب حديث (851) باب الانفتال والانصراف. (¬3) من (م). (¬4) في (ص، س): يتعمد. (¬5) ليست في (م). (¬6) من (م). (¬7) في (م): الذي. (¬8) "صحيح مسلم" (708) (60). (¬9) من (ل، م). (¬10) سقط من (س، ل، م). (¬11) "صحيح مسلم" (707) (59). (¬12) سقط من (س، ل، م).

عن يساره (¬1). فلا تعارض فيها. قال النووي: الجمع بينهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يفعل تارة هذا وتارة هذا، فأخبر كل واحد منهما بما اعتقد أنه الأكثر فيما يعلمه، فدل على جوازهما ولا كراهة في واحد منهما، وأما الكراهة التي اقتضاها كلام ابن مسعود فليست بسبب أصل الانصراف عن اليمين أو الشمال، وإنما هي في حق من يرى أن ذلك لابد منه، فإن من اعتقد وجوب واحد من الأمرين فهو مخطئ (¬2). وهو موافق للأثر المتقدم عن أنس. قال شيخنا العلامة ابن حجر متع الله بحياته: ويمكن أن يجمع بينهما بوجهٍ آخر وهو أن يحمل حديث ابن مسعود على حالة الصلاة في المسجد؛ لأن حجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت من جهة يساره، ويحمل حديث أنس على ما سوى ذلك كحالة السفر، ثم إذا تعارض اعتقاد ابن مسعود وأنس رجح ابن مسعود؛ لأنه أعلم وأسن وأكثر ملازمة للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وبأن في إسناد أنس (¬3) من تكلم فيه وهو السدي، وبأنه متفق عليه بخلاف (¬4) حديث أنس، قال: ثم ظهر لي أنه يمكن الجمع بين الحديثين بوجهٍ آخر وهو أن من قال: أكثر انصرافه عن يساره نظر إلى هيئته في حال الصلاة، ومن قال: كان (¬5) أكثر انصرافه عن يمينه نظر إلى هيئته في حال استقباله القوم بعد سلامه من الصلاة، فعلى هذا لا ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (852). (¬2) "شرح النووي على مسلم" 5/ 220. (¬3) و (¬4) من (م). (¬5) من (ل، م).

يختص الانصراف بجهة معينة، ولهذا قال العلماء: يستحب للمصلي إمامًا كان أو غيره أن ينصرف إلى أي جهة كانت في جهة حاجته وإن لم يكن له حاجة فإن (¬1) جهة يمينه أفضل لعموم الأحاديث المصرحة بأفضلية (¬2) التيامن، كحديث عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يحب التيامن في شأنه كله (¬3) (¬4). (قَال عُمَارَةُ) بن عمير الكوفي (أَتَيْتُ المَدِينَةَ) زادها الله شرفًا (بَعْدُ) بضم الدال إذا قطعت عن الإضافة، وتقدير الإضافة: أتيت المدينة بعد سماع هذا الحديث. (فَرَأَيْتُ مَنَازِلَ النَّبِيِّ) -صلى الله عليه وسلم- باعتبار صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- فرأيتهاها (عَنْ يَسَارِهِ) حين ينصرف من الصلاة، وبهذا يترجح رواية (¬5) ابن مسعود في الباب: أكثر ما ينصرف عن شماله. وقول العلماء: إنه ينصرف إلى جهة حاجته؛ لأن من حاجته أن ينصرف من الصلاة إلى منزله، وهو عن يساره. * * * ¬

_ (¬1) في (م): فإلى. (¬2) زاد في (ص، س، ل): جهة. (¬3) "فتح الباري" 2/ 394. (¬4) رواه البخاري (168)، ومسلم (268). (¬5) من (ل، م).

207 - باب صلاة الرجل التطوع في بيته

207 - باب صلاةِ الرَّجُل التَّطَوُّعَ في بَيْتِهِ 1043 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا يحيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، أَخْبَرَنِي نافِعٌ، عَنِ ابن عُمَرَ قال: قال رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلاتِكُمْ وَلا تَتَّخِذُوها قُبُورًا" (¬1). 1044 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا عَبْد اللهِ بْن وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي سُلَيْمان بْن بِلالٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ أَنَّ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: "صَلاةُ المَرْءِ فِي بَيتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهِ فِي مَسْجِدِي هذا إِلَّا المَكْتُوبَةَ" (¬2). * * * باب صلَاةِ الرَّجُلِ التَّطَوُّعَ فيِ البيت [1043] (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى) بن سعيد القطان الحافظ. (عَنْ عُبَيدِ الله) بالتصغير هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي المدني. (أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ) عبد الله (ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَال: قَال رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلَاتِكُمْ) وللعلماء في معنى هذا الحديث قولان: أحدهما: أنه ورد في صلاة النافلة؛ لأنها إذا كانت في البيت كانت أبعد من الرياء دون الفريضة؛ لأنه عليه الصلاة والسلام قد سن الصلاة في جماعة كما هو مقرر، وتكون "من" هنا زائدة على رأي الأخفش في ¬

_ (¬1) رواه البخاري (432)، ومسلم (777). (¬2) رواه البخاري (731)، ومسلم (781).

زيادتها في الإثبات (¬1) كأنه قال: اجعلوا صلاتكم النافلة في بيوتكم، وهذا الوجه ذهب إليه البخاري؛ ولهذا بوب عليه: باب التطوع في البيت (¬2). ويدل على هذا ما رواه الطبري من حديث عبد الرحمن بن سابط، عن أبيه يرفعه: "نوروا بيوتكم بذكر الله وأكثروا فيها تلاوة القرآن ولا تتخذوها قبورًا كما اتخذها اليهود والنصارى، فإن البيت الذي يقرأ فيه القرآن يتسع على أهله ويكثر خيره وتحضره الملائكة وتدحض عنه الشياطين، وإن البيت الذي لا يقرأ فيه القرآن يضيق على أهله ويقل خيره وتنفر منه الملائكة وتحضر فيه الشياطين" (¬3). والمراد بقراءة القرآن في هذا الحديث القراءة في الصلاة. وقد روي عن جماعة من السلف أنهم كانوا لا يتطوعون في المسجد منهم: حذيفة (¬4)، والسائب بن يزيد (¬5)، والنخعي (¬6)، والربيع بن خثيم (¬7) (¬8)، وسويد بن غفلة (¬9) (¬10). والثاني: أنه ورد في صلاة الفريضة ليقتدي به من لا يستطيع الخروج ¬

_ (¬1) في (س): الإتيان. (¬2) "صحيح البخاري" قبل حديث (1187). (¬3) أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس" (6725) من حديث أبي هريرة بنحوه. (¬4) رواه ابن أبي شيبة 4/ 381 (6424). (¬5) السابق (6423). (¬6) السابق (6425). (¬7) في (ص): خيثمة. (¬8) رواه عبد الرزاق 3/ 71 (4840)، وابن أبي شيبة 4/ 381 (6426). (¬9) في (ص): علقمة. (¬10) رواه ابن أبي شيبة 4/ 382 (6429).

إلى المسجد ممن يلزمه تعليمهم وتكون "من" على هذا للتبعيض، ومن صلى في بيته جماعة فقد أصاب سنة الجماعة، وروى حماد، عن إبراهيم قال: إذا صلى الرجل مع الرجل فهما (¬1) جماعة فلهما التضعيف خمسًا وعشرين درجة (¬2). وروي أن أحمد بن حنبل وإسحاق وعلي بن المديني اجتمعوا في دار أحمد فسمعوا النداء، فقال أحدهم: اخرجوا (¬3) بنا إلى المسجد. فقال أحمد: خروجنا (¬4) إنما هو للجماعة ونحن في جماعة. فأقاموا الصلاة وصلوا في البيت (¬5). (وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا) أي: كالقبور. قال ابن بطال (¬6) وغيره: هذا من التمثيل البديع، فقد شبه -صلى الله عليه وسلم- البيت الذي لا يصلى فيه بالقبر الذي لا يمكن الميت فيه صلاة ولا عبادة، وشبه من لم يصل في بيته ونام ليله كله بالميت الذي انقطع منه فعل الخير، وبوب عليه البخاري: باب كراهة الصلاة فى المقابر (¬7). وهو استنباط حسن لكن اعترض الإسماعيلي عليه فقال: الحديث دال على النهي عن الصلاة في القبر لا في المقابر (¬8)، وكذلك اعترض ابن التين (¬9) ¬

_ (¬1) في (ص): فهذا. وفي (ل، م): فيها. (¬2) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (8904). (¬3) في (س، ل، م): اخرج. (¬4) في (م): خروجًا. (¬5) انظر: "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 3/ 177 - 178. (¬6) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 3/ 176. (¬7) "صحيح البخاري" قبل حديث (432). (¬8) انظر: "فتح الباري" 1/ 529. (¬9) السابق.

أيضا فقال: تأول البخاري هذا في المنع من الصلاة في المقابر وليس في هذا الحديث ما يؤخذ منه ذلك ورد عليه هذا التأويل وقد تأوله جماعة على خلاف هذا، فتأولوا (¬1) الحديث على أنه عليه الصلاة والسلام ندب إلى الصلاة في البيوت كما في أول الحديث؛ إذ الموتى لا يصلون في قبورهم [يقال: لا تكونوا كالموتى الذين لا يصلون في قبورهم] (¬2). وأما جواز الصلاة في المقابر أو المنع منه فليس في الحديث ما يؤخذ منه ذلك. وبنحوه ذكره ابن المنير، قالوا: وقوله: "لا تتخذوها قبورًا" أي: لا تكونوا فيها كالأموات في القبور انقطعت منهم الأعمال وارتفعت عنهم التكاليف، وهو غير متعرض (¬3) لصلاة الأحياء على ظواهر القبور، ولهذا قال: "ولا تتخذوها قبورًا" ولم يقل: ولا تتخذوها مقابر لأن القبر هو الحفرة التي يستر فيها الميت والمقبرة اسم للمكان المشتمل على الحفرة. قال ابن المنذر (¬4): احتج من كره الصلاة في المقابر بهذا الحديث، فإنه دال على أن المقبرة ليست تصلح للصلاة (¬5). [1044] (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ) المصري الطبري الحافظ شيخ البخاري (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ) أبو محمد الفهري، مولاهم، أحد ¬

_ (¬1) في (ص): فقالوا. (¬2) من (س، ل، م). (¬3) في (ص): معرض. (¬4) في (ص): المنير. (¬5) انظر: "الأوسط" 2/ 309.

الأعلام (أَخْبَرَنا سُلَيمَانُ بْنُ بِلَالِ) القرشي التيمي مولى عبد الله بن أبي عتيق (عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي النَّضْرِ) سالم بن بردان (¬1) التيمي ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2) (عَنْ أَبِيهِ) أبي النضر سالم بن أبي أمية المدني. (عَنْ بُسْرِ) بضم الموحدة وسكون المهملة. (بْنِ سَعِيدٍ) مولى ابن الحضرمي، من أهل المدينة، من التابعين الثقات المتعبدين كان ينزل في دار الحضارمة (¬3) من جديلة فنسب إليهم، مات سنة مائة. (عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) بن الضحاك من بني سلمة، ثم من بني غنم (¬4) بن مالك بن النجار، كاتب النبي -صلى الله عليه وسلم-، كان له حين قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة (¬5) إحدى عشر سنة وكان له يوم بعاث ست سنين، وفيها قتل أبوه، واستصغره النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر فيمن استصغر فلم يشهد بدرًا، ثم شهد أحدًا وما بعدها من المشاهد، أحد فقهاء الصحابة القائم بالفرائض، وهو أحد من جمع القرآن وكتبه في خلافة أبي بكر ونقله من الصحف (¬6) في زمن عثمان (¬7). ¬

_ (¬1) في (ص): دار. (¬2) 8/ 56. (¬3) في (ص، س): الحضر أمه. (¬4) في (ص، س): تميم. (¬5) من (ل، م). (¬6) في (م): المصحف. (¬7) انظر: "معرفة الصحابة" لأبي نعيم 3/ 1151 (1008)، "أسد الغابة" 2/ 278 - 279.

(قَال: صَلاةُ المَرْءِ فِي بَيتِهِ) وللنسائي قبل هذا زيادة في أول الحديث، ولفظه: عن زيد بن ثابت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اتخذ حجرة في المسجد من حصير، فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها ليالي حتى اجتمع إليه الناس، ثم فقدوا صوته ليلة فظنوا أنه نائم فجعل بعضهم يتنحنح ليخرج إليهم، فقال: "مازال بكم الذي رأيت من صنيعكم حتى خشيت أن يكتب عليكم، ولو كتب عليكم ما قمتم به، فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته" (¬1) لكن ليس (في مسجدي) كما هنا، ولم يذكر الترمذي (¬2) مسجدي ولا اتخاذ الحجرة وما بعده. وكذا جاء ذكره وصلاة الليل في الصحيحين وبوب عليه البخاري باب صلاة الليل (¬3)، وبوب عليه في "الأدب": باب (¬4) ما يجوز من (¬5) الغضب لأمر الله (¬6) وكذا ذكره في الاعتصام (¬7)، والمراد بالمرء جنس الرجال، فلا يرد استثناء النساء لثبوت قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تمنعوهن المساجد، وبيوتهن خير لهن" (¬8) (¬9). ولا تختص فضيلة النافلة بالبيت الذي يملكه بل تحصل الفضيلة في ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 3/ 197. (¬2) "سنن الترمذي" (450). (¬3) "صحيح البخاري" (731). (¬4) زاد في (س، ل، م): أخرجه مسلم. (¬5) زاد في (س، ل، م): أخرجه مسلم. (¬6) "صحيح البخاري" (6113). (¬7) "صحيح البخاري" (7290). (¬8) سبق برقم (567). (¬9) زاد في (س، ل، م): أخرجه مسلم.

بيته وكل بيت هو حاضر فيه وقت الصلاة وكان حضوره فيه مباحًا احترازًا من البيت المغصوب ونحوه. قال القاضي أبو الطيب في "البدر": لو أخفى صلاته النفل في المسجد كان أفضل من صلاته في البيت؛ لأن القصد من فضيلة (¬1) الصلاة في البيت كونها أخفى وأبعد من الرياء وليتبرك البيت بذلك وتنزل فيه الرحمة وتنتفى منه الشياطين، فإذا حصلت هذِه المقاصد في بيته وبيت غيره وفي المسجد حصل المقصود، لكن تبقى زيادة فضيلة المسجد خصوصًا مسجد مكة والمدينة المشرفة. قال في "الكفاية": وكلام القاضي أبو الطيب يدل على أن فعل الرواتب في المسجد أفضل، ويدخل في صلاة المرء في بيته جميع النوافل لشمول اللفظ، لكنه محمول على ما لا تشرع فيه الجماعة كالعيدين والكسوفين والاستسقاء والتراويح وغير ذلك، وكذا ما لا يختص بالمسجد كركعتي التحية، كذا قال بعض الشافعية. ويحتمل (¬2) أن يراد بالصلاة ما يشرع في البيت وفي المسجد معًا، فلا تدخل تحية المسجد فإنها (¬3) لا تشرع في البيت، ويستثنى أيضًا من النوافل ركعتا الطواف فإن الأفضل فعلهما في المسجد كما هو معروف في بابه ومنها ركعتا الإحرام. قال النووي في (¬4) زوائده [في "الروضة" في] (¬5) ¬

_ (¬1) من (س، ل، م). (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): لأنها. (¬4) في (م): من. (¬5) من (ل، م).

الكلام على ركعتي الطواف (¬1): قال أصحابنا: إذا كان في الميقات مسجد يستحب أن يصليهما (¬2) فيه (¬3). قال الإسنوي بعد نقله: وإن كان القياس يقتضي استحبابهما في البيوت والأخبية. ومنها النافلة يوم الجمعة كما نقله الجرجاني في "الشافي" عن الأصحاب، ذكره بعد صلاة الخوف، ونصه قال أصحابنا: إلا النافلة ففعلها في الجامع أفضل لفضيلة البكور. (أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتهِ فِي مَسْجِدِي هذا) وبمقتضى هذِه الرواية صرح النووي في "شرح المهذب" في باب استقبال (¬4) القبلة فقال: صلاة النفل في بيته أفضل منها في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (¬5). وروى ابن القاسم عن مالك رحمه الله أن التنفل في البيوت أحب إليَّ من مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا للغرباء (¬6). وإذا كانت النافلة في البيت أفضل من الصلاة في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - فبالأولى أن تكون أفضل من الصلاة في مسجد بيت المقدس، وقد يستثنى فيه الغرباء كالإمام (¬7) مالك كما استثنى في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- ورواية الصحيحين: "فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا ¬

_ (¬1) في (ل، م): الإحرام. (¬2) في (س، ل، م): يصليها. (¬3) "روضة الطالبين" 3/ 72. (¬4) من (ل، م). (¬5) "المجموع" 3/ 197. (¬6) انظر: "الاستذكار" 5/ 164. (¬7) في (م): للإمام.

المكتوبة" (¬1). شاملة لمسجد مكة شرفها الله تعالى أيضًا؛ لأن العلة موجودة فيه وهو (¬2) إخفاء الصلاة والبعد من الرياء، وكذا القاعدة الكلية التي ذكرها أصحابنا أن المحافظة على فضيلة متعلقة بنفس العبادة أفضل من المحافظة على فضيلة متعلقة بالمكان؛ فإن الإخفاء في النوافل والبعد من الرياء فضيلة متعلقة بنفس الصلاة والصلاة في الكعبة فضيلة متعلقة بمكان الصلاة. (إِلَّا المَكْتُوبَةَ) يعني: المكتوبات الخمس، قال العلامة ابن حجر: يحتمل أن يكون المراد بالمكتوبة ما تشرع فيه الجماعة، يعني: كالعيد والخسوف والكسوف والاستسقاء والتراويح كما تقدم، وفيه نظر، فإن الإسنوي وغيره [من الأصحاب أسقطوا من النوافل الصلاة المجهورة (¬3) كالعيد وغيره، يعني: وغيره] (¬4) مما تشرع فيه الجماعة وهل يدخل في المكتوبة ما وجب بعارض (¬5) كالمنذورة (¬6). قال في "التتمة": فيه تردد. وقال بعض مشايخنا: الظاهر بناؤها على أن المنذور يسلك به مسلك واجب الشرع أو جائزه. * * * ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (731)، و"صحيح مسلم" (781) (213). (¬2) من (م). (¬3) في (ل): المشهودة. (¬4) من (ل، م). (¬5) في (م): لعارض. (¬6) "فتح الباري" 2/ 252.

208 - باب من صلى لغير القبلة ثم علم

208 - باب مَنْ صَلَّى لِغَيْرِ القِبْلَةِ ثُمَّ علِمَ 1045 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ ثابِتٍ وَحُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحابَهُ كانُوا يُصَلُّونَ نَحْوَ بَيْتِ المقْدِسِ فَلَمّا نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَناداهُمْ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلاةِ الفَجْرِ نَحْوَ بَيْتِ المقْدِسِ: أَلا إِنَّ القِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ إِلَى الكَعْبَةِ. مَرَّتَيْنِ، فَمالُوا كَما هُمْ رُكُوعٌ إِلَى الكَعْبَةِ (¬1). * * * باب مَنْ صَلَّى لِغَيْرِ القِبْلَةِ ثُمَّ عَلِمَ [1045] (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التبوذكي سمي بذلك؛ لأنه اشترى بتبوذك دارًا فنسب إليها. قال عياض: قلت ليحيى بن معين: ما [كتبت عنه؟ ] (¬2) قال: خمسة وثلاثين ألف حديث (¬3). قال: (حَدَّثَنَا حَمَّادٌ) بن سلمة (عَنْ ثَابِتٍ) بن أسلم البناني بضم الموحدة وتخفيف النون الأولى، تابعي من أعلام أهل البصرة وثقاتهم، اشتهر بالرواية عن أنس بن مالك، وصحبه أربعين سنة (وَحُمَيْدٍ) بن أبي حميد الطويل، قيل له (¬4): الطويل؛ لقصره، قال الأصمعي (¬5): رأيته لم يكن طويلًا، لكن كان طويل اليدين. قيل: إنما سمع ثابتًا. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (527). (¬2) في (ص): كتبته عني. (¬3) "ميزان الاعتدال" 4/ 200. (¬4) من (م). (¬5) انظر: "سير أعلام النبلاء" 6/ 164.

(عَنْ أَنَسٍ) بن مالك، والصحيح أنه سمع منه عن أنس بن مالك (أَنَّ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يُصَلُّونَ نَحْوَ بَيتِ المَقْدِسِ) فيه لغتان مشهورتان، إحداهما فتح الميم وإسكان القاف، والثانية ضم الميم وفتح القاف وتشديد الدال المكسورة، ويقال فيه أيضًا: إيلياء وإلياء، وأصل القدس والتقديس من التطهير، فظاهر الأحاديث تدل على أن المراد بهذا الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي نحو بيت المقدس وكان أصحابه يصلون نحو بيت المقدس لا أنهم كانوا مقتدين به، ويوضح هذا رواية الدارقطني عن البراء قال: صلينا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد قدومه المدينة ستة عشر نحو بيت المقدس، ثم علم الله هوى نبيه فنزلت {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} (¬1) الآية (¬2). فبين في هذِه الرواية أن صلاتهم إلى بيت المقدس كانت بالمدينة وأنها ستة عشر شهرًا بغير شك (فَلَمَا نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} أي: ناحية الكعبة، وعن ابن مسعود: تلقاء المسجد الحرام (¬3). وقد يترجح بهذا الحديث ما رواه القرطبي، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "البيت قبلة أهل المسجد، والمسجد قبلة أهل الحرم، والحرم قبلة أهل الأرض مشارقها ومغاربها من أمتي" (¬4) (فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ) بكسر اللام بطن من الأنصار من الخزرج قيل هو عباد بن نهيك الأنصاري (فَنَادَاهُمْ وَهُمْ ¬

_ (¬1) البقرة: 144. (¬2) "سنن الدارقطني" 1/ 273. (¬3) و (¬4) "تفسير القرطبي" 2/ 159.

رُكُوعٌ) قال الكرماني: يحتمل أن يراد به (¬1) حقيقة الركوع وأن يراد به الصلاة، وهو من إطلاق الجزء وإرادة (¬2) الكل (¬3) (فِي صلَاةِ الفَجْرِ) كذا لمسلم (¬4) كما سماها الله تعالى، وفي الصحيح تسميتها صلاة الغداة (¬5). وفي (¬6) "صحيح البخاري" عن ابن عمر: بينا الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آتٍ (¬7). ولا يعارض هذا ما رواه البخاري من حديث البراء: فصلى مع النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل ثم خرج بعدما صلى، فمر على قوم من الأنصار في صلاة العصر نَحْوَ بيت المقدس، فقال هو: يشهد أنه صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنه توجه نحو الكعبة (¬8)؛ لأن هذا الخبر وصل إلى قوم كانوا يصلون في نفس المدينة في غير مسجد قباء (¬9) في صلاة العصر، ثم وصل إلى قباء في صبح يوم الثاني؛ لأنهم كانوا خارجين من المدينة؛ لأن قباء من جملة سوادها (أَلَا إِنَّ القِبْلَةَ قَدْ تحولت إِلَى الكَعْبَةِ) زاد مسلم قبل هذا بلفظ: وهم ركوع في صلاة الفجر وقد صلوا ركعة (¬10). ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) طمس في الأصل. (¬3) "شرح البخاري" للكرماني 1/ 165. (¬4) "صحيح مسلم" (527) (15). (¬5) في (ص): الظلمة. (¬6) طمس في الأصل. (¬7) "صحيح البخاري" (403). (¬8) "صحيح البخاري" (399). (¬9) في (ص، س، ل): مسجدها. (¬10) "صحيح مسلم" (527) (15).

(مَرَّتَيْنِ) أي: ناداهم مرتين كل مرة: ألا إن القبلة قد حولت (فَمَالوا كمَا هُمْ رُكُوعٌ إِلَى الكَعْبَةِ) استدل به على أن القرآن ناسخ للسنة، وعلى قبول خبر الواحد، ولم يسلم؛ لأن خبر الواحد احتفت به قرائن؛ لأنهم كانوا متوقعين تحويل القبلة، ولأنه حلف لهم فصدقوه وغير ذلك واستدل به على فضيلة الانتقال من عبادة إلى أفضل منها، وعلى جواز النسخ [ولأنه لا يثبت في حق المكلف حتى يبلغه؛ لأنهم صلوا إلى بيت المقدس بعد النسخ] (¬1) ركعة، وعلى أن الصلاة الواحدة تجوز إلى جهتين بدليلين؛ فيؤخذ منه أن من صلى بالاجتهاد إلى جهة ثم تغير اجتهاده فظن القبلة في جهة أخرى يتحول إليها ويبنى على ما مضى، حتى لو صلى الظهر إلى الجهات الأربع كل ركعة إلى جهة بالاجتهاد أجزأه، والله تعالى أعلم. ويتلوه إن شاء الله تعالى باب تفريع أبواب الجمعة. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. فرغ من كتابته في السادس والعشرين من شهر ذي الحجة سنة ثمانمائة وستة وأربعين، آخر الجزء الثاني من أجزاء المصنف رحمه الله وهو أحد عشر مجلدًا. * * * ¬

_ (¬1) من (ل، م).

209 - باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة

تَفْرِيعُ أَبْوابِ الجُمُعَةِ 209 - باب فَضْلِ يَوْمِ الجُمُعَةِ وَلَيْلَةِ الجُمُعَةِ 1046 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الهادِ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ إِبْراهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "خَيرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُهْبِطَ، وَفِيهِ تِيبَ عَلَيه، وَفِيهِ ماتَ وَفِيهِ تَقُومُ السّاعَةُ، وَما مِنْ دابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ مُسِيخَةٌ يَوْمَ الجُمُعَةِ، مِنْ حِينَ تُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا مِنَ السّاعَةِ إِلَّا الجنَّ والإنْسَ، وَفِيهِ ساعَةٌ لا يُصادِفُها عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّه حاجَةً إِلَّا أَعْطَاهُ إِيّاها". قال: كَعْبٌ ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ. فَقُلْتُ: بَلْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ. قال: فَقَرَأَ كَعْبٌ التَّوْراةَ فَقال: صَدَقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. قال أَبُو هُرَيْرَةَ: ثمَّ لَقِيت عَبْدَ اللهِ بْنَ سَلامٍ فَحَدَّثْتُهُ بِمَجْلِسِي مَعَ كَعْبٍ فَقال عَبْدُ اللهِ بْن سَلامٍ: قَدْ عَلِمْتُ أَيَّةَ ساعَةٍ هِي. قال أَبُو هُريرَةَ: فَقُلْتُ لَهُ: فَأَخْبِرْنِي بِها. فَقال عَندُ اللهِ بْنُ سَلامٍ: هِيَ آخِرُ ساعَةٍ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ. فَقُلْتُ: كَيْفَ هِيَ آخِرُ ساعَةٍ مِنْ يُوْمِ الجُمُعَةِ وَقَدْ قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُصادِفُها عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي". وَتلْكَ السّاعَةُ لا يُصَلَّى فِيها؟ . فَقال عَبْدُ اللهِ بْن سَلامٍ: أَلمْ يَقُلْ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلاةَ فَهُوَ فِي صَلاةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ". قال: فَقُلْت: بَلَى. قال: هُوَ ذاكَ (¬1). 1047 - حَدَّثَنا هارُون بْن عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جابِرٍ، عَنْ أَبِي الأشعَثِ الصَّنْعانِيِّ، عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ قال: قال رَسُول اللهِ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (491)، والنسائي 3/ 113، وأحمد 2/ 486. وصححه الألباني في "المشكاة" (1359). وروى مسلم بعضه في (854).

- صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيّامِكُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكثِرُوا عَليَّ مِنَ الصَّلاةِ فِيهِ فَإِنَّ صَلَاتكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ". قال: قالوا: يا رَسُولَ اللهِ وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلاتُنا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ يَقُولُونَ: بَلِيتَ. فَقال: "إِنَّ اللهَ - عز وجل - حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَجْسادَ الأَنْبِياءِ" (¬1). * * * باب تَفْرِيعُ أَبْوَابِ الجُمُعَةِ [1046] (حَدَّثَنَا) عبد الله بن مسلمة (الْقَعْنَبِيُّ) أخرج له الشيخان (عَنْ مَالِكٍ [عَنْ يَزِيدَ) من الزيادة (بْنِ عَبْدِ الله بْنِ الهَادِ) شيخ البخاري. (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ) بن الحارث التميمي القرشي] (¬2) المدني (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) عبد الله على الأصح (ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن عوف الزهري (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: قَال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ) فيه فضيلة يوم الجمعة ومزيته على غيره من أيام الأسبوع [لأن فيه الساعة المستجاب فيها الدعاء] (¬3)، وفيه دليل لمسألة غريبة نفيسة وهي (¬4) لو قال لزوجته: أنت طالق في أفضل الأيام، وفيها وجهان لأصحابنا أحدهما وهو الأصح: تطلق يوم عرفة، والثاني: يوم الجمعة، وهذا إذا لم يكن له نية، فأما إذا أراد أفضل أيام السنة فيتعين [يوم عرفة، وإن أراد أفضل ¬

_ (¬1) رواه النسائي 3/ 91، وأحمد 4/ 8. وصححه الألباني في "الصحيحة" (1527). (¬2) سقط من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) في الأصل: هو.

أيام الأسبوع فيتعين] (¬1) الجمعة (¬2)، ورواية البزار: "سيد الأيام يوم الجمعة" (¬3). وللطبراني: "سيد الأيام عند الله تعالى يوم الجمعة" (¬4). (يَوْمُ) [خبر المبتدأ] (¬5) (الْجُمُعَةِ) بضم الجيم والميم، وبفتح الميم وإسكانها ثلاث لغات، و [كان يسمى] (¬6) في الجاهلية يوم العروبة [وبالإسكان قرأ الأعمش في الآية] (¬7) ومعناه اليوم المبين (¬8) بالتعظيم من أعرب إذا بين، وسميت جمعة لاجتماع الناس فيها (فِيهِ خُلِقَ آدَمُ - عليه السلام - وَفِيهِ أُهْبِطَ) من الجنة. قال القاضي عياض (¬9): الظاهر أن هذِه القضايا المعدودة (¬10) فيه ليست لذكر فضيلتها؛ لأن ما وقع فيه من هبوط آدم من الجنة وقيام الساعة كما سيأتي لا يعد في الفضائل، وإنما هو على تعداد القضايا، وتعظيم ما وقع فيه وحدث ويحدث من الأمور العظام، فبحسب ذلك يكون العبد مستعدًّا فيه متأهبًا بالأعمال الصالحة لرحمة (¬11) من الله ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) انظر: "روضة الطالبين" 8/ 125، و"مغني المحتاج" 3/ 315. (¬3) "مسند البزار" (3738). (¬4) "المعجم الكبير" (5/ 33 رقم 4511) بلفظ: "إن يوم الجمعة سيد الأيام وأعظمها عند الله من يوم الأضحى". (¬5) سقط من (م). (¬6) في (ل، م): كانت تسمى. (¬7) سقط من (م). (¬8) في (ص، س، ل): المبتدأ. (¬9) "تحفة الأحوذي" 2/ 613. (¬10) في (ص، س، ل): المتعددة. والمثبت من (م) و"تحفة الأحوذي". (¬11) سقط من (م).

تعالى تناله [أو خطيئة ترفع] (¬1) عنه. (وَفِيهِ تِيبَ) بكسر المثناة أوله مبني للمفعول كما في (أهبط) قبله، وهو من التوبة، وقوله (فيه) أي: في ساعة منه تاب الله فيها على آدم - عليه السلام -، فمن صادف هذِه الساعة يسأل الله تعالى إياها أعطاه حاجة (¬2) وتاب (عَلَيهِ) وفيه أن من كان له إلى الله حاجة وأراد إجابتها فليتحرى أوقات مظان الإجابة كما في هذِه الساعة في الجمعة، وبين الأذان والإقامة، وعند نزول الغيث، والتقاء الجيوش، والثلث الأخير أو الأوسط [ونحو ذلك] (¬3). (وَفِيهِ) أي: في ساعة منه (مَاتَ) آدم - عليه السلام -، فيه أن من مظان أوقات الإجابة الأوقات التي مات فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو أحد الأنبياء والمرسلين، وكذا (¬4) الساعة التي مات فيها العلماء الصالحون، فمن كان حاضرًا عند موت أحد (¬5) منهم فليجتهد في الدعاء في ختم أعماله بالصالحات الحسنى ونحو ذلك (وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ) لم يذكر قيام الساعة لوقت فضيلتها كما تقدم عن عياض. (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ) من دواب الأرضين (¬6) السبع، والظاهر أنه يدخل فيه ¬

_ (¬1) في (ص، ل): أو مصيبة تدفع. (¬2) من (ل، م). (¬3) من (م). (¬4) في (م): كذلك. (¬5) في (م): واحد. (¬6) في (م): الأرض.

الطير الذي يطير بين السماء والأرض وينزل إلى الأرض يمشي عليها، وكذا (¬1) دواب البحار السبع، والأنهار العظام والصغار، وقد تدخل فيه الملائكة الذين يهبطون إلى الأرض ويمشون عليها، والملائكة الذين في السبع الطباق وغيرهم. (إِلَّا وَهِيَ مُسِيخَةٌ) بضم الميم وكسر السين (¬2) المهملة وبعد المثناة التحتانية خاء معجمة. قال ابن الأثير: ويروى بالصاد (¬3) وهو الأصل (¬4). ومعناه: مستمعة منصتة. أي: مقبلة على الخوف في ذلك اليوم جميعه [من الإصاخة، وهي الإصغاء إلى استماع الصوت، وأبدل من الصاد سينًا لقرب المخرج (¬5). (مِنْ (¬6) حِينَ تُصْبِحُ) إلى حين تمسي، وهي مستمرة على ذلك في كل يوم جمعة (حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ) من مغربها (شَفَقًا) أي: إشفاقًا والشفق والإشفاق الخوف، يقال: أشفقت أشفق إشفاقًا: إذا خفت من الموت وقيام الساعة ونحوها، وبالهمزة أوله هي اللغة العالية، وحكى ابن دريد: [شَفِقْت بكسر الفاء أشفَق بفتحها شَفَقًا (¬7). والحديث يعضد ¬

_ (¬1) في (م): كذلك. (¬2) من (م). (¬3) في (ص، ل): مقدار ثلاث كلمات بياض. (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (سيخ). (¬5) بياض في (ص، س)، وكتب في (ل): .... أرجح من .... على الأصح قال السيخ من تبدل هل ... أربعة أحرف منها الخاء. (¬6) سقط من (م). (¬7) "النهاية في غريب الحديث" (شفق).

رواية ابن دريد] (¬1) وقد تكون (¬2) في الحديث بهذا اللفظ. (مِنَ) قيام (السَّاعَةِ) وهذا الحديث يدل على أن للحيوانات وغيرها من الدواب عقولًا يدركون بها الأمور المستقبلة، وقد يخالف هذا ما قاله أصحابنا وغيرهم أن الهرة ونحوها من الدواب لا تضرب على فساد إلا في (¬3) حال إفسادها، وأما بعده في وقت آخر فلا، يعني: لأنها ليس لها عقل تدرك به أن هذا الضرب لما تقدم من الفساد، وقد يؤخذ من خوفها من القيامة أنها تحشر يوم القيامة، ويؤخذ للجماء من القرناء كما في الحديث، ويدل عليه قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ} ثم قال: {إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} (¬4). (إِلَّا الجِنُّ وَالإِنْسُ) بالرفع فيهما، والظاهر أن المراد بالإنس والجن الأكثر (¬5)، فإن الأنبياء أوالمرسلين والصحابة والصديقين والصالحين] (¬6)، الذين أيقظهم الله تعالى من الغفلة وأسكن الخوف المستقر (¬7) في قلوبهم في يوم الجمعة وغيرها من [هول المطلع] (¬8) وأهوال يوم القيامة والوقوف بين يدي الله تعالى. ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) في (ص، س): تكرر. (¬3) سقط من (م). (¬4) الأنعام: 38. (¬5) في (ص، س): ما عدا الأنبياء. (¬6) في الأصول: والمرسلون والصحابة والصديقون والصالحون. ولعل المثبت الصواب. (¬7) في (م): المستمر. (¬8) بياض في (ص، س).

(وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا) كذا في "مسند الشافعي" (¬1) ورواية في (¬2) "الموطأ" (¬3). ورواية مسلم: "لا (¬4) يوافقها" (¬5) والمصادفة والموافقة سواء (عَبْدٌ مُسْلِمٌ) مؤمن (وَهُوَ يُصَلِّي) رواية مسلم: "قائم يصلي" (¬6). قال القاضي عياض: اختلف السلف في وقتها، وفي معنى "يصلي"، فذهب بعضهم إلى أنها بعد العصر إلى الغروب، ومعنى "يصلي" عند هؤلاء يدعو، ومعنى "قائم" ملازم ومواظب، مثل قوله تعالى: {إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} (¬7) أي: ملازمًا له في الطلب. وذهب آخرون إلى أنها من (¬8) وقت [قيام الإمام إلى وقت تمام الصلاة، وذهب آخرون إلى أنها في وقت قيام] (¬9) الصلاة نفسها من حين تقام إلى حين تتم. والصلاة عند هؤلاء على ظاهرها (¬10). (يَسْأَلُ اللَّه) تعالى (حَاجَةً) إطلاقه يشمل حوائج الدنيا والآخرة (إِلَّا ¬

_ (¬1) "مسند الشافعي" 1/ 72. (¬2) من (م). (¬3) "الموطأ" (241). (¬4) من (م)، و"صحيح مسلم". (¬5) "صحيح مسلم" (852) (14). (¬6) "صحيح مسلم" (852) (14). (¬7) آل عمران: 75. (¬8) في (ص، س): في. (¬9) ساقطة من (م). (¬10) "عون المعبود" 3/ 373.

أَعْطَاهُ (¬1) إِيَّاهَا) [وفي رواية للترمذي: "ولا يستعيذ من شيء إلا أعاذه منه] (¬2) (¬3) ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم" كما في رواية مسلم (¬4)، وله: "ما لم يستعجل" قيل: يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال (¬5): "يقول: قد دعوت فلم أر (¬6) يستجب (¬7) لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء" (¬8). (قَال كَعْبٌ) الأحبار كذا في "الموطأ" (¬9) وهو كعب بن مايع (¬10) بكسر المثناة التحتانية وبالعين المهملة، وهو من حمير أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يره، أسلم في زمن عمر بن الخطاب مات بحمص في خلافة عثمان. (ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ) كذا (¬11) في "الموطأ" (¬12)، وفيه عن أبي هريرة قال: خرجت إلى الطور فلقيت كعب الأحبار، فجلست معه، فحدثني عن التوراة وحدثته عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان فيما حدثته أن قلت: قال ¬

_ (¬1) زاد في (م): الله. (¬2) سقط من (م). (¬3) "جامع الترمذي" (3339). (¬4) "صحيح مسلم" (2735) (92). (¬5) من (م)، و"صحيح مسلم". (¬6) من (س، ل)، و"صحيح مسلم". (¬7) في (س، ل): مستجب. وفي "صحيح مسلم": يستجيب. (¬8) "صحيح مسلم" (2735) (92). (¬9) "الموطأ" (241). (¬10) كذا في الأصول الخطية، وهو خطأ، والصواب: ماتع. وانظر ترجمته في "الإكمال" 7/ 159، و"تهذيب الكمال" (4980). (¬11) من (س، ل، م). (¬12) "الموطأ" (241).

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة ... " الحديث (¬1). قال كعب: [ذلك في] (¬2) كل سنة يوم. (فَقُلْتُ: بَلْ (¬3) فِي كُلِّ جُمُعَةٍ) يوم (قَال: فَقَرَأَ كعْبٌ) الأحبار (التَّوْرَاةَ) فيه جواز النظر في التوراة والقراءة منها إذا صدقت النية. (فَقَال: صَدَقَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ثم (قَال أَبُو هُرَيْرَةَ: ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ اللِه بْنَ سَلَامٍ) بتخفيف اللام الحبر العالم، ورواية مالك: "فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري فقال: من أين أقبلت؟ فقلت: من الطور. فقال: لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت [(فَحَدَّثْتُهُ بِمَجْلِسِي] (¬4) مَعَ كعْب) الأحبار وما حدثته في يوم (¬5) الجمعة. كذا "للموطأ" (¬6). (فَقَال عَبْدُ الله بْنُ سَلَامٍ) [علقت عن العمل فيها] (¬7) (قَدْ عَلِمْتُ أَيَّةُ] بالرفع (¬8)؛ لأنها (أي) الموصولة اتصل بها هاء التأنيث الذي في (ساعَةٍ) و (هِيَ) خبر المبتدأ، والعلم وقع بالجملة الموصولية (¬9). (فقَال أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ لَهُ: فَأَخْبِرْنِي بِهَا. فَقَال عَبْدُ الله بْنُ سَلَامٍ) ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) من (م)، و"الموطأ". (¬3) في (ص، س): بلى. والمثبت من (م)، و"الموطأ"، وبياض في (ل). (¬4) في (ص، س): فحدثني. والمثبت من (ل، م)، و"الموطأ"، و"سنن أبي داود". (¬5) من (ل، م)، و"الموطأ". (¬6) "الموطأ" (241). (¬7) سقط من (م). (¬8) سقط من (م). (¬9) في (م): صفة له.

بالتخفيف كما تقدم. (هِيَ آخِرُ سَاعَةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ) وهذا لم يقله عن رأي بل سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما روى ابن ماجه عن عبد الله بن سلام. قال المنذري: وإسناده على شرط الصحيح (¬1) قال: قلت -ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس-: إنا لنجد في كتاب الله في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يصلي يسأل الله فيها شيئًا إلا قضى له حاجته. قال عبد الله: فأشار إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو بعض ساعة، فقلت: صدقت أو بعض ساعة. قلت: أي ساعة هي (¬2)؟ قال: آخر ساعات (¬3) النهار (¬4). (فَقُلْتُ: كَيفَ هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ وَقَدْ قَال رَسُولُ اللِه - صلى الله عليه وسلم -: لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي وَتِلْكَ السَّاعَةُ لَا يُصَلَّى فِيهَا) للحديث المتفق عليه: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس (¬5) (فَقَال عَبْدُ اللِه بْنُ سَلَامٍ: أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللِه - صلى الله عليه وسلم -: مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ) أي: يكتب له أجر المصلي حتى يصلي. يوضحه ما رواه المصنف ومسلم: "لا يزال العبد [في صلاة ما كان في مصلاه ينتظر الصلاة، والملائكة تقول اللهم اغفر له اللهم ارحمه حتى] (¬6) ينصرف أو يحدث" قيل: وما يحدث؟ قال: "يفسو أو ¬

_ (¬1) "الترغيب والترهيب" (1150). (¬2) من (م)، و"سنن ابن ماجه". (¬3) في (م): ساعة من. (¬4) "سنن ابن ماجه" (1139). (¬5) أخرجه البخاري (581)، ومسلم (826) (286) من حديث ابن عباس. (¬6) من (ل، م) ومصادر التخريج.

يضرط" (¬1). وفي رواية لمالك موقوفًا: [فإن قام من مصلاه فجلس في المسجد ينتظر الصلاة لم يزل في صلاة (¬2). (حَتَّى يُصَلِّيَ، قَال) أبو هريرة ([فَقُلْتُ: بَلَى] (¬3). قَال) عبد الله بن سلام (هُوَ ذَاكَ) وهذا الحديث رواه الترمذي وقال: صحيح، ورواه النسائي بطوله، وحديث ابن ماجه الذي هو على شرط الصحيح فيه حجة للقول بأنها آخر ساعة بعد العصر كما سيأتي (¬4). [1047] (حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللِه) [بن مروان البغدادي الجمال، أخرج له مسلم. (حَدَّثَنَا حُسَيْنُ (¬5) بْنُ عَلِيِّ) بن الوليد الجعفي من الأبدال (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (¬6) بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ) الأزدي (¬7) الداراني (عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ) شراحيل بفتح الشين المعجمة وكسر الحاء المهملة، ابن آدة بفتح الهمزة وتشديد الدال، وآدة بالمد وتخفيف الدال (الصَّنْعَانِيِّ) أخرج له مسلم والأربعة. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (649) (274)، وأبو داود (471). (¬2) "الموطأ" (383). (¬3) سقط من (م). (¬4) سبق تخريجه. (¬5) في الأصول الخطية: حسن. خطأ. وهو الحسين بن علي بن الوليد الجعفي، وانظر ترجمته في "تهذيب الكمال" (1324)، و"الكاشف" (1098). (¬6) سقط من (م). (¬7) في (م): الأنصاري.

(عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ) الثقفي، وقيل: ابن أبي أوس. نزل الشام [ومات بها، وقبره بها] (¬1). (قَال: قَال رَسُولُ اللِه - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ مِنْ (¬2) أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ) هذِه الرواية تدل على أن تقدير الرواية المتقدمة: إن من خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة (فِيهِ خُلِقَ آدَمُ) [وفيه دخل الجنة، وفيه خرج منها] (¬3) (وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ) في الصور، زاد أحمد في رواية رجال إسناده رجال الصحيح: "فيه البعثة، وفيه البطشة" (¬4) (وَفِيهِ الصَّعْقَةُ) يعني: عقب النفخة، فإن الله تعالى ذكره بفاء التعقيب في قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} (¬5)، وهذِه الصعقة من شدة فزعهم، ولهذا جاء في الآية الأخرى: {فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ} (¬6). (فَأَكثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ) [أي في يوم الجمعة، وكذا في ليلته بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أكثروا الصلاة علي ليلة الجمعة ويوم الجمعة] (¬7)، فمن صلى عليّ صلاة صلى الله عليه عشرًا". رواه البيهقي (¬8) بإسناد جيد. ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) من (م) و"السنن". (¬3) سقط من (م). (¬4) أخرجه أحمد 2/ 311 بلفظ: " ... وفيها الصعقة والبعثة وفيها البطشة .. ". (¬5) الزمر: 68. (¬6) النمل: 87. (¬7) سقط من (م). (¬8) "السنن الكبرى" 3/ 249.

(فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ) في قبري (قَالوا: يَا رَسُولَ الله، وَكيفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيكَ وَقَدْ أَرَمْتَ) قال المنذري (¬1): أرمت بفتح الراء وسكون الميم. قال في "النهاية": بوزن (¬2) ضربت وأصله أَرْمَمْتَ يعني بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الميم الأولى [فنقلت فتحة الميم الأولى إلى الراء] (¬3) فحذفت إحدى الميمين كما قالوا: ظَلْتُ (¬4) أفعل كذا في أظَلَلَتُ وأحست في أحسست (¬5). يقال: أرم المال والبنون إذا فنوا، وقيل: أرْمَتَّ يعني (¬6) بفتح الميم وتشديد التاء. قال الحربي: كذا يرويه المحدثون ولا أعرف وجهه، والصواب أَرَمَتْ بفتح الهمزة والراء والميم وسكون التاء فتكون التاء لتأنيث العظام أو رَمِمْتَ يعني بكسر الميم الأولى وسكون الثانية. أي: صرت رميمًا، وقيل: إنما هو أرْمَتَّ بسكون الراء وتشديد التاء على أنه أدغم إحدى الميمين في التاء. وهذا قول ساقط؛ لأن الميم لا تدغم في التاء أبدًا، وقيل: يجوز أن يكون أُرِمْتَ بضم الهمزة بوزن (¬7) أُمِرْتَ من قولهم: أَرَمِتِ الإبل تأرم إذا تناولت العلف وقطعته من الأرض (¬8). ¬

_ (¬1) ضبطه المنذري (أَرِمْتَ) بكسر الراء في "مختصر سنن أبي داود" 2/ 4. (¬2) في (ص): تورمت. والمثبت من (س، ل، م) و"النهاية". (¬3) سقط من (م). (¬4) في (س، ل): ظللت. وفي (م): أظلت. (¬5) "النهاية في غريب الحديث" (رمم). (¬6) من (س، ل، م). (¬7) في (م): يوالي. (¬8) "النهاية في غريب الحديث" (رمم).

قال: (يَقُولُونَ) معناه (بَلِيتَ) وأصل هذِه الكلمة من رمّ الميت [وأرم إذا بلي] (¬1) والرمة: العظم البالي، والفعل الماضي من أرم للمتكلم والمخاطب أرممت بإظهار التضعيف، وكذلك كل فعل مضعف فإنه يظهر فيه التضعيف معهما (¬2) تقول في شد: شددت، وفي أعد: أعددت، وإنما يظهر التضعيف؛ لأن تاء المتكلم والمخاطبة متحركة ولا يكون ما قبلها إلا ساكنًا، وإذا سكن ما قبلهما (¬3) وهو الميم الثانية التقى ساكنان، ولا يجوز تحريك الثاني؛ لأنه وجب (¬4) سكونه لأجل تاء المتكلم والمخاطب (¬5) فلم يبق إلا تحريك الأول، وحيث حرك جاء التضعيف. والذي جاء في هذِه الرواية بميم واحدة، فإن صحت الرواية ولم تكن محرفة، فلا يمكن تخريجه (¬6) إلا على لغة بعض العرب كما تقدم، فإن الخليل زعم أن ناسًا من بني وائل يقولون: ردَّتُ ورَدَّتَ يعني: بتشديد الدال والتاء للمتكلم والمخاطب، كأنهم قدروا الإدغام قبل دخول التاء، فيكون لفظ الحديث أرَمَّتَ بتشديد الميم وفتح التاء (¬7). (فَقَال: إِن اللَّه تعالى حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ) "أن تأكل" كما في رواية ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ص، س، ل): معها. والمثبت من (أ) و"النهاية". (¬3) في (ص): قبلها. والمثبت من (س، ل، م) و"النهاية". (¬4) في (ص، س): وقت. والمثبت من (ل، م)، و"النهاية". (¬5) سقط من (م). (¬6) في (م): تحركه. (¬7) "النهاية في غريب الحديث" (رمم).

النسائي (¬1) (أَجْسَادَ الأَنبِيَاءِ) عليهم الصلاة والسلام؛ لأنهم أحياء في قبورهم [وهم يصلون فيها] (¬2) ألا ترى إلى صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأنبياء ليلة الإسراء ببيت المقدس، والصلاة لا تحصل إلا بالحياة، واستدل بذلك بعض المتأخرين كما حكاه الزركشي على أن مقابر الأنبياء لا تكره الصلاة عليها، بل تجوز (¬3)؛ لأن علة الكراهة النجاسة، وهي منتفية فيهم. ثم (¬4) قال: وهذا بخلاف مقابر غيرهم من الناس فإنها إذا كانت طاهرة كرهت الصلاة فيها، وإن كانت نجسة حرمت وبطلت. قلت: ومما يستبنى على (¬5) تحريم الأرض أجسادهم ويخالفون فيها غيرهم من الناس أن قبور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا تحرم عمارتها بغير الشيد والحجر أبدًا، بخلاف غيرهم، فإن من انمحق جسمه حرم عمارة قبره، وتسوية ترابه في المقابر المسبلة، وكذا نبش قبور الأنبياء، [لا يجوز بحال] (¬6) وأما غيرهم ممن بلي جسمه وصار ترابًا جاز نبشه، ويرجع في ذلك إلى أهل الخبرة. * * * ¬

_ (¬1) "المجتبى" 3/ 91. (¬2) سقط من (م). (¬3) هذا كلام ابن السبكي في "التوشيح". واعترض عليه الزركشي فقال: تجويز الصلاة في مقبرة الأنبياء ذريعة إلى اتخاذها مسجدًا. وجاء النهي عن اتخاذ مقابر الأنبياء مساجد، وسد الذرائع مطلوب. أ. هـ. انظر: "مغني المحتاج" 1/ 203، و"حاشية الجمل" 2/ 510. (¬4) "أسنى المطالب شرح روضة الطالب" 1/ 174. (¬5) زاد في (ص، س): عدم. (¬6) من (س، ل، م).

210 - باب الإجابة أية ساعة هي في يوم الجمعة

210 - باب الإِجابَةِ أَيَّةُ ساعَةٍ هي فِي يوْمِ الجُمُعةِ 1048 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو -يَعْنِي ابن الحارِثِ- أَنَّ الجُلاحَ مَوْلَى عَبْدِ العَزِيزِ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبا سَلَمَةَ -يَعْنِي: ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ- حَدَّثَهُ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قال: "يَوْمُ الجُمُعَةِ ثِنْتا عَشْرَةَ". يرِيدُ ساعَةً: "لا يُوجَدُ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ الله - عز وجل - شَيْئًا، إِلَّا آتاهُ اللهُ - عز وجل - فالتَمِسُوها آخِرَ ساعَةٍ بَعْدَ العَصْرِ" (¬1). 1041 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مَحْرَمَةُ -يَعْنِي: ابن بُكَيْرٍ-، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبي مُوسَى الأشعَرِيِّ قال: قال لِي عَبْدُ اللهِ بْن عُمَرَ أَسَمِعْتَ أَباكَ يُحدِّث، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي شَأْنِ الجُمُعَةِ يَعْنِي السّاعَةَ. قال: قُلْتُ: نَعَمْ سَمِعْتهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "هِيَ ما بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الإمامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلاةُ". قال أَبُو داوُدَ: يَعْنِي عَلَى الِمنْبَرِ (¬2). * * * باب الإِجَابَة [بالرفع مبتدأ أَيَّةُ] (¬3) سَاعَةٍ هِيَ (¬4) فِي يَوْمِ الجُمُعَةِ [1048] (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ) المصري (حَدَّثَنَا) عبد الله (ابْنُ وَهْبٍ) الفهري مولاهم. (أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن الحَارِثِ) بن يعقوب، أبو أمية الأنصاري مولاهم المصري أحد الأعلام. ¬

_ (¬1) رواه النسائي 3/ 99، والطبراني في "الدعاء" (184)، والحاكم 1/ 279. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (963). (¬2) رواه مسلم (853). (¬3) في (م): أي. (¬4) سقط من (م).

(أن الجلاح) بضم الجيم وتخفيف اللام، أبو كثير (مولى) عمر بن (عبد العزيز) بن مروان القرشي، أخرج له مسلم في البيوع (حدثه أن أبا سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف. (حدثه، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: يوم) بالرفع (الجمعة ثنتا) بكسر المثلثة أوله هكذا الرواية، واللغة المشهورة اثنتا كما قال تعالى {فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} (¬1) واثنتان وثنتان يرفعان بالألف؛ لأنهما ملحقان بالمثنى (عشرة) بسكون الشين، وبنو تميم يكسرونها (يريد) هذا تفسير من أحد الرواة (ساعة) بالنصب على التمييز، وقال النسائي: "اثنتا (¬2) عشرة ساعة" (¬3) وفي الكلام حذف تقديره فيها ساعة. (لا يوجد مسلم) وفي رواية لأحمد: "في آخر ثلاث ساعات منها ساعة، من دعا (¬4) الله تعالى فيها استجيب له" (¬5) (يسأل الله) (¬6) تعالى فيها (شيئًا) [أي: مما يليق أن يدعو به المسلم. رواه البخاري في الطلاق: "يسأل الله خيرًا" (¬7) ولمسلم مثله (¬8)] (¬9) (إلا آتاه الله) [تعالى خيرًا] (¬10) أي: أعطاه الله (¬11) تعالى إياه. ¬

_ (¬1) البقرة: 60. (¬2) في الأصول الخطية: ثنتا. والمثبت من "المجتبى". (¬3) "المجتبى" 3/ 99. (¬4) زاد في (م): إلى. (¬5) "المسند" 2/ 311. (¬6) سقط من (م). (¬7) "صحيح البخاري" (5294). (¬8) "صحيح مسلم" (757). (¬9) سقط من (م). (¬10) سقط من (م). (¬11) أخرجه النسائي في "المجتبى" كما سبق، والحاكم في "المستدرك" 1/ 279 وقال: =

(فالتمسوها آخر ساعة بعد) صلاة (العصر) وخصت هذِه الساعة بالإجابة؛ لأنها وقت غفلة الناس، وقد وردت هذِه العلة في رواية الأصبهاني، عن أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة آخر ساعة قبل غروب الشمس أغفل ما يكون الناس" (¬1) وهذا الحديث مع ما تقدم قبله يرجح أنها آخر ساعة من يوم الجمعة كما قال عبد الله بن سلام (¬2)، وحكى الترمذي، عن أحمد أنه قال: أكثر الأحاديث على ذلك (¬3). وقال ابن عبد البر: إنه أثبت شيء في هذا الباب (¬4). وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن أن ناسًا من الصحابة اجتمعوا فتذاكروا (¬5) ساعة الجمعة ثم افترقوا فلم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة (¬6)، ورجحه كثير من الأئمة ¬

_ = هذا حديث صحيح على شرط مسلم، فقد احتج بالجلاح أبي كثير ولم يخرجاه. وقال الحافظ ابن حجر في "نتائج الأفكار" 2/ 411: هذا حديث صحيح. وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود". (¬1) ذكره ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" 2/ 522، وأورده المنذري في "الترغيب والترهيب" (1052) وقال: رواه الأصبهاني. وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (5146): موضوع أخرجه الأصبهاني في "الترغيب والترهيب". وأخرج أبو نعيم في "الحلية" 4/ 269 حديث أبي هريرة السابق وفي آخره: " .. فهي ما بين صلاة العصر إلى أن تغيب الشمس" ولم يذكر الزيادة: "أغفل ما يكون الناس". (¬2) سبق تخريجه. (¬3) "جامع الترمذي" 2/ 361. (¬4) الاستذكار" 5/ 96. (¬5) زاد في (م): من. (¬6) لم أجده في "سنن سعيد بن منصور، وذكره ابن حجر في "الفتح" 2/ 489، وابن المنذر في "الأوسط" (1718).

أيضًا كأحمد وإسحاق (¬1)، ومن المالكية الطرطوشي وحكى الشيخ صلاح الدين العلائي أن شيخه ابن الزملكاني شيخ الشافعية في وقته كان يختاره ويحكيه عن نص (¬2) الشافعي. وأجابوا عن كونه ليس في أحد الصحيحين بأن الترجيح لما في الصحيحين أو أحدهما إنما يكون حيث لا ينتقده (¬3) الحافظ كحديث أبي موسى الآتي فإنه أعل بالاضطراب والانقطاع [أما الانقطاع] (¬4) فلأن مخرمة بن بكير لم يسمع من أبيه قاله أحمد عن حماد بن خالد عن مخرمة نفسه، وكذا قال سعيد بن أبي مريم، عن موسى بن سلمة، عن مخرمة وزاد: إنما هي كُتُبٌ كانت عندنا، وقال علي بن المديني: لم أسمع أحدًا من أهل المدينة يقول عن مخرمة أنه قال في شيء من حديثه: سمعت أبي ولا يقال مسلم يكتفي في المعنعن (¬5) بإمكان اللقاء مع المعاصرة، وهو كذلك هنا لأنا نقول وجود التصريح عن مخرمة بأنه لم يسمع من أبيه كاف في دعوى الانقطاع. وأما الاضطراب فقد رواه أبو إسحاق وواصل الأحدب ومعاوية بن قرة وغيرهم عن أبي بردة من قوله وهؤلاء من أهل الكوفة، وأبو بردة كوفي، فهم أعلم بحديثه [من بكير المديني] (¬6) وهم عدد وهو واحد، ¬

_ (¬1) "مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج" (532). (¬2) و (¬3) من (س، ل، م)، و"الفتح" 2/ 489. (¬4) سقط من (م). (¬5) بياض في (ص، س)، والمثبت من (ل، م)، و"الفتح". (¬6) سقط من (م).

وأيضًا فلو كان عند أبي بردة مرفوعًا (¬1) لم يفت فيه برأيه، بخلاف المرفوع، ولهذا جزم الدارقطني بأن الموقوف هو الصواب (¬2). [1049] (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا) (¬3) عبد الله (ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ ابن (¬4) بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ) بكير بن عبد الله بن الأشج المخزومي مولاهم، وقد تقدم عن أحمد أن مخرمة لم يسمع من أبيه، وعن الدارقطني أن الموقوف هو الصواب (¬5). قال النووي: وهذا الذي استدركه الدارقطني بناه على القاعدة المعروفة له (¬6) ولأكثر النحويين أنه إذا تعارض في رواية الحديث وقف ورفع أو إرسال واتصال حكموا بالوقف والإرسال وهذِه قاعدة ضعيفة، والصحيح طريقة الأصوليين والفقهاء والبخاري ومسلم أنه يحكم بالرفع والاتصال؛ لأنها زيادة (¬7) ثقة. ثم (¬8) قال: وروينا في "سنن البيهقي" عن أحمد بن سلمة قال: ذاكرت مسلم بن الحجاج بحديث مخرمة هذا فقال مسلم: هذا أجود حديث وأصحه في بيان ساعة الجمعة، انتهى (¬9). وقول مسلم: وأجود حديث وأصحه، إنما يرجح رواية أبي موسى أن لو انفردت رواية عبد الله بن سلام أو ¬

_ (¬1) في (م): من قوله وهؤلاء. (¬2) "الفتح" 2/ 419. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): عن. (¬5) "الإلزامات والتتبع" 1/ 167. (¬6) من (ل، م)، و"شرح النووي". (¬7) في (ص): رواية. و"شرح النووي". (¬8) من (ل، م). (¬9) بياض في (ص، س).

غيره، أما إذا عضد (¬1) رواية ابن سلام أحاديث صحيحة فلا تقاومه رواية أبي موسى والله أعلم. (عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عامر بْنِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَال: قَال لِي عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ) بن الخطاب - رضي الله عنهما - (أَسَمِعْتَ أَبَاكَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي شَأْنِ الجُمُعَةِ يَعْنِي: السَّاعَةَ) رواية مسلم: "في شأن ساعة الجمعة" (¬2) (قَال: قُلْتُ: نَعَمْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ) على المنبر: كما سيأتي (هِيَ مَا بَينَ أَنْ يَجْلِسَ الإِمَامُ) على المنبر، كما سيأتي. يعني: أول جلوسه بعد السلام. (إِلَى أَنْ تُقْضَى) بالتاء المثناة فوق المضمومة وفتح (¬3) الضاد (الصَّلَاةُ) بالرفع (قَال المصنف: يَعْنِي) يجلس الإمام (عَلَى المِنْبَرِ) بكسر الميم، وفيه دليل على أن من سنن الخطبة أن تكون على منبر أو مرتفع؛ لأنه أبلغ في الإعلام إذا لم يكن منبر، وأنه يستحب للخطيب أن يجلس على المنبر أول صعوده؛ ليؤذن بين يديه، وهذا الحديث حجة للقول بأنها ما بين أن يجلس الإمام على المنبر إلى أن يفرغ من الصلاة، وبه قال البيهقي وابن العربي (¬4). قال المنذري: وإلى هذا القول ذهب طوائف من أهل العلم (¬5). ¬

_ (¬1) بياض في (ص، س). (¬2) "صحيح مسلم" (853). (¬3) في (ص، س): وبعد. (¬4) "عارضة الأحوذي" 2/ 275. (¬5) "الترغيب والترهيب" (1047).

وقال القرطبي: هو نص في موضع الخلاف، فلا يلتفت إلى غيره (¬1). وقال النووي: هو الصحيح، بل الصواب (¬2). وجزم في "الروضة" بأنه الصواب (¬3)، ورجح أيضًا بكونه مرفوعًا صريحًا وفي أحد الصحيحين. وهذا القول يمكن أن يتحد مع قولين (¬4) آخرين في المسألة أحدهما ما رواه حميد (¬5) بن زنجويه عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، وحكاه البغوي في "شَرح السُّنَّة" عنه: أنها ما بين الأذان إلى انقضاء الصلاة (¬6). والثاني: ما رواه سعيد (¬7) بن منصور وابن المنذر، عن الشعبي: أنها ما بين أن يحرم البيع إلى أن يحل. فإن تحريم البيع هو من الشروع في الأذان -كما هو ظاهر الآية- إلى الفراغ من الصلاة. * * * ¬

_ (¬1) "المفهم" 2/ 494. (¬2) "شرح النووي على مسلم" 6/ 140 - 141. (¬3) "روضة الطالبين" 2/ 46. (¬4) في (م): أحمد. (¬5) كما في "فتح الباري" 2/ 485. (¬6) "شرح السنة" 4/ 211. (¬7) في (ص، س): شعبة. والمثبت من (ل، م)، و"الفتح" 2/ 485.

211 - باب فضل الجمعة

211 - باب فَضْلِ الجُمُعَةِ 1050 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيةَ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أَبِي صالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الجُمُعَةَ فاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ ما بَينَ الجُمُعَةِ إِلَى الجُمُعَةِ وَزِيادَةُ ثَلَاثةِ أَيّامٍ، وَمَنْ مَسَّ الحَصَى فَقَدْ لَغا" (¬1). 1051 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنا عِيسَى، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن يَزِيدَ بْنِ جابِرٍ، قال: حَدَّثَنِي عَطاءٌ الخُراسانِيُّ عَنْ مَوْلَى امْرَأَتِهِ أُمِّ عُثْمانَ قال: سَمِعْتُ عَلِيًّا - رضي الله عنه - عَلَى مِنْبَرِ الكُوفَةِ يَقُول: "إِذا كانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ غَدَتِ الشَّياطِينُ بِراياتِها إِلَى الأَسْواقِ فَيَرْمُونَ النّاسَ بِالتَّرابِيثِ أَوِ الزَبائِثِ وَيُثَبِّطُونَهُمْ عَنِ الجُمُعَةِ، وَتَغْدُو المَلائِكَةُ فَيَجْلِسُونَ عَلَى أَبْواب المَسْجِدِ فَيَكْتُبُونَ الرَّجُلَ مِنْ ساعَةٍ، والرَّجُلَ مِنْ ساعَتَينِ، حَتَّى يَخْرُجَ الإِمَامُ، فَإِذا جَلَسَ الرَّجُلُ مَجْلِسًا يَسْتَمْكِنُ فِيهِ مِنَ الاسْتِماعِ والنَّظَرِ فَأَنْصَتَ وَلَمْ يَلْغُ كانَ لَهُ كِفْلانِ مِنْ أَجْرٍ، فَإِنْ نَأَى وَجَلَسَ حَيثُ لا يَسْمَعُ فَأَنْصَتَ، وَلَمْ يَلْغُ كانَ لَهُ كِفْلٌ مِنْ أَجْرٍ، وَإنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَسْتَمْكِنُ فِيهِ مِنَ الاسْتِماعِ والنَّظَرِ فَلَغا وَلَمْ يُنْصِتْ كانَ لَهُ كِفْلٌ مِنْ وِزْرٍ، وَمَنْ قال يَوْمَ الجُمُعَةِ لِصاحِبِهِ صَهْ. فَقَدْ لَغا، وَمَنْ لَغا فَلَيسَ لَهُ فِي جُمُعَتِهِ تِلْكَ شَيْءٌ". ثُمَّ يَقُولُ فِي آخِرِ ذَلِكَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ ذَلِكَ. قال أَبُو داوُدَ: رَواهُ الوَلِيدُ بْن مُسْلِمٍ، عَنِ ابن جابِرٍ قال: بِالرَّبائِثِ. وقال: مَوْلَى امْرَأَتِهِ أُمِّ عُثْمانَ بْنِ عَطاسٍ (¬2). * * * ¬

_ (¬1) رواه مسلم (857). (¬2) رواه أحمد 1/ 93، والبيهقي 3/ 220. وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (433).

باب فَضْلِ الجُمُعَةِ [1050] (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) قال (¬1): (حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ) محمد بن خازم الضرير (عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذكوان (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: قَال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ) إحسان الوضوء أن يثلث الغسلات (¬2) ويسبغه، ويأتي بسننه وآدابه، والذكر عقبه (¬3). (ثُمَّ أَتَى الجُمُعَةَ) يؤخذ منه عدم وجوب غسل الجمعة؛ لاقتصاره على الوضوء فيه مع ترتيب المغفرة عليه وعلى ما بعده. (فَاسْتَمَعَ) أي أصغى بسمعه إليها (وَأَنْصَتَ) أي سكت، ولهذا جمع الله تعالى بينهما في قوله: {فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} (¬4) وهذا الفضل المذكور بعده مخصوص بمن استمع وأصغى للخطبة من أولها إلى آخرها. (غُفِرَ لَهُ مَا بَينَ الجُمُعَةِ إِلَى الجُمُعَةِ) الأخرى، يعني ما عدا الكبائر، وحقوق الآدميين. (وزيادة) بالنصب على الظرف، كذا قال النووي (¬5). يعني: لإضافته إلى الظرف، وهو (ثلاثة أيام) والثلاثة يكمل بها الأسبوع عشرة أيام، إذ الحسنة بعشر أمثالها، واليوم بعشرة أيام، ويجوز النصب بالعطف على ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) زاد في (ل، م): والمسح. (¬3) في (ص، س): عليه. (¬4) الأعراف: 204. (¬5) "شرح النووي على مسلم" 6/ 147.

(ما)، والنائب عن الفاعل الجار والمجرور في قوله (له) (¬1) قال العلماء: معنى المغفرة له ما بين الجمعتين وثلاثة أيام أن الحسنة بعشر أمثالها [وصار يوم الجمعة إلى الذي فعل (¬2) فيه هذِه الأفعال الجميلة في معنى الحسنة التي تجعل بعشر أمثالها] (¬3) (¬4) كما تقدم الحديث في التيمم في باب الغسل يوم الجمعة. (وَمَنْ مَسَّ الحَصَى فَقَدْ لَغَا) (¬5) أي: أتى لغوًا (¬6) من الفعل كمن لغا في قوله، وفيه نهي عن مس الحصا وغيره من أنواع العبث في حال الخطبة، وفيه إشارة إلى إقبال القلب والجوارح على الخطبة، وعلى الله تعالى والإعراض عن جميع أنواع (¬7) اللهو، والمراد باللهو هنا الباطل المردود. [1051] (حدثنا إبراهيم بن موسى) الرازي الحافظ شيخ الشيخين (أنبأنا عيسى) بن يونس بن أبي (¬8) إسحاق عمرو الهمداني الكوفي، سكن ناحية بالشام تسمى الحدب من الثغور (حدثنا عبد الرحمن بن يزيد ¬

_ (¬1) في (م): تعالى. (¬2) في (ص، س): قبله. والمثبت من (ل) و"شرح النووي". (¬3) سقط من (م). (¬4) "شرح النووي على مسلم" 6/ 147. (¬5) الحديث رواه مسلم (857) (27)، وابن ماجه (1090)، والترمذي (498)، وأحمد 2/ 424. (¬6) في (م): اللغو. (¬7) سقط من (م). (¬8) سقط من (م).

بن جابر) الأزدي الداراني. (حدثني عطاء) بن أبي مسلم ميسرة (¬1) (الخراساني) مولى المهلب بن أبي صفرة (عن مولى (¬2) امرأته أم عثمان) بنت عطاء. (قال: سمعت عليًّا على منبر الكوفة يقول: إذا كان) هي التامة (يوم الجمعة غدت) بالترابيث (¬3). (الشياطين) رواية أحمد: "خرجت الشياطين" (¬4). (براياتها إلى الأسواق، فيرمون الناس بالترابيت) أي: يؤنبون [هكذا روي في غير هذا الحديث. قال المنذري: الترابيث ليس بشيء، وإنما] (¬5) الربايث (¬6) بفتح المثناة فوق والراء، وبعد الألف باء موحدة، وآخره ثاء مثلثة. قال في "النهاية": يجوز -إن صحت الرواية- أن يكون جمع تربيثة، وهي المرة الواحدة من التربيث تقول: رَبَّثْتُه تَرْبيثًا وتَرْبيثَةً واحدة مثل قدمته تقديما وتقديمة واحدة (¬7). ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): خولة. (¬3) سقط من (م). (¬4) "مسند أحمد" 1/ 93. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (ص، س): الرتابث. وفي (م): بالترابيث. والمثبت من "الترغيب والترهيب" 1/ 289، و"معالم السنن" للخطابي المطبوع مع "مختصر السنن" 2/ 5. وهذا القول قول الخطابي نقله عنه المنذري، وليس قول المنذري كما قاله المصنف، وضبط المصنف للكلمة خطأ. (¬7) "النهاية في غريب الحديث" (ربث).

(أو) [للشك من عطاء أو غيره] (¬1) يأخذونهم (بالربائث) بالراء والباء الموحدة، ثم ألف، ثم ياء مثناة تحت بعدها ثاء مثلثة جمع: ربيثة، وهي الأمر الذي يحبس الإنسان عن مقصده ويثبطه عنه، ومعناه أن الشياطين تشغلهم وتقيدهم عن السعي إلى الجمعة، وتذكرهم بالحاجات التي نسوها، وتحثهم على المبادرة إليها قبل أن تفوت، وتطمعهم في أن الوقت باقٍ متسع لم يتضيق فلا يزالون بذلك إلى أن تذهب الأوقات الفاضلة. (ويثبطونهم) أي: يحبسونهم ويمنعونهم عن المبادرة إلى الجمعة، كما أن المنافقين ومن استحوذ الشيطان [على قلبه] (¬2) وشغله بالأمور الدنيوية يثبطون الذين يخرجون إلى الجهاد ويقولون لهم: ليس أمامكم عدوٌّ فما لذهابكم فائدة، ولو نعلم قتالًا لاتبعناهم. (وتغدو الملائكة فتجلس على أبواب المسجد) يعني المساجد، ورواية أحمد: "وتقعد الملائكة على أبواب المساجد" (¬3) (فيكتبون) وروى الحافظ أبو نعيم في "الحلية" مرفوعًا: "إذا كان يوم الجمعة (¬4) بعث الله ملائكة بصحف من نور، وأقلام من نور" (¬5)، وهذا يدل على أن الملائكة المذكورين غير الحفظة. (الرجل) أي اسم الرجل المتقدم في المجيء إلى الصلاة (من ساعة) ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ص، س): قبله. وفي (م): قلبه. (¬3) "مسند أحمد" 1/ 93. (¬4) في (ص، س): القيامة. والمثبت من "الحلية". (¬5) "حلية الأولياء" 6/ 351.

واحدة، ويكتبون اسم الرجل الذي بعده (و) مجيئه (من ساعتين) والذي يليه من ثلاث ساعات على حسب مراتب السابق إلى المسجد، والسابق بعده؛ لتفاوتهم في الفضيلة. (حتى يخرج الإمام) فإذا خرج الإمام طووا الصحف وحضروا يستمعون الذكر، واستنبط الماوردي منه أن التبكير (¬1) لا يستحب للإمام، قال: ويدخل المسجد من أقرب أبوابه إلى المنبر (¬2). (فإذا جلس الرجل) الداخل للمسجد (مجلسا يستمكن) [أي: يتمكن] (¬3) (فيه من الاستماع) للخطبة (والنظر) إلى الخطيب. فيه [الدنو من الإمام و] (¬4) استحباب النظر إلى الخطيب لكونه أبلغ. (فأنصت ولم يلغ) أي: بالكلام الباطل. (كان له كفل) (¬5) بكسر الكاف وسكون الفاء وهو الحظ والنصيب، [وفي بعض النسخ كفلان (¬6). (من الأجر فإن نأى) أي: بعد عن الخطيب. (حيث لا يسمع) الخطبة (فأنصت ولم يلغ) بكلام (كان له كفل) هو الحظ والنصيب] (¬7) وكره النخعي (¬8) الشرب من ثلمة القدح وقال: إنها ¬

_ (¬1) في (ص، ل، م): التكبير. والمثبت من (س)، وهو الموافق لما في "الحاوي". (¬2) "الحاوي الكبير" 2/ 439. (¬3) سقط من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) كذا في الأصول الخطية، وفي "سنن أبي داود": كفلان. (¬6) في الأصول: كفلا. والجادة المثبت. (¬7) سقط من (م). (¬8) في الأصول الخطية: الشعبي. والمثبت من مصادر التخريج.

كفل الشيطان (¬1). يعني: إنها (¬2) مقعده، وأراد أنها مركبه (¬3)؛ لما يكون عليها من الأوساخ، وفي معناه إناء الطعام (من أجر) أي: من (¬4) الثواب. (وإن جلس مجلسًا يستمكن فيه من الاستماع) مع الفهم (¬5) (والنظر) للخطيب إذا نظر إليه، وكان ممن يقتدى به (فلغا ولم ينصت) بضم أوله وكسر ثالثه (كان له) أي (¬6): عليه كقوله تعالى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} (¬7) وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "اشترطي لهم الولاء" (¬8). (كفل من وزر) إثم وذنب، وأصل الوزر الحمل والثقل، كما قال تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (¬9). (ومن قال يوم الجمعة) حال استماع الخطبة (لصاحبه) الذي يقرب منه، وإن لم يكن يعرفه (صه) كلمة، بنيت على السكون، وهي للزجر، ومعناه: اسكت، ويكون للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث بمعنى اسكت، وهي من أسماء الأفعال، وإذا نونت [في الوصل] (¬10) ¬

_ (¬1) "غريب الحديث" لابن الجوزي 2/ 297، و"النهاية في غريب الحديث" (كفل). (¬2) سقط من (ل، م). (¬3) في (س، ل، م): مركب الشيطان. (¬4) سقط من (م). (¬5) في (م): الفم. (¬6) من (ل، م). (¬7) الإسراء: 7. (¬8) أخرجه البخاري (2168)، ومسلم (1504). (¬9) الإسراء: 15. (¬10) سقط من (م).

فهي للتنكير، كأنك قلت: اسكت سكوتًا تاما وإذا لم تنون فهي للتعريف أي: اسكت السكوت المعروف منك (¬1). (فقد لغا) بفتح (¬2) الغين يقال: لَغَا يَلْغُو لَغْوًا ولَغَى يَلْغَى ولَغِيَ بكسر الغين يَلْغي إذا خاب من الأجر. وقيل: معناه: تكلم، وقيل: صارت جمعته ظهرًا، وقيل: مال عن الصواب. (فليس له في جمعته تلك شيء) [من الأجر] (¬3) لأنه سقط بلغوه (ثم يقول) عليٌّ (في آخر ذلك: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ذلك). قال المصنف: (ورواه الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن جابر [وقال) فيه (بالربائث) يعني: دون شك] (¬4) (وقال: عن مولى امرأته أم عثمان بن عطاء). * * * ¬

_ (¬1) بعدها في (ل) والأصل: معناه: تكلم. ولعله انتقال نظر؛ حيث إن موضوعها يأتي. (¬2) في (م): بضم. (¬3) سقط من (م). (¬4) طمس في الأصل.

212 - باب التشديد في ترك الجمعة

212 - باب التَّشْدِيد فِي ترْكِ الجُمُعَةِ 1052 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ محَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو قال: حَدَّثَنِي عُبَيْدَةُ بْنُ سُفْيانَ الحَضْرَمِيُّ، عَنْ أَبِي الجَعْدِ الضَّمْرِيِّ -وَكانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ تَرَكَ ثَلاثَ جُمَعٍ تَهاوُنًا بِها طِبعَ اللُّه عَلَى قَلْبِهِ" (¬1). * * * باب التَّشْدِيدِ [فِي تَرْكِ الجُمُعَةِ] (¬2) [1052] (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى) القطان (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو) ابن (¬3) علقمة بن وقاص [الليثي المدني أخرج له] (¬4) مسلم والأربعة. (قَال: حَدَّثَنِي عَبيْدة) بفتح المهملة وكسر الموحدة [ثم مثناة تحت (بْنُ سُفْيَانَ] (¬5) الحَضْرَمِيُّ) أخرج له مسلم في الصيد. (عَنْ أَبِي الجَعْدِ) قال ابن عبد البر [والمنذري وغيرهما: اسمه أدرع] (¬6) يعني: بفتح الراء، وقيل: جنادة، وقيل: عمرو بن بكر (¬7). قال في "الاستيعاب": له صحبة ورواية، وله دار في بني ضمرة بالمدينة (¬8). ¬

_ (¬1) رواه النسائي 3/ 88، وابن ماجه (1125)، وأحمد 3/ 424. وصححه الألباني في "المشكاة" (1371). (¬2) طمس في الأصل. (¬3) في (ص): عن. والمثبت من "التهذيب" (5513). (¬4) و (¬5) طمس في الأصل. (¬6) طمس في الأصل. (¬7) انظر: "مختصر سنن أبي داود" 2/ 6. (¬8) "الاستيعاب" المطبوع مع "الإصابة" (2894).

(الضَّمْرِيِّ) بفتح الضاد [المعجمة وسكون الميم] (¬1) من بني ضمرة بن بكر بن عبد مناة. (أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -[قَال: مَنْ تَرَكَ] (¬2) ثَلَاثَ جُمَعٍ) ولفظ الترمذي وابن ماجه: "من ترك الجمعة ثلاث مرات" (¬3) [وإطلاق الحديث] (¬4) يشمل ترك الثلاث متوالية ومتفرقة. (تهاونًا) قال ابن الأثير في ["شرح مسند] (¬5) الشافعي": التهاون تفاعل من الهوان، وهو الذل والاستحقار (¬6) وهو [منصوب لأنه] (¬7) مفعول له. أي: تركها للتهاون بها (¬8) (طَبَعَ اللُّه) تعالى (عَلَى قَلْبِهِ) الطبع أخو الختم [وهو كناية] (¬9) عن شدة عدم (¬10) دخول الإيمان ووصول الحق إليه، ومنه قوله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} (¬11) أي أغلقها وختمها ومنعها إلطافه، ولا تدخلها الموعظة، وإن دخلت فلا تعيها، تشبها بالشيء الذي يختم عليه بعد الشد زيادة في الإغلاق والإيكاء [والطبع بالسكون الختم، وبالتحريك: الدنس، ثم استعمل فيما يشبهه من الأوزار وغيرها من القبائح] (¬12). * * * ¬

_ (¬1) و (¬2) طمس في الأصل. (¬3) "جامع الترمذي" (500)، و"سنن ابن ماجه" (1125). (¬4) و (¬5) طمس في الأصل. (¬6) في (ص): الاستخفاف. (¬7) طمس في الأصل. (¬8) "شرح مسند الشافعي" 2/ 160. (¬9) طمس في الأصل. (¬10) في (س، ل، م): عن. (¬11) البقرة: 7. (¬12) سقط من (م).

213 - باب كفارة من تركها

213 - باب كفّارَةِ مَنْ ترَكَها 1053 - حَدَّثَنا الْحَسَنُ بْن عَلِيٍّ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ، أَخْبَرَنا هَمّامٌ، حَدَّثَنا قَتادَةُ، عَنْ قُدامَةَ بْنِ وَبَرَةَ العُجَيْفِيِّ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ تَرَكَ الجُمُعَةَ مِنْ غَيرِ عُذْرٍ فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينارٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِنِصْفِ دِينارٍ". قال أَبُو داوُدَ: وَهَكَذا رَواهُ خالِدُ بْنُ قَيْسٍ وَخالفَهُ فِي الإِسْنادِ وَوافَقَهُ فِي المتْنِ (¬1). 1054 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ سُلَيْمانَ الأَنْبارِيُّ، حَدَّثَنا محَمَّد بْنُ يَزِيدَ وَإِسْحاق بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَيُّوبَ أَبِي العَلاءِ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ قُدامَةَ بْنِ وَبَرَةَ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ فاتَتْهُ الجُمُعَةُ مِنْ غَيرِ عُذْرٍ فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِرْهَمٍ أَوْ نِصْفِ دِرْهَمٍ أَوْ صاعِ حِنْطَةٍ، أَوْ نِصْفِ صاعٍ". قال أَبُو داوُدَ: رَواهُ سَعِيدُ بْن بَشِيرٍ عَنْ قَتادَةَ هَكَذا، إِلَاّ أَنَّهُ قال: "مُدًّا أَوْ نِصْفَ مُدٍّ". وقال عَنْ سَمُرَةَ. قال أَبُو داوُدَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يُسْأَل عَنِ اخْتِلافِ هذا الحَدِيثِ فَقال: هَمّامٌ عِنْدِي أَحْفَظُ مِنْ أَيُّوبَ. يَعْنِي: أَبا العَلاءِ (¬2). * * * باب كَفَّارَةِ مَنْ تَرَكَهَا [1053] (حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ) الحلواني الخلال (¬3) [نزيل مكة شيخ الشيخين] (¬4) (حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ) بن زاذان الواسطي (أنبأنا ¬

_ (¬1) رواه النسائي 3/ 89، وابن ماجه (1128)، وأحمد 5/ 8. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (195). (¬2) رواه الروياني (855)، والحاكم 1/ 280، وضعفه الألباني. (¬3) في (م): الحلالي. (¬4) طمس في الأصل.

هَمَّامٌ) ابن يحيى [العودي مولى بني] (¬1) عوذ الأزدي. (حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ قُدَامَةَ بْنِ وَبَرَةَ) بفتح الموحدة [(العجيفي) بضم العين] (¬2) المهملة وفتح الجيم مصغر. قال ابن معين: ثقة (¬3). وحكي عن البخاري: لا يصح [سماع قدامة] (¬4) [من سمرة] (¬5). (عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَال (¬6): مَنْ تَرَكَ الجُمُعَةَ [مِنْ غَيرِ] (¬7) عُذْرٍ فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِنِصْفِ (¬8) دِينَارٍ) كذا رواية [النسائي و] (¬9) ابن ماجه. وفي بعض نسخ أبي داود: "فنصف" بالرفع خبر مبتدأ محذوف، أي (¬10) فعليه نصف دينار. قال ابن العربي: لا يقابل ترك الجمعة دية كاملة، فكيف بهذا المقدار، وإنما كفارتها بالتوبة والاستغفار وأن يقضيها ظهرًا. [قال شارح "المصَابيح": هذا التصدق مستحب لدفع إثم ترك الجمعة (¬11). يعني: إذا قضاها ظهرًا] (¬12). قال المصنف: (وَهَكَذَا رَوَاهُ خَالِدُ بْنُ قَيسٍ) الحداني، بضم الحاء ¬

_ (¬1) و (¬2) طمس في الأصل. (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 23/ 555. (¬4) طمس في الأصل. (¬5) و (¬6) سقط من (م). (¬7) طمس في الأصل. (¬8) في (ص، س): فنصف. (¬9) و (¬10) من (ل، م). (¬11) "مراعاة المفاتيح" 4/ 447. (¬12) من (ل، م).

المهملة وتشديد الدال، الأزدي، أخرج له مسلم في الجهاد واللباس عن قتادة (¬1)، وروى هذا الحديث ابن ماجه من طريق خالد بن قيس، لكن لم يسمه، بل قال: عن نوح بن قيس، عن أخيه، عن قتادة (¬2) (وَخَالفَهُ فِي الإِسْنَادِ وَوَافَقَهُ فِي المَتْنِ) المذكور. [1054] (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيمَانَ الأَنْبَارِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ) الكلاعي (¬3) الواسطي شامي (¬4) الأصل. (وَإِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ) بن مرداس المخزومي (عَنْ أَيُّوبَ) بن مسكين (أَبِي العَلَاءِ) القصاب (¬5) [التميمي الواسطي، ثقة عند جماعة (عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ قُدَامَةَ بْنِ وَبَرَةَ) بفتح الموحدة] (¬6) أرسله [(قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬7): مَنْ فَاتَتْهُ الجُمُعَةُ مِنْ غَيرِ عُذْرٍ) احترازًا من المعذور [بعذر من الأعذار] (¬8) في ترك الجماعة (¬9) فإنه لا جمعة عليه، وقد استشكل السبكي الاكتفاء في الجمعة بأعذار الجماعة وقال: كيف يلحق فرض العين بما هو سنة أو فرض كفاية (¬10) (فَلْيَتَصَدَّقْ) الأمر للاستحباب. ¬

_ (¬1) و (¬2) سبق تخريجه. (¬3) في (م): بن داعي. وفي (ص، س): الكلاعي عن. والمثبت من "التهذيب" (5704)، و"الكاشف" (5224). (¬4) سقط من (م). (¬5) في (ص): القطان. انظر: "التهذيب" (624)، و"الكاشف" (525). (¬6) قطع في (م). (¬7) من (ل، م). (¬8) في (م): بالأعذار المرخصة. (¬9) في (م): الجمعة. (¬10) "إعانة الطالبين" 1/ 640، و"مغني المحتاج" 1/ 276.

(بِدِرْهَمٍ أَوْ) للتخيير بين الدرهم و (نِصْفِ دِرْهَمٍ) والدرهم أفضل (أو صاع حنطة أو نصف صاع) (¬1) والصاع أربعة أمداد، والمد رطل وثلث بالعراقي. قال المصنف: (رواه سعيد بن بشير) بصري نزل دمشق حافظ روى (عن قتادة) وأخرج له الأربعة (هكذا إلا أنه قال) في روايته: وجعل التصدق به (مدًّا أو نصف مد (¬2) وقال، عن سمرة) بن جندب، والمد رطل وثلث، والرطل مائة وثلاثون درهمًا، ويأتي فيه كلام ابن العربي في الدينار، واختلف هل يقتل تاركها كسلًا مع أنه يصلي الظهر؟ فالصحيح أنه لا يقتل؛ لأن لها بدلًا وتسقط بأعذار كثيره قاله الغزالي في "الفتاوى" وتبعه الرافعي. وقيل: يقتل؛ لأنها لا تقضى وليس الظهر قضاء عنها، واختاره ابن الصلاح (¬3). وقال في الأحوذي: أن جاحدها كافر، والتهاون بها من الكبائر صلى الظهر أو لم يصل (¬4). * * * ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم في "المستدرك" 1/ 280، والبيهقي في "السنن الكبرى" 3/ 248. قال الإمام أحمد في "العلل ومعرفة الرجال" (367): قدامة بن وبرة يرويه لا يعرف، رواه أيوب أبو العلاء فلم يصل إسناده كما وصله همام قال": "نصف درهم أو درهم" خالفه في الحكم وقصر في الإسناد. وقال الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" (197): هذا إسناد ضعيف من أجل أيوب أبي العلاء فإنه صدوق له أوهام ومع ضعفه خالف همام الثقة في إسناده. (¬2) سقط من (م). (¬3) "فتاوى ابن الصلاح" ص 253. (¬4) انظر: "تحفة الأحوذي" 3/ 13 - 14.

214 - باب من تجب عليه الجمعة

214 - باب مَنْ تَجِبُ علَيْهِ الجُمُعَةُ 1055 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن صالِحٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبي جَعْفَرٍ أَنَّ محَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ حَدَّثَهُ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّها قالتْ: كانَ النّاسُ يَنْتابُونَ الجُمُعَةَ مِنْ مَنازِلِهِمْ وَمِنَ العَوالِي (¬1). 1056 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا قَبِيصَة، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ -يَعْنِي: الطّائِفِيَّ-، عَنْ أَبي سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْهٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ هارُونَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "الجُمُعَةُ عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَ النِّداءَ". قال أَبُو داوُدَ: رَوَى هذا الحَدِيثَ جَماعَةٌ عَنْ سُفْيانَ مَقْصُورًا عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو لَمْ يَرْفَعُوهُ وَإِنَّما أَسْنَدَهُ قَبِيصَةُ (¬2). * * * باب مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الجُمُعَةُ [1055] (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ) المصري (حَدَّثَنَا) عبد الله (ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو) بن الحارث بن يعقوب المصري (عَنْ عُبَيدِ الله) بالتصغير (بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ) الأموي القرشي مولاهم المصري [ثقة] (¬3) بقية زمانه. (أَن مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ) بن الزبير بن العوام (حَدَّثَهُ عَنْ عمه عُرْوَةَ بْنِ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (902)، ومسلم (847). (¬2) رواه أبو بكر المروزي في "الجمعة" (67)، والدارقطني في "السنن" 2/ 6 (3)، والبيهقي 3/ 173. وحسنه الألباني في "الإرواء" (593). (¬3) ليست في الأصول، والمثبت من مصادر الترجمة.

الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أَنَّهَا قَالتْ: كَانَ النَّاسُ يَنْتَابُونَ) يفتعلون من النوبة. أي: يحضرونها نوبًا، وفي حديث الدعاء: "يا أرحم من انتابه المرتحمون" (¬1). أي: قصدوه، وفي رواية: "كان الناس يتناوبون" ذكرها ابن حجر (¬2). (الْجُمُعَةَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَمِنَ العَوَالِي) وأدناها على أربعة أميال من المدينة، وهي قرى مجتمعة حول المدينة، زاد في رواية البخاري ومسلم: "فيأتون (¬3) في العباء" (¬4) بفتح المهملة والموحدة، وللبخاري: "فيأتون في الغبار، فيصيبهم الغبار ويخرج منهم العرق" (¬5). وفي الحديث دليل على حرص الصحابة على أفعال الخير وامتثال الأمر ولو شق عليهم. قال القرطبي: فيه رد على الكوفيين حين لم يوجبوا الجمعة على من كان خارج المصر (¬6). كذا قال، وفيه نظر؛ لأنه لو كان واجبًا على أهل العوالي ما تناوبوا في الحضور، ولكانوا يحضرون جميعًا. [1056] (حدثنا محمد بن يحيى) بن عبد الله بن خالد (بن فارس) الذهلي النيسابوري، أخرج له البخاري في مواضع ولم يبينه (¬7). ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" 5/ 261 بلفظ: "المسترحمون" بدل: "المرتحمون". (¬2) "فتح الباري" 2/ 448. (¬3) في (ص): ينتابون. والمثبت من (س، ل، م)، ومصادر التخريج. (¬4) "فتح الباري" 2/ 448، و"صحيح مسلم (847) (6). (¬5) "صحيح البخاري" (902). (¬6) "المفهم" 2/ 482. (¬7) في (م): يثبته.

(حدثنا قبيصة) [بن عقبة (¬1) السوائي] (¬2) (حدثنا سفيان) الثوري (عن محمد بن سعيد الطائفي) أبي (¬3) سعيد المؤذن (عن أبي سلمة بن (¬4) نبيه) بضم النون وفتح الباء الموحدة مصغر الحجازي. (عن عبد الله بن هارون) ويقال ابن أبي هارون، قال الذهبي في "الميزان" في ترجمة أبي سلمة: إن (¬5) عبد الله بن هارون، تابعي (¬6). (عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: الجمعة على من سمع النداء) استدل به الشافعي (¬7) على أن الجمعة تجب على من كان خارج المصر وهو يسمع نداء المؤذن [في المكان الذي يصلي فيه] (¬8) خلافًا لأبي حنيفة (¬9) [حيث قال: لا تجب إلا على أهل البلد، والحديث حجة عليه. قال المصنف: (وروى هذا الحديث جماعة] (¬10) عن سفيان الثوري مقصورًا على عبد الله بن عمرو، ولم يرفعوه (¬11)، وإنما أسنده قبيصة) ¬

_ (¬1) في (ص): عتبة. والمثبت من (س، ل، و)، و"التهذيب" 23/ 481، و"التاريخ الكبير" (792). (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): أن. (¬4) سقط من "الأصل"، وفي (م): عن ابن. وبياض في (ل). والمثبت من (س)، و"سنن أبي داود"، و"التهذيب" 33/ 376. (¬5) في (ص): ابن. والمثبت من (س، ل، م)، و"الميزان". (¬6) "ميزان الاعتدال" (10258). (¬7) "الأم" 1/ 330. (¬8) سقط من (م). (¬9) انظر: "المبسوط" للسرخسي 2/ 37 - 38. (¬10) من (ل، م). (¬11) في (ص): يرفعه. والمثبت من (س، م)، و"سنن أبي داود".

بن عقبة السوائي، وهذا الحديث وإن كان في إسناده عبد الله بن هارون -وهو مجهول الحال- فقد ذكر له البيهقي شاهدًا بإسناد جيد فقال: روى شعبة، عن عدي بن ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من سمع النداء فلم يجبه فلا صلاة له" (¬1). قال أبو عبد الله الحاكم: هذا حديث رفعه هشيم بن بشير وقراد وأبو نوح عبد الرحمن بن غزوان، عن شعبة (¬2)، وهما ثقتان (¬3) والطريق إليهما صحيح فلا يضرهما من خالفهما في رفعه، قال (¬4): ورواه العبدي، عن عدي بن ثابت هكذا مرفوعًا فزاد فيه: "فلم يمنعه من اتباعه عذر"، قالوا: وما العذر؟ قال: "خوف أو مرض" (¬5). وقال البيهقي: روي عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنما الجمعة على من سمع النداء" (¬6). وروي، عن علي قال: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد". قيل: ومن جار المسجد؟ قال: "من أسمعه المنادي" (¬7). ثم ساق حديث عائشة - رضي الله عنها - المتقدم: "كان الناس ينتابون (¬8) الجمعة من منازلهم ومن العوالي" (¬9). * * * ¬

_ (¬1) "السنن الكبرى" للبيهقي 3/ 57، 174. (¬2) في (ص، س): سعيد. والمثبت من (ل، م)، و"المستدرك". (¬3) في (ص، س، ل): ثقات. والمثبت من (م)، و"المستدرك". (¬4) سقط من (م). (¬5) "المستدرك" 1/ 245 - 246. (¬6) "السنن الكبرى" 3/ 173. (¬7) "السنن الكبرى" 3/ 174. (¬8) في (م): يتناوبون. (¬9) سبق تخريجه.

215 - باب الجمعة في اليوم المطير

215 - باب الجُمُعَةِ فِي اليَوْمِ المَطِيرِ 1057 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْن كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا هَمّامٌ عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَبِي الملِيحِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ يَوْمَ حُنَيْنٍ كانَ يَوْمَ مَطَرٍ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُنادِيَهُ أَنِ الصَّلاة فِي الرِّحالِ (¬1). 1058 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن المُثَنَّى، حَدَّثَنا عَبْدُ الأعلَى، حَدَّثَنا سَعِيدٌ، عَنْ صاحِبٍ لَهُ، عَنْ أَبِي مَلِيحٍ أَنَّ ذَلِكَ كانَ يَوْمَ جُمُعَةِ (¬2). 1059 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ قال سُفْيانُ بْن حَبِيبٍ خَبَّرَنا عَنْ خالِدٍ الحذّاءِ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي الملِيحِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ شَهِدَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - زَمَنَ الحدَيْبِيَةِ في يَوْم جُمُعَةٍ وَأَصابَهُمْ مَطَرٌ لَم تَبْتَلَّ أَسْفَلُ نِعالِهِمْ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا فِي رِحالِهِمْ (¬3). * * * باب الجُمُعَةِ فيِ اليَوْمِ المَطِيِر [1057] (أحدثنا محمد بن كثير) العبدي] (¬4) (أنبأنا هَمَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي المَلِيحِ) بفتح الميم، اسمه عامر بن أسامة بن عمير بن عامر بن أقيشر (¬5) واسم الأقيشر (¬6) عمير الهذلي (عَنْ أَبِيهِ) أسامة بن عمير المذكور ¬

_ (¬1) رواه النسائي 2/ 111، وابن ماجه (936)، وأحمد 5/ 74. وصححه الألباني. (¬2) رواه البيهقي 3/ 186، وانظر السابق. (¬3) رواه ابن ماجه (936)، وأحمد 5/ 74، وابن خزيمة (1863)، والحاكم 1/ 293. وصححه الألباني. (¬4) من (م)، و"سنن أبي داود". (¬5) في الأصول الخطية: أقيس. والمثبت من: "الإكمال" 1/ 105، و"التهذيب" 34/ 316. (¬6) في (ص، س، ل): أبي أقيس. وفي (م): أخي أقيس. والمثبت من "الإكمال" 1/ 105، و"التهذيب" 34/ 316.

الصحابي، عداده في أهل البصرة. (أَنَّ يَوْمَ حُنَيْنٍ (¬1) كَانَ) هو (يَوْمَ مَطَرٍ) لفظ النسائي: عن أبي المليح، عن أبيه قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحنين (¬2) فأصابنا مطر، فنادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن صلوا في رحالكم (¬3). استدل به على أن المطر عذر من أعذار الجمعة والجماعة، لكن مطلق المطر ليس بعذر، بل هو مقيد بالشديد؛ لما روى الإمام أحمد والحاكم عن عبد الرحمن بن سمرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "إذا كان يوم مطر وابل فليصل أحدكم في رحله" (¬4). وقال الحاكم: صحيح الإسناد (¬5). فعلى هذا يشترط في كون المطر عذرًا أن يحصل منه (¬6) مشقة، كما صرح به الرافعي (¬7)، وقيد الماوردي العذر بالمطر الشديد (¬8). وعلى هذا لا يكون الخفيف عذرًا ولا الشديد إذا كان يمشي في كن. وذكر القاضي في باب الجمعة أن المطر وحده ليس عذرًا في تركها، بل لا بد معه من الوحل معًا. ¬

_ (¬1) في (م): خيبر. (¬2) في (م): بخيبر. (¬3) "المجتبى" 2/ 111. (¬4) " المسند" 5/ 62، "المستدرك" 1/ 292 - 293. (¬5) قال الحاكم في "المستدرك" 1/ 292 - 293: ناصح بن العلاء بصري ثقة إنما المطعون فيه ناصح أبو عبد الله المحلمي الكوفي فإنه روى عن سماك بن حرب مناكير، ولم يقل الحاكم في هذا الحديث: صحيح الإسناد، وإنما قاله على الحديث الذي بعده. (¬6) في (م): به. (¬7) "الشرح الكبير" 2/ 151. (¬8) "الحاوي الكبير" 2/ 304.

(فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُنَادِيَهُ أَنَّ) ينادي [(أن) بفتح الهمزة وتشديد النون، ويجوز] (¬1) بكسر الهمزة، لأن النداء في معنى القول، ويجوز الفتح على تقدير حذف حرف الجر، التقدير: بأن (الصلاة في الرحال) قال في "النهاية": يعني: [الدور والمساكن والمنازل، جمع رحل، يقال لمنزل الإنسان ومسكنه: رحله، انتهى (¬2). ويطلق الرحل] (¬3) على المكان الذي نزل فيه المسافر، ووضع فيه آلة السفر، وإن لم يكن فيه بناء ولا غيره. [1058] (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى) بن عبد الأعلى الساعي (¬4) القرشي (حَدَّثَنَا سَعِيدٌ) بن أبي عروبة (عَنْ صَاحِبٍ لَهُ (¬5)، عَنْ أَبِي مَلِيحٍ أَنَّ ذَلِكَ اليوم كَانَ يَوْمَ جُمُعَةٍ) وما ثبت أنه عذر في الجمعة فهو عذر في الجماعة من باب الأولى. [1059] (حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الجهضمي (¬6) قَال) حدثنا (سُفْيَانُ بْنُ حَبِيبٍ) البصري البزار، روى له البخاري في الأدب والباقون سوى مسلم. (أخبرَنَا عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عبد الله) بن يزيد الجرمي. (عَنْ أَبِي المَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ) أسامة (¬7) بن عمير (أَنَّهُ شَهِدَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - زَمَنَ الحُدَيْبِيَةِ) بالتخفيف كما رواه الربيع، عن الشافعي. ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (رحل). (¬3) من (ل، م). (¬4) من (م). (¬5) بياض في (ص، س، ل، م). (¬6) في (م): الحميصي. (¬7) في (ص، س): سالم. والمثبت من "الإكمال"، و"التهذيب" كما سبق.

(فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ وَأَصَابَهُمْ مَطَرٌ) يعني: قبل الزوال (لَمْ يبل) بفتح المثناة التحتية أوله [وسكون الموحدة وفتح التاء وتشديد اللام فاعل] (¬1) (أَسْفَلُ نِعَالِهِمْ) من المكان الذي أصابه المطر حين مشوا فيه. ولفظ ابن ماجه، عن أبي المليح قال: خرجت في ليلة مطيرة، فلما رجعت استفتحت، فقال أبي: [من هذا؟ قال] (¬2): أبو المليح، قال: لقد رأيتنا (¬3) مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية وأصابتنا سماء (¬4) لم [تبل أسافل] (¬5) نعالنا (¬6). والنعال جمع نعل، وظاهره أن المراد به النعل التي تلبس في الرجل، وهي مؤنثة، والعرب تمدح برقة النعال، وتجعلها من لباس الملوك، وأما حديث: "إذا ابتلت النعال فالصلاة في الرحال" وإن كان تاج الدين الفزاري قال في "الإقليد": لم أجده في الأصول (¬7). وذكره العمراني والماوردي (¬8) والرافعي (¬9) (¬10)، فالمراد بالنعل فيه ما غلظ من الأرض في صلابة، وإنما خصها بالذكر؛ لأن أدنى [بلل ينديها] (¬11) بخلاف الرخوة، فإنها تنشف الماء، وحمله آخرون على ظاهره وقالوا: إذا وقع من المطر ما تبتل النعال به فهو عذر ظاهر في ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ص، س، ل): من؟ قالوا. والمثبت من "سنن ابن ماجه". (¬3) في (ص، س، ل): أتينا. والمثبت من "سنن ابن ماجه". (¬4) في (ص): سيالة. والمثبت من "سنن ابن ماجه". (¬5) في (ل، م): تنل أسافلة. (¬6) "سنن ابن ماجه" (936). (¬7) "تحفة الأحوذي" 2/ 453. (¬8) "البيان" 2/ 369، "الحاوي الكبير" 2/ 304. (¬9) من (ل، م). (¬10) "الشرح الكبير" 2/ 151. (¬11) في (ص، س، ل): تلك تنديها. والمثبت من "النهاية" مادة (نعل).

ترك الجماعة، ويؤيده الإطلاق في هذا الحديث. [(فَأَمَرَهُمْ) النبي - صلى الله عليه وسلم - (أَنْ يُصَلُّوا الظهر فِي رِحَالِهِمْ) أي: منازلهم. بدلًا من الجمعة، وينبغي أن يحمل هذا الحديث على من نعالهم كنعال الصحابة، فإنهم كانوا يلبسون النعال التي كانت (¬1) تسمى اليوم التاسومة، ولعل أكثرهم لا يكون نعله (¬2) إلا على طاق واحد لا (¬3) يجدون ما يطارقون به النعال ويخصفونها؟ لما كان يغلب عليهم من الفاقة والطاق الواحد أدنى رشاش من الماء يشق المشي فيه بها، وأما من يمشي في القباقيب المرتفعة فلا يشق عليهم المشي في كثير من المطر، وإذا لم يشق فلا يكون عذرًا مرخصًا لترك الجمعة ولا الجماعة، ومما يدل على أن الرخصة متعلقة بالمشقة ما رواه الإمام أحمد من طريق الحسن عن (¬4) سمرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم حنين (¬5) في يوم مطير: "الصلاة في الرحال" (¬6) وزاد البزار: كراهة أن يشق علينا (¬7) قال ابن حجر: رجاله ثقات (¬8). * * * ¬

_ (¬1) و (¬2) من (ل، م). (¬3) من (ل، م). (¬4) في (م): بن. (¬5) في (م): خيبر. (¬6) "مسند أحمد" 5/ 8. (¬7) في (ص، س، ل): عليهم. والمثبت من (م)، و"مسند البزار" (4681). (¬8) "التلخيص الحبير" 2/ 80.

216 - باب التخلف عن الجماعة في الليلة الباردة

216 - باب التَّخلُّفِ عنِ الجَماعةِ فِي اللَّيْلَةِ البارِدَةِ 1060 - حَدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنا أَيُّوبُ، عَنْ نافِعٍ أَنَّ ابن عُمَرَ نَزَلَ بِضَجْنانَ فِي لَيْلَةٍ بارِدَةٍ، فَأَمَرَ المُنادِيَ فَنادَى أَنِ الصَّلاةُ فِي الرِّحالِ. قال أَيُّوبُ: وَحَدَّثَنا نافِعٌ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إِذا كانَتْ لَيْلَةٌ بارِدَةٌ أَوْ مَطِيرَةٌ أَمَرَ المُنادِيَ فَنادَى الصَّلاةُ فِي الرِّحالِ (¬1). 1061 - حَدَّثَنا مُؤَمَّلُ بْنُ هِشامٍ، حَدَّثَنا إِسْماعِيل، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نافِعٍ قال: نادَى ابن عُمَرَ بِالصَّلَاةِ بِضَجْنانَ، ثُمَّ نادَى: أَنْ صَلُّوا فِي رِحالِكُمْ. قال فِيهِ: ثُمَّ حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كانَ يَأْمُرُ المنادِىِ فَيُنادِي بِالصَّلَاةِ، ثُمَّ يُنادِي: "أَنْ صَلُّوا فِي رِحالِكُمْ". فِي اللَّيْلَةِ البارِدَةِ وَفِي اللَّيْلَةِ المطِيرَة فِي السَّفَرِ. قال أَبُو داوُدَ: وَرَواهُ حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ وَعُبَيْدِ اللهِ قال فِيهِ: فِي السَّفَرِ فِي اللَّيْلَةِ القَرَّةِ أَوِ المطِيرَة (¬2). 1062 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّهُ نادَى بِالصَّلَاةِ بِضَجْنانَ في لَيْلَةٍ ذاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ فَقال في آخِرِ نِدائِهِ: أَلا صَلُّوا فِي رِحالِكُمْ أَلا صَلُّوا فِي الرِّحالِ، ثَمَّ قال: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَأْمُرُ المُؤَذِّنَ إِذا كانَتْ لَيْلَةٌ بارِدَةٌ أَوْ ذات مَطَرٍ فِي سَفَرٍ يَقُولُ: أَلا صَلُّوا فِي رِحالِكُمْ (¬3). 1063 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِعٍ أَنَّ ابن عُمَرَ -يَعْنِي أَذَّنَ بِالصَّلَاةِ فِي لَيْلَةٍ ذاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ - فَقال: أَلا صَلُّوا فِي الرِّحالِ، ثُمَّ قال: إنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَأْمُرُ المؤَذِّنَ إِذا كانَتْ لَيْلَةٌ بارِدَةٌ أَوْ ذاتُ مَطَرٍ يَقُول: "أَلا صَلُّوا فِي الرِّحالِ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (937)، وأحمد 2/ 4، وابن حبان في "صحيحه" (2077)، وانظر الأحاديث بعده. (¬2) انظر ما بعده. (¬3) رواه البخاري (632)، ومسلم (697). (¬4) رواه البخاري (666)، ومسلم (697).

1064 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قال: نادَى مُنادِي رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِذَلِكَ فِي المَدِينَةِ فِي اللَّيْلَةِ المطِيرَةِ والغَداةِ القَرَّةِ. قال أَبُو داوُدَ: وَرَوَى هذا الخَبَرَ يَحْيَى بْن سَعِيدٍ الأَنْصارِيُّ، عَنِ القاسِم، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: فِيهِ فِي السَّفَرِ (¬1). 1065 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا الفَضْلُ بْن دُكَيْنٍ، حَدَّثَنا زهَيْرٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ قال: كُنّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ فَمُطِرْنا، فَقال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لِيُصَلِّ مَنْ شاءَ مِنْكُمْ فِي رَحْلِهِ" (¬2). 1066 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا إِسْماعِيل، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الحمِيدِ صاحِبُ الزِّيادِيِّ، حَدَّثَنا، عَبْدُ اللهِ بْنُ الحارِثِ ابن عَمِّ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ ابن عَبَّاسٍ قال: لُمِؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ: إِذا قُلْتَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ. فَلا تَقُلْ: حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ. قُلْ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ. فَكَأَنَّ النّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذَلِكَ فَقال: قَدْ فَعَلَ ذا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، إِنَّ الجُمُعَةَ عَزْمَةٌ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُخرِجَكُمْ فَتَمْشُونَ فِي الطِّينِ والمطَرِ (¬3). * * * باب التَّخَلُّفِ عَنِ الجَمَاعَةِ فِي اللَّيلَةِ البَارِدَةِ [1060] (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ) العنبري، أخرج له مسلم (حَدَّثَنَا ¬

_ (¬1) قال الألباني في "ضعيف أبي داود" (199): هذا إسناد ضعيف؛ لعنعنة ابن إسحاق، فإنه مدلس، وقوله: في المدينة، و: الغداة القرة .. منكر. فقد رواه أيوب وعبيد الله عن نافع فلم يذكرا ذلك، بل قالا: في السفر. كذلك أخرجه الشيخان، والمصنف في الكتاب الآخر (970 - 973). (¬2) رواه مسلم (698). (¬3) رواه البخاري (616)، ومسلم (699).

حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ) السختياني. (عَنْ نَافِعٍ) مولى ابن عمر - رضي الله عنهما - (أَنَّ ابن عُمَرَ نَزَلَ بِضَجْنَانَ) بضاد معجمة مفتوحة ثم جيم ساكنة ثم نون، جبيل [بضم المعجمة وتخفيف الموحدة] (¬1) [على بريد] (¬2) من مكة على (¬3) طريق المدينة (فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ) أي: شديدة البرد. قال النووي في "شرح المهذب": البرد الشديد عذر في الليل والنهار (¬4). وعلى هذا فالليل ليس بشرط في الترخص؛ للرواية الآتية في الباب: في الليلة المطيرة والغداة (¬5) الباردة. (فَأَمَرَ المُنَادِيَ فَنَادَى بأَن) بفتح الهمزة لدخول حرف الجر عليها (الصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ) قال أهل اللغة: الرحال المنازل سواء كانت من حجر [ومدر و] (¬6) خشب أو شعر وصوف ووبر وغيرها واحدها رحل. (قَال أَيُّوبُ) هو السختياني (وَحَدَّث نَافِعٌ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ (¬7) إِذَا كَانَتْ لَيلَةٌ بَارِدَةٌ) بالرفع فيهما على أن كان تامة، وفي بعض النسخ نصبها على أن (كان) ناقصة (أَوْ مَطِيرَة) قال الكرماني: فعيلة بمعنى فاعلة، وإسناد المطر إليها مجاز، ولا يقال: إنها بمعنى مفعولة أي: ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) بياض في (ص، س). (¬3) في (ص، س، ل): من. (¬4) "المجموع" 4/ 204. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (م): ماء أو. (¬7) في (م): قال.

ممطور (¬1) فيها؛ لوجود الهاء في قوله مطيرة إذ لا يقال: ممطورة (¬2) [فيها انتهى (¬3). و (أو) في قوله (مطيرة) للتنويع لا للشك؛ لأن في "صحيح أبي عوانة": ليلة باردة] (¬4)، أو ذات مطر أو ذات ريح (¬5). ودل ذلك على (¬6) أن [كلًّا من] (¬7) الثلاثة عذر (¬8) في التأخر عن الجماعة. ونقل ابن بطال فيه الإجماع (¬9)، لكن عند الشافعية أن الريح عذر في الليل فقط (¬10). ([أمر المنادي فنادى: ] (¬11) الصَّلَاةُ بالنصب على الإغراء أي (¬12): دونكم الصلاة، أو على إسقاط حرف الجر تقديره بأن الصلاة كما تقدم (فِي الرِّحَالِ) كما تقدم. [1061] (حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ) اليشكري شيخ البخاري (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) بن إبراهيم الأسدي (عَنْ أَيُّوبَ) بن أبي تميمة السختياني ¬

_ (¬1) في (م): محظور. (¬2) في (م): محظورة. (¬3) "فتح الباري" 2/ 113. (¬4) من (ل، م)، و"فتح الباري". (¬5) "مستخرج أبي عوانة" (2379). (¬6) من (ل، م)، و"فتح الباري". (¬7) من (ل، م)، و"فتح الباري". (¬8) سقط من (م). (¬9) "شرح البخاري" لابن بطال 2/ 291. (¬10) "المجموع" 4/ 203 - 204. (¬11) ليست في الأصول، والمثبت من "سنن أبي داود". (¬12) في (ص، س): أو.

(عَنْ نَافِعٍ قَال: نَادَى ابن عُمَرَ بِالصَّلَاةِ بِضَجْنَانَ) بفتح الضاد المعجمة كما تقدم (ثُمَّ) لما عزموا على الإتيان إلى الصلاة (نَادَى (¬1) أَنْ صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ. وقَال فِيهِ: ثُمَّ حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ المُنَادِيَ) وفي "صحيح مسلم": أنه كان يأمر المؤذن (¬2). (فينادي بالصلاة، ثم ينادي) رواية البخاري: ثم يقول على إثره (¬3). وهو صريح في أن هذا النداء الثاني كان بعد فراغ الأذان، ويدل عليه الرواية الآتية: فقال في آخر ندائه. كما سيأتي. (أن صلوا في رحالكم في الليلة الباردة، أو في الليلة المطيرة) فيه ما تقدم (في السفر) ظاهره اختصاص ذلك [بالسفر، والرواية الأولى مطلقة، وبها أخذ الجمهور، لكن قاعدة حمل المطلق على المقيد تقتضي أن يختص ذلك بالسفر] (¬4) مطلقًا، ويلحق به من تلحقه بذلك مشقة في الحضر دون من لا يلحقه، والله أعلم. (ورواه حماد بن سلمة، عن أيوب) السختياني (وعبيد الله) بن عمر [(قال فيه: في السفر) قال فيه (في الليلة القرة) بفتح القاف كما سيأتي (والمطيرة) تقدم. [1062] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أبو أسامة) حماد بن ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "صحيح مسلم" (697). (¬3) "صحيح البخاري" (632). (¬4) في (ص، س، ل): في السفر بالمسافر. والمثبت من (م)، وانظر: "فتح الباري" 2/ 113.

أسامة الكوفي (عن عبيد الله) بالتصغير] (¬1). (عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه نادى بالصلاة بضجنان) على وزن فعلان لا ينصرف (في ليلة ذات برد وريح) عاصفة، كما قيده أصحابنا. (فقال في آخر ندائه) قال القرطبي: يحتمل أن يكون المراد في آخره قبل الفراغ منه (¬2) جمعًا بينه وبين حديث ابن عباس الآتي (ألا صلوا في رحالكم، ألا صلوا في الرحال) فيه ما تقدم. (ثم قال) ابن عمر - رضي الله عنهما - (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلةً باردةً) بالنصب فيهما كما (¬3) تقدم. ويجوز الرفع (أو ذات مطر وسفر) معطوف بالواو (¬4) عليه، ولم يذكر ابن الأثير إلا (¬5) الرفع، فإنه قال: كانت (¬6) هي التامة التي لا تحتاج إلى خبر، وهي بمعنى [حدثت ووقعت] (¬7) التقدير: إذا حدثت (¬8) ليلة باردة، وقوله: (ذات مطر) فلما أراد أن يصف بالمصدر أدخل (ذات) توصلًا إلى الوصف به، ومطيرة أبلغ من ذات مطر (يقول: ألا صلوا في رحالكم) أي: منازلكم كما تقدم. [1063] (حدثنا) عبد الله بن مسلمة (القعنبي، عن مالك، عن نافع أن ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "المفهم" 2/ 337. (¬3) كذا في (م)، وفي باقي النسخ: بالرفع. (¬4) من (م). (¬5) سقط من (م). (¬6) في (ص): كان. (¬7) في (ص): حدث ووقع. (¬8) في (ص، س، ل): حدث.

ابن عمر - رضي الله عنهما - أذن) بتشديد الذال (بالصلاة) أي: لأجل الصلاة (في) ذات (¬1) (ليلة ذات برد وريح) أي: اجتمع فيها الريح والبرد الشديد. (فقال) في أثنائها (¬2) كما سيأتي (ألا صلوا في الرحال) يعني: إن شئتم. كما سيأتي. (ثم قال إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر المؤذن) فيه أنه يستحب للإمام أن يرتب مؤذنًا متطوعًا إن كان وإلا فبأجرة من بيت المال. (إذا كانت ليلة (¬3) باردة ذات مطر) بنصب الثلاثة أن (يقول: ألا صلوا في الرحال) وهذا القول مستحب. قال الشافعي في "الأم": إذا كانت ليلة مطيرة أو ذات ريح وظلمة فيستحب للمؤذن أن يقول إذا فرغ من أذانه: ألا صلوا في رحالكم قال: فإن قاله في أثناء الأذان بعد الحيعلة فلا بأس (¬4). هذا نصه. [1064] (حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ) بن عبد الله الباهلي مولاهم (¬5) الحراني، أخرج له مسلم والأربعة. (عن محمد بن إِسْحَاقَ) صاحب المغازي (عَنْ نَافِع، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَال: [كان ينَادي] (¬6) مُنَادِي) بضم الياء، أي: يؤذن مؤذن (رَسُولِ ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): إنهائها. (¬3) من (س، ل، م)، و"السنن". (¬4) "الأم" 1/ 178 - 179. (¬5) في (ص، س): مولى. والمثبت من (ل، م)، و"التهذيب" 25/ 289. (¬6) كذا في النسخ الخطية. وفي "سنن أبي داود": نادى.

الله - صلى الله عليه وسلم - بِذَلِكَ) أي بقوله ألا صلوا في الرحال (فِي المَدِينَةِ) يدل على أن هذا القول لا يختص بالسفر بل يقال في السفر والحضر عند حصول العذر (فِي اللَّيلَةِ المَطِيرَةِ) يقال: يوم مطير وليلة مطيرة، إذا كان فيهما مطر كثير، وهو أبلغ من قولهم: ليلة ذات مطر، وكذا ليلة باردة أبلغ من ذات برد (¬1)؛ لأن قوله ليلة باردة كأن البرد قد اتصفت به أجزاؤها كلها، وذات برد ليس البرد عامًّا فيها فكأن البرد لم يشمل جميع أجزائها، وإنما اختص ببعضها ذكره ابن الأثير في "شرح مسند الشافعي" (¬2) والْغَداةِ القرَّةِ (¬3). يقال (¬4): يوم قر ويوم قار وليلة قرة وقارة على الأصل بفتح القاف في الجميع أي: بارد وباردة [يقال: قر] (¬5) اليوم إذا برد قرا (¬6) بالفتح للمصدر، واسم المصدر القر بالضم، وتقدم الاستدلال به على أن شدة البرد في الأعذار المرخصة لا يختص بالليل بل يكون في الليل والنهار، وكذلك المطر والريح. (وهذا الخبر رواه) أيضًا (يحيى بن سعيد الأنصاري، عن القاسم) ابن (¬7) محمد بن أبي بكر الصديق كما أفاده المنذري ثم قال: وهو ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "الشافي في شرح مسند الشافعي" 1/ 437. (¬3) في (ص، س، ل): القارة. والمثبت من (م)، و"السنن". (¬4) أخرجه عنه البيهقي في "السنن الكبرى" 3/ 71، والبغوي في "شرح السنة" 3/ 351 - 352، وقال الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" (199): ضعيف. (¬5) في (ص، س): يقول في. وفي (ل): تقول قر. (¬6) في (ص): قر. (¬7) في (م): عن.

أحد الثقات النبلاء (¬1). (عن ابن عمر، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وقَال فِيهِ: فِي السَّفَرِ) وهو واقعة حال لا يشترط. [1056] (حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا أبو نعيم الفَضْلُ بْنُ دُكينٍ) ودكين لقب، واسمه عمرو بن حماد بن زهير التيمي، من أهل الكوفة. (حَدَّثَنَا زُهَيرٌ) بن معاوية الجعفي. (عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ) محمد بن مسلم بن تدرس التابعي المشهور. (عَنْ جَابِرٍ قَال: كُنا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ فَمُطِرْنَا، فَقَال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: لِيُصَلِّ [مِنْكُمْ مَنْ شَاءَ] (¬2) فِي رَحْلِهِ) كذا لفظ رواية مسلم، وفيه دليل على تخفيف أمر الجماعة في السفر في المطر ونحوه من الأعذار، وأنها متأكدة إذا لم يكن عذر، [ومع العذر] (¬3) فهو مخير، فإن تكلف الإتيان إليها وتحمل المشقة فهو أفضل. [1066] (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) بن علية (أَخْبَرَنِي عَبْدُ الحَمِيدِ) بن دينار. (صَاحِبُ الزِّيَادِيِّ) يحيى بن كثير الزيادي، نسبة إلى جده (حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ الحَارِثِ) البصري (ابْنُ عَمِّ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ) وزوج أخته. (أَن ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَال لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ) أي: كثير المطر (إِذَا قُلْتَ: أَشْهَدُ أَن مُحَمَّدًا رَسُولُ الله) الثانية (فَلَا تَقُلْ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ) ¬

_ (¬1) "مختصر السنن" 2/ 8. (¬2) كذا في النسخ الخطية، وفي "سنن أبي داود": من شاء منكم. (¬3) سقط من (م).

بوب عليه ابن خزيمة حذف حي على الصلاة يوم المطر (¬1) وكأنه نظر إلى المعنى؛ لأن حي على الصلاة معناه: هلموا إلى الصلاة، والصلاة في الرحال، وصلوا في بيوتكم يناقض ذلك، والصحيح أنها تزاد. قال النووي: هذِه الكلمة تقال في نفس (¬2) الأذان كما في هذا الحديث، وفي الحديث المتقدم تزاد بعده، قال: والأمران جائزان كما نص عليه الشافعي (¬3) لكن بعده أحسن (¬4) ليتم نظم الأذان. قال: ومن أصحابنا من قال: لا يقوله إلا بعد الفراغ، وهو ضعيف مخالف لهذا الحديث، انتهى (¬5). وكلامه يدل (¬6) على أنها تزاد مطلقًا إما في أثنائه وإما بعده لا أنها بدل حي على الصلاة كما قال ابن خزيمة، وقد ورد الجمع بينهما في حديث آخر أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن نعيم النحام قال: أذن مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للصبح في ليلة باردة فتمنيت لو قال: ومن بعد فلا حرج، فلما قال: الصلاة خير من النوم قالها (¬7). (قُلْ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ) إشارة (¬8) إلى صلاة العصر رخص لهم في ترك الجماعة فيها، وأما الجمعة فقد جمعهم بها، ولا يجوز لمن ¬

_ (¬1) "صحيح ابن خزيمة" 3/ 180. (¬2) في (ص، س): تعيين. والمثبت من (ل، م)، و"شرح النووي". (¬3) "الأم" 1/ 178 - 179. (¬4) في (ص، ل): وحسن. والمثبت من (م)، و"شرح النووي". (¬5) من (ل، م). (¬6) من (ل، م). (¬7) أخرجه عد الرزاق في "المصنف" (1926، 1927) بمعناه. (¬8) في (ص، س): إسناده. والمثبت من "فتح الباري".

حضر الجمعة أن ينصرف عنها، والظاهر أنه [جمع بهم فيها. قال ابن المنير: جمعهم ليعلمهم الرخصة في تركها في المستقبل. قال ابن حجر: والظاهر أنه] (¬1) لم يجمعهم إنما أراد بقوله (صلوا في بيوتكم) مخاطبة من لم يحضر وتعليم من حضر (¬2). (فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذَلِكَ) منه؛ لأنه تكلم في الخطبة لرواية البخاري: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3). واستدل به ابن الجوزي على أن الصلاة المذكورة كانت في الجمعة [وذكر هذا الحديث في كتاب الجمعة] (¬4) [يدل عليه] (¬5) وبوب البخاري على الحديث باب الكلام في الأذان أي (¬6): في أثنائه بغير لفظه، ودلالته غير صريحة، وحكى ابن المنذر الجواز مطلقًا عن عروة وعطاء والحسن وقتادة (¬7). وبه قال أحمد (¬8)، وعن أبي حنيفة وصاحبيه أنه خلاف الأولى (¬9)، ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) "فتح الباري" 2/ 384. (¬3) البخاري (616) بلفظ: خطبنا ابن عباس، وهو الصواب، وليس كما ذكره المصنف هنا. (¬4) من (ل، م). (¬5) سقط من (م). (¬6) من (ل، م). (¬7) "الأوسط" 2/ 180. (¬8) "مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج" (173). (¬9) انظر: "المبسوط" للسرخسي 1/ 278.

وعليه يدل كلام مالك (¬1) والشافعي (¬2)، وعن إسحاق بن راهويه أنه يكره [إلا] (¬3) إن كان فيما يتعلق بالصلاة، واختاره ابن المنذر لحديث ابن عباس (¬4). (قال) ابن عباس (قد فعل ذا) لفظ البخاري: فعل هذا (¬5) (مَنْ هُوَ خَيرٌ مِنِّي) يريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إِنَّ الجُمُعَةَ عزمة) بسكون الزاي، وهي ضد الرخصة، [والمراد بها هنا الوجوب] (¬6) يريد: لو ترك المؤذن يقول حي على الصلاة لبادر من سمعه إلى المجيء في المطر فيشق عليهم، فأمره أن يقول: صلوا في بيوتكم، ليعلموا أن المطر من الأعذار التي تصير العزيمة رخصة (¬7) واستشكل الإسماعيلي قوله: (الجمعة عزمة) (¬8)، وقال: لا أخاله صحيحًا؛ فإن أكثر الروايات أنها عزمة. أي: كلمة المؤذن وهي حي على الصلاة؛ لأنها دعاء إلى الصلاة تقتضي لسامعه الإجابة (¬9). (وإني كرهت أن أحرجكم) بضم الهمزة وسكون الحاء المهملة من ¬

_ (¬1) انظر: "الاستذكار" 4/ 83 - 84. (¬2) "الأم": 1/ 174. (¬3) ليست في الأصول، والمثبت من "فتح الباري" و"الأوسط". (¬4) "الأوسط" 2/ 181، و"فتح الباري" 2/ 116. (¬5) "صحيح البخاري" (616). (¬6) سقط من (م). (¬7) ساقطة من (م)، وبياض في (ص، س، ل)، والمثبت من "فتح الباري" 2/ 384. (¬8) من (ل، م)، و"سنن أبي داود". (¬9) "فتح الباري" 2/ 384.

الحرج وهو المشقة. أي: أشق عليكم في إلزامكم السعي إلى الجمعة (¬1) في الطين والمطر. وفي رواية الحجبي من طريق عاصم: أن أؤثمكم. أي: أكون سبب اكتسابكم الإثم عند ضيق صدوركم، فربما يتسخط أو يتكلم بما لا يليق، وهذِه الرواية ترجح رواية الحاء المهملة (¬2). ويروى: أخرجكم. بالخاء المعجمة من الخروج، وفي رواية جرير، عن عاصم عند ابن خزيمة: أن أخرج الناس وأكلفهم أن يحملوا الخبث من طرقهم إلى مسجدكم (¬3). (فتمشون في الطين والمطر) وهذا الحديث حجة على مالك في أنه لا يرخص في ترك الجمعة في المطر. ¬

_ (¬1) في (ل، م): الجماعة. (¬2) "فتح الباري" 2/ 99. (¬3) "صحيح ابن خزيمة" (1864).

217 - باب الجمعة للمملوك والمرأة

217 - باب الجُمُعَةِ لِلْممْلُوكِ والمَرْأةِ 1067 - حَدَّثَنا عَبّاسُ بْنُ عَبْدِ العَظِيمِ، حَدَّثَنِي إِسْحاقُ بْن مَنْصُورٍ، حَدَّثَنا هُرَيْمٌ، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ محَمَّدِ بْنِ المُنْتَشِرِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طارِقِ بْنِ شِهابٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: "الجُمُعَةُ حَقٌّ واجِبٌ عَلَى كُل مُسْلِمٍ فِي جَماعةٍ، إِلَّا أَرْبَعَةٌ: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، أَوِ امْرَأَةٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَرِيضٌ". قال أَبُو داوُدَ: طارِقُ بْن شِهابٍ قَدْ رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا (¬1). * * * باب الجمعة للمملوك والمرأة (¬2) [1067] (حدثنا عباس) بالموحدة (¬3) والسين المهملة (ابن عبد العظيم) ابن إسماعيل العنبري، أبو الفضل البصري الحافظ شيخ مسلم، والبخاري تعليقًا. (حدثني إسحاق بن منصور) السلولي (¬4) الكوفي (حدثنا هريم) [بفتح الراء مصغر] (¬5) ابن سفيان البجلي (عن إبراهيم بن محمد بن (¬6) المنتشر (¬7) بإسكان النون [وفتح المثناة فوق وكسر المعجمة] (¬8) ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في "الكبير" 8/ 321 (8206)، والحاكم 1/ 288، والبيهقي 3/ 172، 183. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (978). (¬2) من (ل، م). (¬3) في (ص، س): بالمهملة. (¬4) في (ص): السكوني. والمثبت من "الإكمال" 7/ 317، و"تهذيب الكمال" 2/ 478. (¬5) و (¬6) سقط من (م). (¬7) في (ص): المنير. والمثبت من (ل، م)، و"الإكمال" 7/ 229، و"التهذيب" 2/ 183. (¬8) في (ص، س، ل): وكسر المثناة تحت.

الهمداني. [(عن قيس بن مسلم) الكوفي الجدلي بفتح الجيم والدال، نسبةً إلى جديلة الأنصار] (¬1). (عن طارق بن شهاب) بن عبد شمس (¬2) البجلي الكوفي رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - وله رواية، لفظه عند المصنف فقط [قال ابن الأثير: وليس له سماع منه إلا شاذًّا وغزا في خلافة أبي بكر وعمر (¬3). وروى هذا الحديث الحاكم من حديث طارق هذا] (¬4) عن أبي موسى الأشعري (¬5). (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) وصححه غير واحد، وفي الباب عن تميم الداري، وابن عمر، ومولى آل (¬6) الزبير. رواها البيهقي (¬7). (قال: الجمعة حق واجب على كل مسلم) وروى الدارقطني، عن جابر: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة إلا امرأة أو مسافر أو عبد أو مريض" (¬8) (في جماعة) استدل به على أن من شروط الجمعة أن تقام في جماعة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين بعده لم ينقل عنهم، ولا عن أحد في زمانهم ولا بعدهم أنه فعلها فرادى [لفظه في "شَرح ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) في (م): عبس. (¬3) "شرح مسند الشافعي" 2/ 155، "جامع الأصول" 12/ 539. (¬4) سقط من (م). (¬5) "المستدرك" 1/ 288، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. (¬6) في (م): أبي. (¬7) "السنن الكبرى" 3/ 183 - 184. (¬8) "سنن الدارقطني" 2/ 3.

السُّنَّة": "إلا على أربعة" (¬1). رواية الشافعي: "تجب الجمعة على كل مسلم إلا امرأة أو صبيًّا أو مملوكًا" (¬2) كذا رواية الربيع. قال ابن الأثير: نصب "امرأة" و"صبيًّا"؛ لأنه استثناء من موجب. أما رواية أبي داود فرفع؛ لأنه لما قال: "إلا أربعة" جعلها المستثنى ثم استأنف تفصيل الأربعة ورفعها (¬3)، (¬4) (إلا أربعة) بالنصب؛ لأنها استثناء من موجب أحدهم (عبد مملوك) فلا تجب عليه الجمعة، لأنه مشغول بخدمة سيده، ولهذا لا يخاطب بالجماعة في الصلوات الخمس (¬5) فإن أراد أن يفعلها هل يحتاج إلى إذن السيد؟ قال القاضي حسين: إن زاد زمن الجماعة على زمن الانفراد لزمه، وإلا فلا (¬6)، ولا فرق في العبد بين أن ينعقد له سبب الحرية كالمكاتب والمدبر والمعلق عتقه بصفة أم لا. ولا جمعة على المبعض؛ لأن رق البعض يمنع من (¬7) الكمال. (أو امرأة) فلا تجب عليها (¬8) الجمعة؛ لأن تكليفها (¬9) بالخروج، ومخالطة الرجال فيه مشقة، وربما أدى إلى الفساد (أو صبي) مميزًا كان أو غير مميز (أو مريض) ومن له عذر مرخص في ترك الجمعة (¬10) ¬

_ (¬1) "شرح السنة" 4/ 225، ولكن لفظه: "تجب الجمعة على كل مسلم إلا امرأة أو صبيًّا أو مملوكا". (¬2) "مسند الشافعي" 1/ 61. (¬3) "شرح مسند الشافعي" 2/ 155. (¬4) و (¬5) سقط من (م). (¬6) "حاشية البجيرمي" 1/ 290. (¬7) سقط من (م). (¬8) في (م): عليهما. (¬9) في (م): تكليفهما. (¬10) في (ل، م): الجماعة.

يلحق بالمريض، [وعدم الوجوب في المريض] (¬1) وذوي الأعذار هو فيما إذا لم يحضروا للجمعة، فإن حضروا هم والأعمى الذي لا يجد قائدًا وجبت عليهم الجمعة، وحرم عليهم الانصراف إن دخل الوقت، إلا أن يزيد ضرر المريض بانتظاره. قال المصنف: (طارق بن شهاب [قد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يسمع منه شيئًا) قال السبكي: إن صح هذا (¬2)] الذي قاله؛ فالحديث مرسل صحابي وهو حجة. قال النووي في "الخلاصة": مرسل (¬3) الصحابي (¬4) حجة (¬5). والحاكم رواه عنه بإسناد صحيح على شرط الشيخين (¬6) عن أبي موسى الأشعري فاندفع (¬7) الإرسال. ¬

_ (¬1) و (¬2) من (ل، م). (¬3) من (ل، م). (¬4) زاد في (م): هذا. (¬5) "خلاصة الأحكام" 2/ 757. (¬6) سبق تخريجه. (¬7) في (م): فإنه يدفع.

218 - باب الجمعة في القرى

218 - باب الجُمُعَةِ فِي القُرَى 1068 - حَدَّثَنا عُثْمان بْنُ أَبي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيُّ -لَفْظُهُ- قالا: حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ طَهْمانَ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قال: إِنَّ أَوَّلَ جُمُعَةٍ جُمعَتْ فِي الإِسْلامِ بَعْدَ جُمُعَةٍ جُمعَتْ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالمدِينَةِ لجمُعَةٌ جُمِّعَتْ بِجُواثاءَ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى البَحْرَيْنِ. قال عُثْمان: قَرْيَةٌ مِنْ قَرَى عَبْدِ القَيْسِ (¬1). 1069 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا ابن إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبي أُمامَةَ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مالِكٍ - وَكانَ قائِدَ أَبِيهِ بَعْدما ذَهَبَ بَصَرُهُ، عَنْ أَبِيهِ كَعْبِ بْنِ مالِكٍ أَنَّهُ كانَ إِذا سَمِعَ النِّداءَ يَوْمَ الجُمُعَةِ تَرَحَّمَ لأسعَدَ بْنِ زُرارَةَ. فَقُلْتُ لَهُ: إِذا سَمِعْتَ النِّداءَ تَرَحَّمْتَ لأسعَدَ بْنِ زُرارَةَ؟ قال: لأنَّهُ أَوَّلُ مَنْ جَمَّعَ بِنا فِي هَزْمِ النَّبِيتِ مِنْ حَرَّةِ بَنِي بَياضَةَ فِي نَقِيعٍ يُقالُ لَهُ: نَقِيعُ الخَضِماتِ. قُلْتُ: كَمْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قال: أَرْبَعُونَ (¬2). * * * باب الجمعة في القرى [1068] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ومحمد بن عبد الله المخرمي) (¬3) بضم الميم وفتح الخاء والراء المكسورة المشددة، نسبة إلى المخرم محلة ببغداد سميت بذلك؛ [لأن بعض] (¬4) ولد يزيد بن المخرم نزلها فسميت به، ومحمد بن عبد الله شيخ البخاري، وكان قاضي حلوان، وهذا ¬

_ (¬1) رواه البخاري (892، 4371). (¬2) رواه ابن ماجه (1082)، وابن الجارود (291)، وابن خزيمة (1724)، وابن حبان (7013). وحسنه الألباني في "الإرواء" (600). (¬3) في (م): المخرومي. (¬4) سقط من (م).

(لفظه، قالا: حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي (عن إبراهيم بن طهمان) أبي سعيد الخراساني. (عن أبي جمرة) بالجيم والراء اسمه (¬1) نصر بن عمران الضبعي من الطبقة الثالثة من تابعي البصرة (¬2). (عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: إن أول جمعة جمعت) (¬3) بضم الجيم وتشديد الميم المكسورة (في الإسلام بعد جمعة جمعت) بتشديد الميم أيضًا، وكذا رواية البخاري في المغازي (¬4). (في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة) ووقعت في رواية المعافى بن عمران بمكة، وهو خطأ لا مرية [فيه (لجمعة] (¬5) بالرفع (جمعت بجواثا) بضم الجيم وتخفيف الواو، وقد تهمز، ثم [مثلثة خفيفة] (¬6) من قرى البحرين. قال الأزهري: ثنُّوا (¬7) البحرين؛ لأن في ناحية قراها بحيرة على باب الأحساء، وقرى هجر بينها وبين البحر الأخضر عشرة فراسخ (¬8). وحكى الجوهري وابن الأثير تبعًا للزمخشري أن جواثا اسم حصن بالبحرين (¬9)، وهذا لا ينافي كونها قرية. ¬

_ (¬1) و (¬2) و (¬3) سقط من (م). (¬4) "صحيح البخاري" (4371). (¬5) في (م): جمعة. وفي (ل): لجمعة. (¬6) في (ص، س): تقلب. وفي (ل): مثلثة. (¬7) في (ص، س، ل): سمى. والمثبت من (م)، و"تهذيب اللغة". (¬8) "تهذيب اللغة" (بحر). (¬9) "النهاية في غريب الحديث" (جوث).

(قال عثمان) بن أبي شيبة (قرية من قرى عبد القيس) كذا للإسماعيلي، والظاهر أن عبد القيس لم يجمعوا من تلقاء أنفسهم، لكن بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لما عرف من عادة الصحابة من عدم الاستدلال بالأمور الشرعية في زمن نزول الوحي، ويحتمل أن جواثا كانت (¬1) قرية ثم صارت مدينة (¬2). [1069] (حدثنا قتيبة بن سعيد) البلخي البغلاني (¬3) (حدثنا عبد الله بن إدريس) الأودي الكوفي (عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي أمامة) واسمه أسعد (بن سهل) بن حنيف الصحابي (¬4) (عن أبيه) أسعد بن سهل بن حنيف الصحابي (¬5) (عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، وكان قائد أبيه) كعب بن مالك (بعدما ذهب بصره) في آخر عمره (عن أبيه كعب ابن مالك) بن أبي كعب عمرو بن قيس الأنصاري الخزرجي. أحد الثلاثة الذين تيب عليهم. (أنه كان إذا سمع النداء يوم الجمعة (¬6) ترحم) رواية ابن ماجه، عن عبد الرحمن بن كعب [بن مالك] (¬7) قال: كنت قائد أبي حين ذهب بصره، فكنت إذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الأذان استغفر لأبي ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "فتح الباري" 2/ 380. (¬3) بياض في الأصل. (¬4) سقط من (م). (¬5) سقط من (م). (¬6) في (ص): الجماعة. (¬7) سقط من (م).

أمامة أسعد ودعا له (¬1). يعني: بالرحمة الأسعد بن (¬2) زرارة) بن عدس بضم العين وفتح الدال بعدها سين مهملات، الأنصاري الخزرجي قيل: إنه أول من بايع النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة العقبة، ومات قبل بدر، ودفن بالبقيع، وهو أول مدفون به، مات في شوال من السنة الأولى قبل (¬3) قدوم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة. (فقلت له: إذا سمعت النداء ترحمت على أسعد بن زرارة) لفظ ابن ماجه: فقلت: يا أبتاه، أرأيتك صلاتك طى أسعد بن زرارة كلما سمعت النداء بالجمعة؟ (¬4). (قال): أي بني (لأنه أول من جمع بنا) ولفظ ابن ماجه: كان (¬5) أول من صلى بنا الجمعة قبل مقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة (¬6). وروى الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" عن أبي مسعود الأنصاري قال: أول من قدم من المهاجرين المدينة مصعب بن عمير، وهو أول من جمع بها (¬7) يوم الجمعة، جمعهم قبل أن يقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬8) وهم اثنا عشر رجلًا، وفي إسناده صالح بن أبي الأخضر، وهو ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (1082). (¬2) زاد في (م): أبي. (¬3) سقط من (م). (¬4) "سنن ابن ماجه" (1082). (¬5) من (س، ل، م)، و"سنن ابن ماجه". (¬6) "سنن ابن ماجه" (1082). (¬7) في (ص، س، ل): بنا. والمثبت من "المعجم الكبير"، و"المعجم الأوسط". (¬8) "المعجم الكبير" 17/ 267 رقم 733، و"المعجم الأوسط" (6294).

ضعيف، ويجمع بينه وبين الأول بأن أسعد كان أميرًا، وكان مصعب إمامًا. وروى عبد بن حميد في "تفسيره" عن ابن سيرين قال: جمع أهل المدينة قبل أن يقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - وقبل أن تنزل الجمعة. قالت الأنصار: لليهود يوم يجتمعون فيه كل سبعة (¬1) أيام، وللنصارى مثل ذلك، فهلم فلنجعل يومًا نجتمع فيه ونذكر الله تعالى ونشكره فجعلوه يوم العروبة، واجتمعوا إلى أسعد بن زرارة، فصلى بهم يومئذ ركعتين وذكرهم، فسموه الجمعة حين اجتمعوا إليه، فذبح لهم شاة، فأنزل الله تعالى في ذلك {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (¬2) الآية (¬3). (في هزم) بفتح الهاء وسكون الزاي، بعدها ميم، موضع بالمدينة. قال البكري (¬4) في "المستعجم": هو هزم بني بياضة، [وفي الحديث: أول جمعة جمعت في هزم بني بياضة ويروى في هزمة بني بياضة] (¬5) وهزم الأرض ما تهزم منها. أي: تكسر وتشقق، ومنه الحديث الآخر: "إن زمزم هزمة جبريل" (¬6) (¬7). ¬

_ (¬1) في (ص، س): ستة. والمثبت من (ل، م)، ومصادر التخريج. (¬2) الجمعة: 9. (¬3) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (5144)، والألوسي في "روح المعاني" 28/ 99. (¬4) بعدها في الأصل: في معجم البلدان. (¬5) من (ل، م)، و"معجم ما استعجم". (¬6) أخرجه الدارقطني في "سننه" 2/ 289. (¬7) "معجم ما استعجم" 4/ 1353.

وروى [سهيل بن أبي] (¬1) صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة: إذا عرستم فاجتنبوا هزم الأرض فإنها مأوى الهوام (¬2)، ويروى هوم [الأرض بالواو. أي: ما انخفض منها وهو صحيح في اللغة (¬3). (النبيت) بفتح النون وكسر الباء الموحدة، بعدها، (¬4) ياء آخر الحروف ساكنة، وبعدها تاء ثالث الحروف (¬5) [حي من اليمن] (¬6). قال البكري: هو جبل بصدر قناة على بريد من المدينة، وكان أبو سفيان لما انصرف من بدر نذر أن لا يمس رأسه ماء حتى يغزو محمدًا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فخرج في مائتي راكب ليبر (¬7) يمينه فسلك (¬8) النجدية حتى نزل بصدر قناة إلى جبل يقال له النبيت، فبعث رجالًا إلى المدينة فأتوا ناحية يقال لها العريض (¬9)، فحرقوا في أصول نخل وقتلوا رجلًا من الأنصار، فخرج إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طلبهم (¬10). (من حرة) بفتح الحاء والراء المهملتين، والراء مشددة (بني بياضة) وهي قرية على ميل من المدينة، وبياضة بطن من الأنصار (في نقيع) بفتح ¬

_ (¬1) سقط من (ل، م). (¬2) "صحيح مسلم" (1926). (¬3) "معجم ما استعجم" 4/ 1353. (¬4) و (¬5) من (ل، م). (¬6) سقط من (م). (¬7) في (ص): يسير. والمثبت من "معجم ما استعجم". (¬8) في (م): فنزل. (¬9) في الأصول الخطية: الخريق. والمثبت من "معجم ما استعجم". (¬10) "معجم ما استعجم" 4/ 1295.

النون واد من أودية الحجاز يقال له نقيع الخضمات بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين. قال البكري: كأنه جمع خضمة، وهو موضع مذكور في رسم النبيت (¬1). وهو من أودية الحجاز يدفع سيله إلى المدينة. (قلت: كم أنتم يومئذ؟ قال: أربعون) صححه ابن حبان والبيهقي والحاكم، وقال: إنه على شرط مسلم (¬2)، ووجه الدلالة أن الغالب على أحوال الجمعة هو التعبد، والأربعون أقل ما ورد. وروى البيهقي من رواية ابن مسعود قال: جمعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن أربعون رجلًا (¬3). وفي رواية له: نحو أربعين (¬4). وروى البيهقي (¬5) والطبراني (¬6) من حديثه: "على خمسين جمعة ليس فيها دون ذلك" [زاد الطبراني في "الأوسط": "ولا شيء على من دون ذلك (¬7) "] (¬8) وحكى صاحب "التلخيص" عن الشافعي في القديم ¬

_ (¬1) "معجم ما استعجم" 2/ 505. (¬2) ابن حبان (7013)، والبيهقي في "الكبرى" 3/ 177، والحاكم 1/ 281. (¬3) و (¬4) "السنن الكبرى" 3/ 180. (¬5) "السنن الكبرى" 3/ 179. وقال: وقد روي في هذا الباب حديث في الخمسين لا يصح إسناده. وأخرج في 3/ 178 أثرًا عن عمر بن عبد العزيز: أيما قرية اجتمع فيها خمسون رجلًا فليؤمهم رجلٌ منهم وليخطب عليهم، وليصل بهم الجمعة. ولم أجد الحديث بنصه. (¬6) "المعجم الكبير" (7952) بلفظ: "الجمعة على الخمسين رجلًا، وليس على ما دون ذلك الخمسين جمعة" من حديث أبي أمامة. ولم أجده في "المعجم الأوسط". وذكر هذا الكلام ابن حجر في "التلخيص الحبير" 2/ 114. (¬7) لم أجد هذه الزيادة في "الأوسط" ولعله يقصد "الكبير" حيث إن لفظ الحديث هناك: "الجمعة على خمسين رجلًا، وليس على ما دون الخمسين جمعة". (¬8) من (ل، م).

انعقادها بثلاثة، وغلطه أكثر الأصحاب والثلاثة [الإمام ومأمومان] (¬1) (¬2). ويدل عليه حديث أم عبد الله الدوسية مرفوعًا (¬3): "الجمعة واجبة على كل قرية فيها إمام [وإن لم يكونوا إلا أربعة" (¬4) وفي رواية] (¬5): "وإن لم يكونوا إلا ثلاثة ورابعهم إمامهم" (¬6). رواه الدارقطني (¬7)، وابن عدي (¬8) وضعفاه، وهو منقطع أيضًا، والله أعلم (¬9). * * * ¬

_ (¬1) في (ص، س): إمام ومأموم. (¬2) "المجموع" 4/ 502 - 503. (¬3) سقط من (م). (¬4) "سنن الدارقطني" 2/ 8. (¬5) من (ل، م). (¬6) "سنن الدارقطني" 2/ 9. (¬7) أخرجه الدارقطني كما سبق وقال: الزهري لا يصح سماعه من الدوسية والحكم هذا متروك. (¬8) "الكامل في الضعفاء" 2/ 482. (¬9) "التلخيص الحبير" 2/ 116.

219 - باب إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد

219 - باب إِذا وافَقَ يوْمُ الجُمُعَةِ يوْمَ عِيدٍ 1070 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا إِسْرائِيلُ، حَدَّثَنا عُثْمان بْن المُغِيرة، عَنْ إِياسِ بْنِ أَبي رَمْلَةَ الشّامِيِّ قال: شَهِدْت مُعاوِيَةَ بْنَ أَبي سُفْيانَ وَهُوَ يَسْأَلُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ قال: أَشَهِدْتَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عِيدَيْنِ اجْتَمَعا فِي يَومٍ قال: نَعَمْ. قال: فَكَيْفَ صَنَعَ؟ قال: صَلَّى العِيدَ ثمَّ رَخَّصَ فِي الجُمُعَةِ فَقال: "مَنْ شاءَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُصَلِّ" (¬1). 1071 - حَدَّثَنا محَمَّد بْنُ طَرِيفٍ البَجَلِيُّ، حَدَّثَنا أَسْباطٌ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبي رَباحٍ قال: صَلَّى بِنا ابن الزُّبَيْرِ فِي يَومِ عِيدٍ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ أَوَّلَ النَّهارِ، ثُمَّ رُحْنا إِلَى الجُمُعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْنا فَصَلَّيْنا وُحْدانًا وَكانَ ابن عَبَّاسٍ بِالطّائِفِ فَلَمّا قَدِمَ ذَكَرنا ذَلِكَ لَهُ فَقال: أَصابَ السُّنَّةَ (¬2). 1072 - حَدَّثَنا يَحيَى بْن خَلَفٍ، حَدَّثَنا أَبُو عاصِمٍ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ قال: قال عَطَاءٌ اجْتَمَعَ يَومُ جُمُعَةٍ وَيَوْمُ فِطْرٍ عَلَى عَهْدِ ابن الزُّبَيْرِ فَقال: عِيدانِ اجْتَمَعا فِي يومٍ واحِدٍ، فَجَمَعَهُما جَمِيعًا فَصَلَّاهُما رَكْعَتَيْنِ بُكْرَةً لم يَزدْ عَلَيْهِما حَتَّى صَلَّى العَصْرَ (¬3). 1073 - حَدَّثَنا محَمَّد بْن المُصَفَّى وَعُمَرُ بْنُ حَفْصٍ الوَصّابِيُّ -الْمَعْنَى- قالا: حَدَّثَنا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنا شعْبَةُ، عَنِ المُغِيرَةِ الضَّبِّيِّ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قال: "قَدِ اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هذا عِيدانِ فَمَنْ شاءَ أَجْزَأَهُ مِنَ الجُمُعَةِ، وإنّا مُجَمِّعُونَ". ¬

_ (¬1) رواه النسائي 3/ 194، وابن ماجه (1310)، وأحمد 4/ 372. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (981). (¬2) رواه النسائي 3/ 194، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (982). (¬3) رواه عبد الرزاق 3/ 303 (5725)، ومن طريقه ابن المنذر في "الأوسط" 4/ 331. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (983).

قال عُمَرُ، عَنْ شُعْبَةَ (¬1) * * * باب إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد [1070] (حدثنا محمد بن كثير) العبدي (أنبأنا إسرائيل) بن يونس السبيعي (حدثنا عثمان بن المغيرة) الثقفي أخرج له البخاري والأربعة. (عن إياس بن أبي رملة الشامي) [بالشين المعجمة] (¬2) أخرج له النسائي وابن ماجه (قال: شهدت معاوية بن أبي سفيان وهو يسأل زيد بن أرقم) ابن زيد الأنصاري: هل شهدت مع (¬3) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عيدين في يوم؟ قال: نعم، كذا لابن ماجه (¬4) وللنسائي نحوه (¬5). (قال: شهدت) [أصله: أشهدت بهمزة الاستفهام] (¬6) (مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عيدين اجتمعا في يوم) واحد. فيه (¬7) تسمية يوم الجمعة عيدًا (¬8) لرواية ابن ماجه: "إن هذا يوم عيد جعله الله للمسلمين" (¬9)، ويحتمل أن [يكون ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (1311)، وابن الجارود (302)، وابن خزيمة (1465). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (984). (¬2) من (ل، م). (¬3) سقط من (م). (¬4) "سنن ابن ماجه" (1310). (¬5) "المجتبى" 3/ 194. (¬6) سقط من (م). (¬7) سقط من (م). (¬8) في (م): يوم عيد. (¬9) "سنن ابن ماجه" (1098).

من باب التغليب] (¬1) كالقمرين (¬2) والبكرين [(قال: نعم قال: فكيف صنع؟ قال: صلى العيد) زاد النسائي: من أول النهار (¬3)] (¬4). (ثم رخص في) ترك (الجمعة فقال: من شاء أن يصلي) الجمعة (فليصل) ومن لم يشأ فلا، وهذِه الرخصة مخصوصة عند الشافعي (¬5) بأهل القرى الذين حول المدينة بما رواه الإمام (¬6) الشافعي في "مسنده" عن عمر بن عبد العزيز قال: اجتمع عيدان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "من أحب أن يجلس من أهل العالية فليجلس في غير حرج" (¬7) [وقيده بأهل العوالي البيهقي من حديث سفيان بن عيينة، عن عبد العزيز موصولًا (¬8)] (¬9) وهذا وإن كان مرسلًا [وصح، فإن ابن المنذر قال: هذا الحديث لا يثبت (¬10)] (¬11). هو [مخصص لحديث] (¬12) هذا الباب. حديث إياس بن أبي رملة الموصول. ¬

_ (¬1) في (م): هذا للتغليب. (¬2) في (م): كالعمرين. (¬3) "المجتبى" 3/ 194. (¬4) سقط من (م). (¬5) "الأم" 1/ 399. (¬6) سقط من (م). (¬7) "مسند الشافعي" (343). (¬8) "السنن الكبرى" 3/ 318، وقال: في إسناده ضعف. (¬9) سقط من (م). (¬10) "التلخيص الحبير" 2/ 178. (¬11) سقط من (م). (¬12) في (ص، س، ل): مخصوص بحديث.

ورواه عبد العزيز بن رفيع (¬1)، عن ذكوان (¬2) أبي صالح، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا [كما سيأتي] (¬3)، وقيل: عنه، عن أبي صالح، عن أبي هريرة موصولًا (¬4). والمراد [بأهل العالية] (¬5) مواضع بأعلى (¬6) أرض المدينة كانوا يحضرون أيام العيدين (¬7) لاستماع الخطبة فيشق عليهم الجلوس إلى أن تفرغ صلاة الجمعة لطول؛ تأخرهم عن أهاليهم في يوم العيد (¬8)، فرخص لهم أن ينصرفوا، والحرج: الضيق والمشقة. والذي ذهب إليه الشافعي أن العيد إذا وافق يوم جمعة لا تسقط الجمعة، عن أهل المصر (¬9). [وبه قال أكثر الفقهاء (¬10) وأخذ أحمد بإطلاق الحديث قال: تسقط الجمعة عن أهل المصر (¬11)] (¬12) أيضًا. ¬

_ (¬1) في الأصول الخطية: وكيع. وهو خطأ، والمثبت من "السنن الكبرى" للبيهقي 3/ 178. وانظر: "تهذيب الكمال" 18/ 134. (¬2) زاد في (ص): بن. وهي زيادة مقحمة. وهو ذكوان أبي صالح كما في "السنن الكبرى" للبيهقي 3/ 178. وانظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 8/ 513. (¬3) سقط من (م). (¬4) "السنن الكبرى" للبيهقي 3/ 178. (¬5) في (ل، م): بالعالية. (¬6) في (ل، م): بأعالي. (¬7) في (ل، م): العيد. (¬8) في (ص، س): الجمعة. (¬9) "الأم" 1/ 399. (¬10) انظر: "المغني" 3/ 242. (¬11) انظر: "الإنصاف" 2/ 403 - 404، "كشاف القناع" 2/ 40. (¬12) من (س، ل، م).

[1071] (حدثنا محمد بن طريف) بالطاء المهملة ابن خليفة أبو (¬1) جعفر (البجلي) بفتح الموحدة والجيم، نسبة إلى بجيلة بن أنمار أخي الأزد، قبيلتين عظيمتين نزلتا الكوفة، أخرج له مسلم. (حدثنا أسباط) بن محمد القرشي مولاهم. (عن الأعمش، عن عطاء بن أبي رباح) بتخفيف الموحدة، واسم أبي رباح أسلم، مولى فهر (¬2) المكي التابعي. (قال: صلى بنا) عبد الله (بن الزبير) بن العوام، كناه النبي - صلى الله عليه وسلم - بكنية جده لأمه أبي بكر الصديق، وسماه باسمه، وهو أول مولود ولد في الإسلام للمهاجرين بالمدينة، ولدته أمه أسماء بقباء، وأتت به النبي - صلى الله عليه وسلم - فدعا بتمرة، فمضغها ثم تفل في فيه، فكان أول شيء دخل في فيه ريق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (في يوم عيد) [أي: عيد الفطر كما سيأتي] (¬3) (في يوم جمعة أول النهار، ثم رحنا) فيه دليل على أن الرواح يستعمل لما قبل الزوال من أول النهار كما قال الشافعي (¬4)، وقوله: ثم رحنا (¬5) أي بعد صلاة العيد (إلى) صلاة (الجمعة) فيه دليل على أنه يستحب أن تكون صلاة العيد في غير [مسجد الجمعة، وأنها] (¬6) تفعل في الصحراء؛ لأن النبي ¬

_ (¬1) في (ص): بن. والمثبت من (س، ل، م)، و"تهذيب الكمال" 25/ 409. (¬2) في (ص، س): فهو. والمثبت من (ل، م)، و"تهذيب الكمال" 20/ 69. (¬3) سقط من (م). (¬4) انظر: "المجموع" 4/ 540، 541. (¬5) في (م): المسجد وأنه. (¬6) في (ص، س): يخص.

- صلى الله عليه وسلم - صلاها فيها، ولأنه أرفق بالناس إذ يحضر (¬1) هذِه الصلاة من المدن والقرى والنساء الحيض والأطفال، وغيرهم دون الجمعة لكن الأصح عند الشافعي أن العيد في المسجد أفضل لشرفه (¬2)، وأجابوا عن صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحراء بأن مسجده كان ضيقًا، فأما مكة شرفها الله تعالى، فمسجدها أفضل مطلقًا اقتداء بالصحابة فمن بعدهم لشرف البقعة ومشاهدة الكعبة، وحكم المسجد الأقصى كحكم مكة كذا نقله الصيدلاني والبندنيجي (¬3) والغزالي (¬4) والرافعي (¬5). فيه حذف تقديره فانتظرناه ليصلي بنا (فلم يخرج إلينا، فصلينا وحدانًا) (¬6) يحتمل أن المراد (¬7) أنهم صلوا الظهر منفردين لعدم خروج الإمام الراتب، ولا يظن بالصحابة أنهم صلوا نفلا وتركوا صلاة الظهر بعد أن دخل الوقت وهم في المسجد. ولفظ النسائي: اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير فأخر الخروج حتى تعالى النهار، ثم خرج فخطب، فأطال الخطبة، ثم نزل فصلى، ولم يصل للناس يومئذٍ (¬8) الجمعة (¬9). ¬

_ (¬1) "الأم" 1/ 389. (¬2) انظر: "المجموع" 5/ 5. (¬3) "إحياء علوم الدين" 1/ 201. (¬4) "الشرح الكبير" 2/ 358. (¬5) في (ص): وحدنا. وفي (م): ووحدانا. والمثبت من "سنن أبي داود". (¬6) في (ص، س، ل): يراد. (¬7) في (ص، س، ل): يوم. وسقط من (م). والمثبت من "المجتبى". (¬8) من (م)، و"معجم ما استعجم". (¬9) "المجتبى" 3/ 194.

(وكان) عبد الله (بن عباس بالطائف) قال البكري: سميت بالحائط الذي بني حولها، فأطافوه به تحصينًا لها، وكان اسمها وج، قال أمية بن أبي (¬1) الصلت: نحن بنينا طائفًا حصينًا ... يقارع الأبطال عن بنينا (¬2) سكن بالطائف ابن عباس إلى أن مات بها سنة ثمان وستين في أيام ابن الزبير، وهو ابن سبعين سنة. (فلما قدم ذكرنا له ذلك فقال: أصاب السنة) أي: سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -. [1072] (حدثنا يحيى بن خلف) أبو سلمة الباهلي شيخ مسلم. (حدثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل. (عن) عبد الملك (بن جريج، قال: قال عطاء) بن أبي رباح (اجتمع) في (¬3) (يوم جمعة ويوم فطر على عهد عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - فقال) هذان (عيدان اجتمعا في يوم واحد فجمعهما) جمعًا (جميعًا) (¬4) أي: صلاهما بصلاة واحدة. (فصلاهما ركعتين) هذا محمول عند الشافعية على أن المراد أنه صلى العيد ركعتين وأجزأت هذِه عن الصلاتين لأهل القرى كما تقدم، وكما هو ظاهر الحديث الذي بعده. ¬

_ (¬1) "معجم ما استعجم" 3/ 155. (¬2) سقط من (ل، م). (¬3) سقط من (ل، م). (¬4) ساقطة من (م).

[قال المنذري: صنيع ابن الزبير محمول على مذهب من يرى تقديم صلاة الجمعة قبل الزوال. ويشبه أن يكون ابن الزبير صلى الركعتين على أنها الجمعة وجعل العيدين في معنى التبع لها (¬1)] (¬2). أما لو نوى بالركعتين صلاة العيد والجمعة قبل دخول وقت (¬3) الجمعة فإنه لا يصح، وكذا بعد (¬4) دخول وقتها كما صرح به أصحابنا فيما لو اجتمع الجمعة والكسوف فخطب بقصدهما فإنه لا يصح، كما جزم به الرافعي (¬5) لأن فيه تشريكًا بين الفرض والنفل، كما لو صلى الصبح ونوى به فرض الصبح وسنته، وكما لو اغتسل بنية غسل الجنابة والجمعة (بكرة) أي: غداة (لم يزد) [بكسر الزاي] (¬6). (عليهما حتى صلى العصر) قال الخطابي: صنيع ابن الزبير لا يجوز أن يحمل إلا على من يدعي تقديم صلاة الجمعة قبل الزوال، وقد روي ذلك عن ابن مسعود (¬7). قال القرطبي: عن أبي بكر الصديق، وأحمد بن حنبل - رضي الله عنهما - أنها تصلى (¬8) قبل الزوال (¬9)، وتمسك أحمد بحديث سلمة بن الأكوع: كنا ¬

_ (¬1) "مختصر سنن أبي داود" 2/ 11 - 12. (¬2) سقط من (م). (¬3) من (ل، م). (¬4) في (ص): قبل. (¬5) "الشرح الكبير" 2/ 381. (¬6) سقط من (م). (¬7) "معالم السنن" 1/ 212. (¬8) في (ص): أنهما يصليا. (¬9) انظر: "مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج" (543)، و"مسائل عبد الله" (458، 459)، و"المفهم" 2/ 495.

نصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم ننصرف وليس للحيطان ظل (¬1). [1073] (حدثنا محمد بن المصفى) بن بهلول أبو عبد الله القرشي الحمصي الحافظ. قال أبو حاتم: صدوق (¬2). وقال النسائي: صالح (¬3). قال محمد بن عوف الطائي: رأيته في النوم فقلت: إلى ما صرت؟ فقال: إلى خير، ونرى الله كل يوم مرتين. فقلت: يا أبا عبد الله صاحب سنة في الدنيا وصاحب سنة في الآخرة (¬4). (وعمر بن حفص) الوصابي بفتح الواو وتشديد الصاد المهملة، وبعد الألف باء موحدة، نسبة إلى وصاب بن سهل أخي (¬5) جيلان بن سهل الذي ينسب إليه الجيلانيون، وهما من حمير الحميري مات سنة 246. (المعنى قالا (¬6): حدثنا بقية) بن الوليد [أبو يحمد] (¬7) الكلاعي. قال النسائي: إذا قال: حدثنا فهو ثقة (¬8). يعني كما هنا. (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي (عن المغيرة) بن مقسم (الضبي) مولاهم الكوفي الفقيه الأعمى. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (4167)، ومسلم (860) (32). (¬2) "الجرح والتعديل" 8/ 104. (¬3) "تهذيب الكمال" 26/ 468. (¬4) في النسخ الخطية: أخو. والجادة المثبت. (¬5) "تهذيب الكمال" 26/ 469. (¬6) في (ص): قال. والمثبت من (س، ل، م)، و"سنن أبي داود". (¬7) في (ص): أخو. وفي (س): أخو يحمد. والمثبت من (ل، م)، و"الإكمال" 7/ 327، و"تهذيب الكمال" 4/ 192. (¬8) "تهذيب الكمال" 4/ 198.

(عن عبد العزيز بن رفيع) من الكوفة (عن أبي صالح) ذكوان. (عن أبي هريرة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: قد (¬1) اجتمع في يومكم هذا عيدان) يعني يوم عيد الفطر ويوم الجمعة. (فمن شاء أجزأه (¬2) من الجمعة) يحتمل أن تكون من بمعنى عن كما قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} (¬3) {يَاوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} (¬4) (وإنما مجمعون) لما ذكر (¬5) أولًا الرخصة الجائزة لترك الجمعة نبه على ما هو الأفضل، وأخبر أنه يفعله مع جماعته ليقتدى به في ذلك، وفيه دليل على أن المفتي والعالم إذا ذكر الجائز (¬6) للمستفتي يذكر له أيضًا الأفضل، ويرغبه في الفعل (¬7) بأنه يفعله. [قال المنذري (¬8): لا يسقط الظهر، وإن صنيع ابن الزبير قال: لا يجوز عندي إلا على من يرى تقديم الجمعة على الزوال، وهو مروي عن ابن مسعود] (¬9) ورواه الحاكم [من حديث أبي] (¬10) صالح، عن أبي هريرة أيضًا (¬11). ورواه ابن ماجه، عن أبي صالح، عن ابن عباس وقال فيه: "مجمعون إن شاء الله" (¬12). قال شيخنا ابن حجر: وابن ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): آخره. (¬3) الزمر: 22. (¬4) الأنبياء: 97. (¬5) في (م): ذكروا. (¬6) في (م): الحال. (¬7) في (م): الفضل. (¬8) انظر: "مختصر سنن أبي داود" 2/ 11. (¬9) سقط من (م). (¬10) في (م): عن حبيب بن. (¬11) "المستدرك" 1/ 288 - 289. (¬12) "سنن ابن ماجه" (1311).

عباس وهم نبه هو (¬1) عليه (¬2). ورواه الطبراني من وجه آخر عن ابن عمر (¬3) وتابع مغيرة الضبي زياد بن عبد الله البكائي، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي صالح، وتقدم أن هذا الحديث ونظيره محمول على أن هذا الترخيص لأهل القرى دون أهل الحضر، فإن الشافعي قال: يخطب الإمام ويأذن لأهل السواد في الانصراف إلى أهاليهم إن شاؤوا، وليس ذلك لأهل المصر، والأفضل لهم أن يقيموا حتى يجمعوا (¬4). واختلف أصحاب الشافعي في هذا القول على طريقين منهم من قال: أهل السواد الذين يبلغهم النداء كأهل المصر، وإنما أراد الشافعي بأهل السواد من لم يبلغه النداء، ومنهم من قال: أهل السواد كلهم (¬5) لا تجب عليهم. وهذا ظاهر كلام الشافعي كما نقله ابن الأثير في "شرح مسنده" (¬6). (قال عمر بن حفص، عن شعبة). ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "التلخيص الحبير" 2/ 178. (¬3) "المعجم الكبير" 12/ 435 (13591). (¬4) "الأم" 1/ 399. (¬5) سقط من (م). (¬6) شرح مسند الشافعي" 2/ 303.

220 - باب ما يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة

220 - باب ما يُقْرَأُ في صلاةِ الصُّبْحِ يَوْمَ الجُمُعَةِ 1074 - حَدَّثَنا مُسَدَّدُ، حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ مُحَوَّلِ بْنِ راشِدٍ، عَنْ مُسْلِمٍ البَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَقْرَأُ فِي صَلاةِ الفَجْرِ يَوْمَ الجُمُعَةِ تَنْزِيلَ السَّجْدَةِ وَ {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} (¬1). 1075 - حَدَّثَنا مُسَدَّدُ، حَدَّثَنا يَحيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مخَوَّلٍ بإِسْنادِهِ وَمَعْناهُ وَزادَ فِي صَلاةِ الجُمُعَةِ بِسُورَةِ الجُمُعَةِ وَ {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} (¬2). * * * باب ما يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة [1074] (حدثنا مسدد، حدثنا أبو عوانة) الوضاح مولى يزيد بن عطاء اليشكري (عن مخول) بضم الميم وفتح المعجمة وتشديد الواو المفتوحة (ابن راشد) النهدي مولاهم (¬3) الكوفي. (عن مسلم) بن عمران (البطين) بفتح الموحدة الكوفي. (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة {الم (1) تَنْزِيلُ} بالرفع على الحكاية (السجدة) بالنصب بدل مما قبله (و) في الثانية ({هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ}) فيه دليل على استحباب قراءة هاتين السورتين في هذِه الصلاة من هذا اليوم أو إكثاره منه، بل ورد من حديث ابن مسعود التصريح ¬

_ (¬1) رواه مسلم (879/ 64). (¬2) السابق. (¬3) من (ل، م)، و"فتح الباري".

بمداومته - صلى الله عليه وسلم - على ذلك أخرجه الطبراني، ولفظه: يديم ذلك (¬1). وأصله في ابن ماجه (¬2) بدون هذِه الزيادة (¬3) ورجاله ثقات، وصوب أبو حاتم إرساله (¬4)، وكأن ابن دقيق العيد لم يقف عليه، فقال في الكلام على حديث الباب: ليس في الحديث [ما يقتضي فعل ذلك دائمًا اقتضاءً قويًّا وهو كما قال بحديث الباب، فإن الصيغة ليست] (¬5) نصًّا في المداومة لكن الزيادة المذكورة نص في ذلك (¬6). وقد اختلف تعليل المالكية لقراءة السجدة في الصلاة فقيل: لكونها تشتمل على زيادة سجود في الصلاة على السجدات المحصورة بالشرع اختيارًا بغير موجب. قال القرطبي: وهو تعليل فاسد بشهادة هذا الحديث (¬7)، وقيل: لخشية التخليط [على المصلين] (¬8) ومن ثم فرق بعضهم بين الجهرية والسرية؛ لأن الجمعة يؤمن معها التخليط، لكن أخرج المصنف والحاكم (¬9) من حديث ابن عمر أنه - صلى الله عليه وسلم - قرأ سورة فيها سجدة في صلاة ¬

_ (¬1) "المعجم الصغير" (986). (¬2) "سنن ابن ماجه" (824). (¬3) في (م): الرواية. (¬4) "علل ابن أبي حاتم" (586). (¬5) من (ل، م)، و"فتح الباري". (¬6) "فتح الباري" 2/ 378. (¬7) "المفهم" 2/ 518. (¬8) سقط من (م). (¬9) أبو داود في "سننه" (807)، والحاكم في "المستدرك" 1/ 221.

الظهر فسجد بهم (¬1) فيها. وهو (¬2) حديث صحيح فبطلت التفرقة. ومنهم من علل الكراهة لخشية اعتقاد العوام أنها فرض في صلاة الصبح للجمعة. قال ابن دقيق العيد: أما القول بالكراهة مطلقًا فيأباه الحديث، لكن إذا انتهى الحال إلى وقوع هذِه المفسدة فينبغي أن تترك أحيانًا لتندفع، فإن المستحب قد يترك لدفع المفسدة المتوقعة، وهو يحصل بالترك في بعض الأوقات. وإلى هذا أشار ابن العربي بقوله: ينبغي أن يفعل ذلك في الأغلب، ويقطع أحيانًا؛ لئلا يظنه العوام سنة. وهذا على قاعدتهم في التفرقة بين المستحب والسنة (¬3). قال شيخنا ابن حجر: ولم أر في شيء من الطرق التصريح بأنه - صلى الله عليه وسلم - سجد لما قرأ سورة تنزيل في هذا المحل إلا في كتاب "الشريعة" لابن أبي داود من طريق أخرى عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: غدوت على النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة في صلاة الفجر، فقرأ سورة فيها سجدة فسجد ... الحديث. وفي إسناده من ينظر في حاله، وللطبراني في "الصَّغير" من حديث علي أن النبي - صلى الله عليه وسلم -[سجد في] (¬4) صلاة الصبح في تنزيل السجدة (¬5) لكن في إسناده ضعف (¬6). ¬

_ (¬1) من (س، ل، م)، و"مصادر التخريج". (¬2) من (ل، م). (¬3) "فتح الباري" 2/ 379. (¬4) في (ص): سجدتي. والمثبت من (س، ل، م)، و"مصادر التخريج". (¬5) "المعجم الصغير" (473). (¬6) "فتح الباري" 2/ 379.

قيل: الحكمة في اختصاص يوم الجمعة بقراءة سورة السجدة قصد السجود الزائد حتى أنه يستحب لمن لم يقرأ هذِه السورة بعينها أن يقرأ سورة غيرها (¬1) فيها سجدة قد عاب بعض العلماء على قائل ذلك، ونسبهم صاحب "الهدى" (¬2) إلى قلة العلم ونقص المعرفة، لكن عند ابن أبي شيبة بإسناد قوي عن إبراهيم [النخعي أنه قال] (¬3): يستحب أن يقرأ في (¬4) يوم الجمعة بسورة فيها سجدة (¬5) وعنده من طريقه أيضًا (¬6) أنه فعل ذلك فقرأ سورة مريم (¬7). وقيل: الحكمة في قراءة (¬8) هاتين السورتين الإشارة إلى ما فيهما من ذكر خلق آدم وأحوال يوم القيامة، لأن ذلك كان، ويقع يوم الجمعة، ذكره ابن دحية في "العلم المشهور" وقرره تقريرًا حسنًا (¬9). [1074] (حدثنا مسدد، حدثنا يحيى) القطان (عن شعبة، عن مخول) بضم الميم وفتح الخاء عند الجمهور، قال صاحب "المطالع" (¬10): ¬

_ (¬1) من (م)، و"فتح الباري". (¬2) "زاد المعاد في هدي خير العباد" 1/ 375. (¬3) في (م): قال أن. (¬4) زاد في (ص، س، ل): الصبح. (¬5) "مصنف ابن أبي شيبة" (5485). (¬6) سقط من (م). (¬7) "مصنف ابن أبي شيبة" (5493). (¬8) من (س، ل، م)، و"مصادر التخريج". (¬9) "فتح الباري" 2/ 379. (¬10) "مطالع الأنوار" بتحقيقنا 4/ 96.

وضبطه بعضهم بكسر الميم وسكون الخاء (¬1). (بإسناده ومعناه وزاد في صلاة الجمعة بسورة الجمعة، وإذا جاءك المنافقون) قال القاضي: أما سورة الجمعة - والله أعلم - فلما فيها من أحكام يوم الجمعة، وأما المنافقون فلتوبيخ من يحضرها منهم عند استماعهم (¬2). وقراءة البعض منهما أولى من قراءة قدره من غيرهما إلا أن يكون ذلك الغير مشتملًا على الثناء كآية الكرسي ونحوها، قاله ابن عبد السلام (¬3). * * * ¬

_ (¬1) "شرح النووي على مسلم" 6/ 167. (¬2) "إكمال المعلم" 3/ 282. (¬3) "قواعد الأحكام" 2/ 331.

221 - باب اللبس للجمعة

221 - باب اللُّبْسِ للجُمُعَةِ 1076 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَأَى حُلَّةً سِيَراءَ -يَعْنِي: تُباعُ عِنْدَ بابِ المَسْجِدِ- فَقال: يا رَسُولَ اللهِ لَوِ اشْتَرَيْتَ هذِه فَلَبِسْتَها يَومَ الجُمُعَةِ وَللْوَفْدِ إِذا قَدِمُوا عَلَيْكَ. قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّما يَلْبَسُ هذِه مَنْ لا خَلاقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ". ثمَّ جاءَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْها حُلَلٌ فَأعطَى عُمَرَ بْنَ الخطّابِ مِنْها حُلَّةً فَقال عُمَرُ كَسَوْتَنِيها يا رَسُولَ اللهِ وَقَدْ قُلْتَ فِي حُلَّةِ عُطَارِدَ ما قلْتَ فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي لَمْ أَكسُكَها لِتَلْبَسَها". فَكَساها عُمَرُ أَخًا لَهُ مُشْرِكًا بِمَكَّةَ (¬1). 1077 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن صالِحٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْب أَخْبَرَنِي يُونُسُ وَعَمْرُو بْنُ الحارِثِ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ سالمٍ، عَنْ أَبِيهِ قال: وَجَدَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ حُلَّةَ إِسْتَبْرَقٍ تُباعُ بِالسُّوقِ فَأَخَذَها فَأَتَى بِها رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقال ابْتَعْ هذِه تَجَمَّلْ بِها لِلْعِيدِ وَللْوَفْدِ. ثُمَّ ساقَ الحَدِيثَ والأوَّلُ أَتَمُّ (¬2). 1078 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ أَخْبَرَني يُونُسُ وَعَمْرُو أَنَّ يحيَى بنَ سَعِيدٍ الأنصارِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ محَمَّدَ بْنَ يَحيَى بْنِ حَبّانَ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما عَلَى أَحَدِكُمْ إِنْ وَجَدَ". أَوْ: "ما عَلَى أَحَدِكُمْ إِنْ وَجَدْتُمْ أَنْ يَتَّخِذَ ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ الجُمُعَةِ سِوَى ثَوْبَي مَهْنَتِهِ". قال عَمْرٌو: وَأَخْبَرَني ابن أَبي حَبِيبٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ سَعْدٍ، عَنِ ابن حَبّانَ، عَنِ ابن سَلامٍ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ ذَلِكَ عَلَى الِمنْبَرِ. قال أَبُو داوُدَ: وَرَواهُ وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَحيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (886)، ومسلم (2068). (¬2) رواه البخاري (948)، ومسلم (2068).

أَبي حَبِيبٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلام، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). * * * باب [في اللبس يوم الجمعة] (¬2) [1076] (حدثنا) عبد الله بن محمد (القعنبي، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر أن [عمر بن] (¬3) الخطاب رأى حلة) [بضم الحاء] (¬4) ولا تكون إلا ثوبين من جنس (¬5) واحد والجمع (¬6) حلل مثل غرفة وغرف. (سيراء) بكسر السين المهملة وفتح [المثناة التحتانية] (¬7)، ثم راء، ثم مد. أي: حرير. قال ابن قرقول: ضبطناه عن المتقنين بالإضافة كما يقال: ثوبُ خزٍّ، وعن بعضهم بالتنوين على الصفة أو البدل (¬8). قال الخطابي: يقال: حلةٌ سيراء كناقةٍ عشراء، وسميت سيراء؛ لأنها برد فيه خطوط كالسيور، وقيل: هي المضلعة بالحرير (¬9). وقيل: بالقز. (تباع عند باب المسجد، فقال: يا رسول الله لو اشتريت هذِه) جواب (لو) محذوف تقديره: لكان حسنًا. وقيل: (لو) للتمني كقوله تعالى: {فَلَوْ ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (1095)، وعبد الرزاق 3/ 203 (5329، 5330)، والبيهقي 3/ 242. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (989). (¬2) في (م): اللبس للجمعة. وفي (س، ل): اللبس للجمعة يوم الجمعة. (¬3) في (م): عمران. (¬4) سقط من (م). (¬5) في (س): حلتين. (¬6) سقط من (م). (¬7) في (م): والتحتانية. (¬8) "مطالع الأنوار" 2/ 286. (¬9) "معالم السنن" المطبوع مع "مختصر سنن أبي داود" 2/ 12.

أَنَّ لَنَا كَرَّةً} ولهذا نصب {فَنَكُونَ} (¬1) في جوابها (¬2) كما انتصب {فَأَفُوزَ} في جواب (ليت) في {يَاليْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ} (¬3). قال ابن هشام: لو التي للتمني قسم برأسها لا تحتاج إلى جواب كجواب (¬4) الشرط (¬5). (فلبستها) بكسر الموحدة (يوم الجمعة) استدل بهذا الحديث البخاري في تبويبه باب الذاهب إلى الجمعة يلبس أحسن ما يجده من الجائز لبسه عند الذهاب إلى الجمعة، ووجه دلالة الحديث عليه تقريره صلى الله عليه وسلم لعمر على أصل التجمل للجمعة، وقصر الإنكار على لبس مثل تلك الحلة؛ لكونها كانت حريرًا. وقال ابن بطال: وجه الدليل أنه كان معلومًا عندهم أن يلبس المرء أحسن ثيابه للجمعة (¬6). وتبعه ابن التين، وقد ورد الترغيب (¬7) في ذلك من حديث أبي أيوب، وعبد الله بن عمر، وعند ابن خزيمة [بلفظ: "ولبس من خير ثيابه" (¬8)، وفي رواية المصنف] (¬9): "ولبس من أحسن ثيابه" (¬10). (و (¬11) للوفد) جمع وافد، وهو الوارد على الأمير رسولًا، وجمعه أوفاد (إذا قدموا عليك) فيه استحباب (¬12) التجمل بأحسن ما يجد من ¬

_ (¬1) الشعراء: 102. (¬2) في (ص، س، ل): أخواتها. (¬3) النساء: 73. (¬4) من (ل، م)، و"مغني اللبيب". (¬5) "مغني اللبيب" 1/ 352. (¬6) "شرح صحيح البخاري" 2/ 485. (¬7) في (ص، س، ل): النهي عنه. والمثبت من (م)، و"فتح الباري" 2/ 374. (¬8) "صحيح ابن خزيمة" (1812). (¬9) سقط من (م). (¬10) "سنن أبي داود" (343). (¬11) من (س، م)، و"السنن". (¬12) من (م).

ثيابه إذا قدم على الإمام رسول من ملوك الكفار أو بعض نوابه، فإن فيه إرهابًا للعدو، وفيه إظهار نعم الله تعالى. (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنما يلبس) بفتح الموحدة (هذِه من لا خلاق له) أي: حظ ونصيب (في الآخرة، ثم جاءت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) بنصب اللام، مفعول مقدم (منها حلل) بالرفع فاعل جاءت، وهو جمع حلة كما تقدم، رواية النسائي: ثم جاء (¬1) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثلها (¬2). (فأعطى عمر بن الخطاب منها حلة فقال (¬3) عمر: يا رسول الله كسوتنيها)، فهم [أي: عمر] (¬4) منه - صلى الله عليه وسلم - أنه (¬5) أعطاه إياها ليكتسيها باللبس (وقد قلت في حلة عطارد) بضم العين المهملة وكسر الراء، وهو ابن (¬6) حاجب بن زرارة، قدم في وفد بني تميم وأسلم وله صحبة [وقال التيمي] (¬7): كان يقيم بالسوق الحلل أي يعرضها للبيع، فأضاف الحلة إليه بهذِه الملابسة. قال الذهبي: له وفادة مع الأقرع والزبرقان، وهو الذي أهدى الحلة الديباج لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان خلعها عليه كسرى (¬8). ¬

_ (¬1) في (ص، س): جاءت. والمثبت من "المجتبى". (¬2) "المجتبى" 3/ 96. (¬3) زاد في (م): يا. (¬4) سقط من (س، م). (¬5) من (ل، م). (¬6) في (ص، س): أبو. والمثبت من "أسد الغابة" 4/ 42. (¬7) سقط من (م). ولعل الصواب: قال العيني. لأن الكلام من كتاب "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" لبدر الدين العيني. (¬8) "سير أعلام النبلاء" 2/ 269.

(ما قلت) وفي رواية لمسلم في كتاب اللباس: "وقد قلت بالأمس في حلة عطارد ما قلت" (¬1) (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إني لم أكسكها) رواية مسلم: "إني لم أبعثها إليك" (¬2) (لتلبسها) بفتح الموحدة، بل لتنتفع بها في غير ذلك، وفي مسلم: "أعطيتكها لتبيعها وتصيب بها حاجتك" (¬3)، وفي "مسند أحمد": "أعطيتكه تبيعه"، فباعه بألفي (¬4) درهم (¬5). لكن يشكل بما هنا من قوله: (فكساها عمر أخًا له مشركا (¬6) بمكة) وكان هذا الأخ أخًا (¬7) لعمر من أمه، واسمه عثمان بن حكيم كذا قاله المنذري؛ فإن زيد بن الخطاب أخا عمر أسلم قبل عمر. وقال الدمياطي (¬8): الذي أرسل إليه عمر الحلة لم يكن أخاه، إنما هو أخو أخيه زيد بن الخطاب لأمه (¬9). وقيل: المراد أخ لعمر من الرضاعة. وفيه دليل على تحريم الحرير على الرجال؛ لأن النساء خرجن من عموم "من لا (¬10) خلاق له" بدليل آخر، وإباحة هديته وبيعه وأكل ثمنه إن كان البيع ممن (¬11) يجوز له الانتفاع به (¬12) وأما بيعه لمن يعلم أو ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2068) (7). (¬2) السابق. (¬3) "صحيح مسلم" (2068) (8). (¬4) في (م): بألف. (¬5) "مسند أحمد" 3/ 383. (¬6) زاد في (ص، س): له. وهي زيادة مقحمة. (¬7) سقط من (م). (¬8) سقط من (م). (¬9) انظر: "عون المعبود" 3/ 413. (¬10) سقط من (م). (¬11) زاد هنا في (ص، س): لا. (¬12) سقط من (م).

يظن أنه (¬1) يستعمله مع أنه لا يجوز له [لأنه إعانة (¬2) على المعصية، كمن يبيع العنب ممن يعصره خمرًا. وفيه استحباب لبس (¬3) أنفس الثياب (¬4) يوم الجمعة، وعند لقاء الوفود (¬5). وفيه عرض المفضول على الفاضل ما يحتاج إليه، وفيه صلة الأقارب وإن كانوا كفارًا، وجواز البيع والشراء عند باب المسجد، وإهداء الثياب الحرير، لا ليلبسوها بل [ليلبسوها نساءهم] (¬6)؛ لأن الصحيح خطاب الكفار بالفروع الشرعية. [1077] (حدثنا أحمد بن صالح) المصري (حدثنا) عبد الله (بن وهب، أخبرني يونس) (¬7) بن يزيد بن أبي النجاد الأيلي. (وعمرو) (¬8) بن الحارث بن يعقوب الأنصاري، مولاهم المصري (عن) محمد بن مسلم (ابن شهاب) الزهري. (عن سالم) بن عبد الله (عن أبيه) عبد الله بن عمر (قال: وجد) أباه (¬9) ¬

_ (¬1) زاد في (ص، س، ل): خمرا. (¬2) في (م): إعانته. (¬3) سقط من (م). (¬4) من (س، م). (¬5) في (ص، س): الورود. (¬6) في (ص): لتلبسها نساؤهم. (¬7) في (ص، س، ل): عم يونس. وفي (م): أويس. والمثبت من "السنن"، وهو يونس بن يزيد بن أبي النجاد، وانظر ترجمته في "الإكمال" 1/ 206، و"تهذيب الكمال" 32/ 551. (¬8) في (م): عمر. (¬9) كذا في النسخ الخطية، ولعله يقصد لغة إلزام الأسماء الستة الألف.

([عمر بن الخطاب] (¬1) حلة استبرق) وهو ما غلظ من الديباج، وهو مصروف عند الجمهور إلا ابن محيصن، فإنه فتحه في قوله تعالى: {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ} (¬2) ولم يصرفه لأنه أعجمي، ورد عليه بأن إستبرق نكرة يدخله حرف التعريف فيقال: الإستبرق إلا أن يزعم ابن محيصن أنه قد جعل علمًا لهذِه الثياب، وقرئ {وَإِسْتَبْرَقٌ} بوصل الهمزة والفتح على أنه مسمى باستفعل من البريق، وليس بصحيح أيضًا لأنه معرب. (تباع بالسوق) الباء بمعنى (في) والتقدير: تباع في السوق، كقوله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ} (¬3) و {نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} (¬4) (فأخذها) يعني لليوم (¬5) (فأتى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فيه دليل على جواز أخذ السلعة من المنادي عليها، والذهاب بها إلى بيت الآخذ و (¬6) إلى بعض الإخوان لينظرها بغير إذن مالكها، لكن يضمنها إذا تلفت. (فقال: ابتع) (¬7) رواية أبي داود (¬8) ومعنا: اشتر هذِه، ورواية البخاري: أبتاع (¬9). بلفظ المضارع للمتكلم على الاستفهام المقدر. (هذِه تجمل) إما بالسكون بلفظ الأمر أو بالجزم على أنه مضارع حذفت إحدى تائيه، وهو مجزوم جواب الأمر، وقيل هو مرفوع على ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) الإنسان: 21. (¬3) آل عمران: 123. (¬4) القمر: 34. (¬5) في (ص، س، ل): يتسوم. (¬6) في (م): أو. (¬7) زاد في (ص، س): هذه تجمل بها. (¬8) بياض في (ص، س، ل). (¬9) "صحيح البخاري" (948).

رواية البخاري: "أبتاع" أي: أبتاع أنا هذِه [تتجمل أنت بها] (¬1). قال العلامة شمس الدين البرماوي: وهذه الجملة [حالية مقدرة] (¬2) ولو جزم جوابًا؛ للاستفهام كان له وجه. انتهى. والحالة المقدرة هي المستقبلة ألا ترى [إلى التجمل للعيد] (¬3) والوفد كونهما مستقبلين، ومنه قوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ} (¬4). (بها للعيد) يحتمل أن تكون اللام بمعنى في كقوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} (¬5) ويحتمل أن تكون للتعليل أي: لأجل العيد الذي يتجمل فيه الناس، وهذان الوجهان قد ذكرا في قوله تعالى: {يَاليْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} (¬6) أي: ياليتني قدمت عملًا صالحًا في حياتي في الدنيا، أو قدمت عملًا لأجل حياتي في الآخرة. (والوفود) إذا قدموا عليك (ثم ساق الحديث، والحديث الأول أتم) من هذا. [1078] (حدثنا أحمد بن صالح) قال (حدثنا) عبد الله (بن وهب، أخبرني عمرو) بن الحارث (أن يحيى بن سعيد الأنصاري حدثه، أن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة ¬

_ (¬1) بياض في (ص، س). (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): للتجمل. (¬4) الفتح: 27. (¬5) الأنبياء: 47. (¬6) الفجر: 24.

ابن منقذ التابعي المازني الفقيه (حدثه) مرسلًا (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ما) [نافية للرواية التي بعدها ما على، ويجوز أن تكون] (¬1) استفهامية كما سيأتي، وهي في محل رفع بالابتداء. (على أحدكم) في موضع الخبر، والمعنى: أي تبعة ووبال ومشقة على أحدكم (إن وجد -أو) شك من الراوي (ما على أحدكم إن وجدتم-) [بلفظ الجمع] (¬2) (أن يتخذ (¬3) ثوبين ليوم الجمعة) فعلق الحكم باليوم لا بصلاة الجمعة، ويؤخذ منه أن اتخاذ الثوبين [لكون اليوم يوم عيد] (¬4) كما تقدم قبله لا للصلاة، والأظهر أن الحكم متعلق بالصلاة بدليل خارجي. (سوى ثوبي مهنته) (¬5) بفتح الميم وكسرها (¬6) أي: ثوبي بذلته (¬7) وخدمته. قال المنذري (¬8): والرواية بفتح الميم وهي الخدمة. قال الأصمعي: المهنة بفتح الميم: الخدمة، ولا يقال: مهنة بالكسر، وكأن القياس لو قيل مثل جلسة وخدمة إلا (¬9) أنه جاء على ¬

_ (¬1) و (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): تتخذوا. (¬4) في (ص، س): لكم لليوم. (¬5) في (ص): مهنة. والمثبت من (س، ل، م)، و"السنن". (¬6) في (ص، س): وكسر الهاء. (¬7) في (ص): بذلة. (¬8) زاد في (م): بفتح الميم. (¬9) سقط من (م).

فعلة على غير قياس (¬1). وحكى غيره الكسر كما تقدم (¬2). وفي الحديث دلالة على استحباب كون الثوبين (¬3) المتوسمين (¬4) للجمعة نظيفين، وهذا مأخوذ من قوله: "سوى ثوبي مهنته (¬5) " فإن ثوبي المهنة غير نظيفين غالبًا، وظاهر الحديث أن النظافة لا تختص بالثوب الأعلى، بل بالثوب الذي يلي الجسد وما فوقه، فإن الثوبين المذكورين في أحدهما شعار، وفي (¬6) الآخر دثار. (قال عمرو) بن الحارث (¬7) (وأخبرني) يزيد (بن أبي حبيب) الأزدي (عن موسى بن سعد) أخرج له مسلم. (عن) محمد بن يحيى (بن حبان، عن) عبد الله (بن سلام) بتخفيف اللام (أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ذلك على المنبر) فيه أنه يستحب للخطيب أن يذكر مع الموعظة في كل جمعة ما يتعلق بها من الأحكام مما يناسبها، فيذكر في كل جمعة من الحج [ما يتعلق بها من الحج، وفي خطبة عيد الأضحى ما يتعلق بالأضحية، وفي خطبة الفطر] (¬8) ما يتعلق بزكاة الفطر، وفي خطبة الجمعة ما يتعلق بها من الغسل واللباس ¬

_ (¬1) "الفائق في غريب الحديث" (مهن). (¬2) "شرح سنن أبي داود" للعيني 4/ 409. (¬3) في (ص، س، ل): الثوب من. (¬4) في (ص): المتوسعين. وفي (س): المتوسين. (¬5) في (ص): مهنة. والمثبت من (س، ل، م)، و"السنن". (¬6) من (م). (¬7) في (م): حارب. (¬8) من (ل، م).

وغير ذلك من الأحكام. قال المصنف: (ورواه) وهب (¬1) بن جرير بفتح الجيم، ابن (¬2) حازم الأزدي الحافظ. (عن أبيه) [جرير بن حازم الأزدي، حضر جنازة أبي الطفيل بمكة. (عن يحيى بن أيوب) الغافقي (عن يزيد بن أبي حبيب] (¬3)، عن موسى بن سعد، عن يوسف بن عبد الله بن سلام) قال المنذري: وذكر البخاري أن ليوسف هذا صحبة (¬4)، وذكر غيره أن له رؤية (¬5). ووافق البخاري ابن عبد البر بعده في "الاستيعاب" وقال: أجلسه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجره ومسح على (¬6) رأسه وسماه يوسف. قال: ومن حديثه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخذ كسرة (¬7) من خبز شعير ووضع عليها تمرة، وقال: "هذِه إدام هذِه"، ثم أكلها (¬8). * * * ¬

_ (¬1) في (ص، س): وهيب. والمثبت من (ل، م)، و"تهذيب الكمال" 31/ 121. (¬2) في (ص، س): أبو. والمثبت من "التهذيب" 31/ 121. (¬3) سقط من (م). (¬4) "مختصر سنن أبي داود" 2/ 13. (¬5) "التاريخ الكبير" (3367). (¬6) سقط من (م). (¬7) في (ص، س): خبزة. والمثبت من (ل، م)، و"الاستيعاب". (¬8) "الاستيعاب" 4/ 152. وهذا الحديث أخرجه أبو داود في "سننه" (3830)، والطبراني في "الكبير" 22/ 286 (732)، والبيهقي في "الكبرى" 10/ 63.

222 - باب التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة

222 - باب التَّحَلُّقِ يَوْمَ الجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلاةِ 1079 - حَدَّثَنا مُسَدَّدُ، حَدَّثَنا يحيَى، عَنِ ابن عَجلانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الشِّراءِ والبَيْعِ فِي المَسْجِدِ، وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ ضالَّةٌ، وَأَنْ يُنْشَدَ فِيهِ شِعْرٌ، وَنَهَى عَنِ التَّحَلُّقِ قَبْلَ الصَّلاةِ يوْمَ الجُمُعَةِ (¬1). * * * باب التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة [1079] (حدثنا مسدد، حدثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن) محمد (ابن عجلان) المدني الفقيه الصالح، أخرج له مسلم (¬2). (عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده) تقدم (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى، عن الشراء والبيع في المسجد) فيه النهي عن إدخال السلع في المسجد للبيع، وعن الشرى من بائعها؛ لأن البيع والشراء محله الأسواق التي هي أبغض البقاع إلى الله، والمساجد التي (¬3) هي أحب البقاع إلى الله تعالى محل الصلاة والذكر والدعاء ونحو ذلك. ويدخل في النهي عن التبايع باللفظ من غير إدخال السلع المساجد اعتمادًا على الرواية السابقة. وروى الترمذي، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا رأيتم من ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (322)، والنسائي 2/ 47، وابن ماجه (749)، وأحمد 2/ 179. وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (6885). (¬2) "صحيح مسلم" (443، 1605، 1720، 1885). (¬3) سقط من (م).

يبيع - أو يبتاع -[في المسجد] (¬1) فقولوا: لا أربح الله تجارتك" (¬2). (وأن ينشد) بضم أوله وفتح ثالثه (فيه ضالة) ويدخل فيه طلبها وتعريفها كمن [رأى لي] (¬3) كذا وكذا، يقال: نشدت الضالة إذا طلبتها، وأنشدتها إذا عرفتها، ويستحب الدعاء عليه لرواية مسلم: "من سمع رجلًا ينشد ضالة في المسجد [فليقل لا ردها الله عليك" (¬4). ويكره رفع الصوت فيه في كل شيء، إلا بما ورد الشرع به، حتى قال مالك وجماعة من العلماء: يكره رفع الصوت في المسجد] (¬5) بالعلم (¬6). (وأن ينشد فيه شعر) وفي رواية النسائي، وابن ماجه: وعن تناشد الأشعار في المسجد (¬7) (¬8)، وهو قراءة الشعر بعض القوم مع بعض، وهو منهي عنه في المساجد، سواء كان في الشعر إثمًا أو لم يكن، فإن كان إثم فالعلة فيه ظاهرة، وإن لم يكن فيه إثم فعلة النهي أن العادة في اجتماع الناس لقراءة الشعر رفع الأصوات والتعصب ¬

_ (¬1) من (م)، و"مصادر التخريج". (¬2) أخرجه الترمذي (3121)، والنسائي في "الكبرى" (10004)، والدارمي في "سننه" (1401). قال الترمذي: حديث حسن غريب. وقال الحاكم 2/ 56: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. (¬3) في (ص): رالى. (¬4) "صحيح مسلم" (568) (79). (¬5) من (ل، م). (¬6) "منح الجليل" 8/ 92، و"التاج والإكليل" 6/ 15. (¬7) النسائي في "المجتبى" 2/ 48، وابن ماجه (749). (¬8) زاد في (ص، س، ل): وفيه. وهي زيادة مقحمة.

والتباغض بين أولئك الجمع، يقول بعضهم هذا الشعر جيد، وبعض: ليس بجيد، فتقع المشاجرة، وهذِه الأشياء لا تليق بالمساجد، فإن قُرئ في المسجد (¬1) شعر ليس فيه إثم، ولم يكن فيه تعصب ولا تباغض وكثرة رفع صوت جاز؛ لأن الأشعار كانت تنشد بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد ولم ينههم. (ونهى عن الحلق) بفتح اللام مع كسر الحاء وفتحها جمع حلقة بسكون اللام، وحكى يونس فتح اللام، قال الجوهري: فتح الحاء من الجمع على غير قياس بخلاف الكسر (¬2) ويروى وينهى عن التحلق، كما في البيوت، وهو جلوس الناس حلقة، فكره الشارع التحلق والاجتماع [ولو بالعلم والمذاكرة فيه؛ لأن القوم إذا اجتمعوا للتكلم لا يسمعون الخطبة، والناس مأمورون] (¬3) باستماع الخطبة، والسكوت، بحيث لا يسلم من دخل حال الخطبة فإن سلم لا يجاب. (قبل الصلاة يوم الجمعة) ويفهم من قوله قبل الصلاة أن التحلق للذكر ومذاكرة العلم بعد الفراغ من الصلاة جائز. * * * ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "الصحاح في اللغة" (حلق). (¬3) سقط من (م).

223 - باب في اتخاذ المنبر

223 - باب فِي اتِّخاذِ المِنْبَرِ 1080 - حَدَّثَنا قُتَيْبَة بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا يَعْقُوبُ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدٍ القارِيُّ القُرَشِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو حازِمِ بْنُ دِينارٍ أَنَّ رِجالًا أَتَوْا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السّاعِدِيَّ وَقَدِ امْتَرَوْا فِي الِمنْبَرِ مِمَّ عُودُهُ فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقالَ: والله إِنِّي لأَعْرِفُ مِمّا هُوَ، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ أَوَّلَ يَوْمٍ وُضِعَ وَأَوَّلَ يَوْمٍ جَلَسَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى فُلَانَةَ امْرَأَةٍ قَدْ سَمَّاها سَهْلٌ: "أَنْ مُرِي غُلامَكِ النَّجّارَ أَنْ يَعْمَلَ لِي أَعْوادًا أَجْلِسُ عَلَيْهِنَّ إِذا كلَّمْتُ النَّاسَ". فَأَمَرَتْهُ فَعَمِلَها مِنْ طَرْفاءِ الغابَةِ، ثُمَّ جاءَ بِها فَأَرْسَلَتْهُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَمَرَ بِها فَوُضِعَتْ ها هُنا، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى عَلَيْها وَكَبَّرَ عَلَيْها، ثمَّ رَكَعَ وَهُوَ عَلَيْها، ثُمَّ نَزَلَ القَهْقَرَى فَسَجَدَ فِي أَصْلِ الِمنْبَرِ ثُمَّ عادَ، فَلَمّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَى النّاسِ، فَقالَ: "أَيُّها النَّاسُ إِنَّما صَنَعْتُ هذا لِتَأْتَمُّوا بِي وَلِتَعَلَّمُوا صَلاتِي" (¬1). 1081 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْن عَلِيٍّ، حَدَّثَنا أَبُو عاصِمٍ، عَنِ ابن أَبِي رَوّادٍ عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا بَدُنَ قالَ لَهُ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ: أَلا أَتَّخِذُ لَكَ مِنْبَرًا يا رَسُولَ اللهِ يَجْمَعُ - أَوْ يَحْمِلُ - عِظَامَكَ؟ قالَ: "بَلَى". فاتَّخَذَ لَهُ مِنْبَرًا مِرْقَاتَيْنِ (¬2). * * * باب اتخاذ المنبر [1080] (حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن بن ¬

_ (¬1) رواه البخاري (377)، ومسلم (544). (¬2) رواه ابن المظفر في "غرائب مالك" (54)، والبيهقي 3/ 195. قال الحافظ في "الفتح" 2/ 398: إسناده جيد. وذكر البخاري سند الحديث في "صحيحه" (3583) ولم يذكر الحديث. وقال الألباني في "الصحيحة" 1/ 312: إسناده جيد على شرط مسلم.

محمد [بن عبد الله] (¬1) بن عبدٍ) بالتنوين (القاري) بفتح القاف وبعد الألف راء، من القارة، وهو حي من العرب سموا بذلك؛ لأن يعمر البداح أراد أن يفرقهم في بطون كنانة فقال بعضهم: دعونا قارة لا تفرقونا فنجفل مثل إجفال الظليم. (القرشي) حليف بني زهرة، قال (حدثني أبو حازم) سلمة بن دينار المدني التابعي (أن رجالًا أتوا سهل بن سعد الساعدي وقد امتروا) بتخفيف الراء افتعل من المماراة، والتماري والمماراة: الجدال والتنازع والاختلاف، ويقال للمجادلة: مماراة؛ لأن كل واحد منهم يستخرج ما عند صاحبه ويمتري كما يمتري الحالب اللبن من الضرع. قال الكرماني: هو من الامتراء، وهو (¬2) الشك (¬3). (في المنبر) بكسر الميم، من نبرت الشيء أنبره نبرًا: رفعته. روى ابن سعد في "الطبقات" من حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب وهو مستند إلى جذع فقال: "إن القيام قد شق عليَّ" (¬4) فقال له تميم الداري: ألا أعمل لك منبرًا كما رأيت يصنع بالشام، فشاور المسلمين في ذلك، فرأوا أن يتخذه. فقال العباس بن عبد المطلب: إن لي غلامًا يقال له كلاب أعمل الناس، فقال: "مره أن يعمل" (¬5) ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) سقط من (م). (¬3) "البخاري بشرح الكرماني" 6/ 30. (¬4) في (م): علينا. (¬5) "الطبقات الكبرى" 1/ 250.

الحديث رجاله ثقات إلا الواقدي (¬1). (مم) [خبر مقدم على المبتدأ وجوبًا؛ لأن الاستفهام الذي فيه له صدر الكلام، و (عوده) مبتدأ مؤخرًا] (¬2) أي: من أي شيء. (عوده، فسألوه عن ذلك فقال: والله) فيه القسم على الشيء لإرادة تأكيده للسامع. (إني لأعرف مما هو) كذا الرواية، وللبخاري وغيره، واللغة المشهورة: مم عوده؛ لأن حرف الجر إذا دخل على ما الاستفهامية حذفت ألفها كقوله تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5)} (¬3). (ولقد رأيته أول يوم وضع، وأول يوم جلس عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فيه زيادة على السؤال، لكن فائدته إعلامهم (¬4) بقوة معرفته بما سألوه عنه، وجزم ابن سعد بأن عمله كان في السنة السابعة، ورد أن قدوم العباس كان بعد الفتح في آخر سنة ثمان، وقدوم تميم سنة تسع، وجزم [ابن النجار] (¬5) بأن عمله كان سنة ثمان، وفيه نظر أيضًا لما ورد في (¬6) حديث الإفك في الصحيحين (¬7) عن عائشة: فثار الأوس والخزرج، حتى كادوا أن يقتتلوا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر، فنزل فخفضهم حتى ¬

_ (¬1) "فتح الباري" 2/ 463. (¬2) سقط من (م). (¬3) الطارق: 5. (¬4) في (ص، س، ل): إعلامه. (¬5) في (م): النجاري. (¬6) في (ص، س، ل): من. والمثبت من (م)، و"الفتح". (¬7) "صحيح البخاري" (2661)، و"صحيح مسلم" (2770) (56).

سكتوا" (¬1) (أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى فلانة امرأة) بالجر من الأنصار (¬2) (قد سماها سهل) بن سعد، لكن نسي الراوي اسمها (أن مري غلامك النجار) وفي اسم النجار أقوال: أحدها: إبراهيم، أخرجه الطبراني في "الأوسط" من طريق أبي نضرة (¬3)، عن جابر (¬4). ثانيها: باقول بموحدة وقاف مضمومة، رواه عبد الرزاق (¬5) بإسناد ضعيف منقطع، ووصله أبو نعيم في "المعرفة" (¬6) لكن قال: باقوم آخره ميم. ثالثها: صباح بضم الصاد المهملة بعدها موحدة خفيفة، وآخره مهملة، ذكره ابن بشكوال (¬7) بإسناد شديد الانقطاع (¬8). رابعها: قبيصة - أو قصيبة - المخزومي ذكره عمر بن شبة في "الصحابة" بإسناد مرسل (¬9). خامسها (¬10): كلاب مولى العباس كما تقدم. سادسها: تميم الداري [كما رواه المصنف في علامات النبوة، عن ¬

_ (¬1) "فتح الباري" 2/ 463. (¬2) هنا بياض في (ص، س، ل). (¬3) في (ص): نصير. وفي (س، ل، م): نصرة. والمثبت من "المعجم الأوسط". (¬4) "المعجم الأوسط" (5211). (¬5) "مصنف عبد الرزاق" (5244). (¬6) "معرفة الصحابة" 1/ 447. (¬7) في (م): سكون. (¬8) "فتح الباري" 2/ 398. (¬9) "فتح الباري" 2/ 398. (¬10) في (م): سادسها.

ابن عمر أن تميمًا الداري] (¬1) قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما كثر لحمه: ألا اتخذ لك منبرًا يحمل عظامك؟ قال: "بلى" فاتخذه له (¬2). (أن يعمل لي أعوادًا أجلس) بالرفع (عليهن إذا كلمت الناس، فأمرته فعملها من طرفاء) بالمد مع فتح الطاء وسكون الراء، شجر من شجر البادية، واحدتها طرفة بفتح الفاء، وعن سيبويه الطرفاء واحد وجمع (¬3)، وفي رواية "الصحيح": "من أثل" (¬4). (الغابة) ولا مغايرة بينهما، فإن الأثل هو الطرفاء، وقيل شبيه الطرفاء وهو أعظم منه، والغابة بالغين المعجمة وتخفيف الموحدة: موضع قريب من المدينة من عواليها من ناحية الشام وبها أموال لأهلها، والغابة أيضًا قرية بالبحرين. (ثم جاء بها) أي: بالأعواد التي عملها إلى المرأة (فأرسلته) يعني الغلام، ورواية البخاري: فأرسلت (¬5). فحذف الهاء. أي: أرسلت المرأة تعلمه أنه فرغ (إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأمر) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (بها) أنث لإرادة الأعواد أو الدرجات، وفي رواية مسلم: فعمل له هذِه الدرجات الثلاث (¬6). [(فوضعت ها هنا) في مكان] (¬7) المنبر. ¬

_ (¬1) من (ل)، و"الفتح". (¬2) من (س، ل، م)، و"سنن أبي داود" (1081)، و"الفتح" 2/ 398. (¬3) "لسان العرب" (طرف). (¬4) "صحيح البخاري" (377). (¬5) "صحيح البخاري" (917). (¬6) "صحيح مسلم" (544) (44). (¬7) في (م): فوضع في مكانها.

(فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى عليها) أي: على الأعواد، وكانت صلاته على الدرجة العليا، وهي الثالثة من المنبر (وكبر) للإحرام، وللبخاري: "فكبَّر" (¬1). بالفاء وهو أظهر. (عليها، ثم ركع وهو عليها، ثم نزل القهقرى) بالقصر، وهو المشي إلى خلف، والحامل عليه (¬2) المحافظة على استقبال القبلة، ولم يذكر القيام بعد الركوع، ولا القراءة بعد التكبير، وقد ثبت ذلك في رواية سفيان، عن أبي حازم عند البخاري ولفظه: كبر فقرأ، وركع، ثم رفع رأسه، ثم رجع القهقري (¬3). وفي رواية هشام بن سعد (¬4) عن أبي حازم عند الطبراني: فخطب الناس عليه، ثم أقيمت الصلاة (¬5) فكبر وهو على المنبر (¬6)، فأفادت هذه الرواية تقدم الخطبة على الصلاة. (فسجد في أصل المنبر) أي: على الأرض إلى ناحية الدرجة السفلى (ثم عاد) إلى الدرجة العليا، فصلى عليها (فلما فرغ) زاد مسلم في رواية عبد العزيز: حتى فرغ من آخر صلاته. ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (917). (¬2) في (م): له. (¬3) "صحيح البخاري" (377). (¬4) في الأصول الخطية: سعيد. خطأ، وهو هشام بن سعد المدني الراوي عن أبي حازم سلمة بن دينار. وانظر ترجمته في "التهذيب" 30/ 204 - 205، وانظر: "المعجم الكبير" للطبراني (5752). (¬5) زاد في (ص، س): عليه. (¬6) "المعجم الكبير" (5752).

(أقبل على الناس فقال) يا (أيها الناس، إنما صنعت هذا لتأتموا بي) في صلاتي [(ولتعلموا) بكسر اللام الأولى [ويجوز تسكينها] (¬1) وفتح المثناة فوق (¬2) وتشديد اللام الثانية وفتحها. أي: لتتعلموا (صلاتي) وعرف منه أن الحكمة في صلاته في (¬3) أعلى المنبر؛ ليراه من قد يخفى عليه رؤيته إذا صلى على الأرض، وفيه جواز قصد تعليم المأمومين أفعال الصلاة بالفعل، وجواز العمل اليسير في الصلاة، وكذا الكثير إن تفرق. [1081] (حدثنا الحسن بن علي) الخلال (¬4) (حدثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل. (عن) عبد العزيز (بن أبي رواد) بفتح الراء وتشديد الواو، مولى المهلب بن أبي صفرة استشهد به البخاري تعليقًا، ثقة عابد. (عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما بدّن) بفتح الباء والدال المشددة، قال أبو عبيد: وروي (بدن) بالتخفيف، وإنما هو بالتشديد. أي: كبر وسن، والتخفيف من البدانة، وهو كثرة اللحم. ولم يكن - صلى الله عليه وسلم - سمينًا (¬5). قال ابن الأثير: وقد جاء في حديث [ابن أبي هالة] (¬6): بادن ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (م): تحت. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): الخلاد. (¬5) في (ص): كثير اللحم. والمثبت من (ل، م)، و"النهاية". (¬6) سقط من (م).

متماسك (¬1) (¬2). والبادن: الضخم، فلما (¬3) قال: بادن أردفه بمتماسك، وهو الذي يمسك بعض أعضائه بعضًا (¬4) فهو معتدل الخلق (¬5). ([قال له] (¬6) تميم الداري: الا أتخذ لك منبرًا يا رسول الله يجمع لك - أو) شك من الراوي (يحمل لك - عظامك) كما رأيته يصنع بالشام، فيه استئذان الإمام في عمل ما يعلم أنه يحتاج إليه. (قال: بلى. فاتخذ له منبرًا) فيه أن من اتخذ شيئًا يخالف العادة أن يبين حكمته (¬7) لأصحابه، وفيه استحباب اتخاذ المنبر؛ لكونه أبلغ في مشاهدة الخطيب والسماع منه، واستحباب الافتتاح بالصلاة في كل شيء جديد، إما شكرًا، وإما تبركًا. (مرقاتين) بكسر الميم، ويجوز فتحها، الفتح على أنه موضع الارتقاء، والكسر فيه تشبيه باسم الآلة كالمسقاة (¬8) وأنكر أبو عبيد الكسر، وقال: ليس من كلام العرب (¬9). ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) أخرجه الترمذي في "الشمائل" 1/ 36، والطبراني في "الكبير" 22/ 155 (414)، والبيهقي في "الشعب" (1430). والحديث بطوله شرحه ابن ناصر الدين في كتابه "جامع الآثار في السير ومولد المختار" من نشرنا وتحقيقنا 4/ 351. (¬3) و (¬4) سقط من (م). (¬5) "النهاية في غريب الحديث" (بدن). (¬6) في (م): قاله. (¬7) في (م): حكمه. (¬8) في (ص، س): لا سواه. والمثبت من (ل، م)، و"المصباح المنير". (¬9) "المصباح المنير" 1/ 236.

وروى الطبراني من حديث سهل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لخال (¬1) له من الأنصار: "اخرج إلى الغابة وائتني من خشبها فاعمل لي (¬2) منبرًا أكلم (¬3) عليه الناس" فعمل له (¬4) عتبتان وجلس عليهما (¬5)، والعتبة: المرقاة من الدرجة. وفي الحديث: ما الدرجة التي للمجاهد؟ فقال: "إنها ليست بعتبة أمك، إن ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض" (¬6). قال الحافظ قطب الدين في "المورد العذب الهني (¬7) ": كان منبره - صلى الله عليه وسلم - درجتين ويقعد على الثالثة. وفي "صحيح مسلم" التصريح بأن منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ثلاث درجات، فنزل النبي - صلى الله عليه وسلم - بخطوتين إلى أصل المنبر، [ثم سجد] (¬8) " (¬9). ¬

_ (¬1) في (م): لجار. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): أكلمن. (¬4) زاد في (ص، س، ل): منبرًا له. وليست في مصادر التخريج. (¬5) "المعجم الكبير" (6018). (¬6) أخرجه النسائي في "المجتبى" 6/ 27، وأحمد 4/ 235، وابن حبان في "صحيحه" (4616) بمعناه. (¬7) من (س، ل، م). (¬8) سقط من (م). (¬9) "صحيح مسلم" (544) (44).

224 - باب موضع المنبر

224 - باب مَوْضِعِ المِنْبَرِ 1082 - حَدَّثَنا مَخْلَدُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا أَبُو عاصِمٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ: كانَ بَيْنَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَبَيْنَ الحائِطِ كَقَدْرِ مَمَرِّ الشَّاةِ (¬1). * * * باب موضع المنبر [1082] (حدثنا مخلد بن خالد) الشعيري (¬2) العسقلاني نزيل طرسوس، شيخ مسلم (حدثنا أبو عاصم) النبيل (عن يزيد بن أبي عبيد) بالتصغير (¬3) أبي خالد (عن) مولاه (سلمة) بن عمرو (بن الأكوع) ويقال: سلمة بن وهب بن الأكوع، واسمه سنان (¬4) شهد بيعة الرضوان تحت الشجرة، وبايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أول الناس (¬5) وفي أوسطهم، وفي آخرهم، وبايعه يومئذٍ على الموت (قال: كان بين منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين الحائط كقدر ممر الشاة) ولعل هذه الفرجة التي بين المنبر والحائط وهي تسع مصليًا (¬6) جالسًا؛ لئلا ينقطع الصف بالمنبر عند القائل به. قال الرافعي (¬7): كان منبر النبي - صلى الله عليه وسلم - على يمين القبلة. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (497)، ومسلم (509). (¬2) في (ص): السعدي. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ص): سساب. و"أسد الغابة" 2/ 423، و"تهذيب الكمال" 11/ 301. (¬5) في الأصول الخطية: الإسلام. والمثبت من "تهذيب الكمال". (¬6) في النسخ: مصل. والجادة المثبت. (¬7) "الشرح الكبير" 2/ 294.

225 - باب الصلاة يوم الجمعة قبل الزوال

225 - باب الصَّلاةِ يَوْمَ الجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ 1083 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنا حَسّانُ بْنُ إِبْراهِيمَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجاهِدٍ، عَنْ أَبِي الخَلِيلِ، عَنْ أَبِي قَتادَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَرِهَ الصَّلاةَ نِصْفَ النَّهارِ إِلَّا يَوْمَ الجُمُعَةِ وقالَ: "إِنَّ جَهَنَّمَ تُسْجَرُ إِلَّا يَوْمَ الجُمُعَةِ". قالَ أَبُو داوُدَ: هُوَ مُرْسَلٌ مُجاهِدٌ أَكْبَرُ مِنْ أَبِي الخَلِيلِ، وَأَبُو الخَلِيلِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي قَتادَةَ (¬1). * * * باب الصلاة قبل الزوال يوم الجمعة [1083] (حدثنا محمد بن عيسى) [بن نجيح البغدادي] (¬2) بن (¬3) الطباع، أخرج له البخاري تعليقًا. (حدثنا حسان بن إبراهيم) الكرماني العنزي قاضي كرمان، أخرج له الشيخان (عن ليث) بن أبي سليم القرشي مولاهم أحد العلماء، أخرج له مسلم (عن مجاهد، عن (¬4) أبي الخليل) صالح بن أبي مريم، ضبعي بصري، احتج به الشيخان (عن أبي قتادة) الحارث بن ربعي. (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كره الصلاة نصف) [بالنصب (¬5) على حذف حرف ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في "الأوسط" 7/ 358 (7725)، والبيهقي في "الصغرى" 1/ 327. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (200). (¬2) من (ل، م). (¬3) في (ص): أبو. والمثبت من (س، ل، م)، و"تهذيب الكمال" 26/ 258. (¬4) في (ص، س، ل): بن. والمثبت من (م)، و"السنن". (¬5) في (ص، س، ل): بألف. ولا يستقيم السياق بها ولعل المثبت الصواب.

الجر] (¬1) (النهار) عند الاستواء؛ لحديث عقبة بن عامر أيضًا: ثلاث ساعات كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهانا أن نصلي فيهن أو (¬2) نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم (¬3) الظهيرة حتى تميل الشمس [وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب] (¬4) (¬5). والظهيرة هي شدة الحر، وقائمها هو البعير يكون باركًا فيقوم من شدة حر الأرض، والكراهة هنا كراهة تحريم على الأصح كما (¬6) قال السبكي، ولهذا لو صلى في وقت هذِه الكراهة لم تنعقد صلاته (¬7). واعلم أن وقت الاستواء وقت لطيف لا يتسع لصلاة، ولا يكاد يشعر به حتى تزول الشمس إلا أن التحريم (¬8) قد يمكن إيقاعه فيه فلا تصح الصلاة. (إلا يوم الجمعة) لشرفه (وقال: إن جهنم تسجر) بسين مهملة بعدها جيم، أي: توقد، قال الله تعالى: {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6)} (¬9) أي: الموقد ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): وأن. (¬3) في (م): قائمة. (¬4) ساقطة من النسخ الخطية، والمثبت من مصادر التخريج. (¬5) أخرجه مسلم (831) (293)، وأبو داود (3192)، والترمذي (1030)، والنسائي 1/ 275، وابن ماجه (1519)، والدارمي (1432)، وأحمد 4/ 152. (¬6) سقط من (م). (¬7) "مغني المحتاج" 1/ 129. (¬8) في (ص، س، ل): التحرم. (¬9) الطور: 6.

المحمي بمنزلة التنور، ودليله {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6)} (¬1) أي: أوقدت عند ابن عباس. (إلا يوم) بالنصب (الجمعة) قيل: يختص الاستثناء بمن حضر الجامع؛ لأنه يشق عليه مراعاة الشمس عند (¬2) الاجتماع، وقيل: [لمن حضر وغلبه] (¬3) النعاس؛ لأنه يحتاج إلى طرده بالتنفل؛ خوفًا من انتقاض وضوئه واحتياجه إلى التخطي. وقيل: لا يختص الاستثناء بحالة الاستواء، بل ينبغي (¬4) كراهة صلوات التطوع غير (¬5) يوم الجمعة؛ لشرفه في جميع التطوعات (¬6)؛ لأن حكم المستثنى يتعلق باليوم (¬7). (قال المصنف): هذا الحديث (هو (¬8) مرسل) إذ (أبو الخليل) صالح (لم يسمع من أبي قتادة) لكن المرسل حجة عند الشافعي وغيره إذا اعتضد بأحد أمور، وقد وجد هنا كثير: منها ما رواه الشافعي، عن إبراهيم بن محمد بن أبي (¬9) يحيى، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن سعيد، عن أبي هريرة: أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة (¬10). ¬

_ (¬1) التكوير: 6. (¬2) في (م): عن. (¬3) في (ص، س): ممن حضر وعليه. (¬4) زاد في (ص): عدم. وكتبها بين الأسطر. (¬5) سقط من الأصل، (س). (¬6) كتب في حاشية (ل): لعلها الأوقات. (¬7) سقط من الأصل، (س). (¬8) و (¬9) سقط من (م). (¬10) "مسند الشافعي" (269).

ورواه البيهقي من طريق أبي خالد الأحمر، عن عبد الله شيخ من أهل المدينة، عن سعيد [بن زيد] (¬1) (¬2). ورواه البيهقي بسند آخر، عن عطاء بن عجلان (¬3). قال صاحب "الإمام": [وقوى الشافعي ذلك بما رواه عن ثعلبة (¬4) بن أبي مالك، عن عامة أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم (¬5) كانوا يصلون نصف النهار يوم الجمعة (¬6). وظاهر كلام المصنف أن لا فرق عنده بين المرسل والمنقطع، وهي طريق بعض أهل الحديث، وأكثر أهل الحديث على التغاير، ومجاهد أكبر قدرًا من أبي الخليل، فإن الفضل بن ميمون قال: سمعت مجاهدًا يقول: قرأت القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة (¬7). وعن مجاهد قال لي ابن عمر: وددت أن نافعًا حفظ حفظك، وأن علي درهمًا زائفًا (¬8) قلت: هلا (¬9) كان جيدًا؟ قال: هكذا كان في نفسي (¬10). قيل: ربما (¬11) أخذ ابن عمر بركاب مجاهد. ¬

_ (¬1) بياض في (ص، س)، المثبت من (ل، م). (¬2) "السنن الكبرى" 2/ 464، "معرفة السنن" (1325). (¬3) "معرفة السنن والآثار" (1326). (¬4) زاد في (م): عن. (¬5) سقط من (م). (¬6) "مسند الشافعي" (270)، و"التلخيص الحبير" 1/ 339. (¬7) "التاريخ الكبير" 9/ 66، و"تهذيب الكمال" 27/ 233. (¬8) في (م): آنفا. (¬9) في (م): كلا. (¬10) "تهذيب الكمال" 27/ 234. (¬11) في (م): إنما.

226 - باب في وقت الجمعة

226 - باب فِي وَقْتِ الجُمُعَةِ 1084 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنا زَيْدُ بْن الحُبابِ، حَدَّثَنِي فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمانَ، حَدَّثَنِي عُثْمان بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيُّ، سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مالِكٍ يَقُولُ: كانَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الجُمُعَةَ إِذا مالَتِ الشَّمْسُ (¬1). 1085 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن يُونُسَ، حَدَّثَنا يَعْلَى بْنُ الحارِثِ سَمِعْتُ إِياسَ بْنَ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الجُمُعَةَ ثُمَّ نَنْصَرِفُ وَلَيْسَ لِلْحِيطانِ فَيْءٌ (¬2). 1086 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ أَبي حازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قالَ: كُنَّا نَقِيلُ وَنَتَغَدَّى بَعْدَ الجُمُعَةِ (¬3). * * * باب وقت الجمعة [1084] (حدثنا الحسن بن علي) الخلال (¬4) (حدثنا زيد بن الحباب) [أبو الحسين] (¬5) العكلي الخراساني، أخرج له مسلم. (حدثني فليح بن سليمان) العدوي (حدثني عثمان بن عبد الرحمن التيمي) أخرج له البخاري، ولأبيه صحبة. قال: (سمعت أنس بن مالك: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الجمعة إذا ¬

_ (¬1) رواه البخاري (904). (¬2) رواه البخاري (4168)، ومسلم (860). (¬3) رواه البخاري (6279)، ومسلم (859). (¬4) سقط من (م). (¬5) سقط من (م).

مالت الشمس) عن خط وسط السماء إلى جهة المغرب. ورواية البخاري عن أبي برزة: إذا زالت الشمس (¬1). قال النووي: والمراد بالزوال ما يظهر لنا (¬2) لا الزوال في نفس الأمر، فلو شرع في التكبير قبل ظهور الزوال، ثم ظهر - أي: الزوال - عقب التكبير - أو في أثنائه - لم يصح الظهر، وإن كان التكبير حاصلًا بعد الزوال في نفس الأمر. وهكذا القول في الصبح (¬3). [1085] (حدثنا أحمد) [بن عبد الله] (¬4) (بن يونس) اليربوعي (حدثنا يعلى بن الحارث) المحاربي الكوفي، أخرج له الشيخان، قال: (سمعت إياس بن سلمة بن الأكوع [يحدث، عن أبيه) سلمة بن عمرو بن الأكوع] (¬5) (قال: كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان فيء) الفيء: هو الظل الذي يكون بعد الزوال، وأصل الفيء الرجوع، وسمي [الظل هنا فيئًا] (¬6) لأنه رجع من جانب المغرب إلى جانب المشرق. واعلم أن الشمس إذا طلعت وقع لكل شاخص ظل ظليل في جانب المغرب، ثم (¬7) ما دامت الشمس ترتفع فالظل ينقص، فإذا انتهت الشمس ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (541). (¬2) سقط من (م). (¬3) "المجموع" 3/ 21. (¬4) سقط من (م). (¬5) من (ل، م). (¬6) في (ص): الفيء هنا ظلًّا. (¬7) سقط من (م).

إلى وسط السماء، وهي حالة الاستواء انتهى نقصانه، وحينئذ فقد لا يبقى للشاخص ظل أصلًا في بعض البلاد، ([كمكة وصنعاء] (¬1) في يوم واحد، وهو أطول أيام السنة، وقد يبقى ذلك في غالب البلاد]) (¬2) وإذا بقي فهو مختلف المقدار باختلاف الأمكنة والفصول، ثم إذا مالت الشمس إلى جانب المغرب حدث الظل في جانب المشرق، وقد استدل الإمام أحمد (¬3) بهذا الحديث على جواز صلاة الظهر قبل الزوال، وهو محمول عند أصحاب الشافعي وغيرهم على أن المراد (¬4) المبالغة في التبكير في أول الوقت (¬5). [1086] (حدثنا محمد بن كثير) العبدي (أنبأنا سفيان) الثوري (¬6) (عن أبي حازم) سلمة بن دينار التابعي المدني الزاهد. (عن سهل بن سعد) الساعدي (قال: كنا نقيل) بفتح النون، من قَالَ يَقِيلُ قيلًا وقيلولة، إذا نام نصف النهار (ونتغدى بعد الجمعة) رواه البخاري عن سهل أيضًا بصيغة الحصر ولفظه: ما كنا نقيل ولا (¬7) نتغدى إلا بعد الجمعة (¬8). استدل بهذا الحديث لأحمد على جواز ¬

_ (¬1) في (م): كماله وصفًا. (¬2) من (ل، م). (¬3) انظر: "مسائل أحمد وإسحاق" برواية الكوسج (543)، "مسائل عبد الله" (458، 459). (¬4) من (س، ل، م). (¬5) انظر: "الحاوي الكبير" 2/ 428. (¬6) سقط من (م). (¬7) من (س، ل، م). (¬8) "صحيح البخاري" (939).

صلاة الجمعة قبل الزوال، وترجم عليه ابن أبي شيبة باب من كان يقول الجمعة أول النهار، وأورد فيه حديث سهل هذا (¬1)، وتعقب بأنه لا دلالة فيه على أنهم كانوا يصلون الجمعة قبل الزوال، بل فيه أنهم كانوا يبكرون بالصلاة، وأنهم أيضًا كانوا يتركون يوم المقايلة (¬2) والغداء (¬3) ويتشاغلون عنهما بالتهيؤ للجمعة بالتنظيف والاغتسال، ولبس ثياب الجمعة، والطيب والسواك، ونحو ذلك، ويبكرون بالصلاة، ثم إذا انصرفوا منها تداركوا ذلك. ¬

_ (¬1) "المصنف" لابن أبي شيبة 459 (5163). (¬2) في (ص، س): القايلة. (¬3) من (ل، م).

227 - باب النداء يوم الجمعة

227 - باب النِّدَاءِ يَوْمَ الجُمُعَةِ 1087 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ المُرادِيُّ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابن شِهابٍ، أَخْبَرَنِي السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ أَنَّ الأذَانَ كانَ أَوَّلُهُ حِينَ يَجْلِسُ الإِمامُ عَلَى الِمنْبَرِ يَوْمَ الجُمُعَةِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِي بَكْرِ وَعُمَرَ فَلَمَّا كانَ خِلافَةُ عُثْمانَ وَكَثُرَ النّاسُ أَمَرَ عُثْمانُ يَوْمَ الجُمُعَةِ بِالأذَانِ الثَّالِثِ فَأُذِّنَ بِهِ عَلَى الزَّوْراءِ فَثَبَتَ الأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ (¬1). 1088 - حَدَّثَنا النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ السّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قالَ: كانَ يُؤَذَّنُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا جَلَسَ عَلَى المِنْبَرِ يَوْمَ الجُمُعَةِ عَلَى بابِ المَسْجِدِ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. ثُمَّ ساقَ نَحْوَ حَدِيثِ يُونُسَ (¬2). 1089 - حَدَّثَنا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، حَدَّثَنا عَبْدَةُ، عَنْ مُحَمَّدٍ - يَعْنِي ابن إِسْحاقَ -، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ السَّائِبِ قَالَ: لَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا مُؤَذِّنٌ واحِدٌ بِلالٌ ثمَّ ذَكَرَ مَعْنَاهُ (¬3). 1090 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْراهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنا أَبِي، عَنْ صالِحٍ، عَنِ ابن شِهابٍ أَنَّ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ ابن أُخْتِ نَمِرٍ أَخْبَرَهُ قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - غَيْرُ مُؤَذِّنٍ واحِدٍ. وَساقَ هذا الحَدِيثَ وَلَيْسَ بِتَمامِهِ (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (912). (¬2) رواه الطبراني في "الكبير" 7/ 145 (6642)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" 3/ 1377. قال الألباني في "ضعيف أبي داود" (201): منكر بزيادة: على باب المسجد. (¬3) أخرجه البخاري (913). (¬4) انظر السابق.

باب النداء يوم الجمعة [1087] (حدثنا محمد بن سلمة) المرادي، أبو الحارث المصري (¬1) شيخ مسلم (حدثنا) عبد الله (بن وهب، عن يونس) بن (¬2) يزيد بن أبي النجاد، مولى معاوية بن أبي سفيان (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري، قال: (أخبرني السائب بن يزيد - رضي الله عنهما - أن الأذان كان أوله) وفي رواية ابن أبي ذئب عند ابن خزيمة: كان ابتداء الأذان الذي ذكره الله تعالى في القرآن يوم الجمعة (¬3). وفي رواية له: كان الأذان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر أذانين يوم الجمعة (¬4). قال ابن خزيمة: قوله: أذانين. يريد: الأذان والإقامة (¬5). يعني (¬6): تغليبًا أو لاشتراكهما في الإعلام (حين يجلس الإمام على المنبر (¬7) يوم الجمعة) وللنسائي من رواية سليمان التيمي، عن الزهري (¬8): كان بلال يؤذن إذا جلس النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر، فإذا نزل أقام (¬9). ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): البصري. والمثبت من (م)، و"تهذيب الكمال" 25/ 287. (¬2) في (م): عن. (¬3) "صحيح ابن خزيمة" (1773). (¬4) "صحيح ابن خزيمة" (1774). (¬5) "صحيح ابن خزيمة" 3/ 137. (¬6) سقط من (م). (¬7) زاد في (م): يوم المنبر. (¬8) في الأصول الخطية: أبي هريرة. والمثبت من "المجتبى"، و"فتح الباري" 2/ 457. (¬9) "المجتبى" 3/ 101. من رواية المعتمر، عن أبيه - سليمان التيمي -، عن الزهري، عن السائب بن يزيد.

قال المهلب: الحكمة في جعل الأذان في هذا المحل ليعرف الناس بجلوس الإمام على المنبر فينصتون له إذا خطب. فلما زيد الأذان الأول (¬1) كان للإعلام المحض، وكان الذي بين يدي الخطيب للإنصات (¬2) (في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر) زيد ذكرهما للتأكيد، وإلا فعهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كاف في الحجة. (فلما كان خلافة عثمان وكثر الناس) بالمدينة صرح به في رواية الماجشون، وظاهره أن عثمان أمر بذلك في ابتداء خلافته لكن في رواية أبي ضمرة عن يونس عند أبي نعيم في "المستخرج" أن ذلك كان بعد مضي مدة من خلافته (¬3). (أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث) وفي رواية وكيع عن ابن أبي ذئب: فأمر عثمان بالأذان [الأول. ونحوه للشافعي (¬4) من هذا الوجه، ولا منافاة بينهما؛ لأنه باعتبار كونه مزيدًا سمي ثالثًا، وباعتبار كونه] (¬5) جعل مقدمًا على الأذان والإقامة سمي أولًا، وسمي (¬6) أذان عثمان ثالثًا بتسمية الأذان والإقامة أذانين لقوله - عليه السلام -: "بين كل أذانين صلاة" (¬7) يعني: بين كل (¬8) أذان وإقامة. ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) "فتح الباري" 2/ 394. (¬3) السابق. (¬4) "الأم" 1/ 334. (¬5) من (ل، م)، و"فتح الباري". (¬6) من (ل، م). (¬7) أخرجه البخاري (624)، ومسلم (838) (304). (¬8) من (س، ل، م).

ولفظ رواية عقيل في البخاري: أن التأذين الثاني أمر به عثمان (¬1) وتسميته ثانيًا أيضًا متوجهًا بالنظر إلى الأذان الحقيقي لا الإقامة (¬2). (على الزوراء) بفتح الزاي وسكون الواو وبعدها راء ممدودة، وهو موضع بالمدينة عند السوق قرب المسجد، وهو متصل بالمدينة، وكان به مال لأحيحة بن الجلاح، وهو الذي يقول (¬3). إني مقيم على الزوراء أعمرها ... إن الكريم على الإخوان ذو المال وقيل: هو بناء مرتفع. وزعم ابن بطال بأنه حجر كبير عند باب المسجد (¬4). وفيه نظر؛ لما في رواية ابن (¬5) إسحاق، عن (¬6) الزهري عند ابن خزيمة وابن ماجه (¬7) بلفظ: زاد النداء الثالث على دار في السوق يقال لها الزوراء (¬8). وفي رواية عند الطبراني: فأمر بالنداء الأول على دار له (¬9) يقال ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (915). (¬2) "فتح الباري" 2/ 394. (¬3) في (م): عنى بقوله. (¬4) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 2/ 505. (¬5) في الأصول الخطية: أبي. والمثبت من "فتح الباري" 2/ 394، ومصادر التخريج. (¬6) في (ص، س): عند. (¬7) سقط من (الأصل)، وفي (س، ل، م): وابن خزيمة. والمثبت من "الفتح" 2/ 394. (¬8) "صحيح ابن خزيمة" (1837)، و"سنن ابن ماجه" (1135). (¬9) سقط من (م).

لها (¬1) الزوراء، فكان يؤذن له عليها، فإذا جلس على المنبر أذن (¬2) مؤذنه الأول، فإذا نزل أقام الصلاة (¬3)، وفي رواية له من هذا الوجه (¬4): فأذن بالزوراء قبل خروجه ليعلم الناس أن الجمعة قد حضرت (¬5). (فثبت الأمر على ذلك) حتى الساعة، وأخذ الناس بذلك في جميع البلاد إذ ذاك لكونه كان خليفة مطاع الأمر، لكن ذكر الفاكهي أن أول من أحدث الأذان الأول بمكة الحجاج (¬6)، وبالبصرة زياد، وبلغني أن أهل المغرب الأدنى لا ينادى للجمعة عندهم سوى مرة (¬7). وروى ابن أبي شيبة من طريق ابن عمر: الأذان الأول يوم الجمعة بدعة (¬8). فيحتمل أن يكون قال ذلك على سبيل الإنكار، ويحتمل أن يكون لكونه لم يكن في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكل ما لم يكن في زمنه يسمى بدعة، لكن منها ما يكون حسنًا، ومنها ما يكون بخلاف ذلك، وتبين مما مضى أن عثمان أحدثه لإعلام الناس بدخول وقت الصلاة قياسًا على بقية الصلوات، وأما ما أحدث الناس قبل وقت الجمعة من الدعاء إليها بالذكر والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو في بعض البلاد دون ¬

_ (¬1) في (ص، س): له. (¬2) زاد في (م): له. (¬3) "المعجم الكبير" (6642). (¬4) في (م): فإذا أذن. (¬5) "المعجم الكبير" (6643). (¬6) "أخبار مكة" 3/ 238. (¬7) "فتح الباري" 2/ 458. (¬8) "مصنف ابن أبي شيبة" (5479).

بعض واتباع السلف الصالح أولى (¬1). [1088] (حدثنا) عبد الله بن محمد (النفيلي، حدثنا محمد بن سلمة) (¬2) بن عبد الله الباهلي الحراني (¬3) أخرج له مسلم. (عن محمد بن إسحاق، عن الزهري عن السائب بن يزيد قال: كان يؤذن) بتشديد الذال المفتوحة، [قال الإسنوي: ينبغي قرآته بكسر الذال] (¬4). (بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فيه التأدب بآداب الشريعة مع العلماء، إذ لم يقل أمامه بل بين يديه (إذا جلس على المنبر) وفي رواية: حين يجلس. وهما دالان على أن (¬5) السنة أن يؤذن في حال جلوسه (يوم الجمعة على باب المسجد) تجاه المنبر، وظاهره التعبير بـ (على) التي للاستعلاء، الحقيقة أن يصعد المؤذن على سطح (¬6) الباب ليحصل السنة بالارتفاع على مرتفع (و) بين يدي (أبي بكر وعمر) [من بعده] (¬7) - رضي الله عنهما - (ثم ساق نحو حديث يونس) بن يزيد (¬8). [1089] (حدثنا هناد بن السري، حدثنا عبدة) بن سليمان الكلابي ¬

_ (¬1) "فتح الباري" 2/ 458. (¬2) في (م): مسلمة. (¬3) في (م): الجراح. (¬4) سقط من (م). (¬5) سقط من (م). (¬6) في (م): فتح. (¬7) سقط من (م). (¬8) في (ص، س): نوفل.

المقرئ (عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن السائب بن يزيد قال: لم يكن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا مؤذن واحد) يعني: في يوم الجمعة، وهو (بلال) ابن رباح بفتح الراء والموحدة المخففة، مولى أبي بكر الصديق، واسم أمه: حمامة فنسب إليها، أسلم قديمًا وشهد بدرًا، والمراد أن الذي كان يؤذن هو الذي كان يقيم. قال الإسماعيلي: لعل قوله: (مؤذن واحد) يريد به التأذين، فعبر به بلفظ المؤذن لدلالته عليه (¬1). قال ابن حجر: وما أدري ما الحامل له على هذا التأويل، فإن المؤذن الراتب هو بلال، وأما أبو محذورة وسعد القرظ، فكان كل واحد منهما يؤذن في مسجده الذي رتب فيه، وأما ابن أم مكتوم فلم يرد أنه كان يؤذن (¬2) إلا في الصبح، فلعل الإسماعيلي استشعر إيراد أحد هؤلاء فقال ما قاله، ويمكن أن يكون المراد من قوله: (مؤذن واحد) أي: في الجمعة فلا ترد الصبح مثلًا، وعرف بهذا الرد على ما ذكره ابن حبيب أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رقى المنبر وجلس أذن المؤذنون، وكانوا ثلاثة واحد بعد واحد، فإذا فرغ الثالث قام فخطب (¬3). والذي ذكره الرافعي في "الشرح الصغير" أن المستحب مؤذن واحد، ونقله في "الكبير" عن المحاملي وصاحب "الإفصاح"، ثم (¬4) قال: وفي ¬

_ (¬1) "فتح الباري" 2/ 395. (¬2) في (ص، س، ل): أذن. والمثبت من (م)، و"فتح الباري" 2/ 395. (¬3) "فتح الباري" 2/ 395. (¬4) سقط من (م).

كلام بعض (¬1) أصحابنا ما يشعر باستحباب التعدد (¬2). فإنه عبر بالمؤذنين (¬3). قال الإسنوي: والتعبير بالمؤذنين ثابت (¬4) مصرح به في "البويطي" للشافعي، لكن رأيت في "الأم" التصريح بالأول أيضًا، وزاد فقال: تكره الزيادة على الواحد (¬5) (ثم ذكر معناه) كما تقدم. [1090] (حدثنا محمد بن يحيى بن) عبد الله بن (فارس) بن ذؤيب الذهلي شيخ البخاري. (حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد) الزهري (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (¬6) القرشي. (عن صالح) بن كيسان (عن) محمد (بن شهاب) الزهري (أن السائب بن يزيد) الكندي الصحابي (ابن أخت نمر) بن سعيد (¬7) بن عائذ الكندي (أخبره) بما تقدم (وقال: لم يكن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير مؤذن واحد. وساق هذا الحديث) المتقدم ولكن (ليس بتمامه) كما تقدم. ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "الشرح الكبير" 2/ 294 - 295. (¬3) في (م): المؤذن. (¬4) في (م): ما نبه. (¬5) "الأم" 1/ 334. (¬6) زاد في (م): الزهري. (¬7) في (ص، س، ل): سعد. والمثبت من (م)، و"أسد الغابة" 2/ 321.

228 - باب الإمام يكلم الرجل في خطبته

228 - باب الإِمَامِ يُكَلِّمُ الرَّجُلَ فِي خُطْبَتِهِ 1091 - حَدَّثَنا يَعقُوبُ بْنُ كَعْبٍ الأَنْطاكِيُّ، حَدَّثَنا مَخْلَدُ بْن يَزِيدَ، حَدَّثَنا ابن جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جابِرٍ قالَ: لَمَّا اسْتَوَى رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الجُمُعَةِ قَالَ: "اجْلِسُوا". فَسَمِعَ ذَلِكَ ابن مَسْعُودٍ فَجَلَسَ عَلَى بابِ المَسْجِدِ فَرَآهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "تَعالَ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ". قَالَ أَبُو داوُدَ: هذا يُعْرَفُ مُرْسَلًا إِنَّما رَواهُ النَّاسُ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَخْلَدٌ هُوَ شَيْخٌ (¬1). * * * باب الإمام يكلم الرجل في خطبته [1091] (حدثنا يعقوب بن كعب) الحلبي (الأنطاكي) قال ابن الأثير في "اللباب في معرفة الأنساب": هو بفتح الهمزة [وسكون النون] (¬2) نسبة إلى بلدة أنطاكية من الشام، وإلى الدواء المسهل الذي يقال له الأنطاكي وهو السقمونيا (¬3). (حدثنا مخلد بن يزيد) القرشي مولاهم الحراني، أخرج له الشيخان (حدثنا) عبد الملك (بن جريج، عن عطاء، عن جابر) بن عبد الله - رضي الله عنهما -. ¬

_ (¬1) أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" (1780)، والبيهقي في "الكبرى" 3/ 205، والحاكم في "المستدرك" 1/ 283 من طريق آخر عن ابن عباس قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (1001): حديث صحيح. (¬2) سقط من (م). (¬3) "اللباب في تهذيب الأنساب" 1/ 90.

(قال: لما استوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: استقر (يوم الجمعة) يعني: على المنبر (قال: أجلسوا) يحتمل أنه لما استقر قائمًا مستويًا على المنبر قاموا له إعظامًا فقال لهم (¬1): اجلسوا لا تفعلوا كما تفعل الأعاجم. ويدل على قيامهم رواية الترمذي عن ابن مسعود قال (¬2): كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استوى على المنبر استقبلناه بوجوهنا (¬3). لكنه ضعيف. (فسمع ذلك عبد الله بن مسعود) وكان آتيًا إلى المسجد، أو كان قد قام مع من قام (فجلس) مع من جلس (على) المكان الذي كان فيه عند (باب المسجد) [فتكون (على) بمعنى (عند) كقوله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} (¬4)] (¬5) والإتيان بفاء التعقيب يدل على المبادرة إلى الجلوس. وفيه أن فعل الأمر يدل على الفور، فلهذا لا يؤخر الجلوس إلى أن ينتهي في مشيه إلى أن يدنو من الخطيب، بل يجلس في المكان الذي سمعه فيه. (فرآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) لما جلس, لأنه كان تجاهه كما تقدم. (فقال) بعد أن شرع في الخطبة عقب أمرهم بالجلوس (تعال) بفتح ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) من (م). (¬3) "سنن الترمذي" (509). قال أبو عيسى: لا يصح في هذا الباب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء. وقال الدارقطني في "العلل" (774): لا يصح. (¬4) الرعد: 6. (¬5) سقط من (م).

اللام، وأصله أن الرجل الذي في المكان العالي ينادي السافل فيقول: تعال، ثم كثر حتى استعمل بمعنى هلم مطلقًا، سواء كان موضع المنادي أعلى أو أسفل [أو مساويًا] (¬1) فهو في الأصل (¬2) بمعنى: خاص ثم استعمل في معنى عام. (يا (¬3) عبد الله بن مسعود) يجوز في (عبد) الضم على أصل النداء، والفتح [اتباعًا لـ (ابن)] (¬4)؛ لأن المنصوب بعده، والرجل الذي ذكره المصنف في التبويب هو ابن مسعود، واستدل به على جواز كلام الخطيب في أثناء الخطبة، وقد وردت فيه أحاديث، واختلف فيه الأئمة، قال البيهقي: أختلفوا في أن الخطيب أو المستمع هل له أن يتكلم بما يعنيه في حال الخطبة أم لا على قولين: أحدهما: يحل ما لم يقل لغوًا. والثاني: لا يحل، وبه قال أبو حنيفة (¬5). انتهى (¬6). والأول هو الصحيح عند الشافعية (¬7). (قال المصنف: هذا) الحديث (يعرف مرسل) بالرفع (¬8) يجوز أن ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): الأسفل. (¬3) في (ص، س، ل): حدثنا. والمثبت من "السنن". (¬4) في (ص، س، ل): اتباع لأن. (¬5) انظر: "المبسوط" للسرخسي 2/ 46 - 47. (¬6) "مختصر الخلافيات" للبيهقي 2/ 340. (¬7) "الأم" 1/ 345. (¬8) زاد في (م): بما.

يكون بدل اشتمال من [الضمير النائب] (¬1) عن الفاعل، والنصب على الحال وجه، ثم بين الإرسال الذي ذكره فقال: وجهه (إنما رواه الناس) الثقات من أصحاب ابن جريج أو عطاء. (عن عطاء، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) ولم يذكروا في روايتهم جابرًا ثم قال: (ومخلد) بن يزيد الحراني (¬2) (شيخ) أي: يعتبر بحديثه، وقد احتج به الشيخان في صحيحيهما، لكن قال الإمام أحمد: كان يهم (¬3). فعلى هذا يكون اتصاله شاذًّا؛ لأن المقبول وهو مخلد خالف من هو أولى منه عند المحدثين، وأما على الأصح عند الفقهاء والأصوليين فالحكم للاتصال. ¬

_ (¬1) في (م): التأنيث. (¬2) في (ص، س، ل): الجزري. والمثبت من "تهذيب الكمال" 27/ 343 - 344، و"الكاشف" 2/ 249. (¬3) "الجرح والتعديل" 8/ 347، و"تهذيب الكمال" 27/ 345.

229 - باب الجلوس إذا صعد المنبر

229 - باب الجُلُوسِ إِذا صَعِدَ المِنْبَرَ 1092 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمانَ الأَنْبارِيُّ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهَّابِ - يَعْنِي: ابن عَطاءٍ -، عَنِ العُمَرِيِّ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قالَ: كانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خُطْبَتَيْنِ كانَ يَجْلِسُ إِذا صَعِدَ الِمنْبَرَ حَتَّى يَفْرُغَ - أُراهُ قَالَ: المُؤَذِّنُ - ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ، ثُمَّ يَجْلِسُ فَلَا يَتَكَلَّمُ ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ (¬1). * * * باب الجلوس إذا صعد المنبر [1092] (حدثنا محمد بن سليمان الأنباري) بتقديم النون على الموحدة، نسبة إلى بلدة قديمة على الفرات على عشرة فراسخ من بغداد، وبمرو أيضًا سكة بأعلى البلد يقال لها: سكة الأنبار، ينسب إليها أبو بكر بن الحسن بن عبد الله الأنباري، وقد وهم فيه أبو كامل فنسبه إلى مدينة الأنبار وليس بصحيح. (حدثنا عبد الوهاب بن عطاء) الخفاف العجلي مولاهم البصري، أخرج له مسلم والأربعة. (عن) عبد الله بن عمر (¬2) بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب (العمري) أخرج له مسلم في "الحدود" و"الأدب". (عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب خطبتين) استدل به على أن الخطبتين ركن من أركان الجمعة، ومن شروطها ¬

_ (¬1) رواه البخاري (920، 928)، ومسلم (861). (¬2) في (م): عمرو.

خطبتان قبل الصلاة. (كان يجلس إذا صعد) بكسر العين (المنبر) أي: أعلاه، فيكون جلوسه على المستراح، ووقوفه على الدرجة التي تلي المستراح (حتى يفرغ - أراه) بضم الهمزة. أي: أظن (المؤذن) [يعني: الواحد كما تقدم، حتى يجيب المؤذن] (¬1) ويدعو بالدعاء المشروع (¬2) عقب الأذان، وإن أجابه (¬3) جهرًا ليقتدي به المأمومون (¬4) فلا بأس، وإجابة الخطيب سنة إن لم يكن أجاب النداء الذي قبله الذي زاده عثمان؛ فإن كان أجابه فهل يجيب هنا ثانيًا (¬5) أم لا؟ فيه كلام مبني على أن الأمر هل يتكرر بتكرر السبب أم لا. ومنهم من بناه على أن الأمر يقتضي التكرار أم لا. (ثم يقوم) إن قدر؛ لهذا الحديث ولإطباق الناس عليه، وقيل: إن يخطب قاعدًا مع القدرة، فإن قلنا بالأول فعجز الخطيب عن القيام (¬6) فالأولى أن يستخلف غيره، فإن لم يفعل جاز. (فيخطب) ويستحب أن تكون الخطبة بليغة مفهومة قصيرة. (ثم يجلس) نحو سورة الإخلاص استحبابًا، وإن قرأها في جلوسه فهو أفضل (فلا يتكلم) كما تقدم. ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ص، س): الميسر. (¬3) في (م): جاء به. (¬4) في (ص، س): المأمون. (¬5) في (ص، س): ثالثًا. (¬6) في (ص): المقام.

(ثم يقوم) ثانيًا (فيخطب) ثانيًا، ويشترط أن تكون الخطبة بالعربية، وقيل لا يجب. فإن أوجبناها ولم يكن فيهم من يحسن العربية جاز بغيرها، وأورد القاضي حسين في تعليقه سؤالًا (¬1) فقال: إذا لم يعرف القوم العربية (¬2) فما فائدة الخطبة؟ وأجاب بأن فائدتها العلم بالوعظ من حيث الجملة (¬3). ¬

_ (¬1) زاد في (م): فقال. (¬2) سقط من (م). (¬3) انظر: "كفاية الأخيار" ص 145.

230 - باب الخطبة قائما

230 - باب الخُطْبَةِ قائِمًا 1093 - حَدَّثَنا النُّفَيْلِيُّ عَبْدُ اللهِ بْن مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، عَنْ سِماكٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَخْطُبُ قائِمًا، ثُمَّ يَجْلِسُ، ثُمَّ يَقْومُ فَيَخْطُبُ قائِمًا فَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ كانَ يَخْطُبُ جالِسًا فَقَدْ كَذَبَ فَقالَ: فَقَدْ والله صَلَّيْتُ مَعَهُ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفَيْ صَلاةٍ (¬1). 1094 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى وَعُثْمانُ بْن أَبِي شَيْبَةَ - المَعْنَى -، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، حَدَّثَنا سِماكٌ، عَنْ جابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قالَ: كانَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خُطْبَتانِ كانَ يَجْلِسُ بَيْنَهُما يَقْرَأُ القُرْآنَ وَيُذَكِّرُ النَّاسَ (¬2). 1095 - حَدَّثَنا أَبُو كامِلٍ، حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ سِماكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قال: رأيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ قائِمًا ثُمَّ يَقْعُدُ قَعْدَةً لا يَتَكَلَّمُ. وَساقَ الحَدِيثَ. * * * باب الخطبة قائمًا [1093] (حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي، حدثنا زهير) بن معاوية الجعفي (عن سماك، عن جابر بن سمرة) بن جنادة السوائي "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب قائمًا) إن قدر، كما تقدم (ثم يجلس) قال القاضي عياض: اختلف أئمة الفتوى في حكم الجلوس [بين الخطبتين مع اتفاقهم على كونه مشروعًا، فقال مالك (¬3) وأبو حنيفة (¬4) وأصحابهما ¬

_ (¬1) رواه مسلم (862/ 34). (¬2) انظر ما قبله. (¬3) "المدونة" 1/ 231، وانظر: "الاستذكار" 5/ 125. (¬4) انظر: "المبسوط" للسرخسي 2/ 42.

وجمهور العلماء: هو سنة] (¬1) ومن لم يجلس أساء، ولا شيء عليه، وخطبة واحدة تجزئ. وقال الشافعي (¬2): هي فرض (¬3) من لم يجلسها كأنه ما خطب، ولا جمعة له. قال الطحاوي: لم يقل هذا أحد غيره، وحجته ظاهر الحديث، وحكى غيره عن مالك مثل قول الشافعي (¬4). (ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب (¬5) قائمًا، فمن حدثك أنه كان يخطب جالسًا فقد كذب) عليه (فقد والله) فيه [جواز القسم] (¬6) لتأكيد الكلام (صليت معه أكثر من ألفي صلاة) يحمل هذا على المبالغة إن كان أراد صلاة الجمعة؛ لأن هذا القدر من الجمع إنما يكمل في نيف وأربعين سنة، وهذا القدر لم يصله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو يكون أراد سائر الصلوات. وذكر مسلم بعد هذا الحديث: أن كعب بن عجرة دخل المسجد وعبد الرحمن بن أم الحكم يخطب قاعدًا فقال: انظروا إلى هذا الخبيث (¬7) يخطب قاعدًا وقال الله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} (¬8) (¬9). وهذا الذم وإطلاق الحديث عليه يشير ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "الأم" 1/ 342. (¬3) من (س، ل، م). (¬4) "إكمال المعلم" 3/ 257. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (ص): جواب القسم. وفي (س): جوابا لقسم. وفي (م): جوابا بالقسم. والمثبت من (ل). (¬7) في (ص، س): الحبيب. والمثبت من (ل، م)، و"صحيح مسلم". (¬8) الجمعة: 11. (¬9) "صحيح مسلم" (864) (39).

به إلى أن القيام عندهم واجب معلوم وجوبه. [1094] (حدثنا إبراهيم بن موسى) الرازي (¬1) الحافظ (وعثمان) [بن محمد] (¬2) (بن أبي شيبة - المعنى -، عن أبي الأحوص) سلام بن سليم الحنفي، الكوفي الحافظ. قال: (حدثنا سماك، عن جابر بن سمرة، قال: كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبتان يجلس بينهما) كذا لمسلم (يقرأ القرآن) يعني: في الخطبة الثانية. وبوب عليه النسائي باب القراءة في الخطبة الثانية والذكر فيها. ولفظه: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب قائمًا، ثم يجلس ثم يقوم ويقرأ آيات (¬3). كما سيأتي للمصنف من حديث جابر (¬4) أيضًا، والمراد بالقرآن في حديث الباب آية لراوية في (¬5) الصحيحين عن (¬6) يعلى بن أمية: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ على المنبر {وَنَادَوْا يَامَالِكُ} (¬7)، وللبخاري (ونادوا يا مال) (¬8) بحذف الكاف للترخيم، قال [الحسن البصري] (¬9): ما كان أغناهم عن الترخيم. قال الزمخشري: ضعفت قواهم (¬10) عن تكميل الكلمة فرخموا (¬11) (¬12). ¬

_ (¬1) من (س، ل، م). (¬2) سقط من (م). (¬3) "المجتبى" 3/ 110. (¬4) سيأتي برقم (1101). (¬5) من (م). (¬6) في (م): من حديث. (¬7) الزخرف: 77. (¬8) "صحيح البخاري" (3230، 3266)، و"صحيح مسلم" (871) (49). (¬9) في (م): النسائي. (¬10) في (م): عن القوى. (¬11) من (س، ل، م). (¬12) انظر: "شرح قطر الندى" 1/ 213 - 214.

(ويذكر الناس) أي: بالله تعالى، وللنسائي وابن ماجه: ويذكر الله تعالى (¬1). واحتج الشافعي (¬2) بهذا على أنه يشترط في الخطبتين ما يدل على الموعظة، طويلًا كان أو قصيرًا، كقوله: {أَطِيعُوا اللَّهَ} (¬3) ولا يتعين لفظ الوصية بتقوى الله على الصحيح؛ لحصول المقصود بها (¬4)، وعدم الدليل على تعينها. [1095] (حدثنا أبو كامل) فضيل بن (¬5) حسين الجحدري (حدثنا أبو عوانة) الوضاح. (عن سماك بن حرب (¬6)، عن [جابر بن] (¬7) سمرة) بن جندب (قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب قائمًا ثم يقعد قعدة) بالفتح؛ لأنه للمرة الواحدة (لا (¬8) يتكلم) يعني: في خطبته، قد يستدل به [من منع من] (¬9) الكلام في الخطبة مطلقًا (وساق الحديث) المتقدم. ¬

_ (¬1) "المجتبى" 3/ 110، 192، و"سنن ابن ماجه" (1106). (¬2) "الأم" 1/ 344. (¬3) آل عمران: 32. (¬4) من (ل، م). (¬5) في (ص، س): أبو. والمثبت من (ل، م)، و"التهذيب" 23/ 269. (¬6) في (م): حبيب. (¬7) سقط من الأصول الخطية. والمثبت من "سنن أبي داود". (¬8) سقط من (م). (¬9) في (م): عن منع.

231 - باب الرجل يخطب على قوس

231 - باب الرَّجُلِ يَخْطُبُ علَى قَوْسٍ 1096 - حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنا شِهابُ بْنُ خِراشٍ، حَدَّثَنِي شُعَيْبُ بْنُ رُزَيْقٍ الطَّائِفِيُّ قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى رَجُلٍ لَهُ صُحْبَةٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُقَالُ لَهُ: الحَكَمُ بْنُ حَزْنٍ الكُلَفِيُّ فَأَنْشَأَ يُحَدِّثُنا قَالَ: وَفَدْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سابِعَ سَبْعَةٍ أَوْ تاسِعَ تِسْعَةٍ فَدَخَلْنا عَلَيْهِ فَقُلْنا يا رَسُولَ اللهِ زُرْناكَ فادْعُ اللهَ لَنا بِخَيْرٍ فَأَمَرَ بِنا أَوْ أَمَرَ لَنا بِشَيْءٍ مِنَ التَّمْرِ والشَّأْنُ إِذْ ذاكَ دُونٌ فَأَقَمْنا بِها أَيَّامًا شَهِدْنا فِيها الجُمُعَةَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى عَصًا أَوْ قَوْسٍ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ كلِماتٍ خَفِيفاتٍ طَيِّباتٍ مُبارَكاتٍ ثُمَّ قَالَ: "أَيُّها النَّاسُ إِنَّكُمْ لَنْ تُطِيقُوا - أَوْ لَنْ تَفْعَلُوا - كُلَّ ما أُمِرْتُمْ بِهِ، ولكن سَدِّدُوا وَأَبْشِرُوا". قالَ أَبُو عَلِيٍّ: سَمِعْتُ أَبا داوُدَ قالَ: ثَبَّتَنِي فِي شَيْءٍ مِنْهُ بَعْضُ أَصْحابِنَا وَقَدْ كانَ انْقَطَعَ مِنَ القِرْطاسِ (¬1). 1097 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشّارٍ، حَدَّثَنا أَبُو عاصِمٍ، حَدَّثَنا عِمْرانُ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ، عَنْ أَبِي عِياضٍ، عَنِ ابن مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إِذَا تَشَهَّدَ قَالَ: "الحَمْدُ لله نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا، مَنْ يَهْدِهِ الله فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَن يُضْلِلْ فَلا هادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ مَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِهِما فَإِنَّهُ لا يَضُرُّ إِلَّا نَفْسَهُ وَلا يَضُرُّ اللهَ شَيْئًا" (¬2). 1098 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ المُرادِيُّ، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ أَنَّهُ سَأَلَ ابن شِهابٍ عَنْ تَشَهُّدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الجُمُعَةِ فَذَكَرَ نَحْوَهُ قَالَ: "وَمَنْ يَعْصِهِما ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 212، وأبو يعلى 12/ 204 (6826)، وابن خزيمة (1452). وحسنه الألباني في "الإرواء" (616). (¬2) رواه البيهقي 7/ 146. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (202).

فَقَدْ غَوَى". وَنَسْأَلُ اللهَ رَبَّنا أَنْ يَجْعَلَنا مِمَّنْ يُطِيعُهُ وَيُطِيعُ رَسُولَهُ وَيَتَّبِعُ رِضْوانَهُ وَيَجْتَنِبُ سَخَطَهُ فَإِنَّما نَحْنُ بِهِ وَلَهُ (¬1). 1099 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ، عَنْ تَمِيمٍ الطّائِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حاتِمٍ أَنَّ خَطِيبًا خَطَبَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: مَنْ يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ وَمَنْ يَعْصِهِما فَقَالَ: "قُمْ - أَوِ اذْهَبْ - بِئْسَ الخَطِيبُ أَنْتَ" (¬2). 1100 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن بَشَّارٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ خُبَيْبٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْنٍ عَنْ بِنْتِ الحارِثِ بْنِ النُّعْمانِ قَالَتْ: ما حَفِظْتُ {ق} إِلَّا مِنْ فِي رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَخْطُبُ بِها كُلَّ جُمُعَةٍ قالَتْ: وَكانَ تَنُّورُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَتَنُّورُنَا واحِدًا. قالَ أَبُو داوُدَ: قالَ رَوْحُ بْن عُبَادَةَ، عَنْ شُعْبَةَ قالَ بِنْتِ حارِثَةَ بْنِ النُّعْمانِ وقَالَ ابن إِسْحاقَ: أُمِّ هِشامٍ بِنْتِ حارِثَةَ بْنِ النُّعْمانِ (¬3). 1101 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى عَنْ سُفْيانَ قَالَ حَدَّثَنِي سِماكٌ عَنْ جابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: كانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَصْدًا وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا يَقْرَأُ آياتٍ مِنَ القُرْآنِ وَيُذَكِّرُ النّاسَ (¬4). 1102 - حَدَّثَنا مَحْمُودُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا مَرْوَانُ، حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْن بِلالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ أُخْتِها قَالَتْ: ما أَخَذْتُ {ق} إِلَّا مِنْ فِي رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقْرَؤُهَا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ. ¬

_ (¬1) رواه المصنف في "المراسيل" (56)، والبيهقي 3/ 215. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (203)، وفي "خطبة الحاجة" (ص 34). (¬2) رواه مسلم (870). (¬3) رواه مسلم (873). (¬4) رواه مسلم (866/ 42).

قَالَ أَبُو داوُدَ: كَذا رَواهُ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وابْنُ أَبِي الرِّجالِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ أُمِّ هِشامٍ بِنْتِ حارِثَةَ بْنِ النُّعْمانِ (¬1). 1103 - حَدَّثَنا ابن السَّرْحِ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْن أَيُّوبَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ أُخْتٍ لِعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كانَتْ أَكْبَرَ مِنْها بِمَعْنَاهُ (¬2). * * * باب الرجل يخطب على قوس [1096] (حدثنا سعيد بن منصور) بن (¬3) شعبة الخراساني. (حدثنا شهاب بن خراش) (¬4) بكسر الخاء المعجمة، ابن حوشب الواسطي بالرملة. (حدثنا شعيب بن رزيق) بتقديم الراء المهملة على الزاي، الطائفي الثقفي صدوق (¬5). (قال: جلست إلى رجل له (¬6) صحبة من النبي - صلى الله عليه وسلم - يقال له: الحكم بن حزن) بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي (الكلفي) [بضم الكاف وفتح اللام، ثم فاء] (¬7) قال ابن الأثير في "الأنساب": هذِه النسبة إلى كلفة ¬

_ (¬1) رواه مسلم (872/ 50). (¬2) السابق. (¬3) في (م): عن. (¬4) في (ص): خراسان. والمثبت من (س، ل، م)، و"السنن". وانظر ترجمته في "التهذيب" 12/ 568. (¬5) "الكاشف" 2/ 13. (¬6) سقط من (م). (¬7) سقط من (م).

[ابن حنظلة] (¬1) وهو بطن من تميم، هكذا قال السمعاني (¬2)، ثم قال: وقيل: إنه من كلفة بن عوف (¬3) بن نصر قال: وهو الأصح، فإن تميمًا ليس فيها كلفة على أن كثيرًا من أهل (¬4) الحديث يقولون كما قال السمعاني (¬5). [وحكى الجوهري (¬6) أن كل اسم على فعلة مثل كلفة وعتبة فالنسبة إليها كلفي وعتبي يبنى (¬7) ثانيهما (فأنشأ] (¬8) [يحدث قال] (¬9): وفدت إلى (¬10) النبي - صلى الله عليه وسلم - سابع سبعة) من هوازن (أو تاسع تسعة، فدخلنا عليه فقلنا: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زرناك فاح الله لنا بخير) فيه استحباب طلب الدعاء من أهل الصلاح والخير عند زيارتهم، وفيه تعيين ما يطلبه من الدعاء، والخير المذكور يشمل خيري الدنيا والآخرة. (فأمر بنا) يشبه أن المراد أمر بنا إلى شيء من التمر (أو) قال (أمر لنا بشيء من التمر) شك من الراوي. ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "الأنساب" 5/ 88. (¬3) في (ص، س): عون. والمثبت من (ل، م)، ومصادر التخريج. (¬4) سقط من (م). (¬5) "اللباب في تهذيب الأنساب" 3/ 107. (¬6) في (س، ل): الحربي. (¬7) بياض بالأصل، (س). (¬8) سقط من (م). (¬9) في (س، م): فقال. وفي (ل): يحدث فقال. (¬10) في (م): على.

(والشأن) بالهمز ورفع النون مبتدأ والواو (¬1) واو الحال (إذ ذاك دون) بضم الدال ورفع النون خبر المبتدأ. قال ابن الأثير [في "النهاية"] (¬2): الشأن: الخطب والأمر والحال (¬3). والمراد: أي الحال إذ ذاك ضعيفة لم ترتفع بعد، ولم يحصل الغنى (¬4). يعني: أنهم كانوا في ذلك الوقت في ضيق عيش لم تتسع عليهم الدنيا بعد (فأقمنا بها (¬5) أيامًا) يعني: بالمدينة (وشهدنا) أي: حضرنا (فيها الجمعة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام) أي: على المنبر (متوكئًا على عصا - أو قوس -) شك من الراوي، فالعصا يعضدها ما رواه الإمام الشافعي في "مسنده" مرسلًا عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوم على عصا إذا خطب؟ قال: نعم كان يعتمد عليها اعتمادًا (¬6). والقوس يعضده ما (¬7) سيأتي في صلاة العيد من أفراد المصنف عن يزيد بن البراء، عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نوول (¬8) يوم العيد قوسًا خطب (¬9) عليه (¬10). وطوله أحمد (¬11) ¬

_ (¬1) في (ل، م): واو الداخلة عليه واو الحال. (¬2) سقط من (م). (¬3) "النهاية في غريب الحديث" 2/ 437. (¬4) سقط من (م). (¬5) سقط من (م). (¬6) "مسند الشافعي" (282). (¬7) في (ص، س، ل): لما. (¬8) بياض في الأصل، والمثبت من (س، ل، م) و"سنن أبي داود". (¬9) في (م): يخطب. وفي "السنن": فخطب. (¬10) "سنن أبي داود" (1145). (¬11) "مسند أحمد" 4/ 212.

والطبراني (¬1)، وصححه ابن السكن (¬2)، وقد استدل بهذا الحديث على أن السنة للخطيب أن يعتمد على سيف أو عصا أو شيء (¬3) ونحوه كالعنزة، وهي عصا في رأسها حديدة محددة، والحكمة في الاعتماد على ذلك الإشارة إلى أن هذا الدين قد قام بالسيف والرمي بالقوس، ويقبض ذلك بيده اليسرى كما هي عادة من يرمي بالقوس. (فحمد) بكسر الميم (الله تعالى وأثنى عليه) يعني: بعد الحمد، وفيه دليل لما ذهب إليه الشافعي (¬4) وغيره أن لفظ الحمد لله متعين في الخطبة، فلو قال: لا إله إلا الله. لم يكف عندنا (¬5) خلافًا لأبي حنيفة (¬6) ومالك (¬7)، وكذا لو قال: الثناء أو العظمة لله. لم يكف. (كلمات خفيفات) يحتمل أنهما منصوبان بالجر والتنوين على حذف حرف الجر، والتقدير [فحمد الله] (¬8) بكلمات خفيفات (طيبات) أي: صالحات للثناء على الله تعالى (مباركات) زائدات البركة (ثم قال: يا أيها الناس إنكم لن تطيقوا - أو) قال (لن) (¬9) تطيقوا أن (تفعلوا -) كل ¬

_ (¬1) الطبراني في "الكبير" (3165). (¬2) انظر: "التلخيص الحبير" 2/ 130. (¬3) بياض في الأصل، وفي (م): سيف أو. وغير مقروءة في (س)، والمثبت من (ل). (¬4) "الأم" 1/ 344. (¬5) انظر: "المجموع" 4/ 519. (¬6) انظر: "المبسوط" للسرخسي 2/ 47. (¬7) "المدونة الكبرى" 1/ 236. (¬8) سقط من (م). (¬9) في (ص، س): أن. والمثبت من (ل، م)، و"السنن".

ما أمرتم به. (ولكن سددوا) بالسين المهملة، قال ابن الأثير: اطلبوا (¬1) واقصدوا السداد والاستقامة في أموركم، والسداد [القصد] (¬2) في الأمر [والعدل فيه] (¬3) (وأبشروا) بفتح همزة القطع، من البشارة. أي: أبشروا إذا سددتم وفعلتم (¬4) ما استطعتم، فأبشروا بحصول ثواب جميع ما أمرتم به مع فعل بعضه، هكذا في رواية الخطيب، من البشارة، والرواية التي ذكرها (¬5) ابن الأثير في "جامع الأصول" واقتصر عليها و ["يسروا"] (¬6) من [التيسير في] (¬7) الأمور. قال في "غريبه": التيسير (¬8) التسهيل في الأمور (¬9). (قال المصنف: ثبتني) بفتح المثلثة والموحدة المشددة، أي: جعلني ثابتًا (في شيء منه) يشبه أن الضمير عائد إلى بعض السند (بعض (¬10) أصحابنا). [1097] (حدثنا محمد بن بشار) بندار (حدثنا أبو عاصم) الضحاك بن ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): قاربوا. وبياض في (م). والمثبت من "النهاية". (¬2) في النسخ الخطية: العدل. والمثبت من "النهاية". (¬3) ساقط من الأصل. (¬4) في (ص، س): وتعليم. (¬5) في (م): رواها. (¬6) "جامع الأصول" 5/ 678. (¬7) في (ص، س): بشروا. (¬8) في (ص، س): التبشير عن. (¬9) في (ص، س): التبشير. (¬10) في (م): قال.

مخلد (¬1) النبيل (حدثنا عمران) القطان بن داور براء مهملة آخره، أبو العوام البصري. قال عفان (¬2): كان ثقة (¬3). واستشهد به البخاري. (عن قتادة، عن عبد ربه) بن أبي يزيد، ويقال ابن يزيد، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4). قال ابن القطان: لا يعرف روى عنه غير قتادة (¬5). (عن أبي عياض) عمرو (¬6) بن الأسود العنسي التابعي، أخرج له الشيخان. (عن) عبد الله (بن مسعود: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا تشهد) سمي تشهدًا لأن فيه لفظ (¬7): أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا [رسول الله] (¬8). (قال: الحمد لله نستعينه) أي نطلب منه المعونة والمساعدة، تقول: استعنته واستعنت به، والأول أفصح، قال الله تعالى: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (¬9). ¬

_ (¬1) في (ص، س): محمد. والمثبت من (ل، م)، و"الإكمال" 7/ 254 - 255، و"تهذيب الكمال" 13/ 281. (¬2) في (م): عثمان. (¬3) "ميزان الاعتدال" (6282). (¬4) "الثقات" لابن حبان 7/ 154. (¬5) "بيان الوهم والإيهام" 4/ 201. (¬6) في (م): عمر. (¬7) من (س، ل، م). (¬8) في (م): عبده ورسوله. (¬9) الفاتحة: 5.

(ونستغفره) أي: نطلب منه المغفرة بأن نقول: اللهم اغفر لي، وأستغفر الله، زاد الشافعي في "مسنده": "ونستهديه ونستنصره" (¬1) والاستهداء: طلب الهداية إلى الدين، والاستنصار: طلب النصر. (ونعوذ بالله) أي: نلتجئ إليه ونعتصم به، وفيه دلالة على أنه يستحب للخطيب أن يأتي في خطبته بالثناء على الله تعالى، والاستغفار، والدعاء، وغيرهما أن يأتي بصيغة الجمع لرواية المصنف والترمذي: "لا يؤم عبد قومًا فيخص نفسه بدعوة دونهم، فإن فعل فقد خانهم" (¬2)، والخطيب في معنى الإمام [والثناء في معنى الدعاء] (¬3). (من شرور أنفسنا) الشرور جمع شر على غير قياس؛ لأن شر اسم جنس فلا يجمع إلا إذا اختلفت أنواعه، قاله ابن الأثير في "شرح المسند" (¬4)، وزاد في "مسند الشافعي": "وسيئات أعمالنا" (¬5)، وكذا للطبراني في "الكبير" (¬6) ورجاله ثقات، والسيئات جمع سيئة، وهي الخصلة الرديئة من الفعل والقول. (من يهده الله فلا مضل له) والمضل اسم فاعل من الإضلال، والضلالة ضد الهدى (ومن يضلل الله فلا هادي له) أي: لا يقدر أحد ¬

_ (¬1) "مسند الشافعي" (287). (¬2) "سنن أبي داود" (90)، و"جامع الترمذي" (357). (¬3) من (س، ل، م). (¬4) "شرح مسند الشافعي" 2/ 201. (¬5) "مسند الشافعي" (287). (¬6) "المعجم الكبير" (8148).

أن يهديه كما قال تعالى: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} (¬1). (وأشهد أن لا إله إلا الله) إنما قال هنا (أشهد) بلفظ الإفراد ولم يقل: نشهد كما قال فيما قبله: "نستعينه ونستغفره" لأن ما قبله دعاء بطلب الاستعانة والمغفرة، فلا يخص نفسه فيه دونهم، بل يشركهم معه في الدعاء بخلاف الشهادتين، فإنه من باب الاعتقادات الواجبة (¬2) على الخطيب والسامعين. (وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله) فيه دلالة على وجوب الإتيان باسم الله تعالى واسم محمد - صلى الله عليه وسلم - ظاهرين لا مضمرين، ووجوب ذكر أشهد في الوحدانية والصلاة، وظاهر الحديث أنه لا يجزئ نحو أثني على الله، ولا قوله: لا إله إلا الله، ولا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، كما أن: نحمد الله، وحمدنا الله لا يكفي عن الحمد لله (¬3) فيما تقدم. (أرسله بالحق) أي: بالصدق (¬4). (بشيرًا ونذيرًا) أي: ليبشر وينذر (بين يدي الساعة) أي: على قرب من الساعة. (من يطع الله ورسوله فقد رشد) بكسر الشين وفتحها، فمن كسر في الماضي فتح في المستقبل، ومن فتح في الماضي ضم في المصدر، ¬

_ (¬1) الرعد: 33. (¬2) من (ل، م). (¬3) من (س، ل، م). (¬4) في (ل، م): بالكتاب الصدق.

والرشد ضد الغي، وهو إصابة الصواب. (ومن يعصهما (¬1) فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئًا) لأن الله تعالى لا يجوز عليه المضار والمنافع، وفيه الجمع والتشريك المقتضي للتسوية، وقد أنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - على الخطيب في الجمع بينهما، وقال: "بئس الخطيب أنت، لم لا قلت: ومن يعص الله ورسوله؟ " (¬2) فأمره (¬3) بالعطف تعظيمًا لله تعالى بتقديم اسمه كما قال في الحديث الآخر: "لا يقولن أحدكم: ما شاء الله و (¬4) فلان. ولكن ليقل: ما شاء الله وشاء (¬5) فلان" (¬6). [1098] (حدثنا محمد بن سلمة المرادي، حدثنا) عبد الله (بن وهب، عن يونس) بن يزيد الأيلي، أحد الأثبات. (أنه سأل) محمد (بن شهاب) الزهري (عن تشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة) على المنبر (فذكر نحوه) و (قال: ومن يعصهما فقد غوى) بفتح ¬

_ (¬1) في (ص): يعصها. وفي (س، ل): يعصيهما. والمثبت من (م)، و"السنن". (¬2) أخرجه مسلم (870) (48)، والنسائي في "المجتبى" 6/ 90، وأحمد 4/ 256. (¬3) من (ل، م). (¬4) زاد في (م): شاء. (¬5) في (م): شاءه. (¬6) لم أجده بهذا اللفظ. وأخرجه أبو داود في "سننه" (4980)، والنسائي في "الكبرى" (10821)، وأحمد 5/ 384، 394 من حديث حذيفة بلفظ: "لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان". قال الألباني في "الصحيحة" (137): سنده صحيح.

الواو. قال القاضي في "إكمال المعلم بفوائد مسلم": وقع في روايتي مسلم بفتح الواو وكسرها، والصواب الفتح، وهو (¬1) من الغي، وهو الإنهماك في الشر (¬2). (ونسأل الله ربنا أن يجعلنا ممن يطيعه) فيما [أمر به ونهى عنه] (¬3) (ويطيع رسوله) (¬4) - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغ به عن الله (ويتبع) بتشديد المثناة الفوقية (رضوانه) أي: يتبع الأعمال الصالحة التي توجب رضاه (ويتجنب (¬5) سخطه) فيه حذف مضاف. أي: يتجنب (¬6) أسباب سخطه (فإنما نحن) أي: وجودنا وتوفيقنا إلى اتباع رضوانك (به) (¬7) أي: بإعانته، وعملنا منه (وله) لأجله (¬8)؛ طلبًا لرضاه. [1099] [(حدثنا مسدد، حدثنا يحيى) القطان (¬9). (عن سفيان) بن سعيد الثوري (حدثني عبد العزيز بن رفيع) الأسدي المكي سكن الكوفة (عن تميم) بن طرفة بفتح الطاء والفاء والراء (الطائي) التابعي. ¬

_ (¬1) في الأصول الخطية: هنا. والمثبت من "إكمال المعلم". (¬2) "إكمال المعلم" 3/ 276. (¬3) في (ص): يأمره وينهاه. وفي (ل، س): يأمره وينهاه عنه. (¬4) زاد في (ص): أي رسول الله. وفي (س، ل): رسوله. (¬5) في (ص): تجنب. (¬6) في (ص): تجنب. (¬7) في الأصول الخطية: بك. والمثبت من "السنن". (¬8) سقط من (م). (¬9) في (م): العطار.

(عن عدي بن حاتم) بن عبد الله الطائي، نسبة إلى جده طيء بن أدد، قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وفقأت عينه يوم الجمل مع علي - رضي الله عنه - (أن خطيبًا خطب عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: من يطع الله ورسوله) فقد رشد (ومن يعصهما) فقد غوى (فقال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (قم) يدل على أنه خطب جالسًا (- أو اذهب -) شك من الراوي [(بئس الخطيب" (¬1)] (¬2) [وأخرجه مسلم والنسائي وفيه: "بئس الخطيب أنت" (¬3). وكذا أخرجه المصنف في الأدب (¬4). قيل: أنكر عليه - صلى الله عليه وسلم - في جمع اسمه مع اسم الله في كلمة وضمير واحد؛ لما فيه من التسوية، تعظيمًا لله. وقيل: إنكاره عليه (¬5) لوقوفه على قوله: (ومن يعصهما) واحتج القراء على تخطئة الوقف على غير التمام. والحديث الصحيح يخالف هذِه الرواية، وأجاب المفسرون عن قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} (¬6) بأن التقدير أن الله يصلي، وملائكته يصلون] (¬7). حدثنا مسدد، حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان بن سعيد الثوري، قال: حدثني عبد العزيز بن رفيع مصغر الأزدي المكي، ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (870) (48)، وأحمد 4/ 256 بزيادة: "قل ومن يعص الله ورسوله". (¬2) سقط من (م). (¬3) مسلم (870) (48)، والنسائي في "المجتبى" 6/ 90. (¬4) "سنن أبي داود" (4981). (¬5) من (م). (¬6) الأحزاب: 56. (¬7) جاء هذا الكلام في (م) في غير موضعه.

عن تميم بن طرفة الطائي التابعي، عن عدي بن حاتم صحابي (¬1) عاش مائة وعشرين سنة: أن خطيبًا خطب عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال في خطبته: من يطع الله تعالى ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قم" أو قال: "اذهب بئس الخطيب أنت" (¬2). [1101] ([حدثنا مسدد] (¬3)، حدثنا يحيى) بن سعيد القطان (¬4) (عن سفيان) بن سعيد الثوري (حدثني سماك) بن حرب (عن جابر) بن سمرة (قال (¬5): كانت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قصدًا، وخطبته قصدًا) المراد أن صلاته تكون طويلة بالنسبة إلى الخطبة، لا تطويلًا يشق على المأمومين (¬6)، بل هي قصد. أي: معتدلة [بين الطول والقصر] (¬7) والقصد (¬8) من الأمور في القول والفعل هو الوسط بين الطرفين، وهو منصوب في الموضعين على المصدر المؤكد، وتكراره للتأكيد، ومنه القصد من الرجال، والقصد في المعيشة. (يقرأ آيات من القرآن) هو جمع، وأقله ثلاث آيات، وقد يحمل على ¬

_ (¬1) في (ص): الطائي. (¬2) هذا هو الحديث السابق كرره الشارح هنا مع بعض اختلاف في ألفاظه، وهو غير مكرر في "السنن". (¬3) سقط من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) سقط من (م). (¬6) في (م): المؤمنين. (¬7) سقط من (م). (¬8) من (س، ل، م).

الكمال (¬1) في القراءة المشروعة. (ويذكِّر) بتشديد الكاف (الناس) أي: يعظهم، وكان ابن عباس يقول: التذكر ينفع أوليائي ولا ينفع أعدائي، والتذكير واجب في الخطبة يقع أولًا، وأما قوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9)} (¬2) والمعنى: ذكر إن نفعت الذكرى أو لم تنفع، فحذف (¬3) الثاني كما قال تعالى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} (¬4) و (¬5) البرد. [1100] (حدثنا محمد بن بشار) بندار (حدثنا محمد بن جعفر) غندر الهذلي (حدثنا شعبة) ربيبه (عن خبيب) بضم الخاء المعجمة مصغر، وهو خبيب بن [عبد الرحمن بن] (¬6) يساف الأنصاري. (عن عبد الله بن محمد بن معن) المدني، أخرج له مسلم. (عن) أم هشام الأنصارية لا يعرف اسمها (بنت الحارث) ولمسلم: بنت حارثة (¬7) يعني: بالحاء المهملة، ابن النعمان أخت عمرة بنت عبد الرحمن لأمها الأنصارية النجارية، بايعت بيعة الرضوان، روت عنها أختها لأمها عمرة بنت عبد الرحمن التابعية وجماعة، قال النووي: قول مسلم، عن أخت لعمرة هذا صحيح محتج به، ولا يضر عدم ¬

_ (¬1) في (م): الكلام. (¬2) الأعلى: 9. (¬3) في (م): فحذفت. (¬4) النحل: 81. (¬5) في (م): أي. (¬6) سقط من (م). (¬7) في (ص، س، ل): خارجة. والمثبت من (م)، و"تهذيب الكمال" 35/ 390.

تسميتها؛ لأنها صحابية، والصحابة كلهم عدول (¬1). وفي الحديث كثرة قراءته (قاف) في الخطبة، واختارها على غيرها لما فيها من الوعظ والتذكير وذكر المبدأ والميعاد والحفظة (¬2) والموت والجنة والنار، وغير ذلك من المواعظ الشديدة، والزواجر الأكيدة، وفيه دليل للقراءة في الخطبة كما سبق، وفيه استحباب قراءة (ق) (¬3) أو بعضها في كل خطبة جمعة (¬4). (قالت: ما حفظت) بكسر الفاء سورة (قاف إلا من فيِّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وفيه دليل على الاعتناء بالإصغاء إلى الخطيب، وحفظ ما يسمع منه، وعلى رفع الصوت بالخطبة؛ ليسمع من بعد من الرجال والنساء، بحيث يزيدون على الأربعين. وفي هذا الحديث دليل (¬5) على حضور النساء لصلاة الجمعة واستماعهن للخطبة، وقد يؤخذ منه جواز استماع المرأة كلام الأجنبي العالم فيما ينتفع به، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم (¬6) يذكر هذا في خصائصه فغيره (¬7) في معناه. (يخطب بها) في (كل جمعة) قد يحمل كلامها على الجمع التي ¬

_ (¬1) "شرح النووي على مسلم" 6/ 161. (¬2) بياض في الأصل. (¬3) في (م): قاف. (¬4) من (ل، م). (¬5) سقط من (م). (¬6) سقط من (م). (¬7) في (ص، س): فغيروه.

حضرتها ويحمل ما سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - من غيرها على أنها لم تحضره. فمن ذلك ما رواه ابن ماجه، [عن أبي بن كعب: أنه - صلى الله عليه وسلم - قرأ في يوم الجمعة {تَبَارَكَ} وهو قائم يذكر بأيام الله (¬1). وفي رواية] (¬2) لسعيد بن منصور، وللشافعي، عن عمر أنه كان يقرأ في الخطبة: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} ويقطع عند قوله {مَا أَحْضَرَتْ} (¬3)، وفي إسناده انقطاع (¬4). (قالت (¬5): وكان تنورنا) بفتح المثناة الفوقية ونون وضم الراء بعدها نون. أي: استضاءتها (وتنور (¬6) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وتنورنا (¬7) واستضاءتنا (واحدًا) أي: بنار واحدة. قال في "ديوان الأدب": تنورت: استضاءت. ورواه مسلم من طريق عبد الرحمن بن سعد (¬8) بن زرارة، عن أم هشام بنت حارثة قالت: لقد كان تنورنا وتنور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحدًا سنتين [أو سنة وبعض سنة (¬9)] (¬10) قال النووي: فيه إشارة على شدة حفظها ومعرفتها بأحوال النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقربها من منزله (¬11). يعني: لأن نار كل واحد منهما يلوح ضوؤها ويظهر للآخر إذا أوقدت، ويحتمل أن المراد أنها مجاورة للنبي - صلى الله عليه وسلم - أو بالقرب منه بحيث أن كلًّا منهما إذا أراد الاستضاءة أو أخذ نارًا يحتاج إليها بالطبخ وغيره يأخذ من ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (1111). (¬2) سقط من (م). (¬3) "مسند الشافعي" (285). (¬4) "التلخيص الحبير" 2/ 120. (¬5) سقط من (م). (¬6) سقط من (م). (¬7) من (م). (¬8) في (م): سعيد. (¬9) "صحيح مسلم" (873) (52). (¬10) بياض في (م). (¬11) "شرح النووي على مسلم" 6/ 161.

الآخر كما جرت العادة. (قال المصنف: قال روح) بفتح الراء (بن عبادة) الحافظ العنسي البصري. (عن شعبة قال) في روايته: (بنت الحارث بن النعمان) الحديث. (وقال) محمد (بن إسحاق) أبو بكر الصغاني أصله من خراسان سكن بغداد. (أم (¬1) هشام بنت (¬2) حارثة) بالحاء المهملة كما تقدم [عند مسلم] (¬3). [1102] (حدثنا محمود بن خالد) بن يزيد (¬4) السلمي الدمشقي (حدثنا مروان) بن معاوية بن الحارث الفزاري. (حدثنا سليمان (¬5) بن بلال) القرشي التيمي المدني، مولى عبد الله بن أبي (¬6) عتيق محمد. (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن عمرة) بنت عبد الرحمن التابعية. (عن أختها) لأمها أم هشام بنت الحارث الأنصارية (قالت: ما أخذت) سورة (قاف) والقرآن المجيد. أي: حفظتها، وظاهره السورة كاملة، وقال شارح "المصَابيح": أرادت بـ (ق) أول السورة لا جميعها، فلم يقرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جميعها في الخطبة (¬7). ¬

_ (¬1) في (ص، س): أبو. (¬2) في (ص، س): بن النعمان بن. (¬3) من (م). (¬4) في (ص): زيد. والمثبت من (م)، و"التهذيب" 27/ 295. (¬5) في (م): سلمان. (¬6) ساقطة من (ص). (¬7) "مرقاة المفاتيح" 4/ 498.

(إلا من فِي (¬1) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) رواية مسلم المتقدمة: إلا على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). (يقرؤها) أي: أولها (في كل جمعة) على المنبر إذا خطب الناس. (قال المصنف) و ([كذا رواه] (¬3) يحيى بن أيوب) الغافقي المصري أبو العباس (و) عبد الرحمن (ابن أبي الرجال) محمد [بن عبد الرحمن] (¬4) بن حارثة وثقه جماعة (¬5). (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن عمرة) بنت عبد الرحمن (عن) أخت لعمرة بنت عبد الرحمن بن سعد (¬6) بن زرارة لأمها، وكانت عمرة أكبر من أختها (أم هشام بنت حارثة بن النعمان) (¬7) عند مسلم (¬8). ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "صحيح مسلم" (873) (52). (¬3) في (م): كذلك رواية. (¬4) سقط من (م). (¬5) "تهذيب الكمال" 17/ 90. (¬6) في (ص، س، ل): أسعد. والمثبت من "التهذيب" 35/ 241. (¬7) في الأصول الخطية: هشام. خطأ. والمثبت من "سنن أبي داود" وانظر ترجمتها في "تهذيب الكمال" 35/ 390. (¬8) "صحيح مسلم" (872). وأسقط الشارح سند هذا الحديث وذكره أبو داود في "سننه".

232 - باب رفع اليدين على المنبر

232 - باب رَفْعِ اليَدَيْنِ عَلَى المِنْبَرِ 1104 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا زائِدَة، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قال: رأى عُمارَةُ بْن رُؤَيْبَةَ بِشْرَ بْنَ مَرْوانَ وَهُوَ يَدْعُو فِي يومِ جُمُعَةٍ فَقالَ عُمارَةُ: قَبَّحَ اللهُ هاتَيْنِ اليَدَيْنِ. قالَ زائِدَةُ: قالَ حُصَيْنٌ: حَدَّثَنِي عُمارَة قالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وهُوَ عَلَى الِمنْبَرِ ما يَزِيدُ عَلَى هذِهِ يَعْنِي السَّبَّابَةَ التِي تَلِي الإِبْهامَ (¬1). 1105 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا بِشْرٌ - يَعْنِي: ابن المُفَضَّلِ - حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ - يَعْنِي: ابن إِسْحاقَ -، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعاوِيَةَ، عَنِ ابن أَبِي ذُبابٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قالَ: ما رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شاهِرًا يَدَيْهِ قَطُّ يَدْعُو عَلَى مِنْبَرِهِ، وَلا عَلَى غَيْرِهِ ولكن رَأَيْتُهُ يَقُول هَكَذا وَأَشارَ بِالسَّبّابَةِ وعَقَدَ الوُسْطَى بِالإِبْهامِ (¬2). * * * باب رفع اليدين على المنبر [1104] (حدثنا أحمد بن يونس) بن عبد الله اليربوعي (¬3) (حدثنا زائدة) بن قدامة (¬4) ثقة (¬5) (عن حصين) (¬6) بضم الحاء وفتح الصاد ¬

_ (¬1) رواه مسلم (874). (¬2) رواه أحمد 5/ 337، والروياني في "المسند" (1122)، وابن خزيمة (1450)، وابن حبان (883). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (204). (¬3) في (ص، س، ل): السبيعي المصري. وفي (م): المقرئ. والمثبت من "التهذيب" 1/ 375. (¬4) في الأصول الخطية: قسيط. والمثبت من "تهذيب الكمال" 9/ 273، وهو شيخ أحمد بن عبد الله بن يونس، وروى عنه حصين بن عبد الرحمن. (¬5) "تهذيب الكمال" 9/ 277. (¬6) في (ص، س): حصيب.

المهملتين (بن (¬1) عبد الرحمن) السلمي، يكنى أبا الهذيل الكوفي، كان ينزل المبارك قرية له (قال: رأى (¬2) عمارة) بضم العين (بن رؤيبة) بضم الراء المهملة بعدها همزة مفتوحة، ثم ياء التصغير، ثم باء موحدة تصغير رؤبة، وقيل: رويبة بواو بدل الهمزة الثقفي الكوفي الصحابي. (بشر) بكسر الموحدة والشين المعجمة (ابن مروان) أبا مروان القرشي الأموي (¬3) ولاه أخوه عبد الملك بن مروان العراقين البصرة والكوفة، وكان كريمًا ممدحًا. (وهو يدعو يوم الجمعة) رافعًا يديه في الدعاء (فقال عمارة) بن رؤيبة (قبح) بتشديد الموحدة (الله هاتين اليدين) زاد الترمذي: القصيرتين (¬4)، يقال: قبحت فلانًا إذا قلت له: قبحك الله، من القبح، وهو الإبعاد، ومنه حديث أم زرع (¬5): أقول فلا أقبح (¬6). أي: لا يرد على قولي، ولا يقبحه (¬7) إلي؛ لكرامتي عليه وميله إلي، والقبح ضد الحسن. ورواية النسائي: فسبه عمارة بن رؤيبة (¬8). (قال زائدة) بن قدامة: (قال حصين) بن عبد الرحمن (حدثني عمارة) ¬

_ (¬1) في (م): أبو. (¬2) في (م): رآني. (¬3) سقط من (م). (¬4) "جامع الترمذي" (515). (¬5) في (م): روح. (¬6) أخرجه البخاري (5189)، ومسلم (2448) (92). (¬7) في (م): يرده. (¬8) "المجتبى" 3/ 108.

ابن رؤيبة (قال: لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر) يخطب يوم جمعة (ما يزيد على هذِه. يعني) إصبعه (السبابة) وهي (التي تلي الإبهام) سميت بذلك؛ لأنها كان يشار بها عند السب، وهي المسبحة والمهللة والإبهام مؤنثة على المشهور. [1105] (حدثنا مسدد، حدثنا بشر بن المفضل) [بن لاحق] (¬1) (حدثنا (¬2) عبد الرحمن بن إسحاق) القرشي المدني، ويقال له: عباد بن إسحاق، أخرج له مسلم من حديث بشر بن المفضل عنه، عن الزهري في الطب. (عن عبد الرحمن [بن معاوية) بن الحويرث الزرقي (عن) الحارث بن عبد الرحمن] (¬3) (بن أبي ذباب) بضم الذال المعجمة وتخفيف الباء الموحدة الأولى، الدوسي المدني، أخرج له مسلم في مواضع. (عن سهل بن سعد) الساعدي (قال: ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاهرًا يديه) (¬4) أي: مبرزًا لهما؛ ليراهما الناس (قط) بضم الطاء مشددة. أي: في الزمن الماضي. (يدعو) الله تعالى (على منبره ولا على غيره) قال القاضي: إنكار رفع اليدين في الخطبة [في هذا الحديث] (¬5)، والذي قبله قد اختلف فيه فكره ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ص، س، ل): بن. والمثبت من (م)، و"السنن". (¬3) تكرر في (ص، س). (¬4) في (م): بيده. (¬5) في (م): والدعاء وهو قول مالك وأصحاب الشافعي.

قوم من السلف رفع اليدين في الخطبة والدعاء، وهو قول مالك وأصحاب الشافعي وغيرهم، وحجتهم هذا الحديث الصحيح، وأجازه آخرون من السلف. قال القاضي: وهو قول بعض (¬1) أصحابنا وحجتهم رفع النبي - صلى الله عليه وسلم - يديه ومدها في الخطبة يوم الجمعة حين استسقى (¬2). وأجاب الأولون بأن هذا الرفع كان لعارض (¬3). فإذا زال العارض زال المعروض (¬4). (ولكن رأيته يقول: هكذا) فيه إطلاق القول على الفعل باليد وغيرها. (وأشار بالسبابة، وعقد الوسطى بالإبهام) أي: ضمها مع الإبهام كما تضم في وضع اليد على الركبة في التشهد وأشار بالسبابة، ولمسلم: وأشار بإصبعه المسبحة (¬5). يعني: ولم يزد عليها. ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "إكمال المعلم" 3/ 277. (¬3) "شرح النووي على مسلم" 6/ 162. (¬4) في (س): المعلوم. وفي (ل، م): المعلول. (¬5) "صحيح مسلم" (874) (53).

233 - باب إقصار الخطب

233 - باب إِقْصارِ الخُطَبِ 1106 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنا أَبِي، حَدَّثَنا العَلاءُ بْنُ صالِحٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثابِتٍ، عَنْ أَبِي راشِدٍ، عَنْ عَمّارِ بْنِ ياسِرٍ قالَ: أَمَرَنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِإِقْصارِ الخُطَبِ (¬1). 1107 - حَدَّثَنا مَحْمُودُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ أَخْبَرَنِي شَيْبانُ أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنْ سِماكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ سَمُرَةَ السُّوائِيِّ قَالَ: كانَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لا يُطِيلُ المَوْعِظَةَ يَوْمَ الجُمُعَةِ إِنَّما هُنَّ كَلِماتٌ يَسِيراتٌ. * * * باب إقصار الخطبة (¬2) [1106] (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) أبو عبد الرحمن الهمداني (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الهمداني الكوفي، أبو هشام. (حدثنا العلاء ابن صالح) ثقة يغرب (¬3). (عن عدي بن ثابت) قال الترمذي: سألت محمد بن إسماعيل، يعني: البخاري عن جد عدي بن ثابت، فقال: لا أدري ما اسمه. قال: وذكر عن يحيى بن معين [أن اسمه] (¬4) دينار (¬5) (عن أبي راشد) ذكره ابن عبد البر فيمن لم يذكر ¬

_ (¬1) رواه البزار 4/ 257 (1430)، وأبو يعلى 3/ 192 (1618)، والحاكم 1/ 289، والبيهقي في "الكبرى" 3/ 208. وحسنه الألباني في "الإرواء" 3/ 79. (¬2) في (م): الخطب. وفي (س، ل): الخطب في الخطبة. (¬3) في (م): يعرف. وانظر: "الكاشف" 2/ 360. (¬4) في (ص، س): وأبو راشد هذا غير. (¬5) "جامع الترمذي" 5/ 87.

له (¬1) اسم سوى كنيته، الحبراني (¬2) بضم الحاء المهملة وسكون الموحدة. (عن عمار بن ياسر قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإقصار الخطبة) [في الخطب] (¬3) أي: بأن نميل في الخطبة إلى الإقصار؛ للحديث المتقدم: وكانت خطبته قصدًا (¬4). وعبارة الرافعي والنووي: يستحب للخطيب أن لا يطيلها ولا يمحقها، بل تكون متوسطة (¬5) كما تقدم. [1107] (حدثنا محمود (¬6) بن خالد) بن يزيد الدمشقي، قال أبو حاتم (¬7): كان ثقة رضى (¬8). (حدثني الوليد) بن مسلم أبو العباس، عالم أهل الشام (أخبرني شيبان) بالشين المعجمة، ابن عبد الرحمن النحوي المؤدب، أبو معاوية مولى بني تميم. (عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة السوائي قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يطيل الموعظة يوم الجمعة) لئلا يمل السامعون (إنما هي كلمات) بالرفع (¬9) (يسيرات) (¬10) مفهومات بليغات. ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): الحداني. (¬3) سقط من (م). (¬4) سبق تخريجه برقم (1101). (¬5) "المجموع" 4/ 528 - 529. (¬6) في (م): محمد. (¬7) في (م): غانم. (¬8) "الجرح والتعديل" 8/ 292. (¬9) سقط من (م). (¬10) أخرجه الحاكم في "المستدرك" / 289 وقال: صحيح على شرط مسلم. وقال الألباني في "صحيح سنن أبي داود": حسن.

234 - باب الدنو من الإمام عند الموعظة

234 - باب الدُّنُوِّ مِنَ الإِمامِ عِنْدَ المَوْعِظَةِ 1108 - حَدَّثَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنا مُعاذُ بْنُ هِشامٍ قالَ: وَجَدْتُ فِي كِتابِ أَبِي بِخَطِّ يَدِهِ وَلم أَسْمَعْهُ مِنْهُ قالَ قَتادَةُ، عَنْ يَحيَى بْنِ مالِكٍ: عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "احْضُرُوا الذِّكْرَ وادْنُوا مِنَ الإِمامِ فَإِنَّ الرَّجُلَ لا يَزالُ يَتَباعَدُ حَتَّى يُؤَخَّرَ فِي الجَنَّةِ وَإنْ دَخَلَها" (¬1). * * * باب الدنو من الإمام عند الموعظة [1108] (حدثنا علي بن عبد الله) بن جعفر المديني، الحافظ شيخ البخاري (حدثنا معاذ بن هشام) بن أبي عبد الله الدستوائي البصري [قال: وجدت] (¬2) في كتاب أبي بخط يده، ولم أسمعه منه) هذا الذي يسمى عند المحدثين بالوجادة، والصحيح عندهم أن حكمه حكم المنقطع ولهذا (¬3) قال المنذري عقبه: في إسناده انقطاع (¬4). ورجح جماعة أن حكمه الاتصال، وعلى كلا التقديرين فتعضده رواية الاتصال من رواية الطبراني والأصبهاني وغيرهما ولفظهما (¬5) سيأتي. (قال قتادة: عن يحيى بن مالك) أبي أيوب العتكي المراغي (عن ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 11، والطبراني في "الكبير" 7/ 206 (6854)، والحاكم 1/ 289. وصححه الألباني في "الصحيحة" (365). (¬2) و (¬3) سقط من (م). (¬4) "مختصر سنن أبي داود" 2/ 20. (¬5) زاد في (ل، م): المخالف.

سمرة بن جندب أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: احضروا) مجالس (الذكر) يعم جميع أنواع الذكر، لكن تخصصه رواية الطبراني (¬1) والأصبهاني المذكورة (¬2) بلفظ: "احضروا الجمعة". (وادنوا من الإمام) [يوم الجمعة وغيرها] (¬3) فيه فضيلة القرب من الإمام فله بكل خطوة يخطوها ليقرب منه قيام سنة وصيامها. كما رواه الإمام أحمد، عن عمرو بن العاص (¬4)، وضابط ما يحصل به القرب ما تقدم من رواية علي، ومنه فإذا جلس مجلسًا يستمكن فيه من الاستماع والنظر، فأنصت ولم يلغ كان له كفلان من الأجر. (فإن الرجل لا يزال يتباعد) عن الإمام والمواعظ (¬5) ولا يحضر الذكر. (حتى يؤخر) بتشديد الخاء المعجمة (¬6) المفتوحة. يعني: يتأخر عن المجالس العالية (في الجنة وإن) حصل له أن (دخلها) ولفظ رواية الطبراني والأصبهاني: "فإن الرجل ليكون من أهل الجنة فيتأخر، عن الجمعة فيؤخر، عن الجنة وإنه لمن أهلها" (¬7). ¬

_ (¬1) "المعجم الكبير" (6854). (¬2) من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) "مسند أحمد" 4/ 104 عن أوس بن أوس، وليس عن عمرو بن العاص. (¬5) سقط من (م). (¬6) زاد في (س، ل، م): المشددة. (¬7) "المعجم الصغير" (346).

235 - باب الإمام يقطع الخطبة للأمر يحدث

235 - باب الإِمامِ يَقْطَعُ الخُطْبَةَ لِلأَمْرِ يَحْدُثُ 1109 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ العَلاءِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ حُبابٍ حَدَّثَهُمْ، حَدَّثَنا حُسَيْنُ بْنُ واقِدٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَطَبَنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَقْبَلَ الحَسَنُ والحُسَين رضي الله عنهما عَلَيْهِما قَمِيصانِ أَحْمَرانِ يَعْثُرانِ وَيَقُومانِ فَنَزَلَ فَأَخَذَهُما فَصَعِدَ بِهِما الِمنْبَرَ ثُمَّ قالَ: "صَدَقَ اللهُ {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} رَأَيْتُ هَذَيْنِ فَلَمْ أَصْبِرْ". ثُمَّ أَخَذَ فِي الخُطْبَةِ (¬1). * * * باب الإمام يقطع الخطبة للأمر يحدث [1109] (حدثنا محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي (أن زيد بن الحباب) بضم الحاء المهملة وتخفيف الموحدة الأولى، أبو [الحسين العكلي] (¬2) الخراساني، أخرج له مسلم والأربعة. [(حدثهم، قال: حدثنا حسين بن واقد) بالقاف، قاضي مرو، وأخرج له مسلم والأربعة] (¬3) أيضًا (قال: حدثني عبد الله بن بريدة، عن أبيه) بريدة بن الحصيب (قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأقبل الحسن والحسين - رضي الله عنهما - عليهما قميصان أحمران) ذكره ابن ماجه (¬4) في اللباس وبوب عليه لبس ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3774)، والنسائي 3/ 108، وابن ماجه (3600)، وأحمد 5/ 354. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1016). (¬2) في النسخ الخطية: الحسن المعلى. والمثبت من "الإكمال" 2/ 143، و"تهذيب الكمال" 33/ 249. (¬3) من (ل، م). (¬4) "سنن ابن ماجه" (3600).

الأحمر للرجال. (يعثران) بضم المثلثة زاد النسائي: فيهما (¬1). وفيه (¬2) التصريح على أنه يجوز للولي أن يلبس الصبي المميز الطويل الذيل كما يجوز تطويله للنساء، وكما يجوز للولي إلباسه الصغير الحرير (¬3)، لأنه غير مكلف. (ويقومان) بأنفسهما (فنزل) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فصعد بهما) وللنسائي: فقطع كلامه فحملهما ثم عاد إلى المنبر (¬4) ولابن ماجه: فوضعهما في حجره (¬5). [يعني: بعد أن صعد بهما إلى المنبر جلس عليه ووضعهما في حجره] (¬6) بوب عليه النسائي باب نزول الإمام (¬7) عن المنبر قبل فراغه من الخطبة يوم الجمعة. (ثم قال: صدق الله) زاد ابن ماجه: "ورسوله" (¬8) فيه جواز الاستشهاد في الحديث بالقرآن (¬9) والاعتراف (¬10) بأنه أصدق القائلين {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ ¬

_ (¬1) "المجتبى" 3/ 108. (¬2) سقط من (م). (¬3) من (ل، م). (¬4) سبق تخريجه. (¬5) سبق تخريجه. (¬6) من (ل، م). (¬7) في (ص، س، ل): النزول للإمام. والمثبت من "المجتبى". (¬8) سبق تخريجه. (¬9) في (ص، س): والقرآن. (¬10) زاد هنا بالأصل، (س): في حجره يعني: بعد أن صعد بهما إلى المنبر جلس عليه ووضعهما. وقد سبقت من (ل، م) قبلها بقليل في المكان الصحيح.

وَأَوْلَادُكُمْ} (¬1). قال الحسن في قوله تعالى: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ} (¬2) أدخل (من) للتبعيض؛ لأن (¬3) كلهم ليسوا بأعداء ولم تكن (من) في (¬4) قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} (¬5) لأنهما لا يخلوان من الفتنة، واشتغال القلب بهما (¬6). والفتنة: البلاء والاختبار؛ لأنهم يحملونهم على اكتساب الحرام، ومنع (¬7) حق الله تعالى، فلا تطيعوهم (¬8) بمعصية الله تعالى. وفي الحديث "يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال: أكل عياله حسناته" (¬9) وعن بعض السلف: العيال سوس (¬10) الطاعات (¬11). ¬

_ (¬1) الأنفال: 28. (¬2) التغابن: 14. (¬3) في (ص، س، ل): لأنهم. والمثبت من (م)، و"الجامع لأحكام القرآن". (¬4) سقط من (م). (¬5) الأنفال: 28. (¬6) "الجامع لأحكام القرآن" 18/ 143. (¬7) في (ص، س): منه. (¬8) في (م): تطيعوه. (¬9) رواه ابن أبي الدنيا في "العيال" من قول سفيان 2/ 635. وقال الزيلعي في "تخريج أحاديث الكشاف" 4/ 42: غريب مرفوعًا، وقال العراقي في "المغني" ص 469: لم أقف له على أصل. (¬10) في (ص): تشوش. والمثبت من "الجامع لأحكام القرآن". (¬11) رواه ابن أبي الدنيا في "العيال" 1/ 250 عن أبي الزناد قال: كان يقال فذكره، وانظر "الكشاف" للزمخشري (1190)، و"الجامع لأحكام القرآن" 18/ 143.

قال القتيبي: فتنة: أي: غرام. يقال: فتن الرجل بالمرأة أي: شغف بها، وقيل: فتنة محنة (¬1). قال ابن مسعود: لا يقولن أحدكم: اللهم اعصمني من الفتنة، فإنه ليس أحد منكم (¬2) [يرجع إلى] (¬3) أهل ومال وولد إلا وهو مشتمل على الفتنة، ولكن ليقل: اللهم إني أعوذ بك من مضلات الفتن (¬4). (رأيت هذين) الصبيين (¬5) كما في رواية (¬6): يمشيان ويعثران في قميصهما. كذا للنسائي (¬7). (فلم أصبر) عنهما زاد النسائي: "حتى قطعت كلامي فحملتهما" (¬8) (ثم أخذ في الخطبة) فبنى على ما تقدم من الخطبة ولم يستأنف. ¬

_ (¬1) "الجامع لأحكام القرآن" 18/ 143. (¬2) في (ص، س): أحدكم. والمثبت من ومصادر التخريج. (¬3) سقط من (م). (¬4) رواه الطبري في "التفسير" 13/ 475، وابن أبي حاتم 5/ 1685، والطبراني في "الكبير" 9/ 189 (8931). (¬5) في (ص، س): الفتنتين. (¬6) "جامع الترمذي" (3774)، و"مسند أحمد" 5/ 354. (¬7) "المجتبى" 3/ 192. (¬8) "المجتبى" 3/ 108.

236 - باب الاحتباء والإمام يخطب

236 - باب الاحْتِباءِ والإِمامُ يَخْطُبُ 1110 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، حَدَّثَنا المُقْرِئ، حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي مَرْحُومٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعاذِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الحُبْوَةِ يومَ الجُمُعَةِ والإِمامُ يَخْطُبُ (¬1). 1111 - حَدَّثَنا داوُدُ بْن رُشَيْدٍ، حَدَّثَنا خالِدُ بْن حَيّانَ الرَّقِّيُّ، حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزِّبْرِقانِ، عَنْ يَعْلَى بْن شَدّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ مُعاوِيةَ بَيْتَ المَقْدِسِ فَجَمَّعَ بِنا فَنَظَرْتُ فَإِذا جُلُّ مَنْ فِي المَسْجِدِ أَصْحابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَرَأَيْتُهُمْ مُحْتَبِينَ والإِمامُ يَخْطُبُ. قالَ أَبُو دَاوُدَ: كانَ ابن عُمَرَ يَحْتَبِي والإِمامُ يَخْطُبُ وَأَنَسُ بْنُ مالِكٍ وَشُرَيْحٌ وَصَعْصَعَةُ بْنُ صُوحانَ وَسَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ وَإِبْراهِيمُ النَّخَعِيُّ وَمَكْحُولٌ وَإسْماعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ وَنُعَيْمُ بْن سَلامَةَ قالَ: لا بَأْسَ بِها. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ أَحَدًا كَرِهَها إِلَّا عُبادَةُ بْنُ نُسَيٍّ (¬2). * * * باب الاحتباء والإمام يخطب [1110] (حدثنا محمد بن عوف) بن سفيان أبو (¬3) جعفر الطائي، قال ابن حنبل: ما كان بالشام منذ أربعين سنة مثله (¬4). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (514)، وأحمد 3/ 439. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1017). (¬2) رواه البيهقي 3/ 235 من طريق أبي داود. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (205). (¬3) في (م): ابن. (¬4) "سير أعلام النبلاء" 12/ 615.

(حدثنا) أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد (¬1) (المقرئ) بهمز آخره بمكة (حدثنا سعيد بن أبي (¬2) أيوب، عن أبي مرحوم) عبد الرحيم (¬3) بن ميمون المعافري مولى لبني ليث مصري (¬4). (عن سهل (¬5) بن معاذ بن أنس) الجهني الشامي، نزيل مصر، أخرج له البخاري في كتاب "الأدب" (عن أبيه) معاذ بن أنس الجهني الصحابي نزيل مصر. (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الحبوة) بكسر الحاء وضمها، وحبية بكسر الحاء والباء، والجمع حِبًا وحُبًا، ومنه قول الأحنف لما قيل له في الحرب: أين الحلم؟ فقال: عند الحبا، أراد أن الحلم يحسن (¬6) في السلم لا (¬7) في الحرب (¬8). وسيأتي تفسيره، نهى عنه؛ لأن الاحتباء يجلب النوم فلا يسمع الخطبة، ويعرض طهارته للانتقاض [عند من يقول به، ويلحق به في الكراهة الاستناد إلى الحائط؛ لأنه في معنى الاحتباء إذا كثر] (¬9). ¬

_ (¬1) زاد في (م): ابن. (¬2) سقط من الأصول الخطية. والمثبت من "السنن"، و"تهذيب الكمال" 10/ 342. (¬3) في (م): الرحمن. (¬4) في (م): الجهني. (¬5) في (م): سعد. (¬6) في (ص): الحسيب. وفي (س، ل، م): الحسن. والمثبت من "النهاية". (¬7) سقط من (م). (¬8) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 336. (¬9) ما بين المعقوفين ساقط من (م).

(يوم الجمعة) المراد باليوم حال استماع الخطبة، ويدل عليه قوله بعده (والإمام يخطب) تقديره: نهى عن الحبوة (¬1) حال خطبة الإمام، وقد يلحق به من بكر للجمعة وجلس ينتظر [صلاة الجمعة، وفي معناه كل من جلس ينتظر] (¬2) صلاة كالجالس بعد صلاة الفجر (¬3) وصلاة العصر ينتظر الصلاة. [1111] (حدثنا داود بن رشيد) الخوارزمي (¬4) شيخ مسلم. (حدثنا خالد بن حيان) بالفتح وتشديد المثناة تحت (الرقي) (¬5) بفتح الراء وتشديد القاف هذِه النسبة إلى الرقة، وهي مدينة على طرف الفرات خربت، والتي تسمى اليوم الرقة، كانت تسمى أولًا الراقة ينسب إليها كثير من العلماء في كل فن، خالد هذا صدوق (¬6). (حدثنا سليمان بن عبد الله بن الزبرقان) قال ابن السمعاني: بكسر الزاي وسكون الموحدة وكسر الراء وفتح القاف وبعد الألف نون (¬7). صدوق روى عنه ابن ماجه حديثًا واحدًا (¬8) عن معاوية سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "كل مسكر على كل مؤمن حرام" (¬9). (عن يعلى بن شداد بن أوس) الأنصاري بن ثابت، ذكره وذكر ¬

_ (¬1) في (م): الحبية. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): الظهر. (¬4) في (ص، س): الجرري. والمثبت من (ل، م)، و"تهذيب الكمال" 8/ 388. (¬5) سقط من (م). (¬6) "الكاشف" 1/ 267. (¬7) "الأنساب" للسمعاني 3/ 132. (¬8) "تهذيب الكمال" 12/ 16. (¬9) "سنن ابن ماجه" (3389).

سليمان الراوي عنه ابن حبان في "الثقات" (¬1)، وكان والده شداد بن أوس خطيب بيت المقدس، ومات بها، وقبره ظاهر بها إلى الآن بباب الرحمة. (قال: شهدت) أي: حضرت (مع معاوية) بن أبي سفيان الظاهر أن ذلك كان (¬2) لما بويع له بالخلافة مقتل علي بن أبي طالب بالكوفة سنة أربعين من الهجرة، وخوطب في ذلك الوقت بأمير المؤمنين، وكان قبل (¬3) ذلك إنما يدعى بالأمير (بيت المقدس) يقال: بيت المقدس بفتح الميم وسكون القاف وكسر الدال، ويقال: البيت المقدس [بضم الميم وفتح القاف وتشديد الدال المفتوحة (وبيت القدس بحذف الميم وضم الدال وسكونها، وسمي) (¬4) بيت المقدس] (¬5) لأنه الموضع الذي يتقدس فيه من الذنوب. (فجمع) بتشديد الميم أي: صلى (بنا) الجمعة إمامًا، فيه أن الإمام الأعظم يقدم على الإمام الراتب، وكان الراتب بها (¬6) شداد بن أوس وعاش (¬7) بها إلى أن توفي سنة ثمان وخمسين (فنظرت) في المصلين (فإذا جل) بضم الجيم وتشديد اللام. أي: معظم (من) رأيت (في المسجد) الأقصى (أصحاب) بالرفع (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأيتهم محتبين) والاحتباء (¬8) هو أن يضم الإنسان فخذيه (¬9) وساقيه إلى صدره بثوب ¬

_ (¬1) "الثقات" لابن حبان 5/ 556، 6/ 382. (¬2) من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) من (ل). (¬5) سقط من (م). (¬6) سقط من (س، ل، م). (¬7) في (ل، م): فاستمر. (¬8) في (م): حبيًا. (¬9) في (م): فخذه.

يجمعهما به مع ظهره ويشده عليهما، وقد يكون الاحتباء باليدين عوض الثوب. قال ابن الأثير: وفي الحديث: "الاحتباء حيطان العرب" أي: ليس في البراري حيطان، فإذا أرادوا أن يستندوا احتبوا؛ لأن الاحتباء يمنعهم من السقوط، ويصير لهم كالجدار (¬1). (قال المصنف: كان عبد الله بن عمر يحتبي والإمام يخطب (¬2)، وأنس بن مالك و) القاضي (شريح) بضم الشين المعجمة بن الحارث الكندي، ولاه عمر قضاء الكوفة وولي قضاء البصرة (¬3). (وصعصعة بن صوحان) بضم الصاد وفتح الحاء المهملتين، ابن حجر العبدي الكوفي، أخو زيد بن صوحان، شهد مع علي صفين، وأمره على (¬4) الكراديس، وشهد معه الجمل [وكانت الراية يوم الجمل في يده، و] (¬5) في يد أخيه زيد، روى له النسائي حديثًا واحدًا في النهي عن حلقة الذهب عن علي (¬6). (وسعيد بن المسيب (¬7)، وإبراهيم) بن يزيد (النخعي ومكحول، وإسماعيل بن محمد بن سعد) (¬8) بن أبي وقاص. ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" 1/ 336. (¬2) "مصنف ابن أبي شيبة" (5281). (¬3) "الأوسط" لابن المنذر 4/ 90. (¬4) زاد في (م): بعض. (¬5) سقط من (م). (¬6) "المجتبى" 8/ 166. (¬7) "مصنف ابن أبي شيبة" (5282). (¬8) في (م): سعيد.

(ونعيم بن سلامة) وقيل: سلام. قال الذهبي: له صحبة، وجاء ذكره في حديث لأبي هريرة (¬1) (قال) نعيم بن سلامة (لا بأس به) ونقل ابن المنذر، عن الشافعي (¬2) أنه لا يكره (¬3). وبهذا قال صاحب "البيان" (¬4). ونقله ابن المنذر، عن الحسن البصري، وعطاء، وابن سيرين، وأبي الزبير، وسالم بن عبد الله، وعكرمة بن خالد، ونافع (¬5)، ومالك (¬6)، والثوري، والأوزاعي (¬7)، وأصحاب الرأي (¬8)، وأحمد وإسحاق (¬9)، وأبي ثور (¬10). قال المصنف: (لم يبلغني أن أحدًا كرهها (¬11) إلا عبادة) بضم العين المهملة وتخفيف الموحدة، الكندي أبو عمر الأزدي (بن نسي) بضم النون وفتح السين المهملة مصغر، قاضي طبرية أهدى له خصم (¬12) قلة ¬

_ (¬1) "التجريد في أسماء الصحابة" (1254). (¬2) "الأم" 1/ 350. (¬3) "الأوسط" لابن المنذر 4/ 90. (¬4) "البيان" 2/ 595. (¬5) "الأوسط" لابن المنذر 4/ 90. (¬6) "المدونة" 1/ 230. (¬7) "الأوسط" لابن المنذر 4/ 90. (¬8) "المبسوط" 2/ 57. (¬9) "مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج" (531). (¬10) "الأوسط" لابن المنذر 4/ 90. (¬11) في (ص، س): كره الاحتباء. (¬12) سقط من (م).

عسل فقضى عليه، ثم قال: يا فلان ذهبت القلة. قال ابن المنذر: وكره ذلك بعض أهل الحديث (¬1)؛ لحديث ورد فيه - يعني: الحديث المتقدم - بالنهي عن الحبوة. ورواه الترمذي وقال: حديث حسن (¬2). قال النووي: في إسناده ضعيفان، فلا نسلم حسنه (¬3)، والضعيفان ذكرهما المنذري؛ فإنه قال: سهل بن معاذ كنيته أبو أنس جهني مصري، ضعفه يحيى بن معين (¬4)، وتكلم فيه غيره، وأبو مرحوم عبد الرحيم (¬5) ضعفه ابن معين (¬6)، وقال أبو حاتم الرازي (¬7): لا يحتج به (¬8) وعلى تقدير أنه حسن، فهو محمول على أنه مخصوص بمن احتبى بثوب واحد، فإن ابن الأثير قال: إنما نهى عنه لأنه إذا لم يكن عليه إلا ثوب واحد ربما تحرك أو زال الثوب فتبدو عورته (¬9). أو محمول على من احتبى مسندًا ظهره إلى حائط، فإنه أبلغ في شدة النوم. ¬

_ (¬1) "الأوسط" لابن المنذر 4/ 90. (¬2) "جامع الترمذي" 2/ 390. (¬3) "المجموع" 4/ 592. (¬4) "الجرح والتعديل" 4/ 204، و"المغني في الضعفاء" 1/ 288. (¬5) في (م): عبد الرحمن. (¬6) "الجرح والتعديل" 5/ 338. (¬7) "الجرح والتعديل" 5/ 338. (¬8) في (ص، س، ل): بحديثه. (¬9) "النهاية في غريب الحديث" 1/ 335.

237 - باب الكلام والإمام يخطب

237 - باب الكَلامِ والإِمامُ يَخْطُبُ 1112 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إِذَا قُلْتَ: أَنْصِتْ والإِمامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ" (¬1). 1113 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَأَبُو كامِلٍ قالا: حَدَّثَنا يَزِيدُ، عَنْ حَبِيبٍ المُعَلِّمِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَحْضُرُ الجُمُعَةَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ رَجُلٌ حَضَرَها يَلْغُو وَهُوَ حَظُّهُ مِنْها وَرَجُلٌ حَضَرَها يَدْعُو فَهُوَ رَجُلٌ دَعا اللهَ إِنْ شاءَ أَعْطاهُ وَإنْ شاءَ مَنَعَهُ وَرَجُلٌ حَضَرَها بِإِنْصاتٍ وَسُكُوتٍ وَلَمْ يَتَخَطَّ رَقَبَةَ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا فَهِيَ كَفّارَةٌ إِلَى الجُمُعَةِ التِي تَلِيها وَزِيادَةُ ثَلَاثَةِ أَيّامٍ وَذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ يَقُولُ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} (¬2). * * * باب الكلام والإمام يخطب [1112] (حدثنا) عبد الله بن محمد (القعنبي (¬3)، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد) بن المسيب (عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا قلت) زاد البخاري وغيره: "لصاحبك" (¬4) (أنصت) بفتح الهمزة، قال الأزهري: يقال: أَنْصَت ونَصَتَ وانتصَت (¬5). قال ابن خزيمة: المراد بالإنصات: السكوت عن مكالمة الناس ¬

_ (¬1) رواه البخاري (934)، ومسلم (851). (¬2) رواه أحمد 2/ 181، وابن خزيمة (1813)، والبيهقي في "الشعب" 4/ 416 (2742). وحسنه الألباني في "المشكاة" (1396). (¬3) بياض في (م). (¬4) "صحيح البخاري" (934). (¬5) "تهذيب اللغة" (نصت).

دون ذكر الله (¬1). وتعقب بأنه يلزم منه جواز القراءة والذكر حال الخطبة، فالظاهر أن المراد السكوت مطلقًا، ومن فرق احتاج إلى دليل، فلا يلزم من تجويز التحية لدليلها الخاص جواز الذكر مطلقًا (¬2). (والإمام يخطب) فيه الرد على من جعل وجوب الإنصات من خروج الإمام؛ لأن قوله في الحديث: (والإمام يخطب) جملة حالية تخرج ما قبل خطبته من حين خروجه وما بعده إلى أن يشرع في الخطبة، نعم الأَوْلَى أن ينصت لوجود الترغيب فيه. وأما حال الجلوس بين الخطبتين فحكى صاحب "المغني" (¬3) عن العلماء فيه قولين بناء على أنه غير مخاطب، أو أن زمن (¬4) سكوته قليل، فأشبه السكوت للتنفس (¬5). (فقد لغوت) هذِه اللغة الفصحى. قال الأخفش: اللغو: الكلام الذي لا أصل له من الباطل وشبهه. قال ابن عرفة: اللغو: السقط. وقيل: بطلت فضيلة جمعتك (¬6). وأقوال أهل اللغة متقاربة المعنى، ويشهد للقول بأن المراد به (¬7) صارت جمعتك ظهرًا ما رواه المصنف (¬8)، وابن خزيمة (¬9) من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعًا: "من لغا وتخطى رقاب الناس [كانت له] (¬10) ¬

_ (¬1) "صحيح ابن خزيمة" 3/ 138. (¬2) انظر: "فتح الباري" 2/ 414. (¬3) في (م): المغنم. (¬4) في (م): أمر. (¬5) "المغني" 3/ 200. (¬6) "فتح الباري" 2/ 481. (¬7) من (س، ل، م). (¬8) "سنن أبي داود" (347). (¬9) "صحيح ابن خزيمة" (1810). (¬10) في (م): صارت جمعته.

ظهرًا". قال ابن وهب أحد رواته: معناه: أجزأت عنه الصلاة وحرم فضيلة الجمعة (¬1). ولأحمد (¬2) من حديث علي مرفوعًا (¬3): "ومن قال: صه (¬4) فقد تكلم، ومن تكلم فلا جمعة له". وللمصنف (¬5) نحوه، ولأحمد (¬6) والبزار (¬7) من حديث ابن عباس مرفوعًا: "من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كالحمار يحمل أسفارًا، والذي يقول له: أنصت ليست له جمعة". قال العلماء: معناه: لا جمعة له كاملة؛ للإجماع على إسقاط فرض الوقت عنه (¬8). وقع (¬9) عند أحمد (¬10) من رواية الأعرج، عن أبي هريرة في آخر هذا الحديث بعد قوله: "فقد لغوت": "عليك نفسك" واستدل به على منع [جميع أنواع] (¬11) الكلام، وبه قال الجمهور في حق من سمعها (¬12). قالوا (¬13): وإذا أراد (¬14) الأمر بالمعروف فليجعله بالإشارة. [1113] (حدثنا مسدد وأبو كامل) الجحدري (قالا: حدثنا يزيد) بن ¬

_ (¬1) "فتح الباري" 2/ 414. (¬2) "مسند أحمد" 1/ 93. (¬3) في (ص، س): موقوفًا. (¬4) في (ص، س، ل): مه. (¬5) "سنن أبي داود" (1051). (¬6) "مسند أحمد" 1/ 230. (¬7) "مسند البزار" (4725). (¬8) "فتح الباري" 2/ 414. (¬9) من (ل، م). (¬10) "مسند أحمد" 2/ 485. (¬11) سقط من (م). (¬12) "فتح الباري" 2/ 414. (¬13) في (ص، س، ل): قال. والمثبت من (م)، و"الفتح". (¬14) في (م): أرادوا.

زريع، أبو معاوية الحافظ (عن حبيب) بن أبي قريبة أبي محمد (المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه) شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو (عن) جده الأعلى (عبد الله بن عمرو) بن العاص (¬1) وبالتصريح بالرواية عن جده عبد الله انتفى احتمال الإرسال الموجب؛ لعدم الاحتجاج به عند بعضهم (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يحضر الجمعة ثلاثة نفر) أي: كل من حضر لصلاة (¬2) الجمعة هم على ثلاثة أقسام: أحدها: وهو أدناها (رجل حضرها) أي: حضر الجمعة وهو (يلغوا فهو) أي: فاللغو الذي وقع منه (حظه) أي: بخته ونصيبه (منها) لا نصيب له من الأجر فيها. (ورجل حضرها) وقصده من الحضور أن (يدعو) الله تعالى (فهو رجل دعا الله تعالى) فأمره إلى الله تعالى (إن شاء أعطاه) ما سأله (وإن شاء منعه) إياه. والثالث: أعلاها (و) هو (رجل حضرها بإنصات وسكوت) يحتمل أن يريد به التوكيد ولم تقع المخالفة بين المعنيين لاختلاف اللفظين، ألا ترى أن في بعض ألفاظ الحديث: "ومشى ولم يركب" ومعناهما واحد، ويحتمل أن يراد بالإنصات: الإصغاء إلى الخطبة، وبالسكوت: السكوت عن الكلام، [وفي نسختين معتمدتين: وسكون. أي: بالنون بدل التاء أي: سكون أعضائه عن الحركة كما في الصلاة] (¬3). (ولم يتخطى رقبة مسلم) وفي رواية سلمان الفارسي وغيره: "ولم ¬

_ (¬1) في (ص، س): الصباح. وفي (ل، م): الصراح. والمثبت من "التهذيب" 12/ 534. (¬2) و (¬3) سقط من (م).

يفرق بين اثنين" (¬1)، وفي رواية أبي الدرداء (¬2): "لم يتخط أحدًا" (¬3) يعني: لغير حاجة. (ولم يؤذ أحدًا) من المسلمين بقول ولا فعل (فهي كفارة) من تلك الجمعة (إلى الجمعة التي تليها، وزيادة) [بالجر عطفًا على (الجمعة) ويجوز النصب مفعول معه] (¬4) على السبعة (ثلاثة أيام) بعدها (وذلك بأن الله تعالى) يحتمل أن تكون الباء بمعنى اللام كقوله تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ} (¬5). (يقول) فيه مشروعية الاستشهاد بكتاب الله تعالى: ({مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} (¬6) ") أي: عشر حسنات. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (910)، وابن ماجه (1097)، والدارمي في "سننه" (1541)، وأحمد 5/ 440. (¬2) في (ص): الورد. (¬3) أخرجه أحمد 5/ 198. (¬4) سقط من (م). (¬5) النساء: 155. (¬6) الأنعام: 160.

238 - باب استئذان المحدث الإمام

238 - باب اسْتِئْذانِ المُحْدِثِ الإِمامَ 1114 - حَدَّثَنا إِبْراهِيم بْنُ الحَسَنِ المِصِّيصِيُّ، حَدَّثَنا حَجّاجٌ، حَدَّثَنا ابن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي هِشامٌ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَحْدَثَ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ فَلْيَأْخُذْ بِأَنْفِهِ ثُمَّ ليَنْصَرِفْ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَواهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا دَخَلَ والإِمامُ يَخْطُبُ". لَمْ يَذْكُرا عَائِشَةَ (¬1). * * * باب استئذان المُحْدِث الإمام المحدث بإسكان الحاء هو الذي خرج منه الحدث. [1114] (حدثنا إبراهيم بن الحسن المصيصي) بكسر الميم والصاد المشددة، هذه النسبة إلى المصيصة مدينة على ساحل البحر من ثغور (¬2) الشام. قال الأصمعي: ولا يقال مصيصة بفتح الميم (¬3)، وينسب إليها كثير من العلماء. (حدثنا حجاج) بن محمد المصيصي الأعور الحافظ (حدثنا) عبد الملك (بن جريج، أخبرني هشام بن عروة) بن الزبير (عن) أبيه (عروة) ابن الزبير بن العوام. ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (1222)، وابن الجارود (222)، وابن خزيمة (1019)، وابن حبان (2238)، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1020). (¬2) من (ل، م). (¬3) انظر: "معجم ما استعجم" 4/ 98.

(عن عائشة قالت: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إذا أحدث أحدكم في صلاته فليأخذ بأنفه) بفتح الهمزة [ويده تحت أنفه] (¬1) ليوهم [القوم أنه] (¬2) رعاف، وهذا نوع من الأدب في ستر العورة، وإخفاء القبيح، والكناية بالأحسن عن الأقبح، ولا يدخل هذا في باب الكذب والرياء، وإنما هو من باب التجمل والحياء، والسلامة من الناس. (ثم لينصرف) من الصلاة (قال) المصنف: (رواه حماد بن (¬3) سلمة، وأبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي. (عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير يعني (¬4) مرسلًا (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) بلفظ: (إذا دخل أحدكم والإمام يخطب) (¬5) ولفظ ابن ماجه (¬6): "إذا صلى أحدكم وأحدث فليمسك على أنفه ثم لينصرف". ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): الناس بأن به. (¬3) في (ص، س): عن. (¬4) سقط من (م). (¬5) كذا في الأصول الخطية. وقال في "بذل المجهود" 6/ 125: هكذا في جميع النسخ الموجودة إلا في النسخة الكانفورية فليس فيها: "إذا دخل والإمام يخطب" وهو الصواب فإنه لا معنى لقوله: "إذا دخل والإمام يخطب"، والذي أظنه أن قوله: "إذا دخل" سهو من الكاتب، والصواب: "إذا أحدث والإمام يخطب". وقد أخرج البيهقي في "معرفة السنن والآثار" 2/ 507 قال: روينا عن هشام بن عروة عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا أحدث أحدكم يوم الجمعة فليمسك على أنفه ثم ليخرج". فلعل الإمام أبا داود يشير إلى هذا. وانظر تعليق محمد عوامة في تعليقه على الحديث في "السنن" 2/ 111. (¬6) "السنن" (1222)، وصححه ابن خزيمة (1019)، وابن حبان (2238، 2239).

(لم يذكرا) [حماد وأبو أسامة] (¬1) في حديثهما المرسلين (¬2) (عائشة) لكن تابع ابن جريج على وصله عمر بن علي المقدمي (¬3) عند ابن ماجه (¬4) عن السند (¬5) المذكور، وقد أخرج له الجماعة، وتابع ابن جريج أيضًا عمر (¬6) بن قيس عند ابن ماجه أيضًا (¬7)، وعلى هذا فالأصح عند الأصوليين والمحدثين يحكم لهذا الإرسال بالاتصال. وفي "مراسيل" المصنف: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي الجمعة قبل الخطبة كالعيد، فلما انفضوا للتجارة قدم الخطبة وأخر الصلاة، فكان أحد لا يخرج لرعاف أو حدث حتى يستأذن النبي - صلى الله عليه وسلم -[يشير إليه (¬8) بأصبعه التي تلي الإبهام فيأذن له (¬9). قال السهيلي: وهذا الحديث وإن لم ينقل من وجه ثابت فالظن الجميل بالصحابة [يوجب أن يكون صحيحًا] (¬10). ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ص، س، ل): حديث. (¬3) في (ص، س): المقري. (¬4) "سنن ابن ماجه" (1222). (¬5) في (م): هشام بالسند. (¬6) في الأصول الخطية: عمرو. والمثبت من "سنن ابن ماجه"، وانظر ترجمته في "التهذيب" 21/ 487. (¬7) "سنن ابن ماجه" (1222). (¬8) سقط من (م). (¬9) "مراسيل أبي داود" (62). (¬10) ليست في الأصول الخطية، والمثبت من "عمدة القاري" 6/ 357.

239 - باب إذا دخل الرجل والإمام يخطب

239 - باب إِذا دَخَل الرَّجُلُ والإِمامُ يَخْطُبُ 1115 - حَدَّثَنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا حَمَّادٌ عَنْ عَمْرٍو - وَهُوَ ابن دِينارٍ -، عَنْ جابِرٍ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ يَوْمَ الجُمُعَةِ والنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ فَقالَ: "أَصَلَّيْتَ يا فُلانُ". قالَ: لا. قَالَ: "قُمْ فارْكَعْ" (¬1). 1116 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ مَحْبُوبٍ وَإِسْماعِيلُ بْنُ إِبْراهِيمَ - المَعْنَى - قالا: حَدَّثَنا حَفْصُ بْن غِياثٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيانَ، عَنْ جابِرٍ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قالا: جاءَ سُلَيْكٌ الغَطَفانِيُّ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ فَقالَ لَهُ: "أَصَلَّيْتَ شَيئًا؟ ". قَالَ: لا. قَالَ: "صَلِّ رَكْعَتَيْنِ تَجَوَّزْ فِيهِما" (¬2). 1117 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّد بْن جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ الوَلِيدِ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ جابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يُحدِّثُ أَنَّ سُلَيْكًا جَاءَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ زادَ ثمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ قَالَ: "إذا جاءَ أَحَدُكُمْ والإِمامُ يَخْطُبُ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ يَتَجَوَّزُ فِيهِما" (¬3). * * * باب إذا دخل والإمام يخطب [1115] (حدثنا سليمان بن حرب) بن بجيل الأزدي (حدثنا حماد) ابن زيد الأزدي (عن عمرو بن دينار) الجمحي (¬4) (عن جابر) بن عبد الله - رضي الله عنهما - (أن رجلًا) هو سليك بن عمرو الغطفاني كما وقع ¬

_ (¬1) رواه البخاري (930)، ومسلم (875). (¬2) رواه مسلم (875/ 58). (¬3) رواه مسلم (875/ 59). (¬4) سقط من (م).

التصريح به في مسلم (¬1)، وابن حبان (¬2) [والمصنف كما سيأتي] (¬3). (جاء يوم الجمعة والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب) زاد مسلم في رواية جابر [أيضًا بلفظ] (¬4): جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعدًا على المنبر فقعد سليك قبل أن يصلي (¬5). (فقال له) النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أصليت يا فلان؟ ). وفي رواية مسلم: "أركعت ركعتين؟ " (¬6) وفي الحديث دليل على جواز الكلام في الخطبة لحاجة، وفيه جوازه لغير الخطيب؛ لقول سليك. (قال: لا) وفيه الأمر بالمعروف، والإرشاد إلى المصالح في كل حال وموطن. (قال: قم فاركع) فيه أن تحية المسجد لا تفوت بالجلوس في حق جاهل حكمها. قال النووي: وقد أطلق أصحابنا فواتها بالجلوس، وهذا الحديث محمول على من تركها وهو عالم بأنها سنة، أما الجاهل فيتداركها على [قرب لهذا] (¬7) الحديث (¬8). [1116] (حدثنا محمد بن محبوب، وإسماعيل بن إبراهيم) أبو معمر الهذلي شيخ الشيخين (المعنى (¬9) قالا: حدثنا حفص بن غياث، عن ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (875) (59). (¬2) "صحيح ابن حبان" (2502). (¬3) و (¬4) سقط من (م). (¬5) و (¬6) "صحيح مسلم" (875) (58). (¬7) في (ص، س، ل): لقرب هذا. (¬8) "شرح النووي على مسلم" 6/ 164. (¬9) من (ل، م).

الأعمش، عن أبي سفيان) طلحة بن نافع القرشي المكي. (عن جابر (¬1) و) روى عن (¬2) الأعمش أيضًا. (عن أبي صالح) ذكوان السمان، عن أبي هريرة، وكذا رواه ابن ماجه (¬3) من طريق حفص بن (¬4) غياث، عن أبي صالح (عن أبي هريرة قالا: جاء سليك الغطفاني) [بفتح الطاء] (¬5) (ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب) فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أصليت شيئًا؟ ) لفظ ابن ماجه في هذِه الرواية: "أصليت ركعتين قبل أن تجيء؟ " (¬6) يحتمل على هذِه الرواية أن يكون المعنى: قبل أن تجيء إلى (¬7) الموضع الذي أنت به الآن، وفائدة الاستفهام احتمال أن يكون صلاها في مؤخر المسجد، ثم [تقدم ليقرب] (¬8) من سماع الخطبة، ويؤكده أن في رواية لمسلم: "أصليت الركعتين؟ " بآلة التعريف التي للعهد، ولا عهد هنا أقرب من تحية المسجد، واستدل (¬9) الأوزاعي برواية ابن ماجه هذِه على أن داخل المسجد إن كان قد صلى في البيت قبل أن يجيء فلا يصلي إذا دخل المسجد، وإلا فيصلي. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (875) (59)، وابن ماجه (1114)، وأحمد 3/ 316. (¬2) سقط من (ل، م). (¬3) "سنن ابن ماجه" (1114). (¬4) في (م): عن. (¬5) سقط من (م). (¬6) "سنن ابن ماجه" (1114). (¬7) سقط من (م). (¬8) في (ص): يقرب. وفي (س): يقرب ليقرب. (¬9) في (ص، س): استدلال.

(قال: لا. قال) [قم فيه أن العالم إذا أرشد أحدًا (¬1) إلى فعل خير يأمره بالأفضل، فإنه أمره بالصلاة قائمًا وإن جاز فعلها قاعدًا. (فاركع) المراد بالركوع الصلاة كما يعبر عنها بالسجود، و (أصل الركوع) (¬2) الانقياد لما يلزم في دين الله ويندب] (¬3). (صل (¬4) ركعتين) يؤخذ منه عند القائل [بمفهوم العدد المنع من الزيادة على ركعتين مع أنها جائزة عند أصحابنا إذا جمع ركعات بتسليمة واحدة] (¬5) كما في "شرح المهذب" (¬6) [فإن صلى] (¬7) فمقتضى كلامه المنع. قال الإسنوي: والجواب محتمل، وفي قوله: (صل) دليل على جواز الصلاة في الأوقات المكروهة، بل قد يدل على استحبابها، فإنه أدنى مراتب الأمر، وفيه أن التحية لا تفوت بالقعود للجاهل والناسي كما تقدم، وفيه أن للخطيب أن يأمر وينهى في خطبته ويبين الأحكام المحتاج إليها، ولا يقطع ذلك التوالي المشترط فيها. (تجوز فيهما) أي: خففهما وأسرع بهما، ومنه حديث: "أسمع بكاء الصبي فأتجوز (¬8) في صلاتي" (¬9) وظاهر قوله (فيهما) أنه يخفف في ¬

_ (¬1) و (¬2) سقط من (م). (¬3) كذا في النسخ الخطية، وحقه أن ينقل إلى الحديث السابق حيث إن: "قم فاركع" هي في الحديث السابق، وليس هذا الحديث. (¬4) من (ل، م)، و"السنن". (¬5) هناك تقديم وتأخير في (م) مع نقص في العبارة. (¬6) "المجموع" 4/ 52. (¬7) في (م): قال فصل. (¬8) سقط من (م). (¬9) أخرجه البخاري (707)، ومسلم (470) (192).

الفرائض [إلا بعارض] (¬1) والسنن، لا أنه يقتصر على الفرائض دون السنن، والمعنى في تخفيفهما ليستمع الخطبة بعدهما. قال القاضي: وقال مالك (¬2) والليث وأبو حنيفة (¬3) والثوري وجمهور السلف من الصحابة والتابعين: لا يصليهما. وهو مروي عن عمر وعثمان وعلي، وحجتهم الأمر بالإنصات (¬4)، وتأولوا هذا الحديث وخصوه لما في حديث أبي سعيد الذي رواه أصحاب السنن، وغيرهم: جاء رجل والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب والرجل في هيئة بذة فقال له: "أصليت؟ " قال: لا. قال: "صل ركعتين" وحض الناس على الصدقة. . (¬5) الحديث. فأمره أن يصلي (¬6)؛ ليراه بعض الناس وهو قائم (¬7) فيتصدق عليه، ويؤيده رواية أحمد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (¬8): "إن هذا الرجل دخل في هيئة بذة فأمرته أن يصلي ركعتين، وأنا أرجو أن ينظر له (¬9) فيتصدق عليه" (¬10) واستدلوا بقوله أيضًا - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب للذي دخل (¬11) يتخطى ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): الابعاض. (¬2) انظر: "الاستذكار" 5/ 49 - 50. (¬3) انظر: "المبسوط" للسرخسي 2/ 46 - 47. (¬4) "إكمال المعلم" 3/ 278. (¬5) أخرجه الترمذي في "جامعه" (511)، والنسائي في "المجتبى" 3/ 106، وأحمد 3/ 25. (¬6) في (ص): ليصلي. (¬7) في (م): يصلي. (¬8) ساقطة من (ص). (¬9) سقط من (م). (¬10) "مسند أحمد" 3/ 25. (¬11) من (م).

رقاب الناس: "اجلس فقد آذيت" (¬1) صححه ابن خزيمة (¬2) وغيره من حديث عبد الله بن بسر قالوا: فأمره بالجلوس ولم يأمره بالتحية. [1117] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا محمد بن جعفر) غندر (عن سعيد (¬3) بن أبي عروبة، عن الوليد) بن مسلم (أبي بشر) العبدي البصري (عن) أبي سفيان (طلحة) بن نافع الواسطي. (أنه سمع جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - يحدث أن سليكًا الغطفاني جاء) ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب. . الحديث. (فذكر نحوه) وزاد فيه (ثم أقبل على الناس، وقال: إذا جاء أحدكم إلى المسجد والإمام يخطب) يدخل فيه خطبة الجمعة وغيرها كخطبة العيد والكسوف والاستسقاء. (فليصل ركعتين) استدل به على جواز رد السلام وتشميت العاطس في الخطبة؛ لأن أمرهما أخف وزمنهما أقصر، ولا سيما رد السلام، فإنه واجب (يتجوز) برفع الزاي؛ لأن الجملة المبدوءة بالمضارع في محل رفع صفة لـ (ركعتين) (فيهما) من غير زيادة عليهما. ¬

_ (¬1) أخرجه النسائي في "المجتبى" 3/ 103، وابن ماجه (1115)، وأحمد 4/ 188. (¬2) "صحيح ابن خزيمة" (1811). (¬3) في (ص): شعبة.

240 - باب تخطي رقاب الناس يوم الجمعة

240 - باب تَخَطِّي رِقابِ النَّاسِ يَوْمَ الجُمُعَةِ 1118 - حَدَّثَنا هارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنا بِشْرُ بْن السَّرِيِّ، حَدَّثَنا مُعاوِيَةُ بْنُ صالِحٍ، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ قَالَ: كُنّا مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ صاحِبِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الجُمُعَةِ فَجاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ بُسْرٍ: جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النّاسِ يَوْمَ الجُمُعَةِ والنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ" (¬1). * * * باب تخطي رقاب الناس يوم الجمعة [1118] (حدثنا هارون بن معروف) أبو علي (¬2) الخزاز الضرير شيخ مسلم (حدثنا بشر) بالشين المعجمة (ابن السري) البصري الأفوه الواعظ (حدثنا معاوية بن صالح) الزاهري. (عن أبي الزاهرية) حدير بضم الحاء المهملة وفتح الدال وبالراء مصغر ابن (¬3) كريب الشامي تابعي. (قال: كنا مع عبد الله بن بُسر) بضم الموحدة وسكون المهملة (صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم -) لفظ النسائي: كنت جالسًا إلى جانبه (¬4) (يوم الجمعة فجاء رجل يتخطى رقاب الناس) جمع رقبة، ويشبه أن يراد بها الذات كما في عتق الرقبة، يستثنى من التخطي ما إذا كان [إمامًا، ¬

_ (¬1) رواه النسائي 3/ 103، وأحمد 4/ 188. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1024). (¬2) سقط من (م). (¬3) من (س، ل، م). (¬4) "المجتبى" 3/ 103.

وأما إذا كان] (¬1) بين يديه فرجة لا يصل إليها إلا بالتخطي، قال في "المُهَذب": إن كان (¬2) [لا يصل إلى الصف إلا بأن] (¬3) يتخطى رجلًا أو رجلين [لم يكره] (¬4) لأنه يسير (¬5) (فقال عبد الله بن بسر - رضي الله عنهما -: جاء رجل ليتخطى رقاب الناس يوم الجمعة) وفي كل صلاة جماعة (والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب) يعني (¬6): في أثناء خطبته. (فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: اجلس) استدل به أصحاب مالك (¬7) ومن تبعهم على عدم جواز تحية المسجد للداخل في الخطبة؛ لأنه قال له: اجلس، ولو كانت التحية مستحبة لأمره بها وقال: صل ركعتين كما قال لسليك الغطفاني. ويشبه أن يكون هذا الحديث محمولًا على من صلى تحية المسجد قبل أن يتخطى، ثم تخطى ليجلس بالقرب من الإمام، ويسمع صوته ويشاهده، ويحتمل أن [يكون المراد] (¬8) اجلس بعد التحية وترك ذكرها؛ لأنه كان معهودًا عندهم. (فقد آذيت) بمد الهمزة أي: آذيت نفسك وآذيت المصلين. ¬

_ (¬1) من (س، ل، م). (¬2) من (م). (¬3) في (م): لا يصف الان بأن. (¬4) سقط من (م). (¬5) "المهذب" 1/ 114. (¬6) سقط من (م). (¬7) "الاستذكار" 5/ 50 - 52. (¬8) في (س، ل، م): يراد.

وفي (¬1) الحديث "كل مؤذ في النار" (¬2)، وفي هذا وعيد شديد لمن يؤذي الناس في الدنيا بعقوبة النار [في الآخرة] (¬3) لا سيما المصلين. وقيل: المراد به كل مؤذ (¬4) من السباع والهوام في النار، يجعل فيها عقوبة لأهلها، وزاد في رواية: "آذيت وآنيت" (¬5) بمد الهمزة. أي: أخرت المجيء وأبطأت فيه، ومنه قيل للمتمكث (¬6) في الأمور: مُتَأنٍ. وقال (¬7): (آنيت) وأنَّيت بالتشديد بمعنى واحد. واستدل ابن المنذر بهذا الحديث على تحريم التخطي (¬8). وقال في "الروضة" في كتاب الشهادات: إنه المختار؛ للأحاديث الصحيحة (¬9). ¬

_ (¬1) زاد في (م): كل. (¬2) أخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد" 11/ 297، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 38/ 353. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (س): مولود. (¬5) أخرجه ابن ماجه (1115)، وأحمد 4/ 190، وابن خزيمة (1811)، وابن حبان (2790). (¬6) في (ص): للمتثبت. وفي (س، ل، م): للمتيلث. والمثبت من "غريب الحديث" لابن سلام 1/ 75، و"شرح سنن أبي داود" للعيني 4/ 463. (¬7) سقط من (م). (¬8) "الأوسط" لابن المنذر 4/ 94. (¬9) "روضة الطالبين" 11/ 224.

241 - باب الرجل ينعس والإمام يخطب

241 - باب الرَّجُلِ يَنْعَسُ والإِمامُ يَخْطُبُ 1119 - حَدَّثَنا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، عَنْ عَبْدَةَ، عَنِ ابن إِسْحاقَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ فِي المَسْجِدِ فَلْيَتَحَوَّلْ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِهِ" (¬1). * * * باب من ينعس والإمام يخطب [1119] (حدثنا هناد بن السري) التميمي الدارمي الزاهد، شيخ مسلم. (عن عبدة) [بسكون الموحدة] (¬2) ابن سليمان الكلابي (¬3) المقرئ. (عن) محمد (بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول (¬4): إذا نعس) فتح العين (أحدكم) زاد الترمذي: "يوم الجمعة" (¬5) (وهو في المسجد فليتحول من مجلسه ذلك إلى غيره) لأنه إذا تحول حصلت له من الحركة ما ينفي الفتور المقتضي للنوم، فإن لم يجد في الصفوف مكانًا يتحول إليه فليقم ثم يجلس. قال الشافعي في "الأم": وإذا ثبت في موضعه وتحفظ من النعاس بوجه يراه نافيًا للنعاس لم أكره بقاءه، ولا أحب له أن يتحول (¬6). [وفي الحركة بالتحول ما ينفي الفتور المقتضي للنوم] (¬7). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (526)، وأحمد 2/ 22. وصححه الألباني في "الصحيحة" (468). (¬2) سقط من (م). (¬3) في (ص، س): الدلاى. والمثبت من "التهذيب" 18/ 530. (¬4) من (ل، م). (¬5) "جامع الترمذي" (526). (¬6) "الأم" 3/ 340. (¬7) سقط من (م).

242 - باب الإمام يتكلم بعدما ينزل من المنبر

242 - باب الإِمامِ يَتَكَلَّمُ بَعْدَما يَنْزِلُ مِنَ المِنْبَرِ 1120 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، عَنْ جَرِيرٍ، هُوَ ابن حازِمٍ لا أَدْرِي كَيْفَ قَالَهُ مُسْلِمٌ أَوْ لا، عَنْ ثابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قال: رأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْزِلُ مِنَ المِنْبَرِ فَيَعْرِضُ لَهُ الرَّجُلُ فِي الحَاجَةِ فَيَقُومُ مَعَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ ثمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: الحَدِيثُ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ عَنْ ثابِتٍ هُوَ مِمّا تَفَرَّدَ بِهِ جَرِيرُ بْنُ حازِمٍ (¬1). * * * باب الإمام يتكلم بعدما ينزل من المنبر [1120] (حدثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي الفراهيدي (عن جرير) بفتح الجيم (ابن حازم) الأزدي. قال المصنف: (لا أدري كيف قاله مسلم) بن إبراهيم (أولًا) بتشديد الواو [أول الأمر، ورواه] (¬2) الترمذي (¬3) والنسائي (¬4) وابن ماجه (¬5) عن ثابت وسكت النسائي وابن ماجه، وقال الترمذي في آخره: جرير بن حازم ربما يهم في الشيء، وهو صدوق (¬6). (عن ثابت) البناني بضم الموحدة (عن أنس) بن مالك (قال: رأيت ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (517)، والنسائي 3/ 110، وابن ماجه (1117)، وأحمد 3/ 119. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (208). (¬2) في (ص): والأمر واه. (¬3) "سنن الترمذي" (517). (¬4) "المجتبى" 3/ 110. (¬5) "سنن ابن ماجه" (1117). (¬6) "جامع الترمذي" 2/ 394.

النبي - صلى الله عليه وسلم - ينزل من المنبر) [بكسر الميم] (¬1) لحاجة. (فيعرض) بفتح الياء وضم الراء. أي: يعترض. قالوا: ولا يقال بالتثقيل، ومنه تعارض البينات؛ لأن كل واحد يعترض على بينة الآخر، ويمنع نفوذها (له الرجل في الحاجة) له (فيقوم معه حتى يقضي حاجته) يشمل طول المدة وقصرها (ثم يقوم فيصلي) بهم الجمعة، وهذا الحديث على تقدير صحته يشبه أن يكون حجة لأحد قولي الشافعي (¬2): أنه لا يشترط الموالاة بين الخطبة والصلاة، وأن صلاة الجمعة تجوز بتلك الخطبة، وهو الأصح عند صاحبي "الحاوي" (¬3) والمستظهري، وأصح القولين - وهو الجديد (¬4) - اشتراط الموالاة، ولا تجوز صلاة الجمعة بتلك الخطبة، ويجب إعادة الخطبة، ثم يصلي بهم الجمعة (¬5). قال المصنف: (وهذا الحديث ليس بمعروف (¬6)، عن ثابت، وإنما تفرد به جرير بن حازم) قال الترمذي: سمعت محمدًا يعني: البخاري يقول (¬7): وهم (¬8) جرير بن حازم في هذا الحديث (¬9)، وقال الدارقطني: تفرد به جرير بن حازم عن ثابت (¬10). ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "الأم" 1/ 345. (¬3) "الحاوي" 2/ 445. (¬4) في (م): الحديث. (¬5) "المجموع" 4/ 507. (¬6) في (م): بمرفوع. (¬7) سقط من (م). (¬8) في (ص): وهو. (¬9) "سنن الترمذي" 2/ 394. (¬10) "أطراف الغرائب والأفراد" 2/ 23.

243 - باب من أدرك من الجمعة ركعة

243 - باب مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الجُمُعَةِ رَكْعَةً 1121 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاةَ" (¬1). * * * باب من أدرك من الجمعة ركعة [1121] (حدثنا) عبد الله بن محمد (القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أدرك ركعة من الصلاة) يدخل فيه جميع الصلوات، وأما الدليل على صلاة الجمعة فرواه ابن ماجه من طريق سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال (¬2): قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أدرك من صلاة ركعة فقد أدرك" (¬3). ومن طريق يونس، [عن الزهري] (¬4)، عن سالم، عن ابن عمر قال - صلى الله عليه وسلم -: "من أدرك ركعة من صلاة الجمعة أو (¬5) غيرها فقد أدرك الصلاة" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (580)، ومسلم (607). (¬2) من (ل، م). (¬3) "سنن ابن ماجه" (1122). (¬4) في (ص، س، ل): بن سعد. وفي (م): بن سعيد. والمثبت من "سنن ابن ماجه" (1123). (¬5) زاد في (م): من. (¬6) "سنن ابن ماجه" (1123).

وله عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أدرك من الجمعة ركعة فليضف إليها أخرى" (¬1)، وروى هذا الأخير الدارقطني من رواية الحجاج بن أرطاة وعبد الرزاق بن عمر (¬2)، عن الزهري، [عن سعيد] (¬3)، عن أبي هريرة (¬4) كذلك. وفي الباب عن ابن عمر، رواه النسائي (¬5) وابن ماجه (¬6) والدارقطني (¬7) من حديث بقية (¬8)، حدثني يونس بن يزيد، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه (¬9) رفعه: "من أدرك ركعة من صلاة جمعة أو غيرها فليضف إليها أخرى، وقد تمت صلاته"، وفي لفظ: ["فقد أدرك الصلاة (¬10) "]. (فقد أدرك الصلاة) وقد (¬11) استدل على أن من أدرك ركوع الركعة الثانية فقد أدرك الجمعة، فيصلي بعد سلام الإمام ركعة، فتتم له ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (1121). (¬2) عبد الرزاق بن عمر الدمشقي: منكر الحديث. "الكامل" لابن عدي 6/ 537. (¬3) سقط من (م). (¬4) "سنن الدارقطني" 2/ 10. (¬5) "المجتبى" 1/ 274. (¬6) "سنن ابن ماجه" (1123). (¬7) "سنن الدارقطني" 2/ 12. (¬8) في الأصول الخطية: ثقة. والمثبت من مصادر التخريج. (¬9) في (م): ربيعة. (¬10) من (ل، م). (¬11) من (ل، م).

الجمعة، والمراد بإدراك الركوع، الركوع المحسوب للإمام، لا كركوع المصلي محدثًا ناسيًا، ويدخل في الحديث من أدرك الإمام في ركوع الأولى، ثم فارقه عند القيام إلى الثانية [وأتى بثانيته] (¬1) فتصح له الجمعة، وأما إذا أدركه في ركوع الثانية ولكن فارقه عند التشهد، أو استمر في السجود إلى أن يسلم الإمام، وهو جائز، ثم إذا قام المأموم إلى الثانية فإنه يجهر بالقراءة فيها كما في الصبح. ¬

_ (¬1) سقط من (م).

244 - باب ما يقرأ به في الجمعة

244 - باب ما يُقْرَأُ بِهِ فِي الجُمُعَةِ 1122 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ، حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْتَشِرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ سالِمٍ، عَنِ النُّعْمانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَقْرَأُ فِي العِيدَيْنِ وَيَوْمِ الجُمُعَةِ بِـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} قَالَ: وَرُبَّما اجْتَمَعا فِي يَوْمٍ واحِدٍ فَقَرَأَ بِهِما (¬1). 1123 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ المازِنِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ الضَّحّاكَ بْنَ قَيْسٍ سَأَلَ النُّعْمانَ بْنَ بَشِيرٍ: ماذا كانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الجُمُعَةِ عَلَى إِثْرِ سُورَةِ الجُمُعَةِ فَقالَ: كانَ يَقْرَأ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} (¬2). 1124 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، حَدَّثَنا سُلَيْمانُ - يَعْنِي: ابن بِلالٍ - عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَن ابن أَبِي رافِعٍ قالَ: صَلَّى بِنا أَبُو هُرَيْرَةَ يَوْمَ الجُمُعَةِ فَقَرَأَ بِسُورَةِ الجُمُعَةِ، وَفِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} قالَ: فَأدْرَكْتُ أَبا هُرَيْرَةَ حِينَ انْصَرَفَ فَقَلْتُ لَهُ: إِنَّكَ قَرَأْتَ بِسُورَتَيْنِ كانَ عَلِيٌّ - رضي الله عنه - يَقْرَأُ بِهِما بِالكُوفَةِ. قالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ بِهِما يَوْمَ الجُمُعَةِ (¬3). 1125 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خالِدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلاةِ الجُمُعَةِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه مسلم (878/ 62). (¬2) رواه مسلم (878/ 63). (¬3) رواه مسلم (877/ 61). (¬4) رواه النسائي 3/ 111، وأحمد 5/ 13، والطيالسي (929)، وابن خزيمة (1847). وصححه الألباني في "صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -" 2/ 549.

باب ما يقرأ في الجمعة [1122] (حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا أبو عوانة) الوضاح الحافظ (عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه) محمد بن المنتشر بن الأجدع الهمداني الوادعي (عن حبيب بن سالم) مولى النعمان بن بشير وكاتبه (عن النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في العيدين ويوم الجمعة بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}) فيه استحباب القراءة بهما فيهما. وفي حديث آخر: القراءة في العيد بـ (قاف) و {اقْتَرَبَتِ} (¬1) وكلاهما صحيح، فكان النبي (¬2) - صلى الله عليه وسلم - في وقت يقرأ في الجمعة (الجمعة) و (المنافقين) وفي وقت بـ {سَبِّحِ} و {هَلْ أَتَاكَ} وفي وقت يقرأ في العيد بـ {قاف} و {اقْتَرَبَتِ}، وفي وقت بـ {سَبِّحِ} و {هَلْ أَتَاكَ} (قال: وربما اجتمع) يعني: الجمعة والعيد (في يوم واحد فقرأ بهما) كذا للترمذي والنسائي. ولفظ ابن ماجه: كان يقرأ في العيدين بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} (¬3). وقال أبو حنيفة: لا مزية لهاتين السورتين ولا غيرهما، والسور كلها سواء في هذا (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (891) (14)، والترمذي في "جامعه" (534)، والنسائي في "المجتبى" 3/ 183، وأحمد 5/ 217، ومالك في "الموطأ" (433). (¬2) من (م). (¬3) "سنن ابن ماجه" (1281). (¬4) انظر: "المبسوط" للسرخسي 2/ 57، 62.

وقال مالك: يقرأ في الأولى من الجمعة (الجمعة)، وفي الثانية: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} (¬1). [1123] (حدثنا القعنبي، عن مالك، عن ضمرة بن سعيد المازني) أخرج له مسلم (عن عبيد الله) بالتصغير (بن عبد الله بن عتبة) الفقيه الأعمى (أن الضحاك بن قيس سأل النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - ماذا) ذا (¬2) بمعنى الذي (كان يقرأ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة على إثر) بكسر الهمزة وسكون المثلثة وبفتحها لغتان (¬3) مثل شِبه وشَبه (سورة الجمعة فقال: كان يقرأ: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}) أخذ به مالك كما تقدم عنه. [1124] (حدثنا القعنبي، حدثنا سليمان بن بلال) القرشي التيمي (عن جعفر) بن محمد الصادق، أخرج له مسلم. أمه [أم فروة] (¬4) بنت القاسم بن محمد، وأمها أسماء بنت أبي بكر فكان يقول: ولدني الصديق مرتين. (عن أبيه) محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، سمع أباه زين العابدين. (عن) عبيد الله بالتصغير (ابن أبي رافع) أسلم، وقيل: إبراهيم، وقيل: هرمز (¬5) مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (قال: [صلى بنا] (¬6) أبو هريرة يوم ¬

_ (¬1) انظر: "المدونة" 1/ 237. (¬2) من (س، ل). وفي (م): والمعنى. (¬3) من (م). (¬4) سقط من (م). وزاد بعدها في (س، ل): في. (¬5) في (م): هو. (¬6) في (م): حدثنا.

الجمعة) ولمسلم عن ابن (¬1) أبي رافع قال: استخلف مروان أبا هريرة على المدينة، وخرج إلى مكة، وصلى لنا (¬2) أبو هريرة (¬3) (فقرأ) في الأولى (سورة الجمعة، وفي الركعة الأخيرة) سورة {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} قال: فأدركت أبا هريرة حين انصرف) القائل (فأدركت) هو عبيد الله (¬4) كما صرح به ابن ماجه (¬5). (فقلت له: إنك قرأت بسورتين كان علي) بن أبي طالب (يقرأ بهما بالكوفة) في (¬6) الجمعة (قال أبو هريرة: فإني (¬7) سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بهما يوم الجمعة) فيه استحباب قراءتهما بكمالهما فيهما، وهو مذهبنا ومذهب آخرين، والحكمة في قراءة الجمعة اشتمالها (¬8) على وجوب الجمعة، وغير ذلك من أحكامها والقواعد والخث على التوكل والذكر وغير ذلك، وقراءة سورة المنافقين لتوبيخ حاضريها وتنبيههم على التوبة فإنهم ما كانوا يجتمعون في مجلس أكثر من اجتماعهم فيها، فلو ترك الجمعة في الأولى قرأها في الثانية مع المنافقين، وإن أدى إلى تطويل الثانية على الأولى لتأكيد أمر السورتين، وقراءة البعض منهما ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ص): بنا. (¬3) "صحيح مسلم" (877) (61). (¬4) في (م): عبد الله. (¬5) "سنن ابن ماجه" (1118). (¬6) في (ص، س): إلى. (¬7) في (م): وأنا. (¬8) في (ل): اشتمالهما.

أولى وأفضل من قراءة قدره من غيرهما إلا أن يكون ذلك الغير مشتملًا على الثناء كآية الكرسي، قاله ابن عبد السلام. [1125] (حدثنا مسدد، عن يحيى بن سعيد) القطان (عن شعبة، عن معبد (¬1) بن خالد) الجدلي الكوفي القاص، عن زيد بن عقبة الفزاري ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2). (عن سمرة بن جندب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان (¬3) يقرأ في الجمعة بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}) أي: القيامة التي تغشى الخلائق بأهوالها وأفزاعها عند أكثر المفسرين، وعن سعيد بن جبير: الغاشية: النار تغشى وجوه الكفار (¬4). ¬

_ (¬1) في الأصول الخطية: سعيد. والمثبت من "السنن"، وانظر ترجمته في "الكاشف" 2/ 277، و"تهذيب الكمال" 28/ 228. (¬2) "الثقات" لابن حبان 4/ 247. (¬3) سقط من (م). (¬4) انظر: "تفسير القرطبي" 20/ 25.

245 - باب الرجل يأتم بالإمام وبينهما جدار

245 - باب الرَّجُلِ يأْتَمُّ بِالإِمامِ وَبَيْنهُما جِدارٌ 1126 - حَدَّثَنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها قالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي حُجْرَتِهِ والنَّاسُ يَأْتَمُّونَ بِهِ مِنْ وَراءِ الحُجْرَةِ (¬1). * * * باب الرجل يأتم بالإمام بينهما جدار [1126] (حدثنا زهير بن حرب، حدثنا هشيم) بن بشير بوزن عظيم السلمي (أنبأنا يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن عمرة) بنت عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة (عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجرته) التي أحتجرها (¬2) في المسجد وجعلها عليه [مانعة عن] (¬3) غيره، والمعنى أنه حوط موضعها من المسجد بحصير يستره؛ ليصلي فيه بالليل، وفيه استحباب ذلك ونحوه؛ ليكون سترة للمصلي من المار وممن يهوش عليه ليتوفر خشوعه ويفرغ قلبه، وفي الحديث جواز اتخاذ القبة في المسجد من بناء حجر ونحوه إذا لم يضيق على المصلين. (والناس يأتمون به من وراء الحجرة) وبين البخاري في روايته هذِه الحجرة من رواية عائشة، ولفظه: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل في حجرته، وجدار الحجرة قصير فرأى الناس شخص النبي - صلى الله عليه وسلم - فقام ¬

_ (¬1) رواه البخاري (729)، ومسلم (782). (¬2) في (ص): احتجر بها. (¬3) في (م): ما.

الناس يصلون بصلاته. . (¬1). الحديث، وفيه دليل على استحباب النافلة في المسجد، وأنه إنما تركها لأنها تشبه الفرائض، فخشي أن تفرض على أمته، فحث عليها (¬2) في البيوت وفضلها فيها على فعلها (¬3) [في المسجد؛ لأنه أبعد من الرياء. وفيه جواز الاقتداء بمن لم ينو الإمامة، وفيه إشاعة الخير ليعمل به] (¬4)، وفيه فضيلة الاعتكاف في رمضان والزيادة فيه (¬5) من الصلاة وغيرها من أفعال الخير. (من وراء الحجرة) وفيه جواز الاقتداء بالإمام وإن حال بينهما حائل وعلموا بانتقالاته بالمشاهدة أو السماع إذا جمعهما مسجد واحد، وإنما حملنا الحجرة هنا على أنها كانت في المسجد؛ لأنها لو كانت في بناء غير المسجد لم يصح الاقتداء؛ للأحاديث الدالة عليها، منها ما وافقه في المخرج من رواية عائشة مما أخرجه الشافعي من رواية الزعفراني، عنه، عن إبراهيم بن محمد الذي هو ثقة عند الشافعي (¬6). ووثقه ابن عدي وغيره (¬7) عن ليث (¬8)، عن عطاء، عن عائشة أن ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (729). (¬2) في (م): على فعلها. (¬3) في (ص، س): نفلها. (¬4) سقط من (م). (¬5) من (م). (¬6) "تهذيب الكمال" 2/ 188. (¬7) "الكامل في الضعفاء" 1/ 357 - 358. (¬8) بياض في الأصل.

نسوة صلين في حجرتها فقالت: لا تصلين بصلاة الإمام فإنكن في حجاب (¬1). قال الشافعي: وهذا مخالف للمقصورة؛ فإن المقصورة شيء من المسجد، فهو وإن كان حائلًا دون ما وراءها بينه وبين الإمام، فإنما هو كحال الأسطوان وكحول صندوق المصاحف وما أشبهه (¬2) مما لا يمنع صحة الاقتداء؛ إذ لا يعد حائلًا، ويحتمل غير هذا. ¬

_ (¬1) "معرفة السنن والآثار" 4/ 191، و"فتح الباري" لابن رجب 4/ 278. (¬2) "معرفة السنن والآثار" 4/ 191، و"فتح الباري" لابن رجب 4/ 278.

246 - باب الصلاة بعد الجمعة

246 - باب الصَّلاةِ بَعْدَ الجُمُعَةِ 1127 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ وَسُلَيْمانُ بْن داوُدَ - المَعْنَى - قالا: حَدَّثَنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنا أَيُّوبُ، عَنْ نافِعٍ أَنَّ ابن عُمَرَ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يَوْمَ الجُمُعَةِ فِي مَقامِهِ فَدَفَعَهُ وَقَالَ: أَتُصَلِّي الجُمُعَةَ أَرْبَعًا؟ وَكانَ عَبْدُ اللهِ يُصَلِّي يوْمَ الجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ وَيَقُولُ: هَكَذا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). 1128 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ، أَخْبَرَنا أَيُّوبُ، عَنْ نافِعٍ قَالَ: كانَ ابن عُمَرَ يُطِيلُ الصَّلاةَ قَبْلَ الجُمُعَةِ وَيُصَلِّي بَعْدَها رَكْعَتَيْنِ في بَيْتِهِ وَيُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ (¬2). 1129 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنا ابن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ عَطاءِ بْنِ أَبِي الخُوارِ أَنَّ نافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ أَرْسَلَهُ إِلَى السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ ابن أُخْتِ نَمِرٍ يَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ رَأَى مِنْهُ مُعاوِيَةُ فِي الصَّلاةِ فَقَالَ: صَلَّيْتُ مَعَهُ الجُمُعَةَ فِي المَقْصُورَةِ، فَلَمَّا سَلَّمْتُ قُمْتُ فِي مَقامِي فَصَلَّيْتُ، فَلَمَّا دَخَلَ أَرْسَلَ إِلَيَّ فَقالَ: لا تَعُدْ لِما صَنَعْتَ إِذا صَلَّيْتَ الجُمُعَةَ فَلا تَصِلْها بِصَلاةٍ حَتَّى تَكَلَّمَ أَوْ تَخْرُجَ فَإنَّ نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ بِذَلِكَ أَنْ لا تُوصَلَ صَلاةٌ بِصَلاةٍ حَتَّى يَتَكَلَّمَ أَوْ يَخْرُجَ (¬3). 1130 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ أَبِي رِزْمَةَ المَرْوَزِيُّ، أَخْبَرَنا الفَضْل بْنُ مُوسَى، عَنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابن عُمَرَ ¬

_ (¬1) رواه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 10/ 300 (4110)، والبيهقي 3/ 240. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1032). والمرفوع منه رواه مسلم (882). (¬2) أخرجه النسائي في "المجتبى" 3/ 113، وأحمد 2/ 103، وابن خزيمة (1836)، وابن حبان (2476)، والبيهقي 3/ 240. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1033). (¬3) رواه مسلم (883).

قَالَ: كانَ إِذا كانَ بِمَكَّةَ فَصَلَّى الحُمُعَةَ تَقَدَّمَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَقَدَّمَ فَصَلَّى أَرْبَعًا، وَإِذا كانَ بِالمَدِينَةِ صَلَّى الجُمُعَةَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَلَمْ يُصَلِّ في المَسْجِدِ فَقِيلَ لَهُ فَقالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُ ذَلِكَ (¬1). 1131 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ ح، وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبّاحِ البَزّازُ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بْنُ زَكَرِيّا، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ ابن الصَّبّاحِ: قَالَ -: "مَنْ كَانَ مُصَلِّيًا بَعْدَ الجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا". وَتَمَّ حَدِيثُهُ. وقَالَ ابن يُونُسَ: "إِذا صَلَّيْتُمُ الجُمُعَةَ فَصَلُّوا بَعْدَهَا أَرْبَعًا". قَالَ: فَقَالَ لِي أَبِي: يا بُنَيَّ فَإِنْ صَلَّيْتَ فِي المَسْجِدِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَتَيْتَ المَنْزِلَ أَوِ البَيْتَ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ" (¬2). 1132 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قَالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي بَعْدَ الجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ (¬3). قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينارٍ، عَنِ ابن عُمَرَ (¬4). 1133 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ الحَسَنِ، حَدَّثَنا حَجّاجُ بْن مُحَمَّدٍ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّهُ رَأَى ابن عُمَرَ يُصَلِّي بَعْدَ الجُمُعَةِ فَيَنْمَازُ، عَنْ مُصَلَّاهُ الذِي صَلَّى فِيهِ الجُمُعَةَ قَلِيلًا غَيْرَ كثِيرٍ قَالَ: فَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَالَ: ثُمَّ يَمْشِي أَنْفَسَ مِنْ ذَلِكَ فَيَرْكَعُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قُلْتُ لِعَطاءٍ: كَمْ رَأَيْتَ ابن عُمَرَ يَصْنَعُ ذَلِكَ. قَالَ: مِرارًا (¬5). ¬

_ (¬1) رواه الحاكم 1/ 290، والبيهقي 3/ 240. وصححه الألباني في "المشكاة" (1187). (¬2) رواه مسلم (881). (¬3) رواه مسلم (882). (¬4) أخرجه أحمد 2/ 94، والطحاوي في "مشكل الآثار" (4111، 4112). (¬5) رواه الترمذي (523)، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1038).

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ عَبْدُ المَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمانَ وَلَمْ يُتِمَّهُ. * * * باب الصلاة بعد الجمعة [1127] (حدثنا محمد بن عبيد) بن حساب [بوزن كتاب] (¬1) الغبري البصري شيخ مسلم (وسليمان بن داود) العتكي الزهراني، الحافظ نزيل بغداد شيخ مسلم. (المعنى، قالا: حدثنا حماد بن زيد، حدثنا أيوب، عن نافع أن (¬2) ابن عمر - رضي الله عنهما - رأى رجلًا يصلي ركعتين يوم الجمعة) أي: بعد صلاتها (في مقامه) بفتح الميم. أي: موضع قيامه بصلاته الجمعة، وأما المقام بالضم قاسم الموضع، من أقام بالمكان إذا اتخذه وطنًا (فدفعه) عن مقامه، فيه النهي عن المكروه بالفعل. (وقال: أتصلي الجمعة أربعًا؟ ) استفهام إنكار؛ لعدم فصله بين الفرض والنفل، [ولئلا يشبه بالظهر إذا وصلت يعني ركعتي الجمعة بركعتي النفل كما قال: "آلصبح أربعًا" (¬3)] (¬4)، ويدل عليه ما في "صحيح مسلم" من النهي عن وصل صلاة بصلاة إلا بعد كلام أو خروج (¬5)، وفيه دلالة على أنه يستحب للمصلي أن ينتقل للنفل من ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ص، س، ل): عن. والمثبت من (م)، و"السنن". (¬3) أخرجه البخاري (663)، وأحمد 5/ 345. (¬4) سقط من (م). (¬5) "صحيح مسلم" (383) (73).

موضع فرضه؛ لأن موضع السجود يشهد له فاستحب تكثير (¬1) مواضع السجود. (وكان عبد الله) بن عمر (يصلي يوم الجمعة) بعد الانصراف من الجمعة (ركعتين في بيته [ويقول: هكذا فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -]) (¬2) وفي رواية الصحيحين: كان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف إلى بيته (¬3). ولمسلم عن ابن عمر: "من كان منكم مصليًا بعد الجمعة فليصل بعدها أربعًا" (¬4)، ولمسلم في رواية: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بعدها ركعتين (¬5). وفي هذِه الأحاديث استحباب سنة الجمعة بعدها، والحث عليها، وأن أقلها ركعتان وأكملها أربع ركعات: ركعتان (¬6) في المسجد [منفصلة عن الفرض] (¬7) وركعتان في بيته، وفي هذا جمع بين الروايات. [1128] (حدثنا مسدد، حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم مولى أسد بن خزيمة، وأمه علية يعرف بها. (حدثنا أيوب، عن نافع قال: كان) عبد الله (ابن عمر - رضي الله عنهما - يطيل الصلاة قبل الجمعة) إن كان المراد بعد (¬8) دخول الوقت فلا يصح (¬9) ¬

_ (¬1) في (م): تكرير. (¬2) ليست في النسخ، والمثبت من "السنن". (¬3) "صحيح البخاري" (937)، و"صحيح مسلم" (882/ 71). (¬4) "صحيح مسلم" (881/ 69) من حديث أبي هريرة وليس ابن عمر. (¬5) "صحيح مسلم" (882/ 72). (¬6) و (¬7) سقط من (م). (¬8) في (ص): قبل. (¬9) في الأصول الخطية: فالأصح. والمثبت من "فتح الباري".

أن يكون مرفوعًا؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج إذا زالت الشمس فيشتغل بالخطبة، ثم بصلاة الجمعة، وإن كان المراد قبل دخول الوقت فذلك مطلق نافلة لا راتبة (¬1). قبل الجمعة] (¬2)، وأقل ما تحمل الإطالة على أربع التي تقدمت لمسلم، وينوي بالأربع سنة الجمعة، وعن العمراني أنه ينوي بالتي قبلها سنة الظهر لأنه ليس على ثقة من استكمال شرائطها. قال محمد بن علي التهامي الناقل عنه: وأما نحن فننوي بها سنة الجمعة لأن الغالب الحصول، وعن الطبري قال: لا يتجه عندي غير أن ينوي بها سنة فرض الوقت. (ويصلي بعدها ركعتين في بيته) وأخذ مالك (¬3) بهذا الحديث، وهو محمول على أنه كان يصلي ركعتين في المسجد يفصلهما من الجمعة وركعتين في بيته. قال ابن الأثير في "شرح المسند": وقد أخرج الشافعي فيما بلغه عن ابن مهدي، عن سفيان، عن أبي حصين، عن أبي عبد الرحمن أن عليًّا قال: من كان منكم مصليًا بعد الجمعة فليصل بعدها ست ركعات (¬4). وقال الخوارزمي في "الكافي": الأفضل ركعتين ثم أربعًا بسلام واحد ومدركه الجمع بين الأحاديث. (ويحدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك) فيه ذكر العالم الدليل ¬

_ (¬1) "فتح الباري" 2/ 494. (¬2) سقط من (م). (¬3) انظر: "الاستذكار" 6/ 268 - 269، و"المفهم" 2/ 519. (¬4) "شرح مسند الشافعي" 2/ 234.

ليكون أبلغ في العمل بقوله وفعله. (حدثنا الحسن (¬1) بن علي) الحلواني الخلال الحافظ شيخ الشيخين (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني. (أنبأنا) عبد الملك (بن جريج، أخبرني عمر بن عطاء (¬2) بن أبي الخوار) بضم الخاء المعجمة وفتح الواو المخففة وبعد الألف راء مهملة، أخرج له مسلم. (أن نافع بن جبير أرسله إلى السائب بن يزيد) بن سعيد بن (¬3) ثمامة بضم المثلثة ابن الأخت (ابن أخت نمر) بفتح النون وكسر الميم، ذكر أبو الحسن المدائني أن أخت نمر اسم جده، وهو رجل وليس بامرأة (¬4). وقال غيره: النمر خالة له (¬5) قال المنذري: وهو ظاهر اللفظ (¬6). وقيل: هو السائب بن يزيد ابن أخت نمر بن سعيد بن عائذ بن الأسود ابن الحارث الكندي، ولد السائب في السنة الثانية من الهجرة، وحضر حجة الوداع مع أبيه يزيد وله (¬7) ولأبيه رواية وصحبة ¬

_ (¬1) في (ص، س): الحسين. والمثبت من (ل، م)، و"السنن"، و"تهذيب الكمال" 6/ 259 - 260. (¬2) في (ص، س): الخطاب. والمثبت من (ل، م)، و"السنن"، و"تهذيب الكمال" 21/ 461. (¬3) زاد في (م): أبي. (¬4) "كشف المشكل" 1/ 1082. (¬5) "الإصابة" 3/ 27. (¬6) "مختصر سنن أبي داود" 2/ 25. (¬7) من (م).

(يسأله عن شيء رأى منه معاوية) توضحه رواية مسلم من طريق (¬1) غندر، عن ابن جريج، والشافعي عن عبد المجيد بن عبد العزيز ولفظهما: يسأله عن شيء رآه من معاوية في الصلاة (¬2). قال (صليت معه [الجمعة] (¬3) في المقصورة) فيه دليل على عمل المقصورة في الجوامع إذا رآها ولي الأمر مصلحة، وأول من عملها معاوية بن أبي سفيان [من الخلفاء] (¬4) حين ضربه الخارجي، فاستمر العمل (¬5) عليها لهذِه العلة من التحصين على الأمراء، ثم لكل خطيب وإن لم يكن أميرًا. واختلف الناس في الصلاة فيها فأجازها كثير من السلف وصلوا فيها، منهم الحسن البصري (¬6) والقاسم بن محمد وسالم (¬7) وغيرهم، وكرهها آخرون منهم ابن عمر (¬8) والشعبي (¬9) وأحمد وإسحاق (¬10)، وكان ابن عمر إذا حضرت الصلاة وهو في المقصورة خرج منها إلى ¬

_ (¬1) في (م): رواية. (¬2) "صحيح مسلم" (883) (73). (¬3) من "سنن أبي داود". (¬4) من (س، ل، م). (¬5) سقط من (م). (¬6) "مصنف ابن أبي شيبة" (4646). (¬7) "مصنف ابن أبي شيبة" (4649). (¬8) "مصنف ابن أبي شيبة" (4653). (¬9) "مصنف ابن أبي شيبة" (4651). (¬10) "مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج" (66).

المسجد (¬1)، وقيل: إنما تصح فيها (¬2) الجمعة إذا كانت مباحة لكل أحد، فإن كانت مخصوصة ببعض الناس ممنوعة من غيرهم لم تصح فيها الجمعة؛ لخروجها عن حكم الجامع. (فلما سلمت) من صلاة الجمعة (قمت) أصلي (في مقامي) بفتح الميم كما تقدم. (فصليت) السنة (فلما دخل) المقصورة ورأني (أرسل إلي) فجيئته (فقال: لا تعد) بضم العين (لما صنعت) لفظ مسلم: "لما فعلت" (¬3). (إذا صليت الجمعة فلا تصلها) بفتح التاء وجزم اللام على النهي (بصلاة) غيرها، وهذا النهي يدخل فيه أن ينتقل من فرض إلى نفل ومن نفل إلى فرض، وأن يفصل في كل صلاة يفتتحها من إفراد النوافل كالضحى والتراويح وإفراد الفرائض العينية (¬4) كالمقضيات (¬5) وفرائض الكفاية كالجنائز، ونظير هذِه العلة في عمومها التعليل بكون موضع السجود (¬6) يشهد للمصلي. قاله البغوي (¬7). وقد ورد في تفسير قوله تعالى: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ} (¬8) أن ¬

_ (¬1) "مصنف ابن أبي شيبة" (4653). (¬2) من (م). (¬3) "صحيح مسلم" (883) (73). (¬4) في (س، ل، م): العين. (¬5) بياض بالأصل. (¬6) من (س، ل، م). (¬7) "شرح السنة" للبغوي 5/ 271، وراجع تفسير البغوي للآية (7/ 232). (¬8) الدخان: 29.

المصلي (¬1) إذا مات بكى عليه مصلاه من الأرض ومصعد عمله من السماء، قيل: وبكاء السماء إحمرارها، وقد شوهدت حمرة السماء عند موت شيخنا القطب الغوث أبي عبد الله محمد (¬2) القرمي (بصلاة) أخرى (حتى تتكلم) (¬3) يشبه أن يراد بالكلام كلام الآدميين المناقض للصلاة. [وفي "شرح المهذب" بكلام إنسان (¬4)] (¬5) (أو تخرج) من المسجد. ولفظ رواية الشافعي: "حتى يتكلم أو يتقدم" (¬6) يعني: إلى مكان آخر بحيث يكون انتقاله ثلاث خطوات متواليات. قال أصحابنا: وأفضل الفصل الخروج إلى البيت لما في حديث (¬7) مسلم: "إذا قضى أحدكم صلاته في مسجده فليجعل لبيته من صلاته، فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيرًا" (¬8). قال القاضي أبو الطيب في كتاب النذر (¬9): لو أخفى صلاة النفل في المسجد كان أفضل من صلاته في البيت، انتهى (¬10). ولا سيما مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ومسجد الأقصى (فإن ¬

_ (¬1) في (ل، م)، و"شرح السنة"، و"تفسير البغوي": المؤمن. (¬2) سقط من (م). (¬3) كتب في حاشية (ل): تكلم بحذف إحدى التاءين. (¬4) "المجموع" 3/ 491. (¬5) سقط من (م). (¬6) انظر: "معرفة السنن والآثار" 4/ 410. (¬7) من (م). (¬8) صحيح مسلم" (778) (210). (¬9) في (ص، س): النور. (¬10) "مغني المحتاج" 1/ 183.

نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بذلك أن لا توصل) [كذا لفظ رواية مسلم (¬1). قال القرطبي: روي: (لا توصل) بالتاء المثناة فوق، مبني لما لم يسم فاعله، وفيه ضمير هو المفعول الذي لم يسم فاعله و (بصلاة) متعلق به، فعلى هذِه يكون النهي مخصوصًا بالجمعة لفظًا قال: والرواية الثانية نوصل بالنون مبني للفاعل و (صلاة) مفعول، وهذا اللفظ يعم جميع الصلوات، ومقصود الحديث منع ما يؤدي إلى الزيادة على الصلوات المحدودة (¬2)] (¬3) (صلاة بصلاة حتى يتكلم) المصلي بكلام إنسان (أو يخرج) من مكانه. [1130] (حدثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة) بكسر الراء وسكون الزاي، واسمه غزوان اليشكري (المروزي) بفتح الميم وسكون الراء وفتح الواو، وفي آخره زاي، وهذِه النسبة إلى مرو الشاهجان بفتح الشين المعجمة، وكسر الهاء بعدها جيم من بلاد فارس [والمرو بالفارسية: المرج. ومعنى الشاهجان: مزح نفس الملك، وببغداد درب اسمها درب المروزي أو محلة المراوزة] (¬4) ينسب إليها جماعة، ومحمد بن عبد العزيز أخرج له البخاري في تفسير {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} (¬5). ¬

_ (¬1) مسلم (883). (¬2) "المفهم" 2/ 520. (¬3) سقط من (م). (¬4) من (م). (¬5) العلق: 1.

(أنبأنا الفضل بن موسى) السيناني (¬1) (عن عبد الحميد بن جعفر) الأوسي المدني (¬2) أخرج له مسلم. (عن يزيد بن أبي حبيب، عن عطاء، عن) عبد الله (ابن عمر، قال: كان إذا كان بمكة) زادها الله تشريفًا (فصلى الجمعة تقدم) من مصلاه إلى مكان آخر (فصلى) فيه (ركعتين) سنة الجمعة (ثم تقدم) من ذلك المكان إلى موضع آخر. (فصلى أربعًا) أي: بسلام واحد. أخرجه (¬3) الخوارزمي في "الكافي" فقال: الأفضل ركعتين ثم أربعًا بسلام واحد (وإذا كان بالمدينة) شرفها الله تعالى (صلى) صلاة (الجمعة ثم رجع إلى بيته (¬4) فصلى ركعتين ولم يصل في المسجد) بخلاف مسجد الكعبة، فإنه صلى فيها (¬5)، لعظم شرفها وشرف فضلها، وزيادة تضاعف الثواب فيها (¬6) على مسجد المدينة الشريفة (فقيل له) في ذلك (فقال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل ذلك) استدل بأفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يذكر المعنى في ذلك. [1131] (حدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) اليربوعي (حدثنا زهير) بن معاوية بن حديج (وحدثنا محمد بن الصباح البزاز) بزائين ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): النسائي. وفي (م): الشيباني. والمثبت من "الإكمال" 5/ 112، و"تهذيب الكمال" 23/ 254. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (ص، س، ل): أخذ به. (¬4) في (ص، س، ل): المدينة. والمثبت من (م)، و"السنن". (¬5) في (م): فيه. (¬6) في (م): فيه.

(حدثنا إسماعيل بن زكريا) أبو زياد الأسدي، كلاهما سمع (عن سهيل) (¬1) بن أبي صالح (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان [(عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال) محمد (بن الصباح) البزاز في روايته] (¬2) (قال: من كان مصليًا بعد الجمعة) سنتها (فليصل أربعًا) يعني: ركعتين في المسجد وركعتين في البيت. ونبه بقوله: (من كان مصليًا) على أنها سنة ليست بواجبة. قال النووي: وذكر الأربع لفضيلتها ولأنها الأكمل وفعل (¬3) الركعتين في وقت أو أوقات بيانًا لأن أقلها ركعتان، ومعلوم أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي في أكثر الأوقات أربعًا، وهذا ترغيب في الخير (¬4). (وتم حديثه) هنا (وقال) أحمد بن عبد الله (بن يونس) في روايته: (إذا صليتم الجمعة فصلوا بعدها أربعًا) والإتيان بفاء التعقيب في قوله: (فليصل) يدل (¬5) على أنه لا يفصل بين الفرض والسنة بل يصلي عقبه. (قال: فقال لي [أبي) يعني: سهيلًا (يا بني] (¬6)، فإن صليت في المسجد ركعتين ثم أتيت المنزل أو) شك من الراوي (البيت فصل فيه ركعتين) أيضًا، واجعل لبيتك من صلاتك حظًّا. ¬

_ (¬1) في (م): سهل. (¬2) من (م). (¬3) من (س، ل، م). (¬4) "شرح النووي على مسلم" 6/ 169 - 170. (¬5) في (م): عدل. (¬6) في (م): أي: يعني بني.

[1132] (حدثنا الحسن بن علي) الخلال (¬1) (حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن سالم) مولى ابن عمر (عن ابن عمر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته) بعد صلاته في المسجد كما تقدم. (قال المصنف: وكذلك رواه (¬2) عبد الله بن دينار، عن ابن عمر) وهذا من متابعات المصنف. [1133] (حدثنا إبراهيم بن الحسن) بن الهيثم الخثعمي المصيصي ثقة ثبت (¬3). (حدثنا حجاج بن محمد، عن) عبد الملك (بن جريج، أنبأنا عطاء أنه رأي ابن عمر - رضي الله عنهما - يصلي بعد صلاة الجمعة فينماز) بفتح أوله وسكون النون وبعد الألف زاي أي يفارق مكانه الذي صلى فيه، وهو من قولك: مزت الشيء من الشيء إذا فرقت بينهما. (عن مصلاه الذي صلى فيه الجمعة قليلًا) يعني: بقدر ثلاث خطوات متصلة ونحوها (غير كثير) ليفصل بين النفل والفرض. (قال: فيركع ركعتين. قال: ثم يمشي) مشيًا (أنفس) بالنصب [أي: أبعد (من ذلك) قليلًا] (¬4) من ذلك المشي الذي قبله فيه دليل على الفصل بين صلاة نفل ونفل آخر أبلغ من الفصل بين الفرض والنفل؛ لأنه من ¬

_ (¬1) زاد في (م): الحميصي. (¬2) في (م): رواية. (¬3) "الكاشف" 1/ 79. (¬4) سقط من (م).

جنسه فالاشتباه به أكثر (فيركع أربع ركعات) يحتمل أن يكون بتسليمة واحدة (¬1) أو بتسليمتين، ويؤيد التسليمتين قوله - صلى الله عليه وسلم -: "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى" (¬2) (قلت لعطاء) بن أبي رباح (كم رأيت ابن عمر يصنع ذلك؟ قال: مرارًا) (¬3) [جمع كثرة، وهو] (¬4) ما فوق العشرة، ولو كان دون العشرة لقال مرات؛ لأن الصحيح أن جمع المؤنث السالم جمع قلة. (قال المصنف: رواه عبد الملك بن أبي سليمان) الكوفي، أخرج له مسلم والأربعة عن عطاء وغيره (ولم يتمه) بل اقتصر على بعضه. ¬

_ (¬1) سقط من (س، ل، م). (¬2) أخرجه الترمذي (597)، وأبو داود في "سننه" (1289)، والنسائي (1666)، وابن ماجه (1322)، والدارمي في "سننه" (1458)، وأحمد 2/ 26. (¬3) أخرجه الترمذي (523) مختصرًا، وعبد الرزاق في "مصنفه" (5522)، والبيهقي في "الكبرى" 3/ 241، والحاكم في "المستدرك" 1/ 290. قال الألباني في "صحيح سنن أبي داود": إسناده صحيح. (¬4) في (ص): وجمع الكثرة. والمثبت من (س، ل، م)

247 - باب صلاة العيدين

247 - باب صَلاةِ العِيدَيْنِ 1134 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - المَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمانِ يَلْعَبُونَ فِيهِما فَقَالَ: "ما هَذانِ اليَوْمانِ". قالُوا: كُنّا نَلْعَبُ فِيهِما فِي الجاهِلِيَّةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِما خَيْرًا مِنْهُما يَوْمَ الأَضْحَى وَيَوْمَ الفِطْرِ" (¬1). * * * باب صلاة العيدين [1134] (حدثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (حدثنا حماد) بن سلمة (عن حميد) بن أبي حميد الطويل، قيل له الطويل؛ لقصره، قال الأصمعي: رأيت حميدًا (¬2) ولم يكن طويلًا، ولكن كان طويل اليدين (¬3) تابعي (عن أنس قال: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة) في السنة الأولى (ولهم يومان) [زاد النسائي: في كل سنة (¬4)] (¬5) (يلعبون فيهما فقال: ما هذان اليومان؟ ) اللذان تلعبون فيهما، وهذا استفهام لإنكار اللعب في أعياد (¬6) الجاهلية، ومتابعة الجاهلية في أفعالهما وتعظيمهما ¬

_ (¬1) رواه النسائي 3/ 179، وأحمد 3/ 103. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (4381). (¬2) زاد في (م): ولم يكن حميدًا. (¬3) "التاريخ الكبير" 2/ 348، و"تهذيب الكمال" 7/ 358. (¬4) "المجتبى" 3/ 179. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (ص): اعتياد.

لأيام (¬1) لم [تثبت بها] (¬2) الشريعة، ويؤخذ منه [النهي عن] (¬3) اللعب في أعياد النصارى كما يفعل في بلادنا من اللعب في ليلة عيد الخميس للنصارى [بوقيد النار] (¬4) في الطرقات، وفي يومه باللعب بالبيض المصبوغ، ويحصل من المنكرات العظيمة واختلاط النساء والرجال ما لم يعبر عنه، فنسأل الله زوالها. (قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية) واستمرينا على ما كنا عليه (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله) تعالى (قد أبدلكم) يقال: أبدلكم وبدلكم (بهما) يومين (خيرًا منهما يوم) بالنصب بدل من يومين (الأضحى ويوم الفطر) فيه إشارة إلى إباحة اللعب في هذين اليومين دون يومي الجاهلية، والمراد بهذا اللعب الذي يباح فعله في الشريعة أو يمدح كاللعب بالدرق والحراب واللهو بالرمي بالنشاب والمسابقة بالخيل ونحو ذلك. ¬

_ (¬1) ساقطة من (ص). (¬2) بياض في (ص)، وفي (ل): تسعها. (¬3) ساقطة من (ص). (¬4) في (ص، س): توقد النصارى.

248 - باب وقت الخروج إلى العيد

248 - باب وَقْتِ الخُرُوجِ إِلَى العِيدِ 1135 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا أبو المُغِيرَةِ، حَدَّثَنا صَفْوانُ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ خُمَيْرٍ الرَّحْبِيُّ قَالَ: خَرَجَ عَبْدُ اللهِ بْنُ بُسْرٍ صاحِبُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ النّاسِ فِي يَوْمِ عِيدِ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى فَأَنْكَرَ إِبْطاءَ الإِمامِ فَقَالَ إِنَّا كُنَّا قَدْ فَرَغْنا سَاعَتَنا هذِه وَذَلِكَ حِينَ التَّسْبِيحِ (¬1). * * * باب وقت الخروج إلى العيد [1135] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا أبو المغيرة) عبد القدوس بن الحجاج الخولاني الحمصي (حدثنا صفوان) بن عمرو الحمصي السكسكي (¬2) قال النسائي: حمصي لا بأس به (¬3) أخرج له مسلم في الجهاد. (حدثنا يزيد بن خمير) بضم الخاء المعجمة وبعدها ميم مفتوحة وياء التصغير، ثم راء مهملة، الرحبي بفتح الراء والحاء المهملة، منسوب إلى رحبة بن زرعة بن سبأ الأصغر بطن من حمير (¬4) أخرج له مسلم في مواضع. ¬

_ (¬1) رواه البخاري تعليقًا مجزومًا به قبل حديث (968)، وابن ماجه (1317)، والطبراني في "الشاميين" 2/ 105 (1317)، والحاكم 1/ 295. وصححه الألباني في "الإرواء" 3/ 101. (¬2) سقط من (م). (¬3) "تهذيب الكمال" 13/ 207. (¬4) "الأنساب" للسمعاني 3/ 53.

(قال: خرج عبد الله بن بسر) - بضم الموحدة وسكون المهملة - (صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الناس في يوم عيد فطر أو) عيد (أضحى فأنكر إبطاء الإمام) عن وقت صلاة العيد (¬1) (فقال: إنا كنا قد (¬2) فرغنا)، لفظ ابن ماجه: وقال: إنا كنا لقد فرغنا (¬3). (ساعتنا) بالنصب على الظرفية. أي: في ساعتنا (هذِه) فيه الإنكار بالقول على الإمام إذا أخر الصلاة المفروضة والمسنونة عن أول وقتها المعهود (وذلك حين التسبيح) يشبه أن يكون شاهدًا على جواز حذف اسمين مضافين، والتقدير: وذلك حين (¬4) وقت صلاة التسبيح، كقوله تعالى: {فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (¬5) أي: فإن [تعظيمها من أفعال ذوي تقوى] (¬6) القلوب، ومنه قوله تعالى: {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} (¬7) أي: من أثر حافر فرس الرسول، ومنه {كَالَّذِي يُغْشَى} (¬8) أي: كدوران عين الذي يُغْشى، وقوله: (حين التسبيح) يعني: وذلك الحين حين وقت صلاة العيد، فدل ذلك على أن صلاة العيد سبحة ذلك اليوم، وقد تكرر في الأحاديث ذكر التسبيح على اختلاف تصرف ¬

_ (¬1) زاد في (ص، س، ل): صحابي صغير ولأبيه صحبة. (¬2) سقط من (م). (¬3) "سنن ابن ماجه" (1317). (¬4) في (م): حتى. (¬5) الحج: 32. (¬6) في (م): أفعالها من تعظيم ذوي. (¬7) طه: 96. (¬8) الأحزاب: 19.

ألفاظه، وأصل التسبيح التقديس والتنزيه من النقائص، ثم (¬1) أطلق على صلاة التطوع والنافلة سبحة وتسبيحًا، وإنما خصت النافلة بالسبحة وإن شاركتها الفريضة في معنى التسبيح؛ لأن التسبيحات في الفرائض نوافل فقيل لصلاة النافلة سبحة؛ لأنها نافلة كالتسبيحات والأذكار في الفرائض، فإنها غير واجبة. ¬

_ (¬1) في (م): على.

249 - باب خروج النساء في العيد

249 - باب خُرُوجِ النِّساءِ فِي العِيدِ 1136 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ وَيُونُسَ وَحَبِيبٍ وَيَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ وَهِشامٍ - فِي آخَرِينَ -، عَنْ محَمَّدٍ أَنَّ أُمَّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -, أَنْ نُخْرِجَ ذَواتِ الخُدُورِ يَوْمَ العِيدِ. قِيلَ: فالحُيَّضُ؟ . قَالَ: "لِيَشْهَدْنَ الخَيْرَ وَدَعْوَةَ المُسْلِمِينَ". قَالَ: فَقَالَتِ امْرَأَةٌ يا رَسُولَ اللهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ لإِحْداهُنَّ ثَوْبٌ كَيْفَ تَصْنَعُ قَالَ: "تُلْبِسُها صاحِبَتُها طائِفَةً مِنْ ثَوْبِها" (¬1). 1137 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن عُبَيْدٍ، حَدَّثَنا حَمَّادٌ، حَدَّثَنا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ بهذا الخَبَرِ قَالَ: "وَيَعْتَزِلُ الحُيَّضُ مُصَلَّى المُسْلِمِينَ". وَلَمْ يَذْكُرِ الثَّوْبَ (¬2). قَالَ: وَحَدَّثَ عَنْ حَفْصَةَ، عَنِ امْرَأَةٍ تُحَدِّثُهُ عَنِ امْرَأَةٍ أُخْرَى قَالَتْ: قِيلَ: يا رَسُولَ اللهِ فَذَكَرَ مَعْنَى حَدِيثِ مُوسَى فِي الثَّوْبِ (¬3). 1138 - حَدَّثَنا النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا عاصِمٌ الأَحْوَلُ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: كُنَّا نُؤْمَرُ بهذا الخَبَرِ قَالَتْ: والحُيَّضُ يَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ فَيُكَبِّرْنَ مَعَ النَّاسِ (¬4). 1139 - حَدَّثَنا أَبُو الوَلِيدِ - يَعْنِي: الطَّيالِسِيَّ - وَمُسْلِمٌ قالا: حَدَّثَنا إِسْحاقُ بْنُ عُثْمانَ حَدَّثَنِي إِسْماعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ عَطِيَّةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ جَمَعَ نِساءَ الْأَنْصَارِ فِي بَيْتٍ فَأَرْسَلَ إِلَيْنا عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ فَقامَ عَلَى البابِ فَسَلَّمَ عَلَيْنا فَرَدَدْنا - عليه السلام -. ثُمَّ قَالَ: أَنا رَسُولُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْكُنَّ. وَأَمَرَنا بِالعِيدَيْنِ أَنْ نُخْرِجَ فِيهِما ¬

_ (¬1) رواه البخاري (351). (¬2) رواه البخاري (974)، ومسلم (890). (¬3) أخرجه البخاري (980)، وأحمد 5/ 75. (¬4) رواه البخاري (971)، ومسلم (890/ 11).

الحُيَّضَ والعُتَّقَ وَلا جُمُعَةَ عَلَيْنا، وَنَهانا عَنِ اتِّباعِ الجَنائِزِ (¬1) * * * باب خروج النساء إلى العيد [1136] (حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد) بن سلمة (عن أيوب ويونس وحبيب بن الشهيد) الأزدي (ويحيى بن عتيق) الطفاري (¬2) أخرج له مسلم. (وهشام) بن حسان الأزدي مولاهم الحافظ (في) جماعة (آخرين، عن محمد) بن سيرين (أن أم عطية) نسيبة بضم النون وفتح السين المهملة، وبعد ياء التصغير باء موحدة، وهي نسيبة بنت كعب، ويقال: بنت الحارث الأنصارية. (قالت: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[أن نخرج] (¬3) ذوات الخدور) واحدها خدر، وهي الستور التي تكون للجواري الأبكار في ناحية البيت، وقيل: الخدر: سرير عليه ستر. وأمره - صلى الله عليه وسلم - الأبكار الملازمات البيوت المحتجبات بالبروز إلى العيد يرد كلام الطحاوي ألا تبرز، وقيل: الخدر: البيت نفسه. ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 85، والبزار 1/ 374 (252)، وأبو يعلى 1/ 196 (226)، وابن خزيمة (1722)، وابن حبان (3041). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (209). (¬2) في (ص): الطفرارى. وفي (س، ل، م): الطفارى. والمثبت من "تهذيب الكمال" 31/ 456. (¬3) سقط من (م).

(يوم العيد) سمي عيدًا؛ لأنه يعود ويتكرر في أوقاته، وقيل: لعود السرور والفرح في يومه على الناس، وقيل: تفاؤلًا بأن يعود على من أدركه، كما سميت القافلة في ابتداء خروجها تفاؤلًا بقفولها سالمة ورجوعها (قيل (¬1): والحيَّض؟ ) بالرفع مبتدأ حذف خبره تقديره: فالحيض ما حكمهن في ذوات الخدور؟ والحيض جمع حائض، ويدل على التقدير رواية البخاري وغيره: فقلت لها: الحيض؟ قالت: نعم الحيض أليست تشهد عرفات وتشهد كذا وكذا؟ (¬2). وفي (قال: ليشهدن) حذف (¬3) تقديره: يخرجن يشهدن. أي: لكي يحضرن (الخير) فيه حذف مضاف أي: يشهدن أفعال الخير. قال الطحاوي: وأمره - صلى الله عليه وسلم - بخروج الحيض وذوات الخدور إلى العيد يحتمل أن يكون في أول الإسلام والمسلمون قليل، فأريد التكثير بحضورهن إرهابًا للعدو، وأما اليوم فلا يحتاج إلى ذلك (¬4). وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال، وقد صرح في هذا الحديث بالعلة، وهو شهودهن الخير (¬5). (ودعوة المسلمين) فيه استحباب حضور مجالس اجتماع المسلمين للدعاء (قال) ابن سيرين: (فقالت امرأة) هي أم عطية: (يا رسول الله إن ¬

_ (¬1) في (م): قال. (¬2) "صحيح البخاري" (980). (¬3) قبلها في (س، ص، ل): فيه. وهي زيادة مقحمة. (¬4) "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 232. (¬5) ساقطة من (ص).

لم يكن لإحداهن ثوب كيف تصنع؟ ) إذا أرادت الخروج. (قال: تلبسها) بالجزم يحتمل أن يكون جوابًا لشرط محذوف دل عليه الكلام (¬1) تقديره: إن لم يكن لإحداهن ثوب تلبسها، وحذف جملة الشرط وبقاء الجواب كثير، وهو مطرد بعد الطلب، كقوله تعالى: {فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (¬2) [أي: فإن تتبعوني يحببكم الله] (¬3)، ومنه {فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ} (¬4)، {رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ} (¬5)، وكما (¬6) حذف جملة الشرط بدون الطلب نحو {إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} (¬7) تقديره فإن لم يتأت إخلاص العبادة لي في هذِه البلدة فإياي فاعبدون في غيرها، ويجوز أن يكون (تلبسها) مجزوم بلام الأمر المحذوفة كما جاء في رواية. وقد ذُكر الوجهان في قوله تعالى: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ} (¬8) و {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا} (¬9) ويجوز رفع تلبسها على أنه خبر بمعنى الأمر كقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} (¬10). ¬

_ (¬1) من (س، ل، م). (¬2) آل عمران: 31. (¬3) سقط من (م). (¬4) مريم: 43. (¬5) إبراهيم: 44. (¬6) سقط من (م). (¬7) العنكبوت: 56. (¬8) إبراهيم: 31. (¬9) الإسراء: 53. (¬10) البقرة: 233.

(صاحبتها طائفة من ثوبها) (¬1) قال شيخنا ابن حجر: المراد تشركها في ثوبها (¬2). قال: ويؤخذ منه جواز اشتمال المرأتين في ثوب واحد، وقيل: إنه ذكر على سبيل المبالغة. أي: يخرجن على كل حال ولو اثنتين في جلباب (¬3). وقيل: المراد بالثوب الجنس. أي: تعيرها من جنس ثيابها. وقد استدل به على استحباب خروج النساء إلى العيدين، سواء كن شواب أو ذوات هيئات إذا لم يكن متعطرات ولا متزينات. ونقل القاضي عياض وجوبه عن أبي بكر وعثمان (¬4) وعلي وابن عمر (¬5)، وقد ورد مرفوعًا بإسناد لا بأس به أخرجه أحمد (¬6) وأبو يعلى (¬7)، وابن المنذر (¬8) من طريق امرأة من عبد القيس، عن أخت عبد الله بن رواحة، والمرأة لم تسم (¬9) والأخت اسمها عمرة صحابية. وروى ابن أبي شيبة أيضًا (¬10) عن ابن عمر: أنه كان يخرج إلى ¬

_ (¬1) في (ص): يومها. (¬2) في (ص): يومها. (¬3) "فتح الباري" 2/ 544. (¬4) في (س، ل، م): عمر. (¬5) "إكمال المعلم" 3/ 298. (¬6) "مسند أحمد" 6/ 358. (¬7) "مسند أبي يعلى" (7152). (¬8) "الأوسط" 4/ 301. (¬9) في (ص، س): تسبه. والمثبت من (ل، م). (¬10) سقط من (م).

العيدين (¬1) من استطاع من أهله (¬2). ومنهم من حمله على الندب جزم بذلك الجرجاني من الشافعية، وابن حامد من الحنابلة، ولكن نص الشافعي في "الأم" (¬3) يقتضي استثناء ذوات الهيئات فإنه قال: وأحب شهود العجائز وغير ذوات الهيئات الصلاة، وإنا لشهودهن (¬4) الأعياد أشد استحبابًا (¬5). وروى البيهقي في "المعرفة" عن الربيع قال: قال الشافعي: قد روي حديث فيه أن النساء يتركن (¬6) إلى العيدين فإن كان ثابتًا قلت به (¬7) قال البيهقي: وقد ثبت وأخرجه الشيخان. يعني: حديث أم عطية، وعلى هذا فيلزم الشافعية القول به (¬8). [1137] (حدثنا محمد بن عبيد) بن حساب الغبري البصري شيخ مسلم. (حدثنا حماد) بن زيد (حدثنا أيوب، عن محمد) بن سيرين (عن أم عطية) الأنصارية (بهذا الخبر) المذكور (قال) فيه: (وتعتزل الحيض مصلى المسلمين) فيه دليل على منع الحائض من دخول المسجد ¬

_ (¬1) في (ص، س): العيد. (¬2) "مصنف ابن أبي شيبة" (5837). (¬3) في (س، ل، م): الأمر. (¬4) في (ص): وشهودهن. (¬5) "الأم" 1/ 400. (¬6) في (ص، س، ل): يبرزن. (¬7) "معرفة السنن والآثار" 3/ 94. (¬8) انظر: "فتح الباري" 2/ 545.

والمصلى للصيانة من النجاسة والخلطة بالرجال من غير حاجة (¬1) [وفي معنى الحائض النفساء والمستحاضة ومن به جرح يسيل] (¬2) دمه، وفي معناه من به سلس البول والمذي، وفي المصلى وجه أن المنع منه (¬3) للتحريم، والصواب الأول (ولم يذكر الثوب) في هذا الحديث. (قال (¬4): وحدث) عن أيوب (عن حفصة) بنت سيرين التابعية أخت محمد وأنس ابني سيرين (عن امرأة تحدثه، عن امرأة أخرى) الظاهر أنها أم عطية (قالت: قيل: يا رسول الله) إحدانا إذا لم يكن لها جلباب (فذكر معنى حديث موسى) بن إسماعيل التبوذكي (في الثوب) على ما تقدم. [1138] (حدثنا) عبد الله بن محمد (النفيلي، حدثنا زهير، حدثنا عاصم) بن النضر (الأحول) البصري. (عن حفصة بنت سيرين، عن أم عطية - رضي الله عنها - قالت: كنا نؤمر، [بهذا الخبر]) (¬5) لا يصح الاستدلال بذكر الأمر على وجوب صلاة العيدين والخروج إليها؛ لأن فيه توجيه الخطاب إلى من [ليس بمكلف] (¬6) بالصلاة باتفاق، فتعين أن المراد به (¬7) المشاركة في الخير، وإظهار ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): حائل. والمثبت من (م). (¬2) تقدمت هذه العبارة في (ص، س، ل) بعد الحديث. والمثبت من (م). وهو الصواب. (¬3) في (م): فيه. (¬4) في (ل، م): بحال. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (ص، س): ليست تملك. وفي (ل): ليس بملك. والمثبت من (م). (¬7) سقط من (م).

حال الإسلام وشعاره ولقلته (¬1) إذ ذاك (قالت: والحيض يكن خلف الناس) لا يختلطن بالرجال ولا يدخلن المصلى (فيكبرن) بتشديد المو حدة (مع) تكبير (الناس). فيه دليل على استحباب التكبير عقب الصلاة مع الإمام وغير ذلك من الأحوال، ومنهم من قصر التكبير على أعقاب الصلوات بقوله مع الإمام. ومنهم من خصه بالرجال دون النساء، وهذا (¬2) الحديث حجة عليه، ومنهم من خصه بالجماعة دون المنفرد، والحديث قد يرشد إليه. [1139] (حدثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك (الطيالسي، ومسلم) ابن إبراهيم الأزدي الفراهيدي. (قالا: حدثنا إسحاق بن عثمان) الكلابي ثقة (¬3) (حدثنا إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية، عن جدته (¬4) أم عطية) نسيبة الأنصارية (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة) الشريفة (جمع نساء الأنصار) فيه جمع النساء بمفردهن للوعظ؛ لئلا يختلطن بالرجال، وخص (¬5) نساء الأنصار لعظم منزلتهن عنده ومحبته لأزواجهن. (فأرسل إلينا عمر بن الخطاب) وخصه بالإرسال دون غيره؛ لأن النساء كن يهبنه ويعظمنه، ألا ترى لما في الصحيحين؛ لما استأذن ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): بقلبه. والمثبت من (م). (¬2) في (ص، س): منهم. والمثبت من (ل، م). (¬3) "الكاشف" 1/ 111. (¬4) في (م): حذيفة. (¬5) في (ص، س): حضر. والمثبت من (ل، م).

عمر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده نسوة من قريش عالية أصواتهن على صوته، فلما استأذن قمن يبتدرن الحجاب، فقال عمر: أي عدوات أنفسهن تهبنني ولا تهبن رسول الله؟ قلن: نعم، أنت (¬1) أفظ وأغلظ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكًا فجًّا إلا سلك فجًّا غير فجك" (¬2). وروى الترمذي عن بريدة: لما دخل عمر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والجارية السوداء تضرب بالدف [لما نذرت] (¬3) فألقت الدف وجلست عليه" (¬4) يعني: من هيبته، وكان دخل قبله أبو بكر، وهي تضرب [ثم دخل علي وهي تضرب] (¬5) ثم دخل عثمان وهي تضرب، فما ألقته ووضعته تحت إستها إلا خوفًا من عمر، وذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - غيرته لما دخل الجنة ورأى قصره بفنائه (¬6) جارية فقال عمر: أعليك أغار؟ (¬7). (فقام على الباب) يعني ولم يدخل عليهن (فسلم علينا) يعني من وراء الباب، فيه استحباب السلام على النساء الكثيرات. قال النووي (¬8): لو كان النساء جمعًا فسلم عليهن الرجل، أو كان ¬

_ (¬1) زاد في (ص، س): نعم. (¬2) أخرجه البخاري (3294، 3683)، ومسلم (2396/ 22). (¬3) سقط من (م). (¬4) "جامع الترمذي" (3690). (¬5) سقط من (م). (¬6) بياض في (ص). (¬7) أخرجه البخاري (3242)، ومسلم (2395/ 21). (¬8) "المجموع" 4/ 601.

الرجال جمعًا كثيرًا فسلموا على المرأة الواحدة فهي سنة. إذا لم يخف عليه ولا عليهن فتنة (¬1) كما في حديث أسماء بنت يزيد: مر علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[في نسوة] (¬2) فسلم علينا (¬3) كما سيأتي حيث ذكره المصنف. (فرددنا - عليه السلام -) في وجوب رد السلام على الرجال (¬4) وأن صوتهن في رد السلام ليس بعورة (فقال: أنا رسول (¬5) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليكن) فيه إعلامهن أنه لم يأتي إليهن (¬6) من تلقاء نفسه، بل أرسله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليكون أبلغ في القول (¬7). (وأمرنا بالعيدين أن نخرج) بضم النون وكسر الراء (فيهما الحيض) جمع حائض كما تقدم. (والعتق) بتشديد المثناة جمع عاتق، وهي التي قاربت الإدراك، وقيل هي المدركة، وقيل هي التي لم تبن بعد (¬8) عن والديها ولم تتزوج وقد أدركت وشبت، وإنما سميت به؛ لأنها أكرم ما تكون عند أهلها ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): فيه. والمثبت من (م)، و"المجموع". (¬2) سقط من (م). (¬3) أخرجه البخاري (5210)، وابن ماجه (3701)، والدارمي في "سننه" (2637)، وأحمد 6/ 452. (¬4) في (م): الرجل. (¬5) سقط من (س، م). (¬6) سقط من (م). (¬7) في (ل): المقول. وفي (م): القبول. (¬8) سقط من (م).

وأجمل (¬1)، والعتيق الكريم الرائع (¬2) من كل شيء [وكل شيء] (¬3) بلغ إناه فهو عاتق (¬4). (ولا جمعة علينا) لأن في تكليفهن بالخروج إلى المسجد ومشيهن في الطريق وربما أدى إلى مخالطة الرجال وإلى مفسدة. كقول عائشة: لو علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أحدث النساء بعده لمنعهن (¬5). (ونهانا عن اتباع الجنائز) وقد صحح النووي في "زوائد الروضة" أنه يكره لهن اتباع الجنائز، وقيل: يحرم (¬6). وهو مقتضى النهي في الحديث. ¬

_ (¬1) في (ص، س): أحمد. (¬2) في (م): البالغ. (¬3) سقط من (م). (¬4) "النهاية في غريب الحديث" 3/ 179. (¬5) أخرجه البخاري (869)، ومسلم (445) (144). (¬6) انظر: "روضة الطالبين" 2/ 116.

250 - باب الخطبة يوم العيد

250 - باب الخُطْبَةِ يَوْمَ العِيدِ 1140 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، حَدَّثَنا الأَعْمَشُ، عَنْ إِسْماعِيلَ بْنِ رَجاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ح، وَعَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طارِقِ بْنِ شِهابٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: أَخْرَجَ مَرْوانُ المِنْبَرَ فِي يَوْمِ عِيدٍ فَبَدَأَ بِالخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلاةِ فَقامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يا مَرْوَانُ خَالَفْتَ السُّنَّةَ أَخْرَجْتَ المِنْبَرَ فِي يَوْمِ عِيدٍ وَلَمْ يَكُنْ يُخْرَجُ فِيهِ، وَبَدَأْتَ بِالخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلاةِ. فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ: مَنْ هذا؟ قالُوا: فُلانُ بْنُ فُلانٍ. فَقَالَ: أَمَّا هذا فَقَدْ قَضَى ما عَلَيْهِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ رَأَى مُنْكَرًا فاسْتَطَاعَ أَنْ يُغَيِّرَهُ بِيَدِهِ فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمانِ" (¬1). 1141 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالا، أَخْبَرَنا ابن جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَطاءٌ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ يَوْمَ الفِطْرِ فَصَلَّى فَبَدَأَ بِالصَّلاةِ قَبْلَ الخُطْبَةِ ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ، فَلَمَّا فَرَغَ نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَزَلَ فَأَتَى النِّساءَ فَذَكَّرَهُنَّ وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى يَدِ بِلالٍ، وَبِلالٌ باسِطٌ ثَوْبَهُ تُلْقِي فِيهِ النِّساءُ الصَّدَقَةَ، قَالَ: تُلْقِي المَرْأَةُ فَتَخَها وَيُلْقِينَ وَيُلْقِينَ (¬2). وَقَالَ ابن بَكْرٍ فَتَخَتَها (¬3). 1142 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ ح، وحَدَّثَنا ابن كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا شُعْبَةُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى ابن عَبَّاسٍ وَشَهِدَ ابن عَبَّاسٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمَ فِطْرٍ فَصَلَّى، ثُمَّ خَطَبَ ثُمَّ أَتَى النِّساءَ وَمَعَهُ بِلالٌ. قَالَ ابن كَثِيرٍ أَكْبَرُ عِلْمِ شُعْبَةَ فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (49). (¬2) "مسند أحمد" 3/ 296. (¬3) رواه البخاري (958)، ومسلم (885). (¬4) رواه البخاري (98، 1449)، ومسلم (884، 886).

1143 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَأَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ بِمَعْناهُ قَالَ: فَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُسْمِعِ النِّساءَ فَمَشَى إِلَيْهِنَّ وَبِلالٌ مَعَهُ فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ فَكَانَتِ المَرْأَةُ تُلْقِي القُرْطَ والخاتَمَ في ثَوْبِ بِلالٍ (¬1). 1144 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ في هذا الحَدِيثِ قَالَ: فَجَعَلَتِ المَرْأَةُ تُعْطِي القُرْطَ والخاتَمَ وَجَعَلَ بِلالٌ يَجْعَلُهُ فِي كِسائِهِ قَالَ: فَقَسَمَهُ عَلَى فُقَراءِ المُسْلِمِينَ (¬2). * * * باب الخطبة [1140] ([حدثنا محمد بن العلاء] (¬3)، حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (حدثنا الأعمش، عن إسماعيل بن (¬4) رجاء) [أخرج له مسلم] (¬5) (عن أبيه) رجاء بن ربيعة الزبيدي، أخرج له مسلم (عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري) وقال الأعمش في روايته بالسند المتقدم إليه (عن قيس بن مسلم) الجدلي بفتح الجيم والدال (عن طارق بن شهاب، عن أبي سعيد الخدري). (قال: أخرج مروان) بن الحكم بن أبي العاص الأموي، وكنيته أبو عبد الملك، وفي "صحيح مسلم" في كتاب الإيمان: أول من بدأ بالخطبة ¬

_ (¬1) انظر السابق. (¬2) رواه مسلم (884)، وانظر الأحاديث السابقة. (¬3) من (ل، م)، و"السنن". (¬4) في (ص، س): عن. (¬5) سقط من (م).

قبل الصلاة يوم العيد مروان (¬1). وقيل: أول من فعل ذلك عمر بن الخطاب؛ لما رأى الناس يذهبون عند تمام الصلاة ولا ينتظرون الخطبة (¬2). وقيل: بل ليدرك الصلاة من تأخر وبعد منزله، ولا يصح هذا عن عمر (¬3). وقيل: أول من [بدأ بها] (¬4) عثمان (¬5) ولا يصح أيضًا، وقيل: أول من فعل ذلك معاوية (¬6). وقيل: إن زيادًا أول من فعله. يعني (¬7): بالبصرة كما تقدم، وذلك كله أيام معاوية؛ لأنها من عماله، وفعله ابن الزبير آخر أيامه، وعلل بعضهم فعل بني أمية أنهم لما أحدثوا (¬8) في الخطبة من (¬9) سب من لا يحل سبه، وكان الناس ينفرون لئلا يسمعوا ذلك فأخروا الصلاة ليحبسوا (¬10) الناس (¬11). (المنبر في يوم عيد) للخطبة عليه (فبدأ بالخطبة قبل الصلاة) لما رآهم يذهبون عند تمام الصلاة، ولا ينتظرون الخطبة كما تقدم (فقام رجل ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (49) (78). (¬2) "مصنف عبد الرزاق" (5644)، و"مصنف ابن أبي شيبة" (5734). (¬3) "شرح سنن أبي داود" للعيني 4/ 484. (¬4) في (م): بدأها. (¬5) "مصنف عبد الرزاق" (5645). (¬6) "مصنف عبد الرزاق" (5646، 5647). (¬7) من (م)، و"شرح سنن أبي داود" للعيني. (¬8) في (س، ل): أخذوا. (¬9) سقط من (م). (¬10) في (س، ل): ليجنبوا. (¬11) "شرح سنن أبي داود" للعيني 4/ 484.

فقال: يا مروان خالفت السنة) المعروفة حيث (أخرجت المنبر في يوم عيد ولم يكن (¬1) يخرج) [مبني للمفعول] (¬2) (فيه) بل في يوم الجمعة (وبدأت الخطبة قبل الصلاة) فيه الإنكار على الأمراء إذا خالفوا السنة. (فقال أبو سعيد الخدري: أما هذا فقد قضى) أي: أدى (ما) قدر (عليه) قال الله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} (¬3) أي: أديتم المناسك، فيه دليل على أن من عجز عن إزالة المنكر باليد فيكفيه أن ينهى بلسانه، وينكر بقلبه، وهي الدرجة الوسطى. (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من رأى) منكم (منكرًا) وفي معنى الرؤية من عَلِمَ به (¬4) من جمع لا يمكن تواطؤهم على الكذب. (فاستطاع (¬5) أن يغيره بيده فليغيره بيده) هذا أمرُ إيجاب بإجماع الأمة ومن واجبات الإيمان, وهو واجب على الكفاية، ولا يعتد بخلاف المبتدعة. (فإن لم يستطع فبلسانه) أي: بالقول المرتجى نفعه باللين إن أمكن، فقد يبلغ بالرفق والسياسة ما لا يبلغ بالسيف والرياسة (فإن لم يستطع) بلسانه (فبقلبه) أي إن خاف من القول القتل والأذى غير بقلبه بأن يكره ذلك الفعل (¬6) بقلبه، وإن قدر بعد ذلك (وذلك أضعف الإيمان) أي: أضعف خصال الإيمان وليس دونه مرتبة، وكذلك جاء في رواية: ¬

_ (¬1) من (ل، م)، و"السنن". (¬2) سقط من (م). (¬3) البقرة: 200. (¬4) و (¬5) سقط من (م). (¬6) سقط من (م).

"ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل" (¬1)، وسيأتي الكلام على هذا الحديث، حيث ذكره المصنف في الملاحم لكن بدون القصة. [1141] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عبد الرزاق، ومحمد بن بكر) ابن عثمان البرساني، بضم الموحدة، وبرسان قبيلة من الأزد (قالا: أنبأنا) عبد الملك (بن جريج) قال: (أخبرني عطاء) بن أبي رباح (عن جابر بن عبد الله، قال: سمعته يقول: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام) فيه دليل على وجوب القيام في النفل كما يجب في الفرض (يوم الفطر فصلى) صلاة العيد (فبدأ بالصلاة [قبل الخطبة] (¬2) ثم خطب الناس) (¬3) فيه تقديم الصلاة على الخطبة كما تقدم. (فلما فرغ نبي الله - صلى الله عليه وسلم -) من الخطبة (نزل) فيه دليل على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب على مترفع لما يقتضيه قوله نزل، لكن رواية البخاري في باب الخروج إلى المصلى، وقوله (¬4): فأول ما يبدأ به الصلاة ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم فيعظهم (¬5)، وفي رواية مسلم: قام فأقبل على الناس (¬6). وفي رواية ابن حبان من طريق داود بن قيس: فينصرف إلى الناس قائمًا من مصلاه (¬7)، ولابن خزيمة في رواية مختصرة: خطب (¬8) يوم ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (50) (80). (¬2) و (¬3) سقط من (م). (¬4) كذا في النسخ الخطية، ولا أعلم لها وجهًا. (¬5) "صحيح البخاري" (956). (¬6) "صحيح مسلم" (889/ 9). (¬7) "صحيح ابن حبان" (3321). (¬8) من (ل، م).

عيد على راحلته (¬1). وهذا يدل على أنه لم يكن في زمانه - صلى الله عليه وسلم - منبر، ويدل على ذلك قول أبي سعيد: فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان (¬2). ومقتضى ذلك أن أول من اتخذه مروان، ووقع في "المدونة" (¬3) (¬4) لمالك، ورواه ابن أبي شيبة، عن أبي غسان، عنه قال: أول من خطب الناس بالمصلى على منبر عثمان بن عفان، كلمهم على منبر من طين بناه كثير بن الصلت (¬5). وهذا معضل. ويحتمل أن يكون عثمان فعل ذلك مرة، ثم تركه حتى (¬6) أعاده مروان ولم يطلع على ذلك أبو سعيد، وإنما اختص كثير بن الصلت ببناء المنبر بالمصلى؛ لأن داره كانت مجاورة المصلى لحديث ابن عباس (¬7). وإنما بنى كثير بن الصلت داره بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بمدة، لكنها لما صارت شهرة في تلك البقعة وصف المصلى بمجاورتها، وإذا تعذر (¬8) هذا فيحمل (نزل) (¬9) في هذا الحديث على أن الراوي ضمن النزول معنى الانتقال (¬10)؛ لاجتماعهما في الحركة. ¬

_ (¬1) في الأصول الخطية: رجليه. والمثبت من "صحيح ابن خزيمة" (1445). (¬2) "صحيح البخاري" (956). (¬3) في (م): المدينة. (¬4) "المدونة" 1/ 244. (¬5) "تاريخ المدينة" 1/ 135. (¬6) في (م): ثم. (¬7) أخرجه البخاري (863، 977، 7325). (¬8) في (ل، م): تقرر. (¬9) في (م): ترك. (¬10) في (م): الارتقاء.

(فأتى النساء فذكرهن) أي: وعظهن، زعم عياض (¬1) أن عظة (¬2) النساء كان (¬3) في أثناء الخطبة، وأن ذلك كان في أول الإسلام، وأنه خاص به - صلى الله عليه وسلم -، وتعقبه النووي بأن ذلك كان بعد الخطبة، وهو قوله: (فلما فرغ نزل فأتى النساء) (¬4). (وهو يتوكأ) أستنبط (¬5) البخاري من قوله: (وهو يتوكأ) مشروعية الركوب لمن احتاج إليه، فكأنه يقول: الأولى المشي حتى يحتاج إلى الركوب كما خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - قائمًا على رجليه فلما تعب من الوقوف توكأ (على يد بلال) والجامع بين الركوب والتوكؤ الارتفاق بكل منها على يد [بلال بن رباح] (¬6). (وبلال باسط ثوبه تلقي فيه النساء الصدقة) فهم ابن جريج من قوله: (الصدقة) أنها صدقة الفطر (¬7)، أخذًا من قوله: (وبلال باسط ثوبه)؛ لأنه يشعر بأن الذي يلقى فيه شيء يحتاج إلى ضم فهو لائق بصدقة الفطر، فلهذا (قال) عطاء (تلقي المرأة فتخها) بفتح الفاء والمثناة فوق وبالخاء المعجمة، كذا للأكثر، فبين له عطاء أنها كانت صدقة التطوع، وأن الفتخ لا يجزئ في صدقة الفطر، والفتخ جمع فتخة (¬8) وهي حلقة من ¬

_ (¬1) في (ص، س): ابن عباس. وفي (ل): عباس. والمثبت من (م)، و"شرح النووي". (¬2) في (م): عطية. (¬3) سقط من (م). (¬4) "شرح النووي على مسلم" 6/ 172. (¬5) من (م)، وفي باقي النسخ: أسقط. (¬6) في النسخ الخطية: بلال بن أبي رباح. والمثبت الصواب. (¬7) مقابلها في حاشية (ل): بالعمل والإضافة. (¬8) مقابلها في حاشية (ل): بسكون المثناة واحدة الفتح.

فضة لا فص لها، فإذا كان فيها فص فهو الخاتم، وقيل: الفتخ للخواتيم الكبار. قال ابن السكيت: تلبس في أصابع اليد، قال ثعلب: قد يكون في أصابع الرجل أيضًا، ومنه حديث عائشة في قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (¬1) قالت: القلب والفتخة (¬2). والقلب بضم القاف: السوار. (ويلقين) فأعاد الضمير أولًا على (المرأة) والمراد جنس النساء، ثم عطف عليهن، و (يلقين) بصفة الجمع، وهو الأصل، أو (¬3) المراد تلقي المرأة وكذلك الباقيات يلقين. وكرر (يلقين) إشارة إلى التنويع، وسيأتي بعده: "فجعلت المرأة تلقي القرط والخاتم" (¬4). وللبخاري: فيلقين الفتخ والخواتيم (¬5). (وقال) محمد (بن بكر) البرساني في روايته تلقي (فتختها) بزيادة هاء (¬6) التأنيث، جمعها فتخات. [1142] (حدثنا حفص بن عمر) الحوضي بفتح الحاء المهملة وبعد الواو ضاد معجمة، يقال: إنه موضع بالبصرة (حدثنا شعبة ح وحدثنا) محمد (بن كثير، أنبأنا شعبة، أنبأنا أيوب، عن عطاء قال: أشهد على) ¬

_ (¬1) النور: 31. (¬2) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (17287). (¬3) في (م): و. (¬4) "سنن أبي داود" (1143). (¬5) "صحيح البخاري" (5880). (¬6) سقط من (م).

عبد الله (بن عباس - رضي الله عنهما - وشهد ابن عباس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه خرج يوم فطر) فبدأ بالصلاة. (فصلى، ثم خطب، ثم) نزل لما فرغ و (أتى النساء) حيث لم يسمعن الخطبة؛ لبعدهن عن الرجال وانفرادهن (ومعه بلال) بن أبي رباح يتوكأ عليه كما تقدم (قال) محمد (بن كثير: أكبر) بالباء (¬1) بالموحدة (علم شعبة) أي: أعظم علمه أنه قال (فأمرهن بالصدقة) فيه حث النساء على الصدقة وتخصيصهن بذلك في مجلس منفرد، ومحل ذلك كله (¬2) إذا أمنت الفتنة والمفسدة، وفيه خروج النساء إلى المصلى وأن الصدقة من دوافع العذاب؛ لأنه معلل بأنهن أكثر أهل النار لما يقع منهن من (¬3) كفران النعم. (فجعلن يلقين) استدل به على جواز صدقة المرأة من مالها من غير توقف على إذن زوجها أو (¬4) على مقدار معين من مالها. قال القرطبي: ولا يقال في هذا إن أزواجهن كانوا حضورًا؛ لأن ذلك لم ينقل، ولو نقل فليس فيه تسليم أزواجهن لهن (¬5) ذلك، فإن من ثبت له حق فالأصل (¬6) بقاؤه حتى يصرح بإسقاطه (¬7)؛ فإن من ¬

_ (¬1) من (س، ل، م). (¬2) من (ل، م). (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): و. (¬5) في (ص): له. (¬6) في (ص، س): فالأكثر. والمثبت من (ل، م)، و"المفهم". (¬7) "المفهم" 2/ 529.

قواعد الشافعي (¬1) أن لا ينسب إلى ساكت فعلًا ولا قولًا, ولم يثبت هنا أن أزواجهن صرحوا بذلك، وأما كونه من الثلث فما دونه فإن ثبت أنهن لا يجوز لهن التصدق (¬2) فيما زاد على الثلث لم يكن في هذِه القصة ما يدل على جواز الزيادة. [1143] (حدثنا مسدد وأبو معمر عبد الله بن عمرو) بن أبي الحجاج ميسرة المنقري مولاهم البصري المقعد (¬3) (قالا: حدثنا عبد الوارث، عن أيوب، عن عطاء، عن ابن عباس) [بمعناه (قال: فظن أنه لم يُسمع)] (¬4) بضم أوله وكسر الميم أي: لم يسمع في وعظه النساء [(فمشي) بفتح الشين (إليهن)] (¬5). (وبلال معه فوعظهن وأمرهن بالصدقة) فيه وعظ النساء وتعليمهن أحكام الإسلام وتذكريهن بما يجب عليهن ويستحب. (فكانت المرأة تلقي القرط) بضم القاف وهو ما علق في شحمة الأذن من ذهب كان أو من (¬6) فضة ونحوهما من حلي الأذن، ويجمع على أقرطة وأقراط وقرطة. (والخاتم) بفتح التاء وكسرها لغتان مشهورتان، ومنه حديث (¬7) النهي ¬

_ (¬1) "الأم" 1/ 275. (¬2) في (ل، م): التصرف. (¬3) في (ص): المعنى. والمثبت من (س، ل، م)، و"تهذيب الكمال" 1/ 293. (¬4) في (ص، س، ل): عطاء عنه أنه لم يسمعهن. والمثبت من (م)، و"السنن". (¬5) سقط من (م). (¬6) من (م). (¬7) ساقطة من (ص).

عن لبس الخاتم إلا لذي سلطان (¬1) يعني: إذا لبسه لغير حاجة بل للزينة المحضة فكره ذلك، ورخص للسلطان لحاجته إليها في ختم الكتب. (في ثوب بلال) [فيه التوكيل في] (¬2) قبض الصدقة، وفي الحديث دليل على جواز طلب الصدقة من الأغنياء للمحتاجين ولو (¬3) كان الطالب غير محتاج إليه. [1144] ([حدثنا محمد بن عبيد) بن محمد المحاربي، قال النسائي: لا بأس به (¬4)] (¬5). (حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن عطاء، عن ابن عباس) في هذا الحديث (قال: فجعلت المراة تعطي القرط والخاتم، وجعل بلال) مؤذن النبي - صلى الله عليه وسلم - (يجعله في كسائه) هذا بيان للثوب المذكور قبله (قال: فقسمه على فقراء المسلمين) فيه تصرف العامل في الصدقة وتفريقها على المستحقين. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود في "سننه" (4049)، وأحمد 4/ 134. (¬2) في (م): في التوكل و. (¬3) في (م): إن. (¬4) "تهذيب الكمال" 26/ 72. (¬5) من (ل، م).

251 - باب يخطب على قوس

251 - باب يَخْطُبُ عَلَى قَوْسٍ 1145 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنا عبد الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنا ابن عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي جَنابٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ البَراءِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نُوِّلَ يَوْمَ العِيدِ قَوْسًا فَخَطَبَ عَلَيْهِ (¬1). * * * [1145] (حدثنا الحسن بن علي) الخلال (حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا) سفيان (بن عيينة، عن أبي جناب) بفتح الجيم وتخفيف النون (¬2) وبعد الألف موحدة، واسمه يحيى بن أبي حية (¬3) الكلبي، قال النسائي وغيره: ليس بالقوي (¬4). (عن يزيد) من الزيادة (بن البراء، عن أبيه) البراء بن عازب - رضي الله عنهما -؛ (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نوول) بضم النون مبني للمجهول (يوم العيد قوسًا فخطب) (¬5) معتمدًا (عليه) ولابن ماجه: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خطب في الحرب ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق 3/ 287 (5658)، وابن أبي شيبة 4/ 177 (5608)، والطبراني في "الكبير" 2/ 24 (1169)، والبيهقي 3/ 300. وضعفه الألباني في "المشكاة" (1444)، وقال في "صحيح سنن أبي داود" (1039): حديث حسن. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (ص، س): خيثمة. والمثبت من (ل، م)، و"الإكمال" 2/ 134، و"تهذيب الكمال" 7/ 487. (¬4) "تهذيب الكمال" 31/ 289، و"الضعفاء والمتروكين" للنسائي (640)، ولكنه قال: ضعيف كوفي. (¬5) في (ص، س): يخطب. والمثبت من (ل)، و"السنن".

خطب على قوس، وإذا خطب في الجمعة خطب على عصا (¬1). فيحمل حديث الباب على أنه - صلى الله عليه وسلم - نوول يوم العيد في زمن حرب قوسًا يخطب عليه. ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (1107).

252 - باب ترك الأذان في العيد

252 - باب تَرْكِ الأَذَانِ فِي العِيدِ 1146 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عابِسٍ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ ابن عَبَّاسٍ أَشَهِدْتَ العِيدَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: نَعَمْ وَلَوْلا مَنْزِلَتِي مِنْهُ ما شَهِدْتُهُ مِنَ الصِّغَرِ فَأَتَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - العَلَمَ الذِي عِنْدَ دارِ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ فَصَلَّى، ثُمَّ خَطَبَ وَلَمْ يَذْكُرْ أَذَانًا وَلا إِقامَةً قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ بِالصَّدَقَةِ - قَالَ -: فَجَعَلَ النِّسَاءُ يُشِرْنَ إِلَى آذانِهِنَّ وَحُلُوقِهِنَّ قَالَ: فَأَمَرَ بِلالًا فَأَتَاهُنَّ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). 1147 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طاوُسٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى العِيدَ بِلا أَذانٍ وَلا إِقامَةٍ وَأَبا بَكْرٍ وَعُمَرَ أَوْ عُثْمانَ شَكَّ يَحْيَى (¬2). 1148 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَهَنَّادٌ - وهذا لَفْظُهُ - قالا: حَدَّثَنا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ سِماكٍ - يَعْنِي: ابن حَرْبٍ -، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - غَيْرَ مَرَّةٍ وَلا مَرَّتَيْنِ العِيدَيْنِ بِغَيْرِ أَذانٍ وَلا إِقامَةٍ (¬3). * * * باب ترك الأذان في العيد [1146] (حدثنا محمد بن كثير) العبدي (أنا سفيان) [بن سعيد] (¬4) الثوري (عن عبد الرحمن بن عابس) بعين مهملة وبعد الألف جاء (¬5) موحدة وسين مهملة بن ربيعة الغطيفي [بضم الغين المعجمة] (¬6)، وقال ¬

_ (¬1) رواه البخاري (863). (¬2) رواه ابن ماجه (1274)، وأحمد 1/ 227. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1041). (¬3) رواه مسلم (887). (¬4) من (ل، م). (¬5) من (ل، م). (¬6) سقط من (م).

البخاري: النخعي الكوفي (¬1). من تابعي الكوفيين وثقاتهم غريب (¬2) الحديث. (قال: سأل (¬3) رجل) (¬4) عبد الله (بن عباس - رضي الله عنهما - أشهدت العيد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم) بوب عليه البخاري باب خروج الصبيان إلى المصلى أي: في الأعياد وإن لم يصلوا. (ولولا منزلتي منه) لفظ البخاري: ولولا مكاني من الصغر (¬5) (ما شهدته) أي: ما (¬6) حضرته [من الصغر] (¬7) والضمير في منه يعود على غير مذكور، ومشى بعضهم على ظاهر السياق فقال: إن الضمير يعود على النبي - صلى الله عليه وسلم -، والمعنى: لولا منزلتي من النبي - صلى الله عليه وسلم - ما شهدت معه العيد. قال ابن بطال: خروج الصبيان إلى المصلى إنما هو (¬8) إذا كان الصبي يضبط نفسه عن اللعب ويعقل الصلاة ويتحفظ مما يفسدها انتهى (¬9). وفيه نظر؛ لأن مشروعية إخراج الصبيان إلى المصلى إنما هو للتبرك وإظهار شعار الإسلام بكثرة من يحضره؛ ولذلك شرع للحيض. (فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العلم) بفتحتين (¬10) وهو الشيء الشاخص الذي جعل علامة لمكان المصلى [يعرف بها] (¬11) مثل أعلام الحرم المضروبة ¬

_ (¬1) "التاريخ الكبير" 5/ 327. (¬2) في (س، م): عزيز. (¬3) في (م): سألت. (¬4) بياض في (م). (¬5) "صحيح البخاري" (977). (¬6) سقط من (س، ل، م). (¬7) من (م). (¬8) زاد في (ل، م): فيما. (¬9) "شرح صحيح البخاري" 2/ 568. (¬10) و (¬11) سقط من (م).

لمعرفة الحدود (الذي) كان (عند دار كثير بن الصلت) بن معدي كرب الكندي، ولد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسماه عمر (¬1) كثيرًا (¬2) [وكانت داره عند قبلة المصلى للعيدين وكانت كبيرة] (¬3) وكان اسمه (¬4) قليلًا، وهو أخو زبيد (¬5) بن الصلت. وهو (¬6) العلم الذي وضع لتعريف مكان المصلى ذكر على سبيل التقريب (¬7) للسامع، وإلا فدار كثير بن الصلت محدثة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - كما تقدم قريبًا (فصلى) صلاة الأضحى، أو الفطر (ثم خطب ولم يذكر أذانًا ولا إقامة). [وللنسائي: فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة (¬8)] (¬9). وروى ابن أبي شيبة من طريق يحيى القطان، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال لابن الزبير: لا تؤذن لها [ولا تقم] (¬10) (¬11) وقال مالك في "الموطأ": سمعت غير واحد من علمائنا يقول: لم يكن في الفطر ولا الأضحى نداء ولا إقامة منذ زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليوم، وتلك السنة لا اختلاف فيها عندنا (¬12). لكن روى الشافعي عن الثقة، عن الزهري قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) من (ل، م). (¬3) و (¬4) سقط من (م). (¬5) في (ص): زيد. والمثبت من (س، ل، م)، و"الاستيعاب" (2176)، و"الإصابة" 8/ 222. (¬6) في (م): وهذا. (¬7) في (م): التقدير. (¬8) "المجتبى" 3/ 186. (¬9) ساقطة من (ص). (¬10) سقط من (م). (¬11) "مصنف ابن أبي شيبة" (5710). (¬12) "موطأ مالك" (425).

يأمر المؤذن في العيدين فيقول: الصلاة جامعة (¬1). وهذا مرسل يعضده القياس على صلاة الكسوف، قال الشافعي: فإن قال: هلموا إلى الصلاة لم أكرهه، فإن قال: حي على الصلاة أو غيرها من ألفاظ الأذان كرهت ذلك (¬2). (قال) ابن عباس (ثم أمر (¬3) بالصدقة قال (¬4) فجعلن) بالنون (النساء) كذا في أكثر النسخ، وفي نسخ البخاري وهو على لغة أكلوني البراغيث، وفي بعضها: فجعل (يشرن) على اللغة المشهورة، يشرن بضم أوله وكسر ثانيه (إلى آذانهن) بالمد جمع أذن (وحلوقهن) أي: يهوين كما في البخاري: بأيديهن إلى آذانهن يخرجن الأقرطة منهن، وإلى حلوقهن يخرجن السخاب وهي القلادة التي تكون من سك (¬5) وغيره من الطيب، وليس فيها شيء من الجوهر، وقيل: إنه القلادة من الخرز تلبسها الجواري. (قال: فأمر بلالًا فأتاهن) فيه أن الإذن في مخاطبة النساء في الموعظة أو الحكم أن لا يحضر (¬6) من الرجال إلا من تدعو الحاجة (4) إليه من شاهد ونحوه؛ لأن بلالًا كان خادم النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأما ابن عباس فقد تقدم أن ذلك كان بسبب صغره. (ثم رجع) بما ألقي في ثوبه (إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -) (¬7) وتخصيص بلال ¬

_ (¬1) و (¬2) "الأم" 1/ 391 - 392. (¬3) في (م): أمرن. (¬4) سقط من (م). (¬5) في (ص): مسك. والمثبت من (س، ل، م)، و"لسان العرب" (سخب). (¬6) في (ص، س): يخص. والمثبت من (ل، م). (¬7) أخرجه البخاري (7325)، وأحمد 1/ 368.

بالأخذ من النساء هنا، وفي ارتفاعه للأذان وهو مظنة نظره إلى عورات البيوت منقبة عظيمة فيه؛ لما علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - منه من الأمانة الشديدة؛ ولهذا شرع في المؤذن أن يكون أمينًا، وكذا في عامل الصدقة. [1147] [(حدثنا مسدد، حدثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن) عبد الملك (بن جريج، عن الحسن بن مسلم) بن نياق بكسر النون وتخفيف التحتانية، آخره قاف (عن طاوس، عن) عبد الله (بن عباس) - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة العيد بغير أذان ولا إقامة) يدل على أن صلاة العيدين ليست بواجبة (وأبا بكر وعمر بن الخطاب أو عثمان شك يحيى) القطان] (¬1). [1148] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، وهناد) بن (¬2) السري (وهذا لفظه، قالا: حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي (عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة) [(قال: صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم -] (¬3) غير مرة ولا مرتين العيدين) (¬4) عيد الأضحى وعيد الفطر (بغير أذان ولا إقامة) بل يقال: الصلاة جامعة كما تقدم قبله، ويقال: الصلاة جامعة في النوافل التي شرعت لها الجماعة كالخسوف والكسوف والاستسقاء والتراويح، ولا يقال في الجنازة؛ لأنهم حاضرون. ¬

_ (¬1) أخرجه ابن ماجه (1274)، وأحمد 1/ 227. قال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (1041): حديث صحيح رجاله رجال البخاري. (¬2) و (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ص، س، ل): العيد. والمثبت من (م)، و"السنن".

253 - باب التكبير في العيدين

253 - باب التَّكْبِيرِ فِي العِيدَيْنِ 1149 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنا ابن لَهِيعَةَ، عَنْ عُقَيلٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُكَبِّرُ فِي الفِطْرِ والأَضْحَى فِي الأُولَى سَبْعَ تَكْبِيراتٍ وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا (¬1). 1150 - حَدَّثَنا ابن السَّرْحِ، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ أَخْبَرَنِي ابن لَهِيعَةَ، عَنْ خالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابن شِهابٍ بِإِسْنادِهِ وَمَعْناهُ قَالَ: سِوَى تَكْبِيرَتَيِ الرُّكُوعِ (¬2). 1151 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا المُعْتَمِرُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِفِيَّ يُحَدِّثُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "التَّكْبِيرُ فِي الفِطْرِ سَبْعٌ فِي الأُولَى وَخَمْسٌ فِي الآخِرَةِ والقِراءَةُ بَعْدَهُما كِلْتَيْهِما" (¬3). 1152 - حَدَّثَنا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنا سُلَيْمانُ - يَعْنِي: ابن حَيّانَ -، عَنْ أَبِي يَعْلَى الطَّائِفِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُكَبِّرُ فِي الفِطْرِ فِي الأُولَى سَبْعًا، ثُمَّ يَقْرَأُ ثُمَّ يُكَبِّرُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُكَبِّرُ أَرْبَعًا ثُمَّ يَقْرَأُ ثُمَّ يَرْكَعُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ وَكِيعٌ وابْنُ المُبَارَكِ قالا: سَبْعًا وَخَمْسًا (¬4). 1153 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ وابْنُ أَبِي زِيادٍ - المَعْنَى قَرِيبٌ - قالا: حَدَّثَنا زَيْدٌ - يَعْنِي: ابن حُبابٍ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَائِشَةَ جَلِيسٌ لأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ العاصِ سَأَلَ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ وَحُذَيْفَةَ بْنَ ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (1280)، وأحمد 6/ 70. وصححه الألباني في "الإرواء" (639). (¬2) انظر السابق. (¬3) رواه ابن ماجه (1278)، وأحمد 2/ 180، والنسائي في "الكبرى" (1804). وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (3017). (¬4) انظر السابق.

اليَمانِ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُكَبِّرُ فِي الأَضْحَى والفِطْرِ؟ فَقَالَ أَبُو مُوسَى: كَانَ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا تَكْبِيرَهُ عَلَى الجَنائِزِ. فَقَالَ حُذَيْفَةُ: صَدَقَ. فَقالَ أَبُو مُوسَى: كَذَلِكَ كُنْتُ أُكَبِّرُ فِي البَصْرَةِ حَيْثُ كُنْتُ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ أَبُو عَائِشَةَ: وَأَنَا حاضِرٌ سَعِيدَ بْنَ العاصِ (¬1). * * * باب التكبير في العيدين [1149] (حدثنا قتيبة) بن سعيد (حدثنا) عبد الله (ابن لهيعة) بفتح اللام ابن عقبة الحضرمي البصري، قال أبو داود: قال [ابن أبي] (¬2) مريم (¬3): سمعت أحمد بن حنبل يقول: من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه (¬4). روى البخاري والنسائي [له أحاديث] (¬5) مقرونًا فيها (¬6) بثقة (عن عقيل) بضم العين مصغر، ابن خالد مولى عثمان بن عفان القرشي ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 416، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 345 (7274)، والطبراني في "الشاميين" 1/ 123 (193)، والبيهقي 3/ 289. وحسنه الألباني في "الصحيحة" 6/ 1260. (¬2) في (م): أبو. (¬3) كذا في الأصول الخطية. وأسقط المصنف هنا كلام ابن أبي مريم وهو: لم تحترق كتب ابن لهيعة ولا كتاب، إنما أرادوا أن يرفقوا عليه أمير، فأرسل إليه الأمير بخمسمائة دينار. ثم أتى بكلام أبي داود عن أحمد، وأقحم بينهما ابن أبي مريم. وانظر: "تهذيب الكمال" 15/ 493 - 494. (¬4) "تهذيب الكمال" 15/ 494، "سير أعلام النبلاء" 8/ 13. (¬5) سقط من (م). (¬6) سقط من (م).

(عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة - رضي الله عنها -؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يكبر في الفطر والأضحى في) الركعة (الأولى) وفي رواية الترمذي، عن ابن مسعود أنه قال: التكبير في العيدين تسع (¬1) تكبيرات في الركعة (¬2) الأولى، خمسًا قبل القراءة (¬3) (سبع تكبيرات، وفي الثانية خمسًا) سوى تكبيرة الصلاة؛ لما نقل البيهقي عن [الترمذي، عن البخاري، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أنه - عليه السلام - كبر في العيدين] (¬4) ثنتي عشرة تكبيرة في الأولى سبعًا وفي الثانية خمسًا سوى تكبيرة الصلاة. وهو حديث صحيح (¬5). [1150] (حدثنا) أحمد [بن عمرو] (¬6) (بن السرح، حدثنا) عبد الله (ابن وهب) الفهري. (أخبرني) عبد الله (بن لهيعة، عن خالد بن يزيد، عن ابن شهاب بإسناده) المذكور (ومعناه) و (قال) فيه (سوى تكبيرتي (¬7) الركوع) أي: ¬

_ (¬1) في (ص): سبع. والمثبت من (س، ل، م)، و"جامع الترمذي". (¬2) من (ل، م)، و"جامع الترمذي". (¬3) "جامع الترمذي" 2/ 416. (¬4) من (ل، م). (¬5) "السنن الكبرى" للبيهقي 3/ 286 من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، عن أبيه عن جده. وليس من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، وكذا في "جامع الترمذي" (536). وذكر بعده البيهقي في "السنن الكبرى" سؤال الترمذي للبخاري عن هذا الحديث وعن حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، وانظر: "علل الترمذي" 1/ 93. وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 343 عن عمرو بن شعيب. (¬6) من (ل، م). (¬7) في (ص، س): تكبيرة.

وسوى تكبيرة (¬1) الإحرام والقيام للثانية (¬2). وذكر الترمذي في "العلل" (¬3) أن البخاري ضعف هذا الحديث (¬4). وفيه اضطراب، عن ابن لهيعة مع ضعفه فإنه قال مرة: [عن عقيل ومرة عن خالد بن يزيد وهو عند الحاكم (¬5)، ومرة عن يونس وهو في "الأوسط" (¬6)] (¬7) فيحتمل أن يكون سمع من الثلاثة عن الزهري، وقيل: عنه، عن أبي الأسود، عن عروة. وقيل: عنه، عن الأعرج، عن أبي هريرة. [1151] (حدثنا مسدد، حدثنا المعتمر، قال سمعت عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي) نسبة إلى الطائف مدينة بالحجاز مشهورة. (يحدث، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه) شعيب بن محمد بن عبد الله (عن) جده (عبد الله بن عمرو) بن العاص. (قال: قال نبي الله - صلى الله عليه وسلم -: التكبير في الفطر سبع) تكبيرات (في) الركعة (الأولى) سوى تكبيرة الإحرام بعد دعاء الاستفتاح وقبل القراءة، (وخمس) تكبيرات (في) الركعة (الأخيرة، والقراءة بعدهما) أي: بعد السبع والخمس (كلتيهما) أي: في كلتا الركعتين. ¬

_ (¬1) في (م): تكبيرتي. (¬2) في (م): للثالثة. (¬3) في (ص، س): العيد. (¬4) "علل الترمذي الكبير" 1/ 94. (¬5) "المستدرك" 1/ 298. (¬6) "المعجم الأوسط" (3115). (¬7) من (ل، م).

[1152] (حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع) الحلبي شيخ الشيخين، (حدثنا سليمان بن حيان) (¬1) بالمهملة والمثناة تحت (عن أبي يعلى) عبد الله بن عبد الرحمن (الطائفي) الثقفي، أخرج له مسلم. (عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكبر في) عيد (الفطر في الأولى سبعًا ثم يقرأ) الفاتحة وما بعدها (ثم يكبر) للركوع (ثم يقوم) بعد السجدتين (فيكبر أربعًا، ثم يقرأ، ثم يركع) وهذِه الرواية شاذة من جهة الرواية، خارجة عما عليه عمل (¬2) السلف والخلف. أشار المصنف إلى تضعيفها لئلا يتوهم أن هذا الحديث فيه اضطراب، وكيف يقع الاضطراب فيها. (قال) وقد (رواه) الإمامان العظيمان (وكيع) بن الجراح (و) عبد الله (ابن المبارك) وهما أئمة الأئمة (¬3) الأعلام وشيوخ الإسلام قد اتفقا و (قالا): في الأولى (سبع و) في (¬4) الثانية (خمس) فلا يعدل عنهما. [1153] (حدثنا محمد بن العلاء، و) عبد الله بن الحكم (بن أبي زياد) القطواني، بفتح القاف والطاء والواو [وبعد الألف نون] (¬5) موضع بالكوفة عند بابها صدوق مات بالكوفة، و (المعنى) بين لفظيهما قريب. ¬

_ (¬1) في (م): حبار. (¬2) سقط من (م). (¬3) سقط من (س، ل، م). (¬4) سقط من (م). (¬5) سقط من (م).

(قالا: حدثنا زيد (¬1) بن حباب) بضم الحاء المهملة وتخفيف الموحدة الأولى الخراساني الكوفي الحافظ، أخرج له مسلم. (عن عبد الرحمن) [بن ثابت] (¬2) (بن ثوبان) بفتح المثلثة، العنسي الدمشقي الزاهد، قال ابن معين (¬3)، وابن المديني (¬4): ليس به بأس، وعن ابن معين: صالح (¬5). وقال يعقوب بن شيبة: اختلف أصحابنا فيه، وكان رجل صدق لا بأس به (¬6). وقال دحيم: ثقة يرمى بالقدر (¬7)، وقال المصنف: كان فيه سلامة، وكان مجاب الدعوة وليس به بأس (¬8). وذكره ابن حبان في "الثقات" (¬9)، وقال الخطيب: كان ممن يذكر بالزهد والعبادة والصدق في الرواية (¬10)، وقال (¬11) أحمد: كان عابد ¬

_ (¬1) من (ل، م)، و"السنن". (¬2) سقط من (م). (¬3) "تاريخ ابن معين" رواية الدوري (5307). (¬4) "تهذيب الكمال" 17/ 15. (¬5) "تهذيب الكمال" 17/ 14. (¬6) "تهذيب الكمال" 17/ 15. (¬7) "تهذيب الكمال" 17/ 16. (¬8) "تهذيب الكمال" 17/ 16. (¬9) "الثقات" لابن حبان 7/ 92. (¬10) "تاريخ بغداد" 10/ 223. (¬11) في (م): كان.

أهل الشام (¬1) (عن أبيه) ثابت بن ثوبان العنسي ثقة فقيه (¬2) (عن مكحول) الهذلي (¬3). (قال: أخبرني أبو عائشة) القرشي الأموي (جليس لأبي هريرة) ذكر الحاكم أبو أحمد شيخ الحاكم أبي عبد الله صاحب "المستدرك" أنه مولى سعيد بن العاص (أن سعيد بن العاص) بن سعيد بن العاص بن أمية القرشي ولد عام الهجرة، ممن جمع السخاء والفصاحة، وهو أحد الذين كتبوا المصاحف لعثمان، واستعمله عثمان على الكوفة، وغزا بالناس طبرستان فافتتحها. (سأل أبا موسى) عبد الله بن قيس (الأشعري، وحذيفة بن اليمان - رضي الله عنهما - كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكبر في) عيد (الأضحى والفطر (¬4) فقال أبو موسى كان) [رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬5) (يكبر أربعًا) كما كان (تكبيره على الجنازة، فقال حذيفة) بن اليمان (صدق) أبو موسى الأشعري (فقال أبو موسى: كذلك (¬6) كنت أكبر) في الأضحى والفطر (في) مدينة (البصرة حيث كنت) أميرًا (عليهم) أي: على أهل البصرة، وكان عمر بن الخطاب ولاه عليها حين عزل عنها المغيرة [بن شعبة] (¬7) في خبر الشهادة عليه ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 17/ 14. (¬2) "الكاشف" 1/ 170. (¬3) بياض في (ص). (¬4) سقط من (م). (¬5) سقط من (م). (¬6) سقط من (ص). (¬7) سقط من (ص).

سنة عشرين، ولم يزل عليها إلى صدر من خلافة عثمان، ثم عزل عنها فانتقل إلى الكوفة وأقام بها، فلما دفع أهل الكوفة سعيد بن العاص عنهم [ولوا أبا موسى عليهم] (¬1) وأقره عثمان على الكوفة، ولم يزل عليها إلى أن قتل عثمان، ثم انقبض أبو موسى إلى مكة فلم يزل بها [إلى أن مات] (¬2) سنة اثنتين وخمسين. (قال أبو عائشة): سمعت فتوى أبي موسى لسعيد (¬3) (وأنا حاضر) عند (سعيد بن العاص) المذكور. قال البيهقي في "خلافياته": خولف يعني: أبا موسى الأشعري في موضعين: أحدهما: في رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، والآخر: في جواب أبي موسى، [ثم قال: والمشهور من] (¬4) هذِه القصة أنهم أسندوا أمرهم إلى ابن مسعود، فأفتاهم ابن مسعود في ذلك، ولم يرفعه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك رواه أبو إسحاق السبيعي (¬5)، وقال في الثانية: يقرأ ثم يكبر، وعبد الرحمن بن ثابت، ضعفه يحيى (¬6) بن معين، وقال: وكان رجلًا صالحًا (¬7). ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) سقط من (م). (¬3) من (ل، م). (¬4) سقط من (م). (¬5) في (م): الشعبي. (¬6) من (م)، و"السنن الكبرى". (¬7) "سنن البيهقي الكبرى" 3/ 289 - 290.

254 - باب ما يقرأ في الأضحى والفطر

254 - باب ما يُقْرَأُ فِي الأَضْحَى والفِطْرِ 1154 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدِ المازِنِيِّ, عَنْ عْبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ سَأَلَ أَبا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ ماذا كانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الأَضْحَى والفِطْرِ قَالَ: كانَ يَقْرَأُ فِيهِما {ق وَالْقُرْآنِ} و {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} (¬1). * * * باب ما يقرأ في الأضحى والفطر [1154] (حدثنا) عبد الله بن محمد (القعنبي، عن مالك، عن ضمرة بن سعيد المازني) أخرج له مسلم (عن عبيد الله) (¬2) بالتصغير (بن (¬3) عبد الله بن عتبة بن مسعود) الهذلي، وهو ولد أخي عبد الله بن مسعود، أحد الفقهاء السبعة من أهل المدينة، وأحد أعلام التابعين. (أن عمر بن الخطاب سأل أبي واقد) الحارث بن عوف (الليثي) قيل: إنه شهد بدرًا، وكان معه لواء بني ليث (ما كان يقرأ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في) صلاتي (الأضحى والفطر؟ ) قال عياض: سؤال عمر أبا واقد، ومثل عمر لم يخف عليه هذا، فلعله اختبار له هل حفظ ذلك أم لا أو (¬4) يكون قد دخل عليه شك [أو نازعه غيره ممن سمعه يقرأ] (¬5) في ذلك بـ {سَبِّحِ} والغاشية، فأراد عمر الاستشهاد عليه بما سمعه أيضًا أبو واقد (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (891). (¬2) في (م): عبد الله. (¬3) في (م): عن. (¬4) في (ص، س): و. (¬5) سقط من (م). (¬6) "إكمال المعلم" 3/ 304.

(قال: كان يقرأ فيهما بقاف) قراءة الجمهور، بجزم الفاء، وقرأ الحسن بكسر الفاء؛ لأن الكسر أخو الجزم. قال الفراء: كان يجب أن يظهر الإعراب في (ق)؛ لأنه اسم جبل محيط بالسماوات والأرض من زمرد، وليس بحرف هجاء، وقال: لعل القاف ذكرت من اسمه كقول القائل: قلت لها قفي، فقالت: (ق) (¬1). [(¬2) وقيل: قا. بحذف الفاء، لعل صوابه بحذف حركة الفاء يعني: بسكون الفاء. هكذا في "الإتقان". قال أبو حيان في "شرح التسهيل" في إعراب أسماء السور: ما سمي بجملة منها تحكى نحو {قُلْ أُوحِيَ} (¬3) و {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} (¬4) والفعل لا ضمير فيه أعرب إعراب ما لا ينصرف، إلا ما في أوله همز وصل فتقطع ألفه وتقلب تاؤه هاء في الوقف، فتقول: قرأت اقتربة، وفي الوقف اقتربه (¬5) أما الإعراب؛ فلأنها صارت أسماء والأسماء معربة، إلا لموجب بناء وأما قطع همزة الوصل؛ فلأنها لا تكون في الأسماء إلا في ألفاظ محفوظة لا يقاس عليها، وإنما قلب تائها (¬6) هاء فلأن ذلك حكم تاء التأنيث التي في الأسماء؛ وأما كتبها هاء فلأن الخط تابع للوقف غالبًا. وما سمي منها باسم فإن كان من حروف الهجاء، وهو ¬

_ (¬1) "معاني القرآن" للفراء 3/ 75. (¬2) من هنا سقط من (ل، م). (¬3) الجن: 1. (¬4) النحل: 1. (¬5) في (ص، س): اقتربت. والمثبت من "الإتقان". (¬6) في (ص، س): قلت لأنها. والمثبت من "الإتقان".

حرف واحد وأضيف إليه سورة فعند ابن عصفور أنه موقوف. وعند الشلوبين يجوز فيه وجهان الوقف والإعراب. أما الأول: ويعبر عنه بالحكاية؛ فلأنها حروف مقطعة فتحكى كما هي، وأما الثاني: فعلى جعله اسمًا لحروف الهجاء، وعلى هذا يجوز صرفه بناء على تذكير الحروف ومنعه بناء على تأنيثه، وإن لم يضف إليه سورة لا لفظًا ولا تقديرًا، فلك الوقف والإعراب مصروفًا وممنوعًا (¬1). انتهى] (¬2). وقيل: {ق} (¬3) قسم باسم وهو أعظم الأسماء التي خرجت إلى العباد وهو القدير، وأقسم بعده بقوله: {وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} (¬4). (و) سورة (اقتربت الساعة وانشق القمر) اختصت قراءته بهما لما فيهما من ذكر النشور وشبهه بخروج الناس للعيد، كما قال (¬5): {يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} (¬6)، وقوله: {ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} (¬7) والصدر عن المصلى لرجاء الغفران والسرور بالعيد كالصدر بالمحشر إلى الجنة مغفورًا لهم، وفي سماعه لهما دليل على [جهره بالقراءة] (¬8) فيهما، ولا خلاف في ذلك. ¬

_ (¬1) انظر: "الإتقان في علوم القرآن" 1/ 157 - 158. (¬2) إلى هنا انتهى السقط من (ل، م). (¬3) من (ل، م). (¬4) ق: 1. (¬5) سقط من (م). (¬6) القمر: 7. (¬7) ق: 42. (¬8) في (م): هجر القراءة.

255 - باب الجلوس للخطبة

255 - باب الجُلُوسِ لِلْخُطْبَةِ 1155 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ البَزّازُ، حَدَّثَنا الفَضْلُ بْنُ مُوسَى السِّيْنانِيُّ، حَدَّثَنا ابن جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَنْدِ اللهِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - العِيدَ فَلَمَّا قَضَى الصَّلاةَ قَالَ: "إِنّا نَخْطُبُ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجْلِسَ لِلْخُطْبَةِ فَلْيَجْلِسْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَذْهَبَ فَلْيَذْهَبْ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هذا مُرْسَلٌ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). * * * باب الجلوس للخطبة [1155] (حدثنا محمد بن الصباح البزاز) بزائين معجمتين التاجر. (حدثنا (¬2) الفضل بن موسى السيناني) بكسر السين المهملة، وسكون المثناة تحت، وبعدها نون مفتوحة، وبعد الألف نون أخرى، هذِه النسبة إلى سينان - بوزن فعلان - قرية من قرى مرو، وكان فيه دعابة، وانتقل إلى قرية أخرى واسمها راماشاه؛ لأن أهل سينان لما كثر القاصدون إليه لطلب العلم تبرموا بهم (¬3) فوضعوا عليه امرأة حتى أقرت أنه يراودها، ¬

_ (¬1) رواه النسائي 3/ 185، وابن ماجه (1290)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 9/ 359 (3740)، والدارقطني في "السنن" 2/ 50 (30)، والحاكم 1/ 295. هذا الحديث يروى موصولًا ومرسلًا، وقد صحح إرساله جماعة من العلماء منهم ابن معين والنسائي وغيرهم. انظر: "بيان الوهم والإيهام" 5/ 418، و"نصب الراية" 2/ 221. وممن صحح وصله ابن التركماني في "الجوهر النقي" 3/ 301، وتبعه الألباني في "الإرواء" (629). (¬2) زاد في (ص، س): موسى بن. وهي زيادة مقحمة. (¬3) زاد في (ص): حتى. وهي زيادة مقحمة.

فانتقل عنهم فيبست تلك السنة زروع سينان، فقصدوه وسألوه أن يرجع إليهم فقال: لا حتى تقروا أنكم كذبتم، ففعلوا ذلك فقال: لا حاجة لي في مصاحبة من يكذب (¬1). (حدثنا) عبد الملك (بن جريج، عن عطاء، عن عبد الله (¬2) بن السائب) المخزومي الصحابي. (قال: شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العيد، فلما قضى الصلاة) خيرهم بين الجلوس لانتظار الخطبة وبين الذهاب (وقال) قبل أن يخطب [(إنا نخطب)] (¬3) لفظ ابن ماجه: ثم قال: "قد قضينا الصلاة" (¬4). (فمن أحب أن يجلس للخطبة) أي: لاستماعها (فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب) ولفظ النسائي: "ومن أحب أن ينصرف فلينصرف، ومن أحب أن يقيم للخطبة (¬5) فليقم" فيه دليل على أن استماع خطبة العيد وحضورها ليس بواجب. (قال المصنف: هذا) الإسناد (مرسل) يريد أن الصواب في هذا الحديث أنه مرسل، [لأن عبد الله بن السائب لا سماع له من عمر] (¬6) [لا أن] (¬7) هذِه الطريقة التي خرجه بها مرسلة، وكلام النسائي يدل على ذلك حيث قال: هذا خطأ والصواب أنه مرسل (¬8). ¬

_ (¬1) "الأنساب" للسمعاني 3/ 390. (¬2) في (م): عبيد الله. (¬3) من (ل، م)، وفي (د): الخطب. (¬4) "سنن ابن ماجه" (1290). (¬5) من (س، ل، م)، و"المجتبى". (¬6) سقط من (م). (¬7) في (م): لأن. (¬8) "نصب الراية" 2/ 221.

256 - باب يخرج إلى العيد في طريق ويرجع في طريق

256 - باب يَخْرُجُ إِلى العِيدِ فِي طَرِيقٍ وَيَرْجِعُ فِي طَرِيقٍ 1156 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ - يَعْنِي: ابن عُمَرَ - عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَخَذَ يَوْمَ العِيدِ فِي طَرِقٍ ثُمَّ رَجَعَ فِي طَرِيقٍ آخَرَ (¬1). * * * باب الخروج إلى العيد في طريق ويرجع في طريق [1156] (حدثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (حدثنا عبد الله بن عمر) ابن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني. (عن نافع) وعن أخيه عبيد الله بن عمر ([عن ابن عمر] (¬2) - رضي الله عنهما -؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ) في ذهابه (يوم العيد في طريق، ثم رجع في طريق آخر) (¬3) ورواه ابن ماجه من طريق أبي رافع، عن أبيه، عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[كان يأتي العيد ماشيًا ويرجع في غير الطريق الذي ابتدأ فيه (¬4). وله أن النبي - صلى الله عليه وسلم -] (¬5) كان إذا خرج إلى العيدين سلك ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (1299)، وأحمد 2/ 109، والحاكم 1/ 296. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1049). (¬2) سقط من (م). (¬3) أخرجه ابن ماجه (1299)، وأحمد 2/ 109، والحاكم في "المستدرك" 1/ 296، قال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (1049): حديث صحيح. (¬4) "سنن ابن ماجه" (1300). (¬5) سقط من (م).

على (¬1) دار سعيد (¬2) بن أبي العاص (¬3) ثم (¬4) على أصحاب الفساطيط ثم انصرف من [الطريق الأخرى] (¬5) طريق بني زريق، ثم يخرج على دار عمار بن ياسر ودار أبي هريرة إلى البلاط (¬6). ¬

_ (¬1) في (ص، س): في. (¬2) في (ل، م): سعد. (¬3) في الأصول الخطية: وقاص. والمثبت من مصادر التخريج. (¬4) من (س، ل، م)، ومصادر التخريج. (¬5) سقط من (م). (¬6) "سنن ابن ماجه" (1298).

257 - باب إذا لم يخرج الإمام للعيد من يومه يخرج من الغد

257 - باب إِذا لَمْ يَخْرُجِ الإِمامُ لِلْعِيدِ مِنْ يَوْمِهِ يَخْرُجُ مِنَ الغَدِ 1157 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ، عَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنْ أَصْحابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ رَكْبًا جاءُوا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ رَأَوُا الهِلالَ بِالأَمْسِ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا وإِذا أَصْبَحُوا أَنْ يَغْدُوا إِلَى مُصَلَّاهُمْ (¬1). 1158 - حَدَّثَنا حَمْزَةُ بْن نُصَيْرٍ، حَدَّثَنا ابن أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ سُوَيْدٍ أَخْبَرَنِي أُنَيْسُ بْن أَبِي يَحْيَى أَخْبَرَنِي إِسْحاقُ بْنُ سالِمٍ مَوْلَى نَوْفَلِ بْنِ عَدِيٍّ أَخْبَرَنِي بَكْرُ بْنُ مُبَشِّرٍ الأَنْصارِيُّ قَالَ: كُنْتُ أَغْدُو مَعَ أَصْحابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى المُصَلَّى يَوْمَ الفِطْرِ وَيَوْمَ الأَضْحَى فَنَسْلُكُ بَطْنَ بَطْحانَ حَتَّى نَأْتِيَ المُصَلَّى فَنُصَلِّيَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ نَرْجِعُ مِنْ بَطْنِ بَطْحانَ إِلَى بُيُوتِنا (¬2). * * * باب إذا لم يخرج (¬3) الإمام إلى العيد من يومه يخرج من الغد [1157] (حدثنا حفص بن عمر) الحوضي بالحاء المهملة والضاد المعجمة، نسبة إلى الحوض [موضع بالبصرة. (حدثنا شعبة) بن الحجاج الأزدي (عن جعفر بن أبي وحشية) إياس أبي] (¬4) بشر (عن أبي عمير) قال الحاكم أبو أحمد شيخ الحاكم صاحب ¬

_ (¬1) رواه النسائي 3/ 180، وابن ماجه (1653)، وأحمد 5/ 57. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1050). (¬2) رواه البخاري في "التاريخ الكبير" 2/ 94، والحاكم 1/ 296، والبيهقي 3/ 309. وضعفه الألباني في "تمام المنة" (ص 346). (¬3) في (ص، س): خرج. والمثبت من (ل، م)، و"السنن". (¬4) من (ل، م).

"المستدرك": اسمه عبد الله (¬1) (بن أنس) بن مالك الأنصاري. (عن عمومة له (¬2) من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ أن ركبًا جاؤوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس) وللنسائي: أن قومًا رأوا الهلال فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3) (فأمرهم أن يفطروا) (¬4) بعدما ارتفع النهار، والمراد بالرؤية رؤية الهلال ليلة [مجيئهم، و] (¬5) حضورهم ارتفاع النهار يدل (¬6) على أن المكان الذي رأوه فيه كان دون مسافة القصر، وأن الهلال إذا رئي ببلد لزم حكمه (¬7) القريب [لأن القريب] (¬8) منها نازل منزلة أهلها، كما في حاضري المسجد الحرام. (وإذا اصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم) فيه دليل على أن صلاة العيد يشرع (¬9) قضاؤها، ورواية النسائي: أن يفطروا بعدما ارتفع النهار. فيه دليل على أنهم إذا شهدوا يوم الثلاثين قبل الزوال برؤية الهلال الليلة الماضية أفطروا و [يصلوها] (¬10) من الغد إذا لم يبق من الوقت ما يمكن جمع الناس فيه وإقامة الصلاة فيه، فإن أمكن جمع الناس ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 34/ 142. (¬2) من (ل، م)، و"السنن". (¬3) "المجتبى" 3/ 180. (¬4) في (ص): ينظروا. (¬5) بياض في (ص). (¬6) سقط من (م). (¬7) في (ص): حكما. (¬8) من (س، ل، م)، ومصادر التخريج. (¬9) في (ص، س): يسوغ. (¬10) في (م): يصلوا.

وإقامة الصلاة وبقي من الوقت ما يسع ذلك صلوا العيد في يوم الشهادة على مذهب الشافعي (¬1). [1158] [(حدثنا حمزة) بفتح الحاء المهملة (بن نصير) بضم النون مصغر الأسلمي البصري] (¬2)، (حدثنا) سعيد (ابن أبي مريم) الحكم بن محمد مولى بني (¬3) جمح الحافظ. (حدثنا إبراهيم بن سويد) المدني، أخرج له البخاري في الحج، (حدثنا أنيس) بضم النون مصغر (ابن أبي (¬4) يحيى) سمعان (¬5) الأسلمي ثقة (¬6). (أخبرني إسحاق بن سالم مولى نوفل بن عدي) وروى عنه أيضًا أنيس بن أبي يحيى أخي إسحاق قال: (أخبرني بكر بن مبشر) بضم الميم، وفتح الباء الموحدة، وتشديد الشين المعجمة المكسورة، ابن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة (الأنصاري) قيل: إنه من بني عبيدة، عداده في أهل المدينة. (قال: كنت أغدوا مع أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المصلى يوم الفطر ويوم الأضحى، فنسلك) بضم اللام، أي: نذهب في طريق (بطن بطحان) قال في "النهاية": بطحان بفتح الباء اسم وادي المدينة وأكثرهم يضمون ¬

_ (¬1) "الأم" 1/ 383 - 384. (¬2) سقط من (م). (¬3) من (ل، م). (¬4) سقط من (م). (¬5) سقط من (م). (¬6) "الكاشف" 1/ 256.

الباء، ولعله الأصح (¬1). (حتى نأتي المصلى) عند دار كثير بن الصلت كما تقدم، فيه فضيلة صلاة العيد في المصلى، وفيه حجة لأحد قولي الشافعي أن فعلها في المصلى بالصحراء أفضل، والمشهور في مذهب الشافعي أن فعلها في المسجد أفضل لشرفه (¬2). (فنصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم نرجع من بطن (¬3) بطحان إلى بيوتنا) فيه دليل على جوازْ الذهاب في (¬4) طريق والرجوع فيه. ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" 1/ 135. (¬2) انظر: "الأم" 2/ 496 - 497. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): من.

258 - باب الصلاة بعد صلاة العيد

258 - باب الصَّلاةِ بَعْدَ صَلاةِ العِيدِ 1159 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ حَدَّثَنِي عَدِيُّ بْنُ ثابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يوْمَ فِطْرِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهُما وَلا بَعْدَهُما ثُمَّ أَتَى النِّساءَ وَمَعَهُ بِلالٌ فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ فَجَعَلَتِ المَرْأَةُ تُلْقِي خُرْصَها وَسِخابَها (¬1). * * * باب الصلاة بعد صلاة العيد [1159] (حدثنا حفص بن عمر) الحوضي كما تقدم (حدثنا شعبة، حدثنا عدي (¬2) بن ثابت) الأنصاري. (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فطر فصلى ركعتين لم يصل [قبلهما ولا بعدهما]) (¬3) ليس في الحديث ما يدل على المواظبة، فيحتمل اختصاصه بالإمام دون المأموم، أو بالمصلى دون البيوت. وقد اختلف السلف في ذلك، فذكر ابن المنذر، عن أحمد أنه قال: الكوفيون يصلون بعدها لا قبلها، والبصريون يصلون قبلها لا بعدها، والمدنيون لا قبلها ولا بعدها، وبالأول قال الأوزاعي والثوري (¬4) ¬

_ (¬1) رواه البخاري (964)، ومسلم (890). (¬2) في (ص، س): عون. (¬3) في (س، ل، م): قبلها ولا بعدها. (¬4) في (ص، س): النووي. والمثبت من "الأوسط" 4/ 308.

والحنفية (¬1)، وبالثاني قال الحسن البصري وجماعة، وبالثالث قال الزهري، وابن جريج، وأحمد (¬2)، وأما مالك (¬3) فمنعه في الأصل (¬4). وقال الشافعي في "الأم": أحب (¬5) [للإمام أن لا يتنفل قبلها ولا بعدها، وأما المأموم فمخالف له في ذلك (¬6). قال الرافعي: يكره للإمام التنفل] (¬7) قبل صلاة العيد وبعدها (¬8)، وقيده في البويطي بالمصلى (¬9) ويؤيده حديث أبي سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يصلي قبل العيد شيئًا، فإذا رجع إلى (¬10) منزله صلى ركعتين أخرجه ابن ماجه بإسناد حسن (¬11)، وصححه الحاكم (¬12). (ثم أتى النساء، ومعه بلال فأمرهن بالصدقة، فجعلت المرأة تلقي خرصها) بضم الخاء المعجمة وسكون الراء المهملة حلقة صغيرة، وهي من حلي الأذن تكون من الذهب والفضة، وفيه لغة أخرى خرص ¬

_ (¬1) "المبسوط" للسرخسي 1/ 311، "الأوسط" لابن المنذر 4/ 308. (¬2) "مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج" (399). (¬3) "المدونة" 1/ 247. (¬4) "الأوسط" 4/ 305 - 308. (¬5) في (س، ل، م): يجب. (¬6) "الأم" 1/ 390. (¬7) سقط من (م). (¬8) "الشرح الكبير" 2/ 360. (¬9) انظر: "تحفة المحتاج شرح المنهاج" 10/ 177. (¬10) سقط من (س، ل). (¬11) "سنن ابن ماجه" (1293). (¬12) "المستدرك" 1/ 297.

بكسر الخاء، فيه دليل على تحلي المرأة بالخرص. وأما حديث: "أيما امرأة جعلت في أذنها خرصًا من ذهب جعل في أذنها (¬1) خرص من نار) (¬2) فقيل: هذا قبل النسخ، فإنه قد ثبت إباحة الذهب للنساء، وقيل: هو خاص (¬3) لمن لم تؤد زكاة حليها، (وسخابها) بكسر السين المهملة بعدها خاء معجمة. قال البخاري هي قلادة من طيب أو مسك (¬4)، وقيل: هو خيط ينظم فيه خرز تلبسه الصبيان والجواري. وقيل: قلادة من سك وقرنفل ومحلب ليس فيها من الجواهر شيء. ومنه حديث فاطمة: فألبسته سخابًا. تعني: الحسن ابنها (¬5). ¬

_ (¬1) بعدها في (ل، م): مثله. (¬2) أخرجه النسائي في "المجتبى" 8/ 157، وأحمد 6/ 455. (¬3) من (م). (¬4) "البخاري" قبل حديث (5881) وفيه: أوسك. (¬5) "النهاية في غريب الحديث" 2/ 349.

259 - باب يصلى بالناس العيد في المسجد إذا كان يوم مطر

259 - باب يُصَلَّى بِالنَّاسِ العِيدُ فِي المَسْجِدِ إِذا كَانَ يَوْمَ مَطَرٍ 1160 - حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ ح، وحَدَّثَنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمانَ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنا رَجُلٌ مِنَ الفَرْوِيِّينَ - وَسَمَّاهُ الرَّبِيعُ فِي حَدِيثِهِ عِيسَى بْنَ عَبْدِ الأَعْلَى بْنِ أَبِي فَرْوَةَ - سَمِعَ أَبا يَحْيَى عْبَيْدَ اللهِ التَّيْمِيَّ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ فِي يَوْمِ عِيدٍ فَصَلَّى بِهِمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - صَلاةَ العِيدِ فِي المَسْجِدِ (¬1). * * * باب يصلي بالناس في المسجد إذا كان يوم مطر [1160] (حدثنا هشام بن عمار) الدمشقي المقرئ خطيب دمشق وعالمها، أخرج له البخاري (حدثنا الوليد) بن مسلم (وحدثنا الربيع بن سليمان، حدثنا عبد الله بن يوسف) الكلاعي نزيل تنيس، قال ابن معين: ما بقي على أديم الأرض أوثق في "الموطأ" من عبد الله بن يوسف التنيسي (¬2). (حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا رجل من الفرويين) بفتح الفاء والراء (¬3) (سماه الربيع) بن سليمان (في حديثه عيسى بن عبد الأعلى بن أبي فروة) أنه (سمع عبيد الله) بالتصغير، ابن عبد الله بن موهب ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (1313)، والحاكم 1/ 295، والبيهقي 3/ 310. وضعفه الألباني في "المشكاة" (1448). (¬2) "تهذيب الكمال" 16/ 335. (¬3) في (م): وسكون الراء.

(التيمي) المدني يحدث. (عن أبي هريرة أنه أصابهم مطر) لفظ ابن ماجه: أصاب الناس مطر (¬1) (في يوم عيد فصلى بهم النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة العيد في المسجد) قال النووي: إسناده جيد (¬2)، ورواه الحاكم (¬3)، وسكت عليه المنذري (¬4) وفي إسناده تأمل، وفيه دليل لما قاله أصحابنا وغيرهم إن كان المصلون لهم عذر في ترك الخروج إلى المصلى في الصحراء كالمطر والوحل وشدة البرد ونحو ذلك من الأعذار فلا خلاف [أنهم يأتون بالصلاة في المسجد، وإن لم يكن لهم عذر وضاق المسجد فلا خلاف] (¬5) أن الخروج إلى الصحراء أفضل، وإن اتسع المسجد ولم يكن عذر فالأصح أن المسجد أفضل، وأجابوا عن أحاديث المصلى بأنها محمولة على ما إذا ضاق المسجد. ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (1313). (¬2) "المجموع" 5/ 4 - 5. (¬3) "المستدرك" 1/ 295. (¬4) "مختصر سنن أبي داود" 2/ 34. (¬5) من (ل، م).

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

شَرْحُ سُنَنِ أَبِي دَاوُد لِابْنِ رَسْلَان [6]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ جميعُ الحقوقِ مَحْفوظَة لِدَارِ الفَلَاحِ وَلَا يجوز نشر هَذَا الْكتاب بِأَيّ صِيغَة أَو تَصْوِيره PDF إِلَّا بِإِذن خطي من صَاحب الدَّار الْأُسْتَاذ/ خَالِد الرَّباط الطَّبْعَةُ الأُولَى 1437 هـ - 2016 م رَقم الْإِيدَاع بدَارِ الكتُب 17164/ 2015 دَارُ الفَلَاحِ لِلبحثِ العِلمي وتَحْقِيق التُّرَاثِ 18 شَارِع أحمس - حَيّ الجامعة - الفيوم ت: 01000059200 [email protected] تطلب منشوراتنا من: • دَار الْعلم - بلبيس - الشرقية - مصر • دَار الأفهام - الرياض • دَار كنوز إشبيليا - الرياض • مكتبة وتسجيلات ابْن الْقيم الإسلامية - أَبُو ظَبْي • دَار ابْن حزم - بيروت • دَار المحسن - الجزائر • دَار الْإِرْشَاد - استانبول • دَارُ الفَلَاحِ - الفيوم

كتاب الاستسقاء

كِتَابُ الاسْتِسْقَاءِ

1 - باب جماع أبواب صلاة الاستسقاء وتفريعها

1 - باب جماع أبواب صلاة الاستسقاء وتفريعها 1161 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ ثابِتٍ المَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ بِالنّاسِ لِيَسْتَسْقِيَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ بِالقِراءَةِ فِيهِما وَحَوَّلَ رِداءَهُ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَدَعا واسْتَسْقَى واسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ (¬1). 1162 - حَدَّثَنا ابن السَّرْحِ وَسُلَيْمانُ بْنُ داوُدَ قالا: أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابن أَبِي ذِئْبٍ وَيُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبَّادُ بْنُ تَمِيمٍ المازِنِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَمَّهُ، وَكانَ مِنْ أَصْحابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا يَسْتَسْقِي فَحَوَّلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ يَدْعُو اللهَ - عز وجل -. قَالَ سُلَيْمَانُ بْن دَاوُدَ: واسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ وَحَوَّلَ رِداءَهُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. قَالَ ابن أَبِي ذِئْبٍ: وَقَرَأَ فِيهِما. زادَ ابن السَّرْحِ يُرِيدُ: الجَهْرَ (¬2). 1163 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ قَالَ قَرَأْتُ فِي كِتابِ عَمْرِو بْنِ الحارِثِ - يَعْنِي: الحِمْصِيَّ -، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سالِمٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ بهذا الحَدِيثِ بِإِسْنادِهِ لَمْ يَذْكُرِ الصَّلاةَ قَالَ: وَحَوَّلَ رِداءَهُ فَجَعَلَ عِطِافَهُ الأَيْمَنَ عَلَى عَاتِقِهِ الأَيْسَرِ، وَجَعَلَ عِطَافَهُ الأَيْسَرَ عَلَى عَاتِقِهِ الأَيْمَنِ، ثُمَّ دَعا اللهَ - عز وجل - (¬3). 1164 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ زَيْدٍ قَالَ: اسْتَسْقَى رَسْولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ لَهُ سَوْداءُ فَأَرادَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَأْخُذَ بِأَسْفَلِهَا فَيَجْعَلَهُ أَعْلاها فَلَمَّا ثَقُلَتْ قَلَبَها عَلَى عَاتِقِهِ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1023)، ومسلم (894). (¬2) رواه البخاري (1024)، ومسلم (894). (¬3) رواه البخاري (1027) بلفظ: جعل اليمين على الشمال. (¬4) رواه النسائي 3/ 156، وأحمد 4/ 41، وابن خزيمة (1415). وصححه الألباني في "الإرواء" (676).

1165 - حَدَّثَنا النُّفَيْلِيُّ وَعُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَحْوَهُ قالا: حَدَّثَنا حاتِمُ بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا هِشامُ بْن إِسْحاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ كِنانَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ: أَرْسَلَنِي الوَلِيدُ بْن عُتْبَةَ - قَالَ عُثْمانُ: ابن عُقْبَةَ وَكانَ أَمِيرَ المَدِينَةِ - إِلَى ابن عَبَّاسٍ أَسْأَلُهُ، عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الاسْتِسْقاءِ فَقَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُتَبَذِّلًا مُتَواضِعًا مُتَضَرِّعًا حَتَّى أَتَى المُصَلَّى - زادَ عُثْمانُ فَرَقِيَ عَلَى المِنْبَرِ ثُمَّ اتَّفَقا - وَلَمْ يَخْطُبْ خُطَبَكُمْ هذِهِ ولكن لَمْ يَزَلْ فِي الدُّعاءِ والتَّضَرُّعِ والتَّكْبِيرِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَما يُصَلِّي فِي العِيدِ (¬1). قَالَ أَبُو دَاوُدَ: والإِخْبارُ لِلنُّفَيْلِيِّ والصَّوابُ ابن عُتْبَةَ. 1167 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ الله بْنَ زَيْدٍ المازِنِيَّ يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى المُصَلَّى فاسْتَسْقَى وَحَوَّلَ رِداءَهُ حِينَ اسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ (¬2). * * * جماع أبواب صلاة الاستسقاء وتفريعها [1161] (حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي) بفتح الميم والواو، أبو الحسن بن شبويه، كان (¬3) من كبار الأئمة. (حدثنا عبد الرزاق، وحدثنا معمر، عن الزهري، عن عباد بن تميم) ابن غزية الأنصاري المازني المدني، كذا نسبه الذهبي (¬4)، ونسبه ابن ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (558)، والنسائي 3/ 156، وابن ماجه (1266)، وأحمد 1/ 230. وحسنه الألباني في "الإرواء" (665). (¬2) رواه مسلم (894). (¬3) من (م). (¬4) "الكاشف" 1/ 529.

الأثير (¬1) عباد بن تميم بن زيد بن عاصم، وأظنه اشتبه عليه نسب عباد بنسب عمه (عن عمه) عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري المازني المدني الصحابي [وليس أخًا لأبيه كما سيأتي قريبًا] (¬2). (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج بالناس) [إلى المصلى كما سيأتي] (¬3) (يستسقي) والاستسقاء: طلب السقيا من الله تعالى عند الحاجة إليها كما تقول (¬4): استعطى: طلب العطاء، واستخرج: طلب الخراج، وله أنواع أدناها مجرد الدعاء، وأوسطها الدعاء خلف الصلوات، وفي خطبة الجمعة، وأفضلها الاستسقاء بصلاة ركعتين. (فصلى بهم ركعتين) وقد اتفق فقهاء الأمصار على مشروعية صلاة الاستسقاء (¬5)، وأنها ركعتان إلا ما روي عن أبي حنيفة (¬6) فإنه قال: يبرزون للدعاء والتضرع، وإن خطب لهم فحسن، ولم يعرف الصلاة. هذا هو المشهور عنه، ونقل أبو بكر الرازي عنه التخيير بين الفعل والترك (جهر) وفي رواية للبخاري: يجهر. بلفظ المضارع (بالقراءة فيهما) أي: في ركعتي صلاتها، فيه أن السنة في صلاة العيد والاستسقاء والتراويح الجهر بلا خلاف. (وحول ردائه) الحديث دال على وقوع التحويل فقط، ومحل هذا ¬

_ (¬1) "أسد الغابة" 1/ 259. (¬2) من (س، ل، م). (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): يقال. (¬5) انظر: "الأوسط" 4/ 375. (¬6) انظر: "المبسوط" للسرخسي 2/ 123.

التحويل عند فراغ الموعظة وإرادة الدعاء، وسيأتي كيفيته إن شاء الله تعالى (ورفع يديه) حتى يرى بياض إبطيه؛ لما روى أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يرفع يده في شيء من الدعاء إلا عند الاستسقاء، فإنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه (¬1) (فدعا) الله تعالى (واستسقى) أي: طلب السقيا من الله كما تقدم (واستقبل القبلة) بعد صدر الخطبة الثانية وهو نحو ثلثها، كما قاله النووي في "الدقائق" (¬2)، وفي "الكافي" للزبيري أن ذلك عند بلوغ النصف. [1162] (حدثنا) أحمد بن عمرو (ابن السرح) المصري (وسليمان بن داود) العتكي شيخ الشيخين. (قالا: أخبرنا) [عبد الله (بن وهب، أخبرني) محمد بن عبد الرحمن (ابن أبي ذئب ويونس، عن) محمد (بن شهاب) الزهري (قال: أخبرني] (¬3) عباد بن تميم المازني) المدني. (أنه سمع عمه) عبد الله بن زيد (وكان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا يستسقي فحول إلى الناس ظهره) يستقبل القبلة (حين يدعو الله) تعالى، فإن من آداب الدعاء استقبال القبلة. (قال سليمان بن داود) في روايته دون ابن السرح: (واستقبل القبلة وحول رداءه) كما سيأتي. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1031)، ومسلم (895) (7)، والنسائي في "سننه" 3/ 158، وابن ماجه (1180)، وأحمد 3/ 282. (¬2) "دقائق المنهاج" 1/ 12. (¬3) من (ل، م).

(ثم صلى ركعتين) قال أصحابنا: يكون تحويل الرداء عند استقبال القبلة ويصلي الركعتين مع تحويل الرداء، ويترك محولًا حتى ينزع الثياب (¬1). (قال) محمد (ابن أبي ذئب وقرأ فيهما) يعني: بـ (قاف) و {اقْتَرَبَتِ} [(زاد) أحمد بن السرح (يريد) بالقراءة (الجهر) ولم يقع في شيء من طريق عبد الله بن زيد صفة] (¬2) الصلاة المذكورة ولا ما يقرأ فيها. وقد أخرج الدارقطني من حديث ابن عباس أنه يكبر فيهما سبعًا وخمسًا كالعيد، وأنه (¬3) يقرأ فيهما بـ {سَبِّحْ}، و {هَلْ أَتَاكَ} (¬4) وأصله في "السنن" بلفظ: ثم صلى ركعتين كما يصلي في العيدين (¬5). كما سيأتي. واعلم أن في هذا الحديث دلالة على أن الخطبة في الاستسقاء قبل الصلاة، وهو مقتضى حديث عائشة وابن عباس في الصَّحيحين وغيرهما، لكن وقع عند أحمد في حديث عبد الله بن زيد التصريح بأنه بدأ بالصلاة قبل الخطبة (¬6)، وكذا في حديث أبي هريرة عند ابن ماجه حيث قال: فصلى بنا ركعتين بغير أذان ولا إقامة، [ثم خطب (¬7)] (¬8). ¬

_ (¬1) "المجموع" للنووي 5/ 86، 87. (¬2) من (ل، م). (¬3) في (ص): وأنهما. والمثبت من (س، ل، م). (¬4) "سنن الدارقطني" 2/ 66. (¬5) أخرجه الترمذي في "جامعه" (558)، والنسائي في "المجتبى" 3/ 163. (¬6) "مسند أحمد" 4/ 41. (¬7) "سنن ابن ماجه" (1268). (¬8) سقط من (م).

والمرجح عند الشافعية (¬1)، والمالكية (¬2) الثاني، وعن أحمد (¬3) رواية كذلك، وفي (¬4) رواية: يخير. وقد جزم النووي بالتخيير في رواية "الروضة" [ناقلًا له] (¬5) عن "التتمة" وأقره عليه (¬6). [1163] (حدثنا محمد بن عوف، قال: قرأت في كتاب عمرو بن الحارث الحمصي، عن عبد الله بن سالم) الأشعري الوحاظي الحمصي، قال النسائي: ليس به بأس (¬7). (عن) محمد بن الوليد بن عامر (الزبيدي) القاضي الحمصي أحد الأعلام، أخرج له الشيخان. (عن محمد بن مسلم بهذا الحديث بإسناده، ولم يذكر الصلاة) بل (قال: وحول رداءه) وذكر كيفية التحويل (فجعل عطافه) قال في "النهاية": إنما أضاف العطاف إلى الرداء لأنه أراد إحدى شقي العطاف [فالهاء ضمير الرداء، ويجوز أن يكون للرجل، ويريد بالعطاف جانب ردائه (الأيمن) قال: و] (¬8) العطاف والمعطف (¬9) الرداء ¬

_ (¬1) "الأم" 1/ 414 - 415. (¬2) "المدونة" 1/ 244. (¬3) انظر: "الإنصاف" 2/ 457. (¬4) من (م). (¬5) في (م): أبا قلابة. (¬6) "روضة الطالبين" 2/ 95. (¬7) "تهذيب الكمال" 14/ 550. (¬8) سقط من (م). (¬9) في (ص، س): المعطوف.

الذي يعتطف به، وسمي عطافًا لوقوعه على عطفي الرجل، وهما ناحيتا عنقه (¬1) (على عاتقه [الأيسر، وجعل عطافه الأيسر على عاتقه الأيمن) أي: يحول طرف ردائه الذي على] (¬2) الأيمن إلى الأيسر. ويحول الطرف الذي على الأيسر إلى الأيمن، والحكمة في ذلك تفاؤلًا بتحويل الحال من الغلاء إلى الرخاء، وكان - عليه السلام - يحب التفاؤل. وقد رواه الدارقطني كذلك مصرحًا به فقال: استسقى وحول رداءه ليتحول القحط (¬3) (ثم دعا الله تعالى) وهو محول الرداء. [1164] (حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا عبد العزيز، عن (¬4) عمارة) بضم العين (ابن غزية) بفتح الغين المعجمة وكسر الزاي المازني (¬5)، أخرج له مسلم. (عن عباد بن تميم، عن عبد الله بن زيد) بن عاصم الأنصاري (قال: استسقى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعليه خميصة) بفتح الخاء المعجمة، وهي (¬6) كساء أسود له علمان في طرفه، وهذا منقول عن أهل الحجاز وغيرهم، وكانت من لباس الناس قديمًا، وقال أبو عبيد: هو كساء مربع (¬7)، وقال الأصمعي: كساء من صوف أو خز معلم (¬8)، وقيل: كساء رقيق ¬

_ (¬1) في (ص، س): كتفه، والمثبت من "النهاية" 3/ 257. (¬2) من (ل، م). (¬3) "سنن الدارقطني" 2/ 66. (¬4) في (م): ابن. (¬5) و (¬6) ليست في (م). (¬7) انظر: "فتح الباري" 10/ 291. (¬8) ليست في (م).

أصفر أو أحمر، وهذا يوافق معنى هذا (¬1) الحديث، فإن معنى (¬2) قوله خميصة (¬3). (له سوداء) يقتضي أنها قد تكون غير سوداء، وقيل: لا تسمى خميصة إلا أن تكون سوداء معلمة، والأول أشهر. (فأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها) ويأخذ بأعلاها فيجعله أسفلها، وهذا هو التنكيس بأن يجعل الذي كان أعلى أسفل وعكسه، ومتى جعل الطرف الأسفل الذي على شقه الأيسر على عاتقه الأيمن فقد (¬4) حصل التحويل والتنكيس جميعًا، ولا يمكن أن يجمع مع ذلك. قلت: ما كان يلي الثياب منه إلى الظاهر إلا موضع ما كان منسدلًا على الرأس أو لفه عليه، كذا قاله الرافعي (¬5). (فلما ثقلت عليه قلبها) زاد الحاكم: على عاتقه (¬6)، وزاد أحمد: وحوَّل الناس معه (¬7). ووجه الدلالة من الحديث أنه هم بأن ينكسها فمنعه من ذلك مانع، ¬

_ (¬1) ليست في (م). (¬2) ليست في (م). (¬3) ليست في (م). (¬4) من (ل، م). (¬5) "الشرح الكبير" 2/ 390 - 391. (¬6) "المستدرك" 1/ 327: وقال: صحيح على شرط مسلم، وأخرجه النسائي في "المجتبى" 3/ 156 مختصرًا، وابن خزيمة في "صحيحه" (1415)، وابن حبان في "صحيحه" (2867) وأحمد 4/ 42. (¬7) "مسند أحمد" 4/ 41.

وهو ثقلها عليه، واعلم أن الأصوليين جعلوا سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقواله وأفعاله وتقريراته وما هَمَّ به أو أشار إليه، أو كتب به إلى عماله، أو تركه ولم يفعله، فجعلوها سبعة أقسام، ومثلوا ما هَمَّ به بهذا الحديث، فاستحب الشافعي في الجديد للخطيب في الاستسقاء مع تحويل الرداء تنكيسه بجعل أعلاه أسفله (¬1)، بدليل أنه هَمَّ به فمنعه الثِّقَل. قال الشافعي: فيستحب الإتيان بما هم به، الرسول - صلى الله عليه وسلم - (¬2)، وعند التعارض قال الأصحاب، منهم الرافعي في الإحرام تقديم القول، ثم الفعل ثم الهم (¬3). [1165] (حدثنا) عبد الله بن محمد (النفيلي، وعثمان بن أبي شيبة، نحوه قالا (¬4): حدثنا حاتم بن إسماعيل) الكوفي، سكن المدينة مولى بني (¬5) عبد المدان (¬6). (حدثنا هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة) المدني، صدوق (¬7). (قال: أخبرني أبي) إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن كنانة ¬

_ (¬1) "الأم" 1/ 418. (¬2) انظر: "الوسيط" 2/ 356. (¬3) "البحر المحيط في أصول الفقه" 3/ 279. (¬4) في (ص، س): قال. (¬5) من (ل، م)، ومصادر التخريج. (¬6) في الأصول الخطية: الدار. والمثبت من "تهذيب الكمال" 5/ 187، و"الطبقات الكبرى" لابن سعد 5/ 425. (¬7) "الكاشف" 1/ 321.

المدني (¬1) صدوق (¬2). (قال: أرسلني الوليد بن عتبة) بسكون المثناة الفوقانية، ابن أبي سفيان بن صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس. (قال عثمان) بن أبي شيبة في (¬3) روايته: هو الوليد (بن عقبة) بالقاف دون التاء (¬4) [ابن أبي معيط الصحابي] (¬5)، قيل (¬6) هو الصواب، (وكان) الوليد بن عقبة (أمير المدينة) وليها لعمه معاوية بن أبي سفيان، وكان الوليد أخا عثمان لأمه، وكان جوادًا حليمًا (إلى) عبد الله (بن عباس) قال ابن أبي حاتم: حديث ابن عباس هذا مرسل (¬7). وفيه نظر من جهة هذا (¬8) الإسناد (أسأله عن صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الاستسقاء فقال) زاد النسائي وابن ماجه: "وما منعه أن يسألني" (¬9). (خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - متبذلًا) بفتح المثناة والموحدة وتشديد المعجمة، قال في "النهاية": التبذل ترك التزين والتَّهيؤ بالهيئة الحسنة الجميلة (¬10) على جهة التواضع، ومنه حديث سلمان في أم الدرداء: فرآها متبذلة. وفي رواية مبتذلة بتقديم الموحدة على المثناة وهما بمعنى (¬11). ¬

_ (¬1) ليست في (م). (¬2) "الكاشف" 1/ 111. (¬3) في (م): و. (¬4) من (ل، م). (¬5) ليست في (م). (¬6) في (ص): القاف. وفي (م): بل. والمثبت من (س، ل). (¬7) "الجرح والتعديل" 2/ 226. (¬8) سقط من (م). (¬9) أخرجه النسائي في "المجتبى" 3/ 163، وابن ماجه (1266). (¬10) سقط من (م). (¬11) "النهاية في غريب الحديث" 1/ 111.

واستدل به على أن الخارجين إلى صلاة الاستسقاء يخرجون في ثياب بذلة اقتداء به - صلى الله عليه وسلم -، ولأنه أليق بحال السائل المحتاج، والبذلة بكسر الباء ما يمتهن من الثياب بأن يلبس وقت العمل، وكذلك المبذلة بكسر الميم زاد ابن ماجه والنسائي: متخشعًا (¬1). والتخشع: حضور القلب، وسكون الجوارح (متواضعًا) قال أصحابنا: يستحب أن يكون تواضعهم في كلامهم ومشيهم وجلوسهم كما يشعر به لفظ الحديث (متضرعًا) التضرع هو التذلل والمبالغة في السؤال والرغبة، يقال: تضرع إذا خضع وذل، وفي حديث عمر: [ضرع الكبير ورق الصغير] (¬2) (¬3)، ويستحب مع ذلك ترك التطيب لكونه أليق بحالهم، نعم يتنظفون بالسواك وقطع الروائح الكريهة، وكذلك بالغسل، ولو خرجوا حفاة مكشوفة رؤوسهم لم يكره كما قاله المتولي، ولم يستبعده الشاشي (¬4). (حتى) أي (¬5): استمرت هذِه [حالته حتى (¬6) (أتى (¬7) المصلى، زاد عثمان) بن أبي شيبة (فرقي) بكسر القاف وفتحها في المستقبل، ورواه بعضهم فرقأ بفتح القاف، وقيل: إن فتح القاف مع الهمز لغة طيء، ¬

_ (¬1) أخرجه النسائي في "المجتبى" 3/ 163، وابن ماجه (1266). (¬2) كذا في الأصول، وفي مصادر التخريج: ضرع الصغير ورق الكبير. انظر: "الاستذكار" 2/ 435، "إحياء علوم الدين" 1/ 309. (¬3) "النهاية في غريب الحديث" 3/ 85. (¬4) انظر: "تحفة المحتاج" 10/ 281. وفيها: واستبعده الشاشي. (¬5) سقط من (م). (¬6) من (س، ل). (¬7) في (م): حالته إلى.

والأول أشهر وأعرف. (على المنبر) بكسر الميم كما تقدم، ويستحب الخطبة على المنبر أو شيء مرتفع، والمنبر أفضل، فإن تعذر استند إلى خشبة (ثم اتفقا) يعني: النفيلي وعثمان. (فلم يخطب خطبكم) جمع خطبة كغرفة وغرف (هذِه) التي تخطبونها (ولكن لم يزل) مستغرقًا (في الدعاء والتضرع والتكبير) في جميع الخطبة. (ثم صلى ركعتين) وهو ظاهر في تقديم الخطبة على الصلاة، لكن قوله (كلما يصلى) [مبني للمفعول] (¬1) (في العيد) ويؤخذ من قوله كالعيد أنه يقال لها: الصلاة جامعة، ويكبر فيها (¬2) في الأولى سبعًا، وفي الثانية خمسًا، وأن القراءة في الركعتين جهرًا كما صرح به في الحديث قبله، وأنه يقرأ فيهما: {ق} و {اقْتَرَبَتِ} لكن قيل: يقرأ في الثانية: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا} وعوضًا عن: {اقْتَرَبَتِ} لاشتمالها على الاستغفار ونزول المطر اللائقين بالحال، وقد يؤخذ منه فعلها في وقت العيد. (قال المصنف: والإخبار) بكسر الهمزة مصدر أخبر (¬3) (للنفيلي) دون ابن (¬4) أبي شيبة قال: (والصواب) الوليد (بن عتبة) [بالمثناة كما تقدم] (¬5). [1167] (حدثنا) عبد الله بن مسلمة (القعنبي، عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم (أنه سمع عباد بن تميم) بن غزية (يقول: سمعت عبد الله بن زيد) بن عاصم (المازني) كما في مسلم، وهو عم عباد كما تقدم، لكنه [ليس أخًا لأبيه] (¬6) وإنما قيل له: عمه؛ لأنه كان ¬

_ (¬1) و (¬2) و (¬3) و (¬4) و (¬5) سقط من (م). (¬6) في (ص): أخا لأمه، وفي (س): أخا لأبيه. والمثبت من (ل، م).

زوج أمه، وقيل: كان أخا عبد الله لأمه، أمهما أم عمارة نسيبة. (يقول: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستسقى وحول رداءه) والسبب في ذلك التفاؤل كما تقدم، وروى الحاكم من حديث جابر ما يدل لذلك ولفظه: استسقى وحول رداءه؛ ليتحول القحط (¬1). وذكره (¬2) إسحاق بن (¬3) راهويه في "مسنده" من قول وكيع، وفي "المطولات" للطبراني (¬4) من حديث أنس بلفظ: [وقلب رداءه؛ لكي يقلب] (¬5) القحط إلى الخصب (¬6). وفي "المستدرك" من حديث يوسف بن أبي بردة، عن أبيه، عن عائشة، مرفوعًا: "الطير (¬7) تجري بقدر (¬8) " وكان يعجبه الفأل الحسن (¬9). (حين استقبل القبلة) زاد أحمد في "مسنده": وحول الناس معه (¬10). ¬

_ (¬1) "المستدرك" 1/ 326، قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (¬2) زاد هنا في (ص، س): ابن. (¬3) سقط من (م). (¬4) من (ل، م). (¬5) في (ص، س): وقلت رواه لكني نقلت. (¬6) "الأحاديث الطوال" 1/ 242. (¬7) في (ص، س، ل): للطبري. والمثبت من "المستدرك". (¬8) في الأصول الخطية: بفأل. والمثبت من "المستدرك". (¬9) "المستدرك" 1/ 32. (¬10) "مسند أحمد" 4/ 41.

2 - باب في أي وقت يحول رداءه إذا استسقى

2 - باب فِي أي وَقْتٍ يُحَوِّلُ رِداءَهُ إِذا اسْتَسْقَى 1166 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنا سُلَيْمانُ - يَعْنِي ابن بِلالٍ - عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبّادِ بْنِ تَمِيمٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ زَيْدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ إِلَى المُصَلَّى يَسْتَسْقِي وَأَنَّهُ لَمَّا أَرادَ أَنْ يَدْعُوَ اسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ ثُمَّ حَوَّلَ رِدَاءَهُ (¬1). * * * [1166] (حدثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (حدثنا سليمان بن بلال) القرشي التيمي (عن يحيى) بن سعيد الأنصاري قاضي السفاح. (عن أبي بكر بن محمد) بن عمرو بن حزم. (عن عباد بن تميم) بن غزية (أن عبد الله بن زيد) المازني (أخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج) بالناس (إلى المصلى يستسقي) لهم (وأنه لما أراد أن يدعو استقبل القبلة ثم حول رداءه) كما تقدم. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1024)، ومسلم (894) (3). والدارمي في "سننه" (1533)، وأحمد 4/ 38 مختصرًا.

3 - باب رفع اليدين في الاستسقاء

3 - باب رَفْعِ اليَدَيْنِ فِي الاسْتِسْقاءِ 1168 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ المُرادِيُّ، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ، عَنْ حَيْوَةَ وَعُمَرَ بْنِ مالِكٍ، عَنِ ابن الهادِ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ إِبْراهِيمَ، عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى بَنِي آبِي اللَّحْمِ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَسْقِي عِنْدَ أَحْجارِ الزَّيْتِ قَرِيبًا مِنَ الزَّوْراءِ قائِمًا يَدْعُو يَسْتَسْقِي رافِعًا يَدَيْهِ قِبَلَ وَجْهِهِ لا يُجاوِزُ بِهِما رَأْسَهُ (¬1). 1169 - حَدَّثَنا ابن أَبِي خَلَفٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن عُبَيْدٍ، حَدَّثَنا مِسْعَرٌ، عَنْ يَزِيدَ الفَقِيرِ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: أَتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَواكِي فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اسْقِنا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيئًا نافِعًا غَيْرَ ضارٍّ عاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ". قَالَ: فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ (¬2). 1170 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ لا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الدُّعاءِ إِلَّا فِي الاسْتِسْقاءِ فَإِنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُرَى بَياضُ إِبْطَيْهِ (¬3). 1171 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرانِيُّ، حَدَّثَنا عَفَّانُ، حَدَّثَنا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنا ثابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَسْتَسْقِي هَكَذا يَعْنِي وَمَدَّ يَدَيْهِ وَجَعَلَ بُطُونَهُما مِمَّا يَلِي الأَرْضَ، حَتَّى رَأَيْتُ بَياضَ إِبْطَيْهِ (¬4). 1172 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْن إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (557)، والنسائي 3/ 158، وأحمد 5/ 223. وصححه الألباني في "المشكاة" (1504). (¬2) رواه عبد بن حميد (1125)، وابن خزيمة (1416)، وأبو عوانة في "مستخرجه" (2527). قال الألباني في "تخريج الكلم الطيب" (152): صحيح الإسناد. (¬3) رواه البخاري (1031)، ومسلم (895). (¬4) رواه أبو نعيم في "مستخرجه على مسلم" (2015)، والبيهقي 3/ 357. وصححه الألباني في "الإرواء" (674).

مُحَمَّدِ بْنِ إِبْراهِيمَ، أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُو عِنْدَ أَحْجارِ الزَّيْتِ باسِطًا كَفَّيْهِ (¬1). 1173 - حَدَّثَنا هارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيُّ، حَدَّثَنا خالِدُ بْنُ نِزارٍ، حَدَّثَنِي القاسِمُ بْنُ مَبْرُورٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ قَالَتْ: شَكَى النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قُحُوطَ المَطَرِ فَأَمَرَ بِمِنْبَرٍ فَوُضِعَ لَهُ فِي المُصَلَّى وَوَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ قالَتْ عائِشَةُ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ بَدا حاجِبُ الشَّمْسِ فَقَعَدَ عَلَى المِنْبَرِ فَكَبَّرَ - صلى الله عليه وسلم - وَحَمِدَ اللهَ - عز وجل - ثُمَّ قَالَ: "إِنَّكُمْ شَكَوْتُمْ جَدْبَ دِيارِكُمْ واسْتِئْخارَ المَطَرِ عَنْ إِبّانِ زَمانِهِ عَنْكُمْ وَقَدْ أَمَرَكُمُ الله - عز وجل - أَنْ تَدْعُوهُ وَوَعَدَكُمْ أَنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ". ثُمَّ قَالَ: " {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} لا إله إِلَّا اللهُ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ اللهُ لا إله إِلَّا أَنْتَ الغَنِيُّ وَنَحْنُ الفُقَراءُ أَنْزِلْ عَلَيْنا الغَيْثَ، واجْعَلْ ما أَنْزَلْتَ لَنا قُوَّةً وَبَلاغًا إِلَى حِينٍ". ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ فِي الرَّفْعِ حَتَّى بَدا بَياضُ إِبْطَيْهِ، ثُمَّ حَوَّلَ عَلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ وَقَلَّبَ أَوْ حَوَّلَ رِداءَهُ وَهُوَ رافِعٌ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ وَنَزَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَأَنْشَأَ اللهُ سَحابَةً فَرَعَدَتْ وَبَرَقَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ بِإِذْنِ اللهِ فَلَمْ يَأْتِ مَسْجِدَهُ حَتَّى سالَتِ السُّيُولُ فَلَمَّا رَأَى سُرْعَتَهُمْ إِلَى الكِنِّ ضَحِكَ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَدَتْ نَواجِذُهُ فَقَالَ: "أَشْهَدُ أَنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنِّي عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وهذا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِسْنادُهُ جَيِّدٌ أَهْلُ المَدِينَةِ يَقْرَؤونَ (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) وَإِنَّ هذا الحَدِيثَ حُجَّةٌ لَهُمْ (¬2). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 36، والبغوي في "مسند ابن الجعد" (1576)، وابن أبي شيبة في "مسنده" (945)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2931). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1063). (¬2) رواه أبو عوانة في "مستخرجه" (2519)، والطحاوي في "المشكل" (5404)، وابن حبان (991). وحسنه الألباني في "الإرواء" (668).

1174 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْن زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ ثابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَصابَ أَهْلَ المَدِينَةِ قَحْطٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فبَيْنَما هُوَ يَخْطُبُنا يَوْمَ جُمُعَةٍ إِذْ قامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ هَلَكَ الكُراعُ هَلَكَ الشّاءُ فادْعُ اللهَ أَنْ يَسْقِيَنا فَمَدَّ يَدَيْهِ وَدَعا، قَالَ أَنَسٌ: وَإِنَّ السَّماءَ لَمِثْلُ الزُّجاجَةِ فَهاجَتْ رِيحٌ، ثُمَّ أَنْشَأَتْ سَحابَةً ثُمَّ اجْتَمَعَتْ، ثُمَّ أَرْسَلَتِ السَّماءُ عَزالِيَها، فَخَرَجْنا نَخُوضُ الماءَ حَتَّى أَتَيْنا مَنازِلَنا، فَلَمْ يَزَلِ المَطَرُ إِلَى الجُمُعَةِ الأُخْرَى فَقَامَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ تَهَدَّمَتِ البُيُوتُ فادْعُ اللهَ أَنْ يَحْبِسَهُ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قَالَ: "حَوالَيْنا وَلا عَلَيْنا". فَنَظَرْتُ إِلَى السَّحابِ يَتَصَدَّعُ حَوْلَ المَدِينَةِ كَأَنَّهُ إِكْلِيلٌ (¬1). 1175 - حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ حَمّادٍ، أَخْبَرَنا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ عَبْدِ العَزِيزِ قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَيْهِ بِحِذاءِ وَجْهِهِ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اسْقِنا". وَساقَ نَحْوَهُ (¬2). 1176 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَقُولُ ح، وحَدَّثَنا سَهْلُ بْن صالِحٍ، حَدَّثَنا عَلِيُّ بْنُ قادِمٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا اسْتَسْقَى قَالَ: "اللَّهُمَّ اسْقِ عِبادَكَ وَبَهائِمَكَ وانْشُرْ رَحْمَتَكَ وَأَحْيِ بَلَدَكَ المَيِّتَ". هذا لَفْظُ حَدِيثِ مالِكٍ (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (933)، ومسلم (897). (¬2) وأخرجه البخاري (1013)، ومسلم (897) بإسناد المصنف ولفظه. (¬3) رواه البيهقي 3/ 356. ورواه مالك 1/ 190، وعبد الرزاق في "مصنفه" (4912)، وابن شبة في "تاريخ المدينة" 1/ 144. مرسلًا. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1067).

باب رفع اليدين في الاستسقاء [1168] (حدثنا محمد بن سلمة المرادي) نسبة إلى مراد، واسمه يحابر (¬1) بن مالك بن أدد، أخرج له مسلم (أنبأنا) عبد الله (بن وهب، عن حيوة) بن شريح (وعمر (¬2) بن مالك) الشرعبي [بفتح الشين المعجمة] (¬3) وفتح العين المهملة، ثم باء موحدة، نسبة إلى شرعب بن [سهل بن] (¬4) زيد بن عمرو بن قيس الحميري، أخرج له مسلم. (عن) يزيد بن عبد الله (بن الهاد) الليثي (عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث التيمي. (عن عمير مولى آبي) بمد الهمزة اسم فاعل، اسمه الحويرث (اللحم) (¬5) بن عبد الله الغفاري، وقيل: عبد الله بن عبد الملك، قتل يوم حنين (¬6) شهيدًا مع مولاه سنة ثمان من الهجرة قيل له: آبي اللحم؛ لأنه كان لا يأكل اللحم، وقيل: لا يأكل ما ذبح على النصب قبل الإسلام (¬7). وقيل: إن هذا الاسم لبطن من بني ليث من بني (¬8) ¬

_ (¬1) في الأصول الخطية: محابر. والمثبت من "اللباب في تهذيب الأنساب" 3/ 188. (¬2) في (ص، س، ل): عمرو. والمثبت من (م)، و"السنن"، و"تهذيب الكمال" 21/ 492. (¬3) في (م): بالعين المهملة. (¬4) من (م). (¬5) سقط من (م). (¬6) في (م): خيبر. (¬7) انظر: "الاستيعاب" والمطبوع مع "الإصابة" 1/ 252. (¬8) ليست في (ل، م).

غفار، ومولى عمير (¬1) من هذا البطن (أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم -) ورواه الترمذي (¬2) والنسائي (¬3)، عن عمير، عن آبي اللحم، وقال الترمذي: كذا (¬4) قال قتيبة في هذا الحديث: عن آبي اللحم. ولا يعرف له عن النبي - صلى الله عليه وسلم -[إلا هذا الحديث الواحد، وعمير مولى آبي اللحم قد روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -] (¬5) أحاديث، وله صحبة (¬6). (يستسقي عند أحجار الزيت) موضع بالمدينة كان هناك أحجار عليها زيت فعلا عليها الطريق فاندفنت (قريبًا من الزوراء) بالمد موضع بالمدينة قريب من المسجد مرتفع كالمنارة، والزوراء ستة مواضع هذا أحدها، والظاهر أنها التي زاد عليها عثمان النداء الثالث يوم الجمعة، وذكر أحجار الزيت في حديث الفتن أيضًا (قائمًا يدعو ويستسقي) للناس. (رافعا يديه) وهو معنى روايتي الترمذي (¬7) والنسائي (¬8): وهو (¬9) مقنع بكفيه. أي: رافع كفيه. ومنه الحديث المتقدم في الركوع: كان إذا ركع لا يصوب رأسه ولا ¬

_ (¬1) في (م): عمر. (¬2) "جامع الترمذي" (557). (¬3) "المجتبى" 3/ 158. (¬4) من (ل، م). (¬5) سقط من الأصل (س). (¬6) "جامع الترمذي" (557). (¬7) السابق. (¬8) "المجتبى" 3/ 158. (¬9) ليست في (م).

يقنعه (¬1). أي: لا يرفعه حتى يكون أعلى من ظهره، وقد أقنع رأسه إقناعًا إذا رفعه (قِبَل) بكسر القاف وفتح الموحدة (وجهه) أي: تلقاء وجهه (لا يجاوز بهما رأسه) وفي الرواية الآتية: حتى رأيت بياض إبطيه. [1169] (حدثنا) محمد بن أحمد (بن أبي خلف) القطيعي شيخ مسلم (حدثنا محمد بن عبيد) بن أبي أمية الطنافسي الكوفي أحد الإخوة. (حدثنا مسعر) بن كدام (عن يزيد) بن صهيب (الفقير) الكوفي أخرج له الشيخان. (عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: أتت) أي جاءت إلى (النبي - صلى الله عليه وسلم - بواكي) قال المنذري: هكذا وقع (¬2) في روايتنا (¬3)، وفيما شاهدناه بالباء الموحدة المفتوحة. يعني: جمع باكية أي: نساء يبكون [من شدة الجهد] (¬4). وذكر الخطابي قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يواكئ بضم المثناة من تحت أوله، وهمز آخره، قال: ومعناه التحامل على يديه إذا رفعهما ومدهما في الدعاء، ومن هذا التوكأ على العصا وهو التحامل عليها (¬5) قال بعضهم: والصحيح ما ذكره الخطابي. قال المنذري: وللرواية المشهورة وجه (¬6) يعني: كما تقدم. ¬

_ (¬1) سبق تخريجه. (¬2) في (م): جاء. (¬3) "مختصر سنن أبي داود" 2/ 37. (¬4) ليست في (م). (¬5) "معالم السنن" 1/ 355. (¬6) "مختصر سنن أبي داود" 2/ 37.

وقال النووي في "الخلاصة": وقال: هذا الذي قاله الخطابي لم تأت به الرواية وليس هذا واضح المعنى (¬1)، وقد رواه البزار بلفظ يزيل الإشكال، وهو عن جابر أن [بواكي أتوا] (¬2) النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3)، ورواه أبو عوانة في "صحيحه" ولفظه: أتت النبي - صلى الله عليه وسلم -[هوازن فقال: "قولوا: اللهم اسقنا" (¬4)، ورواه البيهقي بلفظ: أتت النبي - صلى الله عليه وسلم -] (¬5) بواكي هوازن (¬6)، وهذِه الروايات (¬7) تَرُدُّ بظاهرها على ما قاله الخطابي، وعلى الرواية (¬8) الصحيحة المشهورة، فإقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - على البكاء يدل على جواز البكاء من شدة الجوع والعطش والعري والبرد ونحو ذلك، إذا غلب على الآدمي من غير استجلاب (¬9) له. (فقال) قولوا (اللهم اسقنا) كما في رواية أبي عوانة، واسقنا (¬10) بهمزة وصل ويجوز فتحها لأنك تقول: سقيت فلانًا وأَسقيته لغة، وسقانا الله الغيث وأسقانا ومنهم من يقول سقيته إذا كان بيدك وأسقيته ¬

_ (¬1) "خلاصة الأحكام" 2/ 879. (¬2) في (ص، س): يوالي أقوال. والمثبت من (ل، م)، و"التلخيص الحبير". (¬3) انظر: "التلخيص الحبير" 2/ 202. (¬4) "مسند أبي عوانة" (2527). (¬5) سقط من الأصل، (س، ل)، والمثبت من (م). (¬6) "السنن الكبرى" 3/ 355. (¬7) في (م): الرواية. (¬8) في (م): اللغة. (¬9) في (م): استحلال. (¬10) في (م): واستقائهم.

بالألف إذا جعلت له سُقيا [أو دللته على الماء] (¬1) وسقيته، وقد جاء في القرآن ثلاثيًّا ورباعيًّا، قال الله تعالى: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ} (¬2)، وقال تعالى: {لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} (¬3). (غيثًا) الغيث: المطر، يقال: غاث الله البلاد غيثًا من باب (¬4) انزل بها الغيث، ويسمى النبات: غيثًا تسمية الشيء باسم سببه، يقال: رعينا الغوث (مغيثًا) بضم الميم، وهو المنقذ من الشدة، قال في "النهاية": هو من الإغاثة بالهمز، ويقال فيه: غاثه يغيثه، وهو قليل (¬5). (مريئًا) بفتح الميم وبالمد والهمز [هو المحمود العاقبة] (¬6) والهنيء (¬7) ممدود مهموز أيضًا هو الطيب الذي لا ينغصه شيء، وقيل: هو المنمي (¬8) للحيوان من غير ضرر، يقال: مرأني الطعام وأمرأني إذا لم يثقل على المعدة وانحدر عنها طيبًا (مريعًا) يروى بضم الميم وفتحها فمن ضم الميم كسر الراء وياء بنقطتين من تحت، وهو الذي يأتي بالريع وهو الزيادة، مأخوذ من المراعة وهو الخصب، وإن فتحت الميم كان اسم مفعول، أصله مريوع (¬9) كمهين (¬10) أصله ¬

_ (¬1) ليست في (م). (¬2) الإنسان: 21. (¬3) الجن: 16. (¬4) زاد في (ص، س، ل): باع إذا. (¬5) "النهاية في غريب الحديث" 3/ 392. (¬6) من (ل، م). (¬7) في (ص، س): الهنى. وسقط من (م) والمثبت من (ل). (¬8) في (ص): الهنى. (¬9) في (م): مرتوع. (¬10) في (م): كمهيت.

مهيون (¬1) ومعناه: مخصب ناجع. ويروى بضم الميم وسكون الراء وكسر الموحدة، من قولهم [أربع البعير يربع إذا أكل الربيع] (¬2)، ويروى بضم الميم مع كسر المثناة من فوق، من قولهم أرتع [المطر إذا أنبت] (¬3) ما ترتع فيه الماشية، يقال: رتعت (¬4) الماشية إذا أكلت ما شاءت. (نافعًا غير ضار، عاجلًا غير آجل، فأطبقت عليهم السماء) السماء هنا هو (¬5) المطر، ومعنى (أطبقت) أي: استوعبت الأرض بالغيث حتى عمتها وساوتها وصارت عليها كالطبق الذي يغطى به الشيء، يقال: هذا مطابق لهذا. أي: مساوٍ له وحديث عمر: لو أن لي طباق الأرض ذهبًا (¬6). أي: ذهبًا يعم الأرض، فيكون طباقًا (¬7) لها. [1170] ([حدثنا نصر بن علي) الجهضمي] (¬8) أنبأنا يزيد بن زريع، حدثنا سعيد) (¬9) بن أبي عروبة (عن قتادة، عن أنس) بن مالك (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يرفع يديه [في شيء] (¬10) من الدعاء (¬11) إلا في) دعاء ¬

_ (¬1) في (م): مهيوت. (¬2) في (م): أرتع البعير يرتع إذا أكل الرتيع. (¬3) في (ص، س): البعير يرتع إذا نبت. والمثبت من (ل، م). (¬4) في (ص، ل): أرتع. وفي (س): رتع. والمثبت من (م). (¬5) من (ل، م). (¬6) "غريب الحديث" لابن الجوزي 2/ 27. (¬7) في (م): طبقا. (¬8) من (ل، م). (¬9) تصحفت في (ص، س) إلى شعبة. والمثبت من (ل، م). (¬10) ليست في (م). (¬11) ليست في (م).

(الاستسقاء) ظاهره نفي رفع اليدين في كل دعاء غير دعاء الاستسقاء وهو معارض بالأحاديث الثابتة في الرفع في غير الاستسقاء، وهي كثيرة، وقد أفردها البخاري بترجمة في كتاب الدعوات، وساق فيها عدة أحاديث، فذهب بعضهم إلى أن العمل بها أولى، وحمل حديث أنس هذا على نفي رؤيته وذلك لا يستلزم نفي رؤية غيره، وذهب آخرون إلى تأويل حديث أنس لأجل الجمع بأن يحمل النفي على صفة مخصوصة، وأما الرفع البليغ ويدل عليه قوله: (فإنه كان يرفع يديه حتى يُرى) [مبني للمفعول أو للفاعل] (¬1) (بياض إبطيه) وأما صفة اليدين في ذلك ويدل عليه (¬2) على الحديث الآتي [من حديث أنس: كان يستسقي هكذا ومدَّ يديه وجعل بطونها مما يلي الأرض حتى رأيت بياض إبطيه (¬3) ورواية مسلم (¬4)] (¬5) عن أنس أيضًا، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء. وقد تقدم الكلام في بياض إبطيه. [1171] (حدثنا الحسن بن محمد) [بن الصباح] (¬6) الزعفراني بفتح الزاي نسبة إلى الزعفرانية قرية بقرب بغداد، أخرج له البخاري. (حدثنا عفان) بن مسلم الصفار (حدثنا حماد) بن سلمة كذا في مسلم (أنبأنا ثابت، عن (¬7) أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يستسقي هكذا يعني ومد يديه) ¬

_ (¬1) ليست في (م). (¬2) في (ص، س، ل): على. (¬3) سيأتي تخريجه في الحديث القادم. (¬4) "صحيح مسلم" (896). (¬5) سقط من الأصل، (س، ل). (¬6) ليست في (م). (¬7) في (ص، س): بن.

أي بسطهما لتتسعا (¬1) لنزول الرحمة (وجعل بطونهما مما يلي الأرض) ولمسلم من رواية ثابت، عن أنس أيضًا: [أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬2) استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء (¬3). قال الرافعي: السنة لمن دعا لدفع البلاء أن يجعل ظهر كفيه إلى السماء فإذا سأل الله شيئًا جعل بطن كفيه إلى السماء (¬4)، انتهى. وأشار إلى ما رواه أحمد من حديث خلاد بن السائب، عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سأل جعل بطن كفيه (¬5) إليه، وإذا استعاذ جعل ظاهرهما إلى السماء (¬6). وفي إسناده ابن لهيعة (حتى رأيت بياض إبطيه) كان هذا من كمال جماله - صلى الله عليه وسلم - فإن كل إبط من سائر الناس متغير؛ لأنه مغموم مرواح، وكان منه - صلى الله عليه وسلم - أبيض (¬7) عطرًا. [1172] (حدثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي الفراهيدي بفتح الفاء والراء، نسبة إلى فراهيد بطن من الأزد، وهو فراهيد بن شبابة بن مالك. (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي (¬8) الأزدي. ¬

_ (¬1) في (ل): للسقا. وفي (م): ليتسقا. (¬2) من (م). (¬3) "صحيح مسلم" (896). (¬4) "الشرح الكبير" 2/ 389. (¬5) سقط من (ص، س). والمثبت من (ل، م). (¬6) "مسند أحمد" 4/ 56. (¬7) في (م): إبط. (¬8) غير مقروءة في الأصل. والمثبت من (س، ل، م).

(عن عبد ربه بن سعيد) الأنصاري أخي (¬1) يحيى (عن محمد بن إبراهيم) ابن الحارث التيمي المدني قال (أخبرني من رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو عند أحجار الزيت) قريبًا من الزوراء كما تقدم. (باسطًا كفيه) فيه استحباب بسط الكفين وفتحهما (¬2) في الدعاء. ويستحب أن يضم إحدى الكفين إلى الأخرى. . الحديث (¬3). [1173] (حدثنا هارون بن سعيد الأيلي) [أخرج له مسلم] (¬4) (حدثنا خالد بن نزار) بكسر النون، وهذا الاسم في نسب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو نزار بن معد بن عدنان، قال السهيلي: من النزر وهو القليل، وسببه (¬5) أن أباه لما ولد ونظر إلى نور النبوة بين عينيه، وهو الذي كان ينتقل في الأصلاب الطاهرة إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - فرح به فرحًا شديدًا ونحر (¬6) وأطعم وقال: إن هذا نزر في حق هذا المولود فسمي نزارًا لذلك (¬7). وخالد هذا هو ابن نزار [القرشي الأيلي] (¬8) ثقة (¬9). (حدثنا القاسم بن مبرور) بسكون الموحدة الأيلي، وأخرج له النسائي ¬

_ (¬1) في النسخ الخطية: أخو. والجادة المثبت. (¬2) زاد في (ص، س): عند إحجار الزيت قريبًا من الزوراء كما تقدم باسطا. وهي زيادة مقحمة، وتقدمت قبل ذلك. (¬3) من (س، ل، م). (¬4) سقط من (م). (¬5) في (م): نسبه. (¬6) من (ل، م). (¬7) "الروض الأنف" للسهيلي 1/ 30. (¬8) سقط من (م). (¬9) انظر: "الثقات" لابن حبان 8/ 223.

أيضًا (عن يونس) بن يزيد بن أبي (¬1) النجاد القرشي الأيلي (¬2). (عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة قالت: شكا الناس قحوط المطر) أي: احتباسه وانقطاعه عنهم، ومنه (¬3): "من جامع فأقحط فلا غسل عليه" (¬4). أي: احتبس (¬5) منيه فلم ينزل، وكان (¬6) هذا في أول الإسلام ثم نسخ، وفي رواية أبي عوانة: أن قومًا شكوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قحط المطر، فقال: "اجثوا على الركب وقولوا: يا رب يا رب". ففعلوا فسقوا حتى أحبوا أن يكشف عنهم (¬7)، وهذا لفظ رواية البزار (¬8) كلاهما عن عامر (¬9) بن خارجة بن سعد، عن جده سعد، ورواه الطبراني لكن قال: عامر. بدل (¬10): عمر. وزاد بعد قوله: "يا رب يا رب" ورفع السبابة إلى السماء (¬11). (فأمر بمنبر فوضع له بالمصلى) ليرتفع عليه كما تقدم (ووعد الناس يومًا يخرجون فيه) إلى الصحراء، قال أصحابنا وغيرهم: يستحب ¬

_ (¬1) و (¬2) من (ل، م)، و"تهذيب الكمال" 32/ 551 - 552. (¬3) في (ص، س): منهم. والمثبت من (ل، م). (¬4) أخرجه أحمد 3/ 94، وابن حبان في "صحيحه" (1171). (¬5) في (م): من حُبس. وفي (س، ل): أحبس. (¬6) من (م). (¬7) "مسند أبي عوانة" (2530). (¬8) "مسند البزار" (1231). (¬9) في (ص، س، ل): عمر. وفي (م): عمرو. والمثبت من مصادر التخريج، و"التاريخ الكبير" للبخاري (2978). (¬10) في (ص، س، ل): بن. والمثبت من (م). وهو مقتضى السياق. (¬11) "المعجم الأوسط" (5981).

للإمام إذا وعدهم يومًا للخروج أن يأمرهم بصيام ثلاثة أيام قبل اليوم الذي هو ميعادهم [للخروج؛ لأن الصوم معين على رياضة النفس وخشوع القلب، ويأمرهم] (¬1) قبل الخروج بالتوبة والتقرب إلى الله تعالى بوجوه البر، والخروج من مظالم العباد؛ لأن ذلك أقرب إلى قضاء الحاجة. (قالت عائشة: فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) إلى المصلى (حين بدا) بغير همز في آخره. أي: حين ظهر (حاجب الشمس) أي: حرفها الأعلى من قرصها، سمي بذلك؛ لأنه أول ما يبدوا منها كحاجب الإنسان، وعلى هذا يختص الحاجب بالحرف الأعلى البادي أولًا، ولا يسمى جميع نواحيها (¬2) حواجب. (فقعد على المنبر فكبر) حين قام للخطبة، وفي هذا دليل واضح لما ذكره المحاملي في "المجموع" أنه يكبر في افتتاح الخطبة كما يكبر في خطب العيدين (¬3). وحكاه أيضًا صاحب "البيان" وغيره، وهو ظاهر نص الشافعي في "الأم" فإنه قال: ويخطب الإمام في الاستسقاء خطبتين كما يخطب في صلاة العيدين يكبر الله تعالى فيهما ويحمده، ويصلي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويكثر فيهما من الاستغفار (¬4)، [وروى في "المسند" قال: أخبرني ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، (س). والمثبت من (ل، م). (¬2) في (م): جوانبها. (¬3) "المجموع" 5/ 84. (¬4) "الأم" 1/ 416.

من لا أتهم، عن جعفر بن محمد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر كانوا يكبرون في الاستسقاء سبعًا وخمسًا (¬1). قال: وأخبرني من لا أتهم، قال: أخبرني سعد بن إسحاق، عن صالح بن أبي حسان، عن ابن المسيب: أن عثمان كان يكبر في الاستسقاء سبعًا وخمسًا (¬2). قال: وأخبرني من لا أتهم، قال: أخبرني صالح بن محمد بن زائدة، عن عمر بن عبد العزيز: أنه كبر في الاستسقاء سبعًا وخمسًا، وكبر في العيدين مثل ذلك (¬3)] (¬4). والمشهور عند الشافعية أنه يبدل التكبير بالاستغفار (¬5)، ولم أرهم ذكروا له دليلًا بل قالوا: إنه أليق بالحال، وهذا لا يعارض هذا الحديث الذي سنده جيد كما قال المنذري (¬6). ورواه ابن حبان (¬7) والحاكم (¬8)، وصححه أيضًا (¬9) أبو علي بن السكن، وأما الاستغفار الذي قالوا أنه أليق بالحال فلا مانع منه، وأن ¬

_ (¬1) "مسند الشافعي" (336)، و"الأم" 1/ 414. (¬2) "شرح مسند الشافعي" 2/ 334، و"الأم" 1/ 414. (¬3) "شرح مسند الشافعي" 2/ 335، و"الأم" 1/ 415. (¬4) سقط من الأصل، (س، ل). والمثبت من (م). (¬5) انظر: "الشرح الكبير" 2/ 388، "الوسيط" 2/ 354. (¬6) "مختصر سنن أبي داود" 2/ 38. (¬7) "صحيح ابن حبان" (991). (¬8) "المستدرك" 1/ 328. (¬9) سقط من (م).

يكثر من الاستغفار بعد التكبير كما هو ظاهر نص الشافعي في "الأم" (¬1) كما تقدم. (وحمد) بكسر الميم (الله تعالى) يعني: كما في خطبة العيد (ثم قال): أيها الناس (إنكم شكوتم) فيه أن الرعية إذا حصل لهم ضرر في دينهم أو دنياهم يشكوه إلى الإمام كما في الحديث: أنهم شكوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حر الرمضاء (¬2) (جدب) بالدال المهملة، هو القحط وعلو الأسعار (دياركم) أي: شكوتم حصول الجدب في دياركم وأراضيكم. (واستئخار) بهمزة ساكنة (¬3) بعد المثناة المكسورة (المطر) أي: تأخره يقال: أخر وتأخر واستأخر بمعنى (عن أبان) بكسر الهمزة وتشديد الباء الموحدة، وبعد الألف نون أصلية، وقيل: هي زائدة (¬4)، من قولهم أب الشيء إذا (¬5) تهيأ للذهاب، ووزنه على الأول فعَّالا بتشديد العين، وعلى القول الثاني فعلان، والمعنى تأخر المطر عن وقت نزوله المعتاد (¬6)، وحبس (¬7) زمانه عنكم، وقد يؤخذ منه أن الاستسقاء (¬8) لا يكون إلا عند الحاجة إليه (¬9) أما إذا لم يكونوا محتاجين إليه بأن يكون الماء ¬

_ (¬1) "الأم" 1/ 416. (¬2) أخرجه مسلم (619) (190)، والنسائي 1/ 247، ابن ماجه (675). (¬3) في (ص، س): مكسورة. والمثبت من (ل، م). (¬4) في (م): أصلية. (¬5) في (م): أو. (¬6) في (م): الميعاد. (¬7) سقط من (م)، وفي (س، ل): وخبن. (¬8) في (م): الاستغفار. (¬9) من (ل، م).

الذي يحتاجون إليه مستمرًّا على العادة، فهل يستحب الاستسقاء (¬1) لطلب زيادة فيها نفع لهم، والصحيح على ما يشعر به كلام الرافعي (¬2) والنووي (¬3) استحبابه، كذا ذكروه في الكلام على ما إذا تأهبوا للصلاة فسقوا قبلها، واستشكله ابن الصلاح إذ ليس فيه حديث ولا أثر. (وقد أمركم الله تعالى أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم) في قوله تعالى {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (¬4) وقال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} (¬5). قال الشافعي: ينبغي أن يكون من دعائهم في هذِه الحالة اللهم أنت أمرتنا بدعائك، ووعدتنا إجابتك، وقد دعوناك كما أمرتنا، فأجبنا كما وعدتنا، اللهم فامنن علينا بمغفرة [ما قارفنا، و] (¬6) إجابتك في سقيانا، وسعة في أرزاقنا (¬7). (ثم قال: الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ملك) قال المصنف (¬8): أهل المدينة يقرؤون: (ملك) (يوم الدين) يعني: بحذف [ألف (مالك)] (¬9)، ثم قال: وإن هذا الحديث حجة لهم، انتهى. وهي ¬

_ (¬1) في (م): الاستغفار. (¬2) "الشرح الكبير" 2/ 385. (¬3) "المجموع" 5/ 89 - 90. (¬4) غافر: 60. (¬5) الأعراف: 55. (¬6) في (ص، س): فارزقنا. والمثبت من (ل، م)، و"الأم". (¬7) "الأم" 1/ 416. (¬8) من (م). (¬9) في (م): الألف.

قراءة الجمهور؛ لأنه أمدح، وليوافق الابتداء والاختتام (¬1) في قوله: {مَلِكِ النَّاسِ} والاختتام لا يكون إلا بالأشرف (¬2)، وفي الحديث دليل على أنه يستحب قراءة هذِه الثلاث آيات في خطبة الاستسقاء، ويقول (¬3) بعدها: يا مالك يوم الدين إياك نستعين على إجابتنا في سقيانا إنك سميع الدعاء. وروى الطبراني في "الكبير" (¬4) عن أنس (¬5) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قضى صلاته استقبل القوم بوجهه وقلب رداءه، ثم جثى على ركبتيه ورفع يديه، وكبر تكبيرة قبل أن يستسقي، ثم قال: "اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا رحبًا ربيعًا وخدًا غدقًا طبقًا مغدقًا هنيئًا مريعًا مرتعًا (¬6) وابلًا شاملًا، نافعًا غير ضار، عاجلًا غير رايث، اللهم تحيي (¬7) به البلاد، وتغيث به (¬8) العباد، وتجعله بلاغًا للحاضر منا والباد، اللهم أنزل علينا في أرضنا زينتها، وأنزل في أرضنا سكنها (¬9)، اللهم أنزل علينا من السماء ¬

_ (¬1) في (ص): الاختصاص. وفي (س، ل): الاختصام. والمثبت من (م). (¬2) في (ص، س): بالشرف. والمثبت من (ل، م). (¬3) في (ص، س): بقوله. والمثبت من (ل، م). (¬4) لعله وهم هنا فالحديث في "المعجم الأوسط" (7619)، ولم أجده في "المعجم الكبير"، وكذا عزاه الهيثمي في "مجمع الزوائد" 2/ 452 إلى "المعجم الأوسط". (¬5) في (ص، س): الليث. والمثبت من (ل، م)، و"المعجم الأوسط". (¬6) من (ل، م)، و"المعجم الأوسط". (¬7) في (م): أحيي. (¬8) سقط من (ل، م). (¬9) من (ل، م)، و"المعجم الأوسط".

ماءً طهورًا، فأحيي به بلدة، واسقه مما خلقت أنعامًا وأناسي كثيرًا". قال: فما برحوا (¬1) حتى أقبل فرع من السحاب فالتأم بعضه إلى بعضه، ثم مطرت عليهم سبعة أيام ولياليهن. وفي سنده مجاشع بن عمرو، وليس هو من رجال الكتب الستة. قوله: "وخدًا" الظاهر أنه بالخاء المعجمة، والمراد به سريع الإنزال فإن الوخد (¬2) ضرب من السير السريع، وقوله: "عجلًا غير رايث" فهو بالراء المهملة وبعد الياء المثناة تحت ثاء مثلثة. قال في "النهاية": أي غير بطيء متأخر، راث علينا خبر (¬3) فلان يريث إذا أبطأ (¬4). (لا إله إلا هو يفعل ما يريد) يعني: لا يمتنع عليه شيء يريده، وعن (¬5) أبي السفر قال: دخل ناس (¬6) من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أبي بكر يعودونه (¬7) فقالوا له (¬8): ألا نأتيك بطبيب؟ فقال: قد رآني. قالوا: فما قال لك؟ قال: إني فعَّال لما أريد (¬9). ¬

_ (¬1) في (ص): نرجع. والمثبت من (س، ل، م)، و"المعجم الأوسط". (¬2) في (م): الواحد. (¬3) في (ص): خيرًا. والمثبت من (س، ل، م)، و"النهاية". (¬4) "النهاية في غريب الحديث" 2/ 287. (¬5) زاد في (م): ابن. (¬6) في (ص، س): علينا ناس. والمثبت من (ل، م) ومصادر التخريج. (¬7) سقط من (م). (¬8) من (ل، م)، ومصادر التخريج. (¬9) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (35581)، وأحمد في "الزهد" 1/ 113، وأبو نعيم في "الحلية" 1/ 34.

(اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت (¬1) الغني) الذي لا يحتاج إلى أحد في شيء (ونحن الفقراء) المحتاجون إليك في جميع أمورنا، تغني من تشاء [من عبادك] (¬2) وتفقر من تشاء، وهذا هو الغنى المطلق، ولا يشارك الله فيه غيره. (أنزل) بفتح الهمزة (علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا) أي: اجعل ما أنزلته علينا من الغيث (قوة) لنا على طاعتك وبلاغًا إلى حين، قال في "النهاية": البلاغ ما يتبلغ ويتوصل به إلى الشيء المطلوب (¬3) (ثم رفع يديه) للدعاء (فلم يزل في) انتهاء (الرفع) ليديه (حتى بدا بياض إبطيه)، وبياض الإبط من خصائصه كما تقدم. (ثم حول إلى الناس ظهره) في أثناء الخطبة ليستقبل القبلة (وقلب) بتخفيف اللام (- أو) شك من الراوي (حول - رداءه) (¬4) للتفاؤل كما تقدم، وقال بعضهم: هذِه أمارة بينه وبين ربه لا على طريق التفاؤل؛ فإن من شرط الفأل أن لا يكون بقصد، وإنما قيل له حول رداءك ليتحول حالك (وهو رافع يديه) للدعاء (ثم أقبل على الناس) بوجهه، (ونزل) عن المنبر (فصلى ركعتين) فيه دليل على تقديم الخطبة على الصلاة، وفيه ما تقدم. ¬

_ (¬1) من (ل، م)، ومصادر التخريج. (¬2) سقط من (م). (¬3) "النهاية في غريب الحديث" 1/ 152. (¬4) زاد في (ص، س): إشارة إلى خير الدنيا والآخرة، وكتبها في حاشية (ل). وهي زيادة مقحمة.

(فأنشأ الله) تعالى أي: أخرج وأظهر (سحابة) بالتنوين مع النصب. (فرعدت) بفتح الراء والعين، من باب قتل. أي: لاح من جهتها الرعد وظهر. (وبرقت) بفتح الباء والراء، من باب قتل، أي: ظهر من جهتها البرق، [ويقال: أرعدت وأبرقت لغتان] (¬1). (ثم أمطرت) حكى المفسرون أنه يقال: [مطرت في الرحمة، وأمطرت في العذاب، وأما كلام العرب فيقال: ] (¬2) مطرت وأمطرت فيهما، وهذا الحديث يدل على ذلك (بإذن الله) تعالى (فلم يأت مسجده) أي: لم (¬3) يرجع إلى مسجده (حتى سالت السيول) جمع سيل مصدر سال الماء يسيل سيلًا وسيلانًا إذا جرى، ثم غلب في (¬4) استعمال السيل في الماء المجتمع من المطر الجاري، وفيه دليل على أنه يستحب لمن ذهب إلى صلاة العيد في المصلى ثم رجع أن يبدأ بالمسجد قبل بيته، فيصلي فيه ركعتين شكرًا لله تعالى، كما يستحب للقادم من السفر أن يبدأ بالمسجد. (فلما رأى سرعتهم إلى الكِن) بكسر الكاف، وهو البيت، سمي بذلك؛ لأنه يستر أحوال ساكنه عن رؤية الناس (ضحك) تعجبًا من سرعتهم إلى البيوت خوفًا من المطر الذي رحمهم الله تعالى به (حتى بدت نواجذه) بالذال المعجمة، وهي الضواحك التي تبدو عند ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) من (ل، م). (¬3) سقط من (م). (¬4) سقط من (م).

الضحك، وقيل: هي الأضراس والأنياب، والمشهور أنها أقصى الأسنان، والمراد هنا الأول؛ لأنه ما كان يبلغ به الضحك حتى تبدوا أواخر أضراسه، كيف وقد جاء في صفة (¬1) ضحكه التبسم. (فقال: أشهد أن الله على كل شيء قدير) وفي الكلام حذف تقديره والله أعلم: فلما رأى [عظمة الله في] (¬2) سرعة خروج السحابة وما معها من الرعد والبرق، ونزول الأمطار الكثيرة في أسرع حين، وامتلأت الأودية من السيول العظيمة حتى أسرع الناس منه إلى بيوتهم، وتبين له إجابة دعوته عاجلًا غير آجل قال: أشهد بما رأيت أن الله على كل شيء قدير، أي: قادر على عظم ما يشهدون (¬3) من قدرته. وعلى أعظم من ذلك. (وأني عبد الله ورسوله) (¬4) فيه تشريع لهذِه الأمة على أن يقتدوا به ويتأسوا بأقواله وأفعاله، وذلك أنه أمين الله عليه بإجابة دعوته، وظهور معجزاته (¬5) الظاهرة، اعترف له بالعبودية والتذلل له، كما أنه فتح الله تعالى عليه (¬6) الفتوح العظيمة، ودخل الناس في دين الله أفواجًا ¬

_ (¬1) في (م): ضحكه جل. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): شاهدت. وفي (ل): يشاهدون. (¬4) أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (991)، والحاكم في "المستدرك" 1/ 328. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقال الألباني في "الإرواء" 3/ 136: إسناده حسن. (¬5) في (ل، م): معجزته. (¬6) سقط من (ص). والمثبت من (س، ل، م).

[ودخل مكة وهو مطأطئ رأسه تواضعًا لله تعالى] (¬1)، وأمره الله تعالى أن يسبحه. أي: ينزهه عما لا يجوز عليه من الصاحبة والولد، كما قالوا في عيسى - عليه السلام - لما تكلم في المهد، فكان أول كلام عيسى: إني عبد الله ورسوله. (قال المصنف: هذا حديث غريب) الظاهر أن غرابته من جهة القاسم بن مبرور [لكن حكم المصنف بجودة الإسناد، فهو تعديل له] (¬2) (إسناده) مبتدأ تقديره: وإسناده، ولكن حذف حرف العطف كقول الشاعر إن امرأً رهطه [بالشام منزله] (¬3) ... برمل يبرين جارًا شد ما اغتربا أي: ومنزله يبرين، ويبرين بفتح الياء (¬4) المثناة تحت (¬5) وإسكان الباء الموحدة، ويقال فيها (¬6): يبرون، وهو رمل معروف في ديار بني سعد، وقد خرج على حذف الواو آيات منها قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8)} (¬7) أي: ووجوه عطفًا على {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2)} (¬8) (جيد) وقد تقدم تصحيحه. (وأهل المدينة) وكذا أهل مكة، كما قال الزمخشري (¬9) (يقرؤون) ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): في الشام مبركه. (¬4) في (ص): بالياء. والمثبت من (س، ل، م). (¬5) من (م). (¬6) سقط من (م). (¬7) الغاشية: 8. (¬8) الغاشية: 2. (¬9) "الكشاف عن حقائق التنزيل" 1/ 54.

{ملك يوم الدين} يعني: بحذف الألف كما تقدم. (وأن هذا الحديث [حجة لهم]) (¬1) على ذلك. [1174] (حدثنا مسدد، حدثنا حماد بن زيد، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك و) رواه حماد بن زيد من طريق أخرى، عن (يونس) بالفتحة النائبة عن الجر؛ لأنه غير منصرف (ابن عبيد) بن دينار العبدي (¬2) القيسي. (عن (¬3) ثابت) بن أسلم البصري (عن أنس) بن مالك (قال: أصاب أهل) بالنصب مفعول مقدم (المدينة قحط) يعني: احتباس مطر، كما تقدم (على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبينا هو يخطبنا يوم الجمعة) على المنبر، كما في رواية الصحيح. وفي رواية للبخاري في الأدب، عن قتادة: بالمدينة (¬4). (إذ قام رجل) قال العلامة ابن حجر: لم أقف على تسميته في حديث أنس، وروى (¬5) الإمام أحمد من حديث كعب بن [مرة ما يمكن] (¬6) أن يفسر هذا المبهم بأنه كعب المذكور، وروى البيهقي في "الدلائل" من طريق مرسلة ما يمكن أن يفسر بأنه خارجة بن حصن بن حذيفة ¬

_ (¬1) في (م): حجتهم. (¬2) في (ص، س): العنزي. والمثبت من (ل، م)، و"تهذيب الكمال" 32/ 517. (¬3) في (م): ابن. (¬4) "صحيح البخاري" (6093). (¬5) في (م): رواه. (¬6) سقط من (م).

الفزاري (¬1). وأما قوله في رواية ثابت في البخاري في باب الدعاء إذا كثر المطر، عن أنس: فقام الناس فصاحوا (¬2). فلا يعارض هذا؛ لأنه يحتمل أن يكونوا سألوا بعدما (¬3) سأل. (فقال: يا رسول الله، هلك الكراع) وهو في الأصل [مستدق الساق] (¬4) من البقر والغنم، وقيل: هو اسم لجميع الخيل خاصة. [قال ابن فارس: الكراع من الدواب ما دون الكعب، وللإنسان ما دون الركبة (¬5)] (¬6) (هلك الشاء) بالمد جمع شاة، والشاة من الغنم تذكر وتؤنث، والألف واللام للجنس (فادع الله أن يسقينا) وفي رواية البخاري في الأدب: فاستسق ربك (¬7). (فمد يديه) أي: فرفع يديه كما في الرواية الآتية [ورواية البخاري] (¬8)، وفيه دليل على جواز مكالمة الإمام [في الخطبة] (¬9) للحاجة، وفيه أن الخطبة لا تقطع بالكلام، وفيه سؤال الدعاء من أهل الخير، ومن يرجى منه القبول، وإجابتهم لذلك. ¬

_ (¬1) "فتح الباري" 2/ 582. (¬2) "صحيح البخاري" (1021). (¬3) في (م): بعد أن. (¬4) في (م): مشتق. (¬5) "معجم مقاييس اللغة" (كرع). (¬6) من (ل، م). (¬7) "صحيح البخاري" (6093). (¬8) سقط من (م). (¬9) في (م): للخطبة.

(ودعا) الله تعالى، فيه دليل على أن إدخال دعاء الاستسقاء في خطبة الجمعة، والدعاء به على المنبر، ولا تحويل فيه (¬1) ولا استقبال. (قال أنس) بن مالك - رضي الله عنه - (وإن) بكسر الهمزة؛ لأنها جاءت بعد واو الحال (السماء لمثل الزجاجة) بضم الزاي، وبها قرأ العشرة، وتثليث الزجاج لغة، وإنما شبهها بالزجاجة لشدة يبسها، وعدم رطوبتها، وصفاء جوهرها. (فهاجت ريح ثم أنشأت) يقال: نشأ وأنشأ إذا خرج وابتدأ، وأنشأ الله الخلق: ابتدأ خلقهم، ونشأت السحابة إذا ابتدأت في الارتفاع ولم تتكامل (¬2) (سحابة) عقب هيجان الريح (ثم اجتمعت) أي: تكاملت (ثم أرسلت السماء) يعني: السحاب. (عزالها) بفتح العين المهملة، وتخفيف الزاي، وكسر اللام وفتحها جمع عزلاء بالمد، مثل صَحَارَى وصَحَارِي جمع صَحْرَاء، وعَذَارَى (¬3) وعَذَارِي جمع عذراء، فمن كسر اللام في عَزَالِيَّ شدد الياء؛ لأنك تدخل ألف الجمع بين الزاي واللام، فتكسر ما بعد الألف كما تكسر الجيم (¬4) في مساجِد، والهاء (¬5) في دراهِم، وتقلب الألف التي بعد اللام بالكسرة التي قبلها، وتقلب الهمزة التي للتأنيث المبدلة من ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (ص، س، ل): تكامل. والمثبت من (م). (¬3) من (س، ل، م). (¬4) في (ص، س): الميم. وفي (م): الجميع. والمثبت من (ل). (¬5) في (م): الراء.

الألف [ياء، فيجتمع ياءان فتدغم إحداهما في الأخرى، ويجوز التخفيف مع كسر اللام وفتحها مع إبدالهما ألفًا، فيقال: عزالى وعزالي] (¬1) كما يقال: صحارى وصحاري، والكسر هو الأصل في الباب كله، والعزلاء هي فم المزادة الأسفل الذي يصدر (¬2) منه الماء (¬3) عند تفريغك منها، والمزادة: الراوية (¬4) الكبيرة، سميت (¬5) بذلك؛ لأنها يزاد فيها على الجلد الواحد، وشبه اتساع المطر وكبر قطراته واندقاقه (¬6) من السحابة بالماء الذي يخرج من فم المزادة. (فخرجنا) من المسجد (نخوض في الماء) ولم نزل نخوض في الماء (حتى أتينا منازلنا) وقد يؤخذ منه طهارة طين الشارع والمياه المجتمعة فيه، كما قال أصحابنا وغيرهم؛ لأن الأصل الطهارة؛ لأنه لو تنجست أرجلهم أو ثيابهم بالماء لغسلوه، ولو غسلوه أو أمروا بغسله لنقل إلينا (فلم يزل) بفتح الزاي (المطر) مستمرًّا (إلى الجمعة الأخرى). (فقام إليه ذلك الرجل - أو غيره -) وقد جاء في الصحيحين (¬7) من غير شك [من رواية يحيى بن سعيد (¬8): فأتى الرجل (¬9)، ولأبي عوانة من ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ل، م): يصب. (¬3) من (م). (¬4) في (س، م): الرواية. (¬5) من (س، ل، م). (¬6) في (م): بدقاته. (¬7) زاد بعدها في (م): أنه الرجل الأول. (¬8) في (ص، س): شعبة. والمثبت من (ل، م)، ومصادر التخريج. (¬9) "صحيح البخاري" (1030).

طريق حفص، عن أنس بلفظ: فما زلنا نمطر حتى جاء ذلك الأعرابي في الجمعة الأخرى (¬1)] (¬2). (فقال: يا رسول الله تهدمت البيوت) من كثرة المطر. وفي رواية إسحاق عند البخاري: هدم البناء وغرق المال (¬3). ويؤخذ من قوله (تهدمت البيوت) أن بيوت الصحابة (¬4) كانت من لبن غير مشوي بالنار، [ومن جريد النخل] (¬5) ومثل هذا ينهدم من المطر القليل، فأما بناء هذا الزمان من الحجارة المنحوتة الملصقة بالشيد، والطوب المشوي الذي أحكم إلصاقه بالشيد فلا ينهدم من كثرة الأمطار. (فادعوا الله أن يحبسه) وفي رواية شريك في "الصحيح": أن يمسك عنا الماء (¬6). وفي رواية أحمد من طريق ثابت: أن يرفعها عنا (¬7). وفي رواية للبخاري في الأدب: فادع ربك أن يحبسها عنا فضحك (¬8)، وفي رواية ثابت (فتبسم) زاد في رواية حميد: لسرعة ملال ابن آدم (¬9). وفي هذِه الرواية بيان سبب ضحكه - صلى الله عليه وسلم - في الحديث قبله. ¬

_ (¬1) "مسند أبي عوانة" (2499). (¬2) سقط من (م). (¬3) "صحيح البخاري" (933، 1033). (¬4) في (ص، س): الصحاح. والمثبت من (ل، م). (¬5) سقط من (م). (¬6) "صحيح البخاري" (1014)، و"مسلم" (897) (8) ولكن بلفظ: "يمسكها عنا". (¬7) "مسند أحمد" 3/ 194. (¬8) "صحيح البخاري" (6093). (¬9) أخرجه النسائي 3/ 165، وأحمد 3/ 104، و"صحيح ابن حبان" (2859).

(ثم قال) اللهم (حوالينا) (¬1) بفتح اللام، وفيه حذف تقديره (¬2): اللهم اجعل وأمطر (¬3)، والمراد به (¬4) صرف المطر عن الأبنية والدور، وفيه الأدب في الدعاء حيث لم يدع برفع المطر مطلقًا لاحتمال الاحتياج إلى استمراره، فاحترز (¬5) بما يقتضي دفع الضرر وإبقاء النفع، ويستنبط منه أن من أنعم الله عليه بنعمة ينبغي (¬6) أن لا يتسخطها لعارض يعرض (¬7) فيها، بل يسأل الله تعالى رفع ذلك العارض وإبقاء النعمة، وفيه أن الدعاء بدفع الضرر لا ينافي التوكل، وإن كان المقام الأفضل التفويض إلى الله تعالى، وفيه جواز تبسم الخطيب على المنبر (¬8) تعجبًا من أحوال الناس. (ولا علينا) فيه بيان المراد بقوله (حوالينا) لأنها تشمل الطرق التي حولهم، فأراد إخراجها بقوله (ولا علينا) قال الطيبي: وفي إدخال الواو في قوله (ولا علينا) معنى لطيف، وذلك أنه لو (¬9) أسقطها لكان مستسقيًا بطلب المطر [للآكام (¬10) وما معها، ودخول الواو يقتضي أن ¬

_ (¬1) زاد في (ص): ولا علينا. وهي زيادة مقحمة. وستأتي بشرحها بعد ذلك. (¬2) من (س، ل، م). (¬3) في (ص، س، ل): أو أمطر. والمثبت من (م). (¬4) من (س، ل). (¬5) بياض في (ص)، والمثبت من (س، ل، م). (¬6) من (س، ل، م). (¬7) من (س، ل، م). (¬8) من (س، ل، م). (¬9) سقط من (س، ل، م). (¬10) في (ص، س): كالآكام. والمثبت من (ل، م)، و"فتح الباري".

طلب المطر على المذكورات ليس مقصودًا لعينه، ولكن ليكون وقاية من أذى المطر] (¬1)، فليست الواو مخلصة (¬2) للعطف، ولكنها للتعليل، وهو كقولهم (¬3): تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها (¬4) فإن الجوع [ليس مقصودًا] (¬5) لعينه، و [لكن لكونه] (¬6) مانعًا من الرضاع بأجرة إذ كانوا يكرهون ذلك. انتهى (¬7). ونظير قول العرب أن يقال: يجوع الأدمي ولا يؤجر نفسه لكافر، ومن ورود الواو للتعليل (¬8)، الواو الداخلة على الأفعال المنصوبة في قوله تعالى: {أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ} (¬9)، {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142)} (¬10). قال أنس: (فنظرت إلى السحاب يتصدع) أي: يتفرق ويتقطع. ومنه قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} (¬11) أي: يتفرقون. كما قال تعالى: {وَيَوْمَ ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ص، س، ل): محصلة. والمثبت من (م)، و"فتح الباري". (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ص): بيديها. وفي (م): بيدها. والمثبت من (س، ل)، و"فتح الباري". (¬5) سقط من (م). (¬6) في (م): لكنه. (¬7) انظر: "فتح الباري" 2/ 587. (¬8) زاد في (س، ل، م): قوله تعالى. (¬9) الشورى: 34 - 35. (¬10) آل عمران: 142. (¬11) الروم: 43.

تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14)} (¬1). يقال: صدعت الرداء صدعًا إذا شققته، والاسم الصدع بالكسر، والصدع في الزجاجة بالفتح. (حول المدينة كأنه إكليل) وفي رواية: فنظرت إلى المدينة وإنها لفي مثل الإكليل. يريد: أن الغيم تقشع عنها واستدار بآفاقها، وكل ما أحاط بشيء فهو إكليل، ويسمى التاج المحيط بالرأس إكليلًا، ومنه حديث عائشة: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تبرق أكاليل وجهه. [هي جمع إكليل] (¬2) وهي شبه عصابة مزينة بالجوهر، فجعلت لوجهه أكاليل على جهة الاستعارة. [1175] (حدثنا عيسى بن حماد) زغبة بضم الزاي، وسكون الغين المعجمة، ثم باء موحدة، شيخ مسلم، من زغبة الوراق. (أنبأنا الليث، عن سعيد المقبري (¬3)، عن شريك بن عبد الله بن (¬4) أبي نمر) بفتح النون وكسر الميم، القرشي يعد في التابعين من أهل المدينة. (عن أنس) بن مالك (أنه سمعه يقول). . الحديث (فذكر نحو حديث عبد العزيز) بن صهيب، وقال فيه (فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه بحذاء) بكسر الحاء المهملة ومد الألف (وجهه) أي: بإزاء وجهه، والمعنى أنه رفع يديه حتى صارتا محاذيتي وجهه. أي: مقابلتيه. ¬

_ (¬1) الروم: 14. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (ص، س): المصري. والمثبت من (ل، م)، و"السنن". (¬4) سقط من (ص). والمثبت من (س، ل، م).

[وزاد البخاري في الأدب: فنظر إلى السماء (¬1)] (¬2). (فقال: اللهم اسقنا) وزاد البخاري: أعاده ثلاثًا (¬3). وفي رواية ثابت (¬4) عنده عن أنس: "اللهم اسقنا" مرتين (¬5)، والأخذ بزيادة الثلاث أولى، ويرجحها روايته في العلم أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دعا، دعا ثلاثًا (¬6). (وزاد (¬7) نحوه) أي: نحو ما تقدم. [1176] (حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن يحيى بن سعيد) الأنصاري. (عن عمرو بن شعيب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحدثنا سهل بن صالح) [بن حكيم] (¬8) الأنطاكي قال أبو حاتم (¬9): ثقة (¬10). قال النسائي: لا بأس به (¬11). (حدثنا علي بن قادم) الخزاعي قال أبو حاتم: محله الصدق (¬12)، ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (6093). (¬2) سقط من (م). (¬3) "صحيح البخاري" (1013). (¬4) في (ص، س): كانت. والمثبت من (ل، م). (¬5) "صحيح البخاري" (1021). (¬6) "صحيح مسلم" (1794). (¬7) سقط من (م). (¬8) من (م). (¬9) "الجرح والتعديل" 4/ 199. (¬10) سقط من (م). (¬11) "مشيخة النسائي" (100). (¬12) "الجرح والتعديل" 6/ 201.

(حدثنا سفيان) بن سعيد بن (¬1) مسروق الثوري (عن يحيى بن سعيد) ابن قيس الأنصاري. (عن عمرو بن شعيب، عن أبيه) شعيب بن محمد بن عمرو (عن جده) عمرو بن العاص (قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا استسقى قال: اللهم اسق عبادك) فالعباد هنا كالسبب للسقي. أي: اسقهم؛ لأنهم عبيدك المتذللين الخاضعين لك. (وبهائمك) جمع بهيمة، وهي كل ذات أربع من دواب البر والبحر، وكل حيوان لا يميز فهو بهيمة، وقد يؤخذ منه حضور البهائم الاستسقاء، وهو الأصح في مذهب الشافعي (¬2)؛ لأن الجدب قد أصابها أيضًا؛ ولأنهم يرحمون فيسقوا (¬3) كما في الحديث: "لولا بهائم [رتع" (¬4)، ولابن ماجه: "لولا البهائم لم يمطروا" (¬5)] (¬6). ولما روى الحاكم: "إن نبيًّا من الأنبياء خرج يستسقي، فإذا هو بنملة رافعة بعض قوائمها إلى السماء فقال: ارجعوا فقد استجيب لكم من أجل النملة". وقال: إنه صحيح الإسناد (¬7) [وفي لفظ أحمد: "خرج سليمان ¬

_ (¬1) في (ص): عن. والمثبت من (س، ل، م). (¬2) "منهاج الطالبين" 1/ 25. (¬3) زاد في (م): فسواء. (¬4) أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" 22/ 309 (785)، والبيهقي في "السنن الكبرى" 3/ 345. (¬5) "سنن ابن ماجه" (4019). (¬6) سقط من (م). (¬7) "المستدرك" 1/ 325 - 326.

يستسقي. ." الحديث] (¬1). (وانشر رحمتك) أي: ابسط بركات غيثك ومنافعه على العباد بما يحصل به من الخصب، وهو نظير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ} (¬2) (وأَحْيِ) بفتح الهمزة (بلدك الميت). وللطبراني في "الأوسط": "اللهم أَنزل علينا من السماء ماء طهورًا، وأحي به بلدة ميتة، واسقه مما خلقت أنعامًا وأناسيَّ كثيرًا" (¬3). (قال المصنف: هذا لفظ حديث مالك) قال المنذري: وحديث مالك الذي ذكره فيه عن عمرو بن شعيب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. . مرسل (¬4). ¬

_ (¬1) من (ل)، وهذا الحديث ليس في "المسند" وذكره ابن حجر في "التلخيص" 2/ 198 كذلك. (¬2) الشورى: 28. (¬3) "المعجم الأوسط" (7619). (¬4) "مختصر سنن أبي داود" 2/ 39.

4 - باب صلاة الكسوف

4 - باب صَلاةِ الكُسُوفِ 1177 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بن عُلَيَّةَ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، عَنْ عَطاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَخْبَرَنِي مَنْ أُصَدِّقُ وَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُرِيدُ عائِشَةَ قَالَ: كُسِفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قِيامًا شَدِيدًا يَقُومُ بِالنّاسِ ثُمَّ يَرْكَعُ ثُمَّ يَقُومُ ثُمَّ يَرْكَعُ ثُمَّ يَقُومُ ثُمَّ يَرْكَعُ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلاثُ رَكَعاتٍ يَرْكَعُ الثَّالِثَةَ ثُمَّ يَسْجُدُ حَتَّى إِنَّ رِجالًا يَوْمَئِذٍ لَيُغْشَى عَلَيْهِمْ مِمّا قامَ بِهِمْ، حَتَّى إِنَّ سِجالَ الماءِ لَتُصَبُّ عَلَيْهِمْ يَقُولُ إِذا رَكَعَ: "اللهُ أَكْبَرُ". وإِذا رَفَعَ: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ". حَتَّى تَجَلَّتِ الشَّمْسُ ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ الشَّمْسَ والقَمَرَ لا يَنْكَسِفانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَياتِهِ وَلَكِنَّهُما آيَتانِ مِنْ آياتِ اللهِ - عز وجل - يُخَوِّفُ بِهِما عِبادَهُ فَإِذا كُسِفا فافْزَعُوا إِلَى الصَّلاةِ (¬1). * * * باب صلاة الكسوف [1177] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا إسماعيل بن علية، عن) عبد الملك (بن جريج، عن عطاء) بن أبي رباح (عن عبيد بن عمير) (¬2) بن قتادة بن سعد بن عامر الليثي الحجازي، قاضي أهل مكة، ولد في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقال: رآه (¬3)، وهو معدود في كبار التابعين قال (أخبرني من أُصَدِّقُ) بضم الهمزة وتشديد الدال المكسورة (وظننت) أي: ظن عطاء (أنه يريد عائشة - رضي الله عنها). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1044)، ومسلم (901). وعندهما ركوعان وليس ثلاث. (¬2) في (ص، س): عمير بن عبيد. والمثبت من "تهذيب الكمال" 19/ 223. (¬3) في (ص، س): واه.

(قالت: كسفت) (¬1) بفتح السين، من باب ضرب (الشمس) (¬2) ورواه جماعة بضم الكاف وكسر السين مبني (¬3) لما لم يسم فاعله، وحديث الكسوف رواه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعة (¬4) عشر نفسًا، ورواه جماعة منهم بالكاف، وجماعة (¬5) بالخاء، وجماعة باللفظين جميعًا (¬6)، ويقال: كسفت وخسفت في الشمس والقمر جميعًا، وقد بوب البخاري على ذلك (¬7). وقيل: الخسوف في الكل، والكسوف (¬8) في البعض، وقيل: الكسوف تغيرهما (¬9)، والخسوف تغيبهما (¬10) في السواد. (على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - قيامًا) طويلًا (¬11) (شديدًا) سنة صلاة كسوف الشمس الإطالة فيها (¬12) عند مالك (¬13)، والشافعي (¬14)، وعامة العلماء كما جاء (¬15) في الأحاديث الصحيحة في [ذلك من] (¬16) تقدير قراءتها بالسور الطوال، ولو اقتصر في كل قيام على الفاتحة وأدنى طمأنينة في كل ركوع صحت صلاته، وفاتته الفضيلة (يقوم ¬

_ (¬1) زاد في (ص): الشمس. (¬2) من (س، ل، م). (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): تسعة. (¬5) في (م): منهم. (¬6) من (م). (¬7) باب هل يقول كسفت الشمس أو خسفت؟ . بعد حديث (1046). (¬8) في (م): الخسوف. (¬9) في (ص، س): لغيرهما. (¬10) في (ص، س): لعينهما، وفي (ل): بعينها، والمثبت من (م). (¬11) من (م). (¬12) في (ص): منها. (¬13) "المدونة" 1/ 243. (¬14) "الأم" 1/ 407 - 408. (¬15) من (ل، م). (¬16) من (م).

بالناس) أي: يقوم (¬1) فيصلي بالناس فيقرأ الفاتحة (ثم يركع) بهم (ثم يقوم) أي: يرفع رأسه من الركوع، فيقرأ الفاتحة (ثم يركع) ثانيًا (ثم يقوم) أي: يعتدل (ثم يركع) ثالثًا، ثم يعتدل، ثم يسجد سجدتين. قالت عائشة: (فركع (¬2) ركعتين في كل ركعة ثلاث) [بالرفع مبتدأ قدم الخبر عليه] (¬3) (ركعات) (¬4) وقد اتفقوا (¬5) على أنه يقرأ الفاتحة في الركوع الأول من (¬6) كل ركعة، واختلفوا في القيام الثاني، فمذهب الشافعي (¬7) ومالك (¬8) أنه يقرأ بها فيه، ولا تصح بدونها، وخالفهما الباقون. قال السبكي في "شرح المنهاج": الأحاديث بالقيامين والركوعين (¬9) ثابتة مستفيضة في الصحيحين، ولم أقف فيها على قراءة الفاتحة في كل قيام، والشافعي أوجبها في كل ركعة كالركعة (¬10). انتهى. وقد يستأنس للفاتحة برواية ابن حبان والحاكم ولفظهما: "فصلى بهم (¬11) ركعتين مثل صلاتكم" (¬12) وللنسائي: "مثل ما تصلون" (¬13)، وقد يستدل بهذِه الرواية أبو حنيفة على ما ذهب إليه (¬14) أن صلاة ¬

_ (¬1) في (س، ل): يقول. (¬2) في (م): فيركع. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): ركوعات. (¬5) في (م): اتفق. (¬6) في (م): في. (¬7) "الأم" 1/ 408. (¬8) "المدونة" 1/ 242. (¬9) في (ص، س): الركوع. (¬10) "تكملة المجموع". (¬11) ليست في (م). (¬12) "صحيح ابن حبان" (2837)، و"المستدرك" 1/ 335. (¬13) "السنن الكبرى" للنسائي (1889) لكن بلفظ: "ركعتين كما تصلون". (¬14) أقحم هنا في (ص، س): الشافعي. ولا وجه لها.

الكسوف كسائر الصلوات (¬1)، إن شاء صلى ركعتين، وإن شاء أربعًا، وإن شاء ستًّا فيسلم في كل ركعتين، ولا يزيد في الركوع، هكذا حكى مذهبه البيهقي (¬2)، ثم قال: ودليلنا المتفق على صحته عند البخاري ومسلم عن عائشة في (¬3) صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين خسفت الشمس (¬4)، وعن ابن عباس أيضًا (¬5)، وعند مسلم عن جابر (¬6)، والأخذ بذلك أولى؛ لأنها مفسرة (¬7) زائدة على غيرها من الروايات، وأسانيد حديث الركعتين وإن كانت عند البخاري لا تقاوم أسانيد من روى فيها ركوعين في كل ركعة، فهي أصح إسنادًا وأثبت رجالًا، ورواه ستة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن عباس، وابن عمر، وجابر، وعائشة، [وابن عمرو] (¬8)، وأبو موسى، فهم أكثر عددًا. وحكى أبو عيسى الترمذي في كتاب "العلل" عن محمد بن إسماعيل البخاري أنه قال: أصح الروايات عندي في صلاة الكسوف أربع ركعات في أربع سجدات (¬9). ثم قال البيهقي: ومن أصحابنا من ذهب إلى تصحيح الأخبار الواردة ¬

_ (¬1) "المبسوط" للسرخسي 2/ 120. (¬2) "معرفة السنن والآثار" 3/ 78 - 79. (¬3) في (م): من. (¬4) أخرجه البخاري (1044)، ومسلم (901) (3) صحيحيهما. (¬5) أخرجه البخاري (1046)، ومسلم (902، 907). (¬6) "صحيح مسلم" (904). (¬7) بياض في (ص)، وفي (س): مقرة. والمثبت من (ل، م). (¬8) من (م). (¬9) "علل الترمذي" ص 97.

في هذِه الأعداد، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلها مرات، وأن الجميع جائز (¬1). وكأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يزيد في الركوع إذا لم ير الشمس حتى تجلت (¬2)، ذهب إلى هذا إسحاق بن راهويه (¬3)، ومن بعده محمد بن إسحاق بن خزيمة (¬4)، وأبو بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب الصبغي، وأبو سليمان الخطابي (¬5)، واستحسنه أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر (¬6)، ثم قال: والذي اختاره الشافعي (¬7) من الترجيح أصح، وهو اختيار البخاري (¬8)، ثم قال: وذلك بَيِّنٌ (¬9) ظاهر [في طرق] (¬10) أحاديث صلاة الخسوف أنها ترجع إلى صلاة واحدة، وهي يوم توفي ابنه إبراهيم، في كل ركعة ثلاث ركعات، وستأتي رواية الخمس ركعات والاعتذار عنها وعن هذِه الرواية. (فيركع الركعة الثالثة (¬11) [ثم يسجد]) (¬12) سجدتين (حتى إنَّ) بكسر الهمزة، كما يقال: مرض زيد حتى إنهم لا يرجونه (رجالًا) من المقتدين به (يومئذٍ ليغشى) بفتح اللام الداخلة في خبر إن للتوكيد (عليهم مما ¬

_ (¬1) "معرفة السنن والآثار" 3/ 87. (¬2) سقط من الأصل، (س). والمثبت من (ل، م). (¬3) انظر: "الأوسط" لابن المنذر 5/ 314. (¬4) "صحيح ابن خزيمة" 2/ 317. (¬5) "معالم السنن" 2/ 41. (¬6) "الأوسط" 5/ 315. (¬7) انظر: "الأم" 1/ 402. (¬8) "علل الترمذي" ص 97. (¬9) ليست في (م). (¬10) في (م): من طريق. (¬11) في (م): الثانية. (¬12) ليست في (م).

قام (¬1) بهم) فيه تكلف (¬2) المشاق الشديدة عند حدوث الحوادث (حتى إن سجال) بكسر المهملة (الماء) جمع سجل بفتحها مع سكون الجيم، وهو الدلو إذا كان فيه ماء قل أو كثر، ولا يقال لها وهي فارغة سجل ولا ذنوب (¬3)، بل دلو (لتُصب عليهم) أي: من شدة العرق، فيه استعمال المبالغة في الألفاظ تجوزًا (يقول إذا ركع) أي أراد الركوع (الله أكبر) يعني: في الركوع (¬4) الأصلي والزائد (و) يقول (إذا رفع) رأسه من كل ركوع زائدٍ أو أصلي (سمع الله لمن حمده) كما تقدم. (حتى تجلت الشمس) بتشديد اللام أي: خرجت من الكسوف، يقال: تجلت وانجلت بمعنى. زاد النسائي في هذِه الرواية بعد أن (¬5) تجلت الشمس: فقام فحمد الله وأثنى عليه (¬6). وفي هذِه الرواية لمسلم وغيره، وقد تجلت الشمس (¬7) فخطب الناس (¬8). (ثم قال: إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد) فيه الرد على قولهم: كسفت لموت إبراهيم - عليه السلام -. والحكمة في هذا الكلام أن بعض الجاهلية الضلال كانوا يعظمون الشمس والقمر، فبين أنهما مخلوقان (¬9) لله تعالى لا صنع لهما في موت أحد من الناس، بل هما ¬

_ (¬1) في (م): هامة. (¬2) في (م): تكليف. (¬3) بياض في (ص). والمثبت من (س، ل، م). (¬4) زاد هنا في (م): في. (¬5) ليست في (م). (¬6) "المجتبى" 3/ 129. (¬7) من (ل، م)، ومصادر التخريج. (¬8) "صحيح مسلم" (901). (¬9) في (م): مخلوقتان.

كسائر المخلوقات يطرأ (¬1) عليهما النقص والتغيير كغيرهما، وكان بعض الضلال من المنجمين يقول: لا ينكسفان إلا لموت عظيم أو نحو ذلك، فبين (¬2) أن هذا باطل لئلا يغتر بأقوالهم (¬3)، لا سيما وقد صادف موت إبراهيم (¬4). (ولا لحياته) ذكر هذا وإن لم يكن أحد يقول: إن (¬5) الانكساف لحياة أحد، لا سيما في سياق موت إبراهيم، بل لدفع توهم أنها إذا (¬6) لم تكن لموت أحد، فيكون كنقيض الموت يعمم (¬7) النفي فيهما. (ولكنهما آيتان من آيات الله) أي: علامتان لقرب القيامة، أو إنه (¬8) لعذاب الله الناس مقدمة له، قال الله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} (¬9)، أو علامتان على أنهما مخلوقتان لله تعالى، داخلتان تحت قهر الله تعالى، ويعتريهما النقص والتغير كما يعتري غيرهما، لا يستطيعان الدفع عن أنفسهما شيئًا، فكيف يتصرفان (¬10) في موت أحد أو حياته، وأما قول أهل الهيئة: إن سبب الكسوف حيلولة القمر بينها وبين الأرض فلا يرى حينئذ إلا لون القمر [وهو كمِدٌ (¬11) لا نور له] (¬12)، ¬

_ (¬1) في (م): فطرأ. (¬2) في (م): فتبين. (¬3) في (ص): بأحوالهم. (¬4) "شرح مسلم للنووي" 6/ 201. (¬5) ليست في (م). (¬6) ليست في (م). (¬7) في (ل، م): فعم. (¬8) ليست في (م). (¬9) الإسراء: 59. (¬10) في (س، ل، م): يتصرف. (¬11) في النسخ: كبير. والمثبت من "عمدة القاري" 2/ 96، وهو الصحيح، وكمد اللون: متغيره، كأنما علته غبرة. (¬12) ليست في (م).

وإنما يكتسب النورانية من الشمس، وذلك إنما هو آخر الشهر (¬1) في إحدى عقدي (¬2) الرأس والذنب وله آثار في الأرض، فهذا كله ممنوع إلا أن يقال: إن الله أجرى سنته في مثل ذلك، فيكون كاحتراق الحطب بالنار، ويظهر الضوء من الاحتراق، أما إنه واجب عقلًا وله تأثير فباطل، بل لا يؤثر إلا الله (¬3) تعالى، وجميع الحوادث بسببه. (يخوف) الله تعالى (بهما عباده) كما تقدم (فإذا كسفا) بضم الكاف مبني للمفعول وفتحها (¬4). (فافزعوا) أي: خافوا أن يكون هذا مقدمة عذاب الله تعالى، وأسرعوا (إلى الصلاة) وفيه إثبات صلاة الكسوف، والمبادرة إليها حتى يزول هذا العارض، وفي قوله: [(فافزعوا إلى الصلاة)] (¬5) استحبابها جماعة، وتجوز فرادى. ¬

_ (¬1) في (ص، س): الشمس. (¬2) في (ص، س): عيدي. (¬3) في (ص، س): بالله. (¬4) و (¬5) ليست في (م).

5 - باب من قال أربع ركعات

5 - باب مَنْ قَالَ أَرْبَعُ رَكَعاتٍ 1178 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ، حَدَّثَنِي عَطاءٌ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كُسِفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ ذَلِكَ فِي اليَوْمِ الذِي ماتَ فِيهِ إِبْراهِيُم ابن رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ النَّاسُ إِنَّما كُسِفَتْ لِمَوْتِ إِبْراهِيمَ ابنهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى بِالنَّاسِ سِتَّ رَكَعاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَداتٍ، كَبَّرَ ثُمَّ قَرَأَ فَأَطَالَ القِراءَةَ ثُمَّ رَكَعَ نَحْوًا مِمّا قامَ ثمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَرَأَ دُونَ القِراءَةِ الأُولَى ثُمَّ رَكَعَ نَحْوًا مِمّا قَامَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَرَأَ القِراءَةَ الثَّالِثَةَ دُونَ القِراءَةِ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ رَكَعَ نَحْوًا مِمّا قَامَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فانْحَدَرَ لِلسُّجُودِ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ ثَلاثَ رَكَعاتٍ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ لَيْسَ فِيها رَكْعَةٌ إِلَّا التِي قَبْلَها أَطْوَلُ مِنَ التِي بَعْدَها إِلَّا أَنَّ رُكُوعَهُ نَحْوٌ مِنْ قِيامِهِ قَالَ: ثُمَّ تَأَخَّرَ فِي صَلاتِهِ فَتَأَخَّرَتِ الصُّفُوفُ مَعَهُ ثُمَّ تَقَدَّمَ فَقامَ فِي مَقامِهِ وَتَقَدَّمَتِ الصُّفُوفُ فَقَضَى الصَّلاةَ وَقَدْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَقَالَ: "يا أَيُّها النَّاسُ إِنَّ الشَّمْسَ والقَمَرَ آيَتانِ مِنْ آياتِ الله - عز وجل - لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ بَشَرٍ فَإِذا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَصَلُّوا حَتَّى تَنْجَلِيَ". وَسَاقَ بَقِيَّةَ الحَدِيثِ (¬1). 1179 - حَدَّثَنا مُؤَمَّل بْنُ هِشامٍ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ، عَنْ هِشامٍ، حَدَّثَنا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ قَالَ: كُسِفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الحَرِّ فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِأَصْحَابِهِ فَأَطَالَ القِيامَ حَتَّى جَعَلُوا يَخِرُّونَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ، ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ، ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ قامَ فَصَنَعَ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ فَكَانَ أَرْبَعَ رَكَعاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَداتٍ. وَسَاقَ الحَدِيثَ (¬2). 1180 - حَدَّثَنا ابن السَّرْحِ، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ ح، وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ المُرادِيُّ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابن شِهابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (904). وعنده أربع ركعات وليس ست. (¬2) رواه مسلم (904).

عائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: خُسِفَتِ الشَّمْسُ فِي حَياةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى المَسْجِدِ فَقامَ فَكَبَّرَ وَصَفَّ النَّاسُ وَراءَهُ، فاقْتَرَأَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قِراءَةً طَوِيلَةً ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رْكُوعًا طَوِيلًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقالَ: "سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنا وَلَكَ الحَمْدُ". ثُمَّ قامَ فاقْتَرَأَ قِراءَةً طَوِيلَةً هِيَ أَدْنَى مِنَ القِراءَةِ الأُولَى ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا هُوَ أَدْنَى مِنَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: "سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنا وَلَكَ الحَمْدُ". ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ فاسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَداتٍ وانْجَلَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ (¬1). 1181 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا عَنْبَسَة، حَدَّثَنا يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ قَالَ: كَانَ كَثِيرُ بْنُ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ كانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ مِثْلَ حَدِيثِ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رَكْعَتَيْنِ (¬2). 1182 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ الفُراتِ بْنِ خالِدٍ أَبُو مَسْعُودٍ الرَّازِيُّ، أَخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ قَالَ أَبُو داوُدَ: وَحُدِّثْتُ عَنْ عُمَرَ بْنِ شَقِيقٍ، حَدَّثَنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ - وهذا لَفْظُهُ، وَهُوَ أَتَمُّ - عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي العالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَإِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى بِهِمْ فَقَرَأَ بِسُورَةٍ مِنَ الطُّوَلِ وَرَكَعَ خَمْسَ رَكَعَاتٍ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ الثَّانِيَةَ فَقَرَأَ سُورَةً مِنَ الطُّوَلِ وَرَكَعَ خَمْسَ رَكَعَاتٍ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ كَما هُوَ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ يَدْعُو حَتَّى انْجَلَى كُسُوفُها (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1046)، ومسلم (901). (¬2) رواه البخاري (1052)، ومسلم (902). (¬3) رواه أحمد 5/ 134، والطبراني في "الدعاء" (2237)، والحاكم 1/ 332 والبيهقي 3/ 329. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (214).

1183 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى عَنْ سُفْيانَ، حَدَّثَنا حَبِيبُ بْن أَبِي ثابِتٍ عَنْ طاوُسٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ صَلَّى فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ، ثمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ والأُخْرَى مِثْلُها (¬1). 1184 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا الأَسْوَدُ بْنُ قَيْسٍ، حَدَّثَنِي ثَعْلَبَةُ بْنُ عِبادٍ العَبْدِيُّ مِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ أَنَّهُ شَهِدَ خُطْبَةً يَوْمًا لِسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ سَمُرَةُ: بَيْنَما أَنا وَغُلامٌ مِنَ الأَنْصارِ نَرْمِي غَرَضَيْنِ لَنا حَتَّى إِذَا كَانَتِ الشَّمْسُ قِيدَ رُمْحَيْنِ أَوْ ثَلاثَةٍ فِي عَيْنِ النَّاظِرِ مِنَ الأُفُقِ اسْوَدَّتْ حَتَّى آضَتْ كَأَنَّها تَنُّومَةٌ فَقَالَ أَحَدُنا لِصاحِبِهِ انْطَلِقْ بِنا إِلَى المَسْجِدِ فَواللَّهِ لَيُحْدِثَنَّ شَأْنُ هذِهِ الشَّمْسِ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي أُمَّتِهِ حَدَثًا قَالَ: فَدَفَعْنا فَإِذا هُوَ بارِزٌ فاسْتَقْدَمَ فَصَلَّى: فَقَامَ بِنا كَأَطْوَلِ ما قَامَ بِنا فِي صَلاةٍ قَطُّ لا نَسْمَعُ لَهُ صَوْتًا قَالَ ثُمَّ رَكَعَ بِنا كَأَطْوَلِ ما رَكَعَ بِنا فِي صَلاةٍ قَطُّ لا نَسْمَعُ لَهُ صَوْتًا ثُمَّ سَجَدَ بِنا كَأَطْوَلِ ما سَجَدَ بِنا فِي صَلاةٍ قَطُّ لا نَسْمَعُ لَهُ صَوْتًا. ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ: فَوافَقَ تَجَلِّي الشَّمْسِ جُلُوسَهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، قَالَ: ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ قامَ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَشَهِدَ أَنْ لا إله إِلَّا اللهُ وَشَهِدَ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ثُمَّ سَاقَ أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ خُطْبَةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬2). 1185 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ قَبِيصَةَ الهِلالِيِّ قَالَ: كُسِفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَخَرَجَ فَزِعًا يَجُرُّ ثَوْبَهُ وَأَنا مَعَهُ يَوْمَئِذٍ بِالمَدِينَةِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَأَطَالَ فِيهِما القِيامَ ثُمَّ انْصَرَفَ وانْجَلَتْ فَقالَ: "إِنَّما هذِهِ الآياتُ يُخَوِّفُ الله بِها فَإِذا رَأَيْتُمُوها فَصَلُّوا كأَحْدَثِ صَلاةٍ صَلَّيْتُمُوها مِنَ المَكْتُوبَةِ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (909). (¬2) رواه النسائي 3/ 140، وأحمد 5/ 17، وابن خزيمة (1397)، وابن حبان (2852). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (216). (¬3) رواه النسائي 3/ 144، وأحمد 5/ 60. قال الحاكم في "المستدرك" 1/ 333: صحيح على شرط الشيخين. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (217).

1186 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا رَيْحانُ بْن سَعِيدٍ، حَدَّثَنا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ هِلالِ بْنِ عامِرٍ أَنَّ قَبِيصَةَ الهِلالِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ الشَّمْسَ كُسِفَتْ بِمَعْنَى حَدِيثِ مُوسَى، قَالَ: حَتَّى بَدَتِ النُّجُومُ (¬1). * * * باب من قال أربع ركعات [1178] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا (¬2) يحيى) بن سعيد القطان (¬3) (عن عبد الملك) بن عبد العزيز (¬4) بن جريج المكي مولى أمية بن خالد. (حدثنا عطاء، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: كسفت) بفتح الكاف والسين [كما قال الله تعالى: {وَخَسَفَ الْقَمَرُ} (¬5)] (¬6) هذِه اللغة الفصحى أن (¬7) يقال: كسفت الشمس وخسف (¬8) القمر، وكسف يكون قاصرًا ومتعديًا. تقول في القاصر: كسفت الشمس، وفي المتعدي كسفها الله تعالى. (على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان ذلك اليوم الذي مات فيه إبراهيم ابن ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1444). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (218). (¬2) في (م): بن. وهو خطأ. (¬3) في (م): العطار. (¬4) في (ص، س): سعيد. والمثبت من (ل، م)، و"تهذيب الكمال" 18/ 338. (¬5) القيامة: 8. (¬6) ليست في (م). (¬7) ليست في (م). (¬8) في (م): خسفت.

النبي - صلى الله عليه وسلم -) من سريته (¬1) مارية القبطية، وولد بالمدينة (¬2) في (¬3) ذي الحجة سنة ثمان، ومات في ذي الحجة سنة عشر، ودفن بالبقيع (¬4). (فقال الناس: إنما كسفت لموت إبراهيم) لما كانوا يعتقدونه من تعظيم الشمس، وأن [لها تأثيرًا] (¬5) (فقام النبي - صلى الله عليه وسلم -) إلى الصلاة (فصلى بالناس ست ركعات) في كل ركعة ثلاث ركوعات، كما في الرواية قبله (في أربع سجدات) بفتح الجيم، في كل ركعة سجودان على العادة (كبر) الله تعالى في (¬6) تكبيرة الإحرام، ثم (¬7) في كلِّ ركوع كما تقدم. (ثم قرأ) في القيام الأول (فأطال القراءة) أي: بقدر سورة البقرة كما سيأتي (ثم ركع نحوًا مما قام) (¬8) بحيث يسبح فيه قدر مائة آية (¬9) من البقرة. (ثم رفع رأسه فقرأ) الفاتحة وبعدها (دون القراءة الأولى) وهو كمائتي ¬

_ (¬1) ليست في (م). (¬2) من (م). (¬3) في (م) من. (¬4) زاد في الأصول الخطية: فصلى بالناس فيه دليل على استحبابها جماعة وتجوز فرادى. وهي زيادة مقحمة؛ لأن لفظة: "فصلى بالناس" ستأتي بعد ذلك في موضعها. (¬5) في (س، ل، م): لهما تأثيران. (¬6) في (ص، س): فيه. والمثبت من (ل، م). (¬7) من (م). (¬8) في (ص، س): تقدم. والمثبت من (ل، م)، و"السنن". (¬9) من (س، ل، م).

آية من البقرة (ثم ركع نحوًا مما قام) يسبح (¬1) كقدر ثمانين آية من البقرة، (ثم رفع رأسه فقرأ) بعد الفاتحة (القراءة الثالثة) وهي (دون القراءة الثانية) بقدر مائة وخمسين آية. (ثم ركع) الركوع الثالث (نحوًا) أي: يسبح فيه قريبًا (مما قام) قبله (ثم رفع رأسه) للاعتدال الفاصل بين الركوع والسجود. (فانحدر) أتى (¬2) بفاء التعقيب هنا دون ما قبله، فإنه أتى بـ (ثم) الدالة على المهلة (¬3) (للسجود) الأول (فسجد سجدتين) يقعد بينهما كما في سائر الصلوات (ثم قام) بعد (¬4) السجدتين (فركع ثلاث ركعات) كما في الركعة الأولى (قبل أن يسجد) للركعة الثانية لكن (ليس فيها ركعة) من هذِه الثلاث (إلا) والركعة (التي قبلها أطول) بالرفع (من) الركعة (التي بعدها) كما تقدم. (إلا أن ركوعه نحوًا) كذا الرواية بالنصب، ويجوز أن يكون نصبه بـ (كان) [المحذوفة، تقديره: إلا أن ركوعه] (¬5) [كان نحوًا (من قيامه) الذي قبله، ولفظ رواية مسلم] (¬6): [وركوعه نحو من سجوده (¬7). ¬

_ (¬1) ليست في (م). (¬2) من (س، ل، م). (¬3) في (م): المهملة. (¬4) في (م): بين. (¬5) من (ل، م). (¬6) من (ل). (¬7) "صحيح مسلم" (904/ 10).

وللنسائي] (¬1): إلا أن ركوعه وقيامه دون الركعة الأولى (¬2). (قال: ثم تأخر في صلاته فتأخرت الصفوف التي) خلفه (معه) يحتمل أن يكون (مع) هنا بمعنى (بعد) كما في قوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} (¬3) أي: بعده، لكن لسرعة البعدية وتحققها أتى بلفظة (مع) وزاد مسلم هنا في روايته ولفظه: ثم تأخر وتأخرت الصفوف خلفه حتى انتهينا - وقال أبو بكر: حتى انتهى إلى النساء (¬4). قال النووي: فيه أن العمل اليسير لا يبطل الصلاة، وفيه استحباب صلاة الكسوف للنساء، وفيه حضورهن وراء (¬5) الرجال (¬6). (ثم تقدم) أمامه (فقام في مقامه) الأول (وتقدمت (¬7) الصفوف) زاد مسلم: معه (¬8). أي: بعده، كما تقدم في: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}. (فقضى الصلاة وقد طلعت الشمس) زاد (¬9) مسلم: فانصرف حين انصرف [وقد آضت] (¬10) الشمس (¬11). يعني: بهمزة ممدودة، ومعناه ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "المجتبى" 3/ 133. (¬3) الشرح: 5. (¬4) "صحيح مسلم" (904) (10). (¬5) في (م): و. (¬6) "شرح النووي على مسلم" 6/ 209. (¬7) في (ص، س): بعد من. والمثبت من (ل، م)، و"السنن". (¬8) "صحيح مسلم" (904) (10). (¬9) في (م): ورواية. (¬10) في (ص): وحدآيت. هكذا! . والمثبت من (س، ل، م)، و"صحيح مسلم". (¬11) "صحيح مسلم" (904) (10).

رجعت إلى حالها الأول قبل الكسوف. (فقال: يا (¬1) أيها الناس) فيه دليل على استحباب هذِه اللفظة في أثناء الخطبة (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى) والآية في الأصل العلامة. أي: هذان (¬2) علامتان دالتان على قدرة موجدهما، وسلطان محدثهما (لا ينكسفان لموت بشر) أي: آدمي، ولا لحياته (فإذا رأيتم شيئًا [من ذلك] (¬3) فصلوا حتى ينجلي) الانجلاء: انفعال (¬4) من جلوت الشيء إذا كشفته (وساق بقية الحديث) على نحو ما تقدم. [1179] (حدثنا مؤمل) بفتح الميم الثانية المشددة (بن هشام) اليشكري (¬5) البصري شيخ البخاري (حدثنا إسماعيل) بن علية (عن هشام) الدستوائي (حدثنا أبو الزبير) محمد بن مسلم المكي التابعي (عن جابر) بن عبد الله (قال: كسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم شديد الحر) كذا لمسلم (¬6) والنسائي (¬7) (فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه (¬8) فأطال القيام) الأول (حتى جعلوا يخرون) إلى الأرض من طول القيام (ثم ركع فأطال) الركوع (ثم رفع) رأسه للقيام والقراءة ¬

_ (¬1) ليست في (م). (¬2) ليست في (م). (¬3) من (ل، م)، و"السنن". (¬4) في (ص، س، ل): افتعال. والمثبت من (م). (¬5) في (م): البكري. (¬6) "صحيح مسلم" (904) (9). (¬7) "المجتبى" 3/ 136. (¬8) من (س، ل، م)، و"السنن".

(فأطال، ثم ركع) ثانيًا (فأطال) الركوع (ثم رفع) رأسه (فأطال) القيام والقراءة، (ثم سجد سجدتين، ثم قام) إلى (¬1) الركعة الثانية (فصنع نحوًا من ذلك فكان) لفظ مسلم: فكانت (¬2). وهي أفصح، أي: كانت صلاته (أربع ركعات وأربع سجدات، وساق الحديث) هذا الحديث والذي بعده مما احتج به الشافعي (¬3) وغيره (¬4). قال القاضي عياض: الجمهور على ما جاء في حديث عائشة من رواية عمرة وعروة (¬5)، وما وافقه من الأحاديث عن ابن عباس وجابر وعبد الله بن عمرو بن العاص أنها ركعتان في كل ركعة ركعتان وسجودان. قال ابن عبد البر: وهذا أصح ما في الباب (¬6)، وغيره من الروايات التي خالفها ضعيفة معلولة، قال: وهذا قول مالك (¬7) والشافعي (¬8) والليث (¬9) وأحمد (¬10) وجمهور علماء الحجاز (¬11). [1180] (حدثنا) أحمد بن عمرو (بن السرح) المصري (حدثنا) ¬

_ (¬1) في (ص، س): في. والمثبت من (ل، م). (¬2) في (ص، س): كانت. والمثبت من (ل، م)، و"صحيح مسلم" (904) (9). (¬3) "الأم" 1/ 402 - 404. (¬4) من (م). (¬5) في (م): عائشة. (¬6) "إكمال المعلم" 3/ 330. (¬7) "المدونة" 1/ 242 - 243. (¬8) "الأم" 1/ 403 - 404. (¬9) في (ص، س): أنس. والمثبت من (ل، م)، ومصادر التخريج. (¬10) "مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج" (414). (¬11) "الاستذكار" 7/ 93.

عبد الله (بن وهب. ([ح] وحدثنا محمد بن سلمة) (¬1) بفتح السين، ابن عبد الله بن أبي فاطمة (المرادي) بضم الميم شيخ مسلم (حدثنا ابن وهب، عن يونس، عن) محمد (بن شهاب، أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنها - قالت (¬2): خسفت الشمس) فيه أن الخسوف لا يختص (¬3) بالقمر بل يستعمل للشمس أيضًا (في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المسجد) فيه إثبات صلاة الخسوف، وفيه استحباب فضلها (¬4) في المسجد الذي يصلى فيه الجمعة. قال أصحابنا: إنما لم يخرج إلى المصلى لخوف فواتها بالانجلاء (¬5) فالسنة المبادرة بها (¬6). (فقام فكبر) تكبيرة الإحرام مع نية الكسوف (وصف الناس وراءه) صفوفًا (فاقترأ) [أي: قرأ] (¬7) (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قراءة طويلة) كما تقدم. (ثم كبر فركع ركوعًا طويلًا، ثم رفع رأسه فقال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد) فيه دليل على استحباب (¬8) الجمع بين هذين اللفظين، ¬

_ (¬1) في (م): مسلمة. (¬2) في (م): قال. (¬3) في (م): يخص. (¬4) كذا في الأصول الخطية، ولعل الصواب: فعلها. (¬5) في (ص، س): في الانجلاء. والمثبت من (ل، م)، و"شرح النووي". (¬6) شرح النووي على مسلم" 6/ 202. (¬7) من (س، ل، م). (¬8) من (س، ل، م).

وهو مذهب الشافعي (¬1) ومن وافقه، وهو مستحب عندنا للإمام والمأموم والمنفرد، ويستحب لكل أحد الجمع بينهما، وفيه استحباب: "ربنا ولك الحمد" بزيادة الواو، وقد صحت الرواية بدونها، وهذِه الواو عاطفة على محذوف تقديره أطعناك أو حمدناك، ولك الحمد على ذلك. (ثم قام فاقترأ (¬2) قراءة طويلة هي أدنى من القراءة الأولى) كما تقدم (ثم كبر) للركوع (فركع ركوعًا طويلًا) و (هو أدنى من الركوع الأول) قال القاضي عياض: واختلف العلماء في القيام الأول والركوع من الركعة الثانية هل هو أقصر من القيام الثاني (¬3) من الركعة الأولى، وأنه (¬4) معنى قوله: دون القيام الأول. [أو مساوٍ لذلك وأقصر من أول قيام وأول ركوع، وأن هذا في معنى قوله، والوجه الأول] (¬5) أظهر، وهو قول مالك (¬6) يعني: وقول الشافعي (¬7) - رضي الله عنهما -. (ثم قال: سمع الله لمن حمده) أي: تقبل الله منه (¬8) حمده (ربنا ولك الحمد) على ما ألهمت (ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك) أي: في الكيفية لا في القدر (فاستكمل) بذلك (أربع ركعات و (¬9) أربع ¬

_ (¬1) "الأم" 1/ 408. (¬2) في (ص، س، ل): فقرأ. والمثبت من (م)، و"السنن". (¬3) زاد في (م): في الركوع، والركوع الثاني. (¬4) سقط من (م). (¬5) سقط من (م). (¬6) "المدونة" 1/ 243، "إكمال المعلم" 3/ 332. (¬7) "الأم" 1/ 407 - 408. (¬8) في (م): ممن. (¬9) في (م): في.

سجدات) في كل ركعة سجدتان (وانجلت الشمس قبل أن ينصرف) من المسجد. [1181] (حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا عنبسة) بن خالد الأيلي أخرج له البخاري (عن) عمه (يونس) بن يزيد (¬1) في باب وفود الأنصار. (عن ابن شهاب قال: كان كثير (¬2) بن عباس) بالباء الموحدة والسين المهملة، ابن عبد المطلب، كنيته أبو تمام (¬3)، ولد سنة عشر قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بأشهر، ليست له صحبة (¬4) [قال ابن حجر: صحابي صغير (¬5). (يحدث] (¬6) أن عبد الله بن عباس كان يحدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى في كسوف الشمس) فذكر (مثل حديث عروة) بن (¬7) الزبير (عن عائشة - رضي الله عنها - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى ركعتين في كل ركعة ركعتين) يحتمل أن يكون (ركعتين) نصب على البدل من (ركعتين) قبلهما، والتقدير: صلى ركعتين (¬8) في كل ركعة، وهذا بدل اشتمال، روى (¬9) أوله وزاد: فقلت - يعني: قال الزهري - لعروة بن الزبير: إن أخاك - يعني: عبد ¬

_ (¬1) في (م): زيد. (¬2) في (ص، س): بسر. والمثبت من (ل، م)، و"السنن"، ومصادر التخريج. (¬3) في الأصول الخطية: غانم. والمثبت من مصادر التخريج. (¬4) "الاستيعاب" المطبوع مع "الإصابة" 10/ 216. (¬5) "الإصابة" 8/ 323، و"تقريب التهذيب" 1/ 459. (¬6) سقط من (م). (¬7) سقط من (م). (¬8) زاد في (ل): ركعتين. (¬9) سقط من (م).

الله ابن الزبير أمير المؤمنين - يوم خسفت الشمس بالمدينة لم يزد على ركعتين قبل الصبح. قال: أجل؛ لأنه أخطأ السنة. أي: جاوزها إما سهوًا أو عمدًا، أدى إليه اجتهاده. وقد قال كثير من العلماء: إن صلاة الكسوف يجوز أن تصلى كسائر الصلوات، وإن كان الأكمل الهيئة المشهورة التي صلاها عروة بن الزبير. قال في "شرح المهذب": وهو مقتضى كلام أصحابنا (¬1). [1182] (حدثنا أحمد بن الفرات بن خالد الرازي أبو مسعود) الضبي الحافظ، صنف الكتب (قال: أنبأنا محمد بن عبد الله بن أبي جعفر الرازي) قال أبو حاتم: صدوق (¬2). (عن أبيه) عبد الله بن أبي جعفر عيسى بن ماهان الرازي، وثقه (¬3) أبو زرعة وأبو حاتم (¬4) (عن) أبيه (أبي جعفر) عيسى بن ماهان (¬5) مولى تميم، مروزي، وثقه أبو حاتم (¬6). وقال ابن عبد البر: هو عندهم ثقة عالم بتفسير القرآن (¬7). أصله من (¬8) البصرة، وبها كان مولده ثم رجع (¬9) إلى الري فسكنها وغلب عليه الرازي. ¬

_ (¬1) "المجموع" 5/ 63. (¬2) "الجرح والتعديل" 7/ 302. (¬3) في (م): ووقفه. (¬4) "الجرح والتعديل" 5/ 127. (¬5) في (ص): جعفر. والمثبت من (س، ل، م). وقد مر على الصواب. (¬6) "الجرح والتعديل" 6/ 281. (¬7) "تهذيب التهذيب" 6/ 325. (¬8) سقط من (ل، م). (¬9) في (ل، م): رفع.

(قال المصنف: وحدثت) بضم المهملة وكسر الدال المشددة، مبني للمفعول (عن عمر بن شقيق) بن أسماء الجرمي [بفتح الجيم] (¬1) ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2) وهو مقبول يعد في (¬3) البصريين. (وهذا لفظه وهو أتم) من رواية عبد الله بن جعفر (عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس) وهو بصري نزل خراسان، قال أبو حاتم: صدوق (¬4). وقال ابن أبي داود: حبس بمرو ثلاثين سنة (¬5). (عن أبي العالية) رفيع الرياحي البصري، مولى امرأة من بني رياح بالمثناة التحتية، بطن من بني (¬6) تميم اسمها آمنة (¬7) أحد كبار التابعين بالبصرة، أسلم بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - بسنتين (¬8). قال: كنت آتي ابن عباس فيرفعني على السرير معه ورجال قريش أسفل من السرير، فقال قائل منهم: نراه (¬9) يرفع هذا المولى على السرير، ففطن لهم ابن عباس فقال: إن هذا العلم يزيد الشريف شرفًا، ويجلس المملوك على الأسِرة (¬10). ¬

_ (¬1) ليست في (م). (¬2) "الثقات" لابن حبان 8/ 440. (¬3) في (م): من. (¬4) "الجرح والتعديل" 3/ 454. (¬5) "الكاشف" (1524)، "فيض القدير" 5/ 6. (¬6) ليست في (م). (¬7) في (ص، س): أمية. والمثبت من (ل، م)، و"رجال صحيح البخاري" (240). (¬8) من (ل، م)، و"تهذيب الكمال" 9/ 215. (¬9) في (م): ترونه. (¬10) في (م): الأخرة.

قال ابن معين وأحمد وغيرهما: ثقة (¬1). (عن أبي كعب قال: انكسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن) بكسر الهمزة (النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم فقرأ بسورة من الطول) بضم الطاء وفتح الواو، يعني: من السبع الطول جمع طولى، مثل الكبرى في الكبر، وهذا البناء يلزمه الألف واللام (¬2) و (¬3) الإضافة، والسبع الطول هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والتوبة. ويوضح هذه القراءة ما رواه الشيخان، عن ابن عباس واللفظ للبخاري قال: انخسفت (¬4) الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى (¬5) بالناس فقام (¬6) قيامًا طويلًا نحوًا من قراءة سورة البقرة (¬7). وروى الشافعي بإسناده إلى ابن عباس، ولفظه: فقام قيامًا طويلًا قال (¬8): [نحوًا من] (¬9) سورة البقرة (¬10). (وركع خمس ركعات وسجد سجدتين) وروى البزار، عن علي: ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 3/ 510، و"تهذيب الكمال" 9/ 216. (¬2) في (م): الأم. (¬3) في (ل، س): أو. (¬4) في (ص، س): انكسفت. والمثبت من (ل، م)، و"صحيح البخاري". (¬5) في (ص): فجعل يصلي. والمثبت من (س، ل، م)، ومصادر التخريج. (¬6) من مصادر التخريج. (¬7) "صحيح البخاري" (1052)، و"صحيح مسلم" (907) (17). (¬8) في (ص): قدرًا. وفي (س، ل، م): قرأ. والمثبت من "مسند الشافعي". (¬9) في (ص): من نحو. والمثبت من (س، ل، م) و"مسند الشافعي". (¬10) "مسند الشافعي" (345).

انكسفت الشمس (¬1) فقام علي فركع خمس ركعات وسجد سجدتين، ثم فعل (¬2) في الركعة الثانية مثل ذلك (¬3). ورواه أحمد في "المسند" (¬4) ورجاله رجال الصحيح (¬5) (ثم قام) إلى الركعة (الثانية فقرأ سورة من) السبع (الطول) دون ما قبلها (وركع خمس ركعات وسجد سجدتين) استدل بهذا الحديث وأمثاله وأخذ به جماعة من أصحابنا (¬6) الجامعين بين الفقه والحديث منهم: ابن خزيمة (¬7)، وابن المنذر (¬8) والخطابي (¬9)، والضبعي (¬10) على أنه يزاد في صلاة الكسوف ركوع ثالث ورابع وخامس إذا تمادى الكسوف، وينقص [الركوع الثاني] (¬11) منها للانجلاء. واعتذر جمهور الأصحاب القائلين بأنه لا يزاد على ركوعين في كل ركعة عن هذِه الأحاديث بأن أحاديث الركوعين أشهر ¬

_ (¬1) ليست في (م). (¬2) في الأصول الخطية: قام. والمثبت من "مسند البزار". (¬3) "مسند البزار" (628). (¬4) "مسند أحمد" 1/ 142. ولكن بلفظ آخر وسند آخر، ولعله توهم المصنف من كلام الهيثمي في "مجمع الزوائد" 2/ 445: رواه البزار وقد تقدم حديث علي من "مسند أحمد". انتهى، وحديث علي هذا حديث آخر، ولكن هذا الحديث في "مسند البزار" فقط بلفظه. (¬5) "مجمع الزوائد" 2/ 445. (¬6) في (ص، س): أصحاب. والمثبت من (ل، م). (¬7) سبق تخريجه. (¬8) سبق تخريجه. (¬9) سبق تخريجه. (¬10) "الشرح الكبير" 2/ 373، و"روضة الطالبين" 2/ 83. (¬11) سقط من (م).

وأوضح (¬1) كما تقدم عن البيهقي (¬2) وابن عبد البر (¬3). (ثم جلس كما هو مستقبل القبلة يدعو) فيه فضيلة استقبال القبلة للدعاء (حتى انجلى كسوفها) (¬4) وقد يؤخذ منه أنه لا يزاد على خمس ركوعات، بل يجلس بعد الخمسة للدعاء والتضرع إلى الله تعالى كما هو ظاهر الحديث، وهو مقتضى تعبير الرافعي (¬5) و"الروضة" (¬6) أن المروي في الأحاديث الزيادة إلى الخامس فقط، والأصل عدم جواز (¬7) الزيادة كما في الوتر والضحى، بل أولى؛ لأن لهذِه الصلاة كيفية مخالفة للقياس. [1183] (حدثنا مسدد، حدثنا يحيى) [بن سعيد القطان] (¬8) (حدثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري (حدثنا حبيب بن أبي ثابت) الأسدي (¬9). (عن طاوس، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى في كسوف) ¬

_ (¬1) في (ل، م): أصح. (¬2) سبق تخريجه. (¬3) سبق تخريجه. (¬4) في (ص، س): كثير منها. وفي (م): الكسوف. وبياض في (ل)، والمثبت من "سنن أبي "داود". (¬5) "الشرح الكبير" 2/ 373. (¬6) "روضة الطالبين" 2/ 83. (¬7) من (ل، م). (¬8) في (م): العطار. (¬9) في (م): ابن سعيد.

ولمسلم صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين كسفت الشمس ثمان ركعات في أربع سجدات (¬1). يعني: كما صرح به المصنف في هذا الحديث، وكما هو في مسلم بلفظه. (فقرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم سجد، والأخرى مثلها) وحاصله كما قال النووي: أنه ركع ثمان مرات (¬2) كل أربع في ركعة، وسجد سجدتين في كل ركعة (¬3). [1184] (حدثنا أحمد) (¬4) بن عبد الله (بن يونس) اليربوعي (حدثنا زهير) بن معاوية بن حريج، بضم الحاء المهملة، الجعفي الكوفي. (حدثنا الأسود بن قيس، أخبرني ثعلبة بن عباد) بكسر العين وتخفيف الموحدة (العبدي) [ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬5)] (¬6) والده صحابي، هكذا قيده بالكسر وتخفيف الموحدة أبو عمر وابن ماكولا (¬7)، وذكره ابن منده مبهمًا في المشدد [ثم بضم المثلثة] (¬8)، هو (من أهل البصرة، أنه شهد خطبة) بالتنوين (¬9) (يومًا لسمرة بن جندب) بن هلال بن حريج ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (908) (18). (¬2) في (ص، س): ركوعات. وفي (ل): ركعات. والمثبت من (م)، و"شرح النووي على مسلم". (¬3) "شرح النووي على مسلم" 6/ 214. (¬4) سقط من (م). (¬5) "الثقات" لابن حبان 4/ 98. (¬6) سقط من (م). (¬7) "الإكمال" 6/ 61. (¬8) سقط من (م). (¬9) ليست في (م).

بفتح الحاء المهملة، وقال الدارقطني: بضمها مصغر، سكن البصرة، وكان زياد يستخلفه عليها ستة أشهر [وعلى الكوفة ستة أشهر] (¬1)، فلما مات استخلفه على البصرة، وأقره معاوية عليها عامًا أو نحوه. (قال) ثعلبة (قال سمرة) بن جندب (بينما أنا وغلام من الأنصار نرمي) بالسهام إلى (غرضين) بفتح الغين [والضاد المعجمتين] (¬2) أي: هدفين (¬3)، وفي حديث الدجال أنه "يدعو شابًا ممتلئًا شبابًا فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض" (¬4) أراد أنه يكون ما بين القطعتين بقدر رمية السهم إلى الهدف (لنا (¬5) حتى إذا كانت الشمس قيد) بكسر القاف (رمحين) يقال: بيني وبينه قيد رمح، وقاد رمح، [وقاب رمح] (¬6) أي: قدر رمح (- أو ثلاثة - في عين الناظر) إليه (من الأفق) بضم الهمزة والفاء، وهو الناحية من الأرض والسماء. (أسودت) الشمس (حتى آضت) أي (¬7): رجعت [إلى حالها الأول] (¬8) وصارت، يقال منه آضت تئيض، ومنه قولهم أيضًا، وهو مصدر منه (كأنها تنومة) بفتح المثناة فوق وتشديد النون المضمومة ¬

_ (¬1) سقط من (ص). والمثبت من (س، ل، م). (¬2) من (م). (¬3) في (ص): هدفتين. والمثبت من (س، ل، م). (¬4) أخرجه مسلم (2937) (110). (¬5) كتب في هامش (ل): زاد النسائي: على عهد رسول الله. (¬6) سقط من (م). (¬7) من (م). (¬8) من (م).

وبعدها واو ساكنة، ثم ميم، وهي نوع من نبات الأرض فيها (¬1) وفي ثمرها سواد قليل، ويقال: بل هو شجر له ثمر كمد اللون. (فقال أحدنا لصاحبه: انطلق بنا إلى المسجد، فوالله ليحدثن) بفتح اللام وضم الياء المثناة تحت وسكون المهملة وكسر الدال وفتح المثلثة والنون (شأن) بالرفع أي: ليحدثن (¬2) أمر سواد (هذِه الشمس لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أمته حدثًا) [بفتح الدال] (¬3) أي: حكمًا حادثًا مستمرًّا حكمه (¬4)، وهذا يدل على شدة ذكاء سمرة وفطنته. ومما يدل على ذكائه ما حكاه في "الاستيعاب" أن أم (¬5) سمرة مات عنها زوجها وترك ابنه سمرة، وكانت امرأة جميلة، فقدمت المدينة فخطبت، فجعلت تقول: لا أتزوج إلا رجلًا يكفل لها نفقة ابنها سمرة حتى يبلغ، فتزوجها رجل من الأنصار على ذلك، فكانت معه في الأنصار، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرض غلمان الأنصار في كل عام، فمر به غلام فأجازه في البعث، وعرض عليه سمرة فرده، فقال سمرة: يا رسول الله، لقد أجزت غلامًا ورددتني ولو صارعني لصرعته، قال: فصارعته فصرعته، فأجازني في البعث (¬6). (قال: فدفعنا) بضم الدال وكسر الفاء، هكذا في النسخ، ولفتحها ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ص، س، ل): ليحددن. والمثبت من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) من (م). (¬5) سقط من (م). (¬6) "الاستيعاب" المطبوع مع "الإصابة" 4/ 258.

وجه [ومعناه: ابتدأنا في المشي إلى المسجد، ودفعنا أنفسنا من المكان الذي كنا فيه] (¬1) ومنه الحديث: أنه دفع من عرفات. أي (¬2): ابتدأ السير منها (¬3). (فإذا هو بارز) بفتح الباء (¬4) الموحدة وكسر الراء، اسم (¬5) فاعل من البروز، وهو الظهور، ويدل على هذا رواية النسائي: فدفعنا إلى المسجد فوافينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين خرج إلى الناس (¬6). قال الخطابي: وهو خطأ وتصحيف من الراوي، وإنما هو بأزز (¬7) يعني (¬8) بكسر باء الجر وفتح الهمزة والزاي الأولى أي: ممتلئ بجمع من الناس، يقال: أتيت الوالي والمجلس أزز، أي: كثير الزحام ليس فيه متسع، والبيت منهم أزز إذا غص بهم لكثرتهم. قال الأزهري في كتاب "التهذيب" (¬9) وذكر هذا الحديث، وقال: يأزز بزائين أيضًا، وفسره بمعناه، وكذلك ذكره الهروي بمعناه في كتابه ¬

_ (¬1) من (س، ل، م). (¬2) في (ص، س): إلى. والمثبت من (ل، م)، و"النهاية". (¬3) "النهاية" 2/ 124. (¬4) سقط من (م). (¬5) سقط من (م). (¬6) "المجتبى" 3/ 140. (¬7) "معالم السنن" المطبوع مع "مختصر سنن أبي داود" 2/ 42. (¬8) سقط من (م). (¬9) "تهذيب اللغة" 13/ 281.

فقال (¬1): يقال: الناس (¬2) أزز إذا انضم بعضهم (¬3) إلى بعض (¬4). (فاستقدم) أي: تقدم (فصلى) بالناس، وإطلاقه يقتضي أن صلاة الكسوف لا أذان لها ولا إقامة (فقام بنا كأطول ما قام بنا في صلاة قط) ولفظ النسائي: فقام كأطول قيام قام بنا (¬5). (لا نسمع له صوتًا) جمع النووي والسبكي وغيرهما من العلماء بين هذا الحديث بأنه أسر في القراءة، وحديث ابن عباس: صليت إلى جنب النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الكسوف فما سمعت منه حرفًا. رواه أحمد وأبو يعلى والبيهقي (¬6) من حديث عكرمة عنه، وزاد في آخره: حرفًا من القرآن (¬7). وبين حديث عائشة الآتي وهو ثابت في الصحيحين: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جهر في صلاة الكسوف بقراءته. بأن حديث سمرة وما بعده في الشمس، وحديث عائشة في القمر، ثم قال السبكي: وقول (¬8) الخطابي الذي (¬9) يجيء على مذهب الشافعي أنه يجهر بالشمس ليس بشيء؛ لأن نص الشافعي ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): الباس. (¬3) في (م): بعضه. (¬4) انظر: "لسان العرب" (أزز). (¬5) "المجتبى" 3/ 140. (¬6) أخرجه أحمد 1/ 293، وأبو يعلى في "مسنده" (2745)، والبيهقي في "معرفة السنن والآثار" 3/ 89. (¬7) "مسند أحمد" 1/ 293. (¬8) في (ص، س): قال. والمثبت من (ل، م). (¬9) من (ل، م).

[في "الأم" (¬1)] (¬2) صريح فيما قلناه. (ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك) زاد النسائي: فوافق تجلي الشمس جلوسه في الركعة الثانية، فسلم (¬3). [(قال: فوافق تجلي) مفعول مقدم (الشمس، جلوسه) بالرفع، ويجوز العكس، والمراد جلوسه للتشهد (للركعة الثانية] (¬4) ثم سلم، ثم قام) إلى الخطبة، (فحمد الله وأثنى عليه) فيه دليل على أن الخطبة يكون في أولها الحمد لله والثناء عليه، ومذهب الشافعي (¬5) أن لفظة الحمد لله متعينة، فلو قال: معناها لم تصح خطبته (¬6). (وشهد أن لا إله إلا الله) فيه استحباب شهادة أن لا إله إلا الله في الخطبة، وفي (¬7) الشهادة بالوحدانية خاصيتان إحداهما: أن لا إله إلا الله جميع حروفها جوفية ليس فيها شيء من الحروف الشفهية، للإشارة [إلى الإتيان] (¬8) بها من خالص جوفه وهو القلب، لا من الشفتين دون قلبه (¬9). ¬

_ (¬1) "الأم" 1/ 406. (¬2) من (ل، م). (¬3) "المجتبى" 2/ 140. (¬4) سقط من (م). (¬5) "الأم" 1/ 407. (¬6) انظر: "المجموع" 4/ 519. (¬7) من (س، ل، م). (¬8) في (م): للإتيان. (¬9) من (م)، وفي باقي النسخ: قلب.

الخاصة الثانية: ليس فيها حرف معجم، بل جمعيها متجردة عن النقط، إشارة إلى التجرد من كل معبود سوى الله تعالى. (وشهد أنه) أي: أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - (عبده ورسوله) فيه استحباب الشهادة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخطبة بالرسالة. (ثم ساق أحمد بن يونس) اليربوعي (خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم -) إلى آخرها. [1185] (حدثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (حدثنا وهيب) (¬1) بالتصغير بن خالد الباهلي مولاهم. (حدثنا أيوب، عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي، التابعي مشهور (عن قبيصة) بن مخارق بن عبد الله (الهلالي) وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم -، عداده في أهل البصرة (قال: كسفت الشمس على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فخرج) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بيته (فزعًا) بكسر الزاي اسم فاعل، يخشى أن تكون الساعة (¬2) قد قامت (¬3)، وهذا يدل على قربها كما في كتاب الله تعالى، [ويجوز فتح الزاي، مفعول له] (¬4). (يجر ثوبه) من سرعة المبادرة إلى ما خرج إليه، ولفظ النسائي: يجر رداءه من العجلة، فقام إليه الناس (¬5). (وأنا معه يومئذٍ بالمدينة، فصلى ركعتين) أي: بزيادة ركعتين أو أكثر على ما تقدم، بدليل قوله (فأطال فيهما القيام، ثم انصرف) من الصلاة (و) ¬

_ (¬1) في (س): وهب. (¬2) في (ص، س): الناس. والمثبت من (ل، م). (¬3) زاد في (ص): القيامة. وهي زيادة مقحمة. (¬4) سقط من (م). (¬5) "المجتبى" 3/ 152.

قد (انجلت) الشمس (¬1). (فقال: إنما هذِه الآيات) العظيمة (يخوف الله) تعالى (بها) عباده (فإذا رأيتموها) أي: رأيتم شيئًا منها (فصلوا كأحدث صلاة) أي (¬2): كأقرب صلاة (صليتموها من) الصلوات (المكتوبة) قبلها. قال المنذري: يحتمل أن يكون معناه أن الكسوف إن كان بعد الصبح فيكون في كل ركعة ركوعان، وإن كان بعد المغرب فيكون في كل ركعة ثلاث ركعات، وإن كان بعد الرباعية فيكون في كل (¬3) ركعة أربع ركعات. ويحتمل أن يكون مثل ما قبلها في الجهر والإسرار، والله أعلم (¬4). وعلى ما ذكره المنذري أن الكسوف وإن كان بعد صلاة الجمعة يخطب بعدها، وإن كان بعد غير (¬5) الجمعة فلا خطبة. [1186] (حدثنا أحمد بن إبراهيم) الدورقي نسبة [إلى القلانس] (¬6) الدورقية قيل: كان الإنسان إذا تنسك في ذلك الزمان قيل له دورقي، وكان أبوه قد تنسك فنسب إلى أبيه، أخرج له مسلم (حدثنا ريحان [بن سعيد]) (¬7) الناجي أبو عصمة صدوق (¬8). ¬

_ (¬1) و (¬2) من (م). (¬3) من (ل، م). (¬4) "مختصر سنن أبي داود" 2/ 43. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (م): بالقلانس. (¬7) سقط من (م). (¬8) انظر: "الكاشف" 1/ 315.

(حدثنا عباد بن منصور) الناجي (¬1) نسبة إلى ناجية بن سامة بن لؤي، قبيلة كبيرة من سامة. قال الزبير بن أبي بكر: سميت بذلك؛ لأنها سارت في مفازة فعطشت فاستسقت الماء. فقال لها سامة بن لؤي: الماء بين يديكم وهو يريها (¬2) السراب، فسارت إليه فنجت (¬3). (عن أيوب، عن أبي قلابة، عن هلال بن عامر) التابعي (أن قبيصة) ابن مخارق (¬4) (الهلالي حدثه أن الشمس كسفت) على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - (بمعنى حديث موسى) بن إسماعيل و (قال) فيه: فاسودت (حتى بدت النجوم) (¬5) يعني (¬6): من شدة سوادها. ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في الأصول الخطية: يريد بها. والمثبت من مصادر التخريج. (¬3) انظر: "أخبار مكة" للفاكهي 5/ 168. (¬4) في (ص، س): محارب. والمثبت من "الإكمال" 7/ 100، و"تهذيب الكمال" 23/ 492. (¬5) هذه الزيادة انفرد بها أبو داود، وقال الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" (218): ضعيف. (¬6) سقط من (ص)، وفي (س): حتى.

6 - باب القراءة في صلاة الكسوف

6 - باب القِراءَةِ فِي صَلاةِ الكُسُوفِ 1187 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنا عَمِّي، حَدَّثَنا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ حَدَّثَنِي هِشامُ بْن عُرْوَةَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ وَسُلَيْمانُ بْنُ يَسارٍ كُلُّهُمْ قَدْ حَدَّثَنِي عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ قَالَتْ: كُسِفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى بِالنَّاسِ فَقَامَ: فَحَزَرْتُ قِراءَتَهُ فَرَأَيْتُ أَنَّهُ قَرَأَ بِسُورَةِ البَقَرَةِ - وَسَاقَ الحَدِيثَ -، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ القِراءَةَ فَحَزَرْتُ قِراءَتَهُ فَرَأَيْتُ أَنَّهُ قَرَأَ بِسُورَةِ آلِ عِمْرانَ (¬1). 1188 - حَدَّثَنا العَبَّاسُ بْنُ الوَلِيدِ بْنِ مَزْيَدٍ، أَخْبَرَنِي أَبِي، حَدَّثَنا الأَوْزاعِيُّ أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَرَأَ قِراءَةً طَوِيلَةً فَجَهَرَ بِها يَعْنِي: فِي صَلاةِ الكُسُوفِ (¬2). 1189 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - كَذا عِنْدَ القاضِي والصَّوابُ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - قَالَ: خُسِفَتِ الشَّمْسُ فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - والنَّاسُ مَعَهُ فَقَامَ قِيامًا طَوِيلًا بِنَحْوٍ مِنْ سُورَةِ البَقَرَةِ، ثُمَّ رَكَعَ، وَسَاقَ الحَدِيثَ (¬3). * * * باب القراءة في صلاة الكسوف [1187] (حدثنا عبيد الله) بالتصغير (بن سعد) بسكون العين، ابن ¬

_ (¬1) رواه النسائي 3/ 137، وأحمد 6/ 158، والحاكم 1/ 332. وحسنه الألباني في "صحيح أبي دود" (1073). (¬2) رواه البخاري (1065)، ومسلم (901) بنحوه. (¬3) رواه مسلم (907).

إبراهيم شيخ البخاري [في البيوع] (¬1)، قال (حدثني عمي) يعقوب بن [إبراهيم بن سعد] (¬2) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، قال (حدثني أبي) إبراهيم بن سعد الزهري العوفي أبو إسحاق (¬3) (عن محمد بن إسحاق) صاحب "المغازي" (حدثني هشام بن عروة) بن الزبير (وعبد الله (¬4) بن أبي سلمة) الماجشون التيمي مولى آل (¬5) المنكدر، واسم أبيه ميمون، أخرج له مسلم و (¬6) (سليمان بن يسار) [قال ابن إسحاق: ] (¬7) (كلهم قد حدثني، عن عروة) بن الزبير. (عن عائشة قالت: كسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى (¬8) بالناس، فقام فحزرت) في نفسي (قراءته فرأيت) [قُرِئَ (¬9) بضم الراء وكسر الهمزة. أي: ظننت] (¬10) (أنه قرأ سورة البقرة) ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ص، س، ل): سعد بن إبراهيم. والمثبت من "تهذيب الكمال" 19/ 47. (¬3) زاد في (م): ببغداد. (¬4) في (ص، س): عبيد الله. والمثبت من "تهذيب الكمال" 15/ 55. (¬5) في (م): أبي. (¬6) في الأصول الخطية و"سنن أبي داود" طبعتي عوامة ودار الريان: فعن. خطأ. وما أثبتناه من "تحفة الأشراف"، و"سنن أبي داود" طبعة مكنز، وهو الصواب، وهشام بن عروة، وعبد الله بن أبي سلمة وسليمان بن يسار هم تلاميذ عروة بن الزبير ويروون عنه. وانظر: تراجمهم في "التهذيب" 30/ 234، 15/ 56، 12/ 102، 20/ 14 - 15. (¬7) سقط من (م). (¬8) في (ص، س): يصلي. والمثبت من (ل، م)، و"السنن". (¬9) من (س، ل). (¬10) سقط من (م).

فيه دليل على ما قاله أصحابنا (¬1) وغيرهم أنه يستحب في القيام الأول (¬2) قراءة سورة البقرة، فإن لم يحسنها فقدرها؟ (وساق الحديث). (ثم سجد سجدتين، ثم قام فأطال القراءة (¬3) فحزرت قراءته) (¬4) في تلك الركعة (فرأيت (¬5) أنه قرأ سورة آل عمران) وهذا نص الشافعي في (¬6) البويطي أنه يقرأ في القيام الثاني بنحو آل عمران، ونص في "الأم" (¬7). وفي موضع آخر [من البويطي] (¬8) أنه يقرأ في الثاني كمائتي آية من البقرة تقريبًا، والمحققون على [أن هذا] (¬9) ليس اختلافًا (¬10) بل هو للتقريب، وهما متقاربان (¬11). كقوله في الحديث: فحزرت قراءته فإنه يدل على التقريب. [1188] (حدثنا العباس) بالموحدة (بن الوليد بن مزيد) بفتح الميم وسكون الزاي وفتح المثناة التحتية، العذري [قال أبو حاتم: ¬

_ (¬1) "المجموع" 5/ 45 (¬2) في (م): إلا. (¬3) في (م): القيام (¬4) زاد في (ص): فريت. وفي (س): قرين. (¬5) من (ل، م)، و"السنن". (¬6) زاد في (م): الأم: و. (¬7) "الأم" 1/ 408. (¬8) من (ل، م)، و"المجموع" 5/ 48. (¬9) في (ص، س): أنه. والمثبت من (ل، م)، و"المجموع". (¬10) في (ص، س): أصلا. والمثبت من (ل، م)، و"المجموع". (¬11) "المجموع" 5/ 49.

صدوق (¬1)] (¬2)، قال: (أخبرني أبي) الوليد بن مزيد العذري، ثقة كان عالمًا بالأوزاعي (¬3) (حدثنا) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي، أخبرني الزهري، أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ قراءة طويلة فجهر بها - يعني: في صلاة الكسوف) تقدم عن النووي والسبكي في الجمع بين هذا الحديث وحديث سمرة [بن جندب] (¬4) بأن حديث سمرة في كسوف الشمس الإسرار، وحديث عائشة هذا في كسوف القمر وهو الجهر، وجمع بعضهم بأنه قد جهر مرة وخفت أخرى ليبين الجواز، وقال بعضهم: يقدم المثبت على النافي، واستشكل بعضهم حمل الجهر على القمر؛ لأنه لم يحفظ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في خسوف القمر جماعة، وأما ما رواه الشافعي عن إبراهيم بن محمد، حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو (¬5) بن حزم، عن الحسن البصري: خسف القمر وابن عباس بالبصرة، فصلى ركعتين في كل ركعة ركعتان، فلما فرغ خطبنا وقال: صليت بكم كما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بنا. . . الحديث (¬6). فإن (¬7) إبراهيم ضعيف (¬8) وقول الحسن: خطبنا. لا يصح فإن (¬9) الحسن لم يكن بالبصرة لما كان ابن عباس ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 6/ 214 - 215. (¬2) سقط من (م). (¬3) انظر: "الكاشف" 3/ 242، و"تهذيب الكمال" 31/ 84. (¬4) من (م). (¬5) في (م): عمر. (¬6) "الأم" 1/ 403، و"مسند الشافعي" (346). (¬7) في (م): قال. (¬8) سقط من (م). (¬9) في (ص، س): قال. والمثبت من (ل، م).

بها، وقيل: إن هذا من تدليساته، وأن قوله: خطبنا. أي: خطب أهل البصرة (¬1). وروى الدارقطني من حديث عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي في كسوف الشمس والقمر أربع (¬2) ركعات وأربع سجدات (¬3). قال شيخنا ابن حجر: وذكر القمر فيه مستغرب، وروى الدارقطني أيضًا من طريق حبيب، عن طاوس، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في كسوف الشمس والقمر ثماني ركعات في أربع سجدات (¬4). ففي إسناده نظر، وهو في مسلم بدون ذكر القمر (¬5). [1189] (حدثنا) عبد الله بن مسلمة (القعنبي، عن مالك، عن زيد بن أسلم) الفقيه العمري. (عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة) قال الحافظ أبو بكر الخطيب (¬6) (كذا عند القاضي) أراد به شيخه [يعني: شيخ أبي بكر الخطيب] (¬7) الشريف أبو (¬8) عمر (¬9) القاسم بن جعفر [بن عبد الواحد، عن أبي ¬

_ (¬1) "عمدة القاري" 7/ 96، و"التلخيص الحبير" 2/ 184 - 185. (¬2) في (ص، س، ل، م): ثماني. والمثبت من "سنن الدارقطني"، و"التلخيص الحبير". (¬3) و (¬4) "سنن الدارقطني" 2/ 64. (¬5) "التلخيص الحبير" 2/ 185. (¬6) انظر: "تاريخ بغداد" 3/ 428. (¬7) سقط من (م). (¬8) في (ص، س، ل، م): بن. والمثبت من "تاريخ بغداد" 3/ 428. (¬9) في (م): عمرو.

علي محمد بن عمرو اللؤلؤي (¬1)] (¬2) الهاشمي، وهذِه رواية اللؤلؤي (¬3)، وهو غلط. [قال البيهقي: حدثنا مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس: خسفت الشمس فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس معه، فقام قيامًا طويلًا بنحو سورة البقرة. ثم قال: ولفظ أبي مصعب، عن مالك: "فقرأ نحوًا من سورة البقرة (¬4)] (¬5). (والصواب) كما رواه البخاري (¬6) في الإيمان والصلاة والنكاح، وبدء الخلق، ومسلم (¬7) في الصلاة، وكذا النسائي (¬8) كلهم (عن ابن عباس) من طريق مالك. (قال: خسفت الشمس) كذا للبخاري (¬9)، وزاد: على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و) صلى (الناس معه (¬10)، فقام قيامًا طويلًا بنحو من) قراءة (سورة البقرة، ثم ركع) ركوعًا طويلًا (وساق الحديث) بنحو ما تقدم. ¬

_ (¬1) في (ص): اللولي. والمثبت من (س، ل، م)، و"تاريخ بغداد". (¬2) سقط من (م). (¬3) في (ص): اللولي. والمثبت من (س، ل، م)، و"تاريخ بغداد. (¬4) "السنن الكبرى" 3/ 335. (¬5) سقط من (م). (¬6) "صحيح البخاري" (1052، 5197). (¬7) "صحيح مسلم" (907) (17). (¬8) "المجتبى" 3/ 146. (¬9) "صحيح البخاري" (1052، 5197). (¬10) من (ل، م)، ومصادر التخريج.

7 - باب ينادى فيها بالصلاة

7 - باب يُنادَى فِيها بِالصَّلاةِ 1190 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عُثْمانَ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نَمِرٍ أَنَّهُ سَأَلَ الزُّهْرِيَّ فَقَالَ الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: كُسِفَتِ الشَّمْسُ فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا فَنادَى أَنَّ الصَّلاةَ جامِعَةٌ (¬1). * * * باب ينادى فيها بالصلاة [1190] (حدثنا عمرو بن عثمان) بن سعد بن كثير الحمصي، وكان حافظًا صدوقًا (¬2) (حدثنا الوليد) بن مسلم عالم أهل الشام (حدثنا عبد الرحمن بن نمر) اليحصبي (¬3)، روى له الشيخان. (أنه سأل الزهري، فقال الزهري: أخبرني عروة) بن الزبير (عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كسفت الشمس) زاد البخاري: على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬4) (فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلًا (¬5) فنادى أن) روي بتخفيف النون (الصلاة) نصب على الإغراء. أي: الزموها (جامعة) نصب على الحال. وقال بعض الفقهاء: يرفعان على الابتداء والخبر، ويرفع الأول وينصب الثاني، وبالعكس، وروي (أنَّ) (¬6) بالتشديد فيكون خبرها محذوفًا أي: حاضرة [وقد استحسنه الشافعي (¬7) واتفقوا أنه لا يؤذن لها] (¬8). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1066)، ومسلم (901). (¬2) "الكاشف" 2/ 336. (¬3) سقط من (م). (¬4) "صحيح البخاري" (1045) من طريق ابن عمرو، و (1066) معلقًا عن عائشة. (¬5) من (ل، م)، ومصادر التخريج. (¬6) من (س، ل، م). (¬7) "الأم" 1/ 407. (¬8) سقط من (م).

8 - باب الصدقة فيها

8 - باب الصَّدَقَةِ فِيها 1191 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الشَّمْسُ والقَمَرُ لا يُخْسَفانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَياتِهِ، فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فادْعُوا اللهَ - عز وجل - وَكَبِّرُوا وَتَصَدَّقُوا" (¬1). * * * باب الصدقة فيها [1191] (حدثنا القعنبي، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن عروة) ابن الزبير (عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال) "إن" (الشمس والقمر) آيتان من آيات الله (لا يخسفان) مبني للفاعل وللمفعول (لموت أحد (¬2)، ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك) يعني: الخسوف، ويحتمل أن يعود على معنى الآية (فادعوا الله وكبروا) وقد (¬3) يستدل به الطحاوي على أن الصلاة لا تتعين، بل إما (¬4) هي أو التكبير و (¬5) الدعاء. (وتصدقوا) فيه المبادرة إلى الدعاء والتكبير والأعمال الصالحة عند ظهور الآيات، وأفضلها الصلاة، ثم العتق كما سيأتي في الباب بعده، ثم الصدقة، ثم (¬6) التكبير والتهليل والذكر والدعاء والاستغفار. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1044)، ومسلم (901). (¬2) و (¬3) سقط من (م). (¬4) من (س، ل، م). (¬5) في (م): أو. (¬6) في (م): مع. وسقطت من (س، ل).

9 - باب العتق فيه

9 - باب العِتْقِ فِيهِ 1192 - حَدَّثَنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا مُعاوِيَةُ بْن عَمْرٍو، حَدَّثَنا زائِدَةُ، عَنْ هِشامٍ، عَنْ فاطِمَةَ، عَنْ أَسْماءَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُ بِالعَتاقَةِ فِي صَلاةِ الكُسُوفِ. * * * باب العتق فيها [1192] (حدثنا زهير بن حرب، حدثنا معاوية بن عمرو) بن المهلب الأزدي الكوفي ثم البغدادي (حدثنا زائدة) بن قدامة (عن هشام) بن عروة (عن فاطمة) بنت المنذر بن الزبير (عن) جدتها (أسماء) بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنها - (قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر بالعتاقة) (¬1) بفتح العين مصدر من عتق (¬2) يعتق عتقًا، كضرب يضرب ضربًا، وعتاقًا وعتاقة كلها بفتح الأوائل، وأفعال البر كلها مندوبة عند الآيات، يدفع الله بها البلاء عن عباده، لا سيما العتق والصدقة الكثيرة. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1054، 2519)، وأحمد 6/ 345. (¬2) في (م): أعتق.

10 - باب من قال يركع ركعتين

10 - باب منْ قَالَ يرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ 1193 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُعَيْبٍ الحَرَّانِيُّ حَدَّثَنِي الحارِثُ بْنُ عُمَيْرٍ البَصْرِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيانِيِّ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنِ النُّعْمانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: كُسِفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجَعَلَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَيَسْأَلُ عَنْها حَتَّى انْجَلَتْ (¬1). 1194 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمَّادٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يَكَدْ يَرْكَعُ، ثُمَّ رَكَعَ فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ، ثُمَّ رَفَعَ فَلَمْ يَكَدْ يَسْجُدُ ثُمَّ سَجَدَ فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ، ثُمَّ رَفَعَ فَلَمْ يَكَدْ يَسْجُدُ ثُمَّ سَجَدَ فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ ثُمَّ رَفَعَ وَفَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ نَفَخَ فِي آخِرِ سُجُودِهِ فَقَالَ: "أُفْ أُفْ". ثُمَّ قَالَ: "رَبِّ أَلَمْ تَعِدْنِي أَنْ لا تُعَذِّبَهُمْ وَأَنَا فِيهِمْ، أَلَمْ تَعِدْنِي أَنْ لا تُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ". فَفَرَغَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ صَلاتِهِ وَقَدْ أَمْحَصَتِ الشَّمْسُ وَسَاقَ الحَدِيثَ (¬2). 1195 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا بِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ، حَدَّثَنا الجُرَيْرِيُّ، عَنْ حَيَّانَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: بَيْنَما أَنا أَتَرَمَّى بِأَسْهُمٍ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ كُسِفَتِ الشَّمْسُ فَنَبَذْتُهُنَّ وَقُلْتُ: لأَنْظُرَنَّ ما أحْدِثَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في كُسُوفِ الشَّمْسِ اليَوْمَ فانْتَهَيْتُ إِليْهِ وَهُوَ رافِعٌ يَدَيْهِ يُسَبِّحُ وَيُحَمِّدُ وَيُهَلِّلُ وَيَدْعُو حَتَّى حُسِرَ، عَنِ الشَّمْسِ فَقَرَأَ بِسُورَتَيْنِ وَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ (¬3). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 269، وأبو عوانة في "مستخرجه" (2468)، والطبراني في "الدعاء" (2238). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (219). (¬2) أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" (1392)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1872) بلفظه، والنسائي (3137)، وأحمد 2/ 159 وصححه الألباني في "صحيح أبي دود" (1079) منتقدا الاقتصار على الركوع الواحد في الركعة. (¬3) رواه مسلم (913).

باب من قال: يركع (¬1) ركعتين [1193] (حدثنا أحمد بن أبي (¬2) شعيب) الحراني بفتح المهملة وتشديد الراء (¬3)، قال ابن السمعاني: نسبة إلى حران مدينة بالجزيرة، هي من ديار ربيعة (¬4). قال ابن الأثير: وهذا ليس بصحيح إنما هي من ديار مضر (¬5) (حدثنا الحارث بن عمير البصري) (¬6) بمكة، وثقه ابن معين (¬7) وأبو حاتم (¬8) [واستشهد به البخاري] (¬9) والنسائي (عن أيوب) ابن أبي تميمة (السختياني) بفتح السين المهملة نسبة إلى عمل السختيان وبيعه، وهي الجلود ليست بأدم (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي. (عن النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - قال: كسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجعل يصلي ركعتين وركعتين، ويسأل عنها) أي: عن انجلائها، استدل به على أن (¬10) من سلم من صلاة الكسوف ولم ينجل الكسوف ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) سقط من الأصول الخطية. والمثبت من "سنن أبي داود"، وانظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 1/ 367 - 368. (¬3) في (ص، س): الدال. والمثبت من (ل، م). (¬4) "الأنساب" للسمعاني 2/ 195. (¬5) اللباب في تهذيب الأنساب" 1/ 354. (¬6) في (م): المصري. (¬7) "تاريخ ابن معين" رواية الدوري 4/ 264. (¬8) "الجرح والتعديل" 3/ 83. (¬9) سقط من (م). (¬10) في (م): أنه.

يستحب له استفتاح إعادة الصلاة مرة أخرى، واستدل به أصحابنا على الجواز، وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي (¬1). قال السبكي: والصحيح المنع. (حتى انجلت) لفظ رواية ابن ماجه: فلم يزل يصلي حتى انجلت (¬2). وزاد (¬3): ثم قال: "إن (¬4) ناسًا يزعمون أن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت عظيم من العظماء (¬5) وليس كذلك". وزاد النسائي معه: "إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما خلقان من خلقه، وأن الله يحدث في خلقه ما يشاء، وأن الله تعالى إذا تجلى لشيء من خلقه خشع له، فأيهما حدث فصلوا حتى ينجلي أو يحدث الله أمرًا" (¬6). [1194] (حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد) بن سلمة (عن عطاء بن السائب) [أخرج له البخاري] (¬7). (عن أبيه) السائب بن مالك، ويقال: ابن يزيد، أبو يحيى، وثقه أحمد العجلي (¬8) (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص (قال: انكسفت ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع" 5/ 48. (¬2) "سنن ابن ماجه" (1262). (¬3) وضع هنا في (ل) علامة لحق ولم يكتب شيئًا. (¬4) سقط من (م). (¬5) في الأصول الخطية: العلماء. والمثبت من "سنن ابن ماجه". (¬6) "المجتبى" 3/ 144. (¬7) سقط من (م). (¬8) "تاريخ الثقات" للعجلي (507).

الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكد يركع، ثم ركع فلم يكد يرفع رأسه) قال اللغويون: ما كدت أفعل كذا، معناه فعلته بعد إبطاء. قال الأزهري: وهو كذلك، وشاهده قوله تعالى: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} (¬1) معناه ذبحوها بعد إبطاء كثير لتعذر وجدان البقرة عليهم، وقد يكون ما كدت أفعل بمعنى: ما قاربت (¬2). (ثم رفع) رأسه (فلم يكد يسجد، ثم سجد فلم يكد يرفع، [ثم رفع]) (¬3) رأسه من السجود (¬4) (فلم يكد (¬5) يسجد، ثم سجد فلم يكد) بفتح الكاف، وكذا كل ما قبله (يرفع ثم رفع) رأسه. وقد استدل بهذا الحديث على استحباب تطويل السجود والجلوس بين السجدتين، أما السجود فقد ثبت تطويله في الصحيحين، وأما الجلوس [بين السجدتين] (¬6) ففي "صحيح مسلم" عن جابر، وفي هذا الحديث ما يدل على تطويله. قال النووي: وأما الجلوس بين السجدتين فنقل الغزالي والرافعي وغيرهما الاتفاق على أنه لا يطوله، وحديث ابن عمرو بن العاص ¬

_ (¬1) البقرة: 71. (¬2) "تهذيب اللغة" (كاد). (¬3) من (ل)، و"سنن أبي داود". (¬4) زاد في (ص): ثم رفع رأسه. وهي زيادة مقحمة. (¬5) زاد في (م): بفتح الكاف. (¬6) سقط من (م).

يقتضي استحباب إطالته، وإذا قلنا بالصحيح المختار أن تطويل السجود (¬1) مستحب، فالمختار في قدره ما ذكره البغوي أن السجود الأول كالركوع الأول، والسجود (¬2) الثاني كالركوع الثاني (¬3). ونص في "البويطي" أنه نحو (¬4) الركوع (¬5) الذي قبله (¬6). (وفعل في الركعة الأخرى مثل ذلك، ثم نفخ في آخر سجوده) استدل به على جواز النفخ في الصلاة إذا (¬7) لم يظهر منه حرفان. قال الأسنوي: ولا فرق في النفخ بين النفخ بالفم والأنف (¬8). وقد يحمل (¬9) هذا على أن (¬10) النفخ كان من شدة التعب وطول القيام من غير قصد. وأما ما رواه الطبراني في "الكبير" عن زيد بن ثابت، قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن النفخ في السجود، وعن النفخ في الشراب (¬11). فالمراد به النفخ في السجود لتسوية التراب؛ لما رواه الطبراني في ¬

_ (¬1) في (م): الجلوس. (¬2) في (ص): الركوع. والمثبت من (س، ل، م)، و"المجموع". (¬3) "المجموع" 5/ 51 - 52. (¬4) في (م): يجوز. (¬5) زاد في (م): على. (¬6) "المجموع" 5/ 52. (¬7) في (م): ما. (¬8) "حاشية الرملي" 1/ 180. (¬9) في (م): يحتمل. (¬10) زاد في (ل، م): هذا. (¬11) "المعجم الكبير" (4870).

"الأوسط"، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قام أحدكم إلى الصلاة (¬1) فليسو موضع سجوده، ولا يدعه حتى إذا أهوى (¬2) ليسجد نفخ ثم سجد، فليسجد أحدكم على جمرة خير له من أن يسجد على نفخته" (¬3). وفي سنده عبد المنعم بن بشير، وقوله: "فليسو موضع سجوده" أي قبل أن يدخل في الصلاة. (فقال: أف أف) قال المنذري: لا تكون أف (¬4) كلامًا حتى تشدد الفاء، فيكون على ثلاثة أحرف من التأفيف، وهو قولك أف كذا، فأما والفاء خفيفة فليس بكلام، والنافخ لا يخرج الفاء مشددة، ولا يكاد يخرجها فاء صادقة من مخرجها ولكنه يفشها من غير إطباق السنن على الشفة، وما كان كذلك لم يكن كلامًا (¬5). (ثم قال) يا (رب ألم تعدني) في كتابك العزيز {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} (¬6) (أن لا تعذبهم وأنا فيهم) أي: وأنت يا محمد مقيم فيهم (¬7) بين أظهرهم، قالوا: لما (¬8) نزلت هذِه الآية على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو مقيم بمكة. (ألم تعدني) في كتابك العزيز {وَمَا كَانَ اللَّهُ ¬

_ (¬1) في (م): الله. (¬2) في (م): هوى. (¬3) في (ص، س، ل): نفخه. والمثبت من (م)، و"المعجم الأوسط" (242). (¬4) سقط من (م). (¬5) "مختصر سنن أبي داود" 2/ 45. (¬6) الأنفال: 33. (¬7) سقط من (م). (¬8) سقط من (م).

لِيُعَذِّبَهُمْ} (¬1) (أن لا تعذبهم) قالوا: لما خرج من مكة بقي بقية من المسلمين يستغفرون، فأنزل الله تعالى {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (¬2) يعني: المسلمين. قال مجاهد وعكرمة (¬3): ({وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}) أي: يسلمون، يعني: لو أسلموا ما عذبوا، وقال مجاهد: {وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} أي: وفي أصلابهم (¬4) من يستغفر (¬5). قال أهل المعاني: دلت هذِه الآية على أن الاستغفار أمان وسلامة من العذاب (¬6). قال ابن عباس: لم يعذب الله قرية حتى يخرج نبيها منها (¬7). وفي ذكري من (¬8) بعض التفاسير في الآية {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ} (¬9) وسنتك والعمل بها باق. ولفظ رواية النسائي [عن شعبة] (¬10) عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن (¬11) عبد الله بن عمرو: كسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬12) فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع فأطال. - قال شعبة: وأحسبه قال: في (¬13) السجود ونحو ذلك - ¬

_ (¬1) و (¬2) الأنفال: 33. (¬3) من (ل، م). (¬4) في (م): صلاتهم. (¬5) انظر: "تفسير القرطبي" 7/ 399. (¬6) انظر: "مفاتيح الغيب" للرازي 15/ 127. (¬7) انظر: "تفسير الخازن" 3/ 29. (¬8) في (م): في. (¬9) الأنفال: 33. (¬10) و (¬11) من (م، ل)، و"المجتبى". (¬12) من (س، ل، م)، و"المجتبى". (¬13) سقط من (م).

وجعل يبكي في سجوده وينفخ ويقول: "لم (¬1) تعدني هذا وأنا أستغفرك، لم (¬2) تعدني هذا وأنا فيهم" (¬3). (ففرغ (¬4) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من صلاته وقد امحصت [الشمس]) (¬5) بتشديد الميم [وحاء وصاد مهملتين، واقتصر المنذري على سكون الميم (¬6) وفتح المهملتين] (¬7). وفي بعض النسخ: انمحص (¬8). بسكون النون، انفعلت (¬9) من [المحص. أي] (¬10): انجلت (¬11) وظهرت من الكسوف، ويروى: أمحصت (¬12). على المطاوعة، وهو قليل في الرباعي، وأصل المحص التخليص، ومنه قوله تعالى: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ} (¬13) أي: يخلص (¬14) وتمحص الذنوب: إزالتها، وقد [محصت الشيء] (¬15) محصًا إذا خلصته (¬16)، وأمحص هو أي: أخلص (¬17) (الشمس وساق الحديث). ¬

_ (¬1) و (¬2) في (ص، م): ألم. والمثبت من (س، ل)، و"المجتبى". (¬3) "المجتبى" 3/ 149. (¬4) في (ص، س، ل): فرفع. والمثبت من (م)، و"السنن". (¬5) ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "السنن". (¬6) سقط من (س، ل). (¬7) سقط من (م) (¬8) في (م): انمحصت. (¬9) في (ص): انتقلت. والمثبت من (ل، م). (¬10) من (ل، م). (¬11) سقط من (م). (¬12) في (ص، س): انمحصت. والمثبت من (ل، م)، والنهاية (محص). (¬13) آل عمران: 141. (¬14) في (ص، س، ل): محص. والمثبت من (م). (¬15) في (ص، س): تمحص السنن. والمثبت من "لسان العرب"، و"عون المعبود". (¬16) في (ص، س): خلصه. والمثبت من (ل، م) "عون المعبود". (¬17) "عون المعبود" 4/ 58.

[1195] (حدثنا مسدد، حدثنا بشر بن المفضل، حدثنا [سعيد بن إياس الجريري، عن]) (¬1) أبي العلاء (حيان بن عمير) الجريري بضم الجيم وتكرير الراء بينهما ياء التصغير، نسبة لجرير بن عباد، بطن من بكر بن وائل، قاله النووي في "شرح مسلم" (¬2). (عن عبد الرحمن بن سمرة) بن حبيب القرشي، أسلم يوم الفتح، كان اسمه عبد كلاب فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الرحمن، وهو الذي افتتح سجستان وكابل (¬3) لعبد الله بن عامر، توفي بالبصرة. (قال: بينما (¬4) أنا أترمى) بفتح التاء والراء والميم المشددة، ولفظ مسلم: بينما (¬5) أنا أرمي (بأسهم) فيه استحباب الرمي بالسهام منفردًا وجماعة بنية (¬6) جهاد العدو. (في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ كسفت الشمس فنبذتهن) أي: ألقيتهن من يدي (وقلت: لأنظرن) إلى (ما أحدث) بفتح الهمزة والدال (لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -[كسوف) بالرفع فاعل (أحدث) (الشمس اليوم) لفظ مسلم: لأنظرن ما يحدث لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬7) في انكساف الشمس (¬8). (فانتهيت إليه وهو رافع يديه يسبح ويحمد) بفتح الياء والميم، وفي ¬

_ (¬1) من (س، ل، م)، و"المجتبى". (¬2) "شرح النووي على مسلم" 2/ 84. (¬3) في (م): كان. (¬4) في (ص): بينا. والمثبت من (س، ل، م)، و"السنن". (¬5) في (ص، س، ل): بينا. والمثبت من (م) و"صحيح مسلم" (913). (¬6) في (ص): بنيات. والمثبت من (س، ل، م)، و"السنن". (¬7) سقط من (م). (¬8) "صحيح مسلم" (913) (25).

لفظ آخر: فأتيته وهو قائم في الصلاة رافع يديه، فجعل يسبح (ويهلل ويدعو) الله تعالى (حتى حسر) بضم أوله مبني للمجهول (¬1). أي: كشف (عن الشمس، فقرأ) في الصلاة (بسورتين [وركع) فيها] (¬2) (ركعتين) هذا مما يستشكل ويظن أن ظاهره أنه ابتدأ صلاة الكسوف بعد انجلاء الشمس، وليس كذلك، فإنه لا يجوز ابتداء صلاتها بعد الانجلاء [وهذا الحديث محمول على أنه وجده في الصلاة كما صرح به في رواية مسلم، وكانت السورتان بعد الانجلاء] (¬3) تتميمًا للصلاة، فتمت جملة الصلاة ركعتين أولها في حال الكسوف. قال النووي: وهذا الذي ذكرته من تقديره لا بد منه؛ لأنه (¬4) مطابق للرواية الصحيحة ولقواعد الفقه؛ لتتفق الروايتان (¬5)، ونقل القاضي عن المازري (¬6) أنه تأوله على (¬7) صلاة ركعتين تطوعًا سنة بعد انجلاء الكسوف (¬8). أي: شكرًا لله تعالى وثناء على إنعامه. ¬

_ (¬1) في (س، ل، م): للمفعول. (¬2) في (ص): فيهما. في (س، ل): فيها. والمثبت من (م)، و"السنن". (¬3) من (ل، م). (¬4) في (ص، س): أنه. والمثبت من (ل، م)، و"شرح النووي على مسلم". (¬5) في (م): الروايات. (¬6) في (ص): الماوردي. وفي (م): المازني. والمثبت من (س، ل)، و"شرح النووي على مسلم". (¬7) في (ص، س): عن. والمثبت من (ل، م)، و"شرح النووي". (¬8) "شرح النووي على مسلم" 6/ 217.

11 - باب الصلاة عند الظلمة ونحوها

11 - باب الصَّلاةِ عِنْدَ الظُّلْمَةِ وَنَحْوِها 1196 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ، حَدَّثَنِي حَرَمِيُّ بْن عُمارَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ النَّضْرِ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: كَانَتْ ظُلْمَةٌ عَلَى عَهْدِ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ - قَالَ -: فَأَتَيْتُ أَنَسًا فَقُلْتُ: يا أَبا حَمْزَةَ، هَلْ كَانَ يُصِيبُكُمْ مِثْلُ هذا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: مَعاذَ اللهِ إِنْ كَانَتِ الرِّيحُ لَتَشْتَدُّ فَنُبادِرُ المَسْجِدَ مَخَافَةَ القِيامَةِ (¬1). * * * باب الصلاة عند الظلمة ونحوها [1196] (حدثنا محمد بن عمرو) بن عباد (بن جبلة) بفتح الجيم والباء الموحدة (ابن أبي رواد) بفتح الراء وتشديد الواو، الباهلي من أهل البصرة، أخرج له مسلم. (حدثنا حرمي بن عمارة) بفتح الحاء والراء (عن (¬2) عبيد الله) (¬3) بالتصغير (ابن النضر) وثقه ابن معين (¬4) (حدثني أبي، النضر) بن عبد الله البكري، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬5) التابعين. (قال: كانت) [بمعنى: حدثت أو وجدت] (¬6) (ظلمة) شديدة (على ¬

_ (¬1) انفرد به أبو داود، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" 1/ 334، البيهقي في "السنن الكبرى" 3/ 432 من طريق حرمي بن عمارة به، قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (220). (¬2) في (م): ابن. (¬3) من (م)، و"سنن أبي داود"، وانظر: ترجمته في "التهذيب" 19/ 170. (¬4) "الجرح والتعديل" 5/ 336، و"تهذيب الكمال" 19/ 170. (¬5) "الثقات" لابن حبان 7/ 150. (¬6) سقط من (م).

عهد أنس بن مالك قال: فأتيت أنس) بن مالك (فقلت: يا أبا حمزة) بالحاء المهملة والزاي (هل كان يصيبكم) ظلام (مثل هذا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: معاذ الله) أي: أعوذ بالله معاذًا يجعله بدلًا من اللفظ بالفعل؛ لأنه مصدر، وإن كان غير مستعمل مثل: سبحان الله (إن كانت (¬1) الريح لتشتد فنبادر) (¬2) إلى (المسجد) [رواية البيهقي: إلى المسجد (¬3)] (¬4). قال الشافعي (¬5) والأصحاب (¬6): لا نصلي جماعة للظلمة والرياح الشديدة والزلازل وغير ذلك من الآيات، بل نصلي منفردين كما تصلون منفردين في سائر التطوعات. واتفق الأصحاب على أنه يستحب أن يصلي منفردًا ويدعو ويتضرع ويتذلل ويبتهل إلى الله تعالى. (مخافة) أن تكون أول آيات (القيامة) ولا يكون الإنسان مع (¬7) حدوث هذِه الآيات العظيمة غافلًا ملتهيًا (¬8) بدنياه عن آخرته. ¬

_ (¬1) في (ص): كان. (¬2) في (م): فتبادروا. وفي (س، ل): فنباد. (¬3) "السنن الكبرى" للبيهقي 3/ 342. (¬4) سقط من (م). (¬5) "الأم" 1/ 409. (¬6) "المجموع" 5/ 55. (¬7) في (م): عن. (¬8) في (م): متلهيًا.

12 - باب السجود عند الآيات

12 - باب السُّجُودِ عِنْدَ الآيَاتِ 1197 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمانَ بْنِ أَبِي صَفْوانَ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنا سَلْمُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنِ الحَكَمِ بْنِ أَبِانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قِيلَ لابْنِ عَبّاسٍ: ماتَتْ فُلانَةُ بَعْضُ أَزْواجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَخَرَّ ساجِدًا فَقِيلَ لَهُ: أَتَسْجُدُ هذِه السَّاعَةَ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا رَأَيْتُمْ آيَةً فاسْجُدُوا". وَأَىُّ آيَةٍ أَعْظَمُ مِنْ ذَهابِ أَزْواجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬1)؟ ! . * * * باب السجود عند الآيات [1197] (حدثنا محمد بن عثمان بن أبي صفوان) بن مروان بن عثمان (¬2) بن أبي العاص (الثقفي) أبو عبد الله، وثقه أبو حاتم (¬3) وغيره (حدثنا يحيى بن كثير) أبو غسان العنبري. (حدثنا سلم) بفتح السين المهملة وسكون اللام (بن جعفر) البكراوي (¬4) أبو جعفر الأعمى، قال المزني (¬5): وكان ثقة (¬6). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3891). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1081). (¬2) في (ص، س): عباد. والمثبت من "تهذيب الكمال" 26/ 85. (¬3) "الجرح والتعديل" 8/ 25. (¬4) في (ص): البكاري. والمثبت من "تهذيب الكمال" 11/ 214. (¬5) كذا في الأصول الخطية، ولعله المزي كما نقله في "تهذيب الكمال" عن عباس العنبري. (¬6) "تهذيب الكمال" 11/ 214، و"الجرح والتعديل" 4/ 265.

(عن الحكم بن أبان) (¬1) العدني ثقة (¬2) صاحب سنة، إذا هدأت العيون وقف (¬3) في البحر إلى (¬4) ركبتيه يذكر الله تعالى، وكان سيد أهل اليمن (¬5). (عن عكرمة قال: قيل لابن عباس) [رواية الطبراني من طريق إسحاق بن راهويه، عن إبراهيم بن الحكم بن (¬6) أبان، فذكره (¬7)، وقال: ] (¬8) زاد الترمذي: بعد صلاة الصبح (¬9) (ماتت فلانة) يعني: (بعض) [بالرفع بدل من] (¬10) (أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -) قال إسحاق: يعني: ابن راهويه أحد رواة الحديث: أظنه سماها صفية بنت حيي بالمدينة، فأتيت ابن عباس فأخبرته فسجد فقلت: أتسجد ولما تطلع الشمس؟ ! (¬11). (فخر ساجدًا) لله تعالى (فقيل له: أتسجد هذِه الساعة؟ ! ) (¬12) يعني: بعد الصبح قبل طلوع الشمس. (فقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا رأيتم آية فاسجدوا) فيه السجود عند موت أكابر العلماء وموت أكابر [أزواجهم الآخذات عنهم] (¬13) (وأي آية أعظم من ذهاب أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ ! ) زاد الطبراني في الرواية المذكورة: ¬

_ (¬1) في (ص، س): لبانة. والمثبت من "تهذيب الكمال" 7/ 86، "الإكمال" 6/ 403. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (ص، س): وهو. والمثبت من "تهذيب الكمال" 7/ 87، و"تاريخ الثقات" للعجلي (312). (¬4) سقط من (م). (¬5) "تهذيب الكمال" 7/ 87. (¬6) في (ص، س): عن. (¬7) "المعجم الكبير" (11618). (¬8) سقط من (م). (¬9) "جامع الترمذي" (3891). (¬10) سقط من (م). (¬11) "المعجم الكبير" (11618). (¬12) في (ص، س): الصلاة. (¬13) في (م): أزواجهن الآخذين عنهن.

أي آية أعظم من أمهات المؤمنين يخرجن من بين أظهرنا ونحن أحياء! (¬1). [وروى ابن أبي شيبة أن المدينة زلزلت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إن ربكم [يستعتبكم فأعتبوه" (¬2)] (¬3)، وهذا مرسل ضعيف (¬4)] (¬5). وروى الترمذي حديث ابن عباس المرسل المذكور وقال: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه (¬6). قال المزي (¬7): إن (¬8) أراد لا نعرفه إلا من رواية الحكم بن أبان عن عكرمة فهو صحيح، وإن أراد لا نعرفه إلا من رواية يحيى بن كثير، عن سلم بن جعفر، عن الحكم بن أبان، ففيه نظر؛ لأن إسحاق بن راهويه قد رواه، عن إبراهيم بن الحكم [بن أبان] (¬9) عن أبيه قال: قد وقع لنا عاليًا عنه والله أعلم (¬10). ¬

_ (¬1) "المعجم الكبير" (11618). (¬2) في (ص): يستغيثكم فأغيثوه. (¬3) "مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 221 (8334). (¬4) "فتح الباري" لابن رجب 6/ 324. (¬5) سقط من (م). (¬6) "جامع الترمذي" (3891). (¬7) في الأصول الخطية: المزني. خطأ، والصواب ما أثبتناه؛ لأن الكلام منقول من "تهذيب الكمال" للمزي 11/ 215 - 216. (¬8) و (¬9) سقط من (م). (¬10) "تهذيب الكمال" 11/ 215 - 216.

[كتاب صلاة السفر]

[كِتَابُ صَلَاةَ السَّفَرِ]

1 - باب صلاة المسافر

تفريع أبواب صلاة المسافِر 1 - باب صَلاةِ المُسافِرِ 1198 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ صالِحِ بْنِ كَيْسانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: فُرِضَتِ الصَّلاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الحَضَرِ والسَّفَرِ فَأُقِرَّتْ صَلاةُ السَّفَرِ وَزِيدَ في صَلاةِ الحَضَرِ (¬1). 1199 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمُسَدَّدٌ قالا: حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنِ ابن جُرَيْجٍ ح، وحَدَّثَنا خُشَيْشٌ - يَعْنِي: ابن أَصْرَمَ - حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بابَيْهِ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ: قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ: أَرَأَيْتَ إِقْصارَ النَّاسِ الصَّلاةَ وَإِنَّما قَالَ تَعالَى: {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} فَقَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ اليَوْمُ. فَقَالَ: عَجِبْتُ مِمّا عَجِبْتَ مِنْهُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللهُ بِها عَلَيْكُمْ فاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ" (¬2). 1200 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عبد الرَّزَّاقِ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالا: أَخْبَرَنا ابن جُرَيْجٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي عَمَّارٍ يُحَدِّثُ فَذَكَرَهُ نَحْوَهُ (¬3). قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَواهُ أَبُو عاصِمٍ وَحَمّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ كَما رَواهُ ابن بَكْرٍ. * * * أبواب تفريع صلاة المسافر (¬4) باب صلاة المسافر [1198] (حدثنا) عبد الله بن مسلمة (القعنبي، عن مالك، عن صالح ¬

_ (¬1) رواه البخاري (350)، ومسلم (685). (¬2) رواه مسلم (686). (¬3) رواه مسلم (686). (¬4) في (م): السفر.

ابن (¬1) كيسان، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، قالت: فرضت الصلاة) قال أبو إسحاق الحربي (¬2): إن الصلاة (¬3) قبل الإسراء كانت صلاة قبل غروب الشمس، وصلاة قبل طلوعها، ويشهد له قوله سبحانه: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} (¬4). وقال يحيى بن سلام مثله (¬5). [وعلى هذا] (¬6) فقوله: (ركعتين ركعتين) أي فرضت ركعتين قبل طلوع الشمس، وركعتين قبل غروبها، وقد كان الإسراء وفرض (¬7) الصلوات الخمس قبل الهجرة بعام. وعلى هذا فيحمل (¬8) قول عائشة: فرضت الصلاة ركعتين. أي: قبل الإسراء، وإليه الإشارة بقوله: "من صلى البردين دخل الجنة" (¬9)، ويجوز أن يكون قبل الإسراء. أعني به قيام الليل. وفي البيهقي من حديث داود (¬10) بن أبي (¬11) هند، عن عامر، عن مسروق، عن عائشة قالت: إن (¬12) أول ما فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة واطمأن زاد ركعتين غير المغرب وصلاة الغداة (¬13). ¬

_ (¬1) في (م): عن. (¬2) من (س، ل، م)، و"شرح سنن أبي داود" للعيني. (¬3) زاد في (ص، س، ل): كانت. وهي زيادة مقحمة. (¬4) غافر: 55. (¬5) "شرح سنن أبي داود" للعيني 5/ 54. (¬6) سقط من (م). (¬7) في (م): فرضت. (¬8) في (ص، س): فيحتمل. (¬9) أخرجه البخاري (574)، ومسلم (635) (215). (¬10) في (م): قادر. (¬11) و (¬12) سقط من (م). (¬13) "السنن الكبرى" للبيهقي 1/ 363.

(في الحضر و) في (السفر، [فأقرت صلاة السفر] (¬1)، وزيد) في الصلوات (¬2) حتى صارت خمسًا، فتكون الزيادة في عدد الصلوات (¬3) وفي عدد الركعات (في) صلاة (الحضر) وقال بعضهم: ويجوز أن يكون معنى فرض (¬4) الصلاة أي ليلة الإسراء حين فرضت الخمس فرضت ركعتين ركعتين، ثم زيد في صلاة الحضر بعد ذلك فصارت أربعًا، وهذا هو (¬5) المروي عن بعض رواة هذا الحديث، عن عائشة. وممن رواه هكذا الحسن والشعبي (¬6)، وقد ذكره البخاري من رواية معمر، عن الزهري (¬7)، عن عروة، عن عائشة قالت: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، ثم هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة ففرضت أربعًا، وتركت صلاة السفر على الأولى (¬8). ذكره البخاري في الهجرة [وذكر ابن عبد البر عن الحسن والشعبي أن الزيادة في صلاة الحضر كانت بعد الهجرة] (¬9) بعام أو نحوه (¬10). وادعى بعضهم فيما حكاه المنذري أنه يحتمل أن يكون المراد بفرض الصلاة ركعتين. يعني: إن اختار المسافر أن يصليها ركعتين فعل ذلك، وإن اختار [أن يصليها] (¬11) أربعًا فله ذلك. ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) و (¬3) في (م): الصلاة. (¬4) في (م): فرضت. (¬5) سقط من (م). (¬6) "صحيح ابن خزيمة" (305، 944). (¬7) في (ص، س، ل): الزبيدي. (¬8) "صحيح البخاري" (3935). (¬9) من (ل، م). (¬10) "شرح سنن أبي داود" للعيني 5/ 54. (¬11) من (ل، م).

ويحتمل أن يراد بالفرض التقدير (¬1)، ومعنى [قولها: (فرضت)] (¬2) أي: قدرت، ثم تركت صلاة السفر (¬3) على هيئتها في المقدار لا في الإيجاب (¬4). والذي عليه الجمهور كما قاله [ابن بطال] (¬5): أن عائشة أفتت (¬6) بخلاف ذلك، وأنها كانت تتم (¬7) في السفر (¬8) لكنها فهمت أن القصر ليس على الإيجاب فلذلك أتمت. فائدة: زيادة ركعتين على ركعتين نسخ الأول، لا (¬9) زيادة صلاة خلافًا لأبي حنيفة، كما نبه عليه السبكي (¬10). [1199] (حدثنا أحمد بن حنبل ومسدد، قالا: حدثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن) عبد الملك (بن جريج، وحدثنا خشيش) بضم الخاء وفتح الشين الأولى المعجمات (¬11) بينهما ياء التصغير (بن أصرم) (¬12) أبو عاصم النسائي (¬13). ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): المتعدد. (¬2) في (م): قوله. (¬3) في (ص، س، ل): المسافر. (¬4) "شرح سنن أبي داود" للعيني 5/ 54 - 55. (¬5) في (ص، س): أن يقال. والمثبت من (ل، م). (¬6) بياض في (ص). والمثبت من (س، ل، م)، و"شرح ابن بطال". (¬7) في (م): تقيم. (¬8) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 2/ 8. (¬9) في (ص، س): لأن. والمثبت من (ل، م). (¬10) في (م): السهيلي. (¬11) في (ص): المعجمتان. والمثبت من (س، ل، م). (¬12) زاد في (ص): بن. وهي زيادة مقحمة، وانظر ترجمته في "الإكمال" 3/ 150، و"تهذيب الكمال" 8/ 251. (¬13) في الأصول الخطية: الهنائي. خطأ. والمثبت من "تهذيب الكمال" 8/ 251، و"الكاشف" 1/ 372، و"الكنى والأسماء" (1793).

(حدثنا عبد الرزاق، عن ابن جريج، حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار) القرشي المكي الملقب بالقس لعبادته، أخرج له مسلم والأربعة. (عن) عبد الله (¬1) (بن بابيه) هو بباء موحدة [ثم ألف، ثم موحدة] (¬2) أخرى مفتوحة، ثم مثناة تحتية، ويقال فيه: ابن باباه وابن بابي (¬3) بكسر الباء الثانية. (عن يعلي بن أمية) ويقال فيه: يعلى بن منية بضم الميم وسكون النون، وبعدها ياء (¬4) مثناة مفتوحة، وتاء (¬5) تأنيث، ينسب أولًا إلى أبيه، وحينًا إلى أمه، التميمي الحنظلي، أسلم يوم الفتح، وشهد حنينًا والطائف وتبوك، وأعان الزبير بأربعمائة ألف، وحمل سبعين رجلًا من قريش، وحمل عائشة على جمل يقال له (¬6): عسكر كان اشتراه بمائتي دينار. (قال: قلت لعمر بن الخطاب: إقصار) بكسر الهمزة وسكون القاف مصدر أقصر (الناس الصلاة) اليوم (¬7) إقصارًا وهي لغة قليلة، واللغة الكثيرة الفصحى قصرت الصلاة أقصر قصرًا إذا حذفت بعضها، وهو من القصر ضد الطول؛ لأن صلاة الحضر أربع ركعات، وصلاة السفر ركعتان، فتلك طويلة [وهذِه قصيرة] (¬8). (وإنما قال الله تعالى (¬9): {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ}) الفتنة: الابتلاء، ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): أبيه. (¬2) تكررت في (م). (¬3) بياض في (ص، س). (¬4) من (ل، م). (¬5) و (¬6) سقط من (م). (¬7) سقط من (م). (¬8) من (ل، م). (¬9) زاد بعدها في (ل، م): {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: 101].

والمراد بها في الآية الاغتيال والغلبة والقتال [والتعرض مما] (¬1) يكره، وليست المخافة شرطًا لجواز القصر للإجماع على جوازه (¬2) مع (¬3) الأمن، وإنما ذكر الخوف في الآية؛ لأن غالب أسفارهم يومئذٍ كانت مخوفة لكثرة العدو بأرضهم، وكونهم محدقين بهم من كل جهة، فأينما توجهوا واجههم العدو ({الَّذِينَ كَفَرُوا}) (¬4). (فقد ذهب ذلك اليوم) بالنصب. أي: ذهب الخوف في هذا اليوم (¬5)، فيه أن المفضول إذا رأى (¬6) الفاضل (¬7) يعمل شيئًا يشكل عليه [دليله يسأله] (¬8) عنه. (فقال: عجبت مما عجبت منه) العجب من الشيء هو استغرابه وخروجه عن أمثاله من الأمور المألوفة، وحقيقة الأمر الذي يخفى سببه [ولا يعرف كيف حدوثه، هذا هو الأصل، وأمر عجيب وعجاب، وقد تعجب من القصر؛ لأنه خفي عليه سببه] (¬9) إذا كان قد علم أن سبب القصر الخوف من العدو، فلما رآه مستمرًّا مع عدم الخوف أنكره؛ لأن السبب الذي هو حياله قد زال. (فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال) هو (صدقة تصدق الله بها عليكم) [أي: رخصة؛ لأن الصدقة عفو لا حجر على من أعطيها كأنه كان في ¬

_ (¬1) في (م): أو التعريض لما. (¬2) "الإجماع" لابن المنذر (62). (¬3) سقط من (م). (¬4) النساء: 101. (¬5) زاد في (ص، س، ل): الخوف. وهي زيادة مقحمة. (¬6) في (م): أراد. (¬7) زاد في (م): أن. (¬8) في (م): دليل سأل. وفي (س، ل): دليل يسأله. (¬9) من (ل، م).

ضيق بعدمها، فلما [خص بها] (¬1) وجد سعة (¬2) فيه جواز قول (¬3) تصدق الله علينا، واللهم تصدق علينا، وقد (¬4) كرهه بعض السلف؛ لأن المقصود بها ثواب الآخرة، وهو غلط ظاهر للأحاديث الواردة فيه. (فاقبلوا صدقته) وأقصروا الصلاة مع عدم الخوف، فقد وردت السنة بجوازه، ألا ترى كيف أتبع الآية بذكر صلاة (¬5) الخوف، فقال عز من قائل: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} (¬6) فظاهر الآية يقتضي التخيير، وهو مذهب الشافعي (¬7). [1200] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عبد الرزاق ومحمد بن بكر) ابن عثمان البرساني البصري، بضم الموحدة، قبيلة من الأزد. (قالا (¬8): (أنبأنا ابن (¬9) جريج) قال: (سمعت عبد الله بن أبي عمار يحدث، فذكر) الحديث (نحوه). (قال المصنف: ورواه أبو عاصم) (¬10) الضحاك بن مخلد النبيل (¬11) (وحماد بن مسعدة (¬12)، كما رواه) محمد (بن بكر) البرساني. ¬

_ (¬1) في (س): حضرتها. (¬2) و (¬3) سقط من (م). (¬4) و (¬5) سقط من (م). (¬6) النساء: 102. (¬7) "الأم" 1/ 277. (¬8) في (ص، س): قال. (¬9) من (ل، م). (¬10) أخرجه الدارمي (1505). (¬11) في (م): النيلي. (¬12) "التمهيد" 11/ 166.

2 - باب متى يقصر المسافر

2 - باب مَتَى يُقْصِرُ المُسافِرُ 1201 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَزِيدَ الهُنائِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مالِكٍ، عَنْ قَصْرِ الصَّلاةِ فَقَالَ أَنَسٌ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلاثَةِ أَمْيالٍ أَوْ ثَلاثَةِ فَراسِخَ - شُعْبَةُ شَكَّ - يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ (¬1). 1202 - حَدَّثَنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا ابن عُيَيْنَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ وَإِبْراهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ سَمِعا أَنَسَ بْنَ مالِكٍ يَقُولُ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الظُّهْرَ بِالمَدِينَةِ أَرْبَعًا والعَصْرَ بِذِي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ (¬2). * * * باب متى [تقصر صلاة] (¬3) المسافر [1201] (حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر) غندر (حدثنا شعبة، عن يحيى [بن يزيد) بن مرة] (¬4) الهنائي، بضم الهاء وتخفيف النون وبالمد، منسوب إلى هناءة بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس، بطن من الأزد (¬5) ينسب إليه نفر (¬6). (قال: سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة فقال أنس: كان رسول ¬

_ (¬1) رواه مسلم (691). (¬2) رواه البخاري (1089)، ومسلم (690). (¬3) في (ل، م): يقصر. (¬4) في (م): زيد. (¬5) زاد في (ص، س، ل): يخاصمه وهم بالبصرة. وهي زيادة مقحمة، وانظر: "اللباب في تهذيب الأنساب" 3/ 393. (¬6) في (م): ثقة.

الله - صلى الله عليه وسلم - وإذا خرج مسيرة ثلاثة أميال) (¬1) قال النمري (¬2): يحيى بن يزيد شيخ من أهل البصرة، ليس مثله ممن يحتمل أن يحمل مثل هذا المعنى الذي خالف فيه جمهور الصحابة والتابعين، ولا هو (¬3) ممن يوثق به في ضبط مثل هذا الأصل، وقد يحتمل أن يكون أراد ما تقدم ذكره من ابتداء قصر الصلاة إذا خرج ومشى ثلاثة أميال هذا آخر كلامه (¬4)، ويحيى بن يزيد ممن نص البخاري وغيره على أنه سمع من أنس بن مالك، ولم يذكروا فيه معنى، والحديث قد أخرجه مسلم من روايته، وهو والحديث الذي بعده محمولان على أنه أراد ابتداء القصر في السفر الطويل، وحديث أنس الثاني جاء مفسرًا أنه كان في حجته - صلى الله عليه وسلم -. (أو ثلاثة فراسخ، شعبة شك) [أي: في الروايتين، سمع] (¬5) (يصلي ركعتين) قال النووي: ليس هذا على سبيل الاشتراط، وإنما وقع بحسب (¬6) الحاجة؛ لأن الظاهر من أسفاره - صلى الله عليه وسلم - أنه (¬7) ما كان يسافر سفرًا طويلًا فيخرج عند حضور فريضة مقصورة ويترك قصرها بقرب المدينة ويتمها (¬8)، وإنما كان يسافر (¬9) بعيدًا من وقت المقصورة فيدركه ¬

_ (¬1) في (ص، س): أيام. (¬2) في (م): الهمري. (¬3) من (ل، م)، و"الاستذكار". (¬4) "الاستذكار" 6/ 94. (¬5) في (ل): في أي الروايتين سمع. وفي (م): في الروايتين. (¬6) في (ص): بسبب. (¬7) سقط من (م). (¬8) سقط من (م). (¬9) في (ص، س، ل): المسافر. والمثبت من (م)، و"شرح النووي".

على ثلاثة أميال أو أكثر فيصليها حينئذٍ، والأحاديث المطلقة مع ظاهر (¬1) القرآن متعاضدات على جواز القصر من حين يخرج من البلد فإنه حينئذٍ يسمى مسافرًا (¬2). ومذهبنا ومذهب العلماء كافة جواز (¬3) القصر من حين يفارق بنيان بلده أو خيام قومه (¬4)، إلا رواية ضعيفة عن مالك أنه لا يقصر حتى يجاوز ثلاثة أميال (¬5). وحكي عن عطاء وجماعة من أصحاب ابن مسعود أنه إذا أراد السفر قصر قبل خروجه (¬6). وعن مجاهد أنه لا يقصر في يوم خروجه حتى يدخل الليل (¬7). وهذِه الروايات (¬8) كلها منابذة (¬9) للسنة وإجماع السلف والخلف (¬10). [1202] (حدثنا زهير بن حرب، حدثنا) سفيان (ابن عيينة، عن محمد بن المنكدر وإبراهيم بن ميسرة) أنهما (سمعا أنس بن مالك يقول: صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر بالمدينة أربعًا، والعصر بذي ¬

_ (¬1) من (م)، و"شرح النووي". (¬2) "شرح النووي على مسلم" 5/ 200. (¬3) سقط من (م). (¬4) "المجموع" 4/ 349، و"الإجماع" لابن المنذر (62). (¬5) "الاستذكار" 6/ 79. (¬6) "الأوسط" 4/ 409، و"المجموع" 4/ 349. (¬7) "الأوسط" 4/ 409، و"المجموع" 4/ 349. (¬8) في (ص، س): الزيادات. والمثبت من (ل، م)، و"شرح النووي". (¬9) في (م): متأبدة. (¬10) "شرح النووي على مسلم" 5/ 200.

الحليفة ركعتين) (¬1) ميقات أهل المدينة، والحليفة أصله ماء من مياه بني جشم، ثم سمي به الموضع، وبين ذي الحليفة والمدينة ستة أميال، ويقال: سبعة أميال (¬2). قال النووي: وهذا مما احتج به أهل الظاهر في جواز القصر (¬3) في طويل السفر وقصيره. وقال الجمهور: لا يجوز القصر إلا في سفر يبلغ مرحلتين. وقال أبو حنيفة (¬4)، وطائفة: شرطه ثلاثة مراحل، واعتمدوا في ذلك بآثار عن الصحابة. وأما هذا الحديث فلا دلالة فيه لأهل الظاهر؛ لأن المراد أنه حين سافر - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة في حجة الوداع صلى الظهر بالمدينة أربعًا، ثم سافر فأدركته العصر وهو مسافر بذي الحليفة فصلاها ركعتين، وليس المراد أن ذا الحليفة غاية سفره، فلا دلالة فيه قطعًا (¬5). ¬

_ (¬1) من (م)، و"سنن أبي داود". (¬2) "معجم البلدان" 2/ 295. (¬3) في (م): القصة. (¬4) انظر: "المبسوط" للسرخسي 1/ 403. (¬5) "شرح النووي على مسلم" 5/ 199 - 200.

3 - باب الأذان في السفر

3 - باب الأَذانِ فِي السَّفَرِ 1203 - حَدَّثَنا هارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الحارِثِ أَنَّ أَبا عُشّانَةَ المَعافِرِيَّ حَدَّثَهُ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "يَعْجَبُ رَبُّكُمْ مِنْ راعِي غَنَمٍ في رَأْس شَظِيَّةٍ بِجَبَلٍ يُؤَذِّنُ بِالصَّلاةِ وَيُصَلِّي فَيَقُولُ اللهُ - عز وجل - انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي هذا يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ الصَّلاةَ يَخافُ مِنِّي فَقَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي وَأَدْخَلْتُهُ الجَنَّةَ" (¬1). * * * باب الأذان في السفر [1203] (حدثنا هارون بن معروف) أبو علي الخزاز الضرير البغدادي أخرج له الشيخان في مواضع. (حدثنا) عبد الله (بن وهب، عن (¬2) عمرو بن الحارث) الأنصاري. (أن أبا عُشانة) بضم العين المهملة (¬3) وتخفيف الشين المعجمة وبعد الألف نون مخففة، واسمه [حي بن] (¬4) يؤمن بلفظ المضارع من الإيمان (المعافري) بفتح (¬5) الميم والعين المهملة وفاء بعد الألف، نسبة إلى المعافر بن يعفر (¬6) بن مالك، قاله السمعاني (¬7). ¬

_ (¬1) رواه النسائي 2/ 20، وأحمد 4/ 145. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1086). (¬2) في (م): ابن. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ص): حيي أبو. والمثبت من (س، ل، م)، و"الإكمال" 2/ 397. (¬5) في (م): بضم. (¬6) في (م): يعقوب. (¬7) "الأنساب" (10030).

قيل: ينسب إليهم كثير عامتهم بمصر (¬1). أخرج له البخاري في "الأدب" (حدثه عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول (¬2): يعجب) بفتح التحتانية والجيم (ربكم) (¬3) إطلاق التعجب على الله تعالى مجاز (¬4)؛ لأنه لا يخفى عليه أسباب الأشياء، والتعجب ما خفي سببه ولم يعلم، ومعناه: هنا يعظم (¬5) هذا الفعل ويكبر (¬6) عند ربنا تبارك وتعالى (¬7)؛ لأن الآدمي إنما يتعجب من الشيء إذا عظم عنده موقعه، وقيل: معناه: يرضى ربك بهذا الفعل ويثيب عليه ثوابًا جزيلًا، فسماه عجبًا مجازًا، والأول أوجه (¬8). (من راعي غنم في رأس شظية) بفتح الشين المعجمة وكسر الظاء المعجمة أيضًا بعدهما ياء مثناة تحت مشددة ثم تاء تأنيث، كذا ضبطه المنذري (¬9)، وهي القطعة المرتفعة في رأس الجبل التي لم تنفصل منه، والشظية الفلقة من العصا ونحوها (بجبل) بالباء (¬10) بمعنى من جبل، فالباء بمعنى (من) (¬11) كقوله تعالى: {يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} (¬12). ولفظ ¬

_ (¬1) "اللباب في تهذيب الأنساب" (3/ 229). (¬2) ليست في (م). (¬3) في (ص): ربك. وفي (س): ربك ربنا. والمثبت من (ل، م)، و"السنن". (¬4) في (م): تجاوز. (¬5) في (ص): تعظيم. والمثبت من (س، ل، م). (¬6) في (ص): تكثيره. والمثبت من (س، ل، م). (¬7) زاد في (ص، س، ل): ونسبته إلى الله تعالى. وهي زيادة مقحمة. (¬8) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/ 174. (¬9) "مختصر سنن أبي داود" 2/ 50. (¬10) في النسخ الخطية: الباء. والمثبت هو الأنسب للسياق. (¬11) من (س، ل، م). (¬12) الإنسان: 6.

النسائي: في رأس شظية الجبل (¬1). (يؤذن للصلاة) لفظ النسائي: يؤذن بالصلاة (¬2). وفيه استحباب الأذان لمن يصلي وحده في فلاة أو غيرها (¬3)، وبوب عليه النسائي باب (¬4) الأذان لمن يصلي وحده (¬5)، وهو الجديد من مذهب (¬6) الشافعي (¬7) لرواية البخاري: "إذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت للصلاة، فارفع صوتك بالنداء. ." (¬8) الحديث، والقول القديم لا يستحب؛ لانتفاء المعنى المقصود منه وهو الإعلام (¬9)، وخصه المتولي بمنفرد يصلي في البلد دون الصحراء، وقيل: إن رجا المؤذن المنفرد حضور جمع أذن له، وإلا فلا (¬10). (ويصلي) وحده (فيقول الله تعالى: انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم للصلاة) فيه استحباب إقامة الصلاة للمنفرد على الجديد والقديم (¬11). وقيل (¬12): إن قلنا: لا يؤذن فلا يقيم أيضًا. (يخاف مني) فيه فضيلة الأعمال الصالحة خوفًا من الله تعالى (قد غفرت لعبدي) ذنوبه. يعني: الصغائر (وأدخلته الجنة) فيه التعبير بالماضي عن المستقبل إذا تحقق كقوله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ} (¬13) ونحوه. ¬

_ (¬1) و (¬2) "المجتبى" 2/ 20. (¬3) في (م): بلد. (¬4) ليست في (م). (¬5) "المجتبى" 2/ 20. (¬6) في (م): قولي. (¬7) "الأم" 1/ 170، "الشرح الكبير" 1/ 405. (¬8) "صحيح البخاري" (609، 3296، 7548). (¬9) و (¬10) "الشرح الكبير" 1/ 405. (¬11) "المجموع" 3/ 82، 85. (¬12) في (م): فيه. (¬13) الأعراف: 48.

4 - باب المسافر يصلي وهو يشك في الوقت

4 - باب المُسافِرِ يُصلِّي وَهُوَ يَشُكُّ في الوَقْتِ 1204 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أبو مُعاوِيَةَ، عَنِ الِمسْحاجِ بْنِ مُوسَى قَالَ: قُلْتُ لأَنَسِ بْنِ مالِكٍ: حَدِّثْنا ما سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ: كُنّا إِذا كُنّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي السَّفَرِ فَقُلْنا: زالَتِ الشَّمْسُ أَوْ لَمْ تَزُلْ، صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ ارْتَحَلَ (¬1). 1205 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ حَدَّثَنِي حَمْزَةُ العائِذِيُّ - رَجُلٌ مِنْ بَنِي ضَبَّةَ - قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مالِكٍ يَقُولُ: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا نَزَلَ مَنْزِلًا لَمْ يَرْتَحِلْ حَتَّى يُصَلِّيَ الظُّهْرَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كانَ بِنِصْفِ النَّهارِ؟ قَالَ: وَإِنْ كَانَ بِنِصْفِ النَّهارِ (¬2). * * * باب المسافر يصلي وهو يشك في الوقت أي: في دخوله. [1204] (حدثنا مسدد، حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (عن المسحاج) بكسر الميم وسكون السين المهملة، وبعدها حاء (¬3) مهملة، وبعد الألف جيم (بن موسى) الضبي الكوفي، وثقه ابن معين وأبو داود (¬4)، والمسحاج [في اللغة] (¬5) هو الذي أصابه شيء فسحج ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 113، والضياء في "المختارة" (26561 - 2654). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1087). (¬2) رواه النسائي 1/ 248، وأحمد 3/ 120. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1088). (¬3) من (م). (¬4) "تهذيب الكمال" 27/ 442. (¬5) ليست في (م).

وجهه. أي: قشر جلدته (قال: قلت لأنس بن مالك: حدثنا ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: كنا إذا كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السفر فقلنا: زالت الشمس أو لم تزل) بضم الزاي يعني: شككنا في زوالها (صلى الظهر ثم ارتحل) معناه: - والله أعلم - إذا غلب على ظنه دخول الوقت في يوم غيم بقراءة جزء معتاد له [ونحو ذلك] (¬1)؛ لأن المسافر سيما إذا كان في (¬2) جهاد أو حج في (¬3) ركب وسار الركب، فإنه يحتاج إلى تعجيل الصلاة قبل أن يسير. ويدل على هذا ما رواه البخاري وابن ماجه عن بريدة قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة فقال: "بكروا بصلاة العصر في اليوم الغيم، فإنه (¬4) من فاتته صلاة (¬5) العصر حبط عمله" (¬6)، وبوب عليه البخاري باب التبكير بالصلاة في يوم غيم، ولم يقيده بصلاة العصر، وإنما خص التبكير بصلاة العصر في الحديث؛ لأن وقتها المختار في زمن الشتاء يضيق فيخشى خروجه. وقال ابن مسعود: عجلوا الظهر والعصر (¬7). قال المحب الطبري في ¬

_ (¬1) ليست في (م). (¬2) من (م). (¬3) ليست في (م). (¬4) في (م): فإن. (¬5) من (ل، م)، ومصادر التخريج. (¬6) "صحيح البخاري" (553، 594)، و"سنن ابن ماجه" (694). (¬7) "الأوسط" لابن المنذر 3/ 80، 81، ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (6347) بلفظ: فعجلوا الظهر وأخروا العصر.

"أحكامه" بعد أن ذكر المصنف (¬1) والحديث فقال: ولا يبعد (¬2) تخصيص المسافر بذلك [أي: بالصلاة مع الشك في الوقت] (¬3) لمشقة السفر، كما خص بالقصر (¬4). قال [ابن المنذر] (¬5): روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: إذا كان يوم غيم فأخروا الظهر وعجلوا العصر (¬6). وهو قول مالك (¬7)، ورواية عن أحمد (¬8). وقال الحسن البصري: أخروا الظهر والمغرب، وعجلوا العصر (¬9) والعشاء (¬10). وهو قول الأوزاعي (¬11). وقال المهلب: لا يصح التبكير بالغيم إلا بصلاة العصر والعشاء؛ لأنهما وقتان يشتركان مع ما قبلهما، ألا ترى أنهما يجمعان (¬12) في المطر في وقت إحداهما (¬13). ¬

_ (¬1) من (س، ل، م). (¬2) زاد بعدها في (م): أن. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ص، س): بالعصر. والمثبت من (ل، م). (¬5) في (م): المنذري. (¬6) "الأوسط" لابن المنذر 3/ 80، 81، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (6345). (¬7) "الذخيرة" 2/ 34، و"مواهب الجليل" 2/ 17. (¬8) "مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج" (130). (¬9) في (م): الظهر. (¬10) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 2/ 213، ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (6351) بلفظ: كان يعجبه في يوم الغيم أن يؤخر الظهر، ويعجل العصر. (¬11) "الأوسط" لابن المنذر 3/ 80، و"شرح صحيح البخاري" لابن بطال 2/ 213. (¬12) في (م): يجعلان. (¬13) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 2/ 213.

[1205] (حدثنا مسدد، حدثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن شعبة، حدثني حمزة) بالحاء المهملة والزاي، ابن عمرو الضبي (العائذي) بياء مثناة مكسورة بعد الألف بعدها ذال معجمة، نسبة إلى عائذ الله من ضبة، وهم (¬1) بنوا عائذة بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة بن سعد، وقيل: نسبة (¬2) إلى عائذ الله بن سعد (¬3) بن ضبة، وهذا هو الأصح، أخرج له مسلم في الفتن، وهو (رجل من بني ضبة) (¬4) بن سعد (قال: سمعت أنس بن مالك يقول: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل منزلًا لم يرتحل) منه (حتى يصلي الظهر) خوفًا من خروج الوقت قبل النزول، وليحوز فضيلة أول الوقت، وعملًا بالاحتياط في العبادات. (فقال رجل: وإن كان) الارتحال (بنصف النهار؟ ) أي: في نصف النهار، فالباء بمعنى (في) كقوله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ} (¬5) (قال: وإن كان) لفظ النسائي: وإن كانت (¬6) يعني: الصلاة (بنصف النهار) وبوب عليه النسائي باب تعجيل الظهر (¬7) في السفر. ¬

_ (¬1) في (م): وهو. (¬2) من (م). (¬3) في (م): سعيد. (¬4) في (م): حيبه. (¬5) آل عمران: 123. (¬6) في (ص، س، ل): كان. والمثبت من (م)، و"المجتبى" 1/ 248. (¬7) في (م): الصلاة.

5 - باب الجمع بين الصلاتين

5 - باب الجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ 1206 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ المَكِّيِّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عامِرِ بْنِ واثِلَةَ أَنَّ مُعاذَ بْنَ جَبَلٍ أَخْبَرَهُم أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ والعَصْرِ والمَغْرِبِ والعِشاءِ فَأَخَّرَ الصَّلاةَ يَوْمًا، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ والعَصْرَ جَمِيعًا، ثمَّ دَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى المَغْرِبَ والعِشاءَ جَمِيعًا (¬1). 1207 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ دَاوُدَ العَتَكِيُّ، حَدَّثَنا حَمَّادٌ، حَدَّثَنا أَيُّوبُ، عَنْ نافِعٍ أَنَّ ابن عُمَرَ اسْتُصْرِخَ عَلَى صَفِيَّةَ وَهُوَ بِمَكَّةَ فَسارَ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَبَدَتِ النُّجُومُ فَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذا عَجِلَ بِهِ أَمْرٌ فِي سَفَرٍ جَمَعَ بَيْنَ هاتَيْنِ الصَّلاتَيْنِ. فَسارَ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ فَنَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُما (¬2). 1208 - حَدَّثَنا يَزِيدُ بْن خالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوْهَبٍ الرَّمْلِيُّ الهَمْدانِيُّ، حَدَّثَنا المُفَضَّلُ بْنُ فَضالَةَ واللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ هِشامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إِذا زاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ والعَصْرِ، وَإِنْ يَرْتَحِلْ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَنْزِلَ لِلْعَصْرِ وَفِي المَغْرِبِ مِثْلَ ذَلِكَ، إِنْ غَابَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ جَمَعَ بَيْنَ المَغْرِبِ والعِشاءِ وَإِنْ يَرْتَحِلْ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ أَخَّرَ المَغْرِبَ حَتَّى يَنْزِلَ لِلْعِشاءِ، ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَهُما (¬3). قَالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ هِشامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابن ¬

_ (¬1) رواه مسلم (706). (¬2) رواه البخاري (1092)، وروى المرفوع منه مسلم (703). (¬3) رواه الترمذي (553، 554)، وأحمد 5/ 241، قال الترمذي: حديث حسن غريب. وقال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (1091): صحيح. وكذا في "الإرواء" 3/ 28 - 29.

عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَ حَدِيثِ المُفَضَّلِ واللَّيْثِ. 1209 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ نافِعٍ، عَنْ أَبِي مَوْدُودٍ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ أَبِي يَحْيَى، عَنِ ابن عُمَرَ قَالَ: ما جَمَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ المَغْرِبِ والعِشاءِ قَطُّ فِي السَّفَرِ إِلَّا مَرَّةً (¬1). قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وهذا يُرْوَى عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ مَوْقُوفًا عَلَى ابن عُمَرَ أَنَّهُ لَمْ يُرَ ابن عُمَرَ جَمَعَ بَيْنَهُما قَطُّ إِلا تِلْكَ اللَّيْلَةَ يَعْنِي: لَيْلَةَ اسْتُصْرِخَ عَلَى صَفِيَّةَ وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ مَكْحُولٍ عَنْ نافِعٍ أَنَّهُ رَأَى ابن عُمَرَ فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ. 1210 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ المَكِّيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الظُّهْرَ والعَصْرَ جَمِيعًا والمَغْرِبَ والعِشاءَ جَمِيعًا فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلا سَفَرٍ (¬2). قَالَ مالِكٌ: أُرَى ذَلِكَ كانَ في مَطَرٍ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَواهُ حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ نَحْوَهُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ وَرَواهُ قُرَّةُ بْنُ خالِدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: فِي سَفْرَةٍ سافَرْناها إِلَى تَبُوكَ. 1211 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، حَدَّثَنا الأَعْمَشُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ الظُّهْرِ والعَصْرِ والمَغْرِبِ والعِشاءِ بِالمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلا مَطَرٍ. فَقِيلَ لاِبْنِ ¬

_ (¬1) انفرد أبو داود بهذه الرواية، وأخرجه الدارقطني 1/ 393 من طريق المصنف، والبزار (5430) من طريق ابن فضيل بمعناه. والحديث أصله في الصحيحين عن ابن عمر كما مر، ولكن كان يجمع بينهما بعد غيوب الشفق وليس قبل غيوب الشفق. وقال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (1097): إسناده صحيح. لكن قوله: "قبل غيوب الشفق. ." شاذ. (¬2) أخرجه مالك في "الموطأ" (330)، ومن طريقه مسلم (705/ 49)، والنسائي 1/ 290 بلفظه، والترمذي في "جامعه" (187)، وأحمد 1/ 283 بزيادة من طريق أخرى عن سعيد بن جبير.

عَبَّاسٍ: ما أَرادَ إِلَى ذَلِكَ قَالَ: أَرادَ أَنْ لا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ (¬1). 1212 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ المُحارِبِيُّ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ نافِعٍ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ واقِدٍ أَنَّ مُؤَذِّنَ ابن عُمَرَ قَالَ: الصَّلاةُ. قَالَ سِرْ سِرْ. حَتَّى إِذا كانَ قَبْلَ غُيُوبِ الشَّفَقِ نَزَلَ فَصَلَّى المَغْرِبَ ثُمَّ انْتَظَرَ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ وَصَلَّى العِشاءَ ثُمَّ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا عَجِلَ بِهِ أَمْرٌ صَنَعَ مِثْلَ الذِي صَنَعْتُ فَسارَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ واللَّيْلَةِ مَسِيرَةَ ثَلاثٍ (¬2). قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَواهُ ابن جابِرٍ عَنْ نافِعٍ نَحْوَ هذا بِإِسْنادِهِ. 1213 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْن مُوسَى الرَّازِيُّ، أَخْبَرَنا عِيسَى، عَنِ ابن جابِرٍ بهذا المَعْنَى (¬3). قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ العَلاءِ، عَنْ نافِعٍ قَالَ: حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ ذَهابِ الشَّفَقِ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُما. 1214 - حَدَّثَنا سُلَيْمان بْن حَرْبٍ وَمُسَدَّدٌ قالا: حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ ح، وحَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنا حَمَّادُ بْن زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: صَلَّى بِنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالمَدِينَةِ ثَمانِيًا وَسَبْعًا الظُّهْرَ والعَصْرَ والمَغْرِبَ والعِشاءَ (¬4) وَلَمْ يَقُلْ سُلَيْمانُ وَمُسَدَّدٌ: بِنا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَواهُ صالِحٌ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: فِي غَيْرِ مَطَرٍ. 1215 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْن مُحَمَّدٍ الجارِيُّ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - غابَتْ لَهُ ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (187)، وأحمد 1/ 354. والحديث أصله في "صحيح مسلم" (705) (50) من طريق أبي الزبير به بمعناه. (¬2) أخرجه مالك في "الموطأ" (330)، ومن طريقه مسلم (705/ 49)، والنسائي 1/ 290 بلفظه، والترمذي في "جامعه" (187)، وأحمد 1/ 283 بزيادة من طريق أخرى عن سعيد بن جبير. (¬3) رواه البخاري (1805)، ومسلم (703). (¬4) رواه البخاري (543)، ومسلم (705). وعند مسلم زيادة: ولا مطر.

الشَّمْسُ بِمَكَّةَ فَجَمَعَ بَيْنَهُما بِسَرِفَ (¬1). 1216 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ هِشامٍ، جارُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ هِشامِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: بَيْنَهُما عَشْرَة أَمْيالٍ يَعْنِي: بَيْنَ مَكَّةَ وَسَرِفَ (¬2). 1217 - حَدَّثَنا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، عَنِ اللَّيْثِ قَالَ: قَالَ رَبِيعَةُ - يَعْنِي: كَتَبَ إِلَيْهِ - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْن دِينارٍ قَالَ: غابَتِ الشَّمْسُ وَأَنا عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ فَسِرْنا فَلَمَّا رَأَيْناهُ قَدْ أَمْسَى قُلْنا: الصَّلاةُ. فَسارَ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ وَتَصَوَّبَتِ النُّجُومُ ثُمَّ إِنَّهُ نَزَلَ فَصَلَّى الصَّلاتَيْنِ جَمِيعًا ثُمَّ قال: رأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ صَلَّى صَلاتِي هذِه يَقُولُ: يَجْمَعُ بَيْنَهُما بَعْدَ لَيْلٍ (¬3). قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَواهُ عاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ سالِمٍ وَرَوَاهُ ابن أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ إِسْماعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّ الجَمْعَ بَيْنَهُما مِنِ ابن عُمَرَ كَانَ بَعْدَ غُيُوبِ الشَّفَقِ. 1218 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ وابْنُ مَوْهَبٍ - المَعْنَى - قالا: حَدَّثَنا المُفَضَّلُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ العَصْرِ، ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُما، فَإِنْ زاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ - صلى الله عليه وسلم - (¬4). قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كانَ مُفَضَّلٌ قاضِيَ مِصْرَ، وَكَانَ مُجابَ الدَّعْوَةِ، وَهُوَ ابن فَضَالَةَ. 1219 - حَدَّثَنا سُلَيْمان بْنُ دَاوُدَ المَهْرِيُّ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ ¬

_ (¬1) رواه النسائي 1/ 287، وأحمد 3/ 305. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (222). (¬2) رواه الطبراني في "الأوسط" (9061) من طريق ابن لهيعة، والبيهقي في "السنن الكبرى" 3/ 164. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (223). (¬3) رواه البخاري (1109)، ومسلم (703). (¬4) رواه البخاري (1112)، ومسلم (704).

إِسْماعِيلَ، عَنْ عُقَيْلٍ بهذا الحَدِيثِ بِإِسْنادِهِ قَالَ: وَيُؤَخِّرُ المَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَها وَبَيْنَ العِشاءِ حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ (¬1). 1220 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عامِرِ بْنِ واثِلَةَ، عَنْ مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ، حَتَّى يَجْمَعَها إِلَى العَصْرِ فَيُصَلِّيهِما جَمِيعًا، وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ زَيْغِ الشَّمْسِ صَلَّى الظُّهْرَ والعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ سَارَ وَكَانَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ المَغْرِبِ أَخَّرَ المَغْرِبَ حَتَّى يُصَلِّيَها مَعَ العِشاءِ، وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ المَغْرِبِ عَجَّلَ العِشاءَ فَصَلَّاها مَعَ المَغْرِبِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَلَمْ يَرْوِ هذا الحَدِيثَ إِلَّا قُتَيْبَةُ وَحْدَهُ (¬2). * * * باب الجمع بين الصلاتين [1206] (حدثنا) عبد الله بن مسلمة الحارثي (القعنبي، عن مالك، عن أبي الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس (المكي) الأسدي أحد أئمة التابعين. (عن أبي الطفيل عامر بن واثلة) بكسر المثلثة، ابن عبد الله بن عمير الليثي الكناني، غلبت عليه كنيته، أدرك من حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ثماني سنين، ومات سنة اثنتين ومائة، وقيل: عام مائة، [ومولده سنة ثلاث، ووفاته بمكة] (¬3)، وهو آخر من مات من الصحابة في جميع الأرض. (أن معاذ بن جبل أخبرهم أنهم خرجوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة) ¬

_ (¬1) رواه مسلم (704). (¬2) أخرجه الترمذي في "جامعه" (553)، وأحمد 5/ 241. ورواه مسلم (706) بنحوه. (¬3) سقط من (م).

يقال: غزوة وغزاة (تبوك) في رجب في السنة التاسعة، وتعرف بغزوة العسرة وبالفاضحة. (فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجمع بين الظهر والعصر) قال ابن الأثير في "شرح المختصر": يقتضي اطراد الحال في الجمع (¬1) وتكرار ذلك منه. (و) بين (المغرب والعشاء) جمعًا (فأخر الصلاة يومًا) لفظ النسائي: فأخر الظهر يومًا (¬2). قال ابن الأثير: يريد أنه أخر صلاة الظهر إلى أن دخل وقت العصر. (ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعًا) يعني: في وقت العصر (ثم دخل) يعني: إلى موضع نزوله (وخرج) منه (فصلى المغرب والعشاء جميعًا) وهذا الجمع للسفر لرواية ابن عباس في مسلم: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الصلاة في سفرة سافرها في (¬3) غزوة تبوك، فجمع (¬4) بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء (¬5). [1207] (حدثنا سليمان بن داود العتكي) بفتح المهملة والمثناة فوق، نسبة إلى العتيك بطن من الأزد، وهو عتيك بن النضر بن الأزد ينسب إليه خلق كثير. ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) هذا ليس لفظ النسائي، ولعله وهم من المصنف، ولفظ النسائي مثل لفظ أبي داود، وانظر: "المجتبى" 1/ 285. (¬3) سقط من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) "صحيح مسلم" (705) (51).

(حدثنا حماد) بن زيد (حدثنا أيوب، عن نافع أن ابن عمر استصرخ) بضم التاء وكسر الراء مبني (¬1) للمفعول، يقال: واستصرخ الإنسان واستصرخ به: إذا أتاه الصارخ - وهو المصوت (¬2) - يعلمه بأمر حادث يستعين به عليه، أو ينعي له ميتًا، والاستصراخ: الاستغاثة (¬3). ولفظ رواية الترمذي من طريق عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: أنه استغيث (¬4) على بعض أهله (¬5). وأوضح منه رواية النسائي عن سالم بن عبد الله أنه سئل عن صلاة أبيه في السفر، هل كان يجمع [بين شيء] (¬6) من صلاته في سفره؟ (¬7) فذكر أن صفية بنت أبي عبيد كانت تحته، فكتبت إليه وهو (¬8) في زراعة له: إني في آخر يوم من أيام الدنيا، وأول يوم من الآخرة، فركب فأسرع السير حتى إذا حانت (¬9) صلاة الظهر قال له المؤذن: الصلاة يا أبا عبد الرحمن، فلم يلتفت (¬10) حتى إذا كان بين الصلاتين ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): الصوات. وفي (س، ل): الصوت. (¬3) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/ 21. (¬4) في (ص، س): استعين. (¬5) "سنن الترمذي" (555). (¬6) في (ص): شيئًا. وفي (س، ل): شيء. (¬7) في (ص، س): سفر. (¬8) في (ص، س، ل): هي. (¬9) في (ص، س): جاءت. (¬10) زاد في (ص، س، ل): إليه.

نزل فقال: أقم، فإذا سلمت أقم، فصلى ثم ركب. . (¬1) الحديث. (على صفية) بنت أبي عبيد زوج عبد الله بن عمر، وهي أخت المختار بن أبي عبيد، وكانت رأت عمر بن الخطاب، وعمرت (¬2) أزيد من ستين عامًا (وهو) بمزرعة له (بمكة) زادها الله شرفًا (فسار) من مكة. لفظ الترمذي: فجد به السير فأخر المغرب حتى غاب الشفق (¬3) (¬4). (وبدت النجوم) لفظ النسائي: حتى إذا اشتبكت النجوم (¬5). (فقال) أي (¬6): وهو سائر (إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان (¬7) إذا عجل) بكسر الجيم (به أمر) يوضحه لفظ النسائي: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا حضر أحدكم الأمر الذي يخاف فوته" (¬8) (في سفر جمع بين هاتين الصلاتين) يعني: المغرب والعشاء. (فسار حتى غاب الشفق) وهو (¬9) من الأضداد، يطلق على الحمرة التي ترى في المغرب بعد مغيب الشمس (¬10)، وبه أخذ الشافعي (¬11)، ¬

_ (¬1) "المجتبى" 1/ 285. (¬2) في (ص): عمر. (¬3) في (م): السفر. (¬4) "سنن الترمذي" (555). (¬5) "المجتبى" 1/ 285. (¬6) سقط من (م). (¬7) سقط من (م). (¬8) "المجتبى" 1/ 285. (¬9) في (م): هي. (¬10) في (ص، س): الشفق. (¬11) "الأم" 1/ 156.

وعلى البياض الباقي بالأفق الغربي بعد الحمرة المذكورة، وبه أخذ أبو حنيفة (¬1) (فنزل (¬2) فجمع بينهما) فيه دليل على جواز تأخير إحدى (¬3) الصلاتين بنية الجمع إلى وقت الأخرى. [1208] (حدثنا يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب) بفتح الميم والهاء (الرملي) الزاهد الثقة (¬4) [(الهمداني) بسكون الميم] (¬5) والرملي نسبة إلى مدينة الرملة، وهي من بلاد فلسطين بالشام. قال السمعاني: ينسب إليها كثير من العلماء والصلحاء، وسكنها جماعة من العلماء للمرابطة (¬6)، فممن [ينسب إليها] (¬7) أبو (¬8) خالد (¬9) يزيد بن خالد الرملي (¬10)، قال أيضًا: وهي نسبة إلى محلة بسرخس يقال لها: الرملة (¬11) ينسب إليها جماعة منهم أبو القاسم صاعد (¬12) بن عمر (¬13) شيخ صالح عالم، سمع السيد (¬14) أبا المعالي محمد [بن ¬

_ (¬1) "المبسوط" للسرخسي 1/ 292 - 293. (¬2) و (¬3) سقط من (م). (¬4) "الكاشف" 3/ 276. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (م): المرابطة. (¬7) في (م): سكنها. (¬8) من (س، ل، م)، و"الأنساب". (¬9) زاد في (ص، م): بن. (¬10) في (م): الزهري. (¬11) كذا في الأصول الخطية، وفي "الأنساب" 3/ 101: يقال لها بالعجمية: ريك آباد. (¬12) في (ص، س، ل): ساعد. وقطع في (م). والمثبت من "الأنساب" 3/ 101. (¬13) في (ص، س، ل): عمرى. وقطع في (م). والمثبت من "الأنساب" 3/ 101. (¬14) زاد هنا في (ص، س): محلة. وهي زيادة مقحمة.

محمد بن زيد] (¬1) الحسيني (¬2)، وأبا (¬3) القاسم [علي بن موسى] (¬4) الموسوي وغيرهما. قال: وهي أيضًا نسبة إلى امرأتين إحداهما: رملة بنت شيبة (¬5)، وينسب إليها محمد بن عبد الرحمن بن أبي الزناد عبد الله بن ذكوان الرملي، والثانية (¬6): رملة بنت عثمان بن عفان - رضي الله عنهما -، والمنتسب إليها سعيد بن يحيى بن إبراهيم الرملي مولاهم، مات بالأندلس سنة ثلاث وسبعين (¬7) ومائتين (¬8). [(حدثنا المفضل بن فضالة) بفتح الفاء (والليث بن سعد، عن هشام بن سعد) القرشي المديني مولى لآل أبي لهب بن عبد المطلب، وقد أعل هذا الحديث أبو محمد بن حزم وقال: هذا خبر ساقط؛ لأنه من رواية هشام بن سعد، وهو ضعيف (¬9). وقد رد عليه الحافظ قطب الدين وأجابه بأن ابن معين قال: صالح ليس بمتروك (¬10). وقال العجلي: حسن الحديث (¬11). ¬

_ (¬1) قطع في (م). (¬2) في (ص، س، ل): الحسين. وفي (م): الحسنين. والمثبت من "الأنساب". (¬3) ليست في الأصول، والمثبت من "الأنساب". (¬4) قطع في (م). (¬5) في (ص): سسه. وفي (س، ل، م): سبه. والمثبت من "الأنساب". (¬6) في (م): النسائي. (¬7) في الأصول الخطية: تسعين. والمثبت من "الأنساب". (¬8) "الأنساب" 6/ 169 - 172. (¬9) "المحلى" 7/ 372، 8/ 15. (¬10) "الجرح والتعديل" 9/ 61. (¬11) "الثقات" للعجلي (1900).

وقال أبو زرعة: شيخ محله الصدق (¬1). واحتج به مسلم في مواضع والأربعة، واستشهد به البخاري (¬2)] (¬3). (عن أبي الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس المكي تقدم (عن أبي الطفيل) عامر بن واثلة. (عن معاذ بن جبل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر) يوضحه ما أخرجه الترمذي عن قتيبة، عن الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطفيل بالإسناد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في غزوة تبوك (¬4) [وإذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر إلى أن يجمعها (¬5) إلى العصر، وصلى الظهر والعصر جميعًا ثم سار. .] (¬6) الحديث، وزيغ الشمس: ميلها عن وسط السماء، وهو وقت الزوال، والذي ذهب إليه الشافعي (¬7). (و [إن يرحل) (¬8) بتشديد المهملة] (¬9) (قبل أن تزيغ (¬10) الشمس أخر ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 9/ 62. (¬2) "تهذيب الكمال" 30/ 208. (¬3) من (ل، م). (¬4) زاد في (ص، س، ل): لفظ رواية الترمذي: إذا ارتحل بعد زيغ الشمس عجل العصر إلى الظهر وصلى الظهر والعصر جميعًا ثم سار. وهي زيادة مقحمة وستأتي في موضعها الصحيح. كما جاء النص في "سنن الترمذي". (¬5) في (م): يجمعهما. (¬6) من (س، ل، م)، و"سنن الترمذي" (553). (¬7) "المجموع" 3/ 24. (¬8) تكررت في (س، ل). (¬9) في (م): إذا ارتحل. (¬10) في (ص): ترتفع. وفي (س): ترفع.

الظهر حتى ينزل) [بفتح التحتانية يعني: النبي] (¬1) (للعصر) [لفظ الترمذي في الرواية المذكورة: وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس عجل العصر إلى الظهر، وصلى الظهر والعصر جميعًا ثم سار] (¬2). (وفي المغرب يفعل مثل ذلك، إن غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء) لفظ الترمذي: وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب (وإن ارتحل) [في بعضها، وإن يرتحل] (¬3). (قبل أن تغيب الشمس أخر المغرب حتى ينزل للعشاء) لفظ الترمذي: وإن ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء (ثم جمع بينهما) إذا نزل. وهذا الحديث صريح في الجمع في وقت الأولى ووقت الثانية على التفصيل المذكور، وفيه إبطال تأويل الحنفية في قولهم إن المراد بالجمع تأخير الأولى إلى آخر وقتها، وتقديم الثانية إلى أول وقتها. [وحكي عن أبي داود أنه أنكره] (¬4). (قال المصنف: رواه هشام بن عروة) بن الزبير [أبو (¬5) المنذر] (¬6) أحد الأعلام. ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) من (ل، م)، و"سنن الترمذي" (553). (¬3) سقط من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) في (ص): بن. والمثبت من (س، ل)، و"التهذيب" 30/ 232. (¬6) سقط من (م).

(عن حسين بن عبد الله) بن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي المدني، قال المنذري وغيره: لا يحتج بحديثه (¬1). (عن كريب، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو حديث المفضل) (¬2) يعني: حديث أبي الطفيل، عن معاذ المذكور. قال المنذري: [روى أبو بكر بن محمد بن عبد الله الأندلسي أن] (¬3) حديث ابن عباس في الباب صحيح، وليس له علة، ثم قال: ويشبه أن يكون سكن إلى ما رواه [في كتاب] (¬4) الدارقطني من جوابه عن اختلاف الطرق انتهى (¬5). أشار إلى ما جمعه الدارقطني في "سننه" بين وجوه الاختلاف فيه (¬6) إلا أن علته ضعف الحسين، ويقال إن الترمذي حسنه وكأنه باعتبار المتابعة، وله طريق أخرى أخرجها يحيى [بن عبد الحميد الحماني في "مسنده" عن أبي خالد الأحمر، عن الحجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس. وروى إسماعيل القاضي في "الأحكام"] (¬7) عن (¬8) إسماعيل بن أبي أويس، عن أخيه، عن سليمان، عن بلال، عن هشام بن عروة، عن ¬

_ (¬1) "مختصر سنن أبي داود" 2/ 53. (¬2) في (م): الفضل (¬3) سقط من (م). (¬4) من (م)، و"مختصر سنن أبي داود". (¬5) "مختصر سنن أبي داود" 2/ 53. (¬6) سقط من (م). (¬7) من (م). (¬8) في (ص، س، ل): بن.

كريب، عن ابن عباس (¬1). وفي الباب حديث أنس رواه الإسماعيلي والبيهقي من حديث إسحاق بن راهويه، عن شبابة بن سوار، عن الليث، عن عقيل، عن الزهري، عن أنس قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعًا، ثم ارتحل (¬2)، وإسناده صحيح قاله النووي (¬3). و[يحمل على] (¬4) ما حكاه المنذري عن أبي داود أنه قال: ليس في تقديم الوقت حديث قائم (¬5) على رواية حسين المذكور، وقد روى الحاكم في "الأربعين" له عن أبي العباس محمد بن يعقوب، عن محمد بن إسحاق الصغاني، عن حسان بن عبد الله، عن المفضل بن فضالة، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر والعصر ثم ركب (¬6). وهو في الصَّحيحين (¬7) من هذا الوجه بهذا السياق، وليس فيهما: والعصر. وهي زيادة غريبة صحيحة الإسناد (¬8). وقد صححه ¬

_ (¬1) "التلخيص الحبير" 2/ 101 (¬2) "السنن الكبرى" للبيهقي 3/ 162. (¬3) "المجموع" 4/ 372. (¬4) في (ص، س، ل): مجمل. (¬5) "مختصر سنن أبي داود" 2/ 53. (¬6) "التلخيص الحبير" 2/ 103. (¬7) "صحيح البخاري" (1111)، مسلم (704) (46). (¬8) "التلخيص الحبير" 2/ 103.

المنذري من هذا الوجه (¬1)، والعلائي، وتعجب من الحاكم كونه لم يذكره (¬2) في "المستدرك" (¬3). [1209] (حدثنا قتيبة) بن سعيد (حدثنا عبد الله بن نافع) أبو (¬4) محمد المخزومي مولاهم المدني الصائغ، قال يحيى بن معين: ثقة (¬5)، وقال أبو زرعة الرازي: لا بأس به، وكان صاحب رأي مالك (¬6)، وكان يفتي أهل المدينة برأي مالك، ولم يكن في الحديث بذلك (¬7). (عن أبي مودود) عبد العزيز بن أبي (¬8) سليمان الهذلي. (عن سليمان بن أبي يحيى) الحجازي، قال (¬9) أبو حاتم: ما بحديثه بأس (¬10)، وذكره ابن حبان في كتاب "الثقات" (¬11)، لم يذكر له المصنف غير هذا الحديث. (عن) عبد الله (بن عمر - رضي الله عنهما - قال: ما جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين المغرب ¬

_ (¬1) في (ص، س): المنذري. والمثبت من (ل، م)، و"التلخيص". (¬2) من (م)، وفي باقي النسخ: يدركه. وفي "التلخيص": يورده. (¬3) "التلخيص الحبير" 2/ 103. (¬4) في الأصول: أبي. والجادة المثبت. (¬5) "تاريخ ابن معين" برواية الدارمي 1/ 152. (¬6) سقط من (م). (¬7) "الجرح والتعديل" 5/ 184. (¬8) سقط من (م). (¬9) سقط من (م). (¬10) "الجرح والتعديل" 4/ 149. (¬11) "الثقات" 4/ 304، غير أنه وقع في "الثقات": سليمان بن يحيى.

والعشاء قط في السفر إلا مرة) واحدة. (قال المصنف: وهذا الحديث يروى عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر موقوفًا على ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه) [أي: أن نافعًا] (¬1) (لم ير) عبد الله (بن عمر جمع بينهما) أي: بين المغرب والعشاء (قط إلا تلك الليلة يعني: ليلة استصرخ على صفية) بنت أبي عبيد (قال: وروي من حديث مكحول، عن نافع أنه رأى ابن عمر - رضي الله عنهما - فعل ذلك مرة أو مرتين) قال البيهقي عقب هذِه الرواية: هذا الإسناد ليس بواضح، وقد روينا عن ابن عمر بالأسانيد الصحيحة إخباره عن دوام فعله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. .، والله أعلم (¬2). [1210] (حدثنا) عبد الله بن مسلمة (القعنبي، عن مالك، عن أبي الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس (المكي، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عباس قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر والعصر جميعًا، والمغرب والعشاء جميعًا في (¬3) غير خوف ولا سفر) قال ابن الأثير: لأن الصلاة إنما تقصر وتجمع في الخوف و (¬4) السفر، فلما أخبر أنه جمع بينهما وكانوا (¬5) بالمدينة، احتاج أن يقول: (من غير خوف ولا سفر) تبيينًا للحال المخالفة (¬6) للأصل؛ ليعلم أن الجمع لم يكن في ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) انظر: "مختصر خلافيات البيهقي" 2/ 324. (¬3) في (م): من. (¬4) في (ص): في. (¬5) سقط من (م). (¬6) من "شرح مسند الشافعي".

مظنته المعهودة (¬1) (قال مالك) في "الموطأ" عقب رواية هذا الحديث (أرى) [بضم الهمزة. يعني: أظن] (¬2) (ذلك كان في مطر) (¬3) ولعل قول مالك: (في مطر) عائد إلى الجملة الأخيرة (¬4)، وهو قوله: صلى المغرب والعشاء جميعًا. لا إليها (¬5) وإلى الظهر والعصر (¬6)، فإن مذهبه (¬7) ومذهب أحمد بن حنبل (¬8) جواز الجمع بالمطر بين المغرب والعشاء دون الظهر والعصر، [ويدل على هذا ما ذكره في "الموطأ" عقبه عن نافع أن ابن عمر كان إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء في المطر جمع بينهم (¬9)] (¬10). وقد اختلف الأصوليون في الجار والمجرور إذا جاء بعد جملتين أو أكثر [هل يكون] (¬11) مخصصًا بالجملتين أو الأخيرة، فصرح في "المحصول" بأنا نخصه بالأخيرة (¬12). ¬

_ (¬1) "شرح مسند الشافعي" 2/ 135 - 136. (¬2) سقط من (م). (¬3) "الموطأ" (330). (¬4) في (م): إلى خبره. (¬5) في (ص، س، ل): أنها. (¬6) سقط من (م). (¬7) "المدونة" 1/ 203. (¬8) "مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج" (131)، و"المغني" 3/ 132. (¬9) "الموطأ" (331). (¬10) سقط من (م). (¬11) تكررت في (م). (¬12) "البحر المحيط" 2/ 487.

وقال ابن تيمية: الجار والمجرور إذا ذكر بعد جمل (¬1) ينبغي أن يتعلق (¬2) بالجميع قولًا واحدًا (¬3). وهو (¬4) ظاهر كلام البيضاوي الاتفاق على رجوعه إلى الجميع (¬5). (قال المصنف: ورواه [حماد بن] (¬6) سلمة، عن أبي الزبير) المكي (¬7) (نحوه (¬8)، ورواه قرة (¬9) بن خالد) السدوسي (¬10) (عن أبي الزبير) المكي، و (قال) فيه (في سفرة سافرها إلى) غزوة (تبوك) فجعل (¬11) الجمع بعذر السفر. [1211] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (حدثنا الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر) وقد استشكل هذا الحديث حتى قال الترمذي في آخر كتابه: ليس في كتابي هذا ¬

_ (¬1) في (م): جملة. (¬2) في (م): يعلق. (¬3) "المستدرك على مجموع الفتاوى" 2/ 192. (¬4) سقط من (م). (¬5) "البحر المحيط" 2/ 487. (¬6) في (م): جماعة عن. (¬7) من (س، ل، م). (¬8) "السنن الكبرى" للبيهقي 3/ 166. (¬9) في (م): فروة. (¬10) في (م): السندسي. (¬11) في (ص، س): فجمع. والمثبت من (ل، م).

حديث (¬1) أجمعت الأمة على ترك العمل به إلا حديث ابن عباس في الجمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر، وحديث قتل شارب الخمر في المرة الرابعة (¬2). قال النووي: أما حديث شارب الخمر فمنسوخ، وأما هذا فلم يجمعوا على تركه، بل فيه أقوال، منهم من تأوله على أنه جمع بعذر (¬3) المطر، وهذا مشهور عن جماعة من المتقدمين، قال: وهو ضعيف بالراوية الأخرى: من غير خوف ولا مطر. ومنهم من قال: هو محمول على الجمع (¬4) بعذر المرض أو نحوه مما هو في معناه من الأعذار، وهو قول أحمد بن حنبل (¬5)، والقاضي حسين من أصحابنا، واختاره الخطابي والمتولي والروياني من أصحابنا (¬6) (¬7). قال (¬8) النووي في "الروضة": وهو ظاهر مختار (¬9). وفي "شرح مسلم": وهو المختار في تأويله لظاهر الحديث، ولفعل (¬10) ابن عباس وموافقة أبي هريرة؛ ولأن المشقة فيه أشد من ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) "العلل الصغير" 5/ 692. (¬3) في (م): بين. (¬4) في (م): الجميع. (¬5) "المغني" 3/ 135. (¬6) "الشرح الكبير" 2/ 247. (¬7) "شرح النووي على مسلم" 5/ 218. (¬8) زاد في (م): واختاره. (¬9) "روضة الطالبين" 1/ 401. (¬10) في (ص، س): لعل. والمثبت من (ل، م).

المطر (¬1). (فقيل لابن عباس: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج) يجوز ضم الياء المثناة تحت وكسر الراء، ويجوز فتح المثناة فوق وفتح الراء أي (¬2): لا تضيق ولا تأثم (أمته) والرواية الأولى معناها هي المشهورة، ومعناها: لا يوقعهم في الحرج، وهو الضيق. وفي الحديث "اللهم إني (¬3) أُحَرِّجُ حق الضعيفين اليتيم والمرأة" (¬4). أي: [أضيقه وأحرمه] (¬5) على من ظلمهما. قال النووي: وهذا التعليل ظاهر في أن العلة في الجمع في الحضر الحاجة لمن لا يتخذه عادة؛ لأنه لم يعلله بمرض ولا غيره، قال: وهو قول أشهب من أصحاب مالك (¬6)، وابن سيرين (¬7)، وحكاه الخطابي (¬8) عن القفال، والشاشي الكبير من أصحاب الشافعي عن أبي إسحاق المروزي، وعن جماعة من أصحاب الحديث، واختاره ابن المنذر (¬9) انتهى (¬10). ¬

_ (¬1) "شرح النووي على مسلم" 5/ 218 - 219. (¬2) سقط من (م). (¬3) من مصادر التخريج. (¬4) أخرجه ابن ماجه (3678)، والنسائي في "الكبرى" (9149)، وأحمد 2/ 439. (¬5) في (م): أخرجه وأضيقه. (¬6) "الاستذكار" 6/ 32 - 33. (¬7) "الاستذكار" 6/ 32 - 33. (¬8) "معالم السنن" 2/ 55. (¬9) "الأوسط" 3/ 136 - 137. (¬10) "شرح النووي على مسلم" 5/ 219.

وجوزه أحمد بعذر الوحل وإن لم يكن مطر (¬1)، ويؤيد هذا التعليل ما رواه الطبراني أنه - صلى الله عليه وسلم - جمع بالمدينة من غير علة، قيل له: ما أراد بذلك؟ قال: التوسع على أمته (¬2). وتأول بعضهم الحديث على تأخير الأولى إلى آخر وقتها، وتقديم الأخرى لأول وقتها، تأوله أبو الشعثاء جابر بن زيد، وعمرو بن دينار في "صحيح مسلم" (¬3). [1212] (حدثنا محمد بن عبيد) بن محمد بن واقد (المحاربي) بتخفيف الحاء المهملة وكسر الباء نسبة إلى محارب قبيلة، قال النسائي: لا بأس به (¬4)، وذكره ابن حبان في "الثقات" (¬5). (حدثنا محمد بن فضيل، عن أبيه) (¬6) فضيل بن غزوان الضبي مولاهم. (عن نافع وعبد الله بن واقد أن (¬7) مؤذن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: الصلاة) بالنصب على الإغراء، أي: دونك الصلاة أو اذكر (¬8) الصلاة ونحوها (قال) له ابن عمر (سر سر) فيه تكرير (¬9) فعل الأمر للتأكيد كقوله ¬

_ (¬1) "الإنصاف" 2/ 237، و"المغني" 3/ 133. (¬2) "معجم الطبراني الكبير" (12644). (¬3) "صحيح مسلم" (705) (55). (¬4) "تهذيب الكمال" 26/ 71. (¬5) "الثقات" 9/ 108. (¬6) في (ص، س): أمية. والمثبت من (ل، م). (¬7) سقط من (م). (¬8) في (م): اذكروا. (¬9) في (م): تأكيد.

تعالى: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ} (¬1) فمهل وأمهل بمعنى [كنزل وأنزل] (¬2) هكذا في بعض النسخ [وفي بعض النسخ] (¬3): (سر) مرة واحدة دون تكرير. (حتى إذا كان) وقت المغرب (قبل غيوب (¬4) الشفق) الأحمر عند الشافعي (¬5)، والأبيض عند أبي حنيفة (¬6). (نزل فصلى) بهم (المغرب، ثم انتظر) وهو سائر (حتى غاب الشفق) نزل (فصلى العشاء) بهم (ثم قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا عجل) بكسر الجيم (به أمر) أصل العجلة أن تكون مختصة بذات الفاعل، لكن نقلها إلى الأمر، وجعل الأمر هو الفاعل للعجلة، ثم لما أراد أن يبين أن السبب الداعي إلى العجلة هو الأمر أدخل حرف الجر الذي هو باء الإلصاق على ضمير الفاعل، وفي ابدال السير بالأمر فائدة؛ لأن الأمر أعم من السير والسفر، وإنما جاء (¬7) ذلك لفهم المعنى لا يسرع في سيره (¬8) إلا لباعث في نفسه اقتضى السرعة، فكنى بالأمر هنا (¬9) عن السبب الأصلي للحالة التي تجددت له (¬10) وأوجبت السرعة. ¬

_ (¬1) الطارق: 17. (¬2) في (م): كترك واترك. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): غروب. (¬5) و (¬6) سبق تخريجه. (¬7) في (ل، م): جاز. (¬8) في الأصل: مسيره. (¬9) من (م). (¬10) سقط من (م).

(صنع مثل الذي (¬1) صنعت) فيه أن المسافر إذا دخل عليه وقت الصلاة وهو سائر فينوي التأخير إلى أن ينزل فيصلي في المنزل، فإن خاف خروج الوقت وهو سائر نزل فصلى، ثم ركب (فسار في ذلك اليوم والليلة [مسيرة ثلاث]) (¬2) أي: ثلاثة أيام من كثرة السير وسرعته. (قال المصنف) رحمه الله (رواه) الحافظ عبد الرحمن بن يزيد (ابن جابر) الأزدي النسائي (عن نافع نحو هذا) الحديث (بإسناده) (¬3). [1213] (حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي) الحافظ (أنبأنا عيسى) بن يونس بن أبي إسحاق عمرو، أحد الأعلام في الحفظ والعبادة. (عن) عبد الرحمن بن يزيد (ابن جابر على هذا المعنى) (¬4) المذكور (ورواه عبد الله بن العلاء) بن زبر بفتح الزاي وسكون الموحدة بعدها راء مهملة، الربعي الدمشقي، أخرج له البخاري (عن نافع) و (قال) فيه زيادة: (حتى إذا كان عند ذهاب الشفق نزل فجمع بينهما) (¬5) أي: بين المغرب والعشاء. [1214] (حدثنا سليمان بن حرب ومسدد قالا: حدثنا [حماد بن] (¬6) ¬

_ (¬1) في (م): ما. (¬2) في (ص): ثلاثة. والمثبت من (س، ل، م)، و"السنن". (¬3) أخرجه الدارقطني 1/ 393، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 163، والبيهقي في "السنن الكبرى" 3/ 1650. (¬4) أخرجه الدارقطني 1/ 393، والطحاوي 1/ 163، والبيهقي 3/ 160. (¬5) لم أجده، وقال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (1098): لم أجد من وصله وقد تابعه جماعة من الثقات. (¬6) سقط من (م).

زيد وحدثنا عمرو بن عون) بالنون آخره (¬1) (أخبرنا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار) الجمحي. (عن جابر بن زيد) (¬2) الأزدي، أحد الأئمة الستة من أصحاب عبد الله بن عباس. (عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة ثمانيًا) أي: ثماني ركعات (وسبعًا) أي: وصلى بنا سبع ركعات (الظهر) بالنصب هو وما بعده، قال شمس الدين (¬3) البرماوي: هو بدل أو بيان أو نصب على الاختصاص أو على نزع الخافض، والأصل: للظهر. انتهى. وقوله: الظهر (والعصر) بيان لقوله: (ثمانيًا) (والمغرب والعشاء) بيان لقوله: (سبعًا). قيل: ليس هذا صريحًا في الجمع، فقد يكون (¬4) أخر الظهر إلى آخر وقتها وعجل العصر في أول وقتها كما قاله عمرو بن دينار، قالوا: وهذا يسمى جمعًا لغويًّا، وبهذا يقول أبو حنيفة (¬5)، وإلى هذا أشار البخاري في الترجمة على هذا الحديث باب تأخير الظهر إلى العصر، وأجيب بأنه لا يبقى للإخبار به فائدة على هذا، وأيضًا فقد رواه ابن عباس بزيادة: جميعًا (¬6) بعده (ولم يقل سليمان) بن حرب (ومسدد: بنا) بعد ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): يزيد. (¬3) سقط من (م). (¬4) من (س، ل، م). (¬5) "المبسوط" للسرخسي 1/ 298. (¬6) "صحيح مسلم" (705) (55).

قوله: صلى. (قال المصنف: رواه صالح مولى التوأمة) بضم المثناة فوق، وفتح الهمزة والميم، وصالح هذا هو ابن نبهان بفتح النون وسكون الباء (¬1) الموحدة المدني (¬2)، وهو صالح بن أبي صالح أبو محمد المدني، قال أحمد بن سعد: سمعت يحيى بن معين يقول: صالح مولى التوأمة ثقة حجة. قلت له: إن مالكًا ترك السماع منه. فقال: إن مالكًا إنما أدركه بعد أن (¬3) كبر وخرف (¬4). والتوأمة بنت أمية بن خلف الجمحي كان معها أخت لها في بطن (عن ابن عباس) أنه (قال) وهذا (¬5) (في غير مطر) (¬6) هذا موافق لرواية ابن عباس المتقدمة: في غير خوف ولا مطر. وهو يرجح أنه جمع [بعذر المطر] (¬7) ونحوه كما تقدم. [1215] (حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا يحيى بن محمد) بن مهران (الجاري) بالجيم والراء، نسبة إلى الجار بليدة على الساحل بقرب مدينة [النبي - صلى الله عليه وسلم -، والمشهور بالنسبة إليها أبو (عبد الله بن سعد) (¬8) بن نوفل الجاري، عامل عمر على الجار (¬9). ¬

_ (¬1) في (ص، س): حدثنا. وفي (م): ثنا. والمثبت من (ل)، و"السنن". (¬2) "الكامل" لابن عدي 5/ 85. (¬3) سقط من (م). (¬4) "الكامل" لابن عدي 5/ 85. (¬5) في (ص، س): هكذا. والمثبت من (ل، م). (¬6) أخرجه أحمد 1/ 346. (¬7) في (م): لعذر المرض. (¬8) سقط من الأصل، (س، ل)، وفي (م): سعيد، والمثبت من "الأنساب". (¬9) "الأنساب" للسمعاني 2/ 28.

(حدثنا عبد العزيز بن محمد)] (¬1) الدراوردي (عن مالك، عن أبي الزبير المكي، عن جابر) [بن عبد الله] (¬2) - رضي الله عنهما -. (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غابت له الشمس بمكة) لفظ النسائي: غابت الشمس ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة (¬3). (فجمع بينهما) أي بين الصلاتين (بسرف) بفتح السين وكسر الراء المهملتين بعدها فاء، على ستة أميال [من مكة] (¬4)، وهناك أعرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بميمونة مرجعه من مكة حين قضى نسكه، وهناك ماتت ميمونة؛ لأنها اعتلت بمكة فقالت: أخرجوني من مكة؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرني أني لا أموت بها، فحملوها حتى أتوا بها سرفًا إلى الشجرة التي بنى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحتها (¬5) بموضع القبة فماتت هناك سنة ثماني وثلاثين، وهناك عند قبرها سقاية. [1216] (حدثنا محمد بن هشام) بن عيسى الطالقاني، أبو عبد الله القصير (¬6) نزيل بغداد شيخ البخاري. (جار (¬7) أحمد بن حنبل) ولد آخر (¬8) سنة ستين ومائة. ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) سقط من (م). (¬3) "المجتبى" 1/ 287. (¬4) سقط من (م). (¬5) سقط من (م). (¬6) في (م): البصير. (¬7) في (م): حدثنا. (¬8) سقط من (م).

(حدثنا جعفر بن عون) [بن جعفر بن عمرو بن حريث (¬1) المخزومي] (¬2). (عن هشام بن سعد) (¬3) الطالقاني، ثقة عابد (¬4) (¬5). (قال: بينهما عشرة أميال. يعني) بين (¬6) (مكة وسرف) قال المنذري: وذكر غيره أن سرف على ستة أميال من مكة انتهى (¬7)، وبهذا جزم ابن السمعاني قال: وروى الزهري أن عمر حمى السرف والربذة (¬8). وهكذا ورد الحديث: السرف بالألف واللام، والميل: أربعة آلاف خطوة، وهو ثلث فرسخ. [1217] (حدثنا عبد الملك بن شعيب، حدثنا ابن وهب، عن الليث [قال) الليث] (¬9): (قال ربيعة) بن أبي عبد الرحمن فروخ (¬10)، عرف بربيعة ¬

_ (¬1) في (س): جرير. (¬2) سقط من (م). (¬3) من (م)، و"السنن". (¬4) زاد في (ص، س، ل): أو مولى آل الزبير. وهي زيادة مقحمة. (¬5) وقع وهم للمصنف في هذا الاسم فظنه هشام بن سعيد الطالقاني وهو ثقة كما قاله، ولكنه ليس من شيوخ جعفر بن عون، وانظر ترجمتهم في "التهذيب" 30/ 209 - 210، 5/ 70 - 71. والذي في السند هو هشام بن سعد المدني أبو عباد مولى آل أبي لهب، وهو ضعيف، وانظر ترجمته في "التهذيب" 30/ 204 - 208. (¬6) سقط من (م). (¬7) "مختصر سنن أبي داود" 2/ 56. (¬8) "صحيح البخاري" (2370). (¬9) سقط من (م). (¬10) سقط من (م).

الرأي (يعني: كتب) ربيعة (¬1) (إليه) يعني: إلى (¬2) الليث. (حدثني (¬3) عبد الله بن دينار قال: غابت الشمس وأنا عند عبد الله بن عمر) أي (¬4): بمكة. (فسرنا، فلما رأيناه قد أمسى) وغابت الشمس (قلنا: الصلاة) بالنصب على الإغراء، أو بالرفع مبتدأ حذف خبره، أو بالعكس. (فسار حتى غاب الشفق وتصوبت) (¬5) بفتح الصاد المهملة والواو المشددة والباء الموحدة. أي: تنكست (النجوم) للهبوط (¬6)، ومنه حديث: "من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار" (¬7) أي من قطع سدرة في فلاة يستظل بها ابن السبيل عبثًا (¬8) نكس الله رأسه في النار، ويقال: صوب يده أي: خفضها (¬9)، وصاب المطر إذا نزل. (ثم إنه نزل فصلى الصلاتين) يعني: المغرب ثلاثا والعشاء ركعتين (جميعًا) وفيه القصر والجمع [في السفر] (¬10). ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) سقط من (م). (¬3) في (ص، س): بن. والمثبت من (ل، م)، و"السنن". (¬4) سقط من (م). (¬5) في (ص، س): صوبت. والمثبت من (ل، م)، و"السنن". (¬6) سقط من (م). (¬7) أبو داود (5197)، والنسائي في "الكبرى" (8611). (¬8) في (ص، س): عنتًا. والمثبت من (ل، م)، و"النهاية". (¬9) "النهاية" 3/ 57. (¬10) سقط من (م).

قال ابن بطال: وهذا عام في جميع الأسفار، فمن خصصه بسفر النسك (¬1) فعليه الدليل (¬2). وقد يحتج به على ترك السنن الرواتب [في السفر] (¬3) إذ لو صلاها (¬4) لنقل. (ثم قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جد به السير) هو بمعنى: عجل به السير، على ما تقدم من البيان، وفرق بين عجل وجد، أن عجل صريح في السرعة، وجدَّ كناية عنه، ولو كانا بمعنى واحد لكان في عجل من كثرة الاستعمال والظهور ما يترجح جانبها على جانب جدَّ. قال في "شرح المسند": ولقائل أن يقول أن (¬5) في جد من معنى الاجتهاد ما يقابل الظهور وكثرة الاستعمال الذي في عجل، أو يفضله وكلا الأمرين محتملان (¬6). (صلى صلاتي هذِه، يقول (¬7): يجمع بينهما بعد) مضي (ليل، قال المصنف: ورواه عاصم بن محمد، عن أخيه) (¬8) زيد بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العمري المدني. ¬

_ (¬1) في (م): النساء أو غيره. (¬2) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال (3/ 86). (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ص، س): صلوها. والمثبت من (ل، م). (¬5) من (م). (¬6) في (ص): محتمل. والمثبت من (س، ل، م)، و"شرح مسند الشافعي" 2/ 126. (¬7) سقط من (م). (¬8) في (ص، س، ل): أبيه. والمثبت من (م)، و"السنن".

وروى أيضًا عن إخوته أبي بكر وعمر وواقد بني (¬1) محمد بن زيد، عن يحيى بن معين (¬2) وأبي حاتم (¬3) ثقة (عن سالم) (¬4) بن عبد الله بن عمر أحد فقهاء التابعين، عن أبيه عبد الله بن عمر. (ورواه) عبد الله (بن أبي نجيح) يسار (عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن ذؤيب) ويقال: ابن أبي ذؤيب، القرشي المدني، وقال النسائي في روايته: شيخ من قريش (¬5) (أن الجمع بينهما من ابن عمر - رضي الله عنهما - كان بعد غيوب الشفق) (¬6) ورواية النسائي، عن إسماعيل بن عبد الرحمن شيخ من قريش قال: صحبت ابن عمر إلى الحمى، فلما غربت الشمس هبت أن أقول له: الصلاة، فسار حتى ذهب بياض الأفق وفحمة العشاء، ثم نزل فصلى المغرب ثلاث ركعات، ثم صلى ركعتين على إثرها ثم (¬7) قال: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل (¬8). [1218] (حدثنا قتيبة، و) يزيد بن خالد بن عبد الله (بن موهب) الرملي الثقة. ¬

_ (¬1) في (م): بن. (¬2) "تاريخ ابن معين" برواية الدارمي (511). (¬3) "الجرح والتعديل" (1931، 2594). (¬4) وصله الدارقطني 1/ 391، ولكن الذي في الدارقطني من طريق عاصم بن محمد عن أخيه عمر بن محمد، وليس كما وهم المصنف وقال: زيد بن محمد. قال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (1102): سنده صحيح. (¬5) "المجتبى" 1/ 286. (¬6) أخرجه النسائي 1/ 286، وأحمد 2/ 12. (¬7) من (م)، و"المجتبى". (¬8) "المجتبى" 1/ 286.

(المعنى قالا: حدثنا المفضل) بن فضالة بن أبي أمية البصري مولى عمر بن الخطاب (عن عقيل) بن خالد الأيلي (عن) محمد (بن شهاب) الزهري. (عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ارتحل قبل أن تزيغ (¬1) الشمس) أي: تميل عن وسط السماء. (أخر الظهر إلى وقت العصر) أجمع العلماء على أنه إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس فإنه يؤخر الظهر إلى وقت العصر (¬2). (ثم نزل فجمع بينهما) في وقت العصر، واختلفوا في وقت جمع المسافر بين الصلاتين: فقال الشافعي (¬3): وحكي عن مالك (¬4) والجمهور: يجمع بينهما في وقت (¬5) إحداهما. (فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر) ثم العصر (ثم ركب) فكما أنه يؤخر الظهر إلى العصر إذا لم تزغ، فكذلك تقدم العصر إلى الظهر إذا زاغت ويصليهما في وقت الظهر، واحتجوا بهذا الحديث. (قال المصنف: وكان مفضل) بن فضالة المصري (قاضي مصر) قال ابن يونس: ولي القضاء مرتين، ولقيه رجل بعد أن عزل عن القضاء فقال: الله حسيبك قضيت علي بالباطل وفعلت وفعلت (¬6). فقال ¬

_ (¬1) في (ص): تغيب. (¬2) "شرح البخاري" لابن بطال 3/ 97. (¬3) "الأم" 1/ 159 - 160. (¬4) "المدونة" 1/ 205. (¬5) زاد في (م): واحد. (¬6) من (ل، م)، و"تهذيب الكمال".

المفضل: لكن الذي قضينا له يطيب الثناء علينا (¬1) (وكان مجاب الدعوة) ويعرف بإجابة الدعاء، فدعا الله تعالى أن يُذْهِب عنه الأمل فأذهبه الله عنه، [فكاد أن] (¬2) يختلس عقله ويهنأه (¬3) شيء من الدنيا (¬4)، فدعا الله أن يرد عليه الأمل فرده فرجع إلى حاله (¬5) (وهو ابن فضالة) بفتح الفاء والضاد المعجمة (¬6) بن عبيد بن ثمامة، أبو معاوية الرعيني. [1219] (حدثنا سليمان بن داود) بن (¬7) حماد بن سعد المهري، بفتح الميم وسكون الهاء، نسبة إلى مهرة بن حيدان قبيلة كبيرة، ينسب إليها أيضًا أبو الحجاج رشدين (¬8) بن سعد المهري من أهل مصر (¬9). (حدثنا) عبد الله (ابن وهب، أخبرني جابر بن إسماعيل) المصري لم [يرو عنه] (¬10) غير ابن وهب فقط، وهو شيخ مسلم في كتاب الصلاة. (عن عقيل بهذا الحديث بإسناده) عن ابن شهاب، عن أنس، و (قال) فيه (ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق) في وقت العشاء. [1220] (حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث، عن يزيد بن أبي ¬

_ (¬1) في (ص، س): عليه. والمثبت من (ل، م). (¬2) في (ص، س): فكان. وفي (ل): فكان أن. والمثبت من (م)، و"التهذيب". (¬3) في (م): ينهاه. (¬4) في (م): الدعاء. (¬5) "تهذيب الكمال" 28/ 417 - 418. (¬6) سقط من (م). (¬7) في (م): عن. (¬8) في (ص، س، م): رشيد. والمثبت من (ل) ومصادر التخريج. (¬9) "اللباب في تهذيب الأنساب" 3/ 275. (¬10) في (ص): يروه عن. وفي (س): يروه عنه. والمثبت من (ل، م).

حبيب، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن معاذ بن جبل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ (¬1) الشمس [أخر الظهر) إلى وقت العصر (حتى يجمعها إلى العصر فيصليهما جميعًا) في وقت العصر (وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس] (¬2) يصلي الظهر والعصر جميعًا) فيه حجة لمذهب الشافعي (¬3) والجمهور (¬4) على أن الجمع يجوز في وقت إحداهما، وإن كان الأفضل ترك الجمع للخروج من خلاف أبي حنيفة (¬5)، والمزني (¬6). قال أصحابنا: ولا يجوز للمتحيرة (¬7) الجمع بعذر السفر ولا بعذر المطر على الأصح (¬8). ويجوز الجمع بين الجمعة والعصر بعذر المطر (¬9). (ثم سار، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء) جمعًا (وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب) في وقت المغرب. فإن قلت: من شرط (¬10) الجمع بين الصلاتين أن يقع أداء الصلاتين [في وقت إحداهما، ووقت المغرب مضيق لا يسع الصلاتين؟ ] (¬11). فالجواب أن هذا لا يلزم، فإن الوقت المذكور يسع الصلاتين؛ ¬

_ (¬1) في (ص): تغيب. وفي (م): تغرب. والمثبت من (س، ل)، و"السنن". (¬2) تكرر في (م). (¬3) "شرح مسند الشافعي" 2/ 121، 122. (¬4) و (¬5) "المجموع" 4/ 371. (¬6) السابق. (¬7) في (م): للعذر. (¬8) "المجموع" 2/ 477. (¬9) "المجموع" 4/ 383. (¬10) في (ص، س): شروط. والمثبت من (ل، م). (¬11) من (ل، م).

خصوصًا إذا كانت الشرائط عند الوقت مجتمعة فيه، فإن فرضنا (¬1) ضيقه عنهما لأجل اشتغاله بالأسباب امتنع الجمع لفوات شرطه، وهو وقوع الصلاتين في وقت إحداهما. وأجاب القاضي حسين بأنا لا نسلم أن شرط صحة الجمع ما ذكرتم (¬2)، بل شرطه أن يؤدي إحدى الصلاتين في وقتها ثم [توجد الأخرى] (¬3) عقبها، وهذا الجواب ضعيف كما قاله في "شرح المهذب" (¬4) فإنه نظير من جمع بين الظهر والعصر في آخر وقت العصر بحيث وقعت الظهر قبل غروب الشمس، والعصر بعد الغروب، وهو (¬5) لا يجوز (¬6). وأجاب في "الكفاية" بأن الصلاتين حالة الجمع كالصلاة الواحدة، ومعلوم أن المغرب يجوز استدامتها، فكذلك ما جعل في معناها، وهو أيضًا ضعيف منقوض بسائر (¬7) الصلوات والله أعلم (¬8). (قال المصنف: لم يرو هذا الحديث إلا قتيبة بن سعيد وحده) فالحديث من الأفراد. ¬

_ (¬1) من (س، ل، م). (¬2) في (م): ذكر. (¬3) في (م): تؤخر الأخر. (¬4) "المجموع" 3/ 33. (¬5) في (م): هذا. (¬6) "تحفة المحتاج" 4/ 361. (¬7) في (ص، س، ل): بشرائط. والمثبت من (م)، و"حاشية الرملي". (¬8) "حاشية الرملي" 1/ 116.

6 - باب قصر قراءة الصلاة في السفر

6 - باب قِصَرِ قِراءَةِ الصَّلاةِ فِي السَّفَرِ 1221 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثابِتٍ، عَنِ البَراءِ قَالَ: خَرَجْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ فَصَلَّى بِنا العِشاءَ الآخِرَةَ فَقَرَأَ فِي إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ بِالتِّينِ والزَّيْتُونِ (¬1). * * * باب قصر قراءة السفر [1221] (حدثنا حفص بن عمر) (¬2) الحوضي (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي (عن عدي بن ثابت) الأنصاري (عن البراء) بن عازب - رضي الله عنهما - (قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[في سفر] (¬3) فصلى بنا العشاء الآخرة) لفظ الإسماعيلي: وصلى العشاء ركعتين (فقرأ في إحدى الركعتين) كذا للبخاري (¬4)، وفي رواية النسائي: فقرأ في الركعة الأولى (¬5). (بالتين) أي: بسورة التين، وفي رواية للبخاري: فقرأ {وَالتِّينِ} " (¬6). على الحكاية، وإنما قرأ في العشاء بقصار المفصل لكونه كان (¬7) مسافرًا والسفر يطلب فيه التخفيف. وحديث أبي هريرة في البخاري أنه قرأ في ¬

_ (¬1) رواه البخاري (767)، ومسلم (464). (¬2) في (ص، س): عمرو. والمثبت من (ل، م). (¬3) سقط من (م). (¬4) "صحيح البخاري" (767، 4952). (¬5) "المجتبى" 2/ 173. (¬6) "صحيح البخاري" (769). (¬7) سقط من (م).

العشاء: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} (¬1) فسجد (¬2). محمول على الحضر. ({وَالزَّيْتُونِ}) قال الضحاك: {وَالتِّينِ}: المسجد الحرام، {وَالزَّيْتُونِ} المسجد الأقصى (¬3)، وقال قتادة: {وَالتِّينِ}: الجبل الذي عليه دمشق، {وَالزَّيْتُونِ} هوالجبل الذي عليه بيت المقدس، والأصح قول ابن عباس وجماعة: {وَالتِّينِ} هو تينكم الذي تأكلون {وَالزَّيْتُونِ} هو (¬4) زيتونكم الذي تعصرون منه الزيت (¬5). لأنه الحقيقة، ولا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز إلا بدليل، وإنما أقسم الله بالتين؛ لأنه كان ستر آدم في الجنة لقوله تعالى: {يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} (¬6) وكان ورق التين. ¬

_ (¬1) الإنشقاق: 1. (¬2) "صحيح البخاري" (766). (¬3) في (ص): الأسجد. والمثبت من (س، ل، م)، و"الجامع لأحكام القرآن". (¬4) من (م). (¬5) "الجامع لأحكام القرآن" 20/ 110 - 111. (¬6) الأعراف: 22، طه: 121.

7 - باب التطوع في السفر

7 - باب التَّطَوُّعِ فِي السَّفَرِ 1222 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنْ صَفْوانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِي بُسْرَةَ الغِفارِيِّ، عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ الأَنْصارِيِّ قَالَ: صَحِبْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَمانِيَةَ عَشَرَ سَفَرًا فَما رَأَيْتُهُ تَرَكَ رَكْعَتَيْنِ إِذا زاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ الظُّهْرِ (¬1). 1223 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ حَفْصِ بْنِ عاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: صَحِبْتُ ابن عُمَرَ فِي طَرِيقٍ - قَالَ -: فَصَلَّى بِنا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَقْبَلَ فَرَأَى ناسًا قِيامًا فَقَالَ: ما يَصْنَعُ هؤلاء؟ قُلْتُ: يُسَبِّحُونَ. قَالَ: لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا أَتْمَمْتُ صَلاتِي يا ابن أَخِي إِنِّي صَحِبْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي السَّفَرِ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ - عز وجل - وَصَحِبْتُ أَبا بَكْرٍ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ - عز وجل - وَصَحِبْتُ عُمَرَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ تَعالَى، وَصَحِبْتُ عُثْمانَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ تَعالَى وَقَدْ قَالَ اللهُ - عز وجل -: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (¬2). * * * باب التطوع في السفر [1222] (حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث، عن صفوان بن سليم) المدني القرشي الزهري (¬3) الفقيه، ذكر صفوان عند أحمد بن حنبل فقال: هذا رجل يستسقى بحديثه، وينزل المطر من السماء بذكره، وكان يصلي ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (550)، وأحمد 4/ 295. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (224). (¬2) رواه البخاري (1082)، ومسلم (689). ولفظ البخاري مختصر. (¬3) من (م).

في الشتاء في السطح (¬1) وفي الصيف في بطن (¬2) البيت، ولو قيل: له قامت القيامة ما زاد على عبادته (¬3). (عن أبي بسرة) بضم الموحدة، وسكون السين المهملة، الغفاري المدني، قال الترمذي: سألت محمدًا - يعني: البخاري - عن هذا الحديث فلم يعرفه إلا من حديث الليث بن سعد، ولم يعرف اسم أبي (¬4) بسرة ورآه (¬5) حسنًا (¬6)، وذكره ابن عبد البر فيمن عرف بكنيته ولم يعرف اسمه (¬7). (عن البراء بن عازب الأنصاري - رضي الله عنهما - قال: صحبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمانية عشر سفرًا) [أي: في سفر وقع في مرات] (¬8)، وفي رواية الترمذي: ثمانية عشر شهرًا (¬9). (فما رأيته ترك ركعتين) وللترمذي: الركعتين. بالتعريف (¬10) (إذا زاغت الشمس قبل الظهر) وذكره ابن بطال بلفظ: سافرت معه ثماني ¬

_ (¬1) في (م): الصدح. (¬2) في (م): صرخ. (¬3) "تهذيب الكمال" 13/ 186 - 187. (¬4) سقط من (م). (¬5) في (م): ورواه. (¬6) "سنن الترمذي" 2/ 436. (¬7) لم يذكره ابن عبد البر في هذا الكتاب. (¬8) سقط من (م). (¬9) رواية الترمذي كرواية المصنف: ثمانية عشر سفرًا. ولم يروه أحد بهذه اللفظة. وانظر: "سنن الترمذي" (550). (¬10) من (ل، م).

عشرة سفرة (¬1)، وذكر ابن المنذر التطوع في السفر فقال: رويناه عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وجابر، وابن عباس، وأنس، وأبي ذر (¬2) وجماعة من التابعين، وهو قول مالك (¬3)، والكوفيين، والشافعي (¬4)، وأحمد (¬5)، وصححه ابن بطال (¬6)؛ لأنه ثبت (¬7) عن الشارع أنه كان يفعله في السفر من غير وجه. وقد روى أبو هريرة وأبو الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أوصاهما بثلاث منها ركعتا الضحى، قال: فلا أدعهن في سفر ولا حضر (¬8). وروى الترمذي عن الحجاج، عن عطية، عن ابن عمر قال: صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - الظهر في السفر ركعتين وبعدها ركعتين. ثم قال الترمذي: حديث حسن (¬9). وأسند البيهقي حديث ابن عباس قال: سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعني -: صلاة السفر ركعتين، وسن صلاة الحضر (¬10) أربع ¬

_ (¬1) "شرح صحيح البخاري" 3/ 93. (¬2) "الأوسط" 5/ 248. (¬3) " المدونة" 1/ 173. (¬4) "الأم" 1/ 193، 321 (¬5) "مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج" (360). (¬6) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 3/ 94. (¬7) بياض في (م). (¬8) "سنن أبي داود" (1432) من حديث أبي هريرة، وفي (1433) من حديث أبي الدرداء. (¬9) بياض في (ص، س، ل). (¬10) في الأصول الخطية: العصر. والمثبت من "السنن الكبرى" 3/ 158، و"معرفة السنن والآثار" (1627).

ركعات، فكما (¬1) الصلاة قبل صلاة الحضر (¬2). وروى الطبراني في "الكبير" عن قتادة: أن ابن مسعود وعائشة كانا يتطوعان في السفر قبل الصلاة وبعدها (¬3). [1223] (حدثنا القعنبي، حدثنا عيسى بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب) أخرج له الشيخان. (عن أبيه) حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب (قال: صحبت ابن عمر في طريق) زاد مسلم: في طريق مكة (¬4). (فصلى بنا) لفظ مسلم: صلى لنا الظهر (¬5) (ركعتين) وللنسائي: الظهر والعصر ركعتين (¬6). فيه دليل على استحباب الجماعة في السفر، لكن لا يتأكد تأكدها في الحضر، وعلى استحباب القصر (¬7) في السفر (ثم أقبل) لفظ النسائي: ثم انصرف إلى طنفسة له (¬8). وهي البساط الذي له خمل (فرأى ناسًا قيامًا) ولفظ مسلم (¬9): ثم أقبل وأقبلنا، حتى ¬

_ (¬1) في الأصول الخطية: ومنها. والمثبت من مصادر التخريج. (¬2) في الأصول الخطية: العصر. والمثبت من "السنن الكبرى" 3/ 158، و"معرفة السنن والآثار" (1627). وباقي الأثر في مصادر التخريج: "وَبَعْدَهَا حَسَنٌ، فَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ فِي السَّفَرِ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا". (¬3) "المعجم الكبير" (9507). (¬4) "صحيح مسلم" (689) (8). (¬5) "صحيح مسلم" (689) (8). (¬6) "المجتبى" 3/ 123. (¬7) في (ص): العصر. (¬8) "المجتبى" 3/ 123. (¬9) من (ل، م).

جاء رحله وجلس وجلسنا معه (¬1) فحانت منه التفاتة نحو (¬2) حيث صلى، فرأى ناسًا قيامًا (¬3). أي يصلون. (فقال: ما يصنع هؤلاء؟ قلت: يسبحون) أي: يتنفلون. والسبحة: صلاة النافلة كما تقدم. (قال: [لو كنت مسبحًا] (¬4) أتممت صلاتي) وللنسائي: "لو كنت مصليًا قبلها أو بعدها لأتممتها" (¬5). يحتمل أن يكون لأن الصلاة إنما قصرت للتخفيف، فإذا كان هؤلاء يتنفلون فإن الإتمام كان أولى. [قال ابن الملقن في "توضيح البخاري"] (¬6): أي: لو تنفلت التنفل الذي هو من جنس الفريضة لجعلته في الفريضة ولم أقصرها (¬7). وقال ابن بطال: في قول البخاري: لم أره يسبح في السفر. [يريد التطوع قبل الفرض وبعده. أي: بالأرض؛ لأنه روى الصلاة على الراحلة في السفر] (¬8) وأنه كان يتهجد (¬9) بالليل في السفر، ولا تضاد ¬

_ (¬1) سقط من (ل، م). (¬2) سقط من (م). (¬3) "صحيح مسلم" (689) (8). (¬4) في (م): كانت مستحبة. (¬5) "المجتبى" 3/ 123. (¬6) سقط من (م). (¬7) "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" بتحقيقنا 8/ 503. (¬8) من (ل، م). (¬9) في (م): متجهد.

إذًا (¬1) بين الأخبار. وقد روى البخاري (¬2) في صلاة المغرب: ولا يسبح بعد العشاء حتى يقوم من جوف الليل. [وفي "موطأ مالك" (¬3) عن نافع عنه: أنه لم يكن يصلي مع الفريضة في السفر شيئًا ولا بعدها إلا من جوف الليل] (¬4) فإنه (¬5) كان يصلي على الأرض، وعلى راحلته حيث ما (¬6) توجهت به (¬7). كذا هو موقوف في "الموطأ" ورفعه الباقون (¬8). (يا ابن أخي، إني صحبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[في السفر] (¬9) فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله تعالى) [قال الطبري: يحتمل أن يكون تركه - عليه السلام - التنفل في حديث ابن عمر تحريًا منه إعلام (¬10) أمته أنهم في أسفارهم بالخيار في التنفل بالسنن (¬11) ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) "صحيح البخاري" (1092). (¬3) "الموطأ" (350). (¬4) من (ل). (¬5) في (م): فإن. (¬6) سقط من (ل، م). (¬7) "شرح صحيح البخاري" 3/ 91. (¬8) "التوضيح" 8/ 503. (¬9) سقط من (م). (¬10) سقط من (م). (¬11) في (س، ل): في السنن.

المؤكدة وتركها (¬1). وفي البخاري: أنه - عليه السلام - كان إذا جمع في السفر صلى المغرب ثم يدعو بعشائه فيتعشى ثم يرتحل (¬2). وإذا جاز الشغل (¬3) بالصلاة فأحرى أن تجوز الصلاة (¬4). (وصحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله] (¬5) تعالى) وفي الحديث الآخر: مع عثمان صدرًا من خلافته (¬6). وقوله في الآخر: ثمان سنين أو ست (¬7). وهذا هو (¬8) المعروف عنه لما روى البخاري، عن نافع، عن عبد الله قال: صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بمنى ركعتين وأبي بكر وعمر، ومع (¬9) عثمان صدرًا من إمارته ثم أتمها (¬10). انتهى. وأن عثمان أتم بعد سبع من خلافته، ولعل ابن عمر أراد في هذِه (¬11) ¬

_ (¬1) "التوضيح" 8/ 504. (¬2) هذا الحديث ليس في البخاري كما قال المصنف، وهو في "سنن أبي داود" (1234) بلفظ: أن عليًّا كان إذا سافر سار بعد ما تغرب الشمس حتى كاد أن تظلم ثم ينزل فيصلي المغرب ثم يدعو بعشائه فيتعشى ثم يصلي العشاء ثم يرتحل ويقول: هكذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع. وكذلك رواه أبو يعلى (548). (¬3) في (س): التنفل. (¬4) اللفظ في "التوضيح" 8/ 504: وإذا جاز الشغل بالعشاء بعد دخول وقتها وبعد الفراغ من صلاة المغرب فالشغل بالصلاة أحرى أن يجوز. (¬5) من (س، ل، م). (¬6) أخرجه البخاري (1655)، ومسلم (694/ 16)، وأحمد 2/ 140. (¬7) أخرجه مسلم (694/ 18). (¬8) و (¬9) سقط من (م). (¬10) أخرجه البخاري (1082). (¬11) من (ل، م).

الرواية إتمام عثمان في سائر أسفاره في غير منى؛ لأن إتمام عثمان إنما كان بمنى على ما فسره عمران بن حصين في حديثه بقوله: حججت مع عثمان سبعًا من إمارته لا يصلي إلا ركعتين، ثم صلى بمنًى أربعًا (¬1). ويكون قول ابن عمر في غير هذا الحديث: صدرًا من خلافته وقول غيره راجعًا (¬2) إلى الإتمام بمنى (¬3). (وقد قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ}) (¬4) بكسر الهمزة وضمها (¬5) أصله من المواساة وهي (¬6) المشاركة في الشيء. أي (¬7): قدوة حسنة. أي: اقتداء حسن أو تأس حسن يقال فيمن اشتهر بالعلم الكثير أو الصلاح: لي به أسوة في هذا الأمر. ¬

_ (¬1) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (8258)، والطبراني في "المعجم الكبير" 18/ 209 رقم (515). (¬2) في الأصول: راجع. والجادة المثبت. (¬3) انظر: "إكمال المعلم" 3/ 13. (¬4) الأحزاب: 21. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (ص): أي. والمثبت من (س، ل، م). (¬7) من (س، ل، م).

8 - باب التطوع على الراحلة والوتر

8 - باب التَّطَوُّعِ عَلَى الرّاحِلَةِ والوِتْرِ 1224 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن صَالِحٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ عَنْ سالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُسَبِّحُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَيَّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ وَيُوتِرُ عَلَيْها، غَيْرَ أَنَّهُ لا يُصَلِّي المَكتُوبَةَ عَلَيْها (¬1). 1225 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا رِبْعِيُّ بْن عَبْدِ اللهِ بْنِ الجارُودِ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي الحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي الجارُودُ بْنُ أَبِي سَبْرَةَ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بْن مالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا سَافَرَ فَأَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ اسْتَقْبَلَ بِناقَتِهِ القِبْلَةَ فَكَبَّرَ، ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ وَجَّهَهُ رِكابُهُ (¬2). 1226 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى المازِنِيِّ، عَنْ أَبِي الحُبابِ سَعِيدِ بْنِ يَسارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قال: رأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي عَلَى حِمارٍ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى خَيْبَرَ (¬3). 1227 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيانَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ - قَالَ -: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَاجَةٍ قَالَ: فَجِئْتُ وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى راحِلَتِهِ نَحْوَ المَشْرِقِ والسُّجُودُ أَخْفَضُ مِن الرُّكُوعِ (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1000)، ومسلم (700). (¬2) رواه أحمد 3/ 203، والطبراني في "الأوسط" (2536)، والدارقطني 1/ 396، والبيهقي 2/ 5. حسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1110). (¬3) رواه مسلم (700). (¬4) رواه الترمذي (351)، وأحمد 3/ 332. وهو في البخاري (1099)، ومسلم (540) دون قوله: السجود أخفض من الركوع.

باب التطوع على الراحلة والوتر (¬1) [1224] (حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا) عبد الله (بن وهب، أخبرني يونس، عن) محمد (بن شهاب، عن سالم) بن عبد الله (عن أبيه) عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - (قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسبح) أي: يتنفل (على الراحلة أي) بالنصب على نزع الخافض، أي: إلى أي (وجه) وللبخاري: قبل أي وجه (¬2) (توجه) أي إلى أي جهة استقبل بوجهه، يقال: توجهت إلى كذا إذا استقبلته وقصدته، والراحلة البعير القوي على (¬3) الأسفار والأحمال، والهاء فيه للمبالغة، سواء فيه الذكر والأنثى، وقيل: الراحلة الناقة التي تصلح لأن ترحل، فتكون الهاء فيه للتأنيث. وجاء في رواية: حيثما توجهت به (¬4). ولم يعين جهة بعينها. (ويوتر عليها) فيه دليل لمذهب الشافعي ومن وافقه على أن الوتر من النوافل، وحكمه حكم النوافل في جواز صلاة النافلة على الراحلة حيث ما توجهت به (¬5). [وفيه حجة] (¬6) على من (¬7) ذهب إلى أن الوتر ليس بنافلة كأبي ¬

_ (¬1) من (س، ل، م)، و"السنن". (¬2) "صحيح البخاري" (1098). (¬3) من (م). (¬4) "سنن الترمذي" (352). (¬5) "الأم" 1/ 196. (¬6) من (ل، م). (¬7) في (ص، س): ما. والمثبت من (ل، م).

حنيفة (¬1) ومن تابعه، فإنه لا يجيز صلاة الوتر على ظهر (¬2) الراحلة (¬3)؛ لأن الوتر عنده واجب لا فرض ولا نافلة، فإن قيل: والوتر على النبي - صلى الله عليه وسلم - واجب (¬4) فكيف فعله على الراحلة؟ ! فأجاب القرافي (¬5) والحليمي بأنه كان واجبًا عليه في الحضر دون السفر (¬6). فلهذا فعله على الدابة، ومنهم من عد جوازه على الراحلة من خواصه وإن كان واجبًا؛ عملًا بالأدلة، وأجاب النووي بأنه وإن كان واجبًا عليه فقد صح فعله له (¬7) على الراحلة، فدل على صحته منه على الراحلة، ولو كان واجبًا على العموم لم يصح على الراحلة كالظهر (¬8). (غير أنه لا يصلى المكتوبة عليها) والمكتوبة هنا نعت لمحذوف دل عليه السياق، وهو الصلاة، وسماها مكتوبة اتباعًا للفظ القرآن في قوله تعالى: {كِتَابًا مَوْقُوتًا} (¬9) (¬10). [1225] (حدثنا مسدد، حدثنا ربعي) بكسر الراء وسكون الموحدة ¬

_ (¬1) "البحر الرائق" 2/ 40، 41. (¬2) سقط من (ل، م). (¬3) "البحر الرائق" 2/ 40، 41. (¬4) زاد في (ل، م): عليه. (¬5) في (ص، س): العراقي. والمثبت من (ل، م)، ومصادر التخريج. (¬6) "كشاف القناع" 1/ 415. (¬7) سقط من (م). (¬8) "شرح النووي على مسلم" 5/ 211. (¬9) النساء: 103. (¬10) جاءت هذه العبارة في (م) بعد قوله: لا فرض ولا نافلة. السابق.

(ابن عبد الله بن الجارود) بن أبي سبرة الهذلي، صدوق (¬1)، وروى عن جده (حدثني عمرو (¬2) بن أبي الحجاج) المنقري بكسر الميم، صدوق (¬3) لم يلحقه ولده أبو معمر المقعد. (حدثني الجارود) بالجيم بن أبي (¬4) سبرة بفتح المهملة وسكون الموحدة، ويقال: ابن سبرة الهذلي، أبو (¬5) نوفل البصري، واسم أبي سبرة سالم بن سلمة، صدوق (¬6). (حدثني أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سافر فأراد أن يتطوع استقبل بناقته القبلة) إن سهل استقبالها بأن (¬7) كانت الدابة واقفة وسهل إدارتها أو إنحرافه عليها، أو كانت سائرة وزمامها بيده وهي ذلول، وهذا واجب على الراكب في حالة الإحرام لهذا الحديث، وصححه ابن السكن (¬8)، والمعنى فيه (¬9) ليقع أول صلاته بما هو مشروط في الصلاة وهو الاستقبال، ثم (¬10) لا يضر الترك فيما بعده اعتبارًا بأول العبادة كما في النية أولها، قال أصحابنا: فإن لم يسهل استقبالها بأن ¬

_ (¬1) "الكاشف" 1/ 302. (¬2) في (م): عمر. (¬3) "الكاشف" 2/ 326. (¬4) من (م)، و"التهذيب" 4/ 475. (¬5) في (م): ابن. (¬6) "الكاشف" 1/ 178. (¬7) في (م): و. (¬8) "التلخيص الحبير" 2/ 386. (¬9) من (م). (¬10) سقط من (م).

كانت الدابة سائرة وهي مقطورة (¬1) أو جموح لم يجب استقبالها القبلة لما فيه من المشقة (¬2) (فكبر) أي: مع النية حال استقبالها. (ثم صلى حيث وجهه) بتشديد الجيم. أي: أخذ بوجهه. (ركابه) أي: راحلته التي هو راكبها، والركاب جمعه ركب بضم الراء والكاف، ككتاب وكتب، وفي الحديث: "إذا سافرتم فأعطوا الركب (¬3) أسنتها". فإن الركب جمع ركاب، وهي الرواحل من الإبل. وقيل: جمع ركوب، وهو لما يركب من كل دابة فعول (¬4) بمعنى مفعول، والركوبة أخص منه (¬5)، وظاهر الحديث أن استقبال الدابة لا يختص بغير التحرم (¬6)، والقول الثاني للشافعي أنه يشترط استقبالها في السلام لأنه أحد طرفي الصلاة فاشترط فيه كالتحرم (¬7) والأول هو الأصح (¬8). [1226] (حدثنا القعنبي، عن مالك، عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبي الحباب) بضم الحاء (¬9) المهملة وتخفيف الموحدة الأولى. (سعيد بن يسار) بالمثناة والمهملة، المدني مولى ميمونة زوج النبي ¬

_ (¬1) في الأصول الخطية: مقطرة. والمثبت من "مغني المحتاج". (¬2) "مغني المحتاج" 1/ 143. (¬3) في (ص، س): الراكب. والمثبت من (ل، م). (¬4) سقط من (م). (¬5) انظر: "النهاية في غريب الحديث" 2/ 256. (¬6) في (ل، م): التحريم. (¬7) في (ل، م): كالتحريم. (¬8) "الشرح الكبير" 1/ 435. (¬9) سقط من (م).

- صلى الله عليه وسلم -، وهو عم (¬1) معاوية بن أبي مزرد (¬2). (عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أنه قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي على حمار) وقد وهم الدارقطني وغيره، عمرو بن يحيى المازني في قوله: على حمار، والمعروف: على راحلته. أو: على البعير. والصواب أن الصلاة على الحمار من فعل أنس كما ذكره مسلم بعد هذا، ولهذا لم يذكر [البخاري في] (¬3) حديث عمرو هذا كلام الدارقطني ومتابعيه، قال النووي: وفي الحكم بتغليط رواية عمرو (¬4) نظر؛ لأنه ثقة نقل شيئًا محتملًا، فلعله كان الحمار مرة والبعير مرة أو مرات، لكن (¬5) قد يقال: إنه شاذ، فإنه مخالف لرواية الجمهور في البعير والراحلة، والشاذ مخالف للجماعة (¬6). وأخرجه الإمام مالك في "الموطأ" من فعل أنس بن مالك، وقال فيه: يركع ويسجد إيماءً من غير أن يضع وجهه على شيء (¬7). (وهو متوجه) بكسر الجيم، ولفظ مسلم: موجه (¬8). من غير تاء يقال: قاصد (¬9) ويقال: مقابل (إلى خيبر) بينها وبين المدينة ثمانية (¬10) برد مشي ¬

_ (¬1) في (ص، س): عمه. والمثبت من (ل، م). و"التهذيب" 11/ 120 - 121. (¬2) في (ص، س): مرود. والمثبت من (ل، م)، و"التهذيب" 11/ 120 - 121. (¬3) من (ل، م)، و"شرح النووي على مسلم". (¬4) في (م): عمر. (¬5) سقط من (م). (¬6) "شرح النووي على مسلم" 5/ 211 - 212. (¬7) "الموطأ" (354). (¬8) في (ص، س): بوجه. (¬9) بياض في (ص). وغير مقروءة في (س). (¬10) سقط من (م).

ثلاثة أيام، تخرج من المدينة على الغابة العليا، ثم تسلك الغابة السفلى، ثم ترقى [في نقب يردوح] (¬1) وفيه مسجد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم تسلك واديا يقال له: الدومة (¬2)، وأول خيبر الدومة (¬3). [1227] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا وكيع (¬4) عن سفيان) بن سعيد الثوري (عن أبي الزبير) محمد بن مسلم المكي. (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري - رضي الله عنهما - (قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حاجة) فيه خدمة الأكابر وقضاء حوائجهم. (قال: فجئت وهو يصلي على راحلته نحو المشرق) فيه جواز صلاة المسافر على الدابة إلى جهة مقصده. (والسجود أخفض من الركوع) فيه جواز الصلاة بالإيماء، وليس عليه وضع الجبهة على الرحل والسرج ونحو ذلك، بل يكفيه الإنحناء للركوع والسجود، وسببه (¬5) ما فيه من المشقة وخوف الضرر من ترقات (¬6) الدابة، لكن لا بد أن يكون (¬7) سجوده أخفض من ركوعه ليميز بينهما، وشذ المحب الطبري فقال: إنه يلزمه وضع الجبهة على الرحل إذا أمكنه ذلك من غير ضرر، والظاهر أنه إذا أمكن أفضل؛ لأنه واجب. ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): ببت يودوح. (¬2) في (ص، س): الرومة. (¬3) "معجم ما استعجم" 2/ 521. (¬4) زاد في (ص، س، ل): عن شعبة. وهي زيادة مقحمة. (¬5) في (ص، س): وسعيه. والمثبت من (ل، م). (¬6) بياض في (ص)، والمثبت من (س، ل، م). (¬7) سقط من (ل).

9 - باب الفريضة على الراحلة من عذر

9 - باب الفَرِيضَةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ مِنْ عُذْرٍ 1228 - حَدَّثَنا مَحْمُودُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ، عَنِ النُّعْمانِ بْنِ المُنْذِرِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَباحٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رضي الله عنها: هَلْ رُخِّصَ لِلنِّساءِ أَنْ يُصَلِّينَ عَلَى الدَّوابِّ؟ قَالَتْ: لَمْ يُرَخَّصْ لَهُنَّ فِي ذَلِكَ فِي شِدَّةٍ وَلا رَخاءٍ. قَالَ مُحَمَّدٌ هذا فِي المَكْتُوبَةِ (¬1). * * * باب الفريضة على الراحلة من (¬2) عذر [1228] (حدثنا محمود بن خالد) بن يزيد السلمي (¬3) الدمشقي، قال أبو حاتم: ثقة رضى (¬4)، وثقه النسائي (¬5). (حدثنا محمد بن شعيب) بن شابور الدمشقي مولى الوليد بن عبد الملك، قرأ القرآن على يحيى، وثقه دحيم (¬6)، قال ابن المبارك: أنا (¬7) الثقة من أهل العلم وكان يسكن بيروت (¬8). ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في "الأوسط" (3245)، والبيهقي في "معرفة السنن والآثار" (2902)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 49/ 129. (¬2) زاد في (م): غير. (¬3) سقط من (م). (¬4) "الجرح والتعديل" 8/ 292. (¬5) "تهذيب الكمال" 27/ 297. (¬6) "تهذيب الكمال" 25/ 372. (¬7) في (ص، س): أن. (¬8) "تهذيب الكمال" (25/ 372).

(عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ المُنْذِرِ) الغساني الدمشقي صدوق قدري (¬1). (عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - هَلْ رُخِّصَ) بضم أوله مبني لما لم يسم فاعله (لِلنِّسَاءِ أَنْ يُصَلِّينَ عَلَى الدَّوَابِّ؟ ) يعني: مع عدم الاستقبال أو (¬2) إتمام الركوع والسجود. (قَالَتْ: لَمْ يُرَخَّصْ لَهُنَّ فِي ذَلِكَ فِي شِدَّةٍ وَلَا رَخَاءٍ. قَالَ مُحَمَّدٌ) بن شعيب [بن شابور] (¬3) (هذا في) الصلاة (الْمَكْتُوبَةِ) والمنذورة وصلاة الجنازة في معنى المكتوبة، والظاهر في سند هذا الحديث الانقطاع فإنه سقط منه سليمان بن موسى. قال الدارقطني: تفرد به النعمان بن المنذر، عن سليمان بن موسى، عن عطاء. وأما النعمان بن المنذر قال المنذري: هو غساني دمشقي ثقة كنيته أبو الوزير، وقد يعارض هذا الحديث مع علتي (¬4) الانقطاع والإفراد ما رواه الترمذي عن عمرو بن عثمان بن يعلى بن مرة، عن أبيه، عن جده أنهم كانوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسير فانتهوا إلى مضيق فحضرت الصلاة فمطروا (¬5) السماء من فوقهم والبلة من أسفل منهم، فأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على راحلته وأقام فتقدم على راحلته فصلى بهم يومئ إيماء يجعل السجود أخفض من الركوع (¬6). ¬

_ (¬1) "الكاشف" 3/ 206. (¬2) في (م): و. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ص، س): غلبتي. (¬5) في (م): فمطرت. (¬6) "سنن الترمذي" (411).

قال الشيخ تقي الدين: إسناده صحيح. وقال النووي في باب الأذان: إسناده جيد (¬1). والبلة بكسر الباء هي النداوة، واستدل أصحابنا بحديث الترمذي على أن من كان له عذر يمنعه من النزول [عن الراحلة] (¬2) كالطين والوحل، أو خاف (¬3) انقطاعًا عن الرفقة، ولو لم يخف ضررًا بل استوحش فقط، أو خاف على نفسه أو ماله لم يجز له ترك الصلاة، بل يصلي على الدابة، ولا يجوز له ترك الصلاة. ووجه (¬4) الدليل أن هذِه الصلاة كانت فريضة، ولهذا أذن لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والأصح وجوب الإعادة؛ لأنه نادر (¬5). ويؤخذ من الحديث أن مثل هذا عذر في النزول، قاله السبكي. ويقتضي هذا التعليل جواز صلاة الفرض للماشي إذا خاف الانقطاع عن الرفقة أو خاف على نفسه أو ماله، وإذا كان في الوحل والطين فيومئ بالركوع والسجود كالراكب، ولم أجد من ذكره فيما وقفت عليه (¬6). ¬

_ (¬1) "المجموع" 3/ 106. (¬2) من (س، ل، م). (¬3) في (م): خوف. (¬4) من (س، ل، م). (¬5) "المجموع "شرح المُهَذب" (3/ 242). (¬6) سقط من (س، ل، م).

10 - باب متى يتم المسافر

10 - باب مَتَى يُتِمُّ المُسافِرُ 1229 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمَّادٌ ح، وحَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنا ابن علَيَّةَ - وهذا لَفْظُهُ - أَخْبَرَنا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وشَهِدْتُ مَعَهُ الفَتْحَ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً لا يُصَلِّي إِلَّا رَكْعَتَيْنِ وَيَقُولُ: "يا أَهْلَ البَلَدِ صَلُّوا أَرْبَعًا فَإِنّا قَوْمٌ سَفْرٌ" (¬1). 1230 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ وَعُثْمانُ بْن أَبِي شَيْبَةَ - المَعْنَى واحِدٌ - قالا: حَدَّثَنا حَفْصٌ، عَنْ عاصِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَقَامَ سَبْعَ عَشْرَةَ بِمَكَّةَ يَقْصُرُ الصَّلاةَ. قَالَ ابن عَبَّاسٍ: وَمَنْ أَقَامَ سَبْعَ عَشْرَةَ قَصَرَ وَمَنْ أَقَامَ أَكْثَرَ أَتَمَّ (¬2). قَالَ أَبُو داوُدَ: قَالَ عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: أَقامَ تِسْعَ عَشْرَةَ (¬3). 1231 - حَدَّثَنا النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: أَقامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَكَّةَ عَامَ الفَتْحِ خَمْسَ عَشْرَةَ يَقْصُر الصَّلاةَ (¬4). قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَى هذا الحَدِيثَ عَبْدَةُ بْن سُلَيْمانَ وَأَحْمَدُ بْنُ خالِدٍ الوَهْبِيُّ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (545) بنحوه مختصرًا، ورواه أحمد 4/ 430، والبزار (3608). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (225). (¬2) أخرجه أحمد 1/ 315، والطبراني في "المعجم الكبير" (11912)، والدارقطني 1/ 387، وابن حبان (2750). (¬3) رواه البخاري (1080). (¬4) أخرجه ابن ماجه (1076) بلفظ المصنف، والنسائي 3/ 121 بمعناه من طريق عراك بن مالك. وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 3/ 151 من طريق المصنف وقال: الصحيح المرسل بدون ذكر ابن عباس. وقال الحافظ في "التلخيص" 2/ 96: رواية: خمسة عشر. شاذة لمخالفتها.

وَسَلَمَةُ بْنُ الفَضْلِ، عَنِ ابن إِسْحاقَ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ ابن عَبَّاسٍ. 1232 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ أَخْبَرَنِي أَبِي، حَدَّثَنا شَرِيكٌ، عَنِ ابن الأَصْبَهانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَقَامَ بِمَكَّةَ سَبْعَ عَشْرَةَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ (¬1). 1233 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ وَمُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ - المَعْنَى - قالا: حَدَّثَنا وُهَيْبٌ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحاقَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قَالَ: خَرَجْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ المَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعْنا إِلَى المَدِينَةِ فَقُلْنا: هَلْ أَقَمْتُمْ بِها شَيْئًا قَالَ أَقَمْنا بِها عَشْرًا (¬2). 1234 - حَدَّثَنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وابْنُ المُثَنَّى - وهذا لَفْظُ ابن المُثَنَّى - قالا: حَدَّثَنا أَبُو أُسامَةَ - قَالَ ابن المُثَنَّى -: قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالِبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ عَلِيًّا - رضي الله عنه - كَانَ إِذَا سَافَرَ سارَ بَعْدَ ما تَغْرُبُ الشَّمْسُ حَتَّى تَكادَ أَنْ تُظْلِمَ ثُمَّ يَنْزِلُ فَيُصَلِّي المَغْرِبَ ثُمَّ يَدْعُو بِعَشائِهِ فَيَتَعَشَّى ثُمَّ يُصَلِّي العِشاءَ ثُمَّ يَرْتَحِلُ وَيَقولُ هَكَذا كَانَ رَسُولُ اللهِ: - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُ (¬3). قَالَ عُثْمَانُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَليٍّ، سَمِعْت أَبا دَاوُدَ يَقُولُ: وَرَوَى أُسامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ يَعْنِي ابن أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ أَنَسًا كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُما حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ وَيَقُولُ كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُ ذَلِكَ وَرِوايَةُ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلُهُ. * * * ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 315، وابن حبان (2750)، والطبراني في "الكبير" (11672)، والبيهقي في "الكبرى" 3/ 151. قال الحافظ في "الدراية" 1/ 212: إسناده صحيح. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (227). (¬2) رواه البخاري (1081)، ومسلم (693). (¬3) رواه عبد الله بن أحمد في زيادته على "المسند" 1/ 136، والبزار (664)، والنسائي في "الكبرى" (1571)، وأبو يعلى (464). أورده الألباني في "صحيح أبي داود" (117) ثم أشار بنقله إلى "ضعيفه".

باب [من قال] (¬1): مَتَى يُتِمُّ المُسَافِرُ [1229] (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التبوذكي (حَدَّثَنَا حَمَّادٌ) بن سلمة (وَحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرازي الحافظ، أنبأنا إسماعيل ابن عُلَيَّةَ وهذا لَفْظُهُ، أنبأنا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ) بن جدعان (¬2) التيمي الضرير أحد الحفاظ بالبصرة، أخرج له مسلم. (عَنْ أَبِي نَضْرَةَ) بالضاد المعجمة المنذر بن مالك بن قطعة بكسر القاف العبدي، عداده في تابعي البصرة. (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَينٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) أسلم يوم خيبر، وأسلم أبوه. (وَشَهِدْتُ (¬3) مَعَهُ الفَتْحَ) فتح مكة (فَأَقَامَ بِمَكَّةَ) [لحرب هوازن] (¬4)، قال الشيخ قطب الدين في "المورد العذب": روى أبو الزبير، عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة وعليه عمامة سوداء (¬5). والدليل [على أن المغفر غير العمامة] (¬6) حديث مالك، عن الزهري، عن ¬

_ (¬1) سقط من (ل، م). (¬2) زاد في (ص، س): عن. وهي زيادة مقحمة. وانظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 20/ 434 - 435. (¬3) في (م): وشهد. (¬4) سقط من (م). (¬5) أخرجه مسلم (1358) (451)، والترمذي في "سنن الترمذي" (1735)، والنسائي 5/ 201، وابن ماجه (3585)، والدارمي (1939)، وأحمد 3/ 363. (¬6) في (م): أن غير العمامة المغفر.

أنس: دخل مكة وعلى رأسه مغفر من حديد (¬1). ودخل مكة بكرة يوم الجمعة لعشر ليالٍ بقين من رمضان، وطاف على الراحلة (¬2)، فلما قضى الطواف وأخرجت الراحلة وانصرف إلى زمزم، وآخر المقام إلى مكانه هذا، وكان لاصقًا بالبيت. وقد [اختلفت الرواية] (¬3) في مدة مقامه بها على ثلاثة أوجه وكلها في الصحيح، وأصح رواياتها عن ابن شهاب قال: أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة يوم (¬4) الفتح بضع عشر ليلة (ثَمَانِيَ عَشْرَةَ) بفتح النون والتاء آخره للتركيب (لَيْلَةً) العرب تؤرخ بالليالي دون الأيام (لَا يُصَلِّي) الرباعية (¬5) (إِلَّا رَكعَتَيْنِ) قصرًا (وَيَقُولُ: يَا أَهْلَ البَلَدِ صَلُّوا) الرباعية (أَرْبَعًا) أي (¬6): أربع ركعات، ولا تنظروا إلى صلاتنا ركعتين. (فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ) بفتح السين وسكون الفاء جمع سافر كصاحب وصحب، ويجمع السفر الذي هو جمع على أسفار كصحب وأصحاب، وقد استدل بهذا الحديث لما ذهب إليه الشافعي وغيره أن المسافر إذا أقام ببلد بنية أن يرحل إذا حصلت حاجة يتوقعها كل ¬

_ (¬1) "الموطأ" (946)، ومن طريقه أخرجه البخاري (4286)، ومسلم (1358) (451)، والنسائي 5/ 200، وابن ماجه (2805)، والدارمي (1938)، وأحمد 3/ 109. (¬2) في (م): راحلته. (¬3) في (م): اختلف الروايات. (¬4) في (ل، م): عام. (¬5) سقط من (م). (¬6) سقط من (س، ل، م).

وقت، فإنه يجوز له أن يقصر الصلاة الرباعية ركعتين إلى ثمانية عشر يومًا، وهذا هو [أصح الأوجه الثلاثة] (¬1) عند أصحاب الشافعي (¬2) وقال أبو حنيفة (¬3) ومالك (¬4) وأحمد (¬5) يقصر أبدًا. [1230] (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ العَلَاءِ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ والْمَعْنَى وَاحِدٌ) وإن (¬6) اختلف لفظهما. (قَالَا: حَدَّثَنَا حَفْصٌ) بن غياث النخعي قاضي الكوفة (عَنْ عَاصِمٍ) ابن (¬7) سليمان الأحول (عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَقَامَ سَبْعَ عَشْرَةَ بِمَكَّةَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ) قال [البيهقي: رواته كلهم ثقات (¬8). ورواه ابن حبان في "صحيحه" (¬9) (قَالَ)] (¬10) عبد الله (ابْنُ عَبَّاسِ) - رضي الله عنهما - فيما ذهب إليه (وَمَنْ أَقَامَ) ببلدٍ مع الخوف أو الحرب أو مع حاجة يتوقعها (سَبْعَ عَشْرَةَ) يومًا (قَصَرَ) الصلاة (وَمَنْ أَقَامَ أَكْثَرَ) من ذلك (أَتَمَّ) لأنه صار مقيمًا، وهذا أحد أقوال الشافعي (¬11). ¬

_ (¬1) في (م): الأصح. وفي (س، ل): الأصح الأوجه الثلاثة. (¬2) "المجموع" 4/ 362. (¬3) "المبسوط" للسرخسي 1/ 404 - 405. (¬4) "المدونة" 1/ 206 - 209. (¬5) "المغني" 3/ 147 - 150. (¬6) من (ل، م). (¬7) في (م): عن. (¬8) لم أجد قول البيهقي هذا، وانظر كلامه في "السنن الكبرى" 3/ 150 - 151. (¬9) "صحيح ابن حبان" (2750). (¬10) في (م): السبكي وهذا القول هو المختار؛ لأنه رواه البخاري هكذا عن. (¬11) "الأم" 1/ 323.

قال النووي: وإذا جمعت الأقوال والأوجه وسميت أقوالًا كانت سبعة، هذا أحدها (¬1). ثم (قَالَ المصنف: قَالَ عَبادُ بْنُ مَنْصُورٍ) الناجي أبو سلمة، ولي قضاء البصرة أيام خروج (¬2) إبراهيم بن عبد الله بن حسن، قال أبو داود: وليها خمس مرات وليس بذاك (¬3)، [وتعليق عباد وصله البيهقي] (¬4). ([عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ] (¬5) ابن عَبَّاسٍ قَالَ: أَقَامَ تِسْعَ عَشْرَةَ) يومًا، عشرين إلا واحدًا، هذِه رواية البخاري عن عاصم، وحصين عن عكرمة، عن ابن عباس، ولفظه: أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - تسعة عشر يقصر، فنحن إذا سافرنا تسعة عشر قصرنا وإن زدنا أتممنا (¬6). قال البيهقي: هذِه الرواية أثبت الروايات. قال: وعند أبي داود: عن عمران بن حصين: ثمان عشرة ليلة. وإسناد حديث ابن عباس أصح بكثير (¬7). وجمع البيهقي بين هذِه (¬8) الروايات بأن من روى: ثمان عشرة. لم يعدّ يوم الدخول، ومن روى: سبع عشرة. لم يعدّ يومي (¬9) ¬

_ (¬1) "المجموع" 4/ 362. (¬2) في (ص، س، ل): خرج. والمثبت من (م). (¬3) "تهذيب الكمال" 14/ 159. (¬4) سقط من (م). (¬5) في (ص، س، ل): عن عبد الله. والمثبت من (م)، و"السنن". (¬6) "صحيح البخاري" (1080). (¬7) "السنن الكبرى" 3/ 151. (¬8) في (ص، س): هذه الرواية أثبت. والمثبت من (ل، م). (¬9) في النسخ: يوما. والجادة المثبت.

الدخول والخروج، ومن روى: [تسع عشرة] (¬1) عدهما، ومن روى خمس عشرة وهو أضعفها ظن أن الأصل سبع عشرة. فحذف منها يومي (¬2) الدخول والخروج (¬3). قال السبكي: هي أصح الروايات، ثم قال: وهو المختار (¬4)، وقال ابن الملقن في "توضيح البخاري": وهو القوي عندي، وبه أفتي؛ لأن الباب باب اتباع (¬5) وهذا (¬6) أصح ما ورد فلا معدل عنه (¬7). [1231] (حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ) بن عبد الله الباهلي مولاهم الحراني، أخرج له (¬8) مسلم والأربعة. (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ) صاحب المغازي (عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ) بالتصغير (بْنِ عَبْدِ اللهِ) بن عتبة (¬9) بن مسعود الهذلي، وهو ولد (¬10) أخي عبد الله بن مسعود أحد الفقهاء السبعة. (عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: أَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَكَّةَ عَامَ الفَتْحِ خَمْسَ عَشْرَةَ ¬

_ (¬1) في النسخ: تسعة عشر. والمثبت من "السنن الكبرى". (¬2) في النسخ: يوما. والجادة المثبت. (¬3) "السنن الكبرى" 3/ 151. (¬4) "أسنى المطالب" 1/ 237. (¬5) في (ص، س، ل): اتساع. والمثبت من (م)، و"التوضيح". (¬6) في (ص، س، ل): هو. والمثبت من (م)، و"التوضيح". (¬7) "التوضيح" 8/ 431. (¬8) سقط من (ل). (¬9) في (ص، س): عقبة. (¬10) من (ل، م)، وهو الصواب؛ فعبد الله بن مسعود هو عم أبيه وانظر: "التهذيب" 19/ 73.

ليلة يَقْصُرُ الصَّلَاةَ) كذا رواية ابن ماجه، لكن من طريق أبي (¬1) يوسف (¬2) محمد بن (¬3) أحمد الصيدلاني الرقي (¬4) عن محمد بن سلمة. . إلى آخره (¬5). قال ابن الملقن: وهذا قول أبي حنيفة وأصحابه (¬6) ويروى عن ابن عباس، ورواه ابن بطال عن ابن عمر والثوري والليث (¬7)، ولم أر من قال بهذا من الشافعية، [وروى مجاهد عن ابن عمر وابن عباس قالا: إذا قدمت بلدًا وأنت مسافر وفي نفسك أن تقيم خمس عشرة ليلة] (¬8) فأكمل الصلاة (¬9). (قَالَ المصنف: رَوَى هذا الحَدِيثَ عَبْدَةُ) بسكون الموحدة (بْنُ سُلَيْمَانَ) [أبو محمد الكلابي المقرئ] (¬10). (وَأَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ) أبو سعيد الحمصي وثقه ابن معين (¬11) (الْوَهْبِيُّ) بفتح الواو وسكون الهاء نسبة إلى عبد الله بن وهب، والوهبي في كندة وغيرها (وَسَلَمَةُ بْنُ الفَضْلِ) الأبرش الأنصاري الرازي قاضي الري، ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) زاد في (م): بن. (¬3) و (¬4) سقط من (م). (¬5) "سنن ابن ماجه" (1076). (¬6) "بدائع الصنائع" 1/ 97، و"المبسوط" للسرخسي 1/ 403 - 404. (¬7) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 3/ 75 - 76. (¬8) تكرر في (م). (¬9) "التوضيح" 8/ 430 - 431. (¬10) سقط من (م). (¬11) "الجرح والتعديل" 2/ 49.

قال محمد بن سعد: كان (¬1) ثقة صدوقًا (¬2). (عَنِ) محمد (ابْنِ إِسْحَاقَ) بن يسار (لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ ابن عَبَّاسٍ) بل رووه مرسلًا. قال البيهقي: وهو الصحيح (¬3)، وفيه مع ذلك عنعنة (¬4) ابن إسحاق. لكن رواه النسائي بدونها. [1232] (حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ) الجهضمي (¬5) (أَخْبَرَنِي أَبِي) وهو علي بن نصر بن علي بن صهبان الجهضمي (¬6) (حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنِ) عبد الرحمن بن عبد الله (¬7) (ابْنِ الأَصْبَهَانِيِّ) كوفي نجراني أصبهاني. (عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أَقَامَ بِمَكَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ) ليلة (يُصَلِّي رَكعَتَيْنِ) هو قول للشافعي (¬8)، وقد صححه ابن حبان في "صحيحه" (¬9). [1233] (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التبوذكي (وَمُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) الأزدي (الْمَعْنَى (¬10) قَالَا: حَدَّثَنَا [وُهَيْبٌ عن] (¬11) يَحْيَى بن أبي (¬12) ¬

_ (¬1) في (ص، س): قال. والمثبت من (ل، م). (¬2) "الطبقات الكبرى" 7/ 381. (¬3) "السنن الكبرى" 3/ 151. (¬4) في (م): عيينة. (¬5) و (¬6) في (م): الحميصي. (¬7) سقط من (م). (¬8) "الأم" 1/ 323. (¬9) "صحيح ابن حبان" 6/ 457. لكن من طريق عاصم الأحول السابق. (¬10) في (م): المفتي. (¬11) في (م): عبد الله بن وهب حدثني. (¬12) من (ل، م)، و"السنن".

إِسْحَاقَ) الحضرمي النحوي. (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ المَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ) قيل: كان هذا في حجة الوداع، وكان بنية أن يرحل، فكانت العوائق تعيقه، وقد شهد حجة الوداع أنس، ولفظ رواية البخاري: عن يحيى بن أبي (¬1) إسحاق سمعت أنسًا (¬2) يقول: خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من المدينة إلى مكة. (فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ركعتين (¬3) حَتَّى رَجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ) قلت: أقمتم (¬4) (فَقُلْنَا: هَلْ أَقَمْتُمْ بِهَا شَيْئًا؟ قَالَ: أَقَمْنَا عَشْرًا). [1234] (حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ) عبد الله (ابْنُ المُثَنَّى قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ) (¬5) حماد بن أسامة الكوفي. (قَالَ ابن المُثَنَّى (¬6): أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ (¬7) عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ) عمر بن علي (أَنَّ عَلِيًّا - رضي الله عنه - كَانَ إِذَا سَافَرَ سَارَ بَعْدَ مَا تَغْرُبُ الشَّمْسُ) فيه جواز تأخير المغرب في السفر (حَتَّى تَكَادَ أَنْ تُظْلِمَ) بالضم (¬8) الليل، يحسن أن يكون هذا شاهدًا على دخول (أن) ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (م) الشافعي. (¬3) سقط من (م). (¬4) "صحيح البخاري" (1081). (¬5) في (م): سلمة. (¬6) في (م): المفتي. (¬7) سقط من (س، ل). (¬8) سقط من (م).

على (¬1) خبر يكاد، كقول الشاعر: قد كاد (¬2) من طول البلى أن يمحصا (¬3) (نزل فصَلَّى) بهم (الْمَغْرِبَ) قد يستدل به على أن وقت المغرب (¬4) موسع، وهو القديم المختار (ثم (¬5) يَدْعُو بِعَشَائِهِ) فيه أن الأمير يخدم بتقديم الطعام إليه وغير ذلك سفرًا وحضرًا (فَيَتَعَشَّى) [بعد الصلاة] (¬6) هو ومن يلوذ به. (ثُمَّ يُصَلِّي العِشَاءَ ثُمَّ يَرْتَحِلُ) إلى السفر، فيه جواز الارتحال في وقت العشاء بلا كراهة، إلا إذا أقبل الليل حين تنتشر الشياطين (وَيَقُولُ هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُ) فيه الاقتداء بأفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأقواله في السفر والحضر (ورواه الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلُهُ) (¬7) (¬8). ¬

_ (¬1) في (ص، ل): في. والمثبت من (س، م). (¬2) في (ص، م): كان. والمثبت من (س، ل)، و"لسان العرب" (كود). (¬3) في (ص): يمصحصا. وفي (س، ل): يتمحصا. والمثبت من (م)، و"لسان العرب" (كود). (¬4) في (م): الغروب. (¬5) من (م)، و"السنن". (¬6) من (م). (¬7) سقط من (م). (¬8) أخرجه مسلم (704) (48)، والنسائي 1/ 287.

11 - باب إذا أقام بأرض العدو يقصر

11 - باب إِذَا أَقامَ بِأَرْضِ العَدُوِّ يَقْصُرُ 1235 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبانَ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: أَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِتَبُوكَ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلاةَ (¬1). قَالَ أَبُو دَاوُدَ: غَيْرُ مَعْمَرٍ لا يُسْنِدُهُ. * * * باب إِذَا أَقَامَ بِأَرْضِ العَدُوِّ يَقْصُرُ (¬2) [1235] (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، [حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن يحيى بن أبي كثير] (¬3)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ) بالمثلثة، العامري مولاهم المدني التابعي. (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: أَقَامَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِتَبُوكَ) لا ينصرف (عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ) أخرجه أحمد أيضًا من حديث جابر وصححه ابن حبان (¬4)، وهو (¬5) أحد أقوال الشافعي (¬6). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 295، وعبد الرزاق في "مصنفه" (4335)، وعبد بن حميد (1139)، وابن حبان (2752)، والبيهقي 3/ 152. وصححه الألباني في "الإرواء" (574). (¬2) سقط من (م). (¬3) من (ل، م)، و"سنن أبي داود". (¬4) سبق تخريجه. (¬5) في (ص، س): هذا. (¬6) انظر: "المجموع" 4/ 238 - 239.

(قَالَ المصنف: غَيْرُ مَعْمَرٍ) يرسله (¬1) (لَا يُسْنِدُهُ) وذكر البيهقي أنه غير محفوظ (¬2) قال: وحديث الحسن بن عمارة، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن عباس: أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر أربعين يومًا يصلي ركعتين. غير صحيح تفرد به الحسن بن عمارة وهو متروك (¬3). ¬

_ (¬1) سقط من (س، ل، م). (¬2) "السنن الكبرى" 3/ 152. (¬3) "السنن الكبرى" 3/ 152.

12 - باب صلاة الخوف

12 - باب صَلاةِ الخَوْفِ مَنْ رَأَى أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ وَهُمْ صَفَّانِ فَيُكَبِّرُ بِهِمْ جَمِيعًا، ثُمَّ يَرْكَعُ بِهِمْ جَمِيعًا، ثُمَّ يَسْجُدُ الإِمامُ والصَّفُّ الذِي يَلِيهِ والآخَرُونَ قِيامٌ يَحْرُسُونَهُمْ، فَإِذا قَامُوا سَجَدَ الآخَرُونَ الذِينَ كَانُوا خَلْفَهُمْ، ثُمَّ تَأَخَّرَ الصَّفُّ الذِي يَلِيهِ إِلَى مَقامِ الآخَرِينَ وَتَقَدَّمَ الصَّفُّ الأَخِيرُ إِلَى مَقامِهِمْ، ثُمَّ يَرْكَعُ الإِمَامُ وَيَرْكَعُونَ جَمِيعًا، ثُمَّ يَسْجُدُ وَيَسْجُدُ الصَّفُّ الذِي يَلِيهِ والآخَرُونَ يَحْرُسُونَهُمْ فَإِذا جَلَسَ الإِمَامُ والصَّفُّ الذِي يَلِيهِ سَجَدَ الآخَرُونَ، ثُمَّ جَلَسُوا جَمِيعًا ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا. قَالَ أَبُو داوُدَ: هذا قَوْلُ سُفْيانَ. 1236 - حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الحَمِيدِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجاهِدٍ، عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِعُسْفانَ، وَعَلَى المُشْرِكِينَ خالِدُ بْنُ الوَلِيدِ فَصَلَّيْنا الظُّهْرَ فَقَالَ المُشْرِكُونَ: لَقَدْ أَصَبْنا غِرَّةً لَقَدْ أَصَبْنا غَفْلَةً لَوْ كُنّا حَمَلْنا عَلَيْهِمْ وَهُمْ فِي الصَّلاةِ فَنَزَلَتْ آيَةُ القَصْرِ بَيْنَ الظُّهْرِ والعَصْرِ فَلَمّا حَضَرَتِ العَصْرُ قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ والمُشْرِكُونَ أَمَامَهُ فَصَفَّ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَفٌّ وَصَفَّ بَعْدَ ذَلِكَ الصَّفِّ صَفٌّ آخَرُ فَرَكَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَرَكَعُوا جَمِيعًا ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ الصَّفُّ الذِينَ يَلُونَهُ وَقامَ الآخَرُونَ يَحْرُسُونَهُمْ فَلَمَّا صَلَّى هؤلاء السَّجْدَتَيْنِ وَقَامُوا سَجَدَ الآخَرُونَ الذِينَ كانُوا خَلْفَهُمْ، ثُمَّ تَأَخَّرَ الصَّفُّ الذِي يَلِيهِ إِلَى مَقامِ الآخَرِينَ وَتَقَدَّمَ الصَّفُّ الأَخِيرُ إِلَى مَقامِ الصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَرَكَعُوا جَمِيعًا، ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ الصَّفُّ الذِي يَلِيهِ وَقامَ الآخَرُونَ يَحْرُسُونَهُمْ فَلَمَّا جَلَسَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - والصَّفُّ الذِي يَلِيهِ سَجَدَ الآخَرُونَ، ثُمَّ جَلَسُوا جَمِيعًا فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا فَصَلَّاهَا بِعُسْفانَ وَصَلَّاهَا يَوْمَ بَنِي سُلَيْمٍ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَى أَيُّوبُ وَهِشامٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ هذا المَعْنَى، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَكَذَلِكَ رَواهُ دَاوُدُ بْنُ حُصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ وَكَذَلِكَ عَبْدُ المَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ وَكَذَلِكَ قَتَادَةُ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ حِطّانَ، عَنْ أَبِي مُوسَى

فِعْلَهُ وَكَذَلِكَ عِكْرِمَةُ بْنُ خالِدٍ، عَنْ مُجاهِدٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وكَذَلِكَ هِشامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ (¬1). * * * باب صَلَاةِ الخَوْفِ قال المصنف: (مَنْ رَأَى) أي: إذا أراد الإمام (أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ وَهُمْ صَفَّانِ فَيُكَبِّرُ بِهِمْ) أي: بالصفين (جَمِيعًا) تكبيرة الإحرام (ثُمَّ يَرْكَعُ بِهِمْ) أي بالصفين (جَمِيعًا ثُمَّ) إذا رفعوا رءوسهم من الركوع. (يَسْجُدُ الإِمَامُ وَالصَّفُّ الذِي يَلِيهِ و) الصف (الآخَرُونَ قِيَام يَحْرُسُونَهُمْ) قال أصحابنا: فالحراسة مختصة بالسجود، ولا يحرسون في غيره (¬2)، هذا هو المذهب الصحيح المشهور، وبه قطع الجمهور، وفيه وجه أنهم يحرسون في الركوع أيضًا، حكاه الرافعي (¬3) وغيره (¬4). (فَإِذَا قَامُوا) من السجود (سَجَدَ) الصف (الآخَرُونَ الذِينَ كَانُوا خَلْفَهُمْ) يحرسونهم (ثُمَّ تَأَخَّرَ الصَّفُّ) الأول (الَّذِي يَلِيهِ) الساجدون أولًا مع الإمام ¬

_ (¬1) رواه النسائي 3/ 176، وأحمد 4/ 59، وابن حبان 7/ 128 (2876). قال الحاكم في "المستدرك" 1/ 338: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقال الدارقطني في "السنن" 2/ 59 - 60: صحيح. وقال البيهقي في "السنن الكبرى" 3/ 256: إسناده صحيح. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1121). (¬2) "الأم" 2/ 427. (¬3) "الشرح الكبير" 2/ 322. (¬4) "المجموع" 4/ 422.

(إِلَى مَقَامِ) الصف (الآخَرِينَ (¬1) وَتَقَدَّمَ الصَّفُّ الأَخِيرُ) الذين كانوا يحرسونهم (إِلَى مَقَامِهِمْ) وهذا التقدم والتأخر جائز بلا شك (¬2) للحديث الآتي؛ لكن قال المتولي والرافعي: يشترط على مذهب الشافعي أن لا يكثر عملهم، ولا يزيد على خطوتين، بل يتقدم كل واحد خطوتين، ويتأخر كل واحد من الأول خطوتين (¬3). ويدخل الذي يتقدم بين موقفين (¬4)، ثم يقوم الإمام ويقرأ بهم. (ثُمَّ يَرْكَعُ الإِمَامُ وَيَرْكَعُونَ) يعني: الصفين (جَمِيعًا ثُمَّ) يرفع رأسه بهم (ويَسْجُدُ وَيَسْجُدُ) معه (الصَّفُّ الذِي يَلِيهِ و) الصف (الآخَرُونَ يَحْرُسُونَهُمْ) وهم قيام (فَإِذَا جَلَسَ الإِمَامُ) للتشهد (و) جلس معه (الصف (¬5) الذِي يَلِيهِ سَجَدَ) الصف (الآخَرُونَ) الذين كانوا يحرسون (ثُمَّ جَلَسُوا) من السجود معه (جَمِيعًا، ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ) أي: على أهل الصفين (جَمِيعًا) فكما أحرم بهم جميعًا [يسلم بهم جميعًا] (¬6) (هذا قول سفيان) (¬7) بن عيينة. [1236] (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ) بن شعبة أبو عثمان الخراساني الحافظ شيخ مسلم. (حَدَّثَنَا جَرِيرُ) بفتح الجيم، ابن عبد الحميد الضبي القاضي (عَنْ ¬

_ (¬1) في (م): الآخر. (¬2) "الأم" 1/ 366. (¬3) "الشرح الكبير" 2/ 323 - 324، و"المجموع" 4/ 422 - 423. (¬4) من (ل، م). (¬5) من (م)، و"السنن". (¬6) سقط من (م). (¬7) في (م): سعد.

مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي (¬1) عَيَّاشٍ) بتشديد المثناة تحت وبعد الألف شين معجمة، واسمه زيد بن الصامت، وقيل: زيد بن النعمان (¬2) (الزُّرَقِيِّ) منسوب إلى بني زريق بتقديم الزاي المضمومة على الراء المهملة المفتوحة، بطن من الأنصار له صحبة معروفة، عمَّر بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعاش إلى زمن معاوية. (قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِعُسْفَانَ) [بضم العين] (¬3) قرية جامعة كثيرة الآبار والحياض (¬4) بين مكة والمدينة على نحو مرحلتين من مكة، سميت بذلك؛ لتعسف السيول فيها (¬5) (¬6) (وَعَلَى المُشْرِكينَ خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ) قبل أن يسلم، وللدارقطني زيادة، ولفظه: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعسفان فاستقبلنا المشركون عليهم خالد بن الوليد، وهم بيننا وبين القبلة، فصلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر (¬7). (فَصَلَّيْنَا الظُّهْرَ، فَقَالَ المُشْرِكُونَ لَقَدْ أَصَبْنَا غِرَّةً) بكسر الغين، وهي الغفلة أي: أصبناهم مشتغلين بالصلاة غافلين عن حفظ مقامنا والاعتداد (¬8)؛ لقتالنا (لَقَدْ أَصَبْنَا غَفْلَةً) منهم عن التأهب لنا (لَوْ كُنَّا ¬

_ (¬1) في (ص): ابن. (¬2) "تهذيب الكمال" 29/ 455. (¬3) سقط من (م). (¬4) من (م). (¬5) "معجم البلدان" 4/ 121 - 122. (¬6) من هنا سقط من (م) ورقة. (¬7) "سنن الدارقطني" 2/ 59. (¬8) في (ص): الاستعداد.

حَمَلْنَا عَلَيْهِمْ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ) لأخذناهم. وللدارقطني: فقالوا: قد (¬1) كانوا على حال لو أصبنا غرتهم (¬2). يعني: لأخذناهم. (فَنَزَلَتْ آيَةُ القَصْرِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ) وكان هذا سبب إسلام خالد - رضي الله عنه - (فَلَمَّا حَضَرَتِ) صلاة (الْعَصْرُ، قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) يصلي (مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ وَالْمُشْرِكُونَ أَمَامَهُ) بفتح الهمزة أي: قدامهم فأحرم بصلاة العصر. (فَصَفَّ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَفٌّ، وَصَفَّ بَعْدَ ذَلِكَ الصَّفِّ صَفٌّ آخَرُ) قال أصحابنا: ولا تمتنع الزيادة على صفين بل يجوز أن يكونوا صفوفًا كثيرة، ثم يحرس صفان كما سلف (¬3). (فَرَكَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) بعد القراءة (وَرَكَعُوا) يعني الصفين (جَمِيعًا ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ) معه (الصَّفُّ الذِي يَلُونَهُ وَقَامَ الآخَرُونَ يَحْرُسُونَهُمْ) قال الشافعي والأصحاب: لا يشترط أن يحرس جميع الصف ولا صفان، بل لو حرس واحد على المناوبة جاز بلا خلاف (¬4). (فَلَمَّا صَلَّى هؤلاء السَّجْدَتَيْنِ وَقَامُوا) من السجود (سَجَدَ) الصف (الآخرون الذين كانوا خلفهم) يحرسونهم (¬5). (ثم تأخر الصف الذي يليه إلى مقام الآخرين، وتقدم الصف الأَخِيرُ إِلَى مَقَامِ الصَّفِّ الأَوَّلِ) ويجوز عند الشافعي تقدم الصف الثاني وتأخر ¬

_ (¬1) في الأصول الخطية: لو. (¬2) "سنن الدارقطني" 2/ 59. (¬3) "المجموع" 4/ 224. (¬4) "المجموع" 4/ 422. (¬5) في (ص، س): يحرسونه.

الصف الأول (¬1). كما في رواية جابر (¬2) (ثُمَّ رَكَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) الركعة الثانية بعد القراءة (وَرَكَعُوا) يعني الصف الذي يليه والذي خلفه (جَمِيعًا، ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ الصَّفُّ الذِي يَلِيهِ) أي على الصف الأول، وتوضحه رواية النسائي بلفظ: وسجد معه الذين كانوا قيامًا أول مرة (¬3). (وَقَامَ) الصف (الآخَرُونَ) بفتح الخاء (¬4) الذين كانوا سجدوا معه أول مرة، وهو لفظ النسائي (يَحْرُسُونَهُمْ) في حال الاعتدال، ولو حرس بعض الصف وسجد الباقون جاز ذلك؛ لأن المقصود يحصل به، لكن مثل ما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى. (فَلَمَّا جَلَسَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) للتشهد وجلس معه (والصَّفُّ الذِي يَلِيهِ، سَجَدَ الآخَرُونَ) بفتح الحاء (ثُمَّ جَلَسُوا) معه (¬5) (جَمِيعًا) فلما سلم شرع (فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ) أي: على الصفين (جَمِيعًا) لفظ مسلم: سلم عليهم (¬6). وفي رواية له أخرى: ثم سلم النبي - صلى الله عليه وسلم - وسلمنا جميعًا (¬7). يعني: أنهم سلموا جميعًا كما أحرموا جميعًا. زاد مسلم من رواية جابر: كما يصلي أمراؤكم هؤلاء (¬8) (فَصَلَّاهَا بِعُسْفَانَ) كما تقدم عند ذكرها، قال ¬

_ (¬1) "الأم" 1/ 366. (¬2) رواه مسلم (840/ 308). (¬3) "المجتبى" 3/ 170. (¬4) من (س، ل). (¬5) في (ل): معهم. (¬6) هكذا في "صحيح مسلم" (840/ 308) إلا أنه في النسخ هنا زاد (ثم) أول الرواية. (¬7) "صحيح مسلم" (840) (307). (¬8) "صحيح مسلم" (840) (308).

البيهقي: وهذ إسناد صحيح إلا أن بعض أهل العلم (¬1) بالحديث يشك في سماع مجاهد من أبي عياش الزرقي، ثم ذكر الحديث بإسنادٍ جيد عن مجاهد قال: حدثنا أبو عياش وقال: بين فيه سماع مجاهد من أبي عياش (¬2). قال المنذري: وسماعه منه متوجه؛ فإنه ذكر ما يدل على أن مولد مجاهد [سنة عشرين] (¬3) وعاش أبو عياش إلى بعد (¬4) الأربعين، وقيل: إلى الخمسين (¬5) (وَصَلَّاهَا) يعني: هذِه (يَوْمَ بَنِي سُلَيْمٍ) ولفظ النسائي: وصلى مرة بأرض بني سليم (¬6). قال القرطبي: صلى هذِه الصلاة مرتين: مرة بعسفان، ومرة بأرض بني سليم (¬7). (قَالَ المصنف: رَوَى أَيُّوبُ) السختياني (وَهِشَامٌ) بن عروة (¬8) (عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ) محمد بن مسلم بن تدرس المكي. (عَنْ جَابِرٍ) استشهد به البخاري (هذا المَعْنَى) المذكور (عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَكَذَلِكَ رَوَاهُ دَاوُدُ بْنُ حُصَيْنٍ) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين القرشي ¬

_ (¬1) من (س، ل). (¬2) "معرفة السنن والآثار" 5/ 29 (6753 - 6754)، وانظر: "السنن الكبرى" 3/ 257. (¬3) في (ص، س، ل): عشرين سنة. والمثبت من "مختصر سنن أبي داود" وهو الصواب. (¬4) من (ل). (¬5) "مختصر سنن أبي داود" 2/ 64. (¬6) سبق تخريجه. (¬7) "المفهم" 2/ 474. (¬8) كذا فسره المصنف، وهو خطأ، وقد وقع فيه العيني أيضًا، والصواب: هشام بن أبي عبد الله الدستوائي؛ كما جاء في غير مصدر من مصادر التخريج التالية، "مسند أحمد" 3/ 374، "مسند أبي عوانة" 2/ 88 (2419)، "السنن الكبرى" للبيهقي 3/ 258.

مولى عمرو (¬1) بن عثمان بن عفان الأموي (عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ) - رضي الله عنهما -، أخرجه النسائي (¬2) (وَكَذَلِكَ) رواه (عَبْدُ المَلِكِ) بن عبد العزيز بن جريج (¬3) (عَنْ عَطاءٍ، عَنْ جابِرٍ) بن عبد الله، أخرجه مسلم والنسائي (¬4). (وَكَذَلِكَ) رواه (قَتَادَةُ عَنِ الحَسَنِ عَنْ حِطَّانَ) بكسر الحاء المهملة ابن عبد الله الرقاشي، تابعي جليل القدر. (عَنْ أَبِي مُوسَى) الأشعري أنه (فِعْلَهُ (¬5) وَكَذَلِكَ) رواه (عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ) المخزومي مات بعد عطاء بمكة (عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬6) وَكَذَلِكَ) رواه (هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ) عروة بن الزبير بن العوام الأسدي القرشي (عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬7) وَهُوَ قَوْلُ) سفيان (الثَّوْرِيِّ) (¬8) - رضي الله عنه -. ¬

_ (¬1) في الأصول الخطية: عمر. والمثبت من "طبقات خليفة" ص 451 (2274)، و"الجرح والتعديل" 3/ 408 (1873). (¬2) "المجتبى" 3/ 170. (¬3) "صحيح مسلم" (840) (307)، و"المجتبى" 3/ 175. (¬4) كذا ترجمه المصنف، وهو خطأ، والصواب أنه عبد الملك بن أبي سليمان ميسرة العزرمي، صدوق له أوهام، وقد صرح به مسلم والنسائي كما سيأتي في التخريج. انظر: "تهذيب الكمال" 18/ 322 (3532)، "التقريب" (4184). (¬5) ذكر ذلك البيهقي في "السنن الكبرى" 3/ 252، ولم أره موصولًا. (¬6) لم أجده من هذه الطريق. ولكن رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 5/ 407 (8363) من طريق وكيع عن عمر بن ذر عن مجاهد مرسلًا. (¬7) لم أجده. (¬8) هو راوي الحديث عن منصور، عن مجاهد، عن أبي عياش كما في "مصنف عبد الرزاق" 2/ 504 (4237).

13 - باب من قال: يقوم صف مع الإمام وصف وجاه العدو فيصلي بالذين يلونه ركعة، ثم يقوم قائما حتى يصلي الذين معه ركعة أخرى، ثم ينصرفون فيصفون وجاه العدو، وتجيء الطائفة الأخرى فيصلي بهم ركعة، ويثبت جالسا فيتمون لأنفسهم ركعة أخرى، ثم يسلم بهم جميعا

13 - باب مَنْ قَالَ: يَقُومُ صَفٌّ مَعَ الإِمَامِ وَصَفٌّ وِجاهَ العَدُوِّ فَيُصَلِّي بِالَّذِينَ يَلُونَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ يَقُومُ قائِمًا حَتَّى يُصَلِّيَ الذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً أُخْرَى، ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ فَيَصُفُّونَ وِجاهَ العَدُوِّ، وَتَجِيءُ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً، وَيَثْبُتُ جالِسًا فَيُتِمُّونَ لأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً أُخْرَى، ثُمَّ يُسَلِّمُ بِهِمْ جَمِيعًا 1237 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْن مُعاذٍ، حَدَّثَنا أَبِي، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صالِحِ بْنِ خَوّاتٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فِي خَوْفٍ فَجَعَلَهُمْ خَلْفَهُ صَفَّيْنِ فَصَلَّى بِالَّذِينَ يَلُونَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ قَامَ فَلَمْ يَزَلْ قائِمًا حَتَّى صَلَّى الذِينَ خَلْفَهُمْ رَكْعَةً، ثُمَّ تَقَدَّمُوا وَتَأَخَّرَ الذِينَ كَانُوا قُدَّامَهُمْ فَصَلَّى بِهِمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَكْعَةً، ثُمَّ قَعَدَ حَتَّى صَلَّى الذِينَ تَخَلَّفُوا رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ (¬1). * * * باب مَنْ قَالَ: يَقُومُ صَفٌّ مَعَ الإِمَامِ وَصَفٌّ وِجَاهَ العَدُوِّ فَيُصَلِّي بِالَّذِينَ يَلُونَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ يَقُومُ قَائِمًا حَتَّى يُصَلِّيَ الذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً أُخْرَى ويَنْصَرِفُوا فَيَصُفُّوا وِجَاهَ العَدُوِّ، وَتَجِيءُ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً، وَيَثْبُتُ جَالِسًا، فَيُتِمُّونَ لأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً أُخْرَى، ثُمَّ يُسَلِّمُ بِهِمْ جَمِيعًا [1237] (حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ) بالتصغير (بْنُ مُعَاذٍ) العنبري (حَدَّثَنَا أَبِي) معاذ بن معاذ (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بن الحجاج العتكي. (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ) بن محمد بن أبي بكر (عَنْ أَبِيهِ) القاسم ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4131)، ومسلم (841).

ابن محمد بن أبي بكر الصديق (عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الواو وبعد الألف تاء مثناة، الأنصاري المدني التابعي، وأبوه خوات بن جبير بن النعمان له صحبة، وكان أحد فرسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ) بسكون الثاء المثلثة، واسم أبي حثمة عامر، وقيل: عبد الله الأنصاري الحارثي (أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فِي خَوْفٍ) صلاة الخوف (¬1) وهي على أنواع (فَجَعَلَهُمْ) قائمين (خَلْفَهُ صَفَّيْنِ) أي: أمرهم أن يكونوا صفين، كما أنه في غير الخوف أن يستووا (¬2) في الصفوف، وهذا قبل الدخول في الصلاة. (فَصَلَّى بِالَّذِينَ) أي: بالصف الذين (¬3) (يَلُونَهُ رَكْعَةً ثُمَّ قَامَ) وهو في الصلاة ينتظرهم (فَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا) في صلاته (حَتَّى صَلَّى) الصف الآخرون (الَّذِينَ خَلْفَهُمْ رَكْعَةً) هي لهم أولى (ثُمَّ) إن الصف المتأخرين (¬4) (تَقَدَّمُوا) إلى جهة الإمام. (وَتَأَخَّرَ الصف الذِينَ كَانُوا قُدَّامَهُمْ فَصَلَّى بِهِمُ) أي: بالذين تقدموا (النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَكْعَةً) هي لهم الثانية (ثُمَّ قَعَدَ) وهو في الصلاة ينتظر (حَتَّى صَلَّى) الصف (الَّذِينَ) كانوا يلونهم] (¬5) وتأخروا و (تَخَلَّفُوا (¬6) رَكْعَةً) هي ¬

_ (¬1) في (ص): خوف. (¬2) في (ص، س): يسيروا. (¬3) في (ص، س): الذي. (¬4) في (ص، س): أي بالذين. (¬5) إلى هنا انتهى سقط ورقة من (م). (¬6) سقط من (م).

لهم ثانية، فحصل لكل صف مع الإمام ركعة، ومع غير الإمام ركعة لنفسها (¬1) وكذا (¬2) الصفين لو سها في الركعة التي مع غير الإمام بل بمنفردهم لم يسجدوا للسهو، بل يتحمل عنهم الإمام؛ لأن قدوتهم (¬3) لم تنقطع. (ثُمَّ سَلَّمَ) أي بالصفين جميعًا. (قال المصنف (¬4): وأما رواية يحيى بن سعيد) القطان الأنصاري (عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق (¬5) فإنها (نحو رواية يزيد بن رومان) عن صالح بن خوات (إلا أنه خالفه في السلام) قال عياض: ففي رواية يحيى بن سعيد، عن القاسم في حديث ابن أبي حثمة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سلم (¬6) عند تمام صلاته (¬7) الركعة الثانية بالطائفة الثانية (¬8) وأتموا بعد سلامه، خلاف الرواية الأخرى عن القاسم ويزيد بن رومان فإنه انتظرهم حتى قضوا، ثم سلم بهم. قال عياض: وقد اختلف قول مالك في الأخذ برواية القاسم أو برواية يزيد. وبرواية يحيى عن القاسم أخذ أكثر أصحاب مالك لصحة ¬

_ (¬1) سقط من (م)، وفي الأصل: بنفسها. (¬2) في (ص، س): يلي. (¬3) في (س): قدومهم. (¬4) في (م): رواه. (¬5) كلام أبي داود هذا سيأتي في المطبوع بعد حديث أبي حثمة التالي. (¬6) ليست في النسخ، والمثبت من "الإكمال" 3/ 223. (¬7) في (م): صلاة. (¬8) سقط من (م).

القياس أن القضاء إنما يكون بعد سلام الإمام، وهو اختيار أبي ثور (¬1). واختار الشافعي (¬2) الرواية الأخرى (¬3) (ورواية عبيد الله) (¬4) بن معاذ (نحو رواية يحيى بن سعيد) و (قال) فيها: (وثبت قائمًا) حتى صلى الصف الذين (¬5) خلفهم ركعة. ¬

_ (¬1) انظر: "التمهيد" 15/ 262 - 264. (¬2) "الأم" 1/ 361. (¬3) "إكمال المعلم" 3/ 223 - 224. (¬4) سقط من الأصل، (س). (¬5) في (م): الذي.

14 - باب من قال: إذا صلى ركعة وثبت قائما أتموا لأنفسهم ركعة ثم سلموا ثم انصرفوا فكانوا وجاه العدو واختلف في السلام

14 - باب مَنْ قَالَ: إِذَا صَلَّى رَكْعَةً وَثَبَتَ قَائِمًا أَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمُوا ثُمَّ انْصَرَفُوا فَكَانُوا وِجاهَ العَدُوِّ واخْتُلِفَ فِي السَّلامِ 1238 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومانَ، عَنْ صالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ عَمَّنْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلاةَ الخَوْفِ أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ وَطَائِفَةً وِجاهَ العَدُوِّ فَصَلَّى بِالَّتِي مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ انْصَرَفُوا وَصَفُّوا وِجاهَ العَدُوِّ وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمُ الرَّكْعَةَ التِي بَقِيَتْ مِنْ صَلاتِهِ ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ. قَالَ مالِكٌ وَحَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ أَحَبُّ ما سَمِعْتُ إِلَيَّ (¬1). 1239 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ القاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ صالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ سَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ الأَنْصَارِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ صَلاةَ الخَوْفِ أَنْ يَقُومَ الإِمامُ وَطائِفَةٌ مِنْ أَصْحابِهِ وَطَائِفَةٌ مُواجِهَةَ العَدُوِّ فَيَرْكَعُ الإِمَامُ رَكْعَةً وَيَسْجُدُ بِالَّذِينَ مَعَهُ ثُمَّ يَقُومُ فَإِذَا اسْتَوَى قائِمًا ثَبَتَ قائِمًا وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِم الرَّكْعَةَ الباقِيَةَ ثُمَّ سَلَّمُوا وانْصَرَفُوا والإِمامُ قَائِمٌ فَكَانُوا وِجاهَ العَدُوِّ ثُمَّ يُقْبِلُ الآخَرُونَ الذِينَ لَمْ يُصَلُّوا فَيُكَبِّرونَ وَراءَ الإِمامِ فَيَرْكَعُ بِهِمْ وَيَسْجُدُ بِهِمْ ثُمَّ يُسَلِّمُ فَيَقُومُونَ فَيَرْكَعُونَ لأَنْفُسِهِمُ الرَّكْعَةَ البَاقِيَةَ ثُمَّ يُسَلِّمُونَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَأَمَّا رِوَايَةُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ القَاسِمِ نَحْوُ رِوايَةِ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ إِلَّا أَنَّهُ خَالَفَهُ فِي السَّلامِ، وَرِوايَةُ عُبَيْدِ اللهِ نَحْوُ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: وَيَثْبُتُ قائِمًا (¬2). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4129)، ومسلم (842). (¬2) رواه البخاري (4131)، ومسلم (841).

باب مَنْ قَالَ إِذَا صَلَّى رَكْعَةً وَثَبَتَ قَائِمًا أَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً [ثم سلموا] (¬1) ثُمَّ انْصَرَفُوا فَكَانُوا وِجَاهَ العَدُوِّ، وَاخْتُلف فِي السَّلَامِ [1239] (حَدَّثَنَا القَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يحيى بن سعيد) الأنصاري مات سنة أربع وأربعين، أخرج له الستة [عن القاسم بن محمد] (¬2). (عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ) تقدم (الأَنْصَارِيِّ أَنَّ سَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ الأَنْصَارِيَّ (حَدَّثَهُ أَنَّ صَلَاةَ الخَوْفِ) المشروعة. (أَنْ يَقُومَ الإِمَامُ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ) وفي رواية ابن ماجه زيادة، ولفظه: "يقوم الإمام مستقبل القبلة وتقوم طائفة منهم معه" (¬3)، ففي رواية ابن ماجه تبين أن المراد بقيام الإمام إذا أحرم بالطائفة (¬4). (فَيَرْكَعُ الإِمَامُ) بعد القراءة (رَكْعَةً) بأصحابه الذين قاموا معه (وَيَسْجُدُ بِالَّذِينَ) أي بأصحابه الذين قاموا (مَعَهُ ثُمَّ يَقُومُ) إلى الركعة الثانية (فَإِذَا اسْتَوَى قَائِمًا ثَبَتَ) في مصلاه. (قَائِمًا وَأَتَمُّوا) يعني أصحابه الذين ركعوا وسجدوا معه (لأَنْفُسِهِمُ) مع نيَّة الخروج عن متابعته (الرَّكْعَةَ الباقية) (¬5) من صلاتهم (¬6) بأن كانت ¬

_ (¬1) من (س، ل، م). (¬2) من (م)، و"السنن". (¬3) "سنن ابن ماجه" (1259). (¬4) كذا في الأصول الخطية، ولعل هناك سقط؛ لأن الكلام غير مكتمل وفي متن "السنن": وطائفة مواجهة العدو. لم يعلق المصنف عليها. (¬5) في (ص، س): الثانية. والمثبت من (م)، و"سنن أبي داود". وبعض النسخ: الثانية. (¬6) في (س، ل): صلاته.

صلاة (¬1) الصبح أو رباعية و (¬2) صلوها قصرًا ثنتين (ثم) تشهدوا و (سَلَّمُوا وانْصَرَفُوا) إلى جهة العدو (وَالإِمَامُ قَائِمٌ) في صلاته (فكَانُوا وِجَاهَ) بكسر (¬3) الواو وضمها أي مقابلة، وفي رواية: تجاه (الْعَدُوِّ) والتاء بدل من الواو كتقاة (¬4) وتخمة. (ثُمَّ يُقْبِلُ) بضم المثناة تحت (الآخَرُونَ الذِينَ) كانوا في وجه العدو (لَمْ يُصَلُّوا) شيئًا (فيكبروا) تكبيرة الإحرام (وراء الإمام) ويطيل القيام ليلحقوا معه قراءة الفاتحة (فَيَرْكَعُ بِهِمْ) الركعة الثانية في حقه وهي لهم أولى (وَيَسْجُدُ بِهِمْ) سجدتين (ثُمَّ) يتشهد الإمام و (يُسَلِّمُ) دونهم، وأما هم (¬5). (فَيَقُومُونَ) إلى الرَّكعة الباقية فيقرءوا الفاتحة وما معها (فَيَرْكَعُونَ لأَنْفُسِهِمُ الرَّكْعَةَ البَاقِيَةَ) من صلاتهم (ثُمَّ يُسَلِّمُون) (¬6) واختلفوا في وقت مفارقتهم للإمام، فأصح الأقوال أنها تفارقه عند جلوسه للتشهد، وثانيها: بعد سلامه كالمسبوق. [1238] (حدثنا القعنبي عن مالك، عن يزيد بن رومان) مولى آل (¬7) ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) سقط من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): كفتاه. (¬5) في (م): بهم. (¬6) الحديث رواه مالك في "الموطأ" (441)، والبخاري (4131)، والترمذي (565)، والنسائي 3/ 178، وابن ماجه (1259)، والدارمي (1522) من طريق يحيى بن سعيد به بألفاظ متقاربة. (¬7) سقط من (م).

الزبير القارئ أبو روح. (عن صالح بن خوات، عمن صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) [وهو سهل بن أبي حثمة المذكور في السند قبله] (¬1) (يوم ذات الرقاع) وهي الغزوة السابعة من غزواته. وسميت ذات الرقاع لما رواه البخاري قال (¬2) أبو موسى الأشعري: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزاة ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه فنقبت أقدامنا، وسقطت أظفاري فكنا نلف على أرجلنا الخرق، فسميت غزوة ذات الرقاع لما كنا نعصب (¬3) من الخرق [على أرجلنا] (¬4) (¬5). قال المنذري (¬6): هذا حديث صحيح نص عليه الصحابي الحاضر في الغزوة على سبب تسميتها فلا يعرج على ما عداه، وقيل: سميت باسم جبل هناك بنجد من أرض غطفان فيه بياض وحمرة وسواد يقال له الرقاع، فسميت الغزاة به، وقيل: سميت بذلك لرقاع كانت في ألويتهم (¬7). (صلاة الخوف أن طائفة صفت معه) يريد أنها صارت معه صفًّا، ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): عن. وسقط من (س، ل). (¬3) في (ص): نلف. (¬4) سقط من (م). (¬5) "صحيح البخاري" (4128). (¬6) في (ص): الصحابي. (¬7) "معجم البلدان" 3/ 56.

تقول (¬1): صف القوم يصفون وصففتهم (¬2) أنا، واصطفوا إذا أقمتهم (¬3) صفًّا أو صفوفًا (وطائفة وجاه) بضم الواو وكسرها و [تجاه بضم التاء] (¬4) يعني تقابله وتواجهه (¬5) (العدو) يحرسون (فصلى بالتي) (¬6) (معه ركعة ثم ثبت قائمًا) ونووا مفارقته. (وأتموا لأنفسهم) الركعة الثانية وسلموا (ثم انصرفوا وصفوا وجاه العدو) للحراسة. (وجاءت الطائفة الأخرى) التي لم تصل (فصلى بهم الركعة) الثانية (¬7) (التي بقيت) (¬8) من صلاته) وهي لهم أولى (ثم ثبت جالسًا) في تشهده ينتظرهم، واختلفوا في انتظاره الفرقة [أيتشهد أم لا؟ ] (¬9) فالصحيح أنه يقرأ ويتشهد؛ لأن السكوت مخالف (¬10) لهيئة الصلاة ومنهم من قطع بأنه لا (¬11) يقرأ [ولا يتشهد] (¬12)، قال الأصحاب: وإذا قلنا لا يقرأ ¬

_ (¬1) في (م): يقال. (¬2) في (ص): صفيتهم. (¬3) في (ص): قاموا. وفي (م): أقيموا. (¬4) في (م): بجاهه بضم الباء. (¬5) في (ص): مقابلة ومواجهة. (¬6) في (ص): ما بقي. (¬7) زاد في (ل): نسخة الباقية. (¬8) في (م): تقدمت. (¬9) في (م): يتشهد الإمام. (¬10) في (ص، س): السكون يخالف. (¬11) سقط من (م). (¬12) من (س، ل، م).

ولا يتشهد فيشتغل في مدة الانتظار بالتسبيح وغيره من الأذكار (¬1). (وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم) (¬2) أي بالطائفة الثانية. (قال مالك) بن أنس - رضي الله عنه -: (وحديث يزيد بن رومان أحب ما سمعت) من الروايات (إلي) (¬3). قال عياض والقرطبي: قد اختلف قول مالك في الأخذ (¬4) برواية ابن القاسم أو برواية يزيد بن رومان وبرواية يحيى عن القاسم أخذ [أكثر أصحاب] (¬5) مالك لصحة القياس أن القضاء إنما يكون بعد سلام الإمام، وهو اختيار أبي ثور واختيار الشافعي (¬6) في (¬7) الرواية الأخرى (¬8). ورواية يحيي بن سعيد القطان قال: وثبت قائمًا، أي: ينتظرهم كما تقدم، ويقرأ في حال الانتظار. ¬

_ (¬1) "روضة الطالبين" 2/ 54. (¬2) الحديث رواه مالك في "الموطأ" (440)، ومن طريقه البخاري (4130)، ومسلم (842) (310)، والترمذي (567)، والنسائي 3/ 171، وأحمد 5/ 370. (¬3) كذا عند أبي داود، والبخاري، وأحمد. لكن الذي عند مالك في "الموطأ" 1/ 184 قال: حديث القاسم بن محمد عن صالح بن خوات أحب ما سمعت إلي في صلاة الخوف. (¬4) في (ص، س): الآخر. والمثبت من (ل، م)، و"المفهم". (¬5) سقط من (م). (¬6) سبق تخريجه. (¬7) من (م)، و"المفهم". (¬8) "المفهم" 2/ 473.

15 - باب من قال يكبرون جميعا وإن كانوا مستدبري القبلة ثم يصلي بمن معه ركعة ثم يأتون مصاف أصحابهم ويجيء الآخرون فيركعون لأنفسهم ركعة ثم يصلي بهم ركعة ثم تقبل الطائفة التي كانت مقابل العدو فيصلون لأنفسهم ركعة والإمام قاعد ثم يسلم بهم كلهم جميعا

15 - باب مَنْ قَالَ يُكَبِّرُونَ جَمِيعًا وَإِنْ كَانُوا مُسْتَدْبِرِي القِبْلَةِ ثُمَّ يُصَلِّي بِمَنْ مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ يَأْتُونَ مَصافَّ أَصْحابِهِمْ وَيَجِيءُ الآخَرُونَ فَيَرْكَعُونَ لأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ يُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ تُقْبِلُ الطَّائِفَةُ التِي كَانَتْ مُقابِلَ العَدُوِّ فَيُصَلُّونَ لأَنَفُسِهِمْ رَكْعَةً والإِمامُ قاعِدٌ ثُمَّ يُسَلِّمُ بِهِمْ كُلِّهِمْ جَمِيعًا 1240 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ، حَدَّثَنا حَيْوَةُ وابْنُ لَهِيعَةَ قالا، أَخْبَرَنا أَبُو الأَسْوَدِ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ، عَنْ مَرْوانَ بْنِ الحَكَمِ أَنَّهُ سَأَلَ أَبا هُرَيْرَةَ هَلْ صَلَّيْتَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلاةَ الخَوْفِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَعَمْ. قَالَ مَرْوانُ مَتَى فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَامَ غَزْوَةِ نَجْدٍ قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى صَلاةِ العَصْرِ فَقَامَتْ مَعَهُ طَائِفَةٌ وَطَائِفَةٌ أُخْرَى مُقَابِلَ العَدُوِّ ظُهُورُهُمْ إِلَى القِبْلَةِ فَكَبَّرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَكَبَّرُوا جَمِيعًا الذِينَ مَعَهُ والَّذِينَ مُقَابِلِي العَدُوِّ ثُمَّ رَكَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَكْعَةً واحِدَةً وَرَكَعَتِ الطَّائِفَةُ التِي مَعَهُ ثُمَّ سَجَدَ فَسَجَدَتِ الطَّائِفَةُ التِي تَلِيهِ والآخَرُونَ قِيامٌ مُقابِلِي العَدُوِّ ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَامَتِ الطَّائِفَةُ التِي مَعَهُ فَذَهَبُوا إِلَى العَدُوِّ فَقَابَلُوهُمْ وَأَقْبَلَتِ الطَّائِفَة التِي كَانَتْ مُقابِلِي العَدُوِّ فَرَكَعُوا وَسَجَدُوا وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِمٌ كَمَا هُوَ ثُمَّ قَامُوا فَرَكَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَكْعَةً أُخْرَى وَرَكَعُوا مَعَهُ وَسَجَدَ وَسَجَدُوا مَعَهُ ثُمَّ أَقْبَلَتِ الطَّائِفَةُ التِي كَانَتْ مُقابِلِي العَدُوِّ فَرَكَعُوا وَسَجَدُوا وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قاعِدٌ وَمَنْ مَعَهُ ثُمَّ كَانَ السَّلامُ فَسَلَّمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَسَلَّمُوا جَمِيعًا فَكانَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَكْعَتَانِ وَلِكُلِّ رَجُلٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةٌ رَكْعَةٌ (¬1). 1241 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّازِيُّ، حَدَّثَنا سَلَمَةُ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، ¬

_ (¬1) رواه النسائي 3/ 173، وأحمد 2/ 320. صححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1129)

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ خَرَجْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى نَجْدٍ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِذاتِ الرِّقاعِ مِنْ نَخْلٍ لَقِيَ جَمْعًا مِنْ غَطَفانَ فَذَكَرَ مَعْناهُ وَلَفْظُهُ عَلَى غَيْرِ لَفْظِ حَيْوَةَ وَقَالَ: فِيهِ حِينَ رَكَعَ بِمَنْ مَعَهُ وَسَجَدَ قَالَ: فَلَمَّا قامُوا مَشَوُا القَهْقَرَى إِلَى مَصافِّ أَصْحابِهِمْ وَلَمْ يَذْكُرِ اسْتِدْبارَ القِبْلَةِ (¬1). 1242 - قَالَ أَبُو داوُدَ: وَأَمّا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعْدٍ فَ، حَدَّثَنا قَالَ حَدَّثَنِي عَمِّي، حَدَّثَنا أَبِي، عَنِ ابن إِسْحاقَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُ بهذِه القِصَّةِ قَالَتْ: كَبَّرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَبَّرَتِ الطَّائِفَةُ الذِينَ صُفُّوا مَعَهُ ثُمَّ رَكَعَ فَرَكَعُوا ثُمَّ سَجَدَ فَسَجَدُوا ثُمَّ رَفَعَ فَرَفَعُوا ثُمَّ مَكَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جالِسًا ثُمَّ سَجَدُوا هُمْ لأَنْفُسِهِمُ الثَّانِيَةَ ثُمَّ قامُوا فَنَكَصُوا عَلَى أَعْقابِهِمْ يَمْشُونَ القَهْقَرَى حَتَّى قامُوا مِنْ وَرائِهِمْ وَجَاءَتِ الطّائِفَةُ الأُخْرَى فَقامُوا فَكَبَّرُوا ثُمَّ رَكَعُوا لأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ سَجَدَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَجَدُوا مَعَهُ ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَسَجَدُوا لأَنْفُسِهِمُ الثَّانِيَةَ ثُمَّ قامَتِ الطَّائِفَتانِ جَمِيعًا فَصَلُّوا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَكَعَ فَرَكَعُوا ثُمَّ سَجَدَ فَسَجَدُوا جَمِيعًا ثُمَّ عَادَ فَسَجَدَ الثَّانِيَةَ وَسَجَدُوا مَعَهُ سَرِيعًا كَأَسْرَعِ الإِسْراعِ جاهِدًا لا يَأْلُونَ سِراعًا ثُمَّ سَلَّمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَسَلَّمُوا فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ شَارَكَهُ النَّاسُ فِي الصَّلاةِ كُلِّها (¬2). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4127) معلقًا. (¬2) أحمد 6/ 275، وابن جزيمة (1363)، والبيهقي 3/ 265. حسن إسناده الألباني في "صحيح أبي داود" (1131).

باب مَنْ قَالَ يُكَبِّرُونَ جَمِيعًا وَإِنْ كانوا مستدبري القبلة ثم يصلي بمن معه ركعة ثم يأتون مصاف أصحابهم ويجيء آخرون فيركعون لأنفسهم ركعة [ثم يصلي بهم ركعة ثم تقبل الطائفة التي كانت تقابل العدو فيصلوا (¬1) لأنفسهم ركعة] (¬2) والإمام قاعد، ثم يسلم بهم كلهم [1240] (حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ) الخلال شيخ الشيخين. (حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ) عبد الله بن يزيد المقرئ بمكة وأصله من البصرة الحافظ (حَدَّثَنَا حَيْوَةُ) [بن شريح] (¬3) (و) عبد الله (ابْنُ لَهِيعَةَ) الحضرمي قاضي مصر. قال أبو داود (¬4): سمعت أحمد [بن حنبل] (¬5) يقول: من مثل ابن لهيعة بمصر في (¬6) كثرة حديثه وإتقانه وضبطه (¬7). (قَالَا (¬8): حدثنا أَبُو الأَسْوَدِ) يتيم عروة بن الزبير اسمه محمد بن عبد الرحمن بن (¬9) نوفل. (أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الحَكَمِ) بن أبي العاص بن أمية أبو عبد الملك الأموي ولد بعد سنتين من الهجرة، ولي إمرة ¬

_ (¬1) زاد في (ل): نسخة فيصلون. (¬2) من (ل، م). (¬3) و (¬4) و (¬5) سقط من (م). (¬6) في (م): من. (¬7) "سؤالات أبي داود" لأحمد (256). (¬8) في (م): قال. (¬9) من (س، ل، م).

المدينة لمعاوية، ثم دعا إلى نفسه بعد موت يزيد، وحارب الضحاك بن قيس الفهري بمرج دمشق وانتصر عليه، واستولى على الشام و [مصر] (¬1) ومات بدمشق سنة خمس (¬2) وستين. (أنه سأل أبا هريرة) قال: (هل صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف؟ قال أبو هريرة: نعم. قال مروان (¬3): متى قال أبو هريرة عام غزوة نجد). [ونجد باليمن] (¬4). قال القرطبي وعياض في حديث أبي هريرة: أنه صلاها يوم ذات الرقاع سنة خمس من الهجرة، وهي غزوة نجد وغطفان (¬5). قال ابن مغلطاي: غزوة غطفان إلى نجد لثنتي عشرة مضت من ربيع الأول في أربعمائة وخمسين فارسًا، واستخلف عثمان (¬6). ويقال: كان ذلك في ذات الرقاع. (قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى صلاة العصر فقامت معه طائفة) شرط هذِه الصلاة وكل صلاة فيها طائفة أن يكونوا ثلاثة فما فوقها؛ لأن الله تعالى ذكر الطائفة بلفظ الجمع بقوله تعالى: {فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} وأقل لفظ الجمع ثلاثة. (وطائفة أخرى (¬7) مقابلي) بكسر اللام (العدو) (¬8). أصلها مقابلين، فحذفت النون للإضافة، ومقابلين منصوب على الحال من فاعل فقامت (¬9)، وجاز أن يكون صاحب ¬

_ (¬1) في (م): حمص. (¬2) من (ل، م)، و"التهذيب" 27/ 388. (¬3) و (¬4) سقط من (م). (¬5) "المفهم" 2/ 473 - 474. (¬6) "الطبقات الكبرى" 2/ 34. (¬7) سقط من (م). (¬8) زاد في (ل): بالجر. (¬9) في (س، ل، م): قامت.

الحال نكرة؛ لأنه وصف (وظهورهم إلى القبلة) قال القرطبي في "تفسيره": إنما اتفق استدبارهم القبلة بذات الرقاع (¬1). (فكبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) تكبيرة الإحرام (فكبروا) معه (جميعًا) ثم (¬2) فسر ضمير الواو الذي (¬3) في كبروا بقوله: الذين. يعني: فكبر معه الطائفة (الذين) قاموا (معه و) الطائفة (الذين) هم (¬4) (مقابلوا (¬5) العدو) وظهورهم إلى القبلة، قال أصحابنا: لا يشترط لاستدبار [القبلة التحام] (¬6) القتال، بل إن لم (¬7) يأمن المسلمون أن يركب (¬8) العدو أكتافهم ولم يتمكنوا من استقبال القبلة؛ خوفًا من أن يدهموهم انقسموا فرقتين، ووجبت عليهم الصلاة بحسب الإمكان، وليس لهم تأخيرها عن الوقت، ويصلون ركبانًا ومشاة إلى القبلة وإلى غيرها بحسب الإمكان، ويجوز اقتداء بعضهم ببعض مع اختلاف الجهة كالمصلين في الكعبة وحولها. قال أصحابنا: وصلاة الجماعة في هذا الحال أفضل من الانفراد كحالة الأمن لعموم الأحاديث في فضيلة الجماعة، وممن صرح بتفضيل الجماعة على الانفراد صاحب "الشامل" والمتولي وصاحب "البيان" وغيرهم (¬9). ¬

_ (¬1) "الجامع لأحكام القرآن" 5/ 368. (¬2) من (س، ل، م). (¬3) ساقطة من (م). (¬4) بياض في (م). (¬5) في (س): يقاتلوا. (¬6) في (م): الكعبة. وفي (س، ل): الكعبة التحام. (¬7) من (ل، م). (¬8) في (ص): تركوا. (¬9) "المجموع" 4/ 426.

(ثم) قرأ الفاتحة وما بعدها و (ركع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعة واحدة وركعت الطائفة التي) قامت أولًا (معه) ولفظ النسائي: "ثم ركع وركعت معه الطائفة التي تليه" (¬1) أي: [والطائفة التي مقابلو العدو وتحرسهم في مصاف القتال (ثم سجد فسجدت الطائفة التي] (¬2) تليه) والطائفة (الآخرون مقابلو (¬3) العدو) يحرسونهم (ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) [إلى الركعة الثانية (وقامت الطائفة التي معه فذهبوا إلى) وجه (العدو فقابلوهم)] (¬4) وظهورهم إلى القبلة. (وأقبلت الطائفة التي كانت مقابلي العدو) ولفظ النسائي: "مقابلة العدو" (¬5)، وذهاب الطائفة التي معه، وإقبال التي مقابل العدو، وكل منهما في الذهاب والإقبال باقون على اقتدائهم بالإمام فلا يأتوا بمنافٍ لأفعال الصلاة، غير ما شرع في هذِه الصلاة؛ لأن ما ورد هنا من المشي في محل الضرورة فلا يتجاوز (¬6) به غيره (فركعوا) بعد قراءة الفاتحة وما معها (وسجدوا) سجدتين (ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم كما هو) قائم ينتظرهم. (ثم قاموا) خلفه (فركع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعة أخرى) هي له ثانية (وركعوا معه، وسجد) السجدتين (وسجدوا معه) وهذِه الركعة (¬7) لهم ¬

_ (¬1) "المجتبى" 3/ 173. (¬2) سقط من (م). (¬3) في "سنن أبي داود": مقابلي. وهي أحد روايات "سنن أبي داود". (¬4) سقط من (م). (¬5) "المجتبى" 3/ 173. (¬6) في (ص): يجاوز. والمثبت من (س، ل، م). (¬7) زاد في (م): هي.

أولى (ثم أقبلت الطائفة التي كانت مقابلي العدو) في الحراسة (فركعوا وسجدوا) السجدتين لأنفسهم [والباقية عليهم] (¬1) (ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعد) (¬2) ينتظرهم (¬3) (ومن) كان (¬4) (معه) ينتظرون، واختلفوا هل يقرأ الإمام في الانتظار قائمًا ويتشهد في الانتظار، فقال الشافعي في موضع: إذا جاءت الطائفة الثانية قرأ. وقال في موضع آخر: يطيل القراءة (¬5) حتى تدركه الطائفة الثانية (¬6)، ومن أصحابنا من قال فيه قولان: أحدهما: لا يقرأ حتى تجيء الطائفة الثانية فيقرأ معها، ولأنه قرأ مع الطائفة التي [معه قراءة] (¬7) تامة فيجب أن يقرأ مع الثانية قراءة تامة، والأصح أنه يقرأ (¬8). (ثم كان السلام) هذِه كان التامة التي لا تحتاج إلى خبر، والتقدير: ثم جاء (¬9) وقت السلام (فسلم (¬10) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) بهم تسليمتين (وسلموا) يعني: الطائفة التي قامت معه أولًا والطائفة الثانية. (فكان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين) مع الطائفة التي قامت معه ركعة (¬11) ومع الطائفة الآخرين ركعة (و) كان بهذِه الصلاة (لكل رجل من ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ص، س): قائم. والمثبت من (م)، و"سنن أبي داود". (¬3) في (م): ينتظر. (¬4) سقط من (م). (¬5) في (م): القيام. (¬6) "الأم": 1/ 362. (¬7) في (ص): قرأت. وفي (س): قراءة. (¬8) "المهذب" 1/ 106. (¬9) في (ص): جاءت. (¬10) زاد في (م): بهم. (¬11) من (ل).

الطائفتين) ركعتين (¬1) (ركعة) مع الإمام و (ركعة) لأنفسهم، ورجح (¬2) قوم هذِه الصلاة؛ لأن كلًّا من الطائفتين أحرموا مع الإمام وسلموا مع الإمام، وحصل لكل من الطائفتين فضيلة صلاة الجماعة (¬3)؛ لأنهم أدركوا (¬4) مع الإمام ركعة، وفضيلة الجماعة تحصل بركعة. [1241] (حدثنا محمد بن عمرو) بن بكر التميمي (¬5) (الرازي) الطيالسي شيخ مسلم. (حدثنا سلمة) بن الفضل الأبرش - بالشين المعجمة - الأزرقي قاضي الري، وثقه ابن معين (¬6)، قال أبو حاتم: محله الصدق (¬7). (حدثني محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير) بن العوام. (ومحمد) [بن عبد الرحمن بن نوفل] (¬8) (بن الأسود) أبو الأسود يتيم عروة بن الزبير. (عن عروة بن الزبير، عن أبي هريرة قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) لثنتي عشرة [ليلة] (¬9) مضت من ربيع الأول، كما تقدم (إلى نجد) من اليمن فسرنا (حتى إذا كنا بذات الرقاع) قال محمد بن جريج (¬10): ذات الرقاع من نجد. ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) زاد في (ص، س): الجمعة. وهي زيادة مقحمة. (¬3) كتب في حاشية (ل): أصل الجمعة. (¬4) في (م): إذا ركعوا. (¬5) في (ص، س): التيمي. (¬6) "الكاشف" (2043). وقال ابن معين في "تاريخه" برواية الدوري 4/ 364: كتبت عنه وليس به بأس وكان يتشيع. (¬7) "الجرح والتعديل" 4/ 169. (¬8) سقط من (م). (¬9) زيادة يقتضيها السياق. (¬10) في (م): جرير.

ومن رواية جابر: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ذات الرقاع (¬1) (من نخل (¬2) ولقي) [النبي - صلى الله عليه وسلم -] (¬3). (جمعًا من غطفان) بن محارب بن حفصة، فلم يكن قتال، وأخاف (¬4) الناس بعضهم بعضًا، فصلى بهم النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف (¬5). (فذكر معناه، ولفظه على غير لفظ حيوة) بن شريح. (وقال فيه: حين ركع بمن معه وسجد، قال: فلما قاموا) من السجود (مشوا القهقرى) مقصور مصدر (¬6) قهقر، وهو الرجوع إلى خلف، فإذا قلت: رجحت القهقرى. فكأنك قلت: رجعنا (¬7) الرجوع الذي يعرف بهذا الاسم. وفي الكلام حذف تقديره: مشوا القهقرى حتى وصلوا (إلى (¬8) مصاف) بتشديد الفاء (أصحابهم) الذين مقابلو العدو. (ولم يذكر) في هذِه الرواية (استدبار القبلة) تقدم عن القرطبي إنما اتفق استدبارهم القبلة (¬9) بذات الرقاع (¬10). [1242] (قال المصنف: وأما عبيد الله) بالتصغير (بن [سعد) بن إبراهيم بن سعد] (¬11)، أخرج له البخاري. ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (4127). (¬2) في (ص): نجد. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ص، س): وأجاب. وفي (م): قال وأخاف. (¬5) "صحيح البخاري" (4127). (¬6) من (ل، م). (¬7) في (م): رجعت. (¬8) سقط من (م). (¬9) من (ل). (¬10) سبق تخريجه. (¬11) في (ص): أسعد. وفي (س): سعد.

(فحدثنا وقال: حدثني عمي) يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري قال: (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد الزهري (¬1) العوفي المدني. (عن محمد بن إسحاق، حدثني محمد بن جعفر بن الزبير) بن العوام (أن (¬2) عروة بن الزبير، حدثه أن عائشة حدثته بهذِه القصة). و(قالت) فيها: (كبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكبرت الطائفة الذين صفوا معه) تكبيرة الإحرام (ثم) [قرأ و] (¬3) (ركع فركعوا) خلفه (¬4) عقب ركوعه (ثم سجد فسجدوا، ثم رفع) رأسه (فرفعوا) رؤوسهم من السجدة الأولى (ثم مكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالسًا) جلوسه بين السجدتين للانتظار، ويجوز التطويل هنا كما يجوز تطويله في صلاة التسبيح (¬5). (ثم سجدوا هم لأنفسهم) [دون الإمام] (¬6) السجدة الثانية [التي بقيت عليهم] (¬7) سريعًا عاجلًا (ثم قاموا) للحراسة (فنكصوا) والنكوص هو الرجوع (¬8) إلى وراء، وهو القهقرى (على أعقابهم يمشون القهقرى) يتخللونهم (¬9) (حتى قاموا) للحراسة (من ورائهم) في الصف [بمقابل العدو] (¬10) (وجاءت (¬11) الطائفة الأخرى) الذين كانوا في (¬12) وجه ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) في (ص، س، ل): بن. (¬3) في (م): قروا. (¬4) سقط من (م). (¬5) زاد في (ص، س، ل): بل سبحان. وهي زيادة مقحمة. (¬6) من (س، ل، م). (¬7) سقط من (م). (¬8) في (م): الركوع. (¬9) و (¬10) سقط من (م). (¬11) في (ل): ثم جاءت. (¬12) سقط من (م).

العدو يحرسون (فقاموا فكبروا) تكبيرة الإحرام [خلف النبي - صلى الله عليه وسلم -] (¬1)، ثم [قرؤوا] (¬2) الفاتحة وما معها. (ثم ركعوا لأنفسهم) الركعة الأولى ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - باقٍ على مكثه (¬3) إلى أن سجدوا لأنفسهم السجدة الأولى [من الركعة الأولى] (¬4) ورفعوا رؤوسهم منها (ثم) لما احتاجوا إلى السجدة الثانية (سجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسجدوا معه) السجدة الثانية. (ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) للركعة الثانية (وسجدوا هم لأنفسهم) السجدة (الثانية ثم قامت الطائفتان) الطائفة التي خلفه والطائفة الذين نكصوا يمشون القهقرى حتى (¬5) قاموا من ورائهم. (جميعًا) للتأكيد المعنوي (فصلوا) أي: الطائفتان (مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) [الركعة الثانية (فركع) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬6) (فركعوا) معه (ثم سجد فسجدوا جميعًا) معه سريعًا كأسرع الإسراع. (ثم عاد) إلى السجود (فسجد) السجدة (الثانية وسجدوا) الطائفتان (معه سريعًا) عاجلًا (كأسرع الإسراع) الممكن (جاهدًا) أي: بالغًا فيه غاية الجهد والطاقة في إسراعه خوفًا من مداهمة (¬7) العدو لهم (لا ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): قرأ. (¬3) في (ص): هيئة. (¬4) سقط من (م). (¬5) في (م): ثم. (¬6) من (ل، م). (¬7) في (ص): مدافعة.

يألون) أي: لا يقصرون (سراعًا) في الإسراع، ومنه قوله تعالى: {لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا} (¬1) وفي الحديث: "ما من والٍ إلا وله بطانتان، بطانة (¬2) تأمره بالمعروف، وبطانة لا (¬3) تألوه (¬4) خبالًا" (¬5). أي: لا تقصر في إفساد حاله. (ثم سلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسلموا) (¬6) الطائفتان معه (فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) [للانصراف من صلاته] (¬7) (وقد شاركه الناس) أي: الطائفتان جميعًا (في الصلاة كلها) (¬8) أي: في كل ركعة من الصلاة شاركه (¬9) كلا الطائفتين. ¬

_ (¬1) آل عمران: 118. (¬2) سقط من (س، ل). (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ص، س، م): يألونه. (¬5) أخرجه الترمذي في "جامعه" (2369)، والنسائي 7/ 158، وأحمد 2/ 237. (¬6) من (ل، م)، و"السنن". (¬7) سقط من (م). (¬8) في (م): جميعًا. (¬9) في (م): سار.

16 - باب من قال: يصلي بكل طائفة ركعة؟ ثم يسلم فيقوم كل صف فيصلون لأنفسهم ركعة

16 - باب مَنْ قَالَ: يُصَلِّي بِكُلِّ طائِفَةٍ ركْعَةً؟ ثُمَّ يُسَلِّمُ فَيَقُومُ كُلُّ صَفٍّ فَيُصَلُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً 1243 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سالِمٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وسلم صَلَّى بإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً والطَّائِفَة الأُخْرَى مُواجِهَةُ العَدُوِّ، ثُمَّ انْصَرَفُوا فَقَامُوا فِي مَقامِ أُولَئِكَ وَجاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً أُخْرَى ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَامَ هَؤلاء فَقَضَوْا رَكْعَتَهُمْ وَقَامَ هؤلاء فَقَضَوْا رَكْعَتَهُمْ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ نَافِعٌ وَخَالِدُ بْنُ مَعْدانَ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَسْرُوقٍ وَيُوسُفَ بْنِ مِهْرانَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ وَكَذَلِكَ رَوَى يُونُسُ، عَنِ الحَسَنِ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ فَعَلَهُ (¬1). * * * باب من قال: يصلي بكل طائفة ركعة ثم يسلم فيقوم كل صف فيصلون لأنفسهم ركعة [1243] (حدثنا مسدد، حدثنا يزيد بن زريع، عن معمر، عن الزهري، عن سالم) بن عبد الله (¬2) - رضي الله عنه - (عن) عبد الله (بن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى) زاد مسلم: صلاة الخوف (¬3) (بإحدى الطائفتين ركعة) وسجدتين (¬4) (والطائفة الأخرى مواجهة العدو) (¬5) بالرفع خبر ¬

_ (¬1) رواه البخاري (942)، ومسلم (839). (¬2) زاد في (م): بن عمر. (¬3) "صحيح مسلم" (839) (305). (¬4) سقط من (م). (¬5) سقط من (م).

المبتدأ وهو الطائفة (ثم انصرفوا) كذا لمسلم (¬1) وللنسائي (¬2) "انطلقوا" (¬3). والمعنى واحد، إلا أن بعضهم كره لفظة انصرفوا؛ لقوله تعالى: {ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} (¬4) والأصح الجواز كما في الحديث. (فقاموا في مقام أولئك) ولمسلم: في مقام أصحابهم، وزاد: مقبلين على العدو (وجاء أولئك) الذين كانوا في (¬5) مواجهة العدو (فصلى بهم ركعة أخرى) أي: ثانية في حقه، وأما في حقهم فهي أولى (¬6) (ثم سلم) النبي - صلى الله عليه وسلم - بهم (¬7). زاد النسائي: وقد أتم ركعتين وأربع سجدات (¬8) (عليهم): فيه أن الإمام يستحب له أن ينوي بسلامه السلام (¬9) على كل من يقتدي به من المؤمنين من ملائكة وإنس وجن (¬10) (ثم قام هؤلاء) الطائفة (فقضوا (¬11) ركعتهم) (¬12) الثانية التي بقيت عليهم، وقام هؤلاء الطائفة ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (839) (305). (¬2) في (ص، س): النسائي. (¬3) "السنن الكبرى" للنسائي (1928). (¬4) التوبة: 127. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (ص، س، ل): أولاهم. (¬7) من (س، ل، م). (¬8) "المجتبى" 3/ 172. (¬9) في (م): السلامة. (¬10) في (ص): جنس. (¬11) في (م): وصلوا. (¬12) زاد في (م): الركعة.

(فقضوا ركعتهم) الثانية، وقد يحتج الشافعي (¬1) بهذا على ما ذهب إليه أن ما أدركه المقتدي المسبوق مع الإمام هو أول صلاته، وما صلى بعد سلامه هو آخر صلاته (¬2) خلافًا (¬3) لمالك. قال القاضي عياض وغيره: وقد اختلفوا في تأويل هذا، فقيل: قضوا معًا. وهو تأويل ابن حبيب، وعليه حمل (¬4) قول أشهب، وقيل: قضوا متفرقين مثل حديث ابن مسعود، وهو المنصوص لأشهب (¬5). قال النووي: الصحيح أنهم قضوا (¬6) متفرقين، انتهى (¬7). وفي رواية النسائي ما يدل عليه، ولفظه: فقام كل رجل من المسلمين فركع لنفسه ركعة وسجدتين (¬8). (قال المصنف: وكذلك رواه نافع) مولى ابن عمر (وخالد بن معدان) بفتح الميم ابن أبي كريب الشامي الكلاعي، من أهل حمص من كبار الشاميين قال: لقيت سبعين رجلًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، مات بطرسوس (عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬9)، وكذلك قول مسروق) بن الأجدع الهمداني الكوفي، أسلم قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأدرك ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "الأم" 1/ 311. (¬3) في (م): خلا. (¬4) سقط من (م). (¬5) "المفهم" 2/ 470. (¬6) في (م): نقصوا. (¬7) " شرح النووي" 6/ 125. (¬8) "المجتبى" 3/ 172. (¬9) "صحيح مسلم" (839) (306) وذكره الترمذي في "جامعه" 2/ 453.

الصدر الأول من الصحابة، يقال أنه سرق صغيرًا [ثم وجد] (¬1)، وكانت عائشة تبنته (¬2). (ويوسف بن مهران) بكسر الميم وسكون الهاء لا (¬3) ابن ماهك أخرج له الترمذي، ووثقه أبو زرعة (¬4). (عن ابن عباس (¬5) - رضي الله عنهما - وكذلك روى (¬6) يونس) بن (¬7) عبيد بالتصغير، أحد أئمة البصرة. (عن الحسن) البصري (عن أبي موسى الأشعري) - رضي الله عنه - (أنه فعله) (¬8)، كذلك زاد (¬9) الترمذي. وفي الباب عن جابر وحذيفة وزيد بن ثابت وأبي هريرة (¬10). ¬

_ (¬1) من (ل). (¬2) في (ص): تبناه. والمثبت من (س، ل، م). (¬3) سقط من (م). وفي (ص): إلا. والمثبت من (س، ل). (¬4) "تهذيب الكمال" 32/ 463، و"الجرح والتعديل" 9/ 229. (¬5) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (8382). (¬6) في (م): رواه. (¬7) في (م): عن. (¬8) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (8376). (¬9) في (ص): رواه. والمثبت من (س، ل، م). (¬10) "سنن الترمذي" 2/ 453.

17 - باب من قال: يصلي بكل طائفة ركعة ثم يسلم، فيقوم الذين خلفه فيصلون ركعة، ثم يجيء الآخرون إلى مقام هؤلاء فيصلون ركعة

17 - باب مَنْ قَالَ: يُصَلِّي بِكُلِّ طائِفَةٍ رَكْعَةً ثُمَّ يُسَلِّمُ، فَيَقُومُ الذِينَ خَلْفَهُ فَيُصَلُّونَ رَكْعَةً، ثُمَّ يَجِيءُ الآخَرُونَ إِلَى مَقامِ هؤلاء فَيُصَلُّونَ رَكْعَةً 1244 - حَدَّثَنا عِمْرانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنا ابن فُضَيْلٍ، حَدَّثَنا خُصَيْفٌ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: صَلَّى بِنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلاةَ الخَوْفِ فَقامُوا صَفَّيْنِ صَفٌّ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وصَفٌّ مُسْتَقْبِلَ العَدُوِّ فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَكْعَةً، ثُمَّ جَاءَ الآخَرُونَ فَقامُوا مَقامَهُمْ واسْتَقْبَلَ هؤلاء العَدُوَّ فَصَلَّى بِهِمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ فَقَامَ هؤلاء فَصَلَّوْا لأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمُوا، ثُمَّ ذَهَبُوا فَقَامُوا مَقامَ أُوْلَئِكَ مُسْتَقْبِلِي العَدُوِّ وَرَجَعَ أُولَئِكَ إِلَى مَقامِهِمْ فَصَلَّوْا لأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمُوا (¬1). 1245 - حَدَّثَنا تَمِيمُ بْنُ المُنْتَصِرِ، أَخْبَرَنا إِسْحاقُ - يَعْنِي: ابن يُوسُفَ - عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ خُصَيْفٍ بِإِسْنادِهِ وَمَعْناهُ. قَالَ: فَكَبَّرَ نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَبَّرَ الصَّفَّانِ جَمِيعًا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ بهذا المَعْنَى، عَنْ خُصَيْفٍ وَصَلَّى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ هَكَذَا إِلَّا أَنَّ الطَّائِفَةَ التِي صَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ مَضَوْا إِلَى مَقامِ أَصْحابِهِمْ وَجَاءَ هؤلاء فَصَلَّوْا لأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى مَقامِ أُولَئِكَ فَصَلَّوْا لأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنا بِذَلِكَ مُسْلِمُ بْن إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ حَبِيبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّهُمْ غَزَوْا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ كابُلَ فَصَلَّى بِنا صَلاةَ الخَوْفِ (¬2). * * * ¬

_ (¬1) أحمد 1/ 375، وابن أبي شيبة (346)، وأبو يعلى (5353)، والدارقطني 2/ 61، والبيهقي 3/ 261. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (229). (¬2) لم أقف على رواية شريك عن خصيف، ورواه البيهقي في "السنن الكبرى" 3/ 252، 261 من طريق حرب عن خصيف. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (230).

باب من قال: يصلي بكل طائفة ركعة (¬1) ثم يسلم فيقوم الذين خلفه فيصلون ركعة ثم يجيء الآخرون إلى مقام هؤلاء فيصلون ركعة [1244] (حدثنا عمران بن ميسرة) المنقري [بكسر الميم وفتح] (¬2) القاف شيخ البخاري. (حدثنا) محمد (بن فضيل) بن غزوان الضبي مولاهم الحافظ (حدثنا خصيف) بضم الخاء المعجمة وفتح المهملة مصغر بن عبد الرحمن الجزري (¬3) صدوق (¬4). (عن أبي عبيدة) بضم العين مصغر، اسمه عامر بن عبد الله بن مسعود إلا أنه لم يسمع من أبيه (عن) أبيه (عبد الله بن مسعود) - رضي الله عنه -. (قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف) ليس المراد بصلاة الخوف (¬5) أنها تقتضي صلاة مستقلة (¬6) كصلاة العيد، [ولا أن] (¬7) الخوف مؤثر في تغيير (¬8) قدر الصلاة أو وقتها كقولنا صلاة السفر، وإنما المراد التأثير في كيفية إقامة (¬9) الفرائض، واحتمال أمور فيها ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "سنن الترمذي" 2/ 453. (¬3) في (ص، س): الخدري. (¬4) "تقريب التهذيب" (1728)، و"الكاشف" (1389). (¬5) من (م). (¬6) في (م): مستقبلة. (¬7) في (ص، س): ولأن. وفي (م): لأن. والمثبت من (ل). (¬8) زاد في الأصول الخطية: في. وهي زيادة مقحمة. (¬9) سقط من (م).

كانت لا تحتمل و (¬1) الخوف غم لما يستقبل بخلاف الحزن فإنه غم لما مضى. [ورواية البيهقي: فصفنا صفين: صف خلفه وصف مواجهة العدو (¬2). فدل على (¬3) أن رواية المصنف: فقاموا. مضمنة فصفنا] (¬4)، واعلم (¬5) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يصلي صلاة الخوف على هيئاتها المروية عنه حتى نزلت الآية {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} الآية. (فقاموا) صفًّا منصوب إما على [المصدرية المؤكدة] (¬6)؛ لأن قاموا بمعنى صفوا أي اصطفوا صفًّا (¬7)، أو على أنه مصدر بمعنى اسم الفاعل كقوله تعالى: {إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا} أي غائرًا، والتقدير: قاموا مصطفين. (صفين صف خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وصف مستقبل) بالرفع صفة لصف (¬8)، وهكذا جاءت الرواية (¬9) الصحيحة بالإفراد على لفظ المصنف، وفي بعض النسخ الصحيحة: مستقبلو بالجمع على معنى الصف المحتوي ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "السنن الكبرى" للبيهقي 3/ 261. (¬3) سقط من (ل). (¬4) سقط من (م). (¬5) من (م). (¬6) في (ل، م): المصدر المؤكد. (¬7) في (م): صفوف. (¬8) في الأصول الخطية: لمستقبل. خطأ والمثبت هو الصواب. (¬9) سقط من (م).

على الجماعة، وفي بعضها: مستقبلي على الحال، وجاز النصب على الحال مع أن صاحب الحال وهو صف (¬1) نكرة؛ لأنه لما وصف تقديرًا خصص وقرب من المعرفة، وتقدير الصفة صف خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وصف ثان (¬2) مستقبلي (العدو) فعول، من عدا عليه (¬3) يعدو إذا تعدى، وهو يطلق على الواحد وغيره، والمذكر والمؤنث بلفظ واحد، فمن وروده بمعنى الجمع كما هو هنا كقوله تعالى: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي} (¬4)، وربما قيل للأنثى: عدوة على غير قياس؛ لأنه فعول بمعنى فاعل فلا يؤنث بالهاء كصور (¬5) لكن حملوه على مقابله كصديق (¬6) وصديقة، ولم يسمع من ذلك غير هذا الحرف كما قاله الفراء (¬7)، ومعنى العدو مقابل الولي، قال الله تعالى: {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} (¬8) وهذِه الصلاة مختصة بما إذا كان العدو في غير جهة القبلة. (فصلى بهم) أي: بالصف الذي خلفه (النبي - صلى الله عليه وسلم - ركعة) بسجدتيها وانصرفوا بغير سلام وهم في الصلاة إلى وجه العدو (ثم جاء) الصف (الآخرون) بفتح الخاء جمع آخر، بوزن أفعل، وأصله أأخر بهمزتين أبدلت الثانية الساكنة؛ لوقوعها بعد همزة مفتوحة في الصدر (¬9) والأنثى ¬

_ (¬1) في (س، ل، م): وصف. (¬2) و (¬3) من (ل، م). (¬4) الشعراء: 77. (¬5) بياض في (ص)، والمثبت من (س، ل، م). (¬6) في (م): كصدوق. (¬7) "لسان العرب" (عدا). (¬8) الممتحنة: 1. (¬9) في (ص، س، ل): المصدر.

أخرى، أما آخر بكسر الخاء فمقابل أول، والأنثى منه آخرة، وجمعه أواخر (فقاموا مقامهم) أي: مقام الصف الذين ذهبوا إلى وجه العدو. (واستقبل هؤلاء) يعني: الصف الذين انصرفوا بغير سلام وجه (العدو، فصلى بهم) أي: صلى (¬1) (النبي - صلى الله عليه وسلم -) بالذين جاؤوا من وجه العدو (ركعة) بسجدتيها (¬2) هي للنبي - صلى الله عليه وسلم - ثانية و (¬3) لهم أولى (ثم سلم) لنفسه دونهم (فقام هؤلاء) [أي الطائفة الثانية] (¬4) الذين جاءوا من وجه العدو واقتدوا به في هذِه الركعة (فصلوا) [أي: قضوا] (¬5) (لأنفسهم ركعة) مع سجدتيها وهي ثانيتهم (ثم سلموا) بعد كمال صلاتهم (ثم ذهبوا) إلى وجه العدو (فقاموا (¬6) مقام) بفتح الميم (أولئك) الذين كانوا في وجه العدو وهم في حال قيامهم (مستقبلي) وجه (العدو) للحراسة. (ورجع أولئك) الذين كانوا في وجه العدو (إلى مقامهم) الذين صلوا فيه الركعة الأولى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - (فصلوا لأنفسهم ركعة) مع سجدتيها وهي الركعة الثانية (ثم سلموا) (¬7) لأنفسهم تسليمة الخروج من الصلاة، [فظاهره أن الطائفة الثانية (والت بين) (¬8) ركعتيها، ثم أتمت الطائفة الأولى بعدها] (¬9). ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) في (م): كسجدتيها. (¬3) زاد في (م): هي. (¬4) و (¬5) سقط من (م). (¬6) في (م): فقام. (¬7) كتب في حاشية (ل): ويجوز النصب وحذفت النون تخفيفًا. (¬8) بياض في (ص، س)، والمثبت من (ل). (¬9) سقط من (م).

وهذِه الكيفية هي (¬1) التي أخذ بها أبو حنيفة (¬2)، ورجحها على صلاة ذات الرقاع التي أخذ بها الشافعي (¬3) من رواية صالح بن خوات المتقدمة، وصورتها إذا كان العدو في غير جهة القبلة أيضًا أن يفرقهم الإمام فرقتين و [ليصل بكل طائفة ركعة ثم] (¬4) تتم لنفسها وتنصرف إلى الحرب، ويصلي بالثانية ركعة (¬5) وتتم لنفسها، ثم يسلم بها، وهذا الذي قال به الشافعي أشبه بكتاب الله تعالى من وجهين: أحدهما أنه قال: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} (¬6) وأراد الركعة الأولى وعبّر عنها بالقيام، ثم قال: {فَإِذَا سَجَدُوا} وأراد الركعة الثانية وعبر عنها بالسجود، والدليل عليه أنه لما ذكر القيام أضافه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولما ذكر السجود أضافه إليهم، ولو أراد به سجود الصلاة لما غاير بينهما في الإضافة ولذكر سجدتين، ولأن ما قاله الشافعي أحوط للصلاة، فإنهم يأتون بها من غير مشي ولا ترك قبلة، وأحوط للحرب فإنهم يحرسون في غير الصلاة، وأخف على الفرقتين فيكون أعون لهم على الحرب. واعترض الحنفية على الشافعي بأن هذِه الصورة (¬7)، التي ذكرها تخالف الأصول (¬8)، فإن الفرقة تفارق الإمام وتسبقه بالركعة الثانية مع ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "المبسوط" 2/ 71 - 72، و"التمهيد" 15/ 270. (¬3) تحرفت في الأصول الخطية إلى: النبي - صلى الله عليه وسلم -، والمثبت هو الصواب. (¬4) في (م): يصل بطائفة. (¬5) سقط من (م). (¬6) النساء: 102. (¬7) في (م): الصلاة. (¬8) في (ص، س، ل): الأول. والمثبت من (م).

بقاء التحريم، وهذا لا يجوز كما قلنا في صلاة الجمعة، وتقضي الفرقة الأخرى ما فاتها مع الإمام قبل فراغه، وهذا لا يجوز كالمسبوق بركعة، وينتظر الإمام فراغ المأموم، وذلك لا يجوز، أجاب أصحاب الشافعي بأن المفارقة تجوز بعذر وبغير عذر على أصح القولين، وهذِه حالة عذر. وأما سبق الإمام فلا يجوز إذا بقي على متابعته، وهذا قد خرج عن متابعته، والجمعة أصل منقطع (¬1) عن الأصول بالكمال فلا يرد إليه صلاة الخوف؛ ولأن الجمعة لا تجوز إذا جمعتها قبل الإمام، وهنا يجوز، وأما الاشتغال بالقضاء فإنها (¬2) لا تجوز للمسبوق؛ لأنه يلزمه المتابعة، وهذا لا يلزمه المتابعة بالإجماع، وأما الانتظار فلا بد منه بالإجماع؛ لأن (¬3) عندهم ينتظر إلى أن تنصرف الطائفة إلى وجه العدو. [1245] (حدثنا تميم (¬4) بن المنتصر) الواسطي (أنبأنا إسحاق بن يوسف) الأزرق الواسطي. (عن شريك) بن عبد الله النخعي القاضي، أحد الأعلام، استشهد به البخاري في "الجامع" [وروى له] (¬5) في (¬6) رفع اليدين وغيره، وروى له مسلم في المتابعات. (عن خصيف) بضم الخاء كما تقدم بن عبد الرحمن الجزري (بإسناده) المذكور (ومعناه) و (قال) فيه: (فكبر نبي الله - صلى الله عليه وسلم -) هذِه صفة أخرى غير التي قبلها. ¬

_ (¬1) في (ص): منقطعة. والمثبت من (س، ل، م). (¬2) في (ص): فإنه. والمثبت من (س، ل، م). (¬3) في (م): لا. (¬4) كتب فوقها في (ل): س. ت. (¬5) من (ل، م). (¬6) في (س، ل): و.

(فكبر معه الصفان) كلاهما (جميعًا قال المصنف: رواه سفيان) الثوري (بهذا المعنى عن خصيف) (¬1) بن عبد الرحمن. قال المصنف: (وصلى) أبو سعيد (عبد الرحمن بن سمرة) بن حبيب (¬2) بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي، أسلم يوم الفتح وصحب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان اسمه عبد كلال (¬3) فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الرحمن (هكذا إلا أن الطائفة) الثانية (التي صلى بهم) النبي - صلى الله عليه وسلم - (ركعة) مع سجدتيها، وهي للنبي - صلى الله عليه وسلم - ثانية ولهم أولى (وسلم) لم يصلوا لأنفسهم ركعة بعد سلامه كما في الرواية التي قبلها، بل (مضوا إلى مقام أصحابهم) وهم على صلاتهم باقين ليقفوا في وجه العدو. (وجاء هؤلاء) يعني: الطائفة الأولى الذين صلوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - الركعة الأولى وبقيت عليهم ركعة إلى مقامهم الذي صلوا فيه الركعة الأولى (فصلوا لأنفسهم ركعة) [وهي الثانية التي بقيت عليهم (ثم رجعوا إلى مقام أولئك) الذين في وجه العدو وبقيت عليهم ركعة (فصلوا)] (¬4) أي أتموا (لأنفسهم ركعة) وهي الثانية التي بقيت عليهم، وسلموا، هكذا ذكر أبو داود هذا الحديث معلقًا. (قال المصنف: وحدثنا بذلك مسلم بن إبراهيم) الأزدي الفراهيدي ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد 1/ 409. وقال الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" (230): إسناده ضعيف. (¬2) في (ص، س): جبير. (¬3) في الأصول الخطية: كلاب. والمثبت من "التهذيب" 17/ 158، و"الثقات" لابن حبان 3/ 249. (¬4) من (ل، م).

(حدثنا عبد الصمد بن حبيب) (¬1) العوذي (¬2) بفتح العين (¬3) المهملة وسكون الواو وكسر الذال المعجمة (¬4) نسبة إلى عوذ بن سود بضم السين بن حجر، وهو بطن من الأزد نسبت إليه كثير منهم همام بن يحيى بن دينار الأزدي (¬5). (أخبرني أبي) حبيب بن عبد الله الأزدي، روى (¬6) عن الحكم (¬7) بن عمرو الغفاري (أنهم غزوا مع عبد الرحمن بن سمرة) بن حبيب القرشي عداده في أهل البصرة، وهو الذي فتح سجستان وكابل لعبد الله بن عامر بن كريز ولم يزل بها إلى أن اضطرب أمر عثمان بن عفان فخرج عنها (¬8) واستخلف رجلًا من بني (¬9) يشكر، ومات بالبصرة سنة إحدى وخمسين (¬10) (كابل) بفتح الكاف وبعد الألف باء موحدة مضمومة ولام (¬11) هي ناحية من ثغور طخارستان، ولها مدن، وبها عود وزعفران وهليلج؛ لأنها متاخمة (¬12) للهند (¬13) ينسب إليها غير واحد ¬

_ (¬1) في (ص، س): جبير. (¬2) في الأصول الخطية: العودي. خطأ. والمثبت من "الأنساب" 4/ 228. (¬3) من (س، ل، م). (¬4) في الأصول الخطية: الدال المهملة. والمثبت من "الأنساب" 4/ 227. (¬5) "الأنساب" للسمعاني 4/ 227. (¬6) سقط من (م). (¬7) في (ص): الحاكم. والمثبت من "التهذيب" 7/ 126 - 127. (¬8) من (ل، م). (¬9) سقط من (م). (¬10) "الاستيعاب" لابن عبد البر (1422). (¬11) سقط من (م). (¬12) في (ص، س): مزاحمة. والمثبت من "معجم البلدان". (¬13) "معجم البلدان" 4/ 426.

من الرواة، و [لها] (¬1) ذكر في الفتوح. وطخارستان بضم الطاء المهملة وبعدها خاء معجمة مفتوحة وبعد الألف نون، ويقال فيها: تخارستان. بالمثناة فوق المضمومة، كذا ذكره المنذري في حواشيه. وقال البكري في "معجم البلدان" (¬2): هي بضم الباء مدينة معروفة في بلاد الترك غزاها مجاشع بن مسعود فصالحه الأصبهبذ، فدخل مجاشع بيت أصنامهم فأخذ جوهرة جليلة من عين أكبرها، فزعم قومٌ أن أهل كابل مخصوصون من بين ولد آدم بأذناب تكون لهم، ولذلك قال الشاعر: أذنابنا ترفع قمصاننا من ... خلفنا كالخشب الشائل (¬3) (فصلى بنا صلاة الخوف) على الهيئة المتقدمة، وهذِه الصفة لم يفعلها من تلقاء نفسه ولا بالاجتهاد بل عن (¬4) فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) في (ص، س): لهذا. (¬2) البكري صاحب كتاب "معجم ما استعجم" وكلامه: بضم مدينة معروفة في بلاد الترك. يقصد مدينة كابل وليس تخارستان. (¬3) "معجم ما استعجم" 4/ 4. (¬4) في (م): من.

18 - باب من قال: يصلي بكل طائفة ركعة ولا يقضون

18 - باب مَنْ قَالَ: يُصَلِّي بِكُلِّ طائِفَةٍ رَكْعَةً وَلا يَقْضُونَ 1246 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى عَنْ سُفْيانَ، حَدَّثَنِي الأَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ زَهْدَمٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ سَعِيدِ بْنِ العاصِ بِطَبَرِسْتانَ فَقَامَ فَقَالَ أَيُّكُمْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلاةَ الخَوْفِ فَقَالَ حُذَيْفَةُ أَنا فَصَلَّى بهؤلاء رَكْعَةً وَبِهَؤُلاءِ رَكْعَةً وَلَمْ يَقْضُوا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذا رَواهُ عُبَيْدُ اللهِ بْن عَبْدِ اللهِ وَمُجَاهِدٌ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَعَبْدُ اللهِ بْنُ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَيَزِيدُ الفَقِيرُ وَأَبُو مُوسَى. - قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَجُلٌ مِنَ التَّابِعِيْنَ لَيْسَ بِالأَشْعَرِيِّ - جَمِيعًا عَنْ جابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي حَدِيثِ يَزِيدَ الفَقِيرِ: إِنَّهُمْ قَضَوْا رَكْعَةً أُخرَى. وَكَذَلِكَ رَواهُ سِماكٌ الحَنَفِيُّ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَكَذَلِكَ رَواهُ زَيْدُ بْن ثابِتٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: فَكَانَتْ لِلْقَوْمِ رَكْعَةً رَكْعَةً وَلِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَكْعَتَيْنِ (¬1). 1247 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَسَعِيدُ بْن مَنْصُورٍ قالا: حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَخْنَسِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: فَرَضَ اللهُ تَعالَى الصَّلاةَ عَلَى لِسانِ نَبِيِّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - فِي الحَضَرِ أَرْبَعًا وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي الخَوْفِ رَكْعَةً (¬2). * * * باب من قال: يصلي بكل طائفة [ركعة و] (¬3) لا يقضون [1246] ([حدثنا مسدد] (¬4)، حدثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن ¬

_ (¬1) رواه النسائي 3/ 168، وأحمد 5/ 395، وابن خزيمة (1343)، وقال الحاكم في "المستدرك" 1/ 335: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1133). (¬2) رواه مسلم (687). (¬3) في (م): وهم. (¬4) سقط من (م).

سفيان) بن سعيد الثوري (حدثني الأشعث) قال الذهبي: بالمثلثة (¬1) عدة، وأشعب (¬2) الطامع فرد (¬3) (ابن) أبي الشعثاء (سليم) بالتصغير المحاربي (عن الأسود بن هلال) المحاربي، أخرج له الشيخان. (عن ثعلبة بن زهدم) بفتح الزاي والدال المهملة بينهما هاء ساكنة منصرف (¬4) التميمي الحنظلي نزل الكوفة، قال المنذري: قال غير واحد: له صحبة. وقال البخاري: وقال الثوري: له صحبة ولا يصح (¬5)، وذكره (¬6) في الصحابة، ولم يذكر قول البخاري (¬7). (قال: كنا مع سعيد بن العاص) بن سعيد (¬8) بن العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي، ولد عام الهجرة، وكان من أشراف قريش ممن جمع السخاء والفصاحة، وهو أحد الذين كتبوا المصحف لعثمان، واستعمله عثمان على الكوفة، وغزا بالناس طبرستان فافتتحها، ويقال: إنه افتتح أيضًا جرجان وانتقضت أذربيجان فغزاها (¬9) فافتتحها، ولما وقعت الفتن بعد قتل عثمان اعتزل سعيد الناس، فلما استوثق الأمر (¬10) لمعاوية ولاه المدينة (¬11) (بطبرستان) بفتح أوله وثانيه وإسكان ¬

_ (¬1) في (ل، م): بالثاء المثلثة. (¬2) في (م): أشعث. (¬3) "توضيح المشتبه" 1/ 59. (¬4) سقط من (م). (¬5) "التاريخ الكبير" 2/ 174. (¬6) زاد في (س، ل، م): الصحابي. وبياض في (ص). (¬7) "معرفة الصحابة" 1/ 488، و"معجم الصحابة" 1/ 125. (¬8) في (م): سعد. (¬9) من (ل، م). (¬10) من (س، ل، م). (¬11) "الاستيعاب" (987).

الراء المهملة وفتح السين المهملة، كذا ضبطه البكري، وقال: مدينة عظيمة معروفة سميت بذلك؛ لأن الشجر كان حولها أستًا فلم يصل إليها جنود كسرى حتى قطعوه بالفؤوس، والطبر بالفارسية الفأس، وكذلك طبرزين، وأستان هو الشجر، وعربت العرب أستان، فقالت لضرب من الشجر: أستن. قال الشاعر: تحيد عن أستن سود أسافله ... ومثل الإماء الغوادي تحمل الحزما (¬1) وقال المنذري: طبرستان ولاية تشتمل على بلاد أكبرها آمل نسب إليها جمع كثير من أهل العلم (فقال: أيكم صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف؟ فقال حذيفة) بن اليمان كما صرح به النسائي في روايته: (أنا فصلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة) بين النسائي في روايته ما اختصره المصنف هنا، قال: فقام حذيفة وصف الناس خلفه صفين صفًّا (¬2) خلفه، وصفًّا موازي العدو، فصلى بالذي خلفه ركعة، ثم انصرف هؤلاء (¬3) إلى مكان هؤلاء، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ولم يقضوا (¬4) انتهى. وروى النسائي أيضًا الحديث الذي رواه مسلم عن ابن عباس فرض الله الصلاة على لسان نبيكم - صلى الله عليه وسلم - في الحضر أربعًا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة (¬5)، وروى أيضًا قال: أنا محمد بن بشار، حدثنا يحيى بن ¬

_ (¬1) "معجم ما استعجم" 3/ 155 - 156. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): رسولا. (¬4) أخرجه النسائي 3/ 168. (¬5) أخرجه مسلم (687) (5)، والنسائي 1/ 226.

سعيد، عن سفيان، حدثني أبو بكر بن أبي الجهم، عن عبيد الله بن عبد الله (¬1)، عن (¬2) ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بذي قرد وصف الناس خلفه صفين صفًّا خلفه وصفًّا موازي العدو فصلى بالذين (¬3) خلفه ركعة، ثم انصرف هؤلاء إلى مكان هؤلاء، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة (¬4). وقد حكى القرطبي عن جماعة من العلماء في قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} أن القصر إنما هو قصر الركعتين إلى ركعة. وأما الركعتان في السفر إنما هي تمام كما قال عمر - رضي الله عنه -: تمام بغير قصر (¬5)، وقصرها أن تصير ركعة. وقال السدي: إذا صليت في السفر ركعتين فهو تمام، والقصر لا يحل إلا أن تخاف. ثم قال: فهذِه الآية مبيحة أن تصلي كل طائفة ركعة لا تزيد عليها شيئًا، ويكون للإمام ركعتان، و [روي] (¬6) نحوه عن ابن عمر وجابر بن عبد الله و (¬7) كعب. وروى جابر بن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى كذلك بأصحابه يوم محارب (¬8) خصفة (¬9) وبني ثعلبة (¬10). وروى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): عبد. (¬2) في (م): بن. (¬3) في (ص): بالذي. (¬4) "المجتبى" 3/ 169. (¬5) أخرجه ابن ماجه (1194)، وأحمد 1/ 241 بمعناه. (¬6) في (م): زاد. (¬7) بياض في (ل). (¬8) في الأصول الخطية: حارب. (¬9) في الأصول الخطية: حيصة. (¬10) أخرجه البخاري متابعةً (4127).

صلى كذلك بضجنان وعسفان (¬1) (¬2). قال (¬3): وقال آخرون: هذِه الآية مبيحة للقصر من حدود الصلاة وهيئتها، لكن عند المسايفة واشتعال الحرب، فأبيح لمن هذِه حاله أن يصلي إيماءً (¬4) برأسه، ويصلي ركعة واحدة حيث توجه (¬5). ورجح الطبري هذا القول وقال: إنه يعادل قوله تعالى: {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} (¬6) أي: بحدودها وهيئتها الكاملة (¬7). ثم قال القرطبي: وهذِه الأقوال مبينة (¬8) أن الصلاة في حق المسافر ما نزلت إلا ركعتين، ولا يقال فيما شرع (¬9) ركعتين أنه قصر كما لا يقال في صلاة الصبح ذلك (¬10). قال الترمذي: وروى غير واحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بإحدى الطائفتين ركعة ركعة فكانت للنبي - صلى الله عليه وسلم - ركعتان ولهم ركعة ركعة (¬11) انتهى (¬12)، وهذِه الأحاديث الدالة على الركعة، وأقوال العلماء يعضد بعضها ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي في "جامعه" (3035)، والنسائي 3/ 174، وأحمد 2/ 522. (¬2) "الجامع لأحكام القرآن" 5/ 360. (¬3) و (¬4) سقط من (م). (¬5) "الجامع لأحكام القرآن" 5/ 361. (¬6) النساء 103. (¬7) "تفسير الطبري" 9/ 139 - 140. (¬8) في (ص، س، ل): تشبه. والمثبت من (م)، و"الجامع لأحكام القرآن". (¬9) في (ص، س): فيها يشرع. والمثبت من (ل، م)، و"الجامع لأحكام القرآن". (¬10) "الجامع لأحكام القرآن" 5/ 361. (¬11) "سنن الترمذي" (567). (¬12) من (ل، م).

بعضًا، ويبعد التأويل فيها (¬1) لا سيما، وفيها أحاديث صحيحة كحديث ابن عباس وحديث الصلاة بذي قرد، رجاله رجال الصحيح. ومنهم أبو بكر بن أبي الجهم و [اسمه أبو] (¬2) بكر صخر بن عبد الله بن أبي الجهم، أخرج له مسلم في الطلاق (¬3)، [وصحح حديث ذي قرد ابن حبان (¬4) وغيره] (¬5) ولا مانع صريح أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاها (¬6) بهم ركعة في بعض الأحايين (¬7)، والله أعلم. (ولم يقضوا) قال القرطبي: أي: في علم من يرى (¬8) ذلك؛ لأنه قد روي أنهم قضوا ركعة في تلك الصلاة بعينها، وشهادة من زاد أولى. قال: ويحتمل أن يكون المراد لم يقضوا (¬9) أي (¬10): لم يقضوا إذا (¬11) أمنوا، وتكون فائدة (¬12) أن الخائف إذا أمن لا يقضي (¬13) ما صلى على تلك الهيئة من الصلوات من الخوف (¬14) قاله ابن عبد البر (¬15). (قال المصنف: وكذا رواه عبيد الله) بالتصغير (بن عبد الله) (¬16) بن ¬

_ (¬1) في (م): فيما. (¬2) في (ل، م): اسم أبي. (¬3) "صحيح مسلم" (1480) (47، 48، 49). (¬4) "صحيح ابن حبان" (2871). (¬5) سقط من (م). (¬6) في (م): صلى. (¬7) في (م): الأحاديث. (¬8) في (م): ترك. (¬9) من "الجامع لأحكام القرآن". (¬10) من (ل، م)، و"الجامع لأحكام القرآن". (¬11) في (ص): إلى أن. في (س، ل): إلى. (¬12) في (ص): فائدته. (¬13) زاد في (م): على. (¬14) "الجامع لأحكام القرآن" 5/ 367 - 368. (¬15) "التمهيد" 15/ 273. (¬16) أخرجه النسائي 3/ 169، وأحمد 1/ 357.

عتبة بن مسعود (ومجاهد (¬1) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -). وكذلك رواه (عبد الله بن شقيق) بفتح الشين المعجمة العقيلي البصري من مشاهير التابعين وثقاتهم، روى له مسلم. (عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2)، ويزيد) من الزيادة بن صهيب (الفقير) (¬3)، شكا من فقار ظهره فقالوا له الفقير، كوفي تابعي ثقة (¬4). (وأبو موسى) (¬5) يقال أنه علي بن رباح اللخمي، ويقال أبو موسى الغافقي (جميعًا عن جابر بن عبد الله، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) وقد (¬6) قال بعضهم في حديث يزيد بن صهيب الفقير: أنهم قضوا ركعة أخرى، فيه حجة لمذهب الشافعي أن كل (¬7) طائفة صلت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأتمت لأنفسهم (¬8). وهذِه الرواية تدل على وهم من نقل عن الشافعي أنه اختار الصلاة بذي قرد التي أخرجها النسائي (¬9) وصححها ابن حبان (¬10) وغيره، فإن الشافعي ذكرها (¬11) وقال: وفي حديث لا يثبت - يعني (¬12): عنده - أنه ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (687) (5)، والنسائي 1/ 226، وأحمد 1/ 237. (¬2) أخرجه الترمذي (3035)، والنسائي 3/ 174، وأحمد 2/ 522. (¬3) أخرجه النسائي 3/ 174، وأحمد 3/ 298. (¬4) "الكاشف" 3/ 280. (¬5) أخرجه البخاري متابعة (4127). (¬6) سقط من (م). (¬7) من (م). (¬8) "الأم" 1/ 360 - 361. (¬9) سبق تخريجه. (¬10) سبق تخريجه. (¬11) و (¬12) سقط من (م).

صلى بذي قرد (¬1) لكل (¬2) طائفة ركعة (¬3) ثم سلموا، وعلى تقدير الصحة سلموا بعد أن قضوا ركعة جمعًا بين الأحاديث (وكذلك رواه (¬4) سماك) بن الوليد (الحنفي) نسبة إلى بني حنيفة قبيلة كبيرة من ربيعة نزلوا اليمامة واسم (¬5) حنيفة أثال (¬6) [قيل: سمي حنيفة] (¬7)؛ لأن الأحزن (¬8) بن عوف العبدي ضربه على رجله فحنفها أي أمالها وأعوجها فسمي حنيفة، وضرب حنيفة الأحزن (¬9) فجذمه بالسيف فسمي يومئذٍ جذيمة (¬10)، وسماك هذا يمامي سكن الكوفة وهو جد (¬11) عبد ربه (¬12) بن بارق الحنفي. روى له البخاري [في الأدب] (¬13) (عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬14)، وكذلك رواه زيد بن ثابت - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: فكانت تلك الصلاة للقوم ركعة ركعة) بالنصب خبر كان، أي: صلوها مع الجماعة (وللنبي - صلى الله عليه وسلم - ركعتين) (¬15) إمامًا بالجماعة فيهما. ¬

_ (¬1) "الأم" 1/ 367. (¬2) في (م): بكل. (¬3) من (ل، م). (¬4) في (م): سماه. (¬5) في (ص، س، ل): باسم. (¬6) سقط من (م)، وفي (ص، س، ل): ابثل. (¬7) من (ل، م). (¬8) و (¬9) في (ص): الأجزم. (¬10) "وفيات الأعيان" 3/ 26، 27. (¬11) في (ص): ابن. والمثبت من "تهذيب الكمال" 12/ 127. (¬12) في (م): عبد الله. (¬13) من (ل، م). (¬14) أخرجه ابن خزيمة (1349)، ومن طريقه البيهقي في "السنن" 3/ 263. (¬15) أخرجه النسائي 3/ 168، وأحمد 5/ 183، وابن خزيمة (1345)، وابن حبان (2870).

[1247] (حدثنا مسدد، وسعيد بن منصور) بن شعبة (¬1) الخراساني المروزي، قال: حرب (¬2) بن إسماعيل كتبت (¬3) عنه سنة مائتين وتسعة عشر، أملى علينا نحوًا من عشرة آلاف حديث من حفظه، ثم صنف (¬4) بعد ذلك الكتب. (قالا: حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري (عن بكير (¬5) بن الأخنس) الليثي السدوسي الكوفي أخرج له مسلم في مواضع. (عن مجاهد، عن ابن عباس قال: فرض الله الصلاة على لسان نبيكم - صلى الله عليه وسلم - في الحضر أربعًا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة) (¬6). تقدم قريبًا ما يتعلق بهذا، والأحاديث التي في معنى (¬7) ظاهره. قال القرطبي: ذهب جماعة من السلف إلى ظاهر هذا فقالوا: صلاة الخوف ركعة واحدة عند الشدة، وهو قول إسحاق يعني: ابن راهويه، قال: أما عند الشدة فركعة واحدة يومئ بها إيماءً، فإن لم يقدر فسجدة، فإن لم يقدر فتكبيرة (¬8). قال الضحاك: فإن لم يقدر على ركعة فتكبيرتان (¬9). ¬

_ (¬1) في (ص، س): سعيد. والمثبت من "تهذيب الكمال" 11/ 77. (¬2) في (ص، س): حدث. والمثبت من "التهذيب" 11/ 81. (¬3) في (ص، س): كثير. والمثبت من "التهذيب" 11/ 81. (¬4) من (س، ل، م). (¬5) في (ص، س، ل): بكر. والمثبت من "تهذيب الكمال" 4/ 235. (¬6) أخرجه مسلم (687) (5)، والنسائي 3/ 168، وأحمد 1/ 254. (¬7) في (م): معناه. (¬8) "المغني" 3/ 315. (¬9) "مصنف ابن أبي شيبة" 5/ 401 (8354).

وقال الأوزاعي: لا يجزئه التكبير (¬1)، وقال قتادة والحسن: صلاة الخوف ركعة ركعة لكل طائفة من المأمومين، وللإمام ركعتان (¬2) يعني كما تقدم قبله. وقال الشافعي (¬3) ومالك (¬4) والجمهور: صلاة الخوف كصلاة الأمن في عدد الركعات فإن كانت في الحضر وجب أربع ركعات، وإن كانت في السفر ركعتان، ولا يجوز الاقتصار على ركعة واحدة في حال من الأحوال، وتأولوا هذا الحديث على أن المراد ركعة مع الإمام وركعة أخرى يأتي بها منفردًا كما جاءت الأحاديث الصحيحة في صلاة الخوف، وقال النووي: وهذا التأويل لا بد منه للجمع بين الأدلة، والله أعلم (¬5). ¬

_ (¬1) "عمدة القاري" 6/ 377. (¬2) "المفهم" 2/ 328 - 329. (¬3) "الأم" 1/ 360، 367. (¬4) "المدونة" 1/ 240. (¬5) "شرح النووي على مسلم" 5/ 197.

19 - باب من قال: يصلي بكل طائفة ركعتين

19 - باب مَنْ قَالَ: يُصَلِّي بِكُلِّ طائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ 1248 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعاذٍ، حَدَّثَنا أَبِي، حَدَّثَنا الأَشْعَثُ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي خَوْفٍ الظُّهْرَ فَصَفَّ بَعْضَهُمْ خَلْفَهُ وَبَعْضَهُمْ بِإِزاءِ العَدُوِّ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فانْطَلَقَ الذِينَ صَلَّوْا مَعَهُ فَوَقَفُوا مَوْقِفَ أَصْحابِهِمْ ثُمَّ جَاءَ أُوْلَئِكَ فَصَلَّوْا خَلْفَهُ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَرْبَعًا وَلأَصْحَابِهِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ. وَبِذَلِكَ كَانَ يُفْتِي الحَسَنُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَلِكَ فِي المَغْرِبِ يَكُونُ لِلإِمامِ سِتَّ رَكَعاتٍ وَلِلْقَوْمِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَلِكَ رَواهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَكَذَلِكَ قَالَ سُلَيْمانُ اليَشْكُرِيُّ عَنْ جابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). * * * باب من قال: يصلي بكل طائفة ركعتين [1248] (حدثنا عبيد الله) بالتصغير (بن معاذ) [بن معاذ] (¬2) (¬3) (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ بن نصر العنبري (¬4) قاضي البصرة، قال: (حدثنا الأشعث) بن عبد الملك الحمراني (¬5) وثقوه (¬6). ¬

_ (¬1) رواه النسائي 2/ 103، وأحمد 5/ 39. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1135). (¬2) من (ل، م). (¬3) زاد في (م): عن أبيه. (¬4) في (م): العبدي. (¬5) في (م): الحرماني. (¬6) "الكاشف" 1/ 135.

(عن الحسن) بن أبي الحسن البصري (عن أبي بكرة) نفيع بن الحارث الثقفي - رضي الله عنه - (قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في (¬1) الخوف) صلاة (الظهر فصف) القوم صفين صف (بعضهم) [بالنصب مفعول (خلفه)] (¬2) (و) صف (بعضهم) [بالنصب والرفع] (¬3) (بإزاء العدو) أي: مقابله ومحاذاته، وفي البخاري: فوازينا العدو (¬4). وأنكر الجوهري أن يقال: وازينا (¬5)، بل يقال آزينا (¬6). (فصلى) بالصف الذي خلفه (ركعتين ثم سلم)، وسلموا لانقضاء صلاتهم الظهر المقصورة ركعتين (وانطلق الذين) جاؤوا معه، أي: (صلوا معه) الركعتين. (فوقفوا موقف (¬7) أصحابهم) الذين في وجه العدو (ثم جاء أولئك) الذين كانوا (¬8) بإزاء العدو (فصلوا (¬9) خلفه) صفًّا (فصلى بهم) أي: أعاد صلاة الظهر (ركعتين ثم سلم) بهم (فكانت) هذِه الصلاة (لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -) باعتبار إعادته مع الطائفة الثانية أربعًا، أي (¬10): أربع ركعات ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) سقط من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) "صحيح البخاري" (942، 4132) (¬5) "النهاية في غريب الأثر" 1/ 47 (أزو). (¬6) في الأصل (س): أرنا. (¬7) في (م): مواقف. (¬8) من (ل، م). (¬9) في (ص): فصفوا. (¬10) ليست في (س، ل، م).

(ولأصحابه) باعتبار الطائفة الأولى ركعتين وباعتبار الطائفة الثانية (ركعتين ركعتين) (¬1). [قال الذهبي: وهذا كأنه من قول الأشعث] (¬2). (وبذلك كان يفتي الحسن) (¬3) البصري - رضي الله عنه -، وفي هذِه الصلاة كانت الطائفة الثانية (¬4) مفترضين خلف متنفل، وفي جواز ذلك اختلاف بين العلماء، وممن قال به الشافعي (¬5)، وحكى القاضي الروياني، عن أبي إسحاق ترجيح هذِه الصلاة ليحصل لكل (¬6) واحد من الطائفتين فضيلة الجماعة على التمام، والصلاة على هذِه الصفة جائزة، وإن لم يكن خوف أصلًا؛ إذ ليس فيه إلا اقتداء المفترض بالمتنفل في المرة الثانية، وذلك جائز في الإقامة والأمن لما روى البخاري ومسلم عن جابر: "إن معاذًا كان يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - عشاء الآخرة، ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة" (¬7). متفق عليه. ورواه (¬8) الشافعي والدارقطني وزاد في روايتهما: "فإذا هي له تطوع وهي لهم مكتوبة العشاء" (¬9). ¬

_ (¬1) من (س، م). (¬2) سقط من (م). (¬3) "المفهم" 2/ 329. (¬4) من (ل، م). (¬5) "الأم" 1/ 306، 307، 1/ 367. (¬6) زاد في (ص): طائفة. وهي زيادة مقحمة. (¬7) أخرجه البخاري (701)، ومسلم (465) (178). (¬8) في (ص): روي. (¬9) "مسند الشافعي" (237)، و"سنن الدارقطني" 1/ 274.

(قال المصنف) قياسًا على حديث أبي بكرة المذكور: ويحتمل أن يكون استند في هذا إلى دليل لم يثبت عنده إذا صلى (في المغرب) الصلاة كاملة بالطائفة الأولى والثانية و (يكون للإمام ست ركعات) باعتبار إعادتها مع الطائفة الثانية (¬1) (و) يكون (للقوم ثلاثًا) للطائفة الأولى وللأخرى (ثلاثًا) و [أراد] (¬2) المصنف بهذا أن يبين أن إعادة الإمام الصلاة بالطائفة الثانية لا يختص بالصلاة الثنائية بل (¬3) يجري ذلك في الثلاثية وهي المغرب، و [كذا] (¬4) قال أصحابنا واللفظ للنووي هذِه [الصلاة هي] (¬5) صلاة بطن نخل وهي أن يجعل الإمام الناس طائفتين إحداهما في وجه العدو والثانية يصلي بها (¬6) جميع الصلاة ويسلم سواء كانت ركعتين أو ثلاثًا أو أربعًا، وإنما تستحب هذِه الصلاة بثلاثة شروط: أن يكون العدو في غير جهة القبلة، وأن يكون في المسلمين كثرة والعدو قليل، وأن يخاف هجومهم على المسلمين حال الصلاة، وهذِه الأمور ليست شرطًا لصحتها، فإن الصلاة صحيحة عندنا من غير خوف، بل المراد أنها لا تندب على هذِه [الهيئة إلا بهذِه] (¬7) الشروط الثلاثة (¬8). (قال المصنف: وكذلك رواه يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة) [عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أحد الفقهاء السبعة ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) في (م): زاد. (¬3) زاد في (م): في. (¬4) في (م): كذلك. (¬5) من (ل، م). (¬6) في (ص): بهم. (¬7) سقط من (م). (¬8) "المجموع" 4/ 407 - 408.

المشهورين. (عن جابر) بن عبد الله - رضي الله عنه - (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) ورواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة] (¬1)، عن جابر ثابتة في البخاري مفرقًا و (¬2) مجموعًا، رواية وتعليقًا، في جملة حديث طويل ذكره في الغزوات فأقرب طرقه أنه قال: قال أبان: حدثنا يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، [عن جابر] (¬3) قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بذات الرقاع. . .، وذكر الحديث وفيه: وأقيمت الصلاة فصلى بطائفة (¬4) ركعتين، ثم تأخروا (¬5) وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، فكان للنبي - صلى الله عليه وسلم - أربع، وللقوم ركعتان (¬6). وأخرجه مسلم: عن أبي بكر (¬7) بن أبي شيبة، عن عفان، عن أبان بإسناد البخاري ولفظه (¬8). ولهما روايات كثيرة في (¬9) غير هذِه. (وكذلك قال سليمان) يقال: لم قال: قال (¬10) سليمان، ولم يقل: روى سليمان؟ قلت (¬11): البخاري كذلك يستعمل لفظة: "قال". وحكى شيخنا العلامة ابن حجر وحكى (¬12) عن بعضهم أن البخاري لا يقول ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) من (س، ل، م). (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): بهم. (¬5) في (م): أخروا. (¬6) "صحيح البخاري" (4137) متابعة. (¬7) في (ص، س): بكرة. (¬8) "صحيح مسلم" (843) (311). (¬9) من (ل، م). (¬10) من (س، ل، م). (¬11) في (ص، س): كذلك قال. وفي (ل): قال. (¬12) من (س، ل، م).

ذلك - يعني (¬1): وكذا غيره - إلا فيما حمله الراوي عن شيخه مذاكرة (¬2) ثم (¬3) قال: وهو يحتمل، لكنه غير مطرد؛ لأني وجدت كثيرًا في الصحيح: "قال"، وقد أخرجه في تصانيف أخرى بصيغة حدثنا، انتهى. وسليمان المذكور هو ابن قيس (اليشكري) نسبة إلى يشكر بن وائل، وقيل (¬4): هو يشكر بن [بكر بن] (¬5) وائل وهو أصح، قاله ابن الكلبي وأبو عبيد (¬6)، قال البخاري: و (¬7) سليمان اليشكري مات في حياة جابر بن عبد الله (¬8). قال أبو زرعة (¬9) والنسائي: ثقة (¬10). وقال أبو حاتم: جالس جابرًا وسمع منه فكتب عنه صحيفة، وتوفي وبقيت الصحيفة عند امرأته (¬11) (عن جابر) بن عبد الله (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) بنحوه. ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "فتح الباري" 10/ 53. (¬3) من (س، ل، م). (¬4) سقط من (م). (¬5) في (م): أبي. (¬6) "اللباب في تهذيب الأنساب" 3/ 413. (¬7) في (م): عن. (¬8) "التاريخ الكبير" 4/ 31 - 32، والذي فيه: مات سليمان قبل جابر بن عبد الله. ولعل المصنف نقله من "تهذيب الكمال" 12/ 55 فإن المزي قال فيه: قال البخاري: يقال إنه مات في حياة جابر. (¬9) "الجرح والتعديل" 4/ 136. (¬10) "تهذيب الكمال" 12/ 55. (¬11) "الجرح والتعديل" 4/ 136.

20 - باب صلاة الطالب

20 - باب صَلاةِ الطَّالِبِ 1249 - حَدَّثَنا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنِ ابن عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى خَالِدِ بْنِ سُفْيانَ الهُذَلِيِّ - وَكَانَ نَحْوَ عُرَنَةَ وَعَرَفاتٍ - فَقَالَ: "اذْهَبْ فاقْتُلْهُ". قَالَ: فَرَأَيْتُهُ وَحَضَرَتْ صَلاةُ العَصْرِ فَقُلْتُ: إِنِّي لأخَافُ أَنْ يَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ ما إِنْ أُؤَخِّرُ الصَّلاةَ فانْطَلَقْتُ أَمْشِي وَأَنا أُصَلِّي أُومِئُ إِيماءً نَحْوَهُ فَلَمّا دَنَوْتُ مِنْهُ قَالَ لِي: مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: رَجُلٌ مِنَ العَرَبِ بَلَغَنِي أَنَّكَ تَجْمَعُ لهذا الرَّجُلِ فَجِئْتُكَ فِي ذاكَ. قَالَ: إِنِّي لَفِي ذاكَ؟ فَمَشَيْتُ مَعَهُ ساعَةً حَتَّى إِذا أَمْكَنَنِي عَلَوْتُهُ بِسَيْفِي حَتَّى بَرَدَ (¬1). * * * باب صلاة الطالب [1249] (حدثنا عبد الله بن عمرو) بن أبي الحجاج ميسرة المنقري مولاهم البصري (أبو معمر) المقعد شيخ البخاري، قال: (حدثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان التميمي (¬2) مولاهم البصري قال: ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 496، وأبو يعلى (905)، وابن خزيمة (983)، وابن حبان (7160). حسن إسناده الحافظ في "الفتح" 2/ 437. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (232) ثم أشار إلى نقله إلى الصحيح انظر "صحيح أبي داود" (1135 م). (¬2) في (ص، س): التيمي.

(حدثنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر) بن الزبير بن العوام (عن) عبد الله (¬1) (بن عبد الله) قال المنذري: كذا جاء مبينًا (¬2) من رواية محمد بن سلمة الحراني، عن محمد بن إسحاق (¬3) (بن أنيس) بضم الهمزة مصغر. (عن أبيه) عبد الله بن أنيس بن أسعد الهذلي، ثم الأنصاري حليفهم شهد العقبة مع السبعين من الأنصار وأُحُدًا وكان يكسر أصنام بني سلمة هو ومعاذ حين أسلما، وهو الذي سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ليلة القدر (¬4)، وقال له: يا رسول الله، إني شاسع الدار فمرني (¬5) بليلة أنزل لها (¬6). فقال: انزل ليلة ثلاث وعشرين (¬7)، وتعرف تلك الليلة بليلة الجهني، وهو (¬8) الذي رحل إليه جابر بن عبد الله فسمع منه حديثًا في القصاص و (¬9) المظالم بين أهل الجنة والنار قبل دخولهما (¬10) فأدركه في الشام، قيل: إنه الحديث الذي ذكره البخاري في قول الله تعالى: {وَلَا تَنْفَعُ ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): عبيد الله. والمثبت من "تهذيب الكمال" 14/ 315. (¬2) في (م): مثنيا. (¬3) "الأم" 2/ 328. (¬4) "تهذيب الكمال" 14/ 314. (¬5) في (م): فمن له. (¬6) في (م): بها. (¬7) "الموطأ" 1/ 320. (¬8) زاد بعدها في النسخ (أحد)، وهي زيادة مقحمة لا يستقيم بها السياق. (¬9) في (م): في. (¬10) في (م): دخولها.

الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} (¬1) في آخر الكتاب فقال عبد الله بن أنيس: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يحشر الله العباد فيناديهم يسمع من بعد كما يسمع من قرب: أنا الملك أنا الديان" (¬2). وقال ابن بطال: هو حديث الستر على المسلم (¬3). (قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) يعني: سرية وحده (إلى خالد بن سفيان) ابن نبيح (¬4) (الهذلي) الجاهلي. (وكان نحو عرنة) بضم العين وفتح الراء المهملتين، قال المنذري: سكنها بعضهم، والأول أصوب (¬5)، وبعدها نون مفتوحة [وتاء تأنيث دون تنوين؛ لأنه غير منصرف] (¬6) وهو بطن الوادي الذي فيه المسجد [مسجد عرنة] (¬7) والميل (¬8) كله وهو من الحرم. وقال الشافعي: عرفة (¬9) ما جاوز وادي عرنة، وليس الوادي ولا المسجد من عرفة (¬10) هذا آخر كلامه (¬11). ¬

_ (¬1) سبأ: 123. (¬2) "صحيح البخاري" (7481). (¬3) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 1/ 159. (¬4) سقط من (م). (¬5) "شرح سنن أبي داود" للعيني 5/ 137. (¬6) سقط من (م). (¬7) سقط من (م). (¬8) في (ص، س): المسد. والمثبت من (ل، م)، و"شرح سنن أبي داود". (¬9) في (ص): عرنة. والمثبت من (س، ل، م)، و"الأم". (¬10) في (ص): عرنة. والمثبت من (س، ل، م)، و"الأم". (¬11) "الأم" 2/ 328.

وعرفات بالتنوين، قيل سميت عرفة لأن آدم عرف حواء فيها، وقيل: لتعريف جبريل آدم ومن بعده مناسكهم. وقيل: لأن جبريل حج بإبراهيم - عليه السلام - فكان يعرفه المواضع (¬1) والمناسك فيقول: عرفت (¬2). (فقال: اذهب) إليه (فاقتله) وإنما أمره بقتله؛ لأنه كان معه ناس من قومه، وكان قد جمع الجموع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال له عبد الله: صفه لي يا رسول الله. فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا رأيته هبته وفرقت منه" بفتح الفاء والراء وسكون القاف أي خفت منه. قال عبد الله: وكنت لا أهاب الرجال فاستأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الذهاب إليه فأذن لي. (قال): وأخذت سيفي وخرجت أعتدي إلى خزاعة، حتى إذا كنت ببطن عرنة (فرأيته) يمشي ووراءه الأحابيش، ومن ضوى إليه، فعرفته بنعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهبته، فرأيتني أنظر إليه (¬3) وقلت: صدق الله ورسوله (وقد) (¬4) في نسخة (¬5) (حضرت صلاة العصر) قبل أن أصل إليه. (فقلت: إني لأخاف أن يكون بيني وبينه ما) يحتمل أن تكون حرفًا مصدريًّا (¬6)، و (إن) المكسورة الهمزة الساكنة النون زائدة فإنها تزاد كثيرًا. ورواية أحمد بحذفها، وزيدت إن (¬7) بعد ما يشبهها (¬8) في اللفظ ¬

_ (¬1) في (م): الموضع. (¬2) في (ص، س): قد عرف. وفي (ل): قد عرفت. (¬3) و (¬4) سقط من (م). (¬5) من (ل). (¬6) في (ص، س): خوفًا مصدرًا. (¬7) سقط من (م). (¬8) في (ص): شبهها.

بما النافية، وفعل (أُؤَخِّرِ) (¬1) مرفوع ويقدر هو وما بعده بالمصدر، والتقدير: خفت أن يكون بيني وبين الوصول إليه تأخير (الصلاة) عن وقتها المشروع لها (¬2)، ويحتمل أن تكون ما زمانية والتقدير: أخاف أن يوجد بيني وبينه زمان أؤخر الصلاة فيه عن وقتها. (وانطلقت أمشي) إليه (وأنا أصلي) هذِه الواو واو الحال، وأنا أصلي جملة اسمية (¬3) منصوبة على الحال. استدل به الشافعي (¬4) وغيره على أن الخوف إذا اشتد تجوز الصلاة ماشيًا وراكبًا، وإن لم يلتحم القتال لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} ولهذا الحديث لا يجوز تأخيرها عن الوقت. قال ابن الملقن في "التوضيح في شرح الجامع الصحيح": اختلف العلماء في صلاة الطالب على ظهر الدابة بعد (¬5) اتفاقهم على جواز صلاة المطلوب راكبًا، فذهبت طائفة إلى أن الطالب لا يصلي على دابته وينزل فيصلي على الأرض، هذا قول عطاء (¬6) وأحمد (¬7). وقال الشافعي: إلا في حالة واحدة وهو أن ينقطع الطالبون من ¬

_ (¬1) في (ص): يؤخر. (¬2) من (ل، م). (¬3) في (ل، م): فعلية. (¬4) "الأم" 1/ 373 - 374. (¬5) في الأصول الخطية: على. والمثبت من "التوضيح". (¬6) "الأوسط" 5/ 23. (¬7) "مسائل أحمد رواية ابنه عبد الله" (489).

أصحابهم فيخافون عودة (¬1) المطلوبين إليهم، فإذا كان هكذا جاز الإيماء راكبًا (¬2). وقال ابن حبيب: هو في سعة، وإن كان طالبًا لا ينزل فيصلي إيماءً (¬3)؛ لأنه مع عدوه، ولم يصل إلى حقيقة أمن. وقاله مالك (¬4). وهو مذهب الأوزاعي وشرحبيل (¬5)، وذكر الفزاري (¬6) عن الأوزاعي قال: [إن خاف] (¬7) الطالبون إن نزلوا بالأرض فوت العدو صلوا حيث وجهوا على كل حالٍ؛ لأن الحديث جاء أن النصر لا يرفع ما دام الطلب. وعن الأوزاعي مرة (¬8): إن كان الطالب قرب المطلوب أومأ وإلا فلا، وعن الشافعي ما سلف (¬9). ثم ذكر (¬10) حديث [ابن أنيس] (¬11) هذا [مستدلًا به] (¬12)، انتهى. ¬

_ (¬1) في (م): عدوة. (¬2) "الأم" 1/ 378. (¬3) "التاج والإكليل" 2/ 188. (¬4) "المدونة" 2/ 241, و"المنتقى" 1/ 325. (¬5) "التمهيد" 15/ 286. (¬6) كذا في الأصول الخطية، وفي "التوضيح": المدائني. (¬7) في (م): إني أخاف. (¬8) من (ل، م). (¬9) "التوضيح" 8/ 39 - 41. (¬10) سقط من (م). (¬11) في (م): أبي نبيشة. وفي (ل): ابن أنيسة. (¬12) في (م): مسند لأنه.

ويستدل لصلاة الراكب والماشي إيماءً بقوله - صلى الله عليه وسلم - (¬1): "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة" (¬2) [بأنه لما أمرهم بأنهم لا يصلون العصر إلا في بني قريظة] (¬3) وقد علم بالوحي أنهم لا يأتونها إلا بعد (¬4) مغيب الشمس، ووقت العصر فرض، فاستدل أنه كما جاز للذين ذهبوا إلى بني قريظة ترك الوقت وهو فرض، ولم يعنفهم - عليه السلام -، فلذلك ساغ للطالب أن يصلي راكبًا وماشيًا بالإيماء، ويكون ترك الركوع (¬5) والسجود المفترض [على الأرض] (¬6) كترك الذين صلوا في بني قريظة فريضة الوقت وإنما استدل البخاري بالحديث (¬7) على صلاة الطالب والمطلوب راكبًا وماشيًا، إيماء (¬8) لأنه - عليه السلام - لما أمرهم بالاستعجال إلى بني قريظة، والنزول ينافي مقصود [الجد الموصل] (¬9) فمنهم من بنى على أن النزول للصلاة معصية للأمر الخاص بالجد فتركها إلى أن فات وقتها لوجود التعارض. ومنهم من جمع بين دليل (¬10) وجوب الصلاة ووجوب الإسراع في ¬

_ (¬1) زاد في (م): في. (¬2) أخرجه البخاري (946)، ومسلم (1770) (69) لكن قال مسلم: "لا يصلين أحد الظهر. .". (¬3) من (ل، م). (¬4) من (س، ل، م). (¬5) في (ص، س، ل): للركوع. (¬6) من (م). (¬7) سقط من (م). (¬8) في (ص): أي. (¬9) في (م): الوصول. (¬10) في (م): دليلي.

هذا السير فصلى راكبًا، ولو فرضنا نزولهم بها لكان ذلك مضادًا لما أمر به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهذا لا يظن بأحد من الصحابة على تقوية أفهامهم، وإذا جازت (¬1) الصلاة للطالب راكبًا والإيماء بالركوع والسجود والمطلوب أولى (¬2) (أومئ) يعني: بالرأس للركوع والسجود إيماءً، ويدل عليه قول ابن عمر: فإن كان خوف أكثر من ذلك فصلّ راكبًا أو قائمًا تومئ (إيماء) رواه مسلم (¬3). وإذا أومئ بهما فيكون السجود أخفض من الركوع [تمييزًا بينهما] (¬4) (نحوه) أي: نحو المطلوب، وإن كان غير (¬5) مستقبل القبلة لقوله تعالى: {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} (¬6)، وقول ابن [عمر: مستقبلي القبلة] (¬7) أو غير مستقبليها، رواه البخاري (¬8): (فلما دنوت منه قال لي: من أنت) أيها الرجل؟ (قلت: رجل من العرب) عرب خزاعة. (بلغني أنك تجمع لهذا الرجل) يعني: محمدًا - صلى الله عليه وسلم - (فجئتك في ذلك) لأكون معك. فيه دليل لما قاله الغزالي وغيره أن الكلام وسيلة إلى المقصود فكل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب ¬

_ (¬1) في (ص): جاءت. (¬2) من (م). (¬3) "صحيح مسلم" (839) (306). (¬4) من (م). (¬5) من (ل، م). (¬6) البقرة: 239. (¬7) من (س، ل، م). (¬8) "صحيح البخاري" (4535).

جميعًا، فالكذب فيه حرام، وإن أمكن التوصل بالكذب دون الصدق فالكذب فيه واجب إن كان يحصل ذلك المقصود واجبًا، ومباحًا إن كان المقصود مباحًا كما أن عصمة دم المسلم واجبة، فمهما كان في الصدق سفك دم كما هو هنا، وكما فيمن اختفى من ظالم فالكذب فيه واجب، ومهما كان لا يتم مقصود حرب أو إصلاح ذات البين أو (¬1) استمالة قلب المجني عليه إلا بالكذب، فالكذب مباح إلا أنه ينبغي أن (¬2) يحترز عنه ما أمكن (¬3). والذي يدل على الاستثناء من الكذب ما روى مسلم في "صحيحه" من حديث أم كلثوم قالت: ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث: الرجل يقول القول يريد الإصلاح، والرجل يقول القول في الحرب، والرجل يحدث امرأته، والمرأة تحدث زوجها (¬4) الحديث، أو كما قال. (قال): أجل (إني لفي ذلك) وفي رواية: إني (¬5) لفي الجمع له. قال: (فمشيت) بفتح الشين. (معه ساعة) وأنا أحدثه وقد استحلى حديثي (حتى إذا) انتهى إلى خبائه وتفرق عنه أصحابه، وهدأ الناس وناموا (وأمكنني) الاغترار منه ¬

_ (¬1) في (م): و. (¬2) سقط من (ل، م). (¬3) "إحياء علوم الدين" 3/ 137. (¬4) "صحيح مسلم" (2605) (101) واللفظ لأبي داود (4921). (¬5) سقط من (م).

(علوته بسيفي) فضربته فقتلته (حتى برد) بفتح الباء الموحدة والراء، أي مات، وأخذت رأسه ثم دخلت غارًا في الجبل، وضربت به (¬1) العنكبوت علي، وجاء الطلب فلم يجدوا شيئًا فانصرفوا راجعين، ثم خرجت فكنت أسير الليل وأتوارى بالنهار حتى قدمت المدينة فوجدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد، فلما رآني قال: أفلح الوجه. قلت: أفلح وجهك يا رسول الله، فوضعت رأسه بين يديه وأخبرته خبري، فدفع إليَّ عصا وقال: تخصر (¬2) بهذِه في الجنة، فكانت عنده فلما حضرته الوفاة أوصى أهله أن يدرجوها (¬3) في كفنه ففعلوا، وكان خروجه من المدينة لخمس خلون من المحرم على رأس خمس وثلاثين شهرًا من مهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكانت غيبته ثماني عشرة ليلة. وقال موسى بن عقبة: زعموا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبر بموته قبل قدوم عبد الله بن أنيس. قال ابن هشام (¬4): وقال عبد الله بن أنيس في ذلك شعرًا: تركت ابن ثور كالحوار وحوله ... نوائح تفري كل جيب مقدد تناولته والظعن خلفي وخلفه ... بأبيض من ماء الحديد مهند ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ص): تخط. (¬3) في (م): يدخروها. (¬4) "سيرة ابن هشام" 4/ 295.

أقول له والسيف يعجم رأسه ... أنا ابن أنيس فارس [غير قعدد] (¬1) وقلت له خذها بضربة ماجد ... حنيف على دين النبي محمد وكنت [إذا هم النبي] (¬2) بكافرْ ... سبقت إليه باللسان وباليد [قاله جميعه ابن سيد الناس في سيرته] (¬3)، قال: وقوله: يعجم رأسه. من قولهم: فلان يعجم التمرة. أي: يلوكها ويعضها و [القعدد: الجبان] (¬4) (¬5). ¬

_ (¬1) في (ص، س): يتحير تعدد. (¬2) في (ص): أولهم للنبي. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ص، س): التعدد الحنان. (¬5) "عيون الأثر" 2/ 9 - 10.

[كتاب التطوع]

[كِتَابُ التَّطُّوُعِ]

أبواب صلاة التطوع

جماع أبواب صلاة التطوع 1 - باب التَّطَوُّعِ وَرَكَعَاتِ السُّنَّةِ 1250 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنا ابن عُلَيَّةَ، حَدَّثَنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، حَدَّثَنِي النُّعْمانُ بْنُ سَالِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيانَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الجَنَّةِ" (¬1). 1251 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنا خالِدٌ ح، وحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنا خالِدٌ - المَعْنَى -، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: سَأَلْتُ عائِشَةَ، عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ التَّطَوُّعِ فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا فِي بَيْتِي، ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى بَيْتِي فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ المَغْرِبَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى بَيْتِي فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ يُصَلِّي بِهِمُ العِشاءَ، ثُمَّ يَدْخُلُ بَيْتِي فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ تِسْعَ رَكَعَاتٍ فِيهِنَّ الوِتْرُ وَكَانَ يُصَلِّي لَيْلًا طَوِيلًا قائِمًا وَلَيْلًا طَوِيلًا جالِسًا، فَإِذَا قَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قائِمٌ وَإِذَا قَرَأَ وَهُوَ قاعِدٌ رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قاعِدٌ وَكَانَ إِذَا طَلَعَ الفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ صَلاةَ الفَجْرِ - صلى الله عليه وسلم - (¬2). 1252 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَها رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَ المَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ وَبَعْدَ صَلاةِ العِشاءِ رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ لا يُصَلِّي بَعْدَ الجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ (¬3). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (728). (¬2) رواه مسلم (730). (¬3) رواه البخاري (937)، ومسلم (729).

1253 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْتَشِرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ لا يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاةِ الغَداةِ (¬1). * * * باب تفريع أبواب صلاة التطوع وركعات السنة [1250] (حدثنا محمد بن عيسى) بن نجيح البغدادي الحافظ ابن الطباع شيخ البخاري. (حدثنا) إسماعيل بن إبراهيم (ابن علية) الإمام أبو بشر (حدثنا داود بن أبي هند) دينار البصري أحد الأعلام. (حدثني النعمان بن سالم) الطائفي، أخرج له مسلم (عن عمرو بن أوس) الثقفي. (عن عنبسة (¬2) بن أبي سفيان) الأموي القرشي أخو معاوية بن أبي سفيان، أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم -، [ولا يصح له صحبة ولا رؤية، في هذا الإسناد أربعة تابعيون يروي بعضهم عن بعض: داود والنعمان وعمرو و (¬3) عنبسة (عن) أخته (أم حبيبة) رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -] (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1182). (¬2) في (م): عيينة. (¬3) في (ص، س): بن. والمثبت من (ل). (¬4) سقط من (م).

(قالت: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: من صلى) ولمسلم وغيره زيادة، ولفظه: "ما من عبد (¬1) مسلم يصلي لله تعالى كل يوم" (¬2) (في) (¬3) كل (يوم ثنتي عشرة ركعة) وفي رواية لمسلم "في يوم وليلة" (¬4)، وللنسائي: "بالليل [أو بالنهار] (¬5) (¬6) (تطوعًا) زاد مسلم: "غير فريضة" (¬7). (بُنِيَ) مبني للمفعول، أي: بنى الله تعالى (له بهن بيت في الجنة) في هذا الحديث حجة لما (¬8) ذهب إليه الجمهور (¬9) أن الفرائض لها رواتب مسنونة. قال القرطبي: وذهب مالك في المشهور عنه (¬10) إلى أنه لا رواتب في ذلك ولا توقيت عدا (¬11) ركعتي الفجر (¬12). قال العلماء: والحكمة في شرعية (¬13) النوافل تكميل الفرائض إن عرض فيها نقص (¬14). لما رواه الترمذي وغيره عن أبي هريرة: "أول ما ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "صحيح مسلم" (728) (103). (¬3) سقط من (م). (¬4) "صحيح مسلم" (728) (101). (¬5) في (م): والنهار. (¬6) "المجتبى" 3/ 262. (¬7) "صحيح مسلم" (728) (103). (¬8) في (م): على ما. (¬9) زاد في (م): من. (¬10) في الأصول الخطية: المشروعية. وهو خطأ، والمثبت من "المفهم". (¬11) بياض في (ص)، وفي (م): عند. والمثبت من (س، ل)، و"المفهم". (¬12) "المفهم" 2/ 365. (¬13) في الأصل: مشروعية. والمثبت من (ل، م)، وشرح النووي على مسلم". (¬14) "شرح النووي على مسلم" 6/ 10.

يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن (¬1) انتقص من [فريضته شيء قال] (¬2) الرب تبارك وتعالى: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك" (¬3). ولم يبين (¬4) المصنف تعيين هذا العدد، وقد ذكره النسائي عن أم حبيبة فقال: "أربع ركعات قبل الظهر، وركعتين بعد الظهر (¬5)، وركعتين قبل العصر، وركعتين بعد المغرب، وركعتين قبل (¬6) صلاة الصبح" (¬7). قال القرطبي: وهو حديث صحيح (¬8). [1251] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا هشيم) بن بشير أبو معاوية السلمي الواسطي حافظ بغداد (أنا خالد [ح] (¬9) وحدثنا مسدد، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا خالد) بن مهران الحذاء لم يكن حذاء، لكن تزوج امرأة في (¬10) الحذائين فنسب إليهم. (المعنى، عن عبد الله (¬11) بن شقيق قال: سألت عائشة عن صلاة ¬

_ (¬1) في (م) فإنه. وفي (س، ل): فإنه فإن. (¬2) في (ص، س): الفريضة ثم يقول. (¬3) "جامع الترمذي" (413). (¬4) في (م): يعين. (¬5) في (م): العصر. (¬6) في (م): بعد. (¬7) "المجتبى" 3/ 262. (¬8) "المفهم" 2/ 365. (¬9) من (س، ل، م)، و"السنن". (¬10) في (م): من. (¬11) في (م): عبيد الله.

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) من لبيان الجنس (التطوع فقالت: كان يصلي قبل الظهر أربعًا) وللترمذي عن عبد الله بن السائب: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي أربعًا بعد أن تزول الشمس قبل الظهر، وقال: "إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء، وأحب أن يصعد لي فيها عملٌ صالح". ثم قال: حديث حسن (¬1) (في بيتي) لفظ مسلم (¬2): في بيته (¬3)، وهو إياه (¬4). (ثم يخرج فيصلي) الإتيان بفاء التعقيب يدل على أن الفرائض يستحب أن تكون عقب النوافل بلا مهلة (بالناس ثم يرجع إلى بيتي فيصلي ركعتين) فيه فضيلة استحباب النوافل الراتبة في البيت كما يستحب فيه غيرها، ولا خلاف في ذلك عندنا (¬5)، وبه قال الجمهور، و [سواء] (¬6) عندنا وعندهم راتبة فرائض النهار والليل، وقال جماعة من السلف: والاختيار فعلها في المسجد كلها. وقال مالك (¬7) والثوري: الأفضل فعل نوافل النهار الراتبة في المسجد، و [راتبة] (¬8) الليل في البيت، ودليلنا ما سيأتي: "أنه - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) "جامع الترمذي" (478). (¬2) زاد في (ص، س): وهو. وهي زيادة مقحمة. (¬3) هذا ليس لفظ مسلم كما قال المصنف، ولكن لفظ مسلم مثل لفظ أبي داود. وانظر: "صحيح مسلم" (730) (105). (¬4) في (ص): إمام. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (م): بنوا. (¬7) "المدونة" 1/ 188 - 189. (¬8) في (ص، م): رواتب. والمثبت من (س، ل)، و"شرح النووي على مسلم" 6/ 9.

صلى سنة (¬1) الصبح والجمعة في بيته، وهما صلاتا نهار مع الحديث المتقدم: أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته [إلا المكتوبة] " (¬2) (¬3). (وكان يصلي بالناس المغرب، ثم يرجع إلى بيتي (¬4) فيصلي ركعتين وكان يصلي بهم (¬5) العشاء ثم يدخل بيتي فيصلي ركعتين) ظاهر هذا (¬6) الحديث أن الأفضل أن تكون الرواتب التي قبلها والتي بعدها قريبًا منها، وذكر بعضهم أن سنة الصلاة التي قبلها والتي بعدها شرطها أن تقع قريبًا منها، [فإن طال] (¬7) الفصل بينهما لم [يعتد بها] (¬8)، حكاه نجم الدين القمولي في أوائل صفة الصلاة من "جواهره" ثم استغربه، ومنهم من علل القرب منها بأن النوافل تصعد مع الفرائض إلى (¬9) الله تعالى (وكان يصلي من الليل تسع (¬10) ركعات فيهن الوتر) قال القرطبي: هو مثل حديث سعد بن هشام: كان يصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة (¬11)، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي ¬

_ (¬1) في (ص): في بيته. (¬2) زيادة يقتضيها السياق، وهي "شرح النووي على مسلم". (¬3) "شرح النووي على مسلم" 6/ 9 - 10. (¬4) في (ص): بيته. (¬5) سقط من (م). (¬6) من (م). (¬7) في (م): فلو أطال. (¬8) في (م): يعيدها. (¬9) في (ص، س): هو. (¬10) في (ص، س): سبع. والمثبت من (م)، و"السنن". (¬11) في (ص): الثانية.

التاسعة (¬1) قال: وهذا مخالف لما سيأتي بعد هذا من قولها (¬2): أنه كان يصلي [إحدى عشرة ركعة يسلم في كل ثنتين ويوتر بواحدة (¬3)، ولما قالت: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي] (¬4) ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرها (¬5)، وقد أشكلت (¬6) هذِه الأحاديث على كثير من العلماء حتى إن بعضهم نسب حديث عائشة في صلاة الليل إلى الاضطراب، وهذا إنما يصح لو كان الراوي عنها واحدًا، أو أخبرت عن وقت واحد، والصحيح أن كل ما ذكرته صحيح من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في أوقات متعددة وأحوال (¬7) مختلفة حسب النشاط والتيسير، وليبين أن كل ذلك جائز (¬8). (وكان يصلي ليلًا طويلًا قائمًا وليلًا طويلًا جالسًا) فيه جواز التنفل قاعدًا مع القدرة على القيام، وإن كان أجره على النصف، ولا خلاف فيه (وإذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ وهو قاعد ركع وسجد وهو قاعد) هذا يخالف (¬9) حديثها الآخر (¬10) المتقدم: أنه كان ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (746) (139)، والنسائي 3/ 199، وابن ماجه (1191)، والدارمي (1475)، وأحمد 6/ 53. (¬2) في (م): قوله. (¬3) سيأتي تخريجه بعد ذلك إن شاء الله تعالى. (¬4) سقط من (م). (¬5) سيأتي تخريجه بعد ذلك إن شاء الله تعالى. (¬6) في (م): استشكلت. (¬7) في (م): أحواله. (¬8) "المفهم" 2/ 367. (¬9) في (ص): مخالف. (¬10) سقط من (م).

يصلي جالسًا فيقرأ وهو جالس فإذا بقي عليه من قراءته قدر [ما يكون] (¬1) ثلاثين أو أربعين آية قام فقرأ وهو قائم ثم ركع. أخرجه البخاري ومسلم (¬2)، ولا تناقض فيه؛ فإن ذلك كان منه في أوقات مختلفة، وبحسب ما يجد من المشقة. والانتقال في النافلة من الجلوس إلى القيام أو من القيام جائز عند جمهور العلماء (¬3): مالك (¬4) والشافعي (¬5) وأبي حنيفة وغيرهم، وكره محمد بن الحسن وأبو يوسف (¬6) أن يبتدئ صلاته قائمًا ثم يقعد ثم يركع قاعدًا؛ لأنه انتقال من حالة إلى [دونها بخلاف العكس وحجة الجمهور أنه انتقال من حالٍ إلى] (¬7) حال لو ابتدأ الصلاة عليه جاز كالانتقال من القعود إلى القيام المتفق عليه عندهم وعندنا. واختلف كبراء (¬8) أصحاب مالك إذا نوى القيام فيها كلها هل له أن يجلس في بقية الصلاة أم لا على قولين، الأول لابن القاسم (¬9) والثاني لأشهب (¬10)، [وعلى قول أشهب] (¬11) هل يلزمه ذلك بمجرد النية أو ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "صحيح البخاري" (1119)، و"صحيح مسلم" (731) (112). (¬3) "الاستذكار" 5/ 412. (¬4) "المدونة" 1/ 173. (¬5) "الأم" 1/ 166 - 167. (¬6) "بدائع الصنائع" 1/ 297، و"المبسوط" 1/ 371. (¬7) سقط من الأصل، (س)، والمثبت من (ل، م). (¬8) في (م): أكثر. (¬9) "المدونة" 1/ 173. (¬10) "مواهب الجليل" 2/ 273. (¬11) سقط من (م).

بإلزامه (¬1) ذلك نفسه بالنذر قولان لأشياخهم (¬2). (وكان إذا طلع الفجر صلى ركعتين) [في بيتي (ثم يخرج فيصلي بالناس صلاة الفجر) (¬3)] (¬4)، قد يؤخذ منه أن الإمام يصلي أول الوقت ولا ينتظر اجتماع الناس (¬5) وإعلام المؤذن باجتماعهم. [1252] (حدثنا القعنبي، عن مالك (¬6)، [عن نافع] (¬7)، عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين) هذا مطلق يحتمل أن يكونا (¬8) في البيت أو في المسجد، لكن الحديث الذي قبله مصرح بأنه كان يرجع إلى بيت عائشة فيصلي ركعتين (وبعد المغرب ركعتين في بيته) وفي "جامع الأصول" لابن الأثير عن حذيفة كان يقول: "عجلوا الركعتين بعد المغرب فإنهما يرفعان مع المكتوبة" (¬9) [ولم يعزه] (¬10) (وبعد العشاء ركعتين) أي في بيت عائشة كما تقدم قبله. ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): بالتزامه. وفي (م): قال إنه. والمثبت من "المفهم". (¬2) "المفهم" 2/ 368. (¬3) أخرجه مسلم (730) (105)، وأحمد 6/ 30. (¬4) سقط من الأصل، (س) والمثبت من (ل، م). (¬5) سقط من (س، ل، م). (¬6) من (م)، و"السنن". (¬7) سقط من (م). (¬8) في (ص، س): يكون. (¬9) "جامع الأصول" 6/ 35. (¬10) سقط من (م).

(وكان لا (¬1) يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين) ولم يذكر الصلاة قبل الجمعة، وذكر بعضهم أنها لما كانت ظهرًا مقصورة أو [. . . .] (¬2) الظهر فاكتفى بالحديث الذي قبله: كان يصلي قبل الظهر أربعًا، وتقدم في باب الصلاة بعد الجمعة عن نافع: كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة ويصلي بعدها ركعتين في بيته، ويذكر (¬3) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك (¬4)، واعلم أنه قد ورد في أعداد الرواتب زيادة كثيرة على ما في هذا الحديث، قال الأوزاعي: حصل لي في أقل الكمال وأكمله (¬5) ثمانية، أو [خمسة وعشرون] (¬6) إلى ست ركعات. قال الشافعية: ما ذكر في هذا الحديث من الرواتب (¬7) المؤكدة، وما سواها سنة ليس بمؤكدة [وغير مؤكدة] (¬8)، وللمؤكد (¬9) أقل وأكمل. [1253] (حدثنا مسدد، حدثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن شعبة، ¬

_ (¬1) من (س، ل، م)، و"السنن". (¬2) بياض في (ص)، وغير مقروءة في (س، ل)، وفي (م): وإبدال. ولعل الصواب: بدل. (¬3) في (ل، م): يحدث. (¬4) سبق تخريجه. (¬5) في (م): والجملة. (¬6) في (م): حد عشر ركعة. وفي (س، ل): خمس وعشرين. (¬7) زاد في (س، ل): من. وفي (م): في. (¬8) في (م): فإن فيها مؤكدة وغيره للمؤكد. (¬9) في (ل): للمؤكدة.

عن إبراهيم [بن محمد] (¬1) بن المنتشر) الهمداني. (عن أبيه) محمد بن المنتشر بن الأجدع الهمداني ثقة (عن (¬2) عائشة - رضي الله عنها -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يدع أربعًا قبل الظهر وركعتين قبل) صلاة (الغداة) (¬3) فيه دليل على عظم فضيلة (¬4) هذِه الصلاة لمواظبته على فعلها، ويدل على مواظبته عليها ما رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" عن أبي أيوب قال: [لما نزل (¬5)] علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأيته (¬6) يديم أربعًا قبل الظهر، وقال: "إنه إذا زالت الشمس فتحت أبواب السماء فلا يغلق منها باب حتى يصلى الظهر، فأنا أحب أن يرفع لي في تلك الساعة خير" (¬7). وسيأتي مع ركعتي صلاة (¬8) الغداة. فيه دليل على تسمية صلاة الصبح غداة. ¬

_ (¬1) من (ل، م)، و"السنن". (¬2) "الكاشف" 3/ 99. (¬3) سقط من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) في (ص، س، ل): ما ترك. والمثبت من (م)، و"المعجم الكبير" و"الأوسط". (¬6) في (ص، س، ل): راتبته. وفي (م): راتبة. والمثبت من مصادر التخريج. (¬7) "المعجم الكبير" (4035)، و"المعجم الأوسط" (2673). (¬8) من (ل، م).

2 - باب ركعتي الفجر

2 - باب رَكْعَتَيِ الفَجْرِ 1254 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنِ ابن جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي عَطاءٌ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها قالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَكُنْ عَلَى شَيْءٍ مِنَ النَّوافِلِ أَشَدَّ مُعَاهَدَةً مِنْهُ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ (¬1). * * * باب ركعتي الفجر [1254] (حدثنا مسدد، حدثنا يحيى) القطان (عن) عبد الملك (بن جريج، حدثنا عطاء، عن عبيد (¬2) بن عمير) كذا سند البخاري، عن يحيى بن سعيد (عن عائشة قالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن على شيء) [متعلق بالمصدر وهو معاهدةً فهو مقدم من تأخير] (¬3) (من النوافل) جمع نافلة وأصلها في اللغة الزيادة، فسميت هذِه الصلوات بذلك لزيادتها على المكتوبات، والصحيح أن السنة والمندوب والمستحب والتطوع والمرغب فيه ونحو ذلك ألفاظ مترادفة، وغاير (¬4) القاضي حسين بينها فقال: السنة ما واظب عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، والمستحب ما فعله مرة أو مرتين (¬5)، وتبعه صاحب "التهذيب" (¬6) و"الكافي"، وذكره الغزالي في "الإحياء" (¬7). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1169)، ومسلم (724/ 94). (¬2) في (م): عبد. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): وغاية ما ذكره. (¬5) "الإبهاج" 1/ 57، و"الفواكه الدواني" 1/ 149. (¬6) سقط من (م). (¬7) "إحياء علوم الدين" 1/ 374.

(أَشدَّ) بالنصب على أنه خبر كان (معاهدة) منصوب على التمييز؛ وذلك لتعذر صوغ أفعل التفضيل من تعاهد على (¬1) ما شرطه الجمهور أن لا يزيد الفعل على ثلاثة أحرف، والمعاهدة المحافظة على الشيء، وتجديد العهد به، ويقال في التعاهد تعهد أيضًا، وهو أنسب في هذا الموضع (¬2) من التعاهد؛ لأن التفاعل لا يكون إلا من شيئين، والمراد بشدة المعاهدة كثرة تأكدها وكثرة ثوابها، حتى إن الإمام الرازي في "المحصول" نقل عن الفقهاء أن أهل محلة لو اتفقوا على ترك سنة الفجر بالإصرار قوتلوا بالسلاح (¬3)، وهذا غريب، ولا يعرف ذلك (¬4) عن الفقهاء ولا غيرهم، وإنما ذاك في الأذان والعيد (¬5) والجماعة ونحوها من [الشعائر الظاهرة] (¬6)، ومع ذلك فالصحيح أنهم لا يقاتلون عليها إذا قلنا: سنة. (منه) متعلق بأشد (على الركعتين قبل الصبح) واعلم أن في هذا التركيب إشكالًا من جهة الإعراب، ذكره العلامة شمس الدين البرماوي فقال: (على الركعتين) لا يصح تعلق هذا (¬7) الجار بمعاهدة؛ لأنه قد استوفى عمله، وهو "على شيء من النوافل" [وأيضًا فهو منفي، والمقصود هنا الإثبات في ركعتي الفجر، فبماذا يتعلق؟ وقد يقال: إنه ¬

_ (¬1) في (س، ل، م): عند. (¬2) و (¬3) "المحصول" 1/ 119. (¬4) من (م). (¬5) في (م): الصيد. (¬6) في (م): الصغائر. (¬7) سقط من (م).

متعلق بمحذوف، يدل عليه معنى الكلام، والتقدير لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - أشد تعاهدًا (¬1) على شيء من النوافل] (¬2) كما هو أشد تعاهدًا على ركعتي الفجر، والمفضل (¬3) والمفضل عليه بصيغة أشد معاهدة واحد باعتبارين، أي أنه - صلى الله عليه وسلم - كان شديد المعاهدة على النوافل ومنها ركعتا الفجر، إلا أن شدة تعاهده على ركعتي الفجر يزيد على شدة تعاهده على غيرها من النوافل. فإن قيل: التركيب في هذا الحديث لا يشعر بذلك، بل الذي فيه نفي [أشدية تعاهد غيرها] (¬4) عليها، ووراءه أمران أشد منه على ركعتي الصبح والمساواة بينهما، والجواب هنا أن أفعل (¬5) التفضيل بمعنى الفعل كما قدر أهل العربية ذلك في مسألة الكحل؛ إذ قالوا في نحو: ما رأيت رجلًا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد، أن معنى أحسن يحسن كحسنه، فإن جاء التفضيل على بابه لم يحصل المقصود؛ لأنه لا يلزم من نفي أحسنية الكحل في غير عين زيد أن يكون كحل عين زيد أحسن، بل وراءه ذلك والمساواة، تقدير ذلك هنا أن يقال: لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يشتد تعاهده على شيء من النوافل كما يشتد تعاهده على ركعتي الفجر، فحصل التفضيل بهذِه الطريق. ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) من (ل، م). (¬3) من (م). (¬4) في (م): شدة تعاهده على غيرها. (¬5) في (م): فعل.

3 - باب في تخفيفهما

3 - باب فِي تَخْفِيفِهِمَا 1255 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُعَيْبٍ الحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنا زُهَيْرُ بْنُ مُعاوِيَةَ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُخَفِّفُ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاةِ الفَجْرِ حَتَّى إِنِّي لأَقُولُ: هَلْ قَرَأَ فِيهِما بِأُمِّ القُرْآنِ (¬1). 1256 - حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنا مَرْوانُ بْنُ مُعاوِيَةَ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ كَيْسانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَرَأَ فِي رَكْعَتَيِ الفَجْرِ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (¬2). 1257 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا أَبُو المُغِيرَةِ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنِي أَبُو زِيادَةَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ زِيادٍ الكِنْدِيُّ، عَنْ بِلالٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِيُؤْذِنَهُ بِصَلاةِ الغَداةِ فَشَغَلَتْ عَائِشَةُ بِلَالًا بِأَمْرٍ سَأَلَتْهُ عَنْهُ حَتَّى فَضَحَهُ الصُّبْحُ فَأَصْبَحَ جِدًّا قَالَ: فَقَامَ بِلالٌ فَآذَنَهُ بِالصَّلاةِ وَتَابَعَ أَذَانَهُ فَلَمْ يَخْرُجْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا خَرَجَ صَلَّى بِالنَّاسِ وَأَخْبَرَهُ أَنَّ عائِشَةَ شَغَلَتْهُ بِأَمْرٍ سَأَلَتْهُ عَنْهُ حَتَّى أَصْبَحَ جِدًّا وَأَنَّهُ أَبْطَأَ عَلَيْهِ بِالخُرُوجِ فَقَالَ: "إِنِّي كُنْتُ رَكَعْتُ رَكْعَتَيِ الفَجْرِ". فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّكَ أَصْبَحْتَ جِدًّا. قَالَ: "لَوْ أَصْبَحْتُ أَكْثَرَ مِمّا أَصْبَحْتُ لَرَكعْتُهُما وَأَحْسَنْتُهُمَا وَأَجْمَلْتُهُما" (¬3). 1258 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا خَالِدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ - يَعْنِي: ابن إِسْحاقَ المَدَنِيَّ - عَنِ ابن زَيْدٍ، عَنِ ابن سِيْلانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1171)، ومسلم (724). (¬2) رواه مسلم (726). (¬3) رواه أحمد 6/ 14، البزار (1381)، والدولابي في "الكنى" (1008)، والطبراني في "مسند الشاميين" (791). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1143).

تَدَعُوهُما وَإِنْ طَرَدَتْكُمُ الخَيْلُ" (¬1). 1259 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ حَكِيمٍ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْن يَسارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ كَثِيرًا مِمَّا كَانَ يَقْرَأُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي رَكْعَتَيِ الفَجْرِ بِـ {آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} هذِه الآيَةَ، قَالَ: هذِه فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى وَفِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ بِـ {آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (¬2). 1260 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ بْنِ سُفْيانَ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُثْمانَ بْنِ عُمَرَ - يَعْنِي: ابن مُوسَى -، عَنْ أَبِي الغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَيِ الفَجْرِ {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى وَفِي الرَّكْعَةِ الأُخْرَى بهذِه الآيَةِ {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} أَوْ {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} شَكَّ الدَّاروَرْدِيُّ (¬3). * * * باب في تخفيفهما (¬4) [1255] (حدثنا أحمد) [بن عبد الله] (¬5) (بن أبي شعيب الحراني) بفتح الحاء المهملة، أخرج له البخاري. ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 405، البزار (8177)، والطحاوي في "المشكل" (4134). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (233). (¬2) رواه مسلم (727). (¬3) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1772)، والبيهقي 3/ 36. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1145). (¬4) في (م): تخفيفها. (¬5) سقط من (م).

(حدثنا زهير بن معاوية) بن خديج الكوفي الجعفي (حدثنا يحيى بن سعيد) الأنصاري. (عن محمد بن عبد الرحمن) بن سعد بن زرارة الأنصاري المدني (عن) عمته (عمرة) بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، من فقهاء التابعين، أخذت (¬1) (عن عائشة) - رضي الله عنها - وكانت في حجرها (قالت: كان (¬2) النبي - صلى الله عليه وسلم - يخفف الركعتين) اللتين (قبل) صلاة الفجر (¬3) وقيل: لمزاحمة الإقامة؛ لأنه كان لا يصليهما (¬4) في أكثر أحواله حتى يأتيه المؤذن للإقامة، وكان يغلس بصلاة الفجر (¬5). وقيل: التخفيف؛ لأنه ورد أن المؤمن يخفف عليه الحساب يوم القيامة حتى يكون كقدر ركعتي الفجر فاستحب تخفيفهما رجاء أن يحصل له ذلك. (حتى إني) بكسر همزة إني؛ لأن اللام دخلت على خبرها (لأقول هل قرأ فيهما بأم القرآن) وهي الفاتحة، سميت بذلك؛ لأنها مشتملة على كلمات (¬6) معاني القرآن الثلاث، ما يتعلق بالله تعالى وهو الثناء عليه، وبالعباد وهو العبادة، وبالمعاد [وهو الجزاء] (¬7)، واستدل بهذا ¬

_ (¬1) في (ص): حدث. والمثبت من (س، ل، م). (¬2) في (م): أن. (¬3) في (ص، س): الصلاة. (¬4) في (م): يصليها. (¬5) في (ل، م): الصبح. (¬6) في (م): كليات. (¬7) من (م).

الحديث على أنه لا يقرأ فيها (¬1) بشيء أصلًا، وجوابه رواه (¬2) شعبة، عن محمد بن عبد الرحمن: سمعت عمتي عمرة تحدث عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا طلع الفجر صلى ركعتين أقول يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب (¬3). فهذا أثبت قراءة الفاتحة خلافًا لمن نفاها، واستدل به بعضهم على أنه لا يزاد على فاتحة الكتاب، وهو مروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو مشهور مذهب مالك (¬4). وجوابه (¬5) أنها مع (¬6) الفجر من حيث الصورة كالرباعية ومن سنة الرباعية أن تكون الركعتان بأم القرآن، وحجة من قال: بسورة قصيرة ما رواه الحافظ (¬7) أبو نعيم، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: رمقت النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعًا وعشرين مرّة يقرأ في الركعتين من صلاة الغداة وفي (¬8) الركعتين بعد المغرب {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (¬9). ¬

_ (¬1) في (م): فيهما. (¬2) في (ل، م): رواية. (¬3) أخرجه البخاري (1165)، ومسلم (724) (93)، وأحمد 6/ 100، 172. (¬4) "الاستذكار" 5/ 293 - 294. (¬5) في (م): إخوانه. (¬6) في (م): من. (¬7) من (س، ل، م). (¬8) في (س، ل، م): من. (¬9) أخرجه أحمد 2/ 95.

وفي هذا الحديث حجة لما روي عن إبراهيم النخعي (¬1) و (¬2) مجاهد أنه يطيل القراءة فيها (¬3). ذكره ابن أبي شيبة (¬4) قال أبو حنيفة: ربما قرأت فيهما (¬5) جزأين من القرآن (¬6). واحتج بهذا (¬7) الطحاوي قال: لما كانت ركعتا الفجر من أفضل التطوع [لأنها خير من الدنيا وما فيها، كان الأولى أن يفعل فيها أشرف [ما يفعل] (¬8) [في التطوع (¬9)] (¬10) وهو إطالة الصلاة فيها. [1256] (حدثنا يحيى بن معين) أبو زكريا المري (¬11) البغدادي (¬12). (حدثنا مروان بن معاوية) الفزاري الحافظ. (حدثنا يزيد بن كيسان، عن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي، سلمان الأشجعي الكوفي مولى عزة بفتح المهملة والزاي الأشجعية. [(عن أبي هريرة] (¬13) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في ركعتي الفجر {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}) (¬14). ¬

_ (¬1) "شرح معاني الآثار" 1/ 300. (¬2) في (م): عن. (¬3) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 4/ 379 (6418). (¬4) في (ص): شعيب. وفي (س): شعبة. (¬5) في (م): فيها. (¬6) "شرح معاني الآثار" 1/ 300. (¬7) في (س، ل): لهذا. وفي (م): بهم. (¬8) سقط من (م). (¬9) "شرح معاني الآثار" 1/ 300. (¬10) من (ل، م)، و"شرح معاني الآثار". (¬11) في (ص، س): المعرى. (¬12) "التهذيب" 3/ 544 - 555. (¬13) سقط من (م). (¬14) أخرجه مسلم (726) (98)، والنسائي 2/ 155، وابن ماجه (1148).

رواه الطبراني وأبو يعلى بإسنادٍ حسن، وأوله: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} تعدل ربع القرآن"، وكان يقرأ بهما في ركعتي الفجر، وقال: "هاتان الركعتان فيهما رغب الدهر (¬1) " (¬2)، فقد جمع في هذا الحديث قوله: "رغب الدهر" بفتح الراء والغين المعجمة، وروى الطبراني (¬3) أيضًا وأحمد (¬4): سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تدعوا الركعتين قبل الفجر فإن فيهما الرغائب". وروى أحمد منه: "وركعتي الفجر حافظوا عليهما فإن فيهما الرغائب" (¬5) الرغائب (¬6): ما يرغب فيه من الثواب العظيم، وبه سميت صلاة الرغائب واحدها رغبة. [1257] (حدثنا أحمد بن حنبل (¬7)، حدثنا أبو المغيرة) عبد القدوس بن الحجاج الخولاني الحمصي (¬8) (حدثني عبد الله بن العلاء) بن زبر (¬9) (¬10) بن عطارد الربعي أبو زبر (¬11) (حدثنا أبو زيادة عبيد الله) ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "المعجم الكبير" (13493)، و"المعجم الأوسط" (186)، وذكره أبو يعلى في "مسنده" (5720) بمعناه. (¬3) "المعجم الكبير" (13502)، و"المعجم الأوسط" (2959). (¬4) زاد في (ل، م): عنه. وهذا الحديث ليس في "مسند أحمد"، ولعلها زيادة مقحمة. (¬5) لم يروِ هذا الحديث أحمد، وروى أحمد 2/ 82 بلفظ: "وركعتا الفجر حافظوا عليهما فإنهما من الفضائل". (¬6) من (م). (¬7) زاد في (م): قال. (¬8) سقط من (م). (¬9) في (ص، س): زيد. وفي (م): يزيد. (¬10) "تهذيب الكمال" 15/ 405، و"الإكمال" 4/ 162. (¬11) في (ص، س): رزين. والمثبت من "تهذيب الكمال"، و"الإكمال".

بالتصغير (بن زيادة الكندي) وثقه دحيم (¬1) (عن بلال) بن رباح مولى أبي بكر الصديق، أمه حمامة (أنه حدثه أنه أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليؤذنه) أي: ليعلمه باجتماع الناس. وفيه استحباب إتيان المؤذن إلى الإمام ليعلمه بدخول وقت الصلاة وباجتماعهم. وفي رواية الطبراني في "الأوسط" عن بلال أنه كان يقول عند إعلامه: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله، الصلاة رحمك الله (¬2). وروى الطبراني [في "الكبير"] (¬3) عن قتادة: أن عثمان كان (¬4) إذا جاءه من يؤذنه بالصلاة قال: مرحبًا بالقائلين عدلًا وبالصلاة مرحبًا وأهلًا. وقتادة لم يسمع من عثمان (¬5) (بصلاة الغداة) فيه تسمية صلاة الصبح بالغداة كما تقدم مرات. (فشغلت) [بأربع فتحات قبل سكون تاء التأنيث] (¬6). (عائشة - رضي الله عنها - بلالًا (¬7) بأمرٍ سألته عنه) فيه جواز حديث المرأة لعتيق زوجها (¬8) وسؤالها إياه عما تحتاج إليه، وطول الحديث معه، وإن كان قد جاء في حاجة لزوجها وتعظيمه لحرمتها في عدم إنكاره عليها، ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 19/ 45. (¬2) في (ص، س، ل): يرحمك. والمثبت من "المعجم الأوسط". (¬3) سقط من (م). (¬4) من (س، ل، م)، و"المعجم الكبير" 1/ 87 (129). (¬5) "مجمع الزوائد" 2/ 106. (¬6) و (¬7) سقط من (م). (¬8) كذا في الأصول الخطية، ولعل الصواب: لغير زوجها.

وإعلامها إياه (¬1) أنها (¬2) شغلته عما جاء بسببه (¬3) وأن المصلين [ينتظرون حضور] (¬4) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصلي بهم (حتى فضحه) بفتح الفاء والضاد المعجمة، ومعناه: دهمته فضحة (الصبح) وهي بياضه، والفضحة بياض في غبرة والأفضح الأبيض ليس بشديد البياض، وقيل: فضحه أي كشفه وبينه للأعين بضوئه، ويحتمل أنه لما ظهرت غفلته صار كمن يفتضح بعيب يظهر منه، ورواه بعضهم بالصاد المهملة وهو بمعناه (¬5)، وقيل: بأن له الصبح، والإفصاح بالكلام الإبانة باللسان عن (¬6) الضمير (¬7). (فأصبح جدًّا) بكسر الجيم (قال: فقام بلال فآذنه) بمد الهمزة (بالصلاة، وتابع أذانه) أي: إعلامه، قال الله تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ} أي: إعلامٌ منه، ومعنى (¬8) تابع أذانه: كرره وجعل الأذان يتبع بعضه بعضًا لما رأى أن (¬9) الصبح فضحه جدًّا (فلم يخرج) إليه (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما خرج) بعد ذلك و (صلى بالناس) اعتذر بلال إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. (وأخبره) أن سبب تأخره (أن عائشة شغلته بأمر سألته عنه حتى أصبح جدًّا، وأنه) - صلى الله عليه وسلم - (أبطأ عليه بالخروج) حتى تابع عليه الأذان. ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) سقط من (س، ل). (¬3) في (م): نسبه. (¬4) في (م): حضرون. (¬5) "النهاية في غريب الحديث والأثر" (فضح). (¬6) زاد في (ص): ما في. (¬7) "شرح سنن أبي داود" للعيني 4/ 96. (¬8) في (م): منه. (¬9) من (ل، م).

(فقال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إني كنت ركعت ركعتي الفجر) يشبه أن يكون المراد بركعتي الفجر صلاة الصبح، ويكون من مكارم أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - الجميلة، ومحاسن شيمه الشريفة في مراعاة جانب زوجته أم المؤمنين - رضي الله عنها - لما رآها تسأل بلالًا لم يقطع عليها كلامها الذي كانت فيه، ولا يشوش عليها ولا عليه في اشتغاله معها عن صلاة الصبح، ومع ذلك راعى جانب الله تعالى في المبادرة إلى ما أوجبه الله (¬1) عليه من الصلاة، فصلى صلاة الصبح في بيته في أوائل وقتها جمعًا بين المصالح، وأما (¬2) مراعاة من في المسجد فلعله علم أنه لم يحضر أحد، أو حضروا (¬3) وكان عندهم من يصلي بهم، فقد كان يحبسهم عن الحضور شدة البرد والمطر والوحل وغير ذلك من الأعذار. كما روى البزار بسند فيه أيوب بن سنان عن بلال أيضًا - رضي الله عنه -، قال: أذنت في غداة باردة فأبطأ الناس عن الصلاة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " [ما للناس] (¬4) يا بلال؟ " قال: قلت: حبسهم البرد. قال: "اللهم أذهب عنهم البرد". قال: فرأيتهم يتروحون في صلاة الغداة (¬5). ومعنى يتروحون، أي: من شدة الحر الذي يجدونه بالمروحة، قاله ابن الأثير (¬6) في تفسير حديث غير هذا في معناه (فقال: يا رسول الله إنك أصبحت جدًّا قال) له (¬7) ¬

_ (¬1) و (¬2) من (م). (¬3) في (ل): حذروا. (¬4) من (ل، م). (¬5) "مسند البزار" (1356). (¬6) "النهاية" (روح). (¬7) من (ل، م).

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لو أصبحت أكثر مما أصبحت) [جواب لو] (¬1) محذوف تقديره: لو أصبحت أكثر مما أصبحت ولم أكن ركعتهما في البيت (لركعتهما) حيث (¬2) ركعتهما معكم. (وأحسنتهما) (¬3) بالإتيان بالسنن والهيئات (وأجملتهما) (¬4) بالآداب والتطوعات، ويحتمل أن يراد بركعتي الفجر (¬5) في البيت سنة الفجر، والتقدير: لو كنت قد أصبحت جدًّا في تأخير الوقت عما صليتهما فيه لركعتهما في الوقت الذي تأخرت إليه، وزدت في إحسانهما بالسنن وإجمالهما بالآداب، ولعل هذا أصوب. وفي هذا (¬6) الحديث دليل على جواز تأخير الإمام الصلاة بالجماعة لحاجة تطرأ له (¬7) من زوجته وأهله وولده إذا اشتغل بهما (¬8)، واستحباب انتظار الجماعة له، وأن لا يصلي بهم غيره ما دام الوقت باقيًا إذا لم يخف خروج الوقت، وأن الإمام إذا أخر الصلاة مع الجماعة فلا يؤخرها عن الإتيان بها في البيت أول وقتها، ثم يعيدها مع الجماعة فتقع له نافلة كما كانت تقع لمعاذ كما في حديث: "إنه سيكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة ويميتونها (¬9) فصلوها في بيوتكم، ثم إذا حضرتم المسجد فصلوها معهم، فإنها تكون لكم نافلة" (¬10). وإن لم يصل ¬

_ (¬1) في (م): فيه. (¬2) في (م): حين. (¬3) في (م): أحسبنها. (¬4) في (م): أجملتها. (¬5) من (س، ل، م). (¬6) من (ل، م). (¬7) في (ص): نظر الرجل. وفي (م): نظروا إليه من. (¬8) في (م): بها. (¬9) في (م): يخففونها. (¬10) أخرجه مسلم (648) (238)، والترمذي (176)، والدارمي (1228)، وأحمد =

الفرض في البيت فيصلي النافلة أول الوقت، ولا يجمع بين تأخير الفرض والنفل، وفيه دليل على أن من أخَّر الصلاة المكتوبة لغير عذر شرعي كاشتغاله ببيع أو (¬1) شراء، أو شيء من الأمور الدنيوية [أو لأمر (¬2) معتبر، وأتى بالصلاة] (¬3) قبل خروج الوقت أن يتدارك الصلاة ويأتي بها زائدة عما (¬4) كان يصليها في أول [الوقت في] (¬5) القراءة (¬6) والتسبيحات والدعوات والطمأنينة والخشوع، [ما دام الوقت باقيًا] (¬7) ويكون في صلاته خجلًا مستحيًا معترفًا بالتقصير عن تأخير الصلاة عن أول وقتها وحرمانه فضيلته، [ويتصدق ويعتق كما كان يفعل السلف] (¬8) لذنب صدر منه. وقد ترحمت في كتابة هذا الحديث على (¬9) شيخنا العلامة الذي فتح (¬10) عليه في علم الشريعة والحقيقة والقرآن والطب (¬11) والنظم الرائق وغير ذلك من أنواع العلوم النافعة، حتى (¬12) صار إذا تكلم بعد أن رجع إلى الناس من التجرد والسياحة كالبحر الزاخر، وصنف المصنفات الكثيرة؛ لكن بلغني أنه غسل (¬13) غالبها، فإني دخلت ¬

_ = 5/ 169. (¬1) في (م): و. (¬2) في (ص): لا شيء. (¬3) في (م): أو يعتدوا إلى الصلاة. (¬4) في (م): كما. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (ص، س): الغداة. (¬7) و (¬8) سقط من (م). (¬9) في (م): عن. (¬10) في (ص، س): صح. (¬11) في (ص): النثر. (¬12) زاد في (ص، س): إذا. وهي زيادة مقحمة. (¬13) كذا في الأصول الخطية، ولعل الصواب: غير.

عليه (¬1) يومًا فوجدته يتكلم في هذا المعنى، لكن لم أسمعه يقول هذا الحديث، وأن الناس عملهم اليوم (¬2) على خلاف هذا فإنهم يؤخرون الصلاة اشتغالًا بدنياهم، ثم إذا صلوها يأتون بالفرض دون السنة التي قبلها والتي بعدها، وينقصون في القراءة عما كانوا يعتادونه في الصلاة أول الوقت، وفي الأذكار، ويتركون الطمأنينة كما جاء في صلاة المنافقين ينقرها (¬3) أربع ركعات (¬4) لا يذكرون الله إلا قليلًا. [1258] ([حدثنا مسدد] (¬5)، حدثنا خالد) بن عبد الله الواسطي الطحان أحد العلماء. (حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق) [بن عبد الله] (¬6) (المدني) العامري مولاهم المدني (¬7)، أخرج له مسلم والأربعة. (عن) محمد (بن زيد) (¬8) بن المهاجر [بن قنفذ المدني] (¬9)، أخرج له مسلم والأربعة (¬10)، عن عبد ربه، وقيل: جابر (بن سيلان) بكسر السين المهملة (¬11) وسكون المثناة تحت، وآخره نون، قال المنذري (¬12): وقد جاء مبينًا (¬13) في بعض طرقه: عبد ربه بن سيلان، قال: وقد رواه ابن ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (ص): اليوم عملهم. (¬3) في (س، ل، م): ينقر فيها. (¬4) في (م): نقرات. (¬5) من (ل، م)، و"سنن أبي داود". (¬6) و (¬7) سقط من (م). (¬8) في (ص): يزيد. (¬9) من (س، ل، م). (¬10) من (ل، م). (¬11) من (م). (¬12) في (ص، س): السعدي. (¬13) في (م): مثبتًا.

المنكدر أيضًا (¬1). (عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) في ركعتي الفجر: (لا تدعوهما) أي: لا (¬2) تتركوهما (وإن طردتكم الخيل) خيل العدو من الكفار وغيرهم، بل صلوها (¬3) وإن كنتم ركبانًا أو مشاة بالإيماء إلى الركوع والسجود أخفض، ولو إلى غير القبلة. وفيه دليل على جواز ذلك في صلاة النافلة، وعلى الاعتناء (¬4) بركعتي الفجر وشدة الاحتراص على فعلهما (¬5) حضرًا وسفرًا، وفي حال الهرب من سيل [أو حريق] (¬6) أو سبع أو حية إذا لم يمكن منعه من نفسه ولا التحصين عنه لوجود الخوف، وقد يجوز ذلك عند الخوف من لص يريد أخذ ماله ونحو ذلك. [1259] (حدثنا أحمد) بن عبد الله (بن (¬7) يونس) (¬8) اليربوعي (حدثنا زهير (¬9)، حدثنا عثمان بن حكيم) بن عباد بن حنيف (¬10) الأنصاري، أخرج له مسلم (أخبرني سعيد بن يسار) بفتح المثناة تحت والمهملة ¬

_ (¬1) "مختصر سنن أبي داود" (2/ 75). (¬2) سقط من (س، ل، م). (¬3) في (ل، م): صلوهما. (¬4) في (م): الاعتبار. (¬5) في (ل، م): فعلها. (¬6) من (ل، م). (¬7) سقط من (م). (¬8) في (ص، س، ل): يوسف. (¬9) زاد في (م): (حدثنا غيلان بن الحكم الحداني بضم الحاء المهملة وتشديد الدال وبعد الألف نون ابن قلدان بن شمس من الأزد، قال ابن يونس: عرض عليه قضاء مصر فأبى وهجر الليث لإشارته عليه أن يتولى). وهي زيادة مقحمة. (¬10) في (ص، س): جبير. والمثبت من "تهذيب الكمال".

المدني مولى ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -. (عن عبد الله بن عباس: أن كثيرًا مما كان يقرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ركعتي الفجر) ولمسلم: كان يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما: {قُوْلُوْا آمَنَّا بِاللَّهِ} الآية التي في البقرة (¬1). (بـ {آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} هذِه الآية [في الركعة الأولى]) (¬2) يفهم منه أن آخره (¬3) {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}. (وفي الركعة الآخرة) منهما (بـ {آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}) يعني: الآية التي في آل عمران {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84)} فيفتتح الأولى بـ {قُوْلُوْا آمَنَّا بِاللَّهِ} كما صرّح به مسلم والنسائي، ويختم الأولى والثانية بقوله: {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}. [1260] (حدثنا محمد بن الصباح بن سفيان) الجرجرائي، وجرجرايا (¬4) ما بين واسط وبغداد، وثقه أبو زرعة وغيره (¬5). (حدثنا عبد العزيز بن محمد) الدراوردي (عن عثمان بن عمر بن موسى) التيمي، ولي القضاء للمنصور. (عن أبي الغيث) سالم مولى ابن المطيع (عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في ركعتي الفجر (¬6) {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا}) يعني إلى قوله: {وَنَحْنُ لَهُ ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (727) (99). (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): آخر القراءة. وفي (س، ل): آخر. (¬4) سقط من (م). (¬5) "الجرح والتعديل" 7/ 289. (¬6) في (ص، س): الركعة الأولى. وفي (م): الركعتين الأولى.

مُسْلِمُونَ} (في الركعة الأولى) منهما (¬1). و(في الركعة الآخرة (¬2) بهذِه الآية) وأولها ({رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ}) يعني: عيسى - عليه السلام -؛ لأن [الآية من] (¬3) سياق قول (¬4) الحواريين ({فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}) قال ابن عباس: معناه (¬5) اجعلنا من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ممن يشهد على الناس، والمراد أثبت أسماءنا مع أسمائهم، واجعلنا من جملتهم (¬6). قلت (¬7): ويحتمل أن يكون (¬8) انتهى قول الحواريين عند آخر الآية {فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} فإن الإيمان والشهادة تقدمت منهم، فما الفائدة في إعادتها؟ وتكون {رَبَّنَا آمَنَّا} الآية من كلام الله تعالى أو (¬9) من كلام الملائكة تعليمًا لهذِه الأمة وإرشادًا لهم أن يقتدوا بحواري عيسى ويؤمنوا بالله كما آمن (¬10) الحواريون، ويشهدوا لنبيهم محمد - صلى الله عليه وسلم - بالرسالة، ويسألوا الله أن يكتبهم مع من شهد لنبيه، ويكون هذا كما قيل في حكاية قول (¬11) النملة {يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ} [انتهى كلامها، ثم قال الله أو الملائكة] (¬12) {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} ورأيت بعض المتأخرين وهو (¬13) الزركشي يسمي هذا ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) من (ل، م)، و"سنن أبي داود". (¬3) في (م): في. (¬4) سقط من (م). (¬5) في (م): معنى الآية و. (¬6) "تفسير القرطبي" 4/ 98. (¬7) من (س، ل، م). (¬8) زاد في (ص، س): قوله. وهي زيادة مقحمة. (¬9) في (م): و. (¬10) في (ص): أمر. (¬11) و (¬12) سقط من (م). (¬13) في (ص): هم.

من المدرج في (¬1) كتاب الله كما جاء المدرج في الأحاديث النبوية آخر الخبر، ولم أر من ذكر هذا (أو) سمعه يقرأ بهذِه الآية التي في البقرة ({إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}) نصب على الحال {وَنَذِيرًا} عطف عليه (¬2) ({وَلَا تُسْأَلُ}) بضم التاء ورفع آخره قراءة الجمهور، وقرأ نافع بفتح التاء وجزم آخره (¬3) على النهي عن السؤال (¬4) ({عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ}) (¬5)، وفي معناه وجهان: أحدهما: النهي عمن عصى وكفر من الأحياء لم لا يطيع أو يؤمن بعد الإنذار؛ فنهى عن السؤال عنه؛ لأنه قد يتغير حاله. والثاني: السؤال عمن مات كافرًا من (¬6) أبويه أو غيرهم. وقد يؤخذ من هذا الحديث جواز القراءة في الركعات على (¬7) غير نظم سور القرآن، فقد صرح في هذا الحديث بأن الركعة الأولى {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ} وهي في آل عمران، فتعين أن الآية التي في البقرة في الثانية، وإن كان المستحب الترتيب، وقد روي عن الأحنف أنه قرأ بالكهف في الأولى وفي الثانية بيوسف، وذكر أنه صلى مع عمر الصبح بهما (¬8) استشهد به البخاري (¬9) مع أنه روي (¬10) عن ابن مسعود ¬

_ (¬1) في (م): من. (¬2) في (م): على قوله. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ص): المسؤول. وانظر: "السبعة" لابن مجاهد 1/ 169. (¬5) في (ص): به عن. (¬6) و (¬7) سقط من (م). (¬8) في (ص، م): بها. (¬9) "صحيح البخاري" (باب الجمع بين السورتين في الركعة). (¬10) من (س، ل، م).

أنه سئل عمن يقرأ القرآن منكوسًا قال: ذلك منكوس القلب (¬1)، وفسره أبو عبيد بأن يقرأ سورة، ثم يقرأ بعدها أخرى هي قبلها (¬2)، ويستدل به على أنه لا يكره أوساط السور، ولا أواخر السور، ولا أولها. ونقل المروزي (¬3) عن أحمد بن حنبل في الرجل يقرأ من أوسط السورة وآخرها فقال: أما آخر السورة فأرجو، وأما أوسطها فلا (¬4). ولعل هذا فيمن يداوم على ذلك، وعلى ما قاله المفسرون أن {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ} الآية، بقية (¬5) كلام الحواريين، فيستدل به على أنه يجوز للمصلي أنه يبتدئ قراءته بما (¬6) هو متعلق بما قبله كما في الآية. (شك) عبد العزيز (الدراوردي) بفتح الدال والراء المهملتين وبعد الألف واو مفتوحة، ثم راء ساكنة، قال ابن السمعاني: كان أبوه (¬7) محمد بن عبيد من داربجرد، وكان مولى لجهينة، فاستثقلوا أن يقولوا داربجردي فقالوا: دراوردي، وقيل: إنه من أندرانة (¬8)، شك في أي الآيتين سمع من شيخه. ¬

_ (¬1) أخرجه عبد الرزاق 4/ 323 (7947)، والطبراني في "الكبير" 9/ 170 (8846). (¬2) "غريب الحديث" 4/ 103 - 104. (¬3) في (ص، س، ل): المزني. (¬4) "المغني" 2/ 167. (¬5) في (ص، س): تفيد. وفي (م): معنى. (¬6) في (م): و. (¬7) في (ص، س): أبو. والمثبت من "الأنساب". (¬8) "الأنساب" 2/ 467.

4 - باب الاضطجاع بعدها

4 - باب الاضْطِجَاعِ بَعْدَهَا 1261 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَأَبُو كامِلٍ وَعُبَيْدُ اللهِ بْن عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالُوا: حَدَّثَنا عَبْدُ الواحِدِ، حَدَّثَنا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمُ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى يَمِينِهِ". فَقَالَ لَهُ مَرْوانُ بْنُ الحَكَمِ أَما يُجْزِئُ أَحَدَنا مَمْشاهُ إِلَى المَسْجِدِ حَتَّى يَضْطَجِعَ عَلَى يَمِينِهِ؟ قَالَ: عُبَيْدُ اللهِ فِي حَدِيثِهِ قَالَ: لا. قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ ابن عُمَرَ فَقَالَ: أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى نَفْسِهِ. قَالَ: فَقِيلَ لابنِ عُمَرَ: هَلْ تُنْكِرُ شَيْئًا مِمّا يَقُولُ؟ قَالَ: لا، وَلَكِنَّهُ اجْتَرَأَ وَجَبُنّا. قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبا هُرَيْرَةَ قَالَ: فَما ذَنْبِي إِنْ كُنْتُ حَفِظْتُ وَنَسُوا (¬1). 1262 - حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ، حَدَّثَنا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا مالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ سالِمٍ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَضَى صَلَاتَهُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ نَظَرَ فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي وَإِنْ كُنْتُ نائِمَةً أَيْقَظَنِي وَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى يَأْتِيَهُ المُؤَذِّنُ فَيُؤْذِنَهُ بِصَلاةِ الصُّبْحِ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الصَّلاةِ (¬2). 1263 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ زِيادِ بْنِ سَعْدٍ عَمَّنْ حَدَّثَهُ - ابن أَبِي عَتَّابٍ أَوْ غَيْرِهِ -، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: قَالَتْ عائِشَةُ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا صَلَّى رَكْعَتَيِ الفَجْرِ فَإِنْ كُنْتُ نائِمَةً اضْطَجَعَ وَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي (¬3). 1264 - حَدَّثَنا عَبَّاسٌ العَنْبَرِيُّ وَزِيادُ بْنُ يَحْيَى قَالَا: حَدَّثَنا سَهْلُ بْنُ حَمَّادٍ، عَنْ أَبِي مَكِينٍ، حَدَّثَنا أَبُو الفَضْلِ - رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ -، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (420)، وابن ماجه (1199)، وأحمد 2/ 415. مختصرًا. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1146). (¬2) رواه البخاري (1161)، مسلم (743). بلفظ: إذا صلى ركعتي الفجر، فإن كنت مستيقظة حدثني، وإلا اضطجع. (¬3) رواه البخاري (1161)، مسلم (743).

قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِصَلاةِ الصُّبْحِ فَكَانَ لا يَمُرُّ بِرَجُلٍ إِلَّا نَادَاهُ بِالصَّلاةِ أَوْ حَرَّكَهُ بِرِجْلِهِ. قَالَ زِيادٌ: قَالَ: حَدَّثَنا أَبُو الفُضَيْلِ (¬1). * * * باب الاضطجاع بعدهما (¬2) [1261] (حدثنا مسدد وأبو كامل) الجحدري (وعبيد الله) بالتصغير (ابن عمر (¬3) بن ميسرة) القواريري شيخ الشيخين. (قالوا: حدثنا عبد الواحد) بن (¬4) زياد العبدي مولاهم البصري. (حدثنا) سليمان بن مهران (الأعمش، عن أبي صالح) ذكوان السمان. (عن أبي هريرة) - رضي الله عنه -[قيل: معلول؛ لأنه] (¬5) لم يسمع أبو صالح من أبي هريرة، والصحيح أنه سمع منه كما قال البيهقي (¬6) (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا صلى أحدكم الركعتين قبل الصبح فليضطجع) أي: يضع جنبه على الأرض ويقال فيه: انضجع (¬7) كما في حديث عمر أنه جمع كومة من رمل فانضجع عليها. وهو مطاوع أضجعه، نحو أزعجته فانزعج وأطلقته فانطلق، وانفعل (¬8) بابه الثلاثي، وإنما جاء في الرباعي قليلًا من إنابة ¬

_ (¬1) انفرد به. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (234). (¬2) في (م): بعدها. (¬3) في (م): عمرو. (¬4) من (س، ل، م). (¬5) في (م): قال. (¬6) "السنن الكبرى" 3/ 45. (¬7) في (م): الضجع. (¬8) في (ص، س، ل): افتعل. والمثبت من "النهاية".

أفعل مناب (¬1) فعل (¬2). استدل به بعضهم على وجوب (¬3) الاضطجاع؛ لورود الأمر به وهو للوجوب والفعل، ورواية البخاري عن عائشة: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى ركعتي (¬4) الفجر اضطجع (¬5). وعبارة ابن عبد البر: ذهب قومٌ إلى أن المصلي بالليل إذا ركع [ركعتي الفجر] (¬6) كان عليه أن يضطجع (¬7)، واحتجوا بهذا الحديث، وإسناده صحيح على شرط الصحيحين، وقال الترمذي: حسن صحيح (¬8). وقال القرطبي: ضجعة (¬9) الاستراحة ليست بواجبة عند الجمهور ولا سنة، خلافًا لمن حكم بوجوبها من أهل الظاهر، ولمن حكم بسنيتها وهو الشافعي (¬10). وممن قال بوجوبها محيي الدين [بن عدي الصوفي] (¬11) (على يمينه) ¬

_ (¬1) في الأصول الخطية: مثلث. والمثبت من "النهاية". (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (ضجع). (¬3) في (م): جواز. (¬4) سقط من (م). (¬5) أخرجه البخاري (1160)، ومسلم (736) (122)، واللفظ للبخاري. (¬6) في (ص): ركعتين. وفي (س): ركعتي. والمثبت من "التمهيد". (¬7) "التمهيد" 8/ 125. (¬8) "الجامع الصحيح" 2/ 281. (¬9) في (ص، س، ل): وصححته. (¬10) "المفهم" 2/ 374، و"المجموع" 4/ 29. (¬11) من (م).

لفظ البخاري: على شقه الأيمن (¬1)، فيه [أنه يستحب] (¬2) في النوم الاضطجاع بعد ركعتي الفجر والنوم في الليل أن ينام على [جنبه الأيمن] (¬3) بأن يكون وجهه للقبلة مع قبالة يديه على الشق الأيمن كاستقبال الميت في اللحد. (فقال له مروان بن الحكم) بن أبي العاص بن أمية، ولي إمارة (¬4) المدينة لمعاوية، ثم دعا إلى نفسه بعد موت يزيد [قال مروان لأبي هريرة لما سمعه فيكون منقطعًا] (¬5). (أما يجزئ أحدنا ممشاه) أي: مشيه (¬6) على رجليه (إلى المسجد) إذا ذهب إلى الصلاة يعني: عن الاضطجاع على يمينه. (حتى يضطجع [على يمينه) (¬7) للفصل بين الصلاتين (قال عبيد الله) ابن عمرو (¬8) بن ميسرة القواريري (في حديثه) معه (قال: لا. قال: فبلغ ذلك) عبد الله (بن عمر - رضي الله عنهما - فقال: أكثر أبو هريرة على نفسه) فيما يقوله عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. (قال) أبو صالح: (فقيل لابن عمر: هل تنكر) عليه (مما يقول؟ قال: ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (626، 1160). (¬2) في (ل، م): أن المستحب. (¬3) في (م): جنب. (¬4) في (م): أمر. (¬5) سقط من (م). (¬6) بياض بالأصل، والمثبت من (س، ل، م). (¬7) سقط من (م). (¬8) في (م): عمر.

لا، ولكنه اجترأ) بفتح التاء والراء والهمز، أي: أسرع أبو هريرة بالهجوم على القول من غير توقف. (وجبنا) نحن عن القول، أي: توقفنا فيه، يقال: جبن بوزن قرب فهو جبان، أي: ضعيف القلب، وذكر الأثرم من وجوه عن ابن عمر أنه أنكره وقال: إنها بدعة (¬1)، وعن إبراهيم وأبي عبيدة وجابر بن زيد أنهم أنكروا ذلك، ومشهور مذهب مالك أنه لا يسن (¬2). وقال عياض عن هذا الاضطجاع: إنما هو الاضطجاع بعد صلاة الليل وقبل ركعتي الفجر (¬3). وذكر البيهقي عن الشافعي أنه أشار إلى أن الاضطجاع للفصل (¬4) بين النافلة والفريضة (¬5)، وذكر ابن أبي شيبة قال (¬6): قال أبو الصديق الناجي: رأى ابن عمر قومًا قد اضطجعوا بعد ركعتي الفجر فنهاهم، فقالوا: نريد السنة، قال ابن عمر: ارجع إليهم فأخبرهم أنها بدعة (¬7). ورواه البيهقي أيضًا (¬8). و (¬9) عن ابن المسيب أيضًا (¬10): رأى ابن عمر ¬

_ (¬1) "مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 55 (6395) ذكره عن ابن عمر أبو بكر الناجي. (¬2) "التمهيد" 8/ 126، و"الاستذكار" 5/ 234. (¬3) "شرح النووي" 6/ 19. (¬4) سقط من (م). (¬5) "السنن الكبرى" 3/ 46. (¬6) سقط من (م). (¬7) "مصنف ابن أبي شيبة" (6455). (¬8) "السنن الكبرى" 3/ 46. (¬9) سقط من (م). (¬10) من (م).

رجلًا اضطجع بعد الركعتين فقال: احصبوه (¬1). نقله عنه (¬2) ابن الملقن (¬3). (قال: فبلغ ذلك أبا هريرة قال: فما ذنبي أن (¬4) كنت حفظت) بكسر الفاء كما قال تعالى: {وَحَفِظْنَاهَا} وهمزة أن مفتوحة والنون ساكنة؛ لأنها مصدرية، والتقدير لأن كنت حفظت، كما قال الله تعالى: {أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14)} وما ذكرته من أن [همزة أن] (¬5) مفتوحة هي الرواية الصحيحة، وفي بعض النسخ المعتمدة: إن كنت حفظت. بكسر الهمزة، ويجوز كسر الهمزة على أن تكون إن شرطية والجواب محذوف دل عليه (¬6) ما قبله، أي: إن كنت حفظت فما ذنبي. ولا يجوز أن يكون: (فما ذنبي) الظاهر جملة جواب شرط إن التي بعدها، وقد تقدمت؛ لأن ما الاستفهامية لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، وقد قرئ (¬7) بكسر الهمزة [في قوله تعالى] (¬8): (إن كان ذا مال وبنين) (¬9) على أن (¬10) "إن" شرطية أيضًا. ¬

_ (¬1) "مصنف ابن أبي شيبة" (6448). (¬2) في (م): عن. (¬3) "التوضيح" 9/ 148 - 149. (¬4) في (ص، س): أني. (¬5) في (ل، م): همزته. (¬6) في (م): على. (¬7) في (م): روي. (¬8) من (م). (¬9) هي قراءة حمزة وابن عامر. انظر: "السبعة في القراءات" 1/ 646. (¬10) سقط من (م).

(ونسوا) ما سمعوه، وكيف لا يحفظ أبو هريرة ما نسي غيره (¬1) وقد قال: يا رسول الله أسمع منك أشياء (¬2) فلا أحفظها، فقال: "ابسط رداءك"، فبسطته فحدث حديثًا كثيرًا [فما نسيت شيئًا حدثني به] (¬3) وهو طرف من حديث أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما (¬4). [1262] (حدثنا يحيى بن حكيم) بفتح المهملة وكسر الكاف المقوم (¬5) أبو سعيد حجة ورع صالح (¬6) حافظ (¬7). (حدثنا بشر بن عمر) الزهراني (¬8) البصري (حدثنا مالك بن أنس، عن سالم بن) أبي أمية (أبي النضر) بضاد معجمة، مولى عبيد الله (¬9) التيمي القرشي. (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف - رضي الله عنهما - (عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قضى صلاته من آخر الليل نظر إليَّ فإن كنت مستيقظة حدثني) فإن قيل: فما وجه تركه - عليه السلام - الاستغفار حين (¬10) كان يحدثها ¬

_ (¬1) في (ص): عليه. والمثبت من (س، ل، م). (¬2) في (م): شيئًا. (¬3) من (م). (¬4) أخرجه البخاري (119)، ومسلم (2492) (159). (¬5) بياض في (ص)، والمثبت من (س، ل، م). (¬6) سقط من (م). (¬7) "الكاشف" 3/ 253. (¬8) في (م): الزهري. (¬9) في (ص، ل): عبد الله. والمثبت من (س، م). وفي "تهذيب الكمال" 10/ 127 - 128: مولى عمر بن عبيد الله. (¬10) في (م): حتى.

إذا كانت مستيقظة، وقد مدح الله المستغفرين بالأسحار؟ . أجاب ابن بطال: بأن الاستغفار المندوب إليه المرجو بركة إجابته هو قبل الفجر، وقد جاء في حديث التنزل: "إن الله تعالى ينزل إلى سماء الدنيا حين يبقى (¬1) ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له" (¬2) إلى السحر، وعلى تقدير أن السحر بعد الفجر أيضًا فليس المستغفر ممنوعًا من أن يتكلم في (¬3) حال استغفاره بما تدعو (¬4) الحاجة إليه من إصلاح شأنه ولا يخرجه ذلك من أن يسمى مستغفرًا (¬5). (وإن كنت نائمة أيقظني) للوتر، ولمسلم: كان يصلي صلاته من الليل، وهي معترضة بين يديه فإذا بقي الوتر أيقظها فأوترت (¬6). قال القرطبي: فيه دليل على مشروعية تنبيه النائم إذا خيف عليه خروج وقت (¬7) الصلاة، قال: ولا يبعد أن يقال إن (¬8) ذلك واجب في الصلاة الواجبة؛ لأن النائم وإن لم يكن مكلفًا في حال نومه لكن ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) أخرجه مالك في "الموطأ" (498)، ومن طريقه البخاري (1145) ومسلم (758) (168)، والترمذي (3498)، والنسائي في "الكبرى" 7/ 167، وأحمد 2/ 487. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): فيه. (¬5) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 3/ 152 - 153. (¬6) "صحيح مسلم" (744) (135). (¬7) في (ص، س، ل): وقت خروج. والمثبت من "المفهم". (¬8) سقط من (م).

مانعه سريع الزوال فهو كالغافل، ولا شك أنه يجب (¬1) تنبيه الغافل (¬2). (وصلى الركعتين) ركعتي الفجر (ثم اضطجع) على شقه الأيمن، وحكمة الاضطجاع على الأيمن أنه لا يستغرق في النوم؛ لأن القلب في جهة اليسار فيتعلق إذا نام على اليمين عن الأرض ويرتفع لئلا (¬3) يستغرق في النوم بخلاف ما إذا نام على يساره؛ لأن القلب يلتصق بالأرض فيكون في دعة (¬4) واستراحة فيستغرق (حتى يأتيه المؤذن) [بتشديد الذال] (¬5) (فيؤذنه بصلاة الصبح) قال النووي: فيه دليل على استحباب اتخاذ (¬6) [مؤذن راتب] (¬7) للمسجد يعني يكون متطوعًا إن وجد - قال: وفيه جواز إعلام المؤذن الإمام بحضور الصلاة و [إقامتها و] (¬8) استدعائه لها وقد صرح به أصحابنا (¬9). (فيصلي ركعتين خفيفتين) تقدم استحباب تخفيفهما خلافًا لأبي حنيفة (¬10) (ثم يخرج إلى الصلاة) بعد الاضطجاع كما تقدم. [1263] (حدثنا مسدد، حدثنا سفيان) بن عيينة (عن زياد بن سعد، ¬

_ (¬1) في (ص، س): نحو. والمثبت من "المفهم". (¬2) "المفهم" 2/ 376 - 377. (¬3) في (م): فلا. (¬4) في (ص، س): وجهة. وفي (ل، م): جهة. والمثبت من "شرح النووي". (¬5) سقط من (م). (¬6) سقط من (م). (¬7) في (ص، س): المؤذن نائب. والمثبت من "شرح النووي". (¬8) في (ص، س، ل): إقامته. وفي (م): إقامة. والمثبت من "شرح النووي". (¬9) "شرح النووي على مسلم" 6/ 20. (¬10) سبق تخريجه.

عمن حدثه) زيد (بن أبي (¬1) عتاب) بفتح المهملة والمثناة الفوقية (أو غيره) قال المنذري: هذا مجهول (¬2). (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (قال: قالت عائشة - رضي الله عنها -: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى ركعتي الفجر فإن كنت نائمة اضطجع) (¬3) والرواية التي قبلها "وإن كنت نائمة أيقظني" (¬4)، وقد يجمع بينهما بأنه يوقظها إذا كانت نائمة ولم تصل الوتر، وهنا إذا نامت بعد أن أوترت لم يوقظها بل يضطجع. ورواية البخاري: كان إذا صلى فإن كنت مستيقظة حدثني (¬5) وإلا اضطجع (¬6) (وإن كنت مستيقظة حدثني) قال ابن بطال: ورواية البخاري دالة على أن اضطجاعه (¬7) إنما [كان يفعله] (¬8) إذا عدم التحدث معها ليستريح (¬9) من تعب القيام (¬10). [1264] (حدثنا عباس) بالموحدة والسين المهملة بن عبد العظيم بن إسماعيل بن توبة (العنبري) شيخ مسلم، وروى له البخاري تعليقًا. (وزياد بن يحيى، قالا: حدثنا سهل بن حماد) العنبري أبو عتاب ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) زاد في (ص، س، ل): قال. وهي زيادة مقحمة. (¬3) "مختصر سنن أبي داود" 2/ 76. (¬4) "السنن الكبرى" للبيهقي 3/ 46. (¬5) في الأصول الخطية: نائمة. والمثبت من "صحيح البخاري". (¬6) أخرجه البخاري (1161)، ومسلم (743) (133). (¬7) في (م): الاضطجاع. (¬8) في (م): يكون بفعله. (¬9) في (ص، س، ل): فيستريح. والمثبت من "شرح البخاري". (¬10) "شرح صحيح البخاري" 3/ 152.

البصري المدني، أخرج له مسلم. [(عن أبي مكين) بفتح الميم] (¬1) نوح بن (¬2) ربيعة البصري (¬3) قال: (حدثنا [أبو الفضل) وقيل] (¬4): أبو الفضيل بالتصغير، بن خلف الأنصاري، وقيل: هو ابن المفضل (¬5) (رجل من الأنصار) قال المنذري: هو غير مشهور (¬6). (عن مسلم بن أبي بكرة) أخرج له مسلم عن أبيه في الفتن (عن أبيه) أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي - رضي الله عنه -. (قال: خرجت مع (¬7) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصلاة الصبح فكان لا يمر برجل إلا ناداه بالصلاة) باسمه إن كان يعرفه. (أو حركه) إن لم يعرفه (برجله) لعله إنما حركه برجله دون يده؛ لأن التحريك بالرجل فيه نوع تأديب لتقصيره بالنوم (¬8) في غير وقته. وقد (¬9) قال أبو عمرو بن الصلاح: يكره النوم قبل الصلوات الخمس، ولا يختص بالعشاء؛ لأنه مظنة لتضييع أول الوقت، وقوله ¬

_ (¬1) في (ص، س): أبي بكير. والمثبت من (م). (¬2) زاد في (ص، س): أبي. وهي زيادة مقحمة. واسمه نوح بن ربيعة أبو مكين البصري. وانظر: "تهذيب الكمال" 30/ 50. (¬3) في (ص): المصري. والمثبت من "التهذيب". (¬4) من (ل، م). (¬5) في (ص، س): الفضيل. وفي (ل، م): الفضل. والمثبت من "التهذيب". (¬6) "مختصر سنن أبي داود" 2/ 76. (¬7) سقط من (م). (¬8) في (س، ل، م): عن النوم. (¬9) سقط من (م).

بالصلاة الصلاة مجرور بالباء، ولا يبعد (¬1) نصبه على الحكاية؛ فإن أصله دونك الصلاة، فهو منصوب على الإغراء. وتقدم قريبًا قول القرطبي: أن تنبيه النائم مشروع إذا خيف عليه خروج وقت الصلاة، قال: ولا يبعد أن يكون واجبًا في الصلاة الواجبة (¬2)، انتهى، والغالب من أحوال (¬3) النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان (¬4) يخرج إلى الصلاة في أول وقتها، ولا يظن بمن هو نائم في ذلك الوقت أن يخرج الصلاة عن وقتها، فالظاهر أن هذا التنبيه في أول الوقت مستحب ليدرك فضيلة أول الوقت، وليس بواجب (قال زياد) بن يحيى في روايته عن شيخه (قال أنبأنا أبو الفضيل) يعني: بالتصغير، وتقدم أنه يقال بالوجهين (¬5). ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): يتعدى. (¬2) "المفهم" 2/ 377. (¬3) من (ل، م). (¬4) في (ص): لا. (¬5) في (م): بالتصغير.

5 - باب إذا أدرك الإمام ولم يصل ركعتي الفجر

5 - باب إِذَا أَدْرَكَ الإِمَامَ وَلَمْ يُصَلِّ ركْعَتَيِ الفَجْرِ 1265 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا حَمَّادُ بْن زَيْدٍ، عَنْ عاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ: جاءَ رَجُلٌ والنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الصُّبْحَ فَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ ثُمَّ دَخَلَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الصَّلاةِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: "يا فُلانُ أَيَّتُهُما صَلاتُكَ التِي صَلَّيْتَ وَحْدَكَ أَوِ التِي صَلَّيْتَ مَعَنَا" (¬1). 1266 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ح، وحَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ وَرْقاءَ ح، وحَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنا أَبُو عاصِمٍ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ ح، وحَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ ح، وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُتَوَكِّلِ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحاقَ كُلُّهُمْ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَلا صَلاةَ إِلَّا المَكْتوبَةُ" (¬2). * * * باب إذا أدرك الإمام ولم يصل ركعتي الفجر [1265] (حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن عاصم) ابن سليمان الأحول. (عن عبد الله) المزني (بن سرجس) بفتح السين وسكون الراء المهملتين، ثم جيم مكسورة، ثم سين مهملة، صحابي (¬3) يعد في ¬

_ (¬1) رواه مسلم (712). (¬2) رواه مسلم (710). (¬3) سقط من (م).

البصريين، قيل: إنه مخزومي حليف لهم - رضي الله عنهم - (قال: جاء رجل والنبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي الصبح فصلى الركعتين) رواية مسلم: "فصلى ركعتين في جانب المسجد" (¬1). (ثم دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة، فلما انصرف [قال: يا فلان أيهما)] (¬2) لفظ مسلم: "فلما سلم النبي - صلى الله عليه وسلم -" (¬3)، قال القرطبي: فيه دليل على أن ركعتي الفجر إن وقعت في تلك الحال صحت؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يقطع عليه صلاته مع تمكنه من ذلك (¬4)، انتهى، وليس في الحديث تصريح بأنه صلى ركعتي الفجر، بل يجوز أن يكون صلى تحية المسجد، فيؤخذ من الحديث صحتهما. (فقال: يا فلان أيتهما) برفع تاء التأنيث الداخلة على أي الاستفهامية (صلاتك) بالرفع، وهما مبتدأ وخبر، ويجوز إثبات تاء التأنيث وحذفها؛ لأن الصلاة تأنيثها مجازي، ولهذا جاء في رواية مسلم "بأي الصلاتين اعتددت صلاتك" (¬5)، وهذا الاستفهام استفهام إنكار على الرجل الذي فعل ذلك (¬6)، وهذا الإنكار حجة على من ذهب إلى جواز ركعتي الفجر في المسجد والإمام يصلي، وكذا تحية المسجد، وفي إنكاره ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (712) (67). (¬2) من (ل، م). (¬3) "صحيح مسلم" (712) (67). (¬4) "المفهم" 2/ 351. (¬5) "صحيح مسلم" (712) (67). (¬6) سقط من (م).

- عليه السلام - على المصلي مع (¬1) كونه صلى في جانب المسجد ما يدل على شدة المنع من صلاتهما والإمام في الصلاة خلافًا للحنفية (¬2)، قال البيهقي: قال أبو حنيفة فيمن (¬3) دخل رحبة (¬4) المسجد والإمام في الركعة الأولى من صلاة الصبح: أن يصلي ركعتي الفجر في رحبة المسجد ثم يتصل بالجماعة، واحتج بما روى حجاج بن نصير (¬5)، عن عباد بن كثير، عن ليث، عن عطاء، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" وزاد: "إلا ركعتي الصبح" (¬6) ثم قال البيهقي: هذِه الزيادة لا أصل لها، وعباد و [حجاج] (¬7) ضعيفان (¬8)، وروي ما قالوه عن أبي الدرداء (¬9) وعبد الله (¬10) أنهما فعلاه، قال: وروينا عن عمر خلاف ذلك وعن ابنه (¬11) مع ما (¬12) روينا من السنة الصحيحة فهو (¬13) أولى أهي (التي صليت وحدك أو ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) "المبسوط" 1/ 322. (¬3) في (م): من. (¬4) سقط من (م). (¬5) في (ص، ل، م): نصر. والمثبت من "تهذيب الكمال" 5/ 461. (¬6) "السنن الكبرى" 2/ 483. (¬7) في (ص): حماد. والمثبت من "السنن الكبرى". (¬8) "السنن الكبرى" 2/ 483. (¬9) أخرجه ابن أبي شيبة (6482)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 375. (¬10) أخرجه ابن أبي شيبة (6476)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 375. (¬11) "السنن الكبرى" 2/ 483. (¬12) بياض في (ص). (¬13) في (ص، س): فهي.

التي صليت معنا) (¬1) ظاهره أن الصلاة لا تصح مع الإبهام، بل لا بد من تعيينها في النية، فلو كان عليه صلاتين فنوى الصلاة عن أحدهما لم تصح الصلاة (¬2). [1266] (حدثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي، حدثنا (حماد بن سلمة ح، وحدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا محمد بن جعفر) غندر (¬3)، قال: (حدثنا شعبة) بن الحجاج (عن ورقاء) بن عمر (¬4) اليشكري وهو من أقرانه الحافظ. (ح، وحدثنا الحسن بن علي) الخلال [(حدثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل (عن) عبد الملك (بن جريجٍ ح، وحدثنا الحسن بن علي، حدثنا يزيد بن هارون] (¬5) عن حماد بن زيد، عن أيوب) السختياني. (ح، وحدثنا محمد بن المتوكل، حدثنا عبد الرزاق، عن زكريا بن إسحاق) المكي (كلهم) الخمسة (عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال (¬6) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا أقيمت الصلاة) المكتوبة؛ لأن الإقامة مع الأذان لا يشرعان إلا للمكتوبات الخمس. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم كما سبق، والنسائي 2/ 117، وابن ماجه (1152)، وأحمد 5/ 82 بألفاظ متقاربة. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): بن عبد ربه. (¬4) في (ص): عمرو. والمثبت من (س، ل، م)، و"تهذيب الكمال" 30/ 433. (¬5) من (م). (¬6) من (م).

(فلا صلاة إلا المكتوبة) استدل به (¬1) الرافعي على أن من دخل المسجد والإمام يصلي الصبح (¬2) وعليه ركعتا (¬3) الفجر فهو مأمور بتأخيرها إلى ما بعد الصلاة يعني: وإن علم أنه يدرك تلك الفريضة. ثم قال: وفي (¬4) معنى ركعتي الصبح سائر التوابع المتقدمة على الفرائض (¬5). قال شيخنا ابن حجر: وأصرح من هذا الدليل في الاستدلال ما رواه الإمام أحمد بلفظ: "فلا صلاة إلا التي أقيمت" (¬6). قال (¬7) القرطبي: وظاهر الحديث أنه لا تنعقد صلاة (¬8) تطوع في وقت إقامة الفريضة، وبه قال أهل الظاهر وأبو هريرة، ورأوا أنه يقطع صلاته إذا أقيمت عليه المكتوبة وروي عن عمر بن الخطاب أنه كان يضرب على صلاة الركعتين بعد الإقامة (¬9). وذهبت طائفة إلى أنه يصليهما خارج المسجد ولا يصليهما بعد الإقامة في المسجد (¬10). ¬

_ (¬1) في (م): بهذا. (¬2) من (س، ل، م)، و"الشرح الكبير". (¬3) في (ص، س): ركعتي. (¬4) سقط من (م). (¬5) "الشرح الكبير" 2/ 139. (¬6) "فتح الباري" 2/ 149. والحديث في "مسند أحمد" 2/ 352. (¬7) في (ص، س، ل): قاله. خطأ. (¬8) سقط من (م). (¬9) "المفهم" 2/ 349 - 350. (¬10) "بدائع الصنائع" 1/ 286، "التمهيد" 22/ 73.

6 - باب من فاتته متى يقضيها

6 - باب مَنْ فاتَتْهُ مَتَى يَقْضِيهَا 1267 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا ابن نُمَيْرٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْراهِيمَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَمْرٍو قال: رأى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا يُصَلِّي بَعْدَ صَلاةِ الصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "صَلاةُ الصُّبْحِ رَكْعَتانِ". فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنِّي لَمْ أَكُنْ صَلَّيْتُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا فَصَلَّيْتُهُمَا الآنَ. فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). 1268 - حَدَّثَنا حامِدُ بْنُ يَحْيَى البَلْخِيُّ قَالَ: قَالَ: سُفْيانُ كَانَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَباحٍ يُحَدِّثُ بهَذَا الحَدِيثِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَى عَبْدُ رَبِّهِ وَيَحْيَى ابنا سَعِيدٍ هذا الحَدِيثَ مُرْسَلًا أَنَّ جَدَّهُمْ زَيْدًا صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِهَذِهِ القِصَّةِ (¬2). * * * باب من فاتته متى يقضيها [1267] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا) عبد الله (بن نمير، عن سعد بن سعيد) بن قيس بن قهد الأنصاري المدني، أخي (¬3) يحيى بن سعيد، قال: (حدثني محمد بن إبراهيم) بن الحارث التيمي. (عن) جده (قيس) [بن قهد] (¬4) (بن عمرو) [بن سهل] (¬5) كذا ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (422)، وابن ماجه (1154)، وأحمد 5/ 447. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1151). (¬2) رواه الطحاوي في "المشكل" (4140). وانظر ما قبله. (¬3) في (ص): أخرج له. (¬4) سقط من (م). (¬5) سقط من (م).

للترمذي، نسبته إلى جده، ويقال: هو قيس بن قهد، ويقال: قيس بن عمرو بن قهد من بني مالك بن النجار، وهو جد يحيى بن سعيد الأنصاري قال الترمذي: حديث محمد بن إبراهيم لا نعرفه مثل هذا إلا من حديث سعد بن سعيد. قال سفيان بن عيينة: سمع عطاء بن أبي رباح من سعد بن سعيد هذا الحديث، وإنما يروى هذا الحديث مرسلًا، قال: وسعد بن سعيد أخو يحيى بن سعيد الأنصاري، وقيس هو جد يحيى بن سعيد، قال: وإسناد هذا الحديث ليس بمتصل، محمد بن إبراهيم التيمي لم يسمع من قيس (¬1). وسند ابن ماجه مثل سند المصنف. (قال: رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلًا يصلي بعد صلاة الصبح [ركعتين] (¬2) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: صلاة الصبح ركعتان) ولفظ ابن ماجه: فقال: "أصلاة (¬3) الصبح مرتين" (¬4). ولفظ الترمذي: قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقيمت الصلاة فصليت معه الصبح، ثم انصرف النبي - صلى الله عليه وسلم - فوجدني أصلي فقال: "مهلًا يا قيس أصلاتان معًا؟ " (¬5). (فقال) له (¬6) (الرجل: إني لم أكن صليت الركعتين اللتين قبلهما، ¬

_ (¬1) "جامع الترمذي" 2/ 285 - 286. (¬2) سقط من الأصول الخطية. والمثبت من "سنن أبي داود". (¬3) في (ص): صلاة. (¬4) "سنن ابن ماجه" (1154). (¬5) "جامع الترمذي" (422). (¬6) من (ل، م).

فصليتهما الآن، فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) استدل به على أظهر قولي الشافعي أنه يستحب قضاء النوافل المؤقتة (¬1). ويدل على ذلك أيضًا أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى ركعتين بعد العصر عن الركعتين اللتين بعد الظهر شغله عنهما (¬2) ناس من عبد القيس (¬3)، وقضى أيضًا ركعتي الفجر لما نام في الوادي (¬4). قال أحمد بن حنبل: لم يبلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى شيئًا من التطوع إلا ركعتي الفجر والركعتين بعد العصر (¬5)، وقسنا الباقي عليه، وفيه رد على ما ذهب إليه (¬6) بعض أصحابنا أن التوابع تقضى ما لم يصل الفرض الذي بعدها، فلا يقضى الوتر مثلًا بعد صلاة الصبح، ولما قاله بعض أصحابنا أيضًا: أن [من فاتته] (¬7) الراتبة مع الفرض تقضى معه (¬8) تبعًا وإن فاتت وحدها فلا. ذكره الشيخ أبو محمد في "الفروق". [1268] (حدثنا حامد (¬9) بن يحيى البلخي) ثقة من أعلمهم (قال: قال سفيان) بن عيينة (¬10): (كان عطاء بن أبي رباح يحدث بهذا الحديث عن ¬

_ (¬1) "الشرح الكبير" 2/ 137. (¬2) من (ل، م). (¬3) أخرجه البخاري (1233)، ومسلم (834) (297)، والدارمي (1436). (¬4) أخرجه مسلم (680)، والنسائي 1/ 298، وأحمد 2/ 428. (¬5) "المغني" 2/ 544. (¬6) سقط من (س، ل، م). (¬7) في (م): فاتت. وفي (س، ل): فاتته. (¬8) في (م): معها. (¬9) في (ص، س): جابر. والمثبت من (ل، م)، و"سنن أبي داود". (¬10) زاد في (ص، س): قال. وهي زيادة مقحمة.

سعد بن سعيد) (¬1) الأنصاري. (قال المصنف: روى عبد ربه) (¬2) بن سعيد أخو سعد (¬3) الأنصاري (ويحيى) (¬4) ابنا سعيد) بن قيس بن عمرو بن سهل بن ثعلبة بن الحارث بن زيد بن ثعلبة الإمام الأنصاري قاضي [المدينة للسفاح] (¬5) (هذا الحديث مرسلًا أن جدهم زيد) (¬6) بن ثعلبة الأنصاري (صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم -). ¬

_ (¬1) كذلك قال الترمذي (2/ 285)، وأخرجه الحميدي في "مسنده" 2/ 383، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 10/ 325. (¬2) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" 2/ 442 (4016)، وعنه أحمد 5/ 447. (¬3) في (ص، س): سعيد. والمثبت من (ل، م). وهو أخو سعد بن سعيد السابق ذكره. (¬4) أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" (1116)، وعنه ابن حبان في "صحيحه" (1563)، والحاكم في "المستدرك" 1/ 275. (¬5) في (م): السفاح. (¬6) كذا في الأصول الخطية، وفي "سنن أبي داود"، والصواب: قيس بن عمرو كما صرح به في الحديث السابق، وكما في بعض مصادر التخريج يحيى بن سعيد عن أبيه عن جده قيس بن عمرو. وكذلك نبه عليه الألباني في "صحيح أبي داود" (1151).

7 - باب الأربع قبل الظهر وبعدها

7 - باب الأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ وبَعْدَها 1269 - حَدَّثَنا مُؤَمَّلُ بْن الفَضْلِ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ، عَنِ النُّعْمانِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيانَ قَالَ: قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَها حَرُمَ عَلَى النّارِ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَواهُ العَلاءُ بْنُ الحارِثِ وَسُلَيْمانُ بْن مُوسَى، عَنْ مَكْحُولٍ بِإِسْنادِهِ مِثْلَهُ (¬1). 1270 - حَدَّثَنا ابن المُثَنَّى، حَدَّثَنا مُحَمَّد بْن جَعْفَرٍ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ عُبَيْدَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنِ ابن مِنْجابٍ، عَنْ قَرْثَعٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ لَيْسَ فِيهِنَّ تَسْلِيمٌ تُفْتَحُ لَهُنَّ أَبْوابُ السَّماءِ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: بَلَغَنِي، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ القَطّانِ قَالَ: لَوْ حَدَّثْتُ، عَنْ عُبَيْدَةَ بِشَيْءٍ لَحَدَّثْتُ عَنْهُ بهذا الحَدِيثِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: عُبَيْدَةُ ضَعِيفٌ. قَالَ: أَبُو دَاوُدَ: ابن مِنْجابٍ هُوَ سَهْمٌ (¬2). * * * باب الأربع قبل الظهر وبعدها [1269] (حدثنا مؤمل بن الفضل) الحراني أبو سعيد، قال أبو حاتم: ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (427)، والنسائي 3/ 264، وأحمد 6/ 426، والحميدي في "مسنده" (385)، وابن خزيمة في "صحيحه" (1214) من طرق عن عبيدة به بألفاظ متقاربة. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1152). (¬2) رواه ابن ماجه (1157)، وأحمد 5/ 418. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1153) دون قوله: ليس فيهن تسليم.

ثقة رضي (¬1). (حدثنا محمد بن شعيب) بن شابور [بالمعجمة والموحدة] (¬2) الدمشقي، كان يفتي في مجلس الأوزاعي (عن النعمان) بن المنذر (عن مكحول) الشامي (¬3). (عن عنبسة (¬4) بن أبي سفيان) قال المنذري: ذكر أبو زرعة وهشام بن عمار وأبو (¬5) عبد الرحمن النسائي أن مكحولًا لم يسمع من عنبسة (¬6) بن أبي سفيان، لكن صححه الترمذي (¬7) من حديث أبي عبد الرحمن القاسم بن عبد الرحمن صاحب أبي أمامة (¬8). (قال: قالت أم حبيبة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنها -[قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬9): من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حَرُمَ) بضم الراء المخففة (على النار) وفي رواية له "حرمه الله على النار" (¬10) وفي رواية: "حرم الله ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 8/ 375. (¬2) و (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): عيينة. (¬5) في (ص، س): ابن. والمثبت من "مختصر السنن". (¬6) في (م): عيينة. (¬7) "جامع الترمذي" (428). (¬8) "مختصر سنن أبي داود" 2/ 79. (¬9) سقط من (م). (¬10) أخرجه الترمذي (428)، والنسائي 3/ 265، وابن ماجه (1160)، وأحمد 6/ 326. من طرق عن عنبسة به بألفاظ متقاربة. قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

لحمه على النار" (¬1)، وفي رواية: "لم تمسه النار" (¬2)، وفي رواية له عن حسان بن عطية قال: لما نزل بعنبسة جعل يتضور فقيل له فقال: أما (¬3) إني سمعت أم (¬4) حبيبة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - تحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال (¬5): "من ركع أربع ركعات قبل الظهر وأربعًا بعدها حرم الله لحمه على النار"، فما تركتهن منذ سمعتهن (¬6). وفي رواية له عن محمد بن أبي سفيان قال: لما نزل به الموت أخذه (¬7) أمر شديد فقال: حدثتني أختي (¬8) أم حبيبة بنت أبي سفيان قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار" (¬9). قال المصنف: (رواه العلاء بن الحارث) (¬10) الحضرمي الدمشقي الفقيه (وسليمان بن موسى) القرشي الأموي. قال دحيم: ثقة (¬11)، وهو أوثق أصحاب مكحول [(عن مكحول ¬

_ (¬1) أخرجه النسائي 3/ 264، وأحمد 6/ 325. (¬2) أخرجه النسائي 3/ 266. (¬3) من (ل، م)، و"المجتبى". (¬4) في (م): ابن. (¬5) سقط من (س، ل، م). (¬6) أخرجه النسائي 3/ 264. (¬7) في (م): أخذ به. (¬8) سقط من (م). (¬9) أخرجه النسائي 3/ 265، وابن خزيمة في "صحيحه" (1190). (¬10) أخرجه الترمذي (428)، والطبراني في "الكبير" 23/ 235 (453) من طريق العلاء بن الحارث عن القاسم أبي عبد الرحمن عن عنبسة به. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. (¬11) "تهذيب الكمال" 12/ 95 - 96.

بإسناده] (¬1) مثله) أي: مثل ما تقدم. [1270] (حدثنا) محمد (بن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر) غندر. (عن شعبة قال: سمعت عبيدة) بضم العين مصغر بن معتب بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد المثناة فوق ثم موحدة، وربما خففت المثناة الضبي. قال أحمد: تركوا (¬2) حديثه (¬3). (عن إبراهيم) النخعي (عن) سهم بفتح السين المهملة. (بن منجاب) بكسر الميم وتخفيف الجيم الضبي الكوفي (¬4)، أخرج له مسلم. (عن قرثع) بفتح القاف وسكون الراء وفتح المثلثة بعدها عين مهملة الضبي الكوفي صدوق مخضرم (¬5). (عن (¬6) أبي أيوب) خالد بن زيد الأنصاري، شهد العقبة وبدرًا وغيرهما - رضي الله عنه -. (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (¬7): أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليم) هذِه الصلاة هي صلاة الزوال، ذكرها بعض أصحابنا غير سنة الظهر (¬8) فإن الأربع ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) في (ص): بن لوا، وفي (س): ابن كوا. والمثبت من (ل، م). (¬3) "بحر الدم" (671)، و"تهذيب الكمال" 19/ 275. (¬4) سقط من (م). (¬5) "تقريب التهذيب" 1/ 454 (5533). (¬6) سقط من (م). (¬7) زاد في الأصول الخطية: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وهي زيادة مقحمة. (¬8) من "حواشي الشرواني" 2/ 239.

التي قبلها يسلم فيهن. وظاهر كلام الغزالي أنها هي. قال: والزوال يعرف بزيادة ظل الأشخاص المنتصبة مائلًا إلى جهة الشرق؛ إذ يقع للشخص ظل عند الطلوع من جانب الغرب (¬1) يستطيل (¬2) فلا تزال الشمس ترتفع والظل ينقص وينحرف عن جهة المغرب إلى أن تبلغ الشمس منتهى ارتفاعها، وهو قوس نصف النهار، فيكون ذلك منتهى نقصان الظل، فإذا زالت الشمس عن منتهى الارتفاع أخذ الظل في الزيادة فمن (¬3) حيث صارت الزيادة مدركة بالحس دخل وقت الظهر (¬4)، وذكر حديثًا. قال العراقي: ذكره عبد الملك بن حبيب بلاغًا عن ابن مسعود - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من صلى أربع ركعات بعد زوال الشمس يحسن قراءتهن وركوعهن وسجودهن صلى معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى الليل" (¬5). وروى الطبراني في "الكبير": عن عبد الله بن يزيد قال: حدثني أبطنُ الناس لعبد الله بن مسعود: أنه كان إذا زالت الشمس قام فركع (¬6) أربع ركعات يقرأ فيهن بسورتين من المائين، فإذا تجاوب (¬7) ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ص، س، م): مستطيل. والمثبت من "الإحياء". (¬3) في (ص): إلى. والمثبت من "الإحياء". (¬4) "إحياء علوم الدين" 1/ 194. (¬5) "إحياء علوم الدين" 1/ 193. مع تعليق العراقي على الحديث، وذكره العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" 1/ 144. (¬6) في (ص): يركع. والمثبت من "المعجم الكبير". (¬7) في (ص، س، ل): تجاوبت. والمثبت من "المعجم الكبير".

المؤذنون شدّ عليه ثيابه ثم خرج إلى الصلاة (¬1). وروي في "الكبير" أيضًا عن ابن عباس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استوى النهار خرج إلى بعض حيطان المدينة، وقد يسر له فيها طهور، فإذا زالت الشمس عن كبد السماء قدر شراك قام فصلى أربع ركعات لم يتشهد بينهن، ويسلم في آخر الأربع ثم يقوم فيأتي المسجد، فقال ابن عباس: يا رسول الله، ما هذِه الصلاة التي تصليها ولا نصليها؟ فقال (¬2) ابن عباس من صلاهن (¬3) من أمتي فقد أحيا ليلته (¬4) ساعة تفتح أبواب السماء ويستجاب فيها الدعاء (¬5). (تفتح لهن أبواب السماء) زاد الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" عن أبي (¬6) أيوب أيضًا: "فلا يغلق منها باب حتى يصلى الظهر، فأنا أحب أن يرفع لي في تلك الساعة [خير" (¬7)، وروى] (¬8) الطبراني في "الأوسط" عن صفوان، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من صلى أربعًا قبل الظهر كان له كأجر عتق رقبة أو قال: أربع رقاب (¬9) من ولد إسماعيل - صلى الله عليه وسلم -" (¬10). ¬

_ (¬1) "المعجم الكبير" 9/ 287 (9445). (¬2) زيادة من (ص، س). (¬3) في (ص): صلاها. والمثبت من "المعجم الكبير". (¬4) في (ص): ليله. والمثبت من "المعجم الكبير". (¬5) "المعجم الكبير" 11/ 161 (11364). (¬6) من (ل، م). (¬7) "المعجم الكبير" 4/ 169 (4035)، و"المعجم الأوسط" 3/ 121 (2673). (¬8) في (م): حتى روى. (¬9) في (م): رقبات. (¬10) "المعجم الأوسط" 6/ 150 (6052).

وروى البزار بسند فيه عتبة بن السكن، لكن قال: ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬1)، عن ثوبان: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يستحب أن يصلي بعد نصف النهار، فقالت عائشة: يا رسول الله أراك تستحب الصلاة هذِه الساعة، قال: "تفتح فيها (¬2) أبواب السماء، وينظر الله تعالى بالرحمة إلى خلقه، وهي صلاة كان يحافظ عليها (¬3) آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام" (¬4). (قال المصنف: بلغني عن يحيى بن سعيد القطان - رضي الله عنه - قال: لو حدثت عن عبيدة بشيء (¬5) لحدثت عنه (¬6) بهذا الحديث، ثم قال المصنف: عبيدة بن معتب ضعيف) (¬7) لكن قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" إلا أن (¬8) ابن عدي قال: وهو مع ضعفه يكتب حديثه (¬9) (وابن منجاب هو سهم) كما تقدم. وأخرج له مسلم في "صحيحه" في الحج عن قزعة (¬10)، وهو سهم بن منجاب السعدي] (¬11) يعد في الكوفيين (¬12). ¬

_ (¬1) "الثقات" 8/ 508. (¬2) و (¬3) سقط من (م). (¬4) "مسند البزار" (4166). (¬5) و (¬6) من (س، ل، م)، و"سنن أبي داود". (¬7) "تهذيب الكمال" 19/ 274 - 275. (¬8) سقط من (م). (¬9) "مجمع الزوائد" 2/ 220، و"الكامل" لابن عدي 5/ 353. (¬10) "صحيح مسلم" (1339) (417). (¬11) سقط من (م). (¬12) "تهذيب الكمال" 12/ 215.

8 - باب الصلاة قبل العصر

8 - باب الصَّلاةِ قَبْلَ العَصْرِ 1271 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرانَ القُرَشِيُّ، حَدَّثَنِي جَدِّي أَبُو المُثَنَّى، عَنِ ابن عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "رَحِمَ اللهُ أمْرَأً صَلَّى قَبْلَ العَصْرِ أَرْبَعًا" (¬1). 1272 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحاقَ، عَنْ عاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ - عليه السلام - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ العَصْرِ رَكْعَتَيْنِ (¬2). * * * باب الصلاة قبل العصر (¬3) [1271] (حدثنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا أبو داود) سليمان (¬4) (¬5) بن داود بن الجارود الطيالسي. (حدثنا محمد [بن مهران]) (¬6) بن إبراهيم بن مسلم (¬7) القرشي ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (430)، وأحمد 2/ 117. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1154). (¬2) رواه الترمذي (429)، والنسائي 2/ 119، وابن ماجه (1161)، وأحمد 1/ 85. وصححه الألباني في "الصحيحة" (237) بلفظ: أربع ركعات. وقال في "ضعيف أبي داود" (235): قلت: هذا إسناد رجاله ثقات؛ لكن قوله: ركعتين. شاذ، والصواب: أربع ركعات. (¬3) حدث تقديم وتأخير في (م) فجاء هذا الباب مؤخرًا بعد باب الصلاة بعد العصر. (¬4) في (ص، س): سمعان. (¬5) "تهذيب الكمال" 11/ 401. (¬6) سقط من (م). (¬7) كذا في (ص، س، ل)، ولعله نسبه إلى جده الأعلى فهو محمد بن إبراهيم بن مسلم بن مهران. وانظر: "تهذيب الكمال" 24/ 331 - 332.

المؤذن (¬1) الكوفي قال: (حدثني جدي أبو المثنى) مسلم بن المثنى، ويقال ابن مهران بن (¬2) المثنى الكوفي المؤذن بجامع الكوفة ثقة (¬3) (عن ابن عمر) - رضي الله عنهما - (قال (¬4): قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: رحم الله امرأ) هو ماضٍ (¬5) بمعنى الطلب، نحو: غفر الله لك، ونصر الله المسلمين وخذل الكافرين. (صلى قبل العصر أربعًا) (¬6) يعني: مفصولة؛ لما روى الترمذي عن علي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي قبل العصر أربع ركعات يفصل بينهن (¬7). وهذِه الأربع سنة راتبة (¬8) لكن الخلاف في أنها مؤكدة أم لا؟ فمن يقول: مؤكدة. يستدل بهذا الحديث. [1272] (حدثنا حفص بن عمر) الحوضي أبو عمر شيخ البخاري (حدثنا شعبة (¬9)، عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي الهمداني. (عن عاصم بن ضمرة) (¬10) بسكون الميم، السلولي الكوفي التابعي، ¬

_ (¬1) في (ص، س): الورد. والمثبت من "تهذيب الكمال". (¬2) سقط من (م). (¬3) "تقريب التهذيب" (6642). (¬4) من (م). (¬5) في (م): خاص. (¬6) أخرجه الترمذي (430)، وأحمد 2/ 117، قال الترمذي: حديث حسن غريب. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (1154): إسناده حسن. (¬7) "جامع الترمذي" (429). (¬8) في (م): وافية. (¬9) سقط من (س، م). (¬10) في (ص، س): حمزة. والمثبت من "تهذيب الكمال".

وثقه يحيى (¬1) بن معين (¬2) وغيره (عن علي) بن أبي طالب - رضي الله عنه -. (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي قبل صلاة (¬3) العصر ركعتين) استدل به على أن سنة العصر ركعتان، قال ابن قدامة: قوله: "رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعًا" ترغيب في الأربع، ولم يجعلها من السنن الرواتب، بدليل أن ابن عمر راويه (¬4) لم يحفظها (¬5) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬6)، ومذهب (¬7) الشافعي أن الأربع قبلها من السنن الرواتب (¬8) لما روى الإمام أحمد والترمذي والبزار والنسائي من حديث عاصم بن ضمرة عنه: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي قبل الظهر أربعًا [وقبل العصر أربعًا] (¬9) يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين والنبيين ومن تبعهم من المؤمنين (¬10)، قال البزار: لا نعرفه إلا من حديث عاصم (¬11). ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "تاريخ ابن معين برواية الدارمي" (1/ 149/ 516). (¬3) من (ل، م). (¬4) سقط من (م). (¬5) في (ص): يحفظهما. (¬6) "المغني" 2/ 540. (¬7) في (ص، س): مر عن. (¬8) "المجموع" 4/ 7 - 8. (¬9) سقط من (م). (¬10) أخرجه الترمذي (429)، والنسائي 2/ 119، وأحمد 1/ 85، 160، والبزار في "مسنده" (677). (¬11) "البحر الزخار" 2/ 265.

9 - باب الصلاة بعد العصر

9 - باب الصَّلاةِ بَعْدَ العَصْرِ 1273 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابن عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَزْهَرَ والِمسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَرْسَلُوهُ إِلَى عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا: اقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلامَ مِنّا جَمِيعًا وَسَلْها عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ، وَقُلْ: إِنّا أُخْبِرْنا أَنَّكِ تُصَلِّينَهُما وَقَدْ بَلَغَنا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْهُما. فَدَخَلْتُ عَلَيْها فَبَلَّغْتُها ما أَرْسَلُونِي بِهِ، فَقَالَتْ: سَلْ أُمَّ سَلَمَةَ. فَخَرَجْتُ إِلَيْهِمْ فَأَخْبَرْتُهُمْ بِقَوْلِها فَرَدُّونِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ بِمِثْلِ ما أَرْسَلُونِي بِهِ إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَى عَنْهُما ثُمَّ رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهِما أَمّا حِينَ صَلَّاهُما فَإِنَّهُ صَلَّى العَصْرَ ثُمَّ دَخَلَ وَعِنْدِي نِسْوَةٌ مِنْ بَنِي حَرامٍ مِنَ الأَنْصارِ فَصَلَّاهُما، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ الجارِيَةَ فَقُلْتُ: قُومِي بِجَنْبِهِ فَقُولِي لَهُ: تَقُولُ أُمُّ سَلَمَةَ: يا رَسُولَ اللهِ أَسْمَعُكَ تَنْهَى عَنْ هاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ وَأَراكَ تُصَلِّيهِما، فَإِنْ أَشارَ بِيَدِهِ فاسْتَأْخِرِي عَنْهُ. قَالَتْ: فَفَعَلَتِ الجارِيَةُ فَأَشارَ بِيَدِهِ فاسْتَأْخَرَتْ عَنْهُ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: "يا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ سَأَلْتِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ إِنَّهُ أَتَانِي ناسٌ مِنْ عَبْدِ القَيْسِ بِالإِسْلامِ مِنْ قَوْمِهِمْ فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَهُما هاتانِ" (¬1). * * * باب الصلاة بعد العصر [1273] (حدثنا أحمد بن صالح) أبو جعفر الطبري (حدثنا عبد الله بن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب. (عن بكير بن الأشج، عن كريب) بن أبي مسلم (مولى) عبد الله (بن ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1233)، مسلم (834).

عباس، أن (¬1) عبد الله بن عباس وعبد الرحمن بن أزهر) بن عوف القرشي الزهري ابن أخي عبد الرحمن بن عوف، شهد حنينًا. (والمسور بن مخرمة) زهري (¬2) أيضًا (أرسلوه إلى عائشة) [زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -] (¬3) - رضي الله عنها -، فيه فضيلة عائشة وكثرة علمها؛ لأنهم اختصوها بالسؤال قبل غيرها، وإنما رفعت المسألة إلى أم سلمة؛ لأن عائشة كانت تصليهما (¬4) بعد العصر، وعلمت أن عند أم سلمة مثل ما عندها من علمها، وأنها قد رأته - عليه السلام - يصليهما (¬5) في بيتها في ذلك الوقت، فأرادت عائشة أن تستظهر بأم سلمة تقوية لمذهبها من أجل ظهور نهيه - عليه السلام - عنها، وخشية الإنكار لقولها (¬6) منفردة. (فقالوا: اقرأ عليها السلام) بالنصب (¬7) (منا جميعًا) فيه استحباب إرسال السلام من الرجال إلى المرأة إذا كان (¬8) بينهما محرمية، أو كانت بحيث لا يحصل من السلام عليها تهمة ولا فتنة، وإرسال السلام من الجماعة بلفظ واحد. (وسلها) بفتح السين، ويقال: اسألها بزيادة همزة قبل الهمزة، كما قال تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} (عن الركعتين) اللتين بعد صلاة (العصر، ¬

_ (¬1) في (م): ابن. (¬2) في (م): روى. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): تصليها. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (م): لقولنا. (¬7) و (¬8) سقط من (م).

وقل: إنا (¬1) أخبرنا أنك تصلينهما) (¬2) بإثبات النون التي هي علامة الجمع، وبإفرادها الضمير راجع إلى الصلاة، وفي بعض النسخ هنا، وفي البخاري بحذف النون وتثنية ضمير الركعتين، وحذف النون بدون الناصب والجازم جائز وارد في الحديث الصحيح من غير ضعف، وفي بعض نسخ مسلم: "تصلينهن". (وقد بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنهما) أي: عن الصلاة بعد العصر، وفيه مشروعية السؤال عن الحديث وما يعارضه ليعرف الفرق بينهما والوجه الجامع بينهما. (فدخلت عليها فبلغتها ما أرسلوني (¬3) به) من السؤال بعد أن أقرأتها السلام منهم. (فقالت: سل) ويقال: اسأل، وفيه قبول خبر الواحد. (أم سلمة) هند زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيه دليل على أنه يستحب للعالم إذا طلب منه تحقيق أمر مهم، ويعلم أن غيره أعلم منه به (¬4) وأعرف بأصله أن يرشد إليه إذا أمكن، وفيه الاعتراف لأهل الفضل بمرتبتهم (¬5) على نفسه. (فخرجت إليهم فأخبرتهم بقولها، فردوني إلى أم سلمة بمثل ما أرسلوني به إلى عائشة) فيه إشارة إلى أن إذن الرسول بحاجة أنه لا يستقل فيها (¬6) بنفسه (¬7) بتصرف لم يؤذن له فيه، ولهذا لم يستقل كريب ¬

_ (¬1) من (س، م)، و"سنن أبي داود". (¬2) في (ص، س): تصليهما. وفي (م): تصلينها. والمثبت من "سنن أبي داود". (¬3) في (م): أرسلت. (¬4) سقط من (م). (¬5) في (م): بمزيَّهم. (¬6) في (ص، س): بها. (¬7) سقط من (م).

بالذهاب إلى أم سلمة؛ لأنهم إنما أرسلوه إلى عائشة، فلما أرشدته عائشة وأرسلته إلى أم سلمة وكان رسولًا للجماعة [لم يستقل] (¬1) بالذهاب [حتى يرجع] (¬2) إليهم فأخبرهم فأرسلوه إليها. (فقالت أم سلمة: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى [عنها) في بعضها] (¬3) عنهما عن الصلاة بعد العصر [وفي بعضها "يصليهما" بالتثنية] (¬4). (ثم رأيته يصليهما) أما لما أخبرت بأنها (¬5) رأته يصليهما ولم تذكر هل رأته قبل العصر أو بعده أو وقت آخر فأرادت البيان، فقالت (¬6): (أما حين (¬7) صلاهما) إن أردت معرفته. (فإنه) كان (صلى العصر) في المسجد، ولفظة "أما" في مسلم دون البخاري (ثم دخل) علي (وعندي نسوة من بني حرام) بفتح الحاء والراء المهملتين من الأنصار، وحزام بكسر الحاء والزاي من قريش، فبنو حرام بالمهملتين منهم جابر بن عبد الله. قال المنذري: ويشبه أن تكون احترزت بقولها من الأنصار من غيرهم، فإن في [العرب من البطون] (¬8) يقال لهم بنو حرام. قال ابن دريد: في العرب بطون (¬9) ينسبون إلى حرام بطن في بني (¬10) تميم، وبطن في بكر بن وائل (¬11). ¬

_ (¬1) و (¬2) سقط من (م). (¬3) و (¬4) سقط من (م). (¬5) زاد في (ص): لما. (¬6) في (ص): فقال. (¬7) في (ص، س): حيث. (¬8) في (س): العرب في البطون. وفي (ل): العرب بطون. وفي (م): العدة عدة بطون. (¬9) من (ل، م). (¬10) في (ص): من. وفي (س): من بني. (¬11) "شرح سنن أبي داود" للعيني 5/ 166.

وذكر غيره أن في خزاعة حرامًا، وفي عُذرة حرامًا، وفي بلي (¬1) حرامًا، وفي البصرة سكة يقال لها: بنو حرام ينسب إليها جماعة منهم أبو القاسم محمد بن علي الحريري مصنف المقامات والملحة وغيرهما (¬2). (فصلاهما فأرسلت إليه الجارية فقلت: قومي بجنبه فقولي له) فيه قبول خبر المرأة الواحدة مع القدرة على اليقين بالسماع من لفظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (تقول) لك (أم سلمة) إنما قالت عن نفسها تقول أم سلمة، فكنَّت عن نفسها ولم تقل هند باسمها؛ لأنها معروفة بكنيتها، ولا بأس بذكر الإنسان نفسه بالكنية إذا لم يعرف إلا بها واشتهر بها بحيث لا يعرف غالبًا (¬3) إلا بها. (يا رسول الله أسمعك) أي: سمعتك في الماضي، وهو من إطلاق لفظ المضارع لإرادة الماضي كقوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} أي: قد رأيت، فقد قال بعض (¬4) العلماء: أن هذِه الآية مقدمة في النزول على قوله: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ}. (تنهى عن هاتين الركعتين وأراك تصليهما) وفي رواية للشافعي: ولم أكن أراك تصليهما (¬5)، فيه أنه ينبغي للتابع إذا رأى من المتبوع شيئًا يخالف المعروف من طريقته والمعتاد من حاله أن يسأله بلطف عنه، ¬

_ (¬1) في (ص، س): بني. (¬2) "اللباب في تهذيب الأنساب" 1/ 252. (¬3) في (م): طالب. (¬4) من (م). (¬5) "مسند الشافعي" (378، 807).

فإن كان ناسيًا رجع عنه، وإن كان عامدًا وله معنى مخصص عرفه للتابع، فيكون قد استفاد منه هذِه الفائدة، وإن كان مخصوصًا بحالة يعلمها ولم يتجاوزها، وله مع هذِه الفوائد فائدة أخرى وهو أنه بالسؤال يسلم من إرسال الظن السيئ بتعارض الأفعال والأقوال وعدم الارتباط بطريق واحد. (فإن أشار بيده فاستأخري عنه قالت) أم سلمة: (ففعلت الجارية) فيه جواز استماع المصلي إلى ما (¬1) يخبره به من ليس في الصلاة، (¬2) وقد روى موسى عن ابن القاسم (¬3): أن من أخبر في الصلاة بما يسره فحمد الله، أو بمصيبة (¬4) فاسترجع (¬5) أو يخبر بالشيء فيقول: الحمد لله على كل حال، أو الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات فلا يعجبني وصلاته مجزئة (¬6). (فأشار بيده (¬7) فاستأخرت عنه) فيه حجة للشافعي (¬8) أن الإشارة المفهمة ممن هو في صلاة جائزة لا تضر؛ لأنه قد جاء من طرق ¬

_ (¬1) في (ص): من. (¬2) زاد في (ص، س، ل): قال ابن المنير. خطأ. والصواب: قال ابن بطال كما سيأتي. (¬3) في الأصول الخطية: مسلم عن القاسم. خطأ. والمثبت هو الصواب كما في "شرح البخاري" لابن بطال. (¬4) في (ص): بمعصية. (¬5) في (ص، س): فليسترجع. (¬6) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 3/ 232. (¬7) من (م)، و"سنن أبي داود". (¬8) "المجموع" 4/ 103.

متواترة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وليست الإشارة المفهمة كالكلام المبطل؛ لأن الإشارة إنما هي حركة عضو، وقد رأينا حركة سائر الأعضاء غير اليد في الصلاة لا تفسدها فكذلك اليد؛ وبهذا قال مالك (¬1) وغيره. وقال أبو حنيفة وأصحابه (¬2): تقطع الصلاة كالكلام، واحتجوا بحديث أبي هريرة مرفوعًا: "التسبيح للرجال والتصفيق للنساء" (¬3)، ومن أشار في صلاته إشارة مفهمة فليعد صلاته، وكذا قال إن المصلي إذا سلم عليه لا يرد عليه السلام بالإشارة، و [استدل] (¬4) الشافعي بما رواه المصنف عن [ابن عمر] (¬5) عن صهيب أنه قال: "مررت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي، فسلمت عليه فرد إشارة ولا أعلمه إلا قال: ورد إشارة (¬6) بإصبعه" (¬7). (فلما انصرف قال: يا ابنة أبي (¬8) أمية) وأم سلمة أبوها هو: أبو أمية ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم (¬9) اسمه سهيل (¬10) (¬11)، ويقال: حذيفة، ويعرف بزاد الركب. ¬

_ (¬1) "التمهيد" 22/ 247. (¬2) "المبسوط" للسرخسي: 1/ 359. (¬3) أخرجه البخاري (1203)، ومسلم (422) (106). (¬4) في (ص): احتج. والمثبت من (س، ل، م). (¬5) سقط من (م). (¬6) في (ص، س): إشارته. (¬7) أخرجه أبو داود (925)، والترمذي (367)، والدارمي (1361)، وأحمد 4/ 332. (¬8) من (ل، م)، و"سنن أبي داود". (¬9) في (ص، س): محرم. (¬10) في (ص، س): شهيد. (¬11) "تهذيب الكمال" 35/ 317.

ومعناه: أنه كان إذا سافر لا يتزود معه أحد، وسمي بذلك أيضًا زمعة بن الأسود بن المطلب، ومسافر بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس، وكان هذا حلفًا من أحلاف أشراف (¬1) قريش [ولم يسم بذلك غير هؤلاء الثلاثة (¬2)] (¬3). (سألت عن الركعتين بعد العصر أنه أتاني ناس من عبد القيس) ورواية الشافعي في كتاب الصلاة، "وفد بني تميم أو صدقة" (¬4) يعني صدقة بني تميم (بالإسلام من قومهم) أنهم أسلموا (فشغلوني عن الركعتين اللتين (¬5) بعد الظهر) فيه جواز تأخير السنن الراتبة إلى أن يخرج وقتها للاشتغال بالأضياف والوارد وقد أخذ به الصوفية قولهم (¬6): إذا حضر الوارد (¬7) سقطت الأوراد، وقضاءه (¬8) - صلى الله عليه وسلم - سنة الظهر بعد العصر دليل على أنه ترك سنة العصر لاشتغاله بهم، ودل الكلام على اتصال شغلهم (¬9) حتى صلى العصر، ولو فرغ قبل العصر لصلى سنة الظهر قبل خروج الوقت ولصلى سنة العصر ولم يزد. (فهما هاتان) (¬10) الركعتان يعني هاتان الركعتان اللتان صليتهما بعد العصر، هما بدل عن الركعتين الفائتتين بعد الظهر، فإن قلت: هاتان ¬

_ (¬1) من (س، ل، م). (¬2) "أسد الغابة" 3/ 177. (¬3) من (ل، م). (¬4) "المجموع": 4/ 103. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (م): لهم. (¬7) سقط من (م). (¬8) في (ص): قضاء رسول الله. والمثبت من (س، ل، م). (¬9) في (ص): ترك الصلاة شغله بهم. وفي (س، ل): الصلاة شغله بهم. والمثبت من (م). (¬10) أخرجه البخاري (1233)، ومسلم (834) (297)، والدارمي (1436).

الركعتان قضاء ما فات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما بال عائشة تصليهما، ولم يفتها (¬1) شيء تقضيه أجاب الكرماني: استدلت بفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا قالت: سل (¬2) أم سلمة أي: حتى يتبين لك فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك (¬3) ولعل اجتهادها أداها إلى كونها سنة ملاحظة لأصل فعله من غير أن تعتبر خصوص (¬4) السبب ونحوه. قال ابن التين: مذهب عائشة أنها تصح النافلة في هذا الوقت (¬5)، وأقسمت أنه - عليه السلام - ما تركها في بيتها وقال مثل قولها داود (¬6) خاصة أنه لا بأس بعد العصر ما لم تقرب، قال (¬7): ومذهب مالك (¬8) والجمهور (¬9) عموم النهي. ¬

_ (¬1) في (ص): تعينها. والمثبت من (س، ل، م). (¬2) سقط من (م). (¬3) من (ل، م). (¬4) في (م): حصول. (¬5) "التمهيد" 13/ 36 - 37. (¬6) "التمهيد" 13/ 36 - 37. (¬7) من (ل). (¬8) "الاستذكار" 1/ 384. (¬9) "الاستذكار" 1/ 366.

10 - باب من رخص فيهما إذا كانت الشمس مرتفعة

10 - باب مَنْ رَخَّصَ فِيهِما إِذا كَانَتِ الشَّمْسُ مُرْتَفِعَةً 1274 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلالِ بْنِ يِسافٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ الأَجْدَعِ، عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الصَّلاةِ بَعْدَ العَصْرِ إِلَّا والشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ (¬1). 1275 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ أَبِي إِسْحاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِي إِثْرِ كُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ رَكْعَتَيْنِ إِلَّا الفَجْرَ والعَصْرَ (¬2). 1276 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْن إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا أَبانُ، حَدَّثَنا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: شَهِدَ عِنْدِي رِجالٌ مَرْضِيُّونَ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا صَلاةَ بَعْدَ صَلاةِ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَلا صَلاةَ بَعْدَ صَلاةِ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ" (¬3). 1277 - حَدَّثَنا الرَّبِيعُ بْنُ نافِعٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُهاجِرِ عَنِ العَبَّاسِ بْنِ سالِمٍ، عَنْ أبِي سَلَّامٍ، عَن أَبِي أُمامَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ السُّلَمِيِّ أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ أَيُّ اللَّيْلِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: "جَوْفُ اللَّيْلِ الآخِرُ فَصَلِّ ما شِئْتَ، فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَكْتُوبَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الصُّبْحَ، ثُمَّ أَقْصِرْ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَتَرْتَفِعَ قِيْسَ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ فَإِنَّها تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطانٍ وَيُصَلِّي لَها الكُفّارُ، ثُمَّ ¬

_ (¬1) رواه النسائي 1/ 280، وأحمد 1/ 80. وصححه الألباني في "الصحيحة" (200) (¬2) رواه أحمد 1/ 124، وعبد الرزاق (4823)، وعبد بن حميد (71)، والبزار (674)، والنسائي في "الكبرى" (341). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (236). (¬3) رواه البخاري (581)، مسلم (826).

صَلِّ ما شِئْتَ فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَكْتُوبَةٌ حَتَّى يَعْدِلَ الرُّمْحُ ظِلَّهُ ثُمَّ أَقْصِرْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ تُسْجَرُ وَتُفْتَحُ أَبْوابُها فَإِذا زَاغَتِ الشَّمْسُ فَصَلِّ ما شِئْتَ فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ العَصْرَ، ثُمَّ أَقْصِرْ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَإِنَّها تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطانٍ وَيُصَلِّي لَها الكُفّارُ". وَقَصَّ حَدِيثًا طَوِيلًا قَالَ: العَبَّاسُ هَكَذا حَدَّثَنِي أَبُو سَلَّامٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ إِلَّا أَنْ أُخْطِئَ شَيْئًا لا أُرِيدُهُ فَأَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ (¬1). 1278 - حَدَّثَنا مُسْلِمٌ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنا قُدامَةُ بْنُ مُوسَى، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ، عَنْ يَسارٍ مَوْلَى ابن عُمَرَ قال: رآنِي ابن عُمَرَ وَأَنا أُصَلِّي بَعْدَ طُلُوعِ الفَجْرِ فَقَالَ يا يَسارُ إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ عَلَيْنا وَنَحْنُ نُصَلِّي هذِه الصَّلاةَ فَقَالَ: "لِيُبَلِّغْ شاهِدُكُمْ غائِبَكُمْ، لا تُصَلُّوا بَعْدَ الفَجْرِ إِلَّا سَجْدَتَيْنِ" (¬2). 1279 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ وَمَسْرُوقٍ قالا: نَشْهَدُ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّها قَالَتْ: ما مِنْ يَوْمٍ يَأْتِي عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا صَلَّى بَعْدَ العَصْرِ رَكْعَتَيْنِ (¬3). 1280 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنا عَمِّي، حَدَّثَنا أَبِي، عَنِ ابن إِسْحاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ ذَكْوانَ مَوْلَى عَائِشَةَ أَنَّها حَدَّثَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ العَصْرِ وَيَنْهَى عَنْها وَيُواصِلُ وَيَنْهَى عَنِ الوِصالِ (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه مسلم (832). (¬2) رواه الترمذي (419)، وأحمد 2/ 104. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1159). (¬3) رواه البخاري (591)، مسلم (835). (¬4) رواه المحاملي في "أماليه" (ص 30)، ورواه الطبراني في "الأوسط" 4/ 174 (3899) دون ذكر الوصال. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (237).

باب من رخص فيهما إذا كانت الشمس مرتفعة [1274] (حدثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي (حدثنا شعبة، عن منصور) بن المعتمر. (عن هلال بن يساف، عن وهب بن الأجدع، عن علي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة بعد العصر إلا والشمس مرتفعة) الشمس مرتفعة مرفوعان على الابتداء، والخبر والجملة اسمية في محل نصب على الحال من (¬1) فاعل نهى الذي قبل إلا، ونظيره في الإعراب (¬2) قوله تعالى: {وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} وقد روى النسائي هذا الحديث من طريق جرير عن منصور، عن هلال بن يساف. . إلى آخره، وأوضح فيه معناه بلفظ: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صلاةٍ بعد العصر إلا أن تكون الشمس بيضاء نقية مرتفعة (¬3). والمراد بالحديث والله أعلم: النهي عن الإتيان براتبة الظهر وما في معناها مما له سببٌ إلا في حال كون الشمس باقية نقيٌّ بياضها وارتفاعها، فلا تكره في هذِه الحال، فإذا استثني هذا الوقت من الكراهة دلّ على أن الكراهة فيما بعده من الوقت، وهو من حين يصفر نقي بياضها وتهبط للغروب، فإن الصلاة مكروهة، وهذا النهي نهي تنزيه عن التشبه بالكفار الذين يصلون في ذلك الوقت الذي تغيب فيه الشمس، ويغيب ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ص، س): الأعراف. (¬3) سبق تخريجه.

معها قرنا الشيطان. ويدل عليه رواية أحمد بن حنبل عن (¬1) سمرة [كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا أن نصلي أي ساعة شئنا] (¬2) من الليل والنهار غير أنه أمرنا أن نجتنب طلوع الشمس وغروبها وقال: "إن الشيطان يغيب معها حين تغيب ويطلع معها حين تطلع" (¬3) ورجاله رجال الصحيح، وهذا الحديث صححه ابن حبان (¬4)، وظاهره مخالف لما سبق من الأحاديث الصحيحة في أن غاية النهي غروب الشمس، ومخالف أيضًا لما قاله جماهير العلماء، وأخرج الشافعي هذا الحديث فيما ألزم العراقيين من [مخالفة علي بطرق] (¬5) كثيرة (¬6). والظاهر أن ضابط وقت الكراهة [أن يبقى] (¬7) من هبوطها قدر رمح [أو رمحين] (¬8) كما في نظيره من وقت الكراهة في طلوعها، فإن الشيء يحمل على نظيره كما في رواية الطبراني في "الكبير": أن أبا أمامة (¬9) ¬

_ (¬1) من (س، ل، م). (¬2) من (ل، م). (¬3) أخرجه الطبراني في "الكبير" (7008) والبزار (4606)، وهو عند أحمد 5/ 15، 20 بلفظ: "لا تصلوا حين تطلع الشمس فإنها تطلع بين قرني شيطان، ولا حين تغيب فإنها تغيب بين قرني شيطان". وقال الهيثمي في "المجمع" 2/ 226: رجاله ثقات. (¬4) "صحيح ابن حبان" (1547، 1562). (¬5) في (م): مخالفته على طرق. (¬6) "الأم" 8/ 405 - 406. (¬7) في (م): أنه يعفى. (¬8) من (س، ل، م). (¬9) في (م): أسامة.

سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أي حينٍ تكره الصلاة؟ قال: "من حين تطلع الشمس حتى ترتفع قيد رمح أو رمحين [ومن حين تصفر إلى غروبها" (¬1) يعني: من حين يبقى من غروبها قيد رمح أو رمحين] (¬2). ورجاله رجال الصحيح، غير أنه مرسل (¬3). [1275] (حدثنا محمد بن كثير) العبدي (أنبأنا سفيان) بن سعيد (¬4) ابن مسروق الثوري (عن أبي إسحاق) عمرو (¬5) بن عبد الله السبيعي الهمداني. (عن عاصم بن ضمرة) بسكون الميم السلولي، قيل: إنه أخو عبد الله بن ضمرة، قال أحمد بن عبد الله العجلي (¬6) وعلي بن المديني: ثقة (¬7)، وقال النسائي: ثقة ليس به بأس (¬8) (عن علي) - رضي الله عنه -. (قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في إثر) بكسر الهمزة وسكون المثلثة، وبفتحها كما في قراءة الجمهور {عَلَى أَثَرِي} (¬9) (كل صلاة) أي يتبع كل صلاة (مكتوبة) وأصله من الاتباع في الشيء (ركعتين) ¬

_ (¬1) أخرجه الطبراني في "الكبير" 8/ 289 (8108). (¬2) من (س، ل، م). (¬3) "مجمع الزوائد" 2/ 474. (¬4) في (ص، س): سعد. والمثبت من (ل، م). (¬5) في (ص، س): عمر. والمثبت من (م). (¬6) "تاريخ الثقات" للعجلي (739). (¬7) "تهذيب الكمال" 13/ 498. (¬8) "تهذيب الكمال" 13/ 498. (¬9) طه: 84.

تطوعًا (إلا الفجر والعصر) فلا يصلي بعدهما، ويؤخذ منه أن رواتب الظهر والمغرب والعشاء تصلى عقبهما من غير مهلةٍ بينهما؛ لأنه قيل إن النافلة تصعد مع الفريضة، ولا يصلي بعد الصبح والعصر قيل: النهي في هذين الوقتين (¬1) سدًّا للذريعة؛ لأن من صلى بعدهما يؤخر (¬2) الصلاة لعذر أو غيره، فيصلي في الوقت الذي يصلي فيه الكفار فتقع مشابهتهم في النهي بسد الذريعة [وإن كان سد الذريعة] (¬3) من قواعد المالكية. [1276] (حدثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي (حدثنا أبان) بن يزيد العطار غير منصرف على الأصح (¬4). (حدثنا قتادة، عن أبي العالية) رفيع بن مهران (¬5) الرياحي (عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: شهد عندي) أي: أخبر أو بين ونحو ذلك، وهذا من صنع تأدية الحديث (¬6) التي فيها التأكيد، فإن الشهادة [إنما تكون عن يقين، وأصلها من المشاهدة التي لا ريب فيها، وليس هي من الشهادة] (¬7) عند الحكام (¬8)؛ لأن ابن عباس لم يكن قاضيًا ولا نائبًا ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) في (ص، س): يوحد. والمثبت من (ل، م). (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): الأفصح. (¬5) في (ص، س، ل): أبو مهرام. (¬6) من (س، ل، م). (¬7) من (ل، م). (¬8) في (م): الحاكم.

في الإمارة بل كان عمر (¬1) قاضيًا للصديق وخليفة عمله (¬2) إلى حين موته؛ ولأن الشهادة إنما تكون في معين فيه ترافع بخلاف الرواية، وظاهر قول ابن عباس أن لفظ عمر في إخباره عنهم كان بلفظ أشهد. (رجال مرضيون) أي: يرضى دينهم وقولهم (فيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنهم وأرضاهم) أي: أكثرهم بالرضى بدينه وقوله (عمر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا صلاة) [كاملة حتى لو أتى بصلاة بحضرة الطعام أو المدافعة وليس فيها اختلال ركن ولا شرط، بل شغل قلب بذلك ونحوه كانت صحيحة غير كاملة؛ لأنه ارتكب مكروهًا، لكن يستحب إعادتها ولا يجب، ونقل القاضي عياض عن أهل الظاهر: أنها باطلة (¬3)] (¬4) أي لا صلاة شرعية، وإلا فالحسية واقعة صورة في الظاهر من كثير من الناس، قال الشيخ تقي الدين: وذلك لأمرين: الأول: أن الشارع له عرف في الصلاة فيحمل لفظه على عرفه. ثانيها: أنه إذا حملناه على الحقيقة الحسية احتجنا إلى إضمار يصح به الكلام، وهو المسمى بدلالة الاقتضاء، وينشأ عن هذا الاحتمال (¬5) هل يكون اللفظ بالنسبة إليه عامًّا أو مجملًا أو ظاهرًا، أما إذا حملناه على الحقيقة الشرعية لم يحتج إلى إضمار، ومثل هذا: "لا صيام لمن ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) في (م): عنه. (¬3) "إكمال المعلم" 2/ 494. (¬4) من (م). (¬5) في (م): الإضمار احتمال.

لم يبيت الصيام من الليل" (¬1) فإنه نفي للصفة (¬2) الشرعية لا الحسية، وكذا: "لا نكاح إلا بولي" (¬3). ومن حمله على الحقيقة الحسية احتاج إلى الإضمار فبعضهم يقدر لا صلاة صحيحة، وبعضهم يقدر: لا صلاة كاملة (¬4). وقد ترجح إضمار الكمال (¬5) في حديث: "لا صلاة بحضرة طعام" (¬6) ونحوه؛ فإن المعنى فيه ذهاب الخشوع الكامل، وهو غير مؤثر في نفي الصحة، فوجب أن يقدر فيه نفي الكمال، وقس على هذِه القاعدة كل ما [جاءوا سلكها] (¬7). (بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس) المراد بالطلوع هنا وفي الروايات (¬8) التي بمعناه ارتفاعها وإشراقها للأحاديث الصحيحة في مسلم وغيره، عن عقبة بن عامر: ثلاث ساعات كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهانا أن نصلي فيهن أو أن (¬9) نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس ¬

_ (¬1) أخرجه النسائي 4/ 197. (¬2) في (م): للصيغة. (¬3) أخرجه الترمذي (1101)، وابن ماجه (1880، 1881)، والدارمي (2182، 2183)، وأحمد 4/ 394. (¬4) "إحكام الأحكام" 1/ 107. (¬5) في (م): الكل. (¬6) أخرجه مسلم (560)، وأبو داود (88)، وأحمد 6/ 43. (¬7) كذا في الأصول الخطية. (¬8) في (م): الرواية. (¬9) من (م)، ومصادر التخريج.

بازغة حتى (¬1) ترتفع (¬2). فيكون التقدير أيضًا هنا حتى تطلع بازغة حتى ترتفع جمعًا بين الأحاديث، لا كمال قرصها، ولا ابتداء طلوعها، وهذا هو الصحيح عند الشافعي وفيه وجه أن (¬3) الكراهة تزول إذا طلع قرص الشمس بكماله (¬4) (ولا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس) فجعل علة (¬5) الكراهة غروب الشمس، وهو مخالف لحديث علي الذي قبله، وصححه ابن حبان (¬6). [1277] (حدثنا) أبو توبة (الربيع بن نافع) الحلبي شيخ الشيخين (حدثنا محمد بن مهاجر) الأنصاري الشامي مولى أسماء بنت يزيد، أخرج له مسلم. (عن العباس بن سالم) بن جميل اللخمي الدمشقي، وثقه أبو داود وغيره (¬7) (عن أبي سلام) مشدد اللام اسمه ممطور بفتح الميم الأولى (¬8) الأعرج الحبشي الدمشقي التابعي. (عن أبي أمامة) صدي (¬9) بن عجلان الباهلي. ¬

_ (¬1) في (ص): حين. (¬2) أخرجه مسلم (831) (293)، والترمذي (1030)، والنسائي 1/ 275، وأبو داود (3193)، وابن ماجه (1519)، والدارمي (1432)، وأحمد 4/ 152. (¬3) من (س، ل، م). (¬4) "المجموع" 4/ 167. (¬5) في (ص، س): عدم منتهى. (¬6) سبق تخريجه. (¬7) "تهذيب الكمال" 14/ 211. (¬8) سقط من (م). (¬9) في (م): عدي.

(عن عمرو بن عبسة) (¬1) بفتح العين المهملة والباء الموحدة بن عامر ابن غاضرة بالغين والضاد المعجمتين السلمي، رابع أربعة في الإسلام، السلمي نسبة إلى جده سليم بضم السين وفتح اللام. (أنه قال: قلت: يا رسول الله، أي الليل أسمع؟ ) يريد أي أوقات الليل أرجى للاستجابة، وضع أسمع (¬2) موضع الإجابة لقول (¬3) المصلي: سمع الله لمن حمده. يريد: استجاب الله دعاء من سمعه. (قال: جوف الليل الآخر) [برفع الراء صفة للجوف] (¬4) يريد قلب الليل وثلثه الآخر، وهو الجزء الخامس من أسداس الليل. (فصل ما شئت فإن الصلاة مشهودة) أي: تشهدها الملائكة وتكتب أجرها للمصلي، ومنه حديث صلاة الفجر: فإنها مشهودة محضورة. أي: تحضرها ملائكة الليل والنهار هذِه صاعدة وهذِه نازلة. (مكتوبة) تكتب أجرها وتصعد به إلى الله تعالى، فإليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح. وقد استدل أصحابنا وغيرهم بهذا الحديث على أن الثلث الأوسط من الليل أفضل من أوله وآخره للتهجد، ولأن العبادة فيه أثقل، والغفلة فيه أكثر، وهذا إذا قسم الليل إلى أثلاث متساوية، فإن أريد به ثلث ما فالأفضل السدس الخامس والسادس كما تقدم، وهذا رجحه (¬5) النووي ¬

_ (¬1) في (س، ل، م): عنبسة. خطأ. (¬2) في (م): اسم. (¬3) في (م): كقول. (¬4) سقط من (م). (¬5) في (ص، س، ل): حجة. والمثبت من (م).

في "الروضة" وغيرها (¬1)؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أحب الصلاة إلى الله صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه" متفق عليه (¬2). والمعنى فيه مع (¬3) مراعاة ما سبق (¬4) من الغفلة أن النوم فيه أكثر مما سبق (¬5) فتكون العبادة أنشط (حتى تصلي) بكسر اللام [ونصب الياء] (¬6) مبني للفاعل (الصبح) يدخل فيه ركعتي الفجر فإنها داخلة في المعنى (ثم أقصر) بفتح الهمزة وكسر الصاد وهي لغة من أقصرت الصلاة. قال أبو عبيد: فيه ثلاث لغات: قصرت الصلاة وأقصرتها وقَصَّرتها، وعلى اللغة الفصحى التي جاء بها القرآن في قوله تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} (¬7) أن يقرأ هنا بوصل الهمزة وضم الصاد المهملة (¬8). (حتى تطلع الشمس فترتفع) بالنصب على العطف (قيس) بكسر القاف وسكون المثناة تحت ثم سين مهملة منصوبة، أي قدر (رمح) يقال: قيس وقاس، و [قيد] (¬9) وقاد وقاب بمعنى واحد، وقد تكررت ¬

_ (¬1) "روضة الطالبين" 1/ 338، و"المجموع" 4/ 44، ولكنه قال فيه: السدس الرابع والخامس. بدل: الخامس والسادس. (¬2) أخرجه البخاري (1131)، ومسلم (1159). (¬3) من (ل، م). (¬4) في (م): شيء. (¬5) في (م): يشق. (¬6) ليست في (م). (¬7) النساء: 101. (¬8) سقط من (ل، م). (¬9) سقط من (ل، م).

هذِه الألفاظ في الحديث [ومن قيس في الحديث] (¬1) ليس ما بين فرعون من الفراعنة، وفرعون هذِه الأمة قيس شبر (¬2) أي قدر شبر (أو) قدر (رمحين) قال النووي: اعلم أن الكراهة عند طلوع الشمس حتى ترتفع قيد رمح [أو قدر] (¬3) رمح، هذا هو الصحيح الذي قطع به الشيخ أبو إسحاق (¬4) في "التنبيه" (¬5) والجمهور، وفي وجه حكاه الخراسانيون أن الكراهة تزول إذا طلع قرص الشمس بكماله للحديث المتقدم الثابت في الصَّحيحين: نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس (¬6). وقوله: قيس رمح أو رمحين المراد به فيما يراه الناظر برأي (¬7) العين. (فإنها تطلع بين قرني شيطان) وفي رواية للموطأ: "فإنها تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها، فإذا استوت قارنها، فإذا زالت فارقها، فإذا دنت للغروب قارنها، فإذا غربت فارقها" (¬8). واختلفوا في قرن الشيطان، فقيل: قومه، وقيل: معناه مثلي شيطان (¬9) والمعنى: أن الشمس إذا طلعت استشرف لها الشيطان ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (قيس). (¬3) ليست في (م). (¬4) في (م): الشيخ. (¬5) "التنبيه" 1/ 37. (¬6) "المجموع" 4/ 167. (¬7) في (م): أي. (¬8) "الموطأ" (512). (¬9) من (س، ل، م).

فتبسط شعاعها على رأسه، لا أن له قرنًا كقرن الثور، لكن لما طلعت على رأسه في موضع القرنين أطلق ذلك (¬1) عليه، وقيل: إن الشيطان يدني رأسه (¬2) من الشمس في هذِه الأوقات ليكون الساجد لها ساجدًا له. (ويصلي) بكسر اللام وسكون الياء (لها الكفار) عبدة الشمس يسجدون لها في هذِه الأوقات. (ثم صل ما شئت فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى يعدل) بفتح الياء وكسر الدال أي: يعادل (الرمح ظله) وهذا من المقلوب كقولهم: عرضنا الناقة على الحوض، والمراد هنا حتى يعدل (¬3) الرمح ظله أي: يقف (¬4) ظل الشمس، ويقوم مقابله [قبل الزوال] (¬5) في جهة (¬6) الشمال ليس مائلًا إلى المغرب، ولا إلى المشرق، وهذِه حالة الاستواء (¬7)، ورواية "صحيح مسلم": "حتى يستقل الظل بالرمح" (¬8)، وفي رواية لغيره (¬9): "حتى يستقل الرمح بالظل" (¬10). ¬

_ (¬1) ليست في (م). (¬2) من (م). (¬3) زاد في (م): ظل الرمح. (¬4) في (م): تتق. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (م): ظل. (¬7) زاد في (م): قبل الزوال. (¬8) "صحيح مسلم" (832) (294). (¬9) بياض في (ص). (¬10) "مسند أحمد" 4/ 111.

قال أبو عبيد بن سلام: أي حتى (¬1) يبلغ ظل الرمح في الأرض أدنى غاية القلة والنقص؛ لأن ظل [كل شيء] (¬2) في أول النهار يكون طويلًا لا يزال ينقص حتى يبلغ أقصره، وذلك عند انتصاف النهار (¬3). وذلك وقت قيام الشمس ووقوفها (¬4) عند اعتداله قبل أن تزول الشمس، وهذا وقت الكراهة فإذا زالت الشمس (¬5) عن كبد السماء ووسطه قدر الشراك (¬6) أخذ الظل في الزيادة دخل وقت الظهر، وجازت (¬7) الصلاة وذهب وقت الكراهة، وهذا الظل المتناهي في القصر هو الذي يسمى ظل الزوال أي الظل الذي تزول الشمس عن وسط السماء، وهو موجود قبل الزيادة. وقوله في حديث الباب: "حتى يعدل الرمح" أي يعادله عند التوقف هو كما (¬8) في حديث المعراج: "أتيت بإناءين فعدلت (¬9) بينهما" (¬10) أي توقفت فيما بينهما. ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): الشيء. (¬3) هذا كلام ابن الأثير في "النهاية" (قلل)، وليس كلام أبي عبيد، وذكره ابن منظور في "لسان العرب" (قلل). (¬4) في (م): وقوعها. (¬5) من (ل، م). (¬6) في (م): السواك. (¬7) في الأصل، (س): جاءت، وفي (ل): حانت. (¬8) في (م): ما. وفي (ل): من ما. (¬9) في (م): فقال. (¬10) أخرجه الطبراني في "الكبير" (7142)، والبزار (2945).

قال أبو عبيد: هو من قولهم: هو يعدل أمره ويعادله إذا توقف بين أمرين أيهما يأتي ولم يترجح عنده شيء (¬1). (ثم أقصر) عن الصلاة (فإن جهنم تسجر) وقت الزوال أي توقد، كأنه أراد الإبراد بالظهر لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم" (¬2) وقيل: أراد به ما جاء في الحديث الآخر: "إن الشمس إذا استوت قارنها الشيطان، فإذا زالت فارقها" (¬3) كما تقدم، فلعل سجر جهنم حينئذٍ لمقارنة الشيطان الشمس (¬4) وتهيئته لأن يسجد لها عباد الشمس، فلذلك نهى عن الصلاة في ذلك الوقت، وأمر بالإقصار عن الصلاة. (وتفتح أبوابها) السبعة، واستثنى أصحابنا من كراهية الصلاة وقت الاستواء يوم الجمعة؛ لما سيأتي للمصنف من رواية أبي الخليل، عن أبي قتادة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه كره الصلاة نصف النهار إلا (¬5) يوم الجمعة، وقال: "إن جهنم لا تسجر يوم الجمعة". وقال: إنه مرسل فإن أبا الخليل لم يسمع من أبي قتادة (¬6). والمرسل حجة عندنا. قال صاحب "الإمام": وقوى الشافعي ذلك، بما رواه عن ثعلبة بن مالك، عن عامة أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم كانوا يصلون نصف النهار يوم ¬

_ (¬1) "لسان العرب" (عدل)، و"النهاية" (عدل). (¬2) أخرجه البخاري (538)، وابن ماجه (679)، وأحمد 3/ 52. (¬3) أخرجه النسائي 1/ 275، ومالك في "الموطأ" (512). (¬4) من (ل، م). (¬5) في (م): إلى. (¬6) "سنن أبي داود" (1084).

الجمعة (¬1). (فإذا زاغت الشمس فصل ما شئت) من التطوعات والنوافل (فإن الصلاة مشهودة) مكتوبة (حتى تصلي العصر [ثم أقصر) بفتح الهمزة وكسر الصاد (حتى تغرب الشمس] (¬2) فإنها تغرب بين قرني الشيطان) قيل: بين أمتي الشيطان الأولين والآخرين، وكل هذا تمثيل (¬3) لمن يسجد للشمس عند طلوعها، فكأن الشيطان يسول له ذلك، فإذا سجد لها كان الشيطان مقترن بها، وفي حديث خباب: هذا قرن قد طلع (¬4) أراد قومًا أحداثًا ابتدعوا بدعة لم تكن في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -. (ويصلي لها الكفار) في ذلك الوقت (وقصّ) عمرو بن عبسة (حديثًا طويلًا) ذكر فيه غسل أعضاء الوضوء، فإذا غسل العضو خرجت (¬5) خطاياه و [قال فيه] (¬6) لما حدث عمرو بن عبسة أبا أمامة قال له: يا عمرو (¬7) انظر ما تقول في مقام واحد يعطى الرجل هذا؟ فقال عمرو: لقد كبرت سني، ورق عظمي (¬8) واقترب أجلي لو (¬9) لم أسمعه من (¬10) ¬

_ (¬1) "الأم" 1/ 338. (¬2) سقط من (م). (¬3) بياض في (ص)، وفي (س، ل): يسل. والمثبت من (م). (¬4) "مصنف ابن أبي شيبة" (26721). (¬5) في (م): خرت. (¬6) في (م): قيل. (¬7) في (م): عمر. (¬8) في (ص، س): عصبي. (¬9) في (م): و. (¬10) في (م): عن.

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا مرة أو مرتين أو ثلاث حتى عد (¬1) سبع مرات [ما حدثت به] (¬2) أبدًا ولكن سمعته أكثر من ذلك. ذكره مسلم في "صحيحه" (¬3) بطوله. (قال العباس) بن سالم (هكذا حدثني أبو سلام) ممطور الحبشي (عن أبي أمامة) الباهلي - رضي الله عنه - كما ذكرت (إلا أن أخطئ) بضم الهمزة. (شيئًا لا أريده) ولا أقصده ولا أعقد عليه قلبي (¬4). قلت مما سبق به اللسان (فأستغفر الله) تعالى (وأتوب إليه) هذا أدب من آداب المحدث إذا فرغ من التحديث يجدد التوبة إلى (¬5) الله تعالى، والاستغفار مما (¬6) عساه أن يكون وقع منه في حديثه من (¬7) زيادة لم يقصدها أو إبدال لفظ مما (¬8) يخالف معناه، أو تحريف (¬9) أو تصحيف أو تقصير في حق من حقوق آدابه وغير ذلك. [1278] (حدثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي (حدثنا وهيب) بن خالد الباهلي (حدثنا قدامة بن موسى) الجمحي، أخرج له مسلم. ¬

_ (¬1) في (ص، س): عن. (¬2) في (م): جاء حديث له. (¬3) "صحيح مسلم" (832) (294). (¬4) في (ص، س): قلت. (¬5) في (ص، س): من. (¬6) في (م): عما. (¬7) سقط من (م). (¬8) في (م): لما. (¬9) في (م): تعريف.

(عن أيوب بن حصين) ورواية الترمذي عن (¬1) قدامة بن موسى عن محمد بن [الحصين، عن أبي علقمة (¬2). قال الذهبي: هو عند الترمذي وابن ماجه: محمد بن] (¬3) الحصين (¬4)، وعند أبي داود أيوب (¬5) بن حصين التميمي، [وكذا ذكره ابن عبد البر أيوب بن حصين] (¬6)، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬7)، وليس له غير هذا الحديث. (عن أبي علقمة) الهاشمي البصري مولى عبد الله بن عباس، ويقال: حليف الأنصار ذكره ابن عبد البر فيمن (¬8) لم يذكر له (¬9) سوى كنيته، أخرج له مسلم في الصلاة والنكاح والجهاد. (عن يسار) بالمثناة والمهملة، قال ابن عبد البر: هو (¬10) ابن نمير مولى ابن عمر التابعي. ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬11). (قال: رآني) سيدي عبد الله (بن عمر) بن الخطاب - رضي الله عنهما - (وأنا أصلي ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "جامع الترمذي" (419). (¬3) من (ل، م). (¬4) "الكاشف" 2/ 165. (¬5) من (ل، م). (¬6) سقط من (م). (¬7) "الثقات" لابن حبان 7/ 401. (¬8) في (ص، س، ل): ممن. (¬9) من (ل، م). (¬10) من (س، ل، م). (¬11) "الثقات" لابن حبان 5/ 557.

بعد طلوع الفجر فقال: يا يسار إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج علينا ونحن نصلي هذِه الصلاة) يدل على أنهم كانوا يصلون هكذا (فقال: ليبلغ شاهدكم غائبكم) أي: ليبلغ الحاضر في المجلس الغائب عنه [وهو على صيغة الأمر وظاهر الأمر الوجوب] (¬1) فعلم منه أن التبليغ واجب. والمراد هنا: إما تبليغ حكم هذِه الصلاة، أو تبليغ الأحكام الشرعية، والظاهر أن (إلى) فيه مقدرة أي: ليبلغ شاهدكم إلى غائبكم. وفيه من الفقه: أن العالم واجب عليه تبليغ العلم بلسانه أو بعمله بالكتابة لمن لم يبلغه ويُثَنِّيه (¬2) لمن لا يفهمه، وحفظ الكتاب والسنة من التحريف والتصحيف واستنباط الأحكام الشرعية لمن بلغه، وإظهاره لمن لا يدركه. (لا تصلوا بعد الفجر إلا سجدتين) أي: ركعتين سميا بذلك تجوزًا (¬3) بدليل، رواية الترمذي بلفظ: "لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر" (¬4). [ثم قال: أجمع عليه أهل العلم كرهوا أن يصلي الرجل بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر (¬5)] (¬6) ورواه (¬7) الدارقطني (¬8) ¬

_ (¬1) في (ص): وهو صيغة الأمر للوجوب. (¬2) من (ل، م). (¬3) في (ص، س): سجودًا. (¬4) "جامع الترمذي" (419). (¬5) "جامع الترمذي" 2/ 279 - 280. (¬6) سقط من الأصل. (¬7) في (م): ورواية. (¬8) "سنن الدارقطني" 1/ 419.

وأحمد (¬1) (¬2)، وقد استدل به أحمد بن حنبل ومن تبعه على (¬3) كراهة الصلاة بعد طلوع الفجر حتى ترتفع الشمس، إلا ركعتي الفجر وفرض الصبح (¬4). وهو وجه عند الشافعي (¬5)، ويؤيده قولهم: إن هذا مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - من الألفاظ المجملة ولا يعارضه تخصيص ما بعد الصلاة بالنهي، فإن ذلك دليل خطاب وهذا منطوق به، فيكون أولى من حديث عمرو بن عنبسة المتقدم؛ فإنه (¬6) اختلفت ألفاظ الرواة (¬7) فيه وهو في (¬8) سنن ابن ماجه "حتى يطلع الفجر" (¬9). والأصح عند الشافعية وقول الجمهور: إن ابتداء وقت الكراهة من صلاة الفرض (¬10)، وأن وقت الكراهة يمتد بتقديم الصلاة ويقصر بتأخيرها، ويكفينا في ذلك قول ابن تيمية شيخ الحنابلة في "المنتقى" بعد أن ذكر أحاديث النهي الصحيحة: هذِه النصوص الصحيحة تدل على أنَّ (¬11) النهي في الفجر لا يتعلق بطلوعه بل بالفعل كالعصر (¬12). [1279] (حدثنا حفص بن عمر) الحوضي (حدثنا شعبة، عن (¬13) أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي. ¬

_ (¬1) سبق تخريجه. (¬2) ليست في (م). (¬3) في (س، ل، م): إلى. (¬4) "المغني" 2/ 515. (¬5) "المجموع" 4/ 165 - 166. (¬6) في (ص، س): فإن. (¬7) في (م): الرواية. (¬8) في (ص): من. (¬9) "سنن ابن ماجه" (1249، 1250) ولكن بلفظ: "حتى تطلع الشمس". (¬10) "المجموع" 4/ 165 - 166. (¬11) من (ل، م). (¬12) "المنتقى" 1/ 564. وانظر: "نيل الأوطار شرح المنتقى" 3/ 109. (¬13) في (م): بن.

(عن الأسود) بن يزيد بن قيس النخعي (ومسروق قالا: نشهد على عائشة - رضي الله عنها -) لفظ البخاري: عن أبي إسحاق: رأيت الأسود ومسروقًا شهدا على عائشة (¬1) (أنها قالت: ما من يوم يأتي على النبي - صلى الله عليه وسلم -) لفظ البخاري: ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأتيني في يوم (إلا) و (صلى بعد العصر ركعتين) وجه الجمع بين هذا (¬2) الحديث والأحاديث التي قبله من النهي عن الصلاة بعد العصر، أن النهي كان في صلاة لا سبب لها، وصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت بسبب قضاء راتبة (¬3) الظهر كما تقدم، وأن النهي هو فيما (¬4) يتحرى فيها، وفعله كان بدون التحري، وبأنه كان من خصائصه، وأن النهي كان للكراهة، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - بيان ذلك، ودفع وهم التحريم وأن العلة في النهي هو التشبه بعبدة الشمس (¬5) والرسول - صلى الله عليه وسلم - منزّه عن التشبه بهم، وأنه - صلى الله عليه وسلم - لما قضى فائتة ذلك اليوم فكان في فواته نوع تقصير فواظب عليها جبرًا لما وقع منه. وأصح من هذِه الأجوبة أن النهي قولٌ والصلاة (¬6) فعل، والقول والفعل إذا تعارضا يقدم القول ويعمل به، وقال محيي السنة: فعله أول مرة قضاء ثم أثبته، وكان مخصوصًا بالمواظبة على ما فعله مرة (¬7). وفي "صحيح مسلم": كان إذا صلى صلاة أثبتها (¬8). ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (593). (¬2) من (س، ل، م). (¬3) في (ص، س، ل): فائتة. (¬4) في (م): ما. (¬5) في (م): الشيء. (¬6) في (م): صلاته. (¬7) "شرح السنة" 3/ 338. (¬8) "صحيح مسلم" (835) (298).

[1280] (حدثنا عبيد الله) بالتصغير (ابن (¬1) سعد) بن إبراهيم [بن سعد شيخ البخاري. (حدثنا عمي) يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم] (¬2) بن عبد الرحمن بن عوف قال يعقوب بن إبراهيم (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد (عن) محمد (بن إسحاق) بن يسار الحافظ، أخرج له مسلم. (عن محمد بن عمرو) (¬3) بن عطاء [بن عباس بن علقمة القرشي. (عن ذكوان) أبي عمرو (مولى عائشة) زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وخادمها، وكانت دبرته قبل] (¬4) أيام الحرة، روى له (¬5) الشيخان. (أنها حدثته، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بعد العصر) ركعتين (وينهى عنها) أي عن صلاة (¬6) هاتين الركعتين، حديث ذكوان هذا؟ وهو مولى عائشة وأخبر عنها هنا يدل على أن حديث عائشة المتقدم: ما من يوم يأتي على النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا صلى بعد العصر ركعتين. كان من خصائصه - صلى الله عليه وسلم -، وكذا قوله في الحديث: ينهى. يعني: غيره عن فعلها، وفي هذا حجة على من نازع في ذلك وقاطع له، ويدل على الاختصاص أيضًا قوله بعده: (وينهى عن الوصال) يعني: (و) كان (يواصل) كما في الأحاديث الصحيحة، وأن الوصال كان من خصائصه أيضًا. ¬

_ (¬1) في (م): عن. (¬2) من (ل، م) (¬3) في (م): عمر. (¬4) سقط من (م). (¬5) من (ل، م). (¬6) سقط من (م).

11 - باب الصلاة قبل المغرب

11 - باب الصَّلاةِ قَبْلَ المَغْرِبِ 1281 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ بْنُ سَعِيدٍ عَنِ الحُسَيْنِ المُعَلِّمِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ المُزَنِيِّ قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "صَلُّوا قَبْلَ المَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ". ثُمَّ قَالَ: "صَلُّوا قَبْلَ المَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ لِمَنْ شَاءَ". خَشْيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً (¬1). 1282 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ البَزَّازُ، أَخْبَرَنا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمانَ، حَدَّثَنا مَنْصُورُ بْن أَبِي الأَسْوَدِ عَنِ المُخْتارِ بْنِ فُلْفُلٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قَالَ: صَلَّيْتُ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ المَغْرِبِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ: قُلْتُ لأَنَسٍ: أَرَآكُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: نَعَمْ رَآنَا فَلَمْ يَأْمُرْنا وَلَمْ يَنْهَنا (¬2). 1283 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنا ابن عُلَيَّةَ، عَنِ الجُرَيْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاةٌ بَيْنَ كُلِّ أَذانَيْنِ صَلاةٌ لِمَنْ شَاءَ" (¬3). 1284 - حَدَّثَنا ابن بَشَّارٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي شُعَيْبٍ، عَنْ طاوُسٍ قَالَ: سُئِلَ ابن عُمَرَ، عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ المَغْرِبِ فَقَالَ: ما رَأَيْتُ أَحَدًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّيهِما. وَرَخَّصَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ. قَالَ أبُو داوُدَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ: هُوَ شُعَيْبٌ يَعْنِي: وَهِمَ شُعْبَةُ فِي اسْمِهِ (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1183). (¬2) رواه مسلم (836). (¬3) رواه البخاري (624)، ومسلم (838). (¬4) رواه عبد بن حميد (802)، والدولابي في "الكنى" (1142)، وأبو نعيم في "الحلية" 10/ 29. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (237/ 2).

باب الصلاة قبل المغرب [1281] (حدثنا عبيد الله بن عمر) (¬1) بن ميسرة القواريري الحافظ، روى مائة ألف حديث شيخ الشيخين (حدثنا عبد الوارث بن سعيد، عن حسين المعلم، عن عبد الله بن بريدة) بن خصيب الأسلمي قاضي مرو أخو سليمان، وكان توأم (عن عبد الله) بن مغفل (المزني - رضي الله عنه - قال (¬2): قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: صلوا قبل المغرب ركعتين. ثم قال: صلوا قبل المغرب ركعتين) استدل به على أحد الوجهين لأصحابنا على استحباب الركعتين قبل المغرب لوروده في البخاري لكن من غير تقييد الصلاة بركعتين. قال النووي في "الروضة": والصحيح استحبابهما (¬3)، ثم (¬4) قال الإسنوي: وهو الصواب لأحاديث كثيرة صحيحة. لكن قال الرافعي وعلى القول بالاستحباب ليستا من الرواتب المؤكدة (¬5). وقد أهمله النووي ولم يذكره في "الروضة" ولا في (¬6) غيرها، وإذا قلنا باستحبابهما (¬7) فيستحب أن يكونا خفيفتين، كذا ذكره الرافعي في ¬

_ (¬1) في (ص): عبيد بن عمرو. وفي (س): عبيد بن عمر. (¬2) من (م). (¬3) في (م): استحبابها. (¬4) "روضة الطالبين" 1/ 327. (¬5) "الشرح الكبير" 2/ 117. (¬6) سقط من (م). (¬7) في (م): استحبابها.

"المحرر" (¬1)، وفي باب المواقيت من "الشرح الصغير" ولم يتعرض له في "شرحه الكبير" ولا في "الروضة" و"شرح المهذب" و"الكفاية" بخلاف الركعتين بعدها (¬2) فإنه يستحب تطويلهما كما قاله في "الكفاية" مستدلًا برواية المصنف. ويدل على استحباب الخفة في الركعتين المتقدمتين ما رواه مسلم أنهم كانوا يصلونها عند أذان المغرب (¬3)، انتهى. وفي هذا دلالة على أنهما مقدمتان على أذان المغرب، وأنهما يصليان وإن أدى ذلك إلى فوات إجابة المؤذن، ويدل على تخفيفهما رواية ابن حبان أنه لم يكن بين الأذان والإقامة شيء (¬4). وقال في (¬5) "شرح المهذب": هذا الاستحباب إنما هو بعد دخول الوقت، وقبل شروع المؤذن في إقامة الصلاة (¬6)، وهذا أيضًا يشعر بتقديم الركعتين على إجابة المؤذن، وكنت أتردد في هذِه المسألة في صلاة المغرب خلف المغاربة في الأقصى فإنه لا يمكن الجمع بين الركعتين والإجابة لمن صلى مع المغاربة [لسرعة الإقامة، لكن قال الإسنوي: المتجه تقديم الإجابة (¬7)، للحديث الآتي، وهو في ¬

_ (¬1) (ص 48). (¬2) في (ص، س): بعدهما. والمثبت من (ل، م). (¬3) "صحيح مسلم" (837) (303). (¬4) "صحيح ابن حبان" (1589). (¬5) سقط من (م). (¬6) "المجموع" 4/ 9 (¬7) "مغني المحتاج" 1/ 220.

الصَّحيحين: "بين كل أذانين صلاة لمن شاء" (¬1)] (¬2) والمراد بين الأذان والإقامة، هكذا قال، وليس هو ظاهر في المسألة، والله أعلم. زاد في البخاري: قال في الثالثة (¬3) (لمن شاء خشية) وللبخاري: كراهية (¬4) (أن يتخذها الناس سنة) يعني: أنه إنما زاد في الثالثة لمن شاء خشية أن يتخذها الناس سنة مؤكدة، وهي سنة غير (¬5) مؤكدة كما تقدم عن الرافعي. [1283] (حدثنا عبد الله (¬6) بن محمد النفيلي (¬7)، حدثنا) إسماعيل بن إبراهيم (ابن علية) البصري أبو بشر. (عن) سعيد بن إياس (الجريري) بضم الجيم نسبة إلى جرير بن عباد أخي الحارث [بن عباد] (¬8) بن ضبيعة بن قيس بن (¬9) بكر بن وائل (¬10) (عن عبد الله بن بريدة، عن عبد الله بن مغفل) تقدما قبله. (قال: قال (¬11) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (624)، و"صحيح مسلم" (838) (304). (¬2) سقط من (م). (¬3) "صحيح البخاري" (1183). (¬4) صحيح البخاري" (1183). (¬5) من (ل، م). (¬6) في (ص، س): عبيد الله. (¬7) في (ص): العقيلي. (¬8) من (م). (¬9) في (م): من. (¬10) "الأنساب" للسمعاني 2/ 78. (¬11) من (م).

صلاة) وروى البزار من طريق حبان بن عبد الله، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، وفي آخره: "إلا المغرب" (¬1)، وفي بعض طرقه عند الإسماعيلي: وكان بريدة يصلي ركعتين قبل صلاة المغرب. فلو كان الاستثناء محفوظًا لم يخالفه، يريد راويه (¬2)، والمراد بالأذانين (¬3) الأذان والإقامة، وهو من باب التغليب كالقمرين للشمس والقمر، ويحتمل أن يكون أطلق على الإقامة أذانًا لأنها إعلام بحضور فعل الصلاة كما أن الأذان إعلام بدخول الوقت، ولا يصح حمله على ظاهره؛ لأن الصلاة بين الأذانين (¬4) مفروضة، والخبر ناطق بالتخيير لقوله: "لمن شاء". وزاد البخاري: ثم قال في الثالثة (¬5): (لمن شاء) (¬6) يدل على أنها ليست مؤكدة بل مستحبة، وكونه - صلى الله عليه وسلم - لم يصليهما لا ينفي الاستحباب، بل يدل على أنهما ليستا من الرواتب المؤكدة، وإلى استحبابهما (¬7) ذهب أحمد (¬8) وأصحاب الحديث. ¬

_ (¬1) "مسند البزار" (4422). (¬2) في (م): رواته. (¬3) في (م): بالأذان. (¬4) في (م): الأذان. (¬5) "صحيح البخاري" (624). (¬6) أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما كما سبق، وأخرجه الترمذي (185)، والنسائي 2/ 28، وابن ماجه (1162)، والدارمي (1440)، وأحمد 4/ 86. (¬7) في (م): استحبابها. (¬8) "المغني" 2/ 546.

وقد روى محمد بن نصر وغيره (¬1) من طرق قوية عن عبد الرحمن بن عوف (¬2)، وسعد بن أبي وقاص (¬3)، وأبي بن كعب (¬4)، وأبي الدرداء، وأبي موسى وغيرهم، أنهم كانوا يواظبون عليها (¬5)، وعن مالك قول آخر باستحبابها، ورجح النووي ومن تبعه استحبابهما، وقال: قول من قال إن فعلهما يؤدي إلى تأخير المغرب عن أول وقتها [خيال منابذ للسنة؛ لأن زمنهما زمن يسير لا تتأخر به الصلاة عن أول وقتها (¬6)] (¬7). قال العلامة ابن حجر: ومجموع الأدلة يرشد إلى استحباب تخفيفهما كما في ركعتي الفجر، والحكمة في الندب إليهما رجاء إجابة الدعاء؛ لأن الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد، وكلما كان الوقت أشرف كان ثواب (¬8) العبادة فيه أكثر (¬9). [1282] (حدثنا محمد بن عبد الرحيم البزاز) شيخ البخاري، وفي بعض النسخ محمد بن عبد الرحيم (¬10) البرقي، والبرقي ليس هو ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "مصنف ابن أبي شيبة" (7456). (¬3) "مصنف ابن أبي شيبة" (7464). (¬4) "مصنف ابن أبي شيبة" (7456). (¬5) في (م): عليهما، وانظر: "مختصر قيام الليل" ص 72 - 75. (¬6) "شرح النووي على مسلم" 6/ 123 - 124. (¬7) من (ل، م). (¬8) سقط من (م). (¬9) "فتح الباري" 2/ 128. (¬10) في (م): عبد الرحمن.

البزاز؛ فإن البرقي هو محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم، وهذا لم يرو عنه البخاري. (أنبأنا سعيد بن سليمان) المعروف بسعدويه الضبي (حدثنا منصور بن أبي (¬1) الأسود) الليثي الكوفي، قال أحمد بن أبي (¬2) خيثمة، عن ابن (¬3) معين ثقة (¬4): قال أبو حاتم: يكتب حديثه (¬5). (عن المختار بن فلفل) الكوفي مولى عمرو (¬6) بن حريث المخزومي، أخرج له مسلم. (عن أنس بن مالك) - رضي الله عنه - قال: (صليت الركعتين قبل المغرب على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) لفظ مسلم: كنا نصلي على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين بعد (¬7) غروب الشمس قبل صلاة المغرب (¬8). قال مختار بن فلفل: (قلت لأنس: أرآكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) لفظ مسلم: أكان (¬9) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاهما (¬10). ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) من (ل، م). (¬3) في (ص، س): أبي. (¬4) "تاريخ ابن معين" رواية الدوري 3/ 272. (¬5) "الجرح والتعديل" 8/ 170، 754. (¬6) في (م): عمر. (¬7) في (ص، س): قبل. (¬8) "صحيح مسلم" (836) (302). (¬9) في (م): كان. (¬10) في (ص، س، ل): صلاها.

(قال: نعم (¬1) رآنا فلم يأمرنا ولم ينهنا) يعني: أنه أقرهما على ذلك، استدل بعضهم بهذِه الصلاة التي قبل المغرب على ترجيح امتداد وقت المغرب وأن لها وقتان، وليس ذلك بواضح فإن هاتين الركعتين ورد الشرع بتخفيفهما، ومع التحقيق لا يمتد وقتها كما تقدم. [1284] (حدثنا) محمد (ابن بشار) بندار (حدثنا محمد بن جعفر) غندر (حدثنا شعبة (¬2)، عن أبي شعيب) [بالموحدة آخره] (¬3)، ويقال شعيث بالمثلثة صاحب الطيالسة، كذا قال المزي (¬4) في "تهذيب الكمال" (¬5) وقال ابن عبد البر (¬6) فيمن عرف بكنيته: ذكر إسحاق بن منصور عن (¬7) يحيى بن معين أنه قال: أبو شعيب الذي روى عن طاوس عن ابن عمر مشهور بصري (¬8). (عن طاوس قال: سئل ابن عمر - رضي الله عنهما - عن الركعتين قبل المغرب فقال: ما رأيت أحدًا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصليهما) هذا لا دليل (¬9) فيه على ¬

_ (¬1) في (ص، س): عمر. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): بالباء الموحدة. (¬4) في الأصول الخطية: المزني. والمثبت هو الصواب. وهو جمال الدين المزي صاحب "تهذيب الكمال". (¬5) "تهذيب الكمال" 12/ 539. قال: (شعيب) بدل (شعيث)، وعند ذكر ابنه قال: عمار بن شعيث. (¬6) من (س، ل، م). (¬7) في (م): هو. (¬8) "الاستغنا في معرفة المشهورين من حملة العلم بالكنى" 3/ 1590. (¬9) بياض في (ص).

أن ابن عمر لم ير أحدًا يصليهما إلا أنه كان ثم نسخ كما ادعاه بعض المالكية وقال: إنما كان (¬1) ذلك في الأول حيث نهي عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، فبين لهم بذلك وقت الجواز، ثم ندب إلى المبادرة إلى المغرب في أول وقتها، فلو (¬2) استمرت المواظبة على الاشتغال بغيرها لكان ذلك ذريعة إلى مخالفة إدراك (¬3) أول وقتها، وتعقب (¬4) بأن دعوى النسخ لا دليل عليها. وهذا الحديث لا دليل فيه، بل رواية أنس المثبتة مقدمة على النفي، والمنقول عن الخلفاء الأربعة كما رواه محمد بن نصر وغيره من طريق إبراهيم النخعي عنهم منقطع (¬5)، ولو ثبت (¬6) لم يكن فيه دليل على النسخ ولا الكراهة، وفي أبواب التطوع من البخاري "أن عقبة بن عامر سئل عن الركعتين قبل المغرب قال: كنا نفعلهما على (¬7) عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -[قيل له: ] (¬8) فما يمنعك الآن؟ قال: الشغل (¬9). فلعل غيره منعه أيضًا الشغل. ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): فلم. (¬3) في (ص، س، ل): ذلك. (¬4) سقط من (م). (¬5) "مختصر قيام الليل" ص 76. (¬6) في (ص، س): بين. (¬7) في (ص، س): في. (¬8) من (س، ل، م). (¬9) "صحيح البخاري" (1184).

(ورخص في الركعتين بعد (¬1) العصر) (¬2) يعني: لسبب متقدم كمن عليه سنة الظهر أو سنة العصر، [والله أعلم] (¬3). (قال المصنف (¬4): سمعت يحيى (¬5) بن معين) بفتح الميم (يقول) في أبي شعيب (هو شعيب) الرواي عن طاوس (¬6) (وهم شعبة في اسمه) أبي (¬7) شعيب وقد تقدم (¬8). ¬

_ (¬1) في (م): قبل. (¬2) انفرد به أبو داود، ومن طريقه أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 2/ 476، وأخرجه عبد بن حميد في "مسنده" (804) من طريق سليمان بن داود عن شعبة به. قال الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" (237): إسناده ضعيف. (¬3) من (م). (¬4) من (س، ل، م). (¬5) في (م): علي. (¬6) في (م): عطاء. (¬7) في (م): أي. (¬8) سبق تخريجه.

12 - باب صلاة الضحى

12 - باب صَلاةِ الضُّحَى 1285 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبَّادٍ ح، وحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ - المَعْنَى -، عَنْ واصِلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلامَى مِنِ ابن آدَمَ صَدَقَةٌ: تَسْلِيمُهُ عَلَى مَنْ لَقِيَ صَدَقَةٌ وَأَمْرُهُ بِالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيُهُ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَإِماطَتُهُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ، وَبُضْعَةُ أَهْلِهِ صَدَقَةٌ وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ رَكْعَتانِ مِنَ الضُّحَى". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَحَدِيثُ عَبَّادٍ أَتَمُّ وَلَمْ يَذْكُرْ مُسَدَّدٌ الأَمْرَ والنَّهْيَ، زادَ فِي حَدِيثِهِ وَقَالَ: كَذا وَكَذا وَزادَ ابن مَنِيعٍ فِي حَدِيثِهِ قَالُوا: يا رَسُولَ اللهِ أَحَدُنا يَقْضِي شَهْوَتَهُ وَتَكُونُ لَهُ صَدَقَةٌ قَالَ: "أَرَأَيْتَ لَوْ وَضَعَها فِي غَيْرِ حِلِّها أَلَمْ يَكُنْ يَأْثَمُ؟ " (¬1). 1286 - حَدَّثَنا وَهْبُ بْن بَقِيَّةَ، أَخْبَرَنا خالِدٌ، عَنْ واصِلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ قَالَ: بَيْنَما نَحْنُ عِنْدَ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: "يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلامَى مِنْ أَحَدِكُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ فَلَهُ بِكُلِّ صَلاةٍ صَدَقَةٌ وَصِيام صَدَقَةٌ وَحَجٍّ صَدَقَةٌ وَتَسْبِيحٍ صَدَقَةٌ وَتَكْبِيرٍ صَدَقَةٌ وَتَحْمِيدٍ صَدَقَةٌ". فَعَدَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ هذِه الأَعْمالِ الصَّالِحَةِ، ثُمَّ قَالَ: "يُجْزِئُ أَحَدَكُمْ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتا الضُّحَى" (¬2). 1287 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ المُرادِيُّ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ زَبّانَ بْنِ فائِدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعاذِ بْنِ أَنَسٍ الجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ قَعَدَ فِي مُصَلَّاهُ حِينَ يَنْصَرِفُ مِنْ صَلاةِ الصُّبْحِ حَتَّى يُسَبِّحَ رَكْعَتَيِ الضُّحَى لا يَقُولُ إِلَّا خَيْرًا غُفِرَ لَهُ خَطاياهُ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ زَبَدِ البَحْرِ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (720). (¬2) رواه مسلم (720) (84). (¬3) رواه أحمد 3/ 438 - 439، والبيهقي في "الكبرى" 3/ 49 من طريق أبي داود. =

1288 - حَدَّثَنا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْن نافِعٍ، حَدَّثَنا الهَيْثَمُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الحارِثِ عَنِ القَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "صَلاةٌ فِي أَثَرِ صَلاةٍ لا لَغْوَ بَيْنَهُما كِتابٌ فِي عِلِّيِّينَ" (¬1). 1289 - حَدَّثَنا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ أَبِي شَجَرَةَ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ هَمَّارٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "يَقُولُ اللهُ - عز وجل - يا ابن آدَمَ لا تُعْجِزْنِي مِنْ أَرْبَعِ رَكَعاتٍ فِي أَوَّلِ نَهارِكَ أَكْفِكَ آخِرَهُ" (¬2). 1290 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، قالا: حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، حَدَّثَنِي عِياضُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمانَ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابن عَبَّاسٍ، عَنْ أُمِّ هانِئٍ بِنْتِ أَبِي طالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الفَتْحِ صَلَّى سُبْحَةَ الضُّحَى ثَمانِيَ رَكَعاتٍ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ: أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الفَتْحِ صَلَّى سُبْحَةَ الضُّحَى فَذَكَرَ مِثْلَهُ. قَالَ: ابن السَّرْحِ إِنَّ أُمَّ هانِئٍ قَالَتْ: دَخَلَ عَلي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يَذْكُرْ سُبْحَةَ الضُّحَى بِمَعْناهُ (¬3). 1291 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنِ ابن أَبِي ¬

_ = وضعف إسناده النووي في "خلاصة الأحكام" 1/ 571 (1937)، والألباني في "ضعيف أبي داود" (238). (¬1) تقدم مطولا برقم (558). وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (1166): إسناده حسن. (¬2) رواه أحمد 5/ 286 - 287، والنسائي في "الكبرى" 1/ 177 (466 - 467). قال الألباني في "خلاصة الأحكام" 1/ 568 - 569 (1928): إسناده صحيح. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1167). (¬3) رواه ابن ماجه (1323). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (238/ 2).

لَيْلَى قَالَ: ما أَخْبَرَنا أَحَدٌ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى الضُّحَى غَيْرَ أُمِّ هانِئٍ فَإِنَّهَا ذَكَرَتْ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ اغْتَسَلَ فِي بَيْتِها وَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعاتٍ فَلَمْ يَرَهُ أَحَدٌ صَلَّاهُّنَّ بَعْدُ (¬1). 1292 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنا الجُرَيْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ هَلْ كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الضُّحَى فَقَالَتْ: لا إِلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ. قُلْتُ: هَلْ كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرِنُ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ قَالَتْ: مِنَ المُفَصَّلِ (¬2). 1293 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّها قَالَتْ: ما سَبَّحَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ وَإِنِّي لأُسَبِّحُها وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيَدَعُ العَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ (¬3). 1294 - حَدَّثَنا ابن نُفَيْلٍ وَأَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قالا: حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا سِماكٌ قَالَ: قُلْتُ لِجابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: نَعَمْ كَثِيرًا فَكَانَ لا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الذِي صَلَّى فِيهِ الغَداةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذا طَلَعَتْ قَامَ - صلى الله عليه وسلم - (¬4). * * * باب صلاة الضحى [1285] (حدثنا أحمد بن منيع) بفتح الميم وكسر النون، البغوي الحافظ صاحب (¬5) المسند شيخ الجماعة (عن عباد بن عباد) بن حبيب ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1103، 1176، 4292)، ومسلم (719/ 80). (¬2) رواه مسلم (717). (¬3) رواه البخاري (1128، 1177)، ومسلم (718). (¬4) رواه مسلم (670، 2322). (¬5) سقط من (م).

ابن المهلب بن أبي صفرة الأزدي. (ح، وحدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد المعنى، عن واصل) مولى أبي عيينة بن المهلب بن أبي صفرة] (¬1)، أخرج له مسلم هذا الحديث. (عن يحيى بن عقيل) مصغر، الخزاعي (عن يحيى بن يعمر) بفتح الميم وضمها، قاضي مرو (عن أبي ذر) جندب بن جنادة - رضي الله عنه -. (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يصبح على كل سلامى) بضم السين وتخفيف اللام [وفتح الميم، جمع سلامية، وهي الأنملة من أنامل الأصابع والكف والرجل، وقيل: واحده وجمعه سواء] (¬2) ويجمع على سلاميات، وهي التي بين كل مفصلين من أصابع الإنسان، وقيل: السلامى كل عظم مجوف من صغار العظام، والمعنى على كل عظم من عظام ابن آدم صدقة، وفي "صحيح مسلم": "خلق [ابن آدم] (¬3) على ستين وثلاثمائة مفصل" (¬4)، على كل مفصل صدقة (من) بكسر النون لالتقاء الساكنين، ويجوز الفتح ([ابن آدم] (¬5) صدقة) لله تعالى. (تسليمه على من لقي) المفعول محذوف، على كل من لقيه صغيرًا أو كبيرًا، عرفه أو لم يعرفه. ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) سقط من (م). (¬3) في (س، ل): الإنسان. (¬4) "صحيح مسلم" (1007) (54). ولفظه: إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل. (¬5) سقط من (م).

(صدقة) عليه (وأمره بالمعروف صدقة، ونهيه عن المنكر صدقة) أي: فيه أجر، والأجر يتفاوت؛ فأجر التسليم الذي بدأ به ليس كأجر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن هذا من الفروض (¬1) بخلاف التسليم، فإنه من المندوبات وأجره دون أجر المفروض. (وإماطته) الإماطة الإزالة والتنحية، قيل: إن ماط لازم بمعنى تباعد، وأماط تعدى بالهمزة، ومنه إماطة الأذى؛ لأن التنحية إبعاد، و [منهم] (¬2) من يقول الثلاثي والرباعي يستعملان لازمين ومتعديين، وأنكره الأصمعي. (الأذى) هو كل ما يؤذي (¬3) في الطريق كالشوك والحجر والنجاسة ونحوها (عن الطريق) وقد يدخل فيه طريق الشريعة، فمن أزال عنها كل ما يدخل فيها ويطرأ عليها من الحوادث والبدع ففيه (صدقة) عظيمة وأجور جسيمة نسأل الله تعالى أن يوفقنا، ولم أجد من ذكر هذا المعنى. (وبضعة) بضم الباء الموحدة وسكون الضاد المعجمة والعين المهملة (¬4) مرفوعة مبتدأ، والبضع أصله الفرْج، ويطلق هنا على الجماع، ويطلق أيضًا على التزوّج وأبضعت المرأة أبضاعًا تزوجتها، والاستبضاع نوع من نكاح الجاهلية، وهو استفعال من البضع ¬

_ (¬1) في (م): المفروض. (¬2) في (ص): منه. (¬3) في (ص): مؤذي. (¬4) سقط من (س، ل، م).

بالضم (¬1) وهو الجماع، وذلك أن تطلب المرأة جماع الرجل لتنال منه الولد فقط. كان الرجل منهم (¬2) يقول لأمته أو امرأته: أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه و [يعتزلها] (¬3) فلا يمسها حتى يتبين حملها من ذلك الرجل، وإنما يفعل ذلك (¬4) رغبة في نجابة الولد، ومنه الحديث أن عبد الله أبا النبي - صلى الله عليه وسلم - مرّ بامرأة فدعته إلى أن يستبضع منها (¬5) (أهله) من المصدر أو اسم مصدر. (صدقة) منه عليها لتقضي شهوتها و [يعفها] (¬6). (ويجزئ) قال النووي: ضبطناه بوجهين: بفتح أوله وضمه، فضم أوله يعني: مع همز آخره من الإجزاء، والفتح من جزا يجزي بلا همز أي: كفى (¬7)، قال الله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا}، وفي الحديث: "لا يجزئ عن أحد بعدك" (¬8) (من ذلك) أي: يكفي عن هذِه الصدقات المذكورة كلها عن هذِه الأعضاء الستين والثلاثمائة (¬9) ¬

_ (¬1) في (ص، ر، ل): بالفم. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (ص، س): يعين لها. (¬4) من (م)، و"لسان العرب". (¬5) "النهاية في غريب الحديث"، و"لسان العرب" (بضع). (¬6) في (ص، س): بضعها. (¬7) "شرح النووي على مسلم" 5/ 234. (¬8) أخرجه البخاري (954، 983)، ومسلم (1961) (7)، والنسائي 3/ 190، وابن ماجه (3154)، والدارمي (1962)، وأحمد 4/ 297. (¬9) زاد في (ص، س): فيه. وهي زيادة مقحمة.

(ركعتان) فيه دليل على فضيلة صلاة الضحى، وأن أقلها ركعتان؛ فإن هاتين الركعتين من الصلاة، وفيها عمل بجميع أعضاء الجسد، فإذا صلى الركعتين فقد قام كل عضو بوظيفته التي عليه (¬1) في الأصل الذي ذكر في الحديث (من) صلاة (الضحى) (¬2) سميت بوقتها التي تفعل فيه، وقوله: "من الضحى" فمن لبيان الجنس. وفي هذا الحديث دليل على تفضيل (¬3) نفع المتعدي على النفع القاصر، يؤخذ ذلك من كونه - عليه السلام - (¬4) ندب أولًا (¬5) بصيغة الوجوب وهي "على" [مقتضى إلى] (¬6) الصدقة التي فيها النفع المتعدي فإن فيها [الأجر الكبير] (¬7) بإدخال الراحة والسرور على قلب المؤمن، ولذلك جعلت (¬8) الصدقة على من اشتدت حاجته، ثم قال بعد ذلك: ويجزئ عن ذلك ركعتان من الضحى. وهي فعل قاصر. ويدل على ذلك كفارة اليمين مما (¬9) جوز الاكتفاء بالصيام إلا من عجز عن إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة؛ لأن هذِه ¬

_ (¬1) في (م): هي علته. (¬2) أخرجه مسلم (720) (84)، والنسائي في "الكبرى" (9028)، وأحمد 5/ 178. (¬3) من (س، ل، م). (¬4) زاد في (ص): أنه. وهي زيادة مقحمة. (¬5) من (م). (¬6) في (م): أن. (¬7) في (م): النفع الكثير. (¬8) في (م): فضلت. (¬9) في (ص): ممن.

الثلاثة فيها النفع المتعدي بخلاف الصيام مع عظم فضيلة الصيام (¬1). (وحديث عباد) بن عباد (أتم) من هذا وأكمل (¬2) (ولم يذكر مسدد الأمر) بالمعروف صدقة (والنهي) عن المنكر صدقة (وزاد في حديثه: وقال كذا وكذا) كأن الراوي شك في اللفظ، وكان فيه (¬3) العطف فكنى به بالعطف، وهي من ألفاظ الكنايات، مثل كيت وكيت، وفي "صحيح مسلم": "نجيء أنا وأمتي على كذا وكذا" (¬4). قال أبو موسى: المحفوظ (¬5): "نجيء أنا وأمتي على كوم". (وزاد) أحمد (ابن منيع في حديثه: قالوا: يا رسول الله أحدنا يقضي شهوته) فيه دليل معناه مراجعة العالم في بيان ما أشكل معناه (¬6)، وفي تفصيل المجمل وتخصيص العام، وفيه دليل على ما للصحابة علينا من الفضل [العام في بيان ما أشكل معناه] (¬7) فإنهم تلقوا الأحكام بالخطاب، وسألوا في مثل هذا وغيره حتى بانت الأمور واتضحت ظلمة الديجور، وسؤال هذا الصحابي يدل على أنه كان من المعلوم (¬8) عندهم وفيما بينهم أن الأجر والثواب لا يكون إلا فيما فيه مخالفة ¬

_ (¬1) في (م): الطعام. (¬2) أخرجه البخاري (954، 983)، ومسلم (1961) (7). (¬3) في (م): منه. (¬4) مسلم (191). (¬5) سقط من (م). (¬6) في (ص، س): على. (¬7) من (ل). (¬8) في (م): العلوم.

النفس وكسر شهوتها، ورأوا هذا الحكم يحصل فيه الفضيلة مع تحصيل شهوة الآدمي وملاءمة ما يوافقها، وهذا إنما هو غالبًا في المباحات. وهذا يتعلق بما اختلف فيه الأصوليون في أن حقيقة التكاليف الشرعية ما هي؟ هل هي إلزام ما فيه كلفة على النفس ومشقة، وعلى هذا فلا يكون المندوب والمباح من التكاليف، أو هي طلب ما فيه كلفة؟ وقد أورد على هذا أن الشارع قد ندب المكلف إلى ما فيه داعية للنفس وتشوق إليه كتعجيل الفطر، وتأخير السحور، وقوله - عليه السلام -: "أرحنا يا بلال بالصلاة (¬1) " (¬2) وكذا من هذا وطء الزوجة عند توقان شهوته إلى الوطء، فإن هذِه أحكام تكليفية، وليس فيها كلفة على النفس بل هي من أعظم لذاتها، وأكبر رغباتها، والجواب عن هذا أن الكلفة باعتبار الجنس لا باعتبار كل فرد فرد. (و) أن (تكون) بالنصب؛ لأن أن (¬3) الناصبة تنصب الفعل المضارع بعد الواو التي وقعت في جواب الطلب والاستفهام طلب، والتقدير: أأحدنا (¬4) يقضي شهوته ويكون له أجر؟ وذهب بعضهم إلى أن ما بعد الواو والفاء منصوب بالمخالفة، والجمهور منصوب (¬5) بأن المقدرة (¬6) ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (4985)، وأحمد 5/ 364 من حديث سالم بن أبي الجعد، عن رجل من أسلم مرفوعًا. وصححه الألباني في "المشكاة" (1253). (¬2) من (ل، م). (¬3) سقط من (س، م). (¬4) في (ص، م): أحدنا. (¬5) من (ل، م). (¬6) في (ص): المقدر. وفي (س): القدم.

كما تقدم (له صدقه) بالنصب خبر كان، والتقدير: وتكون تلك الشهوة صدقة له (¬1). (قال: أرأيت لو وضعها في غير حلها ألم (¬2) يكن يأثم؟ ) ورواية مسلم عن أبي ذر بزيادة (¬3)، ولفظه: قال: "أرأيتم لو وضعها في حرام أكان (¬4) عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر" (¬5). وقد مثل الأصوليون [لقياس عكس الحكم] (¬6) بهذا الحديث، وعرف البيضاوي هذا القياس تبعًا للإمام الرازي في "المحصول": يحصل مثل ذلك الحكم في صورة أخرى لعلة [تخالف العلة] (¬7) الأولى (¬8). واستشهد له بهذا الحديث فإنه - صلى الله عليه وسلم - حين عدد لأصحابه وجوه الصدقة وأنواعها، ذكر فيها: "وبضعة أهله صدقة" قالوا: يا رسول الله أحدنا يقضي شهوته ويكون له صدقة؟ قال: "أرأيت لو وضعها في [غير حلها] (¬9) ألم يكن يأثم؟ ". أي: يعاقب على فعله؟ قالوا (¬10): نعم. قال: "ذلك إذا وضعها في الحلال يؤجر على فعله" مع حسن النية، ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) في (ص، س): لم. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ص، س): كان. (¬5) "صحيح مسلم" (1006) (53). (¬6) في (م): القياس العكس. وفي (س، ل): لقياس الحكم. (¬7) سقط من (م). (¬8) "المحصول" 5/ 261. (¬9) في (ص): الحلال. (¬10) في (م): قال.

فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - حكم الوطء المباح حكم الوطء الحرام، وحمله عليه لأنه مخالف له (¬1) في العلة كما أن العرب تعطي حكم الشيء لما يماثله في العلة ويشابهه في المعنى، والشيء يحمل على نظيره. [1286] (حدثنا وهب بن بقية) الواسطي شيخ مسلم. (أنبأنا خالد) بن عبد الله (عن واصل) مولى أبي عيينة (عن يحيى بن عقيل) بالتصغير. (عن يحيى بن يعمر (¬2)، عن أبي الأسود) ظالم بن عمرو [وقيل: عمرو] (¬3) بن ظالم. وقيل: ظالم بن سارق (¬4) بصري الدؤلي بضم الدال المهملة وفتح الهمزة على مثال العمري، هكذا يقول البصريون نسبة إلى الدؤل بني حنيفة. وقيل: الدؤل امرأة من بني كنانة، وقيل: الدئل بكسر الدال (¬5) وبالهمزة المفتوحة في عبد القيس، وقيل: الديل في بني حنيفة، والدؤل من كنانة. و[فيه] (¬6) خلاف كثير، إلا أن الدئل (¬7) بضم الدال وكسر الهمزة، هو ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ص): معمر. (¬3) من (م). (¬4) في (م): يسار. (¬5) في (ص، س، ل): الدأل بالدال. والمثبت من "الأنساب". (¬6) سقط من (م). (¬7) في (ل، م): الدؤل. وفي (س): البدل.

في الأصل اسم (¬1) دويبة تشبه بابن عرس، قال ثعلب: لا نعلم اسمًا جاء على وزن فعل غيره. قال (¬2) الأخفش: وإلى المسمى بهذا نسب أبو الأسود الدؤلي، إلا أنهم فتحوا الهمزة في النسب على عادتهم استثقالًا للكسرتين مع ياء النسب كما قالوا في النسب إلى النمر نمري ففتحوا الميم، وربما قالوا الدؤلي فقلبوا الهمزة واوًا؛ لأن الهمزة إذا انفتحت وكانت قبلها ضمة فتخفيفها أن تقلبها واوًا محضة (¬3) كما قالوا في جؤن حون (¬4)، وقال ابن الكلبي: هو الديل فقلبت الهمزة ياء، فإذا انقلبت ياء انكسرت الدال لتسلم الياء كما تقول: قيل (¬5): وبيع (¬6). (قال: بينما نحن عند أبي ذر - رضي الله عنه - قال: يصبح على كل سلامى من أحدكم [في كل يوم] (¬7) صدقة، فله بكل صلاة صدقة) قد يدخل في الصلاة سجدة الشكر وسجدة التلاوة والفرائض والنوافل وصلاة الجنازة (وصيام صدقة، وحج صدقة) وفي معنى الحج العمرة، وإن كانت فضيلتها دونه (وتسبيح صدقة، وتكبير صدقة (¬8)، وتحميد صدقة ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) من (ل، م). (¬3) من (س، ل، م)، و"لسان العرب". (¬4) في (ص): جون. (¬5) في (ص، س): فيه. وفي (ل، م): فبع. والمثبت من "لسان العرب". (¬6) انظر: "لسان العرب" (دأل). (¬7) من (ل، م)، و"سنن أبي داود". (¬8) من (ل، م)، و"سنن أبي داود".

فعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذِه الأعمال الصالحة) غير ذلك وعدّ في مسلم "نخاعة في المسجد يدفنها" (¬1) (ثم قال: يجزئ) تقدم أن الضم والفتح جائزان (أحدكم من ذلك ركعتا الضحى) [أي: يجزئ عن الستين والثلاثمائة صدقة التي على الأعضاء ركعتا الضحى] (¬2). [1287] (حدثنا محمد بن سلمة) بن عبد الله بن أبي فاطمة (المرادي) الجملي (¬3) شيخ مسلم. (حدثنا) عبد الله (بن وهب، عن يحيى بن أيوب) الغافقي المصري (¬4) أحد العلماء (عن زبان) بزاي معجمة وباء موحدة مشددة (¬5). (ابن فائد) (¬6) بالفاء المصري فاضل (¬7) ديِّن (¬8) الحمراوي. (عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني) ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬9)، وروى له البخاري في "الأدب" (عن أبيه) معاذ بن أنس - رضي الله عنه -. [(أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬10) قال: من قعد في مصلاه) موضع صلاته، ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (553) (57) بلفظ: "النخاعة تكون في المسجد لا تدفن". (¬2) من (ل، م). (¬3) في (ص): الحمصي. وفي (س): الحمقي. والمثبت من "التهذيب". (¬4) زاد في (م): عن المصري. (¬5) من (م). (¬6) في (م): فائدة. (¬7) في (م): واصل. (¬8) سقط من الأصل، (س)، وفي (م): بن. (¬9) "الثقات" 4/ 321. (¬10) سقط من (م).

وكانت صلاته في جماعة كما جاء مقيدًا في رواية الطبراني، والأفضل أن يكون متربعًا (¬1). (حين (¬2) ينصرف) أي: يسلم (من صلاة الصبح حتى يسبح) أي: يصلي، وخصت النافلة بهذا الاسم وإن شاركتها الفريضة في معنى التسبيح؛ لأن التسبيحات في الفرائض نوافل، فقيل لصلاة النافلة سبحة؛ لأنها نافلة (¬3) كالتسبيحات والأذكار (ركعتي الضحى) الجمع بين أحاديث الباب أن يكون التقدير حتى تمكنه الصلاة بطلوع الشمس وارتفاعها ويصلي الضحى ركعتين أو أربع ركعات، فإن رواية الطبراني في "الأوسط": "ثم جلس في مجلسه حتى يمكنه الصلاة كانت بمنزلة حجة وعمرة متقبلتين" (¬4)، ورواية الترمذي: "حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كان له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة" (¬5). ورواية البيهقي: "حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين أو أربع ركعات [لم يمس جلده النار" وأخذ الحسن بن علي - راويه - بجلده فمده (¬6). (لا يقول) في ذلك المجلس (إلا خيرًا) ورواية أبي يعلى: "من صلاة الفجر - أو قال الغداة - يقعد في مقعده فلم يلغ بشيء من أمر الدنيا ويذكر ¬

_ (¬1) بياض في (ص). (¬2) في (ص، س): حتى. والمثبت من "سنن أبي داود". (¬3) من (ل، م). (¬4) "المعجم الأوسط" (5602) من حديث ابن عمر مرفوعًا. (¬5) "جامع الترمذي" (586) من حديث أنس مرفوعًا. (¬6) "شعب الإيمان" 3/ 420.

الله حتى يصلي الضحى أربع ركعات] (¬1) خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه لا ذنب له" (¬2). (غفر (¬3) له خطاياه وإن كانت أكثر من زبد البحر) الزبد بفتح الزاي والباء من البحر وغيره كالرغوة. قال الزهراوي في "التصريف في الطب": قيل: إنه شيء يشبه الإسفنج فيه صلابة يعوم بها على الماء، يعني: أن تلك الرغوة التي من البحر تجتمع وتتراكم ثم تتصلب، وجد كثيرًا جدًّا على ساحل البحر. قال الزهراوي: أوصافه (¬4) كثيرة، وهو ينفع من بياض العين، وظاهر الحديث يدل على كثرته، وأنه استعمل في معرض المبالغة والكثرة، ويقال فيما لا يحصر عده عدد: الرمل، والحصا والتراب وزبد البحر. [1288] (حدثنا أبو توبة) الربيع بن نافع. (حدثنا الهيثم بن حميد) الغساني، كان أعلم الناس بقول مكحول، قال المصنف: ثقة، قدري (¬5) (¬6). (عن يحيى بن الحارث) الذماري إمام جامع دمشق، قرأ القرآن على واثلة ثقة (¬7). ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "مسند أبي يعلى" (4365). (¬3) في (ص): غفرت. (¬4) بياض في (ص)، والمثبت من (س، م). وفي (ل): وأصافه. (¬5) في (ص): قد روى. وفي (م): بدري. والمثبت من (س، ل)، و"تهذيب الكمال". (¬6) "تهذيب الكمال" 30/ 372. (¬7) "تهذيب الكمال" 31/ 258.

(عن القاسم بن عبد الرحمن) الشامي أبي عبد الرحمن مولى عبد الرحمن بن خالد الأموي التابعي، أدرك أربعين من المهاجرين، وقيل: أربعين بدريًّا (عن أبي أمامة) صدي بن عجلان الباهلي - رضي الله عنه -. (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: صلاة في إثر صلاة) ذكر المصنف هذا الحديث والذي قبله يدل على أن من صلى الصبح ثم جلس في مصلاه يذكر الله تعالى حتى إذا طلعت الشمس وارتفعت صلى ركعتين حسبت من الضحى، وقد صرح بذلك في روايات منها رواية الطبراني: "من صلى الصبح في جماعة، ثم ثبت حتى يسبح الله تسبيحة الضحى كان له كأجر حاج ومعتمر" (¬1) وعلى أن من جلس يذكر الله تعالى حتى طلعت الشمس وهو ينتظر الصلاة فهو في صلاة ما انتظر الصلاة، ثم صلاة (¬2) الركعتين إثر هذا الانتظار صلاة محصلة للفضيلة، وعموم اللفظ شامل لكل صلاة خلف صلاة. (لا لغو بينهما) اللغو: التكلم بالكلام المطرح من القول، وما لا يعني الإنسان (كتاب) فيه وجهان أحدهما أنه كتاب آخر هذِه الصلاة، والثاني: أنه كتب في عليين ما أعد الله لهم من الكرامة (¬3) والثواب، وعن مقاتل أن الكتاب في عليين، أي: مكتوب لهم بالخير (¬4) في ساق العرش (¬5). ¬

_ (¬1) "المعجم الكبير" 17/ 129 (317). (¬2) في (م): صلى. (¬3) في (ص، س، ل): الكتابة. والمثبت من (م). (¬4) من (ل، م). (¬5) "مفاتيح الغيب" 31/ 89.

(في عليين) قال الزجاج: في أعلى الأمكنة، وإعراب هذا الاسم كإعراب الجمع؛ لأنه على لفظ الجمع (¬1) ولا واحد له من لفظه نحو ثلاثين وعشرين وقنسرين. قال جماعة: عليون هي السماء السابعة (¬2)، ومنه الحديث: "إن أهل الجنة ليتراءون أهل عليين كما ترون (¬3) الكوكب الدري (¬4) في أفق السماء" (¬5)، وقيل: هو اسم لديوان الملائكة الحفظة ترفع إليه أعمال الصالحين من العباد (¬6). وقيل: المراد به أعلى المراتب وأقربها إلى الله تعالى في [الدار الآخرة، ويعرب] (¬7) بالحروف كالعالمين. [1289] (حدثنا داود بن رشيد) (¬8) بالتصغير أبو الفضل الخوارزمي [مولى بني هاشم، شيخ مسلم. (حدثنا (¬9) الوليد) بن مسلم، قيل: من كتب مصنفات الوليد صلح ¬

_ (¬1) في (ص، س): لفظه. وفي (ل): لفظ. والمثبت من (م)، و"لسان العرب" (علا). (¬2) "مفاتيح الغيب" 31/ 89. (¬3) في (م): تراءون. (¬4) في (ص، س): الذي. والمثبت من (ل، م)، ومصادر التخريج. (¬5) أخرجه أحمد 3/ 61، والطبراني في "الأوسط" (9488). (¬6) في (م): العبادة. (¬7) في (ص، س): أنوار الأجر ويقرب. والمثبت من "النهاية في غريب الحديث والأثر" (علا). (¬8) في (م): رشيدة. (¬9) زاد في (ص، س): أبو. وهي زيادة مقحمة.

للقضاء، وهي سبعون كتابًا] (¬1). (عن سعيد بن عبد العزيز) الدمشقي التنوخي. (عن مكحول) بن أبي مسلم شهراب فقيه (¬2) دمشق (¬3). (عن كثير بن مرة) الحضرمي الرهاوي، أدرك سبعين بدريًّا (عن نعيم بن همار) بفتح الهاء وتشديد الميم وبالراء، ويقال هبار، وهو مثله إلا أن الباء الموحدة عوض عن الميم (¬4) ويقال هدار [عوض الميم دال مهملة] (¬5)، ويقال: [خمار عوض (¬6) الهاء خاء معجمة] (¬7)، ويقال فيه (¬8): حمار بكسر الحاء وتخفيف الميم، وهو من غطفان بن سعد بن قيس (¬9) غيلان، وقيل: من غطفان جذام (¬10). (قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: يقول الله تعالى) فيه دليل على جواز ما كرهه (¬11) مطرف بن عبد الله التابعي على ما رواه ابن أبي داود بسنده إلى مطرف رحمه الله تعالى أنه كره أن يقول الإنسان إذا ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ص، س): بقية. (¬3) "الإكمال" 5/ 1، و"تهذيب الكمال" 28/ 468. (¬4) في (ص، س، ل): الهاء. (¬5) سقط من (م). (¬6) سقط من الأصول الخطية. والمثبت يقتضيه السياق. (¬7) في (م): حمان الهاء جامعة. (¬8) من (ل، م). (¬9) زاد في (ص، س): بن. وهي زيادة مقحمة. (¬10) "الأنساب" للسمعاني 4/ 275. (¬11) في (م): ذكر.

استدل بآية من القرآن أن الله يقول في كتابه قال (¬1) ولا يقال أيضًا: يقول الله تعالى، وإنما يقال: قال الله تعالى، كأنه كره ذلك؛ لكونه لفظًا مضارعًا ومقتضاه الحال، وقول الله تعالى هو كلامه، والصحيح مذهب أهل السنة أنه قديم، وهذا مردود لسماعه في كتاب الله تعالى فقد قال الله تعالى: {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ} (¬2) ومن الأحاديث هذا الحديث الذي نحن فيه، ويدل عليه حديث عائشة لما قالت: من زعم أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية، وقال لها مسروق (¬3): ألم (¬4) يقل الله تعالى {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23)}؟ فقالت: إنما هو جبريل، أولم تسمع أن الله تعالى يقول {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} أولم تسمع أن الله يقول {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا}! (¬5) وعلى هذا فيجوز الأمران فيقول: قال الله في كتابه [وهو المتفق عليه] (¬6) ويقول الله في كتابه: وهو الذي خالف فيه مطرف. [(ابن) بالنصب على النداء (آدم)] (¬7) (لا تعجزني) بضم التاء وكسر الجيم، أي: لا تفوتني من (¬8) العبادة [هكذا في أكثر النسخ] (¬9) (من أربع ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) الأحزاب: 4. (¬3) في (م): حروف. (¬4) في (ص، س): لم. (¬5) النسائي في "الكبرى" (11532). (¬6) و (¬7) و (¬8) سقط من (م). (¬9) في (م): ابن بالنصب على النداء آدم. وقد نبهت قبل ذلك أنها سقطت من (م).

ركعات) من قولهم: أعجزه الأمر إذا فاته، وفي بعض النسخ المعتمدة: لا تعجز (¬1) بفتح التاء وكسر الجيم، ولفظة (ني) المتصلة بها مضروب عليها، ويؤيد هذا رواية الإمام أحمد بسند رجاله ثقات عن أبي الدرداء أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ابن آدم لا تعجزن من أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره" (¬2). وروى الإمام أحمد أيضًا وأبو يعلى بسند رجاله رجال الصحيح عن عقبة (¬3) بن عامر الجهني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اكفني (¬4) أول النهار بأربع ركعات (¬5) أكفك بهن آخر يومك" (¬6). قلت: يحتمل أن يكون معنى "اكفني" اخدمني من أول النهار أجازك، من لفظ الكفاءة جمع كاف وهو الخادم الذي يقوم بأمر الإنسان، ويكون أجازك من باب قوله تعالى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} (¬7). وروى الطبراني في "الكبير" عن ابن عمر: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ابن آدم اضمن لي ركعتين [من أول النهار] (¬8) أكفك آخره" (¬9)، وفي "الكبير" ¬

_ (¬1) في (ص): تعجزني. (¬2) "مسند أحمد" 6/ 451. (¬3) في (م): عتيبة. (¬4) في (ص، س، ل): اكفى. (¬5) سقط من (م). (¬6) "مسند أحمد" 4/ 153، وأبو يعلى في "مسنده" 3/ 294. (¬7) آل عمران: 54. (¬8) سقط من (م). (¬9) "المعجم الكبير" (13500).

ورجاله ثقات عن النواس بن سمعان: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "قال الله - عز وجل -: ابن آدم لا تعجزني من أربع ركعات أول النهار أكفك آخره" (¬1). وفي "الكبير": عن أبي أمامة: "إن الله تعالى يقول: يا (¬2) ابن آدم اركع لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره" (¬3). (وفي أول نهارك) قال المنذري: [حديث نعيم (¬4) اختلف الرواة فيه اختلافًا كثيرًا، وقد جمعت طرقه في جزء مفرد، وحمل العلماء هذِه الركعات على صلاة الضحى، وذكر بعضهم أن نعيم بن همار، ويقال: همام (¬5) بميمين روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -[حديثًا واحدًا وذكر هذا قال: وقد وقع لنا أحاديث من روايته عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬6) غير هذا (¬7). (أكفك آخره) (¬8) بفتح الهمزة أي (¬9): عن العمل في غيره، ويحتمل: أكفك من الثواب العظيم والأجر (¬10) الكبير. وروى ابن المبارك في "الزهد" مرسلًا عن الحسن - رضي الله عنه -: أن رسول الله ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في "الكبير" كما في "مجمع الزوائد" (3413)، ولم أجده في "المعجم الكبير" فلعله في الجزء المفقود. (¬2) من (ل، م)، و"المعجم الكبير". (¬3) "المعجم الكبير" (7746). (¬4) سقط من (م). (¬5) في (ص): همار. (¬6) سقط من (م). (¬7) "مختصر سنن أبي داود" (2/ 85). (¬8) أخرجه أحمد 5/ 286، والنسائي في "الكبرى" 1/ 261، قال الألباني في "صحيح أبي داود" (1167): حديث صحيح. (¬9) سقط من (م). (¬10) في (م): آخره.

- صلى الله عليه وسلم - كان فيما يذكر من رحمة ربه يقول أنه قال: "يا ابن آدم اذكرني من (¬1) بعد صلاة الفجر ساعة وبعد صلاة العصر ساعة أكفك ما بينهما" (¬2). [1290] (حدثنا أحمد بن صالح) المصري [(وأحمد بن عمرو بن السرح) المصري] (¬3) (قالا: حدثنا) عبد الله (ابن وهب) قال: (حدثني [عياض بن عبد الله) الفهري، أخرج له مسلم. (عن مخرمة بن سليمان) الأسدي الوالبي، قتل بقديد سنة ثلاثين ومئة (عن] (¬4) كريب مولى) عبد الله (بن عباس - رضي الله عنهما - عن أم هانئ) فاختة، وقيل: هند (بنت أبي طالب) بن عبد المطلب أخت علي - رضي الله عنه - وشقيقته، أسلمت عام الفتح فهرب زوجها هبيرة (¬5) بن أبي وهب. وقال حين (¬6) هرب معتذرًا: لعمرك ما وليت ظهري محمدًا ... وأصحابه جبنًا ولا خيفة القتل و[لكنني قلبت] (¬7) أمري فلم أجد ... لسيفي غناء إن ضربت ولا نبل وقفت (¬8) فلما خفت ضيعة موقفي ... رجعت لعود (¬9) [كالهزبر أبي الشبل] (¬10) ¬

_ (¬1) في (م): الأمر. (¬2) سقط من (م). (¬3) من (ل، م). (¬4) سقط من (م). (¬5) في (ص، س): هنيدة. (¬6) في (ص، س): خير. (¬7) في (ص، س): ليتني قربت. (¬8) في (ص، س): سل وقعت. (¬9) في (ص، س): لعودة. (¬10) في (م): كالهرير إلى السيل.

قال خلف الأحمر: إن (¬1) أبيات هبيرة خير في الاعتذار من قول الحارث بن هشام (¬2). (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[يوم الفتح صلى سبحة الضحى)] (¬3) فتح مكة زادها الله شرفًا، وذكر البخاري هذا الحديث في باب التستر في الغسل عن الناس، وأوله أن أم هانئ ذهبت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬4) عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة - يعني: ابنته - تستره، فقال: "من هذِه؟ " فقلت: أنا أم هانئ" (¬5). ولمسلم: "أن أم هانئ لما كان عام الفتح أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بأعلى مكة قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى غسله فسترت [عليه فاطمة] (¬6) ثم أخذ ثوبه [فالتحف به] (¬7) ثم صلى ثمان ركعات سبحة الضحى" (¬8) (ثماني) بفتح الياء (¬9) وحذف تاء التأنيث؛ لأن [معدودهما مؤنث] (¬10) وإن كان مجازيًّا (ركعات) استدل به النووي في "شرح المهذب" على أن أكثر الضحى ثماني ركعات ونقله عن الأكثرين (¬11). قال السبكي: وليس في هذا الحديث دليل على أن الثماني أكثرها، وتعقب بأن الأصل في العبادات التوقيف (¬12)، ولم تصح الزيادة على ذلك. ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "عيون الأثر" 1/ 378، و"سبل الهدى والرشاد" 4/ 127. (¬3) في (م): قال يوم الفتح. (¬4) من (ل، م). (¬5) سقط من (م). (¬6) من (ل، م). (¬7) سقط من (م). (¬8) "صحيح مسلم" (336) (71). (¬9) في (ص): الياء. (¬10) في (م): معدودها يؤنث. (¬11) "المجموع" 4/ 36. (¬12) "فتح الباري" 3/ 65.

واستدل أيضًا المقدسي بحديث أم حبيبة في مسلم: "ما من عبد (¬1) مسلم يصلي في يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعًا من غير فريضة إلا بنى الله له بيتًا في الجنة" (¬2) وقال: فيه دليل على أن أكثر الضحى ثنتي عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين (¬3). وهذا هو الأفضل (¬4). (قال أحمد بن صالح) في روايته (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح صلى سبحة الضحى فذكر مثله) كما تقدم. (قال) أحمد بن عمرو (بن السرح) في روايته: (أن أم هانئ قالت: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يذكر سبحة الضحى بمعناه) المذكور. [1291] (حدثنا حفص بن عمر) (¬5) الحوضي (حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن) عبد الرحمن (ابن أبي ليلى قال: ما أخبرنا أحد أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الضحى) أخذ قومٌ بظاهره، فظاهر حديث عائشة: ما رأيت أحدًا سبح سبحة الضحى وإني لأسبحها. رواه البخاري (¬6). فلم يرو سنة الضحى، قال بعضهم: إنها بدعة. وقال ابن عمر: بدعة (¬7) ومرة: ركعة البدعة، ومرة: ما ابتدع ¬

_ (¬1) من (س، ل، م). (¬2) "صحيح مسلم" (728) (103). (¬3) أخرجه ابن ماجه (1323)، وابن خزيمة في "صحيحه" (1234)، قال ابن حجر في "التلخيص" (537): إسناده على شرط البخاري، وأصله في الصحيحين. وقال الألباني في "الإرواء": 2/ 218 - 219: إسناده ضعيف، ووهم ابن حجر إنما هو على شرط مسلم وحده. (¬4) في (م): الأصل. (¬5) في (م): عمرو. (¬6) "صحيح البخاري" (1177)، ولفظه: ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. . . (¬7) "صحيح البخاري" (1776)، و"صحيح مسلم" (1255) (220).

المسلمون بدعة أحسن منها. ورد ذلك البيهقي بالأحاديث الكثيرة، وقال عن هذين الحديثين: المراد الذي هو عندي ما رأيته داوم عليها، وإني لأسبحها [أي: أداوم] (¬1) عليها، وكذا قولها: ما أحدث الناس شيئًا. يعني: المداومة عليها (¬2). (غير) بالرفع صفة لأحد (أم هانئ) بنت أبي طالب، [(فإنها ذكرت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة اغتسل في بيتها) وفاطمة ابنته تستره كما تقدم (وصلى] (¬3) ثمان) بفتح النون (ركعات) وحذف ياء ثمان لغة (¬4) حكاها ابن مالك في "التسهيل" و"شرحه" عن بعض العرب وقال: وياء الثماني في المركب مفتوحة أو ساكنة أو محذوفة، وقد تحذف من الإفراد، ويجعل الإعراب في متلو الياء وهو النون فتحركها بحركة الإعراب في الرفع والنصب والجر [فتقول هذِه ثمانٌ [برفع النون] (¬5) ورأيت ثمانًا، ومررت بثمانٍ، ومنه قول الراجز: لها ثنايا أربع حسان وأربع فثغرها (¬6) ثمان ففي هذا الحديث شاهد على هذِه اللغة (¬7)، وإن كان إثبات الياء هو ¬

_ (¬1) في (م): إني لأداوم. (¬2) "السنن الكبرى" 3/ 49. (¬3) و (¬4) سقط من (م). (¬5) من (س، ل). (¬6) في (ص، س): شعرها. (¬7) في (ص، س): اللغات.

الأفصح (¬1) كما في الحديث قبله (فلم يره أحد صلاهن بعد) الدال مبنية على الضم؛ لأنها قطعت عن الإضافة، تقديره (¬2): بعد يوم فتح مكة. [1292] (حدثنا مسدد، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا) سعيد بن إياس (الجريري) بضم الجيم مصغر (عن) أبي عبد الرحمن (عبد الله بن شقيق) العقيلي البصري التابعي (قال: سألت عائشة: هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الضحى؟ فقالت: لا، إلا أن يجيء من مغيبه) بفتح الميم وكسر المعجمة [وتنوين آخره] (¬3) أي: من مغيبه (¬4) من السفر. قال القرطبي: حيث صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الضحى أربعًا كان (¬5) إذا قدم من سفر (¬6) كما (¬7) في حديث عبد الله بن شقيق (¬8). (قلت: هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرن) بفتح الياء وضم الراء وكسرها (بين السورتين؟ ) (¬9) أي: يجمع بينهن (¬10)، وفي البخاري من حديث ابن مسعود: "لقد عرفت النظائر التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرن بينهن" فذكر عشرين سورة من المفصل سورتين في كل ركعة (¬11) (¬12)، وسيأتي في كتاب تحزيب القرآن لكن (¬13) ليس فيه يقرن. وفي هذا الحديث جواز الجمع [بين السور] (¬14) كما بوب عليه ¬

_ (¬1) في (م): الأصح. (¬2) في (م): مقدرة. (¬3) كذا في الأصول. (¬4) في (م): غيبته. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (م): سفره. (¬7) زاد في (م): جاء. (¬8) "المفهم" 2/ 356. (¬9) في (م): السور. (¬10) في (م): ركعتين. (¬11) في (م): ركعتين. (¬12) "صحيح البخاري" (775). (¬13) و (¬14) سقط من (م).

البخاري (¬1)؛ لأنه إذا جمع بين سورتين ساغ الجمع بين ثلاث فصاعدًا لعدم الفرق. (قالت): نعم (من المفصل) (¬2) وآخره {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}، وفي أوله عشرة أقوال، صحح النووي الحجرات، وسمي مفصلًا؛ لأن القارئ فصل بين هذِه السور بالتكبير، وسمى هذا المذكور المفصل؛ لكثرة الفصول فيه بين سوره، وقيل: لقلة المنسوخ فيه زاد البخاري في روايته: "سورتين في كل ركعة" (¬3). [1293] (حدثنا) عبد الله بن مسلمة بن قعنب (القعنبي، عن مالك، عن) [محمد (بن] (¬4) شهاب) الزهري. (عن عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها (¬5) قالت: ما سبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبحة الضحى) أي: ما صلى صلاة (¬6) الضحى (قط). قال النووي: الجمع بين حديثي عائشة في نفي صلاته - صلى الله عليه وسلم - وإثباتها هو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصليها بعض الأوقات لفضلها، ويتركها في بعضها خشية أن تفرض كما ذكرت عائشة فيما سيأتي، ويتأول قولها: ما كان يصليها إلا أن يجيء من مغيبه. على أن معناه: ما رأيته كما قالت في الرواية الأخرى: ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي سبحة الضحى. وسببه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما كان يكون عند عائشة في وقت الضحى إلا في نادر من الأوقات، فإنه قد يكون ¬

_ (¬1) قبل حديث (774). (¬2) أخرجه مسلم (717) (75)، والنسائي 4/ 152، وأحمد 6/ 171، بألفاظ متقاربة. واقتصر مسلم على الشطر الأول فقط. (¬3) "صحيح البخاري" (775). (¬4) و (¬5) و (¬6) سقط من (م).

في ذلك الوقت مسافرًا، وقد يكون حاضرًا، ولكنه في المسجد أو في موضع آخر، وإذا كان عند نسائه فإنما كان لها يوم من تسعة، فيصح قولها: ما رأيته يصليها (¬1). (وإني لأسبحها) بالسين والباء بواحدة. قال القرطبي: هذِه الرواية المشهورة: إني لأفعلها. وقد وقع في "الموطأ": لأستحبها (¬2). من الاستحباب، قال: والأول أولى (¬3)، وإن بكسر الهمزة وهي المخففة من الثقيلة، أي (وإن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليدع العمل) بالعبادة. (وهو يحب) بضم الياء وكسر الحاء (أن يعمل) بفتح الياء. قال النووي: كذا ضبطناه (¬4)، وإن قبله مصدرية تقدر هي وما بعدها بالمصدر، تقديره: وهو يحب عمله. (خشية أن يعمل به الناس فيفرض) بضم الياء وفتح الراء ونصب الضاد (عليهم) أي: يدع العمل بالعبادة كراهية أن يظنه الناس فرضًا لمواظبة النبي - صلى الله عليه وسلم - فيجب على من يظنه كذلك، كما إذا ظن المجتهد حل شيء أو تحريمه وجب عليه العمل بذلك. وقيل: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان حكمه إذا ثبت على شيء من أصحاب القرب واقتدى به الناس في ذلك العمل فرض عليهم (¬5) كما في (¬6) ¬

_ (¬1) "شرح النووي" 5/ 230. (¬2) "موطأ مالك" (519) بتحقيق الأعظمي، وفي رواية يحيى الليثي (357): لأسبحها. كما في الرواية عندنا. (¬3) "المفهم" 2/ 357. (¬4) "شرح النووي" 5/ 230. (¬5) في (م): عليه. (¬6) زاد في (ص، س، ل): كمال.

رمضان، وفيه بيان كمال شفقته - صلى الله عليه وسلم - ورأفته (¬1) بأمته، وفيه أنه إذا تعارضت المصالح قدم أهمها كما هو مقرر في القواعد الأصولية. [1294] (حدثنا) عبد الله بن محمد بن علي (ابن نفيل) النفيلي (وأحمد) بن عبد الله (بن يونس، قالا: حدثنا زهير، حدثنا سماك) بن حرب. (قال: قلت لجابر بن سمرة: أكنت تجالس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم) كنت أجالسه (كثيرًا، فكان لا يقوم من مصلاه الذي صلى فيه الغداة) فيه تسمية الصلاة باسم وقتها الذي تفعل فيه. (حتى تطلع الشمس) زاد النسائي: فيتحدث أصحابه ويذكرون حديث الجاهلية، وينشدون الشعر ويضحكون ويتبسم (¬2). (فإذا طلعت) الشمس (قام) فصلى ركعتين كما تقدم. ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): زاد فيه. (¬2) "المجتبى" 3/ 80.

13 - باب في صلاة النهار

13 - باب فِي صَلاةِ النَّهارِ 1295 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، أَخْبَرَنا شُعْبَةُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطاءٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ البارِقِيِّ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "صَلاةُ اللَّيْلِ والنَّهارِ مَثْنَى مَثْنَى" (¬1). 1296 - حَدَّثَنا ابن المُثَنَّى، حَدَّثَنا مُعاذُ بْنُ مُعاذٍ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ رَبِّهِ ابْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ نافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الحارِثِ، عَنِ المُطَّلِبِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الصَّلاةُ مَثْنَى مَثْنَى أَنْ تَشَهَّدَ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَأَنْ تَباءَسَ وَتَمَسْكَنَ وَتُقْنِعَ بِيَدَيْكَ وَتَقُولَ: اللَّهُمَّ اللَّهُمَّ فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَهِيَ خِداجٌ". سُئِلَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ صَلاةِ اللَّيْلِ مَثْنَى قَالَ: إِنْ شِئْتَ مَثْنَى وَإِنْ شِئْتَ أَرْبَعًا (¬2). * * * باب صلاة النهار [1295] (حدثنا عمرو بن مرزوق) الباهلي، روى عنه البخاري مقرونًا. (أنبأنا شعبة، عن (¬3) يعلى بن عطاء) الطائفي، نزل واسط، أخرج له مسلم والأربعة. (عن علي بن عبد الله) الأزدي (البارقي) بفتح الباء الموحدة وبعد الراء ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (597)، والنسائي 3/ 227، وابن ماجه (1322)، وأحمد 2/ 26، 51. ورواه البخاري (993، 995، 1137)، ومسلم (749) دون قوله: والنهار. (¬2) رواه ابن ماجه (1325). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (238/ 3). (¬3) في (م): بن.

قاف نسبة إلى بارق جبل [نزل الأزد فيما أظن ببلاد اليمن (¬1). وتعقبه ابن الأثير بأن قوله: بارق جبل] (¬2) نزله الأزد. غير صحيح، فإن (¬3) أهل النسب اختلفوا في هذا، فقال ابن الكلبي: بارق بطن منهم [سراقة بن مرداس] (¬4). وقال ابن البرقي (¬5): هو بارق بن عوف بن عدي، ثم قال فيه (¬6): أخطأ السمعاني؛ لأنه إن كان رجلًا فلا كلام، وإن كان جبلًا كما ذكره فلم ينزله الأزد كلهم، وإنما نزله بطن منهم، فقوله: الأزد. مطلقًا موهم أن كل أزدي (¬7) يجوز [أن يقال له] (¬8) البارقي، وليس كذلك (¬9)، أخرج له مسلم والأربعة. (عن) عبد الله (بن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) موضعهما رفع على الخبر، وصلاة مبتدأ، ومثنى نكرة لا تنصرف؛ لأنها معدولة عن اثنين وصفة في المعنى كما قال أبو علي وقال (¬10) الطبري: معرفة بأنها (¬11) لا يدخلها الألف واللام، وهي بمنزلة عمر والمعدول في التعريف. قاله الكوفي (¬12). ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، (س): وفي (ل، م): بارق. والمثبت من "اللباب". (¬2) من (ل، م). (¬3) في (ص، س): كان. والمثبت من (ل، م)، و"اللباب". (¬4) في (م): سراد بن ميداس. (¬5) في (م): الأثير. (¬6) في (ص، س): فيما. (¬7) في (ص): أزد. (¬8) في (ص، س): لها. وفي (ل، م): له. والمثبت من "اللباب". (¬9) "اللباب في تهذيب الأنساب" 1/ 107. (¬10) من (ل، م). (¬11) في (م): لأنها. (¬12) "الجامع لأحكام القرآن" 5/ 15.

وأجاز الكسائي صرفه في العدد على أنه نكرة. هكذا رواه أحمد وأصحاب السنن (¬1) وابن خزيمة (¬2) وابن حبان (¬3) من حديث [علي ابن] (¬4) عبد الله البارقي، عن ابن عمر بهذا، وأصله في الصَّحيحين (¬5) بدون ذكر النهار. قال ابن عبد البر: لم يقله أحد عن ابن عمر غير علي وأنكروه عليه (¬6). وكان يحيى بن معين يضعف حديثه هذا ولا يحتج به، ويقول: إن (¬7) نافعًا وعبد الله بن دينار وجماعة رووه عن ابن عمر [بدون ذكر النهار، وروي] (¬8) بسند عن يحيى بن معين أنه قال: صلاة النهار أربع لا يفصل بينهن، فقيل له: فإن أحمد بن حنبل يقول: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى. فقال: بأي حديث؟ فقيل له: بحديث الأزدي. فقال: [ومن الأزدي] (¬9) حتى أقبل منه، وأَدَعَ يحيى بن سعيد الأنصاري عن نافع عن ابن عمر "أنه كان يتطوع بالنهار أربعًا لا يفصل بينهن" (¬10). قال البيهقي: سئل البخاري عن هذا الحديث فصححه (¬11). [1296] (حدثنا) محمد (بن المثنى) قال (¬12): (حدثنا معاذ بن معاذ، ¬

_ (¬1) سبق تخريجه. (¬2) "صحيح ابن خزيمة" (1210). (¬3) "صحيح ابن حبان" (2482). (¬4) من (م). (¬5) "صحيح البخاري" (993)، و"صحيح مسلم" (749) (147). (¬6) "التمهيد" 13/ 243. (¬7) من (م). (¬8) في (ص، س): بدون فذكر الماوردي. والمثبت من (ل، م)، و"التلخيص الحبير". (¬9) سقط من (م). (¬10) "التلخيص الحبير" 2/ 47 - 48، و"التمهيد" 13/ 244 - 245. (¬11) "السنن الكبرى" 2/ 487. (¬12) سقط من (م).

حدثنا شعبة، قال (¬1): حدثني عبد ربه بن سعيد) الأنصاري [أخو يحيى] (¬2). (عن أنس بن أبي (¬3) أنس) قال الذهبي: الأظهر أنه عمران بن أبي أنس (¬4) (¬5)، وأخرج له النسائي (¬6) وابن ماجه. (عن عبد الله بن نافع) بن أبي العمياء. قال المنذري: لم يرو عنه غير عمران بن أبي أنس، وعمران ثقة (¬7) (عن عبد الله بن الحارث) بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي، لقبه ببه (¬8) حنكه النبي - صلى الله عليه وسلم -. (عن) ابن عم أبيه (¬9) (المطلب) بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي، نزل دمشق وابتنى بها دارًا ومات في إمرة يزيد بن معاوية روى أحاديث عدة، سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم -[وأخرج له مسلم] (¬10). (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: الصلاة مثنى مثنى) أي: يسلم فيها (¬11) من كل ركعتين (أن) بفتح الهمزة وسكون النون (¬12)، وهذِه أن التفسيرية؛ لأنها تفسير المثنى. ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) و (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): السرح. (¬5) "الكاشف" 1/ 256. (¬6) في (م): مسلم. (¬7) "تهذيب الكمال" 22/ 310. (¬8) سقط من (م). (¬9) زاد في (ص، س): عبد. وهي جائزة فإن اسمه المطلب، وقيل: عبد المطلب، وانظر: "تهذيب الكمال" 1/ 278 - 279. (¬10) من (م). (¬11) في (ص، س): منها. (¬12) سقط من (م).

(تشهد) بفتح التاء والشين والهاء المشددة، أصله تتشهد، ثم حذفت إحدى التاءين تخفيفًا. (في كل ركعتين) وأن (تَبَاءَسَ) بفتح المثناة الفوقانية وسكون الباء الموحدة وفتح الهمزة، وفي بعض النسخ: تبايس بفتح التاء والباء وبعد الألف ياء مفتوحة أيضًا ومعناهما واحد، وهو أن يظهر المصلي البؤس والفاقة، والبؤس هو الخضوع والفقر. قال ابن الأثير: يجوز أن يكون أمرًا وخبرًا، يقال: بئس يبأس بؤسًا وبأسًا: افتقر واشتدت حاجته (¬1) ومنه قوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}. (وتمسكن) بفتح التاء والميم والكاف، أصله تتمسكن من المسكنة، والمسكنة والتمسكن والمسكين (¬2) كلها يدور معناها على الخضوع والذلة، والمسكنة: كسر النفس، وتمسكن إذا تشبه بالمساكين، وقيل: معناه هنا السكون في الصلاة والوقار، وإظهار الفاقة إلى الله تعالى، والميم مزيدة فيها. (وتقنع) بضم التاء وكسر النون، والإقناع: رفع اليدين في الدعاء والمسألة. (بيديك) ينبغي أن يحمل على رفع اليدين لدعاء القنوت في الصبح وفي سائر المكتوبات وللنازلة. ولم أر من استدل بهذا الحديث، بل استدل له (¬3) أصحابنا بما رواه البيهقي بإسناد صحيح أو حسن عن أنس في قصة قتلى بئر معونة: لقد ¬

_ (¬1) "النهاية" (بأس). (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): به.

رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلما صلى الغداة رفع يديه يدعو (¬1) على الذين قتلوهم في القنوت (¬2)، وهذان الحديثان صريحان في رفع اليدين في الصلاة. وحديث البيهقي يبين أن المراد بإقناع اليدين في (¬3) دعاء القنوت. وأما (¬4) رواية الصحيحين عن أنس (¬5): كان لا يرفع يديه في دعائه إلا في الاستسقاء فإنه كان (¬6) يرفع يديه حتى يُرى بياض إبطيه (¬7). فليس في هذا ذكر الصلاة، والمراد بالاستسقاء (¬8) في الخطبة وكذا حديث عائشة: أنه رفع يديه في دعائه لأهل البقيع (¬9). رواه مسلم، و [غيره عن] (¬10) عمر؛ أنه رفع يديه - صلى الله عليه وسلم - في دعائه يوم بدر (¬11). وللبخاري عن ابن عمر: أنه رفعهما في دعائه عند الجمرة الوسطى (¬12)، وعن أنس: أنه رفعهما لما فتح (¬13) خيبر (¬14). واتفقا على (¬15) رفع يديه في دعائه لأبي موسى الأشعري (¬16)، ورواه البخاري ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "السنن الكبرى" للبيهقي 2/ 199. (¬3) من (م). (¬4) من (س، ل، م). (¬5) زاد في (م): أنه. (¬6) من (م). (¬7) "صحيح البخاري" (3565)، و"صحيح مسلم" (895) (7). (¬8) في (ص): باستسقاء. (¬9) في (م): هي صحيحة. (¬10) في (م): عنده عن ابن. (¬11) أخرجه مسلم (1763) (58)، والترمذي (3081). (¬12) "صحيح البخاري" (1751). (¬13) في (م): صبح. (¬14) "صحيح البخاري" (2991). (¬15) في (م): في. (¬16) "صحيح البخاري" (4323)، و"صحيح مسلم" (2498) (165).

في "جزء (¬1) رفع اليدين": [رفع يديه] (¬2) في مواطن من حديث عائشة وأبي هريرة وجابر وعلي (¬3)، وقال: هي صحيحة. فيتعين حينئذٍ تأويل (¬4) حديث أنس أنه أراد الرفع البليغ؛ بدليل قوله: حتى يرى بياض إبطيه. (وتقول اللهم، اللهم) (¬5) اختلف النحويون في لفظة اللهم بعد إجماعهم على أنها مضمومة الهاء مشددة الميم المفتوحة، وأنها منادى؛ لأنها لا (¬6) تأتي في معنى خبر، فمذهب الخليل وسيبويه والبصريين أن الأصل: يا الله، فلما استثقلت (¬7) الكلمة دون حرف النداء الذي هو يا جعلوا بدل (¬8) حرف النداء هذِه الميم المشددة، والضمة في الهاء هي (¬9) ضمة الاسم المنادى المفرد، وذهب حرفان فعوض حرفان (¬10). ذهب الفراء، والكوفيون أن أصل اللهم: يا الله، أم، يعني: أم بخير (¬11) وأن ضمة الهاء هي ضمة الهمزة التي كانت في أم نقلت. (فإن لم يفعل ذلك فهي خداج) أي: ناقصة الأجر والفضيلة، يقال: خدجت الناقة إذا ألقت ولدها قبل أوانه وإن كان تام الخلق، وأخدجته إذا ولدته ناقص الخلق وإن كان لتمام الحمل وإنما (¬12) قال: "فهي خداج" ¬

_ (¬1) و (¬2) سقط من (م). (¬3) من (ل، م). (¬4) سقط من (م). (¬5) و (¬6) من (ل، م). (¬7) و (¬8) سقط من (م). (¬9) في (م): بعد. (¬10) في (م): بحرفين. (¬11) "الإنصاف في مسائل الخلاف" 1/ 341. (¬12) سقط من (م).

والخداج مصدر على حذف مضاف، أي: ذات خداج، أو يكون قد وصفها بالمصدر نفسه مبالغة كقوله (¬1): فإنما هي إقبال وإدبار. (سئل المصنف عن صلاة الليل مثنى قال: إن شئت مثنى، وإن شئت أربع) متصلة جاز (¬2)، وكذا في النهار، والحديث المتفق عليه: "صلاة الليل مثنى" يدل على جواز الأربع بالنهار لا على أفضليتها، وأما حديث علي (¬3) البارقي فاحتج به مسلم، وقد تفرد بزيادة النهار، والزيادة من الثقة مقبولة. قال ابن قدامة: رواه عن ابن عمر خمسة عشر نفسًا، لم يقل أحد ذلك سواه (¬4). ¬

_ (¬1) في (م): بقوله. (¬2) سقط من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) "المغني" 2/ 538.

14 - باب صلاة التسبيح

14 - باب صَلاةِ التَّسْبِيحِ 1297 - حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرِ بْنِ الحَكَمِ النَّيْسابُورِيُّ، حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ، حَدَّثَنا الحَكَمُ بْنُ أَبانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ: "يا عَبَّاسُ يا عَمَّاهُ أَلا أُعْطِيكَ، أَلا أَمْنَحُكَ، أَلا أَحْبُوكَ، أَلا أَفْعَلُ بِكَ عَشْرَ خِصالٍ إِذَا أَنْتَ فَعَلْتَ ذَلِكَ غَفَرَ اللهُ لَكَ ذَنْبَكَ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ قَدِيمَهُ وَحَدِيثَهُ خَطَأَهُ وَعَمْدَهُ صَغِيرَهُ وَكبِيرَهُ سِرَّهُ وَعَلانِيَتَهُ عَشْرَ خِصالٍ أَنْ تُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ تَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فاتِحَةَ الكِتابِ وَسُورَةً فَإِذَا فَرَغْتَ مِنَ القِراءَةِ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ وَأَنْتَ قَائِمٌ قُلْتَ: سُبْحانَ الله وَالحَمْدُ لله وَلا إله إِلَّا الله والله أَكْبَرُ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً، ثُمَّ تَرْكَعُ فَتَقُولُها وَأَنْتَ راكِعٌ عَشْرًا، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنَ الرُّكُوعِ فَتَقُولُها عَشْرًا، ثُمَّ تَهْوِي ساجِدًا فَتَقُولُها وَأَنْتَ ساجِدٌ عَشْرًا، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنَ السُّجُودِ فَتَقُولُها عَشْرًا، ثُمَّ تَسْجُدُ فَتَقُولُها عَشْرًا، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ فَتَقُولُها عَشْرًا، فَذَلِكَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ تَفْعَلُ ذَلِكَ فِي أَرْبَع رَكَعَاتٍ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تُصَلِّيَها فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً فافْعَلْ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّةً فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي عُمُرِكَ مَرَّةً" (¬1). 1298 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سُفْيانَ الأُبُلِّيُّ، حَدَّثَنا حَبَّانُ بْنُ هِلَّالٍ أَبُو حَبِيبٍ، حَدَّثَنا مَهْدِيُّ بْن مَيْمُونٍ، حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ مالِكٍ، عَنْ أبِي الجَوْزاءِ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ كَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ يُرَوْنَ أَنَّهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ائْتِنِي غَدًا أَحْبُوكَ وَأُثِيبُكَ وَأُعْطِيكَ". حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ يُعْطِينِي عَطِيَّةً قَالَ: "إِذَا زالَ النَّهارُ فَقُمْ فَصَلِّ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ". فَذَكَرَ نَحْوَهُ قَالَ: "تَرْفَعُ رَأْسَكَ - يَعْنِي: مِنَ السَّجْدَةِ ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (1387). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1173).

الثَّانِيَةِ - فاسْتَوِ جالِسًا وَلا تَقُمْ حَتَّى تُسَبِّحَ عَشْرًا وَتَحْمَدَ عَشْرًا وَتُكَبِّرَ عَشْرًا وَتُهَلِّلَ عَشْرًا، ثُمَّ تَصْنَعُ ذَلِكَ فِي الأَرْبَعِ رَكْعَاتٍ". قَالَ: "فَإِنَّكَ لَوْ كُنْتَ أَعْظَمَ أَهْلِ الأَرْضِ ذَنْبًا غُفِرَ لَكَ بِذَلِكَ". قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أُصَلِّيَها تِلْكَ السَّاعَةَ قَالَ: "صَلِّها مِنَ اللَّيْلِ والنَّهارِ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَبَّانُ بْنُ هِلالٍ خالُ هِلالٍ الرّائِيِّ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَواهُ المُسْتَمِرُّ بْنُ الرَّيّانِ، عَنْ أَبِي الجَوْزاءِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو مَوْقُوفًا وَرَوَاهُ رَوْحُ بْنُ المُسَيَّبِ وَجَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مالِكٍ النُّكْرِيِّ، عَنْ أبِي الجَوْزاءِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَوْلُهُ وقَالَ: فِي حَدِيثِ رَوْحٍ فَقَالَ حَدِيثُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). 1299 - حَدَّثَنا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نافِعٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ مُهَاجِرٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ رُوَيْمٍ، حَدَّثَنِي الأَنْصارِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِجَعْفَرٍ: بهذا الحَدِيثِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُمْ قَالَ فِي السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الرَّكْعَةِ الأُولَى كَما قَالَ فِي حَدِيثِ مَهْدِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ (¬2). * * * باب صلاة التسبيح [1297] (حدثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم) العبدي (النيسابوري) بفتح النون نسبة إلى نيسابور أحسن مدن خراسان وأكثرها خيرًا، وإنما قيل لها نيسابور؛ لأن سابور لما رآها قال: يصلح أن يكون ها هنا مدينة وكانت قصباء، فأمر بقطع القصب وأن تبنى مدينة فقيل نيسابور، والني بفتح النون: القصب، وهو (¬3) شيخ الشيخين. ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 3/ 52. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (1174): إسناده حسن صحيح. (¬2) رواه البيهقي 3/ 52. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1175). (¬3) سقط من (م).

(حدثنا موسى بن عبد العزيز) العدني (¬1) أبو شعيب القنباري بكسر القاف وسكون النون، والقنبار شيء تحرز به السفن. قال عبد الله بن أحمد، عن ابن معين: لا أرى به بأسًا. وقال النسائي: ليس به بأس (¬2). وقال ابن حبان في "الثقات": قنبار موضع بعدن (¬3). (حدثنا الحكم بن أبان) غير منصرف العدني القنباري بكسر القاف وسكون النون وباء موحدة قبل (¬4) الألف نسبة إلى القنبار الذي تحرز به السفن كما تقدم، وهو من ليف الجوز الهندي يقال لمن يفتله ليحرز به المراكب البحرية قنباري، وهذا القنبار يجود ويصبر في الماء والملح فإذا أصابه ماء عذب من مطر أو غيره فسد وذهبت قوته، والحكم بن أبان ثقة صاحب سنة، إذا هدأت العيون وقف (¬5) في البحر إلى ركبتيه يذكر الله تعالى (¬6)، وكان سيد أهل اليمن. (عن عكرمة، عن ابن عباس، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعمه العباس بن عبد المطلب: يا عباس، يا عماه) [بعدما أسلم] (¬7)، أصلها يا عمي بكسر ¬

_ (¬1) في (ص، س): المعدي. والمثبت من (ل، م)، و"التهذيب" 29/ 101. (¬2) "تهذيب الكمال" 29/ 101. (¬3) في (ص): يعرف، وانظر: "الثقات" 9/ 159. (¬4) في (م): بعد. (¬5) سقط من (س)، وفي "الأصل": نزل. والمثبت من "معرفة الثقات". (¬6) "معرفة الثقات" للعجلي (333). (¬7) سقط من (م).

الميم وسكون الياء، فقلبت الياء ألفًا وفتحت الميم وزيد بعد الألف هاء السكت (ألا) بتخفيف اللام معناه (¬1) العرض عليه. (أعطيك ألا أمنحك) بفتح النون وكسرها، والفتح أكثر، والاسم منه المنحة [بكسر الميم] (¬2) وهي العطية، وأصلها الشاة [أو الناقة] (¬3) يعطيها صاحبها رجلًا يشرب لبنها ثم يردها إذا انقضى (¬4) اللبن، هذا أصله، ثم كثر استعماله حتى أطلق على كل عطاء. (ألا أحبوك) بضم الباء وسكون الواو، يقال: حباه كذا وبكذا إذا أعطاه الشيء بغير عوض، والحباء بكسر الحاء وتخفيف الموحدة مع المد، هو العطية (ألا أفعل بك) (¬5) كذا للمصنف ولغيره: "ألا أفعل لك". (عشر خصال إذا أنت فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك أوله) [هو وما بعده منصوب بدل مما قبله وهو بدل اشتمال. (وآخره قديمه وحديثه وخطأه وعمده، صغيره وكبيره) رواية (¬6) ابن ماجه بزيادة واو العطف ولفظه: "وقديمه وحديثه وخطأه وعمده وصغيره وكبيره"] (¬7) (سره وعلانيته عشر) بالنصب بدل (خصال، أن) بفتح الهمزة وسكون النون تفسير لما يعطيه ويمنحه، وفيه دليل على أن ¬

_ (¬1) في (م): أصلها معناها. (¬2) سقط من (م). (¬3) هناك تقديم وتأخير وسقط هذه العبارة من (م). (¬4) في (م): انقطع. (¬5) كتب في حاشية (ل): مما تنازع فيه العقول لأن ما علمت. (¬6) في (م): رواه. (¬7) هناك تقديم وتأخير وسقط هذه العبارة في (م).

صلة [الرحم تحصل] (¬1) بتعليم ما ينفعه من الأحكام الشرعية والصلوات والدعوات وغير ذلك (تصلي أربع ركعات)، قال الغزالي: إن صلاها نهارًا فتسليمة (¬2) واحدة، وإن صلاها ليلًا فتسليمتين (¬3) أحسن إذ ورد أن صلاة الليل مثنى مثنى (¬4). متفق عليه (¬5). (تقرأ في كل ركعة) من الأربع (فاتحة الكتاب وسورة) (¬6) بعدها كاملة أفضل من بعض سورة قدرها. (فإذا فرغت من القراءة في أول) كل (ركعة) قلت: (وأنت قائم)، كذا لابن ماجه، وللمصنف (وأنت قائم قلت: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر). قال الغزالي: وإن زاد بعد التسبيح: ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فهو حسن، فقد ورد ذلك في بعض الروايات (¬7). (خمس عشرة مرة (¬8) ثم تركع فتقولها وأنت راكع) بعد تسبيح الركوع إلى آخره (عشرًا، ثم ترفع رأسك من الركوع، فتقولها عشرًا) عقب ذكر الاعتدال بكماله كما (¬9) في القنوت، فقد حكي في "التهذيب" عن ¬

_ (¬1) في (م): الترخيم. (¬2) في (ص، س، ل): بتسليمة. والمثبت من (م)، و"الإحياء". (¬3) في (ص، س، ل): بتسليمتين. والمثبت من (م)، و"الإحياء". (¬4) "إحياء علوم الدين" 1/ 207. (¬5) سبق تخريجه. (¬6) سقط من (م). (¬7) "إحياء علوم الدين" 1/ 207. (¬8) في (م): ركعة. (¬9) في (م): انقطع.

الشافعي أنه يقنت في صلاة الصبح بعدما يرفع رأسه من الركوع في الركعة الثانية. وفرغ من قوله: ربنا لك الحمد. . إلخ. (ثم تهوي) بكسر الواو (ساجدًا فتقولها) بعد أذكار السجود. (عشرًا، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشرًا)، قال الإسنوي في "طراز المحافل في ألغاز المسائل": ينتظم [لك من صلاة التسبيح ألغاز مسائل] (¬1) منها استحباب ذكر بعد (¬2) قراءة السورة وقبل الركوع من غير جريان سبب له (¬3) من التلاوة كما تقدم، ومنها [استحباب تطويل الرفع من الركوع بغير (¬4) القنوت، ومنها] (¬5) تطويل الجلوس بين السجدتين كما تقدم في (¬6) صلاة الخوف أنه يستحب تطويل الجلوس بين السجدتين أيضًا كما تقدم في حديث عائشة أنه يطوله (¬7) للانتظار، ولا أعرف لهذين المكانين ثالثًا، ولم يذكر الإسنوي غير التطويل في صلاة التسبيح. (ثم تسجد فتقولها) بعد (¬8) ذكر السجود (عشرًا، ثم ترفع رأسك) من السجود من السجدة الثانية (فتقولها عشرًا). ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): لها. (¬4) في (م): والسجود بعد. (¬5) من (ل، م). (¬6) في (م): من. (¬7) في (ص، س): تطويل. وفي (م): يطول. والمثبت من (ل). (¬8) في (ص، س): تقدم. والمثبت من (ل، م).

ومحل هذِه (¬1) العشر هو (¬2) في القعود قبل أن يقوم إلى الركعة الثانية كما نبه عليه النووي في "الأذكار" (¬3)، قال الإسنوي: ومن الألغاز هنا أن يقال لنا استحباب ذكر بعد السجدة الثانية - يعني: قبل القيام - قال: ومنها أن التكبير لقعود جلسة الاستراحة بعد السجدتين لا يستحب هنا مدة؛ لأن التسبيح يقطع ما لأجله يمد التكبير المذكور. (فذلك خمس وسبعون) تسبيحة (في كل ركعة تفعل ذلك في أربع ركعات) فيها ثلاثمائة تسبيحة، وهذِه الصلاة لا تختص بوقت ولا سبب. (إن استطعت أن تصليها في كل يوم) وليلة (مرة) واحدة (¬4) (فافعل) [ذلك في ليل أو نهار غير أنك لا تفعلها في أوقات الكراهة، كما أشار إليه الغزالي وغيره] (¬5). (فإن لم تفعل ففي كل جمعة مرة) [واحدة (فإن لم تفعل) ذلك لعذر أو لغير عذر] (¬6) (ففي كل شهر مرة)، قال الغزالي وغيره: يستحب أن لا يخلو الأسبوع عنها مرة واحدة أو الشهر مرة (¬7) (¬8). ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): هي. (¬3) سقط من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) سقط من (م). (¬6) من "إحياء علوم الدين". (¬7) "إحياء علوم الدين" 1/ 207. (¬8) أخرجه ابن ماجه (1387)، وابن خزيمة في "صحيحه" (1216). وهو حديث ضعيف. =

(فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة، فإن لم تفعل ففي عمرك) بضم الميم (مرة) فالخاسر المغبون (¬1) من عرفها (¬2) وعرف فضيلتها والحث (¬3) عليها وعلى تكررها في الأيام، وإلا ففي (¬4) الأشهر، وإلا ففي السنين، ولم يأت بها في أدنى أدنى أدنى (¬5) مراتبها. [1298] (حدثنا محمد بن سفيان) بن أبي (¬6) الورد (الأُبُلِّي) بضم [الهمزة و] (¬7) الباء الموحدة وتشديد اللام نسبة إلى أبلة بلدة قديمة معروفة على أربع فراسخ من البصرة في جانبها البحري، وهي أقدم من البصرة، ويقال أنها من جنان (¬8) الدنيا. قال الأصمعي: هو اسم نبطي ينسب إليها جماعة من رواة الحديث منهم شيبان بن فروخ الأبلي (¬9) شيخ مسلم، ومحمد بن سفيان ذكره ابن ¬

_ = قال الألباني في "صحيح أبي داود" (1173): حديث صحيح. ونقل الحافظ ابن حجر كلام العلماء واختلافهم في هذا الحديث في "التلخيص الحبير" (481). (¬1) في (ص، س): المعنوي. والمثبت من (م). (¬2) في (م): عمر فيها. (¬3) في (ص، س): والحر. والمثبت من (ل، م). (¬4) زاد في (ص، س): كل. (¬5) من (س، ل، م). (¬6) من (ل، م). (¬7) سقط من (م). (¬8) في (م): جبال. (¬9) "الأماكن" للحازمي (أُبُلَّة).

حبان في "الثقات" (¬1) (حدثنا حبان) (¬2) بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة (بن هلال) الباهلي، ويقال: الكناني البصري أبو حبيب، مات سنة ست عشرة (¬3) ومائتين (حدثنا مهدي بن ميمون) أبو يحيى الأزدي مولاهم، المعولي البصري (حدثنا عمرو بن مالك) النكري بضم النون وسكون الكاف ثم راء نسبة إلى نكرة بن بكير بن أفصى بن عبد القيس، وهو كندي عبدي بصري، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4). (عن أبي الجوزاء) بفتح الجيم وبعد الواو الساكنة زاي معجمة اسمه: أوس بن عبد الله، ربعي بصري تابعي (قال: حدثني رجل كانت له صحبة يُرون) [بضم الياء، أي: يظنون] (¬5) (أنه عبد الله بن عمرو) هكذا رواه البيهقي من حديث أبي جناب (¬6) الكلبي، عن أبي الجوزاء، عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - (¬7) قال: قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ألا أحبوك، ألا أعطيك" بالصفة التي رواها الترمذي عن ابن المبارك، وستأتي. ¬

_ (¬1) "الثقات" 9/ 119. (¬2) زاد في (م): بن حبان. (¬3) في (م): وعشرين. (¬4) "الثقات" 7/ 228. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (ص، س، ل): حيان. وفي (م): خباب. والمثبت من "السنن الكبرى" للبيهقي. (¬7) "السنن الكبرى" للبيهقي 3/ 52.

(قال: ائتني) بسكون الهمزة بعد همزة الوصل المحذوفة وكسر المثناة [فوق و] (¬1) نون الوقاية، أي: جئني (غدًا أحبوك وأثيبك) برفع الباء الموحدة (¬2) من الثواب (وأعطيك) بسكون الياء، وهذا على الاستئناف للعطية في غد، ولو قرئ بالجزم على جواب (¬3) الأمر جاز (حتى ظننت أنه) يحبوني ويثيبني (¬4) و (يعطيني عطية) من المال. قال: فلما أتيته من الغد (قال: إذا زال النهار) أي: انتصف وزال عن خط الاستواء (فقم فصل أربع ركعات) ليس فيهن تسليم. (فذكر نحوه) أي: نحو (¬5) ما تقدم ثم (قال): ثم (¬6) (ترفع رأسك (¬7) يعني: من السجود (¬8) في الثانية فاستو) على الأرض (جالسًا ولا تقم) إلى الركعة الثانية (حتى تسبح عشرًا) أي: عشر تسبيحات بمفردها (وتحمد عشرًا) أي: تقول الحمد لله عشر مرات بمفردها (وتكبر عشرًا) فتقول: الله أكبر عشر مرات (وتهلل عشرًا) بأن تقول: لا إله إلا الله. عشر مرات، وظاهر هذِه الرواية أنه لا يجمع بين (¬9) هذِه الأنواع الأربعة ¬

_ (¬1) في (م): مع. (¬2) سقط من (س، ل، م). (¬3) في (م): جواز. (¬4) في (م): ويطعمني. (¬5) من (ل، م). (¬6) سقط من (م). (¬7) من (م)، و"سنن أبي داود". (¬8) زاد في (ل): نسخة السجدة. (¬9) من (م).

التي هي التسبيح والحمد والتكبير والتهليل، ويقول المجموع عشر مرات، كما تقدم في الرواية السابقة، بل يأتي بكل نوع على حدته. (ثم تصنع ذلك في الأربع ركعات) في كل ركعة خمس وسبعون وفي الأربع ثلاثمائة (قال: فإنك) إذا صنعت ذلك. (لو كنت أعظم) بالنصب خبر كان (أهل الأرض ذنبًا) أو أكثرهم ذنوبًا ورواية الطبراني في آخرها: "فلو كانت ذنوبك مثل زبد البحر أو رمل عالج" (¬1) (غفر) الله (لك) ذنوبك كلها (بذلك) قال المنذري: وقد روي هذا الحديث من طرق كثيرة، وعن جماعة من الصحابة (¬2) و [أمثلها] (¬3) حديث عكرمة، وقد صححه جماعة منهم الحافظ أبو بكر الآجري قال: وشيخنا [أبو محمد] (¬4) بن عبد الرحيم المصري، وشيخنا الحافظ أبو الحسن المقدسي، وقال أبو بكر ابن أبي داود: سمعت أبي يقول: ليس في صلاة التسبيح حديث صحيح غير هذا (¬5). يعني: إسناد حديث عكرمة عن ابن عباس. وقال الحاكم: وقد صحت الرواية عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علم ابن عمه هذِه الصلاة (¬6). ¬

_ (¬1) "المعجم الكبير" (11622). (¬2) في (م): أصحابه. (¬3) في (ص، س): أصلها. والمثبت من (ل، م). (¬4) في (ص): محمد بن. وفي (م): بن حجر، أبو عبد الرحمن. والمثبت من (س، ل)، و"الترغيب والترهيب". (¬5) "الترغيب والترهيب" 1/ 268. (¬6) "المستدرك على الصحيحين" 1/ 319.

(قال: قلت: فإن لم أستطع أن أصليها في تلك الساعة) يعني بعد الزوال (قال: صلها) في أي ساعة (من الليل والنهار) شئت غير أوقات الكراهة. (قال المصنف: حبان) بفتح (¬1) الحاء المهملة (¬2) والباء الموحدة (ابن هلال خال هلال) بن يحيى بن مسلم (الرائي) البصري، وإنما قيل له الرائي لأنه كان ينتحل مذهب الكوفيين ورأيهم وكان عارفًا بالسنة. (قال المصنف: رواه المستمر بن الريان) الإيادي الزهراني، أبو عبد الله البصري، أخرج له مسلم. (عن أبي الجوزاء) أوس بن عبد الله الربعي التابعي (عن عبد الله بن عمرو (¬3) موقوفًا) ولم يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورواه ابن خزيمة عن محمد بن يحيى، عن إبراهيم بن أبان، عن أبيه مرسلًا. [(ورواه روح بن المسيب) يحتمل أنه الكلبي المصري (وجعفر بن سليمان) الضبعي، أخرج له مسلم] (¬4). (عن عمرو بن مالك النكري) بضم النون وإسكان الكاف، كما تقدم الكلام عليه (عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس قوله) أي من (¬5) قول ابن عباس موقوف عليه ولم يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - (وقال في حديث روح) بن ¬

_ (¬1) في (م): بكر. (¬2) زاد بعدها في (م): وسكون. (¬3) في (م): عمر. (¬4) من (ل، م). (¬5) ليست في (م).

المسيب (فقال) إنه (حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -) رفعه إليه. [1299] (حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع، حدثنا محمد بن مهاجر) الأنصاري الشامي مولى أسماء بنت يزيد، أخرج له مسلم. (عن عروة بن رويم) بضم الراء وفتح الواو مصغر، اللخمي، من أهل الأردن التابعي، وثقه النسائي (¬1) قال: (حدثني) عبد الله بن عمرو بن العاص (الأنصاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لجعفر) بن أبي طالب لما رجع من الحبشة ([بهذا الحديث]) (¬2). قال الحاكم: قد صحت الرواية عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علم ابن عمه (¬3) هذِه الصلاة، ثم قال: حدثنا أحمد بن داود بمصر، حدثنا إسحاق بن كامل، حدثنا إدريس بن يحيى، عن حيوة بن شريح، عن يزيد بن أبي حبيب، عن نافع، عن ابن عمر قال: وجَّه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعفر بن أبي طالب إلى بلاد الحبشة، فلما قدم اعتنقه وقبَّل بين عينيه ثم قال: "ألا أهب لك، ألا أسرك، ألا أمنحك" فذكر الحديث ثم قال: إسناده صحيح لا غبار عليه (¬4). قال المنذري: وشيخه أحمد بن داود بن عبد الغفار (فذكر نحوهم) (¬5). ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 20/ 8. (¬2) من (م)، و"سنن أبي داود". (¬3) في (ص، س): عمر. (¬4) في (ص): نحوه. (¬5) انفرد به أبو داود، ومن طريقه أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 3/ 52. قال الألباني في "صحيح أبي داود" (1175): حديث صحيح.

و (قال) فيه: ثم ترفع رأسك (في السجدة الثانية من الركعة الأولى كما قال في حديث مهدي بن ميمون) في حديث أبي الجوزاء عن عبد الله بن عمرو. وقد أخرج الترمذي (¬1) وابن ماجه (¬2) حديث صلاة التسبيح من حديث أبي رافع مولى النبي - صلى الله عليه وسلم -. ثم قال: وكان عبد الله بن المبارك يفعلها وتداولها الصالحون بعضهم من بعض، وفيه تقوية للحديث المرفوع، ثم قال: وقد رأى ابن المبارك و [غير واحد] (¬3) من أهل العلم صلاة التسبيح وذكروا الفضل فيه. ثم قال الترمذي: حدثنا أحمد بن عبدة (¬4) الضبي، حدثنا (¬5) أبو وهب قال: سألت (¬6) عبد الله بن المبارك عن الصلاة التي يسبح فيها، قال: تكبر، ثم تقول: سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، ثم تقول: خمس عشرة مرة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ثم يتعوذ ويقرأ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وفاتحة الكتاب وسورة، ثم تقول (¬7) عشر مرات: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ثم يركع فيقولها عشرًا، ثم يرفع رأسه فيقولها عشرًا، ثم يسجد [فيقولها عشرًا ثم يرفع رأسه فيقولها عشرًا ثم ¬

_ (¬1) "جامع الترمذي" (482). (¬2) "سنن ابن ماجه" (1386). (¬3) في (م): غيره. (¬4) في (م): عبد. (¬5) زاد في (م): أحمد. (¬6) في (ص، س): حدثنا. والمثبت من (ل، م). (¬7) في (م): يقرأ.

يسجد] (¬1) الثانية فيقولها عشرًا، ثم يصلي أربع ركعات على هذا، فذلك خمس وسبعون تسبيحة في كل ركعة يبدأ في كل ركعة بخمس عشرة تسبيحة، ثم يقرأ ثم يسبح عشرًا، فإن صلى ليلًا فأحب أن يسلم في كل ركعتين وإن صلى نهارًا فإن شاء سلم وإن شاء لم يسلم، قال أبو (¬2) وهب: وأخبرني عبد العزيز - هو ابن أبي رزمة - أنه قال: يبدأ في الركوع بسبحان ربي العظيم وفي السجود بسبحان ربي الأعلى ثلاثًا، ثم يسبح التسبيحات. قال (¬3) أحمد بن عبدة: وحدثنا وهب بن زمعة (¬4) قال: أخبرني عبد العزيز - وهو ابن أبي رزمة - قال: قلت لعبد الله بن المبارك (¬5) إن سها فيها أيسبح في سجدتي السهو عشرًا عشرًا؟ قال: لا، إنما هي ثلاثمائة تسبيحة (¬6). قال المنذري: وهذا الذي ذكره الترمذي عن عبد الله بن المبارك من (¬7) صفتها موافق لما في حديث ابن عباس وأبي رافع إلا أنه قال: يسبح قبل القراءة خمس عشرة وبعدها عشرًا، ولم يذكر في جلسة الاستراحة تسبيحًا، [وفي حديثهما أنه يسبح بعد القراءة خمس عشرة ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) في الأصول الخطية: ابن. والمثبت من "جامع الترمذي". (¬3) في (م): قاله. (¬4) في الأصول الخطية: ربيعة. والمثبت من "جامع الترمذي". (¬5) في (م): مالك. (¬6) "جامع الترمذي" 2/ 347. (¬7) في (ص، س): عن. وفي (م): في. والمثبت من (س)، و"الترغيب".

ولم يذكر قبلها تسبيحًا، ويسبح أيضًا بعد الرفع في جلسة الاستراحة] (¬1) قبل أن يقوم عشرًا (¬2). وروى الطبراني في "الأوسط" عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: "يا غلام ألا أحبوك، ألا أنحلك، ألا أعطيك" قال: قلت: بلى بأبي أنت وأمي يا رسول الله، قال: فظننت أنه سيقطع لي (¬3) قطعة من مال فقال: "أربع ركعات تصليهن. ." فذكر الحديث كما تقدم، وقال في آخره: "فإذا فرغت قلت بعد التشهد قبل السلام: اللهم إني أسألك توفيق أهل الهدى [وأعمال أهل اليقين] (¬4) ومناصحة أهل التوبة، وعزم أهل الصبر، وجد أهل الخشية، وطلب أهل الرغبة، وتعبد أهل الورع، وعرفان أهل العلم حتى أخافك، اللهم إني أسألك مخافة تحجزني عن معاصيك حتى أعمل بطاعتك عملًا أستحق به رضاك، وحتى أناصحك بالتوبة خوفًا منك، وحتى أخلص لك النصيحة حبًّا لك، وحتى أتوكل عليك في الأمور حسن ظن بك سبحان خالق النار" (¬5). ¬

_ (¬1) من (س، ل، م). (¬2) "الترغيب والترهيب" 1/ 270. (¬3) من (ل، م)، و"المعجم الأوسط". (¬4) في (ص، س، ل): أعلم بك. والمثبت من (م)، و"المعجم الأوسط". (¬5) "المعجم الأوسط" (2318).

15 - باب ركعتي المغرب أين تصليان؟

15 - باب ركْعَتَيِ المَغْرِبِ أَيْنَ تُصَلَّيانِ؟ 1300 - حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنِي أَبُو مُطَرِّفٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الوَزِيرِ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الفِطْرِيُّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَتَى مَسْجِدَ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ فَصَلَّى فِيهِ المَغْرِبَ فَلَمَّا قَضَوْا صَلاتَهُمْ رَآهُمْ يُسَبِّحُونَ بَعْدَها فَقَالَ: "هذِه صَلاةُ البُيُوتِ" (¬1). 1301 - حَدَّثَنا حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجَرْجَرائِيُّ، حَدَّثَنا طَلْقُ بْنُ غَنّامٍ، حَدَّثَنا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أبِي المُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قَالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُطِيلُ القِراءَةَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ المَغْرِبِ حَتَّى يَتَفَرَّقَ أَهْلُ المَسْجِدِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ نَصْرٌ المُجَدَّرُ، عَنْ يَعْقُوبَ القُمِّيِّ وَأَسْنَدَهُ مِثْلَهُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ الطَّبّاعِ، حَدَّثَنا نَصْرٌ المُجَدَّرُ، عَنْ يَعْقُوبَ مِثْلَهُ (¬2). 1302 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ وَسُلَيْمانُ بْنُ دَاوُدَ العَتَكِيُّ قالا: حَدَّثَنا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَعْنَاهُ مُرْسَلٌ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ حُمَيْدٍ يَقُولُ سَمِعْتُ يَعْقُوبَ يَقُولُ كُلُّ شَيْءٍ حَدَّثْتُكُمْ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَهُوَ مُسْنَدٌ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (604)، والنسائي 3/ 198. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (1176): حديث حسن. (¬2) رواه البيهقي 2/ 189 - 190، والضياء في "المختارة" 10/ 102 من طريق أبي داود. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (238/ 4). (¬3) راجع السابق.

باب ركعتي المغرب أين تصليان [1300] (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي الأسود) حميد بن الأسود البصري الحافظ شيخ البخاري. (حدثني أبو المطرف محمد (¬1) بن أبي الوزير) عمر بن مطرف الهاشمي قال أبو حاتم: ليس به بأس (¬2) ووثقه غيره (¬3). (حدثنا محمد بن موسى الفطري) بكسر الفاء وسكون الطاء المهملة بعدها راء نسبة إلى مواليه الفطريين [وهم موالي بني مخزوم، روى عنه قتيبة بن سعيد، وكذا خالد بن مخلد، حديثًا في "صحيح مسلم" في الأطعمة عن ابن الكلبي معبد مولى أبي فطر، والفطريون] (¬4) موالي (¬5) معاوية بن أبي سفيان، ذكر ذلك أبو فرج الأصبهاني وساق سندًا (¬6) إلى ابن الكلبي. (عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة) بن أمية (¬7) القضاعي البلوي المدني حليف الأنصار، وثقه ابن معين والنسائي (¬8). (عن أبيه) إسحاق بن كعب بن عجرة، أخرج له الترمذي والنسائي ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) "الجرح والتعديل" 8/ 20. (¬3) انظر: "الثقات" لابن حبان 9/ 73. (¬4) سقط من (م). (¬5) في (م): مولى. (¬6) في (ص): سنة. (¬7) في (م): أسد. (¬8) "تهذيب الكمال" 10/ 249.

(عن جده) كعب بن عجرة بن أمية البلوي، بفتح الباء (¬1) الموحدة واللام، تأخر إسلامه، وكان له صنم في بيته يكرمه (¬2) وكان عبادة بن الصامت صديقًا له، فلما خرج من بيته دخل عبادة فكسره بالقدوم، فلما جاء كعب وراءه خرج مغضبًا يريد أن يشاتم (¬3) عبادة، ثم فكر في نفسه، فقال (¬4): لو كان عند هذا الصنم طائل لامتنع فأسلم حينئذٍ وحسن إسلامه. (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى مسجد بني عبد الأشهل) بن جشم (¬5) بن الحارث بن الخزرج بطن من الأنصار (فصلى فيه المغرب) رواه ابن ماجه عن رافع بن خديج بلفظ: "أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني عبد الأشهل، فصلى بنا المغرب في مسجدنا" (¬6). وفي هذا الحديث دليل على أن الإمام الأعظم إذا حضر في مسجد له إمام راتب فهو أحق بالإمامة من الراتب، وبه [قال أصحابنا] (¬7)، [قال النووي: قال أصحابنا] (¬8): إذا حضر الوالي في محل (¬9) ولايته قدم على الأفقه [والأقرأ] (¬10) والأورع، وعلى إمام ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في الأصول الخطية: يكره. والمثبت من "تاريخ دمشق" 50/ 146. (¬3) في (ص): يسأل. وفي (س، م): يسالم. والمثبت من (ل)، و"تاريخ دمشق". (¬4) من (ل، م). (¬5) في (م): خيثم. (¬6) "سنن ابن ماجه" (1165). (¬7) سقط من (م). (¬8) تكرر في (م). (¬9) في (ص، س، ل): كل. (¬10) سقط من (م).

المسجد، وعلى صاحب البيت إذا أذن صاحب البيت في إقامة الصلاة في ملكه، فإن لم يتقدم الوالي قدم من شاء ممن يصلح للإمامة، وإن كان غيره أصلح منه؛ لأن الحق فيها له فاختص بالتقدم والتقديم (¬1). ولا يعارض هذا [ما] (¬2) رواه المصنف [والترمذي] (¬3) من حديث مالك بن الحويرث مرفوعًا: "من زار قومًا فلا يؤمهم" (¬4). فإنه محمول على الإمام إذا حضر في مكان مملوك فلا يؤم المالك فيه إلا إذا أذن صاحب البيت في إقامة الصلاة في ملكه كما تقدم. قال ابن المنير في حديث: "من زار قومًا فلا يؤمهم": مراده أن الإمام الأعظم ومن يجري مجراه إذا حضر في مكان مملوك لا يتقدم عليه مالك الدار أو المنفعة، لكن ينبغي للمالك (¬5) أن يأذن فيه ليجمع بين الحديثين حق الإمام في التقدم وحق المالك في منع التصرف [في ملكه] (¬6) بغير إذنه (¬7). (فلما قضوا صلاتهم رآهم يسبحون بعدها) أي: يصلون النوافل بعدها في المسجد، والنوافل الرواتب وغيرها في البيوت أفضل للحديث المتقدم: "فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة" (¬8). (فقال: هذِه صلاة البيوت) الصلاة التي يصلونها في المسجد هي نافلة، والنافلة في البيوت أفضل، ولفظ رواية ابن ماجه: قال: ¬

_ (¬1) "المجموع" 4/ 284 - 285. (¬2) في (م): لما. (¬3) سقط من (م). (¬4) "سنن أبي داود" (596)، و"جامع الترمذي" (356). (¬5) في (ص، س): ذلك للإمام. (¬6) من (م). (¬7) "فتح الباري" 2/ 202. (¬8) تقدم تخريجه.

"اركعوا هاتين الركعتين في بيوتكم" (¬1)، ولفظ الترمذي: فقام ناس يتنفلون فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عليكم بهذِه (¬2) الصلاة في البيوت" (¬3) فحضهم (¬4) على الأفضل وهو الصلاة في بيوتهم (¬5) وإقراره لهم على صلاتهم ولم يأمرهم بإعادتها دليل على أن صلاتهم صحيحة، ويدل على الجواز رواية الترمذي بعد هذا عن حذيفة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -[صلى المغرب] (¬6) فما زال يصلي في المسجد حتى صلى العشاء الآخرة (¬7). ثم قال: ففي هذا الحديث دلالة على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الركعتين بعد المغرب في المسجد. [1301] (حدثنا حسين بن عبد الرحمن الجرجرائي) هكذا في بعض النسخ المعتمدة. قال ابن السمعاني: هو بالراء الساكنة بين الجيمين المفتوحتين وفي آخره ياء مثناة تحت، هذِه النسبة إلى جرجرايا: بلدة قريبة من دجلة بين بغداد وواسط، نسب إليها جماعة (¬8)، وفي بعض النسخ: الجرخاني. [قال السمعاني] (¬9): بضم الجيم وبفتح الخاء المعجمة نسبة إلى جرخان: بلدة بقرب السوس من كور الأهواز (¬10). ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (1165) لكن من طريق آخر عن رافع بن خديج. (¬2) في (ص، س): هذه. (¬3) تقدم تخريجه. (¬4) في (م): فحرضهم. (¬5) في (م): البيوت. (¬6) من (ل، م)، و"جامع الترمذي". (¬7) "جامع الترمذي" 2/ 500 (604). (¬8) "الأنساب" 2/ 42. (¬9) سقط من (م). (¬10) "الأنساب" 2/ 44.

(حدثنا طلق (¬1) بن غنام، حدثنا يعقوب بن عبد الله) الأشعري القمي، بضم القاف وتشديد الميم، وهي بلدة كبيرة بين أصبهان وساوة أكثر أهلها الشيعة (¬2)، وكان لعبد الله بن سعدان ابن يقال له: موسى، انتقل من الكوفة إلى قم فهو الذي أظهر بها التشيع، وينسب إليها يزيد القمي صاحب "أحكام القرآن" إمام الحنفية في عصره. (عن جعفر بن أبي المغيرة) القمي، أيضًا أخرج له الترمذي والنسائي. (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطيل القراءة في الركعتين بعد) صلاة (المغرب) يعني في المسجد (حتى يتفرق أهل المسجد) (¬3) هذا الحديث والحديث المذكور قريبًا عند الترمذي عن حذيفة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى المغرب فما زال يصلي في المسجد حتى صلى العشاء الآخرة (¬4). يدلان على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الركعتين بعد المغرب في المسجد، ولعله فعل هذا لعذر أو لبيان الجواز ونحو ذلك، فإن الحديث الصحيح عن ابن عمر وغيره قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي الركعتين بعد المغرب في بيته (¬5). ومعلوم أن كان تدل على الكثرة أو الدوام. ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): خلف. والمثبت من (م)، و"سنن أبي داود". (¬2) "الأنساب" للسمعاني 10/ 484. (¬3) أخرجه النسائي في "الكبرى" (379)، قال الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" (238): إسناده ضعيف. (¬4) سبق تخريجه. (¬5) أخرجه البخاري (937)، ومسلم (729) (104).

(قال المصنف: رواه نصر) بن زيد البغدادي، ثقة شهرته (¬1) (المجدر) بضم الميم وفتح الجيم والدال المهملة المشددة وفي آخره الراء، قال ابن السمعاني: يقال هذا لمن به أثر الجدري، وعرف به نصر بن زيد (¬2) يروي عن مالك وشريك وغيرهما. (عن يعقوب) بن عبد الله (القمي) بضم القاف وتشديد الميم منسوب إلى قم، وهي بلدة كبيرة بين أصبهان وساوة (وأسنده مثله). (قال المصنف: حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع، حدثنا نصر) بن زيد (¬3) (المجدر، عن يعقوب مثله) (¬4). [1302] (حدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) اليربوعي (وسليمان بن داود العتكي قالا: حدثنا يعقوب) (¬5) بن عبد الله. (عن جعفر) بن أبي المغيرة (عن سعيد بن جبير، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمعناه) وهو حديث (مرسل. قال المصنف: سمعت محمد بن حميد) [الرازي تكلم فيه (يقول)] (¬6): (سمعت يعقوب يقول: كل) بالرفع (¬7) (شيء حدثتكم (¬8) عن جعفر) بن أبي المغيرة (عن سعيد بن جبير) وهو مرسل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (فهو مسند عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -). ¬

_ (¬1) في (ص، س): شهد به. (¬2) "الأنساب" 5/ 201. (¬3) في (م): يزيد. (¬4) كتب فوقها في (م): بإسناده. (¬5) في (ص، س): داود. (¬6) سقط من (م). (¬7) سقط من (م). (¬8) في (ص، س): حدثكم.

16 - باب الصلاة بعد العشاء

16 - باب الصَّلاةِ بَعْدَ العِشاءِ 1303 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن رافِعٍ، حَدَّثَنا زَيْدُ بْنُ الحُبابِ، العُكْلِيُّ، حَدَّثَنِي مالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، حَدَّثَنِي مُقاتِلُ بْن بَشِيرٍ العِجْلِيُّ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هانِئٍ، عَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَ: سَأَلْتُها عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ ما صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - العِشاءَ قَطُّ فَدَخَلَ عَلي إِلَّا صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، أَوْ سِتَّ رَكَعَاتٍ، وَلَقَدْ مُطِرْنا مَرَّةً بِاللَّيْلِ فَطَرَحْنا لَهُ نِطْعًا، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى ثُقْبٍ فِيهِ يَنْبُعُ الماءُ مِنْهُ وَما رَأَيْتُهُ مُتَّقِيًا الأَرْضَ بِشَيْءٍ مِنْ ثِيابِهِ قَطُّ (¬1). * * * باب الصلاة بعد العشاء [1303] (حدثنا محمد بن رافع) بن أبي زيد (¬2) سابور القشيري مولاهم الزاهد، أحد الحفاظ والرحالين، شيخ الشيخين. (حدثنا زيد (¬3) بن الحباب) بضم الحاء المهملة وتخفيف الموحدة المكررة أبو الحسين (العكلي) (¬4) بضم العين المهملة (¬5) الخراساني، أخرج له مسلم. (حدثنا مالك بن مغول) بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الواو. قال: (حدثني مقاتل بن بشير) بفتح الباء (¬6) الموحدة وكسر ¬

_ (¬1) أخرجه النسائي في "الكبرى" (391)، ورواه أحمد 6/ 58، والبيهقي 2/ 477. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (239). (¬2) و (¬3) في (م): يزيد. (¬4) في (م): العلكي. (¬5) سقط من (م). (¬6) من (م).

الشين المعجمة (العجلي) بكسر العين وسكون الجيم نسبة إلى عجل بن لجيم (¬1) بن صعب (¬2) ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3). (عن شريح) بضم الشين المعجمة مصغر ([بن هانئ] (¬4) عن عائشة - رضي الله عنها - قال: سألتها عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) من الليل (قالت: ما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشاء قط فدخل عليّ إلا صلى أربع ركعات) استدل به على استحباب أربع ركعات بعد العشاء، ويدل عليه ما رواه المصنف أيضًا عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بعد العشاء الآخرة أربع ركعات ثم ينام (¬5) (أو) صلى (ست ركعات) شك من عائشة، ولعله صلى في بعض الأحايين الركعتين عند دخول المنزل مع الأربع التي بعد العشاء. وروى الطبراني في "الأوسط" عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬6): "أربع بعد العشاء كعدلهن من ليلة القدر" (¬7). وفي "الكبير": عن ابن عباس رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من صلى أربع ركعات خلف العشاء الآخرة قرأ (¬8) في الركعتين الأولتين {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وفي الركعتين الأخرتين تنزيل السجدة ¬

_ (¬1) في (ص، س): نجيم. (¬2) في (ص، س، ل): مصعب. (¬3) "الثقات" 7/ 509. (¬4) سقط من (م). (¬5) "سنن أبي داود" (1348). (¬6) زاد في (م): أنه قال: من صلى. (¬7) "المعجم الأوسط" (2733). (¬8) في (ص، س، ل): يقرأ. والمثبت من (م)، و"المعجم الكبير".

و {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} كتبهن الله له كأربع ركعات من ليلة القدر" (¬1)، وفي سنده زيد (¬2) بن سنان. (ولقد مطرنا) بضم أوله وكسر ثانيه (مرة بالليل) فوكف سقف البيت أي: تقاطر منه الماء (فطرحنا له نطعًا) فيه أربع لغات: فتح النون وكسرها ومع كل واحد فتح الطاء وسكونها، والأفصح كسر النون وفتح الطاء وهو المتخذ من الأدم (¬3) معروف. فيه خدمة الزوجة لزوجها، وفرش ما يقيه من الطين ونحوه وإن كان عتيقًا. (فكأني انظر إلى ثقب) بفتح المثلثة وسكون القاف مثل ثقل لغة (¬4) وهو الخرق، [هذا هو الصحيح، وفي بعضها بالنون] (¬5). (فيه ينبع) [بضم الياء وكسرها وفتحها، أي: يخرج] (¬6) (الماء منه) أي: من خرق النطع (وما رأيته متقيًا الأرض) أي: جاعلًا بينه وبين الأرصْق وقاية (بشيء من ثيابه) يصون ثيابه من الأرض ويسترها لئلا يتأذى بها، وكذا كانت الصحابة - رضي الله عنهم -، وفي هذا فضيلة التواضع والتقلل من الدنيا والزهد فيها (قط). ¬

_ (¬1) "المعجم الكبير" (12240). (¬2) في (م): يزيد. (¬3) في (ص، س، ل): الأديم. والمثبت من (م)، و"لسان العرب". (¬4) و (¬5) سقط من (م). (¬6) من (ل، م).

أبواب قيام الليل

أبواب قيام الليل 17 - باب نَسْخِ قِيامِ اللَّيْلِ والتَّيْسِيِر فِيهِ 1304 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ ابن شَبُّويه، حَدَّثَنِي عَليُّ بْنُ حُسَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: فِي المُزَّمِّلِ {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ} نَسَخَتْها الآيَةُ التِي فِيها {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} وَنَاشِئَةُ اللَّيْلِ: أَوَّلُهُ وَكَانَتْ صَلاتُهُمْ لأَوَّلِ اللَّيْلِ يَقُولُ هُوَ أَجْدَرُ أَنْ تُحْصُوا ما فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ مِنْ قِيامِ اللَّيْلِ، وَذَلِكَ أَنَّ الإِنْسانَ إِذا نامَ لَمْ يَدْرِ مَتَى يَسْتَيْقِظُ، وَقَوْلُهُ: (أَقْوَمُ قِيلًا) هُوَ أَجْدَرُ أَنْ يُفْقَهَ فِي القُرْآنِ وَقَوْلُهُ: {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا} يَقُولُ فَراغًا طَوِيلًا (¬1). 1305 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن مُحَمَّدٍ - يَعْنِي: المَرْوَزِيَّ - حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ سِماكِ الحَنَفِيِّ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ أَوَّلُ المُزَّمِّلِ كانُوا يَقُومُونَ نَحْوًا مِنْ قِيامِهِمْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَزَلَ آخِرُها، وَكَانَ بَيْنَ أَوَّلِها وَآخِرِها سَنَةٌ (¬2). * * * باب نسخ قيام الليل [والتيسير فيه] (¬3) [1304] (حدثنا أحمد بن محمد المروزي) بفتح الميم والواو نسبة ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 2/ 500 من طريق أبي داود. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1177). (¬2) رواه ابن أبي شيبة 19/ 575 (37092)، والطبراني 12/ 196 (12877)، والحاكم 2/ 505، والبيهقي 2/ 500، والضياء في "المختارة" 10/ 418 (441). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1178). (¬3) سقط من (م).

إلى (مرو) (¬1) الشاهجان (¬2) بفتح الشين المعجمة [وكسر الهاء بعدها] (¬3) جيم من بلاد فارس (بن شبويه) (¬4) بفتح الشين المعجمة وتشديد الباء الموحدة المضمومة. قال في "الكمال": قال الدارقطني عنه: البخاري كان من كبار الأئمة (¬5). قال: (حدثني علي بن حسين) بن واقد المروزي (عن أبيه) حسين بن واقد قاضي مرو، أخرج له مسلم والأربعة. (عن يزيد) بن أبي (¬6) سعيد المروزي (النحوي) حكى ابن السمعاني (¬7)، عن أبي بكر بن أبي داود (¬8): يزيد بن أبي (¬9) سعيد النحوي نسبة إلى قبيلة (¬10). وهو ولد نحو بن شمس بن مالك [بن فهم الأزدي] (¬11) وليس هو من نحو العربية، ولم يرو الحديث من القبيلة، وشيبان (¬12) بن عبد الرحمن ¬

_ (¬1) في (م): مرورو. (¬2) في (س، ل): الشاهيجان. (¬3) في (م): بعد. (¬4) في (م): سيبويه. (¬5) "الكاشف" 1/ 201. (¬6) سقط من (م). (¬7) في (م): السمعان. (¬8) زاد في (م): بن. وفي (ل): أن. (¬9) سقط من (م). (¬10) "الأنساب" 5/ 468. (¬11) سقط من (م). (¬12) في (م): سنان.

المؤذن وسائرهم نسبوا إلى نحو العربية، وكذا حكى الأمير عن الشريف ابن أخي اللبن (¬1): شيبان بن عبد الرحمن لم يكن نحويًّا إنما هو (¬2) من بني نحو بن شمس (¬3). (عن عكرمة، عن ابن عباس قال) (¬4) في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} (¬5) أصله المتزمل فأدغمت التاء في الزاي، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتزمل في ثيابه أول ما جاءه جبريل فرقًا منه وخوفًا حتى آنس به. قال السدي: معناه يا أيها النائم، قم فصل (¬6). وكان قد تزمل (¬7) للنوم. ومعنى تزمل: تلفف (¬8) في ثوبه فخوطب بهذا أول ما بدئ بالوحي قبل تبليغ الرسالة. ثم خوطب بعد ذلك بالنبي والرسول: ({قُمِ اللَّيْلَ}) أي: قم لصلاة الليل، وكان قيام الليل فريضة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ({إِلَّا قَلِيلًا}) ثم بين قدر القليل (¬9) فقال: ({نِصْفَهُ}) تقدير الآية: قم الليل نصفه إلا قليلًا، أي: قم نصف الليل، أي: صل من الليل النصف. ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): الليث. والمثبت من (م)، و"الإكمال". (¬2) في (م): كان. (¬3) "الإكمال" 7/ 119. (¬4) من (ل، م)، و"سنن أبي داود". (¬5) المزمل: 1. (¬6) "تفسير البغوي" 8/ 249. (¬7) في (م): نزل. (¬8) في (م): يلتف. (¬9) في (م): الليل.

(ثم نسختها الآية التي فيها) أي في آخرها. وروى مسلم من طريق عن (¬1) سعد بن هشام: قلت لعائشة: أنبئيني عن قيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: ألست تقرأ {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ}؟ قلت: بلى. قالت: فإن الله افترض قيام الليل في أول هذِه السورة، فقام نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه حولًا حتى انتفخت أقدامهم، فأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرًا في السماء، ثم أنزل الله تعالى التخفيف في آخر هذِه السورة، فصار قيام الليل تطوعًا بعد الفريضة (¬2)، وكان هذا بمكة. {عَلِمَ أَنْ} مخففة من الثقيلة، وحذف اسمها، أي: علم أنكم ({لَنْ تُحْصُوهُ}) [قال مقاتل: قاموا حتى انتفخت أقدامهم فنزل {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ}] (¬3). قال مقاتل: كان الرجل يصلي الليل كله مخافة أن لا يصيب ما أمر به من القيام فقال الله تعالى: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} لن تطيقوا معرفة ذلك (¬4) ({فَتَابَ عَلَيْكُمْ}) أي عاد عليكم بالعفو والتخفيف عنكم ({فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}) يعني في الصلوات المشروعة. واستدل أبو حنيفة بهذِه الآية على أن الفاتحة لا تجب بل يقرأ بما شاء من القرآن ولو آية، قال البيهقي: ولا حجة فيها؛ لأن الله تعالى أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يقرأ ما تيسر معه من القرآن، وليس ذلك إلا الفاتحة لسهولتها على الألسن، ثم جمع ما ورد من الأحاديث في الفاتحة هو ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "صحيح مسلم" (746) (139). (¬3) من (ل، م). (¬4) "تفسير البغوي" 8/ 257.

بيان لقوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} (¬1) ثم روى عن قيس بن أبي حازم قال: صليت خلف ابن عباس بالبصرة فقرأ في أول ركعة بالحمد وأول آية من البقرة، ثم قام في الثانية فقرأ: الحمد لله والآية الثانية من البقرة ثم ركع، فلما انصرف أقبل علينا فقال: إن الله تعالى يقول: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ}. [ثم قال البيهقي: قال علي بن عمر: هذا إسناد حسن، ثم قال: وفيه حجة لمن يقول أن معنى قوله تعالى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ}] (¬2) أن ذلك إنما هو بعد قراءة [فاتحة الكتاب] (¬3). ثم قال: وحديث أبي سعيد: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[أن نقرأ] (¬4) بفاتحة الكتاب وما تيسر حجة (¬5) في ذلك أيضًا (و {نَاشِئَةَ اللَّيْلِ}) ساعاته وكل ساعة منه ناشئة؛ سميت بذلك لأنها تنشأ أي: تبدو، ومنه نشأت السحابة إذا بدت، وكل ما حدث أول الليل وبدا فقد نشأ وهو ناشئ. (أوله) قال عكرمة: {نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} هو القيام من أول الليل. وعن علي بن الحسين أنه كان يصلي بين المغرب والعشاء ويقول: هذِه {نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} (¬6) لأنه أول نشوء ساعاته مصدر جاء على فاعله ¬

_ (¬1) المزمل: 20. (¬2) سقط من (م). (¬3) "السنن الكبرى" 2/ 40. (¬4) من (م). (¬5) سقط من (م). (¬6) "تفسير البغوي" 8/ 253.

كالعافية بمعنى العفو (وكانت صلاتهم لأول الليل) (¬1) هي الناشئة (يقول هو) يعني (¬2): صلاة أول الليل (أجدر) بالجيم (¬3) أحق (أن تحصوا) (¬4) بضم أوله أي: تبلغوا إتيان (ما فرض الله عليكم من قيام الليل، وذلك أن) بفتح الهمزة (¬5) (الإنسان إذا نام) أول الليل (لم يدر متى يستيقظ) فالأحوط أن يأتي به في أول الليل قبل أن ينام، ولهذا جاء في وصية أبي هريرة: أوصاني خليلي - صلى الله عليه وسلم - أن أوتر قبل أن أنام (¬6). (وقوله) تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا} ({وَأَقْوَمُ}) معناه أجدر وأحق ({قِيلًا}) أي (¬7): قولًا بالقرآن في قراءته؛ لأن القراءة في الليل أفرغ قلبًا من النهار؛ لأنه في النهار تعرض له حوائج يشتغل بها قلبه؛ فإذا ذهب النهار وجاء الليل وهدأت العيون وسكنت الأصوات كان ذلك أحرى. ([هو أجدر] (¬8) أن يفقه) بفتح الياء والقاف، وفي بعضها بفتح الفوقانية والقاف المشددة، أصله: تتفقه فحذفت إحدى التاءين. (في القرآن) ويفهم معانيه الغامضة ويتفقه ما فيه من الأحكام الشرعية والأسرار الإلهية. ¬

_ (¬1) من (م)، و"سنن أبي داود". (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): أي. (¬4) كتب في حاشية (ل): ولو قرأ. (¬5) في (ص، س): أن. وفي (ل): الهمزة أن. (¬6) أخرجه البخاري (1981)، ومسلم (721) (85). (¬7) في (ص): أن. (¬8) من "السنن".

(وقوله) تعالى: ({إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7)}) معناه: (فراغًا طويلًا) وسعة لتصرفك في قضاء حوائجك وأشغالك في إقبالك وإدبارك، فصل من الليل واغتنمه عند فراغك من أشغال النهار، وأصل السبح التقلب، ومنه سمي (¬1) السابح في الماء لتقلبه بيديه ورجليه، وقرأ يحيى بن يعمر: سبخًا. بالخاء المعجمة بعد الباء الموحدة أي: استراحة وتخفيفًا للبدن، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة وقد دعت على سارق: "لا تسبخي عنه بدعائك عليه" (¬2) أي: لا تخففي (¬3) عنه الإثم الذي يستحقه (¬4) بالسرقة. [1305] (حدثنا أحمد بن محمد المروزي، حدثنا وكيع، عن مسعر) بكسر الميم. (عن سماك) بن الوليد (الحنفي) اليمامي، أصله من اليمامة، أخرج له مسلم، والحنفي نسبة إلى بني حنيفة قبيلة كبيرة من ربيعة بن (¬5) نزار (¬6)، نزلوا اليمامة، وهو تابعي مشهور. (عن ابن عباس قال: لما نزلت أول) سورة (المزمل كانوا) يعني الصحابة - رضي الله عنهم - (يقومون) في صلاة الليل (نحوًا) نعت لمصدر محذوف تقديره يقومون قيامًا نحوًا (من قيامهم في شهر رمضان) وذلك أن الله ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) أخرجه أبو داود (1499)، والنسائي في "الكبرى" (7359)، وأحمد 6/ 45. (¬3) في (ص، س): تحيفي. (¬4) في (ص): سبخته. (¬5) من (م). (¬6) في "الأصول الخطية": يزيد. والمثبت من "اللباب في تهذيب الأنساب" 1/ 397.

تعالى لما أمر في أول المزمل بقيام الليل إلا قليلًا ثم بينه (¬1) بأنه النصف، أو ينقص منه قليلًا وهو السدس يبقى الثلث، أو يزاد عليه قليلًا وهو السدس يبقى الثلثان، فخيرهم الله تعالى بين هذِه المنازل الثلاث، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم -[وأصحابه يقومون] (¬2) على هذِه المقادير، وكان الرجل لا يدري متى ثلث الليل، ومتى النصف، ومتى الثلثان، فكان يقوم حتى يصبح مخافة أن لا يأتي بالقدر الواجب، فشق عليهم ذلك (¬3) واشتد وانتفخت أقدامهم، فرحمهم الله تعالى وخفف عنهم و (نزل) ما في (آخرها) وهو قوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} (وكان) مدة ما (بين أولها) يعني بين نزول أول السورة (و) نزول الآية التي في (آخرها سنة) اثنا عشر شهرًا في السماء. ¬

_ (¬1) في (م): نبه. (¬2) في (م): يقوم. (¬3) سقط من (م).

18 - باب قيام الليل

18 - باب قِيامِ اللَّيْلِ 1306 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَعْقِدُ الشَّيْطانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ مَكَانَ كُلِّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فارْقُدْ فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلانَ" (¬1). 1307 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي قَيْسٍ يَقُولُ: قَالَتْ عائِشَة: لا تَدَعْ قِيامَ اللَّيْلِ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ لا يَدَعُهُ وَكَانَ إِذَا مَرِضَ أَوْ كَسِلَ صَلَّى قاعِدًا (¬2). 1308 - حَدَّثَنا ابن بَشَّارٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى، حَدَّثَنا ابن عَجْلانَ، عَنِ القَعْقاعِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "رَحِمَ اللهُ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِها الماءَ رَحِمَ الله امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَها فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الماءَ" (¬3). 1309 - حَدَّثَنا ابن كَثِيرٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الأَقْمَرِ ح، وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ، حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ شَيْبانَ، عَنِ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1142)، ومسلم (776). (¬2) رواه الطيالسي في "المسند" 3/ 113 (1622)، وأحمد 6/ 249، والبخاري في "الأدب المفرد" (800)، وابن خزيمة 2/ 177 (1127)، والحاكم 1/ 307، والبيهقي 3/ 14. قال الألباني في "صحيح أبي داود" (1180): إسناده صحيح على شرط مسلم. (¬3) رواه ابن ماجه (1336)، وأحمد 2/ 236، 247، 250، والحاكم في "المستدرك" 1/ 309. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1181).

الأَعْمَشِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الأَقْمَرِ - المَعْنَى - عَنِ الأَغَرِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قالا: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا أَيْقَظَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ مِنَ اللَّيلِ فَصَلَّيا أَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَمِيعًا كُتِبا فِي الذَّاكِرِينَ والذَّاكِراتِ". وَلَمْ يَرْفَعْهُ ابن كَثِيرٍ وَلا ذَكَرَ أَبا هُرَيْرَةَ جَعَلَهُ كَلامَ أَبِي سَعِيدٍ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ ابن مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيانَ قَالَ: وَأُرَاهُ ذَكَرَ أَبَا هُرَيْرَةَ. قَالَ: أَبُو دَاوُدَ: وَحَدِيثُ سُفْيانَ مَوْقُوفٌ (¬1). * * * باب قيام الليل [1306] (حدثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك، عن (¬2) أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان، المدني (عن) عبد الرحمن بن هرمز (الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يعقد الشيطان) اختلفوا [في هذِه العقدة] (¬3) فقيل: هو عقد (¬4) حقيقي بمعنى عقد السحر للإنسان (¬5) ومنعه من القيام فهو قول يقوله فيؤثر في تثبيط النائم كتأثير السحر، ويحتمل أن يكون فعل يفعله كفعل النفاثات في العقد، وقيل: هو من عقد القلب وصميمه وكأنه يوسوس له في نفسه ويحدثه بأنه باق (¬6) ¬

_ (¬1) رواه النسائي في "الكبرى" (1310)، وابن ماجه (1335). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1182). (¬2) في (م): بن. (¬3) من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) تكررت في (م). (¬6) في (ص): يأت. والمثبت من (س، ل، م).

عليه ليل طويل فيتأخر عن القيام، وقيل: إنه مجاز كنى به عن تثبيط الشيطان عن قيام الليل. قال في "النهاية": المراد منه تثقيله في النوم وإطالته له (¬1)، فكأنه قد شد عليه شداد وعقد عليه ثلاث عقد (¬2). (على قافية رأس أحدكم) وقافية الرأس: مؤخره، وقيل: وسطه (إذا هو نام) ظاهر لفظ (¬3) الحديث أنه يعقد على رأس كل من نام، فيدخل فيه من يصلي ومن لا يصلي، وتبويب البخاري عليه يدل على أن العقد على من لم يصل فإنه قال: باب عقد الشيطان على قافية الرأس إذا لم يصل بالليل (¬4). وقد اعترض عليه الماوردي وتأول (¬5) تبويبه على إرادة استدامة العقد إنما يكون على من ترك الصلاة وجعل من صلى وانحلت عقده كمن لم يعقد عليه لزوال أثره. (ثلاث عقد) قال البيضاوي: التقييد بالثلاث إما للتأكيد، أو لأن الذي تنحل به عقدته (¬6) ثلاثة أشياء: الذكر، والوضوء، والصلاة، فكأن الشيطان منع عن كل واحدة منها بعقدة عقدها على قافيته، ولعل تخصيص القفا؛ لأنه محل الوهم (¬7)، ومحل تصرفها، وهي أطوع ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) النهاية" (قفا). (¬3) من (س، ل، م). (¬4) بوب به على حديثي (1142، 1143). (¬5) في (ص): قول. وفي (ل): يؤول. والمثبت من (م). (¬6) سقط من (م). (¬7) بياض في (ص، س)، وفي (ل، م): الواهمة. والمثبت من "الفتح".

القوى للشيطان وأسرعها إجابة لدعوته (¬1) (يضرب (¬2) مكان كل (¬3) عقدة) وفي رواية: "يضرب (¬4) على كل عقدة" (¬5) (عليك ليل طويل). قال النووي: معظم نسخ بلادنا: عليك ليلًا طويلًا، ونقله القاضي (¬6) عن الأكثرين: "عليك ليلًا طويلًا" بالنصب على الإغراء (¬7)، ورواية المصنف: "عليك ليل طويل" بالرفع أي بقي عليك ليل طويل. قال ابن بطال: قد فسر النبي - صلى الله عليه وسلم - معنى العقد، وهو قوله: "عليك ليل طويل فارقد" فكأنه يقولها إذا أراد النائم الاستيقاظ إلى حزبه فيعقد في نفسه أنه بقيت من الليل بقية طويلة (¬8) حتى يفوته عن حزبه. (فإن استيقظ) من نومه (فذكر الله) تعالى، فيه الحث على ذكر الله تعالى عند الاستيقاظ لتحصل هذِه الفائدة. (انحلت عقدة) أولى، ولا يتعين لهذِه الفضيلة ذكر (¬9) لكن الأذكار المأثورة فيه كقراءة: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (¬10) وقيل ذلك نحو: "الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني" وغير ذلك مما هو معلوم ¬

_ (¬1) "فتح الباري" 3/ 32. (¬2) في (م): فيصرف. (¬3) في (م): حل. (¬4) في (م): يصر. (¬5) رواه النسائي 3/ 203. (¬6) "إكمال المعلم" 3/ 82. (¬7) "شرح النووي" (6/ 65). (¬8) من (س، ل، م)، و"شرح البخاري" لابن بطال 3/ 134. (¬9) في (ص): ذلك. (¬10) آل عمران: 190.

في مظنته. (فإن توضأ انحلت عقدة) [ثانية، وفيه التحريض على الوضوء حينئذٍ ورواية مسلم: "إذا توضأ انحلت عقدتان" (¬1) (فإن صلى انحلت عقدة)] (¬2) [بضم العين و] (¬3) فتح القاف وضم الدال وهاء الضمير على لفظ الجمع، هكذا رواية البخاري (¬4) ومسلم (¬5) بمعناه، [وفي بعضها على الإفراد (¬6)، والأول أولى، والمعنى واحد؛ لأن بانحلال العقدة الأخيرة انحلت جميع العقد كاللفظين قبله] (¬7). (فأصبح نشيطًا) لسروره بما وفقه الله الكريم له من الطاعة ووعده به (¬8) من الثواب العظيم (طيب النفس) [بما حصل له في نفسه وتصرفه كلها من البركة في كل أموره مع ما زال عنه من عقد الشيطان ووسوسته لتثبيطه عن العبادة، ورواية ابن ماجه: "طيب النفس] (¬9) قد أصاب خيرًا" (¬10). (وإلا أصبح خبيث النفس) أي ثقيلها كريه الحال، ومنه الحديث ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (776). (¬2) من (ل، م). (¬3) سقط من (س، ل، م). (¬4) في (م): الصحيحين. (¬5) "صحيح البخاري" (3269)، و"صحيح مسلم" (776) (207). (¬6) "صحيح البخاري" (1142). (¬7) سقط من (م). (¬8) من (س، ل، م). (¬9) من (ل، م). (¬10) "سنن ابن ماجه" (1329).

الآخر: "لا يقولن أحدكم خبثت نفسي" (¬1) أي ثقلت وعييت (¬2) كأنه كره اسم الخبث وسبب خبث نفسه بتركه ما كان اعتاده أو نواه من فعل الخير. (كسلان) عن العبادة التي ثقلت عليه، وليس في هذا الحديث مخالفة لحديث: "لا يقولن أحدكم خبثت نفسي (¬3) " فإن ذلك نهي للإنسان أن يقول هذا اللفظ من نفسه، وهذا إخبار عن صفة غيره، واعلم أن مقتضى قوله: "وإلا أصبح" أن من لم يجمع الأمور الثلاثة: الذكر والوضوء والصلاة فهو داخل تحت من يصبح خبيث النفس كسلان وإن أتى ببعضها. [1307] (حدثنا محمد بن بشار) بندار (¬4) (حدثنا أبو داود) سليمان بن داود، [بن الجارود الطيالسي] (¬5). (حدثنا شعبة، عن يزيد بن خمير) بضم الخاء المعجمة وفتح الميم مصغر، الرحبي الهمداني، أخرج له مسلم (قال: سمعت عبد الله بن أبي قيس) ويقال: عبد الله بن قيس أبو (¬6) الأسود النصري بالنون، الحمصي، أخرج له مسلم أيضًا [قالت له عائشة: من أنت؟ قال: رجل من أهل الشام مولى عطية بن عازب أرسلني إليك عطية بن ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6179)، ومسلم (2250) (16). (¬2) في (م): عتت. (¬3) من (ل، م). (¬4) سقط من (م). (¬5) من (ل، م). (¬6) في (م): ابن.

عازب النصري. قالت: عطية بن عفيف؟ (¬1) قال: نعم] (¬2). (يقول: قالت عائشة - رضي الله عنها -) لعبد الله بن أبي قيس (لا تدع): أي لا تترك (قيام الليل) الذي اعتدته (فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان لا يدعه) بل كان (¬3) يواظب [عليه وإن قل] (¬4)، وقد روى الطبراني بإسناد رجاله ثقات عن إياس بن معاوية المزني؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال (¬5): "لا بُد (¬6) من صلاة بليل ولو حلب شاة (¬7) وما كان بعد صلاة العشاء فهو من الليل" (¬8). وروي في "الكبير" و"الأوسط" عن ابن عباس قال: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصلاة الليل ورغب فيها حتى قال: "عليكم بصلاة الليل ولو ركعة" (¬9). (وكان إذا مرض أو كسل) بكسر السين، قال في "مجمل اللغة": الكسل: التثاقل عن الأمر (صلى قاعدًا) هكذا رواه ابن خزيمة في ¬

_ (¬1) في (ص، س): شقيق. (¬2) سقط من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) في (ص، س): كان. (¬6) زاد في (ص): له. وهي زيادة مقحمة. (¬7) زاد في (ص، س): حديث معقل. وهي زيادة مقحمة. (¬8) "المعجم الكبير" (787). ضعفه الألباني في "الضعيفة" (3912). (¬9) "المعجم الكبير" (11528)، و"المعجم الأوسط" (6821). ضعفه الألباني في "الضعيفة" (5285).

"صحيحه"، وروى ابن حبان في "صحيحه" عن أم سلمة قالت: ما (¬1) مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى كان أكثر صلاته وهو جالس، وكان أحب العمل إليه ما داوم عليه صاحبه وإن كان يسيرًا (¬2). [1308] (حدثنا محمد بن بشار) بندار (¬3) (حدثنا يحيى) بن سعيد القطان (حدثنا) محمد (بن عجلان، عن القعقاع) بن حكيم الكناني، من أهل المدينة أخرج له مسلم. (عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة - رضي الله عنه -). (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: رحم الله) ماضٍ بمعنى الطلب كما تقدم (رجلًا قام من الليل) لا تحصل هذِه الفضيلة لمن صلى قبل أن ينام، فإن التهجد في الاصطلاح: صلاة التطوع في (¬4) الليل بعد النوم. قاله القاضي حسين (¬5): (فصلى) تحصل هذِه الفضيلة إن شاء الله تعالى بركعة للحديث المذكور: "عليكم بصلاة الليل ولو ركعة"، رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" (¬6) (وأيقظ امرأته) لتصل بالليل، كذا لابن ماجه (¬7). ¬

_ (¬1) من (ل، م)، و"صحيح ابن حبان". (¬2) "صحيح ابن حبان" (2507). (¬3) في (م): غندار. (¬4) في (م): من. (¬5) "مغني المحتاج" 1/ 228. (¬6) سبق تخريجه. (¬7) "سنن ابن ماجه" (1335).

وللنسائي: "ثم أيقظ امرأته" (¬1)، وفي الرواية الآتية: "إذا أيقظ الرجل أهله فصليا" وهو أعم من امرأته لشموله الولد والأقارب (فإن أبت نضح في وجهها الماء) ولابن ماجه: "فإن أبت رش في وجهها الماء" (¬2) لا يتعين في هذا الماء أن يكون طهورًا، وإن كان هو الأولى، لا سيما إن كان بفضل ماء وضوئه، بل يجوز ذلك بما في معناه من ماء الورد وماء الزهر ونحو ذلك، وخص الوجه بالنضح (¬3) لأنه أفضل الأعضاء وأشرفها، وبه يذهب النوم والنعاس أكثر من بقية الأعضاء، وهو أول الأعضاء [المفروضة غسلًا] (¬4) وبه العينان اللتان هما آلة النوم. (رحم الله امرأة) فيه أن الرحمة يدعى بها للحيِّ كما يدعى بها للميت كما قال الشاطبي: و [قل رحم] (¬5) الرحمن [حيًّا وميتًا] (¬6) (قامت) من النوم فتوضأت (فصلت من) جوف (الليل) فيه فضيلة صلاة المرأة وزوجها نائم؛ إذ هو أبعد من الرياء. (وأيقظت زوجها) من نومه بالتحريك باليد (فإن أبى) أن يقعد بالتحريك، وفيه تقديم الأخف فالأخف في الإيقاظ وغيره (نضحت) ولابن ماجه: "رشت" (¬7) (في وجهه الماء) (¬8) فيه فضيلة صلاة الليل، ¬

_ (¬1) "المجتبى" (1610). (¬2) سبق تخريجه. (¬3) من (س، ل، م). (¬4) في (م): المفروض غسلها. (¬5) في (ص، س): قيل يرحم. (¬6) من (م). (¬7) سبق تخريجه. (¬8) من (س، م)، و"سنن أبي داود".

وفيه فضيلة (¬1) مشروعية إيقاظ النائم للتنفل كما يشرع للفرض وهو من المعاونة على البر والتقوى. [1309] (حدثنا) محمد (بن كثير) العبدي شيخ البخاري (حدثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري. [(عن مسعر) سقط مسعر في بعض نسخ ابن داسة] (¬2) (عن علي بن الأقمر) الوادعي. ([ح] وحدثنا محمد بن حاتم بن بزيغ) بفتح الباء (¬3) الموحدة وكسر الزاي، البصري (¬4) شيخ البخاري. (عن (عبيد الله) (¬5) بن موسى) بن باذام (عن شيبان) بن عبد الرحمن التميمي مولاهم النحوي [يقال: إنه منسوب إلى نحوة بطن من الأزد] (¬6). (عن) سليمان بن مهران (¬7) (الأعمش، عن علي بن الأقمر المعنى، عن الأغر) أبي مسلم مولى أبي سعيد الخدري وأبي هريرة، اشتركا في عتقه. (عن) مولياه (أبي سعيد) الخدري (وأبي هريرة - رضي الله عنهما - قالا: قال رسول ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) سقط من (م). (¬3) من (م). (¬4) من (م). (¬5) في الأصول الخطية: عبد الله. والمثبت من "سنن أبي داود"، و"تهذيب الكمال" 19/ 164. (¬6) سقط من (م). (¬7) زاد في (م): عن.

الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا أيقظ الرجل أهله) هو أعم من امرأته كما تقدم، فيه فضيلة أمر الزوج أهله بصلاة النوافل والتطوعات كما في الفرض، وكذا يأمرهم بتطوعات الصدقة وأفعال الخير، ويسأل الله تعالى لهم الإعانة على ذلك (من) جوف (الليل فصليا) [لفظ ابن ماجه: "إذا استيقظ الرجل من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين كتبا من الذاكرين الله" (¬1)] (¬2)، زاد النسائي: "جميعًا" (¬3). هذِه الرواية تدل على اقتدائها بزوجها في الصلاة. وفيه دليل على مشروعية النوافل والتطوعات جماعة كما (¬4) في التراويح، [ويحتمل أن كلًّا منهما صلى منفردًا (أو صلى) هكذا وقع. ووجه الكلام: فصليا جميعًا] (¬5) أو صلى (¬6) الرجل بزوجته (ركعتين) (¬7) كتبا في (¬8) جملة الذاكرين) الله تعالى كثيرًا (والذاكرات). ورواه ابن حبان في "صحيحه" (¬9) والحاكم (¬10) وألفاظهم متفاوتة (¬11)، وهذا من تفسير الكتاب بالسنة (¬12) فإن هذا الحديث بيان ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (1335). (¬2) سقط من (م). (¬3) "السنن الكبرى" للنسائي (1310). (¬4) و (¬5) سقط من (م). (¬6) زاد في (ص، س، ل): ركعتين. وهي زيادة مقحمة. (¬7) من (س، ل، م). (¬8) بعدها في بعض النسخ: من. (¬9) "صحيح ابن حبان" (2568). (¬10) "المستدرك" 1/ 316، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. (¬11) في (م): متقاربة. (¬12) في (م): والسنة.

لقوله تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (¬1)، وروى الطبراني في "الكبير" عن أبي مالك الأشعري، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من رجل يستيقظ من الليل فيوقظ امرأته فإن غلبها النوم نضح في وجهها الماء فيقومان في بيتهما فيذكران الله - عز وجل - ساعة (¬2) من الليل إلا غفر لهما" (¬3)، وهذا الحديث مطلق فيشمل ذكر الله في الصلاة وخارجها [كما في الآية] (¬4) (ولم يرفعه) محمد (بن كثير) العبدي (ولا ذكر أبا هريرة) في روايته بل (جعله) موقوفًا من (كلام أبي سعيد) الخدري - رضي الله عنه -. (قال المصنف: ورواه) عبد الرحمن (بن مهدي، عن سفيان) [بن سعيد الثوري (قال) ابن مهدي (وأراه) أي: أظنه (ذكر أبا هريرة - رضي الله عنه - قال المصنف: وحديث سفيان)] (¬5) الثوري موقوف على أبي سعيد الخدري (¬6) - رضي الله عنه -. ¬

_ (¬1) الأحزاب: 35. (¬2) سقط من (م). (¬3) "المعجم الكبير" (3448). (¬4) من (ل، م). (¬5) من (م). (¬6) من (م).

19 - باب النعاس في الصلاة

19 - باب النُّعاسِ فِي الصَّلاةِ 1310 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاةِ فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ ناعِسٌ لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبَّ نَفْسَهُ" (¬1). 1311 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فاسْتَعْجَمَ القُرْآنُ عَلَى لِسانِهِ فَلَمْ يَدْرِ ما يَقُولُ فَلْيَضْطَجِعْ" (¬2). 1312 - حَدَّثَنا زِيادُ بْنُ أَيُّوبَ وَهارُونُ بْنُ عَبَّادٍ الأَزْدِيُّ أَنَّ إِسْماعِيلَ بْنَ إِبْراهِيمَ حَدَّثَهُمْ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - المَسْجِدَ وَحَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ سَارِيَتَيْنِ فَقَالَ: "ما هذا الحَبْلُ؟ ". فَقِيلَ يا رَسُولَ اللهِ هذِه حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ تُصَلِّي فَإِذَا أَعْيَتْ تَعَلَّقَتْ بِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لِتُصَلِّ ما أَطاقَتْ فَإِذَا أَعْيَتْ فَلْتَجْلِسْ". قَالَ زِيادٌ: فَقَالَ: "ما هذا". فَقَالُوا: لِزَيْنَبَ تُصَلِّي فَإِذَا كَسِلَتْ أَوْ فَتَرَتْ أَمْسَكَتْ بِهِ. فَقَالَ: "حُلُّوهُ". فَقَالَ: "لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ فَإِذَا كَسِلَ أَوْ فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ" (¬3). * * * [1310] (حدثنا) عبد الله بن مسلمة (القعنبي، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير. (عن عائشة) زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا نعس) [بفتح ¬

_ (¬1) رواه البخاري (212)، ومسلم (786/ 16). (¬2) رواه مسلم (787/ 223). (¬3) رواه البخاري (1150)، ومسلم (784).

العين] (¬1) (أحدكم) النعاس، هو خفيف النوم (¬2) قال الشاعر: وسنان أقصده (¬3) النعاس فرنقت (¬4) ... في عينه سنة وليس بنائم (¬5) (في الصلاة) قال القاضي عياض: الحديث عام في كل صلاة من الفرض والنفل، وحمله مالك على صلاة الليل، وفي هذا الباب أدخله، وعليه حمله جماعة من العلماء، لأن غالب غلبة النوم إنما هي في الليل، ويعم أيضًا صلوات الليل وصلوات النهار. (فليرقد) (¬6) ظاهر هذا الأمر أنه يبطل الصلاة (¬7) ويجب عليه النوم، ولعل هذا في النافلة يقطعها وينام، أو يخفف الصلاة ويسلم من ركعتين. وإن كان في فريضة، قال القاضي عياض: من اعتراه ذلك في فريضة وكان في الوقت سعة، لزمه أن يفعل مثل ذلك وينام حتى يتفرغ للصلاة، وإن ضاق الوقت عن ذلك صلى ما أمكنه وجاهد نفسه ودافع النوم عنه جهده، ثم إن تحقق أنه أداها وعقلها اجزأته وإلا أعادها (¬8). والظاهر أن مذهب الشافعي هكذا (¬9). ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) سقط من (م). (¬3) في (ص): أقعده. (¬4) في (ص، س، ل): فرنق. (¬5) انظر: "غريب الحديث" للخطابي 1/ 178. (¬6) زاد في (س، ل): فليقعد. ولعلها رواية من روايات "سنن أبي داود". (¬7) سقط من (م). (¬8) "إكمال المعلم" 3/ 87. (¬9) "المجموع" 4/ 45 - 46.

(حتى يذهب عنه النوم) وفيه دليل على أنه لا يدخل في (¬1) الصلاة من لا يعقلها ولا يؤديها على حقها حتى يتفرغ من كل ما يشغل عن الخشوع ويعقل معاني كلام الله تعالى، وما يقوله فيها من الأذكار والتسبيحات وغيرها؛ فإنه جعل غاية ترك الصلاة ذهاب ما يشغل فكره، و [يعقل] (¬2) ما يقول، كما أن الله تعالى نهى السكران وغيره عن الدخول في الصلاة حتى يعلم ما يقول، فكل من كان يقرأ فيخلط فلا يقرب الصلاة. قال القرطبي: كل من لا يعلم ما يقول لا تصح صلاته، وإن صلى قضى (¬3)، استدلالًا بالآية، قال عياض: [قيل في الآية: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} (¬4) أنهم سكارى من النوم (¬5). قال الغزالي: وهذا مطرد في] (¬6) الغافل المستغرق الهم بالوساوس وأفكار الدنيا (¬7)، قال: وقوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (¬8) فظاهر الأمر الوجوب، والغفلة [تضاد الذكر] (¬9) فمن غفل في جميع صلاته كيف ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (م): يمنع يفعل. وفي (س، ل): يمنع يعقل. (¬3) في الأصول الخطية: قرأ. خطأ، والمثبت من "تفسير القرطبي" 5/ 204. (¬4) النساء: 43، "المنتقى شرح الموطأ" 1/ 272. (¬5) هذا قول الضحاك وليس قول القاضي عياض. قال ابن عبد البر في "التمهيد" 22/ 118: ولا أعلم أحدًا قال ذلك غير الضحاك. (¬6) سقط من (م). (¬7) "إحياء علوم الدين" 1/ 159. (¬8) طه: 14. (¬9) في (م): أيضًا.

يكون مقيمًا للصلاة لذكره (¬1). وقوله: {وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} (¬2) نهي وظاهره التحريم، وقد ذكر الأصوليون من مسالك العلة الإيماء وهو خمسة أقسام رابعها ذكر وصف مناسب مع (¬3) الحكم تنبيه على أن ذلك الوصف علة لذلك الحكم، ومثلوه بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقضي القاضي وهو غضبان" (¬4) فالغضب وصف يشوش (¬5) الفكر، فيتعدى الحكم إلى كل حال يخرج الحاكم عن سداد النظر واستقامة الحال، كالشبع المفرط، والجوع المقلق، والهم المضجر، والحر المزعج (¬6) والبرد المشكي (¬7) والنعاس الغالب، وكذلك هنا اقتران الصلاة بالنعاس الغالب عليه مانعه من الدخول في الصلاة والاستمرار عليها، وكذلك كل ما يمنع من يعقل الذي يقوله من شدة الجوع المفرط لا سيما مع حضور الطعام وتوقان النفس إليه. (فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لعله يذهب) لأن (يستغفر) الله تعالى (فيسب) برفع الباء ولا يجوز النصب على أن يكون جواب لعل، كما قرأه حفص عن عاصم بنصب {اطَّلَعَ} جواب {لَعَلِّي} التي قبلها؛ لأن لعل ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) الأعراف: 205. (¬3) من (م). (¬4) أخرجه البخاري (7158)، ومسلم (1717) (16). (¬5) في (ص): تشويش. وفي (س): لتشويش. (¬6) سقط من (م). (¬7) في (م): والشكي.

التي في الآية معناها التمني الذي هو (¬1) في معنى الأمر (¬2) بخلاف لعل في هذا (¬3) الحديث هنا. قال عياض: ومعنى يسب نفسه عندي هنا الدعاء عليها؛ لأنه إذا ذهب يستغفر ويدعو لنفسه وهو لا يعقل ربما قلب الدعاء فدعا على نفسه (¬4)، واستدل به بعضهم على أنه لا يجوز للإنسان أن يدعو على نفسه ولا يسبها. قال الإمام: وهذا الحديث حجة على من يرى أن النوم ينقض الوضوء كالحدث؛ لأنه لم (¬5) يعلل بانتقاض الوضوء، وإنما علل بأنه يسب نفسه. وقد اختلف الناس في هذِه المسألة، فقال المزني: النوم ينقض الطهارة قل أو كثر (¬6)، وذكر عن بعض الصحابة أنه لا ينقض الطهارة على أي حال كان، وغير هذين من العلماء يقول: ينقض على صفة، وما هذِه الصفة؟ أبو حنيفة (¬7) يراعي الاضطجاع، ومالك (¬8) يراعي حالة تغلب على الظن خروج الحدث فيها ولا يشعر (¬9). ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) سقط من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) "طرح التثريب" 3/ 398. (¬5) من (م). (¬6) انظر: "شرح النووي" 4/ 73. (¬7) "المبسوط" 1/ 139. (¬8) "المدونة الكبرى" 1/ 119. (¬9) "إكمال المعلم" 3/ 87.

[1311] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا قام أحدكم من الليل) يصلي (فاستعجم) أي: استغلق (القرآن على لسانه) فلم يفصح به (¬1) لسانه ولم ينطق به ولا قدر على تخليص الحروف لغلبة النوم عليه حتى كأنه صار بلسانه عجمة. (فلم يدر ما يقول) في صلاته من القراءة (¬2) والأذكار والدعوات (فليضطجع) على جنبه الأيمن للنوم، وهذا في معنى الحديث الذي قبله، لئلا يغير كلام الله تعالى ويبدله، ولعله يأتي في ذلك بما لا يجوز من قلب معانيه وتحريف كلماته، قال عياض: وهذا أشد من الأول الذي قبله (¬3). [1312] (حدثنا زياد بن أيوب) الطوسي شيخ البخاري (وهارون بن عباد الأزدي) (¬4) الأنطاكي (أن إسماعيل بن إبراهيم) ابن علية الإمام (حدثهم) أي: حدثهما مع غيرهما، ويحتمل أن يكون من إطلاق لفظ الجمع على الاثنين؛ لأن التثنية جمع شيء إلى شيء (¬5)، وسأل سيبويه الخليل عن قولهم: ما أحسن وجوههما؟ قال: الاثنان جماعة (¬6). ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): القرآن. (¬3) انظر: "شرح النووي" 6/ 75. (¬4) في (ص، س، ل): الأزديان. (¬5) في (م): مثله. (¬6) "الكتاب" لسيبويه 1/ 326 - 327.

واستدل على ذلك بقوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} (¬1) وأجمع أهل العلم على أن الأخوين فصاعدًا يحجبان الأم من الثلث إلى السدس (¬2)، وأنشدوا على هذا قول الشاعر: يحيي بالسلام غني قوم ... وببخل بالسلام على الفقير أليس الموت بينهما سواء ... إذا ماتوا وصاروا في القبور قال (حدثنا عبد العزيز) بن صهيب البصري البناني [بضم الموحدة] (¬3) من ثقات التابعين، والبناني نسبة إلى بنانة بضم الباء، محلة بالبصرة تعرف (¬4) بسكة بنانة، وليس منسوبًا إلى القبيلة [التي ينسب إليها] (¬5) ثابت البناني وغيره (¬6). (عن أنس) بن مالك - رضي الله عنه - (قال: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد وحبلٌ ممدود) لعله كان ممدودًا بالطول لا بالعرض، فذكر ابن أبي شيبة عن أبي حازم أن مولاته كانت في أصحاب الصفة فقالت: وكانت لنا حبال نتعلق بها إذا فترنا ونعسنا في الصلاة، فأتى (¬7) أبو بكر فقال: ¬

_ (¬1) النساء: 11. (¬2) "الاستذكار" 5/ 331. (¬3) في (م): وهو. (¬4) سقط من (م). (¬5) سقط من (م). (¬6) انظر: "اللباب في تهذيب الأسماء" 1/ 178. (¬7) في (م): فقال.

اقطعوا هذِه الحبال وأفضوا إلى الأرض (¬1) (بين ساريتين) يعني الأسطوانتين. (فقال: ما هذا الحبل؟ فقيل: يا رسول الله، هذِه حمنة ابنة جحش). وفي البخاري: هذا حبل لزينب (¬2). وزينب هذِه هي ابنة جحش كما في رواية ابن أبي شيبة الأسدية، زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذكر في "الموطأ" (¬3) أنها الحولاء بنت تويت (¬4) (تصلي فإذا أعيت) بفتح الهمزة وسكون العين، ويقال: عييت بكسر الياء الأولى، وقد تدغم الياء في الياء ثلاث لغات إذا تعبت، ويقال: أعياني هذا الأمر، أتعبني (¬5) فيستعمل لازمًا ومتعديًّا (تعلقت به) قال عراك بن مالك: أدركت الناس في رمضان تربط لهم الحبال فيتمسكوا بها من طول القيام (¬6). (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لتصلي) مجزوم بلام الأمر وعلامة جزمه حذف الياء، وأما هذِه الياء التي بعد اللام فهي ياء التأنيث التي هي ضمير حمنة ثبتت في الأمر كقومي واقعدي (ما أطاقت) أي ما سهل فعله عليها ولم تجد به مشقة غليظة، [فإنها إذا] (¬7) صلت بمشقة كبيرة تغير حالها وذهب خشوعها الذي هو في العبادة ومقصودها الأعظم، وأدى ذلك ¬

_ (¬1) "مصنف ابن أبي شيبة" (3422). (¬2) "صحيح البخاري" (1150). (¬3) "الموطأ" (258). (¬4) بياض في (ص). (¬5) في (م): يعنيني. (¬6) سقط من (م). (¬7) في (ص): فإذا فإذا.

إلى السآمة والملل، قال الشاعر: وإنك إن كلفتني ما لم أطق ... ساءك ما سرك مني من خلق (فإذا أعيت) أي: تعبت وشقت عليها الصلاة (فلتجلس) لتستريح، وفيه الرفق في العبادة والاستعانة بالجلوس؛ للنشاط في العبادة، والاقتصار في العبادة على ما يطيقه الإنسان ويمكنه الدوام عليه، وقد ضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك مثلًا بقوله: "استعينوا بالغدوة والروحة" (¬1)؛ لأن المسافر إذا سار (¬2) بالليل والنهار دائمًا عجز وانقطع عن مقصوده، فإذا نزل المسافر أول الليل، ووقت القيلولة والأوقات المعتادة للنزول استعان بذلك على السير في غداة أول النهار، والرواح (¬3) آخر النهار، ووقت الدلجة آخر الليل، وسار في هذِه الأوقات بنشاط. (قال زياد) بن أيوب في روايته، دون هارون (فقال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ما هذا الحبل؟ قالوا: لزينب) بنت جحش الأسدية، زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - كما تقدم، وهي التي أنزل الله تعالى فيها [{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} (¬4) ماتت سنة عشرين. (تصلي) فيه جواز تنفل المرأة في المسجد؛ لأنها كانت تصليها فيه، فلم ينكر عليها صلاتها، بل أنكر الحبل (فإذا كسلت) بكسر السين، أي: ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (39)، والنسائي 8/ 121. (¬2) في (ص، س): سافر. (¬3) في (م): الغداة. (¬4) الأحزاب: 37.

تثاقلت عليها الصلاة، فلتقعد حتى يحصل النشاط ولا تصلي في حال كسلها وتكلفها، فإن دخول الصلاة في حال الكسل من صفة المنافقين الذي قال الله فيهم] (¬1) {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى} (¬2) (أو فترت) عن القيام إلى الصلاة. (أمسكت به) أي: بالحبل المعلق في المسجد وتعلقت به؛ ليذهب (¬3) عنها الكسل والفتور (فقال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (حلوه) فيه إزالة المنكر باليد لمن يمكن منه، والتوكيل في إزالة المنكر بحضرته وغيبته. وقد اختلف السلف في التعلق بالحبل في النافلة عند الفتور والكسل، فذكر ابن أبي شيبة عن أبي حازم كما تقدم عن مولاته أنها كانت في (¬4) أصحاب الصفة فقالت: وكان لنا حبال نتعلق بها إذا فترنا ونعسنا في الصلاة فأتى أبو بكر فقال: اقلعوا هذِه الحبال وأفضوا إلى الأرض (¬5)، وقال حذيفة في التعلق في الصلاة: إنما يفعل ذلك اليهود (¬6). ورخص [في ذلك] (¬7) آخرون، وقال عراك بن مالك: أدركت الناس ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) النساء: 142. (¬3) في (م): حتى يذهب. (¬4) في (م): من. (¬5) سبق تخريجه. (¬6) زاد في (ص، س): ورخص فيه فلم ينكر عليها صلاتها بل أنكر الحبل فإذا كسلت بكسر السين، أي: تثاقلت عليها الصلاة، فلتقعد حتى يحصل النشاط ولا تصلي في حال كسلها. وجاءت في مكانها الصحيح في (ل، م). (¬7) في (ص): فيه.

في رمضان تربط لهم الحبال؛ فيتمسكون بها من طول القيام. (¬1) (فقال: ليصل أحدكم نشاطه) فيه الأمر بالإقبال على الصلاة نشاطه وقوة عزمه (فإذا كسل أو فتر) عن القيام (¬2) (فليقعد) (¬3) حتى يذهب عنه الكسل والفتور، فيه الأمر بالاقتصاد في العبادة، والنهي عن التعمق كما قال تعالى: {لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} (¬4) والله أرحم بالعبد من نفسه، وقد بوب عليه البخاري: ما يكره من التشديد في العبادة. ¬

_ (¬1) "المصنف" لابن أبي شيبة (3429)، وانظر: "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 3/ 145. (¬2) في (ل، م): العبادة. (¬3) أخرجه البخاري (1150)، ومسلم (784) (219). (¬4) النساء: 171، المائدة: 77.

20 - باب من نام عن حزبه

20 - باب مَنْ نامَ عَنْ حِزْبِهِ 1313 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا أَبُو صَفْوانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ مَرْوانَ، ح، وحَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ دَاوُدَ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ المُرادِيُّ قالا: حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ - المَعْنَى -، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابن شِهابٍ أَنَّ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ وَعُبَيْدَ اللهِ أَخْبَراهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدٍ، قالا عَنِ ابن وَهْبِ بْنِ عَبْدٍ القارِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ يَقُولُ: قَالَ: رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ نَامَ، عَنْ حِزْبِهِ أَوْ، عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَقَرَأَهُ مَا بَيْنَ صَلاةِ الفَجْرِ وَصَلاةِ الظُّهْرِ كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنَ اللَّيْلِ" (¬1). * * * باب من نام عن حزبه [1313] (حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا أبو صفوان عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان) بن الحكم الأموي الدمشقي، هربت به أمه حين قتل أبوه بنهر أبي فطرس (¬2) صبرًا، أخرج له الشيخان. (ح (¬3) حدثنا سليمان بن داود) العتكي شيخ الشيخين (ومحمد بن سلمة) المرادي (قالا: أنبأنا) عبد الله (ابن وهب) بن مسلم الفهري. (المعنى، عن يونس) بن يزيد الأيلي، أحد الأثبات (عن) محمد (بن شهاب) الزهري. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (747). (¬2) بياض في (ص). (¬3) من (م)، و"سنن أبي داود".

(أن السائب بن يزيد (¬1) وعبيد الله) بالتصغير: ابن عبد الله بن أبي ثور (أخبراه [أن عبد الرحمن بن عبد) قال: وعبد الرحمن هذا هو عامل عمر بن الخطاب على بيت المال مع زيد بن أرقم] (¬2). (قالا) يعني سليمان بن داود ومحمد بن سلمة (¬3) في روايتهما. (عن) عبد الله (بن وهب) أنه (¬4) عبد الرحمن (ابن [عبد) ويقال عبد الرحمن بن] (¬5) عبد الله (القاري) من القارة وهو أيثع (¬6) ويقال: ييثع بن مليح بن الهون بن خزيمة بن مدركة، ويقال: القارة هو الريش بن ملحم (¬7) بن غالب بن عايدة (¬8) بن أيثع بن مليح بن الهون بن خزاعة، سموا قارة؛ لأن يعمر بن الشداخ أراد أن يفرقهم في بطون كنانة، فقال بعضهم: دعونا قارة ولا تنفرونا (¬9) ... فنجفل مثل أجفال الظليم (¬10) ¬

_ (¬1) كتب في حاشية (ل): فيه رواية الصحابي عن التابعي، فإن السائب صحابي وعبد الرحمن تابعي. (¬2) في (م): عن محمد عن عبد الله بن عبد. (¬3) في (م): مسلمة. (¬4) في (ص، س، م): بن. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (م): واسع. (¬7) في (ص، س، ل): الحكم. وفي (م): المعلم. والمثبت من مصادر التخريج. (¬8) في (ص، س، ل): عديدة. والمثبت من (م)، ومصادر التخريج. (¬9) في (ص، س): لا تفرقون. وفي (م): لا تفرقونا فنجعل. (¬10) "اللباب في تهذيب الأنساب" 3/ 7.

وإليهم ينسب عمر بن الخطاب (قال: سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من نام عن حزبه أو عن شيء منه) (¬1) فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل) (¬2) هكذا لفظ مسلم: [حزبه: بكسر الحاء المهملة الوِرد الذي يعتاده الشخص من صلاة وقراءة وعبادة، ورواية ابن ماجه (¬3): جزئه بضم الجيم] (¬4). قال القاضي عياض في "إكمال المعلم": فيه دليل على أن (¬5) صلاة الليل والذكر فيه أفضل من صلاة النهار وعمله إذ لم يجعل له هذِه الفضيلة إلا لغلبة نومه عليه، [وقد ذكره مالك في "الموطأ" عنه عليه الصلاة والسلام] (¬6) (¬7). ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) أخرجه مسلم (747) (142)، والترمذي (581)، والنسائي 3/ 259، وابن ماجه (1343)، والدارمي (1477). (¬3) هذه رواية النسائي 3/ 259. (¬4) سقط من (م). (¬5) من (م). (¬6) سقط من (م). (¬7) "إكمال المعلم" 3/ 97 - 97.

21 - باب من نوى القيام فنام

21 - باب مَنْ نَوَى القِيَامَ فَنَامَ 1314 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ بْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ رَجُلٍ عِنْدَهُ رَضِيٍّ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "ما مِنِ امْرِئٍ تَكُونُ لَهُ صَلاةٌ بِلَيْلٍ، يَغْلِبُهُ عَلَيْها نَوْمٌ إِلَّا كُتِبَ لَهُ أَجْرُ صَلاِتهِ وَكَانَ نَوْمُهُ عَلَيْهِ صَدَقَةً" (¬1). * * * باب من نوى القيام فنام (¬2) [1314] (حدثنا القعنبي، عن مالك، عن محمد بن المنكدر، عن سعيد بن جبير، عن رجل [عنده رضي]) (¬3) والرجل الرضي (¬4) هو الأسود بن يزيد النخعي. قاله أبو عبد الرحمن النسائي (¬5). (أن (¬6) عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -[أخبرته؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال] (¬7) (ما من امرئ يكون له صلاة من الليل، يغلبه عليها نوم إلا كتب له أجر صلاته، وكان نومه عليه صدقة). وهذا أتم في التفضل، ومجازاته بنيته، وهذا لمن كان عادته ذلك، ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في "الموطأ" (255)، ومن طريقه النسائي 3/ 257، وأحمد 6/ 180. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1187). (¬2) في (ص): فقام. (¬3) في (ص، س): عندي مرضي. (¬4) في "الأصل": المرضي. (¬5) "المجتبى" 3/ 258. (¬6) في (ص، س، ل): عن. (¬7) من (م).

وظاهره أن أجره للنية كاملًا كمن عمله؛ لأن الله (¬1) حبسه عنه، وقد جاءت بهذا ظواهر أحاديث كثيرة. ولهذا أجاز مالك لهذا أن يصليه بعد طلوع الفجر (¬2). وكان ذلك الوقت عنده وقت ضرورة لما فات من نوافل الليل كقيامه ووتر ليله، وهو لا يجيز التنفل بعد طلوع الفجر (¬3). وروي عن طاوس وعطاء إجازة ذلك مطلقًا. وقال بعضهم: يحتمل أن يكون أجر ما قضاه غير (¬4) مضاعف بعشرة أمثاله بخلاف ما إذا عمله (¬5) في وقته (¬6)، إذ الذي يصليهما في وقتهما أكثر أجرًا، أو يكون لمن قضاه قبل صلاة الظهر كأجره تفضلًا، والأجور ليست بقياس، وإنما هي تفضل من الله تعالى بما شاء، على من شاء، بما شاء. وأما رواية مالك؛ فيكون له أجر نيته، أو أجر من تمنى أن يصلي تلك الصلاة، أو أجر تأسفه على ما فاته منها، والأول أظهر لا سيما مع قوله: "وكان نومه عليه صدقة". ¬

_ (¬1) في (م): فيه. (¬2) "المدونة" 1/ 211. (¬3) "المدونة" 1/ 211. (¬4) سقط من (م). (¬5) في (ص، س): كان. وسقط من (ل). (¬6) في (ص): وقت.

22 - باب أي الليل أفضل

22 - باب أَيُّ اللَّيْلِ أَفْضَلُ 1315 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الأَغَرِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَنْزِلُ رَبُّنا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَماءِ الدُّنْيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فَيَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ" (¬1). * * * باب أيّ الليل أفضل [1315] (حدثنا) عبد الله بن مسلمة (القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف (وعن أبي عبد الله الأغر) الأغر (¬2) لقب، واسمه سلمان (¬3)، قيل له: الأغر لغرة في وجهه، أي: بياض، مولى جهينة من أهل المدينة. (عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال (¬4): ينزل) قيده بعضهم بضم أوله من أنزل فيكون يتعدى إلى مفعول محذوف أي ينزل ملكا ربنا - عز وجل -. قال الإمام: قيل: معناه: ينزل ملكا ربنا على تقدير حذف المضاف كما يقال: فعل السلطان كذا، وإن كان الفعل وقع من أتباعه، ويضاف الفعل إليه لما كان عن أمره، ويحتمل أن يكون عبر بالنزول عن تقريب الباري تعالى للدَّاعين حينئذٍ واستجابته لهم، وخاطبهم - عليه السلام - بما جرت ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1145، 6321)، ومسلم (758). (¬2) سقط من (م). (¬3) في (ص، س، ل): سليمان. والمثبت من "تهذيب الكمال" 11/ 256. (¬4) سقط من (م).

به عادتهم؛ ليفهموا عنه، وكان المبعوث (¬1) منا إذا كان في بساط (¬2) مع من يريد الدنو منه يخبر عنه (¬3) بأن يقال: [جاء وأتى] وإن كان في علو قيل: نزل (¬4). ورواية (¬5) النسائي، عن الأعمش، عن السبيعي، [عن أبي] (¬6) مسلم بمعناه، وذكر مكان ينزل: "ثم (¬7) يأمر مناديًا ينادي، يقول: هل من داعٍ" (¬8) فهذا تفسير للتأويل، وهو (¬9) المعنى المروي عن مالك في تفسير هذا الحديث: ينزل أمره ونهيه وأفعاله في كل حين، فقد يراد بالأمر هنا في هذِه القصة يختص بقائم (¬10) الليل كما يختص يوم رمضان ويوم عرفة وليلة القدر وغيرها من الأوقات بأوامر من أوامره، [وقد يكون] (¬11) النزول بمعنى القول كقوله تعالى: {سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} (¬12). ¬

_ (¬1) في (ل، م): المتقرب. (¬2) زاد في (م): واحد. (¬3) من (م). (¬4) في (م): نزول. (¬5) في (م): رواه. (¬6) في (م): في. (¬7) سقط من (م). (¬8) "المجتبى" 6/ 124. (¬9) زاد في (م): من. (¬10) في (م): بقيام. (¬11) في (م): فيكون. وفي (ل): وقيل يكون. (¬12) الأنعام: 93.

(كل ليلة إلى سماء الدنيا) هو من (¬1) إضافة الأسم إلى صفته كقولهم: صلاة الأولى، والتقدير: سماء البقعة الدنيا، وصلاة الساعة الأولى. (حين يبقى ثلث الليل الآخر) بالرفع صفة للثلث، والتخصيص بالثلث لأنه وقت التعرض للنفحات. (يقول: من يدعوني فأستجيب له) قال أبو البقاء الجيد (¬2) نصب هذِه (¬3) الأفعال؛ لأنها جواب الاستفهام فهو (¬4) كقوله تعالى: {فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا} (¬5) هكذا قال، والظاهر أن الآية ليست كالحديث؛ لأن الاستفهام في الآية عن نفس المعنى وهو الشفاعة، وأما هذا الحديث فالاستفهام فيه عن الداعي حتى يستجاب له لا (¬6) عن الدعاء، لكن يحمل النصب على أن يكون جواب الاستفهام في المعنى لا في اللفظ؛ لأن المستفهم عنه في الآية، وإن كان هو الداعي في اللفظ فهو من (¬7) الدعاء في المعنى؛ لأنه لم يستفهم عن فاعل الدعاء إلا من أجل الدعاء، فكأن الكلام: أيدعو أحد الله (¬8) فيستجيب له، فإن قيل: هل يجوز النصب بأن المصدرية المقدرة هي ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ص، س): الخبر. (¬3) من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) الأعراف: 53. (¬6) من (ل، م). (¬7) في (م): غير. (¬8) في (ص): إليه.

وما بعدها من المصدر، ويكون هذا الفعل المقدر بالمصدر معطوفًا على مصدر "يدعوني" (¬1) فيكون كقول الشاعر: لَلُبس عباءة وتقرَّ عيني؟ قيل: لا يصح هذا؛ لأن عطف الاستجابة على الدعاء يوجب أن يكون معمولًا ليدعو، فلا يصح هذا في هذا (¬2) المعنى؛ لأن الاستجابة ليست دعاء، وإنما هي فعل (¬3) من الله تعالى. ويجوز الرفع في "فأستجيب" على القطع على تقدير مبتدأ محذوف، وتقديره: فأنا أستجيب له، أو فأنا أعطيه أو أثيبه. (من يسألني) برفع اللام (فأعطيه) بنصب الياء، فإن قيل: فما الفرق بين الدعاء والسؤال؟ . أجاب الكرماني بأن المطلوب إمَّا لدفع غير الملائم، أو لجلب (¬4) الملائم، وذلك إما دنيوي أو ديني، والاستغفار هو طلب ستر الذنب (¬5) إشارة إلى الأول، والسؤال هو للطلب أو المقصود واحد. واختلاف العبارات لتحقيق القضية. وتأكيدها (¬6) (من يستغفرني (¬7) فأغفر له؟ ) (¬8) فيه دليل على أن آخر (¬9) الليل أفضل للدعاء ¬

_ (¬1) في (م): يدعوا. (¬2) من (م). (¬3) في (م): فضل. (¬4) في (ص، س): طلب. (¬5) في (س، ل، م): الذنوب. (¬6) "عمدة القاري" 7/ 292. (¬7) في (م): يستغفر. (¬8) أخرجه البخاري (1145)، ومسلم (758) (168). (¬9) في (ص): أجزاء.

والسؤال والاستغفار، قال الله تعالى: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)} (¬1)، وروى محارب بن دثار، عن عمه أنه كان يأتي المسجد في السحر، فيمر بدار عبد الله بن مسعود فيسمعه يقول: اللهم إنك أمرتني فأطعت ودعوتني فأجبت، وهذا سحر فاغفر لي، فسئل ابن مسعود عن ذلك فقال: إن يعقوب أخر بنيه إلى السحر (¬2) بقوله: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} (¬3) ". ¬

_ (¬1) الذاريات: 18. (¬2) رواه الطبراني في "الكبير" 9/ 104 (8548)، وقال الهيثمي في "المجمع" 10/ 155: فيه عبد الرحمن بن إسحاق، الكوفي. ضعيف. (¬3) يوسف: 98.

23 - باب وقت قيام النبي - صلى الله عليه وسلم - من الليل

23 - باب وَقْتِ قِيامِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ اللَّيْلِ 1316 - حَدَّثَنا حُسَيْنُ بْنُ يَزِيدَ الكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ قَالَتْ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيُوقِظُهُ اللهُ - عز وجل - بِاللَّيْلِ فَما يَجِيءُ السَّحَرُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ حِزْبِهِ (¬1). 1317 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنا أَبُو الأَحْوَصِ ح، وحَدَّثَنا هَنَّادٌ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ - وهذا حَدِيثُ إِبْراهِيمَ - عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقْلْتُ لَها: أي حِينٍ كَانَ يُصَلِّي قَالَتْ: كَانَ إِذَا سَمِعَ الصُّراخَ قَامَ فَصَلَّى (¬2). 1318 - حَدَّثَنا أَبُو تَوْبَةَ، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: ما أَلْفاهُ السَّحَرُ عِنْدِي إِلَّا نَائِمًا، تَعْنِي: النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - (¬3). 1319 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن عِيسَى، حَدَّثَنا يَحْيَى بْن زَكَرِيّا، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الدُّؤَلِيِّ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ أَخِي حُذَيْفَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى (¬4). 1320 - حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنا الهِقْلُ بْنُ زِيادٍ السَّكْسَكِيُّ، حَدَّثَنا الأَوْزاعِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَبِيعَةَ بْنَ كَعْبٍ الأَسْلَمِيَّ يَقُولُ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - آتِيهِ بِوَضُوئِهِ وَبِحَاجَتِهِ، فَقَالَ: "سَلْنِي". فَقُلْتُ: مُرافَقَتَكَ فِي الجَنَّةِ. قَالَ: "أَوَغَيْرَ ذَلِكَ". قُلْتُ: هُوَ ذاكَ. قَالَ: ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 3/ 3 من طريق أبي داود. وحسن إسناده الألباني في "صحيح أبي داود" (1189). (¬2) رواه البخاري (1132)، ومسلم (741). (¬3) رواه البخاري (1133)، ومسلم (742). (¬4) رواه أحمد 5/ 388، وأبو عوانة 4/ 320 (6842). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1192).

"فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ" (¬1). 1321 - حَدَّثَنا أَبُو كَامِلٍ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي هذِه الآيَةِ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16)} قَالَ: كَانُوا يَتَيَقَّظُونَ ما بَيْنَ المَغْرِبِ والعِشَاءِ يُصَلُّونَ، وَكَانَ الحَسَنُ يَقُولُ: قِيامُ اللَّيْلِ (¬2). 1322 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ فِي قَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17)} قَالَ: كَانُوا يُصَلُّونَ فِيما بَيْنَ المَغْرِبِ والعِشاءِ. زَادَ فِي حَدِيثِ يَحْيَى: وَكَذَلِكَ {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ} (¬3). * * * باب وقت قيام النبي - صلى الله عليه وسلم - من الليل [1316] (حدثنا حسين بن يزيد) الطحان (الكوفي) قال أبو حاتم: ليِّن (¬4) (حدثنا حفص) بن غياث بن طلق بن مالك الأهوازي (¬5). (عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير. (عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليوقظه الله - عز وجل - بالليل) ¬

_ (¬1) رواه مسلم (489). (¬2) رواه الترمذي (3196)، وأخرجه الطبراني في "تفسيره". وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1194). (¬3) رواه البيهقي 3/ 19 من طريق أبي داود. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1195). (¬4) في الأصل بياض قدر كلمة، والمثبت من "الجرح والتعديل" 3/ 67. (¬5) في (م): الطفاري.

[أي في الليل] (¬1) فالباء بمعنى في كما قال الله تعالى: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (¬2) {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ} (¬3) فيشتغل بجزئه. (فما يجيء السحر) أي (¬4): الذي قال الله تعالى فيه: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (¬5) {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} (¬6) والسَّحر: آخر الليل. قال الزجاج وغيره (¬7): هو قبيل طلوع الفجر، وهذا صحيح؛ لأن ما بعد الفجر هو من اليوم لا من الليل (¬8) وقال بعض اللغويين: السحر من ثلث الليل الآخر إلى الفجر (¬9). قال ابن عطية: والحديث في التنزيل، والآية في الاستغفار يؤيد هذا. (حتى يفرغ من جزئه) بضم الجيم وسكون الزاي، ثم همزة هو النصيب (¬10)، والقطعة من الشيء الذي جَزَّأه وقسَّمَه، وجعله على نفسه من قراءة أو ذكر أو صلاة ونحو ذلك، [وقد كان السلف الصالح لهم أوراد في الليل والنهار، وأحوالهم في مقدار القراءة مختلفة، وقد أمر ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) الذاريات: 18. (¬3) الصافات: 137 - 138. (¬4) من (م). (¬5) الذاريات: 18. (¬6) آل عمران: 17. (¬7) ليست في (م). (¬8) في (م): الليلة. (¬9) "تاج العروس" (سحر). (¬10) في (م): بالنصب.

النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن عمرو (¬1) أن يختم القرآن في سبع (¬2)، وكذلك كان (¬3) جماعة من الصحابة يختمون القرآن في كل جمعة كعثمان وزيد وابن مسعود، والختم في شهر كل يوم جزء من ثلاثين مبالغة في الاقتصار] (¬4) قال المنذري: قال بعضهم: إنما هو حزبه بالحاء والزاي، والحزب من القرآن الورد، وهو شيء يقدره الإنسان على نفسه كل ليلة، وقيل: عنى بحزبه جماعة السور التي كان يقرؤها في صلاته بالليل. [1317] (حدثنا إبراهيم بن موسى) الفراء، الرازي، الحافظ شيخ الشيخين. (حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي (ح). (وحدثنا هناد) بن السري (عن أبي الأحوص) سلام (وهذا حديث إبراهيم) بن موسى (عن أشعث) بن أبي الشعثاء (عن أبيه) أبي الشعثاء سليم (¬5) بن أسود المحاربي الكوفي. (عن مسروق قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت لها: أي) بالرفع (حين كان يصلي؟ ) التهجد من الليل. (قالت: كان إذا سمع الصراخ) [بضم الصاد وتخفيف الراء، أو] (¬6) ¬

_ (¬1) في (م): عمر. وهو تحريف. (¬2) أخرجه البخاري (5052)، ومسلم (1159) (182)، وأحمد 2/ 200. (¬3) ليست في (م). (¬4) أتت هذه العبارة في (م) بعد قوله: كان يقرؤها في صلاته بالليل. (¬5) سقط من (م). (¬6) سقط من (م).

بضم الصاد وتشديد الراء، جمع صارخ نحو عُذَّال جمع عاذل، ورواية الصَّحيحين: "إذا سمع الصارخ" (¬1) يعني: الديك [باتفاق العلماء] (¬2)؛ لأنه كثير الصياح في الليل وهو نحو رواية أحمد (¬3) وابن حبان (¬4) من طريق أبي ذر: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي الليل أفضل؟ قال: "نصف الليل". يعني: الباقي (¬5)، ويدل عليه حديث داود: "كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه" (¬6) (قام) (¬7) من نومه كأن صوت الصارخ بأذنيه، واختص قيامه - صلى الله عليه وسلم - بصياح الديك دون غيره من الحيوانات والإنس (¬8)؛ لأنه لا يصيح إلا إذا رأى ملكًا ووقت حضور الملائكة [يستجاب الدعاء وتقبل الصلاة] (¬9) كما جاء (¬10) في رواية أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله؛ فإنها رأت ملكًا" (¬11) (فصلى) ما قدر له. [1318] و (حدثنا أبو توبة) الربيع بن نافع (عن إبراهيم بن سعد، عن ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (1132)، و"صحيح مسلم" (741) (131). (¬2) سقط من (م). (¬3) "مسند أحمد" 5/ 179. (¬4) "صحيح ابن حبان" (2564). (¬5) في (ل): الثاني. (¬6) أخرجه البخاري (1131)، ومسلم (1159) (189). (¬7) تكررت في (م). (¬8) في (م): والآدميين. وفي (ل): الأمس. (¬9) تكررت في (م). (¬10) سقط من (م). (¬11) أخرجه البخاري (3303)، ومسلم (2729) (82).

أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي. (عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف، أحد الفقهاء السبعة المشهورين بالفقه في المدينة (عن عائشة قالت: ما ألفاه) بالفاء (¬1) أي: ما وجده. (السَّحَرُ) مرفوع بأنه فاعله (عندي إلا نائمًا) تعني نومه بعد قيام الليل وبوب عليه البخاري باب النوم عند السحر. قال ابن الملقن في "شرح البخاري": المراد بهذا النوم الاضطجاع على جنبه الأيمن (¬2)؛ لأنها قالت في حديث آخر: فإن كنت يقظانة حدثني وإلا اضطجع حتى يأتيه المنادي للصلاة (¬3). فيحصل بالضجعة الراحة من تعب القيام، ولما يستقبله من صلاة الصبح والذكر بعدها، فلذلك كان ينام عند السحر، وهذا كان يفعله - صلى الله عليه وسلم - في الليالي الطوال، وفي غير شهر رمضان؛ لأنه قد ثبت عنه تأخير السحور في الصحيح (¬4). (تعني النبي - صلى الله عليه وسلم -) كان لا تجده السحر عندها إلا نائمًا. [1319] (حدثنا محمد بن عيسى) بن نجيح البغدادي ابن الطباع، روى عنه البخاري تعليقًا (حدثنا يحيى بن زكريا، عن [عكرمة بن] (¬5) عمار) الحنفي. ¬

_ (¬1) من (س، ل، م). (¬2) سقط من (م). (¬3) أخرجه البخاري (1161)، ومسلم (743) (133). (¬4) "التوضيح" 9/ 60. (¬5) سقط من (م).

(عن محمد بن عبد الله) بن أبي قدامة الحنفي (الدؤلي) بضم الدال وفتح الهمزة (عن عبد العزيز ابن (¬1) أخي حذيفة) (¬2) ذكر البخاري أن عبد العزيز ابن أخي حذيفة، وقال ابن أبي حاتم: عبد العزيز بن اليمان أخو حذيفة (¬3) (¬4) ذكره بعضهم في الصحابة، وذكره ابن حبان في "الثقات" (¬5). (عن حذيفة) بن اليمان - رضي الله عنه - (قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا حزبه) بفتح الحاء المهملة (¬6) والزاي المخففة، والباء الموحدة. (أمر) أي: إذا نزل به أمر مهم وألمَّ به أو (¬7) أصابه غمٌّ، أو كربٌ من أمور الدنيا أو الآخرة في ليل أو نهار (صلَّى) ومقتضى (¬8) قواعد المذهب أنها تصلى في أوقات الكراهة؛ لأنها ذات سبب متقدم عليها خلافًا للغزالي، واحترزنا بالسبب المتقدم عن المتأخر كركعتي الإحرام والاستخارة؛ فإن السبب متأخر عنها فلا تفعل، ورأيت بعض مشايخنا يفعلها في غير وقت الكراهة؛ حين قصد بعض الظلمة أن ينهب الرملة ويسفك فيها (¬9) الدماء، فاجتمع أهل المدينة من أطراف الرملة ¬

_ (¬1) ليست في (م). (¬2) من (م)، و"سنن أبي داود". (¬3) "الجرح والتعديل" 5/ 399. (¬4) سقط من (م). (¬5) "الثقات": 5/ 124. (¬6) من (ل، م). (¬7) من (م)، وفي غيرها: إذا. (¬8) سقط من (م). (¬9) من (ل، م).

يقاتلونهم ويذبون عن أهليهم وذراريهم، كل ذلك وهو مقبل في صلاته على الله تعالى إلى أن هزمه الله تعالى، ورده خاسئًا مخذولًا، فلله الحمد (¬1). [1320] (حدثنا هشام بن عمار) أبو الوليد السلمي الدمشقي المقرئ، خطيب دمشق شيخ البخاري. (حدثنا الهقل) بكسر الهاء وإسكان القاف (بن زياد السكسكي) بفتح السينين المهملتين، وسكون الكاف (¬2) الأولى بينهما (¬3)؛ نسبة إلى سكاسك بطنٌ من الأزد، نسب إليه جماعة من العلماء، كاتب الأوزاعي، أخرج له مسلم في الصلاة والبيوع. (حدثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف. (قال: سمعت ربيعة بن كعب) بن مالك (الأسلمي) كان من أهل الصفة، ويقال: كان خادمًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -[وله صحبة قديمة] (¬4)، وكان ينزل على بريد من المدينة (يقول: كنت أبيت مع (¬5) النبي - صلى الله عليه وسلم -) فكنت (آتيه بوضوئه) بفتح الواو وهو الماء الذي يتوضأ به (وبحاجته) أي: بحوائجه التي يحتاج إليها. ¬

_ (¬1) كتب في حاشية (ل): يقول كاتبه (. .) وأنا كنت (. .) هذه الوقعة وأنا فوق سطح مسجد المصنف فجاء سهم فمر من قريب أذني وأصاب آخر. (¬2) في (م): القاف. (¬3) زاد بعدها في (ص، س، ل): سين مهملة. (¬4) في (ل، م): صحبه قديمًا. (¬5) من (ل، م).

(فقال) لي يومًا (سلني) ما شئت (فقلت) زاد مسلم: أسألك (¬1) (مرافقتك في الجنة. قال: أو) بفتح واو العطف كما قال النووي (¬2)، وكان الأصل تقديم حرف العطف على الهمزة كما تقدم على غيرها من أدوات الاستفهام نحو: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ} (¬3) ونحو {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} (¬4)، ونحو: {فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ} (¬5)، ونحو {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26)} (¬6) [فكأن يقال] (¬7) وأغير ذلك (¬8)؛ لأن حرف الاستفهام خبر ومن جملة الاستفهام: فكأن يقال في {أَفَتَطْمَعُونَ} (¬9) فأتطمعون، وأغير ذلك {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ} (¬10) لأن أداة الاستفهام لها صدر الكلام، وهي من حروف الاستفهام، وهي معطوفة على ما قبلها من الجمل، والعاطف لا يتقدم عليه [جزء مما عطف] (¬11)، ولكن حظيت (¬12) الهمزة بتقديمها على العاطف تنبيهًا ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (489) (226). (¬2) "شرح النووي" 4/ 206. (¬3) آل عمران: 101. (¬4) النساء: 88. (¬5) غافر: 81. (¬6) التكوير: 26. (¬7) من (م). (¬8) سقط من (س، ل، م). (¬9) البقرة: 75. (¬10) يونس: 51. (¬11) في (م): حرف عطف. (¬12) في (م): خصت.

على أنها أصل أدوات الاستفهام [لأن الاستفهام] (¬1) له صدر الكلام، وقد خولف هذا الأصل في غير الهمزة فأرادوا التنبيه عليه (¬2) تنبيهًا على أنها أصل أدوات الاستفهام وغيرها فرع عليها، وللأصل قوة في الكلام على غيره من الفروع، أَلَا ترى إلى قول أصحابنا في الفروع الفقهية أنه يجوز تقديم الوضوء على الاستنجاء بخلاف التيمم فإنه [لا يجوز تقديمه على الاستنجاء، والفرق بينهما أن الوضوء هو الأصل لإباحة الصلاة فجاز تقديمه؛ لقوة الأصل بخلاف التيمم فإنه (¬3) فرع عن الوضوء فلا يجوز تقديمه لضعفه. وقال القرطبي في قوله: "أو غير ذلك" رويناه بإسكان الواو من أو (¬4)، ونصب غير أي (¬5): أو تسأل (غير ذلك) كأنه حضه على سؤال شيء آخر غير مرافقته؛ لأنه فهم منه أنه يطلب المساواة معه في درجته، وذلك ما لا ينبغي لغيره، فلما قال الرجل (قلت: هو ذاك) يعني لا غيره أسأل. (قال) له: (فأعني على) تحصيل ذلك بمجاهدة (نفسك بكثرة السجود) أي الصلاة ليزداد من القرب ورفعة الدرجات حتى يقرب من منزلته، وإن لم يساوه فيها، ولا يعترض على هذا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (م): على. (¬3) من (ل، م). (¬4) في (ص، س): غير. والمثبت من (ل، م)، و"المفهم". (¬5) من (ل، م)، و"المفهم". .

فيما (¬1) رواه حذيفة ليلة الأحزاب: "ألا رجل يأتني بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة" (¬2)؛ لأن مثل هذا قوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} (¬3)؛ لأن هذِه المعية هي النجاة من النار والفوز بالجنة، إلا أن أهل الجنة على مراتبهم ومنازلهم بحسب أعمالهم وأحوالهم. وقد دلّ على هذا أيضًا قوله - عليه السلام -: "المرء مع من أحب وله ما اكتسب" (¬4) انتهى كلام القرطبي (¬5). قال النووي: وفيه دليل على [الحث على] (¬6) كثرة السجود والترغيب فيه، وأن تكثير (¬7) السجود أفضل من إطالة القيام، ويدل عليه (¬8) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" (¬9)، ولأن السجود غاية التواضع والعبودية لله تعالى؛ إذ فيه تمكين أعز أعضاء الإنسان وأعلاها (¬10) وهو وجهه من التراب الذي يداس ويمتهن (¬11). ¬

_ (¬1) في (ص): ما. وفي (س، ل): مما. والمثبت من (م)، و"المفهم". (¬2) أخرجه مسلم (1788) (99). (¬3) النساء: 69. (¬4) أخرجه الترمذي (2386). (¬5) "المفهم": 2/ 93 - 94. (¬6) سقط من (م). (¬7) في (ص): كثرة. والمثبت من (س، ل، م)، و"شرح النووي". (¬8) في (ص، س، ل): على. والمثبت من (م)، و"شرح النووي". (¬9) رواه مسلم (482/ 215)، وأبو داود (875)، والنسائي 2/ 22، وأحمد 2/ 421. (¬10) سقط من (م). (¬11) "شرح النووي على مسلم" 4/ 206.

[1321] (حدثنا أبو كامل) فضيل بن حسين الجحدري شيخ مسلم (حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا سعيد) بن أبي عروبة مهران العدوي (عن قتادة) بن دعامة. (عن أنس بن مالك في هذِه الآية) قوله تعالى: ({تَتَجَافَى}) ترتفع وتتنحي وهو تفاعل ({جُنُوبُهُمْ}) من الجفاء وهو النُبُوُّ والتباعد تقول العرب جافٍ ظهرك (¬1) عن الجدار ({عَنِ الْمَضَاجِعِ}) مواضع الاضطجاع على الجنب، والمراد أنهم يهجرون مواضع الاضطجاع بالقيام إلى الصلاة اشتغالًا بلذة العبادة عن لذة النوم. ({يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا}) يعبدون الله خوفًا من عقابه ({وَطَمَعًا}) في ثوابه [وقومًا] (¬2) يعبدون خوفًا من حجابه وطمعًا في رؤيته ({وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ}) أعطيناهم، والرزق عند أهل السنة ما صح الانتفاع به حلالًا كان أو حرامًا ({يُنْفِقُوْنَ}) (¬3) الإنفاق: إخراج المال من اليد، ومنه المبيع خروج (¬4) من اليد، ومنه المنافق؛ لأنه يخرج منه الإيمان، والإنفاق هنا التطوع الذي يتقرب به إلى الله تعالى لمقاربتها تطوع الصلاة، وهي (¬5) معرض المدح فلا تكون إلا حلالًا، وقال بعضهم: معناه: ومما علمناهم يعلمون (¬6)، حكاه القشيري (¬7). ¬

_ (¬1) في (ص): جنبك. والمثبت من (س، ل، م). (¬2) ليست في (م). (¬3) السجدة: 16. (¬4) في (م): خرج. (¬5) زاد في (م): في غير. (¬6) في (م): يعملون. (¬7) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" 1/ 179.

(قال: كانوا يتيقظون) بفتح الياء والتاء والياء والقاف المشددة وضم الظاء المعجمة من اليقظة التي هي ضد [النوم، أو من اليقظة التي هي ضد] (¬1) الغفلة، أي: لا ينامون [لعل الصواب: يتنفلون بتشديد الفاء] (¬2) (ما بين المغرب والعشاء) بل (يصلون) صلاة الأوابين، يدل عليه ما رواه (¬3) بسنده إلى أبان: جاءت امرأة إلى أنس بن مالك فقالت: إني أنام قبل العشاء. قال: لا تنامي؛ فإن هذِه الآية نزلت في الذين لا ينامون قبل العشاء الآخرة: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} (¬4) (¬5). وروى الترمذي عن أنس - رضي الله عنه - في قوله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} قال: نزلت في انتظار الصلاة التي تدعى العتمة. وقال: حديث حسن صحيح غريب (¬6). ولعلهم في انتظارهم كانوا يصلون؛ ليجمع بين الحديثين. وروى الطبراني في "الكبير" عن عبد الرحمن بن يزيد قال: ساعة ما أتيت عبد الله بن مسعود فيها إلا وجدته يصلي بين المغرب والعشاء، فسألت ابن مسعود، فقلت: ساعة ما أتيتك فيها إلا وجدتك تصلي ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) سقط من (م). (¬3) بعدها بياض في (ل، م). (¬4) السجدة: 16. (¬5) رواه مجاعة بن الزبير، عن أبان كما في "حديث مجاعة بن الزبير" ص 98 (84)، وانظر: "الكشف والبيان" للثعلبي 7/ 331. (¬6) "سنن الترمذي" (3196).

فيها؟ قال: إنها ساعة غفلة (¬1). قال: (وكان الحسن) [وأبو العالية ومجاهد] (¬2) وابن زيد كل منهم (يقول) في هذِه الآية: هو التهجد و (قيام الليل) (¬3) يدل عليه ما رواه البيهقي عن أسماء بنت يزيد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يحشر الناس في صعيد واحد يوم القيامة، فينادي منادٍ، فيقول: أين الذين كانوا تتجافى جنوبهم عن المضاجع؟ فيقومون، وهم قليل، فيدخلون الجنة بغير حساب، ثم يؤمر بسائر الناس إلى الحساب" (¬4). [1322] (حدثنا محمد بن المثنى، ثنا يحيى بن سعيد، و) محمد (ابن أبي عدي) أخرج له الشيخان. (عن سعيد) بن أبي عروبة مهران، العدوي. (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) [بن مالك] (¬5) - رضي الله عنه - (في قوله تعالى: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا}) اختلفوا في حكم (ما) فجعله بعضهم نفيًا (¬6) وقال (¬7): تمام الكلام عند قوله {كَانُوا قَلِيلًا} أي: كانوا قليلًا من الناس، ثم ابتدأ فقال: {مَا يَهْجَعُونَ} أي لا ينامون بالليل بل يقومون ¬

_ (¬1) "المعجم الكبير" (9449). (¬2) سقط من (ل). (¬3) أخرجه الطبري في "تفسيره" 18/ 612 عن مجاهد والحسن وابن زيد. (¬4) "شعب الإيمان" (3244). (¬5) من (ل، م). (¬6) في (ص): نعتًا. والمثبت من (س، ل، م). (¬7) ليست في (م).

إلى الصلاة والعبادة، وجعله بعضهم (¬1) موصولا بمعنى الذي، والكلام متصل بعضه ببعض، والمعنى: كانوا قليلًا من الليل الذي يهجعون، وقيل: ما مصدرية تقدر هي وما بعدها بالمصدر تقديره: كانوا قليلًا [من الليل] (¬2) هجوعهم كقوله تعالى: {بِمَا ظَلَمُوا} [أي: بظلمهم] (¬3)، وجعله بعضهم صلة أي كانوا قليلًا [من الليل] (¬4) يهجعون. (قال: كانوا يصلون فيما) بينهما أي (بين المغرب والعشاء) (¬5). وعن الحسن: كانوا لا ينامون من الليل إلا أقله، وربما نشطوا فمدوا إلى السحر (¬6). وهم يستغفرون. وقال مطرف: قَلَّ ليلة تأتي عليهم لا يصلون فيها لله تعالى إما من أولها، وإما من وسطها (¬7). (زاد في حديث يحيى) بن سعيد: (وكذلك (¬8): {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ}). ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) ليست في (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): ما. (¬5) انفرد به أبو داود، ومن طريقه أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 3/ 19، وقال الحاكم في "المستدرك" 2/ 467: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال الألباني في "الإرواء" (469): صحيح. (¬6) أخرجه الطبري في "تفسيره" 21/ 505. (¬7) في (ص): أوسطها. والأثر أخرجه الطبري في "تفسيره" 21/ 502. (¬8) في (ص، ل): وكذا.

24 - باب افتتاح صلاة الليل بركعتين

24 - باب افْتِتاحِ صَلاةِ اللَّيْلِ بِرَكْعَتَيْنِ 1323 - حَدَّثَنا الرَّبِيعُ بْنُ نافِعٍ أَبُو تَوْبَةَ، حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ حَيَّانَ، عَنْ هِشامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ ابن سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ" (¬1). 1324 - حَدَّثَنا مَخْلَدُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ - يَعْنِي: ابن خالِدٍ -، عَنْ رَباحِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابن سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "إِذا". بِمَعْناهُ زادَ: "ثُمَّ لْيُطَوِّلْ بَعْدُ ما شاءَ" (¬2). قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَى هذا الحَدِيثَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَجَمَاعَةٌ، عَنْ هِشامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ أَوْقَفُوهُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَكَذَلِكَ رَواهُ أَيُّوبُ وابْنُ عَوْنٍ أَوْقَفُوهُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَاهُ ابن عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: "فِيهِما تَجَوَّز". 1325 - حَدَّثَنا ابن حَنْبَلٍ - يَعْنِي: أَحْمَدَ - حَدَّثَنا حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ: ابن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عُثْمانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمانَ، عَنْ عَلِيٍّ الأَزْدِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُبْشِيٍّ الخَثْعَمِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ: أَىُّ الأَعْمالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "طُولُ القِيامِ" (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه مسلم (768)، وأحمد 2/ 232، 278، 399، وابن خزيمة 2/ 183 (1150)، وابن حبان 6/ 340 (2606). (¬2) انفرد به أبو داود، ومن طريقه أخرجه البيهقي في "سننه الكبرى" 3/ 6، قال: الألباني في "ضعيف أبي داود" (240): الصواب الموقوف، والمرفوع قبله وهم من بعض الرواة. (¬3) رواه النسائي 5/ 58، والدارمي (1424)، وأحمد 3/ 411. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (5774): إسناده صحيح على شرط مسلم.

باب افتتاح [صلاة الليل] (¬1) بركعتين [1323] (حدثنا الربيع بن نافع أبو توبة) الحلبي، شيخ الشيخين (حدثنا سليمان بن حيَّان) [بتشديد المثناة تحت، أبو خالد الأحمر الأزدي] (¬2). (عن هشام بن حسان) [الأزدي مولاهم، الحافظ] (¬3) (عن) محمد (¬4) (ابن سيرين، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا قام أحدكم من الليل) يتهجد (فليصل ركعتين خفيفتين) يستنشط (¬5) بهما لما بعدهما. قال عياض: وبهاتين الركعتين تم عدد زيد بن خالد - الآتي، وفيه - ثلاثة عشر، وفي هذا تلفيق للروايات (¬6). [1324] (حدثنا مخلد بن خالد) أبو محمد العسقلاني، نزيل طرسوس، شيخ مسلم (حدثنا إبراهيم بن خالد) الصنعاني المؤذن (عن رباح) بفتح [الراء والموحدة] (¬7) ابن زيد (¬8) الصنعاني، ثقة زاهد (¬9). (عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة قال: إذا) قام ¬

_ (¬1) في (ص): الصلاة. (¬2) سقط من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) في (م): لينشط. (¬6) "إكمال المعلم" 3/ 128. (¬7) في (م): الباء الموحدة. (¬8) في (ص، س): يزيد. (¬9) "الكاشف" 1/ 301.

أحدكم من الليل، ثم ذكر (بمعناه) و (زاد: ثم ليطول بعد ذلك ما شاء) كما في رواية زيد بن خالد الآتي، يعني: أن من أراد أن يزيد في القراءة، ويطيل في الركوع والسجود، وكان يصلي لنفسه فليطول ما شاء كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1)، وكذلك من صلى بجماعة يرضون بتطويل صلاته، وقد كان بعضهم يختم في (¬2) كل ثلاث ليالٍ ختمة، وكان الأسود يقرأ القرآن في كل ليلتين. (قال المصنف: روى هذا الحديث حماد بن سلمة وزهير بن معاوية وجماعة) رووه (عن هشام) بن حسان (عن محمد) و (أوقفوه (¬3) على أبي هريرة) ولم يرفعوه (¬4). [قال أبو داود] (¬5): (وكذلك رواه أيوب) عن ابن سيرين (و) عبد الله (ابن عون) [مولى عبد الله بن مغفل البصري أحد الأعلام، رواه ابن سيرين. (وأوقفوه (¬6) على أبي هريرة، ورواه) عبد الله (بن عون)] (¬7) أيضًا (عن محمد) بن سيرين، عن أبي هريرة (¬8) (قال: فيهما) أي في الركعتين ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (703)، ومسلم (468). (¬2) سقط من (م). (¬3) في (ص): ووافقوه. (¬4) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (6683). (¬5) سقط من (م). (¬6) في (ص): ووافقوه. (¬7) سقط من (م). (¬8) "مستخرج أبي عوانة" (2240).

(تجوز) بفتح التاء والجيم وضم الواو المشددة، ثم زاي، وهو مصدر من تجوزت (¬1) في الصلاة إذا ترخصت فأتيت بأقل ما يكفي من الصلاة في القراءة والركوع والسجود والتشهد ونحو ذلك، وهو بمعنى التخفيف. [1325] (حدثنا (¬2) ابن حنبل يعني أحمد) (¬3) قال: (حدثنا حجاج) بن محمد الأعور (¬4) الهاشمي، أصله ترمذي (¬5) سكن المصيصة (قال: قال) عبد الملك (بن جريج) قال (أخبرني عثمان بن أبي سليمان) بن جبير بن مطعم قاضي مكة، أخرج له مسلم. (عن علي) بن عبد الله (الأزدي، عن عبيد بن عمير) الليثي (¬6) قاضي مكة (عن عبد الله بن حبشي) بضم الحاء المهملة وسكون الباء الموحدة وكسر الشين المعجمة الخثعمي أبو قتيلة (¬7)، نزل مكة، روى في قطع السدر، وفي فضائل الأعمال، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل: أي الأعمال أفضل؟ قال: طول القيام) رواية مسلم عن جابر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل: أي الصلاة أفضل؟ قال: "طول القنوت" (¬8)، والقنوت هو القيام، وقد استدل بهما على [أن طول] (¬9) ¬

_ (¬1) في (ص، س): تجوز. والمثبت من (ل، م). (¬2) زاد في (ص، س، ل): أحمد. وهي زيادة مقحمة. (¬3) من (س، ل)، و"سنن أبي داود". (¬4) في (م): ابن الأعور. (¬5) في (ص، س): يزيدي. (¬6) من (س، ل، م). (¬7) في (ص، س، ل): قتادة. والمثبت من "تهذيب الكمال" 14/ 404. (¬8) "صحيح مسلم" (756) (165). (¬9) في (ل، م): تطويل.

القيام في الصلاة أفضل من تطويل الركوع والسجود؛ ولأن المنقول عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يطول القيام أكثر من الركوع والسجود؛ ولأن ذكر القيام القراءة، وهي أفضل من ذكر الركوع والسجود. وذهب جماعة من العلماء إلى أن تكثير (¬1) الركوع والسجود أفضل من تطويل القيام حكاه الترمذي (¬2) والبغوي في "شَرح السُّنَّة" (¬3) لقوله - عليه السلام - "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" (¬4)، وللحديث المتقدم: "عليك بكثرة السجود" (¬5)، وقال بعض العلماء: هما سواء، وتوقف أحمد، وقال إسحاق بن راهويه: أما في النهار فتكثير الركوع والسجود أفضل، وأما بالليل فتطويل القيام أفضل (¬6)، قال الترمذي: إنما قال إسحاق هذا لأنهم وصفوا صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالليل بطول القيام بخلاف النهار (¬7). ¬

_ (¬1) في (ص): تطويل. (¬2) "الجامع الصحيح" 2/ 233. (¬3) "شرح السنة" 3/ 151. (¬4) و (¬5) سبق تخريجه. (¬6) "مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج" (305). (¬7) "الجامع الصحيح" 2/ 233.

25 - باب صلاة الليل مثنى مثنى

25 - باب صَلاةِ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى 1326 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِعٍ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ دِينارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، عَنْ صَلاةِ اللَّيْلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً واحِدَةً تُوتِرُ لَهُ ما قَدْ صَلَّى" (¬1). * * * باب صلاة الليل مثنى مثنى [1326] (حدثنا) عبد الله بن مسلمة (القعنبي، عن مالك، عن نافع، وعبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رجلًا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) هذا الرجل من أهل البادية، قال ابن الملقن: لم أره مسمى (¬2) (عن صلاة الليل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: صلاة الليل مثنى) قال ابن عبد البر: مثنى، كلام خرج على جواب السائل كأنه قال له (¬3): يا رسول الله، كيف نصلي بالليل؟ قال: مثنى، ولو قال له (¬4) بالنهار جاز أن يقول له ذلك، وجاز أن يقول له بخلافه (¬5)، [وفي "المعجم" للطبراني: أن ابن عمر هو السائل (¬6)، لكن في مسلم عن ابن عمر: "أن رجلًا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين السائل" (¬7)] (¬8). وقد روي عنه عليه الصلاة والسلام: "صلاة الليل مثنى مثنى يتشهد في ¬

_ (¬1) رواه البخاري (472، 473، 990)، ومسلم (749/ 145). (¬2) "التوضيح" بتحقيقنا 8/ 162. (¬3) و (¬4) من (م)، و"التمهيد". (¬5) "التمهيد" 13/ 245. (¬6) "المعجم الكبير" (13184). (¬7) "صحيح مسلم" (749) (145). (¬8) سقط من (م).

كل ركعتين" (¬1)، لم يخص ليلًا من نهار، وإن كان حديثًا لا يقوم بإسناده حجة، فالنظر يؤيده، والأصول توافقه. (مثنى) بدون تنوين فيهما، فإن قيل ما فائدة تكرير لفظ مثنى، فالجواب للتأكيد، قال الكسائي: إنما لم ينصرف [لتكرار العمل] (¬2) فيه، وقال غيره: للعدل والوصف (¬3). (فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر). بالرفع، وجملته الفعلية في محل نصب صفة لركعة (له ما قد صلى) (¬4)، فيه حجة على أن وقت الوتر المتفق عليه ما لم يطلع الفجر. قال عياض: وهذا قول كافة العلماء، وفيه دليل على أن السنة جعل الوتر آخر صلاة الليل، وادعى بعضهم أن معنى قوله: "إذا خشي أحدكم الصبح"، ظاهره: إذا خشي وهو في شفع انصرف من ركعة واحدة، فالوتر إذًا لا يفتقر إلى نية، وليس كما زعم، بل ظاهره أن يصلي ركعة كاملة بعد الخشية، وهل يحتاج الوتر إلى نية؟ قال مالك: نعم، وخالفه أصبغ (¬5)، وقال محمد: إذا أحرم بشفع ثم جعله وترًا لا يجزئه، وقوله في الحديث: توتر له ما قد صلى. استدل به مالك على أن يكون قبل الوتر شفع، وهو مشهور مذهبه (¬6). ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد 4/ 167. (¬2) في (م): لتكرير العدل. وفي (ل): لتكرار العدل. (¬3) "تحفة الأحوذي" 2/ 423. (¬4) أخرجه مالك في "الموطأ" (267)، ومن طريقه البخاري (991)، ومسلم (749) (145) والنسائي 3/ 233، والدارمي (1459). (¬5) "الذخيرة" 2/ 393. (¬6) "منح الجليل" 1/ 344.

26 - باب في رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل

26 - باب فِي رَفْعِ الصَّوْتِ بِالقِراءَةِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ 1327 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الوَرْكانِيُّ، حَدَّثَنا ابن أَبِي الزِّنادِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى المُطَّلِبِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَتْ قِراءَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى قَدْرِ ما يَسْمَعُهُ مَنْ فِي الحُجْرَةِ وَهُوَ فِي البَيْتِ (¬1). 1328 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارِ بْنِ الرَّيَّانِ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ، عَنْ عِمْرانَ بْنِ زائِدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الوالِبِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: كَانَتْ قِراءَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِاللَّيْلِ يَرْفَعُ طَوْرًا وَيَخْفِضُ طَوْرًا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَبُو خَالِدٍ الوالِبِيُّ اسْمُهُ هُرْمُزُ (¬2). 1329 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمَّادٌ، عَنْ ثابِتٍ البُنِانِيِّ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ح، وحَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ الصَّبّاحِ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ إِسْحاقَ، أَخْبَرَنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثابِتٍ البُنانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَباحٍ، عَنْ أَبِي قَتادَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ لَيْلَةً فَإِذا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنه - يُصَلِّي يَخْفِضُ مِنْ صَوْتِهِ، قَالَ: وَمَرَّ بِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ وَهُوَ يُصَلِّي رافِعًا صَوْتَهُ - قَالَ - فَلَمَّا اجْتَمَعا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يا أَبا بَكْرٍ مَرَرْتُ بِكَ وَأَنْتَ تُصَلِّي تَخْفِضُ صَوْتَكَ". قَالَ: قَدْ أَسْمَعْتُ مَنْ ناجَيْتُ يا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: وقالَ لِعُمَرَ: "مَرَرْتُ بِكَ وَأَنْتَ تُصَلِّي رافِعًا صَوْتَكَ". قَالَ: فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ أُوقِظُ الوَسْنانَ وَأَطْرُدُ الشَّيْطانَ. زادَ الحَسَنُ فِي حَدِيثِهِ: فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 271، والترمذي في "الشمائل" (322)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 344، والبيهقي 3/ 10 - 11. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1198). (¬2) رواه البزار في "المسند" 17/ 104 (9663)، وابن خزيمة 2/ 188 (1159)، والطحاوي 1/ 344، وابن حبان 6/ 338 (2603)، والحاكم 1/ 310، والبيهقي 3/ 12 - 13. قال النووي في "خلاصة الأحكام" 1/ 392: إسناده حسن. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1199).

"يا أَبا بَكْرٍ ارْفَعْ مِنْ صَوْتِكَ شَيْئًا". وقَالَ لِعُمَرَ: "اخْفِضْ مِنْ صَوْتِكَ شَيْئًا" (¬1). 1330 - حَدَّثَنا أَبُو حَصِينِ بْنُ يَحْيَى الرَّازِيُّ، حَدَّثَنا أَسْباطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بهذِه القِصَّةِ لَمْ يَذْكُرْ فَقَالَ لأَبِي بَكْرٍ: "ارْفَعْ مِنْ صَوْتِكَ شَيْئًا". وَلِعُمَرَ: "اخْفِضْ شَيْئًا". زادَ: "وَقَدْ سَمِعْتُكَ يا بِلالُ وَأَنْتَ تَقْرَأُ مِنْ هذِه السُّورَةِ وَمِنْ هذِه السُّورَةِ". قَالَ: كَلامٌ طَيِّبٌ يَجْمَعُ اللهُ تَعالَى بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّكُمْ قَدْ أَصابَ" (¬2). 1331 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمَّادٌ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيلِ فَقَرَأَ فَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالقُرْآنِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَرْحَمُ اللهُ فُلانًا، كَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ أَذْكَرَنِيها اللَّيْلَةَ كُنْتُ قَدْ أَسْقَطْتُها". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَواهُ هارُونُ النَّحْوِيُّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ في الحُرُوفِ (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيِّ} (¬3). 1332 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنْ إِسْماعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي المَسْجِدِ فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالقِراءَةِ، فَكَشَفَ السِّتْرَ وقَالَ: "أَلا إِنَّ كُلَّكُمْ مُناجٍ رَبَّهُ فَلا يُؤْذِيَنَّ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (447)، وابن خزيمة في "صحيحه" (1161)، وابن حبان (733)، وقال الحاكم في "المستدرك": صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وقال الترمذي: حديث غريب. وصحح إسناده النووي في "خلاصة الأحكام" 1/ 391 (1235)، والألباني في "صحيح أبي داود" (1200). (¬2) رواه البيهقي 3/ 11 من طريق أبي داود. وحسن إسناده الألباني في "صحيح أبي داود" (1201). (¬3) رواه البخاري (2655، 5037، 5038)، ومسلم (788/ 224) بنحوه.

بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلا يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي القِراءَةِ". أَوْ قَالَ: "فِي الصَّلاةِ" (¬1). 1333 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ خالِدِ بْنِ مَعْدانَ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ الحَضْرَمِيِّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ الجُهَنِيِّ قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الجاهِرُ بِالقُرْآنِ كالجاهِرِ بِالصَّدَقَةِ، والمُسِرُّ بِالقُرْآنِ كالمُسِرِّ بِالصَّدَقَةِ" (¬2). * * * باب رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل [1327] (حدثنا محمد بن جعفر) بن زياد أبو عمران الوركاني، بفتح الواو وسكون الراء وبعد الكاف والألف نون، نسبة إلى وركة من أعمال بخارى، قال الذهبي: هو خراساني نزل بغداد (¬3). أخرج له مسلم. (حدثنا) عبد الرحمن (بن أبي الزناد) بتخفيف النون، واسمه عبد الله بن ذكوان، استشهد به (¬4) البخاري في مواضع. (عن عمرو بن أبي عمرو) ميسرة مولى آل المطلب بن عبد الله ¬

_ (¬1) أخرجه النسائي في "الكبرى" (8092)، وأحمد 3/ 94، وعبد بن حميد في "المنتخب" 2/ 75 (881)، وابن خزيمة 2/ 190 (1162). وقال الحاكم في "المستدرك" 1/ 311: صحيح على شرط الشيخين. وصححه النووي في "الخلاصة" 1/ 393 (1242)، والحافظ في "نتائج الأفكار" 2/ 16، والألباني في "صحيح أبي داود" (1203). (¬2) رواه الترمذي (2919)، والنسائي 5/ 80، وأحمد 4/ 151، 158. وحسنه الحافظ في "نتائج الأفكار" 2/ 19، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1204). (¬3) "تذهيب التهذيب" (5834). (¬4) في (م): له.

المخزومي المدني. (عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كانت قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم -) في رفع الصوت بها (على قدر ما يسمعه من) بمعنى الذي (في الحجرة) (¬1) يشبه أن يراد بها: الحجرة النبوية، وهي الروضة (وهو) - صلى الله عليه وسلم - يصلي (¬2) في بيته [(في البيت) (¬3)] (¬4) في تهجده بالليل، ولهذا قال أصحابنا: المستحب في قراءته في قيام الليل أن يكون بين الجهر والإسرار، وكذا في نوافل الليل كلها غير التراويح، قال القاضي الحسين، وصاحب "التهذيب": يتوسط بين الجهر والإسرار، وقال صاحب "التتمة": يجهر فيها (¬5). [1328] (حدثنا محمد بن بكار) بفتح الباء الموحدة وتشديد الكاف (ابن الريان) الهاشمي مولاهم البغدادي (حدثنا عبد الله بن المبارك، عن عمران بن زائدة)، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬6) (عن أبيه) [زائدة بن] (¬7) نشيط بفتح النون وكسر الشين المعجمة، ثقة (¬8). ¬

_ (¬1) بياض في (م). (¬2) من (س، ل، م). (¬3) أخرجه أحمد 1/ 271، والترمذي في "الشمائل" (322). قال الألباني في "صحيح أبي داود" (1198): إسناده حسن صحيح. (¬4) من (س، ل)، و"سنن أبي داود". (¬5) انظر: "المجموع" (3/ 391). (¬6) "الثقات" لابن حبان 7/ 244. (¬7) في (م): أبي. (¬8) "الكاشف" (1609).

(عن أبي خالد) هرمز وقيل: هرم الكوفي (الوالبي) بكسر اللام والباء الموحدة، نسبة إلى والب بطن من بني أسد، قال السمعاني: ينسب إليه جماعة، منهم سعيد بن جبير الوالبي الكوفي مولى والبة، وهو أحد أئمة التابعين، قتله الحجاج بن يوسف صبرًا (¬1). (عن أبي هريرة أنه (¬2) قال: كانت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالليل يرفع) صوته (طورًا ويخفض) قراءته (طورًا) (¬3) يعني: حينًا كذا، وحينًا كذا، والطور جمعه أطوار، ومنه حديث عائشة، [وأنشدوا] (¬4) فإن ذا الدهر أطوار (¬5) دهارير. أي (¬6): حالاته مختلفة فمرة (¬7) ملك، ومرة هلك، ومرة بؤس (¬8) ومرة نعم، وفيه دليل على جواز الجهر والإسرار في قيام الليل، ويدل عليه ما روى الترمذي عن عبد الله بن أبي قيس: سألت عائشة: كيف كانت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقالت: كل ذلك كان يفعل، ربما أسر وربما جهر، وقال: حديث حسن صحيح (¬9). ¬

_ (¬1) "الأنساب": (5/ 568). (¬2) سقط من (م). (¬3) انفرد به أبو داود، وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 344 وابن أبي شيبة في "مصنفه" (3701). قال الألباني في "صحيح أبي داود" (1199): حديث حسن. وأخرجه ابن حبان في "صحيحه" (2603)، والحاكم في "المستدرك" 1/ 310 بمعناه. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (¬4) زيادة يقتضيها السياق. (¬5) من (ل، م). (¬6) و (¬7) سقط من (م). (¬8) بياض في (ص)، والمثبت من (س، ل، م). (¬9) "الجامع الصحيح" 2/ 312.

(قال المصنف: أبو خالد الوالبي) [والبة قبيلة في بني أسد] (¬1) (اسمه هرمز) وقيل: هرم كما تقدم. [1329] (حدثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي. (حدثنا حماد) بن سلمة (عن ثابت البناني) بضم الباء التابعي من أهل البصرة، مرسل (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -[ح]). (وحدثنا الحسن بن الصباح، حدثنا يحيى بن إسحاق) أبو زكريا البجلي، أخرج له مسلم والأربعة، السيلحيني (¬2) بفتح السين المهملة وسكون المثناة تحت وفتح اللام وكسر الحاء المهملة وسكون المثناة تحت ثم نون، نسبة إلى سيلحين قرية قديمة من سواد بغداد [يقال لها أيضًا سالحين] (¬3)، مات سنة ست عشر ومائتين (¬4). (أنبأنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن عبد الله بن أبي رباح، عن أبي (¬5) قتادة) الحارث بن ربعي - رضي الله عنه -. (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج ليلة فإذا هو بأبي بكر) الصديق (- رضي الله عنه -) وهو (يصلي) و (يخفض من صوته) في القراءة. (قال) أبو قتادة (ومر بعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهو يصلي رافعًا صوته) بالقراءة في الليل (قال: فلما اجتمعا عند النبي - صلى الله عليه وسلم -) بعد ذلك (قال النبي ¬

_ (¬1) سقط من (ل، م). (¬2) في (س): السيلحين. وفي (ل): السيحليني. (¬3) سقط من (م). (¬4) "الأنساب" للسمعاني 3/ 387. (¬5) سقط من (م).

- صلى الله عليه وسلم -: يا أبا بكر، مررت بك وأنت تصلي) بالليل (تخفض) من (صوتك، قال) أبو بكر (قد أسمعت من ناجيت) المناجاة المخاطبة سرًّا، وفي رواية لغيره (¬1): "إني أسمع من أناجي" (¬2) (يا رسول الله، قال) أبو قتادة (وقال لعمر) بن الخطاب (مررت بك وأنت تصلي) [لفظ الترمذي: "مررت بك وأنت تقرأ وأنت ترفع صوتك" (¬3). في الليل] (¬4) (رافعًا صوتك) بالقراءة. (قال: فقال: يا رسول الله) إني (أوقظ الوسنان) أي: النائم الذي ليس بمستغرق في نومه، والوسن أول النوم. (وأطرد الشيطان) وفي رواية أحمد: "وأفزع الشيطان" (¬5) (زاد الحسن) بن الصباح (في حديثه: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -) لأبي بكر: (يا أبا بكر) الصديق (ارفع من صوتك) بالقراءة، [وللترمذي: "ارفع قليلًا" (¬6)] (¬7) (شيئًا) يسيرًا (وقال لعمر) بن الخطاب - رضي الله عنه -: (اخفض من صوتك) بالقراءة (شيئًا) يسيرًا. [1330] (حدثنا أبو حصين) [بفتح الحاء] (¬8) وكسر الصاد المهملتين ¬

_ (¬1) في (ص): المغيرة. والمثبت في (س، ل، م). (¬2) أخرجه أحمد 1/ 109، والبيهقي في "شعب الإيمان" (2307) عن علي بن أبي طالب. (¬3) "جامع الترمذي" (447). (¬4) في (م): بالليل. (¬5) "مسند أحمد" 1/ 109. (¬6) "جامع الترمذي" (447). (¬7) سقط من (م). (¬8) سقط من (م).

(ابن يحيى) بن (¬1) سليمان (الرازي) (¬2) ثقة (¬3). (حدثنا أسباط بن محمد) القرشي مولاهم الكوفي (عن محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص الليثي، أخرج له مسلم. (عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذِه القصة) (¬4) المذكورة (ولم يذكر فقال لأبي بكر ارفع شيئًا و) لا قال (لعمر: اخفض شيئًا) وقد اختلف العلماء في الجهر والإسرار لاختلاف الأحاديث في ذلك إذا لم يجمع بينهما، ولا شك أنه لا بد أن يجهر به إلى حد يسمع نفسه؛ إذ القراءة عبارة عن تقطيع الصوت بالحروف، فلا بد من صوت، وأقله أن يسمع نفسه، وإن لم يسمع نفسه لم تصح صلاته، فأما الجهر بحيث يسمع غيره فهو محبوب على وجه، ومكروه على وجه، وبهذا يجمع بين الأحاديث، وسيأتي أحاديث تدل على الجهر، وأحاديث تدل على الإسرار. ووجه الجمع بينهما أن الإسرار أبعد من الرياء والتصنع، وأقرب إلى الإخلاص، فهو أفضل في حق من يخاف ذلك على نفسه، وإن لم يخف وأمن على نفسه من ذلك فينظر إن كان الجهر أنشط له في القراءة، أو بحضرته من يسمع قراءته وينتفع بها فالجهر أفضل؛ لأن العمل فيه أكثر، ولأن فائدته تتعلق بغيره فالنفع المتعدي أفضل من القاصر على ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ص، س): الدارمي. والمثبت من (ل، م)، و"سنن أبي داود". (¬3) "الكاشف" (6584). (¬4) في (م): الصفة.

نفسه؛ ولأنه يوقظ قلب القارئ، ويجمع همته ويطرد عنه النوم [ويزيد في نشاطه للقراءة، ويقلل من كسله، ويحصل بجهره تيقظ نائم فيكون هو السبب فيه، ولأنه قد يراه] (¬1) ويسمعه بطَّالٌ نائم أو غافل فينشطه ويتشبه به، فإذا اجتمعت هذِه النيات (¬2) وسلم من الرياء يضاعف الأجر، فبكثرة النيات يزكوا عمل الأبرار، فإن كان في الأجر عشر نيات كان فيه عشر أجور، وإن كان إلى جنب القارئ أو قريبًا منه من يتهجد أو في (¬3) عبادة (¬4) يستضر برفع صوته فالإسرار أفضل. و(زاد) الحسن في حديثه: أنه (¬5) قال لبلال: (وقد سمعتك يا بلال وأنت تقرأ من هذِه السورة ومن هذِه السورة) وفي رواية أحمد (¬6) بسند رجاله ثقات، أن عمارًا كان يأخذ في قراءته من هذِه السورة ومن هذِه السورة فقال له: لم تأخذ من هذِه السورة ومن هذِه السورة؟ قال: أتسمعني أخلط به (¬7) ما ليس منه (¬8)؟ قال: لا" (¬9). (قال) فكله (كلام طيب) أي: يطيب للقارئ ويستلذ به كما يستلذ ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): الأسباب. (¬3) من (م). (¬4) في (ص): عادته. والمثبت من (س، ل، م). (¬5) في (ص، س، ل): إنما. والمثبت من (م). (¬6) من (س، ل، م). (¬7) في (ص، س): فيه. والمثبت من (ل، م)، و"مسند أحمد". (¬8) في (م): فيه. (¬9) "مسند أحمد" 1/ 109.

بالأكل والشرب والجماع (يجمعه الله) تعالى. (بعضه) بالنصب بدل من الضمير المنصوب في "يجمعه" بدل بعض من كل (إلى بعض) وللطبراني في "الكبير": "كله طيب أخلط بعضه ببعض" (¬1). (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: كلكم). أي كل واحد من الثلاثة (قد أصاب) فيما قصده، فيه أن (¬2) العبادات تختلف أحكامها باختلاف المقاصد وتتغير مراتبها. [1331] (حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، عن هشام بن عروة عن) أبيه (عروة) بن الزبير. (عن عائشة - رضي الله عنها -: أن رجلًا)، [الرجل عبد الله بن يزيد الأنصاري] (¬3) (قام من الليل فقرأ) في تهجده (فرفع (¬4) صوته بالقرآن) يحتمل أن تكون القراءة في صلاة، ويحتمل في غيرها، ولمسلم: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستمع قراءة رجل في المسجد (¬5). وفيهما دليل على استحباب رفع الصوت بالقراءة في الليل وفي المسجد إذا لم يؤذ أحدًا في المسجد ولا في غيره، ولا يعرض له (¬6) ¬

_ (¬1) لم أجده في "المعجم الكبير"، ولعله في الجزء المفقود، وعزاه إليه الهيثمي في "مجمع الزوائد" 2/ 544. (¬2) في (م): من. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ص): يرفع. والمثبت من (س، ل، م)، و"سنن أبي داود". (¬5) أخرجه مسلم (789) (225)، وابن حبان في "صحيحه" (107). (¬6) سقط من (م).

الرياء والإعجاب ونحو ذلك. (فلما أصبح) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (قال: يرحم الله فلانًا) فيه الدعاء بلفظ المضارع كما (¬1) يكون بلفظ الماضي كما تقدم. وفيه الدعاء لمن أصاب الإنسان (¬2) من جهته خيرًا وإن لم يقصد ذلك الإنسان، وفيه أن الدعاء بالرحمة لا تختص بالحي، بل يقال: رحمه الله حيًّا وميتًا، وفيه أن الاستماع للقراءة سنة لما روى الإمام أحمد من حديث أبي هريرة: "من استمع إلى آية من كتاب الله [كتب الله] (¬3) له حسنة مضاعفة، ومن تلاها كانت له نورًا يوم القيامة" (¬4) ومهما عظم أجر الاستماع كان التالي هو السبب فيه، وكان شريكه في الأجر وإن لم يعلم؛ لأنه تسبب في ذلك برفع صوته. كائن بمد الهمزة المكسورة وسكون النون على وزن كاعن، ويقال: (كأين) (¬5) بفتح الهمزة وتشديد (¬6) الياء المكسورة بعدها كعين (¬7) وهما (¬8) وسكون النون بعدها، لغتان قرئ بهما في السبع فبالمد وهي الأولى، قرأ ابن كثير ¬

_ (¬1) في (م): فيما. (¬2) في (ص، س): الناس. (¬3) في (م): كتبت. وفي (ل): كتب. (¬4) "مسند أحمد" 2/ 341. (¬5) في (ص): كاعن. (¬6) زاد في (ص، ل): العين ومعنى كأين معنى كم في الخبر والاستفهام، وكتبها في حاشية (ل)، وهي زيادة في غير موضعها. (¬7) من (ل). (¬8) من (ل، م).

في قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ} (¬1) وبالثانية قرأ باقي السبعة (¬2). قال أبو البقاء: وموضع: كأين، رفع بالابتداء (¬3). ولا تكاد تستعمل إلا وبعدها (من آية) من كتاب الله (أذكرنيها) وأذكرنيها (¬4) في موضع الخبر، وكأين للتكثير مثل كم الخبرية، والتقدير كثير (¬5) من الآيات ذكرني إياها في هذِه (الليلة) وفيه تسمية الليلة لما قبل الزوال (كنت قد أسقطتها) بفتح الهمزة والقاف، وفي رواية الصَّحيحين: "أنسيتها" (¬6). [قال أبو داود] (¬7). [1332] (حدثنا الحسن بن علي) الخلال (حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن إسماعيل بن أمية) بن عمرو بن سعيد الأموي (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن. (عن أبي سعيد) الخدري - رضي الله عنه - (قال: اعتكف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد)، فيه فضيلة الاعتكاف في المسجد، واختصاصه به (¬8)؛ لقوله ¬

_ (¬1) آل عمران: 146. (¬2) "السبعة في القراءات" 1/ 216، و"الحجة في القراءات السبع" 1/ 114. (¬3) "اللباب في علوم الكتاب" 5/ 583، و"الدر المصون" 1/ 946. (¬4) سقط من (م). (¬5) سقط من (س، ل). (¬6) البخاري (5038)، ومسلم (789) (225). (¬7) سقط من (م)، وهناك بياض في (ل). وفي "سنن أبي داود"، قال أبو داود: رواه هارون النحوي، عن حماد بن سلمة في سورة آل عمران في الحروف (وكأين من نبي). (¬8) سقط من (م).

تعالى: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (¬1) (فسمعهم يجهرون) أصواتهم. زاد الطبراني في "الأوسط" ولفظه: أنه اطلع في بيت والناس يصلون يجهرون (¬2) (بالقراءة) ظاهره أنهم جهروا عليه - صلى الله عليه وسلم - وهو في معتكفه فلم يصرح لهم بأنهم شوشوا عليه، بل عرض لهم بلفظ يحصل به (¬3) المقصود، وهذا من مكارم أخلاقه - صلى الله عليه وسلم -. (فكشف الستر) وفيه دليل على إسبال الستور على الحجرة التي يعتكف فيها. (وقال: ألا) بتخفيف اللام لاستفتاح الكلام (إن كلكم) أي كل قارئ ومصل (مناجٍ ربه) (¬4) فليجتهد في رفع الخواطر الشيطانية والوساوس الشهوانية والأفكار الدنياوية عن نفسه مهما أمكنه، لتصفو له لذة المناجاة في الصلاة والتلاوة خارجها، واعلم أن من انطوى باطنه على حب الدنيا الذي هو منبع كل فساد، حتى مال إلى شيء منها فلا يطمعن أن (¬5) تصفو له مناجاة مع الله تعالى، ومن فرح بالدنيا لا يفرح بمناجاة الله. فلا يؤذين) بتشديد نون التوكيد (بعضكم بعضًا)، ورواية الطبراني: "إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه" (¬6). فليشتغل بمناجاة الله ¬

_ (¬1) البقرة: 187. (¬2) "المعجم الأوسط" (4620)، وفيه: أنه اطلع من بيته. (¬3) في (س، ل، م): منه. (¬4) من (س، ل، م). (¬5) في (م): إلى شيء. (¬6) "المعجم الأوسط" (4620)، وفيه: أنه اطلع من بيته. .

تعالى عن غيرها (¬1)، ولا يؤذي من هو في لذة المناجاة بالمبالغة في رفع صوته (ولا يرفع بعضكم) صوته (على بعض في) حال (القراءة - أو قال) شك من الراوي لا يرفع بعضكم على بعض (في الصلاة) ولفظ الطبراني: "لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن" (¬2). فنهى أولًا بقوله: لا يؤذي على العموم، ثم نهى على الخصوص بقوله: لا يجهر، وفيه إنكار رفع الصوت في المسجد ولو بالقراءة إذا كان فيه تشويش على مصل آخر أو قارئ آخر فإنه مكروه. [1333] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا إسماعيل بن عياش) بالمثناة والشين المعجمة، قال دحيم: هو في الشاميين غاية (¬3)، وقال البخاري: إذا حدث عن أهل حمص فصحيح (¬4). قال المنذري: وهذا الحديث شامي الإسناد (¬5) (عن بحير) [الصحيح ابن سعد بإسقاط الياء لا شك، وما وقع هنا غلط، ذكره البخاري في "التاريخ" (¬6) وعبد الغني في "المختلف والمؤتلف"] (¬7) بفتح الباء (¬8) الموحدة وكسر الحاء المهملة ثم مثناة ساكنة ثم راء (ابن سعد) روى له الأربعة وهو حجة (¬9). (عن خالد بن معدان، عن كثير بن مرة الحضرمي، عن عقبة بن عامر ¬

_ (¬1) في (س، ل، م): غيره. (¬2) "المعجم الأوسط" (4620)، وفيه: أنه اطلع من بيته. . (¬3) "تهذيب الكمال" 3/ 176. (¬4) "الكاشف" 1/ 249. (¬5) "مختصر سنن أبي داود" 2/ 97. (¬6) "التاريخ الكبير" (1964). (¬7) و (¬8) سقط من (م). (¬9) "الكاشف" 1/ 150.

الجهني - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الجاهر بالقرآن) يقال: جهر بالقول إذا رفع صوته به (¬1). (كالجاهر بالصدقة) كالمظهر (¬2) لها (والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة) (¬3) هكذا لفظ الترمذي والنسائي بحروفه. وذكره النسائي في باب المسر بالصدقة، والترمذي في فضائل القرآن، ولفظ الطبراني في "الكبير": "إن الذي يجهر بالقرآن كالذي يجهر بالصدقة، وأن الذي يسر بالقرآن كالذي يسر بالصدقة" (¬4). قال الترمذي: وهو حديث حسن غريب. ثم (¬5) قال: ومعنى الحديث أن (¬6) الذي يسر بقراءة القرآن أفضل من الذي يجهر بقراءة القرآن؛ لأن صدقة السر أفضل عند أهل العلم من صدقة العلانية، وإنما معنى هذا عند أهل العلم [لكي يأمن] (¬7) الرجل من العجب؛ لأن الرجل يسر بالعمل ولا يخاف عليه من العجب ما يخاف عليه من العلانية (¬8). ¬

_ (¬1) من (س، ل، م). (¬2) في (ص): لا بمظهر. والمثبت من (س، ل، م). (¬3) أخرجه الترمذي (2919)، والنسائي (2561)، وأحمد 4/ 151. قال الترمذي: حديث حسن غريب. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (1204): إسناده صحيح. (¬4) "المعجم الكبير" (7742). (¬5) من (ل، م). (¬6) سقط من (م). (¬7) في (ص): لكن إن أمن. والمثبت من (س، ل، م)، و"جامع الترمذي". (¬8) "جامع الترمذي" 5/ 165 - 166.

27 - باب في صلاة الليل

27 - باب فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ 1334 - حَدَّثَنا ابن المُثَنَّى، حَدَّثَنا ابن أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنِ القاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ عَشْرَ رَكَعَاتٍ، وَيُوتِرُ بِسَجْدَةٍ، وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيِ الفَجْرِ، فَذَلِكَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً (¬1). 1335 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ مِنْها بِواحِدَةٍ، فَإِذا فَرَغَ مِنْها اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ (¬2). 1336 - حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن إِبْراهِيمَ وَنَصْرُ بْنُ عاصِمٍ - وهذا لَفْظُهُ - قالا: حَدَّثَنا الوَلِيدُ، حَدَّثَنا الأَوْزاعِيُّ - وقَالَ نَصْرٌ: عَنِ ابن أَبِي ذِئْبٍ والأَوْزاعِيِّ - عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِيما بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلاةِ العِشاءِ إِلَى أَنْ يَنْصَدِعَ الفَجْرُ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ ثِنْتَيْنِ وَيُوتِرُ بِواحِدَةٍ، وَيَمْكُثُ فِي سُجُودِهِ قَدْرَ ما يَقْرَأُ أَحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ، فَإِذا سَكَتَ المُؤَذِّنُ بِالأُولَى مِنْ صَلاةِ الفَجْرِ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ المُؤَذِّنُ (¬3). 1337 - حَدَّثَنا سُلَيْمان بْنُ دَاوُدَ المَهْرِيُّ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ أَخْبَرَنِي ابن أَبِي ذِئْبٍ وَعَمْرُو بْن الحارِثِ وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ أَنَّ ابن شِهابٍ أَخْبَرَهُمْ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْناهُ، قَالَ: وَيُوتِرُ بِواحِدَةٍ، وَيَسْجُدُ سَجْدَةً قَدْرَ ما يَقْرَأُ أَحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ، فَإِذَا سَكَتَ المُؤَذِّنُ مِنْ صَلاةِ الفَجْرِ وَتَبَيَّنَ لَهُ الفَجْرُ. وَساقَ مَعْناهُ. قَالَ: وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1140)، ومسلم (738). (¬2) رواه البخاري (626، 994)، ومسلم (736). (¬3) رواه ابن ماجه (1358)، وأحمد 6/ 74، 143، 215. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1207).

عَلَى بَعْضٍ (¬1). 1338 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْها بِخَمْسٍ، لا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ مِنَ الخَمْسِ حَتَّى يَجْلِسَ فِي الآخِرَةِ فَيُسَلِّمَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَواهُ ابن نُمَيْرٍ، عَنْ هِشامٍ، نَحْوَهُ (¬2). 1339 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ يُصَلِّي إِذَا سَمِعَ النِّداءَ بِالصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ (¬3). 1340 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ وَمُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ قالا: حَدَّثَنا أَبانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَكانَ يُصَلِّي ثَمانِيَ رَكَعاتٍ، وَيُوتِرُ بِرَكْعَةٍ، ثُمَّ يُصَلِّي - قَالَ: مُسْلِمٌ: بَعْدَ الوِتْرِ، ثُمَّ اتَّفَقا رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ قاعِدٌ، فَإِذَا أَرادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَرَكَعَ، وَيُصَلِّي بَيْنَ أَذانِ الفَجْرِ والإِقامَةِ رَكْعَتَيْنِ (¬4). 1341 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: كَيْفَ كَانَتْ صَلاةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي رَمَضَانَ فَقَالَتْ: ما كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَزِيدُ فِي رَمَضانَ وَلا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً: يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاثًا، قَالَتْ عائِشَةُ فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ أَتَنامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ قَالَ: "يا عائِشَةُ إِنَّ عَيْنَيَّ تَنامانِ وَلا يَنامُ قَلْبِي" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (736). (¬2) رواه مسلم (737). (¬3) رواه البخاري (1170)، ومسلم (724/ 90). (¬4) رواه مسلم (738). (¬5) رواه البخاري (1147، 2013، 3569)، ومسلم (738).

1342 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا هَمَّامٌ، حَدَّثَنا قَتادَةُ، عَنْ زُرارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشامٍ قَالَ: طَلَّقْتُ أمْرَأتِي فَأَتَيْتُ المَدِينَةَ لأَبِيعَ عَقارًا كَانَ لِي بِها، فَأَشْتَرِيَ بِهِ السِّلَاحَ وَأَغْزُوَ، فَلَقِيتُ نَفَرًا مِنْ أَصْحابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا: قَدْ أَرادَ نَفَرٌ مِنَّا سِتَّةٌ أَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ فَنَهاهُمْ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وقَالَ: "لَقَدْ كانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ". فَأَتَيْتْ ابن عَبّاسٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ وِتْرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: أَدُلُّكَ عَلَى أَعْلَمِ النَّاسِ بِوِتْرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأْتِ عَائِشَةَ فَأَتَيْتُها فاسْتَتْبَعْتُ حَكِيمَ بْنَ أَفْلَحَ فَأَبَى فَناشَدْتُهُ فانْطَلَقَ مَعِي، فاسْتَأْذَنَّا عَلَى عائِشَةَ، فَقَالَتْ: مَنْ هذا؟ قَالَ: حَكِيمُ بْنُ أَفْلَحَ. قَالَتْ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ سَعْدُ بْنُ هِشامٍ: قَالَتْ: هِشامُ بْنُ عامِرٍ الذِي قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَتْ: نِعْمَ المَرْءُ كَانَ عَامِرًا. قَالَ: قُلْتُ: يا أُمَّ المُؤْمِنِينَ حَدِّثِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ القْرْآنَ فَإِنَّ خُلُقَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ القْرْآنَ. قَالَ: قُلْتُ: حَدِّثِينِي عَنْ قِيامِ اللَّيْلِ قَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} قَالَ: قُلْتْ: بَلَى. قَالَتْ: فَإِنَّ أَوَّلَ هذِه السُّورَةِ نَزَلَتْ، فَقامَ أَصْحابُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حتَّى انْتَفَخَتْ أَقْدامُهُمْ، وَحُبِسَ خاتِمَتُهَا فِي السَّماءِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ نَزَلَ آخِرُها فَصارَ قِيامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَةٍ. قَالَ: قُلْتُ: حَدِّثِينِي عَنْ وِتْرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَتْ: كَانَ يُوتِرُ بِثَمانِ رَكَعاتٍ لا يَجْلِسُ إِلَّا فِي الثَّامِنَةِ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً أُخرَى، لا يَجْلِسُ إِلَّا فِي الثَّامِنَةِ والتَّاسِعَةِ، وَلا يُسَلِّمُ إِلَّا فِي التَّاسِعَةِ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جالِسٌ فَتِلْكَ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يا بُنَيَّ، فَلَمّا أَسَنَّ وَأَخَذَ اللَّحْمَ أَوْتَرَ بِسَبْعِ رَكَعاتٍ لَمْ يَجْلِسْ إِلَّا فِي السَّادِسَةِ والسَّابِعَةِ، وَلَمْ يُسَلِّمْ إِلَّا فِي السَّابِعَةِ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ، فَتِلْكَ هِيَ تِسْعُ رَكَعاتٍ يا بُنَيَّ، وَلَمْ يَقُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةً يُتِمُّها إِلَى الصَّباحِ، وَلَمْ يَقْرَأ القْرْآنَ فِي لَيْلَةٍ قَطُّ، وَلَمْ يَصُمْ شَهْرًا يُتِمُّهُ غَيْرَ رَمَضانَ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلاةً دَاوَمَ عَلَيْها، وَكَانَ إِذَا غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ مِنَ اللَّيْلِ بِنَوْمٍ صَلَّى مِنَ النَّهارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً. قَالَ: فَأَتَيْتُ ابن عَبَّاسٍ فَحَدَّثْتُهُ. فَقَالَ: هذا والله هُوَ الحَدِيثُ، وَلَوْ كُنْتُ أُكَلِّمُها لأَتَيْتُها حَتَّى أُشافِهَها بِهِ مُشَافَهَةً. قَالَ: قُلْتُ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ لا تُكَلِّمُها ما

حَدَّثْتُكَ (¬1). 1343 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن بَشَّارٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتادَةَ بِإِسْنادِهِ نَحْوَهُ قَالَ: يُصَلِّي ثَمانِ رَكَعَاتٍ لا يَجْلِسُ فِيهِنَّ إِلَّا عِنْدَ الثَّامِنَةِ، فَيَجْلِسُ فَيَذْكُرُ اللهَ - عز وجل -، ثُمَّ يَدْعُو، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنا، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جالِسٌ بَعْدَ ما يُسَلِّمُ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً، فَتِلْكَ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يا بُنَيَّ، فَلَمَّا أَسَنَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَخَذَ اللَّحْمَ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جالِسٌ بَعْدَ ما يُسَلِّمُ، بِمَعْناهُ إِلَى مُشافَهَةً (¬2). 1344 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنا سَعِيدٌ بهذا الحَدِيثِ قَالَ: يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا كَما قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ (¬3). 1345 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنا ابن أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ بِهَذا الحَدِيثِ قَالَ ابن بَشَّارٍ بِنَحْوِ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَيُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً يُسْمِعُنَا (¬4). 1346 - حَدَّثَنا عَلِيُّ بْن حُسَيْنٍ الدِّرْهَمِيُّ، حَدَّثَنا ابن أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، حَدَّثَنا زُرارَةُ بْنُ أَوْفَى: أَنَّ عَائِشَةَ سُئِلَتْ، عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّي صَلاةَ العِشاءِ فِي جَماعَةٍ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ فَيَرْكَعُ أَرْبَعَ رَكَعاتٍ، ثُمَّ يَأْوِي إِلَى فِراشِهِ وَيَنامُ وَطَهُورُهُ مُغَطّى عِنْدَ رَأْسِهِ، وَسِواكُهُ مَوْضُوعٌ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللهُ ساعَتَهُ التِي يَبْعَثُهُ مِنَ اللَّيْلِ، فَيَتَسَوَّكُ وَيُسْبِغُ الوُضُوءَ، ثُمَّ يَقُومُ إِلَى مُصَلَّاهُ فَيُصَلِّي ثَمانِ رَكَعَاتٍ يَقْرَأُ فِيهِنَّ بِأُمِّ الكِتابِ وَسُورَةٍ مِنَ القُرْآنِ وَما شَاءَ اللهُ، وَلا يَقْعُدُ فِي شَيْءٍ مِنْها حَتَّى يَقْعُدَ فِي الثَّامِنَةِ، وَلا يُسَلِّمْ، وَيَقْرَأُ فِي التَّاسِعَةِ، ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَدْعُو بِما ¬

_ (¬1) رواه مسلم (746). (¬2) رواه مسلم (746). (¬3) رواه مسلم (746). (¬4) رواه مسلم (746).

شاءَ اللهُ أَنْ يَدْعُوَهُ، وَيَسْأَلُهُ وَيَرْغَبُ إِلَيْهِ وَيُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً واحِدَةً شَدِيدَةً، يَكادُ يُوقِظُ أَهْلَ البَيْتِ مِنْ شِدَّةِ تَسْلِيمِهِ، ثُمَّ يَقْرَأُ وَهُوَ قَاعِدٌ بِأُمِّ الكِتابِ، وَيَرْكَعُ وَهُوَ قاعِدٌ، ثُمَّ يَقْرَأُ الثَّانِيَةَ فَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ وَهُوَ قاعِدٌ، ثُمَّ يَدْعُو ما شَاءَ اللهُ أَنْ يَدْعُوَ، ثُمَّ يُسَلِّمُ وَيَنْصَرِفُ، فَلَمْ تَزَلْ تِلْكَ صَلَاةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَدَّنَ فَنَقَصَ مِنَ التِّسْعِ ثِنْتَيْنِ، فَجَعَلَها إِلَى السِّتِّ والسَّبْعِ وَرَكْعَتَيْهِ وَهُوَ قاعِدٌ حَتَّى قُبِضَ عَلَى ذَلِكَ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). 1347 - حَدَّثَنا هارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ، أَخْبَرَنا بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ فَذَكَرَ هذا الحَدِيثَ بِإِسْنادِهِ قَالَ: يُصَلِّي العِشاءَ ثُمَّ يَأْوِي إِلَى فِراشِهِ، لَمْ يَذْكُرِ الأَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَسَاقَ الحَدِيثَ قَالَ: فِيهِ: فَيُصَلِّي ثَمانِيَ رَكَعَاتٍ يُسَوِّي بَيْنَهُنَّ فِي القِراءَةِ والرُّكُوعِ والسُّجُودِ، وَلا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ مِنْهُنَّ إِلَّا فِي الثَّامِنَةِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَجْلِسُ ثُمَّ يَقُومُ وَلا يُسَلِّمُ، فَيُصَلِّي رَكْعَةً يُوتِرُ بِهَا، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً يَرْفَعُ بِها صَوْتَهُ حَتَّى يُوقِظَنَا، ثُمَّ سَاقَ مَعْناهُ (¬2). 1348 - حَدَّثَنا عُمَرُ بْنُ عُثْمانَ، حَدَّثَنا مَرْوانُ - يَعْنِي: ابن مُعاوِيَةَ -، عَنْ بَهْزٍ، حَدَّثَنا زُرارَةُ بْنُ أَوْفَى، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ العِشاءَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ فَيُصَلِّي أَرْبَعًا، ثُمَّ يَأْوِي إِلَى فِراشِهِ، ثُمَّ سَاقَ الحَدِيثَ بِطُولِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ: يُسَوِّي بَيْنَهُنَّ فِي القِراءَةِ والرُّكُوعِ والسُّجودِ. وَلَمْ يَذْكُرُ فِي التَّسْلِيمِ: حَتَّى يُوقِظَنا (¬3). 1349 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمَّادٌ - يَعْنِي ابن سَلَمَةَ -، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشامٍ، عَنْ عائِشَةَ بهَذا الحَدِيثِ وَلَيْسَ فِي تَمامِ حَدِيثِهِم (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 236. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1216). (¬2) رواه أحمد 6/ 236. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1217). (¬3) صححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1218). (¬4) رواه أحمد 6/ 236. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1219).

1350 - حَدَّثَنا مُوسَى - يَعْنِي: ابن إِسْماعِيلَ - حَدَّثَنا حَمَّادٌ - يَعْنِي: ابن سَلَمَةَ -، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ بِسَبْعٍ أَوْ كَما قَالَتْ، وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ، وَرَكْعَتَيِ الفَجْرِ بَيْنَ الأَذَانِ والإِقَامَةِ (¬1). 1351 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنا حَمَّادٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْراهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ، عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُوتِرُ بِتِسْعِ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ أَوْتَرَ بِسَبْعِ رَكَعَاتٍ، وَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ بَعْدَ الوِتْرِ يَقْرَأُ فِيهِما، فَإِذا أَرادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَرَكَعَ ثُمَّ سَجَدَ، قَالَ: أَبُو دَاوُدَ: رَوَى هَذَيْنِ الحَدِيثَيْنِ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الواسِطِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو مِثْلَهُ، قَالَ: فِيهِ قَالَ: عَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ: يا أُمَّتاهُ كَيْفَ كَانَ يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ فَذَكَرَ مَعْناهُ.، حَدَّثَنا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، عَنْ خالِدٍ (¬2). 1352 - حَدَّثَنا ابن المُثَنَّى، حَدَّثَنا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنا هِشامٌ عَنِ الحَسَنِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشامٍ قَالَ: قَدِمْتُ المَدِينَةَ فَدَخَلْتُ عَلَى عائِشَةَ فَقُلْتُ: أَخْبِرِينِي، عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ صَلاةَ العِشاءِ، ثُمَّ يَأْوِي إِلَى فِراشِهِ فَيَنامُ، فَإِذا كَانَ جَوْفُ اللَّيْلِ قَامَ إِلَى حاجَتِهِ وَإِلَى طَهُورِهِ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ دَخَلَ المَسْجِدَ فَصَلَّى ثَمَانِ رَكَعاتٍ يُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنَّهُ يُسَوِّي بَيْنَهنَّ فِي القِراءَةِ والرُّكُوعِ والسُّجُودِ، ثُمَّ يُوتِرُ بِرَكْعَةٍ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جالِسٌ، ثُمَّ يَضَعُ جَنْبَهُ، فَرُبَّما جاءَ بِلالٌ فَآذَنَهُ بِالصَّلاةِ، ثُمَّ يُغْفِي، وَرُبَّما شَكَكْتُ أَغَفَى أَوْ لَا، حَتَّى يُؤْذِنَهُ بِالصَّلاةِ، فَكَانَتْ تِلْكَ صَلاتَهُ حَتَّى أَسَنَّ وَلَحُمَ، فَذَكَرَتْ مِنْ لَحْمِهِ ما شَاءَ اللهُ، وَسَاقَ الحَدِيثَ (¬3). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 55، 182. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1220). (¬2) رواه مسلم (731/ 114) بنحوه. (¬3) رواه النسائي 1/ 244، 250، وأحمد 6/ 235. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1223).

1353 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن عِيسَى، حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنا حُصَيْنٌ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثابِتٍ ح، وحَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثابِتٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ: أَنَّهُ رَقَدَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَرَآهُ اسْتَيْقَظَ فَتَسَوَّكَ وَتَوَضَّأَ وَهُوَ يَقُولُ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أَطالَ فِيهِما القِيامَ والرُّكُوعَ والسُّجُودَ، ثُمَّ إِنَّهُ انْصَرَفَ فَنامَ حَتَّى نَفَخَ، ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ بِسِتِّ رَكَعَاتٍ، كُلُّ ذَلِكَ يَسْتاكُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيَقْرَأُ هؤلاء الآياتِ، ثُمَّ أَوْتَرَ - قَالَ عُثْمانُ: بِثَلاثِ رَكَعَاتٍ، فَأَتاهُ المُؤَذِّنُ فَخَرَجَ إِلَى الصَّلاةِ - وقَالَ ابن عِيسَى: ثُمَّ أَوْتَرَ فَأَتاهُ بِلالٌ فَآذَنَهُ بِالصَّلاةِ حِينَ طَلَعَ الفَجْرُ، فَصَلَّى رَكْعَتَيِ الفَجْرِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلاةِ - ثُمَّ أتَّفَقا - وَهُوَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ أجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، واجْعَلْ فِي لِسانِي نُورًا، واجْعَلْ فِي سَمْعِي نُورًا، واجْعَلْ فِي بَصَرِي نُورًا، واجْعَلْ خَلْفِي نُورًا، وَأَمامِي نُورًا، واجْعَلْ مِنْ فَوْقِي نُورًا، وَمِنْ تَحْتِي نُورًا، اللَّهُمَّ وَأَعْظِمْ لِي نُورًا" (¬1). 1354 - حَدَّثَنا وَهْب بْنُ بَقِيَّةَ عَنْ خالِدٍ، عَنْ حُصَيْنٍ نَحْوَهُ قَالَ "وَأَعْظِمْ لِي نُورًا". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَلِكَ قَالَ: أَبُو خالِدٍ الدّالانِيُّ, عَنْ حَبِيبٍ فِي هذا، وَكَذَلِكَ قَالَ: فِي هذا الحَدِيثِ وقالَ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبي رِشْدِينَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ (¬2). 1355 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنا أَبُو عاصِمٍ، حَدَّثَنا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ الفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ لَيْلَةً عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لأَنْظُرَ كَيْفَ يُصَلِّي فَقَامَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قِيامُهُ مِثْلُ رُكُوعِهِ، وَرُكُوعُهُ مِثْلُ سُجُودِهِ، ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَتَوَضَّأَ واسْتَنَّ ثُمَّ قَرَأَ بِخَمْسِ آياتٍ مِنْ آلِ عِمْرانَ {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} فَلَمْ يَزَلْ يَفْعَلُ هذا ¬

_ (¬1) رواه مسلم (763). (¬2) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1225).

حَتَّى صَلَّى عَشْرَ رَكَعاتٍ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى سَجْدَةً واحِدَةً فَأَوْتَرَ بِها، وَنَادَى المُنادِي عِنْدَ ذَلِكَ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ ما سَكَتَ المُؤَذِّنُ فَصَلَّى سَجْدَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ حَتَّى صَلَّى الصُّبْحَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: خَفِيَ عَلي مِنِ ابن بَشّارٍ بَعْضُهُ (¬1). 1356 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ الأَسَدِيُّ، عَنِ الحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خالَتِي مَيْمُونَةَ فَجاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ ما أَمْسَى فَقَالَ: "أَصَلَّى الغُلامُ". قَالُوا: نَعَمْ. فاضْطَجَعَ حَتَّى إِذا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ ما شاءَ اللهُ قَامَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى سَبْعًا أَوْ خَمْسًا أَوْتَرَ بِهِنَّ لَمْ يُسَلِّمْ إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ (¬2). 1357 - حَدَّثَنا ابن المُثَنَّى، حَدَّثَنا ابن أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ فِي بَيْتِ خالَتِي مَيْمُونَةَ بِنْتِ الحارِثِ فَصَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - العِشاءَ، ثُمَّ جاءَ فَصَلَّى أَرْبَعًا، ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَقُمْتُ، عَنْ يَسارِهِ فَأَدارَنِي فَأَقامَنِي، عَنْ يَمِينِهِ فَصَلَّى خَمْسًا ثُمَّ نَامَ حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ - أَوْ خَطِيطَهُ - ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الغَداةَ (¬3). 1358 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ المَجِيدِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ ابن عَبَّاسٍ حَدَّثَهُ فِي هذِه القِصَّةِ قَالَ: فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى صَلَّى ثَمانِيَ رَكَعاتٍ، ثُمَّ أَوْتَرَ بِخَمْسٍ لَمْ يَجْلِسْ بَيْنَهُنَّ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4569، 7452)، ومسلم (763). (¬2) رواه أحمد 1/ 354. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1227). (¬3) رواه البخاري (117، 697). (¬4) أخرجه النسائي في "الكبرى" 1/ 424 (1342)، وابن ماجه (476). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1229).

1359 - حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الحَرّانِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً بِرَكْعَتَيْهِ قَبْلَ الصُّبْحِ: يُصَلِّي سِتًّا مَثْنَى مَثْنَى، وَيُوتِرُ بِخَمْسٍ لا يَقْعُدُ بَيْنَهُنَّ إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ (¬1). 1360 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عِراكِ بْنِ مالِكٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّها أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً بِرَكْعَتَيِ الفَجْرِ (¬2). 1361 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ وَجَعْفَرُ بْنُ مُسافِرٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ يَزِيدَ المُقْرِئَ أَخْبَرَهُما، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عِراكِ بْنِ مالِكٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى العِشاءَ، ثُمَّ صَلَّى ثَمانِيَ رَكَعاتٍ قائِمًا، وَرَكْعَتَيْنِ بَيْنَ الأَذَانَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ يَدَعُهُما. قَالَ: جَعْفَرُ بْنُ مُسافِرٍ فِي حَدِيثِهِ: وَرَكْعَتَيْنِ جالِسًا بَيْنَ الأَذَانَيْنِ، زادَ: جالِسًا (¬3). 1362 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ المُرادِيُّ قالا: حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، عَنْ مُعاوِيَةَ بْنِ صالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَيْسٍ قَالَ: قُلْتُ لِعائِشَةَ: بِكَمْ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُوتِرُ قَالَتْ: كَانَ يُوتِرُ بِأَرْبَعٍ وَثَلاثٍ، وَسِتٍّ وَثَلاثٍ، وَثَمانٍ وَثَلاثٍ، وَعَشْرٍ وَثَلاثٍ، وَلَمْ يَكُنْ يُوتِرُ بِأَنْقَصَ مِنْ سَبْعٍ، وَلا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلاثَ عَشْرَةَ. قَالَ: أَبُو دَاوُدَ: زادَ أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ: وَلَمْ يَكُنْ يُوتِرُ بِرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الفَجْرِ. قُلْتُ: ما يُوتِرُ قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ يَدَعُ ذَلِكَ. وَلَمْ يَذْكُرْ أَحْمَدُ: وَسِتٍّ وَثَلاثٍ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 275 - 276، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 284. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1230). (¬2) رواه مسلم (737). (¬3) رواه البخاري (1159). (¬4) رواه أحمد 6/ 149، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 258، والبيهقي 3/ 28. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1233).

1363 - حَدَّثَنا مُؤَمَّلُ بْنُ هِشامٍ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بْنُ إِبْراهِيمَ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي إِسْحاقَ الهَمْدانِيِّ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَسَأَلَها، عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِاللَّيْلِ. فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّي ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ إِنَّهُ صَلَّى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَتَرَكَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قُبِضَ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قُبِضَ وَهُوَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ تِسْعَ رَكَعَاتٍ، وَكَانَ آخِرُ صَلاتِهِ مِنَ اللَّيْلِ الوِتْرَ (¬1). 1364 - حَدَّثَنا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ خالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمانَ أَنَّ كُرَيْبًا مَوْلَى ابن عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ ابن عَبَّاسٍ كَيْفَ كَانَتْ صَلاةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِاللَّيْلِ قَالَ: بِتُّ عِنْدَهُ لَيْلَةً وَهُوَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ، فَنَامَ حَتَّى إِذا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفُهُ اسْتَيْقَظَ فَقَامَ إِلَى شَنٍّ فِيهِ ماءٌ فَتَوَضَّأَ وَتَوَضَّأْتُ مَعَهُ، ثُمَّ قَامَ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ عَلَى يَسارِهِ فَجَعَلَنِي عَلَى يَمِينِهِ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِي كَأَنَّهُ يَمَسُّ أُذُنِي كَأَنَّهُ يُوقِظُنِي فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، قُلْتُ: فَقَرَأَ فِيهِما بِأُمِّ القُرْآنِ في كُلِّ رَكْعَةٍ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى حَتَّى صَلَّى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً بِالوِتْرِ، ثُمَّ نَامَ فَأَتاهُ بِلالٌ فَقَالَ: الصَّلاةُ يا رَسُولَ اللهِ. فَقَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى لِلنَّاسِ (¬2). 1365 - حَدَّثَنا نُوحُ بْنُ حَبِيبٍ وَيَحْيَى بْنُ مُوسَى قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ ابن طاوُسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خالِدٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خالَتِي مَيْمُونَةَ فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنْها رَكْعَتا الفَجْرِ، حَزَرْتُ قِيامَهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِقَدْرِ {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} لَمْ يَقُلْ نُوحٌ: مِنْها رَكْعَتا الفَجْرِ (¬3). ¬

_ (¬1) ضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (242). (¬2) رواه البخاري (698، 6316)، ومسلم (763). (¬3) رواه أحمد 1/ 365 - 366، والبيهقي 3/ 8 من طريق أبي داود. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1235).

1366 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خالِدٍ الجُهَنِيِّ أَنَّهُ - قَالَ - لأَرْمُقَنَّ صَلاةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اللَّيْلَةَ، قَالَ: فَتَوَسَّدْتُ عَتَبَتَهُ أَوْ فُسْطاطَهُ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُما دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُما، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُما، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُما، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُما، ثُمَّ أَوْتَرَ، فَذَلِكَ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً (¬1). 1367 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمانَ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابن عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ باتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وهِيَ خالَتُهُ - قَالَ -: فاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ الوِسادَةِ، واضْطَجَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَهْلُهُ فِي طُولِها، فَنامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى إِذا انْتَصَفَ اللَّيْلُ - أَوْ قَبْلَة بِقَلِيلٍ، أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ - اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجَلَسَ يَمْسَحُ النَّوْمَ، عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَرَأَ العَشْرَ الآياتِ الخَواتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرانَ، ثُمَّ قامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ فَتَوَضَّأَ مِنْها فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، قَالَ: عَبْدُ اللهِ: فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ ما صَنَعَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى رَأْسِي فَأَخَذَ بِأُذُنِي يَفْتِلُها، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، قَالَ: القَعْنَبِيُّ: سِتَّ مَرّاتٍ، ثُمَّ أَوْتَرَ، ثُمَّ اضْطَجَعَ، حَتَّى جاءَهُ المُؤَذِّنُ فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ (¬2). * * * ¬

_ (¬1) رواه مسلم (765). (¬2) رواه البخاري (183، 992، 1198)، ومسلم (763).

باب في صلاة الليل [1334] (حدثنا) محمد (بن المثنى، حدثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) البصري (عن حنظلة) بن أبي سفيان. (عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل) إذا تهجد (عشر ركعات) بفتح الكاف، ويوضح هذِه الرواية حديث أبي هريرة المتقدم: أنه كان يفتتح قيام الليل بركعتين خفيفتين ثم يطول [ما شاء] (¬1) (¬2)، وحديث عائشة الآتي: يصلي أربعًا فلا تسأل عن طولهن وحسنهن، ثم يصلي أربعًا فلا تسأل عن طولهن وحسنهن (¬3). فالركعتان (¬4) الخفيفتان ثم الأربع الطوال [ثم الأربع الطوال] (¬5) هي العشر المذكورة في هذا الحديث والله أعلم. (ويوتر) بعد العشرة (بسجدة) ظاهر العطف للتغاير بأن تكون (¬6) العشر ليست وترًا بل هي التهجد الذي أمره الله تعالى به. (ويسجد) بعد الوتر إذا طلع الفجر. (سجدتي الفجر) ثم يضطجع حتى يأتيه المؤذن (فذلك) المجموع ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) سبق تخريجه. (¬3) يأتي تخريجه. (¬4) في (م): قال الركعتان. (¬5) من (ل، م). (¬6) سقط من (م).

(ثلاث عشرة ركعة) (¬1) بسكون الشين، وسكونها لغة تميم. [1335] (حدثنا) عبد الله بن مسلمة (القعنبي، عن مالك، عن) محمد (ابن شهاب) الزهري. (عن عروة بن الزبير، عن عائشة - رضي الله عنها - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة)، وهي الأحد عشرة المتقدمة غير ركعتي الفجر. (يوتر منها بواحدة)، يدل على ما ذهب إليه الشافعي (¬2) والجمهور، أن أقل (¬3) الوتر ركعة واحدة خلافًا لأبي حنيفة (¬4)، وقد [حكي في "الكفاية"] (¬5) عن أبي الطيب أنه (¬6) يكره الإيتار (¬7) بركعة (¬8)، وهذا الحديث وحديث ابن عمر الآتي: "من أحب أن يوتر بركعة فليفعل" يرد الكراهة، ويدل على الجواز. (فإذا فرغ منهما) أي من ركعتي الوتر صلى ركعتي الفجر كما تقدم في الحديث قبله، ثم (اضطجع على شقه) بكسر (¬9) الشين أي على جنبه ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1140)، ومسلم (738) (128). (¬2) "الأم" 1/ 257. (¬3) في (ص، س): أصل. (¬4) "المبسوط" للسرخسي 1/ 318. (¬5) في (م): حكاه في الكافي. (¬6) زاد في (ص، س): لا. وهي زيادة مقحمة. (¬7) في (ص، س، م): الإتيان. (¬8) "مغني المحتاج" 1/ 221، و"فتح الوهاب" 1/ 102. (¬9) في (ص، س): بفتح. والمثبت من (ل، م).

(الأيمن) (¬1) حتى يأتيه المؤذن. [1336] (حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم) بن عمرو بن ميمون مولى آل (¬2) عثمان دحيم قاضي الأردن وفلسطين شيخ البخاري. (ونصر بن عاصم) الأنطاكي (وهذا لفظه، قالا: حدثنا الوليد) بن مسلم. (حدثنا الأوزاعي، وقال نصر) بن عاصم الأنطاكي (¬3) (عن) محمد بن عبد الرحمن (بن (¬4) أبي ذئب، والأوزاعي [عن الزهري] (¬5) عن عروة) بن الزبير. (عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى أن ينصدع) معناه: ينشق الفجر، يقال: صدعت الرداء صدعين إذا شققته (¬6) نصفين. (إحدى عشرة ركعة) وهي الوتر وما معها للحديث الآتي: "إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم، فجعلها فيما (¬7) بين العشاء ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في "الموطأ" (262)، ومن طريقه مسلم (736) (121)، والترمذي (440)، والنسائي 3/ 234، والبخاري (6310) من طريق الزهري بمعناه. (¬2) سقط من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): عن. (¬5) سقط من الأصول الخطية، والمثبت من "سنن أبي داود". (¬6) في (م): شققتها. (¬7) في (ص، س): ما.

إلى طلوع (¬1) الفجر" (¬2). (يسلم من كل ثنتين) فيه دليل على أن الأفضل في صلاة الليل أن يسلم من كل ركعتين، وهو المشهور من فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأمره بصلاة الليل مثنى مثنى كما تقدم. (ويوتر بواحدة) فيه دليل أيضًا على جواز الوتر بركعة وهي أقله. قال القاضي: قوله: "يوتر بواحدة" وقوله: "الوتر ركعة" وما في معناه من الأحاديث دليل على أن الوتر واحدة، لكنها إنما جاءت بعد صلاة ليل، وهو قول مالك وأصحاب الحديث أنها واحدة، لكن لا بدَّ من شفع قبلها (¬3). وكذا في قول أو وجه عند الشافعي أنه يشترط الإتيان (¬4) بركعة سبق [بعد فعل] (¬5) العشاء سواء كان سنة العشاء أم غيرها ليوتر ما قبله من السنن، والمشهور أنه لا يشترط وإن كان هو الأفضل. (ويمكث في سجوده) مكثًا (قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه) فيه فضيلة طول السجود لمن صلى وحده. (فإذا سكت المؤذن (¬6) بالأولى) (¬7) الباء بمعنى من كما في قوله ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): أن يطلع. (¬2) يأتي تخريجه. (¬3) "المدونة" 1/ 212. (¬4) في (ل): الإيتار. (¬5) في (ل، م): فعل بعد. (¬6) زاد في (م): صلاة الفجر الأولى. (¬7) زاد في (ل): نسخة بالأول.

تعالى: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} (¬1) أي: منها [الدعوة الأولى وهو الأذان (من صلاة الفجر)] (¬2). والمعنى هنا: فإذا فرغ المؤذن من الأذان الأول (¬3). يريد أنه لا يصلي ما دام المؤذن في الأذان، فإذا فرغ من الأذان وسكت قام فصلى ركعتي الفجر، ويقاس على أذان الفجر سائر الأذان، فلا يشرع المؤذن في سنة الظهر والعصر والمغرب والعشاء حتى يفرغ المؤذن من الأذان، وهذِه الرواية المشهورة في سكت بالمثناة فوق. قال المنذري: ورواه سويد عن ابن المبارك (سكب) بالباء الموحدة، وكذا ذكره في "النهاية" (¬4) في مادة سكب بالباء الموحدة. قال بعضهم: سكب وسكت بمعنى، وقال غيره: سكب يريد أذن، قال: والسكب الصب، وأصله في الماء يصب (¬5)، وقد يستعار السكب فيستعمل للإفاضة في الكلام كقول القائل: أفرغ في أذني كلامًا أي ألقى وصب فيها كلامًا لم أسمع مثله، وقد تأتي (¬6) الباء بمعنى عن كقوله تعالى: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} (¬7) أي: عنه (¬8). ¬

_ (¬1) الإنسان: 6. (¬2) سقط من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) "النهاية" (سكب). (¬5) من (ل، م)، ومصادر التخريج. (¬6) من (س، ل، م). (¬7) الفرقان: 59. (¬8) "شرح سنن أبي داود" للعيني 5/ 242 - 243، و"شرح البخاري" لابن بطال 2/ 253.

(قام فركع) للفجر (ركعتين خفيفتين) كما تقدم (ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن) بصلاة الصبح. [1337] (حدثنا سليمان بن داود) بن حماد بن سعد (المهري) بفتح الميم وسكون الهاء نسبة إلى مهرة بن حيدان بن الحاف (¬1) بن قضاعة قبيلة كبيرة ينسب إليها سليمان المذكور، وأخوه رشدين بن سعد المهري من أهل مصر (¬2). قال أبو عبيد الآجري: ذكر لأبي داود أبو الربيع سليمان بن أخي رشدين (¬3)، فقال: قل ما رأيت في فضله. قال النسائي: ثقة (¬4). (حدثنا) عبد الله (بن وهب) قال (أخبرني) محمد بن عبد الرحمن (ابن أبي ذئب، وعمرو بن الحارث ويونس بن يزيد أن) محمد (بن شهاب (¬5) أخبرهم بإسناده ومعناه قال) في هذِه الرواية (ويوتر بواحدة، ويسجد سجدة) طويلة (قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية) وتقدير هذِه المدة بالخمسين آية يدل على أن قدر الآيات كان معلومًا عندهم، وأعداد الآيات يعرفونها (قبل أن يرفع رأسه، فإذا سكت) بالمثناة والموحدة كما تقدم (المؤذن من) أذان (صلاة الفجر وتبين) أي: ظهر (الفجر) واتضح (وساق معناه) المذكور (قال: وبعضهم يزيد على بعض) في ¬

_ (¬1) في الأصول الخطية: إسحاق. وهو تحريف، والمثبت من مصادر التخريج. (¬2) "اللباب في تهذيب الأنساب" 3/ 275. (¬3) في (ص): رشد بن سعد. والمثبت من "التهذيب". (¬4) "تهذيب الكمال" 409/ 11. (¬5) في (ص، س): هشام.

الروايات. [1338] (حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا [وهيب، حدثنا هشام] (¬1) ابن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير. (عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر منها بخمس) ركعات (لا يجلس في شيء من الخمس حتى يجلس في الآخرة فيسلم) فيه دليل على أن الوتر لا يختص بركعة، ولا بإحدى عشرة، بل يجوز ذلك وما بينه (¬2) وأنه يجوز جمع ركعات بتسليمة واحدة. قال النووي: وهذا لبيان الجواز، والأفضل التسليم من (¬3) كل ركعتين (¬4) كما تقدم. (قال المصنف: رواه) عبد الله (بن نمير) بضم النون الهمداني (عن هشام [نحوه) نحو ما تقدم. [1339] (حدثنا القعنبي، عن مالك، عن هشام] (¬5) بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير. (عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة) منها ركعتان بعد الوتر وهو قاعد كما سيأتي بعده. ¬

_ (¬1) في (م): وهب. (¬2) بياض في (ص). (¬3) في (ص، س، ل): بين. (¬4) "شرح النووي" (6/ 20). (¬5) من (ل، م).

(ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين) بين النداء والإقامة من صلاة الصبح. [1340] (حدثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (ومسلم بن إبراهيم) الفراهيدي شيخ البخاري (قالا: حدثنا أبان) غير منصرف كما تقدم. (عن يحيى) بن سعيد (عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف، سماه البخاري (عن عائشة: أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة) على ما يأتي تفصيله. (كان يصلي ثماني) (¬1) بفتح الياء ويجوز حذفها مع الكثرة، ويجوز فتحها (¬2) كما تقدم، والشاهد عليه (ركعات، ويوتر بركعة ثم يصلي قال مسلم) بن إبراهيم [في روايته (بعد الوتر، ثم اتفقا: ركعتين وهو قاعد، فإذا أراد أن يركع قام فركع) من قيام. هكذا رواه مسلم في "صحيحه" (¬3)] (¬4)، وهذا الحديث أخذ بظاهره الأوزاعي وأحمد (¬5) فأباحا ركعتين بعد الوتر جالسًا. قال أحمد: لا أمنعه، ولا أمنع من فعله، وأنكره مالك (¬6). وروى زرارة بن أبي أوفى، عن سعد (¬7) بن هشام قال: قلت لعائشة: ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): حذفها. (¬3) "صحيح مسلم" (738) (126). (¬4) سقط من (م). (¬5) "المغني" 2/ 547. (¬6) "شرح النووي" (6/ 21). (¬7) في (م): سعيد.

أنبئيني عن وتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: كان يصلي تسع ركعات لا يجلس إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم يسلم تسليمًا يسمعنا، ثم يصلي ركعتين بعدما يسلم وهو قاعد فتلك إحدى عشرة ركعة. ذكره ابن قدامة (¬1). وعن أبي أمامة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوتر بتسع (¬2) حتى إذا بدن وكثر لحمه أوتر بسبع، وصلى ركعتين وهو جالس يقرأ بـ {إِذَا زُلْزِلَتِ} و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}. رواه أحمد والطبراني في "الكبير" (¬3) وزاد: وقل هو الله أحد. ورجال أحمد ثقات (¬4). قال النووي: الصواب أن هاتين الركعتين فعلهما - صلى الله عليه وسلم - بعد الوتر جالسًا؛ لبيان جواز الصلاة [بعد الوتر، وبيان جواز النفل (¬5)] (¬6) جالسًا، ولم يواظب على ذلك [بل فعله] (¬7) مرة أو مرتين ولا يغتر بقولها: "كان يصلي" فإن المختار الذي عليه الأكثرون والمحققون من الأصوليين أن لفظ (كان) لا يلزم منها الدوام ولا التكرار، هانما هي فعل ماضٍ يدل على فعله مرة، فإن دل دليل على التكرار عمل به وإلا فلا تقتضيه بوضعها وقد قالت عائشة: ¬

_ (¬1) "المغني" 2/ 548، وأخرجه مسلم (746) (139) بطوله. (¬2) في (ص، س): بسبع. والمثبت من (ل، م)، ومصادر التخريج. (¬3) "مسند أحمد" 5/ 269، و"المعجم الكبير" (8064). (¬4) "مجمع الزوائد" (3449). (¬5) في (ص): الفعل. (¬6) سقط من (م). (¬7) من (م).

كنت أطيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحله (¬1) قبل أن يطوف، ولحرمه (¬2) قبل أن يحرم. ومعلوم أن عائشة لم تحج معه إلا حجة الوداع، فاستعملت كان في مرة واحدة، ولا يقال: لعلها طيبته في إحرامه لعمرة (¬3)؛ لأن المعتمر لا يحل له الطيب قبل الطواف بالإجماع، فثبت أنها استعملت كان في مرة واحدة كما قاله الأصوليون. (ويصلي بين (¬4) أذان الفجر والإقامة ركعتين) (¬5) خفيفتين، ثم يضطجع. [1341] (حدثنا القعنبي، عن مالك، عن سعيد بن أبي (¬6) سعيد المقبري، عن أبي سلمة) عبد الله (ابن عبد الرحمن) بن عوف (أنه أخبره أنه سأل عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: كيف كانت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان؟ فقالت: ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزيد في) شهر (رمضان) أي في لياليه (ولا في غيره) من الشهور (على إحدى عشرة ركعة) ولا يعارض هذا الحديث (¬7) أنه كان يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة. فإن ذلك مع ركعتي الفجر، وهذا بدون ذلك. ¬

_ (¬1) في (م): بحله. (¬2) في (م): بحرمه. (¬3) في (م): بعمرة. (¬4) في (م): بعد. (¬5) رواه مسلم كما سبق، والنسائي 3/ 256، والدارمي (1474)، وأحمد 6/ 189، 249، وروى الشطر الأخير منه البخاري (619)، وابن ماجه (1196) بمعناه. (¬6) من (م). (¬7) بعدها في (م): إلا الذي فيه.

وأما قولها: "ما كان يزيد على إحدى عشرة ركعة". قيل: الاختلاف في أحاديث عائشة من الرواة (¬1) عنها. قال النووي: فيحتمل أن إخبارها بإحدى عشرة (¬2) هو الأغلب، وباقي (¬3) رواياتها إخبار منها بما كان يقع نادرًا في بعض الأوقات (¬4). ولفظة "كان" لا يلزم منها الدوام كما تقدم، والتراويح ما سوى الأغلب، فإن شهر رمضان شهر من اثني عشر شهرًا. (يصلي أربعًا) هذا فعله لبيان الجواز، والأفضل مثنى مثنى، وقد جاء في بعض طرق هذا الحديث حديث (¬5) عائشة: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة بالوتر يسلم من كل ركعتين" (¬6). (فلا تسأل عن حسنهن وطولهن) لأنهن مستغنيات عن السؤال عنهن؛ لأنهن في نهاية من كمال الحسن والطول، واستدل بهذا أبو حنيفة على أن أفضل التطوع أن تصلي أربعًا بتسليمة (¬7). (ثم يصلي أربعًا فلا تسأل عن طولهن وحسنهن) قال ابن الملقن: قولها: يصلي أربعًا ثم أربعًا ثم ثلاثًا. أي: أنه كان ينام بينهن (¬8). ¬

_ (¬1) في (م): الرواية. (¬2) زاد في (م): ركعة. (¬3) في (ص): ما في. (¬4) "شرح النووي" 6/ 18. (¬5) في (م): عن. (¬6) سبق تخريجه. (¬7) "البحر الرائق" 2/ 58. (¬8) "التوضيح شرح الجامع الصحيح" 9/ 112.

وروي نحوه عن ابن عباس، واحتج من قال هذا (¬1) بحديث الليث عن ابن أبي مليكة، عن يعلى، عن أم سلمة: أنها وصفت صلاته - عليه السلام - بالليل وقراءته فقالت: "كان يصلي ثم ينام قدر ما صلى، ثم يصلي قدر ما نام، ثم ينام قدر ما صلى، ثم يقوم فيوتر" (¬2). (ثم يصلي ثلاثًا) يعني يوتر بهن. (قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ ) كأنها توهمت أن الوتر إثر صلاة العشاء على ما شاهدته من أبيها؛ لأنه كان يوتر إثرها (¬3) فلما رأت منه خلاف ذلك سألته عن ذلك فأخبرها. (فقال: يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي) (¬4) أي: لا ينام عن (¬5) مراعاة الوقت، وليست هذِه الخصوصية لأبيها بل هذِه من خصائص الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، ولذلك قال ابن عباس: رؤيا الأنبياء وحي؛ لأنهم يفارقون أحوال البشر [في نوم] (¬6) القلب ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) أخرجه الترمذي (2923)، والنسائي 3/ 214، وأحمد 6/ 294. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب. وقال الحاكم في "المستدرك" 1/ 310: صحيح على شرط مسلم. وقال الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" (260): إسناده ضعيف، يعلى بن مالك مجهول. (¬3) في (ص، س): أبوها. (¬4) أخرجه مالك في "الموطأ" (263)، وعنه البخاري (1147، 2013، 3569)، ومسلم (738) (125)، والترمذي (439)، والنسائي 3/ 234، وأحمد 6/ 36. (¬5) في (م): من. (¬6) في (ص): بنوم، وفي (س): هي نوم. والمثبت من "التوضيح".

ويساوونهم في نوم العين، ولا يبعد أن يتوضأ إذا غامر قلبه النوم واستولى عليه، وذلك في النادر كنومه في الوادي إلى أن طلعت الشمس ليسن (¬1) لأمته أن الصلاة لا (¬2) يسقطها خروج الوقت (¬3). قال النووي: وحديث نومه في الوادي ولم يعلم بفوات وقت الصبح حتى طلعت الشمس؛ لأن طلوع الفجر والشمس متعلق بالعين لا بالقلب، وأما أمر الحدث ونحوه فيتعلق بالقلب، وأنه (¬4) قيل أنه (¬5) في وقت ينام قلبه، و [في وقت] (¬6) لا ينام، فصادف الوادي نومه، قال: والصواب الأول (¬7). [1342] (حدثنا حفص بن عمر) (¬8) بن الحارث بن سخبرة (¬9) الحوضي، شيخ البخاري، [أخرج له] (¬10) في غير موضع عن همام وغيره. (حدثنا همام) بن يحيى العوذي. ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): ليبين. والمثبت من "التوضيح". (¬2) من (ل، م). (¬3) انظر: "التوضيح" 9/ 113. (¬4) من (م)، و"شرح النووي". (¬5) في (م): ينام. (¬6) سقط من (م). (¬7) "شرح النووي" 6/ 21. (¬8) في (م): عمرو. (¬9) سقط من (س، ل، م). (¬10) سقط من (س، ل، م).

(حدثنا قتادة، عن زرارة بن أوفى) كنيته أبو حاجب جرشي بصري قاضيها، تابعي. (عن سعد (¬1) بن هشام) الأنصاري التابعي، و [أبوه] (¬2) هشام بن عامر، كان اسمه في الجاهلية شهابًا، فغير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اسمه فسماه هشامًا، وأبوه عامر بن أمية، شهد بدرًا واستشهد يوم أحد. (قال: طلقت امرأتي) لعله كان يحبها فخشي أن يذكرها عند القتال فيجبن عن الجهاد، فأراد قطع علاقتها عن قلبه. (فأتيت المدينة لأبيع عقارًا) بفتح العين (¬3). (كان لي بها) وهو الأرض والضيعة والنخل، ومنه قولهم: ما له دار ولا (¬4) عقار، وقيل: العقار الأصل من المال، [وفي الحديث] (¬5): فرد عليهم ذراريهم وعقار بيوتهم - أراد أرضهم - وقيل: متاع بيوتهم وأدواته (¬6) وقيل: متاعه الذي لا يبتذل إلا في الأعياد، وعقار كل شيء خياره (فاشترى) لي (به) أي: بثمنه (السلاح وأغزوا) به (¬7) العدو، وفيه دليل على أن من أراد الخروج للجهاد أو الحج أن يعد له ما ¬

_ (¬1) في (م): سعيد. (¬2) في (ص): ابن. والمثبت من (س، ل، م). (¬3) من (م)، وفي باقي النسخ: القاف. (¬4) سقط من (م). (¬5) سقط من (م). (¬6) بياض في (ص، س)، وسقط من (م). والمثبت من (ل)، و"النهاية" (عقر). (¬7) سقط من (م).

يحتاج إليه من سلاح وظهر وزاد (¬1)، وقد ذم (¬2) الله تعالى في قوله تعالى: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} (¬3). (فلقيت) بكسر القاف (نفرًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -) فذكرت لهم ذلك أو علموا منه ذلك لما عرضه للبيع. (فقالوا) له: (قد أراد نفر منا ستة) بالرفع (أن يفعلوا ذلك) كذلك، هذا من إبلاغ الشاهد الغائب كما تقدم. (فنهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يفعلوا ذلك) الظاهر أن الذي نهاهم عنه طلاق الزوجة وبيع العقار الذي يسكنه هو وزوجته وأولاده، لا عن إعداد السلاح للغزو. (وقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}) (¬4) تقدم، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يغزو العدو، ولم يرد عنه أنه طلق نساءه ولا واحدة منهن لأجل الغزو، ولا باع شيئًا من العقار الذي كان يسكن فيه (¬5) وهو محتاج إليه، وفيه التحريض على الاقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أفعاله، وأن من خطر له خاطر بشيء [وأراد فعله] (¬6) فليزنه بميزان الشريعة: الكتاب والسنة، ويقصد باب العلم أولًا، إذ لا عمل إلا بعلم فإن وجده مأمورًا به في الشريعة بادر إلى فعله، وإن رآه منهيًّا عنه أمسك، وزاد مسلم في ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ص): ذكر. والمثبت من (س، ل، م). (¬3) التوبة: 46. (¬4) الأحزاب: 21. (¬5) من (س، ل، م). (¬6) من (س، ل، م).

"صحيحه": فلما حدثوه بذلك راجع امرأته وأشهد على رجعتها (¬1). (فأتيت) عبد الله (بن عباس - رضي الله عنهما - فسألته عن وتر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني (¬2) (أدلك على أعلم الناس) وللنسائي: أعلم أهل الأرض (¬3). وكذا لمسلم (¬4): [(بوتر رسول] (¬5) الله - صلى الله عليه وسلم -، فأْتِ عائشة) فسألها عن الوتر وغيره، وفيه الحث على أن من سئل عن علم لا يعلمه أو [يعلمه و] (¬6) غيره أعرف به منه أن يرشده إليه إذا أمكن، فإن الدين النصيحة، وفيه مع ذلك الإنصاف والاعتراف لأهل الفضل بفضيلتهم (¬7) ومرتبتهم والتواضع، ويدل على ذلك الحديث المتقدم في إرسال ابن عباس وعبد الرحمن بن أزهر والمسور بن مخرمة، كريبًا مولى ابن عباس إلى عائشة، فأرسلته عائشة إلى أم سلمة. (فأتيتها) زاد النسائي: فسلها، ثم ارجع إلي فأخبرني بردها عليك (¬8). (فاستتبعت) بسكون التاء الثانية والعين المهملة (حكيم) بفتح الحاء المهملة (¬9) وكسر الكاف (بن أفلح) التابعي، أي: سألت حكيم بن أفلح ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (746) (139). (¬2) في (م): ألا. (¬3) "المجتبى" 3/ 199. (¬4) "صحيح مسلم" (746) (139). (¬5) في (م): برسول. (¬6) في (م): يعلم أن. (¬7) في (م): بتفضيلهم. (¬8) "المجتبى" 3/ 199. (¬9) من (ل، م).

أن يتبعني في الذهاب إلى عائشة (فأبى) أن يذهب معي (فناشدته) يقال: ناشدته الله وبالله، أي سألته وأقسمت عليه (فانطلق معي) إليها (فاستأذنا) بتشديد النون (على عائشة) - رضي الله عنها -. (فقالت: من هذا؟ قال: حكيم بن أفلح) فيه أن من السنة لمن استأذن بدق الباب ونحوه، فقيل: من أنت أو: من هذا؟ ونحوه أن يقول: فلان ابن فلان الفلاني، كما قال: هذا حكيم بن أفلح، ونحوه مما يحصل به التعريف ويزول الاشتباه، ولا يقول أنا. (قالت: ومن معك؟ قال: سعد بن هشام) وهذا نظير حديث جبريل - عليه السلام - حين استفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد (¬1). الحديث. (قالت) أهو (هشام بن عامر) بن أمية بن (¬2) الحسحاس (¬3) الأنصاري. (الذي قتل يوم أحد؟ ) وفي رواية [أنها قالت] (¬4): نعم المرء كان عامرًا (قال: قلت) لها (نعم) زاد النسائي: فترحمت عليه (¬5). زاد مسلم: وقالت خيرًا (¬6). (قالت: نعم المرء كان عامرًا) فيه الثناء على الميت إذا ذكر بمحاسن ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3207)، ومسلم (162) (259)، والنسائي 1/ 217. (¬2) سقط من (م). (¬3) بياض في (ص)، وفي (س): الححاس. وفي (م): الحماس. وكلاهما تحريف، والمثبت من (ل)، و"أسد الغابة" 5/ 403. (¬4) سقط من (م). (¬5) "المجتبى" 3/ 199. (¬6) "صحيح مسلم" (746) (139).

أعماله ولو بحضرة ابنه أو أبيه أو أحدًا من أقاربه. (قال: قلت) لها (¬1) (يا أم المؤمنين حدثيني عن خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) قال الغزالي في حقيقة الخلق: اعلم أن الخلق والخلق عبارتان مستعملتان فيراد بالخلق الصورة الظاهرة، وبالخُلق الصورة الباطنة؛ لأن الإنسان مركب من جسد يدرك بالبصر، ومن روح ونفس مدركة بالبصيرة، ولكل واحد منهما هيئة وصورة، إما قبيحة، وإما جميلة، والخُلق عبارة عن هيئة للنفس راسخة يصدر عنها الأفعال [بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية، فإن كانت الهيئة بحيث يصدر عنها الأفعال] (¬2) الجميلة المحمودة عقلًا وشرعًا؛ سميت الهيئة خُلقًا حسنًا وإن كان الصادر منه أفعالًا قبيحة سميت الهيئة التي هي المصدر خُلقًا سيئًا (¬3). (قالت: ألست تقرأ القرآن؟ ) قال: نعم (¬4). قالت (فإن خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان القرآن) بالنصب. تعني: بذلك التأدب بآداب (¬5) القرآن، والتخلق بمحاسنه، والالتزام بأوامره ونواهيه، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - تخلق بأخلاق الله، فوجه الثناء عليه بقوله تعالى {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (¬6) قال ابن (¬7) عطاء: ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) من (م)، و"إحياء علوم الدين". (¬3) "إحياء علوم الدين" 3/ 53. (¬4) زاد في (م): قال. (¬5) في (م): بتأديب. (¬6) القلم: 4. (¬7) في (ص، س): أنت. والمثبت من (ل، م).

الخلق العظيم أن لا يكون له اختيار، ويكون تحت الحكم مع فناء النفس وفناء المألوفات. وقال أبو سعيد القرشي: الخلق العظيم هو الله تعالى، ومن أخلاقه الجود والكرم والصفح والعفو والإحسان (¬1). والحياء والحلم والرأفة والشفقة والمداراة والنصيحة والتواضع، فمن تخلق بأخلاق الله تعالى فهو صاحب الخلق العظيم، ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة والسلام: "إن لله مائة وتسع عشرة خُلقًا من أوتي واحدًا منها دخل الجنة" (¬2)، ومن تخلق بخلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رزق ببركة (¬3) متابعته في (¬4) أقواله وأفعاله التخلق بأخلاقه. (قال: قلت: حدثيني عن قيام الليل. قالت: ألست تقرأ {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ}؟ (¬5) قال: قلت: بلى. قالت: فإن أول هذِه السورة نزلت) وللنسائي: فإن الله افترض قيام الليل في أول هذِه السورة (¬6). أعاد ضمير المؤنث على أول وهو مذكر؛ لإضافته إلى المؤنث، كما [أنث الفعل] (¬7) مع أن الفاعل مذكر، وهو كل كالإضافة (¬8) إلى المؤنث وهو نفس، ومنه قول الشاعر: ¬

_ (¬1) "تفسير السلمي" 2/ 345. (¬2) "تفسير السلمي" 2/ 345، و"نوادر الأصول" وعليه إمارات الوضع. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): من. (¬5) المزمل: 1 - 4. (¬6) "المجتبى" 3/ 199. (¬7) في (ص، س، ل): أعمل أفعل. والمثبت من (م). (¬8) في (ص، س، ل): كل لإضافته.

مشين (¬1) كلما اهتزت رماح تسفهت ... أعاليها [مر الرياح] (¬2) النواسم (فقام أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) لقيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[فيما أمر به] (¬3) من صلاة الليل حولًا كاملًا، لأنهم كانوا لا يدرون كم صلوا من الليل وكم بقي منه، فكان يقوم الرجل كل الليل مخافة أن لا يأتي بالقدر الواجب (حتى انتفخت أقدامهم وحبس) بضم الحاء وكسر الباء مبني للمفعول، ولفظ النسائي: وأمسك الله (¬4). (خاتمتها في السماء اثنا عشر شهرًا، ثم نزل) توضحه رواية النسائي: ثم أنزل الله تعالى التخفيف في (¬5) (آخرها) بنسخ الفريضة (فصار قيام الليل تطوعًا بعد فريضة) وقد اختلف العلماء في قوله تعالى: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} (¬6) على أقوال، منها: أن قوله: {قُمِ اللَّيْلَ} (¬7) ليس معناه الفرض؛ بدليل أن بعده: {نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} (¬8)، وليس كذا يكون الفرض، وإنما هو ندب وحض (¬9)، وقيل: هو حتم وفرض عليه وحده، وروي ذلك عن ابن عباس، وحجة هذا قوله في ¬

_ (¬1) في (ص، س): مر. والمثبت من (ل، م). (¬2) في (م): من الرماح. (¬3) من (س، ل، م). (¬4) "المجتبى" 3/ 199. (¬5) "المجتبى" 3/ 199. (¬6) و (¬7) المزمل: 2. (¬8) المزمل: 3 - 4. (¬9) في الأصول: رخص. والمثبت من "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 3/ 131.

الحديث السابق: خشية أن يفرض عليكم. فدل على أنه لم (¬1) يكن فرضًا علينا، وقيل: إنه كان فرضًا علينا ثم نسخ، وعليه جماعة من العلماء، وهو قول ابن عباس ومجاهد وزيد بن أسلم وجماعة، كما حكاه النحاس (¬2)، وهو مقتضى هذا الحديث. (قال) زاد النسائي: فهممت أن أقوم (¬3). زاد مسلم: ولا أسأل أحدًا عن شيء حتى أموت. فبدا لي وتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (¬4). (قلت) يا أم المؤمنين (حدثيني عن وتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قالت) (¬5) زاد مسلم والنسائي: كنا نعد له سواكه وطهوره فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه [من الليل] (¬6) فيتسوك ويتوضأ (¬7)، و (كان يوتر بثمان ركعات لا يجلس) جملة لا يجلس المنفية صفة لما قبلها أو في محل الحال، التقدير: وكان يوتر بثمان ركعات (¬8) غير ذات جلوس فيها، أو كان يوتر بثمان غير جالس فيها، والمراد بالجلوس في هذا الحديث إنما هو الجلوس للتشهد. قال الربيع: قلت للشافعي - رضي الله عنه -: ما معنى هذا؟ قال: هذا نافلة يسع أن يوتر بواحدة وأكثر ويختار ما شاء من غير أن نضيق عليه (¬9). ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) "الناسخ والمنسوخ" 1/ 753. (¬3) و (¬4) سبق تخريجه. (¬5) من (م)، ومصادر التخريج. (¬6) من (م)، ومصادر التخريج. (¬7) سبق تخريجه. (¬8) من (ل، م). (¬9) "الأم" 1/ 258، 7/ 338.

وهذا هو الطريق عند أهل العلم في أحاديث الثقات أن يؤخذ بجميعها إن أمكن الأخذ به، ووتر النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن في عمره مرة واحدة، حتى إذا اختلفت الروايات في كيفيتها كانت متضادة، والأشبه [أنه كان] (¬1) يفعلها على ممر الأوقات على الوجوه التي رواها هؤلاء الثقات. ويؤخذ بالجميع كما قال الشافعي - رضي الله عنه - (إلا في الثامنة) منها (ثم يقوم) إلى التاسعة (فيصلي ركعة أخرى لا يجلس) للتشهد (¬2) في شيء من الركعات (إلا في) الركعة (الثامنة) [كما تقدم] (¬3). (و) كذا يجلس في (التاسعة ولا يسلم) في الثامنة ولا في غيرها (إلا في) الركعة (التاسعة) أوضحته رواية مسلم بزيادة لفظ: "فيصلي التاسعة ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم يسلم تسليمًا يسمعنا" (¬4) (ثم يصلي ركعتين) زاد مسلم: بعدما يسلم (¬5). (وهو جالس، فتلك إحدى عشرة ركعة)، هذا سبق شرحه قريبًا (يا بني، فلما أسن) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (وأخذ اللحم) قال النووي: وهذا هو المشهور في اللغة (¬6). وفي بعض نسخ مسلم: سن. بحذف الألف، ومعنى أسن كبر فهو مسن، ومعنى: أخذ اللحم: كثر لحمه كما في ¬

_ (¬1) في (ص، ر): أن. (¬2) في (م): يتشهد. (¬3) سقط من (م). (¬4) و (¬5) سبق تخريجه. (¬6) "شرح النووي" 6/ 27.

رواية: فلما أسن وكثر لحمه. وأنكر أبو عبيد: كثر (¬1) لحمه. وقال: لأنه خلاف صفته - صلى الله عليه وسلم - (¬2). (أوتر بسبع ركعات لم يجلس) للتشهد (إلا في السادسة) بلا سلام (و) في الركعة (السابعة) بعدها مع سلام. (ولم يسلم) في شيء من التشهدين (إلا في) التشهد بعد (السابعة، ثم يصلي ركعتين وهو جالس) كما تقدم. (فتلك) السبع قائمًا مع الركعتين قاعدًا (تسع ركعات) ثم قالت: (يا بني، ولم يقم) بفتح الياء وضم القاف (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) في تهجده (ليلة) كاملة (يتمها) جميعها بالصلاة (إلى الصباح) احتج به وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أخبرت أنك تقوم الليل (¬3) " فقلت: بلى (¬4). فقال (¬5): "لا تفعل" (¬6). على أنه يكره قيام كل الليل دائمًا، والفرق بينه وبين صيام الدهر فإنه غير مكروه، أن قيام كل الليل مضر للعين ولسائر البدن كما في الحديث، "فإن نوم الليل راحة (¬7) للبدن"؛ ولأن من صام الدهر يمكنه أن يستوفي في (¬8) الليل ما ¬

_ (¬1) في (م): كثرة. (¬2) "غريب الحديث" لابن سلام 1/ 153. (¬3) في (ص، س، ل): ليلك. (¬4) من (ل، م). (¬5) في (م): فقلت. وفي (ل): فقالت. (¬6) أخرجه البخاري (1975)، ومسلم (1159). (¬7) في (م): ملائم. وسقط من (ل). (¬8) سقط من (م).

فاته من أكل النهار، ومصلي الليل لا يمكنه نوم جميع النهار؛ لما فيه من تفويت مصالح [دينه ودنياه] (¬1) هكذا فرق (¬2) في "شرح المهذب" (¬3) وقد لاحظ الطبري هذا المعنى فقال: إن لم يجد بذلك مشقة استحب (¬4) لا سيما المتلذذ بمناجاة الله تعالى، وإن وجد بطران (¬5) إن خشي بسببها محذورًا كره وإلا فلا. (ولم يقرأ القرآن) جميعه (في ليلة قط) وقد كان بعض السلف يختم القرآن في كل ليلة، لكن قال الغزالي: كرهه جماعة (¬6). (ولم يصم شهرًا (¬7) يتمه) كله (¬8) بالصيام (غير رمضان) فيه جواز قول: رمضان دون شهر، وقد كرهه بعضهم، و [قد كان] (¬9) ابن عباس - رضي الله عنه - يكره أن يصوم شهرًا كاملًا غير رمضان. وروى عبد الرزاق في كتابه عن ابن جريج عن عطاء قال: كان ابن عباس ينهى عن صيام الشهر كاملًا ويقول: ليصمه (¬10) إلا أيامًا. ويدل ¬

_ (¬1) في (م): دينية ودنياوية. (¬2) في (ص، س): قرر. والمثبت من (ل، م). (¬3) "المجموع" 4/ 45. (¬4) سقط من (م). (¬5) بياض في (ص)، والمثبت من (س، ل، م). (¬6) "إحياء علوم الدين" 1/ 276. (¬7) سقط من (م). (¬8) من (س، ل، م). (¬9) في (ص، س): قال. والمثبت من (ل، م). (¬10) في (ص، س): لا يصمه. والمثبت من "مصنف عبد الرزاق" (7855).

على الكراهة ما في الصحيحين عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: ما صام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهرًا كاملًا غير رمضان (¬1). [وفي "صحيح مسلم" عن عائشة قالت: ما علمته يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - صام شهرًا كاملًا] (¬2) منذ قدم المدينة، إلا أن يكون رمضان (¬3). ولهذا رجح جماعة منهم ابن المبارك وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستكمل صيام شعبان، وحمل ما ورد في "صحيح مسلم" وغيره على (¬4) أن المراد أنه كان يصوم غالبه، فأطلق على الجميع كما في نظائره. (وكان إذا صلى صلاة داوم عليها) فيه أنه ينبغي لسالك طريق الآخرة وكل أحد أن لا يتحمل من العبادة إلا ما يطيق الدوام عليه، ثم يحافظ عليه ولا يتركه. (وكان إذا غلبته عيناه بنوم) فنام (صلى من النهار) أي ما بين طلوع الشمس و (¬5) الزوال كما تقدم. (ثنتي عشرة ركعة)، وأوضح من هذِه الرواية رواية مسلم: "كان إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام الليل صلى من النهار ما فاته ثنتي عشرة ركعة" (¬6). وفيه دليل على استحباب المحافظة على الأوراد المؤقتة وأنها تقضى. (قال) سعد بن هشام (فأتيت ابن عباس فحدثته، فقال: هذا والله هو ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (1971)، و"صحيح مسلم" (1157) (178). (¬2) من (ل، م). (¬3) "صحيح مسلم" (1156) (174). (¬4) من (ل، م). (¬5) في (ص): إلى. والمثبت من (س، ل، م). (¬6) "صحيح مسلم" (746) (139).

الحديث، ولو كنت (¬1) أكلمها لأتيتها حتى أشافهها به مشافهة) قال عياض: في هذا الحديث (¬2) حجة على طلب علو الإسناد. (قال: قلت) لابن عباس (لو علمت [أنك لا] (¬3) تكلمها ما حدثتك) قاله (¬4) على طريق العتب على ترك الدخول إليها. [1343] (حدثنا محمد بن بشار، حدثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن سعيد) بن أبي عروبة. (عن قتادة بإسناده نحوه) و (قال) فيه: كان (يصلي ثمان ركعات لا يجلس فيهن إلا عند) الركعة (الثامنة فيجلس) ليتشهد (فيذكر الله تعالى ثم يدعو، ثم يسلم تسليمًا يسمعنا) تسليمه (ثم يصلي ركعتين وهو جالس بعدما يسلم) فتلك عشرة [(ثم يصلي ركعة فتلك إحدى عشرة ركعة)] (¬5) [يا بني، فلما أسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬6) وأخذ اللحم) كما تقدم. (أوتر (¬7) بسبع) ركعات، قال المهلب: إنما كان يوتر بسبع، والله أعلم حين يفاجئه الفجر، وأما إذا اتسع له فما كان ينتقص عن عشر للمطابقة التي بينها وبين الفرائض التي امتثلها النبي - صلى الله عليه وسلم - في فرائضه وامتثلها في الصلوات المسنونة. ¬

_ (¬1) و (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): ما. (¬4) في (م): قال له. (¬5) من (م). (¬6) سقط من (ل). (¬7) سقط من (م).

(وصلى ركعتين وهو جالس بعد ما يسلم بمعناه) المذكور (إليَّ) [بتشديد الياء] (¬1). قوله حتى أشافهها (مشافهة) (¬2) أي من في إلى فيه. [1344] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن بشر) بن الفرافصة بن (¬3) المختار العبدي الكوفي. (حدثنا سعيد) بن أبي عروبة (بهذا الحديث) و (قال) فيه: (فيسلم تسليمًا يسمعنا كما قال يحيى بن سعيد) القطان. [1345] (حدثنا محمد بن بشار، حدثنا) [محمد بن] (¬4) إبراهيم (بن أبي عدي، عن سعيد) بن أبي عروبة (بهذا الحديث قال) محمد (بن بشار بنحو حديث يحيى بن سعيد) المذكور إلا أنه قال في هذِه الرواية: (ويسلم تسليمة يسمعنا) (¬5) كما تقدم. [1346] (حدثنا علي بن حسين) بن مطر (الدرهمي) بكسر الدال وفتح الهاء نسبة إلى درهم (¬6) جده البصري (¬7) وثقه النسائي (¬8). (حدثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي، عن بهز بن حكيم، عن زرارة بن أبي أوفى أن عائشة - رضي الله عنها - سئلت عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) النسائي 3/ 199. (¬3) سقط من (م). (¬4) من (ل، م). (¬5) هذه اللفظة أخرجها: النسائي 3/ 240، والدارمي (1475)، ولكن بسند غير هذا السند، وهذا السند رواية مسلم ولكن باللفظة السابقة: يسلم تسليمًا يسمعنا. (¬6) في (ص، س): إبراهيم. والمثبت من "الأنساب" 2/ 534. (¬7) في (ص، س، ل): البصريين. والمثبت من "التهذيب". (¬8) "الكاشف" (3901).

جوف الليل) أي أوسطه. (فقالت: كان يصلي صلاة (¬1) العشاء في جماعة) في المسجد (ثم يرجع إلى أهله فيركع) أول ما يدخل (أربع ركعات) قال الغزالي: راتبة (¬2) العشاء الآخرة أربع ركعات بعد الفريضة (¬3). واستدل به و [كذا] (¬4) كل من تبعه يستدل به، وفي هذا الحديث أن الأفضل أن يكون في البيت بعد أن يرجع إلى أهله. (ثم يأوي) بعد الصلاة (إلى فراشه) فيه دليل على مشروعية (¬5) إعداد فراش للنوم يرفع جنبه عن (¬6) الأرض ويدفع ضرر (¬7) برودة الأرض، لكن ليست كما يصنع اليوم، ففي حديث عائشة المتفق عليه: "كان له فراش من أدم حشوه من ليف" (¬8). ولأبي الشيخ من حديث أم سلمة: كان فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحو ما يوضع الإنسان في قبره (¬9). ولأبي الشيخ من حديث عائشة - رضي الله عنها -: دخلت عليَّ امرأة من الأنصار فرأت (¬10) فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عباءة مثنية (¬11). فقد يجمع بين الحديثين ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) زاد في (ص، س): صلى. وهي زيادة مقحمة. (¬3) "إحياء علوم الدين" 1/ 195. (¬4) و (¬5) من (س، ل، م). (¬6) سقط من (م). (¬7) في (ص): ضرورة. (¬8) رواه البخاري (6456)، ومسلم (1159). (¬9) "أخلاق النبي" لأبي الشيخ (453). (¬10) من (س، ل، م)، و"أخلاق النبي" لأبي الشيخ. (¬11) "أخلاق النبي" (452).

بأن (¬1) فراشه في بيت عائشة من أدم وحشوه ليف، وفي بيت الأنصارية من أزواجه عباءة مثنية. (وينام وطهوره) بفتح الطاء الماء الذي يعد للطهارة. (مغطى عند رأسه) فيه استحباب تغطية الإناء سواء كان فيه طعام أو ماء للشرب أو للوضوء ونحو ذلك، ويستحب مع التغطية أن يسمي عند التغطية فهي الستر الأعظم في التغطية. (وسواكه موضوع) عند رأسه وهذا من آداب النوم المعتبرة، وهو أن يعد عند رأسه سواكه وطهوره وينوي القيام للعبادة عند التيقظ وكلما تنبه استاك كذلك كان يفعل - صلى الله عليه وسلم -، وكذا [يستحب إعداد] (¬2) أسباب العبادة قبل وقتها كما تقدم في الجهاد أنه يعد سلاحه ومركوبه وزاده، وكذا للجهاد، ويعد ما أوجبه الله تعالى من الزكاة قبل وقتها ليكون هذا من المسارعة إلى المغفرة وأسبابها. (حتى يبعثه) أي يوقظه (الله) تعالى من نومه في (ساعته التي يبعثه) أي يوقظه الله تعالى، ومن أسمائه تعالى الباعث وهو الذي يبعث الخلق أي يحييهم بعد الموت يوم القيامة. (من الليل) أي في جوف الليل فيتسوك (¬3) فيه سنية السواك عند القيام من النوم؛ لأن النوم يغير رائحة الفم، والسواك يزيل التغير. (ويسبغ الوضوء) إسباغ الوضوء إتمامه، ومنه حديث شريح: "أسبغوا ¬

_ (¬1) في (ص، س): قال. (¬2) في (م): يعد. (¬3) في (ص، س): يتسوك.

لليتيم في النفقة" (¬1) أي أنفقوا عليه (¬2) تمام ما يحتاج إليه، ووسعوا عليه فيها (¬3). (ثم يقوم إلى مصلاه) فيه استحباب اتخاذ مصلى في بيته يعتاد الصلاة فيه، وفي الحديث: "تطهيره وتطييبه". وهل يصح الاعتكاف فيه؟ فيه (¬4) وجه. (فيصلي) فيه (ثمان ركعات) كما تقدم (يقرأ فيهن بأم الكتاب)، [وهي الفاتحة، ولها عشرة أسماء هذا أحدها، وفي هذا رد على ما حكاه في "الروض" للسهيلي عن بعضهم أنه كره تسميتها بأم الكتاب (¬5). (وسورة من القرآن)] (¬6) وذكره السورة بعد الفاتحة على أن هذِه السنة لا تحصل إلا بأن تكون بعد الفاتحة فإن قدمها على الفاتحة لم تحسب السورة على المذهب المنصوص كما قاله في "الروضة" (¬7)، وفيه دليل على أن قراءة السورة كاملة أولى من بعض سورة طويلة، وهذِه عبارة الرافعي (¬8) وهي صريحة في تفضيل السورة على بعض سورة وإن كان أطول، وقد صرح بذلك في "الشرح الصغير". ¬

_ (¬1) "غريب الحديث" للحربي 2/ 407. (¬2) في (م): إليه. (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (سبغ). (¬4) من (ل، م). (¬5) "الروض الأنف" 1/ 276. (¬6) من (ل، م). (¬7) "روضة الطالبين" 1/ 248. (¬8) "الشرح الكبير" 1/ 507.

(وما شاء الله) تعالى بعد السورة، وفيه دليل على مشروعية الجمع بين السورة في صلاة النافلة؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في ركعة (¬1) سورة البقرة وآل عمران والنساء، وقال ابن مسعود: ولقد عرفت النظائر التي كان يقرن بينهن (¬2). وأما الفريضة فكرهه بعضهم، والأصح الجواز إذا رضي المأمومون، فقد روى الخلال بإسناده عن ابن عمر: أنه كان يقرأ في المكتوبة بالسورتين في الركعة (¬3). (ولا يقعد في شيء منها حتى يقعد في الثامنة) [وقد تعارضت الروايات عن عائشة، فإن ذهبنا إلى أن فعله - عليه السلام - لبيان الجواز فلا كلام، وإن ذهبنا إلى الترجيح فحديث عروة بن الزبير] (¬4)، عن عائشة المتقدم: أنه كان يسلم من كل ثنتين. أولى؛ لأنه أعرف بحديث عائشة [من سعد بن هشام ومن زرارة بن أوفى، وهذا لا يخفى على فقيه كما قال البيهقي لقربه من عائشة] (¬5) بكونه ابن أختها وفقهه ودرايته (¬6) بأمور الدين أكثر، وهو أحد الفقهاء السبعة من التابعين، ثم رواية الزهري أيضًا أولى؛ لأنه أحفظ وأفقه. (ولا يسلم) بعد تشهده ويقوم إلى التاسعة (ويقرأ في التاسعة) (¬7) ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) رواه البخاري (775)، ومسلم (822). (¬3) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (3714). (¬4) من (ل، م). (¬5) من (ل، م). (¬6) في (ص): روايته. والمثبت من (س، ل، م). (¬7) زاد في (م): مع.

الفاتحة وما معها (ثم يقعد) للتشهد (ويدعو بما شاء الله أن يدعوه) به من أمور الدنيا والآخرة قبل السلام (¬1). (ويسأله ويرغب إليه ويسلم تسليمة واحدة) فيه حجة لمذهب مالك (¬2) أنه يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه، وهو قول ابن عمر وأنس وسلمة بن الأكوع وعائشة (¬3) وغيرهم، ولما روى ابن ماجه عن سلمة بن الأكوع قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[صلى فسلم] (¬4) مرة واحدة (¬5)، ولأن (¬6) التسليمة الواحدة خرج بها من الصلاة، فلم يشرع غيرها كما لا يشرع ثالثة. (شديدة) أي رفع صوته بالسلام رفعًا قويًّا حتى (يكاد يوقظ أهل البيت من شدة) رفع صوته (تسليمه ثم يقرأ وهو قاعد بأم الكتاب) وما معها، وقد تقدم أنه كان (¬7) يقرأ مع أم الكتاب إذا زلزلت. (ويركع وهو قاعد) أي (¬8): يركع عن قعود لا عن قيام كما تقدم ويسجد ثم يرفع رأسه فيجلس ثم يسجد [السجدة الثانية] (¬9) (ثم يقرأ) ¬

_ (¬1) زاد في (م): الله تعالى. (¬2) "الاستذكار" 4/ 289. (¬3) "الأوسط" لابن المنذر 3/ 396. (¬4) في (م): يسلم. (¬5) "سنن ابن ماجه" (920). (¬6) في (م): لا. (¬7) من (م). (¬8) من (س، ل، م). (¬9) في (م): الثالثة.

في (الثانية) (¬1) أم الكتاب "وألهاكم". (ويركع ويسجد) سجدتين (وهو قاعد ثم يدعو بما شاء الله أن يدعو) قد يحتج به من منع أن يدعو إلا بما جاء عن الله تعالى أو عن رسوله (ثم يسلم) من الصلاة (وينصرف) إلى فراشه. (ولم تزل تلك صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بدن) بفتح الباء الموحدة وضم الدال وتخفيفها بدانة مثل ضخم ضخامة فهو بدين أي عظم بدنه بكثرة لحمه، وكذا ورد [في حديث] (¬2): "لا تبادروني بالركوع والسجود فإني [قد بَدُنْت] (¬3) " (¬4). قال أبو عبيد: هكذا ورد في الحديث، قال: وإنما هو [بَدَّنت بالتشديد] (¬5) وقال المنذري: الصواب بَدَّن بفتح الباء والدال المشددة أي: كبر وأسن، وأنكر أبو عبيد وغيره التخفيف، وقالوا: لم تكن هذِه صفته، وأصح الروايتين التخفيف. قال المنذري: وفي حديث عائشة، يعني: المتقدم ما يصحح الروايتين، وهو قولها: "فلما أسن وأخذ اللحم". وقد جاء في صفته - صلى الله عليه وسلم -: بادن. من حديث ابن أبي هالة: بادن متماسك (¬6). أي: عظيم ¬

_ (¬1) في (م): الثامنة. (¬2) من (س، ل، م). (¬3) في (ص، س، ل): بادنت، وفي (م): بايت. (¬4) سلف برقم (619). (¬5) من "النهاية" (بدن). (¬6) أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" 22/ 15 (414)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (1430).

البدن مشدود اللحم غير منهوكه (¬1). وأردف (بادن) بالمتماسك وهو الذي يمسك بعض أعضائه بعضًا، غير خوار البنية، وقولها (¬2): وأخذ اللحم. أي: زاد لحمه على ما كان قبل ولم يصل إلى حد السمن (¬3). (فنقص) بتخفيف القاف (من التسع) ركعتان (ثنتين) [أي: ركعتين] (¬4) فجعلها، أي: جعل (¬5) الثمان التي يقعد فيها والتاسعة التي يسلم فيها (إلى الست) التي يقعد فيها للتشهد. (والسبع) معناه تمام السبع، أي (¬6): فصلى بعد الست ركعة، تمت بها السبع وهو معنى قوله تعالى {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} إلى قوله: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} (¬7) أي (¬8): في تمام أربعة أيام (¬9)، ومعناه: في يومين آخرين تمت الجملة بها أربعة أيام. ومثله رواية مسلم: "من صلى على جنازة فله قيراط، ومن تبعها حتى توضع في القبر فقيراطان" (¬10)، [المراد قيراطان] (¬11) بالأول، ومنه ¬

_ (¬1) "مختصر سنن أبي داود" 2/ 101 بالهامش. (¬2) سقط من (م). (¬3) "مختصر سنن أبي داود" 2/ 101 بالهامش. (¬4) من (س، ل، م). (¬5) من (س، ل، م). (¬6) سقط من (م). (¬7) فصلت: 9 - 10. (¬8) سقط من (م). (¬9) سقط من (ل، م). (¬10) "صحيح مسلم" (945) (54). (¬11) سقط من (م).

حديث: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم (¬1) ثلاث عقد، فإن استيقظ وذكر الله تعالى انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة" (¬2)، فإن المراد بالعقدة الأولى، ومنه حديث: "من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله" (¬3). وصلى (ركعتيه) اللتين (¬4) بعد السبع (وهو قاعد) و (¬5) سلم وانصرف (حتى قبض) أي: قبضه الله تعالى (على ذلك) كله. [1347] (حدثنا هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي شيخ مسلم. (حدثنا يزيد بن هارون) السلمي الواسطي أحد الأعلام (حدثنا بهز بن حكيم) بن معاوية بن حيدة وثقه جماعة (¬6). (فذكر هذا الحديث بإسناده) و (قال) فيه (يصلي (¬7) العشاء) الآخرة (ثم يأوي إلى فراشه) و (لم يذكر الأربع ركعات) التي يصليها حين (¬8) يرجع إلى أهله. (وساق الحديث) المذكور، وقال فيه: (فيصلي ثماني ركعات ¬

_ (¬1) زاد في (ص): فيعقد. (¬2) أخرجه البخاري (1142)، ومسلم (776) (207). (¬3) أخرجه مسلم (656) (260)، والترمذي (221)، وأبو داود (555)، والدارمي (1224)، وأحمد 1/ 58. (¬4) في (ص، س): ركعتين اثنتين. (¬5) في (م): ثم. (¬6) "الكاشف" (651). (¬7) في (ص، س، ل): بعد. والمثبت من (م)، و"سنن أبي داود". (¬8) في (م): حتى.

يسوي) (¬1) لغة، واللغة المشهورة: [يساوي (بينهن) أي: يماثل (في القراءة والركوع والسجود) لعل هذِه المساواة] (¬2) فعلها لبيان الجواز، وإلا فالمشهور ما سيأتي في حديث زيد بن خالد: أنه صلى ركعتين خفيفتين، ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما [ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما] (¬3) [ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما] (¬4) (¬5) أو يقال: إن اللتين (¬6) سوى بينهن هو فيما إذا لم يجلس [بين كل ركعتين] (¬7) كما سيأتي، وفيه الجمع بين الحديثين. (ولا يجلس في شيء منهن إلا في الثامنة فإنه كان يجلس) فيها للتشهد. (ثم يقوم ولا يسلم) إلى التاسعة [ويقرأ (فيصلي ركعة ويوتر بها)] (¬8) ويسجد سجدتيها ويتشهد. (ثم يسلم تسليمة يرفع بها صوته) يشبه أن رفع الصوت (¬9) الشديد كان ¬

_ (¬1) زاد في (ص): بينهن في الركوع والسجود. وهي زيادة مقحمة. (¬2) من (ل، م). (¬3) من (ل، م). (¬4) من (ل). (¬5) أخرجه مالك في "الموطأ" (226)، ومسلم (765) (195). (¬6) في (ص، س، ل): التي. (¬7) في (م): بينهن. (¬8) سقط من (م). (¬9) في (م): القنوت.

يوقظ به أهله ليوتروا فيوقظهم للوتر تارة بيده وتارة [بشدة رفع] (¬1) صوته. (حتى يوقظنا) للوتر (ثم ساق معناه) المذكور. [1348] (حدثنا عمرو (¬2) بن عثمان، حدثنا مروان بن معاوية، عن بهز بن حكيم، حدثنا زرارة بن (¬3) أوفى، عن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - أنها سئلت عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: كان يصلي بالناس العشاء ثم يرجع إلى أهله فيصلي أربعًا ثم يأوي إلى فراشه. . . ثم ساق الحديث بطوله) كما تقدم. (ولم يذكر) أنه (يسوي بينهن) أي بين الركعات الثمانية (في القراءة والركوع والسجود) كما تقدم (ولم يذكر في التسليم) أنه يرفع صوته بالتسليم (حتى يوقظنا) (¬4) كما تقدم. [1349] (حدثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (حدثنا حماد بن سلمة، عن بهز) بن حكيم. (عن زرارة بن (¬5) أوفى، عن سعد بن هشام، عن عائشة بهذا الحديث وليس) هو (في تمام حديثهم) (¬6) المذكور. [1350] (حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد بن سلمة، عن ¬

_ (¬1) في (م): برفع. (¬2) في "سنن أبي داود": عمر. (¬3) زاد في (ص، س): أبي. وهي زيادة مقحمة. (¬4) انفرد بها أبو داود. قال الألباني في "صحيح أبي داود" (1218): حديث صحيح إلا: (الأربع) فالمحفوظ ركعتان، وإسناده ثقات لكنه منقطع. (¬5) زاد في (ص، س): أبي. (¬6) انفرد به أبو داود. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (1219): إسناده صحيح.

محمد بن عمرو، عن أبي سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف (عن عائشة - رضي الله عنها -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي من) جوف (الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر بسبع) ركعات (أو كما قالت) فيه كما قال أصحاب الحديث أنه ينبغي لمن روى الحديث بالمعنى أن يقول في آخره: أو كما قال أو نحو هذا، وما أشبه ذلك، فقد ورد ذلك (¬1) عن ابن مسعود وأبي الدرداء وأنس، وهم من (¬2) أعلم الناس بمعاني الكلام، وكذلك إذا شك الراوي أو المحدث في لفظة فأكثر فقرأها على الشك فإنه يحسن (¬3) أن يقول بعده: أو كما قال. قال (¬4) ابن الصلاح: وهو الصواب [في مثله] (¬5)؛ لأن قوله أو كما قال يتضمن إجازة من (¬6) الراوي وإذنًا في رواية (¬7) صوابها عنه إذا بان (¬8). (ويصلي ركعتين وهو جالس) ثم يسلم (و) يصلي (ركعتي الفجر) قائمًا (بين الأذان والإقامة) (¬9) ثم يضطجع إلى أن يأتيه المؤذن. [1351] (حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد) بن سلمة (عن ¬

_ (¬1) و (¬2) ليست في (م). (¬3) من (س، ل، م). (¬4) من (ل، م). (¬5) ليست في (م). (¬6) من (م). (¬7) زاد في (ص، س): عنه. وهي زيادة مقحمة. (¬8) "مقدمة ابن الصلاح" 1/ 120. (¬9) أخرجه أحمد 6/ 182 بمعناه. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (1220): إسناده حسن، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم.

محمد بن عمرو، عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث التيمي القرشي (عن علقمة بن وقاص، عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يوتر) قبل أن يبدن [ويسن (بتسع] (¬1) ركعات، ثم) لما بدن وأسن. (أوتر بسبع ركعات وركع ركعتين وهو جالس بعد الوتر) [كما تقدم (يقرأ فيهما) بأم الكتاب وما شاء الله تعالى. (وإذا أراد أن يركع قام فركع)] (¬2) من قيام، فيه فضيلة الانتقال من هيئة إلى أكمل منها، وأما عكسه وهو الانتقال من هيئة إلى أدون منها كما لو صلى قائمًا ثم صلى في باقي الركعة جالسًا، وفيه خلاف عن أصحاب أبي حنيفة (¬3) كما تقدم (ثم سجد) (¬4) سجدتيه، ثم قعد وسلم. (قال المصنف) رحمه الله تعالى: (روى هذين الحديثين خالد بن عبد الله الواسطي) الطحان يكنى أبا الهيثم، أحد العلماء الصالحين، اشترى نفسه من الله تعالى ثلاث مرات (مثله) (¬5). (قال فيه: قال علقمة بن (¬6) وقاص: يا أمتاه) بضم الهمزة وتشديد الميم. (كيف كان يصلي الركعتين) وهو جالس؟ ، وقد جاء في رواية مسلم ¬

_ (¬1) في (س): بسبع. وفي (م): وترًا تسع. (¬2) سقط من (م). (¬3) سبق تخريجه. (¬4) أخرجه مسلم (731) (114)، وأحمد 6/ 237 بسنده. (¬5) من (ل، م). (¬6) زاد هنا بعدها في (س، م): أبي.

عن عائشة - رضي الله عنها - أنه كان (¬1) يصليهما متربعًا. [(فذكر معناه) عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي متربعًا] (¬2) رواه النسائي والدارقطني والحاكم (¬3). قال المصنف (حدثناه وهب) [بن بقية] (¬4)، أخرج له مسلم (عن خالد) بن عبد الله الواسطي (¬5). [1352] (حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا هشام) ابن حسان القردوسي بضم القاف والدال المهملة نسبة إلى القراديس (¬6) بطن من الأزد نزلوا البصرة فنسبت المحلة إليهم، وقردوس بطن من دوس بن الحارث بن مالك، وكان هشام من العباد الصالحين البكائين، كذا قاله (¬7) السمعاني (¬8). (عن الحسن) البصري (عن سعد (¬9) بن هشام - رضي الله عنه - قال: قدمت المدينة فدخلت على عائشة - رضي الله عنها - فقلت: أخبريني عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) في جوف الليل. (قالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بالناس صلاة العشاء) ثم يرجع ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) سقط من الأصل، (س)، والمثبت من (ل، م). (¬3) أخرجه النسائي 3/ 224، والدارقطني 1/ 397، والحاكم في "المستدرك" 1/ 258. (¬4) في (م): عن نفسه. (¬5) انفرد بهذه الطريق أبو داود. (¬6) في (م): القردوس. (¬7) في (م): ذكره. (¬8) "الأنساب" 4/ 448 - 449. (¬9) في (م): سعيد.

إلى بيته فيصلي أربع ركعات (ثم يأوي إلى فراشه فينام، فإذا كان) هذِه كان التامة التي لا تحتاج إلى خبر، والمعنى: فإذا وجدوا في (جوف الليل قام إلى حاجته) فقضاها (وإلى طهوره) المعد له (فتوضأ) منه (ثم دخل المسجد) وهو (¬1) مصلاه الذي اتخذه في بيته مسجدًا (فصلى) فيه (ثماني ركعات يخيل) بضم الياء الأولى وتشديد الثانية المفتوحة التي بعد الخاء (إليَّ) من باب الوهم والظن، وهو مبني للمفعول. (أنه يسوي بينهن في القراءة والركوع والسجود ثم يوتر) بعدهن (بركعة، ثم يصلي الركعتين وهو جالس) ويسلم (ثم يضع جنبه) إلى الأرض (فربما جاء بلال) بن أبي رباح مولى أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أمه حمامة (فآذنه) بمد الهمزة أي: أعلمه (بالصلاة) فيه دليل على استحباب اتخاذ مؤذن راتب للمسجد، والأفضل أن يكون متطوعًا، وفيه جواز إعلام المؤذن الإمام بحضور الصلاة وإقامتها، واستدعائه لها، وقد صرح به أصحابنا وغيرهم (ثم يغفي) بضم الياء وكسر الفاء. قالت عائشة (وربما شككت) في أمره (أغفأ) بفتح الهمزتين أوله وآخره، وهمزة الاستفهام قبله محذوفة، ولهذا جاءت (أو لا) تقديره أو لم يغف، والإغفاء النومة الخفيفة. [(¬2) قال الهروي: وقل ما يقال: غفا (¬3) بدون الألف (¬4). قال صاحب ¬

_ (¬1) زاد في (ص، س): في. وهي زيادة مقحمة. (¬2) زاد في (ل): قال ابن السكيت ولا يقال غفوت. (¬3) زاد في (ل): يغفي. (¬4) "الغريبين" ص 1381.

"العين": أغفى (¬1) يغفي وغفى يغفِي (¬2) بكسر الفاء، يغفَى بفتحها، وأنكر ابن دريد غفوت في النوم (¬3)] (¬4). قال ابن السكيت: ولا تقل غفوت (¬5). (حتى يؤذنه) بلال (بالصلاة فكانت تلك صلاته حتى أسن) كبر (ولحم) بضم الحاء كذا لمسلم، أي أخذه اللحم كما في الرواية المتقدمة وتقدم الكلام عليها (فذكرت من) زيادة (لحمه (¬6) ما شاء الله) (¬7) من ذلك (وساق الحديث) إلى آخره. [1353] (حدثنا محمد بن عيسى) بن نجيح البغدادي الحافظ، له مصنفات عديدة. قال أبو حاتم: ثقة مبرز (¬8) (¬9). روى عنه البخاري تعليقًا. (حدثنا هشيم، أنبأنا حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين، هو ابن عبد الرحمن (¬10) السلمي (عن حبيب بن أبي (¬11) ثابت [ح]). ¬

_ (¬1) "العين" (غفو). (¬2) سقط من (م). (¬3) "جمهرة اللغة" (غفو). (¬4) من (ل، م). (¬5) "إصلاح المنطق" ص 167. (¬6) سقط من (م). (¬7) أخرجه النسائي 3/ 220، وأحمد 6/ 235. قال الألباني في "صحيح أبي داود" (1223): إسناده صحيح على شرط الشيخين. (¬8) بياض في (ص)، والمثبت من (س، ل، م). (¬9) "الجرح والتعديل" 8/ 39. (¬10) في (ص، س): عبد الله. والمثبت من (ل، م)، و"التهذيب" 6/ 519. (¬11) سقط من (م).

(وحدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن فضيل (¬1)، عن حصين، عن حبيب بن أبي (¬2) ثابت (¬3)، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه) علي بن عبد الله (عن) جده (ابن عباس - رضي الله عنهما -: أنه رقد) ليلة (عند النبي - صلى الله عليه وسلم -) وخالته ميمونة (فرآه استيقظ) من الليل (فتسوك) بالسواك المعد له عند النوم (وتوضأ) بالماء المعد له (وهو يقول) أي: يقرأ هذِه الآية: ({إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190)} حتى ختم السورة، ثم قام) إلى الصلاة (فصلى ركعتين) خفيفتين، ثم صلى ركعتين (أطال فيهما القيام والركوع والسجود، ثم انصرف) إلى فراشه (فنام حتى نفخ) ولمسلم: كنا نعرفه إذا نام بنفخه (¬4). يعني: من فيه (ثم فعل ذلك ثلاث مرات) في هذِه الثلاث (بست ركعات) في (كل) مرة من (ذلك يستاك ثم يتوضأ ويقرأ هذِه الآيات) في آخر آل عمران. (ثم أوتر، قال عثمان) بن أبي شيبة (¬5) في روايته: (بثلاث ركعات) روى الإمام أحمد والنسائي والبيهقي (¬6) والحاكم من رواية عائشة واللفظ لأحمد: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يوتر بثلاث لا يفصل بينهن. ولفظ الحاكم: لا يقعد (¬7) إلا في آخرهن. ¬

_ (¬1) في (ص): الفضل. والمثبت من (س، ل، م)، و"سنن أبي داود". (¬2) سقط من (م). (¬3) زاد في (ص): عن محمد بن ثابت. وهي زيادة مقحمة. (¬4) "صحيح مسلم" (763) (187). (¬5) من (س، ل، م). (¬6) "مسند أحمد" 42/ 126، "السنن الكبرى" للنسائي 2/ 156 بمعناه، "السنن الكبرى" للبيهقي 3/ 41، "المستدرك" 1/ 447. (¬7) في (ص، س): يفعل. والمثبت من (ل، م) وفي "المستدرك": يسلم.

(فأتاه المؤذن) الراتب، وهو بلال (فخرج إلى الصلاة) صلاة الصبح (وقال) محمد (بن عيسى) بن الطباع في روايته (ثم أوتر) بثلاث (فأتاه بلال) بن رباح. (فآذنه بالصلاة حين طلع الفجر) فيه دليل على جواز اتخاذ الأئمة مؤذنين اثنين (¬1)، وأن على المؤذن ارتقاب الفجر وغيره من الأوقات، وجواز إشعار الإمام بالوقت. (فصلى ركعتي الفجر) خفيفتين (¬2) (ثم خرج إلى الصلاة. ثم اتفقا) يعني: عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن عيسى: (وهو يقول: اللهم اجعل في قلبي نورًا) قال أبو القاسم القشيري: منور القلوب بالدلائل يعني والبراهين القاطعة. قال القاضي: حقيقة (¬3) النور أنه الذي تنكشف به الأمور، وتظهر المخبآت، وتنكشف الحجب عن [القلوب والسرائر] (¬4). (واجعل في لساني نورًا، واجعل في سمعي نورًا، واجعل في بصري نورًا، واجعل خلفي نورًا وأمامي نورًا واجعل من فوقي نورًا ومن تحتي نورًا) قال العلماء: سأل النور في أعضائه وجهاته الست، والمراد به بيان الحق وضياؤه والهداية إليه، فسأل النور في جميع أعضائه وجسمه وتصرفاته وتقلباته وحالاته حتى لا يزيغ شيء منها عنه (¬5). ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) من (س، ل، م). (¬3) في (م): صفة. (¬4) "إكمال المعلم" 3/ 75، وفي (م): القلب والسوائر، وفي (ل): القلب والسرائر. (¬5) "شرح النووي على مسلم" 6/ 45.

قال في "النهاية": كأنه قال: اللهم استعمل هذِه الأعضاء مني في الحق، واجعل تصرفي وتقلبي فيها على سبيل الصواب والخير (¬1). (وأعظم لي نورًا) (¬2) أي: كثره لي وعظمه، وهو عام يشمل نور الدنيا ونور يوم (¬3) القيامة، فإن الناس يتفاوتون فيه، منهم من يكون نوره على قدر الجبل (¬4) وأدناهم نورًا مَن نوره على قدر إبهامه. [1354] (حدثنا وهب بن بقية (¬5)، عن خالد) بن عبد الله بن عبد الرحمن الطحان المزني الواسطي. (عن حصين نحوه) (¬6) نحو ما تقدم. (وأعظم لي نورًا قال المصنف) رحمه الله تعالى (وكذلك قال أبو خالد) يزيد بن عبد الرحمن بن أبي سلامة (الدالاني) بتخفيف النون، قيل: إنما نسبه إلى دالان بن سابقة بن ياسر بطن من همدان، كان ينزل في بني دالان فنسب إليهم وليس منهم (¬7). قال ابن دريد: دالان ضرب من مشي (¬8) الفرس (¬9) (عن حبيب) بن ¬

_ (¬1) "النهاية" (نور). (¬2) رواه مسلم (763) (191). (¬3) سقط من (م). (¬4) بياض في (ص)، وفي (س): العبد. (¬5) في (م): منبه. (¬6) انفرد أبو داود بهذا الطريق وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1235). (¬7) "اللباب في تهذيب الأنساب" 1/ 488. (¬8) في (ص): قسي. والمثبت من (س، ل، م) و"الاشتقاق". (¬9) "الاشتقاق" 1/ 426.

أبي ثابت (في هذا، وكذلك قال في [هذا الحديث] (¬1)، وقال) سلمة (¬2) (ابن كهيل عن أبي رشدين) بكسر الراء وسكون المعجمة وكسر الدال، هو كريب بن أبي (¬3) مسلم مولى ابن عباس - رضي الله عنهما -[روى عنه] (¬4) ابناه رشدين ومحمد (عن) مولاه (¬5) عبد الله (بن عباس) - رضي الله عنهما -. [1355] (حدثنا محمد بن بشار) بندار (¬6) (حدثنا أبو عاصم) النبيل، واسمه: الضحاك بن مخلد الشيباني مولاهم. (حدثنا زهير بن محمد، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن كريب) بن أبي مسلم كنيته أبو رشدين مولى عبد الله بن عباس. (عن الفضل بن عباس - رضي الله عنهما - قال: بت ليلة عند النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنظر كيف يصلي بالليل) فيه فضيلة الذهاب إلى أهل العلم ورؤيتهم في تعبداتهم يقتدوا بهم [في أفعالهم] (¬7) وليبلغوا ذلك إلى من لم يكن حاضرًا (فقام) ليقضي حاجته. (فتوضأ وصلى ركعتين) خفيفتين، ثم ركعتين طويلتين (قيامه مثل ركوعه وركوعه مثل سجوده) فيه فضيلة تطويل الركوع والسجود في ¬

_ (¬1) في (س، ل، م): هذاك. (¬2) "اللباب في تهذيب الأنساب" 1/ 488. (¬3) سقط من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) زاد في (ص، س): بن. وهي زيادة مقحمة. (¬6) في (م): غندار. (¬7) من (م).

قيام الليل (ثم نام، ثم استيقظ فتوضأ) [وضوءه للصلاة] (¬1) (واستن) (¬2) بعود من أراك (¬3)، الاستنان استعمال السواك، وهو افتعال من الإسنان [لأنه يمره عليها، ففيه تسمية الشيء باسم محله ومكانه، وظاهره أنه استاك] (¬4) بعد كمال وضوئه، وليس كذلك لما رواه المصنف عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يرقد من ليل أو نهار فيستيقظ إلا تسوك قبل أن يتوضأ (¬5)؛ ولأن السواك مشروع لإزالة الرائحة الكريهة وإزالة الرائحة قبل الوضوء أو عند المضمضة في أثنائه (¬6) (ثم قرأ بخمس آيات من آل عمران) أولها ({إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ}) إلى قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} (¬7) (فلم يزل يفعل هذا حتى صلى عشر ركعات) يسلم بين كل ثنتين (ثم قام) إلى الصلاة (فصلى سجدة واحدة وأوتر بها ونادى المنادي) يعني: المؤذن بلال (عند ذلك) إلى الصلاة (فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) إلى الصلاة (بعدما سكت المؤذن، فصلى) ركعتي الفجر (سجدتين خفيفتين ثم جلس) بعد الركعتين ثم اضطجع ثم جلس وخرج (وصلى الصبح) ثم جلس في مصلاه حتى طلعت الشمس. ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) كتب في (ل): نسخه واستاك. (¬3) في (ص، س): تلك. والمثبت من (ل، م). (¬4) سقط من "الأصل"، والمثبت من باقي النسخ. (¬5) أخرجه أبو داود (57)، وأحمد 6/ 121. (¬6) في (م): الثانية. (¬7) آل عمران: 190 - 194.

(قال المصنف: خفي) بكسر الفاء أي: اختفى (عَلَيَّ) الحديث (من محمد بن بشار بعضه) دون بعضه الآخر. [1356] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا وكيع، حدثنا محمد بن قيس الأسدي) الوالبي من أنفسهم كوفي، أخرج له الشيخان (عن الحكم بن عتيبة) (¬1) الكندي مولاهم، فقيه الكوفة. (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: بت عند خالتي ميمونة) بنت الحارث زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -. (فجاء (¬2) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[بعدما أمسى)] (¬3) وصلى بالناس العشاء (فقال: أصلى الغلام) فيه أمر الصبي بالصلاة والسؤال عن صلاته، وفيه أن ذلك لا يختص بأبيه وأمه، بل يأمره بذلك الوصي والحاكم ووصيه، وفيه أن (¬4) المضيف يذكر الضيف بالصلاة إن خشي عليه تركها. (قالوا: نعم، فاضطجع) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (حتى إذا مضى من الليل ما شاء الله) هو بمعنى حديث عائشة المتقدم: فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل. (قام) من النوم (¬5) فتسوك وقضى حاجته (فتوضأ) وضوءه للصلاة (ثم صلى سبعًا أو خمسًا) أو هنا ليست للشك ولا للإيهام، بل الظاهر أنها ¬

_ (¬1) في (س، م): عيينة. (¬2) في (م): فصلى. (¬3) بياض في (م). (¬4) من (س، ل، م). (¬5) في (ص): الليل. والمثبت من (س، ل، م).

للتقسيم والتنويع، والمعنى كما تقدم في حديث عائشة - رضي الله عنها -: أنه أوتر بتسع ركعات، منها الركعتان الخفيفتان، وبدونها سبعًا ثم (¬1) لما بدن أوتر بسبع منها الخفيفتان فهن بدونها خمسًا، وكان في صلاته - صلى الله عليه وسلم - نوعان: نوع في أول أمره وهو تسع، ونوع (¬2) لما بدن وهو سبع بالخفيفتين و [نظير أو] (¬3) للتنويع قوله تعالى: {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ} (¬4) فإنها عند الشافعية ليست للتخيير (¬5)، بل المحاربون على ثلاثة أنواع. قال الطبري (¬6): والأولى أنها للتعقيب، نظير قول القائل: إن جزاء المؤمنين عند الله يوم القيامة أن يدخلهم الجنة أو يرفع منازلهم [في عليين] (¬7)، أو يسكنهم مع الأنبياء والصديقين، فإن المعنى أن المقتصد في الجنة منزلته دون منزلة السابق بالخيرات، والسابق بالخيرات أعلى منه منزلة، والظالم لنفسه دونهما، وكلٌّ في الجنة (¬8) (أوتر بهن لم يسلم إلا في آخرهن) (¬9) للتشهد ثم يصلي ركعتين وهو جالس. ¬

_ (¬1) من (س، ل، م). (¬2) في (ص): ركعات. وفي (س): ركوع. والمثبت من (ل، م). (¬3) سقط من (م). (¬4) المائدة: 33. (¬5) "أسنى المطالب" 4/ 155. (¬6) من (ل، م). (¬7) سقط من (م). (¬8) "تفسير الطبري" 10/ 264 - 265. (¬9) انفرد بهذا اللفظ أبو داود، قال الألباني في "صحيح أبي داود" (1227): إسناده صحيح، وأخرجه أحمد 1/ 354 بمعناه من طريق وكيع به.

[1357] (حدثنا) محمد (بن المثنى، حدثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي، عن شعبة، عن الحكم) بن عتيبة (¬1). (عن سعيد بن جبير، عن) عبد الله (بن عباس - رضي الله عنهما - قال: بت في بيت خالتي ميمونة بنت الحارث) زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - (فصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء، ثم جاء) إلى بيته (فصلى أربعًا) أول ما دخل بيته (¬2). (ثم نام ثم قام) من النوم فأتى حاجته، ثم قام إلى شنٍّ معلقة فتوضأ (¬3) منها، ثم قام (يصلي فقمت عن يساره فأدارني فأقامني عن يمينه) قال القاضي (¬4) عياض: فسر (¬5) هذِه الإدارة في حديث محمد بن حاتم (¬6): فأخذ بيدي من وراء ظهره يعدلني كذلك إلى الشق الأيمن (¬7). وهذِه سنة في مقام الفرد عن إمامه (¬8) وإن كان صغيرًا، وحكم تناوله ما يحتاج عند الصلاة أو يضطر إليه، وفيه جواز العمل اليسير في الصلاة (¬9)، واحتج به الشافعية (¬10) والمالكية (¬11) على جواز صحة ¬

_ (¬1) في (س، م): عيينة. (¬2) من (س، م). (¬3) في (م): ثم توضأ. (¬4) سقط من (س، ل، م). (¬5) في (ص، س): فتثبت. (¬6) في (ص، س): جابر. (¬7) أخرجه مسلم (763) (192). (¬8) في (ص، س): أبي أمامة. والمثبت من (ل، م). (¬9) "إكمال المعلم" 3/ 69. (¬10) "المجموع" 4/ 203، و"العزيز شرح الوجيز" 2/ 184. (¬11) "المدونة" 1/ 178 - 179.

اقتداء المأموم بالإمام وإن لم ينو الإمام الإمامة، وبه قال جماعة من العلماء خلافًا لإسحاق وأحمد والثوري (¬1)، وأحد قولي الشافعي في منعهم ذلك على الجملة، ولغيرهم في منعه لغير الإمام والمؤذن الداعي إلى الصلاة، ولأبي حنيفة (¬2) في منعه ذلك للنساء دون الرجال، وفيه صحة صلاة من يعقل من الصبيان، وأنه مما يحض عليه الصبيان ويرغبون فيه. (فصلى خمسًا ثم نام حتى سمعت غطيطه) الغطيط: صوت يخرج مع نفس النائم وهو ترديده حيث لا يجد مساغًا، ومنه حديث نزول الوحي: فإذا هو محمر الوجه يغط (¬3). (أو خطيطه) الخطيط قريب من الغطيط، والغين والخاء متقاربتان في المخرج، وقال بعضهم: الخطيط بالخاء لا يعرف. وقال الجبائي (¬4): خط في نومه يخط مثل غط يغط (¬5). (ثم قام فصلى ركعتين) فيه أن النوافل تكون مثنى لا رباع. فإن قيل: قوله: فسمعت غطيطه أو خطيطه ثم قام فصلى، ولم يذكر وضوءًا، ولو توضأ لذكر، فالجواب يحتمل على القول (¬6) بعدم الوضوء أنه كما في ¬

_ (¬1) "مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج" (340). (¬2) "المبسوط" 1/ 342. (¬3) أخرجه البخاري (4329، 4985)، ومسلم (1180) (8). (¬4) في (ص): الخطابي، وانظر: "شرح أبي داود" للعيني 5/ 262. (¬5) "تاج العروس" (خلط). (¬6) في (ص): النوم. وفي (س): القوم. والمثبت من (ل، م).

الحديث المتقدم: أنه (¬1) كان تنام عينه ولا ينام قلبه (¬2). (ثم خرج) إلى المسجد (فصلى الغداة) فيه تسمية الصلاة (¬3) باسم وقتها. [1358] (حدثنا قتيبة) بن سعيد (حدثنا عبد العزيز بن محمد) [الدراوردي، من دارابجرد] (¬4) موضع بفارس، قال له أمير المؤمنين: ما الدراوردي؟ قال: لقب [أصلحك الله] (¬5) (عن عبد المجيد [عن يحيى] (¬6) بن عباد، عن سعيد بن جبير، أن ابن عباس - رضي الله عنهما - حدثه في هذِه القصة) يعني: قصة المبيت قال (¬7) فيها (قام فصلى ركعتين) ثم (ركعتين حتى صلى ثماني ركعات) مثنى مثنى (ثم أوتر بخمس) ركعات (لم يجلس بينهن) حتى تتامت (¬8) صلاته ثلاث عشرة ركعة. [1359] (حدثنا عبد العزيز بن يحيى) أبو الأصبغ الحراني، نسبة إلى حران مدينة بالجزيرة من ديار ربيعة. كذا قاله السمعاني (¬9)، ورده ابن ¬

_ (¬1) من (س، ل، م). (¬2) سبق تخريجه. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ص، س، ل): الدراورندي من داراورند. والمثبت من (م)، و"الأنساب" 2/ 529. (¬5) في (ص، س): أصلى. والمثبت من (ل، م)، و"رجال مسلم" 1/ 430. (¬6) من (ل، م). (¬7) من (م). (¬8) من (س، ل، م). (¬9) "الأنساب" 2/ 232.

الأثير، وقال: بل هي من ديار مضر (¬1). قال (حدثني محمد بن سلمة (¬2) عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير) بن العوام. (عن) عمه (عروة بن الزبير، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي) من الليل (ثلاث عشرة ركعة بركعتيه قبل الصبح، فصلى (¬3) ستًّا مثنى مثنى) خفيفتين ثم طويلتين ثم طويلتين دونها (ويوتر) بعد ذلك (بخمس لا يقعد بينهن إلا في آخرهن) (¬4) للتشهد. [1360] (حدثنا قتيبة) بن سعيد (حدثنا الليث، عن يزيد بن أبي [حبيب، عن] (¬5) عراك بن مالك، عن عروة، عن عائشة - رضي الله عنها - أنها أخبرته أن النبي - صلى الله عليه وسلم -[كان يصلي] (¬6) بالليل) (¬7) الباء بمعنى في، كقوله تعالى: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ} (¬8) أي في الليل (ثلاث عشرة ركعة، بركعتي) الباء بمعنى مع (¬9)، أي: مع ركعتي الفجر كقوله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ} (¬10) أي: مع الحق ¬

_ (¬1) "اللباب في تهذيب الأنساب" 1/ 354. (¬2) في (م): مسلمة. (¬3) سقط من (م). (¬4) أخرجه أحمد 6/ 275. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1230). (¬5) في (م): حبيبة. (¬6) في (ص): صلى. (¬7) كتب في (ل): نسخة: من الليل. (¬8) الصافات: 137 - 138. (¬9) سقط من (م). (¬10) النساء: 170.

(الفجر) (¬1) وبهذا الحديث يجمع بين (¬2) كثير من الروايات المتقدمة. [1361] (حدثنا نصر بن علي) الجهضمي (وجعفر بن مسافر) التنيسي (أن عبد الله بن يزيد) (¬3) المخزومي المدني (المقرئ) الأعور، وثقه أحمد وابن معين (¬4) (أخبرهما (¬5) عن سعيد بن أبي أيوب) مقلاص الخزاعي مولاهم المصري (عن جعفر بن ربيعة، عن عراك بن مالك، عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى العشاء) ثم نام (ثم صلى ثماني ركعات) [قال الكرماني] (¬6): وفي بعض نسخ البخاري: ثمان بفتح النون وهو شاذ. (قائمًا) يعني: مثنى مثنى كما تقدم (وركعتين بين (¬7) الأذانين) أي: بين الأذان والإقامة (ولم يكن (¬8) يدعهما) فيه دلالة على فضل ركعتي الفجر فإنهما من أشرف التطوع لمواظبته - صلى الله عليه وسلم - عليهما وعلى ملازمتهما وكثرة الأحاديث في فضلهما، ولهذا بوّب البخاري على هذا الحديث باب (¬9): المداومة على ركعتي الفجر. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (737) (124). (¬2) سقط من (س، ل، م). (¬3) في (ص): زيد. والمثبت من "التهذيب". (¬4) "تهذيب الكمال" 16/ 318. (¬5) في (م): أحدهما. (¬6) من (م). (¬7) في (ص، س، ل): بعد. (¬8) من (م)، و"سنن أبي داود". (¬9) من (س، ل، م).

(قال جعفر بن مسافر في حديثه) [عن عبد الله] (¬1) بن يزيد. . إلى آخره. (وركعتين جالسًا بين الأذانين) هذا فعله بعض الأحيان وهو شاذ لا أصل له، كذا قاله ابن الملقن (¬2) في "شرح المنهاج". [1362] (حدثنا أحمد بن صالح) المصري (ومحمد بن سلمة المرادي قالا: حدثنا ابن وهب، عن معاوية بن صالح، عن عبد الله بن أبي (¬3) قيس) [شامي تابعي] (¬4). (قال: قلت لعائشة - رضي الله عنها -: بكم كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوتر) من الليل؟ (قالت: كان (¬5) يوتر بأربع وثلاث) يعني بسبع ركعات، بأربع متصلة وركعتين ثم ركعة، كما تقدم في حديث علقمة عن عائشة، [(وست وثلاث) يعني بتسع كما في حديث علقمة عن عائشة] (¬6) لكنه بلفظ: "كان يوتر بتسع ركعات ثم أوتر بسبع ركعات". فالواو لا تقتضي الترتيب، فالذي على الترتيب كان يوتر بست وثلاث، وأربع (¬7) وثلاث. (وثلاث وعشر) (¬8) تقدم أنه (¬9) - صلى الله عليه وسلم - كان يوتر [بثلاث عشرة ركعة. (وثمان وثلاث) وهي إحدى عشرة ركعة مثنى مثنى أفضل، وردت الأحاديث المتقدمة بجواز غيره. ¬

_ (¬1) في (ص): عبد. والمثبت من (س، ل، م). (¬2) "عمدة المحتاج" قيد التحقيق عندنا في دار الفلاح، وكلامه في "التوضيح" 9/ 136. (¬3) و (¬4) و (¬5) سقط من (م). (¬6) من (م). (¬7) سقط من (س، ل). (¬8) في (م): عشرة. (¬9) زاد في (م): كان.

(ولم يكن يوتر بأنقص من سبع) وقد تقدم في حديث علقمة عن عائشة - رضي الله عنها -: "أنه كان يوتر بتسع ركعات ثم أوتر بسبع ركعات"] (¬1). قال الغزالي في "الوجيز": يشبه أن يكون المراد من هذا التهجد المأمور به هو الوتر (¬2)؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان (¬3) يحيي الليل بوتره، وكان واجبًا عليه. وقد ذكر (¬4) الشافعي في "الأم" و"المختصر" (¬5) نحو ذلك، لكن ذكر الغزالي ما يخالفه في كتاب النكاح في الكلام على الخصائص فإنه قال: الأرجح أنه غيره (¬6). وهو مقتضى كلام "الشرح الصغير" هناك، وصرح به في كتابه المسمى بـ "التهذيب" (¬7)، وقال: إنه الأظهر، ووقع هذا الاختلاف في "الروضة" (¬8). (ولا بأكثر من ثلاث عشرة) هذا يرجح (¬9) ما صحح الرافعي في "مسند الإمام الشافعي" أن أكثره ثلاث عشرة ركعة (¬10) والمشهور في مذهب الشافعي أن أكثره إحدى عشرة. ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "العزيز شرح الوجيز" 2/ 125. (¬3) من (م). (¬4) في (ص): رد. وفي (س): ورد. (¬5) "الأم" 1/ 260، و"مختصر المزني" المطبوع مع "الأم" 9/ 24. (¬6) "روضة الطالبين" 7/ 3. (¬7) في (ص، س، ل): بالترتيب. والمثبت من (م). (¬8) "روضة الطالبين" 1/ 329. (¬9) في (م): ترجيح. (¬10) "العزيز شرح الوجيز" 2/ 120.

قال السبكي: أنا أقطع بأن من أوتر ثلاث عشرة جاز وصح وتره، ولكني أحب الاقتصار على إحدى عشرة فما دونها؛ لأن ذلك غالب أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1). (زاد أحمد بن صالح) شيخ المصنف رحمه الله تعالى (ولم يكن يوثر) بالثاء المثلثة كما سيأتي، وفي بعضها بالمثناة (¬2). (بركعتين قبل الفجر. قلت) و (ما) معنى (يوثر؟ قالت): معنى ذلك (لم يكن يدع) ويترك ويعدم (ذلك) أصلًا، ومنه في (¬3) الحديث "من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر (¬4) أهله" (¬5) قيل عدم (¬6) حميمه أو سلب حميمه (ولم يذكر أحمد) الراوي في روايته: كان يوتر (بست وثلاث) (¬7) وذكر ما عدا ذلك. [1363] (حدثنا مؤمل بن هشام، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن سهم أبو بشر المعروف بابن علية (عن منصور بن عبد الرحمن، عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي. ¬

_ (¬1) "فتح الوهاب" 1/ 102. (¬2) في (ل، م): بالمثلثة. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): أوثر. (¬5) أخرجه البخاري (552)، ومسلم (626) (200). (¬6) في (م): عد. (¬7) أخرجه أحمد 6/ 149، والبيهقي في "الكبرى" 3/ 450، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 285. قال ابن الملقن في "البدر المنير" 4/ 302: إسناده صحيح، وكذلك قال الألباني في "صحيح أبي داود" (1233).

(الهمداني) بسكون الميم (عن الأسود بن يزيد، أنه دخل على عائشة - رضي الله عنها - فسألها عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالليل) أي: في الليل، كما تقدم. (فقالت: كان يصلي ثلاث عشرة) بإسكان الشين على اللغة الفصحى كما تقدم (من الليل) منهما ركعتان وهو قاعد. (ثم إنه [صلى إحدى عشر ركعة وترك ركعتين]) (¬1) ترك الركعتين اللتين بعد الإحدى عشر وهو جالس، [ولهذا قال البيهقي في هذا الحديث ما يدل على أنه ترك الركعتين] (¬2) بعد الوتر، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ["اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا" والله أعلم هذا آخر كلامه (¬3). وحديث "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا" في الصَّحيحين (¬4). (ثم قبض حين قبض وهو يصلي من الليل تسع ركعات، وكان آخر صلاته من الليل الوتر) (¬5)، فإن كان له تهجد أخَّر الوتر (¬6) إلى أن يتهجد ثم يوتر، وإن لم يكن له تهجد أوتر بعد فريضة العشاء وراتبتها [كذا أطلقه الرافعي (¬7)، وتبعه عليه في "الروضة" (¬8) وليس على ¬

_ (¬1) في (ص، س، ل): ترك. والمثبت من (م). (¬2) من (ل، م). (¬3) "معرفة السنن والآثار" 2/ 324. (¬4) "صحيح البخاري" (472)، "صحيح مسلم" (751) (151). (¬5) انفرد أبو داود بهذه الرواية. وقال الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" (242): إسناده ضعيف. (¬6) في (ص، ر): الليل. والمثبت من (ل، م). (¬7) "العزيز شرح الوجيز" 2/ 125. (¬8) "روضة الطالبين" 1/ 329.

إطلاقه، بل يوتر بعد فريضة العشاء وراتبتها] (¬1) من لا يثق من نفسه بالاستيقاظ آخر الليل. [1364] (حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث) الفهمي بفتح الفاء شيخ مسلم، قال (حدثني أبي، عن جدي) يعني: الليث بن سعد (¬2) (عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن مخرمة بن سليمان: أن كريبًا مولى ابن عباس [أخبره أنه] (¬3) قال: سألت ابن عباس - رضي الله عنهما - كيف كانت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالليل؟ ) فيه شدة اعتناء الصحابة والسلف الصالحين - رضي الله عنهم - بالسؤال عن أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وتعبداته في العلانية والسر. (قال: بت عنده) يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - (ليلة وهو عند) خالتي (ميمونة) بنت الحارث (فنام - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا ذهب ثلثا (¬4) الليل) وبقي ثلثه الآخر (أو) ذهب (نصفه) و [بقي] (¬5) النصف الثاني. (استيقظ) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (قام) (¬6) فيه حذف حرف العطف تقديره: فقام، وحذف الفاء أقل من حذف واو العطف، وحمل على حذف الواو قوله تعالى: {إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ} (¬7) تقديره: وقلت، وقيل: قلت هو الجواب، ورواية البخاري: فجلس يمسح النوم عن ¬

_ (¬1) من (ل، م). (¬2) في (م): سعيد. (¬3) سقط من (م). (¬4) كتب في (ل): نسخة ثلث. (¬5) في (ص، س): هو. (¬6) سقط من (م)، وفي (س، ل): قام نسخة فقام. (¬7) التوبة: 92.

وجهه (¬1). (إلى شنّ) بفتح الشين، زاد في مسلم وغيره: شن معلق (¬2). أي قربة خلقة، وجمعها شنان، وهي الأسقية الخلقة، ويقال للواحد أيضًا شنة، وهي أشد تبريدًا للماء (¬3) من الجدد، وفي حديث آخر: "هل عندكم ماء بات في شنة" (¬4). وفي رواية أخرى: ثم عمد إلى شجب من ماء (¬5). قال الإمام: الشجب: السقاء الذي قد أشن وأخلق (¬6). وقال بعضهم: هو سقاء شاجب أي: يابس (¬7) (فيه ماء، فتوضأ وتوضأت معه) فيه ما كان عليه (¬8) - رضي الله عنه - وأمثاله من الحرص على الخير وتعلم العلم، والاقتداء به - عليه السلام -، والاقتباس منه، وحفظ أقواله وأفعاله من صغره، وحسن الأدب معه في تأخر أفعاله عن أفعاله (ثم قام فقمت إلى جنبه على يساره، فجعلني على (¬9) يمينه) فيه ما تقدم. (كأنه (¬10) يمس) بفتح الميم كما قال تعالى: {لَا يَمَسُّهُ} (¬11) (أذني ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (183). (¬2) "صحيح مسلم" (763) (182). (¬3) من (ل، م). (¬4) أخرجه البخاري (5613). (¬5) أخرجه مسلم (763) (183). (¬6) "النهاية" (شجب). (¬7) "تهذيب اللغة": (شجب). (¬8) سقط من (م). (¬9) في (م): عن. (¬10) في (م): كان. (¬11) الواقعة: 79.

كأنه يوقظني) وفي بعض طرق الحديث: فكنت إذا أغفيت (¬1) يأخذ بشحمة أذني (¬2) يفتلها. فقد بين بهذا الحديث أنه إنما فعله لينبهه من النوم، وفيه دليل على جواز مراقبة الإمام المأموم وتنبيهه إذا نعس أو نام في الصلاة، في ركوع أو سجود ونحو ذلك، سواء كان المأموم صغيرًا أو كبيرًا، قريبًا منه أو أجنبيًّا. (فصلى ركعتين خفيفتين) فيه ابتداء التهجد بركعتين خفيفتين كما تقدم تنشيطًا للعبادة. (قلت: قرأ فيهما) يحتمل أن يكون قد التحقيقية فيه (¬3) مقدرة، التقدير: قلت: قد قرأ فيهما، وأجاز بعضهم أن زيدًا قام (¬4) على تقدير: لقد قام (¬5)، ثم حذفت قد التي للتحقيق. (بأم الكتاب في كل ركعة) منهما، وقد يؤخذ منه الاقتصار على الفاتحة في كل ركعة، وأنها سنة (ثم سلم) من الركعتين الخفيفتين. (ثم صلى حتى صلى إحدى عشرة ركعة بالوتر) وهو موافق لحديث عائشة - رضي الله عنها - ما زاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬6) في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة (¬7). (ثم نام) أي اضطجع على شقه الأيمن (فأتاه بلال) ¬

_ (¬1) في (ص، س): اعتقبت. (¬2) و (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ص، س): قدم. والمثبت من (ل، م). (¬5) من (س، ل، م). (¬6) زاد في (ل): ما زاد. (¬7) أخرجه البخاري (1147، 2013، 3569)، ومسلم (738) (125).

المؤذن كما تقدم (فقال: الصلاة) بالنصب على الإغراء (يا رسول الله) وهو موضح للروايات المتقدمة: فأتاه بلال (¬1) فآذنه بالصلاة. ففي هذا الحديث بيان للفظ الإعلام بالصلاة، وقد تقدم أنه يقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، الصلاة يا رسول الله. (فقام فركع ركعتين) خفيفتين (ثم) خرج و (صلى للناس) (¬2) أي بالناس، فيه دليل على تأخير ركعتي الفجر إلى أن يأتيه المؤذن لأن تقريبهما من الصلاة أفضل؛ لتحقق دخول الوقت وزوال الشك. [1365] (حدثنا نوح بن حبيب) القومسي، ثقة صاحب سنة والقومسي بضم القاف وسكون الواو وكسر الميم بعدها سين مهملة، هكذا ضبطه ابن السمعاني في "الأنساب" (¬3) والبكري في "معجم البلدان" (¬4). قال السمعاني: نسبة إلى قومس، وهي من بسطام إلى سمنان، وهما من قومس (¬5)، قال: (¬6) هو عمل مفرد بين الري وخراسان، ومدنها بسطام وسمنان والدامغان افتتحها عبد الله بن عامر في خلافة عثمان بن عفان سنة ثلاثين (¬7). ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) أخرجه مالك في "الموطأ" (265)، ومن طريقه البخاري (183، 992، 1198)، ومسلم (763) (182)، والنسائي 3/ 210، وابن ماجه (1363). (¬3) "الأنساب" 4/ 559. (¬4) "معجم البلدان" 4/ 414. (¬5) "الأنساب" 4/ 559. (¬6) هناك اسم غير مقروء في (ل، م). (¬7) "الروض المعطار" 1/ 485.

(ويحيى بن موسى) (¬1) البلخي السختياني (¬2) شيخ البخاري (قالا: حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن) عبد الله (بن طاوس) بن كيسان اليمامي، كان يختلف إلى مكة (عن عكرمة بن خالد) القرشي المخزومي المكي التابعي. (عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: بت عند خالتي ميمونة) زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - (فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - من الليل فصلى ثلاث عشرة ركعة) [وهو أكثر تهجده] (¬3) (منها ركعتا الفجر) الخفيفتين (فحزرت) بفتح الزاي، أي قدرت، ومنه: حزرت النخل أي خرصته (¬4) (قيامه في كل ركعة) سوى الركعتين المفتتح بهما، والركعتين المختتم بهما وهما ركعتا الفجر، فإن الأحاديث الصحيحة تخرجها من العموم (بقدر: {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ}) أي بقدر سورة {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} (لم يقل نوح) بن حبيب شيخ المصنف (منها ركعتا الفجر) (¬5) ورواية المثبِتْ مقدمة على النافي. [1366] (حدثنا) عبد الله بن محمد (القعنبي، عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو (عن أبيه) أبي بكر بن محمد بن عمرو بن ¬

_ (¬1) في (م): إسماعيل. (¬2) في (م): السجستاني. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ص، س): حزرت. (¬5) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (3868، 4706) ومن طريقه النسائي في "الكبرى" (400، 1425)، وأحمد 1/ 365. قال الألباني في "صحيح أبي داود" (1235): إسناده صحيح على شرط البخاري.

حزم الأنصاري المدني (أن عبد الله بن قيس بن مخرمة أخبره عن زيد بن خالد (¬1) الجهني) وكان صاحب لواء جهينة يوم الفتح (أنه قال: لأرمقن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الليلة) بالنصب على الظرف. (قال: فتوسدت عتبته) أي جعلتها تحت رأسي كالوسادة (أو فسطاطه) بضم الفاء وكسرها، قال الزمخشري: هو ضرب من الأبنية (¬2) في السفر دون السرادق (¬3)، والسرادق كل ما أحاط من مضرب أو خباء. وفي توسده العتبة أو الفسطاط دليل على كثرة تواضعهم لا سيما إذا كان بسبب تعلم علم، وفيه التواضع طلب العلم، وهذا من التجسس (¬4) المحمود الذي لا حرج (¬5) فيه. (فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين خفيفتين)، افتتح بهما قيام الليل كما تقدم القراءة فيهن. (ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين). هو بتكرار طويلتين ثلاث مرار، ولعله تأكيد في طول الأولتين اللتين هما دون الخفيفتين (ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما) في الطول (ثم صلى ركعتين) وهما (دون الركعتين (¬6) اللتين قبلهما) في الطول (ثم صلى ¬

_ (¬1) في (ص): خالد بن زيد. (¬2) في (م): الآنية. (¬3) "الفائق في غريب الحديث" (فسط). (¬4) في (ص، س، ل): التجسيس. (¬5) في (م): قدح. (¬6) من (س، ل، م).

ركعتين) هما (دون اللتين قبلهما) في الطول (ثم صلى ركعتين) تكميل ثنتي عشرة ركعة (دون اللتين قبلهما، ثم أوتر) قال عياض: فيه تنبيه على ما ذكرنا في تلفيق الروايات، وفيه أن الوتر واحدة؛ لأن تمام عددها اثنتي عشرة ركعة (¬1) ثم قال بعد قوله: ثم أوتر: (فذلك ثلاث عشرة ركعة) (¬2). يعني: بركعة (¬3) الوتر الواحدة. [1367] (حدثنا) عبد الله بن محمد (القعنبي، عن مالك، عن مخرمة ابن) (¬4) سليمان، عن كريب مولى ابن عباس - رضي الله عنهما - أن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - أخبره، أنه بات عند ميمونة) بنت الحارث (زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي خالته، قال: فاضطجعت) قال الكرماني (¬5): الظاهر [أن يقول] (¬6) اضطجع نحو بات فيكونا غائبين، أو يقول: بت نحو اضطجعت (¬7) فيكونا متكلمين، فأجاب أن (¬8) ابن عباس نقل الكلام بالمعنى أولًا وحكى لفظه بعينه ثانيًا تفننًا في الكلام، ويحتمل أن يقدر قبل لفظ فاضطجعت لفظ قال، فيكون الكلام أسلوبًا واحدًا (¬9) (في عرض) [بسكون ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) أخرجه مالك في "الموطأ" (266)، ومن طريقه مسلم (765) (195)، والنسائي في "الكبرى" (1336)، وابن ماجه (1362)، وأحمد 5/ 193. (¬3) في (ص، س): ركعتي. (¬4) في (م): عن. (¬5) سقط من (م). (¬6) سقط من (م). (¬7) سقط من (م). (¬8) من (م). (¬9) "عمدة القاري" 4/ 361.

الراء] (¬1) العرض هنا ضد الطول، قاله المنذري (¬2). قال: ويحتمل أن اضطجاع ابن عباس كان في عرضها عند أرجلهم أو رؤوسهم، قال: وقيل (¬3) (الوسادة) ها هنا الفراش، وقيل: الوسادة ها هنا المرفقة (¬4) والعرض ها هنا [بضم العين] (¬5) وهو الجانب والناحية وجعلوا رؤوسهم في طولها وجعل رأسه هو في الجهة الضيقة منها، قال: والرواية الأولى أكثر وأظهر من جهة المعنى (¬6). واضطجع (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طولها) وفيه أن الكبير لا يضطجع وينام حتى ينام الصغير. قال عياض: فيه تقريب القرائب والأصهار وتأنيسهم وبرهم وإدناء من هو في هذا السن، وكان حينئذٍ نحو ابن عشر سنين من ذوي محارمه، وفيه جواز اضطجاع الرجال مع (¬7) زوجاتهم بحضرة غيرهم ممن لا يستحيونه، قال: وقد جاء في بعض روايات هذا الحديث: عند خالتي ميمونة في ليلة كانت فيها (¬8) حائضًا (¬9). وهذِه الكلمة (¬10) وإن لم يصح حديثها فهي صحيحة المعنى حسنة جدًّا إذ لم يكن ابن عباس يطلب المبيت عند ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "مختصر سنن أبي داود" 2/ 106. (¬3) في (ص): جعل. والمثبت من (س، ل، م). (¬4) في (ص): المعروفة. وفي (س، ل): المفرقة. (¬5) من (س، م)، و"شرح سنن أبي داود" للعيني. (¬6) "شرح سنن أبي داود" للعيني 5/ 269. (¬7) في (ص، س، ل): من. والمثبت من (م). (¬8) من (م). (¬9) أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (11277). (¬10) في (م): العلة.

النبي - صلى الله عليه وسلم - في ليلة خالته، ولا يرسله أبوه على ما جاء في الحديث إلا في وقت يعلم أنه لا حاجة للنبي - صلى الله عليه وسلم - فيها إذ كان لا يمكنه ذلك مع مبيته معهما في وساد واحد، ولا أيضًا يتعرض هو لأذاه (¬1) بمنعه مما يحتاج إليه في ذلك. وفيه طلب علو السند في الرواية، وطلب اليقين، والقطع في أحكام الشريعة متى قدر على ذلك، ورفعة درجة المشاهدة على درجة خبر الواحد، إذ كان ابن عباس وزيد بن خالد قد يصلان إلى معرفة قيام النبي - صلى الله عليه وسلم - بسؤال ميمونة وغيرها، ولعلهما لم يسألا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك لنهيه عن كثرة السؤال، فتلطفا في مشاهدة ذلك حتى لا يختلجهما ريب ولا يعتريهما شك (فنام النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل) يحتمل أن يراد بهذا القليل كما في [الرواية التي (¬2) قبله] (¬3) السدس فإنه قال: حتى ذهب ثلث الليل أو نصفه كما في قوله تعالى: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} (¬4) ثم (استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلس يمسح النوم عن وجهه) معناه أثر الليل، وفيه استحباب هذا واستعمال المجاز. (ثم قرأ العشر (¬5) [الآيات الخواتيم]) (¬6) [ويروى خواتم] (¬7) (من سورة ¬

_ (¬1) في (ص): الإذاء. والمثبت من (س، ل، م). (¬2) ليست في (س، ل). (¬3) في (م): النهاية. (¬4) المزمل: 2 - 4. (¬5) في (م): القرآن. (¬6) في (ص، س): آيات لخواتيم. والمثبت من (ل، م). (¬7) سقط من (م).

آل عمران) فيه دليل على جواز تسمية سورة آل عمران خلافًا لمن كرهه وقال: إنما يقال السورة التي يذكر فيها آل عمران. (ثم قام إلى شنِّ) (¬1) بفتح الشين، وهو وعاء الماء إذا كان من أدم فأخلق (معلقة) الشن تؤنث باعتبار القربة، وتذكر باعتبار لفظ الأدم (فتوضأ فأحسن وضوءه) أي: توضأ بالإتمام والإتيان بجميع مندوباته. (ثم قام يصلي، قال عبد الله) بن عباس (فقمت فصنعت مثل ما صنع) أي: توضأت بنحوٍ مما توضأ، ويحتمل أن يريد به أعم من ذلك فيشمل النوم حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل ومسح النوم عن وجهه وقرأ العشر آيات والقيام إلى الشن والوضوء وإحسانه. (ثم ذهبت فقمت إلى جنبه فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده اليمنى على رأسي فأخذ بأذني) بضم الذال وسكونها (يفتلها) أي: يدلكها وذلك إما للتنبيه عن الغفلة كما تقدم وإما لإظهار المحبة. (فصلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين) ست مرات مجموعها ثنتا عشرة ركعة كما في الرواية قبلها. (قال القعنبي) ذكر الركعتين (ست مرات ثم أوتر) أي: أتى بركعة أخرى (ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن) وهو بلال (فقام فصلى ركعتين خفيفتين) هما ركعتا الفجر فتمت جملة الركعات ثلاث عشرة ركعة كما تقدم مرات (ثم خرج) إلى المسجد (فصلى الصبح) بالناس والله أعلم. ¬

_ (¬1) زاد في (ص، س، ل): معلق. وهي زيادة مقحمة.

28 - باب ما يؤمر به من القصد في الصلاة

28 - باب ما يُؤْمَرُ بِهِ مِنَ القَصْدِ فِي الصَّلاةِ 1368 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنِ ابن عَجْلانَ، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اكْلَفُوا مِنَ العَمَلِ ما تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللهَ لا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ العَمَلِ إِلَى اللهِ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ". وَكَانَ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ (¬1). 1369 - حَدَّثَنا عُبَيْد اللهِ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنا عَمِّي، حَدَّثَنا أَبِي، عَنِ ابن إِسْحاقَ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ إِلَى عُثْمانَ بْنِ مَظْعُونٍ فَجَاءَهُ فَقَالَ: "يا عُثْمانُ أَرَغِبْتَ عَنْ سُنَّتِي؟ ". قَالَ: لا والله يا رَسُولَ اللهِ، ولكن سُنَّتَكَ أَطْلُبُ. قَالَ: "فَإِنِّي أَنامُ وَأُصَلِّي، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَنْكِحُ النِّساءَ، فاتَّقِ اللهَ يا عُثْمانُ، فَإِنَّ لأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإنَّ لِضَيْفِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَصَلِّ وَنَمْ" (¬2). 1370 - حَدَّثَنا عُثْمان بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ كَيْفَ كَانَ عَمَلُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هَلْ كَانَ يَخُصُّ شَيْئًا مِنَ الأَيَّامِ قَالَتْ: لا، كَانَ كُلُّ عَمَلِهِ دِيمَةً، وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ ما كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَطِيعُ (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1970، 5861)، ومسلم (782). (¬2) رواه أحمد 6/ 268، والبزار في "المسند" 18/ 107 (49). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1239). (¬3) رواه البخاري (1987، 6466)، ومسلم (783).

باب ما يؤمر به من القصد في الصلاة (¬1) [1368] (حدثنا قتيبة بن سعيد) [قال (حدثنا الليث] (¬2) عن) محمد (ابن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبي سلمة) بن (¬3) عبد الرحمن. (عن عائشة - رضي الله عنها -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: اكلفوا) بهمزة وصل ولام مفتوحة يقال: كلفته بكسر اللام إذا تحملته، وكلفت بالشيء إذا ولعت به وأحببته، أي: تحملوا (من العمل ما تطيقون) الدوام عليه من غير مشقة. (فإن الله) تعالى (لا يملّ) بفتح الياء والميم (حتى تملوا) بفتح المثناة والميم أي: لا يترك الثواب حتى تتركوا العمل بالملل (¬4)، وقيل: حتى بمعنى الواو، والمعنى: لا يمل وتملوا. قال التيمي: معناه: إن الله لا يمل أبدًا (¬5) مللتم أنتم أم لم تملوا نحو قولهم: لا أكلمك حتى يشيب الغراب، ولا يصح التشبيه؛ لأن شيب الغراب ليس ممكنًا عادة بخلاف ملال العبادة (¬6). قال الكرماني: إنه صحيح؛ لأن المؤمن أيضًا شأنه (¬7) أن لا يمل من الطاعة، وهو قول ابن فورك. وقال ابن الأنباري: سَمَّى فعل الله مللًا على ¬

_ (¬1) في (ص، ل): القراءة. (¬2) سقط من (م). (¬3) من (م). (¬4) من (س، ل، م). (¬5) من (ل، م)، ومصادر التخريج. (¬6) "عمدة القاري" 1/ 403. (¬7) في (م): مضانه.

جهة المزاوجة كقوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} (¬1). (فإن أحب العمل إلى الله) تعالى (أدومه) أي: ما داوم عليه صاحبه. (وإن قل) وإنما قال - صلى الله عليه وسلم - ذلك خشية الإملال اللاحق بمن انقطع عن العبادة، وقد ذم الله تعالى من التزم فعل البر ثم قطعه بقوله تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} (¬2) وابن عمر لما ضعف عن العمل ندم على مراجعته - صلى الله عليه وسلم - في التخفيف عنه، وقال: ليتني قبلت رخصة النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3). وفيه دليل على فضيلة الدوام على العمل، وفيه بيان شفقته ورأفته - صلى الله عليه وسلم - بأمته؛ لأنه أرشدهم إلى ما يصلحهم، وهو ما يمكنهم الدوام عليه بلا مشقة؛ لأن النفس تكون فيه أنشط، ويحصل منه مقصود الأعمال، وهو الدوام عليها بخلاف ما يشق عليه؛ لأنه معرض لأن يترك كله أو بعضه، أو يفعله بكلفة فيفوته الخير الكثير (¬4) وإن قلّ ذلك العمل ودام فهو خير مما كثر وانقطع. (وكان إذا عمل عملًا أثبته) أي: لازمه وداوم عليه، وفي "صحيح مسلم" من حديث عائشة - رضي الله عنها -: كان آل محمد إذا عملوا عملًا أثبتوه (¬5). ولمسلم عن القاسم بن محمد: كانت عائشة إذا عملت العمل لزمته (¬6). ¬

_ (¬1) الشورى: 40. (¬2) الحديد: 27. (¬3) أخرجه البخاري (1975)، ومسلم (1159) (182). (¬4) في (م): كله. (¬5) "صحيح مسلم" (782) (215). (¬6) "صحيح مسلم" (783) (218).

[1369] (حدثنا [عبيد الله] (¬1) بن سعد) بن إبراهيم بن سعد، قال: (حدثني عمي) يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (حدثنا أبي) يعني: أب نفسه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن [بن عوف] (¬2) الزهري العوفي المدني (عن) محمد (بن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير. (عن عائشة - رضي الله عنها -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث إلى عثمان بن مظعون) بفتح الميم وسكون الظاء المعجمة بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح، أسلم بعد ثلاثة عشر رجلًا، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرًا، وكان حرم الخمر في الجاهلية، ونزل التحريم موافقًا له كما في موافقات عمر - رضي الله عنه - على ما ظهر لي (فجاءه فقال: يا عثمان، أرغبت (¬3) عن سنتي؟ ) رغبت عن الشيء إذا لم تُرِدْه (فقال: لا والله يا رسول الله) فيه جواز الحلف من غير استحلاف (ولكن سنتك) بالنصب مفعول مقدم. (أطلب) وتقديم المفعول دليل على (¬4) أنه شديد الاهتمام بأمر السنة، وشأن العرب تقديم الأهم، وكذا تقديم سائر المفعولات (¬5) كما ذكر أن أعرابيًّا سابب آخر فأعرض المسبوب عنه (¬6) فقال له السابّ: إياك أعني. ¬

_ (¬1) في (م): عبد الله. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (ص، س، ل): إن رغبت. والمثبت من (م)، و"سنن أبي داود". (¬4) من (ل، م). (¬5) في (م): المعمولات. (¬6) سقط من (م).

فقال له الآخر: وعنك أعرض، فقدما الأهم. ومن هذا قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (¬1) (قال) النبي - صلى الله عليه وسلم -: فإني (أنام وأصلي وأصوم وأفطر) رواية البخاري: "لكني (¬2) أصوم وأفطر وأصلي (¬3) وأرقد" (¬4) لكن قاله لجماعة، ولفظه عن أنس بن مالك (¬5) قال: جاء رهط إلى بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألون عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما أخبروها [كأنهم تقالوها] (¬6) فقالوا: وأين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم - قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فقال بعضهم: أما أنا [فإني أصلي] (¬7) الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم فقال: "أنتم الذين قلتم كذا، أما والله إني لأخشاكم لله (¬8) وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد". (وأنكح النساء) قوله: "وأنكح" النكاح (¬9) هنا الإصابة بدليل رواية الصَّحيحين: "وأمسُّ النساء" (¬10)، وفي الحديث دليل على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان ¬

_ (¬1) الفاتحة: 5. (¬2) في (ص، س): لكن. (¬3) من (ل، م)، و"صحيح البخاري". (¬4) "صحيح البخاري" (5063). (¬5) زاد في (م): عن ابن أنس. وفي (س، ل): عن أنس. (¬6) من (ل، م)، و"صحيح البخاري". (¬7) في (م): فأصلي. (¬8) في (ص، س): فيه. (¬9) في (م): النساء. (¬10) هذا لفظ أحمد 2/ 158، وفي قصة أخرى، ولفظ رواية الصحيحين: "وأتزوج النساء" البخاري (5063)، ومسلم (1401) (5) في قصة الجماعة.

يتوسط في إعطاء نفسه حقها، ويعدل فيها غاية العدل، فيصوم ويفطر وينام وينكح النساء ويأكل مما يجد من الطيبات كالحلوى والعسل ولحم الدجاج، وتارة يجوع حتى يربط على بطنه الحجر. وقال: "عرض علي (¬1) ربي أن يجعل لي بطحاء مكة ذهبًا فقلت: لا يا رب، ولكن أجوع يومًا وأشبع يومًا، فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك وإذا شبعت حمدتك وشكرتك" (¬2) فاختار النبي - صلى الله عليه وسلم - لنفسه أفضل الأحوال ليجمع بين مقامي الشكر والصبر والرضا. (فاتق الله) تعالى (يا عثمان) أي اسلك سبيل الكتاب والسنة واتّقِ ما عداها من الطرق، ويحتمل أن يراد بالتقوى الدوام عليها كقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا} (¬3) (فإن لأهلك عليك حقًّا) يريد أنه إذا داوم على الصوم ذابت نفسه وضعفت قواه فلم يستطع [القيام بحق] (¬4) أهله، وربما أضعفه الصيام عن التكسب للعيال والقيام بحقوق الزوجات، فيكون ترك الصيام في بعض الأيام أفضل، وإليه الإشارة بقوله: "فإن (¬5) لأهلك عليك حقًّا". وقد جاء في حق داود - عليه السلام -: "كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، ولا يفر إذا لاقى" (¬6) يشير إلى أنه لا يضعفه صيامه عن ملاقاة عدوه ومجاهدته (¬7) في سبيل الله؛ ولهذا روي عن ¬

_ (¬1) في (ص، س): لي. (¬2) أخرجه الترمذي (2347)، وأحمد 5/ 254. (¬3) النساء: 136. (¬4) في (ص): حق. وفي (س): بحق. (¬5) سقط من (م). (¬6) أخرجه البخاري (1977)، ومسلم (1159) (186). (¬7) في (ص): أن يجاهد، وفي (س، ل): ويجاهد.

النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه يوم الفتح وكان في رمضان: "إن هذا يوم قتال فأفطروا" (¬1)، وكان عمر إذا بعث سرية قال: لا تصوموا؛ فإن التقوي على الجهاد أفضل من الصوم. (وإن لضيفك عليك حقًّا) فيه دليل على أن المتطوع بالصوم إذا ضافه ضيف كان المستحب له أن يفطر ويأكل معه ليزيد في إيناسه (¬2)، وذلك نوع من إكرامه (وإن لنفسك عليك حقًّا) فيه إشارة إلى أن النفس وديعة لله عند ابن آدم، وهو مأمور أن يقوم بحقها، ومن حقها اللطف بها حتى توصل صاحبها إلى المنزل. قال الحسن: نفوسكم مطاياكم إلى ربكم فأصلحوا مطاياكم توصلكم (¬3) إلى ربكم (¬4). فمن وفى نفسه حظها (¬5) من المباح بنية التقوي بها (¬6) على تقويتها على أعمال الطاعات كان مأجورًا في ذلك كما قال معاذ: إني أحتسب نومتي كما أحتسب قومتي (¬7). ومن قصر في حقها حتى ضعفت وتضررت كان ظالمًا لها، وإلى هذا أرشده بقوله - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن عمرو: "إنك إذا فعلت ذلك تفهت (¬8) له ¬

_ (¬1) "مصنف عبد الرزاق" 5/ 302 (9688). (¬2) في (ص): البشاشة. (¬3) من (ل، م). (¬4) "فتح الباري" لابن رجب 1/ 140. (¬5) في (م): حقها. (¬6) في (م): به. (¬7) أخرجه البخاري (4342)، ومسلم (1733) (15). (¬8) في (س، م): تفهمت.

النفس وهجمت (¬1) له العين" (¬2)، ومعنى تفهت (¬3) بكسر الفاء: أعيت وكلت، ومعنى هجمت العين غارت، وقال لأعرابي جاءه فأسلم ثم أتاه من عام قابل وقد تغير فلم يعرفه، فلما عرفه سأله عن حاله فقال: ما أكلت بعدك طعامًا بنهار. فقال - صلى الله عليه وسلم -: "ومن أمرك أن تعذب نفسك" (¬4). فمن عذب نفسه بأن (¬5) حملها ما لا تطيق من الصيام ونحوه، فربما أثر ذلك في ضعف بدنه وعقله فيفوته من الطاعات الفاضلة أكثر مما حصله بتعذيب نفسه بالصيام (فصم) يومًا (وأفطر) يومًا لتجمع بين مقامي الصبر والشكر كما تقدم أصوم يومًا [وأفطر يومًا] (¬6)، فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك في تضرعي وافتقاري إليك، وإذا أفطرت وشبعت حمدتك وشكرتك وذكرتك في حمدي وشكري (وصلي ونم) واحتسب في نومك ما تحتسب في صلاتك؛ لأن النوم إعانة على الصلاة. [1370] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة) قال (حدثنا جرير) بفتح الجيم (عن منصور، عن إبراهيم) النخعي الكوفي. (عن علقمة) بن قيس (قال: سألت عائشة: كيف عمل) بالرفع (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ هل كان يخص شيئًا من الأيام) بعمل مخصوص. ¬

_ (¬1) في (م): هممت. (¬2) "معرفة السنن والآثار" 4/ 52 (5439). (¬3) في (س، م): تفهمت. (¬4) أخرجه النسائي في "الكبرى" (2743)، وابن ماجه (1741)، وأحمد 5/ 28. (¬5) من (م). (¬6) سقط من (س، ل، م).

(قالت: لا) قيل: سبب عدم تخصيصه - صلى الله عليه وسلم - يومًا من الأيام أو ليلة من الليالي بعمل من صلاة أو قراءة أو صيام أو غير ذلك من الأعمال خوفًا من المبالغة في تعظيمه بحيث يفتتن (¬1) به كما افتتن قوم بالسبت (¬2) وقيل: لئلا يعتقد وجوبه، وقيل: لئلا يؤدي تخصيص ذلك الإقبال عليه وترك غيره من الأعمال (كل عمله كان ديمةً) بكسر الدال وإسكان الياء، أي يدوم عليه ولا يقطعه، ومنه سمي المطر المتوالي ديمةً إذا كان دائمًا مع سكون فشبهت عمله في دوامه مع الاقتصاد بديمة المطر، وأصله الواو فانقلبت بالكسرة قبلها، وفي حديث حذيفة في ذكر الفتن: "أنها لآتيتكم ديمًا". أي أنها تملأ الأرض في دوام، فالديم جمع ديمة (¬3). (وأيكم يستطيع ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستطيع) من العمل، ومن تتبع أحواله - صلى الله عليه وسلم - في تهجداته وتعبداته ومواصلته على الصيام، وما خصه الله تعالى مع ذلك من القوة والأعمال الشاقة لشاهد العجب العجاب مما يذهل ذوي الألباب، لكنه كان - صلى الله عليه وسلم - يترك كثيرًا من الأعمال خشية أن يعمل به فيفرض عليهم. [والله - سبحانه وتعالى - أعلم، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم على نبيه الكريم. يتلوه: باب تفريع شهر رمضان. ¬

_ (¬1) في (ص): يفتن. (¬2) في (ص): افتن بيوم السبت. (¬3) "النهاية" (ديم).

[كتاب شهر رمضان]

[كِتَابُ شَهْرِ رَمَضَانَ]

1 - باب في قيام شهر رمضان

تفريع أبواب قيام شهر رمضان 1 - باب فِي قِيامِ شَهْرِ رَمَضانَ 1371 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُتَوَكِّلِ قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ - قَالَ الحَسَنُ فِي حَدِيثِهِ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ - عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُرَغِّبُ فِي قِيامِ رَمَضانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِعَزِيمَةٍ ثُمَّ يَقُولُ: "مَنْ قَامَ رَمَضانَ إِيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - والأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ كَانَ الأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلافَةِ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنه - وَصَدْرًا مِنْ خِلافَةِ عُمَرَ - رضي الله عنه -. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذا رَوَاهُ عُقَيْلٌ وَيُونُسُ وَأَبُو أُوَيْسٍ: "مَنْ قامَ رَمَضانَ". وَرَوى عُقَيْلٌ: "مَنْ صَامَ رَمَضانَ وَقامَهُ" (¬1). 1372 - حَدَّثَنا مَخْلَدُ بْنُ خالِدٍ وابْنُ أَبِي خَلَفٍ - المَعْنَى - قالا: حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ صامَ رَمَضانَ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ لَهُ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (37، 2008، 2009)، ومسلم (759).

ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذا رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ (¬1). 1373 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنِ ابن شِهابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى فِي المَسْجِدِ فَصَلَّى بِصَلاتِهِ ناسٌ ثُمَّ صَلَّى مِنَ القَابِلَةِ فَكَثُرَ النَّاسُ ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: "قَدْ رَأَيْتُ الذِي صَنَعْتُمْ فَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْكُمْ". وَذَلِكَ فِي رَمَضانَ (¬2). 1374 - حَدَّثَنا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، حَدَّثَنا عَبْدَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْراهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّاسُ يُصَلُّونَ فِي المَسجِدِ فِي رَمَضَانَ أَوْزاعًا فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَضَرَبْتُ لَهُ حَصِيرًا فَصَلَّى عَلَيْهِ بهذِه القِصَّةِ قَالَتْ فِيهِ: قَالَ - تَعْنِي النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّها النَّاسُ أَما والله ما بِتُّ لَيْلَتِي هذِه بِحَمْدِ اللهِ غافِلًا وَلا خَفِيَ عَلي مَكانُكُمْ" (¬3). 1375 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، أَخْبَرَنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنِ الوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: صُمْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَمَضانَ فَلَمْ يَقُمْ بِنا شَيْئًا مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى بَقِيَ سَبْعٌ فَقَامَ بِنا حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ فَلَمَّا كَانَتِ السَّادِسَةُ لَمْ يَقُمْ بِنا فَلَمَّا كَانَتِ الخَامِسَةُ قَامَ بِنا حَتَّى ذَهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ. فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ لَوْ نَفَّلْتَنا قِيامَ هذِه اللَّيْلَةِ. قَالَ: فَقَالَ: "إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيامُ لَيْلَةٍ". قَالَ: فَلَمَّا كَانَتِ الرَّابِعَةُ لَمْ يَقُمْ فَلَمَّا كَانَتِ الثَّالِثَةُ جَمَعَ أَهْلَهُ وَنِساءَهُ والنَّاسَ فَقَامَ بِنا حَتَّى خَشِينا أَنْ يَفُوتَنا الفَلاحُ. قَالَ: ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2014). (¬2) رواه البخاري (924، 1129)، ومسلم (761). (¬3) رواه أحمد 6/ 267. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1244).

قُلْتُ: ما الفَلاحُ؟ قَالَ: السُّحُورُ. ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِنا بَقِيَّةَ الشَّهْرِ (¬1). 1376 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ وَدَاوُدُ بْنُ أُمَيَّةَ أَنَّ سُفْيانَ أَخْبَرَهُمْ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ - وقَالَ دَاوُدُ: عَنِ ابن عُبَيْدِ بْنِ نِسْطاسٍ - عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا دَخَلَ العَشْرُ أَحْيا اللَّيْلَ وَشَدَّ الِمئْزَرَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَأَبُو يَعْفُورٍ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ نِسْطاسٍ (¬2). 1377 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الهَمْدانِيُّ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مُسْلِمُ بْنُ خالِدٍ، عَنِ العَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَإِذَا أُناسٌ فِي رَمَضانَ يُصَلُّونَ فِي ناحِيَةِ المَسْجِدِ فَقَالَ: "ما هؤلاء". فَقِيلَ: هؤلاء ناسٌ لَيْسَ مَعَهُمْ قُرْآنٌ وَأُبَي بْنُ كَعْبٍ يُصَلِّي وَهُمْ يُصَلُّونَ بِصَلاتِهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَصابُوا وَنِعْمَ ما صَنَعُوا". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَيْسَ هذا الحَدِيثُ بِالقَوِيِّ مُسْلِمُ بْنُ خالِدٍ ضَعِيفٌ (¬3). * * * باب تفريع أبواب شهر رمضان باب في قيام شهر رمضان [1371] (حدثنا الحسن بن علي) الحلواني (ومحمد بن المتوكل) بن ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (806)، والنسائي 3/ 83، 202، وابن ماجه (1327)، وأحمد 5/ 159، 163. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1245). (¬2) رواه البخاري (2024)، ومسلم (1174). (¬3) رواه ابن خزيمة 3/ 339 (2208)، وابن حبان 6/ 282 (2541)، والبيهقي 2/ 495. وضعفه أبو داود، والنووي في "خلاصة الأحكام" 1/ 580، والألباني في "ضعيف أبي داود" (243).

عبد الرحمن بن حسان العسقلاني ثقة من الحفاظ (¬1). (قالا: حدثنا عبد الرزاق (¬2)، أخبرنا معمر، قال الحسن) بن علي شيخ المصنف (في حديثه ومالك بن أنس، عن الزهري، عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن [بن عوف] (¬3) الزهري واسمه عبد الله المدني. (عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرغب في قيام شهر رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة) [قوله: بعزيمة، أي: ] (¬4) عزيمة الله (¬5) فريضته (¬6) التي افترضها، والجمع عزائم، وعزائم السجود: ما [أمر بالسجود] (¬7) فيها [(ثم يقول)] (¬8): (من قام رمضان) المراد بالقيام (¬9) هو: القيام بالطاعة في لياليه، وهذا القيام تطوع ليس بواجب، وبوَّب عليه البخاري باب تطوع قيام شهر رمضان من الإيمان. (إيمانًا) أي لأجل الإيمان بالله تعالى لا لغرض من الأغراض الدنيوية، ويحتمل أن يقدر مَن (¬10) قام لياليه في حالة الإيمان بالله تعالى، والمراد منه إما الإيمان بكل ما أوجبه (¬11) الإيمان بالله تعالى (¬12)، أو بأن هذا القيام حق وطاعة. [وبأنه سبب ومغفرة قال النووي: إيمانًا أي: تصديقًا به بأنه حق وطاعة (¬13)] (¬14). ¬

_ (¬1) "الكاشف" 3/ 92. (¬2) "مصنف عبد الرزاق" (7719). (¬3) من (س، ل). (¬4) من (ر). (¬5) من (ر). (¬6) في (س): فريضة الله. (¬7) في (س): أمره بسجود. (¬8) في (ر): قوله. (¬9) في (ر): من القيام. (¬10) في (م): زمن. (¬11) زاد في (م): الله تعالى. (¬12) زاد في (ر، س، ل): به. (¬13) "المجموع": 6/ 447. (¬14) من (ر).

(واحتسابًا) أي إرادة وجه الله تعالى لا للرياء ونحوه، فقد يفعل الإنسان الشيء (¬1) الذي يعتقد أنه صدق لكن لا يفعله مخلصًا بل لرياء أو خوف ونحوه. وفيه الحث على قيام رمضان، وعلى الإخلاص في الأعمال، (¬2) واحتسابًا: أي حسبة لله تعالى، يقال: (¬3) احتسب بكذا (¬4) أجرًا عند الله، والاسم الحسبة، وهي الأجر. فإن قلت: بما انتصب (إيمانًا) و (احتسابًا)؟ قلت: مفعول له، أو تمييز. فإن قلت: هل يصح (¬5) أن يكون [حالًا بأن يكون] (¬6) المصدر في (¬7) معنى اسم الفاعل أي: مؤمنًا محتسبًا؟ قلت: نظير المفهوم حينئذٍ أن قيام رمضان في حال (¬8) الإيمان. (غفر) الله (له ما تقدم من ذنبه) (¬9) قال المنذري: وفي حديث (¬10) قتيبة "وما تأخر" (¬11). قال: وانفرد بهذِه الرواية قتيبة بن سعيد عن سفيان وهو ¬

_ (¬1) ليست في (ر، س). (¬2) من (ر). (¬3) سقط من (ر). (¬4) في (ر): غدًا. (¬5) في (ر): يصلح. (¬6) من (ر). (¬7) في (ر): من. (¬8) في (ر): حالة. (¬9) الحديث أخرجه مسلم في "صحيحه" (759) (174)، والترمذي في "سننه" (808)، والنسائي في "المجتبى" 4/ 156 من طريق عبد الرزاق به. (¬10) زاد بعدها في الأصول: ابن. وهو خطأ. (¬11) أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (2512).

ثبت ثقة، وإسناده على شرط الصحيح. ورواه أحمد (¬1) بالزيادة بعد ذكر الصوم، بإسناد حسن (¬2). (فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأمر على ذلك، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدرًا من خلافة عمر - رضي الله عنه -) أي: استمر (¬3) الأمر بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلافة أبي بكر وصدر (¬4) خلافة عمر، كل واحد (¬5) منهم يقوم رمضان (¬6) [في أي وجه كان حتى جمعهم بعد ذلك في أثناء خلافة عمر على أُبيٍّ يصلي بهم] (¬7). (قال) المصنف (كذا رواه عُقيلُ) بضم المهملة مصغر، هو ابن خالد (¬8)] (¬9)، يعني: عن الزهري (ويونس وأبو أويس) (¬10) الأصبحي، واسمه عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي (¬11) عامر، روى عن الزهري، وأخرج له مسلم والأربعة (¬12) بلفظ (من قام رمضان) إيمانًا ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 2/ 385. (¬2) "الترغيب والترهيب" 2/ 54. (¬3) في (ر): أشهد. (¬4) في (ر): وصدرًا من. (¬5) في (ر): أحد. (¬6) من (ر). (¬7) ساقطة من (ل). (¬8) في (ر): مجالد. (¬9) سقط من (ر). (¬10) في (ر): يونس. (¬11) ساقطة من (م). (¬12) في (ر): هو.

واحتسابًا (وروى عقيل) عن الزهري "من صام رمضان وقامه" فجمع بين الصيام والقيام. [1372] (حدثنا (¬1) (¬2) مخلد بن خالد) الشعيري العسقلاني، شيخ مسلم (و) محمد بن أحمد (بن أبي خلف) القطيعي، شيخ مسلم (قالا: ثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري، عن (¬3) أبي سلمة) [عبد الله] (¬4) بن عبد الرحمن بن عوف. (عن أبي هريرة يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم -: من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه". وتقدمت روايته (¬5) عن أحمد بزيادة "وما تأخر (¬6) ". قوله من ذنبه: (من) إما متعلقة بقوله (غفر) أي: غفر من ذنبه ما تقدم وما تأخر، فهو منصوب المحل، أو هي مبينة لما تقدم [فهو مرفوع المحل لأن] (¬7) (ما تقدم) هو مفعول ما لم يسمَّ فاعله. فإن قلت: الذنب عام؛ لأنه اسم جنس مضاف، فهل يقتضي مغفرة ذنب يتعلق بحق الناس؟ أجاب الكرماني: لفظه مقتضٍ لذلك، لكن علم من الأدلة الخارجية ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) زاد في (ر): قوله. (¬3) سقط من (ر). (¬4) من (س، ر). (¬5) في (ر): الرواية. وفي (س، ل): رواية. (¬6) زاد في (م): من ذنبه. (¬7) في (م): فهي فرع المحلان.

أن حقوق العباد لا بد فيها من رضا الخصوم، فهو عام اختص بحق الله تعالى بالإجماع ونحوه، مما يدل على التخصيص. [(ومن قام] (¬1) ليلة القدر): سميت ليلة القدر (¬2) لما تكتب الملائكة من الأقدار والأرزاق والآجال التي تكون في تلك السنة، يظهرهم الله عليه ويأمرهم بفعل ما هو من وظيفتهم، وقيل: لعظم قدرها وشرفها، أو لأن من أتى بقيامها صار ذا قدر. قال الأذرعي: الذي قاله الأكثرون [أي: قول] الشافعي أن ليلة القدر ليلة الحادي والعشرين لا غير (¬3). والمراد من قيامها: كلها أو معظمها، وقيل: يكفي الأقل، وعليه بعض الأئمة حتى قيل: يكفي فيه فرض صلاة (¬4) العشاء. [(إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)] (¬5) (¬6). قال البغوي: قوله (واحتسابًا) أي: طلبًا لوجه الله تعالى وثوابه. يقال: فلان (¬7) يحتسب الأخبار (¬8) ويتحسبها أي: يطلبها (¬9). ¬

_ (¬1) في (ر): قوله. (¬2) ساقطة من (ر، م). (¬3) "مغني المحتاج" 1/ 450. (¬4) ساقطة من (م). (¬5) أخرجه البخاري (2014)، والنسائي في "المجتبى" 4/ 156، وأحمد 2/ 241، وابن خزيمة في "صحيحه" (1894) من طريق سفيان به. (¬6) سقط من (ر). (¬7) في (م): فلا. (¬8) من (م)، (ر)، (س). (¬9) "شرح السنة البغوي" 6/ 218.

[(قال) المصنف (كذا رواه يحيى بن كثير عن] (¬1) أبي سلمة) [بن عبد الرحمن (¬2). (و) رواه (محمد] (¬3) بن عمرو) بن علقمة بن وقاص الليثي [(عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (¬4). [1373] (حدثنا) عبد الله بن مسلمة (القعنبي، عن مالك (¬5) عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى في المسجد] (¬6) فصلى بصلاته) قال المهلب: فيه أن قيام رمضان بإمام ومأمومين سنة (¬7) (¬8)؛ لأنه - عليه السلام - صلى بصلاته (ناس) ائتموا به (¬9). وليس كما زعم بعضهم أنه سنة عمر [ابن الخطاب - رضي الله عنه -] (¬10) ولا صدق (¬11)؛ لأن الناس كانوا يصلون ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) أخرجه من هذِه الطريق مسلم (760) (175)، والنسائي في "المجتبى" 4/ 157، وأحمد 2/ 408، والدارمي في "سننه" (1776). (¬3) في (ر): عبد الله بن عبد الرحمن. (¬4) أخرجه من هذِه الطريق ابن ماجه (1326)، وأحمد 2/ 385، وابن حبان في "صحيحه" (3682). (¬5) "الموطأ" (248). (¬6) في (ر): قوله. (¬7) من (ر). (¬8) في (م): ومأموم. (¬9) "شرح صحيح البخاري لابن بطال" 3/ 118. (¬10) من (ل)، (م)، (س). (¬11) في (س): حده.

لأنفسهم أفرادًا، وإنما فعل عمر ليخفف (¬1) عنهم فجمعهم (¬2) على قارئ واحد يكفيهم القراءة ويفرغهم للتدبر. وفي "الموطأ" (¬3) وابن أبي شيبة (¬4) والبيهقي (¬5) عن عمر: أنه (¬6) جمع الناس على أُبي بن كعب، فكان يصلي بهم في شهر رمضان عشرين ركعة. [(ثم صلى من) الليلة] (¬7) (القابلة) يعني: الثانية (فكثر) بضم المثلثة (الناس) وأما عدد الركعات التي صلى بهم، فروى ابن حبان في "صحيحه" (¬8) من حديث جابر: أنه صلى بهم ثماني ركعات. خلافًا لما في الرافعي: أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى بالناس عشرين ركعة ليلتين. نعم ذِكْر العشرين ورد في حديث آخر رواه البيهقي (¬9) من حديث ابن (¬10) عباس: أن النبي صلى الله عليه وآله سلم كان يصلي في شهر رمضان في غير جماعة عشرين ركعة والوتر (¬11). زاد سليم (¬12) الرازي في كتاب "الترغيب" له: ويوتر بثلاث. قال البيهقي: تفرد به أبو شيبة إبراهيم بن ¬

_ (¬1) في (م، ر): التخفيف. (¬2) من (ر، س). (¬3) "الموطأ" (250). (¬4) "مصنف ابن أبي شيبة" (7785). (¬5) "السنن الكبرى" 2/ 496. (¬6) ساقطة من (م). (¬7) في (ر): قوله. (¬8) "صحيح ابن حبان" (2549). (¬9) "السنن الكبرى" للبيهقي 2/ 436. (¬10) سقط من (ر). (¬11) "الشرح الكبير" 4/ 264. (¬12) في (س، ل): مسلم.

عثمان (¬1) وهو ضعيف (¬2) [(ثم اجتمعوا من) (¬3) الليلة (الثالثة فلم يخرج إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما أصبح قال) لهم (قد رأيت الذي صنعتم) أي: من اجتماعكم وحرصكم على الصلاة جماعة (فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت] (¬4) أن تفرض عليكم) قال ابن بطال: يحتمل حديث عائشة معنيين: أحدهما: أنه يمكن أن يكون هذا القول منه - عليه السلام - في وقت فرض قيام الليل عليه دون أمته؛ لقوله: "لم يمنعني من الخروج إلا أني خشيت أن تفرض عليكم" (¬5)، فدل على أنه كان فرضًا عليه وحده، فيكون على معنى قول عائشة: إن كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليدع العمل (¬6). بمعنى أنه كان يدع إظهار العمل لأمته (¬7) ودعاءهم إلى فعله معه؛ لا أنها أرادت أنه كان يدع العمل أصلًا لأنه (¬8) كان أتقى أمته وأشدهم اجتهادًا، ألا ترى لما اجتمع الناس من (¬9) الليلة الثالثة والرابعة لم يخرج إليهم. ¬

_ (¬1) في (م): غياث. (¬2) "السنن الكبرى" للبيهقي 2/ 496. (¬3) في (م): آخر. (¬4) في (ر): قوله. (¬5) زاد بعدها في (ر): أخرجه م. (¬6) أخرجه البخاري في "صحيحه" (1128)، ومسلم في "صحيحه" (718) (77)، وسيأتي تخريجه مفصلًا في باب صلاة الضحى. (¬7) ليست في (س، ل). (¬8) في (م) لا أنه. (¬9) من (س).

والمعنى الثاني: أن يكون خشي من مواظبتهم على صلاة الليل معه أن يضعفوا عنها، فيكون مَن تركها عاصيًا لله في مخالفته لنبيه وتركه (¬1) اتباعه مُتوَعَّدًا بالعقاب على ذلك؛ لأن الله تعالى فرض اتباعه. فقال تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (¬2). وقال في ترك اتباعه: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬3)، فخشي على من (¬4) تركها أن يكون كتارك ما فرض عليه؛ لأن طاعة الرسول كطاعة الله تعالى، وكان - عليه السلام - رفيقًا بالمؤمنين (¬5). قوله (¬6) (وذلك في) شهر (رمضان) (¬7) قال (¬8) الكرماني: هذا من كلام عائشة ذكرَتْه إدراجًا في الحديث. [1374] (حدثنا (¬9) هناد بن السري، حدثنا (¬10) عبدة) بن سليمان (عن محمد (¬11) بن عمرو) بن علقمة بن وقاص (عن محمد (¬12) بن إبراهيم) ¬

_ (¬1) في (س): وترك. (¬2) الأعراف: 158. (¬3) النور: 63. (¬4) ليست في (س، ل). (¬5) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 3/ 117 - 118. (¬6) من (ر). (¬7) في (ر): خ م. (¬8) ساقطة من (ل). (¬9) سقطت من (ر). (¬10) و (¬11) سقطت من (ر). (¬12) زاد في (م): إذا.

التيمي [(عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان الناس يصلون في المسجد في رمضان] (¬1). قوله (¬2): (أوزاعًا) أي: جماعات متفرقة وضروب مجتمعة بعضها دون بعض، وأصله من التوزيع وهو الانقسام (¬3) أراد أنهم كانوا يتنفلون في المسجد متفرقين بعد صلاة العشاء. [(فأمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فضربت] (¬4) له حصيرًا) فيه دخول المرأة المسجد وضرب الخيمة والخباء في المسجد للمرضى، والحجرة للمصلين، وضرب الخيمة والحجرة أن ينصبه ويقيمه (¬5) على أوتاد مضروبة في الأرض، وقد يستدل بهذا على جواز أبنية الخلوة في المسجد للصلاة والنوم وغير ذلك. قوله (¬6) (فصلى عليه) يحتمل أن يعود الضمير [على ما] (¬7) هو معهود في الذهن، أي: على المكان الذي ضربت له الحصير، ولو أعاد الضمير لقال: صلى عليها، ولأن الحصير ضربت، أي: نصبت لتستره عن أعين الناظرين لا ليصلي عليها. وفيه (¬8) دليل شاهد لما يقوله أئمة اللغة أن تأنيث ¬

_ (¬1) ليست في (ر). (¬2) من (ر). (¬3) زاد في (م): إذا. (¬4) في (ر): قوله. (¬5) ليست في (س). (¬6) من (ر). (¬7) في (ر): فيما. (¬8) في (م): له.

الحصير بالهاء (¬1) عامي، فلا يقال: حصيرة، بل حصير كما في الرواية، فذكر الحديث. (بهذِه القصة) المذكورة من صلاته - صلى الله عليه وسلم - في المسجد، وأنه صلى بصلاته [الناس (¬2). (قالت) عائشة] (¬3) (فيه) أي: في هذا الحديث: قال (رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أيها الناس) فيه استحباب هذِه اللفظة في افتتاح الكلام الذي في الخطاب العام كالخطبة والمواعظ ونحو ذلك، (أما) بتخفيف الميم [(والله. ما بت) في (ليلتي] (¬4) (¬5) بحمد الله) جار ومجرور تعالى. فيه تقديم حمد الله تعالى على ذكر النعمة كما تقول: أنت بنعمة (¬6) الله فهم (¬7) ذكي. قوله (¬8) (غافلًا) بالفاء أي: لا ساهيًا ولا ناسيًا عن الاعتناء بمصالحكم وأموركم الأخروية والدنيوية، إنما أنا لكم كالوالد الشفوق، فجزاه الله تعالى أفضل ما جزا نبيًا (¬9) عن أمته [(ولا خفي علي] (¬10) مكانكم) الذي تصلون فيه في المسجد حتى قال - صلى الله عليه وسلم -[في ¬

_ (¬1) في (م): لها. (¬2) في (س، ل): ناس. (¬3) في (ر): ناس. (¬4) في (ر): قوله. (¬5) زاد في (س): هذِه. (¬6) في (ر): بحمد. (¬7) من (ر): فيهم. (¬8) في (ر). (¬9) في النسخ: نبي. والمثبت أصح لغة. (¬10) في (ر): قوله.

الصلاة] (¬1): "إني لأراكم من وراء ظهري" (¬2). [1375] ([حدثنا مسدد، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا داود] (¬3) بن أبي هند) واسم أبي هند دينار قاله. المصنف، البصري أحد الأعلام، رأى أنسًا - رضي الله عنه -. [(عن الوليد بن عبد الرحمن، عن جبير بن نفير) الحضرمي] (¬4). (عن أبي ذر) جندب بن جنادة [(قال: صمنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬5) رمضان) فيه تسمية رمضان بدون شهر، وكان عطاء ومجاهد يكرهان أن يقال: رمضان. قالا: وإنما يقال كما قال الله تعالى: شهر رمضان؛ لأنا لا ندري لعل (¬6) رمضان اسم من أسماء الله تعالى (¬7). وقال بعضهم: إذا (¬8) جاء مما لا يشكل أن المراد به الشهر كما في الحديث: صمنا رمضان. جاز، والصحيح أن يقال رمضان مطلقًا من غير تفصيل. قوله (¬9) (فلم يقم بنا) لفظ الترمذي: فلم يصلِّ بنا (¬10). (شيئًا) ¬

_ (¬1) سقط من (س، ل). (¬2) أخرجه البخاري (418)، ومسلم (424) (109) من حديث أبي هريرة. (¬3) في (ر): قوله. (¬4) سقط من (ر). (¬5) في (ر): قوله. (¬6) في (ل): لأن. (¬7) "شرح صحيح البخاري لابن بطال" 4/ 19. (¬8) في (م): إنما. (¬9) من (ر). (¬10) "سنن الترمذي" (806).

[منصوب بحذف حرف الجر، أي: في شيء] (¬1) ([من الشهر) شهر رمضان (حتى بقي) [بكسر القاف] (¬2) (سبع) ليالٍ كما لابن ماجه (¬3) يعني: من الشهر] (¬4) (فقام بنا) الليلة السابعة. كذا لابن ماجه يعني: قام بهم ليلة ثلاث وعشرين، وهي التي بعدها سبع ليالٍ، فإن العرب تؤرخ بالباقي من الشهر لا بالمواضي (¬5) [(حتى ذهب] (¬6) ثلث الليل) فيه دليل على قيام رمضان بالجماعة، وفيه فضيلة تطويل القيام والقراءة إذا رضي المأمومون. [(فلما كانت) الليلة (السادسة) التي تليها لابن ماجه] (¬7) (لم يقم بنا) شيئًا في الليلة الرابعة والعشرين، وهي التي بقي من الشهر فيها ست ليالٍ. (فلما كانت) الليلة (الخامسة) [التي تليها كما في ابن ماجه] (¬8) وهي ليلة الخامس والعشرين التي بقي من الشهر فيها خمس [ليالٍ (قام بنا حتى ذهب (¬9) شطر الليل) أي: نصفه، ولفظ ابن ماجه: قام (¬10) حتى مضى ¬

_ (¬1) من (ل). (¬2) من (ل). (¬3) "سنن ابن ماجه" (1327). (¬4) في (ر): منصوب بحذف حرف الجر، أي في شيء، قوله: بقي بكسر القاف، وقوله. (¬5) في جميع النسخ الخطية: بالبواقي. والمثبت أليق بالسياق. (¬6) في (ر): قوله. (¬7) من (ل). (¬8) من (ل). (¬9) في (ر): قوله. (¬10) من (ر)، (ل).

نحو من شطر الليل. [(فقلت: يا رسول الله] (¬1) لو) معناها التمني، قيل (¬2): ومنه {فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} (¬3) أي: فليت لنا كرة، ويحتمل أن تكون للعرض نحو تنزل عندنا (¬4) فتصيب خيرًا، وكلا المعنيان فيه معنى الطلب. قوله (¬5) (نفلتنا) بتشديد الفاء، أي (¬6): زدتنا من الصلاة في (قيام هذِه الليلة) والنافلة: الصلاة الزائدة على الفريضة، وزاد النسائي (¬7) وابن ماجه في روايتهما بلفظ (¬8): لو نفلتنا (¬9) بقية ليلتنا هذِه. وقد يؤخذ منه جواز قيام كل الليل فإنه أقرهم (¬10) على جواز قيام كل الليل، وأرشدهم إلى ما هو الأفضل في حقهم. [(فقال: إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام] (¬11) ليلة) (¬12)، لفظ النسائي: "إنه من قام (¬13) مع الإمام حتى ينصرف كتب الله ¬

_ (¬1) في (ر): قوله. (¬2) من (ر)، (ل). (¬3) الشعراء: 102. (¬4) في (ر): علينا. (¬5) في (م): لو. وهي ساقطة من (ل). (¬6) ساقطة من (ل). (¬7) "سنن النسائي" 3/ 202. (¬8) سقط من (ر). (¬9) في (م): أنفلتنا. (¬10) في (م): أوهم. (¬11) في (ر): قوله. (¬12) في (ر، م): تلك الليلة. (¬13) في (م): داوم.

له قيام ليلة" (¬1)، لفظ ابن ماجه: "فإنه يعدل قيام ليلة". يشبه أن تختص هذِه الفضيلة بقيام رمضان؛ فإن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الرجل إذا [صلى مع] (¬2) الإمام". هو جواب عن سؤالهم: لو نفلتنا (¬3) قيام هذِه الليلة. والجواب تابع للسؤال، وهو تنفل قيام الليل، ويدل عليه قوله: "إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف". فذكر الصلاة مع الإمام، ثم أتى بحرف يدل على الغاية، والغاية لا بد لها من غاية ومعنى. فدل على أن هذِه الفضيلة إنما تتأتى إذا اجتمعت صلوات يقتدى بالإمام فيها، وهذا لا يتأتى في الفرائض المؤداة. ويجوز أن تدخل هذِه الفضيلة في الفرائض، كما جاء في رواية المصنف (¬4) والترمذي (¬5) عن عثمان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "من صلى العشاء والفجر في جماعة كان كقيام ليلة". وهذا يدل على أن (¬6) من (¬7) جمع بين هاتين الصلاتين مع إمام كتب له قيام ليلة، فإن الصحيح عند الشافعية (¬8) وغيرهم أن الجماعة تحصل بإمامٍ ومأموم فقط. ¬

_ (¬1) في (ر، س، ل): ليلته. (¬2) في (س، ل): تبع. (¬3) في (م): أنفلتنا. (¬4) "سنن أبي داود" (555)، وقد تقدم في باب: فضل صلاة الجماعة. (¬5) "سنن الترمذي" (221). (¬6) ساقطة من (ل). (¬7) من (ر)، (ل). (¬8) "الأم" 1/ 278، "المجموع" 4/ 196، 222.

(قال (¬1): فلما كانت) هذِه [كان التامة] (¬2) أي: لما حدثت الليلة (الرابعة) التي تليها كما في ابن ماجه، وهي الليلة السادسة والعشرون التي بقي من الشهر أربع ليالٍ (لم يقم) لفظ ابن ماجه: فلم يقمها حتى كانت الليلة (¬3) الثالثة. ويدل على ما قدمناه من معنى الحديث ما رواه الحاكم في "المستدرك" وقال: صحيح على شرط البخاري عن النعمان بن بشير: قمنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين إلى ثلث الليل، ثم قمنا معه ليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل، ثم قمنا معه ليلة سبع وعشرين حتى ظننا أن لا ندرك الفلاح (¬4). [الفلاح: الفوز والبقاء والنجاة، والسحور، والفلح لغة في الفلاح، وسمي السحور فلاحًا؛ لبقاء الصوم به قاله المنذري] (¬5) (¬6)، وفي هذا الحديث دليل ظاهر على فضيلة إفراد العشر الأخر من رمضان، لا سيما الثالث والعشرون والخامس والعشرون والسابع والعشرون [الآتية التي ختم بها، ويدل على ذلك أنه صلى بهم الأفراد دون الأزواج، وهن الرابع والعشرون] (¬7) والسادس والعشرون. ¬

_ (¬1) في (ر): قوله. (¬2) في (م): الثانية. (¬3) من (ل). (¬4) "المستدرك" 1/ 438. (¬5) من (ر). (¬6) هذا قول الخطابي في "معالم السنن" الملحق بمختصر المنذري 2/ 108 (1329). (¬7) سقط من (ر).

وفي الحديث دليل على أن الأفضل لمن قام في أفراد هذِه العشر أن الليلة الثالثة لما قبلها يكون القيام فيها أكثر، ألا ترى أنه زاد في الليلة الخامسة والعشرين [على الثالثة والعشرين] (¬1) سدس قيام ليله، فإنه قام بهم في الثالثة ثلث الليل، وفي الخامسة نصف الليل، وكذا في السابعة والعشرين سدس [قيام ليلة] (¬2) كما سيأتي (فلما [كانت) الليلة] (¬3) (الثالثة) التي بقي (¬4) بعدها ثلاث ليالٍ، وهي ليلة السابع والعشرين. ورواية النسائي: ولم يقم حتى بقي ثلاث (¬5) من الشهر فقام بنا في الليلة الثالثة. قوله (جمع أهله) عطف النساء على الأهل يدل على أن الأهل لم يرد بهم نساءه فإن العطف يقتضي المغايرة، فيحمل الأهل هنا على أولاده وبني عمه وغيرهم من الأقارب [(ونساءه) إضافته إلى الضمير يدل على أنه جمع جميع نسائه (و) اجتمع (الناس) كذا لابن ماجه] (¬6) (فقام بنا) أي: استمر بنا ودام من قولهم: قام بالشيء بمعنى دام وثبت [(حتى خشينا أن يفوتنا] (¬7) الفلاح) وللترمذي: فقام بنا حتى تخوفنا الفلاح. أي: حتى خفنا أن يفوتنا الفلاح. وقد اتفق ابن قدامة بهذا الحديث على أنه لو اتفق جماعة على إمام يرضون بالتطويل منه ويختارونه كان أفضل. قال: وقد كان السلف يؤثرون التطويل ويطيلون الصلاة حتى قال بعضهم: كانوا إذا انصرفوا يستعجلون ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل). (¬2) من (س). (¬3) في (ر): قوله. (¬4) سقط من (ر). (¬5) زاد في (م): ليال. (¬6) ساقطة من (ل). (¬7) في (ر): قوله.

خدمهم بالطعام مخافة طلوع الفجر، وكان القارئ يقرأ بالمئين (¬1). (قلت: وما الفلاح؟ قال: السحور) بفتح السين، وأصل الفلاح: الفوز والبقاء والنجاة، وسمي السحور فلاحًا؛ لأن بقاء الصوم به، والفلح بالقصر لغة [في الفلاح] (¬2) وفي حديث أبي الدحداح: بشرك الله بخير. وفلح، أي: فلاح، فهو مقصور من الفلاح (¬3). (ثم لم يقم بنا [بقية الشهر) ولابن ماجه: ثم لم يقم بنا] (¬4) شيئًا من بقية الشهر (¬5). [1376] ([حدثنا نصر] (¬6) بن علي) الجهضمي (وداود بن أمية) الأزدي (أن (¬7) سفيان) بن عيينة [(أخبرهم عن] (¬8) أبي يعفور) الأصغر، اسمه عبد الرحمن بن [عبيد بن] (¬9) نسطاس. (وقال داود) بن أمية في روايته عن أبي يعقوب عبد الرحمن [بن عبيد] (¬10) بن نسطاس بكسر النون وسكون السين وفتح الطاء المهملتين وبعد الألف سين ثانية، هكذا ضبطه السمعاني (¬11). (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح الهمداني الكوفي (عن (¬12) ¬

_ (¬1) "المغني" 2/ 606 - 607. (¬2) من (ر، ل). (¬3) ذكره ابن الأثير في "النهاية" مادة: فلح. (¬4) سقط من (ر). (¬5) زاد في (ر): وأخرجه ت ن ق. وقال ت: حسن صحيح. (¬6) و (¬7) سقط من (ر). (¬8) سقط من (ر). (¬9) من (ر، ل). (¬10) سقط من (ر). (¬11) "الأنساب" للسمعاني 5/ 486. (¬12) سقط من (ر).

مسروق) ابن الأجدع [(عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دخل (¬1) العشر) الأخر من رمضان] (¬2) (أحيا الليل) هذا لفظ مسلم (¬3)، وللبخاري: أحيا ليله (¬4). يحتمل [أن يراد] (¬5) إحياء الليل كله، وقد روي من حديث عائشة من وجه فيه ضعف بلفظ: وأحيا الليل كله. وفي "مسند أحمد" (¬6) من وجه آخر عنها [قالت: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم] (¬7) يخلط العشرين بصلاة ونوم فإذا كان العشر شمر وشد المئزر (¬8). وخرج الحافظ أبو نعيم بإسناد فيه ضعف عن أنس قال (¬9): كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا شهد رمضان قام ونام، فإذا كان (¬10) أربعًا وعشرين لم يذق غمضًا (¬11). ويحتمل أن يريد بإحياء الليل إحياء غالبه، وقد روى بعض المتقدمين من بني هاشم أظنه الراوي أبا جعفر محمد بن علي أنه فسر ذلك بإحياء نصف الليل، وقد قال: "من أحيا نصف الليل فقد أحيا الليل"، ويؤيده (¬12) رواية مسلم عن عائشة: ما [أعلم رسول الله] (¬13) صلى الله ¬

_ (¬1) في (م): حضر. (¬2) في (ر): قوله. (¬3) "صحيح مسلم" (1174) (7). (¬4) "صحيح البخاري" (2024). (¬5) سقط من (ر). (¬6) "مسند أحمد" 6/ 146. (¬7) في (ر): ما لو كان النبي. (¬8) "مسند أحمد" 6/ 146. (¬9) من (س). (¬10) سقط من (ر). (¬11) "حلية الأولياء" 6/ 306. (¬12) في (ر): هذِه. (¬13) في (ل): أعلمه.

عليه وآله وسلم قام ليلة حتى الصباح (¬1). وذكر جماعة من الشافعية (¬2) في إحياء ليلتي (¬3) العيدين أنه تحصل فضيلة الإحياء بمعظم الليل. وقيل: تحصل بساعة، وقد نقل الشافعي في "الأم" (¬4) عن جماعة من خيار أهل المدينة (¬5) ما يؤيده. وقال: مالك في "الموطأ" بلغني أن ابن المسيب قال: من شهد العشاء ليلة القدر - يعني: في جماعة - فقد [أخذ بحظه] (¬6) منها (¬7). [وكذا قال الشافعي في القديم: من شهد العشاء والصبح في جماعة (¬8) فقد أخذ بحظه منها] (¬9) (¬10). (وشد المئزر) بكسر الميم، والمئزر والإزار كملحف ولحاف، وهو كناية عن ترك الجماع واعتزال النساء، وبذلك فسره السلف والأئمة المتقدمون منهم الثوري (¬11)، وقد ورد [ذلك صريحًا من حديث عائشة وأنس وقد ورد] (¬12) تفسيره بأنه لم يأوي إلى فراشه لمبيته (¬13) حتى ينسلخ الشهر. وفي حديث أنس: وطوى فراشه واعتزل النساء (¬14). وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعتكف العشر الأواخر، والمعتكف ممنوع ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (747) (142)، والنسائي في "المجتبى" (1641). (¬2) "المجموع" 5/ 43. (¬3) في (ر): فضيلة. (¬4) "الأم" 1/ 384. (¬5) في (ر): العلم. (¬6) في (م): أحبر بحظ. (¬7) "الموطأ" (699). (¬8) من (ل، س). (¬9) بياض في (ر). (¬10) "المجموع" 6/ 451. (¬11) في (م): عنهم. (¬12) من (ر). (¬13) في (م): ليله، وفي قوله. (¬14) أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (5653).

من قربان النساء [بالنص والإجماع] (¬1). وقد قال طائفة من السلف في تفسير قوله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} (¬2) أنه طلب ليلة القدر، والمعنى في ذلك أن الله لما أباح مباشرة النساء في ليالي الصيام إلى [أن يتبين] (¬3) الخيط الأبيض (¬4) أمر مع ذلك بطلب ليلة القدر، ومنهم من قال: شد المئزر هي كناية عن شدة (¬5) جده والاجتهاد في العبادة، كما يقال: فلان [يشد وسطه] (¬6) يسعى في كذا، ويحتمل أن يكون كناية عنهما معًا، ولا تنافي في إرادة شد المئزر حقيقة بأن (¬7) يشد مئزره للاجتهاد في العبادة [وقوله (¬8): (وأيقظ أهله) (¬9)] (¬10) للصلاة في ليالي العشر دون غيره من الليالي، ويدل عليه حديث أبي ذر (¬11) قبله: فلما كانت الليلة الثالثة جمع أهله ونساءه، وذلك في ليلة سبع وعشرين خاصة. وهذا يدل على أنه يتأكد إيقاظهم في أكثر الأوتار التي يرتجى فيها ليلة القدر. وخرج الطبراني من حديث علي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يوقظ أهله في العشر الأواخر من رمضان، وكل صغير وكبير يطيق الصلاة (¬12). ¬

_ (¬1) في (م): في النظر والجماع. (¬2) البقرة: 187. (¬3) في (ل): تبين. (¬4) سقط من (ر، ل، س). (¬5) في (م): ستره. (¬6) في (م): بدون واسطه. (¬7) في (م): يأتي. والمثبت من (ر، ل). (¬8) ساقطة من (ل). (¬9) أخرجه البخاري (2024). (¬10) سقط من (م). والمثبت من (ر) وبعدها: أخرجه م ن ق. (¬11) في (م): الخبر. (¬12) أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (7425).

وقال سفيان الثوري: [أحب إليَّ إذا دخل] (¬1) العشر الأواخر من رمضان [أن يتهجد بالليل] (¬2) ويجتهد فيه، وينهض أهله وولده إلى الصلاة إن أطاقوا ذلك. (قال) المصنف (أبو يعفور) بفتح التحتانية وسكون المهملة منصرف منسوب إلى الحيوان المشهور [(اسمه عبد الرحمن بن عبيد) تصغير عبد (ابن نسطاس)] (¬3) العامري الكوفي التابعي. [1377] (حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني) بإسكان الميم أبو (¬4) جعفر المصري. [(حدثنا عبد الله بن وهب) قال (أخبرني مسلم] (¬5) بن خالد) المخزومي مولاهم المكي المعروف بالزنجي أبو خالد الفقيه أحد الأئمة. [(عن العلاء بن عبد الرحمن] (¬6)، عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني مولى الحرقة [أخرج له مسلم. (عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإذا ناس) (¬7)، يقال: ناس وأناس، اسم (¬8) مأخوذ من النوس وهو الحركة، من ناس ينوس (¬9) إذا تحرك، ومنه حديث أم زرع أناس من حلي أذني (¬10). قوله (في) شهر (رمضان يصلون في ناحية المسجد) جماعة بإمام ¬

_ (¬1) في (م): واجعل. (¬2) في (م): يحيي الليل. (¬3) في (ر): ابن سنطاس. (¬4) في (م): ابن. (¬5) و (¬6) سقط من (ر). (¬7) في مطبوع "السنن"، (س): أناس. (¬8) من (ل). (¬9) في (م): ونس. (¬10) أخرجه البخاري (5189)، ومسلم (2448) (92) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.

([فقال: من هؤلاء؟ فقيل) هم (ناسٌ ليس معهم قرآن)] (¬1) أي: ليس معهم قرآن زائد على ما يحتاجون إليه في الصلاة يقرؤون (¬2) فاتحة الكتاب وما تيسر معها من قصار المفصل، وفي هذا استعمال [المجاز في نفي القراءة] (¬3) عنهم أصلًا، والمراد الخصوص على ما هو معهود في كلام العرب. [(و) هذا (أبي بن كعب - رضي الله عنه - يصلي) بهم (وهم يصلون بصلاته) ويقتدون به (فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أصابوا) فيه تصويب لصلاتهم جماعةً بإمام في قيام رمضان، [وفيه دلالة حديث أبي ذر المتقدم أن قيام رمضان] (¬4) ليس عمر ابتدأ فعله بإمام، بل وقع هذا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -[فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم] (¬5) وغيره من الصحابة، لكن الظاهر أنه صلى الله عليه وآله وسلم ترك ذلك خشية أن يفرض عليهم، واستمروا يصلوا أوزاعًا متفرقين كل رهط نحو العشرة بإمام، ومنهم من يصلي منفردًا إلى أن توفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي خلافة أبي بكر وصدرًا من خلافة عمر، ثم جمعهم عمر على أبي بن كعب إذ كان أمثلهم، وقد صلى بالصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في هذا الحديث. قوله (¬6): (ونعم) بكسر النون وسكون العين. قوله (¬7): (ما) [بمعنى ¬

_ (¬1) زاد في (م): من هؤلاء. (¬2) في (ر، س، ل): منفردين من. (¬3) في (م): أقصار المفصل منفي. (¬4) ساقطة من (ل). (¬5) سقط من (ر). (¬6) و (¬7) من (ر).

الذي] (¬1) قوله (¬2): (صنعوا) ونعم كلمة [تجمع محاسن كل ما صنعوا من] (¬3) اقتدائهم بأُبي وما صنعوا في صلاتهم من قراءة وقيام وركوع وسجود وغير ذلك. وفيه دليل على أن العالم والكبير إذا رأى أحدًا أو جماعة فعلوا (¬4) فعلًا حسنًا في الشرع [أن يمدحهم و] (¬5) يحسن فعلهم ويدعو لهم ليرغبهم في ذلك الفعل. (قال) المصنف (¬6): (ليس هذا الحديث) المذكور (بالقوي) لأن [(مسلم بن] (¬7) خالد) المخزومي (ضعيف) وقال النسائي: ليس (¬8) بالقوي (¬9)، لكن (¬10) قال ابن معين: ثقة (¬11). وقال (¬12) مرة: ليس به بأس. وقال ابن عدي: حسن الحديث وأرجو ألا بأس به (¬13) (¬14). وقال إبراهيم الحربي: كان فقيه أهل مكة، وسمي بالزنجي؟ لأنه [كان أشقر مثل البصلة (¬15)] (¬16) يعني: بالضد. ¬

_ (¬1) في (ر): يعني الذين. (¬2) من (ر). (¬3) بياض في (ر). (¬4) سقط من (ر). (¬5) من (ر، ل). (¬6) سقط من (ر). (¬7) من (ر، ل). (¬8) سقطت من (ر، م)، وأثبتها من "تهذيب الكمال". (¬9) "الضعفاء والمتروكين" للنسائي (569) ولفظه: ضعيف. بدلًا من: ليس بالقوي. (¬10) من (ر، ل). (¬11) "تاريخ ابن معين رواية الدوري" (227). (¬12) زاد في (م): ابن. (¬13) من (س). (¬14) "الكامل" 8/ 11. (¬15) "تهذيب الكمال" 27/ 512. (¬16) في (م): أسفر عنه. والمثبت من (ر).

وقال أبو حاتم (¬1): كان أبيض مشربًا بالحمرة (¬2) وإنما [الزنجي لقب] (¬3). قال ابن حبان: كان [من الفقهاء، ومنه تعلم] (¬4) الشافعي الفقه (¬5) وإياه كان يجالس قبل أن يلقى مالكًا (¬6). [قوله (¬7): وكان فقيرًا، قيل: إنه كان يأخذ الأجر على الحديث؛ لأنه كان فقيرًا، فكان يأخذ قدر الحاجة] (¬8). ¬

_ (¬1) "ثقات ابن حبان" 7/ 448. (¬2) في (س، ل): بحمرة. (¬3) في (م): سمى الزنجي لهذا. (¬4) في (م): مطلقها ومنه. (¬5) في (م): بالقصة. (¬6) "ثقات ابن حبان" 7/ 448. (¬7) من (ر). (¬8) كذا بالأصول الخطية. ولم أقف على من ذكر هذا عن مسلم بن خالد الزنجي، فلعل هذِه العبارة مدرجة في هذا الموضع، والله أعلم.

2 - باب في ليلة القدر

2 - باب فِي لَيْلَةِ القَدْرِ 1378 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ وَمُسَدَّدٌ - المَعْنَى - قالا: حَدَّثَنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ قَالَ: قُلْتُ لأُبَي بْنِ كَعْبٍ: أَخْبِرْنِي عَنْ لَيْلَةِ القَدْرِ يا أَبا المُنْذِرِ فَإِنَّ صاحِبَنا سُئِلَ عَنْها. فَقَالَ: مَنْ يَقُمِ الحَوْلَ يُصِبْها. فَقَالَ: رَحِمَ اللهُ أَبا عَبْدِ الرَّحْمَنِ والله لَقَدْ عَلِمَ أَنَّها فِي رَمَضانَ - زادَ مُسَدَّدٌ: ولكن كَرِهَ أَنْ يَتَّكِلُوا أَوْ أَحَبَّ أَنْ لا يَتَّكِلُوا. ثُمَّ اتَّفَقا - والله إِنَّهَا لَفِي رَمَضانَ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ لا يَسْتَثْنِي. قُلْتُ: يا أَبا المُنْذِرِ أَنَّى عَلِمْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ: بِالآيَةِ التِي أَخْبَرَنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قُلْتُ لِزِرٍّ: ما الآيَةُ قَالَ: تُصْبِحُ الشَّمْسُ صَبِيحَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ مِثْلَ الطَّسْتِ لَيْسَ لَها شُعاعٌ حَتَّى تَرْتَفِعَ (¬1). 1379 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللهِ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنا أَبِي، حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ طَهْمانَ، عَنْ عَبّادِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ ابْنِ أُنَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ فِي مَجْلِسِ بَنِي سَلِمَةَ وَأَنا أَصْغَرُهُمْ فَقَالُوا مَنْ يَسْأَلُ لَنا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ لَيْلَةِ القَدْرِ وَذَلِكَ صَبِيحَةَ إِحْدى وَعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ. فَخَرَجْتُ فَوافَيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلاةَ المَغْرِبِ ثُمَّ قُمْتُ بِبابِ بَيْتِهِ فَمَرَّ بِي فَقَالَ: "ادْخُلْ". فَدَخَلْتُ فَأُتِيَ بِعَشائِهِ فَرَآنِي أَكُفُّ عَنْهُ مِنْ قِلَّتِهِ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: "ناوِلْنِي نَعْلِي". فَقَامَ وَقُمْتُ مَعَهُ فَقَالَ: "كَأَنَّ لَكَ حاجَةً". قُلْتُ: أَجَلْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ رَهْطٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ يَسْأَلُونَكَ، عَنْ لَيْلَةِ القَدْرِ فَقَالَ: "كَمِ اللَّيْلَةُ". فَقُلْتُ: اثْنَتانِ وَعِشْرُونَ قَالَ: "هِيَ اللَّيْلَةُ". ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: "أَوِ القابِلَةُ". يُرِيدُ لَيْلَةَ ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ (¬2). 1380 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، أَخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحاقَ، حَدَّثَنا ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (762) (220)، والترمذي (3351)، وأحمد 5/ 130، وابن خزيمة في "صحيحه" (2193)، وابن حبان في "صحيحه" (3689) من طريق عاصم بن أبي النجود به. (¬2) رواه أحمد 3/ 495. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1248).

مُحَمَّدُ بْنُ إِبْراهِيمَ، عَنِ ابن عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ الجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي بادِيَةً أَكُونُ فِيها وَأَنا أُصَلِّي فِيها بِحَمْدِ اللهِ فَمُرْنِي بِلَيْلَةٍ أَنْزِلُها إِلَى هذا المَسْجِدِ. فَقَالَ: "انْزِلْ لَيْلَةَ ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ". فَقُلْتُ لابْنِهِ: كَيْفَ كَانَ أَبُوكَ يَصْنَعُ؟ قَالَ: كَانَ يَدْخُلُ المَسْجِدَ إِذا صَلَّى العَصْرَ فَلا يَخْرُجُ مِنْهُ لِحاجَةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ الصُّبْحَ فَإِذَا صَلَّى الصُّبْحَ وَجَدَ دابَّتَهُ عَلَى بَابِ المَسْجِدِ فَجَلَسَ عَلَيْها فَلَحِقَ بِبادِيَتِهِ (¬1). 1381 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا وُهَيْبٌ، أَخْبَرَنا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "التَمِسُوها فِي العَشْرِ الأَواخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَى وَفِي سابِعَةٍ تَبْقَى وَفِي خامِسَةٍ تَبْقَى" (¬2). * * * باب في ليلة القدر سميت ليلة القدر؛ لأنها تقضى فيها الأرزاق وتقدر، ومنه حديث الاستخارة: فاقدره (¬3) لي ويسره لي (¬4) (¬5). أي: اقض لي به وهيئه (¬6)، وقيل غير ذلك كما تقدم (¬7). [1378] (حدثنا سليمان بن حرب، [ومسدد المعنى، قالا: حدثنا] (¬8) ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1168). (¬2) رواه البخاري (2021، 2022). (¬3) في (م): قال قدره. (¬4) سقط من (ر)، (ل). (¬5) سيأتي تخريجه في باب في الاستخارة. (¬6) في (م): ويسره. (¬7) لم يتقدم بعد، وإنما سيأتي في باب الاستخارة. (¬8) من (ل).

[حماد بن زيد] (¬1) عن (¬2) [عاصم) بن بهدلة بن أبي النجود المقرئ] (¬3) (عن (¬4) [زر) بن حبيش] (¬5). ([قال: قلت لأبي بن كعب] (¬6) [أخبرني عن ليلة القدر] (¬7) يا أبا المنذر) فيه تسمية الكبير بكنيته التي يحبها؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كناه أبا المنذر، وسمَّاه سيد الأنصار، وكنَّاه عمر بن الخطاب أبا الطفيل وسمَّاه سيد (¬8) المسلمين (فإن (¬9) صاحبنا) يعني: عبد الله بن مسعود. قوله (¬10): (سئل) بضم السين وكسر الهمزة مبني للمفعول (¬11)، وفي بعض النسخ يسأل (¬12) مضارع مبني للمجهول. قوله (¬13): (فقال) ولمسلم: فإن أخاك ابن مسعود يقول (¬14). [لي: ¬

_ (¬1) ليست في (م). (¬2) من (ل). (¬3) ليست في (م). (¬4) من (ل). (¬5) ليست في (م). (¬6) في (ر): قوله. وطمس في (م). (¬7) ليست في (ر). (¬8) في (م): سيف. (¬9) في (ر): قوله. (¬10) من (ر). (¬11) في (س): للمجهول. (¬12) من (ر)، (ل). (¬13) في (م): منها. والمثبت من (ر). (¬14) "صحيح مسلم" (762) (220).

(مَنْ يقم] (¬1) الحَوْل) يعني جميع الحَوْل (يصبها) بجزم الياء جوابًا لمن الشرطية. قال النووي وغيره: قيل: إنها في (¬2) السنة كلها. قال: وهو قول ابن مسعود [وأبي حنيفة (¬3) وصاحبيه (¬4). وقيل: إنه كان يقول ذلك ثم رجع عنه - يعني: ابن مسعود -] (¬5). (فقال) أبي بن كعب: [(رحم الله تعالى] (¬6) أبا عبد الرحمن هي كنية ابن مسعود [(والله لقد علم أنها في رمضان)] (¬7)، وللترمذي: والله لقد علم ابن مسعود أنها في رمضان، وأنها ليلة سبع وعشرين (¬8). الظاهر أنه حلف على غلبة ظنه، فإن للحالف أن يحلف على غلبة الظن، كما قاله أصحابنا وغيرهم. (زاد مسدد) بن مسرهد في روايته: [(ولكن كره أن] (¬9) تتكلوا) [بمثناتين فوقيتين] (¬10) (أو أحب) بفتح الهمزة والحاء (أن (¬11) لا يتكلوا) ¬

_ (¬1) في (ر): قوله. (¬2) في (م): من. (¬3) "المبسوط" 3/ 142. (¬4) "شرح النووي على مسلم" 8/ 57. (¬5) سقط من (س). (¬6) سقط من (ر). (¬7) سقط من (ر). (¬8) "سنن الترمذي" (793). (¬9) في (ر): قوله. (¬10) في (ر، م): المثناتين فوق ثنتين. (¬11) في (ر): قوله إذ.

بمثناتين أيضًا ثانيتهما (¬1) مشددة، ولمسلم: فقال رحمه الله: أراد ألا يتكل الناس. وللترمذي: ولكن كره أن يخبركم فتتكلوا. قال عياض: ليجتهدوا في طلبها ويكثروا العمل ولا يتكلوا على (¬2) عملهم فيها [فقط إذا تعينت لهم. قوله (¬3)] (¬4) (ثم (¬5) اتفقا) [يعني: مسدد وسليمان] (¬6) بن حرب في روايتهما بعد ذلك، ثم حلف أبي (¬7) بن كعب [فقال: (والله إنها لفي رمضان ليلة [سبع (¬8) وعشرين] (¬9) لا (¬10) يستثنى) (¬11) في يمينه هذِه. وفيه دليل على [صحة الاستثناء] (¬12) في اليمين بالله تعالى، ويقاس عليه جواز الاستثناء في الطلاق أيضًا كما هو مقرر (¬13) في الطلاق والأيمان بشروطه. ¬

_ (¬1) في (ر): بينهما. وغير منقوطة في (م). (¬2) في (س): إلى. (¬3) ساقطة من (ل). (¬4) في (م): لفظ إذا فعلت لهم. (¬5) ليست في (ر). (¬6) في (م): مسلمًا ومسلم. (¬7) من (س). (¬8) في "مطبوعة السنن": سبع. (¬9) في (س، ل): بالرفع والنصب. (¬10) سقطت من (ر). (¬11) في (م): يستثنوا. (¬12) من (ر، ل). (¬13) في (م): حصرًا.

[(قلت: يا أبا المنذر أنى)] (¬1) بفتح الهمزة والنون (علمت (¬2) ذلك) أي: من أين علمت ذلك، كقوله تعالى: {يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا} (¬3) أي: من أين لك هذا (قال) علمته (بالآية) أي: العلامة [(التي أخبرنا) بها (رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قلت: لزر) بن حبيش - رضي الله عنه -] (¬4): (ما الآية) التي [أخبر (¬5) بها] (¬6) رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ [(قال) إنها (تصبح الشمس) في] (صبيحة) بالنصب على الظرف (تلك (¬7) اليلة) بالجر بدل من (تلك) المجرورة بالإضافة، يعني: تصبح الشمس صبيحة ليلة القدر. قوله (¬8): (مثل) بالنصب أي: شبيه (¬9) (الطست) يقال: طَست وطِست بفتح الطاء وكسرها، وطَس وطِس وطِست (¬10) وطَسة بالفتح والكسر جميعًا، والتاء في الطست بدل من السين الثانية، ويدل [عليه الجمع] (¬11) فإنه يجمع على طسوس وطساس (¬12). ¬

_ (¬1) في (ر): قوله أن. (¬2) في (ر): لك. (¬3) آل عمران: 37. (¬4) في (ر): قوله. (¬5) في (ر): أخبره. (¬6) في (س، ل): أخبرهم. (¬7) في (ر): قوله. (¬8) من (ر). (¬9) في (م): شبهة. وفي (ل): شبيهة. (¬10) في (س): طيس. (¬11) في (م): على الجمع. (¬12) في (م): طسوس.

قال (¬1) السجستاني (¬2): هي لفظة أعجمية معربة، ولهذا قال الأزهري (¬3) هي (¬4) دخيلة في كلام العرب؛ لأن التاء والطاء لا يجتمعان في كلمة عربية (¬5). [وشبه الشمس بالطست؛ لأنه يشبهها في الاستدارة (¬6) وعدم ضوئه، ولهذا قال بعده (ليس لها شعاع) قال القاضي: قيل: هذِه علامة جعلها الله لها أن تظهر ذلك اليوم بلا شعاع. قوله (¬7) (حتى ترتفع) أي: إلى أن ترتفع قيد رمح أو رمحين، والشعاع بضم الشين هو ما ترى من ضوئها مقبلًا عليك إذا نظرت إليها. قال صاحب "المحكم" (¬8): وقيل هو الذي تراه ممتدًا بعيد الطلوع. قال: وقيل: هو [انتشار ضوئها (¬9)] (¬10) جمعه أشعة وشعع بضم الشين والعين الأولى، وانظر إلى الحكمة العظيمة في أن الشمس إذا ذهب ضوؤها وشعاعها في وقت [كراهية الصلاة حين] (¬11) تطلع بقرني ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) في (ر): قوله. وفي (س، ل): الحساهى. (¬3) من (ر)، (ل). (¬4) ليست بالأصول الخطية. وأثبتها من "المصباح المنير". (¬5) انظر "المصباح المنير" (الطاء مع السين) ط س ت. (¬6) في (م): استلاله. وفي (ل): استداره. والمثبت من (ر). (¬7) من (ر). (¬8) في (م): المجملة. والمثبت من (ر). (¬9) انظر: "المحكم والمحيط الأعظم" مادة (ش ع ع). (¬10) في (م): أثبت أو ضؤها. (¬11) في (م): كراهة حين.

شيطان فذهبت (¬1) شدة (¬2) نورها وقت سجود الكفار، وفي هذا آية هداية عظيمة على بطلان اعتقادهم. وقال عياض: قيل (¬3): ذهاب ضوئها لكثرة نزول الملائكة وصعودها في تلك الليلة بما تنزل به من عند الله تعالى ونزول جبريل - عليه السلام - كما قال تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} (¬4) [تنزل بكل أمر حكيم] (¬5) وبالثواب والأجور فسترت (¬6) أجسامها اللطيفة (¬7) أجنابها (¬8) وأجنحتها العظيمة شعاع الشمس وحجبت نورها. [1379] (حدثنا (¬9) أحمد بن حفص بن عبد الله) [بن راشد (¬10) (السلمي)] (¬11) قاضي نيسابور شيخ البخاري [قال: (حدثني أبي) حفص بن عبد الله بن راشد السلمي قاضي نيسابور (¬12) أخرج له البخاري قال: (حدثني إبراهيم بن] (¬13) طهمان) بفتح الطاء المهملة (عن (¬14) ¬

_ (¬1) من (ر)، (ل). (¬2) في (ر): سلطنة. وفي (ل): سلطنته. (¬3) في (س): هي. (¬4) القدر: 4. (¬5) سقط من (س). (¬6) في (ر، م): فستر. والمثبت من (س، ل). (¬7) من (ر، ل). (¬8) سقط من (س، ل). (¬9) سقط من (ر). (¬10) من (ر). (¬11) ساقط من (ل). (¬12) تحرفت في (م) إلى: نيسارايط. (¬13) سقط من (ر). (¬14) سقط من (ر). وفي (م): بن.

عباد) بتشديد الباء (¬1) الموحدة [(عبد الرحمن) (¬2) (بن إسحاق) بن عبد الله صدوق. (عن محمد بن مسلم الزهري، عن] (¬3) ضمرة) بسكون الميم [(بن عبد الله] (¬4) بن أنيس) الحجازي التابعي [(عن أبيه)] (¬5) وأخوه عبد الله بن أنيس أنصاري جهني عقبي رضي الله عنهما. [(قال: كنت في مجلس (¬6) بني (¬7)] (¬8) سلمة) (¬9) بفتح السين وكسر اللام، وهم بطن من الأنصار، [(وأنا أصغرهم فقالوا: من] (¬10) يسأل) برفع اللام [(لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ليلة القدر وذلك)] (¬11) في (صبيحة) بالنصب [ويجوز الرفع خبرًا لمبتدأ] (¬12) (إحدى وعشرين من) شهر (رمضان (¬13) فخرجت) إلى المسجد (فوافيت) أي: أتيت وحضرت [(مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة المغرب، ثم قمت] (¬14) بباب بيته) صلى الله عليه وآله وسلم. فيه أن من آداب المتعلم إذا احتاج إلى (¬15) سؤال أن يذهب إلى بيت العالم ليسأله، فإذا لم يجده انتظر حضوره، وإذا انتظره فالأفضل أن يكون واقفًا عند باب بيته [ولا يجلس. ¬

_ (¬1) و (¬2) ساقط من (ل). (¬3) و (¬4) سقط من (ر). (¬5) سقط من (ر). (¬6) زاد في (س، ل): لم يرو الزهري عن ضمرة بن عبد الله رواه النسائي وهو غريب. (¬7) في (م): ابن. (¬8) سقط من (ر). (¬9) في (س): سليم. (¬10) و (¬11) سقط من (ر). (¬12) من (ر، ل). (¬13) زاد في (م) هنا: فوافيت. (¬14) في (ر): قوله. (¬15) من (ل).

(فمر بي) عند إرادته (¬1) دخول بيته (فقال: ادخل) بهمزة الوصل، أمره بالدخول لوجوده عند باب بيته] (¬2)، وهذا من مكارم الأخلاق أن يأذن لمن عند باب داره صباحًا أو مساءً أن يدخل، ويصنع له غداءً أو عشاءً [(فدخل بيته] (¬3) فأتى) [بفتح الهمزة والتاء] (¬4) (بعشائه) الذي كان أُعد لعشائه صلى الله عليه وآله وسلم وفطره عليه. وفيه دليل على إعداد أهل البيت من زوجة وخادم الفطور إذا كان صائمًا والعشاء إذا كان مفطرًا. وفيه دليل على إكرام الضيف بإحضار الطعام إليه ولو كان الضيف تلميذًا أو متعلمًا كما في قصة إبراهيم [- عليه السلام - في قوله تعالى حكاية] (¬5): {جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} (¬6). قال: فرأيتني (¬7) بضم التاء (أكف) أي: أضم يدي (عنه) أي: عن الأكل منه (من قلته) (¬8). أي: لأجل قلة الطعام. فيه أن من السنة إكرام الضيف وتقديم ما حضر إليه قليلًا كان (¬9) أو كثيرًا [ولا يحتقر] (¬10) ما عنده أن يقدمه للضيف. وللخرائطي في "مكارم الأخلاق" عن سلمان: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن لا نتكلف للضيف ما ليس عندنا، [وأن نقدم إليه ما حضرنا (¬11). وللطبراني: نهانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نتكلف للضيف ما ليس عندنا (¬12)] (¬13). ¬

_ (¬1) من (ل). (¬2) و (¬3) سقط من (ر). (¬4) من (ر)، (ل). (¬5) سقط من (ر). (¬6) هود: 69. (¬7) كذا. وفي مطبوعة السنن: فرآني. (¬8) في (م): قبله. (¬9) من (ل). (¬10) من (ر)، (ل). (¬11) "مكارم الأخلاق ومعاليها" (333). (¬12) "المعجم الكبير" (6187). (¬13) سقط من (ر، س، ل).

(فلما فرغ) الطعام. فيه أنه يجوز للضيف أن يأكل جميع ما قدم إليه، سواء أكل معه صاحب الوليمة أم لا، وإن كان الأولى أن يبقي منه بقية إذا أمكن؛ ليستدل به على شبعه (قال: ناولني) على الإفراد، وفي بعض النسخ: ناولوني. بواو الجمع على أن يكون الأمر لغير الضيف، وهو أولى من جهة (¬1) المعنى (نعلي) [بتشديد الياء، تثنية نعل] (¬2) فلعلها كانت بعيدة منه فأمر أحدًا من أهل بيته أن يناوله إياها، ويحتمل غير ذلك، فقدمتا إليه فلبسهما [(فقام وقمت معه)] (¬3). فيه أن قيام صاحب المنزل للخروج قبل الضيف جائز، وذلك امتثالًا لقوله تعالى: {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ} (¬4). (فقال (¬5): كأن لك] (¬6) حاجة)؟ بالرفع. فيه سؤال صاحب المنزل الضيف (¬7) [عن حاجته] (¬8) بعد الفراغ من الطعام إذا علم أنه جاء لحاجة؛ لأن تقديم الطعام والإسراع إليه مقدم على السؤال عن حاجته. (قلت (¬9): أجل) بسكون اللام بمعنى نعم وزنًا ومعنى [(أرسلني إليك رهط من بني سلمة) بكسر اللام كما تقدم (¬10). (يسألونك عن ليلة] (¬11) القدر) (¬12) فيه إرسال الصغير إلى أهل العلم ¬

_ (¬1) في (م): حمله. (¬2) في (م): بتشديد الثانية نعلي. (¬3) في (ر): منه. (¬4) الأحزاب: 53. (¬5) في (ر): قوله. (¬6) في (م): هل لك من. وفي (س، ل): هل - نسخة قال لك - لك من. والمثبت من مطبوعة السنن. (¬7) في (ل، م): المضيف. (¬8) من (م)، (ل). (¬9) سقط من (ر). (¬10) من (ل). (¬11) في (ر): قوله. (¬12) من (ر، ل).

ليسألهم وقبول قوله إذا كان ممن يوثق به، وفيه أن الرسول السائل يقول: أرسلني [قوم من] (¬1) بني فلان ولا يبهمهم (¬2) في السؤال. [(فقال: كم] (¬3) الليلة؟ ) بالرفع يعني: من الشهر. [(فقلت): هي ليلة] (¬4) (اثنتان وعشرون) وهو جارٍ على لغة شاذة أنه يجوز حذف المضاف ويبقى المضاف إليه مجرورًا، أي: ليلة اثنتين وعشرين. [(قال هي الليلة ثم] (¬5) رجع) عن اثنتين وعشرين. (فقال): بوحي (أو) اجتهاد (القابلة) التي تليها (يريد ليلة ثلاث) (¬6) وعشرين) (¬7) فيه دلالة على أن ليلة القدر ليلة ثلاث وعشرين، وسيأتي في الباب (¬8) بعده ما يدل عليه. [1380] ([حدثنا أحمد بن)] (¬9) عبد الله بن (يونس) (¬10) الحافظ أبو عبد الله اليربوعي. [(ثنا زهير، ثنا محمد] (¬11) بن إسحاق) صاحب المغازي [قال: (حدثني محمد] (¬12) بن إبراهيم) بن أخي (¬13) عدي البصري. (عن) ضمرة (بن عبد الله بن أنيس [الجهني، عن أبيه) عبد الله بن ¬

_ (¬1) في (ر): قومي. وفي (س، ل): قوم. (¬2) في (س): يتهمهم. (¬3) في (ر): قوله. (¬4) في (ر): قوله. (¬5) من (ل، م). (¬6) في (م): فيها ثلاث. (¬7) الحديث أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (3401) من طريق حفص به. وقال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (1248): إسناده حسن صحيح. (¬8) في (م): البابين. (¬9) سقط من (ر). (¬10) في (ر): يوسف. (¬11) سقط من (ر). (¬12) سقط من (ر). (¬13) في (ر): أبي. وسقط من (س، ل).

أنيس] (¬1) المدني قال ابن الكلبي: كان مهاجريًّا أنصاريًّا عقبيًّا (¬2). وقال ابن إسحاق: هو من قضاعة. [(قال: قلت: يا رسول الله، إن لي بادية)] (¬3) البادية خلاف الحاضرة، والمراد [أنني مقيم] (¬4) في البادية، والنسبة إلى البادية بدوي (¬5) على غير قياس، يقال: بدا إلى البادية [خرج إليها] (¬6) (أكون فيها) أي: أقيم فيها. [(وأنا أصلي فيها] (¬7) بحمد الله) فيه أنه يستحب حمد الله تعالى على توفيقه للعبادة (¬8) وإعانته عليها، ولكن تقدم أن الأولى تقديم حمد الله تعالى ونعمته قبل الفعل، فيقال: أنا بحمد الله تعالى أو بنعمة الله تعالى أصلي فيها. [(فمرني بليلة أنزلها)] (¬9) بفتح الهمزة [وبجزم اللام جواب الأمر، وبرفعه (¬10) كقوله تعالى: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي} (¬11) أي: أنزل فيها (إلى) المدينة أصلي في (هذا المسجد) فيه فضيلة الاعتكاف في المسجد في رمضان لا سيما الليلة] (¬12) التي يعتقد أنها ليلة القدر، وتخصيص ليلة من الليالي دون ليالي شهر رمضان ودون العام كله. ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) "الاستيعاب" 1/ 261. (¬3) في (ر): قوله مادته. (¬4) في (م): بني تميم. (¬5) في (م): تأتي. (¬6) في (ر): حمد الله. (¬7) في (ر): قوله. (¬8) في (ر، م): لعباده. (¬9) في (ر): قوله انزل. (¬10) في (ل): بالرفع. (¬11) مريم: 5 - 6. (¬12) في (م): أي أنزل.

[(فقال: انزل ليلة ثلاث وعشرين)] (¬1) فيه إشارة إلى (¬2) أن ليلة القدر ليلة ثلاث وعشرين، ويدل عليه (¬3) رواية "صحيح مسلم" عن عبد الله بن أنيس: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "أريت (¬4) ليلة (¬5) القدر ثم أنسيتها، وأراني (¬6) في صبيحتها أسجد في ماءٍ وطين". قال: فمطرنا ليلة ثلاث وعشرين، وصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فانصرف وإن أثر الماء والطين على جبهته وأنفه. ولهذا كان عبد الله بن أنيس يقول: إنها ليلة ثلاث وعشرين. وادعى الروياني في "الحلية": أنه قول أكثر العلماء، وهو قول كثير من الصحابة وغيرهم، وهو قول أهل المدينة، وحكاه سفيان الثوري عن أهل مكة والمدينة. وممن روي عنه أنه كان يوقظ أهله فيها (¬7) ابن عباس وعائشة، وهو قول مكحول (¬8). وروى [رشدين بن سعد] (¬9) عن زهرة بن معبد قال: أصابني احتلام في أرض العدو وأنا في البحر (¬10) ليلة ثلاث وعشرين. [في رمضان فذهبت لأغتسل فسقطت في الماء، فإذا الماء عذب فناديت أصحابي؛ لأعلمهم أني في ماء عذب، قال ابن عبد البر: هذِه] (¬11) الليلة تعرف ¬

_ (¬1) في (ر) قوله أنزل ليلة ثلاث وعشرين أخرجه ن. (¬2) سقط من (س، ل). (¬3) في (س، م): على. (¬4) في (م): رأيت. (¬5) سقطت من (ر). (¬6) في (م): وأرى أني. (¬7) من (ل). (¬8) زاد في (م): وعائشة. (¬9) في (ر): أسيد بن سعد. وفي (م): أسيد بن سعيد. وفي (ل): رشيد بن سعد. والمثبت من "التمهيد" لابن عبد البر 21/ 216. (¬10) سقط من (س، ل). (¬11) في (م): عند الترمذي.

بليلة الجهني بالمدينة (¬1) يعني: عبد الله بن أنيس، وقد روي عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرنا (¬2) بقيامها. وقال (¬3) محمد بن إبراهيم (فقلت لابنه) (¬4) ضمرة: (فكيف كان أبوك يصنع) إذا أراد أن يعتكف تلك الليلة؟ [(قال: كان يدخل المسجد إذا صلى] (¬5) العصر) فيه أن من أراد اعتكاف ليلة أن يدخل المسجد قبل غروب الشمس، وأن يتنظف لاعتكافه بأخذ ظفر وشعر وإزالة رائحة كريهة، وأن يغتسل وينوي الاعتكاف ويتطيب (¬6) لاعتكافه. [(فلا يخرج منه] (¬7) لحاجة) غير ضرورية، ويدل على جواز الخروج للحاجة ما رواه المصنف عن عائشة رضي الله عنها قالت: السنة على المعتكف أن لا يعود مريضًا ولا يشهد (¬8) جنازة، ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه (¬9). قال أصحابنا: ولا يشترط لجواز الخروج شدة الحاجة، وإذا خرج لا يتكلف الإسراع، بل يمشي بسجيته (¬10) المعهودة (¬11). [وإذا فرغ من قضاء حاجة الإنسان واستنجى فله أن يتوضأ خارج المسجد] (¬12)؛ لأن ذلك يقع ¬

_ (¬1) "التمهيد" 21/ 214. (¬2) في (س، ل): أمره. (¬3) في (م): آل. (¬4) في (م): لأبيه. (¬5) في (ر): قوله. (¬6) في (ر): ويتنظف. (¬7) في (ر): قوله. (¬8) في (ر، س، ل): يعود. وفي (م): يقود. والمثبت من "سنن أبي داود". (¬9) سيأتي تخريجه في باب: المعتكف يعود المريض. (¬10) في (س، ل): على سجيته. (¬11) "الشرح الكبير" 3/ 274. (¬12) سقط من (س).

تابعًا [بخلاف ما] (¬1) لو احتاج إلى الوضوء من غير قضاء حاجة فإنه لا يجوز له الخروج على الأصح، أما (¬2) الوضوء المجدد (¬3) فلا يجوز له الخروج قطعًا. [(حتى يصلي الصبح) والليلة تنقضي بطلوع الفجر، لكن لا يخرج حتى يصلي. (فإذا صلى الصبح) في مسجد اعتكافه (وجد دابته) التي تركها (¬4)] (¬5). (على باب المسجد) فيه جواز وقوف الدابة على (¬6) باب المسجد. [(فجلس عليها) فيه جواز] (¬7) ركوب الدابة من باب المسجد، ولا يحتاج إلى البعد عنه وإن كان هو الأولى. [(فلحق بباديته) (¬8) فيه أنه] (¬9) يستحب للمعتكف والحاج والزائر أحد المساجد الثلاثة ونحوها إذا فرغ من عبادته (¬10) أن لا يتأخر بعد انقضاء عبادته (¬11)، ولا يشتغل ببيع ولا شراء ولا غير ذلك، بل يجعل العبادة آخر عهده بمكان العبادة. [1381] [(حدثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (ثنا] (¬12) وهيب) بن خالد الباهلي. (ثنا (¬13) أيوب) بن أبي تميمة السختياني [(عن عكرمة] (¬14) ¬

_ (¬1) في (م): كما. (¬2) في (م): حال. وفي (ر): أم. (¬3) غير مقروءة في (م). (¬4) في (س): يركبها. (¬5) في (ر): قوله. (¬6) في (ل): عند. (¬7) سقط من (ر). (¬8) أخرجه ابن خزيمة (2200) من طريق محمد بن إسحاق. وقال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (1249): إسناده حسن صحيح. (¬9) في (ر): و. (¬10) و (¬11) في (ل): عبارة. (¬12) و (¬13) سقط من (ر). (¬14) سقط من (ر، م).

[عن) (عبد الله) (¬1) [ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: التمسوها في العشر] (¬2) الأواخر) وصف العشر المفردة بلفظ الجمع وهو الأواخر؛ لأنه أراد بالعشر جنس الأعشار، كما يقال الدراهم البيض. أو أراد أيام العشر الأواخر فوصف به باعتبار الأيام. قوله: (من) شهر (رمضان) ليلة القدر. كذا في البخاري (¬3)، وهذا التقدير لا بد منه؛ لأنه مفسر للضمير (¬4) المبهم في: "التمسوها" والتقدير: التمسوها ليلة القدر فهو (¬5) كقوله تعالى: (¬6) {فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} (¬7) وهو غير ضمير الشأن؛ إذ مفسره لا بد أن يكون جملة (¬8)، وهذا مفرد. (في (¬9) تاسعة) بالتنوين بدل من العشر الأواخر [و (تبقى) من] (¬10) الشهر صفة للتاسعة. فإن (¬11) قلت: أهي ليلة الحادي والعشرين أو ليلة الثاني والعشرين؟ أجاب الكرماني: هي ليلة (¬12) الحادي والعشرين؛ لأن المحقق المقطوع بوجوده بعد العشرين من رمضان تسعة (¬13) أيام لاحتمال أن يكون الشهر تسعًا (¬14) وعشرين ليوافق الأحاديث الدالة على أنها في الأوتار. ¬

_ (¬1) ساقطة من (س، ل). (¬2) في (ر): قوله. (¬3) "صحيح البخاري" (2021). (¬4) في (م): للحديث. (¬5) من (س). (¬6) زاد في (ر، م): اسخرها لكم. (¬7) البقرة: 29. (¬8) في (م): قد علمه. (¬9) في (ر): قوله. (¬10) في (ر): قوله يبقى خامس. (¬11) في (م): قال. (¬12) من (س). (¬13) في (ر): بتسعة. (¬14) في (ر، م): تسعة.

(وفي (¬1) سابعة) أي: التمسوها في ليلة سابعة من الشهر وهي ليلة ثلاث وعشرين. (وفي) (¬2) أي: والتمسوها أيضًا في (¬3) (خامسة تبقى) (¬4) من الشهر وهي ليلة خمس وعشرين. كذا قال مالك (¬5). وقال بعضهم: إنما يصح معناه، وتوافق ليلة القدر وترًا من الليالي إذا كان الشهر [ناقصًا فإن] (¬6) كان كاملًا فلا تكون إلا في شفع فتكون التاسعة الباقية (¬7) ليلة اثنتين وعشرين، والخامسة الباقية (¬8) ليلة ست وعشرين، والسابعة (¬9) الباقية (¬10) ليلة أربع وعشرين على ما ذكره البخاري عن ابن عباس، ولا تصادف واحدة منهن وترًا، وعلى هذا طريقة العرب في التأريخ إذا جاوزوا نصف الشهر فإنما يؤرخون بالباقي منه لا بالماضي. ¬

_ (¬1) في (ر): قوله. (¬2) من (ل، م). (¬3) في (ر): قوله. (¬4) أخرجه البخاري كما مر، وأخرجه أحمد 1/ 279 من طريق وهيب به. (¬5) "المدونة" 1/ 301. (¬6) في (م): باقيًا قال. (¬7) في (م): الثامنة. (¬8) في (م): الثانية. (¬9) في (ر): التاسعة. (¬10) في (م): الثانية.

3 - باب فيمن قال ليلة إحدى وعشرين

3 - باب فِيمنْ قَالَ لَيْلَةُ إِحْدى وَعِشْرِينَ 1382 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الهادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْراهِيمَ بْنِ الحارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ فاعْتَكَفَ عامًا حَتَّى إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ إِحْدى وَعِشْرِينَ وَهِيَ اللَّيْلَةُ التِي يَخْرُجُ فِيها مِنَ اعْتِكافِهِ قَالَ: "مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَعْتَكِفِ العَشْرَ الأَوَاخِرَ وَقَدْ رَأَيْتُ هذِه اللَّيْلَةَ ثُمَّ أُنْسِيتُها وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ مِنْ صَبِيحَتِها فِي ماءٍ وَطِينٍ فالتَمِسُوها فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ والتَمِسُوها فِي كُلِّ وِتْرٍ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَمُطِرَتِ السَّماءُ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَكَانَ المَسْجِدُ عَلَى عَرِيشٍ فَوَكَفَ المَسْجِدُ. فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَأَبْصَرَتْ عَيْنايَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ أَثَرُ الماءِ والطِّينِ مِنْ صَبِيحَةِ إِحْدى وَعِشْرِينَ (¬1). 1383 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنا عَبْدُ الأَعْلَى، أَخْبَرَنا سَعِيدٌ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "التَمِسُوها فِي العَشْرِ الأَواخِرِ مِنْ رَمَضَانَ والتَمِسُوها فِي التَّاسِعَةِ والسَّابِعَةِ والخَامِسَةِ". قَالَ: قُلْتُ: يا أَبا سَعِيدٍ إِنَّكُمْ أَعْلَمُ بِالعَدَدِ مِنّا. قَالَ: أَجَلْ. قُلْتُ: ما التَّاسِعَةُ والسَّابِعَةُ والخَامِسَةُ قَالَ: إِذَا مَضَتْ واحِدَةٌ وَعِشْرُونَ فالَّتِي تَلِيها التَّاسِعَة وَإِذَا مَضَى ثَلاثٌ وَعِشْرُونَ فالَّتِي تَلِيها السَّابِعَةُ وَإِذَا مَضَى خَمْسٌ وَعِشْرُونَ فالَّتِي تَلِيها الخامِسَةُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لا أَدْرِي أَخَفِيَ عَلي مِنْهُ شَيء أَمْ لا (¬2). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2018، 2027)، ومسلم (1167). (¬2) رواه مسلم (1167/ 217).

باب فيمن قال ليلة إحدى وعشرين [1382] (حدثنا) (¬1) عبد الله بن مسلمة (¬2) (القعنبي، [عن مالك (¬3) عن يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث] (¬4) التيمي) المدني (¬5) أبو عبد الله [(عن أبي (¬6) سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف. (عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعتكف العشر] (¬7) الأوسط) كان قياسه: العشر الوسطى، [لأن العشر مؤنث] (¬8) بدليل قوله في الرواية التي قبلها: العشر الأواخر. [ووجه قوله الأوسط أنه جاء على لفظ العشر فإنه] (¬9) لفظ مذكر (¬10) ورواه بعضهم: الوسط بضمتين (¬11) جمع واسط كنازل ونزل وبازل وبزل (¬12)، وبعضهم بضم الواو وفتح السين جمع وسطى ككبر (¬13) جمع كبرى، حكى ذلك الإسنوي. [(من رمضان فاعتكف] (¬14) عامًا) أي: في عام، ولمسلم: اعتكفنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العشر الوسطى (¬15) من رمضان (¬16). ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) في (ر): محمد. (¬3) "الموطأ" (692). (¬4) سقط من (ر). (¬5) من (ر). (¬6) في (م): أم. (¬7) في (ر): الفقيه قوله. (¬8) في (م): لكن العشر. (¬9) في (م): قال. (¬10) في (م) من ذكر. (¬11) في (م): بضمير. (¬12) ساقطة من (ر)، (م). (¬13) في (م): ككثرة. (¬14) في (ر): قوله. (¬15) في (م): الأوسط. (¬16) "صحيح مسلم" (1167) (216).

[(حتى إذا كانت ليلة) بالرفع (إحدى وعشرين، وهي التي يخرج فيها من اعتكافه)] (¬1). قال عياض في رواية مسلم: فلما كانت ليلة إحدى وعشرين وهي التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه. [أي: التي انتظرنا] (¬2) خروجه منها إذ بات تلك الليلة في معتكفه ولم تكن عادته (¬3). وقيل: بل أراد بصبيحتها يومها الذي قبلها فأضافه إلى ليلة إحدى وعشرين كما قال تعالى: {عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} (¬4) فأضاف الضحى (¬5) إلى العشية وهو قبلها، ولأن العرب قد تجعل ليلة اليوم الآتية بعده حكاه المطرز (¬6). [(قال: من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر) أيضًا فيه الأمر بالاعتكاف وهو من المسنونات المتأكدة (وقد رأيت هذِه الليلة)] (¬7) ولمسلم: "ثم اعتكفت (¬8) العشر الأوسط، ثم أتيت فقيل لي: إنها في العشر الأواخر، فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف، فاعتكف [الناس معه قال: "وإني أريتها] (¬9) ليلة وتر". أي: في أوتار ليالي هذا الشهر كليلة الحادي والعشرين والثالث والعشرين، لا في أشفاعها [(ثم أنسيتها)] (¬10) من الإنساء، وفي بعضها: "نُسِّيتها" من التنسية، وفي بعضها: "نَسِيتها" من النسيان. ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) في (م): التي اشترط. (¬3) "إكمال المعلم" 4/ 152. (¬4) النازعات: 46. (¬5) في (م): الصبح. (¬6) "شرح الزرقاني" 2/ 286. (¬7) سقط من (ر). (¬8) في (م): اعتكف. (¬9) في "م": وقال وإنها. (¬10) في (ر): قوله أنسيتها.

فإن (¬1) قلت: إذا جاز النسيان في هذِه المسألة فيجوز في غيرها، فيفوت منه التبليغ إلى الأمة (¬2). أجاب الكرماني: نسيان (¬3) الأحكام التي يجب عليه فيها التبليغ لا يجوز، ولو جاز ووقع لذكَّره الله تعالى إياه. قال عياض: نسيان مثل هذا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم مما لم يؤمر بتبليغه ولا هو من باب الإبلاغ وتقرير الشرع جاز عليه النسيان فيه وإيصاله (¬4) إذا نما. فيه إخبار عن فضيلة وقت، وتعيينه (¬5) مع بقاء طلبه والاجتهاد في [إصابته وتحري وقته (¬6). قوله: (وقد رأيتني)] (¬7) أي: رأيت في المنام أني [الفاعل والمفعول ضميران لشيء واحد وهذا من خصائص أفعال القلوب. قوله] (¬8) (أسجد) (¬9) في صبحة (¬10) (من صبيحتها) بنصب التاء على الظرف (في (¬11) ماء وطين) (¬12) علامة جعلت له في تلك السنة والله أعلم؛ ليستدل بها عليها كما [استدل بالشمس] (¬13) وغيرها. قوله (¬14): (فالتمسوها في [العشر الأواخر)] (¬15) أي: اطلبوها في ¬

_ (¬1) في (م): قال. (¬2) في (م): الأمراء. (¬3) في (م): سياق. (¬4) من (ر). (¬5) في (م): ويعتبر. (¬6) "إكمال المعلم" 4/ 146. (¬7) في (م): أمانته والتحري فيه، وقد رأيت أني. (¬8) من (ر، س، ل). (¬9) من (ل، م). (¬10) في (ر): صبيحة. (¬11) في (ر): قوله. (¬12) زاد في (ر): أخرجه م ن ق. (¬13) في (م): استثنى الشمس. (¬14) من (ر). (¬15) سقط من (ر).

جميع العشر الأواخر، ثم ذكر ما هو أخص من ذلك، فقال (والتمسوها (¬1) في كل وتر) أي: في أوتار العشر الأواخر، يعني: دون الأشفاع "إن الله تعالى وتر يحب الوتر" (¬2). [(قال أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه -: فمطرت)] (¬3) بفتح الميم والطاء (السماء) (¬4). يقال: مطرت في الرحمة وأمطرت بالألف لا غير في العذاب. قال صاحب "الحاوي": زعم بعضهم أنه يكره أن يقال: اللهم أمطرنا؛ لأن الله لم يذكر (¬5) الإمطار، يعني: بالألف [إلا للعذاب] (¬6). قال الله تعالى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ} (¬7). (¬8) ورد هذا بأنه قد جاء في كتاب الله أمطر في مطر (¬9) للغيث. [وهو قوله تعالى] (¬10): {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} (¬11)، ومعلوم أنهم أرادوا الغيث، ولهذا رد الله عليهم بقوله: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬12). [من تلك الليلة) بالجر (وكان المسجد على] (¬13) عريش) أي: مظللًا بجريد ونحوه مما يستظل به، يريد أنه لم يكن له سقف يكن من المطر، والعريش كالبيت يصنع من سعف النخل ينزل فيه الناس أيام الثمار ليصيبوا منها [حين تصرم حتى] (¬14) سمي بذلك أهل البيت عريشًا، والعريش ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) سيأتي تخريجه في باب استحباب الوتر. (¬3) في (ر): قوله مطرت. (¬4) و (¬5) سقط من (ر). (¬6) من (ر، ل). (¬7) الشعراء: 173. (¬8) "الحاوي الكبير" 2/ 524. (¬9) في (م): المطر. (¬10) تكررت في (م). (¬11) و (¬12) الأحقاف: 24. (¬13) في (ر): قوله. (¬14) في (ر): حين جنى.

[أيضًا الخباء، و] (¬1) في حديث ابن عمر أنه كان يقطع التلبية إذا نظر عروش مكة (¬2)، أي: بيوتها، [وسميت عروشًا لأنها كانت عيدانًا] (¬3) تنصب ويظلل عليها، واحدها عرش. (فوكف المسجد) أي: قطر ماء المطر من سقفه وسال قليلًا قليلًا، يقال (¬4): وكف البيت من المطر وكفًا كوعد وعدًا ووكوفًا ووكيفًا. [(فأبصرت عيناي) وللبخاري: فبصرت عيناي (¬5). وهو مثل: أخذت بيدي، وإنما يؤكد بذلك في أمر يعز الوصول إليه إظهارًا للتعجب من حصول تلك الحالة الغريبة (رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)] (¬6). [(وعلى جبهته] (¬7) وأنفه) ورواية مسلم: فمطرنا حتى سال سقف المسجد، وكان من جريد النخل، وأقيمت الصلاة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسجد في الماء والطين و [رأيته حين] (¬8) انصرف وعلى جبهته وأرنبته (¬9) (أثر) [بالرفع مبتدأ مؤخر] (¬10). (الماء والطين) قد (¬11) يستدل به من يرى وجوب السجود على الجبهة ¬

_ (¬1) في (ر): . . . الجياد. (¬2) رواه الإمام مالك (46). (¬3) سقط من (ر). (¬4) في (م): يعني. (¬5) "صحيح البخاري" (2027). (¬6) تقدمت تلك الفقرة في الأصول الخطية فجاءت بعد قوله تعالى: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ. . .}. وقد نقلتها إلى الموضع المناسب حسب ورودها في متن الحديث. (¬7) في (ر): قوله. (¬8) في (م): رأسه حتى. (¬9) في (م): وزراعيه. (¬10) من (ل). (¬11) في (ر): فلا.

والأنف وبما روى الأثرم (¬1) عن عكرمة (¬2) أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا صلاة لمن لا تصيب أنفه من الأرض ما تصيب جبهته" (¬3). قال البخاري: كان (¬4) الحميدي يحتج بهذا الحديث على أن السنة للمصلي أن لا يمسح جبهته في الصلاة، وكذا قال العلماء يستحب أن لا يمسحها في الصلاة، وهذا محمول على أنه كان شيئًا يسيرًا لا يمنع مباشرة بشرة الجبهة للأرض، ويدل [عليه قوله: أثر الطين، ولو كان كثيرًا يمنع ذلك لم يصح سجوده بعده عند الشافعي وموافقيه في منع السجود] (¬5) على حائل يتصل به (¬6). ويقال في الحديث: وعلى جبهته وأنفه الطين [(من صبيحة إحدى وعشرين) (¬7) التي يخرج منها من معتكفه. [1383] (حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى (ثنا] (¬8) سعيد) بن أبي عروبة مهران العدوي (عن (¬9) أبي نضرة) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة، اسمه المنذر بن مالك بن قطعة العوقي، بفتح العين المهملة والواو، وآخره قاف نسبة إلى العوقة، بطن من عبد القيس ¬

_ (¬1) في (م): الأثر. (¬2) في (م): بمكة. (¬3) أخرجه الدارقطني في "سننه" 1/ 384 من حديث ابن عباس. (¬4) في (ر): قال. (¬5) في (م): على قوله أثر. (¬6) "شرح النووي" 8/ 61. (¬7) أخرجه البخاري ومسلم كما تقدم، وأخرجه النسائي في "المجتبى" 3/ 79، وابن خزيمة (2243)، وابن حبان (1674) من طريق ابن هاد به. (¬8) و (¬9) سقط من (ر).

سكنوا البصرة، [وإنما قيل] (¬1) العبدي والبصري إلى محلة بالبصرة، كان يسكنها (¬2) العوقة فنسبت إليهم. [(عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم] (¬3): التمسوها) من غير ذكر ليلة القدر التي يعود الضمير عليها، وحذفت للعلم بها، فعاد الضمير إلى معلوم كقوله تعالى: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} (¬4)، ونظائره. [(في العشر الأواخر) تقدم (من رمضان والتمسوها في) الليلة (التاسعة والسابعة والخامسة)] (¬5). (قال) أبو نضرة (¬6): (قلت (¬7): يا أبا سعيد) الخدري (¬8) (إنكم أعلم بالعدد منا) رواة الحديث أعلم بمعاني الحديث وأعرف بتفسير ألفاظه. [(قال: أجل) بسكون اللام بمعنى نعم. (قلت: التاسعة والسابعة والخامسة. قال) أبو سعيد: (وإذا مضت واحدة وعشرون فالتي تليها) ثنتان وعشرون وهي (التاسعة) كذا لمسلم (¬9). (فإذا مضى ثلاث وعشرون فالتي تليها السابعة، وإذا مضى خمس وعشرون] (¬10) فالتي تليها الخامسة) (¬11) قال عياض: جعل أبو سعيد في ¬

_ (¬1) في (ر): وربما. (¬2) في (م): فيها. (¬3) في (ر): قوله. (¬4) ص: 32. (¬5) سقط من (ر). (¬6) في (م): هريرة. (¬7) سقطت من (ر). (¬8) ليست في (ر). (¬9) "صحيح مسلم" (1167) (217). (¬10) في (ر): قوله. (¬11) زاد في (ر): أخرجه م ن.

ظاهر تأويله التاسعة ليلة اثنتين (¬1) وعشرين، والسابعة ليلة أربع وعشرين [وهذا على تمام الشهر. قال: وتأول غيره الحديث على أن التاسعة ليلة إحدى وعشرين والسابعة ليلة ثلاث وعشرين] (¬2). قال بعضهم: وهذا إنما يصح على أن الشهر ناقص (¬3)، قال: والأحاديث مختلفة، وقد قيل إنها تختلف باختلاف (¬4) الأعوام. [(قال) المصنف: (لا أدري] (¬5) أخفي [علي منه)] (¬6) أي: من لفظ الحديث [(شيء أم لا)] (¬7). ¬

_ (¬1) في (ر): ثلاث. (¬2) سقط من (ر). (¬3) "إكمال المعلم" 4/ 143. (¬4) من (ر). (¬5) في (ر): قوله. (¬6) في (ر): عليه. (¬7) ليست في (ر).

4 - باب من روى أنها ليلة سبع عشرة

4 - باب مَنْ رَوى أَنَّها لَيْلَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ 1384 - حَدَّثَنا حَكِيمُ بْنُ سَيْفٍ الرَّقِّيُّ، أَخْبَرَنا عُبَيْدُ اللهِ - يَعْنِيِ ابن عَمْرٍو - عَنْ زَيْدٍ - يَعْنِي ابن أَبِي أُنَيْسَةَ - عَنْ أَبِي إِسْحاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابن مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ لَنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اطْلُبُوها لَيْلَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ وَلَيْلَةَ إِحْدى وَعِشْرِينَ وَلَيْلَةَ ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ". ثُمَّ سَكَتَ (¬1). * * * باب من روى أنها ليلة سبع (¬2) عشرة [1384] (حدثنا (¬3) حكيم بن سيف) أبو عمرو (الرقي) (¬4) قال ابن السمعاني: الرقي بفتح الراء وتشديد القاف نسبة إلى الرقا مدينة على طرف الفرات (¬5) (¬6). قال أبو حاتم: صدوق ليس بالمتين (¬7) (¬8) ووثقه غيره (¬9). ¬

_ (¬1) أخرجه البيهقي في "الكبرى" 4/ 310 من طريق أبي داود، وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (7697)، والطبراني في "الكبير" (9579) من طرق إبراهيم عن الأسود موقوفًا على ابن مسعود. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (244). (¬2) في (م): تسعة. (¬3) ليست في (ر). (¬4) في (م): الرحبي. (¬5) في (م): القناه. (¬6) "الأنساب" للسمعاني 3/ 84. (¬7) في (ر): بالمعين. وفي (م): بالمقتر. (¬8) "الجرح والتعديل" 3/ 205. (¬9) "تهذيب الكمال" 7/ 197.

[(حدثنا عبيد الله) بالتصغير (بن عمرو) عن (زيد بن] (¬1) أبي أنيسة) (¬2) بضم الهمزة وفتح النون مصغر، واسم أبي أنيسة (¬3) زيد الغنوي، أخرج له مسلم وغيره. (عن (¬4) أبي إسحاق) [(عمرو بن عبد الله بن أبي شعيرة) (¬5) السبيعي الكوفي. (عن] (¬6) عبد الرحمن بن الأسود) بن يزيد [بن قيس] (¬7) النخعي الكوفي (¬8) [(عن أبيه) الأسود بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي. (عن) عبد الله (ابن مسعود - رضي الله عنه -) (¬9) قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم] (¬10): اطلبوها) يعني: ليلة القدر في (ليلة (¬11) سبع عشرة [من رمضان)] (¬12) فيه دلالة أن ليلة القدر تطلب ليلة (¬13) سبع ¬

_ (¬1) ليست في (ر). (¬2) في (م): شبية. (¬3) في (م): أسد. (¬4) ليست في (ر). (¬5) جملة غير واضحة في (م). (¬6) في (ر): قوله. (¬7) من (ر). (¬8) من (ر). (¬9) من (ل). (¬10) في (ر): قوله. (¬11) ليست في (ر). (¬12) ليست في (ر). (¬13) ليست في (ر).

عشرة، وبه قال طائفة من الصحابة قالوا: لأن صبيحتها كان يوم بدر، وروي عن علي وابن مسعود وزيد بن ثابت وزيد بن أرقم وعمرو بن حريث (¬1) والمشهور عن أهل السير والمغازي أن ليلة بدر كانت ليلة سبع عشرة، وكانت ليلة جمعة (¬2)، وكان زيد بن ثابت لا يحيي ليلةً من رمضان كما يحيي ليلة سبع عشرة ويقول: إن الله فرق في صبيحتها بين الحق والباطل (¬3) وأذل في صبيحتها أئمة الكفر، وحكى الإمام أحمد هذا القول عن أهل المدينة أن ليلة القدر تطلب ليلة سبع عشرة (¬4). وحكي عن عامر عن عبد الله بن الزبير أنه كان يواصل ليلة سبع عشرة، وعن أهل مكة أنهم كانوا لا ينامون فيها ويعتمرون، وروي عن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام (¬5) قال: ليلة القدر ليلة سبع عشرة ليلة جمعة. أخرجه ابن أبي شيبة (¬6). [روى ابن أبي شيبة والطبراني عن زيد بن أرقم قال: لا أشك ولا أمتري أنها ليلة سبع عشرة من رمضان (¬7). وقيل: ليلة ثمان عشرة] (¬8). وظاهره أنها إنما تكون ليلة القدر إذا كانت ليلة جمعة لتوافق ليلة (¬9) بدر. ¬

_ (¬1) في (ر): جرير. (¬2) انظر: "السيرة النبوية" 2/ 244. (¬3) الطبراني في "الكبير" 5/ 135 (4865). (¬4) "المغني" 10/ 414 بمعناه. (¬5) في (ر، س، ل): هاشم. (¬6) "المصنف" 6/ 32 (8771). (¬7) لم أقف عليه في "المصنف"، ورواه الطبراني 5/ 198 (5079). (¬8) من (ر، س، ل). (¬9) في (ر): يوم.

وروى أبو الشيخ الأصبهاني (¬1) بإسناد جيد عن الحسن قال: إن غلامًا لعثمان بن أبي (¬2) العاص قال له: يا سيدي إن [البحر يعذب] (¬3) في هذا الشهر في ليلة قال: فإذا كانت ليلة (¬4) الليلة فأعلمني، قال (¬5): فلما كانت تلك الليلة [آذنه فنظروا] (¬6)، فوجدوه عذبًا فإذا هي ليلة سبع عشر. وروي من حديث جابر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [يأتي قباء] (¬7) صبيحة سبع عشرة من رمضان (¬8) أي يوم كان. أخرجه أبو موسى المديني. [وذكره ابن سعد] (¬9) عن الواقدي عن أشياخه: أن المعراج كان ليلة السبت لسبع عشرة خلت من رمضان قبل الهجرة إلى السماء، وإن كان الإسراء كان ليلة سبع (¬10) عشرة من ربيع الأول قبل الهجرة بسنة إلى بيت المقدس (¬11). وهذا على قول من فرَّق بين المعراج والإسراء فجعل المعراج إلى ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) من (ر). (¬3) في (م): المختلفان. (¬4) من (ل). (¬5) من (ل). (¬6) في (م): إذ به قيظ. (¬7) في (م): ينادي فيها. (¬8) في (م): يوم، وانظر: "تاريخ المدينة" 1/ 44. (¬9) في (م): وذكر أن سعيد. (¬10) في (ر، س): تسع. (¬11) "الطبقات الكبرى" لابن سعد.

السماء كما ذكر في سورة النجم، والإسراء إلى بيت المقدس خاصة كما ذكر في سورة سبحان، وقد قيل: إن ابتداء نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان (¬1) في سابع عشر رمضان. قوله (¬2): (وليلة إحدى (¬3) وعشرين) كما تقدم في الباب (¬4) قبله، قال الأذرعي: الذي قاله الأكثرون أن ميل الشافعي إلى أن ليلة القدر ليلة الحادي والعشرين لا غير (¬5)، وقال الشيخ أبو حامد والبندنيجي أنه مذهب الشافعي (¬6) - رضي الله عنه -. (و (¬7) ليلة ثلاث وعشرين) وقد تترجح هذِه الليلة في حديث عبد الله بن أنيس في قوله: [فمرني بليلة] (¬8) أنزلها في المسجد فأصليها فيه. فقال: "انزل ليلة ثلاث وعشرين" (ثم سكت) فلم يزد (¬9) على هذِه الليلة (¬10). ¬

_ (¬1) من (ل). (¬2) من (ر). (¬3) في (م): أحد. (¬4) في (م): المثال. (¬5) "مغني المحتاج" 1/ 450. (¬6) "المجموع" 6/ 449 - 450. (¬7) في (ر): قوله. (¬8) في (م): - عليه السلام -. (¬9) في (م): يزل. (¬10) تقدم تخريجه في باب في ليلة القدر.

5 - باب من روى في السبع الأواخر

5 - باب مَنْ روى فِي السَّبْعِ الأَواخِر 1385 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينارٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي السَّبْعِ الأَواخِرِ" (¬1). * * * باب من روى أنها (¬2) في السبع الأواخر [1385] [(حدثنا) عبد الله بن مسلمة (القعنبي، عن مالك (¬3)، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم] (¬4): تحروا) أي (¬5): اطلبوا واجتهدوا في (¬6) [(ليلة القدر في السبع] (¬7) الأواخر) قال عياض: هذا يخرج منها ليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين إذا عدَّ على الكمال (¬8). قال شعبة (¬9): وأخبرني رجل ثقة عن سفيان أنه إنما قال في السبع البواقي - يعني: ولم يقل ليلة سبع وعشرين (¬10). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2015)، ومسلم (1165). (¬2) من (س). (¬3) "الموطأ" (694). (¬4) في (ر): قوله. (¬5) من (ر). (¬6) من (ل). (¬7) في (ر): قوله. (¬8) "إكمال المعلم" 4/ 145. (¬9) في (م): سعيد. (¬10) أخرجه أحمد 2/ 157. وقال: الرجل الثقة هو يحيى بن سعيد القطان.

قال أحمد في [رواية ابنه: ثقة] (¬1). هو يحيى بن سعيد، وفي "مسند أحمد" عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إن ليلة القدر في النصف [من السبع الأواخر] (¬2) من رمضان" (¬3). وإذا حسبنا أول السبع الأواخر ليلة أربع وعشرين كانت ليلة سبع وعشرين نصف السبع؛ لأن قبلها ثلاث وبعدها ثلاث. ¬

_ (¬1) في (ر): بن صالح الفقيه و، وفي (م): روايته أنه. (¬2) من (ر). (¬3) "مسند أحمد" 1/ 406.

6 - باب من قال سبع وعشرون

6 - باب مَنْ قَالَ سبْعٌ وَعِشْرُونَ 1386 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعاذٍ، حَدَّثَنا أَبِي، أَخْبَرَنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ سَمِعَ مُطَرِّفًا عَنْ مُعاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي لَيْلَةِ القَدْرِ قَالَ: "لَيْلَةُ القَدْرِ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ" (¬1). * * * باب من قال [سبع وعشرون] (¬2) [1386] [(حدثنا عبيد الله بن معاذ) قال: (حدثني أبي) معاذ [بن معاذ] (¬3). (حدثنا شعبة، عن قتادة، أنه سمع مطرفًا) يحدث (عن معاوية بن أبي سفيان، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ليلة القدر قال) هي (¬4)] (¬5) (ليلة سبع وعشرين) (¬6) فيه حجة قوية (¬7) على أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين، [وحكاه صاحب "الحلية" (¬8) من الشافعية عن أكثر ¬

_ (¬1) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/ 93، وابن حبان 8/ 436 - 437 (3680)، والطبراني 19 (813)، والبيهقي 4/ 312. وصححه ابن عبد البر في "التمهيد" 2/ 205، والألباني في "صحيح أبي داود" (1254). (¬2) في الأصول: سبعًا وعشرين. (¬3) من (ل). (¬4) في مطبوعة السنن: ليلة القدر. (¬5) في (ر): قوله. (¬6) أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (813)، وابن حبان (3680) من طريق عبيد الله بن معاذ. وقال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (1254): صحيح الإسناد. (¬7) في (م): قوله. (¬8) "حلية الأولياء" 3/ 179.

العلماء] (¬1) وقد تقدمت له أدلة، وقد استنبط طائفة من المتأخرين من القرآن أنها ليلة سبع وعشرين من [موضعين أحدهما] (¬2) أن الله تعالى كرر ذكر ليلة القدر في سورة القدر في ثلاثة مواضع منها، وليلة القدر حروفها تسع حروف، والتسع (¬3) إذا ضربت في ثلاثة (¬4) فهي سبع وعشرون. والثاني أنه قال: {سَلَامٌ هِيَ} فكلمة (هي) هي (¬5) الكلمة السابعة والعشرون من السورة، فإن كلماتها كلها ثلاثون كلمة. قال ابن عطية: وهذا من ملح التفسير لا من متين العلم (¬6). وهو (¬7) كما قال، ومما يستدل به من رجح ليلة سبع وعشرين بالآيات والعلامات التي رويت فيها قديمًا و (¬8) حديثًا، وما (¬9) وقع فيها من إجابة الدعوات، وحكاه النووي عن أهل الكوفة (¬10) كما تقدم (¬11). ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) في (م): أحدهما. وفي (ل): موضعين. (¬3) في (م): السبع. (¬4) في (ر، م): ثلاث مواضع. (¬5) سقط من (ر). (¬6) "المحرر الوجيز" 1/ 54. (¬7) من (ل). (¬8) بعدها في (م): خبر. (¬9) في (م): ولما. وفي (ل): ومما. (¬10) لم أقف على تلك الحكاية. (¬11) من (س، ل، م).

7 - باب من قال هي في كل رمضان

7 - باب مَنْ قَالَ هِيَ فِي كُلِّ رَمَضَانَ 1387 - حَدَّثَنا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُويَهْ النَّسائِيُّ، أَخْبَرَنا سَعِيدُ بْن أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا أَسْمَعُ، عَنْ لَيْلَةِ القَدْرِ فَقَالَ: "هِيَ فِي كُلِّ رَمَضَانَ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ سُفْيَانُ وَشُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحاقَ مَوْقُوفًا عَلَى ابن عُمَرَ لَمْ يَرْفَعَاهُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). * * * باب [من قال] (¬2) هي في كل رمضان [1387] [(حدثنا حميد بن] (¬3) زنجويه) بفتح الزاي وسكون النون وضم الجيم، من أهل بلدة زنجان (¬4)، قال الحازمي: زنجان (¬5) بعد الزاي المفتوحة نون ساكنة ثم جيم البلدة المعروفة في أكناف أذربيجان من بلاد الجبل (¬6)، واسم زنجويه مخلد أبو (¬7) أحمد (النسائي) الحافظ ¬

_ (¬1) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/ 84، والبيهقي 4/ 307. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (245). (¬2) من (ر). وفي (س، ل): من قال ليلة القدر. (¬3) سقط من (ر). (¬4) في (م): أريحان. (¬5) في (م): وكان. (¬6) ما اتفق لفظه وافترق معناه من أسماء البلدان باب: زنجن. (¬7) في (م): ابن.

المصنف ثقة، ولعله من بلد أبي (¬1) عبد الرحمن (¬2) أحمد بن شعيب صاحب "السنن". [(حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير، حدثنا موسى بن عقبة، عن] (¬3) أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي الهمداني [(عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أسمع عن ليلة القدر) أي ليلة هي؟ قال: (هي] (¬4) في كل رمضان) [ممكنة في جميع لياليه، قول ابن عمر رواه ابن أبي شيبة (¬5) بإسناد صحيح عنه، قال به ابن المنذر والمحاملي، ورجحه السبكي في "شرح المنهاج"] (¬6). قول (¬7) أبي حنيفة وصاحبيه (¬8) رأي (¬9) الجمهور على أن ليلة القدر في رمضان كل سنة، وتقدم عن ابن مسعود: من يقم الحول يصبها (¬10). وفي كتاب الله تعالى ما يبين أنها في رمضان؛ [لأن الله تعالى أخبر ¬

_ (¬1) في (م): بني. (¬2) زاد في (م): بن. (¬3) سقط من (ر). (¬4) في (ر): قوله. (¬5) "مصنف ابن أبي شيبة" (8765). (¬6) سقطت من (م). (¬7) في (م): روى عن. (¬8) سقطت من (م). وفي (ر): وصاحبيه روى. (¬9) في (ر): روى، وساقطة من (م). (¬10) تقدم قريبًا في باب في ليلة القدر.

أنه نزل القرآن في ليلة القدر، وأنه أنزله في رمضان فيجب (¬1) أن تكون ليلة القدر في رمضان] (¬2)، [لئلا يتناقض الخبران، وتقدم عن أبي بن كعب: والله لقد علم ابن مسعود أنها في رمضان] (¬3) ولكنه [خشي أن يخبركم فتتكلوا] (¬4) (¬5). وإذا ثبت هذا فإنه يستحب طلبها في جميع ليالي رمضان وفي العشر الأواخر آكد، وفي ليالي الوتر منه آكد. [(قال) المصنف] (¬6): (رواه سفيان) بن عيينة [(وشعبة عن أبي إسحاق) السبيعي (موقوفًا على ابن عمر رضي الله عنهما ولم يرفعاه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم) كما تقدم] (¬7). ¬

_ (¬1) في (م): صحت. (¬2) سقط من (س). (¬3) سقطت من (م). (¬4) في (م): خبر أن خبركم فتتكلوا. (¬5) تقدم قريبًا في باب في ليلة القدر. (¬6) في (ر): كذا. (¬7) سقط من (ر).

8 - باب في كم يقرأ القرآن

أبواب قِراءَةِ القُرْآنِ وَتحْزِييِهِ وتَرْتِيلِهِ 8 - باب فِي كَمْ يُقْرَأُ القُرْآنُ 1388 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْن إِبْراهِيمَ وَمُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ قالا، أَخْبَرَنا أَبانُ، عَنْ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْراهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ: "اقْرَإِ القُرْآنَ فِي شَهْرٍ". قَالَ إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً. قَالَ: "اقْرَأْ فِي عِشْرِينَ". قَالَ إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً. قَالَ: "اقْرَأْ فِي خَمْسَ عَشْرَةَ". قَالَ إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً. قَالَ: "اقْرَأْ فِي عَشْرٍ". قَالَ إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً. قَالَ: "اقْرَأْ فِي سَبْعٍ وَلا تَزِيدَنَّ عَلَى ذَلِكَ" (¬1). قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَحَدِيثُ مُسْلِمٍ أَتَمُّ. 1389 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ، أَخْبَرَنا حَمَّادٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "صُمْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ واقْرَإِ القُرْآنَ فِي شَهْرٍ". فَناقَصَنِي وَناقَصْتُهُ فَقَالَ: "صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا". قَالَ عَطَاءٌ واخْتَلَفْنا عَنْ أَبِي فَقَالَ بَعْضُنا: سَبْعَةَ أَيَّامٍ وقَالَ بَعْضُنا: خَمْسًا (¬2). 1390 - حَدَّثَنا ابن المُثَنَّى، حَدَّثَنا عَبْدُ الصَّمَدِ، أَخْبَرَنا هَمَّامٌ، أَخْبَرَنا قَتَادَةُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ: يا رَسُولَ اللهِ فِي كَمْ أَقْرَأُ القُرْآنَ قَالَ: "فِي شَهْرٍ". قَالَ إِنِّي أَقْوى مِنْ ذَلِكَ - يُرَدِّدُ الكَلامَ أَبُو مُوسَى - وَتَناقَصَهُ حَتَّى قَالَ: "اقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ". قَالَ إِنِّي أَقْوى مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: "لا يَفْقَهُ مَنْ قَرَأَهُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاثٍ" (¬3). 1391 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ حَفْصٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ القَطَّانُ خالُ عِيسَى بْنِ شاذانَ، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5054)، ومسلم (1159). (¬2) رواه البخاري (1131، 1974 - 1980، 5052)، ومسلم (1159). (¬3) رواه البخاري (1978).

أَخْبَرَنا أَبُو دَاوُدَ، أَخْبَرَنا الحَرِيشُ بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اقْرَإ القُرْآنَ فِي شَهْرٍ". قَالَ إِنَّ بِي قُوَّةً. قَالَ: "اقْرَأْهُ فِي ثَلاثٍ". قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: سَمِعْتُ أَبا دَاوُدَ يَقُولُ: سَمِعْت أَحْمَدَ - يَعْنِي: ابن حَنْبَلٍ - يَقُولُ عِيسَى بْنُ شاذَانَ كَيِّسٌ (¬1). * * * باب في كم يقرأ القرآن [1388] (حدثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي الفراهيدي. [(وموسى بن إسماعيل) قالا (ثنا أبان، عن يحيى) بن أبي كثير (عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن. (عن عبد الله] (¬2) بن عمرو) بن العاص [- رضي الله عنه - (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له: اقرأ القرآن في) كل (شهر. قال) قلت (إني] (¬3) أجد قوة) وقد أخذ به بعضهم فكان يختم القرآن في كل شهر في (¬4) كل يوم جزء من ثلاثين. قال الغزالي: وهو مبالغة في الاقتصار كما أن الختم في اليوم والليلة مبالغة في الاستكثار. قال: ولا بأس بمن كان نافذ الفكر في معاني القرآن أنه يكتفي في الشهر بمرة لحاجته إلى كثرة التردد (¬5) والتأمُّل (¬6). ¬

_ (¬1) رواه أبو الشيخ الأصبهاني في "الطبقات" 3/ 575، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" 4/ 122. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1258). (¬2) سقط من (ر). (¬3) في (ر): قوله. (¬4) من (ر). (¬5) في (س): الترتيل. (¬6) "إحياء علوم الدين" 1/ 276.

[(قال: اقرأه في) كل] (¬1) (عشرين) أي: في كل يوم وليلة ثلاثة أجزاء. [(قال: إني أجد قوة) على أكثر من ذلك (قال: اقرأه في) كل] (¬2) (خمس عشرة) أي (¬3): في كل يوم وليلة جزآن، وهي أربعة أحزاب، ولفظ الترمذي: "اختمه في خمسة عشر" (¬4). [(قال: إني أجد قوة) لأفضل (¬5) من ذلك. (قال: اقرأه] (¬6) في عشر) وللترمذي (¬7): "اختمه في عشر". يعني: في كل يوم وليلة ثلاثة أجزاء، وقد كان جماعة من السلف يختمون القرآن في كل عشر. [(قال: إني] (¬8) أجد قوة) على أفضل (¬9) من ذلك، فيه مراجعة العالم في طلب الفضائل والارتقاء إلى [معالي الأمور] (¬10)، فإن ذا الهمة العالية يربا (¬11) إلى معالي الأمور ويكره سفسافها. [(قال: اقرأه] (¬12) في سبع) وكان فعل الأكثرين من الصحابة والخلف يختمون القرآن في كل سبعة أيام كعثمان وزيد بن ثابت وابن مسعود وأبي بن كعب وأحمد بن حنبل وغيرهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "اقرأه في سبع" (ولا تزيدن) بنصب الدال والنون المشددة (¬13). (على ذلك) ومن ختم القرآن في الأسبوع حزبه على سبعة أجزاء كما ¬

_ (¬1) في (ر): قوله في. (¬2) في (ر): قوله. (¬3) من (ر). (¬4) "سنن الترمذي" (2946). (¬5) من (ل). (¬6) في (ر): قوله. (¬7) سقط من (ر). (¬8) في (ر): قوله. (¬9) في (ر): أكثر. (¬10) في (م): المعالي. (¬11) في (م): يدني. (¬12) في (ر): قوله. (¬13) زاد في (ر): أخرجه خ م.

فعلت الصحابة، فالأول ثلاث سور وهي البقرة وآل عمران والنساء، والثاني خمس سور بعد الثلاث، والثالث سبع سور إلى مريم، والرابع تسع (¬1) سور، وقيل إلى أول العنكبوت، والخامس: إحدى عشرة سورة. وقيل (¬2): إلى - صلى الله عليه وسلم - (¬3)، والسادس ثلاث عشرة (¬4) سورة [وقيل: إلى ق] (¬5) [وقيل إلى الرحمن] (¬6)، والسابع إلى آخر القرآن، واختار بعضهم أن يختم في كل (¬7) خمس لرواية الترمذي: "اختمه في خمس". قلت: إني أطيق أفضل من ذلك. قال (¬8): فما رخص لي. وسيأتي ذكر الخمس. (قال) المصنف: (حديث مسلم) بن إبراهيم شيخ المصنف (أتم) (¬9) من حديث موسى بن إسماعيل. [1389] [(حدثنا سليمان بن حرب، ثنا حماد) بن زيد (عن] (¬10) عطاء بن السائب) أخرج له البخاري مقرونًا. [(عن أبيه)] (¬11) السائب بن يزيد، قال يحيى بن معين: ثقة (¬12) [(عن عبد الله بن] (¬13) عمرو) بن العاص - رضي الله عنه -. [(قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: صم) في (كل ¬

_ (¬1) في (م): سبع. (¬2) من (ر). (¬3) أي: سورة محمد. (¬4) سقط من (ر). (¬5) من (ر، ل). (¬6) سقط من (س، ل). وفي (م): إلى الدخان. (¬7) ليست في (س، ل). (¬8) سقط من (ر). (¬9) في (م): ثم. (¬10) سقط من (ر). (¬11) سقط من (ر). (¬12) في (م): فيه. (¬13) سقط من (ر).

شهر] (¬1) ثلاثة أيام) وللنسائي: ذكرت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم الصوم فقال: "صم من كل عشرة أيام يومًا (¬2) ولك أجر تلك (¬3) التسعة". قلت: فإني أقوى أكثر من ذلك (¬4). وللبخاري ومسلم: "صم من الشهر ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر" (¬5). (و (¬6) اقرأ) القرآن (¬7) بكسر الهمزة (في) كل (شهر) [كما تقدم. (فناقصني] (¬8) وناقصته) (¬9) أي: طلب مني الانتقاص (¬10) فناقصته فيه. (فقال (¬11): صم يومًا وأفطر) بفتح الهمزة (يومًا) (¬12) (¬13) وذلك صيام داود - عليه السلام -. (قال عطاء) بن السائب (واختلفنا) أي: اختلفت (¬14) أنا وبعض الرواة في الرواية (عن أبي) السائب (¬15) بن مالك. [(فقال بعضنا: سبعة أيام، وقال بعضنا: خمسًا) ولمسلم]: فقال ¬

_ (¬1) في (ر): قوله. (¬2) من (ر، س). (¬3) سقط من (ر). (¬4) "سنن النسائي" (2395). (¬5) "صحيح البخاري" (1976)، و"صحيح مسلم" (1159) (181). (¬6) في (ر): قوله. (¬7) من (س). (¬8) في (ر): قوله. (¬9) في (م): ناقصه. (¬10) في (م): الأنقص. (¬11) في (ر): قوله. (¬12) , (16) سقط من (ر). (¬13) أخرجه أحمد 2/ 62 من طريق أخرى عن عطاء مختصرًا. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (1256): حديث صحيح. (¬14) في (م): اختلفنا. (¬15) زاد في (ر): يزيد. وفي (س، ل): يزيد من الزيادة.

لي: "أما يكفيك من كل شهر ثلاثة أيام؟ " قلت: يا رسول الله؟ قال: "خمسًا". قلت: يا رسول الله؟ قال: "سبعًا" (¬1). [1390] [(حدثنا) محمد (ابن المثنى، حدثنا عبد الصمد) [حدثنا همام] (¬2) (ثنا قتادة، عن يزيد] (¬3) بن عبد الله) بن الشخير [(عن عبد الله] (¬4) بن عمرو) بن العاص [- رضي الله عنه -. (أنه قال: يا رسول الله في كم] (¬5) أقرأ) برفع الهمزة [(القرآن؟ قال: في) كل (شهر) مرة (قال: إني أقوى) على أفضل (من ذلك) [قال المصنف] (¬6) ردد (¬7) هذا (¬8) (الكلام] (¬9) أبو موسى) وهو محمد بن المثنى (¬10) شيخ المصنف (¬11) وتناقصه [بفتح (¬12) الفوقانية والقاف، وفي بعضها بضم التحتانية وكسر القاف] (¬13) في قدر القراءة [(حتى قال) له (اقرأه في) كل (سبع) مرة. (قال: إني أقوى من ذلك. قال] (¬14): لا يفقه) (¬15) القرآن (¬16) أي: لا يفهمه ولا يتدبر معانيه. ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1159) (191). (¬2) من (س). (¬3) و (¬4) سقط من (ر). (¬5) سقط من (ر). (¬6) من (س، ل). (¬7) كذا في (م). (¬8) من (س، ل). (¬9) سقط من (ر). (¬10) في (م): المسبح. (¬11) في (ر): قوله. (¬12) في (ر): بضم. (¬13) من (ر): وضرب عليها في (س، ل). وكتبها بعد قوله: لا يفقه. (¬14) سقط من (ر). (¬15) في (س): يفقهه. (¬16) سقط من (ر).

[(من قرأه في] (¬1) أقل من ثلاث) لأن الزيادة على ثلاث تمنع الترتيل (¬2) وإخراج الحروف من مخارجها، والفقه في اللغة: الفهم. وقال الشيخ أبو إسحاق: هو فهم الأشياء الدقيقة، وقد جعله الشرع خاصًّا بعلم الشريعة وتخصيصًا بعلم الفروع منها دون غيره من العلوم. [1391] [(حدثنا محمد (¬3) بن حفص أبو عبد الرحمن القطان) البصري. (خال] (¬4) عيسى بن شاذان) بفتح الشين والذال المعجمتين (¬5) القطان البصري الحافظ، ومحمد بن حفص (¬6) ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬7). (حدثنا أبو داود) سليمان بن داود بن الجارود الطيالسي. (حدثنا الحريش) بفتح الحاء المهملة وكسر الراء آخره شين معجمة مكبر (بن سليم) مصغر أيضًا الكوفي سكت عنه (¬8) المصنف والمنذري. [(عن طلحة بن مصرف، عن] (¬9) خيثمة) بن عبد الرحمن الجعفي [(عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اقرأ القرآن في شهر، قال إن بي قوة) [أن أفعل أكثر] (¬10) من ذلك. (قال] (¬11): اقرأه في ثلاث) فيه دليل على (¬12) أن قراءة جميع القرآن في ثلاث جائز حسن؛ لأمره له [بقراءته في ثلاث، قال الغزالي: بين ¬

_ (¬1) في (ر): قوله. (¬2) في (م): التأمل. (¬3) في (م): يحيى. (¬4) سقط من (ر). (¬5) في (ر، ل، م): المعجمة. (¬6) في (ر): جعفر. (¬7) "الثقات" (15361). (¬8) في (ر، ل): عليه. (¬9) سقط من (ر). (¬10) في (س، ل): إلى أفضل. (¬11) في (ر): قوله. (¬12) من (س، ل).

المبالغة في الاقتصار والمبالغة في الاستكثار درجتان معتدلتان] (¬1) إحداهما في الأسبوع مرة كما تقدم، والثانية في الأسبوع مرتين تقريبًا من (¬2) الثلاث. قال: والأحب أن يختم ختمة بالليل وختمة بالنهار، ويجعل ختمة النهار يوم الاثنين في ركعتي الفجر أو بعدهما، ويختم ختمة الليل ليلة الجمعة في ركعتي المغرب أو بعدهما ليستقبل (¬3) بختمته أول الليل وأول النهار، فإن الملائكة تصلي عليه إن ختمه ليلًا حتى يصبح، وإن كان نهارًا حتى يمسي فيشمل بركتهما جميع الليل والنهار (¬4). [قال أبو داود: ما رأيت أحمد بن حنبل مدح إنسانًا قط إلا عيسى بن شاذان] (¬5). (قال) المصنف [(سمعت أبا داود) المصنف (¬6) (يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: عيسى بن شاذان] (¬7) كيس) الكيس بتشديد الياء: العاقل، وقد كاس يكيس كيسًا، والكيس بسكون الياء العقل (¬8)، وفي الحديث: "أي المؤمنين أكيس" (¬9). أي: أعقل (¬10). ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) في (ر): بين. (¬3) في (ر): ليستفيد. (¬4) "إحياء علوم الدين" 1/ 276. (¬5) من (ر، س، ل). (¬6) في (م): المطيعة. (¬7) سقط من (ر). (¬8) في (م): العاقل. (¬9) أخرجه ابن ماجه (4259) من حديث ابن عمر مرفوعًا. وقال الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" (4249): حسن. (¬10) زاد في (ل): الحمد لله وحده وصلواته على محمد وآله خير خلقه، فرغ من كتابته =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = يوم الأحد ثاني ربيع الأول سنة 847 علقه بنفسه يس بن محمد بن عبد الله بملحقة المسجد الأقصى الشريف، يتلوه في الجزء الثاني باب تحزيب القرآن وأول الجزء الثاني باب تفريع أبواب رمضان وكتبته في آخر هذا الجزء ثانيًا لنقص الأصل الذي في الثاني فإني كنت شاورت المصنف رحمه الله على أن أكتب الشرح دون الأصل فقال أكتب فكتبت كراريس، ثم بدا لي أن أكتب الشرح كما كتبه المصنف، فسألته في ذلك، فقال المصنف رحمه الله: اكتب فكتبته بكماله فلله الحمد على ذلك فهو المتفضل بالنعم وكتبته وأنا أفري الأود وليس من الرأي أن غلطات الكاتب ولا سبق القلم ولا الذهول لشغلت القلب بالأود، من كلام المصنف وكان المصنف رحمه الله أشار عليه بكتابة هذا الشرح في سنة سبع وثلاثين وثمانمائة بلغ مقابلة على نسخة المصنف المنسوخ منه بحسب الطاقة والإمكان يتلوه الجزء الثاني باب تفريع أبواب شهر رمضان. وزاد في (س): والله أعلم تم الجزء الأول من شرح "سنن أبي داود" لابن رسلان بالتمام والكمال، والحمد لله وحده.

9 - باب تحزيب القرآن

9 - باب تَحْزِيبِ القُرْآنِ 1392 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، أَخْبَرَنا ابن أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنِ ابن الهادِ قَالَ: سَأَلَنِي نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ فَقَالَ لِي: فِي كَمْ تَقْرَأُ القُرْآنَ فَقُلْتُ: ما أُحَزِّبُهُ. فَقَالَ لِي نَافِعٌ: لا تَقُلْ ما أُحَزِّبُهُ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "قَرَأْتُ جُزْءًا مِنَ القُرْآنِ". قَالَ: حَسِبْتُ أَنَّهُ ذَكَرَهُ عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ (¬1). 1393 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، أَخْبَرَنا قُرَّانُ بْنُ تَمَّامٍ ح، وحَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنا أَبُو خالِدٍ - وهذا لَفْظُهُ - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْلَى عَنْ عُثْمانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ جَدِّهِ - قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ فِي حَدِيثِهِ: أَوْسُ بْنُ حُذَيْفَةَ - قَالَ قَدِمْنا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ قَالَ: فَنَزَلَتِ الأَحْلافُ عَلَى المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَأَنْزَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَنِي مالِكٍ فِي قُبَّةٍ لَهُ. قَالَ مُسَدَّدٌ: وَكَانَ فِي الوَفْدِ الذِينَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ ثَقِيفٍ قَالَ: كَانَ كُلَّ لَيْلَةٍ يَأْتِينا بَعْدَ العِشاءِ يُحَدِّثُنا. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: قائِمًا عَلَى رِجْلَيْهِ حَتَّى يُراوِحَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ مِنْ طُولِ القِيامِ وَأَكْثَرُ ما يُحَدِّثنا ما لَقِيَ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ قُرَيْشٍ ثُمَّ يَقُولُ لا سَواءً كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ مُسْتَذَلِّينَ - قَالَ مُسَدَّدٌ: بِمَكَّةَ - فَلَمَّا خَرَجْنا إِلَى المَدِينَةِ كَانَتْ سِجالُ الحَرْبِ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ نُدالُ عَلَيْهِمْ وَيُدالُونَ عَلَيْنا فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةً أَبْطَأَ عَنِ الوَقْتِ الذِي كَانَ يَأْتِينا فِيهِ فَقُلْنا: لَقَدْ أَبْطَأْتَ عَنّا اللَّيْلَةَ. قَالَ إِنَّهُ طَرَأَ عَلي جُزْئِي مِنَ القُرْآنِ فَكَرِهْتُ أَنْ أَجِيءَ حَتَّى أُتِمَّهُ. قَالَ أَوْسٌ سَأَلْتُ أَصْحابَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَيْفَ يُحَزِّبُونَ القُرْآنَ؟ قَالُوا: ثَلاثٌ وَخَمْسٌ وَسَبْعٌ وَتِسْعٌ وَإِحْدى عَشْرَةَ وَثَلَاثَ عَشْرَةَ وَحِزْبُ المُفَصَّلِ وَحْدَهُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ أَتَمُّ (¬2). ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي داود في "المصاحف" ص 131. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1259). (¬2) أخرجه ابن ماجه (1345)، وأحمد 4/ 9، والطبراني في "المعجم الكبير" (599)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1578). =

1394 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المِنْهالِ، أَخْبَرَنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، أَخْبَرَنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي العَلاءِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ عَبْدِ اللهِ - يَعْنِي: ابن عَمْرٍو - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَفْقَهُ مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاثٍ" (¬1). 1395 - حَدَّثنا نُوحُ بْنُ حَبِيبٍ، أَخْبَرَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ عَنْ سِماكِ بْنِ الفَضْلِ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي كَمْ يَقْرَأُ القُرْآنَ قَالَ: "فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا". ثُمَّ قَالَ: "فِي شَهْرٍ". ثُمَّ قَالَ: "فِي عِشْرِينَ". ثُمَّ قَالَ: "فِي خَمْسَ عَشْرَةَ". ثُمَّ قَالَ: "فِي عَشْرٍ". ثُمَّ قَالَ: "فِي سَبْعٍ". لَمْ يَنْزِلْ مِنْ سَبْعٍ (¬2). 1396 - حَدَّثَنا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنا إِسْماعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ إِسْرائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحاقَ، عَنْ عَلْقَمَةَ والأَسْوَدِ قالا أَتَى ابن مَسْعُودٍ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنِّي أَقْرَأُ المُفَصَّلَ فِي رَكْعَةٍ. فَقَالَ: أَهَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ وَنَثْرًا كَنَثْرِ الدَّقَلِ لكن النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقْرَأُ النَّظائِرَ السُّورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ الرَّحْمَنَ والنَّجْمَ فِي رَكْعَةٍ واقْتَرَبَتْ والحاقَّةَ فِي رَكْعَةٍ والطُّورَ والذّارِياتِ فِي رَكْعَةٍ وَ {إِذَا وَقَعَتِ} وَ {ن} فِي رَكْعَةٍ وَ {سَأَلَ سَائِلٌ} و {وَالنَّازِعَاتِ} فِي رَكْعَةٍ وَ {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} و {عَبَسَ} فِي رَكْعَةٍ والمُدَّثِّرَ والمُزَّمِّلَ فِي رَكْعَةٍ وَ {هَلْ أَتَى} وَ {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} فِي رَكْعَةٍ. وَ {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} و {وَالْمُرْسَلَاتِ} فِي رَكْعَةٍ والدُّخانَ وَ {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} فِي رَكْعَةٍ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هذا تَأْلِيفُ ابن مَسْعُودٍ رَحِمَهُ اللهُ (¬3). ¬

_ = وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (246). (¬1) أخرجه الدارمي في "سننه" (1493)، وابن حبان في "صحيحه" (758) من طريق محمد بن المنهال به. وأخرجه الترمذي (2949)، وابن ماجه (1347) من طريق قتادة بنحوه. وقال: حسن صحيح. وقال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (1260): إسناده صحيح .. (¬2) رواه الترمذي (2947). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1261). (¬3) رواه البخاري (775، 4996)، ومسلم (822).

1397 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ سَأَلْتُ أَبا مَسْعُودٍ وَهُوَ يَطُوفُ بِالبَيْتِ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَرَأَ الآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ" (¬1). 1398 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَنا عَمْرٌو أَنَّ أَبا سَوِيَّةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ ابن حُجَيْرَةَ يُخْبِرُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قامَ بِعَشْرِ آياتٍ لَم يُكْتَبْ مِنَ الغافِلِينَ وَمَنْ قامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ القانِتِينَ وَمَنْ قامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ المُقَنْطَرِينَ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: ابن حُجَيْرَةَ الأَصْغَرُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُجَيْرَةَ (¬2). 1399 - حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ مُوسَى البَلْخِيُّ وَهارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قالا، أَخْبَرَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، أَخْبَرَنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ حَدَّثَنِي عَيَّاشُ بْنُ عَبَّاسٍ القِتْبانِيُّ، عَنْ عِيسَى بْنِ هِلالٍ الصَّدَفِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ أَقْرِئْنِي يا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ: "اقْرَأْ ثَلاثًا مِنْ ذَواتِ الرّاءِ". فَقَالَ: كَبِرَتْ سِنِّي واشْتَدَّ قَلْبِي وَغَلُظَ لِسانِي. قَالَ: "فاقْرَأْ ثَلاثًا مِنْ ذَواتِ حم". فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ. فَقَالَ: "اقْرَأْ ثَلَاثًا مِنَ المُسَبِّحاتِ". فَقَالَ مِثْلَ مَقالَتِهِ فَقَالَ الرَّجُلُ يا رَسُولَ اللهِ أَقْرِئْنِي سُورَةً جامِعَةً. فَأَقْرَأَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ} حَتَّى فَرَغَ مِنْها. فَقَالَ الرَّجُلُ: والَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لا أَزِيدُ عَلَيْها أَبَدًا ثُمَّ أَدْبَرَ الرَّجُلُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَفْلَحَ الرُّوَيْجِلُ". مَرَّتَيْنِ (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5008، 5009)، ومسلم (807، 808). (¬2) رواه ابن خزيمة 2/ 181 (1144)، وابن حبان 6/ 310 (2572). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1264). (¬3) رواه أحمد 2/ 169، والبزار 6/ 429 (2459)، والنسائي في "الكبرى" 5/ 16 (8027)، 6/ 180 (10552)، والحاكم 2/ 532. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (247).

باب تحزيب القرآن [1392] (حدثنا (¬1) محمد بن يحيى) بن عبد الله بن خالد (بن فارس) (¬2) بن ذؤيب الذهلي (¬3) أحد الأعلام، ومحمد بن يحيى له "مسند الزهري" في نحو مجلدين، وقال: قال لي علي بن المديني: أنت وارث الزهري (¬4). (حدثنا) (¬5) سعيد (ابن أبي مريم [أنبأنا يحيى بن (¬6) أيوب، عن) أبي عبد الله يزيد بن عبد الله بن أسامة (بن الهاد) الليثي المدني، روى عن التابعين (قال: سألني نافع] (¬7) بن جبير بن مطعم - رضي الله عنه -[فقال لي: في] (¬8) كم تقرأ القرآن؟ فقلت: (¬9) ما (¬10) أحزبه) [بتشديد الزاي] (¬11) أي: أجعله أحزابًا، والحزب هو ما يجعله الرجل على نفسه من قراءة أو صلاة كالوِرد، وأصل الحزب النوبة من (¬12) ورود الماء. (فقال لي نافع: لا تقل ما أحزبه) بفتح الحاء وتشديد الزاي المكسورة ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) في (ر): فاس. (¬3) في (ر): الباهلي. (¬4) انظر: "تاريخ بغداد" 3/ 417 (1548). (¬5) سقط من (ر). (¬6) زاد هنا في (ر): أبي. (¬7) تحرفت في (م) إلى: الصيصي الميم وكامع أنا بحير. (¬8) في (ر): يقال له. (¬9) زاد في (ر): وهذا اللفظ عن عبد الله بن عبد الرحمن. (¬10) في (م): أنا. (¬11) من (ر). (¬12) في (ر): و.

[(فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم] (¬1) قال: قرأت (¬2) جزءًا) بضم الجيم وسكون الزاي بعدها همزة (من القرآن) يعني: في هذِه الليلة، والجزء بضم الجيم هو القطعة من الشيء، والجمع أجزاء، وجزأت الشيء: قسمته أجزاء متساوية، والقرآن جميعه على ما [حزبه القراء] (¬3) ثلاثون جزءًا. (قال) يزيد بن الهاد (حسبت أنه) يعني (¬4): نافع بن جبير بن مطعم بن عدي التابعي [(ذكره) في روايته (عن المغيرة بن شعبة) الصحابي - رضي الله عنه -. [1393] (حدثنا مسدد، (¬5) حدثنا] (¬6) قرَّان) بضم القاف وتشديد الراء وبعد الألف نون (بن تمام) الأسدي أخرج له الترمذي والنسائي (وحدثنا عبد الله بن سعيد) بن حصين (¬7) الكندي الكوفي الأشج [أحد الأئمة (حدثنا أبو خالد) سليمان بن حيان الأحمر. (وهذا لفظه، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى) الطائفي الثقفي، أخرج له مسلم. (عن عثمان بن عبد الله بن أوس عن جده) أوس بن حذيفة (قال عبد الله بن سعيد) الكندي (في) روايته (حديثه) عن] (¬8) (أوس بن حذيفة) بن ربيعة الثقفي جعله ابن معين أوس بن أبي أوس، وقال: ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) في (ر): قرأ. (¬3) في (ر): جرى به العرف. (¬4) من (ر). (¬5) زاد في (م): و. (¬6) سقط من (ر). (¬7) في (م): حمير. (¬8) في (ر): عن عثمان بن عبد الله بن أوس، عن جده أحد الأعلام، ثنا أبو خالد سليمان بن حيان الأحمر، قال: قدمنا على رسول الله في وفد ثقيف بن يعلى الطائفي الثقفي أخرج له مسلم.

هما واحد وزعم أن أبا أوس كنيته حذيفة (¬1). وقال غيره: هما اثنان، وهو صحابي قليل الحديث، نزل الطائف، وكان وفد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في (¬2) وفد ثقيف. قال ابن عبد البر: لأوس [بن حذيفة] (¬3) أحاديث كثيرة (¬4) منها المسح على القدمين. وأنه كان في الوفد الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بني مالك فأنزلهم في (¬5) قبة بين (¬6) المسجد وأهله، وكان يختلف إليهم فيحدثهم بعد العشاء الآخرة. قال ابن معين: إسناد هذا الحديث صالح (¬7). [(قال: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وفد ثقيف] (¬8) فنزلت) بفتح الزاي واللام (الأحلاف) بالحاء المهملة أحد قبيلتي ثقيف؛ لأن ثقيفًا فرقتان: بنو مالك، والأحلاف. والأحلاف أيضًا بطن من كلب، والأحلاف من قريش [ست قبائل] (¬9) عبد الدار وجمح، وسهم ومخزوم وعدي وكعب، سموا بذلك لأنهم لما أرادت بنو عبد مناف أخذ ما في أيدي بني (¬10) عبد الدار من الحجابة والرفادة و [اللواء و] (¬11) السقاية وأبت عبد الدار عقد كل قوم على (¬12) أمرهم ¬

_ (¬1) "تاريخ ابن معين" رواية الدوري (158). (¬2) في (م): يوم. (¬3) من (ر). (¬4) سقط من (ر). (¬5) في (م): قبة. (¬6) في (ر): بيت. (¬7) انظر "الاستيعاب" لابن عبد البر (62). (¬8) سقط من (ر). (¬9) في (م): سبب بنو. (¬10) سقط من (ر). (¬11) في (م): الأول. (¬12) زاد في (م): ما.

حلفًا مؤكدًا على أن لا يتخاذلوا (¬1) فأخرجت بنو عبد مناف جفنة مملوءة طيبًا فوضعتها لأحلافهم وهم أسد وزهرة وتيم في المسجد عند الكعبة، ثم غمس القوم أيديهم فيها وتعاقدوا وتعاقدت بنو عبد الدار وحلفاؤها حلفًا آخر فسموا الأحلاف لذلك. وفي حديث ابن (¬2) عباس: وجدنا ولاية المطيبين خيرًا من [ولاية الأحلافي] (¬3) (¬4) يريد أبا بكر وعمر؛ لأن أبا بكر كان من المطيبين وعمر من الأحلاف، وهذا أحد ما جاء من النسب على الجمع؛ لأن الأحلاف صار اسمًا لهم كما صار الأنصار اسمًا للأوس والخزرج (¬5). [(على المغيرة بن شعبة) - رضي الله عنه -] (¬6) (وأنزل) بفتح الهمزة والزاي (رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بني مالك) إحدى قبيلتي ثقيف كما تقدم (في قبة (¬7) له) والقبة من الخيام بيت صغير مستدير، وهو من بيوت العرب قاله في "النهاية" (¬8). (قال مسدد) بن مسرهد في روايته (وكان) أوس بن حذيفة (في الوفد) والوفد: هم القوم يجتمعون ويردون البلاد، واحدهم وافد، وكذلك الذين يقصدون الأنبياء والرسل والأمراء (¬9) للإسلام ولزيارة (¬10) واسترفاد وانتجاع وغير ذلك. (الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ثقيف. قال) ¬

_ (¬1) في (م): ينالوا. (¬2) من (م). (¬3) في (م): حليفة الأحلاف. (¬4) "أخبار مكة" 3/ 215 (1998). (¬5) ذكره ابن الأثير في "النهاية" 1/ 425. (¬6) سقط من (ر). (¬7) في (م): قوله. (¬8) "النهاية في غريب الأثر" 4/ 3. (¬9) من (ر). (¬10) في (ر): الزيادة.

أوس: (فكان) [رسول الله] (¬1) (يأتينا كل ليلة بعد العشاء) الآخرة (فيحدثنا) فيه دليل على جواز الحديث مع [الضيف بعد العشاء] (¬2) لإيناسه، ويكون هذا من الخير المستثنى [في قوله صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يكره النوم قبلها والحديث بعدها إلا في خير، فهذا من الخير المستثنى] (¬3)، ومنه مذاكرة الفقه (¬4) وحكايات الصالحين ونحو ذلك؛ لأنه خير تأخر ولا يترك لمفسدة متوهمة. (قال أبو سعيد) عبد الله بن سعيد في روايته: كان كل ليلة يأتينا (قائمًا) منصوب على الحال من فاعل يأتينا [(على رجليه حتى] (¬5) يراوح) بضم الياء [وفتح الراء وكسر الواو] (¬6) ثم حاء (¬7) مهملة (بين رجليه) وفي رواية لغير المصنف: يراوح بين قدميه (من طول القيام) أي: يعتمد على إحداهما مرة وعلى الأخرى مرة ليوصل الراحة إلى كل واحدة (¬8) من القدمين. ومنه صلاة التراويح؛ لأنهم كانوا يستريحون بين كل ترويحتين، أي: تسليمتين، والتراويح جمع ترويحة (¬9) على المرة الواحدة من الراحة تفعيلة (¬10) منها مثل تسليمة من السلام، وقيل: سميت التراويح لأن المصلي يطول قيامه فيتروح بالقيام على أحد القدمين. [(وأكثر ما) كان (يحدثنا ما لقي من قومه] (¬11) من قريش) حين كان ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) في (م): المضيف. (¬3) سقط من (ر). (¬4) في (م): الضيف. (¬5) في (ر): حتى على رجليه. (¬6) في (ر): وكسر الراء وفتح الواو. (¬7) من (ر). (¬8) ساقطة من (ر). (¬9) في (ر): تروحة. (¬10) في (م): تفعلله. (¬11) ترحلت تلك العبارة فجاءت بعد قوله: فلما خرجنا من المدينة.

يعرض عليهم الإسلام [(لا أنسى)] (¬1) بفتح الهمزة والسين (إذ (¬2) [لا سواء) أي: لا نحن سواء فحذف المبتدأ وجعل (لا) عوضَ المحذوف، وهذا قول سيبويه، والمعنى: حالنا الآن غير ما كانت عليه قبل الهجرة] (¬3) (كنا مستضعفين) بفتح العين وكسر الفاء، أي: يستضعفنا الناس لقلة من ينصرنا، وكان هذا في أول الإسلام (مستذلين) بفتح الذال المعجمة، أي: يعدوننا أذلاء مهانين. (قال (¬4) مسدد) في روايته: مستضعفين (بمكة) (¬5) زادها الله تعالى شرفًا (فلما خرجنا إلى المدينة) المكرمة (كانت [سجال الحرب بيننا وبينهم)] (¬6) ومساجلة الحرب دولها ونوبها، أي: مرة لنا الحرب ومرة هي علينا من مساجلة المستقي على البئر بالدلاء، ينزع هذا سجلًا وهذا سجلًا يتناوبون السقي بينهما وأضيف السجال إلى الحرب؛ لأن الحرب اسم جنس (ندال) بضم النون وفتح الدال المهملة (عليهم ويدالون) بضم المثناة تحت (علينا) الإدالة: الغلبة والظفر والظهور، يريد (¬7) أن الغلبة والدولة لنا عليهم مرة ولهم علينا أخرى، أي: نغلبهم ¬

_ (¬1) كذا وردت هذِه الزيادة في النسخة التي اعتمدها الشارح. وليست في مطبوعة "سنن أبي داود". (¬2) في مطبوعة السنن: ثم يقول. والمثبت كما بالأصول الخطية. (¬3) و (¬4) من (ر). (¬5) زاد في (ر): سجال بكسر السين الحرب بيننا وبينهم. وستأتي في موضعها بعد سطرين. (¬6) في (ر): وأكثر ما كان يحدثنا ما لقي من قومه. ومحل هذِه العبارة قد مر ونبهنا عليه. (¬7) في (ر): به.

مرة ويغلبونا أخرى، يقال (¬1): أديل لنا على أعدائنا، أي: نصرنا عليهم، والدولة الانتقال من حال الشدة إلى الرخاء. (فلما كانت ليلة) بالنصب [مع التنوين] (¬2) يعني: من الليالي [ولابن ماجه: فلما كانت ذات ليلة (¬3)] (¬4) (¬5) (أبطأ) في مجيئه (عن الوقت الذي كان [يأتينا) بسكون المثناة تحت (قلنا) يا رسول الله (لقد] (¬6) أبطأت علينا (¬7) اليلة) بالنصب. (قال: إنه (¬8) طرأ) بفتح الراء والهمزة (عليَّ) بتشديد الياء. ولابن ماجه: طرأ عني (¬9) حزبي (¬10) بكسر الحاء والباء الموحدة بعد الزاي (جزئي) بضم الجيم وكسر الهمزة بعد الزاي، يريد أنه [كان قد أغفله عن وقته الذي كان يقرؤه فيه، ثم ذكره فقرأه، من قولهم: طرأ علي الرجل إذا خرج وطلع] (¬11) عليك فجأة فكان مجيئه الوقت الذي كان يؤدي فيه ورده، وجعل ابتداءه فيه طروءًا منه عليه، وقد يترك الهمز فيه فتقول: طرا يطرو طروًّا. ¬

_ (¬1) و (¬2) من (ر). (¬3) "سنن ابن ماجه" (1345) ولفظه: فلما كان ذات ليلة. (¬4) من (ر). (¬5) زاد في (ر): يأتينا بسكون المثناة تحت. وستأتي في محلها. (¬6) حدث تقديم وتأخير في هذِه العبارة في (ر). (¬7) في مطبوع "سنن أبي داود": عنا. (¬8) في (ر): لقد. (¬9) لفظ ابن ماجه: علي. (¬10) "سنن ابن ماجه" (1345). (¬11) من (ر).

(من القرآن فكرهت) [نسخة: فكرهن] (¬1) (أن أجيء) ولابن ماجه: "أن أخرج". (حتى أتمه) بضم الهمزة وكسر التاء. فيه استحباب المحافظة على الأوراد التي اعتادها من قراءة وصلاة وذكر ونحو ذلك، فيستحب (¬2) له أن يواظب عليه ولا يتركه لا سيما إذا شرع فيه، وأنه يكره له أن يقطعه ويشتغل بغيره قبل أن يتمه كما في الحديث، وامتثالًا لقوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (¬3) فإن غلبه النعاس أو النوم أو منعه منه عذر فتركه فليقضه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كما تقدم. ويستحب للقارئ إذا شرع في قراءة سورة ألا (¬4) يتكلم حتى يفرغ منها إلا كلامًا يطرأ عليه (¬5)، وليأخذ بما روى البخاري عن ابن عمر أنه كان إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه. ذكره البخاري في التفسير عند قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} (¬6). قال نافع: فأخذت (¬7) عليه يومًا (¬8) فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكانٍ قال: أتدري فيم أنزلت؟ قلت: لا. قال: نزلت في كذا وكذا، ثم مضى (¬9). ولا يقطع القراءة (¬10) بشيء من كلام الآدميين من غير ضرورة؛ لأن فيه استخفافًا بالقرآن، وفي إتباع القرآن بعضه بعضًا من [البهجة ما] (¬11) لا يخفى. ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) في (م): فيتسنى. (¬3) محمد: 33. (¬4) في (م): فلم. (¬5) في (م): إليه. (¬6) البقرة: 223. (¬7) في (م): فأخذ. (¬8) في (م): قومًا. (¬9) "صحيح البخاري" (4527). (¬10) في (م): البقرة. (¬11) في (م): النهمة بما.

([قال أوس) بن حذيفة (سألت أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كيف يحزبون القرآن) أي: يقسمونه على سبعة أقسام. . . (¬1) كل سبعة أيام] (¬2) ويواظبون عليه ([قالوا) هؤلاء] (¬3) (ثلاث) سورة البقرة وآل عمران والنساء (وخمس) سور وهي: المائدة والأنعام والأعراف والأنفال وبراءة ويونس وهود (وسبع) سور، [وهي: يونس وهود ويوسف والرعد وإبراهيم والحجر والنحل (وتسع) (¬4) سبحان والكهف ومريم وطه والأنبياء والحج والمؤمنون والنور والفرقان وإحدى (¬5) عشرة: الشعراء والنمل والقصص والعنكبوت والروم ولقمان والسجدة والأحزاب وسبأ وفاطر ويس (وثلاث عشرة (¬6) وحزب المفصل) من قاف (وحده) هكذا حزبه الصحابة، وكانوا يقرؤونه. قال الغزالي: وروي أن عثمان - رضي الله عنه - كان يفتتح ليلة الجمعة البقرة إلى المائدة وليلة السبت الأنعام إلى هود، وليلة الأحد يوسف إلى مريم، وليلة الاثنين من طه إلى طسم موسى وفرعون، وليلة الثلاثاء بالعنكبوت إلى - صلى الله عليه وسلم - (¬7)، وليلة الأربعاء بتنزيل إلى الرحمن، ويختم ليلة الخميس (¬8). وروى سلام أبو محمد الحماني (¬9) أن الحجاج بن يوسف جمع القراء ¬

_ (¬1) كلمتين غير مقروءتين في (م). (¬2) في (ر): يحزبون. (¬3) في (م): قال هو. (¬4) في (ر): التسع. (¬5) في (ر): الإحدى. (¬6) زاد بعدها في (ر): والثلاث عشرة وتسع وإحدى عشرة سورة. (¬7) أي: سورة محمد. (¬8) "إحياء علوم الدين" 1/ 276. (¬9) من (ر).

والحفاظ والكتاب فقال: أخبروني بأسباع القرآن على الحروف، فإذا أول سبع في النساء {فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ} (¬1) في الدال، والسبع الثاني في الأعراف {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} (¬2) وفي التاء والسبع الثالث في الرعد {أُكُلُهَا دَائِمٌ} (¬3) في الألف [من آخر أكلها، والسبع الرابع في الحج {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا} (¬4) في الألف] (¬5)، والسبع الخامس في الأحزاب {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ} (¬6) في التاء، والسبع السادس في الفتح {الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ} (¬7) في الواو، والسبع السابع ما بقي من القرآن، فقال الحجاج: أخبروني بأثلاثه. فإذا الثلث الأول رأس مائة من براءة، والثلث الثاني رأس مائة أو إحدى ومائة من طسم الشعراء، والثلث الثالث ما بقي من القرآن (¬8). وللطبراني: سألنا (¬9) أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجزئ القرآن؟ فقالوا: كان يحزبه (¬10) ثلاثًا (¬11) (¬12) فذكروه (¬13) مرفوعًا. ¬

_ (¬1) النساء: 55. (¬2) هي في التوبة 17، 69: والتي في الأعراف {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 147. (¬3) الرعد: 35. (¬4) الحج: 34. (¬5) سقطت من الأصول الخطية، وأثبتها من مصادر التخريج. (¬6) الأحزاب: 36. (¬7) الفتح: 6. (¬8) "البيان في عد آي القرآن" لأبي عمرو الداني (ص 300 - 301). (¬9) في (ر): فسألت. (¬10) في (ر): يجزئه. (¬11) في (م): أثلاثًا. (¬12) "المعجم الكبير" (599). (¬13) في (م): فذكره.

(وحديث (¬1) أبي سعيد) عبد الله بن سعيد الكندي (أتم). [1394] (حدثنا محمد بن المنهال الضرير) (¬2) شيخ الشيخين. (ثنا يزيد بن زريع، ثنا (¬3) سعيد) بن أبي عروبة (¬4) مهران اليشكري. (عن قتادة، عن أبي العلاء يزيد بن [عبد الله بن] (¬5) الشخير، عن عبد الله بن عمرو) بن العاص - رضي الله عنه -. (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [لا يفقه) برفع الهاء على الخبر، أي: لا يفهم القرآن كما تقدم. (من قرأ القرآن في أقل]) (¬6) بنصب اللام (من ثلاث) ليال (¬7) وأيامها. [1395] (حدثنا (¬8) نوح بن حبيب) القومسي، بضم القاف وفتح الميم، ثقة (¬9) صاحب سنة. (حدثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن سماك (¬10) بن (¬11) الفضل، عن وهب بن منبه، [عن عبد الله] (¬12) [بن عمرو]) (¬13) بن العاص (أنه (¬14) سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: في كم يقرأ) بضم الياء (¬15) المثناة ورفع الهمزة آخره مبني لما لم يسم فاعله (القرآن) بالرفع ([قال: ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) من (ر). (¬3) في (ر): بن. (¬4) في (م): عوانة. (¬5) من (ر). (¬6) أتت هذِه العبارة مقدمة في (ر): قبل حدثنا محمد بن المنهال. (¬7) في النسخ الخطية: ليالي. والمثبت الجادة. (¬8) سقط من (ر). (¬9) "تهذيب الكمال" 30/ 41. (¬10) في (م): شيبان. (¬11) في (ر): أبو. (¬12) تكررت في (م). (¬13) و (¬14) سقط من (ر). (¬15) ساقطة من (ر).

في] (¬1) أربعين يومًا) وكذا رواه الترمذي عن وهب بن منبه عن عبد الله بن عمرو: أن النبي (¬2) صلى الله عليه وآله وسلم قال له: "اقرأ القرآن في أربعين" ثم قال: حديث (¬3) حسن (¬4). وفي رواية أخرى: عن معمر، عن سماك، عن وهب: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر عبد الله بن عمرو (¬5) أن يقرأ القرآن في أربعين، قال (¬6): وقال إسحاق بن إبراهيم: ولا نحب للرجل أن يأتي عليه أكثر من أربعين يومًا ولم يقرأ القرآن لهذا الحديث (¬7). (ثم) قال: إني أجد قوة (قال: في شهر) قال: إني أجد قوة. (ثم (¬8) قال: في عشرين، ثم قال) يقرأ (في (¬9) خمس عشرة، [ثم قال: في) كل (عشر] (¬10) ثم قال: في) كل (سبع) كما تقدم قريبًا. ثم (لم ينزل [من سبع) (¬11) أيام] (¬12). ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) و (¬3) من (ر). (¬4) "سنن الترمذي" (2947)، وقال الترمذي: حسن غريب. (¬5) سقطت من (ر)، وفي (م): عمر. والمثبت من "سنن الترمذي". (¬6) من (ر). (¬7) انظر: "سنن الترمذي" (2946). (¬8) سقط من (ر). (¬9) بعدها في (م): كل. (¬10) من (ر). (¬11) أخرجه الترمذي كما مر، والنسائي في "السنن الكبرى" (8068)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (2163) من طريق معمر به. وقال الترمذي: حسن غريب. وقال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (1261): إسناده صحيح إلا أن قوله "لم ينزل من سبع" شاذ؛ فقد صح فيما تقدم أنه قال له: اقرأه في ثلاث. (¬12) سقط من (ر).

[1396] (حدثنا عباد بن موسى (¬1)، نا إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الأنصاري (عن إسرائيل) بن يونس بن (¬2) (أبي إسحاق السبيعي، عن) جده (أبي (¬3) إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (¬4). (عن علقمة والأسود (¬5) قالا: أتى ابن) [بنصب النون] (¬6) (مسعود - رضي الله عنه - رجل) يقال له: نهيك بن سنان كما [صرح به] (¬7) البزار (¬8) في روايته (قال: إني أقرأ المفصل. . . (¬9) في ركعة) وفي المفصل عشرة أقوال: أشهرها من الحجرات. زاد في الصحيحين (¬10) (فقال) عبد الله: (أهذًّا) بفتح همزة الاستفهام والهاء (¬11) والذال المعجمة المشددة، ونصبه مع التنوين على المصدر. والهذ: الاستعجال وسرعة القراءة، أي: يسرع في قراءته (كهذ الشعر) أي: كما يسرع في قراءة الشعر في تحفظه وروايته لا في إنشاده (¬12)؛ لأنه يُترنم في الأشعار عادةً. وفيه دليل على النهي (¬13) عن العجلة في القراءة والحث على الترتيل والتدبر (ونثرًا) بفتح النون ¬

_ (¬1) زاد في (ر): حدثنا كريم قال: إني أجد قوة من سبعة أيام. (¬2) من (ر). (¬3) من (ر). (¬4) من (ر). (¬5) في (ر): بن الأسود بن يزيد. (¬6) سقط من (ر). (¬7) في (م): خرج له. (¬8) لم أقف عليه فيما تحت يدي من "مسند البزار"، وقد صرح بأنه نهيك بن سنان الإمام مسلم في "صحيحه" (822). (¬9) كلمة غير مقروءة في (م)، وسقط من (ر). (¬10) البخاري (775)، مسلم (822). (¬11) في (م): المهملة. (¬12) في (م): إسناده. (¬13) زاد في (م) هنا: عن النهي.

وسكون المثلثة، وهو مصدر منصوب بفعل محذوف، أي: تنثره (¬1) نثرًا (كنثر الدقل) بفتح الدال المهملة والقاف ثم لام. قال المنذري: هو ثمر الدوم، وهو يشبه النخل وله حبٌّ كثير، وفيه نوى كبير (¬2) عليه لحيمة (¬3) عفصة تؤكل رطبة، فإذا يبست (¬4) صارت تشبه الليف (¬5)، وفي "النهاية": الدقل أردأ التمر ويابسه وما ليس له اسم خاص (¬6) فتراه ليبسه ورداءته لا يجتمع ويكون منثورًا. (¬7) وقيل: [شبهه بتساقط] (¬8) الرطب اليابس من العذق إذا هُزَّ. (لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ (¬9) النظائر) (¬10) فقال عبد الله: لقد عرفت النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرن (¬11) بينهن زاد (¬12) مسلم: وإني لأحفظ القرائن التي كان يقرؤهن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثماني عشرة من المفصل وسورتين من آل حم (¬13). [وللبخاري في كتاب "فضائل القرآن" فليراجع (¬14)] (¬15) وللبخاري (¬16): ¬

_ (¬1) في (ر): نثر. (¬2) في (ر): كثير. (¬3) في (ر): مخيمة. (¬4) في (م): شب. (¬5) في (ر): اللفف. (¬6) في (م): حاضر. (¬7) "النهاية في غريب الأثر" 2/ 127. (¬8) في (م): يشبهه ساقط. (¬9) زاد في (ر): وللبخاري. (¬10) زاد في (م): ومسلم. (¬11) في (م): يقول. (¬12) في (م): وأحب. (¬13) "صحيح مسلم" (822) (278). (¬14) روى البخاري (5043) عن ابن مسعود أنه قال: إنا قد سمعنا القراءة، وإني لأحفظ القرناء التي كان يقرأ بهن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثماني عشرة سورة من المفصل وسورتين من المفصل، وسورتين من آل حم. (¬15) و (¬16) من (ر).

فذكر [عشرين سورة] (¬1) من المفصل (¬2). (السورتين في) كل (ركعة) والنظائر المتماثلة في العدد، والمراد هنا المتقاربة؛ لأن الدخان ستون آية وعمَّ أربعون آية، ويجوز أن يكون أطلق النظائر لاشتراك ما بينهما في الموعظة أو الحكم أو القصص أو المقارنة، فإن القرين يقال له نظير. قال المحب الطبري في "أحكامه": وكنت أتخيل أن النظير بين هذِه السور لتساويها في عدد الآي حتى اعتبرتها فلم أجد شيئًا منها يساوي شيئًا (¬3). قال: وقد ذكرت نظائر في عدد الآي أحد وعشرون نظيرًا عدد آياتها متساوٍ كما سيأتي. وفي الحديث دليل على قراءة سورتين في كل (¬4) ركعة. وحديث دال [على ترداد] (¬5) سورة واحدة في الركعتين، وقال مالك: لا بأس به، وسئل مرةً عن تكرير {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (¬6) في النافلة، فكرهه (¬7). وقال: هذا مما أحدثوا. وحديث الدارقطني من طريق مالك عن عبد الله بن أبي صعصعة، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري قال: وحدثني أخي قتادة بن النعمان أن رجلًا قام (¬8) من الليل بقراءة (¬9) {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} يرددها لا يزيد عليها، فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره كان (¬10) يتقالها ¬

_ (¬1) في (م): عشر سور. (¬2) "صحيح البخاري" (775). (¬3) انظر "فتح الباري" 2/ 303. (¬4) من (ر). (¬5) في (م): يزاد. (¬6) الإخلاص: 1. (¬7) انظر: "حاشية الدسوقي" 1/ 242، "بلغة السالك" 1/ 216. (¬8) في (م): أوم. (¬9) في (م): معناه. (¬10) من (ر).

فقال: "إنها لتعدل ثلث القرآن" (¬1). فهذا دليل (¬2) على إجازة تكرارها في [كل ركعة واحدة في] (¬3) النافلة. وفي "المعرفة" للبيهقي (¬4) أن الشافعي احتج على جواز الجمع بين السور بما رواه بإسناده عن ابن عمر (¬5)، وبما رواه في موضع آخر عن عمر (¬6) أنه قرأ بالنجم فسجد فيها، ثم قام فقرأ بسورة أخرى (¬7). قال الربيع: قلت (¬8) للشافعي [أتستحب أنت هذا وتفعله؟ ] (¬9). قال: نعم (¬10). وهذا نص في استحباب ذلك. (الرحمن والنجم [في ركعة]) (¬11) الواو لا تقتضي الترتيب، فيجوز أن يكون المراد: والنجم والرحمن وقد رتبها لقربها منها (و) سورة (¬12) (اقتربت والحاقة في ركعة) لمشابهتها لها (¬13) في إهلاك الأمم المتقدمة بظلمهم وشدة عتوهم. (والطور والذاريات) قبل الطور فيحمل على التقديم التأخير وإلا فيدل ¬

_ (¬1) أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (10535). (¬2) في (ر): دال. (¬3) من (ر). (¬4) في (م): المنتهى. (¬5) رواه عبد الرزاق 3/ 342 (5893)، وابن أبي شيبة 3/ 396 (4279). (¬6) في (ر): ابن عمر. (¬7) رواه مالك 1/ 206، وعبد الرزاق 2/ 116 (2724)، وابن أبي شيبة 3/ 223 (3584). (¬8) في (م): فلم. (¬9) في (م): استحب أمرًا وتفعله. (¬10) "معرفة السنن والآثار" 1/ 536. (¬11) ليست في (ر). (¬12) زاد في (ر): في ركعة. (¬13) من (ر).

على جواز القراءة بالسورة على غير ترتيب (¬1) القرآن (¬2) (في ركعة) وقد روي أن الأحنف [بن قيس] (¬3) قرأ بالكهف في الأولى وفي الثانية بيوسف (¬4)، وذكر أنه صلى مع عمر الصبح بهما (¬5) استشهد به البخاري (¬6) (وإذا وقعت) الواقعة، [وسورة (نون] (¬7) في ركعة (¬8) و {سَأَلَ سَائِلٌ} والنازعات في ركعة (¬9) و {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} وعبس في ركعة والمدثر والمزمل في (¬10) ركعة) [لمشابهة ما] (¬11) بينهما في ابتداء النزول (و {هَلْ أَتَى}، و {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}) لاتصالها بها (في ركعة، و {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} والمرسلات في ركعة) لاتصالها بها (والدخان، و {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} في ركعة) (¬12) [لاتصالها بها] (¬13) وفي "صحيح البخاري": عشرون سورة من أول المفصل على (¬14) تأليف ابن مسعود آخرهن من الحواميم حم الدخان و {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} (¬15). قال المحب الطبري في "أحكامه": وقد ذكرت نظائر في عدد الآي أحد وعشرون نظيرًا عدد آياتها متساوٍ: الفاتحة والماعون، والأنفال والزمر، ويوسف والإسراء وإبراهيم ون (¬16) الثانية الحج الرحمن، ¬

_ (¬1) في (م): أثبت. (¬2) زاد في (ر): سورة. (¬3) و (¬4) من (ر). (¬5) من (ر). (¬6) قبل حديث (775). (¬7) سقط من (ر). (¬8) في (م): الركعة الأولى. (¬9) و (¬10) من (ر). (¬11) في (ر): مشابهة لما. (¬12) أخرجه أحمد 1/ 418 من طريق إسحاق به. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (1262): حديث صحيح دون سرد السور. (¬13) و (¬14) من (ر). (¬15) "صحيح البخاري" (4996). (¬16) في (م): هود.

القصص الروم الذاريات، السجدة والملك، الفجر، حم السجدة، سبأ، الفتح، الحديد الحجرات، التغابن المجادلة، البروج الجمعة، المنافقون، الضحى، العاديات، القارعة، الطلاق، التحريم، نوح [الجن، المزمل] (¬1) المدثر، القيامة {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} الانفطار، سبح، العلق {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} التين {لَمْ يَكُنِ} الزلزلة {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} القدر (¬2)، الفيل (¬3)، تبت، الفلق، العصر، النصر، الكوثر، قريش. (قال (¬4): هذا تأليف) عبد الله (ابن مسعود - رضي الله عنه -.) وقد اختلف تأليف الصحابة - رضي الله عنهم - في (¬5) ترتيب سور القرآن. فإن (¬6) قال قائل: قد اختلف السلف في ترتيب سور القرآن، فمنهم من كتب في مصحفه الحمد، ومنهم من جعل في أوله {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}، وهذا مصحف علي، وأما مصحف ابن مسعود فإن أوله {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} ثم البقرة ثم النساء، وفي مصحف [أبي كان] (¬7) أوله {الْحَمْدُ لِلَّهِ} ثم النساء ثم آل عمران ثم الأنعام، ثم كذلك على اختلاف شديد. قال القاضي أبو بكر بن الطيب: الجواب أنه يحتمل أن يكون ترتيب السور على ما هي عليه اليوم في المصحف كان على وجه الاجتهاد من الصحابة (¬8). وذكر ذلك مكي في تفسير سورة براءة (¬9). ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) ساقطة من (م). (¬3) في (ر): الليل. (¬4) سقط من (ر). (¬5) في (م): و. (¬6) من (ر). (¬7) في (م): أبو ركانة. (¬8) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 10/ 238. (¬9) "الهداية إلى بلوغ النهاية" لمكي 4/ 2906

[1397] (حدثنا حفص بن عمر) الحوضي (حدثنا شعبة، عن منصور [بن المعتمر] (¬1)، عن إبراهيم) النخعي ([عن عبد الرحمن] (¬2) بن يزيد) النخعي الكوفي التابعي، وهو أخو (¬3) الأسود بن يزيد (قال: سألت أبا مسعود) عقبة بن عمرو الأنصاري، قيل له البدري لنزوله ببدر لا لشهود وقعتها. (وهو يطوف بالبيت [فقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬4): من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة) أولهما {آمَنَ الرَّسُولُ} (في ليلة كفتاه) (¬5). قيل: أغنتاه عن قيام الليل، وقيل: كفتاه من كل شيطان وهامة فلا تقربه ليلته، وقيل: كفتاه [ما يكون] (¬6) من الآفات تلك الليلة، وقيل: معناه حسبه بهما فضلًا وأجرًا، وقيل: تكفيانه كل سوء (¬7)، وقيل: تقيان من المكروه، وقيل: إنهما أقل ما يجزءان (¬8) من القراءة في قيام (¬9) الليل لغير القارئ، وأقل ما [يجزئ عشر كما في الحديث بعده] (¬10). [1398] (حدثنا أحمد بن صالح) المصري (ثنا ابن وهب، أنا عمرو) ابن الحارث (أن أبا سوية) (¬11) بفتح السين المهملة والواو المكسورة (¬12) وتشديد (¬13) المثناة تحت. ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) في (م): عبد الله. (¬3) في (م): ابن. (¬4) سقط من (ر). (¬5) أخرجه البخاري (5008)، ومسلم (1830). (¬6) سقط من (ر). (¬7) في (ر): شر. (¬8) في (م): يحرك. (¬9) من (ر). (¬10) في (م): يحرك القارئ. (¬11) في (ر): سويد. (¬12) من (ر). (¬13) من (م).

قال المزي: وقع في بعض الروايات عن أبي داود: أبا سودة. وهو وهم (¬1). قال ابن ماكولا: أبو سويد اسمه عبيد (¬2) بن حميد، وقد غلط من (¬3) قال: أبو سوية (¬4). وفي "صحيح ابن حبان": سويد. وقال ابن ماكولا: أبو سوية (¬5) عبيد بن سوية (¬6) ابن أبي سوية (¬7) الأنصاري مولاهم، كان فاضلًا (¬8). ([حدثه أنه] (¬9) سمع) عبد الرحمن (ابن حجيرة) [بضم المهملة وفتح الجيم مصغر] (¬10) كذا للمزي (¬11). (يخبر عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من قام بعشر آيات) [يعني: في قيام الليل (لم يكتب من الغافلين) الذين يغفلون عن ذكر الله تعالى ويلهون عنه. قال تعالى: {وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} (¬12) (و] (¬13) من قام في صلاة الليل بمائة آية كُتب من القانتين) ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 12/ 11. (¬2) في الأصول الخطية: حميد. والمثبت من "تهذيب الكمال". (¬3) من (ر). (¬4) "الإكمال" 4/ 394. (¬5) و (¬6) في (ر): سويد. (¬7) في (ر): سويد. (¬8) "الإكمال" 4/ 394. (¬9) تأخرت في (ر). فجاءت بعد قوله: كذا للمزي. (¬10) من (ر). (¬11) زاد في (ر): حدثه أنه. وقد تقدمت الإشارة إلى موضعها الصحيح. (¬12) الأعراف: 205. (¬13) سقط من (ر).

تأتي (¬1) بمعنى الطائعين الله تعالى، وبمعنى الخاشعين، وبمعنى المصلين، وبمعنى العابدين، وبمعنى القائمين. (ومن قام) في التهجد (¬2) (بألف) أية (¬3) (كتب من المقنطرين) (¬4). أي أعطي قنطارًا من الأجر، وجاء في حديث الطبراني عن معاذ بن جبل: القنطار ألف ومائتا (¬5) أوقية، والأوقية خير مما بين السماء والأرض، أو قال: خير مما طلعت عليه الشمس (¬6). قال أبو عبيد: القناطير واحدها قنطار (¬7). ولا تكاد العرب تعرف وزنه (¬8). وقال ثعلب: المعمول عليه عند العرب الأكثر أنه أربعة آلاف دينار، فإذا قالوا قناطير مقنطرة فهو اثنا عشر ألف دينار (¬9). قال الحافظ عبد العظيم المنذري: من سورة {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} إلى آخر القرآن ألف آية (¬10). (قال المصنف: ابن حجيرة الأصغر) هو (عبد الله بن عبد الرحمن بن حجيرة) وعبد الرحمن بن حجيرة [والد عبد الله كان قاضي مصر] (¬11) كابنه عبد الله. ¬

_ (¬1) في (م): أي. (¬2) في (م): المسجد. (¬3) من (ر). (¬4) أخرجه ابن خزيمة (1144)، وابن حبان (2572). (¬5) من (ر). (¬6) "المعجم الكبير" (7748) من حديث أبي أمامة. (¬7) و (¬8) انظر: "النهاية في غريب الأثر" (قنطر). (¬9) "غريب الحديث" 4/ 165. (¬10) "الترغيب والترهيب" 1/ 248. (¬11) تكررت في (ر).

[1399] (حدثنا يحيى بن موسى البلخي) السختياني شيخ البخاري. (وهارون بن عبد الله قالا: حدثنا عبد الله بن يزيد) [يحتمل أنه أبو عبد الرحمن المقرئ] (¬1). (ثنا سعيد بن أبي (¬2) أيوب) المصري قال: (حدثني عياش) (¬3) بالمثناة تحت والشين المعجمة (ابن عباس) بالموحدة والسين المهملة (القتباني) بكسر القاف وسكون المثناة الفوقانية بعدها باء موحدة، وبعد الألف نون نسبة إلى قتبان، وهو بطن [من أعين] (¬4) نزلوا [مصر فنسبت إليها الجماعة] (¬5) (عن عيسى (¬6) بن هلال الصدفي) بفتح الصاد والدال المهملتين بعدهما فاء. قال (¬7) السمعاني: نسبةً إلى الصدف - بكسر الدال - وهي قبيلة من حمير نزلت بمصر (¬8). (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص - رضي الله عنه - (قال: أتى رجل) [هو صعصعة عم الفرزدق] (¬9) (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أقرئني) بفتح الهمزة وكسر الراء بعدها همزة ساكنة ثم نون الوقاية، سأل منه أن يقرئه (يا رسول الله فقال: اقرأ) بهمزة وصل وهمزة ساكنة آخره (ثلاثًا) أي: ثلاث سور ¬

_ (¬1) من (ر) وجاءت في موضع سابق على هذا الموضع، ووضعناها في مكانها. (¬2) سقط من (ر). (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ر): وعين. (¬5) في (م): معر فسألهما جماعة. (¬6) في (ر): حبشي. (¬7) زاد في (ر): ابن. (¬8) "الأنساب" للسمعاني 3/ 528. (¬9) من (ر).

(من ذوات الراء) أي: من ذوات (¬1) السور التي أولها [الر كيونس] (¬2) وهود ويوسف وإبراهيم والحجر (فقال) يا رسول الله إني (كبرت) بكسر الباء الموحدة (سني) السن إذا عنيت بها العمر فهي مؤنثة؛ لأنها في معنى المدة، وتجمع السن (¬3) إذا كان بمعنى العمر على أسنان أيضًا كما في حديث عثمان: وجاوزت أسنان أهل بيتي، أي: أعمارهم، ويقال: فلان سن فلان إذا كان مثله في السن. (واشتد) أي: صلب (قلبي) عن ثبوت شيء ينزل عليه كما لا يثبت شيء على الصفوان بخلاف قلب الصغير، فإنه قابل لما [ينزل عليه] (¬4) من كثرة رطوبته، فالرطب [يعلق به] (¬5) ما يتصل به بخلاف اليابس الجاف إذا أصابته نجاسة أو غيرها لا تعلق به؛ ولهذا يقال [كل ما جاف] (¬6) طاهر. (وغلظ لساني) (¬7) عن النطق بالحروف وسرعة حركتها بخلاف لسان الصغير في سرعة (¬8) حركة لسانه وجسمه كله. (قال: فاقرأ ثلاثًا) أي اقرأ أي ثلاث سور (من ذوات حم) أي من سور أولها حم كالحواميم (¬9) السبع أولها: غافر، وفصلت، والشورى، وما بعدها (فقال) مقالة (مثل مقالته) الأولى. ¬

_ (¬1) في (م): دون. (¬2) في (م): الراء كقوله يس. (¬3) في (ر): السنن. (¬4) في (م): فيه. (¬5) في (م): لعلويه. (¬6) في (م): في. (¬7) في (م): وعظ النسائي. (¬8) من (ر). (¬9) في (م): كما حواميم.

(فقال: اقرأ ثلاثًا من المسبحات) فقد روى الترمذي عن العرباض بن سارية: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقرأ المسبحات قبل أن يرقد ويقول: "إن فيهن آية خير من ألف آية" (¬1). ورواه النسائي، وقال: قال معاوية: يعني: ابن صالح: إن بعض أهل العلم كانوا يجعلون المسبحات ستًّا (¬2) سورة الحديد والحشر والحواريين وسورة الجمعة والتغابن و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} وبعضهم يضيف إليها {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى} [ويعدها سبعًا كالحواميم] (¬3). (فقال مثل مقالته) التي قبلها والأولى، وفيه دليل على أن العالم والمفتي يراعي في فتواه حال السائل في قوته وقدرته على العبادة، فما رآه عاجزًا عنه أرشده إلى ما هو (¬4) أهون عليه مما يطيق المواظبة عليه بلا مشقة، فإن ما قل ودام (¬5) أفضل مما كثر وانقطع، فإنه صلى الله عليه وآله وسلم [أرشده إلى ما فيه ذوات الراء فلما رآه لا يطيقه أرشده إلى ما هو دونه من ذوات حم، فلما رآه لا يستطيعه] (¬6) أرشده إلى ما هو أخف وهو المسبحات. (فقال الرجل: يا رسول الله أقرئني) بفتح الهمزة وكسر الراء وسكون الهمزة قبل النون، ويجوز تخفيفها بالحذف. (سورة جامعة و) نظيره (¬7) رواية الصحيحين [ما أنزل] (¬8) علي في ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (2921). (¬2) في (م): مثل. (¬3) سقط من (ر). (¬4) من (ر). (¬5) زاد في (م): خير. (¬6) سقط من (ر). (¬7) في (م): بصر. (¬8) في (م): بذا أقول.

الخمر (¬1) شيء إلا هذِه الآية الفاذة: الجامعة (¬2). ومعنى الفاذة: القليلة النظير، ومعنى الجامعة، أي: العامة المتناولة (¬3) لكل خير (¬4) ومعروف. ([فأقرأه النبي] (¬5) - صلى الله عليه وسلم -) سورة {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} (حتى) انتهى إلى قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (¬6) و (فرغ منها فقال) (¬7) الرجل: يكفيني هذا (والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها) سورة (أبدًا) فيه جواز الحلف بقوله: والذي بعثك بالحق، وفيه جواز الحلف من غير استحلاف، وفيه انعقاد اليمين بهذا ووجوب الكفارة بالحنث فيه. (ثم أدبر الرجل) وانصرف، فعلى مثل هذا الحال ينبغي أن يكون حامل القرآن إذا سمع القرآن يتأثر قلبه بآثار ما سمعه وفهمه، ألا ترى إلى أن هذا لما سمع {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} وتدبر ما جمعت من الوعد والوعيد من أقل ما يتصور في الذهن (¬8) من الخير والشر استغرق قلبه مشاهدة تلك الحال بالكلية، كما استغرق قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم مشاهدة ما في قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41)} (¬9) فلم يثبت أن ذرفت (¬10) ¬

_ (¬1) في (ر): العمر. (¬2) "صحيح البخاري" (4962)، و"صحيح مسلم" (987) (24). (¬3) في (م): المساوية. (¬4) في (م): حسن. (¬5) في (م): وأقرأه لنا. (¬6) الزلزلة: 7، 8. (¬7) من (ر). (¬8) في (م): الدهر. (¬9) النساء: 41. (¬10) في (م): دون.

عيناه بالدموع وقال لابن مسعود (¬1): "حسبك". فهذِه الحالة حالة من مَنّ الله تعالى على قلبه في (¬2) فهم ما يتلوه أو سمعه وأما مجرد التلاوة بحركة اللسان دون تأمل وتدبر فقليلة (¬3) الجدوى. قال الغزالي: بل التالي باللسان المعرض عن معناه والعمل به جدير بأن يكون هو المراد بقوله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)} (¬4)، وبقوله تعالى: {كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} (¬5) (¬6). (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أفلح الرويجل) أفلح الرويجل (مرتين) ولأحمد (¬7) والنسائي في "الكبرى" (¬8) من حديث صعصعة عم الفرزدق أنه صاحب القصة، وقال: حسبي أن لا أبالي أن لا أسمع غيرها. ¬

_ (¬1) زاد في (م): قليل. (¬2) في (م): و. (¬3) في (ر): فعليه. (¬4) و (¬5) طه: 124، 126. (¬6) "إحياء علوم الدين" 1/ 287. (¬7) "المسند" 5/ 59. (¬8) "السنن الكبرى" (11694).

10 - باب في عدد الآي

10 - باب فِي عَدَدِ الآي 1400 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، أَخْبَرَنا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنا قَتَادَةُ، عَنْ عَبَّاسٍ الجُشَمِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "سُورَةٌ مِنَ القُرْآنِ ثَلاثُونَ آيَةً تَشْفَعُ لِصاحِبِها حَتَّى يُغْفَرَ لَهُ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} " (¬1). * * * باب في عدد الآي [1400] (حدثنا عمرو بن مرزوق) الباهلي، أخرج له البخاري مقرونًا (ثنا شعبة، أنا قتادة، عن عباس) بالموحدة والمهملة [ابن سهل بن سعيد (¬2) الساعدي] (¬3) ([الجشمي) بضم الجيم] (¬4). (عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: سورة) بالرفع على تقدير هذِه سورة (¬5) [أو مما يقدر به] (¬6) سورة، ويجوز رفعها بالابتداء؛ لأنها نكرة موصوفة بقولك (من القرآن ثلاثون آية) واستدل الحنفية بهذا الحديث على أن "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" ليست بآية من كل سورة، إذ لو كانت التسمية منها لكانت السورة إحدى وثلاثين آية ولبدأ بها (¬7). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2891)، وابن ماجه (3786)، وأحمد 2/ 299، 321. وصححه ابن الملقن في "البدر المنير" 3/ 562، والألباني في "صحيح أبي داود" (1265). (¬2) في (ر): سعد. (¬3) كذا عرَّف المصنف عباس بانه ابن سهل بن سعد الساعدي. وهو متعقب بأن قتادة لم يرو عنه وإنما روى عنه عباس بن عبد الله الجشمي كما في رواية أبي داود. (¬4) من (ر). (¬5) في (ر): السورة. (¬6) في (م): يقرؤون. (¬7) انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 204 به، و"المبسوط للسرخسي" 1/ 98 بمعناه.

أجاب الشافعية بأن من أصحابنا من قال التسمية وما بعدها آية من سائر السور (¬1) ولأنه يحتمل أنه عد (¬2) ما يخص السورة، وإنما بدأ بـ {تَبَارَكَ} لأنه قصد تعريف السورة. وفيه دليل على أن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا معتنين بعد الآي وحفظها وتحريرها؛ لما يتعلق بها من أحكام الوقف والابتداء وغير ذلك. (تشفع لصاحبها) [وللترمذي وغيره] (¬3) "شفعت" (¬4). وهو المناسب لما بعده. (حتى غفر له) وهي (¬5) ({تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}) (¬6). وروى الحاكم عن عبد الله بن مسعود قال (¬7): يؤتى الرجل في قبره فتؤتى رجلاه فتقول: [ليس على ما قبلي] (¬8) سبيل، كان يقرأ سورة الملك. ثم يؤتى من قبل [صدره - أو قال: بطنه - فيقول: ليس لك على ما قبلي سبيل، كان يقرأ سورة الملك. ثم يؤتى من قبل صدره. أو قال: بطنه] (¬9) فيقول: ليس لكم من قبلي سبيل، كان يقرأ سورة الملك. فهي المانعة تمنع عذاب القبر، وهي في التوراة سورة الملك، من قرأها في ليلة فقد ¬

_ (¬1) "الحاوي الكبير" 2/ 105. (¬2) في (م): على. (¬3) بياض في (ر). (¬4) "سنن الترمذي" (2891). (¬5) سقط من (ر). (¬6) أخرجه الترمذي (3786)، وابن ماجه (2891)، وأحمد 2/ 299، وابن حبان في "صحيحه" (787) من طريق شعبة به. وقال الترمذي: حديث حسن. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه. وقال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (1265): حديث حسن. (¬7) من (ر). (¬8) بياض في (ر). (¬9) في (م): رأسه.

أكثر وأطيب. وقال الحاكم: صحيح الإسناد (¬1) (¬2) وهو في النسائي مختصرًا: من قرأ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} كل ليلة منعه الله تعالى بها من عذاب القبر، وكنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نسميها (¬3) المانعة (¬4). ¬

_ (¬1) "المستدرك" 2/ 498 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (¬2) من (ر). (¬3) في (م): اسمها. (¬4) "سنن النسائي الكبرى" (10547).

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

شَرْحُ سُنَنِ أَبِي دَاوُد لِابْنِ رَسْلَان [7]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ جميعُ الحقوقِ مَحْفوظَة لِدَارِ الفَلَاحِ وَلَا يجوز نشر هَذَا الْكتاب بِأَيّ صِيغَة أَو تَصْوِيره PDF إِلَّا بِإِذن خطي من صَاحب الدَّار الْأُسْتَاذ/ خَالِد الرَّباط الطَّبْعَةُ الأُولَى 1437 هـ - 2016 م رَقم الْإِيدَاع بدَارِ الكتُب 17164/ 2015 دَارُ الفَلَاحِ لِلبحثِ العِلمي وتَحْقِيق التُّرَاثِ 18 شَارِع أحمس - حَيّ الجامعة - الفيوم ت: 01000059200 [email protected] تطلب منشوراتنا من: • دَار الْعلم - بلبيس - الشرقية - مصر • دَار الأفهام - الرياض • دَار كنوز إشبيليا - الرياض • مكتبة وتسجيلات ابْن الْقيم الإسلامية - أَبُو ظَبْي • دَار ابْن حزم - بيروت • دَار المحسن - الجزائر • دَار الْإِرْشَاد - استانبول • دَارُ الفَلَاحِ - الفيوم

[سجود القرآن]

[سُجُودُ القُرْآنِ]

1 - باب تفريع أبواب السجود وكم سجدة في القرآن

1 - باب تَفْرِيعِ أَبْوابِ السُّجُودِ وَكَمْ سَجْدَةٍ فِي القُرْآنِ 1401 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ البَرْقِيِّ، حَدَّثَنا ابن أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنا نافِعُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ الحارِثِ بْنِ سَعِيدٍ العُتَقِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُنَيْنٍ - مِنْ بَنِي عَبْدِ كُلالٍ - عَنْ عَمْرِو بْنِ العاصِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَقْرَأَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً فِي القُرْآنِ مِنْها ثَلاثٌ فِي المُفَصَّلِ وَفِي سُورَةِ الحَجِّ سَجْدَتانِ (¬1). قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رُوِيَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِحْدى عَشْرَةَ سَجْدَةً وَإِسْنادُهُ واهٍ (¬2). 1402 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ أَخْبَرَنِي ابن لَهِيعَةَ أَنَّ مِشْرَحَ بْنَ هاعانَ أَبا المُصْعَبِ حَدَّثَهُ أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ حَدَّثَهُ قَالَ: قُلْتُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَفِي سُورَةِ الحَجِّ سَجْدَتانِ؟ قَالَ: "نَعَمْ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْهُما فَلا يَقْرَأْهُما" (¬3). * * * باب تفريع أبواب السجود وكم سجدة في القرآن [1401] (حدثنا محمد بن) عبد الله بن (عبد الرحيم) (¬4) بن سعيد (¬5) ابن أبي زرعة مولى بني زهرة (بن البرقي) بفتح الباء الموحدة وسكون ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (1057). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (248). (¬2) رواه الترمذي (568)، وابن ماجه (1055، 1056)، وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (249). (¬3) رواه الترمذي (578)، وأحمد 4/ 151، 155. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (1265/ م): إسناده حسن، وهو صحيح دون قوله: "ومن لم يسجدهما". (¬4) في (ر): عبد الرحمن. (¬5) في بعض مصادر التخريج: شعبة.

الراء، ثم قاف، نسبة إلى برقة بلدة بالمغرب خرج منها جماعة [كثيرة من العلماء] (¬1) قال النسائي: لا بأس به (¬2). وقال ابن (¬3) يونس: كان ثقة (¬4) (حدثنا (¬5) يزيد بن أبي مريم) الدمشقي، أخرج له البخاري ([أنا نافع بن يزيد، عن الحارث، عن سعيد] (¬6) العتقي) بضم العين وفتح المثناة فوق (¬7) بعدها قاف، نسبةً إلى العتق، والعتقاء ليسوا من قبيلة واحدة، وإنما هم من [قبائل شتى] (¬8) منهم من (¬9) حجر حمير ومن كنانة مضر ومن سعد (¬10) العشيرة وغيرهم. (عن (¬11) عبد الله بن منين) (¬12) بضم الميم وفتح النون الأولى مصغر اليحصبي (¬13) المصري [(من بني عبد] (¬14) كلال) بضم الكاف وتخفيف اللام ([عن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرأه] (¬15) خمس عشرة سجدة [في القرآن (¬16)]) كذا رواه ابن ماجه ورواه الدارقطني ¬

_ (¬1) في (م): كثرة من أهل و. (¬2) "مشيخة النسائي" (41)، وانظر: "المعجم المشتمل" لابن عساكر (865). (¬3) في (م): أبو. (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 504. (¬5) و (¬6) سقط من (ر). (¬7) من (ر). (¬8) غير واضحة في (م). (¬9) من (ر). (¬10) في (م): سعيد. (¬11) سقط من (ر). (¬12) في (م): هبيرة. (¬13) في (م): الحمصي. (¬14) و (¬15) و (¬16) سقط من (ر).

والحاكم (¬1)، وحسنه [الحافظ عبد العظيم] (¬2) المنذري (¬3) و [محيي الدين] (¬4) النووي (¬5)، هكذا عدها أبو العباس بن سريج من أصحابنا، وجعل منها سجدة ص، والثانية في سورة الحج معًا، وهي رواية عن أحمد بن حنبل غير المشهورة وهو قول إسحاق بن راهويه، واستدلوا بهذا الحديث (¬6). (منها ثلاث في المفصل) في آخر النجم {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} (¬7) وفي الانشقاق: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} (¬8) وآخر {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} (¬9)، (وفي سورة الحج) ثنتان [الأكثر (سجدتان)] (¬10) الأولى: {وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} (¬11)، والثانية: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (¬12). ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (1057)، "سنن الدارقطني" 1/ 408، "المستدرك" 1/ 223. (¬2) سقط من (ر). (¬3) كذا نقله الحافظ ابن حجر في "التلخيص" 2/ 27. وابن الملقن في "البدر المنير" 4/ 257. (¬4) سقط من (ر). (¬5) "المجموع شرح المهذب" 4/ 60. (¬6) "مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج" (372). (¬7) النجم: 62. (¬8) الانشقاق: 21. (¬9) العلق: 19. (¬10) من (ر). (¬11) إبراهيم: 27. (¬12) الحج: 77.

[(قال المصنف وروي] (¬1) عن أبي الدرداء) عويمر بن عامر الأنصاري [- رضي الله عنه - (عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم)] (¬2) هذا الذي ذكره بصيغة التمريض، رواه الترمذي عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء قال: سجدت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (إحدى عشر سجدة) وزاد: منها التي في النجم. ثم قال الترمذي: وحديث أبي الدرداء حديث غريب، [لا نعرفه إلا من حديث سعيد بن أبي هلال، عن عمر الدمشقي، عن أم الدرداء. الحديث] (¬3). ثم قال: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، أنا عبد الله بن صالح [ثنا الليث بن] (¬4) سعد، عن خالد بن (¬5) يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن عمر وهو ابن (¬6) حيان الدمشقي قال: سمعت مخبرًا يخبر عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء قال: سجدت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إحدى (¬7) عشرة سجدة منها التي في النجم. ثم قال: وهذا أصح [من حديث] (¬8) سفيان بن وكيع عن ابن وهب (¬9) يعني: الحديث ¬

_ (¬1) و (¬2) سقط من (ر). (¬3) من (ر). (¬4) في (م): بن عبد الله بن. (¬5) في (م): خاله. (¬6) في (ر): أبو. (¬7) في (م): أحد. (¬8) سقطت من الأصول الخطية واستدركتها من "سنن الترمذي". (¬9) "سنن الترمذي" 2/ 457 - 458.

المذكور (¬1) (وإسناده واهٍ) (¬2) هذا عند (¬3) المصنف، وأما عند الترمذي فصحيح [كما تقدم. [1402] (حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح، أنا) عبد الله (ابن وهب) قال: (أخبرني]) (¬4) عبد الله (ابن لهيعة) بفتح اللام (أن مشرح) بكسر الميم وسكون الشين المعجمة وفتح الراء، ثم حاء مهملة. ([بن هاعان]) (¬5) بعين مهملة المعافري (أبا المصعب) وثقه (¬6) ابن معين (¬7)، قال ابن يونس: مات قريبًا من سنة عشرين ومائة (¬8). ([حدثه أن عقبة بن عامر حدثه قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [في سورة الحج سجدتان]) (¬9) ولفظ الترمذي: قلت (¬10): يا رسول الله فضلت سورة الحج [بأن فيها سجدتين (¬11). (ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما) يعني: ومن لم يسجد هاتين ¬

_ (¬1) غير واضحة في (م). (¬2) في (ر)، (م): واهي. والمثبت الجادة. (¬3) في (م): عبد الله. (¬4) سقط من (ر). (¬5) في (ر): عاهان. (¬6) في (م): وهب. (¬7) "تاريخ ابن معين برواية الدارمي" (755). (¬8) "تهذيب الكمال" 28/ 8. (¬9) سقط من (ر). (¬10) في (ر): والله. (¬11) "سنن الترمذي" (578).

السجدتين فلا يقرأ السورة التي] (¬1) فيها السجدتان. قال التُّوربشتي (¬2): وجه النهي عن قراءة (¬3) السجدتين بتالي (¬4) السجدتين، فإذا كانت تجب بصدد التضييع (¬5) وتركهما فالأولى به ترك السورة (¬6). وقد ذكر الحاكم أنه (¬7) تفرد به، وأكده الحاكم بأن الرواية صحت فيه من قول عمر وابن مسعود وابن عباس (¬8) وأبي الدرداء وأبي موسى وعمار، ثم ساقها موقوفة عليهم، وأكده (¬9) البيهقي بما رواه في "المعرفة" من طريق خالد بن معدان مرسلًا (¬10). ¬

_ (¬1) في (م): قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم. (¬2) في (م): النووي في. وهو فضل الله التوربشتي، محدث فقيه من أهل شيراز، له شرح على "مصابيح البغوي" انظر: "طبقات الشافعية" للسبكي 8349 (1245). (¬3) من (ر). (¬4) غير واضحة في (م). (¬5) بياض في (ر). (¬6) انظر: "مرقاة المفاتيح" 2/ 814 بتصرف. (¬7) الضمير في (أنه) عائد على عبد الله بن لهيعة. (¬8) في (ر): عمر. (¬9) بياض في (ر). (¬10) "معرفة السنن والآثار" 2/ 153.

2 - باب من لم ير السجود في المفصل

2 - باب مَنْ لمْ يَرَ السُّجُودَ فِي المُفَصَّلِ 1403 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ رافِعٍ، حَدَّثَنا أَزْهَرُ بْنُ القاسِمِ - قَالَ مُحَمَّدٌ: رَأَيْتُهُ بِمَكَّةَ - حَدَّثَنا أَبُو قُدامَةَ، عَنْ مَطَرٍ الوَرَّاقِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَسْجُدْ فِي شَيء مِنَ المُفَصَّلِ مُنْذُ تَحَوَّلَ إِلَى المَدِينَةِ (¬1). 1404 - حَدَّثَنا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عَنِ ابن أَبِي ذِئْبٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسارٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ قَالَ قَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - النَّجْمَ فَلَمْ يَسْجُدْ فِيها (¬2). 1405 - حَدَّثَنا ابن السَّرْحِ، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ، حَدَّثَنا أَبُو صَخْرٍ، عَنِ ابن قُسَيْطٍ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بمَعْناهُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ زَيْدٌ الإِمَامَ فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا (¬3). * * * باب من لم ير السجود في المفصل [1403] (حدثنا (¬4) محمد بن رافع) (¬5) بن أبي زيد سابور القشيري مولاهم، روى عنه الجماعة سوى ابن ماجه (حدثنا أزهر بن القاسم) ¬

_ (¬1) رواه ابن خزيمة 1/ 281 (560)، والطبراني 11/ 334 (11924)، والبيهقي 2/ 312 - 313، وابن عبد البر في "التمهيد" 19/ 120، وقال: هذا عندي حديث منكر. وضعفه النووي في "خلاصة الأحكام" 2/ 624 (2151)، والألباني في "ضعيف أبي داود" (251). (¬2) رواه البخاري (1072، 1073)، ومسلم (577). (¬3) رواه ابن خزيمة 1/ 284 (566)، والطحاوي 1/ 352. (¬4) سقط من (ر). (¬5) في (ر): وكيع بن أبي.

أبو بكر الراسبي، أخرج له النسائي وابن ماجه (قال محمد) بن رافع في روايته: (رأيته بمكة. حدثنا (¬1) أبو قدامة) الحارث بن عبيد، وهو إيادي بصري، أخرج له مسلم في العلم وصفة الجنة. (عن مطر الوراق، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة) وهذا الحديث استدل به الشافعي في القديم (¬2) على إسقاط سجدات المفصل المذكورة. قال ابن عبد البر: هذا قول ابن عمر وابن عباس وسعيد بن المسيب وابن جبير وعكرمة والحسن ومجاهد وعطاء وطاوس ومالك وطائفة من أهل المدينة (¬3). وحجة الجديد (¬4) (¬5) ما رواه الشيخان من رواية أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سجد في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} (¬6). [وفي رواية لمسلم: سجدنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}] (¬7) و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} (¬8). وروى [البزار من] (¬9) حديث عبد الرحمن بن عوف ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) انظر: "الحاوي الكبير" 2/ 203. (¬3) "التمهيد" 19/ 118 - 119. (¬4) في (م): الحديث. (¬5) "الأم" 8/ 548. (¬6) أخرجه البخاري (1074)، ومسلم (578). (¬7) من (ر). (¬8) "صحيح مسلم" (578) (109). (¬9) في (م): الترمذي.

قال: رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم سجد في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} عشر مرات (¬1) (¬2). وأجابوا عن حديث ابن عباس هذا بأجوبة منها: أنه ضعيف كما قال البيهقي (¬3) وغيره. ثانيها: أنه ناف [وغيره مثبت، زعم بعضهم أن عمل أهل المدينة استمر على ترك السجود في المفصل بعد النبي، وفيه نظر لما روى الطبري بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن أبزى عن عمر أنه قرأ النجم في الصلاة فسجد فيها، ثم قام فقرأ {إِذَا زُلْزِلَتِ}] (¬4). ثالثها: أن الترك (¬5) إنما ينافي الوجوب وسجود التلاوة مستحب لا واجب، وسيأتي شاهد الجديد (¬6). [قال أبو داود يروى مرسلًا] (¬7). [1404] (حدثنا هناد بن السري، حدثنا وكيع، عن) محمد بن عبد الرحمن (ابن أبي ذئب، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط) الليثي [عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أنس، عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه -، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمعناه. (عن عطاء بن يسار، عن زيد بن ثابت قال: قرأت على رسول الله ¬

_ (¬1) في (ر): مرار. (¬2) "مسند البزار" (1040). (¬3) "معرفة السنن والآثار" 2/ 147. (¬4) في (م): غير متقن. (¬5) في (م): المزي. (¬6) في (م): الحديث. (¬7) من (ر).

صلى الله عليه وآله وسلم) سورة (النجم] (¬1) فلم يسجد فيها) (¬2). احتج به طائفة على أنه لا سجود في النجم ولا في المفصل، روي ذلك عن عمر وأبي بن كعب وابن عباس وأنس (¬3)، وعن سعيد بن المسيب والحسن وطاوس. وقال يحيى: أدركت القراء لا يسجدون في المفصل، وهو (¬4) قول مالك (¬5) كما تقدم، واحتجوا بهذا الحديث وبما رواه قتادة عن عكرمة قال: سجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة في المفصل، فلما هاجر ترك. واحتج من قال بالسجود في النجم عن حديث زيد هذا بأنه يمكن أن يكون ترك السجود لبيان الجواز. وقال الطحاوي: يمكن أن يكون قرأها وقت النهي، أو لأنه كان على غير (¬6) وضوء (¬7)، وقيل: لبيان جواز تأخيرها وأنها ليست بواجبة على الفور. [1405] (حدثنا) أحمد بن عمرو (ابن السرح، [ثنا ابن وهب، ثنا] (¬8) أبو صخر) يزيد بن أبي سمية الأيلي (¬9) (عن) يزيد بن عبد الله (ابن قسيط ¬

_ (¬1) في (ر): قوله. (¬2) زاد في (ر): أخرجه خ م ت ن. (¬3) من (ر). (¬4) في (ر): وهذا. (¬5) "المدونة" 1/ 199. (¬6) سقط من (ر). (¬7) "شرح مشكل الآثار" 9/ 246. (¬8) سقط من (ر). (¬9) كذا بالأصول الخطية، وهذا متعقب؛ فإن يزيد بن أبي سمية لم يرو له أبو داود إلا =

[عن خارجة بن زيد، عن أبيه) وروى الطبري حديث أبي صخر هذا بسنده، وزاد وصليت خلف عمر بن عبد العزيز وأبي (¬1) بكر بن حزم فلم يسجدا فيها] (¬2). (قال) المصنف (¬3) (كان زيد (¬4) الإمام) [بالنصب خبر كان] (¬5) (فلم يسجد) في النجم فترك (¬6) النبي صلى الله عليه وآله وسلم السجود تبعًا لزيد كما تأوله الطبري وغيره قال: وقد ورد كذلك. ¬

_ = حديثًا واحدًا وهو قول ابن عمر: ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الإزار فهو في القميص. وأما أبو صخر المقصود فهو حميد بن زياد المدني. انظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 7/ 366. (¬1) في (ر): وأبو. والمثبت هو الصواب. (¬2) من (ر). (¬3) من (ر). (¬4) في (م): يرى. (¬5) من (ر). (¬6) في (م): فنزل على.

3 - باب من رأى فيها السجود

3 - باب مَنْ رَأى فِيْهَا السُّجُودَ 1406 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَرَأَ سُورَةَ النَّجْمِ فَسَجَدَ فِيها وَمَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنَ القَوْمِ إلَّا سَجَدَ فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ كَفًّا مِنْ حَصًى أَوْ تُرابٍ فَرَفَعَهُ إِلَى وَجْهِهِ وقَالَ: يَكْفِينِي هذا. قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قُتِلَ كافِرًا (¬1). * * * باب من رأى فيها سجودًا [1406] (حدثنا حفص بن عمر) الحوضي (ثنا شعبة، عن (¬2) أبي إسحاق) السبيعي (عن الأسود، عن (¬3) عبد الله) بن مسعود - رضي الله عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ سورة النجم فسجد بها (¬4) وما (¬5) بقي أحد من القوم إلا سجد) معه حتى شاع أن أهل مكة أسلموا. قال عياض: كان سبب سجودهم أنها أول سورة (¬6) نزلت فيها السجدة (¬7). أما {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [فإن السابق] (¬8) منها أوائلها، وأواخرها إنما (¬9) ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1067، 1070)، ومسلم (576). (¬2) سقط من (ر). (¬3) سقط من (ر). (¬4) كذا في (ر). وفي مطبوعة "السنن": فيها. وليست في (م). (¬5) سقط من (ر). (¬6) في (ر): سجدة. (¬7) "إكمال المعلم" 2/ 525. (¬8) في (ر): فالسابق. (¬9) من (ر).

نزل بعد ذلك، بدليل قصة أبي جهل في نهيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الصلاة، وروى الدارقطني من حديث أبي هريرة: سجد [رسول الله] (¬1) صلى الله عليه وآله وسلم - بآخر النجم - والجن والإنس والشجر (¬2). ورواه ابن أبي شيبة بلفظ: سجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [والمسلمون في النجم] (¬3) إلا رجلًا من قريش أراد الشهرة بذلك (¬4). ورواية البخاري وغيره: وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس (¬5). وبوَّب عليه باب سجود المسلمين مع المشركين، والمشرك نجس ليس له وضوء، ثم قال البخاري: وكان ابن عمر يسجد على غير وضوء. قال ابن المنير: هذِه الترجمة ملتبسة، والصواب رواية من روى أن ابن عمر كان يسجد للتلاوة على غير وضوء. قال: والظاهر من تبويب البخاري أنه صوَّب مذهبه، واحتج له بسجود المشركين لها، والمشرك نجس لا وضوء له (¬6)، ولا يكون سجود المشركين حجة؛ لأن الباعث لهم على تلك (¬7) السجدة الشيطان لا الإيمان. والظاهر أن البخاري ¬

_ (¬1) في (ر): النبي. (¬2) "سنن الدارقطني" 1/ 409. (¬3) سقطت من الأصول الخطية واستدركها من "مصنف ابن أبي شيبة". (¬4) "مصنف ابن أبي شيبة" (4283). (¬5) "صحيح البخاري" (1071). (¬6) "المتواري على أبواب البخاري" ص 115. (¬7) سقط من (ر).

رجح الجواز لفعل المشركين ذلك (¬1) بحضرة الشارع ولم ينكر عليهم سجودهم بغير طهارة، ولأن الراوي أطلق عليه اسم السجود فدل على الصحة ظاهرًا. (فأخذ رجل من القوم) وهذا الرجل هو أمية بن خلف، وقيل: هو الوليد بن المغيرة، وقيل: هو عتبة بن ربيعة، وقيل: إنه أبو أحيحة (¬2) سعيد بن العاص، والأول أصح، وهذا الذي ذكره البخاري (¬3). (كفًّا من حصى أو تراب) شك من الراوي (فرفعه إلى وجهه) ثم مسح به وجهه (وقال: يكفيني) بفتح أوله (هذا) عن السجود. فيه أنه لا بد في سجود التلاوة وغيره من السجدات أن يسجد على الأرض وأن يرفع (¬4) أسافله على أعاليه؛ لما في حديث البراء: ورفع عجيزته (¬5)، ونقل الرافعي في "المسند" عن النص أنه يجوز مساواة الأسافل الأعالي (¬6) لحصول اسم السجود ولو ارتفعت الأعالي لم يجز، كما جزم به الرافعي (¬7)، وفيه دليل على أن الركوع لا يقوم مقام السجود للتلاوة، وقيل بالإجزاء. وقال محمد بن عمرو: كان هذا السجود في شهر رمضان سنة خمس ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) في (ر)، (م): جيجة. والمثبت هو الصواب. (¬3) "صحيح البخاري" (4863). (¬4) في (ر): ترتفع. (¬5) سبق برقم (896). (¬6) في (م): ألا. (¬7) "كفاية الأخيار" 1/ 108.

من البعث (¬1). (قال عبد الله) بن مسعود (فلقد رأيته بعد ذلك قُتِل كافرًا) وفيه دليل على أن من خالف الهيئة التي ذكرها الشارع وفعل غير ما أمر به استهزاءً بالدين وتكبرًا فقد كفر بالله (¬2)، قال الله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬3) فلهذا أصاب هذا الشيخ الذي امتنع (¬4) فتنة وكفرًا ويصيبه في الآخرة عذابٌ [أليم بكفره واستهزائه] (¬5) وفي "تفسير ابن حيان" أن هذا الرجل الشيخ هو أبو لهب (¬6)، والصحيح أنه أمية بن خلف، وقد قتل يوم بدر كافرًا ولم يكن أسلم. ¬

_ (¬1) في (ر): المبعث. (¬2) سقط من (ر). (¬3) النور: 63. (¬4) في (م): صنع. (¬5) في (م): عظيم كفر واستهزأ به. (¬6) "البحر المحيط" 10/ 9.

4 - باب السجود في {إذا السماء انشقت} و {اقرأ}

4 - باب السُّجُودِ فِي {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} و {اقْرَأْ} 1407 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ عَطَاءِ بْنِ مِيناءَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَجَدْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} وَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (¬1). 1408 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا المُعْتَمِرُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، حَدَّثَنا بَكْرٌ عَنْ أَبِي رافِعٍ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ العَتَمَةَ فَقَرَأَ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} فَسَجَدَ فَقُلْتُ: ما هذِه السَّجْدَةُ؟ قَالَ: سَجَدْتُ بِها خَلْفَ أَبِي القاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَا أَزالُ أَسْجُدُ بِها حَتَّى أَلْقاهُ (¬2). * * * باب السجود في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} و {اقْرَأْ} [1407] ([حدثنا مسدد] (¬3)، ثنا سفيان) بن سعيد الثوري. (عن [أيوب بن موسى] (¬4)، عن عطاء بن ميناء) بكسر الميم وسكون المثناة تحت وتخفيف النون، مولى (¬5) ابن أبي ذباب (¬6) المدني. (عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سجدنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في) سورة ({إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} و) سورة (¬7) ({اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}). [قال أبو داود: أسلم أبو هريرة عام حنين سنة ست، وهذا السجود ¬

_ (¬1) رواه مسلم (578). (¬2) رواه البخاري (766، 768، 1078)، ومسلم (578). (¬3) سقط من (ر). (¬4) في (ر): ابن أبي ذئب. (¬5) من (ر). (¬6) في (م): زياد. (¬7) سقط من (ر).

آخر فعله - صلى الله عليه وسلم -] (¬1) قال النووي: أجمع العلماء على أن إسلام أبي هريرة كان سنة سبع من الهجرة، فدل على أن السجود في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} وَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} اللتان من (¬2) المفصل كان بعد الهجرة (¬3)، وهذا حجة للجديد (¬4) من مذهب الشافعي، كما تقدم أن السجود في سجدات المفصل سنَّة. [1408] (حدثنا مسدد، ثنا المعتمر) بن سليمان (قال: سمعت أبي: ) سليمان بن طرخان البصري التميمي ولم يكن من بني (¬5) تميم وإنما نزل فيهم. (حدثنا (¬6) بكر) بن عبد الله المزني (عن أبي رافع) - نفيع الصائغ (قال: صليت مع أبي هريرة) - رضي الله عنه - صلاة (العتمة) بفتح العين والتاء، والمراد بها هنا صلاة العشاء، والعتمة [في اللغة] (¬7): شدة الظلمة (¬8). وفي هذا الحديث جواز تسمية صلاة العشاء عتمة مع الكراهة لما في "صحيح مسلم" عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم، ألا إنها العشاء وهم يعتمون بالإبل"، ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) في (م): لبيان كان. (¬3) "شرح النووي على مسلم" 5/ 77. (¬4) في (م): للحديث. (¬5) من (ر). (¬6) في (ر): أبا. (¬7) سقط من (ر). (¬8) في (ر): الظلام.

وهذا الحديث في الصحيحين (¬1)، وهو محمول على الجواز أو خطابًا مع من (¬2) يشتبه عليه العشاء بالمغرب، ولكن قال النووي في "شرح المهذب": نص الشافعي في "الأم" (¬3) على أنه يستحب أن لا تسمى العشاء عتمة. قال: وذهب إليه المحققون من أصحابنا (¬4). [(فقرأ) فيها] (¬5) (إذا السماء انشقت فسجد) عند قوله: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} (¬6) [وقال ابن جبير في آخرها] (¬7). (فقلت: ما هذِه السجدة؟ ) التي سجدتها ([ولم أر غيرك يسجدها] (¬8) قال: سجدت بها خلف أبي القاسم) قال المهلب: إنكاره السجود في هذِه السورة يدل على أنه لم يكن عندهم العمل على السجود في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} كما قال مالك (¬9) وأهل المدينة، ولهذا أنكر عليه سجوده فيها، فاستدل عليه أبو هريرة [أنه سجد] (¬10) بها خلف أبي (¬11) القاسم، والحديث حجة لمن قال بالسجود [في {إِذَا السَّمَاءُ ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (563)، و"صحيح مسلم" (644) (228). (¬2) من (ر). (¬3) "الأم" 2/ 164. (¬4) "المجموع" 3/ 41. (¬5) سقط من (ر). (¬6) الانشقاق: 21. (¬7) من (ر). (¬8) من (ر). (¬9) "المدونة" 1/ 199. (¬10) من (ر). (¬11) في (م): أبا.

انْشَقَّتْ}] (¬1)؛ لأن أبا هريرة شاهد السجود [وسجد معه ومتأخر] (¬2) الإسلام. [كما سلف، وروى البيهقي] (¬3) عن عمر أنه قرأ هذِه السورة وهو [على المنبر فنزل] (¬4) فسجد بها (¬5). ([فلا أزال أسجد بها] (¬6) حتى ألقاه) أي (¬7): ألقى الله [تعالى بالموت، أو ألقى] (¬8) النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفيه شدة اجتهاد [الصحابة و] (¬9) مواظبتهم على ما سمعوه منه أو شاهدوه من (¬10) أفعاله واستمرارهم عليه (¬11) إلى الموت. ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) و (¬3) و (¬4) بياض في (ر). (¬5) "سنن البيهقي" 2/ 421. (¬6) سقط من (ر). (¬7) و (¬8) سقط من (ر). (¬9) بياض في (ر). (¬10) سقط من (ر). (¬11) من (ر).

5 - باب السجود في ص

5 - باب السُّجُودِ فِي ص 1409 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ لَيْسَ ص مِنْ عَزائِمِ السُّجُودِ وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْجُدُ فِيها (¬1). 1410 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو - يَعْنِي ابن الحارِثِ - عَنِ ابن أَبِي هِلالٍ، عَنْ عِياضِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ ص فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ فَلَمَّا كَانَ يَوْمٌ آخَرُ قَرَأَها فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدَةَ تَشَزَّنَ النَّاسُ لِلسُّجُودِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّما هِيَ تَوْبَةُ نَبِيٍّ وَلَكِنِّي رَأَيْتُكُمْ تَشَزَّنْتُمْ لِلسُّجُودِ". فَنَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدُوا (¬2). * * * باب السجود في ص [1409] ([حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا [ابن وهيب] (¬3)، ثنا أيوب، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1069، 3422). (¬2) رواه الدارمي 2/ 919 (1507)، وابن خزيمة 2/ 354 (1455)، 3/ 148 (1795)، والطحاوي في شرح معاني الآثار" 1/ 361، وابن حبان 6/ 470 - 471 (2765)، 7/ 38 (2799)، والدارقطني 1/ 408، والحاكم 2/ 431 - 432، والبيهقي 2/ 318. قال النووي في "الخلاصة" 2/ 631 - 632 (2104): رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1271). (¬3) في (م): ابن وهب.

عن عكرمة] (¬1) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ليس ص من عزائم السجود) كذا هي عند الشافعي ليست من عزائم السجود أي: ليست بسجدة تلاوة، ولكنها سجدة شكر تستحب في غير الصلاة وتحرم فيها (¬2). وهذا هو المنصوص وبه قطع الجمهور، ومعنى قول ابن عباس: (ليست من عزائم السجود) أنها لم تنزل في هذِه الأمة، وإنما الشارع اقتدى فيها بالأنبياء [قبله نبه] (¬3) عليه (¬4) الداودي. وقيل: معنى ليست من عزائم السجود: ليست من السجدات المأمور بها، والعزيمة في الأصل [عقد القلب على الشيء] (¬5)، ثم استعمل في [كل أمر] (¬6) محتوم وهو في الاصطلاح ضد الرخصة التي تثبت (¬7) على خلاف الدليل، وتقدم عن أبي العباس [بن سريج وأبي إسحاق (¬8)] (¬9) المروزي أنها عندهما من العزائم، وأن سجدات الصلاة خمس عشرة سجدة. وقال أبو حنيفة ومالك: هي من سجود التلاوة (¬10). والمشهور [عن ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) "الشرح الكبير" 2/ 103 - 104. (¬3) في (م): مثله منه. (¬4) ساقطة من (ر، م). (¬5) في (م): المعلم للشيء. (¬6) في (م): كلام. (¬7) في (م): ليست. (¬8) في (ر): أبي سعيد. (¬9) في (م): ابن صالح هو أبي إسحاق. (¬10) "المبسوط" 2/ 11، "المدونة" 1/ 199.

أحمد (¬1)] (¬2) كمذهب الشافعي وهو (¬3) موضع السجود فيها {وَأَنَابَ} (¬4)، أو {وَحُسْنَ مَآبٍ} (¬5)، فيه خلاف عن مالك حكاه ابن الحاجب في "مختصره". وقال أبو بكر الرازي الحنفي (¬6): {وَخَرَّ رَاكِعًا} (¬7) اختار أصحابنا الركوع في سجدة التلاوة. وعن محمد بن الحسن: عبَّر بالركوع عن السجود (¬8). وعن بعض (¬9) الحنابلة: لو قرأ (¬10) السجدة في الصلاة وركع (¬11) ركوع الصلاة أجزأه ذلك عن السجدة (¬12). وعن بعض الحنفية: ينوب (¬13) الركوع عن سجدة التلاوة في الصلاة و (¬14) خارجها (¬15). ¬

_ (¬1) "المغني" 2/ 355. (¬2) سقط من (م). (¬3) سقط من (ر). (¬4) ص: 24. (¬5) ص: 25. (¬6) سقط من (ر). (¬7) من (ر). (¬8) "أحكام القرآن للجصاص" 5/ 256. (¬9) من (ر). (¬10) في (م): أقرأ. (¬11) من (ر). (¬12) "المغني" 21/ 369. (¬13) في (م): يثوب. (¬14) في (م): في. (¬15) "المبسوط" 2/ 15 - 16.

(وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسجد فيها) فيه رد على ما تقدم أنه يجوز الركوع عن السجود فإن أفعال النبي صلى الله عليه وآله وسلم تبين للناس ما نزل إليهم. [1410] [(ثنا أحمد بن صالح) المصري (ثنا ابن وهب) قال: (أخبرني عمرو بن الحارث، عن) سعيد (ابن أبي هلال) اسمه مرزوق] (¬1) الليثي مولاهم أبو العلاء المدني، بمصر (عن عياض بن عبد الله بن (¬2) سعد بن أبي سرح) العامري (عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنه قال: قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر {ص} (¬3) فلما بلغ) الآية التي فيها (السجدة نزل فسجد) على الأرض. وفي الدارقطني من حديث ابن عباس: رأيت عمر - رضي الله عنه - قرأ على المنبر {ص} (¬4) فنزل فسجد، ثم رقى المنبر (¬5). وروى ابن أبي شيبة عن ابن عباس في {ص} سجدة تلاوة (¬6) {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (¬7) (¬8). (وسجد الناس معه) ثم رقى المنبر كما تقدم عن (¬9) عمر (فلما كان يوم ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) زاد في (ر): سرح بن. (¬3) و (¬4) من (ر). (¬5) "سنن الدارقطني" 1/ 407. (¬6) في "مصنف ابن أبي شيبة": وتلا. (¬7) سورة الأنعام: 90. (¬8) "مصنف ابن أبي شيبة" (4289). (¬9) زاد في (ر): ابن.

آخر) بالرفع (قرأها) أي: قرأ ص وهو على المنبر. (فلما بلغ) آية (السجدة تشزن) بفتح المثناة من فوق والشين المخففة والزاي المشددة المعجمتين والنون أي: تهيأ [وقد جاء كذلك في إحدى روايتي الحاكم (¬1)] (¬2) واستوفز للنزول، وتشزن (الناس للسجود) كما في الجمعة التي قبلها، والتشزن: التأهب والتهيؤ [والاستعداد له مأخوذ من عرض الشيء] (¬3) وجانبه كأن المتشزن يدع الطمأنينة [في جلوسه ويقعد مستوفزًا على جانب، ومنه حديث عائشة: أن عمر دخل على النبي فقطب وتشزن] (¬4) له (¬5). أي: تأهب له. (فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنما هي) أي: هذِه السجدة كانت (توبة نبي) الله تعالى داود - عليه السلام - في قوله تعالى حكاية عنه؛ {وَخرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} (¬6) أي: خر للسجود راكعًا أي: مصليًا؛ لأن الركوع يجعل عبارة عن الصلاة، أناب أي: رجع إلى الله تعالى بالتوبة، وما كانت توبة داود من ذنبه إلا أنه صدق أحدهما على الآخر، وحكم على المدعى عليه قبل أن يسأله، وروى النسائي (¬7) عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في سجدة ص: ¬

_ (¬1) "مستدرك الحاكم" 2/ 431. (¬2) من (ر). (¬3) في (م): للشيء. (¬4) في (م): فقطعت وشازن. (¬5) رواه ابن الأعرابي في "نوادره" مرسلًا كما في "تهذيب اللغة" للأزهري مادة: مرخ. (¬6) ص: 24. (¬7) سقط من (ر).

"سجدها داود توبةً ونسجدها (¬1) شكرًا (¬2) " [لله على نعمته على داود وقبول توبته] (¬3) [(ولكني رأيتكم] (¬4) تشزنتم) أي: تهيأتم كما تقدم. (للسجود فنزل فسجد وسجدوا) وكذا رواه ابن حبان في "صحيحه"، وقال الحاكم: إنه على شرط الشيخين (¬5) (¬6). والبيهقي (¬7): [إنه حسن (¬8). وقد استدل أصحاب الشافعي وغيرهم على أن سجدة {ص} يسجدها في غير الصلاة كما فعل النبي في سجوده في أثناء الخطبة خارج الصلاة، وأما إذا سجد بها داخل الصلاة فالأصح أن الصلاة تبطل كما أن سجدة الشكر في الصلاة تبطلها (¬9) وهذِه سجدة شكر كما تقدم في النسائي. ¬

_ (¬1) في (ر): وسجدتها. (¬2) "سنن النسائي" 2/ 159. (¬3) من (ر). (¬4) سقط من (ر). (¬5) في (م): الشيخان. (¬6) "مستدرك الحاكم" 2/ 432. (¬7) من هنا يبدأ سقط كبير في (م) ينتهي في باب: تفريع أبواب الوتر واستحباب الوتر. (¬8) "سنن البيهقي الكبرى" 2/ 318. (¬9) "المجموع" 4/ 61. بمعناه.

6 - باب في الرجل يسمع السجدة وهو راكب وفي غير الصلاة

6 - باب فِي الرَّجُل يَسْمَعُ السَّجْدَةَ وَهُوَ رَاكِبٌ وَفِي غَيْرِ الصَّلاةِ 1411 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمانَ الدِّمَشْقِيُّ أَبُو الجُماهِرِ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ - يَعْنِي ابن مُحَمَّدٍ - عَنْ مُصْعَبِ بْنِ ثابِتِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَرَأَ عَامَ الفَتْحِ سَجْدَةً فَسَجَدَ النَّاسُ كُلُّهُمْ مِنْهُمُ الرَّاكِبُ والسَّاجِدُ فِي الأَرْضِ حَتَّى إِنَّ الرَّاكِبَ لَيَسْجُدُ عَلَى يَدِهِ (¬1). 1412 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ح، وحَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُعَيْبٍ، حَدَّثَنا ابن نُمَيْرٍ - المَعْنَى - عَنْ عُبَيْدِ اللهِ عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ عَلَيْنَا السُّورَةَ - قَالَ ابن نُمَيْرٍ: فِي غَيْرِ الصَّلاةِ، ثُمَّ اتَّفَقَا - فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ مَعَهُ حَتَّى لا يَجِدُ أَحَدُنَا مَكَانًا لِمَوْضِعِ جَبْهَتِهِ (¬2). 1413 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ الفُراتِ أَبُو مَسْعُودٍ الرَّازِيُّ، أَخْبَرَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قَالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ عَلَيْنَا القُرْآنَ فَإِذَا مَرَّ بِالسَّجْدَةِ كَبَّرَ وَسَجَدَ وَسَجَدْنَا. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: وَكَانَ الثَّوْرِيُّ يُعْجِبُهُ هذا الحَدِيث. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: يُعْجِبُهُ لأَنَّهُ كَبَّرَ (¬3). * * * باب في الرجل يسمع السجدة وهو راكب [1411] (حدثنا (¬4) محمد بن عثمان الدمشقي) بكسر الدال وفتح ¬

_ (¬1) رواه الحاكم 1/ 219، والبيهقي 2/ 352. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (252). (¬2) رواه البخاري (1075، 1076، 1079)، ومسلم (575). (¬3) رواه أحمد 2/ 157، والبيهقي 2/ 352. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (235). (¬4) سقطت من الأصول الخطية، وأثبتها من مطبوع "السنن".

الميم الكفرسوسي (أبو الجماهر) بفتح الجيم والميم يكنى أبا عبد الرحمن، قال عثمان بن سعيد الدارمي: هو أوثق من أدركنا بدمشق، رأيت أهل دمشق مجتمعين على صلاحه (¬1). وقال أبو إسماعيل الترمذي: كان من خيار الناس (¬2). قال أبو حاتم الرازي: ما رأيت أفصح من أبي الجماهر (¬3) (ثنا عبد العزيز بن محمد) الدراوردي. (عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير) بن العوام، قال ابن معين: ثقة (¬4). ووثقه الدارقطني (¬5) وغيره (عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله قرأ عام الفتح) لعله فتح مكة (سجدة) أي: آية فيها سجدة تشبه سجدة النجم، لما روى الطبراني في "الكبير" عن ابن عمر أيضًا أن النبي قرأ {وَالنَّجْمِ} بمكة فسجد وسجد الناس معه حتى إن الرجل ليرفع إلى جبينه شيئًا من الأرض فيسجد عليه حتى يسجد على الرحل (¬6). فقوله: (يسجد على الرحل) يدل على أنه كان في مسير. (فسجد الناس كلهم) معه، فيه دليل على أن القارئ إذا قرأ آية السجدة وسجد تأكد السجود للمستمع، بخلاف ما إذا لم يسجد القارئ فإنه لا ¬

_ (¬1) انظر "سير أعلام النبلاء" 10/ 448. (¬2) "تهذيب الكمال" 26/ 100. (¬3) "الجرح والتعديل" 8/ ترجمة 110. (¬4) كذا في (ر)، وهو خلاف ما في "تاريخ ابن معين" رواية الدارمي (774) حيث قال فيه: ضعيف. (¬5) قال الدارقطني كما في "تهذيب التهذيب" لابن حجر (304): ليس بالقوي. (¬6) "المعجم الكبير" (13358).

يستحب السجود للمستمع على وجه (منهم الراكب) على الدابة فيسجد على ظهرها ولو على الرحل، واستدل به ابن قدامة على أن من قرأ السجدة على الراحلة في السفر يومئ بالسجود حيث كان وجهه، وإن كان ماشيًا سجد على الأرض (¬1) (و) منهم (الساجد في الأرض) أي: على وجه الأرض، ففي بمعنى على كقوله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} (¬2) أي: على جذوع النخل (حتى إن) بكسر الهمزة (الراكب ليسجد على يده) قد يحتج به من يجوز سجود المصلي على يده وكمه وذيله. قال النووي: مذهبنا ألا يصح سجوده على شيء من ذلك، وقال مالك وأبو حنيفة والأوزاعي وأحمد في الرواية الأخرى: يصح، قال صاحب "التهذيب": وبه قال أكثر العلماء. كذا حكاه النووي (¬3). وقال ابن قدامة في "المغني": وإن سجد على يديه لم يصح رواية واحدة؛ لأنه سجد على عضو من أعضاء السجود فالسجود عليه يؤدي إلى تداخل السجود. قال القاضي في "الجامع": لم أجد عن أحمد نصًّا في هذِه المسألة، ويجوز أن تكون مبنية على غير الجبهة، هل هو واجب؟ على روايتين: إن قلنا: لا يجب. جاز كما لو سجد على العمامة وإن قلنا يجب لم يجز لئلا يتداخل محل السجود بعضه على بعض (¬4). وعلى تقدير صحة هذِه الرواية ¬

_ (¬1) "المغني" 2/ 370. (¬2) طه: 71. (¬3) "المجموع" 3/ 425 - 426. (¬4) "المغني" 2/ 198 - 199.

فيمكن أن تحمل هذِه الرواية على أنه سجد على يده مع شيء من جبهته على الأرض فإنه يصح عندنا، ويحتمل أنه يكون سجد على يده وهي في كمه، ويحتمل غير ذلك. [1412] (ثنا أحمد بن حنبل، ثنا يحيى بن سعيد) القطان الأنصاري. (وثنا أحمد بن) عبد الله (أبي شعيب) (¬1) الحراني (ثنا) عبد الله (بن نمير) الهمداني (المعنى، عن عبيد الله) يقال له: العمري. (عن نافع، عن ابن عمر قال: كان رسول الله يقرأ علينا السورة، قال) عبد الله (بن نمير: في غير الصلاة) وكذا رواية مسلم: حتى ما يجد أحدنا مكانًا (¬2) يسجد به في غير صلاته (¬3)، وهي رواية في غير وقت صلاة. (ثم اتفقا) يعني: ابن نمير ويحيى القطان (فيسجد) هو (ونسجد معه حتى لا يجد) بالنصب بحتى (أحدنا) أي: بعضنا، أو ليس المراد به بعض [بل] كل أحد منا لا واحدًا معينًا (مكانًا لموضع جبهته) قال ابن بطال: فيه الحرص على فعل الخيرات والتسابق إليه، وفيه لزوم متابعة أفعال النبي على كمالها، ويحتمل أن يكونوا سجدوا عند ارتفاع الناس وباشروا الأرض بجبهتهم، ويحتمل أن يكونوا سجدوا من الإيماء بالسجود (¬4). [1413] (ثنا أحمد بن الفرات أبو مسعود الرازي) الحافظ (أنبأنا عبد الرزاق، أنا عبد الله بن عمر) بن حفص بن عاصم بن عمر بن ¬

_ (¬1) في (ر): مصعب. (¬2) سقطت من (ر). وأثبتها من "صحيح مسلم". (¬3) "صحيح مسلم" (575) (104). (¬4) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 3/ 60.

الخطاب، قال أبو حاتم: رأيت أحمد [بن صالح] (¬1) يحسن الثناء عليه (¬2). وقال ابن عدي: لا بأس به صدوق (¬3). أخرج له مسلم مقرونًا [بأخيه عبيد الله بن عمر] (¬4). (عن نافع، عن ابن عمر قال: كان رسول الله يقرأ علينا القرآن فإذا مر بسجدة) أي: بآية فيها سجدة (كبر وسجد) استدل به على أن من سجد للتلاوة فعليه التكبير للسجود وللرفع منه سواء كان في صلاة أو غيرها؛ لأنه سجود منفرد، ويشرع التكبير في ابتدائه والرفع لسجود السهو بعد السلام، فظاهر الحديث أنه لا يشرع في السجود أكثر من تكبيرة. وقال الشافعي: إذا سجد خارج الصلاة كبر واحدة للافتتاح وأخرى للسجود؛ لأنه صلاة فيكبر للافتتاح غير تكبيرة السجود كما لو صلى ركعتين (¬5). (وسجدنا) معه، فيه تأكد سجود المستمع بسجود القارئ كما تقدم. (قال عبد الرزاق) بن همام (كان) سفيان (الثوري يعجبه هذا الحديث. قال) المصنف (لأنه كبر) فيه للسجود. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل. (¬2) "الجرح والتعديل" 5/ 110. (¬3) "الكامل في الضعفاء" 5/ 237. (¬4) تحرفت في (ر) إلى: ما صد عبد الله بن شمر. وما أثبتناه كما في "صحيح مسلم" (2132). (¬5) "الشرح الكبير" 2/ 108.

7 - باب ما يقول إذا سجد

7 - باب ما يَقُولُ إِذَا سَجَدَ 1414 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الحَذَّاءُ، عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي العالِيَةِ عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ فِي سُجُودِ القُرْآنِ بِاللَّيْلِ يَقُول فِي السَّجْدَةِ مِرارًا: "سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ" (¬1). * * * باب ما يقول إذا سجد [1414] (ثنا مسدد، عن إسماعيل) ابن علية (ثنا خالد الحذاء، عن رجل، عن أبي العالية) رفيع (عن عائشة) ولا يضر هذا المجهول. فإن الترمذي (¬2) والنسائي (¬3) روياه عن خالد الحذاء، عن أبي العالية، عن عائشة بدون ذكر الرجل. (قالت: كان رسول الله يقول في سجود القرآن) إذا قرأ آية داخل الصلاة وخارجها (بالليل يقول في السجدة) الواحدة (مرارًا) ثلاثة أو خمسًا أو سبعًا (سجد وجهي للذي خلقه) زاد الفقهاء هنا: وصوَّره. في الحديث؛ ولهذا لم يذكرها النووي في "تحقيقه" وذكرها في "الروضة" و"المنهاج" تبعًا لأصلهما، وفي البيهقي (¬4): وصوَّره (وشق سمعه ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (580، 3425)، وأحمد 6/ 30، 217. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1273). (¬2) "سنن الترمذي" (580). (¬3) "سنن النسائي" 2/ 222. (¬4) "سنن البيهقي الكبرى" 2/ 109.

وبصره) فيه دليل لمذهب الزهري أن الأذنين اللتين هما آلة السمع من الوجه يغسلان مع الوجه؛ لأنه - عليه السلام - أضاف السمع إلى الوجه، وقال جماعة من العلماء: من الرأس فيمسحان. وقال الشافعي والجمهور: هما مستقلان لا من الوجه ولا من الرأس يمسحان بماء مستقل (¬1). (بحوله وقوته) وفيه لغة: لا حيل ولا قوة إلا بالله، ومنه حديث الدعاء: يا ذا الحيل الشديد (¬2). قال في "النهاية": الحيل القوة (¬3). وعلى هذا يكون هنا بحوله وقوته من المترادف، وزاد الحاكم في آخره: "فتبارك الله أحسن الخالقين" (¬4). ¬

_ (¬1) "الأم" 1/ 80، "المجموع" 1/ 413. (¬2) أورده ابن الأثير في "النهاية" مادة: حيل. (¬3) "النهاية في غريب الأثر" (حيل). (¬4) "مستدرك الحاكم" 1/ 220.

8 - باب فيمن يقرأ السجدة بعد الصبح

8 - باب فِيمَنْ يَقْرَأُ السَّجْدَةَ بَعْدَ الصُّبْحِ 1415 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ الصَّبّاحِ العَطَّارُ، حَدَّثَنا أَبُو بَحْرٍ، حَدَّثَنا ثَابِتُ بْنُ عُمَارَةَ، حَدَّثَنا أَبُو تَمِيمَةَ الهُجَيْمِيُّ قَالَ: لَمَّا بَعَثْنَا الرَّكْبَ -. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: يَعْنِي إِلَى المَدِينَةِ قَالَ: - كُنْتُ أَقُصُّ بَعْدَ صَلاةِ الصُّبْحِ فَأَسْجُدُ فَنَهَانِي ابن عُمَرَ فَلَمْ أَنْتَهِ ثَلاثَ مِرارٍ ثُمَّ عَادَ فَقَالَ: إِنِّي صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمانَ - رضي الله عنهم - فَلَمْ يَسْجُدُوا حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ (¬1). * * * باب فيمن يقرأ السجدة بعد الصبح [1415] (حدثنا عبد الله بن الصباح) بتشديد الباء الموحدة (العطار) البصري الزيدني، مولى بني هاشم. روى عنه الجماعة سوى ابن ماجه (ثنا أبو بحر) بفتح الموحدة وسكون الحاء المهملة، اسمه عبد الرحمن بن عثمان البكراوي من ولد أبي بكرة، يعني أنهم بعثوه إلى المدينة يسأل لهم عن القرآن، البصري، قال أبو حاتم: البكراوي نسبة غريبة وليس بالقوي (¬2) (ثنا ثابت بن عمارة) بضم العين، صدوق، البصري (حدثنا (¬3) أبو تميمة) بفتح المثناة فوق، اسمه طريف بن مجالد السلمي بفتح السين واللام نسبة لبني سلمة (الهجيمي) بنو الهجيم بضم الهاء وفتح الجيم بطن من بني تميم بالبصرة، محلة نزلها بنو الهجيم فنسبت ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 2/ 326 من طريق أبي داود. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (254). (¬2) "الجرح والتعديل" 5/ 265. (¬3) سقطت من (ر). وأثبتها من مطبوع "السنن".

إليهم، وفي الرواة جماعة ينسبون إلى المحلة وإلى القبيلة، وطريف بفتح الطاء، ومجالد بفتح الجيم، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬1)، التابعي (قال: لما بعثنا) بسكون المثلثة (الركب) أقمناها من مبركها، وكل شيء أثرته فقد بعثته، ومنه حديث عائشة: فبعثنا البعير فإذا العقد تحته (¬2). ومنه قوله: {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12)} (¬3) قيل: إن اسم الركب يختص بالإبل. (قال المصنف: يعني) أقمناها من مبركها (إلى) جهة (المدينة، قال: كنت أقص) القاص بتشديد المهملة هو الذي يعظ الناس ويقص عليهم أخبار الأمم الماضين، وقد كان فيما تقدم يفرد لها أقوام فيقال: ولي فلان القصص، وقولهم: إنما أنت قاص، أي: صاحب خبر تقصه ليس بقصة، وفي حديث القاص: "إن بني إسرائيل لما قصوا هلكوا" (¬4) أي؛ لما اتكلوا على القول وتركوا العمل كان سبب إهلاكهم (بعد صلاة الصبح فأسجد) أي: فربما أقرأ في الوعظ آية فيها سجدة فأسجد ¬

_ (¬1) "الثقات" 4/ 395. (¬2) أخرجه البخاري (334)، ومسلم (367) (108). (¬3) الشمس: 12. (¬4) رواه الطبراني 4/ 80 (3705) عن خباب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بلفظ: "إن بني إسرائيل لما هلكوا قصوا". وقال الهيثمي في "المجمع" 1/ 189: رجاله موثقون. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (2045). وذكره بلفظه الديلمي في "الفردوس" 1/ 231 وعزاه لخباب أيضًا. وأورده المناوي في "فيض القدير" (2255) وعزاه للطبراني والضياء المقدسي في "المختارة" وذكر أن الضياء حسنه وقال عبد الحق: وليس مما يحتج به.

فيها (فنهاني ابن عمر فلم أنته) عن فعل ذلك (ثلاث مرار) لما رآني لا أنتهي (ثم عاد) إلي (فقال: إني صليت خلف رسول الله ومع أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - فلم يسجدوا) بقراءة ما فيه سجدة (حتى تطلع الشمس) وترتفع. احتج بهذا الحديث وبما رواه الأثرم عن عبيد الله بن مقسم أن قاصًا كان يقرأ السجدة بعد العصر ويسجد فيها فنهاه ابن عمر فلم ينته فحصبه ابن عمر، وقال: إنهم لا يعقلون (¬1) على أن من قرأ آية فيها سجدة في الأوقات التي تكره الصلاة فيها لا يسجد للتلاوة في وقت الكراهة. قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسال عمن قرأ سجود القرآن بعد الفجر وبعد العصر أيسجد؟ قال: لا. وبهذا قال أبو ثور، وروي عن ابن عمر وسعيد بن المسيب وإسحاق، وكره مالك قراءة آية السجدة في أوقات النهي، وقال الشافعي: يسجد؛ لأنها صلاة لها سبب فجازت في وقت النهي كقضاء السنن الرواتب. وروي ذلك عن الحسن والشعبي وسالم والقاسم وعطاء وعكرمة وغيرهم (¬2). ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة 3/ 412 (4369) بلفظ: بعد الفجر. (¬2) انظر: "المغني" 2/ 363 - 364، "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 6/ 238.

[كتاب الوتر]

[كِتَابُ الوِّتْر]

1 - باب استحباب الوتر

تفريع أبواب الوتر 1 - باب اسْتِحْبابِ الوِتْرِ 1416 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنا عِيسَى، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ أَبِي إِسْحاقَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يا أَهْلَ القُرْآنِ أَوْتِرُوا فَإِنَّ اللهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الوِتْرَ" (¬1). 1417 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا أَبُو حَفْصٍ الأَبَّارُ، عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَعْناهُ، زادَ: فَقَالَ أَعْرابِيٌّ: ما تَقُولُ؟ فَقَالَ: "لَيْسَ لَكَ وَلا لأَصْحَابِكَ" (¬2). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (453)، والنسائي 3/ 228، وابن ماجه (1169)، وأحمد 1/ 110. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1274). (¬2) رواه ابن ماجه (1170). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1275).

1418 - حَدَّثَنا أَبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسِيُّ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ - المَعْنَى - قالا: حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ راشِدٍ الزَّوْفِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُرَّةَ الزَّوْفِيِّ، عَنْ خارِجَةَ بْنِ حُذافَةَ - قَالَ أَبُو الوَلِيدِ العَدَوِيُّ - قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "إِنَّ اللهَ - عز وجل - قَدْ أَمَدَّكُمْ بِصَلَاةٍ وَهِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ وَهِيَ الوِتْرُ فَجَعَلَها لَكُمْ فِيما بَيْنَ العِشاءِ إِلَى طُلُوعِ الفَجْرِ" (¬1). * * * باب تفريع أبواب الوتر واستحباب الوتر [1416] (ثنا إبراهيم بن موسى) الرازي الفراء الحافظ (ثنا عيسى) بن يونس (عن زكريا) بن [أبي زائدة] (¬2). (عن أبي إسحاق) السبيعي (عن عاصم) بن ضمرة السلولي الكوفي، وقال ابن المديني وغيره: ثقة (¬3). (عن علي قال: قال رسول الله] (¬4): يا أهل القرآن) قوله: (أوتروا) قد يستدل به أبو حنيفة (¬5) وغيره على أن الوتر واجب لكونه مأمورًا (¬6) به (¬7)، لكن سيأتي بعده ما يرده، وخص الأمر بالوتر بأهل القرآن مع أن كل أحد مأمور به [يدل على أن الوتر ليس بواجب، ولو كان واجبًا لكان عامًّا، وأهل القرآن في عرف الناس هم القراء الحفاظ دون العوام] (¬8)؛ أن ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (452)، وابن ماجه (1168)، والدارمي (1617). وقال الألباني في "الإرواء" (423): صحيح دون قوله: "هي خير لكم من حمر النعم". (¬2) في (ر): إسحاق المكي. وما أثبتناه هو الصواب. (¬3) انظر: "الجرح والتعديل" 6/ 345. (¬4) هنا ينتهي السقط من (م) المشار إليه آنفًا. (¬5) انظر: "المبسوط" 1/ 309. (¬6) في النسخ الخطية: مأمور. والجادة ما أثبتناه. (¬7) سقط من (ر). (¬8) ساقط من (م).

أهل القرآن هم أحق به من غيرهم، وأولى بالاعتناء به إذا قاموا بالقرآن في قيام الليل أن يجعلوه آخر صلاتهم كما في الحديث: "اجعلوا آخر صلاتكم وترًا" (¬1) (¬2). (فإن الله وتر) فإن الباري تبارك وتعالى واحد في ذاته لا يقبل الانقسام ولا التجزئة، واحد في صفاته وفي بعضها، ولكن لا شبيه له ولا مثل، واحد في أفعاله لا شريك له ولا معين ولا فاعل معه. (يحب الوتر) معناه [أنه سبحانه] (¬3) فضل الوتر في العدد (¬4) على الشفع وفي أسمائه ليكون [أدل على معنى الوحدانية] (¬5)، [وقيل: يحتمل أن يكون معناه منصرفًا إلى صفة من يعبد الله تعالى بالوحدانية] (¬6) والتفرد على سبيل الإخلاص لا يشرك بعبادة ربه (¬7) أحدًا، ويحتمل أن يكون معناه أنه يأمر بالوتر ويفضل إعمال (¬8) الوتر في الأعمال وفي (¬9) كثير من الطاعات كالصلاة (¬10) وأعداد الطهارات وأكفان الميت وخلق كثير من المخلوقات على عدد الوتر من السماوات والأرض وغيرهما كسِرٍّ (¬11) من أسرار غيبه في ذلك (¬12). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (472)، ومسلم (751) (150). (¬2) زاد في (ر): قوله: يجب الوتر ذكرت أوله قال: الوتر ليس بحتم كصلاتكم المكتوبة. ولكن سن رسول الله. (¬3) سقط من (ر). (¬4) في (م): المقدر. (¬5) في (م): أول. . . في صفاته. (¬6) سقط في (ر). (¬7) و (¬8) سقط من (ر). (¬9) سقط من (ر). (¬10) في (ر): الصلوات. (¬11) سقط من (ر). (¬12) من قوله: (يحب الوتر) إلى هنا جاءت هذِه الفقرة قبل قوله: (يا أهل القرآن).

[1417] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا أبو (¬1) حفه) عمر بن عبد الرحمن (الأبار) بفتح الهمزة وتشديد الباء الموحدة نسبة إلى عمل الإبر جمع إبرة وهي التي يخاط بها الثياب، قال أحمد: ما به بأس (¬2). (عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة) عامر (¬3) وهو ابن عبد الله بن مسعود. [(عن) أبيه (عبد الله) بن مسعود - رضي الله عنهما -] (¬4) لكن عامر لم يسمع من أبيه فهو منقطع (عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمعناه) و (زاد) فيه (فقال أعرابي) ليس من حفاظ القرآن (ما تقول) يا ابن (¬5) مسعود [(قال: ليس) هذا الخطاب (لك ولا لأصحابك) الذين لا يقرؤون القرآن ولا يحفظونه، إنما هو مخصوص بأهل القرآن، وهذا مما يدل على أن الوتر] (¬6) ليس بواجب كما تقدم، إذ لو كان واجبًا لكان الخطاب عامًّا كما أن النكاح ليس بواجب؛ لأن الخطاب فيه للشباب (¬7) في قوله: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج" (¬8). ولو كان واجبًا على المستطيع لكان الخطاب عامًّا كما في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (¬9)، وينبغي أن يعد هذا من ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) انظر: "تاريخ بغداد" 11/ 192. (¬3) من (ر). (¬4) سقط من (ر). (¬5) في (م): لابن. (¬6) في (م): ما تقول بأهل القرآن. (¬7) في (م): جاء من الشباب. (¬8) سيأتي تخريجه في باب التحريض على النكاح. (¬9) آل عمران: 97.

القرائن التي صرفت الأمر من الوجوب إلى الندب وهي كثيرة، وقد (¬1) جمعت من هذِه القرائن عدة كثيرة لكن شغلت بغيرها. ومما يدل على أن الوتر [غير واجب ما رواه الترمذي، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي قال: الوتر] (¬2) ليس بحتم كصلاتكم المكتوبة، ولكن سن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله وتر يحب الوتر فأوتروا (¬3) يا أهل القرآن" (¬4). [1418] (حدثنا [أبو الوليد) هشام بن عبد الملك] (¬5) [(الطيالسي) نسبةً إلى الطيالسة التي تجعل على العمائم أصله من فارس، سكن البصرة. (وقتيبة بن سعيد المعنى قالا: حدثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب] (¬6)، عن عبد الله بن راشد) الحميري [أبو الضحاك] (¬7) المصري، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬8)، وهو (الزوفي) بفتح الزاي وسكون الواو بعدها فاء، وهذِه النسبة إلى زوف [قبيلة من حمير] (¬9) بطن من مراد بن عامر، وفي حضرموت زوف بن حسان بن الأسود ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) من (ر). (¬3) سقط من النسخ الخطية، وأثبتناها من "سنن الترمذي". (¬4) أخرجه الترمذي (453)، والنسائي في "المجتبى" 3/ 229، وابن ماجه (1169)، وأحمد 1/ 86 من طريق أبي إسحاق به. وقال الترمذي: حديث حسن. وقال الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (592). (¬5) في (م): أبو داود سليمان بن داود بن الجارود. (¬6) من (م). (¬7) في (م): الصحابي. (¬8) "الثقات" 7/ 35. (¬9) من (ر).

[قال البخاري: لا يعرف سماع الزوفي من عبد الله بن أبي مرّة، وليس له غير هذا الحديث] (¬1). (عن عبد الله بن أبي مرة) وقيل: ابن مرة (الزوفي) بالزاي والفاء كما تقدم، المرادي (¬2)، شهد فتح مصر واختط بها، قال ابن حبان: إسناده منقطع. وقال الترمذي (عن خارجة بن حذافة قال أبو الوليد) الطيالسي في روايته هو هو (العدوي) قال الترمذي: حديث خارجة بن حذافة غريب لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن أبي حبيب، وقد وهم بعض المحدثين في هذا الحديث فقال: عبد الله بن راشد الروفي (¬3)، وهو وهم، انتهى. وخارجة بن حذافة من كبار الصحابة، كان أحد فرسان قريش، يقال أنه كان يعدل بألف فارس، وذكر بعض أهل النسب أن عمرو بن العاص كتب إلى عمر بن الخطاب يستمده بثلاثة آلاف فارس، فأمده بخارجة بن حذافة والزبير بن العوام والمقداد بن الأسود، وولي خارجة القضاء بمصر لعمرو بن العاص. (قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إن الله تعالى قد أمدكم) بتشديد الدال أي: زادكم كما في رواية البيهقي (¬4) وغيره (بصلاة) (¬5) قال يونس بن حبيب: مد (¬6) في الشر وأمد في ¬

_ (¬1) سقط من (م)، وانظر: "التاريخ الكبير" 5/ 88 (241). (¬2) من (ر). (¬3) في (ر): الزرقي. (¬4) "السنن الكبرى" 2/ 477. (¬5) بياض في (ر). (¬6) في (م): هذا.

الخير، قال الله تعالى: {وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} (¬1)، وقال تعالى: {وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (22)} (¬2)، وقال الأخفش (¬3): أمددته [إذا أعطيته] (¬4). وعن الفراء واللحياني: مددت بأموال (¬5) فيما كانت زيادته من مثله (¬6). فقال: مد (¬7) النهر وفي التنزيل {وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} (¬8)، وأمددت فيما كانت زيادته (¬9) من غيره (¬10) قال تعالى: {يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ} (¬11)، والملائكة من غير الإنس، وفي هذا حجة للشافعي أن أمدكم بالألف؛ لأنه من غيره إذ الوتر نافلة والأصل الفرائض الخمس المكتوبات (¬12)، وفي رواية ابن ماجه (¬13) والبيهقي (¬14): "إن الله قد أمركم بصلاة" (¬15) بتخفيف الراء من الأمر. (وهي (¬16) خير لكم) قال بعضهم: قوله: "هي (¬17) خير لكم" يدل على (¬18) أن الوتر غير (¬19) واجبة؛ لأنه قال: "لكم" ولو كانت واجبة ¬

_ (¬1) الإسراء: 6. (¬2) الطور: 22. (¬3) بياض في (ر). (¬4) في (م): أي: أعظمته. (¬5) من (ر). (¬6) في (ر): قبله. (¬7) في (ر): من. (¬8) لقمان: 27. (¬9) في (ر): الزيادة. (¬10) انظر "لسان العرب" (مدد). (¬11) آل عمران: 125. (¬12) "المجموع" 4/ 19 بمعناه. (¬13) "سنن ابن ماجه" (1168). (¬14) "سنن البيهقي الكبرى" 2/ 469. (¬15) سقط من (ر). (¬16) في (م): وهو. (¬17) في (م): هو. (¬18) سقط من (م). (¬19) في (م): ليس.

لخرج الكلام مخرج الوجوب والإلزام بقوله: عليكم. ونحوه [وقد روي فيه: "قد زادكم صلاة". ومعنى الزيادة في النوافل وذلك أن نوافل الصلوات شفع لا وتر فيها، فقيل: أمدكم وزادكم صلاة تكرير تصلونها، قيل: على تلك الهيئة وهي الوتر] (¬1). (من حمر) بسكون الميم جمع أحمر (¬2) بخلاف المضموم الميم، فإنه جمع حمار، وحمر (النعم) وهي الإبل كرائمها وأنفسها عند العرب؛ إذ أنفس أموالها الإبل، وأنفس الإبل الحمر، وكثر استعمال حمر النعم حتى صارت تضرب مثلًا لكل شيء نفيس، وقد كثر وروده في الحديث (وهي) صلاة (الوتر) وقرأ حمزة والكسائي في قوله تعالى: {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3)} (¬3) بكسر الواو وهي لغة الحجاز وتميم، وقرأ الباقون بالفتح وهي لغة غيرهم (¬4). (فجعلها فيما بين صلاة (¬5) العشاء إلى طلوع الفجر) هكذا تقديره بين صلاة العشاء وقد بين ذلك في رواية الترمذي وأحمد (¬6) بلفظ: "الوتر (¬7) جعله الله لكم بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر"، وروي عن ابن مسعود أنه قال: الوتر ما بين الصلاتين (¬8). وهذا بيان لوقت الوتر وهو ما بين صلاة العشاء وطلوع الفجر الثاني، فلو أوتر قبل صلاة العشاء لم يصح ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) في (م): الحمر. (¬3) الفجر: 3. (¬4) انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص 683. (¬5) من (ر). (¬6) سقط من (م). (¬7) سقط من (ر). (¬8) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (4604).

وتره، ويؤخذ من الحديث أنه لو جمع المسافر تقديمًا أوتر عقب صلاة العشاء وإن لم [يدخل وقت العشاء، وأما غير الجمع، فلو أوتر قبل العشاء لم] (¬1) يصح وتره، وقال الثوري وأبو حنيفة: إن صلى قبل العشاء ناسيًا لم يعد، وخالفه صاحباه فقالا: يعيد (¬2)، وكذلك قال مالك (¬3) والشافعي (¬4) لرواية الترمذي وغيره. ووقع في تعليق القاضي أبي (¬5) الطيب وفي "المقنع" للمحاملي: أن وقته المختار إلى نصف الليل أو ثلثه كالفرض والباقي (¬6) وقت جواز، وهذا منافٍ لقولهم: يسن (¬7) جعله آخر الليل. كما في الحديث، وقد علم أن التهجد في النصف الثاني أفضل [من الأول] (¬8) فكيف يكون تأخيره مستحبًّا، فيكون وقته المختار إلى النصف؟ قال شيخنا الشيخ (¬9) سراج الدين البلقيني: الأقرب حمل ذلك على من (¬10) لا يريد التهجد، وقيل: إن في هذا الحديث دليلًا (¬11) على أن الوتر لا يقضى بعد طلوع الفجر. ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) "المبسوط" 1/ 302. (¬3) "المدونة" 1/ 213. (¬4) "الحاوي الكبير" 2/ 287. (¬5) في الأصول: أبو. والجادة ما أثبتناه. (¬6) في (ر): الثاني. (¬7) زاد قبلها في (م): أن. (¬8) من (ر). (¬9) من (ر). (¬10) في (م): أمر. والمثبت من (ر). (¬11) في الأصول: دليل. والجادة ما أثبتناه.

2 - باب فيمن لم يوتر

2 - باب فِيمَنْ لَمْ يُوتِرْ 1419 - حَدَّثَنا ابن المُثَنَّى، حَدَّثَنا أَبُو إِسْحاقَ الطّالقانِيُّ، حَدَّثَنا الفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ العَتَكِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الوِتْرُ حَقٌّ فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا الوِتْرُ حَقٌّ فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنّا، الوِتْرُ حَقٌّ فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا" (¬1). 1420 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ ابن مُحَيْرِيزٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي كِنانَةَ يُدْعَى المُخْدَجِيُّ سَمِعَ رَجُلًا بِالشَّامِ يُدْعَى أَبا مُحَمَّدٍ يَقُولُ: إِنَّ الوِتْرَ واجِبٌ. قَالَ المُخْدَجِيُّ: فَرُحْتُ إِلَى عُبادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ عُبَادَةُ: كَذَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "خَمْسُ صَلَواتٍ كَتَبَهُنَّ اللهُ عَلَى العِبادِ فَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفافًا بِحَقِّهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللهِ عَهْدٌ إِنْ شاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الجَنَّةَ" (¬2). * * * باب فيمن لم يوتر [1419] (حدثنا) محمد (ابن المثنى، حدثنا أبو إسحاق) إبراهيم بن إسحاق بن عيسى (الطالقاني) بفتح الطاء المهملة وسكون اللام وفتح (¬3) ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 357، والدولابي في "الكنى والأسماء" (1730)، والطحاوي في "شرح المشكل" 3/ 373 (1343)، والحاكم 1/ 305، 306. وضعفه الألباني في "الإرواء" (417). (¬2) سبق برقم (425). (¬3) من (ر).

القاف، وبعد الألف نون، كذا ضبطه ابن السمعاني فيما وجدته بسكون اللام، وقال: [نسبة إلى] (¬1) طالقان بخراسان بلدة بين مرو الروذ وبلخ مما يلي الجبل. قال: وطالقان أيضًا ولاية عند قزوين [يقال لها] (¬2): طالقان قزوين (¬3). (حدثنا الفضل بن موسى، عن عبيد الله بن (¬4) عبد الله العتكي، عن عبد الله (¬5) بن بريدة، عن أبيه) بريدة بن الحصيب - رضي الله عنه - (قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: الوتر حقٌّ) استدل به الحنفية (¬6) على أن الوتر واجبة، وأجاب الشافعي عنه بأنه لا حجة فيه؛ لأن السنة قد توصف بأنها حق على كل مسلم كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "حق على كل مسلم أن يغتسل [في كل] (¬7) سبعة أيام" (¬8). (¬9)، وبأن البيهقي قال: في سنده أبو المنيب عبيد الله بن عبد الله العتكي المروزي وهو لا يحتج به (¬10)، وتكلم فيه البخاري (¬11) ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) من (ر). (¬3) "الأنساب" للسمعاني 4/ 29. (¬4) في (م): عن. (¬5) في (ر): عبيد الله. (¬6) انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 271. (¬7) من (ر). (¬8) أخرجه البخاري (898)، ومسلم (849) من حديث أبي هريرة. (¬9) انظر: "المجموع" 4/ 19 بمعناه. (¬10) "السنن الكبرى" 2/ 469. (¬11) "الضعفاء الصغير" (220).

والنسائي (¬1) وغيرهما، وإن كان (¬2) ابن معين وثقه (¬3). (فمن لم يوتر فليس منا) أي: ليس على سيرتنا وليس على التمسك بسنتنا. و [الحق يستعمل في غير الواجب، والسنن الثابتة تدل على أنه لم يرد به ها هنا الوجوب. منها ما] (¬4) في "صحيح الحاكم" عن عبادة بن الصامت قال: الوتر حسن جميل عمل به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن بعده وليس بواجب (¬5). قال البيهقي: ورواته ثقات (¬6). وفي هذا الحديث تفسير لقوله في الحديث: "الوتر حق"، ومعنى حق: حسن جميل كما في رواية الحاكم، فبطل الاستدلال به. [1420] (حدثنا) عبد الله بن مسلمة (¬7) (القعنبي، عن مالك، عن يحيى بن سعيد) القطان (¬8). (عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة، ابن منقذ بن عمرو الأنصاري. ¬

_ (¬1) "الضعفاء والمتروكين" (349). (¬2) من (ر). (¬3) "تاريخ ابن معين" (457). (¬4) من (ر). (¬5) رواه البيهقي 2/ 467 عن الحاكم، ولم أقف عليه في "المستدرك" ورواه أيضًا ابن خزيمة في "صحيحه" (1068). (¬6) "مختصر خلافيات البيهقي" 2/ 8. (¬7) في (م): سلمة. (¬8) في (ر): الأنصاري.

(عن) عبد الله (ابن محيريز) (¬1) بن (¬2) جنادة بن وهب الجمحي (¬3) المكي ثم (¬4) الشامي نزيل بيت المقدس ([أن رجلًا من بني كنانة) اسمه رفيع] (¬5) الفلسطيني (يدعى المخدجي) (¬6) بضم الميم وسكون الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة، [وقد فتحها بعضهم وبعدها جيم] (¬7)، قيل: إن ذلك لقب له، [وقيل: هو نسب له] (¬8) ومخدج (¬9) بطن من كنانة [(سمع رجلًا بالشام يدعى أبا محمد) هو مسعود بن أوس بن زيد] (¬10) بن أصرم البدري من الأنصار من بني النجار، ولم يذكره ابن إسحاق في البدريين، [ويعد في الشاميين] (¬11) الصحابي [سمع رجلًا بالشام] (¬12) (يقول: إن الوتر واجب قال) رفيع (المخدجي (¬13): فرحت إلى عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - فأخبرته) بما قال أبو محمد (فقال عبادة) بن الصامت (كذب) [بفتح الذال. أي] (¬14) أخطأ فيما قاله أو نسي ووهم، ¬

_ (¬1) في (ر): ابن محمد. هو ابن عبد الله. (¬2) زاد في (م): أبي. (¬3) في (م): اللخمي. (¬4) من (ر). (¬5) بياض في (ر). (¬6) في (م): المدحجي. (¬7) بياض في (ر). (¬8) من (م). (¬9) في (م): ومذحج. (¬10) و (¬11) بياض في (ر). (¬12) من (ر). (¬13) في (م): المدحجي. (¬14) في (م): مع الداوودي.

وأخطأ في فتواه فإن هذِه فتوى عن اجتهاده، وقد (¬1) نزه الله تعالى الصحابة عن الكذب، وشهد لهم في محكم كتابه بالصدق والعدالة (¬2) فقال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ} (¬3) وسماه (¬4) كذبًا لأنه يشبهه في كونه ضد الصواب، كما أن الكذب ضد الحق، وهذا الرجل ليس بمخبر عن غيره وإنما قاله باجتهاد أداه إلى أن الوتر واجب، والاجتهاد لا يدخله الكذب، وإنما يدخله الخطأ، وجاء كذب بمعنى أخطأ في غير موضع. (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: خمس صلوات) خمس مرفوع؛ لأنه خبر مبتدأ محذوف تقديره الإسلام خمس صلوات (كتبهن الله على العباد) في رواية الصحيحين: "خمس صلوات في اليوم والليلة". فقال: هل علي (¬5) غيرهن قال: "لا" (¬6). قال القرطبي وغيره: فيه دليل على أن الوتر ليس بلازم ولا واجب، وهو مذهب الجمهور، وخالفهم أبو حنيفة، وقال: إنه واجب ولا يسميه فرضًا؛ لأن الفرض عنده ما كان مقطوعًا بلزومه كالصلوات الخمس (¬7). ولهذا فهم عبادة بن الصامت من قوله: (خمس صلوات) أن الوتر ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) من (ر). (¬3) الحديد: 19. (¬4) في (م): وشهادته. (¬5) من (ر). (¬6) أخرجه البخاري (46)، ومسلم (11) من حديث طلحة بن عبيد الله. (¬7) "المفهم" 2/ 377.

ليس بواجب، وخطَّأ أبا محمد ونسبه إلى الكذب عملًا بمفهوم الخمس، وفيه حجة قوية لمن يقول بمفهوم العدد المخصوص، ونقله أبو [حامد و] (¬1) الماوردي عن نص الشافعي ومثله بقوله تعالى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} (¬2)، وبقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "في أربعين شاةً شاة" (¬3). (فمن جاء بهن) أي: بهذِه [الصلوات الخمس] (¬4) (لم يضيع منهن) أي: من وضوئهن ووقتهن وركوعهن وسجودهن وخشوعهن (شيئًا استخفافًا) بالخاء المعجمة والفاءين المخففتين (بحقهن) أي: لم يضيع من حقوقهن شيئًا لأجل استخفافه واستهانته بحرمتهن، يقال: (¬5) استخف فلان بالأمر: استهان به (كان له على الله عهد أن يدخله الجنة) أي: كان له (¬6) على كرم الله وأفضاله عهد وثيق أن يدخله الجنة كرمًا منه وفضلًا. ورواية "الموطأ" هكذا إلا أنه قال فيه: قال المخدجي (¬7): فرحت إلى عبادة بن الصامت فاعترضته وهو رائح إلى المسجد، وقال هنا: "كان له (¬8) عند الله عهد أن يدخله الجنة" (¬9). (ومن لم يأت بهن) وضيَّعهن استخفافًا بحقهن (فليس له عند الله عهد) ¬

_ (¬1) في (ر): محمد. (¬2) النور: 4. (¬3) سيأتي تخريجه في باب زكاة السائمة. (¬4) في (ر): الخمس صلوات. (¬5) زاد في (م) فلان. (¬6) من (ر). (¬7) في (م): المدخجي. (¬8) من (ر). (¬9) "الموطأ" (268).

بل أمره إلى مشيئة الله تعالى (إن شاء عذبه وإن شاء [أدخله الجنة) هكذا رواية مالك في "الموطأ"، ورواية النسائي أول كتاب الصلاة وبوب عليه باب المحافظة على الصلوات الخمس، وفيه دليل على أن الكبائر العظام كترك الصلوات الخمس لا يكفر بذلك صاحبها لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (¬1). قال محمد بن جرير الطبري: قد أبانت هذِه الأدلة أن كل صاحب كبيرة ففي مشيئة الله تعالى إن شاء عذبه وإن شاء] (¬2) غفر له بشفاعة أو تكرمًا منه - سبحانه وتعالى - (¬3). ¬

_ (¬1) النساء: 48. (¬2) سقط من (ر). (¬3) "تفسير الطبري" 8/ 450.

3 - باب كم الوتر

3 - باب كَمِ الوِتْرُ 1421 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ البادِيَةِ سَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَن صَلاةِ اللَّيْلِ فَقَالَ بِأُصْبُعَيْهِ هَكَذا مَثْنَى مَثْنَى والوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ (¬1). 1422 - حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ المُبارَكِ حَدَّثَنِي قُرَيْشُ بْنُ حَيَّانَ العِجْلِيُّ، حَدَّثَنا بَكْرُ بْنُ وائِلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الوِتْرُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوْتِرَ بِخَمْسٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوْتِرَ بِثَلاثٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوْتِرَ بِواحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ" (¬2). * * * باب كم الوتر [1421] (حدثنا محمد بن كثير) العبدي (أنا همام، عن قتادة، عن عبد الله بن شقيق) العقيلي (¬3) البصري، أخرج له مسلم والأربعة [(عن) عبد الله (ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلًا من أهل البادية) و] (¬4) في "صحيح مسلم" عن ابن عمر أن رجلًا نادى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في المسجد فقال: يا رسول الله كيف أوتر (¬5). (سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: عن صلاة الليل فقال بإصبعيه) ¬

_ (¬1) رواه مسلم (749). (¬2) رواه النسائي 3/ 238، وابن ماجه (1190)، وأحمد 5/ 418. وصححه الألباني في "صلاة التراويح" (ص 97، 99). (¬3) من (ر). (¬4) سقط من (ر). (¬5) "صحيح مسلم" (749) (156).

الاثنتين، لعلهما السبابة والوسطى. كذا أشار بالاثنتين إلى أنها (مثنى مثنى) وتقدم في الحديث أن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، أي: يسلم من كل ثنتين [(والوتر ركعة من آخر الليل) رواية مسلم: "من صلى فليصل مثنى مثنى] (¬1) فإذا خشي (¬2) أن يصبح سجد سجدة فأوترت له ما صلى". وهذِه الرواية توضح معنى الحديث [أن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى] (¬3). [1422] (حدثنا عبد الرحمن بن المبارك) العيشي بالمثناة والشين المعجمة [البصري، شيخ البخاري] (¬4). (حدثنا قريش بن حيان) بفتح الحاء المهملة وتشديد المثناة تحت، أبو بكر (العجلي) بكسر العين وسكون الجيم [نسبةً إلى عجل بن نجيم] (¬5) بن صعب (¬6) نسب إليه عالم كثير، وكان قريش بن حيان من بني [بكر بن] (¬7) وائل البصري، [روى عنه البخاري] (¬8) في الجنائز. (ثنا بكر بن وائل، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي أيوب) خالد بن زيد (الأنصاري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) في (ر): أحس. (¬3) سقط من (ر). (¬4) بياض في (ر). (¬5) بياض في (ر). (¬6) في (م): مصعب. (¬7) في (ر): كريب. (¬8) بياض في (ر).

وآله وسلم: الوتر حق على كل مسلم) احتج به الحنفية على وجوب الوتر (¬1) وقد تقدم الجواب عنه أن الحق على كل مسلم مستعمل في المسنون كما في رواية أحمد: "على كل مسلم الغسل يوم الجمعة" (¬2) وقد قال البيهقي: الأصح وقفه على أبي أيوب (¬3)، وأعلَّه ابن الجوزي، ورواه ابن المنذر (¬4) فيما حكاه مجد الدين ابن تيمية (¬5): "الوتر حق وليس بواجب"، وتقدم أن في "صحيح الحاكم" عن عبادة بن الصامت قال: الوتر حسن جميل، عمل به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، [ومن بعده] (¬6) وليس بواجب، وقال البيهقي: رواته ثقات (¬7). (فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل) ومن أوتر بخمس فله أن يصلي الخمس موصولة بتشهد واحد في الأخيرة لا غير؛ للحديث المتقدم أنه كان يوتر بخمس لا يجلس إلا في أخراهن، وله [أن] يسلم من كل ثنتين وهو الأفضل لحديث: "مثنى". (ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل) وإذا أوتر بثلاث فله الفصل والوصل والفصل (¬8) أفضل؛ لرواية ابن حبان في "صحيحه" عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يفصل بين الشفع والوتر (¬9). ¬

_ (¬1) "بدائع الصنائع" 1/ 271. (¬2) "مسند أحمد" 5/ 363. (¬3) انظر: "سنن البيهقي" 3/ 24، و"مختصر الخلافيات" 2/ 12. (¬4) "الأوسط" لابن المنذر 5/ 185. (¬5) "المنتقى" 1/ 528. (¬6) في (م): وتقدم. (¬7) "مختصر الخلافيات" 2/ 8. (¬8) من (ر). (¬9) "صحيح ابن حبان" (2433).

بل يكره الوصل على ما جزم به المصنف (¬1)؛ لأن أحاديث الفصل أكثر كما في "شرح المهذب"؛ ولأنه أكثر عملًا، أو يزيد بالسلام ثم بالتكبير والنية وغيرها، وقيل: الوصل أفضل خروجًا من خلاف أبي حنيفة، فإنه لا يصحح المفصول (¬2). قال السبكي: الوصل في الثلاث مكروه؛ لأن الدارقطني روى بإسناد رجاله (¬3) ثقات: "لا تشبهوا بصلاة المغرب" (¬4). قال الرافعي: وفي وجه الاقتصار على تشهد واحد أولى، فرقًا بين صلاة (¬5) المغرب والوتر (¬6). (ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل) وقيل: شرط الإتيان بركعة سبق نفل بعد العشاء سواء كان راتبة العشاء أو غيره من النوافل المطلقة ليوتر ما تقدمه، وإطلاق هذا الحديث وغيره من الأحاديث وفعل عثمان يرد هذا الشرط، وأطنب الشافعي في "الأم" في الرد على قائله (¬7)، قال الأذرعي: والظاهر اعتبار كون النفل السابق أداء، فلو قضى راتبة أو غيرها من الفرائض [بعد العشاء] (¬8) فكما تقدم فيما يظهر، قال: ولم أره منقولًا. ¬

_ (¬1) في (م): في اللطيف. (¬2) في (ر): الموصول. (¬3) في (م): رجال له. (¬4) "سنن الدارقطني" 2/ 24. (¬5) سقط من (ر). (¬6) "الشرح الكبير" 2/ 121. (¬7) انظر: "الأم" 1/ 259. (¬8) سقط من (ر).

4 - باب ما يقرأ في الوتر

4 - باب ما يُقْرَأُ فِي الوِتْرِ 1423 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا أَبُو حَفْصٍ الأَبَّارُ ح، وحَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَنَسٍ - وهذا لَفْظُهُ - عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ طَلْحَةَ وَزُبَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُبَي بْنِ كَعْبٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُوتِرُ بِـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} وَ {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} والله الوَاحِدُ الصَّمَدُ (¬1). 1424 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنا خُصَيْفٌ عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ المُؤْمِنِينَ بِأي شَيء كَانَ يُوتِرُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ مَعْناهُ قَالَ: وَفِي الثَّالِثَةِ بِـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمُعَوِّذَتَيْنِ (¬2). * * * باب ما يقرأ في الوتر [1423] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أبو حفص) عمر بن عبد الرحمن (الأبار) بتشديد الباء الموحدة كما تقدم قريبًا، (ح (¬3) وثنا إبراهيم بن موسى، أنا محمد بن أنس) (¬4) العدوي [مولى عمر بن الخطاب] (¬5) الكوفي ثم الدينوري (¬6). قال أبو حاتم: صحيح الحديث. ¬

_ (¬1) رواه النسائي 3/ 235، وابن ماجه (1171)، وأحمد 5/ 123. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1279). (¬2) رواه الترمذي (463)، وابن ماجه (1173)، وأحمد 6/ 227. وحسنه الألباني في "المشكاة" (1269). (¬3) من (ر). (¬4) في (م): إدريس. (¬5) من (ر). (¬6) زاد في (م): أنه.

(وهذا لفظه) دون (¬1) إبراهيم بن موسى (عن الأعمش، عن طلحة وزبيد) بضم الزاي، وفتح الباء الموحدة، وسكون ياء التصغير ثم دال، وهو ابن الحارث اليامي (¬2). (عن سعيد بن (¬3) عبد الرحمن بن أبزى) بسكون الباء الموحدة وفتح الزاي الخزاعي الكوفي (¬4). (عن أبيه) عبد الرحمن بن أبزى الخزاعي مولى نافع بن عبد الحارث هو معدود من الصحابة كما ذكره الذهبي في "تجريد أسماء الصحابة" (¬5). وقال: [استعمله علي على] (¬6) خراسان واستخلفه مولاه على مكة حين لقي عمر بعسفان، وقال مولاه (¬7): إنه يا أمير المؤمنين قارئ لكتاب الله، عالم بالفرائض. روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر وغيرهما. (عن أبي بن كعب قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوتر) وللنسائي (¬8): كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ في الوتر (بسبح اسم ربك الأعلى وقل للذين) بكسر لام الجر الأولى (كفروا) [يعني "قل يا أيها الكافرون" ¬

_ (¬1) في (م): روى. (¬2) في (م): اليماني. (¬3) في (ر): عن. (¬4) في (م): بالكوفة. (¬5) "تجريد أسماء الصحابة" (3632). (¬6) في (م): استعبر على. (¬7) من (ر). (¬8) "سنن النسائي" 3/ 235.

وقرأ أبي (قل للذين كفروا قل يا أيها الكافرون)] (¬1) ويشبه أن يكون التقدير: قل للذين كفروا: لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد، وهو معنى الآية. (والله) بالرفع (الواحد) يدل على أن [أصل الأحد] (¬2) في الآية بمعنى الواحد (¬3)، وأن أصل أحد وحد، فأبدلت الواو همزة، ويقع على المذكر والمؤنث، قال الله تعالى: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} (¬4)، ويكون أحد مرادفًا للواحد في موضعين سماعًا، أحدهما وصف اسم الباري فيقال: الواحد وهو الأحد؛ لاختصاصه بالأحدية، فلا يشركه فيها غيره، ولهذا لا ينعت به غير الله، فلا يقال: رجل أحد، ولا درهم أحد، ونحو ذلك. والموضع الثاني أسماء العدد للغلبة وكثرة الاستعمال، فيقال: أحد وعشرون، وواحد وعشرون، وفي غير هذين الموضعين يقع الفرق بينهما في الاستعمال بأن الأحد لنفي ما يذكر معه فلا يستعمل [إلا في الجحد لما فيه من العموم نحو: ما قام أحد، أو مضافًا نحو: ما قام أحد الثلاثة، والواحد اسم لمفتتح العدد يستعمل] (¬5) في الإثبات مضافًا وغير مضاف (¬6) (الصمد) هو السيد الذي انتهى إليه السؤدد، وقيل: الذي يصمد إليه (¬7) في الحوائج [أي: يقصد] (¬8)، ولم أجد هذِه الرواية لغير المصنف. ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) في (م): الواحد. (¬3) في (م): الأحد. (¬4) الأحزاب: 32. (¬5) من (ر). (¬6) انظر: "المصباح المنير" [وحد]. (¬7) زيادة يقتضيها السياق. (¬8) من (ر).

[1424] (حدثنا أحمد بن أبي شعيب) الحراني شيخ البخاري (ثنا محمد بن سلمة) بفتح السين واللام ابن عبد الله الباهلي، أخرج له مسلم. قال ابن سعد: كان ثقة فاضلًا عالمًا له فضل ورواية وفتوى (¬1). (ثنا خصيف) بضم الخاء المعجمة، وفتح الصاد المهملة مصغر، ابن عبد الرحمن [الباهلي الجزري] (¬2) صدوق سيِّئ الحفظ. (عن عبد العزيز ابن جريج) المكي، والد الفقيه عبد الملك بن جريج، حسَّن الترمذي حديثه هذا. وقال العقيلي: إسناده صالح، ولكن حديث ابن عباس وأبي بن كعب بإسقاط المعوذتين أصح (¬3). قال ابن الجوزي: أنكر أحمد ويحيى بن معين زيادة المعوذتين (¬4). (قال: سألت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: بأي شيء كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوتر؟ فذكر معناه) المذكور [عبد العزيز (قال) سألت عائشة] (¬5) (وفي الثالثة) (¬6) [ولفظ الترمذي وابن ماجه عن عبد العزيز: سألت عائشة: بأي شيء كان يوتر - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: كان يقرأ في الأولى: بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} "، وفي الثانية: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وفي الثالثة] (¬7) يقرأ (بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمعوذتين) بكسر الواو، اسم ¬

_ (¬1) "الطبقات الكبرى" لابن سعد 7/ 485. (¬2) سقط من (ر). (¬3) "الضعفاء" للعقيلي 3/ 12. (¬4) "التحقيق في أحاديث الخلاف" 1/ 458. (¬5) في (م): وقال. (¬6) في النسخ: الثانية. (¬7) ساقطة من (م).

الفاعل وهما: {قُلْ أَعُوْذُ بِرَبِّ الفَلَقِ} و {قُل أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} سميتا بذلك لأنهما عوذتا قارئهما من كل سوء أي: عصمتاه منه. وبهذه الرواية أخذ الشافعي (¬1) ومالك (¬2) في الوتر، وقال في الشفع: لم يبلغني فيه شيء معلوم (¬3)، وبحديث أبي بن كعب: كان (¬4) رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوتر بسبح اسم ربك الأعلى، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد. أخذ أحمد بن حنبل وبه أخذ الثوري وإسحاق (¬5) (¬6) وأصحاب الرأي (¬7). وروى الإمام أحمد بن إبراهيم الدورقي في "مسند علي" عن علي - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يوتر بتسع سور من المفصل (¬8) يقرأ (¬9) ألهاكم التكاثر، والقدر، وإذا زلزلت، والعصر، وإذا جاء نصر الله، والكوثر، وقل يا أيها الكافرون، وتبت، وقل هو الله أحد، في كل ركعة ثلاث سور (¬10). ¬

_ (¬1) "الأم" 1/ 259. (¬2) "المدونة" 1/ 212. (¬3) "المغني" 2/ 599. (¬4) في (م): أن. (¬5) "المغني" 2/ 599. (¬6) زاد في (م) هنا: وأصحاب أبي بن كعب. (¬7) "المبسوط" 1/ 318. (¬8) في (م): الفيل. (¬9) في (م): بعد. (¬10) أخرجه الدورقي كما في "كنز العمال" (21881). وكذا أخرجه الترمذي (460)، وأحمد (678) من طريق الحارث عن علي بنحوه. وقال الألباني في "ضعيف سنن الترمذي" (333): ضعيف جدًّا.

5 - باب القنوت في الوتر

5 - باب القُنُوتِ فِي الوِتْرِ 1425 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ جَوّاسٍ الحَنَفِيُّ قَالَا: حَدَّثَنا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَبِي الحَوْراءِ قَالَ: قَالَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رضي الله عنهما: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَلِماتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الوِتْرِ قَالَ ابن جَوّاسٍ: فِي قُنُوتِ الوِتْرِ: "اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعافِنِي فِيمَنْ عافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبارِكْ لِي فِيما أَعْطَيْتَ وَقِنِي شَرَّ ما قَضَيْتَ إِنَّكَ تَقْضِي وَلا يُقْضَى عَلَيْكَ وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ وَلا يَعِزُّ مَنْ عادَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنا وَتَعَالَيْتَ" (¬1). 1426 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا أَبُو إِسْحاقَ بِإِسْنادِهِ وَمَعْنَاهُ قَالَ فِي آخِرِهِ: قَالَ هذا يَقُولُ فِي الوِتْرِ فِي القُنُوتِ وَلَمْ يَذْكُرْ: أَقُولُهُنَّ فِي الوِتْرِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَبُو الحَوْراءِ رَبِيعَةُ بْنُ شَيْبانَ (¬2). 1427 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمَّادٌ عَنْ هِشامِ بْنِ عَمْرٍو الفَزارِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحارِثِ بْنِ هِشامٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالِبٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وِتْرِهِ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لا أُحْصِي ثَناءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَما أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هِشامٌ أَقْدَمُ شَيْخٍ لِحَمَّادٍ وَبَلَغَنِي عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ حَمَّادِ بْنِ سلَمَةَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوى عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (464)، والنسائي 3/ 248، وابن ماجه (1178)، وأحمد 1/ 199. وصححه الألباني في "الإرواء" (429). (¬2) رواه البزار 4/ 176 (1337)، وابن الجارود (273)، والطبراني في "الكبير" 3/ 75 (2708). وانظر السابق.

سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُبَي بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَنَتَ - يَعْنِي: فِي الوِتْرِ - قَبْلَ الرُّكُوعِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوى عِيسَى بْنُ يُونُسَ هذا الحَدِيثَ أَيْضًا عَنْ فِطْرِ بْنِ خَلِيفَةَ، عَنْ زُبَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُبَي عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَهُ وَرُوِيَ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِياثٍ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ زُبَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُبَي بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَنَتَ فِي الوِتْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدِيثُ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ رَواهُ يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتادَةَ، عَنْ عَزْرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزى عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَذْكُرِ القُنُوتَ وَلا ذَكَرَ أُبَيا وَكَذَلِكَ رَواهُ عَبْدُ الأَعْلَى وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ العَبْدِيُّ وَسَماعُهُ بِالكُوفَةِ مَعَ عِيسَى بْنِ يُونُسَ وَلَمْ يَذْكُرُوا القُنُوتَ وَقَدْ رَواهُ أَيْضًا هِشامٌ الدَّسْتَوائِيُّ وَشُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ وَلَمْ يَذْكُرا القُنُوتَ وَحَدِيثُ زُبَيْدٍ رَوَاهُ سُلَيْمانُ الأَعْمَشُ وَشُعْبَةُ وَعَبْدُ المَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمانَ وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ كُلُّهُمْ عَنْ زُبَيْدٍ لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمُ القُنُوتَ إلَّا ما رُوِيَ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِياثٍ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ زُبَيْدٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: إِنَّهُ قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَلَيْسَ هُوَ بِالمَشْهُورِ مِنْ حَدِيثِ حَفْصٍ نَخافُ أَنْ يَكُونَ، عَنْ حَفْصٍ عَنْ غَيْرِ مِسْعَرٍ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَيُرْوى أَنَّ أُبَيًّا كَانَ يَقْنُتُ فِي النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضانَ (¬1). 1428 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنا هِشامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحابِهِ أَنَّ أُبَي بْنَ كَعْبٍ أَمَّهُمْ - يَعْنِي فِي رَمَضانَ - وَكَانَ يَقْنُتُ فِي النِّصْفِ الآخِرِ مِنْ رَمَضَانَ (¬2). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3566)، والنسائي 3/ 248، وابن ماجه (1179)، وأحمد 1/ 96. وصححه الألباني في "الكلم الطيب" (97). (¬2) رواه عبد الرزاق 4/ 260 (7729)، والبيهقي من طريق المصنف 2/ 498. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (257).

1429 - حَدَّثَنا شُجاعُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنا يُونُسُ بْن عُبَيْدٍ عَنِ الحَسَنِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبَي بْنِ كَعْبٍ فَكَانَ يُصَلِّي لَهُمْ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَلا يَقْنُتُ بِهِمْ إِلَّا فِي النِّصْفِ البَاقِي فَإِذَا كَانَتِ العَشْرُ الأَوَاخِرُ تَخَلَّفَ فَصَلَّى فِي بَيْتِهِ فَكَانُوا يَقُولُونَ: أَبَقَ أُبَي. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وهذا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الذِي ذُكِرَ فِي القُنُوتِ لَيْسَ بِشَيء وَهَذانِ الحَدِيثانِ يَدُلَّانِ عَلَى ضَعْفِ حَدِيثِ أُبَي أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَنَتَ فِي الوِتْرِ (¬1). * * * باب القنوت في الوتر [1425] (حدثنا قتيبة بن سعيد وأحمد بن جواس) بفتح الجيم والواو المشددة وبعد الألف سين مهملة، أبو عاصم (الحنفي) شيخ مسلم (قالا: حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي (¬2) (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن بريد) بضم الباء الموحدة وفتح الراء، مصغر (بن أبي مريم) [السلولي الكوفي ثقة، ويزيد بن أبي مريم] (¬3) من الزيادة، شامي، وفرق (¬4) بينهما الترمذي في أوائل كتاب الأحكام فقال: يزيد بن أبي مريم شامي وبريد بن أبي مريم كوفي (¬5) (عن أبي الحوراء) بفتح الحاء المهملة وسكون الواو بعدها مهملة، اسمه ربيعة [بن شيبان] (¬6) السعدي، قال ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 2/ 498 من طريق المصنف. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (258). (¬2) في (ر): الجعفي. (¬3) من (ر). (¬4) في (م): وقد. (¬5) "سنن الترمذي" 3/ 620. (¬6) في (م): شيباني.

المنذري: ولا نعرف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في القنوت شيئًا أحسن من هذا (¬1). (قال: قال الحسن بن علي رضي الله عنهما: علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلمات أقولهن في الوتر، قال) أحمد (ابن جواس) بفتح الجيم علمني (¬2) كلمات أقولهن (في قنوت الوتر) القنوت: الطاعة، والقانت الطائع، هذا هو الأصل، ثم سمي القيام في الصلاة قنوتًا والذاكر لله قانتًا، والساكت (¬3) في الصلاة قانتًا، والقانت: العابد. قال الأزهري: والمشهور في اللغة أن القنوت في الدعاء وحقيقة القانت أنه القائم بأمر الله تعالى، فالداعي إذا كان قائمًا خص بأن يقال له: قانت؛ لأنه ذاكر لله تعالى وهو قائم على رجليه (¬4)، وليس في رواية الحسن أن القنوت كان في صلاة الصبح. قال شيخنا ابن حجر: وقد رواه البيهقي من طرق قال في بعضها: قال بريد بن أبي مريم: سمعت [ابن الحنفية] (¬5) وابن عباس يقولان: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقنت في صلاة الصبح وفي دبر الليل بهؤلاء الكلمات (¬6)، ورواه من طريق الوليد بن (¬7) مسلم وأبي (¬8) صفوان ¬

_ (¬1) "مختصر سنن أبي داود" 2/ 125. (¬2) سقط من (ر). (¬3) في (م): الشاكر. (¬4) "تهذيب اللغة" (قنت). (¬5) في (م): أبي حنيفة. (¬6) "السنن الكبرى" 2/ 210. (¬7) في (م): من طريق. (¬8) في (م): ابن.

الأموي عن ابن جريجٍ بلفظ: يعلمنا دعاء ندعو به في [القنوت من] (¬1) صلاة الصبح (¬2). (اللهم اهدني فيمن هديت) اهدني: أي: عرفني (¬3) طريق الهداية إلى معرفتك حتى أقر لك بالربوبية و [أقوم لك] (¬4) بوظائف العبودية لك (فيمن هديت) أي: مع من هديت، ففي بمعنى مع، كقوله تعالى: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29)} (¬5) ومن ورود في للمصاحبة قوله تعالى: {ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} (¬6) أي: معهم، {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ} (¬7). (وعافني) يعني: من الناس، وعافهم مني، أي: أغنني عنهم وأغنهم عني واصرف أذاي عنهم واصرف أذاهم عني (فيمن) أي: مع من (¬8) كما تقدم (عافيت) قيل: هي (¬9) من المفاعلة من العفو، ويدل عليه رواية ابن ماجه (¬10): "وعافني (¬11) فيمن عافيت". لكن لو كان من العفو لقال: فيمن عفوت، وقد تكون (¬12) الياء بدلا من الواو، كما تقدمت اللغة في: لا ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) "السنن الكبرى" 2/ 210. وانظر "التلخيص الحبير" 2/ 447. (¬3) في (م): قربني. (¬4) من (ر). (¬5) الفجر: 29. (¬6) الأعراف: 38. (¬7) القصص: 89. (¬8) من (ر). (¬9) من (ر). (¬10) "سنن ابن ماجه" (1178). (¬11) في (ر): اعفني. (¬12) زاد في (م): الواو بدل من.

حول لا حيل. (وتولني) أي: تول جميع أموري (فيمن توليت) أي: مع من توليت أمورهم بالإعانة واللطف. (وبارك لي فيما أعطيت) أي في جميع ما أعطيتني من علمٍ ومال وولد وقوة وسمع وبصر وغير ذلك، وأصل البركة زيادة النفع [وكثرة الخير] (¬1)، قاله الزجاج، ومعناه كثر عطاءك لي وأدم فضلك، وقيل: البركة الدوام، والمراد: أدم لي بقاء ما أعطيتني (وقني) أي: صني واسترني عن أداء (شر) كل (ما قضيت) به وقدرته من قضاء وقدر (إنك) كذا الرواية هنا بحذف الفاء، وكذا في رواية ابن ماجه وإحدى روايتي النسائي (¬2)، والرواية الثانية (¬3) "فإنك" (¬4). بالفاء (تقضي ولا يقضى عليك) أي: تحكم على المخلوقات جميعهم بما تريده ولا يحكم عليك أحد. (وإنه) كذا الرواية بزيادة الواو للمصنف وللترمذي (¬5) والنسائي (¬6)، ولابن ماجه (¬7) بحذف الواو (لا يذل) بكسر الذال، أي: يهان (¬8) (من واليت) أي: توليت أموره ونصرته، زاد البيهقي من طريق إسرائيل (¬9) ¬

_ (¬1) في (ر): كثرة. (¬2) "سنن النسائي" 3/ 248. (¬3) من (ر). (¬4) "سنن النسائي" 3/ 248. (¬5) "سنن الترمذي" (464). (¬6) و (¬7) سبق تخريجه. (¬8) في (م): فإن. (¬9) في (ر): إبراهيم.

ابن يونس، عن أبي إسحاق، عن بريد بن أبي مريم، عن الحسن أو الحسين بن علي، فساقه بلفظ الترمذي، وزاد (ولا يعز من عاديت) (¬1). وهذا التردد من إسرائيل إنما هو في الحسن أو الحسين، وقال البيهقي: كأن الشك إنما وقع في الإطلاق، أو في النسبة (¬2). ويؤيد رواية الشك أن أحمد بن حنبل (¬3) أخرجه في مسند الحسين بن علي من "مسنده" من غير تردد، وهذِه الزيادة رواية الطبراني (¬4) من حديث شريك (¬5) وزهير بن معاوية عن أبي إسحاق، ومن حديث أبي الأحوص عن أبي إسحاق. (تباركت) أي: تقدست وتعظمت، قاله الفراء، وقيل: تباركت دام بقاؤك (ربنا وتعاليت) كذا للنسائي والترمذي ولابن ماجه: "سبحانك ربنا وتباركت (¬6) وتعاليت" قال النووي (¬7): ولا بأس أن يزيد بعد تباركت وتعاليت: فلك الحمد على ما قضيت، أستغفرك وأتوب إليك (¬8). وقال أبو حامد والبندنيجي وآخرون هي مستحبة (¬9). ¬

_ (¬1) "السنن الكبرى" 2/ 209. (¬2) "السنن الكبرى" 2/ 209. (¬3) "مسند أحمد" 1/ 201. (¬4) "المعجم الكبير" (2703، 2704، 2705). (¬5) في (م): إسرائيل. (¬6) من (ر). (¬7) في (م): النسائي. (¬8) "المجموع" 3/ 496. (¬9) "مغني المحتاج" 1/ 166.

[1426] و (حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي، ثنا زهير، ثنا أبو إسحاق) السبيعي، عن بريد بن أبي مريم (بإسناده) المذكور (ومعناه وقال في آخره: قال هذا يقوله في الوتر [في القنوت] (¬1) ولم يذكر: أقولهن في الوتر) كما تقدم. (أبو الحوراء) بفتح الحاء والراء المهملتين والمد، هو (ربيعة بن شيبان) السعدي يعد (¬2) في البصريين وثقه النسائي (¬3). [1427] (حدثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (ثنا حماد) بن سلمة (عن هشام بن عمرو الفزاري) بفتح الفاء والزاي المخففة نسبةً إلى فزارة بن ذبيان، قبيلة كبيرة من قيس (¬4) بن غيلان (¬5)، وهشام وثقه أحمد وغيره (¬6) (عن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام) بن المغيرة المخزومي (¬7) ولد في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال ابن سعد: رأى (¬8) النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يحفظ عنه (¬9). قال الواقدي: أحسبه كان ابن [عشر سنين] (¬10) (¬11) أخرج له البخاري عن ¬

_ (¬1) و (¬2) من (ر). (¬3) "تهذيب الكمال" 9/ 117. (¬4) في (ر، م): قريش. والمثبت الصواب. (¬5) في (ر): غلا. (¬6) "تهذيب الكمال" 30/ 255. (¬7) في (م): المحروس. (¬8) في (م): رآني. (¬9) "تهذيب الكمال" 17/ 41. (¬10) في (م): عمر سهير. (¬11) "تهذيب الكمال" 17/ 41.

علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان (¬1) يقول في آخر وتره: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك) قال القاضي - رضي الله عنه -: وسخطه ومعافاته وعقوبته من صفات أفعاله، استعاذ من المكروه منهما إلى المحبوب ومن الشر إلى الخير (وأعوذ بك منك) ترقى من الأفعال إلى منشئ الأفعال فقال: وبك ومنك مشاهدة للحق وغيبةً عن الخلق (¬2)، وهذا محض المعرفة الذي لا [يعبر عنه] (¬3) قول ولا يضبطه وصف، قوله (¬4): (لا أحصي ثناء عليك) أي: لا أطيقه، ولا أنتهي إلى غايته ولا أحيط بمعرفته. قال بعض المتأخرين: لا يظن القائل بقوله: لا أحصي [أنه لا يحصي] (¬5) هو بل يعتقد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي علم الأولين والآخرين قطرة من علومه ومع ذلك قال: "لا أحصي [ثناءً عليك] " (¬6)، وإذا قال هذا سيد الأولين والآخرين فلا معنى لقول القائل: لا أحصي [ثناءً عليك] (¬7) بل ما أحصى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكما قال صلى الله عليه وآله وسلم مخبرًا عن حاله في المقام المحمود حين يخر تحت العرش للسجود قال: "فأحمده بمحامد لا أقدر عليها إلا أن يلهمنيها" (¬8) وروي عن مالك: لا أحصي نعمتك ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) في (م): الحق. (¬3) غير واضحة في (م). (¬4) من (ر). (¬5) و (¬6) و (¬7) سقط من (ر). (¬8) رواه مسلم (193) من حديث أنس.

وإحسانك والثناء عليك وإن جهدت (¬1) في ذلك، والأول أولى ولقول الصديق الأكبر: العجز عن إدراك الإدراك إدراك (¬2). ولبعض العارفين: سبحان من رضي في معرفته بالعجز (¬3) عن معرفته (أنت (¬4) كما أثنيت على نفسك) فلك الحمد حتى ترضى. (قال المصنف: هشام (¬5) أقدم شيخ لحماد) بن سلمة، قال (وبلغني عن يحيى بن معين) بفتح الميم أبو زكريا المري البغدادي إمام المحدثين. (أنه قال: لم يرو عنه) أي: عن هشام بن عمرو الفزاري (غير حماد بن سلمة) وقال البخاري: قال أبو العباس: قيل لأبي جعفر الدارمي: روى عن هذا الشيخ غير حماد؟ فقال: [لا أعلمه] (¬6) وليس لحماد عنه إلا هذا (¬7). (قال المصنف: روى عيسى بن يونس) (¬8) بن أبي إسحاق الهمداني (¬9) (عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه) عبد الرحمن بن أبزى كما تقدم قريبًا. ¬

_ (¬1) في (ر): اجتهدت. (¬2) ذكره ابن خلدون في "المقدمة" 1/ 460، وعزاه لبعض الصديقين، ولم أجد من نسبه لأبي بكر - رضي الله عنه -. (¬3) في (م): بالسحر. (¬4) سقط من (ر). (¬5) زاد في (ر): بن حماد. (¬6) في (م): أعلم. (¬7) "التاريخ الكبير" 8/ 196. (¬8) زاد في (ر): روى. (¬9) في (م): الهذلي.

(عن أبي بن كعب - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قنت في الوتر قبل الركوع) (¬1). (قال المصنف: وروى عيسى بن يونس هذا الحديث أيضًا) تعليقًا (عن فطر) بكسر الفاء وسكون الطاء المهملة (بن خليفة) المخزومي مولاهم، أخرج له البخاري مقرونًا (عن زبيد) بضم الزاي وفتح الموحدة مصغر ابن الحارث اليامي (¬2). (عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه) عبد الرحمن. [عن حفص بن غياث، عن يزيد بن زريع، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن عروة بن تميم، فيه لين، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يذكر القنوت فيه ولا ذكر: أنبأنا ابن كعب، وكذا رواه عبد الأعلى بن عبد الأعلى ومحمد بن بشير العبدي وسماعه بالكوفة مع عيسى، وروي بضم الراء بصيغة التمريض] (¬3). (عن أبي [بن كعب - رضي الله عنه -] (¬4)، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله) في المعنى (¬5). ¬

_ (¬1) كذا أورده المصنف معلقًا، ووصله النسائي في "المجتبى" 2/ 235، وأورده الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (1283)، وقال: إسناده صحيح على شرط الشيخين. (¬2) في (ر): السامي. وفي (م): التمام. والمثبت هو الصواب. (¬3) من (ر). (¬4) ساقطة من (ر). (¬5) أخرجه الدارقطني 2/ 31 ومن طريقه البيهقي في "سننه الكبرى" 3/ 40. وأورده الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (1283) وقال: هذا إسناد صحيح على شرط مسلم.

قال: [(وروي) بضم الراء بصيغة التمريض (عن حفص بن غياث، عن] (¬1) مسعر) بكسر الميم (عن زبيد) بن الحارث اليامي (¬2) (عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه)، عبد الرحمن (عن أبي بن كعب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قنت في الوتر قبل الركوع) (¬3) استدل به مالك (¬4) وأبو حنيفة (¬5) على أن القنوت قبل الركوع، وروي عن أبي بن كعب وابن مسعود وأبي موسى والبراء وابن عباس (¬6) وأنس وعمر بن عبد العزيز وعبيدة وعبد الرحمن (¬7) بن أبي ليلى وحميد الطويل، وستأتي أدلة الشافعي وتابعيه (¬8). (قال المصنف: وحديث سعيد) بن أبي عروبة (عن قتادة رواه [يزيد بن زريع، عن سعيد) بن أبي عروبة (عن قتادة، عن عزرة) بن تميم، فيه لين. (عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يذكر القنوت) فيه (ولا ذكر أبيًّا) بن كعب - رضي الله عنه - (وكذلك رواه عبد الأعلى) بن عبد الأعلى (ومحمد بن بشر العبدي وسماعه بالكوفة مع] (¬9) عيسى بن يونس) ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) في (ر): اليمامي. وفي (م): التمام. والمثبت هو الصواب. (¬3) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 3/ 40. وأورده الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (1283). (¬4) "المدونة" 1/ 192. (¬5) "بدائع الصنائع" 1/ 273. (¬6) غير واضحة في (م). (¬7) في (ر): عبيد الرحمن. (¬8) في (ر): متابعوه. وفي (م): تابعوه. والمثبت الجادة. (¬9) تقدم قريبًا في (ر) بعد قوله: وفتح الموحدة مصغر.

كلهم عن سعيد بن أبي عروبة (ولم يذكروا القنوت) في روايتهم. (ورواه أيضًا هشام) بن أبي عبد الله أبو بكر (الدستوائي) بفتح الدال, (و) رواه (شعبة، عن قتادة ولم يذكر فيه القنوت) أيضًا. قال (وحديث زبيد) بضم الزاي وفتح الموحدة (رواه (¬1) سليمان) بن مهران (الأعمش وشعبة وعبد الملك بن أبي سليمان) الكوفي الحافظ (¬2)، أخرج له مسلم (وجرير) بفتح الجيم (بن حازم كلهم عن زبيد) بن (¬3) الحارث، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى (لم يذكر أحد) أي: واحد منهم كما تقدم في أحد أنها لا تأتي إلا بعد الجحد (¬4)؛ لأنها (¬5) بمعنى العموم. [(منهم القنوت] (¬6) إلا ما روي عن حفص بن غياث عن مسعر بن زبيد) عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى (فإنه قال في حديثه إنه قنت قبل الركوع) وروى ابن ماجه: حدثنا (¬7) علي بن ميمون الرقي، ثنا مخلد (¬8) ابن يزيد، عن سفيان، عن زبيد اليامي، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن أبي بن كعب: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يوتر فيقنت قبل الركوع (¬9). ثم قال: حدثنا نصر بن علي، ثنا سهل بن يوسف، ثنا حميد، عن أنس قال: سئل عن القنوت في ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) من (ر). (¬3) في (م): عن. (¬4) في (م): الحجة. (¬5) في (ر): لا أنها. (¬6) في (ر): تمام الغيوب. (¬7) في (ر): حديث. (¬8) في (ر): مجالد. (¬9) "سنن ابن ماجه" (1182).

صلاة الصبح فقال: [كنا نقنت] (¬1) قبل الركوع وبعده (¬2). وبوب عليه باب القنوت قبل الركوع وبعده. (قال المصنف: وليس هو) يعني: القنوت قبل الركوع (بالمشهور من حديث حفص) بن غياث، و (نخاف أن يكون) رواه (عن حفه) بن غياث (عن غير مسعر) بن كدام. (قال المصنف: ويروى أن أبيًّا) بن كعب - رضي الله عنه - ([كان يقنت] (¬3) [في النصف] (¬4) الآخر من رمضان) في الوتر. [1428] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا محمد بن بكر) بفتح الباء الموحدة ابن عثمان البرساني أبو عبد الله، وبرسان بضم الباء الموحدة قبيلة من الأزد ينسب إليها هذا محمد بن بكر بن عثمان البرساني البصري (أخبرنا هشام) بن حسان القردوسي (¬5) (عن محمد) بن سيرين. (عن بعض أصحابه: أن أبي بن كعب - رضي الله عنه - أمهم يعني (¬6): في) شهر (¬7) (رمضان وكان (¬8) يقنت) بهم (في النصف الآخر) [يعني: الثاني] (¬9) (من ¬

_ (¬1) في (م): كنت أقنت. (¬2) "سنن ابن ماجه" (1183). (¬3) سقط من (ر). (¬4) سقط من (م). (¬5) من (ر). (¬6) سقط من (ر). (¬7) سقط من (ر). (¬8) زاد بعدها في (م): من. (¬9) سقط من (ر).

رمضان) في الوتر، وهو مشهور مذهب الشافعي (¬1)، وروايته (¬2) عن أحمد غير مشهورة، وروي عن علي وأبي، وبه قال ابن سيرين وسعيد ابن أبي الحسن والزهري ويحيى بن وثاب ومالك واختاره أبو بكر بن الأثرم (¬3) لهذين الحديثين (¬4) وللحديث الآتي بعده، وقيل: يندب القنوت كل السنة لإطلاق حديث حسن بن علي المتقدم [قال السبكي: ليس فيه التصريح بأنه في كل السنة] (¬5) رواه أصحاب السنن بإسناد على شرط "الصحيح"، وقال الحاكم: على شرط الشيخين، وهذا الوجه قوي (¬6) كما قاله في "شرح المهذب"، وقال في "التحقيق": أنه المختار، واختاره العجلي والروياني في "الحلية" و"البحر"، وذكر أنه اختيار مشايخ طبرستان، وقال أبو حاتم القزويني في "تجريد التجريد" للمحاملي أن به الفتوى، وهذا هو المشهور في مذهب أحمد (¬7). [1429] (ثنا (¬8) شجاع بن مخلد) الفلاس شيخ مسلم (حدثنا هشيم) ابن بشير أبو معاوية السلمي. (أنا يونس بن عبيد) أحد أئمة البصرة (عن الحسن) البصري (¬9). ¬

_ (¬1) "الأم" 1/ 248، و"الحاوي الكبير" 2/ 291. (¬2) في (ر): رواية. (¬3) في (م): الأفهم. (¬4) "المغني" 2/ 580. (¬5) من (ر). (¬6) سقط من (ر). (¬7) "المغني" 2/ 580. (¬8) في (م): حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل، عن (¬9) ساقط من (ر).

(أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - جمع الناس على أبي بن كعب) - رضي الله عنه - في رمضان. (فكان يصلي بهم عشرين ليلة (¬1) ولا يقنت بهم [إلا في] (¬2) النصف الباقي) بالباء الموحدة والقاف أي (¬3): في النصف الثاني في الوتر، وأصل جمع الناس على أبي بن كعب في "صحيح البخاري" دون القنوت، وهذا الحديث حجة للشافعي (¬4) ومالك (¬5) ورواية عن أحمد على القنوت في النصف الأخير من رمضان (¬6). وبه قال علي وابن سيرين والزهري. (وإذا كانت العشر الأواخر) من رمضان (تخلف) عن الصلاة بهم (فصلى في بيته) استدل بهذِه الرواية عن (¬7) قتادة - رضي الله عنه - على ما ذهب إليه أنه يقنت في السنة كلها إلا في النصف الأول من رمضان (فكانوا يقولون: أبق) الأكثر بفتح الباء كضرب، وفي لغة بكسر الباء كتَعِبَ: إذا هرب من غير خوف ولا كد عمل بل تركهما (¬8) لزيادة الفضيلة لأبي ابن كعب - رضي الله عنه -. ¬

_ (¬1) بعدها في (م): في رمضان. (¬2) في (م): إلى. (¬3) في (م): أن. (¬4) "الحاوي الكبير" 2/ 292. (¬5) "المدونة" 1/ 289. (¬6) "المغني" 2/ 580. (¬7) سقط من (ر). (¬8) في (ر): تركهم.

(قال المصنف: وهذا) الحديث وما قبله (يدل (¬1) على أن الذي (¬2) ذكر في القنوت) قبل الركوع (ليس بشيء) [قوله في] (¬3) الحديث: جمع الناس على أُبَيّ فصلى (¬4) بهم. كالإجماع من الصحابة بجوازه واستحبابه، لكن هذا الحديث منقطع؛ لأن الحسن لم يدرك عمر، فإنه ولد قبل وفاته بسنتين، فإن الحسن ولد سنة إحدى وعشرين ومات عمر (¬5) في أواخر سنة (¬6) ثلاث وعشرين أوائل المحرم سنة أربع وعشرين. (وهذان الحديثان) يعني: هذا الحديث والذي قبله (يدلان على ضعف حديث أبي بن كعب - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قنت في الوتر) فإن قوله: جمعهم على أبي. يدل على أن هذا لم يفعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم والله أعلم، وقيل: إن فعل أبي [بن كعب] (¬7) يدل على أنه رأيه واجتهاده، لا أنه أسنده (¬8) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يقنت في النصف الآخر من رمضان. ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) في (ر): النبي. (¬3) في (م): في هذا. (¬4) في (م): فعل. (¬5) و (¬6) و (¬7) ساقط من (ر). (¬8) في (م): استدل.

6 - باب في الدعاء بعد الوتر

6 - باب فِي الدُّعَاءِ بَعْدَ الوِتْرِ 1430 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ، حَدَّثَنا أَبِي عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ طَلْحَةَ الأَيَامِيِّ عَنْ ذَرٍّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُبَي بْنِ كَعْبٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا سَلَّمَ فِي الوِتْرِ قَالَ: "سُبْحانَ المَلِكِ القُدُّوسِ" (¬1). 1431 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي غَسَّانَ مُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ المَدَنِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ نامَ، عَنْ وِتْرِهِ أَوْ نَسِيَهُ فَلْيُصَلِّهِ إِذَا ذَكَرَهُ" (¬2). * * * باب في الدعاء بعد الوتر [1430] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا محمد [بن أبي عبيدة) بن معن هو عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود قال (حدثنا أبي) أبو عبيدة] (¬3) بن معن (¬4) واسم أبي عبيدة عبد الملك [بن معن بن عبد الرحمن المسعودي] (¬5)، أخرج له مسلم (عن الأعمش، عن طلحة) ابن مصرف بن عمرو (الأيامي) والذي [ذكره اليامي] (¬6) بفتح المثناة ¬

_ (¬1) رواه النسائي 3/ 244، وأحمد 5/ 123. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1284). (¬2) رواه الترمذي (465)، وابن ماجه (1188)، وأحمد 3/ 31. وحسنه الألباني في "المشكاة" (1268). (¬3) سقط من (ر). (¬4) في (م): معين. (¬5) في (ر): من "تاريخ البخاري" معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود. (¬6) في (ر): ذكروه الأيامي.

تحت وبعد الألف ميم نسبة إلى يام بن أصبى بن رافع بن مالك بطن من همدان، كذا ذكره ابن السمعاني (¬1) والمزي (¬2) والذهبي (¬3) (عن (¬4) ذر) بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء هو ابن عبد الله بن زرارة الهمداني. (عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن أبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سلم في الوتر) هكذا الرواية، ويحتمل [أن تكون "في" بمعنى "من" أي: سلم من الوتر كقول الشاعر: وهل يَعِمنَ] (¬5) من كان آخر (¬6) عهده ... ثلاثين شهرًا في ثلاثة أحوال (¬7) أي: من ثلاثة: أحوال، [ويحتمل أن يقدر: إذا سلم في آخر الوتر] (¬8). (قال: سبحان الملك القدوس) زاد النسائي: ثلاث مرات. وروى الإمام أحمد (¬9) في زيادة بلفظ: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوتر بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ ¬

_ (¬1) "الأنساب" 5/ 594. (¬2) "تهذيب الكمال" 13/ 433 - 434. (¬3) "الكاشف" (2480). (¬4) في (ر): قال: ثنا أبي. (¬5) بياض في (ر). (¬6) بياض في (ر)، وفي "الديوان" أحدث. (¬7) البيت لامريء القيس، انظر: "ديوانه" ص 123. (¬8) بياض في (ر). (¬9) سقط من (ر).

أَحَدٌ} وإذا أراد أن ينصرف من الوتر قال: "سبحان الملك القدوس" [ثلاث مرات، ثم يرفع بها صوته في الثالثة (¬1). واستدل به على أنه يستحب بعد الوتر سبحان الملك القدوس] (¬2) ثلاثًا ويمد صوته بها في الثالثة. [1431] (حدثنا محمد بن عوف) بن سفيان أبو (¬3) جعفر الطائي الحمصي الحافظ (¬4)، وثقه النسائي، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: ما كان بالشام أربعين سنة مثله (¬5). (ثنا عثمان بن سعيد) بن كثير (¬6) الحمصي، مولى بني أمية، كان ثقة من العابدين (¬7). (عن (¬8) أبي غسان محمد بن مطرف) بن داود بن مطرف الليثي (المدني) نزيل عسقلان، أحد العلماء الأثبات (عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد) الخدري - رضي الله عنه -. (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا) أصبح أو (ذكره) كذا لابن ماجه والترمذي: "فليصل إذا ذكر أو إذا استيقظ" [ثم ¬

_ (¬1) "المسند" 5/ 123، "المجتبى" 3/ 244. (¬2) من (ر). (¬3) في (م): أخو. (¬4) من (ر). (¬5) "تهذيب الكمال" 26/ 239. (¬6) في (ر): بشر. (¬7) "الكاشف" (3700). (¬8) سقط من (ر).

قال] (¬1): ذهب بعض أهل الكوفة إلى هذا الحديث، فقال: يوتر الرجل إذا ذكر وإن كان بعد ما طلعت الشمس، وبه يقول سفيان الثوري (¬2). واستدل أصحابنا بهذا الحديث وبحديث الصحيحين: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" (¬3) إلا أن البخاري لم يذكر النوم، على أن النوافل المؤقتة تقضى (¬4)، وإذا قلنا بالقضاء ففي المسألة أقوال: أصحها تقضى أبدًا، فإن الحديث لم يقتض (¬5) تقيد القضاء بوقت، بل بذكره، وإذا ذكره قضاه أبدًا، والثاني: أنه (¬6) يقضي [فائتته من النهار] (¬7) ما لم تغرب شمسه، وفائتة الليل ما لم يطلع الفجر (¬8). ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) "جامع الترمذي" 2/ 330 - 331. (¬3) أخرجه البخاري (597)، ومسلم (684) بمعناه. وهذا اللفظ لفظ الطبراني في "المعجم الأوسط" 6/ 182. (¬4) "الشرح الكبير" 2/ 137. (¬5) سقط من (ر). (¬6) سقط من (ر). (¬7) في (ر): فائتة النهار. (¬8) في (ر): فجره.

7 - باب في الوتر قبل النوم

7 - باب فِي الوِتْرِ قَبْلَ النَّوْمِ 1432 - حَدَّثَنا ابن المُثَنَّى، حَدَّثَنا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنا أَبانُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي - صلى الله عليه وسلم - بِثَلَاثٍ لا أَدَعُهُنَّ فِي سَفَرٍ وَلا حَضَرٍ رَكْعَتَي الضُّحَى وَصَوْمِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنَ الشَّهْرِ وَأَنْ لا أَنَامَ إلَّا عَلَى وِتْرٍ (¬1). 1433 - حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهّابِ بْنُ نَجْدَةَ، حَدَّثَنا أَبُو اليَمانِ عَنْ صَفْوانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ السَّكُونِيِّ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي - صلى الله عليه وسلم - بِثَلَاثٍ لا أَدَعُهُنَّ لِشَيء أَوْصَانِي بِصِيامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَلا أَنَامُ إِلَّا عَلَى وِتْرٍ وَبِسُبْحَةِ الضُّحَى فِي الحَضَرِ والسَّفَرِ (¬2). 1434 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ، حَدَّثَنا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ إِسْحاقَ السَّيْلَحِينِيُّ، حَدَّثَنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثابِتٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لأَبِي بَكْرٍ: "مَتَى تُوْتِرُ" قَالَ: أُوتِرُ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ. وقَالَ لِعُمَرَ: "مَتَى تُوتِرُ". قَالَ: آخِرَ اللَّيْلِ. فَقَالَ لأَبِي بَكْرٍ: "أَخَذَ هَذَا بالحَزْمِ". وقَالَ لِعُمَرَ: "أَخَذَ هَذَا بِالقُوَّةِ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 489، والبزار 15/ 292 (8794)، والطبراني في "الأوسط" 3/ 301 (3225). وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (1286): حديث صحيح، وأخرجه البخاري ومسلم وأبو عوانة في صحاحهم دون قوله: في سفر ولا حضر. قلت: رواية البخاري في (1178)، ومسلم في (721). (¬2) رواه أحمد 6/ 440، والبزار 10/ 71 (4136). وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (1287): حديث صحيح، دون قوله: في السفر والحضر. أخرجه مسلم (722) في "صحيحه". (¬3) رواه ابن خزيمة (1084)، والطحاوي في "شرح المشكل" 11/ 359 (4499)، والطبراني في "الأوسط" 3/ 251 (3059)، والحاكم 1/ 301.

باب في الوتر قبل النوم [1432] ([حدثنا) محمد (ابن المثنى] (¬1)، ثنا أبو داود) سليمان بن داود الطيالسي (ثنا أبان بن يزيد (¬2)، عن قتادة، عن أبي سعيد) الأزدي مذكور فيمن لم يعرف اسمه، وحديثه في البصريين (¬3) (من أزد شنوءة) بفتح الهمزة وسكون الزاي وكسر الدال المهملة، وهو أزد بن الغوث (¬4) بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان (¬5) بن [سبأ و] (¬6) شنوءة بفتح الشين المعجمة وضم النون وواو ساكنة، ثم همزة ممدودة، وشنوءة هو عبد الله بن كعب بن عبد الله بن كعب بن مالك (¬7). (عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أوصاني خليلي - صلى الله عليه وسلم -) هذا لا يخالف قوله - عليه السلام -: "لو كنت متخذًا خليلًا من أمتي لاتخذت أبا بكر" (¬8)؛ لأن الممتنع أن يتخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غيره خليلًا، ولا يمتنع أن يتخذ الصحابي وغيره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خليلًا (بثلاث) خصال أو خلال. ¬

_ = وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1288). (¬1) سقط من (ر). (¬2) في (ر): أيوب. (¬3) "تهذيب الكمال" 33/ 351. (¬4) في (ر): العرب. (¬5) في (ر): بهلان. (¬6) في (م): شداد. (¬7) "الأنساب" 3/ 477، و"اللباب" 2/ 211. (¬8) أخرجه البخاري (466)، ومسلم (2383)، والنسائي في "الكبرى" (8102)، والترمذي (3661)، والدارمي في "سننه" (2910).

(لا أدعهن) بضم العين، أي: لا أتركهن (في سفر ولا حضر) فيه شدة اعتناء الصحابة واحتراصهم على (¬1) ما سمعوه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو أوصاهم به، والعمل به في السفر والحضر وحالة الأمن والخوف، وفيه أن صلاة الضحى والنوافل المرتبة والمتعلقة بسبب تفعل في الحضر والسفر (ركعتي) بكسر الياء التي للتثنية لالتقاء الساكنين، وهو مجرور بدل من ثلاث (الضحى) فيه تسمية الصلاة باسم وقتها، وفيه فضيلة صلاة الضحى [وأنها ركعتان] (¬2). (وصوم) بالجر (ثلاثة أيام من كل شهر) (¬3) لفظه مطلق، والظاهر أن المراد منه أيام البيض. (وأن لا أنام إلا على وتر) فيه تقديم الوتر على النوم، وذلك مستحب لمن لا يثق على نفسه أنه يستيقظ آخر الليل، فإن وثق على نفسه فتأخير الوتر إلى (¬4) آخر الليل أفضل، ويحتمل أن يراد به أن يكون الوتر بين النومتين. [1433] (حدثنا عبد الوهاب بن نجدة) الحوطي (¬5) أبو محمد من أهل (¬6) جبلة الساحل، وثقه يعقوب بن شيبة (¬7) (حدثنا أبو اليمان) ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) من (ر). (¬3) بعدها في (ر): نسخة من الشهر. (¬4) من (ر). (¬5) في (ر): الحوضي. (¬6) من (ر). (¬7) "تهذيب الكمال" 18/ 520.

الحكم بن نافع البهرواني (¬1). (عن صفوان بن عمرو) بن هرم السكسكي (¬2)، أخرج له مسلم والأربعة. (عن أبي إدريس) لم يذكر اسمه [(السكوني) الشامي (¬3). (عن) جبير (¬4) (بن نفير] (¬5)، عن أبي الدرداء) عويمر بن عامر، وقيل: [اسم أبي الدرداء] (¬6) عامر بن مالك وعويمر لقب، كان آخر أهل داره إسلامًا، آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينه وبين سلمان الفارسي، شهد ما بعد أحد من المشاهد، وولي القضاء لمعاوية في خلافة عثمان - رضي الله عنه -. [(قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وآله وسلم بثلاث لا أدعهن] (¬7) لشيء) أي: لحدوث شيء من أمور الدنيا (أوصاني [بصيام ثلاثة] (¬8) أيام من كل شهر) فيه الحث على صيام ثلاثة أيام في كل شهر والحض عليها، فإنه لا يوصي بالمحافظة على عمل إلا له فيه جزيل الأجر وعظيم الثواب، ويدخل في عمومه من [صام يومًا] (¬9) من أوله و [يومًا من] (¬10) ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) في (ر): السكيكي. (¬3) وفي (م): الساحي. والمثبت من "التهذيب" 33/ 20. (¬4) وفي (م): جرير. والمثبت من "سنن أبي داود"، و"التهذيب" 33/ 20. (¬5) و (¬6) و (¬7) سقط من (ر). (¬8) في (ر): بثلاثة. (¬9) في (م): صيام. (¬10) في (م): يومين.

أوسطه ويومًا من آخره وغير ذلك. (وبأن لا أنام (¬1) إلا على وتر) وفيه تقديم الوتر (¬2) على النوم (¬3) لمن خاف أن لا يستيقظ آخر الليل (وبسبحة (¬4) الضحى) فيه أن صلاة [الضحى نافلة (في السفر والحضر]) (¬5) وفي وصيته عليها سفرًا وحضرًا مع ما (¬6) تقدم أنه (¬7) يقضيها إذا فاتت كما تقضى صلاة الوتر وغيرها. [1434] (حدثنا [محمد بن] (¬8) أحمد بن [أبي خلف]) (¬9) القطيعي شيخ مسلم. (حدثنا أبو زكريا يحيى بن إسحاق) البجلي (السيلحيني) بفتح السين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفتح اللام وكسر الحاء المهملة وسكون الياء الثانية وفي آخرها نون، هكذا ضبطه ابن السمعاني، وقال: نسبته إلى سيلحين قرية قديمة من سواد بغداد، سكنها أبو زكريا المذكور، قال: وكان ثقة، مات سنة عشر ومائتين (¬10). ¬

_ (¬1) في (م): ننام. (¬2) في (م): النوم. (¬3) في (م): الوتر. (¬4) بعدها في (ر): نسخة وبتسبيحة. (¬5) في (ر): النافلة. (¬6) من (ر). (¬7) في (م): ليلة. (¬8) سقط من (ر). (¬9) في (ر): خلف. ويقال ابن خلف. (¬10) "الأنساب" 3/ 387.

([حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن عبد الله بن] (¬1) رباح) بفتح الراء والباء الموحدة (عن (¬2) أبي قتادة) الحارث بن ربعي - رضي الله عنه -. (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بكر - رضي الله عنه -: متى توتر؟ قال] (¬3): أوتر) بضم الهمزة (من أول الليل) قبل أن أنام (وقال لعمر - رضي الله عنه -: متى توتر؟ قال: ) أوتر من (آخر الليل. فقال لأبي بكر - رضي الله عنه -: أخذ هذا بالحذر) بفتح الحاء المهملة والذال المعجمة أي: بالحزم والإثبات (¬4)، ويدل على أن المراد به الحزم ما رواه الإمام أحمد بإسناد رجاله ثقات، عن سعد بن أبي وقاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "الذي لا ينام (¬5) حتى يوتر (¬6) حازم" (¬7). (وقال لعمر - رضي الله عنه -: أخذ هذا بالقوة) وفي معنى هذا الحديث ما رواه البزار والطبراني في "الأوسط" عن أبي هريرة قال: سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر فقال (¬8): "كيف توتر؟ " قال: أوتر من أول الليل، فقال: "حذر كيس" ثم سأل عمر: "كيف توتر؟ " قال: من آخر الليل. قال: "قوي معان" (¬9). ¬

_ (¬1) و (¬2) سقط من (ر). (¬3) في (ر): قوله. (¬4) في (ر): الاتفاق. (¬5) في (ر): يوتر. (¬6) في (ر): لا ينام. (¬7) "مسند أحمد" 1/ 170. (¬8) سقط من (ر). (¬9) أخرجه البزار في "مسنده" (5384)، والطبراني في "المعجم الأوسط" (5063).

وروى الطبراني في "الكبير" عن عقبة بن عامر: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سأل أبا بكر: "متى توتر؟ " قال: أصلي مثنى مثنى ثم أوتر قبل أن أنام، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مؤمن حذر" فقال لعمر: "كيف توتر؟ " قال: أصلي مثنى مثنى [ثم أنام] (¬1) حتى أوتر من (¬2) آخر الليل، فقال [النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ] (¬3) ["مؤمن قوي" (¬4). وللبيهقي: قال لأبي بكر: "أخذ بالحزم والوثيقة" (¬5)] (¬6). ¬

_ (¬1) من (ر)، و"المعجم الكبير". (¬2) من (ر)، و"المعجم الكبير". (¬3) ساقطة من (ر). (¬4) "المعجم الكبير" 17/ 303 (838). (¬5) "السنن الكبرى" 3/ 35. (¬6) من (ر)، ومصادر التخريج.

8 - باب في وقت الوتر

8 - باب فِي وَقْتِ الوِتْرِ 1435 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قُلْتُ لِعائِشَةَ: مَتَى كانَ يُوتِرُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قالَتْ: كُلَّ ذَلِكَ قَدْ فَعَلَ أَوْتَرَ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَوَسَطَهُ وَآخِرَهُ ولكن انْتَهَى وِتْرُهُ حِينَ ماتَ إِلَى السَّحَرِ (¬1). 1436 - حَدَّثَنا هارُونُ بْن مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنا ابن أَبِي زائِدَةَ قال: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بادِرُوا الصُّبْحَ بِالوِتْرِ" (¬2). 1437 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُعاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَيْسٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: رُبَّما أَوْتَرَ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَرُبَّما أَوْتَرَ مِنْ آخِرِهِ. قُلْتُ: كَيْفَ كَانَتْ قِراءَتُهُ أَكَانَ يُسِرُّ بِالقِراءَةِ أَمْ يَجْهَرُ قَالَتْ: كُلَّ ذَلِكَ كَانَ يَفْعَلُ رُبَّما أَسَرَّ وَرُبَّمَا جَهَرَ وَرُبَّمَا اغْتَسَلَ فَنَامَ وَرُبَّمَا تَوَضَّأَ فَنَامَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وقَالَ غَيْرُ قُتَيْبَةَ: تَعْنِي فِي الجَنَابَةِ (¬3). 1438 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللهِ حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اجْعَلوا آخِرَ صَلاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا" (¬4). * * * باب في وقت الوتر [1435] (حدثنا أحمد بن) عبد الله بن (¬5) (يونس) اليربوعي (حدثنا أبو ¬

_ (¬1) رواه البخاري (996)، ومسلم (745). (¬2) رواه مسلم (750). (¬3) انظر ما سبق برقم (226). (¬4) رواه البخاري (472)، ومسلم (751). (¬5) من (ر).

بكر) قيل: اسمه شعبة (¬1)، وقيل غير ذلك، والصحيح أن اسمه كنيته (¬2) (بن عياش) بن سالم الأسدي الكوفي المقرئ الحناط (عن (¬3) الأعمش، عن مسلم) [أبي الضحى بن صبيح] (¬4) بن مسلم البطين. (عن مسروق قال: قلت لعائشة: متى (¬5) كان يوتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: (كل ذلك) أوقات الليل] (¬6) (قد فعل) رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. (أوتر أول الليل) [أي: بعد العشاء، ولفظ مسلم: من كل الليل قد أوتر (¬7)] (¬8) (و) أوتر (أوسطه و) أوتر (آخره) ليس للوتر وقت في الليل لا يجوز غيره؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أوتر كما قالت عائشة: من كل الليل، وقد اختلف السلف في ذلك، فروي عن أبي بكر وعثمان وأبي هريرة ورافع بن خديج أنهم كانوا يوترون أول الليل (¬9)، وروي عن عمر بن الخطاب وعلي [بن أبي طالب] (¬10) - رضي الله عنه - وابن مسعود وأبي الدرداء وابن عباس وابن عمر وغيرهم من التابعين أنهم كانوا يوترون آخر الليل (¬11). وأمره - عليه السلام - لأبي هريرة بالوتر قبل النوم فهو اختيار منه حين خشي أن يستولي عليه النوم، وأخذه بالثقة ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) في (م): كنهه. (¬3) في (ر): ثنا. (¬4) في (م): أبي الصحيح. (¬5) في (ر): كيف. (¬6) في (ر): كل رفع على القول أي كل الأوقات. (¬7) "صحيح مسلم" (745) (136). (¬8) من (ر). (¬9) "عمدة القاري" 7/ 14. (¬10) من (ر). (¬11) "عمدة القاري" 7/ 14.

والترغيب [آخر الليل] (¬1) لمن هو قوي عليه (¬2) ولم تكن عادته أن تغلبه عيناه. (ولكن انتهى وتره حين مات) أي: قارب الممات (إلى السحر) فصار آخر (¬3) الأمر يوتر وقت السحر. وفي "الموطأ" عن ابن عباس: نام ليلة ثم استيقظ وقال لغلامه: انظر ما صنع الناس - وكان قد ذهب بصره - فذهب الخادم [ثم رجع، ثم قال: انصرفوا من الصبح، فقام فأوتر ثم صلى الصبح (¬4). رواية أخرى عن معاذ مرفوعًا "زادني ربي صلاة وهي الوتر وقتها إلى طلوع الشمس" (¬5). وفيه عن عبادة أنه كان يؤم قومًا] (¬6) فخرج يومًا إلى الصبح فأقام المؤذن فأسكته حتى أوتر (¬7) ثم أقام (¬8). وسئل عبد الله (¬9) هل بعد الأذان وتر؟ قال: نعم. وحدث عن النبي صلى الله عليه وآله سلم أنه [نام يومًا] (¬10) [عن الصلاة] (¬11) حتى طلعت الشمس ثم صلى (¬12). [1436] (حدثنا هارون بن معروف) أبو علي الجزار الضرير (¬13) شيخ ¬

_ (¬1) و (¬2) سقط من (ر). (¬3) من (ر). (¬4) "الموطأ" 1/ 126. (¬5) أخرجه أحمد 5/ 242. (¬6) من (ر). (¬7) في (م): قام. (¬8) أخرجه مالك في "الموطأ" 1/ 126. (¬9) في الأصول الخطية: عبيد الله. والمثبت من مصادر التخريج. (¬10) في (ر): صلى الوتر. (¬11) سقط من (ر). (¬12) أخرجه النسائي في "المجتبى" 1/ 293، 3/ 231، والبيهقي في "الكبرى" 2/ 480. (¬13) في (م): المصري.

مسلم (حدثنا) يحيى بن زكريا (ابن أبي زائدة، ثنا عبيد الله بن عمر) بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب. (عن نافع، عن ابن عمر) رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: بادروا الصبح) قدم الصبح للاهتمام، والأصل فيه التأخير، والتقدير: بادروا أي: سابقوا (بـ) صلاة (الوتر) قبل أن يطلع فجر الصبح، ومقصود هذا الحديث الحث (¬1) على اغتنام الفرصة بالاجتهاد على صلاة الوتر قبل هجوم الصبح، وهكذا رواية الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح (¬2). ثم روى عن أبي سعيد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أوتروا قبل أن تصبحوا" (¬3)، ثم روى عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إذا طلع الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر، فأوتروا قبل طلوع الفجر" (¬4). قال: وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " [لا وتر] (¬5) بعد صلاة الصبح" (¬6). [قال: وهو قول غير واحد من أهل العلم، وبه يقول الشافعي (¬7) وأحمد وإسحاق (¬8) لا يرون الوتر بعد صلاة الصبح (¬9)] (¬10). انتهى. ولعل مراد مذهب الشافعي فعلها إذًا، وإلا (¬11) فقد تقدم أن ¬

_ (¬1) في (ر): الحض. (¬2) "جامع الترمذي" 2/ 331. (¬3) "جامع الترمذي" (468). (¬4) "سنن الترمذي" (469). (¬5) في (م): أوتروا. (¬6) في (ر): الليل. (¬7) "الأم" 1/ 262. (¬8) "مسائل أحمد وإسحاق رواية الكوسج" (302). (¬9) "جامع الترمذي" 2/ 333. (¬10) سقط من (ر). (¬11) من (ر).

المذهب قضاؤها، والأصح أنها تقضى أبدًا للحديث المتقدم: "من نام عن وتره أو نسيه فليصل إذا ذكره" (¬1). [1437] (حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث بن (¬2) سعد، عن معاوية بن صالح، عن عبد الله بن أبي قيس) ويقال ابن قيس، أبي الأسود البصري الحمصي (¬3) أخرج له مسلم والأربعة. (قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن وتر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت: ربما أوتر أول الليل) وذلك [في أول الأمر (وربما أوتر من آخره) وذلك في آخر عمره للحديث المتقدم] (¬4): انتهى وتره حين مات إلى السحر (¬5). (قلت: كيف كانت قراءته) في الليل (أكان يسر بالقراءة أم يجهر؟ قالت: كل ذلك كان يفعل صلى الله عليه وآله وسلم ربما أسر وربما جهر) ليجمع بين الفضيلتين، ففي كل منهما فضيلة فإذا كان في وقت القراءة [من يستمع قراءته] (¬6) وينتفع بسماعها ووجد نشاطًا لارتفاع صوته، فيرفع صوته ويجهر بالقراءة، وإن كان عنده نيام أو مصلين يتشوشون بقراءته فيسر. (وربما اغتسل) من الجنابة (فنام) بعد الاغتسال، وهو الأكثر (وربما توضأ فنام) قبل أن يغتسل من الجنابة، ولعل هذا فعله قليلًا لبيان الجواز، فإن الجنب يجوز (¬7) له أن ينام من غير غسل، لكن يندب له أن يتوضأ (¬8). ¬

_ (¬1) سبق تخريجه. (¬2) في (ر): عن. (¬3) و (¬4) من (ر). (¬5) سبق تخريجه. (¬6) سقط من (ر). (¬7) من (ر). (¬8) بياض في (ر). وزاد: أو يجامع ثانيًا.

(قال المصنف: قال غير [قتيبة) بن سعيد: وربما اغتسل (من الجنابة)] (¬1). [1438] (حدثنا أحمد [بن حنبل] (¬2)، ثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص قال (حدثني نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: اجعلوا آخر صلاتكم بالليل [وترًا) واحدًا، ويحتمل أن يكون مفعولًا] (¬3) فيه؛ لأن يجعل يتعدى إلى مفعول وإلى مفعولين. قال ابن بطال: اختلفوا في [وجوب الوتر، فقال أبو حنيفة: واجب (¬4)] (¬5) لهذا الأمر، وللحديث المتقدم: "الوتر حق، ومن لم يوتر فليس منا" (¬6). والجواب عن [قوله: إن الوتر حق، أي في السنة كما تقدم، ومعنى: "فليس منا" أي: ليس آخذًا (¬7) بسنتنا كما تقدم (¬8). وأما الجواب عن هذا الأمر فإنه ليس للإيجاب؛ لقرينة أن صلاة الليل ليست واجبة، فكذا آخرها، واختلفوا فيمن (¬9) أوتر [ثم نام] (¬10) ثم قام يتهجد هل يجعل آخر صلاته وترًا أم لا؟ فكان ابن عمر إذا عرض له ذلك صلى ركعة واحدة في ابتداء قيامه أضافها إلى وتره ¬

_ (¬1) بياض في (ر). وزاد: فقلت الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة. (¬2) سقط من (ر). (¬3) بياض في (ر). (¬4) "المبسوط" 1/ 308. (¬5) بياض في (ر). (¬6) سبق تخريجه. (¬7) في الأصول: آخذ. والجادة ما أثبتناه. (¬8) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 2/ 580 - 581. (¬9) في (م): في أمر. (¬10) من (ر).

ينقضه بها، ثم يصلي مثنى مثنى، ثم يوتر بواحدة (¬1)، روي ذلك عن سعد (¬2) وابن عباس (¬3) وابن مسعود وغيرهم (¬4)، وكانت طائفة لا ترى نقض الوتر، وروي عن الصديق أنه قال: أما أنا فإني لا أنام إلا على وتر، فإن استيقظت (¬5) صليت شفعًا حتى الصباح (¬6). وروي مثله عن عمار (¬7) وغيره. وقالت عائشة في الذي ينقض وتره: هذا يلعب بوتره (¬8). وقال الشعبي: أمرنا بالإبرام ولم نؤمر بالنقض (¬9). وكان لا يرى (¬10) نقض الوتر علقمة (¬11) ومكحول (¬12) والنخعي (¬13) والحسن (¬14)، وهو قول مالك (¬15)، والصحيح من مذهب الشافعي (¬16) ¬

_ (¬1) "مصنف ابن أبي شيبة" (6790)، والبيهقي في "الكبرى" 3/ 36. (¬2) في (م): ابن مسعود. (¬3) رواه ابن أبي شيبة (6789). (¬4) انظر: "شرح البخاري" لابن بطال 2/ 581. (¬5) في (م): أتيت بيقظة. (¬6) "مصنف عبد الرزاق" (4615). (¬7) "مصنف ابن أبي شيبة" (6789). (¬8) "مصنف ابن أبي شيبة" (6809)، ومصنف عبد الرزاق (4667). (¬9) "مصنف ابن أبي شيبة" (6810). (¬10) في (م): يذكر. (¬11) "مصنف ابن أبي شيبة" (6812). (¬12) "شرح البخاري" لابن بطال 2/ 581. (¬13) "مصنف ابن أبي شيبة" (6813). (¬14) "مصنف ابن أبي شيبة" (6811). (¬15) "الاستذكار" 5/ 279. (¬16) "الأم" 1/ 259.

وأحمد (¬1). وقال [ابن القاسم] (¬2): ذكر بعض أهل العلم أن في الحديث دلالة لقول من قال: إذا شفع وتره بركعة ساهيًا أنه يعيد وتره (¬3). وفي "المبسوط": فيمن أوتر ثم ظن أنه لم يصل إلا ركعتين فأوتر بركعة، ثم ظهر له أنه أوتر يعيد إليها أخرى (¬4)، ثم يستأنف الوتر لظاهر الحديث. ¬

_ (¬1) "مسائل أحمد وإسحاق رواية الكوسج" (301). (¬2) في (م): البر. وفي (ر): ذكر بعض أهل التين، والمثبت هو الصواب من "التاج والإكليل" 2/ 19. (¬3) "المدونة الكبرى" 1/ 213 - 214. (¬4) في (ر): واحدة.

9 - باب في نقض الوتر

9 - باب فِي نَقْضِ الوِتْرِ 1439 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا مُلازِمُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَدْرٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ قَالَ زارَنا طَلْقُ بْنُ عَلِيٍّ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَأَمْسَى عِنْدَنا وَأَفْطَرَ ثُمَّ قَامَ بِنا تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَأَوْتَرَ بِنا ثمَّ انْحَدَرَ إِلَى مَسْجِدِهِ فَصَلَّى بِأَصْحابِهِ حَتَّى إِذَا بَقِيَ الوِتْرُ قَدَّمَ رَجُلًا فَقَالَ: أَوْتِرْ بِأَصْحابِكَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لا وِتْرانِ فِي لَيْلَةٍ" (¬1). * * * باب في نقض الوتر [1439] (حدثنا مسدد، حدثنا ملازم) بضم الميم وكسر الزاي (بن عمرو) بن عبد الله بن بدر الحنفي السحيمي اليماني، وثقه أحمد وابن معين والنسائي (¬2) (حدثنا عبد الله بن بدر) بن (¬3) عميرة السحيمي بضم السين المهملة وفتح الحاء المهملة بعدها ياء مثناة وفي آخرها ميم نسبةً إلى سحيم بطن من بني حنيفة اليمامي، وثقه ابن معين وأبو زرعة وغيرهما (¬4) (عن قيس بن طلق) بن علي الحنفي، وثقه العجلي (¬5) (قال: زارنا) أبي (طلق بن علي) بن المنذر بن قيس بن عمرو [بن عبد الله بن عمرو] (¬6) بن عبد العزى (¬7) بن سحيم بن مرّة الحنفي أبو ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (470)، والنسائي 3/ 229، وأحمد 4/ 23. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (7567). (¬2) "تهذيب الكمال" 29/ 190. (¬3) في (م): عن. (¬4) "تهذيب الكمال" 14/ 324. (¬5) "تاريخ الثقات" للعجلي ترجمة (1396). (¬6) من (ر). (¬7) في (م): عبد العزيز.

علي اليمامي (¬1)، أحد الوفد الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعمل في بناء المسجد (في يوم من رمضان وأمسى عندنا وأفطر) عندنا (ثم قام بنا) صلاة التراويح (تلك الليلة وأوتر بنا) بعد التراويح (ثم انحدر إلى المسجد) الذي يصلي فيه (فصلى بأصحابه حتى إذا بقي الوتر قدم رجلًا) من المقتدين به (فقال: أوتر) بفتح الهمزة (بأصحابك) الذين صليت معهم (فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لا وتران في ليلة) معناه: أن من أوتر ثم صلى [بعد ذلك لا يعيد] (¬2) الوتر، لما تقدم عن الشعبي: أمرنا بالإبرام ولم نؤمر بالنقض (¬3). وذكر في "الإحياء" (¬4) أنه صح النهي عن نقض الوتر (¬5). قال العراقي: وإنما صح من قول عائذ بن عمرو، وله صحبة (¬6) كما رواه البخاري (¬7) من قول ابن عباس، وكما رواه البيهقي (¬8) (¬9). ¬

_ (¬1) في (م): اليماني. (¬2) في (م): لا يعيد ذلك. (¬3) سبق تخريجه. (¬4) في (م): بعض الأخبار. (¬5) "إحياء علوم الدين" 1/ 342. (¬6) في (م): فيه. (¬7) "صحيح البخاري" (4176). (¬8) "السنن الكبرى" 3/ 36. (¬9) "المغني عن حمل الأسفار" 1/ 323.

10 - باب القنوت في الصلوات

10 - باب القُنُوتِ فِي الصَّلَواتِ 1440 - حَدَّثَنا دَاوُدُ بْن أُمَيَّةَ، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ - يَعْنِي ابن هِشامٍ - حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قال: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: والله لأُقَرِّبَنَّ بِكُمْ صَلاةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقْنُتُ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنْ صَلاةِ الظُّهْرِ وَصَلاةِ العِشاءِ الآخِرَةِ وَصَلاةِ الصُّبْحِ فَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَلْعَنُ الكَافِرِينَ (¬1). 1441 - حَدَّثَنا أَبُو الوَلِيدِ وَمُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ وَحَفْصُ بْنُ عُمَرَ ح، وحَدَّثَنا ابن مُعاذٍ حَدَّثَنِي أَبِي قَالُوا كُلُّهُمْ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَن عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنِ ابن أَبِي لَيْلَى عَنِ البَراءِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقْنُتُ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ زَادَ ابن مُعاذٍ: وَصَلَاةِ المَغْرِبِ (¬2). 1442 - حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ، حَدَّثَنا الأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَنَتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي صَلاةِ العَتَمَةِ شَهْرًا يَقُولُ فِي قُنُوتِهِ: "اللَّهُمَّ نَجِّ الوَلِيدَ بْنَ الوَلِيدِ اللَّهُمَّ نَجِّ سَلَمَةَ بْنَ هِشامٍ اللَّهُمَّ نَجِّ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ فَلَمْ يَدْعُ لَهُمْ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: "وَمَا تَراهُمْ قَدْ قَدِمُوا" (¬3). 1443 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُعاوِيَةَ الجُمَحِيُّ، حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ هِلالِ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: قَنَتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَهْرًا مُتَتَابِعًا فِي الظُّهْرِ والعَصْرِ والمَغْرِبِ والعِشاءِ وَصَلاةِ الصُّبْحِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ إِذَا قَالَ: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ". مِنَ الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ يَدْعُو عَلَى أَحْياءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوانَ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (797)، ومسلم (676). (¬2) رواه مسلم (678). (¬3) رواه البخاري (4598)، ومسلم (675).

وَعُصَيَّةَ وَيُؤْمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ (¬1). 1444 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ وَمُسَدَّدٌ قالا: حَدَّثَنا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ هَلْ قَنَتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي صَلاةِ الصُّبْحِ فَقَالَ: نَعَمْ. فَقِيلَ لَهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَ الرُّكُوعِ قَالَ: بَعْدَ الرُّكُوعِ. قَالَ مُسَدَّدٌ: بِيَسِيرٍ (¬2). 1445 - حَدَّثَنا أَبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسِيُّ، حَدَّثَنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَنَتَ شَهْرًا ثُمَّ تَرَكَهُ (¬3). 1446 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا بِشْرُ بْنُ مُفَضَّلٍ، حَدَّثَنا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيِرينَ قال: حَدَّثَنِي مَنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - صَلاةَ الغَدَاةِ فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ قَامَ هُنَيَّةً (¬4). * * * باب القنوت في الصلاة [1440] (حدثنا داود بن أمية) الأزدي (حدثنا معاذ بن هشام) بن أبي عبد الله الدستوائي قال (حدثني أبي) هشام بن أبي (¬5) عبد الله، واسم أبي عبد الله سنبر ودستواء من نواحي الأهواز كان (¬6) يبيع الثياب الدستوائية، ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 301، وابن الجارود (198)، وابن خزيمة (618). وحسنه الألباني في "الإرواء" 2/ 163. (¬2) رواه البخاري (1001)، ومسلم (677/ 298). (¬3) رواه مسلم (677/ 304). (¬4) رواه النسائي 2/ 200، والدارقطني في "السنن" 2/ 37. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1300). (¬5) من (ر). (¬6) من (ر).

فنسب إليها (¬1) (عن يحيى بن أبي (¬2) كثير قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (حدثنا أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: والله لأقربنَّ) بفتح الباء الموحدة وتشديد نون التوكيد (بكم) يحتمل أن تكون الباء زائدة كقوله تعالى: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} (¬3) والتقدير: لأقربنكم إلى (صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) ويحتمل أن يكون التقدير: لأقربن صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليكم [أو لأتتبعن كما وجد بخط الدمياطي على حاشية الصحيح] (¬4). (فكان أبو هريرة - رضي الله عنه - يقنت في الركعة الأخيرة من (¬5) صلاة الظهر) أي: بعد رفع الرأس من ركوع (¬6) الركعة الأخيرة من صلاة الظهر (و) من (صلاة العشاء الآخرة (¬7) و) من (صلاة الصبح) بعدما يقول: سمع الله لمن حمده، فيه استحباب القنوت في جميع الصلوات المكتوبة للنازلة العامة أو الخاصة ببعضهم، حتى يستحب له ولغيره إذا كان منفردًا القنوت، والنازلة كالوباء والقحط والجراد والخوف. قال ابن بطال: فيه أن القنوت كان في صلاة الظهر وصلاة العشاء وصلاة الصبح ثم (¬8) ترك في الظهر والعشاء (¬9)، ولعل هذا مذهب ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 30/ 215 - 216، و"الأنساب" 2/ 538. (¬2) سقط من (ر). (¬3) النساء: 79. (¬4) من (ر). (¬5) زاد في (ر): بعد. (¬6) و (¬7) سقط من (ر). (¬8) من (ر)، و"شرح ابن بطال". (¬9) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 2/ 419.

مالك (¬1) وإلا فمذهب الشافعي يقنت في الجميع (¬2). قال الرافعي: وحديث قنوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يجهر به في جميع الصلوات (¬3). قال النووي: والصحيح أو الصواب استحباب الجهر، ففي "صحيح البخاري" في تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} (¬4) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جهر بالقنوت (¬5) في قنوت النازلة (¬6). (يدعو للمؤمنين ويلعن الكافرين) [أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي] (¬7) لفظ البخاري: ويلعن الكفار. وفي طريق أخرى للبخاري: سمى القبائل الملعونة (¬8). وفيه أن الدعاء على الكفار لا يفسد الصلاة واللعن هو الطرد والبعد عن رحمة الله تعالى. فإن قلت: كيف جاز اللعن وفيه تبعيد الكفار وإرادة إبقائهم على الكفر (¬9)؟ . ¬

_ (¬1) انظر "الاستذكار" 5/ 173 - 175. (¬2) "الأم" 2/ 424. (¬3) "الشرح الكبير" 1/ 519. (¬4) آل عمران: 128. (¬5) "صحيح البخاري" (4560). (¬6) "المجموع" 3/ 502. (¬7) من (ر). (¬8) "صحيح البخاري" (4090). (¬9) في (م): الكفار.

أجاب الكرماني: كان هذا قبل نزول آية {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} (¬1)، وصح أنه صلى الله عليه وآله وسلم ترك الدعاء عليهم (¬2). قال النووي: قال الغزالي (¬3) وغيره: لا يجوز لعن أحد من الكفار بعينه حيًّا كان أو ميتًا، إلا من علمنا بالنصوص أنه مات كافرًا كأبي لهب، ويجوز لعن طائفتهم كقولك: لعن الله الكفار (¬4). [1441] (حدثنا أبو الوليد) (¬5) هشام بن عبد الملك الطيالسي (ومسلم بن إبراهيم) الفراهيدي (وحفص بن عمر) الحوضي (و) عبيد الله (ابن معاذ) قال ابن معاذ (ثنا أبي) معاذ (¬6) بن معاذ (قالوا كلهم: حدثنا شعبة، عن (¬7) عمرو بن مرة، عن) عبد الرحمن (ابن أبي ليلى، عن البراء) بن عازب - رضي الله عنه - (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقنت في صلاة الصبح) قال أصحابنا: القنوت في الصبح مسنون لم يتركه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى فارق الدنيا (¬8). ¬

_ (¬1) آل عمران: 128. (¬2) سقط من (ر). (¬3) "إحياء علوم الدين" 3/ 124. (¬4) "شرح النووي على مسلم" 2/ 125. (¬5) زاد في (ر): قال المنذري: الصحيح أبو الوليد يكنى، وكذا وجدته في نسخة أخرى. . . . وهو تلميذ ابن الأعرابي بن داسة مكنى، والصحيح هو أبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، ذكره ابن الحجاج في الكنى، ونسبه ابن داسة إلى بلده من رواية كتاب أبي داود، فاعلمه. (¬6) من (ر). (¬7) في (م): بن. (¬8) "شرح النووي على مسلم" 5/ 176 - 177.

(زاد) عبيد (¬1) الله (ابن معاذ) في روايته: ويقنت في (صلاة المغرب) [م ت ن] (¬2) أي: لنازلة تنزل بالمسلمين. [1442] (حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم) بن عمرو بن ميمون دحيم الدمشقي قاضي الأردن وفلسطين، شيخ البخاري. (حدثنا الوليد) بن [مسلم (ثنا الأوزاعي، ثنا (¬3) يحيى بن أبي كثير) قال (حدثني أبو] (¬4) سلمة بن عبد الرحمن، [عن أبي هريرة - رضي الله عنه -] (¬5) قال: قنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صلاة العتمة) بفتح العين (¬6) يعني العشاء، ذكر النووي أن المحققين من أصحابنا والشافعي في "الأم" (¬7) قالوا: يستحب ألا يسمي العشاء عتمة (¬8)؛ لما في "صحيح البخاري" (¬9) من (¬10) النهي عن تسمية العشاء عتمة، وعزى القول بالكراهة إلى طائفة قليلة (¬11) (شهرًا) ثلاثين صباحًا (¬12) كما في رواية ¬

_ (¬1) في (م): عبد. (¬2) من (ر). (¬3) زاد في (م): بن. (¬4) سقط من (ر). (¬5) في (ر): بن عوف. (¬6) في (ر): التاء. (¬7) في (م): الإمام. (¬8) "المجموع" 3/ 41. (¬9) "صحيح البخاري" باب ذكر العشاء والعتمة. (¬10) من (ر). (¬11) "المجموع" 3/ 41. (¬12) في (م): يومًا.

البخاري (¬1) (يقول في قنوته) بعد الرفع من الركوع: (اللهم نجِّ) بتشديد الجيم يقال: نج وأنج لغتان مشهورتان (الوليد بن الوليد) [بن المغيرة] (¬2) هو أخو خالد بن الوليد أسر يوم بدر كافرًا، ففدي بأربعة آلاف درهم، وكان الذي أسره عبد الله ابن جحش، فلما افتدي أسلم فذهبوا به إلى مكة [فحبسوه بها] (¬3)، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو له (¬4) في القنوت، ثم إنه نجا وتوصل إلى المدينة ثم مات بها في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. (اللهم نجِّ سلمة) بفتح اللام (بن هشام) المخزومي أخو أبو جهل بن هشام قديم الإسلام، وكان من خيار الصحابة، وهاجر إلى الحبشة ثم قدم مكة فمنعوه من الهجرة واحتبسوه بمكة (¬5) وعذبوه في الله - عز وجل -، فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو له في القنوت، ثم هاجر بعد الخندق وشهد مؤتة واستشهد بمرج الصفر بضم الصاد المهملة وبتشديد الفاء، وقيل: بأجنادين. (اللهم نج المستضعفين من المؤمنين) وهم قومٌ من أهل مكة أسلموا فاستضعفهم أهل مكة ففتنوهم وعذبوهم، وبعد ذلك [نجوا منهم] (¬6) وهاجروا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، واستجيب دعاء النبي ¬

_ (¬1) في (ر): ثنا الوليد بن مسلم، ثنا الأوزاعي، قال: ثنا يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة. قال: كان رسول الله. وتقدمت هذِه العبارة قريبًا. (¬2) من (ر). (¬3) سقط من (ر). (¬4) و (¬5) و (¬6) سقط من (ر).

- صلى الله عليه وسلم - لهم (اللهم اشدد وطأتك) بفتح الواو وإسكان الطاء وبعدها همزة، وهي البأس والإيقاع بهم والعقوبة لهم، والوطء في الأصل الدوس بالقدم وبقوائم الخيل والإبل فسمي به [القتل والهلاك] (¬1)؛ لأن من يطأ على الشيء برجله أو تطؤه الخيل بقوائمها فقد استقصى في هلاكه وإهانته. ومعنى (اشدد وطأتك على مضر) أي: خذهم أخذًا شديدًا (¬2). قال في "النهاية": وكان حماد بن سلمة يرويه: "اللهم اشدد وطدتك (¬3) على مضر" والوطد (¬4) الإثبات والغُمْز (¬5) (¬6) (على (¬7) مضر) قبيلة معروفة (¬8) سميت بذلك؛ لشدتها. (اللهم اجعلها عليهم سنين كسني) [بكسر السين وتخفيف الياء الساكنة] (¬9) (يوسف) ومعنى سني يوسف: الجدب والقحط. أي: اجعلها عليهم سنين شداد ذوات قحط وغلاء كسني يوسف التي قال الله فيها: {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48)} (¬10) واستجاب الله تعالى [دعاءه وأخذوا بسبع] (¬11) شداد ¬

_ (¬1) في (م): العدو الحملال. (¬2) سقط من (ر). (¬3) في (م): وطأتك. (¬4) في (م): والطء. (¬5) في (ر): الوطد. (¬6) "النهاية في غريب الأثر" (وطأ). (¬7) سقط من (م). (¬8) في (م): معه وقد. (¬9) من (ر). (¬10) يوسف: 48. (¬11) في (م): دعاء واحدًا وسبع.

أكلوا فيها كل شيء حتى أكلوا الميتة والعظام (¬1)، وكان الواحد منهم يرى بينه وبين السماء دخانًا من شدة الجوع والضعف، حتى جاء أبو سفيان فكلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فدعا لهم فسقوا وأخصبوا. [(قال أبو هريرة - رضي الله عنه - وأصبح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم فلم يدع لهم) في القنوت] (¬2) ([فذكرت ذلك] (¬3) له) فيه تذكير الأمير وكبير القواد (¬4) إذا ترك شيئًا كان يعتاد فعله؛ لاحتمال أن يكون تركه ناسيًا (¬5)، أو ليعلم الحكم في ذلك (فقال: وما) يحتمل أن يكون فيه استفهام إنكار محذوف تقديره أو ما (تراهم) كقول الكميت: طربت وما شوقًا إلى البيض أطرب] ... ولا لعب مني وذو الشيب يلعب (¬6) (قد) نجوا من أهل مكة و (قدموا) [بكسر الدال المخففة] (¬7) علينا. [1443] (حدثنا عبد الله بن معاوية) بن موسى (الجمحي) بضم الجيم وفتح الميم بعدها حاء مهملة نسبةً إلى بني جمح بطن من قريش (¬8). ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬9). ¬

_ (¬1) في (م) الإطعام. (¬2) سقط من (ر). (¬3) في (م): فذكر. (¬4) في (ر): القوم. (¬5) في (ر): نسيانًا. (¬6) "الهاشميات" للكميت ص 36، وانظر: "الخصائص" 2/ 281. (¬7) من (ر). (¬8) "اللباب في تهذيب الأنساب" 1/ 291. (¬9) "الثقات" 8/ 359.

(حدثنا ثابت بن يزيد) الأحول ([عن هلال] (¬1) ابن خباب) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة الأولى أبي (¬2) العلاء وثقه [ابن معين] (¬3) (¬4). (عن عكرمة، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شهرًا متتابعًا) يقنت (في) صلاة (الظهر والعصر والمغرب والعشاء وصلاة الصبح [في دبر] (¬5) كل صلاة) ثم فسر الدبر فقال (إذا قال سمع الله لمن حمده [رفع رأسه] (¬6) من الركعة الآخرة يدعو على أحياء من بني سليم) بضم السين، ثم فسرهم فقال: (على رِعْل) بكسر الراء وسكون العين المهملتين ثم لام (وذكوان) بفتح الذال المعجمة (¬7) وسكون الكاف بعدها واو وألف، ثم نون (وعصية) بضم العين وفتح الصاد المهملتين وتشديد الياء آخر الحروف وفتحها وتاء تأنيث بعدها. وهذِه القبائل كلها أحياء من بني سليم كما تقدم، وهكذا بنو لحيان (¬8)، وهؤلاء كانوا استمدوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [على عدوهم] (¬9) فأمدهم بسبعين من الأنصار كنا نسميهم القراء في ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) في (م): ابن. (¬3) من (ر). (¬4) "تاريخ ابن معين" برواية الدوري (843). (¬5) في (م): ذكر. (¬6) من (ر). (¬7) في الأصول الخطية: الدال المهملة. والمثبت من "معجم قبائل العرب" 1/ 404. (¬8) في (ر): طيان. (¬9) من (ر).

زمانهم (¬1) كانوا يحتطبون (¬2) بالنهار ويصلون بالليل حتى كانوا ببئر معونة قتلوهم وغدروا بهم، فبلغوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقنت شهرًا يدعو في الصبح عليهم. هكذا رواه البخاري (¬3) (ويؤمِّن) بفتح الهمزة وتشديد الميم المكسورة (من خلفه) من المقتدين (¬4) على دعائه، وفيه [دليل على] (¬5) أنه يستحب للمأموم أن يؤمِّن على دعاء الإمام في القنوت، وكذا في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعده، وجزم بإلحاقه به (¬6) الطبري شارح "التنبيه"، ويجهر بالتأمين [كما يجهر بالتأمين] (¬7) في الفاتحة. [1444] (حدثنا سليمان بن حرب ومسدد قالا: حدثنا حماد) بن زيد (عن أيوب، عن محمد) بن سيرين (عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه سئل: هل قنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صلاة الصبح؟ قال: نعم، فقيل له: بعد الركوع أو قبل الركوع؟ (¬8) قال: بعد الركوع) وورد في البخاري وغيره أنه قنت قبل الركوع (¬9). ¬

_ (¬1) في (م): إتيانهم. (¬2) في (ر): يحفظون. (¬3) "صحيح البخاري" (3064). (¬4) في (ر): المقنتين. (¬5) من (م). (¬6) في (م): بهم. (¬7) من (ر). (¬8) زاد في (ر): ثنا حماد بن زيد. (¬9) "صحيح البخاري" (3170)، و"صحيح مسلم" (677)، والدارمي في "سننه" (1596)، وأحمد 3/ 167.

وفي البخاري: قال عبد العزيز: فسأل رجل أنسًا عن القنوت قبل الركوع (¬1) أو عند فراغه من القراءة؟ قال: لا عند فراغه من القراءة (¬2). لكن قال البيهقي وغيره: رواة (¬3) القنوت بعده أكثر وأحفظ، [وعليه درج الخلفاء الراشدون، فهو أولى] (¬4)، فلو قنت قبله قال في "الروضة": لم يجزه على الصحيح وسجد للسهو على الأصح المنصوص (¬5). (قال مسدد) بعد الركوع (بيسير) يشبه أن يكون التقدير بعد الركوع بزمن يسير. وروى الحاكم في "الكنى" عن الحسن البصري قال: صليت خلف ثمانية وعشرين بدريًّا كلهم يقنت في الصبح بعد الركوع. قال الأثرم: قلت لأحمد: أيقول أحد في حديث أنس أنه قنت قبل الركوع غير عاصم الأحول؟ قال: لا يقوله غيره، وخالفوه (¬6) كلهم هشام عن قتادة، والتيمي عن أبي مجلز وأيوب عن ابن سيرين - رضي الله عنهم - (¬7). [1445] (حدثنا أبو الوليد [الطيالسي، حدثنا حماد بن سلمة، عن أنس بن سيرين (¬8)، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: أن النبي صلى الله عليه وآله ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) "صحيح البخاري" (4088). (¬3) في (ر): رواية. (¬4) في (م): اعتمدوا. (¬5) في (ر): المنقول. وانظر: "روضة الطالبين" 1/ 255. (¬6) في (ر): وعاصم وثقوه. (¬7) "تلخيص الحبير" 1/ 445 - 446. (¬8) في (م): بشير. والمثبت من "سنن أبي داود".

وسلم قنت] (¬1) شهرًا) يدعو عقب (¬2) الصلاة (ثم تركه) قال الرافعي: أما ما عدا الصبح من الفرائض فإن نزل بالمسلمين نازلة من وباء أو قحط أو عطش فيقنت في الصلوات الخمس في الاعتدال من ركوع الآخرة كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث بئر معونة وإن لم تنزل نازلة فالأصح أنه لا يقنت؛ لأنه صلى الله عليه وآله وسلم ترك القنوت فيها (¬3) لما في الصحيحين عن أبي هريرة: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [يقول حين يفرغ] (¬4) من صلاة الفجر. . [فذكر الحديث] (¬5). وفيه: ثم رأيته ترك الدعاء عليهم (¬6). وفي الصحيحين عن أنس: قنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شهرًا بعد الركوع يدعو على أحياء من العرب، ثم تركه (¬7). وجمع بينهما من أثبت القنوت بأن المراد ترك الدعاء على الكفار لا أصل القنوت (¬8). وروى البيهقي مثل هذا الجمع عن عبد الرحمن بن مهدي بسند صحيح (¬9). [1446] (حدثنا مسدد، ثنا بشر بن المفضل، ثنا يونس بن عبيد) بن دينار العبدي القيسي البصري. ¬

_ (¬1) في (ر): هشام الطيالسي قال: قنت النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬2) في (م): قيب. (¬3) "الشرح الكبير" 1/ 517. (¬4) في (م): يقرن. (¬5) سقط من (ر). (¬6) "صحيح مسلم" (675) (295). (¬7) "البخاري" (4089)، ومسلم (677) (304) ولكن البخاري بدون لفظ "ثم تركه". (¬8) "المجموع" 3/ 502. (¬9) "السنن الكبرى" للبيهقي 2/ 201.

(عن محمد بن سيرين قال: حدثني من صلى مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاة الغداة) فيه جواز تسمية صلاة (¬1) الصبح غداة. قال الأوزاعي (¬2): الأولى أن لا تسمى صلاة الصبح صلاة الغداة، وقيل: يكره ([فلما رفع رأسه من] (¬3) الركعة (¬4) الثانية) لفظ النسائي عن ابن سيرين: حدثني بعض من صلى مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة الصبح (¬5) قال: "سمع الله لمن حمده" في الركعة الثانية (¬6). (قام هنية) بضم الهاء [وفتح النون وتشديد الياء] (¬7) من غير همز تصغير هنة، أصلها هنوة فلما صغرت هنيوة (¬8) واجتمعت واو وياء سبقت (¬9) إحداهما بالسكون فوجب قلب الواو ياء (¬10) فاجتمعت ياءان فأدغمت إحداهما في الأخرى فصارت هنية. قال النووي: ومن همزها فقد أخطأ، ورواه بعضهم هنيهة (¬11) وهو ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) في (ر): الأذرعي. (¬3) في (ر): ولهذا أثبته في. (¬4) في (م): ركوع. (¬5) زاد في (ر)، (م): فلما رفع رأسه من الركعة الثانية. وهي زيادة مقحمة ليست في لفظ النسائي. ومكان هذِه العبارة قبل ذلك في موضعها الصحيح. (¬6) "المجتبى" 2/ 200. (¬7) في (ر): وتشديد النون. (¬8) من (ر). (¬9) سقط من (ر). (¬10) من (ر). (¬11) في (ر): هنية.

صحيح أيضًا (¬1)، والمراد به قليل من الزمان، وفيه دليل على عدم تطويل القنوت. قال الخوارزمي من أصحابنا: يكره [إطالة القنوت] (¬2)، والرافعي لم يصرح بالكراهة بل صحح أن التطويل بالقنوت لا يكون مبطلًا (¬3)، وحينئذٍ فيكون التطويل إما مكروهًا وإما مبطلًا. قال القاضي حسين: لو طول القنوت زائد على العادة كره، وفي البطلان احتمالان (¬4). ¬

_ (¬1) "شرح النووي على مسلم" 5/ 96. (¬2) في (م): إطالته. وانظر: "المجموع" 3/ 499. عن البغوي. (¬3) "الشرح الكبير" 2/ 67. (¬4) "مغني المحتاج" 1/ 167.

11 - باب في فضل التطوع في البيت

11 - باب فِي فَضْلِ التَّطَوُّعِ فِي البَيْتِ 1447 - حَدَّثَنا هارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ البَزّازُ، حَدَّثَنا مَكِّيُّ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ - يَعْنِي ابن سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ - عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ أَنَّهُ قَالَ: احْتَجَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي المَسْجِدِ حُجْرَةً فَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْرُجُ مِنَ اللَّيْلِ فَيُصَلِّي فِيها قَالَ: فَصَلَّوْا مَعَهُ بِصَلاتِهِ - يَعْنِي رِجالًا - وَكَانُوا يَأْتُونَهُ كُلَّ لَيْلَةٍ حَتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَةً مِنَ اللَّيالِي لَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَتَنَحْنَحُوا وَرَفَعُوا أَصْواتَهُمْ وَحَصَبُوا بَابَهُ - قَالَ - فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُغْضَبًا فَقَالَ: "يا أَيُّها النَّاسُ ما زالَ بِكُمْ صَنِيعُكُمْ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنْ سَتُكْتَبَ عَلَيْكُمْ فَعَلَيْكُمْ بِالصَّلاةِ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ خَيْرَ صَلاةِ المَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الصَّلاةَ المَكْتُوبَةَ" (¬1). 1448 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، أَخْبَرَنا نافِعٌ، عَنِ ابن عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلاتِكُمْ وَلا تَتَّخِذُوها قُبُورًا" (¬2). * * * باب في فضل (¬3) التطوع في البيت [1447] (حدثنا هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي (البزاز) [بزاءين معجمين] (¬4) شيخ مسلم (ثنا مكي بن إبراهيم) [بن بشير بن يزيد] (¬5) (ثنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند) الفزاري أبو بكر المدني، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6113)، ومسلم (781). (¬2) سبق برقم (1043). (¬3) من (ر). (¬4) بياض في (ر). (¬5) من (ر).

(عن أبي النضر) بالضاد المعجمة سالم بن أبي أمية المدني، مولى عمر بن عبد الله (¬1) (عن بسر بن سعيد، عن [زيد بن] (¬2) ثابت أنه قال: احتجر) بفتح التاء (¬3) والجيم بعدهما مهملة (رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حجرة) ولمسلم: حجيرة - بالتصغير - بخصفة أو حصير (¬4)، كذا لمسلم، والخصفة بفتح الخاء (¬5) المعجمة والصاد المهملة شيء ينسج من خوص (¬6)، ومعنى احتجر حجرة، أي: حوط موضعًا من المسجد بحصير أو خوص منسوج ليستره من الناس حين يصلي فيه ولا يمر بين يديه مار [ولا يتهوس بغيره ويتأثر خشوعه وفراغ قلبه] (¬7)، وفيه دليل على جواز مثل هذا إذا لم يكن فيه تضييق على المصلين ونحوهم ولم يتخذه دائمًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يحتجرها بالليل ليصلي فيها وينحيها بالنهار ويبسطها. (فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخرج من) بيته من (الليل فيصلي فيها) فيه جواز النافلة في المسجد. ([قال: فصلوا معه بصلاته رجالا]) (¬8) لفظ مسلم: فتتبع إليه رجال وجاؤوا يصلون بصلاته (¬9)، وفي رواية له: ¬

_ (¬1) في (ر): عبيد الله. (¬2) من (ر). (¬3) في (ر): الحاء. (¬4) "صحيح مسلم" (781) (213). (¬5) من (ر). (¬6) في (م): خصوص. (¬7) في (م): يهوس لغيره ويتوفر خشية وفرغ عليه قلبه. (¬8) سقط من (ر). (¬9) "صحيح مسلم" (781).

كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حصير وكان يحجره بالليل فيصلي فيه، فجعل الناس (¬1) يصلون بصلاته [ويبسطه بالنهار (¬2)، وفيه مشروعية] (¬3) الجماعة في غير المكتوبة، وجواز الاقتداء بمن لم ينو الإمامة. ([وكانوا يأتونه كل ليلة) يصلون بصلاته] (¬4) (حتى إذا كان) ذا الحال في (ليلة) بالنصب [ويجوز الرفع أيضًا. (من] (¬5) اليالي لم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتنحنحوا (¬6) ورفعوا أصواتهم وحصبوا بابه) أي: رموه بالحصا وهي الحصا الصغار تنبيهًا له، وظنوا أنه نسي القيام، وحرصًا. على [الخروج إليهم] (¬7) (فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مغضبًا) بفتح الضاد، أي: أغضبه صنعهم (فقال: أيها الناس، ما زال بكم صنيعكم) بالرفع (¬8) هذا مستمرًا (حتى ظننت أن) لفظ مسلم: "ظننت (¬9) أنه" (سيكتب) يفترض (¬10) (عليكم) فيه ترك بعض المصالح لخوف مفسدة أعظم من ذلك وهو خوف (¬11) أن تكتب عليهم فيعجزوا عنها، وفيه بيان ما كان عليه النبي من الشفقة على أمته ومراعاة مصالحهم، وهكذا يكون أمير القوم يراعي مصالح الرعية، وينظر لهم بما فيه الرفق بهم والإحسان إليهم. ¬

_ (¬1) بعدها في (ر): الرجال. (¬2) "صحيح مسلم" (782). (¬3) في (م): مستدعا. (¬4) سقط من (ر). (¬5) في (م): ثم. (¬6) في (ر): فتيحيوا. (¬7) و (¬8) من (ر). (¬9) سقط من (ر). (¬10) من (ر). (¬11) سقط من (ر).

(فعليكم بالصلاة في بيوتكم) فيه الحث (¬1) على النافلة في البيوت ليكثر الخير فيها، وتعمر بذكر الله تعالى وبطاعته، ويحصل لأهله الثواب والبركة ويكون سترًا (¬2) لتنفله وتقربه إلى الله تعالى، (فإن خير صلاة المرء في بيته) استدل به مالك (¬3) وبعض الشافعية على أن قيام رمضان لمن (¬4) قوي عليه في البيت أفضل وأحب إلينا (¬5)، واحتج من قال: إن التراويح في المسجد أفضل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما ترك القيام في المسجد (¬6) خشية أن يفرض عليهم كما علل به في الحديث، وقد أمن (¬7) هذا بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولهذا (¬8) قال بعضهم: [يحتمل أن يكون الله أوحى إليه أنه إن واصل على] (¬9) الصلاة معهم فرضها الله عليهم، ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وآله وسلم ظن ذلك من قبل نفسه، وهذا قد أمن بعد موته صلى الله عليه وآله وسلم، وعن إسماعيل بن زياد (¬10) قال (¬11): مر علي (¬12) على المساجد وفيها القناديل (¬13) في شهر رمضان فقال: نور الله على عمر قبره كما نور علينا مساجدنا (¬14). رواه الأثرم. ¬

_ (¬1) في (م): دليل. (¬2) في (ر): أشعر. (¬3) "المدونة" 1/ 287. (¬4) في (ر): على من. (¬5) "شرح النووي على مسلم" 6/ 39. بمعناه. (¬6) سقط من (ر). (¬7) في (م): نهي. (¬8) في (م): ولعل. (¬9) في (ر): إن الله أوحى إليه أن واصل. (¬10) في (م): زيد. (¬11) سقط من (ر). (¬12) من (ر)، ومصادر التخريج. (¬13) في (م): العباد. (¬14) أخرجه ابن عبد البر في "التمهيد" 8/ 119، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 44/ 280.

(إلا الصلاة المكتوبة) فإنها في مساجد الجماعات أفضل، ففي "صحيح مسلم": "إذا قضى أحدكم صلاته في مسجده (¬1) فليجعل لبيته من صلاته؛ فإن الله تعالى جاعل [في بيته من صلاته] (¬2) خيرًا" (¬3). قال القاضي أبو الطيب في كتاب النذر: لو أخفى صلاة النفل (¬4) كان أفضل من صلاتها في البيت. [1448] (حدثنا مسدد، ثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) ابن عبد الله. (أنا نافع، عن ابن عمر) رضي الله عنهما (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم) (من) هنا للتبعيض يعني به النوافل بدليل الحديث المذكور "إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيبًا من صلاته". (ولا تتخذوها قبورًا) أي: لا تصيروها كالقبور التي ليست فيها صلاة، ووجهه أن أهل (¬5) البيت الذين لم يذكروا الله بنوم أو غفلة فهم بمنزلة الموتى والبيت بمنزلة القبر، ففي الحديث حذف، أي: ولا تتخذوها كالقبور [أو شبه القبور التي ليس يصلى] (¬6) فيها وهذا من التشبيه ¬

_ (¬1) في (ر): المسجد. (¬2) في (م): من صلاته في بيته. (¬3) "صحيح مسلم" (778). (¬4) بياض في (ر)، ووقع في (م): في الفضل. (¬5) سقط من (ر). (¬6) بياض في (ر).

البديع حيث شبه البيت الذي لا يصلى فيه بالقبر الذي لا تتأتى فيه من ساكنه (¬1) عبادة لا صلاة ولا غيرها، وشبه النائم ليله كله بالميت في قبره، وهذا كله [على من حمل] (¬2) الصلاة على النافلة، وهو مذهب البخاري وغيره (¬3)، وقال آخرون: هذا (¬4) الحديث إنما ورد في الفريضة، و (من) للتبعيض، أي: اجعلوا بعض صلاتكم المفروضة في بيوتكم ليقتدي بكم أهلوكم ومن لا يخرج إلى المسجد منهم، ومن يلزمكم تعليمهم لقوله تعالى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} الآية (¬5)، ومن صلى في بيته جماعة فقد أصاب (¬6) سنة الجماعة وفضلها. ¬

_ (¬1) في (ر): صاحبه. (¬2) في (ر): من أهل. (¬3) من (ر). (¬4) من (ر). (¬5) التحريم: 6. (¬6) في (م): فات.

12 - باب

12 - باب 1449 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابن جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي عُثْمانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمانَ، عَنْ عَليٍّ الأَزْدِيِّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُبْشِيٍّ الخَثْعَمِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ: أَيُّ الأَعْمالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "طُولُ القِيامِ". قِيلَ: فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ قَالَ: "جُهْدُ المُقِلِّ". قِيلَ: فَأَيُّ الهِجْرَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "مَنْ هَجَرَ ما حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ". قِيلَ فَأَيُّ الجِهادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "مَنْ جَاهَدَ المُشْرِكينَ بمالِهِ وَنَفْسِهِ". قِيلَ: فَأَيُّ القَتْلِ أَشْرَفُ؟ قَالَ: "مَنْ أُهْرِيقَ دَمُهُ وَعُقِرَ جَوادُهُ" (¬1). * * * باب [1449] ([حدثنا أحمد بن حنبل] (¬2)، حدثنا حجاج) بن محمد الأعور الهاشمي [(قال: قال) عبد الملك (ابن جريج) قال: (حدثني] (¬3) عثمان بن أبي سليمان) بن جبير بن مطعم قاضي مكة، أخرج له مسلم (عن علي) بن نصر (الأزدي، عن [عبيد بن] (¬4) عمير) الليثي (¬5) قاضي مكة، (عن عبد الله بن (¬6) حبشي) بضم الحاء المهملة وسكون الموحدة (الخثعمي) نزيل مكة - رضي الله عنه - الصحابي (أن رسول الله ¬

_ (¬1) رواه النسائي 5/ 58، وأحمد 3/ 411، والدارمي (1464). وصححه الألباني في "المشكاة" (3833). (¬2) سقط من (ر). (¬3) في (ر): ثنا أحمد بن. (¬4) سقط من (ر). (¬5) في (ر): ليس. (¬6) من (ر).

صلى الله عليه وآله وسلم سئل: أي الأعمال أفضل؟ قال: طول القيام) والقيام تفسير (¬1) القنوت في رواية مسلم عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل: أي الصلاة (¬2) أفضل؟ قال: "طول القنوت" (¬3). وقد استدل به على أن تطويل القيام أفضل من تطويل الركوع والسجود، وتطويل السجود أفضل من باقي الأركان غير القيام [وهو الأصح] (¬4). وقال إسحاق بن راهويه: أما في النهار (¬5) فتطويل الركوع والسجود أفضل، وأما بالليل فتطويل القيام أفضل [إلا أن يكون للرجل جزء في الليل فتكثير الركوع والسجود أفضل] (¬6) (¬7)؛ لأنه [يقرأ جزأه] (¬8) ويربح كثرة الركوع والسجود. ودليلنا على الأصح أن المنقول عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يطول القيام [أكثر من الركوع والسجود] (¬9)، وأن ذكر القيام القراءة، وهي أفضل من ذكر الركوع والسجود. (قيل: فأي الصدقة أفضل؟ قال: جهد) بضم الجيم (المقل) أي: قدر ما يحتمله حال القليل المال. قال في "النهاية": قد تكرر لفظ الجهد، ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ر): الأعمال. (¬3) "صحيح مسلم" (756). (¬4) من (ر). (¬5) في (م): القيام. (¬6) سقط من (ر). (¬7) "مسائل أحمد وإسحاق" برواية الكوسج (307). (¬8) في (م): اجزوه. (¬9) سقط من (ر).

والجهد في الحديث كثير، وهو بالضم: الطاقة والوسع، وبالفتح: المشقة، فبالضم لا غير: "جهد المقل"، ومن المفتوح: "اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء" (¬1) أي: الحالة الشاقة (¬2). وروى النسائي والحاكم وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحه" واللفظ له عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "سبق درهم مائة ألف درهم" فقال رجل: وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال: "رجل له مال كثير أخذ (¬3) من عرضه مائة ألف (¬4) تصدق بها ورجل ليس له إلا (¬5) درهمان فأخذ أحدهما فتصدق به" (¬6). (قيل: فأي الهجرة أفضل؟ ) الهجرة في الأصل الاسم من الهجر ضد الوصل، وقد هجره هجرًا وهجرانًا، ثم غلب على الخروج من أرضٍ إلى أرض، وترك الأولى لله تعالى طلبًا لتحصيل الأجر في الثانية، وكانت الهجرة بأن يأتي الرجل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويدع أهله وماله ووطنه، [فلما فتحت مكة صارت دار إسلام كالمدينة وانقطعت الهجرة، فلما انقطعت الهجرة بأن يهجر أهله وماله ووطنه] (¬7). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6347)، ومسلم (2707). (¬2) "النهاية" (جهد). (¬3) من (ر). (¬4) زاد في (ر): درهم. (¬5) من (ر). (¬6) أخرجه النسائي في "المجتبى" 5/ 59، والحاكم في "المستدرك" 1/ 416، وابن خزيمة (2443)، وابن حبان (3347). (¬7) سقط من (ر).

(قال) أفضل الهجرة (من هجر) أي: من ترك (ما حرم الله تعالى عليه) من المحرمات كلها القولية والفعلية وغيرهما خوفًا من الله تعالى، ومن عقابه وأليم عذابه. (قيل: فأي الجهاد أفضل؟ قال: من جاهد المشركين) أي: قاتلهم (بماله) أولًا فيما ينفقه من شراء آلات الجهاد ومركوب وزاد وغير ذلك مما يحتاج إليه (ونفسه) إذا قابل العدو، وأصل الجهاد مجاهدة (¬1) النفس في الإخلاص والاجتهاد، وهو بذل الوسع والطاقة (قيل: فأي القتل أشرف؟ قال: من أهريق) بضم الهمزة، وفتح الهاء، والهاء بدل من همزة راق، يقال: أراق الماء يريقه، وأهراق الماء يهريقه بفتح الهاء، ويقال فيه: أهرقت الماء فيجمع بين البدل والمبدل منه (¬2) وقد جاء في هذا اللفظ (أهريق) مبنيًّا لما لم يسم فاعله و (دمه) منصوب، أي: يهريق هو (¬3) دمه، قال في "النهاية": وهو منصوب على التمييز وإن كان معرفة، وله نظائر، أو يكون أجرى أهريق مجرى نفست المرأة غلامًا ونتج الفرس مهرًا (¬4). والمراد أنه أفضل الجهاد. (وعقر) أصل العقر ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف وهو قائم، وفي حديث سلمة بن الأكوع: فما زلت أرميهم وأعقرهم (¬5) أي: أقتل ¬

_ (¬1) في (م): من هذِه. (¬2) في (ر): دمه. (¬3) من (ر). وفي "النهاية": تهراق هي الدم. (¬4) "النهاية" (هرق). (¬5) سيأتي برقم (2752)

مركوبهم. وفي الحديث: لا تعقرن شاة ولا بعيرًا إلا لمأكلة (¬1)؛ لأنه مثلة وتعذيب للحيوان (¬2). (جواده) المراد: الفرس السابق الجيد، وفيه إشارة إلى فضيلة الجهاد على سوابق الخيل وكرائمها، وكذا روى ابن حبان في "صحيحه" قال رجل لرسول الله: أي الجهاد أفضل؟ قال: "أن يعقر جوادك ويهراق دمك" (¬3). وروى الحديث النسائي وزاد في أوله: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل: أي الأعمال أفضل؟ قال: "إيمان لا شك فيه، وجهاد لا غلول فيه، وحجة مبرورة". قيل: فأي الصدقة أفضل. . (¬4) الحديث. ¬

_ (¬1) رواه مالك في "الموطأ" 2/ 447 - 448 عن أبي بكر موقوفًا. (¬2) "النهاية": (عقر). (¬3) "صحيح ابن حبان" (4369). (¬4) سبق تخريجه.

13 - باب الحث على قيام الليل

13 - باب الحَثِّ عَلَى قِيامِ اللَّيْلِ 1450 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشّارٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنِ ابن عَجْلانَ، حَدَّثَنا القَعْقاعُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي صالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "رَحِمَ اللهُ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِها الماءَ رَحِمَ اللهُ امْرَأَةً قامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَها فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الماءَ" (¬1). 1451 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن حاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ، حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى عَنْ شَيْبانَ، عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الأَقْمَرِ، عَنِ الأَغَرِّ أَبِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قالا: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ اسْتَيْقَظَ مِنَ اللَّيْلِ وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّيا رَكْعَتَيْنِ جَمِيعًا كُتِبا مِنَ الذّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا والذّاكِراتِ" (¬2). * * * باب الحث على قيام الليل [1450] (حدثنا محمد بن بشار) بندار [(عن يحيى) بن سعيد القطان (حدثنا] (¬3) محمد بن عجلان) القرشي أبو عبد الله المدني (¬4)، أخرج له مسلم في مواضع (حدثنا [القعقاع (¬5) بن حكيم) الكناني] (¬6)، أخرج له ¬

_ (¬1) سبق برقم (1308). (¬2) سبق برقم (1309). (¬3) سقط من (ر). (¬4) زاد في (م): القرشي. (¬5) بياض في (ر)، وفي (م): أبو صاع. والمثبت من "سنن أبي داود"، و"تهذيب الكمال" 23/ 623. (¬6) بياض في (ر).

مسلم (عن أبي صالح) ذكوان السمان. (عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: رحم الله) تعالى (رجلًا قام من الليل) من هذِه للتبعيض أي: قام بعض الليل (فصلى) إطلاقه (¬1) يقتضي أن هذِه الرحمة تحصل لمن صلى ركعتين. (وأيقظ امرأته فصلت) كذا للنسائي وابن ماجه (¬2)، وفيه [جواز إيقاظ] (¬3) الرجل امرأته من الليل لمنفعة نفسه أو منفعتها أو منفعتهما جميعًا، وفيه أمرها بصلاة النافلة كما يأمرها [بالفرائض، وكذا] (¬4) يأمرها بالفضائل غير الصلاة من تسبيح وتهليل وذكر، وغير ذلك من صدقة وصوم تطوع (فإن أبت) رواية الطبراني في "الكبير": "فإن غلبها النوم" (¬5) (نضح) (¬6) بالحاء المهملة توضح [معنى رواية] (¬7) ابن ماجه: "رش" (في وجهها) تخصيص النضح بالوجه؛ لأنه أشرف الأعضاء، وفيه العينان اللتان محل النعاس والنوم [(الماء) يعني: الطهور، ويحصل بالماهرق بالمياه المعطرة كماء الورد والجلَّاب وغير ذلك إن كان موجودًا. (رحم الله امرأة قامت من الليل وأيقظت]) (¬8) لفظ النسائي: "ثم ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) أخرجه النسائي في "المجتبى" 3/ 205، وابن ماجه (1336). (¬3) في (ر): إيجاز. (¬4) بياض في (ر). (¬5) "المعجم الكبير" (3448). (¬6) بياض في (م). (¬7) في (ر): معناه وفيه. (¬8) بياض في (ر).

أيقظت" فأتى بـ (ثم) الدالة على أن إيقاظ المرأة زوجها يكون بعد صلاتها (زوجها) الظاهر أن الرحم مع محرمه وهي معه كذلك، فيستحب للرجل إذا كان له محرم [عبدة أو ولدًا أن] (¬1) يوقظه بالليل للصلاة، و [هذا لكونه] (¬2) من المعاونة على البر والتقوى (فإن أبى نضحت) ولابن ماجه: "رشت" (¬3) (في وجهه الماء) ولفظ (¬4) الطبراني [في "الكبير"] (¬5): "ما من رجل يستيقظ من النوم فيوقظ امرأته فإن غلبها النوم نضح في وجهها الماء (¬6) [فيقومان في بيتهما] (¬7) فيذكران الله - عز وجل - ساعة من ليل إلا غفر لهما" (¬8)، وقد تقدم هذا الحديث وتقدم زيادة. [1451] (حدثنا محمد [بن حاتم] (¬9) بن بزيع) [بفتح الباء] (¬10) الموحدة وكسر الزاي المعجمة وبعد الياء عين مهملة البصري شيخ البخاري (ثنا عبيد الله (¬11) بن موسى) بن باذام [العبسي الكوفي. (عن شيبان) بن عبد الرحمن التميمي مولاهم النحوي المؤدب سكن الكوفة ثم انتقل إلى] (¬12) بغداد كان يؤدب سليمان بن داود الهاشمي وإخوته. ¬

_ (¬1) في (م): عبد أو والد. (¬2) في (م): كذا كله. (¬3) في (م): انتفت. (¬4) في (م): ولرواية. (¬5) و (¬6) سقط من (ر). (¬7) في (م): فتوضأت في بيتها. (¬8) سبق تخريجه. (¬9) سقط من (ر). (¬10) في (م): بالباء. (¬11) في الأصول الخطية: عبد الله. والمثبت من "سنن أبي داود"، و"تهذيب الكمال" 19/ 164. (¬12) من (ر).

(عن) سليمان (الأعمش، عن علي بن الأقمر) الوادعي (عن الأغر) قيل: سمي بذلك لأنه كان في وجهه غرة، أبي مسلم. قال ابن عبد البر (¬1): أصله من المدينة، سكن الكوفة. قال: وقيل: أبو مسلم الأغر هو أبو عبد الله الأغر (¬2). (عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته) ورواه (¬3) النسائي (¬4)، وابن ماجه (¬5)، وابن حبان في "صحيحه" (¬6)، والحاكم (¬7)، وألفاظهم متقاربة، وفي بعضها: "وأيقظ أهله" قد يراد به امرأته، و [يحتمل أن] (¬8) يراد به ما هو أعم من ذلك من ولد ووالد وغيرهما من الأقارب ([فصليا) وكذا للنسائي] (¬9) (جميعًا كتبا مِنْ) منْ مدحهم الله تعالى [في قوله تعالى: ] (¬10) ({وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}) (¬11). ¬

_ (¬1) في (م): عبد الله. (¬2) "الاستغنا في معرفة المشهورين بالكنى" (797). (¬3) في (ر): رواية. (¬4) "السنن الكبرى" (1310). (¬5) "سنن ابن ماجه" (1335). (¬6) "صحيح ابن حبان" (2568). (¬7) "المستدرك" 1/ 316. (¬8) في (ر): قد. (¬9) في (ر): فصلت ذكر النسائي. (¬10) ساقطة من (ر). (¬11) الأحزاب: 35.

14 - باب في ثواب قراءة القرآن

14 - باب فِي ثَوابِ قِراءَةِ القُرْآنِ 1452 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُثْمانَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ" (¬1). 1453 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَن زَبّانَ بْنِ فائِدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعاذٍ الجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ وَعَمِلَ بِما فِيهِ أُلْبِسَ والِداهُ تاجًا يَوْمَ القِيامَةِ ضَوْؤُهُ أَحْسَنُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ فِي بُيُوتِ الدُّنْيا لَوْ كَانَتْ فِيكُمْ فَما ظَنُّكُمْ بِالَّذِي عَمِلَ بهذا" (¬2). 1454 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا هِشامٌ وَهَمّامٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشامٍ عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ وَهُوَ ماهِرٌ بِهِ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ والَّذِي يَقْرَؤُهُ وَهُوَ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ فَلَهُ أَجْرانِ" (¬3). 1455 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "ما اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ تَعالَى يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ وَيَتَدارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ المَلائِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ" (¬4). 1456 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ دَاوُدَ المَهْرِيُّ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ عُلَي بْنِ رَباحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ الجُهَنِيِّ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5027). (¬2) رواه أحمد 3/ 440، وأبو يعلى 3/ 65 (1493)، والطبراني في "الكبير" 20/ 198 (445)، والحاكم 1/ 567. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (259). (¬3) رواه البخاري (4937)، ومسلم (798). (¬4) رواه مسلم (2699).

وَنَحْنُ فِي الصُّفَّةِ فَقَالَ: "أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ إِلَى بُطْحانَ أَوِ العَقِيقِ فَيَأْخُذَ ناقَتَيْنِ كَوْماوَيْنِ زَهْراوَيْنِ بِغَيْرِ إِثْمٍ باللهِ - عز وجل - وَلا قَطْعِ رَحِمٍ". قالُوا: كُلُّنا يا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "فَلأَنْ يَغْدُوَ أَحَدُكُمْ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى المَسْجِدِ فَيَتَعَلَّمَ آيَتَيْنِ مِنْ كِتابِ اللهِ - عز وجل - خَيْرٌ لَهُ مِنْ ناقَتَيْنِ وَإِنْ ثَلاثٌ فَثَلاثٌ مِثْلُ أَعْدادِهِنَّ مِنَ الإِبِلِ" (¬1). * * * باب في ثواب قراءة القرآن [1452] (حدثنا حفص بن عمر) الحوضي. (ثنا شعبة، عن علقمة بن مرثد) بفتح الميم والثاء المثلثة الحضرمي الكوفي، وهو وما بعده سند البخاري. (عن سعد (¬2) بن عبيدة) تصغير (¬3) عبدة (عن أبي عبد الرحمن) عبد الله بن حبيب السلمي، بضم السين وفتح اللام. (عن عثمان - رضي الله عنه -، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (¬4): خيركم من تعلم القرآن وعلمه) كذا رواه البخاري في فضائل القرآن، ثم (¬5) روى بعده عن علقمة بن مرثد بالسند أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إن أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه" (¬6). فإن قلت: [فما ¬

_ (¬1) رواه مسلم (803). (¬2) في الأصول: سعيد. والمثبت من "سنن أبي داود"، و"تهذيب الكمال" 10/ 290. (¬3) سقط من (ر). (¬4) بياض في (م)، وسقط من (ر). والمثبت من "سنن أبي داود". (¬5) زاد في (م): ذلك. (¬6) "صحيح البخاري" (5028).

وجه] (¬1) خيريته، ومن جاهد بين يدي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأعمال كثيرة أفضل منه؟ ! . الجواب: إن المقامات مختلفة؛ لا بد من اعتبارها، وهو أنه علم أن أهل المجلس اللائق بحالهم التحريض على (¬2) التعلم والتعليم، والمراد خير المتعلمين والمعلمين من كان تعليمه وتعلمه في القرآن لا في غيره، إذ خير الكلام الذي يتعلم ويعلمه كلام الله، ويحتمل أن يكون من فيه مقدرة، أي: من خيركم من تعلم القرآن وعلمه. قال الكرماني: وفي بعض النسخ: "من تعلَّم [القرآن أو] (¬3) علمه" بزيادة ألف (¬4). [1453] (حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح، أخبرنا ابن وهب) [قال: (أخبرني] (¬5) يحيى بن أيوب) الغافقي المصري. (عن زبان) بفتح الزاي وتشديد الباء الموحدة (بن فائد) بتخفيف الفاء المصري، فاضل خير. (عن سهل بن معاذ) بن أنس (الجهني) روى له البخاري في "الأدب" (¬6)، وذكره ابن حبان في "الثقات" (¬7) (عن أبيه) معاذ بن أنس، ¬

_ (¬1) في (م): في وجهه. (¬2) من (ر). (¬3) في (ر): و. (¬4) "شرح الكرماني" 19/ 33. (¬5) في (ر): عن. (¬6) "الأدب المفرد" (22). (¬7) "الثقات" 4/ 321.

سكن مصر، وهو صحابي مشهور (¬1)، روى [عنه ابنه] (¬2) أحاديث كثيرة. (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من قرأ القرآن وعمل بما فيه) هذا شرط لحصول الفضيلة الآتية، وهو أن يحفظه ويعمل بما فيه، ولا يتأتى العمل بما فيه حتى يفهمه ويتعلم أحكام القرآن، فيفهم عن الله تعالى إذا قرأه مراده، وما فرض عليه، وما ندبه إليه، وما نهاه عنه، وما أجاز له فعله، فإذا تعلم وفهم انتفع بما يقرؤه [فما أقبح حامل] (¬3) القرآن أن يتلو فرائضه وأحكامه على ظهر قلبه وهو لا يفهم ما يتلو، وما أقبح [أن يسأل] (¬4) حكم من أحكام الله تعالى وهو يتلوه ولا يدريه، فما من هذِه حالته إلا كمثل الحمار يحمل أسفارًا. (ألبس والداه) (¬5) [أبوه وأمه على التغليب كالقمرين] (¬6) لأجله [فكما أن ذرية] (¬7) المؤمن ترفع درجتها في الجنة؛ لأجل آبائهم (¬8) كذلك الوالد ترتفع درجته في الجنة بابنه المؤمن، وجاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله ليرفع [ذرية المؤمن] (¬9) حتى يلحقهم به وإن كانوا دونه في العمل لتقر بهم عينه" ثم قرأ: {وَالَّذِينَ ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) في (م): عبد الله. (¬3) في (م): فلما أقبح كامل. (¬4) في (م): به إن سأل. (¬5) سقط من (ر). (¬6) من (ر). (¬7) في (م) فكلما ازداد به. (¬8) بياض في (ر). (¬9) بياض في (ر).

آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} (¬1) الآية (¬2). (تاجًا) التاج هو ما يصاغ للملوك من الذهب والجوهر، وفي الحديث: "العمائم تيجان العرب" (¬3) أراد أن العمائم للعرب بمنزلة التيجان للملوك؛ لأنهم أكثر ما يكونون في البوادي [مكشوفين الرؤوس أو بالقلانس] (¬4) فإذا لبسوا العمائم كأنهم لبسوا التيجان. في (يوم القيامة) أي: عرصات يوم القيامة قبل دخول الجنة، والتاج لا يلبسه العريان بل ما يلبس إلا على ما يناسبه من أنواع الحلي والملابس الفاخرة كما في الدنيا، ولهذا أضاف الشاطبي الحلا إلى التاج في [البيتين اللذين] (¬5) سبك فيهما هذا الحديث وضمهما إياه فقال: هنيئًا مريئًا والداك عليهما ... ملابس أنوار من التاج والحلا فما ظنكم بالنجل عند جزائه (¬6) واستفدنا (¬7) من كلام الشاطبي أن التاج والملابس الفاخرة والحلي ¬

_ (¬1) الطور: 21. (¬2) أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (18683)، وعبد الرزاق في "تفسيره" 3/ 247، والطبري في "تفسيره" 22/ 467، والبيهقي في "السنن الكبرى" 10/ 268، والحاكم في "المستدرك" 2/ 468. (¬3) أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (6260)، والقضاعي في "مسند الشهاب" (68). (¬4) في (م): مكشوفي الرأس وأما القلانس. (¬5) في (م): الثلاثة الذين. (¬6) "حرز الأماني" 1/ 15. (¬7) في (م) واستعانا.

ليست حقيقة بل هي ملابس من نور يستضيء به في القيامة، وأشار الشاطبي بقوله: [هنيئًا مريئًا] (¬1) إلى قوله تعالى: {هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (¬2)، ونبه به على العمل الذي شرطه في الحديث. (ضوؤه) بالرفع (¬3) أي: ضوء التاج وجواهره ويواقيته ولؤلؤه (أحسن) وأكثر نورًا (¬4) (من ضوء الشمس) الداخل (في بيوت الدنيا لو كانت) الشمس موجودة (فيكم) وفي بيوتكم (فما) استفهامية في موضع رفع بالابتداء (ظنكم) خبره، والاستفهام هنا في موضع الأمر (بالذي) أي: بالولد الذي (عمل بهذا) أي: ظنوا ما شئتم من الجزاء لهذا الولد الذي يكرم والده من أجله، ألبس التاج الذي هو أحسن من ضوء الشمس، ومن ورود الاستفهام بمعنى الأمر قوله تعالى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (¬5) أي: انتهوا. [1454] (حدثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي (حدثنا هشام) الدستوائي (وهمام) بن يحيى العوذي مولى بني عوذ الأزدي. (عن قتادة، عن زرارة بن أبي (¬6) أوفى) أبي حاجب الحرشي قاضي البصرة ([عن سعد بن هشام، عن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) الطور: 19. (¬3) من (ر). (¬4) سقط من (ر). (¬5) المائدة: 91. (¬6) ساقطة من (م).

قال: الذي يقرأ القرآن] (¬1) وهو ماهر به) الماهر: الحاذق بالقراءة (¬2). قال الهروي: أصله الحذق بالسباحة (¬3). قال المهلب: المهارة جودة التلاوة بجودة الحفظ فلا يتردد فيه ولا يتوقف ولا تشق عليه القراءة، بل يسره الله عليه كما يسره على الملائكة فهو على مثل حالها في الحفظ (¬4). (مع السفرة) جمع سافر ككاتب (¬5) وكتبة (¬6)، قيل: سموا الملائكة بذلك؛ لأنهم ينزلون بوحي الله تعالى، وما يقع به الصلاح بين الناس، فشبهوا بالسفير الذي يصلح بين الاثنين، وقيل: لأنهم يسفرون بين الله تعالى وأنبيائه، وقيل: السفرة الكتبة، وسمي الكاتب سافرًا لأنه يبين الشيء ويوضحه. ([الكرام) على الله تعالى] (¬7) (البررة) جمع بار وهم المطيعون لله تعالى فيما أمرهم ونهاهم من البر وهو الطاعة، قال القاضي: يحتمل - والله أعلم - أن الماهر بالقرآن له في الآخرة منازل يكون فيها رفيقًا للملائكة السفرة الكرام البررة؛ لاتصافه بوصفهم بحمل كتاب (¬8) الله ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) في (م): ما يراه. (¬3) انظر: "فتح الباري" 13/ 528. (¬4) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 10/ 542. (¬5) في (م): ككتاب. (¬6) سقط من (ر). (¬7) سقط من (ر). (¬8) في (ر): كلام.

تعالى وطاعته به، قال: ويحتمل أن يكون المراد أنه (¬1) عامل بعمل السفرة وسالك مسلكهم (¬2). كما يقال: فلان مع فلان إذا كان يرى رأيهم ويذهب مذهبهم كما قال لوط: {وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (¬3). قال: وقد جاء في بعض الأخبار أنه من تعلمه من صغره وعمل به خلطه الله بلحمه ودمه، وكتبه [الله عنده] (¬4) من السفرة الكرام البررة. ([والذي يقرؤه] (¬5) وهو عليه شاق) ولمسلم: "ويتتعتع فيه وهو عليه شاق" (¬6) ([فله أجران]) (¬7). قال الإمام: يحتمل أن يريد بالأجرين الأجر الذي [يحصل له في قراءة الحروف] (¬8) التي في القرآن، وأجر المشقة التي تناله في القراءة. [قال القاضي: ليس فيه دليل] (¬9) أنه أعظم أجرًا من الماهر، ولا يصح هذا إذا كان عالمًا به، فإن من هو مع السفرة فمنزلته عظيمة وله أجور كثيرة ولم تحصل هذِه المنزلة لغيره ممن لم يمهر مهارته، ولا يستوي أجر من علم بأجر من لم يعلم، فكيف يفضله؟ ! وقد يحتج ¬

_ (¬1) في (م): به. (¬2) "شرح النووي على مسلم" 6/ 84 - 85. (¬3) الشعراء: 118. (¬4) من (ر). (¬5) في (ر): قوله. (¬6) "صحيح مسلم" (798). (¬7) سقط من (ر). (¬8) ساقط من (م). (¬9) من (ر).

بهذا من يقول بفضل الملائكة على بني آدم (¬1). [1455] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (عن الأعمش، عن أبي صالح) ذكوان السمان. (عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله) كالمساجد والربط والخوانق وغيرها مما هو معدٌّ للعبادة. (يتلون كتاب الله) تعالى. قال النووي: فيه دليل فضل الاجتماع على تلاوة القرآن في المسجد يعني: جماعة. قال: وهو [مذهبنا و] (¬2) مذهب الجمهور، وقال مالك: يكره، وتأوله بعض أصحابه (¬3). (ويتدارسونه) فيما (بينهم) أي: يشتركون في قراءة بعضهم على بعض وكثرة درسه ويتعهدونه لئلا ينسوه، وأصل الدراسة التعهد للشيء، وأصل موضوع تدارس تفاعل للمشاركة. (إلا نزلت عليهم السكينة) والمراد بالسكينة هنا الرحمة، وقيل: الطمأنينة والوقار، قال النووي: و [هو أحسن] (¬4) (وغشيتهم) أي: علتهم وسترتهم (الرحمة) من الله تعالى (وحفتهم الملائكة) بأجنحتها، ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" 3/ 167. (¬2) من (ر). (¬3) "شرح النووي على مسلم" 17/ 21 - 22. (¬4) في (م): وهذا حسن.

أي: طافت بهم يدورون حولهم، ورفرفت عليهم بأجنحتها (¬1) يسمعون الذكر، وقد قيل: إن الملائكة التي تحفهم بعدد المجتمعين، وقد يمدهم الله تعالى بما يزيد عليهم، لكن ينقصون عنهم (¬2)، ولهذا كلما كثر الاجتماع كان أفضل لكثرة الملائكة، ولأن الرحمة مع الملائكة (¬3). (وذكرهم الله فيمن عنده) (¬4) أي: في الملائكة الذين عنده كما في الحديث الآخر: "من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه (¬5) " (¬6). [1456] (حدثنا سليمان بن داود المهري) بفتح الميم وسكون الهاء ثم راء، نسبة (¬7) إلى مهرة [بن حيدان] (¬8) قبيلة كبيرة. (ثنا ابن وهب، حدثنا موسى بن علي) [بضم العين وفتح اللام مصغر] (¬9) (بن رباح) بفتح الراء والباء الموحدة اللخمي، [ولي الديار] (¬10) المصرية للمنصور [ست سنين] (¬11) وولد بإفريقية ومات ¬

_ (¬1) و (¬2) من (ر). (¬3) في (ر): الجماعة. (¬4) أخرجه مسلم (2699) (38)، والترمذي (2645)، وابن ماجه (225)، وأحمد 2/ 252، بزيادة في أوله وألفاظه متقاربة. (¬5) في (م) منهم. (¬6) أخرجه أحمد 2/ 354، وابن حبان (328). (¬7) في (م): منسوبة. (¬8) سقط من (ر). (¬9) من (ر). (¬10) في (ر): ولد بالديار. (¬11) في (ر): سنة.

بالإسكندرية، أخرج له مسلم (عن أبيه) علي بن رباح بن نصر اللخمي، أخرج له مسلم والأربعة. (عن عقبة بن عامر الجهني - رضي الله عنه - قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) الظاهر أنه خرج من بيته (ونحن في الصفة) وهي شيء مضلع (¬1) كالمصطبة مظلل في المسجد يسكنه ويأوي إليه فقراء المهاجرين، ومن لم يكن له منزل في المدينة يسكنه، ويقرؤون فيها (¬2) القرآن. (فقال: [أيكم يحب] (¬3) أن يغدو) بنصب الواو (إلى بطحان) بضم (¬4) الباء الموحدة وسكون الطاء المهملة وبعد الألف نون: اسم وادٍ بالمدينة، هكذا قيده أصحاب الحديث، وحكى فيه أهل العربية بفتح الباء وكسر الطاء، قال في "النهاية": بطحان بفتح (¬5) الباء اسم وادٍ في المدينة، وأكثرهم يضمون الباء، ولعله الأصح (¬6). (أو العقيق) اسم وادٍ من أودية المدينة وهو الذي ورد فيه (¬7) أنه وادٍ مبارك (¬8). [والعرب تقول لكل ما شقه ماء السيل في الأرض فأنهره ووسعه ¬

_ (¬1) في (ر): مرتفع. (¬2) سقط من (ر). (¬3) في (ر): أيحب أحدكم. (¬4) في (م): بفتح. (¬5) في (م) بكسر. (¬6) "النهاية" (بطح). (¬7) سقط من (ر). (¬8) "النهاية" (عقق).

عقيق] (¬1) وسمي العقيق لأنه عق بالحرة وهما عقيقان الأكبر والأصغر، فالأصغر فيه بئر رومة التي اشتراها عثمان (¬2)، والأكبر بئر عروة (¬3) (¬4). (فيأخذ) منه ولمسلم: "فيأتي منه (¬5) " (¬6) (ناقتين كومائين) بفتح الكاف وسكون الواو وبالمد كذا ضبطه المنذري بالمد. والكوماء من الإبل العظيمة السنام (¬7). كأنهم والله أعلم شبهوا أسنامها لعظمه بالكوم وهو الموضع المشرف والمرتفع [وهي بمعنى] (¬8) عظام سمان (زهراوين) من الزهرة وهي الحُسن (¬9) والبهجة، والزهرة البياض النير، وهو أحسن الألوان، قاله في "النهاية" (¬10). (بغير إثم) ذنب (بالله) (¬11) ليست "بالله" في مسلم، ولعل المراد بغير ذنب في تضييع حق من حقوق الله تعالى. (ولا قطع رحم؟ ) هو ضد صلة الرحم، وأصل القطع الهجران والصد، يريد به ترك البر والإحسان (¬12) إلى الأهل والأقارب. ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) في (ر): عمر. (¬3) انظر: "معجم ما استعجم" 3/ 953. (¬4) زاد في (ر): قاله الأزهري. (¬5) في (ر): فيه. (¬6) "صحيح مسلم" (803). (¬7) "الترغيب والترهيب" 2/ 226. (¬8) في (م): وهو يعني. (¬9) في (م): البهجة. (¬10) "النهاية" (زهر). (¬11) في (ر): يأتيه بنفس إثم يأتيه. (¬12) زاد في (ر): ولا قطيعة بنفس إثم يأتيه.

وفيه الذم والتحذير من تحصيل شيء من الدنيا بتضييع حق من حقوق الله، واكتساب ذنب أو معصية أو شغله عن صلة رحم. (قالوا: كلنا يا رسول الله) زاد مسلم: نحب (¬1) ذاك. (قال: فلأن) بفتح اللام التي هي جواب القسم، وفتح همزة "أن" المصدرية التي تقدر هي وما بعدها وهو (يغدو (¬2) أحدكم) والتقدير: يغدو (¬3) أحدكم، وفيه إشارة إلى أن السعي في أمور الدنيا (¬4) والآخرة أول النهار مبارك كما في الحديث: "بورك لأمتي في بكورها" (¬5). (كل يوم) "كل" منصوب على (¬6) الظرفية؛ لإضافته إلى الظرف وهو "يوم" وهو أحد الأمور (¬7) العشرة التي يكتسبها الاسم بالإضافة، ومنه قوله تعالى: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} (¬8)، وقوله (¬9): أنا (¬10) أبو المنهال بعض ¬

_ (¬1) من (ر)، و"صحيح مسلم" (803). (¬2) زاد في (ر): لأحد و. (¬3) في (ر): ليغدو. (¬4) في (م): الناس. (¬5) أخرجه الترمذي (1212)، وأبو داود (2606)، والنسائي في "الكبرى" (8833)، وابن ماجه (2236)، والدارمي (2435)، وأحمد 3/ 417. بألفاظ متقاربة، وزيادة عند صخر بن وداعة وأخرجه ابن ماجه (2237) عن أبي هريرة (2238) عن ابن عمر، وأحمد 1/ 153، 154، 155، 156 عن علي بن أبي طالب به. قال الترمذي: حديث حسن. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (2345): حديث صحيح. (¬6) في (ر): إلى. (¬7) في (م): الأجور. (¬8) إبراهيم: 25. (¬9) في (ر): ومنه. (¬10) بعدها في (ر): قال.

الأحيان، وقال المتنبي: أي يوم سررتني بوصال ... لم تَرُعْني (¬1) ثلاثة بصدود (¬2) فأي (¬3) في البيت استفهامية يراد بها النفي لا شرطية؛ لأنه لو (¬4) قيل مكان ذلك: إن سررتني. انعكس المعنى، قاله (¬5) ابن هشام (¬6). (إلى المسجد) وفي الحديث [من آداب] (¬7) المتعلم أن يذهب إلى العلم أول النهار، قال الخطيب: أجود أوقات الحفظ الأسحار ثم الغداة، وفي وقت السحر يكون يدرس في موضع مبيته، [فإذا جاء وقت] (¬8) الدرس والتعليم فيذهب وقت الغداة، و [من آدابه] (¬9) تكون قراءة القرآن والعلم في المساجد والمدارس ونحو ذلك، وأن يواظب كل يوم بالغدو إلى المسجد كما في الحديث. (فيتعلم) بالنصب (آيتين من كتاب الله تعالى) فيه أن المتعلم (¬10) ¬

_ (¬1) في (ر): تسررني. وفي (م): تسوى. والمثبت من "ديوان المتنبي" 1/ 51، و"مغني اللبيب" ص 110. (¬2) في (ر): بعدودك. وفي (م): لصروره. والمثبت من "ديوان المتنبي" 1/ 51، و"مغني اللبيب" ص 110. (¬3) في (م): قال. (¬4) من (ر)، و"مغني اللبيب". (¬5) في (م): قال. (¬6) "مغني اللبيب" ص 668. (¬7) في (م): مرادان. (¬8) في (ر): قال أجاويب. (¬9) في (م): المراد أنه. (¬10) في (ر): المعلم.

لكتاب الله تعالى يحرص على حفظ آيات معدودة يكملها ولا يقف في قراءته على بعض آية تنتهي قراءته إليها، ويبتدئ ثاني يوم بعضها الآخر بل يقف في قراءته على رؤوس الآي، واستحب بعض الأئمة التعقيب بكلمة من أول الآية التي بعدها. (خير له) عند الله تعالى (من ناقتين) كوماوين أو (¬1) زهراوين (وإن ثلاث فثلاث) بالرفع فيهما على تقدير: وإن حصل له ثلاث فثلاث خير له (¬2) من ناقتين [لأن التعليم نتيجة الحصول] (¬3) ويجوز جرهما على أن الحديث تضمن حذف فعلين و [عاملي جر باق عملهما] (¬4) بعد أن وبعد الفاء، وهو مثل ما حكى يونس من قول العرب: مررت بصالح [إن لا] (¬5) صالح فطالح (¬6) على تقدير [أن لا أمر] (¬7) بصالح فقد مررت بطالح، فحذف بعد أن مر والباء وأبقى عملهما، وحذف بعد الفاء مررت والباء وأبقى عملهما، وهكذا الحديث المذكور حذف ما (¬8) فيه بعد أن (¬9) والفاء فعلان وحرفا جر باق عملهما، والتقدير [وغدوة أحدكم لتعلم] (¬10) ثلاث فهو خيرًا من ثلاث نياق. ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) و (¬3) من (ر). (¬4) في (م): على جر باقي أعمالهما. (¬5) في (ر): إلا. (¬6) في (ر): فصالح. (¬7) في (ر): أني لا مر. (¬8) زاد في (م): و. (¬9) من (ر). (¬10) في (ر): وأغدوا خيركم ليغدوا.

وحكى عياض عن الطبري في رواية مسلم: "يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين، وثلاث خير له (¬1) من ثلاث، وأربع خير له (¬2) من أربع" (¬3) أنه روى "وثلاث" "وأربع" بالجر، وسقط عنده "خير له من أربع" (¬4)، وروى ابن مالك الجر في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، وإن أربعة فخامس أو سادس" (¬5) بجر أربعة فخامس أو سادس، [وقال: التقدير من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، وإن قام بأربعة فليذهب بخامس أو سادس] (¬6) قال: ومن بقاء الجر بالحرف المحذوف قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمس وعشرين (¬7) ضعفًا (¬8) " (¬9) أي: بخمس، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "أقربهما منك (¬10) بابًا" (¬11) في جواب من قال: [فإلى أيهما أهدي] (¬12) وقوله: ¬

_ (¬1) و (¬2) من (ر). (¬3) "صحيح مسلم" (803). (¬4) "إكمال المعلم" 3/ 172. (¬5) أخرجه البخاري (602)، وأحمد 1/ 198. (¬6) سقط من (ر). (¬7) في النسخ الخطية: عشرون. (¬8) سقط من (ر). (¬9) أخرجه البخاري (647). (¬10) في (ر): مثلًا. (¬11) أخرجه البخاري (2259)، وأحمد 6/ 175. (¬12) في (م): فأيهما أحذي.

"فضل الصلاة بالسواك على الصلاة بغير سواك سبعين صلاة" (¬1) أراد إلى أقربهما، وبسبعين صلاة. قال: ذكرهما صاحب "جامع المسانيد". ويجوز نصب ثلاثًا في الحديث عطفًا على اثنين وأن يتعلم ثلاثًا (¬2). (مثل) تابع (¬3) لما قبله (أعدادهن من الإبل) الموصوفات [وأخرجه مسلم بنحوه] (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد 6/ 272. (¬2) سقط من (ر). (¬3) في (ر): بالرفع. (¬4) من (ر).

15 - باب فاتحة الكتاب

15 - باب فاتِحَةِ الكِتابِ 1457 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُعَيْبٍ الحَرّانِيُّ، حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا ابن أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أُمُّ القُرْآنِ وَأُمُّ الكِتابِ والسَّبْعُ المَثانِي" (¬1). 1458 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعاذٍ، حَدَّثَنا خالِدٌ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ حَفْصَ بْنَ عاصِمٍ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ المُعَلَّى أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِهِ وَهُوَ يُصَلِّي فَدَعاهُ قَالَ: فَصَلَّيْتُ ثُمَّ أَتَيْتُهُ قَالَ: فَقَالَ: "ما مَنَعَكَ أَنْ تُجِيبَنِي". قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي. قَالَ: "ألَمْ يَقُلِ اللهُ - عز وجل - {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} لأُعَلِّمَنَّكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ مِنَ القُرْآنِ - أَوْ فِي القُرْآنِ" - شَكَّ خالِدٌ - "قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ مِنَ المَسْجِدِ". قَالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ قَوْلَكَ. قَالَ: " {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وَهِيَ السَّبْعُ المَثانِي التِي أُوتِيتُ والقُرْآنُ العَظِيمُ" (¬2). * * * باب في فاتحة الكتاب [1457] ([حدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني، حدثنا عيسى بن يونس، ثنا) محمد بن عبد الرحمن (ابن أبي ذئب، عن) سعيد (المقبري، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - (¬3) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ) قال (الحمد لله رب العالمين) استدل به المالكية وغيرهم على ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4704). (¬2) رواه البخاري (4474). (¬3) قلب الإسناد في (ر) وحرف.

أن البسملة ليست بآية (¬1) من الفاتحة (¬2). وجوابه أن قوله {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} اسم للسورة لا أنه أولها، والمراد أن سورة الحمد هي (أم القرآن) سميت أم القرآن؛ لأنها أوله متضمنة لجميع علومه، وبه سميت مكة أم القرى؛ لأنها أول الأرض، ومنها دحيت. (وأم الكتاب) قال الماوردي في "تفسيره": اختلفوا في جواز تسميتها أم الكتاب فجوَّزه الأكثرون لهذا الحديث وغيره، ومنعه الحسن وابن سيرين زعمًا أن هذا (¬3) اسم اللوح المحفوظ فلا يسمى به غيره (¬4). والحديث وغيره حجة (¬5) عليهما. (والسبع المثاني) قيل: لأنها سبع آيات، وتثنى في كل صلاة، والمثاني جمع مثنى، وهي التي جاءت بعد الأولى، وتكرر قراءة الفاتحة في الصلاة، أو مثنى من الثناء لاشتمالها على (¬6) ثناء على الله تعالى [أو من الثنية وهو التكرار ومثنى نزولها، أو تثني البطلة، وهي (¬7) قسمان ثناء ودعاء، وقيل: المثاني من الثناء، كالمحامد من الحمد، أو من الاستثناء؛ لأنها استثنيت لهذِه الأمة، وقيل: لأن أكثر كلماتها مثنى إلى [وغير الضالين] (¬8) في قراءة عمر وعلي رضي الله ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) "مواهب الجليل" 2/ 251. (¬3) من (ر). (¬4) "تفسير الماوردي" 1/ 46. (¬5) غير مقروءة في (م). والمثبت من (ر). (¬6) في (م، ر): هو. (¬7) في (ر): وهو. (¬8) تحرفت في (ر) إلى: دعيت الصالحين.

عنهما (¬1)، وقيل: السبع الفاتحة، والمثاني القرآن. وقيل: السبع الطوال من البقرة إلى الأنفال مع التوبة. وقيل غير ذلك، وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن السبع المثاني هي الفاتحة (¬2)، فلا نعرج على ما سواه، ولعل من قال غيره لم يطلع على ما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬3). [1458] (حدثنا عبيد الله) بالتصغير (ابن معاذ، حدثنا (¬4) خالد) بن الحارث أبو عثمان الجهني البصري أخو سليم (¬5) [روى عن التابعين، وبنو الجهيم بطن من بني تميم] (¬6). (ثنا شعبة، عن خُبَيب) بضم الخاء المعجمة مصغر (بن عبد الرحمن) الخزرجي [(قال: سمعت] (¬7) حفص بن عاصم) [بن عمر بن الخطاب] (¬8). (يحدث عن أبي سعيد) الحارث - أو رافع أو أوس [على اختلاف فيه] (¬9). قال أبو عمر: أصح ما قيل في اسمه الحارث بن نفيع (¬10). ¬

_ (¬1) رواه عن عمر: سعيد بن منصور في كتاب من "السنن" (177)، وابن أبي داود في "المصاحف" (159 - 161) وذكره القرطبي في "تفسيره" 1/ 150 عن عمر وأبي. (¬2) أخرجه البخاري (4474)، والترمذي (1624)، والنسائي في "المجتبى" 2/ 139، وابن ماجه (3785)، وأحمد 3/ 450 بألفاظ متقاربة وطرق مختلفة. (¬3) من (ر). (¬4) في (ر): ابن. (¬5) في (م): سلم. والمثبت من (ر). (¬6) من (ر). (¬7) في (ر): ثنا. (¬8) من (ر). (¬9) سقط من (ر). (¬10) "الاستيعاب" 4/ 233.

(ابن المعلى) بن (¬1) لوذان بضم اللام (¬2) وتخفيف الذال (¬3) المعجمة من بني زريق الأنصاري الزرقي، لا يعرف في الصحابة إلا بحديثين أحدهما هذا، والثاني قال: كنا نغدو إلى سوق (¬4) على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [فنمر على المسجد فنصلي فيه، فمررنا يومًا ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم] (¬5) قاعد على المنبر فقلت: لقد حدث أمر، فجلست فقرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذِه الآية: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} (¬6) حتى فرغ من الآية، فقلت لصاحبي: تعال نركع (¬7) ركعتين قبل أن ينزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنكون أول من صلى فتوارينا فصليناهما، ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصلى للناس الظهر يومئذٍ (¬8). [ذكره] (¬9) في "الاستيعاب" (¬10) (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر به وهو يصلي) في المسجد نافلةً (فدعاه) أن يأتيه [زاد ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) في (ر): الميم. (¬3) في (ر): الزاي. (¬4) في (ر): السوق. (¬5) سقط من (ر). (¬6) البقرة: 144. (¬7) في (م): ركع. (¬8) أخرجه النسائي في "المجتبى" 2/ 55 مختصرًا، وفي "السنن الكبرى" (11004) بلفظه. (¬9) ساقطة من (م). (¬10) "الاستيعاب" 4/ 233.

البخاري: فلم يجبه (¬1)] (¬2). (قال: فصليت) مسرعًا لآتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم (ثم أتيته قال: فقال: ما منعك أن تجيبني) إذ دعوتك؟ (قال) يا رسول الله إني (كنت أصلي) فكأنه تأول أن من هو في الصلاة خارج عن هذا الخطاب، والذي قاله القاضيان أبو محمد عبد الوهاب وأبو الوليد أن إجابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرض عين، وأن من ترك إجابته يعصي (¬3) كما سيأتي. (قال: ألم يقل الله تعالى) في كتابه العزيز: ({يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا}) أي أطيعوا. قال الداودي: في هذا الحديث تقديم وتأخير، فقوله: "ألم يقل الله {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} " قبل قول أبي سعيد "كنت أصلي" {وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} وحد الضمير، والله ورسوله اسمان؛ لأن استجابة رسول الله كاستجابة الله تعالى، وإنما يذكر أحدهما مع الآخر للتوكيد. {لِمَا يُحْيِيكُمْ} (¬4) من علوم الديانات والشرائع؛ لأن العلم حياة كما أن الجهل موت، وقيل: إذا دعاكم للشهادة؛ لقوله تعالى: {بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون} (¬5)، فقد استدل بالآية والحديث أن إجابته صلى الله عليه وآله وسلم لا تبطل الصلاة، ومذهب الشافعي أنه يجب على المصلي إذا دعاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يجيبه ولا تبطل صلاته (¬6). ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (5006). (¬2) من (ر). (¬3) انظر: "فتح الباري" 8/ 157. (¬4) الأنفال: 24. (¬5) آل عمران: 169. (¬6) انظر: "المجموع" 4/ 81 - 82.

ويلحق (¬1) بذلك ما إذا سأل مصليًا (¬2) فإنه يجب عليه إجابته ولا تبطل صلاته، وقد قيل في حديث [ذي اليدين] (¬3) أن القوم إنما كلموا النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين كلمهم؛ لأنه كان واجبًا عليهم أن يجيبوه [فعلل صحة] (¬4) صلاتهم بوجوب الإجابة عليهم، وألحق أبو إسحاق (¬5) من أصحابنا كلام (¬6) من تكلم بكلام (¬7) واجب مثل أن يخشى على ضرير (¬8) أو صبي الوقوع في هلكة (¬9)، أو يرى حية أو نحوها تقصد غافلًا أو نائمًا، أو يرى نارًا يخاف أن تشتعل في شيء، أو إشراف (¬10) شخص على الهلاك فأراد إنذاره (¬11) فلا تبطل الصلاة بهذا الكلام؛ لأنه (¬12) تكلم بكلام واجب عليه (¬13) فأشبه كلام من أجاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، واختاره (¬14) جماعة من ¬

_ (¬1) في (ر): يلتحق. (¬2) في (م): بالله. (¬3) في (م): ذا اليد. (¬4) في (ر): فلقد صحت. (¬5) انظر: "المجموع" 4/ 81 - 82. (¬6) بعدها في (م): أن. (¬7) سقط من (ر). (¬8) في (م): مريض. (¬9) في (ر): مهلكة. (¬10) في (م): أشرف. (¬11) في (ر): إنقاذه. (¬12) زاد في (م): من. (¬13) ساقطة من (ر). (¬14) من (ر).

أصحابنا، وهو ظاهر مذهب أحمد (¬1) وأصح الوجهين عند الأكثرين أنها تبطل بهذا الكلام دون كلام (¬2) النبي صلى الله عليه وآله وسلم لشرفه، ولهذا أُمِرَ [المصلي أن] (¬3) يقول: السلام (¬4) عليك أيها النبي. ولا يجوز أن يقول ذلك لغيره، وها هنا فرع حسن وهو أن المصلي لو كلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابتداءً هل تبطل صلاته أو (¬5) لا؟ فيه نظر، قال الإسنوي: ويؤخذ من كلام الرافعي أنها تبطل بما عدا النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الملائكة والأنبياء. (لأعلمنك أعظم سورة من القرآن - أو في القرآن شك خالد -) [بن الحارث التيمي الهجيمي البصري، كنيته أبو عثمان، روى عن التابعين، وبنو الهجيم بطن من بني تميم] (¬6)، ورواية البخاري "قبل أن تخرج" (¬7) من غير شك، وقوله: "أعظم سورة في القرآن" يريد أن ثوابها أعظم من غيرها، وقد اختلف العلماء (¬8) في تفضيل بعض (¬9) السور على بعض، وتفضيل بعض أسماء الله الحسنى على بعض، فقال بعضهم: لا فضل لبعض على بعض؛ لأن الكل كلام الله، والكل ¬

_ (¬1) "الإنصاف" 2/ 99. (¬2) من (ر). (¬3) في (م): النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه. (¬4) في (ر): سلام. (¬5) في (ر): أم. (¬6) سقط من (ر). (¬7) سبق تخريجه. (¬8) من (ر). (¬9) ساقطة من (ر).

أسماؤه. وذهب إلى هذا أبو الحسن الأشعري والقاضي أبو بكر بن الطيب وأبو حاتم (¬1) محمد بن حبان البستي، قال القرطبي: وروي معناه عن مالك (¬2). والأصح وبه قال قوم: التفضيل؛ لورود الأحاديث الصحيحة فيه. (قبل أن أخرج (¬3) من المسجد) فيه تحصيل العلم ونشره في المسجد أفضل من خارجه، وكذا تلاوته. (قال (¬4): قلت: يا رسول الله قولك) رواية البخاري: قلت: يا رسول الله [إنك قلت] (¬5) لأعلمنك أعظم سورة من القرآن (¬6). وفيه تذكير العالم والكبير وغيرهما إذا وعده بشيء ونسيه، وكثرة الاحتراص على تحصيل العلم. (قال) هي (الحمد لله رب العالمين هي السبع (¬7) المثاني [التي أوتيت]) (¬8) قيل: المثاني من التثنية وهو التكرار؛ لأنها تكرر قراءتها في الصلاة (¬9) (والقرآن العظيم) الواو في القرآن العظيم ليست بواو العطف الموجبة للفصل بين الشيئين. ¬

_ (¬1) من (ر)، و"الجامع لأحكام القرآن". (¬2) "الجامع لأحكام القرآن" 1/ 109. (¬3) في (ر): تخرج. (¬4) في (م): فإن. (¬5) سقط من (ر). (¬6) سبق تخريجه. (¬7) من (ر). (¬8) في الأصول الخطية: الذي أوتيته. والمثبت من "سنن أبي داود". (¬9) في (م): القراءة.

قال الكرماني: إنما هي الواو التي تجيء بمعنى التخصيص؛ كقوله تعالى: {وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} (¬1)، وكقوله تعالى: {فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} (¬2). قال: والمشهور بين النحاة أن هذِه الواو للوصف بين الشيئين. قال (¬3): وفي الحديث دليل على أن الخصوص والعموم إذا تقابلا، فإن العام ينزل على الخاص (¬4)؛ لأنه صلى الله عليه وآله وسلم حرَّم الكلام في الصلاة مطلقًا، ثم استثنى منه (¬5) إجابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم (¬6). ¬

_ (¬1) البقرة: 98، وفي الأصل زيادة لفظة: (وكتبه) بعد (وملائكته) وهي كذلك في "شرح الكرماني". (¬2) الرحمن: 68. (¬3) ساقطة من (ر). (¬4) في (ر): التخصيص. (¬5) في (ر): هنا. (¬6) "شرح الكرماني" 17/ 3 - 4.

16 - باب من قال: هي من الطول

16 - باب مَنْ قَالَ: هِيَ مِنَ الطُّوَلِ 1459 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ البَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قَالَ: أُوتِيَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَبْعًا مِنَ المَثانِي الطُّوَلِ وَأُوتِيَ مُوسَى - عليه السلام - سِتًّا فَلَمّا أَلْقَى الأَلْواحَ رُفِعَتْ ثِنْتانِ وَبَقِيَ أَرْبَعٌ (¬1). * * * باب من قال: هي من الطول [1459] [(حدثنا عثمان بن أبي شيبة] (¬2)، حدثنا جرير) بفتح الجيم، ابن عبد الحميد بن جرير الضبي الرازي (¬3)، أصله من الكوفة، (عن) سليمان (الأعمش، عن مسلم) ابن (¬4) عمران، ويقال له (¬5): ابن أبي عمران الكوفي (البطين (¬6)، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس) - رضي الله عنهما - (قال: أوتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبعًا من المثاني) قال القرطبي: ليس (¬7) في تسميتها بالمثاني وأم الكتاب ما يمنع من تسمية غيرها بذلك؛ فإن الله تعالى قال: {كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} (¬8) فأطلق (¬9) ¬

_ (¬1) رواه النسائي 2/ 139، والحاكم 2/ 355. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1312). (¬2) سقط من (ر). (¬3) في (ر): الراوي. (¬4) في (م): عن. (¬5) ساقطة من (ر). (¬6) سقط من (ر). (¬7) من (ر)، و"الجامع لأحكام القرآن". (¬8) الزمر: 23. (¬9) في (م): ناطق.

على كتابه مثاني؛ لأن الأخبار تثنى فيه، وقد سميت: السبع الطول (¬1). (الطُّوَل) (¬2) بضم الطاء وفتح الواو، جمع الطولى مثل الكُبَر (¬3) في جمع الكبرى، وهذا البناء يلزمه الألف واللام (¬4) والإضافة، وهي السبع الطول وهي: البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف، هذِه ست واختلفوا في السابعة، والأصح أنها التوبة، وقيل: يونس، وقيل [الأنفال و] (¬5) التوبة، وهو قول مجاهد وسعيد بن جبير، وقد سميت الأنفال [من المثاني] (¬6) لأنها تتلو الطول في القدر [وقيل: هي التي تزيد آياتها على المفصل وتنقص عن المئين، والمئون هي: السور التي تزيد الواحدة منها على] (¬7) مائة آية. (وأوتي موسى) بن عمران (- عليه السلام - ستًّا) [يعني التوراة كانت ستة ألواح، قيل: كانت من سدر الجنة. (فلما ألقى الألواح)] (¬8) حين غضب لله تعالى وحمية لدينه طرح الألواح؛ لما لحقه من فرط الدهش وشدة الضجر عند (¬9) سماعه (¬10) حديث أمر العجل، وكان موسى شديد الحدة ¬

_ (¬1) "الجامع لأحكام القرآن" 1/ 114. (¬2) سقط من (ر). (¬3) في (م): الكبير. (¬4) من (ر)، و"الجامع لأحكام القرآن". (¬5) في (م): الاتفاق في. (¬6) في (ر): بالطول. (¬7) من (ر). (¬8) من (ر). (¬9) في (ر): حين. (¬10) في (ر): استماعه.

والغضب وكان (¬1) هارون ألين جانبًا منه، وعن ابن عباس - رضي الله عنه -: ليس الخبر كالمعاينة إن الله تعالى أخبر موسى أن قومه قد ضلوا فتيقن ذلك وتحققه لكن لم يكسر الألواح ولا ألقاها، فلما عاين ذلك كسر الألواح (¬2). وبقي منها الذي رفع (رفعت ثنتان) وكان فيما رفع تفصيل كل شيء (وبقيت أربع) (¬3) فكسرت وكان فيما بقي منها الهدى والرحمة. وقال الزمخشري: فلما ألقى الألواح تكسر منها ستة أسباعها وبقي سبع واحد (¬4). وكان فيما بقي الهدى من الضلالة والرحمة من العذاب. ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) أخرجه أحمد 1/ 271، وابن حبان (6213)، والحاكم في "المستدرك " 2/ 321 وقال: صحيح على شرط الشيخين. وتابعه الذهبي. (¬3) بعدها في (ر): وبقين أربعًا. وقبلها (خ). (¬4) "الكشاف عن حقائق التنزيل" 2/ 152.

17 - باب ما جاء في آية الكرسي

17 - باب ما جاءَ فِي آيَةِ الكُرْسِيِّ 1460 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ إِياسٍ عَنْ أَبِي السَّلِيلِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَباحٍ الأَنْصارِيِّ، عَنْ أُبَي بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَبا المُنْذِرِ أي آيَةٍ مَعَكَ مِنْ كِتابِ اللهِ أَعْظَمُ". قَالَ: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "أَبا المُنْذِرِ أي آيَةٍ مَعَكَ مِنْ كِتابِ اللهِ أَعْظَمُ". قَالَ: قُلْتُ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} قَالَ: فَضَرَبَ في صَدْرِي وقَالَ: "لِيَهْنِ لَكَ يا أَبا المُنْذِرِ العِلْمُ" (¬1). * * * باب ما جاء في آية الكرسي [1460] ([حدثنا محمد بن المثنى، ثنا عبد الأعلى] (¬2)، ثنا سعيد بن إياس) أبو مسعود الجريري [نزل البصرة. (عن] (¬3) أبي السليل) بفتح السين المهملة، واسمه ضريب بضم الضاد المعجمة مصغر، ابن نقير بضم النون وفتح القاف مصغر أيضًا، وقيل: نفير بالفاء، وقيل: نفيل بالفاء واللام، والأول هو المشهور، أخرج له مسلم والأربعة. (عن عبد الله بن رباح) بفتح الراء والباء الموحدة (الأنصاري، [عن أبي بن كعب) - رضي الله عنه -. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (810). (¬2) سقط من (ر). (¬3) في (ر): البصري.

(قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) قال] (¬1) (أبا المنذر) كذا، ولمسلم بإظهار ياء النداء (¬2)، فيه تبجيل العالم فُضَلاء أصحابه وتكنيتهم (أيّ) بالرفع (آية) ولمسلم: "أتدري أي آية" (معك من كتاب الله [أعظم) وذكر] (¬3) آية الكرسي. فيه حجة للقول بتفضيل بعض آي (¬4): القرآن على بعض [وتفضيل القرآن] (¬5) على سائر كتب الله المنزلة عند من أجازه، فمنع منه أبو الحسن الأشعري وأبو بكر الباقلاني وجماعة من الفقهاء والعلماء؛ لأن تفضيل بعضه يؤدي إلى نقص (¬6) المفضول، وليس في كلام الله تعالى نقص. وفيه سؤال العالم بالحكم تلميذه عن الحكم قبل إعلامه ليكون أوقع في القبول، وتأول هؤلاء ما ورد من إطلاق أعظم بمعنى عظيم [كأكبر بمعنى كبير] (¬7)، وإطلاق أفضل بمعنى: فاضل، وأجاز ذلك إسحاق بن راهويه وغيره من العلماء والمتكلمين، قالوا: وهو راجع إلى عظيم أجر قارئ ذلك وجزيل ثوابه. ¬

_ (¬1) في (ر): قوله يا. (¬2) "صحيح مسلم" (810). (¬3) في (م): وذكر أعظم. (¬4) من (ر). (¬5) من (ر). (¬6) في (م): تفضيل بعض المفضول. (¬7) في (ر): وأكثر بمعنى كثير.

قال النووي: والمختار جواز قول هذِه [الآية و] (¬1) السورة أعظم وأفضل (¬2) بمعنى أن الثواب المتعلق بها أكثر، وهو معنى الحديث (¬3). (قلت: الله ورسوله أعلم) اعتراف منه وتسليم لما يأخذه عنه ([قال: يا أبا المنذر) أتدري] (¬4) (أي: آية معك من كتاب الله أعظم؟ ) فيه تبسط العالم لمن يعلمه، وإلقاء العالم (¬5) المسائل على أصحابه ليختبر معرفتهم أو ليعلمهم ما لعلهم [لا ينتبهوا] (¬6) للسؤال عنه. (قلت) {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}) (¬7) قال العلماء: إنما تميزت آية الكرسي بكونها أعظم آية من كتاب الله؛ لأنها جمعت (¬8) أصول الأسماء والصفات من الإلهية والحياة والوحدانية والعلم والملك والقدرة [والإرادة، وبهذه السبعة] (¬9) قالوا: هي أصول الأسماء والصفات. (قال: فضرب في صدري) ليجمع حضور قلبه لما [يقوله له] (¬10) وليشتغل بذلك عن الالتفات، وكذلك ينبغي للمعلم أن ينبه المتعلم في ¬

_ (¬1) سقط من (ر). وفي "شرح النووي": الآية أو. (¬2) في (م): فضل. وفي "شرح النووي": أو أفضل. (¬3) "شرح النووي على مسلم" 6/ 93 - 94. (¬4) في (ر): قوله. (¬5) سقط من (ر). (¬6) في (ر): لم ينبهوا. (¬7) البقرة: 255. (¬8) في (م): حجبت. (¬9) سقط من (ر). (¬10) بياض في (ر).

بعض الأوقات لإحضار قلبه وفهمه وسمعه (وقال: ليهن) بكسر (¬1) اللام وكسر النون (لك) يحتمل أن تكون اللام زائدة، والتقدير: يهنك (¬2) العلم، كما زيدت في مفعول يدعو من قوله تعالى: {يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ} (¬3) واستبعد هذا في الآية لأن زيادة اللام في غاية الشذوذ. [قال: (يا] (¬4) أبا المنذر العلم) يحتمل أن يكون فيه حذف ليهنك نور العلم الذي وهبه الله لك، وفيه إظهار سرور العالم بما إذا أصاب المتعلم في الجواب، وتبجيل العالم فضلاء أصحابه بمدحهم والدعاء لهم وإظهار فضيلتهم وذكائهم (¬5)، ومن رآه لم يفهم تلطف بالإعادة له، وفيه جواز مدح الإنسان في وجهه إذا كان فيه مصلحة ولم يخف عليه إعجاب ونحوه بكمال يقينه (¬6) ورسوخه في التقوى. ¬

_ (¬1) في (ر): بفتح. (¬2) في (م): يهنيك. (¬3) الحج: 13. (¬4) سقط من (ر). (¬5) في (ر): زكاتهم. (¬6) في (ر): نفسه.

18 - باب في سورة الصمد

18 - باب فِي سُورَةِ الصَّمَدِ 1461 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} يُرَدِّدُها فَلَمّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذكَرَ ذَلِكَ لَهُ وَكأنَ الرَّجُلُ يَتَقالُّها فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّها لَتَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ" (¬1). * * * باب في سورة الصمد من أسماء قل هو الله أحد، وتسمى سورة الإخلاص. [1461] (حدثنا) عبد الله بن محمد (القعنبي [عن مالك، عن عبد الرحمن بن عبد الله] (¬2) بن عبد الرحمن) بن أبي صعصعة المازني الأنصاري، أخرج له البخاري. (عن أبيه) عبد الله بن عبد الرحمن [بن أبي صعصعة] (¬3) وثقه النسائي (¬4) وأخرج له البخاري. (عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: أن رجلًا سمع رجلًا يقرأ) سورة (¬5) ({قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}) وهو (يرددها) أي: يكررها، والرجل هو قتادة بن النعمان أخو أبي سعيد الخدري لأمه. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5013). (¬2) جاءت هذه العبارة في (ر) متأخرة بعد قوله: كمن قرأ ثلث القرآن. (¬3) سقط من (ر). (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 15/ 208. (¬5) سقط من (ر).

[(فلما أصبح جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكر له ذلك و) ذكرته] (¬1) (كأن الرجل) قتادة كما تقدم (يتقالها) بتشديد اللام، أي: [يستقلها. يعدها] (¬2) قليلة ([فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: والذي نفسي بيده] (¬3) إنها لتعدل ثلث القرآن) فيه أقوال: أحدها: أن القرآن العزيز لا يتجاوز ثلاثة أقسام وهي: الإرشاد إلى معرفة ذات الله تعالى وتقديسه، ومعرفة أسمائه وصفاته، أو معرفة أفعاله ومشيئته (¬4) في عباده، فلما اشتملت سورة الإخلاص على أحد هذِه الأقسام الثلاثة [وهو التقديس] (¬5) وازنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بثلث القرآن. والثاني: أن القرآن العظيم (¬6) أنزل ثلاثًا: فثلث أحكام، وثلث وعد ووعيد، وثلث أسماء وصفات، وقد جمع في {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} أحد الأثلاث [وهي الصفات. والثالث: أن من عمل بما تضمنته من الإقرار بالتوحيد والإذعان للخالق كان كمن قرأ ثلث القرآن] (¬7). وقيل: [قال ذلك رسول الله] (¬8) ¬

_ (¬1) في (ر): قوله و. (¬2) في (م): يستقيلها. (¬3) في (ر): قوله. (¬4) في (ر): سنته. (¬5) من (ر). (¬6) في (ر): العزيز. (¬7) من (ر). (¬8) في (م): ذلك.

لشخص بعينه قصده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم و [يقدح في هذا] (¬1) أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حشد (¬2) الناس وقال: "سأقرأ عليكم ثلث [القرآن" (¬3) فقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} (¬4). والثالث: أنه إنما قال هذا للذي رددها، فحصل له من ترددها قدر قراءة ثلث] (¬5) القرآن، وقيل: إن ثواب قراءتها [تعدل ثواب قراءة ثلث القرآن] (¬6) بغير تضعيف. ¬

_ (¬1) في (ر): وهذا يقدح فيه. (¬2) في (ر): حسر. (¬3) في (ر): الليل. والمثبت من مصادر التخريج. (¬4) أخرجه مسلم (812)، والترمذي (2900)، وأحمد 2/ 429. (¬5) من (ر). (¬6) في (ر): تضاعف قدر قراءة ثلث.

19 - باب في المعوذتين

19 - باب فِي المُعَوِّذَتَيْنِ 1462 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مُعاوِيَةُ، عَنِ العَلاءِ بْنِ الحارِثِ عَنِ القاسِمِ مَوْلَى مُعاوِيَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ قَالَ: كُنْتُ أَقُودُ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَاقَتَهُ فِي السَّفَرِ فَقَالَ لِي: "يا عُقْبَةُ أَلا أُعَلِّمُكَ خَيْرَ سُورَتَيْنِ قُرِئَتا". فَعَلَّمَنِي {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} قَالَ: فَلَمْ يَرَنِي سُرِرْتُ بِهِما جِدًّا فَلَمَّا نَزَلَ لِصَلاةِ الصُّبْحِ صَلَّى بِهِما صَلاةَ الصُّبْحِ لِلنَّاسِ فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الصَّلاةِ التَفَتَ إِلَي فَقَالَ: "يا عُقْبَةُ كَيْفَ رَأَيْتَ" (¬1). 1463 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن سَلَمَةَ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ قَالَ بَيْنا أَنا أَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ الجُحْفَةِ والأَبْواءِ إِذْ غَشِيَتْنا رِيحٌ وَظُلْمَةٌ شَدِيدَةٌ فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَعَوَّذُ بِـ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} وَيَقُولُ: "يا عُقْبَةُ تَعَوَّذْ بِهِما فَما تَعَوَّذَ مُتَعَوِّذٌ بِمِثْلِهِما". قَالَ وَسَمِعْتُهُ يَؤُمُّنا بِهِما فِي الصَّلاةِ (¬2). * * * باب في المعوذتين بكسر الواو كما تقدم. [1462] ([حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح، أنا ابن وهب) قال: ¬

_ (¬1) رواه النسائي 8/ 252، وأحمد 4/ 149. وصححه الألباني في "المشكاة" (848). ورواه بنحوه مسلم (814). (¬2) رواه النسائي 8/ 253، والطحاوي في "شرح المشكل" 1/ 116 (127)، والطبراني في "الدعاء" (978). وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (7949).

(أخبرني] (¬1) معاوية) بن صالح بن حدير الحضرمي الحمصي، قاضي الأندلس أحد الأعلام، أخرج له مسلم والأربعة (عن العلاء بن الحارث، عن القاسم) بن عبد الرحمن بن القاسم القرشي مولاهم الشامي، وثقه ابن معين (¬2) وغيره (¬3)، وهو (مولى معاوية) من بني أمية، (عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: كنت أقود برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) زمام (ناقته في السفر) وللنسائي: اتبعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو راكب (¬4). وفيه دليل على أن التلميذ يتقرب إلى الله تعالى بخدمة شيخه، ويعلم أن ذله لشيخه عز، وخضوعه فخر له، [وتواضعه رفعة] (¬5) وأخذ ابن عباس [مع جلالته] (¬6) وعلو مرتبته بركاب زيد بن ثابت الأنصاري قال: هكذا أمرنا أن نتواضع لمن نتعلم منه (¬7). (فقال لي) رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا عقبة) بن عامر (ألا) بالتخفيف للعرض (أعلمك خير) بالنصب مفعول [ثاني لأعلمك] (¬8) (سورتين قرئتا؟ ) بضم القاف وكسر الراء وفتح الهمزة والتاء مبني للمفعول، وللنسائي: "لن تقرأ شيئًا أبلغ عند الله من {قُلْ ¬

_ (¬1) سيأتي هذا السند في (ر) بعد قليل قبل: عن العلاء. (¬2) "تاريخ ابن معين" رواية الدوري (5120). (¬3) "تهذيب الكمال" 23/ 389. (¬4) "المجتبى" 2/ 158. (¬5) سقط من (ر). (¬6) في (م): من جلالة. (¬7) "تاريخ دمشق" 19/ 326. (¬8) في (م): ألا أعلمك.

أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} " (¬1)، انتهى. قلت: بلى يا رسول الله، قال: قال: (فعلمني) بفتح اللام المشددة والميم ({قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}) وسيأتي للمصنف بعده: بينما أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين الجحفة (¬2) والأبواء إذ غشتنا ريح وظلمة شديدة، فجعل [رسول الله يتعوذ بأعوذ برب الفلق، وأعوذ برب الناس ويقول: ] (¬3) "تعوذ بهما فما تعوذ متعوذ بمثلهما" (¬4). (قال) عقبة: (فلم يرني) رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (سررت بهما جدًّا) [بكسر الجيم] (¬5) أي سرورًا عظيمًا (فلما نزل لصلاة الصبح) فيه نزول المسافر لصلاة الصبح إذا دخل وقتها وعرف أن الوقت يخرج قبل أن يصل منزله (¬6) (صلى بهما) أي: بالمعوذتين (صلاة الصبح للناس) (¬7) أي: بالناس، وفيه دليل على مشروعية تخفيف صلاة المسافر [لأن السفر] (¬8) مظنة المشقة فيناسبه التخفيف في الصلاة كلها تيسيرا على المسافر كما قرأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم المعوذتين في ركعتي الصبح، ولهذا ذكر الغزالي (¬9) في "الإحياء" و"الخلاصة" و"عنقود ¬

_ (¬1) "المجتبى" 2/ 158. (¬2) في (ر): الحجة. (¬3) من (ر) ومصادر التخريج. (¬4) يأتي برقم (1463). (¬5) سقط من (ر). (¬6) في (ر): المنزل. (¬7) سقط من (ر). (¬8) من (ر). (¬9) بياض في (م).

المختصر ونقاوة المعتصر (¬1) في شرح مختصر المزني": أن المسافر يستحب له أن يقرأ في أولى الصبح {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وفي ثانيتها {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، وفيه حديث ذكره الطبراني في "المعجم الكبير" (¬2)، [ورواه البيهقي في "سننه" (¬3). (فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الصلاة] (¬4) التفت إلي) (¬5) الظاهر أن التفاته كان بعد التسليمتين. (فقال: يا عقبة كيف رأيت) فيه حذف المفعول، أي: كيف رأيت فضيلة هاتين السورتين [اللتين قرأت بهما في صلاة الصبح، ومن حذفه قوله تعالى: {وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ} (¬6) {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ} (¬7)] (¬8) أي: إنهم سفهاء. [1463] (حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي، ثنا محمد بن سلمة) بفتح السين واللام ابن عبد الله الباهلي مولاهم الحراني، أخرج له مسلم (عن محمد بن إسحاق) أخرج له مسلم، وهو صاحب "المغازي". ¬

_ (¬1) في النسخ الخطية: و"عقود المختصر والمعتصر". والمثبت من "كشف الظنون" 2/ 1635. (¬2) ذكره الطبراني في "الكبير" (13123) وليس فيه ذكر السفر. (¬3) "السنن الكبرى" 3/ 43. (¬4) في (ر): قوله. (¬5) من (ر). (¬6) الواقعة: 85. (¬7) البقرة: 13. (¬8) من (ر).

(عن سعيد بن أبي سعيد المقبري) أيقال: إنه أسلم في حياة رسول الله] (¬1) ([عن أبيه) أبي (¬2) سعيد كيسان المقبري] (¬3). (عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: بينا) يقال: بينا وبينما بزيادة الميم [(أسير مع رسول الله] (¬4) صلى الله عليه وآله وسلم بين الجحفة) قرية جامعة بها منبر في أولها (¬5) مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بموضع يقال له: عزور (¬6) وهي على ثمان مراحل من المدينة، وفي آخرها عند العلمين مسجد الأئمة، وهي في طريق المدينة إلى مكة، وسميت الجحفة؛ لأن السيول اجتحفتها، وكان اسمها قبل أن تجحفها السيول (¬7) مهيعة [بفتح الميم] (¬8). (والأبواء) بفتح الهمزة وسكون الموحدة ومد آخره، قال (¬9) كثير: سميت الأبواء للوباء الذي بها. ولا يصح هذا إلا على [القلب، بواديها من نبات الطرفاء ما لا يعرف في وادٍ أكثر منه] (¬10) وعلى ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) في (م): عن. وانظر "تهذيب الكمال" 10/ 467 - 468، 24/ 240 - 241. (¬3) سقط من (ر). (¬4) تقدمت هذِه العبارة في (ر). (¬5) في (م): أولى. (¬6) في (ر): عزود. (¬7) في (م): السري. (¬8) من (ر). (¬9) زاد في (ر): ابن. (¬10) في (م): العلم وبه ادبها من نبات الطرفان إلا بمعرف في واد الترمية. والمثبت من (ر)، و"معجم ما استعجم".

خمسة أميال منها مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبالأبواء توفيت أمه - عليه السلام -، وأول غزواته بها (¬1). (إذ غشيتنا ريح (¬2) وظلمة شديدة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتعوذ بأعوذ) أي: بسورة {قُلْ أَعُوذُ} ({بِرَبِّ الْفَلَقِ}، و) قل ({أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}) قال النووي: أجمعت الأمة على أن لفظة {قُلْ} في {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}] (¬3) من أول السورتين بعد البسملة (¬4). وحكى القرطبي (¬5) عن بعض الأئمة أن عبد الله بن مسعود مات قبل أن يختم القرآن، وقال يزيد بن هارون: المعوذتان بمنزلة البقرة وآل عمران من زعم أنهما ليستا من القرآن فهو كافر بالقرآن (¬6) العظيم، فقيل له: فقول عبد الله بن مسعود فيهما؟ فقال: لا خلاف بين المسلمين في أن عبد الله ابن مسعود مات [وهو لا] (¬7) يحفظ القرآن كله، حكاه القرطبي. وقال: هذا فيه نظر (¬8). (ويقول: يا عقبة تعوذ بهما) فيه دليل على استحباب التعوذ فإنه سبب لدفع البلاء المتعوذ منه كما أن الترس والدرع سبب لرد السهم والسلاح، ¬

_ (¬1) "معجم ما استعجم" 1/ 102. (¬2) في (ر): بفتح الياء. (¬3) من (ر). (¬4) "شرح النووي على مسلم" 6/ 96. (¬5) "الجامع لأحكام القرآن" 1/ 53. (¬6) في "الجامع لأحكام القرآن": بالله. (¬7) في (ر): قبل أن. (¬8) في (ر): في هذا نظر.

وفيه ربط الأسباب بالمسببات (فما تعوذ متعوذ) بشيء من التعوذات (بمثلهما) من كتاب الله تعالى، وفيه بيان (¬1) عظيم فضل هاتين السورتين (قال) عقبة: (وسمعته (¬2) يؤمنا بهما في الصلاة) أي: صلاة الصبح كما تقدم في السفر، وأما (¬3) غير السفر فالسنة في الصبح طوال المفصل. ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) من (ر). (¬3) في (م): إذا.

20 - باب استحباب الترتيل في القراءة

20 - باب اسْتِحْبابِ التَّرْتِيلِ فِي القِراءَةِ 1464 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى عَنْ سُفْيانَ حَدَّثَنِي عاصِمُ بْن بَهْدَلَةَ، عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يُقالُ لِصاحِبِ القُرْآنِ اقْرَأْ وارْتَقِ وَرَتِّلْ كَما كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيا فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُها" (¬1). 1465 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ عَنْ قَتادَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا عَنْ قِراءَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: كَانَ يَمُدُّ مَدًّا (¬2). 1466 - حَدَّثَنا يَزِيدُ بْن خالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ الرَّمْلِيُّ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنِ ابن أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مَمْلَكٍ أَنَّهُ سَأَلَ أُمَّ سَلَمَةَ، عَنْ قِراءَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَصَلاتِهِ فَقَالَتْ وَما لَكُمْ وَصَلاتَهُ كَانَ يُصَلِّي وَيَنامُ قَدْرَ ما صَلَّى ثُمَّ يُصَلِّي قَدْرَ ما نامَ ثُمَّ يَنامُ قَدْرَ ما صَلَّى حَتَّى يُصْبِحَ، وَنَعَتَتْ قِراءَتَهُ فَإِذا هِيَ تَنْعَتُ قِراءَتَهُ حَرْفًا حَرْفًا (¬3). 1467 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ مُعاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قال: رأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَهُوَ عَلَى نَاقَةٍ يَقْرَأُ بِسُورَةِ الفَتْحِ وَهُوَ يُرَجِّعُ (¬4). 1468 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْسَجَةَ، عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "زَيِّنُوا القُرْآنَ بِأَصْواتِكُمْ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2914)، وأحمد 2/ 192، والنسائي في "الكبرى" (8056). وصححه الألباني في "الصحيحة" (2240). (¬2) رواه البخاري (5045). (¬3) رواه الترمذي (2923)، والنسائي 2/ 181، وأحمد 6/ 294. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (260). (¬4) رواه البخاري (4281)، ومسلم (794). (¬5) رواه البخاري تعليقا قبل حديث (7544)، والنسائي 2/ 179، وابن ماجه =

1469 - حَدَّثَنا أَبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسِيُّ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَيَزِيدُ بْنُ خالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ الرَّمْلِيُّ بِمَعْناهُ أَنَّ اللَّيْثَ حَدَّثَهُمْ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَهِيكٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ - وقالَ يَزِيدُ، عَنِ ابن أَبِي مُلَيْكَةَ -، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ وقَالَ قُتَيْبَةُ: هُوَ فِي كِتابِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ مِنّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالقُرْآنِ" (¬1). 1470 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ ابن أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَهِيكٍ عَنْ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَهُ (¬2). 1471 - حَدَّثَنا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الجَبّارِ بْن الوَرْدِ قَالَ: سَمِعْتُ ابن أَبِي مُلَيْكَةَ يَقُولُ: قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بْن أَبِي يَزِيدَ مَرَّ بِنا أَبُو لُبابَةَ فاتَّبَعْناهُ حَتَّى دَخَلَ بَيْتَهُ فَدَخَلْنا عَلَيْهِ فَإِذا رَجُلٌ رَثُّ البَيْتِ رَثُّ الهَيْئَةِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لَيْسَ مِنّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالقُرْآنِ". قَالَ: فَقُلْتُ لِابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: يا أَبا مُحَمَّدٍ أَرَأَيْتَ إِذَا لَمْ يَكُنْ حَسَنَ الصَّوْتِ قَالَ: يُحَسِّنُهُ ما اسْتَطاعَ (¬3). 1472 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمانَ الأَنْبارِيُّ قَالَ: قَالَ وَكِيعٌ وابْنُ عُيَيْنَةَ يَعْنِي يَسْتَغْنِي بِهِ (¬4). ¬

_ = (1342)، وأحمد 4/ 283. وصححه الألباني في "المشكاة" (2199). (¬1) رواه أحمد 1/ 172، والطيالسي (198)، وعبد الرزاق 2/ 482 (4170)، والحميدي (76)، وعبد بن حميد (151)، والدارمي (1531). ورواه البخاري (7527) من حديث أبي هريرة. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1321). (¬2) انظر السابق. (¬3) رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 3/ 450 (1903)، وأبو عوانة في "المستخرج" (3878)، والطحاوي في "شرح المشكل" 3/ 350 (1308). وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (5442). (¬4) قال الألباني: صحيح مقطوع.

1473 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ دَاوُدَ المَهْرِيُّ، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مالِكٍ وَحَيْوَةُ، عَنِ ابن الهادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْراهِيمَ بْنِ الحارِثِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "ما أَذِنَ اللهُ لِشَيء ما أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ" (¬1). * * * باب كيف يستحب الترتيل في القراءة [1464] (حدثنا مسدد، حدثنا (¬2) يحيى) بن [سعيد القطان] (¬3). (عن سفيان) بن عيينة بن أبي عمران ميمون الهلالي، قال (حدثني عاصم ابن) (¬4) أبي النجود (بهدلة) (¬5) الأسدي المقرئ، أخرج له مسلم (¬6). (عن زر) بن حبيش (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص. (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يقال لصاحب القرآن) أي لقارئ القرآن (اقرأ وارتق) أي اصعد بدليل رواية ابن ماجه من رواية أبي سعيد الخدري، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يقال لصاحب القرآن إذا (¬7) أدخل الجنة: اقرأ واصعد فيقرأ ويصعد، بكل آية ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5023)، ومسلم (792). (¬2) في (ر): بن. (¬3) بياض في (ر). (¬4) سقط من (ر). (¬5) زاد في الأصول الخطية: بالذال المعجمة. وهي زيادة مقحمة وهو عاصم بن بهدلة بالدال المهملة. وانظر "تهذيب الكمال" 13/ 473. (¬6) في (ر): الشيخان. (¬7) من "سنن ابن ماجه".

درجة حتى يقرأ آخر شيء معه" (¬1) (ورتل) في الجنة (كما كنت ترتل في الدنيا) قال القرطبي: والترتيل في القراءة هو التأني فيها والتمهل، وتبيين الحروف والحركات (¬2) تشبيهًا [بالثغر المرتل] (¬3) وهو المشبه بنور (¬4) الأقحوان، وهو المطلوب في قراءة القرآن في قوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} (¬5)، وسئلت أم سلمة عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصلاته (¬6) فقالت: ما لكم وصلاته. ثم نعتت قراءته فإذا هي تنعت قراءته مفسرة حرفًا حرفًا (¬7). أخرجه المصنف والترمذي والنسائي (¬8) وقال: حسن صحيح (¬9). قال عاصم: الترتيل بأن تبين جميع الحروف وتوفيها حقها من الإشباع. قال أبو حمزة - بالحاء المهملة والزاي واسمه عمران (¬10) بن أبي عطاء القصاب -: قلت لابن عباس: إني رجل أقرأ (¬11) وفي كلامي ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (3780). (¬2) في (م): الحرف كان. (¬3) في (م): بالمربد. (¬4) في (م): بثوب. (¬5) المزمل: 4. (¬6) سقط من (ر). (¬7) سيأتي برقم (1466). (¬8) من (ر). (¬9) "الجامع لأحكام القرآن" 1/ 17. (¬10) في (م): عمر. (¬11) في (ر): في قرائتي.

عجلة، قال: لأن أقرأ البقرة أرتلها أحب إليَّ من أن أقرأ القرآن كله (¬1). (فإن منزلتك) [في الجنة] (¬2) (عند آخر آية تقرؤها) لفظ الترمذي: "تقرأ بها" وقال: حديث حسن صحيح. قال الخطابي: جاء في الأثر أن عدد آي القرآن على عدد (¬3) درج الجنة فيقال للقارئ: ارق في الدرج على قدر (¬4) ما كنت تقرأ من آيات (¬5) القرآن، فمن استوفى قراءة جميع القرآن استولى على أقصى درج الجنة في الآخرة، ومن قرأ آخر (¬6) جزء منه كان رقيه بالدرج على قدر (¬7) ذلك، فيكون منتهى الثواب عند منتهى القراءة (¬8). [1465] (حدثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي (حدثنا جرير، عن قتادة قال: (سألت أنسًا - رضي الله عنه - عن قراءة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: كان يمد) في قراءته (مدًّا) يعني: في الألف والواو والياء الثلاثة التي هي حروف المد، فالمد هنا محمول على حروفه المعروفة، ويسمى هذا المد مدًّا طبيعيًّا، وهو فيما إذا لم يكن بعد [حروف المد] (¬9) همزة أو ¬

_ (¬1) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 2/ 54. (¬2) سقط من (ر). (¬3) في (ر): عدد آي. وفي "معالم السنن": آي. (¬4) في (ر): عدد. (¬5) في (ر): عدد آي. وفي "معالم السنن": آي. (¬6) سقط من (ر). (¬7) في (ر): عدد. (¬8) "معالم السنن" المطبوع مع "مختصر السنن" 2/ 136. (¬9) في (ر): حرف.

تشديد، فإن كان بعده همزة أو تشديد فهو أبلغ من المد الطبيعي، وهو ينقسم إلى متصل ومنفصل، ولازم وجائز، وللقراء في موضع المد وفي مقداره وأقسامه وجوه كثيرة معروفة عندهم. وقد [بيَّن البخاري] (¬1) في الحديث الذي بعده أن المراد بالمد المد في الحروف الثلاثة، فقال: سئل (¬2) أنس: كيف قراءة النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال: كانت مدًّا، ثم قرأ "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" يمد ببسم الله، ويمد بالرحمن، ويمد بالرحيم (¬3)، فبين أن المد على ألف في بسم الله، وفي الرحمن، والمد على الياء في الرحيم، وقد اجتمعت الثلاثة في أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فأعوذ مد على الواو، وبالله والشيطان مد على الألف، والرجيم مد على الياء. [1466] (حدثنا يزيد بن خالد بن موهب) بفتح الميم والهاء (الرملي) الثقة الزاهد. (عن الليث، عن) عبد الله بن عبيد الله (بن أبي مليكة) التيمي مؤذن ابن الزبير ([عن يعلى] (¬4) بن مملك) بفتح الميم الأولى وتسكين الثانية وبعدها لام بوزن جعفر المكي (¬5)، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬6). ¬

_ (¬1) في (ر): يندرج. (¬2) سقط من (ر). (¬3) "صحيح البخاري" (5046). (¬4) سقط من (ر). (¬5) في (م): ابن مكي. (¬6) "الثقات" 5/ 556.

([أنه سأل] (¬1) أم سلمة) هند بنت أبي أمية المعروف بزاد الراكب، زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم (عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [(و) عن (صلاته)] (¬2)؟ (فقالت: وما لكم وصلاته) بالنصب على أنه مفعول معه، والواو الداخلة على صلاته بمعنى مع (¬3) وما الاستفهامية التي بعد الواو مرفوعة بفعل مضمر هو الناصب لما بعدها تقديره ما تكونوا وصلاته، والصحيح أن "كان" هذِه المقدرة ناقصة، وما خبر مقدم، والصحيح أن العطف في هذِه الصورة لا يجوز، وأن العطف [على الضمير المجرور باللام بغير إعادة الجار ممتنع عند الجمهور، ونصب صلاته هنا واجب] (¬4). قال ابن مالك في "الألفية": والنصب إن لم يجز العطف يجب ... أو اعتقد إضمار عاملٍ تُصب (¬5) [(كان يصلي) من الليل (وينام) من الليل (قدر ما يصلي) وهذا النوم عبادة أيضًا؛ لأنه إعانة على الصلاة بعده ليقوم إليها بنشاط (ثم يصلي) أيضًا] (¬6) (قدر ما نام) وفي "صحيح مسلم" في حديث مبيت ابن عباس ¬

_ (¬1) في (ر): عن. (¬2) سقط من (ر). (¬3) سقط من (ر). (¬4) من (ر). (¬5) انظر: "شرح ابن عقيل" 2/ 206. (¬6) في (م): وينام من الليل.

عند خالته وفيه: ثم قام فصلى ركعتين فأطال فيهما القيام والركوع والسجود، ثم انصرف فنام حتى نفخ، ثم فعل ذلك ثلاث مرات [لست ركعات (¬1) (ثم ينام] (¬2) قدر ما صلى حتى يصبح) إلى أن يطلع الفجر. ([ونعتت قراءته]) (¬3) والنعت: وصف الشيء بما فيه من حسن، ولا يقال النعت في مذموم إلا [أن يتكلف] (¬4) متكلف فيقيده ويقول: نعت سوء (¬5) (وإذا) للمفاجأة (هي تنعت قراءته) زاد الترمذي: مفسرة (¬6) (حرفًا حرفًا) ثم قال الترمذي: حديث حسن صحيح، قال: وقد روى ابن جريج هذا الحديث، عن ابن أبي مليكة، عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقطع قراءته (¬7) أي حرفًا حرفًا، وظاهر رواية الترمذي أن معنى تقطيع القرآن أن يقف على رؤوس الآي، فإنه روي عن أم سلمة أيضًا قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقطع القراءة يقرأ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ثم يقف (¬8)، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ثم يقف (¬9). ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (763/ 191). (¬2) في (ر): ثم نام ثانيًا. (¬3) سقط من (ر). (¬4) في (م): ذاك تكلف. (¬5) "النهاية في غريب الحديث" (نعت). (¬6) "جامع الترمذي" (2923). (¬7) "جامع الترمذي" (2923). (¬8) في (ر): يقرأ. (¬9) أخرجه الترمذي (2927)، وأحمد 6/ 302. قال الترمذي: حديث غريب. وقال الحاكم في "المستدرك" 2/ 232: صحيح على شرط الشيخين.

[1467] (حدثنا حفص بن عمر) الحوضي (¬1). (ثنا شعبة، عن معاوية ابن قرة) بضم القاف بن أبي إياس بن هلال المزني البصري. (عن عبد الله [بن مغفل (¬2) قال] (¬3): رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم فتح مكة) في رمضان سنة ثمان من الهجرة (وهو (¬4) على ناقته) وللبخاري: [أو جمله] (¬5) وهو يسير به وهو (يقرأ بسورة الفتح) زاد البخاري: أو من سورة الفتح قراءة لينة (¬6). ومناسبة (¬7) قراءة سورة الفتح (¬8) يوم فتح مكة ظاهرة [دون غيرها] (¬9). (وهو يرجع) والترجيع هو ترديد القراءة وتكرارها، ومنه ترجيع الأذان، وهذا إنما حصل منه والله أعلم يوم الفتح؛ لأنه كان راكبًا، فجعلت الناقة تحركه فحدث الترجيع في صوته، فلا يبقى به متمسك لتبويب البخاري عليه: باب الترجيع، لكن تسمية عبد الله بن مغفل له في هذِه الحالة ترجيعًا يدل على أنه اختيار لا اضطرار، وقد أعاده البخاري في كتاب التوحيد وزاد في صفة الترجيع وقال: "آآ آ" ثلاث ¬

_ (¬1) في (م): الجون. (¬2) سقط من (م)، وفي (ر): معبد. والمثبت من "سنن أبي داود"، ومصادر التخريج. (¬3) في (م): قالت. (¬4) سقط من (ر). (¬5) في (ر): وحده. (¬6) "صحيح البخاري" (5047). (¬7) غير واضحة في (م). (¬8) في (م): الفاتحة. (¬9) من (ر).

مرات (¬1). وهو محمول على إشباع المد في موضعه، ويحتمل أن يكون ذلك حكاية صوته عند هز (¬2) الراحلة كما يعتري [صوت الراكب] (¬3). قال الكرماني: ترجيع الصوت ترديده في الحلق كقراءة أصحاب الألحان (¬4). قال المنذري: وقد جاء في حديث آخر أنه كان لا يرجع، قيل: لعله لم يكن راكبًا فلم يرجع (¬5) إلى الترجيع (¬6). [1468] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا جرير، عن الأعمش، عن طلحة) بن مصرف الهمداني الشامي (عن عبد الرحمن بن عوسجة) النهمي (¬7) بكسر النون وسكون الهاء بعدها ميم نسبة إلى نهم (¬8) بطن من همدان وهو نهم بن ربيعة بن مالك بن عوسجة ثقة (¬9)، قتل مع (¬10) ابن الأشعث (¬11). (عن البراء بن عازب) رضي الله عنهما (قال: قال رسول الله صلى الله ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (7541). (¬2) في (م): مد. (¬3) في (م): رافع صوت. (¬4) "صحيح البخاري بشرح الكرماني" 25/ 231. (¬5) في "شرح العيني": يلجأ. (¬6) انظر: "شرح سنن أبي داود" للعيني 5/ 383 من قوله لا من قول المنذري. (¬7) في (م): النهم. (¬8) من (ر). (¬9) "الثقات" لابن حبان 5/ 99، و"تهذيب الكمال" 17/ 322 - 323. (¬10) في (م): من. (¬11) في الأصول الخطية: الأشرف. والمثبت من مصادر الترجمة.

عليه وآله وسلم: زينوا القرآن بأصواتكم) قيل: معناه زينوا أصواتكم بالقرآن، هكذا فسره غير واحد من أئمة الحديث، وقالوا: إنه من باب المقلوب كما قالوا: عرضت الناقة على الحوض. قال المنذري (¬1): وفي بعض طرقه: "زينوا أصواتكم بالقرآن" (¬2) [والمعنى: اشغلوا أصواتكم بالقرآن] (¬3) والهجوا بقراءته واتخذوه شعارًا، قال: وليس ذلك على تطريب القول. وقيل: أراد بالقرآن القراءة أي: زينوا قراءتكم بأصواتكم الحسنة؛ لأنه إذا حسن الصوت به كان أوقع في النفوس، وأسمع في القلوب؛ لقول أبي موسى: لو علمت أنك تسمع قراءتي لحبرته لك تحبيرًا (¬4). [1469] (حدثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك (الطيالسي [وقتيبة بن سعيد] (¬5) ويزيد بن خالد) بن يزيد بن عبد الله (بن موهب الرملي) أبو خالد الثقة الزاهد (¬6) [(بمعناه) المذكور، وقالوا: (أن الليث حدثهم] (¬7) عن ¬

_ (¬1) انظر: "معالم السنن" المطبوع مع "مختصر السنن" 2/ 137 - 138، "شرح أبي داود" للعيني 5/ 383 - 384 ولم أجده من كلام المنذري. (¬2) أخرجه عبد الرزاق 2/ 485 (4176)، والحاكم 1/ 571، 572. (¬3) ساقطة من الأصول. (¬4) أخرجه النسائي في "الكبرى" (8058)، وابن حبان (7197)، والبيهقي في "السنن الكبرى" 3/ 12، والحاكم 3/ 466. وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3532): إسناده صحيح. (¬5) في (ر): عن عبيد الله. (¬6) "الثقات" لابن حبان 9/ 276، و"تهذيب الكمال" 32/ 114 - 115. (¬7) سقط من (ر).

عبد الله (¬1) بن أبي مليكة [عن عبيد الله بن] (¬2) أبي نهيك) [بفتح النون المخزومي المدني، ويقال: عبد الله، وثقه ن (¬3)] (¬4). ([عن سعد بن أبي وقاص]) (¬5) [وقال يزيد) بن إبراهيم التستري. (عن) عبد الله (بن أبي مليكة [عن سعيد بن] (¬6) أبي سعيد]) (¬7) كيسان المقبري (وقال قتيبة) بن سعيد (هو في كتابي) ومسموعاتي. (عن سعيد بن أبي سعيد) المقبري (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ليس منا) أي: ليس على طريقتنا وسنتنا وهدينا. (من لم يتغن) قال (¬8) وكيع وسفيان بن عيينة: أي (¬9): يستغني (بالقرآن) عن غيره، واختلف في معنى ذلك فقيل: يستغني به عن الناس، وقيل: يستغني به عن غيره من الأحاديث والكتب، وقال الشافعي: معناه تحزين القراءة (¬10) وترقيقها (¬11). أي: بحيث يظهر على قارئه الحزن الذي هو ضد السرور عند قراءته وتلاوته، وليس هو من ¬

_ (¬1) زاد في (ر): بن عبيد الله. (¬2) في (ر): نا قتيبة بن سعيد. (¬3) يعني: النسائي، انظر: "التقريب" (3669). (¬4) من (ر). (¬5) سقط من (ر). (¬6) في (ر): و. وسقط من (م). والمثبت من "سنن أبي داود". (¬7) سقط من (م). (¬8) من (ر). (¬9) في (م): أن. (¬10) في (م): القرآن. (¬11) "الأم" 7/ 521.

الغنية؛ لأنه لو كان من الغنية لقال يتغانى به، ولم يقل: يتغن به، وبه قال الإمام أبو حاتم (¬1) [محمد بن حبان] (¬2)، واحتج به ومن تابعه بما رواه مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي وبصدره (¬3) أزيز كأزيز المرجل من البكاء (¬4)، والأزيز صوت كالرعد وغليان القدر، قالوا: ففي هذا الخبر بيان واضح على أن المراد بالحديث التحزن، وعضدوا هذا بما في "الصحيح" عن عبد الله: قال لي النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "اقرأ"، فقرأت عليه (¬5) فلما بلغت (¬6) {وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} (¬7) فنظرت إليه فإذا عيناه تدمعان (¬8). وقال أبو سعيد الأعرابي (¬9): كانت العرب تولع بالغناء والنشيد في أكثر أقوالها، فلما نزل القرآن أحبوا أن يكون القرآن هجيراهم مكان الغناء تسلية لأنفسهم، وتذكرة في كل حالاتهم كما كانت العرب تفعل في قطع مسافاتها بالحداء. ¬

_ (¬1) سقط من الأصول الخطية، والمثبت هو الصواب، وهو ابن حبان صاحب "الصحيح" وانظر: "صحيح ابن حبان" 3/ 29. (¬2) في (ر): حيان. (¬3) في (م): له. (¬4) "صحيح ابن حبان" (753)، والحاكم في "المستدرك" 1/ 264. (¬5) في (م): علم. (¬6) في (م): قرأت. (¬7) النساء: 41. (¬8) "صحيح البخاري" (4582). (¬9) "النهاية في غريب الأثر" (غنا)، وانظر: "فتح الباري" 9/ 70.

[1470] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا (¬1) سفيان بن عيينة، عن عمرو) بن دينار. (عن) عبد الله بن عبيد الله (بن أبي مليكة، عن عبيد الله بن أبي نهيك، عن سعد) بن أبي وقاص [- رضي الله عنه -. (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثله) بمعناه] (¬2). [1471] (حدثنا عبد الأعلى بن حماد) أبو يحيى الباهلي مولاهم شيخ الشيخين. ([حدثنا عبد الجبار] (¬3) بن الورد) المخزومي مولاهم المكي، صدوق [هو أخو وهيب بن الورد] (¬4) وثقه أبو حاتم (¬5). (قال: سمعت) عبد الله (ابن أبي مليكة) القرشي التيمي (¬6) المكي قاضيها التابعي (يقول: قال عبيد الله) مصغر (بن أبي يزيد) المكي من الموالي: [(مر بنا] (¬7) أبو لبابة) رفاعة بن عبد المنذر بن زبير الأنصاري المدني، وقيل: اسمه بشير، وقيل غير ذلك (فاتبعناه) بفتح الهمزة وسكون المثناة فوق (¬8) وبوصل الهمزة وتشديد المثناة [فوق لغتان] (¬9) ¬

_ (¬1) في (ر): عن. (¬2) و (¬3) سقط من (ر). (¬4) من (ر). (¬5) "الجرح والتعديل" 6/ 31. (¬6) في (م): التميمي. (¬7) في (م): مولى. (¬8) من (ر). (¬9) في (م): يقال.

قرئ بهما في السبع (¬1) (حتى دخل بيته (¬2) فدخلنا عليه) بعد الاستئذان (فإذا هو (¬3) رجل رث البيت) أي: رث متاع البيت أي: [دون من الخَلِقين] (¬4) ويحتمل أن يكون الأصل دون الحذف أي: عتيق البيت دونه ليس هو من البيوت المرتفعة [(رث الهيئة)] (¬5)، قال الجوهري: في هيئته رثاثة أي: بذاذة (¬6)، وأرث الثوب أخلق (¬7). (فسمعته يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ([ليس منا) (¬8) ليس متخلق بأخلاقنا (من لم يتغن) سئل الشافعي عن تأويل ابن عيينة يتغنى (¬9) يستغني، فقال: نحن أعلم بهذا [لو أراد الاستغناء لقال] (¬10) يستغن به، ولكن لما قال: يتغن به، علمنا أنه أراد التغني (¬11). قال الطبري: المعروف في كلام العرب التغني إنما هو الغناء الذي هو حسن الصوت بالترجيع (¬12). ¬

_ (¬1) في (ر): التبليغ، وانظر: "السبعة" لابن مجاهد (397 - 398). (¬2) سقط من (ر). (¬3) من (ر). (¬4) في (ر): دور من الخلفاء. (¬5) من (ر)، و"سنن أبي داود". (¬6) في (ر): برادة. (¬7) "الصحاح" (رثث). (¬8) من (ر)، و"سنن أبي داود". (¬9) سقط من (ر). (¬10) في (م): الوارد إلا أن يستغني المقال. (¬11) انظر: "عمدة القاري" 20/ 57. (¬12) انظر: "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 10/ 261.

(بالقرآن. قال: فقلت لابن أبي مليكة: [يا أبا] (¬1) محمد) (¬2) عبد الله (أرأيت إذا لم يكن حسن (¬3) الصوت؟ ) قال: (يحسنه ما استطاع) ويدل أن المراد به التحسين قول أبي موسى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: إني لو أعلم أنك تسمع قراءتي لحسنت صوتي بالقرآن (¬4) وزينته ورتلته. (¬5) وكان حسن (¬6) القراءة، لكن المراد زدت في تحسين قراءتي. قال القرطبي: ومعاذ الله أن يتأول على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول أن القرآن يزين بالأصوات أو بغيرها، فمن تأول (¬7) هذا فقد واقع أمرًا عظيمًا أن يحوج القرآن إلى من يزينه، وهو النور والضياء والزين الأعلى لمن ألبس بهجته واستنار بضيائه، وقد قيل: التقدير زينوا القراءة بأصواتكم كما تقدم فيكون القرآن بمعنى القراءة كما قال تعالى: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} (¬8) أي قراءته وقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18)} (¬9) [أي: قراءته] (¬10) (¬11). ¬

_ (¬1) في (ر): ثنا. (¬2) زاد في (ر): بن. (¬3) في (ر): يحسن. (¬4) سقط من (ر). (¬5) سبق تخريجه بمعناه. (¬6) من (ر). (¬7) في (م): قال. (¬8) الإسراء: 78. (¬9) القيامة: 18. (¬10) سقط من (ر). (¬11) "الجامع لأحكام القرآن" 1/ 12.

[1472] (حدثنا محمد بن سليمان الأنباري) بتقديم النون على الموحدة. (قال (¬1): قال وكيع و) سفيان (بن عيينة) من لم يتغن (يعني يستغني به) من الاستغناء الذي هو ضد الافتقار [لا من الغناء] (¬2) يقال: تغنيت وتغانيت بمعنى استغنيت، وفي "الصحاح" (¬3): تغنى الرجل بمعنى استغنى وأغناه الله، وتغانوا أي: استغنى بعضهم عن بعض، قال المغيرة بن حبناء التيمي: كلانا غَنِيٌّ (¬4) عن أخيه حياته ... ونحن (¬5) إذا متنا أشد تغانيًا (¬6) رواه ابن عيينة عن سعد بن أبي وقاص (¬7)، وقد روي عن سفيان [وجه آخر] (¬8) ذكره إسحاق بن راهويه، أي: يستغنى به عما سواه من الأحاديث (¬9)، وإلى هذا التأويل ذهب البخاري لإتباعه الترجمة بقوله لقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} (¬10)، ¬

_ (¬1) في (ر): و. (¬2) سقط من (ر). (¬3) في (م): الصحيح. (¬4) في (ر): بأغنى. (¬5) في (م): لكن. (¬6) "الصحاح" (غنى). (¬7) رواه الحميدي في "مسنده" (77)، ومن طريقه رواه الحاكم 1/ 569، والبيهقي 10/ 230. (¬8) في (ر): أوجه أخر. (¬9) انظر: "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 10/ 259. (¬10) العنكبوت: 51.

والمراد بالاستغناء بالقرآن من علم أخبار الأمم. [1473] (حدثنا سليمان بن داود المهري) بفتح الميم (حدثنا ابن وهب) قال: (حدثني عمرو (¬1) بن مالك) قال الذهبي: الصواب عمر بن مالك (¬2) (وحيوة) بن شريح. (عن) يزيد (بن الهاد، عن محمد) [بن هارون] (¬3) (بن إبراهيم بن الحارث) بن خالد التيمي القرشي. (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (عن أبي هريرة) - رضي الله عنه - قال: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ما أذن) بفتح الهمزة وكسر الذال (الله) (¬4) أي استمع، أذنت له [استمعت له] (¬5) أي ما استمع لشيء كاستماعه (¬6) لهذا، و (¬7) الله تعالى لا يجوز عليه الاستماع بمعنى الإصغاء، فهو مجاز هنا [واستعارة، فكأنه عبر عن تقريبه] (¬8) للقارئ وإجزال (¬9) ثوابه بالاستماع والقبول، وكذلك سماع الباري سبحانه لا يختلف ولا يشغله شأن عن شأن، وإنما المراد هنا أنه [يقرب ¬

_ (¬1) كذا في الأصول الخطية، وفي نسخ أبي داود المطبوعة: عمر. ونبه المزي في "تهذيب الكمال" 22/ 212 على وهم رواية أبي الحسن بن العبد عن أبي داود في ذلك وقال: الصواب عمر بن مالك. (¬2) "الكاشف" 2/ 87. (¬3) سقط من (ر). (¬4) و (¬5) من (ر). (¬6) في (م): كأعمامه. (¬7) في (م): أن. (¬8) في (م): استعار مكانه عن غير نية. (¬9) في (م): وأجر.

بحسن] (¬1) القراءة أكثر من تقريب غيره، والتفاضل في التقريب وزيادة الأجور تختلف فتعبيره بذلك يؤدي (¬2) إلى التفاضل في الاستماع والمجازاة، وقيل: هو الاستعارة عن الرضا والقبول لقراءته وعمله. (لشيء) من الأشياء، وفي بعض النسخ للبخاري: " [ما أذن الله] (¬3) لنبي" (¬4) يعني: من الأنبياء [(ما أذن)] (¬5)، وفي رواية لمسلم: "كأذنه" (¬6) بفتح الهمزة والذال المعجمة وهو مصدر أذن (¬7) يأذن أذنًا كفرح (¬8) يفرح فرحًا، ومن أذن بمعنى استمع قوله تعالى: {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا} (¬9) [أي: استمعت لربها] (¬10) ما أمرها به وأطاعته بالانشقاق. (لنبي حسن الصوت) هذا يدل على أن المراد بالحديث قبله أن المراد بالتغني تحسين الصوت بالقراءة كما في حديث ابن مسعود (يتغنى بالقرآن) فمن ذهب إلى أنه من الاستغناء فهو من [الغنى بكسر الغين، وبالقصر ضد الفقر، ومن ذهب إلى أنه من التطريب فهو من] (¬11) الغُنى [بضم الغين] (¬12) الذي هو مد الصوت، وهو ممدود (يجهر به) حمله بعضهم ¬

_ (¬1) في (م): يقدر الحسن. (¬2) في (ر): زيادة. (¬3) سقط من (ر). (¬4) "صحيح البخاري" (5023، 5024، 7544). (¬5) في (ر): أذنه. (¬6) "صحيح مسلم" 793/ 234. (¬7) و (¬8) من (ر). (¬9) الانشقاق: 2. (¬10) من (ر). (¬11) و (¬12) من (ر).

على التفسير لما بعده، وقيل: يجهر أي: يرفع به صوته، يقال: جهر بالقول إذا رفع به صوته. قال الجوهري: يقال: رجل مجهر بكسر الميم إذا كان من عادته أن يجهر بكلامه (¬1)، ويحتمل أن يراد يتجهر به أي يظهر حروفه ويبينها، وفي الحديث: "كل أمتي معافى إلا المجاهرون" (¬2) يعني الذين أظهروا (¬3) معاصيهم، وكشفوا ما ستر الله عليهم منها فيتحدثون به. [قال المنذري: قوله: "زينوا القرآن بأصواتكم" قيل: معناه زينوا أصواتكم بالقرآن هكذا فسره غير واحد من أئمة الحديث وقالوا: إنه من باب المقلوب فهو كقولهم: استوى العود على الحرباء، أي: استوى الحرباء على العود، وفي بعض طرقه: "زينوا أصواتكم بالقرآن" والهجوا بقراءته واتخذوه شعارًا وزينة، وليس ذلك على تطريب القول، وقال آخرون: لا حاجة إلى القلب، وإنما معناه الحث على الترتيل كما في قوله: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ} (¬4) فكأن الزينة للمرتل لا للقرآن كما يقال: ويل للشعر من رواية السوء، فهو راجع إلى الراوي لا إلى الشعر، فهو حث على ما يزين من الترتيل والتدبر ومراعاة الإعراب (¬5). ¬

_ (¬1) "الصحاح" (جهر). (¬2) أخرجه البخاري (6069)، ومسلم (2990). (¬3) في (ر): أجهروا. (¬4) المزمل: 4. (¬5) "شرح أبي داود" للعيني 5/ 383 - 384، وهو من كلام العيني لا المنذري، وقد سبق قريبًا

قال أبو عبيد القاسم بن سلام: محمل هذِه الأحاديث التي ذكرناها في حسن الصوت إنما هو طريق الحزن والتخويف والتشويق (¬1). فهذا وجهه لا الألحان المطربة الملهية، قال: وكل من رفع صوته بشيء معلنًا به فقد تغنى به] (¬2). ¬

_ (¬1) "فضائل القرآن" ص 164. (¬2) من (ر)، وانظر: "شرح أبي داود" للعيني 5/ 385 - 386.

21 - باب التشديد فيمن حفظ القرآن ثم نسيه

21 - باب التَّشْدِيدِ فِيمَنْ حَفِظَ القُرْآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ 1474 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، أَخْبَرَنا ابن إِدْرِيسَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيادٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ فائِدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبادَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ما مِنِ امْرِئٍ يَقْرأُ القُرْآنَ يَنْساهُ إلَّا لَقِيَ اللهَ - عز وجل - يَوْمَ القِيامَةِ أَجْذَمَ" (¬1). * * * باب التشديد فيمن حفظ القرآن ثم نسيه [1474] (حدثنا محمد بن العلاء، حدثنا) عبد الله (بن إدريس) بن (¬2) يزيد الأودي أحد الأعلام نسيج (¬3) وحده. ([عن يزيد بن أبي زياد] (¬4) عن عيسى بن فائد) [أمير الرقة قاله ابن فضيل فائد] (¬5) بالفاء تقدم. [روى عمن سمع سعد بن عبادة فهو على هذا منقطع] (¬6). (عن سعد بن عبادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما من امرئ يقرأ القرآن) القرآن يطلق على جميعه (ثم ينساه) أي: جميعه، ويحتمل أن يراد ينسى غير ما يعتاد غير حفاظ القرآن حفظه من قصار ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 323، وعبد الرزاق 3/ 365 (5989)، والدارمي (3383). وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (5136). (¬2) في (م): و. (¬3) في (م): شيخ. (¬4) سقط من (ر). وكتب في الحاشية: ابن يزيد بن أبي زياد الهاشمي الكوفي مولاهم كنيته أبو عبد الله ولا يحتج بحديثه وعيسى بن فائد. (¬5) و (¬6) من (ر).

المفصل؛ لأنها لكثرة [ما يتداولها] (¬1) الأئمة في الصلاة وغيرهم لا ينسى. قال بعضهم: نسيان القرآن عقوبة من الله تعالى على ترك حقه والتشاغل (¬2) بفضول الدنيا وغيرها عنه، واستخفافًا بعظيم قدر ما أنعم الله تعالى عليه، وجليل خطره لما في الحديث الذي رواه الحاكم من رواية عبد الله بن عمرو (¬3): أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من قرأ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه غير أنه لا يوحى إليه (¬4) " (¬5). قال: وليس هو بذنب؛ لأن الذنب ما يكتسبه الإنسان ويفعله اختيارًا دون ما [يفعل به و] (¬6) يحمل عليه اضطرارًا؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يقولن أحدكم نسيت آية (¬7) كذا، وإنما هو نسي" (¬8). وكفى بنسيان كلام الله تعالى عقوبة، ومن نسي كلام الله تعالى نسي الله، ومن نسي الله تعالى خسر الدارين، فأما من نسي القرآن لعلة تلحقه [عن آفة] (¬9) من كبر أو مرض أو سوء مزاج وهو مع ذلك مقبل على تلاوة ما يقدر عليه فإنه إن شاء الله غير آثم. (إلا لقي الله تعالى يوم القيامة أجذم) بسكون الجيم وفتح الذال ¬

_ (¬1) في (م): يتدارها. (¬2) في (م): النسيان على. (¬3) في (م): عمر. (¬4) في (م): عليه. (¬5) "المستدرك" 1/ 551، ورواه البيهقي في "الشعب" 4/ 177 (2353). (¬6) و (¬7) من (ر). (¬8) أخرجه البخاري (5032)، ومسلم (790). (¬9) سقط من (ر).

المعجمة، وهو مقطوع اليد، وقيل: الأجذم هذا مقطوع اليد، وقيل: لقي الله تعالى خاليًا من الخير، ليس في يده شيء من الخير، كنى باليد عما تحويه اليد، وقيل: لقي الله تعالى لا حجة له، والأول أرجح؛ لأن الجذم (¬1) في اللغة القطع، ويدل عليه حديث علي: "من نكث بيعته لقي الله وهو أجذم ليس له يد" (¬2). قال القتيبي: الأجذم ها هنا الذي ذهبت أعضاؤه كلها وليست اليد أولى بالعقوبة من باقي الأعضاء، وقال ابن الأنباري ردًّا على ابن قتيبة: لو كان العقاب لا يقع إلا بالجارحة التي باشرت المعصية لما عوقب الزاني بالجلد والرجم في الدنيا وبالنار في الآخرة. وقيل (¬3): معناه لقيه منقطع السبب يدل عليه قوله (¬4): القرآن سبب (¬5) بيد الله [وسبب بأيديكم] (¬6) فمن نسيه فقد قطع سببه (¬7) (¬8). ¬

_ (¬1) في (م): الأجزم. (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (جذم). (¬3) في (م): قد. (¬4) من (ر)، "النهاية". (¬5) من (ر)، "النهاية". (¬6) في (م): أو بسبب أيديكم. (¬7) في (م): بسببه. (¬8) "النهاية" (جذم)، والحديث رواه ابن حبان (122) عن أبي شريح الخزاعي مرفوعا بلفظ: "فإن هذا القرآن سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيدكم فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا بعده أبدا".

22 - باب أنزل القرآن على سبعة أحرف

22 - باب أُنْزِلَ القُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ 1475 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ القارِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ يَقُولُ سَمِعْتُ هِشامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الفُرْقانِ عَلَى غَيْرِ ما أَقْرَؤُها، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَقْرَأَنِيها فَكِدْتُ أَنْ أَعْجَلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَمْهَلْتُهُ حَتَّى انْصَرَفَ، ثُمَّ لَبَّبْتُهُ بِرِدائِهِ فَجِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ إِنِّي سَمِعْتُ هذا يَقْرَأُ سُورَةَ الفُرْقانِ عَلَى غَيْرِ ما أَقْرَأْتَنِيها. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اقْرَأْ". فَقَرَأَ القِراءَةَ التِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هَكَذا أُنْزِلَتْ". ثُمَّ قَالَ لِي: "اقْرَأْ". فَقَرَأْتُ فَقَالَ: "هَكَذا أُنْزِلَتْ". ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ هذا القُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فاقْرَءُوا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ" (¬1). 1476 - حَدَّثَنا محَمَّد بْن يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ قَالَ: قَالَ الزُّهْرِىُّ إِنَّما هذِه الأَحْرُفُ فِي الأَمْرِ الواحِدِ لَيْسَ تَخْتَلِفُ فِي حَلالٍ وَلا حَرامٍ (¬2). 1477 - حَدَّثَنا أَبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسِيُّ، حَدَّثَنا هَمّامُ بْن يَحْيَى عَنْ قَتادَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ صُرَدٍ الخُزاعِيِّ، عَنْ أُبَي بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يا أُبَي إِنِّي أُقْرِئْتُ القُرْآنَ فَقِيلَ لِي عَلَى حَرْفٍ أَوْ حَرْفَيْنِ فَقَالَ المَلَكُ الذِي مَعِي قُلْ عَلَى حَرْفَيْنِ. قُلْتُ: عَلَى حَرْفَيْنِ. فَقِيلَ لِي عَلَى حَرْفَيْنِ أَوْ ثَلاثَةٍ. فَقَالَ المَلَكُ الذِي مَعِي: قُلْ عَلَى ثَلاثَةٍ. قُلْتُ: عَلَى ثَلاثَةٍ. حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ ثُمَّ قَالَ لَيْسَ مِنْها إِلَّا شافٍ كافٍ إِنْ قُلْتَ: سَمِيعًا عَلِيمًا عَزِيزًا حَكِيمًا ما لَمْ تَخْتِمْ آيَةَ عَذابٍ بِرَحْمَةٍ أَوْ آيَةَ رَحْمَةٍ بِعَذابٍ" (¬3). 1478 - حَدَّثَنا ابن المُثَنَّى، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن جَعْفَرٍ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4992)، ومسلم (818). (¬2) رواه مسلم بإثر حديث رقم (819). (¬3) رواه أحمد 5/ 124. ورواه بنحوه مسلم (820).

مُجَاهِدٍ، عَنِ ابن أَبِي لَيْلَى، عَنْ أُبَي بْنِ كَعْبٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ عِنْدَ أَضاةِ بَنِي غِفارٍ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنَّ اللهَ - عز وجل - يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتَكَ عَلَى حَرْفٍ. قَالَ: "أَسْأَلُ اللهَ مُعافاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ إِنَّ أُمَّتِي لا تُطِيقُ ذَلِكَ". ثُمَّ أَتَاهُ ثانِيَةً فَذَكَرَ نَحْوَ هذا حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ، قَالَ: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتَكَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَأَيُّما حَرْفٍ قَرَءُوا عَلَيْهِ فَقَدْ أَصَابُوا (¬1). * * * باب أنزل القرآن على سبعة أحرف [1475] (حدثنا) عبد الله بن مسلمة (¬2) (القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير) بن العوام (عن عبد الرحمن بن عبد) بالتنوين (القاريِّ) بتشديد الياء (¬3) نسبة إلى القارة، يقال: ولد على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان عامل عمر بن الخطاب (قال: سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: سمعت هشام بن حكيم بن حزام) بكسر الحاء المهملة وفتح (¬4) الزاي بن خويلد القرشي، عاش ستين في الجاهلية وستين في الإسلام (يقرأ سورة الفرقان) في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (على غير ما أقرؤها، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقرأنيها) فيه فضل تعلم القرآن وتعليمه، وأن الإمام يلقن كتاب (¬5) الله تعالى أو آيات (¬6) منه. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (821). (¬2) في (م): سل. (¬3) في (م): الفاء. (¬4) من (ر). (¬5) في (م): كلام. (¬6) في (م): باب.

(فكدت أن) فيه استعمال "أن" في خبر "كاد" كقول الشاعر: قد كاد من طول (¬1) البلى أن يمحصا (¬2) وهي لغة الأكثر، وهي لغة القرآن، حذفها كقوله تعالى: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} (¬3)، وهي في رواية مسلم (¬4) دون البخاري (¬5) (أعجل) بفتح الهمزة والجيم (عليه) أي أثب عليه وآخذ برأسه من شدة الغضب لتغيير كتاب الله تعالى. (ثم أمهلته حتى انصرف) توضحه رواية مسلم: فتصبرت حتى سلم (¬6). يعني: من صلاته (ثم لببته) بتشديد الباء الأولى وتخفيفها والتخفيف أقرب كما قال المنذري. (بردائي) [بالمد والهمز] (¬7) ولمسلم والبخاري (¬8): بردائه. وهو أقرب إلى المعنى، ويحتمل أن يكون كان على عاتق عمر رداء خفيف فطرحه وجذبه به مع الرداء الذي على هشام [جميعًا لشدة غضبه] (¬9)، ويحتمل غير ذلك، يقال: لبَبْت (¬10) الرجل، ولبَّبْتُه إذا جعلت في عنقه ثوبًا أو ¬

_ (¬1) في (ر): هول. (¬2) انظر: "الصحاح" (كود). (¬3) البقرة: 71. (¬4) "صحيح مسلم" (818/ 270). (¬5) "صحيح البخاري" (2419). وهي رواية البخاري أيضًا. (¬6) "صحيح مسلم" (818/ 271)، و"صحيح البخاري" (4992). (¬7) و (¬8) من (ر). (¬9) من (ر). (¬10) من (م).

غيره وجررته به، وأخذت بتلبيب] (¬1) فلان إذا جمعت عليه ثوبه الذي في عنقه أو يلبسه وجبذته تجره به، وسمي بذلك لأنه يقبض على اللبة بفتح اللام، وهو موضع النحر، وفي الحديث أنه صلى في ثوب (¬2) واحد متلببًا به (¬3) (¬4) متحزمًا به عند صدره (¬5) يقال: تلبب بثوبه إذا جمعه عليه. وكل هذا يدل على تشددهم في أمر القرآن، وبيان ما كانوا عليه من الذب عن القرآن والمحافظة على ما قرءوه وسمعوه من غير عدول عنه، وإن كان ما سمعوه يجوز في العربية، وفيه رد على من تسامح في القراءة المروية عن ابن مسعود أو بالفارسية أو العجمية إذا لم يحسن كما ذهب إليه أبو حنيفة (¬6). (فجئت به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: يا رسول الله إني سمعت هذا (¬7) يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها) زاد مسلم: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (¬8): "أرسله". قال عياض: أمره بارساله (¬9) يحتمل معنيين إما لأنه لا يستحق عنده ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) في (م): يوم. (¬3) في (م): برداء. (¬4) أخرجه ابن ماجه (1051)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (3206). (¬5) في (م): صاره. (¬6) انظر: "المبسوط" 1/ 37. (¬7) من (ر)، و"سنن أبي داود". (¬8) زاد في (م): به فأمره. (¬9) في (م): بأن سالم.

أن يفعل ذلك به (¬1) فأمره بإطلاقه حتى يسمع منه ما ادعاه عليه، أو ليرسله ليزول عنه ذلك التلبب، وشغل البال (¬2) (¬3) وذعر صولة عمر ليتمكن من القراءة على النبي ساكن الحواس (¬4) طيب النفس، وفيه دليل على فضيلة هشام وكثرة حلمه إذ لم ينزعج لذلك ولا خاصم عمر [بل صبر] (¬5) لما فعله به تأدبًا معه وانقيادًا للخير. (فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) يا هشام (اقرأ، فقرأ القراءة التي سمعته يقرؤها فقال) له (¬6) (رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هكذا أنزلت) فيه تجويز قراءته وتصويبها وإزالة ما يعتقده عمر - رضي الله عنه - (ثم قال لي (¬7): اقرأ) أمره بالقراءة لئلا يكون الخطأ أو الغلط. (فقرأت فقال: هكذا أنزلت) صوب قراءته أيضًا (¬8) كما صوب قراءة هشام، ثم بين - عليه السلام - سبب تصويب قراءتهما وكيفية نزولها بهذا الاختلاف بقوله: (ثم قال: إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف) تيسيرًا على الأمة في تلاوته، قال عياض: وهذا كله يدل على أن هشامًا يخالف عمر في جميع حروف السورة، وإنما خالفه في بعضها كما (¬9) أن السبعة ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) في (م): البار. (¬3) "إكمال المعلم" 3/ 186. (¬4) في (م): الحاس. (¬5) و (¬6) و (¬7) ليست في (ر). (¬8) من (ر). (¬9) من (ر).

الأحرف ليست في جميع الكلمات، وإنما هي في بعض القرآن لا في جميعه. قال العلماء: سبب إنزاله على سبعة التخفيف والتسهيل، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "هون على أمتي" (¬1) واختلف في معنى قوله: "سبعة أحرف"، فقيل: هو حصر للعدد وهو الأكثر، وقيل: هو توسعة وتسهيل لم يقصد (¬2) به الحصر، واختلفوا في تعيين هذِه السبعة فقيل: هي سبعة في المعاني كالوعد والوعيد، والمحكم والمتشابه، والحلال والحرام، والقصص والأمثال، والأمر والنهي. وقال آخرون: هي في صورة التلاوة، وكيفية النطق بكلماتها من إدغام وإظهار، وتفخيم وترقيق، وإمالة ومد؛ لأن العرب كانت مختلفة اللغات في هذِه الوجوه، فيسر الله عليهم ليقرأ كل إنسان بما يوافق لغته و [يسهل على] (¬3) لسانه (فاقرؤوا ما تيسر منه) يعني: في الصلاة، وقيل: ما تيسر منه فيما بعد الفاتحة. [1476] (حدثنا محمد بن يحيى) بن عبد الله بن خالد (بن فارس) بن ذؤيب الذهلي، شيخ البخاري في مواضع. (حدثنا عبد الرزاق، أنا معمر قال: قال الزهري: إنما هذِه الأحرف) السبعة (في الأمر الواحد ليس تختلف) (¬4) هي (في (¬5) حلال ولا حرام) ولا ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (820)، وأحمد 5/ 127. (¬2) في (م): يتصدر. (¬3) في (م): تسهيل. (¬4) من "سنن أبي داود". وجاءت في غير موضعها في (ر)، و (م). (¬5) سقط من (ر).

أمر ولا نهي، ولا وعد ولا وعيد، بل هي منحصرة (¬1) في الألفاظ والحروف، ثم (¬2) اختلف هؤلاء فقيل: هي سبع قراءات وأوجه. قال أبو عبيد: سبع لغات للعرب (¬3) يمنها ومعدها، وهي أفصح اللغات وأعلاها، وقيل: بل السبعة كلها لمضر [وقالوا: هذِه اللغات مفترقة] (¬4) في القرآن غير مجتمعة في كلمة واحدة، [وقيل: تجتمع في كلمة واحدة في قوله: {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} (¬5) و {يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} (¬6) و {بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} (¬7) و {بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} (¬8) وقيل: غير ذلك] (¬9). [1477] (حدثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك (الطيالسي، ثنا همام بن يحيى، عن قتادة، عن يحيى بن يعمر) (¬10) بضم الميم وفتحها غير منصرف (عن سليمان بن صرد) بضم الصاد (¬11) وفتح الراء المهملتين (الخزاعي، عن أبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا أبي) بضم الياء المشددة بلا تنوين على النداء. ¬

_ (¬1) في (م): مختصرة. (¬2) في (ر): فيه. (¬3) "غريب الحديث" لأبي عبيد 2/ 642. (¬4) في (م): كلها وهي معرفة. (¬5) المائدة: 60. (¬6) يوسف: 12. (¬7) سبأ: 19. (¬8) الأعراف: 165. (¬9) من (ر)، وانظر: "شرح النووي على مسلم" 6/ 99 - 100. (¬10) في (ر): معمر. (¬11) في (م): الهاء.

(إني) بكسر الهمزة (أقرئت) بضم الهمزة وكسر الراء ثم همزة ساكنة (القرآن) الظاهر أنه قرأ على جبريل لما رواه الطحاوي عن أبي بكرة قال: جاء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: اقرأ على حرف .. (¬1) (فقيل لي) أي: قال جبريل: اقرأ (على حرف أو حرفين، فقال) [لي (الملك الذي معي)] (¬2) أي: قال له ميكائيل، وفي رواية الطحاوي: فقال ميكائيل: استزده. ففي هذا دلالة على أن الملك الذي كان معه ميكائيل. ([قل على حرفين] (¬3). قلت: على حرفين) كأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يطلب تيسير القراءة على أمته بكثرة الحروف الجائزة لما روى مسلم: "إني أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرت فرددت إليه أن هون على أمتي" (¬4). وللنسائي عن أبي في حديث: "إن جبريل وميكائيل عليهما السلام أتياني فقعد جبريل عن يميني وميكائيل عن يساري، فقال جبريل: اقرأ القرآن على حرف. قال ميكائيل: استزده، حتى بلغ سبعة أحرف فكل حرفٍ شافٍ كافٍ" (¬5). (فقيل لي) أي: قال لي جبريل (على حرفين أو ثلاثة) أحرف؟ (فقال الملك) بفتح اللام (الذي معي) أي على يساري وهو ميكائيل (قل على ثلاثة) أحرف [(قلت) بلى (على ثلاثة) أحرف] (¬6) فلم أزل أستزيده ¬

_ (¬1) "مشكل الآثار" (3118). (¬2) من (ر). (¬3) في (ر): قال على حرف. (¬4) سبق تخريجه. (¬5) "المجتبى" 2/ 154. (¬6) من (ر).

(حتى بلغ سبعة أحرف) فيه أن السبعة والسبعين تستعمل (¬1) مبالغة في الكثرة، ولهذا تكرر ذكرها في الكتاب والسنة (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ليس منها) أي من الأحرف السبعة بدليل رواية النسائي المتقدمة "كل حرف منها" (إلا) وهو. [قال: "ليس منها إلا شاف كافٍ" هو من قول الملك] (¬2). (شاف) أي: للأبدان والقلوب والنفوس، فهو شفاء للأبدان من السقم لما فيه من البركة لما روي في الحديث: "من لم يستشف بالقرآن فلا شفاه الله" (¬3) وهو شفاء للقلوب لما فيه من الهدى من الضلالة، وشفاء لتبيين (¬4) الفرائض والأحكام الشرعية. (كاف) عما سواه لقوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (¬5)، وقيل: كاف من كل سوء ومكروه، واستدل به بعض القراء على جواز الوقف على الوقف الكافي (إن قلت: سميعًا عليمًا) فهو شافٍ كافٍ، أو قلت: كان الله (عزيزًا حكيمًا) فيشبه أن يكون من الأحرف، أو [قال: التقدير] (¬6) إن قلت: سميعًا عليمًا، أو قلت: عزيزًا حكيمًا. وهو نظير ما حكاه أبو الحسن: أعطه درهمًا درهمين ثلاثة، وخرج على إضمار "أو" وحكى القرطبي عن القاضي أبي الطيب: إذا ثبتت ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) من (ر). (¬3) "تفسير القرطبي" 10/ 315 - 316. (¬4) في (ر): بسبب. (¬5) الأنعام: 38. (¬6) في (ر): فالتقدير.

هذِه الرواية - يريد حديث أبي هذا - حمل على أن هذا كان لا مطلقًا بل في وقت خاص، ثم نسخ (¬1) فلا يجوز للناس أن يبدلوا أسماء (¬2) الله تعالى في موضع بغيره مما يوافق معناه أو يخالفه (¬3). وقد يستدل بهذا الحديث من قال: المراد بسبعة أحرف في الحديث خواتيم الآي، فيجعل مكان "غفور رحيم" "سميع بصير" قال عياض: وهذا فاسد للإجماع على منع تغيير القرآن للناس (¬4). قال الطحاوي: وإنما كانت السبعة الأحرف للناس بعجزهم عن أخذ (¬5) القرآن على غير لغتهم (¬6)؛ لأنهم كانوا أميين لا يكتب إلا القليل منهم، فلما كان يشق على كل ذي لغة أن يتحول إلى غيرها من اللغات ولما (¬7) رام ذلك لم يتهيأ له إلا بمشقة عظيمة، فوسع لهم في اختلاف الألفاظ إذا كان المعنى متفقًا، وكانوا كذلك حتى كثر من كتب منهم وعادت لغاتهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقرؤوا بذلك على حفظ ألفاظه فلم يسعهم حينئذٍ أن يقرؤوا بغيرها (¬8). (ما لم تختم) وفي رواية الطحاوي: "إلا أن يخلط" (¬9) (آية عذاب ¬

_ (¬1) في (ر): يبيح. (¬2) في (ر): كلام. (¬3) "الجامع لأحكام القرآن" 1/ 43. (¬4) من (ر)، وانظر: "إكمال المعلم" 3/ 191، "شرح النووي على مسلم" 6/ 100. (¬5) في (ر): عجز. (¬6) "شرح مشكل الآثار" 8/ 125. (¬7) من (ر). (¬8) ورد في حاشية (م) من هنا سقط نحو ورقة والله أعلم. (¬9) "شرح مشكل الآثار" (3118).

برحمة) أي: بآية رحمة كقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (¬1)، فهذِه آية عذاب لا تختم بغفور رحيم، كما روي عن الأعرابي أنه أنكر لما اشتبهت الآية على من يقرئه (¬2)، (أو) يختم (آية رحمة بعذاب) أي: بآية عذاب كقوله: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39)} (¬3) فلا يختم بذكر عذاب أو عقوبة ولا بقوله: عزيز حكيم كما تقدم. [1478] (ثنا) محمد (ابن المثنى، ثنا محمد بن جعفر) غندر (ثنا شعبة، عن الحكم) بن عتيبة (عن مجاهد، عن) عبد الرحمن (ابن أبي ليلى، عن أبي بن كعب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان عنده أضاة) بفتح الهمزة وتخفيف الضاد المعجمة مقصور، وهي الماء المستنقع كالغدير، وجمعه أضا، كحصاة وحصا، ويجوز إضاة بكسر الهمزة والمد كإكام جمع أكم، وأصل أضاة أضوة فغيرت، قاله ابن الأنباري. (بني غفار) ابن مليك بن ضمرة بن بكر بن عبد مناف (أتاه جبريل فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ) بفتح التاء والراء والهمزة (أمتك) بالرفع فاعل، وللنسائي: "أن تقرئ" (¬4) بضم التاء وكسر الراء "أمتك" بالنصب على المفعول، أي: يقرئ النبي أمته. زاد مسلم والنسائي: "القرآن" (¬5). (على حرف) واحد. ¬

_ (¬1) المائدة: 38. (¬2) انظر: "تفسير السمعاني" 2/ 36 - 37. (¬3) المائدة: 39. (¬4) "المجتبى" 2/ 152. (¬5) "صحيح مسلم" (821)، و"المجتبى" كما سبق.

(فقال: أسأل الله معافاته) هو مفاعلة من العفو، وهو أن يعفو الله عنهم بعدم المؤاخذة لما يقع منهم (ومغفرته) فالعفو أن يسقط عنهم العقاب، والمغفرة أن يستر عنه ذنبه ومعصيته صونًا له عن عذاب التخجيل (¬1) والفضيحة، وبهذا فرق الرازي بين العفو والمغفرة ثم قال: كأن العبد يقول: أطلب منك العفو فإذا عفوت عني فاستره علي (¬2). (إن أمتي لا تطيق ذلك) ويشق عليهم القراءة على حرف واحد (¬3)، ولم يحصل لهم ذلك إلا بمشقة عظيمة، فوسع لهم في اختلاف الألفاظ. (ثم أتاه) جبريل مرة (ثانية) إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك على حرفين (فذكر له نحو) بالنصب (هذا) ثم لم يزل يستزيده (حتى بلغ سبعة أحرف) ثم (قال) جبريل (إن الله يأمرك أن تقرأ) بفتح التاء والراء أيضًا (أمتك) فاعل، تقرأ القرآن (على سبعة أحرف) روى الترمذي عن أُبَيّ قال: "لقي رسول الله جبريل فقال: "يا جبريل إني بعثت إلى أمة أمية منهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية، والرجل لا يقرأ كتابًا قط". فقال: يا محمد إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، ثم قال: حديث حسن صحيح (¬4). وقد اختلف العلماء في المراد بالأحرف السبعة على خمسة وثلاثين قولًا ذكرها أبو حاتم محمد بن [حبان البستي] (¬5) أصحها. قال القرطبي: وعليه أكثر أهل العلم أن المراد سبعة أوجه من ¬

_ (¬1) في (ر): التعجيل. والمثبت من "تفسير الرازي". (¬2) "تفسير الرازي" 3/ 124. (¬3) زاد في (ر): كلمتان غير مقروءتين، والكلام يستقيم بدونهما ولعله ضرب عليهما. (¬4) "جامع الترمذي" (2944). (¬5) في (ر): حيان السني. والمثبت من "الجامع لأحكام القرآن".

المعاني المتقاربة بألفاظ مختلفة نحو: أقبل وهلم وتعال (¬1). (فأيما) برفع الياء على الابتداء (حرف) مجرور بالإضافة وما زائدة (قرؤوا عليه) أي: قرأ عليه أحد من أمتك (فقد أصابوا) قال النووي: معناه: لا تتجاوز أمتك سبعة أحرف، ولهم الخيار في السبعة، ويجب عليهم نقل السبعة إلى من بعدهم، وإعلامهم بالتخيير فيها، وأنها لا تتجاوز (¬2). ¬

_ (¬1) "الجامع لأحكام القرآن" 1/ 42. (¬2) "شرح النووي على مسلم" 6/ 104.

23 - باب جماع أبواب الدعاء

23 - باب جماع أبواب الدُّعاءِ 1479 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الحوضي، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ ذَرٍّ، عَنْ يُسَيْعٍ الحَضْرَمِيِّ عَنِ النُّعْمانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الدُّعاءُ هُوَ العِبادَةُ، قَالَ رَبُّكُمُ {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} " (¬1). 1480 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ زِيادِ بْنِ مِخْراقٍ عَنْ أَبِي نُعامَةَ، عَنِ ابن لِسَعْدٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعَنِي أَبِي وَأَنا أَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أسْأَلُكَ الجَنَّةَ وَنَعِيمَها وَبَهْجَتَها وَكَذا وَكَذا وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النّارِ وَسَلاسِلِها وَأَغْلالِها وَكَذا وَكَذا فَقَالَ: يا بُنَيَّ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "سَيَكُونُ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعاءِ". فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ إِنْ أُعْطِيتَ الجَنَّةَ أُعْطِيتَها وَما فِيها مِنَ الخَيْرِ وَإِنْ أُعِذْتَ مِنَ النّارِ أُعِذْتَ مِنْها وَما فِيها مِنَ الشَّرِّ (¬2). 1481 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنا حَيْوَةُ أَخْبَرَنِي أَبُو هانِئٍ حُمَيْدُ بْنُ هانِئٍ أَنَّ أَبا عَلِيٍّ عَمْرَو بْنَ مالِكٍ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ فَضالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ صاحِبَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ سَمِعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلاتِهِ لَمْ يُمَجِّدِ اللهَ تَعالَى وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "عَجِلَ هذا". ثُمَّ دَعاهُ فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ: "إِذا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ رَبِّهِ جَلَّ وَعَزَّ والثَّناءِ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِما شاءَ" (¬3). 1482 - حَدَّثَنا هارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2969)، وابن ماجه (3828)، وأحمد 4/ 267، والنسائي في "الكبرى" (11464). وصححه الألباني في "أحكام الجنائز" (124). (¬2) رواه أحمد 1/ 172، وأبو يعلى 2/ 71 (715)، والطيالسي (197). وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (3671). (¬3) رواه الترمذي (3476)، والنسائي 3/ 44، وأحمد 6/ 18. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1331).

شَيْبانَ، عَنْ أَبِي نَوْفَلٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يسْتَحِبُّ الجَوامِعَ مِنَ الدُّعاءِ وَيَدَعُ ما سِوى ذَلِكَ (¬1). 1483 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ لِيَعْزِمِ المَسْأَلَةَ فَإِنَّهُ لا مُكْرِهَ لَهُ" (¬2). 1484 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يُسْتَجابُ لأَحَدِكُمْ ما لَمْ يَعْجَلْ فَيَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي" (¬3). 1485 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيْمَنَ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحاقَ عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا تَسْتُرُوا الجُدُرَ مَنْ نَظَرَ فِي كِتابِ أَخِيهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَإِنَّما يَنْظُرُ فِي النّارِ سَلُوا اللهَ بِبُطُونِ أَكُفِّكُمْ وَلا تَسْأَلُوهُ بِظُهُورِها فَإِذا فَرَغْتُمْ فامْسَحُوا بِها وُجُوهَكُمْ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رُوِيَ هذا الحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ كُلُّها واهِيَةٌ وهذا الطَّرِيقُ أَمْثَلُها وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا (¬4). 1486 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ عَبْدِ الحَمِيدِ البَهْرانِيُّ قَالَ: قَرَأْتُهُ فِي أَصْلِ إِسْماعِيلَ - يَعْنِي ابن عَيّاشٍ - حَدَّثَنِي ضَمْضَمٌ عَنْ شُرَيْحٍ، حَدَّثَنا أَبُو ظَبْيَةَ أَنَّ أَبا بَحْرِيَّةَ السَّكُونِيَّ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 148، والطيالسي (1594). وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (4949). (¬2) رواه البخاري (6339). (¬3) رواه البخاري (6340). (¬4) رواه ابن ماجه (1181، 3866)، والحاكم 1/ 536، والبيهقي 2/ 212 من طريق المصنف، والبغوي في "شرح السنة" 5/ 204. وضعفه الألباني في "الإرواء" 2/ 180.

حَدَّثَهُ، عَنْ مالِكِ بْنِ يَسارٍ السَّكُونِيِّ ثُمَّ العَوْفِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا سَأَلْتُمُ اللهَ فاسْأَلُوهُ بِبُطُونِ أَكُفِّكُمْ وَلا تَسْأَلُوهُ بِظُهُورِها". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ سُليْمانُ بْنُ عَبْدِ الحَمِيدِ لَهُ عِنْدَنا صُحْبَةٌ يَعْنِي مالِكَ بْنَ يَسارٍ (¬1). 1487 - حَدَّثَنا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ، حَدَّثَنا سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ نَبْهانَ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قال: رأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُو هَكَذا بِباطِنِ كَفَّيْهِ وَظاهِرِهِما (¬2). 1488 - حَدَّثَنا مُؤَمَّلُ بْنُ الفَضْلِ الحَرّانِيُّ، حَدَّثَنا عِيسَى - يَعْنِي ابن يُونُسَ - حَدَّثَنا جَعْفَرٌ - يَعْنِي ابن مَيْمُونٍ صاحِبَ الأَنْماطِ - حَدَّثَنِي أَبُو عُثْمانَ، عَنْ سَلْمانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ رَبَّكُمْ تَبارَكَ وَتَعالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُما صِفْرًا" (¬3). 1489 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا وُهَيْبٌ - يَعْنِي: ابن خالِدٍ - حَدَّثَنِي العَبَّاسُ بْن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: المَسْأَلَةُ أَنْ تَرْفَعَ يَدَيْكَ حَذْوَ مَنْكِبَيْكَ أَوْ نَحْوَهُما والاسْتِغْفارُ أَنْ تُشِيرَ بِأُصْبُعٍ واحِدَةٍ والابْتِهالُ أَنْ تَمُدَّ يَدَيْكَ جَمِيعًا (¬4). ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 4/ 410، والطبراني في "الشاميين" 2/ 432 (1639)، وابن قانع في "معرفة الصحابة" 3/ 47، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" 5/ 2474. وقال الألباني في "الصحيحة": إسناده جيد (595). (¬2) رواه أحمد 3/ 123، وأبو يعلى 6/ 240 (3534). وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (1336): حديث صحيح بلفظ: جعل ظاهر كفيه مما يلي وجهه، وباطنهما مما يلي الأرض. (¬3) رواه الترمذي (3556)، وابن ماجه (3865)، وأحمد 5/ 438. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (1757). (¬4) رواه عبد الرزاق 2/ 250 (3247)، والطبراني في "الدعاء" (208)، والحاكم 4/ 320، والبيهقي في "الدعوات الكبير" (314). =

1490 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عُثْمانَ، حَدَّثَنا سُفْيانُ حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ عَبَّاسٍ بهذا الحَدِيثِ قَالَ: فِيهِ والابْتِهالُ هَكَذا وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَجَعَلَ ظُهُورَهُما مِمّا يَلِي وَجْهَهُ (¬1). 1491 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ مَعْبَدِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَخِيهِ إِبْراهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: فَذَكَرَ نَحْوَهُ (¬2). 1492 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا ابن لَهِيعَةَ، عَنْ حَفْصِ بْنِ هاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ عَنِ السّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا دَعا فَرَفَعَ يَدَيْهِ مَسَحَ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ (¬3). 1493 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى عَنْ مالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللهُ لا إله إلَّا أَنْتَ الأَحَدُ الصَّمَدُ الذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ. فَقَالَ: "لَقَدْ سَأَلْتَ اللهَ بِالاِسْمِ الذِي إِذَا سُئِلَ بهِ أَعْطَى وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ" (¬4). 1494 - حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خالِدٍ الرَّقِّيُّ، حَدَّثَنا زَيْدُ بْنُ حُبابٍ، حَدَّثَنا مالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ بهذا الحَدِيثِ قَالَ: فِيهِ: "لَقَدْ سَأَلْتَ اللهَ - عز وجل - بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ" (¬5). ¬

_ = وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1338). (¬1) صححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1339)، وانظر ما قبله. (¬2) صححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1340)، وانظر سابقيه. (¬3) رواه أحمد 4/ 221، والطبراني في "الكبير" 22/ 241 (631)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" 5/ 2787. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (262/ 2). (¬4) رواه الترمذي (3475)، وابن ماجه (3857)، وأحمد 5/ 350، والنسائي في "الكبرى" (7666). وصححه الألباني في "الصحيحة" 6/ 985. (¬5) انظر السابق.

1495 - حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ الحَلَبِيُّ، حَدَّثَنا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ حَفْصٍ - يَعْنِي: ابن أَخِي أَنَسٍ - عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جالِسًا وَرَجُلٌ يُصَلِّي، ثُمَّ دَعا اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الحَمْدَ لا إله إلَّا أَنْتَ المَنّانُ بَدِيعُ السَّمَواتِ والأَرْضِ يا ذا الجَلالِ والإِكْرامِ يا حَي يا قَيُّومُ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَقَدْ دَعا اللهَ بِاسْمِهِ العَظِيمِ الذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجابَ وَإِذا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى" (¬1). 1496 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ أَبِي زِيادٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَسْماءَ بِنْتِ يَزِيدَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اسْمُ اللهِ الأعْظَمُ فِي هاتَيْنِ الآيَتَيْنِ {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} وَفاتِحَةُ سُورَةِ آلِ عِمْرانَ {الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (¬2). 1497 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ غِياثٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثابِتٍ عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عائِشَةَ قَالَتْ: سُرِقَتْ مِلْحَفَةٌ لَها فَجَعَلَتْ تَدْعُو عَلَى مَنْ سَرَقَها، فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لا تُسَبِّخِي عَنْهُ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لا تُسَبِّخِي أي: لا تُخَفِّفِي عَنْهُ (¬3). 1498 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ عَنْ سالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ - رضي الله عنه - قَالَ: اسْتَأْذَنْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي العُمْرَةِ فَأَذِنَ لِي وقَالَ: "لا تَنْسَنا يا أُخَي مِنْ دُعائِكَ". فَقَالَ: كَلِمَةً ما يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِها الدُّنْيا قَالَ شُعْبَةُ: ثُمَّ لَقِيتُ عاصِمًا بَعْدُ بِالمَدِينَةِ فَحَدَّثَنِيهِ وقَالَ: "أَشْرِكْنا يا أُخَي فِي ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3544)، والنسائي 3/ 52، وابن ماجه (3858)، وأحمد 3/ 120، والبخاري في "الأدب المفرد" (705). وصححه الألباني في "الصحيحة" (3411). (¬2) رواه الترمذي (3478)، وابن ماجه (3855)، وأحمد 6/ 461. وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (980). (¬3) رواه أحمد 6/ 45، والنسائي في "الكبرى" (7359). وصححه الألباني "صحيح أبي داود" (1343/ م).

دُعائِكَ" (¬1). 1499 - حَدَّثَنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، حَدَّثَنا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صالِحٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ قَالَ: مَرَّ عَلي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنا أَدْعُو بِأُصْبُعَي فَقَالَ: "أَحِّدْ أَحِّدْ". وَأَشارَ بِالسَّبّابَةِ (¬2). * * * باب جماع أبواب الدعاء [1479] (ثنا حفص بن عمر) الحوضي (ثنا شعبة، عن منصور، عن ذر) بفتح الذال وتشديد الراء ابن عبد الله بن زرارة الهمداني الكوفي موثق (¬3) (عن يسيع) بضم الياء المثناة تحت وفتح السين المهملة ثم مثناة تحت ثم عين مهملة وهو ابن معدان، وثق (¬4) (الحضرمي) نسبة إلى حضرموت بفتح الراء والميم من بلاد اليمن في أقصاها. (ثنا النعمان بن بشير، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: الدعاء هو العبادة) كذا رواه الترمذي وزاد: ثم قرأ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ} الآية. وقال: حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث ذر (¬5). وروي أيضًا عن أنس، عن ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3562)، وابن ماجه (2894). وضعفه الألباني في "صحيح أبي داود" (264). (¬2) رواه النسائي 3/ 38، والبزار 4/ 69 (1236)، وأبو يعلى 3/ 123 (793)، والطبراني في "الدعاء" (216). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1344). (¬3) "تقريب التهذيب" (1849). (¬4) "تقريب التهذيب" (7864). (¬5) "جامع الترمذي" (3372).

النبي: "الدعاء مخ العبادة" (¬1) وهو بمعنى الحديث؛ لأن مخ الشيء خالصه وأصله الذي به قوامه، كما قيل: "الحج عرفة". وإنما كان الدعاء مخ العبادة وأمرها؛ لأمرين: أحدهما: أنه امتثال أمر الله حين قال: {ادْعُونِي} فهو محض العبادة وخالصها، الثاني: أنه إذا رأى لحاح الأمور من الله قطع أمله عما سواه ودعاه لحاجته دون غيره، وهذا هو أصل العبادة والمقصود منها؛ ولأن المقصود من العبادة الثواب عليها وهو المطلوب بالدعاء. ({وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي}) اعبدوني دون غيري ({أَسْتَجِبْ لَكُمْ}) أجبكم وأثيبكم وأغفر لكم. هذا قول أكثر المفسرين {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} (¬2) قال السدي: عن دعائه، والعبادة هي الدعاء (¬3). لكن غاير بينهما في اللفظ، فأمر الله بالدعاء وحض عليه وسماه عبادة، ووعدهم أن يستجيب لهم، ومنه قوله تعالى: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} (¬4) أي: أقبل عبادة من عبدني، وقيل لسفيان: ادع الله. قال: إن ترك الذنوب هو الدعاء (¬5). [1480] (حدثنا مسدد، ثنا يحيى) بن سعيد القطان (ثنا شعبة (¬6)، عن ¬

_ (¬1) "جامع الترمذي" (3371). قال أبو عيسى: حديث غريب من هذا الوجه. وقال الألباني في "ضعيف الترمذي" (3611): ضعيف. (¬2) غافر: 60. (¬3) "تفسير الطبري" 21/ 408. (¬4) البقرة: 186. (¬5) "تفسير الطبري" 21/ 408. (¬6) في (ر): سعيد. والمثبت من "سنن أبي داود".

زياد بن مخراق) بكسر الميم عن السمعاني (¬1)، وزياد هو المزني (عن أبي نعامة) عن ابن لسعد) ابن أبي وقاص، فإن كان عمر فقد حط عليه ابن معين لقتاله الحسين وقد قتله المختار. ([أنه قال: سمعني أبي وأنا أقول: اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها] (¬2) وبهجتها) وزاد أحمد: وإستبرقها (¬3) أي: حسنها وما فيها من المستلذات. (وأغلالها) واحدها غل بضم الغين وهو الذي يكون في الرقبة من الحديد. (يا بني) بكسر الياء المشددة وفتحها لغتان، قرئ بهما في السبع (¬4). ([إني سمعت رسول الله يقول: سيكون قوم] (¬5) يعتدون) بتخفيف الدال (في) الطهور و (الدعاء) روى هذا الحديث أحمد (¬6) وابن حبان (¬7) والحاكم (¬8) وغيرهم، وليس للمصنف هذا، ولابن ماجه ذكر "الطهور" (¬9)، لكن تقدم في الطهارة في باب الإسراف في الوضوء، ¬

_ (¬1) "الأنساب" 12/ 130. (¬2) ساقطة من الأصل. (¬3) "مسند أحمد" 1/ 172. (¬4) قرأ عاصم بالفتح وباقي السبعة بالكسر في قوله تعالى: {يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا}. انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص 334. (¬5) ساقطة من الأصل. (¬6) "مسند أحمد" 4/ 87. (¬7) "صحيح ابن حبان" (6763). (¬8) "المستدرك" 1/ 540. (¬9) "سنن ابن ماجه" (3864).

وذكر الطهور: أن عبد الله بن مغفل سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها. . (¬1). الحديث بتمامه، والاعتداء: مجاوزة ما أمروا به، والخروج عن الوضع المقدر في الشرع من كل شيء من الدعاء، وماء الطهور وترابه وغير ذلك، وقد استدل بالرواية التي ذكر الطهور فيها على كراهة الإسراف في ماء الوضوء والغسل، ولو كان على شاطئ البحر، وفي "شرح المهذب" وجه أنه حرام (¬2)، والحديث حجة. وأما الاعتداء في الدعاء فقال القرطبي: أبواب الاعتداء كثيرة منها: أن لا يتكلف السجعات في الدعاء، وأن لا يبالغ في رفع الصوت بل بين المخافتة والجهر كما قال: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} (¬3) (¬4). قال ابن عطية: تضرعًا: أي بخشوع واستكانة، وخفية: أي في أنفسكم (¬5). وقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء، ولا يسمع لهم صوت إن هو إلا الهمس بينهم وبين ربهم، وروى ابن أبي شيبة عن مجاهد: أنه سمع رجلًا يرفع صوته بالدعاء فرماه بالحصا (¬6)، وقيل في معنى الحديث: إن الاعتداء هو الجهر الكثير والصياح، وفي الحديث: "اربعوا على أنفسكم؛ فإنكم لا تدعون أصم أبكم إنكم ¬

_ (¬1) سبق برقم (96). (¬2) "المجموع" 2/ 190. (¬3) الأعراف: 55. (¬4) "الجامع لأحكام القرآن" 7/ 355. بمعناه. (¬5) "المحرر الوجيز" 2/ 410. (¬6) "مصنف ابن أبي شيبة" (8545).

تدعون سميعًا بصيرًا" (¬1) (فإياك) تحذيرًا (أن تكون منهم) ثم بين علة التحذير: (إنك إن أعطيت الجنة أعطيتها و) جميع (ما فيها) من النعيم والبهجة والإستبرق والحور العين وغير ذلك (من) أنواع (الخيرات، وإن أعذت من النار أعذت منها و) جميع (ما فيها من الشر) والعذاب، وفيه دليل على أن الداعي لا يأتي في دعائه صفات ما يسأله، ولا بأنواعه ومتعلقاته كما في الحديث، بل يأتي بالكلمات الجوامع للمعاني الكثيرة، ويدل عليه ما رواه ابن ماجه، والحاكم وصححه عن عائشة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها: "عليك بالجوامع الكوامل، قولي: اللهم إني أسألك الخير كله عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم" (¬2). [1481] (ثنا أحمد بن حنبل، ثنا عبد الله بن يزيد) مولى آل عمر بن الخطاب (حدثنا حيوة) بن شريح (ثنا أبو هانئ حميد بن هانئ) الخولاني، أخرج له مسلم والأربعة. (أن أبا [علي عمرو] (¬3) بن مالك) الجنبي المصري (¬4) وثقه ابن معين (¬5) (حدثه أنه سمع فضالة) بفتح الفاء (بن عبيد صاحب رسول الله [يقول سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬6) رجلًا يدعو في صلاته) يعني: في التشهد الأخير (لم يمجد الله) المجد: الشرف والتعظيم، وفي حديث قراءة الفاتحة: "إذا ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (4205، 6384)، ومسلم (2704) (44). (¬2) ابن ماجه (3846)، والحاكم في "المستدرك" 1/ 521 - 522 بمعناه. (¬3) في (ر): عمرو وعامر. (¬4) في (ر): البصري. (¬5) "تاريخ ابن معين رواية الدوري" (2544). (¬6) سقط من (ر).

قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: مالك، قال: مجدني عبدي" (¬1). قال العلماء: التحميد: الثناء بجميل الفعال، والتمجيد: الثناء بصفات الجلال، والثناء عليه بجميع ذلك كله. (ولم يصل على النبي، فقال رسول الله: عجل) بكسر الجيم المخففة (هذا) الرجل من باب: تعب تعبًا، أي: أسرع في دعاء التشهد، يقال منه: عجل عجلة إذا أسرع فهو عاجل، قال الله حكاية عن موسى: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ} (¬2) (¬3). فيه ذم العجلة والإسراع في شيء من الصلاة؛ لأنها تمسكن وتواضع وطمأنينة. وفيه أن ترك التحميد والتمجيد والثناء على الله تعالى في التشهد لا يبطل الصلاة؛ إذ لو أبطلها لم يقره على ذلك؛ ولأمره بإعادتها (ثم دعاه فقال له - أو لغيره -) يحتمل أن تكون "أو" بمعنى "الواو" كما هو [في بعض] (¬4) النسخ، ومنه قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147)} (¬5)، فعلى هذا يكون الخطاب مناجاة (¬6) له ولغيره، ويدل [عليه ضمير] (¬7) الجمع بعده. (إذا صلى أحدكم فليبدأ) [في تشهده] (¬8) إذا جلس، ويدل على هذا ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (395)، والترمذي (2953). (¬2) طه: 84. (¬3) إلى هنا انتهى السقط في (م). (¬4) من (ر). (¬5) الصافات: 147. (¬6) من (م). (¬7) في (م): على المخبر. (¬8) من (ر).

ما رواه الترمذي عن أبي (¬1) ذر الغفاري (¬2) عن عبد الله يعني: ابن مسعود قال: كنت أصلي والنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر وعمر معه، فلما جلست بدأت بالثناء على الله تعالى، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم دعوت لنفسي، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "سل تعطه سل تعطه" (¬3). (بتحميد ربه (¬4) والثناء عليه) (¬5) تقدم معناهما، [وأن الثناء أعم من التحميد والتمجيد (ثم يصلي على النبي)] (¬6) وروى هذا الحديث الترمذي والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وفي بعض ألفاظه: "فليبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم ليصلِّ على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم ليدع" (¬7) [بلام الأمر الدالة] (¬8) على وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في التشهد، وهو أحد الأدلة التي استدل بها على الوجوب، [ومنها ما رواه الحاكم في حديث عن سهل بن سعد: "لا صلاة لمن لم يصل على نبيه" (¬9)] (¬10)، ومنها ما رواه الحاكم أيضًا، ¬

_ (¬1) و (¬2) سقط من (ر). (¬3) "جامع الترمذي" (593) قال أبو عيسى: حسن صحيح. (¬4) في (ر): الله. (¬5) و (¬6) من (ر). (¬7) أخرجه الترمذي (3477)، والنسائي في "المجتبى" 3/ 44 بمعناه، وابن خزيمة (710)، وابن حبان (1960)، والحاكم في "المستدرك" 1/ 230. قال الترمذي: حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. (¬8) في (م): للام الدال. (¬9) "المستدرك" 1/ 269. (¬10) سقط من (ر).

والبيهقي من طريق يحيى بن السباق، عن رجل من آل الحارث، عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد" (¬1). ورجاله ثقات إلا (¬2) هذا الرجل الحارث (¬3) فينظر فيه. (ثم يدعو بما شاء) فيه دليل على أنه يجوز الدعاء بالديني والدنيوي لقوله: "بما شاء"، وهو الصحيح عند الشافعي (¬4) والجمهور، وقيل: لا يجوز الدعاء بمثل: اللهم ارزقني جارية صفتها كذا وكذا [فإن دعا به] (¬5) بطلت على هذا القول، وفي "البيان" وجه أنه إذا دعا بما يجوز أن يطلب من المخلوقين بطلت (¬6). قال الإسنوي: وكأنه ضابط للوجه المتقدم. [1482] (حدثنا هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي البزار الحافظ، شيخ مسلم (ثنا يزيد بن هارون، عن الأسود بن شيبان) [الأصح بشين معجمة، يكنى أبا شيبان السدوسي، كناه به سليمان بن حرب] (¬7) (عن أبي نوفل) معاوية بن مسلم بن عمرو بن عقرب [قال ¬

_ (¬1) "المستدرك" 1/ 269، و"السنن الكبرى" 2/ 379. (¬2) من (ر). (¬3) في (ر): البخاري. (¬4) انظر: "المجموع" 3/ 469. (¬5) في (ر): وأرد عما به. (¬6) "البيان" 2/ 242. (¬7) من (ر).

البخاري: ابن أبي العقرب (¬1)] (¬2) العريجي (¬3) أخرج له مسلم (عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستحب الجوامع من الدعاء) قال في "النهاية": هي التي تجمع الأغراض الصالحة والمقاصد الصحيحة وتجمع الثناء على الله تعالى وأدب المسألة (¬4). كما في الحديث: لمن قال له: أقرئني سورة جامعة قال: "اقرأ سورة (¬5) {إِذَا زُلْزِلَتِ} (¬6) "؛ لأنها تجمع أسباب الخير في قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)} (¬7)، والكلمة الجامعة هي التي تجمع المعاني الكثيرة في الألفاظ اليسيرة، وقد استدل به على أن المصلي يأتي في دعائه بالجوامع من الدعاء لما رواه الحاكم وصححه وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها، قال لها: "عليك (¬8) بالجوامع الكوامل قولي (¬9): اللهم إني أسألك من (¬10) الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم" (¬11). ¬

_ (¬1) "التاريخ الكبير" (1134). (¬2) من (ر). (¬3) سقط من (ر)، وفي (م): العوسجي. والمثبت من "تهذيب الكمال" 34/ 357. (¬4) "النهاية" (جمع). (¬5) من (ر). (¬6) سبق برقم (1399). (¬7) الزلزلة: 7. (¬8) في (م): عليكم. (¬9) سقط من (ر). (¬10) سقط من (ر). (¬11) سبق تخريجه.

(ويدع) أي يترك (ما سوى ذلك) من الدعاء الذي فيه تفصيل، وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يجمع في الدعاء تارةً ويفصل أخرى. [1483] (حدثنا) عبد الله بن مسلمة (¬1) بن قعنب - رضي الله عنه - (القعنبي، عن مالك، عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا يقولن أحدكم [اللهم اغفر لي إن شئت] (¬2) اللهم ارحمني إن شئت) بل (¬3) (ليعزم) (¬4) بفتح الياء (المسألة) قال العلماء: عزم المسألة [الشدة في طلبها، والحزم بها من غير ضعف في الطلب، وفيه كراهية التعليق في الدعاء على المشيئة] (¬5). قال العلماء: سبب كراهته أنه لا يتحقق استعمال المشيئة إلا في حق من يتوجه عليه (¬6) الإكراه، والله تعالى منزه عن ذلك، وهو معنى قوله في الحديث. (فإنه لا [مكره له]) (¬7) قال القرطبي: قال علماؤنا: لا يقول الداعي اللهم أعطني إن شئت بل يعري (¬8) دعاؤه وسؤاله من لفظ المشيئة، ويسأل ¬

_ (¬1) في (ر): محمد. (¬2) و (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): فليعزم. (¬5) من (ر). (¬6) سقط من (ر). (¬7) في (م): مستكره. (¬8) في (م): يقرأ.

سؤال من يعلم أنه (¬1) لا يفعل إلا أن يشاء. وأيضًا فإن قوله "إن شئت" [نوع من الاستغناء عن مغفرته وعطائه ورحمته كقول القائل: إن شئت أن تعطيني] (¬2) كذا فافعل، ولا يستعمل هذا إلا مع الغني عنه، و [أما المضطر إليه فإنه يعزم] (¬3) مسألته، ويسأل سؤال مضطر وفقير إلى ما سأله (¬4). وفيه دليل على أنه ينبغي للمؤمن أن يجتهد في الدعاء ويكون على (¬5) رجاءٍ من الإجابة، ولا يقنط من رحمة الله، [فإنه يدعو كريمًا، و] (¬6) في "الموطأ": "اللهم اغفر لي (¬7) إن شئت، اللهم ارحمني (¬8) إن شئت" (¬9) [بل يجد ليعزم أي يجد فيها، ويقطع دون استثناء، وقيل: عزم المسألة حسن الظن بالله - عز وجل - في الإجابة] (¬10). [1484] (حدثنا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب) الزهري (عن أبي عبيد) سعد (¬11) بن عبيد مولى ابن أزهر (¬12). ¬

_ (¬1) من (ر)، و"الجامع لأحكام القرآن". (¬2) سقط من (ر). (¬3) في (م): وأما لمن اضطر إليه فا يعزم. والمثبت من (ر)، "الجامع لأحكام القرآن". (¬4) "الجامع لأحكام القرآن" 2/ 312. (¬5) أقحم بعدها: ولا. (¬6) في (م): وأن يدعو له بما. (¬7) من (ر)، و"الموطأ". (¬8) في (م): ارحم. (¬9) "موطأ مالك" 1/ 213. (¬10) من (ر). (¬11) في (ر): معبد. (¬12) في (م): إبراهيم.

[(عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم] (¬1) قال: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل) بفتح الياء والجيم. قال العلماء: يحتمل قوله: "يستجاب لأحدكم" الإخبار عن وقوع الإجابة أو الإخبار عن جواز وقوعها [فإن كان] (¬2) الإخبار [على معنى] (¬3) الوجوب والوقوع، فإن الإجابة تكون بمعنى أحد الثلاثة وهي إما أن تعجل له (¬4) دعوته، وإما أن تدخر (¬5) له، وإما أن تكف عنه السوء بمثلها، فإذا قال: دعوت فلم يستجب لي. بطل وقوع أحد هذِه الثلاثة وعري الدعاء عن جميعها، وإن كان بمعنى جواز (¬6) الإجابة فإن الإجابة حينئذٍ تكون بفعل [ما يدعو] (¬7) به خصوصه، ويمنع من ذلك قول الداعي: دعوت فلم يستجب لي؛ لأن ذلك من باب القنوط وضعف اليقين. قال ابن بطال: قوله "ما لم يعجل" يعني يسأم الدعاء ويتركه، فيكون كالمالِّ (¬8) بدعائه وأنه [قد أتى] (¬9) من الدعاء ما كان يستحق به الإجابة فيصير كالمبخِّل لرب كريم، لا تعجزه الإجابة، ولا ينقصه العطاء، ولا تضره الذنوب (¬10). ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) في (م): قال. (¬3) في (ر): عن. (¬4) من (ر). (¬5) في (ر): تؤخر. (¬6) و (¬7) من (ر). (¬8) في (م): كاليأس. (¬9) من (ر)، و"شرح ابن بطال". (¬10) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 10/ 100.

وقالت عائشة رضي الله عنها في هذا (¬1) الحديث (¬2) "ما لم يعجل أو يقنط" (¬3). (فيقول: قد دعوت فلم يستجب لي) أو ما أغنى دعائي شيئًا، وفي رواية لمسلم (¬4): "لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل. قيل" (¬5): يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: "يقول: دعوت فلم يستجب لي فيستحسر (¬6) عند ذلك ويدع الدعاء" (¬7)، والمراد هنا أنه ينقطع عن الدعاء، ومنه قوله تعالى: {وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ} (¬8) أي لا ينقطعون عن العبادة، وفيه دليل على أنه ينبغي إدامة الدعاء ولا يستبطئ الإجابة (¬9). [1485] (حدثنا عبد الله بن مسلمة) بفتح الميم واللام، ابن قعنب القعنبي، شيخ الشيخين. (حدثنا (¬10) عبد الملك بن محمد) بن أيمن (¬11)، وقد ينسب إلى جده، ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) من (م). (¬3) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 10/ 100. (¬4) من (ر). (¬5) في (ر): قلت. (¬6) من (ر)، و"صحيح مسلم". (¬7) "صحيح مسلم" (2735). (¬8) الأنبياء: 19. (¬9) انظر: "شرح النووي على مسلم" 17/ 52. (¬10) سقط من (ر). (¬11) في (م): نمير.

ضعفه المصنف (¬1) (عن عبد الله بن يعقوب بن إسحاق) المدني (¬2) قال ابن القطان: لا يعرف (¬3) (عمن حدثه، عن محمد بن كعب القرظي) بضم القاف نسبة إلى قريظة، اسم رجل نزل أولاده حصنًا بقرب المدينة، وقريظة والنضير أخوان من أولاد هارون النبي - عليه السلام -، وكان محمد بن كعب من فضلاء أهل المدينة، قال (حدثني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا تستروا الجدر) بضم الجيم والدال جمع جدار، وهو الحائط مثل [كتب جمع كتاب] (¬4). فيه النهي عن ستر الحيطان بالستائر المتخذة لذلك، وفي معناه ستر (¬5) الخشب كالكراسي والأسرّة (¬6) ونحو ذلك لما فيه من إضاعة المال بغير فائدة، والمبالغة في الإسراف لطلب المفاخرة والمباهاة والخيلاء، وقد نظر بعض السلف إلى بيت قد سترت حيطانه بستائر فقال: هل حم (¬7) البيت قد نزعوه (¬8) أو نحو ذلك. (ومن (¬9) نظر في كتاب أخيه) [بغير إذنه] (¬10) الكتاب هنا محمول على ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): المذحجي. (¬3) "بيان الوهم والإيهام" 3/ 50. (¬4) في (ر): كتاب وكتب جمع. (¬5) زاد في (ر، م): الاب. (¬6) في (ر): الأسترة. (¬7) في (ر): أهل. (¬8) في (م): ترحموه. (¬9) في (م): و. (¬10) من (ر).

الرسالة التي ترسل إلى بعض الأصحاب، فيكون فيها في بعض الأحايين (¬1) سرًّا لا يحب كاتبه أن يطلع فيه ويقرأه غير المكتوب إليه ولا شك في أن هذا غير جائز. قال في "النهاية": هذا محمول على الكتاب الذي فيه سر وأمانة يكره صاحبه أن يُطلع عليه. قال: وقيل: هو عام في كل كتاب (¬2). ويدخل في هذا كتاب الله - عز وجل - وغيره؛ لأن مالكه أولى به، وقيل: الكتاب (¬3) التي [فيه أمانة سر لأحد لا يطلع عليه غيره، وأما الكتب الذي فيها العلم فلا يحل منعه عن أهله] (¬4). [(بغير إذنه) أو إذن وكيله، وهذا شرط النهي وعليه فإذا انتفت العلة وأذن جاز النظر] (¬5). (فإنما (¬6) ينظر في النار) قال في "النهاية": هذا تحذير، أي: كما يحذر النار فليحذر هذا الصنيع (¬7) وقيل: معناه كأنما ينظر إلى ما يوجب عليه النار، ويحتمل أنه أراد عقوبة النظر؛ لأن الجناية (¬8) منه (¬9) كما يعاقب السمع [إذا استمع] (¬10) إلى حديث قوم وهم له (¬11) ¬

_ (¬1) في (م): الإجابة. (¬2) "النهاية" (كتب). (¬3) زاد في الأصول الخطية: القلب. وهي زيادة مقحمة. (¬4) من (ر). (¬5) سقط من (ر). (¬6) في (ر) فكأنما. (¬7) في (م): المصنع. (¬8) في (ر): الخيانة. (¬9) و (¬10) من "النهاية" لابن الأثير. (¬11) سقط من (ر).

كارهون (¬1). (سلوا الله) [بفتح السين] (¬2) واللغة الثانية: اسألوا الله كما قال تعالى {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} (¬3) (ببطون أكفكم (¬4)، ولا تسألوه بظهورها) فيه بيان أن السنة لمن دعا لتحصيل شيء أن يجعل بطن كفيه إلى السماء، ولمن دعا لرفع بلاءٍ أن يجعل ظهر كفيه إلى السماء، وقد احتج بهذا الحديث على رفع اليدين لدعاء القنوت، وليس فيه تصريح بالرفع وهو مذهب الشافعي (¬5) وأحمد (¬6) وأصحاب الرأي (¬7)، قال الأثرم: كان أبو عبد الله يرفع يديه إلى صدره، واحتج بأن ابن مسعود رفع يديه في القنوت إلى صدره، وروي ذلك عن عمر وابن عباس، وأنكره مالك (¬8) والأوزاعي (¬9)، والحديث حجة عليهما، وفي رواية أظنها للحاكم: "إذا دعوت فادع ببطون كفك، وإذا فرغت فامسح براحتيك على وجهك" (¬10). (فإذا فرغتم) من الدعاء (فامسحوا بها) أي ببطون أكفكم ¬

_ (¬1) "النهاية" (كتب). (¬2) سقط من (ر). (¬3) النساء: 32. (¬4) في (م): أيديكم. (¬5) انظر: "المجموع" 5/ 84. (¬6) انظر: "المغني" 2/ 584. (¬7) انظر: "المبسوط" 1/ 320 - 321. (¬8) "المدونة" 1/ 165. (¬9) انظر: "المغني" 2/ 584. (¬10) "المستدرك" 1/ 535، ورواه ابن ماجه (1181، 3866).

(وجوهكم) (¬1). [وأخرجه ابن ماجه] (¬2) استدل بها على أن الداعي إذا فرغ من الدعاء يمسح وجهه ببطون كفيه. قال في "شرح المهذب": و (¬3) هذا أشهر الوجهين عند أصحاب الشافعي [وإن كان الأصح أنه لا] (¬4) يمسح، وأما الصدر فلا يستحب مسحه قطعًا، بل نص جماعة على كراهته (¬5). قاله في "الروضة". ويدل على المسح ما رواه الترمذي والحاكم في "المستدرك" عن عمر بن الخطاب: كان (¬6) رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه (¬7)، قال جدنا في الحديث - وهو الشيخ شهاب الدين أبو محمود المقدسي في "المصباح": قد اختلف النسخ في الكلام على هذا (¬8) الحديث، ففي بعضها غريب لا نعرفه إلا من حديث حماد بن عيسى تفرد به، وهو قليل الحديث، وقد حدث عنه الناس. قال: ورأيت في غير ما نسخة حسن صحيح غريب. . إلى آخر ¬

_ (¬1) انفرد به أبو داود، ومن طريقه أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 2/ 212. وأخرجه ابن ماجه (3866)، والطبراني في "المعجم الكبير" (10779)، والحاكم في "المستدرك" 1/ 536. مختصرًا بمعناه عن صالح بن كعب القرظي. (¬2) من (ر). (¬3) في (م): في. (¬4) في (م): أي أنه. (¬5) "المجموع" 3/ 500 - 501. (¬6) في (م): كما أن. (¬7) "جامع الترمذي" (3386)، والحاكم في "المستدرك" 1/ 536، واللفظ للترمذي. قال أبو عيسى: حديث صحيح غريب. (¬8) زاد بعدها في (م): والكلام على هذا. وهي زيادة مقحمة.

كلامه المتقدم. وقال الحافظ عبد الحق: إن الترمذي قال في حديث عمر المذكور: حديث صحيح غريب، ثم قال في "المصباح": والحديث الضعيف (¬1) قد يصير بجميع طرقه حسنًا بشرط أن لا يكون رواته كذابين، بل لا يكون ضعفهم إلا لسوء حفظ ونحوه. (قال المصنف: روي) بضم الراء بصيغة التمريض (هذا الحديث من غير وجه عن محمد بن كعب) القرظي (كلها) ضمير جمع؛ لأن قوله من غير وجه في معنى من وجوه كثير (واهية) أي ضعيفة، [(وهذا الطريق أمثلها وهو ضعيف أيضًا]) (¬2) ورواه الحاكم أيضًا من طريق صالح (¬3) بن حسان (¬4) عن محمد بن كعب نحوه، وخالفه ابن حبان فذكره في ترجمة صالح في "الضعفاء" (¬5). [1486] (حدثنا سليمان بن عبد الحميد) بن رافع الحكمي (البهراني) بفتح الباء الموحدة وسكون الهاء وتخفيف الراء [وآخره نون] (¬6) نسبة إلى بهراء قبيلة نزل أكثرها مدينة حمص من (¬7) الشام، وهم قبيلة من قضاعة. ¬

_ (¬1) في (م): المضعف. (¬2) سقط من (ر). (¬3) من (ر). (¬4) في الأصول الخطية: كيسان. وفي "المستدرك" 1/ 536: حيان. والمثبت من "تهذيب الكمال" 13/ 28 - 29. وهو الصواب لأن صالح بن حسان هو الذي يروي عن محمد بن كعب القرظي وكذا ذكره ابن حبان في "الضعفاء". (¬5) "الضعفاء والمجروحين" 1/ 364. (¬6) من (ر). (¬7) سقط من (ر).

[أخي بلي] بن عمرو (¬1) (قال: قرأته في أصل إسماعيل بن عياش) بالمثناة تحت والشين المعجمة العنسي، عالم الشاميين، قال يزيد بن هارون: ما رأيت أحفظ منه (¬2)، وقال دحيم: هو في الشاميين غاية (¬3)، وقال البخاري: إذا حدَّث عن أهل حمص (¬4). قال: (حدثني ضمضم) بن زرعة بن ثور الحضرمي الحمصي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬5)، روى له (¬6) ابن ماجه في "التفسير" (عن شريح) بضم الشين المعجمة بن عبيد بن (¬7) شريح أبو (¬8) الصواب الشامي الحمصي. قال أحمد بن عبد الله العجلي: هو شامي تابعي ثقة (¬9)، وقال عثمان بن سعيد [الدارمي، عن دحيم] (¬10) هو من شيوخ حمص الكبار ثقة (¬11). قال (¬12): (حدثنا أبو ظبية) بفتح الظاء المعجمة وسكون الموحدة، ¬

_ (¬1) "اللباب في تهذيب الأنساب" 1/ 191 - 192. (¬2) "تاريخ بغداد" 6/ 221. (¬3) "تهذيب الكمال" 3/ 176. (¬4) "التاريخ الكبير" (1169). (¬5) "الثقات" 6/ 485. (¬6) في (م): ذلك. (¬7) من (ر). (¬8) في (م): بن. (¬9) "تاريخ الثقات" للعجلي (661). (¬10) في (ر): الرازي. (¬11) "تهذيب الكمال" 12/ 447. (¬12) من (ر).

قال ابن منده: ويقال: أبو طيبة بالطاء المهملة (¬1) والمثناة ثم الموحدة، وهو السلفي الكلاعي [بفتح الكاف] (¬2) الشامي الحمصي، نزل حمص، وهو مقبول (¬3). (أن أبا بحرية) بفتح الباء الموحدة وسكون الحاء المهملة وكسر الراء وتشديد المثناة تحت الكندي (¬4) (السكوني) الحمصي ولي غزو الصائفة (¬5) لمعاوية، وبقي إلى زمن الوليد. (حدثه (¬6) عن مالك بن يسار) بالمثناة تحت ثم المهملة (السكوني، ثم العوفي) حكى المنذري عن سليمان بن عبد الحميد شيخ المصنف [أحد الرواة، له عندنا صحبة (¬7). وهو في "التجريد"] (¬8) من الصحابة، وقال: أخرج له ابن أبي (¬9) عاصم في "الآحاد" (¬10) (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إذا سألتم الله تعالى فسلوه ببطون أكفكم، ولا تسألوه بظهورها) قوله: [ولا تسألوه بظهورها] (¬11) هو في غير طلب ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 33/ 448. (¬2) من (ر). (¬3) "تقريب التهذيب" (8254). (¬4) سقط من (ر). (¬5) في (ر): الفايقة. وفي (م): المعايفة. والمثبت من "تهذيب الكمال" 15/ 457. (¬6) سقط من (ر). (¬7) "مختصر سنن أبي داود" 2/ 143. (¬8) بياض في (ر). (¬9) سقط من الأصول الخطية. والمثبت من "التجريد". (¬10) "تجريد أسماء الصحابة" (553). (¬11) في (م): وسلوه بظهورهما.

دفع البلاء، ففي "صحيح مسلم" أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استسقى فأشار بظهر (¬1) كفيه إلى السماء (¬2)، قال أصحابنا وغيرهم (¬3): السنة في كل دعاء لدفع البلاء كالقحط ونحوه أن يرفع يديه ويجعل ظهر كفيه إلى السماء (¬4). (قال المصنف: قال) شيخه (سليمان بن عبد الحميد) البهراني أحد الرواة [(له عندنا (¬5) صحبة يعني: مالك بن يسار) السكوني ثم العوفي كما تقدم. [1487] (ثنا عقبة بن مكرم) العمي البصري الحافظ شيخ مسلم (ثنا سلم) (¬6) - بفتح السين - (ابن قتيبة) الشعيري أبو قتيبة (¬7) روى له] (¬8) الجماعة سوى مسلم. (عن عمر (¬9) بن نبهان) بفتح النون وسكون الموحدة البصري (¬10) (عن قتادة، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو هكذا) يعني (بباطن كفيه وظاهرهما) يعني: إذا سأل الله ¬

_ (¬1) في (ر): بظهور. (¬2) "صحيح مسلم" (896). (¬3) في (م): يده. (¬4) "شرح النووي على مسلم" 6/ 190. (¬5) في (ر) عنده. (¬6) في (ر): سلمة. والمثبت من "سنن أبي داود"، و"الإكمال" 5/ 115. (¬7) في (ر): قبسية. والمثبت من "الإكمال" 5/ 115. (¬8) سقط من (م). (¬9) في (ر): عمرو. (¬10) سقط من (ر).

تحصيل شيء أو (¬1) طلب [أمر ديني أو] (¬2) دنيوي سأل الله تعالى بباطن كفيه، وإذا [سأله رفع بلاء] (¬3) كالقحط والجدب (¬4) ودفع حريق ونحوه رفع يديه وجعل ظاهر كفيه إلى السماء، وهكذا السنة في الدعاء اقتداءً به صلى الله عليه وآله وسلم. قال عياض: وهذا الذي فسره المفسرون بالرهب والرغب في قوله تعالى: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} (¬5) (¬6). [1488] (حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني، حدثنا عيسى بن يونس، حدثنا جعفر بن ميمون صاحب) أي: بياع (الأنماط) بفتح الهمزة وهي الفرش التي تبسط. قال أبو حاتم الرازي: صالح (¬7)، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به (¬8). قال (حدثني أبو عثمان) عبد الرحمن بن مل النهدي. (عن سلمان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن ربكم حيي) بتشديد الياء (¬9) الثانية (¬10) هذا الحياء مستحيل في حق الله ¬

_ (¬1) في (ر): ولو. (¬2) غير واضحة في (م). (¬3) في (ر): سأل لدفع البلاء. (¬4) في (م): القحط. (¬5) الأنبياء: 90. (¬6) "إكمال المعلم" 3/ 316. (¬7) "الجرح والتعديل" (2003). (¬8) "الكامل" لابن عدي 2/ 370. (¬9) سقط من (ر). (¬10) زاد في الأصول الخطية: دون. وهي زيادة مقحمة.

تعالى؛ لأنه تغير وانكسار يعتري بدن الإنسان من خوف ما يعاب به (¬1) أو يذم، واشتقاقه من الحياة، يقال: حيي الرجل كما تقول: نسي وهذِه الأشياء لا تعقل إلا في حق الجسم، وإن كان كذلك وجب تأويله في الأحاديث. وفيه وجهان ذكرهما الرازي: الأول وهو القانون (¬2) في أمثال (¬3) هذِه الأشياء أن كل صفة ثبتت (¬4) للعبد مما يختص بالأجسام، فإذا وصف الله بذلك فذلك محمول على نهايات الأعراض لا على بدايات الأعراض، مثاله أن الحياء حالة تحصل للإنسان لكن لها مبدأ (¬5) ومنتهى، أما المبدأ (¬6) فهو التغير الجسماني الذي يلحق الإنسان من خوف أن (¬7) ينسب إلى القبيح، وأما النهاية فهي أن يترك الإنسان ذلك الفعل، فأما (¬8) الحياء في حق الله تعالى فليس المراد منه ذلك الخوف الذي هو مبدأ الحياء ومقدمته بل ترك (¬9) الفعل الذي هو منتهاه وغايته (¬10)، وكذلك الغضب له مقدمة وهي غليان دم القلب وشهوة الانتقام، وله ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) في (ر): القائلون. (¬3) في (ر): إمساك. (¬4) في (م): تبد. (¬5) في (ر): مبتدأ. (¬6) في (ر): المبتدأ. (¬7) في (ر): أو. (¬8) في (م): فإذا ورد. (¬9) في (م)، يدل على. (¬10) في (م): عاقبته.

غاية وهو إنزال العقاب بالمغضوب عليه، فإذا وصفنا الله بالغضب فليس المراد بذلك المبدأ أعني شهوة الانتقام وغليان دم القلب، بل المراد تلك (¬1) النهاية وهي إنزال العقاب فهذا هو القانون الكلي [في هذا الباب (¬2). الوجه الثاني: أن الحيي هو الذي يصدر عنه كل حياء المخلوقين] (¬3) كما أن الحي هو الذي يصدر عنه حياة كل مخلوق، والقيوم المقوم لكل مستقيم، وإذا كان هو الذي تصدر عنه هذِه الأشياء فهو أحق كل (كريم يستحي) عينه ولامه حرفا علة. (من عبده [إذا) تذلل] (¬4) له و (رفع يديه إليه) فيه استحباب رفع اليدين في الدعاء، ويكونا مضمومتين، لما رواه الطبراني في "الكبير" عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: كان صلى الله عليه وآله وسلم إذا دعا ضم كفيه وجعل بطونهما مما يلي وجهه (¬5) (أن يردهما صفرًا) بكسر الصاد المهملة وسكون الفاء وراء مهملة، أي: فارغة خالية من العطاء، ومنه صفر ردائها [أي: ضامرة البطن] (¬6) فكان رداءها صفرًا، أي: خال، ومنه الحديث: "أصفر البيوت من الخير البيت الصفر من كتاب الله تعالى" (¬7)، وفيه إشارة إلى ذم من يرد الفقير إذا سأل خاليًا من العطاء ¬

_ (¬1) في (م): بذلك. (¬2) "تفسير الفخر الرازي" 1/ 361. (¬3) من (ر). (¬4) في (م): بدل. (¬5) "المعجم الكبير"، 11/ 435 (12234) دون ذكر: ضم كفيه. (¬6) في (م): صافرة الطن. (¬7) رواه النسائي في "الكبرى" (10799) من حديث أنس مرفوعًا.

ولو [بزاد يسير] (¬1)، ففي الصحيحين: "اتقوا النار ولو بشق تمرة" (¬2)، وروى ابن المبارك في "الزهد" من حديث عكرمة مرسلًا "تصدقوا ولو بتمرة فإنها تسد الجائع، وتطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار" (¬3). [1489] (حدثنا [موسى بن] (¬4) إسماعيل) التبوذكي (حدثنا وهيب بن خالد) الباهلي، مولاهم الكرابيسي الحافظ. [قال: (حدثني] (¬5) العباس بن عبد الله بن معبد) بفتح الميم والباء الموحدة. (ابن العباس بن عبد المطلب) الهاشمي المدني، وثقه ابن معين، وقال أحمد: ليس به بأس (¬6). (عن عكرمة، عن ابن عباس) - رضي الله عنهما - (قال: المسألة) لما تمس الحاجة إليه (أن [ترفع يديك] (¬7) حذو منكبيك، [أو نحوهما) يعني: قربهما] (¬8) والمنكب ما بين الكتف إلى العنق، قال الأثرم: كان أبو عبد الله يرفع يديه في القنوت إلى صدره، [واحتج بأن] (¬9) ابن ¬

_ (¬1) في (ر): نذرًا يسيرًا. (¬2) "صحيح البخاري" (1417)، "صحيح مسلم" (1016). (¬3) "الزهد" لابن المبارك (651). (¬4) سقط من (ر). (¬5) في (ر): مولى. (¬6) "الجرح والتعديل" (1164). (¬7) في (م): يريد. (¬8) من (ر). (¬9) في (م): كان.

مسعود رفع يديه في القنوت إلى صدره، وروي ذلك عن عمر وابن عباس (¬1). قال الخطابي: إن من الأدب أن تكون اليدان في حال رفعهما مكشوفتين غير مغطاتين، أي: كما في رفعهما للتكبير وفي حالتي الركوع والسجود، وتقدم حديث ضم اليدين. (والاستغفار أن تشير بأصبع واحدة) إشارة إلى أن المسؤول منه المغفرة واحد لا شريك له، يجمع في توحيده بين القول حين يقول: يا الله، وبين فعل الأصبع المشار به والاعتقاد، وروى الترمذي وقال: حسن، وابن ماجه والحاكم وقال: صحيح الإسناد [عن أبي هريرة] (¬2): أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر على إنسان يدعو بإصبعيه السبابتين، فقال رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم: "أحد] (¬3) أحد" (¬4) يعني: اقتصر على إحدى الإصبعين. (والابتهال أن تمد يديك جميعًا) كما (¬5) في رواية ابن داسة: والابتهال هكذا، ورفع يديه وجعل ظهورهما مما يلي وجهه. وسيأتي إن شاء الله تعالى للمصنف لعل المراد باليدين العضدين مع ساعدهما، أي: ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" 2/ 584. (¬2) بياض في (ر). (¬3) بياض في (ر). (¬4) أخرجه الترمذي (3557)، والحاكم في 1/ 536، ولم يخرجه ابن ماجه كما زعم المصنف وهو في "المجتبى" 3/ 38. (¬5) من (ر).

يمدهما ليطولا [ولا يثبتهما] (¬1) ويجمعهما، بل يمدهما مع بسط الكفين، وفي "النهاية" بعد الحديث: أصل الابتهال: التضرع والمبالغة في السؤال (¬2). وفي "الصحاح": [عن ابن عباس في قوله: {ثُمَّ نَبْتَهِلْ} (¬3) قيل: نتداعى ما للعنة، لقوله تعالى بعده: {فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} (¬4)] (¬5)، يقال في قوله تعالى: {ثُمَّ نَبْتَهِلْ}: نخلص في الدعاء ونجتهد فيه (¬6). [1490] ([حدثنا عمرو بن عثمان] (¬7) حدثنا سفيان) بن عيينة، قال: (حدثني عباس بن عبد الله بن معبد بن عباس) بن عبد المطلب، [عن أخيه إبراهيم بن عبد الله بن معبد] (¬8) الهاشمي، أخرج له مسلم [(بهذا الحديث، وقال فيه: والابتهال هكذا] (¬9) ورفع يديه) يحتمل أن يكون هذا تفسير للرواية قبله: [المد هناك] (¬10) المراد به رفع اليدين المذكور هنا، وهو أقرب مما تقدم وأوضح في المعنى (وجعل ظهورهما) ظهور ¬

_ (¬1) في (م): يثبتهما. (¬2) "النهاية" (بهل). (¬3) آل عمران: 61. (¬4) آل عمران: 61. (¬5) من (ر). (¬6) "الصحاح" (بهل). (¬7) في (ر): ثنا عثمان، ثنا عمرو. (¬8) سقط من (ر). (¬9) في (ر): قوله. (¬10) بياض في (ر).

يديه (مما يلي وجهه) وبطونهما مما يلي الأرض كما تقدم في الدعاء لدفع البلاء كالخبث كالجدب وحصول الجراد وغيره. [1491] [(حدثنا محمد بن يحيى بن فارس) الذهلي] (¬1) (حدثنا إبراهيم بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي الزبيري الأسدي، أخرج له البخاري في غير موضع. (حدثنا عبد العزيز بن محمد) بن أبي حازم، أخرج له البخاري مقرونًا في مواضع. [(عن العباس بن عبد الله بن معبد بن عباس) بن المطلب (عن أخيه إبراهيم بن عبد الله) بن معبد الهاشمي، أخرج له مسلم. (عن ابن عباس) رضي الله عنهما: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬2) قال: فذكر نحوه) نحو ما تقدم بمعناه دون لفظه. [1492] (حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا (¬3) عبد الله بن لهيعة) بفتح اللام. (عن حفص بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص) الزهري، مجهول (¬4). (عن السائب بن يزيد، عن أبيه) يزيد [بن سعيد] (¬5) بن أخت نمر الكندي من الطلقاء، حليف بني عبد شمس، أسلم يوم فتح مكة وسكن ¬

_ (¬1) تأتي هذِه العبارة متأخرة في (ر) بعد كلمة مواضع. (¬2) سقط من (ر). (¬3) سقط من (ر). (¬4) في (م): يقول. (¬5) سقط من (م).

المدينة، وهو حجازي (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دعا فرفع يديه مسح وجهه بيديه) قال البيهقي: لست أجد في مسح الوجه هذا - يعني في القنوت - عن أحد من السلف شيئًا، وإن كان يروى عن بعضهم في الدعاء خارج الصلاة، فأما في الصلاة فهو عمل لم يثبت فيه (¬1) خبر ولا أثر ولا قياس (¬2). نعم روى البيهقي الرفع بإسناد صحيح أو حسن من رواية أنس (¬3). [1493] (حدثنا مسدد، حدثنا (¬4) يحيى) بن سعيد القطان (عن مالك بن مغول) البجلي الكوفي. ([حدثنا عبد الله بن بريدة (¬5)، عن أبيه]) (¬6) بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث الأسلمي، أسلم حين مر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم مهاجرًا، ثم قدم المدينة قبل الخندق، ثم نزل البصرة [ثم مرو] (¬7) - رضي الله عنهما -: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سمع رجلًا يقول: اللهم إني أسألك أني أشهد) لك بما وصفت به نفسك (أنك أنت الله) إثبات للذات (لا إله إلا أنت) نفي للشريك وكل ما ¬

_ (¬1) في (ر): عنه. (¬2) "السنن الكبرى" 2/ 212. (¬3) "السنن الكبرى" 2/ 211. (¬4) في (ر): قوله. (¬5) سقط من (ر). وفي (م): يزيد. والمثبت من "سنن أبي داود"، و"تهذيب الكمال" 14/ 328. (¬6) في (ر): عن. (¬7) من (ر).

سواه. (الأحد) الذي لا يتجزأ، والواحد الذي لا يُثنَّى [كما لا يتجزأ فالله تعالى] (¬1) أحد بمعنى يستحيل تقدير الانقسام في ذاته. قال ابن عباس: الأحد الذي ليس كمثله شيء، فالعبد يكون واحدًا بمعنى أنه ليس له في أبناء جنسه نظير، لكن يمكن أن يظهر له في وقت آخر مثله (الصمد) هو الذي يصمد إليه في الحوائج ويقصد وينتهى إليه منتهى (¬2) السؤدد. قال الغزالي: ومن جعل الله مقصدًا للعبادة في مهمات دينهم ودنياهم وأجرى على يده حوائج خلقه فهو حظه من هذا الاسم (¬3) (الذي لم يلد) (¬4) أي: لم يكن له ولد كما أن مريم (¬5) لها ولد (ولم يولد) من أحد كما ولد عيسى وعزير. (ولم يكن له كفوًا أحد) أي: لم يكن له أحد مثلًا له، والمثل المكافئ. وقال الزمخشري: إن قلت قوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الكلام الفصيح العربي أن يؤخر الظرف، وقد نص سيبويه على ذلك (¬6)] (¬7) قال أحمد بن المنير في "الانتصاف على الكشاف": نقل ¬

_ (¬1) في (ر): فالله. (¬2) سقط من (ر). (¬3) "المقصد الأسنى" (ص 134). (¬4) زاد في (ر): ولم يولد. (¬5) في (م): تحريم. (¬6) "الكشاف" 4/ 242. (¬7) من (ر).

سيبويه أنه سمع بعض الجفاة من العرب يقول: ولم يكن أحدًا كفوًا له، وجرى هذا البدوي الجلف على [عادته فجفا] (¬1) طبعه عن لطف المعنى الذي لأجله اقتضى تقديم الظرف وخبر كان على اسمها، وذلك أن الغرض الذي سيقت له الآية نفي المكافأة والمساواة عن ذات الله، فكان تقديم المكافأة المقصودة بأن يسلب عنه أولى ثم لما قدمت لتسلب (¬2) ذكر معها الظرف ليبين الذات المقدسة بسلب (¬3) المكافأة (¬4). (فقال) النبي صلى الله عليه وآله وسلم: والله (¬5) (لقد سألت الله) تعالى (بالاسم) الأعظم (الذي إذا سئل به أعطى) ما سئل (وإذا دعي به أجاب) الداعي. قال القرطبي: وذلك أن هذِه السورة اشتملت على اسمين من أسمائه تعالى يتضمنان جميع أوصاف كماله لم يوجدا في غيرها من جميع السور، وهما الأحد الصمد (¬6). فإنهما يدلان على أحدية الذات المقدسة الموصوفة بجميع أوصاف الكمال المعظمة، فالصمد هو الذي انتهى سؤدده بحيث يصمد إليه في الحوائج كلها، أي يقصد، ولا يصح ذلك حقًّا إلا لمن حاز جميع خصال الكمال حقيقة، وذلك لا ¬

_ (¬1) في (م): دنه لخفاء. (¬2) في (م): لتسلم. (¬3) في الأصول الخطية: بنفي. والمثبت من "الكشاف". (¬4) "الكشاف عن حقائق التنزيل" 4/ 242. (¬5) من (ر). (¬6) "تفسير القرطبي" 20/ 247.

يكمل إلا لله (¬1). قال الرازي: كل كلام اشتمل على نعوت جلاله [وصفات كماله] (¬2) كان ذلك الكلام في نهاية الجلالة والشرف، ولذلك كانت هذِه السورة بالغة في الشرف إلى أقصى الغايات وأبلغ النهايات (¬3). [1494] (حدثنا عبد الرحمن بن خالد) بن يزيد القطان، قال النسائي: أنه لا بأس به (¬4) (الرقي) بفتح الراء وتشديد القاف نسبةً إلى مدينة على طرف الفرات. (حدثنا زيد بن حباب) بضم الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة، روى عثمان الدارمي عن يحيى: أنه ثقة (¬5). (حدثنا مالك بن مغول بهذا الحديث وقال فيه: لقد سألت الله باسمه الأعظم) الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب [أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه، قال: حسن غريب] (¬6). قال المنذري: قال شيخنا الحافظ أبو الحسن المقدسي: هذا إسناد لا مطعن فيه ولا أعلم أنه روي في هذا الباب حديث أجود إسنادًا منه، وهو يدل على بطلان مذهب من ذهب إلى نفي القول بأن لله تعالى اسمًا ¬

_ (¬1) "فتح الباري" 8/ 678. (¬2) من (ر). (¬3) "تفسير الفخر الرازي" 3/ 5. (¬4) "تهذيب الكمال" 17/ 79. (¬5) "تاريخ ابن معين" برواية الدارمي (342). (¬6) من (ر).

هو الاسم الأعظم، انتهى (¬1). وهذا القول قول من قال بتفضيل بعض (¬2) أسماء الله تعالى على بعض، وكذا قول من قال بتفضيل بعض القرآن على بعض، وهو قول كثير من العلماء والمتكلمين أو أكثرهم، وهو راجع إلى أن الدعاء بالاسم الأعظم أسرع إجابة وأن أجر قارئ الأفضل أجزل وأكثر من غيره. [1495] (حدثنا عبد الرحمن بن عبيد الله) بالتصغير الأسدي (الحلبي) ابن أخي الإمام، صدقه أبو (¬3) حاتم (¬4) (حدثنا خلف بن خليفة) أبو أحمد الأشجعي الكوفي، حدث بواسط وبغداد، أخرج له مسلم والأربعة. (عن حفص) [بن عبيد الله] (¬5) (ابن أخي أنس) بن مالك ثقة تابعي (¬6). (عن أنس) بن مالك - رضي الله عنه - (أنه [كان مع] (¬7) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالسًا، ورجل) جاز الابتداء برجل وهو نكرة، لأنه اعتمد على واو الحال كقول الشاعر: سرينا (¬8) ونجم قد أضاء فمذ بدا ... محياك (¬9) أخفى ضوؤه كل شارق ¬

_ (¬1) "مختصر سنن أبي داود" 2/ 145. (¬2) من (ر). (¬3) في (ر): بن. (¬4) "الجرح والتعديل" (1220). (¬5) من (ر). (¬6) "تهذيب الكمال" 7/ 80 - 81. (¬7) في (م): قال كان. (¬8) زاد في (م): وكم نجم. وهي زيادة مقحمة. (¬9) في (م): فحدبك الحباك. والمثبت من (ر)، و"مغني اللبيب" ص 613، و"شرح ابن عقيل" 1/ 221.

ثم (يصلي ثم دعا) فقال في [ابتداء دعائه] (¬1) بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (اللهم إني أسألك) معترفًا (بأن لك الحمد) بالنصب اسم "أن"، ولك خبر مقدم، ومثله في الظرف: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا} (¬2) وإنما جاز تقديم الظرف والمجرور للتوسع فيهما، ولأنهما في الحقيقة ليسا بالخبر بل معمولاه. (لا إله إلا أنت) زاد ابن ماجه: "وحدك لا شريك لك" (¬3) (المنان) وذكر ابن الصلاح في (¬4) رواية الأبناء عن الآباء قال: من أطرف ذلك رواية أبي الفرج عبد الوهاب التميمي الحنبلي، وكانت له ببغداد في جامع المنصور حلقة الوعظ والفتوى عن أبيه في تسعة [من آبائه نسقًا] (¬5): حدثنا عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث (¬6) بن سليمان بن الأسود بن سفيان (¬7) بن يزيد بن أكينة، يعني: بالنون بن عبد الله التميمي من لفظه قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول (¬8): سمعت: علي بن أبي طالب وقد سئل عن الحنان المنان؟ ¬

_ (¬1) في (ر): دعائه ابتداء وغاية. (¬2) المزمل: 12. (¬3) "سنن ابن ماجه" (3858). (¬4) في (ر): من. (¬5) في (م): أيام تسعًا. (¬6) في الأصول الخطية: الملقب. (¬7) في (ر): سعيد. (¬8) زاد في (ر، م): سمعت أبي يقول. وهي زيادة مقحمة.

فقال: الحنان الذي يقبل على من أعرض عنه، والمنان الذي يبدأ (¬1) بالنوال قبل السؤال (¬2). (بديع السماوات والأرض) هو الذي فطرهما وابتدع خلقهما لا على مثال سبق. قال الغزالي: كل عبد لله اختص بخاصة لم يعهد مثلها إما في سائر الأوقات أو في عصره فهو بديع بالإضافة إلى ما انفرد به (¬3). (يا ذا الجلال) أي: يجله الموحدون، أي: يعظمونه عن التشبيه بخلقه (والإكرام) هو الإنعام العام. قال الغزالي: لا جلال ولا كمال إلا وهو له، ولا كرامة ولا مكرمة إلا وهي صادرة منه، فالجلال له في ذاته، والكرامة فائضة منه على خلقه فنونها (¬4) وأنواعها لا تنحصر. (يا حي) الذي ليس لحياته زوال (يا قيوم) قيل: هو القيم (¬5) على كل شيء بالرعاية له. قال الغزالي: الحي الفعال الدراك (¬6). فمن لا فعل له ولا (¬7) إدراك فهو ميت، وأقل درجات [الإدراك أن يشعر] (¬8) المدرك بنفسه [فمن لا ¬

_ (¬1) في (م): من. (¬2) "علوم الحديث" لابن الصلاح ص 316. (¬3) "المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى" (ص 147). (¬4) في (م): فقربها. (¬5) في (م): القائم. (¬6) "تفسير ابن عرفة" 2/ 721. (¬7) سقط من (م). (¬8) في (م): إلا أن يسعه.

يشعر] (¬1) بنفسه فهو جماد، والحي الكامل هو الذي تندرج جميع المدركات تحت إدراكه حتى لا يشذ عن علمه مدرك، وهو الله تعالى، وكل شيء سواه فحياته بقدر إدراكه. قال: والقيوم: القائم بنفسه، فلا يتصور دوام شيء ولا وجوده إلا بالله تعالى، وحظ العبد منه بقدر استغنائه عما سوى الله تعالى، فكل من قام بنفسه في أموره ولم يفتقر إلى مخلوق فهو قائم بالله تعالى (¬2). (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لقد دعا الله تعالى باسمه العظيم) كره بعضهم أن يقال: اسم الله العظيم و [يقول لما سئل] (¬3) عنه: أخبرني عن اسم الله الصغير (¬4) حتى أخبرك بالعظيم، وإذا سئل عن اسم الله الأعظم يقول: أخبرني عن اسم الله الأصغر حتى أخبرك عن الأعظم، والصواب أنه غير مكروه لتكرره في الأحاديث الصحيحة. (الذي إذا دعي به (¬5) أجاب) الداعي (وإذا سئل به أعطى) السائل. [1496] (حدثنا مسدد، حدثنا عيسى (¬6) بن يونس) الهمداني (حدثنا عبيد الله) بالتصغير (بن أبي زياد) القداح المكي، فيه لين. قال ابن عدي: لم أر له شيئًا منكرًا (¬7) [وقال أبو داود: أحاديثه] (¬8) ¬

_ (¬1) في (م): فيما لا يسعه. (¬2) "المقصد الأسنى" (ص 132). (¬3) في (ر): يقال لما يسأل. (¬4) في (م): العظيم. (¬5) في (ر): الله. (¬6) في (م): يحيى. (¬7) من (ر)، و"الكامل" لابن عدي 5/ 529. (¬8) سقط من الأصول الخطية. والمثبت من "الكاشف" (3591).

مناكير (عن شهر بن حوشب) بالحاء المهملة والشين المعجمة، [أخرج له مسلم مقرونًا] (¬1). (عن أسماء بنت يزيد) بن السكن الأنصارية إحدى نساء بني عبد الأشهل، ابنة عمة معاذ بن جبل أتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: أي رسول الله من ورائي جماعة من نساء المسلمين كلهن يقلن بقولي وعلى مثل رأيي: إن الله بعثك إلى الرجال والنساء فآمنا بك واتبعناك، ونحن معاشر النساء مقصورات مخدرات قواعد بيوت، وموضع شهوات الرجال وحاملات أولادهم، وإن الرجال فضلوا (¬2) بالجمعات، وشهود الجنائز، والجهاد، وإذا خرجوا للجهاد حفظنا لهم أموالهم وربينا أولادهم أفنشاركهم في الأجر يا رسول الله؟ فالتفت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بوجهه إلى أصحابه وقال: "أسمعتم مقالة امرأة أحسن سؤالًا عن دينها من هذِه؟ " فقالوا: بلى. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "انصرفي يا أسماء وأعلمي (¬3) من وراءك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها وطلبها لمرضاته واتباعها لموافقته تعدل كل ما ذكرت للرجال" فانصرفت أسماء وهي تهلل وتكبر استبشارًا (¬4). (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: اسم الله الأعظم في هاتين ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) سقط من (ر). (¬3) في (م): واعملوا. (¬4) رواه البيهقي في "الشعب" (8743).

الآيتين) (¬1) [أربع كلمات رحمن رحيم حي قيوم] (¬2) وروى الحاكم في "المستدرك" عن أبي أمامة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "اسم الله الأعظم في ثلاث سور في القرآن في سورة البقرة وآل عمران وطه". قال أبو القاسم: فالتمستها فإذا هي: الحي القيوم" (¬3). ({وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}) كان للمشركين ثلاثمائة وستون صنمًا فبين الله تعالى في هذِه الآية [أنه إله واحد] (¬4) أي: معبود واحد (¬5) ({لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}) (¬6) نفي وإثبات. قال القرطبي: أولها كفر وآخرها إيمان، فلهذا كان الشبلي يقول (¬7): الله ولا يقول لا إله (¬8)، فسئل عن ذلك فقال: أخشى أن أموت في كلمة الجحود، ولا أصل إلى كلمة الإقرار، ثم قال: وهذا (¬9) من علومهم الدقيقة التي ليس (¬10) لها حقيقة؛ فإن الله تعالى ذكر هذا في كتابه نفيًا وإثباتًا، وكرره، ووعد بالثواب الجزيل لقائله على لسان نبيه في ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) من (ر). (¬3) "المستدرك" 1/ 505. (¬4) من (ر). (¬5) سقط من (ر). (¬6) البقرة: 163. (¬7) من (ر). (¬8) زاد في (م): إلا الله. (¬9) في (م): هو. (¬10) من (ر).

الصحيحين و"الموطأ" فقال: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة" (¬1) والمقصود القلب لا اللسان، فلو قال: لا إله. ومات ومعتقده وضميره الوحدانية كان من أهل الجنة باتفاق أهل السنة (¬2). وإنما عظمت؛ لأنها توحيد (¬3) كلها، كما صارت "أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي (¬4) لا إله إلا الله" (¬5)؛ لأنها [حوت جملة] (¬6) علوم التوحيد. (وفاتحة سورة آل عمران) سميت فاتحتها لأن آل عمران تفتتح قراءتها بها ({الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}) فهي أيضًا توحيد وجمعت علوم التوحيد. وروى أبو [عمرو الداني] (¬7) في كتاب "البيان" عن علي - رضي الله عنه -: فاتحة الكتاب، وآية الكرسي و {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} (¬8) و {قُلِ اللَّهُمَّ ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (3116)، وأحمد 5/ 247، والطبراني في "الكبير" 20/ 112 (221). والحاكم في "المستدرك" 1/ 500 من حديث معاذ. قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وليس الحديث في الصحيحين ولا "الموطأ" كما ذكره القرطبي. (¬2) "الجامع لأحكام القرآن" 2/ 191. (¬3) في (ر): صارت. (¬4) زاد في (م): قول. (¬5) أخرجه مالك في "الموطأ" (500)، وعبد الرزاق (8125) من طريق مالك به. (¬6) في (ر): جمعت جميع. والبيهقي في "السنن الكبرى" 4/ 284. (¬7) في (م): عمر الداراني. (¬8) آل عمران: 18.

مَالِكَ الْمُلْكِ} (¬1) هذِه (¬2) الآيات معلقات بالعرش ليس بينهن وبين الله حجاب (¬3). وروى أبو يعلى بإسناد رجاله ثقات، عن السري (¬4) بن يحيى، عن رجل من طيء وأثنى عليه خيرًا (¬5)، قال: كنت [أسأل الله أن] (¬6) يريني الاسم الأعظم الذي إذا دعي به أجاب فرأيت مكتوبًا في الكواكب في السماء: يا (¬7) بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام (¬8). وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (¬9) "اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في هذِه الآية من آل عمران {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} " إلى آخر الآية (¬10). وفي سنده جسر (¬11) بن فرقد. [1497] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا حفص بن غياث، عن ¬

_ (¬1) آل عمران: 26. (¬2) سقط من (ر). (¬3) "البيان في عد آي القرآن" (ص 27، 28). والحديث أخرجه ابن الجوزي في "الموضوعات (480)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (125). (¬4) بياض في (ر). وغير مقروءة في (م)، والمثبت من "مسند أبي يعلى". (¬5) سقط من (ر). (¬6) في (م): أسأله بأن. والمثبت من "مسند أبي يعلى". (¬7) من (ر)، و"مسند أبي يعلى". (¬8) "مسند أبي يعلى" (7206). (¬9) زاد هنا في (م): ما. (¬10) أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (12792). (¬11) في الأصول الخطية: حسن. والمثبت من "المعجم الكبير". وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 10/ 241: فيه جسر بن فرقد وهو ضعيف.

الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت) حبيب (¬1) بن قيس (¬2) بن دينار، قاله أبو داود [في سؤالات الآجري] (¬3)، الأسدي كان ثقة مجتهدًا فقيهًا (¬4) (عن عطاء) [بن أبي رباح] (¬5). (عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سُرقت) بضم السين مبني للمجهول. (ملحفة) بكسر الميم (¬6) وهي الملاءة التي تلتحف بها المرأة (لها (¬7) فجعلت عائشة تدعو على من سرقها، فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لا تسبخي) بفتح السين المهملة وتشديد الباء الموحدة المكسورة (¬8) ثم خاء معجمة (عنه) "بدعائك عليه". كذا في رواية لغيره (¬9). (قال المصنف) معنى (لا تسبخي لا تخففي) عنه الإثم الذي استحقه بالسرقة بدعائك عليه، [وفي حديث] (¬10): أنهلنا (¬11) نسبخ عنا الحر، أي: نخفف. [1498] (حدثنا [سليمان بن حرب، ثنا شعبة، عن] (¬12) عاصم بن ¬

_ (¬1) في (ر): جبير. (¬2) في الأصول الخطية: حسن. والمثبت من "تهذيب الكمال" 5/ 358. (¬3) في (م): سؤالان الآخر. ولم أقف على كلامه في "سؤالات الآجري". (¬4) "الكاشف" (912). (¬5) من (ر). (¬6) في (م): السين. (¬7) و (¬8) سقط من (ر). (¬9) رواه البغوي في "شرح البغوي" 5/ 154. (¬10) سقط من (ر). (¬11) في (ر): أمهلنا. (¬12) سقط من (ر).

عبيد الله) بالتصغير بن عاصم بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي المدني. قال أحمد بن عبد الله العجلي: لا بأس به (¬1)، روى له البخاري في كتاب "أفعال العباد" والنسائي في "اليوم والليلة" والباقون سوى مسلم. (عن (¬2) سالم بن عبد الله) بن عمر [بن الخطاب] (¬3). (عن أبيه) عبد الله بن عمر (عن عمر) بن الخطاب (- رضي الله عنه - قال: استأذنت النبي - صلى الله عليه وسلم - في العمرة) فيه أن (¬4) التلميذ إذا كان مع أستاذه، أو الجندي إذا (¬5) كان مع الأمير في أمر جامع يجمعهم [على طاعة الله] (¬6) من حج أو جهاد أو غيرها من الأمور التي يجتمعون عليها على طاعة الله تعالى، وأراد أن يذهب لحاجة من حوائجه أن يستأذنه في الذهاب إلى تلك الحاجة ليكون ذلك على ذهنه إذا افتقده كما قال تعالى: {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} (¬7) كما استأذن عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين أراد أن يذهب إلى العمرة. (فأذن لي) في ذلك، ودعا لي بالمغفرة كما في الآية، وروى الثعلبي عن (¬8) أبي حمزة [بالحاء المهملة] (¬9) الثمالي (¬10) واسمه ثابت، [بن أبي ¬

_ (¬1) "تاريخ الثقات" (740). (¬2) سقط من (ر). (¬3) و (¬4) من (ر). (¬5) سقط من (ر). (¬6) من (ر). (¬7) النور: 62. (¬8) زاد في (م): ابن. وهي زيادة مقحمة. (¬9) من (ر). (¬10) في الأصول الخطية: اليماني. والمثبت من "تفسير الثعلبي"، و"تهذيب الكمال" 4/ 357.

صفية (¬1)] (¬2): كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا صعد المنبر يوم الجمعة وأراد الرجل أن يقضي الحاجة لم يخرج من المسجد حتى يقوم بحيال (¬3) رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث يراه فيعرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه إنما قام ليستأذن فيأذن لمن شاء منهم (¬4). (وقال: لا تنسنا يا أخيَّ) بفتح الياء المشددة وكسرها قراءتان في السبع (من دعائك) فيه [دليل على] (¬5) استحباب طلب المقيم من المسافر ووصيته له بالدعاء له (¬6) في مواطن الخير، ولو كان المقيم أفضل من المسافر، وإن كان يعرف أنه يدعو له فلا بأس أن يذكره بالدعاء له (¬7) لا سيما إن كان سفره عبادة كحج أو عمرة أو غزوٍ، فتتأكد الوصية، وكذا يستحب لمن [أحرم بالحج] (¬8) وانقطع عنه أن يذهب إلى من يريد الحج وشرع فيه ويطلب منه الدعاء. قال البزار: روي عن أبي هريرة مرفوعًا: "يغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج" (¬9). ¬

_ (¬1) في (ر): سفينة. وفي (م): معن. والمثبت من "تفسير الثعلبي"، و"تهذيب الكمال" 4/ 357. (¬2) في (م): عن أبي معن. (¬3) سقط من (ر). (¬4) "الكشف والبيان" للثعلبي 7/ 121. (¬5) و (¬6) سقط من (ر). (¬7) سقط من (ر). (¬8) في (ر): حرم الحج. (¬9) لم أجده في "مسند البزار". وأخرجه ابن خزيمة (2516)، والبيهقي في "السنن الكبرى" 5/ 261، والحاكم في "المستدرك" 1/ 441 عن أبي هريرة بمعناه قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (12800) من حديث عمر بلفظه. بزيادة في آخره.

والعمرة في معناه؛ فإن الحديث فيها. (قال) عمر: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (كلمة) [فيه التجوز بتسمية الكلام الكثير كلمة كقوله تعالى: {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} (¬1) الآية] (¬2). (ما يسرني أن لي بها) فيه شاهد على أن الباء يستعمل بمعنى البدل أي ما يسرني أن لي بدلها ومنه قول الحماسي: فليت لي بهم قومًا إذا ركبوا ... شنوا (¬3) الإغارة فرسانًا وركبانًا وانتصاب الإغارة في البيت على المفعول لأجله (¬4). (الدنيا) وجميع ما فيها. (قال شعبة: ثم لقيت عاصمًا) يعني ابن عبد الله الراوي (بعد) بالضم لقطعه عن الإضافة، وتقديره بعد ذلك [(بالمدينة) فسألته عن الحديث (فحدثنيه فقال) في حديثه (أشركنا) بفتح الهمزة أي: اجعلنا شركاء معك] (¬5). (يا أخي في (¬6) دعائك) (¬7) فيه فضيلة الدعاء بظهر الغيب، وأنه يستحب للحاج إذا حضر في الأماكن التي يستجاب فيها الدعاء أن ¬

_ (¬1) آل عمران: 64. (¬2) في (ر): بالنصب. (¬3) في (ر): امسوا. (¬4) "مغني اللبيب" ص 141. (¬5) سقط من (ر). (¬6) في (ر): من صالح. (¬7) هذِه الزيادة أخرجها أحمد في "مسنده" 1/ 29. والبيهقي في "الكبرى" 5/ 251.

يتفقد أصحابه وإخوانه في الله تعالى بالدعاء لهم بأعيانهم، ومن سأل منه الدعاء ووعده فيسن (¬1) ويتأكد الدعاء له. [1499] (حدثنا زهير بن حرب، ثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير. (حدثنا الأعمش، عن أبي صالح) ذكوان السمان. (عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: مر علي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أدعو بأصبعي) بتشديد ياء التثنية. (فقال: أحد أحد) بفتح الهمزة وتشديد الحاء المهملة فيهما، أي: اقتصر على الأصبع الواحد من اليد اليمنى [وأشر بها؛ لأن الذي يدعوه واحد وهو الله تعالى] (¬2) ليجمع الداعي بين القلب والأصبع الواحد في التوحيد (وأشار بالسبابة) من يده اليمنى، وهي التي تلي الإبهام، سميت سبابة (¬3) لأنها كانت (¬4) يشار بها عند السب والشتم. فيه دليل على تعليم من تراه يتقرب إلى الله تعالى بما ليس هو مشروع وإن لم يسأل. ¬

_ (¬1) في (ر): فيتعين. (¬2) من (ر). (¬3) بياض في (ر). (¬4) من (ر).

24 - باب التسبيح بالحصى

24 - باب التَّسْبِيحِ بِالحَصَى 1500 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي هِلالٍ حَدَّثَهُ، عَنْ خُزَيْمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ عَنْ أَبِيها أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى امْرَأَةٍ وَبَيْنَ يَدَيْها نَوى أَوْ حَصًى تُسَبِّحُ بِهِ فَقَالَ: "أُخْبِرُكِ بِما هُوَ أَيْسَرُ عَلَيْكِ مِنْ هذا أَوْ أَفْضَلُ". فَقَالَ: "سُبْحانَ اللهِ عَدَدَ ما خَلَقَ فِي السَّماءِ وَسُبْحانَ اللهِ عَدَدَ ما خَلَقَ فِي الأَرْضِ وَسُبْحانَ اللهِ عَدَدَ ما خَلَقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَسُبْحانَ اللهِ عَدَدَ ما هُوَ خالِقٌ والله أَكْبَرُ مِثْلُ ذَلِكَ والحَمْدُ لله مِثْلُ ذَلِكَ. وَلا إله إلَّا اللهُ مِثْلُ ذَلِكَ. وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلَّا باللهِ مِثْلُ ذَلِكَ" (¬1). 1501 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ هانِئِ بْنِ عُثْمانَ، عَنْ حُمَيْضَةَ بِنْتِ ياسِرٍ، عَنْ يُسَيْرَةَ أَخْبَرَتْها أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَهُنَّ أَنْ يُراعِينَ بِالتَّكْبِيرِ والتَّقْدِيسِ والتَّهْلِيلِ وَأَنْ يَعْقِدْنَ بِالأَنَامِلِ فَإِنَّهُنَّ مَسْئُولاتٌ مُسْتَنْطَقاتٌ (¬2). 1502 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ قُدامَةَ - فِي آخَرِينَ - قَالُوا: حَدَّثَنا عَثّامٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قال: رأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعْقِدُ التَّسْبِيحَ قَالَ ابن قُدامَةَ - بِيَمِينِهِ (¬3). 1503 - حَدَّثَنا دَاوُدُ بْن أُمَيَّةَ، حَدَّثَنا سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - منْ عِنْدِ جُوَيْرِيَةَ - وَكَانَ اسْمُها بَرَّةَ فَحَوَّلَ اسْمَها - فَخَرَجَ وَهِيَ فِي مُصَلَّاها وَرَجَعَ وَهِيَ فِي ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3568)، والبزار 4/ 39 (1201)، وأبو يعلى 2/ 66 (710)، وابن حبان (837). وضعفه الألباني في "المشكاة" (2311). (¬2) رواه الترمذي (3583)، وأحمد 6/ 370، وعبد بن حميد (1570)، وابن حبان (842). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1345). (¬3) رواه الترمذي (3411)، والنسائي 3/ 79، وابن ماجه (926)، وأحمد 2/ 160. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1346).

مُصَلَّاها فَقَالَ: "لَمْ تَزالِي فِي مُصَلَّاكِ هذا". قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: "قَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِماتٍ ثَلاثَ مَرّاتٍ لَوْ وُزِنَتْ بِما قُلْتِ لَوَزَنَتْهُنَّ سُبْحانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدادَ كَلِماتِهِ" (¬1). 1504 - حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنا الأَوْزاعِيُّ حَدَّثَنِي حَسَّانُ بْنُ عَطَيَّةَ قال: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عائِشَةَ قال: حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: يا رَسُولَ اللهِ ذَهَبَ أَصْحابُ الدُّثُورِ بِالأُجُورِ يُصَلُّونَ كَما نُصَلِّي وَيَصُومُونَ كَما نَصُومُ وَلَهُمْ فُضُولُ أَمْوالٍ يَتَصَدَّقُونَ بِها وَلَيْسَ لَنا مالٌ نَتَصَدَّقُ بِهِ. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا أَبا ذَرٍّ أَلا أُعَلِّمُكَ كَلِماتٍ تُدْرِكُ بِهِنَّ مَنْ سَبَقَكَ وَلا يَلْحَقُكَ مَنْ خَلْفَكَ إلَّا مَنْ أَخَذَ بِمِثْلِ عَمَلِكَ". قَالَ: بَلَى يا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "تُكَبِّرُ اللهَ - عز وجل - دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ وَتَحْمَدُهُ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ وَتُسَبِّحُهُ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ وَتَخْتِمُها بِلا إله إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيء قَدِيرٌ غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ" (¬2). * * * باب التسبيح بالحصى [1500] (حدثنا أحمد بن صالح) المصري (حدثنا عبد الله بن وهب) قال (أخبرني عمرو) بن الحارث (أن سعيد بن أبي هلال) مرزوق الليثي مولاهم المدني ثم المصري (حدثه عن خزيمة) [بن ربيعة] (¬3)، [وخزيمة هذا لم ينسبه البخاري، وأكثر من روايته عن عائشة بنت ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2726). (¬2) رواه البخاري (843)، ومسلم (595) دون ذكر أبي ذر. (¬3) كذا في (ر)، ولعله ضرب عليها في (م). ولم أجد أحدًا من أصحاب الكتب نسب خزيمة هذا، فهو مجهول.

سعد (¬1)، ورواية سعيد بن أبي هلال، ولم يرد] (¬2). (عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص، عن أبيها) سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - (أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على (¬3) امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح به) وروى الحاكم أيضًا عن صفية: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل عليها وبين يديها أربعة آلاف نواة تسبح بهن فقال: "ألا أعلمك أكثر مما سبحت به؟ " فقالت: بلى علمني. فقال: "قولي سبحان الله عدد خلقه". وقال الحاكم: "قولي سبحان الله عدد ما خلق من شيء" (¬4). فيه فضيلة التسبيح بالحصى والنوى ونحو ذلك، ولعل السبحة التي تنظم في الخيط لم تكن عرفت حينئذٍ ثم حدث استعمالها وهو أنظف من الحصاة وأسرع للتسبيح، وقد استعملها المتقدمون من السلف الصالح، لكن لا أدري هل وجدت في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم لا. (فقال: أخبرك) بضم الهمزة (بما هو أيسر عليك من هذا) النوى والحصى (أو أفضل) [لك من هذا] (¬5). (فقال) لها قولي: (سبحان الله عدد ما خلق في السماء) خلق، أي: اخترع وأوجد بعد العدم من جميع ما في السماوات (¬6) السبع من ¬

_ (¬1) سقط من (م). وفي (ر): سعيد. والمثبت من "تهذيب الكمال" 8/ 245. (¬2) من (ر). (¬3) في (ر): بيت. (¬4) "المستدرك" 1/ 547 قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (¬5) من (ر). (¬6) زاد في (ر): والأرض.

ملائكة وبحار وجبال وبرد وكواكب وأفلاك مما لا يعلم ذلك إلا الله - سبحانه وتعالى - (سبحان الله عدد ما خلق في الأرض) من ملائكة وإنس وجن وطير ووحش وهوام وغير ذلك (سبحان الله عدد ما بين ذلك) أي: بين السماء والأرض، وإفراد الضمير أن المراد عدد ما بين الخلقين كما قال تعالى: {لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ} (¬1) أي: له (¬2) ما خلق في الوقت الذي قبلنا وما يخلق بعدنا وما في الوقت الذي نحن فيه. (سبحان الله عدد ما هو خالق) إلى يوم القيامة (والله أكبر) عدد (مثل ذلك) جميعه (والحمد لله مثل) عدد (ذلك، ولا إله إلا الله) عدد (مثل ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله) عدد (مثل ذلك) وروى الإمام أحمد وابن أبي الدنيا واللفظ له عن أبي أمامة قال: رآني النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أحرك شفتي فقال: "بأي شيء تحرك شفتيك؟ " فقلت: أذكر الله. فقال لي (¬3): "ألا أخبرك بأكثر وأفضل من ذكرك بالليل والنهار؟ " قلت: بلى يا رسول الله. قال: "تقول سبحان الله عدد ما خلق الله (¬4)، سبحان الله ملء ما خلق الله (¬5)، سبحان الله عدد ما في الأرض والسماء، سبحان الله ملء ما في الأرض والسماء، سبحان الله عدد ما أحصى كتابه [سبحان الله ملء ما أحصى كتابه] (¬6)، سبحان الله عدد كل شيء، ¬

_ (¬1) مريم: 64. (¬2) سقط من (ر). (¬3) سقط من (ر). (¬4) من (ر). (¬5) من (ر). (¬6) من (ر)، ومصادر التخريج.

سبحان الله ملء كل شيء، الحمد لله عدد (¬1) ما خلق، والحمد لله ملء ما خلق، [الحمد لله] (¬2) عدد ما في الأرض والسماء، الحمد لله ملء (¬3) ما في الأرض والسماء، الحمد لله عدد ما أحصى كتابه، الحمد لله ملء ما أحصى كتابه، الحمد لله عدد كل شيء. [الحمد لله ملء كل شيء] (¬4) " (¬5). وانظر واعتبر إلى كثرة أفراد وأعداد ما ذكر في هذِه المطالب الأربعة مما لا يتناهى مقداره؛ لأن السماوات السبع (¬6) والأرضين السبع هما أعظم المخلوقات الظاهرة لنا، وإذا حمدنا (¬7) بما فيهما وما بينهما من المخلوقات الموجودة، وما يخلق بعد ذلك إلى يوم القيامة من جميع ذلك فيه دلالة على أن الكلمات الجوامع من التسبيحات والتهليلات مع قلة ألفاظها تفضل على تسبيحات وتهليلات [يتعدد لفظها بأضعاف أضعاف أضعاف ذلك، وهذا] (¬8) من خصائص الفضائل التي تفضل الله تعالى بها كرمًا وجودًا. ¬

_ (¬1) في (م): على. (¬2) من (ر). (¬3) في (م): مثل. (¬4) من (ر). (¬5) أخرجه النسائي في "الكبرى" (9921)، وأحمد 5/ 249 مختصرًا، والبيهقي في "الدعوات الكبير" (151) بلفظه وزيادة. والحديث صححه ابن خزيمة (754)، وابن حبان (830)، وقال الحاكم 1/ 513: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. (¬6) سقط من (ر). (¬7) في (ر): أخذنا. (¬8) من (ر).

[1501] (حدثنا مسدد، [ثنا عبد الله بن داود) الواسطي التمار] (¬1). قال ابن عدي: لا بأس به (¬2) (¬3)، وقال محمد بن المثنى: كان صاحب سنة (¬4). (عن [هانئ) بهمز] (¬5) آخره (بن عثمان) الجهني ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬6) (عن) أمه (حميضة) بضم الحاء المهملة وفتح الميم وبعد ياء التصغير [صاد مهملة] (¬7) (بنت ياسر) بالياء المثناة تحت قبل الألف. (عن) جدتها (يسيرة) بضم المثناة تحت مصغر أم ياسر، وقيل بنت ياسر أيضًا، أم حميضة، قال الترمذي: كانت من المهاجرات (¬8) الأنصارية، بايعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم. (أخبرتها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرهن) ولفظ الترمذي: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس" (¬9) (أن يراعين) أي يحفظن أنفسهن (بالتكبير ¬

_ (¬1) هكذا في (م)، وفي (ر): (بن عبد الله بل هو عبد الله وداود الخريبي التمار)، والصواب أنه عبد الله بن داود بن عامر الخريبي، وكلام ابن عدي وابن المثنى الآتي هو التمار الواسطي. (¬2) "الكامل" لابن عدي 5/ 401. (¬3) زاد في (ر): قال البزار. (¬4) "الكامل" لابن عدي 5/ 399. (¬5) في (م): هاد بضم. (¬6) "الثقات" 7/ 583. (¬7) كذا في الأصول الخطية. وهو خطأ، وهي حميضة بالضاد المعجمة بنت ياسر. وانظر "الإكمال" 2/ 537. و"تهذيب الكمال" 35/ 160. (¬8) و (¬9) "جامع الترمذي" (3583).

والتقديس) هو التعظيم والتمجيد (¬1) وإظهار ذكر الله تعالى وتطهير ذكر الله تعالى عما لا يليق به مما نسبه إليه الملحدون، ولعل المراد به هنا التسبيح كما هو في رواية الترمذي، وإن كان قد ذكر التقديس بعده، وقال بعضهم: التقديس الصلاة. قال القرطبي: وهو معنى صحيح فإن الصلاة تشتمل على التعظيم والتقديس والتسبيح (¬2). (والتهليل، وأن يعقدن بالأنامل) أي: يقبضنها ويبسطنها للعدد بها ليضبطن (¬3) بها ما يسبحن به من العدد ويمسكنه، ومنه العقدة على ما تريد إمساكه (¬4) وتوقيفه (¬5)، ومنه قيل: عقد البيع وعقد اليمين (¬6) ومراعاة التكبير والتقديس والتهليل صالح للرجال والنساء، وفيه فضيلة للجميع (¬7)، لكن النساء [أكثر احتياجًا] (¬8) لذلك؛ فإن الرجال كثير منهم يقرؤون القرآن ويتعبدون بتلاوته بخلاف النساء فإن النادر منهن من تقرأ، ولأن النساء ناقصات عقل ودين، فاحتجن إلى كثرة التسبيح والعقد بالأصابع (فإنهن) فإن (¬9) الأنامل (مسؤولات) يوم القيامة ¬

_ (¬1) في (ر): التقديس. (¬2) "الجامع لأحكام القرآن" 1/ 277. (¬3) في (ر): يبسطن. (¬4) في (ر): مسكه. (¬5) في (ر): بوتيه. (¬6) في (م): الثمن. والمثبت من (ر). (¬7) في (ر): الجمع. (¬8) في (م): أكبر احتياطًا. والمثبت من (ر). (¬9) سقط من (ر).

(مستنطقات) بفتح التاء والطاء، أي: مطلوب منهن النطق بما عمل بهن صاحبهن من طاعة أو معصية، وذلك أنهم يتكلمون بألسنتهم كما كانوا يتكلمون في الدنيا حتى يختصمون عند ربهم ثم يجحدون ويختم على ألسنتهم فيتكلموا (¬1) وتسأل الأيدي والأرجل والألسنة والسمع والبصر والقلب فتنطق وتشهد بجميع ما عملت من خير أو شر تبكيتًا لصاحبها وإلزامه للحجة عليه، وإظهار [حرمة المنعقد] (¬2) بهن على غيره في ذلك المشهد العظيم ويقال له: سمعت ما لا يحل لك [ونطقت بما لا يحل، وعزمت على فعل ما لا يحل، وعملت بيدك وأصابعك ورجلك، وتكلمت بلسانك بما لا يحل لك] (¬3). [1502] (حدثنا عبيد الله) بالتصغير (ابن عمر (¬4) بن ميسرة) القواريري (¬5) شيخ الشيخين، سمع مائة ألف حديث (ومحمد بن قدامة) ابن أعين (¬6) المصيصي مولى بني هاشم (في) جماعة (آخرين قالوا: حدثنا عثام) بفتح العين المهملة وتشديد الثاء المثلثة (¬7) ابن علي العامري ثقة من أقران وكيع (¬8). ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) في (ر): من به المعقد. (¬3) من (ر). (¬4) في (ر) عمرو. (¬5) غير واضحة في (م). (¬6) في (ر): أعبد. (¬7) زاد في (م): المشددة. وهي زيادة مقحمة. (¬8) "توضيح المشتبه" 6/ 185.

(عن) سليمان (الأعمش، عن عطاء بن السائب، عن أبيه) السائب بن مالك ويقال: ابن زيد ثقة (¬1). (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص - رضي الله عنه - (قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعقد التسبيح) والتكبير والتهليل وغير ذلك من الأذكار مما هو في معناه (قال) محمد (ابن قدامة) في روايته: يعقد التسبيح (بيمينه) أي: بأصابع يده (¬2) اليمنى. [أخرجه الترمذي والنسائي، قال الترمذي: حديث حسن] (¬3). يعني: بالأنامل منها (¬4) وهي رؤوس العقد من الأصابع، وفيه أن السنة في الذكر عقيب الصلاة وهو التسبيح ثلاثًا وثلاثين والتحميد ثلاثًا وثلاثين والتكبير ثلاثا وثلاثين، ولمسلم: أربعة وثلاثين (¬5) أن يعقد العدد بأصابع يده اليمنى دون اليسرى، ويؤخذ منه أنه أفضل من عدد ذلك بالمسبحة؛ فإن اتباع (¬6) السنة أولى، وإن كانت السبحة في معنى ذلك. [1503] (حدثنا داود بن أمية) الأزدي (حدثنا سفيان بن عيينة، عن محمد بن عبد الرحمن) بن عبيد (¬7) التيمي (مولى آل (¬8) طلحة) من ¬

_ (¬1) "تقريب التهذيب" (2214). (¬2) و (¬3) من (ر). (¬4) سقط من (ر). (¬5) "صحيح مسلم" (596) (144). (¬6) من (ر). (¬7) في الأصول الخطية: عبد. والمثبت من "تهذيب الكمال" 25/ 614، و"ميزان الاعتدال" 3/ 620. (¬8) من (ر).

الكوفة، أخرج له مسلم (عن كريب، عن ابن عباس) رضي الله عنهما. (قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عند جويرية) بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، سباها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم المريسيع، وهي غزوة بني المصطلق سنة خمس، ولم يختلفوا أنه أصابها ليلة الغزو، وكانت وقعت في سهم ثابت بن قيس فكاتبته على نفسها، جاءت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تستعينه على كتابتها فقال لها: "هل لك خير من ذلك؟ " قالت: وما هو؟ قال: "أقضي كتابتك وأتزوجك (¬1) ". قالت: نعم. (وكان اسمها برة فحول) أي: غير (اسمها) وسماها جويرية. (فخرج) إلى الصلاة (وهي في مصلاها) فصلى (ورجع وهي في مصلاها) [رواية مسلم: فخرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها، فرجع بعد أن أضحى (¬2)] (¬3). فيه حجة للقول القديم أنه يصح اعتكاف المرأة في مسجد بيتها، وهو المكان المهيأ لصلاتها، قال في القديم: أكره للمرأة أن تعتكف في غير مسجد بيتها (¬4). قال ابن الرفعة: وعلى القديم فمسجد بيتها أفضل للستر. (فقال: لم تزالي في مصلاك هذا) على الحال التي فارقتك عليها؟ ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) "صحيح مسلم" (2726) (79). (¬3) من (ر). (¬4) "المجموع" 6/ 480.

(قالت: نعم. قال: قد قلت بعدك أربع (¬1) كلمات [ثلاث مرات] (¬2) لو وزنت بما قلت) رواية مسلم: "منذ اليوم" (¬3) (لوزنتهن) بفتح الزاي، أي: لرجحت عليهن في الثواب. قال القرطبي: فيه دليل على أن الدعوات والأذكار الجوامع يحصل عليهن من الثواب أضعاف ما يحصل على ما ليست كذلك، ولذلك (¬4) كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحب الدعوات الجوامع ويحث عليها. (سبحان الله وبحمده) هذا الكلام على اختصاره جملتان: أحدهما: جملة سبحان الله؛ فإنها واقعة موقع المصدر، والمصدر يدل على صدره تقديره: سبحت الله سبحانًا وأسبحه (¬5)، أو سبحنا الله التسبيح الكثير، أو التسبيح (¬6) كله على قول من قال: [سبحان الله اسم] (¬7) علم للتسبيح. وقوله: "وبحمده" متعلق بمحذوف، تقديره: وأثني عليه بحمده، أي: بذكر صفات كماله وجلاله، فهذِه ثانية غير (¬8) الجملة الأولى (¬9). ¬

_ (¬1) من (ر)، و"سنن أبي داود". (¬2) من (ر)، و"سنن أبي داود". (¬3) (2726). (¬4) من (ر)، و"المفهم". (¬5) سقط من (ر). (¬6) في (م): التسبيح المكثر والتسبيح الكثير. (¬7) في (ر): سبحت الله. (¬8) في (م): على. (¬9) "المفهم" للقرطبي 7/ 52 - 53.

(عدد خلقه) المراد به المبالغة في الكثرة؛ لأنه ذكر ما لا يحصره العدد الكثير من مخلوقات الله تعالى في السماوات والأرضين السبع وما بينهما (ورضا نفسه) يعني: أن رضاه عمن رضي عنهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين لا ينقطع ولا ينقص (وزنة عرشه) أي: زنة ما لا يعلم مقدار وزنه إلا الله تعالى (ومداد) بكسر الميم (كلماته) قيل: مثل عددها، وقيل: قدر ما يوازن [أي: يوازن كلمات في العدد والكثرة، والمداد بمعنى المدد، قال الشاعر: رأوا بارقات بالأكف كأنها ... مصابيح سرج أوقدت بمداد (¬1) مداد] (¬2) الكلمات، وقيل: مثلها في أنها لا تنعقد (¬3)، وهذا التمثيل يراد به التقريب (¬4)؛ لأن كلمات الله المراد به كلامه القديم المنزه عن الحروف والأصوات والانقطاع والتغيرات كما قال تعالى {لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} (¬5) وكلمات الله لا تدخل في الكيل، وإنما تدخل في العدد، والمداد مصدر [بمعنى المدد] (¬6) كالحداد، وفي رواية مسلم: مر بها حين صلى الغداة، أو بعدما صلى. فذكر نحوه غير أنه قال: "سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله ¬

_ (¬1) انظر: "غريب الحديث" للخطابي 1/ 210. (¬2) في (م): عدد. (¬3) في (ر): تبعد. (¬4) في (ر): التقرب، وفي (م): التكثير المعرب، والمثبت هو الملائم للسياق. (¬5) الكهف: 109. (¬6) في (م): يعني للمداد.

رضا نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله مداد كلماته" (¬1). [1504] (حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم) بن (¬2) عمرو بن ميمون، مولى آل عثمان قاضي الأردن وفلسطين (¬3) شيخ البخاري. (حدثنا الوليد بن مسلم، ثنا الأوزاعي، حدثنا حسان بن عطية) المحاربي. (حدثنا محمد بن [أبي عائشة]) (¬4) ويقال: محمد بن عبد الرحمن بن أبي عائشة المدني، أخرج له مسلم. (قال: حدثني أبو هريرة قال: قال أبو ذر) جندب - رضي الله عنه -: (يا رسول الله ذهب أصحاب الدثور) بضم الدال جمع دثر بفتح الدال وسكون المثلثة، وهو المال الكثير، كفلس وفلوس، وهذا يرد على الهروي في قوله: مال دثر [ومالان دثرا] (¬5) وأموال دثر، ولكن حكى المطرز أنه يثنى ويجمع، وقال ابن هشام: الدثر: الجبل بلغة الحبشة (¬6). قال ابن قرقول: ووقع في رواية المروزي: أهل الدور (¬7)، وهو تصحيف (¬8). وكذا وقع للخطابي: البدور بموحدة قبل الدال، ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2726). (¬2) في (ر): أبو. (¬3) سقط من (ر). (¬4) في (م): عائش. (¬5) في (م): ومالا دثرا. (¬6) في (م): لم يحبسه. (¬7) في (ر): البدور. (¬8) "مطالع الأنوار" 3/ 12.

والصواب الدثور. (بالأجور) وفي الصحيحين: بالدرجات العلى والنعيم المقيم (¬1)، وهذا من أبي ذر على وجه (¬2) وهي طلب مثل النعمة من غير أن تزول عنه ([يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم] (¬3) ولهم فضول أموال يتصدقون) يفضلون (¬4) (بها) علينا (وليس لنا مال نتصدق به. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) بلى (¬5) (يا أبا ذر ألا أعلمك كلمات تدرك بهن من سبقك، ولا يلحقك من خلفك) [بسكون اللام] (¬6) (إلا من أخذ بمثل عملك) يحتمل أن تكون السبقية والخلفية باعتبار المعنى ورجحه ابن دقيق العيد، ويحتمل أن يكون باعتبار الزمان، لكن من هذِه الأمة أما غيرها من الأمم المتقدمة ففضل هذِه الأمة ثابت عليها، وإن لم تذكر هذا الذكر. (قال: بلى يا رسول الله. قال: تكبر الله تعالى دبر كل صلاة) (¬7) أي: مكتوبة كما في حديث كعب بن عجرة مرفوعًا: "معقبات (¬8) لا يخيب ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (843)، و"صحيح مسلم" (595). (¬2) بياض في (ر) بقدر كلمة، وسقطت من (م). ولعلها: الغبطة. ويدل عليها التفسير بعدها و"سنن أبي داود". (¬3) سقط من (ر). (¬4) من (ر). (¬5) سقط من (ر). (¬6) من (ر). (¬7) زاد في (ر): تسبحه دبر كل صلاة ثلاثة وثلاثين. (¬8) سقط من (ر).

قائلهن (¬1) دبر كل صلاة مكتوبة (¬2) ثلاث وثلاثون تسبيحة، وثلاث وثلاثون تحميدة، وثلاث وثلاثون تكبيرة" (¬3)، ومن محاسن ما (¬4) يستنبط من هذا الحديث ما قاله الشيخ عز الدين في "القواعد": أن فيه ردًّا على من يقول أن العمل المتعدي أفضل من القاصر، وأطلق القول بذلك، ووجهه أنه - عليه السلام - قدم هذا الذكر على الصدقة بالأموال وجعل لهم المزية بقوله: "ولا يكون أحد أفضل منك إلا من أخذ بمثل عملك" (¬5)، يعني الذكر ([ثلاثًا وثلاثين]) (¬6) إذا كان المميز غير مذكور فيجوز في العدد التذكير والتأنيث (وتحمده) بفتح الميم. (ثلاثًا وثلاثين، وتسبحه ثلاثًا وثلاثين) وتقديم التكبير على التحميد والتسبيح خلاف ما في أكثر الروايات، وروايات (¬7) مسلم عن كعب [ابن عجرة] (¬8) "ثلاث وثلاثون تسبيحة وثلاثٌ وثلاثون تحميدة، وأربع وثلاثون تكبيرة" (¬9). [واعلم أنه] (¬10) قد جاء في رواية لمسلم: "تسبحون وتكبرون ¬

_ (¬1) بياض في (ر). (¬2) من (ر). (¬3) أخرجه مسلم (596) (144)، والترمذي (3412)، والنسائي في "المجتبى" 3/ 75. (¬4) من (ر). (¬5) "الأشباه والنظائر" 1/ 144. بمعناه. (¬6) سقط من (ر). (¬7) في (ر): رواية. (¬8) من (ر). (¬9) "صحيح مسلم" (596) (144، 145). (¬10) في (ر): أعم أنما.

وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين" (¬1) إحدى عشرة، إحدى عشرة، إحدى عشرة فذلك كله ثلاث وثلاثون، وفي رواية للبخاري في كتاب الأدعية: "تسبحون في دبر كل صلاة عشرًا وتحمدون عشرًا وتكبرون عشرًا" (¬2). فيحتمل أنه قاله صلى الله عليه وآله وسلم باعتبار أوقات فقال أولًا عشرًا عشرًا، ثم قال أحد عشرة أحد عشرة، ثم قال [ثلاثًا وثلاثين] (¬3) ثلاثًا وثلاثين على قاعدة الشريعة في التدريج (¬4) حذرًا من الابتداء بالأكثر لو [بدئ به يشق] (¬5) وحينئذٍ فالعمل على هذا؛ لأن فيه زيادة نعم في النسائي من حديث أبي هريرة: "من سبح دبر كل صلاة مكتوبة مائة تسبيحة وهلل مائة تهليلة (¬6) وكبر مائة تكبيرة (¬7) وحمد مائة غفرت ذنوبه وإن كانت أكثر من زبد البحر" (¬8). وهذِه الزيادة تدل على أن من زاد زاد (¬9) في حسناته وفي ذلك رد على القرافي (¬10) في "قواعده": إن من البدع (¬11) المكروهة الزيادة في المندوبات المحدودة شرعًا كما في التسبيح والتحميد والتكبير ثلاثًا وثلاثين عقب الفرائض ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (595) (142). (¬2) "صحيح البخاري" (6329). (¬3) سقط من (ر). (¬4) في (ر): الاستدراج. (¬5) في (م): أبداء به. والمثبت من (ر). (¬6) و (¬7) سقط من (ر). (¬8) "المجتبى" 3/ 79. (¬9) من (ر). (¬10) في (م): الفراء. والمثبت من (ر). (¬11) في (م): القواعد. والمثبت من (ر)، و"فتح الباري".

فيفعل أكثر من ذلك؛ لأن شأن العظماء إذا حدوا شيئًا أن يوقف عنده، ويعد الخارج عنه مسيئًا للأدب (¬1)، وقد يقول القرافي [إذا ثبتت] (¬2) المائة فلا يزد عليها (وتختمها) يعني: المائة (بلا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد) كله (¬3) (وهو على كل شيء قدير غفرت له ذنوبه) الصغائر وإن لم يكن له صغائر فيرجى من كرم الله أن يخفف من الكبائر (ولو كانت) ذنوبه (مثل (¬4) زبد البحر) وهو ما يجتمع على البحر كما تقدم. ¬

_ (¬1) "الفروق" للقرافي 4/ 204. (¬2) في (م): سبب. (¬3) سقط من (ر). (¬4) من (ر).

25 - باب ما يقول الرجل إذا سلم

25 - باب ما يَقُولُ الرَّجُلُ إِذَا سَلَّمَ 1505 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيةَ، عَنِ الأَعْمَشِ عَنِ المُسَيَّبِ بْنِ رافِعٍ، عَنْ وَرَّادٍ مَوْلَى المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ؛ كَتَبَ مُعاوِيَةُ إِلَى المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَيُّ شَيء كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ إِذَا سَلَّمَ مِنَ الصَّلاةِ؟ فَأَمْلاها المُغِيرَةُ عَلَيْهِ وَكَتَبَ إِلَى مُعاوِيَةَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لا إله إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كلِّ شَيء قَدِيرٌ اللَّهُمَّ لا مانِعَ لِما أَعْطَيْتَ وَلا مُعْطِيَ لِما مَنَعْتَ وَلا يَنْفَعُ ذا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ" (¬1). 1506 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنا ابن عُلَيَّةَ، عَنِ الحَجَّاجِ بْنِ أَبِي عُثْمانَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ عَلَى الِمنْبَرِ يَقُولُ كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذا انْصَرَفَ مِنَ الصَّلاةِ يَقُولُ: "لا إله إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ لا إله إلَّا اللهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الكافِرُونَ أَهْلُ النِّعْمَةِ والفَضْلِ والثَّناءِ الحَسَنِ لا إله إلَّا اللهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الكافِرُونَ" (¬2). 1507 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمانَ الأَنْبارِيُّ، حَدَّثَنا عَبْدَةُ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يُهَلِّلُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ فَذَكَرَ نَحْوَ هذا الدُّعاءِ زادَ فِيهِ: "وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلَّا باللهِ لا إله إلَّا اللهُ لا نَعْبُدُ إلَّا إِيّاهُ لَهُ النِّعْمَةُ". وَساقَ بَقِيَّةَ الحَدِيثِ (¬3). 1508 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَسُلَيْمانُ بْنُ دَاوُدَ العَتَكِيُّ - وهذا حَدِيثُ مُسَدَّدٍ - قالا: حَدَّثَنا المُعْتَمِرُ قَالَ: سَمِعْتُ دَاوُدَ الطُّفاوِيَّ، قال: حَدَّثَنِي أَبُو مُسْلِمٍ البَجَلِيُّ، عَنْ زَيْدِ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6330)، ومسلم (593). (¬2) رواه مسلم (594). (¬3) السابق.

ابْنِ أَرْقَمَ قَالَ: سَمِعْتُ نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ، وقَالَ سُلَيْمانُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ فِي دُبُرِ صَلاتِهِ: "اللَّهُمَّ رَبَّنا وَرَبَّ كُلِّ شَيء أَنا شَهِيدٌ أَنَّكَ أَنْتَ الرَّبُّ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنا وَرَبَّ كُلِّ شَيء أَنا شَهِيدٌ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ اللَّهُمَّ رَبَّنا وَرَبَّ كُلِّ شَيء أَنا شَهِيدٌ أَنَّ العِبادَ كُلَّهُمْ إِخْوَةٌ اللَّهُمَّ رَبَّنا وَرَبَّ كُلِّ شَيء اجْعَلْنِي مُخْلِصًا لَكَ وَأَهْلِي فِي كُلِّ ساعَةٍ فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ يا ذا الجَلالِ والإِكْرامِ اسْمَعْ واسْتَجِبِ اللهُ أَكْبَرُ الأَكْبَرُ اللَّهُمَّ نُورَ السَّمَواتِ والأَرْضِ". قَالَ سُلَيْمانُ بْنُ دَاوُدَ: "رَبَّ السَّمَواتِ والأَرْضِ"، "اللهُ أَكْبَرُ الأَكْبَرُ حَسْبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ اللهُ أَكْبَرُ الأَكْبَرُ" (¬1). 1509 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعاذِ قَالَ: حَدَّثَنا أَبِي، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَمِّهِ الماجِشُونَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رافِعٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالِبٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذا سَلَّمَ مِنَ الصَّلاةِ قَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ما قَدَّمْتُ وَما أَخَّرْتُ وَما أَسْرَرْتُ وَما أَعْلَنْتُ وَما أَسْرَفْتُ وَما أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ المُقَدِّمُ وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ لا إله إلَّا أَنْتَ" (¬2). 1510 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ الحارِثِ عَنْ طُلَيْقِ بْنِ قَيْسٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُو: "رَبِّ أَعِنِّي وَلا تُعِنْ عَلي وانْصُرْنِي وَلا تَنْصُرْ عَلي وامْكُرْ لِي وَلا تَمْكُرْ عَلي واهْدِنِي وَيَسِّرْ هُداي إِلَي وانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلي اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي لَكَ شاكِرًا لَكَ ذاكِرًا لَكَ راهِبًا لَكَ مِطْواعًا إِلَيْكَ مُخْبِتًا أَوْ مُنِيبًا رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي واغْسِلْ حَوْبَتِي وَأَجِبْ دَعْوَتِي وَثَبِّتْ حُجَّتِي واهْدِ قَلْبِي وَسَدِّدْ لِسانِي واسْلُلْ سخِيمَةَ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 369، النسائي في "الكبرى" (9929). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (266). (¬2) سبق برقم (760).

قَلْبِي" (¬1). 1511 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحيَى عَنْ سُفْيانَ قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مُرَّةَ بإِسْنادِهِ وَمَعْناهُ قَالَ: "وَيَسِّرِ الهُدى إِلَي". وَلَمْ يَقُلْ: "هُداي". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعَ سُفْيانُ مِنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالُوا: ثَمانِيَةَ عَشَرَ حَدِيثًا (¬2). 1512 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ عاصِمٍ الأَحْوَلِ وَخالِدٍ الحَذّاءِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الحارِثِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذا سَلَّمَ قَالَ: "اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلامُ وَمِنْكَ السَّلامُ تَبارَكْتَ يا ذا الجَلالِ والإِكْرامِ" (¬3). 1513 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنا عِيسَى عَنِ الأَوْزاعِيِّ عَنْ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا أَرادَ أَنْ يَنْصَرِفَ مِنْ صَلاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلاثَ مَرّاتٍ ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ". فَذَكَرَ مَعْنَى حَدِيثِ عائِشَةَ رضي الله عنها (¬4). * * * باب ما يقول الرجل إذا سلم بتشديد اللام يعني من صلاته. [1505] (حدثنا مسدد، حدثنا أبو معاوية) (¬5) محمد بن خازم الضرير. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3551)، ، وابن ماجه (3830)، وأحمد 1/ 227، والنسائي في "الكبرى" (10443). وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3485). (¬2) السابق. (¬3) رواه مسلم (592). (¬4) رواه مسلم (591). (¬5) في (ر): عوانة.

(عن الأعمش، عن المسيب بن رافع، عن وراد) (¬1) [أبي الورد] (¬2) الكوفي التابعي (مولى المغيرة بن شعبة) وكاتبه. (عن المغيرة بن شعبة) - رضي الله عنه - قال: (كتب معاوية) وهو بالشام [(إلى المغيرة بن شعبة)] (¬3) والمغيرة بالكوفة (أي) بالرفع (شيء كان يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سلم من الصلاة؟ ) يدل على أن معاوية قد سمع بعض هذا الحديث الذي كتب إلى المغيرة يسأله عنه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فذكر مالك في جامع ما جاء في العدد: أن معاوية كان يقول على المنبر: "أيها الناس إنه لا مانع لما أعطى الله، ولا معطي لما منع الله، ولا ينفع ذو الجد منه الجد، من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين". ثم قال: [سمعت هذِه] (¬4) الكلمة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على هذِه الأعواد (¬5) (¬6). إلا أنه ليس فيه أنه كان (¬7) يقوله عقب المكتوبات كما سيأتي. (فأملاها المغيرة) بن شعبة (عليه) أي: على وراد كاتب المغيرة (وكتب) بذلك (إلى معاوية) وكان المغيرة [حين كتب] (¬8) بالكوفة، ¬

_ (¬1) في (م): وارد. (¬2) سقط من (ر). (¬3) سقط من (ر). (¬4) في (ر): سمعته بهذِه. (¬5) في (م): الأعداد. (¬6) "موطأ مالك" 2/ 900 (8). (¬7) في (ر): سمعه. (¬8) في (ر): حبر.

ولاه عليها عمر بعد البصرة، فأقام بها إلى أن مات عمر، فأقره (¬1) عليها عثمان، ثم عزله إلى أن جاء معاوية فاستعمله عليها، واستمر إلى أن توفي سنة خمس أو إحدى وخمسين على الخلاف (¬2). (قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول) زاد البخاري: في دبر كل صلاة مكتوبة (¬3): (لا إله إلا الله) والمراد: بالدبر إذا سلم وانصرف من الصلاة، كما سيأتي في كلام المصنف (وحده لا شريك له) ذكره بعد استفادة الحصر من الذي قبله وهو: لا إله إلا الله. تأكيد مع ما فيه من تكثير حسنات الذاكر، وقال ابن العربي: هو إشارة إلى نفي الإعانة كما كانت العرب تقول: لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك. (له الملك) قال الأخفش: يقال: ملك (¬4) من الملك بضم الميم (وله الحمد وهو على كل شيء قدير) هذا معدود من العمومات التي لم يطرقها تخصيص، ونازع بعضهم في ذلك [من جهة] (¬5) تخصيصه بالمستحيل، ويكون (¬6) هذا مبني على أن لفظة شيء تطلق على المستحيل بل على المعدوم، وفيه خلاف مشهور، ومذهب أهل السنة المنع، واعلم أنه ¬

_ (¬1) في (ر): فأمره. (¬2) "أسد الغابة" 5/ 248. (¬3) "صحيح البخاري" (844). (¬4) في (م): لك. (¬5) في (م): جهر. (¬6) في (ر): لكن.

هنا رواه النسائي وزاد: ثلاث مرات (¬1). (اللهم لا مانع لما أعطيت) أي: أردت إعطاءه، وإلا فعند الإعطاء من كل أحد لا مانع له؛ إذ الواقع لا يرتفع (¬2) (ولا معطي لما منعت) لا يحتاج إلى هذا التأويل، قال ابن العربي في "الفتوحات المكية" (¬3): "لا مانع لما أعطيت" من الاستعداد لقبول تجليات مخصوصة، وعلوم مخصوصة، "ولا معطي لما منعت"، وإذا لم يعط استعدادًا عامًّا (¬4) فما ثم سيد غيرك يعطي ما لم تعطه أنت. واعلم أنه قد ورد عقيب (¬5) هذِه اللفظة: ولا راد لما قضيت، كما هي متكررة على الألسنة عقيب (¬6) الصلاة، وهي ثابتة في "مسند عبد بن حميد" عن عبد الرزاق عن معمر عن وراد (¬7). واعلم أن الرواية بفتح مانع ومعطي وراد من غير تنوين، وفيه إشكال من جهة العربية؛ فإن [اسم لا] (¬8) إذا كان شبيهًا بالمضاف ينون تنوينه فما ¬

_ (¬1) "المجتبى" 3/ 71. (¬2) في (م): لأنه يقع. (¬3) "الفتوحات المكية" لابن عربي الصوفي، كتاب مليء بالضلال والبدع كما هو معروف عند أهل العلم، وفيه الكثير من ترهات غلاة الصوفية والفلاسفة والمتكلمين. (¬4) من (ر). (¬5) في (ر): عقب. (¬6) في (ر): عقب. (¬7) "المنتخب" (391). (¬8) في (ر): لا.

وجه تركه، نعم حكى الفارسي لغة تأخر الشبه بالمضاف فجرى (¬1) مجرى الاسم المفرد فيكون مبنيًّا، وقد رد أبو (¬2) حيان (¬3) على الزمخشري (¬4) إجازته (¬5) {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ} (¬6) وفي: {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} (¬7) أن تكون {عَلَيْكُمُ} متعلق بـ {لَا تَثْرِيبَ} و {مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} متعلق بـ {لَا عَاصِمَ}؛ لأن هذا مطول، ويجاب (¬8) عليه بما ذكرناه في الحديث، على أن ابن [السكن جوز في المطول التنوين] (¬9) وتركه قال: وتركه أحسن، وروي في "أعطيت" أنطيت بالنون عوض عن (¬10) العين، وكذا "لا معطي" لا منطي وهو لغة بني سعد، وعليها قرئ: (إنا أنطيناك (¬11) الكوثر) (¬12). (ولا ينفع ذا الجد) بفتح الجيم وهو (¬13) المشهور الذي عليه ¬

_ (¬1) ليست في (ر). (¬2) في (م): ابن. (¬3) "البحر المحيط" 6/ 321. (¬4) "الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل" 2/ 502 - 503. (¬5) في (م): أحاديث. (¬6) يوسف: 92. (¬7) هود: 43. (¬8) في (م): كان. (¬9) في (ر): كيسان جوز في المطلق التثريب (¬10) ليست في (ر). (¬11) في (م): أعطيناك. (¬12) وهي قراءة الحسن وطلحة بن مصرف. انظر: "الكشف والبيان" للثعلبي 1/ 358، "تفسير القرطبي" 2/ 216. (¬13) في (ر): على.

الجمهور، ومعناه الحظ والغنى، ومعنى الحديث لا ينفع ذا الغنى والحظ في الدنيا من جاه ورياسة ومالٍ عند كشف الغطاء، بل ينفع العمل الصالح بتقدير الله تعالى وجعله، اللهم إلا أن يقال: لا ينفع حظ، لا صالح ولا غيره، بل (¬1) النافع في الحقيقة هو الله تعالى [ورواه بعضهم بكسر الجيم، وحمله على الحرص في أمور دنياه، فإن حظه لا ينفعه مما كتب - بكسر الميم - له من الرزق فيها، وأنكره أبو عبيد (¬2)] (¬3). (منك) من البدلية (¬4) وهو متعلق بـ (ينفع) ونظير من هنا قولهم: هذا من ذاك، أي: بدل ذاك، ومنه قوله تعالى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً} (¬5) أي: بدلكم، وقال الجوهري والأزهري: منك هنا بمعنى عندك (¬6). يعني: كقوله تعالى: {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} (¬7) [أي: عند الله شيئًا] (¬8). قال صاحب "الإقليد": يجوز أن يكون الجد الثاني فاعل (ينفع)، و (ذا الجد) مفعول (¬9)، أي: لا ينفع ذا الجد صاحبه، وأن يكون ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) "غريب الحديث" 1/ 257 - 258. (¬3) من (ر). (¬4) في (م): للبدلة. (¬5) الزخرف: 60. (¬6) "الصحاح" (جدد). (¬7) آل عمران: 10، 116. (¬8) ليست في (ر). (¬9) زاد في (ر): يكون.

هذا (¬1) الأخير مبتدأ خبره (منك الجد). [1506] (حدثنا محمد بن عيسى) بن نجيح بن الطباع، وروى عنه البخاري تعليقًا (ثنا) إسماعيل (ابن علية، عن (¬2) الحجاج بن أبي عثمان) الصواف (¬3) البصري. (عن أبي الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس المكي. (قال: سمعت عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - على المنبر) بكسر الميم (يقول) في خطبته (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا انصرف من الصلاة) المكتوبة (يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير [لا إله إلا الله] (¬4) مخلصين) حال، فإن قيل: كيف يكون حالًا والله مفرد، ومخلصين جمع؟ الجواب: يحتمل أن يكون فيه محذوف تقديره (¬5) لا إله إلا الله نعبده مخلصين، ومن حذف الفعل وما (¬6) اتصل به من مفعول أو فاعل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} (¬7) قالوا: تقديره: واعتقدوا الإيمان، أي: جعلوه ملجأ لهم في عبادتهم (له الدين) قال ابن عباس في قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (¬8) أي وما أمروا في التوراة والإنجيل إلا ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) في (م): بن. (¬3) في (م): العوام. (¬4) في (ر): قوله من الصلاة المكتوبة قوله. (¬5) في (م): مقدار. (¬6) في (م): ربما. (¬7) الحشر: 9. (¬8) البينة: 5.

بالإخلاص في العبادة لله تعالى وحده موحدين لا يعبدون معه غيره ولا يذكرون معه غيره (¬1) من أهل أو مال وغير ذلك من المخلوقات، بل يذكرون (¬2) الخالق دون كل مخلوق (ولو كره الكافرون) إفرادنا بالعبادة لك، وعادونا لذلك وأظهروا المعاداة (أهل) منصوب على حذف حرف الجر [إيذانًا بقرب] (¬3) المصلي من رحمة الله تعالى حين أثنى عليه (¬4) نفسه في الزيادة من الثناء والحمد والعبادات كلها [(النعمة) مفرد بمعنى الجمع، أي: النعم السوابغ التي لا تحصى بالعد] (¬5) (والفضل) الكامل (والثناء الحسن) أي: أهل الثناء الحسن الجميل التام بما هو لك و [منك ولك عواقب] (¬6) كل ثناء حسن في العالم كله [(لا إله إلا الله مخلصين له الدين] (¬7) ولو كره الكافرون) ذلك منا. [1507] (حدثنا محمد بن سليمان الأنباري) بتقديم النون على الباء (¬8) الموحدة أبو هارون، وثقه الخطيب (¬9). (حدثنا عبدة) (¬10) [بفتح المهملة وإسكان الموحدة، وهو ابن سليمان ¬

_ (¬1) "تفسير البغوي" 8/ 496. (¬2) في (ر): يخلصون. (¬3) في (ر): ابدا لقرب. (¬4) زاد في (ر): ووحده وانفى المنادي لبقاء. وضرب عليها في (م). (¬5) من (ر). (¬6) تحرفت في (م). (¬7) سقط من (ر). (¬8) من (ر). (¬9) "تاريخ بغداد" ترجمة 2796. (¬10) في (م): عبيدة.

الكلابي، كان اسمه عبد الرحمن، وغلب عليه لقبه] (¬1) (عن هشام بن عروة) بن الزبير، (عن أبي الزبير) محمد بن مسلم [بن تدرس] (¬2) المكي. [(قال: كان عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - يهلل في] (¬3) دبر) بضم الدال والباء، ويجوز تخفيف الباء بالسكون كعنق وعتق، قال ابن الأعرابي: [دبر الشيء] (¬4) آخر أوقاته (¬5) (كل صلاة) مكتوبة. (فذكر هذا الدعاء) المذكور و (زاد فيه: لا حول ولا قوة [إلا بالله]) (¬6) يجوز فيه خمسة أوجه مشهورة، [قال أبو الهيثم] (¬7) الحول الحركة ومعناه: لا حركة ولا استطاعة إلا بمشيئة الله (¬8). وقيل: معناه [لا حول] (¬9) في دفع شر ولا قوة في تحصيل خير إلا بالله. (لا إله إلا الله لا نعبد (¬10) إلا إياه له النعمة (¬11) وساق بقية الحديث) المذكور. [1508] (حدثنا مسدد وسليمان بن داود العتكي - وهذا حديث مسدد) ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) من (ر). (¬3) في (ر): قوله. (¬4) في (م): التي. (¬5) "شرح النووي على مسلم" 5/ 96. (¬6) سقط من (ر). (¬7) في (م): أقوالهم. (¬8) "شرح النووي على مسلم" 4/ 87. (¬9) من (ر). (¬10) في (م): إله. (¬11) زاد في (ر): قوله.

دون سليمان - (قالا: حدثنا المعتمر) بن سليمان (قال: سمعت داود) بن راشد (الطفاوي) [بضم الطاء المهملة وتخفيف الفاء] (¬1) نسبة إلى [أمهم طفاوة بنت جرم بن ريان (¬2)، وفي الرواة الطفاوي كان ينزل الطفاوة] (¬3) موضع بالبصرة، قال الدارقطني: هذا الحديث تفرد به معتمر عن داود الطفاوي (¬4)، لكن داود ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬5). (قال: حدثني أبو مسلم) لم أجد من ذكر اسمه والظاهر أنه ممن عرف بكنيته (البجلي) بفتح الموحدة والجيم نسبة إلى قبيلة بجيلة بن أنمار، وأبو مسلم ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬6). (عن زيد (¬7) بن أرقم - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول وقال سليمان) بن داود العتكي. (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول دبُر صلاته) (¬8) المكتوبة: (اللهم) يا (ربنا ورب) بالنصب أيضًا (كل شيء) أي: إن ما في [شيء في] (¬9) الدنيا والآخرة [إلا والله] (¬10) ربه وخالقه، وهذا من ¬

_ (¬1) في (م): بالطاء المهملة والفاء. (¬2) في (ر): حيان. والمثبت من "اللباب في تهذيب الأنساب" 2/ 283. (¬3) في (م): طفاوة. (¬4) انظر: "أطراف الغرائب والأفراد" 3/ 88. (¬5) "الثقات" 6/ 281. (¬6) "الثقات" 5/ 584. (¬7) في (م): يزيد. (¬8) في (ر): الصلاة. (¬9) سقط من (ر). (¬10) في (ر): فالله.

العموم الذي لا يدخله تخصيص كما تقدم في (وهو على كل شيء قدير). (أنا شهيد) (¬1) [من أبنية] (¬2) المبالغة والشهيد الشاهد فإذا اعتبر العلم مطلقًا فهو العليم، وإذا أضيف إلى الأمور الظاهرة فهو الشهيد، وإذا أضيف إلى الأمور الباطنة فهو الخبير (أنك أنت الرب (¬3) وحدك لا شريك لك) في الربوبية ولا في غيرها. (اللهم) يا (ربنا) بالنصب (ورب كل شيء أنا أشهد أن محمدا عبدك ورسولك) إلى الناس كافة (اللهم ربنا ورب كل شيء [أنا شهيد] (¬4) أن العباد كلهم إخوة) لأن أباهم آدم وحواء وأنهم كلهم إخوة في الدين لا شرف لبعضهم على بعض إلا بالتقوى وزيادتها. ([اللهم ربنا ورب كل شيء اجعلني] (¬5) مخلصًا لك) في العبادة أنا (و) جميع (أهلي وأقاربي) (¬6) وإخواني (في كل ساعة) [في الدنيا والآخرة، مخلصًا لك في ذكري ساعات الآخرة والدنيا من غير شوب] (¬7) ليس المراد هنا بالساعة الزمانية الفلكية التي تنقسم على الليل والنهار، بل المراد بها مطلق الحين والوقت وإن قل كقوله تعالى: {لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً} (¬8). ¬

_ (¬1) في (م): أشهد. (¬2) في (م): لمن أيقنه. (¬3) في (م): الذي. (¬4) من (ر). (¬5) سقط من (ر). (¬6) و (¬7) من (ر). (¬8) الأعراف: 34.

(في (¬1) الدنيا والآخرة) وجميع لحظاتهما (يا ذا الجلال والإكرام اسمع) دعائي والله تعالى يسمع (¬2) كل مسموع لا [يعزب عن إدراكه] (¬3) مسموع وإن خفي، لكن المراد إسماع مخصوص بالإقبال على الداعي والإحسان (¬4) إليه (واستجب) أي: أجب دعائي، ومنه قول الشاعر: فلم يستجب (¬5) عند ذاك مجيب (¬6) (الله أكبر) أي: أعظم من كل شيء. قال الغزالي: إن كان في قلبك شيء هو أعظم من الله وقلت بلسانك: الله أكبر فالله يشهد أنك كاذب، وإن كان كلامك صدقًا. قال: وإن كان هواك غلب عليك من أمر الله وأنت (¬7) أطوع له منك لله فقد اتخذته إلهك وكبرته فيوشك أن يكون قولك: الله أكبر. كلامًا باللسان المجرد، وقد تخلف عن (¬8) القلب عن مساعدته، وما أعظم (¬9) الخطر في ذلك لولا التوبة والاستغفار (¬10) (الأكبر) بزيادة الألف واللام للتأكيد والمبالغة، ¬

_ (¬1) في (م): و. (¬2) في (ر): أسمع. (¬3) في (م): يقدر عن إسماعه. (¬4) سقط من (ر). (¬5) زاد في (ر): لي. (¬6) انظر: "تهذيب اللغة" 11/ 149. (¬7) في (م): أن. (¬8) سقط من (ر). (¬9) في (م): أعلم. (¬10) "إحياء علوم الدين" 1/ 166.

قال أصحابنا: ولو اقتصر على إحداهما في الصلاة أجزأ. (اللهم) يا (نور) بالنصب (السموات والأرض) أي: منورهما، قال التستري (¬1): منور الآفاق بالنجوم والأنوار، ومنور القلوب بالدلائل، قال عياض: ولا يصح أن يكون النور صفة ذات له وإنما تكون صفة فعل؛ إذ هو خالقه وموجده (¬2). وقيل: المراد بنور السماوات والأرض هنا القرآن، وقيل: محمد، قال: وحقيقة النور الذي [به تنكشف] (¬3) الأمور، وتظهر المخبآت، وتنكشف الحجب والسواتر (¬4) به، وهو معنى قوله (¬5) يقوم بالأجسام. (قال (¬6) سليمان بن داود) العتكي، شيخ المصنف [(رب السموات والأرض] (¬7) الله أكبر الأكبر) فقدم وأخر وزاد (حسبي الله) أي: يكفيني الله، مأخوذ (¬8) من الإحساب وهو الكفاية. قال الشاعر: فتملأ بيتنا أقطًا وسمنًا ... وحسبك من غنى شبع وريٌّ (¬9) ¬

_ (¬1) في (ر): القشيري. (¬2) "مشارق الأنوار" 2/ 32. (¬3) في (ر): تكشف به. (¬4) في (ر): السرائر. (¬5) من (ر). (¬6) زاد في (ر): ثنا. (¬7) في (ر): ثنا أبي معاذ بن معاذ. (¬8) سقط من (ر). (¬9) "لسان العرب" (سمن).

(ونعم الوكليل) أي الحافظ لما استكفيته (الله أكبر الأكبر) تقدم. [1509] (حدثنا عبيد الله (¬1) بن معاذ، ثنا أبي) (¬2) معاذ بن معاذ (حدثنا عبد العزيز بن عبد الله (¬3) بن أبي سلمة) (¬4) الماجشون التيمي مولاهم، كان إمامًا معظمًا. (عن عمه الماجشون) قال ابن السمعاني: وهو بكسر الجيم وضم الشين المعجمة (¬5) آخره نون (¬6) (ابن أبي سلمة) واسم أبي سلمة الثاني دينار، وهو مولى لأبي (¬7) المنكدر، وإنما قيل له الماجشون لحمرة خديه، وهذِه لغة أهل المدينة، والماجشون المورد، وقال (¬8): عبد العزيز بن يعقوب بن عبد الله (¬9) بن أبي سلمة الماجشون أيضًا (¬10). (عن عبد الرحمن) بن هرمز (الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع) كاتب علي. (عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إذا سلم من الصلاة قال: اللهم اغفر لي) لفظ رواية مسلم: كان يقول بين ¬

_ (¬1) في (م): عبد الله. (¬2) سقط من (ر). (¬3) من (ر)، و"تهذيب الكمال" 18/ 152. (¬4) في (م): شيبة. (¬5) سقط من (ر). (¬6) "الأنساب" للسمعاني 5/ 36. (¬7) من (ر)، وفي "الأنساب": لآل. (¬8) سقط من (ر). (¬9) من "الأنساب". (¬10) "الأنساب" للسمعاني 5/ 36.

التشهد والتسليم (¬1). والعمل على رواية مسلم، ويحتمل أنه قاله مرة (¬2) بعد السلام، والأكثر بين التشهد والتسليم. (ما قدمت وما أخرت) المراد بالمتأخر إنما هو بالنسبة إلى ما وقع لأن الاستغفار قبل الذنب محال كذا قاله أبو الوليد النيسابوري نقلًا عن الأصحاب في شرح خطبة "رسالة الشافعي"، قال الإسنوي: ولقائل أن يقول: المحال إنما هو طلب مغفرته قبل وقوعه، وأما الطلب قبل الوقوع أن يغفر إذا وقع فلا استحالة (¬3). [(وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت) الإسراف مجاوزة الحد، والإسراف هنا عام في المآكل والمشارب] (¬4) والملابس والمساكن وغير ذلك مما يسرف فيه الآدمي، وليست المآكل (¬5) اللذيذة (¬6) من الإسراف لما ورد عن ابن عباس: كل ما شئت واشرب ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك خصلتان سرف ومخيلة (¬7). (وما أنت أعلم به مني) اللهم (¬8) (أنت المقدم وأنت المؤخر) أي: تقدم (¬9) من لطفت به إلى رحمتك وطاعتك بفضلك، وتؤخر [من شئت ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (771) (201). (¬2) في (م): من. (¬3) "أسنى المطالب شرح روضة الطالب" 1/ 166، و"تحفة الأحوذي" 9/ 266. (¬4) من (ر). (¬5) سقط من (ر). (¬6) في (م): اللدية. (¬7) أخرجه ابن أبي شيبة (25375)، والبخاري تعليقًا (5783). (¬8) من (ر). (¬9) في (م): مقدم.

عن ذلك كله بعدلك، فمن قربه فقد قدمه، ومن أبعده فقد أخره، قدم أنبياءه وأولياءه، وأخر] (¬1) أعداءه (لا إله إلا أنت) أي: لا معبود غيرك. [1510] (حدثنا محمد بن كثير) العبدي (ثنا سفيان) بن سعيد الثوري. (عن عمرو بن مرة) (¬2) أخرج له مسلم. (عن عبد الله بن الحارث) الزبيدي الكوفي المكتب، أخرج له مسلم. (عن طليق) قال عبد العظيم المنذري: شاهدت (¬3) بخط الأفليسي (¬4) طليق (بن قيس) بفتح الطاء وكسر اللام، قال: ووقع عند (¬5) أبي الفتح طُليق بضم الطاء وفتح اللام، قال: وشاهدت أيضًا بفتح الطاء في غير خط الأفليسي (¬6) وطليق هو: ابن قيس الحنفي الكوفي. قال أبو زرعة والنسائي: ثقة (¬7)، روى له البخاري في كتاب "الأدب"، والنسائي في "اليوم والليلة" والباقون سوى مسلم حديثًا واحدًا وهو هذا. (عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو) فيقول في دعائه: (رب أعني) على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وهو شامل الأحوال (¬8) الدنيوية. ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) زاد في (م): أخرج الثوري عن عبد الله بن الحارث. (¬3) في (م): شاهد من. (¬4) في (م): الإفليس. (¬5) في (م): عن. (¬6) في (م): الإفليس. (¬7) "تهذيب الكمال" 13/ 463. (¬8) في (ر): الأمور.

(ولا تعن) أحدًا من خلقك (عليَّ، وانصرني) على من بغى عليَّ، وعلى من ناظرني بالحجة الظاهرة، وعلى من حاربني من الأعداء بأن تظهرني عليه بما يحدث في قلبي من الجرأة والقوة، وفي قلبه من الخوف والجبن (ولا تنصر عليَّ) أحدًا من هؤلاء المذكورين. (وامكر لي ولا تمكر عليَّ) أي: ألحق مكرك بأعدائي لا بي، ومكر الله إيقاع بلائه بأعدائه (¬1) دون أوليائه، وقيل: هو استدراج العبد بالطاعات فيتوهم أنها مقبولة وهي مردودة، ويجوز أن يكون استدراجه إياه من حيث لا يعلم مكره. قال الأزهري: المكر من الله مجازاته (¬2) (¬3) للماكر من الخلائق خبث (¬4) وخداع. (واهدني) لأحسن الأخلاق من (¬5) الأعمال والأهواء لا يهدي لأحسنها إلا أنت (ويسِّر) بتشديد السين المكسورة، أي: سهِّل أسباب ([هداي إليَّ]) (¬6) بسكون الألف مع فتح الياء، والتيسير ضد التعسير، وهدى الله العبد نصره وعرَّفه طريق معرفته وهدى كل مخلوق إلى ما لا بد له (¬7) منه في بقائه ودوام وجوده. ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) في (م): مجازاة. (¬3) "تهذيب اللغة" 10/ 135. (¬4) في (م): حب. (¬5) في (ر): و. (¬6) في (ر): لي هداي (¬7) سقط من (ر).

(و (¬1) انصرني على من بغى) أي تعدى (عليَّ) بقولٍ أو فعلٍ. (اللهم اجعلني لك شاكرًا) لفظ الترمذي: "اللهم اجعلني شكارًا لك رهابًا، لك ذكارًا، لك مطواعًا، لك مخبتًا إليك أواهًا منيبًا" (¬2) يقال: شكرتك وشكرت لك، ونصحتك ونصحت لك، والأكثر الأول، فشكر [الله للعبد] (¬3) ثناؤه عليه بطاعته له، وشكر العبد نطق باللسان وإقرار بالقلب بإنعام الله تعالى عليه مع الطاعات. (ذاكرًا لك) بالطاعة، قال سعيد بن جبير: الذكر طاعة الله فمن لم يطعه لم يذكره وإن أكثر التسبيح والتهليل (¬4)، وفي حديث: "من أطاع الله فقد ذكره" (¬5). (لك راهبًا) أي خائفًا يقال: رهب - بكسر الهاء - إذا خاف (مطواعًا) بكسر الميم، أي: مطيعًا (إليك) يقال: طاع له وإليه تطوع (¬6) ويطيع إذا أذعن له وانقاد. (مخبتًا) والإخبات بالمثناة آخره هو الخشوع والتواضع، وأصله من (¬7) الخبت المطمئن من الأرض (أو منيبًا) وأناب إلى الله أقبل على ¬

_ (¬1) في (ر): اللهم. (¬2) "جامع الترمذي" (3551). (¬3) في (م): العبد. (¬4) "الزهد" لابن المبارك 2/ 35، و"حلية الأولياء" 4/ 276. (¬5) رواه الطبراني في "المعجم الكبير" 22/ 154 (413)، وابن المبارك في "الزهد" 2/ 35. (¬6) في (ر): يطاع. (¬7) من (ر).

طاعته، وتاب من ذنوبه. (رب تقبل توبتي (¬1) واغسل حوبتي) بفتح الحاء المهملة وسكون الواو: الإثم والخطيئة، ومنه حديث "اغفر لنا حوبنا" (¬2) بفتح الحاء وضمها، قيل: الفتح لغة الحجاز، والضم لغة تميم، ومنه الحديث: "الربا سبعون حوبًا" (¬3) أي: سبعون ضربًا من الإثم، وفي الحديث أن رجلًا سأله (¬4) الجهاد فقال: "لك حوبة"؟ قال: نعم (¬5). يعني: ما تأثم به [إن ضيعته] (¬6) من الأولاد وغيرها (¬7). (وأجب دعوتي وثبت حجتي) الظاهرة على من حاججني، وفي "النهاية": ثبت حجتي في الدنيا والآخرة، أي: قولي، وإيماني (¬8) في الدنيا والآخرة (¬9) وعند جواب الملكين في القبر، وفي حديث معاوية: فجعلت أحج [خصمي. أي: أغلبه بالحجة الظاهرة القوية] (¬10). (واهد قلبي) إلى معرفتك والقيام بشكرك. (وسدد) بفتح السين المهملة. ¬

_ (¬1) في (ر): دعوتي. (¬2) أخرجه أبو داود (3890)، والنسائي في "الكبرى" (10809)، وأحمد 6/ 21. (¬3) أخرجه ابن ماجه (2274). (¬4) زاد في (م): عن. (¬5) "مصنف ابن أبي شيبة" (34151). (¬6) في (ر): من ضيعة. (¬7) "النهاية في غريب الحديث" (حوب). (¬8) في (م): إنما. (¬9) سقط من (ر). (¬10) من (ر).

(لساني) إلى النطق بالقول العدل والصواب، وفي الحديث أنه قال لعلي: "سل الله السداد واذكر بالسداد تسديدك (¬1) السهم" (¬2) أي: أصابة القصد به (¬3). (واسلل) الإسلال الإخراج بتأن وتدريج ومنه: "لعن الله من سل سخيمته في الطريق" (¬4) (سخيمة قلبي) السخيمة الحقد في النفس والضغينة، وقد سمى الشارع الغائط [الذي يخرج من الآدمي سخيمة في قوله: "لعن الله من سل سخيمته" (¬5) لما بينهما من القبح، بل الضغينة والحقد أقبح من الغائط] (¬6) وأخف ضررًا. قال الغزالي: اعلم أن الغضب [إذا لزم] (¬7) كظمه وعجز عن التشفي (¬8) في الحال رجع (¬9) إلى الباطن واحتقن فيه فصار حقدًا، والحقد أن يلزم قلبه استثقاله (¬10) والبغضة له والنفار منه والحقد ثمرة ¬

_ (¬1) في (م): تسديد لك، وفي (ر): بتسديدك. والمثبت من مصادر التخريج. (¬2) أخرجه أحمد 1/ 134، وأبو داود الطيالسي (156) واللفظ له. (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (سدد). (¬4) أخرجه الحاكم 1/ 186، والبيهقي في "السنن الكبرى" 1/ 158. (¬5) رواه الحاكم 1/ 296، والبيهقي 1/ 186 بلفظ: "من سل سخيمته على طريق المسلمين، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" وضعفه ابن حجر في "التلخيص" 1/ 105. (¬6) من (ر). (¬7) في (م): والزام. والمثبت من (ر)، و"الإحياء". (¬8) في (ر): التتقي. (¬9) في (م): زاد. (¬10) في (ر): استغالة. وفي (م): استقباله.

الغضب (¬1). ولعله مشتق من السخام وهو سواد القدر لما بينهما من القبح، وتعلق الحقد بالقلب كما يعلق السخام بالثوب وغيره فيلصق به. [1511] (حدثنا مسدد، حدثنا يحيى) بن سعيد القطان ([عن سفيان]) (¬2) بن سعيد الثوري (قال: سمعت عمرو بن مرة) يقول (بإسناده) المذكور (ومعناه وقال) هنا (¬3): (ويسر الهدى إلي [ولم يقل: هداي]) (¬4) أي: يسر إليَّ أسباب سلوك الهداية، ويحتمل تيسر هيئ وصول الهداية إلي لأهتدي بها كما في الحديث "فكل ميسر لما خلق له" (¬5) أي مهيَّأ، وكما قيل: تيسر للقتال، أي: تهيأ له واستعد. ([قال المصنف: سمع سفيان) بن سعيد الثوري (من عمرو بن مرة قالوا: ثمانية عشر حديثًا) لا أكثر] (¬6). [1512] ([حدثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي شيخ البخاري] (¬7)، (حدثنا شعبة عن عاصم الأحول وخالد الحذاء، عن عبد الله بن الحارث، عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا سلم قال: اللهم [أنت السلام]) (¬8) اسم من أسماء الله تعالى ¬

_ (¬1) "إحياء علوم الدين" 3/ 181. (¬2) في (ر): ثنا سعيد. (¬3) و (¬4) من (ر). (¬5) أخرجه البخاري (4949)، ومسلم (2647). (¬6) ستأتي هذِه العبارة في غير موضعها في الأصول الخطية بعد حديث عائشة الآتي وهنا موضعها الصحيح كما في "سنن أبي داود". (¬7) سقط من (ر). (¬8) سقط من (ر).

معناه السلامة (¬1) مما يلحق الخلق من العيب والغنى (¬2) والنقص وقيل: سلم (¬3) الخلق من ظلمه؛ لأنه لا يتصف بالظلم، وقيل: المسلم على المؤمنين في الجنة بقوله: {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} (¬4)، [وقيل: لطول بقائه] (¬5) (ومنك السلام) أي ومنك تحصيل السلامة من الآفات والمهالك لا من غيرك، وقيل: معناه لا يتصف بالظلم، وقيل: [مسلم المؤمنين من العذاب] (¬6). قال القرطبي: السلام الأول: اسم من أسماء الله تعالى كما قال تعالى: {السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ} (¬7)، والسلام الثاني: السلامة كما قال تعالى: {فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91)} (¬8) ومعنى ذلك أن السلامة من المعاطب (¬9) والمهالك إنما تحصل لمن سلمه الله تعالى (¬10). كما قال تعالى {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ} (¬11). ¬

_ (¬1) في (م): سلامته. (¬2) في (ر): العمى. (¬3) في (م): سلام. (¬4) يس: 58. (¬5) من (ر). (¬6) من (ر). (¬7) الحشر: 23. (¬8) الواقعة: 91. (¬9) في (م): المغاضب. (¬10) "الجامع لأحكام القران" 18/ 46. بمعناه. (¬11) يونس: 107.

(تباركت) تفاعلت من البركة، وهي الكثرة والنماء، ومعناه: تعاظمت أو كثرت صفات جلالك وكمالك (¬1) (ذا) كذا الرواية هنا بحذف ياء النداء، ورواية ابن حبان في "مسنده" (¬2): "يا ذا الجلال والإكرام" (¬3)، ولمسلم روايتان بحذف يا وإثباتها (¬4) (الجلال) وهو العظمة والسلطان (والإكرام) وهو الإحسان وإفاضة النعم. [1513] (حدثنا إبراهيم بن موسى) الرازي (¬5) شيخ الشيخين (أنا عيسى) بن يونس الحافظ. (عن) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي) والأوزاع من حمير وقيل من باب فراديس (¬6) دمشق. (عن أبي عمار) شداد بن عبد الله الدمشقي (عن أبي أسماء) (¬7) عمرو بن مرثد الرحبي (¬8). (عن ثوبان) بن بجدد القرشي (مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - رضي الله عنه -: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أراد أن ينصرف من صلاته) قال النووي: المراد بالانصراف من الصلاة هو السلام (¬9). ¬

_ (¬1) في (ر): جمالك. (¬2) في (ر): سننه. (¬3) "صحيح ابن حبان" (2000). (¬4) "صحيح مسلم" (592). (¬5) في (ر): الراوي. (¬6) في (م): فراس. (¬7) في (م): شهاب. (¬8) في (م): بلال. وتحرفت في (ر). والمثبت من "تهذيب الكمال". (¬9) "شرح النووي على مسلم" 4/ 150.

والمراد: كان إذا سلم، ولفظ مسلم: كان إذا انصرف من الصلاة (¬1). ولفظ ابن حبان (¬2) كالمصنف. (استغفر) الله تعالى (ثلاث مرات) هذا الاستغفار مما وقع له من التقصير في الصلاة من وسوسة وغيرها، فيستحب للمصلي الاستغفار عقب [الصلاة ويُشعر] (¬3) قلبه الوجل والحياء من الله تعالى في تقصيره ويكون خائفًا أن لا تقبل صلاته، وأن يكون ممقوتًا بذنب ظاهر أو باطن فردت عليه صلاته في وجهه، ويرجو من الله تعالى قبولها بفضله وكرمه. قلت: وكذا (¬4) يستحب لمن حبس يذكر الله تعالى أن يستغفر الله تعالى لذنبه وللمؤمنين [مما وقع في ذكره من الغفلة والتقصير، ويدل عليه قوله: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} (¬5)] (¬6) والمؤمنات، قال العلماء: والمراد بقوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} أي داوم عليها كما في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا} (¬7) أي داوموا على الإيمان فإنه وصفهم ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (591). وفيه صلاته بدلًا من الصلاة. (¬2) "صحيح ابن حبان" (2003). (¬3) في (م): السلام ويستغفر. (¬4) في (م): وهذا. (¬5) محمد: 19. (¬6) من (ر). (¬7) النساء: 136.

أولًا بالإيمان، وقد جمع [مسلم رحمه الله] (¬1) بين هذين الحديثين وقدم الاستغفار ثلاثًا على قوله: "اللهم أنت السلام ومنك السلام". فلو قدم المصنف حديث الاستغفار [على حديث: "اللهم أنت السلام". كان أولى، وذكر ابن حبان في التبويب على الحديث فقال: ذكر البيان أن ما وصفنا من قولك] (¬2) اللهم أنت السلام ومنك السلام عقب الاستغفار ثلاثًا (¬3). ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) في (م): يعني من قوله. (¬3) نقل المصنف تبويب ابن حبان بالمعنى. وانظره في "صحيحه" 5/ 343.

26 - باب في الاستغفار

26 - باب فِي الاسْتِغْفَارِ 1514 - حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا عُثْمانُ بْنُ واقِدٍ العُمَرِيُّ، عَنْ أَبِي نُصَيْرَةَ، عَنْ مَوْلًى لأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ما أَصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ وَإِنْ عَادَ فِي اليَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً" (¬1). 1515 - حَدَّثَنَا سُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ وَمُسَدَّدٌ قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ عَنْ ثابِتٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنِ الأَغَرِّ المُزَنِيِّ - قَالَ مُسَدَّدٌ فِي حَدِيثِهِ: وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّهُ لَيُغانُ عَلَى قَلْبِي وَإِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللهَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ" (¬2). 1516 - حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قَالَ: إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي المَجْلِسِ الواحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ: "رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلي إِنَّكَ أَنْتَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ" (¬3). 1517 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الشَّنِّيُّ حَدَّثَنِي أَبِي عُمَرُ بْنُ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ بِلالَ بْنَ يَسارِ بْنِ زَيْدٍ مَوْلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُنِيهِ عَنْ جَدِّي أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللهَ الذِي لا إله إلَّا هُوَ الحَي القَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كانَ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3559)، والبزار 1/ 205، وأبو يعلى 1/ 124 (137). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (5004). (¬2) رواه مسلم (2702). (¬3) رواه الترمذي (3434)، وابن ماجه (3814)، وأحمد 2/ 21، والنسائي في "الكبرى" (9932). وصححه الألباني في "الصحيحة" (556). (¬4) رواه الترمذي (3577)، والطبراني 5/ 89 (4670)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" 1/ 128. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1358).

1518 - حَدَّثَنَا هِشامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الحَكَمُ بْنُ مُصْعَبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ لَزِمَ الاسْتِغْفارَ جَعَلَ اللهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ" (¬1). 1519 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوارِثِ ح، وحَدَّثَنا زِيادُ بْن أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا إِسْماعِيلُ - المَعْنَى - عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ قَالَ: سَأَلَ قَتَادَة أَنَسًا أي دَعْوَةٍ كَانَ يَدْعُو بِها رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَكْثَرَ قَالَ: كَانَ أَكْثَرُ دَعْوَةٍ يَدْعُو بِها: "اللَّهُمَّ رَبَّنا آتِنَا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذابَ النَّارِ". وَزادَ زِيادٌ: وَكَانَ أَنَسٌ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ بِدَعْوَةٍ دَعَا بِهَا وَإِذَا أَرادَ أَنْ يَدْعُوَ بِدُعاءٍ دَعا بِها فِيها (¬2). 1520 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خالِدٍ الرَّمْلِيُّ، حَدَّثَنَا ابن وَهْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ سَأَلَ اللهَ الشَّهَادَةَ صادِقًا بَلَّغَهُ اللهُ مَنَازِلَ الشُّهَداءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِراشِهِ" (¬3). 1521 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ عُثْمانَ بْنِ المُغِيرَةِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ الأَسَدِيِّ، عَنْ أَسْماءَ بْنِ الحَكَمِ الفَزارِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا - رضي الله عنه - يَقُولُ: كُنْتُ رَجُلًا إِذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثًا نَفَعَنِي اللهُ مِنْهُ بِمَا شاءَ أَنْ يَنْفَعَنِي وَإِذَا حَدَّثَنِي أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ اسْتَحْلَفْتُهُ فَإِذَا حَلَفَ لِي صَدَّقْتُهُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "ما مِنْ عَبْدٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللهَ إلَّا غَفَرَ اللهُ لَهُ". ثُمَّ قَرَأَ ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (3819)، وأحمد 1/ 248، والنسائي (10290). وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (5471). (¬2) رواه البخاري (6389)، ومسلم (2690). (¬3) رواه مسلم (1909).

هذِه الآيَةَ {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ (¬1). 1522 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ المُقْرِئُ، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ مُسْلِمٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلِيُّ، عَنِ الصُّنَابحِيِّ عَنْ مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَخَذَ بِيَدِهِ وقَالَ: "يا مُعاذُ والله إِنِّي لأُحِبُّكَ والله إِنِّي لأُحِبُّكَ". فَقَالَ: "أُوصِيكَ يا مُعاذُ لا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ تَقُولُ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبادَتِكَ". وَأَوْصَى بِذَلِكَ مُعاذٌ الصُّنَابحِيَّ وَأَوْصَى بِهِ الصُّنَابِحِيُّ أَبا عَبْدِ الرَّحْمَنِ (¬2). 1523 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ المُرادِيُّ، حَدَّثَنَا ابن وَهْبٍ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ حُنَيْنَ بْنَ أَبِي حَكِيمٍ حَدَّثَهُ، عَنْ عُلَي بْنِ رَباحٍ اللَّخْمِيِّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أَقْرَأَ بِالمُعَوِّذاتِ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ (¬3). 1524 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ سُوَيْدٍ السَّدُوسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو داوُدَ، عَنْ إِسْرائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ يَدْعُوَ ثَلاثًا وَيَسْتَغْفِرَ ثَلاثًا (¬4). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (406)، وابن ماجه (1395)، وأحمد 1/ 2، والنسائي في "الكبرى" (11078). وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (5738). (¬2) رواه النسائي 3/ 53، وأحمد 5/ 244، والبخاري في "الأدب المفرد" (690)، وعبد بن حميد (120). وصححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد" (534). (¬3) رواه الترمذي (2903)، والنسائي 3/ 68، وأحمد 4/ 155. وصححه الألباني في "المشكاة" (969). (¬4) رواه أحمد 1/ 397، والطيالسي (325)، النسائي في "الكبرى" (10291). وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (4584).

1525 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ داوُدَ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ هِلالِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ، عَنِ ابن جَعْفَرٍ عَنْ أَسْماءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلا أُعَلِّمُكِ كَلِماتٍ تَقُولِينَهُنَّ عِنْدَ الكَرْبِ أَوْ فِي الكَرْبِ اللهُ اللهُ رَبِّي لا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هذا هِلالٌ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ وابْنُ جَعْفَرٍ هُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ (¬1). 1526 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ عَنْ ثابِتٍ وَعَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ وَسَعِيدٍ الجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمانَ النَّهْدِيِّ أَنَّ أَبا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ فَلَمّا دَنَوْا مِنَ المَدِينَةِ كَبَّرَ النَّاسُ وَرَفَعُوا أَصْواتَهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَيُّها النَّاسُ إِنَّكُمْ لا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلا غائِبًا إِنَّ الذِي تَدْعُونَهُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَعْناقِ رِكَابِكُمْ". ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يا أَبا مُوسَى أَلا أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ". فَقُلْتُ: وَما هُوَ؟ قَالَ: "لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلَّا باللهِ" (¬2). 1527 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمانَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُمْ يَتَصَعَّدُونَ فِي ثَنِيَّةٍ فَجَعَلَ رَجُلٌ كُلَّما عَلَا الثَّنِيَّةَ نادى لا إله إلَّا اللهُ والله أَكْبَرُ. فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّكُمْ لا تُنادُونَ أَصَمَّ وَلا غائِبًا". ثُمَّ قَالَ: "يا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ". فَذَكَرَ مَعْناهُ (¬3). 1528 - حَدَّثَنَا أَبُو صالِحٍ مَحْبُوبُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنا أَبُو إِسْحَاقَ الفَزارِيُّ، عَنْ عاصِمٍ عَنْ أَبِي عُثْمانَ، عَنْ أَبِي مُوسَى بِهَذَا الحَدِيثِ وقَالَ: فِيهِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يا أَيُّها النّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (3882)، وأحمد 6/ 369، والنسائي في "الكبرى" (10483). وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (2623). (¬2) رواه البخاري (6384)، ومسلم (2704). (¬3) السابق. (¬4) رواه البخاري (2992)، ومسلم (2704/ 44).

1529 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رافِعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الحُسَيْنِ زَيْدُ بْنُ الحُبَابِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ الإِسْكَنْدَرانِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو هانِئٍ الخَوْلَانِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَلِيٍّ الجَنْبِيَّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ قَالَ رَضِيتُ باللهِ رَبًّا وَبِالإِسْلامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ" (¬1). 1530 - حَدَّثَنَا سُلَيْمان بْنُ دَاوُدَ العَتَكِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْماعِيل بْنُ جَعْفَرٍ عَنِ العَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ صَلَّى عَلي واحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ عَشْرًا" (¬2). 1531 - حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْن عَلِيٍّ الجُعْفِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جابِرٍ عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ الصَّنْعانِيِّ عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ فَأَكْثِرُوا عَلي مِنَ الصَّلاةِ فِيهِ فَإِنَّ صَلاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَي". قَالَ: فَقَالُوا: يا رَسُولَ اللهِ وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ قَالَ: يَقُولُونَ بَلِيتَ. قَالَ: "إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعالَى حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَجْسادَ الأَنْبِياءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِمْ" (¬3). * * * باب في الاستغفار [1514] (حدثنا) عبد الله بن محمد (النفيلي) نسبة إلى جده (ثنا مخلد ¬

_ (¬1) رواه ابن حبان (863)، والحاكم 1/ 518. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1368)، وهو عند مسلم (1884) بلفظ: "من رضي". (¬2) رواه مسلم (408). (¬3) سبق برقم (1047).

ابن يزيد) القرشي مولاهم الحراني، أخرج له [البخاري (حدثنا] (¬1) عثمان بن واقد) بالقاف وهو ابن محمد (العمري) بضم العين المهملة (¬2) وفتح الميم، وثقه ابن معين (¬3) (عن أبي نصيرة) بضم النون وفتح الصاد المهملة وسكون المثناة تحت، اسمه مسلم بن عبيد الواسطي (¬4) (عن مولى لأبي بكر الصديق - رضي الله عنه - عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما أصر) على (¬5) ذنب، قال في "النهاية": أصر على الشيء يصر إصرارًا إذا لزمه وداومه وثبت عليه، وأكثر ما يستعمل في الشر والذنوب. (من استغفر) قال: من أتبع الذنب بالاستغفار فليس بمصر عليه وإن تكرر منه (¬6) (¬7). قال ابن فورك: الإصرار الإلمام على الشيء بالعقد عليه من جهة العزم على فعله، والإصرار على الذَّنْبَ يقتضي التوبة منه، ولهذا ندب الاستغفار عقب الذنب وإلا (¬8) وجبت التوبة منه. قال الزركشي وغيره: والإصرار الحكم وهو العزم على الفعل بعد ¬

_ (¬1) في (ر): خ م. (¬2) من (م). (¬3) "تاريخ ابن معين" برواية الدارمي ص 171. (¬4) من (ر). (¬5) في (ر): في. (¬6) من (ر). (¬7) النهاية" (صرر). (¬8) في (ر): و.

فراغه منه كإصرار على الفعل وتكريره، و [أهل المراد] (¬1) الإصرار على نوع واحدٍ من الصغائر، سواء (¬2) كانت من نوع واحد (¬3) أو أنواع؟ فيه تردد للأصحاب. قال الرافعي: والثاني يوافق قول الجمهور: من غلبت معاصيه طاعته كان مردود الشهادة (¬4). (وإن عاد) إلى الذنب (في اليوم) لفظ الترمذي: "ولو فعله في اليوم" (سبعين مرة) يراد بها الكثرة دون حصر العدد. [1515] (حدثنا سليمان بن حرب ومسدد قالا (¬5): ثنا حماد) بن زيد، (عن (¬6) ثابت) بن أسلم البناني البصري. (عن أبي بردة) عامر بن أبي موسى (¬7) الأشعري، قال: [واسم أبي موسى] (¬8) عبد الله بن قيس (عن الأغر) بفتح الهمزة والغين المعجمة، عداده في أهل الكوفة (المزني) وقيل: هو ابن يسار الجهني صحابي، ليس له في الكتب الستة سوى هذا الحديث (قال مسدد في حديثه: وكان له صحبة) - رضي الله عنه -[وكذا قال مسلم] (¬9). (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنه ليغان) بالغين المعجمة، أي: يغطى ¬

_ (¬1) في (م): هذا. (¬2) من (ر). (¬3) من (ر). (¬4) "كفاية الأخيار" 1/ 566. (¬5) سقط من (ر). (¬6) في (ر): بن. (¬7) في (م): عوف. (¬8) في (م): أنا موسى بن. (¬9) من (ر).

ويلبس (على قلبي) والغين التغطية، [ومنه يقال للغيم الغين؛ لأنه يغطي] (¬1) ولا يُظن أن أحدًا قال: إن قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم تأثر بسبب ذنب وقع منه بغين أو رين أو طبع أو غشاوة؛ فإن من جوز (¬2) الصغائر على الأنبياء عليهم السلام لم يقل أنها إذا (¬3) وقعت منهم أثرت في قلوبهم كما تؤثر الذنوب في قلوب العصاة، بل مغفور لهم ومكرمون عند ربهم، وغير مؤاخذين بشيء من ذلك (¬4)، فثبت بهذا أن ذلك الغين ليس هو بسبب ذنب [صدر منه] (¬5) صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن اختلفوا في ذلك الغين فقالت طائفة: إنه (¬6) عبارة عن فترات وغفلات عن الذكر الذي كان دأبه فكان يستغفر من تلك الفترات. وقيل: كان ذلك لما يشغله من النظر في أمور أمته ومصالحهم، ومحاربة عدوه عن (¬7) عظيم مقامه، وكان يرى أن ذلك وإن كان من أعظم الطاعات وأفضل الأعمال في حقنا نزول (¬8) في علو درجته ورفعة (¬9) مقامه فيستغفر ربه من ذلك، وقيل: كان ذلك حال خشية وإعظام لله تعالى والاستغفار الذي صار منه لم يكن لأجل ¬

_ (¬1) تكرر في (م). (¬2) في (م): قال من جواز. (¬3) من (ر). (¬4) في (ر): هذا. (¬5) من (ر). (¬6) في (ر): إن كان. (¬7) في (م): من. (¬8) في (م): يرون. (¬9) في (ر): رفع.

ذلك الغين، بل للقيام بالعبادة، ألا ترى قوله في الحديث: "إنه ليغان على قلبي" (وإني لأستغفر الله) تعالى [فأخبر بأمرين مستأنفين] (¬1) ليس أحدهما معلقًا [على الآخر] (¬2)، وقال بعض أرباب (¬3) الإشارات: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان دائم الترقي (¬4) في المقامات سريع التنقل في المنازلات، وكان إذا ترقى [من مقام إلى] (¬5) مقام آخر اطلع على المنتقل منه وظهر له أنه نقص بالنسبة إلى المنتقل إليه، فكان يستغفر الله من الأول ويتوب منه كما جاء في الحديث، وقد أشار الجنيد إلى هذا بقوله: حسنات الأبرار سيئات المقربين، [والله أعلم] (¬6). (في كل يوم) وليلة (مائة مرة) يحتمل أن تكون هذِه المائة (¬7) مفرقة في اليوم والليلة، ويحتمل أن يأتي بها في وقت السحر مجتمعة (¬8)؛ لأن الله تعالى أثنى على المستغفرين بالأسحار. [1516] (حدثنا الحسن بن علي) الحلواني (حدثنا أبو أسامة) حماد بن سلمة الكوفي. (عن مالك بن مغول) بكسر الميم وسكون الغين المعجمة، الكوفي ¬

_ (¬1) في (م): فأخبرنا مرتين متتابعين. (¬2) في (ر): بالآخر. (¬3) في (م): الرواة. (¬4) في (م): البر. (¬5) في (م): في. (¬6) سقط من (ر). (¬7) من (ر). (¬8) من (ر).

(عن محمد بن سوقة) بضم المهملة الغنوي الكوفي العابد (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر قال: إن) بكسر الهمزة وسكون النون وهي المخففة من الثقيلة (كنا لنعُد) بفتح اللام وهذا (¬1) هو الأكثر أن لا يلي "أن" المخففة من الثقيلة إلا الفعل الماضي الناسخ نحو قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً} (¬2) (لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المجلس (¬3) الواحد مائة مرة) في مجلس أو مجالس (رب اغفر لي وتب عليَّ) قيل: المراد بسؤال المغفرة والتوبة الدوام والاستمرار (¬4) عليهما، [لا أن] (¬5) له ذنبا كما في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} (¬6) فهم موصوفون بالإيمان وتحصيل الحاصل محال، بل المراد داوموا على الإيمان، وقيل: المراد تعليم أمته لتكرر سؤال المغفرة والتوبة (إنك أنت التواب الرحيم) وعند الترمذي (¬7) والنسائي (¬8) وابن ماجه (¬9): "إنك أنت التواب الغفور اغفر لي وارحمني وتب عليَّ إنك أنت التواب الغفور" ولفظ رواية المصنف أقرب (¬10) إلى لفظ القرآن: {وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) البقرة: 143. (¬3) في (ر): اليوم. (¬4) في (ر): الاستغفار. (¬5) في (ر): لأن. (¬6) البقرة: 104. (¬7) "سنن الترمذي" (3434). (¬8) "السنن الكبرى" للنسائي (10292). (¬9) "سنن ابن ماجه" (3814). (¬10) في (م): اقرار.

الرَّحِيمُ} (¬1). [1517] (حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حفص بن عمر بن مرة الشني) بفتح الشين المعجمة وتشديد النون، وهو لغة والشني نسبة إلى شن بن أفصى بن عبد القيس بطن منهم جماعة كثيرة قال (حدثني أبي) وهو (عمر) بضم المهملة وفتح الميم وهو (بن مرة) الشني ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2). (قال: سمعت هلال) [هكذا وقع لأبي داود هلال بن يسار بالهاء، وقال البخاري (¬3): بلال] (¬4) (بن يسار) بفتح المثناة تحت [وتخفيف السين المهملة (بن زيد) وزيد (مولى) هو مولى (رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال) هلال] (¬5). (سمعت أبي) وهو يسار (يحدثنيه، عن جدي) زيد بن بولا (أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول) هكذا وقع السند للمصنف، ووقع في كتاب الترمذي [وغيره وقال الترمذي: غريب] (¬6) لا نعرفه إلا من هذا الوجه. قال المنذري: وفي بعض نسخ أبي داود وبلال بن يسار بالباء الموحدة، قال: وقد أشار الناس إلى الخلاف فيه، وذكره البغوي في ¬

_ (¬1) البقرة: 128. (¬2) "الثقات" 8/ 445. (¬3) "التاريخ الكبير" 2/ 108. (¬4) من (ر). (¬5) سقط من (ر). (¬6) من (ر).

"معجم الصحابة" بالباء وقال: لا أعلم لزيد مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير هذا الحديث، وذكر أن كنيته أبو يسار بالياء آخر الحروف وسين مهملة، وأنه سكن المدينة، وذكره البخاري في "تاريخه الكبير" أيضًا بالباء وذكر أن بلالًا سمع من أبيه يسار، وأن يسارًا سمع من أبيه زيد (¬1). (من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو) المستثنى [وضع في موضع] (¬2) رفع بدلًا من موضع (لا إله)؛ لأن موضعه رفع بالابتداء ولو كان موضع (¬3) المستثنى نصبًا (¬4) لكان إلا إياه (الحي) بدل من هو أو خبر بعد (¬5) خبر، و (¬6) لا يجوز أن يكون صفة لهو؛ لأن هو مضمر لا يوصف، ويجوز نصب (الحي) على أنه بدل من (الله) الذي هو منصوب بـ (أستغفر). قال أبو حيان في قوله تعالى: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ} يجوز أن يرفع (الحي) على أنه بدل من (الله) قال: وأجود الوجوه الرفع على الوصف، قال: ويدل عليه قراءة من قرأ الحيَّ القيومَ بالنصب فقطع (¬7) على إضمار أمدح، فلو لم يكن وصفًا لما جاز فيه القطع، قال: ولا يقال في هذا ¬

_ (¬1) "مختصر سنن أبي داود" 2/ 151. (¬2) من (ر). (¬3) في (م): مع. (¬4) من (ر). (¬5) في (م): من. (¬6) في (ر): في. (¬7) في (ر): بقطع.

الوجه الفصل بين الموصوف وصفته بالخبر؛ لأن ذلك جائز حسن تقول: زيد قائم العاقل. (القيوم) على وزن فيعول، أصله قيوم اجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت فيها الياء، قال قتادة: هو القائم بتدبير خلقه، وقال الحسن (¬1): هو القائم على كل نفسٍ بما كسبت. وقال الزمخشري: الدائم القيام بتدبير الخلق وحفظه (¬2). (وأتوب إليه غفر له) [أي: غفر الله له ذنوبه] (¬3). (وإن كان قد فر من الزحف) أي: فر من الجهاد ولقاء العدو في الحرب والزحف، الجيش [يزحفون إلى] (¬4) العدو أي: يمشون، يقال: زحف إليه زحفًا إذا مشى خلفه. [1518] (حدثنا هشام بن عمار) (¬5) السلمي المقرئ، خطيب دمشق وعالمها شيخ البخاري. (حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا الحكم بن مصعب) الدمشقي صويلح (¬6) (حدثنا محمد بن علي بن عبد الله بن عباس) الهاشمي أبو الخليفتين السفاح والمنصور، [روى عن جده مرسلًا، وعن أبيه] (¬7) ¬

_ (¬1) في (م): الجوهري. (¬2) "الكشاف" 1/ 300، "البحر المحيط" 2/ 287. (¬3) سقط من (ر). (¬4) في (م): من حصور. (¬5) في (م): عباد. (¬6) "الكاشف" للذهبي (1190). (¬7) من (ر).

ولد بالحميمة من بلاد البلقاء، والحميمة بضم المهملة مصغر (¬1) أخرج له مسلم. (عن أبيه) علي بن عبد الله بن عباس، ولما انتقل إلى الشام اعتزل مدينة أذرح ونزل الحميمة وبنى بها قصرًا، أخرج له مسلم والأربعة (أنه حدثه عن) أبيه عبد الله (ابن عباس رضي الله عنهما أنه حدثه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من لزم الاستغفار) أي: داوم عليه وأكثر منه (جعل الله تعالى له من كل ضيقٍ) (¬2) أي: من كل ما يضيق به (¬3) صدره من الأمور الشاقة على النفس، ويحتمل أن يراد بالضيق الهم. (مخرجًا) يعني: منه (ومن كل همٍّ فرجًا) كما يقال: فرج الله غمك (ورزقه من حيث لا يحتسب) أي: لا يدري، [قال المنذري] (¬4) في هذا الحديث: رواه النسائي وابن ماجه والبيهقي (¬5) من رواية الحكم (¬6) بن مصعب (¬7). وقال الحاكم: صحيح الإسناد (¬8). [1519] (حدثنا مسدد، ثنا عبد الوارث. وحدثنا) أيضًا (زياد بن ¬

_ (¬1) في (م): به قرأ. (¬2) زاد في (م): مخرجا. (¬3) سقط من (ر). (¬4) سقط من (ر). (¬5) "السنن الكبرى" 3/ 490. (¬6) من (ر). (¬7) "مختصر سنن أبي داود" 2/ 152. (¬8) "مستدرك الحاكم" 4/ 262.

أيوب) الطوسي شيخ البخاري [في باب: إتيان اليهود النبي - صلى الله عليه وسلم -] (¬1) (ثنا إسماعيل) ابن علية (المعنى، عن عبد العزيز بن صهيب قال: سأل قتادة أنسًا: أي) بالرفع مبتدأ (دعوة كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكثر. قال) أنس (¬2) (كان أكثر دعوة يدعو بها) إنما كان يدعو بهذِه دون غيرها؛ لأنها جمعت خير الدنيا والآخرة، وفيه دليل على عظم فضيلة الدعاء بهذِه الدعوة. (اللهم (¬3) آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة) اختلفوا في تأويل الحسنتين على أقوال عديدة، فروى علي بن أبي طالب أن الحسنة في الدنيا هي المرأة الحسناء وفي الآخرة الحور العين, (وقنا عذاب النار) المرأة السوء (¬4). وقال قتادة: حسنة الدنيا العافية في الصحة وكفاف المال. وقال الحسن: حسنة الدنيا العلم والعبادة. قال القرطبي: والذي عليه أكثر أهل العلم أن المراد بالحسنتين نعيم (¬5) الدنيا والآخرة، وهذا هو الصحيح؛ فإن اللفظ يقتضي هذا كله فإن "حسنة" نكرة (¬6) في سياق الدعاء (¬7) فتعم فهو محتمل لكل حسنة ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) سقط من (ر). (¬3) زاد في (ر): ربنا. (¬4) أورده القرطبي في "الجامع" 2/ 432. ثم قال: وهذا فيه بُعد ولا يصح عن علي. (¬5) في (م): تعميم. (¬6) ليست في (م). (¬7) في (ر، م): النكرة. والمثبت من "الجامع لأحكام القرآن".

من الحسنات (¬1). (وزاد زياد) بن أيوب في روايته فقال: (وكان أنس) بن مالك (إذا أراد أن يدعو) بفتح الواو (بدعاءٍ) لفظ مسلم: يدعو بدعوة (¬2) (دعا بها) قبل دعوته [(وإذا أراد أن يدعو بدعاء) كبير (دعا بها فيها) يعني: واحدة، رواية: فيه. الدعاء مذكر وأعاد الضمير مؤنث] (¬3)؛ لأن الدعاء في معنى دعوات، وفي رواية مسلم: دعا به فيه فأتى به على الأصل. [1520] (حدثنا أبو خالد الرملي، حدثنا ابن وهب، حدثنا عبد الرحمن بن شريح) بضم الشين المعجمة، أبو شريح المعافري الإسكندراني. [عن أبي أمامة (¬4). المحفوظ في هذا الإسناد عن ابن وهب، عن عبد الرحمن [عن ابن أبي] (¬5) أمامة بن سهل بن حنيف، عن أبيه، عن جده، وكذا ورد في "موطأ ابن وهب"، وذكره مسلم (¬6) والنسائي (¬7) من حديث ابن وهب كذلك] (¬8). (عن أبي أمامة) أسعد (بن سهل بن حنيف [عن أبيه) سهل بن ¬

_ (¬1) "الجامع لأحكام القرآن" 2/ 432 - 433. (¬2) "صحيح مسلم" (2690). (¬3) من (ر). (¬4) ليست في الأصول الخطية والصواب إثباتها. (¬5) ساقطة من الأصول. (¬6) "صحيح مسلم" (199) (157). (¬7) "المجتبى" 6/ 36. (¬8) من (ر).

حنيف] (¬1) - رضي الله عنه -. (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من سأل الله تعالى الشهادة صادقًا) حال من فاعل سأل، وفي رواية مسلم: "سأل الله (¬2) الشهادة بصدق" (¬3)، والجار والمجرور أيضًا في موضع نصب على الحال كقوله تعالى: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} (¬4) أي: محقًّا، وخرج زيد بسلاحه، أي: متسلحًا، أو المراد بالصدق هنا صدق العزيمة على الجهاد؛ كقوله في السؤال: [أسأل الله] (¬5) أن يرزقني الشهادة وهو عازم بالجزم على إن وقع القتال قاتلت ولم أبال فهذِه العزيمة [فلا تقع في نفسه وهي عزيمة صادقة جازمة، وقد يكون في عزيمة وقوع ميل وتردد وضعف في العزيمة] (¬6) يضاد الصدق في العزيمة فكأن الصدق ها هنا عبارة عن التمام والقوة كما يقال: (¬7) لفلان شهوة صادقة، ويقال: هذا المريض شهوته كاذبة فهي (¬8) لم تكن عن سبب ثابت قوي، والصادق هو الذي تصادق عزيمته في الخيرات كلها قوية تامة ليس فيها ضعف ولا تردد، بل يسخر الشدائد (¬9) بالعزم ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) من (ر). (¬3) في (م): الصادق. (¬4) آل عمران: 2. (¬5) في (م): إن شاء الله. (¬6) سقط من (ر). (¬7) زاد في (م): فادن. (¬8) في (م): لهم. (¬9) في (ر): نفسه أبدًا.

الحازم على الخيرات، ويحتمل أن يراد بالسؤال بالصدق والصدق في النية وهو أن لا يكون له (¬1) باعث في حركاته وسكناته في الجهاد إلا الله تعالى؛ فإن مازجه (¬2) شوب من طلب شهوة أو إظهار فروسية أو غير ذلك من حظوظ النفس بطل صدق النية وصاحبه يجوز أن يسمى كاذبًا كما في حديث الشهادة (¬3)، يقال لمن قال (¬4): قاتلت فيك حتى استشهدت: كذبت، إنما قاتلت لأن يقال هو جريء. فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار (¬5). (بلغه الله تعالى منازل الشهداء) الرفيعة في الجنة بنيته الصادقة (وإن مات) في بيته (على فراشه) وفي لفظ مسلم والحاكم: "من طلب الشهادة صادقًا أعطيها ولو لم تصبه" (¬6). وفي الحديث استحباب طلب الشهادة في سبيل الله، وفيه الحث على الصدق والإخلاص في النية، وفيه أنه يحصل ثواب الشهادة بالنية الصادقة وإن لم يعمل، وفيه استحباب النية الصادقة على أفعال الخير كأن يقول: إن رزقني الله مالًا تصدقت بجميعه أو شطره وإن أعطاني الله مالا (¬7) عدلت فيها ولم أعص الله تعالى بظلم أو ميل إلى الخلق فهذِه العزيمة قد تكون صادقة ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) في (م): رماحه. (¬3) في (م): الثلاثة. (¬4) سقط من (ر). (¬5) أخرجه مسلم (1905) من حديث أبي هريرة. (¬6) أخرجه مسلم (1908) من حديث أنس بن مالك. (¬7) من (ر).

جازمة، وقد يكون فيها ميل وضعف وتردد يضاد الصدق، ويحمل على هذا السؤال سؤال ثعلبة بن حاطب الأنصاري حين عاهد الله لئن آتاه من فضله مالًا (¬1) ليصدقن به (¬2) وليكونن من الصالحين بأعمالهم من صلة الرحم والصدقة (¬3) على الفقراء، ولما علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم. [1521] (حدثنا مسدد، حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن (¬4) عبد الله ليس في الكتب الستة [ممن عرف بكنيته] (¬5) أبو عوانة غيره. (عن عثمان بن المغيرة الثقفي) وثقوه (¬6) (عن علي بن ربيعة) الوالبي (الأسدي) الكوفي. (عن أسماء (¬7) بن الحكم الفزاري) وثقه العجلي (¬8)، قال الترمذي في آخر هذا الحديث: لا نعرف لأسماء بن الحكم إلا هذا الحديث (¬9). (قال: سمعت عليًّا - رضي الله عنه - يقول: كنت رجلًا إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حديثًا (¬10) نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني) ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) من (ر). (¬3) في (م): النفقة. (¬4) من (ر). (¬5) من (ر). (¬6) "تهذيب الكمال" 19/ 498، 499. (¬7) في (م): النعمان. (¬8) "معرفة الثقات" للعجلي 1/ 223. (¬9) "جامع الترمذي" 2/ 259. (¬10) سقطت من (ر، م)، وأثبتها من متن "السنن".

فيه أنه لا يستطيع أحد من المخلوقين أن ينتفع بشيء من كتاب الله تعالى ولا سنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم إلا إذا شاء (¬1) الله تعالى نفعه (¬2) ولو اجتهد في ذلك جد الاجتهاد فالعباد كلهم ملك لله تعالى والمملوك لا يتصرف في علومه ولا في شيء من علومه إلا بمشيئة الله وإرادته، ويدل عليه قوله تعالى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} (¬3). والمراد بالعلم في الآية المعلوم؛ لأن علم الله الذي هو صفة ذاته لا تنتقص كما جاء في قصة موسى والخضر: "ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور" (¬4). (وإذا حدثني (¬5) أحد من أصحابه) (¬6) عنه بحديث ([استحلفته) أي: طلبت] (¬7) منه أن يحلف لي (¬8) يمينًا بالله تعالى أنه حدثه به، وهذا الاستحلاف ليس هو لتكذيبه ولا شكًّا في قوله؛ إذ الصحابة كلهم عدول مرضيون، وإنما هذا الاستحلاف تأكيد لما حدثه به، وليكون أوقع في قلبه وأبلغ نفعًا (فإذا حلف لي) على ذلك (صدقته) لأنه ¬

_ (¬1) في (ر): سأل. (¬2) من (ر). (¬3) البقرة: 255. (¬4) أخرجه البخاري (3401)، ومسلم (2380) من حديث أبي بن كعب. وفيه: "فقال الخضر. ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من البحر". وهذا لفظ مسلم. (¬5) في (م): أخذ مني. (¬6) في (م): الصحابة. (¬7) في (م): استحلف أي: طلب. (¬8) في (م): له.

عارف قبل أن يحلف أنه صادق، وهذِه (¬1) صفة من صفات المؤمن وهي تصديق من حلف له وإن كان يعتقد خلافه، وهذا من حسن الظن بالمسلم. (قال: وحدثني أبو بكر) الصديق - رضي الله عنه - (وصدق أبو بكر) لأنه الصديق ولم يستحلفه حياءً من أبي بكر وتعظيمًا لعلوِّ شأنه أن يستحلفه على ما أخبر به، وفيه دليل على تعظيم علي لأبي بكر وتوقيره وتفضيله على من سواه من الصحابة - رضي الله عنهم -. (قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ما من عبدٍ) نكرة في معرض النفي فتعم كل من فعل (¬2) ما ذكر من المؤمنين إلا أن ذكر العبد دون غيره مشعر بأن تكون هيئة (¬3) المستغفر كما سيأتي التذلل والتواضع (¬4) والخضوع؛ لأن العبد من قولهم: طريق معبد إذا كان مذللا للسالكين [لكن لفظ الترمذي (¬5): "ما من رجل"] (¬6) (يذنب ذنبًا) إطلاق الذنب يقتضي شمول الذنوب (¬7) الكبائر والصغائر إذا تاب منها بشروطه، ولفظ الترمذي: "يذنب ذنبًا فيقوم (¬8) فيتطهر" (فيحسن) ¬

_ (¬1) في (ر): هي. (¬2) في (ر): بعد. (¬3) في (م): هذا. (¬4) من (ر). (¬5) "سنن الترمذي" (406). (¬6) من (ر). (¬7) سقط من (ر). (¬8) لفظ الترمذي: ثم يقوم.

بالرفع (الطهور) بضم الطاء اسم لفعل التطهر وأما (¬1) بالفتح (¬2) اسم لما يتطهر به، هذا هو الذي عليه الأكثر، والمراد بإحسان الطهور أن يأتي بسننه وآدابه وما به كماله، وقد يؤخذ من قوله بعد التطهر (¬3): (فيقوم) أن الأفضل في التطهر [الذي هو] (¬4) الوضوء أو التيمم الذي بدله الجلوس (ثم يقوم فيصلي ركعتين). وذكر جماعة من أصحابنا [هاتين الركعتين] (¬5) في الصلوات المستحبات المخصوصات وسموها صلاة التوبة، وقد خص البيهقي في روايته هذا الحديث بأن تكون هذِه الصلاة في الصحراء، فإنه روى عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما أذنب عبد ذنبًا فتوضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى برازٍ من الأرض فصلى فيه ركعتين واستغفر الله تعالى من ذلك الذنب إلا غفر الله له (¬6) ذلك الذنب". ورواه مرسلًا، قال في "النهاية": البراز بالفتح اسم للفضاء الواسع (¬7). (ثم يستغفر الله) تعالى، زاد البيهقي (¬8) وأحمد (¬9): "من ذلك الذنب" ¬

_ (¬1) في (م): في إنما. (¬2) زاد في (م): هو. (¬3) في (م): الطهر. (¬4) في (م): وهذا. (¬5) سقط من (ر). (¬6) أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (7081) من حديث الحسن مرسلًا. (¬7) "النهاية" (برز). (¬8) "شعب الإيمان" (7079). (¬9) "المسند" 1/ 8.

(إلا غفر الله تعالى له) وفي الحديث دليل على استحباب هذِه الصلاة لمن وقع في ذنبٍ واستعظمه (¬1)، وعلى فضيلة الوضوء وإحسانه والصلاة (¬2) والاستغفار، وفيه تفسير للآية الآتية ([ثم قرأ هذِه الآية]) (¬3) وهي {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ} (¬4) ظرف للزمن الماضي، أي: حين {ظَلَمُوْا أَنْفُسَهُمْ} بارتكاب المعاصي والذنوب، وسياق الحديث يدل على أن هذِه الآية عامة في كل من أذنب ذنبًا سواء كان منافقًا أو غيره، وأكثر المفسرين يخصونها بالمنافقين، وهو ما دل عليه سياق الآية. والصحيح أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب هنا ({وَالَّذِينَ}) عطف على الذين في قوله {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ} (¬5)، [والتقدير أعدت للمتقين والتائبين] (¬6) وظاهر هذا الحديث يدل على أن هذا الحديث سبب لنزول هذِه الآية وهو ظاهر ({إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً}) الفاحشة (¬7) تطلق على كل معصية، وقد كثر (¬8) اختصاصها بالنساء (¬9) بالزنا {أَوْ} بمعنى الواو [التي هي للجمع] (¬10) وهو قول الكوفيين والأخفش والجرمي، ¬

_ (¬1) في (ر): واستعمله. (¬2) و (¬3) سقط من (ر). (¬4) النساء: 64. (¬5) آل عمران: 133 - 134. (¬6) من (ر). (¬7) من (ر). (¬8) في (م): أكثر. (¬9) سقط من (ر). (¬10) من (ر).

واحتجوا بقول توبة: وقد زعمت ليلى بأني فاجر ... لنفسي تقاها أو عليها فجورها (¬1) ({ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ}) بارتكاب أي ذنبٍ كان مما يؤاخذون به، وقيل: الفاحشة: الزنا، وظلم النفس: ما دونه من القبلة واللمسة ونحوهما، وقيل: الفاحشة: الكبيرة، وظلم النفس: الصغيرة. (إلى آخر الآية) وفي "مسند أحمد": وقرأ هاتين الآيتين: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ} (¬2) {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} (¬3). [في الحديث تفسير الآية] (¬4). [1522] (حدثنا عبيد) الله (بن عمر بن ميسرة) القواريري (¬5) الحافظ روى مائة ألف حديث (حدثنا عبد الله بن يزيد) أبو عبد الرحمن (المقرئ) حافظ مكة. (حدثنا حيوة بن شريح قال: حدثني عقبة بن مسلم) التجيبي إمام جامع مصر وشيخهم ثقة. (حدثني أبو عبد الرحمن) عبد الله بن يزيد (¬6) (الحبلي) بضم الحاء المهملة و (¬7) الباء الموحدة، وتشديد اللام، قال ابن السمعاني: هو ¬

_ (¬1) انظر: "مغني اللبيب" 1/ 88 - 89. (¬2) النساء: 110. (¬3) آل عمران: 135. (¬4) من (ر). (¬5) سقط من (ر). (¬6) في (ر): زيد. (¬7) زاد في (ر): فتح.

من بني الحبلي حي من الأنصار من اليمن (¬1). أورد ذلك ابن الأثير في "مختصره" وقال: إنما هو منسوب إلى بطن من المعافر، وهو (¬2) أيضًا من اليمن (¬3). وأبو عبد الرحمن هذا من كبار تابعي أهل مصر (عن) أبي عبد الله (¬4) عبد الرحمن بن عسيلة (الصنابحي) بضم الصاد المهملة، وتخفيف النون منسوب إلى صنابح ابن زاهر بن عامر، قال الكلبي: يقال: إنه بطن (¬5). قال ابن دريد: اشتقاقه به إن كانت [النون زائدة] (¬6) من الصبح وهو الصحيح. وهو تابعي [جليل قدم المدينة من اليمن بعد وفاة رسول الله بخمسة أيام وشهد] (¬7) مصر. (عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذ بيده) فيه أخذ الكبير بيد الصغير تأنيسًا له وتلطفًا به، ويكون كلامه أوقع في نفس السامع. (وقال: يا معاذ، والله إني لأحبك) فيه الحلف بالله من غير مستحلف تقوية للكلام. (والله إني لأحبك) فيه دليل على استحباب [إعلام من يحبه بأنه يحبه؛ ¬

_ (¬1) "الأنساب" 2/ 169. (¬2) في (ر): ذلك. (¬3) "النهاية" (عفر). (¬4) سقط من (ر). (¬5) في (ر): طيء. (¬6) في (م): أمده من. (¬7) من (ر).

لأنه إذا أعلمه بذلك كان سببًا لمحبته أيضًا لمن يحبه إن لم يكن يحبه، وإن] (¬1) كان يحبه فيزداد حبه (¬2) له بالطبع لا محالة، فلا يزال الحب متزايدًا بين المحبين وذلك (¬3) مطلوب بالشرع، ورواه ابن السني (¬4) وابن حبان (¬5) بزيادة لفظ: لقيني النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخذ بيدي وقال: "يا معاذ إني أحبك في الله" قال معاذ: قلت: وأنا أحبك والله يا رسول الله، أحبك في الله. وروى النسائي وابن حبان في "صحيحه"، واللفظ للنسائي عن أنس - رضي الله عنه - قال: كنت جالسًا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال رجل من القوم: يا نبي الله، والله إني لأحب هذا الرجل، فقال: "هل أعلمته ذلك؟ " قال: لا. قال: "قم فأعلمه". [فقام فأعلمه] (¬6) فقام إليه فقال: يا هذا والله إني لأحبك. قال: أحبك الله الذي أحببتني له (¬7). وقال رجل لمحمد بن واسع: إني أحبك، فقال: أحبك الله الذي أحببتني له، ثم حوَّل وجهه وقال: اللهم إني أعوذ بك أن أحب فيك وأنت لي مبغض. ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) في (ر): محبة. (¬3) في (م): ذكر. (¬4) "عمل اليوم والليلة" (199). (¬5) "صحيح ابن حبان" (2020، 2021) وليس فيه الزيادة المذكورة وانما هي عند أحمد 5/ 247، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1831). (¬6) سقط من (ر). (¬7) أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (10010)، وابن حبان في "صحيحه" (571).

(فقال: أوصيك (¬1) يا معاذ لا تدعن (¬2) في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك) فيه استحباب هذا الذكر بعد السلام من الصلاة، أي: صلاة كانت فريضة أو نافلة وإن كانت الفريضة آكد (و) على (شكرك) أي: على (¬3) كمال شكرك؛ إذ لا يتمكن منه إلا بتوفيق الله وإعانته وشرح صدره [وتنوير بصيرته] (¬4) بحيث يطلعه الله تعالى من (¬5) كل شيء على حكمته وسر الله المخبون (¬6) في خليقته، فمن لم ينكشف له ذلك لم يفهم حقيقة الشكر، فعليه (¬7) باتباع السنة وحدود (¬8) الشرع فتحها [الله. إن] (¬9) الشكر وهو يحتاج إلى علم وعملٍ، والعلم أن يعلم أن النعم كلها من الله تعالى المنفرد بجميعها والوسائط مسخرون مقهورون، والعمل أن يستعمل نعم الله تعالى في محابه لا في معاصيه فالعين (¬10) مثلًا نعمة فشكرها أن يستعملها في مطالعة كتاب الله تعالى وكتب العلم، ومطالعة السماوات والأرض ليعتبر بها ويعظم خالقها، وأن يغض بصره عن كل عورة يراها من المسلمين، وكذا الأذن ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) في (ر): تدع. (¬3) من (ر). (¬4) سقط من (ر). (¬5) في (ر): على. (¬6) الخبن: التقليص. والمقصود بالمخبون: أي المطوي: بحيث لا يُرى. (¬7) في (ر): فعليك. (¬8) في (ر): قد رد. (¬9) في (ر): أسرار. (¬10) من (ر).

يستعملها في سماع الذكر وما ينفعه في الآخرة، ويعرض عن الإصغاء بها إلى الفضول، وكذا اللسان في ذكر الله وشكره دون الشكوى، فمن سئل (¬1) فشكا فهو عاصٍ بلسانه؛ لأنه شكا ملك الملوك (¬2) إلى عبد ذليل لا يقدر على شيء إلا بإرادة الله تعالى وعلى هذا يحتاج في الشكر (¬3) إلى سؤال الإعانة من الله تعالى وإلا فلا. (وحسن عبادتك) وهو أن يحافظ على سنن (¬4) العبادة الظاهرة وأذكارها وتسبيحاتها حتى يأتي فيها بجميع السنن والآداب والهيئات، فهذِه الأشياء مع الإخلاص والصدق في العبادة لا تحصل إلا بمعونة الله تعالى (وأوصى) بها (¬5) (معاذ) بن جبل إلى [أبي عبد الله] (¬6) عبد الرحمن (الصنابحي، وأوصى) بذلك (الصنابحيُّ أبا عبد الرحمن) الحبلي [وأوصى بذلك الحبلي عقبة بن مسلم، وأوصى عقبة حيوة بن شريح، وهلم جرا، والصنابحي منسوب إلى صنابح بن زاهر بطن من مراد وهو تابعي روى عن أبي بكر وعمر بن الخطاب وغيرهما، فأما الصنابح بن الأعسر فهو أحمسي له صحبة معدود في أهل الكوفة وهو أسم له لا نسب] (¬7). ¬

_ (¬1) في (ر): سأل. (¬2) من (ر). (¬3) في (م): الشكوى. (¬4) في (م): ستر. (¬5) من (ر). (¬6) سقط من (ر). (¬7) من (ر).

[1523] (حدثنا محمد بن سلمة) بفتح السين واللام (المرادي، حدثنا ابن وهب، عن الليث بن سعد أن حنين) بضم الحاء المهملة وفتح النون الأولى (بن أبي حكيم) قال الذهبي: والمحفوظ أنه عبد الله بن حنين، ورواية النسائي: حنين بن أبي حكيم كالمصنف (حدثه عن علي بن رباح) بن قصير (اللخمي) أخرج له مسلم والأربعة. (عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أن أقرأ بالمعوذات) بكسر الواو، ورواية النسائي: أن أقرأ المعوذات بحذف الباء (دبر) بضم الدال والباء الصلوات المكتوبات الخمس. فيه استحباب قراءتهما بعد التسليم من (كل صلاة) مكتوبة؛ لأنهما هنا (¬1) لم يتعوذ متعوذ (¬2) بمثلهما، فإذا تعوذ المصلي بهما خلف صلاة كان في حراستهما بالله تعالى إلى أن تأتي صلاة أخرى. [1524] (حدثنا أحمد) (¬3) بن عبد الله (بن علي بن سويد) بن منجوف (السدوسي) بفتح السين وضم الدال نسبةً إلى سدوس بن شيبان بن ذهل شيخ البخاري وغيره. (حدثنا أبو داود) سليمان بن داود الطيالسي (¬4) (عن إسرائيل) بن يونس (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله (¬5) السبيعي، (عن عمرو بن ميمون، ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) سقط من (ر). (¬3) زاد في (م): بن علي. (¬4) "المسند" (325). (¬5) في (ر): عبيد الله.

عن عبد الله) بن عمر (¬1) وابن مسعود - رضي الله عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعجبه أن يدعو) بفتح الواو دون ألف بعد الواو، وإنما ذكرته لأني رأيته في بعض النسخ المعتمدة، فلا يعتبر (¬2) به فإنه سبق قلم. الله تعالى (ثلاثًا) وهذا من آداب الدعاء أن يلح في الدعاء ويكرره ثلاثًا فأكثر، ومن استعماله في الدعاء ما رواه البخاري عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأبي بكر: "يغفر الله لك" ثلاثًا (¬3). ولمسلم: لما دخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم على سعد يعوده بمكة (¬4) قال: "اللهم (¬5) اشف سعدًا" ثلاث مرات (¬6). ومن الزيادة على الثلاث الحديث المتفق عليه (¬7) أن جرير بن عبد الله لما كسر ذا الخلصة التي كان يقال لها: الكعبة اليمانية. فبرَّك النبي صلى الله عليه وآله وسلم على [خيل أحمس] (¬8) ورجالها خمس مرات (¬9). وروى الترمذي وابن حبان عن جابر قال: استغفر لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة البعير خمسًا وعشرين مرة (¬10). ¬

_ (¬1) كذا في (ر، م)، والمحفوظ عن عبد الله بن مسعود فقط. (¬2) في (م): يغتر. (¬3) "صحيح البخاري" (3661). (¬4) سقط من (ر). (¬5) سقط من (ر). (¬6) "صحيح مسلم" (1628) (8). (¬7) في (م): على. (¬8) في (ر): حقل خمس. (¬9) "صحيح البخاري" (3020)، "صحيح مسلم" (2476). (¬10) "سنن الترمذي" (3852)، "صحيح ابن حبان" (7142).

فيحمل قوله (ويستغفر) الله (ثلاثًا) على أنه أقل العدد. وللبخاري في كتاب العلم عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا حتى تُفهم عنه، وإذا أتى على قومٍ [فسلم عليهم، سلم] (¬1) عليهم ثلاثًا (¬2). [1525] (حدثنا مسدد، حدثنا عبد الله بن داود الخريبي (¬3) عن عبد العزيز بن عمر) بن عبد العزيز (عن هلال) مولى عمر (عن عمر بن عبد العزيز، عن) عبد الله (ابن جعفر) بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي. (عن) أمه (أسماء بنت عميس) بن (¬4) معد أخت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المهاجرات إلى أرض الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب فولدت له هنالك عبد الله هذا ومحمدًا وعونًا، ثم هاجرت إلى المدينة، فلما قتل جعفر تزوجها أبو بكر الصديق فولدت له محمدًا ثم مات عنها وتزوجها علي - رضي الله عنه -، فولدت له يحيى. قالت: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ألا أعلمك كلمات تقولهن عند الكرب أو في الكرب) بفتح الكاف وهو الذي يشق على الآدمي وأصله الغم الذي يأخذ النفس (¬5): (الله الله) بالرفع فيها ¬

_ (¬1) في (ر): يسلم. (¬2) "صحيح البخاري" (95). (¬3) من (ر). (¬4) في (م): عن. (¬5) في (ر): باليقين.

للتأكيد (ربي لا أشرك به) أي: بعبادته (شيئًا) (¬1) يحتمل أن يراد: ولا أشرك بسؤاله أحدا غيره (¬2) كما قال تعالى: {إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا} (¬3)، وهذا الحديث من أدعية الكرب، فينبغي الاعتناء به (¬4) والإكثار منه عند الكرب والأمور العظيمة، وينبغي أن يضاف إليه الحديث [الذي ذكره البخاري في التوحيد، ومسلم في الدعاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول عند الكرب: "لا إله إلا الله العظيم الحليم] (¬5)، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم" (¬6) (¬7) وينبغي إذا أتى بذكر حديث الباب يكرره ثلاث مرات؛ لأن الطبراني أخرجه في (¬8) "كتاب الدعاء" بلفظ: فليقل: "الله ربي ولا أشرك به شيئًا"، وزاد: وكان ذلك آخر كلام عمر بن عبد العزيز عند الموت (¬9). (قال المصنف: هذا (¬10) هلال مولى عمر بن عبد العزيز وابن (¬11) ¬

_ (¬1) زاد في (ر): أخرجه النسائي مسندًا ومرسلًا، عن عمر بن عبد العزيز وعبد الله. (¬2) من (ر). (¬3) الجن: 20. (¬4) و (¬5) سقط من (ر). (¬6) "صحيح البخاري" (6346)، و"صحيح مسلم" (2730). (¬7) زاد في (ر): متفق عليه. (¬8) في (م): من. (¬9) االدعاء" (1025). (¬10) سقط من (ر). (¬11) في (م): أبي.

جعفر هو عبد الله بن جعفر) بن أبي (¬1) طالب كما تقدم. [1526] (حدثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (ثنا حماد) بن سلمة (عن ثابت) بن أسلم البناني (وعلي بن زيد وسعيد) بن إياس (الجريري) بضم الجيم. (عن أبي عثمان) عبد الرحمن (¬2) بن مل (النهدي (¬3)، أن أبا موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سفر) وللبخاري: في عقبة أو ثنية (¬4) (فلما) رجعوا من عسفان و (دنوا من المدينة) وللبخاري في الجهاد من حديث أبي موسى: كنا إذا أشرفنا على وادٍ هللنا وكبرنا (¬5) ارتفعت أصواتنا (¬6) (كبر الناس) (¬7)، وللبخاري في الجهاد أيضًا: كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبحنا (¬8). وبعده: كان إذا قفل من الحج أو العمرة - ولا أعلمه قال إلا: الغزو - كلما أوفى على (¬9) ثنية أو فدفد (¬10) كبر ثلاثًا (¬11). ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) من (ر). (¬3) في (ر): الفهري. (¬4) "صحيح البخاري" (6409). (¬5) في (م): ولهلنا. (¬6) "صحيح البخاري" (2992). (¬7) في (ر): ثلاثًا. (¬8) "صحيح البخاري" (2992). (¬9) في (م): عاد. (¬10) في (م): ثنية. (¬11) "صحيح البخاري" (2995).

قال المهلب: تكبيره عند إشرافه على الجبال استشعارًا لكبرياء لله - عز وجل -، وأنه أكبر وأعلى (¬1) من كل شيء، وأما تسبيحه في (¬2) بطون الأودية فهو مستنبط من قصة يونس وتسبيحه في بطن الحوت (¬3). (فرفعوا أصواتهم) بالتكبير (فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا (¬4) أيها الناس) "اربعوا على أنفسكم" [كما سيأتي] (¬5) (إنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا) نهاهم لأنهم رفعوا أصواتهم كما يرفع صوته من كان دعاؤه لأصم أو غائب (¬6)، تعالى الله وتقدس عن ذلك، ثم (¬7) قال: (إن الذي [تدعونه) سميعًا] (¬8) قريبًا وهو معكم، ثم مثل لهم مثالًا فيما يحسونه ويدركونه (بينكم وبين أعناق (¬9) ركابكم) [وهي رواحلكم] (¬10) وفي رواية لمسلم: "والذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق (¬11) راحلة أحدكم" (¬12). فهذِه معية (¬13) قرب (¬14) بالاطلاع والمشاهدة لا بالمكان والزمان. ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) في (م): من. (¬3) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 5/ 153. (¬4) و (¬5) سقط من (ر). (¬6) في الأصول: غائبا. والجادة المثبت. (¬7) من (ر). (¬8) في (م): تدعون يسمعنا. (¬9) و (¬10) من (ر). (¬11) في (ر): عين. (¬12) "صحيح مسلم" (2704) (46). (¬13) في (ر): معينة. (¬14) في (م): قيد.

[(ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم] (¬1): يا أبا موسى) فيه نداء الرجل بكنيته إكرامًا له (ألا) [بتخفيف اللام للتنبيه فدل على تحقيق ما بعدها؛ لأنها مركبة من الهمزة ولا، وهمزة ألا استفهام إذا دخلت على النفي أفادت التحقيق] (¬2) كقوله: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ} (¬3) (أدلك على كنز من كنوز الجنة) كالكنز (¬4) في كونه شيئًا (¬5) نفيسًا مدخرًا مكتومًا (¬6) عن أعين الناس، وقيل: لا حول ولا قوة إلا بالله استسلام وتفويض إلى الله تعالى، ومعناه: لا حيلة [في دفع شر ولا قوة في] (¬7) تحصيل خير إلا بالله تعالى. قال العلماء: وسبب تسميتها بالكنز أنه يدخر له في الجنة من الثواب والأجر النفيس ما يحصل له به من الفرح والسرور ما لم (¬8) يحصل لمن وجد كنز المال في الدنيا (فقلت (¬9): وما هو؟ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله) ويعبر عن هذِه الكلمة بالحوقلة (¬10) والحولقة، وبالأول جزم ¬

_ (¬1) في (ر): قوله. (¬2) في (م): التخفف. (¬3) القيامة: 40. (¬4) في (م): كالكنية. (¬5) من (ر). (¬6) في (ر): مكنونًا. (¬7) من "شرح مسلم" للنووي 4/ 87. (¬8) سقط من (ر). (¬9) في (ر): قال. (¬10) "تهذيب اللغة" 5/ 242.

الأزهري (¬1) والجمهور، وبالثاني الجوهري (¬2) (¬3)، فعلى الأول الحاء والواو (¬4) من الحول والقاف من القوة واللام من الله، وعلى الثاني: الحاء والواو واللام من الحول والقاف من القوة. [1527] (حدثنا مسدد، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا سليمان، عن أبي عثمان) النهدي. (عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -: أنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهم يتصعدون) بتشديد العين، أي: يعلون (في ثنية) وهي العقبة كما في رواية (فجعل رجل) منهم (كلما علا الثنية نادى (¬5): لا إله إلا الله والله أكبر) وللبخاري: فلما علا عليها رجل (¬6) نادى فرفع صوته: لا إله إلا الله والله أكبر، قال: و (¬7) رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على بغلته فقال: "إنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا"، ثم قال: "يا أبا موسى - أو يا عبد الله ألا أدلك على كلمة من كنز الجنة. ." (¬8) الحديث. فإن قيل: لا إله إلا الله أفضل من لا حول ولا قوة إلا بالله فَلِمَا (¬9) قال ¬

_ (¬1) في (م): بالحولقة. (¬2) "الصحاح" 4/ 1464. (¬3) في (م): الأزهري. (¬4) في (م): القاف. (¬5) في (م): يقول. (¬6) من (ر). (¬7) من (ر). (¬8) "صحيح البخاري" (6409). (¬9) من (ر).

لهذا الرجل الذي رفع صوته بلا إله إلا الله: "ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة: لا حول ولا قوة إلا بالله". أجاب الطبري (¬1) أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان معلمًا لأمته، وكان لا يراهم على حالةٍ من الخير إلا أحب لهم الزيادة عليها، فأحب للذي رفع صوته بكلمة الإخلاص والتوحيد أن يردفها بالتبري من الحول والقوة لله تعالى وإلقاء القدرة (¬2) عليه، فيكون قد جمع مع التوحيد الإيمان بالقدر. ([قال نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنكم لا تنادون أصم] (¬3) ولا غائبًا) حتى ترفعوا أصواتكم، بل تنادون [من هو] (¬4) سميع قريب، وهو معكم بالعلم والإحاطة ([ثم قال: يا عبد الله بن قيس] (¬5) فذكر معناه) أي: معنى ما تقدم دون لفظه. [1528] حدثنا أبو صالح [محبوب بن موسى) الأنطاكي (ثنا] (¬6) أبو إسحاق) (¬7) إبراهيم بن محمد بن الحارث (الفزاري) بفتح الفاء وتخفيف الزاي كذا (¬8) ضبطه السمعاني (¬9) وقال: نسبة إلى فزارة [بن ذبيان] (¬10) ¬

_ (¬1) في النسخ: الطبراني. والمثبت من "شرح البخاري" لابن بطال 10/ 139. (¬2) في (م): القادرة. (¬3) في (ر): ثم قال يا عبد الله بن قيس. (¬4) من (ر). (¬5) سقط من (ر). (¬6) في (ر): عبد الغفار بن داود الحراني، روى عنه البخاري في آخر البيوع وغزوة حنين قال. (¬7) زاد في (م): بن. (¬8) في (م): الزاي لكن. (¬9) "الأنساب" 4/ 380. (¬10) في (م): بلاد بيان. وليست في "الأنساب".

قبيلة كبيرة من قيس (¬1) عيلان (عن عاصم) بن سليمان الأحول (عن أبي عثمان) النهدي. ([عن أبي موسى) الأشعري (بهذا الحديث) المذكور (وقال فيه) زيادة (فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا أيها الناس] (¬2) اربعوا) بكسر الهمزة وسكون الراء المهملة، وفتح الباء الموحدة، [ومعناه: ارفقوا (على أنفسكم) ولا تبالغوا في رفع الصوت] (¬3). قال ابن السكيت (¬4): يقال: ربع الرجل يربع إذا وقف وتحبس (¬5) (¬6)، وفي حديث شريح: حدث المرأة حديثين فإن أبت فأربع (¬7). يقول: حدثها حديثين، فإن أبت فأمسك واقتصر ولا تتعب نفسك ويضرب مثلًا للبليد. وقيل: فأربع أي: كرر القول لها أربع مرات. [1529] (حدثنا [محمد بن رافع، ثنا أبو الحسين] (¬8) زيد بن الحباب) بضم الحاء المهملة وتخفيف الباء الأولى العكلي (¬9) الخراساني، أخرج له مسلم والأربعة. ¬

_ (¬1) في (م): قريش. (¬2) سقط من (ر). وذكرها بعد ذلك. (¬3) سقط من (ر). (¬4) في (م): السكن. (¬5) "إصلاح المنطق" ص 190. (¬6) زاد في (ر): عن السير أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه بنحوه مطولًا ومختصرًا. (¬7) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (10607)، وابن قتيبة في "عيون الأخبار" 1/ 437. (¬8) سقط من (ر). (¬9) في (م): العتكي.

(ثنا عبد الرحمن بن شريح) بضم الشين المعجمة ابن (¬1) عبد الله المعافري (الإسكندراني) بكسر الهمزة نسبةً إلى الإسكندرية التي بناها ذو القرنين الإسكندر (¬2) قال: ([حدثني أبو] (¬3) هانئ) حميد بن هانئ (¬4) (الخولاني) أخرج له مسلم أيضًا. (أنه سمع أبا علي) عمرو بن مالك المصري، وثقه ابن معين (¬5) [ذكره البخاري في "التاريخ"] (¬6) (¬7) (الجنبي) بفتح (¬8) الجيم وسكون النون بعدها باء موحدة، هكذا ضبطه الذهبي، قال: وجنب بطن من مراد، وقال السمعاني: نسبةً إلى جنب قرية من اليمن (¬9)، وقيل: هم عدة قبائل (¬10): الغلي وسيحان وشمران وهفان (¬11) وغيرهم، يقال لهم: جنب؛ لأنهم كانوا منفردين فلما اجتمعوا عزوا وقوى بعضهم بعضًا، وقيل: هو بطن من مذحج وهم بنو منبه بن حرب، قيل لهم: جنب؛ لأنهم جانبوا أخاهم صداء وحالفوا سعد العشيرة. ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) زاد في (ر): وفي نسخة. . وليس كذلك بل التجيبي. (¬3) في (ر): ابن. (¬4) في (م): هادي. (¬5) "تاريخ ابن معين" برواية الدوري 3/ 520. (¬6) من (ر). (¬7) "التاريخ الكبير" للبخاري 6/ 370. (¬8) في (م): بضم. (¬9) "الأنساب" 2/ 91 وفيه: جنب قبيلة من اليمن. (¬10) في (م): حبائل. (¬11) في (م): نصيفان.

(أنه سمع أبا سعيد الخدري - رضي الله عنه -: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من قال: رضيت بالله) وفي بعض النسخ المعتمدة [الصحيحة "رضيت الله"] (¬1) بحذف الباء ونصب "الله" وهما لغتان يقال: رضيت الشيء ورضيت به رضًا اخترته واجتبيته (¬2). [قال صاحب "التحرير": معنى رضيت بالشيء قنعت به ولم أطلب معه غيره، فمعنى الحديث: لم أطلب غير الله] (¬3) (ربًّا) أي رضيت الله على الدوام ربًّا، أي سيدًا ومالكًا ومصلحًا ومدبرًا وقائمًا بإصلاح أموري ومعبودًا، (وبالإسلام) المذكور في قوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (¬4) [ولم أسع في غير طريقه] (¬5). وهو الذي (¬6) فسر به (¬7) حديث جبريل وهو الإيمان والأقوال والأعمال (¬8) والشعب (وبمحمد) صلى الله عليه وآله وسلم (رسولًا) إلى الخلق كافةً بالقرآن الذي هو معجزة مستمرة ولم أسلك إلا ما يوافق شريعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم (وجبت له الجنة) قال النووي: يجمع بين الأحاديث الواردة في ذلك أن المراد باستحقاق دخول الجنة ما أجمع ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) في (م): اجتبت. (¬3) من (ر). (¬4) آل عمران: 19. (¬5) من (ر). (¬6) سقط من (ر). (¬7) في (ر): في. (¬8) سقط من (ر).

عليه أهل السنة، أنه لا بد له من دخولها ولكل موحد إما معجلًا معافى وإما مؤخرًا (¬1) بعد عقابه (¬2). [1530] (حدثنا سليمان بن داود العتكي) بفتح المهملة والمثناة فوق نسبةً إلى العتيك وهو بطنٌ من الأزد [وهو عتيك بن النضر بن الأزد] (¬3). (حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن العلاء ابن عبد الرحمن) أخرج له مسلم والأربعة. (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني مولى الحرقة المدني (¬4)، أخرج له مسلم أيضًا. (عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من صلى عليَّ) مرةً (واحدة صلى الله عليه) الصلاة منَّا دعاء، ومن الله رحمة، وقد قيل: إن صلاة الله تعالى على نبيه هي ثناؤه عليه عند ملائكته. (عشرًا) كذا لمسلم (¬5)، وللترمذي: "من صلى عليَّ مرةً واحدةً كتب الله له (¬6) بها عشر حسنات" (¬7). وروى (¬8) النسائي (¬9) والطبراني (¬10) ¬

_ (¬1) في (م): يؤاخذ. (¬2) "شرح النووي على مسلم" 1/ 220. (¬3) من (ر). (¬4) في (ر): المديني. (¬5) "صحيح مسلم" (408). (¬6) سقط من (ر). (¬7) "سنن الترمذي" (484) تعليقًا. (¬8) في (م): رواية. (¬9) "سنن النسائي الكبرى" (9810). (¬10) "المعجم الكبير" 22/ 195 (513).

والبزار (¬1) (¬2) عن أبي بردة بن نيار (¬3)، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من صلى عليَّ من أمتي صلاةً مخلصًا من قلبه صلى الله عليه عشر صلوات، ورفعه بها عشر درجات، وكتب له بها عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات". قال عياض: معنى الصلاة رحمته وتضعيف أجره كما قال تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} (¬4) قال: وقد تكون الصلاة على وجهها وظاهرها تشريفًا له بين الملائكة كما جاء (¬5) في الحديث: "وإن ذكرني في ملإٍ ذكرته في ملإٍ خير منهم" (¬6). [1531] (حدثنا الحسن بن علي) [الحلواني (عن الحسين بن علي) ابن الوليد (الجعفي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر)] (¬7) الأزدي (¬8) الداراني. (عن أبي الأشعث) شراحيل (الصنعاني) نسبةً إلى صنعاء مدينة باليمن. (عن أوس بن أوس) الثقفي (قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن (¬9) من أفضل أيامكم يوم الجمعة) إدخال من التبعيضية [تدل على أنه من] (¬10) أفضل الأيام، ¬

_ (¬1) في (م): الترمذي. (¬2) "مسند البزار" (3799). (¬3) في (م): الأسلمي. (¬4) الأنعام: 160. (¬5) سقط من (ر). (¬6) "شرح النووي على مسلم" 4/ 128. (¬7) في (م): الحذاء عبد الرحمن بن يزيد بن خالص. (¬8) من (ر). (¬9) سقط من (ر). (¬10) في (م): بدل الدين.

وأن أفضل الأيام يوم عرفة. وفي "مسند أحمد" - رضي الله عنه - عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في يوم الجمعة: "هو (¬1) أفضل عند الله من يوم الفطر ويوم الأضحى" (¬2). لأنه عيد الأسبوع، وهو يتعلق بإكمال الصلاة المكتوبة، وهي أعظم أركان الإسلام ومبانيه (¬3) بعد الشهادتين، فإن الله فرض على المؤمنين كل يوم خمس صلوات وأيام الدنيا تدور على سبعة أيام، فكلما أكمل [دور أسبوع من أيام الدنيا استكمل المسلمون صلاتهم فيه، فشرع لهم في يوم استكمالهم اليوم الذي كمل الخلق] (¬4)، وفيه خلق آدم وأدخل الجنة وأخرج منها وفيه ينتهي أجل (¬5) الدنيا فتزول وتقوم الساعة ويجتمع المؤمنون فيه على الذكر والمواعظ وصلاة الجمعة وجعل ذلك لهم عيدًا. (فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه) ولفظ ابن ماجه عن أبي الدرداء: "أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة فإنه مشهود تشهده الملائكة" (¬6). (فإن صلاتكم معروضة عليَّ) زاد ابن ماجه: "حتى يفرغ منها". أي: تعرضها الملائكة عليه، وروى أبو الشيخ وابن النجار (¬7) عن عمار بن ياسر قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن لله تعالى ملكًا ¬

_ (¬1) في (ر): أنه. (¬2) "المسند" 3/ 430، ورواه ابن ماجه (1084) وحسنه البوصيري في "المصباح" 1/ 129، والألباني في "المشكاة" (1363). (¬3) سقط من (ر). (¬4) في (م): فيه. (¬5) في (ر): آخر. (¬6) "سنن ابن ماجه" (1637). (¬7) في (ر، م): ابن حبان. والمثبت الصواب.

أعطاه أسماع الخلائق (¬1) فهو قائم على قبري إذا مت فليس أحد يصلي عليَّ صلاة إلا قال: يا محمد صلى عليك فلان بن فلان، فيصلي الرب تبارك وتعالى على ذلك الرجل بكل [واحدة عشرًا] (¬2) " (¬3) رواه الطبراني في "الكبير" (¬4) بنحوه. (قال (¬5): فقالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت) بفتح الهمزة والراء وسكون الميم، بوزن ضربت، وأصله: أرممت. أي: بليت وصرت رميمًا، فحذفوا إحدى الميمين، وهي لغة كما قالوا: ظلت، أي: تفعل كذا، وأصله: ظللت بلامين قال الله: {ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا} (¬6) هذا هو المشهور، قال المنذري: وروى بعضهم (¬7) بضم الهمزة وكسر الراء. وفي "النهاية": أصل هذِه الكلمة من: رمَّ الميت وأرم إذا بلي، والرميم: العظم البالي، والفعل الماضي من أرم للمتكلم والمخاطب أرممتُ وأرممتَ إظهار للتضعيف، نحو سددت من شد، ومن أعد أعددت. قال: والذي جاء في هذا الحديث بالإدغام، ولم يظهروا التضعيف على ما جاء في الرواية احتاجوا أن يشددوا التاء ليكون (¬8) ما قبلها ساكنًا حيث (¬9) تعذر تحريك الميم الثانية [فإن صحت] (¬10) ¬

_ (¬1) في (م): السماع. (¬2) في (ر): صلاة عشر. (¬3) أخرجه أبو الشيخ وابن النجار كما في "الحبائك في أخبار الملائك" للسيوطي ص 122. (¬4) كذا عند الهيثمي في "المجمع" 10/ 162: وقال: فيه نعيم بن ضمضم وهو ضعيف. (¬5) سقط من (ر). (¬6) طه: 97. (¬7) سقط من (ر). (¬8) في (ر): لسكون. (¬9) في (ر): حين. (¬10) في (م): مما ترجحه.

الرواية، فلا يمكن تخريجه إلا على لغة بعض العرب فيما حكاه [الخليل عن ناس من بكر بن] (¬1) وائل: رَدَّت وَرَدَّت (¬2). وقال الحربي: الصواب: أرمَّتْ فتكون تاء التأنيث لتأنيث العظام (¬3). والصواب الأول. (قال: إن الله حرَّم على الأرض أجساد الأنبياء) وتقدم أن بعضهم استنبط من هذا الحديث جواز الصلاة في مقبرة الأنبياء (¬4) لانتفاء علة النجاسة. قلت: ويحتمل أن يكون في معنى الأنبياء الشهداء (¬5)؛ لقوله تعالى: {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (¬6) الآية، [وتقدم الحديث في صلاة الجمعة بزيادة فيه فليراجع] (¬7) ولفظ ابن ماجه: "حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء" (¬8). ¬

_ (¬1) من "النهاية" ليستقيم السياق. (¬2) "النهاية" (رمم). (¬3) كذا نقل في "النهاية" عن الحربي، والذي في "غريب الحديث" للحربي 1/ 71: والصواب: وقد أرممت أو رممت. (¬4) سقط من (ر). (¬5) من (ر). (¬6) آل عمران: 169. (¬7) من (ر). (¬8) "سنن ابن ماجه" (1085).

27 - باب النهي عن أن يدعو الإنسان على أهله وماله

27 - باب النَّهْي عَنْ أَنْ يَدْعُوَ الإِنْسانَ عَلَى أَهْلِهِ وَمالِهِ 1532 - حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ عَمَّارٍ وَيَحْيَى بْنُ الفَضْلِ وَسُلَيْمانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالُوا: حَدَّثَنا حاتِمُ بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا يَعْقُوبُ بْنُ مُجاهِدٍ أَبُو حَزْرَةَ، عَنْ عُبادَةَ بْنِ الوَلِيدِ بْنِ عُبادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلا تَدْعُوا عَلَى أَوْلادِكُمْ وَلا تَدْعُوا عَلَى خَدَمِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَمْوالِكُمْ؛ لا تُوافِقُوا مِنَ اللهِ تَبارَكَ وَتَعالَى سَاعَةَ نَيْلٍ فِيها عَطاءٌ فَيَسْتجِيبَ لَكُمْ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هذا الحَدِيثُ مُتَّصِلُ الإِسْنادِ، فَإِنَّ عُبادَةَ بْنَ الوَلِيدِ ابْنِ غبادَةَ لَقِيَ جابِرًا (¬1). * * * باب النهي أن يدعو الإنسان على أهله وماله [1532] (حدثنا هشام بن عمار) الدمشقي، شيخ البخاري (ويحيى بن الفضل) السجستاني (وسليمان بن عبد الرحمن) بن عيسى بن ميمون التميمي الدمشقي، أخرج له البخاري والأربعة. (قالوا) الثلاثة (حدثنا حاتم بن إسماعيل) (¬2) الكوفي، سكن المدينة (حدثنا يعقوب بن مجاهد) المدني (أبو حزرة) بفتح الحاء المهملة، وسكون الزاي (¬3)، أخرج له مسلم. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (3009). (¬2) في (ر): عيسى. (¬3) في (ر): الراء.

(عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت) أخرج له الشيخان (¬1) (عن جابر بن عبد الله) - رضي الله عنه -. (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تدعوا على [أنفسكم) يعني: للضجر والغضب بالموت ونحوه، ولا تلعنوها، كما سيأتي (ولا تدعوا على] (¬2) أولادكم) فإن دعاء الوالد على ولده يفضي إلى الحجاب، كما في ابن ماجه (¬3)، وترتفع الحجب عند دعائه (ولا تدعوا على خدمكم) وهم من جملة الأموال المذكورة بعده، لكن قد يدخل في عموم الخدم الخادم متبرعًا، وهو أولى بالنهي من الدعاء على [من يملكه] (¬4) (ولا تدعوا على أموالكم) باللعنة ولا بغيرها، وهذا النهي ورد حين دعا الرجل على بعيره (¬5) (لا توافقوا) أي: لئلا تصادفوا ساعة الإجابة، فإن لله ساعات يستجاب فيها الدعاء، أخفاها الله عن عباده. (من الله تعالى ساعة نيل) بكسر النون وسكون المثناة تحت [وفي رواية بعضها بفتح النون] (¬6) (فيها عطاء) أي: أنال الله فيها [أحدًا عطاء] (¬7)، ورواية مسلم (¬8): "يسأل فيها عطاء". ¬

_ (¬1) في (ر): البخاري. (¬2) سقط من (ر). (¬3) "سنن ابن ماجه" (3863). (¬4) في (م): ما يملك. (¬5) في (م): خيره. (¬6) من (ر). (¬7) في (م): أحد عطاءه. (¬8) "صحيح مسلم" (3009).

وليس في مسلم ذكر الخدم، وهو في أواخر مسلم، حين تلدن (¬1) البعير؛ فلعنه [فأمره رسول الله بالنزول عنه] (¬2) (فيستجيب) بالنصب (¬3)؛ جواب النهي (لكم) دعاءكم وإن لم تقصدوه وكنتم كارهين لوقوعه واستجابته. (قال المصنف: هذا الحديث) بالرفع (متصل) الإسناد فإن (¬4) (عبادة بن الوليد بن عبادة) بن الصامت (لقي جابرًا) وروى عنه، وروى عن أبيه عبادة، وعن عائشة وجماعة من الصحابة، وهو تابعي، وثقه أبو زرعة والنسائي (¬5). وفي هذا الحديث النهي عن دعاء الإنسان على نفسه واللعنة، ولا يصدر ذلك إلا عند (¬6) الضجر والغضب، لكن قد (¬7) روي عن شهر (¬8) ابن حوشب - رضي الله عنه - قال: قرأت في بعض الكتب أن الله تعالى يقول للملائكة الموكلين بالعبد: لا تكتبوا الدعاء على عبدي في حال ضجره. لطفًا من الله [تعالى عليه] (¬9)، وردَّه بعضهم لحديث جابر المذكور. ويحتمل أن يراد بقوله: "ولا تدعوا على أنفسكم": لا ¬

_ (¬1) في (ر): تلدد. ومعنى تلدن: تلكأ. (¬2) في (م): فالمرة. (¬3) سقطت من (ر). (¬4) في (م): وإن. وقد تكررت. (¬5) سقط من (ر). (¬6) من (ر). (¬7) من (ر). (¬8) في (م): سهل. (¬9) في (ر): عليه. وفي (م): تعالى.

يدعو بعضكم على بعض كما أجمع عليه أهل التأويل كما (¬1) قال القرطبي: إن المراد بقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} (¬2): لا يقتل بعض الناس بعضًا (¬3). وفيه النهي عن الدعاء على الأولاد، ويؤخذ منه النهي عن دعاء الأولاد على آبائهم من (¬4) باب الأولى؛ لعظم (¬5) حقوقهم عليهم، ويدخل فيه التسبب إلى لعنهم وسبهم؛ كما في قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} (¬6)، لكن ذكر القرطبي أنه ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "إني سألت الله تعالى أن لا يستجيب دعاء حبيب على حبيبه" (¬7). وفيه النهي عن الدعاء على الأموال، ويدخل فيه الدواب والرقيق والمكاتبون، وهذا الحديث وإن كان سببه خاص كما في "صحيح مسلم" (¬8) من حديث جابر الطويل: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) النساء: 29. (¬3) "الجامع لأحكام القرآن" 5/ 156. (¬4) سقط من (م). (¬5) في (م): تعظيم. (¬6) الأنعام: 108. (¬7) "الجامع لأحكام القرآن" 8/ 315 وهذا الحديث له قصة بين النقاش والدارقطني وقد أنكره عليه، رواها وروى الحديث بإسناده الخطيب في "تاريخ بغداد" 2/ 202 - 203. (¬8) تقدم تخريجه.

وآله وسلم في غزاة (¬1) بطن بواط [وكان الناضح يعقبه] (¬2) منا الخمسة والستة والسبعة، فدارت عقبة (¬3) رجل من الأنصار على ناضح له فأناخه ثم ركبه، ثم بعثه فتلدن (¬4) عليه بعض التلدن (¬5) فقال له: شأ لعنك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من هذا اللاعن بعيره؟ " قال رجل (¬6): أنا يا رسول الله، قال: "انزل عنه (¬7)، فلا تصحبنا بملعون، لا تدعوا على أنفسكم". . الحديث. والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وفيه أن لله ساعات مجهولة يستجاب فيها الدعاء، فمن أكثر الدعاء في غالب أوقاته، فجدير أن يوافق ساعة الإجابة، وفيه كثرة شفقته [صلى الله عليه وآله وسلم، وعظم] (¬8) رأفته على أمته. ¬

_ (¬1) في (م): صلاة. (¬2) في (م): كنان لنا صبيح بعضه، وفي مسلم: يعقبه. بدلا من: يعتقبه. (¬3) في (م): عنه. (¬4) في (م): فتلدان. (¬5) في (م): التلدان. (¬6) من (ر). (¬7) في (م): علينا. (¬8) سقط من (ر).

28 - باب الصلاة على غير النبي - صلى الله عليه وسلم -

28 - باب الصَّلَاةِ علَى غَيْرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - 1533 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ نُبَيْحٍ العَنَزِيِّ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: صَلِّ عَلَي وَعَلَى زَوْجِي. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "صَلَّى اللهُ عَلَيْكِ وَعَلَى زَوْجِكِ" (¬1). * * * باب الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم [1533] (حدثنا محمد بن عيسى) بن نجيح البغدادي، روى عنه البخاري تعليقًا. (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله الحافظ (عن الأسود بن قيس، عن نبيح) بضم النون وفتح الباء الموحدة مصغر الكوفي (العنزي) بفتح المهملة (¬2) والنون ثقة. (عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أن امرأة قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: صلِّ عليَّ وعلى زوجي) أي: ادع لي وله، وفيه دليل على استحباب طلب الدعاء من الكبير، وأهل الخير والصلاح، وفيه طلب الدعاء للزوج والزوجة والأولاد (¬3) والآباء والأجداد، والأقارب، والإخوان في غيبتهم وحضورهم، وفيه تقديم البدأة بنفس الإنسان على غيره في (¬4) ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 297، والنسائي في "الكبرى" (10256). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1372). (¬2) في (م): الموحدة. (¬3) من (ر). (¬4) في (م): وفيه.

دعائه (¬1)، وفيه جواز قول المرأة: زوجي، وإن كان الأفضل: سيدي، كما سيأتي في حديث أم الدرداء بعده. (فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: صلى الله عليك وعلى زوجك) احتج به من رأى جواز الصلاة على غير الأنبياء، وبحديث "الصحيح" (¬2): "اللهم صل على آل أبي أوفى" (¬3). وأجاب عنه من (¬4) لم يجز ذلك [وهو الشافعي ومالك والجمهور] (¬5) بأن الصلاة لما كانت حقًّا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان له أن ينعم بها على غيره، وغيره لا يتصرف فيما ليس حقًّا له، كما أن صاحب المنزل يجلس غيره على تكرمته وغيره لا يفعل ذلك. قال ابن عبد السلام: لا يستحب أن يذكر مع الأنبياء إلا من صحّ ذكره، وهم: الآل والأزواج والذرية، بخلاف من عداهم صحابيًّا كان أو غيره. ¬

_ (¬1) زاد في (م): وطلب الدعاء من غيرهم كما قال تعالى: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} [نوح: 28]، {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا} [الحشر: 10]. (¬2) من (ر). (¬3) أخرجه البخاري (1497)، ومسلم (1078/ 176) من حديث عبد الله بن أبي أوفى. (¬4) سقط من (ر)، ومكانها في (م): يعدد ذلك. (¬5) من (ر).

29 - باب الدعاء بظهر الغيب

29 - باب الدُّعاءِ بِظَهْرِ الغَيْبِ 1534 - حَدَّثَنا رَجَاءُ بْنُ المُرَجَّى، حَدَّثَنا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، أَخْبَرَنا مُوسَى بْنُ ثَرْوانَ حَدَّثَنِي طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ كَرِيزٍ، حَدَّثَتْنِي أُمُّ الدَّرْداءِ، قَالَتْ: حَدَّثَنِي سَيِّدِي أَبُو الدَّرْداءِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِذَا دَعا الرَّجُلُ لأَخِيهِ بِظَهْرِ الغَيْبِ قَالَتِ المَلائِكَةُ آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ" (¬1). 1535 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيادٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ أَسْرَعَ الدُّعاءِ إِجابَةً دَعْوَةُ غائِبٍ لِغائِبٍ" (¬2). 1536 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا هِشامٌ الدَّسْتَوائِيُّ، عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "ثَلاثُ دَعَواتٍ مُسْتَجاباتٌ لا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الوالِدِ، وَدَعْوَةُ المُسافِرِ، وَدَعوَةُ المَظْلُومِ" (¬3). * * * باب الدعاء بظهر الغيب [1534] (حدثنا رجاء بن المرجى) بتخفيف الجيم الأولى وتشديد (¬4) الثانية (¬5)، الغفاري المروزي الحافظ الجوال، قال الخطيب: ثبتٌ إمام ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2732). (¬2) رواه الترمذي (1980)، وعبد بن حميد (331)، والبخاري في "الأدب المفرد" (623). وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (841). (¬3) رواه الترمذي (1905)، وابن ماجه (3862)، وأحمد 2/ 258، والبخاري في "الأدب المفرد" (32). وحسنه الألباني في "الصحيحة" (596). (¬4) في (م) بياض. (¬5) من (م).

في علم الحديث (¬1) (حدثنا النضر بن شميل) المازني البصري، النحوي، شيخ مرو ومحدثها (أنا موسى بن ثروان) بفتح الثاء المثلثة وسكون الراء ويقال: ابن [فروان، بالفاء العجلي البصري، المعلم أخرج له مسلم، قال (حدثني طلحة بن عبيد الله) بالتصغير (ابن] (¬2) كريز) بفتح الكاف وكسر الراء، وبعد الياء زاي، الخزاعي الكعبي (¬3)، أخرج له مسلم. [(قال: حدثتني)] (¬4) (أم الدرداء) الصغرى (¬5) التابعية (¬6)، اسمها هجيمة، وقيل: جهيمة (قالت: حدثني سيدي [تعني: أبا الدرداء) وفيه تعظيم الزوج بتسميته: سيدي (¬7) (أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إن (¬8) دعا الرجل لأخيه) ولمسلم (¬9): "ما من عبد مسلم يدعو لأخيه" (بظهر الغيب) (¬10) معناه: في غيبة (¬11) المدعو له، ¬

_ (¬1) "تاريخ بغداد" 8/ 411. (¬2) من (ر). (¬3) في (ر): الحلبي. (¬4) مكانها في (ر): وكل ما في رواية الأخبار: كريز بضم الراء، إلا هذا، وليس له غير هذا الحديث عن. قلت: كذا جاء: كريز بضم الراء! ! والصواب أي يقال: كريز، بضم الكاف. (¬5) في (م): البصري. (¬6) سقط من (ر). (¬7) في (ر): سيدًا. (¬8) سقطت من (م). (¬9) في (ر): رواية مسلم. (¬10) "صحيح مسلم" (2732) (86). (¬11) في (م): عمر.

وفي سره، كأنه من وراء معرفته ومعرفة الناس، وخصَّ حالة الغيبة بالذكر للبعد عن الرياء والأغراض (¬1) الفاسدة أو المنقصة للأجر؛ فإنه في حال الغيبة يتمحض الإخلاص، ويصح قصد وجه الله تعالى بذلك فتوافقه الملائكة و [جاءته البشارة] (¬2) على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن له مثل ما دعا لأخيه، والأخوة هنا الأخوة الدينية، وقد تكون معها صداقة ومعرفة وقد لا تكون، وقد يتعين المدعو له وقد لا يتعين، فإن الإنسان إذا دعا لإخوانه المسلمين حيث كانوا وأخلص في دعائه وصدق (قالت الملائكة) ولمسلم: "قال الملك الموكل به". وتطلق الملائكة والمراد بها واحد كما في قوله تعالى: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ} (¬3) قيل: هو جبريل، ويقال: هذا الملك غير الكاتبين، فإن في رواية لمسلم (¬4) عن صفوان: قدمت الشام، فأتيت أبا الدرداء في منزله فلم أجده، ووجدت أم الدرداء فقالت: أتريد الحج العام؟ فقلت: نعم. [فقالت: فادع] (¬5) لنا بخير؛ فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: "دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، وعند رأسه ملك موكل، كلما دعا لأخيه بخير (¬6) قال الملك الموكل ¬

_ (¬1) في (م): الآراء. (¬2) في (ر): جابه اللسان. (¬3) آل عمران: 39. (¬4) "صحيح مسلم" (2733) (88). (¬5) في (ر): ادع. (¬6) من (ر).

به": (آمين ولك بمثل) بكسر الميم وسكون المثلثة، وقيل (¬1): بفتحها. قال النووي: الأولى هي المشهورة (¬2). والتنوين [في "بمثل" عوض عن اسمها، ولك من الأجر] (¬3) بدعائك مثل (¬4) ما دعوت له به، وفي هذا فضل الدعاء لأخيه المسلم بظهر الغيب، ولو دعى لجماعة من المسلمين معينين أو غير معينين حصل (¬5) هذِه الفضيلة، ولو دعى لجملة المسلمين، قال النووي: فالظاهر حصولها أيضًا، وكان بعض السلف إذا أراد أن يدعو لنفسه بدعوة يدعو لأخيه المسلم بتلك (¬6) الدعوة؛ لأنها مستجابة ويحصل له مثلها (¬7). فإن تأمين الملك على دعائه ودعائه (¬8) له بمثله أقرب للإجابة؛ لأن الملائكة معصومون. [1535] (حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح، حدثنا ابن وهب) قال (حدثني عبد الرحمن بن زياد (¬9)، عن أبي عبد الرحمن) عبد الله الحبلي. (عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن أسرع الدعاء إجابة) وليس بينها وبين الله حجاب (دعوة ¬

_ (¬1) في (ر): بمثل. (¬2) "شرح مسلم" 16/ 153. (¬3) في (م): مثل تنوين عوض عن اسم ذلك من الآخر. (¬4) في (م): منك. (¬5) في (ر): حصلت. (¬6) في (ر): بذلك. (¬7) "شرح النووي على مسلم" 17/ 49. (¬8) في (م): ودعواته. (¬9) في (م): يزيد.

غائب لغائب) وروى الطبراني عن ابن عباس قال (¬1): قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "دعوتان ليس بينهما وبين الله حجاب: دعوة المظلوم، ودعوة المرء لأخيه بظهر الغيب" (¬2). [1536] (حدثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي (حدثنا هشام الدستوائي، عن يحيى) بن أبي كثير اليمامي (¬3). (عن أبي جعفر) الأنصاري المدني المؤذن، قال الترمذي: لا يعرف اسمه، قال الحافظ المزي: [نقل أنه] (¬4) محمد بن علي بن الحسين (¬5) قال: فإن صح هذا فليس بأنصاري، أخرج له البخاري في "الأدب" (¬6). (عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ثلاث دعوات) بفتح العين (¬7) (مستجابات لا شك فيهن) أي: في استجابتهن: (دعوة الوالد) زاد الترمذي: "على ولده" (¬8). والجد (¬9) في معنى الوالد، والوالدة والجدة (¬10) كذلك، والمعلم في معنى الوالد، بل ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) "المعجم الكبير" (11232). (¬3) في (م): التهامي. (¬4) في (م): قيل إن. (¬5) "تهذيب الكمال" 33/ 191. (¬6) "الأدب المفرد" (32). (¬7) سقط من (ر). (¬8) "سنن الترمذي" (1905). (¬9) في (ر): الجدة. (¬10) في (ر): الجد.

أعظم؛ حتى قال بعض أصحابنا: عقوق الوالد يغفر بالتوبة منه (¬1)، بخلاف عقوق الشيخ المعلم (ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم) زاد البزار (¬2) (¬3) وغيره فيهما، فقال: "دعوة المسافر حتى يرجع، ودعوة المظلوم حتى ينتصر"، وروى الإمام أحمد بإسناد حسن عن أبي هريرة أيضًا، قال (¬4): قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرًا، ففجوره على نفسه" (¬5). وللحاكم: "اتقوا دعوة المظلوم؛ فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرارة" (¬6). ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) في (م): الترمذي. (¬3) "كشف الأستار عن زوائد مسند البزار" (3139). (¬4) سقط من (ر). (¬5) "مسند أحمد" 2/ 367. (¬6) "المستدرك" للحاكم 1/ 29. وقال الألباني في "الصحيحة" (871): إسناده جيد.

30 - باب ما يقول إذا خاف قوما

30 - باب ما يَقُولُ إِذَا خَافَ قَوْمًا 1537 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنا مُعاذُ بْنُ هِشامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا خَافَ قَوْمًا قَالَ: "اللَّهُمَّ إِنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ" (¬1). * * * باب ما يقول إذا خاف قومًا [1537] [(حدثنا محمد بن المثنى)] (¬2) (حدثنا معاذ بن هشام) بن أبي عبد الله الدستوائي قال: (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله، الدستوائي (عن قتادة، عن أبي بردة) عامر (بن عبد الله [أن أباه) عبد الله] (¬3) بن قيس وهو أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه -. (حدثه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا خاف قومًا) من الكفار أو من غيرهم (قال) عند رؤيتهم: (اللهم إنا نجعلك في نحورهم) فيه حذف يحتمل أن يكون تقديره: نجعل سهام أوليائك، أو سيوف أنصار (¬4) ذمتك في نحور أعدائك، وفي الأول حذف [أيضًا، فهو كقوله تعالى: {كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} (¬5)، أي: كدوران ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 414، والطيالسي (526)، والنسائي في "الكبرى" (8631). وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (4706). (¬2) من (ر). (¬3) سقط من (ر). (¬4) غير مقروءة في (ر). (¬5) الأحزاب: 19.

عيني الذي، وفي الثاني حذف] (¬1) مضافين (¬2) كقوله تعالى: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ} (¬3)، أي: فكان مقدار مسافة مثل قاب، وقد يكون من مجاز الاستعمال (¬4)، والمراد به (¬5) طلب إهلاكهم، لأن المنحر هو المقتل وموضع الهلاك غالبًا، والله أعلم. (ونعوذ بك) أي: نلتجئ إليك من كل ما يحذر (¬6) (من شرورهم) وفي "الموطأ" ومسلم: "من قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء" (¬7). ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) في (م): أيضًا فإن. (¬3) النجم: 9. (¬4) في (م): جواز الاستعارة. (¬5) من (ر). (¬6) في (م): يحدث. (¬7) أخرجه مالك في "الموطأ" 2/ 978، ومسلم (2708) من حديث خولة بنت حكيم.

31 - باب في الاستخارة

31 - باب فِي الاسْتِخَارَةِ 1538 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُقَاتِلٍ، خالُ القَعْنَبِيِّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى - المَعْنَى واحِدٌ - قَالُوا: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي المَوالِ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ المُنْكَدِرِ أَنَّهُ سَمِعَ جابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعَلِّمُنا الاسْتِخَارَةَ كَما يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ يَقُولُ لَنا: "إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ وَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيم، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلام الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ - يُسَمِّيهِ بِعَيْنِهِ الذِي يُرِيدُ - خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعاشِي وَمَعادِي وَعاقِبَةِ أَمْرِي فاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي وَبارِكْ لِي فِيهِ، اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُهُ شَرًّا لِي مِثْلَ الأَوَّلِ فاصْرِفْنِي عَنْهُ واصْرِفْهُ عَنِّي واقْدُرْ لِيَ الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ". أَوْ قَالَ: "فِي عاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ". قَالَ ابن مَسْلَمَةَ وابْنُ عِيسَى: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جابِرٍ (¬1). * * * باب الاستخارة [1538] (حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، وعبد الرحمن بن مقاتل) أبو سهل ثقة (خال) عبد الله (القعنبي، ومحمد (¬2) بن عيسى والمعنى واحد) وإن اختلف اللفظ (قالوا) الثلاثة. ([حدثنا عبد الرحمن بن أبي الموال) بفتح الميم، وقال قتيبة] (¬3): [هو ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1162). (¬2) زاد قبلها في (ر): ثنا عبد الرحمن بن أبي المزار. (¬3) سقط من (ر).

ابن زيد] (¬1) بن أبي الموال مولى علي (¬2) بن أبي طالب أخرج له البخاري في باب عقد الإزار، وحديث الاستخارة قال: (حدثني محمد بن المنكدر أنه سمع جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلمنا) صلاة (الاستخارة) ودعاءها (كما يعلمنا السورة من القرآن) وجه الشبه (¬3) بينهما إما من جهة حفظ حروفه، وترتيبها، وعدم تغيير شيء من حروفها، ومن منع الزيادة على تلك الألفاظ والنقص منها، أو يكون الشبه في عدم الفرضية (¬4)؛ لأن السورة [ما عدا] (¬5) أم القرآن تعلمها من طريق المندوب، أو الشبه من طريق الاهتمام بحفظها والمعاهدة عليها. (يقول لنا (¬6): إذا هَمَّ أحدكم بالأمر) أي: إذا خطر له خاطر بأمر من الأمور، وليس له فيه (¬7) الرغبة القوية، يستخير الله تعالى فيه فيتبين له بعد الاستخارة بتوفيق الله تعالى الأرجح، قال ابن أبي جمرة: وإنما قلنا ذلك؛ لأنه إذا تمكن الأمر عنده حتى صارت له فيه نية وإرادة فقد (¬8) حصل له ميل وحب له، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: "حبك ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ر): آل علي. (¬3) في (ر): التشبيه. (¬4) في (م): الفريضة. (¬5) سقط من (ر). (¬6) من (ر). (¬7) في (ر): فيها تلك. (¬8) من (ر).

للشيء يعمي ويصم" (¬1). فهذا لا يظهر له فيه الإرشاد لميله الذي عزم عليه، قال: ويحتمل أن يكون الهم بمعنى النية؛ لأن النفس لا تخلو من الخطرات، وأكثرها لا يثبت، فلا يستخير إلا على شيء ينويه ويعزم عليه؛ لئلا يستخير في أمرٍ لا يعبأ به فيكون سوء أدب. (فليركع) وإنما جاءت الصلاة في الاستخارة دون غيرها من الدعوات؛ لأن الاستخارة من أهم الأمور وأعظمها بركة؛ لأن فيها صلاح الدين والدنيا والآخرة، وطالب مراد الله تعالى يحتاج إلى قرع باب الملك بأدب [ولا شيء أنجع ولا أنجح] (¬2) يقرع به باب المولى من الصلاة، لما جمع فيها من التعظيم لله، والثناء عليه، والافتقار إليه وتلاوة كتابه الذي به مفاتيح الخير (ركعتين من غير الفريضة) فيه استحباب صلاة ركعتين، وظاهر رواية الإمام الزيادة على ركعتين؛ فإنه روى عن أبي أيوب الأنصاري بلفظ: "فأحسن وضوءك وصل ما كتب الله لك، ثم احمد ربك ومجده" (¬3) (¬4). قال بعض السلف: يقرأ بعد الفاتحة في الأولى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} إلى قوله تعالى: {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (¬5) ويقرأ في الثانية [بعد الفاتحة] (¬6) {وَمَا كَانَ ¬

_ (¬1) سيأتي برقم (5130). (¬2) في (م، ر): أرفع من باب. ولا يستقيم السياق بها، والمثبت مما نقله ابن حجر عن أبي جمرة في "فتح الباري" 11/ 186. (¬3) في (م): بحمده. (¬4) أخرجه أحمد 5/ 423، والحاكم 1/ 314 من حديث أبي أيوب الأنصاري. وقال الحاكم: تفرد به أهل مصر ورواته عن آخرهم ثقات ولم يخرجاه. (¬5) القصص: 68 - 70. (¬6) سقط من (ر).

لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (¬1) من غير الفريضة المكتوبة، بل تطوعًا لله تعالى [وتحصل عقب] (¬2) السنن الراتبة، وتفعل هذِه الصلاة في كل وقت [عندنا إلا وقت الكراهة] (¬3) على الأصح؛ لأن سببها متأخر عنها. (وليقل) وللبخاري (¬4): "ثم ليقل". ولفظ المصنف بالواو أقرب إلى المعنى من (ثم) الدالة على المهلة؛ إذ المراد انتقال الفاعل من حال الصلاة عند تمامها إلى حال الدعاء لا المهلة. (اللهم) هذِه اللفظة هي (¬5) من أرفع ما يستفتح به الدعاء (إني أستخيرك) أي: أطلب منك الخيرة (بعلمك) الذي أحاط بجميع الأشياء، [لا بعلمي القاصر عن كل شيء (وأستقدرك) أي: أسأل منك وأطلب أن تجعل لي قدرة (بقدرتك) لفظ النسائي: "وأستهديك بقدرتك" (¬6) التي لا تعجز عن شيء من الأشياء] (¬7) وأنا العاجز عن جميع الأشياء إلا بقدرتك، [والباء في قوله: "بعلمك"، و"بقدرتك" للاستعطاف] (¬8). وفيه دليل على أن العبد لا يكون قادرًا إلا مع الفعل لا قبله كما تقول ¬

_ (¬1) الأحزاب: 36. (¬2) في (م): في تحصيل عقيب. (¬3) في (م): الكراهة على الكراهة. (¬4) "صحيح البخاري" (7390). (¬5) سقط من (ر). (¬6) رواه النسائي 6/ 80 بلفظ: "وأستعينك بقدرتك". (¬7) و (¬8) من (ر).

القدرية؛ فإن الله هو خالق الهم بالشيء والقدرة عليه والفعل مع القدرة. قال ابن بطال: القادر والقدرة من صفات الذات، [والقدرة والقوة بمعنى واحد مراد (¬1). قال] (¬2) (وأسألك من فضلك العظيم) إذ كل عطاء الرب جل جلاله فضل، فليس عليه (¬3) لأحد حق واجب في نعمه ولا في شيء، وكل ما يهب فهو زيادة مبتدأة من عنده لم يقابلها منا عوض ولا عمل فيما مضى، ولا يقابلها فيما يستقبل، فإن وفق العبد للشكر والحمد فهو نعمة (¬4) وفضل يفتقر أيضًا إلى حمدٍ وشكر هكذا إلى غير نهاية، بخلاف ما تعتقده المبتدعة التي تقول أنه واجب على الله أن يبتدئ العبد بالنعمة، وقد خلق له القدرة، وهي باقية فيه. (فإنك تقدر) بكسر الدال (ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم) فيه تصريح بما تقتضيه قوة الكلام (¬5)؛ لأنه لا يعرف ذلك إلا أربابه (¬6) وهم قلائل، والدعاء يحتاج [إليه من يعرف] (¬7) ذلك ومن لا يعرفه، وفيه التصريح بعقيدة أهل السنة فإنه نفى القدرة، والعلم عن العبد وهما موجودان، والحقيقة في ذكر (¬8) الاعتراف بأن القدرة لله، والعلم لله ليس للعبد من ¬

_ (¬1) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 10/ 418. (¬2) و (¬3) سقط من (ر). (¬4) زاد بعدها في (ر): منك. (¬5) زاد في (م): والفائدة في إظهار أن الغالب في الناس عدم فهم ما تقتضيه قوة الكلام. (¬6) في (م): أراد به. (¬7) في (م): إلى معرفة. (¬8) في (ر): فكرة.

ذلك إلا ما خلق له بارئه. يقول (¬1): فأنت يا رب تقدر قبل أن تخلق فيَّ القدرة، وتقدر (¬2) مع خلقها وتقدر بعدها، وأنا في الأحوال كلها محل لمقدوراتك وكذلك في العلم. (وأنت علام الغيوب) أي: علام بجميع الغيوب على حد الكمال، وزيادة الثناء على المولى من أنجح (¬3) الوسائل وأنفعها (¬4)، وهذا هو حقيقة الافتقار والاضطرار. (اللهم) أعاد هذِه الكلمة لما فيها من زيادة الرغبة والخير (¬5) (فإن كنت) [نسخة: إن كنت] (¬6) (تعلم أن هذا الأمر) الذي أستخيرك فيه، و (يسميه بعينه الذي يريد) يعني: الذي يريد المستخير أن يفعله، هذا مدرج من كلام الراوي لا أنه (¬7) من نفس الحديث ولم يذكره البخاري (¬8) إلا بعد تمام الحديث، فإن كانت الاستخارة لزواج امرأة فيسميها فيقول: اللهم إن كنت تعلم أن زواجي لفلانة الفلانية (¬9) خير إلى آخره (خير لي في ديني) قدَّم الدِّين؛ لأنه الأهم في جميع الأمور؛ فإنه إذا سلم فالخير (¬10) حاصل تعب صاحبه أو لم يتعب، وإذا اختل الدين فلا خير بعده (ومعاشي) المعاش والمعيشة مكتسب الإنسان الذي يعيش به في دنياه، وفي رواية أحمد: في "ديني ودنياي" (¬11). ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) في (م): وتعلم. (¬3) في (ر): أحج. (¬4) في (ر): أبلغها. (¬5) زاد في (م): اللهم. (¬6) من (ر). (¬7) سقط من (ر). (¬8) "صحيح البخاري" (6382). (¬9) في (م): الفانية. (¬10) في (م): الدين في الخير. (¬11) "مسند أحمد" 5/ 423.

بدل معاشي، والمعنى متقارب (ومعادي) أي: آخرتي كما في رواية أحمد (¬1) (وعاقبة أمري) كما في رواية البخاري: لكن في رواية البخاري بالشك من الراوي هل قال: "معاشي وعاقبة أمري" أو قال: "عاجل أمري وآجله" (¬2). فجمع المصنف في روايته بينهما فهي أربعة أقسام: خير يكون له في دينه دون دنياه، وهذا هو المقصود لعموم الخلق. ثانيها: خير له في دنياه خاصة (¬3) لا يعرض لدينه فذلك حظ حقير (¬4). ثالثها: خير له (¬5) في العاجلة، وذلك يحتمل في الدنيا ويحتمل للابتداء، ويكون في الآخرة أولى. ورابعها: خير له (¬6) في الانتهاء، وذلك أولاه وأفضله. ولكن إذا جمع الأربعة فذلك الذي ينبغي للعبد أن يسأل ربه، ومن دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة (¬7) زيادةً لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شر إنك على كل شيء قدير" (¬8). (فاقدره) ضبطه الأصيلي بكسر الدال، وبالكسر والضم ضبطه غيره، كلاهما مأخوذ من القدرة (ويسره لي) من التيسير؛ مخافة أن يقدر له ما له ¬

_ (¬1) السابق. (¬2) "صحيح البخاري" (6382). (¬3) في (م): حاصله. (¬4) في (ر): خفية. (¬5) و (¬6) من (ر). (¬7) في (م): الجنة. (¬8) أخرجه مسلم (2720) من حديث أبي هريرة، وليس فيه: (إنك على كل شيء قدير).

فيه الخيرة، ولكن يتعب في تحصيله (وبارك لي فيه) أي: أدمه لي وزد لي فيه البركة والخير وضاعفه. (اللهم إن كنت تعلمه) لفظ البخاري: "وإن كنت تعلم أن هذا الأمر" (¬1) (شرًّا لي) بقوله: (مثل) بالنصب. (الأول) أي مثل ما تقدم. وفيه حجة على القدرية الذين يزعمون أن الله لا يخلق الشر، تعالى عما يفترون، فقد أبان في هذا الحديث أن الله تعالى هو المالك للشر، والخالق له وهو المدعو بصرفه عن العبد؛ لأن محالًا أن يسأل العبد صرف ما يملكه (¬2) من نفسه وما يقدر على اختراعه، وفائدة الإعادة لوجهين: أحدهما: ما تقدم أن ما يدل بقوة الكلام إعادة أيضًا للعلة المذكورة [والثاني: لا يختلف فيه هل (¬3) الأمر بالشيء نهي عن ضده، أو ليس؟ ووجه ثالث وهو الإبلاغ في تحسن] (¬4) الحال. قوله (¬5): ([فاصرفني عنه واصرفه عني]) (¬6) الكلام في الإعادة كالكلام في إعادة ما قبله (واقدر) قال الشيخ أبو الحسن: أهل المشرق يضمون الدال، وأهل بلدنا يكسرونها، ولا أدري كيف قرأها أبو زيد؟ (لي الخير) أي: اقضه لي (حيث كان) إشارة إلى تمام قدرة القادر، وإبلاغ في تنزيهه؛ لأن القريب والبعيد عنده على (¬7) حالة سواء، والإيمان به واجب. ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) زاد في (ر): العبد. (¬3) بعدها في (ر): هو. (¬4) و (¬5) من (ر). (¬6) في (ر): فاصرفه عني واصرفني عنه. (¬7) من (ر).

(ثم رضِّني) بكسر الضاد المشددة (به) وللبخاري: "ثم ارضني". بهمزة الوصل، وزاد الترمذي: "به" (¬1) (¬2)، ومعناه: اجعلني راضيًا به إن وجد وبعدمه إن عدم، والرضى سكون النفس إلى القدر وإنما (¬3) طلب الرضى لأنه إذا قضي له بما فيه الخير ولم يرض به تنغص وإن تنغص حاله لم تكمل له عافية. وذكر أهل الصوفية أن من استخار في شيء فقضي له فيه قضاء ولم يرض به فهو عندهم من الكبائر التي يجب منه التوبة؛ لأنه من سوء (¬4) الأدب، بل يجب على المؤمن رد الأمور كلها إلى الله تعالى وصرف أزمتها إليه، والتبرؤ من الحول والقوة والإرادة، وأن لا يشرع في شيء من الأمور جليلها ولا حقيرها (¬5) حتى يستخير الله افتقارًا إليه وإذعانًا له بالعبودية وتبركًا باتباع (¬6) السنة. (أو قال: في عاجل أمري وآجله) هكذا (قال) عبد الله (ابن مسلمة و) محمد (ابن عيسى، عن محمد بن المنكدر، عن جابر) بن عبد الله، وإنما ذكر هذِه الرواية والمعنى واحد لما كان عليه الصحابة - رضي الله عنهم - من التحري في نقل (¬7) الألفاظ والصدق (¬8) فيما ينقلوه. ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) "سنن الترمذي" (480). (¬3) في (ر): جاء. (¬4) في (م): أسوء. (¬5) في (م): حبيرها. (¬6) في (ر): باعتبار. (¬7) في (م): هذا. (¬8) في (م): العرف.

32 - باب في الاستعاذة

32 - باب فِي الاسْتِعاذَةِ 1539 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، حَدَّثَنا إِسْرائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَعَوَّذُ مِنْ خَمْسٍ مِنَ الجُبْنِ والبُخْلِ وَسُوءِ العُمْرِ وَفِتْنَةِ الصَّدْرِ وَعَذَابِ القَبْرِ (¬1). 1540 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، أَخْبَرَنا المُعْتَمِرُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مالِكٍ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ والكَسَلِ والجُبْنِ والبُخْلِ والهَرَمِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذابِ القَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيا والمَماتِ" (¬2). 1541 - حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قالا: حَدَّثَنا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - قَالَ سَعِيدٌ: الزُّهْرِيُّ - عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قَالَ: كُنْتُ أَخْدُمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ كَثِيرًا يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ والحَزَنِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجالِ". وَذَكَرَ بَعْضَ ما ذَكَرَهُ التَّيْمِيُّ (¬3). 1542 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ المَكِّيِّ، عَنْ طاوُسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هذا الدُّعَاءَ كَما يُعَلِّمُهُمْ السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذابِ القَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيا والمَماتِ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه النسائي 8/ 266، وابن ماجه (3844)، وأحمد 1/ 22، والبخاري في "الأدب المفرد" (670). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1376) لشواهده. (¬2) رواه البخاري (2823)، ومسلم (589/ 49) بعد حديث (2706). (¬3) رواه البخاري (6363، 6369). (¬4) رواه مسلم (590).

1543 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ، أَخْبَرَنا عِيسَى، حَدَّثَنا هِشامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَدْعُو بهؤلاء الكَلِماتِ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ، وَعَذابِ النَّارِ، وَمِنْ شَرِّ الغِنَى والفَقْرِ" (¬1). 1544 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمَّادُ، أَخْبَرَنا إِسْحاقُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الفَقْرِ والقِلَّةِ والذِّلَّةِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ" (¬2). 1545 - حَدَّثَنا ابن عَوْفٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الغَفّارِ بْن دَاوُدَ، حَدَّثَنا يَعْقُوبُ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قَالَ: كَانَ مِنْ دُعاءِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحْوِيلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ" (¬3). 1546 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْن عُثْمانَ، حَدَّثَنا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنا ضُبارَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي السَّلِيكِ، عَنْ دُوَيْدِ بْنِ نافِعٍ، حَدَّثَنا أَبُو صالِحٍ السَّمَّانُ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَدْعُو يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشِّقَاقِ والنِّفاقِ وَسُوءِ الأَخْلاقِ" (¬4). 1547 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، عَنِ ابن إِدْرِيسَ، عَنِ ابن عَجْلَانَ، عَنِ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُوعِ فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الخِيانَةِ فَإِنَّها بِئْسَتِ البِطانَةُ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6368، 6377)، ومسلم (2705). (¬2) رواه النسائي 8/ 261، وأحمد 2/ 305، والبخاري في "الأدب المفرد" (678). وصححه الألباني في "المشكاة" (2467). (¬3) رواه مسلم (2739). (¬4) رواه النسائي 8/ 264. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (1198). (¬5) رواه النسائي 8/ 263، وابن ماجه (3354). وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (1283).

1548 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ عَنْ أَخِيهِ عَبَّادِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبا هُرَيْرَةَ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الأَرْبَعِ: مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ، وَمِنْ دُعاءٍ لا يُسْمَعُ" (¬1). 1549 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُتَوَكِّلِ، حَدَّثَنا المُعْتَمِرُ قَالَ: قَالَ أَبُو المُعْتَمِرِ: أرى أَنَّ أَنَسَ بْنَ مالِكٍ، حَدَّثَنا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ صَلاةٍ لا تَنْفَعُ". وَذَكَرَ دُعاءً آخَرَ (¬2). 1550 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلالِ بْنِ يِسافٍ، عَنْ فَرْوَةَ بْنِ نَوْفَلٍ الأَشْجَعِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ المُؤْمِنِينَ عَمَّا كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُو بِهِ قَالَتْ: كَانَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بكَ مِنْ شَرِّ مَا عَمِلْتُ، وَمِنْ شَرِّ ما لَمْ أَعْمَلْ" (¬3). 1551 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ح، وحَدَّثَنا أَحْمَدُ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ - المَعْنَى - عَنْ سَعْدِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ بِلالٍ العَبْسِيِّ، عَنْ شُتَيْرِ بْنِ شَكَلٍ، عَنْ أَبِيهِ فِي حَدِيثِ أَبِي أَحْمَدَ شَكَلِ بْنِ حُمَيْدٍ - قَالَ - قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ، عَلِّمْنِي دُعاءً. قَالَ: "قُلِ: اللَّهُمَّ إِني أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي، وَمِنْ شَرِّ بَصَرِي، وَمِنْ شَرِّ لِسانِي، وَمِنْ شَرِّ قَلْبِي، وَمِنْ شَرِّ مَنِيِّي" (¬4). 1552 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا مَكِّيُّ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ ¬

_ (¬1) رواه النسائي 8/ 263، وابن ماجه (3837)، وأحمد 2/ 340. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1384). (¬2) رواه ابن حبان (1015). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (172/ 1). (¬3) رواه مسلم (2716). (¬4) رواه الترمذي (3492)، والنسائي 8/ 255، وأحمد 3/ 429. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (1292).

سَعِيدٍ، عَنْ صَيْفِيٍّ مَوْلَى أَفْلَحَ مَوْلَى أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي اليَسَرِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَدْعُو: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَدْمِ، وَأَعُوذُ بكَ مِنَ التَّرَدِّي، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الغَرَقِ والحَرَقِ والهَرَمِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنِي الشَّيْطانُ عِنْدَ المَوْتِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَمُوتَ فِي سَبِيلِكَ مُدْبِرًا، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَمُوتَ لَدِيغًا" (¬1). 1553 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْن مُوسَى الرَّازِيُّ، أَخْبَرَنَا عِيسَى عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعِيدٍ، حَدَّثَنِي مَوْلًى لأَبِي أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي اليَسَرِ زادَ فِيهِ: "والغَمِّ" (¬2). 1554 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنا قَتادَةُ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ البَرَصِ والجُنُونِ والجُذامِ وَمِنْ سَيِّئِ الأَسْقَامِ" (¬3). 1555 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن عُبَيْدِ اللهِ الغُدانِيُّ، أَخْبَرَنا غَسَّانُ بْنُ عَوْفٍ، أَخْبَرَنا الجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذاتَ يَوْمٍ المَسْجِدَ فَإِذا هُوَ بِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصارِ يُقالُ لَهُ: أَبُو أُمامَةَ. فَقَالَ: "يا أَبا أُمامَةَ، ما لِي أَراكَ جالِسًا فِي المَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلاةِ". قَالَ: هُمُومٌ لَزِمَتْنِي وَدُيُونٌ يا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "أَفَلا أُعَلِّمُكَ كَلامًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللهُ - عز وجل - هَمَّكَ وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ". قَالَ: قُلْتُ: بَلَى يا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ والحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ والكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ والبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجالِ". قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللهُ - عز وجل - هَمِّي، وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي (¬4). ¬

_ (¬1) رواه النسائي 8/ 282، وأحمد 3/ 427. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1388). (¬2) انظر السابق. (¬3) رواه النسائي 8/ 270، وأحمد 3/ 192. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (1281). (¬4) رواه البيهقي في "الدعوات الكبير" (305) من طريق المصنف. =

باب الاستعاذة [1539] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا وكيع، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق) [عمرو بن عبد الله] (¬1) السبيعي، نسبة إلى سبيع، بطن من همدان (عن عمرو بن ميمون، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتعوذ) [بالله تعالى] (¬2) (من خمس) ثم فسرها فقال (من الجبن) بضم الجيم، وسكون الموحدة، وهو [ضعف القلب] (¬3) وعدم الشجاعة، واستعاذ منه النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما فيه من التقصير عن أداء الواجبات في الجهاد وغيره؛ ولما فيه من التقصير عن القيام بحقوق الله تعالى وإزالة المنكر والإغلاظ على العصاة، ولأنه بشجاعة النفس وقوتها المعتدلة تتم العبادات ويقوم بنصر المظلوم. (والبخل) بضم الباء، وسكون الخاء، ويقال بفتحها، قال البخاري في "صحيحه" (¬4): البخْل والبخَل واحد مثل الحُزْن والحَزَن، وقد استعاذ منه صلى الله عليه وآله وسلم لقوله تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (¬5)، وقوله - عليه السلام -: "أي داءٍ أدوى من ¬

_ = وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" 2/ 272. (¬1) في (ر): هو عبد الله بن عمرو. (¬2) سقط من (ر). (¬3) في (م): صرف العلم. (¬4) ذكره البخاري عقيب قوله: باب التعوذ من البخل 8/ 79. (¬5) الحشر: 9. والتغابن: 16.

البخل؟ ! " (¬1). ومعنى ذلك أن البخل يؤدي إلى منع حقوق الله تعالى وحقوق الآدميين، ويمنع رفده ومعروفه عن المحتاجين، وينسي عشرة (¬2) أهله وأقاربه، بالسلامة من البخل يقوم بحقوق المال وسعة الجود والإنفاق ومكارم الأخلاق ويمنع الطمع [فيما ليس له] (¬3). (وسوء العمر) بضم العين والميم وسوء العمر والرد أي: إلى أرذل العمر والهرم (¬4) بمعنى واحد، والسبب (¬5) في الاستعاذة من ذلك ما فيه من الحزن (¬6) واختلال العقل والحواس والضبط والفهم وتشويه بعض المنظر والعجز عن كثيرٍ من الطاعات، والتساهل في بعضها، كما قال تعالى: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا} (¬7) فيعود العالم جاهلًا ويصير إلى حال من لم يميز ومن [متعه الله] (¬8) بصحته لم يزدد بطول العمر إلا خيرًا يستكثر من الحسنات ويستغفر من السيئات. (وفتنة الصدر) لعل المراد به فتنة حب الدنيا الذي محله صدر الآدمي، [وللبخاري: "أعوذ بك من فتنة الدنيا" (¬9)] (¬10) وأي فتنة ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (296). (¬2) في (ر): غيره. (¬3) من (ر). (¬4) في (م): الهدم بغض المنظر. (¬5) في (م): ليت. (¬6) في (م): الحروف. (¬7) النحل: 70. (¬8) في (م): تبع. (¬9) "صحيح البخاري" (2822). (¬10) من (ر).

أعظم من فتنة حب الدنيا وزهرتها والتكاثر منها؟ ! وروى ابن أبي الدنيا: "احذروا الدنيا فإنها أسحر من هاروت وماروت" (¬1). وفي الصحيحين من رواية أبي سعيد: "إن أكثر ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من (¬2) بركات الأرض" (¬3). وروى البيهقي في "الشعب": "لا تشغلوا قلوبكم بذكر (¬4) الدنيا" (¬5). وفي حديث أبي موسى الأشعري: "من أحب دنياه أضر بآخرته" (¬6). و"حب الدنيا رأس كل خطيئة" (¬7). (وعذاب القبر) فيه إثبات عذاب القبر وفتنته، وهو مذهب أهل الحق خلافًا للمعتزلة. [1540] (حدثنا مسدد، ثنا (¬8) المعتمر) بن سليمان [(قال: سمعت أبي) سليمان] (¬9) بن طرخان التيمي (¬10) البصري (قال: سمعت أنس ابن ¬

_ (¬1) "ذم الدنيا" (132). قال الذهبي في "الميزان" 4/ 522، والألباني في "الضعيفة" (34): منكر لا أصل له. (¬2) زاد في (م): زهرة الدنيا. (¬3) "صحيح البخاري" (6427)، و"صحيح مسلم" (1052). (¬4) في (ر): بحب. (¬5) "شعب الإيمان" 7/ 361 (10584) من حديث محمد بن النضير الحارثي مرسلًا. (¬6) أخرجه أحمد 4/ 412، وابن حبان في "صحيحه" (709). وقال الحاكم في "المستدرك" 4/ 308: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. (¬7) رواه ابن أبي الدنيا في "ذم الدنيا" (9)، ومن طريقه البيهقي في "شعب الإيمان" 7/ 328 (10501). قال الألباني في "الضعيفة" (1226): موضوع. (¬8) في (ر): و. (¬9) سقط من (ر). (¬10) في (م): المسمى.

مالك - رضي الله عنه - يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: اللهم إني أعوذ بك من العجز) هو ما يترك فعله مع عدم المقدرة (¬1) عليه (والكسل) ما يتركه وهو قادر على فعله، وإنما استعاذ منهما؛ لأنهما يمنعان العبد من أداء حقوق الله تعالى وحقوق نفسه وأهله وولده، وتضييع (¬2) النظر في أمر معاده وأمر دنياه، وقد أمر المؤمن بالاجتهاد في العمل والإجمال في الطلب، وأن لا يكون كلًّا ولا عيالًا على غيره، ويحتمل أن يكون العجز على ظاهره من عدم القدرة، وقيل: هو ترك ما يجب فعله والتسويف به، ويحتمل أن يراد به عموم أعمال الدنيا والآخرة والكسل فترة تقع بالنفس تثبط (¬3) العمل (والجبن والبخل) تقدما (والهرم) هو الكبر في السن (¬4)، وفي الحديث: "إن الله لم يضع داءً إلا وضع له دواء إلا الهرم" (¬5) جعل الهرم داءً تشبيهًا بالداء الذي يحصل في الضعف؛ لأن الموت يتعقبه كالأدواء (وأعوذ بك من عذاب القبر) من لم يوفق للجواب [يعذب إلى يوم القيامة] (¬6). (وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات) يعني: الحياة والممات، والمحيا إما مصدر أو اسم زمان، والممات (¬7) زمان الموت، وفتنة ¬

_ (¬1) في (ر): العذر. (¬2) في (م): يضع. (¬3) غير واضحة في (م). (¬4) في (ر): النفس. (¬5) سيأتي تخريجه في باب: الرجل يتداوى. (¬6) في (م): يقال. (¬7) في (ر): الموت.

الحياة هي الامتحانات التي تحصل للآدمي في حياته، واختلفوا في المراد بفتنة الموت، فقيل: المراد (¬1) فتنة القبر، وقيل: يحتمل أن يراد به الفتنة عند الاحتضار. [1541] (حدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة الخراساني، يقال: ولد بجوزجان ونشأ ببلخ (وقتيبة بن سعيد قالا: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن) الإسكندراني القارئ المدني، أخرج له الشيخان. (قال سعيد) بن منصور في روايته: يعقوب بن عبد الرحمن (الزهري) حليف [بني زهرة] (¬2) (عن عمرو بن أبي عمرو) مولى المطلب (عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كنت أخدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكنت أسمعه كثيرًا يقول (¬3): اللهم إني أعوذ بك من الهم) وهو يكون بمكروه يتوقع حدوثه (¬4) (والحزن) بضم الحاء، وسكون الزاي، وبفتحهما (¬5) لغتان، وهو يكون بمكروه واقع وماضٍ، وأصل الهم [الشر، وورد] (¬6) في البخاري: "والعجز والكسل والجبن (¬7) والبخل" (¬8). (وضلع) بالضاد واللام (الدين) ثقله وشدته (¬9) وقوته، وهو الذي لا يجد دائنه من حيث ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) في (م): أبي هريرة. (¬3) سقط من (ر). (¬4) في (ر): حذرته. (¬5) في (ر): بفتحها. (¬6) في (ر): ضد السرور، و. (¬7) في (ر): الخبث. (¬8) "صحيح البخاري" (2893). (¬9) غير واضحة في (م).

يؤديه، والضلع الاعوجاج، [أي: يثقل] (¬1) صاحبه حتى يميل عن الاستواء والاعتدال ويعوج. قال صاحب "العين": هو مأخوذ من قول العرب: حمل يضلع. أي: ثقيل، ودابة مضلع لا تقوم بالحمل (¬2). [ولعلمه المعبر عنه في الرواية الأخرى] (¬3) (وغلبة الدين) (¬4) هو الذي يغلب عن وفاء الديون التي عليه وهو في معنى المعسر (وذكر بعض ما ذكره) سليمان بن طرخان (التيمي) البصري (¬5). [1542] (حدثنا) عبد الله بن مسلمة (القعنبي، عن مالك، عن أبي الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس (المكي) أحد أئمة التابعين. (عن طاوس، عن عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن) فيه ما كان من شفقته صلى الله عليه وآله وسلم على أمته وإرشادهم إلى مصالحهم دينًا ودنيا، ويعلمهم هذا الدعاء لشدة حاجتهم إليه، ونفعهم (¬6) كما في السورة من القرآن في كل صلاة (يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم) هو موافق لقوله تعالى: {رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا ¬

_ (¬1) في (ر): الذي ينتقل. (¬2) كتاب "العين" (ضلع). (¬3) سقط من (ر). (¬4) كذا بالنسخ الخطية. وهو خلاف ما عند المصنف في "السنن" ومصادر التخريج وهو: غلبة الرجال. (¬5) سقط من (ر). (¬6) في (م): بعضهم.

عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} (¬1)، وفيه إثبات عذاب جهنم والإيمان به (وأعوذ بك من عذاب القبر) وهو ضرب من لم يوفق (¬2) للجواب بالمطارق الحديد. (وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال) وقد حذرت الأنبياء صلوات الله عليهم من فتنته وأن دلائله باطلة كاذبة، وفيه حجة لمذهب الشافعي على صحة وجوده وأنه شخص بعينه ابتلى الله به عباده وأقدره على أشياء من مقدورات الله [زيادة في فتنته] (¬3) من إحياء الميت الذي يقتله ومن الخصب معه وجنته وناره واتباع كنوز الأرض له، وأمره السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت، ثم يعجزه الله بعد ذلك ويبطل أمره ويقتله عيسى - عليه السلام - (¬4). (وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات) تقدما. [1543] (حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي) الفراء الحافظ. (أنا عيسى) بن يونس بن أبي إسحاق عمرو الهمداني، أخرج له البخاري. (حدثنا هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام. (عن عائشة) رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يدعو بهؤلاء الكلمات: اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار) الفتنة هنا هي ¬

_ (¬1) الفرقان: 65. (¬2) في (م): يقو. (¬3) سقط من (ر). (¬4) "شرح النووي على مسلم" 18/ 58.

ضلال أهل النار والمفضي بهم إلى عذاب النار (¬1) (وعذاب النار) [الذي لا صبر لأحدٍ عليه] (¬2) (ومن شر الغنى) لفظ البخاري: "وأعوذ بك من شر فتنة الغنى" (¬3). قال القرطبي: "شر فتنة الغنى" هو الحرص على الجمع للمال [حتى يتكسبه] (¬4) من غير (¬5) حله ويمنعه من واجبات إنفاقه [وحقوقه (¬6). ويخاف في الغنى من الأشر والبطر والبخل من إنفاقه] (¬7) في وجوه (¬8) الخير، ومن إنفاقه في [الإسراف أو في] (¬9) باطل [أو في] (¬10) مفاخرة ومباهاة. (و) من شر فتنة (الفقر) قال القرطبي: يعني (¬11) به الفقر المدقع الذي لا يصحبه صبر ولا ورع حتى يتورط صاحبه بسببه فيما لا يليق بأهل الأديان ولا بأهل المروءات حتى لا يبالي بسبب فاقته على أي (¬12) حرام وثب، ولا في أي ركاكة تورط، وقيل: المراد به فقر النفس ¬

_ (¬1) في (ر): القبر. (¬2) سقط من (ر). (¬3) "صحيح البخاري" (6376). (¬4) في (م): حبا لكسبه. (¬5) من (ر). (¬6) "المفهم" 7/ 33. (¬7) من (ر). (¬8) سقط من (ر). (¬9) في (ر): إسراف، و. (¬10) في (ر): ومن. (¬11) في (م): يعبر. (¬12) من (ر).

الذي لا يرده ملك الدنيا بحذافيرها، وليس في شيء من هذِه الأحاديث ما يدل على أن الغنى أفضل من الفقر (¬1)، ولا أن الفقر (¬2) أفضل من الغنى؛ لأن الغنى والفقر (¬3) المذكورين هنا مذمومان باتفاق العقلاء (¬4). وله موضع غير هذا. [1544] (حدثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة التبوذكي (¬5). (حدثنا حماد) بن سلمة (أنا إسحاق بن عبد الله) بن أبي طلحة (عن سعيد بن يسار) بالمثناة تحت والمهملة أبو الحباب. (عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من الفقر) المدقع (¬6) أو فقر النفس كما تقدم (والقلة) بكسر القاف، أي: قلة المال التي يخشى منها قلة الصبر منه ومن عياله على الإقلال والسخط له وتسليط الشيطان عليه بوسوسته بذكر الأغنياء وما هم فيه، فنسأل الله السلامة، ويحتمل أن يراد بالقلة قلة (¬7) الخير، وتطلق القلة على العدم فيقال: فلانٌ قليل الخير. أي: لا يكاد يفعله، وفي رواية النسائي: "تعوذوا (¬8) بالله من الفقر ومن (¬9) القلة" (¬10). (والذلة) بكسر الذال، وقلة المال مع كثرة العيال محنة عظيمة، فإن الطبع إلى التوسع في الدنيا محب، و (¬11) الولد يطلب (¬12) ما يشتهي، ¬

_ (¬1) و (¬2) و (¬3) في (ر): الفقير. (¬4) "المفهم" 7/ 33 - 34. (¬5) سقط من (ر). (¬6) في (ر): الموجع. (¬7) من (ر). (¬8) في (م): نعوذ. (¬9) سقط من (ر). (¬10) "سنن النسائي" 8/ 261. (¬11) في (ر): يحبه. (¬12) في (ر): يطيب.

والزوجة تطلب سعة النفقة، والورع يمنع من التوسع {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} (¬1)، وكان الإمام أحمد قد (¬2) امتنع أن يأخذ من بيت المال شيئًا وقنع بكراء حوانيت له كانت تغل في الشهر عشرين درهمًا أو أقل، وأخذ أولاده من الخليفة من بيت المال فهجرهم لذلك، وكانت أم ولده تعاتبه تقول له: أنا معك في ضيق وأولادك يفعلون ويصنعون، فيقول لها: قولي خيرًا. فخرج إليه (¬3) صبي له (¬4) صغير يبكي، قال: أي شيء تريد؟ قال (¬5): زبيب. قال: اذهب فخذ من البقال حبة. وأعلى الأحوال الرزق الكفاف، وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم [كان يقول] (¬6): "اللهم اجعل رزق آل (¬7) محمد كفافًا" (¬8)، وفي "صحيح ابن حبان" والبيهقي: "خير الذكر الخفي، وخير الرزق أو العيش ما يكفي" (¬9). وقد فسر طائفة من المفسرين قوله تعالى: {وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} (¬10)، قالوا: المراد رزق يوم بيوم، وفي ¬

_ (¬1) الأحزاب: 11. (¬2) سقط من (ر). (¬3) و (¬4) سقط من (ر). (¬5) من (ر). (¬6) في (ر): قال. (¬7) من (ر). (¬8) رواه مسلم في "صحيحه" (1055). (¬9) "صحيح ابن حبان" (809)، و"شعب الإيمان" للبيهقي (548) من حديث سعد بن أبي وقاص. ورواه أيضًا أحمد 1/ 172، 180، 187، وقد ضعفه الشيخ أحمد شاكر في "شرح المسند" (1477، 1559، 1623)، والألباني في "ضعيف الجامع" (2887). (¬10) طه: 131.

حديث ابن الزبير: بعض الذي أبقى للأهل (¬1) والمال، يعني: إن الرجل إذا أصابته خطة ضيم يناله فيها ذل، فصبر عليها كان أبقى له ولماله، وإذا لم يصبر ومر فيها [طالبًا للعز عود] (¬2) بنفسه وأهله وماله، وربما كان ذلك سببًا لهلاكه (¬3)، والذل الذي يؤدي إلى انتقاص الآدمي واحتقاره، وقد كان السلف يكرهون أن يذلوا أنفسهم، وليس للمؤمن أن يذل نفسه. قال الغزالي (¬4): كالعالم إذا دخل عليه إسكاف فخلى له مجلسه وأجلسه، ثم تقدم وأسوى له نعله، وغدا إلى باب الدار خلفه، فقد تخاسس هذا وأذل نفسه. قال (¬5): وهذا غير محمود عند الله تعالى؛ بل التواضع المحمود عند الله هو العدل، وهو أن يعطي كل ذي حق حقه، فينبغي أن يتواضع بمثل هذا لأمثاله [ولمن تقرب منه درجة] (¬6) فمن أحب التملق والتخاسس فقد خرج إلى طرق النقصان، فليرفع نفسه عن ذلك (¬7). (و [أعوذ بك من] (¬8) أن أظلم) بفتح الهمزة وكسر اللام، يعني: (¬9) أحدًا من المؤمنين، ويدخل فيه ظلم نفسه بمعصية الله تعالى (أو (¬10) أظلم) بضم الهمزة وفتح اللام، مبني لما لم يسم فاعله، وفيه الاستعاذة بالله تعالى من شر كل ظالم، وأصل الظلم وضع الشيء في ¬

_ (¬1) في (م): للأهما. (¬2) في (م): طالب العلو عزيز. (¬3) في (م): لهلاك. (¬4) في (م): العالي. (¬5) سقط من (ر). (¬6) في (م): ولم يصد عنه وأحبه. (¬7) "إحياء علوم الدين" 3/ 368 - 369. بأتم مما هنا. (¬8) سقط من (ر). (¬9) من (ر). (¬10) في (ر): وأن.

غير موضعه، وفي المثل: من يسترعي الذئب فقد ظلمه. [1545] (حدثنا) محمد (ابن عوف) بن سفيان الطائي (¬1)، وثقه النسائي (¬2). (حدثنا عبد الغفار بن داود) بن مهران الحراني (¬3)، شيخ البخاري. (حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن) القارئ المدني، أخرج له الشيخان. (عن موسى بن عقبة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك) النعمة: لين العيش، ولذلك قيل لريح الجنوب: النُّعامى؛ للين هبوبها، وسميت النعامة؛ للين مشيها، وأنعم الله عليه: بالغ في الفضل عليه، والنعمة هنا مفرد (¬4) في معنى الجمع، وهي نعم النعم (¬5) الظاهرة والباطنة، واختلفوا هل لله نعمة على الكافر؟ فأثبتها المعتزلة ونفاها غيرهم. (وتحويل) كذا للمصنف بزيادة الياء، ولفظ مسلم: "وتحول" (¬6) (عافيتك) فكأنه سأل الله دوام العافية، كما في رواية؛ فإن العافية السلام من الأسقام والبلاء، فإذا دامت العافية لم تتحول عنه، بل استمرت عليه، والعافية ضد المرض (وفجاءة) بضم الفاء ممدود، وهي البغتة من غير مقدمة سبب (¬7)، وقيده بعضهم: "فجأة" بفتح (¬8) الفاء وسكون الجيم من غير مدٍّ [على المرة] (¬9) ¬

_ (¬1) في (م): الطبري. (¬2) "تهذيب الكمال" 26/ 239. (¬3) من (ر). (¬4) في (م): مقدرة. (¬5) من (ر). (¬6) "صحيح مسلم" (2739) (96). (¬7) من (ر). (¬8) في (م): بضم. (¬9) من (ر).

(نقمتك) بكسر النون وسكون القاف بوزن النعمة، وفيه الاستعاذة من حلول النقمة و (¬1) موت الفجأة وهي أن يموت بغتة من غير تقدم (¬2) سبب من مرض ونحوه (وحلول (¬3) سخطك) يحتمل أن يكون المراد الاستعاذة بالله من جميع الأسباب الموجبة لسخط الله تعالى، وإذا انتفت الأسباب الموجبة لسخط الله حصلت أضدادها، فإن الرضا ضد السخط كما جاء في الصحيح من مسلم وغيره: "أعوذ برضاك من سخطك" (¬4). [1546] (حدثنا عمرو بن عثمان) بن سعيد الحمصي، صدوق حافظ. (حدثنا بقية) بن الوليد، قال المنذري: هو أحد الأعلام، ثقة عند الجمهور، ولكنه مدلس، يعني: إذا لم يصرح بالحديث. قال النسائي وغيره: إذا قال: حدثنا وأخبرنا فهو ثقة (¬5). (حدثنا ضبارة) (¬6) بضم الضاد المعجمة وتخفيف الباء (¬7) الموحدة، وهو (بن عبد الله) بن مالك (بن أبي السليك) بضم السين المهملة وفتح اللام وبعد الياء كاف، وضبطه بعضهم: السليل بفتح (¬8) السين وكسر ¬

_ (¬1) زاد في (ر): منه. (¬2) في (م): تمام. (¬3) كذا بالأصول الخطية، وهو خلاف ما في متن "السنن" ومصادر التخريج، وهو: "جميع سخطك". (¬4) تقدم تخريجه في باب الدعاء في الركوع والسجود. (¬5) "تهذيب الكمال" 4/ 198. (¬6) زاد في (ر): تقدم لضبارة عن دويد حديث آخر في كتاب الصلاة برواية ابن الأعرابي وحده في باب المحافظة على أوقات الصلاة. (¬7) سقط من (ر). (¬8) في (ر): بضم.

اللام الأولى، الحضرمي [بن قريش] (¬1) الشامي (¬2)، كان يسكن اللاذقية، روى له البخاري في "الأدب" (¬3)، وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: يعتبر حديثه من رواية الثقات عنه (¬4). (عن دويد) بضم الدال المهملة أوله وفتح الواو مصغر (بن نافع) (¬5) روى عنه الليث وغيره، بصري مستقيم الحديث. (حدثنا أبو صالح) ذكوان (السمان، قال: قال أبو هريرة - رضي الله عنه - إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يدعو يقول: اللهم إني أعوذ بك من الشقاق) قال زيد بن أسلم: الشقاق [المنازعة، وقيل: المجادلة والمخالفة والتفاهة، وأصله من الشق وهو الجانب فكأن كل واحد من المتنازعين] (¬6) في شق غير شق صاحبه (¬7)، أي: في ناحية غير ناحية الآخر، وقيل: إن الشقاق مأخوذ من فعل ما يشق ويصعب، فكأن كل واحد من الفريقين يحرص على ما يشق على الآخر فاستعاذ منه النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنه يؤدي إلى المقاطعة والمهاجرة (والنفاق) اسم إسلامي لم يعرفه العرب بهذا المعنى المخصوص به، وهو الذي يستر كفره ويظهر إيمانه، وإن كان أصله في اللغة معروفًا، وهو مأخوذ من النافقاء أحد جحر اليربوع، إذا طلب من واحد هرب من (¬8) الآخر وخرج منه، وقيل: هو من النفق؛ وهو السرب الذي ¬

_ (¬1) كذا في (م)، وفي (ر): أبو قريش. والصواب: أبو شريح القرشي. (¬2) في (ر): الماشي. (¬3) في (م): الأذان. (¬4) "الثقات" 8/ 325. (¬5) في (ر): رافع. (¬6) من (ر). (¬7) "الجامع لأحكام القرآن" 2/ 143. (¬8) من (ر).

يستر فيه؛ لستره كفره، وفي الحديث (¬1): نافق حنظلة (¬2). أراد أنه إذا كان عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخلص وزهد في الدنيا، وإذا خرج من عنده ترك ما كان عليه ورغب فيها، فكأنه نوعٌ من مخالفة الظاهر الباطن، وما كان يرضى [لنفسه بهذا أو أصله الحديث: "أكثر منافقي هذِه الأمة قراؤها" (¬3). أراد بالنفاق ها هنا الرياء؛ لأن كليهما إظهار غير] (¬4) ما في الباطن. (وسوء الأخلاق) استعاذ منه النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لما يترتب عليه من المفاسد الدينية والدنيوية، وروى الطبراني في "الصغير" (¬5) والأصبهاني عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "ما من ذنبٍ إلا له توبة إلا صاحب (¬6) سوء الخلق، فإنه لا يتوب من ذنب إلا عاد في شرٍّ منه" (¬7). وفي رواية للأصبهاني عن ميمون بن مهران، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما من ذنبٍ أعظم [عند الله من سوء الخلق، وذلك أن صاحبه لا يخرج من ذنب إلا وقع في ذنب" (¬8). ¬

_ (¬1) في (ر): حديث حنظلة. (¬2) أخرجه مسلم في "صحيحه" (27502) من حديث حنظلة. (¬3) أخرجه أحمد في "مسنده" 4/ 155 من حديث عقبة بن عامر. (¬4) سقط من (ر). (¬5) (553). (¬6) من (ر). (¬7) "الترغيب والترهيب" لأبي القاسم الأصبهاني (1225)، وهو ضعيف، ضعفه الهيثمي في "المجمع" 8/ 25، والعراقي في "المغني" 1/ 933. وعلته: عمرو بن جميع، كذبه ابن معين وتركه غيره. (¬8) "الترغيب والترهيب" لأبي القاسم الأصبهاني (1224)، وحديث ميمون مرسل، =

وروى الطبراني عن أنس: ] (¬1) "إن العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة، وشرف المنازل، وإنه لضعيف العبادة، وإنه ليبلغ بسوء خلقه أسفل درجة في جهنم" (¬2). [1547] (وحدثنا محمد (¬3) بن العلاء) بن كريب الهمداني (عن) عبد الله (ابن إدريس) بن (¬4) يزيد الأودي (عن) محمد (ابن عجلان) القرشي المدني، مولى فاطمة بنت الوليد بن عتبة (¬5)، كانت له حلقة (¬6) في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يفتي فيها، أخرج له مسلم. (عن) سعيد (المقبري، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: اللهم إني أعوذ بك من الجوع) المراد به المفرط الذي يضعف عن العبادة ويخل بالعقل، وقد ذكر للجوع الصادق علامات: أحدها أن لا تطلب النفس الأدم، بل يأكل الخبز وحده لشهوة أي خبز كان، [فمهما طلب خبزًا بعينه، أو طلب أدم فليس ذلك بجوع] (¬7) وقيل: علامة الجوع أن يضعف (¬8) فلا يقع الذباب عليه؛ لأنه لم يبق منه (¬9) دهينة ولا دسومة؛ فيدل ذلك على خلو المعدة (فإنه بئس الضجيع) [أي: المضاجع] (¬10) أصل الضجيع الذي ¬

_ = فهو تابعي. (¬1) من (ر). (¬2) "المعجم الكبير" (754). وقال الألباني في "الضعيفة" (3030): منكر. (¬3) من (ر). (¬4) سقط من (ر). (¬5) في (م): عبيد. (¬6) في (ر): خلوة. (¬7) في (م): فهي. (¬8) في (ر): يبصق. (¬9) في (ر): فيه. (¬10) من (ر).

يضاجع (¬1) غيره، اسم فاعل كالنديم والجليس للمنادم والمجالس (¬2)، ثم استعير هنا لمن اضطجع وهو جائع، فإن (¬3) جوعه الذي معه يذهب نومه كما يذهبه الرجل الذي يضاجعه. (وأعوذ بك من الخيانة) قال القتيبي: أصل الخيانة أن يؤتمن الرجل على شيء فلا يؤدي الأمانة فيه (¬4). وسيأتي للمصنف في الشهادات (¬5): "لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة" (¬6). قال أبو عبيد: لا نراه خص به الخيانة في أمانات الناس، دون ما افترض الله على عباده وائتمنهم عليه؛ فإنه قد سمى ذلك أمانة، فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27)} (¬7) فمن ضيع (¬8) شيئًا مما أمر الله تعالى به، أو ركب شيئًا مما نهى الله (¬9) عنه فقد خان (¬10). وكل من عصا الله فقد خان نفسه [إذ جلب] (¬11) إليها الذم في الدنيا، والعقاب في الآخرة. (فإنها بئس) وللنسائي (¬12): "بئست" (البطانة) بكسر الباء هو [ما يبطنه] (¬13) الآدمي في باطنه ولا يظهره، وبئس (¬14) لأقبح ما يكون من ¬

_ (¬1) في (م): يضاجعه. (¬2) من (ر). (¬3) في (م): ما فيه. (¬4) "الجامع لأحكام القرآن" 2/ 315. (¬5) في (م): الشهادة. (¬6) سيأتي برقم (3601). (¬7) الأنفال: 27. (¬8) في (م): منع. (¬9) من (ر). (¬10) انظر: "النهاية" (خون). (¬11) في (م): أدخلت. (¬12) "سنن النسائي" 8/ 263. (¬13) في (م): سيبطنه. (¬14) في (ر): ليس.

الذم، فجعل الشارع أقبح ما يخفيه الإنسان في باطنه الخيانة، كما تقدم تفسيرها. [1548] (حدثنا قتيبة بن سعيد، ثنا الليث، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أخيه: عباد (¬1) بن أبي (¬2) سعيد) كيسان، له هذا الحديث فقط (أنه سمع أبا هريرة - رضي الله عنه - يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: اللهم إني أعوذ بك من الأربع) كذا للنسائي تقديم ذكر (¬3) الأربع، وفي رواية له تاخيرها، رواه عن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يدعو بهذِه الدعوات: "اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، ودعاءٍ لا يسمع، ونفس لا تشبع". ثم يقول: "اللهم إني أعوذ بك من هؤلاء الأربع" (¬4). (من علم لا ينفع) قال القرطبي: هو الذي لا يعمل به، كما قال - عليه السلام -: "العلم الذي لا يعمل به كالكنز الذي لا ينفق منه [صاحبه" (¬5) أتعب] (¬6) نفسه في جمعه، ولم يصل (¬7) إلى نفعه (¬8). (ومن قلب لا يخشع) لذكر الله، ولا لاستماع كلامه، وهو القلب ¬

_ (¬1) في (م): عبادة. (¬2) و (¬3) من (ر). (¬4) "سنن النسائي" 8/ 263. (¬5) رواه الطبراني في "الأوسط" 1/ 213 (689)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" 1/ 489 (774) من حديث أبي هريرة، وصححه الألباني في "الصحيحة" (3471). (¬6) في (ر): أتعب صاحبه. (¬7) في (م): يصر. (¬8) "المفهم" 7/ 50.

القاسي، فروى الترمذي عن ابن عمر، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله؛ فإن الكلام بغير ذكر الله يورث (¬1) قسوة القلب، وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي" (¬2). وفي "مسند البزار" عن أنس، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أربع من الشقاء: جمود العين [وقسوة القلب، وطول الأمل] (¬3) والحرص على الدنيا" (¬4). (ومن نفسٍ لا تشبع) قال النووي: استعاذ من الحرص، والطمع، والشره، وتعلق النفس بالآمال البعيدة (¬5). (ودعاء لا يسمع) أي: لا يجاب [لرواية مسلم: "من دعوة لا يستجاب لها" (¬6)] (¬7) ومن هذا قول المصلي: سمع الله لمن حمده، أي: استجاب الله دعاء من حمده، كما قال الشاعر (¬8): دعوت الله حتى خفت ألا ... يكون الله يسمع ما أقول (¬9) أي: لا يجيب ما أدعو به. ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) "سنن الترمذي" (2411). وقد أورده الألباني في "الضعيفة" (920). (¬3) في (ر): وفناء العلم وطول العمل. (¬4) لم أقف عليه عند البزار، وقد أخرجه أبو نعيم في "الحلية" 6/ 175، وابن عدي في "الكامل" 4/ 225 من حديث أنس. وقال الشوكاني في "الفوائد المجموعة" (51): فيه وضاعان. اهـ. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (1522). (¬5) "شرح النووي على مسلم" 17/ 41. (¬6) "صحيح مسلم" (2722). (¬7) من (ر). (¬8) في (م) إني. (¬9) انظر: "الزاهر في معاني كلمات الناس" 1/ 60.

[1549] (حدثنا محمد بن المتوكل) بن عبد الرحمن (¬1) العسقلاني، قال إبراهيم بن عبد الله بن (¬2) الجنيد عن ابن معين: ثقة (¬3)، وقال ابن حبان في (¬4) "الثقات": كان من الحفاظ (¬5). (حدثنا المعتمر) بن سليمان بن (¬6) طرخان. (قال: قال أبو المعتمر) سليمان بن طرخان التيمي [والد المعتمر. وسليمان بن طرخان] (¬7)، متفق عليه، لكن لم يجزم بسماعه من [أنس بل] (¬8) قال: (أرى) بضم الهمزة، أي: أظن (أن أنس بن مالك - رضي الله عنه - حدثنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من صلاة لا تنفع) أي لا تقبل، وروى الإمام أحمد: "رب (¬9) قائم حظه من صلاته السهر" (¬10). وإسناده حسن، وروى محمد بن نصر المروزي في "كتاب الصلاة" من رواية عثمان بن أبي (¬11) دهرش مرسلًا: "لا يقبل الله من عبد عملًا حتى يشهد قلبه مع بدنه" (¬12). فظاهر هذا الحديث أن من لم يحضر قلبه مع بدنه في الصلاة لم تنفعه، فإن روح العبادة حضور القلب والخشوع. ¬

_ (¬1) زاد في (ر): بن. (¬2) من (ر). (¬3) "تهذيب الكمال" 26/ 358. (¬4) في (م): من. (¬5) "الثقات" 9/ 88. (¬6) من (ر). (¬7) سقط من (ر). (¬8) في (م): إسرائيل. (¬9) في (ر): أن. (¬10) "مسند أحمد" 2/ 373 من حديث أبي هريرة. وصححه ابن خزيمة (1997) وابن حبان (3481) والحاكم 1/ 430. (¬11) سقطت من الأصول الخطية. (¬12) "تعظيم قدر الصلاة" (157).

(وذكر) [بفتح الذال] (¬1) (دعاء آخر) ولفظ ابن حبان في "صحيحه": "أعوذ بك من علم [لا ينفع] (¬2)، وعمل لا يرفع، وقول (¬3) لا يسمع" (¬4). وزاد ابن طاهر المقدسي في رواية: "وأعوذ بك من صلاة لا تشفع". [1550] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير) بفتح الجيم بن عبد الحميد الضبي، أصله من الكوفة. (عن [منصور) بن] (¬5) المعتمر (عن هلال بن يساف) الأشجعي مولاهم (¬6) الكوفي. (عن فروة (¬7) بن نوفل الأشجعي) يعد في الكوفيين، روى عنه هلال بن يساف عند مسلم. (قال: سألت عائشة أم المؤمنين) رضي الله عنها (عما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو به) ولفظ النسائي: سأل (¬8) عائشة: ما كان أكثر ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [يدعو به؟ ] (¬9) (¬10). (قالت: كان) أكثر دعائه: (اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت (¬11) ومن شر ما لم أعمل) (¬12). قال النووي: معناه: من شر ما اكتسبته مما قد يقتضي عقوبة في ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) سقط من (ر). (¬3) في (م): قلب. (¬4) "صحيح ابن حبان" (83). (¬5) في (ر): سليمان بن أبي. (¬6) سقط من (ر). (¬7) في (م): عروة. (¬8) في (ر): سألت. (¬9) سقط من (ر). (¬10) "سنن النسائي" 8/ 280. (¬11) في (م): علمت. (¬12) في (ر): أعلم.

الدنيا (¬1) أو نقصًا في الآخرة وإن لم أكن قصدته، قال: ويحتمل أن المراد تعليم أمته الدعاء (¬2). وقال القرطبي: هذا كقوله في الحديث الآخر: "اللهم إني أعوذ بك من كل شر" (¬3). غير أنه نبه في هذا على معنى زائد وهو أنه قد يعمل الإنسان العمل لا يقصد به إلا الخير ويكون هو في باطن أمره شرًّا لا يعلمه فاستعاذ منه قال: ويؤيد هذا أنه قد روي في غير رواية (¬4) مسلم: "من شر ما عملت (¬5) وما لم أعمل" (¬6). قال: ويحتمل أن يريد به ما عمل غيره فيما يظن أنه يقتدي به فيه (¬7). [1551] (حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل، حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير) بن عمر بن درهم، الأسدي مولاهم الزبيري الكوفي الحبال. (وحدثنا أحمد) بن حنبل (حدثنا وكيع المعنى، عن سعد بن أوس) أبو محمد العبسي الكوفي الكاتب، وثقه أحمد العجلي (¬8)، وقال أبو حاتم: صالح (¬9). (عن بلال) بن يحيى (العبسي) بفتح المهملة وسكون الموحدة نسبةً إلى عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان، وبلال صدوق. ¬

_ (¬1) في (ر): الدعاء. (¬2) "شرح النووي على مسلم" 17/ 39. (¬3) أخرجه الحاكم في "المستدرك" 1/ 525 من حديث ابن مسعود. وقال الألباني في "صحيح الجامع" (1260): حسن. (¬4) في (م): كتاب. (¬5) في (م): علمت. (¬6) في (م): أعلم. (¬7) "المفهم" 7/ 46. (¬8) "الثقات" (561). (¬9) "الجرح والتعديل" 4/ 80 (346) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا.

(عن شتير) بضم الشين المعجمة وفتح المثناة فوق وبعد ياء التصغير راء مهملة (بن شكل) بفتح الشين المعجمة والكاف ثم لام. (عن أبيه) شكل بن حميد، قال ابن حنبل (في حديث أبي أحمد) محمد بن عبد الله بن الزبير هو (شكل بن حميد) العبسي من بني عبس بن بغيض [سكن الكوفة روى عنه ابنه] (¬1) شتير بن شكل لم يرو عنه غيره، وذكر له أبو القاسم البغوي هذا الحديث وقال: لا أعلم له غيره (¬2). (قال) شكل (قلت: يا رسول الله علمني دعاء) وللترمذي: أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: يا رسول الله علمني تعوذًا أتعوذ به قال: فأخذ بكفي (¬3). (فقال: قل: اللهم إني أعوذ بك من شر) ولفظ النسائي: علمني دعاءً أنتفع به قال: قل: اللهم عافني من شر (¬4) (سمعي ومن شر بصري ومن شر لساني) فيه الاستعاذة من شرور هذِه الجوارح التي هو مأمور بحفظها كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} (¬5)، فالسمع أمانة والبصر أمانة واللسان أمانة، وهو مسئول عنها كما قال تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (¬6)، فمن لم يحفظها وتعدى فيها الحدود عصى الله تعالى وخان الأمانة وظلم نفسه، وسقطت منزلته عند الله تعالى فبعد عنه (¬7) بكل جارحة ذات ¬

_ (¬1) في (م): عن أبيه. (¬2) "معجم الصحابة" 3/ 324. (¬3) الترمذي (3492). (¬4) "سنن النسائي" 8/ 260. (¬5) المؤمنون: 8. (¬6) الإسراء: 36. (¬7) في (م): به.

شهوة، ولا يستطيع دفع شرها إلا بالالتجاء إلى الله تعالى لكثرة شرها وآفاتها، وللسان خمس وعشرون آفة غالبها خمس: [الكذب والغيبة] (¬1) والمماراة والمدح والمزاح. (ومن شر قلبي) (¬2) أي: نفسي، فالنفس هي مجمع الشهوات والمفاسد كحب (¬3) الدنيا والرغبة والرهبة من المخلوقين وخوف فوت الرزق والحسد والحقد وطلب العلو والعز والجاه والرياسة والكبر والفخر والغضب وسوء الظن والبخل والمن الأذى والعجب والاتكال على العمل وغير ذلك مما لا يستطيع الآدمي على دفع هذِه الشرور إلا بإعانة من الله تعالى (ومن شر منيي) قال الترمذي (¬4): يعني فرجه (¬5). وقال النسائي: يعني ذكره (¬6). فشهوة النكاح وقيام الذكر محنة عظيمة قلَّ من تخلص منها. قال قتادة في معنى قوله تعالى: {وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} (¬7) قال: هو الغلمة (¬8) وهو هيجان شهوة النكاح من المرأة والرجل. وعن عكرمة ومجاهد أنهما قالا: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} (¬9) أي: لا يصبر عن النساء. وقال فياض (¬10) بن نجيح: إذا قام ذكر الرجل ذهب ثلث عقله (¬11). وبعضهم يقول: ذهب ثلث دينه. وفي نوادر التفسير عن ابن عباس {وَمِنْ ¬

_ (¬1) في (م): الكرب والفتنة. (¬2) في (ر): نفسي. (¬3) في (م): بحب. (¬4) زاد في (ر): والحاكم في المستدرك. (¬5) "سنن الترمذي" (3492). (¬6) تقدم. (¬7) البقرة: 286. (¬8) في (م): العلة. (¬9) النساء: 28. (¬10) في (ر): عياض. (¬11) "قوت القلوب" لأبي طالب المكي 2/ 287.

شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} (¬1) قال: قيام الذكر، وهذِه بلية عظيمة إذا غلبت لا يقاومها عقل ولا دين، وهي أقوى آلة الشيطان على ابن آدم. وإليه (¬2) الإشارة بقوله - عليه السلام -: "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذوي الألباب منكن". رواه مسلم عن ابن عمر (¬3) واتفقا عليه من حديث أبي سعيد (¬4)، وإنما ذلك لهيجان الشهوة؛ ولهذا استعاذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث من شر منيه. وروى البيهقي في "الدعوات" عن أم سلمة: "أسألك أن تطهر قلبي وتحفظ فرجي" (¬5). [1552] (حدثنا عبيد الله) بالتصغير (¬6) (بن عمر) (¬7) بن (¬8) ميسرة [القواريري المقرئ] (¬9) شيخ الشيخين. (حدثنا مكي بن إبراهيم) بن بشير بن فرقد الحنظلي البلخي الحافظ (حدثنا عبد الله بن سعيد) بن أبي هند الفزاري المدني. (عن صيفي) بن زياد الأنصاري المدني (مولى أفلح مولى أبي أيوب) الأنصاري، أخرج له مسلم في ذكر الحيات (¬10). (عن أبي اليسر) بفتح المثناة تحت والسين المهملة بعدها راء واسمه كعب (¬11) بن عمرو الأنصاري أمه نسيبة، وهو الذي أسر ¬

_ (¬1) الفلق: 3. (¬2) في (م): قال. (¬3) "صحيح مسلم" (79). (¬4) "صحيح البخاري" (1462)، و"صحيح مسلم" (80). (¬5) "الدعوات" (256). (¬6) زاد في (م): عن. (¬7) في (ر): عمرو. (¬8) في (م): عن. (¬9) في (ر): الوريدي المقبري. (¬10) في (ر، م): الجان. والمثبت الصواب. (¬11) في (ر): مهب.

العباس بن عبد المطلب يوم بدر (¬1) وكان رجلًا قصيرًا والعباس رجل طويل ضخم فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لقد أعانك عليه ملك كريم" (¬2). وهو الذي انتزع راية المشركين وكانت بيد أبي عزير بن عمير يوم بدر، ثم شهد صفين مع علي وبها كانت وفاته (¬3). (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يدعو: اللهم إني أعوذ بك من الهدم) قال في "النهاية": الهدم بسكون الدال، هو: إهدار دم القتيل (¬4) يقال: دماؤهم بينهم هدم، أي: مهدورة. في حديث: "صاحب الهدم شهيد" (¬5). فالهدم بالتحريك البناء المهدوم، قال: في الحديث أنه كان يتعوذ من الأهدمين وهو أن ينهار عليه بناء أو يقع في بئر أو أهوية ونحو ذلك (¬6). ويحتمل أن يراد بالهدم [المستعاذ به] (¬7) هنا هدم [البيت المعقود] (¬8)، أو السقف لما يترتب عليه فساد ما يحصل الهدم عليه من الأثاث والآلات والحيوانات وغير ذلك، ويحتاج مالكه إلى كلفة في تجديد عمارته والسعي في ذلك، ولا يخفى ما في ذلك من المشقة (وأعوذ بك من التردي) وهو السقوط في بئر أو مهوى أو نحوها. وفي الحديث أنه قال: في بعير (¬9) تردى في (¬10) بئر: "ذكه من حيث ¬

_ (¬1) في (م): صار. (¬2) أخرجه أحمد في "مسنده" 1/ 353. (¬3) انظر ترجمته في "الاستيعاب" 4/ 339. (¬4) في (م): القتلى. (¬5) أخرجه النسائي 4/ 13 بهذا اللفظ. (¬6) "النهاية" (هدم). (¬7) في (م): الاستعارة. (¬8) في (ر): البناء المفقود. (¬9) سقط من (ر). (¬10) سقط من (ر).

قدرت" (¬1). أي: اذبحه في أي موضع أمكن من بدنه إذا لم يتمكن من نحره. والتردي تفعل من الرداء وهو الهلاك. (وأعوذ بك من الغرق) بفتح الراء مصدر وهو الذي غلبه الماء وقوي عليه [حتى أشرف] (¬2) على الهلاك ولم يغرق فإذا غرق فهو غريق، ومنه الحديث: يأتي على الناس زمان لا ينجو إلا من [دعا الله دعاء] (¬3) الغرق (¬4). كأنه (¬5) أراد إلا من أخلص الدعاء عند معاينة الهلاك؛ لأن من أشفى على الهلاك و [لم يمت فإنه] (¬6) يخلص في دعائه طلبًا للنجاة. (و) من (الحرق) كما تقدم [في الغرق] (¬7) وهو الذي يقع في حريق النار فيلتهب بالنار ولا يموت، ويحتمل أن يراد به وقوع الحريق في زرع أو أثاث أو غير ذلك من الأموال، فإذا وقع في شيء يتجاوز (¬8) إلى ما لا نهاية له كما في بيوت الخشب ونحوه (والهرم) (¬9) بفتح الراء؛ لأنه ينتهي بصاحبه إلى الخرف وذهاب العقل فيعود العالم جاهلًا، وقد تقدم. قوله: (وأعوذ بك) من (أن يتخبطني الشيطان عند الموت) وهو أن يستولي الشيطان عليه عند مفارقته الدنيا فيضله ويحول بينه وبين التوبة، ¬

_ (¬1) رواه البخاري معلقًا 7/ 93. (¬2) في (م): فأشرف. (¬3) في (ر): دعاءها. (¬4) رواه ابن أبي شيبة 15/ 91 (29783) والحاكم 4/ 425، والبيهقي في "الشعب" 2/ 40 من حديث حذيفة موقوفًا، ورواه الحاكم 1/ 506 من حديثه أيضًا وقال: عن حذيفة رفعه. (¬5) زاد في (ر): خص. (¬6) في (ر): لمن فاته. (¬7) سقط من (ر). (¬8) من (ر). (¬9) في (ر): الغرق.

أو يعوقه (¬1) عن الخروج من مظلمة تكون عنده، أو يؤيسه من رحمة الله تعالى ويكرهه الموت ويتأسف (¬2) على الحياة فلا يرضى بما قضاه الله عليه من (¬3) الفناء والنقلة إلى الدار الآخرة فيختم له بسوء الخاتمة ويلقى الله تعالى وهو ساخط عليه. وروي أن الشيطان لا يكون في حال أشد على ابن آدم منه في حال الموت يقول لأعوانه: دونكم هذا فإنه إن (¬4) فاتكم اليوم لم (¬5) تلحقوه. فنعوذ بالله من شره ونسأله خاتمة الخير وأن يبارك لنا في ذلك (¬6) المصرع بفضله (¬7) وكرمه. (وأعوذ بك أن أموت في سبيلك) أي: قتال الكفار (مدبرًا) أي: ظهري مما (¬8) يليهم، فمن ولى عن قتال الكفار مدبرًا (¬9) فهو من أكبر الكبائر إذا لم يزيدوا على ضعف (¬10) المسلمين، أو رجع متحرفًا لقتال أو متحيزًا إلى فئة من المسلمين. (وأعوذ بك أن أموت لديغًا) اللديغ الملدوغ فعيل بمعنى مفعول مثل كحيل بمعنى مكحول، وخضيب بمعنى مخضوب ولدغته العقرب (¬11) بالغين المعجمة لسعته ولدغته الحية عضته. قال الأزهري: اللدغ بالناب [ويقال: اللدغة] (¬12) جامعة لكل ¬

_ (¬1) في (م): يغويه. (¬2) غير واضحة في (م). (¬3) زاد في (م): القضاء. (¬4) من (ر). (¬5) في (م): ثم. (¬6) في (م): ذكر. (¬7) في (ر): بمنه. (¬8) في (م): ما. (¬9) من (ر). (¬10) في (ر): ضعفي. (¬11) من (ر). (¬12) من (ر).

هائمة (¬1). لعله (¬2) صلى الله عليه وآله وسلم استعاذ من اللدغ والموت به (¬3) لكونه عقوبة أهل النار. [1553] (حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي، أنا عيسى) بن يونس. (عن عبد الله بن سعيد) بن أبي هند الفزاري قال (حدثني) صيفي (مولى لأبي أيوب) الأنصاري. (عن أبي اليسر) كعب بن عمرو الأنصاري و (زاد فيه: والغم) وذكره النسائي بلفظ: "اللهم إني أعوذ بك من الهرم (¬4) والتردي والهدم (¬5) والغم والغرق والحريق" وأصل الغم: التغطية، وسمي الحزن غمًّا لأنه يغطي السرور، وفلان في غمة أي: في حيرة. [1554] ([حدثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي] (¬6). (حدثنا حماد) ابن سلمة (حدثنا قتادة، عن أنس) بن مالك - رضي الله عنه - (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من البرص) بياض معروف، وعلامته [بغض فلا يحمد] (¬7)، وقد برص بكسر الراء فهو أبرص. (والجنون) وهو زوال العقل، وفي معناه الأعمى هكذا هو مطلق، وفي حديث آخر مقيد فقال: "اللهم إني أعوذ بك من جنون العمل" أي من الإعجاب به (¬8). ¬

_ (¬1) "تهذيب اللغة" (لدغ). (¬2) في (م): لعلمه. (¬3) من (ر). (¬4) في (ر): الهم. (¬5) في (م): الهرم. (¬6) سقط من (ر). (¬7) بياض في (ر). (¬8) من (ر).

ويؤيد هذا الحديث الآخر: أنه رأى قومًا مجتمعين على إنسانٍ فقال: ما هذا؟ قالوا: مجنون. قال: هذا مصاب إنما المجنون الذي يضرب بمنكبيه وينظر (¬1) في عطفيه ويتمطى في مشيته. (والجذام) داءٌ معروف يأكل اللحم ويتناثر. أعاذنا الله تعالى منه. (ومن سيئ الأسقام) السيئ ضد الحسن وهما من الصفات العالية فيقال: فعلة حسنة وفعلة سيئة وأصلها سئويه فقلبت الواو ياء وهذا من عطف العام على الخاص فإن سيئ الأسقام يعم البرص والجنون والجذام، قال بعضهم: يشبه أن يكون استعاذ (¬2) به من هذِه الأسقام لأنها عاهات تفسد الخلقة وتبقي الشين وبعضها يؤثر في العقل الذي هو ميزان الآدمي وليس هي (¬3) كسائر الأمراض التي لا تدوم غالبًا كالحمى والصداع وسائر الأمراض التي لا تجري مجرى العاهات، وإنما هي كفارات للذنوب وليست بعقوبات، والله أعلم. [1555] (حدثنا أحمد بن عبيد الله) بالتصغير، ابن سهيل (¬4) شيخ البخاري (الغداني) بضم الغين المعجمة وتخفيف الدال المهملة (¬5) وبعد الألف نون نسبةً إلى غدانة بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة (¬6). (أنا) (¬7) (غسان (¬8) بن عوف) البصري المازني (أنا) سعيد بن إياس ¬

_ (¬1) في (ر): يضرب. (¬2) غير واضحة في (م). (¬3) من (ر). (¬4) في (م): سهل. (¬5) من (ر). (¬6) في (م): مناع. (¬7) في (ر): أبو. (¬8) في (م): عتبان.

(الجريري) بضم الجيم (عن (¬1) أبي نضرة) المنذر بن مالك العبدي. (عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار) جالس في المسجد في غير وقت صلاة (يقال (¬2) له: أبو أمامة) [قال المنذري] (¬3): يشبه أن يكون إياس بن ثعلبة الأنصاري الحارثي (¬4)، فإن أبا (¬5) أمامة [أسعد بن زرارة] (¬6) مات سنة إحدى (¬7) من الهجرة، ويقال: إنه أول من بايع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة العقبة، وكان [نقيبًا عقبيًّا] (¬8) ولا يكنى عن مثله [برجل من الأنصار] (¬9). (فقال: يا أبا أمامة، ما لي أراك جالسًا في المسجد في غير وقت صلاة؟ ) يحتمل أن يكون هذا ممن لا يعتاد المجيء إلى المسجد [إلا في وقت الصلاة، وإلا فقد كان جماعة من أهل الصفة وغيرهم يجلسون في المسجد] (¬10) في غير أوقات الصلاة من [غير ديون] (¬11). (قال: هموم لزمتني) أي دامت علي ملازمة (وديون) من عطف الخاص على العام، فإن الهموم تكون من دين وغيره، وإن (¬12) كان الدين أعظمهما [(يا رسول الله]) (¬13) فيه تفقد أحوال الأمير لرعيته ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) في (ر): فقال. (¬3) سقط من (ر). (¬4) في (ر): الحازمي. (¬5) من (ر). (¬6) في (م): بن أسعد من. (¬7) في (م): آخر. (¬8) في (ر): تقيًّا عفيفًا. (¬9) سقط من (ر). (¬10) من (ر). (¬11) في (م): دون. (¬12) من (ر). (¬13) سقط من (ر).

والشيخ لتلاميذه، وسؤالهم عن حالهم ليرشدهم إلى ما فيه سلامتهم. (قال: أفلا أعلمك كلامًا إذا أنت (¬1) قلته) في كل يوم أو لازمت عليه (أذهب الله همك وقضى [عنك دينك]) (¬2) مفردان بمعنى الجمع، أي: أذهب الله همومك وقضى عنك ديونك، وفيه تعليم المحتاج وإرشاده إلى (¬3) [ما يزيل ضرورته] (¬4) وإن لم يسأل. ([قال: قلت: بلى يا رسول الله] (¬5)، قال: قل كل يوم وليلة إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن) الحزن ضد السرور ولا يكون إلا على ماضٍ بخلاف الهم فإنه يكون للحال والاستقبال. (وأعوذ بك من العجز والكسل) العجز المتعوذ منه هو عدم القدرة على الطاعات والمصالح الدينية والدنيوية، والكسل المتعوذ منه هو التثاقل عن العبادات الشرعية وعن السعي في (¬6) تحصيل المصالح الدينية والدنيوية (¬7) (وأعوذ بك من الجبن) بضم الجيم وسكون الموحدة هو ضد الشجاعة (والبخل) بفتح الباء والخاء لموافقة الكسل في الوزن، وفيه لغة ثانية بضم الباء الموحدة (¬8) وسكون الخاء المعجمة (¬9) لغتان قرئ بهما في السبعة (¬10) فاستعاذته صلى الله عليه ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) في (ر): دينه. (¬3) من (ر). (¬4) في (ر): ما نزل ضرورة. (¬5) سقط من (ر). (¬6) في (م): و. (¬7) في (ر): البدنية. (¬8) من (ر). (¬9) من (ر). (¬10) قرأها حمزة والكسائي بالفتح، وقرأها الباقون بالضم. انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص 233.

وآله وسلم منهما ومن أمثالهما وإن كان الله قد عصمه من كل شر ليلزم نفسه خوف الله تعالى وإعظامه، وليسن ذلك لأمته فعلمهم كيف الاستعاذة من الأشياء القبيحة لما في الجبن والبخل من التقصير عن أداء [واجبات القيام] (¬1) بحقوق الله تعالى وإزالة المنكر والإغلاظ على العصاة، ولأن شجاعة النفس وقوتها المعتدلة تتم العبادات وتقوم بنصر المظلوم، وبالسلامة من البخل تقوم بحقوق المال وسعة الإنفاق والجود ومكارم الأخلاق. (وأعوذ بك من غلبة الدين) الذي أكثر وغلب عن وفائه، قال الطبري: إن قال قائل: قد صح تعوذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المغرم ومن غلبة الدين فما أنت قائل فيما [روي عن] (¬2) جعفر بن محمد عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله مع الدائن حتى يقضى دينه ما لم يكن فيما كره الله". وكان عبد الله بن جعفر يقول: اذهب فخذ لي بدين فإني أكره أن أبيت ليلة إلا والله معي بعدما سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم (¬3). وروى الإمام أحمد عن عائشة أنها كانت تداين فقيل لها: مالك وللدين ولك عنه مندوحة؟ قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "ما من (¬4) عبد كانت له نية في أداء الدين إلا كان له من الله عون، فأنا ألتمس من ¬

_ (¬1) في (ر): الواجبات والقيام. (¬2) في (ر): روى. (¬3) رواه ابن ماجه (2409) والدارمي (2637) وصححه الحاكم 2/ 23. (¬4) من (ر).

الله ذلك العون" (¬1). وفي رواية أخرى: "من كان عليه دين همه قضاؤه أو هم بقضائه لم يزل معه من الله حارس" (¬2). قيل (¬3): كلا الخبرين صحيح وليس في أحدهما دفعًا للآخر، فأما قوله: "إن الله مع الدائن"، و"من كان له نية في أداء الدين كان له من الله عون"، وفي الحديث: "ثلاثة حق على الله عونهم". منهم المديان الذي يريد أداءه والمديان [الكثير الدين] (¬4) الذي غلبته (¬5) الديون، وهو مفعال من الدين للمبالغة فهو فيما لم يكن فيما (¬6) يكره الله تعالى وهو المستدين الذي ينوي بقضاء دينه وعنده في الأغلب (¬7) ما يقضيه، والله تعالى في عونه على قضائه، وأما الغرم وغلبة الدين الذين استعاذ منه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنه الدين الذي استدين فيما يكره الله تعالى ولا يجد سبيلًا إلى قضائه وإن طالبه صاحبه فهو معرض لهلاك أموال الناس ومتلف لها فهو متعرض إلى قهر الرجال بالشكوى (¬8) عليه والملازمة إلى أن يوفي وكذا (¬9) المستدين الذي لا ينوي وفاء الدين وعزم على جحده فهو عاصٍ (¬10) لربه وظالم لنفسه (¬11). ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد 6/ 99. وقال الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1801): صحيح لغيره. (¬2) أخرجه أحمد 6/ 255. وقال الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (1125): ضعيف. (¬3) من (ر). (¬4) غير واضحة في (م). (¬5) في (م): عليه. (¬6) سقط من (ر). (¬7) زاد في (م): على. (¬8) في (م): فإن الشكوى عليه. (¬9) في (م): ذلك. (¬10) زاد في (ر): منه. (¬11) انظر: "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 10/ 119.

(وقهر الرجال) هم الأشداء الأقوياء الشديدي الخصومة، فإذا استظفروا بالآدمي من جهة (¬1) [. . . .] (¬2) من جهة أمرٍ من الدنيا أذلوه وقهروه، وربما اشتكوا عليه إلى الحكام وهم ألحن منه في الحجة فيأمر به بالترسيم والحبس وغير ذلك من أنواع الغلبة (¬3). (قال: ففعلت ذلك) ولازمت هذا الدعاء صباحًا ومساءً (فأذهب الله تعالى همي) الذي كنت أحذره (وقضى عني ديني) أي: ديوني التي كانت عليَّ الحالَّة والمؤجلة جميعها ببركة هذا الدعاء وصدق نيته في صحة ما أخبر به، بخلاف ما عليه أهل هذا الزمان من ذكر هذا الدعاء (¬4) إن استعملوه مع عدم الإيقان به وذكرهم له مع الشك هل ينجح أو لا؟ فيخالفوا الحديث: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة" (¬5). ومن الأدعية المستحبة لمن أصابه همٌّ أو حزن ما رواه الحاكم في "المستدرك" وقال صحيح الإسناد: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا نزل به همٌّ أو غمٌّ قال: "يا حي يا قيوم بك أستغيث" (¬6). وروى الخوارزمي في "المسلسلات" عن علي - رضي الله عنه - قال: رآني (¬7) النبي ¬

_ (¬1) في (م): عجزه عن وفاء دينه. (¬2) كلمة غير مقروءة. (¬3) في (م): الغيبة. (¬4) من (ر). (¬5) أخرجه الترمذي (3479) من حديث أبي هريرة. وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وقال الألباني: حسن لغيره. انظر: "صحيح الترغيب والترهيب" (1653). (¬6) "المستدرك" 1/ 509. وفيه: برحمتك. بدلًا من: بك. (¬7) في (م): أتى. والمثبت من (ر).

صلى الله عليه وآله وسلم حزينًا فقال: "يا ابن أبي طالب أراك حزينًا؟ " قلت: ذاك. قال: "مر بعض أهلك أن (¬1) يؤذن في أذنك فإنه دواء من الهم" قال: ففعلت فزال عني (¬2). ومن الأدعية المستحبة لمن كان عليه دَين فعجز عنه ما رواه الترمذي وقال: حسن، والحاكم في "المستدرك" وقال: صحيح الإسناد عن علي - رضي الله عنه -: أن مكاتبًا جاءه فقال: إني قد (¬3) عجزت عن كتابتي فأعنِّي، فقال: ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لو كان عليك مثل جبل صبير دينًا أدَّاه الله تعالى عنك، قال: "قل: اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضلك عمن سواك" (¬4). قوله "أغنني" هو بقطع الهمزة المفتوحة وجبل صبير بصاد مهملة [ثم باء موحدة] (¬5) ثم ياء مثناة تحت، هكذا وجد (¬6) في غير ما نسخة من الترمذي، وقال في الغالب (¬7) في مادة صبير بكسر الصاد وسكون المثناة تحت [دون باء] (¬8)، وقال: الصير (¬9) جبل على الساحل بين سيراف (¬10) وعمان، وقال المنذري: صبير جبل (¬11) باليمن، وذكره الخوارزمي لكن شرط ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) أخرجه ابن الجوزي في "مناقب الأسد الغالب علي بن أبي طالب" (54). (¬3) سقط من (ر). (¬4) "سنن الترمذي" (3563)، و"المستدرك" 1/ 538. (¬5) من (ر). (¬6) سقط من (ر). (¬7) غير واضحة في (م). والمثبت من (ر). (¬8) من (ر). (¬9) في (م): الصين. (¬10) في (م): مراد. (¬11) من (ر).

فيه أن [يدعو به سبعين] (¬1) مرة. وفي الباب أحاديث كثيرة مذكورة في الدعوات، وبه انتهى كتاب الصلوات والأدعية والتعوذات من تعليق ما تصل إليه الاستطاعة من كتاب أبي داود الأشعث بن قيس السجستاني. والله تعالى أسأل وأبتهل أن يصلح الأعمال والنيات ممن أصلح منه ما (¬2) حصل من الخطأ وما سبق به القلم، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله على سيدنا محمد الهادي إلى الحق والداعي إليه يتلوه إن شاء الله تعالى كتاب الزكاة. ¬

_ (¬1) بياض في (ر). (¬2) في (م): ثم.

كتاب الزكاة

كِتَابُ الزَّكاةِ

1 - باب وجوب الزكاة

9 - كتاب الزكاة 1 - باب وُجُوبِ الزَّكاةِ 1556 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّقَفي حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْري أَخْبَرَني عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: لمَّا تُوُفّي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - واسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ العَرَبِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ لأَبي بَكْرٍ: كَيْفَ تُقاتِلُ النّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أُمِرْتُ أَنْ أُقاتِلَ النّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لا إله إلَّا اللهُ فَمَنْ قَالَ: لا إله إلَّا اللهُ عَصَمَ مِنّي مالَهُ وَنَفْسَهُ إلَّا بِحَقِّهِ وَحِسابُهُ عَلَى اللهِ - عز وجل -؟ " فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: والله لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ والزَّكاةِ فَإِنَّ الزَّكاةَ حَقُّ المالِ والله لَوْ مَنَعُوني عِقالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَقاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ: فَواللَّهِ ما هُوَ إلَّا أَنْ رَأَيْتُ اللهَ - عز وجل - قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبي بَكْرٍ لِلْقِتالِ، قَالَ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الحَقُّ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ المُثَنَّى: العِقالُ صَدَقَةُ سَنَةٍ والعِقالانِ صَدَقَةُ سَنَتَيْنِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ رَباحُ بْنُ زَيْدٍ وَعَبْدُ الرَّزّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْري بِإِسْنادِهِ

وقَالَ بَعْضُهُمْ: عِقالًا. وَرَواهُ ابن وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ قَالَ عَناقًا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وقَالَ شُعَيْبُ بْنُ أَبي حَمْزَةَ وَمَعْمَرٌ والزُّبَيْدي عَنِ الزُّهْري في هذا الحَدِيثِ: لَوْ مَنَعُوني عَناقًا. وَرَوى عَنْبَسَةُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْري في هذا الحَدِيثِ قَالَ: عَناقًا (¬1). 1557 - حَدَّثَنا ابن السَّرْحِ وَسُلَيْمانُ بْنُ دَاوُدَ قالا أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ أَخْبَرَني يُونُسُ، عَنِ الزُّهْري قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ حَقَّهُ أَداءُ الزَّكاةِ، وقَالَ: عِقالًا (¬2). * * * [بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وبه نستفتح ونتوكل ونستعين] (¬3) كتاب الزكاة [الزكاة في اللغة: النماء] (¬4) يقال: زكا الزرع إذا نما، ويرد أيضًا بمعنى التطهير، وشرعًا بالاعتبارين معًا، أما بالأول فلأن إخراجها سبب للنماء في المال، أو بمعنى أن الأجر يكثر بسببها، وأما بالثاني؛ فلأنها طهرة للنفس من رذيلة البخل وتطهر من الذنوب. وأصل الزكاة من زكاة الخير يقال: رجل زكاء، أي: زائد الخير، وزكا القاضي الشهود بيَّن زيادتهم في الخير، وقال الله تعالى: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ} (¬5) أي: كثيرة الخير، وسمي المال المخرج ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1399 - 1400)، ومسلم (20). (¬2) رواه مسلم (20). (¬3) سقط من (ر). (¬4) سقط من (ر). (¬5) الكهف: 74.

زكاة؛ لأنه يوفر (¬1) البركة في المال. [1556] (حدثنا قتيبة، نا الليث، عن عقيل) بالتصغير (عن الزهري) قال: (أخبرني عبيد الله) بالتصغير (بن عبد الله بن عتبة) الفقيه الأعمى (عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واستخلف) بضم التاء وكسر اللام (أبو بكر - رضي الله عنه - وكفر من كفر من العرب) قال ابن إسحاق: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ارتدت العرب إلا ثلاثة مساجد: مسجد المدينة، ومسجد مكة، ومسجد جواثا (¬2). بضم الجيم وفتح الهمزة وبعد الألف ثاء مثلثة وهي قرية من البحرين، والمراد بالمسجد مسجد عبد القيس قال القاضي: كان أهل الردة ثلاثة أصناف (¬3): صنف كفر بعد إسلامه وعاد لجاهليته واتبع مسيلمة والعنسي أي: بالنون، وصنف أقر (¬4) بالإِسلام إلا الزكاة، فجحدها، وتأول بعضهم أن ذلك كان خاصًّا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} (¬5) وصنف اعترف بوجوبها (¬6) لكن امتنع من دفعها إلى أبي بكر وقال: إنما كان قبضها (¬7) للنبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصةً ¬

_ (¬1) في (ر): يوثر. (¬2) انظر: "المفهم" 1/ 185. (¬3) في (ر): أنصاف. (¬4) في (م): قرأ. (¬5) التوبة: 103. (¬6) في (م): بوجهها. (¬7) في (ر): ذلك.

لا لغيره، وفرقوا (¬1) زكاتهم بأيديهم، فرأى أبو بكر والصحابة - رضي الله عنهم - قتال جميعهم؛ الصنفان الأولان بكفرهم والثالث لامتناعهم (¬2). وهذا الصنف الثالث الذين (قال) فيهم (عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لأبي بكر: كيف تقاتل الناس) أي الأصناف الثلاثة، لكن ما أشكل عليه إلا الثالث، فباحث أبي بكر في ذلك (¬3)، واستدل عليه بالحديث الذي (قد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أمرت أن أقاتل الناس) أي بأن أقاتل الناس وحذف الجار من أن كثير شائع مطرد، والمراد بالناس عبدة الأوثان دون أهل الكتاب؛ لأن القتال يسقط عنهم بدفع الجزية (حتى يقولوا: لا إله إلا الله) الاحتمال قائم على أن ضرب الجزية كان بعد هذا القول، والغرض من ضرب الجزية اضطرارهم إلى الإِسلام، فكأنه قال: حتى يقولوا لا إله إلا الله، أو يلتزموا ما يؤديهم (¬4) إلى الإِسلام، والمراد حتى يسلموا أو يعطوا الجزية، واكتفى بما هو المقصود الأصلي (¬5) من خلق (¬6) الخلائق [(فمن قال: لا إله إلا الله] (¬7) عصم مني) أي: منع مني، والعصام الخيط الذي يشد به فم القربة؛ سمي بذلك لمنعه الماء من السيلان [(ماله ونفسه] (¬8) إلا بحقه) الحق المستثنى هو ما ثبته النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ¬

_ (¬1) في (ر): قد قرا. (¬2) "إكمال المعلم" 1/ 243 - 244. (¬3) في (ر): الثالث. (¬4) في (ر): يأويهم. (¬5) في (ر): الأعظم. (¬6) و (¬7) و (¬8) سقط من (ر).

الحديث الآخر، بقوله: "زنى بعد إحصان، أو كفر بعد إسلام، أو قتل النفس التي حرم الله" كما سيأتي في الحدود (¬1) إن شاء الله تعالى (وحسابه على الله) أي: حساب سرائرهم على الله؛ لأنه المطلع عليها فمن أخلص في إيمانه وأعماله جزاه الله عليها جزاء المخلصين، ومن لم يخلص في ذلك كان من المنافقين يحكم له في الدنيا بأحكام المسلمين وهو عند الله من الكافرين، واستفدنا منه أن أحكام الإِسلام إنما تدار على الظواهر الجلية لا الأسرار الخفية. (فقال أبو بكر - رضي الله عنه - والله لأقاتلن) أنا ومن (¬2) معي (من فرق) [ضبطاه بوجهين بتشديد الراء وتخفيفها] (¬3) (بين الصلاة والزكاة) يعني أن الله تعالى قد سوى بين الصلاة والزكاة في الوجوب في قوله تعالى: {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} (¬4) ودليل خطابها يفهم منه أن من لم يفعل جميع ذلك لم يخل سبيله، بل يقاتل إلى أن يقتل أو يموت، وبهذه الآية وبهذا الحديث استدل الشافعي (¬5) ومالك (¬6) ومن كان يقول بقولهما على قتل تارك الصلاة وإن كان معتقدًا بوجوبها (فإن الزكاة حق الله) أوجبه على من ملك نصابًا (¬7) من المال للمستحقين (والله لو منعوني عقالًا) بكسر العين، اختلف في هذا ¬

_ (¬1) سيأتي برقم (4363). (¬2) و (¬3) سقط من (م). (¬4) التوبة: 5. (¬5) "الأم" 1/ 424. (¬6) انظر: "الاستذكار" 2/ 285. (¬7) في (م): نصبه.

العقال على أقوال: أحدها: إنه الفريضة من الإبل، حكاه ابن وهب عن مالك. وثانيها: إنه صدقة عام، قاله الكسائي. وثالثها: إنه كل شيء يؤخذ في الزكاة من أنعام وثمار وغيرهما؛ لأنه يعقل عن مالكه (¬1) قال القرطبي: والأشبه أن يراد بالعقال ما يعقل به البعير؛ لأنه خرج مخرج التقليل، والله أعلم (¬2)، فإن عادة العرب إذا بالغت في تقليل شيء ذكرت في كلامها ما ليس مقصودًا؛ كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة" (¬3)، وفي أخرى: "ولو ظلفًا" (¬4) وليست مما ينتفع به، وكذا: "من بنى مسجدًا ولو مفحص قطاة" (¬5). (كانوا يؤدونه (¬6) إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يؤدوه من بعده (لقاتلتهم على منعه) فيه حجة أن الزكاة لا تسقط عن (¬7) المرتد بردته بل تؤخذ منه ما وجب عليه (¬8) منها، والمذهب أنه إذا أخرجها (¬9) في حال ردته أجزأه كما لو أطعم (¬10) عن الكفارة، وإنما تلزم الزكاة المرتد ¬

_ (¬1) في (م): مالك. (¬2) "المفهم" 1/ 190. (¬3) رواه البخاري (2566)، ومسلم (1030) من حديث أبي هريرة. (¬4) سيأتي برقم (1667). (¬5) رواه ابن ماجه (738). (¬6) في (ر): يؤدونها. (¬7) في (م): على. (¬8) من (م). (¬9) في (م): أخرج. (¬10) في (م): أخرج.

إذا أثبتنا ملكه للمال، والأصح عند الشافعي أن ملكه موقوف، فإن رجع إلى الإِسلام أخذت منه، وإلا فماله فيء للمسلمين (¬1). [(فقال عمر بن الخطّاب: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله شرح صدر أبي بكر)] (¬2) رأيت، أي: علمت وأيقنت، ومعنى شرح (¬3): فتح ووسع ولين، ومعناه: علمت أنه جازم بالقتال؛ لما ألقى الله تعالى في قلبه من الطمأنينة لذلك واستقوائه (¬4) (للقتال قال: فعرفت) بما أظهر من الدليل وإقامة الحجة التي أظهرها فعرفت بذلك (أنه) أي: أن ما ذهب إليه هو (الحق) لا أن عمر قلد أبا بكر؛ لأن (¬5) المجتهد لا يقلد المجتهد، وزعمت الرافضة أن عمر وافق أبا بكر تقليدًا وبنوه على مذهبهم الفاسد في وجوب عصمة الأئمة، وهذِه جهالة منهم ظاهرة. (قال أبو عبيدة) بالتصغير وهاء بعد الدال (معمر بن المثنى) الإمام في العربية واللغة سمع من رؤبة بن العجاج: (العقال صدقة سنة) وهذا قول الكسائي، ومنه قول عمرو بن العلاء: سعى عقالًا فلم يترك لنا سيدا ... فكيف لو قد (¬6) سعى عمرو (¬7) عقالين (¬8) ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع" 5/ 328. (¬2) و (¬3) من (م). (¬4) في (ر): استواصته. (¬5) في (م): فإن. (¬6) من (م). (¬7) ليست في النسخ الخطية، والمثبت من كتب اللغة. (¬8) انظر: "المفهم" 1/ 189، "النهاية" [عقل].

فنصب عقالًا على الظرف؛ لإضافة العقال إلى العام، وعمرو هذا الساعي (¬1) هو عمرو بن عتبة، ولّاه عمه معاوية بن أبي سفيان صدقات بني كلب، فقال فيه قائلهم هذا، ولأن العقال هو الحبل الذي يعقل به البعير ولا يجب دفعه في الزكاة فلا يجوز القتال عليه ولا يصح حمل الحديث عليه (¬2). (رواه) عنه (رباح) بفتح الراء والباء الموحدة (بن زيد) الصنعاني [(¬3) ثقة زاهد (¬4). (وعبد الرزاق عن معمر) بن راشد الأزدي (عن الزهري بإسناده) بإسناد معمر (قال شعيب بن أبي حمزة) بالحاء المهملة، اسمه دينار الحمصي. قال ابن معين: ثقة (¬5) مثل يونس (ومعمر) بن راشد أحد الأئمة الأعلام (والزبيدي) بضم الزاي، محمد بن الوليد. (عن الزهري في) روايته (هذا الحديث: لو منعوني عناقًا) هو محرك على ما إذا كانت الغنم كلها صغارًا بأن ماتت أمهاتها في بعض الحول، فإذا جاء حول الأمهات زكى الصغار المعز بحول الأمهات، سواء بقي من الأمهات شيء أم لا، هذا هو الصحيح المشهور؛ لأن فيه دلالتين: أحدهما: روايته عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ العناق، والثانية: إجماع الصحابة لموافقتهم إياه. ¬

_ (¬1) في (م): الشاعر. (¬2) سقط من (ر). (¬3) من هنا سقط من (م). (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 9/ 44. (¬5) "تاريخ ابن معين" رواية الدرامي (5).

قال المنذري: العناق الجذعة من المعز التي قاربت الحمل، قيل: هو ما لم يتم له سنة من الإناث خاصة، وفيه دليل على وجوب الصدقة في السخال إذ واحد منها يجزئ عن الأربعين إذا كانت كلها سخالًا لا يكلف صاحبها مسنة، ولو كان يستأنف لها الحول لم يوجد السبيل إلى أخذ العناق، وهو مذهب الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا شيء في السخال، وحملوه على التقليل (¬1). (رواه عنبسة عن) خالد بن عمه (يونس) بن يزيد، وذكر العناق ورد في رواية البخاري في "صحيحه" (¬2) ورواه عبد الله بن وهب عن يونس (عن الزهري قال: عقالًا) وهي رواية الأكثر. [1557] و (ثنا) أحمد بن عمرو (ابن السرح) قوله: (حقه أداء) بالمد (الزكاة) المفروضة. ¬

_ (¬1) "مختصر سنن أبي داود" 2/ 170 - 171. بمعناه. (¬2) حديث رقم (1456).

2 - باب ما تجب فيه الزكاة

2 - باب ما تَجِبُ فِيهِ الزَّكاةُ 1558 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى المازِني، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبا سَعِيدٍ الخُدْري يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ فِيما دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيما دُونَ خَمْسِ أَواقٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيما دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ" (¬1). 1559 - حَدَّثَنا أَيُّوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّقّي حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنا إِدْرِيسُ بْنُ يَزِيدَ الأَوْدي عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الجَمَلي عَنْ أَبي البَخْتَري الطّائي عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْري يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَيْسَ فِيما دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ زَكاةٌ". والوَسْقُ سِتُّونَ مَخْتُومًا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَبُو البَخْتَري لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبي سَعِيدٍ (¬2). 1560 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ قُدامَةَ بْنِ أَعْيَنَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنِ المُغِيرَةِ، عَنْ إِبْراهِيمَ قَالَ: الوَسْقُ سِتُّونَ صاعًا مَخْتُومًا بِالحَجّاجيِّ (¬3). 1561 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشّارٍ، حَدَّثَني مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصاري حَدَّثَنا صُرَدُ بْنُ أَبي المَنازِلِ، قَالَ: سَمِعْتُ حَبِيبًا المالِكي، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِعِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ: يا أَبا نُجَيْدٍ، إِنَّكُمْ لَتُحَدِّثُونَنا بِأَحادِيثَ ما نَجِدُ لَها أَصْلًا في القُرْآنِ. فَغَضِبَ عِمْرانُ وقَالَ لِلرَّجُلِ: أَوَجَدْتُمْ: في كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَمِنْ كُلِّ كَذا وَكَذا شاةً شاةٌ، وَمِنْ كُلِّ كَذا وَكَذا بَعِيرًا كَذا وَكَذا أَوَجَدْتُمْ هذا في القُرْآنِ؟ قَالَ: لا. قَالَ: فَعَنْ مَنْ أَخَذْتُمْ هذا؟ ! أَخَذْتُمُوهُ عَنّا وَأَخَذْناهُ عَنْ نَبي اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. وَذَكَرَ أَشْياءَ نَحْوَ هذا (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1405)، ومسلم (979). (¬2) رواه ابن ماجه (1832)، وأحمد 3/ 59. ولفظ ابن ماجه: "الوسق ستون صاعا". (¬3) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (10106) وابن زنجويه في "الأموال" (1920) (¬4) رواه محمد بن نصر في "تعظيم قدر الصلاة" (1081)، والروياني (116)، والطبراني 18/ 219 (547)، وابن بطة في "الإبانة" (66). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (273).

باب حد ما تجب فيه الزكاة [1558] (ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه) يحيى بن عمارة بن أبي حسن، ثقة (¬1) (قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: قال رسول الله يقول: ليس فيما دون خمسة ذود) بفتح الذال المعجمة على الرواية المشهورة على الإضافة، ومنهم من يرويه بالتنوين على البدل، والصحيح في الرواية إسقاط الهاء من خمسٍ على التأنيث، وأثبتها بعضهم على التذكير، وهذا على الخلاف في الذود، هل يطلق على الإناث أو على الذكور؟ وأصل وضع ذود إنما هو مصدر من ذاد يذود إذا دفع شيئًا، فكأن من كان عنده دفع عن نفسه مضرة الفقر أو شدة الفاقة والحاجة، قال الأصمعي: الذود ما بين الثلاث إلى العشر. ولا واحد له من لفظه، إنما يقال في الواحد: بعير كما يقال للواحد من النساء: امرأة. قال النووي: ورواه بعضهم خمسة ذود بإثبات الهاء لإطلاق المذكر والمؤنث (¬2). (خمس أواق) جمع أوقية، قال أبو عبيد: هي اسم لوزن مبلغه أربعون درهمًا (¬3). قال ابن السكيت: بضم الهمزة وتشديد الياء جمعها أواقي بتشديد الياء، وأواقٍ بحذف الياء، ولا يقال: وقية بحذف الهمزة، ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 31/ 474. (¬2) "شرح النووي على مسلم" 7/ 51. (¬3) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 3/ 445.

ومهما كان من هذا النوع مشددًا جاز في جمعه التشديد والتخفيف. (¬1) كسرية وسراري، وعلية وعلالي ونجيبة ونجابي، وقوله: "ليس فيما دون" ظاهره أنه إذا نقص عن النصاب ولو أقل ما يطلق عليه اسم النقص لم تجب فيه زكاة، ورواية الصحيحين: "ليس فيما دون خمس أواقٍ من الورق" فلو نقص النصاب حبة ونحوها فلا زكاة عندنا بلا خلاف للحديث، ولو كان في بعض الموازين كذلك وفي بعضها بأسًا، فالصحيح لا زكاة للشك، والأصل عدم الوجوب وعدم بلوغ النصاب (صدقة) سميت الزكاة صدقة؛ لأنها تدل على صدق دافعها. (وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) الأوسق جمع قلة، واحدها: وسق، كأفلس وفلس فيقال: أوساق جمع وسق بكسر الواو كأعدال وعدل، والخمسة الأوسق وما أشبهها من الأعداد التي نصب عليها الشارع لا خلاف أنها تحديد كنصب الزكوات وغيرها، وإنما الخلاف في المدلول؛ فالقائل بالتحديد يقول: إذا نقصت الأوسق عن ألف وستمائة رطل لم يطلق عليها خمسة أوسق، كما إذا نقصت القلتان عن خمسمائة رطل لم يطلق عليها قلتان، فلم يثبت الحكم الذي علقه الشرع بهما والقائل بالتقريب، يقول: النقص اليسير لا يمنع إطلاق الاسم فيثبت الحكم لثبوت العدد الذي اعتبره الشرع، وها هنا يثبت الدليل وقام الإجماع على أن الوسق ستون صاعًا كما سيأتي. [1559] (ثنا أيوب بن محمد) بن زياد (الرقي) بكسر الراء وقاف ¬

_ (¬1) "إصلاح المنطق" 1/ 178.

بعدها الوزان حجة (حدثنا محمد بن عبيد) بالتصغير، قال: (ثنا إدريس بن يزيد الأودي) بكسر الدال ثقة (¬1). (عن عمرو بن مرة الجملي) جمل بطن من مراد بفتح الجيم والميم، التابعي. (عن أبي البختري) بفتح الباء الموحدة وسكون الخاء المعجمة، سعيد بن فيروز (الطائي) من علماء التابعين، مات في وقعة الجماجم، قال حبيب بن أبي ثابت: اجتمعت أنا وأبو البختري وسعيد بن جبير فكان أبو البختري أعلمنا (عن أبي سعيد الخدري يرفعه إلى النبي قال: ليس فيما دون خمسة أوساق زكاة والوسق) بفتح الواو وكسرها كما تقدم (ستون) صاعًا (مختومًا) قال ابن الرفعة: المختوم هو الصاع إذا كان بختم ولي الأمر. وحكى ابن المنذر وغيره الإجماع على أن الوسق ستون صاعًا، وروي ذلك عن ابن عمر وابن المسيب وغيرهما، قال ابن عمر: والظاهر أن التقدير للوسق بذلك من قول الراوي، وأدرجه في الحديث، وأخرجه النسائي وابن ماجه مختصرًا. (قال أبو داود: أبو البختري لم يسمع من أبي سعيد) وروى عن علي مرسلًا، وسمع ابن عباس وعمر، وجماعة من الصحابة. [1560] (ثنا محمد بن قدامة بن أعين) أبو عبد الله المصيصي، وثقه الدارقطني (¬2) (ثنا جرير) بن حازم (عن مغيرة) بن مقسم الضبي (عن ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 301. (¬2) "العلل" للدارقطني 10/ 137.

إبراهيم) بن سويد النخعي (قال: الوسق) بفتح الواو وكسرها، والأفصح فتح الواو، وهو حمل البعير، وهو الوقر، وكل شيء حملته فقد وسقته (ستون صاعًا) والصاع أربعة أمداد، والمد رطل وثلث بالبغدادي، والأصل في الصاع الكيل، وإنما قدره العلماء بالوزن استظهارًا. وضبط الصاع بالأرطال مشكل جدًّا؛ فإن الصاع المخرج به في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكيال معروف يختلف قدره وزنًا باختلاف أجناس ما يوضع فيه وبالرزانة والخفة (مختومًا بالحجاجي) نسبةً إلى الحجاج بن يوسف الثقفي، وهذا يدل على أن الذي حرر مقدار المكاييل والموازين الحجاج بن يوسف. قال العمراني: قيل: الذي فعل ذلك زياد بن أبيه في زمن معاوية، وقيل: الحجاج بن يوسف في زمن عبد الملك بن مروان (¬1)، ورواية أبي داود هنا تؤيد هذا، قيل: وكان بالعراق سنة 74، وقال ابن المداني: بل في آخر سنة 75، وكتب الحجاج على الفضة المسبوكة: بسم الله، الحجاج. قال السبكي: من المهم معرفة تقدير الكيل في كل بلد، وقد اعتبرت القدح المصري بالمد الذي حضرته فوسع مدين وسبع مدًّا تقريبًا فيكون الصاع قدحين إلا سبعي قدح، وكل خمسة عشر مدًّا سَبعة أقداح، وكل خمسة عشر صاعًا وَيْبَةٌ ونصف وربع فثلاثمائة صاع 35 وهو خمسة أرادب ونصف وثلث وهو نصاب الزكاة، قال: ورأيت لشيخنا الدمياطي عن أبي الفرج الدارمي فائدة ذكر فيها أن نصاب الزكاة ¬

_ (¬1) "البيان" للعمراني 3/ 284.

بالغرارة الدمشقية ست غرائر وثلثا غرارة وهذا إن كان صادرًا عن ثبت فهو محمول على أن الغرائر اختلفت، فإن الغرارة الدمشقية الآن على ما يقال أردبين ونصف بالمصري فيكون النصاب منها غرارتين وشيئًا. [1561] (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ) بن حفص بن هشام بن زيد بن أنس بن مالك (الأنصاري) أو محمد بن عبد الله بن زيد، على الأظهر، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬1)، قال: (ثنا صرد) بضم الصاد وفتح الراء (ابن أبي المنازل) جمع منزل، البصري، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2) (قال: سمعت حبيبًا) بفتح المهملة، يعني: ابن أبي فضالة، أو فضلات (المالكي) ذكر البخاري أنه سمع من عمران (قال: قال رجل لعمران بن حصين) بن عبيد (¬3)، أسلم عام خيبر وهو من فضلاء الصحابة (يا أبا نجيد) بضم النون وفتح الجيم مصغر نجد. (إنكم لتحدثوننا بأحاديث ما نجدها أصلًا في القرآن، فغضب عمران) حين لم يعرج على السنة، ولا جعلها من وحي الله كما قال {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)} (¬4) (وقال للرجل: أوجدتم) في كتاب الله (في كل أربعين درهمًا درهمًا) في بعض النسخ المعتمدة: درهمًا درهمًا (ومن كل كذا وكذا شاة) بالنصب على التمييز (شاة) بالرفع قال ابن مالك: في "شرح الكافية": أجاز قومٌ أن تعامل معاملة ما يكنى بها عنها، ¬

_ (¬1) "الثقات" 9/ 116. (¬2) "الثقات" 6/ 478. (¬3) زاد بعدها في (ر): الكفين. (¬4) النجم: 3.

فمن كنَّى بها عن مفرد جاء بها مفردة، ومن جاء بها عن مركب كررها دون واوٍ ومن كررها عن معطوف ومعطوف عليه كررها بعطف، فكذا كناية عن مائة فصاعدًا، وكذا عنها كناية عن عشرين أو ثلاثين إلى تسعين (¬1). وقال في "المعرب": إن كنيت بها عن عشرين أو ثلاثين إلى تسعين، قلت: كذا درهمًا، انتهى. [ومقتضى هذا أن الكناية بكذا عن أربعين شاة يقال فيها: كذا شاة، بلا تكرير ولا عطف. (ومن كذا وكذا بعيرًا) مجيء هذا بالتكرير والعطف موافق لما تقدم، فإنه كناية عن خمسة وعشرين وما بعدها فإن عبارة "المعرب" وإن كنيت به عن المعطوف من واحد وعشرين إلى تسعة وتسعين كذا كذا درهمًا، انتهى] (¬2). (أوجدتم هذا في القرآن؟ قال: لا. قال: فعن من أخذتم هذا؟ ! ) قال في "شرح التسهيل": تتصل "عن" الموصولة غالبًا كما تتصل "من" بـ "ما" الموصولة غالبًا، فلو كانت غير موصولة مثل كونها استفهامية أو شرطية أو نكرة فقيامها أن تثبت منفصلة، انتهى. و"من" هنا استفهامية أو شرطية أو نكرة موصوفة فقيامها أن تثبت منفصلة، انتهى، و"عن" هنا استفهامية فتنفصل عن "من" فإن النبي ما نطق من تلقاء نفسه، وما أخذ إلا عن الله تعالى بوحي منه. ¬

_ (¬1) "شرح الشافية الكافية" 4/ 712 - 713. (¬2) تكرر في (ر).

3 - باب العروض إذا كانت للتجارة هل فيها من زكاة؟

3 - باب العُرُوضِ إِذا كانَتْ لِلتِّجارَةِ هَلْ فِيها مِنْ زَكاةٍ؟ 1562 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ سُفْيانَ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ حَسّانَ، حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ مُوسَى أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنا جَعْفَرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، حَدَّثَني خُبَيْبُ بْنُ سُلَيْمانَ، عَنْ أَبِيهِ سُلَيْمانَ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَأْمُرُنا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنَ الذي نُعِدُّ لِلْبَيْعِ (¬1). * * * باب العروض إذا كانت للتجارة هل فيها زكاة [1562] (ثنا محمد بن داود بن سفيان) لم يرو عنه غير أبي داود فقط، قال: (ثنا يحيى بن حسان) التنيسي، في الصحيحين (ثنا (¬2) سليمان بن موسى) الزهري، نزيل دمشق (وكنيته أبو داود) قال سليمان بن (¬3) موسى (حدثنا جعفر، قال: حدثني) ابن عمي (خبيب) بضم المعجمة، مصغر (بن سليمان) بن سمرة بن جندب. قال ابن حزم: هما مجهولان، قال ابن القطان: وهو إسناد روي به جملة أحاديث (عن أبيه) سليمان بن سمرة، وقد ذكر البزار (¬4) منها نحو مائة، قال عبد الحق: خبيب ضعيف، قال الذهبي: وفي "سنن أبي داود" من ذلك ستة أحاديث (¬5) (عن سمرة بن جندب قال: أما بعد) أي: بعد ¬

_ (¬1) رواه الطبراني 7/ 253 (7029)، والدارقطني 2/ 127. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (275). (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) في (ر): عن. (¬4) في (ر): الميزان. والمثبت من كتب التراجم. (¬5) "ميزان الأعتدال" 1/ 407 - 408.

حمد الله (فإن رسول الله كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعد) بضم النون وكسر العين، وروي بضم التحتانية وفتح العين (للبيع) أي: نهيئه للبيع، يقال: أعده لأمر كذا: هيأه له. ورواه الدارقطني والبزار أيضًا من رواية سليمان بن سمرة أيضًا، وقد استدل به على وجوب الزكاة في مال التجارة، ويدل على ذلك أيضًا قوله تعالى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} (¬1) يعني: من الأموال الطيبة التي اكتسبتموها، قال ابن عباس: المراد بالإنفاق هنا الصدقة، قال مجاهد: يعني: من التجارة، فقال بعضهم: لا زكاة فيها، وقال بعضهم: فيها الزكاة، وهذا أحب إلينا، قال الجمهور: مذهبه في القديم أيضًا القطع بوجوبها كالجديد، وليس فيه قول بعدم وجوبها، وإنما أخبر عن اختلاف وبين أن مذهبه وجوبها. (¬2) وقال مالك: لا زكاة في عروض التجارة ما لم تنض وتصير دراهم أو دنانير وحينئذٍ تجب فيها (¬3). واستدل بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة" (¬4) وأجابوا عنه بأنه محمول على ما ليس للتجارة. ¬

_ (¬1) البقرة: 267. (¬2) "المجموع" 6/ 47. (¬3) "المدونة" 1/ 311 - 312. (¬4) سيأتي برقم (1595).

4 - باب الكنز ما هو؟ وزكاة الحلي

4 - باب الكَنْزِ ما هُوَ؟ وَزَكاةِ الحُلِيِّ 1563 - حَدَّثَنا أَبُو كامِلٍ، وَحُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ - المَعْنَى - أَنَّ خالِدَ بْنَ الحارِثِ حَدَّثَهُمْ: حَدَّثَنا حُسَيْنٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَها ابنةٌ لَها وَفي يَدِ ابنتِها مَسَكَتانِ غَلِيظَتانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَها: "أَتُعْطِينَ زَكاةَ هذا؟ ". قَالَتْ: لا. قَالَ: "أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللهُ بِهِما يَوْمَ القِيامَةِ سِوارَيْنِ مِنْ نارٍ؟ ". قَالَ: فَخَلَعَتْهُما فَأَلْقَتْهُما إِلَى النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، وقَالَتْ: هُما لله - عز وجل - وَلِرَسُولِهِ (¬1). 1564 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنا عَتّابٌ - يَعْني: ابن بَشِيرٍ - عَنْ ثابِتِ بْنِ عَجْلانَ، عَنْ عَطاءٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: كُنْتُ أَلْبَسُ أَوْضاحًا مِنْ ذَهَبٍ فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ، أَكَنْزٌ هُوَ؟ فَقَالَ: "ما بَلَغَ أَنْ تُؤَدى زَكاتُهُ فَزُكّي فَلَيْسَ بِكَنْزٍ" (¬2). 1565 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الرّازي حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ طارِقٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبي جَعْفَرٍ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ عَطاءٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدّادِ بْنِ الهادِ أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْنا عَلَى عائِشَةَ زَوْجِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: دَخَلَ عَليّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَأى في يَدي فَتَخاتٍ مِنْ وَرِقٍ، فَقَالَ: "ما هذا يا عائِشَةُ؟ ". فَقُلْتُ: صَنَعْتُهُنَّ أَتَزَيَّنُ لَكَ يا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "أَتُؤَدِّينَ زَكاتَهُنَّ؟ ". قُلْتُ: لا، أَوْ ما شاءَ اللهُ. قَالَ: "هُوَ حَسْبُكِ مِنَ النّارِ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (637)، والنسائي 5/ 38، وأحمد 2/ 178. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1396)، وانظر للتفصيل "إرواء الغليل" (817). (¬2) رواه الطبراني 23/ 281 (613)، والدارقطني 2/ 105، والحاكم 1/ 389. وحسن الألباني في "صحيح أبي داود" (1397) المرفوع منه. (¬3) رواه ابن زنجويه في "الأموال" (1763)، والدارقطني 2/ 105، والحاكم 1/ 389. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1398).

1566 - حَدَّثَنا صَفْوانُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ عُمَرَ بْنِ يَعْلَى فَذَكَرَ الحَدِيثَ نَحْوَ حَدِيثِ الخاتَمِ. قِيلَ لِسُفْيانَ: كَيْفَ تُزَكِّيهِ؟ قَالَ: تَضُمُّهُ إِلَى غَيْرِهِ (¬1). * * * باب الكنز ما هو؟ [1564] (حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ثنا عتاب) بفتح المهملة والمثناة فوق (بن بشير) الخزرجي، أخرج له البخاري. (عن ثابت بن عجلان) الأنصاري الحمصي. (عن عطاء، عن أم سلمة قالت: كنت ألبس) بفتح الباء (أوضاحًا) وهي نوع من الفضة، واحدها وضح، أي: حليًّا، وأصله الفضة؛ لأن الوضح هو البياض، وفي الحديث: "غيروا الوضح" يعني: الشيب، وأطلق هنا على الحلي (من الذهب) ألبسها من التلازم. قال ابن عبد البر: والجمهور [على أن] (¬2) الكنز المذموم ما لم يؤد زكاته؛ لما أخرج الترمذي وصححه الحاكم عن أبي هريرة مرفوعًا: "إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك" (¬3) وفيه بلفظ: "فقد أذهبت عنك شره" (¬4) إسناده صحيح أيضًا. (فقلت: يا رسول الله، أكنز هو؟ ) لعل هذا السؤال صدر منها بعد ما ¬

_ (¬1) انظر السابق. (¬2) ليس في (ر). والمثبت من "فتح الباري" 3/ 273. (¬3) انظر: "الاستذكار" 9/ 126 - 127، وأخرجه الترمذي (618)، والحاكم 1/ 390. (¬4) رواه ابن خزيمة 4/ 13 (2258)، والحاكم 1/ 390.

نزل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} (¬1) الآية (فقال: ما بلغ) منه (أن تؤدى زكاته) وهو عشرون مثقالًا (فزكي) وأخرجت زكاته لمستحقيه (فليس بكنز) عن عبد الله بن دينار أنه قال: سمعت عبد الله بن عمرو، وهو يسأل عن الكنز ما هو؟ فقال: هو المال الذي لا تؤدى منه الزكاة. وروى الثوري وغيره عن عبد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال: ما أدي زكاته فليس بكنز] (¬2) وإن كان تحت سبع أرضين، وما كان ظاهرًا لا تؤدى زكاته فهو (¬3) كنز. * * * باب زكاة الحلي الحلي ما يتحلى به، وهو بفتح الحاء وإسكان اللام، وفي جمعه لغتان قرئ بهما في السبع في قوله تعالى {حُلِيِّهِمْ} (¬4) قرأ حمزة والكسائي بكسر الحاء، والباقون بضمها واللام مكسورة فيهما (¬5). [1563] (ثنا أبو كامل) الجحدري (وحميد بن مسعدة) الباهلي، صدوق (¬6) (المعنى أن خالد بن الحارث) الهجيمي البصري، قال ¬

_ (¬1) التوبة: 34. (¬2) هنا انتهى السقط من (م). والأثر رواه عبد الرزاق 4/ 106 (7141). (¬3) في (م): فليس. (¬4) الأعراف: 148. (¬5) انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص 294. (¬6) "تهذيب الكمال" 7/ 397.

القطان: ما رأيت خيرًا منه (¬1). (قال: ثنا حسين) المعلم (عن عمرو بن شعيب) بن محمد بن عبد الله بن عمرو السهمي. (عن أبيه، عن جده: أن امرأة أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ولفظ رواية أحمد: عن أسماء بنت يزيد، قالت: دخلت أنا وخالتي على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلينا أساور من ذهب. وروى الدارقطني من طريق فاطمة بنت قيس نحوه (ومعها ابنة) [نسخة: بنت] (¬2) (لها وفي يد ابنتها مسكتان) بفتح الميم والسين جمعها مسك، قال المنذري: هي أسورة من ذبل أو قرن (¬3) أو عاج، [والذبل: قرون الأوعال، وقيل: جلود دابة بحرية، وقيل: الذبل ظهر السلحفاة البحرية] (¬4) فإذا كانت من غير ذلك أضيفت إليه (¬5). أنشد الجوهري لجرير يصف امرأة: ترى العبس الحوليّ جونًا بكوعها ... لها مسكا من غير عاج ولا ذبل (¬6) الذبل بفتح الذال المعجمة وإسكان الباء هو شيء كالعاج، وهو ظهر السلحفاة البحرية يتخذ منه السوار، والعبس بفتح المهملة والباء ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 8/ 37. (¬2) سقط من "م". (¬3) في (ر): قون. والمثبت من (م). (¬4) سقط في (م). (¬5) "الترغيب والترهيب" للمنذري 1/ 311. (¬6) "الصحاح في اللغة" (ذبل).

الموحدة، ما يتعلق في أذناب (¬1) الإبل من أبوالها وأبعارها [فتجف عليها] (¬2) (غليظان من ذهب، فقال لها: أتعطين زكاة هذا؟ ) يعني: الذهب، قد يؤخذ منه أن أبوي الطفل يجب عليهما إخراج الزكاة من مال أولادهما، وأن الزكاة تجب في مال الطفل والمجنون، وبه قال الشافعي (¬3) ومالك (¬4) وأحمد والجمهور (¬5)، وقال أبو حنيفة: لا تجب في مالهم إلا في المعشرات وزكاة الفطر (¬6). ووجه دليل الوجوب من الحديث أن ترك استفصال النبي - صلى الله عليه وسلم - منها هل هي ملك لها أو لابنتها دليل على العموم، وفي الحديث دليل على جواز (¬7) اتخاذ حلي الذهب للأطفال الإناث كما في الحديث، وفي الذكور ثلاثة أوجه: أصحها وهو المنصوص: الجواز مطلقًا، وقطع به بعضهم. والثاني: المنع مطلقًا. والثالث: يجوز قبل بلوغهم سبع سنين، والمنع بعده. وتجري هذِه الأوجه في إلباسهم الحرير، فإن منعناه وجبت زكاته، وإن جوزناه فقولان. (فقالت: لا. قال: أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة) فيه أن ¬

_ (¬1) في (م): أذيال. (¬2) من (م). (¬3) انظر: "المجموع" 5/ 329. (¬4) "المدونة" 1/ 308. (¬5) انظر: "المغني" 4/ 69. (¬6) انظر: "المبسوط" للسرخسي 2/ 217 - 218. (¬7) من (م).

الإنسان يعذب يوم القيامة بجنس ما كان عليه في الدنيا، وفيه أن الذي ينبغي في هذِه الدنيا أن لا يكتسب إلا ما يسره يوم القيامة رؤيته، قال بعضهم في الكتابة: فلا تكتب بكفك غير شيء ... يسرك في القيامة أن تراه (سوارين من نار؟ ) قال الخطابي: هو تأويل قوله تعالى: {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ} (¬1) الآية (قال: فأخذتهما) أي: من يد ابنتها [نسخة: فخلعتهما] (¬2) (فألقتهما (¬3) إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقالت: هما لله ولرسوله) هذا يدل على أن المسكتين كانتا لها؛ إذ لو كانت لابنتها لما جاز لها ذلك؛ لأن الولي لا يتصدق من مال محجوره، ولا يتصرف له إلا بما فيه الحظ والمصلحة، ويحتمل أن تكون ألقتهما على أن تعوضها بقيمتهما من مال نفسها. [1565] (ثنا محمد بن إدريس) بن المنذر (الرازي) الحافظ، قال أحمد بن سلمة: ما رأيت بعد ابن راهويه أحفظ للحديث، ولا أعلم بمعانيه من أبي حاتم الرازي (¬4). (ثنا عمرو بن الربيع بن طارق) البصري، شيخ البخاري، قال (ثنا يحيى بن أيوب) [الغافقي، احتج به الشيخان، وغيرهما] (¬5). ¬

_ (¬1) التوبة: 35، وانظر: "معالم السنن" 2/ 175. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (ر): فأبقتهما. (¬4) "تاريخ بغداد" 2/ 75. (¬5) سقط من (م).

(عن عبيد الله) بالتصغير (ابن أبي جعفر) أبي بكر المصري، قال ابن يونس: كان عالمًا دينًا زاهدًا (¬1) (أن محمد بن عمر بن عطاء) القرشي، كانوا يتحدثون بالمدينة أن الخلافة تفضى إليه؛ لهيئته (¬2) (أخبره (¬3) عن عبد الله بن شداد بن الهاد) واسم (¬4) الهاد أسامة، كان مع علي يوم النهروان، أخبره (أنه (¬5) قال: دخلنا على عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأى في يدي) بتشديد ياء التثنية في ياء النسب (فتخات) بفتح المثناة والخاء المعجمة جمع فتخة، وهي حلقة من فضة لا فص لها، تجعلها المرأة في أصابع يدها أو رجلها، وقيل: هي خواتيم صنعاء (¬6) ضخام كان النساء يتختمن بها. قال الخطابي: الغالب أن الفتخات لا تبلغ بانفرادها نصابًا، وإنما معناه أن يضم إلى بقية ما معها (¬7) من الحلي فيؤدي زكاته فيه (¬8) (من ورق) بكسر الراء، وفي قوله تعالى: {بِوَرِقِكُمْ} (¬9) قراءتان، فقرأ حمزة وأبو بكر وأبو عمرو بإسكان الراء، والباقون بكسرها (¬10) ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 19/ 20. (¬2) في (ر): لتهنئته. (¬3) ليست في (م، ر) والمثبت من "السنن". (¬4) في (ر): اسمه. (¬5) ليست في (م، ر) والمثبت من "السنن". (¬6) من (م). (¬7) في (م): عندها. (¬8) "مختصر سنن أبي داود" المطبوع معه "معالم السنن" 2/ 176. (¬9) الكهف: 19. (¬10) من (م)، وانظر: "السبعة" لابن مجاهد ص 389.

والكسر الأصل، والإسكان تخفيف، وأصله الفضة كيف كانت (فقال: ما هذا يا عائشة؟ فقلت: صنعتهن؛ أتزين لك يا رسول الله) فيه تزين المرأة لزوجها بالحلي وغيره. (قال: أتؤدين زكاتهن؟ قلت (¬1): لا، أو ما شاء الله) نحوها، فيه الاحتياط فيما يحكيه الإنسان خوفًا من الكذب (قال: هو حسبك من النار) أي كافيك. وهذِه الأحاديث [التي ورد فيها الوعيد على تحلي النساء بالذهب والفضة تحمل وجوهًا من التأويل: أحدها: أن هذِه الأحاديث] (¬2) كانت حين كان التحلي بالذهب حرامًا على النساء، فلما أبيح لهن نسخت وسقطت الزكاة، وقد اختلفوا في الاحتجاج بحديث عمرو بن شعيب؛ لأن جده الأدنى محمد تابعي والأعلى عبد الله صحابي؛ فإن أراد جده الأدنى فهو مرسل لا حجة فيه، وإن أراد الأعلى فهو محتج به؛ لأنه متصل، فإذا أطلق ولم يبين احتمل الأمرين، وكان الشافعي يتوقف في روايته عن أبيه عن جده إذا لم ينضم إليها ما يؤكدها؛ لأنه قال: عن أبيه، عن جده أنها صحيفة عبد الله بن عمرو. والثاني: أن هذا في حق من لم يؤد زكاته دون من أداها، ويدل على هذا حديث عائشة، وقد اختلف العلماء في ذلك، فروي عن عمر بن الخطاب [أنه أوجب] (¬3) في الحلي الزكاة. ¬

_ (¬1) في (م): قال. (¬2) من (م). (¬3) سقط من (م).

قال المنذري: وهو مذهب عبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو، وسعيد بن المسيب وعطاء وسعيد بن جبير وعبد الله بن شداد وميمون بن مهران وابن سيرين ومجاهد وجابر بن زيد والزهري، وسفيان الثوري وأبي حنيفة وأصحابه، واختاره ابن المنذر (¬1). [1566] (ثنا صفوان بن صالح) بن صفوان الثقفي مولاهم، قال أبو داود: حجة (¬2). (ثنا الوليد بن مسلم) يقال: من كتب مصنفات الوليد صلح للقضاء وهي سبعون كتابًا (ثنا سفيان، عن عمرو بن يعلى، فذكر الحديث (¬3) نحو حديث الخاتم (¬4)، قيل لسفيان: كيف تزكيه؟ قال (¬5): تضمه إلى غيره) مما عندها (¬6) كما تقدم عن الخطابي. ¬

_ (¬1) "الترغيب والترهيب" للمنذري 1/ 313. (¬2) تهذيب الكمال 13/ 193. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ر): الحاكم. (¬5) في (م): فإن. (¬6) في (ر): عدها.

5 - باب في زكاة السائمة.

5 - باب في زَكاةِ السّائِمَةِ. 1567 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ قَالَ: أَخَذْتُ مِنْ ثُمامَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَنَسٍ كِتابًا زَعَمَ أَنَّ أَبا بَكْرٍ كَتَبَهُ لأَنَسٍ وَعَلَيْهِ خاتَمُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ بَعَثَهُ مُصَدِّقًا وَكَتَبَهُ لَهُ فَإِذَا فِيهِ: "هذِه فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ التي فَرَضَها رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى المُسْلِمِينَ التي أَمَرَ اللهُ - عز وجل - بِها نَبِيَّهُ - صلى الله عليه وسلم - فَمَنْ سُئِلَها مِنَ المُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِها فَلْيُعْطِها وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَها فَلا يُعْطِهِ فِيما دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الإِبِلِ الغَنَمُ في كُلِّ خَمْسِ ذَوْدٍ شاةٌ. فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَفِيها بِنْتُ مَخاضٍ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ خَمْسًا وَثَلاثِينَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيها بِنْتُ مَخاضٍ فابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ فَإِذا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلاثِينَ فَفِيها بِنْتُ لَبُونٍ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَإِذا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ فَفِيها حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الفَحْلِ إِلَى سِتِّينَ فَإِذا بَلَغَتْ إِحْدى وَسِتِّينَ فَفِيها جَذَعَةٌ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَإِذا بَلَغَتْ سِتًّا وَسَبْعِينَ فَفِيها ابنتا لَبُونٍ إِلَى تِسْعِينَ فَإِذا بَلَغَتْ إِحْدى وَتِسْعِينَ فَفِيها حِقَّتانِ طَرُوقَتا الفَحْلِ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَإِذا زادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ فَإِذا تَبايَنَ أَسْنانُ الإِبِلِ في فَرائِضِ الصَّدَقاتِ فَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الجَذَعَةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّها تُقْبَلُ مِنْهُ وَأَنْ يَجْعَلَ مَعَها شاتَيْنِ - إِنِ اسْتَيْسَرَتا لَهُ - أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ حِقَّةٌ وَعِنْدَهُ جَذَعَةٌ فَإِنَّها تُقْبَلُ مِنْهُ وَيُعْطِيهِ المُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شاتَيْنِ وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الحِقَّةِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ حِقَّةٌ وَعِنْدَهُ ابنةُ لَبُونٍ فَإِنَّها تُقْبَلُ مِنْهُ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: مِنْ ها هُنا لَمْ أَضْبِطْهُ عَنْ مُوسَى كَما أُحِبُّ: "وَيَجْعَلُ مَعَها شاتَيْنِ - إِنِ اسْتَيْسَرَتا لَهُ - أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ بِنْتِ لَبُونٍ وَلَيْسَ عِنْدَهُ إلَّا حِقَّةٌ فَإِنَّها تُقْبَلُ مِنْهُ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: إِلَى ها هُنا ثُمَّ أَتْقَنْتُهُ: "وَيُعْطِيهِ المُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شاتَيْنِ وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ ابنةِ لَبُونٍ وَلَيْسَ عِنْدَهُ إلَّا بِنْتُ مَخاضٍ فَإِنَّها تُقْبَلُ مِنْهُ وَشاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ ابنةِ مَخاضٍ وَلَيْسَ عِنْدَهُ إلَّا ابن لَبُونٍ ذَكَرٌ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَيْسَ مَعَهُ شَيء

وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلَّا أَرْبَعٌ فَلَيْسَ فِيها شَيء إلَّا أَنْ يَشاءَ رَبُّها وَفي سائِمَةِ الغَنَمِ إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ فَفِيها شاةٌ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَإِذا زادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيها شاتانِ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ مِائَتَيْنِ فَإِذَا زادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ فَفِيها ثَلاثُ شِياهٍ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ ثَلاثَمِائَةٍ فَإِذَا زادَتْ عَلَى ثَلاثِمِائَةٍ فَفي كُلِّ مِائَةِ شاةٍ شاةٌ وَلا يُؤْخَذُ في الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلا ذاتُ عَوارٍ مِنَ الغَنَمِ وَلا تَيْسُ الغَنَمِ إلَّا أَنْ يَشاءَ المُصَّدِّقُ وَلا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ وَلا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ وَما كانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُما يَتَراجَعانِ بَيْنَهُما بِالسَّوِيَّةِ فَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ سائِمَةُ الرَّجُلِ أَرْبَعِينَ فَلَيْسَ فِيها شَيء إلَّا أَنْ يَشاءَ رَبُّها وَفي الرِّقَةِ رُبْعُ العُشْرِ فَإِنْ لَمْ يَكُنِ المالُ إلَّا تِسْعِينَ وَمِائَةً فَلَيْسَ فِيها شَيء إلَّا أَنْ يَشاءَ رَبُّها" (¬1). 1568 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلي حَدَّثَنا عَبّادُ بْنُ العَوّامِ عَنْ سُفْيانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الزُّهْري عَنْ سالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كِتابَ الصَّدَقَةِ فَلَمْ يُخْرِجْهُ إِلَى عُمّالِهِ حَتَّى قُبِضَ فَقَرَنَهُ بِسَيْفِهِ فَعَمِلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى قُبِضَ ثُمَّ عَمِلَ بِهِ عُمَرُ حَتَّى قُبِضَ فَكانَ فِيهِ: "في خَمْسٍ مِنَ الإِبِلِ شاةٌ وَفي عَشْرٍ شاتانِ وَفي خَمْسَ عَشَرَةَ ثَلاثُ شِياهٍ وَفي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِياهٍ وَفي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ ابنةُ مَخاضٍ إِلَى خَمْسٍ وَثَلاثِينَ فَإِنْ زادَتْ واحِدَةً فَفِيها ابنةُ لَبُونٍ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَإِذا زادَتْ واحِدَةً فَفِيها حِقَّةٌ إِلَى سِتِّينَ فَإِذا زادَتْ واحِدَةً فَفِيها جَذَعَةٌ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَإِذا زادَتْ واحِدَةً فَفِيها ابنتا لَبُونٍ إِلَى تِسْعِينَ فَإِذَا زادَتْ واحِدَةً فَفِيها حِقَّتانِ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَإِنْ كَانَتِ الإِبِلُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَفي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَفي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابنةُ لَبُونٍ وَفي الغَنَمِ في كُلِّ أَرْبَعِينَ شاةً شاةٌ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَإِنْ زادَتْ واحِدَةً فَشاتانِ إِلَى مِائَتَيْنِ فَإِنْ زادَتْ واحِدَةً عَلَى المِائَتَيْنِ فَفِيها ثَلاثُ شِياهٍ إِلَى ثَلاثِمِائَةٍ فَإِنْ كَانَتِ الغَنَمُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَفي كُلِّ مِائَةِ شاةٍ شاةٌ وَلَيْسَ فِيها شَيء حَتَّى تَبْلُغَ المِائَةَ وَلا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ وَلا ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1454).

يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ مَخافَةَ الصَّدَقَةِ وَما كانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُما يَتَراجَعانِ بَيْنَهُما بِالسَّوِيَّةِ وَلا يُؤْخَذُ في الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلا ذاتُ عَيْبٍ". قَالَ: وقالَ الزُّهْري: إِذا جاءَ المُصَدِّقُ قُسِمَتِ الشّاءُ أَثْلاثًا ثُلُثًا شِرارًا وَثُلُثًا خِيارًا وَثُلُثًا وَسَطًا فَأَخَذَ المُصَدِّقُ مِنَ الوَسَطِ وَلَمْ يَذْكُرِ الزُّهْري البَقَرَ (¬1). 1569 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الواسِطي أَخْبَرَنا سُفْيانُ بْنُ حُسَيْنٍ بِإِسْنادِهِ وَمَعْناهُ قَالَ: "فَإِنْ لَمْ تَكُنِ ابنةُ مَخاضٍ فابْنُ لَبُونٍ". وَلَمْ يَذْكُرْ كَلامَ الزُّهْريِّ (¬2). 1570 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ أَخْبَرَنا ابن المُبارَكِ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابن شِهابٍ قَالَ هذِه نُسْخَةُ كِتابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الذي كَتَبَهُ في الصَّدَقَةِ وَهي عِنْدَ آلِ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ قَالَ ابن شِهابٍ أَقْرَأَنِيها سالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ فَوَعَيْتُها عَلَى وَجْهِها وَهي التي انْتَسَخَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ وَسالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، فَذَكَرَ الحَدِيثَ قَالَ: "فَإِذَا كَانَتْ إِحْدى وَعِشْرِينَ وَمِائَةً فَفِيها ثَلاثُ بَناتِ لَبُونٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَمِائَةً فَإِذَا كَانَتْ ثَلاثِينَ وَمِائَةً فَفِيها بِنْتا لَبُونٍ وَحِقَّةٌ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَثَلاثِينَ وَمِائَةً فَإِذا كانَتْ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً فَفِيها حِقَّتانِ وَبِنْتُ لَبُونٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةً فَإِذَا كَانَتْ خَمْسِينَ وَمِائَةً فَفِيها ثَلاثُ حِقاقٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَخَمْسِينَ وَمِائَةً فَإِذَا كَانَتْ سِتِّينَ وَمِائَةً فَفِيها أَرْبَعُ بَناتِ لَبُونٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَسِتِّينَ وَمِائَةً فَإِذَا كَانَتْ سَبْعِينَ وَمِائَةً فَفِيها ثَلاثُ بَناتِ لَبُونٍ وَحِقَّةٌ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَسَبْعِينَ وَمِائَةً فَإِذَا كَانَتْ ثَمانِينَ وَمِائَةً فَفِيها حِقَّتانِ وابْنَتا لَبُونٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَثَمانِينَ وَمِائَةً فَإِذَا كَانَتْ تِسْعِينَ وَمِائَةً ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (621)، وابن ماجه (1798)، وأحمد 2/ 14. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1400). (¬2) رواها أحمد 2/ 15. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1401).

فَفِيها ثَلاثُ حِقاقٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَتِسْعِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا كَانَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيها أَرْبَعُ حِقاقٍ أَوْ خَمْسُ بَناتِ لَبُونٍ أي السِّنَّيْنِ وُجِدَتْ أُخِذَتْ وَفي سائِمَةِ الغَنَمِ". فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ سُفْيانَ بْنِ حُسَيْنٍ وَفِيهِ: "وَلا يُؤْخَذُ في الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلا ذَاتُ عَوارٍ مِنَ الغَنَمِ وَلا تَيْسُ الغَنَمِ إلَّا أَنْ يَشاءَ المُصَّدِّقُ" (¬1). 1571 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ - رضي الله عنه - لا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ. هُوَ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ رَجُلٍ أَرْبَعُونَ شاةً فَإِذا أَظَلَّهُمُ المُصَدِّقُ جَمَعُوها لِئَلَّا يَكُونَ فِيها إلَّا شاةٌ وَلا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ. أَنَّ الخَلِيطَيْنِ إِذا كانَ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةُ شاةٍ وَشاةٌ فَيَكُونُ عَلَيْهِما فِيها ثَلاثُ شِياهٍ فَإِذَا أَظَلَّهُما المُصَدِّقُ فَرَّقا غَنَمَهُما فَلَمْ يَكُنْ عَلَى كُلِّ واحِدٍ مِنْهُما إلَّا شاةٌ فهذا الذي سَمِعْتُ في ذَلِكَ (¬2). 1572 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلي حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا أَبُو إِسْحاقَ، عَنْ عاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ وَعَنِ الحارِثِ الأَعْوَرِ عَنْ عَلي - رضي الله عنه - قَالَ زُهَيْرٌ: أَحْسَبُهُ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: "هاتُوا رُبْعَ العُشُورِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ شَيء حَتَّى تَتِمَّ مِائَتَى دِرْهَمٍ فَإِذَا كَانَتْ مِئَتَي دِرْهَمٍ فَفِيها خَمْسَةُ دَراهِمَ فَما زادَ فَعَلَى حِسابِ ذَلِكَ وَفي الغَنَمِ في كُلِّ أَرْبَعِينَ شاةً شاةٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا تِسْعًا وَثَلاثِينَ فَلَيْسَ عَلَيْكَ فِيها شَيء". وَساقَ صَدَقَةَ الغَنَمِ مِثْلَ الزُّهْري قَالَ: "وَفي البَقَرِ في كُلِّ ثَلاثِينَ تَبِيعٌ وَفي الأَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ وَلَيْسَ عَلَى العَوامِلِ شَيء وَفي الإِبِلِ". فَذَكَرَ صَدَقَتَها كَما ذَكَرَ الزُّهْري قَالَ: "وَفي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خَمْسَةٌ مِنَ الغَنَمِ فَإِذَا زادَتْ واحِدَةً فَفِيها ابنةُ مَخاضٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِنْتُ مَخاضٍ فابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ إِلَى خَمْسٍ وَثَلاثِينَ فَإِذا زادَتْ واحِدَةً فَفِيها بِنْتُ لَبُونٍ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَإِذَا ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني 2/ 116، والحاكم 1/ 393، والبيهقي 4/ 90. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (4261). (¬2) "الموطأ" 1/ 264.

زادَتْ واحِدَةً فَفِيها حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الجَمَلِ إِلَى سِتِّينَ". ثُمَّ ساقَ مِثْلَ حَدِيثِ الزُّهْري قَالَ: "فَإِذَا زادَتْ واحِدَةً - يَعْني واحِدَةً وَتِسْعِينَ - فَفِيها حِقَّتانِ طَرُوقَتا الجَمَلِ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَإِنْ كَانَتِ الإِبِلُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَفي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَلا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ وَلا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ وَلا تُؤْخَذُ في الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلا ذاتُ عَوارٍ وَلا تَيْسٌ إلَّا أَنْ يَشاءَ المُصَّدِّقُ وَفي النَّباتِ ما سَقَتْهُ الأَنْهارُ أَوْ سَقَتِ السَّماءُ العُشْرُ وَما سَقَى الغَرْبُ فَفِيهِ نِصْفُ العُشْرِ". وَفي حَدِيثِ عاصِمٍ والحارِثِ: "الصَّدَقَةُ في كُلِّ عامٍ". قَالَ زُهَيْرٌ أَحْسَبُهُ قَالَ: "مَرَّةً". وَفي حَدِيثِ عاصِمٍ: "إِذَا لَمْ يَكُنْ في الإِبِلِ ابنةُ مَخاضٍ وَلا ابن لَبُونٍ فَعَشَرَةُ دَراهِمَ أَوْ شاتانِ" (¬1). 1573 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ دَاوُدَ المَهْري، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَني جَرِيرُ بْنُ حازِمٍ وَسَمَّى آخَرَ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنْ عاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ والحارِثِ الأَعْوَرِ عَنْ عَلي - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بِبَعْضِ أَوَّلِ هذا الحَدِيثِ قَالَ: "فَإِذَا كَانَتْ لَكَ مِائَتا دِرْهَمٍ وَحالَ عَلَيْها الحَوْلُ فَفِيها خَمْسَةُ دَراهِمَ وَلَيْسَ عَلَيْكَ شَيء - يَعْني: في الذَّهَبِ - حَتَّى يَكُونَ لَكَ عِشْرُونَ دِينارًا فَإِذَا كَانَ لَكَ عِشْرُونَ دِينارًا وَحالَ عَلَيْها الحَوْلُ فَفِيها نِصْفُ دِينارٍ فَما زادَ فَبِحِسابِ ذَلِكَ". قَالَ: فَلا أَدْري أَعَلي يَقُولُ فَبِحِسابِ ذَلِكَ. أَوْ رَفَعَهُ إِلَى النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "وَلَيْسَ في مالٍ زَكاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الحَوْلُ". إلَّا أَنَّ جَرِيرًا - قَالَ ابن وَهْبٍ - يَزِيدُ في الحَدِيثِ عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ في مالٍ زَكاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الحَوْلُ" (¬2). 1574 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنْ عاصِمِ بْنِ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (620)، والنسائي 5/ 37، وابن ماجه (1790)، وأحمد 1/ 92. بنحوه مختصرا. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1404). (¬2) رواه ابن وهب في "الجامع" (187). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1405).

ضَمْرَةَ، عَنْ عَلي - عليه السلام - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ عَفَوْتُ عَنِ الخَيْلِ والرَّقِيقِ فَهاتُوا صَدَقَةَ الرِّقَةِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ وَلَيْسَ في تِسْعِينَ وَمِائَةٍ شَيء، فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيها خَمْسَةُ دَراهِمَ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوى هذا الحَدِيثَ الأَعْمَشُ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ كَما قَالَ أَبُو عَوانَةَ وَرَواهُ شَيْبانُ أَبُو مُعاوِيَةَ وَإِبْراهِيمُ بْنُ طَهْمانَ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنِ الحارِثِ عَنْ عَلي، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَهُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوى حَدِيثَ النُّفَيْلي شُعْبَةُ وَسُفْيانُ وَغَيْرُهُما، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنْ عاصِمٍ عَنْ عَلي لَمْ يَرْفَعُوهُ أَوْقَفُوهُ عَلَى عَلَيٍّ (¬1). 1575 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، أَخْبَرَنا بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ ح وَحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ أَخْبَرَنا أَبُو أُسامَةَ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "في كُلِّ سائِمَةِ إِبِلٍ في أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَلا يُفَرَّقُ إِبِلٌ عَنْ حِسابِها مَنْ أَعْطاها مُؤْتَجِرًا". قَالَ ابن العَلاءِ: "مُؤْتَجِرًا بِها".: "فَلَهُ أَجْرُها وَمَنْ مَنَعَها فَإِنّا آخِذُوها وَشَطْرَ مالِهِ عَزْمَةً مِنْ عَزَماتِ رَبِّنا - عز وجل - لَيْسَ لآلِ مُحَمَّدٍ مِنْها شَيء" (¬2). 1576 - حَدَّثَنا النُّفَيْلي حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي وائِلٍ عَنْ مُعاذٍ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - لمَّا وَجَّهَهُ إِلَى اليَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ البَقَرِ مِنْ كُلِّ ثَلاثِينَ تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً وَمِنْ كُلِّ حالِمٍ - يَعْني: مُحْتَلِمًا - دِينارًا أَوْ عِدْلَهُ مِنَ المَعافِرِ ثِيابٌ تَكُونُ بِاليَمَنِ (¬3). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (620)، والنسائي 5/ 37، وابن ماجه (1790)، وأحمد 1/ 92. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1406). (¬2) رواه النسائي 5/ 15، وأحمد 5/ 2. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1407). (¬3) رواه الترمذي (623)، والنسائي 5/ 25، وابن ماجه (1803)، وأحمد 5/ 230. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1408).

1577 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ والنُّفَيْلي وابْنُ المُثَنَّى قَالُوا: حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، حَدَّثَنا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ مُعاذٍ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَهُ (¬1). 1578 - حَدَّثَنا هارُونُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبي الزَّرْقاءِ، حَدَّثَنا أَبي عَنْ سُفْيانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي وائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: بَعَثَهُ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - إِلَى اليَمَنِ فَذَكَرَ مِثْلَهُ لَمْ يَذْكُرْ ثِيابًا تَكُونُ بِاليَمَنِ. وَلا ذَكَرَ يَعْني مُحْتَلِمًا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَواهُ جَرِيرٌ وَيَعْلَى وَمَعْمَرٌ وَشُعْبَةُ وَأَبُو عَوانَةَ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي وائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ - قَالَ يَعْلَى وَمَعْمَرٌ - عَنْ مُعاذٍ مِثْلَهُ (¬2). 1579 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ هِلالِ بْنِ خَبّابٍ عَنْ مَيْسَرَةَ أَبي صالِحٍ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: سِرْتُ أَوْ قَالَ: أَخْبَرَني مَنْ سارَ مَعَ مُصَدِّقِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فَإِذَا في عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنْ لا تَأْخُذْ مِنْ راضِعِ لَبَنٍ وَلا تَجْمَعْ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ وَلا تُفَرِّقْ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ". وَكَانَ إِنَّما يَأْتي المِياهَ حِينَ تَرِدُ الغَنَمُ فَيَقُولُ: أَدُّوا صَدَقاتِ أَمْوالِكُمْ. قَالَ: فَعَمَدَ رَجُلٌ مِنْهُمْ إِلَى ناقَةٍ كَوْماءَ، قَالَ: قُلْتُ: يا أَبا صالِحٍ ما الكَوْماءُ قَالَ: عَظِيمَةُ السَّنامِ، قَالَ: فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَها قَالَ: إِنّي أُحِبُّ أَنْ تَأْخُذَ خَيْرَ إِبِلي. قَالَ: فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَها قَالَ: فَخَطَمَ لَهُ أُخْرى دُونَها فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَها ثُمَّ خَطَمَ لَهُ أُخْرى دُونَها فَقَبِلَها وقَالَ: إِنّي آخِذُها وَأَخافُ أَنْ يَجِدَ عَلي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ لي عَمَدْتَ إِلَى رَجُلٍ فَتَخَيَّرْتَ عَلَيْهِ إِبِلَهُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَواهُ هُشَيْمٌ عَنْ هِلالِ بْنِ خَبّابٍ نَحْوَهُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: "لا يُفَرِّقْ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (623)، والنسائي 5/ 25، وابن ماجه (1803)، وأحمد 5/ 230. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1408). (¬2) رواه الترمذي (623)، والنسائي 5/ 25، وابن ماجه (1803). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1408). (¬3) رواه النسائي 5/ 29، وأحمد 4/ 315. بنحوه. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1409).

1580 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبّاحِ البَزّازُ، حَدَّثَنا شَرِيكٌ، عَنْ عُثْمانَ بْنِ أَبي زُرْعَةَ، عَنْ أَبي لَيْلَى الكِنْدي، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: أَتانا مُصَدِّقُ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ وَقَرَأْتُ في عَهْدِهِ: "لا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ وَلا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ". وَلَمْ يَذْكُرْ: "راضِعَ لَبَنٍ" (¬1). 1581 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلي، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عَنْ زَكَرِيّا بْنِ إِسْحاقَ المَكّي، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبي سُفْيانَ الجُمَحي، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ ثَفِنَةَ اليَشْكُري - قَالَ الحَسَنُ: رَوْحٌ يَقُولُ مُسْلِمُ بْنُ شُعْبَةَ - قَالَ: اسْتَعْمَلَ نافِعُ بْنُ عَلْقَمَةَ أَبي عَلَى عِرافَةِ قَوْمِهِ فَأَمَرَهُ أَنْ يُصَدِّقَهُمْ قَالَ: فَبَعَثَني أَبي في طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَأَتَيْتُ شَيْخًا كَبِيرًا يُقالُ لَهُ سَعْرُ بْنُ دَيْسَمٍ فَقُلْتُ: إِنَّ أَبي بَعَثَني إِلَيْكَ - يَعْني: لأُصَدِّقَكَ - قَالَ ابن أَخي: وَأي نَحْوٍ تَأْخُذُونَ قُلْتُ: نَخْتارُ حَتَّى إِنّا نَتَبَيَّنُ ضُرُوعَ الغَنَمِ. قَالَ ابن أَخي: فَإِنّي أُحَدِّثُكَ أَنّي كُنْتُ في شِعْبٍ مِنْ هذِه الشِّعابِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في غَنَمٍ لي فَجاءَني رَجُلانِ عَلَى بَعِيرٍ فَقالا لي: إِنّا رَسُولا رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْكَ لِتُؤَدّي صَدَقَةَ غَنَمِكَ. فَقُلْتُ: ما عَلي فِيها؟ فَقالا: شاةٌ. فَأَعْمِدُ إِلَى شاةٍ قَدْ عَرَفْتُ مَكانَها مُمْتَلِئَةً مَحْضًا وَشَحْمًا فَأَخْرَجْتُها إِلَيْهِما. فَقَالا: هذِه شاةُ الشّافِعِ وَقَدْ نَهانا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَأْخُذَ شافِعًا. قُلْتُ: فَأي شَيء تَأْخُذانِ قالا عَناقًا جَذَعَةً أَوْ ثَنِيَّةً. قَالَ: فَأَعْمِدُ إِلَى عَناقٍ مُعْتاطٍ. والمُعْتاطُ التي لَمْ تَلِدْ وَلَدًا وَقَدْ حانَ وِلادُها فَأَخْرَجْتُها إِلَيْهِما فَقالا ناوِلْناها. فَجَعَلاها مَعَهُما عَلَى بَعِيرِهِما ثُمَّ انْطَلَقا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَواهُ أَبُو عاصِمٍ عَنْ زَكَرِيّاءَ قَالَ أَيْضًا مُسْلِمُ بْنُ شُعْبَةَ. كَما قَالَ رَوْحٌ (¬2). 1582 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ النَّسائي حَدَّثَنا رَوْحٌ، حَدَّثَنا زَكَرِيّاءُ بْنُ إِسْحاقَ ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (1801). وحسنه للطريق السابق الألباني في "صحيح أبي داود" (1409). (¬2) رواه النسائي 5/ 39، وأحمد 3/ 414. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (276).

بِإِسْنادِهِ بهذا الحَدِيثِ. قَالَ: مُسْلِمُ بْنُ شُعْبَةَ قَالَ فِيهِ: والشّافِعُ التي في بَطْنِها الوَلَدُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَقَرَأْتُ في كِتابِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سالِمٍ بِحِمْصَ عِنْدَ آلِ عَمْرِو بْنِ الحارِثِ الِحمْصي، عَنِ الزُّبَيْدي قَالَ وَأَخْبَرَني يَحْيَى بْنُ جابِرٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُعاوِيَةَ الغاضِري - مِنْ غاضِرَةِ قَيْسٍ - قَالَ: قَالَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "ثَلاثٌ مَنْ فَعَلَهُنَّ فَقَدْ طَعِمَ طَعْمَ الإِيمانِ مَنْ عَبَدَ الله وَحْدَهُ وَأَنَّهُ لا إله إلَّا اللهُ وَأَعْطَى زَكاةَ مالِهِ طَيِّبَةً بِها نَفْسُهُ رافِدَةً عَلَيْهِ كُلَّ عامٍ وَلا يُعْطي الهَرِمَةَ وَلا الدَّرِنَةَ وَلا المَرِيضَةَ وَلا الشَّرَطَ اللَّئِيمَةَ ولكن مِنْ وَسَطِ أَمْوالِكُمْ فَإِنَّ اللهَ لَمْ يَسْأَلْكُمْ خَيْرَهُ وَلَمْ يَأْمُرْكُمْ بِشَرِّهِ" (¬1). 1583 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا أَبي، عَنِ ابن إِسْحاقَ، قَالَ: حَدَّثَني عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبي بَكْرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ عُمارَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أُبَي بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: بَعَثَني النَّبي - صلى الله عليه وسلم - مُصَدِّقًا، فَمَرَرْتُ بِرَجُلٍ، فَلَمّا جَمَعَ لي مالَهُ لَمْ أَجِدْ عَلَيْهِ فِيهِ إلَّا ابنةَ مَخاضٍ، فَقُلْتُ لَهُ: أَدِّ ابنةَ مَخاضٍ؛ فَإِنَّها صَدَقَتُكَ. فَقَالَ: ذاكَ ما لا لَبَنَ فِيهِ وَلا ظَهْرَ، ولكن هذِه ناقَةٌ فَتِيَّةٌ عَظِيمَةٌ سَمِينَةٌ فَخُذْها. فَقُلْتُ لَهُ: ما أَنا بِآخِذٍ ما لَمْ أُومَرْ بِهِ، وهذا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْكَ قَرِيبٌ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تَأْتِيَهُ فَتَعْرِضَ عَلَيْهِ ما عَرَضْتَ عَليَّ فافْعَلْ، فَإِنْ قَبِلَهُ مِنْكَ قَبِلْتُهُ، وَإِنْ رَدَّهُ عَلَيْكَ رَدَدْتُهُ. قَالَ: فَإِنّي فاعِلٌ، فَخَرَجَ مَعي وَخَرَجَ بِالنّاقَةِ التي عَرَضَ عَليَّ حَتَّى قَدِمْنا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ لَهُ: يا نَبي اللهِ، أَتاني رَسُولُكَ؛ لِيَأْخُذَ مِنّي صَدَقَةَ مالي، وايْمُ اللهِ ما قامَ في مالي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلا رَسُولُهُ قَطُّ قَبْلَهُ، فَجَمَعْتُ لَهُ مالي، فَزَعَمَ أَنَّ ما عَليَّ فِيهِ ابنةُ مَخاضٍ، وَذَلِكَ ما لا لَبَنَ فِيهِ وَلا ظَهْرَ، وَقَدْ عَرَضْتُ عَلَيْهِ ناقَةً فَتِيَّةً عَظِيمَةً؛ لِيَأْخُذَها، فَأَبَى عَليَّ، وَها هي ذِهِ قَدْ جِئْتُكَ بِها يا رَسُولَ اللهِ، خُذْها، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ذاكَ الذي عَلَيْكَ، فَإِنْ ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1062)، والطبراني في "الصغير" (555)، والبيهقي 4/ 95، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1410).

تَطَوَّعْتَ بِخَيْرٍ آجَرَكَ اللهُ فِيهِ، وَقَبِلْناهُ مِنْكَ". قَالَ: فَها هي ذِهِ يا رَسُولَ اللهِ قَدْ جِئْتُكَ بِها فَخُذْها. قَالَ: فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِقَبْضِها وَدَعا لَهُ في مالِهِ بِالبَرَكَةِ (¬1). 1584 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، حَدَّثَنا زَكَرِيّا بْنُ إِسْحاقَ المَكّي عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَيْفي عَنْ أَبي مَعْبَدٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ مُعاذًا إِلَى اليَمَنِ، فَقَالَ: "إِنَّكَ تَأْتي قَوْمًا أَهْلَ كِتابٍ، فادْعُهُمْ إِلَى شَهادَةِ أَنْ لا إله إلَّا اللهُ وَأَنّي رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ أَطاعُوكَ لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَواتٍ في كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطاعُوكَ لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً في أَمْوالِهِمْ، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيائِهِمْ وَتُرَدُّ في فُقَرائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطاعُوكَ لِذَلِكَ، فَإِيّاكَ وَكَرائِمَ أَمْوالِهِمْ، واتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ؛ فَإِنَّها لَيْسَ بَيْنَها وَبَيْنَ اللهِ حِجابٌ" (¬2). 1585 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبي حَبِيبٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ سِنانٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "المُعْتَدي في الصَّدَقَةِ كَمانِعِها" (¬3). * * * باب زكاة السائمة [1567] (ثنا موسى بن إسماعيل) قال (¬4): (حدثنا حماد) بن سلمة، قال البخاري: أخبرني عدد ثقات كلهم عن حماد بن سلمة (قال: أخذت ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 142، وابن خزيمة (2277)، والحاكم 1/ 398. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1411). (¬2) رواه البخاري (1458)، ومسلم (19). (¬3) رواه الترمذي (646)، وابن ماجه (1808). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1413). (¬4) من (م).

من ثمامة) بضم الثاء المثلثة، وأصله نبت ضعيف كالخوص، سمي به الرجل، وثمامة (بن عبد الله بن أنس) بن مالك تابعي سمع جده أنسًا - رضي الله عنه - (كتابًا، زعم أن أبا بكر كتبه لأنس) قال الشافعي: [وأحسب في حديث] (¬1) حماد عن أنس أنه قال: دفع إليَّ (¬2) أبو (¬3) بكر الصديق كتاب الصدقة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر المعنى (¬4). قال ابن حجر: وهو كما حسب الشافعي، فقد رواه إسحاق بن راهويه عن النضر بن شميل، عن حماد بن سلمة، قال: أخذنا هذا الكتاب من ثمامة يُحَدِّثُه (¬5) عن أنس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورجح البيهقي رواية يونس بن محمد المؤدب (¬6)، ومتابعة النضر بن شميل له، ونقل عن الدارقطني أنه صححه، وقال ابن حزم: هذا حديث في نهاية الصحة، عمل به الصديق في حضرة العلماء ولم يخالفه [أحد] (¬7). وقد رواه البخاري في مواضع من "صحيحه" في كتاب الزكاة وغيره مطولًا ومختصرًا بسند واحد (¬8)، وصححه ابن حبان (¬9) ¬

_ (¬1) في (ر): وأخبر بما حدث. (¬2) ساقطة من (ر)، وفي (م): أبي. والمثبت من "الأم". (¬3) ساقطة من (م). (¬4) "الأم" 2/ 7. (¬5) في (ر): بحديثه. (¬6) في (ر): المؤذن. (¬7) ساقطة من (م)، ومكانها في (ر) بياض، والمثبت كما في "التلخيص الحبير" 2/ 339، وانظر: "المحلى" 6/ 20. (¬8) "صحيح البخاري" (1448) وما بعده، (2487)، (6955). (¬9) "صحيح ابن حبان" 8/ 57 (3266).

أيضًا، وغيره (وعليه) أثر (خاتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: والكتاب مختوم بخاتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي عند أبي بكر (حين بعثه) إلى البحرين، وهو اسم لإقليم مشهور يشتمل على مدن كثيرة، قاعدتها هجر، والنسبة البحراني (مصدقًا) بضم الميم، وتخفيف الصاد المفتوحة، وكسر الدال المشددة، وأصله الذي يأخذ الصدقة من أربابها، وقال ابن ثابت: يقال ذلك للذي يأخذها وللذي يعطيها، وأما بتشديد الصاد، فهو المعطي فقط؛ لأن أصله المتصدق فأدغمت التاء في الصاد وكان أبو بكر بعثه إلى البحرين عاملًا عليها (وكتبه له، فإذا فيه) رواية البخاري في باب صدقة الغنم: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (هذِه فريضة) أي: نسخة فريضة (¬1) (الصدقة) فحذف المضاف للعلم، وأضيف المضاف إليه مقامه، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب هذِه النسخة ووضعها في قراب سيفه، فلما توفي أخذها أبو بكر من القراب وعمل بها مدة حياته، ثم مات فعمل بها عمر بعده، قال القاضي حسين: وكان أبو بكر نسخ كتاب أنس من كتاب كتبه له النبي - صلى الله عليه وسلم -، وسمي المأخوذ في الزكاة كالجذعة والحقة: فريضة (¬2) فعيلة بمعنى مفعولة، جمعها فرائض، وفيه دليل (¬3) على أن اسم الصدقة تقع على الزكاة خلافًا لأبي حنيفة (التي فرضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وهو ظاهر في رفع الخبر إلى النبي، وأنه ليس موقوفًا على أبي بكر، وقد صرح برفعه في ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) من (م). (¬3) في (م): دلالة.

رواية ابن (¬1) إسحاق، وفي معنى فرض ثلاثة أوجه: أحدها: إنه من الفرض الذي هو الإيجاب، ومعناه: أن الله فرضها (¬2) والنبي بلغها، فسمي تبليغه فرضًا. وثانيها: إن معناه (¬3) شرعها بأمر الله. وثالثها: إن معناه: قدرها من قولهم: فرض القاضي النفقة أي: (¬4) بينها من قوله: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (¬5). (على المسلمين) يستدل به من يقول أن الكافر ليس مخاطبًا بها، وجوابه أن معنى فرضها على المسلمين أنها تؤخذ منهم في الدنيا، والكافر لا تؤخذ منه في الدنيا ولا يخاطب بها، بل يعذب عليها في الآخرة إن لم يسلم، ولا يخاطب بها في حال كفره، وهو محل الخلاف. (التي أمر الله) [وفي البخاري العطف] (¬6) هكذا رواية الشافعي: التي فرضها الله (¬7) بغير واو، فتكون هذِه الجملة [بدلًا من الجملة] (¬8) التي قبلها وهي: التي فرضها (بها نبيه - صلى الله عليه وسلم -) معناه أنه اجتمع فيها تبليغ الرسول وتقديره، وفرض (¬9) الله وإيجابه (فمن (¬10) سئلها) بضم السين ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): أوجبها. (¬3) في (م): مراده. (¬4) في (ر): أو. (¬5) التحريم: 2. (¬6) من (ر)، وانظر: البخاري (1454). (¬7) سقط من (م). (¬8) سقط من (م). (¬9) في (م): أمر. (¬10) في (ر): حين.

وكسر الهمزة (من المسلمين على وجهها) أي: على حسب ما شرعها الله ورسوله في هذا الحديث وغيره (فليعطها) فيه دليل على دفع الأموال الظاهرة إلى الإمام. (ومن سئل فوقها) أي: زائدًا على ذلك في سنٍّ أو عددٍ (فلا يعطه) في الضمير الذي في يعطه وجهان لأصحابنا، أصحهما أن معناه: لا يعطي الزائد، بل يعطي الواجب على وجهه. وثانيها: إن معناه: لا يعطي الواجب لذلك الطالب؛ لفسقه (¬1) بطلب الزائد، بل يخرجه رب المال بنفسه أو يدفعه إلى ساعٍ آخر، قال القاضي حسين: وهذا مذهب المعتزلة في كون الوالي يعزل بالجور، ومذهب أهل الحق أنه لا ينعزل به (¬2). قال الماوردي: وهذا إن لم يكن له تأويل، فإن كان له تأويل كما لو كان [مالكيًّا يرى] (¬3) أخذ الكبار من الصغار، فيعطي الواجب قطعًا دون الزيادة، والشاة الواحدة من الغنم تقع على الذكر والأنثى من الضأن والمعز (¬4) (فيما دون) بنصب النون (خمس (¬5) وعشرين (¬6) من الإبل الغنم) [نسخة: خمسة] (¬7) الغنم: مبتدأ خبره مضمر مقدم، يتعلق به ¬

_ (¬1) في (م): لنفسه. (¬2) من (م). (¬3) في (م): ما بكتابة إلى. (¬4) "الحاوي الكبير" 3/ 145. بمعناه. (¬5) في (م، ر): خمسة. والمثبت من "السنن"، وهو الصواب. (¬6) في (ر): عشر. (¬7) سقط من (م).

الجار (¬1) في قوله: فيما دون، تقديره: الغنم واجب فيما دون خمس وعشرين من الإبل، وإنما قدم الخبر؛ لأن الغرض بيان المقادير التي تجب فيها الزكاة، والزكاة إنما تجب بعد وجوب (¬2) النصاب؛ فحسن التقديم، واستدل به على تعيين إخراج الغنم في ذلك، وهو قول مالك (¬3) وأحمد (¬4)، فلو أخرج بعيرًا عن الأربع والعشرين فما دونها [كان الأولى] (¬5)، ولأن الأصل أن يجب من جنس المال، وإنما عدل عنه [إلى غيره] (¬6) رفقًا بالمالك، فإذا رجع باختياره إلى الأصل أجزأه، فإن كانت قيمة البعير الذي يخرجه مثلًا دون قيمة أربع شياه ففيه خلاف للشافعي وغيره، والذي صححه النووي أنه يجزئ (¬7) مطلقًا من غير نظرٍ إلى قيمة، وإذا قلنا بالإجزاء فهل يقع كله فرضًا أو أربعة أخماس عن العشرين، والثاني: تطوع، فيه وجهان: أصحهما الأول، كمن ذبح بدنة عن شاة التمتع، ويظهر فائدة الخلاف فيما لو عجل بعيرًا عن عشرين، ثم اقتضى الحال الرجوع فعلى الأول (¬8) يرجع بجميعه، وعلى الثاني أربعة الأخماس؛ لأن التطوع لا رجوع فيه، ¬

_ (¬1) في (ر): الحال. (¬2) في (م): وجوه. (¬3) "المدونة" 1/ 351 - 352. (¬4) انظر: "المغني" 4/ 11. (¬5) من (م). (¬6) سقط من (م). (¬7) في (م): يخرج. (¬8) في (م): الأصح.

ولا خلاف عندنا في إخراج البعير الكامل الذي قيمته قيمة أربع شياه، وإن كان النص لم يرد به (¬1). قال السبكي (¬2): والمعنى الذي اقتضى إخراج البعير ليس (¬3) مستنبطًا من التنصيص على الشاة أو الشياه (¬4)، فلم يستنبط من النص معنى يبطله كما فعله من يخرج القيمة، وإنما المعنى الذي ذكرناه مأخوذ من نصٍّ آخر، وهو قطعي؛ فيستدل (¬5) بذلك على أن الشارع إنما نص على الشاة تخفيفًا ورفقًا، وسيأتي بيان إخراج الغنم في حديث سالم عن أبيه. (في كل خمس ذود شاة) (¬6) تقدم الكلام أن في كل خمسٍ من الإبل شاة، ففي خمسٍ شاة، وفي عشرٍ شاتان، كما سيأتي (فإذا بلغت خمسًا وعشرين ففيها ابنة مخاض) فيه أن في خمس وعشرين بنت مخاض، وهو قول الجمهور، إلا ما جاء عن علي أن خمسًا وعشرين خمس شياه، فإذا بلغت (¬7) ستًّا وعشرين كان فيها بنت مخاض، أخرجه ابن أبي شيبة (¬8) وغيره عنه (¬9) موقوفًا ومرفوعًا، وإسناد المرفوع ضعيف (إلى أن تبلغ ¬

_ (¬1) في (م): فيه. (¬2) في (م): الشبلي. (¬3) من (م). (¬4) في (ر): الشاة. (¬5) في (م): فيستدرك. (¬6) سقط من (م). (¬7) في (م): صارت. (¬8) "مصنف ابن أبي شيبة" (9983) عن علي موقوفًا. (¬9) من (م).

خمسًا وثلاثين) فيه دليل على أنه لا يجب فيما زاد على الخمس وعشرين إلى خمس وثلاثين شيء غير بنت مخاض؛ خلافًا لمن قال - كالحنفية: يستأنف الفريضة، فيجب في كل خمس من الإبل شاة مضافة إلى بنت مخاض (¬1) (وإن لم يكن فيها) أي: في إبله (بنت مخاض، فابن لبون) أي: فالواجب ابن لبون (ذكر) للتأكيد أو لتنبيه (¬2) رب (¬3) المال؛ لتطيب نفسه بالزيادة، وقيل: احترز بذلك عن الجنس (¬4)، وفيه بعد. (فإذا بلغت) الإبل (ستًّا وثلاثين) بعيرًا (ففيها بنت) [نسخة: ابنة] (¬5) (لبون) أي: فواجبها بنت لبون (إلى خمس وأربعين) إلى الغاية، وهو يقتضي (¬6) أن ما قبل الغاية يجب فيه بنت لبون؛ لأنه الذي اشتمل عليه الحكم المقصود بيانه بخلاف ما بعد الغاية، فلا يدخل إلا بدليل، فيه دليل على أن الأوقاص ليست بعفو، كما سيأتي (فإذا بلغت ستًّا وأربعين، ففيها حقة طروقة الفحل) بفتح الطاء المهملة، أي: مطروقة للفحل، فهي فعولة بمعنى مفعولة كحلوبة بمعنى محلوبة، والمراد أنها بلغت لصلاحية أن يطرقها الفحل، وهي التي أتت عليها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة، [وقيل: هي (¬7) ما دخلت في السنة الرابعة إلى ¬

_ (¬1) "المبسوط" للسرخسي 2/ 206. (¬2) بياض في (ر). (¬3) في (م): لرب. (¬4) بياض في (ر). (¬5) سقط من (م). (¬6) في (ر): مقتضى. (¬7) في (ر): هو.

آخرها، قال الهروي: ما استكملت السنة الثالثة، وسميت حقة؛ لأنها استحقت أن يضربها الفحل، وقيل: لأنها تستحق الحمل والركوب (¬1)، وقيل: لأن أمها استحقت الحمل من العام المقبل] (¬2) (إلى ستين) أي: غاية العدد التي تجب فيه الحقة ستين بعيرًا، وفيه دليل على أن فرض النصاب يتعلق بالجميع، وأن الأوقاص التي بين النصابين ليس بعفو، وهو نص الشافعي في "الإملاء". واختيار ابن شريح، وهو الصحيح عن (¬3) الشافعية، وعليه الأكثرون، ونص الشافعي في أكثر كتبه على أنها عفو (¬4) (فإذا بلغت إحدى وستين، ففيها جذعة) بفتح الجيم والذال، وهي التي أتت (¬5) عليها أربع، ودخلت في الخامسة (إلى خمس وسبعين) يتغير [فيه الفرض بتغيير] (¬6) الواجب في هذا بزيادة عشر، وكذا ما قبلها وما بعدها (فإذا بلغت) الإبل (ستًّا وسبعين، ففيها ابنتا لبون) هذا مما يتغير فيه الفرض بزيادة عدد (¬7) الواجب، وما قبله إلى خمس وعشرين يتغير فيه الفرض بزيادة السن (¬8) لا غير، وكلاهما من الجنس، وما دون الخمس والعشرين ¬

_ (¬1) "غريب الحديث" لابن سلام 3/ 71. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): عند. (¬4) "الحاوي الكبير" 3/ 89 - 90. (¬5) في (ر): دخلت. (¬6) سقط من (م). (¬7) في (ر): عمل. (¬8) في (ر): الستين.

إلى خمس يتغير الفرض فيها بزيادة العدد من غير الجنس (إلى تسعين) فما بين التسعين إلى الست والسبعين وقص لا زكاة فيه، بل هو عفو على الأصح، كما تقدم. (فإذا بلغت إحدى وتسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل) هذِه الرواية المشهورة، التي استحق الفحل أن ينزو (¬1) على الأنثى، واستحقت الأنثى أن ينزى عليها (¬2)، وفي رواية (¬3): طروقتا الحمل (¬4) بكسر الحاء المهملة، أي (¬5): لاستحقاقها أن يحمل عليها الحمل ويركب، ومنهم من قال: طروقة (¬6) الجمل - بفتح الجيم - أن ينزو عليها الجمل، وهذِه الثلاثة الأوجه في طروقة الفحل (¬7) المتقدمة (إلى عشرين ومائة) الوقص هنا خمس وعشرون وفيما تقدم تسع تسع. (فإذا زادت على عشرين ومائة) أي: واحدة فصاعدًا، قال أبو حنيفة: يستأنف الحساب، ففي كل خمس تزيد شاة مع الحقتين، فإذا بلغت مائة وخمسًا وأربعين ففيها بنت مخاض مع الحقتين، فإذا بلغت مائة وخمسين ففيها ثلاثة حقاق (¬8) (ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة) ¬

_ (¬1) زاد في (م) بعدها: عليها و. (¬2) زاد بعدها في (ر): الفحل. (¬3) زاد بعدها في (ر): على الآية. (¬4) في (م): الفحل. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (ر): طروق. (¬7) في (ر): الحمل. (¬8) انظر: "المبسوط" 2/ 206 - 207.

والصحيح هو قول الجمهور أنها إذا زادت واحدة وجب ثلاث بنات لبون؛ فلا يتغير الواجب قبل الواحدة، وقال الإصطخري: إذا زادت على المائة وعشرين، ولو بعض واحدة وجب ثلاث بنات لبون؛ لصدق اسم الزيادة عليه؛ فإنه قال: "إذا زادت" ولم يقيد بواحدة ويتصور بعض واحدة في الشركة، واحتج الجمهور بالقياس على سائر النصب؛ فإنها لم تتغير إلا بواحد كامل، وبأن السابق إلى الفهم من الزيادة، واستأنسوا لذلك برواية [أبي عمرو] (¬1) الآتية: "فإن كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون" (¬2). قال السبكي: وقوله: "في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة". يحتاج إلى مقدمة، وهو أن المائة والعشرين إذا انفردت لا يجب فيها إلا حقتان بالإجماع، وعند زيادة بعير كامل يجب ثلاث بنات لبون، ولا يستأنف إيجاب الشاة في الزائد بإجماع أصحابنا، وعند زيادة [. . .] (¬3) على ما (¬4) سبق، بل الخلاف في المذهب بالزيادة المغيرة للفرض، مذهب الشافعي (¬5) أنها داخلة في الجملة، وأن بنات اللبون الثلاث مأخوذة عن (¬6) المائة وإحدى وعشرين بكمالها (¬7)، سواء ¬

_ (¬1) ستأتي برقم (1570)، وانظر: "المجموع" 5/ 390. بمعناه. (¬2) هكذا في (ر، م)، ولعل الصواب: آل عمر. (¬3) بياض في (ر). بمقدار كلمتين، وفي (م) تشبه: سبق. (¬4) سقط من (م). (¬5) "المجموع" 5/ 390. بمعناه. (¬6) في (م): من. (¬7) في (م): فكأنها.

قلنا: الوقص عفو أم لا، فإن الحادي والعشرين ليس بوقص، ولكنه جزء من النصاب؛ عملًا بقياس النصب، كالخامس والعشرين والسادس والثلاثين؛ فإنه لما غير فرض غيره تعلق الفرض به، وعلى هذا تخصيص عموم قوله: "في كل أربعين بنت لبون وكل خمسين حقة". وقال الإصطخري: يكون الثلاث بنات لبون مأخوذة عن المائة والعشرين، والزيادة واحدًا كان أو بعض واحد وقص معفو عنه (¬1)، وإن كان شرطًا في تغيير الفرض؛ عملًا بعموم الحديث، فإن الشيء قد يغير حكم غيره، ولا يغير حكم نفسه كالأخوين من (¬2) الأم يحجبانها إلى السدس ولا يرثان، والعبد إذا وطئ زوجته الحرة حصنها ولا يحصن نفسه (¬3)، [ويظهر فائدة الخلاف إذا بلغت الواحدة بعد الحول وقبل التمكن، فعند الإصطخري يجب ثلاث بنات بحالها، وعلى المذاهب يسقط منها جزء من إحدى وعشرين جزءًا، وقد بان بهذا على الوجهين أنا لم نخالف الحديث، ولا الأصول كما ادعاه الحنفية. (وإذا تباين أسنان الإبل) أي: اختلفت وافترقت (في فرائض الصدقات) رواية الشافعي، وابن ماجه: وإن بين أسنان الإبل في فريضة الصدقة (فمن بلغت عنده) من الإبل (صدقة) مرفوعة بأنها فاعل، رواية البخاري: صدقته. (الجذعة) بالنصب، مفعول (وليست ¬

_ (¬1) انظر "المجموع" 5/ 390. (¬2) في (م): مع. (¬3) سقط من هنا في (م) ورقتان مخطوط.

عنده جذعة) بأن لم تكن في ملكه، ولكنها مغصوبة أو مرهونة (وعنده حقة، فإنها تقبل منه) اتفق الشافعي والأصحاب على قبولها سواء كان السن الذي نزل إليه مع الجبران يبلغ قيمة الجذعة التي نزل عنها أم لا، ولا نظر إلى التفاوت؛ لأنه جائز بالنص، والحكمة فيه أن الزكاة تؤخذ عند المياه غالبًا، وليس هناك حاكم ولا مقوم، فضبط ذلك بقيمة شرعية بصاع المصراة والفطرة (¬1) وغيرهما. (وأن يجعل معها) أي: يدفع مع الحقة (شاتين إن استيسرتا إليه) أي: تيسرتا له، يقال: تيسر الشيء، واستيسر بمعنى (أو عشرين درهمًا) من النقرة الخالصة (¬2). قال الإمام: وهكذا دراهم الشريعة حيث أطلقت، وقد استدل بقوله: "أن يجعل"، يعني: المالك ويؤيده (¬3): "وأن يعطي معها" على أصح القولين أن الخيرة في ذلك إلى المعطي؛ لأنه خيرة بأو التخييرية، فتكون الخيرة فيه إلى الفاعل دون غيره كالكفارة المخيرة (ومن) مبتدأ خبره محذوف نحو (فيها) (بلغت عنده صدقة) برفع صدقة على التنوين (الحقة) منصوب ويجوز رفع الصدقة بلا تنوين وجر الحقة (وليست عنده الحقة) نسخة: حقة، والموجود المعيب كالمعدوم، وأما الموجود النفيس كالحامل ذات اللبن والكريمة إن لم يسمح بها المالك فهي كالمعدومة (وعنده) أعلى منها وهي (جذعة فإنها تقبل منه ¬

_ (¬1) في (ر) تشبه: الغرة. (¬2) انظر "المجموع" 5/ 403. (¬3) في المخطوط: وترداه. والمثبت هو المناسب.

ويعطيه المصدق) بفتح الصاد المهملة المخففة كما تقدم [(عشرين درهمًا)] (¬1) من النقرة، فإن لم يكن في بيت المال شيء واحتاج الإمام إلى دراهم يدفعها في الجبران باع شيئًا من مال الزكاة وصرفه في الجبران (أو شاتين) وصفة الشاة أن تكون صحيحة غير معيبة، والخيرة في الشاتين أو العشرين درهمًا إلى الإمام [وقيل: الخيرة إلى] (¬2) المعطي كما هو ظاهر الحديث (ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده حقة) أي: في ملكه (وعنده ابنة لبون فإنها تقبل منه) ويدفع معها شاتين أو عشرين درهمًا. (قال أبو داود: ومن ها هنا لم أضبطه عن موسى) بن إسماعيل ضبطًا (كما أحب) بضم الهمزة (ويجعل معها) أي: مع ابنة اللبون (إن استيسرتا إليه شاتين) (¬3) تقديم الشاتين على الدراهم وقوله: "إن استيسرتا إليه" يدل على أن الأفضل أن يدفع الشاتين وإن كان يجوز له دفع الدراهم؛ لأن الشاتين أقرب إلى الإبل من الدراهم؛ لكونها من النعم ([أو عشرين درهما] (¬4) ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون وليست عنده إلا حقة) وسنها أعلى من سن ابنة اللبون (فإنها تقبل منه) عند عدم الحقة، أما مع وجودها فلا تقبل منه مع أخذ الجبران ولا من الساعي؛ فإن الشارع لم يجعل الصعود والنزول إلا مع العدم، ولو لزمه ابنة اللبون فأخرج ¬

_ (¬1) من المطبوع. (¬2) في المخطوط بياض قدر أربع كلمات. والمثبت ما يوافق ما في كتب الشروح والفقه. (¬3) في المطبوع: "ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له". (¬4) من المطبوع.

بنتي مخاض بلا جبران فوجهان، أصحهما: يجزئ. (إلى هنا قال أبو داود: ثم أتقنته) من الإتقان (ويعطيه المصدق عشرين درهمًا أو شاتين) هكذا ورد تقديم العشرين على الشاتين (ومن بلغت عنده صدقة بنت لبون وليست عنده إلا بنت مخاض) بالرفع (فإنها تقبل منه و) يأخذ (شاتين [أو عشرين درهما]) (¬1) وفي اشتراط الأنوثة في الشاتين وجهان، الأصح: لا يشترط، لكن إن رضي رب المال بالذكر جاز، وإن لم يرض به فوجهان. (ومن بلغت عنده صدقة بنت مخاض وليس عنده إلا ابن لبون ذكر فإنه) نسخة فإنها (يقبل منه وليس معه) نسخة: معها. (شيء) من الجبران كما رواه البخاري أيضًا (¬2)، ولا فرق بين من قدر على تحصيلها وغيره، ولا بين أن يكون ابن اللبون أقل قيمة منها أو لا، ولا جبران للحديث، لكن لو كان من نوع رديء دونها أو كانت سمانًا وهو هزيل لم يجز (ومن لم يكن عنده إلا أربع) من الإبل (فليس فيها شيء) واجب (إلا أن يشاء ربها) أي: مالكها، إلا أن يتطوع (وفي سائمة الغنم) السائمة: التي ترعى بنفسها ولا تعلف، والسوم: الرعي، يقال: سامت الماشية إذا رعت وأسمتها: أخرجتها للمرعى، وهو من السمة وهي العلامة؛ لأنها تسم الأرض برجلها في المرعى، وتقع السائمة على الواحدة والجمع، ويؤخذ من مفهوم سائمة الغنم أن غير السائمة وهي المعلوفة لا زكاة فيها كما هو مقرر في كتب الأصول، ¬

_ (¬1) من "السنن". (¬2) "صحيح البخاري" (1448).

والسوم مخصص لعموم اسم الغنم، وتخصيص العموم بالمفهوم جائز وإن منعه صاحب "المحصول" (¬1)، وقد قال سيف الدين الآمدي: لا أعلم خلافًا بين القائلين بالعموم والمفهوم في جوازه (¬2). والبقر والإبل ملحقة بالغنم (¬3)، والمعلوفة لا تجب الزكاة فيها؛ لأنها لا تقتنى للنماء فلا زكاة فيها كثياب البدن وآلة الدار، إذا عرف هذا فالغنم السائمة جميع الحول أو معظمها. (إذا كانت أربعين) شاة (ففيها) أي: فتجب فيها (شاة) للإجماع وهي جذعة ضأن أو ثنية معز كالأضاحي، ونقل الشافعي أن أهل العلم لم يختلفوا أن لا يؤخذ أقل من الجذعة أو الثنية (¬4). ثم الشاة فيما زاد عن الأربعين (إلى عشرين ومائة، فإذا زادت على عشرين ومائة) قياس قول الإصطخري (¬5) أن تعتبر مطلق الزيادة على مائة وعشرين فتجب إذا زادت بعض شاة شاتان، وصورة المسألة: إذا ملك مائة وعشرين شاة وبعض شاة مشترك بينه وبين من لا تصح الخلطة معه، والرواية الآتية: "فإذا زادت واحدة" (ففيها شاتان) من جذع الضأن وثني المعز إذا لم تتمخض الغنم صغارًا في موت الأمهات (إلى أن تبلغ مائتين) لا يجب فيها إلا شاتين. ¬

_ (¬1) "المحصول" لابن العربي 1/ 94. و"المحصول" للرازي 3/ 103. (¬2) "الإحكام للآمدي" 2/ 328. (¬3) في المخطوط: بالإبل. والصواب ما أثبتناه. لأنه يعني أنها لاحقة بها في حكم السوم. (¬4) "مختصر المزني" 8/ 137 المطبوع مع "الأم" دار المعرفة. (¬5) انظر: "البيان" 3/ 168، و"المجموع" 5/ 382.

(فإذا زادت على المائتين) أي فيه قول الإصطخري أيضًا في اعتباره مطلق الزيادة (ففيها ثلاث شياه) بالهاء في الوقف والدرج، وهو يدل على أن أصله شوهة، ويدل على هذا أن تصغيره شويهة، وهي تقع على الذكر والأنثى (¬1) (إلى أن تبلغ ثلاثمائة، فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة شاة) مقتضاه أنه لا تجب الشاة الرابعة حتى توفي أربعمائة، وهو قول جمهور العلماء، قالوا: وفائدة ذكر الثلاثمائة لبيان النصاب الذي بعده؛ لكون ما قبله مختلفًا، وعن بعض الكوفيين والحسن بن صالح ورواية عن أحمد: إذا زادت على الثلاثمائة واحدة وجبت الأربع. (ولا يؤخذ في الصدقة هرمة) بفتح الهاء وكسر الراء وهي الكبيرة التي سقطت أسنانها من الكبر (ولا ذات عوار) بفتح العين المهملة، ويجوز الضم وهي المعيبة، والعور: العيب، وقيل: بفتح العين معيبة العين، وبالضم: العور، والمعتبر في العيب ما يرد به البيع على الصحيح، وفيه وجه: أنه ما يثبت به الرد مع ما يمنع أخذ الأضحية وهو تفريع على الصحيح أن عيب الأضحية لا يثبت به الرد، ويظهر فائدة الخلاف في الشرفاء والحرقاء؛ فإنها تجزئ على الصحيح، وعلى الثاني فيها خلاف كالأضحية وإذا كانت كلها معيبة فالصحيح أن يأخذ الوسط، لكن هل يؤخذ أوسطها عيبًا أو قيمة، فيه وجهان أصحهما أوسطها عيبًا. (من الغنم) وكذا الإبل والبقر قياسًا على الغنم. (ولا تيس الغنم) وهو فحلها المعد لضرابها (إلا أن يشاء المصدق) ¬

_ (¬1) "تحرير ألفاظ التنبيه" ص 103.

بتخفيف الصاد وكسر الدال، وهو العامل الساعي، ومعناه: إلا أن يرى الساعي أخذ ذات العوار والهرمة والتيس؛ لأنه أنفع للمساكين إذا كانت كلها ذكورًا فيأخذ على النظر هذا مقتضى بينه في البويطي وصححه النووي وغيره، وعلى هذا يعود الاستثناء إلى الجميع كما هو المعروف من مذهب الشافعي والأصوليين، وذهب الأكثرون إلى أنه المصدق بتشديد الصاد وهو رب المال المالك، فيكون الاستثناء عائدًا إلى الأخير خاصة وهو التيس المعد لضرابها إذا تبرع به المالك وكانت كلها ذكورًا والمريضة معيبة، وعلى هذا لا تؤخذ الهرمة والمعيبة بحال، ويؤخذ التيس إذا رأى المالك، وصورته: إذا كانت الغنم كلها ذكورًا بأن ماتت الأمهات وبقي الذكور، هكذا نقل النووي التأويلين، قال السبكي: ويرد على الأول أن مقتضاه أخذ المريضة والمعيبة عن الصحاح إذا كانت أكثر قيمة، وكذلك الذكر عن الأنثى، قال: ولا نعلم أحدًا قال ذلك، حتى أنه لو دفع سنًّا أعلى من سنه وأفضل ولكنه معيب لا يؤخذ، ويرد على الثاني أن المريضة تؤخذ من المراض باتفاق الأصحاب، وإنما يقول بهذا التفسير على عمومه مالك حيث يمنع أخذ المريضة من المراض، لكنا نقول أن الحديث خرج مخرج الغالب؛ فإن مرض الشاة كلها نادر، وأما تيس الغنم وهو الفحل فإن كانت كلها ذكورًا فالنهي عنه لكرمه، وإن كان فيها إناث فالنهي عنه لنقصه، وعلى التقدير الأول يؤخذ إذا رضي المالك، وعلى الثاني لا يؤخذ. (ولا يجمع بين متفرق) بتقديم التاء على الفاء - وفي رواية البخاري

بتقديم الفاء (¬1) - وتشديد الراء (ولا يفرق بين مجتمع خشية) بالنصب مفعول له أي: لأجل خشية (الصدقة) أي: خشية أن تكثر الصدقة أو خشية أن تقل الصدقة، فلما كان محتملًا للأمرين لم يكن الحمل على أحدهما بأولى من الآخر فيحمل عليهما معًا، لكن حمله على المالك أظهر. قال مالك في "الموطأ": معنى هذا الحديث أن يكون النفر (¬2) الثلاثة لكل واحد منهم أربعون شاة وجبت فيها الزكاة على كل واحد منهم، فإذا أظلهم المصدق جمعوها لئلا يكون عليهم فيها إلا شاة واحدة [فنهوا عن] (¬3) ذلك، قال: وتفسير قوله: "ولا يفرق بين مجتمع" أن الخليطين يكون لكل واحدٍ منهما مائة شاة وشاة فيكون عليهما ثلاث شياه، فإذا أظلهما المصدق فرقا غنمهما فلم يكن على كل واحد منهما إلا شاة واحدة، فنهى عن ذلك، قال: فهذا الذي سمعت من ذلك (¬4). قال الشافعي: هو خطاب لرب المال من جهة وللساعي من جهة، فأمر كل واحد منهم أن لا يتخذ شيئًا من الجمع والتفريق خشية الصدقة، فرب المال يخشى أن تكثر الصدقة فيجمع أو يفرق لتقل والساعي يخشى أن تقل الصدقة فيجمع أو يفرق لتكثر، فاستدل به ¬

_ (¬1) هكذا في رواية أبي ذر الهروي عن الحموي والمستملي، وفي رواية الكشميهني: متفرق. صحيح البخاري" 2/ 116، وانظر: "فتح الباري" 3/ 314. (¬2) في (ر): الفقر. والمثبت من "الموطأ". (¬3) في (ر): فهو أعمى. والمثبت من "الموطأ". (¬4) "الموطأ" 1/ 223.

على من كان عنده دون النصاب من الفضة ودون النصاب من الذهب مثلًا أنه لا يجب ضم بعضه إلى بعض حتى يصير نصابًا كاملًا فتجب فيه الزكاة خلافًا لمن قال يضم على الآخر كالمالكية أو القيم كالحنفية، واستدل به لأحمد على من كان له ماشية لا تبلغ النصاب لعشرين شاة مثلًا بالكوفة مثلها بالبصرة أنها لا تضم باعتبار كونها ملك رجل واحد، ويؤخذ منها الزكاة. قال ابن المنذر: وخالفه الجمهور فقالوا: يجمع على صاحب المال أمواله ولو كانت في بلدان شتى، ويخرج منها الزكاة (¬1). واستدل به على إبطال الحيل. (وما كان من خليطين) يشمل الخليط خلطة لاشتراك وتسمى خلطة شيوع وخلطة اشتراك وخلطة الجور وتسمى خلطة أوصاف وكل منهما مؤثر في الزكاة بالاجتماع والافتراق كما تقدم، وقال أبو حنيفة: المراد بالخليط الشريك فقط، قال: فلا يجب على أحد منهم فيما يملك إلا مثل الذي يجب عليه لو لم يكن خلط (¬2)، وتعقبه ابن جرير: لو لم تؤثر خلطة الجوار بين الجمع والتفريق في الحكم لبطلت فائدة الحديث ولما كان له معنى، وإنما النهي في الحديث عن أمر لو فعلت كانت فيه فائدة قيد المنهي، قال: ولو كان كما قال لما كان لتراجع الخليطين بالسوية معنى. (فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية) محمول على الحصة كما إذا كان ¬

_ (¬1) "عمدة القاري" 9/ 14 - 15. (¬2) "الحجة" 1/ 486. بمعناه.

المال بينهما نصفين، فإن التراجع بينهما بالسوية أي إذا أخذ الساعي من أحدهما والتراجع يقل في خلطة الشيوع ويكثر في الجوار، أما الشيوع فإن كان الواجب من جنس المال] (¬1) فأخذه الساعي منه فلا تراجع، وإن كان من غيره كشاة من الإبل رجع المأخوذ منه على صاحبيه بنصف قيمتها، وأما خلطة الجوار فإن لم يمكن الساعي أن يأخذ من نصيب كل ما يخصه فله أن يأخذ فرض الجميع من أيهما شاء وإن أمكن، قال أبو إسحاق: يأخذ من مال كل ما يخصه، ولا يجوز غير ذلك لتعينهما عن التراجع، والأصح وبه قال أبو هريرة والجمهور: يأخذ من حيث المال بل لواحد كما قال أبو إسحاق [بين التراجع] (¬2)؛ لأن المالين كواحد، هكذا قال الرافعي (¬3). ويوافقه إطلاق الحديث (فإن لم تبلغ سائمة الرجل) الواحد (أربعين) شاة (¬4) (فليس فيها شيء) من الزكاة، لعل هذا مما يستدل به مالك؛ فإنه قال: لا يجب على الخليطين شيء إلا أن يتم لهذا أربعون ولهذا أربعون، وبهذا قال سفيان الثوري كما حكاه البخاري عنه في "الصحيح" (¬5)، وحكي عن أبي ثور واختاره ابن المنذر من الشافعية قال مالك في "الموطأ": لا تجب الصدقة على الخليطين حتى يكون لكل واحد منهما ما تجب فيه الزكاة، قال: ويفسر ذلك إذا كان لأحد الخليطين أربعون شاة فصاعدًا والآخر أقل من أربعين ¬

_ (¬1) إلى هنا انتهى السقط من (م). (¬2) في (م): ثبت الراجع. (¬3) "الشرح الكبير" 2/ 509. (¬4) من (م). (¬5) البخاري معلقا قبل حديث (1451).

شاة كانت الصدقة على الذي له الأربعون شاة فصاعدًا ولم تكن على الذي له أقل من ذلك صدقة (¬1) (إلا أن يشاء ربها) [أي: مالكها] (¬2) (وفي الرقة) بكسر الراء وتخفيف القاف (ربع العشر فإن لم يكن) في (¬3) (المال إلا تسعين ومائة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها) (¬4) كما تقدم [1568] ([حدثنا النفيلي) قال: ] (¬5) (ثنا عباد بن العوام) الواسطي أبو سهل، وثقه أبو حاتم (¬6) (عن سفيان بن حسين) الواسطي قال النسائي: ليس به بأس (¬7). [(عن الزهري] (¬8)، عن سالم) بن عبد الله بن عمر (عن أبيه) عبد الله بن عمر (قال: كتب رسول الله كتاب الصدقة فلم يخرجه إلى عماله) جمع عامل (حتى قُبض) يحتمل أن يراد حتى شارف أن يقبض وقارب وفاته كما في قوله تعالى: {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} (¬9) أي: أشرفن على انقضاء العدة، وقربن منها (فقرنه بسيفه) أي وضعه في مرض موته في قراب سيفه (فعمل به) أي أخذه أبو بكر من قراب سيفه حين (¬10) مات وعمل ¬

_ (¬1) "الموطأ" 1/ 223. (¬2) سقط من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) زاد في (م): أي مالكها. (¬5) من (م). (¬6) "الجرح والتعديل" 6/ 83. (¬7) "تهذيب الكمال" 11/ 141. (¬8) في (م): عن سالمة هذا. (¬9) البقرة: 231. (¬10) في (م): حتى.

بما فيه (أبو بكر حتى قبض) أي: عمل به مدة حياته حتى مات (ثم) أخذه (عمل به عمر حتى قُبض) قال القاضي حسين: كان أبو بكر نسخ كتاب أنس من كتاب كتبه النبي - صلى الله عليه وسلم - (فكان فيه: في خمس من الإبل شاة) وهكذا (¬1) أول نصاب الإبل (وفي عشر شاتان) أي: وما بينهما وقص معفو عنه، ويدل عليه ما جاء في رواية: "خمس من الإبل شاة ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ عشرًا"، قال الأصحاب: ولا يمتنع أن يكون الحكم متعلقًا بمقدار معلوم، ثم يتعلق ذلك المقدار بما زاد عليه كالقطع المتعلق بالسرقة ربع دينار، ثم ما زاد كذلك وكالدم المتعلق بحلق ثلاث شعرات في الإحرام وأنه يتعلق بحلق جميع الرأس. (وفي خمس) بفتح السين (عشرة) بالفتح أيضًا؛ لأن الاسمان متركبان تركيب بناء (ثلاث شياه) ولا شيء فيما بينهما على الأصح كما تقدم. (وفي عشرين أربع شياه) ثم لا يزيد بزيادتها شيء حتى يبلغ ما قال (وفي خمس وعشرين بنت مخاض) لها سنة، سميت بذلك لأن أمها لحقت بالمخاض وهي الحوامل، ثم لزمها هذا الاسم وإن لم تحمل أمها ثم لا يزيد بزيادتها شيء (إلى خمس وثلاثين فإذا زادت واحدة) (¬2) بأن صارت ستًا وثلاثين (ففيها ابنة لبون) أنثى (¬3) لها سنتان وشرعت في الثالثة ثم لا شيء فيما زاد (إلى خمس وأربعين فإذا زادت واحدة ففيها حقة) بنت ثلاث سنين طروقة الفحل كما تقدم (إلى ستين، فإذا ¬

_ (¬1) في (م): هذا. (¬2) من (م). (¬3) في (م): أنها.

زادت واحدة ففيها جذعة) بفتح الذال المعجمة لها أربع سنين (إلى خمس وسبعين) فليس فيها إلا جذعة. (فإن زادت واحدة) بالرفع بأن صارت ستا وسبعين (ففيها ابنتا لبون إلى تسعين) بعيرا. (فإذا زادت واحدة (¬1) ففيها حقتان) طروقتا الفحل كما تقدم. (إلى عشرين ومائة) ففيهما حقتان (فإن كانت الإبل أكثر من ذلك) ولو بواحدة [كما تقدم] (¬2) لا بعض شاة كما قال الإصطخري (ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين ابنة لبون) كما تقدم. (وفي الغنم) الغنم اسم جنس مؤنثة لا واحد لها من لفظها يطلق على الذكور والإناث (في كل أربعين شاة شاة إلى عشرين ومائة فإن زادت واحدة فشاتان إلى مائتين فإذا زادت واحدة على المائتين ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة فإن كانت) أي: (الغنم أكثر من ذلك ففي كل مائة شاة شاة) كما تقدم. (وليس فيها شيء حتى تبلغ المائة) يعني: الرابعة ففيها أربع شياه (ولا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق مخافة) بالنصب (¬3)، هذِه مبينة للرواية المتقدمة (الصدقة وما كان من خليطين) الخليط بمعنى المخالط كالنديم بمعنى المنادم والجليس بمعنى المجالس، وهو واحد وجمع، قال الشاعر: ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) من (م). (¬3) سقط من (م).

إن الخليط أجدوا البين فانصرموا (¬1) ويجمع على خلطاء وخلط (فإنهما يتراجعان بينهما (¬2) بالسوية) أي (¬3): بالحصة كما تقدم [ولا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفرق مخافة أي: خشية الصدقة كما تقدم] (¬4). (ولا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عيب) هذِه الرواية موضحة للرواية السابقة: ذات عوار (قال) الراوي (وقال الزهري: إذا جاء المصدق) بتخفيف الصاد ليأخذ الصدقة الواجبة (قسمت) بضم القاف وكسر السين (الشاء) بالرفع (أثلاثًا) أي إذا اختلفت الشياه في الجودة والرداءة قسم المال فلا يؤخذ الرديء من أجل الفقراء ولا الكرائم من أجل أربابه أخذ من الوسط، وروي نحو هذا عن عمر بن الخطاب، وقاله الإمام أحمد (¬5) والشافعي ولفظه: إذا اختلفت أغنام الرجل وكان فيها أجناس بعضها أرفع من بعض أخذ المصدق من وسط أجناسها لا من أعلاها ولا من أسفلها وإن كانت واحدة أخذ خير ما يجد انتهى (¬6). (ثلثًا شرارًا) رواية: ثلثٌ شرارٌ، [بكسر الشين] (¬7) (وثلثًا خيارًا، وثلثًا ¬

_ (¬1) البيت للفضل بن العباس اللهبي، وقال ابن بزي: صوابه: أجدوا البين فانجردوا. انظر: "الصحاح" [غلب]، [خلط]، "تاج العروس" [خلط]. (¬2) من "السنن". (¬3) من (م). (¬4) من (م). (¬5) "المغني" 4/ 217. (¬6) "الأم" 2/ 15. (¬7) من (م).

وسطًا) أي: تقسم ثلاثة أثلاث رديء وخيار ووسط (¬1) [فأخذ المصدق من الوسط)] (¬2) فيأخذ الساعي الوسط إلا أن يشاء ربها، وبهذا جاءت الأحاديث كما سيأتي، فإن تطوع رب المال بأخذ الخيار جاز وله ثواب الفضل (ولم يذكر الزهري البقر) ولا الإبل وإن كانتا في معنى الشاة. [1569] ([حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ] ثنا محمد بن يزيد الواسطي) شامي الأصل، قال ابن معين وأبو داود: ثقة (¬3)، قال وكيع: إن كان أحدٌ من الأبدال فهو محمد بن يزيد الواسطي (¬4)، مات بواسط (¬5) سنة 188. ([أخبرنا سفيان بن حسين] (¬6) [بإسناده ومعناه] (¬7) قال: فإن لم تكن ابنة مخاض فابن) بالرفع (لبون) مقبول منه كما تقدم ([ولم يذكر قوله (¬8)]) (¬9) في البقر ولا الإبل ولا الغنم. [1570] (ثنا محمد بن العلاء [قال: حدثنا]) (¬10) عبد الله (بن المبارك) ابن واضح شيخ الإسلام (عن يونس بن يزيد) الأيلي، ثقة ¬

_ (¬1) من "السنن". (¬2) "تهذيب الكمال" 27/ 32. (¬3) "تاريخ بغداد" 3/ 372. (¬4) ساقطة من (ر)، وفي (م): بواسطة. (¬5) من "السنن". (¬6) من (م). (¬7) في "السنن": كلام الزهري. (¬8) و (¬9) من (م). (¬10) "تهذيب الكمال" 32/ 556.

إمام (¬1) (عن ابن شهاب قال: هذِه نسخة كتاب (¬2) رسول الله الذي كتبه) أي: لأبي بكر كما تقدم (في الصدقة وهي عند آل عمر بن الخطاب) يعني عبيد الله بن عبد الله [ابن عمر] (¬3) وسالم بن عبد الله. (قال ابن شهاب) الزهري (¬4) (أقرأنيها سالم بن عبد الله بن عمر) بن الخطاب (فوعيتها) أي: حفظتها، قال في "الأفعال": وعيت العلم حفظته (¬5). وأصله من الوعاء الذي يجمع فيه (على وجهها) أي: على جهتها الذي أقرأنيها (وهي التي انتسخ عمر بن عبد العزيز) وغيره (من عبيد (¬6) الله) بالتصغير (ابن عبد الله بن عمر وسالم بن عبد الله بن عمر. . فذكر الحديث) المتقدم بطوله. و(قال) فيه (فإذا كانت) الإبل (إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون) فيه دليل على أن الفرض لا يتغير قبل إحدى وعشرين كما تقدم على الصحيح المنصوص عند الشافعي (¬7)، وفيه حجة على الإصطخري فيما تقدم عنه أنه إذا زادت على مائة وعشرين ولو بعض شاة وجبت ثلاث بنات لبون محتجًّا بقوله في الرواية السابقة: "إذا زادت" ولم يقيد (¬8). ¬

_ (¬1) في (ر): كان. والمثبت من (م). (¬2) سقط من (م). (¬3) تكرر في (م). (¬4) "كتاب الأفعال" لابن القوطية ص 161. (¬5) في "السنن": عبد. (¬6) "الأم" 2/ 9. (¬7) "المجموع" 5/ 390. (¬8) "المدونة" 1/ 352.

واحتج الجمهور بهذا الحديث، وقوله: "ففيها" أي: فالواجب في مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون، وهو حجة على إحدى الروايات الثلاث الواردة عن مالك وأحمد أن الإبل إذا زادت على مائة وعشرين يخير الساعي بين حقتين وثلاث بنات لبون (¬1) (حتى تبلغ تسعًا وعشرين ومائة) ليس فيها غير ثلاث بنات لبون. (فإن كانت ثلاثين ومائة ففيها ابنتا لبون وحقة) فيه حجة على ما ذهب إليه ابن مسعود والنخعي والثوري (¬2) وأبو حنيفة: إذا زادت الإبل على عشرين ومائة استؤنفت الفريضة في كل خمس شاة تزاد مع الحقتين إلى خمس وأربعين ومائة [فيكون فيها حقتان وبنت مخاض إلى خمسين ومائة، ففيها ثلاث حقاق وتستأنف الفريضة في كل خمس شاة (¬3) (حتى تبلغ تسعًا وثلاثين ومائة، فإذا كانت أربعين ومائة ففيها حقتان وابنة لبون) لما تقدم ففي مائة حقتان، وفي أربعين ابنة لبون. ([حتى تبلغ تسعا وأربعين ومائة] (¬4) فإذا كانت خمسين ومائة ففيها ثلاث حقاق) (¬5) لأن المائة وخمسين ثلاث خمسينات (حتى تبلغ تسعًا وخمسين ومائة، فإذا كانت ستين ومائة ففيها أربع بنات لبون) ثم كل ما زاد عشرًا بدلت مكان كل بنت لبون حقة (حتى تبلغ تسعًا وستين ومائة، فإذا كانت سبعين ومائة) أبدلت مكان بنت اللبون الرابعة حقة، ¬

_ (¬1) في (م): النووي. (¬2) "المبسوط" 2/ 204. (¬3) من "السنن". (¬4) غير واضحة في (م) ولعله يكون سقط. (¬5) من "السنن".

([ففيها ثلاث بنات لبون وحقة) بالرفع (حتى تبلغ تسعًا وسبعين ومائة]) (¬1) فإذا كانت ثمانين ومائة) أبدلت مكان ابنة اللبون الثالثة حقة وحينئذٍ ([ففيها حقتان وبنتا لبون (¬2) حتى تبلغ تسعًا وثمانين ومائة) (¬3) ليس فيها إلا حقتان وبنتا لبون (فإذا كانت (¬4) تسعين ومائة) أبدلت مكان ابنة اللبون الثانية حقة فيجتمع (ففيها (¬5) ثلاث حقاق وبنت لبون) فثلاث حقاق بمائة وخمسين وبنت لبون بأربعين (حتى تبلغ تسعًا وتسعين ومائة، فإذا كانت مائتين) بلغت قدرًا يخرج فرضه بحسابين مختلفين (ففيها أربع حقاق) لأن المائتين فيها أربع خمسينات (أو خمس بنات لبون) لأن في المائتين خمس أربعينات (أي) بالنصب مفعول مقدم لقوله: وجدت بعده (السنين) تثنية سن (وجدت) وأعربت أي هنا؛ لأن شبهها بالحرف عارضه لزوم الإضافة التي هي من خواص الأسماء وجاء عائدها محذوفًا مقدرًا غير مبتدأ، بل هو منصوب مفعولٌ. (أخذت) التقدير: أخذته، ونظير هذا في الإعراب كقولك: أكرمت أيهم أكرمت. إذا عرفت هذا فمعنى الحديث أنه إذا وجد في مال المالك كلًّا من الصنفين فالواجب أحد الصنفين؛ لأن الصنفين إذا (¬6) وجدا تعلق بهما الفرضان، وعلى هذا فالذي قطع به الجمهور ونص عليه الشافعي أن ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): بلغت. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (م): لما.

الساعي يأخذ الأغبط منهما لأهل السهمان مراعاة للمساكين، وذلك منوط بنظر الساعي (¬1)، وعلى هذا فمقتضاه أن رب المال إذا أخرج لزمه إخراج أغلى الفرضين؛ لأنه وجد سبب العوضين فكانت الخيرة إلى مستحقه أو نائبه كقتل العمد الموجب للقصاص أو الدية، واحتجت الحنابلة بهذا الحديث (¬2) على أن المالك يخرج أي الفرقتين (¬3) شاء، وإن كان الآخر أفضل منه. (وفي سائمة الغنم. فذكر نحو حديث سفيان بن حسين) المتقدم (وفيه: ولا يؤخذ في الصدقة هرمة، ولا ذات عوار من الغنم، ولا (¬4) تيس الغنم، إلا إن شاء المصدق) كما تقدم. [1571] (ثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب القعنبي، أحد الأعلام (قال: قال مالك: وقول عمر بن الخطاب: لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع أن يكون لكل رجل أربعون شاة، فإذا أظلهم المصدق) أي: دنا منهم لأجل أخذ الزكاة. قال الجوهري: أظلك فلان إذا دنا منك، كأنه ألقى عليك ظله، أي: لقربه منك (¬5) (جمعوها) أي: خلطوا الثلاث أربعينات وجمعوها (لئلا) يجب عليهم ثلاث شياه، ولئن (لا يكون فيها إلا شاة) واحدة في ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع" 5/ 412. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): الفرضين. (¬4) من (م). (¬5) "الصحاح" 5/ 1756.

المائة والعشرين (¬1) (ولا يفرق بين مجتمع) معناه (أن الخليطين إذا كان لكل واحد (¬2) منهما مائة شاة وشاة فيكون عليهما [فيهما) أي] (¬3): في المائتين والشاتين (ثلاث شياه) إذا خلطا وجمع بينهما (فإذا أظلهما المصدق) بتخفيف الصاد فيهما (¬4) أي: إذا (¬5) دنا منهما الساعي لأخذ الزكاة (فرقا غنمهما) فجعلا كل مائة شاة بمفردها حيلة على تقليل الزكاة (فلم يكن على كل واحد منهما إلا شاة) واحدة (فهذا الذي سمعت في ذلك) (¬6) فيه أن هذا التفسير ليس من كلامه بل نقله عن السلف أو غيرهم. [1572] (ثنا النفيلي، ثنا زهير) بن معاوية بن حديج (¬7) الجعفي، حجة حافظ، لكن في حديثه (عن أبي إسحاق) لين؛ لأنه سمع منه بأخرة. قال أبو زرعة: ثقة، إلا أنه سمع من أبي إسحاق بعد الاختلاط (¬8). قال الذهبي: لين (¬9) روايته عن (¬10) أبي إسحاق لا من قبله، وأبو إسحاق عمرو (¬11) بن عبد الله السبيعي أحد الأعلام، له نحو ثلاثمائة ¬

_ (¬1) في (م): عشرين. (¬2) و (¬3) من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) سقط من (م). (¬6) انظر: "المدونة" 1/ 373. (¬7) في (ر): جريج. (¬8) "الجرح والتعديل" 3/ 589. (¬9) من (م). (¬10) زاد في (ر): قبل. (¬11) في (م): عمر.

شيخ (¬1)، وهو يشبه الزهري في الكثرة (¬2)، لكنه كان قد اختلط في آخر عمره (¬3) (عن عاصم بن ضمرة) السلولي الكوفي، روى عن علي، وقال الثوري (¬4): كنا نحفظ (¬5) فضل حديث عاصم على حديث الحارث (¬6). (وعن الحارث) بن عبد الله ويقال: ابن عبيد الهمداني. ممن اشتهر بصحبة علي، ويقال أنه سمع منه أربعة أحاديث (الأعور، عن علي) بن أبي طالب (قال زهير) بن معاوية (أحسبه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: هاتوا ربع العشر) ثم بين ذلك (ومن كل أربعين درهمًا) فإن عشرها أربعة دراهم [ربعها درهم] (¬7). قال الخطابي: هو تفصيل لجملة قد تقدم بيانها في حديث أبي سعيد الخدري وهو قوله: "ليس فيما دون خمسة أوسق شيء"، وتفصيل الجملة لا يناقضها (¬8) أي: بل هو بيان لها (درهمًا) (¬9) بالنصب بدل من ربع، أي: هاتوا درهمًا من كل أربعين وهو ربع عشرها. (وليس عليكم شيء حتى تتم) أي: تكمل، والمراد: ليس عليكم ¬

_ (¬1) في (م): سنة. (¬2) فىِ (م): المكبرة. (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 22/ 102 (4400). (¬4) في (م): النووي. (¬5) في (م): نعرف. (¬6) انظر: "الجرح والتعديل" 1/ 80، "تهذيب الكمال" 13/ 497 (3012). (¬7) سقط من (م). (¬8) "مختصر سنن أبي داود" المطبوع معه "معالم السنن" 2/ 188. (¬9) في (ر): درهم. والمثبت من (م).

شيء في الأربعين درهمًا حتى تكمل (مائتا درهم) وفيه دفع لما يتوهم من وجوب الزكاة في الأربعين، فإنما ذكرت الأربعين والدرهم منها لبيان ما قبلها وهو ربع العشر، والظاهر أن إعادة البيان والتفصيل لما ذكر معه في الحديث أولى من إعادة الحديث تقدم قبله وبعد عنه، ولعل أن يكون هذا الحديث قبل حديث أبي سعيد إلا أن يدل دليل على ذلك، والله أعلم. (فإذا (¬1) كانت) الدراهم (مائتي درهم) وفيه بيان قدر الموجب وهو النصاب الذي تجب فيه الزكاة، وانعقد الإجماع على أنه مائتا درهم، وكان أهل المدينة يتعاملون عند قدوم (¬2) النبي - صلى الله عليه وسلم - بالدراهم عددًا، ويدل عليه قول عائشة في قصة بريرة: إن شاء أهلك أن أعدها لهم عدة واحدة فعلت (¬3). تعني الدراهم. (ففيه خمسة دراهم) بميزان أهل مكة (فما زاد) على النصاب (فعلى حساب ذلك) فلا وقص إلا في الماشية، والفرق أن النقود والثمار تتجزأ من غير ضرر بخلاف الماشية، ولا تكمل فضة بذهب ولا عكسه، ويكمل جيد كل واحد منهما بردئه، ويخرج من الجيد إذا اختلفت القيمة، فلو أخرج عن الجيد أو المختلط رديئًا أو عن الخالص مغشوشًا قليل (¬4) يجزئ ويخرج قيمة ما بينهما ذهبًا، والأصح أنه لا يجزئه، ثم الأصح أنه يسترجعه إن بيَّن عند الدفع (¬5) أنه زكاة. وقيل: لا، كما لو لزمه ¬

_ (¬1) في (م): فإن. (¬2) في (م): قوم. (¬3) رواه مسلم (1504). (¬4) في (م): فقيل. (¬5) في (م): الرفع.

عتق سليمة فأعتق معيبة فإنها تعتق ولا يجزئ. والفرق ظاهر، وعلى الأصح لو كان تالفًا قوّم بجنس آخر وأخرج الوسط، مثاله مائتا درهم جيدة قيمة كل خمسة منها نصف دينار، أخرج عنها معيبة قيمتها خمسا دينار، ويبقى عليه درهم جيد، ولا شيء في المغشوش حتى يبلغ خالصه نصابًا. (وفي الغنم في) كل (أربعين شاةً) بالنصب على التمييز (شاةٌ) بالرفع مبتدأ مؤخر (فإن لم يكن) غنمة (¬1) [رواية: سبع وثلاثون] (¬2) (إلا تسعًا وثلاثين) شاة (فليس عليك فيها شيء) واجب (¬3) إلا أن يتطوع مالكها. (وساق) حديث (صدقة الغنم مثل) ما تقدم في حديث (الزهري (¬4) قال: وفي البقر) اسم جنس واحده بقرة يطلق على الذكر والأنثى. قال الأزهري: يشمل ثلاثة أنواع: الجواميس، وهي أنبل من البقر، والعراب (¬5)، والدربانية بفتح الدال المهملة المفتوحة ثم راء ساكنة ثم باء موحدة وبعد الألف نون، وهي التي تنقل (¬6) عليها الأحمال (¬7). (في كل ثلاثين) بقرة (تبيع) وسمي بذلك لأنه يتبع أمه، وقيل: لأن قرنيه يتبعان أذنيه، فيه أن أول نصاب البقر ثلاثون فلا شيء فيما دونها ¬

_ (¬1) في (م): قسمة. (¬2) سقط من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) زاد في (م): ثم. (¬5) في (م): الضراب. (¬6) في (م): يتعجل. (¬7) "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" ص 98.

على قول الجمهور، وحكي عن (¬1) سعيد بن المسيب والزهري (¬2) أنهما قالا: في كل خمس شاة؛ لأنها عدلت بالإبل في الهدي والأضحية فكذلك في الزكاة. والحديث حجة عليهما، ولأن قياسهما فاسد فإن خمسًا وثلاثين من الغنم تعدل خمسًا من الإبل في الهدي ولا زكاة فيها. (وفي الأربعين مسنة) وهي التي لها سنتان ودخلت في الثالثة، سميت مسنة (¬3) بذلك لزيادة سنها، وقيل: التبيع ما له ستة أشهر، والمسنة ما لها سنة. والأول نص الشافعي والأصحاب (¬4). (وليس على العوامل) في الركوب والحرث والنضح، وهو إدارة السواقي ونحوها (شيء) وفي الدارقطني من رواية ابن عباس: "ليس في البقر العوامل شيء" (¬5)، وبذلك قال جمهور أصحاب الشافعي (¬6)، وبه قال أحمد؛ لأنهما (¬7) كثياب البدن (¬8) ومتاع الدار ولا تقتنى للنماء (¬9). وفي رواية عن مالك: إن في العوامل والمعلوفة صدقة (¬10). وقال ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) رواه عبد الرزاق 4/ 3 (6792)، 20 (6836). (¬3) سقط من (م). (¬4) "المجموع" 5/ 415. (¬5) "سنن الدارقطني" 2/ 103 من حديث ابن عباس مرفوعًا. (¬6) "الأم" 2/ 31. (¬7) في (م): إنها. (¬8) في (م): البدل. (¬9) انظر: "المغني" 4/ 32. (¬10) "الاستذكار" 9/ 147 - 148.

الشيخ أبو محمد وجماعة من الخراسانيين أن ما كان مستعملًا منها ولكنها سائمة أبدًا لا تعلف فالزكاة فيها واجبة، بل هي أولى بالإيجاب؛ لأن فيها توفير المؤنة وفائدة العمل. (وفي الإبل) زكاة (فذكر صدقتها كما ذكر [الزهري، قال] (¬1): وفي خمس وعشرين) أي: من الإبل [نسخة خمسة] (¬2) (خمس من الغنم، فإذا زادت واحدة) بالنصب (¬3) (ففيها بنت مخاض) أخرجه ابن أبي شيبة وغيره عن علي مرفوعًا وموقوفًا (¬4)، وإسناد المرفوع ضعيف، وأخذ به علي بن أبي طالب والجمهور على أن في خمس وعشرين بنت مخاض كما تقدم (فإن لم تكن ابنة مخاض) في إبله (فابن لبون ذكر) للتأكيد، وقيل: احترز به عن الخنثى (إلى خمس وثلاثين [فإن زادت واحدة) صارت ستًّا وثلاثين (ففيها بنت (¬5) لبون) ثم لا شيء عليها (إلى خمسة وأربعين] (¬6) فإذا زادت واحدة ففيها حقة طروقة الجمل) رويت بفتح الجيم والميم، وهي بمعنى الفحل كما تقدم، ورويت طروقة الحمل بكسر الحاء المهملة وسكون الميم أي: يطرقها الحمل (إلى ستين. ثم ساق) الحديث (¬7) (مثل حديث الزهري) المتقدم. ¬

_ (¬1) من "السنن". (¬2) سقط من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) "مصنف ابن أبي شيبة" 6/ 396 (9983) موقوفًا. (¬5) في (ر): ابن. والمثبت من "السنن". (¬6) سقط من (م). (¬7) من (م).

و (قال) فيه (فإذا زادت واحدة يعني واحدة على التسعين) من الإبل (ففيها حقتان طروقتا الجمل) بفتح الجيم والميم (إلى عشرين ومائة، فإذا كانت الإبل أكثر من ذلك (¬1) ففي كل خمسين حقة) بالرفع (ولا يفرق) بتقديم الفاء على الراء كما تقدم (بين مجتمع، ولا يجمع بين مفترق خشية الصدقة، ولا تؤخذ في الصدقة هرمة، ولا ذات عوار) بفتح العين على الأفصح. (ولا تيس) التيس من المعز (¬2)، والمراد به هنا الفحل كما تقدم في الرواية المتقدمة. (إلا أن يشاء المصدق) بتخفيف الصاد [وهو المالك] (¬3) لأن أخذه بغير اختيار ضرر عليه، وعلى هذا فالاستثناء (¬4) مختص بالثالث. ولفظ الشافعي في البويطي: [لا يأخذ ذات عوار ولا تيس ولا هرمة إلا أن يرى المصدق (¬5) - يعني: بتخفيف الصاد وهو الساعي - أن ذلك أفضل للمساكين فيأخذه على النظر. انتهى] (¬6)، وهذا أشبه بمذهب الشافعي، والاستثناء يعود إلى جميع ما قبله، فلو كانت الغنم كلها تيوسًا أخرج تيسًا (¬7). وعن المالكية: يلزم المالك أن يشتري شاة ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (م): الغنم. (¬3) من (م). (¬4) في (ر): فالاستواء. والمثبت من (م). (¬5) "الأم" 2/ 7. (¬6) في (ر): والأكثرون بتشديد الصاد. والمثبت من (م). (¬7) في (ر): تيوسًا. والمثبت من (م).

مجزئة (¬1). [وقال بعضهم: إنما لم يؤخذ تيس الغنم من جهة الفضيلة. وقيل: الأمر ليس كذلك، وإنما لم يؤخذ لنقصه وفساد لحمه. قاله المنذري] (¬2). (وفي النبات) النبات يطلق على ما له ساق وهو الشجر، وعلى ما لا ساق له، وقد (¬3) يكون اسمًا بمعنى نابت وهو المراد هنا، ويدخل فيه الزرع والثمار في (ما سقته الأنهار، أو سقته السماء) يعني المطر؛ لأن كل ما علا وارتفع يسمى سماء، وفي الحديث على إثر سماء كانت من الإبل (العشر) بالرفع مبتدأ أخذ بعمومه أبو حنيفة، وقال عطاء: يجب في الحبوب كلها. ومن قال بعدم العموم أخرج ما لا يكال بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس فيما دون خمسة أوسق" قال: ما لا يكال لا يوسق فيه، وخرجت الخضراوات بما رواه البزار والدارقطني عن موسى بن طلحة عن أبيه مرفوعًا قال: "ليس في الخضراوات صدقة" (¬4). (وما سقى بالغرب) وهو الدلو العظيمة يملأ به من بئر أو [نهر أو غير ذلك] (¬5) (ففيه نصف العشر) لما يحصل لصاحبه من الكلفة. (وفي حديث عاصم) بن ضمرة (والحارث) الأعور (الصدقة في كل عام. قال: زهير [حسبه) نسخة] (¬6): أحسبه (قال) في كل عام (مرة) ¬

_ (¬1) "المدونة" 1/ 356. (¬2) في (م): قال في "المطلب": من صدق المال إذا أخرج صدقته والشافعي رحمه الله يستعمله كثير. والأكثرون أنه بتشديد الصاد كما تقدم. (¬3) سقط من (م). (¬4) "مسند البزار" 3/ 156 (940)، "سنن الدارقطني" 2/ 96. (¬5) بياض في (ر، م)، ولعلها ما أثبتناه. وانظر: "النهاية" (غرب). (¬6) في (م): عين.

واحدة. رواه الدارقطني من حديث أنس، وفيه حسان بن سياه ضعيف، وقد تفرد به عن ثابت (¬1) وابن ماجه والدارقطني والبيهقي والعقيلي في "الضعفاء" من حديث عائشة (¬2). وفيه دليل على (¬3) أن الزكاة تجب في كل حول مرة، وبه قال الثوري (¬4) والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي. وقال مالك: لا يزكيه إلا لحول واحد إلا أن يكون مدبرًا؛ لأن الحول الثاني لم يكن المال عينًا في أحد طرفيه، فلم تجب فيه الزكاة كالحول الأول إذا لم يكن في أوله عينًا (¬5). والحديث حجة لما قاله الجمهور. (وفي حديث عاصم: إذا لم يكن في الإبل ابنة مخاض ولا ابن لبون) [قال أصحابنا: إذا لم يكن في ماله ابنة مخاض ولا ابن لبون فوجهان أصحهما يشتري ما يشاء منهما (¬6) ويخرجه. وقيل: يتعين بنت مخاض؛ لأنهما استويا في العدم فلزمه ابنة مخاض كما لو استويا في الوجود] (¬7) [ولا ابنة لبون] (¬8) (فعشرة دراهم أو شاتان) كذا وجد عند (¬9) أبي داود [عشرة دراهم] (¬10)، وأصلحه عليه ابن عبد البر: ¬

_ (¬1) "سنن الدارقطني" 2/ 91. (¬2) ابن ماجه (1792)، العقيلي 1/ 288، الدارقطني 2/ 90، البيهقي 4/ 95. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): النووي. (¬5) "المغني" 4/ 250. (¬6) من (ر). (¬7) من (م). (¬8) سقط من (م). وجاءت بعد ذلك في آخر الكلام على الحديث بعد: عشرون درهما. (¬9) في (م): عن. (¬10) من (م).

عشرون درهمًا. [1573] (ثنا سليمان بن داود المهري) قال (أنا) عبد الله (ابن وهب) قال: (أخبرني جرير) بفتح الجيم (بن حازم) الأزدي حجة، ولما اختلط حجبه ولده، قال أبو حاتم: تغير قبل موته بسنة (¬1). (وسمى) رجلًا (آخر عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن عاصم بن ضمرة والحارث الأعور، عن علي، عن النبي ببعض أول الحديث وقال: فإذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم) وإن لم تتصرف فيها (وليس عليك شيء يعني في الذهب حتى يكون لك عشرون دينارًا) فيه أن نصاب الذهب عشرون مثقالًا كما أجمع عليه أكثر أهل العلم إلا رواية عن الحسن أربعون دينارًا، والحديث حجة عليه. (فإذا كانت لك عشرون دينارًا وحال عليها الحول]) فيه اشتراط مضي الحول، وأجمعوا على اشتراطه في الماشية والنقد دون [العشرات كزكاة] (¬2) النقدين ([ففيها نصف دينار] (¬3) فما زاد فبحساب ذلك) ولا وقص إلا في الماشية [كما تقدم] (¬4). (قال: ولا أدري أعلي - رضي الله عنه - يقول فبحساب ذلك) عن نفسه (أو رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول) ورواه ابن ماجه عن عمرة بنت عبد الرحمن إحدى (¬5) الثقات عن عائشة أنها سمعت النبي ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 2/ 505. (¬2) في (م): المعشرات إلا بزكاة. (¬3) و (¬4) من (م). (¬5) في (م): أخبرني.

يقول: "لا زكاة في مالٍ حتى يحول عليه الحول" (¬1). (قال ابن وهب: إلا أن جريرًا يزيد في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ليس في مال زكاة حتى يحول الحول") [في روايته على غيره] (¬2) وروى الدارقطني والبيهقي عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس في مال المستفيد زكاة حتى يحول عليه الحول" (¬3) وكذلك رواه (¬4) الترمذي ولفظه "من استفاد مالًا فلا زكاة (¬5) حتى يحول عليه الحول" ثم قال الترمذي: عبد الرحمن ضعيف، ووقفه على ابن عمر أصح (¬6). [1574] (ثنا) أبو عثمان (عمرو بن عون) الواسطي البزاز الحافظ قال (أنا أبو عوانة) اسمه الوضاح (عن أبي إسحاق) عمرو (عن عاصم بن ضمرة، عن علي: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قد عفوت عن الخيل والرقيق) ورواية الترمذي: "قد (¬7) عفوت عن صدقة الخيل والرقيق" (فهاتوا صدقة الرقة) قال: سألت البخاري عن هذا الحديث فقال: عندي صحيح. والرقة بكسر الراء وتخفيف [القاف: الورق] (¬8)، لكن حذفت ¬

_ (¬1) من "السنن". (¬2) من (ر). (¬3) "سنن الدارقطني" 2/ 90، "السنن الكبرى" 4/ 104. (¬4) من (م). (¬5) زاد في (م): عليه. (¬6) "سنن الترمذي" (631)، (632) مرفوعًا موقوفًا. (¬7) من (م). (¬8) في (م): الفاء و.

الواو من أولها وعوضت الهاء في آخرها كقولهم في الوصل: صلة، وفي الوزن: زنة، وتجمع على رقين (¬1). وتقول العرب في المثل (¬2): إن الرقين تغطي أفن الأفين، والأفن بالفاء والنون ضعف الرأي والحمق، أي: الدراهم تستر حمق الأحمق، والرقة والورق تطلقان على الفضة مضروبة كانت أو لم تكن، وقيل: لا يطلقان إلا على الدراهم خاصة. وفي الحديث دليل على عدم وجوب الزكاة على الخيل والرقيق لأنها تقتنى غالبًا للزينة والاستعمال دون النماء فلا تجب فيها للعقار (¬3) والإناث، بخلاف النعم فإنها تقتنى للدر والنسل فاحتملت المواساة، وسواء كانت الخيل إناثًا أم (¬4) ذكورًا خلافًا لأبي حنيفة (¬5) (من كل أربعين درهمًا درهم، وليس في تسعين ومائة شيء) ولا في أقل من مائتين ولو بحبة. (فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم) مذهبنا ومذهب جمهور العلماء كافة أن الاعتبار في نصاب الذهب والفضة بالوزن لا بالعدد، وحكى صاحب "الحاوي" وغيره من أصحابنا عن البصري وبشر المريسي المعتزلي أن الاعتبار بمائتي درهم عددًا لا وزنًا حتى لو كان معه مائة درهم عددًا ووزنها مائتان لا شيء فيها، وإن كانت ¬

_ (¬1) في (ر): رقيق. والمثبت من (م). (¬2) في الأصول: الإبل. ولعل المثبت الصواب. (¬3) في (م): كالعقار. (¬4) في (م): أو. (¬5) "المبسوط" 2/ 252.

مائتان عددًا ووزنها مائة وجبت الزكاة (¬1). قال الأصحاب: هذا غلط منهما مخالفٌ للنصوص والإجماع. (وروى هذا الحديث الأعمش عن أبي إسحاق [كما قال أبو عوانة. ورواه شيبان أبو معاوية وإبراهيم بن طهمان عن أبي إسحاق] (¬2) عن الحارث عن علي رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله) كما تقدم. (وروى حديث النفيلي: شعبة وسفيان وغيرهما عن أبي إسحاق. وروى عن أبي إسحاق) السفيانان (عن عاصم) بن ضمرة. (عن علي لم يرفعه أحد) بل (أوقفوه على علي) رضي الله عنه. [1575] (حدثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي، قال (ثنا حماد) [ابن سلمة] (¬3) قال: (أنا بهز بن حكيم ح. وثنا ابن العلاء) هو محمد أبو كريم قال (أنا أبو أسامة) حماد بن سلمة (¬4). (عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده) هو بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة، والمراد بجده معاوية بلا خلاف، و (¬5) القعنبي عبد الله بن مسلمة (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: في كل [سائمة إبل]) (¬6) بالإضافة هي الراعية، قال الله تعالى: {فِيهِ تُسِيمُونَ} (¬7) (في أربعين [بنت ¬

_ (¬1) "الحاوي الكبير" 3/ 258. (¬2) في (م): عمرو. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): أسامة. (¬5) في (م): وحدثنا. (¬6) سقط من (م). (¬7) النحل: 10.

لبون]) (¬1) يتركبون (لا تفرق) بضم المثناة فوق وفتح الفاء والراء المشددة [ثم قاف] (¬2) (إبل عن حسابها) خشية الصدقة كما تقدم (من) بفتح الميم (أعطاها (¬3) مؤتجرًا) بضم الميم وسكون الهمزة وكسر الجيم: أي طالبًا الأجر من الله (قال) محمد (بن العلاء: مؤتجرًا بها) أي: طالبًا بها (¬4) رضا الله وثوابه (فله أجرها) عند الله تعالى. (ومن (¬5) منعها) أي: منع إخراجها بخلًا (فإنا) بكسر الهمزة وتشديد النون (آخذوها) بمد (¬6) الهمزة (وشطر) أي: مع نصف (ماله) قال الحربي: غلط الراوي في لفظ الرواية، إنما هو وشطر ماله، أي: يجعل ماله شطرين فيتخير بينهما المصدق ويأخذ الصدقة من خير الشطرين شاء (¬7) (عزمة) مرفوع؛ لأنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: وذلك عزمة، [ويجوز بالنصب على الحال والتمييز] (¬8) (من عزمات) بفتح الزاي (ربنا) سبحانه، والعزمة ضد الرخصة، وهو ما يجب فعله مؤكدًا، وذكر الفقهاء أن للشافعي فيها قولين، فقال في القديم: من منع زكاة ماله أخذت منه وأخذ معه شطر ماله عقوبةً له على منع الزكاة لهذا الحديث. وقال في [الجديد: لا] (¬9) يؤخذ منه إلا الزكاة لا ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): إعطاء. (¬4) و (¬5) من (م). (¬6) في (م): على. (¬7) انظر: "النهاية" لابن الأثير 2/ 473 (شطر). (¬8) سقط من (م). (¬9) في (ر): الزكاة. والمثبت من (م).

غير (¬1). وجعل هذا الحديث منسوخًا فإن ذلك حيث (¬2) كان العقوبات بالمال ثم نسخ، واستدل للقديم بهذا الحديث، وهذا القول من الشافعي يرد ما ذهب إليه الحربي من تغليط الراوي، فإن الشافعي جعل هذا الحديث للقول القديم في أخذ شطر مال مانع الزكاة. (ليس لآل محمد منها شيء) وآل محمد هم بنو هاشم وبنو المطلب (¬3) كما سيأتي. وفي "صحيح (¬4) مسلم" (¬5): ["إن هذِه] (¬6) الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد". وفيه دليل على أن الزكاة حرامٌ على آل محمد وهم بنو هاشم وبنو المطلب (¬7) بلا خلاف، إلا إذا كان أحدهم عاملًا، والصحيح تحريمه أيضًا، وهل يحل لهم [صدقة التطوع، وجهان] (¬8)، أصحهما [وبه قطع الأكثرون] (¬9): يحل. [1576] (حدثنا النفيلي، قال: حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير. (عن الأعمش، عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي، أدرك النبي ¬

_ (¬1) "المجموع" 5/ 331، 334. (¬2) من (م). (¬3) في (م): عبد المطلب. (¬4) في (م): حديث. (¬5) (1072) من حديث عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث. مرفوعًا. (¬6) من (م). (¬7) في (م): عبد المطلب. (¬8) في (م): الصدقة والتطوع. (¬9) في (ر): أنه. والمثبت من (م).

ولم يره ولم يسمع منه (عن معاذ) ابن جبل (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما وجهه إلى اليمن) قاضيًا ومعلمًا وجعل إليه قبض الصدقات من العمال الذين باليمن (أمره أن يأخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعًا أو تبيعة) فيه دليل على أنه يجوز أن يؤخذ على الثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة كما يؤخذ في الأربعين مسن أو مسنة مع وجودهما وعدمهما؛ لأن الأنثى أكمل من الذكر. (ومن كل أربعين مسنة) وسميت مسنة لزيادة سنها، وعن الأزهري: لطلوع سنها (¬1). (ومن كل حالم أي: محتلم) وهو الذي بلغ مبلغ الرجال برؤية (¬2) المني أو بلوغ السن. وفيه أن الجزية لا [تؤخذ من] (¬3) الصبي والمجنون، ولا تجب عليهما ولا على الخنثى ما دام مشكلًا (دينارا) فيه أن أقل الجزية دينار، [وهذا الدينار إنما أخذه جزية على رؤوس نصارى نجران، وصدقة البقر إنما أخذها من المسلمين، إلا أنه أدرج ذلك في الحديث سبق أحدهما على الآخر والمعنى مفهوم] (¬4)، ولو بذل أكثر من دينار جاهلًا [أن الأقل دينار] (¬5) لم يجز للإمام أن يعلمه (¬6) أن الواجب دينار، وأنك لو امتنعت من بذل الزائد لم يلزمك ¬

_ (¬1) "تهذيب اللغة" (سن). (¬2) في (م): برؤيته. (¬3) في (ر): تجب على. والمثبت من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) من (م). (¬6) في (م): يعرفه.

سواه، بخلاف المزكي فإنه يخبره بأن واجبك كذا. قال القاضي حسين: والفرق أن ما وجب بالشرع فروعي فيه إيجابه، والجزية وجبت بالمعاقدة والتراضي فروعي بها ما يقع به التراضي. (أو عدله) بفتح العين؛ لأن عدل الشيء بفتح العين مثله في القيمة وبكسرها مثله في الصورة، والأول هو المراد [في الحديث] (¬1). (من المعافري) بفتح الميم والعين المهملة (ثياب تكون باليمن) منسوبة إلى معافر وهي حي من همدان لا ينصرف في معرفة ولا نكرة؛ لأنه جاء على مثال ما لا ينصرف من الجمع، وتقول: ثوب معافري. فتصرفه لأنك أدخلت عليه ياء النسبة ولم تكن في الواحد، وقيل: المعافري بضم الميم نسبة إلى رجل باليمن معافر بن زرعة. ويقال: سمي معافر ببيتٍ قاله. وفيه حجة لما قاله جماعة من الشافعية وصرح به الروياني أن أقل الجزية دينار أو عدله من نقد أو عرض، وعبارة جماعة من الشافعية: أقل الواجب دينار، ويجوز أخذ القيمة عنه. وذكر الإمام أن الأقل دينار أو اثنا عشر درهمًا مسكوكة من النقرة الخالصة، وأن الدينار مقابل في القواعد بعشرة إلا في الجزية فباثني عشر درهمًا. [1577] (ثنا النفيلي وعثمان بن أبي شيبة وابن المثنى قالوا: ثنا أبو معاوية، عن (¬2) الأعمش، [عن إبراهيم] (¬3)، عن مسروق، عن معاذ) ¬

_ (¬1) في (ر): بالحديث. والمثبت من (م). (¬2) في (م): قال: نا. (¬3) من (م).

رواية مالك في "الموطأ": عن طاوس أن معاذ بن جبل أخذ من ثلاثين بقرة تبيعًا، ومن أربعين مسنة، وأبى بما دون ذلك، فأبى أن يأخذ منه شيئًا وقال: لم أسمع من رسول الله فيه شيئًا حتى أقدم عليه وأسأله، فتوفي رسول الله قبل أن يقدم معاذ (¬1). وطاوس وإن لم يلق معاذ فسيرته مشهورة، ورواه بعضهم عن مسروق: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بحث معاذًا إلى اليمن فأمره أن يأخذ (¬2). وهذا أصح، يعني أنه مرسل (عن النبي بمثله). [1578] (ثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء) الموصلي نزيل الرملة (عن أبيه) زيد بن أبي الزرقاء، زاهد عابد صدوق. (عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل) شقيق (عن مسروق، عن معاذ بن جبل قال: بعثه النبي إلى اليمن، وذكر مثله لم يذكر ثيابًا باليمن [ولا ذكر] (¬3) يعني: [محتلمًا] (¬4)، ورواه جرير، ويعلى، ومعمر، وشعبة، وأبو عوانة، [ويحيى بن سعيد، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق قال يعلى) بن (¬5) عطاء الطائفي، نزل واسط، ثقة (¬6) (ومعمر عن معاذ مثله) [كما تقدم. ¬

_ (¬1) "الموطأ" 1/ 259. (¬2) رواه الطيالسي (568)، وعلقه الترمذي بعد حديث (623). (¬3) من "السنن". (¬4) في الأصول: "مسلما" والمثبت من "السنن". (¬5) في (ر): بن. والمثبت من (م). (¬6) "تهذيب الكمال" 32/ 394.

[1579] (حدثنا مسدد) قال (ثنا أبو عوانة] (¬1) عن هلال بن خباب) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة أبي العلاء، ثقة (عن ميسرة أبي صالح) مولى كندة، شهد مع علي النهروان (¬2)، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3). (عن سويد بن غفلة) بفتح الغين المعجمة والفاء [وبعدها لام مفتوحة وتاء تأنيث، كنيته أبو أمية، أدرك الجاهلية وأسلم ولم يهاجر] (¬4)، الجعفي، ولد عام الفيل، قدم المدينة حين دفنوا النبي - صلى الله عليه وسلم -. (قال: سرت أو أخبرني من سار مع مصدق) بفتح الصاد المخففة (النبي) أي: ساعيه (فإذا في عهد رسول الله) أي: وصية (¬5) له ومنه فعهد (¬6) إلى أخيه (أن لا يأخذ من) زائدة [وقيل: من لبيان الجنس] (¬7)؛ لأنها تعد نفي وزيادتها النفي كثير، كقولك: لا تأكل من الحرام. أي: لا تأكل الحرام (راضعة لبن) أي مرضعة لبن، والرضوعة الشاة التي تُرضع، ونهيه عنها لأن ذات الدر من حرزات المال، ويحتمل أن يكون النهي لحصول الضرر على ولدها، ويحتمل أن يكون النهي عن الشاة الواحدة أو اللقحة الكثيرة الدر (¬8) يتخذها ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في النسخ الخطية: النهر. (¬3) 5/ 426. (¬4) سقط من (م). (¬5) في (م): وصيته. (¬6) في (ر): فعمد. والمثبت من (م). (¬7) سقط من (م). (¬8) في (م): الذي.

الإنسان لنفسه لينتفع بلبنها فلا تؤخذ، ويحتمل أن يراد براضعة اللبن الصغيرة التي ترضع فلا تؤخذ. ([ولا تجمع بين مفترق، ولا تفرق بين مجتمع، وكان إنما يأتي المياه (¬1) حين ترد الغنم الماء) يحتمل أن المراد يعد الغنم على أربابها، وفيه: أن المستحب للساعي أن يعد الماشية عند الماء إن كانت ترده، وإلا فعند أفنيتهم (فيقول: أدوا صدقات أموالكم) فإنها من تمام إسلامكم (فعمد) بفتح الميم أي: قصد ([رجل منهم إلى ناقة] (¬2) كوماء) [بفتح الكاف والمد أي: عظيمة السنام] (¬3) مشرفية والكوم الموضع المشرف ([قال: قلت: يا أبا صالح ما الكوماء؟ قال) هي (عظيمة السنام]) (¬4) مأخوذ من التراب مكوم (¬5) كومة فالعظيم منه كوم (¬6). ([قال: فأبى أن يقبلها) منه (فقال) المالك (إني أحب أن تأخذ خير إبلي) فأبى أن يقبلها قال] (¬7): فخطم) بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة [أي: قادها بخطامها، والإبل في مسارحها لم يكن لها خطم، ويخطم إذا أريد قودها] (¬8) (له) ناقة (أخرى دونها) أي: وضع ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) من (م). (¬3) سقط من (م) (¬4) من (م). (¬5) في (م): يكوم. (¬6) في (م): كومة. (¬7) في (ر): فقال المالك. والمثبت من (م). (¬8) سقط من (م).

الخطام في رأسها وألقاها إليه ليأخذها، والخطام: الزمام الذي تقاد به الدابة ([فأبى أن يقبلها، قال: ثم خطم له أخرى دونهما فقبلها) منه (وقال: إني آخذها (¬1) وأخاف أن] (¬2) يجد) بكسر الجيم (عليَّ) أي: يغضب علي، يقال: وجد عليه في الغضب موجدة بكسر الجيم ووجدانًا بكسر الواو إذا غضب عليه وتأثر (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: عمدت إلى رجل فتخيرت عليه إبله]) أي: اصطفيت خير (¬3) إبله فأخذتها منه. فيه دليل على أن الساعي لا يأخذ من المالك خير ماله، وإذا أرسل الإمام ساعيًا يوصيه (¬4) كما سيأتي. (قال أبو داود: رواية هشيم) بالتصغير ابن بشير السلمي الواسطي، حافظ بغداد ثقة مدلس، قال يحيى القطان أحفظ من رأيت سفيان ثم شعبة ثم هشيم (¬5). ([عن هلال بن خباب نحوه إلا أنه قال] (¬6): لا يفرق) بضم الياء وفتح الفاء، [قال أبو داود: هذا] (¬7) يحتمل التفسيرين المتقدمين جميعًا. [1580] (ثنا محمد بن الصباح البزاز) بتكرير الزاي الجرجرائي (قال: ثنا شريك، عن عثمان بن أبي زرعة) [المغيرة الأعشى] (¬8) (عن أبي ليلى) الأرجح (¬9) سلمة بن معاوية (الكندي، عن سويد بن غفلة الجعفي قال: ¬

_ (¬1) في (م): لا آخذها)، والمثبت كما في "السنن". (¬2) من (م). (¬3) في (م): عليه أخير. (¬4) في (م): فيوصيه بذلك. (¬5) "علل الترمذي الكبير" (33). (¬6) و (¬7) من (م). (¬8) و (¬9) سقط من (م).

أتانا مصدق رسول الله وأخذت نبذة، وقرأت في عهده) أي: في (¬1) وصيته المكتوبة معه، قال (لا يجمع بين مفترق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة. ولم يذكر [راضع لبن) فيه] (¬2). [1581] (ثنا الحسن بن علي) الهذلي الحافظ نزيل مكة (قال: ثنا وكيع، عن زكريا بن إسحاق) المكي صاحب عمرو، ثقة مشهور (عن عمرو بن أبي سفيان الجمحي) بضم الجيم أخو حنظلة، وثق (عن مسلم بن ثفنة) بفتح الثاء المثلثة وكسر الفاء وفتح النون، [ويقال: شعبة، وهو حجازي، قاله المنذري، النفثة واحدة نفثات] (¬3) البعير، وهو ما يقع من أعضائه إذا انسلخ، ويقال: هو ابن سعيد (¬4). ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬5) (اليشكري) بفتح (¬6) المثناة تحت وضم الكاف (قال الحسن) بن علي [(يقول) هو (روح بن] (¬7) مسلم بن شعبة) وكذا قال الدارقطني وهم وكيع، والصواب: مسلم بن شعبة (¬8). (قال: استعمل نافع بن علقمة أبي) ثفنة أو شعبة (على عرافة) [بكسر العين] (¬9) (قومه) وفي رواية: عرافة قومي. والعريف: هو (¬10) القائم بأمر ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) (ر): مع نبي. قال أبو داود: ولا يجمع بينهما. (¬3) في (م): ثفنة واحدة ثفنات. (¬4) في (م): شعبة حجازي. (¬5) 7/ 446. (¬6) في (ر): بضم. والمثبت من (م). (¬7) في (م): روح يقول هو. (¬8) "المؤتلف والمختلف" 1/ 205. (¬9) من (م). (¬10) سقط من (م).

القوم، وسمي بذلك لأنه عارف بأحوالهم، وقال الجوهري: العريف: النقيب وهو دون الرئيس (¬1). (فأمره أن يصدقهم) بفتح الصاد المخففة وتشديد الدال، أي: يأخذ صدقتهم (قال: فبعثني أبي في طائفة منهم، فأتيت شيخًا كبيرًا يقال له: سعد) الديلي [بكسر الدال، ورواه الشافعي عن سعر أخي بني عدي] (¬2) (¬3)، ويقال: هو سفر بكسر السين بعدها فاء ساكنة (بن ديسم) بفتح الدال المهملة وإسكان المثناة تحت ثم سين مهملة، [قال ابن ماكولا: جاءه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصدقه (¬4)] (¬5). (فقلت) له (إن أبي بعثني إليك يعني: لأصدقك) فيه توكيل العريف في أخذ الصدقة وإن لم يأذن له الإمام في الوكالة في أخذها (فقال: ابن) بالنصب أي: يا ابن (أخي، أي) بالتشديد والنصب مفعول مقدم (نحو) بالتنوين (¬6) (تأخذون) أي: على أي جهة تأخذون في الزكاة، وما صفة ما تطلبونه (قلت: نختار) منها (حتى إنا) بكسر الهمزة (نسبر) بفتح النون وسكون السين المهملة وضم الباء الموحدة، [وفي بعضها بفتح النون والموحدة والتحتانية المشددة ثم نون من البيان] (¬7) أي: نختبر ونتبين (¬8) (ضروع الغنم) حتى ننظر ما فيها من الدر فنأخذ الأنفع ¬

_ (¬1) "الصحاح" 4/ 1402. (¬2) سقط من (م). (¬3) "الأم" 3/ 41، "مسند الشافعي" 1/ 239 (652). (¬4) في (ر): يغسله. والمثبت الملائم للمعنى. (¬5) من (ر)، والصواب: جاءه رسول رسول الله، وانظر: "الإكمال" 4/ 298. (¬6) و (¬7) و (¬8) سقط من (م).

للمساكين. (قال ابن أخي: فإني أحدثك) أي (¬1): بما وقع لي (أني كنت في شعب) بالكسر وهو الطريق في الجبل ([من هذِه الشعاب على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غنم لي، فجاءني رجلان على بعير فقالا لي: إنا رسولا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليك] (¬2) لتؤدي صدقة غنمك) أي (¬3): إلينا. فيه دليل على إرسال الاثنين والثلاثة لأخذ الصدقة إذا احتيج إلى ذلك. (فقلت: ما علي فيها؟ ) رواية النسائي: ما تأخذان (¬4) (¬5)؟ (فقالا) عليك (شاة. فعمدت) بفتح العين (إلى شاة قد عرفت مكانها ممتلئة) بالجر أي: ممتلئ ضرعاها (محضًا) بفتح الميم وسكون الحاء المهملة بعدها ضاد معجمة، أي: لبنًا. [نسخة: نحضًا بفتح النون وسكون الحاء المهملة، قال المنذري: هو اللحم الكثير. قال في "المحيط"] (¬6): ولا يسمى اللبن محضًا إلا إذا كان خالصًا (¬7) (و) بطنها (شحمًا، فأخرجتها إليهما فقالا: هذِه شاة) بحذف التنوين (الشافع) مجرور بالإضافة وهو من باب إضافة (¬8) الموصوف إلى صفته ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): تأخذون. (¬5) "المجتبى" 5/ 32، وفيه: ما تأخذون؟ . (¬6) سقط من (م). (¬7) "المحيط في اللغة" (محض). (¬8) من (م).

كقولهم: صلاة الأولى، ومسجد الجامع. والتقدير: هذِه شاة الغنمة (¬1) الشافع وصلاة الساعة الأولى ومسجد الموضع الجامع. قال الجوهري: قال أبو عبيد: الشافع التي معها ولدها، سميت شافعًا لأن ولدها يشفعها أو شفعته هي يقال: ناقة (¬2) شافع في بطنها ولد يتبعها آخر، نقول منه: شفعت الناقة (¬3). [أي: صارت هي وولدها شفعًا أي زوجًا] (¬4)، ومنه قوله تعالى: {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3)} (¬5). (وقد نهانا رسول الله أن نأخذ شافعًا) أي: معها ولدها، ورواية الطبراني بلفظ: فجئت بشاة ماخض حين ولدت، فلما نظر إليها قال: ليس حقنا في هذِه (¬6). (قلت: فأي) بالنصب (سن تأخذون؟ قالا) يكفينا حقنا (¬7) (عناقًا) وهي الأنثى من ولد المعز، وهذا يدل على أن غنمه كانت ماعزة؛ إذ لو كانت ضائنة لم يجز العناق عنها (جذعة أو [ثنية]) (¬8) استدل به مالك ومن تبعه علئ إجزاء الجذعة من الضأن والمعز (¬9) لرواية الطبراني: حقنا في الثنية ¬

_ (¬1) في (م): الغنم. (¬2) في (ر): ولد. والمثبت من (م)، و"الصحاح". (¬3) "الصحاح" 3/ 1238. (¬4) سقط من (م). (¬5) الفجر: 3. (¬6) "المعجم الكبير" 7/ 170 (6727)، "المعجم الأوسط" 8/ 100 (8095) من حديث سعر الدؤلي. (¬7) من (م). (¬8) من "السنن". (¬9) "المدونة" 1/ 356.

والجذعة (¬1). وعند الشافعي: يجوز الجذع من الضأن عن المعز بشرط رعاية القيمة (¬2) [لاتفاق الجنس] (¬3). وعند أحمد: لا تجوز الجذعة من المعز، والدليل على ذلك (¬4) رواية سويد بن غفلة: أمرنا أن نأخذ الجذعة [من الضأن والثنية] (¬5) من المعز. وهذا صريح، وفيه بيان المطلق من الحديثين قبله، وحمل المطلق على المقيد مشهور؛ ولأن جذعة الضأن تجزئ في الأضحية بخلاف جذعة المعز، بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بردة في جذعة المعز: "لا تجزئ عن أحدٍ بعدك" (¬6). قال الحربي: إنما إجزاء الجذع من الضأن لأنه يلقح، والمعز لا تلقح (¬7) إلا إذا كان ثنيًا (¬8) (¬9) (قال: فأعمد) بفتح الهمزة وكسر الميم، أي: في الحال، ولهذا أتى فيه بصيغة المضارع الصالحة (¬10) للحال ¬

_ (¬1) السابق تخريجه قريبًا. (¬2) انظر: "الأم" 2/ 15. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): مالك. (¬5) من (م). (¬6) رواه البخاري (955)، ومسلم (1961). (¬7) في (ر): تلحق. والمثبت من (م)، "المغني". (¬8) في (ر): ثيبا. والمثبت من (م)، "المغني". (¬9) "المغني" 4/ 49 - 50. (¬10) من (م).

(إلى عناق (¬1) معتاط) بضم الميم وسكون العين المهملة ثم مثناة فوق وبعد الألف طاء مهملة (والمعتاط) هو العائط. قال الكسائي: إذا لم تحمل الناقة أول سنة يحمل عليها فهي عائط وحائل وجمعها عوط وعيط (¬2) وعوطط وحول وحولل (¬3)، فإن لم تحمل السنة المقبلة فهي عائط عيط وعوطط وحائل حول وحولل، يقال منه: عاطت الناقة تعوط عوطًا (¬4). قال أبو عبيد: بعضهم يجعل عوطط مصدرًا ولا يجعله جمعًا، وكذلك حولل (¬5). واعتاطت الناقة وتعوطت (¬6) وتعيطت إذا لم تحمل سنوات، وربما كان ذلك من كثرة شحمها (¬7)، والمعتاط [من الغنم التي امتنعت من الحمل لسمنها] (¬8) (التي لم تلد ولدًا وقد كان ولادها) هكذا أخرجه أبو داود والنسائي (¬9) وهذا خلاف ما سبق من تفسير أهل اللغة كما حكاه الجوهري وغيره. [قال ابن الأثير] (¬10): اللهم إلا أن يقال: إن المراد بقوله: لم تلد ¬

_ (¬1) في (م): شاة. (¬2) من (م). (¬3) في (م): حولك. (¬4) من (م). (¬5) "غريب الحديث" 1/ 258. (¬6) سقط من (م). (¬7) "الصحاح في اللغة" 3/ 1145. (¬8) سقط من (م). (¬9) "المجتبى" 5/ 32. (¬10) من (م).

وقد حان ولادها أنها لم تحمل وقد حان أن تحمل. قال: وفيه بعد، لا بل إحالة فإنه من أين يعلم أنها قد حان أن تحمل إلا أن يكون من حيث معرفة السن وأنها قد كانت صغيرة لا يحمل مثلها، وإنما قد (¬1) قاربت السن التي تحمل مثلها فيه فيكون قد سمى الحمل ولادة. وفيه تعسف وبعد، والله أعلم (¬2). ([فأخرجتها إليهما فقالا] (¬3) ناولناها) أي: إياها (فجعلا معهما على بعيرهما) [نسخة: بعير لهما] (¬4) (ثم انطلقا) فيه أن على المالك سوق ماشية الزكاة إلى الساعي والمستحق ويقبضه إياها، ولا يكفي التخلي بينه وبينها دون مانع كما يجب ذلك على من في ذمته حق لشخص؛ فإن الذمة لا تبرأ إلا بقبض شرعي، حتى إنها لو أتلفت (¬5) قبل القبض كانت من ضمان المالك. (ورواه أبو عاصم) الضحاك بن مخلد (عن [زكرياء، قال أيضًا: مسلم] (¬6) بن شعبة كما قال روح) بن القاسم. [1582] (ثنا محمد بن يونس النسائي) تفرد عنه أبو داود ووثقه (¬7)، قال (أنا روح قال: ثنا زكريا بن إسحاق بإسناده بهذا الحديث. قال: مسلم ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "جامع الأصول" 4/ 598. (¬3) في (ر): قد كان ولادها. والمثبت من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) في (ر): بلغت. والمثبت من (م). (¬6) في (م): عن مسلم قال زكرياء أيضًا. (¬7) "تهذيب الكمال" 27/ 82.

ابن شعبة: قال فيه: والشافع في بطنها ولد) فيه ما تقدم. (قال أبو داود: قرأت في كتاب عبد الله بن سالم) الأشعري (بحمص (¬1) عند أبي (¬2) عمرو بن الحارث الحمصي، عن الزبيدي) بضم الزاي. (قال: وأخبرني يحيى بن جابر) الطائي قاضي حمص (عن جبير بن نفير) الحضرمي ([عن عبد الله] (¬3) بن معاوية الغاضري) بالغين والضاد المعجمتين الشامي عداده (¬4) في أهل حمص (من غاضرة قيس) قال الجوهري: غاضرة قبيلة من بني أسد وحي من بني صعصعة وبطن من ثقيف (¬5). [وقال أيضًا في أنس بن خزيمة: غاضرة، وفي بني ضبيعة أيضًا غاضرة] (¬6). (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ثلاث من فعلهن) ثلاث مبتدأ، وجاز الابتداء بالنكرة لأنه في التقدير مضاف إلى نكرة، تقديره: ثلاث خصال ثم حذف المضاف إليه (¬7) وعوض التنوين عنه فهو مثال: خمس صلوات كتبهن الله على العباد. أو لأنه صفة (¬8) موصوف محذوف هو مبتدأ في ¬

_ (¬1) في (م): الحمصي. (¬2) في "السنن": آل. (¬3) من "السنن". (¬4) في (ر): عوادة. وفي (م): عداية. والمثبت هو الصواب. (¬5) "الصحاح" 2/ 770. (¬6) سقط من (م). (¬7) من (م). (¬8) سقط من (م).

الحقيقة أي: خصال ثلاث كما مثل النحاة بقولهم: ضعيف عاذ بقرملة. أي: إنسان ضعيف التجأ إلى قرملة، وهي شجرة ضعيفة (¬1). من فعلهن (فقد طعم) بكسر العين أي: ذاق (طعم الإيمان) والذوق إنما يكون في المطعومات كما قال الله تعالى في الماء: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} (¬2)، لكن يفترق] (¬3) فيه بأن شبه الإيمان (¬4) بالعسل ونحوه مما هو مطعوم حلو للجهة الجامعة بينهما، وهو الالتذاذ وميل القلب إليه فذكر المشبه وأضيف إليه ما هو من خواص المشبه به ولوازمه وهو الذوق بمثل (¬5) سبيل المجاز، ومثل هذا يسمى (¬6) بالاستعارة بالكناية. (من عبد الله وحده) أي: مستلذًّا بعبادته مكثرًا منها كما يستلذ من ذاق طعم العسل به ويكثر من أكله (و) علم (أنه لا إله إلا هو) والظاهر أن هذا من العطف التفسيري الذي هو بيان للمعطوف، وذلك أنه لما علم أنه لا إله إلا هو عبده واستلذ بعبادته، ومن العطف التفسيري {ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ} (¬7)؛ لأن التطهير (¬8) تفسير للزكاة (وأعطى زكاة ماله طيبة) منصوب على الحال، أي: دفع الزكاة في حال كون نفسه (بها) طيبة، ¬

_ (¬1) انظر: "مغني اللبيب" ص 609. (¬2) البقرة: 249. (¬3) سقط من (م). (¬4) من (م). (¬5) في (م): على. (¬6) من (م). (¬7) البقرة: 232. (¬8) في (م): التكفير.

وذلك أن الإنسان إذا عرف الله ذاق حلاوة [عبادته وطابت] (¬1) (نفسه) بتحمل المشاق والإعراض عن الدنيا بإخراج الزكوات منشرحًا بها صدره، وكثرة الصدقات وأفعال الخير طلبًا لما هو عند الله باقٍ (رافدة عليه) أي: معينة له نفسه على أداء الزكاة لا تحدثه نفسه بمنعها فهي ترفده وتعينه [لما رسخ في نفسه من محبة الله حين عرفه] (¬2)، والرفد هو الإعانة فرافدة بمعنى فاعلة. في (كل عام) إذا حال على ماله الحول، وفيه أن الزكاة تجب في كل عام. (ولم يعط) فيما وجب عليه (الهرمة) وهي (¬3) المسنة الكبيرة السن من كل حيوان (ولا الدرنة) بفتح الدال المهملة وكسر الراء وبعدها نون مفتوحة وتاء تأنيث، وهي المعيبة الردية كالجرباء ونحوها، فيجعل الزكاة (¬4) التي لازمة له كالدرن الذي يلقيه الإنسان عن نفسه، والدرن الوسخ الذي يجتمع على البدن ونحوه. (ولا المريضة) البين مرضها، لكن المريضة تؤخذ من المراض باتفاق الأصحاب عندنا، وأخذ بعموم الحديث مالك حيث منع من أخذ المريضة من المراض (¬5). لكن أصحابنا يقولون أن (¬6) الحديث خرج مخرج الغالب؛ فإن مرض الشياه كلها نادر. ¬

_ (¬1) في (ر): عباده وطالب. والمثبت من (م). (¬2) سقط من (م). (¬3) في (ر): في. والمثبت من (م). (¬4) من (م). (¬5) انظر: "المدونة" 1/ 356. (¬6) من (م).

(ولا الشرط) بفتح الشين المعجمة والراء والطاء المهملة أي: الرذيلة كالعجفاء والصغيرة والدبراء (¬1) ونحو ذلك، قال الجوهري: هنا (¬2) الشرط بالتحريك رذال المال، قال الشاعر: ومن شرط المعزى لهن مهور (¬3) يقال: الغنم: أشراط المال والأشراط أيضًا الأشراف، قال يعقوب: وهذا الحرف من الأضداد (¬4). و(اللئيمة) وهي أردأ المال وأرذله (ولكن من وسط) بفتح السين (أموالكم) فيه تأويلات، أحدها: أن هذا محمول على ما إذا أذن رب المال للساعي أن يأخذ ما شاء فيأخذ خيرها. الثاني: أن هذا مختص بمن كان في ماله فريضتان كالمائتين من الإبل، فإن الساعي يأخذ الخير من الحقاق وبنات اللبون. والثالث: أن يأخذ خير المعيب أي: أوسطه عيبًا (¬5)، كما لو كان ببعضها عيب وببعضها عيبان وببعضها ثلاث، فيأخذ الوسط أو أوسطها في القيمة كما لو كان قيمة بعضها معيبًا خمسين، وقيمة بعضها معيبًا مائة، وقيمة بعضها معيبًا مائة وخمسين، فيأخذ ما قيمته مائة. والرابع: ¬

_ (¬1) في (م): الدبر. (¬2) من (م). (¬3) البيت لجرير، وانظر: "غريب الحديث" للخطابي 1/ 509، و"اللسان" (شرط). وهو في "ديوانه" ص 203 بلفظ: ترى شرط المعزى مهور نسائهم ... وفي قزم المعزى لهن مهور (¬4) "الصحاح" 3/ 1136. (¬5) سقط من (م).

أنه يأخذ الوسط، يعني لا من الأعلى ولا من الأدون (¬1)، ويدل عليه ما بعده. (فإن الله لم يسألكم خيره) أي: أعلاه (ولم يأمركم بشره) أي: بأدنى أموالكم وأرذله، ولكن بالوسط، فإن الأعلى يضر بالمالك والأدنى (¬2) يضر بالمستحقين. [1583] (ثنا محمد بن منصور) الطوسي العابد، ثقة صاحب أحوال (¬3) (ثنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد الزهري حجة. قال (ثنا أبي) إبراهيم بن سعد. قال إبراهيم بن حمزة: كان عند إبراهيم عن محمد بن إسحاق نحو من سبعة عشر ألف حديث في الأحكام سوى المغازي (¬4). ([عن ابن إسحاق] (¬5) قال: ثنا عبد الله بن أبي بكر) بن محمد (عن يحيى بن (¬6) عبد الله بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة) الأنصاري (¬7) ثقة (¬8) (عن عمارة [بن عمرو] (¬9) بن حزم) الأنصاري، وثق (¬10) (عن ¬

_ (¬1) في (م): الأدنى. (¬2) في (م): الأردأ. (¬3) "تهذيب الكمال" 26/ 501. (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 92. (¬5) من "السنن". (¬6) في (ر): عن. (¬7) من (م). (¬8) "الثقات" لابن حبان 5/ 523. (¬9) من "السنن". (¬10) "الثقات" لابن حبان 3/ 294

أبي بن كعب قال: بعثني رسول الله مصدقًا) بتخفيف الصاد أي: ساعيًا (فمررت برجل، فلما جمع لي ماله لم أجد (¬1) عليه فيه إلا بنت مخاض، فقلت له: أدِّ) إلي. كما في رواية أحمد (¬2) (بنت مخاض، فإنها صدقتك) يعني (¬3): الواجبة عليك (فقال: ذاك ما لا لبن فيه) أي: لا در في ضرعها (ولا) له (ظهر) يعني (¬4): يحمل عليه ويركب، زاد أحمد: وما كنت لأقرض لله من مالي ما لا در فيه ولا ظهر (¬5) (ولكن هذِه ناقة فتية) بفتح الفاء وكسر التاء المثناة فوق ثم ياء المثناة تحت وهي [الشابة القوية] (¬6) على العمل (عظيمة) الجثة (سمينة فخذها) صدقة مالي (فقلت له (¬7): ما أنا بآخذ ما لم أومر به) أي: بأخذه (وهذا رسول الله منك (¬8) قريب، فإن أحببت أن تأتيه [فتعرض) بفتح التاء وكسر الراء (عليه ما عرضت علي فافعل) إن شئت] (¬9) (فإن) عرضت عليه ذلك و (قبله منك قبلته) منك اقتداء برسول الله وامتثالًا لأمره [(وإن رده عليك رددته) عليك (قال: فإني فاعل) ذلك (فخرج معي) وسرنا (وخرج بالناقة التي عرض علي حتى قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له: يا نبي الله أتاني رسولك ليأخذ مني صدقة مالي وايم الله) بوصل الهمزة ¬

_ (¬1) بياض في (ر). والمثبت من (م). (¬2) "مسند أحمد" 5/ 142. (¬3) و (¬4) سقط من (م). (¬5) السابق تخريجه قريبًا. (¬6) في (ر): السائمة الملونة. والمثبت من (م). (¬7) سقط من (م). (¬8) و (¬9) من (م).

وضم الميم، أصلها وأيمن الله جمع يمين وهو مبتدأ خبره محذوف والتقدير: وأيمن الله قسمي، ثم حذفت النون تخفيفًا لكثرة الاستعمال، وربما حذفوا الهمزة وأبقوا الميم وحدها بعمومه (¬1) فقالوا: م الله، ثم يكسرونها لأنها صارت حرفًا واحدًا فيشبهوها بياء القسم (ما قام في مالي) أي ثبت واستمر، وليس هو من القيام ضد (¬2) القعود، ومنه قوله تعالى: {وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا} (¬3) والمراد: ما يعرف عندي لأخذ صدقة مالي ([رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا رسوله قط] (¬4) قبله) أي (¬5): الذي جاء قبله أو بعده لأخذ الصدقة (فجمعت له مالي) يعني: المواشي التي في مالي، فيه (¬6) دليل على أن الساعي إذا حضر لأخذ الزكاة وكانت الماشية في المراعي فلا يلزمه أن يذهب إليها [لبعدها لكن له أن يكلف المالك إحضارها إلى الأفنية لبعدها صرح به المحاملي وغيره] (¬7) وهو مفهوم من نص الشافعي ولو خرج إليها كان أفضل له (¬8) (فزعم) فيه استعمال زعم [في الصدق] (¬9) كما في الحديث: "زعم جبريل" (¬10) رسولك يحتمل أن يكون فيه حذف تقديره ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (م): بعد. (¬3) البقرة: 20. (¬4) و (¬5) من (م). (¬6) سقط من (م). (¬7) من (م). (¬8) "المجموع" 6/ 170. (¬9) في (م): المصدق. (¬10) رواه الطيالسي (628) من حديث أبي قتادة.

فعدها وزعم (أن ما علي) أي أن الذي يجب علي (¬1) (فيه بنت مخاض) قال أصحابنا: وإذا أخبره صاحبها بعددها وهو ثقة فله (¬2) أن يصدقه ويعمل بقوله؛ لأنه أمين وإن لم يصدقه أو هو (¬3) لم يخبره أو أخبره وصدقه وأراد الاحتياط بعدها عدها (¬4). (وذلك) أي: وهذا السن (ما لا لبن فيه ولا ظهر، وقد عرضت عليه ناقة فتية عظيمة ليأخذها، فأبى علي) يقال: يأبى علي وأبى إذا امتنع (وها هي ذه) ذه اسم إشارة للمؤنث لها عشرة ألفاظ هذِه أفصحها (قد جئتك بها يا رسول الله خذها، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ذاك الذي عليك) يعني: بنت المخاض كما ذكر الساعي. (فإن تطوعت بخير) أي مما وجب عليك برضاك واختيارك كان أفضل لك و (آجرك الله فيه) أي: فيما تطوعت به، يقال: آجر الله العبد إذا أثابه على فعله والأجر الثواب والعوض (وقبلناه منك .. ) [آجرك الله بمد الهمزة وقصره، يقال: آجره الله وأجره لغتان، وأنكر الأصمعي المد (¬5). فقال: أَجَرَه بالقصر يأجُرُه ويأجِرُه وأجره يؤجره إذا أثابه وأعطاه الأجر والجزاء، وكذلك من الإجارة للأجير أيضًا] (¬6). فيه (¬7) أن الزكاة تؤخذ على وجه الرفق والمواساة، وفي أخذ خيار ¬

_ (¬1) في (م): عليه. (¬2) في (ر): فلعله. والمثبت من "المجموع". (¬3) سقط من (م). (¬4) "المجموع" 6/ 170. (¬5) انظر: "مطالع الأنوار" بتحقيقنا 1/ 202. (¬6) من (ر). (¬7) في (ر): ذه. والمثبت من (م).

المال خروج عن ذلك، فإن رضي به المالك قبل منه وكان أفضل له. (فقال: فها هي ذه) وفي بعض النسخ: ها هي ذي (¬1) بالياء بدل الهاء (يا رسول الله [قد جئتك بها فخذها قال: فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقبضها) منه] (¬2) (ودعا له [في ماله] (¬3) بالبركة) وفي رواية النسائي من دعائه - صلى الله عليه وسلم - لمن دفع الزكاة: "اللهم بارك فيه وفي إبله" (¬4) وهذا الدعاء مستحب وليس بواجب؛ لأن النبي لما بعث معاذًا لم يأمره بالدعاء كما سيأتي في الحديث بعده، وقيل: إن الدعاء (¬5) واجب لظاهر الآية والسنة. [وذكر أحمد في آخر هذا الحديث قال الراوي عن أبي بن كعب وهو عمارة بن عمرو: قد وليت الصدقة في زمن معاوية فأخذت من ذلك الرجل ثلاثين حقة لألف وخمسمائة بعير (¬6)] (¬7). [1584] (ثنا أحمد بن حنبل، ثنا وكيع، قال: ثنا زكريا بن إسحاق المكي، عن يحيى بن عبد الله بن) محمد بن (صيفي) ثقة (¬8)، ويقال: يحيى بن محمد (عن أبي معبد) نافذ بالنون والفاء والذال المعجمة مولى ابن عباس (عن ابن عباس: أن رسول الله بعث معاذًا إلى اليمن) ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) سقط من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) النسائي 5/ 30. (¬5) في (ر): الحديث. (¬6) "مسند أحمد" 5/ 142. (¬7) من (ر): وكان موضعها بعد قوله: (بارك فيه) فوضعناها في الموضع المناسب. (¬8) "تهذيب الكمال" 31/ 417.

سنة عشر قبل حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - كما ذكره البخاري في أواخر المغازي (¬1)، وقيل: كان ذلك سنة تسع بعد (¬2) منصرفه من تبوك كما رواه الواقدي بإسناده إلى كعب، وأخرجه ابن سعد في "الطبقات" (¬3) واتفقوا على أنه لم يزل على اليمن إلى أن قدم في عهد عمر فتوجه إلى الشام فمات بها. (فقال: [إنك تأتي] (¬4) قومًا أهل كتاب) هو كالتوطئة للوصية ليستجمع همته عليها؛ لكون أهل الكتب أهل علم في الجملة فلا تكون العناية في مخاطبتهم كمخاطبة الجهال من عبدة الأوثان زاد البخاري وغيره: "فإذا جئتهم" (¬5) (فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله) وقعت البدأة بالشهادة (¬6) لله تعالى بالوحدانية ولنبيه بالرسالة [لأنهما أصل] (¬7) الدين الذي لا يصح شيء (¬8) غيرهما إلا بهما، فمن كان معهم (¬9) غير موحد فالمطالبة متوجهة إليه بكل واحدة من الشهادتين على التعيين ومن كان موحدًا فالمطالبة له بالجمع بين الإقرار بالوحدانية والإقرار بالرسالة. ¬

_ (¬1) البخاري (4341). (¬2) في (م): عند. (¬3) 3/ 584. (¬4) في (ر): أتاتي. والمثبت من (م). (¬5) البخاري (1496). (¬6) من (م). (¬7) سقط من (م). (¬8) من (م). (¬9) في (م): منهم.

واستدل به من قال من العلماء أنه لا يشترط التبري من كل دين مخالف دين الإسلام خلافًا لمن قال: إن من كان كافرًا بشيء فهو مؤمن بغيره لم يدخل في الإسلام إلا بترك اعتقاد ما كفر به، والجواب أن اعتقاد الشهادتين يستلزم ترك اعتقاد التشبيه ودعوى نبوة عزير وغيره تنبيهان: أحدهما: كان أصل دخول اليهودية في اليمن في زمن أسعد بن كريب وهو تبع الأصغر كما حكاه ابن إسحاق. ثانيهما: قال ابن العربي في "شرح الترمذي": تبرأت اليهود في هذِه الأزمان [من القول] (¬1) بأن العزير ابن الله، وهذا لا يمنع كونه كان موجودًا في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن ذلك نزل (¬2) في زمنه واليهود معه بالمدينة وغيرها، فلم ينقل عن أحد منهم أنه رد هذا في ذلك الزمن ولا تعقبه (¬3). والظاهر أن القائل بذلك طائفة منهم لا كلهم، بدليل أن القائل من النصارى: إن المسيح ابن الله، طائفة منهم لا جميعهم، فيجوز أن تكون تلك الطائفة انقرضت في هذِه الأزمان كما انقلب اعتقاد معظم اليهود عن [التشبيه إلى] (¬4) التعطيل (¬5) وتحول معتقد النصارى في الابن والأب إلى أنه من الأمور المعنوية لا الحسية فسبحان مقلب القلوب (¬6). ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (م): نزل. (¬3) "عارضة الأحوذي" 3/ 117. (¬4) من "الفتح". (¬5) في (م): التفضيل. (¬6) "فتح الباري" 3/ 359.

(فإن هم أطاعوك لذلك) أي شهدوا بذلك وانقادوا لما دعوتهم إليه، وفي رواية ابن خزيمة: "فإن هم أجابوك لذلك" (¬1)، وعدي أطاع باللام (¬2) وإن كان يتعدى بنفسه لتضمنه معنى انقادوا، واستدل به على أن الكفار غير مخاطبين بالفروع حيث دعوا أولًا إلى الإيمان فقط ثم دعوا إلى العمل، ورتب على ذلك بالفاء (فأعلمهم أن الله افترض (¬3) عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة) استدل به على أن الوتر ليس بفرض. (فإن هم أطاعوك لذلك) قال ابن دقيق العيد: يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون المراد إقرارهم بوجوبها عليهم، والثاني: أن يكون المراد الطاعة بالفعل، انتهى (¬4). والذي يظهر أن المراد القدر المشترك بين الأمرين، فمن امتثل بالإقرار أو بالفعل كفاه، أو بهما فهو الأكمل، فإن هم أطاعوك لذلك وقد وقع في رواية الفضل بن العلاء بعد ذكر الصلاة: "فإن قبلوا" وبعد ذكر الزكاة: "فإذا أقروا بذلك فخذ منهم" (¬5). (فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة) (¬6) وفي رواية: "أن الله افترض عليهم زكاة". فيه دليل لمالك وغيره على أن الزكاة لا تجب قسمتها على الأصناف الثمانية، فإنه يجوز للإمام صرفها إلى صنف واحد إذا رآه نظرًا ومصلحة ¬

_ (¬1) ابن خزيمة (2346). (¬2) في (م): بالأمن. (¬3) في (م): فرض. (¬4) "إحكام الأحكام" 1/ 256. (¬5) رواه البخاري (7372) لكن بلفظ: "فإذا صلوا" بدلا من: "قبلوا". (¬6) سقط من (م).

دينية. وفيه دليل على أن الإمام هو الذي يتولى قبض الزكاة وصرفها بنفسه أو نائبه، فمن امتنع منها أخذت منه قهرًا ([في أموالهم] (¬1) تؤخذ من أغنيائهم) يستدل به من لا يرى أن من (¬2) معه عشرين مثقالًا وعليها مثلها لا تجب عليه الزكاة على ما في يده؛ لأنه ليس بغني إذا كان ما معه مستحقًّا لغيره، فلا يكون غنيًّا بل فقيرًا (فترد على فقرائهم) فيه دليل على أنه يكفي إخراج الزكاة لصنف واحد، وفيه بحث كما قاله ابن دقيق العيد؛ لاحتمال أن يكون ذكر الفقراء لكونهم الغالب في ذلك ولفصاحة المطابقة بينهم وبين الأغنياء كما يقول أصحاب المعاني. وقد يستدل (¬3) بهذا الحديث على أنه لا يجوز نقل الزكاة من بلد المال الذي فيه الأغنياء، وفي هذا الاستدلال نظر لاحتمال أن يكون المراد أنها تؤخذ من أغنياء المسلمين من حيث أنهم مسلمون لا من حيث خصوصياتهم. (فإن هم أطاعوك (¬4) لذلك فإياك وكرائم) منصوب بفعل مضمر لا يجوز إظهاره. قال ابن قتيبة: ولا يجوز حذف الواو وكرائم جمع كريمة أي نفائس (¬5) (أموالهم) وخيارها حذره من ذلك نظرًا لأرباب الأموال ¬

_ (¬1) من "السنن". (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): استدل. (¬4) في (م): أطاعوا. (¬5) انظر: "فتح الباري" 3/ 360.

ورفقًا بهم، أي: ولا من شرارها، بل من وسطها كما تقدم قريبًا؛ لأن الزكاة موضوعة للمواساة فلا يناسب ذلك الإجحاف بالأغنياء إلا أن تطيب أنفسهم. (واتق دعوة المظلوم، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب) أي تجنب الظلم لئلا يدعو عليك المظلوم، فإن ظلمه سبب لدعائه والضمير في "فإنها" عائد على الدعوة. قال القرطبي: والرواية (¬1) الصحيحة "فإنه" بضمير المذكر على أن يكون ضمير الأمر والشأن ويستفاد منه تحريم الظلم وتخويف الظالم واستباحة الدعاء عليه (¬2). ويدخل في الظلم جميع أنواعه لا ظلم نفسه، فإن الإنسان إذا ظلم نفسه لا يدعو عليها، والنكتة (¬3) في ذكر الظلم عقب المنع من أخذ الكرائم إشارة إلى أن أخذها من جملة الظلم المنهي عنه، والإشارة بالعطف إلى أن التقدير: اتق نفسك أن تأخذ الكرائم؛ فإنه ظلم، واتق جميع أنواع الظلم، ومعنى: "ليس بينها وبين الله حجاب"، أي: ليس لها صارف يصرفها ولا مانع يمنعها عن القبول وإن كان [الداعي عاصيًا] (¬4) كما جاء في رواية عن أبي هريرة: "دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرًا فجوره على نفسه" (¬5) ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "المفهم" 1/ 184. (¬3) في (ر): النكرة. والمثبت من (م). (¬4) في (م): البدائي عاما. (¬5) رواه أحمد 2/ 367، والطيالسي (2450) وحسن إسناده الحافظ في "الفتح" 3/ 360.

وإسناده حسن. وليس المراد أن لله حجابًا يحجبه عن الناس، وليس بينها حجاب تعليل للاتقاء وتمثيل للدعاء كمن يقصد دار الحاكم العادل وهو مظلوم، فلا يحجب. قال ابن العربي: وإن كان مطلقًا فهو مقيد بالحديث الآخر أن الداعي على ثلاث مراتب: إما أن يعجل له ما طلب، وإما أن يدخر له أفضل منه، وإما أن يدفع عنه (¬1) من السوء مثله (¬2)، وهذا كما قيد مطلق {أَمَّنْ يُجِيبُ} دعوة {الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} (¬3) بقوله تعالى {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ} (¬4) وفي الحديث أيضًا الدعاء إلى التوحيد قبل القتال، وفيه إيجاب الزكاة في مال الصبي لعموم أغنيائهم وأن الزكاة لا تدفع إلى كافر ليعود الضمير في فقرائهم إلى المسلمين (¬5). قال شيخنا شيخ الإسلام: وإذا كان [الكلام في بيان للأركان لم يخل الشارع [منه بشيء] (¬6) كما في حديث ابن عمر "بني الإسلام" وإذا كان] (¬7) في الدعاء إلى الإسلام اكتفى بالأركان الثلاثة الشهادتين والصلاة والزكاة مع أن نزول الزكاة بعد فرض الصوم والحج قطعًا، وهذِه الثلاثة أشق فإذا ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "عارضة الأحوذي" 3/ 120. (¬3) النمل: 62. (¬4) الأنعام: 41. (¬5) في (م): فيه. (¬6) من "الفتح". (¬7) "فتح الباري" 3/ 360.

دعى (¬1) إليها كان ما سواها أسهل (¬2) لخفته (¬3). [1585] (ثنا قتيبة) قال (ثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب) الأزدي، عالم أهل مصر وحكيمها ومفتيها (عن سعد بن سنان) وسماه جماعة منهم السلماني وسعيد بن أيوب وابن إسحاق وعمرو بن الحارث وابن لهيعة: سنان بن سعد، قال أحمد: لم أكتب حديثه؛ لأنهم اضطربوا فيه وفي حديثه (¬4) ونقل ابن القطان أن أحمد وثقه (عن [أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال] (¬5): المعتدي في) أخذ (الصدقة) أي المتجاوز ما حد له في أخذ الزكاة (كمانعها) قال الترمذي في آخر الحديث: على المعتدي من الإثم كما على المانع إذا منع (¬6)، انتهى. وذكر المصنف هذا الحديث عقب ما ذكر قبله "وإياك وكرائم أموالهم" يدل على أن أخذ الكرائم من المالك اعتداء عليه كما أن أخذ الرديء من الصدقة اعتداء على المستحقين فعلى الساعي أن يجتهد فيما يأخذ بما يراه مصلحة للملاك والمستحقين. ¬

_ (¬1) في "الفتح": أذعن. (¬2) من (م). (¬3) "فتح الباري" 3/ 361. (¬4) في (م): لخصه. (¬5) انظر: كتاب "الضعفاء الكبير" للعقيلي (596)، "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 17/ 94. (¬6) "سنن الترمذي" (646).

6 - باب رضا المصدق

6 - باب رِضا المُصَدِّقِ 1586 - حَدَّثَنا مَهْدي بْنُ حَفْصٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ المَعْنَى قالا: حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ رَجُلٍ يُقال لَهُ: دَيْسَمٌ، وقَالَ ابن عُبَيْدٍ: مِنْ بَني سَدُوسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ الخَصاصِيَةِ - قَالَ ابن عُبَيدٍ في حَدِيثِهِ: وَما كانَ اسْمُهُ بَشِيرًا، ولكن رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَمّاهُ بَشِيرًا - قَالَ: قُلْنا: إِنَّ أَهْلَ الصَّدَقَةِ يَعْتَدُونَ عَلَيْنا أَفَنَكْتُمْ مِنْ أَمْوالِنا بِقَدْرِ ما يَعْتَدُونَ عَلَيْنا؟ فَقَالَ: "لا" (¬1). 1587 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلي وَيَحْيَى بْنُ مُوسَى قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ بإِسْنادِهِ وَمَعْناهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: قُلْنا: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَصْحابَ الصَّدَقَةِ يَعْتَدُونَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَفَعَهُ عَبْدُ الرَّزّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ (¬2). 1588 - حَدَّثَنا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ العَظِيمِ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى قالا: حَدَّثَنا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ أَبي الغُصْنِ عَنْ صَخْرِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جابِرِ بْنِ عَتِيكٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "سَيَأْتِيكُمْ رَكْبٌ مُبَغَّضُونَ، فَإِذَا جاؤوكُمْ فَرَحِّبُوا بِهِمْ وَخَلُّوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَبْتَغُونَ، فَإِنْ عَدَلُوا فَلأَنْفُسِهِمْ وَإِنْ ظَلَمُوا فَعَلَيْها، وَأَرْضُوهُمْ فَإِنَّ تَمامَ زَكاتِكُمْ رِضاهُمْ وَلْيَدْعُوا لَكُمْ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَبُو الغُصْنِ هُوَ ثابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ غُصْنٍ (¬3). 1589 - حَدَّثَنا أَبُو كامِلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الواحِدِ يَعْني ابن زِيادٍ ح، وَحَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمانَ - وهذا حَدِيثُ أَبي كامِلٍ - عَنْ مُحَمَّدِ ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق (6818). مرفوعا. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (277). (¬2) انظر السابق. (¬3) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (9932)، وابن زنجويه في "الأموال" (1574)، والبيهقي 4/ 114. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (278).

ابْنِ أبي إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هِلالٍ العَبْسي، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: جاءَ ناسٌ يَعْني: مِنَ الأَعْرابِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا: إنَّ ناسًا مِنَ المُصَدِّقِينَ يَأْتُونا فَيَظْلِمُونا. قَالَ: فَقَالَ: "أَرْضُوا مُصَدِّقِيكُمْ". قَالُوا: يا رَسُولَ اللهِ وَإِنْ ظَلَمُونا قَالَ: "أَرْضُوا مُصَدِّقِيكُمْ". زادَ عُثْمانُ: "وَإِنْ ظُلِمْتُمْ". قَالَ أَبُو كامِلٍ في حَدِيثِهِ: قَالَ جَرِيرٌ: ما صَدَرَ عَنّي مُصَدِّقٌ بَعْدَ ما سَمِعْتُ هذا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَّا وَهُوَ عَنّي راضٍ (¬1). * * * [باب رضا المصدق] (¬2) [1586] (ثنا مهدي بن حفص) أبو أحمد ثقة، تفرد بالرواية عنه أبو داود وأحمد (¬3)، وروى عنه ابن أبي الدنيا (ومحمد بن عبيد) بن حسان الغُبَّري (¬4)، روى له مسلم ([المعنى قالا: حدثنا]) (¬5) حماد بن زيد الأزدي أحد الأعلام، أخبر (¬6) (عن أيوب) السختياني ([عن رجل يقال له] (¬7): ديسم) بفتح الدال وسكون المثناة (¬8) تحت السدوسي (قال) محمد (ابن عبيد) هو (من بني سدوس) أي: بفتح السين، قال ابن ¬

_ (¬1) رواه مسلم (989). (¬2) في (م): والله أعلم. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): المقبري. (¬5) في (ر): عن رجل يقال أنه. والمثبت من (م). (¬6) من (م). (¬7) من (م). (¬8) في (ر): الميم. والمثبت من (م).

الكلبي: سدوس التي في بني شيبان بالفتح، وسدوس التي في طيء بالضم (¬1). قال الذهبي: هذا الرجل لا يدرى من هو تفرد بالرواية عنه أيوب السختياني (¬2) (عن بشير) بفتح الموحدة وكسر المعجمة (ابن الخصاصية) [بمعجمة مفتوحة] (¬3) بتخفيف الصاد والياء (قال ابن عبيد في حديثه: وما كان اسمه بشيرًا) يعني: بل كان اسمه زحمًا بفتح الزاي المعجمة مفتوحة وسكون الحاء المهملة، وهو بشير بن سعيد بن شراحيل [وقيل: بشير] (¬4) بن يزيد بن عباب (¬5) المعروف بابن الخصاصية، وهي أمه، واسمها نسية (¬6) بتشديد الياء (¬7)، وقيل: ماوية. فنسبوا إليها [([ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) غير اسمه لما أتي إليه و (سماه بشيرًا قال: قلنا: يا رسول الله إن أهل الصدقة) يعني: السعاة الذين يأخذون الصدقة (يعتدون علينا) فيما يأخذونه. (أفنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون علينا؟ ) في أخذه (قال: لا) لعل المراد بالمنع من الكتم أن ما أخذه الساعي ظلمًا يكون في ذمته لرب المال، فإن قدر المالك على استرجاعه منه استرجعه وإلا استقر في ذمته ولا يأتي أقوال الماض هنا، وإذا امتنع أن يكون ما أخذه الساعي ظلمًا أن يحتسب من الزكاة ويسقط المالك نظيره مما لزمه من الزكاة الواجبة عليه والله أعلم] (¬8). ¬

_ (¬1) "الفائق في غريب الحديث" 2/ 91. (¬2) "ميزان الاعتدال" 2/ 219 (2685). (¬3) و (¬4) من (م). (¬5) في (م): غياث. (¬6) في (م): لبة. (¬7) في (م): الباء. (¬8) من (م).

[1587] (ثنا الحسن بن علي ويحيى بن موسى قالا: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر [عن أيوب بإسناده ومعناه، إلا أنه قال فيه: قلنا: يا رسول الله إن أصحاب الصدقة. . . إلى آخره، ورفعه عبد الرزاق، عن معمر]) (¬1) بن راشد البصري، قال معمر (¬2) (¬3): طلبت العلم سنة مات الحسن، وجلست إلى قتادة وأنا ابن أربع عشرة سنة فما سمعت منه حديثًا إلا كأنه منقوش في صدري. [1588] (ثنا عباس) بالموحدة والسين المهملة (ابن عبد العظيم) أبو الفضل العنبري، من حفاظ البصرة، روى له مسلم ([ومحمد بن المثنى قالا] (¬4): ثنا بشر بن عمرو (¬5) الزهراني، عن أبي الغصن) المدني ثابت بن قيس الغفاري، وثقه أحمد (¬6) [وقال أبو حاتم محمد بن حبان البستي: كان قليل الحديث كثير الوهم فيما يرويه لا يحتج بخبره (¬7)] (¬8) (عن صخر بن إسحاق) الحجازي، تفرد به أبو داود (عن عبد الرحمن بن جابر [بن عتيك] (¬9) عن أبيه) جابر بن عتيك بن قيس، شهد بدرًا. (أن رسول الله قال: سيأتيكم ركيب) [تصغير ركب] (¬10) وهو جمع راكب [كصاحب وصحب، وتاجر وتجر، والركب: أصحاب الإبل في ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (م): نعم. (¬3) انظر: "التاريخ الكبير" 7/ 378 (1631)، "الجرح والتعديل" 8/ 256 (1165). (¬4) من (م). (¬5) في (م): عمر. (¬6) "تهذيب الكمال" 4/ 374. (¬7) "المجروحين" 1/ 206. (¬8) سقط من (م). (¬9) و (¬10) من (م).

السفر دون الدواب، وهم العشرة فما فوقها، ثم اتسع فأطلق على كل من ركب دابة، وفي رواية: "ركب" وقيل: الركب من أسماء الجمع كنفر ورهط وصغر على لفظه] (¬1)، وأراد بهم السعاة في الصدقة (مبغضون) بإسكان الباء وتخفيف الغين المعجمة (¬2)، جعلهم مبغضين (¬3) لأن الغالب كراهة السعاة، لما جبلت عليه القلوب من حب المال وكراهة من يأخذه منهم، وإن كان بحق غالبًا. (فإذا جاؤوكم فرحبوا بهم) فيه ترحيب الإنسان بمن يقدم عليه من صديق أو ضيف أو غيره، لا سيما من له عنده حق، وفيه دليل على أنه يرحب بالقادم عليه ولو كان يكرهه (وخلوا بينهم وبين ما يبغون) (¬4) أي: إذا كانت الماشية عند الأفنية فيخلى بين الساعي وبينها، يأخذ منها ما طلب (فإن) أخذوا الواجب (عدلوا) في الأخذ (فلأنفسهم) أي: فالعدل جاعل ثوابه لأنفسهم (وإن ظلموا فعليها) أي إثم ظلمهم على أنفسهم ليس عليكم منه شيء ولا يؤاخذ أحد بذنب أحد، بل يستقر ما ظلموكم به عليهم إلى يوم القيامة، إلا أن يخرجوا من ظلمكم أو تعفوا عنهم (وأرضوهم) بفتح الهمزة، قال الجوهري: أرضيته (¬5) عني ورضيته بالتشديد أيضًا (¬6) فرضي (¬7) أي: أرضوهم وإن ¬

_ (¬1) و (¬2) سقط من (م). (¬3) من (م). (¬4) في (م): يتبعون. (¬5) في (م): أرضيه. (¬6) من (م). (¬7) "الصحاح" 6/ 2357.

ظلموكم (فإن تمام زكاتكم) أي: أفضلها وأكملها (رضاهم) أي: ما يرضون به (وليدعوا لكم) فيه استحباب دعاء العامل على الزكاة لمن يأخذ منه الزكاة بالدعاء الآتي عن (¬1) الشافعي. [1589] (ثنا أبو كامل) الجحدري قال: (ثنا عبد الواحد. يعني: ابن زياد) العبدي، مولاهم البصري، قال أحمد وغيره: ثقة (¬2). ([ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا] (¬3) عبد الرحيم بن سليمان) المروزي ثقة حافظ مصنف (وهذا حديث أبي كامل، عن محمد بن أبي إسماعيل) راشد السلمي الكوفي، وثقه ابن معين والنسائي (¬4)، وروى يحيى بن آدم عن شريك قال: [رأيت لابن] (¬5) أبي إسماعيل أربعة ولدوا في بطن واحد وعاشوا (¬6). قال البخاري: عامتهم (¬7) محدثون، فإن عمرو (¬8) وإسماعيل محدثان (¬9) (قال: ثنا عبد الرحمن بن هلال العبسي) بإسكان الباء الموحدة، روى له مسلم [(¬10) وكانت الأعراب أهل جهل وجفاء غالبًا، فلذلك نسبوا الظلم إلى مصدقي رسول الله، ¬

_ (¬1) في (م): عند. (¬2) انظر: "الطبقات الكبرى" 7/ 289، "تهذيب الكمال" 18/ 453. (¬3) في (م): وحدثنا عمرو بن شبة قال: حدثنا، وفي (ر): سليمان بن. والمثبت من مطبوع "السنن". (¬4) انظر: "تاريخ ابن معين" رواية الدوري 2/ 505، "تهذيب الكمال" 24/ 494. (¬5) في (م): نابني. (¬6) انظر: "الكاشف" (4730)، "تهذيب الكمال" 24/ 494. (¬7) في (م): غايتهم. (¬8) في (م): عمر. (¬9) "التاريخ الكبير" 1/ 80 (210). (¬10) بياض في (ر).

فإنه ما كان يستعمل إلا عدلًا] (¬1). (عن جرير بن عبد الله قال: جاء ناس [يعني: من الأعراب] (¬2) إلى رسول الله فقالوا: إن ناسًا من المصدقين) بتخفيف الصاد يعني من السعاة على أخذ الزكاة (يأتوننا فيظلموننا) أي: يتجاوزون الحدود الشرعية (قال: فقال: أرضوا) بفتح الهمزة كما تقدم (مصدقيكم) (¬3) أي: ببذل الواجب وترك مشاقتهم، والمراد من إرضائهم إعطاؤهم ما لا يجب عليهم بغير رضاهم، فإن أصحابنا صرحوا بأن العامل إذا طلب أو أخذ فوق ما يجب بغير تأويل ولا رضا المالك أنه ينعزل بذلك، ويحتمل أن يأتي فيه الخلاف الجاري في أن الإمام ينعزل بفسقه، وهذا (¬4) أولى بالفسق من الإمام، فإن من قال: لا ينعزل بفسقه. قال: لما يحصل على عزله من المفاسد (¬5). قال الأذرعي من متأخري أصحابنا في "التوسط": وإذا قلنا بأن العامل ينعزل (¬6) فالصواب أنه لا يجوز دفع الزكاة إليه اختيارًا والعلم عند الله. قال: وينبغي أنه لو تمكن (¬7) كتمه المال بظهوره أن يقول رب المال: فرقتها بنفسي ويحلف على ذلك ويوري (¬8) إذا كان الظالم الخائن يقنع منه بذلك ثم ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) من (م). (¬3) في (م): مصدقكم. (¬4) في (م): هنا. (¬5) في (م): الفاسد. (¬6) في (ر): منعزل. والمثبت من (م). (¬7) في (م): لم يمكن. (¬8) في (م): يزوي.

يخرجها سرًّا فتأمله، انتهى. (زاد عثمان: قالوا: يا رسول الله وإن ظلمونا؟ قال: أرضوا مصدقيكم وإن ظلمتم) أي: بزعمكم، ولعل المراد بإرضائهم أن يرضوا بالترحيب، [وهذا الظلم محمول على ظلم لا يفسق به الساعي؛ إذ لو فسق لانعزل ولم يجز الدفع إليه، والظلم قد يكون بغير معصية فإنه مجاوزة الحد، ويدخل فيه المكروه، قاله النووي (¬1)] (¬2) كما تقدم والإكرام والقرى والبشاشة [كما تقدم] (¬3) وغير ذلك. (قال أبو كامل في حديثه: قال جرير) بن عبد الله: فوالله (¬4) (ما صدر) أي: رجع من عندي (مصدق) يأخذ الصدقة [بعدما سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬5) (إلا وهو عني راضٍ) بما أكرمه؛ لوصية رسول الله، وفي معنى الساعي والعامل (¬6) صاحب الحق إذا أتى إلى المديون (¬7) لأخذ حقه يستحب أن يرحب به المديون ويكرمه ليصدر عنه وهو راضٍ، لا سيما إذا كان قد صبر (¬8) عليه بعد حلول الدين أو ترك له بعض حقه كما قال تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} (¬9). ¬

_ (¬1) "شرح النووي على مسلم" 7/ 73. (¬2) و (¬3) سقط من (م). (¬4) و (¬5) من (م). (¬6) في (ر): العمل. (¬7) في (م): الديون. (¬8) في (ر): حبب. (¬9) البقرة: 178.

7 - باب دعاء المصدق لأهل الصدقة

7 - باب دُعاءِ المُصَدِّقِ لأَهْلِ الصَّدَقَةِ 1590 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمَري وَأَبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسي المَعْنَى قالا: أخْبَرَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي أَوْفَى قَالَ: كَانَ أَبي مِنْ أَصْحابِ الشَّجَرَةِ، وَكَانَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَتاة قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ: "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلانٍ". قَالَ: فَأَتاهُ أَبي بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبي أَوْفَى" (¬1). * * * باب دعاء المصدق لأهل الصدقة [1590] (ثنا حفص بن عمر النمري) بفتح النون والميم (وأبو الوليد) هشام بن عبد الملك (الطيالسي (¬2) قالا: حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة) الجملي، كان من الأعلام العاملين (عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كان أبي من أصحاب الشجرة) وكان اسم أبيه علقمة بن خالد، وكان ممن بايع تحت الشجرة، قال ابن عبد البر: حدثنا عمرو بن الهيثم، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن ابن أبي أوفى قال: كان أصحاب الشجرة ألفًا وأربعمئة، وكانت أسلم من المهاجرين يومئذٍ (¬3) (وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أتاه قوم بصدقتهم (¬4) قال: اللهم صل على آل (¬5) أبي فلان) [نسخة: (اللهم صل على آل فلان]) (¬6). (قال) هذا امتثالًا لقوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} (¬7)، ومذهبنا ومذهب ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1497)، ومسلم (1078). (¬2) زاد في (م): المعنى. (¬3) "الاستيعاب" 1478. (¬4) في (م): بصدقهم. (¬5) من (م). (¬6) سقط من (م). (¬7) التوبة: 103.

الجمهور أن الدعاء لدافع الزكاة سنة ليس بواجب، وقال أهل الظاهر بوجوبه، وبه (¬1) قال بعض أصحابنا واعتمدوا الأمر (¬2). قال القرطبي: ولا نسلم لهم؛ [لأن قوله] (¬3) تعالى: {إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} يشعر بخصوصيته - صلى الله عليه وسلم - بالدعاء، ويتجه قول من ادعى خصوصيته بالنبي - صلى الله عليه وسلم - (¬4). والدليل على عدم [الوجوب وعدم] (¬5) الدعاء في حقنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما بعث معاذًا إلى اليمن [وغيره لم يأمره] (¬6) بالدعاء، وقد (¬7) يجيب الآخذون بأن الدعاء كان معلومًا عندهم، واستحب الشافعي في صفة الدعاء أن يقول: آجرك الله فيما أعطيت، وبارك لك فيما أبقيت، وجعله لك طهورًا (¬8) (فأتاه أبي) وهو علقمة بن خالد (بصدقته، فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى) قال كثير من العلماء: إنه أراد بآل أبي أوفى نفس أبي أوفى، وجعلوا هذا مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي موسى: "لقد أوتي مزمازًا من مزامير آل داود" (¬9) وإنما أراد داود نفسه، وهو محتمل ذلك، ويحتمل أن يريد به من عمل مثل عمله من عشيرته وقرابته، فيكون مثل: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد. ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) انظر: "شرح النووي على مسلم" 7/ 185. (¬3) في (ر): لقوله. (¬4) "المفهم" 3/ 132 - 133. (¬5) في (م): وجوب. (¬6) في (م): وغيرهم لم يأمرهم. (¬7) سقط من (م). (¬8) "الأم" 2/ 79. (¬9) رواه البخاري (5048)، ومسلم (793/ م) من حديث أبي موسى الأشعري.

8 - باب تفسير أسنان الإبل

8 - باب تَفْسِيرِ أَسْنانِ الإِبِلِ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُهُ مِنَ الرِّياشي وَأَبي حاتِمٍ وَغَيْرِهِما، وَمِنْ كِتابِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ، وَمِنْ كِتابِ أَبي عُبَيْدٍ، وَرُبَّما ذَكَرَ أَحَدُهُمُ الكَلِمَةَ قَالُوا: يُسَمَّى الحُوارَ ثُمَّ الفَصِيلَ إِذَا فَصَلَ، ثُمَّ تَكُونُ بِنْتَ مَخاضٍ لِسَنَةٍ إِلَى تَمامِ سَنَتَيْنِ فَإِذَا دَخَلَتْ في الثّالِثَةِ فَهي ابنةُ لَبُونٍ فَإِذَا تَمَّتْ لَهُ ثَلاثُ سِنِينَ فَهُوَ حِقٌّ وَحِقَّةٌ إِلَى تَمامِ أَرْبَعِ سِنِينَ؛ لأنَّها اسْتَحَقَّتْ أَنْ تُرْكَبَ وَيُحْمَلَ عَلَيْها الفَحْلُ وَهي تَلْقَحُ وَلا يُلْقِحُ الذَّكَرُ حَتَّى يُثَنّي وَيُقالُ لِلْحِقَّةِ: طَرُوقَةُ الفَحْلِ لأَنَّ الفَحْلَ يَطْرُقُها إِلَى تَمامِ أَرْبَعِ سِنِينَ فَإذَا طَعَنَتْ في الخَامِسَةِ فَهي جَذَعَةٌ حَتَّى يَتِمَّ لَها خَمْسُ سِنِينَ، فَإِذَا دَخَلَتْ في السّادِسَةِ وَأَلْقَى ثَنِيَّتَهُ فَهُوَ حِينَئِذٍ ثَني حَتَّى يَسْتَكْمِلَ سِتًّا، فَإِذَا طَعَنَ في السّابِعَةِ سُمّي الذَّكَرُ رَباعِيًّا والأُنْثَى رَباعِيَّةً إِلَى تَمامِ السّابِعَةِ فَإِذَا دَخَلَ في الثّامِنَةِ وَأَلْقَى السِّنَّ السَّدِيسَ الذي بَعْدَ الرَّباعِيَةِ فَهُوَ سَدِيسٌ وَسَدَسٌ إِلَى تَمامِ الثّامِنَةِ فَإِذَا دَخَلَ في التِّسْعِ وَطَلَعَ نابُهُ فَهُوَ بازِلٌ أي: بَزَلَ نابُهُ - يَعْني: طَلَعَ - حَتَّى يَدْخُلَ في العاشِرَةِ فَهُوَ حِينَئِذٍ مُخْلِفٌ ثُمَّ لَيْسَ لَهُ اسْمٌ ولكن يُقالُ: بازِلُ عامِ وَبازِلُ عامَيْنِ وَمُخْلِفُ عامٍ وَمُخْلِفُ عامَيْنِ وَمُخلِفُ ثَلاثَةِ أَعْوامٍ إِلَى خَمسِ سِنِينَ والخَلِفَةُ: الحامِلُ. قَالَ أَبُو حاتِمٍ: والجَذوعَةُ وَقْتٌ مِنَ الزَّمَنِ لَيْسَ بِسِنٍّ وَفُصُولُ الأَسنانِ عِنْدَ طُلُوعِ سُهَيْلٍ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَأَنْشَدَنا الرِّياشَيُّ: إِذَا سُهَيْلٌ أَوَّلَ اللَّيْلِ طَلَعْ فابْنُ اللَّبُونِ الحِقُّ والحِقُّ جَذَعْ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَسْنانِها غَيْرُ الهُبَعْ والهُبَعُ الذي يُولَدُ في غَيْرِ حِينِهِ. * * *

باب تفسير أسنان الإبل ([قال أبو داود: سمعت هذا من جماعة] (¬1) عن عباس) بالموحدة، ابن الفرج الرياشي (وأبي حاتم) سهل بن محمد السجستاني. (وغيرهما) وبلغني عن أبي داود سليمان بن سلم (¬2) (المصاحفي) بفتح الميم البلخي روى (عن النضر بن شميل) (¬3) المازني البصري النحوي، شيخ [مروزي إمام] (¬4)، صاحب سنة. (عن أبي عبيد) مصغر، القاسم بن سلام ذي التصانيف (عن) علي ابن (¬5) حمزة و (الأصمعي وأبي زياد) قيل (¬6) يزيد بن عبد الله (الكلامي (¬7) وأبي زيد) سعيد بن أوس (¬8) (الأنصاري) يذكر بالعدد (¬9) (وكل واحد منهم يذكر ما لا يذكر الآخر، وقد دخل بعضهم في بعض، قالوا: إذا وضعت الناقة فمشى) بفتح الشين المعجمة (¬10) (ولدها فهي حوراء) (¬11) ¬

_ (¬1) من (م)، وهذه المقدمة تختلف قليلا عن مطبوع "السنن" ولعلها رواية أخرى. (¬2) في (م): سالم. (¬3) في (م): شمل. (¬4) في (ر): مرفيقه أيام. والمثبت من (م). (¬5) سقط من (م). (¬6) زاد في (ر): على. (¬7) في (م): الكلابي. (¬8) في (م): واس. (¬9) في (م): بالقدر. (¬10) سقط من (م). (¬11) في (م): حوان.

بضم الحاء المهملة، قال الأصمعي: هو قبل أن يعلم أذكر هو أم أنثى سليل (¬1) بفتح السين المهملة، ولا يزال الولد حوارًا (¬2) إلى (الفصال) بكسر الفاء وبالصاد المهملة (فإذا فصل) بضم الفاء (عن أمه) وانتهت رضاعته (والفصال هو الفطام) فهو فصيل (¬3)، فعيل بمعنى مفعول، وجمع الفصيل فصلان بضم الفاء ثم (¬4) (هو) ابن مخاض، والأنثى (ابنة مخاض لسنة) أي: إذا استكملت (¬5) سنة ودخلت (¬6) في الثانية (إلى تمام سنتين، فإذا) استكملت سنتين و (دخلت) في السنة (الثالثة) ولو لحظة (فهي بنت لبون) والذكر ابن لبون، هكذا يستعمل مضافًا إلى النكرة، وهذا هو الأكثر، وقد استعملوه قليلًا مضافًا إلى المعرفة كما قال الشاعر: وابن اللبون إذا ما لز في قرن ... [لم يستطع صولة البزل القناعيس] (¬7) ولز بتشديد الزاي [أي: شد] (¬8)، والقرن بفتح الراء هو (¬9) الحبل الذي يشد به، وسمي ابن اللبون لأن أمه وضعت غيره وصارت ذات لبن، ولزمه هذا الاسم وإن لم تكن أمه ذات لبن. ¬

_ (¬1) "تهذيب اللغة" 8/ 416. (¬2) في (م): حوانا. (¬3) سقط من (م). (¬4) من (م). (¬5) في (م): استكمل. (¬6) في (م): دخل. (¬7) و (¬8) و (¬9) سقط من (م).

(فإذا تمت له ثلاث سنين) ودخل في الرابعة (فهو حق و) الأنثى (حقة إلى تمام أربع سنين) سميت حقة (لأنها استحقت أن تركب ويحمل عليها) الأحمال الثقيلة، (ويحمل) بإسكان الحاء عليها. أي: يطرقها (الفحل وهي تلقح) بضم التاء وكسر القاف يقال: ألقح الفحل الناقة (ولا يلقح) بضم أوله (الذكر حتى يثني) بفتح الثاء (¬1). أي: يدخل في السنة الثانية (ويقال للحقة (¬2): طروقة الفحل) بمعنى مطروقة كحلوبة [بمعنى محلوبة] (¬3)، وقد تقدم، وسميت طروقة (لأن الفحل يطرقها) فتحمل منه ولا تزال حقة (إلى تمام أربع سنين، فإذا) تمت أربع سنين و (طعنت في) السنة (الخامسة) ولو لحظة (فهي جذعة) بفتح الجيم والذال المعجمة [الذكر جذع] (¬4) سميت بذلك لأنها تجذع بقديم (¬5) أسنانها أي: تسقطه، وقيل: سميت بذلك لتكامل أسنانها، والجذعة آخر الأسنان المنصوص عليها في الزكاة [ولا تزال جذعة حتى تتم لها خمس سنين، فإذا تمت الخامسة ودخلت السادسة وألقى الذكر ثنية من أسنانه فهو حينئذ ثني جمعه ثنيان وثنا والأنثى ثنية وهو أول الأسنان المجزئة في الضحايا، والثني الذي يلقي ثنيه يكون في الظلف والحافر في السنة الثالثة وفي الخف في السنة السادسة] (¬6) ولا تزال ثنيًّا (حتى تستكمل ستًّا، فإذا) استكملها و (طعن في السابعة سمي الذكر ¬

_ (¬1) في (م): أوله. (¬2) في (ر): اللقحة. والمثبت من (م). (¬3) و (¬4) من (م). (¬5) في (م): مقدم. (¬6) من (م).

رباعًا) (¬1) بتخفيف الباء (¬2) (والأنثى رباعية) بباء مخففة والأشهر أن يقال للذكر والرباعية مثل الثمانية (¬3) هي السن التي بين الثنية والناب، ويقال للذي يلقي رباعيته: رباع مثل ثمان (¬4) فإذا مضت] (¬5) أتممت فقلت: ركبت برذونًا رباعيًّا تقول منه للغنم في السنة الرابعة وللبقر والحافر في السنة الخامسة وللحق (¬6) في السنة السابعة، فإذا أتمها و (دخل في الثامنة، وألقى السن السديس) بفتح السين (الذي بعد) السن (الرباعية) ويقال فيه (فهو سديس) (¬7) بزيادة ياء بعد الدال ليستوي فيه الذكر والأنثى (وسدس) بفتح السين والدال يستوي فيه المذكر والمؤنث؛ لأن الإناث في الأسنان كلها ما لها إلا السدس والسديس والبازل، وجمع السديس سدس بضم الدال كرغيف ورغف، وجمع السدس سدس كأسد وأُسد، ولا يزال سديس وسدس (إلى تمام الثامنة، فإذا دخل في التسع وطلع نابه فهو بازل) بالباء الموحدة والزاي المكسورة للذكر والأنثى (أي: بزل) [بالباء الموحدة والزاي] (¬8) (يعني: طلع) ولا يزال بازلًا (حتى يدخل في) السنة (العاشرة، فهو حينئذٍ مخلف) بضم الميم وإسكان الخاء المعجمة وكسر اللام، قال الكسائي: ¬

_ (¬1) في (م): رباعيا. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (ر): اليمانية. (¬4) في (ر): يمال. (¬5) في (م): نصبت. (¬6) في (م): للخف. (¬7) في (م): تسدس. (¬8) من (م).

يستوي فيه الذكر والأنثى (¬1)، وقال أبو زيد: يقال: مخلفة (ثم ليس له) بعد ذلك (اسم) مخصوص (ولكن يقال: بازل عام، وبازل عامين) وكذلك ما زاد (ومخلف عام ومخلف عامين ومخلف ثلاثة أعوام) وهكذا ما زاد (إلى خمس سنين، والخلفة) بفتح الخاء وكسر اللام (الحامل) من النوق، جمعها خلف بكسر اللام (وفي حديث أبي حاتم) السجستاني (والجذوعة) بضم الجيم والذال المعجمة (وقت من الزمن وليس من السن) أي: ليس بسن من الأسنان التي للحيوان في وقت منها (وفصول الأسنان) يعتبر (عند طلوع سهيل) وهو نجم معروف (قال أبو داود: وأنشدنا) عباس (الرياشي) نسبة إلى رياش في جذام أنشد: إذا سهيل أول الليل طلع فابن اللبون الحق والحق جذع [أي: صار ابن اللبون حقًّا، أي: وصار الحق جذعًا] (¬2). (لم يبق من أسنانها غير) أي: لم يبق من أسنانها سن يعرف عند العرب إلا (الهبع) بضم الهاء وفتح الباء الموحدة وهو الفصيل الذي نتج في آخر النتاج، يقال: ما له هبع ولا ربع، والربع هو الذي ينتج في أول زمان النتاج وهو زمان الربيع (و) قيل: هو (الهبع) هو (الذي يولد في الصيف) [يلد في غير حينه، ولأبي حفص الخولاني] (¬3)، وقيل: آخر النتاج. ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع" 5/ 385. (¬2) تقدمت هذِه العبارة في (م). (¬3) سقط من (م).

9 - باب أين تصدق الأموال

9 - باب أَيْنَ تُصَدَّقُ الأَمْوالُ 1591 - حَدَّثَنا قُتَيْبَة بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا ابن أَبي عَدي، عَنِ ابن إِسْحاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا جَلَبَ وَلا جَنَبَ وَلا تُؤْخَذُ صَدَقاتُهُمْ إلَّا في دُورِهِمْ" (¬1). 1592 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلي، حَدَّثَنا يَعْقُوبُ بْن إِبْراهِيمَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبي يَقُولُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ في قَوْلِهِ: "لا جَلَبَ وَلا جَنَبَ". قَالَ: أَنْ تصَدَّقَ الماشِيَةُ في مَواضِعِها وَلا تُجْلَبُ إِلَى المُصَدِّقِ والجَنَبُ، عَنْ غَيْرِ هذِه الفَرِيضَةِ أَيْضًا لا يُجنَبُ أَصْحابُها يَقُولُ وَلا يَكُونُ الرَّجُلُ بِأَقْصَى مَواضِعِ أَصْحابِ الصَّدَقَةِ فَتُجْنَبُ إِلَيْهِ ولكن تُؤْخَذ في مَوْضِعِهِ (¬2). * * * باب أين تصدق (¬3) الأموال تصدق (¬4) بتخفيف الصاد وتشديد الدال (¬5). [1591] (ثنا قتيبة [بن سعيد] (¬6)، ثنا) محمد بن إبراهيم (ابن أبي ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 180، وابن أبي شيبة في "مصنفه" 17/ 398 (33292)، وابن زنجويه في "الأموال" (1567)، وابن الجارود في "المنتقى" (1052)، وابن خزيمة (2280). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1417). (¬2) رواه البيهقي 4/ 110 من طريق المصنف. قال الألباني في "صحيح أبي داود" (1418). (¬3) في (ر): يصرف. (¬4) في (ر): يصرف. (¬5) في (ر): الراء. (¬6) سقط من (م).

عدي، عن ابن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده) هو عمرو (¬1) بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، فيحتمل أن يريد بجده الأدنى الحقيقي وهو محمد، فيكون الحديث مرسلًا، فإن محمدًا تابعي. ويحتمل أن يريد بجده الأعلى المجازي وهو عبد الله فيكون متصلًا، فلهذا وقع (¬2) الخلاف، والصحيح الاحتجاج به حملًا على جده الأعلى. (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا جلب) بفتح الجيم واللام (ولا جنب) بفتح الجيم والنون، فالجلب في الصدقة أن يقدم المصدق فينزل موضعًا ثم يرسل إلى أهل المواشي من يجلب إليه مواشيهم؛ ليأخذ زكاتها في موضعه فنهي عن ذلك (و) أمر أن (لا يؤخذ) منهم (صدقاتهم إلا في دورهم) وعلى مياههم، والجنب في الصدقة أن تساق إلى مكانٍ بعيد عن أماكنها كما ذكر في متن الحديث الآتي. [1592] (ثنا الحسن) بن علي الخلال (ثنا يعقوب) بن إبراهيم بن سعد الزهري، حجة ورع. (قال: سمعت أبي يقول: عن محمد بن إسحاق) بن يسار (¬3) الإمام صاحب المغازي يقول (في قوله - صلى الله عليه وسلم -: لا جلب ولا جنب، قال) الجلب (أن تصدق) بتخفيف الصاد وتشديد الدال (الماشية) أي: تؤخذ صدقتها (في مواضعها) التي هي فيه إن كانت دورًا أو مياهًا (¬4) (ولا ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) زاد في (ر): في. (¬3) في (م): بشار. (¬4) في النسخ: مياه. والجادة ما أثبتناه.

تجلب) أي: تنقل (إلى) الموضع الذي فيه (المصدق) ليأخذ زكاتها في الموضع الذي هو فيه؛ لما في ذلك من الحرج [على المالك والمشقة] (¬1) (والجنب [عن غير هذه الفريضة]) (¬2) هذِه الطريقة، أي: على (¬3) التفسير المتقدم (أيضًا أن لا يجنب) أي: لا تبعد المواشي (¬4) عن مواضع (أصحابها (¬5)، ولا يكون الرجل) يعني آخذ الزكاة (بأقصى) أي: أبعد (مواضع أصحاب الصدقة) الذين تؤخذ منهم (فتجنب إليه) أي تقاد إلى جنب الراكب إلى أن يؤتى بها إلى الآخذ، ويؤخذ منه: أن صدقة الماشية لا تركب بل تقاد إلا إذا دعت الضرورة إلى الركوب وكانت مطيقة لذلك (ولكن تؤخذ في موضعه) أي (¬6) موضع صاحب الماشية عند دوره أو المياه التي ترعى فيها، يعني: تؤخذ صدقة (¬7) أي: صدقة كل أحد في موضعه. ¬

_ (¬1) في (م): من المشقة على المالك. (¬2) في الأصول: هذه الطريقة. والمثبت من "السنن". (¬3) زاد في (م): هذا. (¬4) سقط من (م). (¬5) زاد في (م): يقول. (¬6) زاد في (م): في. (¬7) في (م): صدقته.

10 - باب الرجل يبتاع صدقته

10 - باب الرَّجُل يَبْتاعُ صَدَقَتَهُ 1593 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ - رضي الله عنه - حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ في سَبِيلِ اللهِ، فَوَجَدَهُ يُباعُ فَأَرادَ أَنْ يَبْتاعَهُ فَسَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: "لا تَبْتَعْهُ وَلا تَعُدْ في صَدَقَتِكَ" (¬1). * * * باب الرجل يبتاع (¬2) صدقته أي: يشتريها (¬3). [1594] (¬4) (ثنا محمد [بن مثنى ومحمد] (¬5) بن) يحيى بن [فياض الزماني] (¬6) قال الدارقطني: بصري (¬7) ثقة (¬8) (قالا: حدثنا عبد الوهاب [ابن عبد المجيد بن الصلب الثقفي]) (¬9)، قال ابن معين: ثقة (¬10). (قال: ثنا عبيد الله) بالتصغير، ابن عمر (¬11) بن حفص، آخر من روى ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1489)، ومسلم (1620). (¬2) في (ر): ساع. (¬3) في (ر): يسير بها. (¬4) هكذا ذكر المصنف جزءا من هذا الحديث هنا في غير موضعه، وسيعيده في موضعه دون ذكر هذا الجزء. (¬5) من (م). (¬6) في (ر): قناص الرماني. (¬7) في (م): أخبرني العمري. (¬8) انظر: "سؤالات البرقاني" ترجمة (465). (¬9) من (م). (¬10) "تاريخ بن معين" برواية الدارمي ترجمة (62). (¬11) في (م): عمرو.

عنه عبد الرزاق ([عن رجل]) (¬1) قال شيخنا ابن حجر: كأنه إسماعيل. يعني (¬2): ابن أمية الأموي (عن (¬3) مكحول، عن عراك بن مالك، عن أبي هريرة، عن النبي). [1593] (ثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حمل) رجلًا (على فرس في سبيل الله) أي: ملكه له ليجاهد عليه في سبيل الله، ولذلك ساغ للرجل بيعه (¬4) (فوجده يباع) ومنهم من قال: كان عمر قد [حبس فرسًا] (¬5) في سبيل الله، وإنما ساغ للرجل بيعه؛ لأنه حصل فيه هزال عجز (¬6) لأجله عن اللحاق بالخيل (¬7) وضعف عن ذلك وانتهى إلى حالة عدم الانتفاع به للجهاد، وأجاز ذلك ابن القاسم، ويدل على أنه حمل تمليك قوله بعد: "ولا تعد في صدقتك" ولو كان حبسًا لعلله به. وفيه فضل الحمل في سبيل الله والإعانة على الغزو بكل شيء، وأن الحمل في سبيل الله تمليك وللمحمول بيعه (¬8) والانتفاع بثمنه، وأفاد ابن سعد في "الطبقات" أن اسم هذا الفرس الورد، وأنه كان لتميم الداري فأهداه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فدفعه لعمر. [فوجده يباع فيه ما تقدم] (¬9) (فأراد أن يبتاعه) رواية البخاري: فأراد أن يشتريه، والحامل على شراه أنه وجده يباع برخص، فرده النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬10) وبالغ، فقال: "لا تشتره وإن ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ر): معه. (¬5) في (م): حبسه. (¬6) و (¬7) من (م). (¬8) في (م): تبعه. (¬9) من (م). (¬10) سقط من (م).

أعطاكه بدرهم" مبالغة في الرخص. (فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك) فيه السؤال عما يحتاج إليه وإظهار ما تقرب به إلى الله تعالى للحاجة (فقال: لا تبتعه) قال ابن المنير: ليس لأحد أن يتصدق بصدقة ثم يشتريها؛ للنهي الثابت فيه، ويلزم من ذلك فساد البيع، إلا أن يثبت الإجماع على جوازه (¬1)، قال في البخاري: ولا بأس أن يشتري صدقة غيره؛ لأن النبي إنما نهى المتصدق خاصة ولم ينه غيره. أي: ولو كان المراد غيره لقال: لا تشتروا الصدقة مثلًا (¬2). (ولا تعد في صدقتك) سمى شراءه برخص عودًا في الصدقة من حيث إن الغرض فيها ثواب الآخرة، فإذا اشتراها برخص فكأنه اختار عوض الدنيا على الآخرة مع أن العادة تقتضي بيع مثل ذلك برخص لغير المتصدق، فكيف بالمتصدق إذا اشتراه ممن دفعه إليه، فيصير راجعًا في ذلك المقدار الذي سومح فيه، وقيل: إن العود (¬3) حرام؛ لما ورد بعده في الرواية، فإن العائد في هبته كالعائد في قيئه، والعود في أكل القيء حرام. قال القرطبي: هذا هو الظاهر من سياق الحديث، ويلتحق بالصدقة الكفارة والنذر وغيرهما من القربات، وأما إذا ورثه فلا كراهة في ذلك (¬4). ¬

_ (¬1) "فتح الباري" 3/ 353، ولكن هذا القول من كلام ابن المنذر فليراجع. (¬2) انظر "فتح الباري" 3/ 353. (¬3) في (م): العقود. (¬4) "فتح الباري" 3/ 353.

11 - باب صدقة الرقيق

11 - باب صَدقَةِ الرَّقِيقِ 1594 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَيّاضٍ، قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهّابِ، حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ عِراكِ بْنِ مالِكٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَيْسَ في الخَيْلِ والرَّقِيقِ زَكاةٌ إلَّا زَكاةُ الفِطْرِ في الرَّقِيقِ" (¬1). 1595 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنا مالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينارٍ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ يَسارٍ عَنْ عِراكِ بْنِ مالِكٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَيْسَ عَلَى المُسْلِمِ في عَبْدِهِ وَلا في فَرَسِهِ صَدَقَةٌ" (¬2). * * * باب الصدقة [في الخيل و] (¬3) في الرقيق [1594] (ثنا محمد بن المثنى ومحمد بن يحيى بن فياض، قالا: حدثنا عبد الوهاب) قال (¬4): (حدثنا عبيد الله (¬5)، عن رجل، عن مكحول، عن عراك بن مالك، عن أبي هريرة (¬6) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس في الخيل والرقيق زكاة) فيه أن الزكاة لا تجب في الخيل؛ لعدم شمول الأدلة لها، ولا فرق بين أن تكون الخيل كلها ذكورًا أو إناثًا ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1463)، ومسلم (982). (¬2) رواه البخاري (1463)، ومسلم (982). (¬3) من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) في (م): عبد الله. (¬6) سبق شرح هذا الجزء من الحديث في غير موضعه في الباب السابق، كما سبقت الإشارة إليه.

[كلها أو ذكورًا وإناثًا] (¬1) قليلة أو كثيرة؛ لهذا الحديث والذي بعده، ولا يصح حديث يعارضه إلا إذا كانت الخيل معدة (¬2) للتجارة فتجب زكاة التجارة فيها، وفيه أن الزكاة لا تجب في العبد ولا الأمة إلا صدقة الفطر كما سيأتي (إلا أن زكاة الفطر) تجب (في الرقيق [إلا زكاة) استثنائية و (زكاة) بالرفع والنصب] (¬3). فيه دليل على أن على السيد في عبده زكاة الفطر، وهو قول الجمهور في العبيد، سواء كانوا للخدمة أو للتجارة، خلافًا لأبي داود وأبي ثور في إيجابها على العبد نفسه، وخلافًا لأهل الكوفة في إسقاطها عن عبيد التجارة فقط. [1595] (ثنا القعنبي [عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن سليمان بن يسار، عن عراك بن مالك، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال] (¬4): ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة) ولا مفهوم لقوله (ليس على المسلم) بل المراد أن المسلم ذكر تشريفًا له على الكافر، وأحكام الشريعة إنما هي للمسلمين. قال القرطبي: ظاهر هذا (¬5) الحديث أصلٌ في أن ما هو للقنية لا زكاة فيه، وهو مذهب كافة العلماء إلا حماد بن أبي سلمة فإنه أوجب في ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) من (م). (¬5) سقط من (م).

الخيل الزكاة (¬1) وعند أبي حنيفة: إذا كانت الخيل ذكورًا وإناثًا يبتغي نسلها ففيها الزكاة نظرًا إلى النسل، فإذا انفردت ففيه (¬2) روايتان، ثم عنده أن المالك يتخير بين أن يخرج عن كل فرس دينارًا (¬3) أو يقوم ويخرج ربع العشر (¬4)، واستدلوا عليه بهذا الحديث، فأجاب بحمل النفي على الرقبة لا على القيمة. ¬

_ (¬1) "المفهم" 3/ 14. (¬2) في (م): فعنه. (¬3) من (م). (¬4) انظر: "المبسوط" 2/ 252.

12 - باب صدقة الزرع

12 - باب صَدَقَةِ الزَّرْعِ 1596 - حَدَّثَنا هارُونُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الهَيْثَمِ الأَيْلي، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن وَهْبٍ، أَخْبَرَني يُونُسُ بْنُ يَزيدَ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ سالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فِيما سَقَتِ السَّماءُ والأنْهارُ والعُيُونُ أَوْ كَانَ بَعْلًا العُشْرُ وَفِيما سُقي بِالسَّواني أَوِ النَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ" (¬1). 1597 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن وَهْبٍ، أَخْبَرَني عَمْرٌو، عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "فِيما سَقَتِ الأَنْهارُ والعُيُونُ العُشْرُ وَما سُقي بِالسَّواني فَفِيهِ نِصْفُ العُشْرِ" (¬2). 1598 - حَدَّثَنا الهَيْثَمُ بْنُ خالِدٍ الجُهَني وَحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ العِجْلي، قالا: قَالَ وَكِيعٌ: البَعْلُ الكَبُوسُ الذي يَنْبُتُ مِنْ ماءِ السَّماءِ. قَالَ ابن الأَسْوَدِ وقَالَ يَحْيَى: يَعْني ابن آدَمَ سَأَلْتُ أَبا إِياسٍ الأَسَدي عَنِ البَعْلِ؟ فَقَالَ: الذي يُسْقَى بِماءِ السَّماءِ. وقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: البَعْلُ ماءُ المَطَرِ (¬3). 1599 - حَدَّثَنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمانَ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، عَنْ سُلَيْمانَ - يَعْني: ابن بِلالٍ - عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي نَمِرٍ، عَنْ عَطاءِ بْنِ يَسارٍ، عَنْ مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَهُ إِلَى اليَمَنِ فَقَالَ: "خُذِ الحَبَّ مِنَ الحَبِّ، والشّاةَ مِنَ الغَنَمِ والبَعِيرَ مِنَ الإِبِلِ والبَقَرَةَ مِنَ البَقَرِ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: شَبَّرْتُ قِثّاءَةً بِمِصْرَ ثَلاثَةَ عَشَرَ شِبْرًا وَرَأَيْتُ أُتْرُجَّةً عَلَى بَعِيرِ بِقِطْعَتَيْنِ قُطِعَتْ وَصُيِّرَتْ عَلَى مِثْلِ عِدْلَيْنِ (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1483). (¬2) رواه مسلم (981). (¬3) رواه يحيى بن آدم في "الخراج" (ص 119). (¬4) رواه ابن ماجه (1814). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (279).

باب صدقة الزرع [1596] (ثنا هارون بن سعيد) بن الهيثم أبو حفص الأيلي، فقيه ثقة (¬1)، قال: (ثنا عبد الله، [عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن سليمان بن يسار، عن عراك بن مالك، عن أبي هريرة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬2). (ثنا يونس بن يزيد الأيلي) ثقة إمام (¬3) ([عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله] (¬4) عن أبيه) عبد الله بن عمر (قال رسول الله: فيما سقت السماء) أي: سقي بماء السماء وهو المطر (والأنهار) أي: وماء الأنهار، فإن النهر اسم للمكان الذي يجري عليه الماء تقول منه: نهرت النهر: حفرته، ونهر الماء إذا جرى في الأرض وجعل لنفسه نهرًا، ويدخل فيه (¬5) الأنهار العظيمة كالنيل والفرات، والصغيرة، وما بينهما (والعيون) التي تنبع وتسيح على وجه الأرض (أو كان بعلًا) قال أبو داود: البعل هو الذي يشرب بعروقه لقربه من الماء ولم يبقر (¬6) بسقيه (العشر) أي (¬7): احتاج إلى مؤنة، ووجهوه (¬8) بأن المؤنة شق الأنهار وإصلاح القنوات ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 30/ 91. (¬2) في (م): ابن وهب قال. وجاء هذا السند قبل ذلك من (م). (¬3) "تهذيب الكمال" 32/ 556. (¬4) في (ر): عن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابن شهاب. (¬5) في الأصول: في. والمثبت المناسب للسياق. (¬6) في (م): ينتن. (¬7) زاد في (م): وإن. (¬8) في (م): ووجهه.

لمصلحة الأرض، فإذا تهيأت مصلحتها وصل الماء إلى الأرض بنفسه مرةً بعد أخرى، بخلاف السقي بالسواقي والنضح، فإن المؤنة تتحمل لمصلحة الزرع، وادعى الإمام الاتفاق عليه. وحكى الرافعي عن أبي سهل الصعلوكي (¬1) أنه أفتى بأن المسقي بماء القناة فيه نصف العشر؛ لكثرة المؤنة فيه، وقال البغوي: إن كانت العين أو القناة كثيرة المؤنة بأن كانت لا تزال تنهار وتحتاج إلى استحداث حفر ففي السقي بها نصف العشر (¬2)، وإن لم (¬3) يكن لها مؤنة غير مؤنة الحفر الأول وكسحها في بعض الأوقات ففي السقي بها العشر (وفيما سقي بالسواني) جمع سانية وهي البعير أو البقرة الذي يسنى عليها أي يسقى، يقال: سنت الناقة إذا سقت الأرض (والنضح) وهو السقي من ماء بئر أو نهر بناضح، والناضح البعير أو الناقة أو الحمار التي يسقى عليها من البئر أو النهر، والأنثى ناضحة، وأصل النضح الرش بالماء ونحوه، والنضح يحصل بالدواليب والدلاء التي تديرها الدواب، وكذلك ما يسقى بالناعورة التي يديرها الماء بنفسه نصف العشر؛ لوجود الكلفة عليها، والمعنى في ذلك أن أمر الزكاة مبني على الرفق بالمالك (¬4) والمساكين، فإذا كثرت المؤنة خف الواجب أو سقط كما في السائمة والمعلوفة والركاز. ¬

_ (¬1) في (م): الصعكوكي. (¬2) بمعناه في "شرح السنة" 6/ 43. (¬3) من (م). (¬4) سقط من (م).

[1597] (ثنا أحمد بن صالح، ثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني عمرو) بن الحارث المصري، أحد الأعلام (عن أبي الزبير) محمد بن مسلم المكي التابعي (عن جابر بن عبد الله أن رسول الله قال: فيما سقت الأنهار والعيون العشر، وما سقي بالسواني ففيه نصف العشر) فلو كان نصف السقي بماء السماء ونصفه بالسواني ونحوه وجب ثلاثة أرباع العشر عند مالك والشافعي وأصحاب الرأي وأحمد، وإن سقي بأحدهما أكثر، كما لو سقي ثلثاه بماء السماء وثلثه بالسانية وجب خمس أسداس العشر: أربعة أسداس فيها للسقي بماء السماء وسدس للسقي بالسانية، وهو ثلث نصف العشر على القول الجديد المفتى به عند الشافعي، والقول الثاني يعتبر الأغلب، وهو منسوب إلى أبي حنيفة وأحمد؛ لأن النظر إلى عدد السقي (وما به) (¬1) يعسر ويسقى فمدار (¬2) الحكم على الغالب تخفيفًا كالسوم في الماشية. [1598] (ثنا الهيثم بن خالد الجهني) (¬3) انفرد به أبو داود ووثقه (¬4). (وحسين بن علي) بن الأسود العجلي، قال أبو حاتم: صدوق (¬5) (قالا: قال وكيع: البعل) هو (الكبوس) بفتح الكاف وضم الباء الموحدة، ثم واو، ثم سين مهملة، وهو (¬6) نوع من التمر ينبت نخله في الأرض بعد ¬

_ (¬1) في (م): وفي مائة. (¬2) في (ر): فيدار. والمثبت من (م). (¬3) في (م): الجهيني. (¬4) "تهذيب الكمال" 30/ 378. (¬5) "الجرح والتعديل" 3/ (256). (¬6) من (م).

ماؤها، وتسحب عروقه في الأرض الماء، واستغنت بذلك عن السقي [من السماء] (¬1)، وقال قتادة: البعل ما شرب من الأرض بعروقه ولم [يحتج صاحبه] (¬2) في سقيه إلى كلفة ومؤنة (وقال يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي أحد الأعلام. (سألت أبا إياس الأسدي عن البعل فقال: هو (¬3) الذي يسقى بماء السماء. قال النضر بن شميل: البعل (¬4) هو ماء المطر). [1599] (ثنا الربيع بن سليمان) قال: (ثنا ابن وهب، عن سليمان بن بلال، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر) (¬5) المدني، قال ابن سعد: ثقة كثير الحديث. [عن عطاء بن يسار، عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثه إلى اليمن كما تقدم فقال: ] (¬6) (خذ الحب [من الحب]) (¬7) مفهومه أن ما سوى الحب وما (¬8) في معناه فيه (¬9) فلا تجب الزكاة في ورق مثل ورق السدر والخطمي والصعتر والآس ونحوه، وإذا كانت الزكاة لا تجب في الحب المباح ففي الورق أولى، وكذا يفهم من الحديث أنه لا زكاة في الأزهار كالزعفران والعصفر والقطن؛ لأنه ليس بحب ولا (¬10) ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (م): يتعن، وفي (ر): يتعب صاحبه. ولعل المثبت الصواب. (¬3) و (¬4) من (م). (¬5) في (ر): عز. (¬6) من (م). (¬7) و (¬8) سقط من (م). (¬9) من (م). (¬10) في (ر): ما.

في معناه كالتمر (¬1) فهو كالخضراوات (والشاة) تطلق على المذكر والمؤنث؛ لأن الهاء ليست للتأنيث (من الغنم) أي: إذا بلغت أربعين كما تقدم (والبعير من الإبل) أي: إذا بلغت خمسًا وعشرين فصاعدًا (والبقرة من البقر) إذا كانت ثلاثين فصاعدًا، والمراد من الحديث أن الزكاة تؤخذ من جنس المأخوذ منه (¬2) هذا هو الأصل ويستثنى منه ما ورد النص به فما لم يرد فيه نص على الأصل [فهو قوي ما لم يعارض] (¬3). ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (م): به. (¬3) من (م).

13 - باب زكاة العسل

13 - باب زَكاةِ العَسَلِ 1600 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ أَبي شُعَيْبٍ الحَرّاني، حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الحارِثِ الِمصْري عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: جَاءَ هِلالٌ - أَحَدُ بَني مُتْعانَ - إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِعُشُورِ نَحْلٍ لَهُ وَكَانَ سَأَلهُ أَنْ يَحْمي لَهُ وادِيًا يُقَالُ لَهُ: سَلَبَةُ فَحَمَى لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَلِكَ الوادي فَلَمّا وُلّي عُمَرُ بْن الخَطّابِ - رضي الله عنه - كَتَبَ سُفْيانُ بْنُ وَهْبٍ إِلَى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ يَسْأَلُهُ، عَنْ ذَلِكَ فَكَتَبَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: إِنْ أَدى إِلَيْكَ ما كَانَ يُؤَدّي إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ عُشُورِ نَحْلِهِ لَهُ فاحْمِ لَهُ سَلَبَةَ وَإلَّا فَإِنَّما هُوَ ذُبابُ غَيْثٍ يَأْكُلُهُ مَنْ يَشاءُ (¬1). 1601 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبّي حَدَّثَنا المُغِيرَةُ - وَنَسَبَهُ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ الحارِثِ المَخْزُومي - قَالَ: حَدَّثَني أَبي، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ شَبابَةَ - بَطْنٌ مِنْ فَهْمٍ - فَذَكَرَ نَحْوَهُ قَالَ: مِنْ كُلِّ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَةٌ، وقَالَ سُفْيانُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفي: قَالَ: وَكَانَ يُحَمّي لَهُمْ وادِيَيْنِ زادَ: فَأَدَّوْا إِلَيْهِ ما كَانُوا يُؤَدُّونَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَحَمَّى لَهُم وادِيَيْهِمْ (¬2). 1602 - حَدَّثَنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمانَ المُؤَذِّنُ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي أُسامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ بَطْنًا مِنْ فَهْمٍ بِمَعْنَى المُغِيرَةِ قَالَ: مِنْ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَةٌ. وقَالَ: وادِيَيْنِ لَهُمْ (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه النسائي 5/ 46. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1424). (¬2) رواه ابن زنجويه في "الأموال" (2015)، وابن الجارود في "المنتقى" (350). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1424). (¬3) رواه ابن وهب في "الجامع" (194). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1424).

باب زكاة العسل [1600] (ثنا أحمد بن شعيب (¬1) قال: ثنا موسى بن أعين) الجزري الحداني، وثقه أبو زرعة وغيره (¬2). (عن عمرو) بن الحارث بن يعقوب (المصري) [هو قوي ما لم يعارض] (¬3) أحد الأعلام. (عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده) كما تقدم، قال (¬4): (قال: جاء هلال) بن سعيد (¬5) (أحد بني متعان) بضم الميم وسكون التاء فوقها نقطتان، وبالعين المهملة وبعد الألف نون، ورواه ابن ماجه من رواية سليمان بن موسى عن أبي سارة (¬6) المتعي قال: قلت: يا رسول الله، إن لي نحلًا. قال: "أد العشر" قلت: يا رسول الله احمها لي فحماها لي (¬7). ورواه أحمد والطبراني ولفظه: فحمى لي (¬8) حبلها (¬9). وأبو سارة (¬10) المتعي له صحبة، قيل: اسمه عميرة بن الأعلم وليس ¬

_ (¬1) في (م): أبي شعبة. (¬2) "الجرح والتعديل" 8/ 137. (¬3) سقط من (م) وجاءت قبل ذلك قبل الباب. (¬4) سقط من (م). (¬5) في (م): سعد. (¬6) في (ر): سيارة. (¬7) "سنن ابن ماجه" (1823). (¬8) في (م): له. (¬9) "المسند" 4/ 236، "المعجم الكبير" 22/ 351 (880). (¬10) في (ر): سيارة.

له في الكتب الستة إلا هذا، وهو حديث منقطع، قال البخاري: لم يدرك سليمان أحدًا (¬1) من الصحابة (إلى رسول الله بعشور) بضم العين جمع عشر وهو الجزء من أجزاء العشرة (نحل له) فيه دليل على ما ذهب إليه الشافعي في القول القديم أن فيه الزكاة، وهو العشر (¬2)، وهو مذهب أحمد (¬3)، وروي عن عمر بن عبد العزيز ومكحول والزهري والأوزاعي، وقال مالك (¬4) والشافعي في الجديد (¬5) وابن المنذر: لا زكاة فيه؛ لأنه مائع خرج من حيوان فأشبه اللبن (¬6). وقال أبو حنيفة: إن كان في أرض العشر ففيه الزكاة، وإلا فلا زكاة فيه (¬7) وأما أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - العشور من هلال فلم يجئ به إليه إلا تطوعا، وحمى له الوادي رفقًا به ومعونة ومجازاة له (¬8) لما تطوع به ولو كان سبيله سبيل الواجب لم يخيره عمر (¬9) (وسأله أن يحمي له واديا) أي (¬10): ليرعى فيه نحله (يقال له: سلبة) بفتح السين المهملة وسكون اللام وفتح الباء الموحدة قال البكري في "معجم البلدان": [سلبة بفتح أوله] (¬11) وثانيه ¬

_ (¬1) في الأصول: أحد. والمثبت الصواب. (¬2) انظر: "المجموع" 5/ 452. (¬3) انظر: "المغني" 4/ 183. (¬4) انظر: "الإستذكار" 9/ 286. (¬5) انظر: "المجموع" 5/ 452. (¬6) انظر: "المغني" 4/ 183. (¬7) انظر: "المبسوط" 3/ 19. (¬8) سقط من (م). (¬9) في (م): عمن. (¬10) و (¬11) من (م).

واد لبني متعان (¬1) فحمى له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك الوادي، ورواية الجوزجاني: عن عمر أن ناسا سألوه فقالوا: إن رسول الله أقطع لنا واديا باليمن فيه خلايا من نحل (¬2)، وإنا نجد ناسا يسرقونا. فقال لهم (¬3) عمر: إن أديتم صدقتها من كل عشرة أفراق فرقا حميناها لكم (¬4). (فلما ولي) بفتح (¬5) الواو وتخفيف اللام (عمر بن الخطاب) الخلافة (كتب سفيان بن وهب [الخولاني إلى عمر بن الخطاب يسأله عن ذلك فكتب له عمر - رضي الله عنه -: إن] (¬6) أدى إليك ما كان يؤدي إلى (¬7) رسول الله من عشور نحله فاحم له) احتج به على القول الجديد بأنه لا زكاة في العسل بأن العشر المأخوذ من العسل لم يكن زكاة، وإنما كان في مقابلة ما حصل لهم من الاختصاص بالحمى؛ ولهذا امتنعوا من دفعه إلى عمر حين طالبهم بتخلية الحمى كسائر الناس وقيل: إن العسل المأخوذ كان تطوعًا منهم (¬8) لا زكاة. [وروى عبد الرزاق عن صالح بن دينار أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عثمان بن محمد نهاه أن يأخذ من العسل صدقة، إلا أن يكون أخذها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجمع عثمان أهل العسل فشهدوا أن هلال بن سعد قدم على ¬

_ (¬1) "معجم ما استعجم" 3/ 746. (¬2) في (ر): نجد. (¬3) سقط من (م). (¬4) "المصنف" 4/ 62 (6970). (¬5) في الأصول: بضم. ولعل المثبت الصواب. وهذا وجه، والوجه الثاني: بضم الواو وتشديد اللام. (¬6) و (¬7) و (¬8) من (م).

النبي بالعسل فقال: "ما هذا؟ " قال: صدقة. فأمر برفعها ولم يذكر عشورًا (¬1)، وهذا يدل على أنه (¬2) دفعها تطوعًا] (¬3). (وإلا) أي: وإن لم تؤدوا عشور النحل (فإنما هو) يعني العسل مأخوذ (من ذباب) سمي النحل ذبابا لمشابهته بالذباب في تتبع المراعي الكثيرة العشب (¬4) والغياض النضرة [إنما هو ذباب نبات، أو أنه سببه (غيث)] (¬5) وأضيف الذباب إلى غيث والغيث أصله المطر الذي هو سبب لكثرة العشب والخصب، والمراد أن النحل كالذباب ولا يزال كل منهما يقصد مواضع مواقع المطر (¬6) (يأكله) أي: سبيله سبيل المياه المباحة والمعادن والصيود التي ليس لأحد عليها ملك يأخذها (من شاء) يملكها إذا سبق إليها، وفيه دليل على أن العسل الذي يوجد في الجبال والأراضي الموات حكمها حكم المعدن الظاهر من سبق إلى شيء منه فهو أحق به إلى أن يأخذ قدر حاجته إن شاء، وليس حقيقة الحمى إلا لرعي الدواب، وأما هذا الوادي فيحتمل أنه حماه قبل أن يقوي بيته؛ ليرعى النحل أول زهرة وما نعم من نواره، ويحتمل أن يكون حمى الوادي عن أخذ [عسل نحله ودوابه] (¬7). ¬

_ (¬1) "المصنف" 4/ 61 (6967). (¬2) في (ر): أن. ولعل المثبت الصواب. (¬3) سقط من (م). (¬4) من (م). (¬5) سقط من (م). (¬6) في (ر): القطر. (¬7) في (ر): نحو عسله ورواثه.

[1601] (ثنا أحمد بن عبدة) بسكون الباء الموحدة، ابن موسى (الضبي) ثقة (¬1) قال: (ثنا المغيرة [أحسبه يعني: ابن] (¬2) عبد الرحمن بن الحارث المخزومي) قال الزبير: عرض عليه الرشيد قضاء المدينة وجائزة (¬3) أربعة آلاف دينار فامتنع وكان فقيه المدينة [بعد مالك] (¬4). (قال: حدثني أبي) عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عباس المخزومي. (عن عمرو بن شعيب (¬5)، عن أبيه، عن جده، أن شبابة) بفتح الشين المعجمة والباء الموحدة المكررة وهو (بطن) البطن دون القبيلة (من (¬6) فهم) [بفتح الفاء] (¬7) قبيلة معروفة (فذكر نحوه) أي: أن بني شبابة كانوا يؤدون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نحل كان عندهم العشر و (قال) فيه على نحو ما روى الأثرم وأبو عبيد عن عمرو بن شعيب أنه كان يؤخذ في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قرب العسل: (من كل عشر قرب) بكسر القاف وفتح الراء (قربة) بكسر القاف وسكون الراء من أوسطها والقربة عند الإطلاق مئة رطل؛ بدليل أن القربتين خمس (¬8) وهي خمسمئة ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 1/ 399. (¬2) كذا في الأصول، وفي "السنن": نسبة إلى. (¬3) في (ر): خامره. (¬4) من (م). (¬5) في (ر): سعيد. (¬6) في (م): بن. (¬7) من (م). (¬8) زاد في (م): قرب.

رطل، ويدل على هذا الحديث رواية الترمذي عن نافع عن ابن عمر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العسل: "في كل عشرة أزق زق" (¬1) ثم قال: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم. (وقال سفيان بن عبد الله الثقفي) الطائفي وكانت له صحبة ولي الطائف لعمر، روى عنه (¬2) بنوه [عاصم وعبد الله وعلقمة وعمرو بن الحكم] (¬3). (قال: وكان يحمي [لهم] (¬4) واديين) لعلهما من الطائف كما تقدم (زاد فأدوا إليه ما كانوا يؤدون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[وحمى لهم] (¬5) وادييهم) أي: لا يرعى فيهما (¬6) غيرهم؛ لأن المراعي القريبة إذا لم تحم وشوركت في المرعى (¬7) احتاجت إلى أن تبعد (¬8) في طلب المرعى وتمعن فيه، فيكون ريعها أقل، وقيل: يحمي لهما عسل الواديين، فلا يترك أحدًا يتعرض للعسل الذي بهما. [1602] (ثنا الربيع بن سليمان) المرادي (المؤذن) (¬9) قال: (حدثنا ابن وهب) قال: (أخبرني (¬10) أسامة بن زيد، عن عمرو بن شعيب، عن ¬

_ (¬1) "السنن" (629). (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): عبد الله وعاصم. (¬4) سقط من (م). (¬5) في الأصول: له. والمثبت من "السنن". (¬6) في (م): فيها. (¬7) في (م): الرعاء. (¬8) في (ر): تعقد. (¬9) سقط من (م). (¬10) من (م).

أبيه، عن جده) كما في رواية ابن ماجه وغيره، وتابعه أيضًا عمرو بن الحارث أحد الثقات عن عمرو بن شعيب (أن بطنًا من فهم بمعنى) حديث (المغيرة) بن عبد الرحمن و (قال: ) من كل (عشر قرب قربة) فيه أن زكاة العسل العشر، وأن نصابه عشرة أفرق [وقال أبو يوسف ومحمد: خمسة أوساق؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة" (¬1)] (¬2). وقال أبو حنيفة: يجب في قليله وكثيره (¬3). مبنيا على أن أصله في الحبوب والثمار، والحديث حجة عليهم (وقال) فيه (واديين لهم) أي: وحمى لأجل نحلهم واديين؛ ليرعى فيهما من النوار كما تقدم، ولعل الواديين في مكان واحد، والله أعلم. ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (1447). (¬2) سقط من (م). (¬3) انظر: "المبسوط" 3/ 19.

14 - باب في خرص العنب

14 - باب في خَرْصِ العِنَبِ 1603 - حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ السَّري النّاقِطُ، حَدَّثَنا بِشْرُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ عَتّابِ بْنِ أَسِيدٍ قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُخْرَصَ العِنَبُ كَما يُخْرَصُ النَّخْلُ وَتُؤْخَذُ زَكَاتُهُ زَبِيبًا كَما تُؤْخَذُ زَكاةُ النَّخْلِ تَمْرًا (¬1). 1604 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحاقَ المُسَيَّبي، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ نافِعٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صالِحٍ التَّمّارِ، عَنِ ابن شِهابٍ بِإِسْنادِهِ وَمَعْناهُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَسَعِيدٌ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَتّابٍ شَيْئًا (¬2). 1605 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: جَاءَ سَهْل بْنُ أَبي حَثْمَةَ إِلَى مَجْلِسِنا قَالَ: أَمَرَنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذا خَرَصْتُمْ فَخُذُوا وَدَعُوا الثُلُثَ فَإِنْ لَمْ تَدَعُوا أَوْ تَجِدُوا الثُّلُثَ فَدَعُوا الرُّبُعَ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: الخارِصُ يَدَعُ الثُّلُثَ لِلْحِرْفَةِ (¬3). 16 - باب مَتَى يُخْرَصُ التَّمْرُ 1606 - حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنا حَجّاجٌ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، قَالَ: أُخْبِرْتُ عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُرُوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّها قَالَتْ وَهي تَذكُرُ شَأْنَ خَيْبَرَ: كَانَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - يَبْعَثُ عَبْدَ اللهِ بْنَ رَواحَةَ إِلَى يَهُودِ خَيْبَرَ فَيَخْرِصُ النَّخْلَ حِينَ يَطِيبُ ¬

_ (¬1) رواه النسائي 5/ 109. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (280). (¬2) رواه الترمذي (644)، وابن ماجه (1819). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (280). (¬3) رواه الترمذي (643)، والنسائي 5/ 42، وأحمد 3/ 448. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (281).

قَبْلَ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهُ (¬1) * * * باب الخرص الخرص في اللغة الحزر (¬2). [1605] (ثنا حفص بن عمر، قال: ثنا شعبة، عن خبيب) بضم الخاء المعجمة مصغر (ابن عبد الرحمن) وكذلك جده خبيب بن يساف (¬3) الصحابي، بضم الخاء المعجمة (عن عبد الرحمن بن مسعود) بن نيار وثقه ابن حبان (¬4)، قال الذهبي: على عادته. قال: وتفرد عنه حبيب بن عبد الرحمن. (¬5) وروى هذا الحديث البزار، وقال: لم يروه عن سهل إلا عبد الرحمن بن مسعود قال (¬6): وهذا الحديث رواه الثلاثة والحاكم في "المستدرك"، وقال: صحيح الإسناد. ([قال: جاء سهل] (¬7) بن أبي حثمة) واسم أبي حثمة عبد الله بن ساعدة بن (¬8) عامر الأوسي، ولد سنة ثلاث من الهجرة وسكن الكوفة (إلى مجلسنا فقال: أمرنا رسول الله قال: إذا خرصتم فخذوا) منه إذا ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 163، عبد الرزاق في "مصنفه" (7219)، وإسحاق (904). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (282). (¬2) في (م): الجزاء. (¬3) في (م): أساف. (¬4) "الثقات لابن حبان" 5/ 104. (¬5) "المغني في الضعفاء" 2/ 86، "ميزان الاعتدال" 2/ 589. (¬6) و (¬7) سقط من (م). (¬8) في (ر): في.

صار ثمرًا الثلثين (¬1). (ودعوا الثلث) للمالك بلا (¬2) خرص كما قال الترمذي: إذا أدركت الثمار من الرطب والعنب مما فيه الزكاة بعث السلطان خارصًا يخرص عليهم. قال: والخرص أن ينظر من يبصر ذلك فيقول (¬3): يخرج من (¬4) هذا من الزبيب كذا (¬5) ومن التمر كذا، فيحصي عليهم وينظر العشر من ذلك فيثبت (¬6) عليهم، ثم يخلي بينهم وبين الثمار فيصنعوا ما أحبوا، فإذا أدركت الثمار أخذ منهم العشر، هكذا فسره بعض أهل العلم وبهذا يقول مالك والشافعي وأحمد (¬7) انتهى. وحكي عن الشعبي أن الخرص بدعة، قال أهل الرأي: الخرص ظن وتخمين لا يلزم به حكم، وإنما كان الخرص تخويفًا؛ لئلا يخونوا، واختلف العلماء في مقدار ما يخرص فمذهب الشافعي على المشهور يدخل في الخرص جميع النخل والعنب (¬8) وفيه قول آخر نص عليه الشافعي في القديم أنه يترك للمالك نخلة أو نخلات يأكلها أهلها ¬

_ (¬1) بعدها في (ر): فجذوا الأشجار، أي: أخرصوا له بالجيم نحوها واقطعوه إذا آن. (¬2) في (ر): بثلاث. (¬3) في (ر): فقال. (¬4) من (م). و"سنن الترمذي". (¬5) من (م). و"سنن الترمذي". (¬6) في (ر): فيصب. (¬7) "المغني" 4/ 173 - 174. (¬8) انظر: "الأم" 2/ 42.

وطارقوه، ويختلف ذلك باختلاف حال الرجل في قلة عياله وكثرتهم (¬1). وذكر الماوردي هذا القول على وجه آخر وهو أن يترك لهم الثلث أو الربع فلا يخرصه (¬2) عليهم، بل يتركه (¬3) لهم ليأكلوه [ويخرص الباقي] (¬4) وبه قال أحمد والليث وإسحاق (¬5) وغيرهم، وفهم منه أبو عبيد في كتاب "الأموال" أنه القدر الذي يأكلوه بحسب احتياجهم إليه، فقال (¬6): يترك قدر احتياجهم. قال ابن العربي: المعتمد (¬7) من صحيح النظر أن يعمل بالحديث وهو قدر المؤنة، ولقد جربناه فوجدناه كذلك مما يؤكل رطبًا (¬8). قال: والمرجع في قدر المتروك إلى اجتهاد الساعي، فإن رأى الأكلة كثيرًا ترك الثلث، وإن كانوا قليلًا ترك الربع واستدل لهذا القول بالحديث. قال الحاكم بعد أن صحح إسناد الحديث: وله شاهد بإسناد متفق علئ صحته أن عمر بن الخطاب أمر به ومن شواهده ما رواه ابن عبد البر من طريق ابن لهيعة، عن ابن الزبير، عن جابر مرفوعًا: خففوا في الخرص فإن في (¬9) المال العرية والواطئة: والأكلة (¬10). ¬

_ (¬1) "الأم" 2/ 42. (¬2) في (ر): يخرص. (¬3) في (م): يدعه. (¬4) سقط من (م). (¬5) "مسائل أحمد وإسحاق رواية الكوسج" (675). (¬6) في (ر): فقالوا. (¬7) في (م)، و"فتح الباري": المتحصل. (¬8) "عارضة الأحوذي" 3/ 143. (¬9) سقط من (م). (¬10) "المستدرك" (1464).

قال أبو عبيد: الواطئة السائلة؛ سموا بذلك لوطئهم بلاد الثمار مجتازين (¬1)، والأكلة أرباب الثمار وأهلوهم ومن لصق (¬2) بهم (¬3) والعرية كما في الحديث: "ليس في العرايا صدقة" (¬4). (فإن لم تدعوا) يعني: الثلث (أو تجدوا) بكسر الجيم وتخفيف الدال المهملة، والشك من شعبة الراوي، والمعنى: إذا لم تجدوا بقي من ماله الثلث أكله أهله وجيرانه والمارون، يوضحه رواية النسائي: "فإن لم تجدوا" أو "تدعوا له" (¬5) [شك شعبة، ورواية الحاكم: "فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع" (¬6) من غير شك، ويخرص الباقي] (¬7) (الثلث فدعوا الربع) هو إلى اجتهاد الساعي باعتبار كثرة الأكلة وقلتهم، كما تقدم. وعلى القول المشهور من مذهب الشافعي يكون الحديث محمولًا على أن يترك الثلث أو الربع لرب المال عند أخذ الزكاة؛ ليفرقه (¬8) بنفسه على أقاربه وجيرانه (¬9)، ولا يؤخذ جميع ما خرص عليه وحمله بعضهم على ما إذا لم يرض المالك بما خرص عليه فإنما يمنعه من ¬

_ (¬1) في (ر): مجتاجزين. (¬2) في (ر): يضف. (¬3) زاد في (م): بل. (¬4) "الأموال": لأبي عبيد ص 487 - 488. (¬5) "السنن الكبرى" (2282). (¬6) "المستدرك" (1464). (¬7) من (م). وجاءت هذِه العبارة قبل ذلك في (ر) بعد قوله: (مما يؤكل رطبا). (¬8) في (م): ليصرفه. (¬9) "الحاوي الكبير" 3/ 222.

التصرف إلا في مقدار الثلث أو الربع؛ ليتصرف، ويحسب (¬1) عليه زكاته بنسبة (¬2) ما يجيء من الباقي. (قال أبو داود: الخارص يدع الثلث للحرفة) بضم الحاء وإسكان الراء أي: لما يجتنبه الآكلون من أرباب الأموال وأهاليهم وأضيافهم (وكذا قال يحيى القطان) وهو يحيى بن سعيد بن فروخ القطان التيمي. * * * باب خرص العنب [1603] (ثنا عبد العزيز بن السري) بصري تفرد به أبو داود. قال: (ثنا بشر بن منصور) السليمي العابد ثقة (¬3). (عن عبد الرحمن بن إسحاق) بن عبد الله بن الحارث المدني، قال أبو داود: قدري (¬4) ثقة لما طلب القدرية أيام (¬5) مروان هرب إلى البصرة (¬6). (عن الزهري عن سعيد بن المسيب، عن عتاب بن أسيد) قال أبو داود: سعيد لم يسمع من عتاب شيئًا [أسيد بضم] (¬7) الهمزة بن أبي ¬

_ (¬1) في (م): تجب. (¬2) في (ر): بعينه. (¬3) "تهذيب الكمال" 4/ 153. (¬4) في (م): بدري. (¬5) في (ر): أم، وفي (م): أتا من. والمثبت من "التهذيب". (¬6) "تهذيب الكمال" 16/ 524. (¬7) في (م): أسد بفتح.

العيص القرشي الأموي، أسلم يوم الفتح، استعمله النبي - صلى الله عليه وسلم -[على مكة] (¬1) عام الفتح يوم خروجه إلى حنين وقبض رسول الله وهو عامل عليها، وأقره أبو بكر عليها إلى أن مات يوم موت أبي بكر. (قال: أمر (¬2) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نخرص العنب) قال المنذري: أنقطاعه ظاهر؛ لأن مولد سعيد في خلافة عمر ومات عتاب يوم مات أبو بكر (¬3). وسبقه إلى ذلك ابن عبد البر، وقد رواه الدارقطني (¬4) بسند فيه الواقدي، فقال: عن سعيد بن المسيب، عن المسور بن مخرمة، عن عتاب، قال النووي: هذا الحديث وإن كان مرسلًا لكنه اعتضد برواية الأئمة (¬5). (كما يخرص النخل) كاف التشبيه تقتضي أن النخل هو الأصل في الزكاة منه والخرص (¬6)، ورواية الترمذي في زكاة الكروم أنها تخرص كما يخرص النخل، وإنما جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - النخل أصلًا لوجهين: أحدهما أن خيبر فتحت سنة سبع من الهجرة، وبعث إليها - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن رواحة ليخرصها كما سيأتي، فكان خرص النخل (¬7) معروفًا عندهم فلما فتحت الطائف كان العنب عندهم (¬8) فيها كثيرًا فجعل خرصه ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (ر): أمرنا. (¬3) "مختصر سنن أبي داود" للمنذري 2/ 211. (¬4) 3/ 49 (2044). (¬5) "المجموع" 5/ 451. (¬6) كذا في الأصول. ولعل هناك انقطاعا. (¬7) زاد في (م): معه. (¬8) سقط من (م).

كخرص النخل المعروف عندهم. وثانيها: أن النخل كان عندهم أكثر وأشهر فصارت أصلًا لكثرتها. (وتؤخذ زكاته زبيبا) فيه أن الخرص يكون (¬1) بالعنب ثم يقدر بالزبيب؛ لأن الأعناب تتفاوت وإذا [قدر بالزبيب] (¬2) أخذت زكاته زبيبًا؛ لأنه حال الكمال وحين الادخار والمؤنة التي تلزم تجفيف (¬3) الرطب والعنب إلى حين الإخراج على رب المال؛ لأن الثمرة (¬4) كالماشية ومؤنة الماشية ورعيها والقيام بها إلى حين الإخراج على ربها. وفي الحديث دليل على أن غير الرطب والعنب كالزرع والزيتون لا مدخل للخرص فيه، ولا خلاف في الزرع، وأما الزيتون فلا خرص فيه على المذهب وإن قلنا بالضعيف (¬5) أن الزكاة تجب فيه وإنما اختص الخرص (¬6) بالرطب والعنب لأن ثمرة النخل مجتمعة في عروقه والعنب في عناقيده فيظهر للخارص وبهذا قال أحمد ومالك، وقال (¬7) الزهري: والأوزاعي والليث [يخرص الزيتون] (¬8)؛ لأنه ثمر تجب فيه الزكاة فيخرص كالرطب والعنب، وأجيب بأن الزيتون لا نص في ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ر): قدرنا زبيبًا، والمثبت من (م). (¬3) في (ر): تخفيفًا. (¬4) في (ر): العمرة. (¬5) في (م): بالضعف. (¬6) من (م). (¬7) سقط من (م). (¬8) سقط من (م).

خرصه ولا هو في معنى المنصوص فبقي على الأصل (¬1) (كما تؤخذ صدقة النخل تمرًا) حال (¬2) رواية الترمذي: كما تؤدى زكاة العنب (¬3) زبيبًا. [1604] (ثنا محمد بن إسحاق) بن محمد المخزومي الشعبي (¬4) روى له مسلم، قال الزبيري (¬5): لا أعلم في قريش (¬6) أفضل منه قال: (ثنا عبد الله بن نافع) بن أبي نافع الصائغ، قال ابن معين: ثقة (¬7) (عن محمد بن صالح التمار، عن ابن شهاب بإسناده ومعناه). [1606] قال: (ثنا يحيى بن معين) بفتح الميم إمام المحدثين قال: (ثنا حجاج، عن) عبد الملك (ابن جريج، قال: أخبرت (¬8) عن ابن شهاب عن عروة، عن عائشة أنها قالت وهي تذكر شأن) فتح (خيبر) رواية الدارقطني (¬9) من حديث جابر: لما فتح الله على رسوله خيبر أقرهم وجعلها بينه وبينهم و (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبعث عبد الله بن رواحة إلى يهود) خيبر (ويخرص) عليهم (النخل) رواية ابن ماجه: كان يبعث على الناس من يخرص كرومهم (¬10) وثمارهم (¬11). ¬

_ (¬1) "المغني" 4/ 179. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): النخل. (¬4) بياض في (ر). (¬5) من (م). (¬6) في (م): نجد من. (¬7) "تاريخ ابن معين" برواية الدارمي ترجمة 532. (¬8) في (ر): أخبرني. (¬9) (2052). (¬10) في (م): زكوتهم. (¬11) (1819).

(حين تطيب الثمرة) فيه أنه يستحب خرص الرطب والعنب الذين تجب فيهما الزكاة عند بدو صلاحها، وحكى العمراني عن الضمري رواية وجه أنه يجب؛ لأن فائدة الخرص معرفة قدر الزكاة واحتياج الملاك إلى الأكل منها إنما تدعو إليه الحاجة حين يبدو الصلاح في الثمرة ويطيب أكلها، وتجب الزكاة فيها (قبل أن يؤكل منه) فلا يجوز للمالك أن يأكل من الثمرة شيئًا حتى تخرص ويتعين قدر المساكين.

17 - باب ما لا يجوز من الثمرة في الصدقة

17 - باب ما لا يَجُوزُ مِنَ الثَّمَرَةِ في الصَّدَقَةِ 1607 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمانَ، حَدَّثَنا عَبّادٌ، عَنْ سُفْيانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ أَبي أُمامَةَ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الجُعْرُورِ وَلَوْنِ الحُبَيْقِ أَنْ يُؤْخَذا في الصَّدَقَةِ. قَالَ الزُّهْري: لَوْنَيْنِ مِنْ تَمْرِ المَدِينَةِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَأَسْنَدَهُ أَيْضًا أَبُو الوَلِيدِ عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ كَثِيرٍ، عَنِ الزُّهْرَيِّ (¬1). 1608 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْنُ عاصِمٍ الأَنْطاكي، حَدَّثَنا يَحْيَى - يَعْني: القَطّانَ - عَنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، حَدَّثَني صالِحُ بْنُ أَبي عَرِيبٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مالِكٍ قَالَ: دَخَلَ عَلَيْنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - المَسْجِدَ وَبِيَدِهِ عَصًا وَقَدْ عَلَّقَ رَجُلٌ مِنّا قِنًا حَشَفًا فَطَعَنَ بِالعَصا في ذَلِكَ القِنْوِ وقَالَ: "لَوْ شاءَ رَبُّ هذِه الصَّدَقَةِ تَصَدَّقَ بِأَطْيَبَ مِنْها". وقَالَ: "إِنَّ رَبَّ هذِه الصَّدَقَةِ يأْكُلُ الحَشَفَ يَوْمَ القِيامَةِ" (¬2). * * * باب ما لا يجوز في التمر (¬3) من الصدقة [1607] (ثنا محمد بن يحيى) بن عبد الله (بن فارس) الذهلي الحافظ، روى له البخاري أحاديث، قال ابنه يحيى: دخلت على أبي وقت القائلة في الصيف وهو في بيت كتبه (¬4) وبين يديه السراج وهو ¬

_ (¬1) رواه النسائي 5/ 43. بنحوه. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1425). (¬2) رواه النسائي 5/ 43، وابن ماجه (1821)، وأحمد 6/ 28. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1426). (¬3) في (م): الثمر. (¬4) في (م): كبير.

يصنف، فقلت: يا أبة في هذا الوقت ودخان هذا السراج، فلو نفست عن نفسك. فقال: يا بني تقول هذا وأنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والتابعين، قال أبو عمرو الخفاف: رأيت محمد بن يحيى في النوم فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي. قلت: ما فعل بعلمك، قال: كتب بماء الذهب ورفع في عليين. قال: (ثنا سعيد بن سليمان) يعرف بسعدويه الضبي، قال أبو حاتم: ثقة مأمون (¬1)، قال: (ثنا عباد) بن العوام، قال ابن عرفة: سألني وكيع عن عباد بن العوام أتحدث عنه؟ قلت: نعم. قال: ليس عندكم أحد يشبهه (¬2). (عن سفيان بن حسين) بن حسن الواسطي، قال النسائي. ليس به بأس إلا في الزهري (¬3). [ورواه ابن أبي حاتم، عن سليمان بن كثير، عن الأزهر كما سيأتي أي] (¬4) (عن الزهري، عن أبي أمامة) أشهل (¬5) (ابن سهل، عن أبيه) سهل بن حنيف - رضي الله عنه -. (قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن) لونين من التمر (الجعرور) بضم الجيم وإسكان العين وضم الراء الأولى، قال الأصمعي: هو ضرب قليل (¬6) من الدقل يحمل شيئًا صغارًا لا خير فيه (¬7). قال الجوهري: هو أردأ ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 4/ 26. (¬2) "تهذيب الكمال" 14/ 142. (¬3) "تهذيب الكمال" 11/ 141. (¬4) من (م). (¬5) في (م): أسعد. (¬6) سقط من (م). (¬7) "تاج العروس" (جعر).

التمر (¬1)، ومنهم من جعله وسطًا، والحديث يدل على ما قاله الجوهري. (ولون حبيق) بضم الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة مصغر [منسوب إلى ابن حبيق] (¬2) قال الأصمعي: عذق الحبيق: ضرب من الدقل [يحمل شيئًا صغارًا] (¬3) رديء (¬4). وفيه دليل على أنه لا يجوز إخراج الرديء من التمر، وهو ثلاثة ألوان (¬5): الجعرور، ولون حبيق، ومصران الفأرة، وهذا فيما إذا كان ماله جيدًا كالبرين (¬6) واللين، أو كان [غالب ماله] (¬7) منهما، فإن اختلفت الأنواع التي عنده فإنه يخرج من كل نوع بقسطه، بخلاف نظيره في المواشي فإنه تقدم فيه خلاف في أنه يخرج من غالبها أم من كل نوع بقسطه، والفرق أن الشقص (¬8) في الحيوان محدود بخلافه في الثمار، ألا ترى أنا إن قلنا: يخرج بالقسط (¬9) في المواشي نعتبر قيمة (¬10) الأنواع، ويأخذ واحدة واحدة (¬11) بمقتضى التوزيع، ولا ¬

_ (¬1) "الصحاح في اللغة" (جعر). (¬2) سقط من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) "لسان العرب" (جعر). (¬5) في (م): أنواع. (¬6) في (م): كالبري. (¬7) في (م): غالبه. (¬8) في (م): التقسط. (¬9) في (م): به بقسطه بالقسط. (¬10) في (م): فيه. (¬11) سقط من (م).

يأخذ بعضًا من هذا وبعضًا من ذاك، وهنا بخلافه، وطرد القاضي ابن كج القولين، والمشهور الأول. (أن يؤخذا في الصدقة) [نسخة: يؤخذ] (¬1) أي: الزكاة، ويجوز (¬2) أن يحمل على التطوع؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} (¬3) ورواه ابن أبي حاتم: ولفظه (¬4) نهى عن لونين من التمر: الجعرور ولون حبيق، وكان الناس يتيممون شرار ثمارهم ثم (¬5) يخرجونها في الصدقة، فنزلت الآية وفي رواية له: كان أناس مما لا يرغبون في الخير يأتي [بالقنو الحبيق] (¬6) والشقص ويأتي بالقنو قد انكسر فيلعقه فنزلت {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ} فكنا بعد ذلك يجيء الرجل بصالح (¬7) ما عنده. (فقال الزهري: لونان من تمر المدينة) وذكر أبو محمد الجويني في كتاب الفروق أن تمر المدينة مائة وعشرون نوعًا: ستون أحمر، وستون أسود. (قال أبو داود: وأسنده أيضًا أبو الوليد) هشام [بن عبد الملك] (¬8) ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) سقط من (م). (¬3) البقرة: 267. (¬4) من (م). (¬5) من (م). (¬6) في (م): بالصف والخشف. (¬7) في (م): الصالح. (¬8) سقط من (م).

الطيالسي (عن سليمان بن كثير) العبدي (عن الزهري) مثله، وقد روى النسائي هذا الحديث من طريق عبد الجليل بن حميد اليحصبي، عن الزهري، فذكر نحوه. وكذا رواه ابن وهب عن عبد الجليل. [1608] (ثنا نصر بن عاصم الأنطاكي) له رحلة ومعرفة، تفرد عنه أبو داود والفريابي [(حدثنا يحيى يعني: القطان عن عبد الحميد بن جعفر) بن عبد الله الأنصاري الأوسي قال ابن سعد: كثير الحديث، ثقة (¬1)] (¬2) [قال: (حدثنا، (¬3) صالح بن أبي عريب) بفتح العين [المهملة وفي بعضها: ابن غريب. والأول أصح] (¬4) ابن حرمل (¬5) بن كليب الحضرمي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬6) (عن كثير بن مرة) الحضرمي الحمصي قال ابن سعد: ثقة (¬7) (عن عوف بن مالك) بن أبي مالك الأشجعي أول مشاهده خيبر، وكانت معه راية أشجع يوم الفتح. (قال: دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد وبيده عصًا) كان له - صلى الله عليه وسلم - قضيب يسمى الممشوق من شوحط بفتح الشين المعجمة والحاء المهملة بينهما واو ساكنة، والشوحط ضرب من شجر الجبال يتخذ منه القسي، ولكثرة ملازمته له كان - صلى الله عليه وسلم - يوصف بأنه صاحب القضيب (¬8) ¬

_ (¬1) "الطبقات الكبرى" "القسم المتمم" 329. (¬2) سقط من (م). (¬3) و (¬4) من (م). (¬5) في (م): ابن بن حرمل. والصواب ما أثبتناه، انظر: "تهذيب الكمال" 13/ 73. (¬6) (8565). (¬7) "تهذيب الكمال" 24/ 159. (¬8) في (م): القصير.

والهراوة (وقد علق رجل) في المسجد (منا قنوًا) وفي بعض النسخ: قنا. بكسر القاف والقصر، وفي بعضها: علق رجل منا. قال الجوهري: القنو: العذق، أي: يكون فيه الشماريخ، قال: والجمع قنوان وأقناء [قال: والقنا] (¬1) مقصور، مثل القنو والجمع أقناء (¬2) (حشفا) هو الذي يجف من غير نضج، وهو أردأ التمر، ويقال: أحشفًا وسوء كيلة (وقال: لو شاء رب هذِه الصدقة) أي: مالكها الذي يتصدق بها (تصدق بأطيب) صفة لمحذوف تقديره: تصدق بتمر أطيب (من هذا). وروى ابن أبي حاتم عن البراء: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} (¬3) نزلت فينا؛ كنا أصحاب نخل، وكان الرجل يأتي بالقنو فيعلقه في المسجد، وكان أهل الصفة ليس لهم طعام، فكان أحدهم إذا جاع جاء فضربه بعصاه فيسقط من التمر والبسر فيأكل، وكان أناس ممن لا يرغبون في الخير يأتي بالقنو الحشف والشيص، ويأتي بالقنو قد انكسر فيعلقه فنزلت: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} (¬4). وكذا رواه الترمذي عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، عن عبيد الله هو ابن موسى العنسي عن إسرائيل، عن السدي، وهو إسماعيل بن عبد الرحمن، عن أبي مالك الغفاري واسمه غزوان، عن البراء، وقال: حديث حسن (¬5). ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "الصحاح في اللغة" (قنا). (¬3) البقرة: 267. (¬4) "تفسير ابن أبي حاتم" (2795). (¬5) "سنن الترمذي" (2987).

وفيه النهي عن التصدق بالرديء. روى ابن أبي حاتم عن ابن معقل: لا يتصدق الرجل بالحشف والدرهم الزيف وما لا خير فيه (¬1). وروى الإمام أحمد بسنده عن عائشة: أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بضبٍّ فلم يأكله ولم ينه عنه. قلت: يا رسول الله، نطعمه (¬2) المساكين؟ قال: "لا تطعموهم مما لا تأكلون" (¬3). (وقال: إن رب هذِه الصدقة ليأكل) [نسخة: يأكل] (¬4). (الحشف يوم القيامة) فيه أن الإنسان يعذب يوم القيامة بجنس ما كان يعمل في الدنيا كما تقدم [في حديث] (¬5) "أتحبين [نسخة: أيسرك] (¬6) أن يسورك الله بهما يوم القيامة؟ ". ¬

_ (¬1) "تفسير بن أبي حاتم" (2799). (¬2) في (م): يطعم. (¬3) 6/ 123 (24961). (¬4) سقط من (م). (¬5) من (م). (¬6) سقط من (م).

18 - باب زكاة الفطر

18 - باب زَكاةِ الفِطْرِ 1609 - حَدَّثَنا مَحْمُودُ بْنُ خالِدٍ الدِّمَشْقي وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّمَرْقَنْدي، قالا: حَدَّثَنا مَرْوانُ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: حَدَّثَنا أَبُو يَزِيدَ الخَوْلاني - وَكَانَ شَيْخَ صِدْقٍ وَكَانَ ابن وَهْبٍ يَرْوي عَنْهُ - حَدَّثَنا سَيّارُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ مَحْمُودٌ الصَّدَفي: عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زَكَاةَ الفِطْرِ طُهْرَةً لِلصّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ والرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَساكِينِ مَنْ أَدّاها قَبْلَ الصَّلاةِ فَهي زَكاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدّاها بَعْدَ الصَّلاةِ فَهي صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقاتِ (¬1). * * * باب زكاة الفطر [1609] (ثنا محمود بن خالد) (¬2) بن يزيد السلمي (الدمشقي) قال أبو حاتم: ثقة رضا (¬3) (وعبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن بهرام (السمرقندي) الحافظ الدارمي (¬4)، قال بندار: حفاظ الدنيا أربعة: أبو زرعة، والبخاري، والدارمي، ومسلم (¬5) (قالا: حدثنا مروان) بن حسان الطاطري وهي ثياب ينسب إليها من الكرافس (¬6) (قال عبد الله) بن عبد الرحمن: (ثنا أبو يزيد) (¬7) المصري الصغير (الخولاني، وكان) ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (1827). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1427). (¬2) في (ر): غيلان. (¬3) سقط من (م). وانظر: "الجرح والتعديل" 8/ 292. (¬4) في (م): الداري. (¬5) سقط من (م). وانظر: "تهذيب الكمال" 15/ 214. (¬6) في (م): الكرافيس. (¬7) في (م): زيد.

هو (شيخ صدق) أي: شيخ صدوق كما قال ابن ماجه ([وكان ابن وهب يروي عنه، عن سيار) بتقديم السين (بن عبد الرحمن قال محمود) بن خالد (الصدفي) بفتح الدال وكسر الفاء المصري: قال أبو زرعة: لا بأس به (¬1). (عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) احتج به جمهور أئمة الفتوى على أن زكاة الفطر واجبة؛ فإن عرفه الشرعي معناه أوجب وهي داخلة في عموم قوله تعالى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} (¬2) وذهب بعض أهل العراق وبعض أصحاب مالك [إلى سنتها] (¬3) وحكاه أصحاب "الشامل" و"البحر" و"البيان" عن أبي الحسين بن اللبان الفرضي من أصحابنا، وحكى البيهقي (¬4) وابن المنذر (¬5) الإجماع على وجوبها وهو يدل على ضعف الرواية عمن قال بسنتها (¬6). والقائلون بأنها سنة رأوا أن (فرض) هنا بمعنى قدر وهو أصله في اللغة كما قال تعالى {أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} (¬7). (زكاة الفطر) بكسر الفاء، وهذِه اللفظة مولدة ليست بعربية ولا معربة بل اصطلاحية، وهي من الفطرة التي هي الخلقة، قال أبو عمرو: لم أجدها بتاء التأنيث في كلام المتقدمين، لكن وجدت أبا محمد ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 4/ 256. (¬2) البقرة: 43. (¬3) زيادة بها يستقيم السياق. (¬4) "السنن الكبرى" 4/ 159. (¬5) "الإجماع" 108، "الإقناع" 1/ 81. (¬6) انظر: "المجموع" 6/ 104. بمعناه. (¬7) البقرة: 236.

الأثيري ذكرها في كتاب "حقائق الآداب" [بالنصب حال] (¬1)، قال: معناها زكاة الخلقة [زكاة البدن] (¬2) وسميت هذِه الصدقة زكاة لأنها (¬3) (طهرة) أي تطهر النفس ولأنها مطهرة (للصائم) أي: صيام رمضان، [استدل به سعيد بن المسيب والحسن البصري على أنها لا تجب إلا على من صام. وأجيب: بأن التطهير خرج على الغالب، كما أنها تجب على من لم يذنب وعلى من أسلم قبل الغروب] (¬4). (من اللغو) وهو ما لا ينعقد عليه القلب من القول (والرفث) قال ابن الأثير: الرفث هنا هو الفحش من الكلام (¬5)، وسميت الأعمال (¬6) الصالحة (¬7) زكاة لأنها ينمو بها عمل فاعلها ويرتفع قدره وبالعمل فسر قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4)} (¬8) أي (¬9): العمل الصالح. (وطعمة) بضم الطاء، وهو الطعام الذي يؤكل (للمساكين) قال العلماء: كان سببه أن العبادات التي تطول ويشق التحرز عن الأمور (¬10) التي يفوت كمالها جعل الشارع فيها كفارة مالية جبرًا؛ لما يحصل في العبادة من النقص كالهدي في الحج، وقال وكيع: زكاة ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) و (¬3) من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) انظر: "النهاية" 3/ 201. (¬6) في (ر): الأعلام. والمثبت من (م). (¬7) في الأصول: الصلاة. والمثبت الصواب. (¬8) المؤمنون: 4. (¬9) في (م): أنها. (¬10) في (ر): الأموال.

الفطر لرمضان كسجدتي السهو للصلاة تجبر نقصان الصوم كما يجبر السجود نقصان الصلاة (من أداها قبل الصلاة) أي: قبل صلاة العيد، فيه دليل للشافعي (¬1) ومالك (¬2) والجمهور على أنه يستحب إخراجها قبل صلاة العيد، ولا يجوز تأخيرها عن يوم العيد؛ ليستغني بها المساكين عن السؤال في يوم سرور المؤمنين. (فهي زكاة مقبولة) لعل المراد بالزكاة هنا العمل الصالح كما تقدم في قوله {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4)}، ولهذا حكم الشارع فيها بالقبول من الله، وهذا يدل على أن العبادات الموسعة إذا فعلت في أول وقتها كانت مقبولة كالصلاة على أول وقتها والحج في (¬3) أول زمان الاستطاعة والزكاة أول وقت وجوبها ونحو ذلك (ومن أداها بعد الصلاة) أي: بعد صلاة عيد الفطر. أي: في يوم العيد (فهي صدقة من الصدقات) التي [يتصدق بها] (¬4) الآدمي وأمر القبول فيها موقوف على مشيئة الله، وأما تأخيرها عن يوم العيد فحرام بالاتفاق؛ لأنها زكاة فيجب أن يكون في تأخيرها إثم، كما في إخراج الصلاة عن وقتها. ¬

_ (¬1) "المجموع" 6/ 126. (¬2) "المدونة" 1/ 385. (¬3) من (م). (¬4) في (م): يتصدقها.

19 - باب متى تؤدى

19 - باب متَى تُؤَدى 1610 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن مُحَمَّدٍ النُّفَيْلي، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قَالَ: أَمَرَنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِزَكاةِ الفِطْرِ أَنْ تُؤَدى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاةِ. قَالَ: فَكَانَ ابن عُمَرَ يُؤَدِّيها قَبْلَ ذَلِكَ بِاليَوْمِ واليَوْمَيْنِ (¬1). * * * باب متى تؤدى [1610] (ثنا [عبد الله بن محمد] (¬2) النفيلي) قال (ثنا زهير) قال (ثنا موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر قال: أمرنا رسول الله بزكاة الفطر [أن تؤدى] (¬3) قبل خروج الناس إلى الصلاة) فاستدل به على كراهة تأخيرها عن الصلاة، وحمله ابن حزم على التحريم، قال ابن عيينة في "تفسيره": عن عمرو بن دينار، عن عكرمة قال: يقدم الرجل زكاته يوم الفطر بين يدي صلاته، [قال تعالى] (¬4): {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} (¬5). (وكان ابن عمر يؤديها قبل ذلك باليوم واليومين) فيه دليل على جواز تقديم صدقة الفطر بيوم أو يومين؛ لأن تقديمها بهذا القدر لا يخل ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1509)، ومسلم (986). (¬2) من "السنن". (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): فإن الله تعالى يقول. (¬5) الأعلى: 14 - 15.

بالمقصود منها، لأن الظاهر أنها تبقى أو بعضها إلى يوم العيد فيستغني عن الطواف والطلب فيه، وبه قال أحمد (¬1) لأن البخاري قال في آخر حديث ابن عمر: كانوا يعطون قبل الفجر بيوم أو يومين (¬2) وهذا إشارة إلى جميع الصحابة، فيكون ذلك إجماعًا ولو أخرجها (¬3) قبل ذلك بكثير فات المقصود، وقال بعض الحنابلة: يجوز تعجيلها من بعد نصف شهر رمضان كما يجوز تعجيل أذان الفجر، والدفع من مزدلفة بعد نصف الليل، وقال الشافعي: يجوز تقديمها من أول شهر رمضان؛ لأن سبب الصدقة الصوم والفطر عنه، فإذا وجد أحد الشيئين جاز تعجيلها كزكاة المال بعد ملك النصاب (¬4). وقال (¬5) أبو حنيفة: يجوز تعجيلها من أول الحول؛ لأنها زكاة فأشبهت زكاة المال (¬6). ¬

_ (¬1) البخاري (1511). (¬2) "المغني" 4/ 300 - 301. (¬3) في (م): أخرها. (¬4) "المغني" 4/ 300. (¬5) في (م): كان. (¬6) انظر: "المبسوط" 3/ 122.

20 - باب كم يؤدى في صدقة الفطر

20 - باب كَمْ يُؤَدى في صَدَقَةِ الفِطْرِ 1611 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنا مالِكٌ - وَقَرَأَهُ عَلَى مالِكٍ أَيْضًا - عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَضَ زَكاةَ الفِطْرِ - قَالَ: فِيهِ فِيما قَرَأَهُ عَلي مالِكٌ - زَكاةُ الفِطْرِ مِنْ رَمَضانَ صاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ صاعٌ مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ المُسْلِمِينَ (¬1). 1612 - حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّكَنِ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَهْضَمٍ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ نافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زَكاةَ الفِطْرِ صاعًا، فَذَكَرَ بِمَعْنَى مالِكٍ زادَ: والصَّغِيرِ والكَبِيرِ وَأَمَرَ بِها أَنْ تُؤَدى قَبْلَ خُرُوجِ النّاسِ إِلَى الصَّلاةِ (¬2). قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَواهُ عَبْدُ اللهِ العُمَري عَنْ نافِعٍ بِإِسْنادِهِ قَالَ: عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَرَواهُ سَعِيدٌ الجُمَحي عَنْ عُبَيْدِ اللهِ عَنْ نافِعٍ قَالَ فِيهِ: مِنَ المُسْلِمِينَ والمَشْهُورُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ لَيْسَ فِيهِ مِنَ المُسْلِمِينَ. 1613 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ أَنَّ يحيَى بْنَ سَعِيدٍ وَبِشْرَ بْنَ المُفَضَّلِ حَدَّثاهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ ح، وَحَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا أَبانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ فَرَضَ صَدَقَةَ الفِطْرِ صاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ عَلَى الصَّغِيرِ والكَبِيرِ والحُرِّ والمَمْلُوكِ زادَ مُوسَى والذَّكَرِ والأُنْثَى. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ: فِيهِ أَيُّوبُ وَعَبْدُ اللهِ - يَعْني: العُمَري - في حَدِيثِهِما عَنْ نافِعٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى. أَيْضًا (¬3). 1614 - حَدَّثَنا الهَيْثَمُ بْنُ خالِدٍ الجُهَني حَدَّثَنا حُسَيْنُ بْنُ عَلي الجُعْفي، عَنْ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1504)، ومسلم (984). (¬2) رواه البخاري (1503). (¬3) رواه البخاري (1511 - 1512).

زائِدَةَ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أَبي رَوّادٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ النّاسُ يُخْرِجُونَ صَدَقَةَ الفِطْرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ أَوْ سُلْتٍ أَوْ زَبِيبٍ. قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَلَمّا كانَ عُمَرُ - رضي الله عنه - وَكَثُرَتِ الحِنْطَةُ جَعَلَ عُمَرُ نِصْفَ صاعِ حِنْطَةٍ مَكانَ صاعٍ مِنْ تِلْكَ الأَشْياءِ (¬1). 1615 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَسُلَيْمانُ بْنُ دَاوُدَ العَتَكي قالا: حَدَّثَنا حَمّادٌ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نافِعٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَعَدَلَ النّاسُ بَعْدُ نِصْفَ صاعٍ مِنْ بُرٍّ. قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللهِ يُعْطي التَّمْرَ فَأَعْوَزَ أَهْلَ المَدِينَةِ التَّمْرُ عامًا فَأَعطى الشَّعِيرَ (¬2). 1616 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنا دَاوُدُ - يَعْني ابن قَيْسٍ - عَنْ عِياضِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْري قَالَ: كُنّا نُخْرِجُ إِذْ كانَ فِينا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زَكَاةَ الفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ صاعًا مِنْ طَعامٍ أَوْ صاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صاعًا مِنْ زَبِيبٍ فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُهُ حَتَّى قَدِمَ مُعاوِيَةُ حاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا فَكَلَّمَ النّاسَ عَلَى المِنْبَرِ فَكَانَ فِيما كَلَّمَ بِهِ النّاسَ أَنْ قَالَ: إِنّي أَرى أَنَّ مُدَّيْنِ مِنْ سَمْراءِ الشّامِ تَعْدِلُ صاعًا مِنْ تَمْرٍ فَأَخَذَ النّاسُ بِذَلِكَ. فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَمّا أَنا فَلا أَزالُ أُخْرِجُهُ أَبَدًا ما عِشْتُ (¬3). قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَواهُ ابن عُلَيَّةَ وَعَبْدَةُ وَغَيْرُهُما، عَنِ ابن إِسْحاقَ، عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُثْمانَ بْنِ حَكِيمِ بْنِ حِزامٍ، عَنْ عِياضٍ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ بِمَعْناهُ، وَذَكَرَ رَجلٌ واحِدٌ فِيهِ، عَنِ ابن عُلَيَّةَ أَوْ صاعَ حِنْطَةٍ. وَلَيْسَ بِمَحْفُوظٍ. 1617 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ أَخْبَرَنا إِسْماعِيلُ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الحِنْطَةِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَقَدْ ذَكَرَ مُعاوِيَة بْنُ هِشامٍ في هذا الحَدِيثِ، عَنِ الثَّوْري عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عِياضٍ، عَنْ ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني 2/ 145. ورواه النسائي 5/ 53، دون ذكر قصة عمر. وضعف الزيادة الألباني في "ضعيف أبي داود" (283). (¬2) رواه البخاري (1507)، ومسلم (984). (¬3) رواه البخاري (1508)، ومسلم (985).

أَبي سَعِيدٍ: نِصْفَ صاعٍ مِنْ بُرٍّ. وَهُوَ وَهَمٌ مِنْ مُعاوِيَةَ بْنِ هِشامٍ أَوْ مِمَّنْ رَواهُ عَنْهُ (¬1). 1618 - حَدَّثَنا حامِدُ بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنا سُفْيانُ ح، وَحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حدَّثَنا يَحْيَى عَنِ ابن عَجْلانَ سَمِعَ عِياضًا قَالَ: سَمِعْتُ أَبا سَعِيدٍ الخُدْري يَقُولُ: لا أُخْرِجُ أَبَدًا إلَّا صاعًا، إِنّا كُنّا نُخْرِجُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صاعَ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ أَقِطٍ أو زَبِيبٍ. هذا حَدِيثُ يَحْيَى زادَ سُفْيانُ أَوْ صاعًا مِنْ دَقِيقٍ قَالَ حامِدٌ: فَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ فَتَركَهُ سُفيانُ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: فهذِه الزِّيادَةُ وَهَمٌ مِنِ ابن عُيَيْنَةَ (¬2). * * * باب كم تؤدى صدقة الفطر [1611] (ثنا عبد الله (¬3) بن مسلمة) بن قعنب القعنبي (قال: قرأت على مالك) وقال القعنبي: (وقرأه) يعني: أيضًا (على مالك) أي: قرأته عليه وسمعته من قراءته (أيضًا عن نافع (¬4)، عن ابن عمر - رضي الله عنه - أن [رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬5) فرض) زكاة الفطر، وإضافة الزكاة إلى الفطر إن قلنا: المراد به الفطر المعتاد في سائر الشهر، فيكون وجوب صدقة الفطر متعلقًا (¬6) بغروب الشمس ليلة العيد، وهو الصحيح عند ¬

_ (¬1) لم أقف عليه موصولا. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (285). (¬2) رواه البخاري (1506)، ومسلم (985). وزيادة سفيان رواها النسائي 5/ 52. وهي وهم كما ذكر المصنف. وضعفها الألباني في "ضعيف أبي داود" (286). (¬3) في (ر): محمد. (¬4) في (م): مالك و. (¬5) من (م). (¬6) في الأصول: متعلق. والصواب المثبت.

الشافعي (¬1) ومالك (¬2) وأحمد (¬3)، وقال الليث وأبو ثور وأصحاب الرأي: تجب بطلوع الفجر يوم العيد (¬4) وهو رواية عن مالك؛ لأنها قربة تتعلق بالعيد، فلم يتقدم وقتها كالأضحية (¬5). وإن قلنا: المراد الفطر الطارئ بعد ذلك في يوم العيد [فيكون الوجوب متعلقًا (¬6) بطلوع فجر يوم العيد وإن قلنا المراد بالفطر ويوم العيد] (¬7) فتجب بمجموع الوقتين، وفي المسألة ثلاثة أقوال للشافعي: أصحها الأول (¬8). (قال فيه فيما قرأه على مالك زكاة الفطر من رمضان) استدل به على أن وقت وجوبها غروب الشمس ليلة العيد (¬9)؛ لأنه وقت الفطر من رمضان، وقيل: وقت وجوبها طلوع الفجر من يوم العيد؛ لأن الليل ليس محلًّا للصوم، وإنما يثبت (¬10) الفطر الحقيقي بالأكل بعد طلوع الفجر، والثاني قول أبي حنيفة (¬11) والليث والشافعي في القديم (¬12) والرواية عن مالك (¬13) ويقويه قوله: فأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى المصلى (¬14)، واستدل بقوله: زكاة الفطر من رمضان على ¬

_ (¬1) "المجموع" 6/ 125. (¬2) "الاستذكار" 9/ 352. (¬3) انظر: "المغني" 4/ 298. (¬4) انظر: "المبسوط" 3/ 120. (¬5) انظر: "المغني" 4/ 299. (¬6) في الأصول: متعلق. والمثبت الصواب. (¬7) من (م). (¬8) انظر: "المجموع" 6/ 126. (¬9) في (م): الفطر. (¬10) في (م): تبين. (¬11) انظر: "المبسوط" 3/ 120. (¬12) انظر: "المجموع" 6/ 126 - 127. (¬13) "المدونة" 1/ 385. (¬14) في (م): الصلاة.

من قال: معنى (¬1) صدقة الفطر صدقة الخلقة (صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير) فيه دليل على أن (¬2) الواجب في الفطرة على كل نفس صاع، لم تختلف الطرق عن ابن عمر في الاقتصار (¬3) على التمر والشعير إلا ما سيأتي في طريق عبد العزيز الآتية، ورواية: فزاد فيه السلت والزبيب، ولهذا وقع الاتفاق على جواز إخراجهما (على كل حر أو عبد) ظاهره إخراج العبد عن نفسه، ولم يقل به إلا داود فقال: يجب على السيد أن (¬4) يمكن عبده من الاكتساب لها (¬5) كما يجب عليه أن يمكنه من الصلاة. وخالفه أصحابه والناس، واحتجوا بحديث أبي هريرة مرفوعًا: "ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر" (¬6) كما تقدم، وفي رواية لمسلم: "ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة إلا صدقة الفطر" (¬7) في الرقيق، وظاهره أنها على السيد، وهل تجب عليه ابتداء أو تجب على العبد ثم يتحملها السيد؟ وجهان، وإلى الثاني نحا البخاري، قيل: إن (على) هنا بمعنى (عن) كقول الشاعر: إذا رضيت علي بنو قشير ... لعمرو الله أعجبني رضاها (¬8) ويؤيده قوله: أو عبد، والعبد لا يجب عليه شيء، وإنما يجب على ¬

_ (¬1) و (¬2) من (م). (¬3) في (م) الاقتضاء. (¬4) سقط من (م). (¬5) من (م). (¬6) "صحيح مسلم" (982) (10). (¬7) "صحيح مسلم" (982) (8). (¬8) انظر: "الكامل في اللغة والأدب" 2/ 141 ونسبه للعامري.

سيده (ذكر أو أنثى) ظاهره وجوبها على المرأة سواء كان لها زوج أم لا، وبه قال الثوري وأبو حنيفة (¬1) وابن المنذر (¬2) وابن أشرس من (¬3) المالكية، وقال مالك (¬4) والشافعي (¬5) والليث وأحمد: تجب على زوجها؛ إلحاقًا بالنفقة (¬6). و [رد بأنهم] (¬7) قالوا: إن أعسر وكانت الزوجة أمة وجبت فطرتها على السيد، بخلاف النفقة. واتفقوا على أن المسلم لا يخرج عن زوجته الكافرة مع أن نفقتها تلزمه، وإنما احتج الشافعي بما رواه البيهقي: أدوا صدقة الفطر عمن تمونون (¬8). والزوجة ممن يمونها الزوج (¬9). (من المسلمين) فيه حجة على أبي حنيفة في قوله: يخرج صدقة (¬10) الفطر عن [عبده الكافر (¬11)] (¬12) لأن قوله (من المسلمين) يقتضي اختصاص هذا الحكم بالمسلمين، والأصل براءة الذمة فيجب ¬

_ (¬1) انظر: "المبسوط" 3/ 116 - 117. (¬2) انظر: "الإجماع" (110). (¬3) سقط من (م). (¬4) "المدونة" 1/ 389. (¬5) "الأم" 2/ 89. (¬6) انظر: "المغني" 4/ 302. (¬7) ليست في (م). (¬8) "السنن الكبرى" 4/ 161. (¬9) انظر: "المجموع" 6/ 113 - 114 بمعناه. (¬10) في (م): زكاة. (¬11) انظر: "المبسوط" 3/ 114. (¬12) في (م): عبيده الكفار.

استصحاب ذلك، فإن قيل: التفسير بالإسلام راجع إلى من تجب عليه لا فيمن تجب عنه، وكذا تكون طهرة وزكاة. والجواب: أن التقييد ورد في آخر الحديث بعد ذكر من تجب عليه وعنه، فوجب صرفها إلى جميعهم. [1612] (حدثنا يحيى بن محمد بن السكن) البصري البزاز ثقة (¬1). (قال: ثنا محمد بن جهضم) اليمامي مولى ثقيف ثقة (¬2) (¬3). قال: (حدثنا إسماعيل بن جعفر) المدني (عن عمر بن (¬4) نافع) روى له الشيخان (عن أبيه) نافع مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة (¬5) الفطر صاعًا، فذكر بمعنى) حديث (مالك وزاد: والصغير والكبير) وظاهره وجوبها على الصغير، لكن المخاطب عنه وليه فوجوبها على هذا في مال الصغير، وإلا فعلى من يلزمه نفقته، هذا قول الجمهور. وقال محمد بن الحسن: هي (¬6) على الأب مطلقًا، فإن لم يكن له أب فلا شيء عليه (¬7). وعن سعيد بن المسيب والحسن البصري: لا تجب إلا على من صام (¬8). ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 31/ 520. (¬2) سقط من (م). (¬3) "تهذيب الكمال" 25/ 15. (¬4) في (ر): عن. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (م): هذا. (¬7) "المبسوط" 2/ 250 - 252، 317 - 318. (¬8) "الإجماع" لابن المنذر مسألة رقم 111.

واستدلا بالحديث المتقدم: صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث (¬1). وأجيب: بأن ذكره التطهير خرج على الغالب، كما أنها تجب على من لا يذنب كمتحقق الصلاح أو من أسلم قبل غروب الشمس بلحظة. ونقل ابن المنذر: الإجماع على أنها لا تجب على الجنين. قال: وكان أحمد يستحبه ولا يوجبه (¬2). ونقل بعض الحنابلة (¬3) رواية عنه بالإيجاب (¬4). وبه قال ابن حزم لكن قيده بمئة وعشرين يومًا (¬5) من يوم الحمل (¬6)، وتعقب (¬7) بأن الحمل غير محقق، وبأنه لا يسمى صغيرًا لا عرفًا ولا لغة (¬8). (وأمر بها أنها تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) فيه: أنه لا يجوز تأخيرها إلى ما (¬9) بعد صلاة العيد. حكاه البغوي عن نص (¬10) الشافعية. قال ابن الرفعة بوجوب الإخراج قبل الصلاة لم يتعد لدلالة الأمر على الوجوب قبل فعلها (¬11). ¬

_ (¬1) "مصنف عبد الرزاق" 3/ 318 (5786). (¬2) سبق برقم (1609). (¬3) في النسخ الخطية: المالكية. والمثبت من "فتح الباري". (¬4) "المغني" 4/ 316. (¬5) سقط من (م). (¬6) "المحلى" 6/ 132. (¬7) في (م): به ويعين. (¬8) "فتح الباري" 3/ 432. (¬9) سقط من (م). (¬10) في (م): بعض. (¬11) في (م): أصلا.

(قال أبو داود: ورواه عبد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم (العمري، عن نافع بإسناده، وقال) فيه: (على كل مسلم) فيه حجة على أنها لا تجب على الكافر؛ لأنه ليس أهلًا (¬1) للتطهير وكما لا تجب عليه زكاة ماله وليس مخاطبًا بأدائها، وإن كانت تجب عليه في الباطن بمعنى: أنه يعاقب على تركها في الدار الآخرة، ولا تجب عليه في غيره إلا في ثلاث صور على اختلاف فيها إذا ملك رقيقًا مسلمًا عبدًا أو أمة، أو كان له قريب مسلم يلزمه نفقته. (ورواه (¬2) سعيد) بن عبد الرحمن قاضي عسكر المهدي أيام الرشيد. (الجمحي) بضم الجيم (عن عبيد الله) بالتصغير (عن نافع، وقال فيه: من المسلمين، والمشهور عن عبيد الله) بالتصغير (¬3) (ليس فيه: من المسلمين) كما تقدم. [1613] (حدثنا مسدد (¬4) أن يحيى بن سعيد) القطان (وبشر بن المفضل حدثاهم، عن عبيد الله) بالتصغير أيضًا (وحدثنا موسى بن إسماعيل) قال: (حدثنا أبان، عن عبيد الله، عن نافع، عن عبد الله، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه فرض صدقة الفطر صاعًا من شعير أو تمر على الصغير والكبير والحر والمملوك) هو أعم من العبد؛ لإطلاقه على العبد والأمة فلا يجب على واحد منهما فطرة نفسه، ولا فطرة زوجته ¬

_ (¬1) "كفاية النبيه" 6/ 29 - 30. (¬2) في (م): وروى. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): فرد.

وولده، والمملوك هو كالعبد (¬1) لعدم وجوب الفطرة عليه؛ لأن المملوك لا يملك، وإن ملَّكه سيده وعلى القول الضعيف أنه يملك إذا املكه سيده عبدًا لا تجب فطرته عليه أيضًا؛ لضعف ملكه، ولا على سيده لزوال ملكه عنه بالتمليك، وكذا لا يجب على المكاتب فطرة نفسه لرقه (¬2)، ولا على زوجته وعبده إلا على وجه ضعيف. (زاد موسى بن إسماعيل: والذكر والأنثى) كما تقدم. [1614] (حدثنا الهيثم بن خالد (¬3) الجهني) وهو ثقة (¬4) تفرد عنه أبو داود. قال: (حدثنا حسين بن علي بن الوليد الجعفي) قال أحمد: ما رأيت أفضل منه ومن سعيد بن عامر (¬5) (عن زائدة) بن قدامة حجة صاحب سنة (¬6) قال: (حدثنا (¬7) عبد العزيز بن أبي رواد) (¬8) واسم أبي رواد (¬9) مضمون، ويقال: أيمن بن بدر المكي ثقة مرجئ عابد. (عن نافع، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان الناس يخرجون صدقة الفطر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاعًا من شعير أو) صاعًا من (تمر أو سُلت) بضم السين المهملة، وسكون اللام بعدها ¬

_ (¬1) في (م): كالغلة. (¬2) و (¬3) من (م). (¬4) "تهذيب الكمال" 30/ 378. (¬5) "تهذيب الكمال" 6/ 551. (¬6) "الجرح والتعديل" 3/ 613. (¬7) من (م). (¬8) و (¬9) في (م): داود.

مثناة تحت نوع من الشعير فهو كالحنطة في ملاسته (¬1)، وكالشعير في برودته وطبعه (أو زبيب) وفيه: دليل على جواز إخراج السلت للتصريح به في الحديث، لكن رواه النسائي من رواية أبي سعيد (¬2). أو صاعًا من سلت [قال: ثم شك سفيان بعد فقال: دقيق أو سلت] (¬3). وقد ذكر في هذا الحديث والذي بعده بيان أنواع الجنس الذي يجزئ إخراج الفطرة منه، وهو كل قوت يجب إخراج العشر منه. قال ابن الرفعة: وهو ثلاثة عشر جنسًا: الزبيب، والتمر، والقمح والشعير، [والأرز، والعدس، والحمص، والباقلاء، واللوبيا، والدخن والذرة، والجلبان، والماش بعضها منصوص عليه] (¬4) في الخبر، والباقي مقيس عليه (¬5). انتهى. ولم يذكر السلت المنصوص عليه فيها. (قال عبد الله: فلما كان عمر وكثرت) بالثاء المثلثة (¬6) بعد الكاف (الحنطة جعل عمر نصف صاع حنطة مكان صاع من تلك الأشياء) أي: مكان صاع من الشعير ونحوه، وهكذا (¬7) الحديث حكم فيه مسلم في كتاب "التمييز" (¬8) على عبد العزيز بن (¬9) أبي رواد فيه بالوهم، ¬

_ (¬1) في (ر): ملامسه. (¬2) في (م): شعبة. (¬3) من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) في (ر): بالمثلثة. (¬6) "كفاية النبيه" 6/ 40. (¬7) في (ر): هذا. (¬8) "التمييز" ص 211. (¬9) سقط من (م).

وأفصح (¬1) الرد عليه. قال ابن عبد البر: قول ابن عيينة عندي أولى ولا أعلم في القمح خبرًا ثابتًا، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتمد عليه، ولم يكن البر بالمدينة في ذلك الوقت إلا الشيء اليسير منه فلما كثر في زمن (¬2) الصحابة رووا أن نصف صاع منه يقوم مقام صاع من شعير وهم الأئمة، فغير جائز أن يعدل عن قولهم إلا (¬3) إلى قول مثلهم، ثم أسند عن عثمان وعلي وأبي هريرة وجابر وابن عباس وابن الزبير وأمه أسماء بنت أبي بكر بأسانيد صحيحة أنهم رأوا أن في زكاة الفطر نصف صاع من قمح. انتهى (¬4). وهذا نصير منه إلى اختيار ما ذهب إليه الحنفية. [1615] (حدثنا مسدد وسليمان بن داود العتكي) الزهراني الحافظ نزيل بغداد (قالا: حدثنا حماد) بن زيد (عن أيوب (¬5)، عن نافع قال: قال عبد الله: فعدل الناس بعد) بني على الضم؛ لأنه قطع عن الإضافة تقديره فلما كان زمن معاوية عدل الناس بعد إخراج صاع من شعير إلى (نصف صاع من بر) فيه حجة لعثمان بن عفان وابن الزبير ومعاوية أنه يجزئ نصف صاع من البر خاصة. (قال) نافع: (وكان عبد الله) بن عمر (يعطي التمر، فأعوز أهلَ) بالنصب (المدينة التمرُ) بالرفع. ¬

_ (¬1) في (ر): أوضح. (¬2) سقط من (م). (¬3) من (م). (¬4) "التمهيد" 4/ 137، "الاستذكار" 9/ 360. (¬5) في (م): أبي أيوب.

قال الجوهري (¬1): أعوزه الشيء إذا احتاج إليه فلم [يقدر عليه (¬2)] (¬3) (عامًا) منصوب على الظرفية، أي: في عام (¬4). (فأعطى الشعير) فيه أن من قدر على التمر لا يخرج الشعير، ويدل على ما اختاره أحمد بن حنبل ومالك وغيرهما أن التمر خير من الشعير؛ لما روى الإمام أحمد بإسناده إلى (¬5) أبي مجلز (¬6)، قال: قلت لابن عمر إن الله أوسع، والبر أفضل من التمر، فقال: إن أصحابي سلكوا طريقًا، وأنا أحب أن أسلكه (¬7). وظاهر هذا أن جماعة أصحابه كانوا يخرجون التمر، فأحب ابن عمر موافقتهم وسلوك طريقهم، وأحب أحمد أيضًا الاقتداء بهم؛ ولأن التمر فيه قوت وحلاوة، وهو أقرب تناولًا وأقل كلفة فكان أولى (¬8). والأصح عند الشافعي أن الشعير خير من التمر، [لأنه أبلغ في الاقتيات، وأن التمر خير من الزبيب، ويؤخذ من هذا أن الشعير خير من الزبيب؛ لأنه خير من التمر] (¬9) الذي هو خير منه (¬10). ¬

_ (¬1) زاد في (م): أي. (¬2) "الصحاح في اللغة" (عوز). (¬3) في (ر): يعدل فيه. والمثبت من (م)، و"الصحاح". (¬4) في (م): تمام. (¬5) في (م): عن. (¬6) في (م): مخلد. (¬7) انظر: "المغني" 4/ 291 - 292. (¬8) رواه ابن بطة من طريق الإمام أحمد في "الإبانة الكبرى" (99). (¬9) سقط من (م). (¬10) "الأم" 2/ 92 بمعناه.

[1616] (ثنا القعنبي) قال: (ثنا [داود بن قيس]) (¬1) الفراء الدباغ المزني، كان ثقة من العباد (¬2) (عن عياض) بكسر العين المهملة (ابن عبد الله) بن سعد بن أبي سرح العامري. (عن أبي سعيد الخدري، قال: كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله [زكاة الفطر]) (¬3) هذا حكمه الرفع لإضافته للوقت الذي كان فيه رسول الله فيهم، وفيه إشعار باطلاعه - صلى الله عليه وسلم - على ذلك وتقريره عليه ولا سيما في هذِه الصورة التي كانت توضع عنده وتجمع بأمره وهو الآمر بقبضها وتفريقها. (عن كل صغير أو كبير حر أو مملوك صاعًا من طعام) قال الخطابي وغيره: قد كانت لفظة الطعام تستعمل على ما ذكر أهل العلم عندهم عند الإطلاق على الحنطة خاصة (¬4) حتى إذا قيل: أذهب إلى سوق الطعام. فهم منه سوق القمح، وإذا غلب العرف دلت اللفظة عليه، ويدل عليه قوله على إثره ([أو صاعًا من أقط] (¬5): أو صاعًا من شعير أو صاعًا من تمر أو صاعًا من زبيب) فعدد أصناف الأقوات عندهم في الحضر والبدو لم يذكر البر (¬6) باسمه الأخص وهو أفضل أقواتهم اكتفاءً بما تقدم من اسمه وهذا أولى مما قال بعضهم: أن الطعام عام وأن ما ¬

_ (¬1) في (م): قيس بن داود. (¬2) "تهذيب الكمال" 8/ 441. (¬3) من (م). (¬4) انظر: "مختصر سنن أبي داود" المرفق معه "معالم السن" 2/ 218. (¬5) من "السنن". (¬6) في (ر): البزر. والمثبت من (م).

بعده من ذكر عطف الخاص على العام؛ لأن عطف الخاص على العام لا يكون غالبًا إلا فيما إذا كان الخاص أفضل أنواع العام (¬1) كقوله تعالى: {وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} (¬2) بعد ذكر الملائكة؛ لكونه أفضلهم، وأيضًا فأصل العطف يقتضي المغايرة بين الطعام وبين ما ذكر ما بعده، وإذا ثبت أن الطعام البر ففيه دليل لما قاله مالك والشافعي، والجمهور أنه لا يجزئ (¬3) في فطرة البر إلا صاع (¬4) (¬5) خلافًا لأبي حنيفة في تجويزه نصف صاع (¬6). (فلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُهُ حتّى قَدِمَ مُعَاوِيَةُ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا) هكذا رواية مسلم (فَكَلَّمَ النَّاسَ عَلَى المِنْبَرِ) زاد ابن خزيمة: وهو يومئذ خليفة ([فَكانَ فِيما كَلَّمَ بِهِ النَّاسَ أَنْ قال: ] (¬7) إِنِّي أَرى أَنَّ مُدَّيْنِ) فيه تصريح بأن هذا رأي رآه؛ لا أنه سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - (مِنْ سَمْراءِ) بفتح السين (¬8) وإسكان الميم والمد هي الحنطة، ونسبت إلى (الشام) لأن غالب برهم كان من الشام فأضيفت (¬9) إليها. ¬

_ (¬1) في (ر): قبله. (¬2) البقرة: 98. (¬3) في (م): يجوز. (¬4) في الأصول: صاعًا. والمثبت الصواب. (¬5) انظر: "الاستذكار" 9/ 357، و"الأم" 2/ 89. (¬6) انظر: "المبسوط" 3/ 125. (¬7) من (م). (¬8) في (م): المهملة. (¬9) في (م): فأضيف.

(تَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ) هذا هو الذي يعتمده أبو حنيفة وموافقوه في جواز نصف صاع من حنطة (¬1). والجمهور يجيبون عنه بأنه قول صحابي. وقد خالفه أبو سعيد الراوي وغيره ممن هو أطول صحبة وأعلم بأحوال النبي - صلى الله عليه وسلم -. وإذا اختلف الصحابة لم يكن بعضهم أولى من بعض فيرجع إلى دليل آخر. ووجدنا ظاهر الأحاديث والقياس متفقة على اشتراط الصاع [من الحنطة] (¬2) كغيرها فوجب اعتماده. (فأخذ الناس بذلك) في (¬3) صنيع معاوية وموافقة الناس له دلالة على جواز الاجتهاد للصحابة ومن بعدهم، وهو محمود، لكنه مع وجود النص فاسد الاعتبار. (فقال أبو سعيد: فأما أنا فلا أزال أخرجه أبدًا ما عشت) فيه فضيلة أبي سعيد، وما كان عليه من شدة الاتباع والتمسك بالأحاديث النبوية والآثار وترك الاجتهاد مع وجود (¬4) النص وهو قوله: "أو صاعًا من حنطة" كما سيأتي فإن هذا الاجتهاد فاسد الاعتبار. (قال: ورواه) إسماعيل بن (¬5) إبراهيم (ابن علية) بالتصغير الإمام الحافظ كان يقول: من قال: ابن علية فقد اغتابني، ولي المظالم ببغداد زمن هارون الرشيد وحدث بها إلى أن مات. (وعبدة) بإسكان الموحدة، ابن سليمان الكلابي المقرئ (وغيرهما ¬

_ (¬1) انظر: "المبسوط" 3/ 125. (¬2) سقط من (م). (¬3) زاد قبلها في (ر): فيه. وهي زيادة مقحمة. (¬4) و (¬5) سقط من (م).

عن) محمد (ابن إسحاق، عن عبد الله بن عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام) الأسدي الحزامي، وروى له النسائي أيضًا. (عن عياض) بن (¬1) عبد الله بن أبي سرح (عن أبي سعيد بمعناه) المتقدم (وذكر رجل واحد فيه عن) إسماعيل (ابن علية) وقال فيه (أو صاعًا من حنطة) وأخرج ابن خزيمة والحاكم في صحيحيهما من طريق ابن إسحاق عن عبد الله بن عبد الله بن عثمان بن حكيم، عن عياض بن عبد الله قال: قال أبو سعيد وذكروا عنده صدقة رمضان فقال: لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاع (¬2) تمر، أو صاع حنطة، أو صاع شعير أو صاع أقط فقال رجل من القوم: أو (¬3) مدين من قمح؟ فقال: لا، تلك قيمة معاوية لا أقبلها ولا أعمل بها (¬4). انتهى. (وليس بمحفوظ) وكذا قال ابن خزيمة: ذكر الحنطة في خبر أبي سعيد غير محفوظ ولا أدري ممن الوهم (¬5). وفي رواية الدارقطني أيضًا: فقال رجل: مدين من قمح (¬6). ولابن خزيمة: فكان ذلك أول ما ذكر الناس المدين (¬7). وهذا يدل على وهن ما تقدم عن عمر وعثمان إلا أن يحمل على أنه كان لم يطلع على ذلك من قضيتهما. ¬

_ (¬1) في (م): عن. (¬2) و (¬3) زاد في (م): من. (¬4) "صحيح ابن خزيمة" (2419)، "المستدرك" 1/ 411. (¬5) "صحيح ابن خزيمة" 4/ 89. (¬6) "سنن الدارقطني" 2/ 145 (30). (¬7) "صحيح ابن خزيمة" 4/ 86.

[1617] ([حدثنا مسدد، أخبرنا إسماعيل، ليس فيه ذكر الحنطة] (¬1) قال أبو داود: وقد ذكر معاوية بن هشام) القصار الكوفي مولى بني أسد. قال ابن معين: صالح وليس بذاك. وقال أبو داود: ثقة (في هذا الحديث عن) سفيان (الثوري، عن زيد بن أسلم، عن عياض، عن أبي سعيد: نصف صاع من بر. وهو وهم من معاوية بن هشام) القصار (أو) [نسخة: من غيره] (¬2) (ممن رواه (¬3) عنه) من النقلة. [1618] (حدثنا حامد بن يحيى) البلخي، ثقة (¬4) من (¬5) أعلم الناس بابن عيينة. قال: (حدثنا سفيان) بن عيينة (ح، وحدثنا مسدد) قال: (حدثنا يحيى) ابن سعيد القطان. (عن ابن عجلان، أنه سمع عياض) بن عبد الله (قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: لا أخرج أبدًا إلا صاعًا) فيه دليل (¬6) على ما نقل عن أبي حنيفة نصف صاع؛ اعتمادًا على ما فعل معاوية (¬7)، فقد فعل ذلك بالاجتهاد بناءً على أن قيم ما عدا الحنطة متساوية، وكانت الحنطة إذ ذاك غالية الثمن، لكن يلزم على هذا أن تعتبر القيمة في كل زمان (¬8) ¬

_ (¬1) من "السنن". (¬2) سقط من (م). (¬3) في (ر): روى. (¬4) "تهذيب الكمال" 5/ 327. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (م): رد. (¬7) انظر: "المبسوط" 3/ 125. (¬8) في (م): أثمان.

فيختلف الحال ولا ينضبط وربما لزم في بعض الأحيان (¬1) إخراج آصع (¬2) حنطة، ونظر أبو سعيد إلى الكيل. وأما قول الطحاوي: إن أبا سعيد كان يخرج النصف الآخر تطوعًا (¬3). فلا يخفى (¬4) تكلفه. (إنا كنا (¬5) نخرج على عهد (¬6) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاع تمر أو شعير أو أقط) بفتح الهمزة وكسر القاف، وهو لبن يابس غير منزوع الزبد. وقد اختلف في إجزائه على قولين أحدهما: أنه لا يجزئ؛ لأنه غير مقتات، أو مقتات لا عشر فيه فأشبه اللحم، وكل ثمرة لا عشر فيها. وبه قال أبو حنيفة إلا أنه أجاز إخراجه بدلًا عن القيمة على قاعدته (¬7) وأصحهما - وبه قال مالك وأحمد - يجزئ (¬8) لهذا الحديث الصحيح من غير معارض له. وقال الماوردي: إن صح الحديث وأن أبا سعيد كان يخرج ذلك بأمره - عليه السلام -، أو بعلمه أجزأ قولًا واحدًا، وإن لم [يكن يصح] (¬9) ففيه القولان (¬10). ¬

_ (¬1) في (م): الأخبار. (¬2) من (م). (¬3) "شرح معاني الآثار" 2/ 43 (¬4) في النسخ: يجيء. ولعل المثبت هو الصواب. (¬5) من (م). (¬6) سقط من (م). (¬7) انظر: "المبسوط" 3/ 126. (¬8) انظر: "المغني" 4/ 290. (¬9) في (م): يصحا. (¬10) "الحاوي الكبير" 3/ 384 - 385.

(أو زبيب) ولأبي حنيفة فيه قولان في أن فيه نصف صاع كالبر، أو صاع (¬1) كالشعير (وهذا حديث يحيى) عن ابن عجلان. (زاد سفيان) بن عيينة فيه (أو صاعًا من دقيق) استدل به على جواز إخراج الدقيق كما يجوز إخراج السويق؛ لما في رواية ابن سيرين: دقيق أو سويق. وبه قال أحمد وأبو قاسم الأنماطي؛ لأنه مما يكال ويدخر ويكفي فيه الفقير مؤنة الطحن فأشبه ما لو نزع نوى التمر، ثم أخرجه وتفارق الخبز والهريسة؛ لأنه خرج عن حال الكيل (¬2). ولأن المقصود إشباع المساكين في هذا اليوم، والدقيق في هذا اليوم (¬3) أرفق به وأسرع للانتفاع به والمشهور من مذهب الشافعي (¬4). وبه قال مالك: لا يجزئ (¬5) إخراجه لحديث ابن عمر المتقدم؛ ولأن منافعه نقصت، والنص (¬6) ورد في الحب، وهو يصلح لما لا يصلح له الدقيق والسويق. (قال حامد) بن يحيى: (وأنكروا عليه) الدقيق (فتركه سفيان) بن عيينة يعني: ترك ذكر الدقيق في روايته. (قال أبو داود: هذِه الزيادة وهم من ابن عيينة) وقال البيهقي: روي موقوفًا على ابن عباس من طرق ضعيفة لا تذكر (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: "المبسوط " 3/ 126 بمعناه. (¬2) "المغني" 4/ 294. (¬3) سقط من (م). (¬4) "الأم": 3/ 89. (¬5) "المدونة" 1/ 391. (¬6) في (م): الحديث. (¬7) "السنن الكبرى" 4/ 172.

21 - باب من روى نصف صاع من قمح

21 - باب مَنْ رَوى نِصْفَ صاعٍ مِنْ قَمْحٍ 1619 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَسُلَيْمانُ بْنُ دَاوُدَ العَتَكي قالا: حَدَّثَنا حَمّادُ بْن زَيْدٍ، عَنِ النُّعْمانِ بْنِ راشِدٍ، عَنِ الزُّهْري - قَالَ مُسَدَّدٌ: عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي صُعَيْرٍ - عَنْ أَبِيهِ - وقَالَ سُلَيْمانُ بْنُ دَاوُدَ: عَبْدُ اللهِ بْن ثَعْلَبَةَ أَوْ ثَعْلَبَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي صُعَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "صاعٌ مِنْ بُرٍّ أَوْ قَمْحٍ عَلَى كُلِّ اثْنَيْنِ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، أَمّا غَنِيُّكُمْ فَيُزَكِّيهِ اللهُ وَأَمّا فَقِيرُكُمْ فَيَرُدُّ اللهُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِمّا أَعْطاهُ". زادَ سُلَيْمانُ في حَدِيثِهِ غَني أَوْ فَقِيرٍ (¬1). 1620 - حَدَّثَنا عَلي بْنُ الحَسَنِ الدَّرابَجِرْدي، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنا هَمَّامٌ، حَدَّثَنا بَكْرٌ - هُوَ ابن وائِلٍ - عَنِ الزُّهْري، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَوْ قَالَ: عَبْدِ اللهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - ح، وَحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى النَّيْسابُوري، حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا هَمّامٌ، عَنْ بَكْرٍ الكُوفي - قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى: هُوَ بَكْرُ بْنُ وائِلِ بْنِ دَاوُدَ - أَنَّ الزُّهْري حَدَّثَهُمْ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَطِيبًا فَأَمَرَ بِصَدَقَةِ الفِطْرِ صاعِ تَمْرٍ أَوْ صاعِ شَعِيرٍ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ، زادَ عَلي في حَدِيثِهِ أَوْ صاعِ بُرٍّ أَوْ قَمْحٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ - ثُمَّ اتَّفَقا -، عَنِ الصَّغِيرِ والكَبِيرِ والحُرِّ والعَبْدِ (¬2). 1621 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا ابن جُرَيْجٍ، قَالَ: وقَالَ ابن شِهابٍ قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ: قَالَ ابن صالِحٍ: قَالَ العَدَوي وَإِنَّما هُوَ العُذْري ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 432، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (628)، والطحاوي (3124)، والدارقطني 2/ 148. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (287). (¬2) رواه أحمد 5/ 432، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (629)، وابن خزيمة (2410)، والطحاوي في "المشكل" (3412)، والدارقطني 2/ 147. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1434).

خَطَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - النّاسَ قَبْلَ الفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ بِمَعْنَى حَدِيثِ المُقْرِئِ (¬1). 1622 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حُمَيْدٌ: أَخْبَرَنا عَنِ الحَسَنِ قَالَ: خَطَبَ ابن عَبّاسٍ رَحِمَهُ اللهُ في آخِرِ رَمَضانَ عَلَى مِنْبَرِ البَصْرَةِ فَقَالَ: أَخْرِجُوا صَدَقَةَ صَوْمِكُمْ فَكَأَنَّ النّاسَ لم يَعْلَمُوا فَقَالَ: مَنْ ها هُنا مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ قُومُوا إِلَى إِخْوانِكُمْ فَعَلِّمُوهُمْ فَإِنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ، فَرَضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هذِه الصَّدَقَةَ صاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ نِصْفَ صاعٍ مِنْ قَمْحٍ، عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، فَلَمّا قَدِمَ عَلي - رضي الله عنه - رَأى رُخْصَ السِّعْرِ قَالَ: قَدْ أَوْسَعَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَلَوْ جَعَلْتمُوهُ صاعًا مِنْ كُلِّ شَيء. قَالَ حُمَيْدٌ: وَكَانَ الحَسَنُ يَرى صَدَقَةَ رَمَضانَ عَلَى مَنْ صامَ (¬2). * * * باب من روى (¬3) نصف صاع من قمح [1619] (حدثنا مسدد وسليمان بن داود العتكي) تقدم قبله (قالا: حدثنا حماد بن زيد) الجزري (¬4) (عن النعمان بن راشد) الجزري روى له مسلم (عن الزهري) والبخاري عن عبد الله بن مسلم أخي الزهري. (قال مسدد، عن ثعلبة بن عبد الله بن صُعَيرٍ) بضم الصاد [والعين المهملتين أو ابن أبي صعير له صحبة] (¬5) (عن أبيه) عبد الله بن ثعلبة ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 432، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (629)، وابن خزيمة (2410)، والطحاوي في "المشكل" (3412)، والدارقطني 2/ 147. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1434). (¬2) رواه النسائي 3/ 190، وأحمد 1/ 351. ورواه ابن ماجه (2112) مختصرا. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (288). (¬3) في (م): يروي. (¬4) من (م). (¬5) في (م): فتح العين.

ابن أبي صعير العذري المدني الشاعر حليف بني زهرة (وقال سليمان [بن داود]) (¬1) الزهراني (عن (¬2) عبد الله بن ثعلبة - أو ثعلبة بن عبد الله - بن أبي صعير) ولد قبل الهجرة وقيل: بعدها، وقد حفظ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح رأسه ودعا له، زمن الفتح، توفي سنة سبع، وقيل: سنة تسع وثمانين. ([عن أبيه قال] (¬3): قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ) صدقة الفطر (صاع من بر أو قمح عن (¬4) كل اثنين) فيه (¬5) جواز الصاع عن اثنين، فاستدل (¬6) به أصحاب الرأي (¬7) وحكي عن سعيد بن المسيب وعطاء وطاوس ومجاهد وعمر بن عبد العزيز وعروة بن الزبير وأبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن جبير. وتقدم حجة الجمهور. (صغير أو كبير، حر أو عبد، ذكر أو أنثى) فيه ما تقدم. (أما غنيكم) إذا أخرج زكاة الفطر (فيزكيه الله) بها، أي: يرفعه [الله بها] (¬8) من منازل المنافقين إلى منازل المخلصين. وهذا قول ابن عباس في تفسير هذا الحرف. وقيل: يتقبلها الله منهم ويتوب عليهم. ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) من (م). (¬3) ليست في الأصول، والمثبت من "السنن". (¬4) في "السنن": على. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (م): فالمستدل. (¬7) انظر: "المبسوط" 3/ 125. (¬8) في (م): بهذِه الصدقة.

(وأما فقيركم) إذا أخرجها (فيرد الله عليه أكثر مما أعطى) [يؤيده ويوقره] (¬1) بالبركة التي يودعها الله تعالى فيه، ويقيه من الآفات كما قال تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} (¬2) أي: بما أخرجوه من أموالهم وأرادوا به وجه الله تعالى على أحد التأويلين. وفي "صحيح مسلم": "ما نقصت صدقة من مال" (¬3) وفي رواية: "ما نقص مال من صدقة" (¬4). قال في "المطلب": وفي رواية: بل يزيد. (زاد سليمان بن داود في حديثه: غني أو فقير) ولم يصرح الشافعي وأكثر الأصحاب في ضبط الغنى والفقر إلا [بالغنى باليسير] (¬5) أن يفضل عن قوته وقوت من يلزمه نفقته في يوم العيد صاع واحد (¬6) وأما الفقراء المقيمون في الربط إذا كان لهم معلوم فقال في "المطلب": فإذا وقف على الصوفية مطلقًا، وكل من دخل الرباط قبل غروب الشمس ناويًا المقام لزمته في المعلوم الحاصل للرباط؛ لأنه تعين بالحضور هذا إذا وقف عليهم مطلقًا. فأما إذا اشترط أن يكون لكل واحد منهم قدر قوته للرباط (¬7) من غلة الوقف في كل يوم فلا فطرة عليهم. ¬

_ (¬1) في (م): ويزيده ويوفي. (¬2) الروم: 39 (¬3) (2588). (¬4) رواه الترمذي (2625) من حديث أبي كبشة. (¬5) في (م): بأن المغني باليسار. (¬6) انظر: "الأم" 2/ 86. (¬7) سقط من (م).

وكذا المتفقهة في المدارس وإن كانت جرايتهم بالشهر، وإذا هَلَّ شوال والوقف عليه لزمتهم الفطرة، وإن لم يكونوا قبضوه؛ لأنه ثبت ملكهم على قدر المشاهدة (¬1) من جملة الغلة، وإن لم يقبضوها. [1620] (حدثنا علي بن الحسن) بن أبي عيسى (الدَّارَبَجِرْدِيُّ) بفتح الباء الموحدة مع الجيم وإسكان الراء، نسبة إلى داربجرد، بلدة من بلاد فارس خرج منها جماعة، وثق (¬2) وأكله الذئب سنة 267. قال: (حدثنا عبد الله بن يزيد) المقرئ القصير. قال: (ثنا همام) قال (ثنا بكر هو ابن وائل) بن داود روى له مسلم في النذور. (عن الزهري عن ثعلبة بن عبد الله أو قال: عبد الله بن ثعلبة) قال في "الاستيعاب": هو عبد الله بن ثعلبة بن عبد الله صعير (¬3) العذري، من بني عذرة حليف لبني زهرة (¬4). (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ح، وحدثنا) أبو يحيى (محمد بن يحيى) الذهلي (¬5) (النيسابوري) أحد الأعلام تقدم (¬6). قال: (حدثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (¬7). قال: (حدثنا همام) بن يحيى (عن بكر الكوفي قال) أبو يحيى (محمد ¬

_ (¬1) في (م): المشاهرة. (¬2) في (م): إلى دى. (¬3) في (م): صغيرة. (¬4) "الاستيعاب" 3/ 12. (¬5) سقط من (م). (¬6) سقط من (م). (¬7) في (م): التنوخي.

ابن يحيى، هو: بكر بن وائل (¬1) بن داود أن الزهري حدثهم، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير، عن أبيه) ثعلبة بن صعير. (قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطيبًا فأمر بصدقة الفطر صاع) يحتمل أن يكون منصوبًا على حذف حرف الجر. أي: أمر بصاع (تمر، أو صاع شعير عن كل رأس) أو عن كل واحد (زاد علي) بن الحسن (في حديثه: أو صاع بر أو) صاع (قمح بين اثنين) أخذ به أبو حنيفة كما تقدم. قال القفال: خالف أبو حنيفة الخبر المروي في زكاة الفطر من عشرة أوجه: أحدها: أنه لم يجعل زكاة الفطر فريضة. الثاني: أنه ورد فيه صاعًا من بر. وروي (¬2): صاعًا من طعام، وأوجب نصف صاع من بر. والثالث: أنه أوجب زكاة الكافر (¬3)، وفي الحديث: من المسلمين. الرابع: أنه شرط ملك النصاب في الوجوب. الخامس: أن فيه: عمن تمونون. أتبع الفطرة المؤنة، ومقتضاه وجوب فطرة الزوجة على زوجها وعنده (¬4) لا يجب عليه. السادس: ظاهره يوجب صدقة الابن على الأب خلافًا له. السابع: ظاهره يوجب صدقة الابن الكبير المعسر على أبيه، وعنده لا تجب. ¬

_ (¬1) في النسخ: يحيى. والمثبت من "السنن". (¬2) سقط من (م). (¬3) في (ر): الفطر. والمثبت من (م). (¬4) في (م): عبده.

الثامن: ظاهره يوجب على العبد المشترك خلافًا له. التاسع: ظاهره إيجاب إخراج الحب وعنده يجوز العدول إلى القيمة. العاشر: لم يفصل بين عبد التجارة وعبد القنية، وهو يفصل، وأيضًا فالفطرة جعلت تطهيرًا. والكافر ليس من أهل التطهير. (ثم اتفقا عن الصغير والكبير، والحر والعبد) كما تقدم. [1621] (حدثنا أحمد بن صالح) قال: (حدثنا عبد الرزاق) قال: (أنا ابن جريج قال: وقال ابن شهاب: قال عبد الله بن ثعلبة: قال) أحمد (ابن صالح قال) في حديثه (العدوي) بفتح العين والدال المهملتين. قال أبو داود كما قال في "الاستيعاب": (وإنما هو العذري) من بني عذرة، وحليف لبني زهرة، يكنى أبا محمد. قال (¬1): (خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس قبل الفطر بيومين، بمثل حديث) عبد الله بن يزيد (المقرئ) بهمز آخره. قال محمد بن عاصم: سمعت المقرئ يقول: أنا ما بين التسعين (¬2) إلى المئة، وأقرأت القرآن بالبصرة ستًّا وثلاثين سنة، وها هنا (¬3) بمكة خمسًا وثلاثين سنة. قال الذهبي: كان قد أخذ الحروف، عن نافع بن أبي نعيم، وله اختيار في القراءة، مات سنة ثلاث عشر ومئتين (¬4). [1622] (حدثنا محمد بن المثنى) قال: (حدثنا سهل بن يوسف) ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ر): السبعين. (¬3) في (ر): ها أنا. والمثبت من (م). (¬4) "سير أعلام النبلاء" 10/ 167 - 168.

الأنماطي وثقه ابن معين وغيره قال أحمد: سمعت منه سنة تسعين ومئة (¬1). (قال) حدثنا (حميد) بن تير الطويل. قال أبو حاتم: أكثر أصحاب الحسن (¬2) حميد وقتادة. قيل: إن حميدًا أخذ كتب الحسن فنسخها. ([أخبرنا عن الحسن] قال: خطب ابن عباس في آخر شهر رمضان على منبر البصرة) ولعله في خطبة الجمعة حين صلى بهم (فقال: أخرجوا صدقة صومكم) فيه أنه يستحب للإمام ولمن هو خطيب في بلده أن يعلم الناس في الخطبة ما أمامهم (¬3) من الأحكام التي يحتاجون إليها. (فكأن) بتشديد النون (الناس لم يعلموا) وجوبها عليهم كل سنة. (فقال: من ها هنا من أهل المدينة: قوموا إلى إخوانكم) من المسلمين (فعلموهم) صدقة صومهم (فإنهم لا يعلمون) ثم بين ما أبهم أولًا فقال: (فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذِه الصدقة صاعًا من تمر أو شعير أو نصف) بالنصب (صاع من قمح) قال الجوزجاني: النصف صاع. روايته ليس تثبت ثم قال: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن النعمان، عن الزهري، عن ثعلبة عن أبيه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أدوا صدقة الفطر صاعًا من قمح - أو قال: من بر - عن كل إنسان صغير أو كبير" قال: وإسناده حسن. (على كل حر أو مملوك، ذكر أو أنثى، صغير أو كبير، فلما قدم علي ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 12/ 213. (¬2) في (ر): الحسين. وانظر: "الجرح والتعديل" 3/ 219. (¬3) في (م): أمانهم.

- رضي الله عنه - رأى رخص السعر قال: قد أوسع الله عليكم) فأوسعوا. فيه أن الإنسان إذا كان في ضيق فوسع الله عليه في المال توسع فيما تعين عليه من زكاة الفطر، والأضحية، ونفقة الأهل، وصلة الرحم وغير ذلك. (فلو جعلتموه) يعني: نصف الصاع (صاعًا من كل شيء) تخرجونه. (قال حميد) بن تير (¬1) (وكان الحسن يرى صدقة رمضان على من صام) [من الأحرار والرقيق أو مملوك] (¬2) وكذلك الشعبي لا يرى صدقة الفطر على من لا يجب عليه الصوم؛ لأن الصدقة طهرة من اللغو والرفث الحاصلين في الصوم، وخالفهما جمهور أهل العلم فأوجبوا صدقة الفطر على اليتيم؛ لأنه مسلم فوجبت (¬3) فطرته كما لو كان له أب. وقال محمد بن الحسن: ليس في مال الصغير صدقة (¬4). ¬

_ (¬1) في (ر): جبر. وبياض في (ر). (¬2) سقط من (م). (¬3) في (ر): في جنب. والمثبت من (م). (¬4) "المبسوط" للشيباني 2/ 250، 317 - 318.

22 - باب في تعجيل الزكاة

22 - باب في تَعْجِيلِ الزَّكاةِ 1623 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ الصَّبّاحِ، حَدَّثَنا شَبابَةُ، عَنْ وَرْقاءَ، عَنْ أَبي الزِّنادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ عَلَى الصَّدَقَةِ فَمَنَعَ ابن جَمِيلٍ وَخالِدُ بْنُ الوَلِيدِ والعَبّاسُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ما يَنْقِمُ ابن جَمِيلٍ إلَّا أَنْ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْناهُ اللهُ، وَأَمّا خالِدُ بْن الوَلِيدِ فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خالِدًا فَقَدِ احْتَبَسَ أَدْراعَهُ وَأَعْتُدَهُ في سَبِيلِ اللهِ، وَأَمّا العَبّاسُ عَمُّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَهي عَلي وَمِثْلُها". ثُمَّ قَالَ: "أَما شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ الأَبِ". أَوْ: "صِنْوُ أَبِيهِ" (¬1). 1624 - حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بْنُ زَكَرِيّا، عَن الحَجّاجِ بْنِ دِينارٍ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ حُجَيَّةَ، عَنْ عَلِي أَنَّ العَبّاسَ سَأَلَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - في تَعْجِيلِ صَدَقَتِهِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ فَرَخَّصَ لَهُ في ذَلِكَ. قَالَ مَرَّةً: فَأَذِنَ لَهُ في ذَلِكَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوى هذا الحَدِيثَ هُشَيْمٌ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زاذانَ، عَنِ الحَكَمِ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وِحَدِيثُ هُشَيْمٍ أَصَحُّ (¬2). * * * باب تعجيل الزكاة [1623] (حدثنا الحسن بن) علي (الصباح) قال: (حدثنا شبابة، عن ورقاء) بن عمر اليشكري صدوق صالح (¬3) (عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - عمر بن الخطاب على الصدقة). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1468)، ومسلم (983). (¬2) رواه الترمذي (678)، وابن ماجه (1795). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1436). (¬3) في (ر): ثنا ورقاء بن عمر اليشكري صدوق صالح، عن الحسن بن علي قال ثنا شبابة. والمثبت من (م).

قال القرطبي: ظاهر هذا اللفظ أنها الصدقة الواجبة وإليه صار الجمهور، وعلى هذا يلزم استبعاد منع (¬1) مثل هؤلاء المذكورين، ولذلك قال بعض العلماء: كانت صدقة تطوع. وقد روى عبد الرزاق (¬2) هذا الحديث. وفيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ندب إلى الصدقة .. وذكر الحديث (¬3). قال ابن القصار: وهذا أليق بالقصد فلا (¬4) يظن بأحد منهم منع الواجب فما منع أحد منهم جحدًا ولا عنادًا (¬5)؛ ولأن صدقة التطوع لا يبعث فيها السعاة. (فمنع ابن جميل) قال ابن الأثير: لا يعرف اسمه (¬6) انتهى. لكن وقع في تعليق القاضي الحسين المروزي الشافعي وتبعه الروياني أن اسمه عبد الله. وذكر الشيخ سراج الدين [ابن الملقن: أن ابن بزيزة سماه] (¬7) حميدًا. قال ابن حجر: ولم أره في كتاب ابن بزيزة، ووقع في رواية ابن جريج أبو جهم بن حذيفة بدل ابن جميل. [قال: وهو خطأ؛ لإطباق الجميع على ابن جميل، وقول الأكثر أنه ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) "المصنف" 4/ 18 (6826). (¬3) "المفهم" 3/ 15. (¬4) في (ر): فلما. والمثبت من (م). (¬5) "فتح الباري" 3/ 390، و"المفهم" 3/ 15. (¬6) "جامع الأصول" 12/ 275. (¬7) في (م): المقلب ابن أبي بريرة سما.

كان أنصاريًّا وأما أبو جهم بن حذيفة] (¬1) فهو قرشي، فافترقا (¬2). (وخالد بن الوليد والعباس) بن عبد المطلب (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما ينقم ابن جميل) بكسر القاف، من ينقم، أي: ما ينكر أو ما يكره، من قال: المراد. صدقة التطوع قال: عتب عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - حين شح في التطوع الذي لا يلزمه دفعه. (إلا أن كان فقيرًا فأغناه الله تعالى) زاد البخاري: "ورسوله" وإنما ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفسه؛ لأنه كان سببًا لدخوله في الإسلام. وقيل: كان منافقًا ثم تاب بعد ذلك كما حكاه المهلب وجزم به القاضي حسين في "تعليقه" (¬3) فأصبح غنيًّا بعد فقره بما أفاء الله ورسوله عليه، وأباح لأمته من (¬4) الغنائم. وهذا السياق من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم؛ لأنه إذا لم يكن له عذر إلا (¬5) ما ذكر من أن (¬6) الله أغناه فلا عذر له، وفيه التعريض بكفران النعمة والتقريع بسوء الصنيع في مقابلة الإحسان (¬7). (وأما خالد فإنكم تظلمون خالدًا) هو خطاب منه للعمال على الصدقة حيث لم يحتسبوا له بما أنفق على (¬8) الجهاد من الخيل والعدة، وكان ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) و (¬3) "فتح الباري" 3/ 390. (¬4) من (م). (¬5) في (م): إلى. (¬6) سقط من (م). (¬7) "فتح الباري" 3/ 390. (¬8) في (م): في.

خالد - والله أعلم (¬1) - رأى أن الحاجة قد تعينت للجهاد في سبيل الله، وقد جعل الله للجهاد حظًّا من الزكاة [فرأى أن يخرجها] (¬2) فيه فأخرج زكاته، واشترى بها ما يصلح للجهاد كما يفعله الإمام، ولما تحقق النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك قال: "إنكم تظلمون خالدًا" فإنه قد صرفها مصرفها، وأنتم تطالبون بها. وعند ذلك يكون قول النبي - صلى الله عليه وسلم - إمضاء لما فعله، ويكون معنى قوله: (فقد احتبس) أي: حبس ورفع يده عنها أي: رفع (¬3) عن (أدراعه) جمع درع الحديد (¬4) (وأعتاده) وأعتده (¬5) جمع عتد بفتح المهملة والمثناة فوق، وكذلك الأعتد في غير هذِه الرواية وكلاهما جمع قله وهو [ما يعده] (¬6) الرجل من الدواب والسلاح. وقيل: الخيل خاصة، يقال: فرس عتيد. أي: صلب، [وقيل: معد] (¬7) للركوب، أو سريع الوثب أقوال. وروي أيضًا: أعبده (¬8) جمع عبد، حكاه القاضي عياض (¬9). قال القرطبي: والمعنى أنه أبانها عن ملكه وخلى بين الناس وبينها ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ر): الحديث. والمثبت من (م). (¬5) سقط من (م). (¬6) في (م): بالعدة. (¬7) في (م): أو يعد. (¬8) في (م): أعتدة. (¬9) "مشارق الأنوار" 2/ 64.

(في سبيل الله) لا أنه حبسها في سبيل على التأبيد (¬1) (وأما العباس عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فيه (¬2) تنبيه على عظم رتبته. (فهي (¬3) عليّ) أي: ألتزم بإخراجها عنه (ومثلها) معها. أي: وضعف صدقته؛ ليكون أدفع لعدوه وأنبه لذكره وأقوى في الدفع عنه (¬4) سيتصدق بها ومثلها معها تكرمًا، ثم بين سبب تحمله. (ثم قال: أما شعرت) أي: علمت (أن عم الرجل صنو (¬5) أبيه أو صنو الأب) [بكسر الصاد، كقنو وقنوان، قال الله: {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23)} (¬6)] (¬7) أي: يرجع مع أبيه إلى أصل واحد. ومنه قوله تعالى: {صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} (¬8) وأصله في النخلتين أو النخلات التي (¬9) ترجع إلى أصل (¬10) واحد، وهذا تعظيم لحق العم وتشريفه. ويحتمل أنه يحمل عنه بها (¬11) فيستفاد منه أن الزكاة تتعلق بالذمة كما هو أحد قولي الشافعي (¬12). ¬

_ (¬1) "المفهم" 3/ 16 - 17. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (ر): فهو. والمثبت من (م). (¬4) من (م). (¬5) في (م): فيبني. (¬6) الحاقة: 23. (¬7) ساقطة من (م). (¬8) الرعد: 4. (¬9) من (م). (¬10) ساقطة من (م). (¬11) سقط من (م). (¬12) انظر: "المجموع" 5/ 377.

وقيل: معنى قوله: (علي) أي (¬1): عندي فرض؛ لأنني تسلفت منه صدقة عامين، وقد ورد ذلك صريحًا فيما أخرجه الترمذي وغيره من حديث عليّ (¬2). وفي إسناده مقال، وفي الدارقطني من طريق موسى بن طلحة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنا كنا احتجنا فتعجلنا من العباس صدقة ماله سنتين". وهذا مرسل، ورواه الدارقطني موصولًا بذكر طلحة فيه (¬3) وإسناد المرسل أصح (¬4). وقيل: المعنى استسلف منه قدر صدقة عامين، فأمر بأن يقاضي به من ذلك، واستبعد بأنه لو كان دفع (¬5) لكان - صلى الله عليه وسلم - أعلم عمر [بن الخطاب] (¬6) بأن لا يطالب العباس فليس ببعيد، ولا يجوز أن يحمل عليه بأن معناه يقبضها؛ لأن الصدقة عليه حرام؛ لكونه من بني هاشم، ومنهم من قال: ذلك قبل التحريم، وأبعد من قال: كان هذا في الوقت الذي كان فيه التأديب بالمال، فألزم العباس بامتناعه من أداء الزكاة أن يؤدي ضعفها ووجب عليه؛ لعظم قدره كما قال تعالى: {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} (¬7). واستدل بقضية خالد على جواز (¬8) ¬

_ (¬1) في (م): أن. (¬2) (679). (¬3) "سنن الدارقطني" 2/ 124. (¬4) من (م). (¬5) في (ر): وقع. (¬6) سقط من (م). (¬7) الأحزاب: 30. (¬8) من (م).

إخراج مال الزكاة في شراء السلاح، وغيره من آلات الحرب والإعانة في سبيل الله. وأجاب الجمهور بأن معنى (تظلمونه) أي: بنسبكم إياه إلى منع الزكاة وهو لا يمنع، وكيف يمنع الفرض وقد احتبس أدرعه. وثانيها: أنهم ظنوا أنها للتجارة، فطالبوه بزكاة قيمتها، فأعلمهم بأنه لا زكاة عليه فيما حبس، واستدل بقضية خالد على مشروعية تحبيس الحيوان والسلاح، وأنه يجوز بقاؤه تحت يد محتبسه، وعلى جواز إخراج العروض في الزكاة، وعلى جواز صرف الزكاة إلى نوع واحد. وتعقبه ابن دقيق العيد بأن هذِه واقعة غير محتملة له ولغيره، فلا يتعين الاستدلال، وفيه تنبيه الغافل (¬1) على ما أنعم الله عليه من نعمة الغنى بعد الفقر، والعتب (¬2) على منع الواجب، وذكر الإنسان بما فيه في غيبته، والاعتذار عن بعض الرعية. [1624] (ثنا سعيد بن منصور) قال: (ثنا إسماعيل بن زكريا) الخلقاني ببغداد صدوق اختلف قول ابن معين فيه (¬3). (عن الحجاج بن دينار) الواسطي صدوق (¬4). (عن الحكم) بن عتيبة الكندي (عن حجية) بضم الحاء المهملة وفتح الجيم مصغر، ابن عدي الأسدي الكوفي من تابعي أهل (¬5) الكوفة. قال ¬

_ (¬1) في (ر): على العاقل. (¬2) في (ر): التعب. (¬3) "تهذيب الكمال" 3/ 94، 95. (¬4) "تهذيب الكمال" 5/ 436. (¬5) من (م).

ابن الرفعة: رأيت في سؤالات العجلي (¬1) أنه ثقة (¬2). (عن علي - رضي الله عنه - أن العباس سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - في تعجيل) يحتمل أن يكون عدي سأل بـ (في) والمشهور تعديته بـ (عن) (¬3)؛ لأنه ضمن معنى استأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في تعجيل (صدقته) فيه أنه يستحب لأرباب الأموال أن يعجلوا صدقاتهم إذا حضرهم الساعي، هكذا صرح به القاضي حسين، ولا يجوز للإمام إجبار المالك على تعجيل الصدقة، وقد استدل به على جواز تعجيل الزكاة. وبه قال الحسن وسعيد بن جبير والزهري (¬4) والأوزاعي وأبو حنيفة (¬5) والشافعي (¬6) لكن بشرط وجود سبب وجوب الزكاة، وهو ملك النصاب الكامل، ولا يصح التعجيل قبل ملك النصاب، كما لو عجل عن المعلوفة قبل إسامتها، وعن السائمة والنقد قبل بلوغها نصابًا؛ لأن سبب الوجوب لم يوجد وهو المال الزكوي (¬7)، وهذا في الزكاة العينية (¬8)، أما زكاة التجارة إذا اشترى عرضًا يساوي مئة وعجل زكاة مئتين وحال الحول وهي (¬9) تساوي مئتين (¬10) أجزأه ¬

_ (¬1) في (م): أرايت في الأصوات ابن العجلي. (¬2) "تاريخ الثقات" للعجلي ترجمة (261). (¬3) سقط من (م). (¬4) انظر: "مصنف ابن أبي شيبة" 3/ 39. (¬5) انظر: "المبسوط" 2/ 236. (¬6) انظر: "المجموع شرح المهذب" 6/ 146. (¬7) في (م): الزكاة. (¬8) في (م): المعينة. (¬9) في (ر): هو. (¬10) في (ر): الحول.

المعجل عن الزكاة على ظاهر المذهب؛ لأن الاعتبار بآخر الحول (¬1) وحكي عن الحسن أنه لا يجوز تعجيل الزكاة (¬2). وبه قال ربيعة ومالك (¬3) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تؤدى زكاة قبل حلول الحول" (¬4) [ولأن الحول] (¬5) أحد شرطي الزكاة فلم يجز تقديم الزكاة عليه (قبل أن تحل) بكسر الحاء، أي: قبل أن يحول الحول (فرخص له في ذلك) أي: رخص له في تعجيل الزكاة قبل تمام الحول، وهو قول الجمهور خلافا لابن المنذر وأبي عبيد بن حربويه، ويدل على ذلك الحديث المتقدم في قوله (¬6): "فهي عليّ ومثلها" بناءً على أنه اختار بأنه كان تعجل منه زكاة عامين. ويدل عليه رواية الدارقطني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنا كنا احتجنا إلى مال، فتعجلنا من العباس ماله لسنتين" (¬7). وقد يؤخذ من الحديث أنه لا يجوز التعجيل لأكثر من سنة؛ لأن ما زاد على السنة لما يدخل حولها بحال. وفيه دليل على أن التعجيل رخصة ليس بعزيمة. ([قال مرة: فأذن له في ذلك، قال أبو داود] (¬8): وروى هذا الحديث ¬

_ (¬1) انظر: "المبسوط" 2/ 236 - 238، و"الأم" 2/ 28، و"المجموع" 6/ 146. بمعناه. (¬2) انظر: "الاستذكار" 21/ 45. (¬3) "المدونة" 1/ 335. (¬4) لم أقف عليه بهذا اللفظ، ورواه الترمذي (631) عن ابن عمر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من استفاد مالا فلا زكاة عليه حتى يحول الحول عند ربه". (¬5) سقط من (م). (¬6) "سنن الدارقطني" 2/ 124. (¬7) سقط من (م). (¬8) من "السنن".

هشيم عن منصور بن زاذان) بالزاي والذال المعجمتين، الواسطي. قال ابن سعد: كان ثقة ثبتًا سريع القراءة، كان يريد أن يترسل فلا يستطيع (¬1). قال هشيم: لو قيل لمنصور بن زاذان: إن ملك الموت على الباب ما كان عنده زيادة في العمل، وذلك أنه كان يخرج فيصلي الغداة في جماعة ثم يجلس فيسبح حتى تطلع الشمس، ثم يصلي إلى الزوال، ثم يصلي إلى العصر، ثم يجلس [يسبح إلى الغروب] (¬2)، ثم يصلي المغرب ويصلي إلى (¬3) العشاء الآخرة، [ثم ينصرف إلى بيته] (¬4) فيكتب عنه في ذلك الوقت. قال عباد بن العوام: شهدت جنازة منصور فرأيت النصارى على حدة، واليهود على حدة، والمجوس على حدة. وذكر الذهبي بسنده إلى هشام بن حسان قال: كنت أصلي أنا ومنصور بن زادان جميعًا فكان إذا جاء رمضان ختم القرآن في ما بين المغرب والعشاء (¬5) ختمتين ثم يقرأ إلى الطواسين قبل أن تقام الصلاة [وكان يختم القرآن فيما بين الظهر والعصر، ويختمه فيما بين المغرب والعشاء. واستدل أيضًا عن العلاء] (¬6) قال: أتيت مسجد واسط فأذن ¬

_ (¬1) "الطبقات الكبرى" لابن سعد 7/ 311. (¬2) في (ر): فيسبح إلى المغرب. (¬3) سقط من (م). (¬4) من (م). (¬5) "تاريخ الإسلام" 8/ 544. (¬6) سقط من (م).

مؤذن الظهر فجاء منصور فافتتح الصلاة فرأيته، سجد إحدى عشرة سجدة قبل أن تقام الصلاة (¬1). (عن الحكم، عن الحسن بن مسلم) بن نياق بفتح النون وتشديد المثناة تحت، كان ثقة، ومات قبل شيخه طاوس (¬2). (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) مرسلًا قال (وهو) (¬3) يعني: سند (¬4) (هشيم أصح) ورجحه الدارقطني أيضًا بعد ذكر الاختلاف على الحكم، ورواه أحمد (¬5) والبيهقي (¬6) من حديث الحجاج بن دينار، عن الحكم، عن حجية، عن علي. ورواه الترمذي (¬7) من رواية إسرائيل عن الحكم، عن حجية العدوي، عن علي - رضي الله عنه -. ¬

_ (¬1) رواه أبو نعيم في "الحلية" 3/ 58. (¬2) "تهذيب الكمال" 6/ 326. (¬3) في "السنن": وحديث. (¬4) في (ر): سعيد بن. (¬5) "المسند" 1/ 104. (¬6) "السنن الكبرى" 4/ 111. (¬7) "السنن" (678).

23 - باب في الزكاة هل تحمل من بلد إلى بلد

23 - باب في الزَّكاةِ هَلْ تُحْمَلُ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ 1625 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْنُ عَلي، أَخْبَرَنا أَبي، أَخْبَرَنا إِبْراهِيمُ بْنُ عَطاءٍ مَوْلَى عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ زِيادًا أَوْ بَعْضَ الأُمَراءِ بَعَثَ عِمْرانَ بْنَ حُصَيْنٍ عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَمّا رَجَعَ قَالَ لِعِمْرانَ: أَيْنَ المالُ؟ قَالَ: وَلِلْمالِ أَرْسَلْتَني؟ أَخَذْناها مِنْ حَيْثُ كُنّا نَأْخُذُها عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَوَضَعْناها حَيْثُ كُنّا نَضَعُها عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). * * * باب الزكاة لا تحمل من بلد إلى بلد [نسخة: هل تحمل؟ ] (¬2). [1625] (حدثنا نصر بن علي) [قال: (حدثنا أبي) علي بن نصر بن علي (¬3)] (¬4) الجهضمي حافظ ثبت وثقه ابن معين وأطنب في ذكره (¬5)، مات سنة 167 (¬6). قال: (أخبرنا إبراهيم بن عطاء مولى عمران بن حصين، عن أبيه) عطاء بن أبي ميمونة (¬7). قال الذهبي: هو قدري صغير روي عنه في الصحيحين (¬8). ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (1625). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1437). (¬2) من (ر). (¬3) زاد في (م): ابن نصر. وحذفها الصواب، انظر مصادر ترجمته. (¬4) من (م). (¬5) انظر: "الجرح والتعديل" 6/ 207. (¬6) في (م): 187، وكذا ذكره الذهبي في "سير أعلام النبلاء" 12/ 138. (¬7) من (م)، وفي غيرها: ميمون. (¬8) في (م): الصحيح. وانظر: "ميزان الاعتدال" 3/ 76.

(أن زيادًا) يعني (¬1): ابن أبيه (¬2) ولاه معاوية العراقين، ليست له صحبة ولا رؤية (¬3)، سمع عمر بن الخطاب، وكان أخا أبي بكرة لأمه (أو بعض الأمراء بعث عمران بن حصين) [ولم يدرك عطاء عمران بن حصين] (¬4) فهو منقطع (على الصدقة فلما رجع قال) زياد أو بعض أمراء معاوية (لعمران: أين المال؟ ) الذي جئت به؟ (قال: وللمال) أي: ولأجل أخذ المال (أرسلتني) فيه إرسال العمال لأخذ الزكاة وسؤالهم إذا رجعوا عنه (أخذناها) يدل على أنه كان معه من الصحابة من يستعين به في القبض (من حيث كنا نأخذها على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: أخذنا الزكاة من المكان الذي أخذناها منه ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حي يرعانا بحسن رعايته (ووضعناها حيث كنا نضعها على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: ودفعناها (¬5) في المكان الذي كنا نضعها فيه، وجئنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يطالبنا بها كما تطالبونا بها. وردَّ عمر بن عبد العزيز زكاة أتي (¬6) بها من خراسان إلى الشام (¬7)، ولما بعث معاذ الصدقة من اليمن إلى عمر أنكر ذلك وقال: لم أبعثك جابيًا بل لتأخذها من أغنيائهم فتردها على فقرائهم (¬8). وفي قوله: (وضعناها حيث كنا نضعها) دليل على الحصر في أهل ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في النسخ: أمية. والمثبت الصواب. (¬3) في (م): رواية. (¬4) من (م). (¬5) في (م): رفعناها. (¬6) في (ر): إلي. (¬7) انظر: "شرح السنة" 5/ 474. (¬8) رواه أبو عبيد في "الأموال" ص 710.

البلد، ويؤخذ منه أن الزكاة لا تنقل إلى غير بلد المال الذي فيه المال (¬1). قال الشافعي في "الأم" في باب: العلة في القسم: فإن أخرجه من بلده إلى بلد غيره كرهت له ولم يكن لي أن أجعل عليه الإعادة من قبل أنه أعطاه أهله بالاسم (¬2). ولفظه في "الأم" في موضع آخر: فإذا أخذت الصدقة من قوم قسمت على من معهم في دارهم [ولم يخرج إلى أحد] (¬3) حتى لا يبقى منهم أحد يستحقها (¬4). ولفظه في "مختصر البويطي": ويجتهد أن يعدل بينهم على قدر حاجتهم وكثرة عيالهم، وأن يكون أول من يقصد به جيران المال [فإن لم يكن في جيران المال] (¬5) من يستغرق ذلك نقله إلى أقرب المواضع منهم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أوصى بالجار في الصدقة النافلة فمن قرب (¬6) جواره في الفرض أولى. قال القاضي حسين: لأن الزكاة معنى اختصت بالمال بإيجاب الله، فوجب أن يختص بالمستحق الجار كالشفعة، وهذا القول يحكى عن مالك (¬7) وللشافعي قول ثان بالجواز (¬8) لقوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ ¬

_ (¬1) في (م): المالك. (¬2) "الأم" 3/ 201. (¬3) من (م). (¬4) "الأم" 3/ 182. (¬5) من (م). (¬6) في (ر): قوت. (¬7) "المدونة" 1/ 336. (¬8) "الأم" 3/ 198.

لِلْفُقَرَاءِ} (¬1) الآية. ولم يفصل، وهذا القول يعزى لأبي حنيفة (¬2)، والأصح - وإن ثبت (¬3) الخلاف كما في تعليق القاضي حسين وغيره - أنه لا يجوز النقل، وأنه إذا نقل لا يجزئ، ولا فرق في ذلك بين أن ينقل إلى مسافة القصر أو دونها على الصحيح، وعبارة البندنيجي أنه ظاهر نص الشافعي في "الأم" وقيل: إذا نقل إلى ما دونها كان في (¬4) حكم التفرقة في البلد الكبير. ¬

_ (¬1) التوبة: 60 (¬2) انظر: "المبسوط" 2/ 241 - 242. (¬3) من (م)، وفي غيرها: بين. (¬4) من (م).

24 - باب من يعطى من الصدقة وحد الغنى

24 - باب منْ يُعْطَى منَ الصَّدَقَةِ وَحَدِّ الغِنَى 1626 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْن عَلي، حَدَّثَنا يَحْيَى بْن آدَمَ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ سَأَلَ وَلَهُ ما يُغْنِيهِ جاءَتْ يَوْمَ القِيامَةِ خُمُوشٌ - أَوْ خُدُوشٌ أَوْ كُدُوحٌ - في وَجْهِهِ". فَقِيلَ يا رَسُولَ اللهِ وَما الغِنَى؟ قَالَ: "خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتُها مِنَ الذَّهَبِ". قَالَ يَحْيَى: فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمانَ لِسُفْيانَ: حِفْظي أَنَّ شُعْبَةَ لا يَرْوي عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ سُفْيانُ فَقَدْ حَدَّثَناهُ زُبَيْدٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ (¬1). 1627 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطاءِ بْنِ يَسارٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَني أَسَدٍ أَنَّهُ قَالَ: نَزَلْتُ أَنا وَأَهْلي بِبَقِيعِ الغَرْقَدِ فَقَالَ لي أَهْلي: اذْهَبْ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَلْهُ لَنا شَيْئًا نَأْكُلُهُ فَجَعَلُوا يَذْكُرُونَ مِنْ حاجَتِهِمْ فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَوَجَدْتُ عِنْدَهُ رَجُلًا يَسْأَلُهُ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لا أَجِدُ ما أُعْطِيكَ". فَتَوَلَّى الرَّجُلُ عَنْهُ وَهُوَ مُغْضَبٌ وَهُوَ يَقُولُ لَعَمْري إِنَّكَ لَتُعْطي مَنْ شِئْتَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَغْضَبُ عَلي أَنْ لا أَجِدَ ما أُعْطِيهِ مَنْ سَأَلَ مِنْكمْ وَلَهُ أُوقِيَّةٌ أَوْ عَدْلُها فَقَدْ سَأَلَ إِلْحافًا". قَالَ الأَسَدَيُّ: فَقُلْتُ: لَلَقِحَةٌ لَنا خَيْرٌ مِنْ أُوقِيَّةٍ والأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا. قَالَ: فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَسْأَلْهُ فَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ ذَلِكَ شَعِيرٌ أَوْ زَبِيبٌ فَقَسَمَ لَنا مِنْهُ - أَوْ كَما قَالَ - حَتَّى أَغْنانا اللهُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَكَذا رَواهُ الثَّوْري كَما قَالَ مالِكٌ (¬2). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (650)، والنسائي 5/ 97، وابن ماجه (1840)، وأحمد 1/ 388. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1438). (¬2) رواه النسائي 5/ 98، ومالك 2/ 999، وأحمد 4/ 36. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1439).

1628 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ وَهِشامُ بْن عَمّارٍ قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي الرِّجالِ، عَنْ عُمارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي سَعِيدٍ الخُدْري، عَنْ أَبِيهِ أَبي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: "مَنْ سَأَلَ وَلَهُ قِيمَةُ أُوقِيَّةٍ فَقَدْ أَلْحَفَ". فَقُلْتُ: ناقَتي الياقُوتَةُ هي خَيْرٌ مِنْ أُوقيَّةٍ. قَالَ هِشامٌ: خَيْرٌ مِنْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَرَجَعْتُ فَلَمْ أَسْأَلْهُ شَيْئًا زادَ هِشامٌ في حَدِيثِهِ وَكَانَتِ الأُوقيَّةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا (¬1). 1629 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلي، حَدَّثَنا مِسْكِينٌ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُهاجِرِ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبي كَبْشَةَ السَّلُولي، حَدَّثَنا سَهْلُ ابن الحَنْظَلِيَّةِ قَالَ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ والأَقْرَعُ بْنُ حابِسٍ فَسَأَلاهُ، فَأَمَرَ لَهُما بِما سَأَلا، وَأَمَرَ مُعاوِيَةَ فَكَتَبَ لَهُما بِما سَأَلا فَأَمّا الأَقْرَعُ فَأَخَذَ كِتابَهُ فَلَفَّهُ في عِمامَتِهِ وانْطَلَقَ وَأَمّا عُيَيْنَةُ فَأَخَذَ كِتابَهُ وَأَتَى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - مَكانَهُ فَقَالَ: يا مُحَمَّدُ، أَتَراني حامِلًا إِلَى قَوْمي كِتابًا لا أَدْري ما فِيهِ كَصَحِيفَةِ المُتَلَمِّسِ. فَأَخْبَرَ مُعاوِيَةُ بِقَوْلِهِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ ما يُغْنِيهِ فَإِنَّما يَسْتَكْثِرُ مِنَ النّارِ". وقَالَ النُّفَيْلي في مَوْضِعٍ آخَرَ: "مِنْ جَمْرِ جَهَنَّمَ". فَقَالُوا: يا رَسُولَ اللهِ وَما يُغْنِيهِ وقالَ النُّفَيْلي في مَوْضِعٍ آخَرَ: وَما الغِنَى الذي لا تَنْبَغي مَعَهُ المَسْأَلةُ؟ قَالَ: "قَدْرُ ما يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ". وقَالَ النُّفَيْلي في مَوْضِعٍ آخَرَ: "أَنْ يَكُونَ لَهُ شِبَعُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ". وَكَانَ حَدَّثَنا بِهِ مُخْتَصِرًا عَلَى هذِه الأَلْفاظِ التي ذُكِرَتْ (¬2). 1630 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ - يَعْني ابن عُمَرَ بْنِ غانِمٍ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيادٍ أَنَّهُ سَمِعَ زِيادَ بْنَ نُعَيْمٍ الحَضْرَمي أَنَّهُ سَمِعَ زِيادَ بْنَ الحارِثِ ¬

_ (¬1) رواه النسائي 5/ 98، وأحمد 3/ 936. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1440). (¬2) رواه أحمد 4/ 180، وابن زنجويه (2077)، وابن شبة في "تاريخ المدينة" 2/ 534، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2074)، وابن خزيمة (2391)، وابن حبان (545). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1441).

الصُّدائي قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَبايَعْتُهُ فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا قَالَ: فَأَتاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَعْطِني مِنَ الصَّدَقَةِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ تَعالَى لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ نَبي وَلا غَيْرِهِ في الصَّدَقاتِ حَتَّى حَكَمَ فِيها هُوَ فَجَزَّأَها ثَمانِيَةَ أَجْزاءٍ فَإِنْ كُنْتَ مِنْ تِلْكَ الأَجْزاءِ أَعْطَيْتُكَ حَقَّكَ" (¬1). 1631 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قالا: حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ المِسْكِينُ الذي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ والتَّمْرَتانِ والأُكْلَةُ والأُكْلَتانِ ولكن المِسْكِينَ الذي لا يَسْأَلُ النّاسَ شَيْئًا وَلا يَفْطِنُونَ بِهِ فَيُعْطُونَهُ" (¬2). 1632 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ وَأَبُو كامِلٍ - المَعْنَى - قالُوا: حَدَّثَنا عَبْدُ الواحِدِ بْنُ زِيادٍ، حَدَّثَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْري عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَهُ قَالَ: "ولكن المِسْكِينَ المُتَعَفِّفُ". زادَ مُسَدَّدٌ في حَدِيثِهِ: "لَيْسَ لَهُ ما يَسْتَغْني بِهِ الذي لا يَسْأَلُ وَلا يُعْلَمُ بِحاجَتِهِ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ فَذاكَ المَحْرُومُ". وَلم يَذْكُرْ مُسَدَّدٌ: "المُتَعَفِّفُ الذي لا يَسْأَلُ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوى هذا مُحَمَّدُ بْن ثَوْرٍ وَعَبْدُ الرَّزّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، جَعَلا المَحْرُومَ مِن كَلامِ الزُّهْري وهذا أَصَحُّ (¬3). 1633 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عِيسَى بْن يُونُسَ، حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَدي بْنِ الخِيارِ، قَالَ: أَخْبَرَني رَجُلانِ أَنَّهُما أَتَيا النَّبي - صلى الله عليه وسلم - في ¬

_ (¬1) رواه ابن زنجويه (2041)، والحارث في "مسنده" كما في "بغية الباحث" (598) والطحاوي في "شرح المعاني" (3011)، وابن الأعرابي في "معجمه" (2343)، والطبراني 5/ 262 (5285)، والدارقطني 2/ 137. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (289). (¬2) رواه البخاري (1479)، ومسلم (1039/ 101). (¬3) الحديث عند مسلم (1039/ 102) من غير طريق مسدد: إنما المسكين المتعفف. وليس فيه الزيادة الأخرى. وهي عند ابن حبان (3351).

حَجَّةِ الوَداعِ وَهُوَ يَقْسِمُ الصَّدَقَةَ فَسَأَلاهُ مِنْها، فَرَفَعَ فِينا البَصَرَ وَخَفَضَهُ، فَرَآنا جَلْدَيْنِ فَقَالَ: "إِنْ شِئْتُما أَعْطَيْتُكُما وَلا حَظَّ فِيها لِغَني وَلا لِقَوي مُكْتَسِبٍ" (¬1). 1634 - حَدَّثَنا عَبّادُ بْنُ مُوسَى الأَنْباري الخُتَّلي، حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ - يَعْني: ابن سَعْدٍ -، قَالَ: أَخْبَرَني أَبي عَنْ رَيْحانَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَني وَلا لِذي مِرَّةٍ سَوَيٍّ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَواهُ سُفْيانُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْراهِيمَ كَما قَالَ إِبْراهِيمُ وَرَواهُ شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدٍ قَالَ: "لِذي مِرَّةٍ قَوَيٍّ". والأحَادِيثُ الأُخَرُ عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بَعْضُها: "لِذي مِرَّةٍ قَوَيٍّ". وَبَعْضُها: "لِذي مِرَّةٍ سَوَيٍّ". وقالَ عَطاءُ بْنُ زُهَيْرٍ إِنَّهُ لَقي عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو فَقَالَ إِنَّ الصَّدَقَةَ لا تَحِلُّ لِقَوي وَلا لِذي مِرَّةٍ سَوَيٍّ (¬2). * * * باب من يعطى الصدقة، وحد الغنى [1626] (حدثنا الحسن بن علي) الهذلي (¬3) شيخ الشيخين. قال: (حدثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي قال: (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن حكيم) بفتح الحاء (ابن جبير) بالتصغير. قال الذهبي: تركه شعبة (¬4) من أجل حديث الصدقة. يعني: هذا الحديث (عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد، عن أبيه) عبد الرحمن ¬

_ (¬1) رواه النسائي 5/ 99، وأحمد 5/ 362. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1443). (¬2) رواه الترمذي (652)، وأحمد 2/ 164. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1444). (¬3) في (م): المدني. (¬4) في (ر): سعيد.

ابن يزيد [المجمعي بالجيم] (¬1) الكوفي، ويزيد والده أخو مجمع بن زائدة (¬2) فيكون مجمع ويزيد أخوين صحابيين، وعبد الرحمن هذا تابعي. قيل: ولد عبد الرحمن على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - (عن عبد الله) بن مسعود - رضي الله عنه - (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من سأل وله ما يغنيه) بضم أوله (جاءت) أي: مسألته (يوم) بالنصب (القيامة) لفظ الترمذي: "جاء يوم القيامة" وله (خموش) بضم (¬3) الخاء المعجمة والميم، وآخره شين معجمة، وهي الخدوش، وقد خمش وجهه بفتح الميم يخمشه (¬4) بضمها، وخمشت المرأة وجهها إذا خدشته بظفرها أو بحديدة ونحوها (أو خدوش أو كدوح) بحاء مهملة آخره، وهي آثار الخدش والعض (¬5) ونحوه. وقيل: الكدح أكثر من الخدش في وجهه. رواية أحمد: "جاءت مسألته يوم القيامة خدوشًا أو كدوحًا في وجهه". [خموشًا أو خدوشًا أو كدوحًا الثلاث منصوب على الحال] (¬6). (قيل: يا رسول الله، وما الغناء؟ ) بفتح الغين والمد الكفاية. [وفي "الفتح" بكسر الغين] (¬7) وبضم الغين والقصر جمع غنية، وهو ¬

_ (¬1) في (م): النخعي. (¬2) كذا بالنسخ، ولعله قصد مجمع بن يزيد بن جارية، ويكون الشارح ترجم محمد بن عبد الرحمن أنه ابن عبد الرحمن بن يزيد بن جارية، فهو أخو مجمع بن يزيد. وعبد الرحمن هذا قيل فيه إنه ولد على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهذا خطأ من الشارح؛ إذ الراوي هنا هو محمد بن عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي، عمه الأسود بن يزيد، وعم علقمة أصحاب ابن مسعود - رضي الله عنه -. انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 648. (¬3) في (م): بفتح. (¬4) في الأصول: يخمشها. والمثبت الصواب. (¬5) في (ر): والكدح. (¬6) سقط من (م). (¬7) من (م). وانظر: "المغني في الضعفاء" 1/ 236.

ما يستغنى به. قال ابن مالك في فصل (¬1) المقصور والممدود في باب ما يضم فيقصر ويفتح فيمد والمعنى مختلف فسارع إلى الحسنى (¬2) وحسناء لا تطع ... هواها ففي التقوى غنىً وغناء (¬3) (قال: خمسون درهمًا أو قيمتها من الذهب) كذا رواية الترمذي ورواية أحمد: "أو حسابها من الذهب". (قال يحيى) بن آدم (فقال عبد الله بن عثمان) بن جبلة العتكي، يقال: تصدق بألف ألف (لسفيان) بن عيينة وفي (حفظي [أن شعبة] (¬4) لا يروي عن حكيم بن جبير) أي: لأجل هذا الحديث. (فقال سفيان: فقد حدثناه زبيد) بضم الزاي وفتح الباء الموحدة مصغر، وبعد الياء المثناة [تحت دال] (¬5). وهو ابن الحارث اليامي. [قال في "المغني"] (¬6) وهو من ثقات التابعين، فيه تشيع يسير (عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد) (¬7) ثم قال الترمذي: والعمل على هذا عند بعض أصحابنا (¬8). [1627] (حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن زيد بن أسلم) الفقيه قال ابن عجلان (عن عطاء بن يسار، عن رجل من بني أسد) هو أبو هريرة. ¬

_ (¬1) في (ر): قصيدة. (¬2) في (ر): الحسين. (¬3) المقصور والممدود (ص 274). (¬4) من (م). (¬5) في (م) قال. (¬6) من (م). (¬7) في (م): زيد. (¬8) "سنن الترمذي" (651).

(أنه قال: نزلت أنا وأهلي ببقيع (¬1) الغرقد) أي: بالقرب من بقيع الغرقد، وهو مدفن المدينة. (فقال لي أهلي (¬2): اذهب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاسأله لنا شيئًا نأكله، فجعلوا يذكرون من حاجتهم) إلى الطعام (فذهبت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجدت عنده رجلًا يسأله ورسول) مرفوع مبتدأ وهو وما بعده من الخبر في محل (¬3) نصب؛ لأنه جملة حالية (الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لا أجد ما أعطيك. فتولى الرجل عنه (¬4) وهو مغضب) بفتح الضاد أي: أغضبه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - واعتذاره إليه حيث لم يجد ما يعطيه (وهو يقول: لعمري (¬5) إنك لتعطي من شئت. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يغضب) بفتح المثناة تحت (علي) الرجل (أن لا) أي: لئلا (أجد) بنصب الدال (ما أعطيه من سأل منكم وله أوقية) بضم الهمزة وتشديد الياء. قال الجوهري: الأوقية في الحديث أربعون درهمًا. وكذلك كان فيما مضى، فأما اليوم فيما يتعارفها الناس ويقدر عليه الأطباء فعشرة دراهم وخمسة أسباع درهم (¬6). (أو عدلها) بفتح العين أي: مثلها مما يساوي قيمتها من الذهب وغيره (فقد سأل إلحافًا) أي: ألح في المسألة، وكلف الناس ما لا يحتاج إليه، ¬

_ (¬1) في (ر): بقيع. (¬2) من (م). (¬3) في (م): موضع. (¬4) سقط من (م). (¬5) في (ر): لعمر أما. (¬6) "الصحاح" (وقى).

فإن من سأل وله ما يغنيه عن السؤال فقد ألحف في المسألة. (قال الأسدي) بفتح السين (فقلت: والله للقحة) بفتح اللام الأولى، وكسر الثانية مع التشديد التي (لنا) واللقحة الناقة ذات اللبن (خير من أوقية) فضة. (والأوقية أربعون درهمًا. قال: فرجعت ولم أسأله) وروى الطبراني عن محمد بن سيرين قال: بلغ الحارث رجلا كان بالشام من قريش أن أبا ذر كان به عوز، فبعث إليه ثلثمائة دينار فقال: ما وجد عبدًا لله هو أهون عليه مني، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من سأل وله أربعون [فقد ألحف" ولآل أبي ذر (¬1) أربعون] (¬2) درهمًا وأربعون شاة وماهنان. قال أبو بكر بن عياش: يعني: خادمين (¬3). وروى ابن مردويه، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من سأل وله أربعون درهمًا فهو ملحف وهو مثل سف الملة" يعني: الرمل. ورواه النسائي بإسناده نحوه (¬4). (فقدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شعير وزبيب، فقسم لنا منه، أو كما قال حتى أغنانا الله تعالى هكذا رواه الثوري. كما قال مالك رحمه الله تعالى). [1628] ([حدثنا قتيبة بن سعيد] (¬5) وهشام بن عمار) السلمي الدمشقي المقرئ الحافظ خطيب دمشق (قالا (¬6): حدثنا عبد الرحمن ¬

_ (¬1) في (م): بكر. والمثبت من "الكبير" للطبراني 2/ 150. (¬2) من (م). (¬3) "المعجم الكبير" 2/ 150 (1620). (¬4) "المجتبى" 5/ 98، "الكبرى" (2386). (¬5) من (م). (¬6) في (ر): قال.

ابن أبي الرجال) محمد بن عبد الرحمن بن حارثة، وحارثة من أهل بدر، وثقه ابن معين والدارقطني (عن عمارة) [بضم العين] (¬1) هو وغيره إلا أبي عمارة فبكسر العين (ابن غزية) بفتح الغين المعجمة، وكسر الزاي، وتشديد المثناة تحت (¬2) المازني صدوق ثقة كثير الحديث لم يضعفه سوى ابن حزم (عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه أبي (¬3) [سعيد) سعد] (¬4) بن مالك الخزرجي. (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [من سأل وله قيمة أوقية] (¬5) فقد ألحف) [قال الواحدي: الإلحاف في اللغة] (¬6) هو: الإلحاح في المسألة (¬7). قال أبو الأسود الدؤلي: ليس للسائل الملحف مثل الرد (¬8). قال الزجاج: معنى ألحف: شمل بالمسألة واللحاف سمي لحافًا؛ لأنه يشمل الإنسان في التغطية (¬9) [والإلحاف في المسالة هو أن يشتمل على وجوه الطلب في المسألة كاشتمال اللحاف في التغطية] (¬10) (¬11). وقال غيره: معنى الإلحاف في المسألة مأخوذ من قولهم: ألحف ¬

_ (¬1) و (¬2) من (م). (¬3) في (ر): بن. (¬4) في (م): سعد سعيد. (¬5) من (م). (¬6) في (ر): قال الواقدي: في اللغة الإلحاف. (¬7) "التفسير الوسيط" 1/ 390. (¬8) انظر: "الزاهر في معاني كلمات الناس" 1/ 413. (¬9) "معاني القرآن" 1/ 357. (¬10) سقط من (م). (¬11) "تفسير القرطبي" 3/ 342.

الرجل إذا مشى (¬1) في لِحف (¬2) الجبل وهو أصله (¬3) كأنه استعمل الخشونة في الطلب. (فقلت: ناقتي الياقوتة) [الياقوتة: اسم الناقة ففيه دليل على جواز تسمية البهائم، وقد كانت خيل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وغيرها من دوابه لها أسماء. جمعها ياقوت] (¬4) فارسي معرب، وهو ثلاثة أصناف: أحمر، وأصفر وكحلي أنفسها الأحمر، وأدونها الكحلي. فلعل هذِه الياقوتة أدونها [(هي خير من أوقية. قال هشام) بن عمار في روايته (خير من أربعين درهمًا، فرجعت ولم أسأله. زاد هشام في حديثه: وكانت الأوقية على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعين درهمًا) وكذلك كان فيما مضى] (¬5). قال أبو داود: سمع مالك من محمد بن عبد الرحمن أبي الرجال حديثين (¬6)، سمي بأبي الرجال؛ لأن زوجته عمرة ولدت عشرة أولاد فصاروا رجالًا، وله عشرة إخوة رجال (¬7). اعلم أن هذا الذم هو للغني إذا سأل وله ما يغنيه، أما أخذها من غير سؤال فلا كراهة فيه. وفي معنى المسألة ما هو في (¬8) معناه من إظهار فقر ¬

_ (¬1) في (ر): أمسى. (¬2) في (م): ألحف. (¬3) نقله الأزهري في "تهذيب اللغة" 5/ 46 عن ابن الأعرابي. (¬4) في (م): الياقوت. (¬5) في (ر): قال رسول الله من سأل وله قيمة أوقية. قال هشام بن عمار في روايته: خير من أربعين حر من أوقية. والمثبت من (م). (¬6) في (ر): قد تبين. (¬7) انظر: "الجرح والتعديل" 7/ 317. (¬8) سقط من (م).

وحاجة وكتمان ما حصل به الغنى، وأما سؤاله وله ما يغنيه فقد دلت هذِه الأحاديث على تحريمه كما صرح به الماوردي. وقال: إن سؤاله الصدقة (¬1) حرام وما يأخذه حرام أيضًا، وأما إذا كان محتاجًا فلا بأس بالتعرض (¬2) للسؤال، ويقصد بسؤاله أهل الخير والصلاح لما في الحديث: "إن كنت سائلًا فاسأل الصالحين" (¬3) (¬4). [1629] (حدثنا النفيلي) قال: (حدثنا مسكين) بن بكير الحراني. ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬5). قال: (حدثنا محمد بن (¬6) المهاجر) الأنصاري مولى أسماء بنت يزيد. قال يعقوب الفسوي (¬7): ثقة (¬8). (عن ربيعة بن يزيد) [القصير فقيه دمشق] (¬9) (عن أبي كبشة) ذكره مسلم، [ولم يذكر اسمه] (¬10) (السلولي) بفتح السين. قال: (حدثنا سهل ابن الحنظلية) وهو سهل بن الربيع الأنصاري، والحنظلية أمه قال (قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عيينة بن حصن) بن حذيفة ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): بالتعريض. (¬3) أخرجه أحمد 4/ 334 (18945)، وأبو داود (1646)، والنسائي في "المجتبى" 5/ 95. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (1299). (¬4) "الحاوي الكبير" 3/ 393. (¬5) "الثقات" 9/ 194. (¬6) من (م). (¬7) في (ر): النسوي. والمثبت من (م). (¬8) "تهذيب الكمال" 26/ 518. (¬9) في (م): الفقير فيه رمق. (¬10) من (م).

ابن بدر (¬1) الفزاري، أسلم بعد الفتح. (والأقرع بن حابس) بن عقال بكسر العين المهملة، وفتح القاف ابن محمد بن سفيان بن مجاشع (¬2) بن دارم التميمي (¬3) قيل: اسمه فراس، ولقب بالأقرع؛ لقرع كان في رأسه، والقرع حصار (¬4) الشعر قاله ابن دريد (¬5). وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد فتح مكة في وفد بني تميم، وكان هو وعيينة بن حصن من المؤلفة قلوبهم وكانا من الأعراب الجفاة وكانا سيدين في (¬6) قومهم في الجاهلية (فسألاه، فأمر لهما بما سألا) وأمر معاوية بن أبي سفيان، فكتب لهما بما سألا. (فأما الأقرع بن حابس فأخذ كتابه فلفه في عمامته، وانطلق به وأما عيينة بن حصن فأخذ كتابه وأتى إلى (¬7) النبي - صلى الله عليه وسلم - بكتابه فقال: يا محمد) لعل هذا من جملة جفائه وغلظته في مقاله، أو قاله قبل أن ينزل قوله تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} (¬8). (أتراني) بفتح التاء (حاملًا إلى قومي كتابًا لا أدري ما فيه كصحيفة المتلمس؟ ) (¬9) هذا مثل تضربه العرب لمن حمل شيئًا لا يدري هل يعود ¬

_ (¬1) في (ر): برد. (¬2) في (ر): مجامع. (¬3) في (ر): التيمي. (¬4) في (ر): خضاب. (¬5) "جمهرة اللغة" (ر ع ق) (¬6) و (¬7) من (م). (¬8) النور: 63. (¬9) في (م): الملتمسين.

عليه بنفع أو ضرر، وأصله أن المتلمس (¬1) - وهو عبد المسيح كذا قاله المنذري، وقال ابن (¬2) الجوزي هو جرير بن عبد المسيح الضبعي -[أنشد بيتًا] (¬3) وهو: [فهذا أوان] (¬4) العرض جن ذبابه ... زنانيره والأزرق [المتلمس (¬5) والمتلمس] (¬6) في هذا البيت هو الذي يطلب مرة بعد أخرى فسمي المتلمس (¬7) بهذا البيت. فقدم المتلمس (¬8) وطرفة العبدي على الملك عمرو بن المنذر فأقاما عنده، فنقم عليهما أمرًا، فكتب إلى بعض عماله يأمره بقتلهما. وقال لهما: إني كتبت لكما بصلة فاجتازا بالحيرة، فأعطى المتلمس (¬9) صحيفته صبيًا (¬10) فقرأها، فإذا فيها الأمر بقتله فألقاها. وقال لطرفة: أفعل مثل فعلي فأبى وذهب (¬11) إلى عامل الملك فقرأها فقتله. فصارت صحيفة المتلمس (¬12) مثلًا. (فأخبر معاوية (¬13) بقوله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من سأل ¬

_ (¬1) في (ر): المتلمس. (¬2) و (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): وأن. (¬5) و (¬6) و (¬7) و (¬8) و (¬9) في (ر): الملتمس. (¬10) من (م). (¬11) في (م): عليه ومضى. (¬12) في (ر): الملتمس. (¬13) من (م).

وعنده ما يغنيه) أي: عن الناس (فإنما يستكثر) أي: يطلب الكثرة. (من النار) أي: من نار جهنم أجارنا الله منها. (وقال النفيلي) أحد رواته (في موضع آخر) من سأل شيئًا (¬1) وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر (من جمر جهنم) وهذِه رواية ابن حبان في "صحيحه" (¬2). (فقالوا: يا رسول الله وما يغنيه؟ وقال النفيلي في موضع آخر: وما الغنى) بكسر الغين المعجمة (الذي لا ينبغي معه المسألة؟ قال: قدر) بالرفع خبر مبتدأ محذوف جوازًا (¬3) تقديره: هو قدر، حذف للقرينة اللفظية الدالة عليه. ومنه قول الشاعر: فلما تنازعت الحديث سألتها ... من الحي قالت (¬4) معشر من محارب (¬5) أي: هم معشر بن محارب. (ما يغديه) بفتح الغين المعجمة وتشديد الدال المهملة. أي: من الطعام، بحيث يشبعه (ويعشيه) بفتح العين أيضًا، ورواية ابن حبان: "أو يعشيه" بزيادة الألف، فإن الإنسان إذا حصل له أكلة في النهار غداء أو عشاء كفته واستغنى بها (وقال النفيلي في موضع آخر) وهي ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) 2/ 302 (545). (¬3) من (م). (¬4) في (م): قالوا. (¬5) البيت من الطويل للقطامي التغلبي وانظر: "طبقات الشعراء" لابن المعتز (ص 199)، "الشعر والشعراء" لابن قتيبة 2/ 715.

رواية ابن خزيمة أيضًا: قيل: يا رسول الله، وما الغنى الذي لا ينبغي معه المسألة؟ قال: "أن يكون له شبع" بكسر الشين وإسكان الباء وهو ما يشبع البطن من طعام ونحوه، وهو اسم، وفي الحديث أن موسى - عليه السلام - آجر نفسه شعيبًا بشبع بطنه (¬1)، وأما الشبع بفتح الشين وكسر الباء فهو المصدر من شبع (يوم وليلة أو) قال: شبع (ليلة ويوم) شك من الراوي. (وكان حدثنا به مختصرًا على هذِه الألفاظ التي ذكرت) وقد اختلف الناس في حديث سهل هذا والتشديد الذي فيه، فقال بعضهم: من وجد غداء يومه وعشاءه في يوم لم تحل له المسألة في ذلك اليوم؛ لظاهر الحديث، وقال بعضهم: إنما هو فيمن وجد غداءً وعشاء على دائم الأوقات، فإذا كان عنده ما يكفيه للمدة الطويلة من مال عبده أو أجرة عقار ملك أو وقف عليه، أو كان قادرًا على التكسب لما يكفيه غداء وعشاء وكسوة بالإيجار (¬2) أو صناعة حرم عليه السؤال. وقال آخرون: هذا منسوخ بالأحاديث التي فيها تقدير الغنى بملك خمسين (¬3) درهمًا أو قيمتها أو ملك أوقية وهي أربعون درهمًا أو قيمتها. قال المنذري: ادعاء النسخ مشترك بينهما، ولا أعلم مرجحًا لأحدهما على الآخر، وقد كان الشافعي يقول: قد يكون الرجل بالدرهم غنيًّا مع كسبه، ولا يغنيه الألف مع ضعفه في نفسه وكثرة عياله. وقد ذهب سفيان الثوري وابن المبارك والحسن بن صالح ¬

_ (¬1) رواه الديلمي في "مسنده" 1/ 64، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" 16/ 67. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) في (ر): خمسون. وهو خطأ.

وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه إلى أن من له خمسون درهمًا أو قيمتها من الذهب لا يدفع إليه شيء من الزكاة. وكان الحسن البصري يقول: من له أربعون درهمًا فهو غني وكذلك أبو عبيد (¬1). [1630] (حدثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي، قال: (حدثنا عبد الله بن عمر بن غانم) (¬2) الرعيني قاضي أفريقية، لم يرو عنه إلا القعنبي فقط. (عن عبد الرحمن بن زياد) بن أنعم الشعباني الأفريقي. قيل: هو [أول مولود في] (¬3) الإسلام بأفريقية بعد فتحها، روى عنه ابن إدريس قال: أرسل إليَّ أبو (¬4) جعفر فقدمت عليه فدخلت فإذا (¬5) الربيع قائم على رأسه فاستدناني ثم قال: يا عبد الرحمن كيف رأيت ما مررت به من أعمالنا إلى أن وصلت إلينا؟ قلت: يا أمير المؤمنين أعمالًا سيئة وظلمًا فاشيًا وظننته لبعد البلاد عنك. فنكس رأسه طويلًا ثم قال: كيف لي بالرجال؟ قلت: أفليس عمر بن عبد العزيز كان يقول: إن الوالي بمنزلة السوق يجلب إليها (¬6) ما ينفق فيها. فإن كان برًّا أتوه ببرهم، وإن كان فاجرًا أتوه بفجورهم، فأطرق فقال لي الربيع وأومأ إلي أن أخرج، فخرجت. ¬

_ (¬1) "الترغيب والترهيب" 1/ 326، وانظر: "الأم" 3/ 190، و"مسائل الكوسج" (646). (¬2) في (م): غالم. (¬3) في (ر): مولود في أول. (¬4) في (ر): ابن. (¬5) في (ر): و. (¬6) في (م): إليه.

(أنه سمع زياد بن ربيعة بن نعيم) مصغرًا (¬1) (الحضرمي) ثقة، توفي سنة 95 (أنه سمع زياد بن الحارث الصدائي) بضم الصاد المهملة وفتح الدال وبعد الألف همزة، حليف لبني الحارث بن كعب بايع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأذن بين يديه يعد في البصريين. (قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فبايعته، فذكر حديثًا طويلًا. قال: فأتاه رجل فقال: أعطني من الصدقة. فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [إن الله - عز وجل -] (¬2) لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات) ولم يكل قسمتها إلى أحد غيره (حتى) قسمها و (حكم فيها) أي: بين حكمها وتولى أمر قسمتها بنفسه سبحانه (فجزأها) بتشديد الزاي (ثمانية) أجزاء. وهذا الحديث مع الآية نص (¬3) يرد على المزني وأبي حفص بن الوكيل من أصحابنا حيث قالا: أنه (¬4) يصرف خمسها إلى من يصرف إليه (¬5) خمس الفيء والغنيمة (¬6)، ويرد أيضًا (¬7) على أبي حنيفة والثوري والحسن البصري حيث قالوا فيما حكاه (¬8) ابن الصباغ: يجوز صرفها إلى بعض الأصناف الثمانية (¬9) حتى قال أبو حنيفة: يجوز صرفها إلى ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) من (م). (¬3) في (ر): بعد. (¬4) في (ر): أنهما. (¬5) في (ر): عليه. (¬6) "المجموع" 6/ 89، 76. (¬7) في (م): نصًا. (¬8) في (م): حكى. (¬9) "المصنف" لابن أبي شيبة 3/ 73.

الواحد (¬1)، وعلى مالك حيث قال مالك (¬2): يدفعها إلى أكثرهم حاجة. أي: لأن كل الأصناف يدفع إليهم للحاجة فوجب اعتبار أمسهم (¬3) بها (¬4). (فإن كنت من تلك (¬5) الأجزاء) الثمانية (أعطيتك حقك) موفرًا كاملًا (¬6) إليّ وإلا فلا. [1631] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة وزهير بن حرب قالا: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي صالح) السمان. (عن أبي هريرة قال (¬7): قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ليس المسكين) مفعيل (¬8) من السكون، فكأن من عدم المال سكنت جوارحه (¬9) ووجوه مكاسبه. ولذلك قال تعالى: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16)} (¬10) أي: لاصقًا بالتراب. ليس المسكين، أي: الطواف عليكم. كما في مسلم. (الذي ترده التمرة والتمرتان والأكلة) بضم الهمزة هي اللقمة، وأما بفتحها فهي المرة من الأكل (والأكلتان) ليس معناه نفي أصل المسكنة ¬

_ (¬1) "المبسوط" 3/ 11. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): أنسبهم. (¬4) "المدونة" 1/ 342. (¬5) من (م). (¬6) زاد بعدها في (م): إلى. (¬7) من (م). (¬8) في (م): يفعل. (¬9) في (م): حركاته. (¬10) البلد: 16.

عمن يطوف (¬1)، بل نفي كمال المسكنة كقوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ} (¬2) الآية. (ولكن المسكين) الكامل المسكنة (الذي لا يسأل) بالرفع (الناس شيئًا ولا يفطنون) بفتح الطاء (له) أي: لا يعرفه الناس (فيعطونه) بضم الياء. فهو كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس (¬3) الشديد بالصرعة ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" (¬4). [1632] (حدثنا مسدد وعبيد الله) بالتصغير (ابن عمر وأبو كامل) الجحدري (قالوا (¬5): حدثنا عبد الواحد بن زياد) قال: (حدثنا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وذكر مثله. وقال (¬6): ولكن المسكين المتعفف) أي: عن السؤال وأصله من العفة، وهو في اللغة: ترك الشيء والكف عنه. (زاد مسدد في حديثه: ليس له (¬7) ما يستغنى به) ورواية الصحيح: "لا يجد غنًى يغنيه" (¬8) إذ لا سهم له في بيت المال ولا كسب له ولا حرفة ¬

_ (¬1) بعدها في الأصول: وتحصل التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان. وفي (م): والتمرتين. بدل: التمرتان. ولعلها زيادة مقحمة. (¬2) البقرة: 177. (¬3) سقط من (م). (¬4) رواه البخاري (6114)، ومسلم (2609) عن أبي هريرة. (¬5) في (ر): قال. (¬6) من (م). (¬7) من (م). (¬8) رواه البخاري (1479)، ومسلم (1039) عن أبي هريرة.

يبغون منها (¬1) قاله ابن عباس. (والذي لا يسأل الناس ولا يعلم بحاجته) لأنه يخفي حاله بإظهار التجمل وترك المسألة (فيتصدق عليه) (¬2) كما قال الله تعالى: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} (¬3) وليس (¬4) المراد بالجهل هنا: الذي هو ضد [العقل، وإنما المراد الجهل الذي هو ضد] (¬5) الخبرة (فذلك) هو (المحروم) الذي يظن غنيًا فيحرم الصدقة لتعففه. وقيل: هو الذي لا ينمى له مال فقال محمد بن إسحاق: حدثني بعض أصحابنا قال: كنا مع عمر بن عبد العزيز في طريق مكة فجاء كلب، فانتزع عمر كتف شاة فرمى بها إليه وقال: يقال: إنه المحروم. [وأما المحروم] (¬6) في اللغة فهو الممنوع من الشيء، فيدخل [فيه كل من أصابه الحرمان] (¬7). (ولم يذكر مسدد) في روايته (المتعفف الذي لا يسأل) الناس (قال أبو داود: روى هذا محمد بن ثور) الصنعاني، وثقه ابن معين والنسائي، وسئل عنه أبو حاتم فقال: الفضل (¬8) والعبادة والصدق. وقال عبد الرزاق: محمد بن ثور صوام قوام (وعبد الرزاق، عن معمر، جعلا (¬9) المحروم ¬

_ (¬1) في (ر): فيها. (¬2) من (م). (¬3) البقرة: 273. (¬4) سقط من (م). (¬5) سقط من (م). (¬6) و (¬7) و (¬8) سقط من (م). (¬9) من (ر).

من كلام الزهري وهو أصح) في الرواية. [1633] (حدثنا مسدد) قال: (حدثنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق أحد الأعلام، قال: (حدثنا (¬1) هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن (¬2) الزبير. (عن عبيد الله) بالتصغير (ابن عدي بن الخيار) بكسر الخاء المعجمة، وتخفيف الياء المثناة تحت، ابن (¬3) عدي بن نوفل القرشي (¬4) يقال: إنه ولد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وثقة في التابعين. (قال: أخبرني رجلان) [زاد الطحاوي في بيان المشكلات أن رجلين من قومه] (¬5) (أنهما أتيا النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع) بفتح الواو (وهو يقسم الصدقة) أي: على أربابها (فسألاه (¬6) منها، فرفع فينا) فيه الالتفات من الغيبة إلى الحضور كما في الفاتحة (البصر) ولم يرفع إليه البصر إلا لأنهما كانا قائمين ففيه أنه لا بأس أن يكون السائل واقفًا، وكذلك طالب (¬7) الحاجة والمستفتي، ونحو ذلك. (وخفضه) بفتح الفاء، فيه أن الدافع إذا كان إمامًا أو عاملًا ينظر إلى قابض الزكاة فمن ظهرت عليه آثار الاستحقاق دفع إليه وعليه أن يجتهد في معرفة استحقاقه، فإن قصر ضمن. ¬

_ (¬1) في (ر): عن. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): أبي. (¬4) في (م): المقدسي. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (م): فسأله. (¬7) في (ر): طلب.

قال الماوردي: ومحل عدم تضمين الإمام ورب المال إذا كانا قد اجتهدا في ذلك، فإن فقد الاجتهاد ضمن الدافع قولًا واحدًا إمامًا كان أو غيره؛ لأن ترك الاجتهاد تفريط. وكذا قال: فيما إذا دفع واحد منهما للمكاتب والغارم من غير بينة [ولا إقرار] (¬1) على أحد الوجهين، حيث يكتفي به ثم ظهر أن لا كتابة، ولا غيره ثبت الغرم لوجود التفريط. انتهى (¬2). (فرآنا (¬3) جلدين) بإسكان اللام [أي: قويين شديدين] (¬4)، قال الجوهري: الجلد - يعني: بفتح اللام - هو الصلابة والجلادة تقول منه: جلد الرجل - بالضم فهو جلد يعني: بإسكان اللام - وجليد بين الجلد والجلادة (¬5). (فقال: إن شئتما أعطيتكما) (¬6) استدل به من يقول: إن الفقير إذا اتهم بأن كان شابًا قويًّا سويًّا (¬7)، أو ظهر عليه أثر التجمل بالثياب الحسنة، وترك المسألة لم يحلف على الاستحقاق؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحلفهما. وعبارة ابن الصباغ: أنه يدفع إليه ولا يحلفه ولا جرم، قال في "التهذيب": إنه الأصح. وقال الرافعي: أعطاهما من غير تحليف، ¬

_ (¬1) في (م): والإقرار. (¬2) "الحاوي الكبير" للماوردي 8/ 543، 544. (¬3) في (ر): فرأينا. (¬4) سقط من (م). (¬5) "الصحاح" للجوهري. (جلد). (¬6) و (¬7) من (م).

لكن إيراد غيره يقتضي التحليف. قال في المطلب: وهو المختار في "المرشد"، والثاني: أنه يحلف؛ لأن [من هذا حاله] (¬1) يقع في النفس أنه غني بالكسب، فإن لم يكلف البينة فلا أقل من اليمين. وإذا قلنا: إنه يحلف فتحليفه إيجاب، أو ندب؟ فيه (¬2) وجهان: وجه الاستحباب: أن (¬3) ذلك باب (¬4) رفق فلا يليق به التضييق، وعلى هذا لو امتنع أن يحلف جاز الصرف إليه. ووجه الإيجاب أن اليمين أقيمت مقام البينة، والبينة حيث تشرع تكون على وجه الإيجاب فكذلك اليمين، وعلى هذا لو لم يحلف لم يعط، وليس ذلك بأنه قضى بالنكول بل لأجل أن شرط الصرف لم يوجد. ونظير هذِه المسألة تحليف المرأة على أنها ليست في عصمة زوج ولا عدمه. وإذا قلنا: إنه لا يحلف عند (¬5) ظهور القدرة. فظاهر قوله في الحديث: (ولا حظَّ) أي: نصيب (فيها لغني ولا قوي مكتسب) أي: يكسب قدر كفايته أنه يستحب للإمام أو المالك الوعظ والتحذير وتعريفه أن الصدقة لا تحل لغني ولا لذي قوة على الكسب كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويكون برفق (¬6) لظهور قدرة الكسب. ¬

_ (¬1) في (ر): هذا من جماله. (¬2) من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) من (م). (¬5) في (ر): حين. (¬6) في (م): ذلك رفق.

وفي الحديث دليل لما ذهب إليه الشافعي: أن القدرة على الكسب كالمال، فلو لم يكن له مال أصلًا وهو قادر على [اكتساب ما يزيل به حاجته فليس بفقير، وإن كان قادرًا على] (¬1) اكتساب شيء يسير لا يقع موقعًا من حاجته فهو فقير (¬2) (¬3) وإنما جعلنا الكسب كالمال، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقام القوة والكسب مقام (¬4) المال لحصول القدرة بذلك، وخلافنا في ذلك مع أبي حنيفة حيث قال: يجوز أن يعطى من الصدقات، وهذا من باب الزكاة. متفق عليه عندنا (¬5). وبه قال ابن عمر وإسحاق وأبو ثور. والكسب جعل كالغنى في هذا الباب، ولم يجعلوه كالغنى في باب الحج، ولا في وجوب نفقة القريب عليه، فالضابط في ذلك أنه كالغني فيما يجب له لا فيما يجب عليه. وكذا لا يمنع في الوقف. [1634] (حدثنا عباد) [بتشديد الباء الموحدة] (¬6) (بن موسى الختلي) قال الحافظ عبد الغني (¬7): وهو بالخاء المعجمة [والتاء المثناة من فوقها المشددة المفتوحة بعد] (¬8) المضمومة. قال: وكذا ابنه إسحاق بن عباد روى عنه مسلم سكن بغداد قال: (حدثنا إبراهيم بن سعد) بن (¬9) ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ر): بعيد. (¬3) "المجموع" 6/ 190. (¬4) زاد في (م): القوة مقام. (¬5) "المبسوط" 3/ 17. (¬6) سقط من (م). (¬7) في (م): عنه. (¬8) في (ر): يعني. (¬9) سقط من (م).

إبراهيم أحد الأعلام الثقات (¬1). قال (أخبرني أبي) سعد بن إبراهيم ابن عبد الرحمن بن عوف كان أسن من أخيه يعقوب، أمه أم كلثوم بنت سعد بن أبي وقاص، ولي قضاء المدينة. حديثه عن عبد الله بن جعفر في الصحيحين (¬2)، كان لا يحدث بالمدينة ولهذا لم يسمع منه مالك، وقد حدث بمكة وبالعراق، كان يُتقى كما يتقى وهو قاض (¬3)، وكان يحتبي فلا يحل حبوته حتى يختم القرآن (عن ريحان بن يزيد) (¬4) العامري وثق. (عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تحل الصدقة لغني) حد الغنى عند أبي حنيفة هو النصاب (¬5) ولا تعتبر الكفاية فحديث معاذ جعل الناس صنفين. قالوا (¬6): وأنتم تجعلونهم ثلاثة (¬7). وأورد القاضي أبو الطيب عن الحنفية أن من زرع عشر هندبات في أرض أخذت منه هندباءة واحدة، ويجوز أن يدفع إليه من سهم الفقراء، فهذا رجل أخذ الزكاة وأعطى الزكاة. ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 2/ 91. (¬2) رواه البخاري (5440، 5447)، ومسلم (2043) عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه سعد بن إبراهيم، عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يأكل الرطب بالقثاء. (¬3) قال ابن عيينة: أتى عزل سعد بن إبراهيم عن القضاء وكان يتقى كما يتقى وهو قاضٍ وانظر: "سير أعلام النبلاء" 5/ 419. (¬4) في (م): زيد. (¬5) "المبسوط" 2/ 208. (¬6) في (ر): قال. (¬7) "الجوهر النقي" 4/ 149.

(ولا لذي مِرَّة) بكسر الميم، وتشديد الراء. قال الجوهري: المرة: القوة وشدة العقل أيضًا، ورجل مرير أي: قوي ذو مرة (¬1). وقال غيره: المرة القوة على الكسب والعمل. وإطلاق المرة هنا وهي القوة مقيد بالحديث الذي قبله "ولا قوي مكتسب" فيؤخذ من الحديثين (¬2): أن مجرد القوة لا يقتضي عدم الاستحقاق إلا إذا قرن (¬3) به الكسب (سَوي) قال الجوهري: سوي الخلق أي: مستوي (¬4) يعني: مستوي الأعضاء سليمها قد يؤخذ [منه اشتراط الزمانة] (¬5)، وجمهور الأصحاب على عدم اشتراط الزمانة، ولا التعفف عن السؤال في جواز الصرف إلى المسكين؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى من سأل وهو غير زمن كما تقدم؛ ولأن استحقاق الفقير والحاجة موجودة، وإن لم يكن زمنًا ولا متعففًا إذا لم يكن له حرفة، أو كانت ضعيفة لا وقع لها. والقول القديم للشافعي اشتراط الزمانة والتعفف عن المسألة (¬6) لأن الفقير من كسر الفقار، وهي عظام الظهر. ولأن الشخص إذا كان زمنًا بصيرًا فإنه يقدر على الحراسة يتكسب بها، ورد بأنه كسب ضعيف، وكذا مراقبة شيء يكون عليه ناطورًا، فإن الغالب لا يرغب في الحراسة ¬

_ (¬1) "الصحاح" مرر. (¬2) في (ر): الحديث. (¬3) في (ر): فرد. (¬4) "الصحاح" (سوا). (¬5) في (م): أنه لا يطع الزكاة. والمثبت من (ر). (¬6) "المجموع" 6/ 191.

والنطار إلا لمن يكون قادرًا على المشي (¬1). (قال أبو داود: رواه سفيان) الثوري (عن سعد بن إبراهيم، كما قال إبراهيم، ورواه شعبة عن سعد بن إبراهيم قال: لذي مرة قوي) على التكسب. (قال أبو داود: والأحاديث الأُخر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعضها: لذي مرة قوي، وبعضها: لذي مرة سوي) فيحتمل أن يكون أحدهما تفسيرًا للآخر (قال عطاء بن زهير: إنه لقي عبد الله بن عمرو (¬2) فقال: إن الصدقة لا تحل لقوي، ولا لذي مرة سوي) وهذا الحديث يبين (¬3) الحديث المتقدم: فقلب فيهما النظر فرآهما جلدين. كذا في رواية الدارقطني (¬4). ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" 11/ 540. (¬2) في (م): عمرو. (¬3) في (ر): يعين. (¬4) "سنن الدارقطني" 2/ 119.

25 - باب من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني

25 - باب مَنْ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ وَهُوَ غَني 1635 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عطَاءِ بْنِ يَسارٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَني إلَّا لِخَمْسَةٍ: لِغازٍ في سَبِيلِ اللهِ، أَوْ لِعامِلٍ عَلَيْها، أَوْ لِغارِمٍ، أَوْ لِرَجُلٍ اشْتَراها بِمالِهِ، أَوْ لِرَجُلٍ كَانَ لَهُ جارٌ مِسْكِينٌ فَتُصُدِّقَ عَلَى المِسْكِينِ فَأَهْداها المِسْكِينُ لِلْغَنَيِّ" (¬1). 1636 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلي، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطاءِ بْنِ يَسارٍ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْري قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَعْناهُ (¬2). قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَواهُ ابن عُيَيْنَةَ، عَنْ زَيْدٍ كَما قَالَ مالِكٌ وَرَواهُ الثَّوْري عَنْ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَني الثَّبْتُ عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -. 1637 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الطّائي، حَدَّثَنا الفِرْيابي، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ عِمْرانَ البارِقي، عَنْ عطِيَّةَ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَني إلَّا في سَبِيلِ اللهِ أَوِ ابن السَّبِيلِ أَوْ جارٍ فَقِيرٍ يُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ فَيُهْدي لَكَ أَوْ يَدْعُوكَ" (¬3). قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَواهُ فِراسٌ وابْنُ أَبي لَيْلَى، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، مِثْلَهُ. * * * ¬

_ (¬1) رواه مالك 1/ 268. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1445). (¬2) رواه ابن ماجه (1841)، وأحمد 3/ 56. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1445). (¬3) رواه أحمد 3/ 31، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (10784)، وعبد بن حميد (893) وأبو يعلى (1202)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 19، والبيهقي 7/ 23. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (290).

باب من يجوز له أخذ الصدقة ممن هو غني [1635] (حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن زيد بن أسلم) مولى عمر بن الخطاب، مدني من أكابر التابعين. (عن عطاء بن يسار - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تحل الصدقة لغني) وهذا من مراسيل عطاء بن يسار فإنه تابعي. وذكر المصنف بعده: عن عطاء، عن أبي سعيد الخدري. وكذا رواه ابن ماجه وأحمد والبزار والحاكم (¬1)، وصححه جماعة (¬2). وذكره مالك في "الموطأ" هكذا مرسلًا (¬3). والمراد بالغني: من (¬4) كان ذا كسب (¬5) يغني به نفسه وعياله إن كان له عيال، أو كان له قدر كفايته في كل يوم من أجرة (¬6) عقار أو غلة مملوك أو سائمة فهو غني لا حق له في الزكاة. وبهذا قال ابن عمر والشافعي (¬7) وأحمد (¬8) (إلا لخمسة) ثم بين الخمسة (لغاز في سبيل الله) اعلم أن في هذا الحديث أن الصدقة لا تحل لغني إلا لخمسة وذُكِرَ منها اثنان ليسا من المستحقين. وذكر الشيخ أبو حامد من أصحابنا التقسيم إلى عشرة: خمسة يأخذونها مع الغنى كما يأخذونها ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (1841)، "المسند" 3/ 56، "المستدرك" 1/ 406، 407، ورواه البزار كما في "بيان الوهم والإيهام" 2/ 310. (¬2) كابن الجارود في "المنتقى" (365)، وابن خزيمة 4/ 71 (2374). (¬3) "الموطأ" 1/ 268. (¬4) في (م): ما. (¬5) في (ر): يكتسب. (¬6) في (م): أحد. (¬7) انظر: "الأم" 2/ 96 - 97. (¬8) "المغني" 4/ 118.

مع الفقر وهم (¬1): العامل، والمؤلفة (¬2)، والغارم لمصلحة ذات البين، والغازي، وابن السبيل المختار هنا إذا كان ماله (¬3) بعيدًا منه، قال: وخمسة لا يأخذونها مع الغنى بل لا بد من الفقر وهم الفقراء، والمساكين، والمكاتب، والغارم لمصلحة نفسه، وابن السبيل الذي ليس (¬4) معه مال (¬5)، وأما الغازي في سبيل الله والمراد به المجاهد وإن كان في سبيل الله بالوضع هو الطريق الموصل إليه وهو أعم من ذلك، حتى ورد أن الحج في سبيل الله، وذهب إليه أحمد (¬6) وحجة الشافعي ومن تابعه على أنه المجاهد فقط (¬7) أنه قد تكرر في القرآن مع الجهاد فحمل الإطلاق عليه، ومن أعظمها قوله: {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (¬8). (أو العامل عليها) قال ابن عباس: [يعني: الذي يستخرجونها] (¬9) ويدخل في العامل: الساعي والمكاتب والقاسم والحاشر الذي يجمع ذوي الأموال، وحافظ المال العريف، وهو كالنقيب للقبيلة، وكلهم عمال، لكن أشهرهم اسمًا الساعي، وكلهم (¬10) أعوان له. ¬

_ (¬1) في (ر): هو. (¬2) في (ر): والمواز. (¬3) من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) "مسائل أحمد" رواية ابنه عبد الله (560 - 561). (¬6) انظر: "إحياء علوم الدين" 1/ 221 - 222. (¬7) "المجموع" 6/ 212. (¬8) التوبة: 41. (¬9) سقط من (م). (¬10) في (م): الباقي.

(أو الغارم) وهو من غرم لا لنفسه بل لغيره كإصلاح ذات البين، بأن يخاف وقوع فتنة بين شخصين أو قبيلتين فيستدين (¬1) من يطلب صلاح الحال بينهما مالًا لتسكين الثائرة بينهما، وفي مشروعيته تحريض لرؤساء القبائل وساداتها على تطفئة نار الحرب، وهي كثيرة الوقوع، فيأخذ هنا من الزكاة ما غرمه، وإن كان غنيًّا بأخذ النقدين، ولو أحوجناه أن يقضي من ماله لامتنع الناس من هذِه الخصلة، ولما فيه من المصلحة العامة. وقيل: لا يأخذ الغارم إلا مع الفقر والحاجة (¬2)، والحديث حجة عليه (أو لرجل اشتراها بماله) فيه أنه (¬3) يجوز لغير دافع الزكاة والصدقة والواقف شراء ما خرج عنه، ويجوز لآخذها بيعها ولا كراهة له (¬4) في ذلك. وفيه دليل على أن الزكاة أو الصدقة إذا ملكها الآخذ تغيرت صفتها وزال عنها اسم الزكاة، وتغيرت الأحكام المتعلقة بها حتى إنه يجوز للغني شراؤها من الفقير، وأكلها إذا أهداها له وللنبي - صلى الله عليه وسلم - ولبني هاشم ولبني (¬5) المطلب ممن لا تحل له الزكاة والصدقة ابتداء. ويدل عليه قصة بريرة وقوله - صلى الله عليه وسلم - في اللحم الذي تصدق به على بريرة: "هو لها صدقة، ولنا هدية" (¬6) (أو لرجل كان له جار مسكين) أي: بصفة ¬

_ (¬1) في (م) فيسد بين. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): أبدا. (¬4) و (¬5) سقط من (م). (¬6) رواه البخاري (1493)، ومسلم (1074).

المستحقين (فتصدق على المسكين) من الزكاة (فأهدى المسكين للغني) ما أخذه من الزكاة أو بعضه جاز؛ لأن صفة الزكاة زالت عنها. وفيه أنه يجوز للفقير أن يهدي للغني هدية لا يريد بها أكثر من هديته، فإن أراد فإطلاق الحديث يقتضي (¬1) الجواز وهو وإن كان جائزًا إلا أنه لا (¬2) ثواب فيه، إلا أنه قد نُهي عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاله الضحاك. (¬3) واستدل عليه بقوله تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ} (¬4) وبهذا فسر الآية ابن عباس ومجاهد والضحاك (¬5)، واستدل الضحاك بقوله تعالى: {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} (¬6) أي: لا تعطي العطاء تريد أكثر منه (¬7). وفيه دليل على جواز قبول هدية الفقير والعتيق، وإن كان المهدي له غنيًّا. [1636] (حدثنا الحسن بن علي) قال: (حدثنا عبد الرزاق) قال: (أخبرنا معمر، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار) التابعي (عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فيه (¬8) (بمعناه) الحديث المرسل الذي قبله كما تقدم. (قال أبو داود: ورواه) سفيان [(بن عيينة عن زيد) بن أسلم (كما قال مالك) عن زيد بن أسلم (ورواه) سفيان] (¬9) (الثوري، عن زيد) بن أسلم ¬

_ (¬1) و (¬2) سقط من (م). (¬3) رواه ابن أبي شيبة 11/ 522 (23114)، والطبري في "تفسيره" 20/ 105. (¬4) "تفسير الطبري" 20/ 104 - 105. (¬5) الروم: 39. (¬6) المدثر: 6. (¬7) "مصنف ابن أبي شيبة" 5/ 319. (¬8) و (¬9) من (م).

[عن عطاء] (¬1). (قال: حدثني الثبت) والأكثر على رواية مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء كما تقدم. وهي رواية مالك في "الموطأ" (¬2) (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) بمعناه. [1637] (حدثنا محمد بن عوف) بن سفيان (الطائي) الحمصي الحافظ، قال أحمد: ما كان بالشام منذ أربعين سنة (¬3) مثله، [(ثنا) محمد بن يوسف بن واقد الضبي مولاهم. (الفريابي) بكسر الفاء وسكون الراء، ثم ياء مثناة تحت نسبة إلى فرياب من خراسان، قال البخاري: ثنا محمد بن يوسف، وكان من أفضل أهل زمانه (¬4). رحل إليه أحمد فلما قرب من قيسارية التي من الساحل وكان مقيمًا بها نعي [إليه] (¬5) فعدل إلى حمص] (¬6) قال: (حدثنا (¬7) سفيان الثوري (¬8)، عن عمران البارقي) قال الذهبي: هو شيخ لسفيان الثوري (¬9) ولا يعرف، لكنه وثق (¬10) فيما رواه. (عن عطية) بن سعد العوفي صدوق يخطئ (عن أبي سعيد) الخدري ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) 1/ 268. (¬3) من (م). (¬4) رواه عنه ابن عساكر في "تاريخه" 56/ 330. (¬5) بياض في (ر) والمثبت من "الكامل" لابن عدي. (¬6) سقط من (م)، وانظر: "تهذيب الكمال" 27/ 59. (¬7) من (م). (¬8) سقط من (م). (¬9) من (م). (¬10) "ميزان الاعتدال" 3/ 245.

- رضي الله عنه - (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تحل الصدقة (¬1) لغني إلا لغاز في سبيل الله، وابن السبيل) قال ابن عباس: يريد عابر سبيل. قال المفسرون: المسافر (¬2) المنقطع يأخذ من الصدقة، وإن كان غنيًّا في بلده. وقال مجاهد: هو الذي (ينقطع عليه) (¬3) الطريق (¬4). وقال الشافعي: ابن السبيل المستحق الصدقة هو الذي يريد السفر في غير معصية، فيعجز عن بلوغ سفره إلا بمعونة (¬5). قال أصحابنا: ومن أنشأ السفر من بلده لحاجة جاز أن يدفع إليه سهم ابن السبيل كالمجتاز ببلدك (أو) يعني (جار فقير) بالإضافة (يتصدق) بضم أوله (عليه) أي: [يتصدق عليه غيرك] (¬6) بشيء من الزكاة (فيُهدي) بضم الياء الأولى (لك) يقال (¬7): أهديت له وإليه مما (¬8) أُعطي من الزكاة (أو يدعوك) إلى منزله فيطعمك منها، فيه جواز أكل الغني مما أهدي إلى الفقير كما تقدم. (ورواه فراس) شيخ شعبة وهو ابن يحيى الهمداني (و) عبد الرحمن (ابن أبي ليلى، عن عطية، عن أبي سعيد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثله). ¬

_ (¬1) زاد في (ر): إلا. (¬2) من (م). (¬3) في (ر): قطع. والمثبت من (م). (¬4) "تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 950. (¬5) "الأم" 2/ 98. (¬6) سقط من (م). (¬7) في (م): فقال. (¬8) في (ر): ما. والمثبت من (م).

26 - باب كم يعطى الرجل الواحد من الزكاة

26 - باب كَمْ يُعْطَى الرَّجُلُ الواحِدُ مِنَ الزَّكاةِ 1638 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبّاحِ، حَدَّثَنا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَني سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ الطّائي، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسارٍ زَعَمَ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصارِ يُقالُ لَهُ: سَهْلُ بْنُ أَبي حَثْمَةَ، أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وَداهُ بِمِائَةٍ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ يَعْني: دِيَةَ الأَنْصاري الذي قُتِلَ بِخَيْبَرَ (¬1). * * * باب كم يعطى الرجل الواحد من الزكاة [1638] (حدثنا الحسن بن محمد بن (¬2) الصباح) قال (¬3) (حدثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين. قال (¬4) (حدثنا سعيد بن عبيد الطائي) وثقه أحمد، وابن معين، والنسائي (¬5) (عن (¬6) بشير) بضم الموحدة - مصغر - (ابن يسار) بفتح المثناة تحت والسين المهملة، الأنصاري المدني، من الثقات (¬7) روى عن جماعة من الصحابة (وزعم أن رجلًا من الأنصار (¬8) يقال له: سهل بن أبي حثمة) واسم أبي حثمة عبد الله بن ساعدة الأنصاري الأوسي ولد سنة ثلاث من الهجرة. (أخبره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وداه) بتخفيف الدال. أي: دفع ديته (مائة) بالنصب ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6898)، ومسلم (1669). (¬2) و (¬3) و (¬4) من (م). (¬5) "تهذيب الكمال" 10/ 549. (¬6) من (م). (¬7) "تهذيب الكمال" 4/ 188. (¬8) في (ر): الصحابة.

(من إبل الصدقة) أخذ به الإمام أبو إسحاق المروذي من أصحابنا، وتمسك بظاهره على أنه يجوز صرف دية القتيل الذي تنازعوا في قتله من إبل الزكاة. وقال جمهور أصحابنا وغيرهم: لا يجوز. وقالوا: معنى الحديث أنه اشتراها من أهل الصدقات بعد أن ملكوها ثم تبرع تبرعًا من عنده إلى أهل القتيل (¬1). [لا أنه] (¬2) دفع الزكاة إليهم؛ لأن أهل القتيل لا يستحقون إلا أن يحلفوا أو يستحلفوا المدعى عليهم. وقد امتنعوا من الأمرين وهم مكسورون بقتل صاحبهم فأراد - صلى الله عليه وسلم - جبرهم (¬3) وقطع المنازعة، وإصلاح ذات البين بدفع ديته من عنده، ويدل على هذا التأويل رواية الصحيحين: فوداه من عنده (¬4) ويحتمل أنه وداه من بيت المال ومصالح المسلمين. وحكى القاضي عياض عن بعض العلماء أنه يجوز صرف الزكاة في المصالح العامة (¬5). وتأول هذا الحديث عليه، وتأوله بعضهم على أن أولياء القتيل كانوا محتاجين ممن تباح لهم الزكاة. قال النووي: وهذا تأويل باطل؛ لأن هذا قدر كثير لا يدفع إلى الواحد الخامل (¬6) من الزكاة، بخلاف أشراف القبائل، ولأنه سماه دية ¬

_ (¬1) "شرح النووي على مسلم" 11/ 148. (¬2) في (م): لأنه. (¬3) في (ر): إجبارهم. (¬4) "صحيح البخاري" (899). (¬5) "إكمال المعلم" 5/ 457. (¬6) سقط من (م)، وفي (ر): الحاصل. والمثبت من "شرح النووي".

انتهى (¬1). وتبويب المصنف على ما أبطله (¬2) النووي يعني: دفع دية عبد الله بن سهل الأنصاري الذي قتل بأرض خيبر ولم يعلم قاتله. وقد استدل الرافعي بهذا (¬3) الحديث في قوله (¬4): "يحلف خمسون منكم على رجل منهم، فيدفع إليكم" (¬5) برمته على وجوب القضاء بالقسامة (¬6)، واستدل على المنع وهو الجديد بقوله في رواية مسلم: "إما أن يدوا صاحبكم، وإما أن يؤذنوا بحرب من الله" (¬7). ¬

_ (¬1) "شرح النووي لمسلم" 11/ 148. (¬2) بياض في (م). (¬3) زاد في (م): في. (¬4) زاد في (م): فيه. (¬5) في (م): عنكم. (¬6) في (م): بأقسامه. (¬7) "صحيح مسلم" (1669/ 6).

27 - باب ما تجوز فيه المسألة

27 - باب ما تَجُوزُ فِيهِ المَسْأَلَةُ 1639 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمَري حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عُقْبَةَ الفَزاري عَنْ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "المَسائِلُ كُدُوحٌ يَكْدَحُ بِها الرَّجُلُ وَجْهَهُ فَمَنْ شاءَ أَبْقَى عَلَى وَجْهِهِ وَمَنْ شاءَ تَرَكَ إلَّا أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ ذا سُلْطانٍ أَوْ في أَمْرٍ لا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا" (¬1). 1640 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ هارُونَ بْنِ رِئابٍ، قَالَ: حَدَّثَني كِنانَةُ بْنُ نُعَيْمٍ العَدَوي، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخارِقٍ الهِلالي قَالَ: تَحَمَّلْتُ حَمالَةً فَأَتَيْت النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "أَقِمْ يا قَبِيصَةُ حَتَّى تَأْتِيَنا الصَّدَقَةُ فَنَأْمُرَ لَكَ بِها". ثُمَّ قَالَ: "يا قَبِيصَةُ إِنَّ المَسْأَلَةَ لا تَحِلُّ إلَّا لأَحَدِ ثَلاثَةٍ: رَجُلٌ تَحَمَّلَ حَمالَةً فَحَلَّتْ لَهُ المَسْأَلَةُ فَسَأَلَ حَتَّى يُصِيبَها ثُمَّ يُمْسِكُ وَرَجُلٌ أَصابَتْهُ جائِحَةٌ فاجْتاحَتْ مالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ المَسْأَلَةُ فَسَأَلَ حَتَّى يُصِيبَ قِوامًا مِنْ عَيْشٍ - أَوْ قَالَ: سِدادًا مِنْ عَيْشٍ وَرَجُلٌ أَصابَتْهُ فاقَةٌ حَتَّى يَقُولَ ثَلاثَةٌ مِنْ ذَوي الحِجا مِنْ قَوْمِهِ: قَدْ أَصابَتْ فُلانًا الفاقَةُ فَحَلَّتْ لَهُ المَسْأَلَةُ فَسَأَلَ حَتَّى يُصِيبَ قِوامًا مِنْ عَيْشٍ - أَوْ سِدادًا مِنْ عَيْشٍ - ثُمَّ يُمْسِكُ وَما سِواهُنَّ مِنَ المَسْأَلَةِ يا قَبِيصَةُ سُحْتٌ يَأْكُلُها صاحِبُها سُحْتًا" (¬2). 1641 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، أَخْبَرَنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ الأَخْضَرِ بْنِ عَجْلانَ، عَنْ أَبي بَكْرٍ الحَنَفي، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصارِ أَتَى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - يَسْأَلُهُ فَقَالَ: "أَما في بَيْتِكَ شَيء؟ " قَالَ: بَلَى حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ، وَقَعْبٌ نَشْرَبُ فِيهِ مِنَ الماءِ. قَالَ: "ائْتِني بِهِما" فَأَتاهُ بِهِما فَأَخَذَهُما رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (681)، والنسائي 5/ 100، وأحمد 5/ 10. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1447). (¬2) رواه مسلم (1044).

بِيَدِهِ وقَالَ: "مَنْ يَشْتَري هَذَيْنِ؟ ". قَالَ رَجُلٌ: أَنا آخُذُهُما بِدِرْهَمٍ. قَالَ: "مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ؟ ". مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا قَالَ رَجُلٌ: أَنا آخُذهُما بِدِرْهَمَيْنِ. فَأَعْطاهُما إِيَّاهُ وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ وَأَعْطاهُما الأَنْصاري وقَالَ: "اشْتَرِ بِأَحَدِهِما طَعامًا فانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ واشْتَرِ بِالآخَرِ قَدُومًا فَأْتِني بِهِ". فَأَتاهُ بِهِ فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عُودًا بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ: "اذْهَبْ فاحْتَطِبْ وَبِعْ وَلا أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا". فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ، فَجاءَ وَقَدْ أَصابَ عَشَرَةَ دَراهِمَ فاشْتَرى بِبَعْضِها ثَوْبًا وَبِبَعْضِها طَعامًا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هذا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجَيءَ المَسْأَلَةُ نُكْتَةً في وَجْهِكَ يَوْمَ القِيامَةِ إِنَّ المَسْأَلَةَ لا تَصْلُحُ إلَّا لِثَلاثَةٍ: لِذي فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أَوْ لِذي غُرْمٍ مُفْظِعٍ، أَوْ لِذي دَمٍ مُوجِعٍ" (¬1). * * * باب ما تجوز فيه المسألة [1639] (حدثنا حفص بن عمر) بن الحارث بن سخبرة (النمري) بفتح النون والميم، قال أحمد: ثبت لا يؤخذ عليه حرف (¬2). قال (¬3): (حدثنا شعبة، عن عبد الملك بن عمير) بضم المهملة، مصغر، الكوفي. قال أبو حاتم: صالح الحديث (¬4) (عن زيد بن عقبة الفزاري) بفتح (¬5) الفاء، وثق (¬6). ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (2198)، وأحمد 3/ 114. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (291). (¬2) انظر: "ميزان الاعتدال" 1/ 341 (1152). (¬3) من (م). (¬4) "الجرح والتعديل" 5/ 361. (¬5) في (ر): بضم. (¬6) "تهذيب الكمال" 10/ 93.

(عن سمرة) بن جندب - رضي الله عنه - (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: المسائل) بفتح الميم، رواية الترمذي: "إن المسألة كد يكد بها الرجل على (¬1) وجهه" (¬2) [أي: كما تكد] (¬3) الأرض بحوافر الدواب. ورواه (¬4) ابن حبان في "صحيحه" (¬5) بلفظ "كد" في رواية. وفي رواية: "كدوح" بضم الكاف وهي آثار الخموش، (يكدح (¬6) الرجل وجهه)، بوب عليه الترمذي: باب النهي عن المسألة (¬7) (فمن (¬8) شاء أبقى) بإسكان الباء (¬9) الموحدة (على وجهه) منها شيئا (¬10) [لفظ النسائي (¬11): "فمن شاء كدح وجهه"] (¬12). (ومن شاء ترك) وهذا تخيير على جهة التهديد والوعيد الشديد بعد البيان، وقيل: المعنى: من شاء الله أبقى على وجهه ومن شاء ترك، (إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان). رواية الترمذي: "إلا أن يسأل الرجل ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "سنن الترمذي" (681). (¬3) في (م): كما تكد. وفي (ر): أي كما ترد. (¬4) في (ر): رواية. (¬5) "صحيح ابن حبان" (3386). (¬6) في (ر): يكد لحفا. (¬7) "جامع الترمذي" قبل حديث (680). (¬8) في (ر): فما. (¬9) في الأصول: شيء. والصواب ما أثبتناه. (¬10) سقط من (م). (¬11) "السنن الكبرى" 3/ 80 (2391). (¬12) سقط من (م).

سلطانًا" (¬1) أي: ما وجب له من الزكاة، أو [ما وجب] (¬2) من الخمس أو في بيت المال ونحو ذلك (أو في أمر) يحتاج إليه (¬3) و (لا يجد منه بدًّا) فتحل (¬4) المسألة فيما دعت الضرورة إليه. [1640] (حدثنا مسدد) قال: (حدثنا حماد بن زيد، عن هارون بن رئاب) قال النووي (¬5): وهي بكسر الراء ومثناة تحت، ثم الألف، ثم بموحدة (¬6). الأسيدي بالتصغير، البصري العابد قال (حدثني كنانة بن نعيم العدوي، عن قبيصة بن مخارق الهلالي، قال: تحملت) أي (¬7): ألزمت نفسي. (حمالة) بفتح الحاء المهملة، وهو الذي يتحمله الإنسان ويلتزمه في ذمته بالاستدانة ليدفعه في إصلاح ذات البين، وإنما تحل له المسألة بسببه، ويعطى من الزكاة بشرط أن يستدين لغير معصية، [وما أدى أو أُدِّي وهو فرض عليه، فلو أداها من مال نفسه لم يجز له أخذ الصدقة] (¬8) وكانت العرب إذا وقعت بينهم ثائرة اقتضت غرامة في دية أو غيرها قام أحدهم فتبرع بالتزام ذلك والقيام به حتى ترتفع تلك الفتنة التي هي ثائرة، ولا شك أن هذا من مكارم الأخلاق، وكانت ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (681). (¬2) سقط من (م). (¬3) من (م). (¬4) في (م): فتحمل. (¬5) في (ر): الفروي. (¬6) "شرح النووي لمسلم" 7/ 133. (¬7) في (ر): أو. (¬8) سقط من (م).

العرب لكرمها إذا علموا أن أحدًا تحمل حمالة بادروا إلى معونته وأعطوه ما تبرأ به ذمته، ولو سأل المتحمل في تلك الحمالة لم يعد نقصًا في قدره، بل فخرًا. (فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أقم يا قبيصة حتى تأتينا) بنصب (¬1) (الصدقة فنأمر) بنصب الراء (لك بها) وعده النبي - صلى الله عليه وسلم - بمال يعطيه من الصدقة لأنه غارم من جملة الغارمين المذكورين في الآية. (ثم (¬2) قال: يا قبيصة، إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة) رواية الشافعي (¬3): إن المسألة حرمت إلا في ثلاث: (رجل) يجوز فيه الجر على البدل والرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف (تحمل حمالة فحلت له المسألة فسأل حتى يصيبها (¬4) ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة) (¬5) وهي ما اجتاح (¬6) المال وأتلفه إتلافًا ظاهرًا كالسيل والحرق. (فاجتاحت ماله) وأتلفته (فحلت له المسألة فيسأل (¬7) حتى يصيب قوامًا) بكسر القاف، وهو ما تقوم به حاجته ويستغني به. (من عيش) أي: مما يعيش به، وأما (¬8) القوام بفتح القاف فهو الاعتدال (أو قال: سدادًا) بكسر السين المهملة، ما يسد به حاجته من عيش، والسداد، بكسر السين: كل شيء سددت به خللًا، ومنه سداد ¬

_ (¬1) و (¬2) سقط من (م). (¬3) "الأم" 2/ 78. (¬4) بياض في (ر). والمثبت من (م). (¬5) في (م): حاجة. (¬6) في (ر): أجاح. (¬7) من (م). (¬8) في (م): إذا.

الثغر بالخيل والرجل؛ ليمنعوا العدو من أن يدهمهم العدو (¬1)، ومنه سداد القارورة. وأما السداد فقال الأزهري: هو الإصابة في النطق (¬2) والتدبير والرأي (¬3). ومنه سداد من عوز. (ورجل أصابته فاقة) أي: فتحرم عليه المسألة (حتى يقول: ثلاثة من ذوي الحجا) ورواية الشافعي: "أصابته حاجة حتى يشهد أو يتكلم ثلاثة من ذوي الحجا" (¬4) والحجا (¬5) بكسر الحاء المهملة مقصور، هو العقل واشتراط العقل؛ لأن من عدمه لا يحصل بقوله ثقة (¬6) ولا تحصل الشهادة وإنما قال: (من قومه) لأنهم أخبر بحاله [وأعلم بباطن أمره، والمال مما يخفى في العادة، ولا يعلمه إلا من كان خبيرًا بحاله] (¬7). وأما اشتراط الثلاثة فقال بعض أصحابنا (¬8): هو شرط في بينة الإعسار، فلا يقبل إلا بثلاثة لهذا الحديث. ونقله الماوردي عن الفوراني (¬9). وحكى ابن داود، عن محمد بن إسحاق بن خزيمة من أصحابنا، أنه لا بد من ثلاثة كان محدثًا في زمن المزني. وقال الجمهور: يقبل من عدلين كسائر الشهادات غير الزنا. وحملوا الحديث على الاستحباب، وهذا محمول على من عرف له مال، وأما من ¬

_ (¬1) كذا تكررت بالأصل. (¬2) في (م): التطلق. (¬3) "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" ص 197. (¬4) "الأم" 2/ 78. (¬5) و (¬6) و (¬7) من (م). (¬8) انظر: "البيان" 3/ 410. (¬9) في (ر): (الفريابي). والمواردي توفي قبل الفوراني، فالله أعلم بالمقصود.

لا (¬1) يعرف له مال، فالقول قوله في عدم المال (قد أصابت فلان الفاقة) [الجوهري: الفاقة] (¬2): الفقر والحاجة (¬3) (فسأل حتى يصيب قوامًا من عيش، أو سدادًا من عيش، ثم (¬4) يمسك) رواية الشافعي ومسلم: "ثلاثة من ذوي الحجا من قومه أن به حاجة وفاقة" (¬5) (فحلت له المسألة حتى يصيب قوامًا) ومعناه تحل المسألة [في الفاقة] (¬6) والحاجة يعني (¬7) [والله أعلم] (¬8): من سهم الفقراء والمساكين لا الغارمين. كذا قاله في "المختصر" (¬9) (وما سواهن من المسألة) عبر بالمسألة هنا عن المسؤول فلذلك قال بعده (يا قبيصة سحت) بسكون الحاء وضمها لغتان، و (سحت) خبر المبتدأ المتقدم الذي هو (ما) الموصولة الذي صلته هو (سواهن) (يأكلها صاحبها سحتًا) أي: ما سوى هذِه الثلاثة المذكورة يأكله آخذه حرامًا، وسمي الحرام سحتًا؛ لأنه يسحت (¬10) ويمحق. وقوله: ما سوى الثلاثة سحت، هو مخصص (¬11) بحديث سمرة الذي قبله: "إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان أو في أمر لا يجد منه بدًا" فهذان اللذان في رواية سمرة يزيدان على الثلاثة المذكورة في هذا الحديث. ¬

_ (¬1) في (م): لم. (¬2) من (م). (¬3) "الصحاح" للجوهري (فوق). (¬4) في (ر): فهو. (¬5) "الأم" 2/ 78، "صحيح مسلم" (1044/ 109). (¬6) من (م). (¬7) في (م): معنى. (¬8) في (م): ولهذا علم. (¬9) "مختصر المزني" ص 257. (¬10) في (م): يسحق. (¬11) في (ر): مختص.

[1641] (حدثنا عبد الله بن مسلمة) (¬1) قال: (حدثنا عيسى بن يونس) ابن أبي إسحاق أحد الأعلام (عن الأخضر بن عجلان) صدوق (¬2) (عن أبي بكر) عبد الله (الحنفي، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رجلًا من الأنصار أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأله، فقال: أما في بيتك شيء؟ فقال: بلى) في بيتي (حلس) بكسر (¬3) الحاء المهملة، وسكون اللام، وبالسين المهملة، هو كساء غليظ يكون على ظهر البعير، وسمي به غيره مما يداس ويمتهن من الأكسية ونحوها. (نلبس) [بفتح الباء] (¬4) (بعضه ونبسط بعضه) يشبه أن يكون معناه: نبسط بعضه تحتنا إذا نمنا ونلبس بعضه الآخر. أي: نتغطى به، فيكون بعضه فوقنا (¬5) وبعضه الآخر تحتنا، وهذا يدل على أنه لم يكن عندهم شيء يفرشونه تحتهم، ولا يتغطون به غير هذا الحلس. (وقعب) أي: قدح من خشب مقعب (نشرب فيه الماء) ذكر الماء يدل على أنه (¬6) لم يحصل لهم اللبن (¬7) فيشربون فيه ولا يأكلون طعامًا يحتاج إلى قدر يكون عندهم (قال: ائتني بهما) يدل على أن آلات البيت مختصة بالرجل إذ لو كان للمرأة فيها شيء ملك لأمره باستئذانها. ¬

_ (¬1) في (ر): سليمان. (¬2) "تهذيب الكمال" 2/ 295. (¬3) في (ر): بفتح. (¬4) سقط من (م). (¬5) من (م). (¬6) في (م): أنهم. (¬7) سقط من (م).

(فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده) الكريمة (وقال: من يشتري هذين؟ ) فيه أن الدلالة ليست من الحرف الدنية، ولا تخل بالمروءة إذا فعلها الإمام والقاضي ومن في معناهما (¬1)، وفيه كثرة تواضع النبي - صلى الله عليه وسلم - وشفقته على هذِه الأمة. (فقال رجل: أنا آخذهما) أي: أشتريهما (بدرهم) فيه أن (آخذ) من كنايات البيع (¬2) والشراء. فلو قال البائع: خذ هذا بدرهم. وقال الآخر: أخذته بدرهم ونويا البيع والشراء صح البيع. (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (من يزيد على درهم؟ مرتين أو ثلاثًا) فيه أن (¬3) غاية تكرار النداء على السلعة التي تباع ثلاث مرات. (قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين: فأعطاهما إياه) قد يستدل به على صحة بيع المعاطاة. (وأخذ الدرهمين فأعطاهما الرجل الأنصاري فقال: اشتر بأحدهما طعامًا فانبذه إلى أهلك) فيه: أن الواجب على الرجل لزوجته تمليك حب (¬4) من غالب قوت البلد لا الدرهم، إذ لو كفت الدراهم لقال: ادفع الدراهم إليها، وتقدم أن الطعام إذا أطلق يحمل على القمح، وأنه يجب على الزوج شراء الطعام وتسليمه إليها. (واشتر بالآخر قدومًا) بفتح القاف، وضم الدال المخففة. قال ابن ¬

_ (¬1) في (ر): معناه. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): إلى. (¬4) في (م): وجب.

السكيت: ولا تقل قدوم بالتشديد وهي التي ينحت بها، والجمع قدم (¬1) بضم القاف والدال (¬2). (فائتني به) فذهب فاشترى قدومًا (فأتاه به) فيه أن القدوم مذكر، وذكره الجوهري مؤنثًا (فشد فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عودًا بيده ثم قال له: اذهب فاحتطب وبع) أي: ما جمعته من الحطب، فيه: أن من احتطب أو حشَّ (¬3) من أرض مباحة ملكه وجاز له بيعه وهبته، وأن هذا من أطيب المكاسب وأحلها، وهي حرفة الصالحين. (ولا أرينك) [بضم الهمزة وكسر (¬4) الراء والياء ونون التوكيد المشددة] (¬5) وهو خبر بمعنى النهي. (خمسة عشر يومًا، فذهب الرجل يحتطب ويبيع) ما احتطبه (فجاءه، وقد أصاب عشرة دراهم) من الاحتطاب (فاشترى ببعضها ثوبًا، وببعضها طعامًا) لأهله (¬6)، وفي هذا إرشاد لهذِه الأمة وتعليم لمن كان إمامًا أو قاضيًا أو أميرًا على قوم أن يرشدهم لما فيه صلاحهم ونجاح (¬7) أمرهم. (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هذا) أي: الاحتطاب وما في معناه من التكسب (خير لك) ولأمثالك من (أن تجيء المسألة) أي: الذي أخذته بالمسألة. ¬

_ (¬1) "الصحاح" 5/ 2008. (¬2) "إصلاح المنطق" ص 137، 213. (¬3) في (ر): احتبس. (¬4) في (ر): تشديد. (¬5) كذا في الأصول، والصواب: بفتح الهمزة والراء والياء ونون التوكيد المشددة. (¬6) من (م). (¬7) في (ر): نتاج.

(نكتة) بضم النون وبالتاء المثناة فوق (¬1)، وهي كالنقطة في (الوجه) وخص الوجه بهذا النوع؛ لأن الجناية به وقعت؛ إذ قد بذل من وجهه بالسؤال ما أمر بصونه عنه وبصرفه به في غير ما شرع له. وهذا الوعيد حاصل لكل من سأل سؤالًا لا يجوز له (يوم القيامة) ثم بين من يجوز له المسألة (فقال: إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع) بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر القاف، وهو الشديد الملصق صاحبه بالدقعاء، وهي الأرض التي لا نبات بها، [وقيل: هو سوء احتمال الفقر] (¬2) (¬3). (أو لذي غرم) بضم الغين المعجمة وسكون الراء، وهو ما يلزم أداؤه مكلفًا إلا في مقابلة عوض. (مفظع) بضم الميم وسكون الفاء وكسر الظاء المعجمة، وبالعين المهملة. وهو الشديد الشنيع الذي جاوز الحد. (أو لذي دم) بفتح الدال المهملة وتخفيف الميم (موجع) (¬4) وهو الذي يتحمل دية عن قريبه أو حميمه أو نسيبه القاتل، يدفعها إلى أولياء المقتول. وإن لم يدفعها قبل قريبه أو حميمه الذي يتوجع لقتله وإراقة دمه. ¬

_ (¬1) و (¬2) سقط من (م). (¬3) انظر: "جمهرة اللغة" 1/ 144، ونقله الأزهري في "تهذيب اللغة" 7/ 29 عن شيخه المنذري عن أبي العباس عن ابن الأعرابي، قاله. (¬4) سقط من (م).

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

شَرْحُ سُنَنِ أَبِي دَاوُد لِابْنِ رَسْلَان [8]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ جميعُ الحقوقِ مَحْفوظَة لِدَارِ الفَلَاحِ وَلَا يجوز نشر هَذَا الْكتاب بِأَيّ صِيغَة أَو تَصْوِيره PDF إِلَّا بِإِذن خطي من صَاحب الدَّار الْأُسْتَاذ/ خَالِد الرَّباط الطَّبْعَةُ الأُولَى 1437 هـ - 2016 م رَقم الْإِيدَاع بدَارِ الكتُب 17164/ 2015 دَارُ الفَلَاحِ لِلبحثِ العِلمي وتَحْقِيق التُّرَاثِ 18 شَارِع أحمس - حَيّ الجامعة - الفيوم ت: 01000059200 [email protected] تطلب منشوراتنا من: • دَار الْعلم - بلبيس - الشرقية - مصر • دَار الأفهام - الرياض • دَار كنوز إشبيليا - الرياض • مكتبة وتسجيلات ابْن الْقيم الإسلامية - أَبُو ظَبْي • دَار ابْن حزم - بيروت • دَار المحسن - الجزائر • دَار الْإِرْشَاد - استانبول • دَارُ الفَلَاحِ - الفيوم

28 - باب كراهية المسألة

28 - باب كَراهِيَةِ المَسْأَلَةِ 1642 - حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ عَمّارٍ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ، حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ، عَنْ رَبِيعَةَ يَعْني: ابن يَزِيدَ، عَنْ أَبي إِدْرِيسَ الخَوْلانيُّ، عَنْ أَبي مُسْلِمٍ الخَوْلانيُّ قَالَ: حَدَّثَني الحَبِيبُ الأَمِينُ: أَمّا هُوَ إِلَي فَحَبِيبٌ، وَأَمّا هوَ عِنْدي فَأَمِينٌ، عَوْفُ بْنُ مالِكٍ قَالَ: كُنّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَبْعَةً أَوْ ثَمانِيَةً أَوْ تِسْعَةً فَقَالَ: "أَلا تُبايِعُونَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ ". وَكُنّا حَدِيثَ عَهْدٍ بِبَيْعَةٍ قُلْنا: قَدْ بايَعْناكَ، حَتَّى قَالَها ثَلاثًا فَبَسَطْنا أَيْدِيَنا فَبايَعْناهُ فَقَالَ قائِلٌ: يا رَسُولَ اللهِ إِنّا قَدْ بايَعْناكَ فَعَلامَ نُبايِعُكَ؟ قَالَ: "أَنْ تَعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَتُصَلُّوا الصَّلَواتِ الخَمْسَ وَتَسْمَعُوا وَتُطِيعُوا". وَأَسَرَّ كَلِمَةً خُفْيَةً قَالَ: "وَلا تَسْأَلُوا النّاسَ شَيْئًا". قَالَ: فَلَقَدْ كَانَ بَعْضُ أُولَئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُهُ فَما يَسْأَلُ أَحَدًا أَنْ يُناوِلَهُ إِيّاهُ (¬1). قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدِيثُ هِشامٍ لَمْ يَرْوِهِ إِلَّا سَعِيدٌ. 1643 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعاذٍ، حَدَّثَنا أَبي، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ عاصِمٍ، عَنْ أَبي العالِيَةِ، عَنْ ثَوْبانَ قَالَ: وَكَانَ ثَوْبانُ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ تَكَفَّلَ لي أَنْ لا يَسْأَلَ النّاسَ شَيْئًا وَأَتَكَفَّلُ لَهُ بِالجَنَّةِ؟ ". فَقَالَ ثَوْبانُ: أَنا. فَكَانَ لا يَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا (¬2). * * * باب كراهية المسألة [1642] (حدثنا هشام بن عمار) السلمي المقرئ، خطيب دمشق، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1043). (¬2) رواه النسائي 5/ 96، وابن ماجه (1837)، وأحمد 5/ 277. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1450).

قال: (حدثنا الوليد) قال: (حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد (¬1)، عن أبي إدريس) عائذ الله بن عبد الله (الخولاني) بالخاء المعجمة. (عن أبي مسلم) عبد الله بن ثوب، قال النووي: بضم المثلثة وتخفيف الواو، ويقال: ابن أثوب (¬2). قال: وهو مشهور بالزهد والكرامات الظاهرات، أسلم في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وألقاه الأسود العنسي في النار فلم يحترق فتركه فهاجر (¬3) إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتوفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في الطريق، فجاء إلى المدينة فلقي أبا بكر وعمر وغيرهما من أكابر الصحابة. (قال: حدثني الحبيب الأمين، أما هو إلي فحبيب) رواية مسلم: أما هو فحبيب إلي (¬4) (وأما هو عندي فأمين) فيه: ثناء الراوي على شيخه (عوف) بالرفع (ابن مالك) بن أبي مالك الأشجعي، حضر أول مشاهده خيبر، وكانت معه راية أشجع يوم الفتح، سكن الشام ومات بها (¬5). (قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعة، أو ثمانية، أو تسعة) عند مسلم: تسعة، أو ثمانية، أو سبعة (¬6). (فقال: ألا تبايعون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ وكنا حديث) بالنصب (عهد (¬7) ¬

_ (¬1) في (م): زيد. (¬2) انظر: "شرح النووي على مسلم" 7/ 132. (¬3) في (م): فجاء مهاجرًا. (¬4) "صحيح مسلم" (1043). (¬5) من (م). (¬6) "صحيح مسلم" (1043). (¬7) سقط من (م).

ببيعة) البيعة أصلها من البيع؛ لأنهم إذا بايعوا وعقدوا عهده وحلفوا لمن بايعهم، جعلوا (¬1) أيديهم في يده توكيدًا، كما يفعل البائع والمشتري، وكانت هذِه البيعة ليلة العقبة قبل بيعة الشجرة (¬2)، وبيعة الجهاد والصبر عليه. (فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله حتى قالها ثلاثًا) يعني: "ألا تبايعون؟ " (فبسطنا أيدينا) أي: نشرناها للمبايعة (فبايعناه، فقال قائل: يا رسول الله، إنا قد بايعناك، فعلام؟ ) ويجوز زيادة هاء السكت عوضًا عن الألف المحذوفة، فيقال: علامه كما في رواية مسلم (¬3). (قال: أن تعبدوا الله تعالى) وصاهم بعبادة الله تعالى وحده. (ولا تشركوا به شيئًا) في عبادته (وتصلوا الصلوات الخمس، وتسمعوا وتطيعوا) أي: لأولي الأمر. ومن أوجب الله طاعته من الولاة والأمراء؛ فإن (¬4) في طاعتهم طاعة الله ورسوله كما في الصحيحين (¬5): "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني (¬6) " (وأسر كلمة خفية) (¬7) إنما أسر هذِه الكلمة دون ما قبلها؛ لأن ما قبلها وصية لعامة المسلمين وهذِه الكلمة مختصة ببعضهم. ¬

_ (¬1) في (ر): جعل. (¬2) في (ر): الهجرة. (¬3) الذي في مسلم (1043) بدون الهاء. (¬4) في (م): قال. (¬5) في (م): الصحيح. وانظر: "صحيح البخاري" (7137)، ومسلم (1835). (¬6) سقط من (م). (¬7) في (م): خفيفة.

(قال: ولا تسألوا الناس شيئًا) قال القرطبي: هذا حمل منه على مكارم الأخلاق، والترفع عن تحمل منن الخلق وتعليم الصبر على مضض الحاجات، والاستغناء عن الناس، وعزة (¬1) النفوس (¬2). (قال: فلقد رأيت بعض أولئك النفر) بالجر بدل من (أولئك) يعني: السبعة أو الثمانية أو التسعة (يسقط سوطه) رواية مسلم: يسقط سوط أحدهم (¬3) أي: من يده. وهو راكب (فما يسأل أحدًا أن يناوله إياه) فيه التمسك بالعموم؛ لأنهم نهوا عن السؤال، والمراد به سؤال الناس من أموالهم فحملوه على عمومه. وفيه التنزه عن جميع ما يسمى سؤالًا وإن كان حقيرًا، وروى الإمام أحمد عن أبي ذر: "لا تسألن أحدًا شيئًا وإن سقط سوطك، ولا تقبض أمانة" (¬4). (قال أبو داود: حديث هشام بن عمار لم يروه إلا سعيد) بن عبد العزيز. [1643] (حدثنا عبيد الله) بالتصغير (بن معاذ) بن معاذ (¬5) العنبري، أبو عمر، وقال أبو داود: كان يحفظ نحو عشرة آلاف حديث (¬6). وكان فصيحًا، التميمي (¬7). ¬

_ (¬1) سقط من (م) (¬2) "المفهم" 9/ 53. (¬3) "صحيح مسلم" (1043). (¬4) "المسند" 5/ 181. (¬5) سقط من (م). (¬6) "تهذيب الكمال" 19/ 159. (¬7) سقط من (م).

قال: (حدثنا أبي) معاذ [بن معاذ العنبري التميمي] (¬1) [الحافظ قاضي البصرة] (¬2). قال: (حدثنا شعبة، عن عاصم) بن سليمان الأحول، قال أحمد: ثقة، من حفاظ الحديث (¬3) (عن أبي العالية) رفيع الرياحي. (عن ثوبان) بن بجدد، بضم الباء الموحدة، وسكون الجيم، وضم الدال الأولى. (وكان ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) اشتراه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعتقه ولم يزل معه سفرًا وحضرًا (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من تكفل لي) أي: ضمن (أن لا يسأل الناس شيئًا فأتكفل) برفع اللام (له الجنة) أي: أضمن له على كرم الله تعالى الجنة. (فقال ثوبان: أنا) يا رسول الله. زاد ابن ماجه: قال: "لا تسأل الناس شيئًا". قال: (فكان ثوبان لا يسأل أحدًا شيئًا) وعند ابن ماجه: فكان ثوبان يقع سوطه وهو راكب، فلا يقول لأحد: ناولنيه حتى ينزل فيأخذه (¬4). ¬

_ (¬1) في (م): التميمي العنبري. (¬2) من (م). (¬3) "تهذيب الكمال" 13/ 489. (¬4) "سنن ابن ماجه" (1838).

29 - باب في الاستعفاف

29 - باب في الاسْتِعْفاف 1644 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثي، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْري أَنَّ ناسًا مِنَ الأَنْصارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَعْطاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطاهُمْ حَتَّى إِذَا نَفِدَ ما عِنْدَهُ قَالَ: "ما يَكُونُ عِنْدي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ وَما أعْطَى اللهُ أَحَدًا مِنْ عَطاءٍ أَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ" (¬1). 1645 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ دَاوُدَ ح، حَدَّثَنا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ أَبُو مَرْوانَ، حَدَّثَنا ابن المُبارَكِ - وهذا حَدِيثُهُ - عَنْ بَشِيرِ بْنِ سَلْمانَ، عَنْ سَيّارٍ أَبي حَمْزَةَ، عَنْ طارِقٍ، عَنِ ابن مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَصابَتْهُ فاقَةٌ فَأَنْزَلَها بِالنّاسِ لَمْ تُسَدَّ فاقَتُهُ، وَمَنْ أَنْزَلَها باللهِ أَوْشَكَ اللهُ لَهُ بِالغِنَى إِمّا بِمَوْتٍ عاجِلٍ أَوْ غِنًى عاجِلٍ" (¬2). 1646 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدِ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوادَةَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ مَخْشي، عَنِ ابن الفِراسي أَنَّ الفِراسي قَالَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَسْأَلُ يا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا، وَإِنْ كُنْتَ سائِلًا لا بُدَّ فاسْأَلِ الصّالِحِينَ" (¬3). 1647 - حَدَّثَنا أَبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسي حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابن السّاعِدي قَالَ: اسْتَعْمَلَني عُمَرُ - رضي الله عنه - عَلَى الصَّدَقَةِ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1469)، ومسلم (1053). (¬2) رواه الترمذي (2326)، وأحمد 1/ 389. بنحوه. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1452). وانظر: "الصحيحة" (2787). (¬3) رواه النسائي 5/ 95، وأحمد 4/ 334. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (292).

فَلَمّا فَرَغْتُ مِنْها وَأَدَّيْتُها إِلَيْهِ أَمَرَ لي بِعُمالَةٍ فَقُلْتُ: إِنَّما عَمِلْتُ لله وَأَجْري عَلَى اللهِ. قَالَ: خُذْ ما أُعْطِيتَ فَإنّي قَدْ عَمِلْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَعَمَّلَني؛ فَقُلْتُ مِثْلَ قَوْلِكَ، فَقَالَ لي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا أُعْطِيتَ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَسْأَلَهُ فَكُلْ وَتَصَدَّقْ" (¬1). 1648 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ وَهُوَ يَذْكُرُ الصَّدَقَةَ والتَّعَفُّفَ مِنْها والمَسْأَلةَ: "اليَدُ العُلْيا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى، واليَدُ العُلْيا: المُنْفِقَةُ، والسُّفْلَى: السّائِلَةُ" (¬2). قَالَ أَبُو دَاوُدَ: اخْتُلِفَ عَلَى أَيُّوبَ، عَنْ نافِعٍ في هذا الحَدِيثِ قَالَ عَبْد الوارِثِ: "اليَدُ العُلْيا المُتَعَفِّفَةُ". وقالَ أَكْثَرُهمْ عَنْ حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ: "اليَدُ العُلْيا المُنْفِقَةُ". وقالَ واحِدٌ عَنْ حَمّادٍ: "المُتَعَفِّفَةُ". 1649 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ التَّيْمي حَدَّثَني أَبُو الزَّعْراءِ، عَنْ أَبي الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِيهِ مالِكِ بْنِ نَضْلَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الأَيْدي ثَلاثَةٌ: فَيَدُ اللهِ العُلْيا، وَيَدُ المُعْطي التي تَلِيها، وَيَدُ السّائِلِ السُّفْلَى، فَأَعْطِ الفَضْلَ وَلا تَعْجِزْ عَنْ نَفْسِكَ" (¬3). * * * باب الاستعفاف [1644] (حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن ابن شهاب، عن ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1045). (¬2) رواه البخاري (1429)، ومسلم (1033). (¬3) رواه أحمد 3/ 473، وابن خزيمة (2440). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1455).

عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن ناسًا من الأنصار سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاهم، ثم سألوه) ثانيًا (فأعطاهم، ثم سألوه) ثالثًا (فأعطاهم حتى إذا نفد) (¬1) بكسر الفاء وفتح الدال المهملة. أي: فني (ما (¬2) عنده قال: ما يكون عندي من خير) الخير اسم جامع للمال ولغيره، والخير يراد به المال في كثير من القرآن، كقوله تعالى: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ} (¬3) {لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} (¬4). (فلن أدخره) بالدال المشددة المهملة (عنكم) أي: لنفسي، فإنه كان لزوجاته قوت (¬5) سنة. (ومن يستعفف يعفه) بنصب الفاء وضمها إتباعًا لضمة الهاء، وهو أرجح، وقيل (¬6) برفع الفاء المشددة إتباعًا لضمة الهاء التي بعدها (الله) أي: عن سؤال الخلق، ويجازه [أي: بصيانة] (¬7) وجهه ورفع فاقته. (ومن يستغن) أي: يطلب من الله الغنى عن الناس (يغنه) [بحذف الياء التي بعد النون علامة الجزم] (¬8) (الله) عنهم (ومن يتصبر) أي: يستعمل الصبر. أي (¬9): يتكلفه بقوة عزم ويمكنه من نفسه حتى ينقاد له ¬

_ (¬1) في (م): أنفد. (¬2) سقط من (م). (¬3) البقرة: 272. (¬4) القصص: 24. (¬5) في (ر): فوق. (¬6) من (م). (¬7) من (م). (¬8) سقط من (م). (¬9) في (ر): و.

ويذعن لتحمل شدائده (يصبره الله) أي: يعينه على صبره و [يظفره بمطلوبه] (¬1) ويوصله إلى مرغوبه (وما أعطي أحد من) هي زائدة؛ لأنها نكره بعد النفي، أي: ما [أعطاه الله] (¬2) (عطاء أوسع) (¬3) بفتح العين (من الصبر) وفي هذا الحديث: أن (¬4) من اتصف بهذِه الصفات الجميلة، وحمل نفسه [على فعلها] (¬5) أظفره الله تعالى بمطلوبه في الدنيا والآخرة. [1645] (حدثنا مسدد) قال: (ثنا عبد الله بن داود) بن عامر الخريبي من رجال البخاري، ومن كلامه: من أراد بالحديث الدنيا فالدنيا، ومن أراد به (¬6) الآخرة فالآخرة. وقال: ما كذبت قط إلا مرة، قال لي أبي: قرأت على المعلم؟ قلت: نعم. قال: وكانوا يستحبون أن يكون للرجل خبيئة من عمل صالح لا تعلم بها زوجته ولا أولاده. (وحدثنا عبد الملك بن حبيب) المصيصي (أبو مروان) الفقيه [صدوق يخطئ] (¬7). قال: (حدثنا) عبد الله (ابن المبارك وهذا حديثه، عن بشير) بفتح الموحدة (ابن سلمان) بإسكان اللام، الكندي صالح الحديث. ¬

_ (¬1) في (م): يعينه على مطلوبه. (¬2) في (ر): أعطي. (¬3) في (ر): أو ينفع. (¬4) من (م). (¬5) في (م): عليها. (¬6) من (م). (¬7) سقط من (م).

وفيه لين (عن سيار) بتقديم السين المهملة (أبي حمزة) بالحاء المهملة، الكوفي. ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬1). قال أبو داود: بشير يقول: سيار أبو الحكم وهو خطأ (¬2). (عن طارق) بن شهاب بن عبد شمس، رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - وروى عنه، وغزا في خلافة الصديق، وثقه ابن معين وغيره (¬3). (قال ابن (¬4) مسعود - رضي الله عنه -: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته) بل يغضب الله على من أنزل حاجته بغيره العاجز وهو قادر على قضاء حوائج خلقه كلهم من غير أن ينقص من ملكه شيء. وقد (¬5) قال وهب بن منبه لمن (¬6) كان يأتي الملوك: ويحك (¬7) تأتي من يغلق عنك بابه ويواري عنك غناه، وتدع من يفتح لك (¬8) بابه بنصف الليل ونصف النهار، ويظهر لك غناه (¬9). فالعبد عاجز عن جلب مصالحه ودفع مضاره، ولا معين له على مصالح دينه ودنياه إلا الله. (ومن أنزلها بالله أوشك) بفتح الهمزة والشين. أي: أسرع (الله تعالى [له] بالغنى) بالكسر والقصر (¬10). ¬

_ (¬1) "الثقات" لابن حبان 6/ 421. (¬2) "تهذيب الكمال" 12/ 316. (¬3) "تهذيب الكمال" 13/ 341 - 342. (¬4) و (¬5) من (م). (¬6) سقط من (م). (¬7) في (م): و. (¬8) في (م): له. (¬9) في الموضعين في الأصول: (غناؤه)، والمثبت من "حلية الأولياء" 4/ 43. (¬10) في النسخ الخطية: والمد. ولعل المثبت الصواب، حيث لا يستقيم الكسر مع المد، أو كان يقصد: الغَناء. بالفتح والمد.

قال الله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ} (¬1) وقال الله تعالى: {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} (¬2) وفي الترمذي: [عن أبي هريرة] (¬3): "من لا يسأل الله يغضب عليه" (¬4). (إما بموت عاجل، أو غنى عاجل) (¬5) أي: رزق عاجل. رواية (¬6) الترمذي: "ويوشك الله [له] برزق عاجل [أو آجل" (¬7) ورواية: "أرسل الله له بالغنى إما بموت عاجل أو غنى عاجل"] (¬8). [1646] (حدثنا قتيبة بن سعيد) قال: (حدثنا الليث بن سعد، عن جعفر بن ربيعة) الكندي، توفي سنة 139. (عن بكر بن سوادة) بتخفيف الواو، الخزامي الفقيه، ثقة روى له مسلم. (عن مسلم بن مخشي) بفتح (¬9) الميم وسكون الخاء المعجمة وكسر الشين المعجمة أيضًا، ثم ياء النسب، أبي معاوية المدلجي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬10). ¬

_ (¬1) الأنعام: 17، يونس: 107. (¬2) النساء: 32. (¬3) سقط من (م). (¬4) "سنن الترمذي" (3373)، و (له) ساقطة من الأصلين. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (م): رواه. (¬7) "سنن الترمذي" (2326). (¬8) سقط من (م). (¬9) في (م): بضم. (¬10) "الثقات" 5/ 398.

قال عبد الحق: في "الأحكام": لم يرو عنه إلا بكر بن سوادة (عن ابن الفراسي) قال ابن الأثير: هكذا جاء ولم يسم (¬1). بل هو معروف بكنيته (أن) بفتح الهمزة وتشديد النون (الفراسي) بكسر الفاء، وتخفيف الراء، وبالسين المهملة. وعند النسائي: ابن الفراسي عن أبيه الفراسي. ويقال لأبيه: الفراسي، والفراس بحذف الياء وهو من بني فراس بن غنم بن كنانة. وابن فراس روى عن أبيه ولأبيه صحبة. (قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أسأل) أصله: أأسأل أحدًا من الناس؟ فحذفت همزة الاستفهام (يا رسول الله؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا) تسأل، (وإن كنت سائلًا لا بد) [لك منه] (¬2) (فاسأل الصالحين) قال ابن الرفعة: دلت الأحاديث الكثيرة على تحريم السؤال ممن له ما يغنيه، وصرح به (¬3) الماوردي: بأن ما يأخذه يكون حرامًا (¬4). قال: وإن (¬5) كان محتاجًا فلا بأس بالتعريض بالسؤال، ويقصد (¬6) بسؤاله أهل الخير والصلاح. واستدل بالحديث، وهل الأولى للمحتاج (¬7) أن يأخذ من الزكاة أو صدقة التطوع؟ اختلف فيه السلف (¬8)، وكان الجنيد والخواص وجماعة ¬

_ (¬1) "جامع الأصول" 12/ 779. (¬2) من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) "الحاوي الكبير" للماوردي 8/ 490. (¬5) في (م): أما إذا. (¬6) بياض في (ر). (¬7) في (ر): بالمحتاج. والمثبت من (م). (¬8) سقط من (م).

يقولون: الأخذ من الصدقات أفضل؛ لئلا يضيق على الأصناف، ولئلا يخل بشرط من شروطها، وهو الأقرب إلى هذا الحديث. [1647] (حدثنا أبو الوليد) هشام (¬1) بن عبد الملك (الطيالسي) قال: (حدثنا الليث، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن بسر) بضم الموحدة وسكون المهملة (ابن سعيد، عن عبد الله بن (¬2) الساعدي) قال ابن الأثير: الساعدي نسبة إلى ساعدة بن كعب بن الخزرج الأكبر من بطون الأنصار، منهم جماعة كثيرة من الأنصار (¬3) الصحابة. (قال: استعملني عمر - رضي الله عنه - على الصدقة، فلما فرغت منها) أي: من تحصيلها (وأديتها إليه أمر لي بعمالة) قال الجوهري: العمالة بالضم: رزق العامل (¬4). أي: على عمله (فقلت: إنما عملت) فيها (لله تعالى) وأجري فيها (على الله) تفضيلًا منه و [إكرامًا إذا] (¬5) شاء. (فقال: خذ ما أعطيت [فإني قد عملت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬6) فعَمَّلَني) بشد الميم. أي: جعل لي عمالة على عملي (فقلت مثل قولك) فيه أنه يجب على الإمام بعث السعاة لأخذ الصدقات ممن يرغب في دفعها، وإن كان يجوز له تفريقها بنفسه، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم -[يبعث السعاة] (¬7)، وكذلك الخلفاء من بعده. ¬

_ (¬1) في (م): مسلم. (¬2) سقط من (م). (¬3) زاد هنا في (ر): الأنصار. ولا وجه لها. انظر: "اللباب في تهذيب الأنساب" 2/ 92. (¬4) "الصحاح" (عمل). (¬5) في (م): كرمًا إن. (¬6) من (م). (¬7) في (م): يبعثهم.

وكان عمر - رضي الله عنه - ممن بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - ساعيًا كما دل عليه الحديث. وفيه دليل على أن عمل الساعي سبب لاستحقاقه، كما أن وصف الفقر والمسكنة (¬1) هو سبب ذلك، وإذا كان العمل هو السبب اقتضى قياس قواعد الشرع أن المأخوذ في مقابلته أجرة، فلذلك لاحظ الأصحاب تبعًا لإمامهم فيه أجرة المثل، وقالوا: الإمام عند بعث العامل إن شاء استأجره بقدر معلوم على عمل معلوم بأجرة المثل، وجعل محلها سهم العاملين أو بيت المال، وإن شاء لم يعقد الإجارة، وجعل ذلك جعالة، فإذا عمل استحق المسمى من (¬2) الجهة التي عينت له، فإن كان قد سمى له أكثر من أجرة المثل فتفسد التّسمية من أصلها، أو يكون قدر أجرة المثل من الزكاة، وما زاد من خالص (¬3) مال الإمام، فيه وجهان: قال الماوردي وغيره: ولو أرسل الساعي من غير إجارة ولا جعالة واستعمله فله أجرة المثل (¬4) ولم [يخرج ذلك] (¬5) الخلاف في الغسال ونحوه، لأجل جعل الله سبحانه للعاملين نصيبًا من ذلك آكد من جعل المخلوقين له ذلك. نعم، ولو عمل على أنه لا يأخذ شيئًا فقاعدتنا تقتضي أنه لا يستحق شيئًا لتبرعه بعمله. وقد جاء في هذا الحديث في قوله: (فقال لي (¬6) رسول ¬

_ (¬1) في (م): المسألة. (¬2) في (م): عن. (¬3) سقط من (م). (¬4) "الحاوي الكبير" للماوردي 8/ 496. (¬5) في (م): يحرم ذلك على. (¬6) سقط من (م).

الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا أعطيت شيئًا من غير (¬1) أن تسأل فكل) أي: منه (وتصدق) يعني: منه قال في "المطلب": وطريق الجواب [يعني: عن] (¬2) هذا الحديث أنه محمول على أن العطاء الذي أعطى لم يكن من الصدقات، بل من بيت المال، وللإمام أن يعطي من بيت المال لا على العمل، فلعل إعطاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وإعطاء عمر كان عند ذكر العمل لله من تلك الجهة لا على جهة العمل، ولو توفر نصيب العامل عليها (¬3) بجملته كما في هذِه الصورة كان نصيبه عائدًا على بقية الأصناف. قال سليم في "المجرد" (¬4) وغيره: وأجرة المثل تختلف باختلاف قرب المسافة، وكثرة الصدقات وقلتها وبحسب حال الرجل في ظهور أمانته وكبر منزلته وغير ذلك. انتهى. وظاهر هذا الحديث يقتضي أن من علم الأطفال أو غيرهم كتاب الله تعالى أو العلم الشريف، ونوى بتعليمهم الأجر من الله تعالى وثوابه، ثم أعطي شيئًا أنه (¬5) يجوز له أجره سواء قصد الدافع به (¬6) أجرة أو هدية، ونحو ذلك. [1648] (حدثنا القعنبي، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر ¬

_ (¬1) في (م): دون. (¬2) في (م): على. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ر): المجرور. وسليم هو ابن أيوب الرازي الشافعي (ت 447 هـ) له "الكفاية"، و"رؤوس المسائل"، "التقريب"، "ضياء القلوب" في التفسير، "المجرد في الفروع" جردها من تعليقة شيخه أبي حامد. انظر: "طبقات الشافعية" لابن كثير 1/ 411، "سير أعلام النبلاء" 17/ 645، "هدية العارفين" 1/ 409. (¬5) من (م). (¬6) في (م): أنه.

- رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: وهو) رواية النسائي: قدمنا المدينة فإذا النبي - صلى الله عليه وسلم - قائم (¬1) (على المنبر) يخطب الناس (وهو يذكر الصدقة والتعفف عنها) أي: عن أخذ الصدقة. والمعنى: أنه كان يحض الغني على الصدقة والفقير على التعفف عن المسألة. (والمسألة) بالنصب أي: ويذم على مسألة الناس بالتعفف عنها (اليد العليا خير من اليد السفلى) ثم فسر اليدين معًا فقال (واليد العليا هي المنفقة) والمراد به: الإنفاق حيث لا منع بالشرع كالمديون المحجور عليه ومن معه شيء لا يفضل عن كفايته وكفاية (¬2) من تلزمه نفقته، بحيث إذا أنفق حصل الضرر لعياله، وعموم هذا الإنفاق مخصوص بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا صدقة إلا (¬3) عن ظهر غنى" (¬4). (والسفلى) هي (السائلة) قال القرطبي: وهذا نص يدفع تعسف من تعسف في تأويله (¬5). قال أبو العباس المدائني (¬6) في "أطراف الموطأ": إن التفسير المذكور مدرج في الحديث ولم يذكر مستنده (¬7) كذلك. قال ابن حجر: وجدت في كتاب العسكري في الصحابة بإسناد له فيه ¬

_ (¬1) "المجتبى" 5/ 61. (¬2) في (م): كفايته. (¬3) من (م). (¬4) رواه أحمد 2/ 230، ورواه البخاري تعليقًا 4/ 5. (¬5) "المفهم" 3/ 79. (¬6) في (م): العافي. (¬7) في (م): مسنده.

انقطاع: عن ابن عمر أنه كتب إلى بشر بن مروان: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اليد العليا خير من اليد السفلى" ولا أحسب السفلى (¬1) إلا السائلة، ولا العليا إلا المعطية. وهذا يشعر بأن التفسير بن كلام ابن عمر، ويؤيده ما رواه ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن دينار، عن ابن عمر [قال: كنا نتحدث] (¬2) أن اليد العليا هي المنفقة (¬3). قال أبو داود: لم يختلف على رواية حماد بن زيد (¬4)، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر في هذا الحديث. (قال عبد الوارث) (¬5) بن سعيد بن ذكوان التيمي (¬6) الثبت (¬7) الصالح الحافظ (¬8) في تفسير (اليد العليا) [عن أيوب والذي رواه [عن] (¬9) حماد مسدد في مسنده] (¬10) هي (المتعففة) بعين وفاءين. قال ابن حجر: لم أجد هذِه الرواية موصولة، وقد أخرجه أبو نعيم في "المستخرج" من طريق سليمان بن حرب، عن حماد بلفظ "اليد العليا: يد المعطي". وهذا يدل على أن من رواه عن نافع بلفظ: "المتعففة" فقد صحف. ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (م): كان يتحدث. (¬3) "المصنف" 2/ 427 (10692). (¬4) "فتح الباري" 3/ 297. (¬5) في (م): يزيد. (¬6) في (ر): عبد الرزاق. (¬7) في (م): التميمي. (¬8) من (ر). (¬9) زيادة يقتضيها السياق. (¬10) من (ر).

قال ابن عبد البر: ورواه موسى بن عقبة، عن نافع فاختلف عليه (¬1) أيضًا، قال [حفص بن مغيرة] (¬2) عنه: "المنفقة" كما قال مالك: قال، ورواية مالك أولى وأشبه بالأصول (¬3). وقال بعضهم: هي المنفقة [أي: المعطية] (¬4) هذا قول الجمهور. وقيل: اليد السفلى: الآخذة سواء كان بسؤال أم بغير سؤال؟ ومنعه قوم. واستدلوا بأن الصدقة تقع في يد الله قبل يد المتصدق عليه ([قال أكثرهم عن حماد بن زيد، عن أيوب: اليد العليا المنفقة]) (¬5). [1649] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عبيدة) بفتح العين وكسر الباء الموحدة بعدها مثناة (ابن حميد) بالتصغير الضبي (التميمي) الكوفي النحوي. قال الأثرم: أحسن أبو عبد الله الثناء عليه جدًّا ورفع أمره، قال (حدثني أبو الزعراء) عمرو (¬6) [بن عمرو] (¬7) بن أخي الأحوص (عن أبي الأحوص) عوف بن مالك. ([عن أبيه مالك] (¬8) بن نضلة) بالضاد المعجمة. ويقال: مالك بن ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ر): حفر بن ميسرة. والمثبت من (م). (¬3) "فتح الباري" 3/ 349. (¬4) في (ر): و. (¬5) سقط من (م). (¬6) في الأصول: عمر. والصواب المثبت. (¬7) سقط من (م). وانظر: "معالم السنن" 2/ 70، "شرح البخاري" لابن بطال 3/ 428، "الاستذكار" 8/ 604، "شرح مسلم" للنووي 7/ 124. (¬8) من (م).

عوف ابن نضلة، من بني (¬1) بكر بن هوازن الجشمي. (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الأيدي ثلاثة) هكذا رواه ابن خزيمة من حديث أبي الأحوص عوف بن مالك، عن أبيه مرفوعًا: "الأيدي ثلاثة" (¬2) (يد الله العليا، ويد المعطي التي تليها) وللطبراني بإسناد صحيح عن حكيم بن حزام مرفوعًا: "يد الله فوق يد المعطي، ويد المعطي فوق يد المعطى، ويد المعطى أسفل الأيدي" (¬3) وللطبراني من حديث عدي الجذامي (¬4) مرفوعًا مثله (¬5)، ولأحمد والبزار من حديث عطية السعدي: "اليد المعطية هي العليا" (¬6) (و) السائلة (يد السائل السفلى) قال ابن العربي (¬7): التحقيق أن السفلى يد السائل وأما يد الآخذ فلا؛ لأن يد الله هي المعطية، ويد الله هي الآخذة وكلتاهما عليا (¬8). انتهى. وفيه نظر؛ لأن البحث إنما هو في أيدي الآدميين، وأما يد الله باعتبار كونه مالك كل شيء فهي عليا بكل حال، وأما يد الآدميين فأربعة: يد المعطي، وقد تظافرت الأخبار بأنها عليا. ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "صحيح ابن خزيمة" (2440). (¬3) "المعجم الكبير" 3/ 189 (3081). (¬4) في (م): الحذافي. (¬5) "المعجم الكبير" 17/ 110 (269). (¬6) "مسند أحمد" 4/ 226، "مسند البزار" 12/ 79 (5530) من حديث ابن عمر. (¬7) في (م): المصري. (¬8) "أحكام القرآن" لابن العربي 2/ 482.

ثانيها: يد السائل، وقد تظافرت الأخبار بأنها سفلى سواء أخذت أم لا. وهذا موافق للعلو أو السفل المشتق منها. ثالثها: يد المتعفف عن الأخذ ولو أن تمد إليه (¬1) يد المعطي مثلًا وهذِه توصف بأنها عليا علوًّا معنويًّا. رابعها: يد الآخذ بغير سؤال. وهذِه قد اختلف فيها، فذهب جمع إلى أنها سفلى، وهذا بالنظر إلى أمر محسوس. قال ابن حبان: اليد المتصدقة أفضل من السائلة لا الآخذة بغير سؤال (¬2). وحكى ابن قتيبة في "غريب الحديث" (¬3) عن قوم أن (¬4) اليد الآخذة أفضل من المعطية، ثم قال: [وما أرى هؤلاء] (¬5) إلا قومًا استطابوا السؤال فهم يحتجون إلى الدناءة. قال: ولو صح هذا لكان (¬6) المولى من فوق هو الذي كان رقيقًا فأعتق. وذكر ابن نباته في "مطلع الفوائد" معنى آخر في تأويل الحديث فقال: اليد هنا هي النعمة، فكان المعنى أن العطية (¬7) الجزيلة خير من ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "صحيح ابن حبان" (3363). (¬3) لم أقف عليه في مطبوع "الغريب"، وعزاه أيضًا لابن قتيبة الشريف المرتضى في "الأمالي" 2/ 66 - 67. (¬4) في (م): لأن. (¬5) في (م): الإمام. (¬6) في (ر): لمكان. (¬7) في (م): المعطية.

العطية (¬1) القليلة. قال: وهذا حث على المكارم بأوجز لفظ ويشهد له أحد التأويلين في قوله: "ما أبقت (¬2) غنى" (¬3) أي: ما حصل به للسائل غنى عن سؤاله، كمن أراد أن يتصدق بألف، فلو أعطاها لمائة إنسان لم يظهر عليهم الغنى بخلاف ما لو أعطاها لرجل واحد. قال (¬4): وهو أولى من حمل اليد على الجارحة؛ لأن ذلك لا (¬5) يستمر [إذ فيمن] (¬6) يأخذ من هو خير عند الله ممن يعطي، ولا يلزم من التفضل بالإعطاء أن يكون أفضل منه على الإطلاق (¬7). (فأعط) بفتح الهمزة (الفضل) أي: الفاضل عن نفسك وعن العيال. (ولا تعجز) بفتح التاء وكسر الجيم، أي: ولا تعجز بعد عطيتك (عن) نفقة (نفسك) بأن تعطي مالك كله ثم تقعد تسأل الناس. وقال ابن عباس في قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} قال: العفو: ما يفضل عن نفسك وأهلك (¬8). ¬

_ (¬1) في (م): المعطية. (¬2) في (م): أتيت، وفي (ر): أثبت. والمثبت الصواب كما في مصادر التخريج. (¬3) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" 2/ 41 (10693)، أحمد 3/ 434 (15577) من حديث حكيم بن حزام، والطبراني في "الأوسط" 9/ 103 (9251) من حديث أبي هريرة، وفي "الكبير" 12/ 149 (12726) من حديث ابن عباس. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3280). (¬4) من (م). (¬5) سقط من (م). (¬6) في (ر): أدنى من. (¬7) "فتح الباري" 3/ 350. (¬8) انظر: "تفسير الطبري" 4/ 337 [البقرة: 219].

وقال الوالبي: أعط من مالك ما لا يتبين العطاء فيه (¬1). وكان أهل المكاسب يأخذ الرجل (¬2) من كسبه ما يكفيه في عامه وينفق باقيه. وأخرج مسلم وغيره من حديث جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل شيء عن أهلك فلذي قرابتك، فإن فضل شيء عن قرابتك فهكذا وهكذا" (¬3). وفي الحديث: "ابن آدم، إنك إن تبذل الفضل خير لك، وإن تمسكه (¬4) شر لك ولا تلام على كفاف" (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: "الكشف والبيان" للثعلبي 2/ 152. (¬2) من (م). (¬3) "صحيح مسلم" (997). (¬4) في (م): تمسك. (¬5) رواه مسلم (1036).

30 - باب الصدقة على بني هاشم

30 - باب الصَّدَقَةِ علَى بَني هاشِمٍ 1650 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، عَنِ ابن أَبي رافِعٍ، عَنْ أَبي رافِعٍ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بعَثَ رَجُلًا عَلَى الصَّدَقَةِ مِنْ بَني مَخْزومٍ فَقَالَ لأبي رافِعٍ: اصْحَبْني فَإِنَّكَ تُصِيبُ مِنْها. قَالَ: حَتَّى آتي النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فَأَسْأَلَهُ فَأَتاهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: "مَوْلَى القَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَإِنّا لا تَحِلُّ لَنا الصَّدَقَةُ" (¬1). 1651 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ وَمُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ - المَعْنَى - قالا: حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَمُرُّ بِالتَّمْرَةِ العائِرَةِ فَما يَمْنَعُهُ مِنْ أَخْذِها إلَّا مَخافَةُ أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً (¬2). 1652 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْن عَلي، أَخْبَرَنا أَبي، عَنْ خالِدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وَجَدَ تَمْرَةً فَقَالَ: "لَوْلا أَنّي أَخافُ أَنْ يَكُونَ صَدَقَةً لأَكلْتُها" (¬3). قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَواهُ هِشامٌ عَنْ قَتادَةَ هَكَذا. 1653 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ المُحارِبي، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبي ثابِتٍ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابن عَبّاسٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قَالَ: بَعَثَني أَبي إِلَى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - في إِبِلٍ أَعْطاها إِيّاهُ مِنَ الصَّدَقَةِ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (657)، والنسائي 5/ 107، وأحمد 6/ 10. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1456). (¬2) رواه البخاري (2055)، ومسلم (1071)، بنحوه. (¬3) رواه البخاري (2055)، ومسلم (1071). (¬4) رواه البزار (5220)، والنسائي في "الكبرى" (1339). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1458).

1654 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ وَعُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ قالا: حَدَّثَنا مُحَمَّدٌ - هُوَ ابن أَبي عُبَيْدَةَ - عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سالِمٍ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابن عَبّاسٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ نَحْوَهُ زادَ أَبي يُبْدِلُها لَهُ (¬1). * * * باب الصدقة على بني هاشم [1650] (حدثنا محمد بن كثير) العبدي قال: (حدثنا شعبة، عن الحكم، عن) عبيد (¬2) الله (ابن أبي رافع، عن أبي رافع) أسلم، مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله (¬3) مصعب وهو الأشهر، غلبت عليه كنيته. كان للعباس فوهبه للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما بشر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسلام العباس أعتقه. (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث رجلًا على الصدقة) قال المنذري في "مختصر السنن": هو الأرقم بن أبي الأرقم القرشي (من بني مخزوم) (¬4). وكان من المجاهدين الأولين، كنيته أبو عبد الله، وهو الذي استخفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في داره بمكة في أسفل الصفا حتى كملوا أربعين رجلًا آخرهم عمر بن الخطاب، وهي التي تعرف بالخيزران. (فقال الرجل) لأبي رافع: (اصحبني فإنك تصيب منها) رواية الترمذي: اصحبني كيما تصيب منها. (فقال: ) لا. كذا عند الترمذي (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 7/ 30 من طريق المصنف. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1458). (¬2) في (م): عبد. (¬3) في (ر): قال. (¬4) "مختصر سنن أبي داود" 2/ 245. (¬5) "سنن الترمذي" (657).

(حتى آتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسأله) بالنصب (فأتاه فسأله فقال: مولى القوم من أنفسهم) بضم الفاء، رواية الترمذي: "مولى القوم منهم" (¬1) أي: حكمه كحكمهم. وفيه مدح لموالي النبي - صلى الله عليه وسلم - لنسبتهم إليه. قال الشافعي: القياس في ذلك أن الصلبية والموالي فيه سواء؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حرم على مواليه من الصدقة ما حرم على نفسه، وكذلك الخمس الموالي والصلبية فيه سواء. حكاه البيهقي (¬2). (وإنا لا تحل لنا الصدقة) استدل به على أن الزكاة (¬3) لا تحل لبني هاشم ولا لبني المطلب كما لا تحل للنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنها أوساخ الناس كما صرح به في الحديث (¬4). وهذا أحد المعنيين في تحريم الزكاة عليهم. والمعنى الثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر بها فنزه نفسه عنها، وأنه (¬5) كما تنزه هو (¬6) عنها، [نزههم عن ذلك] (¬7) والإجماع على تحريمها عليه وعلى بني هاشم. وقال أبو حنيفة: لا تحرم على بني المطلب [بناء على] (¬8) أنهم من ¬

_ (¬1) لم أقف عليه بهذا اللفظ من رواية الترمذي، إنما هو لفظ ابن أبي شيبة في "المصنف" 2/ 429 (10710)، وأحمد 3/ 448 (15708)، 4/ 340 (18992)، والنسائي في "المجتبى" 5/ 107. وبوب عليه البخاري قبل حديث (3265) باب ابن أخت القوم ومولى القوم منهم. (¬2) "معرفة السنن والآثار" 5/ 206. (¬3) في (م): الصدقة. (¬4) انظر: "صحيح مسلم" (1072). (¬5) و (¬6) سقط من (م). (¬7) زيادة يقتضيها السياق. (¬8) سقط من (م).

الآل، وقد قال: "إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة" (¬1) وقال: "إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد" (¬2) وقوله: "أليس في خمس الخمس ما يغنيهم" (¬3) يقتضي أن خمس الخمس عوض عن الصدقة، فمن (¬4) استحق الخمس لا يستحق الصدقة، وبنو المطلب يستحقون من خمس الخمس. [1651] (حدثنا موسى بن إسماعيل ومسلم بن إبراهيم) الأزدي الحافظ (المعنى، قالا: حدثنا حماد، عن قتادة، عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يمر بالتمرة العائرة) بالعين المهملة، وهي التمرة (¬5) الساقطة على وجه الأرض [وهي التي لا يدرى] (¬6) من رماها. (فما يمنعه من أخذها إلا مخافة) منصوب على المفعول له، أي (¬7): إلا لخوف (أن تكون) التمرة (¬8) (صدقة) وفي "صحيح مسلم" أنه - صلى الله عليه وسلم - وجد تمرة في الطريق فقال: "لولا أني أخاف أن تكون [من الصدقة] (¬9) ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2523) من حديث شعبة دون لفظ: "آل محمد"، وأخرجه الإمام أحمد 1/ 200 (1725) من حديث الحسن بن علي. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (2280). (¬2) "صحيح البخاري" (3502، 4229). (¬3) لم أقف عليه بهذا اللفظ، وأخرجه الطبراني في "الكبير" 11/ 217 (11543) من حديث ابن عباس بلفظ: "إن لكم في خمس الخمس لما يغنيكم أو يكفيكم". (¬4) في (م): فيمن. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (ر): يبدى. (¬7) من (م). (¬8) من (م). (¬9) في (ر): صدقة.

لأكلتها". وهذا منه - صلى الله عليه وسلم - ورع وتنزه، وإلا فالغالب تمر غير الصدقة؛ لأنه الأصل، وتمر الصدقة قليل، والحكم للغالب في القواعد الشرعية. وفيه: دليل على أن اللقطة اليسيرة التي لا تتعلق بها نفس فاقدها أنها لا تحتاج إلى تعريف، وأنها تستباح من غير ذلك؛ لأنه علل امتناعه من أكلها لخوف (¬1) أن تكون من الصدقة. وظاهر دليل خطابه أنها لو سلمت من ذلك المانع لأكلها. وهذا الحديث والذي قبله يدل على أن الصدقة لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد، ويدخل في الصدقة الفرض، وكذا صدقة التطوع عليه وعلى آله في أصح الأوجه الثلاثة تمسكًا بالعزمات (¬2) تمسكًا بالعموم. [1652] (حدثنا نصر بن علي، [أخبرنا أبي) علي] (¬3) بن نصر بن علي الجهضمي (¬4) وثقه ابن معين (¬5). (عن خالد بن قيس) الحداني ثقة (عن قتادة [عن أنس - رضي الله عنه -] (¬6): أن (¬7) النبي - صلى الله عليه وسلم - وجد تمرة فقال: لولا أني أخاف أن تكون صدقة لأكلتها) فيه دليل على استعمال الورع الذي هو شعار الصالحين، والتمسك به [كما سبق. ¬

_ (¬1) في (م): تخوف. (¬2) في (ر): بالعمومات. (¬3) في (ر): ابن أبي عبد الله. (¬4) في (م): الحميصي. (¬5) "تاريخ ابن معين" رواية الدوري (832). (¬6) من (م). (¬7) سقط من (م).

(قال أبو داود) هكذا (رواه هشام) بن (¬1) أبي عبد الله] (¬2) الدستوائي بالمد؛ لأنه كان يبيع الثياب الدستوائية، ودستواء من الأهواز. (هكذا عن قتادة) [عن أنس، أن النبي - صلى الله عليه وسلم -] (¬3) بمثله. [1653] (حدثنا محمد بن عبيد) (¬4) بن محمد بن واقد (المحاربي) بالموحدة قبل الراء، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬5). قال: (حدثنا محمد بن فضيل) بالتصغير، ابن غزوان الضبي مولاهم الكوفي. قال أبو زرعة: صدوق من أهل العلم (¬6)، وكان شيعيًا لا يستقرئ القرآن إلا على حمزة الزيات. (عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن كريب مولى ابن عباس [عن ابن عباس] (¬7) رضي الله عنهما قال: بعثني أبي) العباس بن المطلب (إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إبل أعطاها إياه) [فيه تقديم المفعول في المعنى على الفاعل في المعنى] (¬8) (من الصدقة) أي: لأنه كان عاملًا على الصدقة. وقد استدل به ابن الرفعة في "المطلب" على أن بني هاشم وبني (¬9) ¬

_ (¬1) في (م): و. والصواب ما أثبتناه. (¬2) في (ر): عن أنس رواه. والمثبت من (م). (¬3) من (م). (¬4) في (ر): عبد. (¬5) "الثقات" 9/ 108. (¬6) "الجرح والتعديل" 8/ 58. (¬7) و (¬8) و (¬9) سقط من (م).

المطلب يجوز أن يصرف إليهم من الزكاة إذا عملوا عليها؛ لأن هذا في مقابلة عمل، ولذلك لا يزدادون (¬1) على أجرة المثل. وتستحق مع الغنى، فلا يمتنع منها قرابة النبي - صلى الله عليه وسلم - كأجرة البقال والحافظ اتفاقًا، وكما يجوز صرفها للكافر، وإن لم يكن من أهل الزكاة (¬2)، وهذا وإن كان وجهًا في المذهب فقد اختاره القفال، وصححه الإمام في ضمن فرع في الباب. وكذا أبو الحسن العبادي فيما حكاه عنه (¬3) الرافعي. قال: والقائل بهذا يحتاج أن يؤول حديث: "إن هذِه الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد" (¬4) بأن المراد: بل (¬5) تحل أنه خلاف الأولى؛ لأن في رواية: "لا تنبغي" (¬6) وهي لا (¬7) تستعمل لذلك. وقيل: إن الرشيد ولى الشافعي رحمه الله صدقات اليمن. والقائل بالصحيح المشهور يؤول هذا الحديث [بأنه محمول] (¬8) على أنه أعطاه منها بدل ما كان استسلفه منه، لأجل الصدقة كما تقدم. ¬

_ (¬1) في (ر): ينادون. والمثبت من (م). (¬2) "مغني المحتاج" للشربيني 3/ 112. بمعناه. (¬3) من (م). (¬4) سيأتي برقم (2985) من حديث عبد المطلب بن ربيعة، ورواه مسلم (1072/ 168). (¬5) في (م) فلا. (¬6) رواها مسلم (1072/ 167) بلفظ: "لا تنبغي لأل محمد". وبلفظ المصنف رواها الإمام أحمد في "مسنده" 4/ 166 (17554)، والبيهقي في "الكبرى" 2/ 149. (¬7) سقط من (م). (¬8) من (م).

وحكى الماوردي، عن أبي سعيد الإصطخري (¬1) أنهم إن منعوا حقهم [من الخمس] (¬2) جاز أن يأخذوا من (¬3) سهم العاملين إذا عملوا، وإلا فلا (¬4). [1654] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء قالا: حدثنا محمد وهو ابن أبي عبيدة) بالتصغير (عن أبيه) أبي عبيدة، ولم يذكر مسلم اسمه بل (¬5) قال: هو أبو عبيدة بن معن المسعودي. قال: ابن أبي خيثمة، عن ابن معين: ثقة (¬6) (عن الأعمش، عن سالم، عن كريب مولى ابن عباس أن ابن عباس نحوه). و(زاد): بعثني (أبي) (¬7) إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (يبدلها) بضم التحتانية وكسر الدال المهملة، أي: يبدلها (له) بغيرها. ¬

_ (¬1) في (م): الإصطرخي. (¬2) من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) "الحاوي الكبير" 8/ 497. (¬5) من (م). (¬6) "تهذيب الكمال" 18/ 417. (¬7) سقط من (م).

31 - باب الفقير يهدي للغني من الصدقة

31 - باب الفَقِيرِ يُهْدي لِلْغَني مِنَ الصَّدَقَةِ 1655 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: أَخْبَرَنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أُتي بِلَحْمٍ قَالَ: "ما هذا؟ " قَالُوا: شَيء تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ فَقَالَ: "هُوَ لَها صَدَقَةٌ وَلَنا هَدِيَّةٌ" (¬1). * * * باب الفقير يهدي إلى الغني ما يتصدق به عليه [1655] (حدثنا عمرو بن مرزوق) الباهلي ثقة فيه بعض شيء. قال أحمد بن حنبل لابنه صالح حين قدم البصرة: لما لم تكتب عن ابن مرزوق؟ فقال: نهيت. فقال: إن عفان كان يرضاه، ومن الذي كان يرضي (¬2) عفان (¬3)؟ (قال: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي بلحم فقال: ما هذا؟ ) يحتج به من يقول بالسؤال عما قدم إليه ليأكله (¬4). وهذا نوع من الورع أيضًا (قالوا: شيء (¬5) تصدق: به على بريرة. قال: هو لها صدقة، ولنا هدية) فيه: أن المتصدق عليه إذا أهدى لمن لا يجوز له أخذ الصدقة [جاز له] (¬6) أخذها. وكذا إذا قبض بعض مستحقي الزكاة شيئًا منها، وأطعم منه بعض الشرفاء الذين لا يجوز لهم أخذها جاز، وكذا إذا وهبه. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1495)، ومسلم (1074). (¬2) في (ر): يرضاه. (¬3) "الجرح والتعديل" 6/ 263. (¬4) و (¬5) سقط من (م). (¬6) سقط من (م).

32 - باب من تصدق بصدقة ثم ورثها

32 - باب مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ ثُمَّ وَرِثَها 1656 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ بُرَيْدَةَ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ كُنْتُ تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمّي بِوَلِيدَةٍ، وَإِنَّها ماتَتْ وَتَرَكَتْ تِلْكَ الوَلِيدَةَ. قَالَ: "قَدْ وَجَبَ أَجْرُكِ وَرَجَعَتْ إِلَيْكِ في المِيراثِ" (¬1). * * * باب من تصدق [بصدقة ثم ورثها] (¬2) [1656] (حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس) اليربوعي الحافظ، قال أحمد بن حنبل: اخرج لابن يونس فإنه شيخ الإسلام (¬3). قال: (حدثنا زهير) قال: (حدثنا عبد الله [بن عطاء، عن عبد الله] (¬4) ابن بريدة، عن أبيه بريدة) بن الحصيب [بضم الحاء وفتح الصاد] (¬5) المهملتين، بايع بيعة الرضوان. (أن امرأة أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: كنت تصدقت على أمي بوليدة) بفتح الواو وكسر اللام: الأمة الصغيرة، ويكنى بها عما ولد من الإماء في ملك الرجل، أي: وهبتها لها وملكتها إياها [وسلمتها صدقة] (¬6)؛ لأن ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1149). (¬2) من (م). (¬3) "تهذيب الكمال" 1/ 377. (¬4) من (م). (¬5) تقديم وتأخير في (م). (¬6) من (م).

تمليك الأم جارية تخدمها من أعظم أنواع برها وأعلاها (وإنها ماتت وتركت تلك الوليدة قال (¬1): قد وجب أجرك) عند الله تعالى في برها (ورجعت إليك في الميراث) البنت لا ترث من أمها إلا النصف، فلعله يجوز التعبير عن النصف بالكل، أو قال (¬2): إن من تصدق بشيء جاز له (¬3) أن يتملكه بالإرث، ويكره تملكه ممن دفعه إليه بمعاوضة أو هبة. ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) سقط من (م). (¬3) سقط من (م).

33 - باب في حقوق المال

33 - باب في حُقُوقِ المالِ 1657 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ عاصِمِ بْنِ أَبي النَّجُودِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كُنّا نَعُدُّ الماعُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عارِيةَ الدَّلْوِ والقِدْرِ (¬1). 1658 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبي صالِح، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "ما مِنْ صاحِبِ كَنْزٍ لا يُؤَدّي حَقَّهُ إلَّا جَعَلَهُ اللهُ يَوْمَ القِيامَةِ يُحْمَى عَلَيْها في نارِ جَهَنَّمَ، فَتُكْوى بِها جَبْهَتُهُ وَجَنْبُهُ وَظَهْرُهُ حَتَّى يَقْضي اللهُ تَعالَى بَيْنَ عِبادِهِ في يَوْمٍ كَانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِمّا تَعُدُّونَ ثُمَّ يُرى سَبِيلُهُ إِمّا إِلَى الجَنَّةِ وَإِمّا إِلى النّارِ، وَما مِنْ صاحِبِ غَنَمٍ لا يُؤَدّي حَقَّها إلَّا جاءَتْ يَوْمَ القِيامَةِ أَوْفَرَ ما كَانَتْ فَيُبْطَحُ لَها بِقاعٍ قَرْقَرٍ، فَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِها وَتَطَؤُهُ بِأَظْلافِها لَيْسَ فِيها عَقْصاءُ وَلا جَلْحاءُ كُلَّما مَضَتْ أُخْراها رُدَّتْ عَلَيْهِ أُولاها، حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَ عِبادِهِ في يَوْمٍ كَانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِمّا تَعُدُّونَ ثُمَّ يُرى سَبِيلُهُ إِمّا إِلَى الجَنَّةِ وَإِمّا إِلَى النّارِ وَما مِنْ صاحِبِ إِبِلٍ لا يُؤَدّي حَقَّها إلَّا جاءَتْ يَوْمَ القِيامَةِ أَوْفَرَ ما كانَتْ فَيُبْطَحُ لَها بِقاعٍ قَرْقَرٍ، فَتَطَؤُهُ بِأَخْفافِها، كُلَّما مَضَتْ عَلَيْهِ أُخْراها رُدَّتْ عَلَيْهِ أُولاها، حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ تَعالَى بَيْنَ عِبادِهِ في يَوْمٍ كَانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِمّا تَعُدُّونَ ثُمَّ يُرى سَبِيلُهُ إِمّا إِلَى الجَنَّةِ وَإِمّا إِلَى النّارِ" (¬2). 1659 - حَدَّثَنا جَعْفَرُ بْنُ مُسافِرٍ، حَدَّثَنا ابن أَبي فُدَيْكٍ، عَنْ هِشامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَهُ. قَالَ: في قِصَّةِ الإِبِلِ ¬

_ (¬1) رواه البزار (1719)، والنسائي في "الكبرى" (11701). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1461). (¬2) رواه مسلم (987). ورواه بنحوه مختصرًا البخاري (1402).

بَعْدَ قَوْلِهِ: "لا يُؤَدّي حَقَّها". قَالَ: "وَمِنْ حَقِّها حَلْبُها يَوْمَ وِرْدِها" (¬1). 1660 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلي، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ، أَخْبَرَنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَبي عُمَرَ الغُداني، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَ هذِه القِصَّةِ فَقَالَ لَهُ - يَعْني: لأَبي هُرَيْرَةَ - فَما حَقُّ الإِبِلِ؟ قَالَ: تُعْطي الكَرِيمَةَ، وَتَمْنَحُ الغَزِيرَةَ، وَتُفْقِرُ الظَّهْرَ، وَتُطْرِقُ الفَحْلَ، وَتَسْقي اللَّبَنَ (¬2). 1661 - حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ، حَدَّثَنا أَبُو عاصِمٍ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ يا رَسُولَ اللهِ ما حَقُّ الإِبِلِ؟ فَذَكَرَ نَحْوَهُ زادَ: "وَإِعارَةُ دَلْوِها" (¬3). 1662 - حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الحَرّاني، حَدَّثَني مُحَمَّدُ بْن سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبّانَ، عَنْ عَمِّهِ واسِعِ بْنِ حَبّانَ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ مِنْ كُلِّ جادِّ عَشَرَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ بِقِنْوٍ يُعَلَّقُ في المَسْجِدِ لِلْمَساكِينِ (¬4). 1663 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الخُزاعي، وَمُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ قالا: حَدَّثَنا أَبُو الأَشْهَبِ، عَنْ أَبي نَضْرَةَ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْري قَالَ: بَيْنَما نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في سَفَرٍ إِذْ جاءَ رَجُلٌ عَلَى ناقَةٍ لَهُ فَجَعَلَ يَصْرِفُها يَمِينًا وَشِمالًا فَقَالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَن كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لا ظَهْرَ لَهُ وَمَنْ كانَ عِنْدَهُ فَضْلُ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (987). وبنحوه البخاري (1402). (¬2) رواه أحمد 2/ 489، وابن خزيمة (2322)، والحاكم 1/ 402. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1463). (¬3) رواه مسلم (988). (¬4) رواه أحمد 3/ 359، وأبو يعلى (2038)، وابن خزيمة (2469)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (5604)، وابن حبان (3289)، والبيهقي 5/ 311. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1465).

زادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لا زادَ لَهُ". حَتَّى ظَنَنّا أَنَّهُ لا حَقَّ لأحَدٍ مِنّا في الفَضْلِ (¬1). 1664 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى المُحارِبي حَدَّثَنا أَبي حَدَّثَنا غَيْلانُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِياسٍ عَنْ مُجاهِدٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قَالَ: لمّا نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} قَالَ: كَبُرَ ذَلِكَ عَلَى المُسْلِمِينَ فَقَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه - أَنا أُفَرِّجُ عَنْكُمْ. فانْطَلَقَ فَقَالَ: يا نَبي اللهِ إِنَّهُ كَبُرَ عَلَى أَصْحابِكَ هذِه الآيَةُ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ لَمْ يَفْرِضِ الزَّكَاةَ إلَّا لِيُطَيِّبَ ما بَقي مِنْ أَمْوالِكُمْ وَإِنَّما فَرَضَ المَوارِيثَ لِتَكُونَ لِمَنْ بَعْدَكُمْ". فَكَبَّرَ عُمَرُ ثُمَّ قَالَ لَهُ: "أَلا أُخْبِرُكَ بِخَيْرِ ما يَكْنِزُ المَرْءُ: المَرْأَةُ الصّالِحَةُ إِذا نَظَرَ إِلَيْها سَرَّتْهُ وَإِذا أَمَرَها أَطاعَتْهُ وَإِذا غابَ عَنْها حَفِظَتْهُ" (¬2). * * * باب في (¬3) حقوق المال [1657] (حدثنا قتيبة بن سعيد) قال: (حدثنا أبو عوانة، عن عاصم ابن (¬4) أبي النجود) بفتح النون، أحد القراء السبعة، واسم أبي النجود بهدلة [(عن شقيق)] (¬5) روى عاصم بن بهدلة عنه. قال: أدركت سبع سنين من سني الهجرة (¬6). وقال عاصم: ما سمعته يسب إنسانًا قط ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1728). (¬2) رواه أحمد في "فضائل الصحابة" (560)، وأبو يعلى (2499)، والحاكم 1/ 408، والبيهقي 4/ 83. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (293). (¬3) من (م). (¬4) في (ر): عن. (¬5) سقط من الأصول، والمثبت من "السنن". (¬6) "تهذيب الكمال" 12/ 551.

[ولا بهيمة] (¬1) (¬2) وكان أعلم أهل الكوفة بحديث ابن مسعود (¬3). (عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: كنا (¬4) نَعد) بفتح النون، وضم العين، [في رواية ابن] (¬5) جرير: كنا أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - نتحدث أن الماعون الدلو والفأس (¬6) (الماعون) أصله من المعن، وهو الشيء القليل فسميت الزكاة ماعونًا؛ لأنها قليل من كثير، وكذلك الصدقة وغيرها (على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عارية الدلو [والقدر]) (¬7) ورواية ابن أبي حاتم: الماعون العواري: القدر والميزان والدلو (¬8). وروي عن عكرمة: رأس الماعون زكاة المال، وأدناه المنخل والدلو والإبرة (¬9). وهذا قول حسن، فإنه يشمل الأقوال كلها وترجع كلها إلى شيء واحد، وهو المعاونة بمال أو منفعة، ولهذا قال محمد بن كعب الماعون: المعروف (¬10). وفي الحديث: "كل معروف صدقة" (¬11). وروى ابن أبي حاتم ها هنا حديثًا غريبًا عن قرة بن دعموص النميري: أنهم وفدوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا رسول الله، ما تعهد إلينا؟ قال: "لا تمنعون الماعون" قالوا: يا رسول الله: وما الماعون؟ قال: "في الحجر وفي الحديد وفي الماء" قالوا: فأي الحديد؟ قال: "قدوركم ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "تاريخ دمشق" 23/ 174. (¬3) "تهذيب الكمال" 12/ 552. (¬4) من (م). (¬5) في (م): ورواية. (¬6) "تفسير الطبري" 3/ 318. (¬7) من "السنن". (¬8) و (¬9) و (¬10) "تفسير القرآن العظيم" لابن أبي حاتم 10/ 3468. (¬11) "صحيح البخاري" (6021).

النحاس وحديد الفأس الذي (¬1) تمتهنون به" قالوا: وما الحجر؟ قال: "قدوركم الحجارة" (¬2) وذكره (¬3) ابن الأثير في الصحابة (¬4) ترجمة علي النميري، والله أعلم (¬5). [1658] (حدثنا موسى بن إسماعيل) قال: (حدثنا حماد، عن سهيل بن أبي صالح، [عن أبيه) أبي صالح] (¬6) ذكوان السمان، حكى الترمذي أن ابن عيينة قال: كنا نعد سهيل بن أبي صالح ثبتًا في الحديث (¬7). (عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ما من صاحب كنز لا يؤدي حقه) أي: زكاته. رواية مسلم: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقها" (¬8) والكنز في اللغة: هو المال المدفون. ففيه دليل على أن المال المدفون تجب فيه الزكاة، وإن لم يحصل منه نمو. وفيه ذم من يكنز. (إلا جعله الله يوم القيامة) [رواية أحمد: "إلا جعل صفائح يحمى عليها" (¬9)] (¬10) والمفعول الثاني (لجعل) محذوف أي: جعل الله الكنز نارًا (يحمى) أي: يوقد (عليها)، أي: على الكنز الذي صار (¬11) نارًا. ¬

_ (¬1) في (م): الذين. (¬2) "تفسير القرآن العظيم" 10/ 3468 من حديث عائذ بن ربيعة. (¬3) في الأصول: (وذكر). (¬4) في (م): أصحابه. (¬5) "أسد الغابة" 4/ 101. (¬6) من (م). (¬7) "سنن الترمذي" (523). (¬8) "صحيح مسلم" (987/ 24). (¬9) "المسند" 2/ 262 (4553). (¬10) من (م). (¬11) في (ر): جعل.

(في نار جهنم تكوى بها جبهته وجنبيه) [والأكثر: جنبه. بالإفراد] (¬1) (وظهره) قيل (¬2): خصت [هذِه المواضع] (¬3) بالكي [عقابًا لتقطيبه وجهه في وجه السائل، وليه بصفحة وجهه وإعراضه بظهره عنه و] (¬4) قيل: لأنها مجوفة فتصل إلى أجوافها الحر بخلاف اليد والرجل. وقيل: لأنه في الجبهة أشنع وفي الجنب والظهر أوجع. وقيل: معناه: يكوون (¬5) على الجهات الثلاث: مقادمهم، ومآخرهم، وجنوبهم. (حتى يقضي الله بين عباده) أي: إلى أن يقضي الله بين عباده الذين لم يشغلهم مالهم عن عبادة الله تعالى (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة). قيل: معناه لو حاسب فيه غير الله تعالى. قال الحسن: قدر مواقفهم للحساب ابن اليمان: كل موقف منها بألف سنة (¬6)، ومدة يوم القيامة خمسون ألف سنة. وقال عكرمة (¬7): في يوم مقداره كمدة الدنيا خمسون ألف سنة، لا يدري أحد ما مضى منها وما بقي، كما رواه عبد الرزاق عنه بسنده (¬8). قال الإمام أحمد: حدثنا الحسن بن موسى، ثنا ابن لهيعة، ثنا ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): و. (¬3) من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) في (م): يكون. (¬6) انظر: "التذكرة" للقرطبي 1/ 343. (¬7) في الأصول: الحاكم. وهو خطأ. والصواب المثبت. (¬8) "تفسير عبد الرزاق" 3/ 344 (3321) من حديث عكرمة.

دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد قال: قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} (¬1) ما أطول هذا اليوم! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا" (¬2) (مما تعدون) أي: من أيام الدنيا. والأصل: تعدونه، فحذف الفاعل (¬3). (ثم يرى) قال النووي: ضبطناه بضم الياء وفتحها وبرفع لام (¬4) (سبيله) ونصبها (¬5) (إما إلى الجنة [وإما إلى النار، وما من صاحب غنم لا يؤدي حقها إلا جاءت يوم القيامة أوفر]) (¬6) منصوب على حذف حرف الجر. أي: جاءت على أوفر (ما) أي: على أوفر حال (كانت) عليه في الدنيا. يعني: من العظم والسمن، ومن الكثرة؛ لأنها (¬7) تكون عنده على حالات مختلفة، فتأتي على أكملها؛ ليكون ذلك أنكى له؛ لشدة ثقلها عليه. (فيبطح لها) أي: يلقى على وجهه. كذا قال بعضهم: وقد يكون على ظهره، فقد جاء في رواية البخاري: "تخبط وجهه بأخفافها" (¬8) قال أهل ¬

_ (¬1) المعارج: 4. (¬2) "المسند" 3/ 75. (¬3) في (ر): العائد. (¬4) في (ر): لامه. والمثبت من (م). (¬5) "شرح النووي على مسلم" 7/ 65. (¬6) هناك سطر غير مقروء في (م) أثبتناه من "السنن". (¬7) في (م): إنما. (¬8) "صحيح البخاري" (6958).

اللغة: البطح: هو البسط، كيفما (¬1) كان على الوجه أو على (¬2) غيره؛ ومنه سميت بطحاء مكة؛ لانبساطها. (بقاع) وهو المستوي من الأرض، جمعه: قيعان، كجار وجيران (قرقر) وهو المستوي من الأرض أيضًا. قال الثعالبي: إذا كانت الأرض مستوية مع الاتساع (¬3) فهي الجدجد والصحصح ثم القاع والقرقر والصفصف (¬4). (فتنطحه) بكسر الطاء وفتحها، لغتان حكاهما الجوهري (¬5) وغيره. (بقرونها وتطؤه) أي: عليه (بأظلافها) جمع ظلف، هو الظفر من كل دابة مشقوقة الرجل، ومن الإبل الخف، ومن الخيل والبغال والحمير الحافر. وفي رواية مسلم: "وتعضه بأفواهها" (¬6). (ليس فيها عقصاء) وهي الملتوية القرن، ورجل أعقص فيه التواء، وصعوبة أخلاق. (ولا جلحاء) وهي التي لا قرون لها. وفي رواية مسلم: "ولا عضباء" (¬7). وهي المكسورة داخل القرن وهو المشاش (¬8) والمعضوب: ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) من (م). (¬3) في (م): الاقتباع. (¬4) "فقه اللغة" 2/ 488 - 489. (¬5) "الصحاح في اللغة" (نطح). (¬6) "صحيح مسلم" (987). (¬7) السابق. (¬8) في (م): الساس.

الزمن الذي لا حراك به (كلما مضت) عليه (أخراها ردت عليه أولاها) هذا وجه الكلام. أي: إذا انتهت عليه آخرها رد عليه الأول الذي مر أولًا وهكذا (حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) قال عكرمة: مقدار ما يحكم الله فيه من (¬1) الحساب قدر ما يقضى بالعدل في خمسين ألف سنة من أيام الدنيا. (مما تعدون) من أيام الدنيا (ثم يرى سبيله [إما إلى الجنة وإما إلى النار)] (¬2) إما أن يكون طريقة إما إلى الجنة أو النار. (وما (¬3) من صاحب إبل لا يؤدي حقها) أي: زكاتها (إلا جاءت يوم القيامة أوفر) رواية البخاري: "على خير" (¬4) (ما كانت) في الدنيا (فيبطح بها بقاع قرقر) فيه ما تقدم. (فتطؤها بأخفافها) الخف للإبل كالحافر للبغال والحمير (كلما مضت عليه أخراها ردت عليه أولاها، حتى يحكم الله بين عباده بالحساب في يوم كان مقداره (¬5) خمسين ألف سنة) قال الحسن: قيل: لا يراد حقيقة العدد (¬6)، وإنما أريد به طول الموقف [يوم القيامة] (¬7) وما فيه من الشدائد، والعرب تصف أيام الشدة بالطول، وأيام الرخاء (¬8) بالقصر ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) و (¬3) من (م). (¬4) "صحيح البخاري" (1402). (¬5) من (م). (¬6) سقط من (م). (¬7) سقط من (م). (¬8) في (م): الفرح.

(مما تعدون) من أيام الدنيا؛ لأن يوم القيامة ليس فيه شمس ولا قمر، ولا تغير ليل ولا نهار. فتعد أيامه وتحسب (ثم يرى سبيله) أي: طريقه (إما) أن يذهب به (إلى الجنة أو) أن يذهب به (إلى النار) أجارنا الله تعالى منها في ذلك اليوم المهول الذي تتقلب [فيه القلوب] (¬1) وتذهل فيه العقول. [1659] (حدثنا جعفر بن مسافر) التنيسي صدوق توفي سنة 254 (¬2). قال: (حدثنا) محمد بن إسماعيل (ابن أبي فديك، عن هشام بن سعد، [عن زيد بن أسلم)] (¬3) الفقيه (¬4) العمري، قال ابن عجلان: ما هبت أحدًا ما هبت زيد بن أسلم (عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه) و (قال في قصة الإبل بعد قوله: "لا يؤدي حقها" قال: ومن حقها (¬5) حلبها) [بفتح اللام على اللغة المشهورة وإن كان القياس] (¬6) بإسكان اللام على المصدر، وهو في الأصل مصدر ما كان على فعل يفعل من الأفعال المتعدية (¬7) الثلاثية. وحكي الإسكان، وهو غريب ضعيف. وأما الحلب اسم اللبن فبالفتح لا غير، وليس هذا موضعه. (يوم وردها) بكسر الواو، وهو اليوم الذي ترد فيه الماء، أي: تحلب ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "تهذيب الكمال" 5/ 110. (¬3) من (م). (¬4) في (ر): الفقير. (¬5) من (م). (¬6) سقط من (م). (¬7) في (م): المتقدمة.

لمن يحضرها من المساكين، وإنما خص الحلب بموضع الماء ليكون أقرب إلى المحتاج والجائع من قصد المنازل وأرفق بالماشية، فقد لا يقدر المحتاج على الوصول. وذكر الداودي أن جلبها بالجيم، وفسره بالجلب [إلى المصدق] (¬1). وقال ابن دحية: إنه تصحيف. [1660] (حدثنا الحسن بن علي) قال: (حدثنا يزيد بن هارون) قال: (نا شعبة، عن قتادة، عن أبي عمر) وهم من قال: اسمه يحيى بن عبيد (الغداني) بضم الغين المعجمة، وتخفيف الدال المهملة وبعد الألف نون، وثق [كذا ضبطه النووي، وقال: نسبة إلى غدانة بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة، وضبطه شيخنا بضم المهملة وتخفيف الدال، وقال: هو مصري مقبول] (¬2). (عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحو هذِه القصة، فقال له (¬3) - يعني: لأبي هريرة -[فما حق الإبل] (¬4)؟ قال: تعطي) [أصله: أن تعطي. فهو كقولهم: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه] (¬5) (الكريمة) هي النفيسة التي يتعلق بها قلب مالكها. وفي رواية لغيره (¬6): "تنحر السمينة" (¬7). ¬

_ (¬1) في (ر): على المضاف. (¬2) و (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ر): صاحب إبل. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (م): المغيرة. وهو خطأ. (¬7) رواها عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 30 (6869).

(وتمنح) أي: تعطي (الغزيرة) بفتح الغين المعجمة وكسر الزاي. أي: الكثيرة اللبن والدر واللحم (¬1) (والمنيحة) (¬2) الناقة أو البقرة أو الشاة تعطى لينتفع بلبنها ووبرها وصوفها وشعرها [زمانًا ثم] (¬3) يردها. (وتفقر) بضم الياء وكسر القاف وإسكان الفاء، أي: تعير (الظهر) أي: الدابة لتركب، والفقار: خرزات عظم الظهر (وتطرق) بضم التاء وإسكان الطاء المهملة وكسر الراء بعدها، قال: وإطراق (الفحل): إعارته للضراب (¬4) طرق الفحل الناقة إذا ضربها ونزا عليها. قال المازري: يحتمل أن يكون هذا الحق في موضع يتعين فيه المواساة، يعني: عند شدة الحاجة والضنك، قال القاضي: ولعل هذا كان قبل وجوب الزكاة. وقد اختلف السلف في معنى قول الله تعالى: {فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} (¬5) فقال الجمهور: هو على وجه الندب ومكارم الأخلاق، فإن المال ليس فيه [إلا الزكاة، وذهب جماعة منهم الشعبي والحسن وطاوس وعطاء ومسروق وغيرهم أن في المال حقًا سوى] (¬6) الزكاة [من فك] (¬7) الأسير، وإطعام المضطر، والمواساة في العسرة، وصلة القرابة. (وتسقي) بفتح أوله (اللبن) أي: للمحتاج. [1661] (حدثنا يحيى بن خلف) الباهلي من رجال مسلم، قال: (ثنا ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (ر): المنحة. (¬3) في (ر): وما يأثم. (¬4) في (ر): للطراق. (¬5) المعارج: 24. (¬6) سقط من (م). (¬7) في (م): مرور.

أبو عاصم) الضحاك بن مخلد (عن) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج - قال أبو الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس المكي أحد أئمة التابعين قال أحمد: أبو الزبير أحب إليَّ من أبي سفيان؛ لأنه أعلم بالحديث (¬1). (سمعت عبيد بن عمير) بالتصغير فيهما الليثي الحجازي قاضي أهل مكة، ولد في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (قال: قال رجل: يا رسول الله، ما حق الإبل؛ وذكر نحوه) زاد (وإعارة دلوها) [أي: لمن يستقي به. وفي رواية: "إعارة دلوه" بفتح الدال، وهي الناقة المدللة للجمال من] (¬2) يحتاج ذلك من المساكين. [1662] (حدثنا عبد العزيز بن يحيى) أبو الأصبغ (الحراني) ثقة (¬3). قال: (حدثني محمد بن مسلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح الحاء وتشديد الموحدة، ابن منقذ الأنصاري، كانت (¬4) له حلقة في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفتي، وكان ثقة كثير الحديث. (عن عمه واسع بن حبان) بفتح المهملة وتشديد الموحدة أيضًا ابن منقذ المازني (¬5) ثقة (¬6). (عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر من كل جاد) بتشديد الدال، ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 26/ 406. (¬2) في (ر): بالرفع عطف على يعطى المقدر لمن. (¬3) "تهذيب الكمال" 18/ 217. (¬4) في (م): قال. (¬5) في (م): المغازي. (¬6) "تهذيب الكمال" 30/ 397.

أي: كل (¬1) مجدود، فهو فاعل بمعنى مفعول. قال إبراهيم الحربي: يريد قدرًا من النخل يجد منه (¬2) (عشرة أوسق من التمر) أن يتصدق مالكه (بقنو) مما عليه من الرطب والبسر (يعلق في المسجد للمساكين) يأكلونه. قال الخطابي: وهذا من صدقات المعروف دون الصدقة التي هي فرض واجب (¬3). [1663] (حدثنا [محمد بن] (¬4) عبد الله) بن محمد بن علي بن نفيل (الخزاعي) بضم الخاء المعجمة وتخفيف الزاي، نسبة إلى خزاعة. [قال ابن المديني: ثقة مات 223] (¬5) ويقال: أحمد بن صالح بمصر، وأحمد بن حنبل ببغداد، وابن نمير بالكوفة، وعبد الله بن محمد النفيلي بحران، هؤلاء أركان الدين (وموسى بن إسماعيل المعنى قالا (¬6): حدثنا أبو [الأشهب)] (¬7) جعفر بن حيان (¬8) العطاردي ثقة (¬9). توفي سنة 165. (عن أبي نضرة) بالنون، والضاد المعجمة، المنذر بن مالك العبدي من تابعي البصرة (عن أبي سعيد الخدري قال: بينما نحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر إذ جاء رجل على ناقة له حمراء (¬10) فجعل يصرفها) بفتح الصاد، ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "معالم السنن" المطبوع مع "مختصر السنن" 2/ 249. (¬3) "معالم السنن" المطبوع مع "مختصر السنن" 2/ 249. (¬4) ساقطة من (ر). (¬5) و (¬6) من (م). (¬7) زاد بعدها في (ر): بالسين المهملة. وهي زيادة مقحمة. (¬8) في (م): حسان. (¬9) "تهذيب الكمال" 5/ 23. (¬10) من (م).

وكسر الراء المشددة، أي: يرددها، من قولهم: صرفت فلانًا عن كذا. أي: رددته. (يمينًا) تارة (وشمالًا) أي: وإلى جهة الشمال تارة. (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: لما رأى ما (¬1) به من الفاقة ورثاثة الحال. [سأل رسول الله] (¬2) (من كان عنده فضل ظهر) أي: ظهر دابة للركوب أو الحمل (فليعد به على من لا ظهر له ومن كان عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له) هكذا رواية (¬3) مسلم (¬4)، ورواه البيهقي وبوب عليه: باب كراهية إمساك الفضل والغير محتاج إليه (¬5). فيه استحباب الصدقة ببعض المال (¬6) الفاضل عن حاجته وحاجة عياله ودينه اتفاقًا، وكذا بجميع ماله عند الجمهور إذا كان يصبر على الإضاقة، وأما إذا كان لا يصبر على الإضاقة فهو مكروه، كما نقله أبو حاتم القزويني من (¬7) أصحابنا. (حتى ظننا (¬8) أنه لا حق لأحد منا في الفضل) أي (¬9): في الفاضل عما يحتاج إليه، وهذا من الحث على مكارم الأخلاق. [1664] (حدثنا عثمان بن محمد [بن أبي شيبة) قال (حدثني يحيى ¬

_ (¬1) و (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): رواه. (¬4) مسلم (987). (¬5) "السنن الكبرى" 4/ 182. (¬6) سقط من (م). (¬7) في (م): عن. (¬8) من (م). (¬9) سقط من (م).

ابن يعلى (¬1) المحاربي) قال: (حدثنا أبي) يعلي (¬2) بن الحارث المحاربي ثقة. قال: (حدثنا غيلان) بن جامع المحاربي قاضي الكوفة. (عن جعفر ابن أبي وحشية إياس) (¬3) أبي بشر صدوق. (عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت هذِه الآية {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} (¬4) كبر) بضم الموحدة (ذلك) (¬5) أي: عظم (على المسلمين) وشق عليهم. زاد ابن أبي حاتم وقالوا: ما يستطيع أحد منا بولده مالًا يبقى له بعده. (فقال عمر - رضي الله عنه -: أنا أفرج عليكم) (¬6) ذلك (فانطلق) عمر. زاد ابن أبي حاتم: وأتبعه ثوبان فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬7) (فقال: يا نبي الله، إنه قد كبر (¬8) على أصحابك نزول هذِه الآية. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن الله لم يفرض) بفتح أوله (الزكاة) عليكم (إلا ليطيب) [بضم الياء الأولى وبشد الثانية] (¬9) أي: يخلصها من الشبه والرذائل التي فيها، من طاب الدين إذا خلص (ما بقي من أموالكم وإنما فرض المواريث) زاد ابن أبي حاتم من ¬

_ (¬1) في (م): علي. (¬2) من (م). (¬3) زاد في (م): ابن. (¬4) التوبة: 34. (¬5) من (م). (¬6) في (م): عنكم. (¬7) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 6/ 1788. (¬8) بضم الياء التحتية وكسر الطاء، ويجوز بالفوقانية، ويجوز بفتح التحتانية وكسر الطاء مع التخفيف، أي: ليطيب بها ما بقي من أموالكم وتشديد الياء الثانية. (¬9) في (ر): ما بقي من أموالكم وذكر كلمة بلا تنوين، أي: ذكر لفظ ليكون الطيب في الرواية الأولى، وهذِه رواية الخطيب، وروى ابن داسة: الحديث.

أموالكم وذكر كلمة وهي] (¬1) (لتكون) رواية ابن أبي حاتم (لتبقى) (لمن بعدكم) أو لتطيب لمن بعدكم (وكبر) بتشديد الياء الموحدة. أي: قال: الله أكبر تعظيمًا لله تعالى [لما مَنَّ] (¬2) من فضله ورحمته من تطييب الأموال. (ثم قال له) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ألا أخبرك بخير ما يكنز) بفتح أوله (المرء) (¬3) وهو (المرأة الصالحة) [ثم فسر المرأة الصالحة وهي] (¬4) التي (إذا نظر إليها سرته) أي: أعجبته. كما في رواية؛ لأنها إذا أعجبته فربما دعاه (¬5) ذلك إلى الوطء الذي تنكسر به (¬6) شهوته، ويكون سببًا لولد صالح (وإذا أمرها أطاعته) أي: فيما ليس بمعصية. (وإذا غاب عنها حفظته) وفي رواية الحاكم: "يغيب عنها فيأمنها على نفسها وماله" (¬7) وفي رواية ابن ماجه: "وإن أقسم عليها أبرته (¬8) " (¬9). ¬

_ (¬1) في (ر): كتب. والمثبت من (م). (¬2) و (¬3) و (¬4) سقط من (م). (¬5) في (م): عاد. (¬6) زاد في (م): الشهوات. (¬7) "المستدرك" 2/ 162 (2684) بلفظ: "وتغيب فتأمنها على نفسك ومالك". وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" 2/ 404. (¬8) في (ر): برته. (¬9) "سنن ابن ماجه" (1857) وضعفه الألباني في "ضعيف سنن ابن ماجه" (408).

34 - باب حق السائل

34 - باب حَقِّ السّائِلِ 1665 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، حَدَّثَنا مُصْعَبُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شُرَحْبِيلَ حَدَّثَني يَعْلَى بْنُ أَبي يَحْيَى، عَنْ فاطِمَةَ بِنْتِ حُسَيْنٍ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلي قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لِلسّائِلِ حَقٌّ وَإِنْ جاءَ عَلَى فَرَسٍ" (¬1). 1666 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن رافِعٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ عَنْ شَيْخٍ قَالَ: رَأَيْتُ سُفْيانَ عِنْدَهُ، عَنْ فاطِمَةَ بِنْتِ حُسَيْنٍ عَنْ أَبِيها عَنْ عَلي، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَهُ (¬2). 1667 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبي سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بُجَيْدٍ، عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ بُجَيْدٍ وَكَانَتْ مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّها قَالَتْ لَهُ: يا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْكَ إِنَّ الِمسْكِينَ لَيَقُومُ عَلَى بابي فَما أَجِدُ لَهُ شَيْئًا أُعْطِيهِ إِيّاهُ. فَقَالَ لَها رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنْ لَمْ تَجِدي لَهُ شَيْئًا تُعْطِينَهُ إِيّاهُ إلَّا ظِلْفًا مُحْرَقًا فادْفَعِيهِ إِلَيْهِ في يَدِهِ" (¬3). * * * باب حق السائل [1665] [(ثنا محمد بن كثير العبدي) قال ابن أبي حاتم: صدوق (¬4) , ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 201، وابن أبي شيبة في "مسنده" (789)، وابن زنجويه في "الأموال" (2088)، والبزار (1343)، وأبو يعلي (6784)، وابن خزيمة (2468). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (294). (¬2) رواه تمام في "فوائده" (1767)، والقضاعي في "مسند الشهاب" (285). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (295). (¬3) رواه الترمذي (665)، والنسائي 5/ 86، وأحمد 6/ 382. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1467). (¬4) "الجرح والتعديل" 8/ 70.

قال: (أنا سفيان) قال] (ثنا مصعب بن محمد بن شرحبيل) القرشي العبدي، روى عنه السفيانان، ووثقه ابن معين وغيره (¬1)، قال] (¬2) (ثنا يعلى بن أبي يحيى) وثق (¬3)، وتفرد عنه أبو داود. [(عن فاطمة بنت حسين، عن)] (¬4) أبيها (¬5) (حسين بن علي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: للسائل حق وإن جاء على فرس) فيه: الأمر بحسن الظن بأخيه المسلم الذي امتهن نفسه بذل السؤال، فلا يقابله بسوء الظن به واحتقاره، بل يكرمه بإظهار السرور له (¬6)، ويقدر أن الفرس الذي تحته عارية، أو يكون ممن يجوز له أخذ الزكاة مع الغنى كمن تحمل حمالة أو غرم لإصلاح ذات البين، كما تقدم. [1666] (حدثنا محمد بن رافع) قال: (حدثنا يحيى بن آدم) قال: (حدثنا زهير [عن شيخ] (¬7) قال: رأيت سفيان عنده، عن فاطمة بنت حسين، عن أبيها عن (¬8) علي) بن أبي طالب - رضي الله عنه - (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله) وذكر الحديث. [1667] (حدثنا قتيبة) قال: (حدثنا الليث، عن سعيد بن أبي سعيد) كيسان المقبري ثقة جليل. ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 28/ 42. (¬2) ما بين المعقوفين به تقديم وتأخير في الأصول، والمثبت الصواب. (¬3) "الثقات" لابن حبان 7/ 652. (¬4) ساقطة من الأصول، والمثبت من "السنن". (¬5) من (م). (¬6) زاد في الأصول: (بتوفيق الله تعالى له حتى جاء ليخلصه من النار). وهي زيادة مقحمة. (¬7) و (¬8) سقط من (م).

(عن عبد الرحمن بن بجيد) بضم الباء الموحدة [أو النون] (¬1) وفتح الجيم مصغر، ابن وهب الأنصاري. قال الذهبي: مختلف في صحبته (¬2). (عن جدته أم بجيد) واسمها حواء، بفتح الحاء المهملة وتشديد الواو وبالمد. (وكانت [ممن بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: يا رسول الله إن المسكين] (¬3) ليقوم على بابي) فيه: أن السائل يقف على الباب رجلًا كان أو امرأة، ولا تدخل المرأة الدار إلا أن يؤذن لها. وقد كثر اليوم على المرء في دخول الدار، فربما أدى ذلك إلى انتهاره، فتكون المفسدة حاصلة للسائل والمسؤول. فنسأل الله العافية. ([فما أجد له شيئًا أعطيه إياه. فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن لم تجدي شيئًا تعطنيه إياه] (¬4) إلا ظلفًا) بكسر الظاء المعجمة، وهو للبقر والغنم والظباء، بمنزلة الخف للبعير، وكل حافر [منشق منقسم] (¬5) فهو ظلف (محرقًا) أي: مشويًّا بالنار. فيه: أنه ينبغي للمسؤول أن لا يرد السائل ولو ببعض تمرة أو حبة فول ونحو ذلك، فإن لم يكن عنده شيء فليدع له أن يرزقه الله وإياه ونحو ذلك. (فادفعيه (¬6) إليه في يده) فيه: أن من آداب المسؤول - كما قال الحليمي - بأن (¬7) يدفع الصدقة بيده ولا يكله إلى غيره. ولهذا كان بعضهم يبسط كفه بالصدقة (¬8) ليأخذها الفقير، وتكون يد الفقير هي العليا. ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "تذهيب تهذيب الكمال" 5/ 388. (¬3) و (¬4) من (م). (¬5) في (ر): مشتق. (¬6) في (ر): فادفعه. (¬7) سقط من (م). (¬8) من (م).

35 - باب الصدقة على أهل الذمة

35 - باب الصَّدَقَةُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ 1668 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ أَبي شُعَيْبٍ الحَرّاني حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْماءَ قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلي أُمّي راغِبَةً في عَهْدِ قُرَيْشٍ وَهي راغِمَةٌ مُشْرِكَةٌ فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أُمّي قَدِمَتْ عَلي وَهي راغِمَةٌ مُشْرِكَةٌ أفَأَصِلُها قَالَ: "نَعَمْ فَصِلي أُمَّكِ" (¬1). * * * باب الصدقة على أهل الذمة [1668] (حدثنا أحمد) بن عبد الله (بن أبي شعيب الحراني) روى عنه البخاري، قال: (حدثنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق، أحد الأعلام. قال: (حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير. (عن أسماء بنت أبي بكر قالت: قدمت عليَّ أمي) قال المنذري: هي أمها من الرضاعة (¬2) -[قال الحافظ بن حجر: فسّح الله في مدته، هي أمها حقيقة، ومن قال: إنها أمها من الرضاعة فقد وهم (¬3). وفي رواية ابن سعد وأبي داود الطيالسي والحاكم (¬4) من حديث عبد الله بن الزبير، قال: قدمت قتيلة - بالقاف والمثناة مصغرة - بنت عبد الرحمن على ابنتها أسماء بنت أبي بكر في الهدنة. وكان أبو بكر طلقها في الجاهلية (¬5) فعرف منه تسمية أم أسماء وأنها أمها حقيقة] (¬6) (وهي راغبة) بالباء الموحدة، أي: طالبة ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2620)، ومسلم (1003). (¬2) "مختصر سنن أبي داود" 2/ 251. (¬3) "فتح الباري" 5/ 233. (¬4) "الطبقات الكبرى" 8/ 252، "مسند الطيالسي" (1744)، "المستدرك" 2/ 486، إلا أن الطيالسي رواه بالمعنى. (¬5) سقط من (م). (¬6) ساقطة من (م)، وفي (ر): (فعرفت منه تسمية أم أمها حقيقة اسمها) والمثبت من =

بري وصلتي. وقيل: راغبة عن الإسلام كارهة له. والرواية التي ذكرها الشافعي في "الأم" بالباء حين استدل على جواز صدقة النافلة على (¬1) المشرك. (في عهد قريش) أي: في المدة التي عاهد قريشًا على ترك القتال (وهي راغمة) بالميم (¬2) أي: كارهة الإسلام ساخطة علي [ولم تقدم] (¬3) مهاجرة مشركة ([فقلت يا رسول الله] (¬4) أفأصلها؟ قال: نعم) قال الشافعي: لا بأس أن يتصدق على المشرك من النافلة وليس له في الفريضة من الصدقة حق، وقد حمد الله قومًا فقال: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} (¬5). قال ابن عباس: كان أسراؤهم يومئذ مشركين، ويشهد لهذا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أصحابه يوم بدر أن يكرموا الأسارى، فكانوا يقدمونهم على أنفسهم عند الغداء. (فصلي أمك) سماها أمًّا قيل: لأنها التي ولدتها. فعلى هذا يستدل على استحباب صلة من تولت ولادتها وهي القابلة وإن كانت مشركة. فإن قيل (¬6): روى أبو داود والترمذي: "لا تصحب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامك إلا تقي" (¬7) قلنا: هذا الحديث محمول على أنه الأولى والخير من باب قوله: لأرينك هنا سببًا. ¬

_ = "فتح الباري" 5/ 233. (¬1) في (ر): عن. (¬2) و (¬3) من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) "الأم" 2/ 82. (¬6) من (م). (¬7) "سنن أبي داود" (4832)، "سنن الترمذي" (2395).

36 - باب ما لا يجوز منعه

36 - باب ما لا يَجُوزُ مَنْعُهُ 1669 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعاذٍ، حَدَّثَنا كَهْمَسٌ، عَنْ سَيّارِ بْنِ مَنْظُورٍ - رَجُلٍ مِنْ بَني فَزارَةَ - عَنْ أَبِيهِ، عَنِ امْرَأَةٍ يُقالُ لَها: بُهَيْسَةُ، عَنْ أَبِيها قَالَتِ اسْتَأْذَنَ أَبي النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فَدَخَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَمِيصِهِ فَجَعَلَ يُقَبِّلُ وَيَلْتَزِمُ ثُمَّ قَالَ: يا رَسُولَ اللهِ ما الشَّيء الذي لا يَحِلُّ مَنْعُهُ قَالَ: "الماءُ". قَالَ: يا نَبي اللهِ ما الشَّيء الذي لا يَحِلُّ مَنْعُهُ قَالَ: "المِلْحُ". قَالَ: يا رَسُولَ اللهِ ما الشَّيء الذي لا يَحِلُّ مَنْعُهُ؟ قَالَ: "أَنْ تَفْعَلَ الخَيْرَ خَيْرٌ لَكَ" (¬1). * * * باب ما لا يجوز منعه [1669] (حدثنا عبيد الله) بالتصغير (بن معاذ) وكان يحفظ عشرة آلاف حديث قال (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ بن نصر بن حسان التميمي الحافظ. قال أحمد: هو قرة عين في الحديث وإليه المنتهى في التثبت بالبصرة، وما رأيت أعقل منه. [قال: (حدثنا كهمس] (¬2) عن سيار) بتقديم السين على المثناة (ابن منظور) بالنون والظاء المعجمة، الفزاري [رجل من بني فزارة] (¬3) (عن أبيه) منظور بن سيار الفزاري روى عنه النسائي أيضًا. ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 480، والدارمي (2655)، وابن زنجويه في "الأموال" (1098)، وأبو يعلى (7177)، والدولابي في "الكنى" (126) والطبراني 22/ 312 (789). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (296). (¬2) من (م). (¬3) في (م): روى عنه النسائي أيضًا.

(عن امرأة يقال لها: بهيسة) بضم الباء الموحدة وفتح الهاء وبعد ياء التصغير سين مهملة، الفزارية لها صحبه حديثها في البصريين روت (عن أبيها قالت: استأذن أبي على النبي - صلى الله عليه وسلم - فأذن له فدخل بينه) أي: بين النبي - صلى الله عليه وسلم - (وبين قميصه فجعل يقبل) جسمه الكريم (ويلتزم) أي: يضمه إليه إكرامًا له. فيه دليل على استحباب تقبيل جسد الصالحين وأهل الزهد والعلم والتزامهم ببركاتهم كما سيأتي في حديث أسيد بن حضير لما أراد أن يقتص من النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم (¬1) (قال: يا رسول الله، ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: الماء) قد (¬2): يستدل به من يقول: الماء لا يملك. وهو وجه حكاه الإمام (¬3) عن رواية الشيخ أبي علي، وعلى القول بأنه لا يملك فلا يصح بيعه؛ لعدم الملك، وفي هبته نظر. ثم (قال: يا رسول الله، ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: الملح) قال في "المطلب": هذا منسوخ بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله لم يجعل في المال حقًّا سوى الزكاة" ولهذا قال الجمهور: لا يجب في المال حق سوى الزكاة والكفارات بحال، أو يحمل الحديث على منع ذلك في محله، ونحن نقول: لا يحل منعه إذا كان في أرض الموات [التي تولد منها كما هو مذكور في كتب الفقه في إحياء الموات. ثم] (¬4) (قال: يا رسول الله، ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: أن) (¬5) ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): قال. (¬3) "نهاية المطلب" 5/ 499. (¬4) سقط من (م). (¬5) بياض في (م).

بفتح الهمزة وتخفيف النون الساكنة (تبذل) بضم الذال المعجمة (الخير) أي: تعطيه وتجود به على المحتاج إليه، وأن والفعل مقدر بمصدر تقديره: بذل المال. (خير لك) من أن تمنعه ممن يحتاج إليه. وهذا أيضًا حث على مكارم الأخلاق الجميلة.

37 - باب المسألة في المساجد

37 - باب المَسْأَلَةِ في المَساجِدِ 1670 - حَدَّثَنا بِشْرُ بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمي، حَدَّثَنا مُبارَكُ بْنُ فَضالَةَ، عَنْ ثابِتٍ البُناني، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي لَيْلَى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي بَكْرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَطْعَمَ اليَوْمَ مِسْكِينًا؟ ". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه -: دَخَلْتُ المَسْجِدَ فَإِذَا أَنا بِسائِلٍ يَسْأَلُ فَوَجَدْتُ كِسْرَةَ خُبْزٍ في يَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَأَخَذْتُها مِنْهُ فَدَفَعْتُها إِلَيْهِ (¬1). * * * باب المسألة في المساجد [1670] (حدثنا بشر) بكسر الباء الموحدة، وسكون الشين المعجمة (بن آدم) البغدادي صدوق، روى عنه البخاري. قال: (حدثنا عبد الله بن بكر) بن حبيب الباهلي، قال: (ثنا (¬2) مبارك بن فضالة) بفتح الفاء، مولى آل ابن (¬3) الخطاب، العدوي. قال أبو زرعة إذا قال: حدثنا فهو ثقة (¬4). (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق ¬

_ (¬1) رواه الحاكم 1/ 411. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (297). وانظر "الضعيفة" (1458). وشطره الأول صحيح انظر "الصحيحة" (88). وانظر "الضعيفة" (1458). وشطره الأول صحيح انظر "الصحيحة" (88). (¬2) سقط من (م). (¬3) من (م). (¬4) "الجرح والتعديل" 8/ 339.

حضر بدرًا مع المشركين، وهاجر قبل الفتح من أشجع قريش (¬1). (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هل منكم أحد أطعم اليوم مسكينًا؟ ) فيه: دليل على أنه يستحب للراغب في الخير أن لا يخلو يومًا من الأيام من الصدقة بشيء من ماله على مسكين أو نحوه وإن قل؛ لما في "صحيح الحاكم": عن أبي الخير، عن زيد (¬2) بن أبي حبيب، عن عقبة بن عامر (¬3) أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس". أو قال: حتى يحكم بين الناس. قال أبو يزيد: وكان أبو الخير لا يخطئه يوم [إلا تصدق] (¬4) فيه ولو كعكة أو بصلة، وذلك صحيح على شرط مسلم (¬5). (فقال أبو بكر: دخلت المسجد فإذا أنا (¬6) بسائل يسأل في المسجد) قال الحليمي: من شروط السؤال أن يكون عن حاجة، ومن آدابه: أن (¬7) لا يسأل في المسجد، ولا بالقرآن، ولا يلح إذا سأل، ولا يسخط بما يعطاه وإن قل، وأن لا يسأل مقدارًا (¬8) معلومًا. (فوجدت كسرة خبز (¬9) في يد عبد الرحمن فأخذتها منه) فيه: جواز ¬

_ (¬1) في (م): فرس. (¬2) في (م): يزيد. (¬3) في (م): تمام. (¬4) في (م): لا يتصدق. (¬5) "المستدرك" 1/ 415. (¬6) في (ر): لو. والمثبت من (م). (¬7) سقط من (م). (¬8) في (ر): قدرا. والمثبت من (م). (¬9) من (م).

التصرف في مال الابن بغير إذنه. (فدفعته إليه) وفيه: استحباب الصدقة في المسجد. وروى ابن مردويه من طريق سفيان الثوري، عن أبي سنان، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: كان علي بن أبي طالب قائمًا يصلي، فمر (¬1) سائل وهو راكع فأعطاه خاتمه (¬2) (¬3). وروي أيضًا من طريق محمد بن السائب الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المسجد (¬4)، والناس يصلون بين راكع وساجد، فإذا مسكين يسأل، فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أعطاك أحد شيئًا؟ " قال: نعم. قال: "من؟ " قال: ذلك الرجل (¬5) القائم. قال: على أي (¬6) حال] (¬7) أعطاكه؟ " قال: وهو راكع. قال: وذاك علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -. قال: فكبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك (¬8). ¬

_ (¬1) في (م): فرأى. (¬2) في (ر): خلفه. (¬3) ذكره السيوطي في "الدر المنثور" 3/ 106. (¬4) في (ر): الناس. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (م): قال. والمثبت الصواب كما في مصادر التخريج. (¬7) في (ر): ابن أبي طالب. والمثبت من (م). (¬8) ذكره السيوطي في "الدر المنثور" 3/ 105، ومحمد بن السائب متهم بالكذب، ورمي بالرفض، كما قال الحافظ في "التقريب" (5901).

38 - باب كراهية المسألة بوجه الله تعالى

38 - باب كَراهيَةِ المَسْأَلَةِ بِوَجْهِ اللهِ تَعالَى 1671 - حَدَّثَنا أَبُو العَبّاسِ القِلَّوْري، حَدَّثَنا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحاقَ الحَضْرَمي، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ مُعاذٍ التَّيْمي حَدَّثَنا ابن المُنْكَدِرِ، عَنْ جابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُسْأَلُ بِوَجْهِ اللهِ إلَّا الجَنَّةُ" (¬1). * * * باب كراهية المسألة بوجه الله تعالى [1671] (حدثنا أبو العباس) [محمد بن عمرو بن العباس] (¬2) العلوي (¬3): كان ينزل درب خزاعة ويلقب (بالقلوري) بكسر القاف وتشديد اللام المفتوحة، وبعد اللام واو ساكنة ثم راء، العصفري ثقة. وقيل (¬4): كان يلقب بقفور (¬5) وليس نسبًا (¬6) له. وفي رواية أخرى: البلوري. قال: (حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي) مولاهم مقرئ البصرة ثقة. (عن سليمان) بن قرم (بن معاذ) قال الذهبي: ومنهم من يقول: ¬

_ (¬1) رواه الفسوي في "المعرفة والتاريخ" 3/ 362، وابن عدي في "الكامل" 4/ 241، وابن منده في "الرد على الجهمية" (ص 53)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" (661). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (298). (¬2) من (م). (¬3) بعدها في (م): قال. (¬4) من (م). (¬5) في (م): لقبور. (¬6) في الأصول: نسب. ولعل الصواب ما أثبتناه.

سليمان بن معاذ (التميمي) قال أحمد: لا أرى به بأسًا إلا أنه يفرط في التشيع (¬1). قال (¬2) (حدثنا محمد بن المنكدر، عن جابر قال (¬3): قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يسأل بوجه الله إلا الجنة) قال الحليمي: هذا يدل على أن السؤال بالله تعالى يختلف فإن كان يعني يعلم السائل أن المسؤول إذا سأله بالله تعالى اهتز لإعطائه واغتنمه جاز له سؤاله بالله - سبحانه وتعالى -، وإن كان ممن يتلوى به ويتضجر، ولا يأمن أن يرده فحرام عليه أن يسأله بالله تعالى وقرر ذلك، ثم قال: وأما (¬4) المسؤول [ينبغي إذا سئل] (¬5) بوجه الله أن لا يمنع، ولا يرد السائل، وأن يعطيه بطيب نفس، وانشراح صدر لوجه الله تعالى (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 12/ 53. (¬2) من (م). (¬3) من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) في (م): فينبغي أن يسأل. (¬6) "المنهاج في شعب الإيمان" 2/ 361.

39 - باب عطية من سأل بالله

39 - باب عَطِيَّةِ مَنْ سَأَلَ باللهِ 1672 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ اسْتَعاذَ باللهِ فَأَعِيذُوهُ وَمَنْ سَأَلَ باللهِ فَأَعْطُوهُ وَمَنْ دَعاكُمْ فَأَجِيبُوهُ وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا ما تُكافِئُونَهُ فادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كافَأْتُمُوهُ" (¬1). * * * باب عطية من سأل بالله تعالى [1672] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة) قال: (حدثنا جرير، عن الأعمش، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من استعاذ بالله) أي: امتنع واعتصم بالله تعالى من مكروه (فأعيذوه) منه ومن كل سوء بما (¬2) تصل الاستطاعة إليه إكرامًا لمن استعاذ به. (ومن سأل بالله فأعطوه) وروى الطبراني بإسناد رجاله رجال الصحيح إلا شيخه يحيى بن عثمان بن صالح، وهو ثقة (¬3) عن أبي موسى الأشعري أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ملعون من سأل بوجه الله، ملعون من سئل بوجه الله ثم منع سائله ما لم يسأل هجرًا" (¬4) هو بضم الهاء، وإسكان الجيم. أي (¬5): ما لم يسأل أمرًا قبيحًا لا يليق. ويحتمل أن ¬

_ (¬1) رواه النسائي 5/ 82، وأحمد 2/ 68. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1469). (¬2) من (م). (¬3) في (م): تغير. (¬4) "الدعاء" (2112). (¬5) من (م).

يراد: ما لم يسأل سؤالًا قبيحًا بكلام قبيح. (من دعاكم فأجيبوه) تمسك به بعضهم على وجوب الإجابة إلى من دعاه؛ لإطلاق الأمر في قوله (فأجيبوه) سواء كانت إلى وليمة عرس أم لا، وكان عبد الله يأتي الوليمة في العرس وغير العرس وهو صائم، وقطع بعضهم بعدم الإجابة في غير وليمة النكاح، لرواية مسلم: "إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب" (¬1) فإنه يفهم إخراج غيرها، ولهذا - والله أعلم - فرق الشافعي بينهما في الإجابة وعدمها (¬2). (ومن صنع إليكم معروفًا فكافئوه) على معروفه، وهو ما يعرف في الشرع من الخير والرفق والإحسان والبر (فإن لم تجدوا ما تكافئوه) هكذا في النسخ بغير نون. والقاعدة النحوية (تكافئونه) بالنون وحذفها ورد تخفيفًا (به فادعوا له) ومثال (¬3) الدعاء كما رواه الترمذي عن أسامة بن زيد، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من صنع إليه معروف (¬4) فقال لفاعله: جزاك الله خيرًا فقد أبلغ في الثناء". قال الترمذي: حديث حسن صحيح (¬5). (حتى [تروا) أي: تعلموا أو تظنوا. نسخة: أنه قد. الأكثر: أن قد نسخة] (¬6) (أنكم قد كافأتموه) على معروفه في حياته وبعد موته بالدعاء والمال وخدمة النفس والثناء عليه. ¬

_ (¬1) مسلم (1429/ 98). (¬2) "الأم" 6/ 254. (¬3) في (ر): يقال. (¬4) في الأصول: معروفا. والمثبت من "سنن الترمذي". (¬5) "السنن" (2035). (¬6) في (م): تدروا.

40 - باب الرجل يخرج من ماله

40 - باب الرَّجُلِ يَخْرُجُ مِنْ مالِهِ 1673 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسحاقَ، عَنْ عاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصاري قَالَ: كُنّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ جاءَ رَجُلٌ بِمِثْلِ بَيْضَةٍ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ أَصَبْتُ هذِه مِنْ مَعْدِنٍ فَخذْها فَهي صَدَقَةٌ ما أَمْلِكُ غَيْرَها. فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ أَتاهُ مِنْ قِبَلِ رُكْنِهِ الأَيْمَنِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثمَّ أَتاهُ مِنْ قِبَلِ رُكْنِهِ الأَيْسَرِ فَاَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ أَتاهُ مِنْ خَلْفِهِ فَأَخَذَها رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَحَذَفَهُ بِها فَلَوْ أَصابَتْهُ لأَوجَعَتْهُ أَوْ لَعَقَرَتْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَأْتي أَحَدُكُمْ بِما يَمْلِكُ فَيَقُولُ هذِه صَدَقَةٌ ثُمَّ يَقْعُدُ يَسْتَكِفُّ النّاسَ، خَيْرُ الصَّدَقَةِ ما كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى" (¬1). 1674 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا ابن إِدْرِيسَ، عَنِ ابن إِسْحاقَ بإِسْنادِهِ وَمَعْناهُ، زَادَ: "خُذْ عَنّا مالَكَ لا حاجَةَ لَنا بِهِ" (¬2). 1675 - حَدَّثَنا إِسْحاقُ بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ ابن عَجْلانَ، عَنْ عِياضِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدٍ سَمِعَ أَبا سَعِيدٍ الخُدْري يَقُولُ: دَخَلَ رَجُلٌ المَسْجِدَ فَأَمَرَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - النّاسَ أَنْ يَطْرَحُوا ثِيابًا، فَطَرَحُوا فَأَمَرَ لَهُ مِنْها بِثَوْبَيْنِ، ثُمَّ حَثَّ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَجاءَ فَطَرَحَ أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ فَصَاحَ بِهِ وقَالَ: "خُذْ ثَوْبَكَ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه عبد بن حميد (1121)، وابن زنجويه في "الأموال" (2346)، والدارمي (1700)، وأبو يعلى (2220)، وابن خزيمة (2441)، وابن حبان (3372). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (299). (¬2) رواه عبد بن حميد (1121)، وابن زنجويه في "الأموال" (2346)، والدارمي (1700)، وأبو يعلى (2220)، وابن خزيمة (2441)، وابن حبان (3372). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (299). (¬3) رواه النسائي 3/ 106، وأحمد 3/ 25. =

1676 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ خَيْرَ الصَّدَقَةِ ما تَرَكَ غِنًى أَوْ تُصُدِّقَ بِهِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ" (¬1). * * * باب الرجل يخرج من ماله [1673] (حدثنا موسى بن إسماعيل) قال: (حدثنا حماد، عن محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة) بن النعمان الأنصاري (¬2) الظفري. وفد على عمر بن عبد العزيز فقضى دينه، وأمره أن يجلس في مسجد دمشق فيحدث الناس ففعل ثم رجع إلى المدينة. (عن محمود بن لبيد) روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث في [سنن الترمذي والنسائي] (¬3) وهي مراسيل. وعن جابر وعمر (¬4) وعثمان وجماعة. قال [ابن سعد] (¬5): سمع من (¬6) عمر. وقد انقرض عقبه وكان ثقة. (عن جابر بن عبد الله [قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء رجل بمثل بيضة من ذهب)] (¬7) أي: بقطعة من ذهب على قدر البيضة [وشكلها. ¬

_ = وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1470). (¬1) رواه البخاري (1426). ورواه مسلم (1042) مختصرا. (¬2) من (م). (¬3) في (م): فرتبت. (¬4) سقط من (م). (¬5) في (م): أبو سعيد. (¬6) من (م). (¬7) بياض في (م).

(فقال: يا رسول الله، أصبت هذِه من معدن)] (¬1) وفي رواية أصبتها من بعض المعادن. بكسر الدال، وهو المكان الذي تستخرج منه الجواهر كالذهب (¬2) والفضة والحديد والنحاس وغير ذلك، سمي بذلك لعدون ما أثبته الله فيه (¬3). أي: لإقامته. قال الأزهري: وإذا أصاب الرجل قطعة من الذهب في المعادن فهي ندرة (¬4). قال الماوردي: المعادن اسم للمعروف في الأرض كذهب أو فضة (¬5). قال ابن يونس (¬6) في "شرح التعجيز": أحصى العلماء المعادن فوجدوها سبعمائة معدن. (فخذها فهي صدقة لله تعالى ما أملك غيرها، فأعرض عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فيه: التأدب بإعراض الوجه عن المتكلم، وبالسكوت عن جوابه ونحو ذلك (ثم أتاه (¬7) من قبل) أي: جهة (ركنه الأيمن) فيه: دليل على أنه - صلى الله عليه وسلم - أعرض عنه (¬8) أولًا إلى جهة يمينه (¬9) فأتاه من جهتها (¬10)، ¬

_ (¬1) بياض في (م). (¬2) في (م): والذهب. (¬3) في (م): له. (¬4) "الزاهر" ص 110. (¬5) "الحاوي الكبير" 3/ 333. (¬6) في (م): أيوب. (¬7) من (م). (¬8) في (ر): عليه. (¬9) بعدها في (م): ثم. (¬10) في (م): جهة.

وفيه البداءة بأفضل الجهتين وهو اليمين (¬1)، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يعجبه التيمن في شأنه كله (¬2) (فقال مثل ذلك) أي: مثل ما قال أولًا (فأعرض عنه) أي: إلى جهة يسراه (ثم [أتاه من جهة] (¬3) ركنه الأيسر) والركن: الناحية (فأعرض عنه) بالالتفات إلى خلفه. (ثم أتاه من خلفه، فأخذها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وفي رواية ستأتي لغير المصنف: فقال له: هاتها (فحذفه) (¬4) بحاء مهملة يعني: تأديبًا له وزجرًا (فحذفه) ضبطه المنذري بالخاء والذال المعجمتين الرمي بالحصى والحذف بالحاء المهملة] (¬5) الرمي بالعصا ونحوها. وفي رواية: فقال: "خذ (¬6) عنا مالك، لا حاجة لنا به" (¬7). وقد استدل به على أن من لا يصبر على الإضاقة قد (¬8) يكره له التصدق بجميع ماله، وهذا هو الصحيح إن كان يشق عليه الصبر على الإضاقة وإلا فلا يكره، وهذا هو (¬9) الذي صححه الرافعي والنووي (¬10) والغزالي وغيرهم. والثاني (¬11): لا تستحب مطلقًا [بل يكره] (¬12) وهو ظاهر الحديث. ¬

_ (¬1) في (ر): التيمن. (¬2) و (¬3) من (م). (¬4) في (ر): فحذفها. (¬5) من (ر). (¬6) في (م): له. (¬7) ستأتي برقم (1674). (¬8) و (¬9) من (م). (¬10) "المجموع" 6/ 235 - 236. (¬11) في (م): النسائي أي. (¬12) من (م).

والثالث (¬1): يستحب مطلقًا لظاهر حديث أبي بكر - رضي الله عنه - الآتي لما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصدقة أتى أبو بكر بكل ما عنده فقال له: "ما أبقيت لأهلك؟ " قال: أبقيت لهم الله ورسوله (¬2). وعلى الصحيح فهذا محمول على أنه كان يصبر على الإضاقة. (فلو أصابته لأوجعته أو لعقرته) أي: لجرحته، والعقر ها هنا: الجرح ويستعمل أيضًا بمعنى القتل والهلاك (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأتي أحدكم بما يملك) ما الموصولة تقتضي العموم. أي: بجميع ما تملك (فيقول: هذِه صدقة ثم يقعد) أي: عن الحرفة والتكسب (فيتكفف) [رواية يستكف] (¬3) الناس) أي: يتعرض [ويطلب بسؤال] (¬4) الناس وأخذ الصدقة ببطن كفه، أو يسأل كفًّا من الطعام، أو ما يكف (¬5) الجوع. ومنه قوله: "يتكففون الناس". ويحتمل أن (يكون المراد) (¬6): السؤال مع بسط الكف كما يفعل السؤال اليوم، فنبه - صلى الله عليه وسلم - على المعنى الذي كره لأجله أخذ الصدقة منه، وهو أن يجلس يستكفف الناس. (خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى) فيه تأويلان: أحدهما: معناه: أفضل الصدقة ما بقي (¬7) صاحبها بعدها [مستغنيًا بما بقي معه] (¬8) ¬

_ (¬1) في (م): الثاني. (¬2) سيأتي برقم (1678). (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): لسؤال. (¬5) في (ر): يكون. (¬6) في (ر): يراد. (¬7) في (م): أبقى. (¬8) سقط من (م).

وتقديره: أفضل الصدقة ما أبقت بعدها غنى. ويدل عليه ما رواه ابن خزيمة في "صحيحه" عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "خير الصدقة ما أبقت غنى" (¬1) أي: يعتمده صاحبه ويستظهر به على [مصالحه و] (¬2) حوائجه، وإنما كانت هذِه (¬3) أفضل الصدقة؛ لأن من تصدق بالجميع ندم غالبًا، أو قد يندم إذا احتاج، [ويود أنه ما] (¬4) تصدق، بخلاف من بقي بعدها مستغنيًا، فإنه لا يندم على إخراجها بل يسر. والثاني: المراد: ما استغنى بعده عن أداء الواجبات. قال القاضي حسين: معنى "ما كان عن ظهر غنى" أي: ما كان وراء الغنى (¬5). انتهى. والمراد بالغنى ما ترتفع به الحاجات الضرورية كالأكل عند الجوع المشوش الذي لا صبر عليه، وستر العورة عن نظر الغير إليه، فهذا ونحوه مما لا يجوز الإيثار ولا التصدق، بل يحرم على من لا يصبر ويؤدي به ذلك إلى الهلاك. وقيل: لم يشر (¬6) الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى هذِه اللفظة. [1674] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة) قال: (حدثنا) عبد الله (ابن إدريس عن) محمد (ابن إسحاق بإسناده ومعناه) و (زاد) في هذِه الرواية ¬

_ (¬1) "صحيح ابن خزيمة" (2436). (¬2) سقط من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ر): وورد أنه لم. (¬5) انظر "مشارق الأنوار" 1/ 331. (¬6) في (ر): إحدى ثوبيه.

(خذ عنا مالك، لا حاجة لنا به) أي: لاحتياجه إليه. [1675] (حدثنا إسحاق بن إسماعيل) الطالقاني روى عنه أبو يعلى والبغوي ثقة (¬1) قال (حدثنا سفيان (¬2)، عن) محمد (ابن عجلان) القرشي. (عن عياض بن عبد الله بن سعد) بن أبي سرح العامري: أنه (سمع أبا سعيد الخدري - رضي الله عنه - يقول: دخل رجل المسجد، وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس أن يطرحوا ثيابًا، فطرحوا) ثيابًا للصدقة. وفيه: حث العالم والكبير على كسوة العاري وإطعام الجائع عند الاحتياج إليه يحتمل والله أعلم - أن السبب الموجب لأمرهم بطرح الثياب ما رأى على الفقير من رثاثة حاله وهيئته. (فأمر له منها بثوبين) فيه: فضيلة الصدقة بصنفين كدرهمين (¬3) أو فلسين أو نحوهما، كما في الحديث: "من أنفق زوجين في سبيل الله دعي من باب الصلاة" (¬4). (ثم حث (¬5) على الصدقة. فجاء الرجل فطرح [أحد الثوبين]) (¬6) اللذين أمر له بهما (فصاح به وقال: خذ ثوبك) فيه: أن مراعاة حق الآدمي أولى، وأن الإيثار لا يكون إلا بما فضل عن حاجته وحاجة أهله كما تقدم. ¬

_ (¬1) "الكاشف" للذهبي 1/ 108. (¬2) و (¬3) من (م). (¬4) رواه البخاري (1897)، ومسلم (1027) بلفظ: "من أنفق زوجين في سبيل الله، نودي من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة". (¬5) من (م). (¬6) في (م): إحدى الثوبين.

[1676] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة) قال (حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي صالح) السمان (عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن خير الصدقة ما ترك) بفتحتين. أي: أبقى بعده (غنى) أي: يعتمد عليه صاحبه ويستظهر به على حوائجه، كما تقدم. (أو) قال: إن خير الصدقة ما (تصدق) بضم التاء والصاد، وكسر الدال المشددة. أتى (به عن ظهر غنى) [كما تقدم] (¬1). [وابدأ بمن تعول)] (¬2) أي: يبدأ بمن يلزمه كفايته من عياله، ثم بعد ذلك يدفع الصدقة لغيرهم؛ لأن القيام بكفاية العيال واجب عليه، والصدقة على الغير مندوب إليها، ولا يدخل في ذلك ترفه العيال وتشهيتهم وإطعامهم لذائذ الأطعمة بما زاد على كفايتهم من الترفه أولى؛ لأن من لم تندفع حاجته أولى بالصدقة ممن اندفعت حاجته في مقصود الشرع. ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) سقط من (م).

41 - باب في الرخصة في ذلك

41 - باب في الرُّخْصَةِ في ذَلِكَ 1677 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَيَزِيدُ بْنُ خالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ الرَّمْلي قالا: حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: يا رَسُولَ اللهِ أي الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "جَهْدُ المُقِلِّ وابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ" (¬1). 1678 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ وَعُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ - وهذا حَدِيثُهُ - قالا: حَدَّثَنا الفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - يَقُولُ أَمَرَنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا أَنْ نَتَصَدَّقَ فَوافَقَ ذَلِكَ مالًا عِنْدي فَقُلْتُ: اليَوْمَ أَسْبِقُ أَبا بَكْرِ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا فَجِئْتُ بِنِصْفِ مالي فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ما أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟ ". قُلْتُ: مِثْلَهُ. قَالَ: وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - بِكلِّ ما عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ما أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟ ". قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللهَ وَرَسُولَهُ. قُلْتُ: لا أُسابِقُكَ إِلَى شَيء أَبَدًا (¬2). * * * باب الرخصة في ذلك أي: في الإيثار لما يحتاج إليه. [1677] (حدثنا قتيبة [بن سعيد] (¬3) و (¬4) يزيد بن خالد) بن يزيد [بن ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 358، وابن زنجويه في "الأموال" (1334)، وابن خزيمة (2444)، وابن حبان (3346)، والحاكم 1/ 413. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1472). (¬2) رواه الترمذي (3675)، والدارمي (1701). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1473). (¬3) ساقطة من (م). (¬4) في (م): عن.

عبد الله] (¬1) (بن موهب) بفتح الميم والهاء، (الرملي) الزاهد الثقة (قالا: حدثنا الليث (¬2)، عن أبي الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس أحد التابعين. (عن يحيى بن جعدة) بن هبيرة المخزومي، ثقة (عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: يا رسول الله، أي الصدقة أفضل؟ قال: جهد) بضم الجيم [لغة الحجاز، وبالفتح لغة غيرهم، ومن فرق قال: المضمومة بالطاقة؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} (¬3) وبالفتح المشقة؛ لقوله: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} (¬4)] (¬5) أي: أقصى ما يقدر عليه. (المقل) يعني: من المال. لا شك أن الصدقة بالشيء مع شدة الحاجة إليه والشهوة له أفضل من صدقة الغني، وذلك بشرط أن لا يضر ذلك بدينه من ضعفه عن القيام في الصلاة، وكشف عورته وغير ذلك. [1678] (حدثنا أحمد بن صالح وعثمان بن أبي شيبة، وهذا حديثه، قالا: حدثنا الفضل بن دكين) مصغر (¬6) قال: (حدثنا هشام بن سعد) صدوق، من رجال مسلم. قال أحمد: [لم يكن] (¬7) بالحافظ (¬8) (عن زيد بن أسلم) الفقيه العمري. قال أبو حازم الأعرج: لا يريني الله يوم زيد (¬9). ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (ر): سعيد. (¬3) التوبة: 79. (¬4) الأنعام: 109، النحل: 38، النور: 53، فاطر: 42. (¬5) سقط من (م). (¬6) من (م). (¬7) بياض في (ر). (¬8) انظر: "الجرح والتعديل" 9/ 61 (241). (¬9) انظر: "تهذيب الكمال" 10/ 16.

(عن أبيه) أسلم مولى عمر بن الخطاب (قال: سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نتصدق، فوافق ذلك مالًا عندي) من سعادة المرء إذا قدم عليه ضيف أو رأى محتاجًا [أو نحو ذلك] (¬1) أن يكون عنده مال ينفق منه. (فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يومًا، فجئت بنصف مالي فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما أبقيت لأهلك؟ (¬2) قلت) أبقيت لهم مالًا (¬3) (مثله. قال: وأتى أبو بكر - رضي الله عنه - بكل ماله) فيه: المسابقة إلى الأعمال الصالحة من صدقة، وقرى ضيف، وطعمة محتاج، وكسوة عارٍ، وتجهيز ميت، ونحو ذلك. والاستباق في اللغة بين اثنين يجتهد كل واحد منهما أن يسبق صاحبه كقوله تعالى: {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ} (¬4) يعني: يوسف وصاحبته تبادرا إلى الباب، فإن سبقها يوسف فتح الباب وخرج، وإن سبقت هي أغلقت الباب؛ لئلا يخرج يوسف. (قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما أبقيت لأهلك؟ ) هذا السؤال ليظهر فضيلة أبي بكر - رضي الله عنه - للحاضرين ولغيرهم. (قال: الله ورسوله) بنصبهما أي: أبقيت الله ورسوله (قلت: لا أسابقك إلى شيء أبدًا) صححه الترمذي والحاكم. وقواه البزار (¬5). ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) و (¬3) من (م). (¬4) يوسف: 25. (¬5) "سنن الترمذي" (3675)، "المستدرك" 1/ 414، "البحر الزخار" 1/ 394 (370).

فيه دليل على أن من كانت [له عائلة] (¬1) لا يحتاجون [في يومهم] (¬2) وليلتهم إلى الطعام فيستحب له التصدق بجميع ماله إذا كانت حاجة العيال غير ناجزة. ووجه الدلالة من الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينكر على أبي بكر ذلك؛ بل مدحه لما علم من صحة يقينه (¬3) وقوة صبره، ولم يخف عليه الفتنة، ولا أن يتكفف الناس كما خافها على الذي رد عليه الذهب في الحديث قبله. ففيه دلالة على أنه لا يعتبر في حق العيال التصبر على الضيق ولا عدمه في هذِه الحالة، وهي حالة غناهم في يومهم وليلتهم، وإنما الاعتبار بالتصدق نفسه. ¬

_ (¬1) في (ر): عياله. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (ر): نفسه.

42 - باب في فضل سقى الماء

42 - باب في فَضْلِ سَقْى الماءِ 1679 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا هَمّامٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ سَعِيدٍ أَنَّ سَعْدًا أَتَى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: أي الصَّدَقَةِ أَعْجَبُ إِلَيْكَ؟ قَالَ: "الماءُ" (¬1). 1680 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ والحَسَنِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبادَةَ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَهُ (¬2). 1681 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا إِسْرائِيلُ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبادَةَ أَنَّهُ قَالَ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أُمَّ سَعْدٍ ماتَتْ فَأي الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "الماءُ". قَالَ: فَحَفَرَ بِئْرًا وقَالَ: هذِه لأُمِّ سَعْدٍ (¬3). 1682 - حَدَّثَنا عَلي بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ إِبْراهِيمَ بْنِ إِشْكابَ، حَدَّثَنا أَبُو بَدْرٍ، حَدَّثَنا أَبُو خالِدٍ - الذي كَانَ يَنْزِلُ في بَني دالانَ - عَنْ نُبَيحٍ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَيُّما مُسْلِمٍ كَسا مُسْلِمًا ثَوْبًا عَلَى عُري كَساهُ الله مِنْ خُضْرِ الجَنَّةِ، وَأَيُّما مُسْلِمٍ أَطْعَمَ مُسْلِمًا عَلَى جُوعٍ أَطْعَمَهُ الله مِنْ ثِمارِ الجَنَّةِ، وَأَيُّما مُسْلِمٍ سَقَى مُسْلِمًا عَلَى ظَمَإٍ سَقاهُ اللهُ مِنَ الرَّحِيقٍ المَخْتُومِ" (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه النسائي 6/ 254، وابن ماجه (3684). وصححه لغيره الألباني في "صحيح أبي داود" (1474). (¬2) رواه النسائي 6/ 255. وحسنه لغيره الألباني في "صحيح أبي داود" (1474). (¬3) رواه ابن قانع في "معجم الصحابة" 1/ 248. وحسنه لغيره الألباني في "صحيح أبي داود" (1474). (¬4) رواه الترمذي (2449)، وأحمد 3/ 13. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (4554).

باب فضل سقي الماء [1679] (حدثنا محمد بن كثير) قال: (حدثنا همام، عن قتادة، عن سعيد) بن المسيب (أن سعدًا) يعني: ابن عبادة [(أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -] (¬1) فقال: أي الصدقة أعجب إليك؟ ) لفظ رواية ابن حبان في "صحيحه" (¬2): قلت: يا رسول الله: أي الصدقة أفضل؟ (فقال): سقي (الماء) للعطشان أعجب إليَّ. [1680] (حدثنا محمد بن عبد الرحيم) بن أبي زهير العدوي مولى عمر بن الخطاب، أبو يحيى البزار زين يعرف بصاعقة، سمي (¬3) بذلك؛ لأنه كان جيد الحفظ، روى له (¬4) البخاري قال (أخبرني محمد بن عرعرة) بن البريد - بكسر الباء الموحدة والراء وسكون النون - الشامي، روى له الشيخان. (عن شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب والحسن) البصري (عن سعد بن عبادة) قال المنذري (¬5): هو منقطع الإسناد عند الكل. فإنهم رووه - يعني: أبا داود وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان - كلهم عن سعيد بن المسيب، عن سعد، ولم يدرك سعدًا، فإن سعدًا توفي بالشام سنة خمس ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) (3348). (¬3) في (م): يعرف. (¬4) في (م): عنه. (¬5) "الترغيب والترهيب" 2/ 196.

عشرة، وقيل: سنة أربع عشرة، ومولد سعيد بن المسيب كان سنة خمس عشرة. رواية الحسن البصري عن سعد منقطعة قال: الحسن لم يدركه أيضًا. فإن مولد الحسن سنة إحدى وعشرين. (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه) كما تقدم. [1681] (حدثنا محمد بن كثير) قال: (أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق) السبيعي ([عن رجل، عن سعد بن عبادة قال: يا رسول الله إن أم سعد ماتت فأي الصدقة أفضل؟ قال: الماء. فحفر بئرًا] (¬1) وقال: هذِه لأم سعد) عمرة بنت مسعود بن قيس. [1682] (حدثنا علي بن الحسين بن إبراهيم بن إشكاب) العامري وثقه النسائي (¬2). قال: (حدثنا أبو بدر) شجاع بن الوليد السكوني، قال: (حدثنا أبو خالد) الدالاني (الذي كان ينزل في بئر دالان) [لأنه بطن من همدان] (¬3) واسمه زيد (¬4) بن عبد الرحمن أثنى عليه غير واحد. (عن نبيح) بضم النون وفتح الباء الموحدة مصغر وآخره حاء مهملة، العنزي الكوفي ثقة (¬5). (عن أبي سعيد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أيما مسلم كسا مسلمًا ثوبًا على ¬

_ (¬1) في (ر): عن سعد بن عبادة عن رجل. (¬2) انظر: "المعجم المشتمل" (623)، "تهذيب الكمال" 20/ 381. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): يزيد. (¬5) "الكاشف" للذهبي 3/ 198.

عري كساه الله من خضر) بضم الخاء وإسكان الضاد المعجمتين، جمع أخضر، أي: من الثياب الخضر التي في (الجنة) ورواية الترمذي: "كساه الله يوم القيامة من حلل الجنة" (¬1). (وأيما مسلم أطعم مسلمًا على جوع أطعمه الله [من ثمار الجنة]) يوم القيامة. (وأيما مسلم سقى مسلفا على ظمأ) أي: عطش (سقاه الله تعالى من الرحيق المختوم) اسم من أسماء الخمر - قاله ابن عباس وغيره (¬2) - أي: يسقون من خمر الجنة الذي ختم عليه بمسك تنظفًا. ¬

_ (¬1) لم أقف على هذا اللفظ عند الترمذي، ولفظه عنده (2449) كلفظ المصنف. (¬2) رواه الطبراني في "تفسيره" 30/ 105 - 106 من حديث ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وابن زيد، والحسن، وابن مسعود، بنحوه.

43 - باب في المنيحة

43 - باب في المَنِيحَةِ 1683 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنا إِسْرائِيلُ ح وَحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عِيسَى - وهذا حَدِيثُ مُسَدَّدٍ وَهُوَ أَتَمُّ -، عَنِ الأَوْزاعي، عَنْ حَسّانَ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبي كَبْشَةَ السَّلُولي قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَرْبَعُونَ خَصْلَةً أَعْلاهُنَّ مَنِيحَةُ العَنْزِ ما يَعْمَلُ رَجُلٌ بِخَصْلَةٍ مِنْها رَجاءَ ثَوابِها وَتَصْدِيقَ مَوْعُودِها إلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ بِها الجَنَّةَ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: في حَدِيثِ مُسَدَّدٍ قَالَ حَسّانُ: فَعَدَدْنا ما دُونَ مَنِيحَةِ العَنْزِ مِنْ رَدِّ السَّلامِ وَتَشْمِيتِ العاطِسِ وَإِماطَةِ الأَذى عَنِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ فَما اسْتَطَعْنا أَنْ نَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً (¬1). * * * باب في المنيحة [1683] (حدثنا إبراهيم بن موسى) (¬2) الرازي الحافظ، روى له الشيخان (قال: أخبرنا إسرائيل وحدثنا مسدد) قال (¬3) (حدثنا عيسى) بن يونس السبيعي (وهذا حديث (¬4) مسدد، وهو أتم، عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية) [بن بكر المحاربي (عن أبي كبشة) اسمه كنيته (السلولي) بفتح السين المهملة وضم اللام. (قال: سمعت] (¬5) عبد الله بن عمرو) بن العاص - رضي الله عنه - (يقول: قال ¬

_ (¬1) رواه الطبري في "تفسيره" 30/ 105 - 106. (¬2) بياض في (م). (¬3) و (¬4) من (م). (¬5) في (ر): أبي.

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أربعون خصلة) بفتح الخاء (أعلاهن منيحة) بفتح الميم (¬1) وبعد النون ياء مثناة تحت، هي العطية يعطاها الإنسان مدة لينتفع بمنافعها [ثم يردها] (¬2) إليه، ويكون في الحيوان وفي الثمار وغيرها. وفي الحديث منح النبي - صلى الله عليه وسلم - أم أيمن عذاقًا. أي: نخيلًا. وقد تكون المنيحة عطية الرقبة، وهي الهبة. (العنز) بفتح العين المهملة بعدها نون ساكنة وزاي، هي الماعزة. وهي: الأنثى من الماعز [وكذلك العنز من الظباء] (¬3) (ما يعمل رجل بخصلة منها رجاء) ممدود (¬4) منصوب على أنه مفعول له (¬5) (ثوابها وتصديق) منصوب (¬6) أيضًا (موعودها) الذي وعده الله ورسوله (إلا أدخله الله بها الجنة). ([قال أبو داود] (¬7) في حديث مسدد قال حسان) بن عطية المحاربي شيخ الأوزاعي (فعددنا ما دون منيحة العنز من رد السلام، وتشميت) بالشين المعجمة والمهملة (العاطس، وإماطة الأذى عن الطريق) ولأحمد والترمذي وصححه من حديث البراء: "من منح منحة ورق أو منحة لبن أو هدى زقاقًا (¬8) فهو كعتاق نسمة" (¬9). ¬

_ (¬1) في (ر): النون. (¬2) بياض في (ر). (¬3) و (¬4) سقط من (ر). (¬5) في (م): به. (¬6) سقط من (ر). (¬7) في (م): و. (¬8) في (م): دقاقا. (¬9) "سنن الترمذي" (1957)، و"مسند أحمد" 4/ 285 مرفوعا.

وروى ابن عدي من حديث ابن (¬1) عمر وضعفه: "إن أفضل العمل عند الله أن يقضي عن مسلم دينه، أو يدخل عليه سرورًا، أو يطعمه خبزًا" (¬2). (فما استطعنا أن نبلغ (¬3) خمس عشرة خصلة) بفتح الخاء. ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "الكامل" 4/ 504 مرفوعا. (¬3) في (م): نعد.

44 - باب أجر الخازن

44 - باب أَجْرِ الخازِنِ 1684 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ - المَعْنَى - قالا: حَدَّثَنا أَبُو أُسامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي بُرْدَةَ، عن أبي بردة، عَنْ أَبي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الخازِنَ الأَمِينَ الذي يُعْطي ما أُمِرَ بِهِ كامِلًا مُوَفَّرًا طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ حَتَّى يَدْفَعَهُ إِلَى الذي أُمِرَ لَهُ بِهِ أَحَدُ المُتَصَدِّقَيْنِ" (¬1). * * * باب أجر الخازن [1684] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء - المعنى (¬2) - قالا: حدثنا أبو أسامة) واسمه (¬3) حماد. (عن بريد) بضم الموحدة ([ابن عبد الله بن أبي بردة] (¬4) , عن) جده (أبي بردة) عامر (عن أبي موسى) [الأشعري - رضي الله عنه -] (¬5). (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الخازن الأمين الذي يعطي ما أمر به كاملًا موفرًا طيبة به) هذِه الأوصاف لا بد من اعتبارها في تحصيل أجر الصدقة للخازن، [فإن لم يكن] (¬6) مسلمًا لم يصح منه نية التقرب، وإن لم يكن أمينًا كان عليه (¬7) وزر الخيانة، فكيف يحصل له أجر الصدقة، وإن لم [تطب بذلك نفسه] (¬8) فلم تكن له نية، فلا تؤجر (نفسه حتى ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1438)، ومسلم (1023). (¬2) و (¬3) و (¬4) و (¬5) من (م). (¬6) في (م): فإنه إن لم. (¬7) سقط من (م). (¬8) في (ر): يطب بذلك نفسا.

يدفعه إلى الذي أمر له (¬1) به) بالرفع (¬2)، ويدخل فيه المنفق (¬3) على عيال صاحب النفقة من وكيل وعبد وامرأة وغلام، ومن يقوم على طعمة الضيفان المأذون له بالتصريح أو العرف. (أحد المتصدقين) قال القرطبي: لم نروه إلا بالتثنية. ومعناه: أن (¬4) الخازن بما فعل متصدق، وصاحب المال متصدق (¬5) آخر، فهما متصدقان. قال: ويصح أن يقال على الجمع فتكسر القاف ويكون معناه: إنه متصدق من جملة المتصدقين (¬6). ¬

_ (¬1) و (¬2) من (م). (¬3) غير مقروءة في (م)، وفي (ر): المتحرر. ولعل المثبت الصواب. (¬4) من (م). (¬5) سقط من (م). (¬6) "المفهم" 3/ 68.

45 - باب المرأة تتصدق من بيت زوجها

45 - باب المَرْأَةِ تَتَصَدَّقُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِها 1685 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَنْفَقَتِ المَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِها غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَها أَجْرُ ما أَنْفَقَتْ وَلِزَوْجِها أَجْرُ ما اكْتَسَبَ وَلِخازِنِهِ مِثْلُ ذَلِكَ لا يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ أَجْرَ بَعْضٍ" (¬1). 1686 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سَوّارٍ المِصْري، حَدَّثَنا عَبْدُ السَّلامِ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ زِيادِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ سَعْدٍ قَالَ: لَمّا بايَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - النِّساءَ قامَتِ امْرَأَةٌ جَلِيلَةٌ كَأَنَّها مِنْ نِساءِ مُضَرَ فَقَالَتْ يا نَبي اللهِ إِنّا كَلٌّ عَلَى آبائِنا وَأَبْنائِنا - قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَأرى فِيهِ وَأَزْواجِنا - فَما يَحِلُّ لَنا مِنْ أَمْوالِهِمْ؟ فَقَالَ: "الرَّطْبُ تَأْكُلْنَهُ وَتُهْدِينَهُ" (¬2). قَالَ أَبُو دَاوُدَ: الرَّطْبُ: الخُبْزُ والبَقْلُ والرُّطَبُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذا رَواة الثَّوْري عَنْ يُونُسَ. 1687 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلي حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا أَنْفَقَتِ المَرْأَةُ مِنْ كَسْبِ زَوْجِها مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَلَها نِصْفُ أَجْرِهِ" (¬3). 1688 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سَوّارٍ المِصْري، حَدَّثَنا عَبْدَةُ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ، عَنْ عَطاءٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ في المَرْأَةِ تَصَدَّقُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِها، قَالَ: لا، إلَّا مِنْ قُوتِها، والأجْرُ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1425)، ومسلم (1024). (¬2) رواه ابن سعد 8/ 10، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (22520)، وعبد بن حميد (147)، وابن أبي الدنيا في "العيال" (519) والحاكم 4/ 134. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (301). (¬3) رواه البخاري (2066)، ومسلم (1026).

بَيْنَهُما وَلا يَحِلُّ لَها أَنْ تَصَدَّقَ مِنْ مالِ زَوْجِها إلَّا بِإِذْنِهِ (¬1). قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هذا يُضَعِّفُ حَدِيثَ هَمّامٍ. * * * باب المرأة تتصدق من مال (¬2) زوجها [1685] (حدثنا مسدد) قال: (حدثنا أبو عوانة) الوضاح ([عن منصور] (¬3) عن شقيق، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا أنفقت المرأة من بيت (¬4) زوجها غير) بالنصب أي: في حال كونها غير مفسدة طالبة فساد مال زوجها بأن تعطي كثيرًا (¬5) لم تجر العادة ولا العرف بمثله، والمراد: أن تعطي من بيته قدرًا يسيرًا يعلم رضا المالك به في العادة (كان لها أجر ما أنفقت) [فيه حذف مضاف، أي: مثل ما أنفقت من مال زوجها] (¬6) أي: بما أخرجت من بيتها فلها أجر [عملها، نسخة: أجر ما أنفقت] (¬7). (ولزوجها أجر ما اكتسب) من المال (ولخازنه) أي: العامل على ماله، وأصله الذي يضع المال في الخزانة (مثل ذلك لا ينقص) بفتح الياء، كما قال تعالى: {لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا} (¬8) أي: لا ينقص ما أخذه (بعضهم أجر) بالنصب (بعض) بل يعطي الله تعالى كل واحد ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق (7273)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (22516). وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (939). (¬2) زاد في (ر): بيت. (¬3) و (¬4) سقط من (م). (¬5) زاد بعدها في (ر): بأن. (¬6) و (¬7) سقط من (م). (¬8) التوبة: 4.

منهم (¬1) أجره كاملًا فللمالك أجره الكامل على قدر ماله الذي اكتسبه وللمرأة والخازن على قدر عملهما. [1686] (حدثنا محمد بن سوار) بفتح السين المهملة (¬2) وتشديد الواو، الأزدي (المصري) بكسر الميم قال أبو حاتم: صدوق (¬3). قال: (حدثنا عبد السلام بن حرب) النهدي الملائي. ([عن يونس بن عبيد) بالتصغير أحد أئمة البصرة العاملين. (عن زياد بن جبير بن حية) بفتح المهملة وتشديد المثناة تحت] (¬4) الثقفي ثقة (¬5) تابعي جليل. (عن سعد) بن أبي وقاص - رضي الله عنه - (قال: لما بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النساء) يوم الفتح حين نزلت: {فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ} (¬6) (قامت امرأة جليلة) أي: في قومها، ولعلها هند بنت عتبة التي شقت بطن (¬7) حمزة، وكانت تنكرت في النساء خوفًا أن يعرفها، ولما سكت النساء، وأبين أن يتكلمن، قالت وهي متنكرة: كيف تقبل من النساء شيئًا لم تقبله من الرجال؟ ففطن لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعرفها (¬8) رسول الله فدعاها فعادته (¬9) فقال: "أنت (¬10) هند". فقالت: عفا الله عما سلف. ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) سقط من (م). (¬3) "الجرح والتعديل" 7/ 284. (¬4) سقط من (م). (¬5) انظر: "تاريخ بن معين" برواية الدرامي ترجمة 337. (¬6) الممتحنة: 12. (¬7) و (¬8) من (م). (¬9) في (ر): فعادت به. والمثبت من (م). (¬10) في (ر): أين. والمثبت من (م).

(كأنها من نساء مضر) بضم الميم وفتح الضاد (¬1) المعجمة، قبيلة، وفي بعضها: نساء مصر. بكسر الميم وسكون الصاد (¬2) المهملة (فقالت: يا رسول الله، إنا) بكسر الهمزة وتشديد النون. (كَلّ) بفتح الكاف وتشديد اللام، يطلق على الواحد والجمع، والذكر والأنثى قال الله تعالى: {وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ} (¬3) وأصله الثقل، وكل من لا يقدر على شيء فهو كلٌّ كاليتيم. (على آبائنا) إذا كنا صغارًا (وأبنائنا) إذا كنا كبارًا، وأزواجنا إذا تزوجنا بهم (¬4) (فما يحل لنا من أموالهم؟ قال: يحل لكم الرطب) بفتح الراء وسكون الطاء، وهو الذي لم يجف. قال الخطابي: خص الرطب من الطعام؛ لأن خطبه أيسر، والفساد إليه أسرع إذا ترك فسد إذا (¬5) لم يؤكل، وربما عفن وتلف فلم ينتفع به، ويصير إلى أن يتلف (¬6) ويرمى. وفي معناه: الأطعمة التي يتسارع إليها الفساد بخلاف اليابس فإنه يدخر ويخزن، فلم يأذن لهم الشارع في استهلاكه (¬7) (تأكلنه وتهدينه) (¬8) بضم أوله، فيه: دليل على جواز إهداء ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) سقط من (م). (¬3) النحل: 76. (¬4) في (م): تزوجناهن. (¬5) في (م): وإن. (¬6) في (م)، "معالم السنن": يلقى. (¬7) "معالم السنن" للخطابي الملحق بـ "مختصر سنن أبي داود" للمنذري 2/ 257. (¬8) بياض في (م).

المرأة ما يتسارع إليه الفساد على مقدار ما يتسامح به في العادة إلى الجيران والأقارب بالإذن الصريح، أو المفهوم من اطراد العرف. (قال أبو داود: الرطب) بإسكان الطاء، مثل (الخبز) [بضم الخاء] (¬1) (والبقل والرطب) بضم الراء وفتح الطاء. (قال أبو داود: أرى فيه) أي: في حديث هذِه الرواية (وأزواجنا) (قال أبو داود: وكذا رواه الثوري، عن يونس بن عبيد) وفي رواية لأحمد: فكان فيما بايعهن "ولا تغششن أزواجكن" فسألته امرأة: وما غش أزواجنا؟ قال: "تأخذ ماله فتحابي به غيره" (¬2). [1687] (حدثنا الحسن بن علي) قال: (حدثنا عبد الرزاق) قال: (أخبرنا معمر، عن همام بن منبه قال: سمعت أبا هريرة - رضي الله عنه - يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا أنفقت المرأة من كسب (¬3) زوجها من غير أمره) الصريح في ذلك القدر المعين، ويكون معها إذن عام (¬4) سابق يتأول (¬5) لهذا القدر وغيره أو بالعرف القائم مقام الإذن (فلها نصف أجره) ولا بد من هذا التأويل ليكون لها نصف الأجر، فأما إذا أنفقت من غير إذن صريح ولا هو معروف بالعرف فلا أجر لها بل عليها وزر، فيتعين تأويله. [1688] (حدثنا محمد بن سوار المصري) (¬6) قال: (حدثنا عبدة) بن ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "المسند" 6/ 379. (¬3) في (ر): كيس. (¬4) في (ر): علم. (¬5) في (ر): يتناول. (¬6) من (م).

سليمان الكلابي (عن عبد الملك) بن عبد العزيز المكي أحد الأعلام (عن عطاء، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - في المرأة تصدق) بتشديد الصاد وأصله: تتصدق ثم حذفت إحداهما (من بيت زوجها قال: لا، إلا من قوتها) بإسكان الواو والمراد - والله أعلم -: أنها تنفق مما عينه الزوج لها من القوت الذي عوضه لها عن استمتاعه بها، فإذا تصدقت منه كان لها أجر ما تصدقت به (¬1) منه، وله أجر على اكتسابه ومساعدته لها (¬2) على الصدقة بتوسعته عليها، والأجر بينهما، ولم يقل هنا: نصفين؛ لأن أحدهما (¬3) أكثر منه هنا. (ولا يحل لها أن تتصدق من مال زوجها) أي: الذي في غير بيتها من (¬4) الدراهم التي في بيته فإنها غير رطبة (إلا بإذنه) الصريح في الصدقة ونحوها بشرط أن يكون معلومًا. (قال أبو داود: وهذا) الحديث المذكور في هذا السند (يضعف حديث همام) بن منبه المتقدم، أي: لما بينهما من المعارضة، إلا أن يؤول أحدهما بأن يحمل حديث همام على ما إذا تصدقت باليسير الذي يتسامح به في العرف ويحمل هذا على ما إذا تصدقت بالكثير الذي لم تجر العادة بمثله. ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (ر): له. (¬3) في (ر): أجرها. (¬4) في (ر): و.

46 - باب في صلة الرحم

46 - باب في صِلَةِ الرَّحِمِ 1689 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ ثابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمّا نَزَلَتْ {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يا رَسُولَ اللهِ أَرى رَبَّنا يَسْأَلُنا مِنْ أَمْوالِنا، فَإِنّي أُشْهِدُكَ أَنّي قَدْ جَعَلْتُ أَرْضي بِأَرِيحاءَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اجْعَلْها في قَرابَتِكَ". فَقَسَمَها بَيْنَ حَسّانَ بْنِ ثابِتٍ وَأُبَي بْنِ كَعْبٍ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: بَلَغَني، عَنِ الأَنْصاري مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: زَيْدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ الأَسْوَدِ ابْنِ حَرامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَناةَ بْنِ عَدي بْنِ عَمْرِو بْنِ مالِكِ بْنِ النَّجّارِ، وَحَسّانُ بْنُ ثابِتِ بْنِ المُنْذِرِ بْنِ حَرامٍ يَجْتَمِعانِ إِلَى حَرامٍ وَهُوَ الأَبُ الثّالِثُ، وَأُبَي بْنُ كَعْبِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَتِيكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مُعاوَيةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مالِكِ بْنِ النَّجّارِ فَعَمْرٌو يَجْمَعُ حَسّانَ وَأَبا طَلْحَةَ وَأُبَيًّا. قَالَ الأَنْصاري بَيْنَ أُبَي وَأَبي طَلْحَةَ سِتَّةُ آباءٍ (¬1). 1690 - حَدَّثَنا هَنّادُ بْنُ السَّري عَنْ عَبْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ يَسارٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: كَانَتْ لي جارِيَةٌ فَأَعْتَقْتُها فَدَخَلَ عَلي النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: "آجَرَكِ اللهُ أَما إِنَّكِ لَوْ كُنْتِ أَعْطَيْتِها أَخْوالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لأَجْرِكِ" (¬2). 1691 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلانَ، عَنِ المَقْبُري عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَمَرَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بالصَّدَقَةِ فَقَالَ رَجُلٌ: يا رَسُولَ اللهِ عِنْدي دِينارٌ. فَقَالَ: "تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ". قَالَ: عِنْدي آخَرُ. قَالَ: "تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِكَ". قَالَ عِنْدي آخَرُ. قَالَ: "تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجَتِكَ". أَوْ قَالَ: "زَوْجِكَ". قَالَ عِنْدي آخَرُ. قَالَ: "تَصَدَّقْ بهِ عَلَى خادِمِكَ". قَالَ عِنْدي آخَرُ. قَالَ: "أَنْتَ أَبْصَرُ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (998). (¬2) رواه البخاري (2592)، ومسلم (999). (¬3) رواه النسائي 5/ 62، وأحمد 2/ 251. وحسنه الألباني في "الإرواء" (895).

1692 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، حَدَّثَنا أَبُو إِسْحاقَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جابِرٍ الخَيْواني، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كَفَى بِالمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ" (¬1). 1693 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ وَيَعْقُوبُ بْنُ كَعْبٍ - وهذا حَدِيثُهُ - قالا: حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَني يُونُسُ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ في رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ في أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" (¬2). 1694 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ قالا: حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "قَالَ اللهُ: أَنا الرَّحْمَنُ، وَهي الرَّحِمُ، شَقَقْتُ لَها اسْمًا مِنَ اسْمي، مَنْ وَصَلَها وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَها بَتَتُّهُ" (¬3). 1695 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُتَوَكِّلِ العَسْقَلاني حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْري، حَدَّثَني أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ الرَّدّادَ اللَّيْثي أَخْبَرَهُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَعْناهُ (¬4). 1696 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ يَبْلُغُ بِهِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قاطِعُ رَحِمٍ" (¬5). 1697 - حَدَّثَنا ابن كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنِ الأَعْمَشِ والحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو وَفِطْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو - قَالَ سُفْيانُ: وَلَمْ يَرْفَعْهُ سُلَيْمانُ إِلَى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) رواه مسلم (996) بنحوه. (¬2) رواه البخاري (2067)، ومسلم (2557). (¬3) رواه الترمذي (1907)، وأحمد 1/ 191. وصححه الألباني في "الصحيحة" (520). (¬4) رواه الترمذي (1907)، وأحمد 1/ 191. وصححه الألباني في "الصحيحة" (520). (¬5) رواه البخاري (5984)، ومسلم (2556).

وَرَفَعَهُ فِطْرٌ والحَسَنُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ الواصِلُ بِالمُكافِئِ، ولكن الواصِلَ هُوَ الذي إِذا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَها" (¬1). * * * باب في صلة الرحم [1689] (حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد، عن ثابت، عن أنس - رضي الله عنه - قال: لما نزلت هذِه الآية) (¬2): {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ} أي: ثواب البر ({حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا}) (من) الداخلة على (ما) للتبعيض بدليل قراءة عبد الله: (حتى تنفقوا بعض ما تحبون) (¬3) والظاهر أن المحبة هنا هو (¬4) ميل النفس وتعلقها التعلق التام بالمنفق، فيكون إخراجه على النفس أشق وأصعب من إخراج ما لا تتعلق إليه النفس ذلك التعلق. ولذلك فسره الحسن والضحاك (¬5) بأنه: تحبون المال. كقوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} (¬6) ويدل على هذِه رواية الصحيحين (¬7)، لأن عمر قال: يا رسول الله، لم أصب مالًا قط هو أنفس عندي من سهمي الذي هو بخيبر. ورواية البزار من رواية حمزة بن عبد الله بن عمر: قال عبد الله: حضرتني هذِه الآية: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} فذكرت ما ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5991). (¬2) من (م). (¬3) انظر: "البرهان في علوم القرآن" 4/ 416. (¬4) من (م). (¬5) "تفسير الطبري" 3/ 347. (¬6) الإنسان: 8. (¬7) البخاري (2737)، مسلم (1632/ 15).

أعطاني الله، فلم أجد شيئًا أحب إلي من جارية رومية فقلت: هي (¬1) حرة لوجه الله تعالى، فلو أني أعود في شيء جعلته لله لنكحتها. يعني (¬2): تزوجتها (¬3). (قال أبو طلحة) زيد بن سهل الأنصاري (يا رسول الله، أرى ربنا يسألنا من أموالنا) إن ما مدحه الله أو رسوله أو أثنى عليه أو ذكر له ثوابًا أو وصفه بالمحبة أو الرضا يكون في معنى الأمر والسؤال. وفيه رد لما قال به بعض أصحابنا والمعتزلة من اعتبار الغلو. وإن طلب الأعلى من الأدنى يكون أمرًا كما هو ها هنا، وطلب الأدنى من الأعلى سؤالًا. (فإني أشهدك أني قد جعلت أرضي باريحا) بفتح الباء الموحدة وألف ساكنة دون همز وكسر الراء والقصر، [وضبطها بعضهم بكسر باء الجر وفتح الهمزة وكسر الراء والمد. أي: التي بأرض أريحا، وأريحا بأرض المقدسة، فإن حفظت فيكون سميت باسمها] (¬4). وجاء في ضبطها أوجه كثيرة جمعها ابن الأثير في "النهاية" فقال: تروى بفتح الباء وكسرها، وبفتح الراء وضمها، وبالمد والقصر (¬5)، فهذِه ثمان لغات. وفي رواية حماد بن سلمة (¬6) بفتح أوله وكسر الراء ¬

_ (¬1) في (م): هذِه. (¬2) في (م): أي. (¬3) "الزهد" لأحمد بن حنبل (1078). (¬4) سقط من (م). (¬5) "النهاية" (برح). (¬6) في (م): سليمان.

[وتقديمها على التحتانية كرواية أبي داود إلا أنه زاد الألف (¬1). قال الباجي: أفصحها فتح الباء وسكون الياء، وكسر (¬2) الراء] (¬3) مقصور. وكذا جزم ابن (¬4) الصنعاني (¬5). وقال: وزنه فيعلاء (¬6) من البراح. وقال: من ذكره بكسر الموحدة، وظن أنها بئر من آبار المدينة (¬7) فقد صحف (¬8). وهي بستان بالمدينة مقابلة (¬9) المسجد (له) أي: لله تعالى. [وفيه دليل على أن: جعلت أرضي لله. من صرائح الوقف] (¬10). وفيه دليل على أن الوقف صحيح وإن لم يذكر سبيله ومصارف دخله وجهته. (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اجعلها في قرابتك) [رواية البخاري "اجعلها في فقراء قرابتك" (¬11)] (¬12) فيه مراعاة القرابة، وفضل الإحسان إليها، وأن الرجل يدخل في صلة الرحم، وأن الرحم لا يختص بالأنثى. ¬

_ (¬1) رواية مسلم (998). (¬2) في "فتح الباري": فتح. (¬3) من (م). (¬4) في (م): به. (¬5) في "فتح الباري": الصغاني. (¬6) في (ر): فعيلى. (¬7) زاد بعدها في (ر): وذا اسم امرأة. (¬8) سقط من (م). (¬9) انظر: "فتح الباري" 3/ 382. (¬10) في (م): مستقبلة. (¬11) من (م). (¬12) "صحيح البخاري" قبل حديث (2752) معلقا.

وفيه: أن من وقف وقفًا مطلقًا جاز له أن يعين بعد ذلك (فقسمها بين حسان بن ثابت) الأنصاري. وفيه مراعاة القرابة [وإن بعدت] (¬1) إذ بين أبي طلحة وأبي آباء كثيرة كما سيأتي (وأبي بن كعب) - رضي الله عنه -. (قال أبو داود: بلغني عن الأنصاري محمد بن عبد الله) بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك قاضي البصرة. (قال أبو طلحة: زيد بن سهل بن الأسود بن حرام) ضد حلال (بن عمرو بن زيد (¬2) مناة) بالقصر ([ابن عدي] (¬3) بن عمرو بن مالك بن النجار) الأنصاري البخاري مشهور بكنيته، شهد العقبة مع (¬4) السبعين ثم شهد بدرًا وما بعدها (و) أبو الوليد (حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام) ضد حلال بن عمرو بن زيد مناة، شاعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشعر أهل المدر (يجتمعان إلى حرام) بن عمرو، وهو الأب الثالث لحسان. وفيه تسمية الجد أبًا (و) أبو المنذر (أُبي بن كعب بن قيس) وقيل: كعب بن المنذر (بن عتيك) بفتح المهملة وكسر المثناة تحت (¬5) [قيل: عتيك عند أبي داود، وهو وهم] (¬6) (ابن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك ابن النجار) واسم النجار تيم اللات بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج الأكبر. ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) بعدها في (ر): بن. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ر): بعد. (¬5) في (ر): فوق. (¬6) سقط من (م).

(فعمرو بن مالك يجمع حسان بن ثابت وأبا طلحة) زيد بن سهل (وأُبيًّا) بن كعب (¬1). (قال) محمد بن عبد الله (الأنصاري بين أبي) بن كعب (وأبي طلحة) زيد (ستة آباء) كما تقدم. [1690] (حدثنا هناد بن السري، عن عبدة) بسكون الموحدة، ابن سليمان الكلابي (عن محمد بن إسحاق) [بن يسار] (¬2) صاحب المغازي (عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن سليمان بن يسار) بتقديم المثناة على السين (¬3) المهملة. (عن ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: كانت لي جارية فأعتقتها) فيه: أن الزوجة إذا أعتقت في غيبة زوجها أو وقفت كان صحيحًا (فدخل (¬4) عليّ النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته. فقال: آجرك الله تعالى) فيه الدعاء لمن صنع معروفًا له (¬5) أو لغيره أو فيما ينتفع به المسلمون (أما إنك) بكسر الهمزة (لو أعطيتها) فيه: دليل على جواز قول: لو. في أمر قد مضى وغيره أفضل منه. وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - في أن "لو تفتح عمل الشيطان" (¬6) محمول على التأسف على حظوظ الدنيا ونحوها، وأن هذا الحديث في أمور ¬

_ (¬1) في الأصول: "ثابت" والصواب ما أثبتناه. (¬2) سقط من (م). (¬3) من (م). (¬4) بياض في (ر). (¬5) سقط من (م). (¬6) رواه مسلم (2664/ 34) من حديث أبي هريرة.

الدين، فيجمع بين الأحاديث بما ذكرناه (أخوالك) أي: أولاد عوف ابن (¬1) زهير بن الحارث؛ فإنهم إخوة أمها هند بنت عوف (كان أعظم لأُجرك) عند الله. فيه مراعاة الأفضل فالأفضل في العبادة، وأن الصدقة على الأقارب أفضل من العتق والوقف وغيرهما [وتخصيص الأخوال لأنهم من جهة الأم ولها ثلاثة أرباع البر] (¬2). [1691] (حدثنا محمد بن كثير) قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن محمد بن عجلان) القرشي أحد الفقهاء العاملين، له حلقة في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - يفتي فيها (عن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصدقة فقال رجل: يا رسول الله، عندي دينار. قال: تصدق به على نفسك) فابدأ بها. (قال: عندي دينار آخر. قال: تصدق به على ولدك) الظاهر أن هذا في صدقة التطوع، وأنها يصح دفعها إلى أولاده الذين (¬3) تجب عليه (¬4) نفقتهم إذا كانوا محتاجين، ويدخل في الولد الذكر والأنثى، وولد الولد عند فقد الولد في معناه كالميراث (¬5). (قال: عندي دينار آخر. قال: تصدق به على زوجتك) فيه شاهد على أن امرأة الرجل يقال لها: زوجة بالهاء، وهي لغة قليلة حكاها جماعة من أهل اللغة، والأشهر الأكثر حذفها وبها جاء القرآن. قال الله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} (¬6) وقد جاءت الهاء في الأحاديث الصحيحة ¬

_ (¬1) و (¬2) و (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ر): عليهم. والمثبت من (م). (¬5) في (ر): كما في الميراث. (¬6) البقرة: 35.

وتحسن في كتب الفرائض (¬1) هذِه اللغة ليفرق بها بين الذكر والأنثى (أو قال: لزوجك) هذِه اللغة المشهورة (¬2). قال ابن المنذر: أجمعوا على (¬3) أن الرجل لا يعطي زوجته من الزكاة؛ لأن نفقتها واجبة عليه فتستغني بها عن الزكاة (¬4). وأما إعطاؤها للزوج فقال به الشافعي (¬5) والثوري (¬6) وصاحبا أبي حنيفة (¬7)، وإحدى الروايتين عن مالك (¬8) وعن أحمد، ورواية المنع عنه مقيدة بالوارث (¬9) (فقال: عندي آخر. قال: تصدق به على خادمك) فلا يعطى الخادم إلا ما فضل عن الزوجة؛ لأن الرجل إذا وجب في ذمته نفقة للزوجة وعجز عنها يباع الخادم في نفقتها إذا كانت مقيمة على (¬10) طاعته سواء ترك الإنفاق متعديًا أو لعجزه. وفيه: دليل على أن الحقوق والفضائل إذا تزاحمت قدم [الآكد فالآكد] (¬11) كما في الحديث، لكن ظاهر الحديث أن نفقة الولد تقدم ¬

_ (¬1) بعدها في (م): الفرق بين. (¬2) من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) "الإجماع" لابن المنذر (120). (¬5) انظر: "الحاوي الكبير" 8/ 537. (¬6) في (م): النووي. (¬7) "المبسوط" 3/ 15. (¬8) انظر: "منح الجليل" 2/ 107. (¬9) "المغني" 4/ 100 - 101. (¬10) في (م): في. (¬11) في (م): الأوكد فالأوكد.

على نفقة الزوجة. ومذهب الشافعي: أن نفقة الأصول والفروع لا تجب إلا إذا فضل عن قوته وقوت زوجته يومه وليلته، فإن لم يفضل شيء فلا شيء عليه (¬1) لهما (¬2)، فإن نفقة القرابة لا تجب إلا على الموسر الذي هو أهل للمواساة، بخلاف نفقة [الزوجة فإنها تجب على الموسر والمعسر، سواء فرضها القاضي أو لا بخلاف نفقة] (¬3) الأولاد فإنها لا تستقر في الذمة إلا بفرض القاضي. وفي الحديث دليل على أن الأفضل في صدقة التطوع أن ينوعها في جهات الخير ووجوه البر بحسب المصلحة، ولا تنحصر [في جهة] (¬4) بعينها. وروى (¬5) أحمد والنسائي هذا الحديث بتقدم نفقة (¬6) الزوجة على الولد ولفظهما عن أبي هريرة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تصدقوا" قال رجل عندي دينار. قال: "تصدق به على نفسك" قال: عندي دينار آخر. قال: "تصدق به على زوجتك" قال: عندي دينار آخر قال: "تصدق به على ولدك" قال: عندي دينار آخر. قال: "تصدق به على خادمك" قال: عندي دينار آخر قال: "أنت أبصر" (¬7). واحتج أبو ¬

_ (¬1) "المجموع" 18/ 297، وانظر "الأم" 5/ 127. (¬2) من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): بجهة. (¬5) في (ر): وتقدم الإمام. (¬6) سقط من (م). (¬7) "المسند" 2/ 251، "المجتبى" 5/ 62، وصححه ابن حبان (3337)، والألباني في "صحيح الترغيب والترغيب" (1958).

عبيد به في تحديد الغنى بخمسة دنانير (¬1)، وهذا (¬2) تقوية لحديث ابن مسعود في الخمسين درهمًا (¬3)، كما تقدم. قال ابن حزم: اختلف يحيى القطان والثوري (¬4) فقدم يحيى الزوجة على الولد. وقدم سفيان الولد على الزوجة فينبغي أن يكونان سواء؛ لأنه صح (¬5) (¬6) (قال: عندي دينار آخر قال: أنت أبصر) أي: أعلم بمصالحك فاصرفه فيها إن شئت من قولهم: بصر يبصر إذا صار عالمًا بالشيء قال الله تعالى: {بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ} (¬7) أي: علمت بما لم يعلموا به (¬8) وقوله تعالى: {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} (¬9) قال الأزهري: معنى (¬10) بصيرة: عالمة بما جنى عليها (¬11). ويقال: جوارحه بصيرة عليه أي: عالمة شاهدة عليه يوم القيامة. [1692] (حدثنا محمد بن كثير، حدثنا سفيان) الثوري. قال: (حدثنا أبو إسحاق) سليمان الشيباني (عن وهب بن جابر الخيواني) بفتح الخاء ¬

_ (¬1) انظر: "الأموال" 2/ 68. (¬2) في (ر): ذهبًا. (¬3) رواه ابن أبي شيبة 6/ 519 (1032) من حديث علي وابن مسعود موقوفا. (¬4) في (م): النووي. (¬5) سقط من (م). (¬6) "المحلى" 10/ 105. (¬7) طه: 96. (¬8) من (م). (¬9) القيامة: 14. (¬10) من (م). (¬11) انظر: "تهذيب اللغة" 12/ 174، "لسان العرب" 1/ 292.

المعجمة وسكون المثناة وبعد الألف نون. قال الزمخشري في باب الخاء المعجمة: خيوان موضع باليمن. قال أبو علي القشوري: هو: فيعال (¬1). (عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كفى بالمرء إثمًا) رواية (¬2) مسلم أوله (¬3) عبد الله بن عمرو أنه قال لقهرمان له: هل أعطيت الرقيق قوتهم؟ . قال: لا. قال: فانطلق فأعطهم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كفى بالمرء إثمًا. ." وبالمرء الباء (¬4) زائدة وهي في موضع رفع. والتقدير: كفى الله فلو لم يكن له من الإثم إلا هذا لكفاه؛ لعظمه عند الله (أن يضيع من يقوت) رواية مسلم "أن يحبس عمن يملك قوتهم" (¬5). يقال: قاته يقوته إذا أعطاه قوته. ويقال فيه: أقاته يقيته، وروي "أن يضيع من يقيت" على لغة أقات. والمراد أن يمنع من تلزمه نفقته من زوجة وولد ووالد (¬6) ويعطي غيرهم ولو صدقة. [1693] (حدثنا أحمد بن صالح ويعقوب بن كعب) الحلبي الأنطاكي ثقة صالح (¬7) سني (¬8) تفرد عنه أبو داود (وهذا حديثه. قالا: حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني يونس، عن الزهري، عن أنس - رضي الله عنه - قال (¬9): قال ¬

_ (¬1) كذا في الأصول، وفي "الجبال والأمكنة والمياه": شيعال. "الجبال والأمكنة والمياه" باب "ما في أول الخاء" (خيوان). (¬2) في (م): رواه. (¬3) في (م): عن أبي. (¬4) في (م): السبية. (¬5) "صحيح مسلم" (996). (¬6) و (¬7) من (م). (¬8) "الكاشف" للذهبي 3/ 293. (¬9) من (م).

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من سره أن يبسط عليه في رزقه) بسط الرزق [توسعته وكثرته] (¬1) حقيقة وقيل: يوسع عليه بالبركة فيه. (وينسأ) بضم أوله وسكون النون وهمزة آخره. أي: يؤخر الله (في أثره) بفتح الهمزة والمثلثة. أي: أجله؛ لأن الأجل تابع للحياة في أثرها، وفي تأخير الأجل سؤال مشهور، وهو أن الأرزاق والآجال مقدرة لا تزيد ولا تنقص لقوله تعالى: {إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} (¬2). وأجاب العلماء بأجوبة: قال النووي: الصحيح منها أن هذِه الزيادة بالبركة في عمره والتوفيق للطاعات يعني: الكثيرة في الأزمنة اليسيرة وعمارة أوقاته بما فيه منفعة في الآخرة، وصيانتها عن الضياع في غير ذلك فكأنه بكثرة ثناء الناس وذكرهم (¬3) له لم يمت. والثاني: أنه بالنسبة فيما يظهر للملائكة وفي اللوح المحفوظ وما كتب فيه فيظهر للملائكة أو في اللوح المحفوظ أن عمره سنة إلا (¬4) أن يصل رحمه، فإن وصلها زيد أربعين، وقد علم الله تعالى ما سيقع له من ذلك، وهو معنى قوله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} (¬5) فبالنسبة إلى علم الله تعالى وما سبق به وقدره لا زيادة، بل هي مستحيلة، وبالنسبة إلى ما ظهر للمخلوقين بتصور الزيادة وهو مراد الحديث. ¬

_ (¬1) في (م): سعة وكثرة. (¬2) الأعراف: 34، النحل: 61. (¬3) في (ر): وذكره. (¬4) في (م): إلى. (¬5) الرعد: 39.

والثالث: أن المراد بالزيادة بقاء ذكره الجميل بعده، فكأنه لمن يمت. حكاه القاضي (¬1) وهو ضعيف (¬2). (فليصل رحمه) وحقيقة الصلة العطف على الرحم ورحمتهم والشفقة بهم. قال القاضي عياض: ولا خلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة وقطيعتها معصية (¬3). والأحاديث الكثيرة تشهد بهذا ولكن الصلة درجات بعضها أرفع من بعض وأدناها ترك المهاجرة، وصلتها بالكلام ولو بالسلام، وتختلف [بأحوال القدرة] (¬4)، والحاجة فمنها واجب، ومنها مستحب ولو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لا تسمى قاطعًا، ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له لا يسمى واصلًا (¬5). [1694] (حدثنا مسدد وأبو بكر بن أبي شيبة قالا: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن أبي سلمة) قيل: اسمه عبد الله، والمشهور اسمه كنيته. روى عن والده. (عن (¬6) عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - قال: سمعت (¬7) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬8) يقول: قال الله تعالى: أنا الرحمن وهي الرحم شققت لها اسمًا من اسمي) ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" 8/ 21. (¬2) انظر: "شرح النووي على مسلم" 16/ 114 - 115. (¬3) "إكمال المعلم" 8/ 20. (¬4) في (م): ذلك باختلاف المقدرة. وفي "شرح النووي": ذلك باختلاف القدرة. (¬5) "شرح النووي على مسلم" 16/ 113. (¬6) من (م). (¬7) في (م): سمع. (¬8) زاد في (م): رجلًا.

الرحمن وفيه دليل (¬1) صحة القول باشتقاق الأسماء اللغوية بعضها من بعض. وفيه الرد على قوم أنكروا الاشتقاق، وزعموا أن الأسماء كلها موضوعة على ما هي عليه. وهذا الحديث يبين فساد قولهم. وفيه: دليل على أن الرحمن عربي مشتق من الرحمة كما هو عند الجمهور، خلافًا للأعلم وغيره في قولهم: الرحمن علم كالديوان. وخلافًا لمن أغرب فزعم أنه أعجمي بالخاء المعجمة [فعرف بالخاء قاله ثعلب] (¬2) (فمن وصلها وصلته) صلة الله تعالى لطفه بهم ورحمته إياهم، وعطفه بإحسانه، أو صلتهم بأهل ملكوته الأعلى، وشرح صدورهم (لمعرفته وطاعته (¬3) ومن قطعها بتته) بتاءين مثناتين. أي: قطعته. ومنه قولهم: طلقها ثلاثًا بتة. أي: قاطعة للوصلة بينهما. ورواية أحمد: "فمن وصلها أصله، ومن قطعها أقطعه فأبته". أو قال: "من بتتها فأبته" (¬4). واختلفوا في حد الرحم التي تجب صلتاها فقيل: هو (¬5) كل ذي رحم محرم (¬6) بحيث لو كان أحدهما ذكرًا والآخر أنثى حرمت منكحتهما فعلى هذا لا يدخل أولاد العم وأولاد الأخوال (¬7). ¬

_ (¬1) في (م): بيان. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (ر): لمعرفة طاعته. (¬4) "المسند" 1/ 191. (¬5) بعدها في (م): في. (¬6) سقط من (م). (¬7) في (م): الأخوات.

واحتج هذا القائل بتحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح ونحوه. وجواز ذلك في بنات الأعمام والأخوال. وقيل: هو عام في كل ذي رحم من ذوي الأرحام في الميراث فيستوي فيه المحرم وغيره. ويدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أدناك أدناك" (¬1) هذا كلام القاضي عياض (¬2). قال النووي: وهذا القول الثاني هو الصواب. ويدل عليه الحديث الصحيح في أهل مصر: "فإن لهم ذمة ورحمًا" (¬3) و [حديث: "إن أبر البر] (¬4) أن يصل الرجل أهل ود أبيه" (¬5) مع أنه لا محرمية بينهما (¬6). [1695] (حدثنا محمد بن المتوكل) بن عبد الرحمن بن حسان (العسقلاني) مولى بني هاشم. قال ابن حبان [في "الثقات"] (¬7): كان من الحفاظ (¬8). تفرد عنه أبو داود. قال: (حدثنا عبد الرزاق قال (أخبرنا معمر، عن الزهري، قال: حدثني أبو سلمة: أن الرداد) بتشديد الدال المهملة ويقال: أبو الرداد. قال شيخنا: وهو أصوب (¬9) الحجازي (الليثي) مقبول (أخبره عن ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2548/ 2). (¬2) "إكمال المعلم" 8/ 11. (¬3) "صحيح مسلم" (2543/ 226). (¬4) في (م): حدث أبو الزبير. (¬5) "صحيح مسلم" (2552). (¬6) "شرح النووي على مسلم" 16/ 113. (¬7) سقط من (م). (¬8) "الثقات" لابن حبان 9/ 88. (¬9) في (ر): الصواب.

عبد الرحمن بن عوف) أي (أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) يقول (بمعناه) المتقدم. [1696] (حدثنا مسدد، حدثنا سفيان، عن الزهري، عن محمد بن جبير) بالتصغير (بن مطعم عن أبيه) جبير بن مطعم (¬1) بن عدي بن نوفل القرشي النوفلي أسلم قبل الفتح ونزل المدينة ومات بها. (يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يدخل الجنة قاطع) (¬2) فيه تأويلان أحدهما: أنه محمول على من يستحل قطيعة الرحم [بلا سبب] (¬3) ولا شبهة مع علمه بتحريمها، فهو كافر لا يدخل الجنة أبدًا، ويخلد في النار. والثاني: أن معناه لا يدخلها أول الأمر مع السابقين إلى الجنة بل يعاقب بتأخره عنها القدر الذي يريده الله تعالى بدخول النار ثم يخلصه منها بتوحيده أو يتأخر على (¬4) الأعراف ونحوه. والثالث: أنه يخاف على من واظب على قطيعتها أن يفسد قلبه بسبب معصيتها فيختم عليه بالكفر، فلا يدخلها قاطع الرحم التي تقطع وتوصل وتبر (¬5)، إنما هي معنى من المعاني ليست بجسم، وإنما هي قرابة ونسب [تجمعه رحم (¬6) والدة، ويتصل] (¬7) بعضه ببعض فيسمى ذلك الإيصال رحمًا، والمعاني لا يتأتى فيها القطع ولا الوصل، فيكون الوصل ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) و (¬3) من (م). (¬4) في (م): عن. (¬5) في (م): تيسر. (¬6) في (ر): رحمة. والمثبت الصواب. (¬7) في (م): فيختم عليه بالكفر فلا يدخلها.

والقطع ضرب مثل وحسن استعارة على عادة العرب في استعمال ذلك. والمراد: تعظيم شأنها وعظيم إثم قاطعها بعقوقهم، ولهذا سمي العقوق قطعًا، والعق الشق كأنه قطع ذلك السبب المتصل، والقطيعة: الهجران ويقع (¬1) الرحم على كل من بينك وبينه نسب من جهة النساء. وفي رواية على (¬2) الصحيح: "لا يدخل الجنة (¬3) قاطع (¬4) ". قال سفيان: يعني: قاطع رحم (¬5). وروى (الطبراني و) (¬6) الأصبهاني: "لا تنزل الرحمة على قوم بينهم قاطع رحم". [1697] (حدثنا محمد بن كثير) قال: (حدثنا سفيان، عن سليمان بن مهران الأعمش، والحسن بن عمرو) الفقيمي الكوفي، ثقة توفي سنة 142 (¬7) (وفر) (¬8) بكسر الفاء وسكون الطاء المهملة بعدها راء ابن خليفة المخزومي مولاهم الخياط، له نحو ستين حديثًا، وهو شيعي حبر (¬9) صدوق، وثقه أحمد وابن معين (¬10). ¬

_ (¬1) في (ر): يقطع. (¬2) سقط من (م). (¬3) من (م). (¬4) بعدها في (م): رحم. (¬5) أخرجه البخاري (5984)، ومسلم (2556/ 18) واللفظ له. (¬6) من (م). (¬7) "الكاشف" للذهبي 1/ 225. (¬8) في (ر): عن فطر. (¬9) في (م): جيد. (¬10) "تهذيب الكمال" 23/ 314.

(عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو ابن العاص قال سفيان: ولم يرفعه سليمان) بن مهران (إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورفعه فطر والحسن إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ليس الواصل) رحمه (بالمكافئ) بهمزة آخره أي: بالذي إذا (¬1) أحسنوا إليه كافأهم على إحسانهم (ولكن) الواصل (هو الذي إذا انقطعت) بفتح القاف والطاء (رحمه) بالإساءة (¬2) إليه (وصلها) بأعلى درجات الصلة إن استطاع وإن لم يستطع فبأوسطها كالتردد إليها في بعض الأوقات بالإحسان أو بأدونها كترك المهاجرة. ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) في (م): بالإشارة.

47 - باب في الشح

47 - باب في الشُّحِّ 1698 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الحارِثِ، عَنْ أَبي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "إِيّاكُمْ والشُّحَّ فَإِنَّما هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالشُّحِّ أَمَرَهُمْ بِالبُخْلِ فَبَخَلُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالفُجُورِ فَفَجَرُوا" (¬1). 1699 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ، أَخْبَرَنا أَيُّوبُ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبي مُلَيْكَةَ، حَدَّثَتْني أَسْماءُ بِنْتُ أَبي بَكْرٍ قَالَتْ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ ما لي شَيء إلَّا ما أَدْخَلَ عَلي الزُّبَيْرُ بَيْتَهُ أفَأُعْطي مِنْهُ قَالَ: "أَعْطي وَلا تُوكي فَيُوكى عَلَيْكِ" (¬2). 1700 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ، أَخْبَرَنا أَيُّوبُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّها ذَكَرَتْ عِدَّةً مِنْ مَساكِينَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وقَالَ غَيْرُهُ: أَوْ عِدَّةً مِنْ صَدَقَةٍ فَقَالَ لَها رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَعْطي وَلا تُحْصي فَيُحْصي عَلَيْكِ" (¬3). * * * باب في الشح [1698] (حدثنا حفص [بن عمر]) (¬4) قال: (حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة) الجملي (¬5) أحد الأعلام العاملين (عن عبد الله بن الحارث) ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 159، والطيالسي (2386) والحميدي (1193)، وابن أبي شيبة (27139)، وعبد بن حميد (1141)، والنسائي في "الكبرى" (11583). وصححه الألباني في "الصحيحة" (858). (¬2) رواه البخاري (1433)، ومسلم (1029). (¬3) رواه النسائي 5/ 72، وأحمد 6/ 70. وصححه الألباني في "الصحيحة" (3617). (¬4) من (م). (¬5) زاد في (م): بفتح.

الزبيدي الكوفي المكتب، وثقه النسائي وغيره (¬1) (عن أبي كثير) [وهو ابن الأقمر] (¬2). وقيل: جهمان (¬3) الزبيدي - بالتصغير - ثقة (¬4). (عن عبد الله بن عمرو قال: خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال) "إياكم والظلم [فإن الظلم] (¬5) ظلمات يوم القيامة، وإياكم والفحش والتفحش" كذا رواية الحاكم (¬6) ثم قال (إياكم والشح) (¬7) بالنصب والشح (¬8) مثبت الشين هو البخل والحرص. وقيل: الشح الحرص على ما ليس عندك، والبخل بما هو عندك، وقيل: الشح: البخل بالمال والمعروف، والبخل [بالمعروف فقط، والشح والحرص والبخل بمعنى، وإن كان أصل الشح المنع والحرص للطلب، وأطلق على الحرص الشح؛ لأن كل واحد منهما سبب للآخر] (¬9)؛ لأن البخل يحمل على الحرص، والحرص يحمل على البخل (فإنما هلك من كان قبلكم بالشح، أمرهم بالبخل فبخِلوا) بكسر الخاء (¬10) (وأمرهم) الشح (بالقطيعة) للرحم (فقطعوا) رحمهم (وأمرهم بالفجور) وهو الميل عن القصد والسداد. ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 14/ 403. (¬2) في (م): زهير بن الأحمر. (¬3) في (م): جمهان. (¬4) سقط من (م). (¬5) في (ر): فإنه. (¬6) "المستدرك" 1/ 11. (¬7) بعدها في (ر): إياكم وكثرة الشح. (¬8) سقط من (م). (¬9) في (م): بالمال فقط. (¬10) في (ر): فيحكوا.

وقيل: هو الانبعاث (¬1) في المعاصي (ففجروا) ويشبه أن المراد أمرهم بالزنا فزنوا كما في الحديث: أن أمة لآل رسول الله فجرت أي: زنت. [1699] (حدثنا مسدد) قال: (حدثنا إسماعيل) ابن علية (¬2)، قال: (أخبرنا أيوب) بن أبي تميمة كيسان السجستاني التابعي (¬3). قال: (حدثنا عبد الله) [بن عبيد الله] (¬4) (بن أبي مليكة) زهير بن عبد الله. قال: (حدثتني أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - قالت: قلت: يا رسول الله، ما لي شيء إلا ما أدخل علي الزبير) يعني ما يدخل عليها للإنفاق. وعلى أهل (بيته) (¬5) أو ما هو ملك الزبير ولا يكره الصدقة منه بل يرضاها على غالب عادة الناس كما سبق (أفأعطي منه) قال: (أَعطي) بفتح الهمزة (ولا توكي) بسكون الياء، وثبت الياء في النهي؛ لأنه خطاب للمؤنث أي: لا تربطي. والوكاء بالمد هو الخيط الذي يربط به (فيوكا عليك) (¬6) بسكون الألف. ورواية البخاري: "فيوكئ" (¬7) بفتح الياء، والإيكاء: سد رأس الوعاء بالوكاء. و [إسناد الإيكاء] (¬8) إلى الله تعالى مجاز عن الإمساك وهو من باب المقابلة. أي: مقابلة اللفظ باللفظ (¬9) ومعناه: إذا فعلت ذلك جزيت عليه يشبه (¬10) ما فعلت، فهو من باب قوله تعالى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} والمراد: لا تمسكي المال في الوعاء وتوكي عليه، ¬

_ (¬1) في (م): الإمعان. (¬2) في (ر): إسماعيل. (¬3) و (¬4) سقط من (م). (¬5) في النسخ (بيها). (¬6) من (م). (¬7) (1433). (¬8) في (ر): إسناده. (¬9) سقط من (م). (¬10) في (م): نسبت.

فيمسك الله فضله وثوابه عليك كما أمسكت ما أعطاك الله تعالى. وفيه دليل على النهي عن منع الصدقة خشية النفاذ؛ فإن ذلك أعظم الأسباب لقطع مادة البركة؛ [لأن الله تعالى يثيب] (¬1) على العطاء بغير حساب ومن لا يحاسب عند الجزاء لا يحسب عليه عند العطاء ومن علم أن الله يرزقه من حيث لا يحتسب فحسبه (¬2) أن يعطي ولا يحسب. [1700] (حدثنا مسدد) قال: (حدثنا إسماعيل) قال (أخبرنا أيوب، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن عائشة أنها ذكرت عدة) بكسر العين وتشديد الدال (من مساكين) يتصدق عليهم. (قال أبو داود: [وقال غيره]) (¬3) أي: غير أيوب المذكور في السند (¬4) أو قال الراوي: [إنها (عدة من) أموال (صدقة) تصدق بها على المساكين. (فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وزاد في الصحيحين قبله (¬5) "أرضخي ما استطعت" (¬6) أي: أعطي ما استطعت. (ولا تحصي) ثبتت الياء مع أنه نهي؛ لأنه خطاب للمؤنث. وأصله: تحصين فحذفت النون علامة للجزم. أي: لا تبخلي فتحاربين [على بخلك] (¬7) (فيحصي) منصوب بأن المقدرة؛ لأنه جواب النهي بالفاء ¬

_ (¬1) في (م): أن الله تعالى يسر. (¬2) في (م): فمن حقه. (¬3) ليست في الأصول، والمثبت من مطبوعة "السنن". (¬4) و (¬5) من (م). (¬6) "صحيح البخاري" (1434)، "صحيح مسلم" (1029/ 89) من حديث أسماء بنت أبي بكر. (¬7) بياض في (ر).

(عليك) وأصل هذا من الإحصاء الذي هو العد وعبر عن البخل بالإحصاء؛ لأن البخيل يعد ماله، ويحسب ما يخرج منه، وما يبقى يحفظ عدده ليدخره ويزيد عليه ولا ينفق منه، فعوقب بإحصاء الله تعالى عليه بقطع البركة عنه وحبس مادة الرزق عنه، ويقلل ماله بقطع البركة عنه حتى يصير ماله كالشيء المعدود. وقيل: إحصاء الله عبارة عن المحاسبة عليه في الآخرة. فإن قيل: ما معنى النهي وإحصاء المال ليس حرامًا. قلت: لازمه وهو (¬1) الإمساك [عما وجب إخراجه] (¬2) منه حرام. والنهي ليس للتحريم إجماعًا. قال التيمي: المراد منه النهي عن الإمساك والبخل وترك الإنفاق منه (¬3). وهذا آخر كتاب الزكاة. (والحمد الكامل لله - سبحانه وتعالى -) (¬4) وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم (¬5) ¬

_ (¬1) في (م): وهي. (¬2) في (م): والبخل وترك الإنفاق منه إخرجه. (¬3) "عمدة القاري" 8/ 432. (¬4) من (م). (¬5) بعدها في (م): كتاب اللقطة ثم المناسك.

كتاب اللقطة

كِتَابُ اللُّقطَةِ

كتاب اللقطة 1701 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ زَيْدِ بْنِ صُوحانَ وَسَلْمانَ بْنِ رَبِيعَةَ فَوَجَدْتُ سَوْطًا فَقالا لي: اطْرَحْهُ. فَقُلْتُ: لا ولكن انْ وَجَدْتُ صاحِبَهُ وَإِلَّا اسْتَمْتَعْتُ بِهِ، فَحَجَجْتُ فَمَرَرْتُ عَلَى المَدِينَةِ فَسَأَلْتُ أُبَي بْنَ كَعْبٍ فَقَالَ: وَجَدْتُ صُرَّةً فِيها مِئَةُ دِينارٍ فَأَتَيْتُ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "عَرِّفْها حَوْلًا". فَعَرَّفْتُها حَوْلًا ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقَالَ: "عَرِّفْها حَوْلًا". فَعَرَّفْتُها حَوْلًا ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقَالَ: "عَرِّفْها حَوْلًا". فَعَرَّفْتُها حَوْلًا ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: لَمْ أَجِدْ مَنْ يَعْرِفُها. فَقَالَ: "احْفَظْ عَدَدَها وَوِكاءَها وَوِعاءَها فَإِنْ جاءَ صاحِبُها وَإِلَّا فاسْتَمْتِعْ بِها". وقَالَ: وَلا أَدْري أَثَلاثًا قَالَ: "عَرِّفْها". أَوْ مَرَّةً واحِدَةً (¬1). 1702 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، بِمَعْناهُ قَالَ: "عَرِّفْها حَوْلًا". وقَالَ: ثَلاثَ مِرارٍ. قَالَ: فَلا أَدْري قَالَ لَهُ ذَلِكَ في سَنَةٍ أَوْ في ثَلاثِ سِنِينَ (¬2). 1703 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، حَدَّثَنا سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2426، 2437)، ومسلم (1723). (¬2) رواه أحمد 4/ 116. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1493).

بِإِسْنادِهِ وَمَعْناهُ قَالَ: في التَّعْرِيفِ قَالَ: عامَيْنِ أَوْ ثَلاثَةً. وقَالَ: "اعْرِفْ عَدَدَها وَوِعاءَها وَوِكاءَها". زادَ: "فَإِنْ جاءَ صاحِبُها فَعَرَفَ عَدَدَها وَوِكاءَها فادْفَعْها إِلَيْهِ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَيْسَ يَقُولُ هذِه الكَلِمَةَ إلَّا حَمّادٌ في هذا الحَدِيثِ يَعْنِي: "فَعَرَفَ عَدَدَها" (¬1). 1704 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بْنُ جَعْفَرَ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى المُنْبَعِثِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خالِدٍ الجُهَني أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، عَنِ اللُّقَطَةِ فَقَالَ: "عَرِّفْها سَنَةً ثُمَّ اعْرِفْ وِكاءَها وَعِفاصَها، ثُمَّ اسْتَنْفِقْ بِها فَإِنْ جاءَ رَبُّها فَأَدِّها إِلَيْهِ". فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ فَضالَّةُ الغَنَمِ فَقَالَ: "خُذْها فَإِنَّما هي لَكَ أَوْ لأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ". قَالَ: يا رَسُولَ اللهِ فَضالَّةُ الإِبِلِ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتاهُ - أَوِ احْمَرَّ وَجْهُهُ - وقَالَ: "ما لَكَ وَلَها مَعَها حِذاؤُها وَسِقاؤُها حَتَّى يَأْتِيَها رَبُّها" (¬2). 1705 - حَدَّثَنا ابن السَّرْحِ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَني مالِكٌ بِإِسْنادِهِ وَمَعْناهُ زَادَ: "سِقاؤُها تَرِدُ الماءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ". وَلَمْ يَقُلْ: "خُذْها في ضالَّةِ الشّاءِ" وقالَ: في اللُّقَطَةِ: "عَرِّفْها سَنَةً فَإِنْ جاءَ صاحِبُها وَإِلَّا فَشَأْنَكَ بِها". وَلَمْ يَذْكُرِ: "اسْتَنْفِقْ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَواهُ الثَّوْري وَسُلَيْمانُ بْنُ بِلالٍ وَحَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ رَبِيعَةَ مِثْلَهُ لَمْ يَقُولُوا: "خُذْها" (¬3). 1706 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ رافِعٍ وَهارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ - المَعْنَى - قالا: حَدَّثَنا ابن أَبِي فُدَيْكٍ، عَنِ الضَّحّاكِ - يَعْني: ابن عُثْمانَ - عَنْ سالِمِ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خالِدٍ الجُهَني أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عَنِ اللُّقَطَةِ فَقَالَ: "عَرِّفْها سَنَةً فَإِنْ جاءَ باغِيها فَأَدِّها إِلَيْهِ وَإِلَّا فاعْرِفْ عِفاصَها وَوِكاءَها ثُمَّ كُلْها فَإِنْ جاءَ باغِيها ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1723). (¬2) رواه البخاري (91، 2427، 2436، 2438)، ومسلم (1722). (¬3) رواه البخاري (2372، 2429، 2430)، ومسلم (1722).

فَأَدِّها إِلَيْهِ" (¬1). 1707 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَني أَبِي، حَدَّثَني إِبْراهِيمُ بْنُ طَهْمانَ، عَنْ عَبّادِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ يَزِيدَ مَوْلَى المُنْبَعِثِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خالِدٍ الجُهَني أَنَّهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ رَبِيعَةَ. قَالَ: وَسُئِلَ عَنِ اللُّقَطَةِ فَقَالَ: "تُعَرِّفُها حَوْلًا فَإِنْ جاءَ صاحِبُها دَفَعْتَها إِلَيْهِ وَإِلَّا عَرَفْتَ وِكاءَها وَعِفاصَها ثُمَّ أَفِضْها في مالِكَ فَإِنْ جاءَ صاحِبُها فادْفَعْها إِلَيْهِ" (¬2). 1708 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، عَنْ حَمّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةَ بِإِسْنادِ قُتَيْبَةَ وَمَعْناهُ وَزَادَ فِيهِ: "فَإِنْ جاءَ باغِيها فَعَرَفَ عِفاصَها وَعَدَدَها فادْفَعْها إِلَيْهِ". وقَالَ حَمّادٌ أَيْضًا عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَهُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وهذِه الزِّيادَةُ التي زادَ حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ في حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَعُبَيدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ وَرَبِيعَةَ: "إِنْ جاءَ صاحِبُها فَعَرَفَ عِفاصَها وَوِكاءَها فادْفَعْها إِلَيْهِ". لَيْسَتْ بِمَحْفوظَةٍ "فَعَرَفَ عِفاصَها وَوِكاءَها". وَحَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أَيْضًا قَالَ: "عَرِّفْها سَنَةً". وَحَدِيثُ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ أَيْضًا، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "عَرِّفْها سَنَةً" (¬3). 1709 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا خالِدٌ يَعْني: الطَّحّانَ ح، وَحَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا وُهَيْبٌ - المَعْنَى - عَنْ خالِدٍ الحَذّاءِ، عَنْ أَبي العَلاءِ، عَنْ مُطَرِّفٍ - يَعْني: ابن عَبْدِ اللهِ - عَنْ عِياضِ بْنِ حِمارٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذا عَدْلٍ - أَوْ ذَوي عَدْلٍ - وَلا يَكْتُمْ وَلا يُغَيِّبْ فَإِنْ وَجَدَ صاحِبَها ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1722). (¬2) رواه النسائي في "الكبرى" 3/ 420 (5817). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1498). (¬3) رواه البخاري (2428)، ومسلم (1722).

فَلْيَرُدَّها عَلَيْهِ وَإِلَّا فَهُوَ مالُ اللهِ - عز وجل - يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ" (¬1). 1710 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنِ ابن عَجْلانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ سُئِلَ، عَنِ الثَّمَرِ المُعَلَّقِ فَقَالَ: "مَنْ أَصابَ بِفِيهِ مِنْ ذي حاجَةٍ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً فَلا شَيء عَلَيْهِ وَمَنْ خَرَجَ بِشَيء مِنْهُ فَعَلَيْهِ غَرامَةُ مِثْلَيْهِ والعُقُوبَةُ وَمَنْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ يُئْوِيَهُ الجَرِينُ فبَلَغَ ثَمَنَ المِجَنِّ فَعَلَيْهِ القَطْعُ". وَذَكَرَ في ضالَّةِ الإِبِلِ والغَنَمِ كَما ذَكَرَهُ غَيْرُهُ قَالَ: وَسُئِلَ عَنِ اللُّقَطَةِ فَقَالَ: "ما كَانَ مِنْها في طَرِيقِ المِيتاءِ أَوِ القَرْيَةِ الجامِعَةِ فَعَرِّفْها سَنَةً فَإِنْ جاءَ طالِبُها فادْفَعْها إِلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ فَهي لَكَ وَما كانَ في الخَرابِ - يَعْني - فَفِيها وَفي الرِّكازِ الخُمُسُ" (¬2). 1711 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنا أَبُو أُسامَةَ، عَنِ الوَلِيدِ - يَعْني: ابن كَثِيرٍ - حَدَّثَني عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ بِإِسْنادِهِ بهذا قَالَ: في ضالَّةِ الشّاءِ قَالَ: "فاجْمَعْها" (¬3). 1712 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ الأَخْنَسِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْب بهذا بِإِسْنادِهِ قَالَ في ضالَّةِ الغَنَمِ: "لَكَ أَوْ لأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ خُذْها قَطُّ". وكَذا قَالَ فِيهِ أَيُّوبُ وَيَعْقُوبُ بْنُ عَطاءٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "فَخُذْها" (¬4). 1713 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ ح، وَحَدَّثَنا ابن العَلاءِ، حَدَّثَنا ابن إِدْرِيسَ، عَنِ ابن إِسْحاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبي ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (2505)، وأحمد 4/ 161، 266. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1503). (¬2) رواه الترمذي (1289)، والنسائي 2/ 260، وأحمد 2/ 180، 203، 207. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1504). (¬3) صححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1505). (¬4) رواه النسائي 2/ 260. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1506).

- صلى الله عليه وسلم - بهذا. قَالَ في ضالَّةِ الشّاءِ: "فاجْمَعْها حَتَّى يَأْتِيَها باغِيها" (¬1). 1714 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الحارِثِ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِقْسَمٍ حَدَّثَهُ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْري أَنَّ عَلي بْنَ أَبي طالِبٍ وَجَدَ دِينارًا فَأَتَى بِهِ فاطِمَةَ فَسَأَلَتْ عَنْهُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "هُوَ رِزْقُ اللهِ - عز وجل -". فَأَكَلَ مِنْهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَكَلَ عَلي وَفاطِمَةُ فَلَمّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ تَنْشُدُ الدِّينارَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يا عَلي أَدِّ الدِّينارَ" (¬2). 1715 - حَدَّثَنا الهَيْثَمُ بْنُ خالِدٍ الجُهَني، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ بِلالِ بْنِ يَحْيَى العَبْسي، عَنْ عَلي - رضي الله عنه - أَنَّهُ التَقَطَ دِينارًا فاشْتَرى بِهِ دَقِيقًا فَعَرَفَهُ صاحِبُ الدَّقِيقِ فَرَدَّ عَلَيْهِ الدِّينارَ فَأَخَذَهُ عَلي وَقَطَعَ مِنْهُ قِيراطَيْنِ فاشْتَرى بِهِ لَحْمًا (¬3). 1716 - حَدَّثَنا جَعْفَرُ بْنُ مُسافِرٍ التِّنِّيسي، حَدَّثَنا ابن أَبي فُدَيْكٍ، حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ الزَّمْعي، عَنْ أَبي حازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلي بْنَ أَبي طالِبٍ دَخَلَ عَلَى فاطِمَةَ وَحَسَنٌ وَحُسَيْنٌ يَبْكِيانِ فَقَالَ: ما يُبْكِيهِما قَالَتِ: الجُوعُ فَخَرَجَ عَلي فَوَجَدَ دِينارًا بِالسُّوقِ فَجَاءَ إِلَى فاطِمَةَ فَأَخْبَرَها فَقَالَتِ: اذْهَبْ إِلَى فُلانٍ اليَهُودي فَخُذْ دَقِيقًا فَجاءَ اليَهُودي فاشْتَرى بِهِ دَقِيقًا فَقَالَ اليَهُودي: أَنْتَ خَتَنُ هذا الذي يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَخُذْ دِينارَكَ وَلَكَ الدَّقِيقُ. فَخَرَجَ عَلي حَتَّى جاءَ فاطِمَةَ فَأَخْبَرَها فَقَالَتِ: اذْهَبْ إِلَى فُلانٍ الجَزّارِ فَخُذْ لَنا بِدِرْهَمٍ لَحْمًا فَذَهَبَ فَرَهَنَ الدِّينارَ بِدِرْهَمِ لَحْمٍ فَجاءَ بِهِ فَعَجَنَتْ وَنَصَبَتْ وَخَبَزَتْ وَأَرْسَلَتْ إِلَى أَبِيها فَجاءَهُمْ فَقَالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ أَذْكُرُ لَكَ فَإِنْ رَأَيْتَهُ لَنا حَلالًا أَكَلْناهُ وَأَكَلْتَ مَعَنا مِنْ شَأْنِهِ كَذا وَكَذا. فَقَالَ: "كُلُوا بِاسْمِ اللهِ". فَأَكَلُوا فَبَيْنَما هُمْ مَكَانَهُمْ إِذَا غُلامٌ يَنْشُدُ اللهَ والإِسْلامَ الدِّينارَ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 180، 203، 207. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1507). (¬2) رواه البيهقي 6/ 194. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1508). (¬3) رواه البيهقي 6/ 194 من طريق أبي داود. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1509).

فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَدُعي لَهُ فَسَأَلَهُ. فَقَالَ سَقَطَ مِنّي في السُّوقِ. فَقَالَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا عَلي اذْهَبْ إِلَى الجَزّارِ فَقُلْ لَهُ إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ لَكَ: أَرْسِلْ إِلَى بِالدِّينارِ وَدِرْهَمُكَ عَلَى". فَأَرْسَلَ بِهِ فَدَفَعَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْهِ (¬1). 1717 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقي، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ، عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ زِيادٍ، عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ المَكّي أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: رَخَّصَ لَنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في العَصا والسَّوْطِ والحَبْلِ وَأَشْباهِهِ يَلْتَقِطُهُ الرَّجُلُ يَنْتَفِعُ بِهِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَواهُ النُّعْمانُ بْنُ عَبْدِ السَّلامِ، عَنِ المُغِيرَةِ أَبي سَلَمَةَ بِإِسْنادِهِ، وَرَواهُ شَبابَةُ، عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبي الزُّبَيرِ، عَنْ جابِرٍ قَالَ: كَانُوا لَمْ يَذْكُرِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). 1718 - حَدَّثَنا مَخْلَدُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، - أَحْسَبُهُ - عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "ضالَّةُ الإِبِلِ المَكْتُومَةِ غَرامَتُها وَمِثْلُها مَعَها" (¬3). 1719 - حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ خالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ وَأَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ قالا: حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَني عَمْرٌو عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حاطِبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمانَ التَّيْمي أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ لُقَطَةِ الحاجِّ. قَالَ أَحْمَدُ: قَالَ ابن وَهْبٍ يَعْني في لُقَطَةِ الحاجِّ: يَتْرُكُها حَتَّى يَجِدَها صاحِبُها، قَالَ ابن مَوْهَبٍ: عَنْ عَمْرٍو (¬4). 1720 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنا خالِدٌ، عَنْ أَبي حَيّانَ التَّيْمي، عَنِ المُنْذِرِ ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 6/ 194. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1510). (¬2) رواه الطبراني في "الأوسط" 9/ 107 (9262)، والبيهقي 6/ 195. قال الحافظ في "الفتح" 5/ 85: إسناده ضعيف. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (303)، وفي "الإرواء" (303). (¬3) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/ 146، والبيهقي 6/ 191. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1511). (¬4) رواه مسلم (24/ 11).

ابْنِ جَرِيرٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ جَرِيرٍ بِالبَوازِيجِ فَجاءَ الرّاعي بِالبَقَرِ وَفِيها بَقَرَةٌ لَيْسَتْ مِنْها فَقَالَ لَهُ جَرِيرٌ: ما هذِه؟ قَالَ: لَحِقَتْ بِالبَقَرِ لا نَدْري لِمَنْ هَيَ؟ فَقَالَ جَرِيرٌ: أَخْرِجُوها فَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لا يَأْوي الضّالَّةَ إلَّا ضالٌّ" (¬1). * * * كتاب اللقطة بضم اللام وفتح القاف على المشهور لا يعرف المحدثون غيره كما قال الأزهري (¬2)، وقال الخليل: هو بسكون القاف، وأما بالفتح فهو كثير الالتقاط، وقال الأزهري: وهو القياس (¬3). قال ابن بري في "حواشي الصحاح": هذا هو الصواب؛ لأن الفعلة للفاعل كالضحكة (¬4) لكثير الضحك وهو [الهزأة والهمزة] (¬5)، والفرق بين اللقطة والمال الضائع أن الضائع ما وجد في حرز و (¬6) لا يعرف له مالك، واللقطة (¬7) ما وجده الملتقط في غير حرز ولا يعرف [له مالك] (¬8). [1701] (ثنا محمد بن كثير) العبدي (أنا [شعبة عن] (¬9) سلمة بن كهيل) من علماء الكوفة (عن سويد بن غفلة) (¬10) الجعفي (قال: ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (2503). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1513). (¬2) "تهذيب اللغة" 9/ 16، قال: اللَّقَطة .. وهذا قول حذاق النحويين، ولم أسمع لُقطة لغير الليث، وإن كان ما قاله قياسًا وهكذا رواه المحدثون. (¬3) "الزاهر" 1/ 176. (¬4) "لسان العرب" (لقط). (¬5) بياض في (ر)، والمثبت من (م). (¬6) في (م): لكن. (¬7) من (م). (¬8) في (م): مالكه. (¬9) من (م). (¬10) في (م): علقمة.

غزوت مع زيد بن صوحان) بضم الصاد المهملة العبدي، أسلم في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - (وسلمان بن ربيعة) الباهلي قال ابن عبد البر: ذكره أبو حاتم (¬1) في الصحابة ثم قال: هو عندي كما قال وهو أول قضاة الكوفة فكان يقال له: سلمان الخيل (¬2)؛ لأن عمر أعد في كل مصر خيلًا كثيرة للجهاد، فكان بالكوفة أربعة آلاف فرس معدة لعدو يدهمهم (فوجدت سوطًا) هو معروف والضرب به أعظم ألمًا من غيره، ولهذا قال الله: {سَوْطَ عَذَابٍ} (فقالا (¬3) لي: اطرحه) لتسلم من تعريفه، والظاهر أن من التقط لقطة لا يجوز له إلقاؤها في غير حرز؛ لتعلقها بذمته، قال: فإن ألقاها ضمن (فقلت: لا) أطرحه (لكن) أعرّفه و (إن وجدت صاحبه) دفعته إليه (وإلا استمتعت به) كما سيأتي. (فحججت) في سنة (فمررت على المدينة) لزيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - (فسألت أبي بن كعب فقال: وجدت صرة فيها مائة دينار) زاد مسلم: على عهد النبي (¬4) (فأتيت) بها (النبي - صلى الله عليه وسلم -) وذكرت له شأنها (¬5) (فقال: عرفها حولًا) فيه دليل على وجوب التعريف؛ لأنه أمر، والأمر يقتضي الوجوب، وليس ذلك بمعنى استيعاب السنة، بل لا تعرّف في الليالي ولا يستوعب الأيام أيضًا، بل على المعتاد فيعرف في الابتداء كل يوم مرتين في طرفي (¬6) النهار ثم في كل يوم مرة، ثم في كل أسبوع مرة، ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 4/ 297. (¬2) في (م): الخليل. وانظر: "الاستيعاب" 2/ 193 (1016). (¬3) في (م): فقال. (¬4) "صحيح مسلم" (1723). (¬5) من (م). (¬6) في (ر): طرف.

ثم في كل شهر بحيث لا ينسى، ثم في وجوب المبادرة إلى التعريف وجهان [مبنيان على أن الأمر يقتضي الفور أم لا، والأصح أنه لا يجب الفور، وفي قوله (حولًا) دليل على وجوب التعريف سنة كاملة] (¬1)، وهذا في المال الكثير، أما القليل فلا يجب سنة؛ لرواية الإمام أحمد عن يعلى بن مرة مرفوعًا: "من التقط لقطة يسيرة حبلًا، أو درهمًا أو شبه ذلك فليعرفها ثلاثة" يعني: ثلاثة أيام "فإن كان فوق ذلك فليعرفها سنة" (¬2). (فعرفتها حولًا) كاملًا (ثم أتيته فقلت) عرفتها و (لم أجد من يعرفها) إجمالًا ولا (¬3) تفصيلًا (فقال: احفظ عددها) ليس هو من حفظ المال بل من حفظ القرآن، وتدل عليه الرواية الآتية: اعرف عددها (ووكاءها) بكسر الواو والمد وهو الخيط الذي يشد به الوعاء الذي تكون (¬4) فيه النفقة يقال: أوكيته إيكاءً، فهو موكأ. قال عياض (¬5): ومن قال: الوكا بالقصر فقد وهم (ووعاءها) ومعنى الأمر بمعرفة ذلك حتى (¬6) يعلم بذلك (¬7) صدق واصفها من كذبه لئلا يختلط بماله ويشتبه (فإن جاء صاحبها) يطلبها وجواب هذا الشرط محذوف تقديره: فإن جاء صاحبها فارددها إليه (وإلا فاستمتع بها) وهذا جواب حذف شرطه، والتقدير: وإن لم يجئ صاحبها فاستمتع بها، ففي هذا الحديث ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): ستة أيام. وكذا في "مسند أحمد" في نسخ "سنة" وفي نسخ "ستة أيام"، "المسند" 4/ 173، والحديث عند الطبراني 22/ 273 (700) بلفظ "ستة أيام". (¬3) و (¬4) من (م). (¬5) و (¬6) سقط من (م). (¬7) من (م).

مثالان [بحذف الشرط، وجوابه، فكلاهما حذف شرطه جائز، وقد] (¬1) يحذف الشرط وجوابه معًا كقوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} تقديره: واللائي لم يحضن إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر. والأمر بالاستمتاع بها أمر إباحة، فإن الجمهور على أن له أن يصرفها في مصالحه من أكل وغيره، وله أن يتصدق بها، ولا بد في هذين من الضمان إذا جاء صاحبها، وقال أبو حنيفة: لا يباح أكلها والانتفاع بها (¬2) إلا للفقير (¬3). وشذ داود فأسقط عنه الضمان بعد السنة، لقوله في رواية: "فهي لك" (وقال) [سويد بن علقمة] (¬4) وسلمة (¬5) بن كهيل (لا أدري أثلاثًا) أي: أثلاث مرات (قال: عرفها، أو) قال (مرة واحدة) قال الكرماني: هذا الشك يوجب سقوط المشكوك (¬6) فيه وهو الثلاثة (¬7). قال ابن بطال: هذا الحديث لم يقل أحد من أئمة الفتوى بظاهره، وهو أن تعرف اللقطة ثلاثة أحوال (¬8)، لكن حكى القرطبي أن عمر بن الخطاب روي عنه أنه يعرفها ثلاثة أعوام (¬9) (¬10)، وحكاه الماوردي عن قوم (¬11). ¬

_ (¬1) في (ر): لأن. والمثبت من (م). (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) انظر: "المبسوط" 11/ 5 - 6، 8 - 9. (¬4) من (م). (¬5) في (م): مسلمة. (¬6) في (م): الشكوك. (¬7) "شرح الكرماني" 11/ 3. (¬8) "شرح البخاري" 6/ 545. (¬9) من (م). (¬10) "المفهم" 5/ 183. (¬11) "الحاوي" 8/ 12.

[1702] (حدثنا مسدد، ثنا يحيى) بن سعيد القطان (¬1) (عن شعبة بمعناه) المذكور، و (قال: عرفها حولًا) كاملًا (وقال) ذلك (ثلاث مرار (¬2)، وقال: فلا أدري أقال له (¬3) ذلك في سنة أو) قال (في ثلاث سنين) ولا عمل على هذا كما تقدم. [1703] (حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد) بن سلمة (حدثنا سلمة (¬4) بن كهيل) الحضرمي، وحديثه أقل من مائتي حديث (بإسناده) المذكور (ومعناه) لا حقيقة لفظه (وقال في التعريف: قال عامين أو ثلاثة وقال: اعرف عددها) فيه رد لقول أصبغ من أصحاب مالك: لا يعتبر العدد؛ لأنه لم يذكر في رواية (¬5). وحجة من ذكر العدد أقوى ممن سكت عنه؛ لأن السكوت عنه من باب حمل المطلق على المقيد، ولأن زيادة الثقة مقبولة (ووعاءها ووكاءها وزاد) في هذِه الرواية (فإن جاء صاحبها وعرف) بتخفيف الراء (عددها ووكاءها فادفعها إليه) وللنسائي زيادة ولفظه: "فإن جاء أحد يخبر بعددها ووعائها ووكائها فأعطها إياه" (¬6)، وليس هذا في الصحيحين، وظاهر الحديثين أنه لا بد من إخبار طالبها بالثلاثة التي هي العدد والوكاء والوعاء، وأنها تدفع إليه من غير بينة وهو مذهب مالك وأصحابه (¬7) ¬

_ (¬1) في (م): العطار. (¬2) في (م) مرات، والمثبت من (ر) و"السنن". (¬3) من (م). (¬4) في (م): سهل. (¬5) "المنتقى شرح الموطأ" 6/ 136. (¬6) "السنن الكبرى" 3/ 422 (5825). (¬7) "المدونة" 4/ 456.

وأحمد بن حنبل (¬1) وابن المنذر، وقال ابن المنذر بعد ذكر الحديث: [هذا هو الثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبه أقول ولم يذكر البينة في شيء من الحديث (¬2)] (¬3) ولو كانت شرطًا للدفع لم [يجز الإخلال] (¬4) به ولا الأمر بالدفع بدونه، ولأن إقامته (¬5) البينة على اللقطة (¬6) متعذرة؛ لأنها إنما (¬7) تسقط حال الغفلة والسهو فتوقف دفعها عليها منع لوصولها إلى صاحبها أبدًا، وهذا يفضي إلى تضييع أموال الناس، وأما حديث: "البينة على المدعي" (¬8) فسيأتي إن شاء الله. [1704] (ثنا قتيبة بن سعيد) البلخي (ثنا إسماعيل بن جعفر) المدني (عن ربيعة بن أبي (¬9) عبد الرحمن) فروخ، مولى آل المنكدر (عن يزيد مولى المنبعث) بضم الميم وسكون النون المدني (عن زيد بن خالد) بن زيد (¬10) القطاعي (الجهني) شهد الحديبية، وكان معه لواء جهينة يوم الفتح (أن رجلًا) [سماه الجهني بلالًا] (¬11) (سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) "مسائل أحمد برواية ابن هانئ" (1728). (¬2) "الأوسط" لابن المنذر 11/ 401. (¬3) من (م). (¬4) في (ر): يجد إلا حلال. والمثبت من (م). (¬5) في (م): إقامة. (¬6) في (م): اللقط. (¬7) في (ر): إذا. (¬8) رواه الترمذي (1341) وقال: في إسناده مقال. (¬9) من (م). (¬10) في (م): يزيد. (¬11) سقط من (م). وفي "غوامض الأسماء المبهمة" 2/ 841 ذكر أنه بلال.

عن) حكم (اللقطة فقال: عرفها) استدل بإطلاقه أحمد على وجوب التعريف على الملتقط سواء أراد تملكها أو حفظها لصاحبها (¬1)، وعند الشافعي: لا يجب التعريف على من أخذ للحفظ، ولا يضمن بترك التعريف، فإن بدا له قصد التعريف عرف من حينئذٍ (¬2) (سنة) في الأسواق وأبواب المساجد، ولا ينشدها في المسجد، فإنه لم يبن لهذا (ثم اعرف [وكاءها و] (¬3) عفاصها) بكسر العين المهملة وتخفيف الفاء وبالصاد المهملة، وهو الوعاء الذي تكون فيه النفقة، جلدًا كان أو خرقة أو قرطاسًا أو غير ذلك، وربما أطلق العفاص على الجلد الذي يكون على رأس القارورة؛ لأنه كالوعاء (¬4)، وأما الذي يدخل في فم القارورة من خشبة أو خرقة أو غيرهما فهو الصمام بكسر الصاد المهملة، ومنه حديث: الوطء في صمام واحد. (¬5) وهو على حذف مضاف أي: في موضع صمام واحد. (ثم استنفق بها) الظاهر أن الباء زائدة والتقدير: فاستنفقها. كما في لفظ البخاري (¬6)، أي: أخرجها في نفقتك (فإن جاء ربها) أي: مالكه؛ لأنها من جملة الأموال التي يجوز إضافة مالكها إليها ولا يدخل [هذا في كراهية] (¬7) قول المملوك لسيده: ربي؛ فإنه مكلف ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" 8/ 292. وانظر كتابنا "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 9/ 622. (¬2) انظر: "المجموع" 15/ 255. (¬3) من "السنن". (¬4) في (ر): بالوعاء. (¬5) رواه مسلم (1435/ 119) من حديث جابر - رضي الله عنه -. (¬6) "صحيح البخاري" (2427). (¬7) في (ر): في هذا. والمثبت من (م).

بالعبادة لله، فلا يقول: ربي لغير الله؛ لئلا تحصل المشاركة (فأدها إليه) إذا وصفها بصفاتها المذكورة وإطلاق الحديث يقتضي أنه يدفعها إليه إذا وصفها سواء غلب على ظنه صدقه (¬1) أو لم يغلب، وبهذا قال مالك وأحمد (¬2) كما سيأتي. (فقال: يا رسول الله، فضالة) بالرفع (الغنم) يعني ما حكمها، والأكثر على أن الضالة مختصة بالحيوان، وأما غيره من سائر الحيوان فيقال فيه: لقطة، وقال أبو جعفر الطحاوي: الضالة واللقطة بمعنى واحد (¬3) (¬4) (فقال: خذها) أمر إباحة بجواز أخذها، فإذا أخذها عرفها سنة وأكلها (¬5) ثم إن (¬6) جاء صاحبها لزمه غرامتها عندنا (¬7) وعند أبي حنيفة (¬8) وأحمد (¬9) لأنه جاء في رواية "فإن جاء صاحبها فأعطها إياه" (¬10)، وقال مالك وابن المنذر في الشاة توجد في الصحراء: اذبحها وكلها، وفي المصر: ضمها حتى تجد (¬11) صاحبها؛ لقوله ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "المغني" 8/ 309 - 310. (¬3) من (م). (¬4) "شرح معاني الآثار" 12/ 162. (¬5) و (¬6) سقط من (م). (¬7) "الأم" 8/ 620. (¬8) "المبسوط" 11/ 4. (¬9) "مسائل أحمد وإسحاق رواية الكوسج" (1801). (¬10) في مسلم (1722)، ولعل المصنف يقصد رواية: "ثم كلها فإن جاء صاحبها فأدها إليه" وهي عند مسلم (1722/ 7). (¬11) في (ر): يجدها. والمثبت من (م).

- عليه السلام -: "إنما هي لك أو لأخيك أو للذئب" والذئب لا يكون في المصر (¬1). (فإنما هي لك) (¬2) تأكلها (أو هي لأخيك) يحتمل أن يريد به ملتقطًا آخر. ويحتمل أن يريد به (¬3) مالكها (أو للذئب) إذا لم تأخذها ولم يجئ صاحبها، وفيه التحريض على أخذها حفظًا لها على صاحبها؛ لأنه أضافها إليه بلام الملك، واستدل به مالك على أن هذا مخصوص بالصحراء؛ لأن الذئب لا يكون إلا في الصحراء، وحجة الجمهور قوله في الحديث: "خذها" ولم يفرق ولم يفصل (¬4) بين الصحراء والمصر، ولو كان (¬5) افترق الحال لسأل واستفصل، وقول مالك: الذئب لا يكون إلا في الصحراء فهذا لا يمنع كونها لغيره أيضًا، واستدل به مالك على أن آكلها لا غرم عليه لصاحبها ولا تعريف لها سنة ولا أقل؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "هي لك" ولم يوجب عليه تعريفًا ولا غرمًا، ولأنه سوى بينه وبين الذئب، والذئب لا يعرف ولا يغرم (¬6). قال ابن عبد البر: لم يوافق مالكًا أحد من العلماء على قوله (¬7). (قال: يا رسول الله فضالة الإبل؟ فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى احمرت وجنتاه، أو قال (¬8): وجهه) الشك من الراوي، رواية البخاري: فتمعر ¬

_ (¬1) "المدونة" 4/ 457، "الأوسط" لابن المنذر 11/ 417. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): بها. (¬4) في (ر): يستفصل. (¬5) سقط من (م). (¬6) انظر: "المدونة" 4/ 457. (¬7) ذكره ابن عبد البر عن الطحاوي، قاله عن مالك في "الاستذكار" 22/ 344. (¬8) زاد في (م): احمر.

[وجه النبي] (¬1). يرجح: احمر وجهه. وهي أعم؛ فإنها تعم الوجنتين والجبين، والوجنتان ما ارتفع من الخدين (¬2)، وسبب غضبه - صلى الله عليه وسلم - لسوء فهم السائل وقلة ذكائه مع وضوح المعنى في الفرق، وذلك أن اللقطة إنما هي (¬3) اسم الشيء الذي يسقط عن صاحبه فيضيع فيحتاج إلى من يحفظه، وأما الإبل فمستغنية عمن يحفظها؛ لاستقلالها بحذائها وسقائها (¬4)، وورودها الماء والشجر وامتناعها من آفات (¬5) سبع يريدها، بخلاف الغنم فإن سبيلها سبيل اللقطة (¬6)، ولذلك (قال) [في الإبل] (¬7) (ما لك ولها؟ ) فأتى باستفهام الإنكار على السائل عنها (¬8). وهذا يدل على (¬9) تحريم التعرض لضالة الإبل؛ لأنها يؤمن عليها الهلاك لاستقلالها بمنافعها، وقد نص على ذلك بقوله في الرواية الأخرى: "دعها عنك". [ومعناه: منع] (¬10) التصرف فيها، ولهذا قال - عليه السلام -: "ضالة المؤمن (¬11) حرق (¬12) النار" (¬13). قال العلماء: هذا كان ¬

_ (¬1) في (م): وجهه - صلى الله عليه وسلم -. "صحيح البخاري" (2427). (¬2) في (ر): الجبين. (¬3) زاد في (ر): في. (¬4) في (م): خفافها. (¬5) في (م): أقارب. (¬6) في (م): اللقط. (¬7) و (¬8) من (م). (¬9) سقط من (م). (¬10) في (م): ومقتضاه المنع من. (¬11) في (ر): المسلم. (¬12) بياض في (ر). (¬13) رواه أحمد 5/ 80، والدارمي 3/ 1695 - 1696 (2643، 2644)، وابن أبي =

أول الإسلام (معها حذاؤها) بكسر الحاء المهملة وتخفيف الذال المعجمة ومد الهمزة، وأصله النعل، وهو هنا خف البعير (وسقاؤها) بكسر السين والمد، وأصله ظرف الماء من الجلد، واستعارة الحذاء والسقاء هنا من أقوى أنواع البلاغة؛ حيث عبر عن خفها بالنعل وعن جوفها بالسقاء، والمعنى أنها لا تبالي حيث وطئت بخفها وحيثما وردت الماء شربت منه ما يكفيها حتى ترد ماء آخر. قال الماوردي: المراد بالسقاء العنق (¬1)؛ لأنها ترد الماء وتشرب من غير ساقٍ يسقيها. قال ابن دقيق العيد: لما (¬2) كانت مستغنية عن الحافظ والمتعهد وعن النفقة عليها؛ بما ركب في طبعها من الجلادة على العطش والجفاء، عبر عن ذلك بالحذاء والسقاء مجازًا (¬3) (حتى يأتيها ربها) أي مالكها، كما تقدم. [1705] (ثنا) أحمد بن عمرو (¬4) (بن السرح، ثنا) عبد الله (بن وهب، أخبرني مالك بإسناده ومعناه وزاد) بعد (سقاؤها ترد) بنفسها (الماء وتأكل) من (الشجر، ولم يقل) في هذِه الرواية (خذها في ضالة الشاء) ولم يذكرها ¬

_ = عاصم في "الآحاد والمثاني" 3/ 263 - 264 (1637 - 1641)، والبزار في "المسند" 10/ 252 - 253 (4349 - 4350)، والنسائي في "الكبرى" 3/ 414 - 415 (5792 - 5798). وغيرهم من حديث الجارود العبدي. وصححه ابن حبان 11/ 248 (4887)، والألباني في "الصحيحة" (620). (¬1) "الحاوي" 8/ 3. (¬2) في (ر): و. والمثبت من (م). (¬3) "إحكام الأحكام" 2/ 160. (¬4) في (ر): عمر.

له (وقال في اللقطة: عرفها سنة، فإن جاء صاحبها) فأدها إليه (وإلا فشأنك) بالنصب على الإغراء وهو منصوب بفعل محذوف تقديره: الزم شأنك ملتبسًا (¬1) بها، ويجوز الرفع بتقدير: هذا شأنك فالتبس [بها (¬2). وفيه جواز أخذ اللقطة، وأنها إذا كانت لا تفسد في مدة السنة فإنها تعرف سنة ثم يستمتع بها بعد انقضاء الحول ولا يلزمه التصدق (بها، ولم يذكر) في هذِه الرواية: (استنفق) بها، كما تقدم. (قال المصنف: ورواه) سفيان بن سعيد (الثوري وسليمان بن بلال) القرشي التيمي (وحماد بن سلمة، عن ربيعة) بن أبي عبد الرحمن (مثله) أي مثل ما تقدم (ولم يقولوا) في هذِه الرواية (خذها) فإنما هي لك كما تقدم. [1706] (ثنا محمد بن رافع) بن أبي زيد سابور القشيري (¬3) شيخ الشيخين (وهارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي، شيخ مسلم (المعنى، قالا: ثنا) محمد بن إسماعيل (بن أبي فديك) دينار الديلي (¬4) (عن الضحاك) بن عثمان الحزامي (أخرج له مسلم، عن بسر) بضم الموحدة وسكون المهملة (بن سعيد) المازني (عن زيد بن خالد الجهني: أن رسول الله سئل عن اللقطة) تقدم أن السائل بلال كما قيل ¬

_ (¬1) في (م): متلبسا. (¬2) من (م). (¬3) في (ر): القرشي. (¬4) في (ر): الرملي.

(فقال: عرفها سنة) إطلاقه التعريف يقتضي أن لا فرق بين يسير [اللقطة وكبيرها] (¬1)، لكن لا بأس بأخذ ما لا خطر له والانتفاع به من غير تعريف، كالتمرة والكسرة (¬2) الصغيرتين، ولا أعلم فيه خلافًا؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينكر (¬3) على واجد التمرة حين أكلها، بل قال: "لو لم تأتها لأتتك" (¬4)، ورأى النبي - صلى الله عليه وسلم - تمرة (¬5) فقال: "لولا أني أخشى أن تكون صدقة (¬6) لأكلتها" (¬7). وقال مالك وأبو حنيفة: لا يجب تعريف ما لا يقطع فيه يد السارق. وهو ربع دينار عند مالك (¬8)، وعشرة دراهم عند أبي حنيفة (¬9)؛ لأن (¬10) دون ذلك تافه فلا يجب تعريفه كالكسرة والتمرة (فإن جاء باغيها) أي طالبها (فأدها إليه) إن ذكر صفتها (¬11)، كما تقدم، (وإلا فاعرف ¬

_ (¬1) في (ر): التعريف وكثيره. (¬2) زاد بعدها في (ر): والخرقة. (¬3) في (ر): يذكر. والمثبت من (م). (¬4) في (ر): لا آتيك. والمثبت من (م). ورواه ابن أبي عاصم في "السنة" (265)، وابن حبان" (3240). (¬5) سقط من (م). (¬6) في (م): من الصدقة. (¬7) رواه البخاري (2055)، ومسلم (1071) من حديث أنس. ورواه مسلم (1070)، والبخاري معلقًا بعد حديث (2432) من حديث أبي هريرة. (¬8) "المدونة" 4/ 455، غير أنه قال: القليل والكثير في التعريف سواء. (¬9) "المبسوط" 11/ 4. (¬10) زاد في (م): ما. (¬11) في (م) صفاتها.

عفاصها ووكاءها ثم كلها) [ظاهره تمليكها بعد السنة، كما تقدم في رواية: "فهي لك" (¬1) لكن إذا أكلها عليه ضمانها إذا] (¬2) جاء صاحبها؛ لقوله بعده (فإن جاء باغيها) يعني: بعد أكلها (فأدها إليه) [أي: أد بدلها] (¬3) وهذا مذهب الشافعي (¬4) والجمهور، وقال داود: لا يلزمه رد البدل. [1707] (ثنا أحمد بن حفص) بن عبد الله، قاضي نيسابور، أخرج له البخاري [في الحج والنكاح (¬5) (حدثني أبي) حفص بن عبد الله النيسابوري، أخرج له البخاري] (¬6) أيضًا في الحج والنكاح عن إبراهيم بن طهمان (حدثني إبراهيم بن طهمان) بفتح الطاء المهملة، الهروي سكن نيسابور (عن عباد بن إسحاق) والمشهور أنه عبد الرحمن بن إسحاق بن عبد الله بن الحارث القرشي العامري، وكذا ذكره مسلم فيما أخرج له في الطب (¬7) (عن عبد الله بن يزيد) المدني، وثقه ابن حبان (¬8) ([عن أبيه يزيد] (¬9) مولى المنبعث (¬10)، عن زيد بن خالد ¬

_ (¬1) رواها مسلم (1722/ 6). (¬2) و (¬3) من (م). (¬4) "الأم" 4/ 81. (¬5) "صحيح البخاري" (5130). (¬6) من (م). (¬7) "صحيح مسلم" (2225). (¬8) "الثقات" 7/ 12. (¬9) في (ر): زيد. والمثبت من (م). (¬10) في (ر): المسعر. والمثبت من (م).

الجهني أنه قال: سئل رسول الله) عن اللقطة (فذكر نحو حديث ربيعة) ابن (أبي عبد الرحمن) (¬1) المتقدم. (قال: وسئل عن اللقطة) وفي بعضها: عن النفقة، يعني: التي تلتقط (فقال: يعرفها) (¬2) بتشديد الراء، وهو مضارع مرفوع لتجرده من الناصب والجازم (حولًا، فإن جاء صاحبها) هو ظاهر في أنها باقية على ملك صاحبها وهي في يد الملتقط وديعة، كما سيأتي في الرواية الآتية، وهذا يرجح أحد الاحتمالين في أن الغالب على اللقطة الكسب أو الأمانة، ذكرهما إمام الحرمين (¬3)، فإن جاء صاحبها في خلال حول (¬4) التعريف وذكر صفاتها، وصدقته أو أقام بينة (دفعتها إليه) بزوائدها المتصلة والمنفصلة إذا ظهر المالك قبل تملك الملتقط، قاله الرافعي (وإلا عرفت) بتخفيف الراء (وكاءها وعفاصها) أي (¬5): وإن لم يجئ صاحبها إلا بعد مضي مدة التعريف، فاعرف صفاتها المذكورة (¬6)، وظاهر هذا الحديث أن معرفة صفاتها بعد تعريف الحول، كما في حديث أبي بن كعب المتقدم أنه قال [له (¬7): عرفها حولًا، ثم جاءه بعد الحول فقال: احفظ عددها ووكاءها وعفاصها، وأما حديث زيد ¬

_ (¬1) في (ر): عبيد. (¬2) في (ر): عرفها. والمثبت من (م). (¬3) "الحاوي" 8/ 17. (¬4) من (م). (¬5) سقط من (م). (¬6) سقط من (م). (¬7) من (م).

ابن خالد الجهني في رواية (¬1) البخاري وغيره، فإنه قال: "اعرف عفاصها ووكائها ثم عرفها سنة" (¬2). فهذا يدل على أن معرفة عفاصها (¬3) قبل تعريف الحول، وهذا مذهب الشافعي (¬4) وغيره، ليحصل عنده علم ذلك، فإذا جاء صاحبها قبل (¬5) التعريف أو في خلال التعريف فنعتها (¬6) له وغلب (¬7) على ظنه (¬8) صدقه، فيجوز الدفع إليه حينئذٍ، وإن أخر معرفة (¬9) صفاتها إلى ما (¬10) بعد الحول، فإن جاء صاحبها عرف صفاتها جاز؛ [لأن المقصود يحصل حينئذ بذلك وإن لم يجئ صاحبها وأراد التصرف بعد الحول لم يجز حتى يعرف صفاتها] (¬11) لأن عينها تعدم بالتصرف أو تلتبس بما عنده فيفوت المقصود. (ثم أفضها) بفتح الهمزة وكسر الفاء وسكون الضاد [المعجمة (في مالك) أي: ألقها فيه واخلطها به، من قولهم: فاض الأمر وأفاض هو فيه، وأصل الإفاضة: الصب، ثم استعير] (¬12) لسرعة السير، ويحتمل أن يكون من قولهم: المال فوضى بينهم. أي: مختلط، وفي بعض ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) رواه البخاري (91، 2372، 2428، 2429)، ومسلم (1722). (¬3) في (م): صفاتها. (¬4) انظر "الأم" 4/ 81، 85. (¬5) في (ر): بعد. (¬6) في (م): فيصفها. (¬7) بياض في (ر)، والمثبت من (م). (¬8) في (ر): ظن. والمثبت من (م). (¬9) من (م). (¬10) و (¬11) و (¬12) سقط من (م).

النسخ: "ثم أقبضها" بالقاف وكسر الباء الموحدة من الإقباض أي: اقبضها واخلطها في مالك. (فإن جاء صاحبها) وهي باقية متميزة (فادفعها إليه) وإلا فقيمتها، وعند الشافعي: إذا غلب على ظنه صدقه (¬1) جاز الدفع ولم يجب عليه (¬2)؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "البينة على المدعي" (¬3). هذا ما صححه الرافعي، وليس في حديث الباب ذكر البينة، وأما حديث "البينة على المدعي" فأجيب عنه بأن المراد به (¬4) إذا كان منكر؛ لقوله في (¬5) سياقه: "واليمين على من أنكر". ولا منكر ها هنا على أن البينة تختلف، وقد جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بينة مدعي اللقطة وصفها، فإذا وصفها فقد أقام بينته. [1708] (ثنا موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (وربيعة) بن أبي عبد الرحمن (بإسناد قتيبة ومعناه وزاد فيه: فإن جاء باغيها فعرف عفاصها) ووكاءها (وعددها فادفعها إليه) فإن جاء قبل التملك دفعها إليه مع زيادتها المتصلة والمنفصلة؛ لأنها باقية على ملكه، ومؤنة (¬6) الرد في هذِه الحالة على المالك كالوديعة، فإن ¬

_ (¬1) في (م): صدقها. (¬2) من (م). (¬3) "الأم" 4/ 81. والحديث رواه الترمذي (1341). (¬4) من (م). (¬5) زاد في (ر): قوله. (¬6) في (ر): برمة. والمثبت من (م).

جاء بعد التملك أخذها مع الزيادة المتصلة دون المنفصلة، كما إذا رد إليه (¬1) المبيع بالعيب (وقال حماد) بن سلمة (أيضًا: عن عبيد الله) بالتصغير. (ابن عمر) بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب [(عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده) كما تقدم ويأتي (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله) كما تقدم (قال) المصنف (وهذِه الزيادة التي زاد حماد بن سلمة في حديث سلمة بن كهيل) الحضرمي (ويحيى بن سعيد) الأنصاري (وربيعة) بن أبي عبد الرحمن (وعبيد الله بن عمر) قال فيها (إن جاء صاحبها فعرف) بتخفيف الراء (عفاصها ووكاءها فادفعها إليه. ليست بمحفوظة)، و (قال) فيها: (عرفها سنة. و) كذا (حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أيضًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: عرفها) يعني (سنة) كما تقدم. [1709] (ثنا مسدد ثنا خالد) بن عبد الله الواسطي الطحان اشترى نفسه من الله ثلاث مرات بوزنه فضة (وحدثنا موسى بن إسماعيل ثنا وهيب بن] (¬2) خالد) الباهلي مولاهم (عن خالد الحذاء، عن أبي العلاء) يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن أخيه مطرف بن عبد الله بن الشخير (عن عياض بن حمار) بكسر الحاء (¬3) المهملة وتخفيف الميم وبعد الألف راء، المجاشعي الصحابي - رضي الله عنه - (قال: قال رسول الله: من ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ر): قول أبي داود غير محفوظة، تمسك به من جادل بضعفها فلم يصب، بل هي صحيحة فقد وافق حمادًا سفيان الثوري وزيد بن أبي أنيسة عند مسلم، وأخرجه أحمد والترمذي والنسائي من طريق الثوري. (ثنا مسدد، ثنا). (¬3) من (م).

وجد لقطة فليشهد) ظاهر الأمر فيه الوجوب، وهو أحد قولي الشافعي (¬1)، وبه قال أبو حنيفة (¬2)، وفي كيفية الإشهاد قولان: أحدهما: يشهد (¬3) أنه وجد لقطة ولا يعلم بالعفاص ولا غيره؛ لئلا ينتشر (¬4) فيتوصل الكاذب إلى أخذها، والثاني: يشهد على صفاتها كلها حتى إذا مات لم يتصرف فيها الوارث، وأشار الإمام إلى توسط بين الوجهين وهو أنه لا يستوعب [الصفات ولكن] (¬5) يذكر بعضها، وإذا قلنا بوجوب الإشهاد فتركه كان ضامنًا. قال النووي: الأصح ما قاله الإمام، والثاني من قولي الشافعي، وهو الأظهر (¬6). وبه قال مالك (¬7) وأحمد: لا يجب الإشهاد على اللقطة، بل يستحب احتياطًا (¬8)؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر به في حديث زيد بن خالد، ولو كان واجبًا لبينه، ولأنه خير في [الشهادة بين] (¬9) العدل والعدلين في قوله (فليشهد) على لقطته (ذا عدل أو ذوي عدل) بفتح الواو (عدلين) لأن الواجب لا تخيير (¬10) فيه، ويحتمل (أو) في قوله: (أو ذوي عدلين) ¬

_ (¬1) "المجموع" 15/ 258. (¬2) انظر "المبسوط" 11/ 13 - 14. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): يتنبه. وفي "المجموع": يتوصل. (¬5) في (ر): صفاتها بل. (¬6) "المجموع" 15/ 258. (¬7) "مواهب الجليل" 8/ 47. (¬8) "المغني" 8/ 308. (¬9) في (م): الشهادتين بعدل و. (¬10) في (ر): يجب. والمثبت من (م).

للتقسيم باختلاف حالين لا التخيير، [والظاهر أن (أو) للشك من الراوي، ولهذا جاء في رواية النسائي وأحمد: "فليشهد ذوي عدل" (¬1) من غير شك] (¬2). وفيه أن العدل الواحد يكفي في الشهادة على الالتقاط (¬3)، ولم أر أحدًا قال به هنا، بل المراد عدل واحد مع امرأتين، كما قال تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} (¬4) أو رجل ويمين؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بالشاهد واليمين (¬5)، وقد يؤخذ من الجواز جواز شهادة العبيد؛ لوجود العدالة فيهم، وهو قول شريح وابن سيرين وأحمد (¬6) خلافًا للشافعي (¬7) وأبي حنيفة، واحتجا على اشتراط الحرية بقوله تعالى: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} (¬8) يعني: للشهادة في أي موضع كان (¬9)، والإجماع دل على أن العبد لا يجب [عليه الذهاب] (¬10) فلا يكون شاهدًا، وهذا استدلال حسن (ولا يكتم) (¬11) يعني: شيئًا من أوصاف اللقطة، بل (¬12) يظهرها جميعًا بالبينات عنده فيعرف جنسها ¬

_ (¬1) "السنن الكبرى" 3/ 418 (5808)، "المسند" 4/ 161. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): الاحتياط. (¬4) البقرة: 282. (¬5) رواه مسلم (1712) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -. (¬6) انظر: "المغنى" 14/ 185. (¬7) "الأم" 7/ 195. (¬8) البقرة: 282. وانظر: "المبسوط" للسرخسي 16/ 146 - 147. (¬9) سقط من (م). (¬10) و (¬11) و (¬12) من (م).

دراهم أو دنانير، ونوعها (¬1) وإن كانت ثيابًا عرف لفافها (¬2) وجنسها ويعرف قدرها بالكيل أو الوزن [أو بالعدد أو الذرع إن عرف عدد العقد عليها، هل هو عقد واحد أو أكثر أنشوطة (¬3) أو غيرها، ويعرف صمامها] (¬4) الذي يدخل في رأسها، وعفاصها الذي تلبسه (¬5) (ولا يغيب) اللقطة عن طالبها، بل يعرفها، ولهذا جاء في رواية البيهقي: "ثم لا يكتم وليعرف" (¬6) وكيفية التعريف أن يذكر جنسها لا غير، فيقول: من ضاع منه ذهب. أو: من ضاع منه فضة أو دراهم أو دنانير [أو ثياب] (¬7) ونحو ذلك؛ لقول عمر لواجد الذهب: قل الذهب وبطريق الشام ولا تذكر صفتها؛ إذ لا يؤمن [أن يدعيها] (¬8) بعض من يعلم صفتها وتذكر صفتها التي يأخذ بها اللقطة فيأخذها وهو لا يملكها فتضيع على مالكها. (فإن وجد صاحبها) وذكر صفتها (فليردها عليه) زادت أو نقصت (وإلا) أي: وإن لم يجد صاحبها (فهو من (¬9) مال الله يؤتيه من يشاء) من خليقته، وقد استدل أبو حنيفة بهذا الحديث على أنه إذا عرفها ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) من (م). (¬3) ساقطة من (م)، وفي (ر): سيوطه. والمثبت من "المغني" 8/ 308. (¬4) سقط من (م). (¬5) في (م): تلبس. (¬6) "معرفة السنن والآثار" 9/ 81. (¬7) من (م). (¬8) في (م): بعض من يدعيها. (¬9) سقط من (م).

حولًا ولم يجد صاحبها أنه يتملكها إن كان فقيرًا من غير ذوي القربى وإن كان غنيًّا فلا (¬1). وقال: إن ما يضاف إلى (¬2) الله إنما يتملكه من يستحق الصدقة (¬3)، ودليل الجمهور إطلاق الأدلة المتقدمة الشاملة للغني والفقير، لقوله: "فإن لم تعرف فاستنفق بها". وفي لفظ: "فاستمتع بها" (¬4). وفي لفظ: "فهي كسبيل مالك" (¬5). وأما قول أبي حنيفة: إن ما يضاف إلى الله لا يتملكه إلا من يستحق الصدقة. لا برهان له عليه ولا دليل، وبطلانه ظاهر؛ فإن الأشياء كلها تضاف إلى الله خلقًا وملكًا، قال الله تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} (¬6). قال الخطيب: حديث عياض بن حمار في اللقطة رواه شعبة وعبد العزيز بن المختار، كلاهما عن خالد الحذاء كرواية وهيب (¬7)، وخالفهم حماد بن سلمة فرواه عن خالد، عن أبي قلابة، عن مطرف، عن عياض بن حمار. [1710] (ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا الليث) بن سعد (عن) محمد (بن عجلان) أخرج له مسلم. (عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده) الأعلى الحجازي (عبد الله ¬

_ (¬1) انظر "المبسوط" للسرخسي 11/ 8. (¬2) من (م). (¬3) زاد في (م): والغني يتصدق بها. (¬4) رواه البخاري (2426)، ومسلم (1723). (¬5) رواه مسلم (1723/ 10). (¬6) النور: 33. (¬7) في (م): وهب.

ابن عمرو بن العاص) فارتفع بالتصريح بذكر جده الأعلى وهم الإرسال بأن يكون المراد بجده الأدنى محمد، وبالتصريح الأعلى سار الحديث متصلًا وارتفع الخلاف فيه (عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن الثمر) بفتح الثاء (¬1) المثلثة والميم (المعلق) على أشجاره (فقال: من أصاب بفيه) أي: بفمه (من ذي حاجة غير) منصوب على الحال من فاعل أصاب لا من الضمير المجرور بالياء، والتقدير: من أصاب من المعلق ثمرًا لا شيء عليه إلا ما اتخذ حال كونه (¬2) خبنة (متخذ) مما أصابه (خبنة) بضم الخاء المعجمة وسكون الباء الموحدة، ثم نون، ثم تاء تأنيث، هي معطف الإزار وطرف الثوب، أي: لا يجوز له أن يأخذ منه في ثوبه شيئًا [يرفعه إلى فوق] (¬3) ولا في طرف ذيله، يقال: أخبن الرجل إذا خبأ شيئًا في خبنة ثوبه أو سراويله، وخبنت الثوب إذا عطفته وخيطت عليه ليقصر، وقيل: الخبنة ما يخبى (¬4) تحت الإبط، وفي حديث ابن عمر: "فليأكل منه ولا يتخذ خبنة" (¬5) (فلا شيء عليه) فيما أكل منه، أي: لا غرامة ولا عقوبة ولا إثم، بل هو مباح، وفيه جواز الأكل من الشجر بغير إذن صاحبه إذا كان محتاجًا إلى الأكل ولم يحمل منه شيئًا. ويؤخذ (¬6) منه أن غير المحتاج لا يجوز أكله وإن اشتهته نفسه، ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) من (م). (¬3) و (¬4) سقط من (م). (¬5) رواه الترمذي (1287)، وابن ماجه (2301). (¬6) في (ر): يحمل. والمثبت من (م).

وقواعد مذهب الشافعي أنه لا يجوز أكل شيء من الثمار بغير إذن مالكها (¬1). ويحتمل أن هذا في [ثمار الأشجار] (¬2) الموقوفة على الطرقات لمن يأكل دون من يحمل. (ومن) قطع من الثمر المعلق (خرج بشيء (¬3) منه فعليه كرامة مثليه) احتج به إسحاق بن راهويه على أن من سرق من الثمر المعلق شيئًا فعليه غرامة مثليه، وبه قال أحمد، وقال: ولا أعلم شيئًا يدفعه، وهو حجة لا يخالف إلا بمعارض مثله أو أقوى منه (¬4). ويرجحه أن عمر بن الخطاب غرم (¬5) حاطب بن أبي بلتعة حين (¬6) انتحر غلمانه ناقة رجل من مزينة مثلي قيمتها، كما رواه الأثرم في "سننه" مع حديث الباب، وكذا قال في الماشية تسرق من المرعى من غير أن تكون محرزة مثلا قيمتها، وكذا ما جاء في الشاة الحريسة كما رواه ابن ماجه (¬7)، ولفظه: عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن رجلًا من مزينة سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الثمار فقال: "ما أخذ في أكمامه فاحتمل فثمنه ومثله معه، وما كان في الجران ففيه القطع إذا بلغ ذلك المجن، وإن أكل ولم يأخذ فليس عليه"، فقال - يعني (¬8) السائل -: الشاة ¬

_ (¬1) "المجموع" 9/ 54. (¬2) في (ر): أشجار الثمار. والمثبت من (م). (¬3) من (م)، و"المغني". (¬4) "المغني" 12/ 438 - 439. (¬5) في (م): رجح. (¬6) في (م): حتى. (¬7) (2596). (¬8) في (ر): بعض.

الحريسة منهن يا نبي الله. فقال: "ثمنها ومثله معه"، وما عدا ما ذكر في هذِه الأحاديث فلا خلاف أنه يغرم بأكثر من قيمته أو مثله إن كان مثليًّا إلا ما ذهب إليه (¬1) أبو بكر - رضي الله عنه - من إيجاب غرامة المسروق من غير حرز بمثليه (¬2) قياسًا على الثمر المعلق وحريسة الجبل، والحريسة بالحاء المهملة فعيلة بمعنى المحروسة، وإليه (¬3) ذهب الشافعي والجمهور أنه ليس في المسروق من الثمار المعلقة إلا مثلها (¬4). قال ابن عبد البر: ولا أعلم أحدًا من الفقهاء قال بوجوب غرامة مثليه (¬5). واعتذروا عن هذا الحديث بأنه كان في ابتداء الإسلام [حين كان] (¬6) التعزير والعقوبة بالمال ثم نسخ ذلك، ورده الحنابلة بأن دعوى (¬7) النسخ بالاحتمال من غير دليل عليه فاسد بالإجماع (¬8). (و) عليه (العقوبة) وهو [قطع اليد إن بلغ ثمن المجن] (¬9) التعزير بما يراه الحاكم، ولا قطع عليه، وإن بلغ ثمنه ربع دينار (¬10)؛ لرواية ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (م): بمثله. (¬3) في (م): الذي. (¬4) "الأم" 6/ 206. و"الحاوي الكبير" 13/ 290. (¬5) "التمهيد" 19/ 212. (¬6) في (م): و. (¬7) سقط من (م). (¬8) "المغني" 12/ 439. (¬9) من (م). (¬10) من (م).

"الموطأ": "لا قطع في ثمر معلق" (¬1)، ولأن بساتين المدينة ليس عليها حيطان، وكذلك الكثر المأخوذ من النخل وهو جمار النخل، وهو قول مالك (¬2) والشافعي (¬3) وأحمد (¬4) وأصحاب الرأي (¬5). وقال أبو ثور: إن كان من ثمر أو بستان (¬6) محرز ففيه القطع، وبه قال ابن المنذر (¬7)، وعلى قول الجمهور هو مخصص لعموم الآية، ولأن البستان ليس بحرز لغير الثمر والكثر فليس (¬8) حرزًا لهما كما لو لم يكن محوطًا، فأما إن كانت نخلة وكثرة محرز بحارس أو كانت في أفنية دور محرزة يجب القطع بالسرقة منها (¬9). (ومن سرق منه) أي: من ثمار الأشجار (بعد أن يؤويه) كذا الرواية، وفي رواية لغير المصنف: "لا قطع في ثمر حتى يأويه الجرين" وهو القاعدة، كما في الرواية الآتية: "لا يأوي الضالة إلا ضال" (¬10). والمراد: بعد أن يضمه مالكه ويجمعه إلى (الجرين) بفتح الجيم ¬

_ (¬1) "الموطأ" 2/ 831. (¬2) "المدونة" 4/ 536. (¬3) "الأم": 6/ 177. (¬4) من (م). وانظر: "المغني": 12/ 437 - 438. (¬5) "المبسوط" 9/ 184. (¬6) زاد في (م): ليس. (¬7) "الأوسط" لابن المنذر 12/ 302. (¬8) في (م): فلم يكن. (¬9) "المغني" 12/ 438. (¬10) يأتي برقم (1720).

وتخفيف (¬1) الراء وهو موضع تجفيف الثمر وكذا الموضع الذي [ييبس] (¬2) فيه الطعام وهو للتمر كالبيدر للحنطة، ويجمع على جُرُن (¬3) بضمتين، كبريد (¬4) وبرد، ولفظ ابن ماجه المتقدم (¬5): "وما كان [في جرانه] (¬6) ففيه القطع" (¬7) (فبلغ) ثمنه (ثمن المجن) بكسر الميم وفتح الجيم، هو الترس، [والميم زائدة وهي السترة، سمي مجنًّا لأن صاحبه يستتر [به] (¬8)، وجمعه مجان بفتح الميبم بوزن دواب، ومنه الحديث] (¬9): "كأن وجوههم المجان المطرقة" (¬10). وحمله الشافعي على ما قيمته ربع دينار فصاعدًا (¬11) كما سيأتي (فعليه القطع) مع ملاحظة الناطور (¬12). واعلم أن هذا الحديث عمدة الفقهاء في اشتراط الحرز [في القطع] (¬13)؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - اشترط (¬14) القطع في الثمر إذا أواه الجرين كما ¬

_ (¬1) في (م): كسر. (¬2) في النسخ: (يداس)، والمثبت من "شرح النووي" 6/ 83. (¬3) في (ر): حرز. (¬4) سقط من (م). (¬5) من (م). (¬6) في (ر): جرايه. (¬7) "سنن ابن ماجه" (2596) بنحوه. (¬8) ساقطة من الأصول، والمثبت من "شرح ابن بطال". (¬9) من (م). (¬10) رواه البخاري (2928)، ومسلم (2912) من حديث أبي هريرة. (¬11) "الأم" 6/ 204. (¬12) في "جمهرة اللغة" 2/ 1206: الناطور: حافظ النخل والشجر. (¬13) في (م): للقطع. (¬14) زاد في (م): في.

اشترط في القطع في الخيل إذا أواها المراح، فإن لم يكن الثمر في الجرين والخيل في المراح فلا قطع، فدل على أن الحرز شرط في إيجاب (¬1) القطع، ويكون هذا الخبر مخصصًا لآية (¬2) السرقة، كما أن حديث: "لا سرقة إلا في ربع دينار" (¬3) مخصصًا لآية السرقة أيضًا، ولما دل الشرع على اعتبار الحرز (¬4) من غير تنصيص على بيانه، دل على أن المرجع في بيانه [إلى أهل] (¬5) العرف [لأنه لا طريق إلى معرفته إلا] (¬6) من جهته، فرجع إليه كما رجعنا إليه في معرفة القبض الصحيح، والتفرقة بين المتبايعين، وإحياء الموات ونحو ذلك. واعلم أنا إذا أوجبنا على السارق من الجرين ما يبلغ ثمن المجن القطع فعليه مع القطع غرامة مثليه عند أحمد (¬7) [ومن تبعه] (¬8)، وغرامة مثله عند الشافعي والجمهور إن هلك المسروق في يد السارق (¬9). وعند أبي حنيفة: لا يجمع عليه بين القطع والغرامة، بل إن قطع يسقط (¬10) عنه الغرامة، وإن غرم سقط القطع (¬11). وبالاتفاق لو كان ¬

_ (¬1) في (ر) إيجاز. (¬2) في (ر): لأمر. (¬3) رواه البخاري (6789، 6791)، ومسلم (1684) من حديث عائشة، نحوه. (¬4) في (ر): الجرين. (¬5) في (م): على. (¬6) في (ر): لا. (¬7) "المغني" 12/ 439. (¬8) من (ر). (¬9) "الأم" 6/ 212. (¬10) سقط في (م). (¬11) "المبسوط" 9/ 185 - 186.

المسروق قائمًا يسترده ويقطع، وهذا لأن القطع حق الله تعالى وجب لهتك حرمة الشرع، والغرم حق العبد (¬1) وجب لإهلاك ماله، فلا يمنع أحدهما الآخر كما في حال بقاء العين يقطع ويسترد المال؛ للحديث الآتي: "على اليد ما أخذت حتى تؤدي" (¬2). ولفظ أحمد: "حتى تؤديه" (¬3). (ومن سرق دون ذلك) أي: دون ما يبلغ ثمن المجن (فعليه غرامة مثليه) عند أحمد ومتابعيه (¬4) والشافعي: غرامة مثله فقط (¬5). (والعقوبة) يعني: التعزير؛ لانتهاك حرمة الشرع كما تقدم، [وقال أبو داود: الجرين: الخوصان] (¬6). (وذكر في ضالة) من (الغنم والإبل كما ذكره غيره) يعني: كما ذكر غير (¬7) عبد الله بن عمرو بن العاص من الرواة عن رسول الله (قال) عبد الله بن عمرو (وسئل) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (عن اللقطة فقال: ما كان منها) موجودًا (في طريق الميتاء) بكسر الميم مع مد آخره. أي: في الطريق المسلوك للمارة، وقيل: ميتاء الطريق وميداؤه: محجته، وعلى الأول فهو مفعال من الإتيان (¬8) والميم زائدة، وأصله الهمز، وأصله ¬

_ (¬1) في (م): للعبد. (¬2) سيأتي برقم (3561). (¬3) "المسند" 5/ 8، 13. (¬4) "المغني" 12/ 438. (¬5) "الأم" 6/ 207. (¬6) في (م): وسئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (¬7) من (م). (¬8) في (ر): البيات.

قبل القلب ميتاي (¬1)، فقلب حرف العلة همزة لتطرفه بعد الألف، والمعنى: طريق يأتيها الناس ويسلكونها كثيرًا، كما يقال: دار محلال يحلها الناس كثيرًا؛ لأن الـ (مفعال) من أبنية المبالغة، وقوله: [طريق الميتاء هو من إضافة الموصوف إلى صفته، ولا بد فيه من تقدير، وتقديره: في طريق المكان الميتاء، كما يقال: مسجد الجامع، وغيره. (أو) كان في (القرية الجامعة) أي الذي اجتمع فيها ناس كثيرون (فعرفها سنة) والمراد] (¬2) بالطريق الميتاء المسلوكة بكثرة المارين، وبالقرية الجامعة المسكونة بالناس؛ بدليل رواية الشافعي عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في كنز وجده رجل: "إن وجدته في قرية مسكونة أو طريق ميتاء فعرفه" (¬3) يعني: سنة، كما تقدم، واللقطة عام في الذهب والفضة أثمانًا كانت أو غيرها، ورواه (¬4) الأثرم والجوزجاني في كتابيهما عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: أتى رجل رسول الله فقال: يا رسول الله كيف ترى في متاع يوجد في الطريق الميتاء، أو في (¬5) قرية ¬

_ (¬1) في (ر): ميتاء. (¬2) سقط من (م). (¬3) "مسند الشافعي" 1/ 248. ورواه الحميدي في "المسند" 2/ 272 (597)، والحاكم 2/ 65، والبيهقي 4/ 155. قال الحافظ في "الدراية" 1/ 262: رواته ثقات. وحسن إسناده في "البلوغ" ص 124. (¬4) في (ر): رواية. (¬5) سقط من (م).

مسكونة؟ قال: "عرفه سنة، فإن جاء صاحبه وإلا فشأنك به (¬1). وفي هذا رد على ما ذهب إليه بعض الحنابلة أن العروض (¬2) لا تملك بالتعريف، ثم اختلفوا ما يصنع بها، فقال ابن عقيل: يعرفها أبدًا، وقال القاضي: هو بالخيار بين أن يقيم على تعريفها حتى يجيء صاحبها وبين دفعها إلى الحاكم ليرى رأيه فيها (¬3) (فإن جاء طالبها) ووصفها بما يغلب (¬4) على الظن صدقه (فادفعها إليه، وإن لم يأت) طالبها (فهي لك) استدل به أصحابنا على القول الذي حكي عن الشافعي أن اللقطة تدخل في ملكه بتمام التعريف حكمًا كالميراث، سواء اختار التملك بعد السنة أو سخط، وكان قد قصد التملك عند الأخذ، لقوله في الحديث: "إن لم يأت فهي لك". ولم يعتبر اختياره (¬5)، وكذا رواية: "إن جاء صاحبها وإلا كانت كسائر مالك". وفي لفظ: "كلها" (¬6). وهو مذهب أحمد بن حنبل، ويرجحه أن الالتقاط والتعريف سبب للتمليك، فإذا تم وجب أن يثبت به الملك حكمًا كالإحياء والاصطياد (¬7)، ولأن المكلف ليس له إلا مباشرة الأسباب، فإذا أتى ¬

_ (¬1) نقله عنهما في "المغني" 8/ 303 مسندًا، ورواه النسائي في "الكبرى" 3/ 423، وصححه ابن خزيمة (2327) بدون كلمة "متاع". (¬2) في (م): المعروف. (¬3) "المغني" 8/ 303. (¬4) في (م): يعلم. (¬5) في (م): حيث أن. (¬6) "الأم" 4/ 82 - 83 بمعناه. (¬7) في (ر): الاسطار.

بها ثبت الحكم [قهرًا وجبرًا] (¬1) من الله تعالى غير موقوف على اختيار المكلف (¬2) (¬3). (وما كان) منها (في الخراب) يعني: الجاهلي، كما في رواية الشافعي من طريق يعقوب بن (¬4) عطاء، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: [إن] (¬5) وجد (¬6) في خربة جاهلية أو قرية غير مسكونة (ففيها وفي الركاز الخمس) (¬7) والمراد بالخراب العادي الذي لا يعرف له مالك، وفي معناه الأرض الموات، أو يوجد فيها آثار الملك كالأبنية القديمة والتلول وجدران الجاهلية وقبورهم، وكذا لو وجده على وجه الأرض أو (¬8) في طريق غير مسلوك أو قرية خراب فهو كذلك، كما دل عليه الحديث، وروى الدارقطني عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن اللقطة توجد (¬9) في أرض العدو فقال: "فيها وفي الركاز الخمس" (¬10). والركاز (¬11) عند الشافعية: دفين (¬12) ¬

_ (¬1) في (م): فهو خبر. (¬2) في (ر): الملك. (¬3) "المغني" 8/ 300 - 301. (¬4) في (م): عن. (¬5) ساقطة من الأصول، والمثبت من "الأم". (¬6) في (م) و"الأم" 2/ 60: وجدته. (¬7) "الأم" 2/ 60. (¬8) في (م): لا. (¬9) في (ر): تؤخذ. والمثبت (م). (¬10) "سنن الدارقطني" 3/ 194. (¬11) سقط من (م). (¬12) زاد في (م): في.

الجاهلية، ويعرف (¬1) بأن يوجد عليه اسم ملوك (¬2) الترك أو صليب (¬3). قال أبو إسحاق المروزي: إنما هو أموال الجاهلية العادية (¬4) (¬5) [الذين لا يعرفون هل بلغتهم الدعوة أم لا - فأما من بلغتهم فمالهم فيء - فخمسه لأهل الخمس وأربعة أخماسه للواجد] (¬6)، قال الماوردي: ولو أظهر السيل ركازًا فهو كما لو وجده مدفونًا (¬7). [1711] (ثنا محمد بن العلاء) أبو كريب الهمداني (ثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (عن الوليد بن كثير) المدني بالكوفة (عن عمرو بن شعيب بإسناده بهذا) الحديث، و (قال في ضالة الشاء: قال: فاجمعها) أي: ضمها إليك وأمسكها عندك وعرفها سنة حتى يظهر (¬8) صاحبها سواء وجدها في العمران أو قرية أو (¬9) مفازة، وينفق عليها من ماله ويرجع (¬10) على مالكها، وفي معنى الشاة ما لا يمتنع بنفسه كفصلان الإبل، وعجلان (¬11) البقر وأفلاء الخيل والدجاج والأوز ¬

_ (¬1) في (ر): يفرق. والمثبت من (م). (¬2) سقط من (م). (¬3) "المجموع" 6/ 97. (¬4) في (م): المعادية. (¬5) "مسائل أحمد وإسحاق" رواية الكوسج (726، 727). (¬6) سقط من (م). (¬7) "الحاوي الكبير" 3/ 343. (¬8) في (ر): ليظهر. (¬9) في (م): إليه. (¬10) في (ر): ليرجع. (¬11) في (م): عجول.

[ونحو ذلك] (¬1)، ولا فرق في أخذها بين الإمام وغيره، وعن أحمد رواية: ليس لغير الإمام التقاطها (¬2). [1712] (ثنا مسدد، ثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله (عن عبيد الله بن الأخنس) النخعي. (عن عمرو بن شعيب) عن أبيه، عن جده (بهذا الإسناد (¬3)، وقال في ضالة الغنم: هي لك) استدل به على أنه يجوز (¬4) لمن التقطها أن يتملكها؛ لأن اللام أصلها للملك، لكن لا يتملكها (¬5) إلا بعد تعريفها (¬6) كما تقدم. (أو لأخيك، أو للذئب) وفيه الإذن بأخذها؛ فإنها معرضة للذئب وغيره؛ لضعفها عن الاستقلال بنفسها فهي مترددة بين أن يأخذها واجدها أو أخوه المسلم الذي يمر بها أو للذئب يأكلها، واستدل مالك (¬7) وأبو عبيد وابن المنذر بهذا الحديث على أن الشاة التي توجد في الصحراء: اذبحها وكلها، وفي المصر صنها (¬8) حتى يجدها صاحبها؛ لأن قوله: (أو للذئب) فإن الذئب لا يكون في المصر (¬9) ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "المغني" 8/ 338. (¬3) في (م): إلى إسناده. (¬4) زاد في (م): ذلك. (¬5) في (م): يملكها. (¬6) في (م): أن يعرفها. (¬7) "المدونة" 4/ 457. (¬8) في (م): ضمها. (¬9) "المغني" 8/ 338.

كما تقدم (خذها قط) (¬1) بفتح القاف وسكون الطاء بمعنى حسب وجودها؛ لئلا تضيع (وكذا قال فيه أيوب) بن أبي تميمة (ويعقوب بن عطاء) بن أبي رباح (عن عمرو بن شعيب) عن أبيه، عن جده (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال) فيه: (فخذها) فإنما هي لك أو لأخيك. [1713] (ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد) بن سلمة. (ح ثنا) محمد (بن العلاء، ثنا) عبد الله (بن إدريس) بن يزيد الأودي (عن) محمد (بن إسحاق) صاحب "المغازي" (عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده [عن النبي - صلى الله عليه وسلم -] (¬2) بهذا) الحديث ([وقال في ضالة]) (¬3) للذكر والأنثى بالهاء (¬4)، ولا تستعمل إلا في الحيوان (¬5) وغيره ضائع، ولفظة (الشاء) بالمد جمع شاة بالهاء للذكر والأنثى (فاجمعها) عندك (حتى يأتيها باغيها) أي: طالبها، والمراد أنها تستمر عنده حتى يظهر مالكها، فإذا ظهر وهي باقية واتفقا على رد عينها فذاك، إذ الحق لا يعدوهما، ويجب على الملتقط ردها إليه قبل طلبه في الأصح، كما قاله الرافعي في الوديعة (¬6). وقال ابن كج: إن كان صاحبها لا يعلم أنها عنده وجب عليه نقلها (¬7) إليه. ¬

_ (¬1) في (ر): فقط. (¬2) من (م). (¬3) مكانها بياض في (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) في (ر): الجبران. والمثبت من (م). (¬6) انظر: "مغني المحتاج" 2/ 415. (¬7) في (ر): قولها. والمثبت من (م).

[1714] (ثنا محمد بن العلاء [حدثنا عبد الله بن وهب] (¬1)، عن عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري ([عن بكير بن الأشج عن] (¬2) عبيد الله بن مقسم) بكسر الميم وفتح السين، مولى ابن أبي نمر القرشي، أخرج له الشيخان (حدثه عن رجل) (¬3) عطاء بن يسار [قال الشافعي: رواه عطاء عن أبي سعيد] (¬4) (عن أبي سعيد الخدري أن علي بن أبي طالب وجد دينارًا) في السوق، كما ذكره عبد الرزاق في روايته (¬5) (فأتى به فاطمة - رضي الله عنها - فسألت عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) زاد في رواية عبد الرزاق: قال: "عرفه ثلاثًا". ففعل، فلم يجد أحدًا يعرفه (فقال: هو رزق الله) أي: من [عند الله] (¬6) تفضل به عليكم لتنتفعوا به عند الاحتياج إليه (فأكل منه (¬7) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) قبلهما؛ تطييبًا لقلوبهما ومبالغة في بيان حله وأنه لا شك في إباحته، وأنه يرتضيه لنفسه ولابنته فاطمة وزوجها علي. وفيه استحباب أكل العالم من طعام يرتاب صاحبه في حله، أو يتوقف في الأكل منه، وأنه يستحب للمفتي أن يتعاطى بعض المباحات التي يشك فيها المستفتي فيه (¬8) من طعام وغيره؛ لأن فيه طمأنينة للمستفتي والشاك في أكله. ¬

_ (¬1) و (¬2) من (م). (¬3) زاد في (ر): عن. وقبلها بياض. (¬4) سقط من (م). قال في "الأم" 5/ 140: أخبرنا الدراوردي عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن عطاء بن يسار، عن علي أنه وجد دينارًا .. وذكره الماوردي في "الحاوي" 8/ 10 بإدخال أبي سعيد بينهما. (¬5) "مصنف عبد الرزاق" 10/ 140 (18636). (¬6) و (¬7) و (¬8) من (م).

(وأكل) منه بعد ذلك (¬1) (علي وفاطمة) - رضي الله عنهما - قال (فلما كان بعد ذلك اتته امرأة تنشد) بفتح التاء وضم الشين (الدينار) أي: تطلبه وتسأل عنه (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [يا علي] (¬2) أد) بفتح الهمزة وتشديد الدال، أي: أعطها بدل (الدينار) الذي أكلنا منه. وفيه دليل على أن الملتقط إذا تملك اللقطة وأكلها (¬3)، ثم جاء صاحبها غرم مثلها إن كانت مثلية كما في الدينار، وقيمتها إن كانت متقومة؛ لأنه تملك يتعلق به العوض (¬4)، فأشبه البيع. قال صاحب "المغني": لا أعلم فيه خلافًا (¬5). [1715] (ثنا الهيثم بن خالد الجهني) الكوفي، وثقه المصنف وغيره (¬6) (ثنا وكيع، عن سعد بن أوس) العبسي الكوفي الكاتب، وثقه أحمد والعجلي، وقال أبو حاتم: صالح (¬7) (عن بلال (¬8) بن يحيى) الكوفي (العبسي) بفتح المهملة وسكون الموحدة، نسبة إلى عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان، صدوق، قال ابن معين: ليس به بأس (¬9)، يروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسل، روى عن عمر بن الخطاب، وهو مشهور ¬

_ (¬1) زاد في (م): فلما. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): وأنفقها. (¬4) في (م): العرض. (¬5) "المغني" 8/ 313. (¬6) انظر: "تهذيب الكمال" 30/ 378. (¬7) "تاريخ الثقات" (517)، "الجرح والتعديل" 4/ 80. (¬8) سقط من (م). (¬9) "الجرح والتعديل" 2/ 396.

بالرواية عن حذيفة، وفي سماعه من علي نظر. (عن) علي - رضي الله عنه - (أنه التقط دينارًا) فيه دليل على استحباب أخذ اللقطة إن وثق بنفسه وإلا فلا؛ لما فيها من (¬1) فعل البر بحفظ مال المسلم عليه من الضياع؛ كتخليصه من الغرق؛ لأن حفظ مال المسلم كحفظ (¬2) دمه، وقيل: يجب أخذها؛ لقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (¬3)، فإذا كان وليه وجب عليه حفظ ماله. وقال ابن سريج وأبو إسحاق: إن غلب على ظنه ضياعها لو تركها وجب (¬4)، وإلا فلا، وحملا النصين على ذلك. (فاشترى به دقيقًا) محمول على أن الشراء بعد تعريفه؛ لرواية الإمام الشافعي أنه - عليه السلام - أمره أن يعرفه فعرفه (¬5)، فلم يعرف (¬6). وقيل: إنما لم يعرفه لأنه يرى أن الدينار فما دونه قليل لا يعرف، كما هو وجه لأصحابنا (فعرفه) بتخفيف الراء من المعرفة (¬7) (صاحب الدقيق) وهو اليهودي، كما سيأتي بعده، أي: عرف أنه علي بن أبي طالب ختن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأكرمه بالدقيق بدون عوض، وهذا منقبة لعلي - رضي الله عنه -، لما علم من شدة بغض اليهود للمسلمين، كما قال تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ¬

_ (¬1) في (ر): لأن. (¬2) في (م): كحرمة. (¬3) التوبة: 71. (¬4) من (م). (¬5) سقط من (م). (¬6) "الأم" 5/ 137. (¬7) في (ر): العرفة.

النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ} (¬1) (فرد عليه الدينار) لم يأخذ للدقيق عوضًا، وفيه دليل على جواز مقابلة أهل الذمة اليهود والنصارى والمعاهدين وغيرهم والأكل من طعامهم ومما باشروه بأيديهم (فأخذه علي) - رضي الله عنه - منه (¬2) وقبل هديته (¬3) بغير عوض. (فقطع منه قيراطين) القيراط جزء من أجزاء الدينار، وهو نصف عشره في أكثر (¬4) البلاد، وأهل الشام يجعلونه جزءًا من أربعة وعشرين جزءًا، وكذلك يجعله الحساب؛ لأنه أول عدد له ثمن وربع ونصف وثلث (¬5) صحيحات [غير مكسرات] (¬6). قال بعض الحسَّاب: القيراط في لغة اليونان حبة خرنوب وهو نصف دانق، والدرهم عندهم اثنا عشر حبة، و [الياء في] (¬7) القيراط [بدل من الراء، فإن أصله] (¬8) قراط، مثل دينار أصله دنار، لكن أبدل من أحد الضعفين بالتخفيف، ويرد في الجمع إلى أصله، فيقال: قراريط ودنانير، وقد كثر استعماله في الحديث كما في تشييع الجنازة والصلاة عليها (¬9). وفي الحديث دليل على جواز القطع من الدينار والدرهم وإن كانا ¬

_ (¬1) المائدة: 82. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): هبته. (¬4) في (م): كل. (¬5) في (م): ويكن. (¬6) في (م): من غير كسر. (¬7) في (ر): الباقي. والمثبت من (م). (¬8) في (ر): يدل على أن الراء فاضلة. والمثبت من (م). (¬9) رواه البخاري (47)، ومسلم (945) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

مصكوكين أو مضروبين، وجواز القطع محمول على أنه - رضي الله عنه - تملكه بعد التعريف ثم تصرف فيه بالقطع والبيع ونحوهما، وعلى أنهم كانوا يتعاملون في زمنه بالذهب المكسور كما يتعاملون بالصحيح، ولا ينقص قيمته لقطعه، أو أنه قطعه للضرورة، وقد ذم الله قوم شعيب وعابهم على قطع أطراف الدراهم والدنانير في قوله تعالى: {أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} (¬1). ويحتمل أنه قطع منه قيراطين وترك باقيه ليقطع منه أيضًا إذا احتاج إلى شراء شيء منه وهلم جرًّا، [ويحتمل أن القيراطين كانا زائدين على الدينار المعتاد (فاشترى به) كذا الرواية، والمراد] (¬2): فاشترى بالمقطوع من الدينار (لحما) وفيه فضيلة الصحابة - رضي الله عنهم - في كونهم كانوا خدام أنفسهم ليس لهم غلمان ولا خدام يشترون لهم. [1716] [(ثنا جعفر بن مسافر) الديلمي] (¬3) مولاهم (التنيسي) (¬4) بكسر المثناة فوق والنون المشددة نسبة إلى مدينة بديار مصر، سميت بتنيس بن حام بن نوح، قال النسائي: صالح. وذكره ابن حبان في "الثقات" (¬5) (ثنا) محمد بن إسماعيل (ابن أبي فديك) [الديلي] (¬6) مولاهم (ثنا موسى بن يعقوب) بن عبد الله بن وهب بن زمعة المطلبي (الزمعي) بفتح الزاي وسكون الميم ثم عين مهملة، نسبة إلى جده ¬

_ (¬1) هود: 87. (¬2) سقط من (م). (¬3) و (¬4) بياض في (م). (¬5) "الثقات" 8/ 161، وانظر: "تهذيب الكمال" 5/ 110. (¬6) في (م): الديلمي. وفي (ر): الذهلي. والمثبت من مصادر ترجمته.

المذكور، كذا ضبطه السمعاني، وقال [هو وابن معين] (¬1): ثقة (¬2). مات بعد الأربعين (عن أبي حازم) سلمة بن دينار الأعرج. (عن سهل بن سعد) بن مالك الأنصاري الساعدي، آخر من مات بالمدينة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، [قال له] (¬3) الزهري: ابن كم أنت (¬4) يوم المتلاعنين؟ قال: ابن خمسة عشر سنة. (أخبره أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - دخل على) زوجته (فاطمة) وولداه (حسن وحسين) سبطا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وريحانتيه (¬5) وسيدا شباب الجنة وهما (يبكيان، فقال: ما يبكيهما؟ ) (¬6) فيه ملاطفة الأولاد وسؤال والديهما عن سبب بكائهما وما يطرأ عليهما (قالت) يبكيان من (الجوع) وليس في البيت ما يقوتهما. (فخرج علي فوجد دينارًا) مرميًّا (بالسوق) أي في السوق، فالباء بمعنى (في) كما قال تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ} (¬7) (فجاء) به (إلى فاطمة - رضي الله عنها - فأخبرها) بالتقاطه من السوق، وفيه جواز إعلام الرجل زوجته بما يطرأ في غيبته عنها استئناسًا وملاطفة، ويحصل به الاستشارة المندوب إليها (فقالت: اذهب) به (إلى فلان اليهودي فخذ ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "الأنساب" للسمعاني 3/ 182. (¬3) في (ر): قاله. والمثبت من (م). (¬4) زاد في (م): يومئذ يعني. (¬5) من (م). (¬6) في الأصول: يبكيكما. والمثبت من "السنن". (¬7) آل عمران: 123.

لنا) به (دقيقًا) من شعير. قال البيهقي: إنما أنفقه قبل التعريف لشدة حاجته إليه وحاجة أهله، ويحتمل أنه عرفه سنة فلم ينقله (¬1) الراوي، أو ما (¬2) كان شرع تعريف السنة، وتقدم أن الدينار من القليل الذي لا يعرف على وجه (فجاء) به إليه (¬3) (فاشترى به) منه دقيقًا، فيه جواز معاملة الكفار كما تقدم، وفيه أن أهم ما يشترى من السوق عند شدة الحاجة الدقيق ليصنع في البيت منه الخبز والأدم (¬4) وغيره (فقال اليهودي: أنت ختن) بفتحتين (هذا الذي يزعم أنه رسول الله) والختن عند العرب كل من كان من قبل الزوجة (¬5) [كالأب والأخ، وختن الرجل عند العامة زوج ابنته، والختنة أمها، والأختان من قبل المرأة والأحماء من قبل الرجل] (¬6) والصهر يطلق عليهما، وخاتن الرجل الرجل (¬7) إذا تزوج منه، وسئل ابن جبير: أينظر الرجل إلى شعر ختنته، فقرأ: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} الآية، فقال: أراها فيهن (¬8). أراد بالختنة أم الزوجة (فقال) علي - رضي الله عنه - (نعم، قال: فخذ دينارك ولك الدقيق) أي: هبة؛ فإن عليًّا - رضي الله عنه - ممن لا تحل له الصدقة؛ فإنه من صلبية بني هاشم، وهم منزهون عن أوساخ الناس، وسؤاله له (¬9) يدل على أنه أعطاه الدقيق ¬

_ (¬1) في (م): يتعلمه. (¬2) من (م). (¬3) في (م): إلي. (¬4) في (م): الإدام. (¬5) في (م): المرأة. (¬6) و (¬7) من (م). (¬8) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (17579). (¬9) سقط من (م).

إكرامًا له لكونه ختن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والفضل ما شهد (¬1) به الأعداء. (فخرج) به (علي) - رضي الله عنه - يحمله (حتى جاء به) إلى (فاطمة - رضي الله عنها - فأخبرها) بأنه أعطاه الدقيق ولم يأخذ له ثمنًا، ولم يذكر في الحديث أن عليًّا ولا فاطمة دعيا لليهودي؛ عملًا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من أحسن إليكم فكافئوه، فإن لم تقدروا فادعوا له" (¬2). فيحتمل أنهما تركا المكافأة والدعاء؛ لأن الحديث مخصوص بالمسلم دون الكافر، أو دعيا ولم ينقل (¬3) وهو بعيد، ولو جازياه أو دعيا له أو أثنيا عليه لنقل. (قالت: اذهب إلى فلان الجزار) وهو الذي يذبح الجزور ويفرق أجزاءه، والجزور من الإبل خاصة يقع على الذكر والأنثى، وفيه دلالة على جواز وصف الرجل بحرفته التي يحترفها (¬4) وإن كانت من الحرف الدنية كالكناس والحجام (¬5) وغير ذلك (فخذ لنا بدرهم لحمًا) يشبه أن يكون اللحم لحم جمل؛ لأن الجزار مخصوص بذبح الإبل كما تقدم، و [يحتمل أن يكون من غيره، لكن] (¬6) الأول أظهر وأقرب إلى المعنى، ولكونه أرخص، وهم محتاجون إلى [الكثير فاشترى منه، فذهب علي - رضي الله عنه - ورهن الدينار عند الجزار بدرهم لحم - في بعضها - لحمًا، فجاء به يحمله، وذكر الغزالي] (¬7) هذا في باب أخلاق ¬

_ (¬1) في (م): شهدت. (¬2) سلف برقم (1672)، ويأتي برقم (5109). ورواه النسائي 5/ 82، وأحمد 2/ 68، 95، 99 من حديث ابن عمر. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1469). (¬3) في (م): يتقبل. (¬4) في (ر): يحترف بها. (¬5) في (ر): الحمام. (¬6) من (م). (¬7) بياض في (ر).

المتواضعين ومجامع ما يظهر فيه أثر التواضح [ونقل أنه حمل اللحم في ملحفته، فقال له بعض] (¬1) رعيته: يا أمير المؤمنين، [أحمله عنك؟ قال: لا] (¬2) أبو العيال أحق أن يحمل، وقيل: [أنه قال: لا ينقص الرجل من كماله ما يحمل] (¬3) من شيء إلى عياله، وكان أبو عبيدة بن الجراح و [هو أمير] (¬4) يحمل سطلًا له من [خشب إلى الحمام] (¬5)، وعن الأصبغ [بن نباتة] (¬6): كأني أنظر إلى عمر - رضي الله عنه - معلقًا لحمًا في يده اليسرى، [وفي يده اليمنى المدرى يدور في الأسواق] (¬7) حتى دخل رحله (¬8). وفي "مسند أبي يعلى": أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذهب إلى السوق فاشترى سراويل (¬9)، وحمله إلى بيته، أو كما قال، وسيأتي له تتمة في عجن فاطمة وطبخها وخبزها. (فعجنت) الدقيق أو بعضه (ونصبت) [القدر. أي] (¬10) رفعتها للطبخ، والمنصب [بوزن موقد] (¬11) من حديد ينصب (¬12) تحت القدر ليطبخ عليها ¬

_ (¬1) بياض في (ر). (¬2) في (ر): قال. والمثبت من "إحياء علوم الدين". (¬3) بياض في (ر). (¬4) في (ر): هم أمين. (¬5) بياض في (ر). (¬6) سقط من (م). (¬7) بياض في (ر). (¬8) رواه ابن أبي الدنيا في "التواضع والخمول" (99). (¬9) "مسند أبي يعلى" 11/ 23 (6162) من حديث أبي هريرة. وهو أيضًا في "معجمه" 3/ 1082 (2275)، ورواه الطبراني في "الأوسط" 6/ 349 (6594)، والبيهقي في "شعب الإيمان" 5/ 172 (6244)، وفي "الأدب" (509). من طرق. وهو حديث ضعف إسناده الحافظ العراقي في "المغني" 2/ 1109 (4022)، والحافظ في "الفتح" 10/ 273، وقال الألباني في "الضعيفة" (89): موضوع. (¬10) و (¬11) بياض في (ر). والمثبت من (م). (¬12) من (م).

(وخبزت) العجين، وهذا من كمال حذق فاطمة أن عجنت أولًا قبل الطبخ ليخمر في حال اشتغالها بالطبخ، ثم خبزت بعد ذلك، فقد (¬1) اجتمع في هذا الحديث مفاخر عظيمة ومآثر جسيمة دالة على قدر الصحابة في كثرة تواضعهم نساءً ورجالًا وصبيانًا، وشدة خشونتهم في المعيشة، وكونهم خدمة أنفسهم، و [فيه دليل] (¬2) على أن الزوجة الرفيعة إذا رضيت بخدمة زوجها دون خادم يخدمها لا تمتنع وإن كانت ممن يخدم مثلها، بل دونها، وأن هذا من كمال رفعة قدرها، رزقنا الله الاقتداء برجالهم، ونساءنا بنسائهم، وأولادنا بأولادهم. (فأرسلت إلى أبيها فجاءهم) فيه أن المرأة إذا احتاجت إلى سؤال من أمر دينها وإن (¬3) كان والدها أو واحد من محارمها، أن (¬4) ترسل إليه لتسأله ولا تظهر من بيتها، ولا تكتفي بسؤال زوجها؛ فإن القادر على اليقين وهو سماعها من النبي (¬5) لا يعمل بالظن وهو خبر الواحد. (فقالت: يا رسول الله) ولم تقل: يا أبي. ونحوه؛ فإن تعظيم المسؤول من نعت (¬6) وغيره متعين (أذكر) بفتح الهمزة وضم الكاف (لك) ما عملناه ولم نأكل منه شيئًا (فإن رأيته لنا حلالًا أكلناه وأكلت) بفتح تاء الخطاب، وزاد بعضهم (¬7) في بعض النسخ: (معنا) منه، ثم شرعت ¬

_ (¬1) بياض في (ر). والمثبت من (م). (¬2) من (م). (¬3) و (¬4) سقط من (م). (¬5) في (م): المفتي. (¬6) في (م): ثقب. (¬7) سقط من (م).

تذكر له قضيته فقالت: (من شأنه كذا و) من شأنه (كذا) حتى أكملت القصة، وهذا السؤال من ورع فاطمة واحتياطها لما تأكله ويأكله أولادها، ويحتمل أن يكون علي أمرها بالسؤال؛ لأنه محل ريبة؛ لكون اليهودي أعطاه هبة أو صدقة، وهما ممن لا تحل لهما الصدقة كما تقدم، فقد سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن لبن قدم إليه: "أصدقة أم هدية؟ " (¬1) كما رواه الطبراني، وقال: "نحن معشر الأنبياء أمرنا أن (¬2) لا نأكل إلا طيبًا ولا نعمل إلا صالحًا" (¬3). ويحتمل أن يكون السؤال لكون الدينار أخذ بغير إذن مالكه وتصرف فيه، أو بكونها لم تعرف سنة كما تقدم، وغير ذلك مما يسأل عنه المتورع، وقد اشتهر علي - رضي الله عنه - بكثرة الورع، حتى أنه كان يمتنع من أكل بيت المال حتى يبيع سيفه وعدة سلاحه التي يجاهد بها ولا يكون له إلا ثوب واحد في وقت الغسل لا يجد غيره. (فقال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (كلوا بسم الله) فيه حذف القول، والتقدير: كلوا قائلين في الابتداء بسم الله، وقد يستدل به من يقول بأن التسمية في الأكل واجبة؛ لكونه مأمورًا؛ لحديث: "سم الله، وكل بيمينك" (¬4). ولقول الله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} (¬5) وغير ذلك، وقد حمله ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2576) من حديث أبي هريرة بنحوه. (¬2) من (م). (¬3) "المعجم الكبير" 25/ 174 (428)، ورواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (3348). (¬4) رواه البخاري (5376)، ومسلم (2022)، وسيأتي برقم (3777). (¬5) الأنعام: 118.

الجمهور على الندب (فأكلوا) الثلاثة منه، ويجوز أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - أكل معهم تطييبًا لقلوبهم ولكنه لم ينقل صريحًا (فبينا هم كذلك) في بعض النسخ: فبينما (¬1) بزيادة الميم (مكانهم) أي: لم يقوموا من مكانهم و (إذا) للمفاجأة (غلام) حقيقته للصغير، ويطلق على الرجل مجازًا باسم ما كان عليه كما يقال للصغير شيخًا مجازًا باسم ما يؤول إليه و [قرينة الدفع] (¬2) إليه تدل على أنه رجل [لأن الصغير] (¬3) لا تدفع إليه اللقطة (ينشد) بفتح أوله وضم ثالثه كما تقدم (الله) بالنصب على حذف حرف الجر، يقال: نشدته الله وبالله (والإسلام) عطف عليه، يقال: نشدته الله والإسلام، ونشدته بالله وبالإسلام، أي: ذكرته بالله وبدين الإسلام كما قال الله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} (¬4)، وقدره بعضهم: سألتك بالله مقسمًا عليك به (الدينار) منصوب بـ (ينشد). (فأمر رسول الله) شخصًا أن يدعوه (فدعي له، فسأله) عن الدينار (فقال: سقط مني في السوق) وقت كذا (فقال له (¬5) النبي- صلى الله عليه وسلم -: يا علي اذهب إلى الجزار) الذي رهنت الدينار عنده على درهم (فقل له (¬6): إن رسول الله يقول لك: أرسل) بفتح الهمزة [(إلي بالدينار) المرهون (و] (¬7) درهمك) الذي لك في ذمة علي ضمانه (علي) وفيه أنه يصح ¬

_ (¬1) زاد في (م): هم هو. (¬2) في (ر): قريبه الرفع. والمثبت من (م). (¬3) من (م). (¬4) النساء: 1. (¬5) و (¬6) سقط من (م). (¬7) بياض في (ر).

ضمان العين [الذي عليه رهن سواء كان الضامن متبرعًا] (¬1) أو بإذن الذي عليه الدين. (فأرسل به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -) [باختياره، إما لأن الرهن تبين فساده] (¬2)؛ لأنه ظهر [مستحقًا للغير] (¬3) أو الرهن (¬4) صحيح؛ لأن عليًّا تملكه [عن رهنه ولكن تولى المرتهن عنه] (¬5) باختياره ورضي بذمة الضامن (¬6) وفيه أن اللقطة ما دامت باقية [يجب ردها إلى مالكها إذا ظهر] (¬7) كما تقدم [فدفعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له] بغير بينة؛ لأنه غلب (¬8) على ظنه صدقه، فجاز الدفع إليه و [لم يجب إلا] (¬9) مع قيام البينة. [1717] (ثنا سليمان بن عبد الرحمن) بن عيسى (الدمشقي) [بكسر الدال وفتح الميم] (¬10) أخرج له الجماعة غير مسلم (ثنا محمد بن شعيب) بن سابور الدمشقي، وثقه دحيم (¬11) وغيره (¬12) (عن المغيرة بن زياد) البجلي الموصلي (¬13) وثقه ابن معين وجماعة (¬14). (عن أبي الزبير (¬15) محمد بن مسلم (المكي أنه حدثه (¬16) عن جابر بن عبد الله قال: رخص لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العصا والسوط) الذي يضرب (¬17) ¬

_ (¬1) و (¬2) و (¬3) و (¬4) و (¬5) و (¬6) و (¬7) و (¬8) و (¬9) بياض في (ر). (¬10) من (م). وفيها: وضم الميم. وما أثبتناه من "الأنساب" للسمعاني 5/ 373. (¬11) في (ر) وخيم. (¬12) "تهذيب الكمال" 25/ 372. (¬13) في (ر) كم صلى. (¬14) "تهذيب الكمال" 28/ 361. (¬15) في (ر): نفير. (¬16) و (¬17) بياض في (ر).

به والحبل (¬1) (وأشباهه) يعني: من الدرهم (¬2)، وكل لقطة يسيرة كما سيأتي (يلتقطه الرجل) أو [المرأة، وإنما خص] (¬3) الرجل بالذكر؛ لأنه الغالب (ينتفع به) ملتقطه يعني بعد تعريف ثلاثة أيام؛ لما رواه [الإمام أحمد والطبراني] (¬4) والبيهقي والجوزجاني واللفظ لأحمد من حديث (¬5) يعلى ابن مرة مرفوعًا: "من التقط لقطة يسيرة حبلًا أو درهمًا أو شبه (¬6) ذلك فليعرفها ثلاثة أيام" (¬7) [وهو ظاهر في جواز الانتفاع بما يوجد في الطرقات من المحقرات مدة ولا يحتاج إلى تعريف، والظاهر أنها لقطة رخص في ترك تعريفها لقلتها، فهي كالثمرة] (¬8) فإن كان فوق ذلك فليعرفه ستة أيام، زاد الطبراني: "فإن جاء صاحبها وإلا فليتصدق بها" (¬9)، وإن كان في سنده عمر بن عبد الله بن يعلى فقد أخرج له ابن خزيمة متابعة (¬10)، وروى عنه جماعات كثيرة، وتعريف اليسير بثلاثة أيام وإن كان وجهًا ضعيفًا لأصحابنا فينبغي أن يكون معمولًا به؛ لأن رجال إسناده ثقات، وليس فيه ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (م): الدراهم. (¬3) و (¬4) بياض في (ر). (¬5) في (م): رواية. (¬6) في (ر): نحو. (¬7) "مسند أحمد" 4/ 173، "المعجم الكبير" 22/ 273 (700)، "السنن الكبرى" 6/ 195. (¬8) سقط من (م). (¬9) "المعجم الكبير" 22/ 273 (700). (¬10) "صحيح ابن خزيمة" (2675)، وانظر: "التلخيص الحبير" 3/ 162.

معارضة للأحاديث الصحيحة بتعريف سنة؛ لأن تعريف سنة هو الأصل المحكوم به عزيمة، وتعريف الثلاث رخصة تيسيرًا للملتقط؛ [لأن الملتقط] (¬1) اليسير يشق عليه التعريف السنة مشقة عظيمة، بحيث يؤدي إلى أن أحدًا لا يلتقط اليسير، والرخصة لا تعارض العزيمة، بل لا تكون إلا مع بقاء حكم الأصل كما هو مقرر في الأصول، ويؤيد تعريف الثلاث ما رواه عبد الرزاق عن أبي سعيد أن عليًّا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بدينار وجده في السوق، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عرفه ثلاثًا" ففعل، فلم يجد (¬2) أحدًا يعرفه فقال: "كله" (¬3). (قال المصنف: ورواه النعمان بن عبد السلام) التيمي الأصبهاني، قال أبو حاتم: محله الصدق (¬4). (عن المغيرة) هو ابن مسلم (¬5) (أبي سلمة) السراج (بإسناده) المعروف (ورواه) أيضًا (شبابة) بن سوار المدائني. (عن مغيرة) هو ابن مسلم أبو سلمة السراج صدوق (¬6). (عن أبي الزبير) محمد بن مسلم (عن جابر) بن عبد الله، ولم يذكر النبي (قال: كانوا) يعني الصحابة - رضي الله عنهم - (لم يذكروا النبي - صلى الله عليه وسلم -) فيه. ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) في (ر): أجد. والمثبت من (م). (¬3) "مصنف عبد الرزاق" 10/ 142 (18637). (¬4) "الجرح والتعديل" 8/ 449. (¬5) في الموضعين في (ر): مسلمة. (¬6) "الجرح والتعديل" 8/ 229.

[1718] (ثنا مخلد بن خالد) السعدي (¬1) بفتح المعجمة، العسقلاني، شيخ مسلم. (ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن عمرو بن مسلم) الجندي بفتح الجيم والنون اليماني قواه ابن معين (عن عكرمة) قال (أحسبه عن أبي هريرة) فلم يجزم بسماعه من أبي هريرة، فهو مرسل، قاله المنذري (¬2). (أن النبي قال: في ضالة الإبل المكتومة) أي: التي يكتمها آخذها ويخفيها عن صاحبها وينكرها (¬3) (غرامتها) أي: قيمتها إذا عدمت (ومثلها معها) هذا كما تقدم في رواية ابن ماجه عن عمرو بن شعيب في الشاة الحريسة "ثمنها ومثله معه" (¬4)، وكذا حريسة الجبل وفي "المغني": قال أصحابنا يعني الحنابلة: في الماشية تسرق من المرعى من غير أن تكون محرزة مثلا قيمتها، وذهب أبو بكر (¬5) إلى إيجاب غرامة المسروق من غير حرز بمثليه (¬6) قياسًا على حريسة الجبل (¬7). وعند الشافعية (¬8) والجمهور: أن الأصل غرامة المثل بمثله، والمتقوم بقيمته، بدليل المتلف والمغصوب والمنتهب والمختلس وسائر ما ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "مختصر سنن أبي داود" 2/ 273. (¬3) في (م): ينكر أخذها. (¬4) "سنن ابن ماجه" (2596). (¬5) زاد في (ر): - رضي الله عنه -. وأبو بكر إنما هو الأثرم. (¬6) في (م): بمثله. (¬7) "المغني" 12/ 439. (¬8) في (م): الشافعي.

يجب غرامته، وحملوا هذا الحديث على أنه على سبيل الزجر والردع لكاتم الضالة لينتهي عن مثل هذا الفعل، وقيل: كان في صدر الإسلام حين كانت العقوبة بالأموال ثم نسخ. [1719] (ثنا يزيد بن خالد بن موهب) بفتح الميم والهاء الرملي الثقة الزاهد (¬1) (وأحمد بن صالح) الطبري المصري شيخ البخاري. (قالا: ثنا) عبد الله (بن وهب، أخبرني عمرو) بن الحارث بن يعقوب الأنصاري المصري. (عن بكير) بن عبد الله بن الأشج. (عن يحيى بن عبد الرحمن ابن حاطب) بالحاء والطاء المهملتين ابن أبي بلتعة المدني (¬2) اللخمي، أخرج له مسلم. (عن عبد الرحمن بن عثمان) بن عبيد الله (التيمي) ابن أخي طلحة من مسلمة الفتح، شهد اليرموك، قتل مع ابن الزبير بمكة (أن رسول الله نهى عن لقطة الحاج) وفي معناه المعتمر، وفيه دليل على الصحيح من مذهب الشافعي وهو قول أبي عبيد ورواية عن أحمد: أنه لا يصح لقطة (¬3) الحرم للتملك، وإنما يجوز لحفظها لصاحبها أبدًا، والثاني: أنه يصح، وبه قال الأئمة الثلاثة (¬4). وحملوا الحديث على أن المراد به تأكيد التعريف بها لئلا يظن الاكتفاء بتعريفها في الموسم (¬5)، وقال الفوراني إنه الأقيس. ¬

_ (¬1) "الكاشف" للذهبي 3/ 276. (¬2) في (ر): الدين. والمثبت من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) "المغني" 8/ 305 - 306. (¬5) في (ر): الموسر.

(قال أحمد) بن صالح شيخ المصنف. (قال) عبد الله (بن وهب يعني في لقطة الحاج أن يتركها حتى يجدها (¬1) صاحبها) فإن التقطها أحد عرفها حتى يأتيها صاحبها أبدًا، ولا يختص التعريف بسنة (¬2) ولا غيرها، بل على الدوام وإلا فلا فائدة في التخصيص، وقد أخرج (¬3) النبي - صلى الله عليه وسلم - لتفضيل (¬4) الحرم على سائر البلاد، والمعنى أنها مثابة للناس يرجعون إليها في كل سنة، فكأنه جعل الواقع فيها محفوظًا عليه لحرمتها كما [تغلظ الدية فيها] (¬5)، ويدخل في قوله "لقطة الحاج" لقطة المسجد، وحرم مكة وكذا لقطة عرفة، ومحل (¬6) إبراهيم، لكن الأصح فيهما (¬7) أنها ليست كالحرم؛ لأن ذلك من خصائصه وليست المدينة كذا أيضًا. (قال ابن وهب) في روايته (عن عمرو) بن الحارث. [1720] (ثنا عمرو بن عون) الواسطي شيخ البخاري (أنا خالد) بن عبد الله بن عبد الرحمن الواسطي. (عن أبي حيان) بالمهملة والمثناة تحت، اسمه يحيى بن سعيد (التيمي، عن المنذر بن جرير) [بن عبد الله] (¬8) البجلي، أخرج له مسلم ¬

_ (¬1) في (ر): يجد. (¬2) في (ر): سنة. (¬3) في (ر): أفرح. (¬4) في (ر): ليفضل. (¬5) في (م): فعل بالمدينة. (¬6) في (م): مصلى. (¬7) في (م): فيها. (¬8) سقط من (م).

في الزكاة والعلم. (قال: كنت مع أبي جرير) بن عبد الله البجلي (¬1) (بالبوازيج) بفتح الباء الموحدة أوله (¬2) والواو وبالزاي المعجمة بعدها ياء وجيم، كذا ضبطه البكري في "معجم البلدان" ثم قال: كذا اتفقت الروايات فيه عند أبي داود البوازيج بالباء، قال: ولا أعلم هذا الاسم ورد إلا في هذا الحديث، قال: وصوابه عندي الموازج بالميم فهو المحفوظ، والموازج من ديار هذيل وهي متصلة بنواحي مكة (¬3)، وهناك كان تبدي جرير والله أعلم، إذ راحت عليه بقرة. قال: ويؤيد هذا أن الاسم عربي، وليس في الكلام بزج (¬4). قال ابن السمعاني: بوازيج بالباء الموحدة وبعد الألف زاي بلدة قديمة فوق بغداد خرج منها جماعة من العلماء قديمًا وحديثًا، منهم منصور بن الحسن البجلي، تفقه على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي (¬5). وقال المنذري: بوازيج الأنبار فتحها جرير بن عبد الله، وبها قوم من مواليه وليست بوازيج الملك التي بين تكريت وأربل (¬6). (فجاء الراعي بالبقر وفيها بقرة ليست منها) أي من بقره (فقال له ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) "معجم ما استعجم" 1/ 282. (¬5) "الأنساب" للسمعاني 1/ 406. (¬6) ورد ذلك بحاشية "مختصر سنن أبي داود" 2/ 273.

جرير: ما هذِه) البقرة؟ (قال: لحقت بالبقر، [لا ندري] (¬1) لمن هي، فقال جرير: أخرجوها) وفي بعضها: أخرجوه (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لا يأوي) [رواية: يؤوي، وهو الناعرة] (¬2) (الضالة) من الحيوانات (إلا ضال) أي غير مهتدٍ إلى الحق، والمراد بالضالة ما يحمي نفسه من الإبل والبقر، ويقدر على الإبعاد في طلب المرعى والماء بخلاف الغنم، فالحيوان الممتنع من صغار السباع وورود الماء لا يجوز التقاطه سواء كان لكبر خلقه (¬3) كالإبل والخيل والبقر، أو بطيرانه كالطيور المملوكة (¬4)، أو بنابه كالفهود، ولا يجوز لغير الإمام ونائبه أخذها ليحفظها على صاحبها، فإن أخذها لزمه ضمانها، وأما الإمام أو نائبه فله أخذها لأن عمر حمى موضعًا لخيل المجاهدين والضوال، ولأن للإمام نظرًا في حفظ مال الغائب من الهلاك ولا يلزمه تعريفها؛ لأن عمر لم يكن يعرف الضوال، فإن أخذ الحيوان من لا يجوز له أخذه ضمنه؛ لأنه أخذ ملك غيره بغير إذنه ولا إذن الشارع، فكان كالغاصب وإن رده إلى مكانه لم يبرأ من الضمان، وقال مالك: يبرأ؛ لأن عمر قال: أرسله في الموضع الذي أصبته فيه (¬5). ولأن جرير طرد البقرة التي لحقت ببقره، والله أعلم بالصواب. ¬

_ (¬1) في (م): ولا أدري. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): حبه. (¬4) في (ر): المملوك. (¬5) "المدونة" 4/ 458.

[وبه تم كتاب اللقطة ويتلوه كتاب المناسك إن شاء الله تعالى وحسبنا الله ونعم الوكيل ونعم المولى ونعم النصير وصلى الله على سيدنا محمد الأمين وآله الطيبين الطاهرين] (¬1) ¬

_ (¬1) من (م).

كتاب المناسك

كِتَابُ المَنَاسِكِ

1 - باب فرض الحج

11 - المناسك 1 - باب فَرْضِ الحَجِّ 1721 - حَدَّثَنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ المَعْنَى، قالا: حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ، عَنْ سُفْيانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ أَبي سِنانٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ الأَقْرَعَ بْنَ حابِسٍ سَأَلَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ الحَجُّ في كُلِّ سَنَةٍ أَوْ مَرَّةً واحِدَةً قَالَ: "بَلْ مَرَّةً واحِدَةً فَمَنْ زادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هُوَ أَبُو سِنانٍ الدُّؤَلي، كَذا قَالَ عَبْدُ الجَلِيلِ بْنُ حُمَيْدٍ وَسُلَيْمانُ بْنُ كَثِيرٍ جَمِيعًا عَنِ الزُّهْري، وقَالَ عُقَيْلٌ: عَنْ سِنانٍ (¬1). 1722 - حَدَّثَنا النُّفَيْليُّ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ ابن لأَبي واقِدٍ اللَّيْثي، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ لأَزْواجِهِ في حَجَّةِ الوَداعِ: "هذِه ثُمَّ ظُهُورُ الحُصْرِ" (¬2). ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (2886)، وأحمد 1/ 352، وعبد بن حميد (677)، والدارمي (1829). ويشهد له ما رواه مسلم (1337) من حديث أبي هريرة. (¬2) رواه أحمد 5/ 218، وأبو يعلى 3/ 32 (1444)، والطحاوي في "شرح المشكل" =

كتاب المناسك [1721] ([ثنا زهير بن حرب وعثمان) بن محمد (بن أبي شيبة المعنى قالا: ثنا يزيد بن هارون، عن سفيان بن حسين، عن] (¬1) الزهري) محمد بن شهاب (عن أبي سنان) بكسر المهملة (¬2) وتكرير النون، اسمه يزيد بن أمية. (عن [عبد الله] (¬3) بن عباس رضي الله عنهما: أن الأقرع بن حابس) التميمي المجاشعي (¬4)، [سمي الأقرع لقرع رأسه، والقرع حص (¬5) الشعر، قاله ابن دريد] (¬6) (سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحج) تقديره والله أعلم: آلحج، ثم حذفت همزة الاستفهام [تدل على أن الاستفهام] (¬7) رواية مسلم: فقال رجل: أكل عام؟ . وفي رواية (في كل) عام (سنة أو) يجب في العمر (¬8) (مرة واحدة فقال: بل) يجب (مرة واحدة) هذا مما يستدل به على أن الحج عند شروطه لا يجب في العمر إلا مرة واحدة إلا لعارض كنذر وقضاء، لكن ينبغي أن لا يترك خمس سنين. ¬

_ = 14/ 257 (5604)، والطبراني في "الكبير" 3/ 252 (3318). وصححه الألباني في "الصحيحة" (2401). (¬1) في (م): حدثنا عثمان بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم. (¬2) في (م): الميم. (¬3) من (م). (¬4) في (ر): المشاجعي. (¬5) في (ر): حصار. والمثبت مستفاد من "جمهرة اللغة" 2/ 769. (¬6) و (¬7) سقط من (م). (¬8) زاد في (م): إلا.

قاله البيهقي في "شعب الإيمان" (¬1)، وأورد فيه حديثًا من طريق أبي هريرة وأبي سعيد ولم يضعفه، وأخرج ابن حبان (¬2) طريق أبي سعيد الخدري ولفظه: "إن عبدًا (¬3) صححت له جسمه ووسعت عليه في المعيشة يمضي عليه خمسة أعوام لا [يفد إلي لمحروم"] (¬4). وحكى القاضي أبو الطيب في "تعليقه" عن بعض الناس أنه يجب الحج في كل خمس سنين مرة (¬5)، وحكى صاحب "البيان" (¬6) عن بعض الناس [أنه ومن] (¬7) حج ثم ارتد ثم أسلم لم يلزمه إعادة الحج عندنا خلافًا لأبي حنيفة (¬8). ومنشأ الخلاف أن الردة تحبط العمل أم لا (فمن زاد) على المرة (فهو تطوع) له قبل التلبس به، [فإن تلبس] (¬9) بعد سقوط فرض الكفاية في إحياء الكعبة كل سنة بالزيارة فهو تطوع، وإن تلبس به قبل ذلك فبالشروع فيه صار فرض كفاية ووجب عليه إتمامه. (قال أبو داود: هو أبو سنان الدؤلي) بضم الدال وفتح الهمزة، ويقال فيه بكسر الدال، وسكون الياء (كذا قال عبد الجليل [بن حميد]) (¬10) ¬

_ (¬1) "شعب الإيمان" (4132). (¬2) زاد في (م): من. (¬3) في (ر): عبدوا. (¬4) في (م): يفد إلى الحرم، وهو في "صحيح ابن حبان" (3703). (¬5) سقط من (م). (¬6) في (م): الباب. "البيان" 4/ 409. (¬7) في (م): فمن. (¬8) "المبسوط" 2/ 148. (¬9) سقط من (م). (¬10) سقط من (م).

اليحصبي البصري (¬1) (وسليمان بن كثير) العبدي قالوا يعني هما مع سفيان بن حسين (¬2) (جميعًا: عن الزهري، وقال عقيل) بضم العين مصغر (¬3) بن خالد (عن (¬4) سنان) دون كنيته. [1722] (ثنا النفيلي) بضم النون وفتح الفاء مصغر، اسمه عبد الله بن محمد [قال (ثنا عبد العزيز بن محمد، عن زيد بن أسلم، عن ابن لأبي واقد) بالقاف، واسم الابن واحد كما في رواية أحمد] (¬5)، وروى عنه ابناه، واسم أبي واقد الحارث بن عوف (عن أبيه) الحارث الصحابي. (قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لأزواجه في حجة الوداع) وكانت في سنة عشر (هذِه) يعني الحجة (ثم ظهور) فيه الجلوس على ظهور (الحصر) [زاد ابن سعد من حديث أبي هريرة: إلا زينب وسودة قالتا: لا تحركنا دابة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬6) لا على بطونها فلا يجلس على قفاها، وكذا ما في معناه من البسط واللحف ونحوها، وأن على الزوج لزوجته ما تقعد عليه كحصير أو لبد ونحوهما، وعلى الموسر طنفسة (¬7) في الشتاء ونطع في الصيف، وقوله: وظهور الحصير هو من ¬

_ (¬1) في (م): المصري. (¬2) في (م): جبير. (¬3) في (م): منصور. (¬4) في الأصول: "هو"، والمثبت من "السنن". (¬5) سقط من (م)، وانظر: "المسند" 5/ 218. (¬6) سقط من (م)، وانظر: "الطبقات الكبرى" 8/ 55. وأوله: وكان نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - يحججن إلا سودة وزينب. وقد رواها أيضًا الطيالسي (1752)، وأحمد 6/ 325. (¬7) في (م): طيسة.

المجاز، إما (¬1) مجاز الحذف تقديره: ثم لزوم ظهور الحصر، أو مجاز المجاورة كـ جرى الميزابُ، وإنما جرى ماؤه. وفي قوله: "هذِه ثم ظهور الحصر" دليل ظاهر على أنه يجب على المرأة إذا حجت حجة الإسلام أن تلازم المسكن بعد ذلك، ولا تحج بعدها حج تطوع، فإن حجت فلا أجر، وربما أثمت لا سيما حج نساء هذا الزمان الذي تترك فيه المرأة أكثر الفرائض أو تخرجها عن وقتها، ويدل على ملازمة المسكن بعد حجة الإسلام قوله: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} (¬2) فإنه ينبغي (¬3) تحريم السفر عليهن، وفهمت عائشة من قوله - صلى الله عليه وسلم - (¬4): "أحسن الجهاد حج مبرور" (¬5) إباحة تكرير الحج لهن كما أبيح للرجال، ولم يرد بقوله: "ظهور الحصر" التحريم، فقد ثبت أنهن كن يخرجن فيداوين الجرحى (¬6)، وأن هذا مخصص لظهور الحصر. قال البيهقي: حديث: "لكن أفضل الجهاد حج مبرور"، وعلى أن المراد بقوله: "هذِه ثم ظهور الحصر" وجوب الحج مرة واحدة لا الزيادة (¬7). ¬

_ (¬1) في (م): أي. (¬2) الأحزاب: 33. (¬3) في (م): يقتضي. (¬4) زاد في (م): لكن. (¬5) رواه البخاري (1861) من حديث عائشة. (¬6) حديث مسلم (1810). (¬7) في (م): التكرار. وانظر: "السنن الكبرى" 4/ 327.

2 - باب في المرأة تحج بغير محرم

2 - باب في المَرْأَةِ تَحُجُّ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ 1723 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّقَفيُّ، حَدَّثَنا اللّيْث بْنُ سَعْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ تُسافِرُ مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ إلَّا وَمَعَها رَجُلٌ ذُو حُرْمَةٍ مِنْها" (¬1). 1724 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ والنُّفَيْليُّ، عَنْ مالِكٍ (ح) وَحَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ، حَدَّثَنا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَني مالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبي سَعِيدٍ - قَالَ الحَسَنُ في حَدِيثِهِ: عَنْ أَبِيهِ ثُمَّ اتَّفَقُوا - عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ باللهِ واليَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسافِرَ يَوْمًا وَلَيْلَةً". فَذَكَرَ مَعْناهُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَلَمْ يَذْكُرِ القَعْنَبي والنُّفَيْليُّ، عَنْ أَبِيهِ رَواهُ ابن وَهْبٍ وَعُثْمانُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ مالِكٍ كَما قَالَ القَعْنَبيُّ (¬2). 1725 - حَدَّثَنا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبي سَعِيدٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ نَحْوَهُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: "بَرِيدًا" (¬3). 1726 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ وَهَنّادٌ أَنَّ أَبا مُعاوِيَةَ وَوَكِيعًا حَدَّثاهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ باللهِ واليَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسافِرَ سَفَرًا فَوْقَ ثَلَاثَةِ أيّامٍ فَصاعِدًا إِلَّا وَمَعَها أَبُوها أَوْ أَخُوها أَوْ زَوْجُها أَوِ ابنها أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْها" (¬4). 1727 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1088)، ومسلم (1339). (¬2) انظر السابق. (¬3) قال الألباني في "ضعيف أبي داود" (304): ورجال إسناده ثقات، ولكنه بهذا اللفظ شاذ، والمحفوظ بلفظ: "يوم وليلة" كما أخرجه الشيخان وغيرهما. قلت: وقد سبق ما رواه الشيخان قريبا. (¬4) رواه مسلم (1340).

حَدَّثَني نافِعٌ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا تُسافِرُ المَرْأَةُ ثَلاثًا إِلَّا وَمَعَها ذُو مَحْرَمٍ" (¬1). 1728 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْنُ عَليٍّ، حَدَّثَنا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نافِعٍ أَنَّ ابن عُمَرَ كَانَ يُرْدِفُ مَوْلاةً لَهُ يُقالُ لَها صَفِيَّةُ تُسافِرُ مَعَهُ إِلَى مَكَّةَ (¬2). * * * باب في المرأة تحج بغير محرم [1723] ([حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث بن سعد] (¬3) ثنا سعيد بن أبي سعيد) كيسان (عن أبيه) أبي سعيد المقبري: كان يسكن عند مقبرة فنسب إليها (عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يحل لامرأة مسلمة) احتراز من الكافرة، فإنها غير مخاطبة بتحليل ولا تحريم، ولا مكلفة بالأحكام الشرعية في الدنيا كما هو مقرر في كتب الأصول، (تسافر مسيرة ليلة) أي: بيومها [للرواية الآتية] (¬4) كرواية الصحيحين: تسافر [مسافة يوم وليلة] (¬5) (إلا ومعها رجل ذو [حرمة منها]) (¬6) أو زوج بما (¬7) سيأتي في الحديث الآتي، لأن (¬8) سفرها وحدها حرام ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1086، 1087)، ومسلم (1338). (¬2) رواه البيهقي 5/ 226. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1520/ 1). (¬3) من مطبوع "السنن". (¬4) سقط من (م). (¬5) في (م): ليلة ويوم. (¬6) في (م): محرم معها. (¬7) في (م): كما. (¬8) في (م): أن.

وإن كانت في قوافل؛ لخوف استمالتها وخديعتها، وخرج بقوله "الرجل" عن (¬1) الصبي غير المميز، وكذا المميز، وأن مفهوم الرجل يخرجه إلا أن يقال: إنه خرج مخرج الغالب في الخطاب، ولا مفهوم له، ولما في السفر من الخطر المخرج إلى اشتراط بلوغ الكمال، ولما فيه من [كثرة الاختلاط] (¬2) بخلاف الإقامة، وقيل: يتخرج بالاكتفاء بالمميز على الخلاف المعروف في وجوب العدة من وطء المميز. [1724] ([حدثنا عبد الله بن مسلمة، والنفيلي، عن مالك ح] (¬3) قال الحسن بن علي) في حديثه (عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه) أبي سعيد (ثم اتفقوا) يعني: عبد الله بن مسلمة والنفيلي والحسن في الرواية (عن أبي هريرة) مع اختلافهم في أن أبا سعيد روى (¬4) عن أبي هريرة بواسطة أبيه وبغير واسطة (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) إذا التزمت بشرائع (¬5) الإسلام لإيمانها (أن تسافر يومًا وليلة) متواليين أو متفرقتين (فذكر معناه) أي: معنى ما تقدم. (قال أبو داود: ولم يذكر القعنبي والنفيلي) في روايته عن سعيد بن أبي سعيد، عن (¬6) عبد الله (بن وهب وعثمان بن عمر) الأحمر (كما قال القعنبي) من غير ذكر أبيه. ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) في (م): الكثرة والاختلاط. (¬3) من مطبوع "السنن". (¬4) في (م): يروي. (¬5) في (م): شرائع. (¬6) في (م): (و).

[1725] ([حدثنا يوسف بن موسى، عن] (¬1) جرير) بالجيم ([عن سهيل، عن سعيد بن أبي سعيد] (¬2) عن أبي هريرة [عن عبد الله فذكر نحوه] (¬3) إلا أنه قال) تسافر (بريدًا) بفتح الباء، أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال بالهاشمي، والميل: اثنا عشر ألف قدم، والقدم نصف ذراع، والذراع أربع وعشرون أصبعًا، والإصبع ست شعيرات. قال النووي: البريد نصف يوم (¬4). وليس في البريد تصريح بتحريم ما فوقه من يوم وليلة أو ثلاثًا؛ لأن مفهوم الطرف ليس بحجة عند بعضهم. [1726] (حدثنا (¬5) أبو معاوية) محمد بن خازم [الضرير (عن] (¬6) أبي سعيد) الخدري، قال رسول الله (¬7) (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرًا (¬8) فوق ثلاثة أيام) وإن قيل: أقل الروايات المتقدمة بريد، والقاعدة أن المطلق يحمل على المقيد، فلم لا حمل هنا على البريد؟ قلت: إلا أن القاعدة إن ذكر (¬9) بعض أفراد العموم والحكم عليه بما حكم على العام لا يخصص؛ [لأن المخصص] (¬10) لا بد وأن يكون بينه وبين العام تعارض كقولك: لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا بمحرم، ¬

_ (¬1) و (¬2) من مطبوع "السنن". (¬3) غير واضحة في (م). (¬4) "شرح النووي على مسلم" 9/ 103. (¬5) من مطبوع "السنن". (¬6) ليست في (م). (¬7) و (¬8) من (م). (¬9) في (م): يذكر. (¬10) ليست في (م).

ثم تقول: لا تسافر المرأة بغير محرم إلا يومًا وليلة، وليس كذلك هنا؛ فإنه نفى سفر الثلاث، ثم نفى سفر اليوم والليلة وهو فرد من أفراد الثلاث، [فلا يكون هذا مختصًّا] (¬1)، وسيأتي له تتمة (فصاعدًا) أي: فزائدًا على الثلاث، فهو منصوب على الحال، أي: زاد (¬2) التمييز صاعدًا (إلا ومعها أبوها) [الظاهر أن الجد وإن علا في معنى الأب (أو أخوها) يعني: الشقيق، وكذا الأب والأم؛ لأن إطلاق الأخوة يقتضيهما (أو زوجها) وابن الابن وإن سفل في معناه (أو ابنها أو ذو حرمة منها) وحقيقته من النساء التي يجوز النظر إليها والخلوة بها] (¬3) والمسافرة بها كل من حرم نكاحها على التأبيد بسبب مباح (¬4) لحرمتها، وهذا فيه دلالة لمذهب الشافعي والجمهور أن جميع المحارم سواء (¬5) في ذلك، فيجوز لها المسافرة مع محرمها (¬6) بالنسب كابنها وأخيها وابن أخيها وابن أختها وخالها وعمها، ومع محرمها (¬7) بالرضاع، كأخيها من الرضاع وابن أخيها، ونحوهم من المصاهرة، كأبي زوجها وابن زوجها، ولا كراهة في شيء من ذلك، وكذا يجوز ¬

_ (¬1) في (م): ويكون هذا مخصصا. (¬2) في (م): أراد. (¬3) في (م): وابن الابن وإن سفل في معناه أو أخوها الشقيق. وكذا الأب وأم؛ لأن إطلاق الأخوة يقتضيها بها. (¬4) ليست في (م). (¬5) في (ر): سبب. (¬6) في (ر): محرميها. (¬7) في (ر): محرميها.

لكل من (¬1) هؤلاء الخلوة بها والنظر إليها من غير حاجة، لكن لا يحل النظر بشهوة لأحد منهم، هذا مذهب الشافعي والجمهور، ووافق مالك في ذلك كله إلا ابن زوجها فكره سيرها معه لفساد الزمان بعد العصر الأول، ولأن كثيرًا من الناس لا ينفرون من زوجة الأب بقربهم (¬2) من محارم النسب، قال: والمرأة فتنة إلا فيما جبل الله النفوس عليه من النفرة من محارم النسب، وعموم هذا الحديث يرد على مالك، والله أعلم (¬3). [1727] (ثنا أحمد بن حنبل، ثنا يحيى بن سعيد) القطان، قال (¬4): (عبيد الله) [بالتصغير العمري] (¬5) بن عمر (حدثني نافع، عن) عبد الله (ابن عمر (¬6) رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تسافر المرأة ثلاثًا) قال العلماء: اختلاف هذِه الألفاظ في الليلة وفي اليوم [والليلة، وفي] (¬7) الثلاث لاختلاف السائلين واختلاف المواطن، وليس كما (¬8) قال البيهقي: كأنه - صلى الله عليه وسلم - سئل عن المرأة تسافر ثلاثًا بغير محرم فقال: لا. وسئل عن سفرها يومين بغير محرم فقال: لا. وسئل عن سفرها يومًا ¬

_ (¬1) ليست في (م) و"شرح النووي". (¬2) في (م): لقربهم، وفي "شرح النووي": نفرتهم. (¬3) "شرح النووي على مسلم" 9/ 105. (¬4) ليست في (م). (¬5) ليست في (م). (¬6) في (م): عمرو. (¬7) في (م): و. (¬8) ليست في (م).

فقال: لا. وكذلك البريد. فأدى كل منهم ما سمعه (¬1). وما جاء منها مختلفًا عن راوٍ واحد سمعه (¬2) في مواطن فروى تارةً هذا وتارةً هذا، وكله صحيح، وليس في هذا كله تحديد لأقل ما يقع عليه اسم السفر، ولم يرد - صلى الله عليه وسلم -[تحديدًا، بل] (¬3) ما يسمى سفرًا، والحاصل أن كل ما يسمى سفرًا تنهى (¬4) عنه المرأة بغير زوج أو محرم، سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أو [يومًا أو بريدًا] (¬5) أو غير ذلك؛ لرواية ابن عباس المطلقة وهي آخر روايات مسلم: "لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم" (¬6) وهذا يتناول جميع ما يسمى سفرًا (إلا ومعها ذو محرم) قال البغوي: هذِه الأحاديث تدل على أن المرأة لا يلزمها الحج إذا لم تجد زوجًا أو رجلًا ذا (¬7) محرم يخرج معها، وهو قول أحمد (¬8) وأصحاب الرأي (¬9). وذهب قومٌ إلى أنه يلزمها الخروج مع جماعة النساء الثقات، وهو قول مالك (¬10) والشافعي (¬11)؛ لأنهن إذا كثرن انقطعت الأطماع ¬

_ (¬1) "السنن الكبرى" للبيهقي 3/ 139. (¬2) في (م): فسمعه. (¬3) في (م): تحديد أقل. (¬4) في (م): نهى. (¬5) في (م): يوم أو بريد. (¬6) "صحيح مسلم" (1341). (¬7) في (ر): ذوا. (¬8) "المغني" 5/ 30. (¬9) "المبسوط" للسرخسي 4/ 122. (¬10) "الاستذكار" 13/ 367 - 368. (¬11) "الأم" 2/ 164.

فيهن (¬1)، فلو وجدت امرأة ثقة لم يلزمها الخروج معها لكن يجوز لها والحالة هذِه أن تخرج معها لأداء حجة الإسلام على الصحيح من "شرح المهذب" (¬2)، لكن لها الهجرة من دار الكفر وحدها فتخلص (¬3) أن السفر على أقسام. واعلم أن العبد حكمه في النظر إلى سيدته والخلوة بها كحكم المحرم على الأصح عند الأكثرين وإن لم يكن محرمًا، ولهذا ينقض الوضوء باللمس (¬4) الواقع بينهما (¬5). [(منها) أي لها. قال النووي: هذا هو الجاري على قواعد الفقهاء، ويجوز أن يكون محرمًا ولا فرق أن يكون معها محرم لها كأبيها وأخيها، أو تكون محرمًا له كأخته وبنته وعمته وخالته يجوز القعود معها فيجوز القعود معها (¬6)] (¬7). [1728] ([حدثنا نصر بن علي] (¬8)، [حدثنا أبو أحمد، حدثنا سفيان، عن عبيد الله، عن نافع] (¬9) أن ابن عمر كان يردف) بضم الياء وكسر الدال (مولاة له) فيه جواز الإرداف [على الدابة] (¬10) إذا أطاقت (يقال لها: ¬

_ (¬1) في (م): عنهن. (¬2) "المجموع" 7/ 86 - 87. (¬3) في (م): فلخص. (¬4) في (م): بالمس. (¬5) في (م): معها. (¬6) "شرح النووي على مسلم" 9/ 109. (¬7) ليست في (م). (¬8) من مطبوع "السنن". (¬9) ساقطة من (ر). (¬10) من (م).

صفية) فيه الإحسان إلى الموالي والخدام وإردافهم خلفه وكثرة التواضع، وكانت (تسافر معه) إذا حجَّ (إلى مكة) وتبويب المصنف يدل على أنها حجت معه (¬1) وأنه كان محرمًا لها، فإن كان ذلك قبل العتق فلا ريب في جوازه، وإن كان بعد العتق فقد تقدم عن الأكثرين أن (¬2) حكمها حكم المحرم وعلى [الرواية المحققة] ففي الحديث دليل على جواز سفر المعتقة مع معتقها للحج والغزو وغيرهما، وفيه دليل على جواز ركوب المرأة خلف الرجل في السفر (¬3) بلا كراهة. ¬

_ (¬1) ليست في (م). (¬2) من (م). (¬3) في (ر): السير.

3 - باب "لا صرورة" في الإسلام

3 - باب "لا صَرُورَةَ" في الإِسْلامِ 1729 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا أَبُو خالِدٍ - يَعْني: سُلَيْمانَ بْنَ حيّانَ الأَحْمَرَ - عَنِ ابن جُرَيْجٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَطاءٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا صَرُورَةَ في الإِسْلامِ" (¬1). * * * باب لا صرورة [في الإسلام] (¬2) [1729] ([حدثنا عثمان بن أبي شيبة] (¬3) ثنا سليمان بن حيان) بفتح الحاء (¬4) وتشديد المثناة تحت، أبو خالد (الأحمر) قال ابن معين: ثقة (¬5) (عن) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) (¬6) بضم الجيم الأولى مصغر المكي التابعي (عن عمر بن عطاء) بن أبي الجوزاء (عن) عبد الله (بن عباس، عن عكرمة) بن خالد (قال رسول الله: لا صرورة) بفتح الصاد المهملة وبالراء المكررة. قال أبو عبيد وغيره: هو الرجل الذي لم يحج قط، وكذلك المرأة مأخوذ من الإصرار وهو العزم على الشيء والثبات على الاستمرار عليه، ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 312، والطحاوي في "شرح المشكل" 3/ 314 (1282)، والطبراني في "الكبير" 11/ 234 (11595). وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (6296). (¬2) من (م). (¬3) من مطبوع "السنن". (¬4) في (م): المهملة. (¬5) انظر: "تهذيب الكمال" 11/ 396. (¬6) في (م): جرير.

والصروريُّ الذي لم يحج ولم يتزوج، وقيل: هو الذي يدع الحج والنكاح متبتلًا (في الإسلام) أي ليس من خصال الإسلام، [ولا من أخلاق المؤمنين أن يقول لا أحج أبدًا [. . .] (¬1) في عمري بل الحج من أفضل خصال الإسلام] (¬2) والنكاح من سنن المرسلين، فعلى هذا لا (¬3) يكره قول هذا اللفظ ونيته والعزم عليه. قال الشافعي في "الإملاء": أكره أن يقال: صرورة، لكن يقال: لم يحج (¬4). والكراهة كراهة تنزيه، وفسر بعضهم الصرورة بالذي لم يحج لصره [على نفقته] (¬5) التي يبلغ بها الحج، ومعنى الحديث على هذا: لا (¬6) يبقى أحد في الإسلام يستطيع الحج فلا يحج، أي: لا يحل لمستطيع الحج (¬7) تركه، أصله [من] الصر وهو الحبس، وقيل غير ذلك. ¬

_ (¬1) كلمتان غير مقروأتين. (¬2) من (م). (¬3) ليست في (م). (¬4) انظر: "المجموع" 7/ 117 - 119. (¬5) ليست في (م). (¬6) في (م): ألا. (¬7) من (م).

4 - باب التزود في الحج

4 - باب التَّزَوُّدِ في الحَجِّ 1730 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ الفُراتِ - يَعْني: أَبا مَسْعُودٍ الرّازي - وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمي - وهذا لَفْظُهُ - قالا: حَدَّثَنا شَبابَةُ، عَنْ وَرْقاءَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: كَانُوا يَحُجُّونَ وَلا يَتَزَوَّدُونَ، قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: كَانَ أَهْلُ اليَمَنِ أَوْ ناسٌ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ يَحُجُّونَ وَلا يَتَزَوَّدُونَ، وَيَقُولُونَ: نَحْنُ المُتَوَكِّلُونَ، فَأَنْزَلَ اللهُ سُبْحانَهُ: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} (¬1) الآيَةَ (¬2). * * * باب [التزود للحج] (¬3) [1730] ([ثنا أحمد بن الفرات) أبو مسعود الرازي (و] (¬4) محمد بن عبد الله المخرمي) بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وتشديد الراء [(وهذا لفظه قالا: ثنا شبابة، عن ورقاء، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة] (¬5) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانوا) أي كان أهل اليمن كما في البخاري وكما سيأتي (يحجون ولا يتزودون) زاد ابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس: يقولون: نحج بيت الله، أفلا يطعمنا؟ (قال أبو مسعود) أحمد بن الفرات في روايته (كان أهل اليمن أو) كان (ناس من أهل اليمن يحجون ولا يتزودون) أي: يحجون بغير زاد يستصحبونه ¬

_ (¬1) البقرة: 197. (¬2) رواه البخاري (1523). (¬3) في (م): التجارة في الحج. (¬4) ليس في (م). (¬5) ليس في (م).

معهم فيتوصلون إلى الحج بما يطعمهم (¬1) الناس، وربما سألوا وألحفوا في السؤال، وروي عن ابن عمر قال: كانوا إذا أحرموا ومعهم زاد رموا به واستأنفوا زادًا آخر (¬2) (ويقولون: نحن المتوكلون) على الله فنهوا عن ذلك وأمروا في قوله (فأنزل الله {وَتَزَوَّدُوا}) بالتحفظ في سفرهم بأخذ الزاد معهم، فعلى هذا يكون أمروا (¬3) بالتزود في الأسفار الدنيوية سواء كانت واجبة أو مستحبة أو مباحة، ولكن الذي يدل عليه سياق ما قبل هذا الأمر وما بعده أن يكون الأمر بالتزود للأسفار الأخروية، وهو القدوم على الله أمر بالإكثار من الأعمال الصالحة التي تكون له كالزاد إلى سفره إلى الآخرة، ألا ترى أن قبله {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} (¬4) ومعناه: الحث والتحريض على فعل الخير الذي يترتب عليه الجزاء في الآخرة وبعد ({فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}) والتقوى في الشرع: عبارة عما يتقى به النار، وعلى هذا يكون مفعول تزودوا (¬5) محذوفًا تقديره: وتزودوا التقوى، أي من التقوى، ولما حذف المفعول أتى بخبر "إن" ظاهرًا ليدل على أن المحذوف هو هذا الظاهر، ولو لم يحذف لأتى به مضمرًا عائدًا إلى المفعول، وكأن يأتي ظاهرًا تفخيمًا للتقوى وتعظيمًا لشأنها، وقد قال بعضهم في التزود للآخرة: ¬

_ (¬1) في (م): أطعمهم. (¬2) "تفسير الطبري" 4/ 156. (¬3) في (م): أمرا. (¬4) البقرة: 197. (¬5) زاد بعدها في (م): يكون.

إذا أنت لم ترحل بزادٍ من التقى ... ولاقيت بعد الموت من قد تزودا ندمت على أن لا تكون كمثله ... وأنك لم ترصد كما كان أرصدا (¬1) فعلى القول الأول الزاد ما ينتفعون به ويكفون وجوههم عن السؤال وأنفسهم عن الظلم، قال المفسرون: التقوى ها هنا الكعك والزيت والسويق والتمر والزبيب وما شاكله من المطعومات (¬2)، وقيل: المعنى: تزودوا الرفيق الصالح. قال الرازي: احتمل قوله: {وَتَزَوَّدُوا} زاد الطعام وزاد التقوى (¬3). فوجب الحمل عليهما إذا (¬4) لم يقم دلالة على تخصيص أحد الأمرين، قال الرازي: وهذا يدل على بطلان مذهب أهل التصوف الذين يسافرون بغير زاد، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - حين سئل عن الاستطاعة فقال: "هي الزاد والراحلة" (¬5) انتهى، ورد عليه بأن الكاملين في باب التوكل لا يطعن عليهم إن سافروا بغير زاد؛ لأنه صح: "لو توكلتم على الله حق توكله ¬

_ (¬1) البيتان من الطويل، وهما للأعشى ميمون بن قيس من قصيدة يمدح بها النبي - صلى الله عليه وسلم -. انظر: "المعرفة والتاريخ" 3/ 202، "معجم الشعراء" 1/ 401، "تاريخ دمشق" 61/ 333. (¬2) من (م). (¬3) انظر: "تفسير الطبري" 4/ 157. (¬4) في (م): إذ. (¬5) "تفسير الفخر الرازي" 5/ 315. ورواه البيهقي في "السنن الصغرى" 1/ 443 (1486).

لرزقكم كما يرزق الطير؛ تغدو خماصًا وتروح شباعًا" (¬1). وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (¬2)، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (¬3)، وقد طوي بعضهم الأيام الكثيرة بلا أكل، وصح من حديث أبي ذر اكتفاؤه بماء زمزم شهرًا (¬4) (الآية) إلى آخرها. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2344) وابن ماجه (4164)، وأحمد 1/ 30 من حديث عمر بلفظ: "وتروح بطانا" وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬2) الطلاق: 3. (¬3) الطلاق: 2. (¬4) رواه مسلم (2473).

5 - باب التجارة في الحج

5 - باب التجارة في الحج [1731] حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا جرير، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن عبد الله بن عباس قال: قرأ هذه الآية: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} قال: كانُوا لا يتجرون بمنًى فأمِرُوا بالتجارة إذا أفاضُوا من عرفات (¬1). * * * باب التجارة في الحج (¬2) [1731] ([حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا] (¬3) جرير) بالجيم المفتوحة ([عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن عبد الله] (¬4) بن عباس قرأ هذِه الآية) بالنصب، بدل مما قبله ({لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ}) (¬5) أصل الجناح الميل إلى المأثم، ثم أطلق على الإثم فقيل: جنح إلى كذا أي (¬6): مال، وجنح الليل: ميله بظلمته ({أَنْ تَبْتَغُوا}) أي: لا شيء على من ابتغى الفضل، ولا إثم، وأصله: لا جناح عليكم في أن تبتغوا، فحذف حرف الجر وحذفه قياس إذا لم تحصل ليس وهل الموضع بعد الحذف نصب أو جر وجهان ({فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ}) أي: ربحًا يأتي بالتجارة. (قال) ابن عباس (كانوا لا يتجرون بمنى) أي: في أيام منًى (¬7) وقرئ ¬

_ (¬1) رواه سعيد بن منصور في "تفسيره" 3/ 819 (351). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1521). (¬2) و (¬3) و (¬4) من مطبوع "السنن". (¬5) في الأصول: "لا جناح عليكم" والصواب ما أثبتناه. (¬6) من (م). (¬7) "تفسير الطبري" 4/ 166.

{أن تبتغوا [فضلا من ربكم] في مواسم الحج} (¬1). فإن العرب كانوا يتحرجون لما جاء الإسلام أن يحضروا أسواق الجاهلية كعكاظ ومجنة وذي المجاز، وقيل: كانوا لا يتجرون مذ (¬2) يحرمون؛ لأن التجارة كانت محرمة عند الجاهلية وقت الحج؛ إذ من يشتغل بالعبادة لله تعالى لا [ينبغي له أن يشغل نفسه بالاكتساب الدنيوي، وقيل: لأن المسلمين لما صار كثير من المباحات محرمًا عليهم في الحج خافوا أن تكون التجارة] (¬3) من هذا القبيل (فأمروا بالتجارة) أي: أباح الله لهم التجارة وأخبرهم أنه لا درن (¬4) عليهم فيها (إذا أفاضوا) أي انخرطوا واندفعوا (من عرفات) وهو علم على الجبل الذي يقفون عليه في الحج، وعن الباقر: إن الفضل هنا هو ما فعل (¬5) الإنسان ما يرجو به فضل الله ورحمته من إغاثة ضعيف أو إغاثة ملهوف أو إطعام جائع، واعترضه القاضي بأن هذِه الأشياء واجبة أو مندوب إليها فلا يقال فيها: لا (¬6) جناح عليكم. ¬

_ (¬1) هي قراءة عبد الله بن الزبير، وما بين المعقوفتين من المصادر، انظر: "تفسير القرآن من الجامع لابن وهب" (137)، "تفسير عبد الرزاق" 1/ 333 (226). (¬2) في (ر): حتى. (¬3) في (م): يشغل نفسه. (¬4) في (م): درك. (¬5) في (م): يعمل. (¬6) في (ر): فلا.

6 - باب

6 - باب 1732 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبو مُعاوِيَةَ مُحَمَّدُ بْنُ خازِمٍ، عَنِ الأَعْمَشِ عَنِ الحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ مِهْرانَ أَبي صَفْوانَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَرادَ الحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ" (¬1). * * * باب [1732] (¬2) ([حدثنا مسدد] (¬3) أبو معاوية محمد بن خازم) بالخاء المعجمة والزاي (¬4) الضرير، وهو ثبت جدًّا في روايته عن الأعمش (¬5) سليمان بن مهران الكوفي (¬6) ([عن الحسن بن عمرو، عن مهران أبي] (¬7) صفوان) (¬8) قال النووي: هو مجهول (عن ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أراد الحج) وكان مستطيعًا (فليتعجل) بفتح الياء والتاء وتشديد الجيم، استدل به على تعجيل الحج لمن وجب عليه بنفسه أو بغيره، [وعن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "تعجلوا ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (2883)، وأحمد 1/ 225، وعبد بن حميد (720)، والدارمي (1825). وقال الألباني في "الإرواء" 4/ 168: صحيح الإسناد. (¬2) قبلها في (م): باب. (¬3) من مطبوع "السنن". (¬4) ليست في (م). (¬5) زاد في (م): عن. (¬6) الجرح والتعديل 7/ 248. (¬7) من مطبوع "السنن". (¬8) في (م): بياض قدر كلمتين ثم قال: بكسر الميم الكنى.

الحج - يعني: الفريضة - فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له" (¬1)، رواه أحمد وابن ماجه (¬2)، وزاد: فإنه قد يمرض المريض وتعرض الحاجة] (¬3) لأنه إذا أخره عرضه للفوات ولحوادث الزمان هذا هو الأفضل، ويجوز تأخيره سنة وسنتان. ¬

_ (¬1) رواه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 15/ 296 (6031). (¬2) "مسند أحمد" 1/ 214، "سنن ابن ماجه" (2883). (¬3) ليست في (م).

7 - باب الكري

7 - باب الكَري 1733 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ الواحِدِ بْنُ زِيادٍ، حَدَّثَنا العَلاءُ بْنُ المُسيَّبِ، حَدَّثَنا أَبُو أُمامَةَ التَّيْمي قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا أُكْرى في هذا الوَجْهِ، وَكَانَ ناسٌ يَقُولُونَ لي: إِنَّهُ لَيْسَ لَكَ حَجٌّ. فَلَقِيتُ ابن عُمَرَ فَقُلْتُ: يا أَبا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنّي رَجُلٌ أُكْرى في هذا الوَجْهِ، وَإِنَّ ناسًا يَقولُونَ لي: إِنَّهُ لَيْسَ لَكَ حَجٌّ. فَقَالَ ابن عُمَرَ: أَلَيْسَ تُحْرِمُ وَتُلَبّي وَتَطُوفُ بِالبَيْتِ وَتُفِيضُ مِنْ عَرَفاتٍ وَتَرْمي الجِمارَ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: فَإِنَّ لَكَ حَجًّا جاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلَهُ عَنْ مِثْلِ ما سَأَلْتَني عَنْهُ فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يُجِبْهُ حَتَّى نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} (¬1) فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَرَأَ عَلَيْهِ هذِه الآيَةَ وقَالَ: "لَكَ حَجٌّ" (¬2). 1734 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشّارٍ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ، حَدَّثَنا ابن أَبي ذِئْبٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبي رَباحٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبّاسٍ أَنَّ النّاسَ في أَوَّلِ الحَجِّ كَانُوا يَتَبايَعُونَ بِمِنًى وَعَرَفَةَ وَسُوقِ ذي المَجازِ وَمَواسِمِ الحَجِّ فَخافُوا البَيْعَ وَهُمْ حُرُمٌ فَأَنْزَلَ اللهُ سُبْحانَهُ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} في مَواسِمِ الحَجِّ. قَالَ: فَحَدَّثَني عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤها في المُصْحَفِ (¬3). 1735 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحِ، حَدَّثَنا ابن أَبي فُدَيْكٍ أَخْبَرَني ابن أَبي ذِئْبٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ - قَالَ أَحْمَدُ بْنُ صالِحِ كَلامًا مَعْناهُ أَنَّهُ مَوْلَى ابن عَبَّاسٍ - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النّاسَ في أَوَّلِ ما كَانَ الحَجُّ كَانُوا يَبِيعُونَ فَذَكَرَ مَعْناهُ إِلَى قَوْلِهِ: مَواسِمِ ¬

_ (¬1) البقرة: 198. (¬2) رواه أحمد 2/ 155، والطيالسي (2021)، وابن خزيمة (3051). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1523). (¬3) رواه البخاري (1770).

الحَجِّ (¬1). باب الكرى أي: للحج. [1733] ([حدثنا مسدد، حدثنا عبد الواحد بن زياد، وحدثنا] (¬2) العلاء) بفتح العين والمد (ابن المسيب، ثنا أبو أسامة (¬3) التيمي) التابعي، لم يذكره مسلم في كتاب الكنى (قال: كنت رجلًا أكرى) بضم الهمزة (في هذا الوجه) أي وجه مكة لتحصيل الأجرة (وكان ناس يقولون لي: إنه ليس لك حج) لاشتغاله بخدمة الدواب وعلفهم وسقيهم (فلقيت) عبد الله (بن عمر فقلت: يا أبا عبد الرحمن) فيه نداء الكبير بكنيته (إني رجل أكرى) بضم الهمزة (في هذا الوجه) للحج (وإن أُناسًا) بضم الهمزة (يقولون لي: إنه ليس) أي: لا يصح (لك حج) لأنك إنما تذهب لتحصل الأجرة لا لله تعالى (فقال ابن عمر: ألست تحرم) أي تنوي الإحرام وتفعل أفعاله الواجبة (وتلبي) بعد الإحرام (وتطوف بالبيت) الحرام سبعة أشواط (وتفيض) بضم أوله بعد الوقوف (من عرفات) [زاد أحمد في روايته: وتحلقون (¬4) رؤوسكم] (¬5) (وترمي) حصى (الجمار) بمنًى، قد يستدل بذكر الخصال دون غيرها ¬

_ (¬1) انظر ما قبله. (¬2) من مطبوع "السنن". (¬3) في (م): أمامة. (¬4) "المسند" 2/ 155 (6434). (¬5) ليست في (م). وانظر: "البحر المحيط" 2/ 293.

على وجوبها، وفي بعضها خلاف (فقلت (¬1): بلى) يا أبا عبد الرحمن (قال: فقال: فإن لك حجًّا) أي تامًّا صحيحًا، وقد انعقد الإجماع على جواز الاكتساب بالكراء والاتجار إذا أتى بالحج (¬2) على وجهه إلا ما نقل شاذًّا عن سعيد بن جبير أنه سأله أعرابي: إني أكري إبلي وأنا أريد الحج أفيجزئني؟ قال: لا، ولا كرامة (¬3). وهذا مخالف لظاهر الكتاب والسنة، فلا [يعول عليه] (¬4). ثم قال ابن عمر مستدلًا على ما أفتى به: (جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن مثل ما سألتني عليه (¬5) فسكت عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) إلى أن نزل (¬6) عليه الوحي، فيه دليل على جواز سكوت العالم والمفتي وتأخير المستفتي إذا سأل عما لا يستحضر الجواب عنه إلى أن يطالع عليه ويتذاكر فيه (فلم يجبه) عن سؤاله (حتى نزلت عليه هذِه الآية) وهي قوله تعالى: ({لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ}) ورواه أحمد، وفي روايته قال: فجاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن الذي سألتني فلم يجبه حتى نزل عليه جبريل بهذِه الآية {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} فدعاه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أنتم حجاج". ¬

_ (¬1) في (م): قال قلت. (¬2) من (م). (¬3) رواه ابن أبي شيبة 3/ 864 (15377). (¬4) في (ر): يقول عملته. (¬5) في (م): عنه. (¬6) في (م): ينزل.

وقال ابن جرير: حدثني أحمد بن إسحاق قال: ثنا أبو أحمد، ثنا مندل، عن عبد الرحمن بن المهاجر، عن أبي صالح مولى عمر قال: قلت: يا أمير المؤمنين كنتم تتجرون في الحج؟ قال: وهل كانت معايشهم إلا في الحج؟ (¬1) (فأرسل إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقرأ عليه هذِه الآية) فيه جواز ذكر الدليل قبل المدلول المحكوم به للتبرك بذكر الآية ولغير ذلك من الفوائد (وقال: لك حج) وفيه دليل على أن نية العبادة إذا شاركها معها مقصود دنيوي لا يقدح في صحة العبادة، وأما القبول ففيه تفصيل، وتمام الإخلاص في الحج تخليص النية من شوب (¬2) دنيوي بحيث لا يكون له باعث إلا التقرب إلى الله تعالى. [1734] ([حدثنا محمد بن بشار، حدثنا حماد بن مسعدة، حدثنا]) (¬3) محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة (ابن أبي ذئب) العامري. (عن عبد الله بن عباس: أن الناس في أول) ما فرض (الحج كانوا) على ما كانوا عليه في الجاهلية (¬4) (يتبايعون) فيما بينهم (بمنًى) وكانت منًى (وعرفة) مكان تجارتهم (وسوق ذي المجاز) بفتح الميم وتخفيف الجيم وفي آخره زاي (ومواسم الحج) جمع موسم بفتح الميم وسكون الواو وكسر السين المهملة. قال الأزهري: سمي بذلك لأنه معلم يجتمع إليه الناس، مشتق من ¬

_ (¬1) "تفسير الطبري" 4/ 169. (¬2) في (م): سوق. (¬3) من مطبوع "السنن". (¬4) في (م): الحج.

السمة وهي العلامة يحج (¬1) المكان الذي يجتمع الناس إليه (¬2). (فخافوا) من (البيع) والشرى (وهم حرم) أي محرمون، وخشوا من الوقوع في الإثم للانشغال في أيام المناسك (¬3) بغير العبادة (فأنزل الله سبحانه {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} في ({أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا}) أي: ربحًا في المتجر ({مِنْ رَبِّكُمْ} وفي مواسم الحج) قال الكرماني: هو كلام الراوي ذكره مفسرًا (¬4) انتهى. فأما ذو المجاز فذكر الفاكهي من طريق ابن إسحاق أنها كانت بناحية عرفة إلى جانبها، وحكى الأزرقي أنها كانت على فرسخ من عرفة (¬5). وأما منًى وعرفة فروى الطبراني عن مجاهد أنهم كانوا لا يبيعون ولا يتبايعون بعرفة (¬6). (قال: فحدثني عبيد بن عمير) مولى ابن عباس الراوي عنه (أنه) يعني: ابن عباس (كان يقرؤها في المصحف في مواسم الحج) (¬7) وروى الطبراني بإسناد صحيح (¬8) عن عكرمة أنه كان يقرؤها كذلك فهي على هذا من القراءة الشاذة، وحكمها عند الأئمة حكم التفسير ¬

_ (¬1) بعدها في (ر): يحج. (¬2) نقله الأزهري عن الليث ويعقوب في كتابه "تهذيب اللغة" (وسم). (¬3) في (م): النسك. (¬4) "شرح الكرماني" 8/ 217. (¬5) "أخبار مكة" للأزرقي 1/ 179. (¬6) في (م): بمنى وعرفة. والأثر في "مصنف ابن أبي شيبة" 3/ 193 (13367). (¬7) زاد في (م): كما تقدم، واستدل بهذا الحديث. (¬8) زاد في (م): عن أيوب.

للآية. [1735] ([حدثنا أحمد بن صالح] ثنا) محمد بن إسماعيل (ابن أبي فديك، أخبرني) محمد بن عبد الرحمن (ابن أبي ذئب، عن عبيد بن عمير) الراوي المذكور. (قال أحمد بن صالح) شيخ أبي داود (كلامًا معناه أنه مولى ابن عباس، عن عبد الله بن عباس: أن الناس في أول ما كان الحج) مفروضًا عليهم (كانوا يبيعون فذكر معناه إلى قوله مواسم الحج) كما تقدم. واستدل بهذا الحديث على جواز البيع والشرى للمعتكف قياسًا على الحاج والجامع بينهما العبادة، وهو قول الجمهور، وعن مالك كراهة ما زاد على الحاجة كالحر إذا لم يجد من (¬1) يكفيه (¬2)؛ ولذا كرهه مجاهد وعطاء والزهري فلا ريب أنه خلاف الأولى. ¬

_ (¬1) في (م): ما. (¬2) انظر "المدونة" 1/ 293.

8 - باب في الصبي يحج

8 - باب في الصَّبي يَحُجُّ 1736 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ بْن عُيَيْنَةَ، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالرَّوْحاءِ فَلَقي رَكْبًا فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: "مَنِ القَوْمُ؟ ". فَقَالُوا: المُسْلِمُونَ. فَقَالُوا: فَمَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَفَزِعَتِ امْرَأَةٌ فَأَخَذَتْ بِعَضُدِ صَبي فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ مِحَفَّتِها فَقَالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ هَلْ لهذا حَجٌّ؟ قَالَ: "نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ" (¬1). * * * باب في الصبي يحج [1736] ([حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا سفيان بن عيينة، عن إبراهيم بن عقبة، عن كريب، عن ابن عباس: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2) بالروحاء) بالمد موضع على ستة وثلاثين ميلًا من المدينة فلقي (ركبًا فسلم عليهم) فيه السلام على الركب المسافرين إذا لقيهم وإن لم يعرفهم، وأن الذي يسلم عليهم يكون كبير القوم (فقال: من القوم؟ ) فيه أن من لقي غيره في السفر أو الإقامة لا يكلمه حتى يسلم عليه، وكذا إذا كلمه من لقيه لا يرد عليه الجواب حتى يسلم؛ لما في الحديث: "السلام قبل الكلام". (¬3) (فقالوا) نحن (المسلمون) فيه دليل على جواز قول الإنسان: أنا مسلم أو أنا مؤمن، مقتصرًا عليه ولا يحتاج (¬4) أن ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1336). (¬2) زاد في (م): حج به. (¬3) رواه الترمذي (2699) وقال: هذا حديث منكر. (¬4) زاد في (م): إلى.

يصله بقوله: إن شاء الله خوفًا من سوء الخاتمة (فقالوا: من أنتم؟ ) قال القاضي عياض: يحتمل أن يكون هذا اللقاء كان ليلًا فلم يعرفوه - صلى الله عليه وسلم -، ويحتمل كونه نهارًا لكنهم لم يروه - صلى الله عليه وسلم -[قبل ذلك] (¬1) لعدم هجرتهم فأسلموا في بلدانهم ولم يهاجروا قبل ذلك (¬2). (قالوا) في مسلم: قال (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففزعت امرأة) أي: لجأت إليه واستعانت به، ويحتمل أن تكون خافت منه حين سمعت به من عظم هيبته في القلوب - صلى الله عليه وسلم - (فأخذت بعضد) بضم الضاد وسكونها وهو ما بين المرفق إلى الكتف (صبي) رواية مسلم: فرفعت (¬3) امرأة صبيًّا (فأخرجته من محفتها) قال النووي: هو بكسر الميم مع فتح الحاء، وهو مركب من مراكب النساء كالهودج إلا أنها لا تقتب بخلاف الهودج فإنه يكون مقتبًا وغير مقتب، وكان هذا في حجة الوداع سنة عشر من الهجرة قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بثلاثة أشهر (¬4). (فقالت: يا رسول الله هل لهذا حج؟ ) يصح منه (قال: نعم) فيه حجة للشافعي ومالك وأحمد والجمهور على أن حج الصبي منعقد صحيح يثاب عليه وإن كان لا يجزئه عن حجة الإسلام، بل يقع تطوعًا (¬5). وقال أبو حنيفة: لا يصح حجه، وإنما حج به تمرينًا للعبادة فيفعله ¬

_ (¬1) من (م)، و"شرح مسلم للنووي". (¬2) "إكمال المعلم" 4/ 441، "شرح النووي على مسلم" 9/ 99. (¬3) زاد في (م): إليه. (¬4) "المجموع" 7/ 22. (¬5) "الأم" 2/ 269 - 270، و"المدونة" 1/ 400، و"المغني" 5/ 50.

إذا بلغ (¬1). وتابعه بعض أصحابنا واحتج بحديث: "رُفِع القلم" (¬2) وعلى قول الجمهور: يصح حجه وإن كان غير مميز، ووجه الدلالة منه أن الصبي الذي يحمل بعضده ويخرج من المحفة لا تمييز له، وإذا انعقد حج الصبي وتجري عليه أحكام الحج ويجب فيها الفدية ودم الجبران وسائر أحكام البالغ، وأبو حنيفة يمنع ذلك كله. (ولك أجر) أي: ثبت لها الأجر بسبب حملها له وتجنبه إياه ما (¬3) يتجنبه المحرم وفعل ما يفعله المحرم وإحرامها عنه إذا كانت وصية أو قيمة من جهة القاضي، و [إلا فلا صحة] (¬4) ولا أجر إلا لوليه إذا أحرم عنه، وأما أجر حجه فقال أصحابنا وغيرهم: فيكتب له مع جميع ما يعمله من الطاعات كالطواف والسعي وركعتي الطواف وغيرهما من الصلوات والطهارات والقراءة والوصية والتدبر (¬5) إذا صححناهما وغير ذلك من الطاعات، ولا تكتب عليه معصية بالإجماع لهذا الحديث وحديث ابن ماجه عن جابر: حججنا مع رسول الله فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم (¬6). ¬

_ (¬1) "المبسوط" 4/ 79. (¬2) سيأتي برقم (4398). (¬3) من (م). (¬4) من (م). (¬5) في (ر): التدبير. (¬6) "سنن ابن ماجه" (3038).

9 - باب في المواقيت

9 - باب في المَواقِيتِ 1737 - حَدَّثَنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، ح وَحَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا مالِكٌ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قَالَ: وَقَّتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَهْلِ المَدِينَةِ ذا الحُلَيْفَةِ، وَلأَهْلِ الشّامِ الجُحْفَةَ، وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا، وَبَلَغَني أَنَّهُ وَقَّتَ لأَهْلِ اليَمَنِ يَلَمْلَمَ (¬1). 1738 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ، عَنْ طاوُسٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ، وَعَنِ ابن طاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ قالا: وَقَّتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -بِمَعْناهُ قَالَ أَحَدُهُما: وَلأَهْلِ اليَمَنِ يَلَمْلَمَ. وقَالَ أَحَدُهُما: أَلَمْلَمَ قَالَ: "فَهُنَّ لَهُمْ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ كَانَ يُرِيدُ الحَجَّ والعُمْرَةَ وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ قَالَ ابن طاوُسٍ: مِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، قَالَ: وَكَذَلِكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْها" (¬2). 1739 - حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ بَهْرامَ المَدائِنيُّ، حَدَّثَنا المُعافَى بْنُ عِمْرانَ، عَنْ أَفْلَحَ - يَعْني: ابن حُمَيْدٍ - عَنِ القاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَّتَ لأَهْلِ العِراقِ ذاتَ عِرْقٍ (¬3). 1740 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبي زِيادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلي بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: وَقَّتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَهْلِ المَشْرِقِ العَقِيقَ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1525)، ومسلم (1182). (¬2) رواه البخاري (1526)، ومسلم (1181). (¬3) رواه النسائي 5/ 123، وأبو يعلى 1/ 106 (103)، والطحاوي في "شرح المعاني" 2/ 118 (3525). وصححه الألباني في "الإرواء" (999). ورواه مسلم (1183) عن جابر مرفوعا. وقد روى البخاري (1531) عن ابن عمر أن الذي وقت ذات عرق إنما هو عمر بن الخطاب. (¬4) رواه الترمذي (832)، وأحمد 1/ 344. وقال الألباني في "الإرواء" (1002): منكر.

1741 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا ابنِ أَبي فُدَيْكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يُحَنَّسَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبي سُفْيانَ الأَخْنَسي، عَنْ جَدَّتِهِ حُكَيْمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أَنَّها سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ أَهَلَّ بِحَجَةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مِنَ المَسْجِدِ الأَقْصَى إِلَى المَسْجِدِ الحَرامِ غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَما تَأَخَّرَ". أَوْ: "وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ". شَكَّ عَبْدُ اللهِ أيَّتَهُما قَالَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: يَرْحَمُ اللهُ وَكِيعًا أَحْرَمَ مِنْ بَيْتِ المَقْدِسِ، يَعْني إِلَى مَكَّةَ (¬1). 1742 - حَدَّثَنا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبي الحَجّاجِ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ، حَدَّثَنا عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ السَّهْمي، حَدَّثَني زُرارَةُ بْنُ كُرَيْمٍ أَنَّ الحارِثَ بْنَ عَمْرٍو السَّهْمي حَدَّثَهُ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ بِمِنًى أَوْ بِعَرَفاتٍ وَقَدْ أَطافَ بِهِ النّاسُ قَالَ: فَتجيءُ الأَعْرابُ فَإِذا رَأَوْا وَجْهَهُ قَالُوا: هذا وَجْهٌ مُبارَكٌ. قَالَ: وَوَقَّتَ ذاتَ عِرْقٍ لأَهْلِ العِراق (¬2). * * * باب المواقيت المواقيت جمع ميقات كمواعيد وميعاد. [1737] ([حدثنا القعنبي، عن مالك، (ح) حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا مالك، عن نافع] (¬3) عن ابن عمر: وقَّت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: حدد، وأصل التوقيت أن يجعل للشيء وقتًا يختص به، ثم اتسع فيه فأطلق على المكان وعلى مقدار المدة، ويقال فيه: تأقيت وتوقيت ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (3001)، وأحمد 6/ 299 وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (307). (¬2) رواه النسائي 7/ 168، وأحمد 3/ 485، والبخاري في "الأدب المفرد" (1148). (¬3) من مطبوع "السنن".

كتأكيد وتوكيد (لأهل المدينة) أي: مدينته - عليه السلام - (ذا الحليفة) بالمهملة والفاء مصغر مكان معروف بينه وبين مكة مائتا ميل غير ميلين، قاله ابن حزم (¬1). وقال النووي: ستة أميال (¬2). وابن الصباغ: ميل، ووهم، وبها مسجد يعرف بمسجد الشجرة خراب، وبها بئر علي - رضي الله عنه - (¬3). (ولأهل الشام) أي: ومصر والمغرب (الجحفة) بضم الجيم وسكون المهملة، وهي قرية بينها وبين مكة خمس مراحل أو ست (¬4)، وقول النووي في "شرح المهذب": ثلاث مراحل (¬5). فيه نظر، وخصت بالحمى فلا ينزلها أحدٌ إلا حم كما في الحديث (¬6)، وفي حديث ابن عمر أنها مهيعة (¬7) بوزن علقمة وقيل: بوزن لطيفة؛ سميت بالجحفة لأن السيل أجحف بها، قال ابن الكلبي: كان العماليق يسكنون يثرب فوقع بينهم وبين بني عبيد (¬8) بفتح المهملة وتشديد (¬9) الموحدة وهم إخوة عاد حرب وأخرجوهم من يثرب فنزلوا مهيعة فجاء سيل فأجحفهم، أي: استأصلهم فسميت الجحفة، [والمكان الذي يحرم ¬

_ (¬1) "المحلى" 7/ 147، وانظر: "فتح الباري" 3/ 450. (¬2) روى البخاري (1889)، ومسلم (1376) من حديث عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا أن تنقل حمي المدينة إلى الجحفة. (¬3) "المجموع" 7/ 195. (¬4) "فتح الباري" 3/ 450. (¬5) في (ر): أو ستة. (¬6) "المجموع" 7/ 195. (¬7) صحيح البخاري" (1528)، "صحيح مسلم" (1182). (¬8) في (م): عقيل، وفي "فتح الباري": عبيل. (¬9) في (م) و"فتح الباري": وكسر.

منه الآن رابغ بوزن فاعل براء موحدة وغين معجمة، قربت من الجحفة (¬1)] (¬2) (ولأهل نجد) وهو المكان المرتفع وهو اسم لعشرة مواضع، والمراد منها هنا التي أعلاها تهامة واليمن، وأسفلها الشام والعراق، المنازل بلفظ جمع المنزل وهذا الاسم المركب الإضافي اسم المكان. وحكى القاضي عياض أن قرنا من قاله بإسكان الراء أراد الجبل، ومن قاله بالفتح أراد الطريق والجبل المذكور بينه وبين مكة (¬3) من جهة الشرق مرحلتان. وحكى الروياني أن المكان الذي يقال له: قرن موضعان أحدهما في هبوط وهو الذي يقال له: قرن المنازل، والآخر في صعود وهو الذي يقال له قرن الثعالب والمعروف الأول (¬4). وفي "أخبار مكة" للفاكهي أن قرن الثعالب جبل مشرف على أسفل منًى بينه وبين مسجد منى ألف وخمسمائة ذراع، وقيل له: قرن الثعالب؛ لكثرة ما كان يأوي إليه الثعالب (¬5). فظهر أن قرن الثعالب ليس من المواقيت، وفي حديث عائشة في إتيان النبي - صلى الله عليه وسلم - الطائف: فلم أستفق (¬6) إلا وأنا بقرن الثعالب (¬7). ¬

_ (¬1) "فتح الباري" 3/ 450 - 451. (¬2) من (م). (¬3) "إكمال المعلم" 4/ 170. (¬4) "فتح الباري" 3/ 451. (¬5) "أخبار مكة" 4/ 282. (¬6) في (م): أشهق. (¬7) "صحيح البخاري" (3231)، "صحيح مسلم" (1795).

ووقع في مرسل عطاء عند الشافعي (¬1): ولأهل نجد قرن، ولمن سلك نجدًا وغيرهم من أهل اليمن قرن المنازل، ولأهل اليمن إذا قصدوا مكة طريقان: أحدهما طريق أهل الجبال وهم يصلون إلى قرن ويحاذونه وهو ميقاتهم كما هو لأهل المشرق والأخرى طريق تهامة فيمرون بيلملم أو يحاذونه وهو ميقاتهم (¬2). (وبلغني أنه وقت لأهل اليمن يلملم) بفتح المثناة واللام وسكون الميم بعدها لام مفتوحة ثم ميم وهو مكان على مرحلتين من مكة بينهما ثلاثون ميلًا، ويقال له: ألملم بالهمزة مكان الياء وهو الأصل، وحكى ابن السيد فيه: يرمرم براءين بدل اللامين (¬3). تنبيه: أبعد المواقيت من مكة ذو الحليفة ميقات أهل المدينة، قيل: الحكمة في ذلك أن تعظم أجور أهل المدينة ورفقًا بأهل الآفاق؛ لأن أهل المدينة أقرب الآفاق إلى مكة، ممن له ميقات معين (¬4). [1738] (حدثنا سليمان بن حرب) قال (ثنا حماد، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس، وعن) عبد الله (بن طاوس، عن أبيه) طاوس بن كيسان اليماني قيل: اسمه ذكوان فلقب به؛ لأنه كان طاوس القراء وهو تابعي. (قالا: وقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمعناه) أي: بمعنى حديث ابن عمر (قال ¬

_ (¬1) "مسند الشافعي" 1/ 114. (¬2) "الأم" 2/ 198، مختصرًا. (¬3) "مشكلات الموطأ" لابن السيد ص 133. (¬4) "فتح الباري" 3/ 386.

أحدهما: لأهل اليمن يلملم) بالياء (وقال أحدهما: ألملم) بالهمزة مكان الياء كما تقدم، ثم اتفقا فيما بعد (فهن) أي: المواقيت المذكورة (لهن) أي: للجماعات المذكورة، والأصل في هذا الضمير أن يكون لما يعقل، وقد استعمل هنا فيما لا يعقل، لكن فيما دون العشرة [وقوله: لهن فيه حذف، والمراد أهلها فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه] (¬1). (ولمن أتى) أي: مر (عليهن) أي على المواقيت (من غير أهلهن) أي: من غير أهل البلاد المذكورة، ومعناه: أن الشامي مثلًا إذا مر بميقات أهل المدينة في ذهابه لزمه (¬2) أن يحرم من ميقات أهل المدينة ولا يجوز له تأخيره إلى ميقات أهل الشام الذي هو الجحفة، وكذا الباقي من المواقيت، وهذا مما لا خلاف فيه، قاله (¬3) النووي (¬4). ولعله أراد مذهب الشافعي (¬5) وإلا فالمعروف عند المالكية أن الشامي مثلًا إذا جاوز حد ذي الحليفة يعبر (¬6) إلى ميقاته الأصلي وهو الجحفة جاز له ذلك وإن كان الأفضل خلافه (¬7) وبه قال الحنفية (¬8) وأبو ثور وابن المنذر من الشافعية، فإن أخر الساعي أساء ولزمه دم عند الجمهور. (ممن كان يريد الحج والعمرة) فيه دلالة على جواز دخول مكة بغير ¬

_ (¬1) سقطت من (م). (¬2) في (ر): لمكة. (¬3) في (ر): قال. (¬4) "شرح النووي" 8/ 83. (¬5) "الأم" 2/ 202. (¬6) في (م): بغير إحرام. (¬7) "المدونة" 1/ 405. (¬8) انظر: "المبسوط" 4/ 192، و"اللباب في شرح الكتاب" 1/ 91.

إحرام، وهو الصحيح. (وما كان) رواية البخاري: فمن كان (دون ذلك) أي بين الميقات ومكة (قال) عبد الله (ابن طاوس) فميقاته (من حيث أنشأ) السفر (¬1) إذا كان السفر من مكانه إلى مكة، فإن أحرم من مكانه الذي بين مكة والميقات فميقاته مسكنه قرية كان أو غيرها، ولا يلزمه الرجوع إلى الميقات، فإن جاوز مسكنه غير محرم لم يجز له هذا مذهبنا ومذهب الجمهور كافة إلا مجاهد فقال: ميقاته مكة بنفسها (¬2). واستدل به ابن حزم على أن من ليس له ميقات فميقاته حيث شاء (¬3) ولا دلالة فيه؛ لأنه يختص بمن كان دون الميقات إلى جهة مكة (¬4) كما تقدم (¬5). (قال: وكذلك) الحكم (حتى أهل) يجوز فيه الرفع والجر (مكة يهلون) بضم الياء (منها) أي: من مكة، ولا يحتاجون إلى الخروج إلى الميقات للإحرام (¬6) منه، وهذا خاص بالحاج، واختلف في أفضل (¬7) الأماكن التي يحرم منها كما سيأتي، وأما المعتمر فيجب عليه أن يخرج إلى أدنى الحل كما سيأتي، وأما القارن فالجمهور أن حكمه حكم الحاج في الإهلال من مكة، وقوله: يهلون هو خبرٌ ¬

_ (¬1) في (م): الإحرام. (¬2) "شرح النووي" 8/ 84. (¬3) "المحلى" 7/ 78. (¬4) في (م): ميقاته. (¬5) "فتح الباري" 3/ 452. (¬6) في (م): ليحرم. (¬7) "صحيح مسلم" (1182).

بمعنى الأمر، والأمر لا يرد إلا بلفظ الخبر إلا إذا أريد تأكيده وتأكيد الأمر للوجوب، ويدل عليه رواية مسلم عن ابن عمر: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل المدينة (¬1)، وذهب عطاء والنخعي إلى عدم الوجوب، ومقابله قول سعيد بن جبير: لا يصح حجه، وبه قال ابن حزم (¬2)، وقال الجمهور: لو رجع إلى الميقات قبل التلبس بالنسك سقط عنه الدم، وقال أبو حنيفة: يشترط أن يعود ملبيًا (¬3) (¬4) ومالك يشترط أن لا يبعد والأفضل في كل ميقات أن يحرم من طرفه الأبعد من مكة، فإن أحرم من طرفه الأقرب جاز (¬5). [1739] (هشام بن بهرام) بفتح الموحدة (المدائني) بهمزة مكسورة قبل النون ([حدثنا المعافى بن عمران، عن أفلح - يعني: ابن حميد -، عن القاسم بن محمد] (¬6) عن عائشة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقت لأهل العراق) وخراسان (¬7) (ذات عرق) بكسر العين وسكون الراء بعدها قاف، سمي بذلك لأن فيه عرقًا وهو الجبل الصغير، وهي أرض سبخة تنبت الطرفاء بينها وبين مكة مرحلتان والمسافة اثنان وأربعون ميلًا، وهي الحد الفاصل بين نجد وتهامة، وروى الإمام أحمد عن ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) من (م). (¬3) "المحلى" 7/ 70. (¬4) انظر: "المبسوط" 4/ 186 - 187، 189 - 190. (¬5) انظر: "فتح الباري" 3/ 453. (¬6) من مطبوع "السنن". (¬7) زاد في (م): وأهل ذات عرق والمار به.

سفيان عن صدقة عن ابن عمر فذكر (¬1) المواقيت، قال: فقال قائل: فأين العراق؟ فقال ابن عمر: لم يكن يومئذٍ عراق (¬2). وللشافعي من طريق طاوس لم يوقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات عرق ولم يكن حينئذٍ أهل المشرق (¬3). وهذا يدل على أن ميقات ذات عرق ليس منصوصًا، وبه قطع الغزالي، والرافعي (¬4) في "شرح المسند"، والنووي في "شرح مسلم" (¬5)، وكذا في "المدونة" (¬6)، لكن صحح الحنفية (¬7) والحنابلة (¬8) وجمهور الشافعية والرافعي (¬9) في "الشرح الصغير" والنووي في "شرح المهذب" أنه منصوص (¬10). فلعل من قال إنه غير منصوص لم يبلغه الحديث أو رأى ضعف الحديث فإن في إسناده أفلح بن حميد، لكن احتج به الشيخان ووثقه ابن معين باعتبار أن كل طريق منها لا تخلو من مقال، لكن مجموع الطرق يقوي بعضها بعضًا. وأما إعلال من أعل الحديث بأن العراق لم تكن فتحت يومئذٍ فقال ¬

_ (¬1) زاد في (م): حديث. (¬2) "المسند" 2/ 11 (4584). (¬3) "الأم" 2/ 200. (¬4) "الشرح الكبير" 3/ 333. (¬5) "شرح النووي" 8/ 81. (¬6) "المدونة" 1/ 405. (¬7) "المبسوط" 4/ 184 - 185. (¬8) "المغني" 5/ 58. (¬9) "الشرح الكبير" 3/ 333. (¬10) "المجموع" 7/ 194.

ابن عبد البر (¬1): هي غفلة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقت المواقيت لأهل النواحي قبل الفتوح لكونه علم (¬2) أنها ستفتح وهو معدود من معجزاته فلا فرق في ذلك بين الشام والعراق، وبهذا أجاب الماوردي وآخرون (¬3). عن هذا الحديث. [1740] ([حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل، حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن يزيد بن أبي زياد، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس] (¬4) عن ابن عباس: وقت رسول الله لأهل المشرق) كما تقدم. (العقيق) وهو وادٍ يتدفق ماؤه في غربي تهامة وهو غور العقيق المذكور في البخاري في قوله: العقيق وادٍ مبارك، وصل (¬5) في هذا الوادي المبارك، وقيل (¬6) عمرة في حجة وهو بقرب البقيع بينه وبين المدينة أربعة أميال. وروى الزبير بن بكار في "أخبار المدينة" أن تبعًا لما رجع من المدينة انحدر في مكان فقال: هذا عقيق الأرض. فسمي العقيق. ضعيف؛ لأن يزيد بن أبي زياد تفرد به وهو ضعيف وإن كان حفظه، وروى أبو (¬7) أحمد بن عدي، عن عائشة مرفوعًا: "تخيموا بالعقيق فإنه وادٍ مبارك" (¬8)، أشار ¬

_ (¬1) "التمهيد" 15/ 141. (¬2) في (م): أعلم. (¬3) انظر: "فتح الباري" 3/ 390. (¬4) من مطبوع "السنن". (¬5) في (م): وقرن. (¬6) من (م). (¬7) ليست في (م). (¬8) "الكامل" لابن عدي 8/ 468 - 469.

إلى هذا [تخيموا بالمعجمة] (¬1) والتحتانية المراد به النزول في الوادي، وقد جمع بينه وبين حديث جابر وغيره بأجوبة (¬2) منها [أن العقيق ميقات لبعض العراقيين وهم أهل المدائن، والآخر ميقات لأهل البصرة، ووقع في حديث أنس للطبراني ومنها] (¬3) أن ذات عرق ميقات الوجوب، والعقيق ميقات الاستحباب؛ لأنه أبعد من ذات عرق. قال الشافعي: لو أهلوا من العقيق كان أفضل (¬4). لأنها (¬5) أبعد من ذات عرق [فقليل الأثر فيه] (¬6)، ولاحتمال الصحة، ولأنه قيل: إن ذات عرق كانت أولًا في موضعه ثم حولت وقربت إلى مكة. [1741] (ثنا أحمد بن صالح، ثنا) محمد بن إسماعيل (ابن أبي فديك) مصغر (عن عبد الله بن عبد الرحمن بن يخنس) بضم المثناة من تحت ثم خاء معجمة (¬7)، ثم نون مفتوحة مشددة، ثم سين مهملة (عن يحيى بن أبي سفيان الأخنسي) بالخاء المعجمة والنون. (عن جدته حكيمة) بضم المهملة مصغر [بنت أمية] (¬8) (عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: من أهلَّ بحجة أو عمرة يعني: ¬

_ (¬1) في (م): وتخيموا. بالخاء المعجمة. (¬2) من (م). (¬3) ليست في (م). (¬4) "الأم" 2/ 200. (¬5) في (م): لأنه. (¬6) في (ر): بقليل لا يرقبه. (¬7) هكذا هنا والصواب أنه بالحاء المهملة كما في "التقريب" لابن حجر (3436). (¬8) ليست في (م).

أو مقرنًا بهما من المسجد الأقصى) بيت المقدس (إلى المسجد الحرام) بمكة شرفها الله (غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أو وجبت له) عند الله تعالى (الجنة. شك عبد الله) بن عبد الرحمن الراوي (أيتهما قال) شيخه يحيى. وهذا الحديث رواه (¬1) ابن ماجه، وصححه ابن حبان، وهذِه الفضيلة العظيمة والمرتبة الجسيمة إن كانت؛ لأن بيت المقدس مشارك (¬2) مكة في كونه إحدى المساجد الثلاثة، فهذِه الفضيلة تحصل (¬3) بالإحرام من مسجد المدينة؛ لأنه أفضل، وإن كانت لأن (¬4) مسجد الأقصى فيه الصخرة العظيمة (¬5) وهي إحدى القبلتين فلا تحصل هذِه الفضيلة لمن أحرم من المدينة، ولأن أجر بيت المقدس أفضل لبعده من مكة وشدة المشقة الإحرام منه، ولهذا قيل: إن أعظم المواقيت (¬6) الإحرام من ذي الحليفة ميقات أهل (¬7) المدينة ليعظم أجر أهل المدينة على غيرهم. (قال أبو داود: يرحم الله وكيعًا) يعني ابن الجراح بفتح الجيم وتشديد الراء وبالحاء المهملة الرؤاسي بضم الراء وفتح الهمزة وبالسين المهملة، كان يفتي بقول أبي حنيفة، وكان قد سمع منه شيئًا كثيرًا (أحرم) (¬8) في ¬

_ (¬1) زاد في (م): أيضًا. (¬2) في (م): شارك. (¬3) في (ر): تحرم. (¬4) في (ر): أن. (¬5) في (م): الشريفة. (¬6) في (م): أجر الموات. (¬7) ليست في (م). (¬8) في (م): إحرام.

حجته (من بيت المقدس) وقال ابن المنذر: إنه ثبت أن ابن عمر أحرم من إيلياء (¬1)، وروى مالك عنه ذلك (¬2). وإيلياء اسم لمدينة بيت المقدس، وروى هذا الحديث ابن ماجه ولفظه: "من أهل بعمرة من بيت المقدس غفر له"، وفي رواية له: "من أهل من بيت المقدس بعمرة كان كفارة لما قبلها من الذنوب" (¬3). ورواه الدارقطني وقال: "غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ووجبت له الجنة"، ولم يقع في روايته شك (¬4). [1742] ([حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج، حدثنا عبد الوارث، حدثنا عتبة بن عبد الملك] (¬5) السهمي) بفتح السين نسبة إلى سهم بن [عمر بن كعب بن لؤي] (¬6). ([حدثني زرارة] (¬7) بن كريم) بفتح الكاف (أن الحارث بن عمر السهمي حدثه قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو) نازل (بمنى أو بعرفات) شك من الراوي (وقد أطاف به الناس) أي ألموا به، قال في "الجمهرة": طاف بالشيء دار (¬8) حوله، وأطاف به إذا ألم به (¬9). ¬

_ (¬1) انظر: "الأم" 8/ 722. (¬2) "الموطأ" 1/ 331. (¬3) "سنن ابن ماجه" (2992، 2993). (¬4) "سنن الدارقطني" 2/ 284. (¬5) من مطبوع "السنن". (¬6) في (م): عمر وزرارة. (¬7) من مطبوع "السنن". (¬8) في (م): أدار. (¬9) "جمهرة اللغة" (ط - ف - و).

وحكى صاحب "الأفعال": طاف وأطاف بمعنى (فتجيء) إليه (¬1) (الأعراب) سكان البوادي (فإذا رأوا وجهه) الكريم (قالوا: هذا وجه مبارك) أي كثير الخير فيشهدون له بذلك في أول نظرهم إليه ووقوفهم عليه لما يشاهدوه من صباحة جبهته وملاحة وجنته وفصاحة كلامه وحسن ابتسامه، وفيه دليل على أن رؤية وجه العالم الذي يقتدي به محبوبه والمبادرة إليها مطلوبة، وكيف لا وهم ورثة الأنبياء وقدوة الأولياء، قال الحارث: (ووقت ذات عرق) وهو منزل من منازل الحاج (لأهل العراق) أن يحرموا منه وقد نظم بعضهم هذِه المواقيت في بيتين ذكرهما النووي في "التهذيب" فقال: عرق العراق يلملم اليمني ... وبذي الحليفة يحرم المدني والشام جحفة إن مررت بها ... ولأهل نجد قرن فاستبن (¬2) وقيل: لو عبر الناظم بقوله: والشام جحفة ثم مصر كذا، لكان أولى. ¬

_ (¬1) زاد في (م): بالشيء. (¬2) "تهذيب الأسماء واللغات" 2/ 1/ 114 - 115.

10 - باب الحائض تهل بالحج

10 - باب الحائِضِ تُهِلُّ بِالحَجِّ 1743 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا عَبْدَةُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ، قَالَتْ: نُفِسَتْ أَسْماءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبي بَكْرٍ بِالشَّجَرَةِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبا بَكْرٍ أَنْ تَغْتَسِلَ فَتُهِلَّ (¬1). 1744 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى وَإِسْماعِيلُ بْنُ إِبْراهِيمَ أَبُو مَعْمَرٍ قالا: حَدَّثَنا مَرْوانُ بْنُ شُجاعٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ وَمُجاهِدٍ وَعطَاءٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الحائِضُ والنُّفَساءُ إِذَا أَتَتا عَلَى الوَقْتِ تَغْتَسِلانِ وَتُحْرِمانِ وَتَقْضِيانِ المَناسِكَ كُلَّها غَيْرَ الطَّوافِ بِالبَيْتِ". قَالَ أَبُو مَعْمَرٍ في حَدِيثِهِ: حَتَّى تَطْهُرَ، وَلَمْ يَذْكُرِ ابن عِيسَى عِكْرِمَةَ وَمُجاهِدًا قَالَ: عَنْ عَطاءٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ وَلَمْ يَقُلِ ابن عِيسَى: "كُلَّها". قَالَ: "المَناسِكَ إِلَّا الطَّوافَ بِالبَيْتِ" (¬2). * * * باب الحائض تهل بالحج [1743] ([حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا عبدة] (¬3) عن عبيد الله) مصغر [بن عمر العمري (عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق] (¬4). (عن عائشة قالت: نفست) بفتح النون، أي خرج منها [الدم بعد ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1209). (¬2) رواه الترمذي (832)، وأحمد 1/ 363. وصححه الألباني في "الصحيحة" (1818). (¬3) من مطبوع "السنن". (¬4) في (م): عن العمري عن أبيه.

الولادة] (¬1) بضم النون وفتحها قاله الهروي وغيره، والفاء مكسورة فيهما (¬2). وعزاه النووي للأكثرين، وعن الأصمعي الوجهان فيهما (¬3). (أسماء بنت عميس) بضم العين مصغرًا ابن سعد بإسكان العين المهملة، زوجة جعفر بن أبي طالب، وهاجرت معه، فلما مات جعفر تزوجها أبو بكر الصديق فولدت له (محمد بن أبي بكر) الصديق (بالشجرة) بالشين المعجمة والجيم وهو مكان بذي الحليفة، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينزلها ويحرم منها [على ستة أميال من المدينة] (¬4) من عند الشجرة التي كانت هناك عند مسجدها (فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر أن يأمرها) وفي رواية في "الموطأ" وغيره: فذكر أبو بكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "مرها" (¬5). فيه: الأمر بالأمر هل هو أمر أم لا؟ (أن تغتسل) للإحرام وإن كانت نفساء أو حائضًا وهو مستحب لها، وكل (¬6) من أراد الإحرام. قال أصحابنا: وتغتسل الحائض والنفساء بنية غسل الإحرام كما ينوي غيرهما (¬7). وكل عمل الحج تعمله الحائض والنفساء والجنب والمحدث إلا الطواف بالبيت وركعتيه. ¬

_ (¬1) في (م): دم الولادة. (¬2) "إسفار الفصيح" (نفس). (¬3) "شرح النووي" 3/ 207. (¬4) من (م). (¬5) "الموطأ" 1/ 322. (¬6) في (م): ولكل. (¬7) انظر: "المجموع" 7/ 213.

وحكى الرافعي (¬1) قولًا شاذًّا ضعيفًا أن الحائض والنفساء لا يسن لهما الغسل (¬2). والصواب استحبابه للحديث وإذا عجز المحرم عن الغسل لعدم الماء أو لخوف من استعماله تيمم وإن وجد ما لا يكفيه توضأ واستعمل ما وجده تم تيمم عن الباقي (وتهل) بضم التاء والإهلال في الحج رفع الصوت بالتلبية، لكن المرأة لا ترفع صوتها، والمراد بالإهلال في أحاديث الحج كلها عقد النية للإحرام بالحج أو العمرة في مكانه. [1744] ([حدثنا محمد بن عيسى، وإسماعيل بن إبراهيم - أبو معمر - قال: حدثنا مروان بن شجاع، عن] (¬3) خصيف) بضم الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة مصغر هو ابن عبد الرحمن الجزري. (عن ابن عباس، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: الحائض والنفساء إذا أتيا) (¬4) مكان الميقات (على الوقت) الذي يصح فيه الإحرام بالحج أو العمرة (تغتسلان) غسل الإحرام بنيته في حال حيضها أو نفاسها مع أن الغسل لا يبيح لهما شيئًا حرمه الحيض والنفاس عليهما، فإذا أمرت الحائض والنفساء مع النجاسة المتصلة بهما فالظاهر أولى باستحباب الغسل منهما، وقد يستحب العبادة لمن لا تصح منه تلك العبادة للتشبه بالمتعبدين رجاءً لمشاركتهم في نيل المثوبة (¬5) كما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإمساك بقية النهار من ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "الشرح الكبير" 3/ 376. (¬3) من مطبوع "السنن". (¬4) زاد في (ر): نسخة: إذا أتوا. (¬5) رواه البخاري (1960)، ومسلم (1136) من حديث الربيع بنت معوذ.

يوم عاشوراء (¬1) ومن يوم رمضان إذا لم تثبت رؤيته إلا بالنهار لمن كان مفطرًا ويؤمر عادم الماء والتراب والمصلوب على الخشب بالصلاة حسب الإمكان، ثم يعيد عند الخلاص والقدرة. (وتحرمان) بضم التاء والإحرام يطلق على نية الدخول في الحج أو العمرة أو فيهما زمن الإحرام ويطلق أيضًا على الدخول فيما ذكرناه، ولعله المراد هنا ويحصل (¬2) الدخول في ذلك بالنية، وسمي بذلك إما لاقتضائه دخول الحرم من قولهم أحرم إذا دخل الحرم كأنجد إذا دخل نجدًا، أو لاقتضائه تحريم محرمات الإحرام الآتية عليه. (وتقضيان) أي: تؤديان (المناسك) من (¬3) أعمال الحج (كلها) في حال الحيض والنفاس، يقال (¬4): قضيت الدين وأديته بمعنى واحد قال الله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} (¬5) أي: أديتم. واستعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - القضاء. بمعنى الأداء تأسيًّا بكتاب الله، واستنبط الفقهاء من هذا أن الصلاة إذا كانت أداء ونوى بها القضاء وهو حاصل بالوقت لغيم ونحوه فإنها تصح على الأصح. قال النووي: فإن كان عالمًا بالحال لم تصح صلاته بلا خلاف (¬6) (غير الطواف) أي: إلا الطواف (بالبيت) كما سيأتي سواء كان الطواف ¬

_ (¬1) في (م): الثواب. (¬2) في (م): وتحصيل. (¬3) في (م): أي. (¬4) في (م): يقول. (¬5) البقرة: 200. (¬6) "المجموع" 3/ 280.

فرضًا أو واجبًا أو تطوعًا، ولا (¬1) ركعتي الطواف وركعتي الإحرام فإن ذلك لا يصح مع الحيض والنفاس، وهذا مما لا خلاف فيه عندنا إلا وجهًا شاذًّا حكاه إمام الحرمين وغيره عن أبي يعقوب الأبيوردي من أصحابنا أنه يصح طواف الوداع بلا طهارة ويجبر ما فاته بالدم (¬2) فإنه من عدم الطهارة بإراقة دم وقد روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن ابن عمر: تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت، وبين الصفا والمروة (¬3). ولم يذكر ابن المنذر عن أحد اشتراط الطهارة للسعي إلا عن الحسن البصري، وقد حكى المجد بن التيمية من الحنابلة رواية عندهم مثله، والحديث المذكور يرد هذا، وقال ابن بطال: قد فهم البخاري من الحديث الذي رواه في "صحيحه" عن عائشة: "افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت" (¬4). أن لها أن تسعى على غير (¬5) طهارته، ولهذا قال في التبويب عليه: وإذا سعى على غير وضوء بين الصفا والمروة (¬6) والحديث ظاهر في نهي الحائض عن الطواف [حتى ينقطع دمها] (¬7) وحتى تغتسل إذا انقطع دمها؛ لأن النهي في العبادات يقتضي الفساد، وذلك يقتضي بطلان ¬

_ (¬1) في (م): إلا. (¬2) بياض في (ر). والمثبت من "نهاية المطلب" 4/ 300. (¬3) "مصنف ابن أبي شيبة" 8/ 440 (14576). (¬4) "صحيح البخاري" (305). (¬5) زيادة يستقيم بها السياق. (¬6) انظر: "فتح الباري" 3/ 505. (¬7) ليست في (م).

الطواف لو فعلته، وفي معنى الحائض الجنب والمحدث وهو قول الجمهور. وذهب جمع من الكوفيين إلى عدم الاشتراط لما روى ابن أبي شيبة عن شعبة (¬1): سألت الحكم وحمادًا ومنصورًا وسليمان عن الرجل يطوف بالبيت على غير طهارة فلم يروا به بأسًا (¬2)، وروى عن عطاء: إذا طافت المرأة ثلاثة أطواف فصاعدًا ثم [حاضت أجزأ عنها] (¬3) وهذا تعقب على النووي حيث قال في "شرح المهذب": انفرد أبو حنيفة بأن الطهارة ليست شرط في الطواف، وعند أحمد رواية: إن الطهارة للطواف واجبة تجبر بالدم (¬4). (قال أبو معمر) إسماعيل بن إبراهيم الراوي (حتى) متعلقة بما فيه معنى الفعل وهو الطواف بالبيت لا بقوله يقضيان، ويدل على هذا رواية الصحيحين: "افعلي كما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى" (¬5). (تطهري) رواية: تطهر بفتح التاء (¬6) المثناة والطاء المهملة المشددة وتشديد (¬7) الهاء، وأيضًا أصله تتطهري فحذفت (¬8) إحدى ¬

_ (¬1) في (م): سعيد. (¬2) "مصنف ابن أبي شيبة" 8/ 437 (14562) (¬3) في (ر): بياض قدر كلمة ثم قال: إخراجها. (¬4) "المجموع" 8/ 17، وانظر: "المبسوط" 4/ 44، "المغني" 5/ 223، "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 8/ 38. (¬5) سقطت من (م). (¬6) سقطت من (م). (¬7) ليس في (م): تشديد. (¬8) في (م): ثم حذفت.

التاءين أي: تغتسلي ويوضحه رواية مسلم: "حتى تغتسلي" (¬1) والتطهير (¬2) بالتشديد هو الاغتسال كما في قوله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} أي: اغتسلن {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} (¬3) (ولم يذكر) محمد (بن عيسى عكرمة ومجاهدًا) بل اقتصر على قوله (عن عطاء [عن ابن عباس] (¬4) ولم يذكر ابن عيسى) أيضًا لفظة (كلها. قال: المناسك إلا الطواف) وإلا بمعنى غير كما (¬5) تقدم. ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" 119/ 1211. (¬2) في (م): والتطهر. (¬3) البقرة: 222. (¬4) من مطبوع "السنن". (¬5) في (م): ما.

11 - باب الطيب عند الإحرام

11 - باب الطِّيبِ عِنْدَ الإِحْرامِ 1745 - حَدَّثَنا القَعْنَبي وَأَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قالا: حَدَّثَنا مالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أُطيِّبُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لإِحْرامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَلإِحْلالِهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالبَيْتِ (¬1). 1746 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبّاحِ البَزّازُّ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بْنُ زَكَرِيّا، عَن الحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنِ الأسْوَدِ، عَنْ عائِشَةَ قَالَتْ: كَأَنّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ المِسْكِ في مَفْرِقِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ مُحْرِمٌ (¬2). * * * باب الطيب عند الإحرام [1745] ([حدثنا القعنبي، وأحمد بن يونس، قالا: حدثنا مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم] (¬3) عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق (عن عائشة قالت: كنت أطيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لإحرامه) أي لأجل إحرامه، وفي رواية النسائي: حين أراد أن يحرم (¬4)، ولمسلم نحوه (¬5). (قبل أن يحرم) استدل بقولها: كنت (¬6) على أن كان لا تقتضي التكرار؛ لأنه لم يقع ذلك منها إلا مرة واحدة، وقد صرحت في رواية عروة عنها أن ذلك كان في حجة الوداع كما في رواية البخاري في ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1539)، ومسلم (1189). (¬2) رواه البخاري (271، 1538)، ومسلم (1190). (¬3) من مطبوع "السنن". (¬4) "المجتبى" 5/ 136. (¬5) "صحيح مسلم" (1189/ 31). (¬6) زاد في (م): أطيب.

اللباس (¬1)، وكذا استدل به النووي في "شرح مسلم" وتعقب بأن المدعي تكراره إنما هو التطيب لا الإحرام، ولا مانع من أن يتكرر التطيب لأجل الإحرام مع كون الإحرام مرة واحدة (¬2)، وقال النووي في موضع آخر أنها لا تقتضي تكرارًا (¬3) ولا استمرارًا (¬4). وكذا قال الرازي في "المحصول"، [وجزم ابن الحاجب أنها تقتضيه، ولهذا استفدنا من قولهم: كان حاتم يقري الضيفان أن ذلك كان يتكرر منه] (¬5). وفي الحديث دليل على استحباب الطيب عند إرادة الإحرام وأنه لا يضر بقاء لونه ورائحته، وإنما يحرم ابتداؤه في الإحرام، وهو قول الجمهور، وعن مالك: يحرم ولكن لا فدية (¬6)، وقال محمد بن الحسن: يكره أن يتطيب قبل الإحرام بما يبقى عينه بعده (¬7). واحتج المالكية بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - اغتسل بعدما تطيب؛ لقوله في رواية ابن المنتشر في "الصحيح": ثم طاف على نسائه ثم أصبح محرمًا (¬8)؛ فإن المراد بالطواف الجماع، وكان من عادته أن يغتسل عند كل واحدة، ومن ضرورة ذلك [أنه لا] (¬9) يبقى للطيب أثر، لكن يرده رواية الصحيح: ثم ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (5930). (¬2) "شرح النووي على مسلم" 8/ 98. (¬3) سقطت من (م). (¬4) انظر "شرح النووي" 6/ 21. (¬5) سقطت من (م). (¬6) انظر "مواهب الجليل" 4/ 232. (¬7) "المبسوط" للسرخسي 4/ 5، و"المبسوط" للشيباني 2/ 475. (¬8) "صحيح البخاري" (270)، مسلم (1192). (¬9) في (م): ألا.

يصبح محرمًا ينضح طيبًا (¬1)، وهو ظاهر في أن نضح الطيب هو ظهور رائحته (¬2)، وللنسائي وابن حبان: رأيت الطيب في مفرقه بعد ثلاثة أيام (¬3). وهو محرم. وادعى بعضهم كما قال المهلب أن ذلك من خصائصه - صلى الله عليه وسلم -، وقال بعضهم: النهي لأن الطيب من دواعي الجماع (¬4) والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان أملك الناس لإربه، قال المهلب: خص بذلك لمباشرته الملائكة لأجل الوحي (¬5). واعتذر بعض المالكية بأن عمل اْهل المدينة (¬6) على خلافه (¬7) (¬8). [(ولإحلاله) أي لأجل إحلاله من إحرامه] (¬9) (قبل أن يطوف بالبيت) طواف الإفاضة وفي الصحيح: قبل أن يفيض، وفي رواية للنسائي: حين يريد أن يزور البيت (¬10). ولمسلم نحوه، وللنسائي من طريق ابن عيينة عن عائشة: لحله بعدما رمى جمرة العقبة قبل أن تطوف بالبيت (¬11)، واستدل به على حل الطيب ونحوه من محرمات الإحرام بعد رمي جمرة العقبة. ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (267)، مسلم (1192). (¬2) في (ر): الجنة. (¬3) "سنن النسائي" 5/ 140، "صحيح ابن حبان" (1376). (¬4) في (م): النكاح. (¬5) "فتح الباري" 3/ 467. (¬6) في (ر): الجنة. (¬7) في (ر): خلاله. (¬8) انظر: "فتح الباري" 3/ 467. (¬9) ليست في (م). (¬10) "سنن النسائي" 5/ 138. (¬11) "سنن النسائي" 5/ 137.

[1746] (محمد بن الصباح البزاز) بزاءين ([حدثنا إسماعيل بن زكريا، عن الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم، عن الأسود، عن] (¬1) عائشة قالت: كأني أنظر) أرادت بذلك قوة تحققها لذلك بحيث أنها لشدة استحضارها لذلك كأنها ناظرة إليه (إلى وبيص) بالموحدة المكسورة وآخره صاد مهملة، وهو البريق، وقال الإسماعيلي: الوبيص زيادة على البريق وأن المراد به التلالؤ (¬2) وأنه يدل على وجود عين قائمة لا الريح فقط (¬3) (المسك في مفرق) بكسر الميم وفتحها مع فتح الراء وهو المكان الذي يفرق فيه الشعر في وسط الرأس (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو محرم) أي: باقٍ على إحرامه. ¬

_ (¬1) من مطبوع "السنن". (¬2) في النسخ: (البلالة)، والمثبت من "فتح الباري". (¬3) "فتح الباري" 3/ 398.

12 - باب التلبيد

12 - باب التَّلْبِيدِ 1747 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ دَاوُدَ المَهْريُّ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَني يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ سالِمٍ - يَعْني: ابن عَبْدِ اللهِ -، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -يُهِلُّ مُلَبِّدًا (¬1). 1748 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحاقَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - لَبَّدَ رَأْسَهُ بِالعَسَلِ (¬2). * * * باب التلبيد في التلبية [1747] (سليمان بن داود المهري) بفتح الميم ([حدثنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله] (¬3) عن أبيه) عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما - (قال: سمعت النبي يهل) أي يحرم (ملبدًا) بكسر الباء المشددة أي: وقد لبد شعر رأسه، أي: سرحه وجعل فيه شيئًا من صمغ ونحوه ليلة، قال: لئلا يتشعث في الإحرام، أو يقع منه القمل ونحوه، وقوله: سمعته يهل ملبدًا أي: سمعته يهل في حال كونه ملبدًا رأسه، وعن ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لبد رأسه، أي: شعر رأسه. [1748] و ([حدثنا عبيد الله بن عمر، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا محمد بن إسحاق، عن نافع] (¬4)، عن ابن عمر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لبد رأسه) ¬

_ (¬1) رواه البخاري (540)، ومسلم (1184). (¬2) رواه الحاكم 1/ 450، والبيهقي 5/ 36. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (308). (¬3) ليست في (م). (¬4) من مطبوع "السنن".

أي: شعر رأسه (بالعسل) قال ابن الصلاح (¬1): يحتمل أنه بفتح المهملتين، ويحتمل أن يكون بكسر المعجمة وسكون المهملة، وهو ما يغسل به الرأس من خطمي أو غيره، قال الشيخ شهاب الدين بن حجر: ضبطناه في روايتنا بالمهملتين (¬2). [وقال الصنعاني في "البيان" أن العرب تسمي صمغ العرفط عسلًا لحلاوته] (¬3). ¬

_ (¬1) في (م): الصباح، وفي "فتح الباري": عبد السلام. (¬2) "فتح الباري" 3/ 400. (¬3) ليست في (م).

13 - باب في الهدي

13 - باب في الهَدي 1749 - حَدَّثَنا النُّفَيْليُّ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحاقَ؛ ح وَحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الِمنْهالِ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنِ ابن إِسْحاقَ - المَعْنَى - قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ - يَعْني: ابن أَبي نَجِيحٍ - حَدَّثَني مُجاهِدٌ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَهْدى عامَ الحُدَيْبِيَةِ في هَدايا رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَمَلًا كَانَ لأَبي جَهْلٍ في رَأْسِهِ بُرَةُ فِضَّةٍ. قَالَ ابن مِنْهالٍ: بُرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ. زادَ النُّفَيْلي: يَغِيظُ بِذَلِكَ المُشْرِكِينَ (¬1). * * * باب في الهدي [1749] ([حدثنا النفيلي، حدثنا محمد بن سلمة، حدثنا محمد بن إسحاق (ح) وحدثنا محمد بن المنهال، حدثنا يزيد بن زريع، عن ابن إسحاق - المعنى: قال عبد الله] (¬2) عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهدى) إلى البيت الحرام (عام الحديبية) وكانت عمرة الحديبية في القعدة سنة ست حين صده المشركون عن الوصول إلى البيت فذبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هديه بها وأهدى. (في هدايا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جملًا كان لأبي جهل) واسمه عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد الله (في رأسه بُرة) بضم الباء الموحدة وفتح الراء المخففة ثم هاء، وهي حلقة تكون في أنف البعير يشد فيها الزمام والجمع برور (فضة) عنه يوم بدر. ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (3100)، وأحمد 1/ 261، وابن خزيمة (2897). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1535) بلفظ: فضة. (¬2) من مطبوع "السنن".

(قال) محمد (بن منهال) الضرير (من ذهب) ورواه الحاكم في "مستدركه" بلفظ الفضة، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم، ورواه البيهقي من حديث جرير (¬1) بن حازم عن أبي نجيح به وقال: في أنفه، بدل: في رأسه، ثم قال: هذا إسناد صحيح. استدل بهذا الحديث على جواز تحلية آلة الدابة التي يقاتل عليها، كما يجوز تحلية آلة الحرب كالسيف والمنطقة ونحوهما، وصححه ابن عبد السلام في "الفتاوى الموصولية" (¬2) لأنه للفرس لا للراكب، وفي معناه تحلية لجام الفرس، قال في "الذخائر": بخلاف لجام البغل والحمار، وكذا سرجهما؛ لأنهما لا يعدان للحرب. [وهذا الجمل الذي في رأسه برة فضة كان اسمه العصيفر] (¬3) (يغيظ بذلك المشركين) الذين كانوا بالحديبية ويوقع في قلوبهم الرعب والذلة برؤية جمل أبي جهل ينحر في الهدايا. ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) زاد هنا في (م): غلبه. (¬3) من (م).

14 - باب في هدي البقر

14 - باب في هَدي البَقَرِ 1750 - حَدَّثَنا ابن السَّرْحِ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَني يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَحَرَ، عَنْ آلِ مُحَمَّدٍ في حَجَّةِ الوَداعِ بَقَرَةً واحِدَةً (¬1). 1751 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عُثْمانَ وَمُحَمَّدُ بْنُ مِهْرانَ الرّازي قالا: حَدَّثَنا الوَلِيدُ, عَنِ الأَوْزاعي، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَبَحَ عَمَّنِ اعْتَمَرَ مِنْ نِسائِهِ بَقَرَةً بَيْنَهُنَّ (¬2). * * * باب في هدي البقر [1750] (ثنا) أحمد بن [عمرو (¬3) (ابن السرح، ثنا) عبد الله (بن وهب [أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن] (¬4) عائشة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحر) يستدل به على جواز نحر البقر، وبه قال العلماء، إلا أن المستحب عندهم الذبح؛ لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} (¬5)، والفرق بينهما أن النحر في ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (3135)، وأحمد 6/ 248، والنسائي في "الكبرى" (4127). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1536). ورواه البخاري (294)، ومسلم (1211) بنحوه ولم يذكرا التقيد ببقرة واحدة. (¬2) رواه ابن ماجه (3133)، والنسائي في "الكبرى" (4128)، وابن خزيمة (2903)، وابن حبان (4008). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1537). (¬3) زاد بعدها في (م): أحمد. (¬4) من مطبوع "السنن". (¬5) البقرة: 67.

أعلى (¬1) الصدر وهو مجمع التراقي، والذبح عند الرقبة، وخالف الحسن بن صالح فاستحب النحر مستدلًا بالحديث. (عن آل محمد) يعني أهل بيته، أي هديًا للكعبة، وفي رواية مسلم: أهدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان ذلك (في حجة الوداع) سنة عشر، وفيه دليل على استحباب الهدي، قال النووي: وسوق الهدي لمن قصد مكة حاجًّا أو معتمرًا سنة مؤكدة، وقد أعرض الناس أو أكثرهم عنها في هذا الزمان (¬2) (بقرة واحدة) قال ابن بطال: أخذ بظاهره جماعة وأجازوا الاشتراك في الهدي والأضحية، قيل: لا حجة فيه؛ لأنه يحتمل أن يكون عن كل واحد (¬3). [1751] ([حدثنا عمرو بن عثمان، ومحمد بن مهران الرازي، قالا: حدثنا الوليد، عن الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي سلمة] (¬4) عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذبح) استدل به على أن الأفضل الذبح في البقر كما تقدم، وقوله: ذبح، فيه دليل على أن الأفضل للرجل أن يتولى (¬5) الذبح بنفسه من الهدي والأضحية وينوي عند ذبحها، فإن كان منذورًا نوى الذبح عن (¬6) هديه، وإن كان تطوعًا نوى التقرب، ولو استناب في ذبحه جاز، لكن يستحب أن يحضر الذبح. ¬

_ (¬1) زاد هنا في (م): مراتب. (¬2) "المجموع" 8/ 188. (¬3) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 4/ 386. (¬4) من مطبوع "السنن". (¬5) في (م): ينوي. (¬6) في (م): عند.

(عمن اعتمر من نسائه) في حجة الوداع كما في رواية النسائي وابن ماجه (¬1)، وفيه دليل على جواز الذبح عن غيره إذا استأذنه، وظاهر كلام البخاري جواز الذبح من غير إذن؛ فإنه قال في التبويب: باب ذبح الرجل البقر عن نسائه من غير أمرهن، وتعقب باحتمال استئذانهن. (بقرة) واحدة (بينهن) فيه دليل على جواز الاشتراك للجماعة (¬2) في الهدي والأضحية الواحدة عن جماعة، وعلى أن القارن لا يلزمه غير شاة؛ لأن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - كن قارنات؛ لقوله: "طوافك يكفيك لحجك وعمرتك" (¬3). ¬

_ (¬1) "السنن الكبرى" للنسائي (4114)، "سنن ابن ماجه" (3133). (¬2) ليست في (م). (¬3) سيأتي برقم (1897) من حديث عائشة.

15 - باب في الإشعار

15 - باب في الإِشْعارِ 1752 - حَدَّثَنا أَبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسي وَحَفْصُ بْنُ عُمَرَ - المَعْنَى - قالا: حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتادَةَ - قَالَ أَبُو الوَلِيدِ - قَالَ: سَمِعْتُ أَبا حَسّانَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى الظُّهْرَ بِذي الحُلَيْفَةِ ثُمَّ دَعا بِبَدَنَةٍ فَأَشْعَرَها مِنْ صَفْحَةِ سَنامِها الأَيْمَنِ ثُمَّ سَلَتَ عَنْها الدَّمَ وَقَلَّدَها بِنَعْلَيْنِ ثُمَّ أُتي بِراحِلَتِهِ فَلَمّا قَعَدَ عَلَيْها واسْتَوَتْ بِهِ عَلَى البَيْداءِ أَهَلَّ بِالحَجِّ (¬1). 1753 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ بهذا الحَدِيثِ بِمَعْنَى أَبي الوَلِيدِ قَالَ: ثُمَّ سَلَتَ الدَّمَ بِيَدِهِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَواهُ هَمّامٌ قَالَ سَلَتَ الدَّمَ عَنْها بِإِصْبَعِهِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هذا مِنْ سُنَنِ أَهْلِ البَصْرَةِ الذي تَفَرَّدُوا بِهِ (¬2). 1754 - حَدَّثَنا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمّادٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوانَ أَنَّهُما قالا: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عامَ الحُدَيْبِيَةِ فَلَمّا كَانَ بِذي الحُلَيْفَةِ قَلَّدَ الهَدي وَأَشْعَرَهُ وَأَحْرَمَ (¬3). 1755 - حَدَّثَنا هَنّادٌ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ مَنْصُورٍ والأَعْمَشِ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَهْدى غَنَمًا مُقَلَّدَةً (¬4). * * * باب الإشعار [1752] ([حدثنا أبو الوليد الطيالسي، وحفص بن عمر المعنى، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1243). (¬2) انظر ما قبله. (¬3) رواه البخاري (4157). (¬4) رواه البخاري (1703)، ومسلم (1321).

قالا: حدثنا شعبة، عن قتادة، قال أبو الوليد قال: ] (¬1) سمعت أبا حسان) هو (¬2) مسلم الأحول الأعرج. (عن ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر بذي الحليفة) أي: ركعتين في الميقات (ثم دعا ببدنة) فيه جواز الاستنابة في أفعال العبادة. قال أهل اللغة: سميت البدنة بدنة لعظم بدنها، وتطلق على الذكر والأنثى، وتطلق على الإبل والبقر والغنم، هكذا نقله النووي عن أكثر أهل اللغة، قال: ولكن معظم استعمالها في الأحاديث وكتب الفقه في الإبل خاصة (¬3). (فأشعرها) إشعار البدن تعليمها بعلامة تعرف أنها هدي، وفيه مشروعية الإشعار، وفائدة الإعلام بأنها صارت هديًا حتى لو اختلطت بغيرها ميزت بالإشعار أو ضلت عرفت أو عطبت عرفها المساكين بالعلامة فأكلوها، مع ما في ذلك من تعظيم شعار الشرع، وقد أبعد من منع الإشعار، واعتل باحتمال أنه كان مشروعًا قبل النهي عن المثلة، [وهذا ضعيف؛ لأن النهي لا يصار إليه بالاحتمال، بل وقع الإشعار في حجة الوداع، وذلك بعد النهي عن المثلة] (¬4) والإشعار أن يجرح جلد البدنة (من صفحة سنامها الأيمن) حتى يسيل الدم (ثم سلت الدم) أي: مسحه (عنها) ليكون ذلك علامة على كونها هديًا، وبذلك قال الجمهور، وذكر الطحاوي في "اختلاف العلماء" كراهته عن أبي حنيفة ¬

_ (¬1) من مطبوع "السنن". (¬2) ليست في (م). (¬3) "شرح النووي على مسلم" 9/ 65. (¬4) ليست في (م)

ومن كره الإشعار؛ لأنه مثلة (¬1) [رد بأنه] (¬2) باب آخر كالكي وشق آذان (¬3) الحيوان ليصير علامة، والختان والحجامة. وعن ابن عمر أنه كان إذا طعن في سنام هديه وهو يشعره قال: بسم الله والله أكبر (¬4). وأخرج البيهقي أن ابن عمر كان يشعر بدنه من الشق الأيسر إلا أن تكون صعابًا (¬5)، فإن لم يستطع أشعر من الشق الأيمن، وإذا أراد أن يشعرها وجهها إلى القبلة (¬6)، وقيل: إن ابن عمر كان يطعن (¬7) الأيمن تارة والأيسر تارة بحسب ما يتهيأ له ذلك، وإلى الإشعار في الجانب الأيمن ذهب الشافعي لهذا الحديث (¬8)، وكذا صاحبا أبي حنيفة وأحمد (¬9). وإلى الأيسر ذهب مالك (¬10). (وقلدها) أي: ربط في عنقها (بنعلين) (¬11) استدل به النووي على اشتراط نعلين، والصحيح تجزئ الواحدة وإن كان النعلان أفضل، ¬

_ (¬1) "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 72، وانظر: "المبسوط" 4/ 152 - 153. (¬2) بياض في (ر). (¬3) في (ر): أذن. (¬4) رواه مالك في "الموطأ" (1406). (¬5) في (ر): ضعافًا. (¬6) "السنن الكبرى" للبيهقي 5/ 232. (¬7) زاد في (م): في. (¬8) "الأم" 2/ 337. (¬9) "اللباب في شرح الكتاب" 1/ 99، و"مسائل أحمد برواية الكوسج" (1802). (¬10) "المدونة" 1/ 456. (¬11) في (م): نعلين.

وقال آخران (¬1): لا يتعين النعل، بل كل ما قام مقامهما أجزأ حتى أذن الإداوة، ثم قيل: إن في تقليد النعل إشارة إلى السفر والجدِّ والمشي على النعلين فعلى هذا يتعين. وقال ابن المنير: الحكمة فيه أن التقرب بكون النعل مركوبة وأنها تقي صاحبها الأذى (¬2) وتحتمل عنه وعرة الطريق، وقد كنى بعض الشعراء عنها بالناقة، فكأن الذي أهدى خرج عن مركوبه لله حيوانًا كان أو غيره كما صرح (¬3) حين أحرم عن ملبوسه، ومن ثم استحب تقليد نعلين لا واحدة، وهذا هو الأصل في نذر المشي حافيًا إلى مكة (¬4) (ثم أتي براحلته) ليركبها ويحرم عليها، وبوب ابن أبي شيبة على الحديث: باب من قلد الهدي وأحرم. (فلما قعد عليها) وكبر الله ثلاثًا (¬5) (واستوت به) قائمةً منبعثة (على البيداء) أي: على السير في الصحراء (أهل بالحج) أي أحرم به. فيه دليل على الصحيح من المذهب أن الأفضل أن يحرم إذا انبعثت به راحلته، وقيل: أن يحرم عقب فراغه من الركعتين وهو جالس بالحج، وفيه دليل أن الأفضل في الإحرام أن يحرم منفردًا بالحج. [1753] ([حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن شعبة بهذا الحديث] (¬6) ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) في (ر): الآدمي. (¬3) من (ر). (¬4) "فتح الباري" 3/ 641. (¬5) في (م): عليها. (¬6) من مطبوع "السنن".

بمعنى أبي الوليد) هشام الطيالسي (قال: ثم سلت الدم) عنها (بيده) فيه دليل على جواز مباشرة النجاسة بيده اليسرى؛ فإنها للمستقذرات، والدم مستقذر. (قال أبو داود: ورواه همام) بن يحيى العودي (قال: سلت الدم عنها) أي: عن الجرح (بأصبعه) فإنه أخف في مباشرة النجاسة. (قال أبو داود: وهذا من سنن) أي طريق (أهل البصرة) وعادتهم، ومنه الحديث: "لتتبعن سنن من كان قبلكم" (¬1) (الذي (¬2) تفردوا به) عن غيرهم والمشهور السلت باليد (¬3). [1754] ([حدثنا عبد الأعلى بن حماد، حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عروة] (¬4) عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم) بن أبي العاص. [قال المنذري: حديث مسور من مراسيل الصحابة؛ فإن مولد المسور بمكة سنة اثنتين، وعمرة الحديبية كانت سنة ست، وكان عمره أربع سنين، وقال: قدم من مكة إلى المدينة سنة ثمان، ومروان بن الحكم لم يصح له سماع من النبي - صلى الله عليه وسلم -] (¬5). (قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية) يريد مكة شرفها الله (فلما كان ¬

_ (¬1) رواه البخاري (7320) من حديث أبي سعيد الخدري. (¬2) في (ر): الذين. (¬3) زاد في (ر): [قال أبو داود: اسم أبي عبد. . . . . خالد بن أبي يزيد، قال محمد بن مسلم: روى عنه حجاج بن محمد.]. ولا وجه لها هنا، وانظر الحديث التالي. (¬4) من مطبوع "السنن". (¬5) ليست في (م).

بذي الحليفة) وهي ميقات إحرامه (قلد الهدي) الذي ساقه إلى البيت الحرام (وأشعره) كما تقدم (وأحرم) بالحج كما تقدم. [1755] ([حدثنا هناد، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور والأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود] (¬1) عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهدى غنمًا) مرة، فيه حجة على إهداء الغنم، والحنفية على الأصل يقولون: ليست الغنم من الهدي (¬2). قال ابن عبد البر: [احتج من لم ير] (¬3) إهداء الغنم بأنه - صلى الله عليه وسلم - حج مرة واحدة ولم ير فيها غنمًا، انتهى (¬4). وحجته بعيدة؛ لأن الأحاديث دالة على أنه أرسل بها وأقام فكان ذلك قبل حجته قطعًا، فلا تعارض بين الفعل والترك، ولأن مجرد الترك لا يدل على نسخ الخبر، ومن الذي صرح من الصحابة بأنه لم يكن في هداياه في حجته غنم حتى يسوغ الاحتجاج بذلك، وأعل الحديث بعض المخالفين بأن الأسود تفرد عن عائشة بتقليد الغنم دون بقية الرواة عنها. قال المنذري وغيره: ليست هذِه علة؛ لأنه حافظ ثقة لا يضره التفرد. (مقلدة) فيه دليل على تقليد الغنم وهو قول الجمهور. قال ابن المنذر: أنكر مالك وأصحاب الرأي تقليدها، زاد غيره: وكأنهما لم يبلغهما الحديث ولم نجد لهم حجة إلا قول بعضهم أنها ¬

_ (¬1) من مطبوع "السنن". (¬2) انظر: "المبسوط" 4/ 152. (¬3) بياض في (ر). (¬4) "التمهيد" 17/ 230.

تضعف عن التقليد وهي حجة ضعيفة؛ لأن المقصود من التقليد الإعلام (¬1)، وقد اتفقوا على أنها لا تشعر لأنها تضعف عنه، لكن تقلد بما لا يضعفها (¬2). ¬

_ (¬1) في "فتح الباري": العلامة. (¬2) "فتح الباري" 3/ 547.

16 - باب تبديل الهدي

16 - باب تَبْدِيلِ الهَدي 1756 - حَدَّثَنا النُّفَيْليُّ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبي عَبْدِ الرَّحِيمِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَبُو عَبْدِ الرَّحِيمِ خالِدُ بْنُ أَبي يَزِيدَ - خالُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ رَوى عَنْهُ حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ - عَنْ جَهْمِ بْنِ الجارُودِ، عَنْ سالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَهْدى عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ نَجِيبًا فَأعْطي بِها ثَلاثَمِائَةِ دِينارٍ فَأَتَى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ إِنّي أَهْدَيْتُ نَجِيبًا فَأُعْطِيتُ بِها ثَلاثَمِائَةِ دِينارٍ أَفَأَبِيعُها وَأَشْتَري بِثَمَنِها بُدْنًا؟ قَالَ: "لا انْحَرْها إِيّاها". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هذا لأَنَّهُ كَانَ أَشْعَرَها (¬1). * * * باب تبديل الهدي [1756] ([حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي، حدثنا محمد بن سلمة، عن أبي عبد الرحيم، قال أبو داود: أبو عبد الرحيم خالد بن أبي يزيد، خال محمد بن سلمة، روى عنه حجاج بن محمد] (¬2) جهم) بفتح الجيم (ابن الجارود) [قيل: اسمه سهل، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3)] (¬4) كوفي مختلف في اسمه ([عن سالم بن عبد الله] (¬5) عن أبيه) عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - (قال: أهدى عمر بن الخطاب نجيبًا) النجيب من الإبل نوع ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 145، والبخاري في "التاريخ الكبير" 2/ 230، وابن خزيمة (2911). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (309). (¬2) من مطبوع "السنن". (¬3) "الثقات" لابن حبان 6/ 150. (¬4) ليست في (م). (¬5) ليست في (م).

من خيار الإبل وأعلاها قيمةً، وهو معروف عندهم، وفي بعض النسخ: بختًا، بضم الموحدة وإسكان المعجمة، قيل: نسبة إلى بخت نصر، له سنامان. وفيه دليل على جواز إهداء الذكور كما في الحديث المتقدم: كان في هداياه جمل لأبي جهل (¬1)، قال البغوي: وحكي عن ابن عمر أنه كان يكره الذكور من الإبل (¬2). (فأعطي بها) أن يدفع له (¬3) ثمنها (ثلاثمائة دينار، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إني أهديت نجيبًا) بفتح النون وكسر الجيم، [أو بخيتًا] (¬4) كما تقدم. (فأعطيت بها ثلاثمائة دينار) فيه دليل على استحباب الهدي والضحايا والمغالاة في أثمانها؛ فإنها من تعظيم شعائر الله. (أفأبيعها) بما أعطى فيها (وأشتري بثمنها بدنًا) بإسكان الدال كثيرة (قال: لا.) فيه دليل على أن الهدي أو الأضحية إذا تعين لا يجوز بيعه ولا هبته ولا يبدل به غيره، ولو زادوا على أضعافه، لكن الجواز في [هذا الموضع] (¬5) الكراهة، وقال أبو حنيفة: لا يجوز بيعه وإبداله بغيره من الهدي الذي مثله (¬6)، وعند المالكية لا يجوز التصرف في ¬

_ (¬1) سلف برقم (1749). (¬2) "شرح السنة" 7/ 198. (¬3) من (م). (¬4) ليست في (م). (¬5) في (ر): هذِه مع. (¬6) انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 82، "الكافي في فقه أهل المدينة" 1/ 402.

الهدي قبل المحل تطوعًا كان أو (¬1) واجبًا. (انحرها إياها) أي بنفسها ولا تبدل بها غيرها ولا يتعوض عنه غيره (¬2) بشرًا ولا غيره، ولأن النجيب كان أشعره للهدي الواجب [وبالإشعار والتقليد لا يصير هديًا واجبًا على الصحيح عند الشافعي (¬3) كما لو كتب وقفًا على باب داره أو كتب على الكتاب وقفًا] (¬4). ¬

_ (¬1) في (م): أم. (¬2) ليست في (م). (¬3) "المجموع" 8/ 360. (¬4) ليست في (م).

17 - باب من بعث بهديه وأقام

17 - باب مَنْ بَعَثَ بِهَدْيِهِ وَأَقَامَ 1757 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبيُّ، حَدَّثَنا أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنِ القاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: فَتَلْتُ قَلائِدَ بُدْنِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدي ثُمَّ أَشْعَرَها وَقَلَّدَها ثُمَّ بَعَثَ بِها إِلَى البَيْتِ وَأَقامَ بِالمَدِينَةِ فَما حَرُمَ عَلَيْهِ شَيء كَانَ لَهُ حِلّا (¬1). 1758 - حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ خالِدٍ الرَّمْلي الهَمْداني وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَّ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ حَدَّثَهُمْ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُهْدي مِنَ المَدِينَةِ فَأَفْتِلُ قَلائِدَ هَدْيِهِ ثُمَّ لا يجتَنِبُ شَيْئًا مِمّا يَجْتَنِبُ المُحْرِمُ (¬2). 1759 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا بِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ، حَدَّثَنا ابن عَوْنٍ، عَنِ القاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعَنْ إِبْراهِيمَ - زَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُما جَمِيعًا وَلَمْ يَحْفَظْ حَدِيثَ هذا مِنْ حَدِيثِ هذا وَلا حَدِيثَ هذا مِنْ حَدِيثِ هذا - قالا: قَالَتْ أُمُّ المُؤْمِنِينَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالهَدي فَأَنا فَتَلْتُ قَلائِدَها بِيَدي مِنْ عِهْنٍ كَانَ عِنْدَنا ثُمَّ أَصْبَحَ فِينا حَلالًا يَأْتي ما يَأْتي الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ (¬3). * * * باب من بعث بهديه وأقام [1757] ([حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، حدثنا أفلح بن حميد، عن القاسم] (¬4) عن عائشة قالت: فتلت قلائد بدن) بسكون الدال (رسول ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1696، 1699)، ومسلم (1321). (¬2) رواه البخاري (1698)، ومسلم (1321/ 359). (¬3) رواه البخاري (1705)، ومسلم (1321/ 364). (¬4) من مطبوع "السنن".

الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي) فيه إعانة الحاج ومساعدته في أعمال الحج (¬1)، وكذا إعانة المجاهد والمرابط ومن كان في طاعة فإنه من المعاونة على البر والتقوى، وصرح به مسلم أنها كانت من عِهن، أي: صوف مصبوغ. (ثم أشعرها وقلدها) فيه دليل على استحباب الجمع بين الإشعار والتقليد في البدن وكذلك البقر (ثم بعث بها إلى البيت) فيه دليل على أنه إذا أرسل هديه أشعره وقلده من بلده ولو أخذه معه لأخر التقليد والإشعار إلى حيث (¬2) يحرم من الميقات أو من غيره (وأقام بالمدينة) فيه استحباب بعث الهدي إلى الحرم لمن لا يريد الذهاب سواء كان قادرًا على الذهاب معه أم لا، وكذلك (¬3) من لم يذهب إلى بيت المقدس فليبعث إليه بزيت يسرج في قناديله كما تقدم في المساجد (¬4). (فما حرم عليه شيء كان حلالًا له) فيه دليل على أن من بعث هديه لا يصير محرمًا ولا يحرم عليه شيء مما يحرم على المحرم، هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة (¬5). إلا رواية عن ابن عمر وابن عباس وعطاء ومجاهد وأهل الرأي أنه إذا فعله لزمه اجتناب ما يجتنبه المحرم، ولا يصير محرمًا من غير نية الإحرام (¬6). [1758] ([حدثنا يزيد بن خالد الرملي الهمداني، وقتيبة بن سعيد، أن ¬

_ (¬1) في (ر): الحاج. (¬2) في (م): حين. (¬3) في (م): وكذا. (¬4) سبق برقم (457). (¬5) "المجموع" 8/ 360. (¬6) انظر "المبسوط" 4/ 153 - 155.

الليث بن سعد، حدثهم عن ابن شهاب، عن عروة، وعمرة بنت عبد الرحمن] (¬1) أن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهدي) إلى البيت الحرام هديًا (من المدينة فأفتل قلائد هديه) فيه أن الأفضل فتل القلائد من صوف وإن كانت بغير فتل جاز (ثم لا يجتنب شيئًا مما يجتنب المحرم) فيه أن من أرسل الهدي وأقام لا يحرم شيئًا مما يحرم على المحرم. قال ابن المنذر: وبه قال ابن مسعود وعائشة وأنس وابن الزبير وآخرون، وإلى ذلك صار فقهاء الأمصار خلافًا لمن تقدم وابن سيرين وعكرمة وحجتهم ما رواه الطحاوي وغيره عن جابر قال: كنت جالسًا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد قميصه من جيبه حتى أخرجه من رجليه، وقال: "إني أمرت ببدني التي بعثت بها أن تقلد اليوم وتشعر على مكان كذا فلبست ثوبًا ونسيت فلم أكن أخرج قميصي من رأسي" (¬2). وهذا لا حجة فيه؛ لضعف إسناده، وذهب سعيد بن المسيب إلى أنه لا يجتنب شيئًا مما يجتنبه المحرم إلا الجماع ليلة جمع، رواه ابن أبي شيبة عنه بإسناد صحيح (¬3). قال البيهقي: أول من كشف العمى عن الناس وبين لهم السنة عائشة، وذكر الحديث، فلما بلغ الناس قول عائشة أخذوا به وتركوا فتوى ابن عباس (¬4). ¬

_ (¬1) من مطبوع "السنن". (¬2) "شرح معاني الآثار" 2/ 264. (¬3) "مصنف ابن أبي شيبة" 8/ 45 (12861)، وانظر: "فتح الباري" 4/ 638 - 639. (¬4) نقله البيهقي عن الزهري في "سننه الكبرى" 5/ 234.

[1759] ([حدثنا مسدد، حدثنا بشر بن المفضل، حدثنا ابن عون، عن القاسم بن محمد، وعن إبراهيم، زعم أنه سمعه منهما جميعا ولم يحفظ حديث هذا من حديث هذا ولا حديث هذا من حديث هذا، قالا] (¬1) وقالت أم المؤمنين: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الهدي وأنا فتلت قلائدها بيدي) في قولها: بيدي رفع مجاز أن يكون (¬2) أرادت أنها فتلت بأمرها (من عِهن) أي صوف (¬3) مصبوغ ذو ألوان، وقيل: هو الصوف مطلقًا. (كان عندنا) فيه تأكيد لكلامها (ثم أصبح فينا حلالًا يأتي ما يأتي الرجل من أهله) فيه حجة على قول ابن مسعود واستثنائه الجماع روى مالك في "الموطأ" عن ربيعة بن عبد الله بن (¬4) الهدير أنه رأى رجلًا متجردًا بالعراق فسأل عنه فقالوا أنه أمر بهديه أن تقلد [فلذلك تجرد] (¬5)، قال ربيعة: فلقيت عبد الله بن الزبير فذكرت ذلك له فقال: بدعة ورب الكعبة (¬6). ورواه ابن أبي شيبة عن ربيعة أنه رأى ابن عباس وهو أمير على البصرة في زمان علي متجردًا على منبر البصرة فذكره (¬7)، فعرف بهذا اسم المبهم في رواية "الموطأ". ¬

_ (¬1) من مطبوع "السنن". (¬2) بياض في (ر). (¬3) في (ر): صوغ. (¬4) ليست في (م). (¬5) من "الموطأ". (¬6) "الموطأ" 1/ 341. (¬7) "المصنف" لابن أبي شيبة 8/ 46 (12868).

18 - باب في ركوب البدن

18 - باب في رُكُوبِ البُدْنِ 1760 - حَدَّثَنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبي الزِّنادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً. فَقَالَ: "ارْكَبْها". قَالَ: إِنَّها بَدَنَةٌ. فَقَالَ: "ارْكَبْها وَيْلَكَ". في الثَّانِيَةِ أَوْ في الثَّالِثَةِ (¬1). 1761 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، أَخْبَرَني أَبُو الزُّبَيْرِ: سَأَلْتُ جابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ عَنْ رُكُوبِ الهَدي؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "ارْكَبْها بِالمَعْرُوفِ إِذَا أُلْجِئْتَ إِلَيْها حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا" (¬2). * * * باب في ركوب البدن [1760] ([حدثنا القعنبي، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج] (¬3) عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلًا) قال الشيخ شهاب الدين (¬4) ابن حجر: لم أقف على اسمه بعد طول البحث عنه (¬5) (يسوق بدنة) ولأبي عوانة: ببدنة أو هدي، ولمسلم: يسوق بدنة مقلدة (فقال: اركبها) زاد النسائي عن أنس: وقد جهده المشي، ولأبي يعلى من طريق الحسن عن أنس: حافيًا. (ويلك في الثانية أو الثالثة) وفي رواية همام عند مسلم: "ويلك اركبها ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1689)، ومسلم (1322). (¬2) رواه مسلم (1324). (¬3) من مطبوع "السنن". (¬4) من (م). (¬5) "فتح الباري" 3/ 627.

ويلك اركبها" (¬1)، ولأحمد عن أبي هريرة: [قال: "اركبها ويحك"] (¬2) قال: إنها بدنة. قال: "اركبها ويحك" (¬3)، قال الهروي: (ويح) كلمة (¬4) تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها فيرثى له، وويل تقال لمن يستحقها ولا يترحم عليه (¬5). [قال القرطبي: قال له ذلك تأديبًا لأجل مراجعته مع عدم خفاء الحال عليه (¬6)] (¬7). فقيل: إن الرجل ظن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خفي عليه كونها هديًا فلذلك قال: إنها بدنة، والحق أنه لم يخف ذلك عليه لكونها كانت مقلدة كما تقدم، وقد استدل على جواز ركوب الهدي سواء كان واجبًا أو متطوعًا لكونه - صلى الله عليه وسلم - لم يستفصل صاحب الهدي عن ذلك، فدل على أن الحكم لا يختلف. [1761] ([حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج] (¬8) أخبرني أبو الزبير) محمد بن مسلم قال (سألت جابر بن عبد الله عن ركوب الهدي فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: اركبها ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1322/ 372). (¬2) ليست في (م). (¬3) "المسند" 2/ 254. (¬4) من (م). (¬5) شرح النووي" 2/ 57. (¬6) "المفهم" 3/ 423. (¬7) ليست في (م). (¬8) من مطبوع "السنن".

بالمعروف) أي: غير شاق عليها ولا مضر لها (إذا ألجئت إليها) أي: إذا اضطررت إلى ركوبها، قال الروياني: تجوزه من غير حاجة مخالف للنص وهو الذي حكاه الترمذي عن الشافعي (¬1) وأحمد وإسحاق (¬2)، وأطلق ابن عبد البر كراهة ركوبها لغير حاجة عن الشافعي ومالك وأبي حنيفة، وأكثر الفقهاء (¬3)، وقيده صاحب "الهداية" من الحنفية بالاضطرار إلى ذلك (¬4) وهو المنقول عن الشعبي عند ابن أبي شيبة ولفظه: لا يركب الهدي إلا من لا يجد منه بد (¬5). ولفظ الشافعي الذي نقله ابن المنذر وترجم له البيهقي: يركب إذا اضطر مركوبًا غير فادح (¬6)، وقال ابن العربي عن مالك: يركب للضرورة، فإذا استراح نزل، ولا يعود إلى ركوبها إلا لضرورة أخرى (¬7) وهو مفهوم الحديث. (حتى تجد ظهرًا) أي: غيرها، فإذا وجده نزل عنها فركبه. ونقل الطحاوي عن أبي حنيفة الجواز بقدر الحاجة ومع ذلك يضمن ما نقص منها بركوبه (¬8)، وضمان النقص وافق عليه الشافعي (¬9) في الهدي ¬

_ (¬1) "الأم" 2/ 338. (¬2) "مسائل أحمد وإسحاق" رواية الكوسج (1737). (¬3) "التمهيد" 18/ 297. (¬4) "العناية شرح الهداية" 4/ 298 باب الهدي. (¬5) "المصنف" 8/ 581 (15157). (¬6) "الأم" 2/ 338، "السنن الكبرى" للبيهقي 5/ 236. (¬7) انظر: "فتح الباري" 3/ 628. (¬8) "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 81، وانظر: "المبسوط" 4/ 161. (¬9) في (م): الشافعية.

الواجب كالنذر، وقال بجواز الركوب مطلقًا من غير حاجة: عروة بن الزبير، ونقله ابن المنذر عن أحمد وإسحاق (¬1) وهو الذي جزم به النووي في "الروضة" تبعًا لأصلها في الضحايا (¬2) ويدل عليه ما أخرجه أحمد من طريق علي أنه سئل: هل يُركب الرجلُ الرجلَ (¬3) هديه؟ فقال: لا بأس، قد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يمر بالرجال يمشون فيأمرهم بركوب هديه أي (¬4): هدي النبي - صلى الله عليه وسلم -. وإسناده صالح. ونقل ابن العربي عن أبي حنيفة المنع من الركوب مطلقًا (¬5). ونقل ابن عبد البر عن أهل الظاهر الوجوب تمسكًا بظاهر الأمر (¬6)، ولمخالفة ما كانت عليه الجاهلية من البحيرة والسائبة. وروى أبو داود في "المراسيل" عن عطاء: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر بالبدنة إذا احتاج إليها سيدها أن يحمل عليها ويركبها غير مهلكها (¬7)، فإن نتجت حمل عليها ولدها. ولا يمتنع القول بوجوب الركوب إذا تعين طريقًا إلى إنقاذ مهجة مسلم من الهلاك. واختلف المجيزون: هل يحمل عليها متاعه؟ فمنعه مالك وأجازه الجمهور. ¬

_ (¬1) "مسائل أحمد وإسحاق" رواية الكوسج (1737). (¬2) "روضة الطالبين" 3/ 226. (¬3) ليست في (ر). (¬4) ليست في (ر). (¬5) "المبسوط" للسرخسي 4/ 161. (¬6) "الاستذكار" 12/ 254. (¬7) في (م)، و"فتح الباري": منهكها. وفي "المراسيل" (153): منهوكة.

وهل يحمل عليها غير متاعه؟ أجازه الجمهور على التفصيل. ونقل عياض الإجماع على أنه لا يؤجرها (¬1). وقال الطحاوي في "اختلاف العلماء": قال أصحابنا والشافعي: إن احتلب منها شيئًا تصدق به، فإن أكله تصدق بثمنه (¬2). ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" 4/ 410. (¬2) "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 81، وانظر: "فتح الباري" 3/ 628 - 629.

19 - باب في الهدي إذا عطب قبل أن يبلغ

19 - باب في الهَدي إِذا عَطِبَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ 1762 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ هِشامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ناجِيَةَ الأَسْلَمي أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ مَعَهُ بِهَدي فَقَالَ: "إِنْ عَطِبَ مِنْها شَيء فانْحَرْهُ ثُمَّ اصْبغْ نَعْلَهُ في دَمِهِ ثُمَّ خَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ" (¬1). 1763 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ وَمُسَدَّدٌ قالا: حَدَّثَنا حَمّادٌ، ح حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ - وهذا حَدِيثُ مُسَدَّدٍ -، عَنْ أَبي التّيّاحِ، عَنْ مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فُلانًا الأَسْلَمي وَبَعَثَ مَعَهُ بِثَمان عَشْرَةَ بَدَنَةً فَقَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ أُزْحِفَ عَلي مِنْها شَيء قَالَ: "تَنْحَرُها ثُمَّ تَصْبُغُ نَعْلَها في دَمِها ثُمَّ اضْرِبْها عَلَى صَفْحَتِها وَلا تَأْكُلْ مِنْها أَنْتَ وَلا أَحَدٌ مِنْ أَصْحابِكَ". أَوْ قَالَ: "مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِكَ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: الذي تَفَرَّدَ بِهِ مِنْ هذا الحَدِيثِ قَوْلُهُ: "وَلا تَأْكُلْ مِنْها أَنْتَ وَلا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِكَ". وقَالَ في حَدِيثِ عَبْدِ الوارِثِ: "ثُمَّ اجْعَلْهُ عَلَى صَفْحَتِها". مَكانَ: "اضْرِبْها". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ أَبا سَلَمَةَ يَقُولُ: إِذَا أَقَمْتَ الإِسْنادَ والمَعْنَى كَفاكَ (¬2). * * * باب في الهدي إذا عطب قبل أن يبلغ يعني: البيت الحرام. [1762] ([حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان، عن] (¬3) هشام، عن ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (910)، وابن ماجه (3106)، وأحمد 4/ 334، والنسائي في "الكبرى" (4137). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1546). (¬2) رواه مسلم (1325). (¬3) من مطبوع "السنن".

أبيه) إسحاق المدني، صدوق (¬1) (عن ناجية) بنون وبعد الألف جيم [ابن كعب] (¬2) (الأسلمي: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث معه بهدي) وهو الذي نزل القليب في الحديبية بسهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يقال (فقال: إن عطب) بالعين والطاء المهملتين أي: إن أشرف على الهلاك (منها شيء فانحره) إن كان إبلًا، واذبحه إن كان غيره ([في دمه] (¬3) ثم اصبغ) بضم الباء (نعله) أو نعليه الذين في رقبته مع القلادة (ثم خل بينه وبين الناس) ليأكلوه، ولا يأكل منه إلا إذا احتاج إليه مع غرامة قيمته والتصدق بها. [1763] ([حدثنا سليمان بن حرب، ومسدد، قالا: حدثنا حماد (ح). وحدثنا مسدد، حدثنا عبد الوارث، وهذا حديث مسدد، عن] (¬4) أبي التياح) بفتح المثناة فوق وتشديد المثناة تحت وآخره مهملة يزيد بن حميد الضبعي (¬5) بضم الضاد المعجمة وفتح الباء الموحدة ([عن موسى بن سلمة، عن] (5) ابن عباس قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلانًا) وهو ناجية المتقدم ابن جندب (الأسلمي) نسبة إلى جده (¬6) أسلم بن أفضى بالفاء والضاد المعجمة. (وبعث معه بثمان) بكسر النون على ما كانت عليه قبل حذف الياء ¬

_ (¬1) انظر: "الكاشف" للذهبي 3/ 220. (¬2) ليست في (م). (¬3) من مطبوع "السنن". (¬4) من مطبوع "السنن". (¬5) في (م): المضبعي. (¬6) من (م).

ويجوز إثبات الياء ساكنة ومفتوحة (عشرة) بفتح الشين والراء والتاء على البناء (بدنة) يسوقها هديًا إلى البيت الحرام (فقال: ) يا رسول الله (أرأيت إن [أزحف) بفتح الهمزة عند المحدثين، قال الخطابي: صوابه ضم الهمزة وإسكان] (¬1) الزاي وفتح الحاء المهملة، أي أعيا وانقطع عن السير بكلال أو ضلع أو نحو ذلك كأن أمرها أفضى إلى الزحف إلى الأرض (¬2) (علي منها شيء) من الإبل أو البقر أو الغنم. (قال: تنحرها) بالرفع خبر بمعنى الأمر ووضع المضارع موضع الأمر مراد به التأكيد بالنحر؛ لأن التأخير عنه يؤدي إلى أن تموت فيحرم أكلها (ثم تصبغ) بضم الباء الموحدة في المستقبل وفتحها في الماضي أي يغمس (نعلها) ويلقيه (في دمها ثم اضربها) أي: اضرب بنعلها مع القلادة المتصلة به (على صفحتها) أي: صفحة سنامها الأيمن على ما تقدم ليعلم من مر (¬3) به أنه هدي (ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أصحابك) شيء. (أو قال من أهل رفقتك) شك من الراوي إن لم يكن محتاجًا [إليه وإن كنت محتاجًا] (¬4) أكلت وتغرم قيمته تتصدق به، وإنما لم تحل له ولا لأحد من رفقته بل تحرم عليه. ¬

_ (¬1) في (م): أزحفت بإسكان. (¬2) انظر: "معالم السنن" المطبوع مع "مختصر السنن" 2/ 295، و"إصلاح غلط المحدثين" 1/ 51. (¬3) في (م): يمر. (¬4) ليست في (م).

قال البغوي: خوفًا من أن يبادر واحد منهم إلى نحره إذا قرم إلى اللحم ويعتل بعلة الإزحاف أو العطب (¬1)، فنهى عن ذلك حسما لباب التهمة وسدًّا للذريعة. [وفي الرفقة وجهان أحدهما: إنهم الذين يخالطون للهدي في الأكل دون القافلة. والثاني وهو الأصح: جميع القافلة؛ لأن القلة موجودة في جميعهم] (¬2). (وقال في حديث عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان التميمي، وكان فصيحًا ثبتًا صالحًا (¬3) (ثم اجعله على صفحتها مكان) قوله في الرواية السابقة: (اضربها) وهذِه الرواية مفسرة للضرب أن معناه: اجعل. قال البغوي: فإن كان قد عينه عن واجب في ذمته بنذر أو هدي لزمه تمتع أو قران أو واجب في الحج، فله تموله وأكله إذا عطب، والأصل الواجب في ذمته باقٍ في الذمة وإن كان تطوعًا فاختلف فيه أهل العلم فذهب بعضهم إلى أن له أن يتموله ويأكله، ولا شيء عليه، وهو قول الشافعي (¬4)، وذهب بعضهم إلى أن التقليد كالإيجاب فيذبحه ولا يحل له ولا لأحد من أهل (¬5) رفقته أكل شيء منه، ومن أكل شيئًا منه ¬

_ (¬1) "شرح السنة" للبغوي 7/ 193. (¬2) ليست في (م). (¬3) "الكاشف" للذهبي 2/ 219. (¬4) "الأم" 2/ 340. (¬5) من (م).

غرمه، روي ذلك (¬1) عن ابن عباس وهو قول أحمد (¬2) وقال ابن عمر: من أهدى بدنة فضلت أو ماتت، فإن كانت نذرًا أبدلها وإن كانت تطوعًا فإن شاء أبدلها وإن شاء أكلها (¬3). (قال أبو داود: سمعت أبا مسلمة يقول: ) إذا استقام ([إذا أقمت الإسناد] (¬4) والمعنى كفاك) ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "المغني" 5/ 438. (¬3) "شرح السنة" للبغوي 7/ 193 - 194. (¬4) في (م): الإسلام.

20 - باب من نحر الهدي بيده واستعان بغيره

20 - باب مَنْ نَحَرَ الهَدي بِيَدِهِ واسْتَعانَ بغَيْرِه 1764 - حَدَّثَنا هارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنا مُحَمَّدٌ وَيعْلَى ابنا عُبَيْدٍ قالا: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحاقَ، عَنِ ابن أَبي نَجِيحٍ عَنْ مُجاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي لَيْلَى، عَنْ عَلي - رضي الله عنه - قَالَ: لَمّا نَحَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بُدْنَهُ فَنَحَرَ ثَلاثِينَ بِيَدِهِ وَأَمَرَني فَنَحَرْتُ سائِرَها (¬1). 1765 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى الرّازيُّ، أَخْبَرَنا عِيسَى، ح وَحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، أَخْبَرَنا عِيسَى - وهذا لَفْظُ إِبْراهِيمَ - عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ راشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عامِرِ بْنِ لُحَي، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُرْطٍ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ أَعْظَمَ الأيّامِ عِنْدَ اللهِ تَبارَكَ وَتَعالَى يَوْمُ النَّحْرِ ثُمَّ يَوْمُ القَرِّ". قَالَ عِيسَى: قَالَ ثَوْرٌ: وَهُوَ اليَوْمُ الثَّاني قَالَ: وَقُرِّبَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَدَناتٌ خَمْسٌ أَوْ سِتٌّ فَطَفِقْنَ يَزْدَلِفْنَ إِلَيْهِ بِأيَّتِهِنَّ يَبْدَأُ فَلَمّا وَجَبَتْ جُنُوبُها - قَالَ: فَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ خَفِيَّةٍ لَمْ أَفْهَمْها فَقُلْتُ ما قَالَ - قَالَ: "مَنْ شاءَ اقْتَطَعَ" (¬2). 1766 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ حاتِمٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبارَكِ عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ عِمْرانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الحارِثِ الأَزْدي، قَالَ: سَمِعْتُ غَرَفَةَ بْنَ الحارِثِ الكِنْدي قَالَ: شَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في حَجَّةِ الوَداعِ وَأُتي بِالبُدْنِ فَقَالَ: "ادْعُوا لي أَبا حَسَنٍ". فَدُعي لَهُ عَلي - رضي الله عنه - فَقَالَ لَهُ: "خُذْ بِأَسْفَلِ الحَرْبَةِ". وَأخَذَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِأَعْلاها ثُمَّ طَعَنَ بِها في البُدْنِ فَلَمّا فَرَغَ رَكِبَ بَغْلَتَهُ وَأرْدَفَ عَلِيّا - رضي الله عنه - (¬3). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 159، والبيهقي 5/ 238. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (310). (¬2) رواه أحمد 4/ 350، والنسائي في "الكبرى" (4098). وصححه الألباني في "المشكاة" (2643). (¬3) رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 7/ 431، وابن قانع في "معجم الصحابة" =

[1764] ([حدثنا هارون بن عبد الله، حدثنا] (¬1) محمد ويعلى) بفتح المثناة تحت واللام (ابنا عبيد قالا: ثنا محمد بن إسحاق، عن) عبيد (¬2) مصغر الطنافسي كان يحفظ حديثه الذي رواه وهو أربعة آلاف عبد الله (ابن أبي نجيح) يسار (عن مجاهد، عن ابن أبي ليلى، عن علي - رضي الله عنه - قال: لما نحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدنه) بسكون الدال (فنحر ثلاثين بيده) الكريمة (وأمرني فنحرت سائرها) أي ما بقي منها، فيه دليل على أن سائر بمعنى الباقي؛ لأنها مشتقة من السؤر بالهمز وهو البقية خلافًا لمن جعلها بمعنى الجميع كما يستعمله الناس وليس بصحيح بدليل الأحاديث في ذلك، فذبح بعضها بيده وأمر عليًّا بذبح الباقي تشريعًا منه - صلى الله عليه وسلم - فإنه يجوز في الهدي والأضحية أن يذبح بنفسه وأن يستنيب في ذبحها؛ إذ لو أراد ذبح الجميع لفعل لما أعطاه الله تعالى من القوة الشديدة. [1765] ([حدثنا] (¬3) إبراهيم بن موسى الرازي) الفراء الحافظ ([أخبرنا عيسى ح وحدثنا مسدد، أخبرنا عيسى وهذا لفظ] (¬4) إبراهيم، عن ثور) بفتح المثلثة (¬5) بن مرثد. ¬

_ = 2/ 317، والطبراني في "الكبير" 18/ 261 (655)، والبيهقي 5/ 238. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (311). (¬1) من مطبوع "السنن". (¬2) ليست في (م). (¬3) من مطبوع "السنن". (¬4) من مطبوع "السنن". (¬5) في (م): المهملة.

(عن راشد [بن سعد] عن عبد الله بن [عامر بن] لحي) بضم اللام وفتح الحاء المهملة مصغر كنيته أبو عامر هكذا ذكره الحافظ الذهبي (¬1) وفي بعض النسخ: عبد الله بن عامر، وفي بعضها: ابن نُجي بضم النون وكسر الجيم والأول الصحيح (عن عبد الله بن قرط) بضم القاف وآخره طاء مهملة. الثمالي بضم الثاء المثلثة وبعد الألف لام كان اسمه شيطان فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الله، يعد في الشاميين، وكان أميرًا على حمص لأبي عبيدة بن الجراح. (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن أعظم الأيام عند الله تعالى يوم النحر) وهو يوم الحج الأكبر على الصحيح عند الشافعية ومالك وأحمد؛ لما في البخاري: أنه - صلى الله عليه وسلم - وقف يوم النحر بين الجمرات وقال: "هذا يوم الحج الأكبر" وقيل له: الأكبر للاحتراز من الحج الأصغر وهو العمرة (¬2) وفي هذا الحديث مع حديث البخاري دلالة على أنه أفضل أيام السنة. لكن الأصح فيمن قال: امرأتي طالق في (¬3) أفضل أيام السنة، [أنها تطلق يوم عرفة] (¬4)؛ لما روى ابن حبان في "صحيحه" عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، ينزل الله تعالى إلى سماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فلم ير يومًا ¬

_ (¬1) "الكاشف" للذهبي 2/ 122. (¬2) "المجموع" 8/ 223، و"التاج والإكليل" 3/ 242، و"المغني" 5/ 320. (¬3) في (م): إن. (¬4) في (م): يوم عرفة أنها تطلق.

أكثر عتقًا من النار من يوم عرفة" (¬1)، وقيل: تطلق يوم الجمعة لرواية مسلم وغيره: "خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة" (¬2)، ويجمع بينهما أن أفضل (¬3) الأسبوع يوم الجمعة (¬4) وأفضل السنة يوم عرفة. (ثم يوم القر) بفتح القاف وتشديد الراء وهو اليوم الثاني (¬5) الذي يلي يوم النحر؛ سمي بذلك لأن الناس [يقرون فيه بمنى وقد فرغوا من طواف الإفاضة والنحر فاستراحوا وقروا، أي: استقروا بمنى. ورواه ابن حبان ولفظه: "أفضل الأيام عند الله يوم النحر ويوم القر" (¬6) ويسمى يوم النحر: يوم الرؤوس] (¬7)؛ لأن الناس يأكلون فيه رؤوس الهدي والأضاحي، ويسمى اليوم الثاني: يوم النفر الأول، ويسمى يوم الأكارع ويسمى: اليوم الثالث: يوم الخلاء بالمد؛ لأن منى تخلو فيه. (قال: وقرب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدنات خمس أو ست) شك من الراوي (فطفقن) أي: بادرن (يزدلفن إليه) أي: يقتربن، وأصل الدال تاء ثم أبدلت من التاء دال، ومنه المزدلفة لاقترابها إلى عرفات، ومنه قوله تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90)} (¬8) (بأيتهن يبدأ) ذبحها، وفي هذا ¬

_ (¬1) "صحيح ابن حبان" (3853). (¬2) "صحيح مسلم" (854). (¬3) في (ر): الأفضل. والمثبت (م). (¬4) في (ر): عرفة. (¬5) من (م). (¬6) "صحيح ابن حبان" (2811). (¬7) سقط من (م). (¬8) الشعراء: 90.

معجزة ظاهرة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسارعة الدواب التي لا تعقل إلى إراقة دمها واقترابهن إليه تبركًا به - صلى الله عليه وسلم - وبيده الكريمة، والمؤمن أولى منهن وأحق أن يبذل مهجته في محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - والذب عن شريعته، قال (فلما وجبت جنوبها) أي سقطت إلى الأرض بجنوبها والوجوب: السقوط، يقال: دفعته فوجب، أي: سقط، ووجوب الشمس سقوطها في المغرب، وفي قوله تعالى: {وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} (¬1) دليل على نحر الإبل قائمة؛ لأنها ما وقعت إلى الأرض إلا وقد نحرت قائمة (¬2). (قال: فتكلم) أي: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (بكلمة خفية) سمعت منها هينمتها فلذلك (لم أفهمها) قال عبد الله بن قرط (فقلت: ما قال؟ ) أي: سأل من يليه عما قال. (قال: من شاء اقتطع) أي: من شاء أن يقتطع منها فليقتطع، قال البغوي: فيه دلالة على جواز أخذ النثار في هذا الإملاك، وأنه ليس من النهبى المنهي عنها في الحديث الآتي في الجهاد وكرهه بعض العلماء خوفًا من أن يدخل فيما نهي عنه من النهبى (¬3)، ولأن مزاحمة سفلة الناس فيه إخلال بالمروءة. [1766] ([حدثنا محمد بن حاتم، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا عبد الله بن المبارك] (¬4) عن حرملة (¬5) بن عمران) التجيبي [وليس ¬

_ (¬1) الحج: 36. (¬2) سقط من (م). (¬3) سقط من (م)، وانظر: "شرح السنة" للبغوي 7/ 200. (¬4) من مطبوع "السنن". (¬5) في (م): خويلد.

هو براوية الشافعي؛ لأن ذاك] (¬1) اسمه حرملة بن يحيى. ([عن عبد الله بن الحارث الأزدي قال: ] (¬2) سمعت غرفة) بفتح الغين المعجمة وفتح الراء وبالفاء [هكذا ضبطه ابن الأثير وغيره] (¬3) (ابن الحارث الكندي) الصحابي، شهد فتح مصر، وكان مطعامًا للطعام. (قال: شهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع) بفتح الواو وسميت بذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ودع الناس فيها ولم يحج بعد الهجرة غيرها، وفيه جواز تسميتها بذلك؛ خلافًا لمن أنكر ذلك وكرهه وهو باطل. (وأتي بالبدن) يعني: التي للهدي وكانت مائة (فقال: ادعوا لي (¬4) أبا حسن) فيه فضيلة لعلي - رضي الله عنه - (فدعي له علي فقال: خذ بأسفل الحربة) المراد والله أعلم: خذ بأسفل مقبضها (وأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأعلاها) أي بأعلى المقبض فكانت يد رسول الله قابضة فوق يد (¬5) علي (ثم طعنا) جميعًا (بها البدن) ويدل عليه ما سيأتي في الجمع بين الأحاديث، ففي "صحيح مسلم": أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحر ثلاثًا وستين بيده ثم أعطى عليًّا فنحر ما غبر وأشركه في هديه (¬6). وفي "صحيح البخاري" [من حديث أنس أن النبي نحر بيده سبع بدن ¬

_ (¬1) في (م): لكن. (¬2) من مطبوع "السنن". (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ر): إلي. (¬5) في (م): مقبض. (¬6) "صحيح مسلم" (1218) من حديث جابر.

قيامًا (¬1) وجمع ابن حزم بين الأحاديث بوجوه] (¬2) أنه نحر بيده سبع بدنات منفردًا ثم أخذ هو وعلي الحربة ونحر باقي المائة، الثاني أن يكون أنس لم يشاهد إلا منحره - صلى الله عليه وسلم - سبعًا فقط بيده (¬3) وشاهد جابر تمام نحره الباقي فأخبر كل واحد منهما بما رأى (¬4). وأظهر من قول ابن حزم ما جمعه الشيخ محب (¬5) الدين الطبري بأنه - صلى الله عليه وسلم - نحر سبعًا منفردًا ثم تمام الثلاث والستين هو وعلي ثم أمر عليًّا فنحر ما بقي، وظاهر رواية مسلم: وأشركه في هديه، أي: أشرك عليًّا في نفس الهدي لا في النحر. (فلما فرغ ركب بغلته وأردف عليًّا) أي: خلفه؛ لما سيأتي في الجهاد أن صاحب الدابة أحق بصدرها إذا لم يأذن له (¬6) كما سيأتي (¬7). ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (1712). (¬2) سقط من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) "حجة الوداع" ص 299. (¬5) في (م): فخر. (¬6) سقط من (م). (¬7) سيأتي برقم (2572).

21 - باب كيف تنحر البدن

21 - باب كَيْف تُنْحَرُ البُدْنُ 1767 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا أَبُو خالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ؛ وَأَخْبَرَني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سابِطٍ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحابَهُ كَانُوا يَنْحَرُونَ البَدَنَةَ مَعْقُولَةَ اليُسْرى قائِمَةً عَلَى ما بَقي مِنْ قَوائِمِها (¬1). 1768 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنا يُونُسُ، أَخْبَرَني زِيادُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابن عُمَرَ بِمِنًى فَمَرَّ بِرَجُلٍ وَهُوَ يَنْحَرُ بَدَنَتَهُ وَهي بارِكَةٌ فَقَالَ ابْعَثْها قِيامًا مُقيَّدَةً سُنَّةَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - (¬2). 1769 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ - يَعْني: ابن عُيَيْنَةَ - عَنْ عَبْدِ الكَرِيمِ الجَزَري، عَنْ مُجاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي لَيْلَى، عَنْ عَلي - رضي الله عنه - قَالَ: أَمَرَني رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ وَأَقْسِمَ جُلُودَها وَجِلالَها وَأَمَرَني أَنْ لا أُعْطي الجَزّارَ مِنْها شَيْئًا وقَالَ: "نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنا" (¬3). * * * باب كيف تنحر البدن (¬4) [1767] ([حدثنا عثمان ابن أبي شيبة، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، وأخبرني] (¬5) عبد الرحمن بن سابط) ¬

_ (¬1) رواه مسدد كما في "المطالب العالية" 7/ 58 (1265)، والبيهقي 5/ 237 من طريق أبي داود. وقال الألباني في "الإرواء" 4/ 365: مرسل صحيح الإسناد. (¬2) رواه البخاري (1713)، ومسلم (1320). (¬3) رواه البخاري (1716)، ومسلم (1317). (¬4) في (ر): الإبل. (¬5) من مطبوع "السنن".

بكسر الموحدة الجمحي كان من الثقات، مات بمكة سنة 118 (¬1). (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه كانوا ينحرون البدنة) والنحر عند الأربعة الأئمة هو الطعن في اللبة وهي الوهدة التي أسفل العنق بسكين ونحوها (معقولة اليسرى) أي: الركبة اليسرى (قائمة على ما بقي من قوائمها) الثلاث. وفيه دليل على استحباب نحر الإبل على الصفة المذكورة، وعن الفضيلة تستوي بين نحرها قائمة وباركة في الفضيلة، وعن الحنفية أنه يسن أن يبرك رجلها اليمنى ويشد القوائم (¬2) الثلاث (¬3) [ولعل برك اليمنى إكرامًا لها وشد الثلاث] (¬4) ليكون أيسر لانقيادها للذبح، فإن حركتها تضعف بالقيام على واحدة، وليكون سقوطها أسرع. [1768] ([حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا هشيم، أخبرنا] (¬5) يونس) ابن عبيد (أخبرني (¬6) زياد بن جبير) بجيم وبموحدة مصغر بصري تابعي ثقة (¬7) ليس له في الصحيحين سوى هذا الحديث ولهم زيد بن جبير غير هذا (قال: كنت مع ابن عمر [بمنى فمر] (¬8) برجل) قال ابن ¬

_ (¬1) من (م)، وانظر: "الكاشف" للذهبي 2/ 165. (¬2) سقط من (م). (¬3) انظر: "مجمع الأنهر" 4/ 159، "المبسوط" 4/ 162. (¬4) سقط من (م). (¬5) من مطبوع "السنن". (¬6) من مطبوع "السنن". (¬7) "الجرح والتعديل" 3/ 527. (¬8) في (ر): ومر.

حجر: لم أقف له على اسم (¬1) (وهو ينحر بدنته وهي باركة) أي: يريد لينحر بدنته، فعبر عن الشيء بما يؤول إليه؛ إذ لو نحرها لم يقل له ([فقال: ] ابعثها) أي: أثرها، يقال: بعثت الناقة أي: أثرتها لتقوم. (قيامًا) أي: عن قيام مصدر بمعنى قائمة وهي حال مقدرة، وقوله: ابعثها أي: أقمها، والعامل في قيامًا محذوف تقديره انحرها ووقع في رواية عند الإسماعيلي ["انحرها قائمة"] (¬2) (مقيدة (¬3) سنة) منصوب بعامل مضمر كالاختصاص والتقدير متَّبعًا سنة (محمد - صلى الله عليه وسلم -) وفيه دليل على أن قول الصحابي: من السنة كذا مرفوع عند البخاري، ومسلم، [وأبي داود] (¬4) ولاحتجاجهم بهذا الحديث [1769] ([حدثنا عمرو بن عون، أخبرنا سفيان - يعني: ابن عيينة -، عن عبد الكريم الجزري، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى] (¬5) عن علي قال: أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقوم على بدنه) التي للهدي أي: عند نحرها للاحتفاظ بها، ويحتمل أن يريد ما هو أهم من ذلك، [أي: على مصالحها في علفها ورعيها وسعيها وغير ذلك، ولم يقع في هذِه الرواية عدد البدن، لكن في الرواية] (¬6) المتقدمة ثلاثين بدنة، وحديث مسلم المتقدم. ¬

_ (¬1) "فتح الباري" 3/ 553. (¬2) من (م). (¬3) من مطبوع "السنن". (¬4) من (م). (¬5) من مطبوع "السنن". (¬6) سقط من (م).

(وأقسم جلودها وجلالها) جلال البدن واحدتها ثياب تجلل بها وتكساها، زاد ابن خزيمة في روايته من هذا الوجه: على المساكين. وفيه دليل على الوكالة في نحر الهدي وتفرقته والاشتراك فيه. (وأمرني أن لا أعطي الجزار) وهو الذي يذبح البدن، سمي بذلك لأنه كان يأخذ الجزارة عن أجرته وهي: أطراف البعير الرأس والرجلان واليدان (منها شيئًا) ظاهره أنه لا يعطي الجزار منها شيئًا البتة وهو غير مراد لما بينه النسائي من رواية شعيب بن إسحاق عن ابن جريج أن المراد منع عطية الجزار من الهدي عوضًا عن أجرته (¬1)، قال البغوي: فإذا أعطي أجرته كاملة لم (¬2) يتصدق عليه إلا (¬3) إذا كان فقيرًا كما يتصدق على الفقراء فلا بأس (¬4). قال القرطبي: فيه دلالة على أن جلود الهدي وجلالها لا تباع كما لا (¬5) يباع لحمها (¬6)، ولم يرخص في إعطاء الجزار منها إلا الحسن البصري وعبيد بن عمير. (وقال: نحن نعطيه) [أي: الأجرة] (¬7) (من عندنا) [من غيرها] (¬8) فيه ¬

_ (¬1) "السنن الكبرى" للنسائي 2/ 455 - 456. (¬2) في (م): ثم. (¬3) سقط من (م). (¬4) "شرح السنة" للبغوي 7/ 188. (¬5) من (م). (¬6) "المفهم" 3/ 416. (¬7) من (م). (¬8) سقط من (م).

دليل على أن من وجب عليه شيء لله فله دفعه خالصًا وما احتاج إليه من مؤنة فهو على المالك نظيره الزرع، فيعطى المستحقون عشره كاملًا ولا ينقص منه شيء لأجل ما يحتاج إليه من حصاد ودراس وغير ذلك، وكذا من وجب عليه شيء لغير الله، فمن باع ما يكال أو يوزن فيجب عليه تسليم القدر الذي باعه له (¬1) كاملًا وأجرة الكيال والوزان وحامله إلى أن يقبضه (¬2) المشتري ولا ينقص منه شيء للكيال ولا للوزان وغيرهما. ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) زاد في (ر): إلى.

22 - باب في وقت الإحرام

22 - باب في وَقْتِ الإِحْرامِ 1770 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنا يَعْقُوبُ - يَعْني: ابن إِبْراهِيمَ - حَدَّثَنا أَبي، عَنِ ابن إِسْحاقَ، قَالَ: حَدَّثَني خُصَيْفُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجَزَريُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ: يا أَبا العَبَّاسِ عَجِبْتُ لاِخْتِلافِ أَصْحابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في إِهْلالِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ أَوْجَبَ. فَقَالَ: إِنّي لأَعْلَمُ النّاسِ بِذَلِكَ إِنَّها إِنَّما كَانَتْ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَجَّةٌ واحِدَةٌ فَمِنْ هُناكَ اخْتَلَفوا خَرَجَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حاجّا فَلَمّا صَلَّى في مَسْجِدِهِ بِذي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْهِ أَوْجَبَ في مَجْلِسِهِ فَأَهَلَّ بِالحَجِّ حِينَ فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ فَسَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوامٌ فَحَفِظْتُهُ عَنْهُ ثُمَّ رَكِبَ فَلَمَّا اسْتَقَلَّتْ بِهِ ناقَتُهُ أَهَلَّ وَأَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوامٌ وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ إِنَّما كَانُوا يَأْتُونَ أَرْسالًا فَسَمِعُوهُ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ ناقَتُهُ يُهِلُّ فَقَالُوا: إنَّما أَهَلَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ ناقَتُهُ ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمّا عَلا عَلَى شَرَفِ البَيْداءِ أَهَلَّ وَأَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوامٌ فَقَالُوا: انَّما أَهَلَّ حِينَ عَلا عَلَى شَرَفِ البَيْداءِ وايْمُ اللهِ لَقَدْ أَوْجَبَ في مُصَلَّاهُ وَأَهَلَّ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ ناقَتُهُ وَأَهَلَّ حِينَ عَلا عَلَى شَرَفِ البَيْداءِ. قَالَ سَعِيدٌ: فَمَنْ أَخَذَ بِقَوْلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَهَلَّ في مُصَلَّاهُ إِذَا فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ (¬1). 1771 - حَدَّثَنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ بَيْداؤُكُمْ هذِه التي تَكْذِبُونَ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فيها ما أَهَلَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَّا مِنْ عِنْدِ المَسْجِدِ يَعْني مَسْجِدَ ذي الحُلَيْفَةِ (¬2). 1772 - حَدَّثَنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبي سَعِيدٍ المَقْبُري، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: يا أَبا عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَأَيْتكَ تَصْنَعُ أَرْبَعًا لَمْ أَرَ أَحَدًا ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 260، والحاكم 1/ 451، والبيهقي 5/ 37. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (312). (¬2) رواه البخاري (1541)، ومسلم (1186).

مِنْ أَصْحابِكَ يَصْنَعُها. قَالَ: ما هُنَّ يا ابن جُرَيْجٍ؟ قَالَ: رَأَيْتُكَ لا تَمَسُّ مِنَ الأَرْكانِ إلَّا اليَمانِيَيْنِ وَرَأَيْتُكَ تَلْبَسُ النِّعالَ السِّبْتِيَّةَ وَرَأَيْتُكَ تَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ وَرَأَيْتُكَ إِذا كُنْتَ بِمَكَّةَ أَهَلَّ النَّاسُ إِذَا رَأَوُا الهِلالَ وَلَمْ تُهِلَّ أَنْتَ حَتَّى كانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: أَمّا الأَرْكانُ فَإِنّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمَسُّ إلَّا اليَمانِيَيْنِ وَأَمّا النِّعالُ السِّبْتِيَّةُ فَإِنّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَلْبَسُ النِّعالَ التي لَيْسَ فِيها شَعْرٌ وَيَتَوَضَّأُ فِيها فَأَنا أُحِبُّ أَنْ أَلْبَسَها وَأَمّا الصُّفْرَةُ فَإِنّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصْبُغُ بِها فَأَنا أُحِبُّ أَنْ أَصْبُغَ بِها وَأَمّا الإِهْلالُ فَإِنّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُهِلّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ راحِلَتُهُ (¬1). 1773 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، حَدَّثَنا ابن جُرَيْجٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الظُّهْرَ بِالمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَصَلَّى العَصْرَ بِذي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ باتَ بِذي الحُلَيْفَةِ حَتَّى أَصْبَحَ فَلَمّا رَكِبَ راحِلَتَهُ واسْتَوَتْ بِهِ أَهَلَّ (¬2). 1774 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا رَوْحٌ، حَدَّثَنا أَشْعَثُ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ راحِلَتَهُ فَلَمّا عَلا عَلَى جَبَلِ البَيْداءِ أَهَلَّ (¬3). 1775 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشّارٍ، حَدَّثَنا وَهْبٌ - يَعْني: ابن جَرِيرٍ - قَالَ: حَدَّثَنا أَبي قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحاقَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبي الزِّنادِ عَنْ عائِشَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ أَبي وَقّاصٍ قَالَتْ: قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبي وَقّاصٍ: كَانَ نَبي اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إذا أَخَذَ طَرِيقَ الفُرْعِ أَهَلَّ إِذَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ راحِلَتُهُ وَإِذَا أَخَذَ طَرِيقَ أُحُدٍ أَهَلَّ إِذا أَشْرَفَ عَلَى جَبَلِ البَيْداءِ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (166)، ومسلم (1187). (¬2) رواه البخاري (1546). (¬3) رواه النسائي 5/ 225، وأحمد 3/ 307، وابن حبان (3931). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1556). (¬4) رواه البزار 4/ 36 (1198)، وأبو يعلى 2/ 138 (818)، والحاكم 1/ 452. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (313).

باب وقت الإحرام [1770] ([حدثنا محمد بن منصور، حدثنا يعقوب - يعني: ابن إبراهيم، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، قال: حدثني] (¬1) خصيف) بضم الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة مصغر (بن عبد الرحمن) [أبو عون] (¬2) (الجزري) بفتح الجيم والزاي ثم راء مهملة، قال البيهقي: ليس بالقوي ووثقه بعضهم (¬3) (عن سعيد بن جبير، قلت لابن عباس) رضي الله عنهما (يا أبا العباس) فيه نداء المفتي والعالم بكنيته فقط دون سيدي ونحوه. (عجبت [لاختلاف أصحاب] (¬4) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) مع جلالتهم (في إهلال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) الإهلال في اللغة رفع الصوت، والمراد به هنا وفي أحاديث الحج كلها انعقاد النية بالحج أو العمرة أو بهما وسمي (¬5) به رفع الصوت بالتلبية؛ لأنه عند انعقاد النية يرفع صوته بالتلبية، لعل (¬6) سبب تعجبه أن الاختلاف غالبًا إنما يكون في المسائل الاجتهادية التي خفي حكمها عنهم (¬7) والصحابة حجوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) من مطبوع "السنن". (¬2) في (م): بن عوف. (¬3) "السنن الكبرى" 5/ 37، "تهذيب الكمال" 8/ 259. (¬4) في (م): لأصحاب. (¬5) بعدها في النسخ: رفع. ولعل الصواب حذفها. (¬6) في (ر): بعد. (¬7) في (م): عندهم.

وشاهدوا أفعاله وأقواله والإهلال فيه رفع الصوت بالتلبية، وهذا مما لا يخفى عليهم ولا يختلف في مثله. (حين (¬1) أوجب) أي: أوجب الحج على نفسه إذا باشر مقدماته كالإحرام والتلبية، قاله ابن الأثير (¬2). (فقال) ابن عباس (إني لأعلم الناس بذلك) لم يرد بذلك مدح نفسه، بل قاله ليكون أوقع في قلب السائل كما قال ابن عباس أيضًا في الحديث المتقدم: على الخبير سقطت (¬3). (إنها) أي: إن القصة (إنما) صيغة حصر (كانت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة واحدة) وهي حجة الوداع (فمن هناك) أي لأجل ذلك (اختلفوا) إذ لو كانت حجاته متعددة لذكر كل منهم ما شاهده ولما وقع اختلاف (خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) بعد أن صلى الظهر بالمدينة أربعًا، وذلك يوم الخميس لخمس بقين من ذي القعدة (حاجًّا) إلى مكة في الحجة التي لم يحج من المدينة منذ هاجر إليها غيرها. (فلما صلى) العصر (في مسجده) أي: مسجد ميقاته (بذي الحليفة) من ذلك اليوم (ركعتيه) أي: ركعتي العصر مقصورة (أوجب) على نفسه الحج كما تقدم (في مجلسه) ذلك (فأهل) أي: أحرم (بالحج حين فرغ من ركعتيه) ولبى رافعًا به (¬4) صوته (فسمع ذلك منه أقوام) من الصحابة (فحفظته) [فحفظوه (عنه)] (¬5) بكسر الفاء وبَلَّغْتُه عنه حيث (¬6) لم يسمع ¬

_ (¬1) في (م): حتى. (¬2) انظر "النهاية" (وجب). (¬3) "صحيح مسلم" (1325). (¬4) من (م). (¬5) سقط من (م). (¬6) في (م): حين.

منه غيره لاشتغالهم بأمورهم، وهذا فيه (¬1) دليل لمن يقول: الأفضل أن يحرم عقيب (¬2) الصلاة وهو جالس، وهو قول الحنفية ومشهور مذهب الحنابلة [غير أن الفريقين] (¬3) لم يقولوا: وهو جالس، وهو قول ضعيف للشافعية (¬4). (ثم ركب) دابته بعدما صلى صبح الجمعة بذي الحليفة. (فلما استقلت به) أي: نهضت (ناقته) حاملة له (أهل) بالحج ورفع صوته بالتلبية (وأدرك ذلك منه أقوام) من الصحابة غير الأولين (وذلك أن الناس) تشمل الصحابة وغيرهم (إنما كانوا يأتون أرسالًا) أي: متتابعين قومًا بعد قوم (فسمعوه (¬5) حين استقلت) أي نهضت (به ناقته) حاملة له (يهل) أي: يرفع صوته بالتلبية (فقالوا: إنما أهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين استقلت به راحلته) لأنهم لم يسمعوا إهلاله المتقدم إنما يمشون قومًا بعد قوم، ولكثرتهم فإن أبا زرعة قال: حج معه سبعون ألفًا، وقال ابن (¬6) حزم: حج معه جموع كثيرة لا يحصرهم إلا خالقهم ورازقهم (¬7). (ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) في سفره (فلما علا على شرف البيداء) ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): عند. (¬3) من (م). (¬4) "المجموع" 7/ 214، 221، و"المغني" 5/ 80 - 81. (¬5) "حجة الوداع" ص 116. (¬6) زاد في (ر): خ فسمعته. (¬7) من (م).

الشرف ما ارتفع من الأرض، والبيداء البرية، والمراد به هنا مكان مخصوص على طريق مكة فوق علمي ذي الحليفة لمن [صعد من] (¬1) الوادي، قاله أبو عبيدة وغيره. (أهل) بالحج ورفع صوته بالتلبية، وفيه دليل على ما قاله العلماء أنه يستحب للرجل رفع الصوت بالتكبير عند كل ركوب ونزول ومسجد و [احتطاب و] (¬2) زقاق وغير ذلك (وأدرك ذلك منه أقوام) سمعوه منه لما أهل به ولم يسمعوا [ما قبله] (¬3). (فقالوا: إنما أهل حين علا على شرف الروحاء) قال ابن عباس: (وايم الله) همزته همزة وصل وميمه مضمومة، وقالوا فيها: أيمن الله بضم الميم والنون، وهي جمع يمين وهو مذهب الكوفيين، والصحيح مذهب البصريين أنه لفظ مفرد مختص بالقسم، لا يستعمل في (¬4) الأكثر إلا مضافًا إلى الله تعالى، قال الأزهري: وضم آخره مع أن حكم القسم الخفض (¬5) كما ضم لعمرك؛ لأنه ضمن يمينًا بالله تعالى (¬6). (لقد أوجب) الحج على نفسه (في مصلاه) أي: مسجد ذي الحليفة كما تقدم (وأهل) أي: رفع صوته بالتلبية (حين استقلت به ناقته) متوجهة للسير (وأهل) أيضًا (حين علا على شرف البيداء، قال سعيد) بن جبير (فمن أخذ بقول عبد الله بن عباس أهل في مصلاه) أي مسجد ميقاته ¬

_ (¬1) في (م): فتقدم. (¬2) في (م): امطه أم. (¬3) من (م). (¬4) من (م). (¬5) زاد في (م): بالقسم. (¬6) انظر: "تهذيب اللغة" (يمن).

(إذا فرغ من ركعتيه) أي دبر صلاته. [1771] ([حدثنا القعنبي، عن مالك، عن موسى بن عقبة، عن سالم بن عبد الله] (¬1) عن أبيه) عبد الله بن عمر (أنه قال: بيداؤكم) كل صحراء بيداء، وجمعها بيد بكسر الباء، قال العلماء: هذِه البيداء هي الشرف الذي قدام ذي الحليفة إلى جهة مكة وهي بقرب ذي الحليفة، وقال أبو عبيد البكري: هي فوق علمي ذي الحليفة لمن صعد من الوادي (¬2). سميت بيداء؛ لأنها ليس بها بناء ولا أثر وكل صحراء تسمى بيداء، وأما هنا فالمراد بها ما ذكرناه. (هذِه) يحتمل أن يكون حين قال: هذِه (¬3) كان نازلًا بها، فلهذا أتى بالإشارة (التي تكذبون على) عهد (¬4) (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها) أي تقولون: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحرم منها ولم يحرم، وإنما أحرم قبلها من عند مسجد (¬5) ذي الحليفة ومن عند الشجرة التي كانت هناك وكانت عند المسجد وسماهم كاذبين لأنهم أخبروا بالشيء على خلاف ما هو عليه وإن لم يقصدوا الكذب. وفيه دليل لمذهب أهل السنة أن الغالط يسمى كاذبًا خلافًا للمعتزلة في اشتراطهم التعمد وعندنا العمدية شرط لكونه إثمًا لا لكونه كذبًا، وفيه إنكار ابن عمر على من يخص الإهلال بالقيام على شرف البيداء وقد اتفق ¬

_ (¬1) من مطبوع "السنن". (¬2) انظر "معجم ما استعجم" 1/ 291. (¬3) في (م): هذا. (¬4) و (¬5) سقط من (م).

فقهاء الأمصار على جواز ذلك، وإنما الخلاف في الأفضل. (ما أهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا من عند المسجد) و (¬1) فسره (يعني: مسجد ذي الحليفة) ويعرف بمسجد (¬2) الشجرة وهو خراب، وبها بئر علي - رضي الله عنه -، وفيه دلالة على أن ميقات أهل المدينة من عند مسجد ذي الحليفة، ولا يجوز لهم تأخير الإحرام إلى البيداء لكن الأفضل أن يعيد الإهلال عليها كما فعل - صلى الله عليه وسلم -، وفيه أن الإحرام من الميقات أفضل من دويرة أهله؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك الإحرام من مسجده مع كمال شرفه، ولا يقال: فعله للجواز؛ لأن البيان حصل في باب المواقيت كما في الأحاديث الصحيحة ولو فعله للجواز لواظب على خلافه كما توضأ مرة ومرتين للجواز وواظب على الثلاث. [1772] ([حدثنا القعنبي، عن مالك، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري] (¬3) عن عبيد) مصغر (ابن جريج) بتكرير الجيم مصغر مولى بني تميم المدني يعد في التابعين (أنه قال (¬4) لعبد الله بن عمر) بن الخطاب (يا أبا عبد الرحمن) وإن لم يكن له ابن يسمى عبد الرحمن (رأيتك تصنع أربعًا لم أر أحدًا من أصحابك يصنعها) قال المازري (¬5): يحتمل أن مراده لا يصنعها غيرك مجتمعة وإن كان يصنع بعضها (¬6). ¬

_ (¬1) في (م): ثم. (¬2) زاد في (م): ذي. (¬3) من مطبوع "السنن". (¬4) سقط من (م). (¬5) في (ر): الماوردي. (¬6) "فتح الباري" 1/ 323.

(قال: ما هي يا ابن جريج؟ قال: رأيتك لا (¬1) تمس) بفتح الميم، قال الله: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)} (¬2) (من الأركان) الأربعة (إلا) الركنين (اليمانيين) بتخفيف الياء، وحكى سيبويه تشديدها لغة ضعيفة، والأول أصح؛ لأنها نسبة اليمن فحقه (¬3) أن يقال: اليمني. وهو جائز فلما قالوا: اليماني. أبدلوا من إحدى يائي النسب ألفًا فقالوا: اليماني. فمن شدد الياء الآخرة جمع بين البدل والمبدل، والذين شددوا قالوا: هذِه الياء زائدة كما زادوا في النسب إلى صنعاء صنعاني فزادوا النون الثانية، والمراد بالركنين اليمانيين الركن اليماني والركن الذي مقابله فيه الحجر الأسود وسيأتي له تتمة. (ورأيتك تلبس) بفتح التاء والباء (النعال السبتية) بكسر السين [وزعم قطرب: أنه بضم السين قال: وهو نبت] (¬4) وإسكان الباء الموحدة مشتق من السبت وهو الحلق والإزالة، ومنه قولهم: سبت رأسه، أي: حلقه. قال أبو عمرو الشيباني: السبت كل جلد مدبوغ. (ورأيتك تصبغ) بضم الباء الموحدة كما تقدم (بالصفرة) كما سيأتي. (ورأيتك إذا كنت بمكة أهل الناس إذا رأوا الهلال) أي هلال ذي الحجة وجرى على ألسنتهم؛ لأنهم أكثر ما كانوا يحجون إذا أهل هلال ذي الحجة وكان بعض العلماء يرى أن يُهل لاستقبال ذي الحجة ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) الواقعة: 79. (¬3) في (م): فخف. (¬4) سقط من (م).

إذا رأى الهلال بهذا الحديث (ولم تهل أنت حتى كان يوم) بالرفع على أن كان تامة (التروية) وهو الثامن من ذي الحجة، وفي تسميته بذلك قولان: أحدهما: لأن الناس يتروون فيه من ماء زمزم؛ لأنه لم يكن بعرفة ولا بمنى ماء. وقال آخرون: لأنه اليوم الذي رأى فيه آدم حواء. وحكي ثالثًا: لأن جبريل أرى فيه إبراهيم أول المناسك. (فقال عبد الله بن عمر: أما الأركان فإني لم أر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمس) من الأركان (إلا اليمانيين) قيل: سميا بذلك ليمنهما لأن اليمن البركة؛ فأجابه ابن عمر بأنه إنما اقتصر على مسهما اتباعًا للسنة. وقال في حديث آخر: إنما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استلام الركنين الآخرين وهما الشاميان؛ لأن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم - عليه السلام -، وهذا هو الذي حمل ابن الزبير على أنه لما عمر الكعبة أتم البيت على قواعد إبراهيم - عليه السلام -، وبذلك جزم الأزرقي في "تاريخ مكة" (¬1) قال: إن ابن الزبير لما فرغ وأدخل فيه من الحجر ما أخرج منه ورد الركنين على قواعد إبراهيم خرج إلى التنعيم واعتمر وطاف (¬2) بالبيت واستلم الأركان الأربعة ولم يزل البيت على قواعد إبراهيم، وإذا طاف الطائف استلم الأركان جميعًا حتى قتل ابن الزبير. وأخرج أيضًا من طريق ابن إسحاق قال: بلغني أن آدم لما حج استلم الأركان كلها وأن إبراهيم وإسماعيل لما فرغا من بناء البيت طافا به سبعًا ¬

_ (¬1) 1/ 210. (¬2) ساقطة من (م).

يستلمان الأركان كلها (¬1). قال الداودي: ظن معاوية أنهما ركنا البيت الذي وضع عليه من أول، فلم يجبه إلا باتباع السنة، والجمهور على اختصاص الاستلام بالركنين على ما قال ابن عمر وروى ابن المنذر وغيره استلام جميع الأركان كلها عن جابر وأنس والحسن والحسين من الصحابة وعن سويد بن غفلة من التابعين. وفي البخاري كان معاوية يستلم الأركان كلها، فقال له ابن عباس، فقال: ليس شيء من البيت بمهجور (¬2). وأجاب الشافعي عن هذا بأنا لا ندع استلامهما هجرًا للبيت وكيف نهجره ونحن نطوف به ولكنا نتبع السنة فعلًا وتركًا ولو كان ترك استلامهما هجرًا لهما لكان ترك استلام ما بين الأركان هجرًا لها ولا قائل به (¬3). ويؤخذ منه حفظ المراتب وإعطاء كل ذي حق حقه وتنزيل كل واحد منزلته. (وأما النعال السبتية) والاختصاص بلبسها (فإني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلبس النعال التي ليس فيها شعر) أي: ولا صوف. إجابة ابن عمر بتفسير النعال السبتية بأنها التي لا شعر فيها، وهو قول جماهير أهل اللغة، والغريب والحديث، وقال الهروي: لأنها أسبتت بالدباغ أي لانت، يقال: رطبة مسبتة (¬4)، أي: لينة (¬5). ¬

_ (¬1) "أخبار مكة" 1/ 66. (¬2) "الأم" 3/ 432. (¬3) "الصحيح" (1608). (¬4) في (م): متسبتة. (¬5) انظر "غريب الحديث" لابن سلام (سبت).

وقال أبو زيد: [السبت جلود البقر مدبوغة كانت أو غير مدبوغة. وقال ابن وهب: النعال] (¬1) السبتية كانت سوداء لا شعر فيها، قال القاضي: وهذا ظاهر كلام ابن عمر في قوله: وهي النعال التي ليس فيها شعر، وقد تكون سوداء مدبوغة، قال: وكان عادة العرب لباس النعال بشعرها غير مدبوغة، وقال الداودي: إنها منسوبة إلى سوق السبت (¬2). وإنما اعترض عبيد على ابن عمر؛ لأن لبسها أفعال أهل السعة والنعمة ومن لباس أشراف الناس وكانوا يمتدحون بلبسها، قال ابن نمير (¬3): ولا أعلم خلافًا في جواز لبسها في غير المقابر، وحسبك أن ابن عمر روى أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يلبسها، وروي عنه أنه رأى رجلًا [يلبسهما في المقابر] (¬4)، فأمره بخلعهما (¬5)، فيجوز أن يكون أمره بخلعها لأذى أو قذر رآه (¬6) فيها فكره قوم لبسها [بين المقابر] (¬7) وتبويب النسائي يدل على الكراهة، وذكر الحكيم الترمذي في "نوادره" أن الأمر بخلعهما (¬8) لأن الميت كان حيث (¬9) مشيه بها يسأل في قبره، فلما قر (¬10) نعل ذلك ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) انظر: "شرح الزرقاني" 2/ 330، و"مشارق الأنوار" 2/ 203، و"شرح النووي" 8/ 95. (¬3) في (م): عمر. (¬4) في (م): يلبسها في المقبرة. (¬5) في (م): بخلعها. (¬6) و (¬7) من (م). (¬8) في (م): بخلعها. (¬9) في (م): حين. (¬10) في (م): صر.

الرجل شغل عن جواب الملكين وكاد يهلك لولا أن ثبته الله. (ويتوضأ فيهما) فهم البخاري من هذِه الحقيقة كما هو ظاهر اللفظ فبوب عليه في أول كتاب الطهارة باب غسل الرجلين في النعلين، ولا يمسح على النعلين؛ لأنه (¬1) يلزم من وجوب غسل الرجلين في النعلين عدم جواز المسح عليهما وحقيقة الوضوء فيهما أن يكون حال كونه لابسًا لهما، وقال النووي: معناه يتوضأ ويلبسهما ورجلاه رطبتان (¬2). وقال السفاقسي: أراد البخاري الرد على من يجوز المسح على (¬3) النعلين، وأما ما رواه الثوري عن يحيى بن أبي حبة عن أبي الخلاس عن ابن عمر، أنه كان يمسح على جوربيه ونعليه، فهو وإن كان يدل على المراد في حديثه هذا أنه كان يمسح رجليه في نعليه في الوضوء؛ لا أنه كان يغسلهما فهو غير صحيح عنه؛ لأجل يحيى هذا فهو ضعيف، والصحيح عنه بنقل الأئمة الغسل رواه عنه مجاهد وعمرو (¬4) ابن دينار وغيرهما. (فأنا أحب أن ألبسهما) (¬5) بفتح الباء الموحدة كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلبسهما (¬6) (وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصبغ بها) هل المراد هنا صبغ الثياب أو الشعر، والأشبه والأظهر كما قال القاضي الأول (¬7)؛ ¬

_ (¬1) بعدها في (ر): لا. (¬2) "شرح النووي" 8/ 95. (¬3) في (ر): في. (¬4) سقط من (م). (¬5) في (م): ألبسها. (¬6) في (م): يلبسها. (¬7) "إكمال المعلم" 4/ 184.

لأن ابن عمر أخبر أنه صبغ ولم ينقل عنه أنه صبغ شعره وإلا فقد جاءت آثار عن ابن عمر ليس فيها تصفير ابن عمر لحيته، واحتج بأنه كان - صلى الله عليه وسلم - يصفر لحيته بالورس والزعفران كما سيأتي في أبي داود (¬1)، وذكر في حديث آخر احتجاجه بأنه عليه السلام كان يصبغ بها ثيابه حتى عمامته (¬2)، وكان أكثرهم يعني: الصحابة والتابعين يخضب بالصفرة منهم أبو هريرة وآخرون، وروي ذلك عن علي - رضي الله عنه -. (وأنا أحب أن أصبغ بها) بضم الباء وكسرها وفيه الاقتداء بأفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - وفضيلة محبة ذلك. (وأما الإهلال فإني لم أر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهل) أي يحرم ويرفع صوته بالتلبية (حتى تنبعث به راحلته) أجابه ابن عمر عن سؤاله بالإهلال في يوم التروية بنوع من القياس؛ لأنه قاس يوم التروية؛ لأنه اليوم الذي تنبعث فيه الراحلة من مكة، كما أنه إذا انبعثت به راحلته من (¬3) ميقاته أهلَّ فقاسه عليه وأجابه، وهو دليل على قول الجمهور أن الأفضل إن كان راكبًا أن يحرم إذا انبعثت به راحلته؛ لأنه إذا أحرم مع السير وافق قوله فعله وإن كان ماشيًا يحرم إذا ابتدأ بالمشي، وينوي الإحرام بقلبه والنية هي القصد بالقلب والمراد بقصد الإحرام بالقلب: هو الاعتقاد كما قاله البندنيجي (¬4) وغيره لا قوله في القلب: أحرمت، فإن ذلك ليس بنية فلا يقع الاكتفاء ¬

_ (¬1) سيأتي برقم (4210). (¬2) سيأتي برقم (4064). (¬3) في (م): في. (¬4) "المجموع" 7/ 224.

به، وكلام الماوردي يقتضي الاكتفاء به (¬1). [1773] ([حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا محمد بن بكر، حدثنا ابن جريج، عن محمد بن المنكدر] (¬2) عن أنس - رضي الله عنه - قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر بالمدينة) قبل أن يرتحل (أربعًا) أي: أربع ركعات وهي صلاة الحضر (وصلى العصر) من ذلك اليوم (بذي الحليفة) وهي ميقات أهل المدينة (ركعتين) فيه دليل على مشروعية قصر الصلاة لمن فارق بيوت بلده ونزل خارجًا منها (¬3) ولو بالقرب منها فاحتج به أهل الظاهر على جواز قصر الصلاة في السفر القصير ولا حجة فيه؛ لأنه كان ابتداء سفره لا منتهاه. (ثم بات بذي الحليفة حتى أصبح) فيه دليل على مشروعية المبيت بالقرب من البلد التي سافر منه ليكون ذلك أمكن للمسافر ليتوصل بذلك إلى تحصيل مهماته التي ينساها في مدينته مثلًا، فإن النووي قال: بين المدينة وذي الحليفة ستة أميال (¬4) وبالغ ابن الصباغ فزعم (¬5) أن بينهما ميل واحد، وقال ابن بطال: ليس ذلك من سنن الحج، وإنما هو من جهة الرفق ليلحق به من تأخر عنه من أمتعة وحيوان وغير ذلك (¬6) (فلما ركب راحلته واستوت به) قائمة (أهل) وحقيقة الإهلال ¬

_ (¬1) "الحاوي الكبير" 4/ 81. (¬2) من مطبوع "السنن". (¬3) في (م): عنها. (¬4) "شرح النووي" 5/ 199. (¬5) في (م): فذكر. (¬6) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 4/ 219.

إظهار حالة الإحرام برفع الصوت بالتلبية والتكبير ونحوهما. [1774] ([حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا روح، حدثنا أشعث، عن الحسن] (¬1) عن أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر) أي: بالبيداء ركعتين، (ثم ركب راحلته، فلما علا) أي: صعد (على جبل البيداء) هو كالتفسير للرواية السابقة فلما علا على شرف البيداء (أهل) كما تقدم. [1775] ([حدثنا محمد بن بشار، حدثنا] (¬2) وهب بن جرير) بالجيم ([قال: سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن أبي الزناد، عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص قالت: ] قال: ثنا أبي) جرير بن حازم (قال سعد بن أبي وقاص: كان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أخذ طريق الفرع) بضم الفاء وإسكان الراء ثم عين مهملة، وقيل: بضمها عمل من أعمال المدينة من جهة الصفراء وكان من ديار عاد (أهل إذا استقلت به راحلته) كما تقدم (وإذا أخذ) على (طريق) جبل (أحد) وهو جبل بالمدينة أيضًا (أهل إذا أشرف على جبل البيداء) بين مكة والمدينة، وهذا فيه جمع بين الحديثين المتقدمين بأن يحمل اختلاف الروايتين على حالتين مختلفتين. ¬

_ (¬1) من مطبوع "السنن". (¬2) من مطبوع "السنن".

23 - باب الاشتراط في الحج

23 - باب الاشْتِراطِ في الحَجِّ 1776 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَبّادُ بْنُ العَوّامِ، عَنْ هِلالِ بْنِ خَبّابٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ ضُباعَةَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ أَتَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ إِنّي أُرِيدُ الحَجَّ أَأَشْتَرِطُ؟ قَالَ: "نَعَمْ". قَالَتْ: فَكَيْفَ أَقُولُ؟ قَالَ: "قُولي: لَبَّيكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ وَمَحِلّي مِنَ الأَرْضِ حَيْثُ حَبَسْتنِي" (¬1). * * * باب الاشتراط في الحج [1776] ([حدثنا أحمد بن حنبل] (¬2) ثنا عباد) بتشديد الموحدة (ابن العوام) بالمهملة والواو المشددة الواسطي (عن هلال بن خباب) بفتح الخاء المعجمة وباء موحدة مكررة بينهما ألف كنيته أبو العلاء ([عن عكرمة، عن] (¬3) ابن عباس: أن ضباعة) بضم الضاد المعجمة وتخفيف الموحدة (بنت الزبير بن عبد المطلب) بن هاشم بن عبد مناف زوجة المقداد بن الأسود (أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إني أريد الحج) وأنا شاكية كما في مسلم (أشترط) بفتح الهمزة؛ لأنه مضارع، وأصله أأشترط بهمزتين أولاهما للاستفهام فحذفت همزة الاستفهام (قال: نعم) حجي واشترطي. فيه [دليل على] (¬4) أن المحرم إذا شرط عند الإحرام شرطًا مقترنًا به ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1208). (¬2) من مطبوع "السنن". (¬3) من مطبوع "السنن". (¬4) سقط من (م).

أنه إذا مرض أو اشتد مرضه تحلل، صح شرطه عند [الشافعي (¬1) ولا يخرج من الإحرام إذا مرض إلا بالتحلل وهو قول الحنابلة (¬2)، قال] (¬3) الشافعية: لو (¬4) تقدمه أو تأخر عنه لم ينعقد الشرط، قالوا: ولو قال إن مرضت وفاتني الحج فهو (¬5) عمرة كان على شرطه (¬6)، ولو (¬7) شرط التحلل لغرض آخر كضلال الطريق وضياع النفقة والخطأ في العدد ونحو ذلك فهو [كالمرض على مذهب الشافعية] (¬8) (¬9)، وقال الحنابلة: يستحب لمن أحرم بنسك أن يشترط عند إحرامه (¬10)، قال الشافعية: وإذا صححنا الشرط فإن كان التحلل بالهدي (¬11) لزمه الهدي وإن شرطه بلا هدي لم يلزمه، وكذا إن أطلق (¬12). (قالت: ) يا رسول الله (فكيف أقول؟ ) فيه دليل على من عرف الحكم ولم يعرف كيفيته يجب عليه السؤال عنها، (قال: قولي) وفي رواية ¬

_ (¬1) "الأم" 2/ 235، وانظر: "المجموع" 8/ 310. (¬2) "المغني" 5/ 203. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): فإن. (¬5) في (م)، و"المجموع": كان. (¬6) "المجموع" 8/ 313. (¬7) في (م): إذا. (¬8) في (م): كالمريض على المذهب عند الشافعية. (¬9) انظر: "المجموع" 8/ 311. (¬10) انظر: "المغني" 5/ 92، وكتابنا "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 7/ 613 - 614. (¬11) من (م). (¬12) "المجموع" 8/ 311.

لمسلم: "أهلي بالحج واشترطي فقولي" (¬1) (لبيك اللهم لبيك، ومحلي) بضم الميم وكسر الحاء المهملة إن حبسني حابس (من الأرض) أي: بالأرض (حيث حبستني) وغير هذا اللفظ مما يؤدي معناه يجري مجراه، ورواه النسائي وزاد فيه: "فإن لك على ربك ما استثنيت" (¬2) وعن ابن عمر أنه كان ينكر (¬3) الاشتراط ويقول: حسبكم سنة نبيكم. رواه الترمذي وصححه (¬4)، وقال البيهقي: لو بلغه حديث ضباعة لما أنكر الاشتراط (¬5). ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "سنن النسائي" 5/ 167. (¬3) في (م): يكره. (¬4) "سنن الترمذي" (942) وقال: حسن صحيح. (¬5) "سنن البيهقي الكبرى" 5/ 223.

24 - باب في إفراد الحج

24 - باب في إِفْرادِ الحَجِّ 1777 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبيُّ، حَدَّثَنا مالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَفْرَدَ الحَجَّ (¬1). 1778 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنا حَمّادُ بْن زَيْدٍ ح وَحَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ يَعْني ابن سَلَمَةَ ح وَحَدَّثَنا مُوسَى، حَدَّثَنا وُهَيْبٌ عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّها قَالَتْ: خَرَجْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُوافِينَ هِلالَ ذي الحِجَّةِ فَلَمّا كَانَ بِذي الحُلَيْفَةِ قَالَ: "مَنْ شاءَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيُهِلَّ وَمَنْ شاءَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ بِعُمْرَةٍ". قَالَ مُوسَى في حَدِيثِ وُهَيْبٍ: "فَإِنّي لَوْلا أَنّي أَهْدَيْتُ لأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ". وقَالَ: في حَدِيثِ حَمّادِ بْنِ سَلَمَةَ: "وَأَمّا أَنا فَأُهِلُّ بِالحَجِّ فَإِنَّ مَعي الهَدي". ثُمَّ اتَّفَقُوا فَكُنْتُ فِيمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَلَمّا كانَ في بَعْضِ الطَّرِيقِ حِضْتُ فَدَخَلَ عَلي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنا أَبْكي فَقالَ: "ما يُبْكِيكِ". قُلْتُ: وَدِدْتُ أَنّي لَمْ أَكُنْ خَرَجْتُ العامَ. قَالَ: "ارْفُضي عُمْرَتَكِ وانْقُضي رَأْسَكِ وامْتَشِطي". قَالَ مُوسَى: "وَأَهِلّي بِالحَجِّ". وقالَ سُلَيْمانُ: "واصْنَعي ما يَصْنَعُ المُسْلِمُونَ في حَجِّهِمْ". فَلَمّا كَانَ لَيْلَةُ الصَّدَرِ أَمَرَ - يَعْني: رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَذَهَبَ بِها إِلَى التَّنْعِيمِ. زَادَ مُوسَى: فَأَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ مَكانَ عُمْرَتِها وَطافَتْ بِالبَيْتِ فَقَضَى اللهُ عُمْرَتَها وَحَجَّها. قَالَ هِشامٌ: وَلَمْ يَكُنْ في شَيء مِنْ ذَلِكَ هَدي. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: زادَ مُوسَى في حَدِيثِ حَمّادِ بْنِ سَلَمَةَ فَلَمّا كَانَتْ لَيْلَةُ البَطْحاءِ طَهُرَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها (¬2). 1779 - حَدَّثَنا القَعْنَبي عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبي الأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1211). (¬2) رواه البخاري (317)، ومسلم (1211).

خَرَجْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عامَ حَجَّةِ الوَداعِ فَمِنّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَمِنّا مَنْ أَهَلَّ بِالحَجِّ وَأَهَلَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالحَجِّ فَأَمّا مَنْ أَهَلَّ بِالحَجِّ أَوْ جَمَعَ الحَجَّ والعُمْرَةَ فَلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ (¬1). 1780 - حَدَّثَنا ابن السَّرْحِ أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ أَخْبَرَني مالِكٌ، عَنْ أَبي الأَسْوَدِ بِإِسْنادِهِ مِثْلَهُ زادَ فَأَمّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَأَحَلَّ (¬2). 1781 - حَدَّثَنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أَنَّها قَالَتْ: خَرَجْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في حَجَّةِ الوَداعِ فَأَهْلَلْنا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كانَ مَعَهُ هَدي فَلْيُهِلَّ بِالحَجِّ مَعَ العُمْرَةِ ثُمَّ لا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُما جَمِيعًا". فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنا حائِضٌ وَلَمْ أَطُفْ بِالبَيْتِ وَلا بَيْنَ الصَّفا والمَرْوَةِ فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "انْقُضي رَأْسَكِ وامْتَشِطي وَأَهِلّي بِالحَجِّ وَدَعي العُمْرَةَ". قَالَتْ: فَفَعَلْتُ فَلَمّا قَضَيْنا الحَجَّ أَرْسَلَني رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي بَكْرٍ إِلَى التَّنْعِيمِ فاعْتَمَرْتُ، فَقَالَ: "هذِه مَكانَ عُمْرَتِكِ". قَالَتْ: فَطافَ الذِينَ أَهَلُّوا بِالعُمْرَةِ بِالبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفا والمَرْوَةِ ثُمَّ حَلُّوا ثُمَّ طافُوا طَوافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ وَأَمّا الذِينَ كَانُوا جَمَعُوا الحَجَّ والعُمْرَةَ فَإِنَّما طافُوا طَوافًا واحِدًا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ إِبْراهِيمُ بْنُ سَعْدٍ وَمَعْمَرٌ، عَنِ ابن شِهابٍ نَحْوَهُ، لَمْ يَذْكُرُوا طَوافَ الذِينَ أَهَلُّوا بِعُمْرَةٍ وَطَوافَ الذِينَ جَمَعُوا الحَجَّ والعُمْرَةَ (¬3). 1782 - حَدَّثَنا أَبُو سَلَمَةَ مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّها قَالَتْ: لَبَّيْنا بِالحَجِّ حَتَّى إِذَا كُنّا بِسَرِفَ حِضْتُ فَدَخَلَ عَلي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنا أَبْكي فَقَالَ: "ما يُبْكِيكِ يا عائِشَةُ؟ ". فَقُلْتُ: ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1562)، ومسلم (1211). (¬2) انظر ما قبله. (¬3) رواه البخاري (1556)، ومسلم (1211).

حِضْتُ لَيْتَني لَمْ أَكُنْ حَجَجْتُ. فَقَالَ: "سُبْحانَ اللهِ إِنَّما ذَلِكَ شَيء كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَناتِ آدَمَ". فَقَالَ: "انْسُكي المَناسِكَ كُلَّها غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفي بِالبَيْتِ". فَلَمّا دَخَلْنا مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ شاءَ أَنْ يَجْعَلَها عُمْرَةً فَلْيَجْعَلْها عُمْرَةً إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ الهَدي". قَالَتْ: وَذَبَحَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ نِسائِهِ البَقَرَ يَوْمَ النَّحْرِ فَلَمّا كَانَتْ لَيْلَةُ البَطْحاءِ وَطَهُرَتْ عَائِشَةُ قَالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ أَتَرْجِعُ صَواحِبي بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَأَرْجِعُ أَنا بِالحَجِّ! فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبي بَكْرٍ فَذَهَبَ بِها إِلَى التَّنْعِيمِ فَلَبَّتْ بِالعُمْرَةِ (¬1). 1783 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلا نَرى إلَّا أَنَّهُ الحَجُّ فَلَمّا قَدِمْنا تَطَوَّفْنا بِالبَيْتِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - منْ لَمْ يَكنْ ساقَ الهَدي أَنْ يُحِلَّ فَأَحَلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ ساقَ الهَدي (¬2). 1784 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْري ما اسْتَدْبَرْتُ لمَا سُقْتُ الهَدي". قَالَ مُحَمَّدٌ: أَحْسِبُهُ قَالَ: "وَلَحَلَلْتُ مَعَ الذِينَ أَحَلُّوا مِنَ العُمْرَةِ". قَالَ: أَرادَ أَنْ يَكونَ أَمْرُ النّاسِ واحِدًا (¬3). 1785 - حَدَّثَنا قُتَيْبَة بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ قَالَ: أَقْبَلْنا مُهِلِّينَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالحَجِّ مُفْرَدًا وَأَقْبَلَتْ عَائِشَةُ مُهِلَّةً بِعُمْرَةٍ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بِسَرِفَ عَرَكَتْ حَتَّى إِذَا قَدِمْنا طُفْنا بِالكَعْبَةِ وَبِالصَّفا والمَرْوَةِ فَأَمَرَنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُحِلَّ مِنّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدي، قَالَ: فَقُلْنا: حِلُّ ماذا؟ فَقَالَ: "الحِلُّ كُلُّهُ". فَواقَعْنا النِّساءَ وَتَطيَّبْنا بِالطِّيبِ وَلَبِسْنا ثِيابَنا وَلَيْسَ بَيْنَنا وَبَيْنَ عَرَفَةَ إِلَّا أَرْبَعُ لَيالٍ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (294)، ومسلم (1211). (¬2) رواه البخاري (1561)، ومسلم (1211، 1328). (¬3) رواه البخاري (7229)، ومسلم (1211).

ثُمَّ أَهْلَلْنا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى عَائِشَةَ فَوَجَدَها تَبْكي فَقَالَ: "ما شَأْنُكِ". قَالَتْ: شَأْني أَنّي قَدْ حِضْتُ وَقَدْ حَلَّ النّاسُ وَلَمْ أَحْلِلْ وَلَمْ أَطُفْ بِالبَيْتِ والنّاسُ يَذْهَبُونَ إِلَى الحَجِّ الآنَ. فَقَالَ: "إِنَّ هذا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَناتِ آدَمَ فاغْتَسِلي ثُمَّ أَهِلّي بِالحَجِّ". فَفَعَلَتْ. وَوَقَفَتِ المَواقِفَ حَتَّى إِذَا طَهُرَتْ طافَتْ بِالبَيْتِ وَبِالصَّفا والمَرْوَةِ ثُمَّ قَالَ: "قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ جَمِيعًا". قَالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ إِنّي أَجِدُ في نَفْسي أَنّي لَمْ أَطُفْ بِالبَيْتِ حِينَ حَجَجْتُ. قَالَ: "فاذْهَبْ بِها يا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَأَعْمِرْها مِنَ التَّنْعِيمِ". وَذَلِكَ لَيْلَةَ الحَصْبَةِ (¬1). 1786 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَني أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جابِرًا قَالَ: دَخَلَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - عَلَى عائِشَةَ بِبَعْضِ هذِه القِصَّةِ قَالَ عِنْدَ قَوْلِهِ: "وَأَهِلّي بِالحَجِّ". "ثُمَّ حُجّي واصْنَعي ما يَصْنَعُ الحاجُّ غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفي بِالبَيْتِ وَلا تُصَلّي" (¬2). 1787 - حَدَّثَنا العَبَّاسُ بْنُ الوَلِيدِ بْنِ مَزْيَدٍ، أَخْبَرَني أَبي، حَدَّثَني الأَوْزاعي، حَدَّثَني مَنْ سَمِعَ عَطاءَ بْنَ أَبي رَباحٍ، حَدَّثَني جابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: أَهْلَلْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالحَجِّ خالِصًا لا يُخالِطُهُ شَيء فَقَدِمْنا مَكَّةَ لأَرْبَعِ لَيالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذي الحِجَّةِ فَطُفْنا وَسَعَيْنا ثُمَّ أَمَرَنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَحِلَّ وقَالَ: "لَوْلا هَدْيي لَحَلَلْتُ". ثُمَّ قَامَ سُراقَةُ ابْنُ مالِكٍ فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ مُتْعَتَنا هذِه أَلِعامِنا هذا أَمْ لِلأَبَدِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "بَلْ هي لِلأَبَدِ". قَالَ الأَوْزاعي: سَمِعْتُ عَطاءَ بْنَ أَبي رَباحٍ يُحَدِّثُ بهذا فَلَمْ أَحْفَظْهُ حَتَّى لَقِيتُ ابن جُرَيْجٍ فَأثْبَتَهُ لي (¬3). 1788 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَطاءِ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1213). (¬2) انظر السابق. (¬3) رواه البخاري (1557)، ومسلم (1216).

ابْنِ أَبي رَباحٍ عَنْ جابِرٍ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحابُهُ لأَرْبَعِ لَيالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذي الحِجَّةِ فَلَمّا طافُوا بِالبَيْتِ وَبِالصَّفا والمَرْوَةِ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اجْعَلُوها عُمْرَةً إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ الهَدي". فَلَمّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهَلُّوا بِالحَجِّ فَلَمّا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ قَدِمُوا فَطافُوا بِالبَيْتِ وَلَمْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفا والمَرْوَةِ (¬1). 1789 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهّابِ الثَّقَفيُّ، حَدَّثَنا حَبِيبٌ - يَعْني المُعَلِّمَ - عَنْ عَطاءٍ حَدَّثَني جابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَهَلَّ هُوَ وَأَصْحابُهُ بِالحَجِّ وَلَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ هَدي إلَّا النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وَطَلْحَةَ وَكَانَ عَلي - رضي الله عنه - قَدِمَ مِنَ اليَمَنِ وَمَعَهُ الهَدي فَقَالَ: أَهْلَلْتُ بِما أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ أَصْحابَهُ أَنْ يَجْعَلُوها عُمْرَةً يَطُوفُوا ثُمَّ يُقَصِّرُوا وَيَحِلُّوا إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ الهَدي فَقَالُوا: انَنْطَلِقُ إِلَى مِنًى وَذُكُورُنا تَقْطُرُ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "لَوْ أَنّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْري ما اسْتَدْبَرْتُ ما أَهْدَيْتُ وَلَوْلا أَنَّ مَعي الهَدي لأَحْلَلْتُ" (¬2). 1790 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ حَدَّثَهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الحَكَمِ عَنْ مُجاهِدٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: "هذِه عُمْرَةٌ اسْتَمْتَعْنا بِها فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ هَدي فَلْيَحِلَّ الحِلَّ كُلَّهُ وَقَدْ دَخَلَتِ العُمْرَةُ في الحَجِّ إِلَى يَوْمِ القِيامَةِ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هذا مُنْكَرٌ إِنَّما هُوَ قَوْلُ ابن عَبّاسٍ (¬3). 1791 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعاذٍ حَدَّثَني أَبي، حَدَّثَنا النَّهّاسُ، عَنْ عَطاءٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا أَهَلَّ الرَّجُلُ بِالحَجِّ ثُمَّ قَدِمَ مَكَّةَ فَطافَ بِالبَيْتِ وَبِالصَّفا والمَرْوَةِ فَقَدْ حَلَّ وَهي عُمْرَةٌ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ ابن جُرَيْجٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عَطاءٍ دَخَلَ أَصْحابُ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1568)، ومسلم (1216). (¬2) رواه البخاري (1651). (¬3) رواه مسلم (1241).

مُهِلِّينَ بِالحَجِّ خالِصًا فَجَعَلَها النَّبي - صلى الله عليه وسلم - عُمْرَةً (¬1). 1792 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ شَوْكَرٍ وَأَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ قالا: حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبي زِيادٍ - قَالَ ابن مَنِيعٍ: أَخْبَرَنا يَزِيدُ بْن أَبي زِيادٍ المَعْنَى - عَنْ مُجاهِدٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ أَهَلَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بِالحَجِّ فَلَمّا قَدِمَ طافَ بِالبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفا والمَرْوَةِ - وقَالَ ابن شَوْكَرٍ: وَلَمْ يُقَصِّرْ ثُمَّ اتَّفَقا - وَلَمْ يَحِلَّ مِنْ أَجْلِ الهَدي وَأَمَرَ مَنْ لَمْ يَكُنْ ساقَ الهَدي أَنْ يَطُوفَ وَأَنْ يَسْعَى وَيُقَصِّرَ ثُمَّ يَحِلَّ. زادَ ابن مَنِيعٍ في حَدِيثِهِ: أَوْ يَحْلِقَ ثُمَّ يَحِلَّ (¬2). 1793 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَني حَيْوَة، أَخْبَرَني أَبُو عِيسَى الخُراسانيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ القاسِمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسيَّبِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحابِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أَتَى عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ - رضي الله عنه - فَشَهِدَ عِنْدَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في مَرَضِهِ الذي قُبِضَ فِيهِ يَنْهَى عَنِ العُمْرَةِ قَبْلَ الحَجِّ (¬3). 1794 - حَدَّثَنا مُوسَى أَبُو سَلَمَةَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَبي شَيْخٍ الهُنائي خَيْوانَ بْنِ خَلْدَةَ مِمَّنْ قَرَأَ عَلَى أَبي مُوسَى الأَشْعَري مِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ؛ أَنَّ مُعاوِيةَ بْنَ أَبي سُفْيانَ قَالَ لأَصْحابِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ كَذا وَكَذا وَعَنْ رُكُوبِ جُلُودِ النُّمُورِ؟ قالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُقْرَنَ بَيْنَ الحَجِّ والعُمْرَةِ فَقَالُوا: أمّا هذا فَلا. فَقَالَ: أَما إِنَّها مَعَهُنَّ وَلَكِنَّكُمْ نَسِيتُمْ (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 247 (¬2) رواه أحمد 1/ 241، وانظر ما قبل السابق. (¬3) رواه ابن حزم في "حجة الوداع" (551)، والبيهقي 5/ 19. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (314). (¬4) رواه أحمد 4/ 92، والطيالسي (1055). وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (1574): حديث صحيح، إلا النهي عن القَرْنِ بين الحج والعمرة فهو منكر؛ لمخالفته الأحاديث المتقدمة.

باب إفراد الحج وهو أن يحرم بالحج وحده، ثم إذا فرغ منه خرج من مكة فأحرم بالعمرة من أدنى الحل وفرغ منها. [1777] ([حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، حدثنا مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه] (¬1) عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفرد) في إحرامه (الحج) عن العمرة، فيه دليل على أن أفضل أوجه النسك الإفراد، وهو أن يحج ثم يحرم بالعمرة كإحرام المكي في عام الحج؛ لأن رواته أكثر، ومجمع على عدم كراهته بخلاف التمتع والقران، ولعدم وجوب الدم فيه فإن أخر العمرة عن عام الحج فالتمتع والقران أفضل منه بلا خلاف؛ لأن تأخير العمرة عن سنة الحج مكروه، هكذا صرح به الجمهور، وقال القاضي حسين والمتولي: الإفراد أفضل مطلقًا (¬2). وهو مقتضى إطلاق الحديث ولو تمتع ولكن اعتمر بعد فراغ الحج أيضًا فهو أفضل من الإفراد لتحصل صورة الإفراد مع اعتماره مرتين، وقد أشار إلى ذلك القاضي شرف الدين البارزي (¬3) حيث قال: وينبغي أن يكون القران أفضل [إن اعتمر قبل الحج وأراد الاعتمار بعده ليحصل له عمرتان، وإنما يكون الإفراد والتمتع أفضل من القران] (¬4) إن أراد الاقتصار على عمرة القران، قال: وهذِه دقيقة ¬

_ (¬1) من مطبوع "السنن". (¬2) "المجموع" 7/ 151. (¬3) في (م): الباروي. (¬4) سقط من (م).

فليفطن لها ليعمل بها. [1778] ([حدثنا سليمان بن حرب قال: حدثنا حماد بن زيد (ح). وحدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد - يعني: ابن سلمة - (ح). وحدثنا موسى، حدثنا وهيب، عن هشام بن عروة] (¬1) عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام أحد تابعي المدينة، ولد هشام (¬2) سنة 61 ومات ببغداد سنة 146، ومات عروة سنة 95. (عن عائشة أنها قالت: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موافين) بضم الميم أي: مستشرفين لرؤية (هلال) شهر (ذي الحجة) بكسر الحاء على الأفصح، أي: قرب طلوعه، ويدل عليه قولها وفي رواية أخرى (¬3): خرجنا لخمسٍ بقين من ذي القعدة، والخمس قريبة من آخر الشهر فوافاهم الهلال وهم في الطريق؛ لأنهم دخلوا مكة في رابع ذي الحجة. (فلما كان بذي الحليفة) نازلًا (قال: من شاء) منكم (أن يهل) بضم الياء، أي: يحرم (بحج) وهو الإفراد (فليهل) بذلك (ومن شاء أن يهل بعمرة) وهو التمتع (فليهل بعمرة) قال العلماء: خيرهم أولًا بين الفسخ وعدمه ملاطفة لهم وإيناسًا بالعمرة في أشهر الحج؛ لأنهم كانوا يرونها من أفجر الفجور، ثم حتم عليهم بعد ذلك بالفسخ وأمرهم به أمر عزيمة، وألزمهم إياه وكره (¬4) ترددهم في قبول ذلك. ¬

_ (¬1) من مطبوع "السنن". (¬2) سقط من (م). (¬3) من (م). (¬4) في (ر): كرره.

(قال موسى) بن إسماعيل (في حديث وهيب) بن الورد (فإني لولا أني) بفتح الهمزة (أهديت) أي: سقت الهدي معي إلى البيت الحرام (لأهللت بعمرة) اعتذر إليهم في ذلك لترك مواساتهم، وفيه دليل على أن من كان معه رفقة (¬1) يفعلون فعلًا يجوز لهم فعله أن يواسيهم؛ فإن المواساة من أفعال الكرام؛ فإن لم يمكنه ذلك فليعتذر إليهم تطييبًا لقلوبهم. (وقال في حديث حماد بن سلمة: وأما أنا فأهل بالحج) فيه دليل على أفضلية الإفراد (فإن معي الهدي) بإسكان الدال وتخفيف الياء على المشهور، وهذا كالتعليل لإهلاله بالحج فإن ذلك تأنيس لهم واستجلاب لقلوبهم. (ثم اتفقوا) يعني: الثلاثة الرواة على قول عائشة (فكنت فيمن أهل بعمرة) لأني لم يكن معي هدي، وفي البخاري: ليس مع أحدٍ منهم هدي غير النبي - صلى الله عليه وسلم - (فلما كان في بعض الطريق) بينه في الرواية الآتية: حتى إذا كنا بسرف (حضت، فدخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكي) فيه فضيلة الصحابة من الرجال والنساء وشدة حرصهم على العبادة والحزن على فواتها (فقال: ما يبكيك؟ ) فيه السؤال عن حال الزوجة لا سيما إذا رآها مغتاظة أو تبكي (قلت: وددت) بكسر الدال الأولى. (أني لم أكن خرجت العام) أي: في هذِه السنة بل في سنة بعدها لتقع أيام الحج في الطهر وأفوز بتمام الحج (قال: ارفضي) بكسر الفاء والضاد المعجمة وضم الفاء لغة أي: اتركي (عمرتك) ومنه سميت الرافضة من ¬

_ (¬1) سقط من (م).

الكوفة؛ سموا بذلك لأنهم رفضوا أي: تركوا زيد بن علي لما نهاهم عن الطعن في الصحابة، فلما عرفوا أنه لا يبرأ من الشيخين تركوه. واختلفوا في قوله لعائشة: دعي العمرة، فذهب بعضهم إلى أن المراد منه اتركيها إلى انقضاء أمرها بفسخ العمرة والخروج منها بالتحلل (¬1) حتى تقضي من بعد، فعلى هذا كانت عمرتها من التنعيم قضاء لها، والصحيح عند الشافعي وغيره أنه لم يأمرها بترك العمرة أصلًا؛ فإن العمرة كالحج لا يصح الخروج منهما إلا (¬2) بعد الإحرام بنية الخروج، وإنما يخرج منهما (¬3) بالتحلل بعد فراغهما (¬4) وإنما أمرها بترك أعمالها من الطواف والسعي، وأن تدخل عليها الحج بإحرامه فتصير قارنة وتقف بعرفات وتفعل المناسك كلها إلا الطواف فتؤخره حتى تطهر، وكذلك فعلت، وعلى هذا المذهب كانت عمرتها من التنعيم تطوعًا أعمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تطييبًا لقلبها (¬5). (وانقضي) شعر (رأسك) وفيه دليل على جواز ضفر المرأة رأسها في الإحرام بالحج، وعلى نقض شعرها عند غسل الحيض، قال بعض العلماء: ولا يلزم نقض الشعر إبطال العمرة، كما لا يلزم من قوله: (وامتشطي) لأن نقض الرأس والامتشاط جائز عندنا في الإحرام بحيث لا ينتتف منه شعرًا، لكن يكره الامتشاط إلا لعذر، وتأولوا فعل عائشة ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) من (م). (¬3) في (م): منها. (¬4) في (م): فراغها. (¬5) انظر "المجموع" 7/ 416.

هذا على أنها كانت معذورة بأن كان برأسها أذًى، فأباح لها الامتشاط كما أباح لكعب بن عجرة الحلق للأذى (¬1)، وقيل: ليس المراد بالامتشاط هنا حقيقة الامتشاط بالمشط بل تسريح الشعر بالأصابع للغسل لإحرامها بالحج لا سيما إن كانت لبدت رأسها كما هو السنة. (قال موسى: وأهل) النبي - صلى الله عليه وسلم - (بالحج) فيه دلالة على تفضيل الإفراد بالحج. (وقال سليمان) بن حرب (واصنعي ما يصنع المسلمون في حجهم) فيه دليل على أن الحائض والنفساء، والمحدث والجنب يصح منهم جميع أفعال الحج وأقواله وهيئاته إلا الطواف وركعتيه، وأنه يصح الوقوف بعرفات والسعي كما تقدم. (فلما كان) أي: كانت، لكن حذفت التاء لأن الليلة تأنيثها مجازي، (ليلة الصدر) بفتح الصاد والدال وهي الليلة التي يصدر فيها الناس أي: يرجعون فيها من منى بعد انقضاء نسكهم إلى مكة، ويقال في المثل (¬2): تركته من الفرح والسرور على مثل ليلة الصدر، أي بما أنعم الله عليه من تمام حجه وعوده إلى مكة شرفها الله، وهذِه الليلة هي الليلة الرابعة من ليالي التشريق (أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الرحمن) بن أبي بكر أخاها [لما طهرت ليلة البطحاء كما سيأتي] (¬3) أن يعمرها من التنعيم (فذهب بها) فيه دليل على جواز سفر المرأة المزوجة مع محرمها، وهل يفتقر إلى ¬

_ (¬1) سيأتي برقم (1856). (¬2) في (ر): المثلثة. (¬3) سقط من (م).

إذن الزوج أم لا؟ وظاهر الحديث الافتقار. (إلى التنعيم) من أدنى الحل بين مكة وسرف على فرسخين، وقيل: على أربع أميال، وسميت بذلك لأن جبلًا عن يمينها يقال له نعيم (¬1) [وجبلًا عن] (¬2) يسارها [يقال له] (¬3) ناعم، والوادي يقال له: نعمان. (زاد موسى) بن إسماعيل في روايته (وأهلت) منها (بعمرة) امتثالًا لأمره - صلى الله عليه وسلم - (مكان عمرتها) الأولى، قال: هذا لأنها لم تطب نفسها بالعمرة التي أردفت عليها الحج وطافت طوافًا واحدًا وتكون هذِه قضاء لها إن قلنا: إنها أبطلتها وهو ضعيف، والصحيح عند الشافعي وغيره كما تقدم أنها لم تبطلها، بل أبطلت أعمالها، وأنها أدخلت الحج عليها فكانت قارنة، وعلى هذا فهذِه العمرة تطوعًا أعمرها بعد كمال حجة القران تطييبًا لنفسها بعمل عمرة منفردة (¬4). وهذا يقوي قول البازري (¬5) فيما تقدم: أن القران أفضل من الإفراد إذا جاء بعده عمرة مفردة ليحصل له عمرتان مع القران وعمرة منفردة. (وطافت بالبيت) الحرام حين طهرت من الحيض وسعت بين الصفا والمروة (فقضى الله) [أي: أدي عنها] (¬6) (عمرتها وحجها) الواجبين عليها ¬

_ (¬1) في (م): التنعيم. (¬2) في (م): آخر على. (¬3) سقط من (م). (¬4) "الأم" 2/ 192 بمعناه. (¬5) في (م): الباروي. (¬6) من (م).

بذلك القران الذي أتت به. (قال هشام) بن عروة (ولم يكن في شيء من ذلك) القران (هدي) فإن الهدي لم يكن إلا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وطلحة كما تقدم [عن البخاري] (¬1)، ([قال أبو داود: ] (¬2) زاد موسى في حديث) رواية (حماد بن سلمة: فلما [كانت) البخاري] (¬3): كان (ليلة البطحاء) بدل (¬4) قوله في الرواية المتقدمة: [ليلة الصدر] (¬5) وهي رابع ليالي التشريق التي نزل فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - حين انصرف من حجته، ويسمى المكان الذي نزل فيه تلك الليلة بطحاء وأبطح لانبطاحه، ويقال له: المحصب؛ لكثرة الحصباء (¬6) فيه، ويقال له: خيف بني كنانة، والخيف الوادي وهو مكان بين الجبل الذي عند مقابر مكة والجبل الذي مقابله مصعدًا في الشق الأيسر وأنت ذاهب إلى منى مرتفعًا من بطن الوادي. (طهرت عائشة) من حيضها الذي حاضت بسرف الرواية المشهورة رواية الصحيح، فلما كان يوم النحر طهرت. [1779] ([حدثنا القعنبي عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، عن عروة بن الزبير] (¬7) عن ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) من مطبوع "السنن". (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): فدل. (¬5) من (م). (¬6) في (م): الحصى. (¬7) من مطبوع "السنن".

عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام (¬1) حجة الوداع) بفتح الواو، سميت بذلك؛ لأنه - عليه السلام - ودع الناس فيها ووعظهم، وفيه جواز تسمية حجة الوداع من غير كراهة كما سيأتي (فمنا) أي: من الناس (من أهل بعمرة) فقط وهو المتمتع (¬2) (ومنا من أهل بحج وعمرة) وهو القارن (¬3) (ومنا من أهل بالحج) وهو المفرد، فيه دليل على جواز الإحرام بكل واحد من الأوجه الثلاثة، بلا خلاف، إلا أبا حنيفة فإنه استثنى المكي فقال: لا يصح له (¬4) التمتع ولا القران ويكره له فعلهما، فإن فعلهما لزمه دم (¬5). وأما نهي عمر وعثمان فنهي تنزيه (وأهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحج) على الصحيح كما تقدم في (¬6) أنه أفرد الحج. (فأما من أهل بالحج) [مفردًا (أو جمع) في إحرامه بين (الحج والعمرة فلم يحلوا) بضم الياء من إحرامهم (حتى كان) أي: حدث وجود (يوم النحر) برفع يوم؛ لأن كان تامة لا تحتاج إلى خبر، فلما (¬7) كان يوم النحر فرمى جمرة العقبة وحلق وطاف مع السعي إن لم يكن سعى حل له جميع المحرمات وصار حلالًا. ¬

_ (¬1) في (ر): تمام. (¬2) في (م): التمتع. (¬3) في (م): القران. (¬4) في (م): في حقه. (¬5) "المبسوط" 4/ 188. (¬6) من (م). (¬7) في (م): فإذا.

[1780] ([حدثنا ابن السرح، أخبرنا ابن وهب، أخبرني مالك، عن أبي الأسود بإسناده مثله زاد: ] (¬1) فأما من أهل بعمرة فأحل) أي: بعمل عمرة؛ ليخرج من إحرامه بالعمرة في أشهر الحج حين أمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك؛ لأنهم كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور. [1781] ([حدثنا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير] (¬2) عن عائشة زوج (¬3) النبي أنها قالت: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع، فأهللنا بعمرة) أي: أكبرنا (ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من كان معه هدي) إلى البيت الحرام (فليهل (¬4) بالحج مع العمرة) قال القرطبي: ظاهره أنه أمرهم بالقران، فيكون قاله لهم عند إحرامهم، ويحتمل أن يكون قال ذلك لمن كان (¬5) أحرم بالعمرة فيكون ذلك (¬6) أمر بالإرداف. (ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا) هذا بيان لحكم القارن؛ فإنه لا يحل إلا بفراغه من طواف الإفاضة، ويجزئه لهما عمل واحد عند الجمهور خلافًا لأبي حنيفة؛ إذ يقول: يعمل فيهما عملين (¬7). قالت عائشة (فقدمت مكة وأنا حائض) كانت حاضت بسرف كما سيأتي في رواية أخرى وتمادى الحيض (¬8). ¬

_ (¬1) و (¬2) من مطبوع "السنن". (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): فأهل. (¬5) من (م). (¬6) من (م). (¬7) "المبسوط" 4/ 42. (¬8) في النسخ الخطية: الحج. والمثبت من "المفهم".

بها إلى يوم النحر (¬1) (ولم أطف بالبيت) لأنه لا يصح منها لكونها حائض؛ لأن الطهارة شرط في (¬2) الطواف عند الجمهور. (ولا بين الصفا والمروة) لأن [مشروعيته أن يكون على إثر طواف فلما امتنع الطواف امتنع السعي وقد يحتج به من لم يشترط الطهارة] (¬3) في السعي كما تقدم (فشكوت ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) حرصًا على الدين وتأسفًا على ما فاتها من أجر الطواف والسعي. (فقال: انقضي رأسك وامتشطي) فيه ما تقدم ([وأهلي بالحج] (¬4) ودعي العمرة) أخذ بظاهره الكوفيون أن المرأة إذا حاضت قبل الطواف واختشت فوت الحج أنها ترفض العمرة وتتركها قبل تمامها وتبطلها (¬5). وقال الجمهور: إنها تردف الحج بالعمرة وتكون قارنة، وبه قال مالك (¬6) والشافعي (¬7) وأبو حنيفة (¬8)، وحملوا الحديث على هذا الإرداف، وأن الحج والعمرة لا يتأتى الخروج منهما شرعًا إلا بإتمامهما؛ لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (¬9)، واعتذروا عن هذا اللفظ بتأويلات: أحدها: أنها كانت مضطرة إلى ذلك، فرخص لها هذا للضرورة كما ¬

_ (¬1) "المفهم" 3/ 299. (¬2) و (¬3) و (¬4) من (م). (¬5) "المبسوط" للسرخسي 41 - 42. (¬6) "الاستذكار" 13/ 243، و"التمهيد" 8/ 216. (¬7) "الأم" 2/ 207. (¬8) "المبسوط" للسرخسي 4/ 42، وهناك روايتان لأبي حنيفة. (¬9) البقرة: 196.

رخص لكعب بن عجرة في حلق شعره. وثانيها: أن ذلك خاص بها، وكذلك قال مالك: حديث عروة عن عائشة ليس عليه العمل عندنا قديمًا ولا حديثًا (¬1). وثالثها: أن المراد بالنقض والامتشاط تسريح الشعر لغسل الإهلال بالحج كما تقدم، ويؤيده حديث جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "فاغتسلي ثم أهلي بالحج" وقوله: "دعي العمرة" محمول على ترك عملها لا على رفضها والخروج منها، بدليل قوله في الرواية الأخرى: "وأمسكي" مكان: "دعي". وهو ظاهر في استدامتها حكم العمرة التي أحرمت بها؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - لها: "يسعك (¬2) طوافك لحجتك وعمرتك" (¬3). (قالت: ففعلت) ذلك (فلما قضينا) أي: أدينا (الحج) ونزلنا بالمحصب وهو البطحاء (أرسلني رسول الله مع) (¬4) أخي (عبد الرحمن بن أبي بكر) فيه جواز تسمية الولد أباه باسمه [إذا كان غير مقصود بالذكر، بل ذكر تبعًا لغيره ويكون هذا كالمستثنى من النهي عن تسمية الولد أباه باسمه] (¬5) وأنه من العقوق (إلى) أدنى الحل وهو (التنعيم) ليجمع في نسكه بين الحل والحرم، كما أن الحاج (¬6) يجمع بينهما. ¬

_ (¬1) "الاستذكار" 13/ 242. (¬2) بياض في (ر). (¬3) "المفهم" 3/ 300 - 301. (¬4) في (م): معي. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (م): الجامع.

وفيه دليل على ما قال الجمهور أن من كان بمكة أو بالقرب منها وأراد العمرة فميقاته أدنى الحل كالتنعيم ولا يجوز أن يحرم بها في الحرم من غير خروج فإن خالف ولم يخرج بل طاف وسعى وحلق فيه، فالأصح يصح وعليه دم لتركه الميقات، وقيل: لا يصح، واستدل به مالك في أنه لا يجزئه حتى يخرج لأدنى الحل (¬1). واستدل به من قال: لا بد من إحرامه من التنعيم وهو ميقات المعتمرين بمكة وهو شاذ مردود. والجمهور أن جميع جهات الحل سواء ولا تختص بالتنعيم. (فاعتمرت) أي (¬2): من التنعيم (فقال) لي (هذِه مكان) بالنصب حمل (¬3) على الظرف المبهم، ويجوز الرفع خبر (¬4) (عمرتك) التي أردفت عليها الحج بالقران وأدركني الحج ولم أحلل منها، قال ذلك تطييبًا لقلبها، قال القرطبي: ألا ترى أنه حكم بصحة العمرة المردف عليها؟ ! وعلى هذا فلا يكون فيه حجة لمن يقول: إنها رفضت العمرة المتقدمة، وهذِه قضاء لتلك لما قررناه فتدبره (¬5) (¬6). (قالت) عائشة (فطاف) القوم (الذين أهلوا بالعمرة) فقط (بالبيت و) سعوا (بين الصفا والمروة) عقب طوافهم (ثم حلوا) من إحرامهم ¬

_ (¬1) انظر "المدونة" 1/ 403 - 404. (¬2) من (م). (¬3) من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) في (م): فتدبرناه. (¬6) "المفهم" 3/ 302.

(ثم) لما أحرموا بالحج من مكة وخرجوا يوم التروية فوقفوا بعرفة وعادوا إلى مكة (طافوا) بها (طوافًا آخر) غير طواف العمرة (بعد أن رجعوا من منى لحجهم) الذي أحرموا به من مكة (وأما الذين كانوا) قد (جمعوا) في إحرامهم (الحج والعمرة) وهو القران (فإنما طافوا) لهما (طوافًا واحدًا) وهو دليل الشافعي ومن تابعه (¬1). خلافًا للحنفية حيث قالوا (¬2): إن القارن إذا جمع بين الحج والعمرة لا يكفيه إلا طوافان وسعيان (¬3). واستدلوا بأحاديث، قال البيهقي: ضعيفة. [1782] ([حدثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد] (¬4) عن (¬5) عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه) القاسم بن محمد (عن عائشة أنها قالت: لبينا بالحج) حمله الشافعي ومن تابعه على أنه أحرم مفردًا بالحج ولبى بالحج والعمرة، [وأخفى ذكر العمرة] (¬6) ولم يحك الراوي إلا ما سمع، وسمع أنس وغيره الزيادة (¬7). ولا ينكر قبول (¬8) الزيادة إلا إذا كان الزائد نافيًا لقول صاحبه: وأما إذا كان مثبتًا (¬9) عليه ¬

_ (¬1) "المجموع" 7/ 171. (¬2) سقط من (م). (¬3) "المبسوط" للسرخسي 4/ 32. (¬4) من مطبوع "السنن". (¬5) سقط من (م). (¬6) من (م). (¬7) "المجموع" 7/ 153 - 154. (¬8) في (ر): قول. (¬9) في (م): مثبتا.

وزائدًا عليه فلا يناقض. (حتى إذا كنا بسرف) بفتح السين المهملة وكسر الراء، وهو ما بين مكة والمدينة على ستة أميال من مكة (حضت، فدخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكي) حرصًا على الدين لما يفوتني من أجر الطواف وركعتيه والاعتكاف وغير ذلك (فقال: ما يبكيك يا عائشة؟ ) فيه السؤال عن أحوال الزوجة وما يعرض لها ليرشدها فيه إلى مصالحها. (قلت: حضت) فيه الدليل على جواز التصريح بذكر الحيض وإن كانت الكناية عنه أولى كما في بعض الروايات: لم أصل ونحو ذلك (ليتني لم أكن حججت) بفتح الجيم الأولى وسكون الثانية، أي في هذا العام. (قال: سبحان الله) فيه دليل على استعمال هذِه اللفظة، ولا إله إلا الله ونحوهما عند التعجب (إنما ذلك) بكسر الكاف (شيء كتبه الله على بنات آدم) يعني الحيض، وكتبه عليهن، أي: جبلهن عليه وهو تأنيس لها وتسلية، أي: لست أنت مختصة به، بل هو على بنات آدم يكون منهن هذا كما يكون منهن ومن الرجال البول والغائط والمخاط ونحو ذلك، واستدل به البخاري في "صحيحه" في كتاب الحيض من عمومه على أن الحيض كان في جميع بنات آدم، وأنكر به على من قال: إن الحيض أول ما أرسل ووقع في بني إسرائيل، وفي هذا الحديث دليل على فضيلة عائشة ومحبته لها وحنوه عليها. قال القرطبي: وكم بين من يُؤنَّس ويسترضى وبين من [يقال لها] (¬1): عَقرى حَلقى (¬2) في صفية. ¬

_ (¬1) في (ر): يقول. وفي "المفهم": يقال له. (¬2) هجاء لها لأنها أحابستهم، وانظر: "المفهم" 3/ 305.

(فقال: انسكي المناسك كلها) وهو جميع ما يصنعه الحاج من العبادات، قبل النسك كل ما أمر به الشرع من النسيكة وهو القربان (¬1) التي يتقرب به إلى الله تعالى (غير أن لا تطوفي بالبيت) ولا تصلي فيه، وفيه دليل على جواز السعي بين الصفا والمروة للحائضة والنفساء كما تقدم، قالت: (فلما دخلنا مكة) شرفها الله. (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من شاء أن يجعلها عمرة) قال القرطبي: ظاهره التخيير؛ ولذلك كان منهم الاخذ ومنهم التارك (¬2). (فليجعلها) أي: يستمر على جعلها (¬3) (عمرة) لكن ظهر بعد هذا عزم على الأخذ بفسخ الحج في (¬4) العمرة لما غضب ودخل على عائشة، فقالت له: من أغضبك أغضبه الله؟ فقال: "أوما شعرت أني أمرت الناس بأمرٍ فإذا هم يترددون؟ " وعند ذلك أخذ في فسخ حج الصحابة، ممن لم يكن ساق هديًا وقالوا: سمعنا وأطعنا، وكان هذا التردد منهم؛ لأنهم ما كانوا يرون أن العمرة جائزة في أشهر الحج ويقولون: إنها (¬5) في أشهر الحج من أفجر الفجور. (إلا من كان معه هدي) فإنه لا يجعلها عمرة، بل يستمر على إحرامه حتى ينقضي إحرامه وينحر هديه، ونظيره قوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا ¬

_ (¬1) في (ر): القربات. (¬2) "المفهم" 3/ 312. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): و. (¬5) في (م): العمرة.

رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (¬1)، لكن إن كان مريضًا واحتاج إلى التحلل ومعه هدي فيرسله مع وكيل إلى غيره ليرسله إلى محله. (قالت (¬2): وذبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: ضحى بالذبح (عن نسائه البقر) وفي رواية: أهدى، وفيه دليل على أن البقر الأفضل فيه الذبح وإن جاز النحر، وأنه مما يهدى إلى البيت الحرام، وأنه مما يضحى به. قال القرطبي: فيه دليل على أن الرجل يجوز له أن يهدي عن غيره (¬3) وإن لم يعلمه ولا أذن له وكان الهدي والله أعلم عنهن تطوعًا عمن لم يجب عليها هدي وقيامًا بالواجب عمن وجب (¬4) عليها منهن هدي (¬5). وقال النووي: هو محمول على أنه - صلى الله عليه وسلم - استأذنهن في ذلك؛ فإن تضحية الإنسان عن غيره لا تجوز إلا بإذنه، واستدل به مالك على أن التضحية بالبقر أفضل من بدنة، ثم قال: ولا دلالة فيه؛ لأنه ليس فيه تفضيل البقرة إذ لا عموم للفظ فيه، وإنما هي قصة غير محتملة لأمور لا حجة فيها لما قاله (¬6). (يوم النحر) فيه أن أفضل أيام التشريق للأضحية اليوم الأول وإن كانت عدة خلافًا لمن ذهب إلى (¬7) أن التفريق على أيام الذبح أفضل، ¬

_ (¬1) البقرة: 196. (¬2) في النسخ: قال. (¬3) زاد في (م): عمن وجب عليها. (¬4) في (م): يجب. (¬5) "المفهم" 3/ 307. (¬6) "شرح النووي" 8/ 147. (¬7) في (ر): على.

(فلما كانت ليلة البطحاء) أي ليلة النزول بالأبطح وهو المحصب (وطهرت) [رواية: وتجهزت] (¬1) بفتح الهاء وضمها (عائشة) من حيضها، والمراد بالطهر هنا انقطاع الدم كما في قوله تعالى: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} (¬2) ولم يذكر في الحديث اغتسالها لأنه كان معلومًا عندهم من قوله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} (¬3) ومن السنة (¬4). (قالت: يا رسول الله أيرجع) بالياء المثناة تحت (صواحبي) يعني: أمهات المؤمنين وغيرهن من الصحابة الذين فسخوا الحج إلى العمرة، وأتموا العمرة وتحللوا منها قبل يوم التروية، ثم أحرموا بالحج من مكة يوم التروية فحصل لهم عمرة مفردة وحجة مفردة، ولهذا قالت: أيرجع صواحبي (بحج وعمرة) يعني: بعمرة وبحجة كما تقدم (وأرجع أنا بحج) مفرد، وأما عمرتها فمندرجة في حجة القران (فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أخاها (عبد الرحمن بن أبي بكر) أن يعمرها من التنعيم (فذهب بها) وأردفها خلفه (إلى التنعيم، فلبت) أي: بعد الإحرام (بالعمرة). [1783] ([حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود] (¬5) عن عائشة) رضي الله عنها (قالت: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا نرى) بضم النون، أي: نظن (إلا أنه الحج) كان ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) البقرة: 222. (¬3) البقرة: 222. (¬4) في (ر): النساء. (¬5) من مطبوع "السنن".

هذا في أول الأمر ثم أحرمت بالحج اقتداءً بالنبي - صلى الله عليه وسلم -, (فلما قدمنا) مكة (طفنا) وفي رواية: تطوفنا (بالبيت) الحرام. (فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من لم يكن ساق الهدي) معه (أن يحل) بضم الياء أي: من إحرامه (فأحل (¬1) من لم يكن) منهم (ساق الهدي) معه، وهي لم يكن معها هديٌ ففسخته إلى عمرة، فلما حاضت وتعذر عليها إتمام العمرة والتحلل منها وإدراك الإحرام بالعمرة أمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالإحرام بالحج فأحرمت به، فصارت مدخلة الحج على العمرة وقارنة. [1784] ([حدثنا محمد بن يحيى بن فارس، حدثنا عثمان بن عمر، أخبرنا يونس، عن الزهري، عن عروة] (¬2) وعن عائشة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لو استقبلت من أمري) أي: لو عنَّ (¬3) لي هذا الرأي الذي رأيته آخرًا وأمرتكم به في أول أمري (ما استدبرت) آخر الأمر (لما) كنت (سقت) معي (الهدي) إلى البيت، أي: لما جعلت علي الهدي واشتريته وقلدته وسقته بين يدي؛ فإنه إذا ساق الهدي لم يحل حتى ينحره ولا ينحر إلا يوم النحر فلا يصح له فسخ الحج بعمرة، ومن لم يكن معه هدي لا يلزمه هذا، ويجوز له فسخ الحج بعمرة (¬4). وفيه دليل على جواز قول "لو" في التأسف على فوات أمور الدين ومصالح الشرع، وأما الحديث الصحيح في أن "لو تفتح عمل ¬

_ (¬1) في (م): فجعل. (¬2) من مطبوع "السنن". (¬3) في (م): أعن. (¬4) سقط من (م).

الشيطان" (¬1) فمحمول على التأسف على حظوظ (¬2) الدنيا ونحوها، فيجمع بين الأحاديث بما ذكرناه، [وقيل: تقديره: لو علمت في الأول ما علمت في الآخر] (¬3). (قال محمد) بن يحيى الذهلي (أحسبه قال) في الرواية (ولحللت) بتخفيف اللام الأولى، أي من حجتي وقلبتها إلى عمرة (مع الذين أحلوا من) الحج ودخلوا في (العمرة) واعتذر إليهم في ذلك بترك مواساتهم منه. (قال) أبو داود (أراد أن يكون) أمره و (أمر الناس واحدًا) لتحصل المواساة لأصحابه تأنيسًا (¬4) لهم في فعل العمرة في أشهر الحج؛ لكونها كانت منكرة عندهم، ولم يمكنه (¬5) التحلل معهم بسبب الهدي. [1785] ([حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث، عن أبي الزبير] (¬6) عن جابر - رضي الله عنه - قال: أقبلنا مهلين) بضم الميم، أي: محرمين (مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحج مفردًا) قبل أن يفسخوه. (وأقبلت عائشة) رضي الله عنها (مهلة بعمرة) حين أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بفسخ الحج إلى العمرة، وكذا فسره القاسم في حديثه أنها أهلت بعمرة أي: بعد فسخها الحج؛ لأنه يصدق عليها أنها أهلت ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2664) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. (¬2) في (ر): خصوص. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ر): تأسيًا. (¬5) في (م): يمكنهم. (¬6) من مطبوع "السنن".

بعمرة، فإخبار جابر عنها باعتمارها في آخر الأمر و [لم يذكروا] (¬1) في هذا جمع بين الأحاديث، ورجح بعضهم الروايات التي فيها (¬2) أنها أهلت بالحج، وغلط من روى أنها أهلت بعمرة، وإليه ذهب إسماعيل، قيل: إنه ابن علية (حتى إذا كانت بسرف) بفتح السين كما تقدم (عركت) بفتح العين المهملة والراء جميعًا يقال: عركت تعرك كعقدت تعقد، أي: حاضت (حتى إذا قدمنا) مكة شرفها الله، قال جابر (طفنا بالكعبة) وسعينا بين (الصفا والمروة (¬3)، وأمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نحل منهما) (¬4) بفتح النون وضمها مع كسر الحاء (¬5) فيهما، أي: من الحج ونجعلها عمرة (من لم يكن معه هدي) إلى البيت. (قال: فقلنا: حل) بكسر الحاء وتشديد اللام وحذف التنوين للإضافة لما بعده (ما) استفهامية، أي: الحل من أي شيء (ذا) أي: هذا الذي تأمر به، وفي رواية لغير أبي داود: أي الحل، وهذا السؤال سؤال من جوز أن يحل من بعض الأشياء دون بعضها وإقراره - صلى الله عليه وسلم - على السؤال يدل على الجواز (قال) لهم (الحل كله) أي: الحل الذي لا يبقى معه شيء من ممنوعات الإحرام بعد التحلل المأمور به. ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): قبلها. (¬3) زاد في (ر): نسخة: وبالصفا. (¬4) في (م): منا. (¬5) في النسخ: (اللام) والصواب ما أثبتناه. والحديث رواه أحمد 2/ 108، وابن خزيمة (2027)، وابن حبان (2742)، (3568) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.

(فواقعنا النساء) الوقاع الجماع، وهو من أحسن الكنايات عنه، (وتطيبنا بالطيب، ولبسنا ثيابنا) فعلوا ذلك لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله يحب أن تؤتى رخصه [كما تؤتى عزائمه] (¬1) ". فأحبوا فعل ما أحبه الله وتصدق عليهم به، وإن لم يكن لهم رغبة في ذلك (وليس بيننا وبين عرفة) والوقوف بها (إلا أربع ليالٍ) ثم يحل الناس كلهم بعد عرفة، يريد بذلك - والله أعلم - قرب ذلك منهم (ثم أهللنا) أي أحرمنا بالحج من مكة (يوم) منصوب على الظرفية (التروية) وهو اليوم الذي قبل عرفة؛ سمي بذلك لأن الناس يتروون فيه من الماء بمكة كما تقدم. (فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عائشة) رضي الله عنها، فيه الدخول على النساء في أيام الحج والاجتماع بهن والخلوة (فوجدها تبكي) فيه الحزن والبكاء والأسف على ما يفوت الآدمي من العبادات وأفعال الخير دون الأفعال الدنيوية (فقال: ما شأنك؟ ) أي: ما أمرك؟ (قالت: شأني) بهمزة ساكنة بعد الشين المعجمة، أي: أمري الذي بكيت منه (أني قد حضت وقد حل الناس) من عمرتهم وتمتعوا. (ولم أحلل) بفتح الهمزة وكسر اللام الأولى، وقد طاف الناس (ولم أطف بالبيت، والناس) محرمون (يذهبون إلى الحج الآن) وأنا ممنوعة من الإحرام به (فقال: إن هذا أمرٌ كتبه الله على بنات آدم) فيه أن الحيض مكتوب على بنات آدم فمن بعدهن من البنات، وهو من أصل خلقتهن الذي فيه صلاحهن، قال الله تعالى: {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} (¬2)، قال ¬

_ (¬1) سقط من (م)، وسبق تخريج الحديث في 2/ 289. (¬2) الأنبياء: 90.

أهل التأويل: يعني رد الله عليها حيضها لتحمل، وهو من حكمة البارئ جعله الله سببًا للنسل، ألا ترى أن المرأة إذا انقطع حيضها لا تحمل، هذِه عادتهن، وقد قال الله في قصة إبراهيم حين بشره بالولد: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ} (¬1) يعني: حاضت، وإبراهيم هو جد (¬2) إسرائيل؛ لأن إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، ولم ينزل على بني إسرائيل كتاب إلا على موسى، فدل ذلك على أن الحيض كان قبل بني إسرائيل، فبطل قول من قال: أول ما أرسل الحيض على بني إسرائيل. قال: (فاغتسلي) للإحرام وإن كان عليك حيض أو نفاس كما تقدم، (ثم أهلي بالحج) فيه دليل على أن الإحرام بالحج أو العمرة لا يشترط فيه الطهر من الحيض والنفاس والجنابة وغير ذلك؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي" لكن إن رجت الحائض الطهر قبل الخروج من وقت الإحرام استحب لها تأخير الإحرام حتى تطهر ليكون أكمل لها. (ففعلت ذلك ووقفت) بفتحهما (¬3) (المواقف) التي في الحج وهي حائضة (حتى إذا طهرت) بفتحهما (¬4)، قال ابن حزم في كتاب "الإجماع": إن طهر عائشة المذكور (¬5) كان يوم السبت وهو يوم النحر في حجة الوداع، وكان ابتداء حيضها هذا يوم السبت أيضًا لثلاث ¬

_ (¬1) هود: 71. (¬2) زاد في (م): بني. (¬3) سقط من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) من (م).

خلون من ذي الحجة سنة عشر (¬1). يعني: كان حيضها أسبوعًا كما هو الغالب في حيض النساء سبعة أيام. (طافت بالبيت) سبعًا (و) أتت بالسعي (بالصفا) أي بين الصفا (والمروة) سبعًا (ثم قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (قد حللت من (¬2) حجك وعمرتك جميعًا. فقالت: يا رسول الله إني أجد في نفسي) شيئا (أني) بفتح الهمزة، أي: لأني (لم أطف بالبيت حين حججت) الحجة التي فسختها إلى العمرة وتعذر عليها لحيضها الطواف (قال: فاذهب بها يا عبد الرحمن فأعمرها) بفتح الهمزة وسكون الراء (من التنعيم) فيه ما تقدم (وذلك ليلة) بالنصب على الظرفية (الحصبة) بسكون الصاد، وهي الليلة التي ينزل الناس فيها المحصب عند انصرافهم من منى إلى مكة، زاد مسلم في رواية: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا هويت الشيء (¬3) تابعها عليه. [1786] ([وحدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، قال: أخبرني أبو الزبير] (¬4) عن جابر قال: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عائشة رضي الله عنها ببعض هذِه القصة) المذكورة و (قال عند قوله: وأهلي بالحج) وزاد (ثم حجي) عن نفسك (واصنعي) جميع (ما يصنع الحاج) من المناسك (غير أن لا تطوفي بالبيت) حال حيضك (ولا ¬

_ (¬1) "شرح النووي" 8/ 159 - 160. (¬2) زاد في (م): إحرامك. (¬3) في (م): المشي. (¬4) من مطبوع "السنن".

تصلي) فيه ركعتي الإحرام ولا غيرهما. [1787] ([حدثنا] (¬1) العباس بن الوليد بن مزيد) (¬2) [بفتح الميم] (¬3) ([أخبرني أبي، حدثني الأوزاعي، حدثني من سمع عطاء بن أبي رباح] (¬4) عن ابن جابر قال: أهللنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحج خالصًا لا يخالطه شيء) من العمرة ولا القران ولا غيرهما (فقدمنا مكة) زاد الله شرفها (لأربع ليالٍ خلون من ذي الحجة) بكسر الحاء على الأصح (¬5) (فطفنا بالبيت) طواف القدوم (وسعينا) بين الصفا والمروة عقبه (فأمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نحل) بفتح النون وضمها مع كسر الحاء فيهما من الحج إلى العمرة (وقال: لولا الهدي) الذي سقته (أحللت) معكم من حجي. (فقام سراقه بن مالك) بن جعشم، بضم الجيم والشين المعجمة، الكناني (فقال: يا رسول الله أرأيت متعتنا هذِه) أي: فسخنا الحج إلى عمرتنا هذِه التي تمتعنا فيه بالجماع والطيب واللبس (ألعامنا هذا) مخصوص به، ورواية البخاري: فقال: ألكم هذِه خاصة يا رسول الله (أم للأبد) في جميع الأعصار (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: بل هي للأبد). قال النووي: قد يستدل بسؤال هذا السائل من يقول بالتوقف في مسألة كون الأمر يقتضي التكرار أم لا؛ لأنه سأل فقال: ألعامنا هذا ¬

_ (¬1) من مطبوع "السنن". (¬2) في (ر): يزيد. (¬3) من (م). (¬4) من مطبوع "السنن". (¬5) في (م): الأفصح.

أم يتكرر بتكرر الأعصار؟ ولو أن مطلق الأمر يقتضي التكرار لم (¬1) يسأل هذا السؤال، ولقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا حاجة إلى هذا السؤال، بل مطلقه محمول على كذا، وقد يجيب الآخرون عنه بأنه سأل استظهارًا واحتياطًا (¬2). قال النووي وغيره: اختلف العلماء في هذا الفسخ، هل هو خاص بالصحابة أم باقٍ لهم ولغيرهم إلى يوم القيامة؟ فقال أحمد وطائفة من أهل الظاهر: ليس خاصًّا، بل باقٍ إلى يوم القيامة، فيجوز لكل من أحرم بحج وليس معه هدي (¬3) أن يقلب إحرامه عمرة ويتحلل بأعمالها؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} (¬4). وهذا عام، ولإجماع المسلمين على إباحة التمتع في جميع الأعصار، ولقوله: "بل هي للأبد" جواب لقوله: متعتنا هذِه، وأكد قوله: متعتنا بقوله: هذِه، احترازًا من المتعة المنفردة، وإنما كانت متعتهم بفسخ الحج إلى العمرة، وحديث جابر في صفة حج النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو هذا. وقال مالك (¬5) والشافعي (¬6) وأبو حنيفة (¬7) وجمهور العلماء من ¬

_ (¬1) زاد في (م): أو عدم التكرار. (¬2) "شرح النووي" 9/ 101. (¬3) في (ر): عمرة. (¬4) البقرة: 196، وانظر: "المغني" 5/ 252 - 253. (¬5) "التمهيد" 8/ 358، و"الاستذكار" 11/ 212. (¬6) "المجموع" 7/ 166 - 167. (¬7) "شرح فتح القدير" 2/ 464 - 465.

السلف والخلف: إن فسخ [الحج للعمرة] (¬1) هو مختص بهم في تلك السنة لا يجوز بعدها، وإنما أمروا به تلك السنة ليخالفوا ما كانت عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج، ومما يستدل به الجمهور حديث أبي ذر الذي ذكره مسلم: كانت المتعة في الحج لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2)، يعني: فسخ الحج إلى العمرة، وفي كتاب النسائي عن الحارث بن بلال عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، فسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة؟ فقال: "بل لنا خاصة" (¬3). وهذا يبين رواية أبي داود في هذا الحديث. وأجاب الجمهور عن حديث: ["بل هي للأبد" أن معناه جواز الاعتمار في أشهر الحج أو من القران؛ فإنه جائز إلى يوم القيامة، وأجاب] (¬4) أحمد (¬5) ومن تابعه عن حديث أبي ذر في مسلم بأنه (¬6) قول صحابي مخالف الكتاب والسنة والإجماع وقول من هو خير منه وأعلم. [قال المنذري في حواشي أبي داود: لم يجز الفسخ أحد من الصحابة إلا ابن عباس، وتابعه أحمد وأهل الظاهر، ورُدَّ عليه بأن الإمام أحمد قال: إن أبا موسى كان لا يرى يعني: الفسخ في خلافة ¬

_ (¬1) في (م): العمرة إلى الحج. (¬2) مسلم (1224). (¬3) "شرح النووي" 8/ 167، والحديث أخرجه النسائي 5/ 179. (¬4) في (م): أحمد. (¬5) من (م). (¬6) في (م): بأنه.

أبي بكر وشطرًا من خلافة عمر. وقال أحمد: روى الفسخ أحد عشر صحابيًّا، فأين يقع الحارث بن بلال منهم (¬1)] (¬2) (قال الأوزاعي: سمعت عطاء بن أبي رباح) الراوي عن جابر في الحديث المتقدم (يحدث بهذا فلم أحفظه) منه (حتى لقيت) عبد الملك (ابن جريج [فأثبته لي) كما سمعته من عطاء. [1788] ([حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، عن قيس بن سعد، عن عطاء بن أبي رباح] (¬3) وعن جابر: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لأربع) أي: أربع (ليالٍ خلون من ذي الحجة] (¬4)، فلما طافوا بالبيت وبالصفا والمروة قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: اجعلوها) يعني: الحجة التي أحرمتم بها افسخوها إلى (عمرة إلا من كان معه هدي) (¬5) فإنه لا يحل حتى ينحر هديه في محله وهو البيت العتيق. (فلما كان يوم التروية) وهو اليوم الذي قبل عرفة كما تقدم (أهلوا) من مكة (بالحج) أي: أحرموا به (فلما كان يوم النحر قدموا) [نسخة: فأتوا] (¬6) من منًى (فطافوا بالبيت ولم يطوفوا) أي: لم يسعوا (بين الصفا والمروة) قد يستدل به على أن من سعى بعد طواف القدوم وقع عن الركن الواجب. ¬

_ (¬1) انظر "عون المعبود" 5/ 246، و"المغني" 5/ 252 - 253 بمعناه. (¬2) سقط من (م). (¬3) من مطبوع "السنن". (¬4) سقط من (م). (¬5) زاد في (ر): نسخة: الهدي. (¬6) سقط من (م).

ويكره إعادة (¬1) السعي بعد طواف الإفاضة؛ لأن السعي ليس من العبادات المستقلة التي يشرع (¬2) تكررها والإكثار منها، فهو كالوقوف بعرفة يقتصر (¬3) فيه على الركن، فهو بخلاف الطواف؛ لأنه مشروع في غير الحج والعمرة، قال الشيخ أبو محمد الجويني وولده إمام الحرمين وغيرهما: يكره إعادته؛ لأنه بدعة، وقال صاحب "الهداية" من الحنفية: التنفل بالسعي غير مشروع؛ لأنه لم يشرع إلا مرة واحدة (¬4). وكذا قال الباجي من المالكية أنه لا يتطوع به، وفي "التلخيص" للحنابلة: إذا سعى عقب طواف القدوم لم يستحب له إعادته عقب طواف الزيارة (¬5). [1789] ([حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عبد الوهاب الثقفي، حدثنا حبيب - يعني: المعلم - عن عطاء] (¬6) عن جابر - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل هو وأصحابه بالحج) مفردًا (وليس مع أحد] (¬7) منهم يومئذ (¬8) هدي إلا النبي - صلى الله عليه وسلم - وطلحة) هكذا رواية (¬9) البخاري، لكن ورد أن أبا بكر وعمر ¬

_ (¬1) زاد في (م): إعادة. (¬2) في (ر): يسوغ. (¬3) في (م): يقتضي. (¬4) "الهداية شرح البداية" 1/ 142. (¬5) انظر "المبدع شرح المقنع" 3/ 147. (¬6) من مطبوع "السنن". (¬7) في (م): واحد. (¬8) من (م). (¬9) في (م): رواه.

كان معهما أيضًا هدي (وكان علي - رضي الله عنه - قدم من اليمن ومعه الهدي) [اشتراه لأنه من السعاية على الصدقة] (¬1) من البدن وهي سبع وثلاثون بدنة. (فقال: أهللت بما أهل به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فيه دليل على صحة الإحرام بما أحرم به الغير، فإذا أحرم زيد بما أحرم به عمرو وكان عمرو محرمًا، ويمكن معرفة ما أحرم به فينعقد لزيد مثل إحرامه عند الشافعية (¬2) والحنابلة إن كان حجًّا فحج، وإن كان عمرة فعمرة، وإن كان قرانًا فقران، وإن كان مطلقًا فمطلق (¬3). ويتخير في صرفه إلى ما شاء كما يتخير عمرو، ولا يلزمه أن يصرف إلى ما (¬4) يصرف إليه عمرو على الأصح عند الشافعية، وإن كان إحرام عمرو فاسدًا فالأصح ينعقد إحرام عمرو مطلقًا كما قاله النووي (¬5)، وإن تعذر الوقوف على ما أحرم به عمرو بموتٍ أو غيره فيجعل زيد نفسه قارنًا ويأتي بأعمال النسكين على الأصح عند الشافعية. (وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أصحابه أن يجعلوها عمرة) ثم فسر العمرة بأن (يطوفوا) بالبيت (ثم يقصروا) بضم الياء وتشديد الصاد، يعني: من الشعر، يقال: قصر من شعره إذا جز من طوله، وهو دليل على جواز التقصير، وإن كان الحلق أفضل (ويحلوا) بفتح الياء؛ لأنه يقال (¬6) في ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "المجموع" 7/ 230. (¬3) "المغني" 5/ 97 - 98. (¬4) زاد في (م): لا. (¬5) "المجموع" 7/ 230. (¬6) سقط من (م).

ماضيه: حل وأحل يعني من إحرامهم، وقد يؤخذ منه أن التقصير نسك (¬1)، وهو الصحيح. (إلا من كان معه الهدي، فقالوا: أننطلق إلى منًى وذكورنا تقطر؟ ) جمع ذكر ويجمع على مذاكير على غير قياس، وهو رواية مسلم: نأتي عرفة وتقطر مذاكيرنا المني؟ وهو إشارة إلى قرب العهد بوطء النساء، وفيه جواز استعمال الكلام في المبالغة. (فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت) أي: ما سقت الهدي معي (ولولا أن معي الهدي لأحللت) هذا يدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن ما أحرم به متحتمًا متعينًا عليه، وأنه كان مخيرًا بين أنواع الإحرام فأحرم بأحدها، ثم إنه لما قلد الهدي لم يمكنه أن يتحلل حتى ينحر يوم النحر، فمعنى الكلام لو ظهر قبل الإحرام ما ظهر لي (¬2) عند دخول مكة من توقف الناس عن التحلل بالعمرة لأحرمت بعمرة ولما سقت الهدي. [1790] ([حدثنا عثمان بن أبي شيبة، أن محمد بن جعفر حدثهم، عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهد] (¬3) عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: هذِه عمرة استمتعنا بها) قال الخطابي: يحتج به من ذهب إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان متمتعًا، وتأوله من ذهب إلى خلافه كأنه أراد به من تمتع من أصحابه فقد كان منهم المتمتع والقارن والمفرد، وهذا كما ¬

_ (¬1) في (ر): بنسك. (¬2) سقط من (م). (¬3) من مطبوع "السنن".

يقول الرجل الرئيس في قومه: فعلنا كذا، وصنعنا (¬1) كذا وهو لم يباشر بنفسه فعل شيء من ذلك، وإنما هو حكاية من فعل الصحابة نسبه إلى نفسه على معنى أنه صدر منهم برأيه (¬2). وقد يؤخذ من هذا [أن من] (¬3) حلف أن لا يفعل شيئًا فوكل غيره ففعله (¬4) أنه يحنث. (فمن لم يكن معه) [رواية: عنده] (¬5) (هدي فليحل الحل كله) أي: الحل الذي يجوز له فيه كل محظورات الإحرام حتى الوطء. (وقد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة.) قيل: معناه سقط فعلها بالدخول في الحج [وهو على قول من لا يرى العمرة واجبة، وأما من يرى أنها واجبة، قال النووي: قال أصحابنا وغيرهم: فيه تفسيران أحدهما معناه: و] (¬6) دخلت أفعال العمرة في أفعال الحج إذا جمع بينهما بالقران. والثاني معناه: لا بأس بالعمرة في أشهر الحج (¬7). قال الترمذي: هكذا قاله الشافعي وأحمد وإسحاق، ومعنى هذا الحديث أن أهل الجاهلية كانوا لا يعتمرون في أشهر الحج، فلما جاء الإسلام رخص النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، [وقال: "دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة" ¬

_ (¬1) في (ر): وضعنا. (¬2) "مختصر سنن أبي داود" المطبوع معه "معالم السنن" 2/ 314 - 315. (¬3) في (م): أنه. (¬4) من (م). (¬5) سقط من (م). (¬6) من (م). (¬7) "المجموع" 7/ 8.

يعني: لا بأس بالعمرة في أشهر الحج (¬1). انتهى] (¬2). [1792] (حدثنا (¬3) الحسن بن شوكر) بفتح المعجمة وإسكان الواو، ([وأحمد بن منيع قالا: حدثنا هشيم، عن يزيد بن أبي زياد - قال ابن منيع: أخبرنا يزيد بن أبي زياد المعنى - عن مجاهد] (¬4) عن (¬5) ابن عباس قال: أهل النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحج، فلما قدم طاف بالبيت و) سعى (بين الصفا والمروة. قال) (¬6) الحسن (ابن شوكر: ولم يقصر) من شعره ليتحلل، (ثم اتفقا) يعني ابن شوكر وابن منيع على أن [ابن عباس] (¬7) قال: (ولم يحل من أجل الهدي) الذي كان معه (وأمر من لم يكن (¬8) ساق الهدي أن يطوف وأن يسعى ويقصر (¬9) ثم) بعد هذِه الأفعال التي للتحلل (يحل) من حجه. (قال) (¬10) أحمد (ابن منيع في حديثه: أو يحلق) مكان يقصر، وكلاهما مباحان (ثم يحل) من إحرامه. [1793] ([حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا عبد الله بن وهب، أخبرني ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" 3/ 271 - 272. (¬2) من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) من مطبوع "السنن". (¬5) سقط من (م). (¬6) سقط من (م). (¬7) في (ر): العباس. (¬8) زاد في (ر): معه. (¬9) زاد في (ر): نسخة: أو يقصر. (¬10) في "السنن": زاد.

حيوة، أخبرني أبو عيسى الخراساني، عن عبد الله بن القاسم] (¬1) عن سعيد بن المسيب: أن رجلًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فشهد عنده) أي: ذكر له ذلك وإن لم يتلفظ بلفظ أشهد (أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) يقول (في مرضه الذي قبض فيه ينهى عن العمرة قبل الحج) قيل: سبب النهي تشجع (¬2) الناس [على زيارة] (¬3) البيت مرتين أو أكثر في العام حتى تكثر عمارته بكثرة الزوار له في غير الموسم ليدخل الرفق على أهل الحرم بدخول الناس تحقيقًا لدعوة إبراهيم {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} (¬4)، وقيل: نهى عنها لئلا يميل الناس إلى التمتع ليساره وخفته فخشي أن يضيع الإفراد وهو أفضل عند قوم، والقران وهو أفضل عند قوم، وهذا مشاهد في هذا الزمان أن قل من تفرد أو يقرن، بل الأكثر التمتع، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت"، ويحتمل أن يكون النهي [عن العمرة] (¬5) ترغيبًا لتقديم الحج [لأنه أعظم الأمرين وأهمها كما قدم الله اسم الحج فقال: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ} (¬6). ويحتمل أن يكون النهي عن العمرة قبل الحج] (¬7) إذا اتصل به بل ¬

_ (¬1) من مطبوع "السنن". (¬2) في (م): ليشجع. (¬3) زيادة بها يستقيم السياق. (¬4) إبراهيم: 37. (¬5) من (م). (¬6) البقرة: 196. (¬7) سقط من (م).

يفصل بينهما ليكون أتم للحج والعمرة، ويحتمل أن يكون النهي عن فسخ الحج إلى العمرة قبل الحج؛ فإنه إنما أمر به لسبب وقد زال ذلك لما أكمل الله الدين، وأما التمتع بالعمرة إلى الحج فلا. وهذا كله إنما يحتاج إليه إذا سلم الإسناد من المقال فيه، وقد اختلفوا في سماع سعيد بن المسيب من عمر، لكن لم يرو هذا عن عمر، بل الظاهر أنه عن صحابي والصحابة كلهم عدول. [1794] (عن أبي شيخ) بفتح الشين المعجمة وإسكان المثناة تحت ثم خاء معجمة، هذِه كنيته، واسمه (¬1) (حيوان) [بالحاء المهملة، وللدارقطني بالخاء المعجمة والياء ساكنة فيهما، والأكثرون بالمعجمة] (¬2) (الهنائي) بضم الهاء [وتخفيف النون] (¬3) ([ممن قرأ على أبي موسى الأشعري من أهل البصرة] أن معاوية بن أبي سفيان قال لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل تعلمون أن رسول الله نهى عن كذا وكذا وعن ركوب جلود النمور؟ قالوا: نعم) وسيأتي في كتاب اللباس: "ونهى عن التهيؤ وركوب النمور" وقد يكون النهي عنه لما فيه من الزينة والخيلاء وزي الأعاجم لا سيما في هذا الزمان؛ فإنه من شعار الظلمة، ويختص (¬4) جلد النمر بهذا أن من خيلة النمر العجب بنفسه والكبر في حياته، فكأن جلده بعد موته يكون أصلًا لتكبر راكبه ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): بفتح الخاء. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): تخصص.

وعجبه، وقد يكون النهي لمباشرة نجاسة شعره وما يعلق براكبه مما يتناثر منه. قال ابن الصلاح في "الفتاوى": جلد النمر نجس كله سواء كان مذكًى أم لا، وأما بعد الدباغ فنفس الجلد طاهر وشعره نجس تمنع طهارته ولغلبة استعماله، ورد الحديث بالنهي عنه مطلقًا (¬1). وفيه حديث آخر سيأتي في اللباس إن شاء الله تعالى. (قال: فتعلمون أنه نهى أن يقرن) [مبني للمجهول] (¬2) (بين الحج والعمرة؟ فقالوا: أما هذا فلا) نعلمه. فيه أن الحاكم إذا حضر عنده شهود في قضية فشهد بعضهم ولم يشهد غيره أن ترك شهادته لا يقدح في شهادة الشاهد (فقال: أما إنها معهن ولكن نسيتم) ومما يدل على النهي عن القران ما رواه البيهقي عن معاوية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يقرن بين الحج والعمرة، قال النووي: إسناده جيد (¬3). ويشبه أن يكون النهي نهي تنزيه أو إرشاد لما في القران من النقص المجبور بدم. وحكى ابن المنذر أن ابن (¬4) داود لما دخل مكة سئل عن القارن: هل يجب عليه دم؟ فقال: لا. فجروه برجله، وهذا لشهرة وجوب الدم عندهم وجبرًا لما في القران من النقص بسبب إحرامه قبل الميقات في أحد النسكين، وأن يكون النهي لأن القارن أقل أفعالًا للطاعة فإنه يكتفي ¬

_ (¬1) "فتاوى ابن الصلاح" 2/ 474. (¬2) سقط من (م). (¬3) "المجموع" 7/ 157، ولكنه قال: إسناد حسن. (¬4) في (م): أبا.

بطواف واحد وسعي واحد خلافًا لأبي حنيفة (¬1). قال الخطابي: وفيه وجه آخر أنه روي عن عمر: افصلوا بين الحج والعمرة فإنه أتم لحجكم وعمرتكم (¬2). أي: كما يفصل بين الصلاتين بانتقال من مجلسه أو بكلام آخر. ¬

_ (¬1) "المبسوط" 4/ 32. (¬2) "مختصر سنن أبي داود" المطبوع معه "معالم السنن" 2/ 318.

25 - باب في الإقران

25 - باب في الإِقْرانِ 1795 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنا يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحاقَ وَعَبْدُ العَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ وَحُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أنَّهُمْ سَمِعُوهُ يَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُلَبّي بِالحَجِّ والعُمْرَةِ جَمِيعًا يَقُولُ: "لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجّا لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجّا" (¬1). 1796 - حَدَّثَنا أَبُو سَلَمَةَ مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنا أيُّوبُ، عَنْ أَبي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - باتَ بِها - يَعْني: بِذي الحُلَيْفَةِ - حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى البَيْداءِ حَمِدَ اللهَ وَسَبَّحَ وَكَبَّرَ ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَأَهَلَّ النّاسُ بِهِما، فَلَمّا قَدِمْنا أَمَرَ النّاسَ فَحَلُّوا حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهَلُّوا بِالحَجِّ وَنَحَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَبْعَ بَدَناتٍ بِيَدِهِ قِيامًا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: الذي تَفَرَّدَ بِهِ - يَعْني: أَنَسًا - مِنْ هذا الحَدِيثِ أَنَّهُ بَدَأَ بِالحَمْدِ والتَّسْبِيحِ والتَّكْبِيرِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالحَجِّ (¬2). 1797 - حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنا حَجّاجٌ، حَدَّثَنا يُونُسُ، عَنْ أَبِي إِسْحاقَ، عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَلي حِينَ أَمَّرَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى اليَمَنِ قَالَ: فَأَصَبْتُ مَعَهُ أَواقي فَلَمّا قَدِمَ عَلي مِنَ اليَمَنِ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَجَدَ فاطِمَةَ رضي الله عنها قَدْ لَبِسَتْ ثِيابًا صَبِيغًا وَقَدْ نَضَحَتِ البَيْتَ بِنَضُوحٍ فَقَالَتْ: ما لَكَ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أَمَرَ أَصْحابَهُ فَأَحَلُّوا! قَالَ: قُلْتُ لَها: إِنِّي أَهْلَلْتُ بِإِهْلالِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لِي: "كَيْفَ صَنَعْتَ؟ ". فَقَالَ: قُلْتُ: أَهْلَلْتُ بِإِهْلالِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ: "فَإنِّي قَدْ سُقْتُ الهَدي وَقَرَنْتُ". قَالَ: فَقَالَ لِي: "انْحَرْ مِنَ البُدْنِ سَبْعًا وَسِتِّينَ أَوْ سِتّا وَسِتِّينَ وَأَمْسِكْ لِنَفْسِكَ ثَلاثًا ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1251). (¬2) رواه البخاري (1551).

وَثَلاثِينَ أَوْ أَرْبَعًا وَثَلاثِينَ وَأَمْسِكْ لي مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ مِنْها بَضْعَةً" (¬1). 1798 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الحَمِيدِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وائِلٍ قَالَ: قَالَ الصُّبَى بْنُ مَعْبَدٍ أَهْلَلْتُ بِهِما مَعًا. فَقَالَ عُمَرُ هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ - صلى الله عليه وسلم - (¬2) 1799 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ قُدامَةَ بْنِ أَعْيَنَ وَعُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قالا: حَدَّثَنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الحَمِيدِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وائِلٍ قَالَ: قَالَ الصُّبَى بْنُ مَعْبَدٍ كُنْتُ رَجُلًا أَعْرابِيًّا نَصْرانِيّا فَأَسْلَمْتُ فَأَتَيْتُ رَجُلًا مِنْ عَشِيرَتِي يُقالُ لَهُ: هُذَيْمُ بْنُ ثُرْمُلَةَ، فَقُلْتُ لَهُ: يا هَناهُ إِنّي حَرِيصٌ عَلَى الجِهادِ وَإِنّي وَجَدْتُ الحَجَّ والعُمْرَةَ مَكْتُوبَيْنِ عَلي فَكَيْفَ لي بِأَنْ أَجْمَعَهُما قَالَ: اجْمَعْهُما واذْبَحْ ما اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدي. فَأَهْلَلْتُ بِهِما مَعًا فَلَمّا أَتَيْتُ العُذَيْبَ لَقِيَني سَلْمانُ بْنُ رَبِيعَةَ وَزَيْدُ بْنُ صُوحانَ وَأَنا أهِلُّ بِهِما جَمِيعًا فَقَالَ أَحَدُهُما لِلآخَرِ: ما هذا بِأَفْقَهَ مِنْ بَعِيرِهِ. قَالَ: فَكَأَنَّما أُلْقي عَلي جَبَلٌ حَتَّى أَتَيْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ فَقُلْتُ لَهُ: يا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ إِنّي كُنْتُ رَجُلًا أَعْرابِيّا نَصْرانِيّا وَإِنِّي أَسْلَمْتُ وَأَنا حَرِيصٌ عَلَى الجِهادِ وَإِنّي وَجَدْتُ الحَجَّ والعُمْرَةَ مَكْتُوبَيْنِ عَلي فَأَتَيْتُ رَجُلًا مِنْ قَوْمي فَقَالَ لَي: اجْمَعْهُما واذْبَحْ ما اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدي وَإِنِّي أَهْلَلْتُ بِهِما مَعًا. فَقَالَ لي عُمَرُ - رضي الله عنه -: هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ - صلى الله عليه وسلم - (¬3). ¬

_ (¬1) رواه النسائي 5/ 148، 157. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1577). ورواه البخاري (4349) بلفظ: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع خالد بن الوليد إلى اليمن، قال: ثم بعث عليا بعد ذلك مكانه، فقال: "مر أصحاب خالد من شاء منهم أن يعقب معك فليعقب، ومن شاء فليقبل". فكنت فيمن عقب معه، قال: فغنمت أواق ذوات عدد. (¬2) رواه النسائي 5/ 146، 147، وابن ماجه (2970)، وأحمد 1/ 14، 25، 34، 37، 53، وابن خزيمة (3069)، وابن حبان (3910، 3911). وانظر ما بعده. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1578). (¬3) انظر السابق.

1800 - حَدَّثَنا النُّفَيْليُّ، حَدَّثَنا مِسْكِينٌ، عَنِ الأَوْزاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابن عَبَّاسٍ يَقُولُ: حَدَّثَني عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "أَتاني اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ عِنْدِ رَبّي - عز وجل -". قَالَ وَهُوَ بِالعَقِيقِ: "وقَالَ صَلِّ في هذا الوادي المُبارَكِ وقَالَ عُمْرَةٌ في حَجَّةٍ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الواحِدِ في هذا الحَدِيثِ عَنِ الأَوْزاعيِّ: "وَقُلْ عُمْرَةٌ في حَجَّةٍ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذا رَوَاهُ عَلي بْنُ المُبارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ في هذا الحَدِيثِ وقَالَ: "وَقُلْ عُمْرَةٌ في حَجَّةٍ" (¬1). 1801 - حَدَّثَنا هَنّادُ بْن السَّريِّ، حَدَّثَنا ابن أَبِي زائِدَةَ، أَخْبَرَنا عَبْدُ العَزِيزِ، حَدَّثَني الرَّبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى إِذَا كَانَ بِعُسْفانَ قَالَ لَهُ سُراقَةُ بْنُ مالِكٍ المُدْلِجي يا رَسُولَ اللهِ اقْضِ لَنا قَضاءَ قَوْمٍ كَأَنَّما وُلِدُوا اليَوْمَ. فَقَالَ: "إِنَّ اللهَ تَعالَى قَدْ أَدْخَلَ عَلَيْكُمْ في حَجِّكُمْ هذا عُمْرَةً فَإِذَا قَدِمْتُمْ فَمَنْ تَطَوَّفَ بِالبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفا والمَرْوَةِ فَقَدْ حَلَّ إلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدي" (¬2). 1802 - حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهّابِ بْنُ نَجْدَةَ، حَدَّثَنا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحاقَ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ ح، حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى - المَعْنَى - عَنِ ابن جُرَيْجٍ أَخْبَرَني الحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ طاوُسٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ مُعاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيانَ أَخْبَرَهُ قَالَ قَصَّرْتُ عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بِمِشْقَصٍ عَلَى المَرْوَةِ. أَوْ رَأَيْتُهُ يُقَصَّرُ عَنْهُ عَلَى المَرْوَةِ بِمِشْقَصٍ. قَالَ ابن خَلَّادٍ إِنَّ مُعاوِيَةَ لَمْ يَذْكُرْ أَخْبَرَهُ (¬3). 1803 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلي وَمَخْلَدُ بْنُ خالِدٍ وَمُحَمَّدُ بْن يَحْيَى - المَعْنَى - ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1534، 2337، 7343). (¬2) رواه أحمد 3/ 404، والدارمي (1899). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1580). (¬3) رواه البخاري (1730)، ومسلم (1246). وانظر ما بعده.

قَالُوا: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ ابن طاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ مُعاوِيَةَ قَالَ لَهُ أَما عَلِمْتَ أَنّي قَصَّرْتُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمِشْقَصِ أَعْرابي عَلَى المَرْوَةِ - زادَ الحَسَنُ في حَدِيثِهِ - لَحِجَّتِهِ (¬1). 1804 - حَدَّثَنا ابن مُعاذٍ، أَخْبَرَنا أبي، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ مُسْلِمٍ القُرّي سَمِعَ ابن عَبّاسٍ يَقُولُ أَهَلَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بِعُمْرَةٍ وَأَهَلَّ أَصْحابُهُ بِحَجٍّ (¬2). 1805 - حَدَّثَنا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَني أَبي، عَنْ جَدّي، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ سالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أن عَبْدَ الله بْنِ عُمَرَ قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في حَجَّةِ الوَدَاعِ بالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ فَأَهْدى وَساقَ مَعَهُ الهَدي مِنْ ذي الحُلَيْفَةِ وَبَدَأَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَهَلَّ بِالعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالحَجِّ وَتَمَتَّعَ النّاسُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ فَكَانَ مِنَ النّاسِ مَنْ أَهْدى وَساقَ الهَدي وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ قَالَ لِلنّاسِ: "مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدى فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ لَهُ مِنْ شَيء حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضي حَجَّهُ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدى فَلْيَطُفْ بِالبَيْتِ وَبِالصَّفا والمَرْوَةِ وَلْيُقَصِّرْ وَلْيَحْلِلْ ثُمَّ لْيُهِلَّ بِالحَجِّ وَلْيُهْدِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلاثَةَ أيّامٍ في الحَجِّ وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ". وَطافَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ فاسْتَلَمَ الرُّكْنَ أَوَّلَ شَيء، ثُمَّ خَبَّ ثَلاثَةَ أَطْوافٍ مِنَ السَّبْعِ وَمَشَى أَرْبَعَةَ أَطْوافٍ ثُمَّ رَكَعَ حِينَ قَضَى طَوافَهُ بِالبَيْتِ عِنْدَ المَقامِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فانْصَرَفَ فَأَتَى الصَّفا فَطافَ بِالصَّفا والمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَطْوافٍ ثُمَّ لَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيء حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَفاضَ فَطافَ بِالبَيْتِ ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيء حَرُمَ مِنْهُ وَفَعَلَ النّاسُ مِثْلَ ما فَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَنْ أَهْدى وَساقَ الهَدي مِنَ النّاسِ (¬3). 1806 - حَدَّثَنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ حَفْصَةَ ¬

_ (¬1) انظر السابق. (¬2) رواه مسلم (1239). (¬3) رواه البخاري (1691)، ومسلم (1227، 1228).

زَوْجِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أَنَّها قَالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ ما شَأْنُ النّاسِ قَدْ حَلُّوا وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ فَقَالَ: "إِنّي لَبَّدْتُ رَأْسي وَقَلَّدْتُ هَدْيي فَلا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ الهَدي" (¬1). * * * باب في الإقران المشهور فيه القران بغير ألف قبل القاف، وهو أن يجمع بين الحج والعمرة في الإحرام، ويقال منه: قرن، ولا يقال: أقرن. [1795] ([حدثنا أحمد بن حنبل، قال: حدثنا هشيم، أخبرنا يحيى بن أبي إسحاق، وعبد العزيز بن صهيب، وحميد الطويل] (¬2) عن أنس بن مالك: أنهم سمعوه يقول: سمعت رسول الله يلبي بالحج والعمرة جميعًا) تقدم أن الصحيح أن إحرامه - صلى الله عليه وسلم - كان مفردًا بالحج أولًا، ثم أدخل عليه العمرة، فسماع أنس أنه كان يلبي بالحج والعمرة إخبار عن حالته الثانية لا عن ابتداء إحرامه، بل أخبر عن حاله حين أمر أصحابه بالتحلل عن حجتهم وقلبه إلى عمرة لمخالفة الجاهلية إلا من كان معه هدي، وأوله بعض أصحابنا على أن أنسًا سمعه يأمر من يلبي بالحج والعمرة كما قالوا في الحديث: رجم (¬3) ماعز، أي: أمر برجمه، وسبب هذا التأويل أن الإفراد روايته أكثر وأصح. (يقول: لبيك عمرة وحجًّا) أي: بعمرة وحج كما في رواية، فلما حذف حرف الجر انتصب (لبيك عمرة وحجًّا) فيه دليل على تكرار ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1566، 1697، 1725، 4398، 5916)، ومسلم (1229). (¬2) من مطبوع "السنن". (¬3) في (م): رحم الله.

التلبية والإكثار منها في كل حال؛ فإنها كما قال ابن عباس: زينة الحج (¬1). قال الشيخ أبو محمد: لكنه يسر بالتلبية عقب الإحرام ولا يجهر، بل يسمع نفسه فقط، بخلاف ما بعدها فإنه يجهر بها، وفيه دليل على استحباب ذكر ما أحرم به، وفيه دلالة لما نص عليه أحمد في مواضع أنه إذا لبى بالحج والعمرة بدأ بالعمرة (¬2). وأما حديث جابر - رضي الله عنه - قال: ما سمى النبي - صلى الله عليه وسلم - في تلبيته حجًّا ولا عمرة، فرواه الشافعي عن إبراهيم بن محمد (¬3) وهو ضعيف عند غير الشافعي من أئمة السلف رحمهم الله تعالى. [1796] ([حدثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل، حدثنا وهيب، حدثنا أيوب، عن أبي قلابة] (¬4) عن أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بات بها - يعني: بذي الحليفة - حتى أصبح) فيه [دليل على] (¬5) استحباب المبيت بميقات بلده, (ثم ركب حتى إذا استوت به قائمة على البيداء) بالنصب على حذف حرف الجر (حمد الله وسبح وكبر) فيه دليل على [استحباب تقديم حمد الله تعالى وشكره على هذِه النعمة والتسبيح، والتكبير قبل التلبية شكرًا لله تعالى] (¬6)؛ لحديث: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجزم" أي: مقطوع البركة. ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 217، وابن أبي شيبة 3/ 195 (13384). (¬2) "المغني" 5/ 104. (¬3) "مسند الشافعي" ص 122 (¬4) من مطبوع "السنن". (¬5) من (م). (¬6) في (ر): استحبابه.

(ثم أهل بحج وعمرة) فيه جواز البداءة بالحج على العمرة وهو الموافق لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ} (¬1) (ثم أهل الناس بهما بعده) (¬2) تأسيًا به - صلى الله عليه وسلم -، وهكذا ينبغي أن يلبي أكبر القوم ويتبعه من دونه. (فلما قدموا) (¬3) مكة وطافوا وسعوا وقصروا (أمر الناس فحلوا) أي: أمر من فسخ الحج إلى العمرة ممن كان معه أن يحل من عمرته (حتى إذا كان يوم) بالرفع (¬4) (التروية) وهو اليوم الذي قبل عرفة كما تقدم (أهلوا بالحج) أي: أحرموا به (ونحر رسول الله) من الهدي الذي كان معه كما تقدم (سبع بدنات بيده) الكريمة كما تقدم الكلام عليه (قيامًا) (¬5) فيه دليل على نحر الإبل قائمة معقولة كما تقدم. [1797] ([حدثنا يحيى بن معين، قال: حدثنا حجاج، حدثنا يونس، عن أبي إسحاق] (¬6) عن البراء بن عازب) رضي الله عنهما؛ لأن عازبًا كان صحابيًّا أيضًا (قال: كنت مع علي - رضي الله عنه - حين أمَّره) بتشديد الميم (رسول الله على أهل اليمن) وهو صبي، فشكا إليه أنه شاب و (¬7) لا يدري ما القضاء [فضرب صدره ثم قال: "اللهم اهد قلبه وثبت لسانه" قال: فوالذي فلق الحبة ما شككت في القضاء بين اثنين] (¬8). (قال: فأصبت معه أواقٍ) ¬

_ (¬1) البقرة: 196. (¬2) من (م). (¬3) في (م): قدمنا. (¬4) سقط من (م). (¬5) في (م): قائمًا. (¬6) من مطبوع "السنن". (¬7) من (م). (¬8) سقط من (م). والحديث رواه الحاكم 3/ 153.

بفتح الهمزة جمع أوقية، أصله: أواقيَّ بتشديد الياء فخفف، [وفي بعضها: أواقي بإثبات الياء (قال: ] (¬1) فلما قدم علي - رضي الله عنه - من اليمن على رسول الله وجد) (¬2). (فاطمة وقد لبست ثيابًا صبيغًا) فعيل صبيغات جمع (¬3) بمعنى مفعول أي: مصبوغة غير بيض (وقد نضحت) بفتح النون، والضاد المعجمة، والحاء المهملة (البيت) في غيبته حين (¬4) سمعت بحضوره (بنضوح) بفتح النون وضم الضاد المعجمة وبعد الواو حاء مهملة، وهي في الحج محرمة، والنضوح ضرب من الطيب، فغضب لما شم رائحة الطيب وهو قد أحرم, (فقالت لي (¬5): ما لك) تنكر عليّ ثيابي المصبوغة (فإن رسول الله قد أمر أصحابه فأحلوا؟ ! ) وفي رواية مسلم: فوجد فاطمة ممن حلت ولبست ثيابًا صبيغًا واكتحلت، فأنكر ذلك عليها، قالت: إن (¬6) أبي أمرني بهذا. (قال: فأتيت النبي) محرشًا على فاطمة الذي صنعت، ومستفتيًا رسول الله. فيه المبادرة إلى العالم وسؤاله عما يحدث له؛ لقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} (¬7) (فقال لي (¬8) رسول الله: كيف ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) زاد في (ر): نسخة: وجدت، ولابن داسه: فأدرك زوجته. (¬3) من (م). (¬4) في (م): حتى. (¬5) سقط من (م). (¬6) من (م). (¬7) النحل: 43. (¬8) سقط من (م).

صنعت؟ ) وفي رواية مسلم: "ماذا قلت حين فرضت الحج؟ " (قال: قلت: أهللت بإهلال رسول الله) رواية مسلم في حديث جابر الطويل: قال: قلت: اللهم إني أهل بما أهل به رسول الله. قال: "هل سقت من هدي؟ " قلت: لا. وفي الحديث دليل على صحة الإحرام معلقًا كما تقدم. (قال) رسول الله (فإني قد سقت الهدي) إلى البيت معي (وقرنت) فيه دليل على صحة القران وجوازه [من غير كراهة] (¬1) خلافًا لبعضهم فلا يحل من إحرامك قال: فكان جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن والذي أتى به رسول الله مائة هدي (¬2)، هكذا في مسلم. (قال) علي (فقال لي رسول الله: انحر من البدن سبعًا وستين) بدنة (أو ستًّا وستين) شك من الراوي هكذا هنا، والصحيح ما جاء في "صحيح مسلم" قال النووي والقرطبي [ونقله القاضي] (¬3) عن جميع الرواة ولفظه: ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثًا وستين بيده ثم أعطى عليًّا فنحر ما غبر وأشركه في هديه سواء رواية ابن ماهان فإنه رواه بدنة مكان بيده. وكل صواب حري فنحر ثلاثًا وستين بدنة بيده، قيل: إنما نحر النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثًا وستين؛ لأنها هي التي أتى بها من المدينة كما ذكره الترمذي، وقيل: إنما خص النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك العدد لأنها منتهى عمره على الأصح في ذلك، فكأنه أهدى عن كل سنة من عمره بدنة (¬4) وفيه دليل على أن الأفضل من يهدي أو يضحي أن يتولى ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) و (¬3) سقط من (م). (¬4) انظر "المفهم" 3/ 341، و"شرح النووي" 8/ 191 - 192.

ذلك بيده وإعطاؤه ما بقي لعلي لينحرها دليل على صحة النيابة في ذلك الذبح لا في النية كما في تفرقة الزكاة، نعم إن وكل في الذبح والنية جاز إن كان الوكيل مسلمًا، غير أنه روي [في غير] (¬1) أبي داود ما يدل على أنه أعطاها ليهديها عن نفسه، وعلى هذا فلا يكونن (¬2) فيه حجة على الاستنابة. (وأمسك) بفتح الهمزة (لنفسك ثلاثًا وثلاثين أو أربعًا وثلاثين) تكميل المائة على الشك في الرواية, (وأمسك لي من كل بدنة منها بضعة) بفتح الباء لا غير وهي القطعة من اللحم، ويوضحه رواية مسلم: ثم أمر من كل بدنة ببضعة، فجعلت في قدر وطبخت، فأكل هو وعلي من لحمها وشربا من مرقها (¬3). وفي غير مسلم: فنحر خمس بدنات أو ست بدنات، وقال: "من شاء فليقتطع" (¬4) ولم يأكل منهن شيئًا. وفيه دليل على أنه يتصدق من الهدي والأضحية بالأكثر، ولا يختص بالثلث، قال العلماء: لما كان الأكل من الهدي بالكتاب والأكل من الأضحية بالسنة (¬5) وفي الأكل من كل واحدة من المائة كلفة جعلت في قدر ليكون آكلًا من مرق الجميع الذي فيه جزء من كل واحدة، ويأكل من اللحم المجتمع في المرق ما تيسر منهما وإن لم يأكلا من لحم كل بضعة فقد شربا من ¬

_ (¬1) في (م): لي عن. (¬2) في (م): يكون. (¬3) "صحيح مسلم" (8/ 12) (¬4) في (م): بل يقطع. (¬5) من (م).

مرقة كل وخصوصية عليّ - رضي الله عنه - في المؤاكلة دليل على أنه أشركه في الهدي، وفيه دليل على أن من حلف لا يأكل لحمًا فشرب من مرقه أنه يحنث ولو حلف أن لا يأكل زيتونا فشرب من زيته حنث، وفيه دليل على جواز أكل الهدي من القران. [1799] ([حدثنا محمد بن قدامة بن أعين، وعثمان بن أبي شيبة المعنى، قالا: حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن منصور] (¬1) عن أبي وائل) شقيق (قال الصُّبَي) بضم الصاد تصغير صبي (بن معبد) بفتح الميم والباء الموحدة (كنت رجلا أعرابيًّا) أي: في البادية وهو موصوف بالجفاء والغلظة لبعده من معاشرة (¬2) الأكياس (نصرانيًّا [بفتح النون] (¬3) فأسلمت، فأتيت رجلًا من عشيرتي [أي قبيلتي] (¬4) يقال له: هديم) بضم الهاء، وفتح الدال مصغر (بن ثرملة) بضم الثاء المثلثة والميم، وهو في الأصل اسم لأنثى الثعالب, (فقلت له (¬5): هناه) بفتح الهاء الأولى، وتخفيف النون، [أي: يا فلان] (¬6) ولا تستعمل إلا في النداء خاصة، والهاء الأخيرة تصير تاء في الوصل، وهي بدلٌ (¬7) من الواو التي في هنوك لا هاء السكت، وقال أكثر البصريين: ¬

_ (¬1) من مطبوع "السنن". (¬2) في (م): مجاورة. (¬3) من (م). (¬4) من (م). (¬5) زاد في (م): يا. (¬6) سقط من (م). (¬7) في الأصل: بدلا. والجادة ما أثبتناه.

هي بدل من لام الكلمة في "هن" المشددة، وحكى ابن مالك في الهاء الأخيرة وجهين (¬1): الضم تشبيهًا بهاء الضمير والكسر على أصل التقاء الساكنين (¬2) (إني حريص على الجهاد) في سبيل الله (وإني وجدت الحج والعمرة مكتوبين عليَّ) أي: فرضان علي (فكيف لي أن أجمعهما) أي: أجمع الحج والعمرة في وقت واحد (فقال: اجمعهما) في إحرامك بهما والتلبية فيه دليل على صحة القران، وأن الأفضل فيه أن يجمع بين الحج والعمرة, (واذبح) بعد الفراغ من أعمالهما (ما استيسر من الهدي) وهو عند جمهور أهل العلم شاة، قال الحسن: أعلى الهدي بدنة وأوسطه بقرة وأخسه شاة. (فأهللت) أي: أحرمت (بهما) جميعًا (فلما أتيت العذيب) مصغر قال الجوهري: ماء لتميم (¬3). (لقيني سليمان بن ربيعة) الباهلي (وزيد بن صوحان) (¬4) بضم الصاد المهملة وتخفيف الخاء المعجمة، ابن حجر بن الحارث أبو سليمان العبدي الباهلي أخو صعصعة وسيحان (¬5) أسلم في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وله ترجمة حسنة (¬6) (وأنا أهل بهما) أي أرفع صوتي بالتلبية بهما، وفيه تكرار التلبية (¬7) بما أهل به راجلًا أو راكبًا. ¬

_ (¬1) في الأصل: وجهان. والجادة ما أثبتناه. (¬2) "همع الهوامع" 2/ 60. (¬3) انظر: "سير أعلام النبلاء" 3/ 525 - 528 (133). (¬4) "الصحاح" 1/ 178. (¬5) في (ر): ضرخان. وفي (م): صوخان. (¬6) في (م): سيخان. (¬7) في (م): التسمية.

(فقال أحدهما للآخر: ما هذا) الراكب على (¬1) البعير (بأفقه من بعيره) الذي تحته، نسبه إلى الجهل حين ساوى بينه وبين الدابة في عدم المعرفة (فكأنما ألقي علي جبل) لعله قال ذلك خوفًا على عبادته التي (¬2) هو فيها (¬3) من الفساد، وهذا من حرصهم على الدين لا على ما نسب إلى الجهل والتشبه (¬4) بالدابة وهذا من الحلم وترك المؤاخذة بما قيل فيه، فذهبت (حتى أتيت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -) لأستفتيه فيما أهللت به. (فقلت (¬5): يا أمير المؤمنين) هذا يدل على أن هذِه القضية كانت في خلافته. قال ابن عبد البر: حكيّ أن (¬6) عمر لما ولي الخلافة قال: كان أبو بكر يقال له: خليفة رسول الله [فكيف يقال لي: خليفة خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬7) يطول هذا فقال المغيرة بن شعبة: أنت أمير ونحن المؤمنون فأنت أمير المؤمنين (¬8). قال: فذلك إذًا (إني كنت رجلًا أعرابيًّا نصرانيًّا) فيه الاعتراف بنعمة الله عليه بإخراجه من ظلمة الكفر (¬9) إلى نور الإسلام. (وإني أسلمت وأنا حريص على الجهاد) وأفعال الخيرات أتقرب بها ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ر): الذي. (¬3) في (ر): منها. (¬4) في (ر): النسبة. (¬5) زاد في (م): له. (¬6) زاد في (ر): بن. (¬7) من (م)، وفيها: (يقال له خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)، والمثبت من مصادر التخريج. (¬8) "الاستيعاب" 3/ 239. (¬9) سقط من (م).

إلى الله (وإني وجدت الحج والعمرة مكتوبتين علي) لأني مستطيع للزاد والراحلة، وفيه أيضًا إظهار لنعمة الله تعالى عليه (¬1). (فأتيت رجلًا من قومي) فيه جواز سؤال المفضول مع وجود الفاضل (فقال لي: اجمعهما) أي: في إحرامك وتلبيتك (ثم اذبح ما استيسر من الهدي) فيه دليل على أنه يجب على القارن دم جبرًا لما فاته من الإحرام من الميقات (فأهللت بهما معًا) كما أمرني الرجل. (فقال عمر: هديت) أي: هداك الله (لسنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم -) فيه الدعاء لمن فعل فعلًا يستحسنه الشرع. [1800] (حدثنا النفيلي، حدثنا مسكين، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير] (¬2) عن عكرمة قال: سمعت) عبد الله (ابن عباس يقول: حدثني عمر بن الخطاب أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: أتاني الليلة آتٍ من عند ربي) الظاهر أنه جبريل (قال: وهو بالعقيق) أي: بوادي العقيق بفتح المهملة، وكسر القاف الأولى، وهو وادٍ يدفق ماؤه في غور تهامة، قيل: إنه قبل ذات عرق بمرحلة أو مرحلتين، قال الجوهري: العقيق وادٍ بظاهر (¬3) المدينة وكل ماء السيل مسيل شقه ماء السيل (¬4) عقيق (¬5). ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) من مطبوع "السنن". (¬3) في الأصل: بظهر. والمثبت من "الصحاح". (¬4) في (م): سيل يشبه ماء السيل. (¬5) "الصحاح" (عقق).

وفي بلاد المغرب (¬1) مواضع كثيرة كل منها يسمى بالعقيق، وعدها بعضهم عشرة، وقد تقدم في المواقيت أنه بقرب البقيع بينه وبين المدينة أربعة أميال ولم يسم العقيق. (وقال) الآتي (صل في هذا الوادي المبارك) وظاهر قوله (صل) أن هذِه الصلاة سنة الإحرام، قال الخطابي: يحتمل أن يكون (¬2) "في" بمعنى "مع" فيكون فيه تفضيل القران أو يزيده عمرة مدرجة أي: عمل العمرة مضمر في عمل الحج يجزئه لهما طواف واحد (¬3). وفيه تفضيل القران كما بوب عليه المصنف، وفيه فضل المدينة وما قاربها لكون النبي - صلى الله عليه وسلم - بها (وقل (¬4): عمرة في حجة). ([قال أبو داود: رواه الوليد بن مسلم وعمر بن عبد الواحد في هذا الحديث عن الأوزاعي، وقال: عمرة في حجة]) (¬5). قال الزركشي: الوجه الرفع، ويجوز النصب على حكاية اللفظ، أي: قل: جعلتها عمرة. [1801] ([حدثنا هناد بن السري، حدثنا ابن أبي زائدة، أخبرنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، حدثني] (¬6) الربيع بن سبرة (¬7)، عن أبيه) سبرة بن معبد (قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كنا بعسفان) ¬

_ (¬1) في (م): العرب. (¬2) في (م): يريد. (¬3) "عمدة القاري" 9/ 212. (¬4) في (م): قيل وفي رواية قال. (¬5) سقط من (م). (¬6) من مطبوع "السنن". (¬7) في (ر): سفرة.

قرية جامعة بها منبر، وهي بين مكة والمدينة على نحو مرحلتين من مكة، قال مالك في "الموطأ": بين مكة وعسفان أربع برد (¬1). وهو راجع إلى ما تقدم؛ لأن الأربعة برد ثمانية وأربعون ميلًا، وذلك مرحلتان، وفي "المطالع" (¬2) أن بينهما ستة وثلاثين ميلًا، وتبعه المنذري في حواشيه وليس كذلك، سميت بذلك لتعسف السيول عليها. (قال له سراقة بن مالك) بن جعشم (المدلجي: يا رسول الله اقض لنا قضاء قوم) أي: [اعلم لنا] (¬3) علم قوم (كأنما وفدا) بالفاء (اليوم) أي: وردوا الآن عليك. (فقال: إن الله قد أدخل عليكم في حجكم عمرة) أي: عمل عمرة من لم يكن معه هدي، وهذا هو فسخ الحج (فإذا قدمتم) إلى مكة (فمن تطوف بالبيت) سبعًا (و) سعى (بين الصفا والمروة) وقصر أو حلق (فقد حل) من إحرامه ليس بالطواف والسعي فقط (¬4) يحل من إحرامه، بل مع النية والحلق أو التقصير كالمعهود، (إلا من كان معه هدي) فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله. [1802] ([حدثنا عبد الوهاب بن نجدة، حدثنا شعيب بن إسحاق، عن ابن جريج، وحدثنا أبو بكر بن خلاد، حدثنا يحيى، المعنى، عن ابن جريج، أخبرني الحسن بن مسلم، عن طاوس] (¬5) عن ابن عباس، ¬

_ (¬1) "الموطأ" ص 138. (¬2) "مطالع الأنوار" بتحقيقنا 5/ 64. (¬3) في (م): أعلمنا. (¬4) من (م). (¬5) من مطبوع "السنن".

أن معاوية بن أبي سفيان أخبره قال: قصرت) بتشديد الصاد (من شعر النبي - صلى الله عليه وسلم - بمشقص) بكسر الميم وهو نصل طويل ليس بالعريض، وقال الجوهري: هو من النصال ما طال وعرض (¬1). وقيل: أراد بالمشقص الجلم [بفتح الجيم] (¬2) واللام وهو الذي (¬3) يجز به الصوف والشعر أي يقطع، قال ابن الأثير: وهو أشبه بالحديث، قال القرطبي: أحاديث هذا الباب تدل على أن التقصير والحلق نسك يثاب فاعله وهو قول الجمهور؛ لأنه لو كان استباحة محظور [لا يستوي] (¬4) فعله وتركه (¬5). قال النووي: في هذا الحديث جواز الاقتصار على التقصير وإن كان الحلق أفضل، وهذا الحديث محمول على أنه قصر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في عمرة الجعرانة لأنه (¬6) - صلى الله عليه وسلم - في حجته (¬7) كان قارنًا وثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - حلق بمنى وفرق أبو طلحة شعره على الناس، فلا يجوز حمل تقصير معاوية على حجة الوداع، ولا يصح أيضًا حمله على عمرة القضاء الواقعة سنة سبع من الهجرة؛ لأن معاوية لم يكن يومئذٍ مسلمًا، إنما أسلم يوم الفتح سنة ثمانٍ على الصحيح (¬8). ¬

_ (¬1) "الصحاح" (شقص). (¬2) من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): لاستواء. وفي "المفهم": لاستوى. (¬5) "المفهم" 3/ 403 - 404. (¬6) في (م): لأن النبي. (¬7) في (م): حجة الوداع. (¬8) "شرح النووي" 8/ 231.

(على المروة) فيه دليل على أنه يستحب أن يكون تقصير المعتمر أو حلقه عند المروة؛ لأنها موضع تحلله كما يستحب للحاج أن يكون حلقه وتقصيره في منى؛ لأنها موضع تحلله وحيث حلقا أو قصرا من الحرم جاز، وفيه دليل على جواز الاستنابة في التقصير, (أو رأيته (¬1) يقصر عنه) فيه دليل على أن الأفضل التقصير عنه بنفسه، وفيه أن العالم يظهر أفعال العبادة ليقتدى [به مطلقًا] (¬2) وينقل عنه. (على المروة) فيه أن التقصير في أعلى المروة (¬3) موضع الذكر والدعاء أفضل من أسفلها (بمشقص) (¬4) فيه أن التقصير بمقص أفضل من السكين ونحوها. [1803] ([حدثنا الحسن بن علي، ومخلد بن خالد، ومحمد بن يحيى المعنى قالوا: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر] (¬5) عن ابن طاوس، عن أبيه) طاوس بن كيسان, (عن ابن عباس: أن معاوية قال له: أما علمت أني قصرت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمشقص أعرابي) فيه دليل على استعارة ما يحتاج إليه في أداء النسك من مقص وموسى يحلق به أو يستحد عند الإحرام ودابة يركب عليها أو استئجاره ونحو ذلك. (على المروة) ولم يذكر ما فعل بالشعر، لكن (¬6) إطلاقه يقتضي جواز ¬

_ (¬1) في (م): نائبه. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (ر): الموضع. (¬4) في (م): بمقص. (¬5) من مطبوع "السنن". (¬6) في (م): و.

إلقائه على الأرض، لكن الأفضل أن يدفن في مكانٍ ظاهر كما يفعل بالأظفار. (زاد الحسن) بن علي (لحجته) صح قوله: لا أحل حتى أحرم، [وصح أنه لم يحل من إحرامه حتى يوم النحر] (¬1) وهو خبر لا يدخله الوهم بخلاف خبر معاوية وغيره أنه قصر عنه وهو على المروة بمشقص فيدخله الوهم لا سيما مع معارضة الأحاديث فعند أحمد عن عطاء: أن معاوية حدث أنه أخذ من أطراف شعره - صلى الله عليه وسلم - في أيام العشر بمشقص كان معه وهو محرم، فلعل معاوية قصر عنه في عمرة الجعرانة فنسي بعد ذلك وظن أنه كان في حجته، قاله صاحب "الهدي" (¬2) [ابن القيم، وقال ابن حزم: يحتمل أنه قصر عنه - عليه السلام - بقية شعر لم يكن طلحة الحلاق استوفاه] (¬3) (¬4). [1804] ([ثنا) عبيد الله (بن معاذ] (¬5)، ثنا شعبة، [عن مسلم) بن مخراق بكسر الميم وسكون المعجمة بعد الألف قاف, (القري]) (¬6) بضم القاف وتشديد الراء حي من عبد القيس (سمع ابن عباس يقول: أهل النبي - صلى الله عليه وسلم - بعمرة) لعله أراد بالعمرة إلى الحج كما في الرواية الآتية (وأهل أصحابه بحج) مفرد فأمرهم أن يجعلوا حجهم عمرة. ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "زاد المعاد" 2/ 126. (¬3) سقط من (م). (¬4) "حجة الوداع الوداع" 1/ 438. (¬5) غير واضحة في (م). (¬6) غير واضحة في (م).

[1805] ([حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث، حدثني أبي، عن جدي] (¬1) عن عقيل) مصغر ([عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله] (¬2) أن ابن عمر قال: تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع) إن قيل: كيف تمتع ومعه الهدي؟ فالجواب كما قال النووي وغيره: فمعناه أنه - صلى الله عليه وسلم - أحرم بالحج مفردًا ثم أحرم بالعمرة فصار قارنًا في إحرامه، والقارن هو متمتع في إحرامه (¬3)، وفي المعنى أنه قرنه باتحاد الميقات والإحرام والفعل نقلًا (¬4) وجمعًا بين الأحاديث (¬5) (بالعمرة إلى الحج، وأهدى [لأنه كان قارنًا وساق معه الهدي]) (¬6) إلى البيت (من ذي الحليفة) فيه دليل على أن الأفضل أن يسوق الهدي من مكان الإحرام, ([وبدأ) بالهمز، أي: ابتدأ (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) يدل على أن قوله تمتع فيما قبله، أي: أمر به الناس وأباحه لهم؛ لأنه] (¬7) لو تمتع بالعمرة أولًا ما قال بعده: وبدأ رسول الله (فأهل بالعمرة) ومما يدل على أنه تمتع بمعنى أمر قوله بعده: (¬8) فكان من الناس من ساق الهدي ومنهم من لم يهد. ¬

_ (¬1) من مطبوع "السنن". (¬2) من مطبوع "السنن". (¬3) في (م)، و"شرح النووي": اللغة. (¬4) سقط من (م). (¬5) "شرح النووي" 8/ 208. (¬6) من (م). (¬7) سقط من (م). (¬8) من (م).

(فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج) (¬1) هذا محمول على التلبية في أثناء الإحرام، وليس المراد أنه أحرم في أول مرة (¬2) بعمرة ثم أحرم بالحج، لأنه يؤدي إلى مخالفة الأحاديث (¬3) كحديث أنس المتقدم، فإن ظاهره أنه قرن فيهما جميعًا، فإنه حكى فيه لفظه فقال: سمعته يقول: لبيك حجًّا وعمرة، وقد استحب مالك للقارن أن يقدم العمرة اقتداء بهذِه الأخبار (¬4). (وتمتع الناس مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعمرة إلى الحج) أي: في آخر أمرهم؛ لأن أكثرهم أحرم أولًا بالحج مفردًا ثم فسخ الحج إلى العمرة وصار بعد ذلك متمتعًا (فكان [من الناس] (¬5) من أهدى) أي: ساق الهدي معه (ومنهم من (¬6) لم يهد) بضم الياء، وتقدم أن أكثرهم لم يهد وأن الهدي لم يكن إلا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وطلحة. (فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) [مكة زادها الله شرفًا] (¬7) (قال للناس: من كان منكم أهدى) للكعبة. (فإنه لا يحل) بفتح الياء (¬8) وضمها (منه شيء حرم منه) يحتمل أن تكون من بمعنى على كقوله تعالى: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ} (¬9) أي: على ¬

_ (¬1) في (ر): بالعمرة. (¬2) في (م): أمره. (¬3) من (م). (¬4) "المدونة" 1/ 422. (¬5) و (¬6) و (¬7) من (م). (¬8) من (م)، وفي باقي النسخ: الحاء. (¬9) الأنبياء: 77.

القوم، على رأي الأخفش (¬1) (حتى يقضي حجه) لقوله تعالى: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (¬2)، ولم يقل: حتى يقضي حجه وعمرته فإنه قارن كما تقدم، قال [ابن السني] (¬3): وهذا الحديث من أشكل ما مضى من الأحاديث، وأحاديث الحج أشكل ما في العلم؛ لأنها رواها الثقات فما ثم [من مخرج] (¬4) وإن حملت على ظواهرها تناقضت فحملها على التأويل لتتفق أولى (ومن لم يكن أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة) قيل: هذا أبين شيء وقع في وجوب السعي بين الصفا والمروة (وليقصر) فإن قلت: لم خصص التقصيرَ والحلقُ جائز بل أفضل؟ فالجواب: أنه أمر بالتقصير في العمرة ليبقى له شعر يحلقه في أكمل النسكين وهو الحج؛ فإن الحلق في تحلل الحج أفضل منه في تحلل العمرة (وليحل) أي: ليصير حلالًا يباح له ما كان حرامًا عليه في الإحرام من طيب ونحوه (ثم ليهل) من مكة يوم التروية (بالحج وليهد) بضم الياء، وأما الهاء (¬5) فيجوز فيها الكسر على الأصل والسكون تخفيفًا (فمن لم يجد هديًا) هناك إما لعدم ثمنه وإما لكونه يباع بأكثر من ثمن المثل. (فليصم ثلاثة أيام [في الحج]) (¬6) ذهب مالك والشافعي إلى أن ذلك لا يكون إلا بعد الإحرام بالحج وهو مقتضى الآية والحديث (¬7). ¬

_ (¬1) "معاني القرآن" 1/ 51. (¬2) البقرة: 196. (¬3) من (م). (¬4) في (ر): يخرج. (¬5) في (ر): اللام. (¬6) من (م). (¬7) "المدونة" 1/ 431 - 432، و"المجموع" 7/ 185.

وقال أبو حنيفة والثوري: يصح صوم الثلاثة أيام بعد الإحرام [بالعمرة وقبل الإحرام] (¬1) بالحج، ولا يصومها بعد أيام الحج وهو مخالف لنص الكتاب والسنة (¬2). قال القرطبي: والاختيار عند (¬3) تقديم صومها في أول الإحرام وآخر وقتها آخر أيام التشريق عندنا وعند الشافعي، فمن فاته صومها في هذِه الأيام صامها عندنا بعد (¬4)، وقال أبو حنيفة: [آخر وقتها يوم عرفة] (¬5) فمن لم يصمها إلى يوم عرفة فلا صيام عليه ووجب عليه الهدي. (وسبعة إذا رجع إلى أهله) حمله مالك والشافعي - في أحد قوليه - على الرجوع من منى وأنه يصومها إن شاء بمكة وإن شاء ببلده وهو قول أبي حنيفة. وللشافعي ومالك قول آخر أنه الرجوع إلى بلده ولا يصومها حتى يرجع إلى أهله (¬6). وهو الصحيح؛ لظاهر الآية. (وطاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قدم مكة فاستلم الركن أول شيء) إما بالقبلة أو باليد، ولا يهمز لأنه مأخوذ من (السلام) بكسر [اللام كذا في "الأم" وصوابه] (¬7) السين. وهو الحجر، وقيل: من السلام بفتح السين؛ لأن ذلك الفعل سلام علي الحجر (¬8) وأهل اليمن يسمون ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "المبسوط" 4/ 201 بمعناه. (¬3) من "المفهم"، وفي النسخ: عند. (¬4) و (¬5) من (م). (¬6) "المفهم" 3/ 353 - 354. (¬7) من (م). (¬8) من (م).

الركن الذي فيه الحجر (ثم خب) خب قال الشافعي: الخبب (¬1) الرمل - بفتح الراء والميم - قال: ولا أحب أن يثب من الأرض وثبًا (¬2). قال الشافعية: الرمل الإسراع في المشي مع تقارب الخطى دون العدو والوثوب (¬3) (ثلاثة أطواف (¬4) من السبع) من الحجر الأسود إليه (ومشى أربعة أطواف) وهي باقي الطوافات على هيئته (ثم ركع) أي: صلى (حين قضى طوافه بالبيت) الحرام (عند المقام) أي: خلف مقام إبراهيم لقوله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (¬5). (ركعتين) (¬6) والأفضل تعجيلهما؛ لأن أمرهما خفيف لا يفوت به فضل أول الوقت, (ثم سلم) منهما (فانصرف فأتى الصفا) من الجهة التي فيها باب الصفا إلى المسعى (فطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف) أي: سبع مرات. (ثم لم يحل) [نسخة: يحلل] (¬7) (من شيء حرم منه حتى قضى) أي: أدى (حجه ونحر هديه) في (يوم النحر فأفاض) ثم بينه (فطاف بالبيت) طواف الإفاضة (ثم حل من كل شيء حرم منه) فيه ما تقدم (وفعل الناس مثل ما فعل رسول الله من أهدى وساق الهدي من الناس) وهو ¬

_ (¬1) في (ر): الخب. (¬2) "الأم" 2/ 265 (¬3) انظر: "روضة الطالبين" 3/ 86. (¬4) زاد في (ر): نسخة: أشواط. (¬5) البقرة: 125. (¬6) من (م). (¬7) سقط من (م).

أفضل الحالتين. [1806] ([حدثنا القعنبي، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر] (¬1) عن حفصة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: يا رسول الله ما شأن الناس قد حلوا ولم تحلل) بفتح التاء وكسر اللام الأولى، أي: لم تحل، وإظهار التضعيف لغة أهل الحجاز (أنت من عمرتك) قيل: يحتمل أن تريد من حجك؛ لأن معناهما متقارب يقال: حج الرجل البيت (¬2) إذا قصده لحج أو عمرة، فعبرت حفصة بالعمرة عن الحج، وإن كان كل واحد (¬3) منهما يقع على نوع مخصوص من القصد والنسك، وقيل: إنها لما سمعته بسرف يأمر الناس بفسخ الحج في العمرة ظنت أنه فسخ الحج فيها، وقيل: إنها (¬4) اعتقدت أنه كان معتمرًا، قال ابن التين: والأولى بالصواب أنها قالت: لِمَ لَمْ تفسخ حجك في عمرة كفعل غيرك؟ ولعلها لم تسمع قوله: "من كان معه هدي فلا يحل" (فقال: إني لبدت رأسي) والتلبيد أن يجعل المحرم في رأسه شيئًا من الصمغ والعسل ليجتمع الشعر ولئلا يقع فيه القمل. فإن قيل: ما مدخل التلبيد في الإحرام وغيره (¬5)؟ . فالجواب: أن الغرض منه أني مشتغل من أول الأمر (¬6) بأن يدوم إحرامي إلى أن يبلغ الهدي محله؛ إذ التلبيد إنما يحتاج إليه من طال ¬

_ (¬1) من مطبوع "السنن". (¬2) زيادة يقتضيها السياق. (¬3) من (م). (¬4) و (¬5) سقط من (م). (¬6) في (م): إحرمي.

أمد إحرامه ويمكث كثيرًا في قضاء أعماله، وذكر التلبيد لبيان الواقع أو لتأكيد الأمر (وقلدت هديي) أي: علقت النعل ونحوه في عنق النعم ليعلم أنه هدي (فلا أحل) بفتح الهمزة وكسر الحاء من إحرامي (حتى أنحر (¬1) الهدي) قال الداودي: فيه أن من لبد وقلد لا يحل حتى يحلق ويفرغ من الحج كله، وقال غيره: ليس في قوله: "لبدت رأسي وقلدت هديي" ما يمنع من أن يحل من عمرته؛ لأن من لبد وقلد وأهل بعمرة ينحر ويحلق عند كمالها، ولا يجب عليه لأجل التلبيد والتقليد أن يردف عليها حجة، وإنما معناه أن في الكلام حذفًا، وذلك أن يعلمها أنه لبد رأسه وقلد الهدي (¬2) للحج فلا يمكنه التحلل من ذلك قبل أن يبلغ الهدي محله وينحره بمنى بعد كمال حجته، وأما من أحرم بعمرة وأكمل عملها فلا يجوز له أن يردف الحج عليها، ويلزمه أن يحلق، ولا يجوز أن يقول: كره النبي الحلاق لقرب (¬3) الحج على ما كره (¬4) مالك من اعتمر أن يحلق إذا قرب من الموسم؛ لأن مالكًا قال: يقصر بدلًا من الحلق ويؤخر شعره لحلاق الحج فيجمع بين الأمرين، وحفصة لم تسأله عن ترك الحلاق، وإنما سألته عن ترك التحلل (¬5). ¬

_ (¬1) بياض في (ر). وسقط من (م). (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): أن يقرن. (¬4) في (م): ذكره. (¬5) بنصه من "المنتقى شرح الموطأ".

26 - باب الرجل يهل بالحج ثم يجعلها عمرة

26 - باب الرَّجُلُ يُهِلُّ بِالحَجّ ثُمَّ يَجْعَلُها عُمْرَةً 1807 - حَدَّثَنا هَنّادٌ - يَعْنِي: ابن السَّري - عَنِ اِبن أَبي زائِدَةَ، أَخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْن إِسْحاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ سَلِيمِ بْنِ الأَسْوَدِ أَنَّ أَبا ذَرٍّ كانَ يَقُولُ فِيمَنْ حَجَّ ثُمَّ فَسَخَها بِعُمْرَةٍ: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِلَّا لِلرَّكْبِ الذِينَ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). 1808 - حَدَّثَنا النُّفَيْليُّ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ - يَعْني: ابن مُحَمَّدٍ - أَخْبَرَني رَبِيعَة بْنُ أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الحارِثِ بْنِ بِلالِ بْنِ الحارِثِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ فَسْخُ الحَجِّ لَنا خاصَّةً أَوْ لِمَنْ بَعْدَنا قَالَ: "بَلْ لَكُمْ خاصَّةً" (¬2). * * * باب في الرجل يهل بالحج ثم يجعلها عمرة [1807] ([حدثنا هناد - يعني: ابن السري - عن ابن أبي زائدة، أخبرنا محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود] (¬3) عن سليم) بضم السين مصغر (بن الأسود) المحاربي، توفي سنة 82 (أن أبا ذر) جندبًا (كان يقول فيمن حج ثم فسخها) أي: فسخ حجته (بعمرة لم يكن ذلك) جائز (إلا للركب الذين كانوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) خاصة في تلك السنة. فيه دليل لقول مالك (¬4) والشافعي (¬5) وأبو حنيفة أنه مختص بهم في ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1224). (¬2) رواه النسائي 5/ 179، وابن ماجه (2984)، وأحمد 3/ 469. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (315). (¬3) من مطبوع "السنن". (¬4) "التمهيد" 8/ 358. (¬5) "المجموع" 7/ 167.

تلك السنة لا يجوز بعدها لمن أحرم بالحج أن يفسخها بعمرة؛ لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (¬1)، كما قال عمر: إن القرآن نزل منازله فأتموا الحج والعمرة كما أمركم الله (¬2). ومما يدل على اختصاصه الحديث الذي بعده ورواه النسائي أيضًا (¬3). [1808] ([حدثنا النفيلي، حدثنا عبد العزيز - يعني: ابن محمد - أخبرني ربيعة بن أبي عبد الرحمن] عن الحارث بن بلال بن الحارث) المزني (عن أبيه) بلال بن الحارث (قال: قلت: يا رسول الله فسخ الحج لنا) تقديره: ألنا (خاصة) ثم حذفت همزة الاستفهام (أو لمن بعدنا؟ ) إلى آخر الدهر. (قال: بل لكم خاصة) بأصحاب محمد الذين كانوا معه يعني بذلك (¬4) تمتعهم بتحللهم من حجهم بعمل العمرة، وسبب هذِه الرخصة لأنهم ما كانوا يرون أن العمرة جائزة في أشهر الحج ويقولون: العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، فرخص لهم العمرة عند قدومهم مكة تأنيسًا لهم، وذهب أحمد وطائفة من أهل الظاهر ليس هو خاصًّا بهم، بل هو باقٍ إلى يوم القيامة، أنه يجوز لكل من أحرم بحج وليس معه الهدي أن يقلب إحرامه عمرة ويتحلل بأعمالها (¬5). ¬

_ (¬1) "شرح فتح القدير" 2/ 464 - 465 بمعناه. (¬2) رواه مسلم (1217). (¬3) "السنن" 5/ 175. (¬4) سقط من (م). (¬5) "شرح مسلم" للنووي 8/ 167.

27 - باب الرجل يحج، عن غيره

27 - باب الرَّجُلِ يَحُجُّ، عَنْ غَيْرِهِ 1809 - حَدَّثَنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ يَسارٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ الفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ تَسْتَفْتِيهِ فَجَعَلَ الفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْها وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصْرِفُ وَجْهَ الفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ فَقَالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبادِهِ في الحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ قَالَ: "نَعَمْ". وَذَلِكَ في حَجَّةِ الوَداعِ (¬1). 1810 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ وَمُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ - بِمَعْناهُ - قالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ النُّعْمانِ بْنِ سالِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ - قَالَ حَفْصٌ في حَدِيثِهِ: رَجُلٌ مِنْ بَني عامِرٍ - أَنَّهُ قَالَ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لا يَسْتَطِيعُ الحَجَّ وَلا العُمْرَةَ وَلا الظَّعْنَ. قَالَ: "احْجُجْ عَنْ أَبِيكَ واعْتَمِرْ" (¬2). 1811 - حَدَّثَنا إِسْحاقُ بْنُ إِسْماعِيلَ الطَّالقاني وَهَنّادُ بْنُ السَّري - المَعْنَى واحِدٌ - قَالَ إِسْحاقُ - حَدَّثَنا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمانَ، عَنِ ابن أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ عَزْرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لَبَّيْكَ، عَنْ شُبْرُمَةَ. قَالَ: "مَنْ شُبْرُمَةَ". قَالَ: أَخٌ لي أَوْ قَرِيبٌ لَي. قَالَ: "حَجَجْتَ، عَنْ نَفْسِكَ". قَالَ: لا. قَالَ: "حُجَّ، عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ، عَنْ شُبْرُمَةَ" (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1513، 1854، 1855، 4399، 6228)، ومسلم (1334). (¬2) رواه الترمذي (930)، والنسائي 5/ 111، 117، وابن ماجه (2906)، وأحمد 4/ 10، 11، 12، وابن خزيمة (3040)، وابن حبان (3991). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1588). (¬3) رواه ابن ماجه (2903)، وابن خزيمة (3039)، وابن حبان (3988). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1589).

باب الرجل يحج عن غيره [1809] ([حدثنا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سليمان بن يسار] (¬1) عن ابن عباس قال: كان الفضل بن عباس) ولم يزل اسمه الفضل في الجاهلية والإسلام، وكان أكبر ولد العباس عم النبي - صلى الله عليه وسلم - (رديف رسول الله) لما دفع من مزدلفة إلى منى (فجاءته امرأة من خثعم) لم تسم ولا أبوها (فاستفتته) فيه جواز رفع صوت الأجنبية عند الحاجة للاستفتاء والمعاملة وغير ذلك. (فجعل الفضل ينظر إليها) قال القرطبي: هذا النظر منهما بمقتضى الطباع؛ فإنها مجبولة على الميل إلى [الصورة الحسنة] (¬2) (وتنظر هي إليه) وفي رواية: كان الفضل أبيض وسيمًا (¬3). أي: جميلا حسن الشعر (¬4) (فجعل رسول الله يصرف) أي: يمنع (وجه الفضل إلى الشق) بكسر الشين، أي: الجانب (الآخر) فيه تحريم النظر إلى الأجنبية، وإزالة المنكر باليد لمن أمكنه، وفيه الرد من مقتضى الطبع إلى مقتضى الشرع، وفيه دليل على أن المرأة تكشف وجهها عند الإحرام ولا يجب عليها ستره وإن خيف منها الفتنة لكنها تندب إلى ذلك، بخلاف أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن الحجاب عليهن فريضة، قاله القرطبي (¬5). ¬

_ (¬1) من مطبوع "السنن". (¬2) في (م): الصوت الحسن. (¬3) في "صحيح مسلم" (1218) حديث جابر في حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬4) "المفهم" 3/ 441. (¬5) "المفهم" 3/ 441.

قال الطبري: وفي بعض الطرق: فقال العباس: لويت عنق ابن عمك، فقال: "رأيت شابًّا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما" (¬1). قال أبو عمر بن عبد البر: أصيب بأجنادين في خلافة أبي بكر [سنة ثلاث عشرة] (¬2)، وقيل: مات بطاعون عمواس سنة ثمان عشرة في خلافة عمر (¬3). ذكره الطبري، قال: وأجنادين بفتح الهمزة وإسكان الجيم وبالنون (¬4) وفتح الدال المهملة وقد تكسر، وهو الموضع المشهور من نواحي دمشق وكانت الوقعة بين المسلمين والروم. (فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج) في قوله {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (¬5) الآية (أدركت أبي شيخًا) منصوب (¬6) على البدل (كبيرًا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة) هذا هو المسمى بالمعضوب، والعضب في اللغة القطع، وبه [سُمِّي السيف: عضبا، وكأن من انتهى إلى هذِه الحالة قطعت أعضاؤه عن الانتفاع بها] (¬7) (أفأحج عنه؟ قال: نعم) فيه: جواز النيابة في الحج عن العاجز الميئوس منه بهرم أو زمانة أو موت، وجواز (¬8) حج المرأة عن الرجل، وفيه بر الوالدين بالقيام بمصالحهما من قضاء دين وخدمة ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (885) من حديث علي بن أبي طالب. (¬2) من (م). (¬3) "الإستيعاب" (2083). (¬4) سقط من (م). (¬5) آل عمران: 97. (¬6) في (ر): معضوب. (¬7) من (م). (¬8) في (ر): أو فوات.

ونفقة وحج عنه، وفيه وجوب الحج على من هو عاجز بنفسه مستطيع بغيره كولده، وهو مذهب الجمهور، وقال مالك: لا يحج أحد عن أحد (¬1) إلا عن ميت لم يحج حجة الإسلام (¬2). فإنه رأى مخالفة ظاهر هذا الحديث بعموم قوله {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} (¬3) الآية، فإن الأصل في الاستطاعة إنما هو القوة بالبدن كقوله تعالى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} (¬4)، فلما تعارض ظاهر القرآن وظاهر الحديث رجح مالك ظاهر القرآن؛ لأنه متواتر (وذلك في حجة الوداع) بفتح الواو، وفيه جواز تسمية (¬5) حجة الوداع بلا كراهة. [1810] ([حدثنا حفص بن عمر، ومسلم بن إبراهيم، بمعناه قالا: حدثنا شعبة، عن النعمان بن سالم، عن عمرو بن أوس] (¬6) عن أبي رزين) (¬7) بفتح الراء [وبعدها زاي مكسورة وبعد الياء نون] (¬8) لقيط بن عامر (قال حفص) بن عمر (في حديثه: رجل من بني عامر أنه قال: يا رسول الله، إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج والعمرة ولا الظعن) يعني: الارتحال قال الله: {يَوْمَ ظَعْنِكُمْ} (¬9) والمعنى: لا يستطيع أن ¬

_ (¬1) في (ر): ميت. (¬2) "المدونة" 1/ 485، وانظر: "الاستذكار" 12/ 66. (¬3) آل عمران: 97. (¬4) الكهف: 97. (¬5) من (م). (¬6) من مطبوع "السنن". (¬7) في (م): رزيق. (¬8) سقط من (م). (¬9) النحل: 80.

يثبت على الراحلة في السفر ولا يستوي على ظهرها (قال: احجج عن أبيك) فيه دليل على جواز النيابة عن المعضوب الحي في حج الفرض، وكذا التطوع على الصحيح وهو مذهب الشافعي ومالك (¬1) وأبي حنيفة وأحمد؛ لأن كل عبادة جازت النيابة في فرضها جازت في نفلها كالصدقة (¬2). وأما قول بعضهم: إنما جازت الاستنابة في الفرض إلا للضرورة فلا يجوز في النفل. وينكر هذا بالتيمم؛ فإنه جوز في الفرض للحاجة ويجوز أيضًا في النفل (واعتمر) فيه دليل على جواز النيابة في العمرة عن الحي المعضوب كما يجوز عن الحج. [1811] ([حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني، وهناد بن السري المعنى واحد، قال إسحاق: حدثنا عبدة بن سليمان، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة] (¬3) عن عزرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن النبي سمع رجلًا يقول: لبيك عن شبرمة) بشين معجمة مضمومة ثم باء موحدة ساكنة ثم راء مضمومة. (قال: من شبرمة؟ قال: أخ لي أو قريب لي) رواية ابن حبان في "صحيحه": أخ لي أو قرابة (¬4) (قال: حججت عن نفسك؟ ) فيه استفصال المفتي من السائل إذا كانت المسألة فيها تفصيل (قال: لا) فيه دليل على جواز الإيثار بالقرب، والمشهور عند الفقهاء: لا يجوز، ¬

_ (¬1) كذا! وسبق أن مالكا قال: لا يحج أحد عن أحد إلا عن ميت، فلعله سبق قلم. (¬2) "الأم" 2/ 157، و"المجموع" 7/ 112، و"مواهب الجليل" 4/ 11، و"المبسوط" 4/ 170 - 171، و"المغني" 5/ 19 - 20. (¬3) "صحيح ابن حبان" (3988). (¬4) من مطبوع "السنن".

وفي كثير من الأحاديث الدليل على الجواز. (قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة) و [رواه ابن حبان] (¬1) بإسنادٍ صحيح ولفظه: (فاجعل هذِه عن نفسك ثم حج عن شبرمة) وجزم فيه بأن شبرمة قريب له (¬2). وفيه دليل على أن من عليه حجة الإسلام لا يصح حجه عن غيره ولا التطوع بالحج عن الغير، قيل: إذا ما وجب عليه [سواء وجب عليه] (¬3) بنذر أو قضاء، وكذلك من عليه حجة الإسلام لا يصح منه غيرها قبلها عند الشافعية (¬4) والحنابلة (¬5). وقال الحنفية (¬6): لو أحرم بالحج [ولم يعين حجة الإسلام وهي عليه وقعت عن حجة الإسلام استحبابًا، ولو نوى التطوع وقع عن التطوع] (¬7) (¬8) أو الحج عن الغير وقع عن الغير، وذهب المالكية أنه يصح المنذر والحج عن الغير قبل حجة الإسلام مع الكراهة، وكذلك التطوع بالحج يصح قبل حجة الإسلام مع الكراهة (¬9). ¬

_ (¬1) في (م): رواية ابن ماجه. وهو فيهما جميعا، من طريق محمد بن نمير. (¬2) "سنن ابن ماجه" (2903)، "صحيح ابن حبان" (2988). (¬3) سقط من (م). (¬4) "الأم" 5/ 200. (¬5) انظر: "المغني" 5/ 22. (¬6) في (م): أبو حنيفة. (¬7) سقط من (م). (¬8) "الأصل" 2/ 504، انظر: "بدائع الصنائع" 2/ 163. (¬9) "المدونة" 1/ 485. لكن لا يكون إلا عن ميت.

28 - باب كيف التلبية

28 - باب كَيْفَ التَّلْبِيَةُ 1812 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الحَمْدَ والنِّعْمَةَ لَكَ والمُلْكَ لا شَرِيكَ لَكَ". قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ يَزِيدُ في تَلْبِيَتِهِ: "لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ والخَيْرُ بِيَدَيْكَ والرَّغْباءُ إِلَيْكَ والعَمَلُ" (¬1). 1813 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا جَعْفَرٌ، حَدَّثَنا أَبِي عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ أَهَلَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ التَّلْبِيَةَ مِثْلَ حَدِيثِ ابن عُمَرَ قَالَ: والنَّاسُ يَزِيدُونَ: "ذا المَعارِجِ". وَنَحْوَهُ مِنَ الكَلامِ والنَّبي - صلى الله عليه وسلم - يَسْمَعُ فَلَا يَقُولُ لَهْمْ شَيْئًا (¬2). 1814 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحارِثِ بْنِ هِشامٍ، عَنْ خَلَّادِ بْنِ السَّائِبِ الأَنْصَاري، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَتَانِي جِبْرِيلُ - صلى الله عليه وسلم - فَأَمَرَني أَنْ آمُرَ أَصْحابي وَمَنْ مَعي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْواتَهُمْ بِالإِهْلالِ - أَوْ قَالَ - بِالتَّلْبِيَةِ". يُرِيدُ أَحَدَهُما (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1549، 5915)، ومسلم (1184). (¬2) رواه ابن ماجه (2919). وسيأتي مطولا برقم (1905). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1591). (¬3) رواه الترمذي (829)، والنسائي 5/ 162، وابن ماجه (2922)، وأحمد 4/ 55، 56، وابن خزيمة (2625، 2627)، وابن حبان (3802). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1592).

باب كيف التلبية [1812] ([حدثنا القعنبي، عن مالك، عن نافع] (¬1) عن ابن عمر: أن تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) يريد التي كان يواظب عليها، ولولا ذلك ما اختصت بالنسبة إليه، وذلك منه - عليه السلام - على معنى الاختيار لا على معنى الوجوب، ولذلك زاد فيها في رواية ابن عمر، ونقص هذا في رواية عائشة. (لبيك اللهم لبيك، لبيك) مأخوذ (¬2) من قولهم: لب بالمكان وألب به إذا أقام به ولزمه، كأنه يقول: ها أنا مقيم على عبادتك ملازم لها، وهو منصوب على المصدر، وهو [لفظ مثنًى] (¬3) مكرر، يعني: كأنهم أرادوا إجابة بعد إجابة على سبيل التأكيد، كما قالوا: حنانيك، أي: رحمة بعد رحمة، وأصل الفعل منها لبب بتشديد الباء الأولى فاستثقلوا ثلاث باءات فأبدلوا الثالثة ياء كما قالوا: تظنيت من الظن والأصل: تظننت، وأصل الألف باء لكن قلبت مع الضمير ياء مثل: عليك ولديك، وقيل: معناها: تجاهي وقصدي من قولهم: داري تلب (¬4) دارك. أي: تواجهها. وقيل: معناه: محبتي لك، من قولهم: امرأة لبة. إذا كانت محبة لولدها، وقيل: معناه: إخلاصي لك، من قولهم: حسب لباب، إذا كان خالصًا، ومنه لب الطعام ولبابه، فهذِه أربعة أقوال، قال جماعة ¬

_ (¬1) من مطبوع "السنن". (¬2) سقط من (م). (¬3) في الأصل: مثنى لفظ. والمثبت كما في "فتح الباري" 3/ 409، قال: هو لفظ مثنى عند سيبويه. (¬4) في (م): تجاه.

من العلماء: معنى التلبية إجابة نداء إبراهيم - عليه السلام - حين نادى بالحج حين فرغ من بناء البيت، قيل له: أذن في الناس بالحج، قال: يا رب، وما يبلغ صوتي قال: أذن وعلي البلاغ. فنادى إبراهيم: أيها الناس، إن الله كتب عليكم الحج. قال: فسمعه ما بين السماء والأرض أفلا ترى الناس يجيئون من أقطار الأرض يلبون (¬1)، قيل: أجابوه من أصلاب الرجال وأرحام النساء فمن أجابه مرة حج مرة، ومن أجابه مرتين حج مرتين وهلم جرًّا (¬2). ويقف على "لبيك" كما يبتدئ بها ثم يقول: (لبيك) يبتدئ بها أيضًا (لا شريك) قال صاحب "أسرار الحج" مبني على الفتح لاستغراق نفي الشريك (لك لبيك) ويقف عليها أيضًا (إن الحمد) بكسر الهمزة وفتحها وجهان مشهوران لأهل اللغة والحديث والكسر أجود؛ لأن الكسر على معنى الابتداء والاستئناف وهو أعم؛ لأن تقديره: إن الحمد لله على كل حال، ومن فتح ذهب إلى أن التقدير: من أجل أنك مستحق للحمد والنعمة، أو لأن الحمد لك والنعمة، فعملت فيها لبيك بواسطة (¬3) لام الجر السببية ثم حذف حرف الجر لدلالة الكلام عليه. (والنعمة لك) النعمة - بكسر النون - الإحسان والعطاء، أي: النعمة منك والحمد لك، ومن ورود اللام بمعنى "من" قولهم: سمعت له ¬

_ (¬1) في (م): يلبوه. ورواه ابن أبي شيبة (32478)، وعزاه في "الفتح" 3/ 409 إلى "مسند أحمد بن منيع" وابن أبي حاتم. (¬2) "أخبار مكة" للفاكهي 1/ 445 من حديث أبي هريرة، وصحح ابن حجر في "الفتح" 6/ 406 إسنادا عن ابن عباس بنحوه معزوا للفاكهي أيضًا. (¬3) من (م).

صراخًا، أي: منه، والمشهور نصب النعمة، قال القاضي: ويجوز رفعها على الابتداء ويكون الخبر [محذوفًا. قال ابن الأنباري: وإن شئت جعلت خبر إن محذوفًا تقديره: إن الحمد لك] (¬1) والنعمة مستقرة لك (¬2). (والملك) قال ابن الرفعة: يستحب أن يقف وقفة لطيفة عند قوله: والملك. ثم يقول: (لا شريك لك) قال الأصحاب: يستحب أن يأتي بالتلبية نسقًا لا يتخللها كلام وإن سلم عليه رد السلام؛ لأنها سنة والرد فرض، لكن يكره ابتداء السلام عليه حال التلبية، وقال صاحب "الطراز" من المالكية: إن من سنن التلبية أن تكون نسقًا لا يتخللها (¬3) كلام غيرها كالأذان. وإن سلم عليه قال مالك: لا يرد عليه حتى يفرغ من تلبيته (¬4) فيرد عليه بعد ذلك (¬5)، قال السروجي في "الغاية": يقول في الحج إذا أحرم به: اللهم إني أريد الحج فيسره لي (¬6) وتقبله مني وأعني عليه وبارك لي فيه لبيك اللهم بحج. (قال: وكان عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما (يزيد فيهما: لبيك لبيك لبيك وسعديك) قال القاضي: إعراب سعديك وتثنيتها (¬7) كما ¬

_ (¬1) في (ر): ممن وفا تقديره. (¬2) "شرح النووي" 8/ 88. (¬3) من (م). (¬4) "المدونة" 1/ 158. (¬5) "مواهب الجليل" 3/ 106. (¬6) من (م). (¬7) في النسخ: تنبيها، والمثبت من "إكمال المعلم".

سبق في لبيك ومعناه: مساعدة لك وإلى طاعتك بعد مساعدة (¬1) (والخير بيديك) أي: الخير كله بيد الله تعالى ومن فعله (والرغباء (¬2) إليك والعمل) قال المازري: يروى بفتح الراء (¬3) والمد وبضم الراء والقصر، ونظيره العلياء والعليا والنعماء والنعمى (¬4). ومعناه هنا الطلب والمسألة إلى من بيده الخير والرغبة إليه (¬5)، والمراد بالعمل أعمال الطاعات، أي: لا تعمل إلا لله. [1813] ([حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا جعفر، حدثنا أبي] (¬6) عن جابر - رضي الله عنه - قال: أهل رسول الله فذكر التلبية بمثل حديث ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) في الحديث المتقدم، وزاد فيه: (والناس) الملبون (يزيدون: ذا المعارج ونحوه من الكلام) والمعارج: المراقي والدرج، وهذا اللفظ من صفات الله، قال عز من قائل: {مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3)} (¬7)، والمراد بها المراقي (¬8) مصاعد السماء ومراقيها، أي (¬9): هو مالكها سبحانه (والنبي - صلى الله عليه وسلم - يسمع ما زادوه فلا ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" 4/ 178، وفيه: معناها: ساعدت طاعتك يا رب مساعدة بعد مساعدة. (¬2) في (م): الدعاء. (¬3) في (م): الدال. (¬4) "المعلم" 1/ 330. (¬5) "شرح النووي" 8/ 88. (¬6) من مطبوع "السنن". (¬7) المعارج: 3. (¬8) سقط من (م). (¬9) في (م): الذي.

يقول لهم شيئًا) فتكون زيادتها من السنة؛ لأن تقريراته (¬1) - صلى الله عليه وسلم - نظير أفعاله وأقواله؛ إذ لا يقر على باطل. [1814] ([حدثنا القعنبي، عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام] (¬2) عن خلاد بن السائب الأنصاري، عن أبيه) السائب بن خلاد بن سويد الأنصاري، قال الترمذي: حديث خلاد عن أبيه حديث حسن صحيح، وروى بعضهم هذا الحديث عن خلاد بن السائب عن زيد بن خالد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ولا يصح، والصحيح هو [خلاد بن السائب] (¬3) عن أبيه (¬4). (أن رسول الله قال: أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي ومن معي) يحتمل أن يكون المراد بقوله: "من معي" المنافقين الذين كانوا معه وأطلعه الله عليهم، ويحتمل أن يكون هذا شك من الراوي؛ فإن أكثر الروايات ليس فيها: "ومن معي" (أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال) يعني: بالتلبية؛ فإن رواية أحمد: "أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال [أو قال: بالتلبية" (¬5) ولفظ النسائي: "أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية" (¬6) ولفظ ¬

_ (¬1) في (م): تقريره. (¬2) من مطبوع "السنن". (¬3) في النسخ الخطية: السائب بن يزيد. والمثبت من "سنن الترمذي". (¬4) "سنن الترمذي" 3/ 192. (¬5) "مسند أحمد" 4/ 56 من طريق ابن جريج، وروح، ولفظه: بالتلبية والإهلال. قال: ولا أدري أينا وَهَلَ أنا أو عبد الله أو خلاد في الإهلال أو التلبية. (¬6) "سنن النسائي" 5/ 162.

الترمذي: "أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال] (¬1) أو التلبية" (¬2) على طريق الشك كما تقدم في رواية أحمد، وقد صرح بذلك أبو داود حيث قال: "بالإهلال". (أو بالتلبية يريد أحدهما) يعني: التلبية [وحاصله أن هذا الحديث استدل به على استحباب رفع الصوت للرجل بالتلبية بحيث لا يضر نفسه لأن معنى التلبية] (¬3) معنى الأذان الذي لا يسمعه جن ولا إنس [ولا شيء] (¬4) إلا شهد له يوم القيامة. وخرج بقوله: "أصحابي" النساء؛ فإن المرأة لا تجهر بها صوتها، بل تقتصر على إسماع نفسها، قال الروياني: فإن رفعت صوتها لم يحرم؛ لأنه ليس بعورة (¬5) على الصحيح، وإذا قلنا أن رفع صوتها لا يحرم فقد صرح الدارمي (¬6) والقاضي أبو الطيب وغيرهما أنه يكره. قال ابن الرفعة: كراهة تنزيه لا تحريم؛ فإن صوتها ليس بعورة. قال سند المالكي: يكره رفع صوتها لخوف الافتتان، لا لكونه عورة. قال الشافعي في "الأم" بعد رواية الحديث في الأمر برفع الصوت: فأمرهم أن يرفعوا جهدهم (¬7) ما لم يبلغ (¬8) ذلك أن يقطع أصواتهم، ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "سنن الترمذي" (829)، وفي مطبوعه: بالإهلال والتلبية. (¬3) و (¬4) من (م). (¬5) "بحر المذهب" 5/ 96. (¬6) في النسخ الخطية: الروياني. والمثبت من "المجموع" للنووي 7/ 245. (¬7) في (م): جهدا. (¬8) في (م): يعلم.

فإنا (¬1) نكره قطع (¬2) أصواتهم (¬3). واستدل داود بهذا الحديث على وجوب رفع الصوت بالتلبية والجمهور أنه دليل للاستحباب لا للوجوب، وقال أبو حنيفة: لا ينعقد الإحرام إلا بالنية مع التلبية أو مع سوق الهدي (¬4) لهذا الحديث المذكور. ¬

_ (¬1) في "الأم": فكأنا. (¬2) في (م): أن تقطع. (¬3) "الأم" 2/ 232. (¬4) "النتف" 1/ 207، "المبسوط" 4/ 153، 208.

29 - باب متى يقطع التلبية

29 - باب مَتَى يَقْطَعَ التَّلْبِيَةَ 1815 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، حَدَّثَنا ابن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ عَنِ الفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَبَّى حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ (¬1). 1816 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ غَدَوْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفاتٍ مِنَّا المُلَبّي وَمِنّا المُكَبِّرُ (¬2). * * * باب متى يقطع الحاج التلبية [1815] ([حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا وكيع، حدثنا ابن جريج، عن عطاء] (¬3) عن ابن عباس، عن الفضل بن عباس) رضي الله عنهما، بينت (¬4) هذا رواية الصحيحين [عن ابن عباس: أن] (¬5) النبي - صلى الله عليه وسلم - أردف الفضل فأخبر الفضل (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لبى) رواية البخاري: لم يزل النبي - صلى الله عليه وسلم - يلبي (حتى رمى (¬6) جمرة العقبة) استدل به على استحباب دوام التلبية وقطعه حين أول حصاة يرميها، وفي بعض ألفاظ الخبر: حتى ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1543، 1544، 1670، 1685، 1686، 1687)، ومسلم (1281، 1282). (¬2) رواه مسلم (1284). (¬3) من مطبوع "السنن". (¬4) في (م): يبين. (¬5) في (م): لم يزل. (¬6) سقط من (م).

رمى جمرة العقبة قطع التلبية عند أول حصاة (¬1). رواه أحمد بن حنبل في "المناسك" وهذا بيان للحديث، فيتعين الأخذ، ولأن الفضل بن عباس كان رديف النبي - صلى الله عليه وسلم - حين الرمي وهو أعلم بحاله من غيره، وخالف سعد (¬2) بن أبي وقاص وعائشة فقالا: يقطع التلبية إذا راح إلى الموقف، والأول أصح، ولأن التلبية في الحقيقة إجابة إبراهيم - عليه السلام - الداعي إلى الحج بأمر الله فيستحب له التلبية ما لم يتحلل من إحرامه، وإذا رمى فقد شرع في التحلل والانصراف ولا معنى للإجابة في حال الانصراف، وقد يستدل أحمد وإسحاق به على مذهبهما أنه يلبي حتى يفرغ من جمرة العقبة (¬3) وهو رواية عن مالك (¬4). وأجاب عنه الجمهور بأن المراد: حتى شرع في الرمي؛ ليجمع بين الروايتين (¬5). [1816] ([حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عبد الله بن نمير، حدثنا يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن أبي سلمة] (¬6) عن عبد (¬7) الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه) عبد الله بن عمر (قال: غدونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) في حجته (من منى إلى عرفات) فيه دليل على استحباب الغدو ¬

_ (¬1) في "صحيح ابن خزيمة" (2886) عن ابن مسعود رمقت النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة بأول حصاة. (¬2) زاد بعدها في (ر): بن سعيد. (¬3) "مسائل أحمد وإسحاق" رواية الكوسج (1683)، و"المغني" 5/ 297. (¬4) "الكافي في فقه أهل المدينة" 1/ 375. (¬5) انظر "شرح مسلم" للنووي 9/ 27. (¬6) من مطبوع "السنن". (¬7) في (م): عبيد.

من منى إلى عرفات [للإقامة بها] (¬1). (منا الملبي ومنا المكبر) ظاهره يدل على جواز التلبية والتكبير والتهليل في الغدو إلى عرفات. قال القرطبي: لا نعلم (¬2) خلافًا في جواز ذلك، مع أن التلبية أفضل في الحج والعمرة إلى الشروع في قطعهما (¬3). وفي رواية "الصحيح": يهل المهل فلا ينكر عليه ويكبر المكبر فلا ينكر عليه (¬4)، وفيه الرد على من قال: يقطع التلبية بعد صبح عرفة، ومشهور مذهب مالك أنه يقطع التلبية بعد الزوال من يوم (¬5) عرفة وهو مذهب أهل المدينة (¬6). وبه تمسك الإمام مالك على أصله في ترجيح عمل أهل المدينة على الحديث الصحيح. ¬

_ (¬1) ليست في (م). (¬2) في (م): يعلم. (¬3) "المفهم" 3/ 389. (¬4) "صحيح مسلم" (1285). (¬5) ليست في (م). (¬6) "الاستذكار" 11/ 158.

30 - باب متى يقطع المعتمر التلبية

30 - باب مَتَى يَقْطَعُ المُعْتَمِرُ التَّلْبِيَةَ 1817 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا هُشَيْمٌ عَنِ ابن أَبي لَيْلَى، عَنْ عطَاءٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يُلَبّي المُعْتَمِرُ حَتَّى يَسْتَلِمَ الحَجَرَ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ عَبْدُ المَلِكِ بْنُ أَبي سُلَيْمانَ وَهَمّامٌ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ مَوْقُوفًا (¬1). * * * باب متى يقطع المعتمر (¬2) التلبية [1817] ([حدثنا مسدد، حدثنا هشيم، عن ابن أبي ليلى، عن عطاء] (¬3) عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال) متى (¬4) (يلبي المعتمر) في عمرته كلها، يعني: في كل حال من أحواله من ركوب ومشي (¬5) ونزول وصعود شرف (¬6)، والنزول في الوادي وخلف كل صلاة فرضًا أو نافلة، وعند اصطدام الرفاق وفي المساجد والطرق. (حتى يستلم الحجر) بالتقبيل أو وضع اليد، وظاهره أنه يلبي في حال [دخوله المسجد وبعد رؤية البيت وفي حال مشيه حتى يشرع في ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (919)، وابن خزيمة (2697). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (316) قال: الصواب وقفه على ابن عباس. كما أشار أبو داود. (¬2) من (م). (¬3) من مطبوع "السنن". (¬4) سقطت من (ر). (¬5) كلمة غير مقروءة في (ر). وليست في (م). ولعلها كما أثبتناها. (¬6) من (م).

الاستلام؛ فإنه جعل غاية انقطاع التلبية] (¬1) الاستلام فما قبله يلبي، لكن يستثنى منه الأوقات التي فيها دعاء مخصوص كدخول المسجد ورؤية البيت وغير ذلك (¬2)، وأما حال (¬3) الاستلام فله أيضًا دعاء مخصوص وهو: اللهم إيمانًا بك. . . إلى آخره كما سيأتي، وفي الحديث دليل للجديد من مذهب الشافعي وهو ترك التلبية في الطواف، وأنه إذا ابتدأ في الطواف تركها (¬4). وهو مذهب أبي حنيفة (¬5). وقال الشافعي في "الإملاء": أحب للمحرم ترك التلبية في الطواف (¬6)، [وأنه إذا ابتدأ في الطواف تركها، وهو مذهب أبي حنيفة] (¬7) وكذا في "الأم" (¬8)، فلو لبى لم يكن عليه شيء، قال سفيان: ما رأيت أحدًا يلبي ويطوف إلا عطاء بن السائب (¬9)، وقال في القديم: يلبي لكنه يخفض صوته (¬10). وهو قول ابن عباس وأحمد، كما أنه يلبي لو لم يكن حول البيت، ويمكن الجمع بين التلبية والذكر ¬

_ (¬1) ليست في (م). (¬2) في (ر): وغيره. (¬3) في (ر): قال. (¬4) "الأم" 8/ 510. (¬5) "الأصل" 2/ 546. (¬6) انظر: "الحاوي الكبير" 4/ 90. (¬7) من (م). (¬8) قال في "الأم" 8/ 510: يقطع التلبية إذا استلم الركن، وهو قول ابن عباس وبهذا نقول. (¬9) ذكره ابن بطال في "شرح البخاري" 4/ 228. (¬10) "المجموع" 8/ 240.

المشروع (¬1) وكذا لا بأس بالتلبية للحلال - وهو قول الجمهور - وكرهه مالك - رضي الله عنه - (¬2) (قال أبو داود: رواه عبد الملك بن أبي سليمان، وهمام، عن عطاء، عن ابن عباس موقوفًا). ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" 5/ 107. (¬2) "المدونة" 1/ 397.

31 - باب المحرم يؤدب غلامه

31 - باب المُحْرِمِ يُؤَدِّبُ غُلَامَهُ 1818 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ أَبي رِزْمَةَ، أَخْبَرَنا عَبْدُ اللهِ بْن إِدْرِيسَ، أَخْبَرَنا ابن إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْماءَ بِنْتِ أَبي بَكْرٍ قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حُجَّاجًا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالعَرْجِ نَزَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَنَزَلْنا فَجَلَسَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها إِلَى جَنْبِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَجَلَسْتُ إِلَى جَنْبِ أَبي وَكَانَتْ زِمالَةُ أَبي بَكْرٍ وَزِمالَةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - واحِدَةً مَعَ غُلامٍ لأَبِي بَكْرٍ فَجَلَسَ أَبُو بَكْرٍ يَنْتَظِرُ أَنْ يَطْلُعَ عَلَيْهِ فَطَلَعَ وَلَيْسَ مَعَهُ بَعِيرُهُ قَالَ: أَيْنَ بَعِيرُكَ؟ قَالَ: أَضْلَلْتُهُ البَارِحَةَ. قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بَعِيرٌ واحِدٌ تُضِلُّهُ قَالَ: فَطَفِقَ يَضْرِبُهُ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَبَسَّمُ وَيَقُولُ: "انْظُرُوا إِلَى هَذَا المُحْرِمِ ما يَصْنَعُ". قَالَ ابن أَبي رِزْمَةَ فَما يَزِيدُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أَنْ يَقُولَ: "انْظُرُوا إِلَى هَذَا المُحْرِمِ ما يَصْنَعُ". وَيَتَبَسَّمُ (¬1). * * * باب المحرم يؤدب [1818] ([حدثنا أحمد بن حنبل قال، ح وحدثنا محمد بن عبد العزيز] (¬2) بن أبي رزمة) بكسر الراء وإسكان الزاي وفتح الميم ([أخبرنا عبد الله بن إدريس، أخبرنا ابن إسحاق، عن] (¬3) يحيى بن عباد) بفتح المهملة وتشديد الباء الموحدة. (أن أسماء بنت أبي بكر) ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (2933)، وأحمد 6/ 344، وابن خزيمة (2679). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1595). (¬2) من مطبوع "السنن". (¬3) من مطبوع "السنن".

رضي الله عنها وعن أبيها (قالت: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجاجًا، حتى إذا كنا بالعرج) بفتح العين المهملة وإسكان الراء ثم جيم، قال الجوهري: هو منزل بطريق مكة (¬1)، وقال الزمخشري: منزل بين مكة والمدينة (¬2). وإليه ينسب العرجي الشاعر، وهو عبد الله بن عمرو. (نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فيه (ونزلنا) معه، فيه أنه يستحب للأقارب إذا نزلوا منزلًا في السفر أن يجتمعوا في مكانٍ واحد ليرتفق بعضهم ببعض ويتآنسوا، وكذلك الأصهار والإخوان المتحابين في الله. (فجلست عائشة رضي الله عنها إلى جنب [رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجلست أنا إلى جنب أبي]) (¬3) فيه دليل على أن من الأدب جلوس الكبير قبل الصغير، كما أن الصغير إذا جلس للأكل لا يشرع في الأكل حتى يبدأ من هو أكبر منه، وكذا في الكلام وغير ذلك، وكذا من الأدب جلوس الذكر قبل الإناث كما في الحديث، وفيه دليل أيضًا على أن من الأدب أن المرأة إذا حضرت إلى مكان فيه أبوها وزوجها وتساويا أن تجلس إلى جانب أبيها [دون زوجها] (¬4)، فإن كان زوجها (¬5) أعلى جلست إلى جنبه، ولهذا تركت عائشة الجلوس عند أبيها أبي بكر وجلست إلى جنب زوجها، وكذلك أسماء، وكذلك الرجل إذا حضر إلى مكان فيه أبوه أو جده وزوجته فيجلس إلى أبيه أو جده دون زوجته. ¬

_ (¬1) "الصحاح" (عرج). (¬2) "الفائق في غريب الحديث" 3/ 15. (¬3) في (م): أبيها. ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جنب. (¬4) من (م). (¬5) في (م): الزوج.

(وكانت زمالة) بفتح الزاي، هكذا ضبطه عز الدين ابن جماعة في "منسكه الكبير" وقال: هي أداة المسافر وما يكون معه [في السفر] (¬1)، أي: كالغرارة التي يحمل فيها زاده (¬2)، قال في "الغريب" (¬3): كل شيء لف في شيء فقد زمل (¬4). والزمال (¬5) الذي يشد به، قال: وأما الزاملة فهي البعير الذي يحمل عليه ذلك [في السفر] (¬6)، وفي بعض النسخ المعتمدة: زمالة بكسر الزاي (أبي بكر - رضي الله عنه - وزمالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحدة) وفي الحديث: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حج على رحل وكانت زاملته (¬7). فيحتمل أن يكون غالب زمالته عليها وبعض زمالته مع زمالة أبي بكر على بعير واحد، وكانت الزاملة (مع غلام أبي بكر) وفي بعض طرق هذا الحديث أن اسم هذا الغلام عقبة (فجلس أبو بكر ينتظر أن يطلع عليه) الغلام. وفي بعض طرقه: أن آل نضلة (¬8) الأسلميين لما أخبروا أن زاملة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضلت حملوا إليه جفنة من حيس وأقبلوا بها حتى وضعوها بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬9) (فطلع) الغلام (وليس معه بعيره ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (ر): رداءه. (¬3) في (ر): العريش. (¬4) "تفسير غريب ما في الصحيحين" للحميدي (ص 203). (¬5) في (م): والزمالى. (¬6) من (ر). (¬7) "صحيح البخاري" (1517). (¬8) في النسخ: فضالة. والمثبت من "مغازي الواقدي"، و"إمتاع الأسماع". (¬9) "مغازي الواقدي" 3/ 1094.

فقال له: أين بعيرك؟ قال: أضللته البارحة.) قال ابن السكيت: يقال: أضللت البعير إذا ذهب منك (¬1). (فقال أبو بكر: بعير واحد تضله)؛ لأن الغالب أن الضلال لا يكون إلا لمن معه إبل كثيرة يحفظها، أما من معه واحدة فيبعد أن تضيع منه إلا لتفريط من نوم أو غفلة ونحو ذلك، وفي بعض الطرق أن الجفنة الحيس لما وضعت بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل يقول: "هلم يا أبا بكر فقد جاء الله بغداء طيب"، وجعل أبو بكر يغتاظ على الغلام. فقال (فطفق أبو بكر يضربه) فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هون عليك يا أبا بكر فإن الأمر ليس إليك ولا إلينا معك"، وقد كان الغلام حريصًا على أن لا يضل بعيره وهذا خُلْف مما كان معه، ثم أكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهله وأبو بكر ومن كان يأكل معهم حتى شبعوا (¬2). (ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتبسم) تعجبًا من غيظه وضربه الغلام (ويقول: انظروا إلى هذا المحرم) ما يصنعه بغلامه وهو محرم، ولم ينهه عن ذلك، فدل على جواز تأديب المحرم ولده وغلامه بالضرب وغيره من التعزيرات، وعلى جواز ضرب الدابة التي يركبها وهو (¬3) مقتضى ما بوب عليه المصنف. (قال ابن أبي رزمة) بكسر الراء، واسمه محمد بن عبد العزيز دون أحمد بن حنبل في روايته (فما يزيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن يقول: ¬

_ (¬1) "إصلاح المنطق" (ص 193)، وانظر: "فتح الباري" 11/ 111. (¬2) "مغازي الواقدي" 3/ 1094. (¬3) في (م): وهذا.

انظروا إلى هذا المحرم) فيه إشارة إلى أن التأديب بالضرب وإن كان جائزًا له فالأولى تركه وصيانة إحرامه عن ذلك، ويشتغل بما هو أنفع من ذلك وهو ذكر الله والتلبية وقراءة القرآن، ولهذا قال: انظروا إلى (ما يصنع) في إحرامه (ويتبسم) تعجبًا من ذلك. وهذا الحديث له طرق كثيرة رواها الإمام أحمد وابن ماجه والحاكم وصححه (¬1)، وفي بعض طرقه أن صفوان بن المعطل كان على ساقة الركب، وأنه أقبل حتى أناخ على باب منزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه البعير الذي ضل ومعه (¬2) الزمالة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر: "انظر هل تفقد شيئًا من متاعك؟ " فقام فنظر فقال: ما فقدت إلا قعبًا كنا نشرب فيه، فقال الغلام: هذا القعب معي، فقال أبو بكر لصفوان: أدى الله عنك (¬3) الأمانة (¬4). [أخرجه ق، وفي إسناده ابن إسحاق تقدم الكلام عليه] (¬5). ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 6/ 344، و"سنن ابن ماجه" (2933) و"المستدرك" 1/ 453 - 454. (¬2) في (م): وعليه. (¬3) في (ر): عليك. (¬4) انظر: "مغازي الواقدي" 3/ 1093 - 1094. (¬5) ليست في (م).

32 - باب الرجل يحرم في ثيابه

32 - باب الرَّجُلِ يُحْرِمُ فِي ثِيَابِهِ 1819 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا هَمّامٌ قَالَ: سَمِعْتُ عَطاءً، أَخْبَرَنا صَفْوانُ بْنُ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ بِالجِعْرانَةِ وَعَلَيْهِ أثَرُ خَلُوقٍ - أَوْ قَالَ صُفْرَةٍ - وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ في عُمْرَتي فَأَنْزَلَ اللهُ تَبارَكَ وَتَعالَى عَلَى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - الوَحْي فَلَمّا سُرّي عَنْهُ قَالَ: "أَيْنَ السَّائِلُ، عَنِ العُمْرَةِ". قَالَ: "اغْسِلْ عَنْكَ أَثَرَ الخَلُوقِ - أَوْ قَالَ: أَثَرَ الصُّفْرَةِ - واخْلَعِ الجُبَّةَ عَنْكَ واصْنَعْ في عُمْرَتِكَ ما صَنَعْتَ في حَجَّتِكَ" (¬1). 1820 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ أُميَّةَ وَهُشَيْمٌ، عَنِ الحَجَّاجِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ صَفْوانَ بْنِ يَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ بهذِه القِصَّةِ قَالَ: فِيهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "اخْلَعْ جُبَّتَكَ". فَخَلَعَها مِنْ رَأْسِهِ وَساقَ الحَدِيثَ (¬2). 1821 - حَدَّثَنا يَزِيدُ بْن خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوْهَب الهَمْدَانِي الرَّمْليُّ، قَالَ: حَدَّثَني اللَّيْثُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبي رَباحٍ، عَنِ ابن يَعْلَى ابن مُنْيَةَ، عَنْ أَبِيهِ بهَذَا الخَبَرِ قَالَ: فِيهِ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَنْزِعَها نَزْعًا وَيَغْتَسِلَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا. وَساقَ الحَدِيثَ (¬3). 1822 - حَدَّثَنا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ، حَدَّثَنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ يُحَدِّثُ، عَنْ عَطَاءٍ عَنْ صَفْوانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - بِالجِعْرانَةِ وَقَدْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ وَهُوَ مُصَفِّرٌ لِحْيَتَهُ وَرَأْسَهُ وَساقَ هذا الحَدِيثَ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1789، 1847، 4329، 4985)، ومسلم (1180). وانظر ما سيأتي بالأرقام (1820، 1821، 1822). (¬2) انظر السابق. (¬3) انظر ما سلف برقم (1819). (¬4) انظر ما سلف برقم (1819).

باب الرجل يحرم في ثيابه [1819] [(حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً أَخْبَرَنا صَفْوانُ بْنُ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ)] (¬1) (عن أبيه) يعلى بن أمية، أسلم يوم فتح مكة: (أن رجلًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو بالجعرانة) فيه لغتان أفصحهما إسكان العين وتخفيف الراء، وهو منصرف من حنين. (وعليه أثر خلوق) أي: على جبته (¬2) والخلوق بفتح الخاء نوع من الطيب يعمل فيه زعفران [(أو قال: صفرة)] (¬3) تقديره: أو أثر صفرة (وعليه جبة) عليها أثر الخلوق. (فقال: يا رسول الله كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي) أي: فإني أحرمت في هذِه الجبة بعدما نضخت (¬4) بالخلوق أو الصفرة، فنظر إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ساعة وسكت. (فأنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - الوحي) وفي رواية: فأنزل الله الوحي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، (فلما سري عنه) بضم السين وكسر الراء المشددة أي: أزيل ما به وكشف عنه ما تغشاه (¬5) (قال: أين السائل عن العمرة؟ ) آنفًا فالتمس الرجل فجيء به (قال: اغسل عنك) أي: عن جبتك (أثر الخلوق) بفتح الخاء كما تقدم (أو أثر الصفرة) شك من الراوي في أي اللفظين قال، وفيه تحريم الطيب على المحرم ابتداء ودوامًا لأنه إذا ¬

_ (¬1) من مطبوع "السنن"، وكذا في عدد من الأحاديث التالية. (¬2) في (م): جبهته. (¬3) سقط من (ر). (¬4) في (م): تضمخت. (¬5) من (م).

حرم عليه دوامًا فالابتداء أولى بالتحريم [من الدوام] (¬1)، وفيه أن العمرة يحرم فيها من الطيب واللباس (¬2) وغيرهما من المحرمات السبعة ما يحرم في الحج، وفيه أن من أصابه (¬3) في إحرامه طيب ناسيًا أو جاهلًا لا كفارة عليه، وسبب تحريم الطيب لأنه داعية من دواعي النكاح. (واخلع الجبة عنك) قال العلماء: الحكمة في تحريم اللباس أن يبعد عن الترفه ويتصف بصفات الخاشع الذليل العاري عن اللباس، وفيه دليل لمالك (¬4) وأبي حنيفة (¬5) والشافعي (¬6) والجمهور أن المحرم إذا صار عليه مخيط ينزعه ولا يلزمه شقه، وقال الشعبي، والنخعي (¬7): لا يجوز نزعه؛ لئلا (¬8) يصير مغطيًا رأسه، بل يلزمه شقه وهذا مذهب ضعيف (¬9) (واصنع في عمرتك ما صنعت في حجتك) أي: من اجتناب المحرمات، ويحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - أراد مع ذلك الطواف والسعي والحلق بصفاتها وهيئاتها وإظهار التلبية وغير ذلك مما يشترك فيه الحج والعمرة وتختص (¬10) من عمومه مما لا يدخل في العمرة من أفعال الحج كالوقوف والرمي والمبيت بمنى والمزدلفة وغير ذلك، وهذا الحديث ظاهر بأن هذا السائل كان عالمًا بصفة الحج دون العمرة، فلهذا قال له: "اصنع في عمرتك ما ¬

_ (¬1) ليست في (م). (¬2) من (ر). (¬3) في (م): أصاب. (¬4) "المدونة" 1/ 462 - 463، وانظر: "التمهيد" 2/ 262. (¬5) انظر: "المبسوط" 4/ 125. (¬6) "الأم" 3/ 384. (¬7) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (14565). (¬8) في (ر): لأنه. (¬9) انظر: "شرح النووي" 8/ 77. (¬10) في (م): ويخص.

أنت صانع في حجتك"، وقد يستدل به الشافعي على أنه لا فدية على المتضمخ ولا على اللابس (¬1)؛ إذ ليس في طريق من طرقه أنه أمره بالفدية واعتذر عنه من قال (¬2): تلزمه الفدية - وهو أبو حنيفة - بأن ذلك لم يطل عليه ولا انتفع هو به (¬3). [1820] ([حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ أَبي بِشْرٍ عَنْ عَطاءٍ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ وَهُشَيْمٌ عَنِ الحَجَّاجِ عَنْ عَطَاءٍ] عن صفوان بن يعلى بهذِه القصة) (¬4) المذكورة (وقال فيه) أيضًا: (فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: اخلع جبتك) وزاد (فخلعها من رأسه) صرح في هذِه الرواية بما خالف فيه الشعبي والنخعي، [أخرجه ابن أبي شيبة عنهما حيث قال: لا ينزعه من قبل رأسه لئلا يصير مغطيًا رأسه، وعن علي نحوه، وكذا عن الحسن وعن أبي قلابة] (¬5) وليس فيه تغطية الرأس؛ لأن ذلك مما لا ينفك عن النهي إلا به، ولأن الشق فيه إضاعة المال، ولأن هذِه التغطية لا ينتفع بها فلا تكون هي التي نهي عنها المحرم. [1821] [(حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ خالِدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ] ابن موهب) بفتح الميم والهاء ([الهَمْداني الرَّمْليُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ عَطاءِ] بْنِ أَبي رَباحٍ) بالباء الموحدة ([عَنِ ابن يَعْلَى ابن أُميةَ] عن يعلى بن أمية) فأمية أبوه، وفي بعض الروايات يعلى ابن منية (¬6) بإسكان النون وتخفيف الباء، ¬

_ (¬1) "الأم" 2/ 226. (¬2) ليست في (م). (¬3) انظر: "المبسوط" 4/ 5، 135. (¬4) في (ر): الصفة. (¬5) ليست في (م) ورواه عنهم جميعًا ابن أبي شيبة في "مصنفه" 8/ 437 - 438 (14564 - 14568) وزاد معهم أيضًا أبا صالح وأبا قتادة .. (¬6) وكذا في نسخ أبي داود المطبوعة: منية.

فمنية جدته [نسب إليها] (¬1)، والصحيح أنها أمه بهذا الخبر المذكور (وقال فيه: فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينزعها نزعًا) فيه زيادة تأكيد على الرواية الأولى بذكر المصدر المؤكد (ويغتسل) أي: يغسله (مرتين أو ثلاثًا) دليل على المبالغة في غسله ثلاث مرات حتى يذهب ريحه وأثره؛ لأن (¬2) "ثلاثًا" حدٌّ (¬3) في الغسلات، ويحتمل أن "ثلاثًا" راجع إلى تكرير قوله: فاغسله، فكأنه قال: اغسله، اغسله، اغسله؛ لأنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا. [1822] ([حدثنا] عقبة بن مكرم) بفتح الراء ([حدثنا] وهب بن جرير) بفتح الجيم, ([حدَّثَنا أَبي قَالَ: سَمِعْتُ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ يُحَدِّثُ، عَنْ عَطاءٍ عَنْ صَفْوانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ] عن أبيه يعلى بن أمية) التميمي المكي: (أن رجلًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجعرانة) ميقات من مواقيت العمرة (وقد أحرم) من الميقات (بعمرة وعليه جبة) عليها أثر صفرة (وهو مصفر) بتشديد الفاء المكسورة (لحيته ورأسه) بما فيه أثر خلوق (¬4) أو صفرة، وساق الحديث أي بالأمر بالغسل كما تقدم في غسل الثوب، بل أولى لمباشرته، ولا فرق بين الصبغ والتلطخ بالخلوق، لكن لا يحرم خضاب اللحية والرأس بالحناء وغيره في الأصح؛ لأنه وإن كان تزيينًا للشعر لا يلتحق بالترجل بالدهن فلا تجب الفدية في خضاب اللحية والرأس. ¬

_ (¬1) ليست في (م). (¬2) زاد في (ر): هذا. (¬3) من (م). (¬4) في (م): الخلوق.

33 - باب ما يلبس المحرم

33 - باب ما يَلْبَسُ المُحْرِمُ 1823 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قالا: حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ما يَتْرُكُ المُحْرِمُ مِنَ الثِّيابِ؟ فَقَالَ: "لا يَلْبَسُ القَمِيصَ وَلا البُرْنُسَ وَلا السَّراوِيلَ وَلا العِمامَةَ وَلا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ وَلا زَعْفَرانٌ وَلا الخُفَّيْنِ إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَينِ فَمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُما حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ" (¬1). 1824 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بِمَعْناهُ (¬2). 1825 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بِمَعْناهُ. زادَ: "وَلا تَنْتَقِبُ المَرْأَةُ الحَرامُ وَلا تَلْبَسُ القُفّازَيْنِ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَقَدْ رَوى هذا الحَدِيثَ حاتِمُ بْن إِسْماعِيلَ وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نافِعٍ عَلَى ما قَالَ اللَّيْثُ وَرَواهُ مُوسَى بْنُ طارِقٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ مَوْقُوفًا عَلَى ابن عُمَرَ وَكَذَلِكَ رَواهُ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ وَمالِكٌ وَأيُّوبُ مَوْقُوفًا وَإِبْراهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ المَدِينِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "المُحْرِمَةُ لا تَنْتَقِبُ وَلا تَلْبَسُ القُفَّازَيْنِ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: إِبْراهِيمْ بْن سَعِيدٍ المَدِيني شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ لَيْسَ لَهُ كَبِيرٌ حَدِيثٍ (¬3). 1826 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ المَدِينيُّ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "المُحْرِمَةُ لا تَنْتَقِبُ وَلا تَلْبَسُ القُفَّازَيْنِ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (134)، ومسلم (1177). وانظر ما سيأتي بالأرقام (1824). (¬2) انظر السابق. (¬3) انظر ما سلف برقم (1823). (¬4) انظر السابق.

1827 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنا أَبِي عَنِ ابن إِسْحاقَ قَالَ: فَإِنَّ نافِعًا مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ حَدَّثَني عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى النِّسَاءَ في إِحْرامِهِنَّ، عَنِ القُفَّازَيْنِ والنِّقَابِ وَما مَسَّ الوَرْسُ والزَّعْفَرانُ مِنَ الثِّيابِ وَلْتَلْبَسْ بَعْدَ ذَلِكَ ما أَحَبَّتْ مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ مُعَصْفَرًا أَوْ خَزًّا أَوْ حلِيًّا أَوْ سَراوِيلَ أَوْ قَمِيصًا أَوْ خُفًّا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوى هذا الحَدِيثَ، عَنِ ابن إِسْحاقَ، عَنْ نافِعٍ عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمانَ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ إِلَى قَوْلِهِ وَما مَسَّ الوَرْسُ والزَّعْفَرانُ مِنَ الثِّيابِ. وَلَمْ يَذْكُرا ما بَعْدَهُ (¬1). 1828 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ عَنْ أيُّوبَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّهُ وَجَدَ القُرَّ فَقَالَ: أَلْقِ عَليّ ثَوْبًا يا نَافِعُ. فَأَلْقَيْتُ عَلَيْهِ بُرْنُسًا فَقَالَ تُلْقي عَلي هذا وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَلْبَسَهُ المُحْرِمُ (¬2). 1829 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ عَنْ جابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "السَّراوِيلُ لِمَنْ لا يَجِدُ الإِزارَ والخُفُّ لِمَنْ لا يَجِدُ النَّعْلَيْنِ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هذا حَدِيثُ أَهْلِ مَكَّةَ وَمَرْجِعُهُ إِلَى البَصْرَةِ إِلَى جابِرِ بْنِ زَيْدٍ والَّذي تَفَرَّدَ بِهِ مِنْهُ ذِكْرُ السَّراوِيلِ وَلَمْ يَذْكُرِ القَطْعَ في الخُفِّ (¬3). 1830 - حَدَّثَنا الحُسَيْنُ بْنُ الجُنَيْدِ الدّامَغَانِيُّ، حَدَّثَنا أَبُو أُسْامَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ سُوَيْدٍ الثَّقَفي قَالَ: حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ بِنْتُ طَلْحَةَ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ المُؤْمِنِينَ رضي الله عنها حَدَّثَتْهَا قَالَتْ: كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - إِلَى مَكَّةَ فَنُضَمِّدُ جِباهَنا بِالسُّكِّ المُطيَّبِ عِنْدَ الإِحْرامِ فَإِذَا عَرِقَتْ إِحْدانا سالَ عَلَى وَجْهِها فَيَراهُ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فَلَا ¬

_ (¬1) انظر ما سلف برقم (1823). (¬2) انظر ما سلف برقم (1823). (¬3) رواه البخاري (1841، 1843، 5804، 5853)، ومسلم (1178).

يَنْهاها (¬1). 1831 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا ابن أَبي عَدي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ قَالَ ذَكَرْتُ لِابْنِ شِهابٍ فَقَالَ حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَنَّ عَبْدَ اللهِ - يَعْني ابن عُمَرَ - كَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ - يَعْني يَقْطَعُ الخُفَّيْنِ لِلْمَرْأَةِ المُحْرِمَةِ - ثُمَّ حَدَّثَتْهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ أَبي عُبَيْدٍ أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ كَانَ رَخَّصَ لِلنِّساءِ في الخُفَّيْنِ فَتَرَكَ ذَلِكَ (¬2). * * * [باب ما يلبس المحرم] (¬3) [1823] [(حدَّثَنا مُسَدَدٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قالا: حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْريِّ] عن سالم، عن أبيه) عبد الله بن عمر (قال: سأل رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما يترك المحرم من الثياب؟ فقال: لا يلبس) هذا الجواب مطابق للسؤال في المعنى وهو الأصل في الخطاب؛ لأن "لا (¬4) يلبس" هو معنى: ما يترك. وهذا بخلاف رواية الصحيحين، وقد أجمع المسلمون على أن ما ذكره في هذا الحديث لا يلبسه المحرم مع الرفاهية والإمكان، وقد نبه - في هذا الحديث - بذكر (القميص) - أنه لا (¬5) يُلْبَس - على كل مخيط في أعلى البدن (ولا البرنس) على ما ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 79. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1606). (¬2) رواه أحمد 2/ 29، 6/ 35، وابن خزيمة (2686). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1607). (¬3) ساقط من (م). (¬4) في (ر): ما. (¬5) ليست في (م).

يغطي الرأس من المخيط، والبرنس قلنسوة طويلة تغطي الرقبة، وكان يلبسها النساك يعني الزهاد، وليس على ما يفهمه الناس اليوم في العرف من البرانس السود التي تعم البدن. (ولا السراويل) وهو كل مخيط يغطي أسفل البدن (ولا العمامة) وهو كل ما يغطي الرأس من غير المخيط (ولا ثوبًا مسه الورس) وهو نبت باليمن يصبغ به الأصفر، قيل: إنه الكركم (ولا زعفران) وهذا مما [اجتمعت الأمة عليه] (¬1)؛ لأن الزعفران والورس من الطيب واستعمالهما ينافي بذاذة (¬2) الحاج وشعثه المطلوب منه (¬3)، أيضًا فإنهما من مقدمات الوطء ومهيجاته والمحرم ممنوع من الوطء ومقدماته، ويستوي في المنع من ذلك الرجال والنساء، وعلى لابس ذلك الفدية عند مالك وأبي حنيفة لا الشافعي وأحمد إذا لبس ذلك ناسيًا (¬4). (ولا الخفين) وهو كل ما يستر الرجل مما يلبس عليها ولبسه جائز في غير الإحرام (إلا أن لا يجد) منصوب بأن (نعلين، فمن لم يجد نعلين) قال الشافعية: بأن لا (¬5) يقدر على تحصيلهما (¬6) إما لفقدهما وإما لعدم المال بالعجز عن ثمنه أو أجرته أو لعدم بذل المالك، ولو بيع بغبن ¬

_ (¬1) في (م): أجمعت عليه الأمة. (¬2) في (ر): نداوة. (¬3) من (م). (¬4) انظر: "المدونة" 1/ 395، و"المبسوط" 4/ 138 - 139، و"الأم" 2/ 228، و"المغني" 5/ 80 بمعناه. (¬5) في (ر): لم. (¬6) في (ر): تحصلهما.

أو نسيئة بزيادة على (¬1) المدة أو وهب من أجنبي لم يلزمه قبوله (فليلبس الخفين) إذا قطعهما (¬2). ولا يجوز لبس الخف من غير قطع لفقد النعلين عند غير الحنابلة وعند أحمد روايتان المذهب منهما الجواز (¬3)؛ لحديث عمرو بن دينار: أن أبا الشعثاء أخبره عن ابن عباس: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب يقول: "ومن لم يجد نعلين فوجد خفين فليلبسهما" (¬4). وقد يستدل له بظاهر قوله: "فليلبس الخفين (وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين) وفيه رد على من قال: المحرم لا يقطع الخفين؛ لأنه إضاعة مالٍ، وهذا من القائل حكم بالعموم على الخصوص وهو عكس ما يجب. [1825] [(حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنْ نافِعٍ] عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمعنى الحديث) المتقدم (وزاد: ولا تنتقب) بنون ساكنة بين التاءين (المرأة) وقد اختلف العلماء في قوله: "ولا تنتقب المرأة" هل هو من تتمة الحديث أو هو مدرج في آخر الحديث من كلام ابن عمر، والمرجح أنه من الحديث؛ لحديث ابن عمر الآتي. قالت الشافعية: المرأة (الحرام) تستر رأسها وسائر بدنها سوى الوجه فإنه يحرم ستره أو ستر شيء منه مما تمسه من نقاب أو غيره، لكنها تستر ¬

_ (¬1) زاد في (م): نظير. (¬2) "الأم" 2/ 214 - 215 بمعناه، وانظر "الشرح الكبير" للرافعي 7/ 261. وهو كلامه. (¬3) "مسائل أحمد" رواية أبي داود (ص 173)، وانظر كتابنا: "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 8/ 175 - 180. (¬4) "المغني" 5/ 120 - 121.

من وجهها (¬1) القدر اليسير الذي لا يمكن ستر الرأس إلا به (¬2). (ولا تلبس القفازين) بقاف مضمومة ثم فاء مشددة وبزاي بعد الألف وهو ثوب على اليدين يحشى بقطن ويكون له [أزرار تزر على الكفين والساعدين من البرد وغيره. وفيه دليل على تحريم لبس القفازين] (¬3) وهو مذهب الجمهور، وقال الثوري وأبو حنيفة: يجوز هذا في المرأة، وأما الرجل فيحرم عليه لبسهما بلا خلاف (¬4). [1827] [(حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنا أَبي] عن محمد بن إسحاق) صاحب المغازي. ([قال: فإن نافعًا مولى عبد الله بن عمر، حدثني عن عبد الله] (¬5) ابن عمر: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى النساء في إحرامهن عن القفازين) لأن اليد عضو لا يجب على المرأة ستره في الصلاة، فلا يجوز لها ستره في الإحرام كالوجه، وهذا هو الصحيح، والثاني يجوز، صححه الغزالي (¬6)؛ لأن سعد بن أبي وقاص كان يأمر بناته بلبسهما في الإحرام، رواه الشافعي [في "الأم" (¬7)] (¬8). ¬

_ (¬1) في (ر): رأسها. خطأ. (¬2) "المهذب" 1/ 382، و"المجموع" 7/ 250. (¬3) ليست في (م)، وانظر "غريب الحديث" لأبي عبيد 4/ 272. (¬4) انظر: "المبسوط" 4/ 39، و"المغني" 5/ 158. (¬5) سقط من (ر)، وبياض في (م) قدر خمس كلمات. والمثبت من مطبوع "السنن". (¬6) "الوسيط" 2/ 682. (¬7) "الأم" 3/ 522. (¬8) من (م).

وهذان القولان جاريان في القفاز الواحد، قاله (¬1) في "الكفاية"، ولو اختضبت [ولفت على يدها خرقة فوق الخضاب أو لفتها بلا خضاب فالمذهب أنه لا فدية (¬2). لكن إذا اختضبت] (¬3) بما فيه طيب كالحناء عندهم فإنه يجب عليها ما يجب على المتطيب (¬4). (والنقاب) فيحرم عليها لبسه كما يحرم على الرجل لبس رأسه، قال ابن المنذر: كراهة البرقع ثابتة لا نعلم أحدًا خالف فيه، فإذا احتاجت إلى ستر وجهها لمرور الرجال قريبًا منها فإنها تسدل الثوب من فوق رأسها على وجهها (¬5) ويكون متجافيًا عن وجهها بحيث لا يصيب البشرة. (وما مس الورس والزعفران من الثياب) قال ابن عبد البر: لا خلاف بين أهل العلم في عدم جوازه (¬6). فكل ما صبغ بزعفران أو ورس أو غمس في ماء الورد أو بخر بعود فليس للمحرم لبسه ولا الجلوس عليه ولا النوم عليه ولا على أرض مطيبة (¬7)، نعم لو فرش ثوبًا ثم جلس أو نام عليه لم يحرم لوجود الحاجز. (ولتلبس) بفتح الباء الموحدة وهو مجزوم بلام الأمر (بعد ذلك) أي: بعد القفازين الذين على اليد والنقاب الذي على الوجه والثياب التي على ¬

_ (¬1) ليست في (م). (¬2) انظر "المجموع" 7/ 263. و"طرح التثريب" 5/ 47. (¬3) ليست في (م). (¬4) "المجموع" 7/ 278. (¬5) "المغني" 5/ 154. (¬6) "الاستذكار" 11/ 37. (¬7) في (ر): مطينة.

بدنها إذا مست بالورس والزعفران بصبغ أو تلطخ أو غيرهما (ما أحبت من) ملبوس على الرأس والبدن والرجل غير مصبوغ وتلبس من (ألوان الثياب) [غير الممسوسة بالورس والزعفران ما أحبت من (معصفر) أي: مصبوغ بالعصفر واستعماله، وشمه] (¬1) فإنه ليس بطيب وهو مذهب الشافعي وأحمد (¬2) وكرهه مالك، لكنه لم (¬3) يوجب فيه فدية (¬4) ومنع منه أبو حنيفة ومحمد بن الحسن؛ لأنهم شبهوه بالورس والزعفران (¬5) والحديث حجة عليهم، ولما روى الإمام أحمد في "المناسك" بسنده عن عائشة بنت سعد قالت: كن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يحرمن [في] المعصفرات (¬6). ولأنه قول جماعة من الصحابة، ولأنه ليس بطيب فلم يكره ما صبغ به فهو كالسواد والمصبوغ بالمغرة (¬7). (أو خز) قيل: هو الفاخر من الثياب أصله من الدابة ثم أطلق على الثوب من وبرها (أو حلي) بفتح الحاء وإسكان اللام وبضم الحاء مع كسر اللام وتشديد الياء لغتان قرئ بهما في السبع (¬8). وهي ما تتحلى به المرأة ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) "الأم" 2/ 215، 217، و"المغني" 5/ 144. (¬3) ليست في (م). (¬4) "المدونة" 1/ 395، و"الاستذكار" 11/ 38 - 39. (¬5) انظر: "المبسوط" 4/ 9. (¬6) نقله ابن قدامة في "المغني" 5/ 144. (¬7) ليست في (ر) وانظر "المغني" 5/ 144 - 145. (¬8) في "معاني القراءات" للأزهري: وقوله جل وعز {مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا} قرأ حمزة والكسائي (من حِلِيِّهم) بكسر الحاء والتشديد. وقرأ الحضرمي (من حَلْيِهِم) بفتح الحاء وسكون اللام خفيفة. وقرأ الباقون (من حُلِيِّهم) بضم الحاء مشددًا. . .

من خلخال أو (¬1) سوار أو (¬2) يتزين بذهب أو فضة أو لؤلؤ أو (¬3) غير ذلك, (أو سراويل) علامة جره فتح اللام؛ لأنه لا ينصرف (أو قميص أو خف. وروى هذا الحديثَ عَبْدَةُ) بفتح المهملة وإسكان الموحدة (¬4) وهو لا ينصرف. [1826] [(حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ المَدِينيُّ، عَنْ نافِعٍ] عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: المحرمة لا تنتقب) بإسكان النون بين (¬5) المثناتين وكسر القاف المخففة (ولا تلبس القفازين)، فيه ما تقدم. [1828] [(حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمَّادٌ عَنْ أيُّوبَ، عَنْ نافِعٍ] عن ابن عمر: أنه وجد القر) بضم القاف وتشديد الراء وهو البرد الشديد (فقال: ألق) بفتح الهمزة (علي ثوبًا يا نافع) يجوز عند الأئمة أن يشتمل بالعباءة ونحوها طاقين وثلاثة وأكثر، ولا بأس بما لم (¬6) يوجد فيه الإخاطة وإن وجدت فيه الخياطة كالارتداء على ظهره والاتزار بقميص في وسطه والالتحاف إذا نام بقميص أو جبة أو نحو ذلك إذا كان لا يعد لابسًا له إذا قام، ولا يجوز عقد الرداء على ¬

_ (¬1) و (¬2) و (¬3) في (م): و. (¬4) في (ر) بفتح الموحدة وإسكان المهملة. قلت: وتتمة كلام أبي داود كما في مطبوع "السنن": روى هذا الحديث عن ابن إسحاق عن نافع عبدةُ بن سليمان ومحمد بن سلمة إلى قوله: وما مس الورس والزعفران من الثياب ولم يذكرا ما بعده. (¬5) ليست في (م). (¬6) في (م): لا.

المنصوص، ولا أن يزره بأزرار (¬1)، ولا أن يخله بخلال أو مسلة، أو يربط خيطًا في طرفه ثم يربطه في طرفه الآخر، وعند الحنفية يكره أن يعقد الإزار أو يخله بخلال أو مسلة، فإن فعل فلا شيء عليه (¬2). (فألقيت عليه برنسًا) هو كل ثوب رأسه منه ملتصق به ذراعيه (¬3) كانت جبة أو ممطرًا بكسر الميم الأولى وفتح الطاء مما يلبس في المطر يتوقى به، قاله النووي (¬4). (فقال: تلقي علي هذا وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يلبسه المحرم) لعل المراد به (¬5) والله أعلم أنه ألقاه على رأسه أو على جسده بحيث لو قام أو قعد استمسك عليه، أما إذا لم يستمسك عليه إلا بمزيد أمر آخر فإنه يجوز ولا فدية (¬6). [1829] [(حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ زَيْدٍ] عن (¬7) ابن عباس قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول) لبس (السراويل) أي: جائز (إذا لم (¬8) يجد الإزار) قال النووي: هذا صريح في الدلالة للشافعي والجمهور في جواز لبس السراويل ¬

_ (¬1) في (ر): بإزار. (¬2) "المبسوط" 4/ 140. (¬3) في (ر): ذراعه. (¬4) نقله النووي عن الأزهري في كتابه "المجموع" 7/ 251. (¬5) من (م). (¬6) "نهاية المطلب" 4/ 248. (¬7) في النسخ: وعن. لكونه يحذف أول الإسناد ويعطف على ما قبله. (¬8) في المطبوع: لمن لا.

للمحرم إذا لم يجد إزارًا (¬1). ولا يحتاج إلى فتق السراويل ليصير كالإزار، وقال مالك: لا يلبسه حتى يفتقه، فإن لبسه كذلك لزمته الفدية (¬2) لحديث ابن عمر "وليقطعهما" ليصير كالإزار "أسفل من الكعبين" (¬3)؛ لأن الأصل المقرر حمل المطلق على المقيد لا سيما إذا اتحدت القصة (¬4). قال النووي: والصواب إباحته لحديث ابن عباس هذا، وأما حديث ابن عمر فلا حجة فيه؛ لأنه ذكر فيه حالة وجود الإزار، وذكر في حديث ابن عباس حالة العدم، فيعمل بالحديثين؛ إذ لا منافاة بينهما (¬5) [وحكى ابن جماعة في "منسكه" عن جماعة من الشافعية إن أمكن فتق السراويل أو اتخاذ إزار منه] (¬6) لزمه (¬7) فتقه ولم يجز لبسه سراويل، فإن لبسه من غير فتق لزمته الفدية، ولو قدر على بيع السراويل وشراء [إزارٍ به] (¬8) فهل يجب؟ أطلق الدارمي [الوجوب، قال القاضي أبو الطيب من الشافعية: إن كان مع فعل ذلك لا تبدو عورته وجب وإلا لم يجب (¬9). وعلى هذا يحتمل إطلاق الدارمي] (¬10) بلا شك، وإذا لبس السراويل ثم وجد الإزار وجب نزعه فإن أخر عصى ووجبت الفدية عند الشافعية (¬11) وهو ¬

_ (¬1) "شرح النووي" 8/ 75. (¬2) "المدونة" 1/ 462، وانظر: "الاستذكار" 11/ 32. (¬3) "صحيح البخاري" (1542). (¬4) في (م): القضية. (¬5) "شرح النووي" 8/ 76. (¬6) من (م). (¬7) في (م): لزمته. (¬8) في (ر): إزاريه. (¬9) انظر "المجموع" 7/ 261. (¬10) ليست في (م). (¬11) "الأم" 2/ 215.

مقتضى قول الحنابلة والحنفية و (¬1) المالكية (¬2). (والخف لمن لا يجد النعلين) ولم يقل بقطع الخف (¬3) إن لم يجد النعلين، والمراد بمن لم يجد: إن لم (¬4) يقدر على تحصيلهما إما لفقدهما أو لعدم بذل المالك (¬5) أو للعجز عن ثمنه أو أجرته، وفي الخفين ما سبق في السراويل. [1830] (ثنا الحسين) مصغر (بن الجنيد) بضم الجيم وفتح النون مصغرًا (الدامغاني) بفتح الميم. ([حدثنا] أبو أسامة) حماد ([قَالَ: أَخْبَرَني عُمَرُ بْنُ سُوَيْدٍ الثَّقَفي قَالَ: حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ بِنْتُ طَلْحَةَ] أن عائشة قالت: كنا نخرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة فنضمد) بفتح الضاد المعجمة وتشديد الميم المكسورة أي: نلطخ (جباهنا بالسك) وهو نوع من الطيب معروف، وهو عربي بضم السين المهملة وتشديد الكاف (المطيب عند الإحرام) هذا محمول على أن السك كان رقيقًا لا يستر البشرة ويدل عليه قوله بعد (فإذا عرقت) بكسر الراء (أحدنا (¬6) سال على وجهها) أما إذا كان ثخينًا يستر البشرة ففيه وجهان، أصحهما وبه قطع البندنيجي أنه لا (¬7) يجوز وتجب الفدية به؛ لأنه ساتر، وبهذا لو ¬

_ (¬1) في (ر): لا. (¬2) انظر: "المغني" 5/ 120، و"المبسوط" 4/ 139، و"بدائع الصنائع" 2/ 188، و"الاستذكار" 11/ 31 - 32 بمعناه. (¬3) في مطبوع "السنن": قال أبو داود: هذا حديث أهل مكة ومرجعه إلى البصرة إلى جابر بن زيد والذي تفرد به منه ذكر السراويل ولم يذكر القطع في الخف. (¬4) في (م): لا. (¬5) في (ر): المال. (¬6) من (م). (¬7) ليست في (م).

ستر به العورة صحت صلاته، ثم (¬1) الثاني الجواز؛ لأنه لا يعد ساترًا في العرف (¬2). (فيراه النبي - صلى الله عليه وسلم -) على جباهنا ونحن محرمون (فلا ينهانا) عنه (¬3) وسكوته - صلى الله عليه وسلم - دليل على الجواز، [وهذا صريح في جواز بقاء عين الطيب على بدن المحرمة، وإذا جاز بقاء العين فبقاء الأثر أولى، ولا يقال: هذا يختص بالنساء؛ لإجماعهم على أن الرجال والنساء سواء في تحريم استعمال الطيب إذا كانوا محرمين] (¬4) فإنه لا يقر على باطل. [1831] [(حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا ابن أَبي عَدي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ قَالَ ذَكَرْتُ لِابْنِ شهابٍ فَقَالَ: حَدَّثَنِي سالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ] أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - كان يصنع ذلك يعني يقطع الخفين) أسفل من الكعبين (للمرأة المحرمة) ويفتي بقطعهما لعموم الحديث المتقدم من روايته فإنه شامل للرجل والمرأة (ثم) لما (حدثته صفية بنت أبي عبيد) امرأة عبد الله بن عمر بن الخطاب (أن عائشة) رضي الله عنها (حدثتها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد كان رخص للنساء) المحرمات (في) لبس (الخفين) ولا تقطعهما (فترك ذلك) ورجع عن فتواه، وهذا موافق لمذهب الشافعي، فإن عنده أن المرأة يباح لها أن تستر ما عدا الوجه والكفين بالمخيط وغيره، وجميع ما كان لها التستر به قبل الإحرام (¬5). ¬

_ (¬1) في (م): و. (¬2) "المجموع" 7/ 253. (¬3) في (م): فيه. (¬4) ليست في (م). (¬5) "المجموع" 7/ 261.

34 - باب المحرم يحمل السلاح

34 - باب المُحْرِمِ يَحْمِلُ السِّلاحَ 1832 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ قَالَ: سَمِعْتُ البَرَاءَ يَقَولُ: لَمّا صالَحَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَهْلَ الحُدَيْبِيَةِ صالَحَهُمْ عَلَى أَنْ لا يَدْخلُوها إِلَّا بِجُلُبَّانِ السِّلاحِ فَسَأَلْتُهُ: ما جُلُبَّانُ السِّلاحِ؟ قَالَ: القِرابُ بِما فِيهِ (¬1). * * * باب المحرم يحمل السلاح [1832] ([حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ] عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي الهمداني (قال: سمعت البراء - رضي الله عنه - يقول: لما صالح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل الحديبية) في السادسة من الهجرة (صالحهم على أن لا يدخلوها) أي: لا (¬2) يدخلوا مكة (إلا بجلبان) بضم الجيم واللام وتشديد الباء الموحدة، هكذا رواه الأكثرون وصوبه ابن قتيبة وغيره (السلاح) قال العلماء: وإنما اشترطوا هذا الشرط في صلحهم لوجهين: أحدهما ألا يظهر منه حال دخولها دخول الغالبين القاهرين لهم، والثاني أنه إن عرض فتنة أو غيرها يكون في الاستعداد للقتال بالسلاح صعوبة، قال أبو إسحاق السبيعي (فسألته) يعني: البراء (ما جلبان السلاح فقال: هو القراب) بكسر القاف (بما فيه) والقراب هو وعاء يجعل فيه راكب البعير سيفه ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2698، 3184، 4251)، ومسلم (1783). (¬2) من (م).

مغمدًا ويطرح فيه الراكب سوطه وأداته ويعلقه في الرحل، وفيه [دليل على] (¬1) جواز حمل السلاح بمكة إذا دعت إليه حاجة وضرورة وكان في (¬2) قرابه. ووجه الدليل دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - حال عمرة القضاء على ما صالح عليه من حمل السلاح في القراب. قال القرطبي: وفي هذا الدليل بعد؛ لأن حمل السلاح حال دخوله مخصوص بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد أنكر عبد الله بن عمر على الحجاج بن يوسف في أمره بحمل السلاح في الحرم ثم قال: ويمكن أن يعلل بأن ذلك في أيام الموسم لكثرة الخلق فيخاف أن يصيب أحدًا أو يروعه كما في الحديث: "من مر بشيء من مساجدنا أو أسواقنا بنبل فليأخذ على نصالها لا يعقر مسلمًا" (¬3)، انتهى (¬4). وفي "صحيح مسلم" قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل لأحد أن يحمل بمكة السلاح" (¬5)، وحمله الجمهور لغير ضرورة كما تقدم وأخذ بظاهر هذا النهي (¬6) الحسن البصري وكرهه مطلقًا. ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (م): لي. (¬3) "صحيح البخاري" (452) و"صحيح مسلم" (2615). (¬4) "المفهم" 3/ 477. (¬5) رواه مسلم (1356). (¬6) من (م).

35 - باب في المحرمة تغطي وجهها

35 - باب في المُحْرِمَةِ تُغَطِّي وَجْهَهَا 1833 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنا يَريدُ بْنُ أَبِي زِيادٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ الرُّكْبانُ يَمُرُّونَ بِنا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُحْرِماتٌ فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدانا جِلْبابَها مِنْ رَأْسِها إِلَى وَجْهِها فَإِذَا جاوَزُونا كَشَفْناهُ (¬1). * * * باب في المحرمة تغطي وجهها [1833] ([حدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنا يَزِيدُ بْنُ أَبي زِيادٍ عَنْ مُجاهِدٍ] عن عائشة) رضي الله عنها (قالت: كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محرمات) [بالرفع والجر جائز] (¬2) يعني أزواجه - صلى الله عليه وسلم - (فإذا جازوا (¬3) بنا سدلت إحدانا) يشبه والله أعلم أن من مروا عنها وقربوا منها ترخي جلبابها أي: إزارها وملحفتها. فيه أن المرأة (¬4) المحرمة وغير المحرمة إذا لم يكن عندها أجنبي تكون سافرة عن وجهها. (من رأسها) أخذ به أحمد وقال: إنما لها أن تسدل على وجهها من فوق رأسها وليس لها أن ترفع الثوب من أسفل، كأنه يقول: إن النقاب ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (2935)، وأحمد 6/ 30. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (317). (¬2) ليست في (م). (¬3) في (م): جاوزوا. وفي المطبوع: حاذوا. (¬4) ليست في (م).

من أسفل [على وجهها (¬1). تضعه] (¬2) (على وجهها) وفيه دليل على أن المرأة إذا احتاجت إلى ستر وجهها لمرور الرجال قريبًا منها فإنها تسدل الثوب من فوق رأسها على وجهها؛ لأن المرأة تحتاج إلى ستر وجهها فلم يحرم عليها ستره مطلقًا كالعورة، لكن إذا سدلت (¬3) يكون الثوب متجافيًا عن وجهها بخشبة ونحوها بحيث لا يصيب البشرة، فإن أصابها ثم زال أو أزالته بسرعة فلا شيء عليها، كما لو أطارت الريح الثوب عن عورة المصلي ثم عاد بسرعة لا تبطل الصلاة، وإن لم ترفعه مع القدرة افتدت لأنها استدامت الستر، ولا فرق في جواز السدل بين أن يكون لحاجة أو لغير حاجة، وهذا كله في الرجال الأجانب أما مع النساء أو الصغار أو الأزواج أو المحارم فالظاهر لا سدل عليها بخلاف الأجانب، واشتراط التجافي عن البشرة صرح به أصحابنا (¬4)، وظاهر الحديث خلافه؛ لأن الثوب المسدول لا يكاد يسلم من إصابة البشرة، فلو كان هذا شرطًا لبين (فإذا جاوزونا) أي: أبعدوا (¬5) عنا بحيث لا يصف الرائي لون البشرة (كشفناه) لفضيلة الإحرام بكشف الوجه. ¬

_ (¬1) "المغني" 5/ 155. (¬2) في (م): تضعه على وجهها. وفي (ر) تضعه. والمثبت الموافق لما في "المغني". (¬3) في (م): أسدلت. (¬4) بل نص عليه في "الأم" 3/ 322. (¬5) في (م): بعدوا.

36 - باب في المحرم يظلل

36 - باب في المُحْرِمِ يُظَلَّلُ 1834 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ أُمِّ الحُصَيْنِ حَدَّثَتْهُ قَالَتْ: حَجَجْنَا مَعَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - حَجَّةَ الوَدَاعِ فَرَأَيْتُ أُسَامَةَ وَبِلالًا وَأَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخِطَامِ ناقَةِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، والآخَرُ رافِعٌ ثَوْبَهُ لِيَسْتُرَهُ مِنَ الحَرِّ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ (¬1). * * * باب المحرم يظلل [1834] ([حدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبي عَبْدِ الرَّحِيمِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبي أُنَيْسَةَ] عن يحيى بن الحصين) [بضم المهملة، مصغر بمهملتين (عن أم الحصين) أنها (حدثته) رواية مسلم عن يحيى بن حصين] (¬2) عن جدته قال (¬3): سمعتها (¬4) (قالت: حججت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع) فيه جواز تسميتها (¬5) حجة الوداع، خلافًا لمن كرهه. (فرأيت أسامة وبلالًا وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم -) يقود به الناقة (والآخر رافع ثوبه) على رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما في مسلم (يستره (¬6) من ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1298). (¬2) من (م). (¬3) في النسخ: قالت. (¬4) "صحيح مسلم" (1298/ 311). (¬5) في (ر): تسمية. (¬6) في (م): فستره.

الحر) فيه جواز تظليل المحرم على رأسه بثوب وغيره من محمل وغيره، وهو مذهبنا ومذهب جماهير العلماء سواء كان راكبًا أو نازلًا، سواء كان هو المظلل أو غيره (¬1). وقال مالك وأحمد (¬2): لا يجوز (¬3). وأجاب بعض أصحاب مالك عن هذا الحديث بأن هذا المقدر (¬4) لا يكاد يدوم، فهو كما لو (¬5) أجاز مالك للمحرم أن (¬6) يستظل بيده، فإن فعل لزمته الفدية عند أحمد ومالك (¬7)، وأجمعوا على أنه لو قعد تحت خيمة أو سقف جاز، وقد يحتجون بحديث ابن عمر أنه أبصر رجلًا على بعيره وهو محرم قد استظل بينه وبين الشمس فقال: اضح لمن أحرمت له. رواه البيهقي بإسناد صحيح (¬8). وعن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من محرم يضحي للشمس حتى تغرب إلا غربت بذنوبه حتى يعود كلما ولدته أمه"، رواه البيهقي وضعفه (¬9)، وقوله: اضح بالضاد المعجمة، [وقوله: يضحي للشمس] (¬10) أي: ابرز للضحى، قال الله تعالى: {وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا ¬

_ (¬1) "المجموع" 7/ 268. (¬2) ليست في (م). (¬3) انظر: "التمهيد" 15/ 111، و"مسائل أحمد" رواية عبد الله (760). (¬4) في (م): القدر. (¬5) ليست في (م). (¬6) ليست في (م). (¬7) انظر "المغني" 5/ 129 - 130، و"الاستذكار" 11/ 47. (¬8) "السنن الكبرى" 5/ 112 (9192). (¬9) 5/ 112 (9194). (¬10) في (م): وكذا تضحي للشمس حتى تغرب.

وَلَا تَضْحَى (119)} (¬1). وقال الرياشي (¬2): رأيت أحمد بن المعدل في يوم شديد الحر فقلت له: يا أبا الفضل هلا استظللت فإن ذلك توسعة فأنشد: ضحيت له كي أستظل بظله ... إذ الظل أضحى في القيامة قالصًا فوا أسفا إن كان سعيك ضائعًا ... وواحسرتا إن كان أجرك ناقصًا (¬3) وأجاب أصحابنا بأن حديث جابر ضعيف وقول ابن عمر ليس بنهي، ولو كان حديث أم الحصين مقدم عليه (حتى رمى جمرة العقبة) فيه دليل على أن الرمي راكبًا أفضل كما سيأتي. ¬

_ (¬1) طه: 119. (¬2) في (م): الرياني. (¬3) رواه بسنده عن الرياشي الخطابي في "معالم السنن" 2/ 154.

37 - باب المحرم يحتجم

37 - باب المُحْرِم يَحْتَجِمُ 1835 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ، عَنْ عَطَاءٍ وَطاوُسٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ (¬1). 1836 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شيْبَةَ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ، أَخْبَرَنا هِشامٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ في رَأْسِهِ مِنْ داءٍ كَانَ بِهِ (¬2). 1837 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلِ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ عَلَى ظَهْرِ القَدَمِ مِنْ وَجَعٍ كَانَ بِهِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ قَالَ: ابن أَبِي عَرُوبَةَ أَرْسَلَهُ يَعْني: عَنْ قَتادَةَ (¬3). * * * باب المحرم يحتجم [1835] (¬4) (عن ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو محرم) رواية مسلم: احتجم بطريق مكة وهو محرم وسط رأسه. زاد البخاري: احتجم ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1835، 5695, 5700)، ومسلم (1202). وانظر ما سيأتي بالأرقام (1836، 2372، 2373، 3423). (¬2) انظر السابق. (¬3) رواه النسائي 5/ 194، وأحمد 3/ 164، وابن خزيمة (2659)، وابن حبان (3952). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1611/ م). (¬4) عادة المؤلف أن يورد الإسناد بكامله، لكنه لم يفعل ذلك في معظم كتاب المناسك، ولا ندري هل ذلك تصرف النساخ أم أن ذلك من أصل المصنف؟ وكنا في مثل هذه المواضع نكمل الإسناد من "السنن" لكنه أكثر في ترك بعض الإسناد في هذه الأبواب فتركناه ولم نضفه إلا عند الحاجة.

وهو صائم (¬1). وفيه دليل على جواز الحجامة للمحرم، وقد أجمع العلماء على جوازها له في الرأس وغيره إذا كان له عذر في ذلك، وإن قطع الشعر حينئذٍ يكون (¬2) عليه الفدية لقطع الشعر، فإن لم يقطع فلا فدية، ودليل الفدية قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} (¬3) وهذا الحديث محمول على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان له عذر في الحجامة، وأما الحجامة لغير حاجة فإن تضمنت قلع شعر فهي حرام؛ لتحريم قطع الشعر، وإن لم تتضمن ذلك بأن كانت في موضع لا شعر فيه فهي جائزة عندنا وعند الجمهور ولا فدية فيها. وعن ابن عمر ومالك كراهتها (¬4). وعن الحسن البصري فيها الفدية، ودليلنا أن إخراج الدم ليس حرامًا (¬5)، وعن داود أنه كان (¬6) لا يرى في حلق [الشعر في الجسد] (¬7) لضرورة الحجامة دمًا، ولعله استدل بأنها لم تذكر في هذا الحديث. [1836] (وعن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو محرم في ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (1938). (¬2) في (م): يكن. (¬3) البقرة: 196. (¬4) "الاستذكار" 11/ 266. (¬5) زاد في (م): في الإحرام. (¬6) من (م). (¬7) في (م): شعر الجسد.

رأسه) يوضحه رواية مسلم: في وسط رأسه (¬1). قال القرطبي: قد روي في حديث مرفوع في حجامة في وسط الرأس شفاء من النعاس والصداع والأضراس (¬2). قال الليث: وليس في (¬3) وسطه لكن في فأس الرأس، وهو مؤخره، وأما في وسط الرأس قد يعمى (¬4) (من داء كان به) هذا يقيد الحديث المتقدم؛ فإنه مطلق، والمطلق يحمل على المقيد، وهذا مبين لما تقدم من (¬5) أن الجواز محمول على ما إذ للحجامة عذر كما تقدم، ويحتمل أن الداء الذي كان به في وسط رأسه، وفي رواية: احتجم وهو محرم من شقيقة (¬6). أي: في رأسه. [1837] (عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو محرم على ظهر القدم) رواه النسائي وقال: من وثء كان به (¬7). ورواه الحاكم وقال: على (¬8) ظهر القدمين من وجع كان به وصححه على شرط الشيخين (¬9)، ورواه ابن ماجه فقال: احتجم وهو محرم من رهصة أخذته (¬10)، وأصل الرهصة داء في باطن حافر الدابة من حجر تطأه، ¬

_ (¬1) الذي في مسلم عن ابن بحينة وهو في البخاري أيضًا عنه. (¬2) رواه ابن سعد في "الطبقات" 1/ 447، وهو مرسل. (¬3) ليست في (م). (¬4) "المفهم" 3/ 290. (¬5) ليست في (م). (¬6) رواه البخاري (5701) معلقا بصيغة الجزم. (¬7) "سنن النسائي" 5/ 193 - 194. (¬8) في (م): من. (¬9) "المستدرك" 1/ 452. (¬10) "سنن ابن ماجه" (3082).

وأما الوثء فهو بالثاء المثلثة وسيأتي تفسيره حيث ذكره المصنف في كتاب الطب (¬1) (من وجع كان به) يشبه أن يكون رواية ابن ماجه أنه من رهصة وهي في باطن القدم، ويحتمل غير ذلك، والله أعلم، وهو أيضًا يقوي إطلاق الحديث الأول أنه لم يحتجم وهو محرم إلا من وجع كان به. ¬

_ (¬1) سيأتي برقم (3836).

38 - باب يكتحل المحرم

38 - باب يَكْتَحِلُ المُحْرِمُ 1838 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ أيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنْ نُبيْهِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: اشْتَكَى عُمَرُ بْنُ عُبيْدِ اللهِ بْنِ مَعْمَرٍ عيْنيْهِ فَأَرْسَلَ إِلَى أَبانَ بْنِ عُثْمانَ - قَالَ سُفْيانُ: وَهُوَ أَمِيرُ المَوْسِمِ - ما يَصْنَعُ بِهِما؟ قَالَ: اضْمِدْهُما بِالصَّبِرِ فَإِنِّي سَمِعْتُ عُثْمانَ - رضي الله عنه - يُحدِّث ذَلِكَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). 1839 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شيْبَةَ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بْنُ إِبْراهِيمَ ابن عُليَّةَ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ نافِعٍ، عَنْ نُبيْهِ بْنِ وِهْبٍ بِهذا الحَدِيثِ (¬2). * * * باب المحرم يكتحل [1838] (عن نبيه) بضم النون وفتح الباء الموحدة مصغر (بن وهب) الكعبي الحجازي، روى له مسلم دون البخاري (قال: اشتكى عمر بن عبيد الله) مصغر (بن معمر عينيه فأرسل إلى أبان) فيه وجهان: الصرف وعدمه، والصحيح الصرف، فمن صرفه قال: وزن فعال، ومن منعه قال: هو أفعل، ابن عثمان بن عفان القرشي (قال سفيان) ابن عيينة، حكى عنه (¬3) ابن أخيه الحسن بن عمران (¬4) أنه قال بجمع آخر حجة حجها (¬5): قد وافيت هذا المكان سبعين مرة، كل سنة أقول: اللهم لا ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1204). وانظر ما بعده. (¬2) انظر السابق. (¬3) في (م): عتبة. (¬4) في (م): عمر. (¬5) في (م): محمدًا.

تجعله آخر العهد من هذا المكان وإني قد استحييت من الله من كثرة ذلك، قال: فلم يسأله، فرجع فتوفي في (¬1) السنة الداخلة رحمه الله تعالى (¬2). (وهو) يعني أبان بن عثمان (أمير) الحاج في ذلك (الموسم) وكان بالروحاء حين أرسل يسأله لما (¬3) اشتد عليه وجعه ما يصنع فيهما، فأرسل إليه أبان (قال: اضمدهما) بكسر الميم. أي: الطخهما (بالصبر) بكسر الباء، ويجوز إسكانها للضرورة وهو الدواء المر المعروف، وهو ليس بطيب، وقد اتفق العلماء على جواز تضميد العين وغيرها بالصبر ونحوه، فإن الصبر يبرد العين كحلًا، ويشد الجفن سياقًا مما ليس بطيب ولا فدية في ذلك، فإن احتاج إلى ما فيه طيب جاز [له فعله] (¬4) وعليه الفدية، واتفق العلماء على أن للمحرم أن يكتحل بكحل لا طيب فيه إذا احتاج إليه ولا فدية عليه فيه، وأما الاكتحال للزينة فمكروه عند الشافعي (¬5). ثم ذكر الحجة فيما أفتاه به، وهو قوله: (فإني سمعت عثمان) بن عفان. يعني: والده (يحدث ذلك عن النبي الله - صلى الله عليه وسلم -) أنه فعل ذلك وأمر به. ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) رواه ابن سعد في "الطبقات" 5/ 497 عن الحسن بن عمران به. (¬3) في (ر): لمن. (¬4) في (م): ذلك. (¬5) "الأم" 2/ 221.

39 - باب المحرم يغتسل

39 - باب المُحْرِمِ يَغْتَسِلُ 1840 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ زيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُنيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ والمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ اخْتَلَفا بِالأَبْواءِ فَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: يَغْسِل المُحْرِمُ رَأْسَهُ، وقَالَ المِسْوَرُ: لا يَغْسِل المُحْرِمُ رَأْسَهُ، فَأَرْسَلَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ إِلَى أَبي أَيُّوبَ الأَنْصاري فَوَجَدَهُ يَغْتَسِلُ بيْنَ القَرْنيْنِ وَهُوَ يُسْتَرُ بِثَوْبٍ، قَالَ: فَسَلَّمْت عَليْهِ فَقَالَ: مَنْ هذا؟ قُلْتُ: أَنا عَبْدُ اللهِ بْن حُنيْنٍ أَرْسَلَني إِليْكَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ أَسْأَلُكَ كيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَغْسِل رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ؟ قَالَ: فَوَضَعَ أبُو أَيُّوبَ يَدَهُ عَلَى الثَّوْبِ فَطَأْطَأَهُ حَتَّى بَدا لي رَأْسُهُ ثُمَّ قَالَ لإِنْسانٍ يَصُبُّ عَليْهِ: اصْبُبْ. قَالَ: فَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ حَرَّكَ أَبُو أيُّوبَ رَأْسَهُ بِيَديْهِ فَأَقْبَلَ بِهِما وَأَدْبَرَ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذا رَأيْتُهُ يَفْعَلُ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). * * * باب الاغتسال للمحرم [1840] (عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين) بضم الحاء المهملة وفتح النون الأولى مصغر (عن أبيه) عبد الله بن حنين، مولى العباس بن عبد المطلب (أن عبد الله بن عباس (¬2) والمسور بن مخرمة رضي الله عنهما اختلفا بالأبواء) بإسكان الباء الموحدة والواو والمد، قرية بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة 23 ميلًا، سميت بذلك للوباء الذي بها (¬3) وهي أبعد من الجحفة لودان، وهذا لا يصح إلا على القلب وبها ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1840)، ومسلم (1205). (¬2) في (م): المطلب. (¬3) في (ر): يجد بها.

توفيت أم النبي - صلى الله عليه وسلم -. (فقال عبد الله بن عباس: يغسل المحرم رأسه) إن شاء (وقال المسور: لا يغسل المحرم رأسه) فلما لم يرجع أحدهما إلى قول الآخر (فأرسله) أي: أرسل (عبد الله بن عباس) عبد الله بن حنين (إلى أبي أيوب) خالد (الأنصاري) - رضي الله عنه - يسأله عن ذلك (فوجده يغتسل بين القرنين) بفتح القاف تثنية قرن، وهما الخشبتان القائمتان على البئر وشبههما من البناء، ويمد بينهما خشبة يجر عليها الحبل المستقى به ويعلق عليها البكرة، وفيه دليل على جواز اغتسال المحرم، ولم يختلفا في أصل الغسل، وإنما اختلفا (¬1) في كيفيته (وهو يستتر) فيه دليل على استحباب الستر في حال الاغتسال بأن يكون في موضع يستره أو يلقي ساترًا يستره أو يستنيب من يستره (بثوب) أو غيره. (قال) ابن حنين: (فسلمت عليه) فيه السلام على المتطهر في وضوء أو غسل أو تيمم أو غسل نجاسة، بخلاف القاعد لقضاء الحاجة (فقال: من هذا) فيه دليل على استفهام المسلم عن اسمه إذا لم يعرفه ليخاطبه على ما يليق به (¬2)؛ لأن كل أحد له خطاب يليق به. (قلت أنا) فيه قول الإنسان: أنا. إذا لم يقصد به تعظيم نفسه، بخلاف قول من كرهه؛ لأن أنا أول من قالها إبليس وحصل له ما حصل. (عبد الله بن حنين) له أن يسمي نفسه بما يعرف به من كنية أو لقب أو اسم (أرسلني إليك عبد الله بن عباس أسألك: كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) في (م): يختلف. (¬2) من (م).

يغسل رأسه وهو محرم) وإتيانه (¬1) بكيف يدل على أنه لم يرسله يسأله (¬2) عن أصل الغسل؛ لأنه من المعلوم عندهما وعند غيرهما أنه يغتسل من الجنابة إذا أصابته، ويغتسل لدخول مكة، وللوقوف بعرفة، وغيرهما من الأغسال المسنونة، وهي أحد (¬3) عشر، وإنما يسأله (¬4) عما وقع الاختلاف فيه بينهما وهي كيفيته، هل يدلك جسمه في الغسل أو لا؟ لأنه يخاف منه قتل الهوام أو إلقاؤها عن رأسه وجسده وإزالة (¬5) الشعث، ولإمكان (¬6) هذِه الأمور منع منه المسور ولم يلتفت ابن عباس إلى إمكان هذِه الأمور؛ لأنه إذا ترفق في ذلك سلم (¬7) مما يتقى من هذِه الأمور. (قال: فوضع أبو أيوب يده على الثوب) الذي يستتر به (فطأطأه) أي: خفضه (حتى بدا) بألف ساكنة دون همزة. أي: ظهر (لي رأسه) ورأيته كيف يصنع (ثم قال لإنسان) كان (يصب عليه (¬8): اصبب علي ماء) فيه الاستعانة في الطهارة، ولكن الأولى تركها إلا لحاجة (قال: فصب على رأسه) فيه استحباب البدأة في الغسل بأعالي البدن، وهو الرأس، ¬

_ (¬1) في (ر): وإثباته. (¬2) في (م): للسؤال. (¬3) في (م): إحدى. (¬4) في (م): سأله. (¬5) في (م): وإنالة. (¬6) في (م): والإمكان. (¬7) في (م): ليسلم. (¬8) في (ر): علي.

ثم الشق الأيمن، ثم الأيسر وعده بعضهم من الآداب (ثم حرك أبو أيوب رأسه بيده) يوضح هذا رواية مسلم: فأمر أبو أيوب بيديه على رأسه جميعًا على جميع رأسه. أي: إمرارًا لطيفًا، بحيث لا ينتتف شيء من الشعر؛ ليصل الماء إلى أصول شعره (فأقبل بهما وأدبر) أي: مرة واحدة لإطلاقه (ثم قال: هكذا رأيته يفعل) (¬1) استدل به مالك على اشتراط الدلك في الغسل (¬2) قال: لأنه لو جاز الغسل بغير ذلك لكان المحرم أحق بأن [يجاز له] (¬3) ترك التدلك، وقد اتفق العلماء (¬4) على جواز غسل المحرم رأسه وحده عن الجنابة، بل هو واجب عليه، وأما غسله تبردًا فمذهبنا ومذهب الجمهور جوازه بلا كراهة، ويجوز عندنا غسل رأسه بالسدر والخطمي بحيث لا ينتف شعرًا ولا فدية عليه ما لم ينتف شعرًا، وقال أبو حنيفة ومالك: هو حرام يوجب الفدية (¬5). ¬

_ (¬1) في (م): يصنع. (¬2) انظر "المدونة" 1/ 132 - 133. (¬3) من (م). (¬4) من (م). (¬5) "شرح النووي" 8/ 126، و"المبسوط" 4/ 137، و"الاستذكار" 11/ 21.

40 - باب المحرم يتزوج

40 - باب المُحْرِمِ يَتَزَوَّجُ 1841 - حَدَّثَنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنْ نُبيْهِ بْنِ وَهْبٍ أَخي بَني عَبْدِ الدّارِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عُبيْدِ اللهِ أَرْسَلَ إِلَى أَبانَ بْنِ عُثْمانَ بْنِ عَفّانَ يَسْأَلُهُ - وَأَبانُ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الحاجِّ وَهُما مُحْرِمانِ -: إِنّي أَرَدْتُ أَنْ أُنْكِحَ طَلْحَةَ بْنَ عُمَرَ ابنةَ شيْبَةَ بْنِ جُبيْرٍ فَأَرَدْتُ أَنْ تَحْضُرَ ذَلِكَ. فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَليْهِ أَبانُ وقَالَ: إِنّي سَمِعْتُ أَبِي عُثْمانَ بْنَ عَفّانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَنْكِحُ المُحْرِمُ وَلا يُنْكَحُ" (¬1). 1842 - حَدَّثَنا قُتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ حَدَّثَهُمْ، حَدَّثَنا سَعِيدٌ، عَنْ مَطَرٍ ويَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنْ نُبيْهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبانَ بْنِ عُثْمانَ، عَنْ عُثْمانَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَ مِثْلَهُ زادَ: "وَلا يَخْطُبُ" (¬2). 1843 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، عَنْ ميْمُونِ بْنِ مِهْرانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ ابن أَخي ميْمُونَةَ، عَنْ ميْمُونَةَ قَالَتْ: تَزَوَّجَني رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ حَلالانِ بِسَرِفَ (¬3). 1844 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ زيْدٍ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - تَزَوَّجَ ميْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ (¬4). 1845 - حَدَّثَنا ابن بَشّارٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن مَهْديٍّ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ إِسْماعِيلَ بْنِ أُميَّةَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسيَّبِ قَالَ: وَهِمَ ابن عَبَّاسٍ في تَزْوِيجِ ميْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1409). وانظر ما بعده. (¬2) انظر السابق. (¬3) رواه مسلم (1411). (¬4) رواه البخاري (1837، 4258، 5114)، ومسلم (1410). (¬5) رواه البيهقي 7/ 212 من طريق أبي داود. وانظر ما قبله. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1618).

باب المحرم يتزوج [1841] ([حدثنا القعنبي، عن مالك، عن نافع] (¬1) عن نبيه بن وهب أخي بني عبد الدار أن عمر بن عبيد الله - رضي الله عنه - أرسل (¬2) إلى أبان بن عثمان بن عفان يسأله وأبان يومئذٍ أمير الحاج) في الموسم (وهما محرمان) يعني: عمر (¬3) بن عبيد الله وأبان (إني أردت أن أنكح) بضم الهمزة وكسر الكاف ابني (طلحة بن عمر) بن عبيد الله (بنت شيبة بن جبير) قال الزبير [بن بكار] (¬4): إن هذِه البنت تسمى أمة الحميد (وأردت أن تحضر ذلك) يعني: عقد النكاح بينهما، وفيه دليل على إحضار أهل العلم والصلاح عقد النكاح ليتبرك بحضورهم. (فأنكر ذلك عليه) لأنهما محرمان (أبان) بن عثمان (وقال: إني سمعت أبي عثمان بن عفان - رضي الله عنه - يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا ينكح) بفتح الياء وكسر الكاف (المحرم) أي: لا يتزوج لنفسه ولا يصح عقد النكاح منه لظاهر النهي في هذا الحديث وهو قول الجمهور، وقال أبو حنيفة والكوفيون: يصح؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج ميمونة وهو محرم (¬5). وأجاب الجمهور عن حديث ميمونة بأجوبة أصحها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما تزوجها حين كان حلالًا، وهكذا رواه أكثر الصحابة ولم يرو أنه تزوجها ¬

_ (¬1) من مطبوع "السنن". (¬2) في (ر): أرسله. (¬3) في (م): عمرو. (¬4) سقط من (م). (¬5) انظر "المبسوط" 4/ 211 - 212.

محرمًا إلا ابن عباس وحده، وقيل: تزوجها في أرض الحرم وهو حلال ويقال لمن في الحرم محرم. أي: في حرم المدينة، والجواب الثالث أن للفعل تعارضا، والصحيح ترجيح القول؛ [لأنه يتعدى إلى الغير (¬1)] (¬2) والفعل قد يكون مقصورًا عليه، والرابع أن هذا من خصائصه (¬3). (ولا ينكح) بضم الياء وكسر الكاف، أي: لا يتزوج امرأة بولاية ولا وكالة؛ لأنه لما (¬4) منع في مدة الإحرام من العقد (¬5) لنفسه صار كالمرأة، فلا يعقد لنفسه ولا لغيره، وظاهر هذا العموم أنه لا فرق بين أن يتزوج بولاية خاصة كالأب والأخ ونحوهم، أو بولاية عامة كالسلطان والقاضي ونائبه، وهذا هو الصحيح عندنا وعند الجمهور، وقال بعض أصحابنا: يجوز أن يزوج المحرم بالولاية العامة؛ لأنها يستفاد منها ما لا يستفاد بالخاصة، ولهذا يجوز للمسلم تزويج الذمية بالولاية العامة دون الخاصة. واعلم أن النهي عن النكاح والإنكاح في حال الإحرام نهي تحريم (¬6). [1842] (وعن عثمان) من طريق آخر (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر مثله ¬

_ (¬1) من "شرح النووي". (¬2) في (م): لا يتعدى والعبد. (¬3) "شرح النووي" 9/ 194. (¬4) من (م). (¬5) في (ر): الفعل. (¬6) "شرح النووي" 9/ 195.

وزاد: ولا يخطب) بضم الطاء، وهذا نهي تنزيه وليس بحرام، فهو مكروه كما يكره للمحرم أن يكون شاهدًا في نكاح عقده (¬1) المحلون (¬2)، فلو عقد بحضوره صح. [1843] (مهران) بكسر الميم (عن ميمونة) رضي الله عنها (قالت: تزوجني رسول الله ونحن حلالان) هذِه رواية أكثر الصحابة كما تقدم (بسرف) بكسر الراء، كما تقدم. [1845] (ابن بشار) بالباء الموحدة وتشديد الشين المعجمة (سعيد بن المسيب قال: وهم ابن عباس) في روايته (في تزويج) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ميمونة وهو محرم) وقد تقدم أنه لم يرو أن رسول الله تزوج ميمونة وهو محرم إلا ابن عباس وحده. ¬

_ (¬1) في الأصول: عقد. والجادة ما أثبتناه. (¬2) في (ر): المحلول.

41 - باب ما يقتل المحرم من الدواب

41 - باب ما يَقْتُلُ المُحْرِمُ مِنَ الدَّوابِّ 1846 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ بْنُ عُييْنَةَ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ سالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ سُئِلَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - عَمّا يَقْتُلُ المُحْرِمُ مِنَ الدَّوابِّ فَقَالَ: "خَمْسٌ لا جُناحَ في قَتْلِهِنَّ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ في الحِلِّ والحَرَمِ العَقْرَبُ والفَأْرَةُ والحِدَأَةُ والغُرابُ والكَلْبُ العَقُورُ" (¬1). 1847 - حَدَّثَنا عَلي بْنُ بَحْرٍ، حَدَّثَنا حاتِمُ بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَني مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلانَ، عَنِ القَعْقاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبي هُريْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "خَمْسٌ قَتْلُهُنَّ حَلالٌ في الحَرَمِ الحيَّةُ والعَقْرَبُ والحِدَأَةُ والفَأْرَةُ والكَلْبُ العَقُورُ" (¬2). 1848 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا هُشيْمٌ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ أَبي زِيادٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي نُعْمٍ البَجَليُّ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْري أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عَمّا يَقْتُلُ المُحْرِمُ قَالَ: "الحيَّةُ والعَقْرَبُ والفُويْسِقَةُ ويَرْمي الغُرابَ وَلا يَقْتُلُهُ والكَلْبُ العَقُورُ والحِدَأَةُ والسَّبُعُ العادي" (¬3). * * * باب ما يقتل المحرم من الدواب [1846] (عن سالم) بن عبد الله (عن أبيه) عبد الله بن عمر بن ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1826، 3315)، ومسلم (1199). (¬2) رواه ابن خزيمة (2666، 2667)، والبيهقي 5/ 210، وابن عبد البر في "التمهيد" 15/ 170. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1620)، قال: إسناده حسن صحيح. (¬3) رواه الترمذي (838)، وابن ماجه (3089)، وأحمد 3/ 3، 32، 79. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (319).

الخطاب (سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عما يقتل المحرم من الدواب) جمع دابة، أصلها داببة (¬1) ثم أدغمت الأولى (¬2) في الثانية، وكل [ما مشى] (¬3) على الأرض دابة [مما دب] (¬4) ودرج، إلا أنه يستعمل في عرف اللغة في نوع من الحيوان، وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - جنسها ونوعها. (فقال: خمس) أي: هن خمس (لا جناح) أي: لا إثم وهو نكرة في جميع (¬5) العموم فيعم الكبير والصغير (في قتلهن على من (¬6) قتلهن) كلهن أو بعضهن (في الحل) بكسر الحاء. أي: في أرض الحلال (والحرم) بفتح الحاء والراء. أي: أرض حرم مكة شرفها الله، وجوز بعضهم ضم الحاء والراء جمع حرم كما قال تعالى: {وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} (¬7)، والمراد بها المواضع المحرمة. قال النووي: اتفق جماهير العلماء على جواز قتلهن في الحل والحرم والإحرام، واتفقوا على أنه يجوز للمحرم أن يقتل هذِه الخمس وما (¬8) في معناهن، قال الشافعي: المعنى في جواز قتلهن كونهن مما لا يؤكل، فكل ما لا يؤكل ولا هو متولد من مأكول وغيره ¬

_ (¬1) في (م): دابته. (¬2) في (م): الياء. (¬3) في (م): ماش. (¬4) في (م): حمادات. (¬5) في (م): منع. (¬6) سقط من (م). (¬7) المائدة: 1. (¬8) من (م).

فقتله جائز للمحرم ولا فدية عليه (¬1). وقال مالك: المعنى فيهن كونهن مؤذيات، وكل مؤذٍ يجوز قتله للمحرم (¬2)، وما لا فلا (¬3). (العقرب) بالرفع بدل من خمس، وهي أنثى العقارب، والذكر عقربان، وهي أنواع، منها: الجرادة، والطبارة، وما له ذنب كالحربة ومعقد، ومنها السود والخضر، وأكثر ما يكون ضررها إذا كانت حاملًا، والعقارب المقاتلة تكون بموضعين بسهرور (¬4) وعسكر مكرم، وتلسع فتفتك وتقتل القتيل بلسعتها مع صغرها، وناهيك بهذا فسقًا. (والفأرة) مهموزة فاسقة (¬5)؛ لأنها تسرق الأطعمة وتفسدها، وتقرض الثياب وتأخذ الفتيلة من السراج وتضرم بها البيت، وليس في الحيوان أفسد من الفأرة، ويكفي في فساده قضبه في سد مأرب وهي [أنواع منها فأرة السبب، والذناب، والجلد، واليربوع، (والغراب) أنواع من الغداف، والراع، وغراب] (¬6) الزرع والأورق، وهذا المصنف ما نسمعه، والعرب تتشاءم بالغراب ولهذا اشتقوا من اسمه الغربة وفسقه لأنه يختلس أطعمة الناس وينقر ظهر البعير، (والحدأة) بكسر الحاء وفتح الدال مقصور مهموز، وجمعها حدأ [كعنبة وعنب] (¬7) ومن ¬

_ (¬1) "الحاوي الكبير" 4/ 341 بمعناه. (¬2) "مواهب الجليل" 4/ 253. (¬3) "شرح النووي" 8/ 113 - 114. (¬4) في (م): بسهورور. (¬5) من (م). (¬6) من (م). (¬7) في (ر): كمعينة وعيب.

ألوانها السوداء والرمداء وهي أخس الطير، وهي لا تصيد لكن تخطف، ومن طبعها أنها لا تخطف إلا (¬1) من يمين من تخطف منه دون شماله حتى قيل إنها عسراء (¬2)، وتخطف اللحم والفراريج. (والكلب العقور) اختلفوا في المراد به فقيل: هذا الكلب المعروف خاصة، حكي عن أبي حنيفة، وألحق به الذئب (¬3). وحمله زفر على الذئب وحده، وقال الجمهور: ليس المراد بالكلب تخصيص هذا الكلب المعروف، بل المراد به كل عادٍ مفترس غالبًا كالسبع والنمر والذئب والفهد، وهو قول الشافعي وأحمد وغيرهم (¬4). ومعنى العقور العاقر الجارح (¬5). [1847] (علي بن بحر) بفتح الباء الموحدة وإسكان الحاء المهملة، ابن بري، بفتح الباء الموحدة وتشديد الراء، مات سنة أربع وثلاثين ومائتين (عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: خمس قتلهن حلال في الحرم) أي: وفي الحلال (الحية) تطلق على الذكر والأنثى، والهاء للجنس كالبطة، وذكر السهيلي: أن الله لما أهبط الحية أنزلها بسجستان، وهي أكثر أرض الله حيات، وهي أنواع منها: الرقشاء وهي التي فيها نقط سود وبيض، ومنها الرقطاء وهي التي يشوب سوادها نقط بيض وهي من أخبث الحيات، وشرها الأفاعي وهي التي ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (م): عشراء. (¬3) انظر: "اللباب في شرح الكتاب" 1/ 104. (¬4) "الأم" 2/ 320، و"المغني" 5/ 175 - 176. (¬5) "شرح النووي" 8/ 114 - 115.

تسكن الرمال، ومن أنواعها ما هو أرت ذو قرنين وذو الطفيتين والأبتر والباطر، متى وقع نظر الإنسان عليه مات [من ساعته، وفي "صحيح مسلم" الحية تقتل بصغر (¬1)، بضم الصاد المهملة أي: بمذلة وهوان، والعقرب، والحدأة] (¬2) (والكلب العقور) تقدم الكلام عليهم. [1848] (عبد الرحمن بن أبي نعم) بضم النون وإسكان المهملة البجلي الكوفي، من رجال الصحيحين (عن أبي سعيد) سعد بن مالك بن سنان (الخدري: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عما يقتل المحرم قال: الحية والعقرب والفويسقة) وهي فأرة البيت، وتصغيرها تصغير هوان وتحقير، ومقتضاه الذم لها، والفسق في اللغة الخروج عن الطاعة، قال ابن الأعرابي: لم يسمع في كلام العرب (¬3) ولا شعرهم فاسق (¬4) قال القاضي أبو الحسن: سماها فواسق لخروجها عما عليه سائر الحيوان من الضرر الذي لا يمكن الاحتراز منه، وفي البخاري [عن عائشة] (¬5): الوزغ فويسق ولم أسمعه أمر بقتله (¬6). بخلاف الفأر فإنه أمر بقتلها، ووجهه أن الفأر أكثر أذى وأسرع في الفرار والعودة (ويرمي) بفتح المثناة تحت (الغراب ولا يقتله) قال الخطابي: يشبه أن يكون أراد به الغراب الصغير الذي يأكل الحب يقال له: غراب ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1198/ 66) عن القاسم بن محمد. (¬2) من (م). (¬3) في (م)، و"لسان العرب": الجاهلية. (¬4) "لسان العرب" (فسق). (¬5) من (م). (¬6) "صحيح البخاري" (1331).

الزرع، ويقال له الراعي، وجاء عن عطاء قال في محرم كسر عرف (¬1) غراب أي أدماه فعليه الجزاء حمل على غراب الزرع وهو الذي استثناه مالك من جملة الغربان (¬2). وحكى النووي عن علي ومجاهد: لا يقتل الغراب ولكن يرمي، قال: وليس بصحيح (¬3). ولعلهما أخذا بظاهر هذا الحديث، ويشبه أن يكون أراد بالغراب الذي ليس بأبقع، والأبقع الذي في ظهره وبطنه بياض، فقد قال طائفة من العلماء: لا يقتل من الغربان إلا الأبقع ولهذا قيد في الصحيح بالأبقع احترازًا من غيره، وهذا يفيد إطلاق (¬4) الغراب هنا بأنه لا يقتل ولا يمكن حمله على العموم بدليل المباح من الغربان الذي لا يقتل (والكلب العقور) أي العاقر الجارح (والحدأة والسبع العادي) الذي يعدو على غيره بالفساد كالأسد والنمر والفهد وأشباههما من كل ما طبعه الأذى والعدوان على الناس وعلى أموالهم وإن لم يوجد منه أذى في الحال، وعلى هذا يعطف السبع العادي على الكلب العقور من ذكر العام بعد الخاص، وإذا اعتبرنا مطلق الأذى دخل الحشرات المؤذية والزنبور والبق والبعوض والبراغيث والذباب. ¬

_ (¬1) في (م): قرن. (¬2) مختصر "سنن أبي داود" المطبوع معه "معالم السنن" 2/ 361 مختصرًا. (¬3) "شرح النووي" 8/ 114. (¬4) في (ر): الخلاف.

42 - باب لحم الصيد للمحرم

42 - باب لَحْمِ الصّيْدِ للْمُحْرِمِ 1849 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنا سُليْمانُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ حُميْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ إِسْحاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الحارِثِ، عَنْ أَبِيهِ - وَكَانَ الحارِثُ خَلِيفَةَ عُثْمانَ عَلَى الطّائِفِ فَصَنَعَ لِعُثْمانَ طَعامًا فِيهِ مِنَ الحَجَلِ والبَعاقِيبِ وَلْحَمِ الوَحْشِ - قَالَ: فَبَعَثَ إِلَى عَلي بْنِ أبِي طالِبٍ فَجاءَهُ الرَّسُولُ وَهُوَ يَخْبِطُ لأبَاعِرَ لَهُ فَجاءَهُ وَهُوَ يَنْفُضُ الخَبَطَ، عَنْ يَدِهِ فَقَالُوا لَهُ: كُلْ. فَقَالَ: أَطْعِمُوهُ قَوْمًا حَلالًا فَإِنّا حُرُمٌ. فَقَالَ عَلي - رضي الله عنه -: أَنْشُدُ اللهَ مَنْ كَانَ ها هُنا مِنْ أَشْجَعَ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَهْدى إِليْهِ رَجُلٌ حِمارَ وَحْشٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ (¬1). 1850 - حَدَّثَنا أَبُو سَلَمَةَ مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ قيْسٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: يا زيْدُ بْنَ أَرْقَمَ هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أُهْدي إِليْهِ عُضْوُ صيْدٍ فَلَمْ يَقْبَلْهُ وقَالَ: "إِنّا حُرُمٌ". قَالَ: نَعَمْ (¬2). 1851 - حَدَّثَنا قُتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا يَعْقُوبُ - يَعْني: الإِسْكَنْدَراني القاري - عَنْ عَمْرٍو، عَنِ المُطَّلِبِ عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "صيدُ البَرِّ لَكُمْ حَلالٌ ما لَمْ تَصِيدُوهُ أَوْ يُصَدْ لَكُمْ". قَالَ أبُو دَاوُدَ: إِذا تَنازَعَ الخَبَرانِ عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - يُنْظَرُ بِما أَخَذَ بِهِ أَصْحابُهُ (¬3). 1852 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ أبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبيْدِ اللهِ التّيْمي عَنْ نافِعٍ مَوْلَى أبِي قَتادَةَ الأَنْصاريِّ، عَنْ أبِي قَتادَةَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 100، 104. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1621). (¬2) رواه مسلم (1195) بنحوه. (¬3) رواه الترمذي (846)، والنسائي 5/ 187، وأحمد 3/ 362، 387، 389، وابن خزيمة (2641)، وابن حبان (3971). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (320).

رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى إِذا كَانَ بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ تَخَلَّفَ مَعَ أَصْحابٍ لَهُ مُحْرِمِينَ وَهُوَ غيْرُ مُحْرِمٍ فَرَأى حِمارًا وَحْشِيّا فاسْتَوى عَلَى فَرَسِهِ قَالَ: فَسَأَلَ أَصْحابَهُ أَنْ يُناوِلُوهُ سَوْطَهُ فَأَبَوْا فَسَأَلَهُمْ رُمْحَهُ فَأَبَوْا فَأَخَذَهُ ثُمَّ شَدَّ عَلَى الحِمارِ فَقَتَلَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ بَعْضُ أَصْحابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبَى بَعْضُهُمْ فَلَمّا أَدْرَكُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: "إِنَّما هي طُعْمَةٌ أَطْعَمَكُمُوها اللهُ تَعالَى" (¬1). * * * باب لحم الصيد للمحرم [1849] (إسحاق بن عبد الله بن الحارث، عن أبيه) عبد الله بن الحارث بن نوفل، (وكان الحارث) لعله والد عبد الله المذكور (خليفة عثمان بن عفان على الطائف) سمي بذلك لأن رجلًا من الصدف أصاب دمًا في قومه بحضرموت، فنزل هاربًا حتى نزل بوج وحالف مسعود بن معتب وكان له مال عظيم، فقال لهم: هل لكم أن أبني لكم طوفًا عليكم يكون لكم ردءًا من العرب؟ فقالوا: نعم، فبناه وهو الحائط المطيف به. (فصنع لعثمان طعامًا وصنع فيه من الحجل) بفتح الحاء والجيم: طائر على قدر الحمام كالبط (¬2) أحمر المنقار والرجلين ويسمى دجاج البر، وفي طبع الذكر أنه يخدع أمثاله بقرقرته ولهذا يتخذه الصيادون في أشراكهم؛ لتكثر القرقرة فيجتمع إليه أبناء جنسه فيقعن معه (واليعاقيب) جمع يعقوب وهو ذكر الحجل وزنه يفعول. قال الجواليقي: هو عربي ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2914، 5490)، ومسلم (1196). (¬2) في (ر): كالعطاء.

صحيح (ولحم (¬1) الوحش) وهو حيوان البرية والفلاء. (قال: فبعث إلى علي) يسأله عن ذلك أو ليأكل معه (¬2) كما بينه البيهقي (فجاءه الرسول وهو يخبط) الشجر، أي: يضربها بالعصا خبطًا ليتناثر ورقها فيجمعه ليكون علفًا (لأباعر له) وهي الذكور والإناث من الإبل واحدها بعير، وفيه دليل على فضل الصحابة وكثرة تواضعهم حيث (¬3) كانوا يخدمون دوابهم بأنفسهم ويجمعون لها العلف من الشجر ويعلفونها مع علو مرتبتهم بخلاف علماء هذا الزمان وأمرائه. (فجاءه) الرسول (وهو) قد جمع علف دوابه وهو (ينفض الخبط) وهو ورق الشجر المتناثر وغباره (عن يده) فقالوا له، بينه رواية البيهقي: فبعث إلى علي فجاءه (فقالوا له: كل) من هذا. (فقال: أطعموه قوم حلال) أي: ليسوا محرمين (فإنا حرم) أي: محرمون، أي: (¬4) ولولا الإحرام لأكلنا منه، وفيه دليل على أن من أهديت له هدية لمعنى شرعي فردها أن يعتذر إلى المهدي، كما (¬5) إذا كان المهدى إليه قاضيًا أو واليًا فيستحب له أن يعتذر للمهدي ويعرفه تحريم قبولها عليه (¬6) وأنه لا يملكها إذا قبلها. وسبب امتناع علي من أكله وتعليله أنه امتنع لكونه محرم يحرم عليه ¬

_ (¬1) في (ر): بحر، وفي (م): لحوم. والمثبت من مطبوع "السنن". (¬2) في (م): معهم. (¬3) سقط من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) سقط من (م). (¬6) سقط من (م).

أكل لحم الصيد أن مذهبه ومذهب ابن عمر وابن عباس وطائفة - كما حكاه النووي عن القاضي عياض - أنه لا يحل للمحرم أكل لحم الصيد أصلًا، سواء صاده أو اصطاده غيره له أو لم يقصده فيحرم مطلقًا؛ لقوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} (¬1) قالوا: والمراد بالصيد الوحش المصيد نفسه، فإن الآية ظاهرة فيه، وعموم اللفظ يتناول تحريم الاصطياد والصيد نفسه لصحة وقوع الاسم عليها (¬2)، ولظاهر حديث الصعب بن جثامة؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - رده وعلل رده بأنه محرم، ولم يقل لأنك صدته لنا (¬3). وأجاب الجمهور عن الآية بأن الحيوان إنما يسمى صيدًا ما دام حيّا، فأما اللحم فلا يسمى بهذا الاسم بعد الذبح إلا مجازًا باعتبار استصحاب الاسم السابق، واحتجوا أيضًا بالحديث الآتي في أبي داود ورواه الترمذي أيضًا، قال البيهقي: وتأويل حديث علي المتقدم ما ذكره الشافعي في تأويل حديث من روى في قصة الصعب بن جثامة لحم حمار. (ثم قال (¬4): علي أنشد) بفتح الهمزة وضم الشين (الله) أي: اسأله بالله، يقال: نشدتك الله، أي: سألتك به (من كان ها هنا [من] (¬5) أشجع) وهي قبيلة من غطفان، والمراد بالشهادة هنا الإخبار المقرون ¬

_ (¬1) المائدة: 96. (¬2) في (م): عليهما. (¬3) "شرح النووي" 8/ 105. (¬4) زاد بعدها في (ر): أتعلمون. (¬5) من المطبوع.

بالعلم بما رواه. ([أتعلمون] (¬1) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهدى إليه رجل حمار وحش) فيه روايتان، أحدهما: ضم الهمزة وكسر الدال من أهدى إليه. و (رجل) بكسر الراء وسكون الجيم، ويدل عليه الحديث الآتي بعده عضد (¬2) صيد، قال النووي: والطرق التي ذكرها مسلم صريحة في أنه مذبوح، وأنه إنما أهدى بعض لحم صيد لأكله (¬3). والرواية الصحيحة (¬4) الثابتة بفتح الهمزة والدال: من أهدى (¬5) إليه، و (رجل) بفتح الراء وضم الجيم الرجل الذي هو ضد المرأة. وترجم البخاري على حديث الصعب: باب إذا أهدى المحرم حمارًا وحشيّا لم يقبل، ثم رواه بإسناده، وقال في روايته: حمارًا وحشيّا، وحكي هذا التأويل عن مالك (¬6) وغيره. قال القرطبي: ويصح الجمع بين الروايتين أما على القول بأنه ثبت (¬7)، جاء بالحمار ميتًا فوضعه (¬8) بالقرب من النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قطع منه ذلك العضو فأتاه به فصدق اللفظان، أو يكون أطلق (¬9) لفظ الحمار ¬

_ (¬1) من المطبوع. (¬2) في (ر): عض. (¬3) "شرح النووي" 8/ 104. (¬4) من (م). (¬5) في (م): الهدي. (¬6) "الاستذكار" 11/ 298. (¬7) في (م): مثبت بأنه، وفي "المفهم": ميت فإنه. (¬8) من (م). (¬9) من (م).

وهو يريد بعضه، وهذا سائغ (¬1) (وهو محرم فأبى أن يأكله؟ قالوا: نعم). [1850] ([ثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل) قال: (ثنا حماد، عن قيس، عن عطاء، عن ابن عباس أنه قال: يا زيد بن أرقم هل علمت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أهدي له عضد صيد فلم يقبله وقال: إنا حرم؟ قال: نعم). قال أبو داود: إذا تنازع الخبران عن النبي ينظر بما أخذ أصحابه] (¬2). فيه أن من أخبر بشيء وكان في ذلك المكان حاضر من يعلم به أن (¬3) يستشهده على ما أخبر به، وأن يحلفه ويقسم عليه. [1851] ([حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا] (¬4) يعقوب) بن عبد الرحمن (القاري) بتشديد الياء (يعني (¬5): الإسكندراني) قال يحيى بن معين: هو ثقة (¬6) (عن عمرو) بن أبي عمرو (عن المطلب، عن جابر بن عبد الله) قال الترمذي: المطلب لا يعرف له سماعًا من جابر، ثم (¬7) قال: قال الشافعي: هذا أحسن حديث روي في هذا الباب وأقيس (¬8). (قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: صيد البر لكم حلال) زاد الترمذي: "وأنتم حرم" (ما لم تصيدوه أو يصاد لكم) قال النووي: ¬

_ (¬1) "المفهم" 3/ 279. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): أنه. (¬4) من المطبوع. (¬5) سقط من (م). (¬6) "تاريخ ابن معين" برواية الدوري 3/ 171. (¬7) من (م). (¬8) "سنن الترمذي" (846).

هكذا الرواية يصاد بالألف، وهي جائزة [على لغة] (¬1) ومنه قول الشاعر: ألم يأتيك والأبناء تنمى (¬2) وفي بعض النسخ: أو "يصد لكم". على القاعدة. هذا الحديث صريح في التفريق في لحم الصيد بين أن يصيده المحرم أو يصاد له (¬3) فيحرم، وبين أن لا يصيده المحرم ولا يصاد له، بل يصيده الحلال لنفسه ويطعمه للمحرم، وظاهر في الدلالة لمذهب الشافعي وموافقيه (¬4) ورد لما قاله أبو حنيفة من أنه إذا صيد له من غير إعانة على صيده فهو حلال (¬5). وما قاله علي وموافقوه من تحريم لحم الصيد على المحرم مطلقًا ومبين أن حديث أبي قتادة الآتي محمول على أنه لم يقصدهم باصطياده، وأن حديث الصعب محمول على أنه قصدهم باصطياده، فإن الآية الكريمة محمولة على الاصطياد ولحم ما صيد له حرام، وفي هذا جمع بين الآية والأحاديث، وهو أولى على ما تقرر في علم الأصول، والله أعلم. [1852] (عن أبي النضر) بالنون والضاد المعجمة، واسمه سالم (مولى عمر بن عبيد الله التيمي) (¬6) مصغر (عن نافع مولى أبي قتادة) الحارث (عن أبي قتادة) الحارث بن ربعي الأنصاري ويقال: النعمان ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "شرح النووي" 8/ 106، و"المجموع" 7/ 302. (¬3) من (م). (¬4) انظر: "المجموع" 7/ 324. (¬5) "الحجة" 2/ 154. (¬6) سقط من (م).

ابن ربعي. (أنه كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) في غزوة الحديبية (حتى إذا كان ببعض طريق مكة) بينته رواية البخاري ومسلم: حتى إذا كنا بالقاحة. بالقاف والحاء المهملة على الصواب، وهو وادٍ على نحو ميل من السقيا وعلى ثلاث مراحل من المدينة. وقيل: في مجاوزة أبي قتادة الميقات بغير إحرام وقد أحرم أكثرهم أقوال: أحدها: أن المواقيت لم تكن وقتت بعد، قال القرطبي: وهو ضعيف. وقيل: لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثه ورفيقه (¬1) لكشف عدو لهم بجهة الساحل كما ذكره مسلم في رواية (¬2). وقيل: إنه لم يكن خرج (¬3) مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من المدينة، بل بعثه أهل المدينة بعد ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليعلمه أن بعض العرب يقصدون الإغارة على المدينة (¬4). (يحلق مع أصحاب له محرمين) [أحرموا بذي الحليفة] (¬5) (وهو غير محرم) لما تقدم قريبًا (فرأى حمارًا وحشيّا) وفي رواية أبي كامل الجحدري في مسلم: إذ رأوا حُمر وحش فحمل عليها أبو قتادة فعقر منها أتانًا فأكلوا من لحمها. هذِه الرواية تبين أن الحمار أنثى وهي ¬

_ (¬1) في (م): رفقته. (¬2) (1196/ 60). (¬3) من (م). (¬4) "المفهم" 3/ 280. (¬5) سقط من (م).

الأتان، سميت حمارًا مجازًا (فاستوى على فرسه) أي: حين أسرج فرسه وأخذ رمحه [ثم ركب فسقط منه رمحه] (¬1). (فسأل أصحابه) وكانوا محرمين (أن يناولوه سوطه) الذي وقع منه (فأبوا) أن يناولوه وقالوا: لا نعينك عليه بشيء (فسألهم) أيضًا (أن يناولوه رمحه فأبوا) أن يعينوه على قتله لكونهم محرمين، وهذا ظاهر في أن مناولته السوط أو الرمح ليقتله به (¬2) حرام، فنزل (فأخذه) [فإن قلت: التناول الأخذ فما فائدة قوله: فأخذه؟ قيل: معناه: تكلف الأخذ، فأخذه] (¬3) (ثم شد على الحمار) أي: حمل عليه (فقتله، فأكل منه بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبى بعضهم) وتردد بعضهم في الأكل منه تورعًا، والورع الانكفاف عما يشك فيه، وفي هذا دليل على جواز الاجتهاد في مسائل الفروع والاختلاف فيها، (فلما أدركوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سألوه عن ذلك فقال: إنما هي طعمة) بضم الطاء أي: طعام وأكلة (أطعمكموها الله) بضم الكاف، وفيه حجة لقول النحاة: إذا اجتمعت الضمائر تقدم المخاطب على الغائب، وأنه إذا أمكن الإتيان بالضمير المنفصل لا يؤتى بالمتصل اختيارًا، فلا يقال: أطعمكم الله إياها. ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) من (م). (¬3) سقط من (م).

43 - باب في الجراد للمحرم

43 - باب في الجَرادِ لِلْمُحْرِمِ 1853 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ ميْمُونِ بْنِ جابانَ، عَنْ أبِي رافِعٍ، عَنْ أَبِي هُريْرَةَ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الجَرادُ مِنْ صيْدِ البَحْرِ" (¬1). 1854 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ، عَنْ حَبِيبٍ المُعَلِّمِ، عَنْ أَبي المُهَزِّمِ، عَنْ أبِي هُريْرَةَ قَالَ: أَصَبْنا صِرْمًا مِنْ جَرادٍ فَكَانَ رَجُلٌ مِنّا يَضْرِبُهُ بِسَوْطِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ هذا لا يَصْلُحُ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبي - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "إِنَّما هُوَ مِنْ صيدِ البَحْرِ". سَمِعْتُ أَبا دَاوُدَ يَقُولُ: أَبُو المُهَزِّمِ ضَعِيفٌ والحَدِيثانِ جَمِيعًا وَهَمٌ (¬2). 1855 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ ميْمُونِ بْنِ جابانَ، عَنْ أبِي رافِعٍ، عَنْ كَعْبٍ قَالَ: الجَرادُ مِنْ صيْدِ البَحْرِ (¬3). * * * باب الجراد للمحرم [1853] (ميمون بن جابان) [غير محتج به، قاله الأزدي ميمون بن جابان بجيم وبعد الألف باء موحدة وثقه ابن حبان] (¬4) (¬5) (عن أبي رافع) ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 5/ 207 من طريق أبي داود. وانظر تالييه. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (321). (¬2) رواه الترمذي (850)، وابن ماجه (3222)، وأحمد 2/ 306، 364، 374، 407. وانظر ما قبله. وضعفه الألباني (322)، قال: إسناده ضعيف جدًا. (¬3) رواه عبد الرزاق 4/ 434 (8350). وانظر سابقيه. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود". (¬4) في (ر): بجيم وبعد الألف باء موحدة سمع من مولاته أم سلمة ومن أبي هريرة وثقه ابن حبان قال الأزدي ميمون بن جابان غير محتج به. (¬5) "الثقات" لابن حبان 7/ 471.

عبد الله بن رافع. (عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: الجراد من صيد البحر) استدل به قوم فرخصوا في صيده للمحرم وأكله، وقالوا: هو من صيد البحر، روي ذلك عن كعب الأحبار، وقال: إن هو إلا نثرة حوت ينثره في كل عام مرتين (¬1)، وأراد بنثرة الحوت عطسته، وحكم بيض الجراد حكمه في حل أكله. [1854] (عن أبي المهزم) بفتح الهاء وتشديد الزاي المكسورة، اسمه يزيد بن سفيان، قال النسائي: متروك الحديث (¬2). (عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال) خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة أو عمرة (أصبنا صرمًا) بكسر الصاد المهملة وبعد الراء ميم هي القطعة من الجراد أو الإبل، وفي بعض النسخ: سربًا. بكسر المهملة وبعد الراء باء موحدة وهي بمعناه (من جراد وكان رجل منا يضربه بسوطه) أي: من الجراد (وهو محرم) رواية الترمذي: فجعلنا نضربه بأسياطنا وعصينا. قال ابن الأثير: المعروف في جمع سوط أسواط وسياط، والأصل في سياط سواط، فلما تحركت الواو وانكسر ما قبلها قلبت، ياء بقيت بحالها في أسواط لسكون ما قبلها فأما أسياط فشاذ، وقد جاء في جمع ريح أرياح شاذ (¬3). (فقيل له: إن هذا لا يصلح) أي: للمحرم (فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال) ¬

_ (¬1) رواه عن كعب الأحبار مالك 1/ 352، وعبد الرزاق 4/ 434 (8350)، وابن أبي شيبة 12/ 427 (25069). (¬2) "تهذيب الكمال" 34/ 328. (¬3) "النهاية" (سيط).

"كلوه" كما في الترمذي (إنما هو من صيد البحر) أي: والله تعالى يقول: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} استدل به أبو سعيد الخدري على أنه لا جزاء في قتله على المحرم؛ لأنه من صيد البحر، وحكاه ابن المنذر عن كعب الأحبار وعروة بن الزبير. والمشهور عند الشافعية أنه بري مضمون بالقيمة، وكذا بيضه (¬1). وهو قول أهل العلم كافة إلا من تقدم، واستدلوا بما رواه الشافعي والبيهقي بإسنادٍ صحيح عن القاسم بن محمد قال: كنت جالسًا عند ابن عباس - رضي الله عنه - فسأله رجل عن جرادة قتلها وهو محرم، فقال ابن عباس: فيها قبضة من طعام (¬2). وأجاب عن حديث: "الجراد من صيد البحر" بأنه ضعيف، ودعوى أنه بحري لا تقبل بغير دليل حسن أو صحيح، وقد دلت الأحاديث الصحيحة والإجماع أنه مأكول فوجب جزاؤه كغيره. وقال الحنفية: من قتل جرادة تصدق بما شاء وإن تمرة خير من جرادة (¬3). وفي كتاب محمد قال ابن القاسم عن مالك في جرادة: قبضة من طعام (¬4). والمشهور عند المالكية أن الجراد يذكى بقطع جزء (¬5) منه وإلقاؤه في ماء حار أو غير ذلك (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: "الأم" 2/ 301 - 302. (¬2) "مسند الشافعي" ترتيب السندي 1/ 326 (847)، "السنن الكبرى" للبيهقي 5/ 206 (10307). (¬3) "المبسوط" 4/ 112، "اللباب في شرح الكتاب" 1/ 100. (¬4) "التاج والإكليل" 3/ 173، و"الذخيرة" 3/ 337. (¬5) سقط من (م). (¬6) "المدونة" 1/ 537، وانظر: "الاستذكار" 8/ 382.

(قال أبو داود: أبو (¬1) المهزم رجل ضعيف، والحديثان جميعًا وهم). قال النووي: أبو المهزم ضعيف [باتفاق المحدثين وبالغوا في تضعيفه حتى قال سعيد (¬2): لو أعطوه فلسًا يحدثهم سبعين] (¬3) حديثًا (¬4). ¬

_ (¬1) في (م): ابن. (¬2) في النسخ: شعبة، والمثبت من "المجموع"، وهو الصواب. (¬3) من (م). (¬4) "المجموع" 7/ 318.

44 - باب في الفدية

44 - باب في الفِدْيَةِ 1856 - حَدَّثَنا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، عَنْ خالِدٍ الطَّحّانِ، عَنْ خالِدٍ الحَذّاءِ، عَنْ أَبي قِلابَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي ليْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِهِ زَمَنَ الحُديْبِيَةِ فَقَالَ: "قَدْ آذاكَ هَوامُّ رَأْسِكَ". قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "احْلِقْ ثُمَّ اذْبَحْ شاةً نُسُكًا أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أيّامٍ أَوْ أَطْعِمْ ثَلَاثَةَ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ عَلَى سِتَّةِ مَساكِينَ" (¬1). 1857 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبي، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي ليْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ: "إِنْ شِئْتَ فانْسُكْ نَسِيكَةً وَإِنْ شِئْتَ فَصُمْ ثَلَاثَةَ أيّامٍ وَإِنْ شِئْتَ فَأَطْعِمْ ثَلَاثَةَ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ لِسِتَّةِ مَساكِينَ" (¬2). 1858 - حَدَّثَنا ابن المُثَنَّى، حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهّابِ ح وَحَدَّثَنا نَصْرُ بْنُ عَليٍّ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ زُريْعٍ - وهذا لَفْظُ ابن المُثَنَّى- عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عامِرٍ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِهِ زَمَنَ الحُديْبِيَةِ فَذَكَرَ القِصَّةَ فَقَالَ: "أَمَعَكَ دَمٌ". قَالَ لا. قَالَ: "فَصُمْ ثَلَاثَةَ أيّامٍ أَوْ تَصَدَّقْ بثَلَاثَةِ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ عَلَى سِتَّةِ مَساكِينَ بَيْنَ كُلِّ مِسْكِينيْنِ صاعٌ" (¬3). 1859 - حَدَّثَنا قُتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللّيْثُ، عَنْ نافِعٍ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصارِ أَخْبَرَهُ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ - وَكَانَ قَدْ أَصابَهُ في رَأْسِهِ أَذى فَحَلَقَ، فَأَمَرَهُ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُهْدي هَدْيًا بَقَرَةً (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1814، 1816، 4190، 4517، 5665، 5703)، ومسلم (1201). وانظر ما سيأتي بالأرقام (1857 - 1861). (¬2) انظر السابق. (¬3) انظر سابقيه. (¬4) انظر ما سلف برقم (1856).

1860 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنا يَعْقُوبُ حَدَّثَني أبِي عَنِ ابن إِسْحاقَ حَدَّثَني أَبانُ - يَعْني ابن صالِحٍ - عَنِ الحَكَمِ بْنِ عُتيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبِي ليْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: أَصابَني هَوامُّ في رَأْسي وَأَنا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عامَ الحُديْبِيَةِ حَتَّى تَخَوَّفْتُ عَلَى بَصَري فَأَنْزَلَ اللهُ - سبحانه وتعالى -: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} الآيَةَ فَدَعانِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لي: "احْلِقْ رَأْسَكَ وَصُمْ ثَلَاثَةَ أيّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَساكِينَ فَرَقًا مِنْ زَبِيبٍ أَوِ انْسُكْ شاةً". فَحَلَقْتُ رَأْسي ثُمَّ نَسَكْتُ (¬1). 1861 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الكَرِيمِ بْنِ مالِكٍ الجَزَري عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبِي ليْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ في هذِه القِصَّةِ زادَ: "أي ذَلِكَ فَعَلْتَ أَجْزَأَ عَنْكَ" (¬2). * * * باب الفدية [1856] (وهب بن بقية) بفتح الباء الموحدة وكسر القاف وتشديد المثناة تحت (¬3) (أبي قلابة) عبد الله بن [زيد الجرمي] (¬4) (كعب بن عجرة) الأنصاري، مات سنة 52. (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر به) وهو يوقد تحت قدر له (زمن الحديبية فقال: قد آذاك) يحتمل أن تكون (قد) للاستفهام كما أن هل للاستفهام جاءت بمعنى قد في قوله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} والشيء ¬

_ (¬1) انظر ما سلف برقم (1856). (¬2) انظر ما سلف برقم (1856). (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ر): حزم الحري.

يحمل على نظيره، ويدل على أن (قد) للاستفهام رواية الجمهور: "أيؤذيك هوام رأسك؟ " والاستفهام هنا سؤال لتحقيق العلة التي يترتب عليها الحكم الشرعي (هوام رأسك) بتشديد الميم وهو القمل فهو هوام الإنسان المختصة بجسده. (قال: نعم) فلما أخبره بوجود المشقة عليه رتب عليه الحكم بالتخفيف (¬1). (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: احلق رأسك) أباح له حلق رأسه ثم أعلمه بما يترتب على ذلك من الفدية. قال ابن التين في "شرح البخاري" يحتمل أن يكون "احلق" على الندب، ويحتمل الإباحة، قال: وهذا يدل على أن إزالة القمل عن الرأس ممنوع وتجب به الفدية [وكذلك الجسد عند مالك. وقال الشافعي: أخذ القمل من الجسد مباح، وفي أخذها من الرأس الفدية (¬2)] (¬3)؛ لأجل ترفهه لا لأجل القملة (¬4) (¬5). وقال النووي في "شرح المهذب": يكره أن يفلي رأسه ولحيته، فإن فلى وقتل قملة تصدق ولو بلقمة، نص عليه الشافعي، وهذا التصدق مستحب وليس بواجب (¬6) صرح به جماهير الأصحاب؛ لأنها ليست ¬

_ (¬1) زاد في (م): في قوله. (¬2) "الأم" 2/ 308. (¬3) سقط من (م). (¬4) "عمدة القاري" 10/ 222. (¬5) في (م): العلة. (¬6) "المجموع" 7/ 317.

مأكولة فأشبهت الحشرات والسباع التي لا تؤكل. وفي وجه أن هذا التصدق واجب؛ لأنه يتضمن إزالة الأذى عن الرأس، ولو ظهر القمل في بدنه وثيابه فله إزالته ولا فدية بلا خلاف لا واجبة ولا مستحبة بخلاف قمل الرأس؛ لأنه يتضمن إزالة الأذى من الرأس، فقد ورد فيه النص، والصئبان لها حكم القمل، انتهى. (ثم اذبح) هذا ظاهر في أن الذبح لا يجزئ قبل الحلق؛ لأن (ثم) للترتيب، وقال الأوزاعي (¬1) في المحرم يصيبه الأذى في رأسه أنه يجزئه أن يكفر بالفدية قبل الحلق (¬2). قال القرطبي: فعلى هذا يكون معنى الآية: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (¬3) إن أراد أن يحلق، ومن قدر فحلق ففدية فلا يفتدي حتى يحلق (¬4) وهذا قول الجمهور. (شاة) قال ابن عبد البر: كل من ذكر النسك في هذا الحديث مفسرًا فإنما ذكره بشاة، وهو أمر لا خلاف فيه بين العلماء، وأما الصوم والإطعام (¬5) فاختلفوا فيه (¬6) (¬7). (نسكًا) جمع نسيكة وهي الذبيحة ينسكها العبد لله، والنسك أيضًا ¬

_ (¬1) في (ر): الأذرعي. (¬2) انظر: "الاستذكار" 5/ 197. (¬3) البقرة: 196. (¬4) "الجامع لأحكام القرآن" 2/ 383. (¬5) من (م). (¬6) "التمهيد" 2/ 237. (¬7) من (م).

العبادة، [ومنه قوله] (¬1) تعالى: {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} (¬2) أي: متعبداتنا، وقيل: إن أصل النسك في اللغة العمل، ومنه نسك ثوبه إذا غسله، فكأن الناسك غسل نفسه من [أدران الذنب في العبادة] (¬3)، وقيل: النسك سبائك الفضة كل نسيكة فيها سبيكة، فكأن العابد خلص نفسه من دنس الآثام وسبكها. (أو صم ثلاثة أيام) هذا قول الجمهور، وهو تفسير للصيام في قوله تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ} وجاء عن الحسن وعكرمة ونافع أنهم قالوا: الصوم في فدية الأذى عشرة أيام (¬4)، ولم يقل بهذا أحدٌ من فقهاء الأمصار ولا أئمة الحديث، ويندب تتابع الثلاثة أيام مبادرة إلى أداء الواجب، وفي قول مخرج من (¬5) كفارة اليمين (¬6) وجوب التتابع. (أو أطعم) بفتح الهمزة (ثلاثة آصع) بمد الهمزة وضم الصاد جمع صاع صدقة، وفي هذا رد على ابن مكي فيما قاله في لحن العوام أن آصع لحن، وأن الصواب أصوع مثل دار وأدور، وشبه ذلك، قال القاضي حسين: أعطي كل مسكين في هذِه الكفارة مدَّين وفي سائر الكفارات جعل صوم كل يوم في مقابله طعام مسكين. (من تمر) ذكر التمر لأنه غالب قوتهم (على ستة مساكين) لكل ¬

_ (¬1) في (ر): قال. (¬2) البقرة: 128. (¬3) في (م): أرذال الذنوب بالعبادة. (¬4) انظر: "الاستذكار" 4/ 385. (¬5) في (ر): بين. (¬6) زاد بعدها في (ر): من.

مسكين نصف صاع وهو مدان، سواء أطعم حنطة أو شعيرًا أو تمرًا أو زبيبًا، وذهب أبو حنيفة [وسفيان الثوري] (¬1) إلى أنه إن (¬2) تصدق بالبر أطعم لكل مسكين نصف صاع، وإن تصدق بتمر أو زبيب [أو شعير] (¬3) أطعم كل واحد صاعًا (¬4) وهذا خلاف نص الحديث: (ثلاثة آصع من تمر). ولا يجزئ أن يغدي المساكين ويعشيهم في كفارة الأذى حتى يعطي كل مسكين مدين بمد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهما رطلان وثلثا رطل، وبذلك قال مالك والشافعي (¬5) والثوري ومحمد بن الحسن، وقال أبو يوسف: يجزئه أن يغديهم ويعشيهم عن كل يوم. [1857] (وعن كعب بن عجرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن شئت فانسك) بضم السين على المشهور، وجوز الكسر (نسيكة) بفتح النون وكسر السين، أي: شاة، وشرطها أن تجزئ في الأضحية، ويقال في الشاة وغيرها مما يجزئ في الأضحية نسيكة (وإن شئت فصم ثلاثة أيام) يندب تتابعها كما تقدم. (وإن [شئت فأطعم] (¬6) ثلاثة آصع) جمع صاع (¬7) وفيه لغتان التذكير والتأنيث، وهو مكيال يسع خمسة أرطال وثلثًا بالبغدادي. وقال أبو ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) و (¬3) سقط من (م). (¬4) انظر: "المبسوط" 3/ 125، 4/ 84 بمعناه، "الاستذكار" 4/ 385، و"شرح مسلم" للنووي 8/ 121. (¬5) "المدونة" 2/ 323، و"الأم" 2/ 310. (¬6) في النسخ: تصدق. والمثبت من مطبوع "السنن". (¬7) في (ر): أصع.

حنيفة: يسع ثمانية أرطال (¬1). (من تمر لستة مساكين) فيجب أن يعطي كل مسكين نصف صاع، هذا هو الصحيح الذي قطع به الأصحاب، وحكى الرافعي وجهًا عن حكاية صاحب "العدة" أنه لا يتقدر نصيب كل مسكين، بل يجوز المفاضلة، وهو وجه (¬2) ضعيف (¬3). واعلم أن هذا الحديث ليس فيه ذكر الأذى الذي حصل لكعب حتى أمره بحلق شعره، فقد يحتج به على أبي حنيفة في قوله: إن التخيير لا يكون إلا لمن به أذى [أما من لم يكن به أذى] (¬4) فيجب عليه الدم إذا حلق، ولا يجزئه صيام ولا صدقة إلا إذا عجز عن الفدية بالدم (¬5). وما نقلته عن أبي حنيفة فهو الذي ذكره النووي (¬6) في "شرح المهذب" وابن الصباغ في "الشامل" وغيرهما يدخل كلام أحدهما في الآخر أن مذهب الشافعي أن فدية الحلق للأذى على التخيير بين شاة وصوم ثلاثة أيام وإطعام ثلاثة آصع لستة مساكين، سواء حلقه للأذى أو لغيره فإن عليه الكفارة أيضًا على التخيير. وقال أبو حنيفة: إن حلقه لعذر فهو مخير كما قلنا، وإن حلقه لغير عذر تعينت الفدية بالدم ولا يجوز التخيير، ودليلنا أن كل كفارة ثبت فيها ¬

_ (¬1) "المبسوط" 3/ 98. (¬2) في (م): شاذ. (¬3) "الشرح الكبير" 3/ 541. (¬4) من (م). (¬5) "المبسوط" 4/ 84. (¬6) في (م): الثوري.

التخيير إذا كان سببها مباحًا ثبت فيها التخيير إذا كان سببها حرامًا ككفارة اليمين والقتل وجزاء الصيد وهو أن يقتل الصيد للضرورة إلى أكله فيكون ذلك مباحًا ويقتله أيضًا لغير ضرورة إلى أكله فيكون حرامًا، والكفارات سواء، واحتج أبو حنيفة بقوله تعالى: {أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (¬1) فأثبت التخيير عند العذر من الأذى، فدل على أن لا تخيير مع عدمه، وأجاب (¬2) أصحابنا بأن هذا تمسك بدليل الخطاب [وهو لا يقول (¬3) به] (¬4) ونحن نقول به، إلا أن الأحاديث الصحيحة من السنة تقدم عليه (¬5). واحتج أبو حنيفة أيضًا بأن التخيير ثبت بالنص والإجماع في كفارة الأذى (¬6) فلا يجوز إثباته في غيرها بالقياس عليها؛ لأن الكفارة لا تثبت قياسًا (¬7) عنده، وأجاب أصحابنا بأنا لا نسلم أن الكفارات لا تثبت بالقياس، وإنما ذكرت هذا لأن الخطابي - رضي الله عنه - نقل عن الشافعي خلاف هذا (¬8) وتابعه القرطبي ولم يظهر لي ذلك؛ فإنه إمام جليل محقق. [1858] (وعن كعب بن عجرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر به) وهو محرم ¬

_ (¬1) البقرة: 196. (¬2) من (م). (¬3) في (م): يقوى. (¬4) في "المجموع": وهم لا يقولون به. (¬5) "المجموع" 7/ 376. (¬6) زاد في (م): وغيرها. (¬7) في (م): فيها شيئًا. (¬8) "مختصر سنن أبي داود" المطبوع معه "معالم السنن" 2/ 366.

(زمن الحديبية) وقد قمل رأسه ولحيته (فذكر القصة) المذكورة (وقال: أمعك دم؟ قال: لا) رواية مسلم: قال: ما أقدر عليه. (قال: فصم (¬1) ثلاثة أيام، أو تصدق) رواية (¬2) مسلم: "أطعم" (بثلاثة آصع (¬3) من التمر) جمع صاع كما ثبت هذا الجمع في هذا الحديث وفي أحاديث أخر مشهورة وفي كتب اللغة، ولا خلاف في جوازه، وما حكي عن ابن مكي فغلط منه؛ لأن صاع جمعه على أصوع من باب المقلوب؛ لأن فاء الكلمة في أصوع صاد وعينها واو فقلبت الواو همزة ونقلت إلى موضع الفاء ثم قلبت (¬4) الهمزة ألفًا حين اجتمعت هي وهمزة الجمع فصارت آصعًا ووزنه أفعل، وكذا القول في آدر ([على ستة مساكين) نسخة: ] (¬5) بين ستة مساكين (بين كل مسكينين صاع) فإن قيل: هذِه الرواية تدل على الترتيب. فأجاب النووي: ليس المراد به أن الصوم لا يجزئ إلا لعادم الهدي، بل هو محمول على أنه سأل عن النسك، فإن وجده فأخبره بأنه مخير بين الدم وبين الإطعام وبين (¬6) الصيام، وإن عدمه فهو مخير بين الصيام والإطعام (¬7). [1859] (عن نافع: أن رجلًا من الأنصار) وهو عبد الرحمن بن أبي ¬

_ (¬1) في (ر): صم. (¬2) في (م): رواه. (¬3) زاد بعدها في (م): على ستة مساكين. (¬4) في (ر): نقلت. (¬5) سقط من (م). (¬6) سقط من (م). (¬7) "شرح النووي" 8/ 121.

ليلى (أخبره عن كعب بن عجرة وكان قد أصابه في رأسه أذى) من مرض أو قمل أو الأذى من غير الشعر كالقروح برأسه أو صداع برأسه أو اشتد الحر عليه لكثرة شعره (فحلق) رأسه (فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يهدي هديًا) بضم الياء من يهدي، والهدي شاة تجزئ في الأضحية، وعند المالكية أن الفدية بدنة (بقرة) عارض هذِه الرواية رواية [أصح منها] (¬1) وهو أن الذي أمر به كعب وفعله إنما هو شاة؛ لما روى سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن أبي هريرة: أن كعب بن عجرة ذبح شاة لأذى أصابه، وقد يجمع بين الثلاثة روايات بأنه سأله: أمعك دم شاة؟ قال: لا، بل هي (¬2) بقرة. قال له: اذبح شاة. رفقًا به، فلم يخالفه، بل ذبح أرفع منها وهي البقرة، ولعله استأذنه فقال: [أذبح بقرة أعلى منها؟ فقال: ] (¬3) اذبح بقرة، كما قالوا في الزكاة: لو أخرج (¬4) بعيرًا عن خمس من الإبل أجزأ، أو شاة صفتها صفة الأضحية. [1860] (الحكم) بفتح المهملة والكاف (بن عتيبة) بضم المهملة وفتح المثناة فوق مصغر ابن النهاس الكوفي، مذكور في الصحيحين (عن عبد الرحمن، عن كعب بن عجرة - رضي الله عنه - قال: أصابني هوام) جمع هامة، ولا يقع هذا الاسم إلا على المجوف من الأجناس، والمراد بها القمل؛ لأنها تهم على الرأس أي (¬5) تدب (في شعر رأسي وأنا مع ¬

_ (¬1) في (ر): احتج بها. (¬2) في (م): معي. (¬3) في (م): له. (¬4) في (ر): أخذ. (¬5) سقط من (م).

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية) بالتخفيف (حتى تخوفت على بصري) من كثرة الوجع أو الأذى، وهو مبالغة في كثرة القمل. (فأنزل الله - عز وجل -) في الفدية ({فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا}) قال ابن عباس: أي برأسه قروح ({أَوْ بِهِ أَذًى}) أي: تأذى ({مِنْ}) قمل ({رَأْسِهِ} الآية، قال: فدعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لي: احلق رأسك) الأمر للندب أو الإباحة كما تقدم (ثم صم ثلاثة أيام) تعيين وتبيين لمقدار الصوم المجمل في الآية وأبعد من قال من المتقدمين أن الصوم عشرة أيام؛ لمخالفة هذا. (أو أطعم ستة مساكين فرقًا) بفتح الفاء والراء، وقد تسكن الراء وهو ثلاثة آصع، والتوفيق بينه وبين الرواية المتقدمة: كل مسكين نصف صاع ظاهر على مذهب الشافعي، فإن عنده الصاع أربعة أمداد (¬1). والمد رطل وثلث لثلاثة (¬2) آصع هو ستة عشر رطلًا، وهو الفرق (من زبيب) فيه رد على ما قال الثوري (¬3): إن تصدق بالبر فنصف صاع، وإن تصدق بتمر أو زبيب فصاع (¬4) (أو انسك شاة) قال الشافعي: الإطعام ودم الفدية لا يكونان إلا لمساكين الحرم والصوم حيث شاء لأن الصيام لا منفعة فيه لأهل الحرم كما قال تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} رفقًا بالمساكين؛ ¬

_ (¬1) "الأم" 2/ 40. (¬2) في (م): فثلاثة. (¬3) في (م): النووي. (¬4) في النسخ: فنصف صاع. والمثبت الصواب. وانظر: "الاستذكار" 4/ 385، "شرح مسلم" للنووي 8/ 121.

لأنهم جيران بيته (¬1). وقال مالك: يفعل ذلك حيث شاء (¬2). قال القرطبي: وفي الآية أوضح الدلالة على ذلك؛ فإنه تعالى لما قال: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} لم يقل في موضع دون موضع، فالظاهر أنه حيثما فعل أجزأ، فسماه نسكًا ولم يسمه هديًا، فلا يلزمنا أن نرده قياسًا على الهدي، وأيضًا فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لما أمر كعبًا بالفدية ما كان في الحرم فصح أن ذلك كله يكون خارج الحرم، وقد روي ذلك عن الشافعي في وجه بعيد (¬3) (فحلقت رأسي، ثم نسكت) "أي": ذبحت الفدية لله تعالى. وفي بعض طرق هذا الحديث "أيَّ" بالتشديد والنصب (ذلك فعلت أجزأ عنك) هذا صريح في التخيير الدال على الإباحة. [1861] (عبد الكريم بن مالك الجزري) بفتح الجيم والزاي (مولى عثمان بن عفان) وهو ابن عم خصيف (¬4) أصله من إصطخر، مات سنة 127. ¬

_ (¬1) "الأم" 2/ 288، وانظر "الحاوي الكبير" 4/ 302. (¬2) انظر: "الاستذكار" 13/ 307. (¬3) "الجامع لأحكام القرآن" 2/ 386. (¬4) في (م): حصيد.

45 - باب الإحصار

45 - باب الإِحصارِ 1862 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى عَنْ حَجّاجٍ الصَّوّافِ، حَدَّثَني يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: سَمِعْنَا الحَجّاجَ بْنَ عَمْرٍو الأَنْصاري قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرِجَ فَقَدْ حَلَّ وَعَليْهِ الحَجُّ مِنْ قابِلٍ". قَالَ عِكْرِمَةُ سَأَلْتُ ابن عَبَّاسٍ وَأَبا هُريْرَةَ، عَنْ ذَلِكَ فَقالا: صَدَقَ (¬1). 1863 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُتَوَكِّلِ العَسْقَلاني وَسَلَمَةُ قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أبِي كَثِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رافِعٍ، عَنِ الحَجّاجِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرِجَ أَوْ مَرِضَ". فَذَكَرَ مَعْناهُ. قَالَ سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ قَالَ أَنا مَعْمَرٌ (¬2). 1864 - حَدَّثَنا النُّفيْليُّ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ ميْمُونٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبا حاضِرٍ الحِمْيَري يُحَدِّثُ أبِي ميْمُونَ بْنَ مِهْرانَ، قَالَ: خَرَجْتُ مُعْتَمِرًا عامَ حاصَرَ أَهْل الشَّأْمِ ابن الزُّبيْرِ بِمَكَّةَ وَبَعَثَ مَعي رِجالٌ مِنْ قَوْمي بِهَدي، فَلَمّا انْتَهيْنا إِلَى أَهْلِ الشَّأْمِ مَنَعُونا أَنْ نَدْخُلَ الحَرَمَ فَنَحَرْتُ الهَدي مَكانِي ثُمَّ أَحْلَلْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ، فَلَمّا كَانَ مِنَ العامِ المُقْبِلِ خَرَجْتُ لأَقْضي عُمْرَتِي فَأَتَيْتُ ابن عَبَّاسٍ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: أَبْدِلِ الهَدي فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ أَصْحابَهُ أَنْ يُبْدِلُوا الهَدي الذي نَحَرُوا عامَ الحُديْبِيَةِ في عُمْرَةِ القَضاءِ (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (940)، والنسائي 5/ 198، وابن ماجه (3077، 3078)، وأحمد 3/ 450. وانظر ما بعده. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1627). (¬2) انظر السابق. (¬3) رواه الحاكم 1/ 485 - 486، وابن عبد البر في "التمهيد" 15/ 207 - 208. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (325).

باب الإحصار (¬1) [1862] (عن عكرمة، سمعت الحجاج بن عمرو) يرفعه (قال: قال (¬2) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من كسر) بضم الكاف وكسر السين (أو عرج) بفتح الراء مرض أي: أصابه شيء في رجله وليس بخلقة، فإذا كان خلقة قيل: عرج بكسر الراء (فقد حل) لم ينقل عن أحد من الفقهاء أنه قال بظاهر هذا الحديث أنه يحل عن إحرامه من مكانه بنفس الكسر والعرج إلا أبو ثور، وتابعه على ذلك داود بن علي وأصحابه، وأجمع بقية العلماء على أنه يحل من كسر أو عرج، ولكن اختلفوا فيما به يحل وعلى ما يحمل هذا الحديث. فقال البيهقي: حمله بعض أهل العلم على أنه [يحل] (¬3) بعد فواته بما (¬4) يحل به من يفوته الحج بغير مرض، قال النووي: وهذا الذي ذكره البيهقي محتمل، ولكن المشهور في كتب أصحابنا حمله على ما إذا اشترط التحلل به (¬5). فإذا وجد الشرط صار حلالًا ولا يلزمه الدم، وقال مالك وغيره: يحل بالطواف بالبيت لا يحله غيره (¬6). ومن خالفه من الكوفيين يقول: يحل بالنية والذبح والحلق (وعليه الحج (¬7) من) ¬

_ (¬1) في (م): هدي الحصر. (¬2) سقط من (م). (¬3) زيادة من "السنن الكبرى" 5/ 220. (¬4) في (م): إنما. (¬5) "المجموع" 8/ 309 - 310. (¬6) انظر: "الاستذكار" 12/ 96، 103. (¬7) من (م).

عام (قابل) إن كان ما أحرم به واجبًا عليه (¬1) مستقرّا في ذمته كالقضاء والنذر وحجة الإسلام، وإن كان نسكه تطوعًا فلا قضاء عليه؛ لأنه تطوع أبيح الخروج منه، فإذا خرج لم يلزمه القضاء كصوم التطوع. (قال عكرمة: فسألت ابن عباس وأبا هريرة عن ذلك فقالا: صدق) يعني: الحجاج بن عمرو، فيه أن من سمع (¬2) من عالم مسألة فرأى من هو أعلم منه (¬3) بتلك المسألة أن يعيد السؤال عن المسألة الأولى ليترجح ما سمعه أولًا ويتأكد عنده. [1863] (وعن الحجاج بن عمرو) أيضًا (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: من عرج) بفتح الراء كما تقدم (أو كسر أو مرض [فذكر معناه]) (¬4) وغير المرض من الأعذار مثل إعواز النفقة والضلال (¬5) في الطريق والخطأ (¬6) في العدد كما قال البندنيجي عند الشروط (¬7) وعدمه كالمرض. [1864] (سمعت أبا حاضر) بحاء مهملة وضاد معجمة، اسمه عثمان (¬8) بن حاضر الأزدي (الحميري) بكسر المهملة وسكون الميم ([يحدث أبي] (¬9) ميمون بن مهران) بكسر الميم التابعي؛ فإنه ولد سنة ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (ر): سأل. (¬3) من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) في (م): الطلاق. (¬6) في (ر): الحصا. (¬7) في (م): الشرط. (¬8) في (ر): عيمر. (¬9) في النسخ: أن. والمثبت من مطبوع "السنن".

أربعين والنبي - صلى الله عليه وسلم - توفي سنة عشر من الهجرة وكان بزازًا يجلس في حانوته ويتولى خراج الجزيرة لعمر بن عبد العزيز. (قال: خرجت معتمرًا عام حاصر أهل الشام) عبد الله (بن الزبير بمكة) وكان يزيد بن معاوية بعث الجيش إلى الكعبة لحصر ابن الزبير مع الحجاج بن يوسف سنة اثنتين وسبعين (و) كان قد (بعث معي رجال من قومي بهدي) إلى الكعبة. (فلما انتهينا إلى أهل الشام) وأصحاب الحجاج (منعونا أن ندخل الحرم) ومنعوا أهل حمص وغيرهم (فنحرت الهدي) الذي كان معي (حين أحصرت وفرقته بمكاني) [نسخة مكاني] (¬1) (ثم أحللت) بالذبح فيه (¬2) التحلل والحلق و (¬3) التقصير، وأعجلت التحلل. (ثم (¬4) رجعت، فلما كان من العام المقبل) سنة 73 (خرجت) مع الحاج (لأقضي عمرتي) التي كانت علي (فأتيت ابن عباس) - رضي الله عنه - (فقال (¬5): أبدل) بفتح الهمزة (الهدي) الذي نحرته قبل أن يبلغ محله، (فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أصحابه أن) حمله الشافعي رحمه الله على أنه أمر استحباب (أن يبدلوا الهدي) واستدلوا بما ذكره البخاري في "صحيحه" بصيغة جزم. قال مالك وغيره: ينحر هديه ويحلق في أي موضع كان ولا قضاء ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ر): نية. (¬3) في (م): أو. (¬4) في (م): و. (¬5) في (م): فسألته عن ذلك.

عليه (¬1)؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بالحديبية نحروا وحلقوا وحلوا من كل شيء قبل الطواف وقبل أن يصل الهدي إلى البيت، ثم لم يذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر آخرًا (¬2) أن يقضوا شيئًا ولا يعودوا له والحديبية خارج الحرم (¬3)، انتهى ما في "صحيح البخاري" (¬4). قال ابن التين في شرحه: قوله: ثم لم يذكروا (¬5) إلى آخره استدلال من البخاري على أن القضاء غير واجب؛ لأنه وأصحابه أصابهم هذا في محفل عظيم كانوا فيه ألفًا وأربعمائة، ولا يجب شيء إلا بإيجاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومحال أن يجب عليهم ولم يأمرهم، ومحال أن يأمرهم ولم يبلغنا مع كثرة عددهم وتوافر جمعهم، ولو كان ذلك (¬6) للزم عادة أن ينقل إلينا بطريق تواتر أو آحاد، ولو جاز أن يخفى علينا هذا لجاز أن يخفى علينا أكثر غزواته ومشاهده، انتهى. وقال الشافعي - رضي الله عنه -: إنه يحكى (¬7) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما اعتمر من قابل [تخلف] (¬8) رجال من غير ضرورة، انتهى. (الذي نحروا) أي: نحروه فحذف ضمير العائد (¬9) على الموصول؛ لأنه منصوب بفعل وهو كثير. ¬

_ (¬1) انظر: "الاستذكار" 12/ 91. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): الهدي. (¬4) "صحيح البخاري" قبل حديث (1813). (¬5) في (م): يذكر. (¬6) سقط من (م). (¬7) في (م): يحلف. (¬8) ساقطة من الأصول، والمثبت من "الأم" 3/ 399 لإتمام المعنى. (¬9) في (م): الغاية.

(عام الحديبية) بتخفيف الياء الأخيرة عند المحققين كالشافعي وغيره، وهي على مرحلة من مكة (في عمرة القضاء) من المقاضاة لا من القضاء الذي هو ضد الأداء، ولهذا يقال لها أيضًا: عمرة القضية، وقال الشافعي في "الأم": أنها تسمى عمرة القصاص؛ لأن الله تعالى اقتص لرسوله - صلى الله عليه وسلم - فدخل عليهم كما منعوه (¬1). ¬

_ (¬1) "الأم" 3/ 402.

46 - باب دخول مكة

46 - باب دُخُولِ مَكَّةَ 1865 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبيْدٍ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ زيْدٍ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ نافِعٍ أَنَّ ابن عُمَرَ كَانَ إِذا قَدِمَ مَكَّةَ باتَ بِذي طُوى حَتَّى يُصْبِحَ ويَغْتَسِلَ ثُمَّ يَدْخلُ مَكَّةَ نَهارًا، ويَذْكُرُ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ فَعَلَهُ (¬1). 1866 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ البَرْمَكيُّ، حَدَّثَنا مَعْنٌ، عَنْ مالِكٍ ح وَحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وابْنُ حَنْبَلٍ، عَنْ يَحْيَى ح وَحَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبِي شيْبَةَ، حَدَّثَنا أبُو أُسامَةَ، جَمِيعًا عَنْ عُبيْدِ اللهِ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَدْخُلُ مَكَّةَ مِنَ الثَّنِيَّةِ العُلْيا - قالا، عَنْ يَحْيَى إِنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَدْخُلُ مَكَّةَ مِنْ كَداءَ مِنْ ثَنِيَّةِ البَطْحاءِ - ويَخْرُجُ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى. زادَ البَرْمَكي يَعْني: ثَنِيَّتَى مَكَّةَ، وَحَدِيثُ مُسَدَّدٍ أَتَمُّ (¬2). 1867 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شيْبَةَ، حَدَّثَنا أَبُو أُسامَةَ، عَنْ عُبيْدِ اللهِ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَخْرُجُ مِنْ طَرِيقِ الشَّجَرَةِ ويَدْخُلُ مِنْ طَرِيقِ المُعَرَّسِ (¬3). 1868 - حَدَّثَنا هارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنا أبُو أُسامَةَ، حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عامَ الفَتْحِ مِنْ كَداءَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ وَدَخَلَ في العُمْرَةِ مِنْ كُدى قَالَ: وَكَانَ عُرْوَةُ يَدْخُلُ مِنْهُما جَمِيعًا وَكَانَ أَكْثَرُ ما كَانَ يَدْخُلُ مِنْ كُدى وَكَانَ أَقْرَبَهُما إِلَى مَنْزِلِهِ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (491، 1574، 1769)، ومسلم (1259). وانظر: ما سيأتي بالأرقام (1866 - 1869). (¬2) رواه البخاري (1575 - 1576، 1767)، ومسلم (1257). وانظر: ما قبله وما بعده. (¬3) رواه البخاري (1533)، ومسلم (1257). وانظر: سابقيه. (¬4) رواه البخاري (1578 - 1579، 4290)، ومسلم (1258). وانظر ما سلف برقم (1865).

1869 - حَدَّثَنا ابن المُثَنَّى، حَدَّثَنا سُفْيانُ بْنُ عُييْنَةَ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذا دَخَلَ مَكَّةَ دَخَلَ مِنْ أَعْلاها وَخَرَجَ مِنْ أَسْفَلِها (¬1). * * * باب دخول مكة [1865] (ثنا محمد بن عبيد) مصغر ابن حسان، أبو عبد الله العنبري البصري (حدثنا) أبو إسماعيل (حماد بن زيد) بن درهم الأزدي (أن ابن عمر كان إذا قدم مكة) سميت مكة لأنها تمك الذنوب أي: تذهب بها، وقيل: لأنها تمك من ظلم بها أي تهلكه رواية البخاري: كان ابن عمر إذا دخل أدنى الحرم يعني: أول موضع منه أمسك عن التلبية (بات بذي طوى) بفتح الطاء وكسرها وضمها، حكاه صاحب "المطالع" (¬2) وقال: الفتح أشهر، وهو مقصور ويجوز صرفه على أنه اسم الوادي، ومن جعله اسم أرض لم يصرفه، [سمي بذلك لأن بئرها كانت مبنية بالحجارة أي مطوية بها، ولم يكن هناك غيرها فنسب الوادي إليها] (¬3) ذكره الماوردي (¬4). وهي بين الثنية (¬5) العليا التي يصعد إليها من الوادي المعروف بالزاهر وبين الثنية (¬6) السفلى التي ينحدر ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1577)، ومسلم (1258). وانظر: ما سلف برقم (1865). (¬2) "مطالع الأنوار" (بتحقيقنا) 3/ 98. (¬3) سقط من (م). (¬4) "الحاوي الكبير" 4/ 130. (¬5) في (م): البنية. (¬6) في (م): البنية.

منها إلى المقابر والأبطح وهو المحصب. وقال المحب الطبري: هو موضع عند باب الكعبة يعرفه أهل مكة، وقد ترك الناس هذِه السنة وأماتوها، والخير كله في اتباعه - صلى الله عليه وسلم {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (¬1)، وفيها من الحكمة التقوي بالمبيت على ما يستقبله من العبادة، قال (¬2): فإن لم يكن ذي (¬3) طوى في طريقه اغتسل في (¬4) جهة طريقه على نحو مسافتها. (حتى يصبح) هذا هو الأفضل وتحصل الفضيلة بمبيت معظم الليل فيها، (ويغتسل) بذي طوى لدخول مكة وهو سنة كما قال الشافعية: لكل محرم حتى الحائض والنفساء والصبي (¬5). وفي "التتمة" أن المقصود بهذا الاغتسال التنظيف لا التعبد حتى يصح (¬6) من غير نية وتؤمر به الحائض، وهو غريب. وقال القاضي عياض في "الإكمال" إنه سنة مؤكدة (¬7)، وقال إبراهيم النخعي: كانوا إذا قربوا (¬8) من مكة اغتسلوا وطرحوا ثيابهم التي أحرموا فيها، [وروى سعيد بن منصور عن جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم يعني: النخعي قال: كان أصحابنا إذا أتوا بئر ميمونة اغتسلوا ولبسوا ¬

_ (¬1) [يحببكم الله] ساقطة من (ر). (¬2) في (م): قالوا. (¬3) في (م): ذوا. (¬4) في (م): من. (¬5) "الأم" 2/ 213، وانظر: "الحاوي الكبير" 4/ 130. (¬6) في (ر): يصبح. (¬7) "إكمال المعلم" 4/ 338. (¬8) في (ر): قدموا.

أحسن ثيابهم ودخلوا فيها مكة (¬1)] (¬2). (ثم يدخل مكة) راكبًا أو ماشيًا، وجزم الماوردي أنه يدخل مكة ماشيًا؛ لأنه أشبه بالتواضع، قال بعض الشافعية: والأولى أن يدخل حافيًا (¬3) إن لم تلحقه مشقة ولا خاف نجاسة (¬4) ويروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "حج هذا البيت سبعون نبيّا، كلهم خلعوا نعالهم بذي طوى تعظيمًا للمكان" (نهارًا) وليلًا باتفاق الأربعة. قال مالك في "الموازية": أحب لمن جاء مكة وعلم أنه لا يدرك الطواف إلا بعد العصر أن يقيم بذي طوى حتى يمسي (¬5) وقد دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهارًا لصبح رابعة مضت من ذي الحجة ودخل ليلًا عام حنين لما اعتمر من الجعرانة. (ويذكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه فعله) يحتمل أن يعود الضمير إلى الآخر وهو دخول مكة، وهو مقصود الترجمة، ويحتمل أن يعود إلى الجميع وهو الأظهر. [وقال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل، عن إسماعيل] (¬6) وزاد: حتى يصبح ويصلي، (¬7) الغداة ويغتسل (¬8)، رواية البخاري: فإذا ¬

_ (¬1) "فتح الباري" 3/ 475. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): مكة حافيًا. (¬4) انظر: "مغني المحتاج" 1/ 483. (¬5) انظر: "الذخيرة" 3/ 236. (¬6) هكذا في النسخ، وغير موجود في المطبوع. (¬7) زاد في (ر): نسخة: ثم يصلي. (¬8) رواه أحمد 2/ 14، 47 عن إسماعيل، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر.

صلى (¬1) اغتسل (¬2)، تأخير الغسل إلى بعد الغداة ليكون أقرب إلى دخول مكة، فكلما قرب الغسل من الدخول كان أفضل، كما أن غسل الجمعة كلما قرب إلى الذهاب إلى الجمعة كان أفضل، ويقاس عليه ما في معناه. [1866] (البرمكي) بفتح الموحدة نسبة إلى يحيى بن خالد بن برمك، والبرامكة وزراء الدولة العباسية (عن ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدخل مكة من الثنية) كل عقبة في جبل أو طريق فإنه يسمى ثنية (العليا) وهذِه الثنية هي التي ينزل منها إلى باب المعلى مقبرة أهل مكة، وهي التي يقال لها الحجون [بفتح الحاء وضم الجيم، وكانت صعبة المرتقى فسهلها معاوية ثم عبد الملك [ثم] (¬3) المهدي على ما ذكره الأزرقي. ثم سهل] (¬4) في عصرنا هذا سنة إحدى عشرة وثمانمائة (¬5) (ويخرج من الثنية السفلى) وهي عند باب بني شيبة بقرب شعب الشاميين من ناحية قعيقعان وكان بناء هذا الباب عليها في القرن السابع (زاد) عبد الله بن جعفر (البرمكي يعني) أن العليا والسفلى (ثنيتي مكة [وحديث مسدد أتم]) (¬6) شرفها الله تعالى. [1867] (أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج من مكة من طريق الشجرة) قال القرطبي: والله أعلم الشجرة ¬

_ (¬1) زاد في (م): الغداة. (¬2) "صحيح البخاري" (1573). (¬3) زيادة من "فتح الباري" 3/ 437. (¬4) سقط من (م). (¬5) انظر: "فتح الباري" 3/ 437. (¬6) سقط من (م).

التي بذي الحليفة (¬1) [قال المنذري: الشجرة على ستة أميال من المدينة (¬2) كان ينزلها - عليه السلام -] (¬3) التي أحرم منها كما قال ابن عمر في الحديث المتقدم، ولعلها هي الشجرة التي ولدت تحتها أسماء بنت عميس رضي الله عنها (ويدخل من طريق المعرس) بفتح الراء المشددة موضع التعريس، وهو موضع معروف على ستة أميال من المدينة على طريق من أراد الذهاب إلى مكة من المدينة كان يخرج منه إلى ذي الحليفة هناك، والتعريس النزول من آخر الليل، قال ابن بطال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل ذلك كما يفعل بالعيد يذهب من طريق ويرجع من أخرى (¬4). [1868] (هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير (عن (¬5) عائشة رضي الله عنها قالت: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح من كداء) بفتح الكاف والمد وعدم الصرف، وهذه (¬6) الثنية هي التي ينزل منها إلى المُعلَّى كما تقدم (من أعلى مكة) شرفها الله تعالى (ودخل في العمرة) الجعرانة ليلًا (من كدى) بالضم والقصر هي الثنية السفلى ويقربها (كدى) مصغر على طريق اليمن. (وكان عروة) بن الزبير بن العوام (يدخل منهما جميعًا) اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودخوله - عليه السلام - منهما ليعلم أمته السعة في ذلك، (وكان أكثر ما كان ¬

_ (¬1) "المفهم" 3/ 370 - 371. (¬2) انظر: "عمدة القاري" 9/ 210. (¬3) سقط من (م). (¬4) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 4/ 201. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (ر): وهي.

يدخل من كدى) بالضم والقصر للجميع، وكذا بالفتح (¬1) والمد في رواية بعضهم (وكانت أقربهما إلى منزله) فيه اعتذار عروة إلى أبيه لكونه روى الحديث عنه وخالفه؛ لأنه رأى أن ذلك ليس بحتم لازم. واختلفوا في المعنى الذي لأجله (¬2) خالف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين طريقيه. قيل: ليتبرك كل من في طريقه كما تقدم في العيد، وقيل: الحكمة في ذلك لمناسبة جهة العلو عند الدخول؛ لما فيه من تعظيم المكان. [1869] (وعن هشام، عن أبيه، عن عائشة) رضي الله عنها (: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دخل مكة دخل من أعلاها) وسواء كان حاجًا أو معتمرًا، وسواء كان محرمًا أو حلالًا سواء كانت في صوب طريقه أو لم تكن يؤخذ ذلك كله من إطلاق الحديث، وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس: أن إبراهيم - عليه السلام - حين قال: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} كان على كداء الممدودة، فلذلك استحب الدخول منه، قاله السهيلي (¬3). ¬

_ (¬1) في (ر): بالمد. (¬2) من (م). (¬3) "الروض الأنف" 7/ 218.

47 - باب في رفع اليدين إذا رأى البيت

47 - باب في رَفْعِ اليَديْنِ إِذَا رَأى البيْتَ 1870 - حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ حَدَّثَهُمْ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبا قَزَعَةَ يُحَدِّثُ، عَنِ المُهاجِرِ المَكّي قَالَ سُئِلَ جابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ الرَّجُلِ يَرى البيْتَ يَرْفَعُ يَديْهِ فَقَالَ: ما كُنْتُ أَرى أَحَدًا يَفْعَلُ هذا إلَّا اليَهُودَ وَقَدْ حَجَجْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يَكُنْ يَفْعَلُهُ (¬1). 1871 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا سَلَّامُ بْنُ مِسْكِينٍ، حَدَّثَنا ثابِتٌ البُنانيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَباحٍ الأَنْصاريِّ، عَنْ أبِي هُريْرَةَ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - لَمّا دَخَلَ مَكَّةَ طافَ بِالبيْتِ وَصَلَّى رَكْعَتيْنِ خَلْفَ المَقامِ يَعْني يَوْمَ الفَتْحِ (¬2). 1872 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ وَهاشِمٌ - يَعْني ابن القاسِمِ - قالا: حَدَّثَنا سُليْمانُ بْنُ المُغِيرَةِ، عَنْ ثابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَباحٍ، عَنْ أبِي هُريْرَةَ قَالَ: أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَدَخَلَ مَكَّةَ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الحَجَرِ فاسْتَلَمَهُ ثُمَّ طافَ بِالبيْتِ ثُمَّ أَتَى الصَّفا فَعَلاهُ حيْثُ يَنْظُرُ إِلَى البيْتِ فَرَفَعَ يَديْهِ فَجَعَلَ يَذْكُرُ الله ما شاءَ أَنْ يَذْكُرَهُ وَيَدْعُوهُ، قَالَ: والأَنْصارُ تَحْتَهُ، قَالَ هاشِمٌ: فَدَعا وَحَمِدَ اللهَ وَدَعا بِما شاءَ أَنْ يَدْعُوَ (¬3). * * * باب رفع اليدين (¬4) إذا رأى البيت [1870] (يحيى بن معين) بفتح الميم (سمعت أبا قزعة) بفتح القاف ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (855)، والنسائي 5/ 212، والدارمي (1961)، وابن خزيمة (2704). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (326). (¬2) رواه مسلم (1780). مطولا دون ذكر الصلاة. وانظر ما بعده، وما سيأتي برقم (3024). (¬3) انظر السابق. (¬4) في (م): اليد.

وسكون الزاي، واسمه سويد بن حجير الباهلي (يحدث عن المهاجر) بن عكرمة بن [عبد الرحمن المخزومي] (¬1). (المكي قال: سئل (¬2) جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - عن الرجل) مفهومه بأن المرأة لا ترفع يديها سترًا لها والخنثى كذلك (يرى البيت فيرفع يديه) (¬3) جميعًا بباطن كفيه، والظاهر أن حد الرفع إلى أن يحاذي منكبيه (فقال: ما كنت أرى) بضم الهمزة، أي: أظن، ويحتمل فتح الهمزة من رؤية العين، أي: ما كنت أعاين (أحدًا يفعل هذا إلا اليهود) بالنصب (¬4) نسبة إلى يهوذا بن يعقوب عليهما السلام، وإذا خلا من الألف واللام كان غير منصرف (¬5) للعلمية ووزن الفعل. (وقد حججنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يكن يفعله) استدل به الحنفية على ما حكاه الطحاوي في "شرح الآثار" عنهم (¬6). وقال قاضي القضاة شمس الدين السروجي في "الغاية": إن ما ذكره الطحاوي هو الذي يوافق مذهبهم. وقال ابن القاسم: إن ترك الرفع أحب إلى مالك في كل شيء إلا افتتاح الصلاة (¬7). وقال: إن مالكًا كرهه في جميع المشاعر، ¬

_ (¬1) في (م): أبي. (¬2) سقط من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) في (ر): منصوب. (¬6) انظر: "شرح معاني الآثار" 2/ 177 - 178. (¬7) انظر: "التهذيب في اختصار المدونة" 1/ 535، "منح الجليل" 2/ 295.

واستحباب رفع اليدين نص عليه (¬1) الشافعي في الجمع الكثير؛ لما روى ابن جريج أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رأى البيت رفع يديه (¬2)، كذا رواه الشافعي معضلًا (¬3) والمعضل ما سقط منه راويان فأكثر. قال البيهقي: إن له شاهدًا من مراسيل مكحول، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل مكة فرأى البيت رفع يديه وكبر (¬4) وقال: "اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا يا (¬5) ربنا بالسلام" (¬6)، وروى سعيد بن منصور ذلك موقوفًا عن عمر من غير ذكر الرفع والتكبير. ونقل ابن المنذر رفع اليدين عن ابن عمر وابن عباس وغيرهما من التابعين، وعن أحمد قال: وبه أقول (¬7)، وروى الترمذي أيضًا عن المهاجر المكي أيضًا قال: سئل جابر بن عبد الله: أيرفع الرجل يديه (¬8) إذا رأى البيت؟ فقال: حججنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكنا (¬9) نفعله (¬10). هذا لفظ (¬11) رواية الترمذي بإسناد حسن. ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (م): يديه. (¬3) انظر "الأم" 2/ 252 - 253، و"المجموع" 8/ 8. (¬4) من (م). (¬5) سقط من (م). (¬6) "السنن الكبرى" 5/ 118 (9813). (¬7) "مسائل أحمد" رواية عبد الله 1/ 213 (م 793). (¬8) في (م): يده. (¬9) هكذا في النسخ، وفي "سنن الترمذي": أفكنا. وهو الصواب. (¬10) "سنن الترمذي" (855). (¬11) من (م).

قال أصحابنا: رواية المثبت للرفع (¬1) أولى؛ لأن معه زيادة علم، وقال البيهقي: رواية غير جابر في إثبات الرفع أشهر عند أهل العلم من رواية المهاجر المكي، وينبغي لمن رأى البيت أن يلحظ بقلبه جلالة البقعة التي هو فيها والكعبة التي يراها ويمهد (¬2) عذر من زاحمه. قال الماوردي: ويكون من دعائه ما رواه جعفر بن محمد الصادق عن أبيه [عن جده] (¬3): أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول عند دخوله - يعني مكة: "اللهم [البيت بيتك، والبلد بلدك، حيث] (¬4) أطلب رحمتك وألزم (¬5) طاعتك متبعًا لأمرك، راضيًا بقدرك، مسلمًا لأمرك، أسألك مسألة المضطر إليك، المشفق من عذابك أن تستقبلني بعفوك، وأن تتجاوز عني برحمتك، وأن تدخلني جنتك" (¬6). وزاد أحمد: "وأن (¬7) تعينني على أداء فرائضك". وقال ابن الجوزي: يقول: الحمد لله كثيرًا كما هو أهله وكما ينبغي لجمال (¬8) وجهك وعز جلاله الحمد لله الذي بلغني بيته ورآني لذلك أهلًا، الحمد لله رب العالمين، اللهم تقبل مني، واعف عني، وأصلح لي شأني كله. ¬

_ (¬1) في (ر): المعلم. (¬2) في (ر): وعهد، والمثبت موافق لما في "المجموع". (¬3) سقط من (م). (¬4) في "الحاوي الكبير": هذا البلد بلدك والبيت بيتك جئت. (¬5) في "الحاوي الكبير": ألمُّ. (¬6) "الحاوي الكبير" 4/ 131 - 132. (¬7) من (م). (¬8) في (م): لكريم.

[1871] (سلام) بتشديد اللام (بن مسكين) ثقة شهير، يرمى بالقدر (¬1) (ثابت البناني) بضم الباء الموحدة (عن عبد الله بن (¬2) رباح) بفتح الراء والباء الموحدة. (عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما دخل مكة) أي: حين دخل مكة لم يعرج على استئجار منزل ولا حط قماش ولا تغيير ثياب، بل (طاف) أولًا (بالبيت) طواف القدوم؛ فإنه تحية المسجد الحرام، قال أصحابنا: والابتداء بالطواف سنة لكل داخل سواء كان محرمًا أو غير محرم، إلا أن المرأة الجميلة والشريفة التي لا تبرز للرجال فيستحب لها تأخير الطواف إلى الليل؛ لأنه أستر لها وأسلم لها ولغيرها من الفتنة (¬3). (وصلى ركعتين خلف المقام) أي: مقام إبراهيم - عليه السلام - وقرأ عند رؤيته {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} وجعل المقام بينه وبين البيت في صلاته، قالت الشافعية: إذا لم يصلهما خلف المقام لزحمة أو غيرها صلاهما في الحجر؛ فإن لم يفعل ففي المسجد، فإن لم يفعل ففي أي موضع شاء من الحرم وغيره (¬4) (يعني: يوم الفتح) أي: فتح مكة شرفها الله تعالى. [1872] (بهز) بفتح الموحدة وإسكان الهاء (بن أسد) أخو المعلى البصري ([عن] (¬5) أبي هريرة قال: أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي (¬6): قاصدًا مكة ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 12/ 296، 297. (¬2) من (م). (¬3) "المجموع" 11/ 8. (¬4) "فتح الوهاب" 1/ 246. (¬5) سقطت من النسخ. (¬6) من (م).

[فدخل مكة] (¬1) (فأقبل) بالفاء العاطفة [أي: فكلما] (¬2) أقبل قاصدًا مكة أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاصدًا (إلى الحجر) يعني: الحجر (¬3) الأسود. (فاستلمه) قال ابن الأعرابي: تقديره استلأمه بسكون اللام وهمزة مفتوحة بعدها؛ لأنه مشتق من الملأمة بسكون اللام [وفتح الهمزة وهي الاجتماع، قال ابن السكيت: همزته العرب على غير قياس، والأصل استلَّمت بتشديد اللام] (¬4)؛ لأنه من السلام بكسر السين وهي الحجارة (¬5). والصحيح أن الاستلام افتعال من السلام بفتح السين وهو التحية، والمراد بالاستلام المس باليد في أول الطواف، وأهل اليمن يسمون الحجر الأسود المحيا. (ثم طاف بالبيت) أسبوعًا (ثم أتى الصفا فعلاه) أي: قدر قامة واستحباب الرقي مخصوص بالرجل، أما المرأة فإنها لا ترقى كما ذكره صاحب "التنبيه" (¬6)، والقياس أن الخنثى لا ترقى (حيث) أي: [علا حتى] (¬7) صار بحيث (ينظر إلى البيت) وليس هذا الصعود شرطًا ولا واجبًا، بل هو سنة تتأكد، ولكن بعض الدرج مستحدث فليحذر من أن يخلفها وراءه فلا يصح سعيه حينئذٍ، وينبغي أن يصعد في ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (ر): كلما. (¬3) سقط من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) "المصباح المنير" (سلم). (¬6) "التنبيه" 1/ 76. (¬7) في (م): علاه.

الدرج حتى يستيقن. هذا هو المذهب، ولنا وجه أنه يجب الصعود على الصفا والمروة قدرًا يسيرًا، ولا يصح سعيه إلا بذلك ليستيقن (¬1) قطع جميع المسافة كما يلزمه غسل جزء (¬2) من الرأس، واعلم أن الصعود كان أولًا، وأما اليوم فإنه لا (¬3) يرى البيت قبل الصعود لما حدث من الأبنية. (فرفع يديه) للدعاء (فجعل يذكر الله تعالى ما شاء أن يذكره) وقد استحب الشافعي في "الأم" أن يقول على الصفا: الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر على ما هدانا، والحمد لله على ما أولانا، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. هذا لفظ "الأم" (¬4). قال ابن جماعة: ولم أقف عليه بهذا اللفظ في شيء من الأخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن الصحابة. (ويدعوه) فيقول: اللهم إنك قلت: ادعوني أستجب لكم، وإنك لا تخلف الميعاد، وأنا أسألك كما هديتني للإسلام أن لا تنزعه مني حتى تتوفاني وأنا مسلم، ثم يضم إليه ما شاء من الدعاء. قال النووي: المذهب ¬

_ (¬1) زاد في (م): هذا. (¬2) سقط من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) "الأم" 2/ 323 - 324.

أنه لا يلبي على الصفا (¬1). (والأنصار - رضي الله عنه - تحته) يحتمل والله أعلم أن يكونوا تحته بدرجة يؤمِّنون على دعائه ويشاركونه في الثناء وارتفاع المقتدي به في حالة الذكر والدعاء وتعليم [الأحكام أدب ظاهر] (¬2) معمول به في الجمع والأعياد على المنابر وكراسي الحديث والوعظ، وهذا دليل على أن الوقوف على العليا أفضل، وأن الوقوف على التي تحتها جائز، وكذا التي تحتها إذا وجد الشرط المتقدم. (قال هاشم) القاسم (¬3) تفتخر به بغداد (فدعا وحمد (¬4) الله) قد يستدل به على أن الفاء لا تقتضي الترتيب كما في قوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا}، ووجه عدم الترتيب أن حمد الله مقدم على الدعاء، وقد يجاب عنه بما أجيب عن الآية أن المعنى: فأراد الدعاء فحمد الله، وتقدير الآية: أردنا إهلاكها فجاءها بأسنا، وفي بعض النسخ: [ودعا فحمد الله] (¬5) (ودعا بما شاء أن يدعو) (¬6) فيدعو منصوب بأن. وفيه دليل على أن للداعي أن يدعو بما شاء من أمور الدنيا والآخرة. ¬

_ (¬1) "المجموع" 8/ 68. (¬2) في (م): إذا بظاهر. (¬3) في (ر): هاشم. (¬4) زاد بعدها في (ر): فحمد. (¬5) من (م). (¬6) في (م): يدعوه.

48 - باب في تقبيل الحجر

48 - باب في تَقْبِيلِ الحَجَرِ 1873 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ عابِسِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ جاءَ إِلَى الحَجَرِ فَقَبَّلَهُ فَقَالَ إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لا تَنْفَعُ وَلا تَضُرُّ وَلَوْلا أَنّي رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّلُكَ ما قَبَّلْتُكَ (¬1). * * * باب تقبيل الحجر بفتح الحاء والجيم. [1873] (سفيان) الثوري (عن الأعمش، عن إبراهيم) بن يزيد النخعي (عن عابس) بالباء الموحدة (بن ربيعة) النخعي. (عن عمر - رضي الله عنه -: أنه جاء إلى الحجر) الأسود (فقبله) فيه دليل على أن تقبيل الحجر سنة، ويستحب كما قال في "شرح المهذب" أن يخفف القبلة بحيث لا يظهر لها صوت، فإن ظهر للقبلة صوتًا كره، ولا يستحب للنساء تقبيل إلا عند خلو (¬2) المطاف، ويستحب أن يضع جبهته عليه؛ لما رواه البيهقي عن ابن عباس قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسجد على الحجر (¬3). قال في "شرح المهذب": ويكرره (¬4) ثلاثًا؛ لأن ابن عباس صح عنه أنه كرر القبلة والسجود ثلاثًا، فإن عجز عن التقبيل للحجر استلمه بيده أو بعصا ثم قبل ما استلم به، فإن عجز أشار بيده لا بالفم إلى التقبيل، أو ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1597، 1605، 1610)، ومسلم (1270). (¬2) في (ر): خلوة. (¬3) في (ر): يكره. (¬4) "السنن الكبرى" 5/ 75.

أشار بشيء في يده ثم قبل ما أشار به (¬1). (فقال: إني أعلم (¬2) أنك حجر لا تنفع ولا تضر) [رواية مسلم] (¬3): أما والله إني لأعلم (¬4) أنك لا تضر ولا تنفع (¬5) أي: إلا بإذن الله، وروى الحاكم من حديث [ابن مسعود] (¬6) أن عمر قال هذا، فقال له علي بن أبي طالب: إنه يضر وينفع، وذكر أن الله لما أخذ المواثيق على ولد آدم كتب ذلك في رق وألقمه الحجر، قال: وقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يؤتى يوم القيامة بالحجر الأسود وله لسان ذلق يشهد لمن يستلمه بالتوحيد" (¬7)، وذلق بالذال المعجمة، أي: فصيح. (ولولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبلتك) قال الطبري: إنما قال ذلك عمر؛ لأن الناس كانوا حديث عهد بعبادة الأصنام فخشي عمر أن استلام الحجر من باب تعظيم بعض الأحجار كما كانت العرب تفعل في الجاهلية، وكثير من الجهلة تفعله الآن (¬8) في بعض أحجار الأماكن المباركة، فأراد عمر أن يعلم الناس أن استلامه اتباع لفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا لأن الحجر ينفع ويضر بذاته كما كانت الجاهلية تعتقده في الأوثان (¬9). ¬

_ (¬1) "المجموع" 8/ 33. (¬2) في (م): لأعلم. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ر): لا أعلم. (¬5) "صحيح مسلم" (1270/ 250). (¬6) في (م): أبي سعيد. (¬7) "المستدرك" 1/ 456. (¬8) في (م): إلا أن. (¬9) "فتح الباري" 3/ 541، و"شرح صحيح البخاري" لابن بطال 4/ 278.

قال المهلب (¬1): حديث عمر هذا يرد على من قال إن الحجر الأسود (¬2) يمين الله في الأرض يصافح بها عباده، ومعاذ الله أن يكون لله جارحة (¬3) وفي قول عمر هذا تسليم للشارع في أمر الدين وحسن الاتباع فيما لم يكشف عن معانيها، وهو قاعدة عظيمة في اتباع النبي فيما يفعله وإن لم يعلم الحكمة فيه، وفيه بيان السنن بالقول والفعل. وقد اعترض بعض الملحدين على الحديث الماضي وقالوا: كيف تسوده خطايا المشركين ولم تبيضه طاعات أهل الطاعات (¬4)؟ وأجيب بما قال ابن قتيبة: لو شاء الله لكان ذلك (¬5)، ولكن أجرى الله العادة بأن السواد يَصبغ ولا يُصبغ على العكس من البياض، قال المحب الطبري: في بقائه (¬6) أسود عبرة لمن له بصيرة، فإن الخطايا إذا أثرت في الحجر الصلد فتأثيرها في القلب أشد، قال: وروي عن ابن عباس: إنما غيره السواد لئلا ينظر أهل (¬7) الدنيا إلى زينة الجنة، فإن ثبت هذا فهو الجواب، ولكن رواه الحميدي (¬8) في فضائل مكة بإسناد ضعيف (¬9). ¬

_ (¬1) في (م): المهلبي. (¬2) سقط من (م). (¬3) انظر: "فتح الباري" 3/ 541، ولفظ الجارحة من الألفاظ التي لم يستخدمها السلف. (¬4) في (م): التوحيد. (¬5) من (م). (¬6) في (ر): بيانه. (¬7) سقط في (م). (¬8) في (م): الجندى. (¬9) "فتح الباري" 3/ 541.

49 - باب استلام الأركان

49 - باب اسْتِلامِ الأَرْكانِ 1874 - حَدَّثَنا أَبُو الوَلِيدِ الطّيالِسيُّ، حَدَّثَنا ليْثٌ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ سالمٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قَالَ: لَمْ أَرَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمْسَحُ مِنَ البيْتِ إلَّا الرُّكْنيْنِ اليَمانِييْنِ (¬1). 1875 - حَدَّثَنا مَخْلَدُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ سالِمٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّهُ أُخْبِرَ بِقَوْلِ عَائِشَةَ رضي الله عنها إِنَّ الحَجَرَ بَعْضُهُ مِنَ البيْتِ. فَقَالَ ابن عُمَرَ والله إِنّي لأَظُنُّ عَائِشَةَ إِنْ كَانَتْ سَمِعَتْ هذا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِنِّي لأَظُنُّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَتْرُكِ اسْتِلامَهُما إِلَّا أَنَّهُما ليْسا عَلَى قَواعِدِ البيْتِ وَلا طافَ النّاسُ وَراءَ الحِجْرِ إلَّا لِذَلِكَ (¬2). 1876 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ أَبي رَوّادٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لا يَدَعُ أَنْ يَسْتَلِمَ الرُّكْنَ اليَماني والحَجَرَ في كُلِّ طَوْفَةٍ قَالَ وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ (¬3). * * * باب استلام الأركان [1874] (عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: لم أر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح) أي: يمر بيده عليه (¬4)، وتقدم في باب وقت الإحرام: يمس (إلا الركنين (¬5) ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1609)، ومسلم (1267). وقد سلف مطولا برقم (1772). (¬2) رواه البخاري (1583، 3368، 4484)، ومسلم (1333). وانظر ما سيأتي برقم (2028). (¬3) رواه النسائي 5/ 231، وأحمد 2/ 18، 115، 152، وابن خزيمة (2723). وانظر ما سلف برقم (1772). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1639). (¬4) من (م). (¬5) سقط من (م).

اليمانيين) بتخفيف الياء الثانية والألف بدل من (¬1) إحدى يائي (¬2) النسب كما تقدم، أما الركنان الشاميان فلا يمسهما ولا يقبلهما، والركن اليماني يمسه ولا يقبله، والسبب في اختلاف الأركان في الأحكام أن الركن الأسود، فيه فضيلتان كون الحجر الأسود فيه، وكونه على قواعد إبراهيم، [والركن اليماني فيه] (¬3) فضيلة وهو كونه على قواعد إبراهيم، وأما الشاميان فليس لهما شيء من الفضيلتين. واعلم أن المراد بعدم تقبيل الأركان الثلاثة إنما هو نفي كونه سنة، وإن قبلهن أو قبل غيرهن من البيت لم يكن مكروهًا ولا خلاف الأولى، بل يكون حسنًا، كذا نقله في "الاستقصاء" عن نص الشافعي، قال: وأي البيت يقبل فحسن غير أنا نأمر بالاتباع (¬4) هذا لفظه فتفطن له فإنه مهم. [1875] (مخلد بن خالد) بن يزيد (الشعيري) بفتح الشين المعجمة وكسر العين المهملة من رواة مسلم. (عن ابن عمر: أنه أخبر) بضم الهمزة وكسر الموحدة (بقول عائشة: إن الحجر) بكسر الحاء (¬5) المهملة وإسكان الجيم، وهو محوط يدور على صورة نصف دائرة وهو خارج عن جدار البيت في صوب الشام من جهة الميزاب، تركته قريش حين بنت البيت، وأخرجته (¬6) عن بناء إبراهيم ¬

_ (¬1) في (ر): على. (¬2) في (ر): ياء. (¬3) في (م): لليماني. (¬4) "الأم" 2/ 259. (¬5) من (م). (¬6) في (ر): أخرجه.

حين (¬1) قصرت بهم النفقة (¬2) وحوط (¬3) عليه جدار قصير، وأرضه مفروشة بالرخام وله بابان ملصقان [بركني البيت] (¬4) الشاميين وبين هذين البابين عشرون ذراعًا، وذرع بدويرة من داخله ثمان وثلاثون ذراعًا. (بعضه من البيت) هذا دليل للوجه الثاني وهو أن الحجر بعضه من البيت وما زاد ليس من البيت، والوجه الثاني أن الحجر كله من البيت، وعلى الأول بأن بعضه من البيت، وفي هذا البعض ثلاثة أوجه: أحدها وهو الأشهر عند المفرعين على هذا الوجه أنه ست أذرع، وبهذا قطع إمام الحرمين وآخرون، والثاني سبع أذرع وبه قطع البغوي وآخرون، والثالث ست أذرع وسبع، قال الرافعي: ومقتضى كلام كثير من الأصحاب أن الحجر كله من البيت، [وعلى الأول] (¬5) قال: وهو ظاهر نصه في "المختصر" قال: لكن الصحيح أنه ليس كذلك، بل الذي من البيت قدر ست أذرع متصل بالبيت (¬6). (فقال ابن عمر رضي الله عنهما: والله إني لأظن عائشة إن كانت سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ليس هذا شكّا من ابن عمر في صدق عائشة، لكن يقع في كلام العرب كثيرًا صورة التشكيك، والمراد التقرير والتعيين (إني لأظن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يترك استلامهما) افتعال ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ر): المنفعة. (¬3) في (ر): حوطي. (¬4) في (م): بظهر الكعبة. (¬5) سقط من (م). (¬6) "المجموع" 8/ 25.

من السلام، والمراد هنا [استلام الركن] (¬1) بالقبلة أو اليد (إلا أنهما) أي: الركنين الشاميين اللذين يليان باب (¬2) الحجر (ليسا على قواعد البيت) حين بناه إبراهيم - عليه السلام -[وهذا الذي حمل ابن الزبير أنه لما عمر الكعبة أتم البيت على قواعد إبراهيم - عليه السلام -] (¬3) كما تقدم الكلام عليه مبسوطًا في باب: وقت الإحرام. (ولا طاف الناس من وراء الحجر إلا لذلك) في هذا دليل على ما نص عليه الشافعي في "المختصر" من اشتراط الطواف خارج الحجر وخارج جداره؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف من وراء الحجر، وطاف الخلفاء الراشدون والناس وغيرهم من الصحابة والتابعين [وغيرهم و] (¬4) من بعدهم، ومقتضى هذا وجوب الطواف خارج الحجر إذا قلنا أنه كله من البيت، وكذا إن قلنا بالحديث المتقدم أن بعضه من البيت، فإن المعتمد في باب الحج الاقتداء بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - فوجب الطواف بجميعه (¬5). وعلى القول بأن بعضه (¬6) من البيت لا تصح الصلاة إلى الحجر؛ لأن من شروط صحة الصلاة أن يكون جميع البدن محاذيًا للبيت يقينًا، وهذا فيمن قرب من البيت، وأما من بعد ففيه خلاف. [1876] (عن عبد العزيز بن أبي رواد) بفتح الراء والواو المشددة، ¬

_ (¬1) في (م): لمس الركنين. (¬2) سقط من (م). (¬3) من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) "المجموع" 8/ 25. (¬6) في (م): بعض الحجر.

واسم أبي رواد ميمون، وقيل: أيمن، قال ابن المبارك: كان من أعبد الناس، وقال [ابن أبي] (¬1) حاتم: صدوق متعبد (¬2). (عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما: قال (¬3) كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يدع أن يستلم) أي: لا يترك استلام (¬4) (الركن اليماني والحجر) الأسود (في كل طوفة) (¬5). فيه دليل لما قاله الشافعي والأصحاب على أنه (¬6) يستحب استلام الركن اليماني وتقبيل اليد بعده واستلام الحجر الأسود وتقبيله في كل طوفة من السبع وهو في الأوتار آكد؛ لأنها أفضل، ويقول عند ابتداء الحجر الأسود: بسم الله والله أكبر، اللهم إيمانًا وتصديقًا بكتابك إلى آخره (¬7). (وكان عبد الله بن عمر يفعله) (¬8). فيه دليل على أن من علم شيئًا من الأحكام الشرعية يعمل به جميعه، وإلا [فيكون يسرًا] (¬9) منه كالزكاة، وإلا فيكون حجة عليه، اللهم وفقنا. ¬

_ (¬1) في (م): أبو. (¬2) الجرح والتعديل 5/ 394. (¬3) من (م). (¬4) في (ر): الاستلام. (¬5) في (م): طوافه. (¬6) زاد في (م): لا. (¬7) "المجموع" 8/ 35. (¬8) سقط من (م). (¬9) في (م): فبالعسر.

50 - باب الطواف الواجب

50 - باب الطَّوافِ الواجِبِ 1877 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن صالِحٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ أَخْبَرَني يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُبيْدِ اللهِ - يَعْني ابن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ - عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طافَ في حَجَّةِ الوَداعِ عَلَى بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ (¬1). 1878 - حَدَّثَنا مصَرِّفُ بْنُ عَمْرٍو الياميُّ، حَدَّثَنا يُونُسُ - يَعْني ابن بُكيْرٍ - حَدَّثَنا ابن إِسْحاقَ، حَدَّثَني مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبيْرِ، عَنْ عُبيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي ثَوْرٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شيْبَةَ قَالَتْ: لَمّا اطْمَأَنَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَكَّةَ عامَ الفَتْحِ طافَ عَلَى بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ في يَدِهِ. قَالَتْ: وَأَنا أَنْظُرُ إِليْهِ (¬2). 1879 - حَدَّثَنا هارُون بْن عَبْدِ اللهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ رافِعٍ - المَعْنَى - قالا: حَدَّثَنا أَبُو عاصِمٍ، عَنْ مَعْرُوفٍ - يَعْني ابن خَرَّبُوذَ المَكّي - حَدَّثَنا أَبُو الطُّفيْلِ قَالَ: رَأيْتُ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - يَطُوفُ بِالبيْتِ عَلَى راحِلَتِهِ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ ثُمَّ يُقَبِّلُه زادَ مُحَمَّدُ بْنُ رافِعٍ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّفا والمَرْوَةِ فَطافَ سَبْعًا عَلَى راحِلَتِهِ (¬3). 1880 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، أَخْبَرَني أَبُو الزُّبيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: طافَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - في حَجَّةِ الوَداعِ عَلَى راحِلَتِهِ بِالبيْتِ وَبِالصَّفا والمَرْوَةِ لِيَراهُ النّاسُ وَليُشْرِفَ وَلِيَسْأَلُوهُ فَإِنَّ النّاسَ غَشُوهُ (¬4). 1881 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا خالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ أَبي زِيادٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدِمَ مَكَّةَ وَهُوَ يَشْتَكي فَطافَ عَلَى راحِلَتِهِ كُلَّما أَتَى عَلَى الرُّكْنِ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ فَلَمّا فَرَغَ مِنْ طَوافِهِ أَناخَ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1607)، ومسلم (1272). (¬2) رواه ابن ماجه (2947). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1641). (¬3) رواه مسلم (1275). (¬4) رواه مسلم (1273). وسيأتي مطولا برقم (1905).

فَصَلَّى رَكْعَتيْنِ (¬1). 1882 - حَدَّثَنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبيْرِ، عَنْ زيْنَبَ بِنْتِ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّها قَالَتْ: شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنّي أَشْتَكي فَقَالَ: "طُوفي مِنْ وَراءِ النّاسِ وَأَنْتِ راكِبَةٌ". قَالَتْ: فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَئِذٍ يُصَلّي إِلَى جَنْبِ البيْتِ وَهُوَ يَقْرَأُ بـ {وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} (¬2). * * * باب الطواف الواجب [1877] (عن ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طاف في حجة الوداع) بفتح الواو كما تقدم (على بعير) هو محمول على أنه كان عن شكوى لما سيأتي أنه لما (¬3) قدم مكة وهو يشتكي فطاف، وفيه دليل على جواز الطواف راكبًا لعذر يشق معه الطواف ماشيًا، ولا كراهة في الطواف راكبًا من غير عذر على المشهور عند الشافعي (¬4)، لكنه خلاف الأولى (¬5). وقال الإمام بعد حكاية عدم الكراهة: وفي النفس من إدخال البهيمة التي لا يؤمن تلويثها المسجد شيء، فإن أمكن الاستيثاق (¬6) فذاك، وإلا ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1612، 1613، 1632، 5293). (¬2) رواه البخاري (464، 1619، 1626، 1633، 4853)، ومسلم (1276). (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): الشافعية. (¬5) "المجموع" 8/ 26 - 27. (¬6) في (ر): الاستئناف.

فإدخالها مكروه (¬1). وقال البندنيجي وغيره: إن المرأة والرجل فيما ذكرناه من الركوب سواء (¬2). قال الماوردي: وإذا كان معذورًا فطوافه محمولًا أولى من طوافه راكبًا صيانة للمسجد من الدابة. قال: وركوب الإبل أيسر حالًا من ركوب البغال والحمير (¬3). وعند الحنفية أن من واجبات الطواف المشي إلا من عذر حتى لو كان راكبًا (¬4) من غير عذر فعليه الإعادة ما دام بمكة، فإن عاد إلى بلده يلزمه الدم، وكذا من طاف محمولًا لغير عذر (¬5)، ومذهب المالكية أنه لا يجوز الطواف راكبًا إلا لعذر، فإن طاف راكبًا لغير عذر أعاد إلا أن يرجع إلى بلده فيبعث الهدي (¬6). وعن عمرو بن دينار قال: طاف رجل على فرس فمنعوه، فقال: أتمنعوني أن أطوف على كوكب فكتب بذلك إلى عمر، فكتب عمر أن امنعوه (¬7). أخرجه سعيد بن منصور، وقال محب الدين الطبري بعد ذكر ذلك: لعل المنع لما في الخيل من الخيلاء والتعاظم (¬8). وعند الحنابلة من سنن الطواف المشي (¬9). ¬

_ (¬1) "نهاية المطلب" 4/ 288. (¬2) "المجموع" 8/ 27. (¬3) "الحاوي الكبير" 4/ 152. (¬4) سقط من (م). (¬5) "المبسوط" 4/ 50 - 51. (¬6) "الاستذكار" 12/ 186. (¬7) رواه الأزرقي في "أخبار مكة" 2/ 15. (¬8) "عمدة القاري" 9/ 368. (¬9) "المغني" 5/ 250 - 251.

(يستلم الركن بمحجن) (¬1) بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الجيم بعدها نون، وهو عصا محنية الرأس، والحجن الاعوجاج، وبذلك سمي الحجون، ومعنى الحديث أنه يومئ بعصاه إلى الركن حتى يصيبه. زاد مسلم من حديث أبي الطفيل: ويقبل المحجن. [1878] (اليامي) بالمثناة تحت (صفية بنت شيبة) بن عثمان القرشية، أخت مسافع، اختلف في صحبتها، وقولها: رأيت النبي يدل على صحبتها، والحديث رواه ابن ماجه. (قالت: لما اطمأن) أي: أقام بمكة واتخذها وطنًا (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة) شرفها الله تعالى (عام الفتح طاف على بعير) استدل به على جواز دخول الدابة المسجد، وعلى طهارة بول ما يؤكل لحمه وروثه. ([يستلم الركن بمحجن) بعود، وهي خشبة في رأسها اعوجاج. قال ابن دريد: كل عود معطوف الرأس فهو محجن (¬2)] (¬3)، استدل به بعض الشافعية على أنه يستلم بعصا أو نحوها ويقبل ما استلم به، [ويجوز أن يقبل ما يستلم به] (¬4) أولًا ثم يستلم به كالذي ينقل خدمة إليه، والذي يقبل بعد الاستلام كأنه ينقل البركة إلى نفسه (¬5). (في يده) ولعل هذا المحجن هو الذي يستصحبه راكب الدابة معه ¬

_ (¬1) في (م): بمحجنه. (¬2) "جمهرة اللغة" (جحن). (¬3) سقط من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) "المجموع" 8/ 35.

ليستعين به على سيرها، فيؤخذ منه جواز سوق الدابة بالعصا المستقيمة والمعوجة، وفائدة المعوجة ليتناول بها ما يسقط منه من غير نزول (قالت: وأنا أنظر إليه) قد يستدل به على جواز دخول النساء المسجد الحرام نهارًا. [1879] (معروف بن خربوذ) بفتح الخاء المعجمة وضمها والفتح أشهر، وتشديد الراء وضم الباء الموحدة وبعد الواو ذال معجمة، لا ينصرف للعلمية والتركيب، ضعفه ابن معين، وقواه غيره (¬1) (حدثنا أبو الطفيل) عامر بن واثلة الصحابي (¬2). (قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يطوف بالبيت) فيه دليل على الطواف في المسجد، ولا يضر الحائل بين الطائف والبيت كقبة زمزم والسواري، ويجوز في الأروقة وعلى سطح المسجد (¬3)، كما يجوز الاقتداء بالإمام على أسطحته، لكن يشترط لصحة الطواف على الأسطحة أن يكون البيت أرفع بناءً من السطح كهيئة اليوم بخلاف الصلاة، والفرق بينهما أن المقصود في الصلاة جهة بنائها، فإذا علا كان مستقبلًا، والمقصود في الطواف نفس البناء، وإذا وسع المسجد اتسع المطاف وهو اليوم أوسع مما كان في عصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلو طاف خارج المسجد لم يصح بحال. (على راحلته) فيه حجة لمالك على قوله بطهارة بول ما يؤكل لحمه، ¬

_ (¬1) "الكاشف" للذهبي 2/ 280 (5551). (¬2) سقط من (م). (¬3) زاد في (م): ولا يضر الحائل.

وكذا روثه (¬1) إذ لا يؤمن أن يكون ذلك منه في المسجد، وعلى جواز الطواف راكبًا، وكذا محمولًا، فإن كان راكبًا فيركب بعيرًا من غير الجلالة، وإن كان محمولًا فيكون حامله لا طواف عليه؛ لأن الطواف صلاة كما في الحديث، فلا يصلي عن نفسه وغيره. (يستلم الركن بمحجنه) وهي عصاة معقفة (¬2) الرأس تكون مع راكب البعير يحرك بها بعيره ويتناول بها ما يسقط على الأرض، وفيه دليل على قربه من البيت، لكن من طاف راكبًا يستحب له أن يبعد إن خاف أن يؤذي أحدًا، فيحمل فعله على (¬3) الآمن من ذلك (ثم يقبله) بعد الاستلام، فيه حجة على من قال: إن الاستلام بعد التقبيل لما يستلم به فكأنه ينقل القبلة إليه، وفي المسألة قول ثالث أنه يتخير. (زاد محمد بن رافع) بن أبي ذئب، روى عنه البخاري ومسلم (¬4)، قال البخاري: مات سنة خمس وأربعين ومائتين (ثم خرج من باب الصفا) إلى السعي بين (الصفا والمروة) وفي "الغاية" من كتب الحنفية أنه يخرج من باب بني مخزوم (¬5). وفي "المدونة" أن مالكًا ما (¬6) كان يأمر بالخروج من باب مخصوص (¬7). (فطاف) فيه تجوز؛ لأنه يسمى سعيًا لا طوافًا؛ إذ [حقيقة ¬

_ (¬1) "المدونة" 1/ 128. (¬2) في (ر): معنفقة. (¬3) و (¬4) سقط من (م). (¬5) انظر: "المبسوط" 4/ 15. (¬6) سقط من (م). (¬7) "المدونة" 1/ 433.

الطواف] (¬1) الشرعية فيه غير [مأخوذة أو] (¬2) هي حقيقة لغوية (سبعًا) أي: يقينًا، فلو سعى وشك في العدد أخذ بالأقل، ولو كان عنده أنه أتم وأخبره ثقة عن بقاء شيء لم يلزمه الإتيان به، بل يستحب كما في الطواف، والظاهر أن الصلاة كذلك، وقال الحنفية: لو ترك الأقل لغير عذر عليه لكل شرط صدقة (¬3). (على راحلته.) فيه جواز السعي راكبًا، وحكى النووي في "شرح المهذب" الاتفاق على عدم كراهته، وأن الخلاف [الذي في] (¬4) الطواف لا يتأتى هنا؛ لأن سبب الكراهة عند من أثبتها هناك خوف تنجيس المسجد وهو منتفٍ (¬5) هناك (¬6). [1880] (ثنا) عبد الملك بن عبد العزيز (ابن جريج) نسب لجده (جابر بن عبد الله يقول: طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع على راحلته) الراحلة هنا الناقة، والهاء للمبالغة، وقد يسمى الجمل راحلة وهو ظاهر؛ فإن في الرواية المتقدمة (¬7): على بعير (بالبيت) بأن يكون جميع البدن خارجًا عن البيت والحجر الشاذروان. (وبالصفا والمروة) فيه تجوز كما تقدم، والتقدير سعى بين الصفا ¬

_ (¬1) في (ر): حقيقته. (¬2) في (م): موجودة إذ. (¬3) "المبسوط" 4/ 49 بمعناه. (¬4) في (م): في كراهة. (¬5) "المجموع" 8/ 27. (¬6) من (م). (¬7) في (م): المقدمة.

والمروة (¬1) (ليراه الناس) هذا بيان لعلة (¬2) ركوبه في الطواف، وذلك أنه لما كثر عليه الناس يقولون: هذا محمد. حتى خرج العواتق من البيوت، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يضرب الناس بين يديه، فلما كثر ذلك عليه ركب وإن كان المشي أفضل. [(وليشرف) أي: يرتفع عليهم] (¬3) (وليسألوه) عما يحتاجون إليه في نسكهم وغيره، ويحتمل أن يكون فعل ذلك للأمرين، والتقدير: ركب ليراه الناس إذا أشرف عليهم ليسألوه ويقتدوا به (فإن الناس غشوه) الرواية الصحيحة ضم الشين المخففة؛ لأن أصله غشيوه فاستثقلوا الضمة على الياء فنقلوها إلى الشين قبلها وسكنت الياء، فلما اجتمعت مع الواو الساكنة حذفت الواو؛ لالتقاء الساكنين أي: ازدحموا عليه. [1881] (عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدم مكة وهو يشتكي) أي: من وجع كان به، هذا بيان لعلة الركوب؛ فإن ركوبه كان على شكوى (فطاف على راحلته كلما أتى الركن) اليماني (استلم الركن (¬4) بمحجن) كان في يده يحرك به الدابة كما تقدم. (فلما فرغ من طوافه) أسبوعًا (أناخ راحلته) فيه جواز إناخة البعير في المسجد للضرورة، ولا يحتاج أن ينزل عنه وهو واقف، يحتمل أنها استمرت مناخة (¬5) إلى أن صلى، ويحتمل أنه لما أناخها نزل عنها ثم ¬

_ (¬1) في (م): المروتين. (¬2) في (م): لقلة. (¬3) سقط من (م). (¬4) ليست في (م). (¬5) في (م): مناخته.

أظهرت من المسجد وهو أولى، تنزيهًا للمسجد عن الدابة لغير ضرورة (فصلى ركعتين) خلف المقام، قد يؤخذ منه أن الصلاة النافلة لا تجوز على الدابة؛ إذ لو جاز لصلى عليها (¬1)، ويحتمل أنه نزل ليأتي بالأفضل، وفيه أن الأفضل في ركعتي الطواف خلف المقام. [1882] (زينب بنت أم (¬2) سلمة) ورواية لمسلم: بنت أبي سلمة، يعني عبد الله بن عبد الأسد المخزومي، كان اسمها برة فسماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زينب، سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - عند البخاري روت. (عن) أمها (أم سلمة) هند بنت أبي أمية (زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: شكوت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أني أشتكي) [أي: أني ضعيفة (فقال: طوفي من وراء الناس]) (¬3)؛ لأن سنة النساء التباعد عن الرجال في الطواف؛ لئلا يختلطن بالرجال، ولئلا يتأذى الطائفون بمركبها، وكذلك يكون حكم الرجل إذا طاف راكبًا. (وأنت راكبة) فيه دليل على جواز الركوب لعذر (¬4)، واختلف قول من كرهه مع عدم العذر، وذهب مالك وأبو حنيفة إلى أنه يعيد ما دام قريبًا من ذلك، فإن بعد إلى مثل الكوفة ففيه دم (¬5) ولم ير الشافعي فيه شيئًا (¬6). ¬

_ (¬1) في (ر): عنها. (¬2) في مطبوع "السنن": أبي. (¬3) سقط من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) انظر: "الاستذكار" 12/ 186 - 187، و"المبسوط" 4/ 50. (¬6) "الأم" 2/ 263.

(قالت: فطفت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي حينئذٍ (¬1) إلى جنب البيت) إنما طافت في حال صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليكون أستر لها، وكانت هذِه الصلاة صلاة الصبح (وهو يقرأ بالطور وكتاب مسطور.) هذا موافق لما قاله العلماء أنه يستحب أن يقرأ في الصبح بطوال المفصل وأوله من الحجرات، ولعل المناسبة في قراءة الطور دون غيرها أن الصلاة عند الكعبة أمان لصاحبها، كما أن الطور (¬2)؛ أمان لأمته في زمن عيسى - عليه السلام - حين (¬3) يوحى إليه أن حرز عبادي إلى الطور فإني قد أنزلت عبادًا لا يد لأحد بمقاتلتهم، ويبعث الله يأجوج ومأجوج. ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): الطواف. (¬3) في (م): حتى.

51 - باب الاضطباع في الطواف

51 - باب الاضْطِباعِ في الطَّوافِ 1883 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنِ ابن جُريْجٍ، عَنِ ابن يَعْلَى عَنْ يَعْلَى قَالَ طافَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - مُضْطَبِعًا بِبُرْدٍ أَخْضَرَ (¬1). 1884 - حَدَّثَنا أَبُو سَلَمَةَ مُوسَى، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُثْمانَ بْنِ خُثيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبيْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحابَهُ اعْتَمَرُوا مِنَ الجِعْرانَةِ فَرَمَلُوا بِالبيْتِ وَجَعَلُوا أَرْدِيَتَهُمْ تَحْتَ آباطِهِمْ قَدْ قَذَفُوها عَلَى عَواتِقِهِمُ اليُسْرى (¬2). * * * باب الاضطباع في الطواف الاضطباع افتعال من الضبع بإسكان الباء الموحدة، وهو العضد، قلبت التاء طاءً، ويقال للاضطباع أيضًا التأبط والتوشح، وسيأتي في الحديث تفسيره. [1883] (أبو عبد الله محمد بن كثير، عن) عبد الملك (ابن جريج، عن) صفوان (ابن يعلى، عن يعلى) بن أمية. (قال: طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مضطبعًا) افتعال من الضبع كما تقدم (ببرد أخضر) رواية الترمذي: وعليه برد، ولم يقل أخضر، ورواه أحمد ولفظه: فلما قدم النبي مكة طاف بالبيت وهو مضطبع ببرد له حضرمي. وفي ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (859)، وابن ماجه (2954)، وأحمد 4/ 223، 224، والدارمي (1885). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1645). (¬2) رواه أحمد 1/ 306، 371. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1646).

رواية: مضطبعًا بين الصفا والمروة ببرد نجراني، فيه دليل على استحباب الاضطباع مع دخوله في المطاف، فإن اضطبع قبله بقليل فلا بأس، والصبي كالبالغ في الاضطباع، ولو ترك الاضطباع (¬1) في بعض الطواف أتى به فيما بقي، ولو تركه في جميع الطواف أتى به في السعي، والحكمة في بقاء مشروعية الاضطباع ما سيأتي في الرمل، وليس عند المالكية اضطباع (¬2). ولا يضطبع في ركعتي الطواف ولا في السعي. [1884] (ابن خثيم) بضم (¬3) الخاء المعجمة وفتح المثلثة مصغر (عن ابن جبير، عن ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أعتمروا من الجعرانة) بسكون العين والتخفيف على الأفصح [كما تقدم] (¬4) (فرملوا بالبيت) سيأتي تفسير الرمل. (وجعلوا أرديتهم) أي: وسطها (تحت آباطهم) والمراد أن يجعلهم (¬5) تحت عاتقه الأيمن (ثم قذفوها) [أي طرحوا طرفها] (¬6) (على عواتقهم) والعاتق المنكب (اليسرى) ويستديمه إلى آخر السعي إلا في ركعتي الطواف؛ لأن صورة الاضطباع مكروه في الصلاة. ¬

_ (¬1) في (ر): الطواف. (¬2) "مواهب الجليل" 4/ 102. (¬3) في (ر): بفتح. (¬4) من (م). (¬5) في (م): يجعله. (¬6) من (م).

52 - باب في الرمل

52 - باب في الرَّمَلِ 1885 - حَدَّثَنا أَبُو سَلَمَةَ مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، حَدَّثَنا أبُو عاصِمٍ الغَنَويُّ، عَنْ أَبي الطُّفيْلِ قَالَ: قُلْتُ لابنِ عَبَّاسٍ: يَزْعُمُ قَوْمُكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ رَمَلَ بِالبيْتِ وَأَنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ. قَالَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا. قُلْتُ: وَما صَدَقُوا وَما كَذَبُوا؟ قَالَ: صَدَقُوا قَدْ رَمَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَذَبُوا ليْسَ بِسُنَّةٍ إِنَّ قُريْشًا قَالَتْ زَمَنَ الحُديْبِيَةِ دَعُوا مُحَمَّدًا وَأَصْحابَهُ حَتَّى يَمُوتُوا مَوْتَ النَّغَفِ. فَلَمّا صالَحُوهُ عَلَى أَنْ يَجِيئُوا مِنَ العامِ المُقْبِلِ فيُقِيمُوا بِمَكَّةَ ثَلاثَةَ أيّامٍ فَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - والمُشْرِكونَ مِنْ قِبَلِ قُعيْقِعانَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَصْحابِهِ: "ارْمُلُوا بِالبيْتِ ثَلاثًا". وَليْسَ بِسُنَّةٍ. قُلْتُ: يَزْعُمُ قَوْمُكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طافَ بَيْنَ الصَّفا والمَرْوَةِ عَلَى بَعِيرِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ فَقَالَ صَدَقُوا وَكَذَبُوا. قُلْتُ: ما صَدَقُوا وَما كَذَبُوا؟ قَالَ: صَدَقُوا قَدْ طافَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بيْنَ الصَّفا والمَرْوَةِ عَلَى بَعِيرِهِ، وَكَذَبُوا ليْسَ بِسُنَّةٍ كَانَ النّاسُ لا يُدْفَعُونَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلا يُصْرَفُونَ عَنْهُ فَطافَ عَلَى بَعِيرٍ لِيَسْمَعُوا كَلامَهُ وَليَرَوْا مَكانَهُ وَلا تَنالَهُ أيْدِيهِمْ (¬1). 1886 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ زيْدٍ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبيْرٍ أَنَّهُ حَدَّثَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ وَقَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ فَقَالَ المُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدَمُ عَليْكُمْ قَوْمٌ قَدْ وَهَنَتْهُمُ الحُمَّى وَلَقُوا مِنْها شَرّا فَأَطْلَعَ اللهُ سُبْحانَهُ نَبِيَّهُ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ما قَالُوهُ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْواطَ الثَّلاثَةَ وَأَنْ يَمْشوا بيْنَ الرُّكْنيْنِ، فَلَمّا رَأَوْهُمْ رَمَلُوا قالُوا: هؤلاء الذِينَ ذَكَرْتُم أَنَّ الحُمَّى قَدْ وَهَنَتْهُمْ هؤلاء أَجْلَدُ مِنّا. قَالَ ابن عَبَّاسٍ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْواطَ إلَّا إِبْقاءً عَليْهِمْ (¬2). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1649، 4257)، ومسلم (1264، 1266). وانظر ما سيأتي بالأرقام (1886، 1889، 1890). (¬2) رواه البخاري (1602، 4256)، ومسلم (1266). وانظر ما قبله.

1887 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ يَقُولُ: فِيمَ الرَّمَلانُ اليَوْمَ والكَشْفُ عَنِ المَناكِبِ وَقَدْ أَطَّأَ اللهُ الإِسْلامَ وَنَفَى الكُفْرَ وَأَهْلَهُ مَعَ ذَلِكَ لا نَدَعُ شيْئًا كُنّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). 1888 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا عُبيْدُ اللهِ بْنُ أبِي زِيادٍ، عَنِ القاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّما جُعِلَ الطَّوافُ بِالبيْتِ وَبيْنَ الصَّفا والمَرْوَةِ وَرَمْي الجِمارِ لإِقامَةِ ذِكْرِ اللهِ" (¬2). 1889 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سُليْمانَ الأَنْباريُّ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْن سُليْمٍ، عَنِ ابن خُثيْمٍ، عَنْ أبِي الطُّفيْلِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - اضْطَبَعَ فاسْتَلَمَ وَكَبَّرَ ثُمَّ رَمَلَ ثَلاثَةَ أَطْوافٍ وَكَانُوا إِذَا بَلَغُوا الرُّكْنَ اليَماني وَتَغيَّبُوا مِنْ قُريْشٍ مَشَوْا ثُمَّ يَطْلُعُونَ عَليْهِمْ يَرْمُلُونَ تَقُولُ قُريْشٌ كَأَنَّهُمُ الغِزْلانُ قَالَ ابن عَبَّاسٍ فَكَانَتْ سُنَّةً (¬3). 1890 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، أَخْبَرَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمانَ بْنِ خُثيْمٍ، عَنْ أبِي الطُّفيْلِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحابَهُ اعْتَمَرُوا مِنَ الِجعْرانَةِ فَرَمَلُوا بِالبيْتِ ثَلاثًا وَمَشَوْا أَرْبَعًا (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1605) بنحوه. (¬2) رواه الترمذي (902)، وأحمد 6/ 64، 75، 138، وابن خزيمة (2738، 2882). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (328). (¬3) رواه ابن ماجه (2953)، وأحمد 1/ 247، 295، 305، 306، 314، وابن خزيمة (2700، 2707)، وابن حبان (3812). وانظر ما سلف برقم (1885)، وما سيأتي بعده. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1650). (¬4) رواه أحمد 1/ 295، 306، وابن حبان (3814). وانظر ما سلف برقم (1885)، وما قبله. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1651).

1891 - حَدَّثَنا أَبُو كامِلٍ، حَدَّثَنا سُليْمُ بْنُ أَخْضَرَ، حَدَّثَنا عُبيْدُ اللهِ، عَنْ نافِعٍ أَنَّ ابن عُمَرَ رَمَلَ مِنَ الحَجرِ إِلَى الحَجَرِ وَذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَعَلَ ذَلِكَ (¬1). * * * باب الرمل الرمل بفتح الميم بأن يسرع مشيه مقاربًا خطاه في الثلاثة الأول، ويمشي في الباقي لكن لا يثب وثبًا. [1885] (أبو عاصم) لا يعرف اسمه، وهو غير القاسم بن أبي بزة (الغنوي) بفتح الغين المعجمة والنون (عن أبي الطفيل) عامر بن واثلة، آخر من مات من الصحابة على الإطلاق. (قلت لابن عباس: يزعم قومك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد رمل بالبيت) والرمل بفتح الميم شدة الحركة في المشي، ومنه الرمل في الأعارض (¬2) وهو القصير منها، وقوله: (بالبيت) يدل على أن الرمل لا يكون إلا في الطواف بالبيت [دون غيره] (¬3) لا في غيره إذا كان الطواف (¬4) يعقبه السعي (وأن ذلك سنة، قال (¬5): صدقوا وكذبوا) يعني: صدقوا في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعله وكذبوا في قولهم أنه سنة مقصودة متأكدة. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1262). وانظر ما سيأتي برقم (1893). (¬2) في (م): الأعاريض. (¬3) سقط من (م). (¬4) من (م). (¬5) في (م): قالوا.

(قلت: ما صدقوا وما كذبوا؟ [قال: صدقوا]) (¬1) في قولهم [(رمل رسول الله) رواية مسلم: أرأيت الرمل بالبيت ثلاثة أطواف ومشي أربعة] (¬2) أطواف، وكذبوا في قولهم (ليس) ذلك (بسنة) ثم بيَّن فقال: (إن قريشًا) ومن دان دينهم (قالت زمن) صلح (الحديبية: دعوا محمدًا وأصحابه) ورواية مسلم: لا يستطيعون أن يطوفوا بالبيت من الهزال، وكانوا يحسدونه، انتهى. دعوهم (حتى يموتوا موت النغف) بنون وغين معجمة مفتوحتين، ثم فاء وهو دود أبيض يكون في أنوف الإبل والغنم يقع من أنوفها فيموت ذليلًا فيضرب به (¬3) المثل في الذلة، فيقال: أذل من النغفة كما يقول: أذل من حمار قبان. وهو ضرب من الخنفس، وقال أبو عبيد: النغف الدود الأبيض الذي يكون في النوى وما سوي ذلك (¬4) الدود فليس بنغف (¬5). وفي "صحيح مسلم": "فيرسل الله عليهم" أي: على يأجوج ومأجوج "النغف في رقابهم فيصبحون فرسى" (¬6) بالقصر، أي: قتلى. (فلما صالحوه (¬7) على أن يحجوا) يعني: النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه (من العام المقبل فيقيموا بمكة ثلاثة أيام) هذا شرط، وقد وفوا به فأخلوها ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) سقط من (م). (¬3) من (م). (¬4) في (ر): من. (¬5) "غريب الحديث" لابن سلام (نغف). (¬6) "صحيح مسلم" (2937/ 110). (¬7) زاد في (م): أي: النبي - صلى الله عليه وسلم -.

له ثلاثة أيام كما سيأتي قريبًا (فقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) إلى مكة بمن معه (والمشركون) قد أخلوا مكة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ثلاثة أيام قد صعدوا رؤوس الجبال (من قبل) بكسر القاف وفتح (¬1) الباء، أي: جهة جبل (قعيقعان) بضم القاف الأولى تصغير قعقع (¬2) جبل بمكة وهو المطل عليها وهو اسم معرفة (¬3)، سمي بذلك لقعقعة السلاح التي كانت به بين جرهم وقريش (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: ارملوا) بضم الميم (بالبيت ثلاثًا) رواية البخاري: فأمرهم رسول الله أن يرملوا الأشواط الثلاثة كما سيأتي (وليس بسنة) هذا مذهب ابن عباس في أن الرمل ليس بسنة مقصودة مطلوبة دائمًا على تكرر السنين، وإنما أمر به تلك السنة لإظهار القوة عند الكفار، وقد زال ذلك المعنى، وخالفه جميع العلماء من الصحابة والتابعين وأتباعهم ومن بعدهم فقالوا: هو (¬4) سنة في الطوفات الثلاث من السبع، فإن تركه فقد ترك سنة وفاتته فضيلة ولا دم عليه، وقال الحسن البصري والثوري وعبد الملك بن (¬5) الماجشون المالكي: إذا ترك الرمل لزمه دم، وكان مالك يقول به ثم رجع عنه (¬6) (¬7). ¬

_ (¬1) في (م): كسر. (¬2) في (م): قعيقع. (¬3) في (ر): معونة. (¬4) من (م). (¬5) سقط من (م). (¬6) "الاستذكار" 12/ 139. (¬7) من (م).

(قلت) يعني: لابن عباس: (يزعم قومك [أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: والصحابة - رضي الله عنهم -] (¬1) (طاف بين الصفا والمروة) أي: سعى، وفيه تجوز كما تقدم (على بعير وأن ذلك سنة) كان عمر طلوبًا للآثار بحوثًا عنها وعن معانيها (قال: صدقوا) يعني: صدقوا في أنه - صلى الله عليه وسلم - سعى راكبًا على بعير (وكذبوا) في أن الركوب أفضل، بل المشي أفضل، وإنما ركب النبي - صلى الله عليه وسلم - للعذر الذي ذكر في الطواف، وهذا الذي قاله ابن عباس مجمع عليه. (قلت: ما صدقوا وما كذبوا؟ قال: صدقوا) في قولهم: (قد طاف) أي: سعى (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[بين الصفا] (¬2) والمروة على بعير) أي: أصابوا من حيث إنهم نسبوه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - (وكذبوا ليس (¬3) بسنة) راتبة مستمرة، بل ارتفعت [لارتفاع سببها] (¬4) الذي كان أحدث (¬5) لأجلها في الزمن الأول. (كان الناس لا يدفعون) بضم الياء [المثناة تحت] (¬6) وفتح الفاء (عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يصرفون) بالصاد المهملة والفاء أي: يمنعون، وفي رواية: يضربون. بالضاد المعجمة والباء الموحدة، أي: يضربون بالعصا ونحوها بين يديه كما يفعل الآن (¬7) بين يدي الأمير، والروايتان ¬

_ (¬1) في (م): أي: الصحابة - رضي الله عنهم - أن النبي صلى الله عليه وسلم. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): ليست. (¬4) في (م): الارتفاع بسببها. (¬5) و (¬6) سقط من (م). (¬7) في (م): اليوم.

في مسلم (فطاف على بعير ليسمعوا كلامه) فيعملوا به (وليروا مكانه) [وما يفعله] (¬1) فيقتدوا به، وهكذا ينبغي أن يفعل (¬2) بالعالم ومن (¬3) يقتدى به في أقواله وأفعاله. (ولا تناله أيديهم) أي: أيدي أحد منهم فيصبه بمكروه من المنافقين والفجرة كما جذبه الأعرابي وقال له: مر لي من مال الله. وخص (¬4) الأيدي بالذكر؛ لأن أكثر تصرفات الآدمي بها. [1886] (عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وأصحابه (مكة وقد وهنتهم) بتخفيف الهاء، وقد يستعمل رباعيّا، قال الفراء: يقال: وهنه الله وأوهنه الله (¬5) لغتان، ومعنى أوهنتهم، أي (¬6): أضعفتهم (حمى يثرب) وهو اسم المدينة الذي كان في الجاهلية، وسميت في الإسلام المدينة وطيبة وطابة، قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ} (¬7) و {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ} (¬8)، وسيأتي لذلك مزيد بيان (¬9) إن شاء الله تعالى. (فقال المشركون) من قريش وغيرهم (إنه يقدم) بفتح الدال، وأما يقدم بضمها كقوله تعالى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (¬10) فمعناه: يتقدمهم (قوم وهنتهم الحمى) أي: أضعفتهم كما تقدم (ولقوا) بضم ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ر): يعمل. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): خصت. (¬5) "عمدة القاري" 17/ 187. (¬6) من (م). (¬7) التوبة: 120. (¬8) التوبة: 101. (¬9) سقط من (م). (¬10) هود: 98.

القاف، أصلها لقيوا فلما استثقلت الضمة على الياء نقلوا ضمتها إلى القاف قبلها وحذفت الياء لما سكنت (منها شرّا) رواية مسلم: لقوا منها شدة. قال الداودي: قول المشركين: (وهنتهم الحمى) قالوه احتقارًا لهم واستهزاءً. (فأطلع الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - على ما قالوا) بوحي أو رؤيا أو غير ذلك (فأمرهم) أي: أمر أصحابه (أن يرملوا) بضم الميم وهو في موضع مفعول (فأمرهم) تقول: أمرته كذا، أو أمرته بكذا لغتان (الأشواط) بفتح الهمزة وسكون المعجمة جمع شرط، وهو الجري مرة إلى الغاية، والمراد به هنا الطوفة حول الكعبة، وهذا صريح في جواز تسمية الطواف شوطًا، وقد نقل أصحابنا أن مجاهدًا والشافعي كرها تسميته شوطًا أو دورًا، وقد يسمى طوفة، وهذا الحديث ظاهر أنه لا كراهة في تسميته شوطًا، والأصح أنه لا كراهة فيه (¬1). (الثلاثة) أي: الأولى، قال القاضي حسين: إنما كره الشافعي التعبير بالشوط؛ لأن الشوط هو الهلاك، لكن قال النووي: المختار أنه لا يكره؛ لأن الكراهة إنما تثبت بنهي الشرع ولم تثبت (¬2) (وأن يمشوا) على هينتهم، فإن التأني في المشي أولى من الإسراع (بين الركنين اليمانيين) يعني: الركن اليماني والحجر الأسود، [قيل: إنما كان - صلى الله عليه وسلم - يمشي بين اليمانيين ليهون عليه استلام الحجر] (¬3). استدل به من قال: لا يستوعب الأطواف الثلاثة بالرمل، بل يمشي بين الركنين اليمانيين؛ ¬

_ (¬1) "المجموع" 8/ 55 - 56. (¬2) "المجموع" 8/ 56. (¬3) سقط من (م).

لأن الكفار لم يكونوا مما يليهما، بل كانوا مما يلي الحجر - بكسر الحاء وإسكان الجيم - وهذا هو القول القديم، والجديد وهو الصحيح: أنه يستوعب الأطواف الثلاثة؛ لحديث ابن عمر الآتي، وفيه أنه - صلى الله عليه وسلم - رمل (¬1) من الحجر إلى الحجر (¬2). (فلما رأوهم) يعني: المشركين قد (¬3) (رملوا) في الطواف (قالوا: هؤلاء الذين ذكرتم أن الحمى قد (¬4) وهنتهم هؤلاء أجلد منا) بالجيم، أي: أقوى وأشد منا حتى أن قالوا: إن هم إلا كالغزلان. (قال ابن عباس: ولم يأمرهم) (¬5) رواية مسلم: لم يمنعه أن يأمرهم (أن يرملوا الأشواط) أي: السبعة (كلها إلا الإبقاء) بكسر الهمزة وبالموحدة والقاف [بمعنى الرفق والشفقة (عليهم) بالرفع على أنه فاعل لقوله قبله لم يأمرهم] (¬6) قاله القرطبي وغيره، فعلى هذا يكون الاستثناء مفرغًا، ثم قال القرطبي: هكذا روايتنا بالرفع، ويجوز نصب (الإبقاء) على أن يكون مفعولًا لأجله ويكون فاعل (يأمرهم) ضمير عائد على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو فاعله (¬7). ويؤخذ من الحديث جواز إظهار القوة بالعدة والسلاح والخيل وغير ¬

_ (¬1) في (م): رحل. (¬2) "المجموع" 8/ 41. (¬3) من (م). (¬4) من (م). (¬5) زاد بعدها في (م): أن يرملوا. (¬6) من (م). (¬7) انظر: "المفهم" 3/ 376، ولكنه قال في المفهم: على أنه فاعل يمنعهم.

ذلك للكفار وإرهابًا لهم، ولا يعد ذلك من الرياء المذموم، وفيه جواز المعاريض بالفعل كما يجوز بالقول. [1887] (عن أبيه) أسلم مولى عمر بن الخطاب، وكان من سبي عين التمر (سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: فيم) أي: في أي شيء يكون، وهذِه الميم التي بعد في [هي ميم ما الاستفهامية] (¬1) ثم حذفت الألف في ما الاستفهامية لدخول حرف الجر عليها (الرملان) بفتح الميم ورفع النون في آخره على أنه مبتدأ، والجار والمجرور خبر مقدم [لفظ البخاري: ما لنا وللرمل، إنما كنا راءينا المشركين به، والمراد بالرملان والرمل الاضطباع كقوله: (والكشف عن المناكب) يعني: في الاضطباع، والرملان] (¬2) مصدر رمل، قال أهل اللغة: الرمل والرملان يعني بفتح الميم فيهما الهرولة، وعبارة الحافظ أبي موسى في "غريبه" هو أن يهز منكبيه ولا يسرع، ونظير الرملان من المصادر الغليان وخفق القلب خفقانًا (¬3) وهذا المصدر مخصوص بما فيه من (¬4) الحركة والكشف عن المناكب في الطواف. (وقد أطأ) بفتح الهمزة وتشديد الطاء المهملة بعدها همزة، أي: مهَّد وثبت (الله الإسلام) وأصله وطأ فالهمزة مبدلة من الواو مثل قوله [تعالى: {وَوُفِّيَتْ}] (¬5) وافيت (ونفى الكفر) أي: طرده (وأهله) وفيه دليل على أن ¬

_ (¬1) زيادة يقتضيها السياق. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (ر): خفقًا. (¬4) من (م). (¬5) آل عمران: 25، وفي (م): وفيت.

النبي - صلى الله عليه وسلم - قد يسن الشيء لمعنى فيزول ذلك المعنى وتبقى السنة على حالها لا تزول (¬1) و (مع ذلك) شيء (¬2) صنعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا يجب أن نتركه (لا ندع شيئا كنا نفعله على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام وغيره: إن الحكمة في بقاء مشروعيته بعد زوال العلة أن يتذكر السالك ما أنعم الله به على المسلمين من إعزاز الدين وظهور الإسلام [من المسلمين، وقوة شوكته بعد الضعف المهين؛ ليكون ذلك باعثًا على الانقياد خصوصًا في تلك] (¬3) البلاد، ويحصل له تعظيم الصحابة المتقدمين وما كانوا عليه من تحمل المشاق في جهاد المشركين وامتثال أمر الله والمبادرة إليه مع قوة اليقين، وبذل النفس والمال الكثير. وبهذا تعلم (¬4) ويظهر لك أن كثيرًا من الأعمال التي وقعت في الحج ويقال فيها أنها تعبد محض ليس كما قيل؛ لأنا إذا فعلناها وذكرنا أسبابها حصل من ذلك تعظيم الأولين، وهي مسألة عظيمة النفع في أمور الدين، وفقنا الله تعالى لها. [1888] (عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنما جعل الطواف بالبيت) والسعي (بين الصفا والمروة) والوقوف بعرفة (ورمي الجمار) وسائر أفعال الحج وأقواله (لإقامة ذكر الله) أي: ليدوم على ذكر الله بلسانه وقلبه (¬5) من قوله تعالى: {وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ} (¬6) كما روي عن ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (م): فشيء. (¬3) في (م): وكثرة. (¬4) و (¬5) سقط من (م). (¬6) البينة: 5.

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما فرضت الصلاة وأمر بالحج والطواف واستقرت (¬1) المناسك لإقامة ذكر الله"، ومنه [قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ} (¬2) أي: لتذكرني فيها، أي: في قيامها، وركوعها، وسجودها، وقعودها، وكذا جعل الطواف بالبيت ليذكر الله في طوافه، وكذا السعي. وقد أخبر الله تعالى أن الصلاة أريد بها ذكر الله تعالى في] (¬3) قوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (¬4) أي: صل لتذكرني فيها، وكذلك طف بالبيت لتذكرني، واسع بين الصفا والمروة لتذكرني، وارم الجمار لتذكرني، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ} (¬5). قال ابن الأعرابي (¬6): معناه: إن صلاتي وعبادتي، يقول: ذلتي وحالة حياتي وحالة مماتي لله، أي: ظهور ذلك من أجل الله لا من أجل ما يعود علي في ذلك من الخير؛ فإن الله تعالى يقول: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} (¬7) فجعل العلة ترجع إلى حياته لا (¬8) الثناء، فالعالم من عبد الله لله، وغير العالم يعبده لما يرجوه من حظوظ (¬9) نفسه في تلك العبادة، فلهذا شرع أن يقول {لِلَّهِ رَبِّ ¬

_ (¬1) في (م): اشعرت. (¬2) طه: الإسراء: 78. (¬3) من (م). (¬4) طه: 14. (¬5) الأنعام: 162. (¬6) في (م): عربي. (¬7) الذاريات: 56. (¬8) سقط من (م). (¬9) في (ر): خصوص.

الْعَالَمِينَ} أي: سيد العالم كله ومالكهم ومصلحهم لما بيَّن لهم {لَا شَرِيكَ لَهُ} أي: لا يقصد بهذِه العبادة إلا الله لا أشرك فيها نفسي بما يخطر (¬1) لي من الثواب الذي وعد عليه. وقال أبو طالب المكي في قوله - صلى الله عليه وسلم - لأنس بن مالك: "إذا صليت صلاة فصل صلاة مودع"، أي: مودع لدنياه، مودع لنفسه، مودع لهواه، مودع لعمره، سائر إلى مولاه، كما قال {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6)} فينبغي أن يكون قلبه في صلاته وحجه في همه، وهمه مع ربه، وربه في قلبه، فيذكره في قرآنه، وينظر إليه من كلامه، ويكلمه بخطابه، ويعرفه من صفاته، وذكر المحبوب هو المطلوب؛ إذ هو حياة القلوب (¬2). [1889] (محمد بن سليمان) بن (¬3) أبي داود (الأنباري) بتقديم النون على الباء الموحدة، مات سنة أربع وثلاثين ومائتين (بن سليم بن خثيم (¬4)، عن أبي الطفيل) مصغرات. (عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اضطبع) بأن جعل وسط ردائه تحت عاتقه الأيمن عند إبطه وطرح طرفيه على منكبه الأيسر واستدامته إلى آخر السعي إلا في ركعتي الطواف (واستلم) الحجر الأسود (وكبر) الله (ثم رمل) فيه دليل على أن الرمل لا يكون إلا بعد الاضطباع والاستلام والتكبير (ثلاث أطواف) وهن الأول. (وكانوا) يعني: الصحابة - رضي الله عنهم - (إذا بلغوا الركن اليماني) (¬5) في ¬

_ (¬1) في (م): يحط. (¬2) "قوت القلوب" 2/ 162 - 163. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): خيثم. (¬5) زاد في (م): إذا بلغوا.

الطوافات الثلاث (¬1) (وتغيبوا (¬2) من) رؤية (قريش) لهم (مشوا) بفتح الشين، أي: على هينتهم إلى الركن اليماني أيضًا (ثم يطلعون) بفتح أوله وضم ثالثه، قال في "ديوان الأدب": يقال: طلعت على القوم إذا أقبلت عليهم حتى يروك، وطلعت عنهم إذا غبت عنهم حتى لا يروك (يرملون) بضم الميم. (تقول قريش) المشركون (كأنهم) أي: في خفتهم (¬3) في المشي (الغزلان. قال (¬4) ابن عباس رضي الله عنهما: فكانت) أي: هيئة الرمل في الطواف (سنة) بالنصب، أي: في المشي في الطواف. [1890] (حدثنا) أبو سلمة (موسى (¬5) بن إسماعيل) المعروف بالتبوذكي، شيخ البخاري. (ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه اعتمروا) في ذي القعدة سنة ست، وأحرموا (من الجعرانة) بإسكان العين وتخفيف الراء ودخلوا مكة معتمرين، قال الطبري: لاثنتي عشرة ليلة (¬6) بقيت لذي الحجة (فرملوا بالبيت ثلاثًا) أي: ثلاث طوفات (ومشوا أربعًا) أي: في الأربعة الأخيرة. ¬

_ (¬1) زاد في (م): الركن اليماني. (¬2) زاد في (ر): عن. (¬3) في (ر): صفتهم. (¬4) في (م): قاله. (¬5) في (م): محمد. (¬6) من (م).

[1891] (حدثنا أبو كامل) الفضيل (¬1) بن حسين الجحدري سليم بضم السين مصغر (بن أخضر) بالخاء والضاد المعجمتين من رواة مسلم. (أن ابن عمر رضي الله عنهما رمل من الحجر إلى الحجر) بفتح الحاء والجيم فيهما (وذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك) فيه دليل على أن الرمل يشرع في جميع الثلاث طوفات الأول، وأما حديث ابن عباس المتقدم وفيه: وأمرهم أن يمشوا ما (¬2) بين الركنين. فمنسوخ بهذا الحديث؛ لأن حديث ابن عباس في عمرة القضاء سنة سبع قبل فتح مكة، وكان في المسلمين ضعف في أبدانهم، وإنما رملوا إظهارًا للقوة، فاحتاجوا إلى ذلك في غير ما بين الركنين اليمانيين؛ لأن المشركين كانوا جلوسًا مما يلي الحجر بكسر الحاء وإسكان الجيم، وكانوا يغيبون عنهم بين هذين الركنين كما تقدم ويرونهم فيما سوى ذلك. وأما حديث ابن عمر هذا فكان في حجة الوداع سنة عشر، فكان العمل على هذا لأنه المتأخر، وهذا من محاسن أبي داود من تقديم الحديث المنسوخ على الناسخ على القاعدة بخلاف "صحيح مسلم" فإنه قدم الناسخ وأخر المنسوخ، ولعله فعل ذلك لفائدة في علم الحديث لا أعرفها. فلو كان الطائف راكبًا دابة أو محمولًا على آدمي فهل يرمل؟ فيه قولان، أصحهما: يرمل به الحامل ويحرك هو الدابة. ¬

_ (¬1) في (م): الفضل. (¬2) من (م).

53 - باب الدعاء في الطواف

53 - باب الدُّعاءِ في الطَّوافِ 1892 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا ابن جُريْجٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ السّائِبِ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ ما بيْنَ الرُّكْنيْنِ {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (¬1). 1893 - حَدَّثَنا قُتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا يَعْقُوبُ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا طافَ في الحَجِّ والعُمْرَةِ أَوَّلَ ما يَقْدَمُ فَإِنَّهُ يَسْعَى ثَلاثَةَ أَطْوافٍ ويَمْشي أَرْبَعًا ثُمَّ يُصَلّي سَجْدَتيْنِ (¬2). * * * باب الدعاء في الطواف [1892] (يحيى بن عبيد) مصغر (عن أبيه) عبيد المكي مولى السائب - رضي الله عنه - (عن عبد الله بن السائب) (¬3) صيفي بن عائذ، أخذ عنه أهل مكة القراءة، وقرأ عليه مجاهد. (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ما بين الركنين) يعني: ركن بني جمح والركن الأسود كما رواه المحاملي في كتاب "الدعاء" وفي رواية له: بين الركن والمقام (¬4): اللهم (¬5) (ربنا آتنا في الدنيا حسنة) عن علي: هي المرأة ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 411، والنسائي في "السنن الكبرى" 2/ 403 (3934)، وابن خزيمة (2721)، وابن حبان (3826). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1653). (¬2) رواه البخاري (1604، 1616، 1617)، ومسلم (1261). وانظر ما سلف برقم (1891). (¬3) زاد في (م): بن أبي السائب. (¬4) "الدعاء" 1/ 106 (63، 64). (¬5) سقط من (م).

الحسناء. وعن قتادة: هي العافية في الصحة وكفاف المال. وعن الحسن: العلم والعبادة (وفي الآخرة حسنة) عن علي [كرم الله وجهه: في الجنة] (¬1) هي الحور العين (¬2). قال القرطبي: والذي عليه أكثر أهل العلم أن المراد بالحسنتين نعيم الدنيا ونعيم (¬3) الآخرة. هذا هو الصحيح، فإن حسنة الدنيا (¬4) نكرة في سياق الدعاء، فهي محتملة لكل حسنة من الحسنات، وحسنة الآخرة الجنة بالإجماع (¬5). (وقنا عذاب النار) عن علي: هي المرأة السوء، وفيه بعد؛ لأن النار حقيقة في النار المحرقة وفي المرأة السوء مجاز، والحقيقة مقدمة على المجاز، وهذا من جوامع الدعوات التي عمت الدنيا والآخرة. قال ابن جريج: بلغني أنه كان يؤمر أن يكون أكثر دعاء المسلم في الموقف هذِه الآية، وقال ابن عباس: إن (¬6) عند الركن ملكًا قائمًا منذ خلق الله السموات والأرض يقول: آمين، فقولوا: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار (¬7). وعن عطاء: حدثني أبو هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "وكل به سبعون ملكًا، فمن قال: اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا ¬

_ (¬1) و (¬2) و (¬3) من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) "الجامع لأحكام القرآن" 2/ 432 - 433. (¬6) في (ر): أنه كان. (¬7) رواه ابن أبي شيبة 15/ 320 (30251).

والآخرة، ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار قالوا: آمين". أخرجه ابن ماجه في "السنن" (¬1). [1893] (عن ابن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا طاف في الحج والعمرة أول) بالنصب؛ لأنها مضافة إلى (ما) الظرفية (¬2)، وما أضيف إلى [الظرف يعطى] (¬3) إعرابه، والتقدير: أول وقته (يقدم) بفتح الدال (فيه فإنه يسعى) أي: يطوف (ثلاثة أطواف) يرمل فيها، يدل على الرمل قوله (ويمشي أربعًا) بلا رمل (ثم يصلي سجدتين) والمراد بهما ركعتا الطواف. فإن قيل: أين محل الترجمة وهو الدعاء في الطواف؟ فالجواب: أن الحديث الأول ظاهر فيه، وأما هذا الحديث فلعله لما قال فيه سجدتين والسجود محل الدعاء ومظنة الاستجابة عبر عنه المصنف بالدعاء وهو بعد الطواف، وقيل (¬4) غير ذلك (¬5)، والله أعلم. ¬

_ (¬1) (2957). (¬2) في (ر): الطوفية. (¬3) في (ر): الطواف يعني. (¬4) في (م): يحتمل. (¬5) في (م): هذا.

54 - باب الطواف بعد العصر

54 - باب الطَّوافِ بَعْدَ العَصْرِ 1894 - حَدَّثَنا ابن السَّرْحِ والفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ - وهذا لَفْظُهُ - قالا: حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ أَبِي الزُّبيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ باباهْ، عَنْ جُبيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ يَبْلُغُ بِهِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا تَمْنَعُوا أَحَدًا يَطُوفُ بهذا البيْتِ ويُصَلّي أي ساعَةٍ شاءَ مِنْ ليْلٍ أَوْ نَهارٍ". قَالَ الفَضْلُ إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يا بَني عَبْدِ مَنافٍ لا تَمْنَعُوا أَحَدًا" (¬1). * * * باب الطواف بعد العصر (¬2) [1894] (ثنا) أحمد بن عمرو (ابن السرح) بالمهملات (عبد الله بن باباه) بباءين موحدتين والهاء في آخره منونة، ويقال: ابن [بابيه، وابن بابي] (¬3) أخرج له مسلم (¬4) (عن جبير بن مطعم) بن عدي - رضي الله عنه - (يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: الفضل) [كذا في بعض النسخ] (¬5) وفي بعضها بالحذف. (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يا بني عبد مناف) بن قصي، ذكر السهيلي أن مناف مفعَّل (¬6) من أناف ينيف إنافة إذا ارتفع (لا تمنعوا أحدًا يطوف بهذا ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (868)، والنسائي 1/ 284، 5/ 223، وابن ماجه (1254)، وأحمد 4/ 80، والدارمي (1967)، وابن حبان (1552). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1655). (¬2) بياض في (ر). (¬3) بياض في (ر). (¬4) زاد في (م): عن ابن عمر رضي الله عنهما. (¬5) بياض في (ر). (¬6) بياض في (ر).

البيت ويصلي) فيه (أي) بالنصب؛ لأنه أضيف إلى الظرف (¬1) فأعرب بإعرابه (ساعة شاء) فيه دليل على صحة الطواف بعد العصر وفي الأوقات المكروهة، وكذا ركعتاه، أما الطواف فنقل العبدري الإجماع على أن الطواف في الأوقات [المنهي عنها جائز، أي: من غير كراهة. وصحح قاضي القضاة شمس الدين السروجي الحنفي في "الغاية": أنه لا يكره في الأوقات] (¬2) المكروهة (¬3)، وأما ركعتا الطواف فقال الشافعية: يجوز فعلهما في جميع الأوقات بلا كراهة (¬4). وأنه لا يتعين لهما زمان ولا مكان، ولكن السنة أن يصليهما إذا فرغ من الطواف، وكذلك مذهب الحنفية والحنابلة، غير أن الحنفية قالوا أنهما لا يفعلان في الأوقات المكروهة (¬5). فإن فعلهما فيها صحت مع الكراهة، وقالت الحنابلة: يجوز فعلهما بعد الصبح وبعد العصر (¬6). وفي جواز فعلهما في الأوقات المكروهة روايتان. قال ابن المنذر: ومن صلى بعد العصر لطوافهم من الصحابة ابن عباس وابن عمر والحسن والحسين ابنا علي وابن الزبير، قال: وصلى ابن عمر وابن الزبير صلاة الطواف بعد صلاة الصبح. قال البيهقي: يحتمل أن يكون المراد بقوله في الحديث: ويصلي صلاة الطواف خاصة، قال: وهو الأشبه بالآثار، ويحتمل جميع ¬

_ (¬1) في (ر): الطواف. (¬2) من (م). (¬3) زاد بعدها في (ر): صحيح. (¬4) "المجموع" 8/ 57. (¬5) "المبسوط" للسرخسي 4/ 53 - 54. (¬6) "المغني" 2/ 517.

الصلوات (¬1). [قاله النووي قبل] (¬2) حكايته رواية أبي داود: لا تمنعوا أحدًا يطوف بهذا البيت يصلي أي ساعة شاء (¬3). (من ليل أو نهار) وهو تأكيد لما أبهم أولًا، قال الخطابي: استدل الشافعي بهذا الحديث على أن الصلاة جائزة بمكة في الأوقات المنهي عنها، أي سواء في ذلك صلاة الطواف وغيرها (¬4) هذا هو الصحيح عنده وعند أصحابه، وفي وجه: إنما تباح صلاة الطواف خاصة، حكاه الخراسانيون وجماعة من العراقيين، والمراد بمكة: البلدة وجميع الحرم الذي حولها (¬5)، وفي وجه: إنما يباح في نفس البلدة دون باقي الحرم. وفي وجه ثالث: إنما يباح في نفس المسجد الذي حول الكعبة لا فيما سواه من بيوت مكة وسائر الحرم، والصحيح الأول، هذا تفصيل مذهب الشافعي، وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد: لا تباح الصلاة بمكة في هذِه الأوقات؛ لعموم الأحاديث، ودليلنا عليهم هذا الحديث (¬6) ولعلهم أن يجيبوا عن هذا الحديث بأن المراد بالصلاة الدعاء. ¬

_ (¬1) "التلخيص الحبير" 1/ 482، و"المجموع" 4/ 178. (¬2) في النسخ: قاله النووي بعد. والمثبت من "المجموع". (¬3) "المجموع" 4/ 178. (¬4) "مختصر سنن أبي داود" المطبوع مع "معالم السنن" 2/ 381. (¬5) في (م): حواليها. (¬6) انظر: "المبسوط" 1/ 302 - 303، و"المغني" 2/ 435، و"المجموع" 4/ 180.

55 - باب طواف القارن

55 - باب طَوافِ القارِنِ 1895 - حَدَّثَنا ابن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى عَنِ ابن جُريْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَني أَبُو الزُّبيْرِ قَالَ: سَمِعْتُ جابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ لَمْ يَطُفِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وَلا أَصْحابُهُ بَيْنَ الصَّفا والمَرْوَةِ إِلَّا طَوافًا واحِدًا طَوافَهُ الأَوَّلَ (¬1). 1896 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا مالِك بْنُ أَنَسٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَصْحابَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الذِينَ كَانُوا مَعَهُ لَمْ يَطُوفُوا حَتَّى رَمَوُا الجَمْرَةَ (¬2). 1897 - حَدَّثَنا الرَّبِيعُ بْنُ سُليْمانَ المُؤَذِّنُ، أَخْبَرَني الشّافِعيُّ، عَنِ ابن عُييْنَةَ، عَنِ ابن أَبي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَها: "طَوافُكِ بِالبيْتِ وَبَيْنَ الصَّفا والمَرْوَةِ يَكْفِيكِ لِحَجَّتِكِ وَعُمْرَتِكِ". قَالَ الشَّافِعي: كَانَ سُفْيانُ رُبَّما قَالَ: عَنْ عَطاءٍ، عَنْ عائِشَةَ. وَرُبَّما قَالَ، عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِعائِشَةَ - رضي الله عنها - (¬3). * * * باب طواف القارن [1895] (أبو الزبير) محمد بن مسلم (¬4) بن تدرس (قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: لم يطف النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه - رضي الله عنهم - بين الصفا والمروة إلا طوافًا واحدًا.) فيه دليل على أن السعي في الحج أو (¬5) ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1215، 1279). (¬2) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (4172). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1657). (¬3) رواه مسلم (1211). (¬4) في (ر): محمد. (¬5) في (م): و.

العمرة لا يتكرر، بل يقتصر منه على مرة واحدة (¬1)، قال النووي: ويكره تكراره؛ لأنه بدعة (¬2). قلت: ومما يتنبه له أن صورة التكرار فيما إذا أحرم بالحج وطاف طواف القدوم وسعى (¬3) بعده ثم لما وقف بعرفة ورجع إلى مكة لطواف الإفاضة فلا يعيد السعي بعده؛ لأن السعي لا يتكرر بخلاف الطواف، وأما من (¬4) أحرم بالعمرة وهو (¬5) المتمتع وطاف طوافها ثم أحرم بالحج من مكة ووقف بعرفة ثم رجع إلى مكة لطواف الحج، فيجب عليه [أن يسعى] (¬6) بعد هذا الطواف؛ لأن السعي الذي سعاه أولًا عن العمرة، وهذا عن الحج، وليس هذا تكرارًا؛ لأن التكرار لا يكون إلا في نسك واحد، وأما هذِه الصورة ففيها نسكان. وقد وقعت هذِه المسألة لجماعة من بلد الخليل - عليه السلام - كانوا متمتعين وطافوا وسعوا، فلما أحرموا بالحج ورجعوا إلى مكة ليطوفوا ويسعوا عن الحج أمرهم بعض طلبة العلم أن لا يسعوا، وربما نقل لهم كلام "المنهاج" ومن سعى بعد قدوم لم يعده، وكذا ما نقله النووي في "منسكه" من الكراهة، وطافوا ولم يسعوا ورجعوا إلى بلادهم وهم باقون على إحرامهم؛ لعدم السعي المفروض، فليتنبه لذلك، والله أعلم. ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "شرح النووي" 9/ 25. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): ما. (¬5) سقط من (م). (¬6) من (م).

وفي الحديث أيضًا دليل لما تقدم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قارنًا وقد طاف طوافًا واحدًا وسعى سعيًا واحدًا، وهو دليل على الجواز خلافًا لأبي حنيفة؛ فإنه قال: ولا بد من طوافين وسعيين، واحتج بما روي عن علي أنه جمع بين الحج والعمرة فطاف لهما طوافين وسعى لهما سعيين (¬1). ثم قال: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل، ولكن [طرقه عند] (¬2) عبد الرزاق و (¬3) الدارقطني (¬4) وغيرهما (¬5) ضعيفة، وكذا أخرج من حديث ابن مسعود بإسناد ضعيف نحوه (¬6)، وأخرج من حديث ابن عمر نحو ذلك، وفيه الحسن بن عمارة وهو (¬7) متروك (¬8). (طوافه الأول) قيل: لعله يريد أنه لما قدم مكة (¬9) طاف طوافًا واحدًا وسعى سعيًا واحدًا، وذلك الطواف ليس من أركان الحج والعمرة ولا لهما، وإنما هو طواف القدوم. [1896] (وعن عائشة: أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين كانوا معه لم يطوفوا حتى رموا الجمرة) أي: وحلوا من حجهم ثم طافوا، واستشكل ¬

_ (¬1) "الآثار" لأبي يوسف 1/ 100، وانظر: "المبسوط" 4/ 32 - 33. (¬2) في (ر): صدقة عن. (¬3) في (ر): في. (¬4) "سنن الدارقطني" 3/ 305 (2628). (¬5) من (م). (¬6) "سنن الدارقطني" 3/ 307 (2631). (¬7) من (م). (¬8) تهذيب الكمال 6/ 270. (¬9) من (م).

هذا بأن عائشة لم ترهم؛ لأنها كانت في تلك الحجة لم تطف بالبيت (¬1) لأجل حيضها، وأجيب بالحمل على أنه أراد (¬2) في حجة أخرى غير حجة الوداع، فقد كانت عائشة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - تحج كثيرًا. [1897] (حدثنا الربيع بن سليمان) بن عبد الجبار المرادي (¬3) مولاهم (المؤذن) بجامع مدينة مصر، صاحب الشافعي وخادمه وراوي "الأم" وغيرها عنه، قال الشافعي عنه: إنه أحفظ أصحابي (¬4). (عن عائشة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها) لما قرنت بين الحج والعمرة (طوافك بالبيت وبالصفا والمروة) أي: وسعيك بين الصفا والمروة (يكفيك لحجك وعمرتك) فيه دليل (¬5) ظاهر على أن القارن بين الحج والعمرة (¬6) لا يلزمه إلا ما يلزم المفرد، وأنه يجزئه طواف واحد وسعي واحد لحجه وعمرته (¬7) وبه قال مالك والشافعي وابن المنذر ونص عليه أحمد في رواية (¬8) عنه (¬9). ويدل عليه ما رواه الترمذي بإسناد حسن عن ابن عمر قال (¬10): قال ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) سقط من (م). (¬3) من (م). (¬4) "طبقات الشافعية" لابن قاضي شهبه 1/ 65. (¬5) في (ر): نظر. (¬6) سقط من (م). (¬7) في (ر): عمرة. (¬8) في (ر): روايته. (¬9) "المدونة" 1/ 421، و"المجموع" 8/ 61، و"المغني" 5/ 347. (¬10) سقط من (م).

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أحرم بالحج والعمرة أجزأه طواف واحد وسعي واحد منهما جميعًا" (¬1)، ولأنه ناسك يكفيه حلاق واحد ورمي واحد فيكفيه طواف واحد وسعي واحد كالمفرد، ولأنهما عبادتان من جنس واحد، فإذا اجتمعا دخلت أفعال الصغرى في الكبرى كالطهارتين، وقال أبو حنيفة ورواية عن أحمد: أن عليه طوافين وسعيين، وروي عن علي ولم يصح عنه، واحتجوا بقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (¬2)، وإتمامهما بأن يأتي بأفعالهما على الكمال (¬3). وأجاب أصحابنا عن الآية بأن الطواف الواحد [والسعي الواحد] (¬4) إذا وقعا لهما فقد تما، (قال الشافعي: كان سفيان) بن عيينة (ربما قال عن عطاء) بن أبي رباح (عن عائشة) فرواه متصل الإسناد (وربما قال: عن عطاء) التابعي (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة) فرواه مرسلًا أرسله عطاء (¬5). ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (849) وقال: حديث حسن غريب، وصحح وقفه على ابن عمر. (¬2) البقرة: 196. (¬3) "المبسوط" 4/ 32 - 33، و"المغني" 5/ 347. (¬4) من (م). (¬5) "الأم" 2/ 193.

56 - باب الملتزم

56 - باب المُلْتَزَمِ 1898 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الحَمِيدِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبي زِيادٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَفْوانَ قَالَ: لَمّا فَتَحَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ قُلْتُ: لأَلْبَسَنَّ ثِيابي - وَكَانَتْ داري عَلَى الطَّرِيقِ - فَلأَنْظُرَنَّ كَيْفَ يَصْنَعُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فانْطَلَقْتُ فَرَأيْتُ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَدْ خَرَجَ مِنَ الكَعْبَةِ هُوَ وَأَصْحابُهُ وَقَدِ اسْتَلَمُوا البيْتَ مِنَ البابِ إِلَى الحَطِيمِ وَقَدْ وَضَعُوا خُدُودَهُمْ عَلَى البيْتِ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَسَطَهُمْ (¬1). 1899 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا المُثَنَّى بْنُ الصَّبّاحِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: طُفْتُ مَعَ عَبْدِ اللهِ فَلَمّا جِئْنا دُبَرَ الكَعْبَةِ قُلْتُ: أَلا تَتَعَوَّذُ. قَالَ: نَعُوذُ باللهِ مِنَ النّارِ. ثمَّ مَضَى حَتَّى اسْتَلَمَ الحَجَرَ وَأَقامَ بَيْنَ الرُّكْنِ والبابِ فَوَضَعَ صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ وَذِراعيْهِ وَكَفّيْهِ هَكَذَا وَبَسَطَهُما بَسْطًا ثُمَّ قَالَ هَكَذا رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُهُ (¬2). 1900 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ ميْسَرَةَ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا السّائِبُ بْنُ عُمَرَ المَخْزُومي، حَدَّثَني مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ السّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُودُ ابن عَبّاسٍ فيُقِيمُهُ عِنْدَ الشُّقَّةِ الثّالِثَةِ مِمّا يَلي الرُّكْنَ الذي يَلي الحَجَرَ مِمّا يَلي البابَ فيَقولُ لَهُ ابن عَبّاسٍ: أُنْبِئْتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يصَلّي ها هُنا فيَقُولُ: "نَعَمْ". فيَقُومُ فيُصَلّي (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 430، 431، وابن خزيمة (3017). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (329). (¬2) رواه ابن ماجه (2962). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (330). (¬3) رواه النسائي 5/ 221، وأحمد 3/ 410. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (331).

باب الملتزم روى الطبراني (¬1) عن مجاهد، عن ابن عباس قال: الملتزم ما بين الركن والباب (¬2) سمي بذلك؛ لأن الناس يلتزمونه. [1898] ([حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا] (¬3) جرير) بفتح (¬4) الجيم (بن عبد الحميد) الضبي القاضي، مات سنة 188 ([عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن] (¬5) عبد الرحمن بن صفوان) بن قدامة (¬6) القرشي الجمحي الصحابي المشهور. (قال: لما فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة قلت (¬7): لألبسن) بفتح الباء الموحدة (ثيابي) أي: أحسن ثيابي المعدة لاجتماع الناس (وكانت داري على الطريق) أي: طريق الكعبة (فلأنظرن) بفتح اللام والهمزة كما في لألبسن، وهذِه اللام جواب القسم (كيف يصنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فيه المشي إلى أهل العلم لرؤية أفعالهم وأقوالهم؛ ليقتدى بها وينقل عنه ما رواه منه وما سمعه. ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) رواه عبد الرزاق 5/ 75 (9047)، وابن أبي شيبة 8/ 292 (13961)، ورواه مالك بلاغًا ص 424. (¬3) من المطبوع. (¬4) في (ر): بضم. (¬5) من المطبوع. (¬6) في (م): نهاية. (¬7) سقط من (م).

قال: (فانطلقت) لذلك (فرأيت) وفي بعض النسخ: فوافقت (النبي - صلى الله عليه وسلم - قد خرج من الكعبة هو وأصحابه) فيه [دليل على] (¬1) مشروعية الدخول إلى الكعبة منفردًا ومع جماعة، وأن الكبير يخرج أولًا ثم يخرج أتباعه. (وقد استلموا) يعني: النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، يعني: اعتنقوا (البيت) ثم فسر المكان الذي استلموه من البيت وهو الملتزم، وهو (من الباب) أي: باب الكعبة (إلى الحطيم) وسياق هذا (¬2) اللفظ يشعر بأن الحطيم هو الحجر الأسود، والمشهور - كما ذكره [الشيخ محب] (¬3) الدين الطبري المكي وغيره - أنه ما (¬4) بين الركن والباب، فلعله أراد ما بين الباب وانتهاء الحطيم على حذف المضاف فهو انتهاء (¬5) والله أعلم. وقال مالك في "المدونة": الحطيم (¬6) ما بين الباب إلى المقام فيما أخبره بعض الحجبة (¬7)، وقال ابن جبير (¬8): هو ما بين الحجر الأسود إلى الباب إلى المقام، وقيل: الحطيم الشاذروان، وسمي هذا الموضع حطيمًا؛ لأن الناس كانوا يحطمون هنالك بالإيمان، ويستجاب فيها ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) سقط من (م). (¬3) في (ر): محيي. (¬4) سقط من (م). (¬5) في (م): انتهى. (¬6) من (م). (¬7) "المدونة" 1/ 476. (¬8) في (م): حبيب.

الدعاء للمظلوم على الظالم، قيل: من حلف هناك كاذبًا عجلت له العقوبة، وكان ذلك لجحد (¬1) الناس عن المظالم، فلم يزل ذلك كذلك حتى جاء الإسلام (¬2) فأخر الله ذلك لما أراد إلى يوم القيامة، ذكره الأزرقي (¬3). وفي كتب الحنفية أن الحطيم هو الموضع الذي فيه الميزاب (¬4). والصحيح أن الحطيم هو الركن، كما جاء مفسرًا في رواية أحمد عن عبد الرحمن بن صفوان قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الركن والباب واضعًا وجهه على البيت (¬5). وقوله: واضعًا وجهه يحتمل أن يريد به وضع الخد كما جاء (¬6) في الحديث المتقدم وأطلق عليه وضع الخد (¬7)، ويحتمل أن يريد به وضع جبهته كهيئة الساجد، وعلى هذا فيكون فيه رد لقول من أنكره وهو مجاهد كان يقول: ضع خدك على البيت ولا تسجد عليه سجودًا تضع جبهتك عليه، والله أعلم. (وقد وضعوا خدودهم على البيت) [هذا ما بين الركن والباب، وهذا] (¬8) ظاهر في أن المراد بالاستلام وضع الخد لا وضع الجبهة. ¬

_ (¬1) في (م): لجرء. (¬2) في (م): الله بالإسلام. (¬3) "أخبار مكة" 2/ 32. (¬4) انظر: "الهداية" للمرغيناني 1/ 138. (¬5) "المسند" 3/ 430، وفي إسناده يزيد بن أبي زياد، وهو ضعيف، كما في "التقريب" (7717). (¬6) من (م). (¬7) في (م): الوجه. (¬8) في (م): وهو ما بين الركن والبيت وهو.

(ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسطهم) قال الجوهري: تقول: جلست وسط القوم بالتسكين؛ لأنه ظرف وجلست وسط الدار بالفتح؛ [لأنه اسم (¬1)] (¬2) قال: وكل وسط يصلح فيه "بين" فهو وسط بالإسكان، وإن لم يصلح فيه "بين" فهو وسط بالفتح، قال الأزهري: كل ما يبين (¬3) بعضه من بعض [كوسط الصف، والقلادة، والسبحة، وحلقة الناس فهو بالإسكان، وما كان منضمًا لا يبين بعضه من بعض] (¬4) كالساحة والدار والراحة فهو وسط بالفتح قال: وقد أجازوا في المفتوح الإسكان ولم يجيزوا في الساكن الفتح فافهمه (¬5). [1899] ([حدثنا مسدد، حدثنا عيسى بن يونس، حدثنا] (¬6) المثنى) بتشديد النون (بن الصباح) بتشديد الباء الموحدة المكي (عن عمرو بن شعيب، عن أبيه) شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال المنذري (¬7): سمع شعيب من عبد الله على الصحيح، وفي كتاب ابن ماجه عن أبيه عن جده، فيكون شعيب ومحمد طافا جميعًا مع عبد الله (¬8). ¬

_ (¬1) "الصحاح" (وسط). (¬2) سقط من (م). (¬3) في (ر): بنيت. (¬4) من (م). (¬5) انظر: "تهذيب اللغة" (وسط). (¬6) من المطبوع. (¬7) في (م): النووي. (¬8) "مختصر سنن أبي داود" 2/ 386، وانظر: "سنن ابن ماجه" (2962)، وليس فيه ما قال المنذري، بل هو موافق لرواية المصنف.

(قال) شعيب (طفت (¬1) مع عبد الله) يعني: جده (فلما جئنا دبر الكعبة) وهو بين الركن اليماني والباب المسدود، وهو مقابل الملتزم المذكور. قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: إن ذلك الملتزم وهذا المتعوذ (¬2) بفتح الواو (قلت: ألا تتعوذ؟ ) لأننا أمام المتعوذ. (قال: نعوذ بالله من النار) ولهذا سمي المتعوذ؛ لأنه يتعوذ عنده من النار كأنهم جعلوا الملتزم موضع رغبة وسؤال، وهذا موضع استعاذة، التجاء، كان جماعة من السلف منهم القاسم بن محمد وعمر بن عبد العزيز وجعفر بن محمد وأيوب السختياني (¬3) وحميد الطويل يلتزمون هذا المتعوذ (¬4)، ويروى أن عبد الله بن الزبير لما بلغ القواعد التي أسسها إبراهيم - عليه السلام - لبناء البيت أتوا على تربة صفراء عثد الحطيم فقال ابن الزبير: هذا قبر إسماعيل - عليه السلام -، فواراه، رواه ابن (¬5) إسحاق (¬6). (ثم مضى حتى استلم الحجر) (¬7) الأسود ثم تقدم (وأقام (¬8) بين الركن) الذي فيه الحجر الأسود (والباب) الذي للكعبة فوضع صدره (ووجهه) أي: خده الأيمن والأيسر (وذراعيه وكفيه هكذا، وبسطهما) ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) رواه الفاكهي في "أخبار مكة" (247). (¬3) في (م): السجستاني. (¬4) انظر هذه الآثار في "أخبار مكة" للفاكهي 1/ 171 - 173. (¬5) سقط من (م). (¬6) "السيرة" ص 107. (¬7) كذا في (م): وفي باقي النسخ: الركن. (¬8) سقط من (م).

يعني: وبسط (¬1) كفيه وذراعيه على البيت إلى جهة أعلى (¬2) الكعبة (بسطًا) لطيفًا، ويجتهد في الدعاء والإخلاص. ومن الدعاء الوارد عن صالحي السلف [اللائق بالحال، والمنقول عن الشافعي أنه استحبه في "الإملاء" في مختصر الحج الصغير] (¬3): اللهم إن البيت بيتك، والعبد عبدك، وابن عبدك وابن أمتك، حملتني على ما سيرت (¬4) من خلقك حتى صيرتني في بلادك وبلغتني نعمتك حتى أعنتني على قضاء نسكك، فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضا وإلا فمن الآن قبل أن تنأى (¬5) عن بيتك داري ويبعد عنه مزاري، هذا أوان انصرافي إن أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك (¬6)، ولا راغب عنك ولا عن بيتك، اللهم فاصحبني بالعافية في بدني، والعصمة في ديني، وأحسن منقلبي، وارزقني طاعتك ما أبقيتني، واجمع لي خير الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير (¬7). قوله: "فمن الآن" يجوز فيه ثلاثة أوجه: أجودها ضم الميم وتشديد النون، والثاني كسر الميم وتخفيف النون وفتحها، والثالث كذلك، لكن النون مكسورة. قال النووي: ويتعلق الداعي بهذا الدعاء بأستار الكعبة [في ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) سقط من (م). (¬3) من (م). (¬4) في (م) و"الأم"، وانظر: "المجموع": سخرت لي. (¬5) في (م): ينادي. (¬6) في (م): بنبئك. (¬7) "الأم" 2/ 344، و"المجموع" 8/ 258 - 259.

تضرعه] (¬1). [1900] ([حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا السائب بن عمرو المخزومي، حدثنا محمد بن عبد الله بن السائب] (¬2) عن أبيه) عبد الله بن السائب بن يزيد الكندي، حج به (¬3) أبوه السائب وأمه مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع وهو ابن سبع سنين، وقيل: ابن عشر سنين، مات سنة إحدى وتسعين. (أنه كان يقود عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما، وكان ابن عباس في حجة الوداع قد ناهز الحلم، وفي آخر عمره حين عمي، وخرج مع معاوية حاجّا فكان لمعاوية موكب ولابن عباس موكب ممن يطلب العلم (فيقيمه عند الشقة) بضم الشين المعجمة وتشديد القاف [وآخره تاء مثناة] (¬4) الشقق التي يسير بها إلى (¬5) البيت (الثالثة) الشقة الأولى التي على الحجر الأسود، والثانية هي التي قبل الحجر الأسود [وبدأ بالحجر الأسود لأنه أول الطواف، هذا ما ظهر لي، والله أعلم] (¬6). (مما يلي الركن) العراقي (الذي يلي الحجر) بكسر الحاء المهملة وإسكان الجيم (مما يلي الباب) يشبه أن يكون المراد أنه بين الحجر والباب، قال ابن المنذر: قال عمرو بن علي، عن عاصم بإسناده ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) من المطبوع. (¬3) في (م): بأبيه. (¬4) في (م): واحدة. (¬5) سقط من (م). (¬6) "أخبار مكة" 1/ 45، وليس فيه ذكر الصلاة.

قال: ثم خرج - يعني: النبي - صلى الله عليه وسلم - من الكعبة فصلى ركعتين بين الحجر والباب. وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: إن الحفرة الملاصقة للكعبة بين الباب والحجر هي المكان الذي صلى فيه جبريل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - الصلوات الخمس في يومين حين فرضها الله على أمته واستبعده بعضهم؛ لأن ذلك لو كان صحيحًا لنبهوا عليه بالكتابة في الحفرة، وهذا لا يلزم. وعن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن جبريل - عليه السلام - أم به حين فرضت الصلاة عند باب الكعبة مرتين. ورواه الشافعي بإسناد حسن، وفي كتاب الأزرقي أن آدم - عليه السلام - طاف بالبيت سبعًا حين نزل ثم صلى وجاه باب الكعبة ركعتين (¬1). (فيقول له ابن عباس: أنبئت) بضم الهمزة وإسكان النون وكسر الباء الموحدة بعدها همزة ساكنة ثم تاء المخاطب، أي: أخبرت، وفي بعض النسخ: أثبت [بثاء مثلثة] (¬2) بدل الهمزة لكن همزته الأولى مفتوحة مبني للفاعل من الإثبات، وفي آخره تاء المخاطب المفتوحة أدغمت في التاء الأصلية، والأصل فيه الاستفهام استفهام إخبار وتأكيد، وهذا الوجه أظهر، والله أعلم، وفي نسخة: أنبأت (¬3) بفتح الحروف الأربعة مخففًا. (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي ها هنا فيقول (¬4): نعم) هذا يدل على ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): بياء مثناة بدل النون وياء مثناة. (¬3) في (م): أثبت. (¬4) في (م): قال.

تقدم الاستفهام فيقوم فيصلي، فيه دليل على التحري في الأماكن التي صلى فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - وفضل الصلاة فيها، قال أصحابنا: المحراب الذي صلى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يجتهد فيه المصلي في تيامنه فيه (¬1) أو تياسره بخلاف محاريب المسلمين، فإن له أن يجتهد فيها تيامنًا وتياسرًا ليلتفت إليها. ¬

_ (¬1) سقط من (م).

57 - باب أمر الصفا والمروة

57 - باب أَمْرِ الصَّفا والمَرْوَةِ 1901 - حَدَّثَنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ ح وَحَدَّثَنا ابن السَّرْحِ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: قلْتُ لِعائِشَةَ زَوْجِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وَأَنا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ: أَرَأيْتِ قَوْلَ اللهِ تَعالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} فَما أَرى عَلَى أَحَدٍ شيْئًا أَنْ لا يَطَّوَّفَ بِهِما. قَالَتْ عَائِشَةُ: كَلَّا، لَوْ كَانَ كَما تَقُولُ كَانَتْ فَلا جُناحَ عَليْهِ أَنْ لا يَطَّوَّفَ بِهِما، إِنَّما أُنْزِلَتْ هذِه الآيَةُ في الأَنْصارِ كَانُوا يُهِلُّونَ لِمَناةَ، وَكَانَتْ مَناةُ حَذْوَ قُديْدٍ وَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بيْنَ الصَّفا والمَرْوَةِ فَلَمّا جاءَ الإِسْلامُ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (¬1). 1902 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا خالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بْنُ أَبي خالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي أَوْفَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اعْتَمَرَ فَطافَ بِالبيْتِ وَصَلَّى خَلْفَ المَقامِ رَكْعَتيْنِ وَمَعَهُ مَنْ يَسْتُرُهُ مِنَ النّاسِ، فَقِيلَ لِعَبْدِ اللهِ: أَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الكَعْبَةَ؟ قَالَ: لا (¬2). 1903 - حَدَّثَنا تَمِيمُ بْنُ المُنْتَصِرِ، أَخْبَرَنا إِسْحاقُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنا شَرِيكٌ، عَنْ إِسْماعِيلَ بْنِ أَبي خالِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبي أَوْفَى بهذا الحَدِيثِ. زادَ: ثُمَّ أَتَى الصَّفا والمَرْوَةَ فَسَعَى بيْنَهُما سَبْعًا، ثُمَّ حَلَقَ رَأْسَهُ (¬3). 1904 - حَدَّثَنا النُّفيْليُّ، حَدَّثَنا زُهيْرٌ، حَدَّثَنا عَطَاءُ بْنُ السّائِبِ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ جُمْهانَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بَيْنَ الصَّفا والمَرْوَةِ: يا أَبا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنّي أَراكَ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1643، 1790، 4495، 4861)، ومسلم (1277). (¬2) رواه البخاري (1600، 1791، 4188، 4255)، ومسلم (1332). وانظر ما بعده. (¬3) انظر السابق.

تَمْشي والنّاسُ يَسْعَوْنَ؟ قَالَ: إِنْ أَمْشِ فَقَدْ رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمْشي، وَإِنْ أَسْعَ فَقَدْ رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْعَى وَأَنا شيْخٌ كَبِيرٌ (¬1). * * * باب أمر (¬2) الصفا والمروة [1901] عبد الله (ابن السرح) عبد الله (ابن وهب، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير رضي الله عنهما (أنه قال: قلت لعائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا يومئذٍ حديث السن) أي: لم يكن بعد فقه ولا علم من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يتأول به نص القرآن (أرأيت) معناه: الاستخبار والاستفهام، أي: أستخبرك عن كذا، وهو بفتح التاء للمذكر والمؤنث والجمع والمثنى. (قول الله - عز وجل -: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}) قال الأزهري: الشعائر: المعالم (¬3) التي [ندب الله إليها، وأمر بالقيام عليها (¬4) فوجوب السعي مستفاد من كونهما جعلا من شعائر الله التي] (¬5) أمر بها، والعمدة في الوجوب قوله - صلى الله عليه وسلم -: "خذوا عني مناسككم" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (864)، والنسائي 5/ 241، وابن ماجه (2988)، وأحمد 2/ 53، 60، 61، 120، وابن خزيمة (2770، 2771). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1662). (¬2) من (م). (¬3) في النسخ: المقالة. والمثبت كما في "غريب الحديث والأثر"، وهو الأنسب للمعنى. (¬4) انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 479. (¬5) من (م). (¬6) رواه مسلم (1297).

(فما أرى على أحد شيئًا) أي: من الإثم (أن لا يطوف بهما) أي: إذا لم يطف بهما، بل تركه، وحاصله أن عروة احتج لإباحة ترك السعي بينهما باقتصار الآية على رفع الجناح وهو الإثم، فلو كان واجبًا لما اكتفى بذلك؛ لأن رفع الإثم علامة المباح، ويزداد المستحب بإثبات الآخر، ويزداد الوجوب عليهما بعقاب التارك (قالت عائشة: كلا) وفي رواية في الصحيحين: بئسما قلت يا ابن أختي (¬1). (لو كان) مباحًا تركه (كما تقول: كانت) رواية البخاري: لو كانت كما أولتها عليه كانت (¬2) (¬3) التلاوة (فلا جناح عليه [أن لا] (¬4) يطوف بهما) وحاصل كلام عائشة في جوابها أن الآية ساكتة عن الوجوب وعدمه مصرحة برفع الإثم عن الفاعل، وأما المباح فيحتاج إلى رفع الإثم عن التارك. (إنما أنزلت هذِه الآية في الأنصار) أي: في جماعة منهم ومن غسان (كانوا) قبل أن يسلموا (يهلون) بضم الياء (لمناة) بفتح الميم والنون الخفيفة والقصر، وهو صنم في الجاهلية كانوا يحجون إليه، قال ابن الكلبي: كانت صخرة عظيمة (¬5) نصبها عمرو بن لحي لهذيل، فكانوا يعبدونها (¬6). ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (1643)، "صحح مسلم" 1277/ 261. (¬2) من (م). (¬3) "صحيح البخاري" (1643). (¬4) في (م): إلا أن. (¬5) من (م). (¬6) انظر: "فتح الباري" 3/ 583.

(وكانت مناة حذو) بالذال المعجمة (قديد) أي: مقابله، وقديد (¬1) بضم القاف وتكرير الدال المهملة مصغر، وهي قرية حليفة (¬2) بين مكة والمدينة كثيرة المياه، قاله أبو عبيد البكري (¬3). (وكانوا يتحرجون) بالحاء المهملة والجيم، أي: يحاجون من الحرج وهو الإثم في فعله، وهو (أن يطوفوا بين الصفا والمروة) وروى الفاكهي أن عمرو بن لحي نصب مناة على ساحل البحر مما يلي قديد، وكانت الأزد وغسان يحجونها ويعظمونها، إذا طافوا بالبيت وأفاضوا من عرفات وفرغوا من منى أتوا مناة فأهلوا لها، فمن أهل لها لم يطف بين الصفا والمروة (¬4). (فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن) فعل (ذلك) بعد الإسلام (فأنزل الله تعالى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ}). قال الجوهري في "الصحاح": الشعائر أعمال الحج وكل ما جعل علمًا لطاعة الله (¬5) والحكمة في التعبير بذلك مطابقة جواب السائلين؛ لأنهم توهموا من كونهم كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية أنه لا يستمر في الإسلام، فخرج الجواب مطابقًا لذلك، وأما وجوب السعي فمستفاد من دليل آخر، ولا مانع من أن يكون الفعل واجبًا ويعتقد ¬

_ (¬1) في (م): قد. (¬2) في (م): جامعة. (¬3) "معجم ما استعجم" 3/ 299. (¬4) انظر: "أخبار مكة" للفاكهي 5/ 163 (72). (¬5) "الصحاح" (شعر).

إنسان امتناع إيقاعه على صفة مخصوصة فيقال (¬1) له: لا جناح عليك في ذلك، ولا يستلزم ذلك نفي الوجوب، ولا يلزم من نفي الإثم عن الفاعل (¬2) نفي الإثم عن التارك، فلو كان المراد مطلق الإباحة لنفى الإثم عن التارك، وقد وقع في بعض الشواذ باللفظ الذي قالت عائشة أنها لو كانت للإباحة لكانت كذلك، حكاه الطبري (¬3)، وحكيت (¬4) عن أبي بن كعب (¬5) وابن مسعود وابن عباس - رضي الله عنهم - (¬6). [1902] (عن عبد الله بن أبي أوفى) علقمة بن الحارث [من الصحابة] (¬7) من أصحاب الشجرة (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتمر) لعلها عمرة الحديبية (وطاف بالبيت) أسبوعًا. (وصلى في خلف المقام ركعتين ومعه من يستره من الناس) رواية البخاري: وكنا نستره من أهل مكة أن يرميه أحد (¬8) (فقيل لعبد الله) يوضحه رواية البخاري: فقال (¬9) له صاحب لي، وهذا اللفظ هو مقول إسماعيل بن أبي خالد، كذا قاله الكرماني (¬10) (أدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) في (م): فقال. (¬2) في (م): القاعدة. (¬3) "تفسير الطبري" 2/ 49. (¬4) في (ر): حبيب. (¬5) انظر: "تفسير السمعاني" 1/ 159. (¬6) "تفسير الطبري" 2/ 49. (¬7) في (م): الصحابي. (¬8) "صحيح البخاري" (1791). (¬9) في (ر): يقال. (¬10) "شرح صحيح البخاري" 9/ 15.

الكعبة؟ قال: لا) فإن قلت: قد ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل الكعبة فكيف قال: لا؟ فالجواب عرضه أنه لم يدخل في تلك المرة (¬1) لا أنه لم يدخل مطلقًا. [1903] (تميم بن (¬2) المنتصر) بتقديم النون على المثناة فوق، ابن الصلت بن تمام، قال النسائي: هو ثقة، ولد سنة 176 وتوفي 244 (¬3) (عبد الله بن أبي أوفى) يقول: أعتمرنا مع نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فطاف بالبيت سبعًا، وصلى ركعتين عند أي: خلف المقام كما في الرواية المتقدمة، (وزاد: ثم أتى الصفا والمروة فسعى بينهما سبعًا) (¬4) استدل به على وجوب السعي من يقول أن أفعاله - صلى الله عليه وسلم - للوجوب (ثم حلق رأسه) يدل على أن العمرة كالحج (¬5) في استحباب الحلق، وأنه أفضل من التقصير، وفيه تفصيل ذكره الشافعي في "الإملاء" في أثناء كتاب الحج قبل آخره بنحو خمسة عشر ورقة، قال فيه: ومن قدم أي: مكة معتمرًا قبل الحج في وقت أن حلق قد (¬6) حمم رأسه حتى يأتي عليه يوم النحر أحببت له أن يبتدئ الحلاق فإني لا أدري لعله لا يدرك حلاق الحج وإن قدم يوم التروية أو يوم عرفة في وقت إن حلق فيه لم يحمم رأسه إلى يوم النحر أحببت له أن يقصر ليحلق يوم النحر، ولو حلق ¬

_ (¬1) في (م): العمرة. (¬2) "مشيخة النسائي" (49)، "المعجم المشتمل" (207). (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ر): سعيا. (¬5) في (ر): بالحج. (¬6) من (م).

لم يكن عليه شيء، وهي مسألة نفيسة، وقوله: (يحمم) هو بحاء مهملة معناه أسود من الشعر، ويؤيد التقصير أنه إذا [تعاطى أي] (¬1): المعتمر لزم أن يقوم في كل نسك بواجب من [الحلق أو التقصير، فيثاب ثواب الواجب، ويدخل في دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالفعلين معًا. وقد ذكر النووي] (¬2) المسألة لكنه أطلق أنه يستحب للمتمتع أن يقصر في العمرة ويحلق في الحج، قال: ليقع الحلق في أكمل العبادتين (¬3). وهذا الحديث يرد هذا الإطلاق. [1904] (عن كثير بن جمهان) بضم الجيم وإسكان الميم الكوفي (أن رجلًا قال لعبد الله بن عمر) حين رآه يمشي (بين الصفا والمروة) يعني: في موضع السعي (يا أبا عبد الرحمن، إني أراك تمشي) في موضع السعي (والناس يسعون) يعني: الرجال؛ فإن المرأة لا تسعى فيه؛ لأنه أستر لها، وقيل: إن سعت في الليل سعت كالرجل. فـ (قال: إن أمشي فقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشي) أي: على هينته، وفيه رد على ما ذهب إليه ابن حزم: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان راكبًا في جميع الطواف بين الصفا والمروة (¬4). وتأول حديث جابر والمشي عند الشافعي أفضل، والركوب مكروه لغير عذر (¬5). وعند الحنفية أن من ركب في ¬

_ (¬1) في (م): تعاطاه. (¬2) سقط من (م). (¬3) "شرح النووي" 8/ 231. (¬4) "المحلى" 7/ 180. (¬5) "الأم" 2/ 263.

جميع السعي أو أكثره لغير عذر أراق دمًا (¬1) وعند المالكية من سنن السعي المشي (¬2). (وإن أسعى) بين الميلين الأخضرين (فقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسعى) بينهما (وأنا شيخ كبير) جعله علة لمشيه في موضع السعي، وكذا يمشي لضعف أو غيره من الأعذار، فالمشي جائز؛ لأن ترك الرمل في الطواف بالبيت لا شيء فيه، فتركه بين الصفا والمروة أولى بأن لا يجب فيه شيء. ¬

_ (¬1) "المبسوط" 4/ 50. (¬2) "شرح مختصر الخليل" 2/ 325، و"الشرح الكبير" للدردير 2/ 40، و"كفاية الطالب" 1/ 673.

58 - باب صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -

58 - باب صِفَةِ حَجَّةِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - 1905 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفيْلي وَعُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ وَهِشامُ بْنُ عَمّارٍ وَسُليْمانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيّانِ - وَرُبَّما زادَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ الكَلِمَةَ والشَّيء - قَالُوا: حَدَّثَنا حاتِمُ بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ دَخَلْنا عَلَى جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، فَلَمّا انْتَهيْنا إِليْهِ سَأَلَ عَنِ القَوْمِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ فَقُلْتُ: أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلي بْنِ حُسيْنٍ. فَأَهْوى بِيَدِهِ إِلَى رَأْسي فَنَزَعَ زِرّي الأَعْلَى، ثُمَّ نَزَعَ زِرّي الأَسْفَلَ ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ بيْنَ ثَدْيَى وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلامٌ شابٌّ. فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ وَأَهْلًا يا ابن أَخي سَلْ عَمّا شِئْتَ، فَسَأَلْتُهُ وَهُوَ أَعْمَى وَجاءَ وَقْتُ الصَّلاةِ فَقَامَ في نِساجَةٍ مُلْتَحِفًا بِها يَعْني ثَوْبًا مُلَفَّقًا كُلَّما وَضَعَها عَلَى مَنْكِبِهِ رَجَعَ طَرَفاها إِليْهِ مِنْ صِغَرِها فَصَلَّى بِنا وَرِداؤُهُ إِلَى جَنْبِهِ عَلَى المِشْجَبِ. فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَقَالَ بِيَدِهِ فَعَقَدَ تِسْعًا، ثُمَّ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ ثُمَّ أُذِّنَ في النّاسِ في العاشِرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حاجٌّ فَقَدِمَ المَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ويَعْمَلَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَخَرَجْنا مَعَهُ حَتَّى أَتيْنا ذا الحُليْفَةِ فَوَلَدَتْ أَسْماء بِنْتُ عُميْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبي بَكْرٍ فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَيْفَ أَصْنَعُ قَالَ: "اغْتَسِلي واستَذْفِري بِثَوْبٍ وَأَحْرِمي". فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في المَسْجِدِ ثُمَّ رَكِبَ القَصْواءَ حَتَّى إِذا اسْتَوَتْ بِهِ ناقَتُهُ عَلَى البيْداءِ. قَالَ جابِرٌ: نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَري مِنْ بيْنِ يَديْهِ مِنْ راكِبٍ وَماشٍ وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَعَنْ يَسارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ أَظْهُرِنا وَعَليْهِ يَنْزِلُ القُرْآنُ وَهُوَ يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ، فَما عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيء عَمِلْنا بِهِ فَأَهَلَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالتَّوْحِيدِ: "لَبّيْكَ اللَّهُمَّ لَبّيْكَ لَبّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبّيْكَ إِنَّ الحَمْدَ والنِّعْمَةَ لَكَ والمُلْكَ لا شَرِيكَ لَكَ". وَأَهَلَّ النّاسُ بهذا الذي يُهِلُّونَ بِهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَليْهِمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شيْئًا مِنْهُ وَلَزِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تلْبِيَتَهُ. قَالَ جابِرٌ: لَسْنا نَنْوي إلَّا الحَجَّ لَسْنا نَعْرِفُ العُمْرَةَ حَتَّى إِذا

أَتيْنا البيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ تَقَدَّمَ إِلَى مَقامِ إِبْراهِيمَ فَقَرَأَ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} فَجَعَلَ المَقامَ بيْنَهُ وَبَيْنَ البيْتِ قَالَ: فَكَانَ أَبي يَقُولُ: قَالَ ابن نُفيْلٍ وَعُثْمانُ وَلا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلَّا، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ سُليْمانُ وَلا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ في الرَّكْعَتَيْنِ بِـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَبِـ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ثُمَّ رَجَعَ إِلَى البَيْتِ فاسْتَلَمَ الرُّكْنَ ثُمَّ خَرَجَ مِنَ البابِ إِلَى الصَّفا فَلَمّا دَنا مِنَ الصَّفا قَرَأَ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}: "نَبْدَأُ بِما بَدَأَ اللهُ بِهِ". فَبَدَأَ بِالصَّفا فَرَقي عَليْهِ حَتَّى رَأى البيْتَ فَكَبَّرَ اللهَ وَوَحَّدَهُ وقَالَ: "لا إله إِلَّا الله، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، يُحْيي ويُمِيتُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيء قَدِيرٌ لا إله إلَّا اللهُ وَحْدَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأَحْزابَ وَحْدَهُ"، ثُمَّ دَعا بيْنَ ذَلِكَ وقالَ مِثْلَ هذا ثَلاثَ مَرّاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى المَرْوَةِ حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَماهُ رَمَلَ في بَطْنِ الوادي حَتَّى إِذَا صَعِدَ مَشَى حَتَّى أَتَى المَرْوَةَ فَصَنَعَ عَلَى المَرْوَةِ مِثْلَ ما صَنَعَ عَلَى الصَّفا حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ الطَّوافِ عَلَى المَرْوَةِ قَالَ: "إِنّي لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْري ما اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الهَدي، وَلَجَعَلْتُها عُمْرَةً فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ ليْسَ مَعَهُ هَدي فَلْيَحْلِلْ وَلْيَجْعَلْها عُمْرَةً". فَحَلَّ النّاسُ كلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إِلَّا النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدي فَقَامَ سُراقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ أَلِعامِنا هذا أَمْ لِلأَبَدِ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَصابِعَهُ في الأُخْرى ثُمَّ قَالَ: "دَخَلَتِ العُمْرَةُ في الحَجِّ". هَكَذا مَرَّتَيْنِ: "لا بَلْ لأَبَدِ أَبَدٍ لا بَلْ لأَبَدِ أَبَدٍ". قَالَ: وَقَدِمَ عَلي - رضي الله عنه - مِنَ اليَمَنِ بِبُدْنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فَوَجَدَ فاطِمَةَ رضي الله عنها مِمَّنْ حَلَّ وَلَبِسَتْ ثِيابًا صَبِيغًا واكْتَحَلَتْ فَأَنْكرَ عَلي ذَلِكَ عَليْها وقَالَ مَنْ أَمَرَكِ بهذا فَقَالَتْ أَبِي. فَكَانَ عَلي يَقُولُ بِالعِراقِ ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُحَرِّشًا عَلَى فاطِمَةَ في الأَمْرِ الذي صَنَعَتْهُ مُسْتَفْتِيًا لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في الذي ذَكَرَتْ عَنْهُ فَأَخْبَرْتُهُ أنّي أَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَليْها فَقَالَتْ إِنَّ أَبي أَمَرَني بهذا. فَقَالَ: "صَدَقَتْ صَدَقَتْ ماذا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الحَجَّ". قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنّي أُهِلُّ بِما أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ: "فَإِنَّ مَعي الهَدي فَلا

تَحْلِلْ". قَالَ: وَكَانَ جَماعَةُ الهَدى الذي قَدِمَ بِهِ عَلي مِنَ اليَمَنِ والَّذي أَتَى بِهِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - مِنَ المَدِينَةِ مِائَةً فَحَلَّ النّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إِلَّا النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وَمَنْ كانَ مَعَهُ هَدي قَالَ: فَلَمّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَوَجَّهوا إِلَى مِنًى أَهَلُّوا بِالحَجِّ فَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى بِمِنًى الظُّهْرَ والعَصْرَ والمَغْرِبَ والعِشاءَ والصُّبْحَ ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ لَهُ مِنْ شَعَرٍ فَضُرِبَتْ بِنَمِرَةَ فَسارَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلا تَشُكُّ قُريْشٌ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - واقِفٌ عِنْدَ المَشْعَرِ الحَرامِ بِالمُزْدَلِفَةِ كَما كَانَتْ قُريْشٌ تَصْنَعُ في الجاهِلِيَّةِ فَأَجازَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَوَجَدَ القُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِها حَتَّى إِذَا زاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالقَصْواءِ فَرُحِلَتْ لَهُ فَرَكِبَ حَتَّى أَتَى بَطْنَ الوادي فَخَطَبَ النّاسَ فَقَالَ: "إِنَّ دِماءَكُمْ وَأَمْوالَكُمْ عَليْكُمْ حَرامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذا في شَهْرِكُمْ هذا في بَلَدِكُمْ هذا أَلا إِنَّ كُلَّ شَيء مِنْ أَمْرِ الجاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَى مَوْضُوعٌ وَدِماءُ الجاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ وَأَوَّلُ دَمٍ أَضَعُهُ دِماؤُنا دَمُ". قَالَ عُثْمانُ: "دَمُ ابن رَبِيعَةَ". وقالَ سُليْمانُ: "دَمُ رَبِيعَةَ بْنِ الحارِثِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ". وقَالَ بَعْضُ هؤلاء كَانَ مُسْتَرْضَعًا في بَني سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذيْلٌ: "وَرِبا الجاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُهُ رِبانا رِبا عَبّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ اتَّقُوا الله في النِّساءِ فإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمانَةِ الله واسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ الله وَإِنَّ لَكُمْ عَليْهِنَّ أَنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ فاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غيرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَليْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ وَإِنّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ ما لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتابَ اللهِ وَأَنْتُمْ مَسْئُولُونَ عَنّي فَما أَنْتُمْ قَائِلُونَ". قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدّيْتَ وَنَصَحْتَ. ثُمَّ قَالَ بِأُصْبُعِهِ السَّبّابَةِ يَرْفَعُها إِلَى السَّماءِ ويَنْكِبُها إِلَى النّاسِ: "اللَّهُمَّ اشْهَدِ اللَّهُمَّ اشْهَدِ اللَّهُمَّ اشْهَدْ". ثُمَّ أَذَّنَ بِلالٌ ثُمَّ أَقامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثمَّ أَقامَ فَصَلَّى العَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بيْنَهُما شيْئًا ثُمَّ رَكِبَ القَصْواءَ حَتَّى أَتَى المَوْقِفَ فَجَعَلَ بَطْنَ ناقَتِهِ القَصْواءَ إِلَى الصَّخَراتِ وَجَعَلَ حَبْلَ المُشاةِ بيْنَ يَديْهِ فاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ فَلَمْ يَزَلْ واقِفًا حَتَّى

غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا حِينَ غابَ القُرْصُ وَأَرْدَفَ أُسامَةَ خَلْفَة فَدَفَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْواءِ الزِّمامَ حَتَّى إِنَّ رَأْسَها ليُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ وَهُوَ يَقُولُ بِيَدِهِ اليُمْنَى: "السَّكِينَةَ أيُّها النّاسُ السَّكِينَةَ أيُّها النّاسُ" كُلَّما أَتَى حَبْلًا مِنَ الحِبالِ أَرْخَى لَها قَلِيلًا حَتَّى تَصْعَدَ حَتَّى أَتَى المُزْدَلِفَةَ فَجَمَعَ بَيْنَ المَغْرِبِ والعِشاءِ بِأَذانٍ واحِدٍ وَإِقامَتيْنِ - قَالَ عُثْمانُ: وَلَمْ يُسَبِّحْ بيْنَهُما شيْئًا ثُمَّ اتَّفَقُوا - ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى طَلَعَ الفَجْرُ فَصَلَّى الفَجْرَ حِينَ تَبيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ - قَالَ سُليْمانُ بِنِداءٍ وَإِقامَةٍ ثُمَّ اتَّفَقُوا - ثُمَّ رَكِبَ القَصْواءَ حَتَّى أَتَى المَشْعَرَ الحَرامَ فَرَقي عَليْهِ قَالَ عُثْمانُ وَسُليْمانُ فاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ فَحَمِدَ اللهَ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ زادَ عُثْمانُ وَوَحَّدَهُ فَلَمْ يَزَلْ واقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدّا ثُمَّ دَفَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَأَرْدَفَ الفَضْلَ بْنَ عَبّاسٍ وَكَانَ رَجُلًا حَسَنَ الشَّعْرِ أَبْيَضَ وَسِيمًا فَلَمّا دَفَعَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ الظُّعُنُ يَجْرِينَ فَطَفِقَ الفَضْلُ يَنْظُرُ إِليْهِنَّ فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الفَضْلِ وَصَرَفَ الفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ وَحَوَّلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ وَصَرَفَ الفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ يَنْظُرُ حَتَّى أَتَى مُحَسِّرًا فَحَرَّكَ قَلِيلًا ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الوُسْطَى الذي يُخْرِجُكَ إِلَى الجَمْرَةِ الكُبْرى حَتَّى أَتَى الجَمْرَةَ التي عِنْدَ الشَّجَرَةِ فَرَماها بِسَبْعِ حَصياتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصاةٍ مِنْها بِمِثْلِ حَصَى الخَذْفِ فَرَمَى مِنْ بَطْنِ الوادي ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى المَنْحَرِ فَنَحَرَ بِيَدِهِ ثَلاثًا وَسِتِّينَ وَأَمَرَ عَلِيّا فَنَحَرَ ما غَبَرَ - يَقُولُ ما بَقي - وَأَشْرَكَهُ في هَدْيِهِ ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ في قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلا مِنْ لْحَمِها وَشَرِبا مِنْ مَرَقِها قَالَ سُليْمانُ ثُمَّ رَكِبَ ثُمَّ أَفاضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى البيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ ثُمَّ أَتَى بَني عَبْدِ المُطَّلِبِ وَهُمْ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ فَقَالَ: "انْزِعُوا بَني عَبْدِ المُطَّلِبِ فَلَوْلا أَنْ يَغْلِبَكُمُ النّاسُ عَلَى سِقايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ". فَناوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ (¬1). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1515، 1568)، ومسلم (1210، 1218، 1263). وانظر ما سلف برقم (1785، 1786، 1789، 1880، 1813)، وما سيأتي بالأرقام =

1906 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنا سُليْمانُ يَعْني ابن بِلالٍ ح وَحَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهّابِ الثَّقَفي - المَعْنَى واحِدٌ - عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى الظُّهْرَ والعَصْرَ بِأَذانٍ واحِدٍ بِعَرَفَةَ وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُما وَإِقامَتيْنِ وَصَلَّى المَغْرِبَ والعِشاءَ بِجَمْعٍ بِأَذانٍ واحِدٍ وَإِقامَتيْنِ وَلَمْ يُسَبِّحْ بيْنَهُما. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هذا الحَدِيثُ أَسْنَدَهُ حاتِمُ بْنُ إِسْماعِيلَ في الحَدِيثِ الطَّوِيلِ، وَوافَقَ حاتِمَ بْنَ إِسْماعِيلَ عَلَى إِسْنادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلي الجُعْفيُّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جابِرٍ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَصَلَّى المَغْرِبَ والعَتَمَةَ بِأَذانٍ وَإِقامَةٍ (¬1). 1907 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا جَعْفَرٌ، حَدَّثَنا أَبي، عَنْ جابِرٍ قَالَ: ثُمَّ قَالَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ نَحَرْتُ ها هُنا وَمِنًى كُلُّها مَنْحَرٌ". وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَالَ: "قَدْ وَقَفْتُ ها هُنا، وَعَرَفَةُ كُلُّها مَوْقِفٌ". وَوَقَفَ في المُزْدَلِفَةِ فَقَالَ: "قَدْ وَقَفْتُ ها هُنا وَمُزْدَلِفَةُ كُلُّها مَوْقِفٌ" (¬2). 1908 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ غِياثٍ، عَنْ جَعْفَرٍ بِإِسْنادِهِ زادَ: "فانْحَرُوا في رِحالِكُمْ" (¬3). 1909 - حَدَّثَنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ القَطّانُ، عَنْ جَعْفَرٍ حَدَّثَني أَبي، عَنْ جابِرٍ فَذَكَرَ هذا الحَدِيثَ وَأَدْرَجَ في الحَدِيثِ عِنْدَ قَوْلِهِ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} قَالَ: فَقَرَأَ فِيها بِالتَّوْحِيدِ وَ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وقَالَ فِيهِ: قَالَ عَلي - رضي الله عنه - بِالكُوفَةِ. قَالَ أَبي: هذا الحَرْفُ لَمْ يَذْكُرْهُ جابِرٌ، فَذَهَبْتُ مُحَرِّشًا. وَذَكَرَ قِصَّةَ فاطِمَةَ رضي الله عنها (¬4). * * * ¬

_ = (1906، 1907، 1908، 1909، 1936، 1937، 1944، 3969). (¬1) انظر السابق. (¬2) انظر ما سلف برقم (1905)، وما سيأتي بالأرقام (1908، 1936، 1937). (¬3) انظر ما سلف برقم (1905، 1907)، وسيتكرر برقم (1936). (¬4) انظر ما سلف برقم (1905)، وما سيأتي برقم (3969).

باب صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع [بفتح الواو] (¬1). [1905] ([حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي وعثمان بن أبي شيبة وهشام بن عمار وسليمان بن عبد الرحمن الدمشقيان] (¬2) وربما زاد (¬3) بعضهم) أي: بعض الأربعة المذكورين (على بعض الكلمة والشيء قالوا: حدثنا حاتم بن إسماعيل، حدثنا] (¬4) جعفر بن محمد، عن أبيه) محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف بجعفر الصادق، مات سنة 148، وهو ابن (¬5) 74 (¬6) سنة. (قال: دخلنا على جابر بن عبد الله، فلما انتهينا إليه سأل عن القوم) فيه: أن من ورد عليه زائرون أو ضيفان ونحوهم أن يسأل عنهم لينزلهم منازلهم كما في حديث عائشة: أمرنا رسول الله أن ننزل الناس منازلهم (¬7) (حتى انتهى إلي فقلت: أنا محمد بن علي (¬8) بن حسين) إنما لم يعرفه لأنه كان قد عمي. (فأهوى بيده إلى رأسي فنزع زري الأعلى ثم نزع زري الأسفل) فيه ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) من المطبوع. (¬3) في (م): أراد. (¬4) من المطبوع. (¬5) من (م). (¬6) في (م): 64. (¬7) سيأتي بنحوه برقم (4842). (¬8) بعدها في (ر): بن علي.

مشروعية استعمال الأزرار للقميص والملوطة (¬1) ونحوهما، وتعدد الأزرار (¬2) وبعضها أسفل من بعض، وأن الصبي يشد إزاره بخلاف الرجل؛ لما ورد في الحديث عن معاوية بن قرة، عن أبيه قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في رهط من مزينة فبايعناه وإنه لمطلق الأزرار، فأدخلت يدي في جيب قميصه فمسست الخاتم (¬3). وعن محمد بن قيس قال: رأيت ابن عمر معتمّا قد أرسلها من بين يديه ومن خلفه لا أدري أيهما أطول، قال: ورأيته محلل أزرار قميصه (¬4). (ثم وضع كفه بين ثديي) فيه دليل على جواز تسمية الثدي للرجل، وفيه خلاف لأهل اللغة، ومن منعه قال: يختص الثدي بالمرأة، ويقال في الرجل: ثندوة، وفيه ملاطفة الزائر بما يليق به وتأنسه، وهذا سبب حل جابر زر محمد بن علي ووضع يده بين ثدييه. وقوله: (وأنا يومئذٍ غلام شاب) تنبيه على أن سبب فعل جابر ذلك التأنيس؛ لكونه صغيرًا، وأما الرجل الكبير فلا يحسن إدخال اليد في جيبه (فقال: مرحبًا بك) أي: أتيت (¬5) مكانًا رحبًا أهلًا (¬6) (يا ابن أخي) فيه جواز قول هذا لابن صديقه؛ وأن الصديق أخ في الله، ¬

_ (¬1) في (ر): الملوطية، وهو قباء واسع. "تاج العروس" 2/ 124. (¬2) في (ر): الإزار. (¬3) سيأتي برقم (4082). (¬4) رواه البغوي في "مسند ابن الجعد" (2228)، وفي "معجم الصحابة" 3/ 473 (1432). (¬5) و (¬6) من (م).

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (¬1) أي: في الدين والولاية، قال أبو (¬2) عثمان الجيزي: أخوة الدين أثبت من أخوة النسب؛ فإن أخوة (¬3) النسب تنقطع بالمخالفة في الدين، وأخوة الدين لا تنقطع بمخالفة النسب. وسئل الجنيد عن الأخوة في الدين، فقال: هو أنت في الحقيقة، إلا أنه غيرك في الشخص. (سل عما شئت، فسألته وهو أعمى) فيه جواز استفتاء الأعمى، قال ابن الصلاح: لا بأس أن يكون المفتي أعمى أو أخرس مفهوم الإشارة، أو كاتبًا (¬4) لكن البصير (¬5) أولى (وجاء (¬6) وقت الصلاة) فيه تجوز وأن الوقت لا يجيء حقيقة. (فقام في نساجة) بكسر النون وتخفيف السين المهملة، وبعد الألف (¬7) جيم مفتوحة وتاء تأنيث، قال النووي: هذا هو المشهور في نسخ بلادنا ورواياتنا لـ "سنن أبي داود" و"صحيح مسلم"، ووقع في بعض النسخ: في ساجة (¬8). بحذف النون، ونقله القاضي عياض عن رواية الجمهور قال: وهو الصواب، قال: والساج والساجة ثوب كالطيلسان وشبهه، قال: ¬

_ (¬1) الحجرات: 10. (¬2) كذا في (م)، وفي باقي النسخ: ابن. (¬3) من (م). (¬4) "أدب المفتي والمستفتي" 1/ 44. (¬5) في (ر): البصيرة. (¬6) بعدها في (ر): نسخة: وحان، وتأخرت في (م). عن هذا الموضع، فأتت بعد قوله: نسجت نساجة. (¬7) من (م). (¬8) وكذا وقع في "مستخرج أبي نعيم" 3/ 316 (2827).

ورواية النون معناه ثوب ملفق (¬1). قال النووي: وكلاهما صحيح، ويكون الجمع بينهما أن يكون ثوبًا ملفقًا على هيئة الطيلسان، وقيل: هي الخضر منها، وقيل: هو طيلسان مقور (¬2). (ملتحفًا بها) يدل على ما قاله ابن الأثير: أن النساجة ضربٌ من الملاحف [المنسوجة (¬3). ثم فسر المصنف النساجة] (¬4) كأنه سمي بالمصدر، يقال: نسجت (¬5) نساجة (¬6). فقال: (يعني: ثوبًا ملفقًا) [نسخة: ملففًا بفاءين] (¬7) كما تقدم عن النووي. (كلما وضعها على منكبه رجع طرفاها) بفتح الراء (إليه من صغرها) بكسر الصاد، [لعل صوابه رجع طرفها] (¬8) فيه دليل على أن الملحفة والرداء ونحوهما إذا ضاق عن ستر جميع البدن جعل على المنكبين وجعل النقص مما يلي الرجلين كما في كفن مصعب بن عمير؛ فإنه لم يوجد له ما يكفن فيه إلا نمرة إذا وضعناها (¬9) على رأسه خرجت رجلاه، وإذا وضعناها (¬10) على رجليه خرجت رأسه، فقال رسول الله ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" 4/ 141. (¬2) "شرح النووي" 8/ 171. (¬3) "جامع الأصول" 3/ 459، "النهاية" لابن الأثير 2/ 432، 5/ 46. (¬4) تأخرت في (م). عن هذا الموضع، فأتت بعد قوله: نسجت نساجة. (¬5) في (ر): نسجه. (¬6) "النهاية" (نسج). (¬7) سقط من (م). (¬8) سقط من (م). (¬9) في (ر): وضعها. (¬10) في (ر): وضعها.

- صلى الله عليه وسلم -: "ضعوها مما يلي رأسه" (¬1). (فصلى بنا) فيه دلالة على جواز إمامة الأعمى للبصير؛ إذ لا خلاف في جواز ذلك إلا ما حكي عن أنس أنه قال: ما حاجتهم إليه؟ (¬2). وعن ابن عباس [أنه قال: أؤمهم] (¬3) وهم يعدلونني إلى القبلة (¬4). لكن اختلفوا في الأفضل، وفيه ثلاثة أوجه، أصحها عن أصحابنا أنهما سواء، وهو نص الشافعي؛ لأنه أخشع؛ إذ لا يشتغل في الصلاة بالنظر إلى ما يلهيه فيقابل ذلك فضيلة النظر (¬5) وتوقي النجاسة، فيستويان (¬6)، وقد يستدل بهذا الحديث على أن الأعمى أولى؛ للحديث المتقدم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استخلف ابن أم مكتوم يؤم الناس وهو أعمى (¬7)، وعن الشعبي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - غزا ثلاث عشرة غزوة كل ذلك (¬8) يقدم ابن أم مكتوم يؤم بالناس (¬9). ولأن العمى فقد حاسة لا تخل بأفعال الصلاة فأشبه فقد الشم، ولأن البصير لو أغمض عينيه لكان مكروهًا ولو كان ذلك فضيلة لكان مستحبًّا؛ لأنه يحصل بتغميضه ما يحصل للأعمى، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3897)، ومسلم (940). (¬2) رواه ابن أبي شيبة (6133)، وابن المنذر في "الأوسط" 4/ 173 (1931). (¬3) في (م): أووبهم. (¬4) رواه عبد الرزاق 2/ 395 (3833)، وابن أبي شيبة (6132)، وابن المنذر في "الأوسط" 4/ 173 (1931). (¬5) في (م): البصر. (¬6) "المجموع" 4/ 286، "أسنى المطالب" 1/ 219. (¬7) برقم (595). (¬8) في (م): يوم. (¬9) رواه بنحوه عبد الرزاق 2/ 394 (3828).

وله فيه فضيلة وأجر؛ لأنه يترك المكروه مع إمكانه اختيارًا (¬1)، والأعمى يترك اضطرارًا (ورداؤه إلى جانبه) [نسخة: جنبه] (¬2) (على المشجب) بميم مكسورة ثم شين معجمة ساكنة ثم جيم مفتوحة ثم باء موحدة، وهي اسم لأعواد [يضم رأسها ويفرج بين قوائمها] (¬3) مركبة يوضع عليها الثياب ومتاع البيت، وفيه دليل على جواز الصلاة في ثوب واحد مع التمكن من الزيادة عليه، وإن كان الأفضل أن يصلي في (¬4) الاثنين (فقلت: أخبرني عن حجة) بفتح الحاء وكسرها، والكسر أشهر (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) والمراد بها حجة الوداع (فقال بيده، فعقد تسعًا) فيه التعليم بالقول والإشارة (ثم قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكث تسع سنين لم يحج) فيه التعليم بالقول، فقد جمع بين التعليم بالفعل (¬5) وبالقول، والمراد: لم يحج من مكة بل مكث بالمدينة بعد الهجرة وأما بمكة فحج واحدة بالاتفاق، واختلف في ثانية هل حجها أم لا؟ (ثم آذن) (¬6) [وآذن بالمد] (¬7) بمعنى الإعلام، فهو ممدود الهمزة مفتوح الذال، كقوله تعالى: {قَالُوا آذَنَّاكَ} (¬8)، ومن قرأ: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ} (¬9)، ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) من (ر). (¬3) سقط من (م). (¬4) و (¬5) من (م). (¬6) بعدها في النسخ: إذا كان. (¬7) سقط من (م). (¬8) فصلت: 47. (¬9) قراءة عاصم في رواية أبي بكر وحمزة. "الحجة للقراء السبعة" 2/ 403.

بمد الهمزة فمعناه: أعلموا من وراءكم، فإذا كان بمعنى الصياح والآذان فهو أذن بالتشديد كقوله {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} (¬1)، والتشديد هو الأصح، ثم أذن في الناس بالحج (¬2)، وقوله: فأذن بالرحيل والحج، وقوله تعالى: {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ} (¬3) أي: نادى منادٍ يسمع الفريقين (في) السنة (العاشرة أن) بفتح الهمزة وتشديد النون، ويجوز تخفيف النون الساكنة، ورفع (رسول) على أن تكون مفسرة أو مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن محذوف ورسول مبتدأ (¬4) و (حاج) خبره، والجملة خبر أن المخففة، كقوله تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (¬5)، وقرئ بالوجهين في السبع في قوله تعالى: {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ} (¬6)، وقوله تعالى في النور: {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ} (¬7)، قال النووي: [أذن هنا] (¬8) معناه: أعلم وأشاع بينهم الحج ليتأهبوا للحج معه ويتعلموا المناسك والأحكام ويشاهدوا أفعاله وأقواله، ويوصيهم ليبلغ الشاهد الغائب، ويشيع دعوة الإسلام، ويبلغ الرسالة للقريب والبعيد. ¬

_ (¬1) الحج: 27. (¬2) سقط من (م). (¬3) الأعراف: 44. (¬4) في (ر): حاجا. (¬5) يونس: 10. (¬6) الأعراف: 44. (¬7) النور: 7. (¬8) في (ر): إذ كنا.

وفيه: أنه يستحب للإمام [إيذان الناس بالأمور المهمة ليتأهبوا لها (¬1)، وقد استدل بهذا الحديث على أن الحج واجب على] (¬2) التراخي، وأنه يجوز تأخيره عن سنة الإمكان، ووجهه: أن فريضة الحج نزلت سنة خمس من الهجرة وأخره النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير مانع؛ فإنه خرج إلى مكة سنة سبع لقضاء العمرة ولم يحج، وفتح مكة سنة ثمان، وبعث أبا بكر أميرًا على الحاج سنة تسع، وحج هو سنة عشر؛ وتأخره مع كونه هو (¬3) وعامة أصحابه قادرون على الحج غير مشتغلين بقتال ولا غيره، فدل على جواز تأخيره، قال أصحابنا: ونزلت قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (¬4)، [نزلت سنة خمس من الهجرة، وهي دالة على وجوب الحج، ونزل بعدها: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} (¬5) توكيد] (¬6) للوجوب، وأجمع المسلمون على أن الحديبية كانت (¬7) سنة ست، وثبتت الأحاديث على أن غزوة حنين بعد فتح مكة، وأنه - صلى الله عليه وسلم - قسم غنائمها واعتمر من سنته من (¬8) ذي القعدة وكان إحرامه بالعمرة من الجعرانة، ولم يكن بينه وبين الحج إلا أيامًا يسيرة، فلو كان على الفور لم يرجع من مكة حتى حج؛ مع أنه هو (¬9) وأصحابه كانوا موسرين قد غنموا الغنائم الكثيرة ولا لهم عذر ولا شغل، وإنما أخره بيانًا للجواز. ¬

_ (¬1) "شرح النووي" 8/ 172. (¬2) من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) البقرة: 196. (¬5) آل عمران: 97. (¬6) و (¬7) و (¬8) و (¬9) سقط من (م).

(فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم) بتشديد الميم (برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويعمل مثل عمله) حتى قال أبو زرعة الرازي: إنه حضر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع مائة ألف وأربعة عشر ألفًا، كلهم رآه وسمع منه وأتمَّ به. هذا قول الإمام أبي زرعة الذي لم يحفظ أحد من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كحفظه ولا ما يقاربه (¬1). (فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة) التي هي ميقات الحج (فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر) كما تقدم في باب الحائض تهل بالحج [فقال: "اغتسلي"] (¬2) فيه دليل على استحباب غسل الإحرام للنفساء والمستحاضة (فأرسلت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف أصنع؟ فقال: اغتسلي واستثفري بثوب) واستثفار الحائض والنفساء هو: أن تشد على فرجها بخرقة عريضة مشقوقة الطرفين تشدهما على جنبيها من قدام وخلف، بحيث يكون وسطها على الفرج مشدودًا، لتمنع الدم أن يجري أو يقطر، وأصله: من ثفر الدابة بفتح الثاء المثلثة والفاء، وهو ما يكون تحت ذنبها يغطي حياها، ويحتمل أن يكون من الثفر بسكون الفاء وهو الفرج فاستعير لغيره لملازمته له، والأول أظهر لقوله في رواية أخرى: "تلجمي بثوب"، وكذلك يفعل من به جرح يفور منه الدم، وفيه دليل على أمر الحائض بالاستثفار، وكذا النفساء والمستحاضة (وأحرمي) فيه دليل على صحة إحرام النفساء، وهو مجمع عليه. ¬

_ (¬1) "المجموع" 7/ 104 - 105. (¬2) من (م).

وفي قوله (وصلى رسول الله في المسجد) أي: مسجد الشجرة، كما تقدم (ثم ركب القصواء) بفتح القاف والمد، وفي نسخة: بضم القاف مع القصر وهو أصوب، قال ابن الأعرابي: القصواء، التي قطع طرف أذنها، والجدع أكثر منه (¬1). وقال أبو عبيد: القصواء: المقطوعة الأذن عرضًا (¬2). ولم تسم بذلك لشيء أصابها (حتى إذا استوت به ناقته على البيداء [قال جابر] (¬3) نظرت إلى مد بصري) بتشديد الدال، هذا هو الصواب ومعناه: منتهى بصري، وأنكره بعض أهل اللغة، وقال: الصواب: مدى بتخفيف الدال وألف بعدها ترسم ياء، وليس بمنكر، بل هما لغتان ومدى أشهر (من بين يديه من راكب وماش) فيه جواز الحج راكبًا وماشيًا وهو مجمع عليه، واختلفوا في الأفضل منهما، فمال مالك والشافعي والجمهور إلى أن الركوب أفضل، لكن يستحب كما قال في "شرح المهذب" أن يركب على القتب والرحل دون المحمل والهودج، أقتداءً به - عليه السلام -. والثاني: المشي أفضل، وصححه الرافعي، والثالث: هما سواء، قال ابن سريج: هذا قبل الإحرام، فإذا أحرم فالمشي أفضل (¬4)، قال الغزالي: إن سهل عليه المشي فهو أفضل، وإن ضعف وساء خلقه فالركوب (¬5). قال الإسنوي: والمتجه أن أداء النسك ماشيًا أفضل؛ لما روي عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حج من مكة ماشيًا حتى ¬

_ (¬1) انظر: "شرح النووي" 8/ 173. (¬2) انظر: "غريب الحديث" لابن سلام (عصا)، و"شرح النووي" 8/ 173 (¬3) من المطبوع. (¬4) "مواهب الجليل" 3/ 514، و"المجموع" 7/ 91. (¬5) "إحياء علوم الدين" 1/ 263.

يرجع إليها كتب له بكل خطوة سبعمائة حسنة من حسنات الحرم، وحسنات الحرم الحسنة بمائة ألف حسنة" (¬1). وضعف البيهقي هذا الحديث، لكن قد رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد. وسيأتي له مزيد إن شاء الله تعالى (وعن يمينه مثل ذلك) أي: من راكب وماشٍ، [ومن خلفه مثل ذلك، أي: من راكب وماشٍ] (¬2)، وفي تقديم الركوب على المشي في هذا الحديث إشارة إلى تفضيله، ولعل تقديمه إلى أن الركاب (¬3) أكثر، وإلا فالله تعالى قدم الماشي على الراكب في قوله تعالى: {يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} (¬4)، قيل: ليزيل مشقة المشي والعناء، وقد رئي بعض الصالحين بمكة المشرفة فقيل له: جئت راكبًا أم ماشيًا؟ فقال: ما حق العبد العاصي الهارب من مولاه أن يرجع إليه (¬5) راكبًا ولو أمكنني لجئت على رأسي. وأجاب من رجح المشي على (¬6) ركوب النبي في الحج [بأنه كافٍ في] (¬7) القدوة فكانت الحاجة ماسة إلى ظهوره ليراه الناس، ويسأله من احتاج إلى سؤاله ويقتدي به من كان عن بعد ويقصده من له به ¬

_ (¬1) رواه البيهقي في "الكبرى" 4/ 331، والحاكم في "المستدرك" 1/ 631. (¬2) من (م). (¬3) في (م): الراكب. (¬4) الحج: 27. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (م): عن. (¬7) في (م): فإنه كان.

حاجة ومن خلفه مثل ذلك، وإنما أحاطوا به من الجهات الأربع ليسهل عليهم رؤيته للاقتداء بأفعاله وأقواله، وليتمتعوا بمشاهدته من كل الجهات (ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا) أي: بيننا، يقال: بين أظهرهم وظهورهم وظهرانيهم بفتح النون مثنى بمعنى الجمع (وعليه ينزل القرآن وهو يعلم تأويله) فيه الحث على التمسك بما أخبرهم به [عن فعل] (¬1) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجته تلك، فإنه كان ينزل عليه بما يفعله الوحي في جميع حجه فيفهمه عن الله ويبينه للناس، فلذلك قال: "خذوا عني مناسككم" (¬2)، فكانوا كما قال جابر (فما عمل به من شيء عملنا به) أي: إذا عمل شيئًا اقتدوا به فيه وعملوا على نحو عمله (فأهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتوحيد) أي: بكلمة التوحيد النافية للشريك بقوله: لا شريك لك. بخلاف ما كانت تلبي الجاهلية إذ كانت تشرك بالله فتقول في تلبيته: إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك. ثم فسر كلمة التوحيد: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك) ولبيك كلمة (¬3) يجاب بها المنادي، والقصد بها ها هنا: الإجابة لقول إبراهيم حين أمره الله بقوله: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} الآية، وهي مشتقة من لب بالمكان وألب لغتان، ومعناها: أنا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة، ولفظها مثنى سقطت نونه للإضافة، ولكن المعنى على التكثير كما تقدم (إن) بكسر الهمزة على الأفصح للاستئناف، ويجوز الفتح على معنى لأن ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) رواه مسلم (1297). (¬3) في (م): لفظ.

(الحمد) بالنصب على المشهور، ويجوز الرفع على أن (¬1) أن بمعنى نعم (والنعمة لك والملك) يستحب أن يقف عند قوله والملك وقفة لطيفة (لا شريك لك) هذِه الكلمة مثبتة للوحدانية. (وأهل الناس بهذا الذي يهلون) بضم الياء (به) (¬2) قال القرطبي: يعني: أنهم لم يلتزموا هذِه التلبية الخاصة التي لبى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ فهموا أنها ليست متعينة؛ فإنه قد ترك - صلى الله عليه وسلم - كل أحد على ما تيسر له من ألفاظها، ومع هذا فلا بد أن يأتي بهذِه التلبية ولا يجزئ منها التحميد (¬3) ولا التكبير ولا غيره عند مالك (¬4). وأنه يجب الدم بتركها جملة وإن كان ناسيًا، خلافًا للشافعية والحنابلة، قال الشافعي في "الأم": اتفق الأربعة على أن من لا يحسن التلبية بالعربية لبى بلسانه (¬5). (فلم يرد عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا منه) أي: مما زادوه، قال القاضي عياض: فيه إشارة إلى ما روي من زيادة الناس في التلبية من الثناء والذكر، كما روي في ذلك عن عمر: لبيك ذا النعماء والفضل الحسن (¬6)، والنعماء بفتح النون والمد؛ لبيك مرهوبًا منك مرغوبًا إليك، وعن ابن عمر: لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) من (م). (¬3) في (ر): التوحيد. (¬4) "المفهم" 3/ 325. (¬5) "المجموع" 7/ 246. (¬6) رواه ابن أبي شيبة (13645).

والعمل (¬1)، وعن أنس: لبيك حقًّا، تعبدًا ورقًّا (¬2). وعن أبي هريرة: "لبيك إله الحق، لبيك"، رواه الشافعي وأحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وصححه على شرط الشيخين (¬3) (¬4). وعن ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقف بعرفات، فلما قال: "لبيك اللهم لبيك"، قال: "إن الخير خير الآخرة". رواه الحاكم وصححه (¬5) عن يونس - عليه السلام -: لبيك فراج الكرب لبيك (¬6)، وعن عيسى - عليه السلام -: لبيك (¬7) أنا عبدك ابن أمتك بنت عبديك لبيك، أخرجه الأزرقي (¬8)، وعن الأسود بن يزيد: لبيك غفار الذنوب (¬9)، وعن عبد الله بن مسعود: لبيك عدد الحصا والترب (ولزم رسول الله تلبيته) فيستحب أن يكرر التلبية ثلاثًا، ويستحب عند غير المالكية أن يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد التلبية، ويسأل الله رضوانه (¬10) والجنة، ويستعيذ به من النار، وقال سند من المالكية: ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1184). (¬2) رواه البزار في "المسند" 13/ 266 (6804). (¬3) في (م): الصحيحين. (¬4) "مسند الشافعي" ص 122، "مسند أحمد" 2/ 341، 352، 476، 9/ 110 (3800)، "المستدرك" 1/ 449 مرفوعًا. (¬5) "المستدرك" 1/ 464، وصححه ابن الجارود في "المنتقى" (470)، وابن خزيمة (2831). (¬6) سقط من (م). (¬7) من (م). (¬8) "أخبار مكة" للأزرقي 1/ 73. (¬9) رواه أبو يوسف في "الآثار" (457) عن سعيد بن جبير. (¬10) في (ر): رضوانك.

ليس في التلبية صلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا دعاء (¬1). قال ابن المنذر: ويختم دعاءه بربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار (قال جابر: لسنا ننوي) بفتح النون الأولى (إلا الحج) فيه دليل لمن قال بترجيح (¬2) الإفراد، وقد تقدم الكلام فيه (لسنا نعرف العمرة) قال القرطبي: يحتمل أن يخبر به عن حالهم الأول قبل الإحرام؛ فإنهم كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، فلما كان عند هذا الإحرام بين النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم ذلك (¬3) فقال: "من أراد أن يهل بالحج فليفعل، ومن أراد أن يهل بعمرة فليفعل" (¬4) فارتفع الوهم الواقع بهم (¬5) (حتى إذا أتينا البيت معه) فيه بيان (¬6) أن السنة للحاج أن يدخلوا مكة قبل الوقوف بعرفات ليطوفوا للقدوم وغير ذلك (استلم الركن) يعني الحجر الأسود كما تقدم قريبًا (فرمل) كما تقدم بيانه (¬7) (ثلاثًا) أي: ثلاث أطواف يستوعب الرمل فيهن كلهن كما تقدم على الصحيح، والمراد بالثلاث الأول، ولا يستحب الرمل إلا في طواف واحد في حج أو عمرة، فإن طاف في غير حج أو عمرة فلا رمل بلا خلاف، وإنما يشرع في طواف يعقبه سعي ويتصور ذلك في ¬

_ (¬1) "الفواكه الدواني" 2/ 798. (¬2) في (م): مترجح. (¬3) سقط من (م). (¬4) رواه مسلم (1211/ 114) من حديث عائشة. (¬5) "المفهم" 3/ 323 - 324. (¬6) من (م). (¬7) في (م): في بابه.

طواف القدوم، ويتصور في طواف الإفاضة، ولا يتصور في طواف الوداع (ومشى أربعًا) على هيئته؛ فإن الإسراع ليس بتسمية للمشي، بل التأني فيه والسكينة (¬1) (ثم تقدم إلى مقام إبراهيم) هكذا الرواية في أبي داود، ورواية مسلم: ثم نفذ (¬2) بالفاء والذال المعجمة يعني: أنه صار إليه (¬3) بعد فراغه من طوافه (فقرأ: {وَاتَّخِذُوا}) قال القرطبي: الرواية هنا: {واتخِذوا} بكسر الخاء على الأمر (¬4) قطعوه من الأول وهي قراءة الجمهور (¬5) ({مِنْ مَقَامِ}) هو في اللغة موضع القدمين، قال النحاس: مقام من قام يقوم، يكون مصدرًا واسمًا للموضع (¬6). ({إِبْرَاهِيمَ}) عليه الصلاة والسلام. وقد [اختلف في تعيين] (¬7) المقام على أقوال: قال القرطبي: أصحها أنه الحجر الذي يعرفه (¬8) الناس اليوم، ويصلون عنده ركعتي الطواف (¬9). وفي البخاري (¬10) أنه الحجر الذي ارتفع عليه إبراهيم حين ضعف عن رفع الحجارة التي كان إسماعيل يناولها إياه في بناء البيت وعرفت قدماه فيه. ¬

_ (¬1) في (م): المسكنة. (¬2) مسلم (1218). (¬3) من (م). (¬4) "المفهم" 3/ 325. (¬5) "الحجة للقراء السبعة" 2/ 220. (¬6) "إعراب القرآن" 1/ 259. (¬7) كذا في (م)، وفي (ر): اختلفوا في نفس. (¬8) في النسخ: يعرفونه. (¬9) "الجامع لأحكام القرآن" 2/ 112. (¬10) (3365).

قال أنس: رأيت في المقام أثر أصابعه وعقبيه وأخمص قدميه، غير أنه أذهبه مسح الناس بأيديهم، حكاه القشيري، قال السدي: المقام هو الذي وضعته زوجة إسماعيل تحت قدم إبراهيم حين غسلت رأسه (¬1) فغابت رجله فيه، فجعله الله من الشعائر، وقيل: إنه الذي وقف عليه إبراهيم فأذن في الناس بالحج، وذكر الأزرقي أنه لما فرغ من التأذين أمر بالمقام فوضعه قبله فكان يصلي إليه مستقبل الباب، والصحيح أنه كان في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ملصقًا بالبيت، ويدل عليه ما قاله مالك في "المدونة": كان (¬2) المقام في عهد إبراهيم في مكانه اليوم، وكان أهل الجاهلية ألصقوه بالبيت خيفة السيل، فكان كذلك في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وعهد أبي بكر، فلما ولي عمر [رده بعد أن] (¬3) قاس موضعه بخيوط قديمة (¬4) قيس بها كانت محفوظة عند المطلب بن أبي وداعة (¬5). وعن مالك أن الذي حمل عمر على ذلك ما كان النبي يذكره من كراهة تغيير مراسم إبراهيم - عليه السلام -، كقوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة (¬6): "لولا حدثان قومك بكفر" (¬7)، والمقام اليوم في صندوق من حديد، حوله شباك من حديد وخلف الشباك المصلى، وعليه عمودان من حجارة ({مُصَلًّى}). ¬

_ (¬1) "الجامع لأحكام القرآن" 2/ 113. (¬2) في (ر): لأن. (¬3) من (م). (¬4) في (م): قدميه. (¬5) "المدونة" 1/ 456. (¬6) سقط من (م). (¬7) البخاري (1583، 3368)، ومسلم (1333).

عن ابن عباس: [مدعًى يدعى عنده أو فيه، وقيل] (¬1): موضع صلاة يصلى فيه، وقيل: قبلة [يصلي الإمام عندها] (¬2) (فجعل) بفتح الجيم والعين (المقام بينه وبين البيت) قال القرطبي: في هذا بيان دال على أن المقام هو الموضع المعروف هناك الذي يستقبل باب البيت (¬3)، وفيه دليل على أن الصلاة لا تصح فيه إلا إلى الكعبة، فلو صلى فيه إلى غيرها لم يصح. (قال) جعفر بن محمد الراوي (وكان أبي) يعني: محمد بن علي بن حسين (يقول: قال) عبد الله بن محمد بن علي (بن نفيل) النفيلي (وعثمان) ابن محمد بن إبراهيم بن أبي شيبة الكوفي (فلا أعلمه) أي: أعلم أبي محمدًا (إلا ذكره (¬4) عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) أنه كان يقرأ في الركعتين: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} (قال هشام) (¬5) بن عمار بن نصير بن ميسرة خطيب دمشق (لا أعلمه) أي لا أعلم أبي (إلا كان (¬6) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ) لا (¬7) عن قراءة جابر في صلاته بل رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد ذكر البيهقي بإسناد صحيح على شرط مسلم عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف بالبيت فرمل من ¬

_ (¬1) في (م): فدعا بدعاء عنده وفيه دليل. (¬2) في (م): يقف عندها الإمام. (¬3) "المفهم" 3/ 326. (¬4) في مطبوع أبي داود: ذكره إلا. (¬5) كذا في النسخ: هشام. وفي المطبوع: سليمان. (¬6) في النسخ: قال. (¬7) في (م): إلا.

الحجر الأسود ثلاثًا ثم صلى ركعتين قرأ فيهما: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (¬1). (فقرأ في الركعتين) قال القرطبي: هاتان الركعتان هما المسنونتان للطواف، وهما مؤكدتان يجب بتركهما دم عند مالك (¬2) (بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}) قال النووي: معناه قرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وفي الثانية بعد الفاتحة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (¬3)، ويدل على هذا الترتيب رواية البيهقي المتقدمة، وقراءة هاتين (¬4) السورتين في هاتين الركعتين مستحبة عند الأربعة، وقال الشافعية: يجهر بالقراءة إن صلاهما ليلًا، ويسر (¬5) نهارًا (¬6). وعند الشافعية والحنابلة: إذا صلى فريضة بعد الطواف أجزأته عن ركعتي الطواف تفريعًا على أنهما سنة كإجزاء الفريضة عن تحية المسجد (¬7)، وفي وجه ثان عندنا أن هاتين الركعتين واجبتان، وفي قول ثالث: إن كان الطواف واجبًا فواجبتان وإلا فسنتان. (ثم رجع إلى البيت فاستلم الركن) يعني: الحجر الأسود بعد طوافه [بالبيت وركعتيه، فيكون آخر عهده بالاستلام كما افتتح الطواف به، قاله ¬

_ (¬1) "السنن الكبرى" 5/ 91. (¬2) "المفهم" 3/ 326. (¬3) "شرح النووي" 8/ 176. (¬4) سقط من (م). (¬5) في (م): يسرهما. (¬6) "المجموع" 8/ 53. (¬7) انظر: "المجموع" 8/ 52.

الرافعي (¬1)، واقتصاره في الحديث على الاستلام يقتضي أنه لا يستحب التقبيل ولا السجود عليه، وعلى] (¬2) هذا فلعل سببه المبادرة إلى السعي، نبه عليه الإسنوي، لكن روى الحاكم في "مستدركه" عن جابر قال: دخلنا مكة عند ارتفاع الضحى، فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد فبدأ بالحجر فاستلمه ففاضت عيناه بالبكاء، ثم رمل ثلاثًا ومشى أربعًا حتى فرغ، فلما فرغ (¬3) قبل الحجر، ووضع يديه عليه ومسح بهما وجهه، وقال في آخره: صحيح على شرط مسلم (¬4)، وروى الإمام أحمد من حديث جابر أيضًا: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طاف (¬5) ثلاثة أطواف من الحجر إلى الحجر، وصلى ركعتين ثم عاد إلى الحجر، ثم ذهب إلى زمزم فشرب منه وصب على رأسه، ثم رجع فاستلم الركن، ثم رجع إلى الصفا فقال " [أبدأ بما بدأ به الله" (¬6). فينبغي العمل بذلك، قال ابن المكفى: ولم أر من نص عليه، نعم وكره] (¬7) الكرماني في "مناسكه": أن يأتي زمزم بعد طواف القدوم وصلاته، ويشرب من مائها ويدعو. وفي "فضائل مكة" (¬8) من حديث جابر أيضًا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من طاف بالبيت سبعًا وصلى خلف المقام ركعتين وشرب من ماء زمزم ¬

_ (¬1) "الشرح الكبير" 3/ 407. (¬2) و (¬3) سقط من (م). (¬4) "المستدرك" 1/ 625، "السنن الكبرى" للبيهقي 5/ 74. (¬5) في (م): رمل. (¬6) "مسند أحمد" 3/ 320، 388، 394. (¬7) من (م). (¬8) في (م): له.

غفرت له ذنوبه كلها بالغة ما بلغت" (¬1). (ثم خرج) بعد الاستلام، وعد ابن الحاجب المالكي هذا الاستلام الذي قبل الخروج إلى الصفا من سنن السعي، وعلى هذا فتكون العلة في الاستلام أن (¬2) السعي لما كان تابعًا للطواف استحب أن يبتدئه بالاستلام كما بدأ (¬3) الطواف به (من الباب) أي: من باب الصفا اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وفي "الغاية" من كتب الحنفية: أن الصحيح استحباب الخروج من باب بني مخزوم (¬4). وفي "المدونة" أن مالكًا ما كان يأمر بالخروج من باب مخصوص (¬5). ويستحب في خروجه من المسجد أن يقدم رجله اليسرى باتفاقهم، ويقول ما قدمناه في دخول المسجد وهو: "أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم" (¬6) الحمد لله، اللهم صلِّ وسلم (¬7) على محمد، [وعلى آل محمد] (¬8) باسم الله (¬9)، ويزيد عليه. ¬

_ (¬1) انظر: "السلسلة الضعيفة" (6016). (¬2) في (م): في. (¬3) في (م): يبتدأ. (¬4) انظر: "اللباب في شرح الكتاب" 1/ 93، و"تبيين الحقائق" 2/ 20. (¬5) "المدونة" 1/ 433. (¬6) تقدم برقم (466). (¬7) من (م). (¬8) من (م). (¬9) تقدم برقم (466).

ولأبي عوانة: "وسهل لنا أبواب رزقك (¬1)، [اللهم إني أسألك من فضلك العظيم"] (¬2)، وفي "الشفا": ["اللهم سهل] (¬3) لنا أبواب رزقك (¬4). ولابن السني: وأعذني من الشيطان الرجيم" (إلى الصفا) جمع صفاة وهي الحجارة الملس، مشتق من صفا يصفو إذا خلص من التراب والطين، قال الشعبي: كان على الصفا صنم يقال له في الجاهلية إساف، قال الشافعية: السنة لمن خرج إلى الصفا للسعي أن يقطع عرض الوادي (¬5). (فلما دنا من الصفا) أي بحيث أن يكون بينه وبين الصفا قريبًا من ثلاثة أذرع (قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}) أي: مواضع عباداته التي أشعرها الله أي: جعلها إعلامًا لخلقه، والشعار: العلامة، فجعل الله هذين الجبلين علامة على العبادة بالسعي بينهما والرقي عليهما وقراءة الآية قبل رقيهما ليتذكر أمر الله بالعبادة ليكون فعله (¬6) ممتثلًا لأمر الله، وهذا جار في العبادات التي ورد النص بها في الكتاب والسنة. ومن هذا ما قال بعضهم: يستحب لمن توضأ أن يتذكر عند غسل وجهه قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}، وعند غسل يديه: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}، وعند مسح رأسه: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ}، وعند غسل ¬

_ (¬1) "مستخرج أبي عوانة" 1/ 345. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): ويسر لنا. (¬4) "الشفا بتعريف حقوق المصطفى" 2/ 88. (¬5) "المجموع" 8/ 143. بمعناه. (¬6) في (م): فعلا.

رجليه: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (¬1)، وقد قال بعضهم: إن هذا أفضل الذكر، وهو أن يذكر الله بقلبه عند أمره ونهيه فيذكر الله عند امتثال أمره وانتهاء نهيه، وعند وقوفه عما أشكل عليه، وهذا الذكر أفضل من ذكر اللسان، ومن تمسك بهذا انتفع به (¬2) في أكثر عباداته (يبدأ) رواية أبي داود ومسلم على أنها فعل مضارع للمتكلم، ورواها النسائي بإسنادٍ صحيح على شرط مسلم: فابدؤا (¬3). بلفظ الأمر وصيغة الجمع (بما بدأ الله به) وفي رواية لمالك في "الموطأ": "نبدأ بما بدأ الله به" بنون المضارعة أوله على الخبر، فلو بدأ الساعي بالمروة وأكمل سبعًا بطلت المرة الأولى، ويأتي بأخرى بدلها كما في الوضوء يرتب الوضوء ويبدأ بما بدأ الله به. (فرقي) بكسر القاف (¬4) [على الأفصح، أي: صعد] (¬5) عليه قدر قامة (حتى رأى البيت) قال الإمام: ورؤية البيت تحصل إذا رقي عليه قدر قامة أي: قامة رجل معتدل الخلقة. قال النووي: واعلم أن بعض الدرج مستحدث فالحذر؛ من تركها فلا يصح سعيه (¬6)، وقال غيره: قولهم: أنه يصعد قدر قامة [بحيث ¬

_ (¬1) المائدة: 6. (¬2) من (م). (¬3) "سنن النسائي" 5/ 236. (¬4) في (ر): الكاف. (¬5) سقط من (م). (¬6) "المجموع" 8/ 69.

يرى البيت كان هذا أولًا، أما اليوم فإن البيت لا يرى من الصفا قدر صعود قدر قامة] (¬1)؛ لما حدث من الأبنية يعني حتى ارتفعت الأرض، وقيل: إن الكعبة كانت ترى من أعلى المروة فحالت الأبنية بينها وبين المروة، وهذا الرقي مخصوص بالرجل كما تقدم، بخلاف المرأة والخنثى. والجمهور على أن هذا الارتقاء مستحب أو مسنون، وعن أبي حفص بن الوكيل من أصحابنا: أنه واجب، كما حكاه القاضي حسين وغيره، وطرده بعضهم في الارتقاء على المروة، ووجهه (¬2) بأنه لا يتم (¬3) سعيه إلا باستيفاء ما بينهما بلا خلاف عندنا، ولا يستوفيه إلا بذلك، فوجب كغسل جزء من الوجه (¬4) في الوضوء، قال الماوردي: وهو خلاف إجماع الصحابة؛ لأن الشافعي روى بسنده أن أبا النجيح قال: أخبرني من رأى عثمان يقوم في أسفل الصفا ولا يظهر عليه فلم ينكر ذلك أحد من الصحابة، فدل على أنه إجماع. وأما قوله لا يمكن استيفاء ما بينهما إلا بالصعود عليهما فغلط؛ لأنه يلصق عقبيه بالصفا، ثم يسعى، فإذا انتهى إلى المروة ألصق أصابع قدميه بالمروة فيستوفي ما بينهما (¬5). ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): موجهًا له. (¬3) في (م): يتمم. (¬4) في (م): الرأس. (¬5) "الحاوي الكبير" 4/ 159.

وفي الحديث دليل على أنه (¬1) يسن أن يقف على الصفا مستقبل الكعبة، وهكذا يستحب أن يستقبل القبلة (¬2) في الوضوء والذكر والدعاء وغيرهما من العبادات إذا أمكن، فقد قيل: إن استقبال القبلة ينور البصر (وكبر الله) أي قال: الله أكبر (ووحد) يعني: ثلاث مرات كما سيأتي. (وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، [وله الحمد] (¬3)، يحيي ويميت) وقوله: يحيي ويميت. ليست في مسلم، بل في النسائي "ومسند أبي يعلى"، وزاد في "الشامل" لابن الصباغ بعد قوله (يحيي ويميت) "وهو حي لا يموت بيده الخير" (¬4) (وهو على كل شيء قدير، لا إلة إلا الله وحده) ورواه ابن المنذر وزاد فيه: "لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون". (أنجز وعده، ونصر عبده) يعني: محمدًا - صلى الله عليه وسلم - (وهزم الأحزاب وحده) يعني (¬5): هزمهم بغير قتال من الآدميين ولا سبب من جهتهم، بل أرسل عليهم ريحًا وجنودًا، كما قال تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} (¬6)، والمراد بالأحزاب: الذين تحزبوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم ¬

_ (¬1) زاد في (م): يستحب. (¬2) من (م). (¬3) من (م). (¬4) "مسند أبي يعلى" 4/ 23 (2027)، 12/ 105 (6739). (¬5) في (م): معناه. (¬6) الأحزاب: 9.

الخندق، وكان الخندق في شوال سنة 4 (¬1) من الهجرة (¬2). (ودعا) زاد النسائي: بما قدر له. أي: من أمور الدنيا والآخرة، ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ولنفسه بما شاء، زاد ابن عمر في رواية البيهقي على الصفا: "اللهم أحيني على سنة نبيك - صلى الله عليه وسلم -، وتوفني على ملته، وأعذني من مضلات الفتن" (¬3)، وزاد ابن المنذر: "اللهم يسر لي اليسرى وجنبني العسرى، واغفر لي في الأخرى والأولى، واجعلني من أئمة المتقين، ومن ورثة جنة النعيم، واغفر لي خطيئتي يوم الدين، اللهم إنك قلت: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (¬4) وأنت (¬5) لا تخلف الميعاد، اللهم كما (¬6) هديتني للإسلام فلا (¬7) تنزعه مني ولا تنزعني منه حتى تتوفاني على الإسلام وقد رضيت عني، اللهم لا تعذبني (¬8) بعذاب، ولا تؤخرني لسيء الفتن. انتهى، ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويكون رافعًا يديه وبطون كفيه كما في الدعاء (بين ذلك) أي: بين (¬9) الفراغ من ¬

_ (¬1) في (م): أربع. (¬2) هذا قول موسى بن عقبة ذكره البخاري في "صحيحه" وقال كثير من أهل العلم: إنها كانت في شوال سنة خمس من الهجرة. وهو قول ابن إسحاق: وانظر "سيرة ابن هشام" 2/ 214، "دلائل النبوة" للبيهقي 3/ 395، "عيون الأثر" 2/ 83. (¬3) "السنن الكبرى" 5/ 95. (¬4) غافر: 60. (¬5) في (م): إنك. (¬6) في (م): إذ. (¬7) في (ر): أن لا. (¬8) في (م): تقدمني. (¬9) في (م): بعد.

التكبير ثلاثًا والتهليل، وبين التكبير والتهليل في المرة الثانية، وكذا [بين الفراغ من التكبير والتهليل في المرة الثالثة، ثم لا يدعو بعد الثالثة، (وقال) التكبير] (¬1) الثلاث والتهليل (مثل هذا) الذي تقدم (ثلاث مرات) فيكون التكبير الثلاث في الثلاث مرات تسع (¬2) تكبيرات، ويكون التهليل ثلاث مرات، والدعاء [مرتان، هذا على ما جزم به الرافعي، ورد هذا النووي وقال: يكرر الذكر، والدعاء] (¬3) ثلاث مرات، هذا هو المشهور عند أصحابنا، وقال جماعة (¬4) من أصحابنا: يكرر الذكر ثلاثًا والدعاء مرتين، والصواب الأول (¬5). لكن قوله (بين ذلك) يحتاج على هذا إلى تقدير، ورواية النسائي صريحة بأنه (¬6) يدعو بعد الثالثة فقط فيما رواه عن جابر أنه - عليه السلام - بدأ بالصفا، وقال ثلاث مرات: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وكبر الله وحده ثم دعا بما قدر له (¬7)، لم يزل" ورواية أحمد عن ابن عمر: كان يخرج إلى الصفا من الباب الأعظم فيقوم عليه (¬8) فيكبر سبع مرات ثلاثًا ثلاثًا ثم يقول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له. ." إلى آخره. ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ر): سبع. (¬3) و (¬4) من (م). (¬5) "شرح النووي" 8/ 177. (¬6) زاد في (م): إنما. (¬7) زاد في (م): ثم. (¬8) زاد في (م): ويكبر.

(ثم نزل إلى المروة) قيل: هي حجارة بيض براقة (¬1) يكون فيها النار، قال الشعبي: كان عليها في الجاهلية صنم يسمى نائلة، قيل: ذكر الصفا؛ لأن آدم وقف عليه (¬2) فسمي به، ووقفت حواء (¬3) على المروة فسميت باسم المروة، يمشي على هيئته (حتى إذا انصبت) (¬4) بتشديد الباء (قدماه) (¬5) أي: انحدرت قدماه (رمل) أي: سعى سعيًا شديدًا فوق الرمل إذا صار بينه وبين الميل الأخضر المعلق بركن المسجد نحو ستة أذرع، ويستمر سعيه حتى يحاذي الميلين الأخضرين أي: يتوسطهما فيترك السعي؛ لأن هذا القدر هو محل الانحدار (¬6) في بطن الوادي، والمراد بالميل: العمود، وهذان الميلان أحدهما متصل بركن المسجد، وكان موضوعًا على بناء على الأرض في الموضع الذي شرع فيه ابتداء السعي، وكان السيل يهدمه ويحطمه فرفعوه إلى أعلى ركن المسجد، والميل الآخر (¬7) في الموضع المعروف بدار العباس عم النبي - صلى الله عليه وسلم - (في بطن الوادي، حتى إذا صعد) بالإفراد (¬8) بكسر العين يعني: قدماه حين حاذى الميلين الأخضرين (مشى) على عادته. ¬

_ (¬1) في (ر): ترافه. (¬2) في (م): به. (¬3) من (م). (¬4) في (م): نصبت. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (ر): الأعذار. (¬7) في (ر): الأخضر. (¬8) في (م): با.

(حتى أتى المروة) قال بعض المتأخرين: ما بين الصفا والمروة خمس (¬1) وعشرون خطوة، قال القاضي حسين: الأصل في السعي قصة إبراهيم - عليه السلام -، روي أنه أمر ابنيه إسماعيل وإسحاق بالمسابقة فاستبقا فسبق إسماعيل إسحاق؛ فأجلسه في حجره وإسحاق بين يديه، فدخلت زوجته سارة أم إسحاق فقالت: ولد أمتي تجلسه في حجرك وولدي على الأرض، فحلف إبراهيم أن يهاجر بإسماعيل وأمه هاجر، فهاجر بهما إلى مكة وحمل معهما جرابًا من الزاد وقربة من الماء، ومكة إذ ذاك ربوة حمراء (¬2) ليس فيها ديار ولا نافخ نار، فقالت هاجر: إلى من تكلنا؟ قال: إلى الله تعالى، قالت: إذًا لا يضيعنا، ففني الماء، فتحيرت هاجر فسمعت صوتًا من الصفا فرقتها بقدر قامة ثم خفي ذلك الصوت [فنزلت وهي تمشي، فلما بلغت الموضع الذي يبتدأ السعي منه سمعت ذلك الصوت] (¬3) من المروة فأخذت في السعي الشديد، فلما بلغت المكان الذي يقطع فيه السعي خفي الصوت فرجعت إلى سجية المشي، وهكذا سبع مرات، فرأت على المروة الماء قد نبع من تحت عقب إسماعيل، قيل (¬4): إن جبريل ضرب بجناحه الأرض فنبع الماء وهو ماء زمزم، فصار هذا السعي سنة بعد زوال سببه. (ففعل على المروة مثل ما فعل على الصفا) فيه أنه يسن (¬5) عليها من ¬

_ (¬1) في (م): خمسمائة. (¬2) و (¬3) من (م). (¬4) في (ر): حتى. (¬5) في (م): ليس.

الذكر والدعاء والرقي مثل ما يسن (¬1) على الصفا، وهذا متفق عليه، (حتى إذا كان آخر طواف على المروة) فيه دلالة لمذهب الشافعي والجمهور أن الذهاب من الصفا إلى المروة يحسب مرّة والرجوع من المروة إلى الصفا ثانية، والرجوع إلى المروة ثالثة، وهكذا، فيكون ابتداء السبع (¬2) من الصفا وآخرها من المروة (¬3)، فإنه لو كان الذهاب والإياب مرّة واحدة قياسًا على مسحِ الرأس لكان الختم بالصفا. قال الشيخ عز الدين ابن عبد السلام: المروة أفضل من الصفا؛ لأنه مروره أربع مرات، والصفا مروره ثلاثًا (¬4)، وما كانت العبادات فيه أكثر فهو أفضل، وتبعه على ذلك تلميذه الشيخ شهاب الدين القرافي المالكي (¬5)، و [قيل الصفا أفضل (¬6)] (¬7) لأن الله تعالى بدأ به، والبدء (¬8) به ليعطف عليه في قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} (¬9)، [أوكد من الطواف وهذا كما فهم التفضيل في قوله تعالى {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} (¬10)] (¬11) وقيل: إن المروة أفضل؛ لاختصاصها باستحباب ¬

_ (¬1) في (م): ليس. (¬2) في (م): السعي. (¬3) "المجموع" 8/ 71. (¬4) "فتح الباري" 3/ 88. (¬5) "الذخيرة" للقرافي 3/ 252. (¬6) "شرح الزرقاني" 2/ 419. (¬7) من (م). (¬8) في (م): المبدوء. (¬9) البقرة: 158. (¬10) الأحزاب: 35. (¬11) من (م).

النحر والذبح، وبالصلاة فيها عند الفراغ من السعي كما حكاه الجويني دون الصفا, (قال: إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة) أي: لو كان (¬1) ظهر لي من أمر النسك قبل إحرامي ما ظهر لي بعده لأحرمت بعمرة، قال ذلك تطييبًا لقلوب أصحابه وتسكينًا لنفرتهم من إيقاع العمرة في أشهر الحج، وفيه دليل على رد قول من زعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحرم متمتعًا ولما أمر أصحابه بالتحلل بعمل العمرة؛ لأنه لم يتحلل أخبرهم بسبب امتناعه وهو سوقه الهدي. (فمن كان منكم ليس معه هدي فليتحلل) بفتح الياء وكسر اللام الأولى، أي (¬2): فليتحلل بعمل عمرة (وليجعلها عمرة) بعد فسخه من (¬3) الحج كما تقدم، ومن كان معه هدي فليستمر على إحرامه حتى ينحر هديه (فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي - صلى الله عليه وسلم -) هذا مما تقدم أيضًا، وإنما قصروا ولم يحلقوا مع أن الحلق أفضل؛ لأنهم أرادوا أن يبقى شعر يحلق في الحج، فكان التقصير هنا أحسن، ليحصل في النسكين إزالة شعر، والله أعلم، وقوله: فحل الناس كلهم، فيه إطلاق اللفظ العام وإرادة الخصوص؛ لأن عائشة لم تحل ولم تكن ممن ساق الهدي (ومن كان معه هدي) فإنه لم يحل حتى يبلغ الهدي محله. (فقام سراقة بن مالك بن جعشم) بضم الجيم والعين (¬4) كما تقدم (فقال: يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد؟ ) يعني: هل الحل مخصوص ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) و (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): المعنى.

بنا أم هو باقٍ في كل الأعوام إلى الأبد؟ (فشبك النبي - صلى الله عليه وسلم - أصابعه في الأخرى) [ببطن كف إلى كف] (¬1) ليريهم دخول أصابعه بعضها في بعض [(ثم قال] (¬2): دخلت العمرة في الحج) أي: في حق القارن بين الحج والعمرة (هكذا) أي: كدخول هذِه الأصابع في هذِه (¬3)، والذي حملهم على هذا التأويل أن الأصل وجوب إتمام الحج والعمرة؛ لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ} (¬4) (مرتين، لا بل (¬5) لأبد أبد) [نسخة: بل لأبد أبدًا نفي لكلامه] (¬6)، فيه روايتان حكاهما القاضي وغيره: إحداهما: تنكير الاثنين مع الإضافة. والرواية الثانية: تنكير الأول وتعريف الثاني مع الإضافة أولى، أي (¬7): إلى آخر الدهر، والأبد: الدهر (قال: وقدم علي بن أبي طالب من اليمن ببدن) بسكون الدال (النبي - صلى الله عليه وسلم -) تقدم عددها (فوجد فاطمة ممن أحل) [نسخة: حل] (¬8)؛ لأنه لم يكن معها هدي (ولبست ثوبًا صبيغًا) أي: مصبوغًا فعيل بمعنى مفعول كخضيب [بمعنى مخضوب] (¬9) , (واكتحلت) بما فيه زينة (فأنكر علي ذلك عليها) أي: أنكر تحللها؛ لأنه [لم يكن] (¬10) يعلم أنها أحرمت بالحج. ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): فقال. (¬3) في (ر): هذا. (¬4) البقرة: 196. (¬5) زاد في (م): للتأكيد. (¬6) و (¬7) و (¬8) سقط من (م). (¬9) من (م). (¬10) في (م): كان.

(فقال: من أمرك بهذا) الذي فعلتيه؟ (فقالت) أمرني (أبي، قال: فكان علي يقول بالعراق) لعله قال بعد الرجوع (ذهبت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محرشًا) التحريش: الإغراء والتسليط على الغير ووصف ما يوجب عتاب المنقول عنه ويوشحه (¬1)، قاله ابن الأثير (¬2) (على فاطمة) رضي الله عنها (في الأمر الذي صنعته) فاطمة (مستفتيًا) أي: طالبًا فتواه، وفي بعض النسخ: مستثبتًا من الثبوت يقال: استثبت فلانًا في الأمر وثبته بمعنى (لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المعنى (¬3) الذي ذكرته) [نسخة: ذكرت] (¬4) بإسكان التاء المثناة فوق (عنه، فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها) فيه أن الرجل إذا رأى على زوجته [شيئًا ينكره] (¬5) عليها أن يذهب إلى أبيها فيذكره له، وإن كان لها عذر ذكره له وإلا أدبها وردعها. (فقالت (¬6): أبي أمرني) [نسخة: إن أبي أمرني] (¬7) (بهذا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: صدقت صدقت) هذا من التوكيد اللفظي وهو أن يكرر اللفظة المؤكدة بإعادة لفظه أو تقويته بمرادفة بقصد التقرير في النفس خوفًا من النسيان أو للاعتناء به، وكثيرًا ما تكرر الجملة بعاطف كقوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} (¬8)، ¬

_ (¬1) في (م): يوبخه. (¬2) "النهاية" (حرش). (¬3) في (م): الأمر. (¬4) و (¬5) سقط من (م). (¬6) في (ر): فقال. (¬7) سقط من (م). (¬8) الانفطار: 17 - 18.

[ويأتي بغير عاطف كقوله تعالى: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} (¬1)، (ماذا قلت حين فرضت الحج؟ ) فيه استفهام] (¬2) السائل عن كيفية ما نطق به؛ فإن الأحكام تتغير بتغير الألفاظ. (قال (¬3): قلت: اللهم إني أهل) بضم الهمزة وكسر الهاء (بما أهل به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) هذا يدل على أن عليّا لم يكن عنده خبر بما أحرم به النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يتقدم له فيه عهد، وأن عليّا هو الذي ابتدأ إحرامه محالًا به على إحرام النبي من غير تعيين حج ولا عمرة، وأنه - صلى الله عليه وسلم - أقره على ذلك، فكان ذلك حجة على جواز الحوالة على إحرام الغير مطلقًا إذا تحقق أنه أحرم ولا بد، وبه قال الشافعي (¬4). والجمهور (¬5)، وعند المالكية: لا يصح الإحرام على الإبهام (¬6)، وهو قول الكوفيين، قال ابن المنذر (¬7): كأنه مذهب البخاري؛ لأنه أشار بالترجمة في قوله: باب من أهل في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - كإهلال [النبي - صلى الله عليه وسلم -] (¬8) إلى أن ذلك خاص بذلك الزمن؛ لأن عليّا وأبا موسى لم يكن عندهما أصل يرجعان إليه في كيفية الإحرام فأحالاه على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأما الآن فقد استقرت الأحكام، وعرفت مراتب الأحكام (¬9)، ولا يصح ذلك، والله أعلم. ¬

_ (¬1) الطارق: 17. (¬2) سقط من (ر). (¬3) في (م): قالت. (¬4) "الأم": 3/ 313. (¬5) من (ر). (¬6) انظر "الفواكه الدواني" 2/ 231. (¬7) في (م): المنير. (¬8) سقط من (ر). (¬9) في (م): الإحرام.

وقد يستدل بهذا [الحديث على ما قاله أصحابنا] (¬1) في باب صلاة المسافر بما لو اقتدى المسافر بمن علمه أو ظنه مسافر ولم يعرف نيته، فإن علق على نيته فنوى إن قصر قصرت وإن أتم أتممت، والأصح جواز التعليق (¬2)، ولم (¬3) يلحق بهذا ما لو اقتدى متطوع في صلاة لا تتعلق بسبب ولا وقت بمن علمه أو ظنه كذلك ولم يدر العدد الذي نواه، أو علم أنه نوى ركعتين ولم يدر هل هو في الأولى أو الثانية، فالظاهر أن له أن يعلق صلاته بصلاته في عدد ما يصلي به، ويتصور هذا كثيرًا في التراويح والمحيا في رمضان، ولم أره منقولًا، وفي الحديث دليل على أن [لفظه الذي] (¬4) يتقدم على النية في العبادات كالصلاة وغيرها فيقول مثلًا: اللهم إني أصلي فرض الصبح ركعتين لله تعالى. (قال) يعني: النبي - صلى الله عليه وسلم -[لعلي - رضي الله عنه -] (¬5): (فإن معي) يجوز في الياء الفتح والسكون (الهدي) بالنصب اسم إن ومعي خبره مقدم, (فلا تحلل) بفتح التاء وكسر اللام الأولى أي: من إحرامك، حتى يبلغ الهدي محله. فإن قيل: إن عليّا وأبا موسى كليهما علقا (¬6) الإهلال بإهلال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فما الفرق بينهما حيث (¬7) أمر عليّا أن لا يحل وأن يدوم على ¬

_ (¬1) في (م): أصحابنا على ما قاله. (¬2) "المجموع" 4/ 356. (¬3) في (م): قد. (¬4) في (م): لفظة اللهم. (¬5) من (ر). (¬6) في (م): عقلا. (¬7) في (م): حين.

إحرامه، وأمر أبا موسى بفسخه إلى العمرة؟ فالجواب: أن عليّا كان معه الهدي كما كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - كما سيأتي، ولم يكن مع أبي موسى هدي، فجعل حكمه حكم من لم يكن معه الهدي وهو المتمتع (¬1) (فكان جماعة الهدي) أي: جميع الهدي (الذي قدم به [علي من اليمن، والذي قدم به النبي - صلى الله عليه وسلم - من المدينة) النبوية] (¬2) (مائة) كما تقدم (فحل الناس كلهم) تقدم أن هذا من ذكر العام المراد به الخصوص (وقصروا؛ إلا النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن كان معه هدي) كما تقدم (فلما كان) هي التامة، أي وجد (يوم التروية) وهو الثامن من ذي الحجة، كما تقدم مرات: أنهم كانوا يتروون من الماء لقلة الماء، وأما الآن فقد كثرت المياه جدّا واستغنوا عن حمل المياه (وجهوا) رواية مسلم: توجهوا بزيادة التاء قبل الواو (إلى منى) فيه التذكير والتأنيث، واقتصر الجوهري: على التذكير والصرف (¬3). قال الفراء: والأغلب غلب (¬4) التذكير (¬5)، واقتصر ابن قتيبة: على التأنيث وعدم الصرف، وجزم الحازمي: بتشديد النون. وسميت بذلك لما يمنى فيها من الدماء أي يصب ويراق، وقيل: لما أراد مفارقة جبريل قال له: تمن، قال: أتمن الحجة، رواه الأزرقي وغيره، وقيل: لأن الله منَّ فيها على إبراهيم بأن فدى ابنه بكبش، ¬

_ (¬1) في (م): التمتع. (¬2) في هذِه العبارة تقديم وتأخير في (م). (¬3) "الصحاح" (منا). (¬4) سقط من (ر). (¬5) "معجم ما استعجم" 4/ 118.

حكاه الماوردي (¬1) قيل: من مكة إلى منى ثلاثة أميال، وهو فرسخ عند الجمهور، وقال الرافعي: فرسخان (¬2). وذرع [من منى] من جمرة العقبة (¬3) إلى وادي محسر سبعة آلاف ومائتا ذراع، وهذا التوجه المذكور في الحديث يكون بعد صلاة الصبح بحيث يوافون الظهر بمنى على الصحيح. (وأهلوا) أي: أحرموا من مكة (بالحج) قبل أن يتوجهوا إلى منى، قال الماوردي: إلا الإمام إذا كان بمكة فإنه يستحب له أن يحرم يوم السابع ويصعد المنبر محرمًا (¬4)، واستغرب في "شرح المهذب" هذا الاستثناء (¬5)، ويستثنى أيضًا المتمتع الذي لا يجد الهدي ويريد الصوم فيتعجل الإهلال ليصوم ثلاثة أيام بعد أن يحرم. (فركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) قال النووي: فيه بيان سن الركوب في تلك المواطن أفضل من المشي، كما أنه في جملة الطريق أفضل من المشي، هذا هو الصحيح في الصورتين: [أن الركوب أفضل، وللشافعي قول ضعيف] (¬6): أن المشي أفضل، وقال بعض أصحابنا: الأفضل في جملة الحج الركوب؛ إلا في مواطن المناسك وهي: مكة ومنى ومزدلفة وعرفات والتردد بينهما (¬7)، ويرجح المشي في التردد ما رواه ¬

_ (¬1) "الحاوي الكبير" 4/ 183. (¬2) "الشرح الكبير" 3/ 415. (¬3) من (م). (¬4) "الحاوي الكبير" 4/ 167. (¬5) "المجموع" 8/ 82. (¬6) سقط من (ر). (¬7) "شرح النووي" 8/ 180.

البيهقي عن مجاهد: أن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام حجّا ماشيين، وروي أيضًا: أن الحسن بن علي رضي الله عنهما حج خمسة وعشرين حجة ماشيًا، وإن النجائب لتقاد معه، وروى البيهقي أيضًا بسنده إلى عيسى بن سوادة، عن إسماعيل بن خالد بن (¬1) زاذان، قال: مرض ابن عباس فجمع إليه بنيه وأهله فقال لهم: يا بني إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من حج من مكة ماشيًا حتى يرجع إليها كتب له بكل خطوة سبعمائة حسنة من حسنات الحرم"، قال بعضهم: وما حسنات الحرم؟ قال: "كل حسنة بمائة ألف حسنة"، قال البيهقي: تفرد به عيسى (¬2) بن سوادة، وهو مجهول؛ لكن رواه الحاكم من الوجه الذي رواه البيهقي وصحح إسناده، وروى الطبراني في معجمه بسنده إلى ابن عباس أنه قال لبنيه: يا بني اخرجوا من مكة حاجين ماشين، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن للحاج الراكب بكل خطوة تخطو راحلته سبعين حسنة، وللماشي بكل خطوة يخطوها سبعمائة حسنة". قلت: رجال (¬3) إسناده ثقات، ويستحب أن يسيروا ذاكرين الله ملبين، كما قال الماوردي في "الأحكام السلطانية": أن يسيروا على طريق ضب (¬4)، بضاد معجمة وباء مشددة، قال الزمخشري: وهو اسم الجبل الذي في أصله مسجد الخيف (¬5)، وهو طريق موسى بن ¬

_ (¬1) في (م): عن. (¬2) سقط من (م). (¬3) من (م). (¬4) "الأحكام السلطانية" ص 142. (¬5) "الجبال والأمكنة والمياه" باب ما في أوله الضاد (ضب).

عمران، قاله: الأزرقي، ورجعوا على طريق المأزمين [اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الأزرقي في طريق ضب: طريق مختصر من المزدلفة إلى عرفة وهو في أصل المأزمين] (¬1) عن يمينك وأنت ذاهب إلى عرفة (¬2). قال الشيخ محب الدين الطبري: عن يسار الطريق يعني: للذاهب إلى منى من مكة دون جمرة العقبة شعب فيه مسجد على نشز من الأرض مشهور عند أهل مكة أنه مسجد البيعة [فتكون النسبة إلي العقبة] (¬3) لقربه منها أو يكون المراد بالعقبة النشز الذي عليه المسجد، ورجح الطبري ذلك بما وقع من الألفاظ في حديث بيعة العقبة، فمنها قولهم: فواعدهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يوافيهم أسفل العقبة، ومنها قولهم: حتى اجتمعوا في الشعب عند العقبة، ومنها ما أتصفوا به من الاستخفاء بأمرهم، وكذلك اجتمعوا في الشعب، قال: وليس هناك موضع يناسب هذِه الألفاظ إلا ذلك الموضع فإنه صالح للاختفاء، وهو شعب فيه عقبه بني عليها مسجد فصلى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح، أي: يوم عرفة أي: يسن كما قال الشافعية إذا وصلوا إلى منى أن يصلوا الخمس بها (¬4). كما روى ابن خزيمة والحاكم من طريق القاسم بن محمد، عن عبد الله بن الزبير قال: من سنة الحج أن يصلي الإمام الظهر وما ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "أخبار مكة" للأزرقي 2/ 186. (¬3) من (م). (¬4) "المجموع" 8/ 79. بمعناه.

بعدها والفجر بمنى ثم [بعده يزول إلى] (¬1) عرفة، وعند الحنفية أن الإقامة بها بعد الزوال أدب، وأنه يستحب النزول بها عند مسجد الخيف (¬2). وفي الشائع (¬3) أنه يصلي بها الفجر بغلس، وحكى النووي عن الأزرقي وأصحابنا: أن حد (¬4) منى ما بين جمرة العقبة ووادي محسر، وليست الجمرة ولا وادي محسر من منى (¬5). وكيف الجمرة خارج منى، وقد اتفق الشافعية [على أن من] (¬6) رمى منى تحية منى (¬7)، وقال محب الدين الطبري الشافعي: أن العقبة من منى، ومنى (¬8) من الحرم بلا خلاف، وما أقبل من الجبال على منى فهو منها، وما أدبر فليس منها، قال: كان عطاء يقول: كان منزل النبي - صلى الله عليه وسلم - من منى بالخيف، قال القرطبي: وإنما ذكر الصلوات الخمس ليعلم الوقت الذي وصل فيه إلى منى، والوقت الذي خرج فيه [من منى] (¬9) إلى عرفة، ولذلك قال مالك: استحباب دخوله منى وخروجه منها؛ في هذين الوقتين المذكورين (¬10)، وإذا صلى الخمس فليصلها مع الإمام ¬

_ (¬1) في (م): بعد الزوال. (¬2) انظر "البحر الرائق" 2/ 361، و"اللباب في شرح الكتاب" 1/ 91. (¬3) في (ر): السابع. (¬4) من (م). (¬5) "المجموع" 8/ 130. (¬6) في (م): أن. (¬7) انظر: "المجموع" 8/ 160. (¬8) من (م). (¬9) من (م). (¬10) "المفهم" 3/ 331.

فيصلي الظهر والعصر جمعًا، والمغرب والعشاء جمعًا، وإذا جمع الظهر والعصر فيسر فيهما بالقراءة خلافًا لأبي حنيفة، وحجة الشافعي أن الأصل الإسرار، ولم ينقل خلافه (¬1). وهذا الجمع هل (¬2) هو سنة النسك أم السفر؟ وجهان (¬3) أصحهما الثاني، وينبني عليهما جوازه للمقيم، وأما القصر فلا يجوز إلا للمسافر بلا خلاف، قال الشافعي: وإذا خرج الحجاج يوم التروية ونووا (¬4) الذهاب إلى أوطانهم عند فراغ نسكهم كان لهم القصر من حين خروجهم (¬5) (ثم مكث) أي: بعد صلاة الصبح (قليلًا) ويعلم من قوله: فصلى بمنى العشاء والصبح، أنه بات بها ليلة التاسع (¬6) من ذي الحجة، وهذا المبيت سنة ليس بركن ولا واجب، فلو تركه فلا دم عليه بالإجماع (حتى طلعت الشمس) أي: على ثبير بفتح الثاء المثلثة وكسر الباء الموحدة، وهو جبل عظيم بالمزدلفة على يمين الذاهب إلى منى (¬7)، والأصح: أنه جبل بقرب مكة، قال المحب الطبري: إنه (¬8) مشرف على منى من جمرة العقبة إلى بلقاء مسجد الخيف ¬

_ (¬1) "المبسوط" 4/ 62، ولكن وردت روايتان لأبي حنيفة مرة جعلها كالجمعة ومرة كالظهر والعصر، وانظر: "الأم" 2/ 327، و"المجموع" 8/ 87. (¬2) من (م). (¬3) من (م). (¬4) في (ر): يوم. (¬5) "المجموع" 8/ 88. (¬6) من (م). (¬7) في (م): عرفة. (¬8) في (م): هو جبل.

ويساره قليلًا على يسار الذاهب إلى عرفة. (وأمر بقبة) أي: على هيئة قبة البناء (له) أي: لأجله (من شعر فضربت بنمرة) بفتح النون [وكسر الميم] (¬1) وجوز إسكان الميم مع فتح النون وكسرها، كما في غيرها [وبفتح الميم وكسر الميم] (¬2) عند الجبل الذي عليه أنصاب الحرم عن يمين الخارج من مأزمي (¬3) عرفات يريد الموقف، قال الماوردي: هي عند الصخرة الساقطة بأصل الجبل على يمين الذاهب إلى عرفات (¬4)، وتحت جبل نمرة غار أربعة أذرع أو خمسة أذرع، ذكروا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينزله يوم عرفة حتى يروح إلى الموقف، قاله الأزرقي، ويروى: أن جبريل أنزل إبراهيم عليه السلام بنمرة حين حج به وعرفه المناسك. (فسار رسول الله) إلى نمرة (ولا تشك قريش في أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واقف عند المشعر الحرام) وهو جبل بالمزدلفة يقال له: قزح بضم القاف وفتح الزاي، غير منصرف للعلمية والعدل [عن قازح] (¬5)، وقيل: إن المشعر الحرام كله المزدلفة، والمشعر بفتح الميم وبه جاء القرآن، وقيل بكسرها (بالمزدلفة) يحتمل أن تكون الباء بمعنى في كقوله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ}، وعلى هذا فيه دليل على أن ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) من (م). (¬3) من (م). (¬4) "الحاوي الكبير" 4/ 168. (¬5) سقط من (م).

المشعر في المزدلفة فهي بعضها لا كلها، وذكر المزدلفة ليس في "صحيح مسلم" (كما كانت) الحمس من (قريش تصنع في الجاهلية) قبل الإسلام من وقوفها بالمشعر الحرام بدل وقوف الناس بعرفة، ويقولون: نحن أهل الحرم ولا نخرج منه إلى الحل. (فأجاز) أي: جاوز (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المزدلفة حتى أتى عرفة) كما كانت غير (¬1) قريش من سائر العرب يتجاوزون المزدلفة إلى عرفات امتثالًا لأمر الله تعالى في قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} (¬2) أي: سائر العرب غير قريش، وقال الضحاك (¬3): كما أفاض الناس أي: إبراهيم - عليه السلام -، والمراد بالناس في الآية إبراهيم كما قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} (¬4) والمراد واحد وهو نعيم بن مسعود الأشجعي، فهو عام بمعنى الخاص كقوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} (¬5) يعني: محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، وظنت قريش أن محمد - صلى الله عليه وسلم - يقف في المشعر الحرام على عادتهم ولا يتجاوز فخالفهم وتجاوز إلى عرفة، وكان وقوفهم بالمزدلفة من جملة ما ابتدعت، وغيرت من شريعة إبراهيم - عليه السلام - وسنته في الحج. (فوجد القبة قد ضربت له) قبل أن يأتي (بنمرة) وهو موضع بعرفة، ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) البقرة: 199. (¬3) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 354 (1861). (¬4) آل عمران: 173. (¬5) النساء: 54.

وفيه دليل على جواز استظلال المحرم في القباب لقوله (فنزلها) أي: في القبة، وكذا الأخبية، قال القرطبي: ولا خلاف فيه، أي: للنازل، واختلفوا في جوازه للراكب، فمذهب الشافعي: جوازه، وبه قال كثيرون (¬1). وكرهه مالك وأحمد بن حنبل وأهل المدينة، وعليه عند مالك الفدية إذا (¬2) انتفع به، وكذلك الاستظلال عنده في حال سيره (¬3) وستأتي المسألة، وفيه جواز اتخاذ القباب سواء كانت من شعر، أو صوف، أو قطن، وفيه جواز اتخاذها للرجال والنساء واستصحابها للحاج والغازي؛ لما جاء في فضل (¬4) ظل الفسطاط للمجاهد، وكذا المسافر عند الحاجة إليها، [ويستحب لكل ذي قبة أو خيمة أن يضربها بنمرة وأن يغتسل بها للوقوف] (¬5). (حتى إذا زاغت) أي: مالت (الشمس) عن حد الاعتدال لجهة الغرب، والمراد به وقت الزوال من يوم عرفة (أمر بالقصواء) بفتح القاف وسكون الصاد المهملة، والمد، يعني: ناقته كما تقدم، (فرحلت) بضم الراء وكسر الحاء المهملة المخففة، أي: وضع عليها الرحل له، فيه دليل على أن العالم والكبير يأمر من يدل عليه بخدمته (فركب) عليها وسار (حتى أتى بطن الوادي) يعني: وادي عرنة بضم العين المهملة، وفتح الراء بعدها نون، المعروف، والبطن هو ¬

_ (¬1) "المجموع" 7/ 351، و"الحاوي الكبير" 4/ 128. (¬2) في (م): إذ لا. (¬3) "المفهم" 3/ 331، و"الاستذكار" 11/ 47، و"المغني" 5/ 129. (¬4) من (م). (¬5) سقط من (م).

المنخفض من الأرض. قال المحب الطبري: والمتعارف عند أهل مكة وتلك الأمكنة مسجد عرفة بالفاء، وليس هذا المسجد من عرفات كما نص عليه الشافعي، وبه قطع جمهور العراقيين كما قال النووي، وذهب جماعة من الخراسانيين منهم الرافعي إلى أن مقدم هذا المسجد في طرف وادي عرنة لا في عرفات، وآخره من عرفات، ويميز بينهما بصخرات كبار فرشت هناك (¬1) وهو تفهم نسبة المسجد إلى إبراهيم الخليل - عليه السلام -، وتبعه النووي في "الروضة" (¬2)، وزاد عليه فقال: مسجد إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -، قال ابن جماعة في "منسكه": وليس لذلك أصل. (فخطب الناس) أي: بمسجد إبراهيم بعد الزوال وقبل الأذان تأسيّا به - صلى الله عليه وسلم - (¬3)، كما رواه الشافعي من حديث جابر الطويل (¬4)، ويستحب أن يأخذ المؤذن في الأذان مع شروع الإمام في الخطبة الثانية، وأن يخفف هذِه الخطبة بحيث يفرغ منها مع فراغ المؤذن [من الأذان (¬5)] (¬6)، وقيل: مع فراغه من الإقامة، ولا نظر (¬7) إلى تصحيح النووي في الروضة الثاني (¬8)، بل الصحيح ما صححه في "شرح ¬

_ (¬1) "المجموع" 8/ 108. (¬2) "روضة الطالبين" 3/ 96. (¬3) أي: إبراهيم عليه السلام. (¬4) رواه الشافعي في "مسنده" 1/ 352 (911)، و"الأم" 2/ 190. (¬5) "المجموع" 8/ 86. (¬6) سقط من (م). (¬7) في (م): التفات. (¬8) سقط من (م).

المهذب" (¬1) وصححه الرافعي في "الشرح الصغير"، ولم يصحح في الكبير شيئًا (فقال) في خطبته (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام) أي: متأكدة [الحرمة و] (¬2) التحريم شديدته (¬3). فإن قلت: من المعلوم [فيه حذف مضاف تقديره: فإن سفك دماءكم وغصب أموالكم، وكذا نكر أعراضكم أن] (¬4) أموالنا ليست حرامًا علينا. فالجواب: أن (¬5) العقل مبين للمقصود؛ وهو أن أموال كل واحد منكم حرام على غيره، وذلك عند فقدان شيء من أسباب الحل، ويؤيده ما جاء في رواية: وهو "بينكم" بدل (عليكم) وفي رواية للبخاري ذكرها في كتاب العلم: "وأعراضكم عليكم حرام". [وقيل: فيه حذف مضاف تقديره فإن سفك دمائكم وغصب أموالكم وكذا سلب أعراضكم عليكم] (¬6) (كحرمة يومكم هذا) يوم النحر (في شهركم هذا في بلدكم هذا) فيه دليل لضرب الأمثال وإلحاق النظير بالنظير قياسًا (ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية) سموا بذلك لكثرة جهالاتهم (تحت قدمي) بفتح الميم وتشديد الياء مثنى، إشارة إلى احتقاره وإبطاله (موضوع) فيه إبطال أفعال الجاهلية وبيوعها التي [يفضل فيها] (¬7) قبض، وكذا ما أحدثوه من الشرائع التي شرعوها في الحج وغيره، كما تقدم من الوقوف بالمشعر الحرام، وهذا كقوله - عليه السلام -: "من ¬

_ (¬1) "المجموع" 8/ 86. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (ر): شدته. (¬4) و (¬5) سقط من (م). (¬6) من (م). (¬7) في (م): لم يتصل بها.

أحدث في أمرنا ما ليس فيه فهو رد" (¬1). (ودماء) جمع دم (الجاهلية موضوعة) أي: لا قصاص في قتلها ولا دية (وأول دم أضعه) جملة أضعه فعلية في موضع جر صفة لدم (دماؤنا) بالرفع خبر المبتدأ، فيه أن الإمام وغيره ممن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ينبغي له أن يبدأ بنفسه وأهله، فهو أقرب إلى قبول قوله وإلى طيب نفس سامعه، لا سيما من قرب عهده بالإسلام. (وقال عثمان) بن أبي شيبة: (دم) إياس (بن ربيعة) بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي (وقال سليمان) بن عبد الرحمن (دم ربيعة) بإسقاط ابن (بن الحارث بن عبد المطلب) قال النووي والصواب ابن ربيعة؛ لأن ربيعة عاش بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى زمن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وتأول هذِه الرواية الثانية أبو عبيد فقال: دم ربيعة؛ لأنه ولي الدم فنسب إليه (¬2)، قالوا (¬3): وكان هذا الابن المقتول طفلًا صغيرًا يحبو بين البيوت فأصابه حجر في حرب كان بين بني سعد وبني ليث بن بكر، قاله الزبير بن بكار (¬4)، وإلى هذا أشار بقوله: (وكان) يعني: الابن المقتول (مسترضعًا) بفتح الضاد أي: رضيعًا؛ فإن مستفعل (¬5) يأتي بمعنى فعل كقولك: قر واستقر (في بني سعد) أي: له فيهم من يرضعه، والذي استرضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهم هم بنو سعد بن بكر ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2697)، ومسلم (1718/ 17). (¬2) "غريب الحديث" للقاسم بن سلام 1/ 289. (¬3) من (م). (¬4) "شرح النووي" 8/ 183. (¬5) في (م): استفعل.

(فقتلته (¬1) هذيل) حي من مضر. (وربا) (¬2) مقصور (الجاهلية موضوع) كله أي: الزائد عن (¬3) رأس المال، وهذا إيضاح وإلا فالمقصود مفهوم من نفس الحديث؛ لأن الربا هو الزيادة والكثرة لغة، فإذا وضع الربا فمعناه وضع الزيادة، والمراد بالوضع الرد والإبطال، ثم إنهم كانت لهم بيوعات يسمونها بيع الربا (¬4)، منها أنهم كانوا إذا حل الأجل الذي للدين يقول الغريم لرب الدين: أنظرني وأزيدك، فينظره إلى وقت آخر على زيادة مقدرة، فإذا حل ذلك الوقت الآخر قال له أيضًا: كذلك، وربما يؤدي (¬5) ذلك إلى استئصال مال الغريم في قدر يسير، فأبطل الله ذلك وحرمه وتوعد عليه، فوعظهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبالغ في ذلك، فبدأ من (¬6) ذلك بما يتعلق بنفسه فقال (وأول ربا أضعه) من ذلك (ربانا) ثم فسره فقال: (ربا عباس بن عبد المطلب) لخصوصيته بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ليقتدي به الناس قولًا وفعلًا فيضعون عن غرمائهم ما كان من ذلك (¬7). ثم أكد ذلك بقوله (فإنه موضوع) أي: عن من هو عليه (كله) لا يطلب شيء منه. (اتقوا الله في النساء) فيه الحث على مراعاة حق النساء والوصية بهن وحسن معاشرتهن بالمعروف، ويدخل في عموم هذا كل معاشر زوجًا كان أو وَليّا، لكن سياق ما بعده والأمر في الأغلب للأزواج في توفية ¬

_ (¬1) في (ر): فقتله. (¬2) في (م): دما. (¬3) في (م): على. (¬4) سقط من (م). (¬5) في (م): أدى. (¬6) في (م): في. (¬7) زاد بعدها في (ر): بقوله فإنه.

حقوقهن من المهر والنفقة وأن لا يعبس في وجوههن من غير ذنب، وأن يلين القول لهن (فإنكم أخذتموهن) وملكتم الانتفاع بهن (بأمانة الله) التي ائتمنكم عليهن، فيجب عليكم حق الأمانة وصيانتها والقيام بمصالحها الدنيوية والدينية (واستحللتم فروجهن) يدخل في عموم الحل القبل والدبر، إلا أن يخرج الدبر بدليل آخر، فإن أصحابنا قالوا: يطلق الفرج على القبل والدبر من الرجل والمرأة (بكلمة الله) قيل: هي قوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (¬1)، وقيل: المراد كلمة التوحيد وهي لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ إذ لا تحل مسلمة لغير مسلم. وقيل: المراد بإباحة الله والكلمة قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} (¬2)، قال النووي: وهذا التأويل (¬3) هو الصحيح، وبالأول قال الخطابي والهروي وغيرهما، وقيل: المراد بالكلمة الإيجاب والقبول، ومعناه على هذا: بالكلمة التي أراد (¬4) الله بها (¬5). قال القرطبي: وأشبه هذِه الأقوال أنها عبارة عن حكم الله بحلِّيَّة النكاح وجوازه وبيان شروطه، فإن حكم الله كلامه المتوجه للمحكوم عليه على جهة الاقتضاء والتخيير (¬6). ¬

_ (¬1) البقرة: 229. (¬2) النساء: 3. (¬3) في "م، وشرح النووي": الثالث. (¬4) في (م): أمر. (¬5) "شرح النووي" 8/ 183. (¬6) "المفهم" 3/ 334.

(وإن لكم) واجبًا (عليهن أن لا يوطئن) بهمزة قبل النون أي (¬1): لا يدخلن (¬2) منازلكم (فرشكم) بضم الفاء (¬3) والراء (¬4) جمع فراش (أحدًا تكرهونه) أي: تكرهون دخوله، ويحتمل أن يراد من يكرهه الزوج وإن كان يرضى دخوله إليهن لكونه محرمًا لهن كالأب ونحوه، قال المازري (¬5): المراد أن لا يستخلين بالرجال، ولم يرد زناها؛ لأن ذلك يوجب حدها وهو حرام مع من يكرهه الزوج ومن لا يكرهه (¬6)، وقال القاضي عياض: كانت عادة العرب حديث الرجال مع النساء، ولم يكن ذلك (¬7) عيبًا ولا ريبة عندهم، فلما نزلت آية الحجاب نهوا عن ذلك (¬8)، واختار النووي أن معناه: لا يأذنَّ لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم، والجلوس في منازلكم، سواء كان المأذون له رجل أو امرأة أجنبية أو قريبة (¬9) أو أحد من محارم الزوجة، فالنهي يتناول جميع ذلك، وكذلك عند الفقهاء لا تأذن في دخول منزل الزوج إلا لمن (¬10) علمت أو ظنت أن الزوج لا يكرهه؛ لأن الأصل تحريم دخول منزل ¬

_ (¬1) في (م): أن. (¬2) في (ر): يدخل. (¬3) في (م): الراء. (¬4) في الأصول: والشين، والمثبت هو الصحيح. (¬5) في (ر): الماوردي. (¬6) "المعلم بفوائد مسلم" للمازري 1/ 344. (¬7) سقط من (م). (¬8) "إكمال المعلم" 4/ 277. (¬9) في (م): بعيدة. (¬10) في (ر) و"شرح النووي": من.

الإنسان حتى يوجد الإذن في ذلك، فإن حصل الشك في الرضى ولم توجد قرينة فلا يحل الدخول ولا الإذن (¬1). (فإن فعلن فاضربوهن ضربًا غير مبرح) بضم الميم وفتح الموحدة وكسر الراء المشددة، والمبرح الشديد الشاق، ومعناه: اضربوهن تأديبًا ضربًا ليس بشديد ولا شاق، والبرح المشقة، وفيه تأديب الرجل زوجته على وجه الرفق، قال عطاء: قلت لابن عباس: ما الضرب [غير] (¬2) المبرح؟ قال: بالسواك ونحوه، ويشترط في الضرب أن يظن أن الضرب يصلحها ولا [ينجعها غيره] (¬3) وإلا فلا، وكلام الإمام يصرح (¬4) به (¬5)، وليس لنا موضع يضرب المستحق من منعه حقه (¬6) غير هذا، والعبد يمنع من حق سيده. ووجه استثنائهما أن الحاجة ماسة إلى ذلك لتعذر إتيانه (¬7) مع أنه لا اطلاع لأحد عليه، قاله ابن عبد السلام في "القواعد" (¬8) (ولهن عليكم) واجب (رزقهن) يعني: نفقتهن (وكسوتهن) فيه وجوب نفقة الزوجة (¬9) وكسوتها وهو واجب (¬10) ¬

_ (¬1) "شرح النووي" 8/ 183 - 184. (¬2) سقطت من النسخ، والمثبت من "تفسير الطبري" 8/ 314، وهو الصواب. (¬3) في (م): ينجع سواه. (¬4) في (م): مصرح. (¬5) "نهاية المطلب" 13/ 278. (¬6) من (م). (¬7) في (م): إثباته. (¬8) "قواعد الأحكام" 2/ 197. (¬9) زاد في (ر) ونفقتها. (¬10) في (م): ثابت.

بالإجماع (بالمعروف) أي: بما يعرف من حاله وحالها، وهو حجة لمالك حيث يقول: إن النفقات على الأزواج غير مقدرات، وإنما ذلك بالنظر إلى أحوالهم وأحوالهن (¬1). (وإني قد تركت فيكم) أي: بعدي (ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم) أي إن امتنعتم به حين علمتم (¬2) به وتبعتموه لن تضلوا بعده أبدًا، قال تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} (¬3)، ونظيره حديث: "إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي" (¬4) وكل نفيس ثقل، فقد سماهما ثقلين إعظامًا لقدرهما (كتاب الله) بالنصب بدل من ما بيان لما يعتصم به وهو القرآن الذي هو حبل الله كما قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ} (¬5)، وفي رواية الحاكم: "إن هذا القرآن حبل الله عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه" (¬6) (وأنتم مسؤولون عني) أي: عن (¬7) تبليغي (فما أنتم قائلون؟ ) إذا سُئلتم (قالوا: نشهد أنك قد بلغت) الرسالة وأديت (¬8) الأمانة (ونصحت) الأمة. (ثم قال بأصبعه السبابة) أي: مشيرًا بها (يرفعها إلى السماء) أما إشارته إلى السماء فلأنها قبلة الدعاء، أو لعلو الله تعالى المعنوي؛ ¬

_ (¬1) انظر "المدونة" 2/ 180. (¬2) في (ر): عملتم. (¬3) طه: 123. (¬4) رواه أحمد في "مسنده" 17/ 211، والطبراني في "الأوسط" 4/ 33. (¬5) آل عمران: 103. (¬6) "المستدرك" 1/ 554. (¬7) و (¬8) من (م).

لأن الله تعالى لا يحويه مكان ولا يختص بجهة، وقد بين ذلك بقوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (¬1) (وينكتها) [قال المنذري: بالباء الموحدة وهو الصواب، والرواية بالمثناة، وهو الرواية، وفيه بعد] (¬2) (إلى الأرض) قال القرطبي: روايتي في هذِه اللفظة وتقييدي على من أعتمده من الأئمة بضم الياء وفتح النون وكسر الكاف مشددة وضم الباء الموحدة [وروي ينكبها بتخفيف] (¬3) الباء، ساكنة النون وبضم الكاف (¬4). قال القاضي عياض: رويناه في "سنن أبي داود" بالتاء المثناة (¬5)، من طريق ابن الأعرابي أي: مع إسكان النون بعد الياء المفتوحة، وضم الكاف المخففة، قال: وبالموحدة من طريق التمار، أي: كما تقدم عن القرطبي، ومعنى: الباء الموحدة يعدلها ويعطفها (¬6) (إلى الناس) وعلى رواية الموحدة يقلبها، وعلى رواية المثناة كذلك أي: يقلبها ويردها، ومنه نكت كنانته أي: قلبها، وقال: (اللهم اشهد اللهم اشهد اللهم اشهد) قال ذلك؛ لأنه كان فرضًا عليه أن يبلغ ما ¬

_ (¬1) الحديد: 4. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (ر): ورويت ينكتها مخففة. (¬4) "المفهم" 3/ 355. (¬5) قال القاضي عياض في "إكمال المعلم" 4/ 277 - 278: بنصه: قوله بإصبعه السبابة ينكتها إلى الناس: "اللهم اشهد" كذا الرواية بالتاء باثنتين من فوقها وهو بعيد المعنى قيل: صوابه: "ينكبها" بباء واحدة، وكذا رويناه عن شيخنا الوليد هشام بن أحمد من طريق ابن الأعرابي عن أبي داود في تصنيفه بالباء بواحدة، وبالتاء اثنتين من طريق أبي بكر النجار عنه. ." وهذا ظاهره خلاف ما في "شرح النووي" 8/ 148. (¬6) في (ر): يقطفها.

أوحي إليه فأشهد الله عليه أنه أدى ما وجب عليه وكرر عليهم ذلك ليكون أبلغ ليسمع الحاضر ويبلغ الغائب، وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا، لتفهم عنه ويبلغ إلى الغائب لتقوم حجة الله على عباده (ثم أذن بلال) استدل به مالك في أحد أقواله على أن الأذان بعد كمال الخطبة، فإنه روي عنه: أنه يؤذن بعد تمام الخطبة، فيجلس الإمام على المنبر ويؤذن المؤذن، وروي عنه: كمذهب الشافعي أنه يؤذن مع شروع (¬1) الإمام في الخطبة الثانية، بحيث يفرغ الإمام مع فراغ المؤذن، وقال أبو ثور: يؤذن المؤذنون والإمام (¬2) على المنبر قبل الخطبة كالجمعة، وروي مثله عن مالك (¬3). (ثم أقام فصلى الظهر) فيه دليل على استحباب الإقامة للصلاة المجموعة (ثم أقام فصلى العصر) فيه دليل على أن الجمع بين الصلاتين يكتفي فيهما بأذان واحد للصلاتين، وعلى أن كل صلاة منهما لا بد لها من إقامة، وهذا مذهب أحمد (¬4) وابن الماجشون والطحاوي (¬5)، وقال مالك: يؤذن ويقيم لكل صلاة، قياسًا على سائر الصلوات (¬6)، وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أذان واحد وإقامة واحدة، والجمع بعرفة والمزدلفة كذلك (¬7) (لم يصل بينهما شيئًا) أي: ¬

_ (¬1) في (م): شروط. (¬2) سقط من (م). (¬3) "الاستذكار" 13/ 136 - 137. (¬4) "مسائل الكوسج" 1/ 533 (م 1422)، وانظر: "المغني" 2/ 77 - 78. (¬5) "شرح معاني الآثار" 2/ 214. (¬6) "المدونة" 1/ 429. (¬7) انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 152.

لم يدخل بينهما صلاة أخرى، لا نفلًا ولا غيره، وبهذا قال الشافعي ومالك وغيره، وقال ابن حبيب: يجوز أن يفصل بينهما (¬1)، وكما أنه لا يفصل بينهما [بصلاة لا يفصل بينهما] (¬2) بسكوت طويل، فإن طال الفصل بينهما ولو بعذر كالسهو والإغماء وجب تأخير الثانية [إلى وقتها] (¬3)، ولا يضر فصل يسير؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - (أقام) بينهما ويعرف طوله بالعرف، وعن جماعة من أصحابنا: أن اليسير يقدر بالإقامة، وضبطه [القاضي حسين] (¬4) بقدر ما يتخلل بين الإيجاب والقبول [وبين الخطبتين] (¬5). (ثم ركب القصواء) بالفتح والمد كما تقدم مرات، فيه دليل على أنه إذا فرغ من الصلاتين ذهب (حتى أتى (¬6) الموقف) في عرفة (فجعل بطن ناقته) القصواء إلى الصخرات الكبار المفروشة في طرق الروابي الصغار التي في ذيل الجبل الذي (¬7) بوسط عرفات، ويسمى جبل الرحمة، قال القرطبي: وجعل بطن ناقته إلى الصخرات، يدل - والله أعلم - أنه على الصخرات ناحية منها، حتى كانت الصخرات تحاذي بطن ناقته (¬8). قال ابن جماعة: وقد تحرى والدي موقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واجتهد فيه فقال: إنه الفجوة المستعلية المشرفة على الموقف، وهي من وراء الموقف صاعدًا في الرابية وهي التي عن يمينها ووراءها صخر ثاني ¬

_ (¬1) "المفهم" 3/ 336. (¬2) و (¬3) و (¬4) و (¬5) سقط من (م). (¬6) في (م): الذي. (¬7) في (ر): التي. (¬8) "المفهم" 3/ 337.

متصل بصخر الجبل المسمى جبل الرحمة، وهذِه الفجوة بين الجبل المذكور والبناء المرتفع عن يساره وهي إلى (¬1) الجبل أقرب بقليل بحيث يكون الجبل قبالة الواقف بيمين إذا استقبل القبلة، ويكون طرف الجبل تلقاء وجهه والبناء المرتفع (¬2) عن يساره بقليل وراءه، ووافقه على ذلك من يعتمد عليه، فإن ظفر بموقف النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو الغاية في الفضل، وإن خفي عليه وقف ما بين الجبل والبناء المرتفع على جميع الصخرات والأماكن بينهما، لعله أن يصادف الموقف الشريف، فإن كان راكبًا خالط الصخرات بدابته بحسب ما يمكنه ما لم يؤذ (¬3) أحدًا، قصة ما تقدم أن الصخرات ظاهرات. وفي "الكافي" أنها كانت ظاهرة والآن سترها السيل بالتراب، وفي موقفه - عليه السلام - شبه المنارة وهو عن يسار جبل الرحمة إذا استقبلت منه مكة انتهى. قال الزعفراني: والأفضل أن يقف في ظهر الإمام بعرفة، فإن ضاق عليه فعن يمينه مستقبلًا، قال الماوردي: المرأة تخالف الرجل في ثلاثة أشياء، يستحب لها أن تقف نازلة وهو راكب، وأن تجلس وهو قائم، وأن تقف في حاشية الموقف (¬4)، وهو عند الصخرات السود (¬5). قال الأذرعي: وما قاله في وقوفها نازلة، هذا إن لم تكن مستورة في ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) سقط من (م). (¬3) في (ر): يرد. (¬4) سقط من (م). (¬5) "الحاوي الكبير" 4/ 94.

هودج، فإن كانت فهو أستر لها، قاله في "شرح المهذب" (¬1) ويرفع يديه في الدعاء ولا يجاوز بهما رأسه. (وجعل حبل المشاة) بين يديه، وفيه روايتان: حبل المشاة بفتح الحاء المهملة، وإسكان الباء الموحدة، وروي جبل المشاة، بالجيم وفتح الباء، قال القاضي وتبعه النووي: والأول أشبه (¬2). واقتصر عليه ابن الأثير، قال: والحبل واحد حبال الرمل، وهو ما استطال منه مرتفعًا وضخم واجتمع رمله (¬3)، وأما بالجيم فمعناه: طريقهم، وحيث يسلك الرجالة، وحكى محب الدين الطبري: ترجيح الجيم؛ فإن الواقف بموقف (¬4) النبي - صلى الله عليه وسلم - يكون هذا الجبل يعني الأعلى وزن الهلال بين يديه وهو جبل المشاة، ثم قال: والمشهور بالحاء، وهو طريقهم الذي يسلكونه في الرمل، واحتفالهم بصعود الجبل وإيقادهم (¬5) الشموع (¬6) عليه ليلة عرفة حدث بعد انقراض السلف الصالح. (واستقبل القبلة) أي: من سنة الوقوف استقبال القبلة وكمال الطهارة ويستحب كما قال الشافعية والمالكية: أن يتضحى الواقف للشمس، ولا يستظل إلا (¬7) لحاجة أو مشقة ظاهرة (¬8)، وقال الحنفية: لا يستظل ¬

_ (¬1) انظر "المجموع" 7/ 67. (¬2) "شرح النووي" 8/ 186. (¬3) "النهاية" (حبل). (¬4) في (م): موقف. (¬5) في (ر): إيرادهم. (¬6) سقط من (م). (¬7) من (م). (¬8) "المجموع" 8/ 117، "مغني المحتاج" 1/ 497، وانظر "منح الجليل" 2/ 306، "مواهب الجليل" 4/ 209.

استحبابًا (¬1) (فلم يزل واقفًا) يعني: على ظهر ناقته القصواء (حتى غربت الشمس) استدل به الحنفية على أن استدامة الوقوف إلى الغروب واجبة، فلو خرج من عرفة قبل الغروب ولم يعد فعليه دم كدم مجاوزة الميقات (¬2) بخلاف الشافعية؛ فإن الدم مستحب (¬3)، وقد يستدل به المالكية على وجوب الجمع بين الليل والنهار (¬4)، وهو عند الشافعية مستحب. (وذهبت الصفرة) أي: أواخرها الآنفة (¬5) للغروب، ووجه الدليل على الجمع بين الليل والنهار من الحديث أن المعلوم أن الوقوف (¬6) إذا استمر حتى غربت الشمس وذهبت صفرتها لزمت بالضرورة أن يدخل عليه جزء من الليل وهو بأرض عرفة ولو حين خروجه منها (قليلًا) أي: القليلة؛ لأنه منصوب على الحال وتقديره: ذهبت الصفرة في حال كونها أي: كون الصفرة قليلة؛ فإن الحال وصف في المعنى، ففيه دليل على الاحتياط بأخذ جزء من الليل زائد على مغيب الشمس (حين (¬7) غاب القرص) وفي بعض النسخ: حتى غاب [قال القاضي: صوابه حين، قال النووي: ويحتمل أن الكلام على ظاهره، ويكون قوله حتى غاب] (¬8) القرص بيانًا لقوله (حتى غربت الشمس ¬

_ (¬1) في (م): استحسانا. (¬2) "المبسوط" 4/ 64. (¬3) انظر: "المجموع" 8/ 119. (¬4) انظر: "الاستذكار" 13/ 33 - 35. (¬5) في (م): اللاحقة. (¬6) في (م): الوقت. (¬7) في (م): حتى. (¬8) من (م).

وذهبت الصفرة) فإن هذِه قد تطلق مجازًا على مغيب معظم القرص، فإذًا زال ذلك الاحتمال بقوله حتى غاب القرص (¬1). (فأردف أسامة) بن زيد (خلفه) فيه الإرداف على الدابة إذا كانت مطيقة، وارتداف أهل الفضل، ويعد ذلك من إكرامهم للرديف لا من سوء أدبه (فدفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) من عرفة ليلة العيد، فيه الركوب حال الدفع من عرفة والارتداف (وقد شنق) بفتح الشين المعجمة وتخفيف النون (للقصواء الزمام) أي: ضمه و [عطف عليه] (¬2) بالشدة، كفَّا لها عن السرعة في المشي (حتى) [لانتهاء الغاية كما يقال: مرض حتى] (¬3) (إن) (¬4) بكسر الهمزة (رأسها ليصيب مورك) بفتح الميم وكسر الراء (رجله) والمورك هو الموضع إذا أراد الراكب أن يستريح ثنى رجله عليه قدام واسطة الرحل حين يمل من الركوب، وضبطه القاضي بفتح الراء (¬5)، قال: وهو قطعة أدم يتورك عليها الراكب يجعل في مقدم الرحل شبه المخدة، وفي هذا استحباب الرفق في السير من الراكب بالمشاة وبأصحاب الدواب الضعيفة (¬6). (وهو يقول) [نسخة: ويقول] (¬7) (بيده اليمنى) يوضحه رواية ¬

_ (¬1) "شرح النووي" 8/ 186. (¬2) في (م): عطفه. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ر): إنه. (¬5) في (م): الواو. (¬6) "شرح النووي" 8/ 186. (¬7) سقط من (م).

البخاري: وأشار بسوطه إليهم (السكينة) منصوب بفعل محذوف على الإغراء تقديره: الزموا السكينة، وهو الرفق والطمأنينة في السير، والمراد عدم المزاحمة (أيها الناس) الزموا (السكينة) هكذا (¬1) مرتين حثّا على الرفق، وفيه أن السكينة في الدفع من عرفات سنة، فإذا وجد فرجة (¬2) أسرع كما سيأتي في الحديث. (كلما أتى حبلًا) بفتح الحاء المهملة وإسكان الموحدة (من الحبال) بكسر المهملة جمع حبل، وهو التل اللطيف من الرمل الضخم (أرخى لها) الزمام (قليلًا حتى تصعد) بفتح التاء المثناة فوق وضمها، يقال: صعد بكسر العين في الجبل وأصعد لغتان، ومنه قوله تعالى: {إِذْ تُصْعِدُونَ} (¬3). (حتى أتى المزدلفة) وهي جمع، بفتح الجيم وإسكان الميم لاجتماع الناس بها، أو لجمعهم بين المغرب والعشاء بها، أو لاجتماع آدم وحواء بها (¬4)، وهي المشعر الحرام كما تقدم، وسميت المزدلفة وأصلها مزتلفة بالتاء أي: مقتربة فأبدلت التاء دالًا مع الزاي كما قلبت في مزدجر ومزدرع، سميت مزدلفة من التزلف والازدلاف (¬5) وهو التقرب؛ لأن الحجاج إذا أفاضوا من عرفات ازدلفوا (¬6) إليها، أي: قربوا ومضوا ¬

_ (¬1) في (م): هذا مكرر. (¬2) في (ر): سنة. (¬3) آل عمران: 153. (¬4) سقط من (م). (¬5) في (م): الإرداف. (¬6) في (م): أردفوا.

إليها، قاله الأزهري، وقال ثعلب: لأنها بمنزلة من الله وقربه، ومنه قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً} (¬1) (¬2)، وقيل: سميت بذلك لمجيء الناس إليها في زلف من الليل أي: ساعات، واعلم أن المزدلفة كلها من الحرم، قاله الأزرقي والماوردي وغيرهما. حد المزدلفة ما بين مأزمي عرفة ووادي محسر وليس الحدان منها، ويدخل في المزدلفة جميع تلك الشعاب والجبال الداخلة في الحد المذكور (¬3)، والمراد بالمأزمين الطريق التي بين الجبلين الفاصلين بين عرفات ومزدلفة، قال النووي: المأزمين ما بين العلمين الذين هما حد الحرم (¬4). قال ابن جماعة: وهذا الذي قاله غريب، وهو الذي يحمل الحاج (¬5) على الزحمة بين العلمين، وليس له أصل، والمحب الطبري أبعد منه، وقد قال: هما جبلان بين عرفة ومزدلفة بينهما طريق (¬6). (فجمع بين المغرب والعشاء) فيه أن السنة للدافع من عرفات أن يؤخر المغرب إلى وقت العشاء ويكون هذا التأخير بنية (¬7) الجمع، ثم يجمع بينهما في المزدلفة قبل حط الرحال إن تيسر في وقت العشاء، وهذا مجمع عليه، لكن مذهب أبي حنيفة وطائفة أنه جمع بسبب ¬

_ (¬1) الملك: 27. (¬2) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 4/ 353. (¬3) "شرح النووي" 8/ 187، وانظر: "أخبار مكة" للأزرقي 2/ 184 - 185. (¬4) "المجموع" 8/ 132. (¬5) في (م): العوام. (¬6) انظر: "حاشية الجمل" 4/ 770. (¬7) في (م): من.

النسك، ويجوز لأهل مكة ومزدلفة ومنى وغيرهم (¬1)، والصحيح عند أصحابنا أنه جمع بسبب السفر، ولا يجوز إلا [لمسافر يبلغ سفر] (¬2) القصر وهو مرحلتان، وللشافعي قول ضعيف أنه يجوز الجمع في كل سفر وإن كان قصيرًا، وقال بعض أصحابنا: هذا الجمع بسبب النسك (¬3) [كقول أبي حنيفة] (¬4) (بأذان واحد وإقامتين) فيه الجمع بين الصلاتين في وقت الثانية بأذان للأولى وإقامتين لكل واحدة منهما إقامة، وبه قال أحمد (¬5) وعبد الملك الماجشون المالكي والطحاوي الحنفي، وقال مالك: يؤذن ويقيم للأولى ويؤذن ويقيم للثانية (¬6) وقال أبو يوسف وأبو حنيفة: أذان وإقامة واحدة (¬7) وقال النووي (¬8): يصليهما جميعًا بإقامة واحدة (¬9) (قال عثمان) بن أبي شيبة (ولم يسبح [بينهما شيئًا]) (¬10) أي: لم يصل بينهما شيئًا أي: نافلة والنافلة تسمى سبحة؛ لاشتمالها على التسبيح، وفيه الموالاة بين الصلاتين المجموعتين كما تقدم، والصحيح عندنا أنه سنة مستحبة لا شرط، ¬

_ (¬1) "البحر الرائق" 2/ 366. (¬2) في (م): للمسافر سفرا يبلغ مسافة. (¬3) انظر: "المجموع" 8/ 87 - 88. (¬4) من (م). (¬5) انظر: "المغني" 2/ 77 - 78. (¬6) "المدونة" 1/ 429. (¬7) انظر "البحر الرائق" 1/ 152. (¬8) في "شرح النووي": الثوري. (¬9) "شرح النووي" 8/ 188. (¬10) من (م).

وأما لو جمع بينهما في وقت الأولى لكانت الموالاة شرطًا بلا خلاف. (ثم اتفقوا) يعني: الأربع الرواة (ثم اضطجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي على شقه الأيمن (حتى طلع الفجر) فيه الاضطجاع على الأرض للمسافر لراحة البدن، فإن لجسدك عليك حقّا، وفيه المبيت بمزدلفة ليلة النحر وأنه بعد الدفع من عرفات نسك، وهذا مجمع عليه، ولكن اختلفوا: هل هو واجب أو ركن أو سنة، والمذهب أنه واجب من تركه فعليه دم وهو مذهب الشافعي وأحمد، وعند مالك سنة (¬1). (فصلى الفجر) بها (حتى (¬2) تبين له الصبح) فيه أن السنة أن [يبقى بالمزدلفة إلى أن] (¬3) يصلي الصبح بها بغلس في أول الوقت، وهذا مذهب المالكية (¬4) ومقتضى قول الحنفية (¬5). (قال سليمان) بن عبد الرحمن المعروف بابن بنت شرحبيل: (بأذان وإقامة) [رواية: بنداء] (¬6) لهذِه الصلاة كما في غيرها من صلوات المسافر، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة (¬7) بالأذان في السفر كما في الحضر خلافًا لمن قال: يقتصر المسافر على الإقامة وهو ضعيف مردود بهذا الحديث وغيره. ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع" 8/ 247، و"شرح النووي" 8/ 188، و"المغني" 5/ 394، و"التاج والإكليل" 3/ 119. (¬2) في (م): حين. (¬3) سقط من (م). (¬4) انظر: "الكافي في فقه أهل المدينة" 1/ 374. (¬5) "المبسوط" 4/ 22. (¬6) سقط من (م). (¬7) من (م).

(ثم اتفقوا) أي على ما يأتي (ثم ركب القصواء) فيه أن السنة الركوب وأنه أفضل من المشي (حتى أتى المشعر الحرام) أما المشعر فبفتح الميم وحكى الجوهري الكسر، وبها قرأ أبو السمال، قال النووي في "الدقائق": الحرام معناه المحرم؛ لأنه من الحرم (¬1) [وقيل: لحرمته] (¬2) لا من الحل، وسمي مشعرًا لما فيه من الشعائر يعني معالم الدين (¬3). وكل علامات الحج مشاعر، والصحيح عند أصحابنا أن المشعر الحرام قزح - بضم القاف وفتح الزاي غير منصرف - معدول عن قازح وهو الجبل المعروف بالمزدلفة يقف الحجيج عليه للدعاء بعد الصبح يوم النحر. قال الأزرقي: وعلى قزح أسطوانة من حجارة مدورة تدويرها أربع وعشرون ذراعًا وطولها في السماء اثنتا عشر ذراعًا، وفيها خمس وعشرون درجة وهي على خشبة مرتفعة كان توقد عليها في خلافة هارون الرشيد بالشمع ليلة المزدلفة ويجتمعون عليها (¬4) (فرقي) بكسر القاف على اللغة الفصحى، أي: صعد (عليه) فيه أن الحاج إذا وصل إلى المشعر الحرام صعده إن أمكن وإلا وقف عنده، وهل تتأدى السنة بالوقوف في البناء المستحدث في وسط مزدلفة وغيره من مزدلفة أم لا يحصل إلا في قزح؟ وجهان أصحهما الأول (¬5). ¬

_ (¬1) "المجموع" 8/ 130. (¬2) سقط من (م). (¬3) "دقائق المنهاج" ص 57. (¬4) "أخبار مكة" 2/ 180. (¬5) انظر: "المجموع" 8/ 141 - 142.

وفيه دليل على أن الوقوف بالمشعر الحرام من النسك، وقد ذكره الله في قوله: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} (¬1)، وليس المبيت بالمزدلفة ركنًا [في الحج] (¬2) عند الجمهور، وقال علقمة والشعبي والنخعي والحسن البصري: هو فرض، ومن فاته جمع ولم يقف فيه (¬3) فقد فاته الحج وجعل إحرامه عمرة (¬4)، قال القرطبي: الأصح أن الوقوف بها سنة مؤكدة (¬5). واحتج على قول الجمهور بأن الآية لا دليل (¬6) فيها على الوجوب في الوقوف ولا المبيت؛ إذ ليس مذكورًا فيها، وإنما فيها مجرد الذكر وكل قد أجمع أنه لو وقف بعرفة ولم يذكر الله أن حجه تام، فإذا لم يكن (¬7) الذكر المأمور به من صلب الحج فشهود الموطن أولى بأن لا يكون كذلك. (قال سليمان وعثمان: فاستقبل القبلة) [يعني: الكعبة] (¬8)، فيه دليل على ما قاله أصحابنا أن السنة أن يقفوا مستقبلي القبلة، وكذا قال جماعة من الحنفية وابن الحاج المالكي (¬9) (فحمد الله وكبره وهلله) (¬10) ¬

_ (¬1) البقرة: 198. (¬2) سقط من (م). (¬3) من (م). (¬4) انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 152 - 153، "المجموع" 8/ 150، "المغني" 3/ 376. (¬5) "الجامع لأحكام القرآن" 2/ 425. (¬6) في (م): حجة. (¬7) في (م): يذكر. (¬8) سقط من (م). (¬9) في (م): المكي. (¬10) من (م).

فيه أنه يستحب أن يحمد الله (وكبره) (¬1) وأنه يكبره فيقول: الله أكبر (وهلله) أي: وأن يقول لا إله إلا الله (زاد عثمان: ووحده) أي: من الضد والشريك وغيرهما، وكذا يستحب الدعاء، وقال صاحب "الغاية" الحنفي أنه يقف وهو مستقبل القبلة فيدعو ويحمد الله ويكبره ويهلله ويوحده ويلبي ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويسأل الله حاجته، وقال ابن الحاجب أنه يكبر ويدعو، ويستحب الإكثار من التلبية والاستغفار خلافًا للمالكية في التلبية. (فلم يزل واقفًا حتى أسفر) فيه أن الوقوف إلى الإسفار من المناسك، والضمير في أسفر يعود إلى الفجر، قال النووي: اختلفوا في وقت الوقوف، فقال أبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء: لا يزال واقفًا يدعو ويذكر الله حتى يسفر كما في الحديث، وقال مالك: يدفع له (¬2) قبل الإسفار (¬3) واحتج له بعض أصحابه بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعجل الصلاة مغلسًا إلا ليدفع قبل الشمس (¬4)، وكلما بَعُدَ دفعه من طلوع الشمس كان أولى (جدّا) بكسر الجيم، أي: إسفارًا بليغًا. (ثم دفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن تطلع الشمس) والدفع والإفاضة (¬5) بمعنى واحد، قال الأصمعي: مخالفة للكفار، فقد روى ابن خزيمة ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (م) و"شرح النووي": فيه. (¬3) "شرح النووي" 8/ 189. (¬4) في (م): الشروق. (¬5) في (ر): الإقامة.

والطبري من حديث عكرمة عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية يقفون بالمزدلفة حتى إذا طلعت الشمس فكانت على رؤوس الجبال كأنها العمائم على رؤوس الرجال دفعوا فدفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أسفر كل شيء قبل أن تطلع الشمس (¬1) (وأردف الفضل بن عباس) بن عبد المطلب أي: حين أصبح خلف النبي - صلى الله عليه وسلم -، زاد شعيب: على عجز راحلته، وفي "صحيح البخاري" من حديث ابن عباس أن أسامة كان ردف النبي من عرفة إلى مزدلفة ثم أردف الفضل من مزدلفة إلى منى (¬2). (وكان) يعني: الفضل (رجل حسن الشعر أبيض وسيمًا) أي: حسنًا، قال الجوهري: فلان وسيم أي: حسن الوجه (¬3). قال الطبري: كان الفضل أجمل الناس وجهًا قال: وفي بعض الطرق، فقال العباس (¬4): لويت عنق ابن عمك يا رسول الله، فقال: "رأيت شابًا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما" (فلما دفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر الظعن) بضم الظاء والعين ويجوز إسكان العين جمع ظعينة كسفينة وسفن، وأصل الظعين البعير الذي عليه المرأة في الهودج، ثم سمى به المرأة (¬5) مجازًا لملابستها البعير كما أن الراوية هو الجمل [الذي يحمل الماء ثم تسمي به القربة] (¬6) (يجرين) بفتح الياء وإسكان الجيم، ¬

_ (¬1) "تهذيب الآثار" مسند عمر 2/ 885 (1242)، "صحيح ابن خزيمة" (2838). (¬2) "صحيح البخاري" (1544)، ورواه مسلم (1281). (¬3) "الصحاح" (وسم). (¬4) في (ر): ابن عباس. (¬5) سقط من (م). (¬6) سقط من (م).

قال القرطبي: هو بضم الياء وفتحها، وكلاهما واضح (¬1). (فطفق الفضل) بن عباس أخو عبد الله بن عباس، وكان أكبر أولاد العباس، وبه كان يكنى (ينظر إليهن فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده على وجه الفضل) فيه الحث على غض البصر عن الأجنبيات، وفيه تغيير المنكر بالفعل وهو مقدم على النهي باللسان إذا أمكنه ذلك، وإنما فعل ذلك؛ لأن الفضل كان ممن يفتن النساء والظعن ممن يفتن الرجال (¬2) (وصرف الفضل وجهه إلى الشق) [بكسر الشين قال ابن مالك وغيره: هو الجانب] (¬3) (الآخر) [ينظر كما في مسلم (وحول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده) وفي بعض النسخ: يده (إلى الشق الآخر) رواية مسلم] (¬4): فحول رسول الله يده من الشق الآخر على وجه الفضل (وصرف الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر) وفي رواية للطبري من حديث علي: وكان الفضل غلامًا جميلًا، فإذا جاءت الجارية من هذا الشق صرف رسول الله وجه الفضل إلى الشق فإذا جاءت إلى الشق الآخر صرف وجهه عنه، وقال في آخره: "رأيت غلامًا حدثًا وجارية حدثة فخشيت أن يدخل بينهما الشيطان". (حتى إذا أتى) زاد مسلم: بطن (¬5) (محسرًا) بضم الميم وفتح الحاء وكسر السين المشددة المهملتين؛ سمي بذلك قيل: لأن أصحاب الفيل ¬

_ (¬1) "المفهم" 3/ 339. (¬2) في (م): بالرجال. (¬3) ساقط من (ر). (¬4) سقط من (م). (¬5) "صحيح مسلم" (1282).

حسر فيه، أي: أعيى وكَلَّ، ومنه قوله تعالى: {يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ}، وهو سيل ماء فاصل بين مزدلفة ومنى، كذا نقله النووي عن الشافعي وجزم بأنه ليس بمنى (¬1). وهو قول الثلاثة، وفي رواية مسلم: أن محسرًا من منى، قال الأزرقي: إنه خمسمائة ذراع وخمسة وأربعون ذراعًا (¬2) ويسمى وادي النار؛ لأن رجلًا صاد فيه صيدًا فنزلت عليه نار فأحرقته، وهو وادٍ بين منى والمزدلفة. (فحرك) دابته (قليلًا) أي: قدر رمية بحجر، وهذا التحريك مستحب عند الأربعة، ونص عليه الشافعي في "الأم"، فإن ترك الإسراع فيه كره ولا شيء عليه (¬3). وفي "الموطأ" أن ابن عمر كان يحرك دابته (¬4) في محسر قدر رمية حجر (¬5)، وجاء في بعض الأحاديث ما يقتضي خلاف ذلك، ولكن أحاديث الإسراع أكثر فقدمت، واستحب الثلاثة أيضًا للماشي الإسراع قدر رمية حجر، وأغرب ابن الحاج المالكي في "مناسكه" فذكر أن تحريك الدابة والإسراع في المشي ليس بشيء، وسبب الإسراع في وادي محسر أنه كان موقفًا للنصارى أو للجاهلية في العرب، قاله في "الوسيط" (¬6) فاستحب مخالفتهم، ولأنه مكان نزل فيه العذاب على ¬

_ (¬1) "المجموع" 8/ 143. (¬2) "أخبار مكة" 2/ 182. (¬3) "الأم" 2/ 329. (¬4) في (م): راحلته. (¬5) "الموطأ" 1/ 392 (177). (¬6) "الوسيط" للغزالي 2/ 660.

أصحاب الفيل القاصدين هدم الكعبة (¬1) فاستحب فيه الإسراع كما ثبت في الحديث الصحيح في الإسراع للمار (¬2) على ديار ثمود (¬3)، ويستحب أن [يقول في حال سيره] (¬4): الرجز المروي عن عمر: إليك تغدو قلقًا وَضِينُها ... معترضًا في بطنها جنينها مخالفًا دين النصارى دينها (¬5) زاد البكري في "معجمه" عن ابن عمر: [قد ذهب] (¬6) الشحم الذي يزينها (¬7) وزيد: إن تغفر اللهم اغفر جمّا ... وإني عبد لك ما ألما وفي الطبراني "الكبير" من حديث أبي الربيع السمان، عن عاصم بن عبيد الله (¬8)، عن سالم، عن أبيه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفاض من عرفات وهو يقول: إليك يغدوا قلقًا وضينها ... مخالفًا دين النصارى دينها ¬

_ (¬1) في (م): البيت. (¬2) من (م). (¬3) رواه البخاري (3381) ومسلم (2980). (¬4) في (ر): يقال. (¬5) رواه ابن أبي شيبة 8/ 741 - 742 (15889). (¬6) في (م): فذهب. (¬7) "معجم ما استعجم" 4/ 67. (¬8) في النسخ: عبد الله، والمثبت من "المعجم الكبير" 12/ 308 (13201)، وهو الصواب.

قال الطبراني: وهم عندي أبو الربيع في رفعه (¬1) لأن المشهور في الرواية عن ابن عمر أنه أفاضها من عرفات وهو يقول ذلك (¬2) والموضعين بكسر الضاد المعجمة قال القتيبي: هو بطان منسوج بعضه على بعض، ومنه قوله تعالى: {عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15)} أي: بالذهب، قال الأزهري: منسوجة نسج الدرع الذي جعل (¬3) بعضه في بعض (¬4) (ثم سلك الطريق الوسطى) أي: في الرجوع من عرفات التي تخرجك على [نسخ: إلى] (¬5) (الجمرة الكبرى و) هي جمرة العقبة (حتى أتى الجمرة) الكبرى جمرة العقبة (التي عند الشجرة) التي كانت هناك، فيه أن سلوك هذِه الطريق سنة عند الشافعية والحنابلة إن أمكنه ذلك (¬6) من غير أذى تأسيًا به - صلى الله عليه وسلم -، وهذِه الطريق غير الطريق التي ذهب فيها إلى (¬7) عرفات، وهذا معنى قول أصحابنا: فذهب إلى عرفات في طريق ضب ويرجع في طريق المأزمين (¬8) ليخالف الطريق تفاؤلًا بتغير الحال كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دخول مكة حين دخلها من الثنية العليا وخرج من الثنية السفلى، وخرج إلى العيد في طريق ورجع في ¬

_ (¬1) في "المعجم الكبير": رفع هذا الحديث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (¬2) "المعجم الكبير" 12/ 308. (¬3) في (م): دخل. (¬4) "تهذيب اللغة" (وضن). (¬5) سقط من (م). (¬6) سقط من (م). (¬7) في (م): من. (¬8) انظر: "الحاوي الكبير" 4/ 168.

طريق آخر، وحول رداءه في الاستسقاء. وفي "صحيح البخاري": حدثني عبد الرحمن بن يزيد أنه كان مع ابن مسعود حين رمى جمرة العقبة فاستبطن الوادي، حتى إذا حاذى، - يعني: بالحاء المهملة والذال المعجمة - بالشجرة اعترضها (¬1) [أي: الشجرة] (¬2)، وهذا أيضًا يدل على أنه كان هناك شجرة عند الجمرة، [وقد روى ابن أبي شيبة عن الثقفي عن أيوب قال: رأيت القاسم، وسالمًا، ونافعًا يرمون من الشجرة] (¬3) (¬4) ومن طريق عبد الرحمن ابن (¬5) الأسود أنه كان إذا جاوز الشجرة رمى جمرة (¬6) العقبة من تحت غصن من أغصانها (¬7). (فرماها) يعني الجمرة الكبرى جمرة العقبة، وليست من منى بل هي حد منى من جهة مكة، وهي التي بايع النبي - صلى الله عليه وسلم - الأنصار عندها على الهجرة، والجمرة اسم لمجتمع الحصا، [سميت بذلك لاجتماع الناس بها، يقال: تجمر بنو فلان إذا تجمعوا، وقيل: إن العرب تسمي الحصا] (¬8) الصغار جمارًا، ويستجمر بها بعد قضاء الحاجة فسميت به تسمية للشيء بما يلازمه. ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (1750). (¬2) سقط من (م). (¬3) من (م). (¬4) "المصنف" 8/ 201 (13593). (¬5) سقط من (م). (¬6) سقط من (م). (¬7) رواه ابن أبي شيبة 8/ 202 (13597). (¬8) سقط من (م).

وقيل: إن آدم وإبراهيم لما عرض له إبليس فحصبه جمر بين يديه، أي: أسرع فسميت بذلك (بسبع حصيات) قيل (¬1): إن السنة للحاج إذا دفع من مزدلفة فوصل منى أن يبدأ بجمرة العقبة ولا يفعل شيئًا قبل رميها، ويكون ذلك [قبل نزوله وأن الرمي يكون] (¬2) بسبع حصيات، وهذا الرمي هو تحية منى، وسبب الرمي هو قصة الخليل في ذبح ولده. (يكبر مع كل حصاة منها) أي: يسن التكبير مع كل حصاة وصفته (¬3): "الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر [والله أكبر] (¬4) ولله الحمد" هكذا نقله الماوردي عن الشافعي (¬5)، وفيه أنه يجب التفريق بين الحصيات فيرميهن واحدة واحدة؛ لقوله: يكبر مع كل حصاة، وكذلك كل عبادة يشرع فيها التكبير فإنه يتكرر محله كالانتقال من ركن إلى ركن، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "خذوا عني مناسككم"، وخالف في ذلك عطاء وصاحبه أبو حنيفة فقالا: لو رمى السبع دفعة واحدة أجزأه، وأجمعوا على أن من لم يكبر فلا شيء عليه (¬6). واعلم أن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد النخعي زاد عن أبيه عن ابن مسعود: أن ابن عمر لما فرغ من رمي جمرة العقبة قال: اللهم اجعله حجّا مبرورًا وذنبًا مغفورًا (¬7). ¬

_ (¬1) في (م): فيه. (¬2) من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) من (م). (¬5) "الحاوي الكبير" 4/ 184. (¬6) "فتح الباري" 3/ 681. (¬7) رواه ابن أبي شيبة 8/ 352 - 353 (14213).

(بمثل) [ورواه ابن عبد البر: مثل بحذف الباء] (¬1) (حصى الخذف) بالخاء والذال المعجمتين، وعند العابسي بالمهملة، والأول أصوب، قال الجوهري في فصل الحاء المهملة: حذفته بالعصا أي رميته بها (¬2) وفي فصل الخاء المعجمة: الخذف بالحصا الدفع (¬3) به بالأصابع، والمخذفة المقلاع (¬4) وقوله: حصى هو مجرور بكسرة مقدرة لأنه بدل من حصيات أو من حصاة المجرورة بالإضافة في قوله قبله: كل حصاة، هكذا صحت الرواية في مسلم وأبي داود، وقد جاء في كل حصاة منها مثل حصى الخذف، والخذف رميك حصاة أو نواة نحو حبة الباقلاء كما سيأتي، وأخرج الإمام أحمد: "ارموا بمثل حصى الخذف" (¬5) (فرمى من بطن الوادي) أي: السنة أن يقف للرمي في بطن الوادي وهو الموضع المنحدر من العقبة بحيث يكون منى والمزدلفة وعرفات عن يمينه ومكة عن يساره، قال النووي: هذا هو الصحيح الذي جاءت به الأحاديث الصحيحة (¬6) والمراد ببطن الوادي أسفله كما في حديث ابن مسعود، ولو رمى في أي مكان كان صح رميه. (ثم انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المنحر) أي: إلى الموضع الذي ينحر فيه، فهو أولى من غيره على أن منى كلها منحر، فمذهب مالك أنه لا ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "الصحاح في اللغة" (حذف). (¬3) في (م): الرمي، وفي "الصحاح": الرمي به. (¬4) "الصحاح" (خذف). (¬5) "المسند" 3/ 503. (¬6) "شرح النووي" 8/ 191.

فضل لموضع من منى على غيره (¬1) وذكر الأزرقي أن منحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنى عن يسار منحر (¬2) الإمام (فنحر منها) أي من [بدن الهدي] (¬3) (بيده) فيه أن الأولى للمهدي أو المضحي أن يتولى الذبح بيده إن أمكن وكان عارفًا، وأن المنحر الذي نحر فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل، قال ابن التين: منحر النبي - صلى الله عليه وسلم - هو عند الجمرة الأولى التي تلي المسجد، وكأنه أخذه من أثر أخرجه الفاكهي (¬4) (ثلاثًا وستين) فيه استحباب تكثر الهدي، وكان هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في تلك السنة مائة، وقيل: إنما نحر بيده ثلاثًا وستين لأنه التي أتى بها من المدينة، وعلى هذا فلا يكون فيه حجة على الاستنابة، وتقدم أنه قيل: إنما أهدى (¬5) النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك العدد (¬6) لأنه منتهى عمره على ما هو الأصح في ذلك، فكأنه أهدى عن كل سنة من عمره بدنة (¬7). (وأمر عليّا فنحر ما غبر) بفتح الغين المعجمة والباء الموحدة، أي ما بقي منها، قال الله تعالى: {إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} (¬8) أي من الباقين في الموضع الذي عذبوا فيه، فيه استحباب تعجيل الهدايا [في يوم واحد] (¬9) وإن كانت كثيرة، ولا يؤخر بعضها إلى أيام التشريق، ¬

_ (¬1) انظر: "الاستذكار" 13/ 76. (¬2) في (م): مصلى. (¬3) في (ر): البدن. (¬4) "أخبار مكة" 4/ 287. (¬5) في (م): خص. (¬6) من (م). (¬7) في (م): سنة. (¬8) الأعراف: 83. (¬9) تأخرت هذِه العبارة في (م).

واحتج به على جواز الاستنابة في ذبح (¬1) الهدي والأضحية (بشرطه (¬2) وأشركه في هديه) بفتح الهاء وإسكان الدال على المشهور. قال النووي: ظاهره أنه شاركه في نفس الهدي (¬3) فيه دليل على جواز الشركة في الهدايا. قال القاضي عياض (¬4): وعندي أنه لم يكن شريكًا حقيقة، بل أعطاه قدرًا يذبحه (¬5). (وأمر من كل بدنة) وفي رواية: [ثم أمر] (¬6) من كل بدنة (ببضعة) بفتح الباء لا غير وهي القطعة من اللحم (فجعلت في قدر، فطبخت فأكلا منها) فيه استحباب الأكل من هدي التطوع وأضحيته لامتثال قوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا} الآية، وهما وإن لم يأكلا من كل بدنة فقد شربا من مرقها (¬7) وخصوصية علي بالمؤاكلة دليل على أنه أشركه في الهدي، وفيه دليل على أن من حلف أن لا يأكل لحمًا فشرب مرقه أنه يحنث، وفيه دليل على استحباب أكل الأول (¬8) من الهدايا والضحايا، وفيه دليل على جواز أكل المهدي من الهدي وإن كان قارنًا فقد تقدم ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) من (م). (¬3) "شرح النووي" 8/ 192. (¬4) من (م). (¬5) "إكمال المعلم" 4/ 285 - 286. (¬6) سقط من (م). (¬7) في (م): مرق كل ذلك. (¬8) في (م): الأقل.

أنه كان قارنًا (وشربا من مرقها) فيه دليل على أن الآكلين من الهدي وغيره يجمعون بين الأكل من اللحم والشرب من المرق، وفيه دليل على أن أكل اللحم مقدم على شرب المرق، وكذا على الثريد، وفيه دليل على ترك التأنق في المأكل؛ لأنهما اقتصرا على وضع الماء على اللحم دون إدام (¬1) آخر. (قال هشام) بن عمار بن نصير بضم النون مصغر خطيب دمشق، مات سنة 245 (وسليمان: ثم ركب) القصواء (فأفاض) أي: اندفع بسرعة، وكالإفاضة دفعة (إلى البيت) أي: بطواف الإفاضة (فصلى بمكة الظهر) قال النووي: فيه حذف تقديره فأفاض فطاف بالبيت طواف الإفاضة [ثم صلى الظهر فحذف ذكر الطواف لدلالة الكلام عليه (¬2)، والأصل في طواف الإفاضة] (¬3) قوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}، فالتفث (¬4): الرمي، والنذور: الذبائح، والطواف: طواف الركن، ويسمى طواف الزيارة، ولا خلاف أن إيقاعه يوم النحر أولى وأفضل، والأفضل أن يصلي الظهر إذا عاد إلى منى كما قاله (¬5) أصحابنا الشافعية (¬6) واستدلوا بما رواه مسلم في "صحيحه" عن ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أفاض يوم النحر ثم ¬

_ (¬1) في (ر): أدم. (¬2) "شرح النووي" 8/ 193. (¬3) من (م). (¬4) في (م): هنا هو. (¬5) في (ر): قالوا. (¬6) "المجموع" 8/ 220.

رجع فصلى الظهر بمنى (¬1). وروى أبو داود عن عائشة وابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخر طواف النحر إلى الليل. وقال الترمذي فيه: حديث حسن (¬2)، وطريق الجمع بين هذِه الأحاديث كما قاله في "شرح المهذب" لأنه - عليه السلام - أفاض قبل الزوال فطاف وصلى الظهر بمكة في أول وقتها ثم رجع إلى منى فصلى به الظهر مرة أخرى بأصحابه إمامًا كما صلى بهم في بطن نخل مرتين، فروى [ابن عمر] (¬3) صلاته بمنى وجابر صلاته بمكة (¬4). وأما حديث عائشة وابن عباس فمحمول على أنه أخر طواف نسائه وذهب معهم، نعم في البيهقي عن القاسم، عن عائشة أنه - عليه السلام - زار مع نسائه، فيحمل على الإعادة، وأن ذلك وقع مرتين: مرة ليلًا ومرة نهارًا، وبذا جمع ابن حبان في "صحيحه" ولا يقال أن أحد الأحاديث وهم كما قال ابن حزم (ثم أتى بني عبد المطلب وهم يسقون) لأن عبد المطلب أول من حفرها حين أمر بذلك في المنام بعدما كانت جرهم دفنتها حين ظعنوا بمكة (¬5) واستولى عليها غيرهم، ولم تزل داثرة لا يعرف موضعها حتى رأى عبد المطلب المنام المعروف بدفنها (على ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1308). (¬2) "سنن أبي داود" (2000)، والترمذي (920). (¬3) من (م). (¬4) "المجموع" 8/ 222. (¬5) في (م): عن مكة.

زمزم) بينها وبين الكعبة ثمانية وثلاثون ذراعًا، قال أبو عبيد البكري: سميت بذلك؛ لأن عبد المطلب أري في منامه: احفر زمزم إن حفرتها لم تندم (¬1) قال ابن معن في "تعيينه": لها ثلاث عيون، إحداها محاذية الحجر الأسود، والثانية محاذية لأبي قبيس، والثالثة محاذية للمروة. (فقال: انزعوا) بوصل الهمزة وكسر الزاي لا غير وبالكسر، قوله تعالى: {يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا} (¬2) (بني عبد المطلب) قال القرطبي: وإن كان الأصل فيها الفتح في المضارع؛ لأن ما كان على فعل وعينه أو لامه حرف جر فالأصل في مضارعه أن يأتي على يفعل بفتح العين أو ضمها، والنزع الاستقاء بالرشا، والنزح بالحاء الاستقاء بالدلو (¬3). قال الجوهري: الرشاء الحبل (¬4). قال النووي: معناه استقوا بالدلاء وانزعوها بالرشاء، ومعنى يسقون على زمزم: يغرفون بالدلاء ويصبونه في الحياض ويسقونه للناس (¬5). (فلولا أن يغلبكم) بالتحتانية (¬6) (الناس) أي: لولا خوفي إذا سقيت بيدي معكم أن يقتدي الناس بي ويعتقدون أن ذلك من مناسك الحج فيزدحمون عليه بحيث يغلبونكم ويدفعونكم عن الاستقاء وتزول خصوصية بني عبد المطلب الثابتة لهم لاستقيت معكم؛ لكثرة فضيلة ¬

_ (¬1) "معجم ما استعجم" 2/ 286. (¬2) الأعراف: 27. (¬3) "المفهم" 3/ 342. (¬4) "الصحاح" (رشأ). (¬5) "شرح النووي" 8/ 194. (¬6) سقط من (م).

هذا الاستقاء. وفيه فضيلة العمل في هذا الاستقاء على غيره، وفيه إعانة من يراه من أقاربه في عمل شاق متعب (¬1)، وفي الاعتذار عن العمل إذا خاف حصول (¬2) الضرر بهم بزوال اختصاصهم عما هو ثابت لهم (على أخذ سقايتكم) المختص عملكم بها، ويحتمل أن يكون التقدير على سقيكم الحاج؛ فإن السقاية مصدر كالسقي (لنزعت) بفتح الزاي (معكم) قال أبو سليمان: ترك الفعل مع الرغبة في الفضل خيفة (¬3) أن تتخذ سنة واجبة اقتداء بفعله (¬4). (فناولوه) زاد (¬5) أبو علي بن السكن في روايته: فناوله العباس (دلوًا) استدل بهذا على أن [سقاية الحاج خاصة ببني العباس بن عبد المطلب (فشرب منه) استدل به على أن] (¬6) الذي أرصد (¬7) للمصالح العامة لا يحرم على النبي - صلى الله عليه وسلم -[ولا على آله؛ لأن العباس أرصد سقاية زمزم لذلك، وقد شرب منها النبي - صلى الله عليه وسلم -] (¬8) قال ابن التين (¬9) في الحاشية: ¬

_ (¬1) في (ر): شعت. والمثبت من (ر). (¬2) من (م). (¬3) في (م): تفقه. (¬4) "أعلام الحديث" 2/ 883. (¬5) سقط من (م). (¬6) من (م). (¬7) في (م): أزيد. (¬8) سقط من (م). (¬9) في (م) و"الفتح": المنير.

يحمل الأمر في هذا على أنها مرصدة للنفع العام، [فيكون للنبي] (¬1) في معنى الهدية، وفيه أنه لا يكره طلب السقي من الغير ولا رد ما يعرض على المرء من الإكرام إذا عارضه مصلحة أولى (¬2) منه. وفيه الترغيب في السقي خصوصًا من ماء زمزم (¬3). وفيه فضيلة الشرب منه. قال ابن التين: لا يستعمل ماء زمزم في مرحاض ولا يخلط بنجس، ولا تزال به نجاسة، ويتوضأ به ويتطهر من ليس بأعضائه نجس ولا يغسل به الميت، وعلى هذا قاعدة أن الميت نجس، ولا يستنجى به، وذكر أن بعض الناس استحل ذلك فحدث به الباسور وأهل مكة على إتقاء ذلك إلى اليوم. [1906] (عن جعفر بن محمد) الصادق (عن أبيه) محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر والعصر بأذان واحد) جامعًا بينهما بأذان واحد للأولى ولا يؤذن للثانية كما قال الشافعية (¬4) والحنفية (¬5)، وهو الصحيح عند الحنابلة (¬6) وعند ¬

_ (¬1) في (م): لكون المعنى، وفي "الفتح": فتكون للغني. (¬2) في بعدها في (م): لأن رده، وفي (ر): لا رد دره، والنقل من "فتح الباري" وفيه نقص والذي في "الفتح" لأن رده لما عرض عليه العباس مما يوتى به من نبيذ لمصلحة التواضع التي ظهرت من شربه مما يشرب منه الناس. (¬3) "فتح الباري" 3/ 575. (¬4) انظر: "الحاوي" 4/ 176. (¬5) انظر: "المبسوط" 4/ 62. (¬6) انظر: "المغني" 5/ 278.

المالكية (¬1) أنه يجمع بأذان وإقامة لكل صلاة (¬2) وهذا الحديث حجة عليه (بعرفة) وهذا الجمع سببه السفر عند الشافعية (¬3) وكثير من الحنابلة (¬4)، وفي وجه عند الشافعية سببه النسك (¬5)، وهو الذي يظهر دليله فيجوز لكل أحد هناك، وفي وجه ثالث سببه أصل السفر فيجوز للمكي؛ لأنه سافر وإن كان قصيرًا، ولا يجوز لأهل عرفة لعدم سفرهم. (ولم يسبح) أي: لم (¬6) يصل نافلة (بينهما) كما تقدم (وإقامتين) إقامة للصلاة الأولى وإقامة للثانية كما تقدم (وصلى المغرب والعشاء) جامعًا بينهما (بجمع) وهي المزدلفة كما تقدم ويصلي بهم الإمام (بأذان واحد وإقامتين) يقيم لكل واحدة من أذن (ولم يسبح بينهما) يعني لم يصل بينهما الرواتب، بل يقيم ويتيمم بينهما؛ لأن التيمم من مصلحة الصلاة كالإقامة، وكذا لا يضر طلب خفيف للماء؛ لأنه من مصلحة الصلاة أيضًا، وجوز الإصطخري التنفل بينهما، والحديث حجة عليه، وهذا الحديث المرسل في هذا الحديث؛ فإن محمد بن علي بن الحسين تابعي. (أسنده حاتم بن إسماعيل) مولى عبد الدار، مات بالمدينة سنة 187 فإنه رواه (في الحديث الطويل) عن جابر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (ووافق حاتمًا على إسناده) لهذا الحديث (محمد بن علي الجعفي، عن جعفر بن محمد) ¬

_ (¬1) انظر: "التمهيد" 9/ 260. (¬2) "المدونة" 1/ 429. (¬3) انظر: "مغني المحتاج" 1/ 530. (¬4) انظر: "المبدع" 3/ 210. (¬5) انظر: "تحفة المحتاج" 2/ 394. (¬6) سقط من (م).

الصادق المذكور (عن أبيه) محمد بن علي المذكور (عن جابر) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (إلا أنه قال: [فصلى المغرب والعتمة بأذان وإقامة]) (¬1) فيه حجة لأبي يوسف وأبي حنيفة حيث قالا: يقتصر في الصلاتين (¬2) على أذان واحد وإقامة واحدة (¬3) والرواية المتقدمة حجة عليهما. [1907] (قال أبو داود: قال لي (¬4) أحمد بن حنبل: [حدثنا يحيى بن سعيد]) (¬5) أخطأ حاتم بن إسماعيل ومن وافقه في هذا الحديث الطويل في إسناد هذا الحديث الطويل، ثم قال (جعفر: حدثنا (¬6) أبي) محمد بن علي. (عن جابر قال: ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: قد نحرت ها هنا) قال ابن التين: منحر النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الجمرة الأولى التي تلي مسجد منى، والمنحر فيه فضيلة على غيره، ولذلك كان (¬7) عمر يسابق إليه، وأخذ ابن التين تعيين هذا المكان من أثر ذكره الفاكهي من طريق ابن جريج، عن طاوس: كان منحر النبي - صلى الله عليه وسلم - بمنى (ومنى كلها منحر) رواية الطحاوي: وشعاب منى كلها منحر (¬8)، [فيه دليل على أن النحر] (¬9) يجزئ في جميع أراضي منى وشعابها بلا خلاف، قال الشافعي ¬

_ (¬1) ساقطة من النسخ، والمثبت من المطبوع. (¬2) في (ر): الصلاة. (¬3) انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 152. (¬4) من المطبوع. (¬5) من (م). (¬6) في (م): عن. (¬7) في (م): قال ابن. (¬8) "شرح مشكل الآثار" 3/ 229. (¬9) سقط من (م).

وأصحابه: يجوز نحر (¬1) الهدي ودماء الحيوانات في جميع أراضي الحرم، لكن الأفضل في حق الحاج منى، وفي حق المعتمر أن ينحر في المروة؛ لأنها موضع تحلله كما أن منى موضع تحلل الحاج (¬2). (ووقف بعرفة) عند الصخرات كما تقدم (وقال: قد وقفت ها هنا وعرفة كلها موقف) فيه بيان رفق النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمته وشفقته عليهم في بيان أحكامهم وتنبيههم (¬3) على مصالح دينهم ودنياهم؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - ذكر لهم الأكمل والجائز، فالأكمل موضع (¬4) وقوفه، والجائز جزء من أجزاء أرض عرفة. قال الأزرقي: وحدها من الجبل المشرف على أرض (¬5) عرنة بضم العين وفتح الراء والنون، وهو وادٍ إلى جبال عرفات يلتقي إلى وصيق (¬6) بفتح الواو وكسر الصاد المهملة وآخره قاف. قال الزمخشري: الوصيق جبل لكنانة وهذيل (¬7) إلى ملتقى وصق، ووادي عرنة ووادي عرفة لا ينعطف على عرفة، بل هو ممتد مما يلي مكة يمينًا وشمالًا، قال ابن حزم: إن عرفة من الجبل وبطن عرنة من الحرم (¬8). ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "المجموع" 8/ 190 - 191. (¬3) في (ر): تبيينهم. (¬4) سقط من (م). (¬5) في (م) و"أخبار مكة": بطن. (¬6) "أخبار مكة" 2/ 187. (¬7) "الجبال والأمكنة والمياه" ص 317. (¬8) "المحلي" 7/ 188.

(ووقف بالمزدلفة، فقال: قد وقفت ها هنا) بالمزدلفة واستحبوا الوقوف بحيث المنارة، وحيث يقف الأئمة بين الجبلين (والمزدلفة كلها موقف) فالوقوف واسع في كل مواضع المزدلفة غير أن يتوخى موقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث المنارة أولى تبركًا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وآثاره، وفي رواية مالك: جمع كلها موقف، وارتفعوا عن بطن محسر، وحد المزدلفة ما بين وادي محسر ومأزمي عرفة، وليس الجدار منها، قاله الأزرقي (¬1). والمأزمان جبلان بين عرفة ومزدلفة. [1908] ([حدثنا مسدد، حدثنا حفص بن غياث] (¬2) عن جعفر) الصادق (بإسناده نحوه وزاد عليه: وانحروا في رحالكم) [أي منازلكم] (¬3) قال أهل اللغة: رحل الرجل منزله سواء كان من حجر أو مدر أو شعر أو وبر. ومعنى الحديث: لا تتكلفوا المنحر في موضع نحري، بل يجوز لكم النحر في منازلكم من منى، وهذا مثال للآمر بالشيء والمراد به (¬4) الإباحة كقوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا} (¬5)، وفي طريق أخرى (¬6). [1909] ([حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا يحيى بن سعيد القطان، ¬

_ (¬1) "أخبار مكة" 2/ 191. (¬2) من (م). (¬3) من (م). (¬4) في (م): أنه. (¬5) الجمعة: 10. (¬6) في (ر): آخر.

عن جعفر، حدثني أبي، عن جابر] (¬1) فذكر (¬2) هذا الحديث، وأدرج في الحديث) استعمل أبو داود في هذا الحديث قسم من أقسام المدرج، وهو أن يكون الحديث عند راويه بإسناد إلا طرفًا منه، فإنه عنده بإسناد آخر فيجمع الراوي عنه عند طرفي الحديث بإسناد الطرف الأول ولا يذكر إسناد طرفه الثاني، فإن راويه أو كلهم عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر وذكر الحديث بكماله إلا قوله: فقرأ (عند قوله {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} بالتوحيد {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} فإنه أدرج من رواية يحيى بن سعيد القطان، عن جعفر، عن أبيه، عن جابر، وهذا قسم من أقسام المدرج ذكر في علوم الحديث، ومثلوه بالحديث المتقدم من رواية زائدة وشريك، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر في صفة صلاة (¬3) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم جئتهم بعد ذلك بزمان فيه برد شديد، فرأيت الناس عليهم جل الثياب تحرك أيديهم تحت الثياب (¬4) (عند قوله {وَاتَّخِذُوا}) الرواية بكسر الخاء على الأمر كما في إحدى القراءتين في السبع كما تقدم ({مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}) الصحيح أنه الموضع الذي يصلى فيه اليوم (قال: فقرأ فيهما بالتوحيد) [رواية يقرأ فيهما] (¬5) أي: بالسورة التي فيها التوحيد، وهي {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} كما تقدم في رواية الجمهور، ¬

_ (¬1) من المطبوع. (¬2) في (ر): فذلك. (¬3) من (م). (¬4) رواه أبو داود (727). (¬5) سقط من (م).

وسميت بذلك لأنها متمحضة بصفة الوحدانية لله تعالى، ولهذا كانت تعدل ثلث القرآن وقدمت سورة التوحيد على {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} للاعتناء بها والاهتمام؛ ولأنها أفضل منها على الصحيح، وفي تقدمها هنا إشارة إلى جواز القراءة بها قبل {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}. وقد سئل أحمد عن هذا فقال: لا بأس به أليس يعلم الصبي على هذا (¬1). وقد روي أن (¬2) الأحنف قرأ بالكهف في الأولى وفي الثانية بيوسف، وذكر أنه (¬3) صلى مع عمر الصبح بهما استشهد به (¬4) البخاري (¬5) (و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}) فيه دليل على أنه يستحب أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وفي الثانية {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، وقد اتفقت الأئمة الأربعة على استحبابه، وقال الشافعية: يجهر بقراءتهما إن صلاهما ليلًا ويسر بالقراءة إن صلاهما نهارًا (¬6). (وقال فيه) أي: فيما أدرجه: و (قال علي) بن أبي طالب (- رضي الله عنه -) حين كان (بالكوفة) فإنه سكن فيها وقتل بها سنة 40 من الهجرة (قال) جعفر: ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" 2/ 169. (¬2) في (م): عن. (¬3) سقط من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) "صحيح البخاري" 1/ 154 قبل حديث (775). (¬6) "المجموع" 8/ 53.

(قال أبي) يعني محمد ابن الحنفية [أن (هذا الحرف] (¬1) لم يذكره جابر) بن عبد الله في روايته، قال علي: (فذهبت محرشًا وذكر قصة فاطمة) في تحريشه النبي - صلى الله عليه وسلم - عليها في الأمر الذي صنعته من لبسها ثيابًا صبيغًا واكتحالها كما تقدم في الحديث. ¬

_ (¬1) سقط من (م).

59 - باب الوقوف بعرفة

59 - باب الوُقُوفِ بِعَرَفَةَ 1910 - حَدَّثَنا هَنّادٌ، عَنْ أَبي مُعاوِيَةَ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتْ قُريْشٌ وَمَنْ دانَ دِينَها يَقِفُونَ بِالمُزْدَلِفَةِ وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ الحُمْسَ وَكَانَ سائِرُ العَرَبِ يَقِفُونَ بِعَرَفَةَ، قَالَتْ: فَلَمّا جاءَ الإِسْلامُ أَمَرَ اللهُ تَعالَى نَبِيَّهُ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَأْتي عَرَفاتٍ فيَقِفَ بِها ثُمَّ يُفِيضَ مِنْها فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالَى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} (¬1). * * * باب الوقوف بعرفة [1910] (حدثنا هناد) بن السري (عن أبي معاوية) محمد بن خازم، بالخاء والزاي المعجمتين (عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير - رضي الله عنه - ([عن عائشة] (¬2) قالت: كانت قريش ومن دان دينها) وهم خزاعة وبنو كنانة وبنو عامر بن صعصعة المتولدون منهم (¬3)، وسببه ما ذكره إبراهيم الحربي في "غريبه" عن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال: كانت قريش إذا خطب إليهم الغريب اشترطوا عليه أن ولدها على دينهم، فدخل في دين قريش ثقيف وليث وخزاعة وبنو عامر وغيرهم، وعرف بهذا أن المراد بهذِه القبائل من كانت أمه قرشية لا جميع القبائل (يقفون بالمزدلفة) وهي من الحرم في يوم عرفة، ويقولون: لا نفيض إلا من الحرم [مع اعترافهم أن عرفة موقف إبراهيم - عليه السلام -] (¬4)؛ لأن الشيطان استهواهم، وقال لهم: ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1665، 4520)، ومسلم (1219). (¬2) من المطبوع. (¬3) في (م): بينهم. (¬4) سقط من (م).

إن عظمتم غير حرمكم استخف الناس بحرمتكم وأنتم أهل الله لا تخرجوا إلا من الحرم. وقيل: كانت تستكبر أن تقف مع الناس، ولذلك أمر الله تعالى بقوله: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}، وفي ضمنه الأمر بالوقوف بعرفة؛ لأن الإفاضة إنما تكون عن اجتماع قبله بها. (وكانوا يسمون الحمس) بضم المهملة وسكون الميم بعدها [سين مهملة] (¬1) جمع الأحمس وهو الشديد على دينه، سموا بذلك؛ لأنهم شددوا على أنفسهم فكانوا إذا أهلوا بحج أو عمرة لا يأكلون لحمًا ولا يستظلون بشيء، ولا يأتون البيوت من أبوابها وغير ذلك. وروى إبراهيم الحربي في "غريب الحديث" من طريق ابن جريج عن مجاهد قال: الحمس قريش ومن كان يأخذ بأخذها من القبائل كالأوس والخزرج وخزاعة وثقيف وغزوان وبني عامر وبني كنانة إلا بني بكر (¬2). وروي أيضًا من طريق عبد العزيز بن عمران المدني قال: سموا حمسًا بالكعبة؛ لأنها حمساء حجرها أبيض يضرب إلى السواد، والأول أشهر؛ لأنه من التحمس وهو التشدد، وقيل الحمسة الحرمة، وسميت قريش بذلك (¬3) لنزولها في الحرم. (وكان سائر العرب) أي: باقيهم، قال الأزهري: اتفق أهل اللغة على أن معنى سائر المسلمين: الباقي (¬4). وقال الجوهري: سائر الناس جميعهم (¬5). ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) انظر: "فتح الباري" 3/ 516. (¬3) من (م). (¬4) "تهذيب اللغة" (سار). (¬5) "الصحاح" (سير).

قال ابن الصلاح: ولا التفات إلى قوله هذا؛ فإنه ممن (¬1) لا يقبل ما ينفرد به وهو مردود عليه عند أهل اللغة معدود في غلط العامة، وأنكر عليه ذكره في فصل يسير - يعني: بالياء - وصوابه: أن يذكر في سأر - بالهمزة - لأنه من السؤر وهو بقية الشراب وغيره، وظاهر الحديث يدل على ما قاله ابن الصلاح، ورواية (¬2) الترمذي: وكان من سواهم (¬3) (يقفون بعرفه) ويفيضون منها. (فلما جاء الإسلام أمر الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يأتي عرفات) جمعت عرفات وإن كانت موضعًا واحدًا؛ لأن كل جزء منه يسمى عرفة، ولهذا كانت مصروفة (¬4)، كعصبات، ويجوز ترك الصرف أيضًا كما يجوز ترك صرف أذرعات على أنها اسم مفرد لبقعة، قال الواحدي وغيره: وعلى هذا تتجه قراءة العقيلي: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ} بفتح التاء. قال الزجاج: الصرف أحسن (¬5)، وفي "الصحاح" أن عرفات موضع بمنى (¬6) وهو عجيب. ثم قال: وهو اسم بلفظ الجمع فلا يجمع (¬7) (فيقف بها) عند الصخرات، كما تقدم. (ثم يفيض منها) الإفاضة في اللغة: دفع الشيء، سمي بذلك؛ لأن الناس إذا انصرفوا دفع بعضهم بعضًا، وأصله من فاض الماء إذا انصب ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (ر): رواه. (¬3) "سنن الترمذي" (884). (¬4) في (م): معروفة. (¬5) في (م): جنس. (¬6) انظر: "الصحاح" 4/ 104 (عرف). (¬7) من (م).

(فذلك قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}) المخاطب به النبي - صلى الله عليه وسلم -، والمراد به من كان لا يقف بعرفة من قريش وغيرهم. وروى ابن أبي حاتم وغيره عن الضحاك أن المراد بالناس هنا إبراهيم الخليل، وعنه: المراد به الإمام (¬1). وعن غيره: آدم (¬2). وقرئ به في الشواذ: الناسي (¬3) بكسر السين بوزن القاضي، والأول أصح؛ نعم الوقوف بعرفة موروث عن إبراهيم كما روى الترمذي وغيره من طريق يزيد بن شيبان قال: كنا وقوفًا (¬4) بعرفة فأتانا ابن مربع فقال: إني رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليكم يقول: "كونوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث إبراهيم" (¬5). ولا يلزم [من ذلك] (¬6) أن يكون هو المراد خاصة بقوله: {مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} بل هو لأعم من ذلك. وأما الإتيان في الآية بثم؛ قيل: هي بمعنى الواو، وهو اختيار الطحاوي، وقيل: لقصد (¬7) التأكيد لا لمحض الترتيب، والمعنى: فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام ثم اجعلوا الإفاضة التي تفيضونها من حيث أفاض الناس لا من حيث كنتم تفيضون. ¬

_ (¬1) "تفسير ابن أبي حاتم" 2/ 354 (1861، 1862). (¬2) في (م): الأم. وانظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 156. (¬3) انظر: "المحتسب" لابن جني 1/ 119، "تفسير الثعلبي" 1/ 156. (¬4) سقط من (م). (¬5) "سنن الترمذي" (883). وقال: حديث حسن. (¬6) من (م). (¬7) في (ر): لفصل.

60 - باب الخروج إلى منى

60 - باب الخُرُوجِ إِلَى مِنَى 1911 - حَدَّثَنا زُهيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا الأَحْوَصُ بْن جَوّابٍ الضَّبّيُّ، حَدَّثَنا عَمّارُ بْنُ رُزيْقٍ، عَنْ سُليْمانَ الأَعْمَشِ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابنْ عَبَّاسٍ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، والفَجْرَ يَوْمَ عَرَفَةَ بِمِنًى (¬1). 1912 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا إِسْحاقُ الأَزْرَقُ، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ رُفيْعٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مالِكٍ قُلْتُ: أَخْبِرْني بِشَيء عَقَلْتَهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؟ فَقَالَ: بِمِنًى. قُلْتُ: فَأيْن صَلَّى العَصْرَ يَوْمَ النَّفْرِ؟ قَالَ: بِالأَبْطَحِ، ثُمَّ قَالَ: افْعَلْ كَما يَفْعَلُ أُمَراؤُكَ (¬2). * * * باب الخروج إلى منى [1911] (حدثنا زهير بن حرب، ثنا الأحوص) بالحاء والصاد المهملتين (ابن جواب) بفتح الجيم وتشديد الواو آخره بعد الألف باء موحدة (الضبي) بفتح الضاد المعجمة (¬3) وتشديد الباء الموحدة (حدثنا عمار بن رزيق) بتقديم الراء على الزاي. (عن سليمان الأعمش، عن الحكم) بفتح الحاء والكاف، ابن عتيبة. (عن مقسم) بكسر الميم وفتح السين، ابن بجرة أو نجدة التابعي المشهور. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (879، 880)، وابن ماجه (3004)، وأحمد 1/ 297. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1669). (¬2) رواه البخاري (1653، 1654، 1763)، ومسلم (1309). (¬3) في (م): الموحدة.

(عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال: صلي (¬1) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر يوم التروية) صلاته الظهر يوم التروية بمنًى محمول (¬2) على الندب، كما تقدم في حديث جابر الطويل: لما كان يوم التروية فصلى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء (و) صلى صبيحة اليوم التاسع صلاة (الفجر [يوم عرفة] (¬3) بمنًى). [1912] ([حدثنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا إسحاق) بن يوسف بن مرداس المخزومي (الأزرق، عن سفيان) الثوري (عن عبد العزيز بن رفيع) مصغر (قال: سألت أنس بن مالك قلت: أخبرني بشيء عقلته) بفتح القاف (عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أين صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر يوم التروية؟ ) وهو اليوم الثامن (قال: بمنى) كما تقدم (قلت: فأين صلى العصر يوم النفر؟ ) بفتح النون وإسكان الفاء. واعلم أن أيام المناسك سبعة: أولها: سابع ذي الحجة، وآخرها: ثالث عشر، فالسابع ذكر مكي بن أبي طالب في باب عمل الحج (¬4) أن اسمه يوم الزينة، أي (¬5): لأنهم كانوا يزينون في محاملهم (¬6) وهوادجهم للخروج، وأما الثامن ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) من (م). (¬3) من المطبوع. (¬4) في (م): المناسك. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (م): محالهم.

فاسمه يوم التروية بالتاء المثناة، والتاسع يوم عرفة، والعاشر يوم النحر، والحادي عشر يوم القر بفتح القاف وتشديد الراء؛ لأنهم قارون فيه بمنى، والثاني عشر يوم النفر الأول، والثالث عشر يوم النفر الثاني (¬1). (قال: بالأبطح) أي: بجنب المقبرة، والمراد بالنفر (¬2) الرجوع بمنى بعد انقضاء أعمال الحج، والمراد بالأبطح المحصب كما سيأتي. (ثم قال: افعل كما يفعل أمراؤك) استحب مالك لمن يقتدى به ألا يترك النزول به، أي: صل مع الأمراء حيث يصلون، فيه: إشعار بأن الأمراء إذ ذاك كانوا لا يواظبون على صلاة الظهر ذلك اليوم بمكان معين ولا يوم النفر لصلاة العصر، فأشار أنس إلى أن الذي يفعلونه جائز، وإن كان (¬3) الاتباع أفضل، وفي الحديث إشارة إلى متابعة أولي الأمر، والاحتراز عن مخالفة الجماعة [أي شيء أعدوه] (¬4). ¬

_ (¬1) في (ر): الثالث. (¬2) من (م). (¬3) من (م). (¬4) سقط من (م).

61 - باب الخروج إلى عرفة

61 - باب الخُرُوجِ إِلى عَرَفَةَ 1913 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنا أَبي، عَنِ ابن إِسْحاقَ حَدَّثَني نافِعٌ، عَنِ ابن عُمَرَ قَالَ غَدا رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ مِنًى حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ صَبِيحَةَ يَوْمِ عَرَفَةَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَنَزَلَ بِنَمِرَةَ وَهي مَنْزِلُ الإِمامِ الذي يَنْزِلُ بِهِ بِعَرَفَةَ، حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ صَلاةِ الظُّهْرِ راحَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُهَجِّرًا فَجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ والعَصْرِ ثُمَّ خَطَبَ النّاسَ ثُمَّ راحَ فَوَقَفَ عَلَى المَوْقِفِ مِنْ عَرَفَةَ (¬1). * * * باب الخروج إلى عرفة [1913] ([حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا يعقوب) بن إبراهيم بن سعد (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد الزهري (عن) محمد (بن إسحاق، حدثني (¬2) نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: غدا) بالغين المعجمة [أي: فصار غدوة] (¬3) (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من منى حين صلى الصبح) ظاهره أنه توجه من منى حين صلى الصبح بها، لكن في حديث جابر الطويل المتقدم أن توجهه منها كان بعد طلوع الشمس، ولفظه: ثم مكث، أي: بمنى حتى طلعت الشمس (صبيحة) [ظرف زمان] (¬4) بالنصب بدل مما قبله، بدل كل من كل؛ جيء به لبيان ما أجمل قبله وهو الصبح ([يوم عرفة] (¬5) حتى أتى) أرض (عرفة فنزل بنمرة) بفتح النون وكسر الميم كما تقدم موضع ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 129. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1671). (¬2) في (ر): عن. (¬3) و (¬4) من (م). (¬5) سقط من (م).

بقرب عرفات خارج الحرم بين طرف الحرم وطرف عرفات (وهي منزل الإمام الذي ينزل به بعرفات) أي: بقرب، قال ابن الحاج المالكي: وهو (¬1) الموضع الذي يقال له الآراك (¬2)، قال الماوردي: يستحب أن ينزل بنمرة حيث (¬3) نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عند الصخرة الساقطة بأصل الجبل على يمين الذاهب إلى عرفات (¬4) وتحت جبل نمرة غار أربعة أذرع أو خمسة أذرع، ذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينزله، قال الأزرقي: ويروى أن جبريل أنزل إبراهيم الخليل بنمرة حين حج به وعرفه المناسك، وقال شمس الدين السروجي الحنفي: إن نزول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنمرة لم يكن عن قصد (¬5). (حتى إذا كان (¬6) عند صلاة الظهر) تقدم معناه في حديث جابر فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزلها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت فركب، حتى أتى بطن الوادي فخطب، قالت الحنفية والشافعية وغيرهم: تغتسل إذا زالت الشمس المرأة الحائض والنفساء (راح) أي: بعد زوال الشمس (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مهجرًا) بتشديد الجيم (¬7) المكسورة، قال الجوهري: التهجير والتهجر السير في الهاجرة، ¬

_ (¬1) في (م): هذا. (¬2) انظر: "عون المعبود" 5/ 392. (¬3) في (م): حين. (¬4) "الحاوي الكبير" 4/ 168. (¬5) انظر: "حاشية ابن عابدين" 2/ 503. (¬6) بعدها في (ر): رواية كانوا. (¬7) في (ر): الميم.

والهاجرة نصف النهار عند اشتداد الحر (¬1). والتوجه وقت الهاجرة في ذلك اليوم سنة لما يلزم من تعجيل الصلاة في ذلك اليوم، وأشار البخاري إلى هذا الحديث في "صحيحه" في التبويب فقال: باب التهجير بالرواح يوم عرفة (¬2). أي: من منى. (فجمع بين الظهر والعصر) قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الإمام يجمع بين الظهر والعصر بعرفة، وكذلك من صلى مع الإمام (¬3)، وذكر أصحابنا يعني الشافعية، أنه لا يجوز الجمع إلا (¬4) لمن بينه وبين وطنه ستة عشر فرسخًا إلحاقًا له بالقصر (¬5)، قال: وليس بصحيح؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع فجمع معه من حضره من المكيين وغيرهم، ولم يأمرهم بترك الجمع كما أمرهم بترك القصر حتى قال (¬6): "أتموا، فإنا سفر" ولو حرم الجمع لبينه لهم؛ إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولا يقر النبي - صلى الله عليه وسلم - على الخطأ، وقد (¬7) كان عثمان يتم الصلاة؛ لأنه اتخذه وطنًا، ولم يترك الجمع، ولم يبلغنا عن أحدٍ من المتقدمين خلاف في الجمع بعرفة والمزدلفة، بل وافق عليه من لا يرى الجمع في غيره (¬8). ¬

_ (¬1) "الصحاح" (هجر). (¬2) "صحيح البخاري" 2/ 161. (¬3) "الإجماع" (186) وفي آخره: كذلك من صلى وحده. (¬4) سقط من (م). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" 2/ 360 - 361. (¬6) و (¬7) من (م). (¬8) "المغني" 5/ 264 - 265، و"عون المعبود" 5/ 392.

(ثم خطب الناس) أي: بمسجد إبراهيم، وروى [ابن] (¬1) المنذر بإسناد صحيح عن القاسم بن محمد: سمعت ابن الزبير يقول: إن من سنة الحج أن الإمام يروح إذا زالت الشمس فيخطب الناس، فإذا فرغ من خطبته نزل فصلى الظهر والعصر جميعًا (¬2). واختلف فيمن صلى وحده وروى الشافعي من رواية إبراهيم بن أبي يحيى - وتفرد به كما قال البيهقي - قال: راح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الموقف بعرفة فخطب الناس الخطبة الأولى، ثم أذن بلال، ثم أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - في الخطبة الثانية ففرغ من الخطبة، وبلال من الأذان، ثم أقام بلال فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر (¬3). وهذان الحديثان من جملة الأدلة الدالة على تقديم الصلاة على الخطبة خلافًا لما دل عليه الحديث، قال الصميري من أصحابنا في كتاب صلاة (¬4) الخوف من "الكفاية": كل خطبة تفعل بعد الصلاة فسنة أو قبلها فواجبة وهي خطبتان: خطبة يوم عرفة، وخطبة يوم الجمعة، وكذا قال الماوردي في كتاب (¬5) صلاة العيدين (¬6) وحكي عن رواية ابن الصلاح عن كتاب "الأعداد" لابن سراقة أن خطبة يوم عرفة والجمعة فرضان، وهؤلاء الثلاثة من أكابر أصحابنا البصريين، ووجه ¬

_ (¬1) ليست في النسخ الخطية. (¬2) انظر: "مصنف ابن أبي شيبة" 8/ 443، 479، 676. (¬3) "مسند الشافعي" 1/ 352 (911)، و"السنن الكبرى" 5/ 114. (¬4) من (م). (¬5) في (م): باب. (¬6) "الحاوي الكبير" 2/ 493.

الدليل أنه يعلم الناس فيها ما بين أيديهم من المناسك إلى الخطبة الثانية وذلك معظم المناسك، وأكثر الناس يجهلها. (ثم راح) أي بعد الخطبتين والصلاة (¬1) من مسجد إبراهيم مسرعًا (فوقف على الموقف) أي عند جبل الرحمة (من عرفة). ¬

_ (¬1) سقط من (م).

62 - باب الرواح إلى عرفة

62 - باب الرَّواحِ إِلَى عَرَفَةَ 1914 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، حَدَّثَنا نافِعُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ حَسّانَ، عَنِ ابن عُمَرَ قَالَ: لَمّا أَنْ قَتَلَ الحَجّاجُ ابنَ الزُّبيْرِ أَرْسَلَ إِلَى ابن عُمَرَ: أيَّةُ ساعَةٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَرُوحُ في هذا اليَوْمِ؟ قَالَ: إِذَا كَانَ ذَلِكَ رُحْنا. فَلَمّا أَرادَ ابن عُمَرَ أَنْ يَرُوحَ قَالُوا: لم تَزِغِ الشَّمْسُ. قَالَ: أَزاغَتْ؟ قَالُوا: لم تَزِغْ - أَوْ زاغَتْ - قَالَ: فَلَمّا قَالُوا: قَدْ زاغَتِ. ارْتَحَلَ (¬1). * * * باب الرواح إلى الموقف [1914] (¬2) ([حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا وكيع، حدثنا نافع بن عمر، عن سعيد بن حسان] عن ابن عمر قال: لما قتل الحجاج) بن يوسف الثقفي (ابن الزبير أرسل إلى) عبد الله (ابن عمر: أية ساعة) ويجوز: أي ساعة بحذف الهاء؛ لأن الساعة تأنيثها مجاز (كان رسول ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (3009)، وأحمد 2/ 25. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1672). ورواه البخاري (1660، 1663) بلفظ: عن سالم قال: كتب عبد الملك إلى الحجاج أن لا يخالف ابن عمر في الحج. فجاء ابن عمر - رضي الله عنه - وأنا معه يوم عرفة حين زالت الشمس، فصاح عند سرادق الحجاج، فخرج وعليه ملحفة معصفرة فقال: ما لك يا أبا عبد الرحمن؟ فقال: الرواح إن كنت تريد السنة. قال: هذِه الساعة؟ قال: نعم. قال: فأنظرني حتى أفيض على رأسي ثم أخرج. فنزل حتى خرج الحجاج، فسار بيني وبين أبي، فقلت: إن كنت تريد السنة فاقصر الخطبة وعجل الوقوف. فجعل ينظر إلى عبد الله، فلما رأى ذلك عبد الله قال: صدق. (¬2) زاد في (م): [عن رجل].

الله - صلى الله عليه وسلم - يروح في هذا اليوم) إلى الموقف؟ فيه السؤال عن أوقات أفعال النبي وأمكنتها. (فقال: إذا كان ذاك) أي: إذا وجد ذاك الوقت (رحنا) (¬1) فيه، وكان هنا تامة لا تحتاج إلى خبر، قال الراوي (فلما أراد ابن عمر أن يروح) إلى الموقف قالوا له: لم تزغ فجلس [بعرفة في وادي نمرة] (¬2) (الشمس) بكسر الزاي، قال الجوهري: الزيغ الميل، وقد زاغت الشمس تزيغ (¬3) إذا مالت وفاء الفيء إذا (¬4) رجع (¬5) (قال: أزاغت؟ قالوا: لم تزغ أو زاغت) فلما حصل الشك لم يرتحل (فلما قالوا) جميعهم: قد (¬6) (زاغت. ارتحل) ابن عمر وارتحل الحجاج ومن معه مبادرين إلى جهة الموقف. وفيه أن من سنن الحج أن يكون للركب أمير ينصبه الإمام يقفون لرأيه، وإذا كان في الركب من هو أعلم من الأمير وأعرف منه بأمور النسك فينبغي له أن يسأله عما يظهر (¬7) له في الحج كما فعل الحجاج مع ابن عمر. ¬

_ (¬1) في (ر): جئنا. (¬2) في (م): قالوا لم تزغ. (¬3) من (م). (¬4) في (م): أي. (¬5) "الصحاح" (زيغ). (¬6) من (م). (¬7) في (م): يطرأ.

63 - باب الخطبة على المنبر بعرفة

63 - باب الخُطْبَةِ عَلَى المِنْبَرِ بِعَرَفَةَ 1915 - حَدَّثَنا هَنّادٌ، عَنِ ابن أَبي زائِدَةَ، حَدَّثَنا سُفْيانُ بْنُ عُييْنَةَ، عَنْ زيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَني ضَمْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَوْ عَمِّهِ قَالَ: رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ بِعَرَفَةَ (¬1). 1916 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبيْطٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الحَى عَنْ أَبِيهِ نُبيْطٍ أَنَّهُ رَأى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - واقِفًا بِعَرَفَةَ عَلَى بَعِيرٍ أَحْمَرَ يَخْطُبُ (¬2). 1917 - حَدَّثَنا هَنّادُ بْنُ السَّري وَعُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ قالا: حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عَنْ عَبْدِ المَجِيدِ، قَالَ: حَدَّثَني العَدّاءُ بْنُ خالِدِ بْنِ هَوْذَةَ - قَالَ هَنّادٌ: عَنْ عَبْدِ المَجِيدِ أَبي عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَني خالِدُ بْنُ العدّاءِ بْنِ هَوْذَةَ قَالَ: رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ النّاسَ يَوْمَ عَرَفَةَ عَلَى بَعِيرٍ قائِمٌ في الرِّكابيْنِ (¬3). قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَواهُ ابن العَلاءِ، عَنْ وَكِيعٍ كَما قَالَ هَنّادٌ. 1918 - حَدَّثَنا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ العَظِيمِ، حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا عَبْدُ المَجِيدِ أَبُو عَمْرٍو عَنِ العَدّاءِ بِمَعْناهُ (¬4). * * * باب الخطبة على المنبر بعرفة [1915] (حدثنا هناد) بن السري بن مصعب التميمي (عن) (¬5) يحيى ¬

_ (¬1) رواه ابن حزم في "حجة الوداع" (279) من طريق أبي داود. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (333). (¬2) رواه النسائي 5/ 253، وابن ماجه (1286)، وأحمد 4/ 305، 306. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1673). (¬3) رواه أحمد 5/ 30. وانظر ما بعده. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1674). (¬4) انظر السابق. (¬5) في (ر): حدثنا.

ابن زكريا (بن أبي زائدة) قال (أخبرنا سفيان بن عيينة، عن زيد بن أسلم) الفقيه العمري (عن رجل من بني ضمرة) بسكون الميم من رهط عمرو بن أمية الضمري (عن أبيه أو عمه) لا يضر جهالة الصحابي؛ لأنهم كلهم عدول (قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر) فيه أن السنة في الخطبة أن يكون على منبر أو مرتفع إذا لم يكن هناك منبر؛ [إذ المنبر] (¬1) أولى من غيره وإن لم يكن منبرًا ولا مرتفعًا خطب إلى جذع أو سارية مرتفعة ليكون أبلغ في السماع (بعرفة) فيه: الخطبة بعرفة ليعلمهم ما أمامهم من المناسك. [1916] (حدثنا مسدد) بن مسرهد قال (حدثنا عبد الله بن داود) الخريبي، أبو عبد الرحمن (¬2) الهمداني (عن سلمة بن نبيط) بضم النون وفتح الباء الموحدة ومثناة تحت ساكنة ثم طاء مهملة (عن رجل من الحي، عن أبيه نبيط) بن شريط بفتح الشين المعجمة، الأشجعي كوفي، قال الذهبي: له صحبة، روى عنه ابنه سلمة (¬3) (أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - واقفًا [بعرفة] (¬4) على بعير) فيه الوقوف على الدابة، وهذا يستثنى من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تتخذوا ظهورها كراسي" (¬5) (أحمر) وهذا في حجة ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في النسخ: أبو عبد الله. وهو خطأ، والصواب المثبت. انظر: "تهذيب الكمال" 14/ 458 (3248). (¬3) "الكاشف" للذهبي 3/ 198. (¬4) من المطبوع. (¬5) بعدها في (ر): ظهوركم منابر. والحديث رواه أحمد 3/ 439، 440، 441، 4/ 234، والدارمي 3/ 1745 (2710)، وابن خزيمة 4/ 142، وابن حبان 12/ 437 =

الوداع، ولما رمى في هذِه الحجة كان على ناقة صهباء، والصهباء: الشقراء (يخطب) لعل (¬1) هذِه الخطبة موعظة والأخرى تعليم المناسك. [1917] (حدثنا هناد بن السري) الكوفي [الوراق (وعثمان بن أبي شيبة) بن عثمان العبسي (قالا: ثنا وكيع، عن عبد المجيد) بن وهب العامري البصري (عن العداء) بتشديد الدال والمد (بن خالد بن هوذة) بفتح الهاء والذال المعجمة العامري (قال هناد) بن السري] (¬2) (عن عبد المجيد) كنيته (أبي عمرو قال: حدثني خالد بن العداء بن هوذة) هكذا في النسختين اللتين رأيتهما، والذي ذكره ابن الأثير في الصحابة: العداء بن خالد بن هوذة (¬3). فنسبه لجده (¬4). (قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب الناس يوم عرفة) يعني: في مسجد إبراهيم - عليه السلام - قبل صلاة الظهر، وخطب الحج أربع، هذِه الثانية، والثالثة يوم النحر بمنى (¬5)، والرابعة يوم النفر الأول بمنى، ويعلمهم في كل خطبة ما بين أيديهم من المناسك وأحكامها إلى الخطبة الأخرى، وكلهن أفراد وبعد الظهر إلا هذِه فإنها خطبتان قبل الظهر بيسير (على ¬

_ = (5619)، والطبراني 2/ 193 (432)، والحاكم 1/ 443، 2/ 100، والبيهقي في "السنن" 5/ 255 من حديث معاذ بن أنس مرفوعًا: "اركبوا هذه الدواب سالمة ولا تتخذوها كراسي" وانظر: "الصحيحة" (21)، وأما ما في (ر) وأن كان غير مستقيم فهو إشارة إلى حديث سيأتي برقم (2567). (¬1) في (م): تعد. (¬2) سقط من (م). (¬3) "أسد الغابة" (3596). (¬4) في (م): المصنف يحيى. (¬5) من (م).

بعير) أحمر كما تقدم (قائمًا في الركابين) هذِه الرواية تبين التي قبلها واقفًا على بعير، أي: في الركابين لعل الحكمة [في القيام] (¬1) في الركابين الإتيان بهيئة الوقوف في الخطبة؛ فإن من شروط الخطبة القيام في الخطبتين إن قدر وأمكن وهنا لما أمكن القيام في الركابين أتى به، ومن شروطها الجلوس [بين الخطبتين] (¬2). (قال أبو داود) في هذا الحديث: [(رواه)] (¬3) محمد (ابن العلاء، عن وكيع، كما قال هناد) بن السري. [1918] (ثنا العباس بن عبد العظيم) بن إسماعيل بن توبة، قال: (ثنا عثمان بن عمر) بن موسى التيمي (¬4)، قال (ثنا عبد المجيد أبو عمرو) بن وهب (عن العداء بن خالد) الصحابي (بمعناه). ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) من (م). (¬3) من المطبوع. (¬4) كذا ترجمه رحمه الله، وهو خطأ، فعثمان بن عمر هنا هو ابن فارس بن لقيط العبدي البصري. "تهذيب الكمال" 19/ 461 (3848).

64 - باب موضع الوقوف بعرفة

64 - باب مَوْضِعِ الوُقُوفِ بِعَرَفَةَ 1919 - حَدَّثَنا ابنُ نُفيْلٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ عَمْرٍو - يَعْني: ابن دِينارٍ -، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَفْوانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ شيْبانَ قَالَ: أَتانا ابن مِرْبَعٍ الأَنْصاري وَنَحْن بِعَرَفَةَ في مَكَانٍ يُباعِدُهُ عَمْرٌو عَنِ الإِمامِ فَقَالَ: أَما إِنّي رَسُولُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِليْكُمْ يَقُولُ لَكُمْ: "قِفُوا عَلَى مَشاعِرِكُمْ فَإِنَّكُمْ عَلَى إِرْثٍ مِنْ إِرْثِ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ" (¬1). * * * باب موضع الوقوف بعرفة [1919] (ثنا) عبد الله بن محمد (ابن نفيل) النفيلي، قال: (ثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو. يعني: ابن دينار) أبو محمد المكي (عن عمرو بن عبد الله بن صفوان) بن أمية (عن يزيد بن [شيبان) الأزدي] (¬2) الصحابي يذكر في الوحدان (قال: أتانا ابن مربع) بكسر الميم وسكون الراء وفتح الباء الموحدة وبالعين المهملة (¬3)، اسمه يزيد، ويروي عنه يزيد بن شيبان (ونحن بعرفة) لا ينصرف للعلمية والتأنيث (في مكان يباعده) أي: عن موقف الإمام، حدثنا (عمرو) بن دينار (عن الإمام) (¬4) لفظ ابن ماجه: عن يزيد بن شيبان قال: كنا وقوفًا في مكان يباعده ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (883)، والنسائي 5/ 255، وابن ماجه (3011)، وأحمد 4/ 137، وابن خزيمة (2818، 2819). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1675). (¬2) في (ر): يسار. (¬3) في (م): الموحدة. (¬4) كذا فسره المصنف وشرحه، وفيه نظر، وإنما تفسيره: يصفه بالبعد. انظر: "مرقاة المصابيح" 5/ 1801، "عون المعبود" 5/ 276، "تحفة الأحوذي" 3/ 531.

عن الموقف، قال: وأتانا ابن مربع (فقال: إني رسول رسول الله إليكم) [صرح بالرسالة إليهم؛ ليكون كلامه أبلغ في قلوبهم وأوقع في أسماعهم] (¬1) (يقول لكم: قفوا) رواية ابن ماجه والترمذي: كونوا (على مشاعركم) أي: المعالم، ندبكم الله إليها، و (¬2) أمركم بالقيام فيها، قال الزجاج: كل ما كان من موقف ومشهد ومذبح ومسعى ومرمى (¬3) ومواضع عبادة فهو مشعر (¬4) وأصل مادته من شعر أي أدرك وعلم، ومنه إشعار الهدي (¬5). والمراد بالحديث: قفوا بعرفة خارج الحرم (فإنكم) اليوم (على إرث من إرث إبراهيم) - عليه السلام -، أي: فإنكم اليوم على ما كان عليه إبراهيم - عليه السلام - وأنتم ورثتموه منه، وهو الذي جعل عرفة مشعرًا وموقفًا للحاج، وكانت عامة العرب تقف بعرفة، وكانت قريش تقف داخل الحرم، وهم الذين كانوا يسمون أنفسهم الحمس، فرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك من فعلهم، وأعلمهم أنه شيء أحدثوه من قبل أنفسهم، وأن الذي أورثه إبراهيم من سنته هو الوقوف بعرفة، واختلفوا فيمن وقف (¬6) ببطن عرنة [أله حجة؟ ] (¬7) فقال الشافعي: لا يجزئه حجه (¬8) وقال مالك: حجه صحيح وعليه دم (¬9). ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) زيادة يقتضيها السياق. (¬3) في (م): مرقى. (¬4) "تاج العروس" (شعر)، و"تهذيب اللغة" (شعر). (¬5) في (ر): الحديث. (¬6) من (م). (¬7) سقط من (م). (¬8) "الأم" 2/ 328. بمعناه. (¬9) "الاستذكار" 13/ 12.

65 - باب الدفعة من عرفة

65 - باب الدَّفْعَةِ مِنْ عَرَفَةَ 1920 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ الأَعْمَشِ ح وَحَدَّثَنا وَهْبُ بْنُ بيانٍ، حَدَّثَنا عَبِيدَةُ، حَدَّثَنا سُليْمانُ الأَعْمَشُ - المَعْنَى - عَنِ الحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قَالَ أَفاضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ عَرَفَةَ وَعَليْهِ السَّكِينَةُ وَرَدِيفُهُ أُسامَةُ وقَالَ: "أيُّها النّاسُ عَليْكُمْ بِالسَّكِينَةِ فَإِنَّ البِرَّ ليْسَ بِإِيجافِ الخيْلِ والإِبِلِ". قَالَ: فَما رَأيْتُها رافِعَةً يَديْها عادِيَةً حَتَّى أَتَى جَمْعًا. زادَ وَهْبٌ ثُمَّ أَرْدَفَ الفَضْلَ بْنَ العَبّاسِ. وقَالَ: "أيُّها النّاسُ إِنَّ البِرَّ ليْسَ بِإِيجافِ الخيْلِ والإِبِلِ فَعَليْكُمْ بِالسَّكِينَةِ". قَالَ: فَما رَأيْتُها رافِعَةً يَديْها حَتَّى أَتَى مِنًى (¬1). 1921 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنا زُهيْرٌ ح وَحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ - وهذا لَفْظُ حَدِيثِ زُهيْرٍ - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ عُقْبَةَ أَخْبَرَني كُريْبٌ أَنَّهُ سَأَلَ أُسامَةَ بْنَ زيْدٍ قُلْتُ: أَخْبِرْني كيْفَ فَعَلْتُمْ - أَوْ صَنَعْتُمْ - عَشِيَّةَ رَدِفْتَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ جِئْنا الشِّعْبَ الذي يُنِيخُ النّاسُ فِيهِ لِلْمُعَرَّسِ فَأَناخَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ناقَتَهُ ثُمَّ بالَ - وَما قَالَ زُهيْرٌ أَهْراقَ الماءَ - ثُمَّ دَعا بِالوَضُوءِ فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا ليْسَ بِالبالِغِ جِدّا قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ الصَّلاةَ. قَالَ: "الصَّلاةُ أَمامَكَ". قَالَ: فَرَكِبَ حَتَّى قَدِمْنا المُزْدَلِفَةَ فَأَقامَ المَغْرِبَ ثُمَّ أَناخَ النّاسُ في مَنازِلهِمْ وَلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى أَقامَ العِشاءَ وَصَلَّى ثُمَّ حَلَّ النّاسُ. زادَ مُحَمَّدٌ في حَدِيثِهِ قَالَ: قُلْتُ: كيْفَ فَعَلْتُمْ حِينَ أَصْبَحْتُمْ؟ قَالَ: رَدِفَهُ الفَضْلُ، وانْطَلَقْتُ أَنا في سُبّاقِ قُريْشٍ عَلَى رِجْلَي (¬2). 1922 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عيّاشٍ، عَنْ زيْدِ بْنِ عَليٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبيْدِ اللهِ بْنِ أَبي رافِعٍ، عَنْ عَلي ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1671)، ومسلم (1282). ورواية مسلم عن ابن عباس عن أخيه الفضل بن عباس. (¬2) رواه البخاري (1669)، ومسلم (1280). وانظر ما سيأتي بالأرقام (1923، 1924، 1925).

قَالَ: ثُمَّ أَرْدَفَ أُسامَةَ فَجَعَلَ يُعْنِقُ عَلَى ناقَتِهِ والنّاسُ يَضْرِبُونَ الإِبِلَ يَمِينًا وَشِمالًا لا يَلْتَفِتُ إِليْهِمْ ويَقُولُ: "السَّكِينَةَ أيُّها النّاسُ". وَدَفَعَ حِينَ غابَتِ الشَّمْسُ (¬1). 1923 - حَدَّثَنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: سُئِلَ أُسامَةُ بْنُ زيْدٍ وَأَنا جالِسٌ كيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسِيرُ في حَجَّةِ الوَداعِ حِينَ دَفَعَ قَالَ: كَانَ يَسِيرُ العَنَقَ فَإِذا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ. قَالَ هِشامٌ: النَّصُّ فَوْقَ العَنَقِ (¬2). 1924 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنا أَبي، عَنِ ابن إِسْحاقَ حَدَّثَني إِبْراهِيمُ بْن عُقْبَةَ، عَنْ كُريْبٍ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبّاسٍ، عَنْ أُسامَةَ قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فَلَمّا وَقَعَتِ الشَّمْسُ دَفَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬3). 1925 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُريْبٍ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُسامَةَ بْنِ زيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: دَفَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالشِّعْبِ نَزَلَ فَبالَ فَتَوَضَّأَ وَلَمْ يُسْبِغِ الوُضُوءَ قُلْتُ لَهُ: الصَّلاةَ. فَقَالَ: "الصَّلاةُ أَمامَكَ". فَرَكِبَ فَلَمّا جاءَ المُزْدَلِفَةَ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الوُضُوءَ ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَصَلَّى المَغْرِبَ ثُمَّ أَناخَ كُلُّ إِنْسانٍ بَعِيرَهُ في مَنْزِلِهِ ثُمَّ أُقِيمَتِ العِشاءُ فَصَلَّاها وَلَمْ يُصَلِّ بيْنَهُما شيْئًا (¬4). * * * باب الدفع من عرفة [1920] (ثنا محمد بن كثير) بالثاء المثلثة، أبو عبد الله العبدي ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (885)، وأحمد 1/ 156. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1678). (¬2) رواه البخاري (1666، 2999، 4413)، ومسلم (1286). وانظر ما سبق برقم (1921)، وما قبله وما بعده. (¬3) انظر ما سلف برقم (1921). (¬4) انظر ما سلف برقم (1921).

البصري، قال (ثنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن الأعمش وحدثنا وهب بن بيان) بن حبان، أبو عبد الله الواسطي نزيل مصر، قال (ثنا عبيدة) بضم العين ابن معتب بضم الميم وفتح المهملة ثم مثناة فوق (¬1)، قال: (ثنا سليمان الأعمش المعنى) بفتح النون (عن الحكم) بن عيينة بفتح المثناة (عن مقسم) بكسر الميم، ابن بجرة بضم الباء الموحدة وإسكان الجيم، أو نجدة بفتح النون والدال بدل الراء. (عن ابن عباس قال: أفاض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: دفع كما بوب عليه المصنف (من عرفة وعليه السكينة) فيه أن السنة لمن وقف بعرفة وانصرف إلى المزدلفة أن يكون عليه السكينة والوقار؛ لئلا يتأذى بعضهم من بعض. (ورديفه أسامة) بن زيد، فيه: دليل على استحباب الركوب في الدفع من عرفات وعلى جواز الإرداف [على الدابة] (¬2) إذا كانت مطيقة، وعلى جواز الإرداف مع أهل الفضل. (وقال: أيها الناس عليكم بالسكينة) قال الداودي: السكينة في المشي هي السرعة ليس بالإبطاء ولا الاشتداد، بل بينهما (فإن البر) بكسر الباء (ليس بإجافة) [نسخة: بإيجاف] (¬3) (الخيل والإبل) أي: بإسراعها في مشيها وقد أوجفها راكبها. أي: حملها على سرعة السير. ¬

_ (¬1) زاد الناسخ في (م): [قلت: ليس هو عبيدة بن معتب المضموم العين، وإنما هو عبيدة بفتح العين وهو ابن حميد بن صهيب التيمي أو الليثي أو الضبي فهو أثبت روى عنه وهو ابن بيان وجماعة، وهو الراوي عن سليمان بن مهران الأعمش ويروي أيضًا عن عبيدة بن معتب المذكور فليس هو من طبقته، والله أعلم]. (¬2) سقط من (م). (¬3) سقط من (م).

(فعليكم بالسكينة) أي: المشي بطمأنينة من غير إسراع أو ركض دابة، أو تحريكها من غير مزاحمة أو أذى أحد من الآدميين أو الدواب، فإن هذا هو المستحب لا كما يفعله الجهلة العوام في هذا الزمان. (قال) ابن عباس (: فما رأيتها) أي: رأيت راحلته (رافعة يديها) من سرعة السير (عادية) أي جارية بسرعة وهو وصفها في السير، قال الله تعالى: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا}، قال السدي ومحمد بن كعب وغيرهما: هي الإبل، أقسم الله بها حين تعدو من عرفة ومن المزدلفة إذا دفع الحاج (¬1) (حتى أتى (¬2) جمعًا) بالتنوين وهي المزدلفة، سميت بذلك لجمع العشاءين فيها. (زاد وهب) بن بيان (ثم أردف الفضل بن العباس) بن عبد المطلب (ثم قال: يا أيها الناس إن البر ليس بإيجاف الخيل والإبل، فعليكم بالسكينة) السكينة فعيلة من السكون وهو الوقار، يقال: في فلان سكينة. أي: وقار، وثبوت وطمأنينة. (قال: فما زالت رافعة يديها حتى أتى منى) يجوز فيها الصرف وعدمه، قيل: سميت بذلك؛ لأن آدم تمنى فيها الجنة، والمشهور: سميت بذلك لما يمنى فيها من الدماء. أي: يراق. [1921] (حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس) بن عبد الله بن قيس اليربوعي، قال (ثنا زهير) بن معاوية بن خديج الجعفي الكوفي. ¬

_ (¬1) انظر: "زاد المسير" 4/ 480. (¬2) سقط من (م).

([و] (¬1) ثنا محمد بن كثير) قال (ثنا سفيان. وهذا لفظ زهير) قال (ثنا إبراهيم بن أخي موسى ومحمد قال: أخبرني كريب أنه سأل أسامة بن زيد قلت: أخبرني كيف فعلتم أو صنعتم) شك من الراوي (عشية) منصوب على الظرف (ردفت رسول الله قال: جئنا الشعب) وهو ما انفرج بين الجبلين (الذي ينيخ) (¬2) بضم أوله (الناس فيه للمعرس) بتشديد الراء المفتوحة؛ لأنه - عليه السلام - عرس به، وصلى به الصبح أي للنزول في آخر الليل لينام الركب فيه ويريحوا دوابهم ساعة، وقيل: التعريس النزول أي وقت كان من ليل أو نهار. (فأناخ رسول الله ناقته) قال ابن التين: نزول الشعب ليس بسنة؛ لأنه ليس من جنس العبادات، قال عكرمة: الشعب (¬3) الذي كانت الأمراء تنزله اتخذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مبالًا (¬4)، واتخذتموه مصلا (فبال ماء) ولم يقل أسامة: أراق الماء. فيه: أداء الرواية بحروفها، وفيه استعمال صرائح الألفاظ التي قد (¬5) تستبشع ولا يكنى فيها إذا دعت الحاجة إلى التصريح بأن خيف لبس المعنى، أو اشتباه الألفاظ، أو غير ذلك. (قال زهير: أهراق) بفتح الهاء وزيادتها (¬6) زيدت لغير معنى، يحتمل أن يكون أداها بحروفها، ويحتمل [أن يكون أدى] (¬7) بالمعنى على مذهب من يجيز رواية الحديث بالمعنى. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصول، والمثبت من "سنن أبي داود". (¬2) في (م): يفتح. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): منالًا. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (ر): بزيادة الهاء. (¬7) في (م): أداها.

(ثم دعا بالوضوء) بفتح الواو، وهو الماء الذي يتوضأ به، قال النووي: وفيه لغة أنه يقال بالضم وليس بشيء (¬1). فيه: الاستعانة [في إحضار] (¬2) الماء من البئر (¬3) والبيت ونحوهما وتقديمه (¬4) إليه وهو جائز، ولا يقال: إنه بخلاف الأولى. (فتوضأ وضوءًا ليس بالبالغ) وفي رواية لمسلم: لم يسبغ الوضوء. وفي رواية: توضأ وضوءًا خفيفًا، قال النووي: تخفيفه بأن خفف استعمال الماء بالنسبة إلى غالب عادته - صلى الله عليه وسلم -، أو توضأ مرة مرة (¬5) (جدّا) بكسر (¬6) الجيم، قال الجوهري: يقال فلان محسن إليَّ جدّا، ولا يقال: جدّا (¬7). أي: بفتح الجيم. (فقلت: يا رسول الله الصلاة) بالنصب على أنه مفعول بفعل مضمر. أي: أقم الصلاة، [يجوز الرفع على الابتداء والخبر أمامك. أي: الصلاة حضرت. أو فاعل بإضمار حضرت الصلاة] (¬8) ومعناه: أن أسامة ذكره بصلاة المغرب وظن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نسيها (¬9) حيث أخرها عن العادة المعروفة في غير هذِه الليلة. ¬

_ (¬1) "شرح النووي" 9/ 25. (¬2) في الأصول: بإحضار. والمثبت هو الصواب. (¬3) في (ر): النهر. (¬4) في (ر): القديمة. (¬5) "شرح النووي" 9/ 25. (¬6) في (م): بفتح. (¬7) "الصحاح" (جدد). (¬8) سقط من (م). (¬9) ساقطة من الأصول، والمثبت من "شرح مسلم" للنووي.

فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - (قال: الصلاة أمامك) أي: إن الصلاة في هذِه الليلة مشروعة فيما بين يديك. أي: في المزدلفة، وفيه استحباب تذكير التابع للمتبوع بما تركه خلاف العادة ليفعله، أو ليعتذر عنه ويبين له وجه صوابه، وأن مخالفته للعادة سببها كذا وكذا. وقوله: "الصلاة أمامك" فيه أن السنة في هذا الموضع [في هذِه الليلة] (¬1) تأخير المغرب إلى العشاء والجمع بينهما في المزدلفة، وهو كذلك بإجماع المسلمين، وليس هذا واجبًا (¬2) بل سنة، فلو صلاهما في طريقه، أو صلى كل واحدة منهما في وقتها جاز. وقال بعض أصحاب مالك: إن صلى المغرب في وقتها لزمته إعادتها. وهذا شاذ ضعيف. (قال: فركب حتى قدمنا المزدلفة) فيه استحباب الركوب من عرفة إلى مزدلفة، خلافًا لمن رجح المشي (فأقام المغرب) توضحه رواية ابن ماجه والصحيحين بنحوه: فلما انتهى إلى جمع أذن وأقام ثم صلى المغرب (ثم أناخ الناس في منازلهم) رواية الصحيح: ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله، وفيه دليل على استحباب المبادرة بصلاة المغرب والعشاء أول قدومه المزدلفة، ويجوز تأخيرهما إلى قبيل صلاة الفجر. (ولم يحلوا) بضم الحاء. يعني: الأحمال عن رواحلهم (حتى أقام) صلاة (العشاء وصلى) وفي رواية: ولم يصل بينهما شيئًا. ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في الأصول: واجب. والجادة ما أثبتناه.

وفي قوله: (ثم أناخ الناس في منازلهم ولم يحلوا حتى أقام العشاء) دليل على أنه لا يضر الفصل بين الصلاتين المجموعتين إذا كان الجمع في وقت الثانية، فإن الموالاة بينهما مستحب وليس بواجب، بخلاف ما إذا جمع بينهما في وقت الأولى، فإن الموالاة بينهما واجب (¬1) فلا يجوز الفصل بينهما، فإن فعل بطل الجمع، ولم تصح الصلاة الثانية إلا في وقتها الأصلي. (زاد) أحمد بن عبد الله (ابن يونس في حديثه: ثم حل الناس) عن رواحلهم (قال: قلت: كيف فعلتم حين أصبحتم؟ قال: ردفه) بفتح الراء والدال (الفضل) أي: أركبه خلف النبي - صلى الله عليه وسلم -، يقال: أردف فلان فلانًا إذا جعله خلفه، كذا فسر في حديث أسامة والفضل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أردفهما خلفه، وأما ردف بكسر الدال مثل قوله تعالى: {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ} (¬2)، فيقال: ردفه وردف له (¬3) إذا جاء بعده أو تبعه. قال (وانطلقت أنا في سباق قريش) بضم السين وتشديد الباء الموحدة جمع سابق، أي في السابقين من قريش (على رجلي) بكسر أوله وتشديد الياء آخره تثنية رجل. فيه جواز المشي من مزدلفة والركوب. [1922] (ثنا أحمد بن حنبل) قال (ثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي، روى له الجماعة (أنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن عبد الرحمن) بن الحارث (بن عياش) بتشديد الياء تحت، ويقال: ابن ¬

_ (¬1) في (م): شرط. (¬2) النمل: 72. (¬3) سقط من (م).

عباس بالموحدة والسين المهملة، السمعي القبائي بضم القاف وتخفيف الموحدة وبالمد (عن زيد بن علي) بن الحسين العلوي (عن أبيه) علي بن الحسين بن علي (عن عبيد الله) بالتصغير (بن أبي رافع، عن علي - رضي الله عنه - قال: ثم أردف) النبي - صلى الله عليه وسلم - (أسامة) بن زيد. (فجعل يعنق) بضم الياء وكسر النون (على ناقته) أي: يحملها على العنق وهو سير فيه إسراع يسير (والناس يضربون الإبل يمينًا وشمالًا ويزجرونها ويصيحون) عليها قال الداودي: هذا الحديث يقتضي أن سنة السير الإسراع في العبادة، وإنما يمسك عن بعضه لمانع زحام وأذى (¬1) غير أما سرعة لا تخرج عن حد الوقار فغير ممنوع، بل هو سنة (لا يلتفت إليهم) إذ لو التفت إليهم (¬2) لتعين عليه منعهم؛ لأنه لا يقر على باطل، وسياق اللفظ يدل على أنه علم بضربهم ولم يلتفت، فدل على أنه ليس بحرام وإن كانت السكينة أولى، فلهذا أمر بها وحث عليها. (ويقول: عليكم السكينة) منصوب بفعل محذوف أي: الزموا السكينة في السير ولا [تخرج عن] (¬3) حد الوقار والسكينة بضرب الإبل وزجرها وإخافتها (أيها الناس، ودفع) من عرفة. أي: انصرف منها (حين غابت الشمس) أي: غربت وذهبت الصفرة قليلًا حين غاب القرص، كما تقدم في حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) في (ر): الوادي. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): تخرجوا من.

[1923] (ثنا) عبد الله بن مسلمة (القعنبي، عن) الإمام (مالك، عن هشام بن عروة) بن الزبير - رضي الله عنه - (عن أبيه، أنه قال: سئل أسامة بن زيد) الحب ابن الحب (وأنا جالس) جملة اسمية منصوبة على الحال (كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسير في حجة الوداع) بفتح الواو (حين دفع) أي: انصرف من عرفة. (قال: كان يسير العنق) بفتح العين والنون ونصب القاف. أي: السير الذي ليس ببطيء ولا سريع، بل سهلًا، يقال: أعنقت الدابة تعنق إعناقًا فهي معنق ومعناق، والاسم العنق، وقوله: (يسير العنق) مثل رجع القهقرى. والتقدير: يسير سير العنق (فإذا وجد فجوة نص) بفتح الفاء وسكون الجيم، هي الفرجة بين الشيئين، يريد به المكان المتسع الخالي عن المارة، وهي مستحبة في سفر الحج والجهاد ونحوهما، قال هشام بن عروة: والنص بفتح النون وتشديد الصاد المهملة: السير الشديد السرعة فوق العنق، وأصله الاستقصاء والبلوغ غاية الشيء (¬1)، قال الجوهري: النص: السير الشديد حتى يستخرج أقصى ما عنده (¬2). وفيه أن السكينة المأمور بها إنما هي من أجل الرفق بالناس (¬3) وعدم الضرر بهم من الزحام. [1924] (حدثنا أحمد) بن محمد (بن حنبل) قال (ثنا يعقوب) بن إبراهيم بن سعد قال: (ثنا أبي، عن) إبراهيم بن سعد، عن محمد (ابن ¬

_ (¬1) في (م): المشي. (¬2) نقله الجوهري في "الصحاح" عن الأصمعي مادة (نصص). (¬3) سقط من (م).

إسحاق) قال: (حدثني إبراهيم بن عقبة) أخو موسى ومحمد، (عن كريب، عن أسامة) بن زيد (قال: كنت رديف) الردف (¬1) والرديف الذي يركب خلف الراكب (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما وقعت الشمس) أي: غابت في الأفق، وأصل الوقوع السقوط (دفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -). [1925] (حدثنا القعنبي، عن مالك، عن موسى بن عقبة) هو أخو إبراهيم بن عقبة المذكور في الرواية قبله (عن كريب مولى ابن عباس، عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه سمعه يقول: دفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عرفة) عرفة وعرفات اسم علم على مكان معروف (حتى إذا كان بالشعب) كما تقدم (نزل فبال) تقدم أيضًا. قال: (فتوضأ ولم يسبغ الوضوء) أي: لم يكمله. قال القرطبي: وهل (¬2) اقتصر على بعض الأعضاء فيكون وضوءًا لغويّا، أو اقتصر على بعض الأعداد وهو الواحدة مع استيفاء الأعضاء فيكون وضوءًا شرعيًّا؟ قولان لأهل الشرح (¬3) قال: وكلاهما محتمل، وقد عضد من قال بالشرعي قوله بقول الراوي (وضوءًا خفيفًا)؛ فإنه لا يقال في الناقص من الأصل خفيف، وإنما يقال خفيف في ناقص الكيفية، فتعين أن قوله: أسبغ الوضوء أنه الشرعي (¬4). (قلت: الصلاة) بالنصب كما تقدم (فقال: الصلاة أمامك) كما تقدم أيضًا (فركب، فلما جاء المزدلفة نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء) فيه: المسافر يترخص في سفره بتخفيف الوضوء والاستنجاء والصلاة [ويقلل الصوم، ¬

_ (¬1) و (¬2) سقط من (م). (¬3) في (ر): الشرع. (¬4) "المفهم" 3/ 390.

بخلاف الإقامة فإنه يسبغ فيها الوضوء ويطول الصلاة] (¬1) ويكثر الصيام وغير ذلك من العبادات (ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب) فيه دليل على جواز الاقتصار على الإقامة في الجمع من غير أذان، وفيه خلاف تقدم في حديث جابر الطويل. قال القرطبي: ويحتمل قوله: أقيمت الصلاة ها هنا أي: شرع فيها، ففعلت بجميع أحكامها كما يقال: أقيمت السوق إذا جرى فيها ما يليق بها من البيع والشراء بأحكامهما، ولم يقصد في الحديث الإخبار عن الإقامة، بل عن الشروع (¬2). (ثم أناخ كل إنسان منا بعيره في منزله) يعني: أنهم بادروا بالمغرب عند وصولهم إلى المزدلفة فصلوا قبل أن ينوخوا إبلهم، ثم لما فرغوا من صلاة المغرب نوخوها ولم يحطوا رحالهم عن إبلهم، فكأنها تشوش عليهم إذا كانت قائمة، فأزالوا ما يشوش عليهم، ويستدل به على جواز العمل اليسير بين الصلاتين المجموعتين (¬3) إذا فعلت الصلاة في وقت الثانية، كما تقدم قريبًا (ثم أقيمت) صلاة (العشاء فصلاها) أي: بغير أذان (ولم يصل بينهما شيئًا) هذا فيه حجة على من جوز التنفل بين الصلاتين المجموعتين، وهو وجه عند الشافعية (¬4) وبه قال ابن حبيب من المالكية وخالفه بقية أصحابه فمنعوه (¬5). [1925/ م] (حدثنا محمد بن المثنى) العنزي بفتح النون وكسر ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "المفهم" 3/ 390. (¬3) من (م). (¬4) "الشرح الكبير" 3/ 415. (¬5) "مواهب الجليل" 2/ 514.

الزاي، قال: (ثنا روح) بفتح الراء (ابن عبادة) العنسي (¬1) الحافظ البصري، قال: (ثنا زكريا بن إسحاق) المكي قال: (أخبرني إبراهيم بن ميسرة) الطائفي نزيل مكة ثبت حافظ قال: (أخبرني يعقوب بن عاصم بن عروة) الثقفي (أنه سمع) أبا (¬2) عمرو (الشريد) بفتح الشين المعجمة وكسر الراء ابن سويد الثقفي ويقال: إنه من حضرموت، وعداده في ثقيف، حديثه في الحجازيين، يقال: كان اسمه مالكًا فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - الشريد؛ لأنه قتل قتيلًا من قومه ثم لحق بمكة فأسلم (يقول: أفضت) الإفاضة التفرق في كثرة، من إفاضة الماء (مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما مست قدماه الأرض) أي: كان سيرًا متواليًا من غير نزول إلى الأرض في موضع فما مست قدماه الأرض كناية عن عدم النزول عن الراحلة (حتى أتى جمعًا) بفتح الجيم وإسكان الميم والتنوين اسم علم على المزدلفة؛ سميت بذلك لاجتماع الحجاج بها بأسرهم، وجمع متوسطة بين منى وعرفة بينهما وبين كل منهما فرسخ، فإن من منى إلى عرفات فرسخين، ومن مكة إلى منى فرسخان، كذا قال الإمام الرافعي (¬3) وهو الأصح. ¬

_ (*) تنبيه: الحديث [1925/ م] لم نجده في المطبوع من "سنن أبي داود" وهو في "جامع الأصول" 3/ 252، "تحفة الأشراف" 4/ 153 وعزاه ابن الأثير والمزي لأبي داود وحده، وقال المزي: هذا الحديث في رواية أبي الحسين بن العبد وأبي بكر بن داسة عن أبي داود ولم يذكره أبو القاسم. (¬1) في (م): القيسي. (¬2) ساقطة من الأصول. (¬3) "الشرح الكبير" 3/ 415.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

شَرْحُ سُنَنِ أَبِي دَاوُد لِابْنِ رَسْلَان [9]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ جميعُ الحقوقِ مَحْفوظَة لِدَارِ الفَلَاحِ وَلَا يجوز نشر هَذَا الْكتاب بِأَيّ صِيغَة أَو تَصْوِيره PDF إِلَّا بِإِذن خطي من صَاحب الدَّار الْأُسْتَاذ/ خَالِد الرَّباط الطَّبْعَةُ الأُولَى 1437 هـ - 2016 م رَقم الْإِيدَاع بدَارِ الكتُب 17164/ 2015 دَارُ الفَلَاحِ لِلبحثِ العِلمي وتَحْقِيق التُّرَاثِ 18 شَارِع أحمس - حَيّ الجامعة - الفيوم ت: 01000059200 [email protected] تطلب منشوراتنا من: • دَار الْعلم - بلبيس - الشرقية - مصر • دَار الأفهام - الرياض • دَار كنوز إشبيليا - الرياض • مكتبة وتسجيلات ابْن الْقيم الإسلامية - أَبُو ظَبْي • دَار ابْن حزم - بيروت • دَار المحسن - الجزائر • دَار الْإِرْشَاد - استانبول • دَارُ الفَلَاحِ - الفيوم

66 - باب الصلاة بجمع

66 - باب الصَّلاةِ بِجَمْعٍ 1926 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَن سالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى المَغْرِبَ والعِشاءَ بِالمُزْدَلِفَةِ جَمِيعًا (¬1). 1927 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ خالِدٍ، عَنِ ابن أَبي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْري بِإِسْنادِهِ وَمَعْناهُ وقَالَ: بِإِقَامَةٍ إِقَامَةٍ جَمَعَ بَيْنَهُما. قَالَ أَحْمَدُ: قَالَ وَكِيعٌ: صَلَّى كُلَّ صَلاةٍ بِإِقَامَةٍ (¬2). 1928 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا شَبابَةُ ح وَحَدَّثَنا مَخْلَدُ بْنُ خالِدٍ - المَعْنَى - أَخْبَرَنا عُثْمانُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ ابن أَبي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْري بِإِسْنادِ ابن حَنْبَلٍ، عَن حَمّادٍ وَمَعْناهُ قَالَ: بِإِقَامَةٍ واحِدَةٍ لِكُلِّ صَلاةٍ وَلَمْ يُنادِ في الأُولَى وَلَمْ يُسَبِّحْ عَلَى أَثَرِ واحِدَةٍ مِنْهُما. قَالَ مَخْلَدٌ: لَمْ يُنادِ في واحِدَةٍ مِنْهُما (¬3). 1929 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مالِكٍ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ ابن عُمَرَ المَغْرِبَ ثَلاثًا والعِشاءَ رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ لَهُ مالِكُ بْنُ الحارِثِ: ما هذِه الصَّلاةُ قَالَ: صَلَّيْتُهُما مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في هذا المَكانِ بِإِقَامَةٍ واحِدَةٍ (¬4). 1930 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمانَ الأَنْباريُّ، حَدَّثَنا إِسْحاقُ - يَعْني: ابن يُوسُفَ - عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ مالِكٍ قالا: صَلَّيْنا مَعَ ابن عُمَرَ بِالمُزْدَلِفَةِ المَغْرِبَ والعِشاءَ بِإِقامَةٍ واحِدَةٍ فَذَكَرَ مَعْنَى حَدِيثِ ابن كَثِيرٍ (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1092، 1668)، ومسلم (1288). وانظر ما سيأتي بالأرقام (1927 - 1933). (¬2) انظر ما قبله وما بعده. (¬3) رواه البخاري (1673). وانظر ما سلف برقم (1926). (¬4) و (¬5) انظر ما سلف برقم (1926).

1931 - حَدَّثَنا ابن العَلاءِ، حَدَّثَنا أَبُو أُسامَةَ، عَنْ إِسْماعِيلَ، عَنْ أبِي إِسْحاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ أفَضْنا مَعَ ابن عُمَرَ فَلَمّا بَلَغْنا جَمْعًا صَلَّى بِنا المَغْرِبَ والعِشاءَ بِإِقَامَةٍ واحِدَةٍ ثَلاثًا واثْنَتَيْنِ فَلَمّا انْصَرَفَ قَالَ لَنا ابن عُمَرَ: هَكَذا صَلَّى بِنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في هذا المَكانِ (¬1). 1932 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ حَدَّثَني سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ قَالَ: رَأَيْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ أَقَامَ بِجَمْعٍ فَصَلَّى المَغْرِبَ ثَلاثًا ثُمَّ صَلَّى العِشاءَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ شَهِدْتُ ابن عُمَرَ صَنَعَ في هذا المَكانِ مِثْلَ هذا وقَالَ شَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَنَعَ مِثْلَ هذا في هذا المَكانِ (¬2). 1933 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو الأَحْوَصِ، حَدَّثَنا أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَن أَبِيهِ قَالَ: أَقْبَلْتُ مَعَ ابن عُمَرَ مِنْ عَرَفاتٍ إِلَى المُزْدَلِفَةِ فَلَمْ يَكُنْ يَفْتُرُ مِنَ التَّكْبِيرِ والتَّهْلِيلِ حَتَّى أَتَيْنا المُزْدَلِفَةَ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ أَوْ أَمَرَ إِنْسانًا فَأَذَّنَ وَأَقامَ فَصَلَّى بِنا المَغْرِبَ ثَلاثَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ التَفَتَ إِلَيْنا فَقَالَ الصَّلاةُ فَصَلَّى بِنا العِشاءَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ دَعا بِعَشائِهِ. قَالَ: وَأَخْبَرَني عِلاجُ بْنُ عَمْرٍو بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي عَنِ ابن عُمَرَ قَالَ: فَقِيلَ لابْنِ عُمَرَ في ذَلِكَ فَقَالَ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هَكَذا (¬3). 1934 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ أَنَّ عَبْدَ الواحِدِ بْنَ زِيادٍ وَأَبا عَوانَةَ وَأَبا مُعاوِيَةَ حَدَّثُوهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمارَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابن مَسْعُودٍ قَالَ: ما رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى صَلاةً إلَّا لِوَقْتِها إلَّا بِجَمْعٍ فَإِنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ المَغْرِبِ والعِشاءِ بِجَمْعٍ وَصَلَّى صَلاةَ الصُّبْحِ مِنَ الغَدِ قَبْلَ وَقْتِها (¬4). 1935 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَيّاشٍ، عَن زَيْدِ بْنِ عَلَيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أبِي رافِعٍ، عَنْ عَلي قَالَ: فَلَمّا أَصْبَحَ - يَعْني: النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وَوَقَفَ عَلَى قُزَحَ فَقَالَ: "هذا قُزَحُ وَهُوَ ¬

_ (¬1) و (¬2) و (¬3) انظر ما سلف برقم (1926). (¬4) رواه البخاري (1675، 1682، 1683)، ومسلم (1289).

المَوْقِفُ وَجَمْعٌ كُلُّها مَوْقِفٌ وَنَحَرْتُ ها هُنا وَمِنًى كُلُّها مَنْحَرٌ فانْحَرُوا في رِحالِكُمْ" (¬1). 1936 - حَدَّثَنا مُسَدَّدُ، حَدَّثَنا حَفْصٌ بْنُ غِياثٍ، عَن جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جابِرٍ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "وَقَفْتُ ها هُنا بِعَرَفَةَ وَعَرَفَةُ كُلُّها مَوْقِفٌ وَوَقَفْتُ ها هُنا بِجَمْعٍ وَجَمْعٌ كُلُّها مَوْقِفٌ وَنَحَرْتُ ها هُنا وَمِنًى كُلُّها مَنْحَرٌ فانْحَرُوا في رِحالِكُمْ" (¬2). 1937 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلَيٍّ، حَدَّثَنا أَبُو أُسامَةَ، عَنْ أُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَطاءٍ، قَالَ: حَدَّثَني جابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "كُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ، وَكُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ وَكُلُّ المُزْدَلِفَةِ مَوْقِفٌ وَكُلُّ فِجاجِ مَكَّةَ طَرِيقٌ وَمَنْحَرٌ" (¬3). 1938 - حَدَّثَنا ابن كَثِيرٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ أبِي إِسْحاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ كَانَ أَهْلُ الجاهِلِيَّةِ لا يُفِيضُونَ حَتَّى يَرَوُا الشَّمْسَ عَلَى ثَبِيرٍ فَخالَفَهُمُ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فَدَفَعَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ (¬4). * * * باب الصلاة بجمع [1926] (حدثنا القعنبي، عن مالك، عن) محمد (ابن شهاب) الزهري (عن سالم بن عبد الله) بن عمر بن الخطاب (عن) أبيه (عبد الله بن عمر) بن الخطاب (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى المغرب والعشاء ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (885)، وابن ماجه (3010)، وأحمد 1/ 156. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1691)، قال: إسناده حسن صحيح. (¬2) انظر ما سلف برقم (1905، 1907، 1908). وهو صحيح. (¬3) انظر ما سلف برقم (1905، 1907، 1908). وهو صحيح. (¬4) رواه البخاري (1684، 3838).

بالمزدلفة) قال الأزهري: سميت بذلك من الازدلاف وهو القرب (¬1) (¬2)؛ لأن الحجاج إذا أفاضوا من عرفات ازدلفوا إليها. أي: قربوا منها لما مضوا إليه، ومنه قوله تعالى: {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64)} (¬3) أي: جمعناهم هناك، وقيل: لمجيء الناس (¬4) إليها في زلفة من الليل أي: ساعات (جميعًا) بكسر الميم وبعدها ياء، أي: صلاهما جميعًا بالمزدلفة. فيه أن السنة أن تؤخر صلاة المغرب لتصلى مع العشاء بالمزدلفة جمعًا كما فعل - صلى الله عليه وسلم -، وهذا الجمع للأفاقي، أما غيره ففيه خلاف. [1927] (حدثنا أحمد بن حنبل) قال (ثنا حماد بن خالد) الخياط البصري (عن) محمد بن عبد الرحمن (ابن أبي ذئب، عن الزهري بإسناد حديث (¬5) مالك، ومعناه: قال) فيه (بإقامة) بالتنوين (إقامة) بالتنوين والجر (¬6) أيضًا، أي: لكل منهما، والتقدير: بإقامة للمغرب وإقامة للعشاء، وهذا مذهب الجمهور، وقال عبد الله بن عمر في رواية صحيحة عنه وسفيان الثوري: يصليهما بإقامة واحدة في الأولى. (جمع بينهما) اختلفوا في هذا الجمع هل هو للنسك أو للسفر، فعند أبي حنيفة هو من جملة المناسك، فيفعله المكي والأفاقي، وعند ¬

_ (¬1) "تهذيب اللغة" (زلف). (¬2) من (م). (¬3) الشعراء: 64. (¬4) سقط من (م). (¬5) من (م). (¬6) سقط من (م).

الشافعي: سببه السفر، فمن ليس بمسافر لا يفعله (¬1) وموضع هذا في أبواب الصلاة (قال أحمد) بن حنبل (قال وكيع) في روايته (صلى كل صلاة بإقامة) هو بمعنى ما تقدم. [1928] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة) وأبو شيبة جده، فإنه (¬2) عثمان بن محمد بن إبراهيم قال: (ثنا شبابة) بتخفيف الباء الأولى بن سوار بتشديد الواو الفزاري. (وثنا مخلد بن خالد) بن يزيد الشعير (المعنى) قال (حدثنا عثمان بن عمر) بن فارس العبدي البصري (عن) محمد بن عبد الرحمن (ابن أبي ذئب بإسناد) أحمد (ابن حنبل، عن حماد) بن خالد (ومعناه) دون لفظه (قال) فيه (بإقامة واحدة لكل صلاة) كما تقدم قبله (ولم يناد) أي: بالأذان (في) الصلاة (الأولى) لأن الأذان إنما شرع لصلاة الوقت، وصلاة المغرب لم تصل في وقتها، ومفهومه أنه ينادى بالأذان في الثانية؛ لأنها تصلى في وقتها الأصلي. (ولم يسبح) بكسر الباء الموحدة، أي: لم يأت بصلاة نافلة (على إثر) بكسر الهمزة وسكون المثلثة وبكسرهما لغتان، وبالثانية جاء القرآن (¬3) [واحد. أي: صلى] (¬4) (واحدة منهما) [فيه نزع تكرير من الراوي؛ لأنه لما قال: لم يسبح بينهما علم أنه لم يصل بعد المغرب ¬

_ (¬1) انظر: "البحر الرائق" 2/ 366، و"المجموع" 4/ 371. (¬2) في (ر): قال. (¬3) الذي في القرآن بفتحهما، قال الله تعالى: {قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي} [طه: 84]. وقال أيضًا: {مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} [طه: 96]. (¬4) من (م).

إلا سلم، ولا على إثر العشاء] (¬1). قال القاضي: ولو تنفل كان جائزًا، لكنه غير مسنون، قال أبو الفتوح العجلي والنووي وغيرهما: إذا جمع بين المغرب والعشاء يصليهما [ثم سنة المغرب] (¬2) ثم سنة العشاء، ثم سنة الوتر، كذا يفعل الجامع في السفر، وقال القاضيان الماوردي والحسين: قال الشافعي: لا يسبح بينهما، ولا في إثر واحدة منهما. أي: لا يتنفل بينهما؛ لأن النفل يقطع الجمع - يعني: إذا صلاهما في وقت الأولى - ولا بعد العشاء؛ لأنه مأمور بالتأهب لمناسكه (¬3) انتهى، ويدل عليه الحديث، والمراد بالتنفل النافلة المطلقة غير المسنونة. (قال مخلد) بن خالد الراوي (لم يناد في واحدة منهما) فيه دليل لمن قال: لا يؤذن في جمع التأخير للأولى ولا للثانية، ومذهب الشافعي أنه يؤذن للأولى ويقيم لكل واحدة منهما، وبه قال أحمد في رواية أبي ثور وعبد الملك بن الماجشون المالكي والطحاوي الحنفي، والمشهور عن مالك: يصليهما بأذانين وإقامتين (¬4). [1929] (ثنا محمد بن كثير) أبو عبد الله العبدي البصري، قال: (أخبرنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن أبي إسحاق) عمرو السبيعي (عن عبد الله بن مالك) الهمداني (قال: صليت مع) عبد الله (ابن عمر رضي ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) من (م). (¬3) "الحاوي الكبير" 4/ 176. (¬4) "المجموع" 8/ 149، وانظر: "المغني" 2/ 77، و"المدونة" 1/ 429.

الله عنهما بجمع المغرب ثلاثًا والعشاء ركعتين) فيه دليل على أن المغرب لا تقصر، وأن العشاء تقصر (فقال مالك بن الحارث) قال ابن الأثير: هكذا جاء غير منسوب (¬1). (ما هذِه الصلاة؟ ) فيه دليل على أن الجمع والقصر تشرع فيه الجماعة، لكن لا يتأكد في السفر تأكده للمقيم، وقطع الإمام بأن الجماعة ليست (¬2) على المسافرين فرض كفاية ولا عين وتبعه النووي في "التحقيق" وأقره في "شرح المهذب" ونص في "الأم" عليه (¬3) ([قال: صليتهما مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] في هذا المكان) يعني: المزدلفة بأذان وإقامة واحدة، أي: للأولى كما تقدم [وهو مذهب سفيان الثوري] (¬4). [1930] (حدثنا محمد بن سليمان الأنباري) بإسكان النون، وهو محمد بن أبي داود، تفرد عنه بالرواية (¬5) أبو داود دون باقي الستة، قال (ثنا إسحاق. يعني: ابن يوسف) (¬6) بن مرداس الأزرق الواسطي (عن شريك) بن عبد الله القاضي (عن أبي إسحاق) السبيعي ([عن سعيد (¬7) بن جبير وعبد الله بن مالك) بن الحارث كوفي، ذكره ابن ¬

_ (¬1) "جامع الأصول" 12/ 864. (¬2) سقط من (م). (¬3) انظر: "نهاية المطلب" 2/ 366، "التحقيق" ص 257، "المجموع" 4/ 86، "الأم" 2/ 296. (¬4) سقط من (م). (¬5) من (م). (¬6) في (ر): يونس. (¬7) ساقطة من النسخ، والمثبت من المطبوع.

حبان في "الثقات" (¬1) (قالا (¬2): صلينا مع ابن عمر) فيه دليل أيضًا على صلاة المسافر بالجماعة (بالمزدلفة المغرب والعشاء بإقامة واحدة، فذكر معنى حديث ابن كثير). [1931] (ثنا ابن العلاء) هو أبو كريب محمد بن العلاء، قال (ثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (عن إسماعيل) بن أبي خالد، واسم أبي خالد سعد (¬3) الأحمسي (عن أبي إسحاق) السبيعي (عن سعيد بن جبير [قال: أفضنا مع ابن عمر) يعني: من عرفة (فلما بلغنا جمعًا) بإسكان الميم كما تقدم (فصلى بنا المغرب والعشاء بإقامة واحدة) بهما في الأولى المغرب (ثلاثًا و) العشاء (اثنتين، فلما انصرفنا قال لنا ابن عمر] (¬4) رضي الله عنهما: هكذا صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) تدل على أن أفعاله تدل على المسنون؛ إذ الإقامة والجمع والقصر مسنونات لا وجوب فيهن (في هذا المكان) يعني: جمعًا بأسرها لا المكان المخصوص الذي كان واقفًا فيه بعينه. [1932] (حدثنا مسدد، قال: حدثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن شعبة، قال: حدثني سلمة بن كهيل) الحضرمي (قال: رأيت سعيد بن جبير - رضي الله عنه - أقام) يحتمل أن يراد به إقامة الصلاة، ويحتمل أن يراد به نزل (¬5)، والأول أقرب (بجمع) قيل: المراد بقوله تعالى: {فَوَسَطْنَ بِهِ ¬

_ (¬1) "الثقات" لابن حبان 5/ 51. (¬2) في (م): سعيد. (¬3) في النسخ: قال. (¬4) سقط من (م). (¬5) في (م): نزول.

جَمْعًا (5)} (¬1) [أن جمعًا] (¬2) هي المزدلفة، وهذا يؤيده ما تقدم من أن العاديات هي الإبل، والعرب تقول: أعاد (¬3) إذا عدا من (¬4) عرفة إلى مزدلفة ومن المزدلفة إلى منى (فصلى المغرب ثلاثًا، ثم صلى العشاء ركعتين) وإتيانه بـ (ثم) يدل على أن (¬5) الترتيب بين الصلاتين (¬6) مشروع؛ فإن كان في وقت الأولى فواجب، وإن كان في وقت الثانية فمستحب (ثم قال: شهدت ابن عمر) أي: رأيته (صنع في هذا المكان مثل هذا) أي: صلى مثل ما صليت، فيه التعليم بالفعل والقول. (وقال) يعني: ابن عمر (شهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صنع (¬7) مثل هذا في هذا المكان) فيه أن العالم إذا حضر في مكان وكان مخصوصًا بعبادة أن يفعلها، ثم يذكر لمن كان حاضرًا معه تلك العبادة المخصوصة به، ويذكر دليله على ما قال، كما اتفق لكاتبه مع شيخه الشيخ جمال الدين بن ظهيرة مفتي مكة ومحدثها؛ فإني لما دخلت إلى غار المرسلات معه صلى فيه ركعتين ثم قال: الغار الذي أنزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا} ثم أورد الحديث الذي فيه (¬8). ¬

_ (¬1) العاديات: 5. (¬2) من (م). (¬3) في (م): أغار. (¬4) قبلها في (م): جريا. (¬5) سقط من (م). (¬6) من (م). (¬7) سقط من (م). (¬8) رواه البخاري (3317)، ومسلم (2234) عن ابن مسعود قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غار فنزلت: {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا}.

[1933] (ثنا مسدد) قال (حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحافظ، له نحو (¬1) أربعة آلاف حديث، ثقة متقن، قاله ابن معين (¬2). قال (ثنا أشعث بن سليم) بضم المهملة، وهو ابن الشعثاء (عن أبيه) سليم بالتصغير بن الأسود المحاربي، لازم عليّا - رضي الله عنه -، توفي سنة 82 (قال: أقبلت مع ابن عمر من عرفات إلى المزدلفة، فلم يكن يفتر لسانه من الذكر (¬3) والتكبير والتهليل) وهو لا إله إلا الله، وهو من عطف الخاص على العام؛ فإن التهليل من ذكر الله تعالى، وإنما عطف عليه لكونه أفضل الأذكار، كقوله: {وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} (¬4)، فإنهما من أفضل الملائكة، وفيه دليل على الإكثار من ذكر الله في طريقه إلى العبادات كطرق الحج والجهاد والصلوات وغير ذلك، وكذا يكثر من الصلاة والسلام (¬5) على النبي - صلى الله عليه وسلم -. (حتى أتينا المزدلفة، فأذن وأقام، أو أمر إنسانًا فأذن وأقام) شك من الراوي، فيه دليل على أنه يستحب لمن أذن أن يقيم؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن أخا صداء قد أذن ومن أذن فهو يقيم". وقال به (¬6) جماعة من العلماء، وقال الشافعي: إذا أذن الرجل أحببت أن يتولى الإقامة (¬7). وقال أبو بكر ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 12/ 284. (¬3) سقط من (م). (¬4) البقرة: 98. (¬5) من (م). (¬6) في (م): ابن. (¬7) "الأم" 1/ 189.

الخوارزمي في كتاب "الناسخ والمنسوخ": اتفق أهل العلم في الرجل يؤذن ويقيم غيره أن ذلك جائز، واختلفوا في الأولوية، فقال أكثرهم (¬1): لا فرق، والأمر متسع، وممن رأى ذلك مالك وأكثر أهل الحجاز وأبو حنيفة وأكثر أهل الكوفة (¬2) (فصلى بنا المغرب ثلاث ركعات، ثم التفت إلينا فقال: الصلاة) منصوب أي: عليكم بالصلاة، يعني صلاة العشاء، فيه دليل على أن الكلام بين صلاتي الجمع لا يبطل الجمع إذا كان الجمع في وقت الثانية كما تقدم (فصلى بنا العشاء ركعتين) قصرًا (ثم دعا بعشائه) فيه الاستعانة بإحضار العشاء إليه، وتقديم الصلاة على العشاء إذا لم يكن جائعًا جوعًا يشغل فكره. (قال) أشعث: (وأخبرني علاج) (¬3) بكسر العين (بن عمرو) (¬4) التابعي، [عن ابن عمر] (¬5) انفرد بإسناده (¬6) المؤلف (بمثل حديث أبي) سليم رحمه الله، (عن ابن عمر قال: فقيل لابن عمر في ذلك) في هذِه الصلاة، (فقال: صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - هكذا) أي: كما تقدم. [1934] (ثنا مسدد، أن عبد الواحد بن زياد) العبدي مولاهم البصري (وأبا عوانة) وضاح بن عبد الله اليشكري الداري (¬7) (وأبا معاوية) محمد بن ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "المدونة" 1/ 158، و"الاستذكار" 4/ 69، و"المبسوط" 1/ 276. (¬3) في (ر): عالج. (¬4) في (م): عمر. (¬5) من (م). (¬6) في (ر): بانفراده. (¬7) من (م).

خازم الضرير (حدثوهم عن الأعمش، عن عمارة) بضم العين ابن عمير الكوفي (عن عبد الرحمن بن يزيد) النخعي. (عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة إلا لوقتها) [رواية: لميقاتها] (¬1) المشروع (إلا بجمع، فإنه جمع بين المغرب والعشاء بجمع) كما تقدم. (وصلى صلاة الصبح من الغد) أي: من غد يوم عرفة، وهو يوم النحر (قبل وقتها) قال القرطبي: لا يفهم منه أنه يعني بذلك أنه أوقع صلاة الصبح قبل طلوع (¬2) الفجر؛ فإن ذلك باطل بالأدلة القاطعة، وإنما يعني بذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - أوقع الصبح يومئذٍ قبل الوقت الذي كان يوقعها فيه في غير ذلك اليوم (¬3)، وإنما أوقعها قبل الوقت المعتاد ليتسع الوقت لوظائف هذا اليوم من المناسك المشروعة فيه (¬4)؛ فإنها كثيرة، وليس في أيام الحج أكثر عملًا منه، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أتاه المؤذن بالفجر صلى ركعتي الفجر في بيته، وربما تأخر قليلًا ليجتمعوا، ثم يخرج فيصلي، ومع ذلك فكان يصليها بغلس، وأما في هذا اليوم فكان الناس مجتمعين والفجر نصب أعينهم فبأول طلوع الفجر ركع ركعتي الفجر، وشرع في صلاة الصبح ولم يتربص لاجتماع الناس، فصار فعل هذِه الصلاة (¬5) في هذا اليوم قبل وقتها المعتاد. ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): صلاة. (¬3) "المفهم" 3/ 393. (¬4) من (م). (¬5) من (م).

[1935] (حدثنا أحمد بن حنبل) قال (ثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي بضم الهمزة قال (ثنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن عبد الرحمن بن عياش) بالياء المثناة والشين المعجمة السمعي القبائي، بضم القاف وتخفيف الباء الموحدة وبالمد (عن زيد بن علي) بن الحسين العلوي (عن أبيه) علي بن الحسين الرضي العلوي (عن عبيد الله) بالتصغير (بن (¬1) أبي رافع) أسلم مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مدني من مشاهير التابعين، سمع عليّا، وكان كاتبه. (عن علي - رضي الله عنه - قال: فلما أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقف على قزح) بضم القاف وفتح الزاي وبالحاء المهملة، قال الجوهري وغيره: غير مصروف (¬2)، وهو جبل صغير من المشعر الحرام، وشذ ابن يونس فقال: قزح (¬3) جبل بمنى. قال النووي: قزح من (¬4) آخر المزدلفة من جهة منى، ويستحب أن يرقى عليه إن أمكنه، وإلا وقف عنده (¬5) مستقبل القبلة (¬6). وقد استبدل الناس بالوقوف على قزح الوقوف على بناء مستحدث مسجد في وسط المزدلفة يصعد إليه بمرقاة وينزل منه في سلم مبني حجر، وليس هو المشعر الحرام [بل المشعر الحرام] (¬7) ¬

_ (¬1) في (م): عن. (¬2) "الصحاح" (قزح). (¬3) من (م). (¬4) من (م). (¬5) من (م). (¬6) "المجموع" 8/ 141. (¬7) سقط من (م).

قزح، وفي حصول أصل هذِه السنة بالوقوف على هذا المستحدث وغيره من المزدلفة غير قزح وجهان: أحدهما لا؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - وقف على قزح، وقال: "خذوا عني مناسككم". وأصحهما، وبه قطع جماعة، منهم الرافعي، وقال النووي: إنه الصواب [أنها تحصل] (¬1) لقوله - عليه السلام -: "جمع (¬2) كلها موقف"، [وجميع مزدلفة موقف، ولكن أفضله قزح كما في عرفة كلها موقف] (¬3) وأفضلها عند الصخرات (¬4). (فقال: هذا قزح) فيه دليل على جواز تسمية هذا الجبل قزح، وإن كان قد روى الحافظ أبو نعيم في "حلية الأولياء" عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تقولوا قوس قزح، فإن قزح شيطان" (¬5). يعني: الذي تقول له العوام: قوس قذح بالذال (وهو الموقف) الذي تقفون فيه. (وجمع) بإسكان الميم [(كلها موقف)] (¬6) أي: كل بقعة منها موقف، أي: يصح الوقوف فيه (¬7)، لكن أفضله قزح كما أن عرفات كلها موقف ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصول، والمثبت من "المجموع". (¬2) في الأصول: قزح. والمثبت من "المجموع" وهو الموافق لما في كتب التخريج. (¬3) من (م). (¬4) "المجموع" 8/ 141 - 142. (¬5) "حلية الأولياء" 2/ 309. (¬6) سقط من (م). (¬7) من (م).

وأفضلها عند الصخرات، قال القاضي حسين: وتتأدى سنة الوقوف بقزح بالمرور (¬1) كما يتأدى به (¬2) الوقوف بعرفة (¬3). ولو تركوا هذِه السنة من أصلها فاتتهم الفضيلة (¬4) ولا إثم ولا دم كسائر الهيئات والسنن. (ونحرت ها هنا، ومنى كلها منحر) أي: كل بقعة منها يصح النحر فيه، لكن الأفضل المكان الذي نحر فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - كما تقدم (فانحروا في رحالكم) أي: ينحر كل منهم في رحله كما يفعل في نحر الأضاحي. [1937] (ثنا الحسن بن علي) الحلال، متفق عليه، قال: (ثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (¬5) (عن أسامة بن زيد) الليثي (عن عطاء) بن يزيد الليثي الجندعي من تابعي أهل المدينة (عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: كل عرفة موقف) يصح الوقوف فيها، ولفظ الوقوف يؤيد ما ذهب إليه بعض العلماء، وهو وجه عن الشافعي أن المرور لا يكفي في الوقوف بعرفة (¬6). قال السبكي: لأن لفظ الوقوف يشعر بالمكث (¬7). لأن الواقف هو الذي لا يتقدم ولا يتأخر، قال: وإطلاق الوقوف على (¬8) مجرد الحضور يحتاج إلى دليل. ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) سقط من (م). (¬3) "المجموع" 8/ 142. (¬4) من (م). (¬5) من (م). (¬6) "المجموع" 8/ 103. (¬7) "مغني المحتاج" 1/ 499. بمعناه. (¬8) في (ر): إلى.

وأجمع العلماء على أن من وقف في أي جزء كان من عرفات صح وقوفه ولها أربعة حدود: حد (¬1) إلى جادة طريق المشرق، وحد (¬2) إلى حافات الجبل الذي وراء أرضها، والثالث إلى البساتين التي يلي قرينها على يسار مستقبل الكعبة، والرابع إلى وادي عرنة بضم العين وبالنون، وليست هي ولا نمرة من عرفات ولا من الحرم. (وكل منى منحر) يعني: أن النحر واسع في كل مواضعها، وهو متفق عليه، وإن كان قد نحر في موضع مخصوص هو أفضل [تبركًا بالنبي] (¬3) - صلى الله عليه وسلم - وبآثاره (وكل المزدلفة موقف) يصح الوقوف فيها، وفي رواية: "وارتفعوا عن بطن محسر" (¬4)، وقد اتفق الأئمة على الأخذ بهذا، وترك الوقوف ببطن محسر؛ فإن محسرًا (¬5) ليس من المزدلفة. (وكل فجاج) بكسر الفاء، جمع فج، وهو الطريق الواسعة (مكة طريق) أي: من سائر الجهات والأقطار التي يقصدها الناس للزيارة والإتيان إليها من كل طريق واسع، وهذا متفق عليه، ولكن الأفضل الدخول إليها من الثنية العليا التي دخل منها النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬6) (ومنحر) فيه ¬

_ (¬1) في (م): واحد. (¬2) في (م): الثاني. (¬3) في (م): ببركات النبي. (¬4) رواه أحمد 1/ 219، وابن خزيمة (2816)، والحاكم 1/ 462 وصححه على شرط مسلم، من حديث ابن عباس. ورواه ابن ماجه (3012) من حديث جابر. (¬5) في الأصول: محسر. والجادة ما أثبتناه. (¬6) بعدها في الأصول: أفضل. ولعلها زيادة مقحمة حيث ذكر أنه الأفضل قبلها بكلمات.

جواز النحر في الحج والعمرة حيث شاء من أرض الحرم، لكن السنة نحر الحاج بمنى؛ لأنها موضع تحلله. [1938] (ثنا) محمد (ابن كثير) العبدي قال (أخبرنا سفيان) الثوري (عن أبي إسحاق) السبيعي (عن عمرو بن ميمون) الأودي، التابعي (¬1) أدرك الجاهلية وأسلم في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو الذي رأى رجم القردة في الجاهلية (¬2). (قال: قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان أهل الجاهلية) سموا بذلك لكثرة جهالاتهم (لا يفيضون) بضم أوله. أي: من المزدلفة؛ فإن رواية الترمذي: سمعت عمرو بن ميمون يقول: كنا وقوفًا بجمع فقال عمر بن الخطاب: إن المشركين كانوا (¬3) لا يفيضون (¬4) (حتى يروا الشمس) قد طلعت (على ثبير) قال البكري في "معجمه": ثبير بفتح الثاء [المثلثة أوله] (¬5) وكسر باء موحدة ثانيه، وبعدها ياء مثناة تحت وراء مهملة، جبل بمكة، قال: وهي أربعة أثبرة بالحجاز، والذي بمكة كانوا يقولون: أشرق ثبير كيما نغير، وهو الذي صعد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فرجف به فقال: "اسكن ثبير إنما عليك نبي وصديق وشهيد" (¬6)، ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) رواه البخاري (3849). (¬3) سقط من (م). (¬4) الترمذي (896). (¬5) سقط من (م). (¬6) رواه الترمذي (3703)، والنسائي 6/ 235 من حديث عثمان بلفظ: "وشهيدان" بدلا من: "وشهيد".

وروي هذا في حراء، والثاني ثبير غينا بغين معجمة، والثالث: ثبير (¬1) الأعرج، والرابع ثبير (¬2) الأحدب (¬3). انتهى. وهذا الذي قاله البكري من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صعد إلى جبل ثبير فرجف به رواه الترمذي والبغوي في "المصابيح" في مناقب عثمان، وهذا مما أنكر على (¬4) الترمذي فإن المشهور ما رواه مسلم: [أن النبي - صلى الله عليه وسلم -] (¬5) كان على حراء هو وأبو بكر وعمر، فتحركت الصخرة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اهدأ، فما عليك إلا نبي وصديق" (¬6). وقال النووي: ثبير جبل بالمزدلفة على يسار الذاهب منها إلى منى وعلى يمين الذاهب من منى إلى عرفات [وهو المراد في المناسك، وأنكر عليه هذا، قال القزويني: ثبير جبل مبارك يقصده الزوار] (¬7) وهو الذي أهبط الله عليه الكبش الذي جعله الله تعالى فداءً لإسماعيل - عليه السلام -، واختلفوا في أول من قال: أشرق ثبير. والصواب أنه عميلة بن خالد، وهو أبو سيارة (¬8)، وكان له حمار أجار الناس عليه من مزدلفة إلى منى أربعين سنة، وفي "صحيح مسلم" في حديث جابر الطويل: وكانت العرب ¬

_ (¬1) في (م): ثبر. (¬2) في (م): ثبر. (¬3) "معجم ما استعجم" 1/ 303 - 304 (باب الثاء والباء). (¬4) في (ر): عليه. (¬5) سقط من (م). (¬6) الحديث في مسلم (2417) عن أبي هريرة بزيادة: وعثمان وعلي وطلحة والزبير. وفيه: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إلا نبي أو صديق أو شهيد". (¬7) من (م). (¬8) في (ر): يسار.

يدفع بهم أبو سيارة (¬1) على حمار عرْيٍ (¬2). قال (فخالفهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فدفع قبل طلوع الشمس) قال ابن المنذر: ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أفاض من جمع قبل طلوع الشمس حين أسفر جدّا (¬3). وأخذ بهذا ابن مسعود وابن عمر، وقال بذلك عامة العلماء أصحاب الرأي والشافعي غير مالكٍ؛ فإنه (¬4) كان يرى أن يدفع قبل طلوع الشمس وقبل الإسفار (¬5). وقال المهلب: إنما عجل النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة وزاحم بها أول وقتها ليدفع قبل أن تشرق الشمس على ثبير ليخالف أمر المشركين، وكلما بعد دفعه من طلوع الشمس كان أفضل؛ فلهذا والله (¬6) أعلم اختار مالك هذا (¬7). قال في "المطلب": فإن آخر الدفع إلى ما بعد طلوعها (¬8) فقد قال جماعة منهم القاضي أبو الطيب وصاحب "المهذب": يكره (¬9)، وقال آخرون منهم الماوردي: هو خلاف السنة (¬10). ولم يقولوا يكره. وروى البيهقي بإسناد جيد عن المسور بن مخرمة أن النبي قال: "كانوا يدفعون من المشعر الحرام بعد أن تطلع الشمس إذا كانت على رؤوس الجبال كأنها عمائم الرجال" (¬11). ¬

_ (¬1) في (ر): يسارة. (¬2) "صحيح مسلم" (1218/ 148). (¬3) "شرح ابن بطال" 4/ 367. (¬4) سقط من (م). (¬5) "المبسوط" 4/ 22، و"المجموع" 8/ 125، و"المدونة" 1/ 433. (¬6) من (م). (¬7) "شرح ابن بطال" 4/ 367. (¬8) في (ر): الشمس. (¬9) انظر: "المهذب" 1/ 227، و"المجموع" 8/ 125. (¬10) "الحاوي الكبير" 4/ 182. (¬11) "السنن الكبرى" 5/ 203 (9521).

67 - باب التعجيل من جمع

67 - باب التَّعْجِيلِ مِنْ جَمْعٍ 1939 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْن أبِي يَزِيدَ أَنَّهُ سَمِعَ ابن عَبّاسٍ يَقُولُ: أَنا مِمَّنْ قَدَّمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ المُزْدَلِفَةِ في ضَعَفَةِ أَهْلِهِ (¬1). 1940 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، قَالَ: حَدَّثَني سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ، عَنِ الحَسَنِ العُرَني، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: قَدَّمَنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ المُزْدَلِفَةِ أُغَيْلِمَةَ بَني عَبْدِ المُطَّلِبِ عَلَى حُمُراتٍ فَجَعَلَ يَلْطَحُ أَفْخاذَنا وَيَقُولُ: "أُبَيْني لا تَرْمُوا الجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ". قَالَ أبُو دَاوُدَ: اللَّطْحُ الضَّرْبُ اللَّيِّنُ (¬2). 1941 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ، حَدَّثَنا حَمْزَةُ الزَّيّاتُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أبِي ثابِتٍ، عَن عَطَاءٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُقَدِّمُ ضُعَفاءَ أَهْلِهِ بِغَلَسٍ وَيَأْمُرُهُمْ يَعْني لا يَرْمُونَ الجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ (¬3). 1942 - حَدَّثَنا هارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنا ابن أبِي فُدَيْكٍ، عَنِ الضَّحّاكِ - يَعْني ابن عُثْمانَ - عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أنَّها قَالَتْ: أَرْسَلَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بِأُمِّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ فَرَمَتِ الجَمْرَةَ قَبْلَ الفَجْرِ ثُمَّ مَضَتْ فَأَفاضَتْ وَكَانَ ذَلِكَ اليَوْمُ اليَوْمَ الذي يَكُونُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَعْني - عِنْدَها (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1677، 1678، 1856)، ومسلم (1293، 1294). وانظر تالييه. (¬2) رواه الترمذي (893)، والنسائي 5/ 270، وابن ماجه (3025)، وأحمد 1/ 234، وابن حبان (3869). وانظر ما قبله وما بعده. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1696). (¬3) انظر سابقيه. (¬4) رواه الدارقطني 2/ 276، والحاكم 1/ 469، وابن حزم في "حجة الوداع" (124)، والبيهقي 5/ 133. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (334).

1943 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَّادٍ الباهِليُّ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، أَخْبَرَني عَطَاءٌ أَخْبَرَني مُخْبِرٌ عَنْ أَسْماءَ أَنَّها رَمَتِ الجَمْرَةَ قُلْتُ: إِنّا رَمَيْنا الجَمْرَةَ بِلَيْلٍ. قَالَتْ: إِنّا كُنّا نَصْنَعُ هذا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). 1944 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، حَدَّثَني أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ قَالَ أَفاضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرْمُوا بِمِثْلِ حَصَى الخَذْفِ وَأَوْضَعَ في وادي مُحَسِّرٍ (¬2). * * * باب التعجيل من جمع [1939] (حدثنا أحمد) قال (ثنا سفيان) بن عيينة، قال (أخبرني عبيد الله) بالتصغير (بن أبي يزيد) مولى أهل مكة [من أهل مكة] (¬3)، تابعي، مات سنة ست أو سبع وعشرين ومائة (أنه سمع ابن عباس يقول: أنا ممن قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة المزدلفة في ضعفة أهله) [بفتح الضاد والعين جمع ضعيف] (¬4) أي: من جملة ضعفائهم من النساء والصبيان والمرضى، وذلك لئلا يتأذوا بالزحام. [1940] (ثنا محمد بن كثير) [ضد القليل، العبدي] (¬5) البصري، قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (قال: حدثني سلمة بن كهيل) الحضرمي الكوفي. قال أبو زرعة: ثقة مأمون (¬6) (عن الحسن) بن عبد الله الكوفي ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1679)، ومسلم (1291). (¬2) رواه مسلم (1218، 1299). وقد سلفت هذِه القطعة ضمن حديث مطول برقم (1905). (¬3) و (¬4) و (¬5) سقط من (م). (¬6) "الجرح والتعديل" 4/ 171.

(العرني) بضم العين وفتح الراء، نسبةً إلى عرينة بطن من بجيلة، ومنهم الذين قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة فاجتووها، وثقه أبو زرعة والعجلي، وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: صدوق ليس به بأس، قال أحمد: لم يسمع من ابن عباس (¬1). (عن ابن عباس قال: قدمنا) بتشديد الدال المفتوحة والميم (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أغيلمة) قال في "النهاية": تصغير أغلمة بسكون الغين [وفتح (¬2) اللام جمع غلام، وهو جائز في القياس، ولم يرد في جمعه أغلمة وإنما قالوا: غلمة بكسر الغين] (¬3)، ومثله أصيبية تصغير (¬4) صبية، ويريد بالأغيلمة الصبيان (¬5) ولذلك صغرهم (¬6). وأغيلمة منصوب على الاختصاص، والتقدير: قدمنا متخصصين من بين (¬7) الغلمان، ويجوز أن يكون منصوبًا على البدل من الضمير في (قدمنا). (بني عبد المطلب - رضي الله عنهم - على حمرات) بضم الحاء والميم جمع صحة لحمر، وحمر جمع حمار، فيه جواز إركاب الصغار (¬8) الحمير من غير أن يكون معهم من يمسكهم أو يحفظهم إذا لم يخف عليهم الوقوع. (فجعل يلطح) بفتح الياء والطاء المهملة، وبعدها حاء مهملة أيضًا، ¬

_ (¬1) "الثقات" للعجلي ص 287، "تهذيب الكمال" 6/ 196. (¬2) في "عون المعبود": كسر. (¬3) سقط من (م). (¬4) في الأصول: جمع. والمثبت من "النهاية". (¬5) من (م). (¬6) "النهاية" لابن الأثير (غلم). (¬7) ساقطة من (م). (¬8) في (ر): الصغير.

قال الجوهري: اللطح بفتح اللام مثل الحط وهو الضرب اللين على الظهر ببطن الكف (¬1) (أفخاذنا) أي: ببطن كفه ملاطفة لهم (ويقول: أبيني) بضم الهمزة وفتح الباء الموحدة وسكون ياء التصغير وبعدها نون مكسورة ثم ياء النسب [مشددة بوزن الأعيمي تصغير الأبنى بوزن الأعمى، وهو جمع ابن قاله ابن الأثير (¬2)] (¬3) تصغير بني. أي: يا بني (لا ترموا الجمرة) أي: جمرة العقبة (حتى تطلع الشمس). وفي قوله: (قدَّمنا) دليل على أن السنة للإمام أن يقدم الضعفة [من الصبيان] (¬4) وغيرهم ليرموا جمرة العقبة قبل زحمة الناس كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و [أما هم] (¬5) في أنفسهم فلا يستحب أن يتقدموا إلا أن يؤمروا. وفيه بيان أن جمرة العقبة لا ترمى إلا بعد طلوع الشمس، وهذا في رمي الجمرة (¬6) يوم النحر، وأما في سائر الأيام فإنها لا ترمى إلا بعد الزوال. (قال المصنف: اللطح الضرب اللين) [وفيه دليل لمالك وأبي حنيفة أن الرمي يؤخر وقت طلوع الفجر (¬7). وحمله أصحابنا على وقت الفضيلة] (¬8). ¬

_ (¬1) "الصحاح" (لطح). (¬2) "النهاية" (أبن). (¬3) سقط من (م). (¬4) من (م). (¬5) في (ر): إمامهم. (¬6) في (ر): العقبة. (¬7) انظر: "الاستذكار" 13/ 60، "المبسوط" 4/ 23. (¬8) سقط من (م).

[1941] (ثنا عثمان بن أبي شيبة) الكوفي، قال (ثنا الوليد بن عقبة) الكوفي الطحان الشيباني (¬1)، صدوق قال (أخبرنا حمزة) بالحاء المهملة والزاي، ابن حبيب أبو عمارة (الزيات) وثقه ابن معين (¬2) (عن حبيب) بفتح الحاء المهملة (بن أبي ثابت) قيس بن دينار الأعور، كان مفتيًا مجتهدًا من كبار التابعين (عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[(¬3) يقدم ضعفاء أهله) يعني: من النساء والصبيان والخدم. وعبارة البغوي والرافعي وغيرهما: والأولى تقديم النساء والضعفة (¬4). قال النووي: يسن تقديم النساء والضعفة (¬5) وظاهر العطف يدل على أن النساء لسن من الضعفة، واقتصر في الحديث على الضعفة لشموله النساء والصبيان والخدم كما تقدم. (بغلس) والسنة في هذا التقديم تحصل بانتصاف الليل وقبل الفجر، وفي الصحيحين: كان ابن عمر يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بليل فيذكرون الله ما بدا لهم ثم يرجعون قبل أن يقف الإمام، وأما غير الضعفاء فيسفرون بها إلى طلوع الفجر (ويأمرهم (¬6) يعني لا يرمون الجمرة) يعني: جمرة العقبة (حتى تطلع الشمس) هذا في يوم ¬

_ (¬1) في (ر): النسائي. (¬2) "تاريخ ابن معين" برواية الدارمي ترجمة (289). (¬3) من هنا سقط من (م). (¬4) "الشرح الكبير" 3/ 422. (¬5) "المجموع" 8/ 151. (¬6) في الأصل: ويأمرون. والمثبت من "السنن".

النحر، وأما بقية الأيام فبعد الزوال. [1942] (ثنا هارون بن عبد الله) بن مروان البزار، قال (ثنا) محمد بن إسماعيل (ابن أبي فديك) النفيلي مولاهم (عن الضحاك بن عثمان) الحزامي (عن هشام بن عروة) بن الزبير (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (بأم سلمة) هند بنت أبي أمية سهيل بن المغيرة (ليلة النحر) أي: بعد نصف الليل كما تقدم (فرمت الجمرة) هي وابن عباس وبقية أغيلمة بني عبد المطلب كما تقدم، وفيه دليل على أن الرامي يتولى الرمي بنفسه، ولا يجوز الاستنابة في الرمي إلا للعاجز عن الرمي لمرض أو حبس، فيستنيب من يرمي عنه، ولو رمى النائب عنه ثم زال عذر المستنيب والوقت باقٍ فالمذهب الصحيح أنه ليس عليه إعادة الرمي (قبل الفجر) فيه رد على ما قاله ابن المنذر: ولا يجزئ الرمي إلا بعد الفجر (¬1). وعلى ما قاله مالك في الأصح عنده: لا يجوز إلا بعد طلوع الشمس، ويدخل وقته عند الشافعي من نصف الليل، ويمتد وقته إلى آخر يوم النحر قطعًا (¬2). (ثم مضت) أتى بـ (ثم) التي للمهلة ليدل على أنه كان بين الرمي والإفاضة مهلة ليذهب وقت الذبح والتقصير وغيرهما (فأفاضت) أي: ذهبت لطواف الإفاضة ثم رجعت إلى منى (وكان ذلك اليوم) بالرفع بدل مما قبله (اليوم) بالنصب خبر (كان) (الذي يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) "المجموع" 8/ 161. (¬2) انظر: "الاستذكار" 13/ 59 - 60، و"المدونة" 1/ 481، و"الأم" 2/ 330، و"المجموع" 8/ 161 - 162.

تعني) لعل هذا من تفسير أبي داود (عندها) أي: عند أم سلمة في نوبتها. أي: إذا قسم لأزواجه. وفيه دليل على أن النهار يتبع الليل في نوبة من كانت الليلة لها في القسمة، فمن خرجت القسمة لها فيكون الزوج عندها بالليل كما يكون بالنهار، فعلى هذا يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قد طاف معها طواف الإفاضة؛ لأنها صاحبة النوبة. [1943] (ثنا محمد بن خلاد) بن كثير أبو بكر (الباهلي) قال (ثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن) عبد الملك بن عبد العزيز (ابن جريج) المكي (قال: أخبرني عطاء، قال: أخبرني مخبر) بضم الميم وإسكان الخاء المعجمة وإسكان الموحدة المخففة، وهو عبد الله مولى أسماء، كما في البخاري (عن أسماء أنها رمت الجمرة بليل) قلت: بنت أبي بكر - رضي الله عنه -. وقد أخرج البخاري ومسلم و"الموطأ" والنسائي (¬1) هذا المعنى بزيادة عن عبد الله مولى أسماء أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة فقامت تصلي، فصلت ساعة ثم قالت: هل غاب القمر؟ فقلت: لا، فصلت ساعة، ثم قالت: هل غاب القمر؟ قلت: نعم، قالت: فارتحلوا، فارتحلنا ومضينا حتى رمت الجمرة، ثم نزلت فصلت الصبح في منزلها، فقلت لها: يا هنتاه (إنا رمينا الجمرة بليل) ما أرانا إلا قد غلسنا. قالت (¬2): يا بني (¬3). ¬

_ (¬1) البخاري (1679)، ومسلم (1291) بلفظه. ورواه مالك 1/ 391 ومن طريقه النسائي 5/ 266 من طريق عطاء عن مولى لأسماء، وفي "الموطأ": مولاة. بنحو لفظ أبي داود. (¬2) ساقطة من الأصل. (¬3) تتمة الخبر كما في الصحيحين: يا بني إن رسول - صلى الله عليه وسلم - أذن للظعن.

وفيه إنكار التابع على المتبوع وإعلامه بما يظن أن الأمر بخلافه؛ ليتذكر أو ليتضح له الصواب. (قالت: إنا كنا نصنع هذا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) رواية "الموطأ": قالت: كنا نصنع ذلك مع من هو خير منك. وفي الصحيح: أن ابن عمر كان يقدم ضعفة أهله وصبيانه من المزدلفة حتى يصلوا الصبح بمنى ويرموا قبل أن يرمي الناس، وكان ابن عمر يقول: أرخص في أولئك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). [1944] (أخبرنا محمد بن كثير) قال (أخبرنا سفيان) الثوري، قال (أخبرنا أبو الزبير) محمد بن مسلم المكي التابعي (عن جابر - رضي الله عنه - قال: أفاض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)] (¬2) أي: من جمع (وعليه السكينة) يعني: الوقار كما تقدم تفسيره (وأمرهم) يعني: أصحابه (أن يرموا) الجمرات (بمثل حصى الخذف) قال الجوهري: الحصاة واحدة الحصا، وتجمع حصيات مثل بقرة وبقرات (¬3)، وفلان ذو حصاة. أي: ذو عقل ولب، قال كعب [بن سعد] (¬4): وأعلم علمًا ليس بالظن أنه متى (¬5) ... ذل مولى المرء فهو ذليل ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1676)، ومسلم (1295). (¬2) إلى هنا انتهى السقط في (م). (¬3) في (ر): بقر. وفي (م): بقرة. والمثبت من "الصحاح". (¬4) سقط من (م)، وعزاه ابن قتيبة في "الشعر والشعراء" 1/ 190 لطرفة بن العبد، وهو في "ديوانه" ص 81. (¬5) في "الصحاح": إذا.

وأن لسان المرء ما لم يكن له ... حصاة على عوراته لذليل وقولهم: نحن أكثر منه حصى. أي: عددًا. قال الأعشى يفضل عامرًا على علقمة: ولست بالأكثر منهم حصا ... وإنما العزة للكاثر (¬1) والخذف بخاء معجمة مفتوحة وذال ساكنة معجمة ثم فاء، هو رمي الحصا بطرفي الإبهام والسبابة أو غيرها من الأصابع (¬2). [قال العلماء: حصا الخذف] (¬3) كقدر حبة الباقلاء، قال أصحابنا: ولو رمى بأكبر أو بأصغر جاز مع الكراهة (¬4). (وأوضع) [نسخة: فأوضع] (¬5). أي: أسرع السير بإبله (¬6)، يقال: وضع البعير وأوضعه راكبه: إذا أسرع به السير (في وادي محسر) بكسر السين المهملة بعد الحاء المهملة؛ لأن فيل أصحاب الفيل حسر فيه. أي: أعيى وكَلَّ عن السير، ومنه قوله تعالى: {يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} (¬7) ووادي محسر ليس من مزدلفة ولا من منى، بل هو مسيل ماء بينهما. قال ابن الصلاح: وقيل إنه من منى، قال الأزرقي: ¬

_ (¬1) "الصحاح" (حصى)، وانظر: "ديوان الأعشى" ص 94. (¬2) "الصحاح" (خذف). (¬3) تقدمت هذِه العبارة في (ر). (¬4) "المجموع" 8/ 139. (¬5) و (¬6) سقط من (م). (¬7) الملك: 4.

وهو خمسمائة ذراع وخمس وأربعون ذراعًا (¬1) وفيه دليل على أنه يستحب لمن بلغ وادي محسر إن كان راكبًا يحرك دابته قدر رمية حجر وإن كان ماشيًا فيسرع قدر ذلك حتى يقطعا عرض الوادي؛ لأن وادي محسر كان موقفًا للنصارى، وقيل: كانت العرب يقفون فيه ويذكرون مفاخر آبائهم فأمرنا بمخالفتهم، وحكى الرافعي وجهًا ضعيفًا أنه لا يستحب الإسراع للماشي (¬2). ¬

_ (¬1) "أخبار مكة" 2/ 182. (¬2) "المجموع" 8/ 143.

68 - باب يوم الحج الأكبر

68 - باب يَوْمِ الحَجِّ الأَكْبَرِ 1945 - حَدَّثَنا مُؤَمَّلُ بْنُ الفَضْلِ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ، حَدَّثَنا هِشامٌ - يَعْني: ابن الغازِ - حَدَّثَنا نافِعٌ عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَفَ يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الجَمَراتِ في الحَجَّةِ التي حَجَّ فَقَالَ: "أي يَوْمٍ هذا؟ ". قَالُوا: يَوْمُ النَّحْرِ. قَالَ: "هذا يَوْمُ الحَجِّ الأَكْبَرِ" (¬1). 1946 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، أَنَّ الحَكَمَ بْنَ نافِعٍ حَدَّثَهُمْ، حَدَّثَنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْري، حَدَّثَني حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَني أَبُو بَكْرٍ فِيمَنْ يُؤَذِّنُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى أَنْ لا يحُجَّ بَعْدَ العام مُشْرِكٌ وَلا يَطُوفَ بالبَيْتِ عُرْيانٌ وَيَوْمُ الحَجِّ الأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ والحَجُّ الأَكْبَرُ الحَجُّ (¬2). * * * باب يوم الحج الأكبر [1945] (ثنا مؤمل) (¬3) بضم الميم الأولى وتشديد الثانية (بن الفضل) ابن عمير الحراني قال (ثنا الوليد) بن مسلم قال (نا هشام - يعني ابن الغاز) بالغين والزاي المعجمتين باسم (¬4) الفاعل من الغزو بحذف الياء وإثباتها ابن ربيعة الحرشي، قال (أخبرنا نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (3058) مطولا، وعلقه البخاري بإثر الحديث (1742) بصيغة الجزم عن هشام بن الغاز. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1700). (¬2) رواه البخاري (369، 1622، 3177، 4363، 4655، 4656، 4657)، ومسلم (1347). (¬3) في (ر): محمد. (¬4) في (م): بلفظ.

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقف يوم النحر بين الجمرات) وفي رواية (¬1) أبي حاتم وابن مردويه: عند الجمرات. روياه من حديث أبي جابر محمد بن عبد الملك. وبين الجمرات رواية البخاري (في الحجة التي حج فيها) وهي حجة الوداع. (فقال: أي يوم هذا؟ ) قدم السؤال عن اليوم مع أنه معلوم عنده لتقرير ما يقوله في نفوسهم ليبني عليه ما أراد تقريره بعد على سبيل التعظيم لهذا اليوم (قالوا: يوم) بالرفع خبر مبتدأ محذوف للعلم به، تقديره: هو يوم (النحر، قال: هذا يوم الحج الأكبر) فيه حجة لمالك ومذهب الشافعي والجمهور أن يوم النحر يوم الحج الأكبر، وإنما قيل: الحج الأكبر احترازًا من الحج الأصغر، وهو العمرة (¬2). ومما يدل عليه ما ثبت في الصحيحين (¬3) في حجة أبي بكر: أن يؤذن بمنى يوم النحر ببراءة، أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. فكان حميد يقول: يوم النحر يوم الحج الأكبر؛ لأن الله أمر بهذا الأذان [يوم الحج الأكبر، فإذا أذن به في يوم النحر دل على أنه يوم الحج الأكبر الذي أمر الله بالأذان] (¬4) فيه، ولأن معظم المناسك تفعل فيه من الطواف والنحر والحلق والرمي، ونبذت فيه عهود المشركين وذل فيه الشرك وعز فيه الدين. [1946] (ثنا محمد بن يحيى) بن عبد الله بن خالد (بن فارس) ¬

_ (¬1) زاد في (م): ابن. (¬2) "التاج والإكليل" 3/ 242، و"المجموع" 8/ 223. (¬3) البخاري (4656)، مسلم (1347). (¬4) سقط من (م).

الذهلي النيسابوري (أن الحكم بن نافع) أبا اليمان مولى مهران (حدثهم، قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال: حدثني حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال: بعثني أبو بكر فيمن يؤذن) بكسر الذال (يوم النحر) وممن يؤذن علي وأبو بكر وغيرهم من الصحابة - رضي الله عنهم -. قال النووي: وهذا الأذان يوم النحر بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - في أصل الأذان قال: والظاهر أنه عين لهم يوم النحر، فتعين أنه يوم الحج الأكبر (¬1). (بمنى) يجوز فيها التأنيث والتذكير والصرف [وتركه، وجزم ابن قتيبة أنها لا تنصرف والجوهري بالصرف والتذكير (¬2) والصرف] (¬3) أجود. (أن لا يحج بعد العام مشرك) هذا موافق لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} (¬4) والمراد بالمسجد الحرام الحرم كله، فلا يمكن مشرك من دخول الحرم بحال حتى لو جاء في رسالة أو أمر مهم لا يمكن من الدخول، بل يخرج إليه من يقضي الأمر المتعلق به، ولو دخل خفية ومرض ومات نبش وأخرج من الحرم (ولا يطوف بالبيت عريان) هذا إبطال لما كانت الجاهلية عليه من الطواف بالبيت عراة، واستدل به أصحابنا وغيرهم على أن الطواف يشترط له ستر العورة (ويوم الحج الأكبر يوم النحر) قال القرطبي: هذا يرفع الإشكال (¬5) ويريح من كثرة الأقوال (¬6). يعني ¬

_ (¬1) "شرح النووي" 9/ 116. (¬2) "الصحاح" (منا). (¬3) سقط من (م). (¬4) التوبة: 28. (¬5) في (م)، و"المفهم": كل إشكال. (¬6) "المفهم" 3/ 460.

التي في تفسير الحج الأكبر (والحج الأكبر الحج) قيل: وصف الحج بالأكبر؛ لأن العمرة تسمى بالحج الأصغر، وقال منذر بن سعيد وغيره: كان الناس يوم عرفة متفرقين؛ إذ كانت الحمس تقف بالمزدلفة، وكان الجمع يوم النحر بمنى، وكذلك كانوا يسمونه الحج الأكبر. أي: أكبر من الأصغر الذي هم فيه متفرقون.

69 - باب الأشهر الحرم

69 - باب الأَشْهُرِ الحُرُمِ 1947 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ، حَدَّثَنا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابن أَبي بَكْرَةَ، عَنْ أَبي بَكْرَةَ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - خَطَبَ في حَجَّتِهِ فَقَالَ: "إِنَّ الزَّمانَ قَدِ اسْتَدارَ كَهَيئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَواتِ والأَرْضَ السَّنَةُ اثْنا عَشَرَ شَهْرًا مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلاثٌ مُتَوالِياتٌ ذُو القَعْدَةِ وَذُو الحِجَّةِ والمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الذي بَيْنَ جُمادى وَشَعْبانَ" (¬1). 1948 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنُ فَيّاضٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهّابِ، حَدَّثَنا أَيُّوبُ السَّخْتِيانِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنِ ابن أَبي بَكْرَةَ، عَنْ أَبي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بِمَعْناهُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمّاهُ ابن عَوْنٍ فَقَالَ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ في هذا الحَدِيثِ (¬2). * * * باب الأشهر الحرم [1947] (ثنا مسدد) قال (ثنا إسماعيل) بن إبراهيم ابن علية، قال: (ثنا أيوب) بن أبي تميمة كيسان. (عن محمد) بن سيرين، أحد الأعلام. (عن أبي بكرة) واسمه نفيع بالتصغير (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس في حجته) أي: حجة الوداع. (فقال) في خطبته (إن الزمان قد استدار) أي: استقر الأمر وثبت على ما جعله الله في أول الأمر من غير تقديم ولا تأخير ولا تبديل والأمر ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3197، 4406، 5550، 7447)، ومسلم (1679). (¬2) انظر السابق.

شرعًا، كما ابتدأ (¬1) الله ذلك في كتابه (¬2) يوم خلق السموات والأرض وصار (كهيئه يوم خلق الله السموات والأرض) فوافق حج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذي الحجة؛ فإن الله تعالى منذ خلق السموات والأرض خلق الليل والنهار يدوران في الفلك، وخلق ما في السماء من الشمس والقمر والنجوم [وجعل الشمس والقمر] (¬3) يسبحان في الفلك فنشأ منهما ظلمة الليل وبياض النهار، فمن حينئذٍ جعل (السنة اثنا عشر شهرًا) بحسب الهلال، فالسنة في الشرع مقدرة بسير القمر وطلوعه لا بسير الشمس وانتقالها، كما يفعله أهل الكتاب فإنهم يعملون على أن السنة ثلاثمائة وخمسة وستون يومًا وبعض يوم، وعلى هذا يجري أمر النصارى واليهود، فأعلم الله أن سني السنة مرتب على أهلة القمر واستهلاله، كما في كتاب الله. يعني: اللوح المحفوظ، قاله الواحدي، وهو قول عامة أهل التأويل، وجعل الله من هذِه الأشهر الاثني عشر (منها (¬4) أربعة) أشهر (حرم) أي: يعظم انتهاك المحارم فيها أكثر مما يعظم في غيرها من الأشهر. قال أهل المعاني: وفي جعل بعض الشهور أعظم حرمة من بعض فوائد من المصلحة في الكف عن الظلم فيها؛ لعظم منزلتها عند الله تعالى، فربما أدى ذلك إلى ترك الظلم رأسًا لانتفاء (¬5) الثائرة في تلك ¬

_ (¬1) في (م): أيد. (¬2) في (م): حكاية. (¬3) من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) في (م): لانطفاء.

المدة، وسميت حرمًا لتحريم القتال [أو لعظم] (¬1) انتهاك المحارم فيها، وذكر ابن قتيبة عن بعضهم أنها الأشهر التي أجل المشركون فيها (¬2) أن يسيحوا. وقد فسرها النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث، وذكر أنها (ثلاثة متواليات) وهي (ذو القعدة) وفتح القاف أفصح (وذو الحجة) وكسر الحاء أفصح (والمحرم) قيل: إن سبب تحريم هذِه الأشهر الأربعة بين العرب (¬3) لأجل التمكن من الحج والعمرة فحرم شهر ذي الحجة لوقوع الحج فيه، وحرم معه شهر ذي القعدة للسير فيه إلى الحج، وحرم شهر المحرم للرجوع فيه من الحج؛ حتى يأمن الحاج على نفسه من حين يخرج من بيته إلى أن يرجع. (و) حرم شهر (رجب) للاعتمار فيه في وسط السنة، فيعتمر فيه من كان قريبًا من مكة (مضر الذي بين جمادى) بضم الجيم (وشعبان) وإضافته إلى مضر، قيل: لأن مضر كانت تزيد في تعظيمه واحترامه فنسب إليهم لذلك، وقيل: بل كانت ربيعة تحرم رمضان، ومضر تحرم رجبًا، فلذلك أضيف إليه، وحقق ذلك بقوله: (الذي بين جمادى وشعبان) واختلفوا في حكم القتال في الأشهر الحرم، هل تحريمه باقٍ لم ينسخ، والجمهور على أنه نسخ تحريمه، وذهب طائفة من السلف منهم عطاء إلى بقاء تحريمه، ورجحه بعض المتأخرين، واستدلوا بآية المائدة، والمائدة ¬

_ (¬1) في (م): فيها أو لتحريم. (¬2) من (م). (¬3) في (ر): الأربعة.

من آخر ما نزل من القرآن. [1948] (ثنا محمد [بن يحيى] (¬1) بن فياض) أبو الفضل الزماني قال (ثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي قال (ثنا أيوب) بن أبي تميمة (السختياني) بفتح السين، نسبة إلى عمل السختيان، (عن ابن سيرين عن) (¬2) عبد الرحمن (ابن أبي بكرة، عن أبي بكرة) بإسكان الكاف (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمعناه) المتقدم. (قال أبو داود: سماه) عبد الله (بن عون) مولى عبد الله بن مغفل، (فقال: عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبي بكرة في هذا الحديث). ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) في (ر): بن.

70 - باب من لم يدرك عرفة

70 - باب مَنْ لَمْ يُدْرِكْ عَرَفَةَ 1949 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، حَدَّثَني بُكَيْرُ بْنُ عَطَاءٍ، عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي يَعْمَرَ الدِّيلي قَالَ: أَتَيْتُ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ بِعَرَفَةَ فَجاءَ ناسٌ - أَوْ نَفَرٌ - مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ فَأَمَرُوا رَجُلًا فَنادى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَيْفَ الحَجُّ؟ فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا فَنادى: "الحَجُّ الحَجُّ يَؤمُ عَرَفَةَ مَنْ جاءَ قَبْلَ صَلاةِ الصُّبْحِ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ فَتَمَّ حَجُّهُ أَيّامُ مِنًى ثَلَاثَةٌ فمَنْ تَعَجَّلَ في يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ". قَالَ: ثُمَّ أَرْدَفَ رَجُلًا خَلْفَهُ فَجَعَلَ يُنادي بِذَلِكَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَلِكَ رَواهُ مِهْرانُ، عَنْ سُفْيانَ قَالَ: "الحَجُّ الحَجُّ". مَرَّتَيْنِ وَرَواهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ القَطّانُ، عَنْ سُفْيانَ قَالَ: "الحَجُّ". مَرَّةً (¬1). 1950 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى عَنْ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا عامِرٌ، أَخْبَرَني عُرْوَةُ بْنُ مُضَرِّسٍ الطّائي قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بالمَوْقِفِ - يَعْني بِجَمْعٍ قُلْتُ: جِئْتُ يا رَسُولَ اللهِ مِنْ جَبَلِ طَيِّئٍ أَكْلَلْتُ مَطِيَّتي وَأَتْعَبْتُ نَفْسي والله ما تَرَكْتُ مِنْ جَبَلٍ إِلَّا وَقَفْتُ عَلَيْهِ فَهَلْ لي مِنْ حَجٍّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَدْرَكَ مَعَنا هذِه الصَّلاةَ وَأَتَى عَرَفاتٍ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ" (¬2). * * * ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (889)، والنسائي 5/ 256، 264، وابن ماجه (3015)، وأحمد 4/ 309، والدارمي (1929)، وابن حبان (3892). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1703). (¬2) رواه الترمذي (891)، والنسائي 5/ 263، 264، وابن ماجه (3016)، وأحمد 4/ 15، 261، 262، وابن خزيمة (2820، 2821)، وابن حبان (3851). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1704).

باب من لم يدرك يوم عرفة (¬1) [1949] (ثنا محمد بن كثير) قال (ثنا سفيان) الثوري قال (حدثني بكير، عن (¬2) عطاء، عن عبد الرحمن بن يعمر) بفتح المثناة من تحت وفتح الميم، غير منصرف للعلمية ووزن الفعل، له صحبة ورواية، نزل الكوفة، وأتى خراسان، لم يرو عنه بكير سوى هذا الحديث كما قال ابن الأثير (¬3) (الديلي) بكسر الدال وإسكان المثناة تحت (قال: أتيت) [نسخة: رأيت] (¬4) (النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو بعرفة) رواية الترمذي عن عبد الرحمن بن يعمر: أن ناسًا من أهل نجد أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بعرفة فسألوه. (فجاء ناس أو نفر) شك من الراوي، ورواية الترمذي المتقدمة: ناس. من غير شك (من أهل نجد، فأمروا رجلًا فنادى) يا (رسول الله كيف الحج؟ ) أي كيف حج من لم يدرك يوم عرفة كما بوب عليه البخاري (فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلًا فنادى) فيه النداء بأحكام الحج ليشتهر أمره بارتفاع صوت المنادي، وهذا إذا [كبر الراكب] (¬5) [الحاج أو] (¬6) الغزاة، وفي رواية للترمذي: عن يحيى: وأردف رجلًا فنادى (الحج) أي: الحج الصحيح، و (الحج) الكامل لمن أدرك (يوم عرفة) قال ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): ابن. (¬3) "جامع الأصول" 12/ 591. (¬4) و (¬5) سقط من (م). (¬6) في (م): الحجاج.

الترمذي: قال سفيان الثوري: والعمل على حديث عبد الرحمن بن يعمر عند أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم أن من لم يقف بعرفات قبل الفجر فقد فاته الحج، ولا يجزئ عنه إن جاء بعد طلوع الفجر، ويجعلها عمرة، وعليه الحج من قابل وهو قول الشافعي وأحمد (¬1)، وروى هذا الحديث وكيع، وقال: هذا الحديث أم المناسك (¬2). و(من جاء عرفة من ليلة جمع) أي: ليلة المبيت بالمزدلفة (فيتم) بالياء المثناة (حجه) يوضحه رواية الترمذي: "فقد أدرك الحج"؛ لأنه وقت الوقوف بعرفة من زوال يوم عرفة إلى طلوع الفجر يوم النحر، فيكفي الحصول في جزء من أرض عرفة ولو في لحظة لطيفة في هذا الوقت إذا كان أهلًا للعبادة (¬3)، هذا هو المذهب الصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور، وعند (¬4) أحمد أن وقته ما بين طلوع الفجر الثاني يوم عرفة وطلوعه يوم العيد (¬5). وحكى الفوراني قولًا أنه لا يكفي الوقوف ليلًا، ومن اقتصر عليه فقد فاته الحج. (أيام) مرفوع لأنه مبتدأ، كلام استؤنف (منى ثلاثة) أيام، وهي الأيام المعدودات، وأيام التشريق، وأيام رمي الجمار، وهي الثلاثة التي بعد يوم (¬6) النحر، وليس يوم النحر منها؛ لإجماع الناس أنه لا ينفر أحد ¬

_ (¬1) "الأم" 2/ 248، "المغني" 5/ 424 - 426. (¬2) "سنن الترمذي" 3/ 228. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): عن. (¬5) "المغني" 5/ 274. (¬6) في (ر): عيد.

يوم القر، وهو ثاني يوم النحر [ولو كان يوم النحر] (¬1) من الثلاث لجاز أن ينفر من شاء مستعجلًا يوم القر (فمن تعجل في يومين) أي: من تعجل في يومين من أيام التشريق فنفر (¬2) في اليوم الثاني (فلا إثم عليه) في تعجيله. (ومن تأخر) عن النفر في اليوم الثاني من أيام التشريق إلى اليوم الثالث حتى نفر فيه (فلا إثم عليه) في تأخيره، وهو مغفور له ذنبه، قال معاوية بن قرة: خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، والتخيير هنا وقع بين الفاضل والأفضل، وقيل: المعنى: ومن تأخر عن الثالث إلى الرابع ولم ينفر مع العامة لا إثم. كأنه قال: من زاد عن أيام منى الثلاث أو نقص عنها فلا إثم عليه. فإن قيل: إنما يخاف الإثم المتعجل، فما بال المتأخر الذي أتى بالأفضل ألحق به؟ فالجواب: أن من تعجل في يومين فلا إثم عليه في استعماله الرخصة، ومن تأخر وترك الرخصة فلا إثم عليه في ترك استعمال الرخصة، وذهب بعضهم إلى أن المراد بوضع الإثم عنه المتعجل دون المتأخر، ولكن (¬3) ذكرا معًا والمراد أحدهما كقوله: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} والجناح على الزوج؛ لأنه أخذ ما أعطى كما قال تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} (¬4) (ثم أردف رجلًا خلفه فجعل ينادي بذلك) كما تقدم في رواية ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): فتفرق. (¬3) من (م). (¬4) البقرة: 229.

الترمذي. (قال أبو داود: وكذلك (¬1) رواه مهران) بكسر الميم (عن سفيان قال: الحج الحج مرتين) كما تقدم، (ورواه وروى يحيى بن سعيد القطان عن سفيان: الحج مرة واحدة) بالنصب فيهما أي: ينادي نداء مرتين، فناب العدد عن المصدر المحذوف. [1950] (ثنا مسدد، قال: ثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن إسماعيل) بن أبي خالد، قال (ثنا عامر) بن شراحيل الشعبي، قال (أخبرني عروة بن مضرس) بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وتشديد الراء المهملة المكسورة، ثم سين مهملة، ابن حارثة بالحاء والثاء المثلثة (الطائي - رضي الله عنه - قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالموقف) بالمزدلفة (يعني: بجمع) زاد الترمذي: حين خرج إلى الصلاة. (قلت: جئت يا رسول الله من جبلي طيئ) بفتح الطاء وتشديد الياء بعدها همزة (أكللت) أي: أعييت من المشي (مطيتي) أي: راحلتي كما في الترمذي (وأتعبت نفسي) في طول المسير إليك (والله ما تركت من حبل) بفتح الحاء المهملة وإسكان الباء أحد حبال الرمل، وهو ما اجتمع واستطال وارتفع. قال الجوهري: يقال للرمل المستطيل حبل (¬2) (إلا وقفت عليه) في مجيئي إليك (فهل لي من حج؟ ) أي: هل يصح حجي؟ (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أدرك معنا هذِه الصلاة) يعني صلاة الفجر (وأتى عرفات قبل ذلك) رواية الترمذي: "من شهد صلاتنا هذِه ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "الصحاح" (حبل).

ووقف معنا حتى يدفع وقد وقف بعرفات قبل ذلك" (ليلًا أو نهارًا فقد تم حجه) فيه حجة لأحمد على أن وقت الوقوف لا يختص بما بعد الزوال، بل بما بين طلوع الفجر الثاني يوم عرفة وطلوعه يوم العيد (¬1)؛ لأن لفظ النهار في الحديث مطلق يحمل على ما قبل الزوال، واستدل أصحابنا والجمهور على أنه - عليه السلام - والخلفاء الراشدين بعده لم يقفوا إلا بعد الزوال، ولم ينقل عن أحد أنه وقف قبله (¬2). وأجابوا عن الحديث بأن المراد به ما بعد الزوال، (وقضى تفثه) أي: ما عليه من الحج والمناسك كلها، قاله ابن عمر. والمشهور أن التفث ما يصنعه المحرم عند حله (¬3) من تقصير شعر أو حلقه، وحلق عانته، ونتف إبطه، وغيره من خصال الفطرة، كما في الحديث، ويدخل فيه نحر البدن، وفي ضمن ذلك قضاء جميع مناسكه؛ إذ لا يقضى التفث إلا بعد ذلك، وأصل التفث الوسخ والقذر، وعن قطرب: تفث الرجل كثر (¬4) وسخه (¬5). وقال أبو محمد البصري: التفث أصله من التفف بفاءين، وهو وسخ الأظفار، وقلبت الفاء الثانية ثاء مثلثة كما في مقبور (¬6). ¬

_ (¬1) "المغني" 5/ 274. (¬2) "المجموع" 8/ 120. (¬3) في (م): رحله. (¬4) في (ر): كيره. (¬5) زاد بعدها في (ر): في سفره. (¬6) في (م): مفثور.

71 - باب النزول بمنى

71 - باب النُّزُولِ بمِنًى 1951 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنْ حُمَيْدٍ الأَعْرَجِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْراهِيمَ التَّيْمي، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعاذٍ، عَن رَجُلٍ مِنْ أَصْحابِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: خَطَبَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - النّاسَ بِمِنًى وَنَزَّلَهُمْ مَنازِلَهُمْ فَقَالَ: "لِيَنْزِلِ المُهاجِرُونَ ها هُنا". وَأَشارَ إِلَى مَيْمَنَةِ القِبْلَةِ: "والأَنْصارُ ها هُنا". وَأَشارَ إِلَى مَيْسَرَةِ القِبْلَةِ: "ثُمَّ لْيَنْزِلِ النّاسُ حَوْلَهُمْ" (¬1). * * * باب النزول بمنى [1951] (حدثنا أحمد بن حنبل) قال: (ثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع أحد الأعلام، قال: (أخبرنا معمر، عن حميد) بن قيس (الأعرج) المكي القاري (عن محمد بن إبراهيم التميمي، عن عبد الرحمن بن معاذ) بن عثمان التيمي (¬2)، قال: (عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: خطب النبي (¬3) - صلى الله عليه وسلم - الناس بمنى) أي: أوسط أيام التشريق كما سيأتي، وهذِه آخر خطب الحج الأربع، ويعلمهم في هذِه الخطبة جواز النفر وما بعده من طواف الوداع وغيره، ويودعهم ويحثهم على طاعة الله [وعلى أن يختموا حجهم بالاستقامة] (¬4) والثبات، وأن ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 61، 5/ 374. وانظر ما سيأتي برقم (1957). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1705). (¬2) في (م): التميمي. (¬3) في (ر): رسول الله. (¬4) في (ر): والاستقامة.

يكونوا بعد الحج خيرًا منهم قبله، وأن لا ينسوا ما عاهدوا الله عليه من خير بنذر وغيره. (وأنزلهم منازلهم) [نسخة: ونزلهم] (¬1) فيه أن الأمير عليه سياسة الحجاج وتدبيرهم في مسيرهم ونزولهم، فيأمرهم أن لا يتفرقوا في مسيرتهم ونزولهم [حتى يفترقوا] (¬2) فيخاف عليهم ويرتبهم في السير فيعقبهم (¬3) فيرتب كل عقب خلف عقب؛ لئلا يقع التنازع بينهم، ويأمر كل من عقبه خلف أحد أن لا يتقدم عنه ولا يتأخر، ويقدم أهل العلم والصلاح على غيرهم في المنازل والسير. (وقال: لينزل المهاجرون ها هنا وأشار) (¬4) فيه التعليم [بالإشارة باليد] (¬5) ونحوها كما يعلم بالقول والفعل (إلى ميمنة القبلة) فيه كما تقدم تنزيل الناس منازلهم، فلما كان المهاجرون أفضل جعل لهم الميمنة من القبلة لفضلها؛ فإن الميامن في صفوف الصلاة والقتال ومجالس العلم أفضل من المياسر [دلت عليه السنة] (¬6). (وينزل الأنصار ها هنا وأشار إلى ميسرة القبلة) وفيه إعطاء كل طائفة منهم (¬7) ناحية ينزلون فيها؛ حتى يعرف كل طائفة ناحيته التي عينها له ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) من (م). (¬3) في (م): بأن يعقبهم. (¬4) من (م). (¬5) في (م): وباليد. (¬6) في (ر): دل عليه الحديث. (¬7) سقط من (م).

الإمام إذا ساروا [وإذا نزلوا] (¬1) لئلا يتنازعوا في المسير ولا في وقت نزولهم ولا يضلوا عنه (ثم لينزل) بقية (الناس حولهم) مجتمعين من بعد ذلك، وفيه أن أعيان الناس ينزلون في أوسط الناس وهم محيطون بهم ليشاهدوا أفعالهم ويقتدوا بهم. ¬

_ (¬1) سقط من (م).

72 - باب أي يوم يخطب بمنى

72 - باب أي يَوْمٍ يَخْطُبُ بِمِنًى 1952 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنا ابن المُبارَكِ عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ نافِعٍ، عَنِ ابن أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ بَني بَكْرٍ قالا: رَأَيْنا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ بَيْنَ أَوْسَطِ أَيّامِ التَّشْرِيقِ وَنَحْنُ عِنْدَ راحِلَتِهِ وَهي خطْبَةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - التي خَطَبَ بِمِنًى (¬1). 1953 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشّارٍ، حَدَّثَنا أَبُو عاصِمٍ، حَدَّثَنا رَبِيعَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حِصْنٍ حَدَّثَتْني جَدَّتي سَرّاءُ بِنْث نَبْهانَ - وَكَانَتْ رَبَّةَ بَيْتٍ في الجاهِلِيَّةِ - قَالَتْ: خَطَبَنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الرُّؤوسِ فَقَالَ: "أي يَوْمٍ هذا". قُلْنا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: "أَلَيْسَ أَوْسَطَ أَيّامِ التَّشْرِيقِ؟ ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَلِكَ قَالَ عَمُّ أَبِي حُرَّةَ الرَّقاشي: إِنَّهُ خَطَبَ أَوْسَطَ أَيّامِ التَّشْرِيقِ (¬2). * * * باب أي يوم يخطب بمنى [1952] (ثنا) أبو كريب (محمد بن العلاء) الهمداني، قال: (ثنا) عبد الله (بن المبارك) بن واضح الحنظلي (عن إبراهيم بن نافع) المخزومي (عن) عبد الله (ابن أبي نجيح) بفتح النون وكسر الجيم ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 5/ 151 من طريق أبي داود. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1706). (¬2) رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (3305)، وابن خزيمة (2973)، والبيهقي 5/ 151، وابن الأثير في "أسد الغابة" 7/ 140. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (335).

والحاء المهملة (عن أبيه) أبي نجيح، واسمه يسار المكي الثقفي، ثقة. (عن رجلين من بني بكر قالا: رأينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب) أي: خطبة فردة بعد الزوال (بين أوسط أيام التشريق) أي: في اليوم الثاني من أيام التشريق بعد صلاة الظهر كما تقدم. (ونحن عند راحلته نسمع ما يقول) في خطبته (وهي خطبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي خطبها) [نسخة: خطب] (¬1) للناس (بمنى) وهي آخر الخطب التي (¬2) في الحج، كما تقدم قريبًا. [1953] (حدثنا محمد بن بشار) بالباء الموحدة والشين المعجمة، ابن عثمان العبدي (حدثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل (¬3)، قال (ثنا ربيعة بن عبد الرحمن بن حصن) الغنوي، قال (حدثتني جدتي سراء) بفتح السين المهملة وتشديد الراء والمد والرفع بدل من جدة (بنت نبهان) بفتح النون وسكون الباء الموحدة، ولها حديث في النكاح. ([وكانت ربة] (¬4) بيت) أي: قائمة على الصنم (في الجاهلية) رضي الله عنها. (قالت: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الرؤوس) بضم الراء والهمزة بعدها، وهو اليوم الثاني من أيام التشريق؛ سمي بذلك لأنهم كانوا يأكلون فيه رؤوس الأضاحي (قال: أي يوم هذا؟ ) سأل عنه وهو عالم به؛ لتكون الخطبة أوقع في نفوسهم (¬5) وأثبت (قلنا: الله ورسوله أعلم) ¬

_ (¬1) من (ر). (¬2) و (¬3) و (¬4) سقط من (م). (¬5) في (م): قلوبهم.

وهذا من حسن الأدب في الجواب للأكابر والاعتراف بالجميل، ولعلهم قالوا ذلك لأنهم ظنوا أنه سيسميه بغير اسمه (قال: أليس) هو (أوسط أيام التشريق؟ ) (¬1) الثلاثة. (قال أبو داود: وكذلك قال عم أبي حرة الرقاشي) له صحبة، قال أبو القاسم البغوي: بلغني أن اسمه حذيم بن حنيفة (¬2)، وحذيم بكسر الحاء المهملة وسكون الذال المعجمة بعدها ياء مفتوحة مثناة تحت ثم ميم. وأبي حرة بضم الحاء المهملة وتشديد الراء، واسمه (¬3) حنيفة الرقاشي بفتح الراء وتخفيف القاف وبعد الألف شين معجمة (إنه خطب أوسط أيام التشريق) [قال أبو داود: الذي تفرد به من هذا الحديث أن يوم الرؤوس أوسط أيام التشريق] (¬4) وهو اليوم الثاني من أيام التشريق. ¬

_ (¬1) زاد بعدها في (ر): يدل على أن الأصح ثلاثة أيام. (¬2) "معجم الصحابة" 2/ 217. (¬3) في (م): واسم أبي حرة. (¬4) سقط من (م).

73 - باب من قال: خطب يوم النحر

73 - باب مَنْ قَالَ: خَطَبَ يَوْمَ النَّحْرِ 1954 - حَدَّثَنا هارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ، حَدَّثَنا عِكْرِمَةُ، حَدَّثَني الهِرْماسُ بْنُ زِيادٍ الباهِلي قَالَ: رَأَيْتُ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ النّاسَ عَلَى ناقَتِهِ العَضْباءِ يَوْمَ الأَضْحَى بِمِنًى (¬1). 1955 - حَدَّثَنا مُؤَمَّلٌ - يَعْني: ابن الفَضْلِ الحَرّاني - حَدَّثَنا الوَلِيدُ، حَدَّثَنا ابن جابِرٍ، حَدَّثَنا سُلَيْمُ بْنُ عامِرٍ الكَلاعي، سَمِعْتُ أَبا أُمامَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ خُطْبَةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ (¬2). * * * باب من قال: خطب يوم النحر [1954] (ثنا هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي، قال (ثنا هشام بن عبد الملك) الباهلي أبو الوليد الطيالسي، قال (ثنا عكرمة، قال: ثنا الهرماس) بكسر الهاء وسكون الراء وبالسين المهملة (بن زياد الباهلي، قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب الناس على ناقته العضباء) وهي التي هاجر عليها وكانت شهباء، ورمى الجمار على ناقته الصهباء وهي الشقراء. ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 485، 5/ 7، والنسائي في "السنن الكبرى" (4095)، وابن خزيمة (2953)، وابن حبان (3875). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1707). (¬2) رواه الطبراني في "مسند الشاميين" (578)، والبيهقي 5/ 140. ورواه الترمذي (616)، وأحمد 5/ 251 عن سليم بن عامر بلفظ: سمعت أبا أمامة يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب في حجة الوداع .. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1708).

(يوم الأضحى بمنى) وهذِه هي الخطبة الثالثة بعد صلاة الظهر فردة، يعلم الناس بها المبيت والرمي في أيام التشريق وغير ذلك مما بين أيديهم، وما مضى لهم في يومهم ليأتي به من لم يفعله، وهذِه الخطب الأربع كلها سنة لهذِه الأحاديث، وقولنا: خطب الحج أربعة هو الجديد (¬1). وفي القديم: لو خطب الإمام في كل يوم ليعلم الناس الخير رجوت أن لا يكون مأثومًا إن شاء الله تعالى، وفي "شرح الكفاية" للضميري في باب صلاة الخسوف: كل خطبة تفعل بعد الصلاة فسنة، أو قبلها فواجبة، وهي خطبتان: خطبة يوم عرفة، ويوم الجمعة، وكذا قال الماوردي في "الحاوي" (¬2). وبه أجاب ابن سراقة العامري في كتاب "الدرة". [1955] (ثنا مؤمل بن الفضل الحراني، قال: ثنا الوليد) بن مسلم الدمشقي. قال (ثنا) عبد الرحمن (ابن جابر) (¬3) الداراني، قال (ثنا سليم) بضم السين وفتح اللام (بن عامر الكلاعي) بفتح الكاف، شامي من أهل حمص، تابعي كثير الحديث. قال (سمعت أبا أمامة) الباهلي - رضي الله عنه -. [هذا الإسناد كله دمشقيون. (يقول: ] (¬4) سمعت خطبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنى يوم النحر) وهذِه ¬

_ (¬1) "المجموع" 8/ 82. (¬2) "الحاوي الكبير" 2/ 493. (¬3) في (ر): مسلم. (¬4) سقط من (م).

الخطبة جاءت في الصحيحين من رواية عبد الله بن عمر (¬1)، وجاءت عن جماعة من الصحابة (¬2). ¬

_ (¬1) البخاري (1742)، ومسلم (66). (¬2) منهم ابن عباس، ورواه البخاري (1739)، وأبو بكرة رواه البخاري (1741)، ومسلم (1679).

74 - باب أي وقت يخطب يوم النحر

74 - باب أي وَقْتٍ يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ 1956 - حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهّابِ بْن عَبْدِ الرَّحِيمِ الدِّمَشْقَيُّ، حَدَّثَنا مَرْوانُ، عَنْ هِلالِ بْنِ عامِرٍ المُزَني، حَدَّثَني رافِعُ بْنُ عَمْرٍو المُزَني قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ النّاسَ بِمِنًى حِينَ ارْتَفَعَ الضُّحَى عَلَى بَغْلَةٍ شَهْباءَ وَعَلي - رضي الله عنه - يُعَبِّرُ عَنْهُ والنّاسُ بَيْنَ قاعِدٍ وَقائِمٍ (¬1). * * * باب أي وقت يخطب يوم النحر [1956] (ثنا عبد الوهاب بن عبد الرحيم) بن عبد الوهاب (الدمشقي) بكسر الدال وفتح الميم، قال (ثنا مروان) بن حسان الطاطري (عن هلال بن عامر) بن عمرو (المزني) [قال (حدثني رافع بن عمرو المزني]) (¬2) أخو عائذ، عداده في البصريين. (قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى) هكذا هو في بعض النسخ ممدود، وهو الظاهر، وفي بعضها مقصور؛ فإن الضحى مقصورًا هو (¬3) حين تشرق الشمس يؤنث ويذكر [فمن ذكر] (¬4) كما هو ذهب إلى أنه اسم على فعل، مثل (¬5) صرد، وبعده الضحا ممدود مذكر وهو عند ارتفاع النهار الأعلى. وفيه أن من السنة أن ¬

_ (¬1) رواه البخاري في "التاريخ الكبير" 3/ 302، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1096)، والنسائي في "السنن الكبرى" (4094)، والطبراني 5/ 18 (4458). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1709). (¬2) و (¬3) و (¬4) من (م). (¬5) سقط من (م).

يخطب الإمام يوم النحر خلافًا لمالك (¬1). (على بغلة شهباء) يقال لها: الدلدل (¬2)، أهداها له المقوقس، [مع حمار يقال له عفير] (¬3) وقال في حديث آخر: بغلته البيضاء، وهي واحدة، والشهبة: البياض الذي عليه السواد، عاشت بعده حتى كبرت وزالت أسنانها، وكان يجش (¬4) لها الشعير، وبقيت إلى زمن معاوية، وماتت بينبع، لم يكن في العرب يومئذٍ غيرها. (وعلي - رضي الله عنه - يعبر عنه) بتشديد الباء الموحدة، قال الجوهري: يقال: عبرت عن فلان إذا تكلمت عنه. أي (¬5) وفسرت عنه (¬6) ما يقوله، واللسان يعبر عما في الضمير (¬7). (والناس بين قائم وقاعد) فيه دليل على جواز القيام والقعود لمن كان (¬8) يسمع الخطبة و [إن كان] (¬9) القعود أفضل. ¬

_ (¬1) "الكافي في فقه أهل المدينة" 1/ 416. (¬2) في (م): الدلالة. (¬3) جاءت هذِه العبارة متأخرة في (ر). (¬4) في الأصول: يحشم. والمثبت من مصادر التخريج. (¬5) سقط من (م). (¬6) سقط من (م). (¬7) "الصحاح" (عبر). (¬8) سقط من (م). (¬9) سقط من (م).

75 - باب ما يذكر الإمام في خطبته بمنى

75 - باب ما يَذْكُرُ الإِمامُ في خُطْبَتِهِ بِمِنًى 1957 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ عَنْ حُمَيْدٍ الأَعْرَجِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْراهِيمَ التَّيْمي، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعاذٍ التَّيْمي، قَالَ: خَطَبَنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ بِمِنًى فَفُتِحَتْ أَسْماعُنا حَتَّى كُنّا نَسْمَعُ ما يَقُولُ وَنَحْنُ في مَنازِلِنا فَطَفِقَ يُعَلِّمُهُمْ مَنَاسِكَهُمْ حَتَّى بَلَغَ الِجمارَ فَوَضَعَ أُصْبُعَيْهِ السَّبّابَتَيْنِ في أُذُنَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "بِحَصَى الخَذْفِ". ثُمَّ أَمَرَ المُهاجِرِينَ فَنَزَلُوا في مُقَدَّمِ المَسْجِدِ وَأَمَرَ الأَنْصارَ فَنَزَلُوا مِنْ وَراءِ المَسْجِدِ ثُمَّ نَزَلَ النّاسُ بَعْدَ ذَلِكَ (¬1). * * * باب ما يذكر الإمام [في خطبته] (¬2) بمنى [1957] (ثنا مسدد)، قال: (ثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان التميمي الحافظ المقرئ الفصيح اللبيب (¬3) الصالح (عن حميد الأعرج، عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث (التيمي) بفتح المثناة فوق وإسكان المثناة تحت، وثقوه إلا أحمد (¬4) (عن عبد الرحمن بن معاذ) بن عثمان (التيمي) قال الذهبي: قيل: له صحبة (¬5)، وذكره ابن الأثير في الصحابة، وهذا الحديث حجة لصحبته. ¬

_ (¬1) رواه النسائي 5/ 249، وأحمد 4/ 61، 5/ 374. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1710). (¬2) في (م): بخطبته. (¬3) في (م): الثبت. (¬4) "الكاشف" للذهبي 3/ 15. (¬5) "الكاشف" للذهبي 2/ 186.

(قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن بمنى، ففتحت) بضم الفاء الثانية وكسر التاء بعدها (أسماعنا) بالرفع، أي: اتسع سمعه وقوي من قولهم: قارورة [فتح بضم] (¬1) الفاء والتاء واسعة الرأس، قال الكسائي: ليس لها صمام ولا غلاف (¬2). وهكذا صارت أسماعهم لما سمعوا صوت النبي - صلى الله عليه وسلم -[وهذا من بركات صوته - صلى الله عليه وسلم -] (¬3) إذا سمعه المؤمن قوي سمعه واتسع مسلكه، حتى صار يسمع الصوت من الأماكن البعيدة، ويسمع الأصوات الخفية (حتى كنا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا) يدل على أنهم لم يذهبوا إلى سماع الخطبة، بل استمروا في رحالهم وهم يسمعونها، ولعل هذا كان فيمن له عذر منعه من الحضور لاستماعها، وهو اللائق بحال الصحابة - رضي الله عنهم -. (فطفق يعلمهم) انتقال من الخطاب إلى الغيبة، وهو من أنواع البلاغة كقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} (¬4) ولو استمر الخطاب لقال: فطفق يعلمنا (مناسكهم) أي: أحكام الحج كالمبيت في منى والرمي أيام التشريق والنفر وغير ذلك مما يحتاجون إليه كما تقدم (حتى بلغ) الظاهر أن فيه حذف وتقديره: فطفق يعلمهم في ذهابه إلى الجمرات [حتى بلغ (الجمار) يعني المكان الذي ترمى فيه الجمار، والجمار هو الحصا الصغار التي ترمى بها الجمرات] (¬5). ¬

_ (¬1) في (ر): بفتح. (¬2) "الصحاح" (فتح). (¬3) من (م). (¬4) يونس: 22. (¬5) سقط من (م).

(فوضع أصبعيه) بالياء بعد العين مثنى (السبابتين في أذنيه) هكذا في بعض النسخ. أي: ليكون ذلك أجمع لصوته في إسماع خطبته، كما قال في أول الحديث: كنا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا، ولهذا كان بلال يضع أصبعيه في صماخي أذنيه [في الأذان] (¬1)، وعلى هذا ففي الكلام تقديم وتأخير، وتقديره: فوضع أصبعيه السبابتين في أذنيه حتى بلغ الجمار، وفي أكثر النسخ بحذف أذنيه، فإما أن تكون مقدرة ويكون التقدير على ما تقدم، أو يكون المراد أن الرمي بسبابتي يده اليمنى ويده اليسرى يضع الحصا بينهما. قال النووي: يضع الحصاة (¬2) على بطن إصبعيه ويرميها برأس السبابة (¬3) [قال: وهذِه الكيفية لم يذكرها جمهور أصحابنا، ويجوز أن يراد بالسبابتين السبابة] (¬4) والإبهام، ويكون هذا من باب التغليب كالعمرين والقمرين، والمراد: بوضع أصبعيه أخذ الحصا بهما ليرميه. (ثم) بفتح المثلثة، و (قال) وفي رواية: وقال، يحتمل أن يكون المراد بالقول القول في نفسه كما قال تعالى: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ} (¬5)، ويكون المراد به هنا النية للرمي، قال أبو حيان: وتراكيب القول الست تدل على معنى الخفة والسرعة (¬6)، فلهذا عبر هنا بالقول، والله أعلم. ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) في (م): النواة. (¬3) "المجموع" 8/ 171. (¬4) من (م). (¬5) المجادلة: 8. (¬6) "البحر المحيط" 1/ 86.

(بحصى الخذف) بخاء وذال معجمتين، قال الأزهري: حصا الخذف صغار مثل النوى يرمى بها بين أصبعين (¬1). قال الشافعي: حصا الخذف أصغر من الأنملة طولًا وعرضًا (¬2). ومنهم من قال: بقدر الباقلاء، وقيل: بقدر النواة (¬3)، قاله النووي في "التحرير" (¬4) وكل هذِه المقادير متقاربة؛ لأن الخذف بالخاء المعجمة لا يكون إلا بالصغير (¬5) (ثم أمر المهاجرين فنزلوا في مقدم المسجد) أي: مسجد الخيف الذي بمنى، ولعل المراد بالمقدم الجهة (¬6) التي بها غار المرسلات (وأمر الأنصار أن ينزلوا من وراء المسجد) أي: من جهة مؤخره. قال (ثم نزل الناس) [بالنصب - نسخة: نزل - وعلى التشديد يرجع (بعد ذلك) وفي بغضها: بعد بالضم مبني على الضم، أي بعد ذلك على ما تقدم] (¬7). ¬

_ (¬1) "تهذيب اللغة" خذف. (¬2) "الأم" 3/ 560. (¬3) في (ر): الباقلاء. (¬4) لم أجده في "التحرير"، وانظر: "نيل الأوطار" 5/ 92. (¬5) في (ر): بالتصغير. (¬6) سقط من (م). (¬7) في (م): أي بعد ذلك مبني على الضم كما تقدم.

76 - باب يبيت بمكة ليالي منى

76 - باب يَبِيتُ بمَكَّةَ لَيالي مِنًى 1958 - حَدَّثَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ خَلَّادٍ الباهِلَيُّ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنِ ابن جُرَيْجٍ حَدَّثَني حَرِيزٌ أَوْ أَبُو حَرِيزٍ - الشَّكُّ مِنْ يَحْيَى - أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ فَرُّوخَ يَسْأَلُ ابن عُمَرَ قَالَ: إِنّا نَتَبايَعُ بِأَمْوالِ النّاسِ فَيَأْتي أَحَدُنا مَكَّةَ فَيَبِيتُ عَلَى المالِ؟ فَقَالَ: أَمّا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَباتَ بِمِنًى وَظَلَّ (¬1). 1959 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا ابن نُمَيْرٍ وَأَبُو أُسامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قَالَ: اسْتَأْذَنَ العَبَّاسُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيالي مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقايَتِهِ فَأَذِنَ لَهُ (¬2). * * * باب يبيت بمكة ليالي منى [1958] (ثنا أبو بكر محمد بن خلاد الباهلي) قال (ثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن) عبد الملك بن عبد العزيز (ابن جريج)، قال: (أخبرني حريز) بفتح الحاء المهملة وكسر الراء (¬3) وزاي آخره (أو (¬4) أبو حريز) مثله (قال أبو بكر) محمد (هذا من يحيى) الراوي (يعني الشك) بالنصب (أنه سمع عبد الرحمن بن فروخ) بفتح الفاء وتشديد الراء وضمها وبخاء معجمة غير منصرف للعجمة والتعريف، مولى ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 5/ 153 من طريق أبي داود. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (337). (¬2) رواه البخاري (1634، 1743، 1744، 1745)، ومسلم (1315). (¬3) في (ر)، (م): الزاي. والمثبت هو الصواب. (¬4) في (ر)، (م): و.

آل (¬1) عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - (يسأل) عبد الله (ابن عمر قال: إنا نتبايع) [نسخة: نبتاع] (¬2) (بأموال الناس) أي: ليس المال (¬3) الذي نتبايع فيه ونتجر فيه لنا، بل هو للناس، فنحن نخاف على أموال الناس أكثر من أموالنا (فيأتي أحدنا) أي: هل يجوز لأحد من الناس عنده مال في (مكة) أن يأتيها (فيبيت) بها (على المال) الذي عنده ويدع المبيت بمنى (فقال: أما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبات بمنى) هكذا في بعض النسخ، وفي نسخة معتمدة: قد بات بمنى بحذف الفاء التي في جواب أما، كقول الشاعر: أما القتال لا قتال لديكم وإثبات الفاء هو الكثير في الاستعمال (فظل) أي: [وأقام بها] (¬4) نهارًا، واكتفى ابن عمر بذكر فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الجواب، وقد اختلف العلماء في ترك المبيت بمنى لمن له عذر بأن كان له مال يخاف ضياعه، أو يخاف على نفسه، أو كان له مريض قريب أو صديق في غير منى يحتاج إلى تعهده، أو به مرض يشق معه المبيت (¬5)، أو كان يطلب عبدًا (¬6) آبقًا (¬7) أو له أمر بمكة أو غيرها يخاف فوته، قال ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) من (ر). (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): أقام. (¬5) سقط من (م). (¬6) من (م). (¬7) في الأصول: آبق. والجادة ما أثبتناه.

الماوردي: أو كانت امرأة فحاضت، فهل له ترك المبيت إلحاقًا له بالرعاية (¬1) والسقاية؟ فيه وجهان، أصحهما، ويحكى عن نص الشافعي نعم ولا شيء عليه بتركه، وله النفر بعد الغروب. والثاني: لا؛ لأن هذا عذر خاص فلا يلحق بالأعذار العامة (¬2). قال القاضي: والخلاف في هذا كالخلاف في أن الحصر الخاص هل يبيح التحلل كالعام أم لا؟ [1959] (ثنا عثمان) بن محمد بن إبراهيم (بن أبي شيبة) العبسي قال (ثنا) عبد الله (بن نمير) كان أحمد يعظمه (وأبو أسامة) حماد بن أسامة (عن عبيد الله) بالتصغير ابن (¬3) عمر بن حفص العمري (عن نافع، عن ابن عمر قال: استأذن العباس) بن عبد المطلب (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبيت بمكة) شرفها الله تعالى (ليالي منى) وهي ليلة الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر. وقد اختلفوا في المبيت بمنى ليالي التشريق هل هو واجب أو سنة؟ فقال أبو حنيفة: سنة (¬4). وقال الجمهور: واجب (من أجل سقايته) وهي كانت في الجاهلية للعباس فأقرها النبي - صلى الله عليه وسلم - له، فهي حق لآل العباس أبدًا، وقال الأزرقي: كانت السقاية بيد عبد مناف، وكان ¬

_ (¬1) في (م): بأهل الرعاية. (¬2) "الحاوي الكبير" 4/ 198. بمعناه. (¬3) في (م): عن. (¬4) "البحر الرائق" 2/ 374، و"بدائع الصنائع" 2/ 159.

يحمل الماء في المزاد والقرب إلى مكة ويسكب في حياض من أدم بفناء الكعبة للحجاج (¬1)، ثم وليها من بعده هاشم ثم عبد المطلب حتى (¬2) حفر بئر (¬3) زمزم، ثم كان يشتري الزبيب فينبذه في ماء زمزم فيسقي الناس، وكان يسقي أيضًا اللبن بالعسل في حوض آخر فقام بالسقاية بعده العباس في الجاهلية، ثم أقرها النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح، ولم تزل في يده حتى مات فوليها عبد الله ثم ابنه علي بن عبد الله وهلم جرّا (¬4) (فأذن له) أن يبيت بها، فيجوز لأهل السقاية أن يتركوا هذا المبيت ويذهبوا إلى مكة ليسقوا بالليل الماء من زمزم ويجعلوه في الحياض مسيلًا للحاج، ولا يختص ذلك عند الشافعي بالعباس، بل كل من ولي السقاية كان له ذلك؛ فإن علة المبيت السقاية للحاج، فاذا وجدت العلة وهي السقاية وجد المعلول وهو المبيت بمكة، وقال بعض أصحابنا: تختص الرخصة بالعباس (¬5). ¬

_ (¬1) في (م): للحاج. (¬2) في (م): حين. (¬3) من (م). (¬4) انظر "أخبار مكة" 1/ 84 - 85. (¬5) انظر: "المجموع" 8/ 248، و"الوسيط في المذهب" 2/ 666.

77 - باب الصلاة بمنى

77 - باب الصَّلاةِ بِمِنًى 1960 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، أَنَّ أَبا مُعاوِيَةَ وَحَفْصَ بْنَ غِياثٍ حَدَّثاهُ - وَحَدِيثُ أَبي مُعاوِيَةَ أَتَمُّ - عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: صَلَّى عُثْمانُ بِمِنًى أَرْبَعًا فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - رَكْعَتَيْنِ وَمَعَ أَبي بَكْرٍ رَكْعَتَيْنِ وَمَعَ عُمَرَ رَكْعَتَيْنِ، زادَ عَنْ حَفْصٍ: وَمَعَ عُثْمانَ صَدْرًا مِنْ إِمارَتِهِ ثُمَّ أَتَمَّها. زادَ مِنْ ها هُنا عَنْ أَبي مُعاوِيَةَ: ثُمَّ تَفَرَّقَتْ بِكُمُ الطُّرُقُ فَلَوَدِدْتُ أَنَّ لي مِنْ أَرْبَعِ رَكَعاتٍ رَكْعَتَيْنِ مُتَقَبَّلَتَيْنِ. قَالَ الأَعْمَشُ: فَحَدَّثَني مُعاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ، عَنْ أَشْياخِهِ أَنَّ عَبْدَ اللهِ صَلَّى أَرْبَعًا قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: عِبْتَ عَلَى عُثْمانَ ثُمَّ صَلَّيْتَ أَرْبَعًا قَالَ: الخِلافُ شَرٌّ (¬1). 1961 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، أَخْبَرَنا ابن المُبارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْري أَنَّ عُثْمانَ إِنَّما صَلَّى بِمِنًى أَرْبَعًا لأَنَّهُ أَجْمَعَ عَلَى الإِقامَةِ بَعْدَ الحَجِّ (¬2). 1962 - حَدَّثَنا هَنّادُ بْنُ السَّرَيِّ، عَنْ أَبي الأَحْوَصِ، عَنِ المُغِيرَةِ عَنْ إِبْراهِيمَ قَالَ إِنَّ عُثْمانَ صَلَّى أَرْبَعًا لأنَّهُ اتَّخَذَها وَطَنًا (¬3). 1963 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ أَخْبَرَنا ابن المُبارَكِ عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْري قَالَ: لَمّا اتَّخَذَ عُثْمانُ الأَمْوالَ بِالطّائِفِ وَأَرادَ أَنْ يُقِيمَ بِها صَلَّى أَرْبَعًا قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ بِهِ الأَئِمَّةُ بَعْدَهُ (¬4). 1964 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ الزُّهْري أَنَّ عُثْمانَ بْنَ عَفّانَ أَتَمَّ الصَّلاةَ بِمِنًى مِنْ أَجْلِ الأَعْرابِ؛ لأنَّهُمْ كَثُرُوا عامَئِذٍ فَصَلَّى بِالنّاسِ أَرْبَعًا لِيُعْلِمَهُمْ أَنَّ الصَّلاةَ أَرْبَعٌ (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1084، 1657)، ومسلم (695). (¬2) انظر ما قبله. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (338). (¬3) انظر ما سلف برقم (1960). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (339). (¬4) انظر ما سلف برقم (1960). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (340). (¬5) رواه البيهقي 3/ 144 من طريق أبي داود. وانظر ما سلف برقم (1960 - 1963). =

باب الصلاة بمنى [1960] (ثنا مسدد، أن أبا معاوية وحفص بن غياث) النخعي قاضي الكوفة (حدثاهم، وحديث أبي (¬1) معاوية أتم) من حديث حفص (عن) سليمان (الأعمش عن إبراهيم) النخعي، ولم يثبت له سماع منه (عن عبد الرحمن بن يزيد) بن جارية بالجيم والياء تحتها نقطتان، الأنصاري المدني، ولد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (قال: صلى عثمان بمنى) الظهر والعصر والعشاء (أربعًا) [أي: أربع ركعات، زاد البخاري: فقيل ذلك لعبد الله بن مسعود فاسترجع، ثم قال: صليت] (¬2). (فقال عبد الله) بن مسعود (صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم -) بمنى (ركعتين) ركعتين (¬3) (ومع أبي بكر) [زاد البخاري: بمنى] (¬4) (ركعتين) أي (¬5): في كل رباعية (ومع عمر) بمنى (ركعتين) ركعتين (زاد عن حفص) بن غياث (ومع عثمان صدرًا من إمارته) بكسر الهمزة، ورواية "الموطأ": وإن عثمان بن عفان صلاها (¬6) بمنى ركعتين شطر إمارته. (ثم أتمها) بعد، وفي "صحيح مسلم" من حديث حفص بن عاصم ¬

_ = وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1713)، قال: إسناده حسن لغيره. (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): أربعا. (¬3) سقط من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) من (م). (¬6) في (م): صلاهما.

عن ابن عمر: ثم صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، ثم ذكر عن ابن عمر (¬1) مع عثمان ثمان سنين أو ست سنين. قال النووي: والمشهور أن عثمان أتم بعد ست سنين من خلافته، وتأول العلماء أن عثمان لم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، أي: في غير منى (¬2). و(زاد: من ها هنا عن أبي معاوية) محمد بن خازم (ثم تفرقت بكم الطرق) أي: اختلفت أحوالكم وآراؤكم في الصلاة وفي (¬3) غيرها (فلوددت) بكسر الدال الأولى (أن لي من أربع ركعات) [من للبدلية] (¬4) (ركعتين متقبلتين) يوضحها رواية مسلم في كتاب الصلاة: فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان. قال النووي: معناه: ليت عثمان صلى ركعتين بدل الأربع كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر وعثمان في صدر خلافته يفعلون (¬5). (قال الأعمش: فحدثني معاوية بن قرة) بضم (¬6) القاف وتشديد الراء ابن أبي (¬7) إياس البصري. (عن أشياخه) أبيه وأنس بن مالك وعبد الله بن مغفل - رضي الله عنهم - (أن عبد الله) ¬

_ (¬1) زاد في (م): و. (¬2) "شرح النووي" 5/ 198 - 199. (¬3) سقط من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) "شرح النووي" 5/ 204. (¬6) في (ر): بفتح. (¬7) سقط من (م).

بن مسعود (صلى أربعًا) بمنى، [أي: في حال أقتدائه بعثمان، وذلك بعد رجوعه من أعمال الحج أيام إقامته بمنى للرمي، وفي البخاري: لما قيل لابن مسعود في ذلك استرجع، أي: كراهة أنه لمخالفة الأفضل] (¬1). (فقيل له: عبت على عثمان الأربع ثم صليت أربعًا؟ فقال: الخلاف شر) أي: قبيح، [وللبيهقي: إني لأكره الخلاف (¬2)، أي: لأنه يؤدي إلى شرور] (¬3) علم أن القصر في منى أفضل كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر، وعلم أيضًا أن الإتمام جائز وليس بواجب، فوافق عثمان على الإتمام وكان (¬4) يصلي وراءه متمّا، وإن كان القصر عنده واجبًا لما استجاز تركه وراء أحد، ولكن كره المخالفة؛ لما فيه من تغير الصدور، ووقوع الشرور. [1961] (حدثنا محمد بن العلاء) بن كريب، قال (ثنا) عبد الله (ابن المبارك) شيخ الإسلام. (عن معمر، عن الزهري: أن عثمان - رضي الله عنه - إنما صلى بمنى (¬5) أربعًا لأنه أجمع) أي: عزم (على الإقامة) قال الجوهري: أجمعت على الأمر إذا عزمت عليه (¬6). ومنه الحديث: "من لم يجمع الصيام من الليل" (¬7) (بعد ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "السنن الكبرى" 3/ 144. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ر): لكن. (¬5) سقط من (م). (¬6) نقله الجوهري عن الكسائي في "الصحاح" (جمع). (¬7) سيأتي برقم (2454) من حديث حفصة.

الحج) أي: بعد مضي الحجاج منها. [1962] (حدثنا هناد بن السري، عن أبي الأحوص) سلام بن سليم الحنفي (عن المغيرة) بن مقسم الضبي (عن إبراهيم) بن يزيد النخعي الكوفي (إن عثمان صلى) بمنى (أربعًا؛ لأنه اتخذها وطنًا) والمتوطن لا يجوز له القصر، واعلم أن القصر مشروع في منى وعرفة ومزدلفة للحجاج من غير أهل مكة وما قرب منها، ولا يجوز لأهل مكة ومن كان دون مسافة القصر، هذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة والأكثرين (¬1). وقال مالك: يقصر أهل مكة ومنى ومزدلفة وعرفة (¬2). فعلة (¬3) القصر عنده في تلك المواضع النسك، وعند الجمهور علته السفر، والله أعلم. [1963] (ثنا محمد بن العلاء، قال: ثنا) عبد الله (ابن المبارك، عن يونس) بن يزيد الأيلي (¬4). (عن الزهري، قال: لما اتخذ عثمان الأموال بالطائف) بالزراعة والمواشي والبناء وغير ذلك (وأراد أن يقيم بها صلى أربعًا) قال الشافعي: لو بدا للمسافر الإقامة بموضع أتم - يعني: الصلاة أربعًا حتى يسافر منه، قال: ثم يقصر إذا سافر منه (¬5). انتهى. قال النووي: وقد فسر عمران بن الحصين في روايته: أن إتمام ¬

_ (¬1) "الأم" 1/ 320، وانظر: "المبسوط" 1/ 404، و"بدائع الصنائع" 1/ 92. (¬2) "الاستذكار" 13/ 164 - 165. (¬3) في (م): فقلت. (¬4) في (م): الديلي. (¬5) انظر: "الأم" 1/ 323.

عثمان إنما كان بمنى (¬1). وقال في حديث حفص بن عاصم، عن ابن عمر: ثم صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله. وتأول العلماء هذِه الرواية على أن المراد أن عثمان لم يزد على ركعتين حتى قبضه الله - يعني: في غير منى - وأما منى فكان يتم فيها كما تقدم (¬2). (قال: ثم أخذ به الأئمة بعده) فيه أن المسافر إذا أراد أن يقيم ببلد صار مقيمًا، ولزمه الإتمام. قال النووي في "الروضة": إذا نوى المسافر في طريقه الإقامة مطلقًا انقطع سفره فلا يقصر، فلو أنشأ السير بعد ذلك فهو سفر جديد، هذا إذا نوى الإقامة [في موضع يصلح لها من بلد أو قرية أو وادٍ يمكن البدوي النزول فيه للإقامة] (¬3) فأما المفازة (¬4) ونحوها، ففي انقطاع السفر (¬5) بنية الإقامة فيها قولان أظهرهما عند الجمهور انقطاعه (¬6). [1964] (ثنا موسى بن إسماعيل) المنقري، المعروف بالتبوذكي قال: (ثنا حماد) بن يزيد بن درهم الأزدي (عن أيوب) بن أبي تميمة السختياني (¬7). (عن الزهري: أن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أتم الصلاة بمنى) أربعًا (من أجل ¬

_ (¬1) "شرح النووي" 5/ 199. (¬2) "شرح النووي" 5/ 198 - 199. (¬3) سقط من (م). (¬4) في (م): المنارة. (¬5) سقط من (م). (¬6) "روضة الطالبين" 1/ 383 - 384. (¬7) في (ر): السجستاني.

الأعراب) قال العلماء من أهل اللغة يقال: رجل عربي إذا كان نسبه في العرب ثابتًا، وأعرابي بالألف إذا كان بدويّا صاحب نجعة ويتبع مساقط الغيث ومراعي الكلأ، سواء كان من العرب أو من مواليهم، ولا يجوز أن يقال للمهاجرين والأنصار أعراب إنما هم عرب، وتسمى (¬1) العرب عربًا؛ لأن أولاد إسماعيل عليه السلام نشؤوا بعربة (¬2) وهي من تهامة فنسبوا إلى بلدهم. وعلى كل حال فالمراد بالأعراب هنا أهل البوادي الذين قدموا منى، وهم ممن يخفى عليهم الأحكام؛ لعدم من يعلمهم في البوادي، وقد قال الله تعالى في حق الأعراب: {وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} (¬3). قال ابن عباس: يريد فرائض [الله مما] (¬4) أنزل الله عليهم حتى إن كثيرًا منهم لا يعرفون أعداد الصلاة ولا ركعاتها. وقال يمان: أجدر أن لا يعلموا الحلال والحرام. وقال ابن كيسان: يعني: حجج (¬5) الله في توحيده ونبوة رسوله؛ لأنهم لا ينظرون فيها. (لأنهم كثروا) بمنى (عامئذٍ) (¬6) أي: في ذلك العام (فصلى) عثمان ¬

_ (¬1) في (ر): سمي. (¬2) في (ر): من العربة. (¬3) التوبة: 97. (¬4) في (م): ما. (¬5) في (م): حج. (¬6) في (ر): عامه.

(بالناس [الصلاة أربعًا]) (¬1) الرباعية (ليعلمهم) من الإعلام (أن الصلاة) المفروضة (أربع) ركعات، ثم رخص في القصر بعد ذلك. وروى أيوب عن الزهري قال (¬2): إنما صلى عثمان بمنى أربعًا لأن الأعراب كانوا كثروا في ذلك العام، فأحب أن يعلمهم أن الصلاة أربعًا. وروى البيهقي عن عثمان أنه أتم بمنى ثم خطب فقال: إن القصر سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه، ولكنه حدث طغام فخفت أن يستنوا (¬3). - يعني: يقتدوا بي. والطغام بفتح الطاء المهملة والغين المعجمة من لا معرفة له من الجهال، وقيل: هم أوغاد الناس (¬4) وأرداهم وهم جفاة الأعراب. ¬

_ (¬1) في (م): الصلوات. (¬2) من (م). (¬3) في (ر): يستوعبوا. والمثبت من (م)، و"السنن الكبرى" للبيهقي 3/ 144. (¬4) من (م).

78 - باب القصر لأهل مكة

78 - باب القَصْرِ لأَهْلِ مَكَّةَ 1965 - حَدَّثَنا النُّفَيْلَيُّ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا أَبُو إِسْحاقَ، حَدَّثَني حارِثَةُ بْنُ وَهْبٍ الخُزاعي - وَكَانَتْ أُمُّهُ تَحْتَ عُمَرَ فَوَلَدَتْ لَهُ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ - قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمِنًى والنّاسُ أَكْثَرُ ما كَانُوا فَصَلَّى بِنا رَكْعَتَيْنِ في حَجَّةِ الوَداعِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حارِثَةُ مِنْ خُزاعَةَ وَدارُهُمْ بِمَكَّةَ (¬1). * * * باب القصر لأهل مكة [1965] (ثنا) عبد الله بن محمد (النفيلي، قال: أخبرنا زهير) بن معاوية، قال: (ثنا أبو إسحاق) السبيعي قال (ثنا حارثة) بحاء مهملة وثاء مثلثة (ابن وهب الخزاعي وكانت أمه) سيأتي اسمها (تحت عمر فولدت عبيد الله) بالتصغير (بن (¬2) عمر قال: صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) رواية مسلم: صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (والناس) بالرفع (أكثر) بالرفع خبر (ما كانوا) كانت الصحابة - رضي الله عنهم - أجمعين في حجة الوداع أكثر عددًا مما كانوا في غيره من المشاهد، فقد شهد معه حجة الوداع أربعون ألفًا كل رآه وسمع منه. (فصلى ركعتين بنا ركعتين في حجة الوداع) بفتح الواو، وكان الأكثر من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في السفر القصر فيما يقصر. (قال أبو داود: حارثة من خزاعة) بضم الخاء حي من الأزد سموا ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1083، 1656)، ومسلم (696). (¬2) في (ر): أن.

بذلك؛ لأن الأزد لما خرجت من مكة لتتفرق فتفرقت (¬1) عنهم خزاعة وأقامت بها، يقال: تخزع فلان عن أصحابه إذا تخلف (دارهم) التي استقروا فيها لما تفرقت قبيلتهم في البلاد وأقاموا هم (بمكة) فلذلك عرفوا بها. (حارثة بن وهب) الخزاعي (أخو عبيد الله) قال النووي: هكذا ضبطناه بضم العين مصغر، قال: ووقع في بعض الأصول عبد الله بفتح العين مكبر، قال: وهو خطأ، والصواب الأول، وكذا نقله القاضي عياض عن أكثر رواة مسلم (¬2)، وكذا ذكره البخاري في "تاريخه" وابن أبي حاتم وابن عبد البر (¬3) وخلائق لا يحصون، كلهم يقولون: إنه أخو عبيد الله مصغر (ابن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لأمه) وأمه مليكة بنت جرول (¬4) بفتح الجيم وإسكان الراء الخزاعي تزوجها عمر بن الخطاب فأولدها ابنه عبيد الله، وأما عبد الله بن عمر وأخته حفصة فأمهما زينب بنت مظعون (¬5). ¬

_ (¬1) في (م): في البلاد تخلفت. (¬2) "إكمال المعلم" 3/ 21. (¬3) "التاريخ الكبير" 3/ 93، و"الجرح والتعديل" 3/ 255، "الاستيعاب" 1/ 370. (¬4) في النسخ: جرود. (¬5) "شرح النووي" 5/ 205.

79 - باب في رمي الجمار

79 - باب في رَمْي الجِمارِ 1966 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ مَهْدي حَدَّثَني عَلي بْن مُسْهِرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبي زِيادٍ، أَخْبَرَنا سُلَيْمانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الأَحْوَصِ، عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَرْمي الجَمْرَةَ مِنْ بَطْنِ الوادي وَهُوَ راكِبٌ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصاةٍ وَرَجُلٌ مِنْ خَلْفِهِ يَسْتُرُهُ فَسَأَلْتُ، عَنِ الرَّجُلِ فَقَالُوا: الفَضْلُ بْنُ العَبّاسِ وازْدَحَمَ النّاسُ فَقَالَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا أَيُّها النّاسُ لا يَقْتُلْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَإِذَا رَمَيْتُمُ الجَمْرَةَ فارْمُوا بِمِثْلِ حَصَى الخَذْفِ" (¬1). 1967 - حَدَّثَنا أَبُو ثَوْرٍ إِبْراهِيمُ بْنُ خالِدٍ وَوَهْبُ بْنُ بَيانٍ قالا: حَدَّثَنا عَبِيدَةُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبي زِيادٍ، عَن سُلَيْمانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الأَحْوَصِ، عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ جَمْرَةِ العَقَبَةِ راكِبًا وَرَأَيْتُ بَيْنَ أَصابِعِهِ حَجَرًا فَرَمَى وَرَمَى النّاسُ (¬2). 1968 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنا ابن إِدْرِيسَ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ أَبي زِيادٍ، بِإِسْنادِهِ في مِثْلِ هذا الحَدِيثِ زادَ وَلَمْ يَقُمْ عِنْدَها (¬3). 1969 - حَدَّثَنا القَعْنَبَيُّ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ - يَعْني: ابن عُمَرَ - عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَأْتي الجِمارَ في الأَيَّامِ الثَّلاثَةِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ ماشِيًا ذاهِبًا وَراجِعًا وَيُخْبِرُ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (3028، 3031)، وأحمد 3/ 503، 5/ 270، 379، 6/ 376، 379. وانظر ما سيأتي برقم (1967، 1968). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1715). (¬2) انظر السابق. (¬3) انظر الحديثين السابقين. (¬4) رواه الترمذي (900)، وأحمد 2/ 114، 138. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1718).

1970 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ أَخْبَرَني أَبُو الزُّبَيْرِ سَمِعْتُ جابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَرْمي عَلَى راحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ يَقُولُ: "لِتَأْخُذُوا مَناسِكَكُمْ فَإِنّي لا أَدْري لَعَلّي لا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتي هذِه" (¬1). 1971 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَني أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَرْمي عَلَى راحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى فَأَمّا بَعْدَ ذَلِكَ فَبَعْدَ زَوالِ الشَّمْسِ (¬2). 1972 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن مُحَمَّدٍ الزُّهْرَيُّ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَن وَبَرَةَ قَالَ: سَأَلْتُ ابن عُمَرَ مَتَى أَرْمي الجِمارَ قَالَ: إِذا رَمَى إِمامُكَ فارْمِ. فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ المَسْأَلَةَ فَقَالَ: كُنّا نَتَحَيَّنُ زَوالَ الشَّمْسِ فَإِذَا زالَتِ الشَّمْسُ رَمَيْنا (¬3). 1973 - حَدَّثَنا عَلي بْنُ بَحْرٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ - المَعْنَى - قالا: حَدَّثَنا أَبُو خالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَفاضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى فَمَكَثَ بِها لَيالي أَيّام التَّشْرِيقِ يَرْمي الجَمْرَةَ إِذَا زالَتِ الشَّمْسُ كُلَّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَياتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصاةٍ وَيَقِفُ عِنْدَ الأُولَى والثّانِيَةِ، فَيُطِيلُ القِيامَ وَيَتَضَرَّعُ، وَيَرْمي الثّالِثَةَ وَلا يَقِفُ عِنْدَها (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1297). (¬2) رواه مسلم (1299). (¬3) رواه البخاري (1746). (¬4) رواه أحمد 6/ 90، وابن خزيمة (2956، 2971)، وابن حبان (3868)، والحاكم 1/ 477 - 478. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (1722): حديث صحيح، إلا قوله: حين صلى الظهر .. فهو منكر؛ لأن ظاهره أنه صلى الظهر قبل طواف الإفاضة، وهو خلاف حديث جابر الطويل المتقدم، وحديث ابن عمر الآتي؛ فإن فيهما أنه صلاها بعد الإفاضة.

1974 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ وَمُسْلِمُ بْن إِبْراهِيمَ - المَعْنَى - قالا: حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابن مَسْعُودٍ قَالَ: لَمّا انْتَهَى إِلَى الجَمْرَةِ الكُبْرى جَعَلَ البَيْتَ، عَنْ يَسارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ وَرَمَى الجَمْرَةَ بِسَبْعِ حَصَياتٍ وقَالَ هَكَذا رَمَى الذي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ البَقَرَةِ (¬1). 1975 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبَيُّ، عَنْ مالِكٍ ح وَحَدَّثَنا ابن السَّرْحِ، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَني مالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَن أَبِيهِ، عَنْ أَبِي البَدّاحِ بْنِ عاصِمٍ، عَن أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رخَّصَ لِرِعاءِ الإِبِلِ في البَيْتُوتَةِ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ يَرْمُونَ الغَدَ وَمِنْ بَعْدِ الغَدِ بِيَوْمَيْنِ وَيَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ (¬2). 1976 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ وَمُحَمَّدِ ابنى أَبِي بَكْرٍ، عَن أَبِيهِما، عَنْ أَبِي البَدّاحِ بْنِ عَدي عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - رَخَّصَ لِلرِّعاءِ أَنْ يَرْمُوا يَوْمًا وَيَدَعُوا يَوْمًا (¬3). 1977 - حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ المُبارَكِ، حَدَّثَنا خالِدُ بْنُ الحارِثِ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبا مِجْلَزٍ يَقُولُ: سَأَلْتُ ابن عَبَّاسٍ، عَن شَيء مِنْ أَمْرِ الجِمارِ فَقَالَ ما أَدْري أَرَماها رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِسِتٍّ أَوْ بِسَبْعٍ (¬4). 1978 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ الواحِدِ بْنُ زِيادٍ، حَدَّثَنا الحَجّاجُ، عَنِ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1747، 1748، 1749، 1750)، ومسلم (1296). (¬2) رواه الترمذي (954، 955)، والنسائي 5/ 273، وابن ماجه (3036، 3037)، ومالك 1/ 408، وأحمد 5/ 450، والدارمي (1938)، وابن خزيمة (2975، 2976، 2978، 2979)، وابن حبان (3888). وانظر ما بعده. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1724). (¬3) انظر السابق. (¬4) رواه النسائي 5/ 275، وأحمد 1/ 372. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1726).

الزُّهْرَيِّ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا رَمَى أَحَدُكُمْ جَمْرَةَ العَقَبَةِ فَقَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيء إِلَّا النِّساءَ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هذا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ الحَجّاجُ لَمْ يَرَ الزُّهْري وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ (¬1). * * * باب في رمي الجمار [1966] (ثنا إبراهيم بن مهدي) المصيصي، قال: (ثنا علي بن مسهر) الكوفي الحافظ. (عن يزيد بن أبي زياد) الكوفي، قال (أخبرنا سليمان بن (¬2) عمرو بن الأحوص) الأزدي الكوفي. (عن أمه) أم جندب صرح به البيهقي (¬3) في روايته لهذا الحديث [قال ابن] (¬4) عبد البر: الناس يضطربون في حديث سليمان بن عمرو هذا، منهم من يقول فيه: عن (¬5) جدته ومنهم من يقول: عن أمه كما ذكره المصنف، ومنهم من يقول: عن أبيه (¬6). (قالت: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم -) يوم النحر، كذا رواية ابن ماجه (يرمي الجمرة) يعني: جمرة العقبة، فيه إثبات رمي جمرة العقبة يوم النحر، ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة 8/ 298 (13989)، وإسحاق بن راهويه في "مسنده" (997). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1727). (¬2) في (ر): عن. (¬3) "السنن الكبرى" 5/ 128. (¬4) في (م): قاله. (¬5) في (م): من. (¬6) "الاستيعاب" 4/ 495.

وهو مجمع عليه (¬1)، وهو واجب (¬2)، وهو أحد أسباب التحلل الثلاثة. (من بطن الوادي) فيه استحباب وقوف الرامي في بطن الوادي، وهذا في رمي يوم النحر، وأما رمي باقي الجمرات في أيام التشريق فيستحب من فوقها قال (¬3): ولو رماها من أعلاها أجزأ، لكن الأفضل من أسفلها [فإن ازدحم عندها قال مالك: لا بأس أن يرميها من فوقها ثم رجع فقال: لا يرميها إلا من أسفلها. ذكره أبو محمد في "نوادره" (¬4). (وهو راكب) فيه دلالة لما قاله الشافعي وموافقوه أنه يستحب لمن وصل منى راكبًا أن يرمي جمرة العقبة يوم النحر راكبًا، ولو رماها ماشيًا جاز، وأما من وصلها ماشيًا فيرميها ماشيًا] (¬5)، وهذا في يوم النحر، وأما اليومان الأولان من أيام التشريق فإن السنة أن يرمي فيها (¬6) جميع الجمرات ماشيًا، وفي اليوم الثالث [يرمي راكبًا وينفر. هذا كله في مذهب الشافعي ومالك وغيرهما (¬7). وقال أحمد وإسحاق: يستحب] (¬8) يوم النحر ماشيًا (¬9). والحديث حجة عليهما. ¬

_ (¬1) "الإجماع" لابن المنذر (193). (¬2) انظر: "المجموع" 8/ 162. (¬3) من (م). (¬4) "النوادر والزيادات" 2/ 402، وانظر: "المدونة" 1/ 435. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (م): فيهما. (¬7) انظر: "الأم" 2/ 331، و"المجموع" 8/ 183 - 184، و"التاج والإكليل" 3/ 126، و"مواهب الجليل" 4/ 179. (¬8) سقط من (م). (¬9) "مسائل أحمد وإسحاق" رواية الكوسج (1688).

(يكبر مع) رمي (كل حصاة) فيه استحباب التكبير مع كل حصاة وهو مذهبنا ومذهب مالك والعلماء كافة (¬1). قال القاضي: وأجمعوا على أنه لو ترك التكبير لا شيء عليه، ومقتضى إطلاقه: الله أكبر، قال الماوردي: قال الشافعي: فيقول مع كل حصاة: الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد (¬2). وقال بعض أصحابنا: يستحب أن يقول: الله أكبر ثلاثًا والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا، لا إله إلا الله وحده لا شريك له مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله والله أكبر. قال النووي: هذا غريب، وهذا الذي قاله هذا القائل طويل، ولكن (¬3) لا يحصل التفريق به (¬4). (ورجل من خلفه يستره) أي: من الحر كما جاء في رواية مسلم عن أم الحصين، قالت: حججت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع فرأيت أسامة وبلالًا وأحدهما آخذ بخطام النبي - صلى الله عليه وسلم - والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة (¬5)، وقد تعلق بهذا الستر من جوز استظلال المحرم في حال ركوبه بثوب وغيره، وهو مذهبنا ومذهب جماهير العلماء سواء كان راكبًا أو نازلًا، وقال مالك وأحمد: لا يجوز، فإن ¬

_ (¬1) "المدونة" 1/ 435، و"المجموع" 8/ 170. (¬2) "الحاوي الكبير" 4/ 184. (¬3) سقط من (م). (¬4) "المجموع" 8/ 169 - 170. (¬5) "صحيح مسلم" (1298/ 312).

فعل لزمته الفدية، وعن أحمد رواية أخرى: أنه لا فدية (¬1). وأجمعوا على أنه لو قعد تحت خيمة أو سقف جاز، ووافقونا على أنه إذا كان الزمان يسيرًا في المحمل لا فدية، وكذا إذا استظل بيده (¬2). وقد يحتجون بحديث عبيد الله بن عباس بن أبي ربيعة، قال: صحبت (¬3) عمر بن الخطاب: فما رأيته مضطربًا فسطاطًا حتى رجع. رواه الشافعي والبيهقي بإسناد حسن (¬4). [قال القرطبي] (¬5): وأجاب بعض أصحاب مالك عن هذا الحديث بأن العذر (¬6) لا يكاد يدوم كما أجاز مالك للمحرم أن يستظل بيده (¬7). (فسألت عن الرجل) من هو (فقالوا: الفضل بن عباس) رضي الله عنهما، ويحتمل أن يكون الفضل ستره في وقت وبلال وأسامة في وقت آخر، وظللاه في وقت واحد، أحدهما من عن (¬8) يمينه والآخر عن (¬9) يساره. (وازدحم الناس) أي: عليه لينظروا كيف يرمي فيفعلوا مثله ويقتدوا به. فيه جواز الازدحام في أفعال العبادة إذا لم يضر بعضهم بعضًا. ¬

_ (¬1) "الاستذكار" 11/ 47، و"المغني" 5/ 129 - 130. (¬2) "المجموع" 7/ 267. (¬3) في (ر): محمد بن. (¬4) "مسند الشافعي" 1/ 365، و"السنن الكبرى" 5/ 70. (¬5) سقط من (م). (¬6) في "المفهم": القدر. (¬7) "المفهم" 3/ 400. (¬8) و (¬9) في (م): على.

(فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا يقتل بعضكم بعضًا) أي: بالازدحام، فيه النهي عن أذى المسلمين لا سيما إذا كانوا في عبادة (وإذا رميتم الجمرة فارموا بمثل حصى الخذف) تقدم أن الخذف بخاء وذال معجمتين، وأن معنى الخذف رمي الحصا الصغار. واختلف في مقدارها، وكلهم يكرهون الكبار، وأكثر ما قيل في ذلك ما روي عن ابن عباس: أن حصاه كان مثل البندقة (¬1)، وروي عن ابن عمر: مثل بعر الغنم (¬2)، وروي عن مالك أكبر من ذلك أعجب إلي (¬3). [1967] (ثنا أبو (¬4) ثور (¬5) إبراهيم بن خالد) بن أبي اليمان الكلبي (ووهب بن بيان) بفتح الموحدة والمثناة تحت، ابن حيان الواسطي (قالا: ثنا عبيدة (¬6) بفتح العين وكسر الموحدة) بن أبي حميد بالتصغير الكوفي الحذاء، روى له البخاري (عن يزيد بن أبي زياد (¬7)، عن سليمان بن عمرو بن الأحوص) بالحاء والصاد المهملتين (عن أمه) أم جندب كما ذكره ابن ماجه في أبواب الطب في باب النشرة (¬8)، لها صحبة، ذكرها الحافظ ابن منده، ولا يعرف لها سوى (¬9) هذا ¬

_ (¬1) "مصنف ابن أبي شيبة" (14317)، و"المفهم" 3/ 401. (¬2) "السنن الكبرى" للبيهقي 5/ 128، و"المفهم" 3/ 401. (¬3) "الاستذكار" 13/ 206، و"المفهم" 3/ 401. (¬4) من (م)، و"سنن أبي داود". (¬5) زاد في (ر): بن. وهي زيادة مقحمة. (¬6) في (ر): عبدة. (¬7) في (م): زيادة. (¬8) في (ر): السترة، وانظر: "سنن ابن ماجه" (3532). (¬9) في (م): غير.

الحديث، وولدها سليمان بن عمرو بن الأحوص الكلابي الجشمي (¬1)، عن (¬2) أبيه أيضًا، وله صحبة، وروى هذا الحديث البيهقي، وقال الترمذي: سألت البخاري عن هذا الحديث فقال: اسمها أم جندب، قلت: فحدثت (¬3) الحجاج؟ قال: أرى أن الحجاج أخذه عن يزيد بن أبي زياد (¬4). (قالت: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند جمرة العقبة راكبًا) فيه سنة الركوب في جمرة العقبة كما تقدم، ومن رجح المشي جعل ركوبه - صلى الله عليه وسلم - ليظهر للناس فعله ويعلم الناس دينهم، وليروا مكانه فيسألونه (ورأيت بين أصابعه حجرًا) يشترط في المرمي به أن يكون حجرًا، أي: من أي أنواع الحجارة كان من كل ما يصدق عليه اسم الحجر كالمرمر والبرام والرخام والكلدان (¬5) والصوان، وحجر النورة قبل أن يطبخ ويصير نورة لصدق اسم الحجر عليه، ولا يجوز بما لا يسمى حجرًا كالرصاص والحديد والفضة والزرنيخ والإثمد، والذر، والخزف واللؤلؤ، خلافًا لأبي حنيفة فإنه أجازه بكل ما كان من جنس الأرض كالكحل والزرنيخ (¬6). والحديث حجة عليه، وأمر - صلى الله عليه وسلم - بالحصا فلا يعدل عنه. ¬

_ (¬1) نسبه هكذا ابن عبد البر، وقال ابن الأثير: قوله: إنه جشمي كلابي، لا أعرفه، فإنه ليس في نسبه إلى كلاب جشم، ولا فيما بعد كلاب أيضًا. انظر: "الاستيعاب" 3/ 247، "أسد الغابة" 4/ 189. (¬2) في (م): روى له. (¬3) في (م): فحدث. (¬4) "السنن الكبرى" للبيهقي 5/ 128. (¬5) في (م): الكدار. (¬6) انظر: "المبسوط" 4/ 75، و"تبيين الحقائق" 2/ 31.

وتحمل الأحاديث المطلقة بالرمي على هذا القيد، ورمى - صلى الله عليه وسلم - بالأحجار وقال: "بمثل هذا فارموا" (¬1). (فرمى) الحجر (¬2) (ورمى الناس) بعده تأسيّا به - صلى الله عليه وسلم -. [1968] (ثنا محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني، قال: (ثنا) عبد الله (بن إدريس) الأودي، قال (ثنا (¬3) يزيد بن أبي زياد بإسناده في هذا الحديث، وزاد: ولم يقم) بضم الياء وكسر القاف، أي: ولم يمكث (عندها) فيه بيان أن المستحب لمن رمى جمرة العقبة أن لا يقف عندها [بعد الرمي] (¬4) بل ينصرف لينزل في موضع من منى بخلاف بقية الجمرات كما سيأتي. [1969] (ثنا) عبد الله بن مسلمة بن قعنب الحارثي، قال: (ثنا عبد الله - يعني: ابن عمر - عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهم - أنه كان يأتي الجمار) سميت باسم الحجارة التي ترمى إليها (في الأيام الثلاثة) وهي أيام التشريق التي (بعد يوم النحر، ماشيًا) أجمعوا على أن إتيان الجمار راكبًا وماشيًا جائز، ولكن اختلفوا في الأفضل، فقال الشافعي: يرمي جمرة العقبة راكبًا، وكذلك يرمي يوم النفر راكبًا، وأن يمشي في اليومين الأخيرين أحب إلي، وإن ركب فلا شيء عليه. هذا لفظ الشافعي (¬5). وهو مذهب ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة 8/ 323 (14097) من حديث ابن عباس، ورواه أحمد 1/ 215، والنسائي 5/ 268، وابن ماجه (3029) بلفظ: "أمثال هؤلاء فارموا". (¬2) سقط من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) من (م). (¬5) "الأم" 2/ 331.

مالك (¬1). قال ابن (¬2) المنذر: وكان ابن عمر وابن الزبير وسالم يرمون مشاة (¬3). ومقتضى هذا المشي في الثلاثة (ذاهبًا وراجعًا) فإنه أكثر في التواضع، ولكنه ركب في رمي (¬4) جمرة العقبة ليشاهدوه ويتعلموا منه. وروى الترمذي عن ابن عمر أيضًا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رمى الجمار مشى إليها (¬5) ذاهبًا وراجعًا. وقال: هذا حديث صحيح حسن. قال: والعمل على هذا عند أكثر (¬6) أهل العلم، وقال بعض أهل العلم: يركب يوم النحر ويمشي الأيام التي بعد يوم (¬7) النحر، قال: وكأن من قال بهذا إنما أراد اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - في فعله (¬8). (ويخبر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك) وفعله كان تأسيّا به - صلى الله عليه وسلم -. [1970] (ثنا أحمد بن حنبل) قال (ثنا يحيى بن سعيد، عن) عبد الملك (ابن جريج) قال (أخبرني أبو الزبير) محمد بن مسلم المكي التابعي (أنه سمع جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - يقول: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يرمي على راحلته يوم النحر) ضحًى. فيه الركوب يوم النحر كما تقدم، و (يقول: لتأخذوا) [بكسر لام] (¬9) الأمر، قال النووي: هي لام الأمر، ¬

_ (¬1) انظر: "التاج والإكليل" 3/ 126، و"مواهب الجليل" 4/ 179. (¬2) سقط من (م). (¬3) "المجموع" 8/ 183 - 184. (¬4) من (م). (¬5) من (م)، و"جامع الترمذي". (¬6) من (م)، و"جامع الترمذي". (¬7) في (ر): عيد. والمثبت من "جامع الترمذي". (¬8) "جامع الترمذي" (900). (¬9) في (ر): بلام.

ومعناه: خذوا مناسككم. قال: وهكذا وقع في رواية غير مسلم، وتقدير هذا الحديث: إن هذِه الأمور التي أتيت بها في حجتي من الأقوال والأفعال والهيئات هي أمور الحج وصفته، وهي مناسككم فخذوها (¬1). (مناسككم عني) واقبلوها واحفظوها واعملوا بها وعلموها للناس. قال القرطبي: روايتنا في هذا الحديث لنا هي بلام الجر المفتوحة والنون، أي: التي هي مع الألف ضمير، قال: وهو الأفصح، وقد روي: "لتأخذوا" بكسر اللام للأمر (¬2) وبالتاء باثنتين من فوق، وهي لغة شاذة قرأ بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} (¬3) [وهو أمر بالاقتداء به (¬4) انتهى. ولكن الأولى في هذِه اللغة أن يقال أنها لغة قليلة لا شاذة؛ لورودها] (¬5) في كتاب الله، وكلام نبيه - صلى الله عليه وسلم - واثنان من كلام العرب الفصحاء، فلا يقال فيها (¬6) شاذة، وقد (¬7) قرأ بها عثمان بن عفان، و [أبي، وأنس] (¬8) والحسن، وأبو رجاء، وابن هرمز، وابن سيرين، ¬

_ (¬1) "شرح النووي" 9/ 45. (¬2) سقط من (م). (¬3) يونس: 58، واتفق السبعة على قراءتها بالياء، وقرأها بالتاء: رويس والحسن والمطوعي. انظر: "النشر" لابن الجزري 2/ 285، و"الإتحاف" للدمياطي ص 315. (¬4) "المفهم" 3/ 399. (¬5) من (م). (¬6) في (م): في هذِه. (¬7) من (م). (¬8) في (م): أبي أوس.

وأبو جعفر المدني، والسلمي، وقتادة، والجحدري، وهلال بن يساف، والأعمش، وعمرو بن فائد، والعباس بن المفضل الأنصاري، ورويت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1). قال صاحب "اللوامح": وقد جاء عن يعقوب كذلك. قال ابن عطية: وقرأ بها ابن القعقاع وابن عامر، وهي قراءة جماعة من السلف كثيرة (¬2)، وما نقله ابن عطية عن ابن عامر أنه قرأ: {فلتفرحوا} بالتاء للخطاب ليس هو المشهور عنه، إنما قراءته المشهورة بالياء من تحت، لكنه قرأ: {خير مما تجمعون} بالتاء على الخطاب (¬3). قال النووي وغيره: وهذا الحديث أصل عظيم في المناسك، وهو نحو قوله - صلى الله عليه وسلم -: [في الصلاة] (¬4) "صلوا كما رأيتموني أصلي" (¬5). قال القرطبي: ويلزم من هذين الأصلين أن الأصل في أفعال الصلاة والحج الوجوب إلا ما أخرج بدليل كما ذهب إليه أهل الظاهر، وحكي عن الشافعي (¬6). (لعلي لا أحج بعد حجتي هذِه) فيه إشارة إلى توديعهم وإعلامهم بقرب وفاته - صلى الله عليه وسلم -، وحثهم على الاعتناء بالأخذ عنه وانتهاز الفرصة في ¬

_ (¬1) انظر: "النشر" لابن الجزري 2/ 285، "المحتسب" لابن جني 1/ 313، "إتحاف فضلاء البشر" ص 316. (¬2) "المحرر الوجيز" 7/ 168. (¬3) انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص 218. (¬4) من (م)، و"شرح النووي". (¬5) "شرح النووي" 9/ 45. (¬6) "المفهم" 3/ 399 - 400.

ملازمته، وتعلم أمور الدين، ولهذا سميت حجة الوداع، والله أعلم. [1971] (ثنا أحمد بن حنبل) قال (ثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ بتشديد الراء المضمومة وآخره خاء معجمة، قال أحمد: ما رأت عيناي مثله، وقال ابن بندار: اختلفت إليه عشرين سنة، فما أظن أنه عصى الله تعالى قط (¬1). (عن ابن جريج) قال (أخبرني أبو الزبير) محمد بن مسلم. قال (سمعت جابر بن عبد الله يقول: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرمي) يعني: جمرة العقبة (يوم النحر ضحى) يعني: لا خلاف أن هذا الوقت هو الأحسن لرميها، واختلف فيمن رماها قبل الفجر، وعند الشافعي: يجوز تقديمه من نصف ليلة النحر (¬2). وقال مالك وجماعة معه: أن ذلك لا يجزئ (¬3). كما نقله القرطبي، وإن فعله أعاد الرمي (¬4). (وأما بعد ذلك فبعد زوال الشمس) يعني: بعد جمرة العقبة، وهذا قول كافة العلماء والسلف غير أن عطاء وطاوسًا قالا (¬5): يجزئه في الثلاثة أيام قبل الزوال (¬6). وقال أبو حنيفة وإسحاق: يجوز في اليوم ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 31/ 337، 340. (¬2) "الأم" 2/ 330. (¬3) "المدونة" 1/ 481. (¬4) "المفهم" 3/ 402. (¬5) في الأصول الخطية: لا. خطأ، والمثبت من مصادر التخريج. (¬6) رواه ابن أبي شيبة 8/ 489 (1408، 14805).

الثالث الرمي قبل الزوال (¬1). وهذا الحديث حجة عليهم. [1972] (ثنا عبد الله بن محمد الزهري) قال (ثنا سفيان، عن مسعر) بكسر الميم وسكون المهملة وفتح المهملة (¬2) الأخرى ابن كدام (¬3) - بكسر الكاف وبالدال المهملة - الهلالي، قال شعبة: كنا نسمي مسعرًا المصحف لصدقه (¬4) (عن وبرة) بفتح الواو والباء الموحدة والراء كشجرة ابن عبد الرحمن الكوفي. (قال: سألت ابن (¬5) عمر: متى أرمي الجمار، قال: إذا رمى إمامك فارم) روى ابن ماجه أنه - عليه السلام - كان يرمي الجمار إذا زالت الشمس، فإذا فرغ صلى الظهر (¬6) (فأعدت عليه المسألة) فيه إعادة السؤال للعالم إذا لم يجبه ولا يكون هذا سوء أدب (فقال: كنا نتحين) نتفعل من الحين وهو الزمان أي: نترقب (¬7) الوقت المطلوب (زوال الشمس) يعني: عن كبد السماء، وذلك في غير (¬8) يوم النحر، قاله الداودي. قال ابن التين: والصواب إذا زالت الشمس، أي: إذا أخذ الظل في الزيادة بعد نصف النهار. ¬

_ (¬1) انظر: "المبسوط" 4/ 77، و"بدائع الصنائع" 2/ 138. (¬2) في (ر): اللام. (¬3) في (ر): كداب. والمثبت من "تهذيب الكمال" 27/ 461. (¬4) "الجرح والتعديل" 1/ 154، 8/ 368، و"تهذيب الكمال" 27/ 466. (¬5) ساقطة من (ر). (¬6) "سنن ابن ماجه" (3054). (¬7) في (م): نراقب. (¬8) من (م).

(فإذا زالت الشمس رمينا) الجمار، فيه دليل على مبادرة الرمي بعد الزوال، وتقدمه على صلاة الظهر، وإذا رجع إلى منزله صلى فيه، نص عليه الشافعي (¬1)، وهذا من المواضع المستثناة في تأخير الصلاة عن أول وقتها، وهي بضعة عشر موضعًا أو أكثر، والرمي والسعي من العبادات التي لا يفهم معناها (¬2)، بل يكلف العبد بها ليتم انقياده، فإن هذا النوع لا حظ للنفس فيه، ولا أنس للعقل به، ولا يحمل عليه إلا مجرد امتثال الأمر، قاله النووي وغيره (¬3). [1973] (ثنا علي بن بحر) بفتح الباء الموحدة وإسكان الحاء المهملة (وعبد الله بن سعيد) بن حصين الكندي (قالا (¬4): ثنا أبو خالد الأحمر) واسمه سليمان بن حيان (عن محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه) القاسم بن محمد بن الصديق، كان عبد الرحمن وأبوه أعلم أهل زمانهما. (عن عائشة قالت: أفاض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: من منى (من آخر يومه) أي: آخر يوم النحر (حين صلى الظهر) هكذا رواه أحمد والبيهقي (¬5)، وظاهر هذا أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر بمنى، لكن يعارضه حديث جابر الطويل الذي في مسلم: أنه أفاض يوم النحر إلى البيت فصلى بمكة ¬

_ (¬1) "الأم" 2/ 332. (¬2) بعدها في (ر): بل يكلف امتثال الأمر. (¬3) "المجموع" 8/ 243. (¬4) في (ر): قال. والمثبت من "سنن أبي داود". (¬5) "مسند أحمد" 6/ 90، و"السنن الكبرى" للبيهقي 5/ 144.

الظهر (¬1). وأخرج مسلم أيضًا عن ابن عمر أنه - عليه السلام - أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى (¬2). وروى البخاري في ["صحيحه" تعليقًا] (¬3) عن عائشة وابن عباس قالا: أخر النبي - صلى الله عليه وسلم -[الزيارة] (¬4)؟ إلى (¬5) الليل (¬6)، قال البيهقي: وسمع أبو الزبير من ابن عباس، وفي سماعه من عائشة نظر (¬7). قال النووي: والظاهر أنه - عليه السلام - أفاض قبل الزوال وطاف وصلى الظهر بمكة أول وقتها، ثم رجع إلى منى فصلى بها الظهر ثانيًا إمامًا بأصحابه، كما صلى بهم في بطن نخل مرتين، مرة بطائفة ومرة بأخرى، فروى جابر صلاته بمكة وابن عمر صلاته بمنى (¬8)، وهما صادقان (¬9). وعلى هذا فيحمل حديث القاسم عن عائشة هنا على (¬10) أنه أفاض من آخر يومه حين صلى الظهر بمنى ثانيًا (¬11) كما تقدم. (ثم رجع إلى منى) أي: بعدما زار مكة مع نسائه [لطواف ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1218) (147). (¬2) "صحيح مسلم" (1308) (335). (¬3) في (ر): تعليقاته. (¬4) زيادة من "صحيح البخاري". (¬5) زاد في (ر): آخر. (¬6) "صحيح البخاري" (1732). (¬7) "السنن الكبرى" 5/ 144. (¬8) في (ر): من منى. (¬9) "المجموع" 8/ 222. (¬10) سقط من (م). (¬11) في (ر): ثلاثًا.

الإفاضة] (¬1) ليلًا، وإلى هذا ذهب عروة بن الزبير، ولا بد من التأويل ليجمع بين الأحاديث. قال البيهقي: وأصح هذِه الروايات حديث ابن عمر وحديث جابر (¬2). (فمكث بها) أي: بمنى (أيام التشريق) ولياليها الثلاث، لكن مبيت الليلة الثالثة منها ليس نسكًا على الإطلاق، فإنه إذا أتى بالثلاثة (¬3) التي يحصل بها التحلل خرج من إحرامه، ويأتي بما بقي من أعمال الحج وهو الرمي في أيام التشريق والمبيت في لياليها بمنى مع أنه غير محرم، كما أنه يسلم التسليمة الثانية، وإن كان قد خرج من الصلاة بالأولى. (يرمي الجمرة) أي: جمرة كل يوم غير جمرة العقبة (إذا زالت الشمس) فأول وقت الرمي في أيام التشريق زوال الشمس ويستمر إلى الغروب. وقال أبو حنيفة: يجوز الرمي في اليوم الثالث قبل الزوال (¬4). وهذا الحديث حجة عليه، وهل (¬5) يمتد وقت الرمي إلى طلوع الفجر، وأما اليوم الثالث فلا لانقضاء أيام (¬6) الحج بانقضائه (¬7)، وأما اليومين الأولين ففيهما الوجهان في امتداد [وقت رمي] (¬8) جمرة العقبة ليلة النحر، أصحها أنه يمتد. ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "السنن الكبرى" 5/ 144. (¬3) في (م): الثالثة. (¬4) "المبسوط" 4/ 77. (¬5) في (ر): هو. (¬6) من (م). (¬7) و (¬8) سقط من (م).

(كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة) أفرادًا، فجميع الحصيات سبعون حصاة سبع لجمرة العقبة، وثلاث وستون لباقيها لكل يوم (¬1) إحدى وعشرون للثلاث جمرات كل واحدة سبع، ويرفع يده اليمنى للرمي بحيث يرى بياض إبطه، ويضع الحصاة على بطن إبهامه ويرميها برأس المسبحة، ويرمي لكل جمرة سبع حصيات واحدة واحدة، والأصح أنه لا يشترط الموالاة بين الحصيات، لكن يستحب، فإن اشترطناه لم يضر التفريق اليسير، ولا يفتقر الرمي إلى نية على المذهب، ويشترط أن يرمي السبع حصيات في سبع رميات، ولو رمى السبع في دفعة واحدة حسبت رمية واحدة. (ويقف عند) الجمرة (الأولى) في موضع الحصا المتطاير الذي يرمى ويستقبل القبلة (¬2)، وهي التي تلي مسجد الخيف، وهي الأولى من جهة عرفة؛ فلذلك سميت أولى (¬3) (و) كذا يقف عند الجمرة (الثانية) (¬4) وهي الوسطى، وبينها وبين الأولى ثلاثمائة ذراع وخمس أذرع (فيطيل القيام) عندها (¬5) (ويتضرع) إلى الله تعالى ويتذلل ويدعو بقدر قراءة سورة البقرة عند كل جمرة منها (¬6). (ويرمي) الجمرة (الثالثة) وهي جمرة العقبة، وبينها وبين الوسطى ¬

_ (¬1) في (ر): واحد. (¬2) في (م): الكعبة. (¬3) من (م). (¬4) في (ر): الثالثة. (¬5) في (م): عندهما. (¬6) في (م): واحدة منهما.

أربعمائة ذراع وسبع وثمانون ذراعًا واثني عشر أصبعًا، فيرمي عندها (ولا يقف عندها) للدعاء؛ لأن ما يليها ضيق، فإذا وقف فيه تأذى الناس بوقوفه وما يلي غيرها واسع. [1974] (ثنا حفص بن عمر) بن الحارث بن سخبرة (¬1) الأزدي. قال أحمد: ثبت لا يؤخذ عليه (¬2) (ومسلم بن إبراهيم) الأزدي الفراهيدي (المعنى قالا: ثنا شعبة، عن الحكم) بفتح المهملة والكاف ابن عتيبة بضم العين المهملة وفتح المثناة فوق مصغر (عن إبراهيم) بن يزيد النخعي، تابعي (عن عبد الرحمن بن يزيد) النخعي عم علقمة. (عن) عبد الله (بن مسعود قال: لما انتهى إلى الجمرة الكبرى) سميت كبرى؛ لأنها تختص بجمرة العقبة يرمى إليها ثم تكرر دون باقي الجمرات (جعل البيت عن يساره) يجوز فيه كسر الياء، قيل: ليس في كلام العرب كلمة أولها ياء مكسورة إلا يسار اليد، فيه أنه يستحب لمن وقف عندها أن يجعل مكة عن يساره، فيه دليل على ما صححه النووي وغيره أنه يجعل القبلة على يساره (ومنى) وعرفات (عن يمينه) ويستقبل الجمرة بوجهه ويستدبر الكعبة (¬3). وبه جزم الرافعي (¬4) وآخرون، وقيل: يقف مستقبل الكعبة والجمرة على يمينه، وأما أيام التشريق فقالوا: إنه (¬5) يستحب ¬

_ (¬1) في (ر): سخبر. والمثبت من "تهذيب الكمال" 7/ 26. (¬2) "تهذيب الكمال" 7/ 26. (¬3) "المجموع" 8/ 163. (¬4) "الشرح الكبير" 3/ 442. (¬5) من (م).

استقبال القبلة، قال السبكي: وإطلاقهم يقتضي أن ذلك في الجمرات الثلاث، قال: ولا أعلم في ذلك مستندًا، ولو قيل: إن (¬1) الصفة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في رمي جمرة العقبة يوم النحر متبع فيها في بقية الأيام، ولم يكن به بأس، لكن أطلق استحباب استقبال القبلة في الرمي الشافعي في "الإملاء" (¬2) ولكن اتباع الحديث أولى، وذكر القاضي عياض (¬3) عن ابن عباس: قيل: يا رسول الله [ما بال] (¬4) المحلقين ظاهرت لهم بالرحمة. قال: "لأنهم لم يشكوا" (¬5). (ورمى الجمرة) شرط الرمي أن يسمى رميًا اتباعًا لاسم الرمي، فلا يكفي الوضع، وفي وجه يكفي بحصوله في المرمى، ولا بد مع الرمي من القصد إلى المرمى، فلو رمى في الهواء فوقع في المرمى لم يعتد به، بخلاف ما لو رمى سهمًا إلى الهواء فأصاب صيدًا حل على أحد الوجهين، والفرق أن الذكاة لا يشترط فيها (¬6) النية، ولا يفتقر الرمي إلى نية على المذهب، ولا ينافي هذا اشتراط قصد المرمى (¬7)؛ فإنه قد يقصد المرمى (¬8) ولا يقصد النسك. ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "روضة الطالبين" 3/ 110. (¬3) من (م). (¬4) من (م)، ومصادر التخريج. (¬5) "إكمال المعلم" 4/ 383. والحديث رواه ابن ماجه (3045)، وأحمد 1/ 353. (¬6) في (ر): فيه. (¬7) في (م): الرمي. (¬8) في (م): الرمي.

(بسبع حصيات) واحدة واحدة، فلو أتبع حجرًا حجرًا وتساويا في الوقوع أو وقعت الثانية قبل الأولى فوقعتان. (وقال: هكذا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة) وخصت سورة البقرة من بين سائر القرآن؛ لأن معظم أحكام الحج فيها خصوصًا ما يتعلق بوقت الرمي، وهو قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} (¬1)، فكأنه قال: هكذا رمى الذي أنزلت عليه المناسك وأخذت عنه أحكامها، وفيه جواز قول سورة البقرة وسورة آل عمران، [خلافًا لمن كرهه] (¬2)، وفي "الصحيح": "تأتي البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان أو غيايتان" (¬3). [1975] (ثنا القعنبي، عن مالك، وثنا) أحمد بن عمرو (بن السرح) قال (ثنا) عبد الله (ابن وهب) قال (أخبرني مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد (¬4) بن عمرو بن حزم، عن أبيه) أبي بكر بن محمد بن عمرو الأنصاري المدني. (عن أبي البداح) بفتح الباء الموحدة وتشديد الدال المهملة وبالحاء المهملة، وأبو البداح لقب غلب عليه، وإنما كنيته أبو عمرو، وقد اختلف في اسمه، فقيل: اسمه عاصم بن عدي، وقيل: أبو البداح هو (ابن ¬

_ (¬1) البقرة: 203. (¬2) بياض في (م). (¬3) "صحيح مسلم" (804/ 252). (¬4) زاد في الأصول الخطية: بن عبد الرحمن. وهي زيادة مقحمة. ولم يذكرها أحد في نسبة هذا الاسم. وانظر "تهذيب الكمال" 33/ 137.

عاصم) بن عدي، وقد اختلف في صحبة أبي البداح (عن أبيه) عاصم بن عدي (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرخص) (¬1) الرعاء) بكسر الراء والمد، قال الله تعالى: {حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ} (¬2) (الإبل) جمع راعٍ كصاحب وصحاب، ويجمع على رعاة بضم الراء وهاء بعد الألف بغير مد كقاضٍ وقضاة (في ترك البيتوتة) بفتح الباء الموحدة، أي: ترك المبيت بمنى ليالي التشريق، فرخص لهم إذا رموا جمرة العقبة يوم النحر أن ينفروا ويدعوا المبيت بمنى ليالي التشريق رخص لهم. (يرمون يوم النحر) جمرة العقبة وينفرون ويدعون رمي ذلك اليوم والمبيت بمنى (ثم يرمون الغد) أي: يأتون ثاني يوم فيقضون في اليوم الذي يليه قبل رمي ذلك اليوم، وليس لهم ترك يومين متواليين، ورواية ابن ماجه: رخص لرعاء الإبل في البيتوتة أن يرموا يوم النحر ثم يجمعوا رمي يومين بعد النحر (¬3). (و (¬4) بعد الغد بيومين) فإن تركوا رمي اليوم الثاني من أيام التشريق بأن نفروا في اليوم بعد الرمي عادوا (ثم يرمون (¬5) يوم النفر) الكبير، وهو ثالث أيام التشريق، وإذا غربت الشمس وهم بمنى لزمهم مبيت تلك الليلة. ¬

_ (¬1) ورد بعدها في (ر): نسخة: رخص. (¬2) القصص: 23. (¬3) "سنن ابن ماجه" (3037). (¬4) في (م): أو. (¬5) زاد في (م): ليومين.

فائدة: قال شيخنا الشيخ سراج الدين البلقيني في "حواشي الروضة": لو شرط الواقف المبيت في خانقة أو مدرسة مثلًا فبات من شرط مبيته خارج المدرسة لخوف على نفس أو زوجة أو مال أو نحوها فقد أفتيت أنه لا يسقط من جامكيته شيء، كما لا يجبر هنا ترك المبيت للمعذورين بالدم، وهو من القياس الحسن لم يسبق إليه (¬1). انتهى. قلت: قياس الحديث أنه إذا بات خارج المدرسة لعذر أنه يلزمه قضاء تلك الصلوات اللازمة له في المبيت في المدرسة ثاني يوم، كما يلزم من رخص لهم من الرعاء أن يقضوا ما فاتهم من الرمي الذي فاتهم. [1976] (ثنا مسدد) قال (ثنا سفيان) بن عيينة (عن عبد الله) بن أبي بكر (ومحمد، عن أبيهما) أبي بكر بن محمد بن عمرو. (عن أبي البداح) بن عاصم (بن عدي) بن الحر بن عجلان بن حارثة الأنصاري (عن أبيه) وأبو البداح ذكره ابن حبان في التابعين (¬2)، ورجح ابن عبد البر في "الاستيعاب" (¬3) أن له صحبة. والده (¬4) عاصم بن عدي شهد أحدًا ولم يشهد بدرًا، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمله على أهل (¬5) قباء وأهل العالية وضرب له بسهم (¬6). ¬

_ (¬1) "الفتاوي الفقهية الكبرى" 3/ 230. (¬2) "الثقات" 5/ 592. (¬3) في الأصول الخطية: الاستذكار. خطأ. والمثبت هو الصواب. وانظر "الاستيعاب" المطبوع مع "الإصابة" (2867). (¬4) في (ر): ولده. (¬5) سقط من (م). (¬6) "الاستيعاب" المطبوع مع "الإصابة" (1309).

(أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص للرعاء) رواية الترمذي: للرعاة، قد يؤخذ من رخص أن الأفضل والأكمل المبيت بمنى (أن يرموا) الجمار (يومًا ويدعوا) [بفتح الدال] (¬1) (يومًا) (¬2). أي: يجوز لهم أن يرموا اليوم الأول من أيام التشريق، ويذهبوا إلى إبلهم فيبيتون عندها ويدعوا يوم النفر الأول، ثم يأتوا في اليوم الثالث فيرموا ما فاتهم في اليوم الثاني مع رمي اليوم الثالث؛ لأن الصحيح أن الرمي في أيام التشريق كلها يقع أداء فيجب الترتيب (¬3) في الأيام كما يجب في الرمي، وفيه تفسير ثانٍ وهو أنهم يرموا جمرة العقبة ويدعوا رمي ذلك اليوم، ويذهبوا إلى إبلهم، ثم يأتوا في اليوم الثاني من التشريق ما فاتهم، ثم يرموا عن ذلك اليوم كما تقدم، وكلاهما جائز، وإنما رخص لرعاء الإبل لأن عليهم رعي الإبل وحفظها لتشاغل الناس بنسكهم عنها، ولا يمكنهم الجمع بين رعيها وبين الرمي والمبيت، فيجوز لهم ترك المبيت للعذر. [1977] (حدثنا عبد الرحمن بن المبارك) بن عبد الله العبسي، قال: (أخبرنا خالد بن الحارث) الهجيمي بالتصغير، قال أحمد: إليه المنتهى في التثبت بالبصرة (¬4). قال (ثنا شعبة، عن قتادة، قال: سمعت أبا مجلز) بكسر الميم وإسكان الجيم وفتح اللام بعدها زاي، قال مسلم: اسمه لاحق [بن ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) أخرجه الترمذي (954)، والنسائي في "المجتبى" 5/ 273، وابن ماجه (3036)، وأحمد 5/ 450، وصححه ابن حبان (3888)، وابن خزيمة (2976). (¬3) في (ر): عبد الله. والمثبت من "سنن أبي داود". (¬4) "تهذيب الكمال" 8/ 37.

حميد] (¬1) السدوسي. (يقول: سألت ابن عباس عن شيء من (¬2) أمر الجمار فقال: ما أدري رماها (¬3) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بست (¬4) أو سبع) ورواية النسائي: رجعنا في الحجة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعضنا يقول: رميت بست، فلم يعب بعضهم على بعض (¬5)، فيه حجة لأشهر الروايتين عن أحمد: أن الأولى أن لا ينقص في الرمي عن سبع حصيات، فإن نقص حصاة أو حصاتين فلا بأس، ولا ينقص أكثر من ذلك. قال في "المغني": نص عليه أحمد، وهو قول مجاهد وإسحاق، واستدل بالحديث وبقول ابن عمر: ما أبالي أرميت بست أو سبع، قال: وعن أحمد رواية أخرى: أن عدد السبع شرط كمذهب الشافعي وأصحاب الرأي (¬6). [1978] (ثنا مسدد) قال (ثنا عبد الواحد بن زياد) العبدي مولاهم البصري، قال النسائي: ليس به بأس (¬7). قال (ثنا الحجاج) بن أرطاة (عن الزهري، عن عمرة) بفتح المهملة ¬

_ (¬1) تكرر في (ر). (¬2) في (م): عن. (¬3) بعدها في (ر): نسخة: أرماها؟ . (¬4) في (م): ست. (¬5) "المجتبى" 5/ 275. (¬6) "المغني" 5/ 330، "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 8/ 154، "الأم" 2/ 232، "المبسوط" 4/ 76، 77. (¬7) "تهذيب الكمال" 18/ 454.

(بنت عبد الرحمن) بن سعد (¬1) ابن زرارة، كانت في حجر عائشة أم المؤمنين وربتها، وهي من التابعين المشهورين، ماتت سنة 103 (¬2). (عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إذا رمى أحدكم جمرة العقبة) ورواية أحمد: "إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب والثياب وكل شيء إلا النساء" (¬3). ورواه الدارقطني والبيهقي من حديث الحجاج، عن أبي بكر بن محمد ابن حزم، عن عمرة، عن عائشة مرفوعًا، وفي رواية الدارقطني: "إذا رميتم وحلقتم وذبحتم فقد حل لكم كل شيء إلا النساء" (¬4). وقد اتفقوا على أنه لا يدخل الذبح في التحلل. ومدار الحديث على الحجاج، قال أحمد: كان من الحفاظ (¬5)، وقال أبو حاتم: صدوق مدلس (¬6). وقد استدل به أصحابنا وغيرهم على أنه يحل بالتحلل الأول اللبس والقلم وستر الرأس والحلق إذا لم يجعله نسكًا، وهو المرجوح. ولا خلاف أن الوطء لا يحل له ما لم يوجد التحلل الثاني، لكن المستحب أن لا يطأ حتى يرمي أيام التشريق، قال الرافعي: وفي عقد النكاح والمباشرة فيما دون الفرج كالقبلة والملامسة وقتل الصيد ¬

_ (¬1) في (ر): سعيد. والمثبت من "تهذيب الكمال" 35/ 241. (¬2) في (م): ثلاث ومائة. وفي "التهذيب" سنة ست ومائة أو ثمان وتسعين. (¬3) "مسند أحمد" 6/ 143. (¬4) "سنن الدارقطني" 2/ 276، و"السنن الكبرى" 5/ 136. (¬5) "ميزان الاعتدال" 1/ 458. (¬6) "الجرح والتعديل" 3/ 156.

قولان: أحدهما أنها تحل، أما في غير الصيد؛ فلأنهما محظوران (¬1) للإحرام لا يفسدانه فأشبها القلم والحلق. وأما في (¬2) الصيد فلأنه لم يستثن في الحديث المذكور إلا (¬3) النساء. والثاني: لا [يحل أما] (¬4) في غير الصيد فلتعلقهما (¬5) بالنساء، وقد قال في الحديث: (فقد حل له كل شيء إلا النساء) وأما الصيد فلقوله تعالى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} (¬6)، والإحرام باقٍ (¬7). (قال أبو داود: والحديث ضعيف، والحجاج) [بن أرطاة] (¬8) (لم ير الزهري (¬9) ولا سمع منه) وهو مدلس. وقال البيهقي: إنه من تخليطاته. قال البيهقي: وقد روي هذا في حديث لأم سلمة مع حكم آخر لا أعلم أحدًا من الفقهاء قال به (¬10)، وأراد به ما رواه البيهقي، ومنه: "فقد حللتم من كل شيء حرمتم منه إلا النساء حتى تطوفوا بالبيت، فإذا أمسيتم ولم تفيضوا صرتم حرمًا كما كنتم أول مرة حتى تفيضوا بالبيت" (¬11)، لكن ¬

_ (¬1) في (ر): محصوران. (¬2) زاد في (ر): غير. (¬3) زاد في (ر): في. (¬4) في (ر): يحلل أن. (¬5) في الأصول الخطية: فليطفهما. والمثبت من "الشرح الكبير". (¬6) المائدة: 95. (¬7) "الشرح الكبير" 3/ 429 - 430. (¬8) سقط من (م). (¬9) بعدها في (ر): نسخة: ولم يسمع. (¬10) "السنن الكبرى" للبيهقي 5/ 136. (¬11) "السنن الكبرى" للبيهقي 5/ 136.

ابن حزم قال: إنه مذهب عروة بن الزبير (¬1)، وروى الحاكم من حديث ابن الزبير: "فإذا رمى الجمرة الكبرى حل له كل شيء حرم عليه إلا النساء والطيب حتى يزور البيت" (¬2). ¬

_ (¬1) "المحلى" 7/ 142. (¬2) "المستدرك" 1/ 461.

80 - باب الحلق والتقصير

80 - باب الحَلْقِ والتَّقْصِيرِ 1979 - حَدَّثَنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِعٍ، عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اللَّهُمَّ ارْحَمِ المُحَلِّقِينَ". قَالُوا: يا رَسُولَ اللهِ والمُقَصِّرِينَ. قَالَ: "اللَّهُمَّ ارْحَمِ المُحَلِّقِينَ". قَالُوا: يا رَسُولَ اللهِ والمُقَصِّرِينَ. قَالَ: "والمُقَصِّرِينَ" (¬1). 1980 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنا يَعْقُوبُ - يَعْني: الإِسْكَنْدَراني - عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَلَقَ رَأْسَهُ في حَجَّةِ الوَداعِ (¬2). 1981 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنا حَفْصٌ عَنْ هِشامٍ، عَنِ ابن سِيِرينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ بِمِنًى فَدَعا بِذِبْحٍ فَذُبِحَ ثُمَّ دَعا بِالحَلَّاقِ فَأَخَذَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الأَيْمَنِ فَحَلَقَهُ فَجَعَلَ يَقْسِمُ بَيْنَ مَنْ يَلِيهِ الشَّعْرَةَ والشَّعْرَتَيْنِ ثُمَّ أَخَذَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الأَيْسَرِ فَحَلَقَهُ ثُمَّ قَالَ: "ها هُنا أَبُو طَلْحَةَ". فَدَفَعَهُ إِلَى أَبي طَلْحَةَ (¬3). 1982 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ بْنُ هِشامٍ أَبُو نُعَيْمٍ الحَلَبي وَعَمْرُو بْنُ عُثْمانَ المَعْنَى - قالا - حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ هِشامِ بْنِ حَسّانَ بِإِسْنادِهِ بهذا قَالَ: فِيهِ قَالَ لِلْحالِقِ: "ابْدَأْ بِشِقّي الأَيْمَنِ فاحْلِقْهُ" (¬4). 1983 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْنُ عَليٍّ، أَخْبَرَنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، أَخْبَرَنا خالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُسْأَلُ يَوْمَ مِنًى فَيَقُولُ: "لا حَرَجَ". فَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ إِنّي حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ. قَالَ: "اذْبَحْ وَلا حَرَجَ". قَالَ: إِنّي أَمْسَيْتُ وَلَمْ أَرْمِ. قَالَ: "ارْمِ وَلا حَرَجَ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1727)، ومسلم (1301). (¬2) رواه البخاري (1726، 1729، 4410، 4411)، ومسلم (1301/ 316، 1304). (¬3) و (¬4) رواه البخاري (171)، ومسلم (1305). (¬5) رواه البخاري (84، 1721، 1722، 1723، 1734، 1735، 6666)، ومسلم (1307).

1984 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ العَتَكيُّ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، حَدَّثَنا ابن جُرَيْجٍ، قَالَ: بَلَغَني عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمانَ قَالَتْ: أَخْبَرَتْني أُمُّ عُثْمانَ بِنْتُ أَبي سُفْيانَ أَنَّ ابن عَبّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ عَلَى النِّساءِ حَلْقٌ إِنَّما عَلَى النِّساءِ التَّقْصِيرُ" (¬1). 1985 - حَدَّثَنا أَبُو يَعْقُوبَ البَغْدادي ثِقَةٌ، حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، عَن عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ قَالَتْ: أَخْبَرَتْني أُمُّ عُثْمانَ بِنْتُ أَبي سُفْيانَ أَنَّ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ عَلَى النِّساءِ الحَلْقُ إِنَّما عَلَى النِّساءِ التَّقْصِيرُ" (¬2). * * * باب الحلق والتقصير [1979] (ثنا القعنبي، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال) لما حلق رجال يوم الحديبية وقصر آخرون: (اللهم ارحم المحلقين) فيه دليل على الترحم على الحي ولا يختص بالميت، وتخصيص الدعاء بالمحلقين أولًا. فيه تفضيل الحلق (¬3) للرجال على التقصير، وهو كذلك، لكن من حل (¬4) عمرته في أشهر الحج وأراد (¬5) الحج فالتقصير له أفضل، ليؤخر الحلق ¬

_ (¬1) رواه الدارمي (1946)، والطبراني 12/ 250 (13018)، والدارقطني 2/ 271، ورواه البيهقي 5/ 104 من طريق أبي داود. وانظر ما بعده. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1732). (¬2) انظر السابق. (¬3) في (م): الحلاق. (¬4) زاد في (ر): في. (¬5) زاد في (ر): به.

إلى الحج؛ ليكون الأفضل للأفضل، وفي "الصحيح" تكرير الدعاء للمحلقين ثلاث مرات. (قالوا: يا رسول الله والمقصرين) [أيضًا (قال: اللهم ارحم المحلقين) فيه تكرار الدعاء (قالوا: يا رسول الله والمقصرين]) (¬1) فدعا للمحلقين مرتين (وللمقصرين) مرة واحدة بعد ذلك، وهذا كله دليل على جواز الاقتصار على أحد الأمرين إن شاء اقتصر على الحلق، وإن شاء اقتصر على التقصير. وقد أجمع العلماء على أن التقصير يجزئ إلا ما حكاه ابن المنذر عن الحسن البصري أنه كان يقول: يلزمه الحلق في أول حجة [ولا يجزئه التقصير، وهذا إن صح عنه مردود بالنصوص والإجماع (¬2). وقد استدل به] (¬3) على المشهور من مذهب الشافعي أن الحلق نسك (¬4). فإن في الحديث تفضيل الحلق على التقصير، والتفضيل إنما يكون في العبادات (¬5) دون المباحات، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - (¬6): "فإذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم كل شيء إلا النساء" (¬7)، فعلق الحل على الحلق كما علقه على الرمي. ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "المجموع" 8/ 209. (¬3) من (م). (¬4) "المجموع" 8/ 205. (¬5) في (م): العادات. (¬6) زاد في (م): في الحديث المتقدم. (¬7) سبق تخريجه.

قال البغوي في "الوسيط": لا خلاف أن الحلق مستحب يلزم [بالنذر في الحج] (¬1)، وهذا يرجح أنه ليس باستباحة محظور، بل عبادة، ومما يدل على أنه نسك أن الدعاء للمحلقين والمقصرين يدل على أن فيهما ثوابًا، ولو كان استباحة محظور ما كان فيه ثواب، وإنما كان الحلق (¬2) أفضل؛ لأنه أبلغ في العبادة وأدل على صدق النية في التذلل لله؛ لأن المقصر يبقي على نفسه (¬3) بعض الزينة التي ينبغي للحاج أن يكون مجانبًا لها. [1980] (ثنا قتيبة) بن سعيد بن جميل (¬4) بن طريف الثقفي البلخي، قال (ثنا يعقوب) بن عبد الرحمن القاري (عن موسى بن عقبة) مولى آل الزبير، ويقال: مولى أم خالد زوجة الزبير (عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حلق رأسه) والحالق معمر بن عبد الله بن نضلة، رواه الطبراني في حديثه (¬5)، وقيل: خراش بن أمية بن ربيعة الكلبي، منسوب إلى كليب بضم الكاف بن حبشية (¬6)، [رواه الواقدي] (¬7)، وفيه دليل على التجوز في الكلام بتسمية المفعول فاعلًا؛ إذ المعلوم أن الإنسان لا يحلق رأس نفسه. ¬

_ (¬1) في (ر): بالندب. (¬2) في (م): الحلاق. (¬3) في (ر): بعضه. (¬4) في (ر): حميد. وانظر: "تهذيب الكمال" 23/ 523. (¬5) "المعجم الأوسط" (9266). (¬6) في (ر، م): حنيفة. والمثبت من "شرح النووي" 9/ 54. (¬7) سقط من (م).

(في حجة الوداع) فيه دليل على الصحيح المشهور أن حلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودعاءه للمحلقين كان في حجة الوداع، وحكى القاضي عياض عن بعضهم أنه كان يوم الحديبية حين أمرهم بالحلق، فما فعله أحد لطمعهم في دخول مكة في ذلك الوقت (¬1). قال ابن عبد البر: وكونه في الحديبية هو المحفوظ (¬2). قال النووي: الصحيح المشهور أنه في حجة الوداع (¬3). وظاهر كلام ابن المنذر والأصحاب أنه لم يقل أحد أنه ليس بنسك غير الشافعي في أحد قوليه، لكن القاضي عياض (¬4) حكاه أيضًا عن عطاء وأبي ثور وأبي يوسف (¬5). [1981] (ثنا محمد بن العلاء) (¬6) قال (ثنا حفص) بن غياث (عن هشام) بن حسان. (عن) محمد (ابن سيرين، عن أنس بن مالك: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رمى جمرة العقبة) لما أتى منى (يوم النحر) فيه دليل على أن الحاج إذا أتى منى يوم النحر لا يعرج على شيء قبل الرمي، بل يأتي الجمرة وهو مستمر على ركوبه كما هو فيرميها. (ثم رجع (¬7) إلى منزله) فنزل (بمنى ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" 4/ 383. (¬2) "التمهيد" 15/ 233. (¬3) "شرح النووي" 9/ 50. (¬4) من (م). (¬5) "إكمال المعلم" 4/ 386. (¬6) في (م): العلى. (¬7) بعدها في (ر): نسخة: فرجع.

فدعا بذبح) بكسر الذال اسم لما يذبح كالرعي بكسر الراء اسم لما يرعى، قال الله تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)} (¬1)، قال مجاهد: أتي إبراهيم بكبش ذبحه عند المنحر (¬2) بمنى (¬3)، ووصف بالعظم؛ لأنه جرت به السنة بعده وصار دينًا باقيًا إلى آخر الدهر، وكان متقبلًا يقينًا، وقال أبو بكر الوراق: لأنه لم يكن من نسل بل من التكوين. [(فذبح) أي بنفسه، وفيه دليل على أن الأفضل أن يذبح بنفسه إن كان يحسن وإلا فليشهد الذبح] (¬4) (ثم دعا بالحلاق) [رواية لمسلم] (¬5): فقال للحلاق (¬6): "خذ" وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر (¬7). وهذا على عادته - صلى الله عليه وسلم - بالابتداء باليمين في أفعاله؛ فإنه كان يحب التيمن في شأنه كله. (فأخذ) الحلاق (بشق) بكسر الشين (رأسه) أي: جانبه أو نصفه، وشق كل شيء نصفه وجانبه، ومنه الحديث: فجحش شقه (¬8) (الأيمن فحلقه) وفيه [دليل على] (¬9) أنه يستحب [في حلق الرأس] (¬10) البدأة بالشق الأيمن من رأس المحلوق، وهذا مذهبنا، ومذهب الجمهور، ¬

_ (¬1) الصافات: 107. (¬2) في (ر): النحر. (¬3) "تفسير الطبري" 21/ 87. (¬4) و (¬5) و (¬6) سقط من (م). (¬7) "صحيح مسلم" (1305/ 323). (¬8) أخرجه البخاري (689)، ومسلم (411)، والنسائي في "المجتبى" 2/ 98، وابن ماجه (1238)، والدارمي (1291)، وأحمد 3/ 110، ومالك في "الموطأ" (304). (¬9) سقط من (م). (¬10) من (م).

وقال أبو حنيفة: يبدأ بجانبه الأيسر؛ لأنه على يمين الحالق (¬1). والظاهر أن هذا الخلاف يأتي في قص الشارب، قال ابن الرفعة: ويستحب للحالق في حلق رأسه أمور: أن يبدأ بحلق شق رأسه الأيمن من أوله إلى آخره، ثم الأيسر كما في الحديث، وأن يستقبل المحلوق القبلة (¬2) سواء كان في الحمام أو غيره، وأن يبلغ (¬3) بالحلق العظمين اللذين عند منتهى الصدغين ليكون مستوعبًا للرأس؛ لأنهما (¬4) منتهى نبات الشعر، وهذِه الآداب تطرد في كل حالق (¬5). وزاد الماوردي والبندنيجي أدبًا خامسًا وهو أن يكبر عند (¬6) فراغه، ورواه الروياني عن الأصحاب واستغربه النووي (¬7). (فجعل يقسم بين من يليه) ذلك الشعر فيعطي (الشعرة) بفتح العين، أي: لبعضهم (والشعرتين) للبعض؛ لحرصه على تشريكهم في التبرك به، وفي ثوابه، وفيه دليل على طهارة شعر الآدمي، وهو الصحيح من مذهبنا، وبه قال جمهور العلماء (¬8)، وفيه التبرك بشعره - صلى الله عليه وسلم - وجواز اقتنائه للتبرك، وفيه مواساة الإمام والكبير بين أصحابه وأتباعه فيما ¬

_ (¬1) "المجموع" 8/ 215، وانظر "البحر الرائق" 2/ 372، و"شرح فتح القدير" 2/ 490. (¬2) "الشرح الكبير" 3/ 425 - 426. (¬3) في (ر): يبدأ. (¬4) في (ر): لأنه. (¬5) "المجموع" 8/ 203. (¬6) في (ر): بعد. وانظر: "الحاوي الكبير" 4/ 162. (¬7) "المجموع" 8/ 204. (¬8) "المجموع" 1/ 232.

يفرقه عليهم من عطاء وهدية ونحوها، والبدأة بمن يليه من الحاضرين. (ثم أخذ) الحالق (بشق رأسه الأيسر فحلقه) أي: بعد كمال [الشق الأيمن] (¬1) كما تقدم. (ثم قال: ها هنا أبو طلحة) زيد بن سهل بن الأسود الأنصاري، وهو مشهور بكنيته، شهد العقبة ثم بدرًا وما بعدها من المشاهد، كان من الرماة، قال - صلى الله عليه وسلم -: "لصوت أبي طلحة في الجيش خير من فئة" (¬2) وسرد الصوم أربعين سنة (¬3). (فدفعه إلى أبي طلحة) وفي رواية لمسلم أنه قال للحلاق: "ها"، وأشار بيده إلى الجانب الأيمن، فقسم شعره بين من يليه، وإلى الجانب الأيسر فحلقه وأعطاه أم سليم (¬4). قال القرطبي: ليس بينهما مناقضة، فإن أم سليم امرأة أبي طلحة وهي أم أنس، ويحصل من مجموع الروايات أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما حلق الشق (¬5) الأيمن ناوله أبا طلحة ليقسمه بين الناس، ففعل أبو طلحة، وناول شعر الشق الأيسر (¬6) لأم سليم ليكون عند أبي طلحة، فصحت النسبة إليه مجازًا، وحصل الجمع بين الروايتين (¬7). ¬

_ (¬1) في (م): النصف الأول. (¬2) أخرجه أحمد في "مسنده" 3/ 111، والحاكم 3/ 353. (¬3) "سير أعلام النبلاء" 2/ 28 - 29. (¬4) "صحيح مسلم" (1305/ 324). (¬5) في (ر): الشعر. (¬6) في (ر): الآخر. (¬7) "المفهم" 3/ 407.

[1982] (ثنا عبيد) (¬1) بالتصغير (ابن هشام أبو نعيم الحلبي) (¬2) القلانسي. (وعمرو بن عثمان) المخزومي (المعنى) (¬3) وعبيد بن هشام وعمرو بن عثمان تفرد بالرواية عنهما أبو داود، وقيل: إنهما ليسا في رواية اللؤلؤي، ولا ابن الأعرابي، ولا ذكرهما الحافظ ابن عساكر في "أطرافه" لكن ذكرهما الحافظ أبو علي الحسين بن محمد الغساني في "تسمية (¬4) شيوخ أبي داود" وذكرهما الذهبي في "الكاشف" (¬5). (قالا: ثنا سفيان) بن عيينة (عن هشام بن حسان) الأزدي مولاهم الحافظ (بإسناده بهذا، وقال فيه: فقال للحالق: ابدأ بالشق الأيمن فاحلقه) وهذا لا يخالف رواية مسلم: وأشار بيده. لأن الإشارة تسمى قولًا مجازًا كما قال الشاعر: فقالت له العينان سمعًا وطاعة [1983] (ثنا نصر بن علي) الجهضمي، قال (ثنا يزيد بن زريع) بالتصغير أبو معاوية الحافظ قال (¬6) (ثنا خالد) بن مهران الحذاء. (عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسأل) بضم أوله (يوم منى) أي: يسأله الناس وهو واقف عند الجمرة (فيقول: لا ¬

_ (¬1) في (ر): عبيد الله. خطأ. (¬2) في (م): الحليمي. (¬3) في (ر): المفتي. (¬4) في (م): تسميته. (¬5) "الكاشف" للذهبي 2/ 240، 336. (¬6) من (م).

حرج) أي: لا إثم عليك في التقديم والتأخير. واعلم أن أفعال يوم النحر أربعة: رمي جمرة العقبة، ثم الذبح، ثم الحلق، ثم طواف الإفاضة، وأن السنة ترتيبها هكذا (¬1)، فلو خالف وقدم بعضها على بعض فلا فدية عليه لهذِه الأحاديث، وبهذا قال جماعة من السلف. وللشافعي قول ضعيف: أنه إذا قدم الحلق على الرمي والطواف لزمه الدم بناء على قوله الضعيف أن الحلق ليس بنسك (¬2). وبهذا القول هنا قال أبو حنيفة ومالك (¬3). (فسأله رجل فقال: إني حلقت قبل أن أذبح، قال: اذبح ولا حرج) معناه: افعل ما بقي عليك، وقد [أجزأك ما فعلته] (¬4) ولا حرج عليك في التقديم والتأخير (قال) آخر (إني أمسيت ولم (¬5) أرم، قال: ارم ولا حرج) وفي رواية لمسلم: إني رميت بعدما أمسيت - فأومأ بيده -: "لا حرج" (¬6). أي: لا إثم؛ لأن معظم السؤال خوف الإثم، ولم يختلفوا فيمن نحر (¬7) قبل الرمي أنه لا شيء عليه، وقال أبو حنيفة: على من حلق قبل الرمي أو نحر دم (¬8). ¬

_ (¬1) في (م): على هذا. (¬2) "المجموع" 8/ 207 - 208. (¬3) انظر "المبسوط" 4/ 47، و"البحر الرائق" 3/ 26، و"الاستذكار" 13/ 321. (¬4) في (ر): أجزأ دما فعليه. (¬5) في (ر): قبل أن. (¬6) هذِه رواية البخاري (84، 1735)، وليست رواية مسلم كما ذكر المصنف. (¬7) في (م): يحل. (¬8) "المبسوط" 4/ 47.

وقال مالك: إنما يجب الدم على من حلق قبل الرمي (¬1). لقوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (¬2) ومحل الهدي من الزمان هو بعد رمي جمرة العقبة، وقوله: "لا حرج" لا يقتضي إباحة ذلك عامدًا (¬3)، إنما سئل عمن فعله جاهلًا. [1984] (ثنا محمد بن الحسن) بفتح الحاء والسين ابن تسنيم (¬4) (العتكي) البصري التسنيمي (¬5)، قال (ثنا محمد بن بكر) البرساني (¬6) من الأزد بصري (عن) عبد الملك (ابن جريج قال: بلغني عن صفية بنت شيبة بن عثمان) بن أبي طلحة الحجبي من بني عبد الدار بن (¬7) قصي، اختلف في رؤيتها النبي - صلى الله عليه وسلم - فقيل: إنها لم تره. (قالت: أخبرتني أم عثمان) وهي امرأة من بني سليم وهي (بنت أبي سفيان: أن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ليس على النساء حلق، إنما على النساء التقصير) قال شيخنا ابن حجر: إسناده حسن، ورواه الدارقطني، وذكره أبو حاتم في "العلل" والبخاري في "التاريخ" (¬8). وقد استدل أصحابنا على أن النساء في الحج لا يؤمرن بالحلق، بل ¬

_ (¬1) "المدونة" 1/ 433 - 434. (¬2) البقرة: 196. (¬3) في (م): عامة. (¬4) في (ر): نسيم. انظر: "تهذيب الكمال". (¬5) في (ر): التنيسي. (¬6) في (ر): البرناسي. انظر: "تهذيب الكمال". (¬7) سقط من (م). (¬8) "علل ابن أبي حاتم" (834)، و"التاريخ الكبير" (1655).

بالتقصير، والمستحب لهن في التقصير أن يأخذن من أطراف شعورهن بقدر أنملة من جميع الجوانب، ويكره لهن الحلق؛ فإن حلقن حصل النسك، ويقوم مقام الحلق والتقصير النتف والإحراق، وغير ذلك من أنواع إزالة الشعر. [1985] (قال أبو داود: ثنا رجل ثقة يكنى أبا يعقوب) بن (¬1) إسحاق (البغدادي) [فلعله المبهم] (¬2)، قال (ثنا (¬3) هشام بن يوسف) أبو عبد الرحمن قاضي صنعاء (عن ابن جريج، عن عبد الحميد بن جبير) بضم الجيم (بن شيبة) بن عثمان الحجبي. (عن عمته صفية بنت شيبة قالت: أخبرتني أم عثمان (¬4) بنت أبي سفيان) ليس هو سفيان [بن حرب] (¬5) القرشية الصحابية، ليس لها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسند [بقي بن مخلد] (¬6) غير حديث واحد (أن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمثله) على ما تقدم. ¬

_ (¬1) في (ر): ثنا. (¬2) و (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ر): أيمن. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (ر): تقي بن مجاهد.

81 - باب العمرة

81 - باب العُمْرَةِ 1986 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ وَيَحْيَى بْنُ زَكَرِيّا، عَن ابن جُرَيْجٍ، عَن عِكْرِمَةَ بْنِ خالِدٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قَالَ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ (¬1). 1987 - حَدَّثَنا هَنّادُ بْنُ السَّري عَنِ ابن أَبي زائِدَةَ، حَدَّثَنا ابن جُرَيْجٍ وَمُحَمَّدُ بْن إِسْحاقَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ طاوُسٍ، عَن أَبِيهِ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قَالَ والله ما أعْمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَائِشَةَ في ذي الحِجَّةِ إلَّا لِيَقْطَعَ بِذَلِكَ أَمْرَ أَهْلِ الشِّرْكِ فَإِنَّ هذا الحَي مِنْ قُرَيْشٍ وَمَنْ دانَ دِينَهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ إِذَا عَفا الوَبَرْ وَبَرَأَ الدَّبَرْ وَدَخَلَ صَفَرْ فَقَدْ حَلَّتِ العُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرْ. فَكَانُوا يُحَرِّمُونَ العُمْرَةَ حَتَّى يَنْسَلِخَ ذُو الحِجَّةِ والمُحَرَّمُ (¬2). 1988 - حَدَّثَنا أَبُو كامِلٍ، حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ مُهاجِرٍ، عَنْ أَبي بَكْرٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَني رَسُولُ مَرْوانَ الذي أَرْسَلَ إِلَى أُمِّ مَعْقِلٍ قَالَتْ: كَانَ أَبُو مَعْقِلٍ حاجّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمّا قَدِمَ قَالَتْ أُمُّ مَعْقِلٍ: قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ عَلي حَجَّةً فانْطَلَقا يَمْشِيانِ حَتَّى دَخَلا عَلَيْهِ فَقَالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ عَلي حَجَّةً وَإِنَّ لأَبِي مَعْقِلٍ بَكْرًا. قَالَ أَبُو مَعْقِلٍ: صَدَقَتْ جَعَلْتُهُ في سَبِيلِ اللهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَعْطِها فَلْتَحُجَّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ في سَبِيلِ اللهِ". فَأَعْطاها البَكْرَ فَقَالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ إِنّي امْرَأَةٌ قَدْ كَبِرْتُ وَسَقِمْتُ فَهَلْ مِنْ عَمَلٍ يُجْزِئُ عَنّي مِنْ حَجَّتي قَالَ: "عُمْرَةٌ في رَمَضانَ تُجْزِئُ حَجَّةً" (¬3). 1989 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الطّائيُّ، حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ خالِدٍ الوَهْبيُّ، حَدَّثَنا ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1774). (¬2) رواه البخاري (1564، 3832)، ومسلم (1240). (¬3) رواه أحمد 6/ 375. وانظر ما بعده. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1735)، قال: حديث صحيح، دون قول المرأة: إني امرأة. . . من حجتي.

مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحاقَ، عَنْ عِيسَى بْنِ مَعْقِلِ ابن أُمِّ مَعْقِلٍ الأَسَدي - أَسَدُ خُزَيْمَةَ - حَدَّثَني يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلامٍ، عَن جَدَّتِهِ أُمِّ مَعْقِلٍ قَالَتْ: لَمّا حَجَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَجَّةَ الوَداعِ وَكَانَ لَنا جَمَلٌ فَجَعَلَهُ أَبُو مَعْقِلٍ في سَبِيلِ اللهِ وَأَصابَنا مَرَضٌ وَهَلَكَ أَبُو مَعْقِلٍ وَخَرَجَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فَلَمّا فَرَغَ مِنْ حَجِّهِ جِئْتُهُ فَقَالَ: "يا أُمَّ مَعْقِلٍ ما مَنَعَكِ أَنْ تَخْرُجي مَعَنا". قَالَتْ: لَقَدْ تَهَيَّأْنا فَهَلَكَ أَبُو مَعْقِلٍ وَكَانَ لَنا جَمَلٌ هُوَ الذي نَحُجُّ عَلَيْهِ فَأَوْصَى بِهِ أَبُو مَعْقِلٍ في سَبِيلِ اللهِ. قَالَ: "فَهَلَّا خَرَجْتِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الحَجَّ في سَبِيلِ اللهِ فَأَمّا إِذْ فاتَتْكِ هذِه الحَجَّةُ مَعَنا فاعْتَمِري في رَمَضانَ فَإِنَّها كَحَجَّةٍ". فَكَانَتْ تَقُولُ الحَجُّ حَجَّةً والعُمْرَةُ عُمْرَةٌ وَقَدْ قَالَ هذا لي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ما أَدْري أَلي خاصَّةً (¬1). 1990 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ عَنْ عامِرٍ الأَحْوَلِ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنِ ابن عَبّاسٍ قَالَ: أَرادَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الحَجَّ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ لِزَوْجِها: أَحِجَّني مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى جَمَلِكَ. فَقَالَ: ما عِنْدي ما أُحِجُّكِ عَلَيْهِ. قَالَتْ: أَحِجَّني عَلَى جَمَلِكَ فُلانٍ. قَالَ: ذاكَ حَبِيسٌ في سَبِيلِ اللهِ - عز وجل -. فَأَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتي تَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلامَ وَرَحْمَةَ اللهِ وَإِنَّها سَأَلَتْني الحَجَّ مَعَكَ، قَالَتْ: أَحِجَّني مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَقُلْتُ: ما عِنْدي ما أُحِجُّكِ عَلَيْهِ. فَقَالَتْ: أَحِجَّني عَلَى جَمَلِكَ فُلانٍ. فَقُلْتُ: ذاكَ حَبِيسٌ في سَبِيلِ اللهِ. فَقَالَ: "أَما إِنَّكَ لَوْ أَحْجَجْتَها عَلَيْهِ كَانَ في سَبِيلِ اللهِ". قَالَ: وَإِنَّها أَمَرَتْني أَنْ أَسْأَلَكَ ما يَعْدِلُ حَجَّةً مَعَكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَقْرِئْها السَّلامَ وَرَحْمَةَ اللهِ وَبَرَكاتِهِ وَأَخْبِرْها أَنَّها تَعْدِلُ حَجَّةً مَعَي". يَعْني عُمْرَةً في رَمَضانَ (¬2). 1991 - حَدَّثَنا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمّادٍ، حَدَّثَنا دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ هِشامِ بْنِ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (939)، رواه ابن ماجه (2993)، وأحمد 6/ 375. قال الألباني: صحيح دون قوله: فكانت تقول. (¬2) رواه البخاري (1782)، ومسلم (1256).

عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اعْتَمَرَ عُمْرَتَيْنِ عُمْرَةً في ذي القَعْدَةِ وَعُمْرَةً في شَوّالٍ (¬1). 1992 - حَدَّثَنا النُّفَيْلَيُّ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا أَبُو إِسْحاقَ، عَنْ مُجاهِدٍ قَالَ: سُئِلَ ابن عُمَرَ كَمِ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَ: مَرَّتَيْنِ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَقَدْ عَلِمَ ابن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدِ اعْتَمَرَ ثَلاثًا سِوى التي قَرَنَها بِحَجَّةِ الوَداعِ (¬2). 1993 - حَدَّثَنا النُّفَيْلي وَقُتَيْبَةُ، قالا: حَدَّثَنا دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَطّارُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ، عَن عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قَالَ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَرْبَعَ عُمَرٍ عُمْرَةَ الحُدَيْبِيَةِ والثّانِيَةَ حِينَ تَواطَئُوا عَلَى عُمْرَةٍ مِنْ قابِلٍ والثّالِثَةَ مِنَ الجِعْرانَةِ والرّابِعَةَ التي قَرَنَ مَعَ حَجَّتِهِ (¬3). 1994 - حَدَّثَنا أَبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسي وَهُدْبَة بْنُ خالِدٍ، قالا: حَدَّثَنا هَمّامٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ كُلُّهُنَّ في ذي القَعْدَةِ إِلَّا التي مَعَ حَجَّتِهِ - قَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَتْقَنْتُ مِنْ ها هُنا مِنْ هُدْبَةَ وَسَمِعْتُهُ مِنْ أَبي الوَلِيدِ وَلَمْ أَضْبِطْهُ - عُمْرَةً زَمَنَ الحُدَيْبِيَةِ أَوْ مِنَ الحُدَيْبِيَةِ وَعُمْرَةَ القَضاءِ في ذي القَعْدَةِ وَعُمْرَةً مِنَ الجِعْرانَةِ حَيْثُ قَسَمَ غَنائِمَ حُنَيْنٍ في ذي القَعْدَةِ وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ (¬4). * * * ¬

_ (¬1) قواه ابن حجر في "فتح الباري" 3/ 600 وقال الألباني: صحيح لكن قوله في شوال يعني ابتداء وإلا فهي كانت في ذي القعدة أيضًا. (¬2) رواه النسائي في "السنن الكبرى" 4/ 234، وعبد بن حميد (809). وضعفه الألباني. (¬3) رواه الترمذي (816)، وابن ماجه (3003). وصححه الألباني. (¬4) رواه البخاري (1779)، ومسلم (1253).

أبواب العمرة [باب العمرة] (¬1) [1986] (ثنا عثمان بن) محمد بن إبراهيم (أبي شيبة) قال (ثنا مخلد بن يزيد) الحراني (ويحيى بن زكريا) بن أبي زائدة الوادعي [(عن ابن جريج، عن عكرمة بن خالد) بن العاص المخزومي القرشي. (عن ابن عمر - رضي الله عنهما -] (¬2) قال: اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يحج) ثلاث عمر، عمرته التي صده عنها المشركون عن البيت من ذي الحديبية في ذي القعدة كما سيأتي حيث ذكره المصنف، وعمرته أيضًا من العام المقبل حين صالحوه في ذي القعدة، وعمرته حين قسم غنائم حنين (¬3) من الجعرانة في ذي القعدة، وبعد هذِه الثلاثة عمرته في الحجة التي حج فيها. [1987] (ثنا هناد بن السري، عن) يحيى [بن زكريا] (¬4) (بن أبي زائدة) قال (ثنا ابن جريج ومحمد بن إسحاق) صاحب المغازي. (عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه) طاوس بن كيسان اليماني من أبناء فارس (عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: والله ما أعمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عائشة في ذي الحجة) مع أخيها (إلا ليقطع بذلك أمر أهل الشرك) أي: أهل الجاهلية في تحكماتهم التي ابتدعوها واعتقدوها، وتصرفهم في شرع الله بآرائهم ¬

_ (¬1) و (¬2) من (م). (¬3) في (م): خيبر. (¬4) من (م).

الفاسدة، وتغيير أحكام الله بأهوائهم الباردة. (فإن هذا الحي من قريش) قيل: إن أول من ابتدع هذا في الجاهلية جنادة (¬1) بن عوف بن أمية الكناني، ويكنى أبا ثمامة، وكان يوافي الموسم في كل عام على حمار له فيقف عليه في الموسم فيقول: يا أيها الناس، إني لا أعاب ولا أجاب (¬2)، ولا مرد [لما أقول، ويبتدع] (¬3) لهم أشياء منها أنه كان يحرم المحرم ويحل صفر، ويأتي في عام آخر يحل المحرم ويحرم صفر. (ومن دان دينهم) من سائر القبائل، أي: ومن أطاعهم في اعتقادهم (¬4) والدين الطاعة، يقال: دان له، أي: أطاعه (كانوا يقولون: إذا عفا) أي: [انمحى واندرس] (¬5)، ويقال: عفا، أي: كثر من قولهم: عفا القوم، أي: كثروا، والوبر وبر الإبل الذي حلقته حمال الجمال (¬6). (الوبر) بفتح الواو والباء، ورواية مسلم: "وعفا الأثر" (¬7)، وفي الحديث: "لا توبروا آثاركم (¬8) "، قال الرياشي: التوبير التعفية ومحو ¬

_ (¬1) في (م): جبار. (¬2) في (ر): أخاف. (¬3) في (م): ثم يبتدع. (¬4) في (م): اعتادهم. (¬5) في (م): امحى ودرس. (¬6) في (م): الحج. (¬7) في (ر): الإبر. والمثبت من "صحيح مسلم" (1240) (198). (¬8) في (ر): أباكم.

الأثر (¬1). (وبرأ الدبر) أي: أفاق، والدبر يعني به دبر ظهور الإبل عند انصرافها من الحج، [يعني: إذا امحى أثر طرق الحاج وبرئت ظهور الإبل عند انصرافها من الحج] (¬2) (ودخل) شهر (صفر) رواية الصحيحين: "وانسلخ صفر" (¬3). (فقد حلت العمرة لمن اعتمر) وهذِه الألفاظ تقرأ كلها ساكنة الآخر ويوقف عليها؛ لأن مرادهم السجع، وكانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبطل ذلك فقال أولًا لهم في حجته "فمن أراد أن يجعلها عمرة فليفعل" تأنيسًا لهم، فلما رآهم يترددون لأنهم ما كانوا يرون العمرة جائزة في أشهر الحج ويقولون: إن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، فلما رأى أكثر الناس قد أحرم بالحج مجتنبًا للعمرة أمرهم بالتحلل بالعمرة (¬4) عند قدومهم مكة شرفها الله تعالى، ولذلك أعمر عائشة في ذي الحجة ليقطع تحكماتهم وابتداعهم في أمر الدين (فكانوا يحرمون العمرة) في أشهر الحج (حتى ينسلخ ذو الحجة والمحرم) فأبطل النبي - صلى الله عليه وسلم - ما كانوا يعتقدونه. [1988] (ثنا أبو كامل) فضيل بن الحسين الجحدري (¬5) قال (ثنا أبو عوانة) الوضاح مولى زيد بن عطاء اليشكري ¬

_ (¬1) "تهذيب اللغة" (وبر). (¬2) سقط من (م). (¬3) "صحيح البخاري" (1564)، و"صحيح مسلم" (1240) (198). (¬4) من (م). (¬5) في (م): الحجازي.

(عن إبراهيم بن مهاجر) البجلي (¬1) الكوفي (عن أبي بكر بن عبد الرحمن) بن الحارث بن هشام المخزومي، يقال: اسمه بكر، قال: (أخبرني رسول مروان) بن الحكم الأموي (الذي (¬2) أرسل) بضم الهمزة على البناء للمفعول، أي: أرسله مروان (إلى أم معقل) بفتح الميم وسكون العين وكسر القاف الأنصارية، زوجة أبي معقل الصحابية الأسدية أنها (قالت: جاء أبو معقل) زوجها، واسمه الهيثم الأسدي، شهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحد وهو والد معقل راوي حديث النهي عن استقبال القبلة (¬3) بغائط. (حاجّا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما قدم من حجته قالت) له زوجته (أم معقل) [زينب الأسدية] (¬4) (قد علمت أن علي) يعني: في ذمتي (حجة) لأنه المتبادر عرفًا. (فانطلقا يمشيان) فيه أن المشي إلى أهل العلم للسؤال (¬5) أولى من الركوب، وأن غير المخدرة (¬6) تحضر إلى مجلس القضاء، وأما المخدرة (¬7) فيرسل إليها الحاكم من يسمع كلامها (حتى دخلا عليه) أي: على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم (¬8) يذكر الاستئذان والسلام، فلعلهما تركا لكونهما معلومين عند السامع. (فقالت (¬9): يا رسول الله إن علي حجة) يحتمل أن يكون سبب ¬

_ (¬1) في (م): النخعي. (¬2) من (م)، و"سنن أبي داود". (¬3) في (م): القبلتين. (¬4) سقط من (م). (¬5) من (م). (¬6) في (م): المخدورة. (¬7) في (م): المخدورة. (¬8) سقط من (م). (¬9) في (م): فقلت.

الوجوب [وجود الاستطاعة] (¬1) أو النذر أو غيرهما (وإن لأبي معقل بكرًا) بفتح الباء وإسكان الكاف هو الفتي من الإبل (قال أبو معقل: صدقت) لي بكر، ولكن (جعلته في سبيل الله) فيه أن جعلت من صيغ الوقف، فلو قال: جعلته وقفًا [في سبيل الله] (¬2)، أو جعلته لله، أو في سبيل الله صار وقفًا، وظاهر الحديث أنه لا يشترط في الوقف القبول؛ لأنه وقف على جهة عامة فهو كالوقف على الفقراء والمسجد. (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أعطها) البكر (فلتحج) بضم الحاء (عليه) فيه وقوع الأمر للغائب (فإنه) أي: فإن (¬3) الحج داخل (في سبيل الله) فيه أن من أراد الحج (¬4) يعطى من سهم الغزاة؛ لأن الحج في (¬5) سبيل الله، ولا يعطى عند الشافعي إلا من سهم ابن السبيل؛ لأنه مسافر (¬6). (فأعطاها البكر، فقالت: يا رسول الله إني قد كبرت) بكسر الباء، أي: كبرت في السن، (وسقمت) بكسر القاف، أي: مرضت، (فهل من عمل يجزئ) بفتح الياء (عني من حجتي) قال الله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ} (¬7) وقرأ أبو السماك العدوي: [لا يجزئ] بضم الياء من أجزأ، أي: أغنى، ويقال: جزا وأجزأ بمعنى واحد. (فقال: عمرة) مبتدأ، وهو نكرة لكنه وصف بقوله (في رمضان تجزئ) ¬

_ (¬1) في (ر): الوجوب بالاستطاعة. (¬2) و (¬3) من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) من (م). (¬6) "الأم" 4/ 125. بمعناه. (¬7) البقرة: 48.

جملة في موضع الخبر (حجة) أي: تعدل حجة، وفي رواية لابن ماجه: "تعدل حجة" (¬1)، وفي رواية "تقضي حجة" (¬2)، أي: تقوم مقامها في الثواب لا أنها تقوم عن حجة الإسلام ولا عن غيرها؛ فإنه لو كان على الإنسان حجة فاعتمر في رمضان لم تجزئه عن الحجة بالاتفاق، لكن لما صحت نيتها (¬3) في الحج وجعلت البكر له ورأت أنها عاجزة عن الحج لما حصل لها من الكبر والضعف جعل ثواب ذلك في العمرة في رمضان، خير لها ومجازاة لاحتراصها على الخير ورغبتها فيه، ومجازاة بنيتها. قال المنذري: ورواه البزار والطبراني في "الكبير" في حديث طويل بإسناد جيد عن أبي طليق أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: فما يعدل الحج معك؟ قال: "العمرة في رمضان" (¬4)، قال: وأبو طليق هو أبو معقل، وكذا زوجته أم معقل تكنى أم طليق أيضًا، ذكره ابن عبد البر (¬5). وقال الترمذي: قال إسحاق: معنى هذا الحديث مثل ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فقد قرأ ثلث القرآن" (¬6). يعني: لكن يفرق بينهما بأن من قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فقد قرأ ثلث القرآن بلا مضاعفة ثواب، ومن قرأ ثلث القرآن كان ثوابه ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (2993). (¬2) "صحيح البخاري" (1863). (¬3) في (ر): بعينها. (¬4) "المعجم الكبير" 22/ 324 (816)، و"كشف الأستار" (1151). (¬5) "الاستيعاب" (4216). (¬6) "جامع الترمذي" (939).

مضاعفًا، وهكذا هذا الحديث. [1989] (حدثنا محمد بن عوف) (¬1) بن سفيان أبو جعفر (الطائي) قال: (ثنا أحمد بن خالد) بن موسى (الوهبي) بإسكان الهاء الكندي صدوق، مات سنة أربعة عشر (¬2)، قال (ثنا محمد بن إسحاق، عن عيسى بن معقل بن (¬3) أم معقل) الأسدية (الأسدي) بفتح السين وهو أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس، واحترز به من أسد بن ربيعة بن نزار، وهو بفتح السين أيضًا، وأما أسد بإسكان السين فهو لغة في الأزد، قال (حدثني يوسف بن [عبد الله بن سلام]) (¬4) بتخفيف اللام، وهو الذي أجلسه النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجره وسماه. (عن جدته أم معقل) وتسمى أم الهيثم الأسدية (قالت: لما حج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع وكان لنا جمل فجعله أبو معقل في سبيل الله، وأصابنا مرض فهلك) بفتح اللام (أبو معقل) أي: من ذلك المرض (وخرج النبي - صلى الله عليه وسلم -) أي: إلى الحج (فلما فرغ من حجه) أي: رجع منه (¬5) (جئته) لأسلم عليه (فقال: يا أم معقل ما منعك أن تخرجي (¬6) معنا) وهكذا قال لأم سنان الأنصارية لما رجع من حجته، وكان هذا السؤال منه لينبه على المانع من حجها؛ إذ كان أذن في ¬

_ (¬1) في (م): عون. (¬2) يعني بعد المائتين. انظر: "تقريب التهذيب" ص 30. (¬3) في (ر): عن. (¬4) في (م): عبد السلام. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (ر): تجيء.

الناس بالحج أذانًا يعم الرجال والنساء. (قالت: لقد تهيأنا) للحج (فهلك أبو معقل) ظاهر هذا يدل على رد قول من قال: إن أبا معقل كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع، ومات معه (وكان لنا جمل هو الذي نحج عليه، فأوصى به أبو معقل في سبيل الله) أي: بأن ينتفع به في الغزو، وفيه صحة الوصية بالحيوان، وتكون وصية بمنافعه، فلو صرح بالوصية بالمنافع لم يصح، وهذِه الوصية محمولة على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم أنه يخرج من ثلث ماله الذي يتصرف فيه المريض. (قال: فهلا خرجت عليه؟ فإن الحج في سبيل الله) أحتج به أحمد في إحدى الروايتين عنه، وهو مذهب ابن عباس وابن عمر وإسحاق، على أن الحاج يعطى منها، أي: من الزكاة وإن كان غنيّا، وعن أحمد رواية أخرى: لا يتصرف منها في الحج. وبه قال مالك وأبو حنيفة والثوري والشافعي (¬1) وأبو ثور وابن المنذر، وهذا أصح عند أحمد؛ لأن سبيل الله عند الإطلاق إنما ينصرف إلى الجهاد، فإن (¬2) كل ما في القرآن من ذكر سبيل الله إنما أريد به الجهاد إلا اليسير، فيجب أن يحمل ما في الآية على الكثير؛ لأن الظاهر إرادته به، ولأن الزكاة إنما تدفع للمحتاج إليها أو من يحتاج إليه (¬3) المسلمون كالعامل، وإذا قلنا ¬

_ (¬1) "الاستذكار" 9/ 222، و"فتح القدير" 4/ 175، و"الأم" 4/ 125. (¬2) في (ر): وقال. (¬3) من (م).

[يجوز دفع] (¬1) الزكاة في الحج فلا تدفع إلا بشرطين أحدهما: أن يكون ممن ليس له ما يحج به سواها، والثاني: أن يأخذه لحجة الفرض؛ لأنه يحتاج إلى إسقاط فرضه وإبراء ذمته، وأما المتطوع فله مندوحة عنه (¬2). وأما هذا (¬3) الحديث فلا يمتنع أن يكون الحج في سبيل الله، والمراد بالآية غير سبيل الحج؛ لما ذكرناه. (فأما إذ فاتتك هذِه الحجة) التي (معنا فاعتمري في رمضان فإنها كحجة) وفي رواية مسلم: "تقضي (¬4) حجة - أو حجة معي" (¬5) على الشك، ورواه الحاكم بزيادة "معي" (¬6) من غير شك، ولما حج النبي - صلى الله عليه وسلم - بأزواجه وأخبرته بعذرها بأنها لم تكن لها (¬7) راحلة، فلما تحقق عذرها وأنها متحسرة على ما فاتها من الحج معه حضها على العمرة في رمضان وأخبرها أنها تعدل لها حجة معه. (فكانت) [أم معقل] (¬8) (تقول: الحج حج [والعمرة عمرة]) (¬9) أي أجره معلوم وثوابه مشهور أنه أفضل من العمرة (والعمرة عمرة) أي لها أجر وثواب دون الحج، ولهذا فضلت العمرة في رمضان لشدة ¬

_ (¬1) في (ر): بجواز. (¬2) "المغني" 9/ 328 - 329. (¬3) من (م). (¬4) في (م): تقتضي. (¬5) "صحيح مسلم" (1256) (222). (¬6) "المستدرك" 5/ 230. (¬7) من (م). (¬8) من (م). (¬9) سقط من (م).

المشقة اللاحقة من عمل العمرة في الصوم (وقد قال هذا لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أدري أ) هذا الثواب العظيم (لي خاصة) بي دون غيري من النساء والرجال، أم لي ولهم، وهذا ليس خاص بها كما قال القرطبي وغيره، بل كل من يساويها في تلك الحال والنية من النساء والرجال، واعتمر في رمضان كان له مثل ذلك الثواب (¬1). [1990] (ثنا مسدد) قال (ثنا عبد الوارث) [بن سعيد] (¬2) بن ذكوان التيمي (¬3) (عن عامر) بن عبد الواحد (الأحول) وفيه ذكر الإنسان بلقبه المعروف به إذا لم يرد به التنقيص كالأعرج، والأصم، وذلك جائز بنية التعريف، وهذا أحد المواضع الستة المستثناة من الغيبة، فإن ذكر هذا اللقب على جهة التنقيص ولو أمكن التعريف بغيره كان أولى. (عن بكر بن عبد الله) بن عمرو المزني البصري، تابعي، أدرك (¬4) ثلاثين من فرسان (¬5) مزينة منهم عبد الله بن مغفل ومعقل بن يسار، وكان عابدًا من خيار الناس (¬6). (عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحج) أي: حجة الوداع (فقالت امرأة لزوجها) لعل المرأة هي أم معقل (¬7)، فإن أكثر ¬

_ (¬1) "المفهم" 3/ 369. (¬2) في الأصول الخطية: شعيب. والمثبت من "تهذيب الكمال" 18/ 478. (¬3) زاد في (م): بن شعيب بن العتكي المروزي. وهي زيادة مقحمة. (¬4) زاد في (ر): خمس و. وهي زيادة مقحمة. (¬5) في (م): قريتان. (¬6) "تهذيب الكمال" 4/ 218. (¬7) في (م): عقيل.

الطرق المصرحة باسمها هي أم معقل، وسمى المرأة البخاري أم سنان، وفي رواية ابن حبان في "صحيحه" والطبراني: جاءت أم سليم فقالت: حج أبو طلحة وابنه وتركاني. فقال: "يا أم سليم عمرة في رمضان تعدل حجة" (¬1) وإذا صحت الروايات حمل على تعدد القصة. (أحجني) بكسر الحاء وفتح الجيم المشددة على الأكثر لخفة الفتحة؛ لئلا يجتمع ساكنان، ويجوز كسر الجيم لإتباع الحاء قبلها، ولأن الأصل في التقاء الساكنين الكسر (مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جملك) وفي رواية في "الصحيح" أنها جعلت عليها حجة معك. قال القرطبي: معناه أنها همت بذلك وعزمت عليه، لا أنها أوجبت ذلك عليها بالنذر؛ إذ لو كان ذلك لما أجزأها عن العمرة (¬2). (فقال: ما عندي ما أحجك) بضم الهمزة وكسر الحاء وبرفع الجيم (عليه) الظاهر أنه أراد: ما لي ما أحجك عليه؛ لأن سياق الكلام يدل على أن الجمل كان عنده ولكنه كان قد وقفه وحبسه فصار ملكًا لله؛ فإن الأصح أن الوقف ملك لله. (فقالت: أحجني) بكسر الجيم كما تقدم، ويجوز إظهار التضعيف على لغة نجد فتقول: أحججني (على جملك فلان) فيه دليل على تسمية الدواب؛ فإنه مستحب أو سنة (قال: ذاك) بكسر الكاف؛ لأنه خطاب للمؤنث (حبيس في سبيل الله) فيه أن التحبيس صريح (¬3) في الوقف، وهو قول الجمهور، وعن الإصطخري أن التحبيس كناية (¬4). ¬

_ (¬1) "صحيح ابن حبان" (3699)، و"المعجم الكبير" (11322). (¬2) "المفهم" 3/ 370. (¬3) سقط من (م). (¬4) "الوسيط" 4/ 244.

فلا بد من ضم النية إليه أو ضم لفظ آخر. وفيه دليل على جواز الوقف في (¬1) سبيل الله، قال ابن الصباغ وغيره: إذا وقف في (¬2) سبيل الله يكون للغزاة الذين لهم معايش يغزون إذا نشطوا (¬3) دون أهل الفيء الذين هم مدونون للغزو. (فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن امرأتي تقرأ) بفتح التاء والراء (عليك السلام ورحمة الله) فيه إرسال المرأة السلام مع زوجها إلى أجنبي إذا كان من أهل العلم والصلاح، وإذا أرسل السلام مع أحد وجب عليه تبليغ السلام إليه، ويقول المبلغ هكذا، ولا يقول ما كثر استعماله في هذا الزمان: فلان يقبل أياديك؛ فإن فيه مخالفة السنة والكذب. (وإنها سألتني الحج معك فقلت) لها (: ما عندي ما أحجك) بضم الهمزة وكسر الحاء أيضًا (عليه) فيه دليل على أنه لو قال: والله ما لي جمل أحملك عليه، [أو: ما عندي ما أحملك عليه] (¬4)، وكان له جمل وقفه لله تعالى أنه لا يحنث، وقد قال أصحابنا أنه لو حلف أنه لا مال له، وله مكاتب أو موقوف أو منفعة لم يحنث، ويحنث بما إذا كان له مدبرًا أو معلق عتقه بصفة (¬5)، أو عبد يخدمه (¬6). (فقالت: أحجني) ويجوز: أحججني (على جملك فلان) بالجر على البدل (فقلت: ذاك) بكسر الكاف (حبيس) بفتح الحاء، فعيل بمعنى ¬

_ (¬1) في (م): على. (¬2) في (م): على. (¬3) زاد في (م): أو. (¬4) و (¬5) سقط من (م). (¬6) "روضة الطالبين" 11/ 52.

مفعول كخضيب بمعنى مخضوب. (فقال: أما إنك لو أحججتها عليه كان في سبيل الله) استدل به أحمد على أن الحج في سبيل الله (¬1). ولو وقف على سبيل الله كان وقفًا على مستحقي سهم الزكاة، واستدل بالحديث، وأجاب أصحابنا عن هذا الحديث بأنه يحتمل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم أو ذكر له ما يقتضي أنه أراد سبيل الخير وقصده، أو ما يدخل فيه الحج، فإنا (¬2) نقول أنه يجوز إطلاق سبيل الله على الحج بقرينة، أما عند الإطلاق وعدم القرينة فيجب حمله على المعهود الشرعي وهو الغزو (¬3). وأيضًا لم يكن وقف حجة الوداع غزوًا؛ لأن الغزو إنما يكون مع النبي - صلى الله عليه وسلم - أو سراياه، ولم يكن في (¬4) ذلك الوقت، فالحج عليه أولى من تعطيله، فيؤخذ منه أنه إذا كان موقوفًا على الغزو وتعذر الغزو في أفضل الأوقات وأمكن استعماله في غيره من سبيل الخير ولا [يضر به] (¬5) جاز، بل يستحب. قاله السبكي، ثم قال: وهذا الحكم وهو حمل سبيل الله على الغزاة لا خلاف فيه عندنا. وأما سبيل الخير وسبيل البر قال الرافعي: لو وقف على سبيل البر والخير صرف إلى أقارب الواقف؛ فإن لم يوجدوا فإلى أهل الزكاة (¬6). ¬

_ (¬1) "المغني" 9/ 328. (¬2) في (م): فإنه. (¬3) "الحاوي الكبير" 8/ 512. (¬4) سقط من (م). (¬5) في (م): يصرفه. (¬6) انظر "الفتاوى الفقهية الكبرى" 3/ 260، و"روضة الطالبين" 5/ 321.

قال البغوي: الموقوف على سبيل البر يجوز صرفه إلى ما فيه صلاح المسلمين من أهل الزكاة وإصلاح القناطر ودفن الموتى وغيرهم، ولو جمع بين سبيل الله وسبيل الخير صرف النصف إلى الغزاة والنصف إلى أقاربه. قال (¬1) السبكي: وأنا أختار في سبيل البر أن يصرف إلى الستة الذين ذكرهم الله في قوله: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} (¬2) الآية. (قال (¬3) وإنها) بكسر الهمزة معطوف على ما (¬4) تقدم. (أمرتني أن أسألك) فيه أن الأمر يستعمل للمساوي، والمشهور أن الطلب ممن هو دونه أمر (¬5) ولمن هو مساويه التماس، ولمن هو فوقه دعاء وطلب (ما يعدل حجة معك) رواية النسائي: إن أم معقل جعلت عليها حجة معك، ولم يتيسر لها ذلك فما يجزئ عنها (¬6). (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اقرئها) بكسر الهمزة أوله (¬7) وسكون الهمزة آخره قبل الهاء مني (السلام ورحمة الله) بالنصب بالعطف (وأخبرها أنها) أن عمرة في رمضان (تعدل حجة معي عمرة) بالرفع (في رمضان). قال القرطبي: وإنما عظم أجر العمرة في رمضان لعظم حرمة شهر ¬

_ (¬1) في (ر): قاله. (¬2) البقرة: 177. (¬3) سقط من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) من (م). (¬6) "سنن النسائي الكبرى" (4214). (¬7) زاد في (م): وسكون أوله.

رمضان، ولشدة النصب والمشقة اللاحقة من عمل العمرة في الصوم، لا سيما لمن اعتمر ماشيًا في شدة الحر أو البرد، وقد أشار إلى هذا قوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة وقد أمرها بالعمرة: "وأجرك على قدر نصبك" (¬1). [1991] (ثنا عبد الأعلى بن حماد) بن نصر البصري، قال: (ثنا داود بن عبد الرحمن) العطار. (عن هشام بن عروة) بن الزبير (عن أبيه) [عروة بن الزبير] (¬2) رضي الله تعالى عنه. (عن عائشة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتمر عمرتين: عمرة في ذي القعدة) بفتح القاف. (وعمرة في شوال) قال القرطبي: هذِه (¬3) العمرة المنسوبة إلى [شوال فهي] (¬4) والله أعلم عمرة الجعرانة، أحرم بها في أخريات (¬5) شوال، وكملها (¬6) في ذي القعدة فصدق عليها نسبة شوال وذي القعدة (¬7). [1992] (ثنا النفيلي) قال (ثنا زهير) بن معاوية، قال (ثنا أبو إسحاق) السبيعي (عن مجاهد) بن جبر. (قال: سئل ابن عمر - رضي الله عنهما -: كم اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: مرتين) ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1787)، ومسلم (1211/ 126) من حديث عائشة. (¬2) من (م). (¬3) من (م). (¬4) في (ر): رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (¬5) في (ر): آخر باب. (¬6) في "المفهم": كلها. (¬7) "المفهم" 3/ 367.

أي: عمرتين (فقالت عائشة: لقد علم ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد اعتمر ثلاثًا) قد يستدل به من يقول بمفهوم العدد، فإن عائشة فهمت منه في قوله: مرتين. الحصر في عدد ما أضمره (¬1)، فأنكرت عليه بحسن بلاغتها في قولها: لقد علم ابن عمر أن رسول الله قد اعتمر ثلاثًا (سوى التي قرنها بحجة الوداع) كما سيأتي. [1993] (حدثنا النفيلي، وقتيبة) بن سعيد (قالا: ثنا داود بن عبد الرحمن العطار) قال الذهبي: ثقة، وكان أبوه عطارًا نصرانيّا بمكة، وكان يحض بنيه على القرآن ومجالسة العلماء، قال الشافعي: ما رأيت أورع من داود (¬2). (عن عمرو بن دينار) مولى قريش المكي (عن عكرمة، عن ابن عباس قال: اعتمر رسول الله أربع عمر: عمرة) يجوز فيه الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، والنصب على أنه بدل من أربع، والجر على أنه بدل من عمر (الحديبية) بتخفيف الياء الثانية - يعني: التي صده فيها المشركون عن البيت فحل فيها من الحديبية، وحلق ونحر ورجع إلى المدينة كما صالحهم عليه. (و) العمرة (الثانية) عمرته (حين تواطؤوا) أي: توافقوا، قال الله تعالى: {لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ} (¬3) (على عمرة من قابل) أي: من السنة الثانية المستقبلة. قال قتيبة بن سعيد: يعني: عمرة القضاء، ¬

_ (¬1) في (م): اعتمره. (¬2) "الكاشف" للذهبي 1/ 290. (¬3) التوبة: 37.

سميت بذلك وبعمرة القضية أيضًا؛ لأنه إنما (¬1) اعتمرها في السنة الثانية في ذي القعدة على ما كان قاضاهم عليه، أي: صالحهم، وذلك أنهم شرطوا عليه أن لا يدخل عليهم مكة في سنتهم تلك (¬2)، بل في السنة الثانية، ولا يدخلها عليهم بشيء من السلاح إلا بالسيف في (¬3) قرابه، وأنه لا يمكث فيها أكثر من ثلاثة أيام إلى غير ذلك من الشروط المذكورة في كتب السير، ووفى لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك. (والثالثة) (¬4) عمرته (من الجعرانة) بكسر الجيم وسكون العين وتخفيف الراء، هكذا صوابها عند الشافعي والأصمعي وأهل اللغة ومحققي المحدثين، ومنهم من يكسر العين ويشدد الراء، وعليه أكثر المحدثين، وكانت هذِه العمرة بعد منصرفه من حنين ومن الطائف. (والرابعة التي قرن مع حجته) هذا هو الصواب عند أصحابنا: أنه - صلى الله عليه وسلم - أحرم مفردًا في أول إحرامه، ثم أحرم بالعمرة وقرنها بالحج فصار قارنًا. قال النووي: وأما قوله في مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في حجة الوداع مفردًا لا قارنًا فليس كما قال (¬5). [1994] (ثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك (الطيالسي، وهدبة) بضم الهاء (بن خالد) بن الأسود بن هدبة الأزدي، ويلقب بهداب، ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) من (م). (¬3) في (ر): و. (¬4) في (ر): الثانية. (¬5) انظر "المجموع" 7/ 159.

وإنما اسمه هدبة (¬1) كما حكاه الجياني وغيره. (قالا: حدثنا همام) بن يحيى العودي. قال أحمد: ثبت في كل المشايخ (¬2). (عن قتادة، عن أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتمر أربعًا، كلهن) بنصب اللام في ذي القعدة) قال العلماء: وإنما اعتمر - صلى الله عليه وسلم - هذِه العمرة في ذي القعدة لفضيلة ذي القعدة، ولمخالفة أهل الجاهلية، فإنهم كانوا يرونه من أفجر الفجور كما سبق، ففعله - صلى الله عليه وسلم - مرات (¬3) في هذِه الأشهر ليكون أبلغ في بيان جوازه فيها، وأبلغ في إبطال ما كانت الجاهلية عليه. (إلا التي مع حجته) وكان إحرامها في ذي القعدة وأعمالها في ذي الحجة (عمرة زمن الحديبية) في ذي القعدة سنة ست (أو من الحديبية) رواية مسلم: عمرة من الحديبية (وعمرة القضاء) في سنة سبع (وعمرة من الجعرانة حيث (¬4) قسم علينا) أي: كانت عمرة الجعرانة بعد قسم (غنائم حنين في ذي القعدة) سنة ثمان، وهي عام الفتح (وعمرة مع (¬5) حجته) وكان إحرامها في ذي القعدة وأعمالها في ذي (¬6) الحجة. قال القاضي عياض: ما ذكره أنس أن العمرة الرابعة كانت مع (¬7) ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "الكاشف" للذهبي 3/ 226. (¬3) في (ر): عمرات. (¬4) في (ر): حين. (¬5) في (ر): في. (¬6) سقط من (م). (¬7) في (ر): في.

حجته فيدل على أنه كان قارنًا، وقد رده كثير من الصحابة، والصواب أنه أحرم مفردًا ثم أحرم بالعمرة فصار قارنًا (¬1) كما تقدم. ¬

_ (¬1) "شرح النووي" 8/ 235.

82 - باب المهلة بالعمرة تحيض فيدركها الحج فتنقض عمرتها وتهل بالحج هل تقضي عمرتها

82 - باب المُهِلَّةِ بِالعُمْرَةِ تَحِيضُ فَيُدْرِكُها الحَجُّ فَتَنْقُضُ عُمْرَتَها وَتُهِلُّ بِالحَجِّ هَلْ تَقْضي عُمْرَتَها 1995 - حَدَّثَنا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمّادٍ، حَدَّثَنا دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَني عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَن يُوسُفَ بْنِ ماهَكَ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي بَكْرٍ، عَن أَبِيها أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: "يا عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَرْدِفْ أُخْتَكَ عَائِشَةَ فَأَعْمِرْها مِنَ التَّنْعِيمِ فَإِذَا هَبَطْتَ بِها مِنَ الأَكَمَةِ فَلْتُحْرِمْ فَإِنَّها عُمْرَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ" (¬1). 1996 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ مُزاحِمِ بْنِ أَبي مُزاحِمٍ، حَدَّثَني أَبي مُزاحِمٌ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَسِيدٍ، عَن مُحَرِّشٍ الكَعْبي قَالَ: دَخَلَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - الجِعْرانَةَ فَجَاءَ إِلَى المَسْجِدِ فَرَكَعَ ما شاءَ اللهُ ثُمَّ أَحْرَمَ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى راحِلَتِهِ فاسْتَقْبَلَ بَطْنَ سَرِفَ حَتَّى لَقي طَرِيقَ المَدِينَةِ فَأَصْبَحَ بِمَكَّةَ كَبائِتٍ (¬2). * * * باب المهلة بالعمرة تحيض فيدركها الحج فتنقض عمرتها وتهل بالحج هل تقضي عمرتها؟ [1995] (ثنا عبد الأعلى بن حماد) المصري، قال: (ثنا داود بن عبد الرحمن) العطار، قال (ثني عبد الله بن خثيم) (¬3) بالتصغير (عن يوسف بن ماهك) بفتح الهاء والكاف؛ لأنه غير منصرف (عن حفصة ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1784)، ومسلم (1212). (¬2) رواه أحمد 3/ 426، والترمذي (935)، والنسائي 5/ 199. قال الألباني: صحيح دون ركوعه في المسجد فإنه منكر. (¬3) في (ر): خثعم.

بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، عن أبيها) عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق القرشي، كان اسمه عبد الكعبة فغيره وسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الرحمن، وأمه أم رومان أم عائشة. (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعبد الرحمن: يا عبد الرحمن أردف) بفتح الهمزة وكسر الدال (أختك عائشة) بالنصب، فيه دليل على جواز إرداف الرجل المرأة من محارمه والخلوة بها، وهذا مجمع عليه (فأعمرها) بفتح الهمزة (من التنعيم) بفتح المثناة فوق وسكون النون مكان معروف خارج مكة على أربعة أميال من مكة إلى جهة المدينة، قاله الفاكهي (¬1). وهناك مسجدان رجح المحب الطبري أن الذي اعتمرت منه عائشة هو الأبعد على الأكمة الحمراء (¬2). سمعت عن أشياخي [أن الأول] (¬3) هو الصحيح عند أهل مكة. فيه دليل على أن من كان بأرض مكة وأراد العمرة فيجب عليه الخروج إلى الحل ليجمع في نسكه بين الحل والحرم، كما أن الحاج يجمع بينهما، فإنه يقف بعرفات وهي في الحل، ثم يدخل مكة للطواف وغيره. هذا مذهب الشافعي والجمهور، فلو أحرم بالعمرة في الحرم [ولم يخرج إلى الحل] (¬4) لزمه دم (¬5). وقال عطاء: لا شيء عليه (¬6). وقال قوم: يتعين الإحرام بالعمرة من التنعيم خاصة؛ فإنه من ¬

_ (¬1) "أخبار مكة" 5/ 61. (¬2) "فتح الباري" 3/ 711. (¬3) في (ر): الذي. (¬4) من (م). (¬5) انظر "المجموع" 7/ 209، و"شرح النووي" 8/ 151. (¬6) "شرح النووي" 8/ 151.

ميقات المعتمرين، ولا يجوز من غيره من أرض الحل من سائر الجهات بمكة أخذًا بظاهر هذا الحديث. ووجه تبويب المصنف على هذا الحديث أن عائشة كانت أحرمت بعمرة، فلما كانت بسرف بقرب مكة حاضت فنسكت المناسك غير أنها لم تطف بالبيت وأمهلت الطواف، فلما كان يوم التروية [وأهل الناس بالحج] (¬1) دخل عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجدها تبكي، فقال: "ما شأنك؟ " فقالت: طاف الناس بالبيت ولم أطف، والناس يذهبون إلى الحج الآن، فقال: "إن هذا شيء (¬2) كتبه الله على بنات آدم، ارفضي عمرتك". وليس المراد الإبطال (¬3) بالكلية، بل المراد: أمسكي عن أعمالها، ثم أمرها أن تغتسل وتهل بالحج، فقالت: إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حين حججت، [فأمر أخاها] (¬4) أن يذهب بها فيعمرها من التنعيم، وذلك ليلة الحصبة بعد أيام التشريق لتقضي عمرتها. (فإذا هبطت بها من الأكمة) بفتح الهمزة والكاف وهي الجبل الصغير (فلتحرم) بها، أي: بالعمرة، وذلك حين نزلوا منى (¬5) وهبطوا إلى المحصب من منى، و [باتوا في] (¬6) المحصب (فإنها عمرة متقبلة) زاد ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): أمر. (¬3) في (م): إبطال العمرة. (¬4) في (ر): فأمرها. (¬5) من (م). (¬6) في (ر): يأتوا إلى.

أحمد في رواية له: وذلك ليلة المصدر (¬1) بفتح المهملة والدال، أي: الرجوع من منى، وبهذا يعرف المكان الذي أحرمت منه عائشة، يحتمل أن الله أعلمه بقبول عمرتها، ويحتمل أن يكون المعنى أنها عمرة (¬2) منفردة عن الحج، حصلت لك كما حصلت لباقي الناس كما كانت تريد عمرة منفردة غير مندرجة تحت الحج، وفي هذا رد على من يقول: القرآن أفضل، وقد يحتج بقوله: "عمرة متقبلة" [من يقول] (¬3) أنه يلزم من الصحة القبول. [1996] (ثنا قتيبة بن سعيد، قال: ثنا سعيد بن مزاحم) ولم (¬4) يرو عنه إلا قتيبة (بن أبي مزاحم)، قال: (ثنا أبي) وهو مزاحم بن أبي (مزاحم، عن عبد العزيز بن عبد الله) بن خالد (بن أسيد) بفتح الهمزة وكسر السين الأموي، وكان ثقة، وولي مكة وحج بالناس (¬5) (عن محرش) بضم الميم وفتح الحاء المهملة [وتشديد الراء المكسورة وبالشين المعجمة، ويقال: بكسر الميم وسكون الحاء المهملة] (¬6) وفتح الراء المخففة وبالشين المعجمة. ويقال: مخرش مثل الثانية إلا أنها بالخاء المعجمة، قال علي بن المديني: وهو الصواب، وهو مخرش بن سويد بن عبد الله بن مرة من بني سلول بفتح السين المهملة وضم اللام (¬7). ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 1/ 198. (¬2) و (¬3) و (¬4) من (م). (¬5) "الكاشف" 2/ 199. (¬6) من (م). (¬7) "الاستيعاب" (1430)، و"تهذيب الكمال" 27/ 286.

(الكعبي قال: دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - الجعرانة) بكسر الجيم وسكون العين على الأفصح كما تقدم. (فجاء إلى المسجد) الذي بها (فركع) فيه (ما شاء الله) [فيه أنه يستحب لمن أراد أن يصلي ركعتي الإحرام أن يصلي الركعتين في المسجد الذي هناك إن كان ثم مسجد] (¬1) فأحرم بالعمرة من الجعرانة. فيه استحباب الإحرام من الجعرانة. وذكر الواقدي أن إحرامه من الجعرانة كان ليلة الأربعاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة (¬2). وذلك في رجوعه من الطائف وفي "فضائل مكة" للجندي عن يوسف بن ماهك قال: اعتمر من الجعرانة ثلاثمائة نبي. (¬3) والجعرانة من الحل بلا خلاف. (ثم استوى على راحلته) وفيه دليل لمن يرجح الإحرام عقب ركعتيه، والأصح أنه يحرم إذا انبعثت به راحلته (فاستقبل) أي: لما خرج من (¬4) الجعرانة سائر إلى (بطن سرف) بفتح السين وكسر الراء، وهو مكان بين مكة والمدينة بقرب مكة على أميال منها، قيل: ستة، وقيل: تسعة، وقيل: اثنا عشر ميلًا (¬5). (حتى لقي طريق المدينة، فأصبح بمكة كبائت) أي: كمن بات بها، ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "مغازي الواقدي" 3/ 958. (¬3) "عمدة القاري" 9/ 216. (¬4) زاد في (ر): بطن. (¬5) من (م).

ويبين هذا الحديث رواية الترمذي عن محرش الكعبي: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج من الجعرانة ليلًا معتمرًا، فدخل مكة ليلًا فقضى عمرته ثم خرج من ليلته، فأصبح بالجعرانة كبائت، فلما زالت الشمس من الغد خرج من (¬1) بطن سرف حتى جامع الطريق طريق جمع ببطن سرف، فمن أجل ذلك خفيت عمرته على الناس (¬2). وأخرجه النسائي (¬3) بأتم من هذِه الرواية. ¬

_ (¬1) في (م): في. (¬2) "جامع الترمذي" (935). (¬3) من (م).

83 - باب المقام في العمرة

83 - باب المَقامِ في العُمْرةِ 1997 - حَدَّثَنا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيّا، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحاقَ، عَنْ أَبانَ بْنِ صالِحٍ وَعَنِ ابن أَبي نَجِيحٍ، عَن مُجاهِدٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَقامَ في عُمْرَةِ القَضاءِ ثَلاثًا (¬1). * * * باب المقام [في العمرة] (¬2) [1997] (أخبرنا داود بن رشيد) بضم الراء وفتح الشين المعجمة الخوارزمي، قال (أخبرنا يحيى بن زكريا) بن أبي زائدة الوادعي (¬3) قال (ثنا محمد بن إسحاق، عن أبان) بفتح النون غير منصرف على الأكثر (ابن صالح) أبي بكر. (وعن) عبد الله (بن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقام في) سنة سبع في ذي القعدة في (عمرة القضاء) ويقال: عمرة القضية، ولهذا سميت عمرة القضاء وعمرة الصلح [(ثلاثًا). أي] (¬4): ثلاثة أيام في مكة. ¬

_ (¬1) انفرد به أبو داود، وأخرجه البزار في "مسنده" (4912) من طريق يحيى بن زكريا به. وقال: حسن الطريق عن ابن عباس. قال الألباني في "صحيح أبي داود" (1743): إسناده جيد لولا عنعنة ابن إسحاق، لكن الحديث صحيح فإن له شاهدًا قويًّا من حديث البراء في "الصحيحين" [البخاري (2698)، ومسلم (1783)]. (¬2) في (ر): بمكة. (¬3) في (ر): الوادي. انظر: "تهذيب الكمال" 31/ 305. (¬4) سقط من (م).

84 - باب الإفاضة في الحج

84 - باب الإِفاضَةِ في الحَجِّ 1998 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا عبَيْدُ اللهِ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أَفاضَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى يَعْني راجِعًا (¬1). 1999 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ - المَعْنَى واحِدٌ - قالا: حَدَّثَنا ابن أَبي عَدي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، حَدَّثَنا أَبو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَمْعَةَ، عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ أُمِّهِ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أمِّ سَلَمَةَ - يحدِّثانِهِ جَمِيعًا ذاكَ عَنْها - قَالَتْ: كَانَتْ لَيْلَتي التي يَصِيرُ إِلَي فِيها رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَساءَ يَوْمِ النَّحْرِ فَصارَ إِلَي وَدَخَلَ عَلي وَهْبُ بْنُ زَمْعَةَ وَمَعَهُ رَجُلٌ مِنْ آلِ أَبي أُمَيَّةَ متَقَمِّصَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِوَهْبٍ: "هَلْ أَفَضْتَ أَبا عَبْدِ اللهِ". قَالَ: لا والله يا رَسُولَ اللهِ. قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "انْزِعْ عَنْكَ القَمِيصَ". قَالَ: فَنَزَعَهُ مِنْ رَأْسِهِ وَنَزَعَ صاحِبُهُ قَمِيصَهُ مِنْ رَأْسِهِ ثُمَّ قَالَ وَلِمَ يا رَسُولَ اللهِ قَالَ: "إِنَّ هذا يَوْمٌ رُخِّصَ لَكُمْ إِذَا أَنْتُمْ رَمَيْتُمُ الجَمْرَةَ أَنْ تَحِلُّوا". يَعْني مِنْ كُلِّ ما حَرُمْتُمْ مِنْه إلَّا النِّساءَ: "فَإِذَا أَمْسَيتُمْ قَبْلَ أَنْ تَطُوفُوا هذا البَيْتَ صِرْتُمْ حُرُمًا كهَيْئَتِكُمْ قَبْلَ أَنْ تَرْمُوا الجَمْرَةَ حَتَّى تَطُوفُوا بِهِ" (¬2). 2000 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشّارٍ، حَدَّثَنا عَبْد الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ وابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أَخَّرَ طَوافَ يَوْمِ النَّحْرِ إِلَى اللَّيْلِ (¬3). 2001 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْن دَاوُدَ أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ حَدَّثَني ابن جُرَيْجٍ، عَن عطَاءِ بْنِ أَبي رَباحٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - لم يَرْمُلْ في السَّبْعِ الذي أَفاضَ فِيهِ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1308). (¬2) رواه أحمد 6/ 295، وابن خزيمة (2958). وصححه الألباني. (¬3) رواه الترمذي (920)، وابن ماجه (3059)، وأحمد 1/ 288. وضعفه الألباني. (¬4) رواه ابن ماجه (3060)، والنسائي في "الكبرى" 4/ 218، وابن خزيمة (2943). وصححه الألباني.

باب الإفاضة (¬1) في الحج [1998] (ثنا أحمد بن حنبل) قال: (ثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع أحد الأعلام، قال: (أنا عبيد الله) بالتصغير. (عن نافع، عن ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أفاض) من منى (يوم النحر) بعدما نحر فطاف طواف الإفاضة (ثم) رجع و (صلى الظهر بمنًى راجعًا) أي بعدما رجع، وهكذا روى مسلم عن ابن عمر أنه - عليه السلام - أفاض [يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى وتقدم عن النووي: الظاهر أنه - عليه السلام - أفاض] (¬2) قبل الزوال وطاف وصلى الظهر بمكة أول وقتها، ثم رجع إلى منى فصلى بها الظهر ثانيًا إمامًا بأصحابه، فروى ابن عمر صلاته بمنًى وجابر صلاته بمكة، وهما صادقان (¬3). [1999] (ثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين) بفتح الميم ابن عوف بن زياد البغدادي الحافظ (المعنى واحد، قالا: ثنا) محمد (بن) إبراهيم بن (أبي عدي، عن محمد بن إسحاق) قال (ثني أبو عبيدة) (¬4) بضم العين مصغر عامر (بن عبد الله بن زمعة، عن أبيه) عبد الله بن زمعة (وعن أمه زينب بنت أبي سلمة) اسمه عبد الله بن عبد الأسد المخزومي، وهي بنت أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، كان اسمها "برة" فغيره النبي - صلى الله عليه وسلم - فسماها زينب. ¬

_ (¬1) في الأصول الخطية: الإقامة. والمثبت من "سنن أبي داود". (¬2) من (م). (¬3) "المجموع" 8/ 222. (¬4) في (ر): عبدة.

(عن أم سلمة يحدثانه (¬1) جميعًا ذاك عنها) عن أم سلمة (قالت: كانت ليلتي التي يصير) أي: يدور (إلي فيها النبي - صلى الله عليه وسلم -) كما في رواية البيهقي والحاكم (مساء يوم النحر) رواية البيهقي: مساء ليلة النحر (¬2). فإن الظاهر أن نوبتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم وليلة كما تقدم (فصار إليَّ) رواية البيهقي: فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندي (فدخل عليَّ وهب بن زمعة) بفتح الزاي وإسكان الميم ابن الأسود بن (¬3) المطلب بن أسد بن عبد العزى القرشي الأسدي [من مسلمة الفتح، وقع ذكره ها هنا، هو أخو عبد بن زمعة، وأخوه روى ثلاثة أحاديث] (¬4). (ودخل معه رجل من آل أبي أمية) رواية البيهقي: [رجل من آل أبي أمية] (¬5) (متقمصين) بضم الميم وفتح القاف، أي: لابسي قميصين، فمن معاني تفعل المستعملة (¬6) لها أن تكون للتلبس (¬7) بمسمى ما اشتق منه نحو: تقمص: أي لبس قميصًا، وتعمم لبس عمامة، وتأزر لبس إزارًا، وتدرع لبس درعًا، وتفرى لبس فروة، وتقبى لبس قباء. (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لوهب) بن زمعة (هل أفضت) يا (أبا عبد الله) أي: طفت طواف الإفاضة، فيه نداء الرجل بكنيته؛ لأن فيها نوع ¬

_ (¬1) في (ر): ثنا به. (¬2) "السنن الكبرى" 5/ 136، و"المستدرك" 1/ 489. (¬3) زاد في (ر): عبد. وهي زيادة مقحمة، وانظر "تهذيب الكمال" 31/ 133 - 134. (¬4) سقط من (م). (¬5) في (ر): من بني أمية. (¬6) في (ر): استعمله. (¬7) في (م): التلبيس.

إكرام (قال: لا والله يا رسول الله) فيه جواز الحلف من غير استحلاف (قال: انزع) بكسر الزاي (عنك القميص، فنزعه من رأسه، فنزع صاحبه قميصه من رأسه [ثمّ قال: ولم يا رسول الله؟ ]) (¬1) فيه جواز سؤال المتعلم من معلمه، والولد من أبيه إذا أمراه (¬2) بأمر عن العلة في ذلك ليفهما المعنى في ذلك، وكذا للمستفتي أن يسأل المفتي عن وجه الدليل، ويجيبه [المفتي إذا] (¬3) رأى في ذلك نفعًا. (قال: إن هذا يوم رخص لكم) فيه (إذا رميتم جمرة) العقبة، زاد البيهقي: "ونحرتم الهدي إن كان لكم" (¬4) (أن تحلوا) من كل شيء، رواه البيهقي: "فقد حللتم" (من كل شيء حرمتم منه إلا النساء) رواية البيهقي: "حتى تطوفوا بالبيت". (وإذا أمسيتم قبل أن تطوفوا [هذا البيت] (¬5) صرتم حرمًا كهيئتكم قبل أن ترموا الجمرة) رواية البيهقي: "صرتم حرمًا [كما كنتم] (¬6) أول مرة"، (حتى تطوفوا به) أي: بالبيت، قال البيهقي: ولا أعلم أحدًا من الفقهاء قال بهذا الحديث (¬7). وذكر ابن حزم أنه مذهب عروة بن الزبير - رضي الله عنه - (¬8). ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (ر): أمره. (¬3) في (م): إن. (¬4) "السنن الكبرى" 5/ 136. (¬5) في (م): بالبيت. (¬6) في (ر): كهيئتكم. (¬7) "السنن الكبرى" 5/ 136. (¬8) "المحلى" 7/ 139.

[2000] (ثنا محمد بن بشار) قال (ثنا عبد الرحمن) بن مهدي، قال: (ثنا سفيان، عن أبي الزبير) بالتصغير محمد بن مسلم المكي التابعي. (عن عائشة وابن عباس - رضي الله عنهما -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخر الطواف) أي: طواف الزيارة كما في الترمذي (إلى الليل) وقال: حديث حسن، قال: وقد رخص بعض أهل العلم في أن يؤخر طواف الزيارة إلى الليل، ووسع بعضهم: أن يؤخر (¬1) إلى آخر أيام منى (¬2). وكذا رواية البخاري عن عائشة وابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - آخر طواف يوم النحر إلى الليل (¬3). قال البيهقي: وسمع أبو الزبير من ابن عباس، وفي سماعه من عائشة نظر (¬4). وأخرج البيهقي عن عائشة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - زار مع نسائه ليلًا (¬5)، وإلى هذا ذهب عروة بن الزبير. فعلى هذا يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قال النووي - أفاض قبل الزوال وطاف، ثم رجع إلى منى، ثم عاد إلى مكة ليلًا للزيارة لا لطواف الإفاضة فزار معهن ثم عاد إلى منى فبات بها (¬6). قاله ابن الرفعة. [2001] (ثنا سليمان بن داود) المهري، قال (ثني) عبد الله (بن ¬

_ (¬1) زاد في (م): إلى منى. (¬2) "سنن الترمذي" (920) .. (¬3) "صحيح البخاري" (1732) معلقًا. (¬4) "السنن الكبرى" 5/ 144. (¬5) "السنن الكبرى" 5/ 48. (¬6) "المجموع" 8/ 222. بمعناه.

وهب) قال (حدثني) عبد الملك (ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح) بفتح الراء وتخفيف الموحدة، واسم أبي رباح أسلم مولى فهر أو جمح المكي. (عن ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرمل في) الطواف (السبع الذي أفاض فيه) نسخة: به، وقال عطاء: لا رمل فيه، قال الرافعي: لا خلاف أن الرمل لا يسن في كل طواف، بل إنما يسن في طواف واحد، وفي ذلك الطواف قولان مشهوران، أصحهما عند الأكثرين: أنه يسن في طواف يعقبه سعي، ولا يرمل في طواف الإفاضة إن (¬1) لم يرد السعي بعده (¬2). وإن أراد إعادة السعي بعده لم يرمل بعده أيضًا على المذهب، وبه قطع الجمهور، وحكى البغوي فيه قولين، ولو طاف للقدوم وسعى بعده ولم يرمل فهل يقضيه في طواف الإفاضة؟ وجهان، وقيل: قولان، أصحهما: لا يرمل، ولو طاف للقدوم ورمل فيه ولم يَسْع، قال الجمهور: يرمل في طواف الإفاضة لبقاء السعي (¬3). ¬

_ (¬1) في (م): إذا. (¬2) انظر "الشرح الكبير" 3/ 402 - 403. (¬3) "المجموع" 8/ 42 - 43.

85 - باب الوداع

85 - باب الوَداعِ 2002 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْن عَليٍّ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ سُلَيْمانَ الأَحْوَلِ عَنْ طاوُسٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ النّاسُ يَنْصَرِفُونَ في كُلِّ وَجْهٍ فَقَالَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ الطَّوافَ بِالبَيْتِ" (¬1). * * * باب في الوداع [2002] (ثنا نصر بن علي) الجهضمي، قال (أخبرنا سفيان) بن عيينة (عن سليمان الأحول) لقب به للتعريف لا للتنقيص كما تقدم. (عن طاوس، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الناس ينصرفون في كل وجه) أي: يتفرقون من كل جهة من غير أن يودعوا البيت، فنهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا ينفرن) بكسر الفاء (¬2) (أحد) منكم (حتى يكون آخر عهده بالبيت الطواف) فيه دلالة لمن قال بوجوب طواف الوداع، وأنه إذا تركه لزمه دم، وهو الصحيح من مذهبنا، وبه قال أكثر العلماء وأبو حنيفة وأحمد، وقال مالك وابن المنذر: هو سنة لا شيء في تركه (¬3). قال القرطبي: إن الظاهر (¬4) هذا الحديث حديث صفية؛ حيث ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1755)، ومسلم (1327). (¬2) في (م): الراء. (¬3) "المجموع" 8/ 284، و"المبسوط" 4/ 40، و"المغني" 5/ 316، و"المدونة" 1/ 492. (¬4) من (م)، و"المفهم".

رخص لها في تركه لما حاضت، ففهم منه أنه ليس على جهة الوجوب، ولا يلزمه دم؛ لأن صفية لم يأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بشيء من ذلك، ولو كان ذلك واجبًا عليها لما جاز السكوت عنه؛ لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة (¬1). وأجيب عن حديث صفية بأنه رخص لها لعذر الحيض كما رخص لها ترك الصلاة إذ الطواف بالبيت صلاة. ¬

_ (¬1) "المفهم" 3/ 427.

86 - باب الحائض تخرج بعد الإفاضة

86 - باب الحائِضِ تَخْرُجُ بَعْدَ الإِفاضَةِ 2003 - حَدَّثَنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَي فَقِيلَ: إِنَّها قَدْ حاضَتْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَعَلَها حابِسَتُنا". فَقَالُوا: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّها قَدْ أَفاضَتْ. فَقَالَ: "فَلا إِذًا" (¬1). 2004 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطاءٍ، عَنِ الوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الحارِثِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: أَتَيْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ فَسَأَلْتُهُ، عَنِ المَرْأَةِ تَطُوفُ بِالبَيْتِ يَوْمَ النَّحْرِ ثمَّ تَحِيضُ؟ قَالَ: لِيَكُنْ آخِرُ عَهْدِها بِالبَيْتِ. قَالَ: فَقَالَ الحارِثُ: كَذَلِكَ أَفْتاني رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: أَرِبْتَ عَنْ يَدَيْكَ سَأَلْتَني عَنْ شَيء سَأَلْتَ عَنْهُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِكَيْما أُخالِفَ (¬2). * * * باب الحائض تخرج بعد الإفاضة [2003] (ثنا) عبد الله بن مسلمة بن قعنب (¬3) (الحارثي، عن مالك) ابن أنس (عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام - رضي الله عنه -. (عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر) زوجته (صفية بنت حيي) بن أخطب بسكون الخاء المعجمة بن سعنة بفتح السين المهملة وسكون العين المهملة، فيه تفقد الكبير أهله وأصحابه ورفقته (فقيل: إنها قد حاضت) القائل بأنها قد حاضت عائشة، لما في البخاري (¬4) ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1733)، ومسلم (1211). (¬2) رواه أحمد 3/ 416، وابن أبي شيبة 3/ 553. وصححه الألباني وقال: لكن الحديث منسوخ بحديث عائشة الذي قبله وغيره. (¬3) في (م): كعب. (¬4) "صحيح البخاري" (1757).

عن عائشة أن صفية حاضت فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -. (فقال رسول الله: لعلها حابستنا) قال القرطبي: فيه دليل على أن الكَرِي (¬1) يحبس على التي حاضت ولم تطف طواف الإفاضة حتى تطهر، وهو قول مالك، وقال الشافعي: لا يحبس عليها كري، ولتكري جملها أو تحمل مكانها غيرها، قال: وهذا كله في الأمن ووجود المحرم، وأما مع الخوف وعدم ذي محرم فلا تحبس باتفاق؛ إذ لا يمكن أن [يسير بها وحدها] (¬2) ويفسخ الكري، ولا يحبس عليها الرفقة إلا أن يبقى لطهرها كاليوم ونحوه (¬3). (قالوا: يا رسول الله إنها قد أفاضت) رواية مسلم: إنها قد زارت يوم النحر (¬4) (فقال: فلا) أي: فلا تحبسنا (إذًا) التنوين في إذا بدل من (¬5) الجملة المحذوفة عوض عنها، تقديره: فلا تحبسنا إذا أفاضت يوم النحر؛ لأنها أتت بالطواف الذي هو ركن الحج. [2004] (ثنا عمرو (¬6) بن عون) بن أوس بن الجعد السلمي، قال: (أخبرنا أبو عوانة) الوضاح (عن يعلى بن عطاء) الطائفي نزل واسطًا، ثقة (¬7). (عن الوليد بن عبد الرحمن) الحرشي (عن الحارث بن عبد الله ¬

_ (¬1) في (ر): الذي. (¬2) في (ر، م): يسترها وحده. والمثبت من "المفهم". (¬3) "المفهم" 3/ 428، و"الاستذكار" 13/ 262، و"المجموع" 8/ 258. (¬4) "صحيح مسلم" (1211) (386). (¬5) في (م): عن. (¬6) سقط من (ر). (¬7) "تقريب التهذيب" (7899).

ابن أوس) بن ربيعة الثقفي، يعد في الحجازيين، ويذكر في (¬1) الوحدان، سكن الطائف، (¬2) عده ابن الأثير في الصحابة (¬3)، وروى عنه أيضًا [عمرو بن أوس مع] (¬4) أنه أخوه. (قال: أتيت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فسألته عن المرأة تطوف بالبيت يوم النحر) أي: طواف الإفاضة (ثم تحيض) هل عليها طواف الوداع؟ (قال: ليكن (¬5) آخر عهدها بالبيت) بالبيت (¬6) خبر كان وهو متعلق بمحذوف وهو الخبر حقيقة، وهذا مذهب عمر بن الخطاب وابنه أنهما أمرا الحائض بالمقام لطواف الوداع، أي: إذا يمكنها الإقامة. وكان زيد بن ثابت يقول به ثم رجع عنه، فروى مسلم أن زيد بن ثابت خالف ابن عباس في هذا، قال طاوس: كنت مع ابن عباس إذ قال زيد بن ثابت: ليكن آخر عهدها بالبيت، فقال ابن عباس: أما لي، فسل (¬7) فلانة الأنصارية هل أمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك؟ قال: فرجع زيد إلى ابن عباس وهو يضحك وهو يقول: ما أراك إلا قد صدقت (¬8). وروي عن عمر (¬9) أيضًا أنه رجع إلى قول الجماعة. ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) زاد في (ر): وروي. (¬4) "أسد الغابة" (847، 910). (¬5) في (ر): عمر وأوس يقال. (¬6) في (ر): لم يكن. (¬7) في (م): قال. (¬8) "صحيح مسلم" (1328) (381). (¬9) في (م): ابن عمر.

(قال: فقال الحارث: كذلك أفتاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فيه نسبة الفتوى إليه - صلى الله عليه وسلم - (فقال عمر: أربت) بفتح الهمزة [وكسر الراء] (¬1) وفتح تاء المخاطب وسكون الباء الموحدة (عن يديك) أي: سقطت آرابك، يديك وغيرها، والآراب بالمد: الأعضاء، واحدها إرب بكسر الهمزة وسكون الراء. وعن ابن الأنباري: معناه ذهب ما في يديك حتى تحتاج، وقد أرب الرجل إذا احتاج إلى الشيء وطلبه (¬2). وهذِه كلمة لا يراد بها الدعاء ولا وقوع الأمر كما قال: تربت يداك وأشباهه (¬3). ولا يليق [بعمر أن] (¬4) يدعو على صحابي بسبب سؤال [سأل عنه] (¬5) رسول الله، بل المعنى: أصابك خجل إذ أردت أن تخجلني بخلاف رسول الله. (سألتني عن شيء سألت عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) قال أبو عمرو بن الصلاح: ينبغي للمستفتي أن يحفظ الأدب مع المفتي ويجله في خطابه وسؤاله ونحو ذلك، ولا يقول للمفتي إذا أجابه: كذا أفتاني (¬6) فلان أو غيرك (¬7)، ولا يقول: كذا قلت أنا، ولا كذا وقع لي، وما ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "تهذيب اللغة" (أرب). (¬3) زاد في (ر): سألتني عن شيء سألت عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وستأتي في (م) في موضعها. (¬4) في (ر): بأن عمر. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (ر): أجابني. (¬7) في (م): غيره.

أشبه ذلك، قال (¬1): وإذا سأل مفتيًا آخر فيبدأ بالأسن الأعلم وبالأولى (¬2). (لكي ما أخالف) منصوب بكي، واللام لام الجر، وفيه أن الإنسان إذا سأل الشيخ المعلم عن مسألة وأخذ بقوله فلا يسأل بعده المتعلم به، لاحتمال أن يجيب بخلاف ما أجاب به شيخه، فربما أدى ذلك إلى انتقاص المسؤول واستجهاله، لكن لا يظن هذا بالصحابة - رضي الله عنهم -. ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "أدب المفتي والمستفتي" 1/ 91.

87 - باب طواف الوداع

87 - باب طَوافِ الوَداعِ 2005 - حَدَّثَنا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، عَنْ خالِدٍ، عَن أَفْلَحَ، عَنِ القاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أَحْرَمْتُ مِنَ التَّنْعِيمِ بِعُمْرَةٍ فَدَخَلْتُ فَقَضَيْتُ عُمْرَتي وانْتَظَرَني رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالأَبْطَحِ حَتَّى فَرَغْتُ وَأَمَرَ النّاسَ بِالرَّحِيلِ. قَالَتْ: وَأَتَى رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - البَيْتَ فَطافَ بِهِ ثُمَّ خَرَجَ (¬1). 2006 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشّارٍ، حَدَّثَنا أَبُو بَكْرٍ - يَعْني: الحَنَفي - حَدَّثَنا أَفْلَحُ، عَنِ القاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجْتُ مَعَهُ - تَعْني: مَعَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - في النَّفْرِ الآخِرِ فَنَزَلَ المُحَصَّبَ - قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَلم يَذْكُرِ ابن بَشّارِ قِصَّةَ بَعْثِها إِلَى التَّنْعِيمِ في هذا الحَدِيثِ - قَالَتْ: ثُمَّ جِئْتُهُ بِسَحَرٍ فَأَذَّنَ في أَصْحابِهِ بِالرَّحِيلِ فارْتَحَلَ فَمَرَّ بالبَيْتِ قَبْلَ صَلاةِ الصُّبْحِ فَطافَ بِهِ حِينَ خَرَجَ ثُمَّ انْصَرَفَ متَوَجِّهَا إِلَى المَدِينَةِ (¬2). 2007 - حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ أَخْبَرَني عُبَيْدُ اللهِ بْنُ أَبي يَزيدَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ طارِقٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ أُمِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا جازَ مَكَانًا مِنْ دارِ يَعْلَى - نَسِيَهُ عُبَيْدُ اللهِ - اسْتَقْبَلَ البَيْتَ فَدَعا (¬3). * * * باب طواف الوداع [2005] (ثنا وهب بن بقية) بن عبيد الواسطي (عن خالد) بن عبد الله الواسطي. (عن أفلح) بن حميد الأنصاري (عن القاسم) بن محمد (عن عائشة قالت: أحرمت من التنعيم بعمرة) أي لما مضت مع أخيها ليعمرها من ¬

_ (¬1) رواه البخاري (294)، ومسلم (1211). (¬2) انظر سابقه. (¬3) رواه أحمد 6/ 436، والنسائي 5/ 213. وضعفه الألباني.

التنعيم حين أرادت عمرة منفردة عن الحج (فدخلت) أي إلى مكة (فقضيت عمرتي) أي بالطواف والسعي والتقصير، ثم رجعت (وانتظرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالأبطح) وهو [المحصب والمراد به هنا بطحاء مكة، وهو متصل بالمحصب، وهو إلى منى أقرب من مكة، قال ابن دريد] (¬1): الأبطح والبطحاء الرمل المستطيل على وجه الأرض (¬2). وقال أبو زيد: الأبطح أثر المسيل ضيقًا كان أو واسعًا. (حتى فرغت) من عمرتي ([وأمر الناس] (¬3) بالرحيل) أي إلى مكة ليطوفوا (¬4) طواف الوداع، [(قالت: وأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) بمن معه إلى (البيت فطاف به) أسبوعًا طواف الوداع] (¬5). (ثم خرج) من مكة. قال الأذرعي من أصحابنا: لم أر لأصحابنا كلامًا في أن المودع بالطواف من أي أبواب المسجد الحرام يخرج. قال: وذكر بعض العصريين أنه يستحب أن يخرج من باب بني سهم (¬6). ومن نوادر المالكية عن ابن حبيب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل المسجد من باب بني شيبة، وخرج إلى الصفا من باب بني مخزوم، وإلى المدينة من باب بني سهم، انتهى (¬7). فإن صح فذاك، ويحتمل أن يقال: يخرج ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "جمهرة اللغة" (بطح). (¬3) في (م): وأمرني. (¬4) في (م): ليطوف. (¬5) من (م). (¬6) "نهاية المحتاج" 3/ 318. (¬7) "التاج والإكليل" 3/ 113.

المتوجه إلى المدينة ونحوها من باب بني سهم لا لكل أحد، لا سيما من بعد عن طريق مقصده، وإن لم يثبت ذلك فقد قالوا في صلاة الجماعة أنه ينصرف من المسجد في جهة حاجته، فإن لم يكن له حاجة فجهة يمينه، فكذا ها هنا، والله أعلم. [2006] (ثنا محمد بن بشار) قال (ثنا أبو بكر) عبد الله (الحنفي) قال (ثنا أفلح، عن القاسم، عن عائشة قالت: خرجت معه تعني مع (¬1) النبي - صلى الله عليه وسلم -) من منى (في النفر الآخر) بكسر الخاء وهو ثالث أيام التشريق والنفر الأول في اليوم الثاني (ونزل المحصب) وهو الأبطح، وخيف بني كنانة. (قال أبو داود: ولم يذكر) محمد (ابن بشار (¬2) قصة بعثها إلى التنعيم) المتقدمة (ثم جئته سحير) تصغير سحر، وهو بعد في [منزله بالمحصب] (¬3) بعدما رجع من طواف الوداع، وكان طوافه ورجوعه في الليل، وهي الليلة التي تلي أيام التشريق (فأذن) [بتشديد الذال] (¬4) (في أصحابه بالرحيل [فارتحل]) فخرج (فمر بالبيت قبل الصلاة) لعل المراد به (¬5) قبل صلاة الفجر؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قصد البيت فطاف (¬6) به طواف الوداع ثم رجع بعد فراغه، قال النووي: وكل هذا في الليل (¬7). ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) زاد في (م): في. (¬3) في (م): منى. (¬4) و (¬5) و (¬6) من (م). (¬7) في (ر): البيت.

(فطاف به حين خرج) قال النووي: فيه تقديم وتأخير، فإن طوافه - صلى الله عليه وسلم - كان بعد خروجها إلى العمرة (¬1). (ثم خرج متوجهًا إلى المدينة) ليكون آخر عهده بالبيت. [2007] (ثنا يحيى بن معين) بن عون البغدادي، قال (ثنا هشام بن يوسف) قاضي صنعاء (عن ابن جريج) قال (أخبرني عبيد الله) بالتصغير (ابن أبي يزيد) (¬2) المكي (أن عبد الرحمن بن طارق) بن علقمة يعد في التابعين (عن أمه) نسيبة (¬3)، وقال بعضهم: عبد الرحمن، عن عمه: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا جاز) بالجيم والزاي، وفي رواية حاذ (¬4) بالحاء والذال المعجمة وبعد الحاء (¬5) ألف (مكانًا من دار يعلى نسيه (¬6) عبيد الله) بالتصغير (استقبل البيت) الحرام (فدعا) الله. (قال أبو داود: والصحيح حديث يحيى بن معين) وهذا الصحيح من حديث عبد الرزاق. ¬

_ (¬1) "شرح النووي" 8/ 158. (¬2) في الأصول الخطية: زيد. والمثبت من "سنن أبي داود"، و"تهذيب الكمال"، 19/ 178، و"الكاشف" (3649). (¬3) سقط من (م). (¬4) من (م). (¬5) في الأصول الخطية: الذال. والمثبت هو الموافق للسياق ورسم الكلمة. (¬6) في (ر): ابن أبي يزيد. وفي (م): نسيبة بن. والمثبت من "سنن أبي داود".

88 - باب التحصيب

88 - باب التَّحْصِيبِ 2008 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَن هِشامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إِنَّما نَزَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - المُحَصَّبَ لِيَكُونَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ فَمَنْ شاءَ نَزَلَهُ وَمَنْ شاءَ لَمْ يَنْزِلْهُ (¬1). 2009 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَعُثْمان بْنُ أَبي شَيْبَةَ المَعْنَى ح وَحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، قَالُوا: حَدَّثَنا سُفْيانُ، حَدَّثَنا صالِحُ بْنُ كَيْسانَ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ يَسارٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو رافِعٍ لم يَأْمُرْني رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أَنْزِلَهُ ولكن ضَرَبْتُ قُبَّتَهُ فَنَزَلَهُ. قَالَ مُسَدَّدٌ: وَكَانَ عَلَى ثَقَلِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -. وقالَ عُثْمانُ: يَعْني في الأَبْطَحِ (¬2). 2010 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ عَلي بْنِ حُسَيْنٍ، عَن عَمْرِو بْنِ عُثْمانَ، عَنْ أُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا في حَجَّتِهِ قَالَ: "هَلْ تَرَكَ لَنا عَقِيلٌ مَنْزِلًا". ثُمَّ قَالَ: "نَحْنُ نازِلُونَ بِخَيْفِ بَني كِنانَةَ حَيْثُ قاسَمَتْ قُرَيْشٌ عَلَى الكُفْرِ". يَعْني: المُحَصَّبَ وَذَلِكَ أَنَّ بَني كِنانَةَ حالَفَتْ قُرَيْشًا عَلَى بَني هاشِمٍ أَنْ لا يُناكِحُوهُمْ وَلا يُبايِعُوهُمْ وَلا يُئْوُوهُمْ. قَالَ الزُّهْري: والخَيْفُ الوادِي (¬3). 2011 - حَدَّثَنا مَحْمُودُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا عُمَرُ، حَدَّثَنا أَبُو عَمْرٍو - يَعْني: الأَوْزاعي - عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ حِينَ أَرادَ أَنْ يَنْفِرَ مِنْ مِنًى: "نَحْنُ نازِلُونَ غَدًا". فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ أَوَّلَهُ وَلا ذَكَرَ: الخَيْفُ الوادِي (¬4). 2012 - حَدَّثَنا مُوسَى أَبُو سَلَمَةَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَن بَكرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1765)، ومسلم (1311). (¬2) رواه مسلم (1313). (¬3) رواه البخاري (3058)، ومسلم (1351). (¬4) رواه البخاري (1590)، ومسلم (1314).

وَأَيُّوبَ، عَنْ نافِعٍ أَنَّ ابن عُمَرَ كَانَ يَهْجَعُ هَجْعَةً بِالبَطْحاءِ ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ وَيَزْعُمُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَفْعَل ذَلِكَ (¬1). 2013 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَفّانُ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنا حُمَيْدٌ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنِ ابن عُمَرَ وَأَيُّوبَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى الظُّهْرَ والعَصْرَ والمَغْرِبَ والعِشاءَ بِالبَطْحاءِ ثُمَّ هَجَعَ هَجْعَةً ثُمَّ دَخَلَ مَكَّةَ وَكَانَ ابن عُمَرَ يَفْعَلُهُ (¬2). * * * باب التحصيب [2008] (ثنا أحمد بن حنبل) قال (ثنا يحيى بن سعيد، عن هشام) [ابن عروة] (¬3) (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها (إنما نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المحصب) [بفتح الصاد] (¬4) اسم لمكان متسع بين جبلين، وهو إلى منى أقرب من مكة، وهو إلى المقابر، سمي بذلك لكثرة ما به من الحصى (¬5) من جر السيول، ويسمى بالأبطح، وخيف بني كنانة (ليكون أسمح) أي أسهل له (لخروجه) منه إلى مكة وأسرع (وليس بسنة) مستقلة، وليس من مناسك الحج (فمن شاء نزله) أي: نزل فيه (ومن شاء لم ينزله) ومن ترك النزول به فلا شيء عليه. [2009] (ثنا أحمد بن حنبل وعثمان بن أبي شيبة ومسدد قالوا: ثنا ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1768). (¬2) انظر سابقه. (¬3) من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) في (ر): الحصبان.

سفيان) بن عيينة، قال (ثنا صالح بن كيسان) جمع الفقه والحديث والمروءة، قال أحمد: كان أكبر من الزهري (¬1). (عن سليمان بن يسار) بمثناة من تحت ثم سين مهملة مولى أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها، قال أبو زرعة: ثقة مأمون عابد (¬2). (قال: قال أبو رافع) مولى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويقال: مولى العباس بن عبد المطلب، اسمه أسلم، ويقال: هرمز (لم يأمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أنزله) بعد خروجي من منى ليلة الرابع عشر (ولكن ضربت) بسكون الباء الموحدة، [رواية: ضُرِبَت] (¬3) (قبته) ضربها أبو رافع له لينزل في المحصب (فنزله - صلى الله عليه وسلم - وكان) أبو رافع قبطيّا (على ثَقَل) بفتح الثاء المثلثة والقاف (النبي - صلى الله عليه وسلم -) وهو آلات السفر وأمتعته وحشمه، وأصله من الثقل ضد الخفة، وكذلك كان كركرة مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - على ثقله. (وقال عثمان) بن أبي شيبة: (يعني) نزل النبي - صلى الله عليه وسلم - (في الأبطح) ويقال له: البطحاء، وهو بأعلى مكة للخارج منها عند بابها الشرقي، قال الداودي: هو ذو طوى وليس بصحيح (¬4). [2010] (ثنا أحمد بن حنبل) قال (ثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني، قال أحمد بن حنبل: إذا اختلف الناس في حديث معمر فالقول ما قال عبد الرزاق (¬5). قال (أخبرنا معمر، عن الزهري، عن ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 13/ 81. (¬2) انظر: "الجرح والتعديل" 4/ 149. (¬3) سقط من (م). (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" 1/ 57. (¬5) انظر: "سير أعلام النبلاء" 9/ 566.

علي بن حسين) زين العابدين، قال الزهري: ما رأيت قرشيًا أفضل منه (¬1). (عن عمرو بن عثمان) بن عفان القرشي المدني (عن أسامة بن زيد) رضي الله عنهما (قال: قلت: يا رسول الله، أين تنزل) بتاء الخطاب في أوله، هذِه الرواية المشهورة، وفي مسلم وغيره وفي رواية اللؤلؤي: ننزل (¬2) - بنون الجمع. (غدًا) رواية مسلم: وذلك (في حجته) حين دنونا من مكة (¬3)، وفي رواية لمسلم: أتنزل غدًا في دارك بمكة؟ (¬4) وهذا يؤيد الرواية الأولى. فيه النظر والكلام في المنزل الذي ينزله المسافر قبل أن ينزل البلد، وفيه دليل لمن يقول: إن هذا السؤال والقول كان في حجة الوداع، قال القرطبي: وقد اختلفت الرواة هل كان هذا القول في فتح مكة أو في حجة الوداع؟ فروى الزهري كل ذلك، قال: ويحتمل أن يكون تكرر هذا السؤال والجواب في الحالتين وفيه بعد (¬5). (قال (¬6): وهل ترك لنا عقيل منزلًا) رواية مسلم: "وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور" (¬7)، وهذا الاستفهام معناه النفي، أي: ما ترك لنا شيئًا ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 20/ 384. (¬2) "صحيح مسلم" (1314) (343). (¬3) "صحيح مسلم" (1351) (440). (¬4) "صحيح مسلم" (1351) (439). (¬5) "المفهم" 3/ 466. (¬6) سقط من (م). (¬7) "صحيح مسلم" (1351) (439).

من ذلك، فأضاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المنزل لنفسه، وظاهره الملك، فيكون عقيل بن أبي طالب اعتدى على منازل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودوره فباعها وتصرف فيها كما فعل أبو سفيان بدور من هاجر من المؤمنين. قال الداودي: إن عقيلًا باع ما كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولمن هاجر من بني عبد المطلب، [فيكون عقيل ورث أبا طالب هو وطالب، ولم يرثه جعفر ولا علي؛ لأنهما كانا مسلمين] (¬1)، قيل: إنه حكم لها بحكم الدار (¬2). وقد خرجت عن ملكه لما غنمها المسلمون كما يقول مالك والليث في هذِه المسألة لا في هذا الحديث (¬3). قال النووي: في هذا الحديث دلالة لمذهب الشافعي وموافقيه: أن مكة فتحت صلحًا، وأن دورها مملوكة لأهلها، لها حكم سائر البلدان في ذلك، فتورث عنهم، ويجوز لهم بيعها ورهنها، وإجارتها، والوصية بها، وسائر التصرفات، وقال مالك وأبو حنيفة والأوزاعي وآخرون: فتحت عنوة، ولا يجوز شيء من هذِه التصرفات (¬4). وفيه أن المسلم لا يرث الكافر، وهذا مذهب العلماء كافة إلا ما روي عن (¬5) إسحاق بن راهويه وعن بعض السلف: أن المسلم يرث الكافر، وأجمعوا على أن الكافر لا يرث المسلم (¬6). ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في "المفهم": البلد. (¬3) "المفهم" 3/ 465. (¬4) انظر: "الاستذكار" 14/ 339، و"البحر الرائق" 8/ 231، و"تبيين الحقائق" 6/ 29. (¬5) زاد في (ر، م): أبي. وهي زيادة مقحمة. (¬6) "شرح النووي" 9/ 120 - 121، وزاد في (ر): وروى البيهقي أن النبي اشترى دار =

(ثم قال: نحن نازلون) غدًا (بخيف بني كنانة) وهو الشعب، قال الكرماني: يحتمل أن يراد بكنانة غير قريش، فقريش قسم له لا قسيم (¬1) (حيث (¬2) قاسمت قريش على الكفر) وذلك أن بني كنانة حالفت قريشًا على الكفر. قال النووي: هو تحالفهم على إخراج النبي - صلى الله عليه وسلم - وبني هاشم والمطلب من مكة إلى هذا الشعب، وهو خيف بني كنانة، وكتبوا بينهم الصحيفة، وفيها أنواع من الباطل والكفر (¬3). (يعني) أن خيف بني كنانة هو (المحصب) كما تقدم. (وذلك أن بني كنانة) بن خزيمة بن مدركة، وكنانة قبيلة من مضر، (حالفت قريشًا) وقد كانوا في الجاهلية يتحالفون فيما بينهم على التناصر والتعاضد والتوارث، وأصل الحلف اليمين، وكانوا يتقاسمون إذا أرادوا عقدًا على التزامه (على بني هاشم) وبني المطلب ومهاجريهم (أن لا يناكحوهم) أي لا ينكحوا منهم (ولا يبايعوهم) أي: لا يبيعوا منهم شيئًا ولا يبتاعوا منهم (¬4) (ولا يؤوهم) أي: ولا يضموهم إليهم في مبيت أو منزل. (قال الزهري: والخيف) هو (الوادي) قال الجوهري: الخيف ما انحدر من غلظ الوادي وارتفع عن مسيل الماء، ومنه سمي مسجد ¬

_ = النبي بمكة من صفوان بن أمية بأربعمائة، وفي رواية: بأربعة آلاف). والصواب أن عمر هو الذي اشترى دارًا من صفوان. انظر: "سنن البيهقي" 6/ 34. (¬1) "شرح الكرماني" 9/ 328. (¬2) في (ر): حين. (¬3) "شرح النووي" 9/ 61. (¬4) من (م). زاد في (ر): ولا ينكحوهم.

الخيف بمنى (¬1). [2011] (ثنا محمود بن خالد) بن أبي خالد السلمي، قال (ثنا عمر) يعني: ابن عبد الواحد الدمشقي بكسر الدال وفتح الميم. قال (ثنا أبو عمرو) عبد الرحمن بن عمرو (يعني: الأوزاعي، عن الزهري، عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف. (عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال حين أراد أن ينفر) بكسر الفاء (من منى) إلى مكة (نحن نازلون غدًا) بخيف بني كنانة (فذكر نحوه، ولم يذكر أول الحديث) المتقدم (ولا ذكر) أن (الخيف الوادي). [2012] (ثنا أبو سلمة) موسى بن إسماعيل المقرئ، قال (ثنا حماد) بن سلمة (عن حميد) بن أبي حميد الطويل. (عن (¬2) بكر بن عبد الله) المزني (وأيوب) السختياني. (عن نافع، أن ابن عمر كان) إذا خرج من منى (¬3) ينزل المحصب فيصلي به الظهر والعصر والمغرب والعشاء [في ليلة الرابع عشر] (¬4) (ويهجع هجعة) أي يضطجع وينام يسيرًا (بالبطحاء) بالمد، وأصله التراب الذي سطح (¬5) في مسيل الماء، وقيل: إنه مجرى السيل إذا جف واستحصر. (ثم يدخل مكة ويزعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك) رواه البخاري ¬

_ (¬1) "الصحاح" (خيف). (¬2) زاد في (م): أبي. وهي زيادة مقحمة. (¬3) في (م): مكة. (¬4) من (م). (¬5) في (ر): سبط.

ويذكر ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1). قال ابن التين في "شرح البخاري": روي عن ابن عمر أنه قال: النزول بالمحصب سنة أناخ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر وعثمان والخلفاء بعده (¬2). وبه قال مالك (¬3). وروى الترمذي بسنده إلى ابن عمر قال: كان رسول الله وأبو بكر وعمر وعثمان ينزلون بالأبطح، ثم قال: حديث حسن غريب (¬4). [2013] (ثنا أحمد بن حنبل) قال (ثنا عفان) بن مسلم الصفار الحافظ، قال (ثنا حماد بن سلمة) قال (أنا حميد) بن يزيد. (عن بكر بن عبد الله، عن ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالبطحاء ثم هجع (¬5) هجعة ثم دخل مكة) وكان طاوس يحصب في شعب الخوز (¬6). (وكان ابن عمر يفعله) وكان كثير الاتباع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وأجمعوا على أنه ليس بواجب، والقول باستحبابه صرح به المحاملي وصاحب "المهذب" و"التهذيب" والرافعي وغيرهم (¬7)، وذكر النووي عن القاضي ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (1768). (¬2) أخرجه مسلم (1310). (¬3) "الكافي" 1/ 415، و"التاج والإكليل" 4/ 196. (¬4) "جامع الترمذي" (921). (¬5) زاد في (م): بها. (¬6) في (ر): سحور. (¬7) "المهذب" 1/ 231، "الشرح الكبير" للرافعي 3/ 445.

عياض أنه مستحب عند جميع العلماء (¬1). وصرح الماوردي في "الحاوي" أنه ليس بنسك ولا سنة، وإنما هو منزل استراحة (¬2). فيحتمل أن يكون مراد الماوردي أنه ليس بسنة أصلًا، فيكون في المسألة خلاف، وهذا ظاهر كلامه، ويحتمل أن يريد ليس من سنن الحج، بل هو سنة مستقلة، وعلى هذا يحمل ما ثبت في الصحيح عن عائشة وغيرها كما تقدم. ¬

_ (¬1) "المجموع" 8/ 253. (¬2) "الحاوي الكبير" 4/ 200 - 201.

89 - باب فيمن قدم شيئا قبل شيء في حجه

89 - باب فِيمَنْ قَدَّمَ شَيْئًا قَبْلَ شَيء في حَجِّهِ 2014 - حَدَّثَنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَن عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ أَنَّهُ قَالَ: وَقَفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في حَجَّةِ الوَداعِ بِمِنًى يَسْأَلُونَهُ فَجاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ إِنّي لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اذْبَحْ وَلا حَرَجَ". وَجاءَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْميَ. قَالَ: "ارْمِ وَلا حَرَجَ". قَالَ: فَما سُئِلَ يومَئِذٍ عَن شَيء قُدِّمَ أَوْ أُخِّرَ إِلَّا قَالَ: "اصْنَعْ وَلا حَرَجَ" (¬1). 2015 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ عَنِ الشَّيْباني عَنْ زِيادِ بْنِ عِلاقَةَ، عَنْ أُسامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - حاجّا فَكَانَ النّاسُ يَأْتُونَهُ فَمَنْ قَالَ: يا رَسُولَ اللهِ سَعَيْتُ قَبْلَ أَنْ أَطُوفَ أَوْ قَدَّمْتُ شَيْئًا أَوْ أَخَّرْتُ شَيْئًا. فَكَانَ يَقُولُ: "لا حَرَجَ لا حَرَجَ إِلَّا عَلَى رَجُلٍ اقْتَرَضَ عِرْضَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ وَهُوَ ظالِمٌ فَذَلِكَ الذي حَرِجَ وَهَلَكَ" (¬2). * * * باب من قدم شيئًا قبل شيء في حجه [2014] (ثنا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله) بالتصغير، التيمي القرشي من أفاضل أهل المدينة من مشاهير التابعين (عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: وقف ¬

_ (¬1) رواه البخاري (83)، ومسلم (1306). (¬2) أخرجه ابن أبي شيبة 3/ 837 (15197)، وابن خزيمة في "صحيحه" (2774)، والدارقطني في "سننه" 2/ 251، والبيهقي في "السنن الكبرى" 5/ 146. قال البيهقي: هذا اللفظ: سعيت قبل أن أطوف. غريب تفرد به جرير. قال الألباني: إسناده صحيح؛ لكن قوله: سعيت قبل أن أطوف .. شاذ.

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع بمنى والناس يسألونه) عن التقديم والتأخير، [(فجاءه رجل فقال] (¬1): يا رسول الله، إني لم أشعر) بالترتيب (فحلقت قبل أن أذبح، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اذبح ولا حرج) أي: عليك في ذلك (وجاء آخر فقال: يا رسول الله إني لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي، قال: ارم ولا حرج) النحر قبل الرمي جائز؛ لأن الهدي قد بلغ محله، قال في "المغني": لا نعلم خلافًا بينهم - أي: بين العلماء - في أن مخالفة الترتيب لا تخرج هذِه الأفعال عن الإجزاء ولا يمنع (¬2) وقوعها موقعها، وإنما اختلفوا في وجوب الدم في بعض الصور (¬3). (فما سئل يومئذٍ عن شيء قدم أو (¬4) أخر إلا قال: أصنع ولا حرج) (¬5)، واعلم أن الأعمال المشروعة (¬6) للحاج يوم النحر أربعة، والسنة في (¬7) ترتيبها الرمي فالذبح فالحلق فالطواف، ويتصور في التقديم والتأخير أربع وعشرون صورة، فيها ست بتقديم الرمي، وستة بتقديم النحر، وست بتقديم الحلق، وست بتقديم الطواف [أيها قدم أو أخر جاز] (¬8). ¬

_ (¬1) في (ر): فقال رجل. (¬2) في (ر): تقع. (¬3) "المغني" 5/ 323. (¬4) في (ر): ولا. (¬5) أخرجه مالك في "الموطأ" (941)، والنسائي في "الكبرى" (4109)، وأحمد 2/ 192. (¬6) في (ر): الشرعية. (¬7) سقط من (م). (¬8) من (م).

[2015] (ثنا عثمان بن أبي شيبة)، قال (ثنا جرير) بفتح الجيم وتكرير الراء (¬1)، ابن عبد الحميد الضبي (عن (¬2) الشيباني) بفتح الشين المعجمة (عن زياد بن علاقة) بكسر العين المهملة الثعلبي، بالثاء المثلثة [والعين المهملة] (¬3) من تابعي الكوفيين (عن أسامة بن شريك) الذبياني الثعلبي، قيل: هو من بني ثعلبة بن أسعد، وقيل: من بني ثعلبة بن بكر بن وائل. (قال: خرجت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حاجّا، فكان الناس يأتونه) فيسألونه (فمن قائل: يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف، أو أخرت (¬4) شيئًا، أو قدمت شيئًا فكان يقول: لا حرج) قال السبكي من أصحابنا: هو محمول على أن هذا السعي كان بعد طواف القدوم وقبل طواف الإفاضة، أي: ومن سعى بعد طواف القدوم لمن بعده بعد الإفاضة إذا كان مفردًا، وعن عطاء أن تقديم السعي على الطواف يجوز، ونقل الإمام في "الأساليب" عن بعض أئمتنا أنه لو قدم السعي على الطواف اعتد بالسعي. قال النووي: وهذا النقل (¬5) غلط ظاهر، وفي "البيان" قال الشيخ أبو نصر: يجوز لمن أحرم بالحج من مكة إذا طاف للوداع لخروجه إلى منى أن يقدم السعي قبل الطواف (¬6). ¬

_ (¬1) في (م): الياء. (¬2) في (ر): قال ثنا. (¬3) من (م). (¬4) في (ر): أخرجت. (¬5) من (م)، و"المجموع". (¬6) "المجموع" 8/ 72.

قال ابن قدامة: وعن أحمد: يجزئه السعي قبل الطواف إذا كان ناسيًا، وإن فعله عمدًا لم يجزئه سعيه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عن التقديم والتأخير في حال الجهل والنسيان، قال: "لا حرج"، ودليل الجمهور أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما سعى بعد طوافه، وقال: "لتأخذوا عني مناسككم" (¬1)، فعلى هذا إن سعى بعد طوافه ثم علم أنه طاف بغير طهارة لم يعتد بسعيه ذلك (¬2). ولو سعى ثم تذكر ترك شيء من الطواف أتى به وأعاد السعي (لا حرج إلا على رجل اقترض عرض رجل) أي: عابه ونال منه وقطعه بالغيبة له، وهو افتعل من القرض وهو القطع، قال أبو الدرداء: إن قارضت الناس قارضوك (¬3) أي: إن نلت منهم نالوا منك، وفي الحديث: "اقترض من عرضك ليوم فقرك" (¬4) أي: إذا اقترض عرضك (¬5) رجل فلا تجاره، ولكن اغتنم ذلك الأجر (¬6) ودعه موفورًا ليوم حاجتك إليه. [قال المنذري: اقترض بالتاء والضاد المعجمة، أي: ناله وعابه وقطعه بالغيبة (¬7). وروي بالفاء والضاد المعجمة من الفرض، وروي ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1297) من حديث جابر دون قوله: عني. (¬2) "المغني" 5/ 240. (¬3) "مصنف ابن أبي شيبة" (35739)، "الزهد" لأبي داود (235). (¬4) رواه الطبراني 8/ 126 (7575)، وأبو الشيخ في "الأمثال" (311) من حديث أبي أمامة الباهلي. (¬5) من (م). (¬6) في (ر): الأخذ. (¬7) انظر: "مختصر سنن أبي داود" 2/ 433.

بالفاء والصاد المهملة، والمقرض والمقراض الذي تقطع به الفضة] (¬1). (مسلم) خصه بالذكر لأنه أحق بصيانة العرض من الكافر وهو ظالم لذلك، وأما إذا اغتابه لمصلحة والمجوز لها غرض صحيح (¬2) شرعي فهي مباحة، وهي ستة أسباب في المتظلم عند السلطان، والاستعانة على تغيير (¬3) المنكر، وللاستيفاء، ولتحذير المسلمين من شره، ولمن كان مجاهرًا بفسقه، وللتعريف كما تقدم. (فذلك الذي حرج) بفتح الحاء وكسر الراء، أي: حرم. قال الجوهري: يقال: حرج علي ظلمًا حرجًا (¬4) أي: حرم (¬5) (وهلك) بفتح الهاء واللام. ¬

_ (¬1) تقدمت هذِه العبارة في (ر) قبل قوله: (أي عابه .. ). (¬2) من (م). (¬3) في (ر): نفس. (¬4) من (م). (¬5) "الصحاح" (حرج).

90 - باب في مكة

90 - باب في مَكَّةَ 2016 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَني كَثِيرُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ المُطَّلِبِ بْنِ أَبي وَداعَةَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلي عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ رَأى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - يُصَلّي مِمَّا يَلي بابَ بَني سَهْمٍ والنّاسُ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَيْسَ بَيْنَهُما سُتْرَةٌ. قَالَ سُفْيانُ: لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الكَعْبَةِ سُتْرَةٌ. قَالَ سُفْيانُ: كَانَ ابن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنا عَنْهُ قَالَ: أَخْبَرَنا كَثِيرٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: لَيْسَ مِنْ أَبي سَمِعْتُهُ، ولكن مِنْ بَعْضِ أَهْلي عَنْ جَدَّي (¬1). * * * باب في مكة [2016] (ثنا أحمد بن حنبل) قال (ثنا سفيان بن عيينة) قال (حدثني كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة) واسم أبي وداعة بفتح الواو وتخفيف الدال المهملة: الحارث السهمي القرشي المكي ([عن بعض أهلي]) (¬2) قال: حدثني بعض أهلي. قال ابن الأثير: روى عن أبيه (¬3). ووقع مبينًا في النسائي من طريق ابن جريج، عن كثير بن (¬4) كثير، عن أبيه، عن المطلب (¬5)، وقد [صرح به] (¬6) المصنف بعده وتحرز، فلعله المراد ببعض أهله، لكن يرده ما سيأتي. ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 399، والحميدي (588). وضعفه الألباني. (¬2) سقط من (م). (¬3) "أسد الغابة" 5/ 191. (¬4) زاد في (ر): أبي. وهي زيادة مقحمة. (¬5) "سنن النسائي" 5/ 235. (¬6) في (م): أخره.

يحدثه (عن جده) المطلب بن أبي وداعة (أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي مما يلي باب بني سهم) بفتح السين المهملة وهي قبيلة من قريش منسوبون إلى سهم بن عمرو كما تقدم، [قال المعتمر: قلت لطاوس: الرجل يصلي بمكة فيمر بين يديه الرجل والمرأة، فقال: أولا ترى الناس يبك بعضهم بعضًا، فرأى أن لهذا البلد حالًا ليس لغيرها من البلدان، ولذلك سميت بكة؛ لأن الناس فيها يبك بعضهم بعضًا أي: يدفع (¬1). قال الأثرم: قلت لأحمد: الرجل يصلي بمكة فلا يستتر بشيء؟ فقال: إن مكة ليست كغيرها؛ إن مكة مخصوصة، ومن الدليل عليه ما أخرج عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن كثير بن كثير بن المطلب، عن أبيه، عن جده قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي في المسجد الحرام ليس بينه وبينهم - أي: الناس - سترة. أخرجه الخلال بإسناده (¬2). ورواه أصحاب السنن. قال ابن حجر: ورجاله موثقون (¬3). وهو مروي عن الحنابلة وغيرهم] (¬4). (والناس يمرون بين يديه وليس بينهما) أي: بينه وبين المارين (سترة) والمراد بالمارين بين يديه يعني الطائفين بالبيت، فقد نقل عن ابن الزبير وعطاء ومجاهد أنه يجوز للماشي في الطواف أن يمر بين يدي المصلي وليس بينه وبينه سترة كما في الحديث، [وهذا خاص للطائفين] (¬5)، ومن ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" 3/ 90. (¬2) انظر: "المغني" 3/ 89. (¬3) "فتح الباري" 1/ 687. (¬4) سقط من (م). (¬5) في (م): لضرورة الطائفين.

خصائص الكعبة شرفها الله تعالى، ولا يجوز للماشين حول صخرة بيت المقدس أن يمروا بين يدي المصلي كما في الكعبة، والله أعلم. و(قال سفيان) بن عيينة (ليس بينه) أي: بين الطائفين (¬1) (وبين الكعبة سترة) (¬2) وهذا هو الأفضل؛ لأنه شرط. (قال سفيان: كان) عبد الملك (ابن جريج أخبرنا عنه) أي: عن كثير ابن (¬3) كثير (قال: أخبرنا كثير، عن أبيه) كثير بن المطلب، أي: في غير هذا الحديث (فسألته) أي: عن هذا الحديث: هل رويته عن أبيك أيضًا (فقال: ليس من أبي سمعته، ولكن من بعض أهلي، عن جدي) (¬4) ابن أبي وداعة القرشي. ¬

_ (¬1) في (م): الطائف. (¬2) أخرجه أحمد 6/ 399، والبيهقي في "السنن الكبرى" 2/ 273 بلفظه. وأخرجه النسائي في "المجتبى" 2/ 67، 5/ 235، وابن ماجه (2958) من طريق آخر بمعناه. قال ابن حجر في "الفتح" 1/ 687: إسناده معلول. ونقل الدارقطني في "العلل" (3408) الاختلاف فيه، وقال الألباني في "ضعيف أبي داود" (344): إسناده ضعيف. (¬3) زاد في (ر): أبي. (¬4) "السنن الكبرى" للبيهقي 2/ 273.

91 - باب تحريم حرم مكة

91 - باب تَحْرِيمِ حَرَمِ مَكَّةَ 2017 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنا الأَوْزاعي، حَدَّثَني يَحْيَى - يَعْني: ابن أَبي كَثِيرٍ -، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمّا فَتَحَ اللهُ تَعالَى عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيهِمْ فَحَمِدَ اللهَ وَأثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "إِن الله حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الفِيلَ وَسَلَّطَ عَلَيْها رَسُولَهُ والمُؤْمِنِينَ وَإنَّما أُحِلَّتْ لي ساعَةً مِنَ النَّهارِ، ثُمَّ هي حَرامٌ إِلَى يَوْمِ القِيامَةِ لا يُعْضَدُ شَجَرُها، وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُها وَلا تَحِلُّ لُقَطَتُها إِلَّا لِمُنْشِدٍ". فَقَامَ عَبَّاسٌ أَوْ قَالَ: قَالَ العَبَّاسُ يا رَسُولَ اللهِ إلَّا الإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقُبورِنا وَبُيُوتِنا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِلَّا الإِذْخِرَ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَزادَنا فِيهِ ابن المُصَفَّى عَنِ الوَلِيدِ فَقَامَ أَبُو شاهٍ - رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ - فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ اكْتُبُوا لي. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اكتُبُوا لأَبي شاهٍ". قُلْتُ لِلأَوْزاعِيِّ: ما قَوْلُهُ: "اكْتُبُوا لأَبي شاهٍ". قَالَ: هذِه الخُطْبَةَ التي سَمِعَها مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). 2018 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجاهِدٍ، عَن طاوُسٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ في هذِه القِصَّةِ قَالَ: "وَلا يُخْتَلَى خَلاها" (¬2). 2019 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَبْد الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْديٍّ، حَدَّثَنا إِسْرائِيلُ، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ مُهاجِرٍ، عَن يُوسُفَ بْنِ ماهَكَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ أَلا نَبْني لَكَ بِمِنًى بَيْتًا أَوْ بِناءً يُظِلُّكَ مِنَ الشَّمْسِ؟ فَقَالَ: "لا إِنَّما هُوَ مُناخُ مَنْ سَبَقَ إِلَيْهِ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2434)، ومسلم (1355). (¬2) رواه البخاري (1349)، ومسلم (1353). (¬3) رواه أحمد 6/ 187، والترمذي (881)، وابن ماجه (3006). وضعفه الألباني.

2020 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنا أَبُو عاصِمٍ، عَن جَعْفَرِ بْنِ يَحْيَى بْنِ ثَوْبانَ، أَخْبَرَنِي عُمارَةُ بْنُ ثَوْبانَ، حَدَّثَني مُوسَى بْنُ باذانَ قَالَ: أَتَيْتُ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "احْتِكارُ الطَّعامِ في الحَرَمِ إِلْحادٌ فِيهِ" (¬1). * * * باب تحريم مكة [2017] (ثنا أحمد بن حنبل) قال (ثنا الوليد بن مسلم) أبو العباس عالم أهل الشام، قال (ثنا الأوزاعي) قال (حدثني يحيى بن أبي كثير) اليمامي، أحد الأعلام. (عن أبي سلمة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: لما فتح الله تعالى على رسوله) محمد - صلى الله عليه وسلم - (مكة قام رسول الله فيهم) فيه القيام للخطبة للقادر عليه (فحمد الله) تعالى (وأثنى عليه) فيه ابتداء الخطبة بحمد الله تعالى والثناء عليه بما هو أهله، وكذا مجالس الوعظ والتدريس، وقراءة الحديث ونحو ذلك (ثم قال: إن الله) تعالى (حبس عن مكة) عظمها الله تعالى (الفيل) يعني: فيل أبرهة الأشرم الحبشي الذي قصد تخريب الكعبة فحماها الله تعالى، فلما وصل إلى ذي المجاز وهو سوق العرب قريب من مكة، فلما استقبل الفيل مكة رزم أي أقام وثبت، فاحتالوا عليه بكل حيلة فلم يقدروا عليه، فلم يزالوا به حتى رماهم الله بالحجارة التي أرسل الطير بها. ¬

_ (¬1) انفرد به أبو داود، وقال ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" 5/ 68 - 69: لا يصح. وقال الألباني في "ضعيف أبي داود" (346): إسناده ضعيف. ورواه الطبراني في "الأوسط" (1485). وضعفه الألباني.

(وسلط عليها رسوله والمؤمنين) ففتحوها بتأييد الله وقوته (وإنما أحلت لي ساعة) (¬1) أي: أحل لي القتال فيها ساعة (من النهار) رواية البخاري: "وإنما أحلت لي ساعتي هذِه" (¬2)، يعني: التي أتكلم فيها وهي بعد الفتح (ثم هي) أي: القتال فيها (حرام إلى يوم القيامة، لا يعضد) أي: لا (¬3) يقطع (شجرها) أي شيء من أشجارها؛ فإن "شجر" اسم جنس يعم، والمعضد بكسر الميم الآلة التي يقطع بها؛ فلهذا قال العلماء: يحرم قطع (¬4) الأشجار النابتة بأرض الحرم التي لا تستنبت (¬5) بالإجماع (¬6). وسواء في التحريم قطعه أو قلعه، وهذا في الشجر الرطب النابت في أرض الحرم، وكل (¬7) مؤذ فلا تحريم، ولا ضمان في قطع اليابس، كما قطع الصيد الميت إربًا إربًا، ولا المؤذي كالعوسج، وكل شجر ذي شوك على الصحيح، ولا شجر ينبت في أرض الحل (¬8). ([ولا ينفر صيدها] (¬9)، ولا تحل لقطتها) اللقطة هو الشيء الملقوط، ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "صحيح البخاري" (112). (¬3) من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) في (ر): تنبت. (¬6) "الإجماع" لابن المنذر (215، 216). (¬7) في (ر): غير. (¬8) "المجموع" 7/ 448. (¬9) سقط من (م).

وهي بفتح القاف على المشهور، وقالها الخليل بالإسكان، ويقال لها: لقاطة (¬1) (إلا لمنشد) وفي رواية: "إلا لمن عرفها" (¬2)، والمنشد هو المعرف، فأما طالبها فيقال له: ناشد، وأصل النشد والإنشاد رفع الصوت. ومعنى الحديث: لا تحل (¬3) لقطتها إلا لمن يريد أن يعرفها سنة ثم يتملكها كما في باقي البلاد، بل (¬4) لا تحل إلا لمن عرفها أبدًا، ولا يتملكها، وبهذا قال الشافعي وغيره (¬5). وقال مالك: يجوز تمليكها بعد تعريفها سنة كما في سائر البلاد (¬6). وأن المراد بالحديث زيادة التعريف والمبالغة فيها، وقيل: لا يحل التقاطها إلا أن يسمع من ينشدها فيأخذها ويدفعها (¬7) إليه. قال القرطبي بعد أن حكى الخلاف: والقول الأول أظهر؛ للأحاديث المذكورة، وبه قال الباجي وابن العربي من أصحابنا (¬8). (فقام عباس - أو قال عباس) - شك من الراوي هل عباس قام أو قال ¬

_ (¬1) في (ر): إلقاطه، وفي (م): الجهال لقاطة. والمثبت الصواب كما في "معاجم اللغة" (¬2) أخرجه البخاري (1834)، ومسلم (1353)، والنسائي في "المجتبى" 5/ 203، وأحمد في "مسنده" 1/ 315. (¬3) في (م): تصح. (¬4) سقط من (م). (¬5) "الحاوي الكبير" 8/ 4، و"المجموع" 15/ 253. (¬6) "مواهب الجليل" 8/ 44، "منح الجليل" 8/ 234 - 235. (¬7) في (م): يعرفها. (¬8) "المفهم" 3/ 472.

(يا رسول الله إلا الإذخر) بإسكان الذال المعجمة وكسر الخاء، نبت معروف بالمدينة له رائحة طيبة، وقوله - صلى الله عليه وسلم - في جواب العباس وقد سألة عن الإذخر: "إلا الإذخر" دليل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فوضت إليه أحكام يحكم فيها باجتهاده، واستيفاء المسألة في كتب الأصول. (فإنه لقبورنا وبيوتنا) [أي نحتاج إليه في القبور لنسد به فرج اللحد المتخللة من اللبنات التي يغطى بها القبر، ويحتاج إليه في سقوف] (¬1) البيوت يجعل فوق الخشب (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إلا الإذخر) هو محمول على أنه - صلى الله عليه وسلم - أوحي إليه في الحال (¬2) استثناء الإذخر وتخصيصه من العموم، أو أوحي إليه قبل ذلك أنه إن طلب [أحد منه] (¬3) استثناء شيء فاستثنه، أو أنه اجتهد في الجميع. (قال أبو داود: وزادنا فيه) محمد (بن المصفى) بن بهلول القرشي الحمصي (¬4). (عن الوليد) بن مسلم (فقام أبو شاه) بالشين المعجمة وبالهاء في آخره في الوقف و [الدرج، ولا يعرف] (¬5) بالتاء، قالوا: ولا يعرف اسم أبي شاه هذا (¬6)، وإنما يعرف بكنيته، وهو كلبي (من أهل اليمن) أقام بمكة [خلافًا لابن دحية والحافظ الدمياطي؛ فإنه نقل عنهما أنه أبو شات ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): الحلال. (¬3) من (م). (¬4) في (ر): الجهني. (¬5) في (م): التدريج. ولا يقال. (¬6) من (م).

بالتاء مفتوحة. قال النووي: لا خلاف أنه بالهاء (¬1). ولا يغير بكثرة تصحيف] (¬2) (فقال: اكتبوا لي يا رسول الله. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اكتبوا لأبي شاه) قيل: شاه اسم امرأة، فكني بها. فيه دليل على جواز كتابة الحديث والعلم، وهو مذهب الجمهور لهذا الحديث، ولحديث علي: ما عندنا إلا ما في هذِه الصحيفة (¬3)، ومثله حديث أبي هريرة: كان عبد الله بن عمرو يكتب ولا أكتب (¬4)، وكرهه قومٌ من أهل العلم تمسكًا بحديث أبي سعيد الذي ذكره مسلم في العلم لئلا يخلط بالقرآن غيره؛ لقوله في الحديث: "من كتب عني شيئًا سوى القرآن فليمح" (¬5)، ولأن محل النهي الذي في حديث أبي سعيد: لئلا يتكل الناس على الكتب ويتركوا الحفظ. ثم أجمعت الأمة على استحبابه، وقيل: إن حديث أبي سعيد منسوخ. (قلت للأوزاعي: ما) أراه في (قوله: اكتبوا لأبي شاه؟ قال: ) المراد بها (هذِه الخطبة التي سمعها من النبي - صلى الله عليه وسلم -) فيه أن الخطبة تطلق على الأحكام الشرعية وإن لم يكن فيها موعظة، خلافًا لمن شرط في ¬

_ (¬1) "شرح النووي" 9/ 129. (¬2) سقط من (م). (¬3) أخرجه البخاري (1870)، ومسلم (1370) (20)، والترمذي (2127)، والنسائي في "الكبرى" (4278)، وابن ماجه (2658)، وأحمد 1/ 81 بألفاظ متقاربة. (¬4) أخرجه البخاري (113)، والترمذي (2668)، والدارمي (500)، وأحمد 2/ 248. (¬5) "صحيح مسلم" (3004) (72).

الخطبة [الموعظة، وبالغ من شرط في الخطبة] (¬1) الأمر بالتقوى. [2018] (ثنا عثمان) بن محمد بن إبراهيم (بن أبي شيبة) قال (ثنا جرير) بفتح الجيم (عن منصور، عن مجاهد، عن طاوس، عن ابن عباس) رضي الله عنهما (في هذِه القصة) المذكورة. (قال: ولا يختلى) أي: لا يجز ويقطع، يقال: اختليته أي جززته (خلاها) مقصور هي الحشيش اليابس، وذِكره دال على منع قطع سائر (¬2) الأشجار بطريق الأولى. [2019] (ثنا أحمد بن حنبل) قال (ثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان البصري [مولى الأزد اللؤلؤي] (¬3)، أحد أعلام الحديث، قال (ثنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق (عن إبراهيم بن مهاجر) الكوفي، أخرج له مسلم (عن يوسف بن ماهك) بفتح الهاء والكاف، (عن أمه) مسيكة كما سيأتي عن الترمذي. (عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله ألا) معناها الطلب من غير حث، قال ابن مالك: ولا يليها غالبًا إلا فعل ظاهر (نبني لك [في منى]) (¬4) في مكة (بيتًا أو) نبني لك (بناءً) (¬5) غير البيت (يظلك من الشمس) وحرها (فقال: لا، إنما هو مناخ) قال أبو حاتم: مُناخ بضم ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2434)، ومسلم (1355) (447)، والنسائي في "الكبرى" (5855)، وأحمد 2/ 238. (¬2) سقط من (م). (¬3) من (م). (¬4) في (ر): مولاهم الأزدي البصري، والمثبت من (م). (¬5) زيادة من مطبوع السنن.

الميم، ولا يقال: مَناخ بفتحها؛ لأنه اسم مكان من فعل رباعي، يقال: أنخت الجمل فاستناخ، أي أبركته فبرك. (من سبق إليه) أي: من سبق إلى مكان من أراضي مكة فهو أحق بالنزول فيه (¬1) بدوابه ومتاعه من غيره كما في المواضع التي يتعلق بها حقوق المسلمين كالطرق والمواضع التي تصلح لصلاة العيد خارج الأمصار، فلا يصح تملكها لأحد ولا شراؤها ولا إجارتها، ولعل أبا حنيفة إنما منع من بيع دورها لاعتقاده أنها فتحت عنوة (¬2). قال الروياني: يكره بيع أراضي مكة وإجارتها؛ للخروج من الخلاف، ونازعه المصنف في "شرح المهذب" فقال: إنه خلاف الأولى (¬3). والأول هو المنصوص، فقد حكى العبادي في "طبقاته" عن الجندي عن الشافعي: أنه كره شراء أراضي مكة؛ لأن أكثر فصولها وقف. واعلم أن تبويب المصنف وكلام الخطابي أن هذا الحديث يحتج به من لا يرى دور مكة مملوكة لأهلها، يدل على أن هذا الحديث المراد به أرض مكة، وليس في الحديث ما يدل على ذلك، ويحتمل أن يكون هذا الحكم في أرض منى؛ فإن أصحابنا قالوا: إن منى لا تملك بالإحياء؛ لاختصاصها بمنافع المسلمين كعرفة، ولا تتهيأ عمارتها ولا بعضها لئلا تضيق على المسلمين، وإن أثبتنا حق الوقوف بها والمبيت (¬4) والإقامة؛ ¬

_ (¬1) في (ر): بيتا. (¬2) سقط من (م). (¬3) انظر "بدائع الصنائع" 5/ 146، "مجمع الأنهر" 4/ 212. (¬4) "المجموع" 9/ 251.

لأن الوقوف والإقامة سريعا الزوال، بخلاف البناء، ويدل لذلك ما رواه الترمذي، عن وكيع، عن إسرائيل، عن إبراهيم بن مهاجر، عن يوسف بن ماهك، عن أمه مسيكة، عن عائشة، قالت: قلنا: يا رسول الله، ألا نبني لك بيتًا يظلك بمنى؟ قال: "لا (¬1)، منى مناخ من سبق". وقال: حديث حسن، وبوب عليه باب: ما جاء أن منى مناخ من سبق. وهذا صريح في المراد، ولعل الخطابي إنما (¬2) ذكر حكم مكة بناء على تبويب المصنف فتبعه في ذلك، والله أعلم. [2020] (ثنا الحسن بن علي) الخلال، قال (ثنا أبو عاصم) الضحاك (عن جعفر بن يحيى بن (¬3) ثوبان) قال الذهبي: فيه جهالة (¬4)، قال (أخبرني عمارة) بضم العين (بن ثوبان) يعني عمه، قال (حدثني موسى بن باذان) بالباء الموحدة، والذال المعجمة. (قال: أتيت يعلى بن أمية فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: احتكار الطعام في الحرم) رواية ابن أبي حاتم: "احتكار الطعام بمكة"، فيحصل منها احتكار الطعام في حرم مكة، وليس الطعام على عمومه، بل هو مخصوص بالأقوات كما سيأتي في بابه، فقد احتكر سعيد ومعمر، ويخرج منه احتكار القوت، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يدخر قوت عياله كل سنة. (إلحاد فيه) قال الله: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} (¬5) أي: من يهم ¬

_ (¬1) و (¬2) سقط من (م). (¬3) في (ر): عن. (¬4) "الكاشف" للذهبي 1/ 187. (¬5) الحج: 25.

فيه بأمر من المعاصي، وأصل الإلحاد الميل، وهذا الإلحاد والظلم يعم جميع المعاصي الكبائر والصغائر لعظم حرمة المكان، فمن نوى سيئة ولم يعملها لم يحاسب عليها إلا في مكة تعظيمًا لحرمته، وقال عبد الله بن عمرو: قول: لا (¬1) والله، وبلى والله. في مكة من الإلحاد (¬2)، قال ابن عطية: وعموم اللفظ يأتي على هذِه المعاصي كلها، لكن قول حبيب بن أبي ثابت: الحكرة بمكة من الإلحاد بالظلم (¬3). وقول سعيد بن جبير: الإلحاد الاحتكار أولى الأقوال لهذا الحديث (¬4). والله تعالى قال لنبيه: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (¬5)، وعلى القول بعموم اللفظ في الآية يكون المراد بالحديث الاحتكار من الإلحاد فيه. ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "تفسير الطبري" 16/ 510. (¬3) "المحرر الوجيز" لابن عطية 4/ 116. (¬4) "تفسير البحر المحيط" 6/ 337. (¬5) النحل: 44.

92 - باب في نبيذ السقاية

92 - باب في نَبِيذِ السِّقايَةِ 2021 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْن عَوْنٍ، حَدَّثَنا خالِدٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَن بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لابْنِ عَبّاسٍ: ما بالُ أَهْلِ هذا البَيْتِ يَسْقُونَ النَّبِيذَ وَبَنُو عَمِّهِمْ يَسْقُونَ اللَّبَنَ والعَسَلَ والسَّوِيقَ أَبُخْلٌ بِهِمْ أَمْ حاجَةٌ؟ فَقَالَ ابن عَبّاسٍ: ما بِنا مِنْ بُخْلٍ وَلا بِنا مِنْ حاجَةٍ ولكن دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى راحِلَتِهِ وَخَلْفَهُ أُسامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَدَعا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِشَرابٍ فَأُتي بِنَبِيذٍ فَشَرِبَ مِنْه وَدَفَعَ فَضْلَهُ إِلَى أُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ فَشَرِبَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ كَذَلِكَ فافْعَلُوا". فَنَحْنُ هَكَذا لا نُرِيدُ أَنْ نُغَيِّرَ ما قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). * * * باب في نبيذ السقاية [2021] (ثنا عمرو بن عون) بن أوس السلمي، قال (ثنا خالد، عن حميد، عن بكر بن عبد الله) الصنعاني - أو المزني - (قال: قال رجل لابن عباس) رضي الله عنهما (ما بال أهل هذا البيت يسقون النبيذ) قال الحسن (¬2): كانت السقاية تنبذ بزبيب، أي: ينقع الزبيب في الماء ثم يماث فيسقى، أي: يعرك لتستخرج قوته ويذوب في الماء، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينقع له أول الليل تمرات في تور فيشربه إذا أصبح يومه ذلك، والليلة التي تجيء والغد، والليلة الأخرى، والغد إلى العصر، فإن بقي شيء سقاه الخادم أو أمر به فصب (¬3). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1316). (¬2) في (ر): الحسين. (¬3) أخرجه مسلم (2004) (79).

(وبنو عمهم) أي بنو عبد الدار بن قصي بن كلاب؛ فإن بني عبد مناف بن قصي ومنهم هاشم أخذوا ما بأيدي عبد الدار من الحجابة واللواء والسقاية والرفادة (¬1)، ورأوا أنهم أولى بذلك منهم لشرفهم عليهم، وفضلهم في قومهم، ثم إنهم اصطلحوا على أن يعطوا بني عبد مناف السقاية والرفادة، وأن تكون الحجابة واللواء لبني عبد الدار، ففعلوا ورضوا بذلك. قال ابن إسحاق: وولي هاشم بن عبد مناف [السقاية، والرفادة؛ لأنه كان موسرًا متنقلًا سفارًا لا يقيم بمكة، ثم لما هلك هاشم بن عبد مناف] (¬2) بغزة من أرض الشام تاجرًا، ولي الرفادة والسقاية بعده المطلب بن عبد مناف، ثم ولي عبد المطلب بن هاشم السقاية والرفادة بعد موت (¬3) عمه المطلب (¬4)، ثم صارت السقاية إلى العباس في الجاهلية، فلما دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرها في يده، ولأجلها رخص النبي - صلى الله عليه وسلم - له ترك المبيت بمنى إيثارًا لنفع المسلمين. كانوا (يسقون) الحجيج (اللبن والعسل) اللذين هما أغلى المشروبات (والسويق) بفتح السين المتخذ من الحنطة أو الشعير، وسويق الشعير أبرد من سويق الحنطة، لكن فيه قبض ونفخ يذهبه بماء العسل، وكانوا يصنعون طعامًا وشرابًا للحاج فيأكلون منه ويشربون إلى أن يصدروا عنه، فجرى ذلك في الجاهلية حتى قام الإسلام [ثم جرى في ¬

_ (¬1) في (م): الرقاق. (¬2) من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) "سيرة ابن هشام" 1/ 130 - 131.

الإسلام] (¬1) مدة، ثم انقطع وصار الماء لا يحصل إلا بمشقة، فنسأل الله العافية. (أبخل بهم أم حاجة؟ ) أصابتهم فقدم البخل على الحاجة، وحاشاهم من ذلك (فقال ابن عباس: ما بنا) بحمد الله تعالى (من بخل، ولا بنا من حاجة) ثم ذكر السبب الموجب لسقيهم النبيذ، فقال (ولكن دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي مكة (على راحلته وخلفه أسامة بن زيد) رديفه، ولعل هذا لما قدمها لطواف الإفاضة (فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشراب) يشربه (فأتي بنبيذ) تمر (فشرب منه.) فيه دليل على ما قاله ابن الرفعة وغيره: أنه يستحب لمن شرب من ماء زمزم أن يأتي سقاية العباس فيشرب منها إن كان هناك نبيذ؛ لأنه ثبت من فعله عليه الصلاة والسلام، قال: والنبيذ الذي يجوز شربه ما لم يسكر، أي: كما تقدم. (ودفع فضله (¬2) إلى أسامة بن زيد فشرب منه) فيه أنه يستحب لمن أكل أو شرب أن يناول من حضر، فيبدأ بمناولة ما فضل منه لمن عن يمينه وإن كان مفضولًا، أو لمن هو راكب خلفه، وفيه مواساة رديفه الراكب خلفه، وجليسه فيما يأكله ويشربه من هدية ونحوها، فقد روي مرفوعًا: "جلساؤكم شركاؤكم في الهدية" (¬3)، وهذا إن صح حمل على الندب ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) زاد في (ر): فضلها. (¬3) ذكره ابن عبد البر في "التمهيد" 6/ 156، وقال العجلوني في "كشف الخفاء" (1060): قال ابن الملقن في "شرح البخاري" في باب الشرب وتبعه العيني: وقد روي أنه عليه الصلاة والسلام. فذكره، قال: وإسناده فيه لين. انتهى.

لإكرام (¬1) الجليس والصديق، وهذا كله من مكارم (¬2) الأخلاق. (ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) لمن يسقي على سقاية العباس (أحسنتم وأجملتم) بالجيم، أي: فعلتم فعلًا حسنًا جميلًا، وفيه أنه يستحب لمن رأى أحدًا في فعل خير للمسلمين من سقي المارين أو إزالة أذًى من طريق المسلمين أن يثني عليه ويدعو له ليرغبه في فعل الخير. (كذلك فافعلوا) أي: استمروا على ما أنتم عليه ولا تتركوه؛ فإنه فعل حسن جميل، (فنحن لا نريد أن نغير ما قال) لنا (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وأثنى على فعله، فيه التمسك بما وردت به السنة والمداومة عليه وإن كان غيره أعلى منه. ¬

_ (¬1) في (ر): لا اكرام. (¬2) في (م): محاسن.

93 - باب الإقامة بمكة

93 - باب الإِقامَةِ بِمَكَّةَ 2022 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ - يَعْني: الدَّراوَرْدي -، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ أنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ يَسْأَلُ السّائِبَ بْنَ يَزِيدَ: هَلْ سَمِعْتَ في الإِقامَةِ بِمَكَّةَ شَيْئًا؟ قَالَ: أَخْبَرَني ابن الحَضْرَمي أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لِلْمُهاجِرِينَ إِقامَةٌ بَعْدَ الصَّدَرِ ثَلاثًا" (¬1). * * * باب في الإقامة بمكة [2022] (ثنا القعنبي) قال (ثنا عبد العزيز) بن محمد (يعني الدراوردي) (¬2) قال ابن معين: هو أثبت من فليح (¬3) (عن عبد الرحمن بن حميد) بن عبد الرحمن بن عوف (أنه سمع عمر بن عبد العزيز يسأل السائب بن يزيد) بن سعيد بن ثمامة بضم الثاء المثلثة، الكندي، حضر حجة الوداع مع أبيه وهو ابن سبع سنين (هل (¬4) سمعت في الإقامة بمكة شيئًا؟ قال: أخبرني) العلاء (ابن) عبد الله (الحضرمي) من حضرموت، وكان عاملًا للنبي - صلى الله عليه وسلم - على البحرين، وأقره أبو بكر وعمر عليهما (¬5) إلى أن مات. (أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول للمهاجرين) يعني: الذين هاجروا من ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3933)، ومسلم (1352). (¬2) في (ر): الداودي. (¬3) "تاريخ ابن معين" رواية الدوري (1079). (¬4) في (ر): قال. (¬5) سقط من (م).

مكة قبل الفتح إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنصرته (إقامة) بالرفع مبتدأ مؤخر، و (للمهاجرين) جار ومجرور في موضع الخبر، والمعنى أنه أبيح إذا وصلوا بمكة بحجة أو عمرة أو غيرهما أن يقيموا (بعد الصدر) بفتح الصاد والدال. أي: بعد انصرافهم من منى وكمال نسكها، وفي رواية لغيره: "يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه" (¬1). (ثلاثًا) أي: ثلاثة أيام، ولا يزيد على الثلاثة، وهذِه الإقامة قبل طواف الوداع، فإن (¬2) طواف الوداع لا إقامة بعده. وأما غير المهاجر للنصرة فيجوز له سكنى مكة وغيرها متى شاء؛ لأن هذا الحديث خرج جوابًا عن سؤالهم حين تحرجوا عن المقام بمكة؛ إذ كانوا قد تركوها لله تعالى، فأجابهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، ورأى أن إقامة الثلاث ليست بإقامة، واستدل أصحابنا وغيرهم بهذا الحديث على أن إقامة ثلاثة أيام ليس لها حكم الإقامة، بل صاحبها في حكم المسافر، قالوا: فإذا نوى المسافر إقامة ثلاثة أيام في بلد غير يوم الدخول ويوم الخروج جاز له الترخص ترخص السفر من القصر والفطر وغيرهما من رخصة (¬3). قال القرطبي: وهذا الخلاف وإن كان فيما مضى حكمهم وهجرتهم ينبني عليه خلاف فيمن فر بدينه من موضع يخاف فتنة فيه وترك فيه بلده، ثم ارتفعت تلك الفتنة، هل يرجع إلى بلده أم لا؟ ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في "صحيحه" (1352) (442). (¬2) في (م): فأما. (¬3) "شرح النووي" 9/ 122، و"المجموع" 4/ 359.

فنقول: إن كان ترك بلده لوجه الله كما فعل المهاجرون فلا يرجع بشيء من ذلك، وإن كان إنما فر بدينه ليسلم له ولم يخرج عن شيء من أملاكه فإنه يرجع إلى ذلك كله إذا لم يزل شيء [من ذلك] (¬1) عن ملكه (¬2). ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) "المفهم" 3/ 467.

94 - باب في دخول الكعبة

94 - باب في دُخُولِ الكَعْبَةِ 2023 - حَدَّثَنا القَعْنبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِعٍ، عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ الكَعْبَةَ هوَ وأُسامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعُثْمانُ بْنُ طَلْحَةَ الحَجَبي وَبِلالٌ فَأَغْلَقَها عَلَيْهِ فَمَكَثَ فِيها قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: فَسَأَلْتُ بِلالًا حِينَ خَرَجَ: ماذا صَنَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يَسارِهِ وَعَمُودَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وَثَلاثَةَ أَعْمِدَةٍ وَراءَهُ - وَكَانَ البَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ - ثُمَّ صَلَّى (¬1). 2024 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ الأَذْرَميُّ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدي، عَنْ مالِكٍ بهذا الحَدِيثِ لَمْ يَذْكُرِ السَّواري قَالَ: ثُمَّ صَلَّى وَبَيْنَه وَبَيْنَ القِبْلَةِ ثَلاثَةُ أَذْرُعٍ (¬2). 2025 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا أَبُو أُسامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بِمَعْنَى حَدِيثِ القَعْنَبيِّ. قَالَ: وَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى (¬3). 2026 - حَدَّثَنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبي زِيادٍ، عَن مُجاهِدٍ، عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صفْوانَ قَالَ: قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الخَطّابِ: كَيْفَ صَنَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ دَخَلَ الكَعْبَةَ؟ قَالَ: صَلَّى رَكْعَتَيْنِ (¬4). 2027 - حَدَّثَنا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبي الحَجّاجِ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - لَمّا قَدِمَ مَكَّةَ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ البَيْتَ وَفِيهِ الآلِهَةُ فَأَمَرَ بِها فَأُخْرِجَتْ قَالَ: فَأَخْرَجَ صُورَةَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَفي ¬

_ (¬1) رواه البخاري (505)، ومسلم (1329). (¬2) رواه البخاري (506). (¬3) رواه البخاري (468)، ومسلم (1329). (¬4) رواه أحمد 3/ 431، وابن خزيمة (3017). وصححه الألباني.

أَيْدِيهما الأَزْلامُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قاتَلَهُمُ اللهُ والله لَقَدْ عَلِمُوا ما اسْتَقْسَما بها قَطُّ". قَالَ: ثُمَّ دَخَلَ البَيْتَ فَكَبَّرَ في نَواحِيهِ وَفي زَواياهُ ثُمَّ خَرَجَ وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ (¬1). * * * باب في دخول الكعبة (¬2) [2023] (ثنا القعنبي، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل الكعبة) وهذا إنما كان عام الفتح كما جاء منصوصًا عليه في رواية، ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح محرمًا، فلا يستدل به على أن دخول البيت نسك في الحج والعمرة كما ذهب إليه بعضهم. قال القرطبي: وأما حديث حجة الوداع فليس في شيء منها تحقيق أنه - صلى الله عليه وسلم - دخل أم لا (¬3). وإذا قلنا: إنه ليس بنسك. فهو مستحب. (هو وأسامة بن زيد وعثمان بن طلحة) بن أبي طلحة (الحجبي) بفتح الحاء والجيم منسوب إلى حجابة الكعبة (¬4)، وهي ولايتها وفتحها وإغلاقها وخدمتها، ويقال له ولأقاربه: الحجبيون، واسم أبي طلحة عبد الله بن [عبد العزى] (¬5)، شهد مكة، ودفع النبي - صلى الله عليه وسلم - مفتاح الكعبة إليه وإلى (¬6) شيبة بن عثمان بن أبي طلحة، وقال: "خذوها يا بني ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1601)، ومسلم (1331). (¬2) في الأصول الخطية: مكة. خطأ. والمثبت من "سنن أبي داود". (¬3) "المفهم" 3/ 429. (¬4) سقط من (م). (¬5) في (م): عبد العزيز. (¬6) في (ر): أبي.

طلحة خالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم" (¬1). (وبلال) بن رباح (فأغلقها عليه) ليكون أسكن لقلبه وأجمع لخشوعه، ولئلا يجتمع عليه الناس ويزدحموا فينالهم ضرر، وفيه دليل على اختصاص السابق للمنفعة المشتركة بها، ومنعها ممن يخاف تشويشها عليه، وقيل: أغلقها لئلا يصلى بصلاته فتتخذ الصلاة فيها سنة (ومكث فيها) أي: للدعاء بعدما صلى. (قال عبد الله بن عمر: فسألت بلالًا حين خرج) من الكعبة: (ماذا صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وفي رواية البخاري عن ابن عمر: فلما فتحوا كنت أول من ولج، فلقيت بلالًا فسألته: هل صلى فيه (¬2) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم (¬3) (جعل عمودًا عن يساره، وعمودين (¬4) عن يمينه، وثلاثة أعمدة وراءه) وكذا في رواية البخاري، وفي "الموطأ" بمعناه (¬5)، وفي رواية لمسلم: جعل عمودين عن يساره وعمودًا عن يمينه (¬6)، وفي رواية البخاري: عمودًا عن يمينه، وعمودًا عن يساره (¬7). قال القرطبي: وظاهر هذا الاختلاف اضطراب، ويمكن أن يقال: إنه - صلى الله عليه وسلم - تكررت صلاته في تلك المواضع وإن كانت القصة واحدة؛ فإنه ¬

_ (¬1) "المعجم الكبير" للطبراني (11234). (¬2) من (م). (¬3) "صحيح البخاري" (1598). (¬4) في (م): عمودا. (¬5) "صحيح البخاري" (505)، و"الموطأ" (895). (¬6) "صحيح مسلم" (1329) (388). (¬7) "صحيح البخاري" (505).

- صلى الله عليه وسلم - مكث في الكعبة طويلًا (¬1). (وكان البيت يومئذٍ على ستة أعمدة) قال النووي: بناء مكة اليوم هو بناء الحجاج بن يوسف، هكذا كانت على زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أي: على ستة أعمدة (ثم صلى) (¬2) فيه، فيستحب لمن دخل الكعبة أن يكون حافيًا، وأن يقصد مصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والمراد بالصلاة الصلاة المعهودة ذات الركوع والسجود، ولهذا قال ابن عمر: نسيت أن أسأله: كم صلى؟ . [2024] (ثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق الأذرمي) بفتح الهمزة وسكون الذال المعجمة، وبعد الراء ميم [منسوب إلى أذرم، قرية من قرى عين أذرمة عند الموصل] (¬3). قال (ثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن مالك بهذا الحديث، ولم يذكر السواري) يعني: الأعمدة (وقال: ثم (¬4) صلى وبينه وبين القبلة ثلاثة أذرع) (¬5) وفي البخاري عن ابن عمر أنه كان إذا دخل الكعبة مشى قبل الوجه حين يدخل، ويجعل الباب قبل الظهر يمشي حتى يكون بينه وبين الجدار الذي قبل وجهه قريبًا من ثلاثة أذرع فيصلي يتوخي المكان الذي أخبره بلال أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى فيه (¬6). [2025] (ثنا عثمان بن أبي شيبة) قال: (ثنا أبو أسامة، عن عبيد الله) ¬

_ (¬1) "المفهم" 3/ 430. (¬2) "المفهم" 3/ 430. (¬3) سقط من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) أخرجه أحمد في "مسنده" 6/ 13، وابن حبان في "صحيحه" (3206). (¬6) "صحيح البخاري" (506).

بالتصغير (عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمعنى حديث القعنبي) المتقدم (وقال) فيه (ونسيت أن أسأله كم صلى) (¬1) فيه دليل على أن المراد بالصلاة ذات الركوع والسجود كما تقدم. [2026] (ثنا زهير بن حرب) بن شداد النسائي، قال (ثنا جرير) بالجيم كما تقدم (عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن صفوان) بن عبد الرحمن، قال ابن عبد البر: وأظنه عبد الرحمن بن صفوان بن قدامة (¬2) (قال: قلت لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: كيف صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين دخل الكعبة؟ ) شرفها الله تعالى (قال: صلى ركعتين) (¬3) فيه دليل (¬4) على ما تقدم عن القرطبي في الجمع بين الروايات أن صلاته تكررت (¬5). [2027] (ثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو بن أبي (¬6) الحجاج) ميسرة البصري، قال (ثنا عبد الوارث (¬7)، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - (¬8) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قدم مكة) شرفها الله تعالى (أبى أن ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2988)، ومسلم (1329) (389)، والنسائي في "المجتبى" 5/ 216، وأحمد 2/ 33. (¬2) "الاستيعاب" (1565). (¬3) انفرد أبو داود بهذا اللفظ، ومن طريقه أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 2/ 328، وأخرجه أحمد في "مسنده" 3/ 431 بزيادة في أوله. (¬4) في (ر): رد. (¬5) زاد في النسخ: باب الصلاة في الحجر. وهي زيادة مقحمة، وهو الباب الآتي. (¬6) من (م)، و"سنن أبي داود". (¬7) في (ر): عبد الرزاق. (¬8) زاد في (ر): عن أسامة. كما في الصحيح. وهي زيادة مقحمة.

يدخل البيت وفيه الآلهة) يعني: الأصنام التي كانت قريش تعبدها من دون الله تعالى، قال الداودي: وهذا كان عام الفتح سنة ثمانٍ حين فتح (¬1) مكة ودخلها بالسيف، وسبب عدم (¬2) دخوله [لما كان في البيت من الأصنام، ولم يكن المشركون يتركونه ليغيرها، وفيه أنه لا يجوز دخول] (¬3) الكنائس التي فيها الأصنام إلا إذا كان قادرًا على تغييرها. (فأمر بها فأخرجت، فأخرج) [بضم الهمزة] (¬4) وكسر الراء، رواية البخاري: فأخرجوا (¬5) (صورة إبراهيم وإسماعيل) عليهما السلام (وفي أيديهما الأزلام) واحدها زلم بفتح الزاي وضمها، وفتح اللام، وهي القداح، وهي أعواد كانت الجاهلية يتخذونها (¬6) ويكتبون في إحداها: افعل، وفي الأخرى: لا تفعل، ولا شيء في الآخر، فإذا أراد أحدهم سفرًا أو حاجة ألقاها وأخرج، فإن خرج افعل فعل، وإن خرج لا تفعل لم يفعل، وإن خرج الآخر أعاد الضرب حتى يخرج له افعل أو لا تفعل، وكانت القداح بيد قيم الأصنام وهو السادن، وكان إذا أراد أن يخرج القدح سأل الصنم أن يوضح له ما يعتمد عليه. (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قاتلهم الله) أي: لعنهم الله (والله لقد علموا ما استقسما) والاستقسام طلب معرفة ما قسم له وما لم يقسم بالأزلام، وكذا ¬

_ (¬1) في (ر): دخل. (¬2) من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) سقط من (م). (¬5) "صحيح البخاري" (1601). (¬6) في (م): ينحتوها.

معرفة ما أمر به وما نهي عنه، قال التيمي: يعني قاتل الله المشركين الذين صوروا صورة إبراهيم وإسماعيل، ونسبوا إليهما الضرب بالقداح وكانوا بريئين من ذلك، وإنما هو شيء أحدثه الكفار الذين غيروا دين إبراهيم وأحدثوا فيه أحداثًا (¬1). (بها) أي بالأزلام (قط) ظرف لاستغراق ما مضى. (قال: ثم دخل البيت) [بعد ذلك] (¬2) (فكبر في نواحيه.) فيه أنه يستحب لمن دخل البيت أن يكبر في نواحيه (¬3). ويدعو الله بالدعوات المهمة وشأنه حضور القلب والخشوع (و) كذا (في زواياه) جمع زاوية، اسم فاعل من زويته إذا جمعته (ثم خرج ولم يصل فيه). فإن قيل: تقدم في الحديث المتقدم أنه دخل البيت فصلى فيه، وفي هذا الحديث (¬4) أنه خرج ولم يصل؟ فالجواب: أن الحديث المتقدم مثبت، وهو مقدم على النافي كما تقرر في كتب الأصول، ولأن (¬5) بلالًا لما صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قريبًا منه فرآه، والمخبر في هذا الحديث (¬6) كان بعيدًا عنه مشتغلًا بالدعاء فلم يره، لا سيما والباب مغلق، وجمع ابن حبان بين الحديثين بأن حديث ابن عمر كان يوم الفتح، وحديث ابن عباس كان في حجة الوداع، وفيه نظر لما روى ابن أبي مليكة عن عائشة في الحديث ¬

_ (¬1) انظر: "عمدة القاري" 9/ 354 - 355. (¬2) من (م). (¬3) في (م): جوانبه. (¬4) من (م). (¬5) في (م): أن. (¬6) من (م).

الآتي، وجمع السهيلي (¬1) بوجه آخر وهو ما رواه الدارقطني من حديث يحيى بن جعدة [عن ابن عمر] (¬2) أنه دخلها يومًا فلم يصل، ودخلها من الغد فصلى (¬3). ولابن حبان نحوه (¬4). ¬

_ (¬1) "الروض الأنف" 4/ 104. (¬2) من (م). (¬3) "سنن الدارقطني" 2/ 51. (¬4) "صحيح ابن حبان" 7/ 483.

95 - باب الصلاة في الحجر

95 - باب الصلاة في الحِجْرِ 2028 - حَدَّثَنا القَعْنَبيُّ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّها قَالَتْ: كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَدْخُلَ البَيْتَ فَأُصَلّي فِيهِ فَأخَذَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدي فَأَدْخَلَني في الحِجْرِ فَقَالَ: "صَلّي في الحِجْرِ إِذَا أَرَدْتِ دُخُولَ البَيْتِ فَإِنَّما هُوَ قِطْعَةٌ مِنَ البَيْتِ فَإِنَّ قَوْمَكِ اقْتَصَرُوا حِينَ بَنَوُا الكَعْبَةَ فَأَخْرَجُوهُ مِنَ البَيْتِ" (¬1). 2029 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْد اللهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ إِسْماعِيلَ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ مِنْ عِنْدِها وَهُوَ مَسْرُورٌ ثُمَّ رَجَعَ إِلَي وَهوَ كَئِيبٌ فَقَالَ: "إِنّي دَخَلْتُ الكَعْبَةَ وَلَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْري ما اسْتَدْبَرْتُ ما دَخَلْتُها إِنّي أَخافُ أَنْ أَكُونَ قَدْ شَقَقْتُ عَلَى أُمَّتي" (¬2). 2030 - حَدَّثَنا ابن السَّرْحِ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَمُسَدَّدٌ قالُوا: حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ مَنْصُورٍ الحَجَبي حَدَّثَني خالي عَنْ أُمّي صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ الأَسْلَمِيَّةَ تَقُولُ قُلْتُ لِعُثْمانَ: ما قَالَ لَكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ دَعاكَ؟ قَالَ: "إِنّي نَسِيتُ أَنْ آمُرَكَ أَنْ تُخَمِّرَ القَرْنَيْنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ يَنْبَغي أَنْ يَكُونَ في البَيْتِ شَيء يَشْغَلُ المُصَليَ". قَالَ ابن السَّرْحِ: خالي مُسافِعُ بْنُ شَيْبَةَ (¬3). * * * باب الصلاة في الحجر [2028] (ثنا القعنبي) قال: (ثنا عبد العزيز) بن محمد الدراوردي (¬4) ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (876)، والنسائي 2/ 35، وأحمد 6/ 92. وقال الألباني: حسن صحيح. (¬2) رواه الترمذي (873)، وابن ماجه (3064)، وأحمد 6/ 137. (¬3) رواه أحمد 4/ 68. وصححه الألباني. (¬4) في (م): العسلي.

(عن علقمة) بن أبي علقمة واسمه بلال (عن أمه) واسمها مرجانة (عن عائشة أنها قالت: كنت أحب أن أدخل البيت فأصلي فيه) فيه دليل على أن الصلاة في الكعبة كانت معلومة عندهم للرجال والنساء (فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي) بكسر الدال (فأدخلني الحجر) بكسر الحاء، وحكى النووي فتحها (¬1)، سمي بذلك لاستدارته. فيه أنه يستحب للمرأة دخول الحجر، وهو أولى لها من دخول البيت بخلاف الرجل، لا سيما في هذا الزمان لما يحصل [في دخولها] (¬2) من المفاسد العظيمة، فنسأل الله العافية، فإذا كان مع الرجل امرأة من محارمه وأرادت دخول البيت فيستحب له أن يدخلها الحجر تأسيّا به - صلى الله عليه وسلم -. (فقال: صلّي) بإثبات ياء التأنيث آخره (في الحجر إذا أردت دخول البيت) فيه أن الصلاة في الحجر وفي البيت ليسا واجبين؛ إذ لو كانا واجبين لما علقهما بإرادتها (فإنما هو قطعة من البيت) [فيه استحباب الإكثار من دخوله الحجر والصلاة فيه والدعاء؛ لأنه من البيت أو بعضه] (¬3) وقد اختلف العلماء هل الحجر كله من البيت أو بعضه؟ وفيه (¬4) وجهان لأصحابنا، أصحهما أن بعضه المتصل بالبيت من البيت، والزائد ليس من البيت، واختلفوا في قدر البعض الذي هو من البيت، والأصح ستة أذرع (¬5)، وقيل: خمسة. (إن قومك) يعني: قريشًا (اقتصروا) أي: من البيت على بعضه (حين ¬

_ (¬1) "شرح مسلم" 10/ 26. (¬2) من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) و (¬5) من (م).

بنوا الكعبة) أي لما ضاقت بهم النفقة الطيبة التي تصلح للإنفاق في عمارته (فأخرجوه من البيت) وفيه دليل على أنه كان داخلًا في البيت قبل ذلك. [2029] (ثنا مسدد) قال (ثنا عبد الله بن داود) الخريبي الهمداني ثقة (¬1). (عن إسماعيل بن عبد الملك) بن أبي [الصفير بالفاء] (¬2) مصغر المكي، قال البخاري: يكتب حديثه. (عن عبد الله بن أبي مليكة) مؤذن ابن الزبير (عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج من عندها وهو مسرور) رواية الترمذي: وهو قرير العين طيب النفس (¬3) (ورجع إلي وهو كئيب) أي: حزين، كما في الترمذي، وزاد: فقلت له (فقال: إني دخلت الكعبة) واستدل صاحب "المهذب" (¬4) وغيره لاستحباب دخول البيت بحديث ابن عباس: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من دخل البيت دخل في حسنة وخرج من سيئة مغفورًا له" (¬5). رواه البيهقي وقال: انفرد به عبد الله بن مؤمل وهو ضعيف (¬6). (ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما دخلتها) أي: لو حصل لي هذا الحزن (¬7) والكآبة في هذا الأمر الذي حصل لي في الآخر بعد ¬

_ (¬1) انظر: "الكاشف" (2729). (¬2) في (م): الصغير بألف. (¬3) "جامع الترمذي" (873). (¬4) "المهذب" 1/ 233. (¬5) أخرجه ابن خزيمة (3013)، والطبراني في "المعجم الكبير" (11490). (¬6) "السنن الكبرى" للبيهقي 5/ 158. (¬7) في (ر): الأمر.

الدخول في الأول قبل (¬1) دخولها لما دخلتها، وفي رواية الترمذي: "وددت أني لم أكن فعلت إني أخاف أن أكون أتعبت أمتي من بعدي" (¬2). ثم قال: حديث حسن صحيح (¬3). قال البيهقي: كان هذا في حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - لا في الفتح، ولا في عمرته؛ لأنه عن عائشة، وعائشة لم تكن معه فيهما، وإنما لم يدخل في عمرته لما كان في البيت من الأصنام والصور، وكان غير متمكن من إزالتها، بخلاف عام الفتح، والله أعلم. (إنِّي أخاف أن أكون شققت (¬4) على أمتي) فيه دليل على جواز الاجتهاد له - صلى الله عليه وسلم - فيما لم يرد فيه نص، وفيه بيان ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه (¬5) من الرفق بأمته والشفقة عليهم، ودفع ما يشق عليهم. [2030] (ثنا سعيد بن منصور) بن شعبة الخراساني (ومسدد و) (¬6) أحمد بن عمرو (ابن (¬7) السرح) قال (أخبرنا [سفيان، عن] (¬8) منصور) ابن عبد الرحمن بن طلحة (الحجبي) بفتح الحاء والجيم كما تقدم، ¬

_ (¬1) في (م): قيد. (¬2) زاد في (ر): قد شققت علي. وهي زيادة مقحمة. (¬3) "جامع الترمذي" (873). (¬4) في (م): شقيت. (¬5) من (م). (¬6) في (ر): عن. (¬7) زاد في (ر): أبي. وهي زيادة مقحمة. وهو أحمد بن عمرو بن السرح، وانظر "تهذيب الكمال" 1/ 415. (¬8) في (ر): سعيد بن.

المكي (¬1)، قال (حدثني خالي) سيأتي اسمه (عن أمي صفية بنت شيبة) بن عثمان الحجبي، وقد اختلف في رؤيتها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقيل: إنها لم تره. (قالت (¬2): سمعت الأسلمية) هي امرأة من بني (¬3) سليم صحابية، قال ابن حجر: لم أقف على اسمها (¬4) (تقول: قلت لعثمان) [بن طلحة] (¬5) العبدري الحجبي (ما قال لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين دعاك) إليه؟ (قال: إني نسيت) فيه جواز النسيان على الأنبياء عليهم السلام (أن آمرك أن تخمر) بفتح الخاء أي تستر وتغطي (القرنين) يشبه أن يكون القرنان قرني الكبش الذي فدي به إسماعيل - عليه السلام -[(فإنه ليس ينبغي أن يكون في البيت) أي: العتيق، وفي معناه سائر بيوت الله المتخذة للصلاة فيها] (¬6) (شيء يشغل) بفتح أوله وثالثه (المصلي) فيه النهي عن ترك كل ما يشغل قلب المصلي برؤيته في سارية أو حائط أو مصلى من نقش وتزيين وغير ذلك مما (¬7) هو موجود في هذا الزمان من الملوك وغيرها كما جاء عن ابن عباس: لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى (¬8). وروى ابن ماجه عن عمر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما ساء (¬9) عمل قوم ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): قال. (¬3) من (م). (¬4) انظر "تقريب التهذيب" (8914). (¬5) و (¬6) سقط من (م). (¬7) في (م): كما. (¬8) أخرجه البخاري في "صحيحه" معلقًا (446)، وأبو داود في "سننه" (448). (¬9) في الأصول الخطية: فشا. والمثبت من "سنن ابن ماجه".

قط (¬1) إلا زخرفوا مساجدهم" (¬2). والمعنى أن اليهود والنصارى إنما زخرفوا المساجد عندما حرفوا وبدلوا وتركوا العمل بما في كتبهم، وذلك من شروط الساعة، ومما كثر فعله البسط المنقوشة التي يصلى عليها، وكذا السجادات، والعمر التي تلصق [في القبلة] (¬3)، وغير ذلك، ولهذا [رجح ابن عبد السلام] (¬4) تغميض العينين في الصلاة إذا كان في فتحهما ما يشوش عليه خشوعه وحضور قلبه مع ربه - سبحانه وتعالى -، قال الأذرعي بعد حكايته عنه: ولا سيما إذا كان تجاهه ما يلهي كتزويق الجدران كما امتحنا بكثرته في عصرنا. (قال ابن السرح (¬5): خالي) هو (مسافع بن شيبة) بن عثمان الحجبي. ¬

_ (¬1) في الأصول الخطية: لوط. والمثبت من "سنن ابن ماجه". (¬2) "سنن ابن ماجه" (741). (¬3) في (م): بالقبلة. (¬4) في (م): عليه السلام، وفي (ر): ابن سلام. والصواب المثبت، وانظر: "الغرر البهية" لزكريا الأنصاري 1/ 323، "مغني المحتاج" للخطيب الشربيني 1/ 390. (¬5) من (م).

96 - باب في مال الكعبة

96 - باب في مالِ الكَعْبَةِ 2031 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّدٍ المُحارِبيُّ، عَنِ الشَّيْباني، عَنْ واصِلٍ الأَحْدَبِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَن شَيْبَةَ - يَعْني: ابن عُثْمانَ - قَالَ: قَعَدَ عُمَرُ بْن الخَطّابِ - رضي الله عنه - في مَقْعَدِكَ الذي أَنْتَ فِيهِ فَقَالَ: لا أَخْرُجُ حَتَّى أَقْسِمَ مالَ الكَعْبَةِ. قَالَ: قُلْتُ: ما أَنْتَ بِفاعِلٍ. قَالَ: بَلَى لأفْعَلَنَّ. قَالَ: قُلْتُ: ما أَنْتَ بِفاعِلٍ. قَالَ: لِمَ؟ قُلْتُ: لأَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ رَأى مَكانَهُ وَأَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - وَهُما أَحْوَجُ مِنْكَ إِلَى المالِ فَلَمْ يُخْرِجاهُ. فَقَامَ فَخَرَجَ (¬1). 2032 - حَدَّثَنا حامِدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ الحارِثِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ إِنْسانٍ الطّائِفيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: لَمّا أَقْبَلْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ لِيَّةَ حَتَّى إِذَا كُنّا عِنْدَ السِّدْرَةِ وَقَفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في طَرَفِ القَرْنِ الأَسْوَدِ حَذْوَها فاسْتَقْبَلَ نَخِبًا بِبَصَرِهِ وقَالَ مَرَّةً: وادِيَهُ وَوَقَفَ حَتَّى اتَّقَفَ النّاسُ كُلُّهُمْ ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ صَيْدَ وَجِّ وَعِضاهَهُ حَرامٌ مُحَرَّمٌ لله". وَذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِهِ الطّائِفَ وَحِصارِهِ لِثَقِيفٍ (¬2). * * * باب في مال الكعبة [2031] (ثنا أحمد بن حنبل) قال (ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي) أبو محمد، وكان [حافظًا يغرب] (¬3) (عن) سليمان بن أبي ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (3116). ورواه البخاري (1594، 7275) بنحوه. (¬2) رواه أحمد 1/ 165، والبيهقي 5/ 200. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (348). (¬3) في (ر): حافظ العرب.

سليمان (الشيباني، عن واصل الأحدب، عن شقيق) بن سلمة (عن شيبة. يعني ابن عثمان) العبدري (قال: قعد عمر بن الخطاب) رواه ابن ماجه وأوله عن شقيق قال: بعث معي رجل بدراهم هدية (¬1) إلى البيت [قال: فدخلت البيت] (¬2) وشيبة جالس على كرسي، فناولته إياها، فقال: ألك هذِه؟ قلت: لا، ولو كانت لي لم آتك بها. قال: أما لئن قلت ذاك، لقد جلس عمر بن الخطاب (¬3). (في مقعدك الذي أنت فيه فقال: لا أخرج حتى أقسم) بفتح الهمزة وكسر السين (مال الكعبة) زاد ابن ماجه: بين فقراء (¬4) المسلمين. ورواية (¬5) البخاري في كتاب الاعتصام: جلس إلي عمر في مجلسك (¬6) هذا، فقال: هممت أن لا أدع هنا (¬7) صفراء ولا بيضاء إلا قسمتها بين المسلمين (¬8). وذكره في الحج في باب كسوة الكعبة، فقال شيبة: إن صاحبيك لم يفعلا. فقال: هما المرآن أقتدي بهما (¬9). والمعنى: أن عمر لما رأى ما (¬10) في الكعبة من الذهب والفضة لا ¬

_ (¬1) في (م): هندية. (¬2) سقط من (ر). (¬3) "سنن ابن ماجه" (3116). (¬4) من (م)، و"سنن ابن ماجه". (¬5) في (ر): رواه. (¬6) زاد في (ر): فقرأ. وهي زيادة مقحمة. (¬7) في (م): ها هنا. (¬8) "صحيح البخاري" (7275). (¬9) "صحيح البخاري" (1594). (¬10) سقط من (م).

تحتاج إليه الكعبة لكثرته، فأراد أن ينفق ما فضل عن ذلك إلى أهل الحاجة من فقراء المسلمين. (قلت (¬1): ما أنت بفاعل. قال: بلى، لأفعلن (¬2). قلت (¬3): ما أنت بفاعل. قال: لم) ذاك؟ (قلت (¬4): لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد رأى مكانه) أي: وعلم به (وأبو بكر وهما أحوج منك إلى المال فلم يحركاه) [نسخة: يخرجاه] (¬5) (فقام) لما رأى شيبة ذكره بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر لم يتعرضا له لم يسعه خلافهما، ورأى أن الاقتداء بهما واجبًا، فربما تهدم البيت، أو [نقض شيء] (¬6) من الأبنية فيصرف ذلك المال فيه، ولو صرف ذلك في منافع المسلمين لكان كأنه قد أخرجه عن وجهه الذي سبل فيه؛ لأن ما جعل للكعبة و [سيق إليها] (¬7) يجري مجرى الأوقاف، ولا يجوز تغيير الأوقاف عن وجوهها، ولا صرفها في غير طرقها، وفي ذلك تعظيم حرمة الإسلام (فخرج) عمر ورجع عما كان هم به. [2032] (ثنا حامد بن يحيى) بن هانئ البلخي، قال (ثنا عبد الله بن الحارث) هو المخزومي المكي (عن محمد بن عبد الله بن إنسان الطائفي) ¬

_ (¬1) في (م): قال. (¬2) سقط من (م). (¬3) في (م): قال. (¬4) في (م): قال. (¬5) من (ر). (¬6) في (ر): بعض ذلك. (¬7) في (م): سُبل لها.

وأثني عليه خيرًا (¬1) (عن أبيه) عبد الله (¬2) (عن عروة بن الزبير، عن الزبير) ابن العوام القرشي (قال: لما أقبلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من لِيَّة) بكسر اللام وتشديد الياء المثناة تحت، قال الزمخشري: وادٍ أعلاه لثقيف وأسفله لمضر (¬3). وهو قبل الطائف كثير السدر، لية موضع، قال ابن مقبل (¬4): أمست (¬5) بأذرع أكباد فحم لها ... ركب بلية أو ركب بسايونا (¬6) وسايون بالسين المهملة والياء المثناة تحت على وزن فاعول اسم إلى جانب لية. (حتى إذا كنا بالسدرة) (¬7) قال البكري: الشجرة التي أحرم منها النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقرب من مزارع أبي هريرة على (¬8) طريق مكة (¬9) (وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طرف) بفتح الراء. أي: آخر (القرن الأسود) والقرن بإسكان الراء جبل صغير يشرف على وهدة، ووج (¬10) ذكروا أنه من ناحية الطائف (¬11). ¬

_ (¬1) كما في رواية أحمد 1/ 165. (¬2) في (م): عبيد الله. (¬3) "الجبال والأمكنة والمياه" للزمخشري (لية). (¬4) في (م): نفيل. (¬5) في (م): أمسست. (¬6) "معجم ما استعجم" 3/ 7، 4/ 50. (¬7) في (م): عند السدرة. (¬8) سقط من (م). (¬9) انظر "معجم ما استعجم" 4/ 169 - 170. (¬10) سقط من (م). (¬11) "معالم السنن" المطبوع مع "مختصر السنن" 2/ 441.

قال أبو حنيفة: هو على طريق من أنجد من حاج اليمن، قال الشاعر: لا تقمرن [على قرن] (¬1) وليلته ... لا إن رضيت ولا إن كنت مغتضبًا قال في "المحكم": أقمر: ارتقب طلوع القمر (¬2). (حذوها) (¬3) بفتح الحاء المهملة ونصب الواو على الظرفية، أي: مقابل السدرة. (فاستقبل نخبًا) بضم النون وإسكان الخاء المعجمة على الأصح، وفي بعض النسخ بفتح النون، [قال المنذر في: نخب بفتح الخاء المعجمة ثم باء موحدة، قيل: وادٍ. . . (¬4)] (¬5) قال الزمخشري: هو وادٍ من الطائف على ساعة (¬6) (¬7)، وقد ذكره أبو ذؤيب في شعره، قال يذكر طيبة: يعن لها (¬8) بالجزع من نخب النجل (ببصره وقال مرة: واديه) أي: استقبل واديه بدل نخبًا (ووقف) هناك (حتى اتقف) بتشديد التاء المثناة والقاف والفاء (¬9) المفتوحتين. أي (¬10) ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "المحكم والمحيط" (مقلوبة ق م ر). (¬3) في (م): حدودها. (¬4) بياض في (ر). (¬5) سقط من (م). (¬6) في (م): ساعدة. (¬7) "الجبال والأمكنة والمياه" (النخب). (¬8) في (ر): تعدله. (¬9) سقط من (م). (¬10) سقط من (م).

وقفوا (الناس كلهم) فيه دليل أن أمير الجيش أو كبير القوم إذا كان سائرًا أو ماشيًا في غير السفر فوقف يقف الناس لوقوفه، لا سيما إذا كانوا في نسك؛ فإنه لم يقف ولا أتبع بصره الشيء إلا لحكمة، ولعله ما وقف وأتبع بصره إلا ليرى صيدًا أو شجرة، فيعلمهم بحكمه (¬1) ليكون أبلغ في التعريف. (ثم قال: إن صيد وج) بفتح الواو وتشديد الجيم أرض الطائف عند أهل اللغة، وقال أصحابنا: هو وادٍ بالطائف، وقيل: كل الطائف، وسمي وجّا بوج بن عبد الحي من العمالقة، ويقال: وج وأج بالهمزة، وقال الحازمي: في "المؤتلف والمختلف" في الأماكن: وج اسم لحصون الطائف، وقيل: لواحد منها، وربما اشتبه وج بوح بالحاء المهملة وهي ناحية بعمان (¬2). قال الشافعي في "الإملاء": أكره صيد وج، وللأصحاب فيه طريقان، أصحهما وهو الذي أورده الجمهور القطع بتحريمه، قالوا: ومراد الشافعي بالكراهة كراهة التحريم (¬3). (وعضاهه) بكسر العين، قال الجوهري: العضاه كل شجر يعظم وله شوك (¬4). وهو على ضربين: خالص وغير خالص، فالخالص كالغرف والطلح (¬5) والسلم والشمر والسدر والعوسج، وما ليس بخالص كالشوحط والنبع والسراء، وما صغر من شجر الشوك فهو العض يعني ¬

_ (¬1) في (ر): الحكمة. (¬2) "الأماكن" للحازمي (باب وج، ووح). (¬3) "المجموع" 7/ 483. (¬4) "الصحاح" (عضا). (¬5) بياض في (ر).

بتشديد الضاد المعجمة، وواحد العضاه عضاهة وعضهة (¬1) وعضة [بوزن عدة بحذف الهاء الأصلية كما حذف من الشفة ونقصانها الهاء (¬2)؛ لأنها تجمع على عضاه] (¬3) فتزاد الهاء في الجمع والتصغير، فيقال: عضيهة (¬4). (حرم) بفتح الحاء والراء كقولهم (¬5): زمن وزمان (محرم لله) تعالى تأكيد للحرمة، وقد روى البندنيجي عن نص الشافعي في "الإملاء" أن الشجر كالصيد، فعلى الأصح يحرم ما اصطيد منه أو احتش (¬6) أو احتطب، وفيه طريقان: أصحهما، وهو قول الجمهور أنه يأثم ويؤدبه الحاكم على فعله، ولا يلزمه شيء؛ لأن الأصل عدم الضمان إلا فيما ورد الشرع، ولم يرد في هذا شيء، والطريق الثاني حكمه في الضمان حكم المدينة وشجرها، وفي وجوب الضمان فيه خلاف (¬7). وفي ماذا يضمن؟ قيل: سلب القاتل لمن أخذه، قال الخطابي: ولست أعلم لتحريمه معنى إلا أن يكون ذلك على سبيل الحمى لنوع من منافع المسلمين، وقد يحتمل أن يكون ذلك التحريم إنما كان في وقت معلوم إلى مدة محصورة ثم نسخ، ويدل على ذلك التحريم قوله (وذلك قبل نزوله الطائف) (¬8) سمي بذلك لأن رجلًا أصاب دمًا في قومه بحضرموت ¬

_ (¬1) في (ر): عضيهة. (¬2) سقط من (م). (¬3) تقدمت هذِه العبارة في (م). (¬4) في (ر): عضهة. (¬5) في (م): الحرام. (¬6) في (م): حش. (¬7) "المجموع" 7/ 484 - 485. (¬8) "مختصر سنن أبي داود" المطبوع معها "معالم السنن" 2/ 442.

فخرج هاربًا حتى نزل برج، وكان له مال عظيم، فقال لهم: هل لكم في أن أبني طوفًا عليكم يكون عليكم (¬1) ردءًا من العرب، فقالوا: نعم، فبناه وهو الحائط المطيف به (¬2) (وحصاره ثقيفًا) [رواية: لثقيف] (¬3) وكانت غزوة الطائف في سنة ثمان. تنبيه: هذا الحديث سكت عليه المصنف وحسنه الترمذي (¬4)، ورواه البيهقي، وذكر الذهبي أن الشافعي صححه (¬5)، وذكر النووي أن البخاري قال في "صحيحه": لا يصح. وأراد به "تاريخه" (¬6)؛ فإنه ذكر ذلك في ترجمة عبد الله بن إنسان (¬7)، وإلا فالبخاري لم يتعرض لهذا في "صحيحه". ¬

_ (¬1) ساقطة من (م)، وفي "المشارق": لكم. (¬2) "مشارق الأنوار" 1/ 327. (¬3) من (ر). (¬4) لم يخرجه الترمذي أصلًا ولم يحسنه. وقال الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" 2/ 532: حسنه المنذري. وهو خطأ أيضًا؛ لأن المنذري قال في "مختصر السنن" 2/ 442: لا يصح. (¬5) انظر: "التلخيص الحبير" 2/ 532. (¬6) "التاريخ الكبير" 5/ 45. (¬7) في الأصول الخطية: سنان. والمثبت من "التاريخ الكبير".

97 - باب في إتيان المدينة

97 - باب في إِتْيانِ المَدِينَةِ 2033 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَساجِدَ مَسْجِدِ الحَرامِ وَمَسْجِدي هذا والمَسْجِدِ الأَقْصَى" (¬1). * * * باب إتيان المدينة [2033] (ثنا مسدد) قال: (ثنا سفيان، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تشد الرحال) هو كناية عن السفر البعيد، وقد فسر هذا الحديث (¬2) في رواية في (¬3) الصحيح: "إنما يسافر" (¬4) (إلا إلى ثلاثة مساجد) وإنما خص هذِه المساجد لفضلها على سائر المساجد؛ لكونها مساجد الأنبياء، ولفضل الصلاة فيها، وثلاث مساجد من إضافة الصفة (¬5) إلى الموصوف، وفيه فضيلة شد الرحال إليها؛ لأن معناه عند الجمهور: [لا فضيلة] (¬6) في شد الرحال [إلى مسجد غيرها (¬7). قال الشيخ أبو ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1189)، ومسلم (1397). (¬2) سقط من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) "صحيح مسلم" (1397) (513). (¬5) في (ر): الموصوف. (¬6) في (م): الأفضلية. (¬7) في (م): وغيره. والمثبت من "شرح النووي".

محمد الجويني من أصحابنا: يحرم شد الرحال] (¬1) إلى غيرها، قال النووي: وهو غلط (¬2). والذي اختاره إمام الحرمين والمحققون أنه لا يحرم ولا يكره إعمال المطي إلى غير المساجد الثلاثة، كالذهاب إلى قبور الصالحين وإلى المواضع المعروفة بالفضل وغير ذلك (¬3). (المسجد الحرام) سمي بذلك لتحريم ما حوله، فلا يصاد صيده، ولا يقطع شجره، وعمر أول من وسعه بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأول من بنى له جدارًا ثم وسعه عثمان، واتخذ له الأزوقة (ومسجدي هذا) [يحتمل أنه قاله] (¬4) حين كان فيه، وكان (¬5) في زمنه - عليه السلام -[سبعين ذراعًا في ستين ذراعًا] (¬6)، قال أهل السير: بناه النبي - صلى الله عليه وسلم - مرتين بناه حين قدم [من مكة أقل] (¬7) من مائة في مائة، فلما فتح الله عليه خيبر بناه وزاد عليه في الدور (والمسجد الأقصى) وهو بيت المقدس باتفاق العلماء، سمي بذلك لبعد ما بينه وبين المسجد الحرام. ¬

_ (¬1) من (م)، و"شرح النووي". (¬2) شرح النووي" 9/ 168. (¬3) "شرح النووي" 9/ 106. (¬4) في (م): يدل على هذا أنه قال هذا. (¬5) سقط من (م). (¬6) في (ر): 70 في 20. (¬7) في (م): أهل.

98 - باب في تحريم المدينة

98 - باب في تَحْرِيمِ المَدِينَةِ 2034 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْراهِيمَ التَّيْميِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلي - رضي الله عنه - قَالَ: ما كَتَبْنا عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا القُرْآنَ وَما في هذِه الصَّحِيفَةِ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "المَدِينَةُ حَرامٌ ما بَيْنَ عائِرٍ إِلَى ثَوْرٍ فَمَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْ آوى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ والمَلائِكَةِ والنّاسِ أَجْمَعِينَ لا يُقْبَلُ مِنْهُ عَدْلٌ وَلا صَرْفٌ وَذِمَّةُ المُسْلِمِينَ واحِدَةٌ يَسْعَى بِها أَدْناهُمْ فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ والمَلاِئكَةِ والنّاسِ أَجْمَعِينَ لا يُقْبَلُ مِنْهُ عَدْلٌ وَلا صَرْفٌ وَمَنْ والَى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ والمَلائِكَةِ والنّاسِ أَجْمَعِينَ لا يُقْبَلُ مِنْهُ عَدْلٌ وَلا صَرْفٌ" (¬1). 2035 - حَدَّثَنا ابن المُثَنَّى، حَدَّثَنا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنا هَمّامٌ، حَدَّثَنا قَتادَةُ، عَنْ أَبي حَسّانَ، عَنْ عَلي - رضي الله عنه - في هذِه القِصَّةِ عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا يُخْتَلَى خَلاها وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُها وَلا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُها إلَّا لِمَنْ أَشادَ بِها وَلا يَصْلُحُ لِرَجُلٍ أَنْ يَحْمِلَ فِيها السِّلاحَ لِقِتالٍ وَلا يَصْلُحُ أَنْ يُقْطَعَ مِنْها شَجَرَةٌ إلَّا أَنْ يَعْلِفَ رَجُلٌ بَعِيرَهُ" (¬2). 2036 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ الحُبابِ حَدَّثَهُمْ، حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْن كِنانَةَ مَوْلَى عُثْمانَ بْنِ عَفّانَ، أَخْبَرَنا عَبْد اللهِ بْن أَبي سُفْيانَ، عَنْ عَدي بْنِ زَيْدٍ قَالَ: حَمَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كُلَّ ناحِيَةٍ مِنَ المَدِينَةِ بَرِيدًا بَرِيدًا لا يُخْبَطُ شَجَرُهُ وَلا يُعْضَدُ إِلَّا ما يُساق بِهِ الجَمَلُ (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1870، 3172، 3179)، ومسلم (1370). (¬2) رواه أحمد 1/ 119، 122. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1774). (¬3) رواه الطبراني 17/ (272). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1774/ م).

2037 - حَدَّثَنا أَبُو سَلَمَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ - يَعْني: ابن حازِمٍ - حَدَّثَني يَعْلَى بْنُ حَكيمٍ، عَن سُلَيْمانَ بْنِ أَبي عَبْدِ اللهِ قَالَ: رَأَيْتُ سَعْدَ بْنَ أَبي وَقّاصٍ أَخَذَ رَجُلًا يَصِيدُ في حَرَمِ المَدِينَةِ الذي حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَلَبَهُ ثِيابَهُ فَجاءَ مَوالِيهِ فَكلَّمُوهُ فِيهِ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَرَّمَ هذا الحَرَمَ وقَالَ: "مَنْ وَجَدَ أَحَدًا يَصِيدُ فِيهِ فَلْيَسْلُبْهُ ثِيابَهُ". فَلا أَرُدُّ عَلَيْكُمْ طُعْمَةً أَطْعَمَنِيها رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ولكن إِنْ شِئْتُمْ دَفَعْتُ إِلَيْكُمْ ثَمَنَهُ (¬1). 2038 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ أَخْبَرَنا ابن أَبي ذِئْبٍ، عَن صالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ عَنْ مَوْلًى لِسَعْدٍ أَنَّ سَعْدًا وَجَدَ عَبِيدًا مِنْ عَبِيدِ المَدِينَةِ يَقْطَعونَ مِنْ شَجَرِ المَدِينَةِ فَأَخَذَ مَتاعَهُمْ وقَالَ - يَعْني لِمَوالِيهِمْ - سَمِعْت رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَى أَنْ يُقْطَعَ مِنْ شَجَرِ المَدِينَةِ شَيء وقَالَ: "مَنْ قَطَعَ مِنْهُ شَيْئًا فَلِمَنْ أَخَذَهُ سَلَبُهُ" (¬2). 2039 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ حَفْصٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ القَطّانُ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ خالِدٍ أَخْبَرَني خارِجَةُ بْنُ الحارِثِ الجُهَني أَخْبَرَني أَبي عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا يُخْبَطُ وَلا يُعْضَدُ حِمَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن يُهَشُّ هَشّا رَفِيقًا" (¬3). 2040 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى ح وَحَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، عَنِ ابن نُمَيْرٍ، عَن عُبَيْدِ اللهِ عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَأْتي قُباءً ماشِيًا وَراكِبًا زادَ ابن نُمَيْرٍ وَيُصَلّي رَكْعَتَيْنِ (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 170، والبيهقي 5/ 199. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1775). (¬2) رواه مسلم (1364) بنحوه. (¬3) رواه البيهقي 5/ 200. ورواه مسلم (1362) بنحوه. (¬4) رواه البخاري (1191، 1194)، ومسلم (1399).

باب تحريم المدينة وغير ذلك [2034] (ثنا محمد بن كثير العبدي) قال (ثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي) بن (¬1) يزيد بن شريك التيمي من تيم (¬2) الرباب بكسر الراء وتخفيف الباء الأولى، [كوفي تابعي] (¬3) مات في حبس الحجاج سنة 92 (¬4) (عن أبيه) يزيد بن شريك [(عن علي - رضي الله عنه -] (¬5) قال: ما كتبنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا) أي (¬6): من أحكام الشريعة (إلا القرآن وما في هذِه الصحيفة) فيه تصريح من علي بإبطال ما زعمته الرافضة والشيعة من قولهم أن عليًّا أوصى إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - من كنوز الشريعة، وأنه خص أهل البيت بما لم يطلع عليه غيرهم. فإن قلت: ليس الحكم منحصرًا فيهما؛ إذ عندهم من السنة كثير، فالجواب: المراد عندهم كثير من السنة، لكنه غير مكتوب؛ إذ لم تكن السنة في ذلك الوقت [مكتوبة في الكتب مدونة في الدواوين كما هو الآن، ولم يكن عندهم في ذلك الوقت] (¬7) مكتوب من السنة إلا ما في هذِه (¬8) الصحيفة. فإن قلت: معلوم أن في الصحيفة العقل (¬9) وفكاك الأسير، وليس هو مذكور هنا. ¬

_ (¬1) سقط من (م). (¬2) في (م): تميم. (¬3) من (م). (¬4) في (م): اثنتين وسبعين. (¬5) و (¬6) و (¬7) و (¬8) و (¬9) سقط من (م).

قلت: لا منافاة بينهما (¬1)؛ لجواز كون الكل فيها. (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: المدينة حرام ما بين عائر إلى ثور) كذا رواية البخاري (¬2)، ورواية (¬3) مسلم: "ما بين عير إلى ثور" (¬4) بالعين المهملة والياء المثناة تحت. قال مصعب الزبيري وغيره: ليس بالمدينة عير ولا ثور. قالوا: وإنما ثور بمكة، وكذا عير. قال القاضي عياض: أكثر رواة البخاري ذكروا (عير)، وأما (ثور) فمنهم من كنى عنه بكذا (¬5). ومنهم من ترك مكانه بياضًا؛ لأنهم اعتقدوا أن ذكر ثور خطأ؛ إذ ليس في المدينة موضعًا يسمى ثورًا (¬6). وقال بعضهم: الصحيح بدل أحد. قال [النووي: يحتمل أن ثورًا كان اسمًا لجبل هناك إما أحد، وإما غيره (¬7)، فخفي اسمه (¬8). قال الطيبي: المراد أن حرم المدينة] (¬9) قدر ما بين عير وثور من حرم مكة بتقدير حذف المضاف (¬10). (من أحدث) منكم (¬11) (حدثًا) أي عمل فيه بخلاف السنة منكم، (أو ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "صحيح البخاري" (1870، 1379). (¬3) من (م). (¬4) "صحيح مسلم" (1370). (¬5) في (م): بلفظ كذا. (¬6) "مشارق الأنوار" 1/ 136. (¬7) في الأصول الخطية: عير. والمثبت من "شرح النووي". (¬8) "شرح النووي" 9/ 143. (¬9) سقط من (ر). (¬10) في (ر): الكاف. (¬11) من (م).

آوى) بالقصر والمد في الفعل اللازم والمتعدي جميعًا، لكن القصر في اللازم والمد في المتعدي أشهر (محدثًا) بكسر الدال. يعني: من ضم إليه من ظلم أو [اعتدى ظلمًا] (¬1)، وحكى المازري (¬2) فتح الدال على معنى أوجد الإحداث نفسه فيها، ومن كسر أراد فاعل الحدث. [(فعليه لعنة الله) هذِه الجملة الإسمية خبر لقوله: (من) والأحسن أن تكون لعنة فاعلًا بالمجرور الذي هو قوله (عليه) لكونه قد اعتمد لكونه خبرًا بذي خبر، فرفع ما بعده على الفاعلية لكونه قد أخبرت عنه بمفرد، بخلاف الإعراب الأول، فإنك أخبرت عنه بالجملة، والمعنى أن عليه اللعنة المستقرة من الله على الكفار، فأضيف إلى الله على سبيل التخصيص لا على سبيل الحدوث] (¬3) (والملائكة) ثنى بلعنة الملائكة لما في النفوس من عظم شأنهم وعلو مرتبتهم (والناس أجمعين) ثم ثلَّث بالناس لأنهم من جنسهم؛ فإن الإنسان يشق عليه إذا فاجأه مساويه بالمكروه، فهو أشق عليه من صدوره من أعلى منه (لا يقبل) بضم أوله وفتح ثالثه (منه عدل) بفتح العين (ولا صرف) العدل: الفدية، والصرف: التوبة، قاله الأصمعي، وقيل: الصرف: الفريضة، والعدل: التطوع، وعكس ذلك الحسن (¬4). وفي هذا وعيد شديد، وقد أستدلوا به على أنه من الكبائر. ¬

_ (¬1) في (م): عال ظالمًا. (¬2) في (ر): الماوردي. (¬3) سقط من (م). (¬4) "شرح النووي" 9/ 141.

(ومن والى قومًا) رواية البخاري: "تولى قومًا" (¬1) أي: اتخذهم أولياء له لغرض دنيا أو غيرها (بغير إذن مواليه) ليس هذا لتقييد الحكم بعدم الإذن وقصره (¬2) عليه، وإنما المراد به إيراد الكلام على ما هو الغالب، وهذا صريح في تعظيم (¬3) إثم من انتمى إلى غير أبيه، أو انتمى العتيق إلى غير معتقه، وفي معنى ذلك إذا انتمى المتعلم إلى غير من علمه؛ لكونه أعلى مرتبة ممن علمه أو غير ذلك؛ لما فيه من كفر النعمة وتضييع حقوق الإرث (¬4) والولاء والعقل وغير ذلك [مع ما فيه من] (¬5) قطيعة الرحم والعقوق (لا يقبل منه صرف ولا عدل) أي: لا يقبل منه الفريضة والنافلة قبول رضى ومحبة، وإن قبل منه لحصول الأجر والثواب. [2035] (ثنا) محمد (ابن المثني) قال (ثنا عبد الصمد) قال (ثنا همام) قال (ثنا قتادة، عن أبي حسان) مسلم الأجرد الأعرج يعد في البصريين. (عن علي في هذِه القصة) وفيها (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (¬6): لا يختلى خلاها) أي: لا يقطع حشيشها كما تقدم (ولا ينفر صيدها) أعلم أن الله تعالى اختص الحرم من أرض مكة والمدينة بأحكام لا يشاركه غيره من البلاد فيها، وهي مذكورة في أبوابها، منها أنه يحرم أخذ الصيد ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (1870). (¬2) من (م). (¬3) سقط من (م). (¬4) في (ر): الأدب. (¬5) في (ر): مما فيه. (¬6) من (م).

منه وتنفيره، والثاني: يحرم قطع شجره وكلئه على جميع الناس، أهل الحرم وغيرهم. (ولا تلتقط لقطتها) (¬1) هذا هو الثالث أنه لا يحل لقطته للتملك على المذهب (إلا لمن أشاد بها) أي: رفع صوته بتعريفها أبدًا لا سنة كما في غيرها (ولا يصلح (¬2) لرجل أن يحمل فيها السلاح) ولا يشهره فيها (لقتال) ولا محاربة، وهذا محمول عند أهل العلم على حمل السلاح لغير ضرورة ولا حاجة؛ فإن كان لحاجة جاز (ولا يصلح أن يقطع منها شجرة) فيه حجة لمذهب الشافعي والجمهور أن قطع شجر المدينة حرام، وهو قول أحمد ومالك خلافًا لأبي حنيفة (¬3). فإن قطع فلا ضمان عليه عند الشافعي ومالك؛ لأنه ليس بمحل النسك، فأشبه الحمى (¬4) (إلا أن يعلف رجل بعيره) قال النووي: العلف بفتح اللام اسم [للحشيش و] (¬5) التبن ونحوها، وفيه [دليل على] (¬6) جواز أخذ الأشجار للعلف، بخلاف قطع الأغصان وخبطها فإنه حرام (¬7). [2036] [(ثنا محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني (أن زيد (¬8) بن ¬

_ (¬1) في (م): لقيطها. (¬2) في (ر): يحل. (¬3) "الحاوي الكبير" 4/ 327، وانظر "المغني" 5/ 190، و"المدونة" 1/ 456. بمعناه، وانظر: "حاشية ابن عابدين" 2/ 626. (¬4) "الشرح الكبير" 3/ 521 - 522، وانظر "المدونة" 1/ 456. (¬5) في (ر): للجنس في. (¬6) سقط من (م). (¬7) "شرح النووي" 9/ 147 - 148. (¬8) في (م): يزيد.

الحباب) بضم الحاء المهملة وتكرير الباء الموحدة المخففة (حدثهم) قال (ثنا سليمان بن كنانة مولى عثمان بن عفان) قال (أخبرني عبد الله بن أبي سفيان) قال الذهبي: لا يعرف عدي إلا بهذا الحديث، وما ندري من عبد الله في خلق الله. تفرد عنه سليمان بن كنانة وما هو بالمشهور (¬1). وهو عجيب منه، قال في "الكاشف": عبد الله بن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد، عن أبيه، وعدي الحداني، وعنه ابن إسحاق وإبراهيم بن أبي يحيى وعدة، وثق (¬2). (عن عدي بن زيد) (¬3) الجذامي، قال ابن الأثير: يذكر في الوحدان، مختلف في إسناد حديثه (¬4) [قال الذهبي: روى عنه داود بن الحصين وغيره (¬5)] (¬6). (قال: حمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كل (¬7) ناحية من المدينة بريدًا) بفتح الباء أوله (بريدًا) والبريد أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، وهو موافق لما في الصحيحين من رواية أبي هريرة قال: حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بين لابتي المدينة، وجعل اثني عشر ميلًا حول المدينة حمى (¬8). وعند الأزهري: ¬

_ (¬1) "ميزان الاعتدال" 2/ 430. (¬2) "الكاشف" للذهبي 2/ 92. (¬3) في (م): يزيد. (¬4) "أسد الغابة" 4/ 11. (¬5) "الكاشف" (3813). (¬6) سقط من (م). (¬7) في (م): ظهرنا. (¬8) "صحيح مسلم" (1372) (472).

الميل عند العرب مقدار مد البصر من الأرض (¬1)، وقال الجيلي: الميل اثنا عشر ألف قدم وأربعة آلاف خطوة وستة آلاف ذراع بذراع اليد، والذراع أربعة وعشرون إصبعًا، والإصبع ست شعيرات مضمومة بعضها إلى بعض، والشعيرة ست شعرات من شعر البرذون. (لا يخبط شجره) أي: لا يضرب بعضها ليسقط ورقه (ولا يعضد) أي: يقطع كما تقدم (إلا ما يساق به الجمل) أي: ما يقطع منه إلا ما تدعو الحاجة إليه كالقضيب الذي يساق به الجمل، والرحل الذي يوضع على ظهره، ويوضحه ما رواه الإمام أحمد عن جابر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أتى المدينة قالوا: يا رسول الله، إنا أصحاب عمل وأصحاب نضح، وإنا لا نستطيع أرضًا غير أرضنا فرخص لنا، فقال: "القائمتان والوسادة والعارضة والمسد، فأما غير ذلك فلا يعضد ولا يخبط منها شيء". قال خارجة: المسد (¬2) مرود البكرة واستثنى ذلك وجعله مباحًا كالإذخر (¬3). [2037] (ثنا أبو سلمة موسى) بن إسماعيل المقرئ، قال: (ثنا جرير) بفتح الجيم (يعني: ابن حازم) بالحاء المهملة والزاي، قال: (حدثني يعلى بن حكيم) الثقفي ثقة (¬4). (عن سليمان بن أبي عبد الله) قال الذهبي: تابعي وثق (¬5) (قال: رأيت ¬

_ (¬1) "تهذيب اللغة" (مال). (¬2) في (ر): السيد. (¬3) انظر: "المغني" 5/ 193، والحديث رواه الطبراني في "الأوسط" (3775). (¬4) انظر: "الكاشف" 3/ 295. (¬5) "الكاشف" (2128).

سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - أخذ رجلًا يصيد في المدينة) صيدًا في المكان (الذي حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) الصيد منها، وهو ما بين جبليها طولًا، وما بين لابتيها عرضًا (فسلبه ثيابه) أي أخذ ما عليه من الثياب، وفي هذا دلالة لقول الشافعي في القديم: إن من صاد في حرم المدينة أو قطع من شجرها أخذ سلبه (¬1). وبهذا قال سعد بن أبي وقاص وجماعة من الصحابة. قال القاضي عياض: ولم يقل أحد بعد الصحابة إلا الشافعي في قوله القديم، وخالفه أئمة الأمصار. قال النووي: ولا تضر مخالفته إذا كانت السنة معه، انتهى (¬2). وقد حكى ابن قدامة عن أحمد في إحدى الروايتين القول به، قال: وروي ذلك عن ابن أبي ذئب وابن المنذر (¬3). قال النووي: وهذا القول القديم هو المختار لثبوت الحديث (¬4) فيه، وعمل الصحابة على وفقه، ولم يثبت له دافع. قال أصحابنا: وإذا قلنا بالقديم ففي كيفية الضمان وجهان أحدهما (¬5): يضمن الصيد والكلأ والشجر كضمان حرم مكة، وأصحهما وبه قطع جمهور المفرعين على القول القديم أنه يسلب الصائد وقاطع الشجر والكلأ، وبه قال أحمد، وعلى هذا فالمراد ¬

_ (¬1) انظر: "الشرح الكبير" 3/ 522، و"المجموع" 7/ 480. (¬2) "شرط النووي" 9/ 139. (¬3) "المغني" 5/ 191 - 192. (¬4) في (ر): الجديد. (¬5) في (ر): أصحهما.

بالسلب قولان (¬1). أحدهما أنه ثيابه فقط، وأصحهما وبه قطع الجمهور أنه كسلب القتيل من الكفار فيدخل فيه فرسه وسلاحه ونفقته وغير ذلك مما يدخل في سلب القتيل (¬2). (فجاؤوا) يعني (مواليه) يدل على أن الرجل عبدًا كما سيأتي (فكلموه فيه) أي: في السلب الذي أخذه من عبدهم (فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3) حرم هذا الحرم) أشار إلى الحرم؛ لأنه كان فيه أو قريبًا منه (وقال: من أخذ أحدًا) [يعني: شخصًا] (¬4) (يصيد فيه، فليسلبه) أي (¬5): يأخذ (ثيابه) قال القرطبي: وهذا كله مبالغة في الردع والزجر، [لا أنها] (¬6) حدود ثابتة في كل أحد وفي كلّ وقت (¬7). (فلا أرد عليه طعمة) بضم الطاء وكسرها، ومعنى الطعمة الأكلة، وأما الكسر فجهة الكسب (¬8) وهيئته (أطعمنيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: أعطانيها. قال القرطبي: وامتناعه من رد السلب؛ لأنه رأى أن ذلك أدخل في باب الإنكار والتشديد ولتنتشر القضية في الناس فيكفوا عن الصيد، وقطع ¬

_ (¬1) سقط من (م)، وفي "شرح النووي": وجهان. (¬2) "شرح النووي" 9/ 139، و"المغني" 5/ 192. (¬3) زاد في (ر): أي. وهي زيادة مقحمة. (¬4) سقط من (م). (¬5) من (م). (¬6) في الأصول الخطية: لأنها. والمثبت من "المفهم". (¬7) "المفهم" 3/ 484. (¬8) في (م): الكسر.

الشجر (¬1) (ولكن إن شئتم دفعت إليكم ثمنه) كائنًا مهما كان. [2038] (ثنا عثمان بن أبي شيبة) قال (ثنا يزيد بن هارون) السلمي، أحد الأعلام، قال أحمد: حافظ متقن، وكان يصلي الضحى ستة عشر ركعة، وقد عمي (¬2). قال (ثنا) محمد بن عبد الرحمن (ابن أبي ذئب، عن صالح) بن نبهان (مولى التوأمة) بفتح التاء وسكون الواو وفتح الهمزة، وهي ابنة أمية بن خلف (عن مولى لسعد) بن أبي وقاص (أن سعدًا) قال الحافظ البزار: لا نعلم أحدًا رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا سعد، ولا عنه إلا عامر بن سعد، انتهى (¬3). وعامر هو ابن سعد بن أبي وقاص (وجد عبيدًا من عبيد المدينة) وأخرجه الحاكم، ولفظ ابن سعد: كان يخرج من المدينة فيجد الحاطب من الحطاب معه شجر رطب قد عضده من شجر المدينة فيأخذ سلبه فيكلم فيه، فيقول: لا أدع غنيمة غنمنيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإني لمن أكثر الناس مالًا. وصححه (¬4). (يقطعون من شجر المدينة) ورواية مسلم: وجد عبدًا يقطع شجرًا أو يخبطه (¬5). وعجبت من الحاكم [أنه خرجه] (¬6) في "المستدرك" وزعم أنهما لم يخرجاه، وقد عد من أوهامه. ¬

_ (¬1) "المفهم" 3/ 484. (¬2) انظر: "الكاشف" (6473). (¬3) "مسند البزار" (1102). (¬4) "المستدرك" 1/ 486 - 487. (¬5) "صحيح مسلم" (1364) (461). (¬6) سقط من (م).

(فأخذ متاعهم) قال ابن البلقيني في حواشي "الروضة": لو كان الصائد في حرم المدينة أو قاطع شجر حرم (¬1) المدينة عبدًا هل يسلب ثيابه كما اتفق لسعد؟ فالذي يقتضيه النظر أنه لا يسلب ثياب العبد؛ لأنه لا ملك له، وكذلك لو كان على الصائد ثوب مستأجر أو مستعار فإنه لا يسلب (¬2). ولم أر من تعرض لذلك، وهذا عجب منه مع كثرة اطلاعه، فإن القمولي وابن الرفعة في "شرح الوسيط" قالا بعد ما قالا: قال الماوردي وصححه النووي: ليس له أخذ ما عليه من ثياب مغصوبة قطعًا، كما ليس لقاتل الحربي أخذ ما عليه من الثياب لمسلم (¬3). قال بعض شارحي الكتاب: فينبغي أن تكون الثياب المستعارة كذلك. قال: وينبغي أن لا يسلب العبد ثيابه (¬4)؛ لأن جنايته تتعلق برقبته، وثيابه ملك لسيده، لكن قضية سعد كانت مع عبد، واستدل له بعموم الخبر، ولو لم يشاهده أحد عند اصطياده، قال: فالظاهر أنه يلزمه حمل (¬5) السلبة إلى الإمام. (وقال: يعني لمواليهم) على سبيل الاعتذار عن أخذ متاعهم لولا أني (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى أن يقطع من شجر المدينة شيء) أي: كما لا يقطع من شجر مكة (¬6)، قال ابن قدامة: يفارق حرم (¬7) المدينة حرم مكة ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) انظر: "الغرر البهية في شرح البهجة الوردية" 2/ 368. (¬3) "المجموع" 7/ 483. (¬4) و (¬5) من (م). (¬6) في (م): المدينة. ولعل المثبت هو الصواب. (¬7) سقط من (م).

في شيئين: أحدهما: يجوز أن يؤخذ من شجر حرم المدينة ما تدعو الحاجة إليه للمساند والوسائد والرحل. الثاني: أن (¬1) من صاد صيدًا خارج المدينة، ثم أدخله إليها لم يلزمه إرساله، نص عليه أحمد؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا أبا عمير ما فعل النغير" (¬2)، وهو طائر صغير، فظاهر هذا أنه أباح إمساكه بالمدينة؛ إذ (¬3) لم ينكر ذلك. وحرمة مكة أعظم من حرمة المدينة، بدليل أنه لا يدخلها إلا محرم (¬4). (وقال: من قطع منه شيئًا فلمن أخذه سلبه) أي: جميعه. قال الدارمي: إن كان عليه سراويل أخذه وستر المسلوب نفسه. قال ابن الرفعة: وهذا صريح في أن لا يبقى له سترة، وقال الماوردي: يبقى له ما يستر عورته (¬5). وصححه النووي (¬6)، واختاره صاحب "البيان" (¬7) وفي الحديث دلالة على أن السلب يستحقه السالب، وفي المسألة ثلاثة أوجه هذا أصحها، والثاني أنه لمساكين المدينة، والثالث أنه لبيت المال. قال أصحابنا: يسلب بمجرد الاصطياد سواء تلف الصيد أم لا (¬8). ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) أخرجه البخاري (6129)، ومسلم (2150). (¬3) في (م): و. (¬4) "المغني" 5/ 193 - 194. (¬5) "المجموع" 7/ 483. (¬6) "الحاوي الكبير" 4/ 328. (¬7) "البيان" للعمراني 4/ 265. (¬8) انظر: "الشرح الكبير" 3/ 523.

[وأتلف المقطوع من الشجر أم لا] (¬1). [2039] (ثنا أبو عبد الرحمن محمد بن حفص القطان) خال عيسى بن شاذان، قال: (ثنا محمد بن خالد) يعني: ابن عثمة بفتح العين المهملة وإسكان الثاء المثلثة البصري صدوق (¬2)، قال (أخبرني خارجة) يعني (بن الحارث) بن رافع (الجهني) صدوق (¬3)، قال (أخبرني أبي) الحارث بن رافع بن مكتب (عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: لا يخبط ولا يعضد حمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وهو اثنا عشر ميلًا كما تقدم (ولكن يهش هشًّا رفيقًا) قال الجوهري: هششت (¬4) الورق أهشه هشّا: خبطته بعصا ليتحات (¬5)، ومنه قوله تعالى: {وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي} (¬6) أي: أخبط بها الشجر ليتناثر ورقه فتأكله (¬7) غنمي، فيه دليل على أنه ترخص لمن كان بالمدينة وقرب منه زرع أن يحتش منه ما تدعو الحاجة إليه لدوابه تعلف به؛ إذ لو منعناه من الاحتشاش مع الحاجة أفضى ذلك إلى الضرر فاستثني ذلك مع ورق الشجر وجوز للحاجة إليه كما استثني الإذخر بمكة. [2040] (ثنا مسدد) قال: (ثنا يحيى) القطان (وثنا عثمان بن أبي شيبة، عن) عبد الله (ابن نمير، عن عبيد الله) بالتصغير (عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأتي قباء) قال النووي: المشهور فيه المد والتذكير والصرف، وهو قريب من المدينة في عواليها (¬8). فيه أنه ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "الكاشف" (4891). (¬3) "الكاشف" (1307). (¬4) في (م): هشت. (¬5) في (ر): ليتناثر. (¬6) طه: 18. (¬7) في (م): فترعاه. (¬8) "شرط النووي" 9/ 170.

يستحب استحبابًا متأكدًا أن يأتي مسجد قباء إذا أمن على نفسه وماله وهو في يوم السبت آكد لرواية البخاري: كان يأتي مسجد (¬1) قباء كل سبت (¬2)، ولرواية مسلم: أن ابن عمر كان يأتي قباء كل سبت ويقول: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأتيه كل سبت (¬3). (ماشيًا وراكبًا) فيه أنه يجوز زيارته راكبًا وماشيًا، وإن كان المشي أفضل لمن لا يشق عليه مشيه (زاد ابن نمير: ويصلي فيه ركعتين) وينوي في إتيانه التقرب إلى الله تعالى بزيارته والصلاة فيه، والاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، والشرب من بئر أريس الذي عنده، والوضوء منه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - تفل فيه، وروى الطبراني [في "الكبير"] (¬4) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم دخل مسجد قباء فيركع فيه أربع ركعات كان ذلك عدل رقبة" (¬5) فعلى هذا يأتي بئر أريس أولًا ويتوضأ منه، ثم يأتي مسجد قباء ليحوز الفضيلة، قال القرطبي: قباء (¬6) بينها وبين المدينة نحو ثلاثة أميال، وليست مما يشد إليها الرحال، وكان تعاهده لقباء لتعاهد مسجدها وتفقد أهلها واعتناء بهم، وليس في تعاهده مسجد قباء ما يدل على إلحاق مسجدها بالمساجد الثلاثة كما ذهب إليه محمد بن مسلمة (¬7). ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "صحيح البخاري" (1193). (¬3) "صحيح مسلم" (1399) (520). (¬4) سقط من (م). (¬5) "المعجم الكبير" (5560). (¬6) في (م): فيما. (¬7) "المفهم" 3/ 510.

99 - باب زيارة القبور

99 - باب زِيارَةِ القُبُورِ 2041 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، حَدَّثَنا المُقْرِئُ، حَدَّثَنا حَيْوَةُ، عَنْ أَبي صَخْرٍ حُمَيْدِ بْنِ زِيادٍ، عَن يَزِيدَ بْنِ عَبدِ اللهِ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "ما مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلي إِلَّا رَدَّ اللهُ عَلي رُوحي حَتَّى أَرُدَّد عَليهِ السَلامَ" (¬1). 2042 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ نافِعٍ أَخْبَرَني ابن أَبي ذِئْبٍ، عَن سَعِيدٍ المَقْبُرَيِّ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا وَلا تَجْعَلُوا قَبْري عِيدًا وَصَلُّوا عَلي فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُني حَيْثُ كُنْتُمْ" (¬2). 2043 - حَدَّثَنا حامِدُ بْن يَحْيَى، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْنٍ المَدِيني أَخْبَرَني دَاوُدُ بْنُ خالِدٍ، عَن رَبِيعَةَ بْنِ أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ رَبِيعَةَ - يَعْني: ابن الهُدَيْرِ - قَالَ: ما سَمِعْتُ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثًا قَطُّ غَيْرَ حَدِيثٍ واحِدٍ. قَالَ: قُلْتُ: وَما هُوَ؟ قَالَ: خَرَجْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُرِيدُ قُبُورَ الشُّهَداءِ حَتَّى إِذَا أَشْرَفْنا عَلَى حَرَّةِ واقِمٍ فَلَمّا تَدَلَّيْنا مِنْها وَإِذَا قُبُورٌ بِمَحْنِيَّةٍ قَالَ: قُلْنا: يا رَسُولَ اللهِ أَقُبُورُ إِخْوانِنا هذِه قَالَ: "قُبُورُ أَصْحابِنا". فَلَمّا جئْنا قُبُورَ الشُّهَداءِ قَالَ: "هذِه قُبُورُ إِخْوانِنا" (¬3). 2044 - حَدَّثَنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِعٍ، عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَاخَ بِالبَطْحاءِ التي بِذي الحُلَيْفَةِ فَصَلَّى بِها، فَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ (¬4). 2045 - حَدَّثَنا القَعْنَبي قَالَ: قَالَ مالِكٌ لا يَنْبَغي لأَحَدٍ أَنْ يُجاوِزَ المُعَرَّسَ إِذَا ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 527، والبيهقي 5/ 245. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1779). (¬2) رواه مسلم (780). (¬3) رواه أحمد 1/ 161، والبيهقي 5/ 249، وابن عبد البر في "التمهيد" 20/ 245 - 246. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1781). (¬4) رواه البخاري (1532)، ومسلم بعد حديث (1345).

قَفَلَ راجِعًا إِلَى المَدِينَةِ حَتَّى يُصَلّي فِيها ما بَدا لَهُ لأَنَّهُ بَلَغَني أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَرَّسَ بِهِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحاقَ المَدَني قَالَ: المُعَرَّسُ عَلَى سِتَّةِ أَمْيالٍ مِنَ المَدِينَةِ (¬1). * * * باب في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وزيارة قبره [وهذِه الترجمة ساقطة عند ابن داسة] (¬2). [2041] (ثنا محمد بن عوف) بن سفيان الطائي، قال (ثنا عوف المقرئ) قال (ثنا حيوة) بن شريح (عن أبي صخر حميد بن زياد) المدني الخراط (¬3) قال أحمد: ليس به بأس (¬4). (عن يزيد بن عبد الله بن قسيط) بالتصغير الليثي (عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ما من أحد يسلم عليَّ إلا رد الله عليَّ روحي حتى أرد عليه السلام) رواية أحمد (¬5): "إلا رد الله إلي روحي" [يحتمل أنه حي] (¬6) لم يؤذن له في الكلام إلا في رد جواب المسلم عليه عند قبره، ويحتمل في رد جواب كل مسلِّم أين كان. قال البيهقي في كتاب "الاعتقاد": الأنبياء بعدما قبضوا ردت إليهم ¬

_ (¬1) "الموطأ" 1/ 405. (¬2) تقدمت هذِه العبارة في (م) بعد قوله: ثلاثة أميال. (¬3) في (ر): الحياط. (¬4) "تهذيب الكمال" 7/ 368. (¬5) في (ر): مسلم. (¬6) في (ر): لكن.

أرواحهم، فهم أحياء عند ربهم كالشهداء (¬1). وأفرد جزءًا في حياة الأنبياء في قبورهم. [2042] (ثنا أحمد بن صالح) المصري، قال (قرأت على عبد الله بن نافع) قال (أخبرني) محمد بن عبد الرحمن (ابن أبي ذئب، عن سعيد) بن أبي سعيد (المقبري، عن أبي هريرة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تجعلوا بيوتكم قبورًا) أي: صلوا فيها ولا تجعلوها كالقبور مهجورة من الصلاة، والمراد به صلاة النافلة أي: صلوا في بيوتكم، وقيل: هذا في الفريضة، ومعناه: اجعلوا بعض فرائضكم في بيوتكم؛ ليقتدي بكم من لا يخرج إلى المسجد من نسوة وعبيد ومريض ونحوهم، والمشهور أن المراد النافلة؛ لكونه أخص، وليتبرك البيت بها وتنزل فيه الرحمة والملائكة وينفر الشيطان، فيه أن القبور لا يصلى فيها، وفيه رد لما يفعله بعض الصالحين من بناء قبر في بيته يواظب الصلاة فيه في حياته ليدفن فيه إذا مات. (ولا تجعلوا قبري عيدًا) قيل: يحتمل أن يراد الحث على كثرة زيارته، ولا يجعل كالعيد الذي لا يؤتى في العام إلا مرتين فقط. (وصلوا علي؛ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) يوضحه رواية النسائي: "إن لله ملائكة سياحين يبلغوني من أمتي السلام" (¬2). رواه الحاكم في "صحيحه" وابن حبان (¬3). ويدل على الحث على زيارته: ¬

_ (¬1) "الاعتقاد" للبيهقي (ص 305). (¬2) "المجتبى" 3/ 43. (¬3) "المستدرك" 2/ 421، و"صحيح ابن حبان" (914).

حديث (¬1) "لا تجعلوا بيوتكم قبورًا"، أي: لا تتركوا الصلاة في بيوتكم. [2043] (ثنا حامد بن يحيى) بن هانئ البلخي، قال (ثنا محمد بن معن المديني) بفتح الميم، قال (أخبرني داود بن خالد) المدني (عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) فروخ صاحب الرأي. (عن ربيعة) بن عبد الله (ابن الهدير) بضم الهاء وفتح الدال مصغر التيمي، له رؤية، [وذكره ابن حبان] (¬2) في كبار التابعين (¬3). (قال: ما سمعت طلحة بن عبيد الله) بالتصغير، ابن عثمان التيمي، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة (يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثًا قط) أي: في المدة التي قضيتها (¬4) من عمري (غير [حديث واحد]) (¬5) بالنصب صفة لما قبله. (قال: قلت: وما هو؟ قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نريد قبور الشهداء) أي: لزيارتها، فسرنا (حتى أشرفنا على حرة) بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء، كل أرض ذات حجارة سود يقال لها: حرة، وذلك لشدة حرها ووهج الشمس فيها (واقم) بكسر القاف. قال الجوهري: واقم: أطم من آطام المدينة وحرة واقم مضافة إليها (¬6). وكانت وقعة الحرة المشهورة في أيام يزيد بن معاوية في ذي ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) سقط من (م). (¬3) "الثقات" لابن حبان 3/ 129. (¬4) في الأصول الخطية: قططتها. والمثبت هو الجادة. (¬5) سقط من (م). (¬6) انظر "الصحاح" (أطم).

الحجة عام [63] (¬1) (تدلينا منها فإذا قبور بمحنية) بفتح الميم وإسكان الحاء المهملة وكسر النون وتخفيف المثناة تحت [يعني: بمنحنى الوادي، وجمع محنية محاني. قال الجوهري] (¬2): وهي معاطف الأودية (¬3). [ومنه قول كعب: من ماء محنية] (¬4) قيل: دفن في هذِه القبور سفيان بن عيينة، والمشهور كما قال ابن الأثير أنه مات بمكة ودفن بالحجون (¬5). فيه مشروعية الدفن بعطف الوادي إذا لم يكن الوادي يمر عليه، فإن المار بأحد (¬6) القبور (¬7). (قلنا: يا رسول الله أقبور إخواننا هذِه؟ قال: هذِه قبور أصحابنا) فيه التفرقة بين الإخوة والصحابة؛ فإن الصحابة يشترط فيها الاجتماع بخلاف الإخوة فلا يشترط فيها الاجتماع، ولا أن يكون في عصره كما (¬8) قال: ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) سقط من (م). (¬3) "الصحاح" (حني). (¬4) ساقطة من (م)، وجاءت في (ر) بعد قوله: (عام 63). ولعل هذا هو مكانها المناسب. وكعب هو ابن زهير، وقوله من قصيدته: (بانت سعاد). وتمام البيت: شجت بذي شبم من ماء محنية ... صاف بأبطح أضحى وهو مشمول انظر: "جمهرة أشعار العرب" ص (633)، "النهاية" لابن الأثير (حنا). (¬5) "جامع الأصول" 12/ 467. (¬6) في (ر): يأخذ. (¬7) كذا في الأصول، ولعله سقط شيء. (¬8) من (م).

{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} (¬1). (فلما جئنا قبور الشهداء) لعلها التي بأحد؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج في آخر حياته إليها وصلى على أهل أحد كما في الصحيحين (¬2). قال العلماء: أراد بالصلاة عليهم الدعاء لهم، استدل به ابن عبد البر على أن يكون فيمن يأتي بعض (¬3) أصحابه أفضل من بعضهم (¬4). (وقال: هذِه قبور إخواننا) فيه فضيلة الجهاد بعد عصره، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حين لا يجدون أعوانًا. [2044] (ثنا القعنبي، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أناخ) يعني: الإبل التي معه (بالبطحاء التي بذي الحليفة) وقد تقدم ذكرهما. قال القاضي: المراد بالإناخة النزول بالبطحاء (¬5) في رجوعه من الحج، وليس هذا من مناسك الحج، وإنما نزلها لأنها بطحاء مباركة كما في الصحيح (¬6)، قيل: ولئلا يفجأ الناس أهاليهم ليلًا كما نهى عنه صريحًا في الأحاديث المشهورة (¬7)، فربما وجد الرجل زوجته ¬

_ (¬1) الحشر: 10. (¬2) البخاري (1344)، ومسلم (2296) من حديث عقبة بن عامر. (¬3) كذا في الأصول الخطية. ولعل الصواب: بعد. (¬4) انظر: "التمهيد" 20/ 251 - 252. (¬5) زاد في (ر): بذي الحليفة. (¬6) رواه البخاري (1535)، ومسلم (1346) من حديث ابن عمر. (¬7) رواه البخاري (5247)، ومسلم (715/ 181) بعد حديث (1928) من حديث جابر.

على هيئة يستقذرها من الشعث ورثاثة الهيئة، فيكون ذلك سببًا لفقد الألفة وعدم الصحبة (¬1). وهذا منه - صلى الله عليه وسلم - إرشاد للأزواج في حق زوجاتهم. (فصلى بها) فيه استحباب الصلاة بالبطحاء إذا نزل، وأن لا يجاوزها حتى يصلي فيها، وإن كان في غير (¬2) وقت صلاة مكث حتى يدخل وقت الصلاة فيصلي قال (فكان عبد الله بن عمر يفعل ذلك) تبركًا بآثار النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد استحب مالك النزول والصلاة فيه (¬3). [2045] (قال مالك) في "الموطأ": (لا ينبغي لأحد أن يجاوز المعرس) بتشديد الراء المفتوحة. قال القاضي: المعرس: موضع النزول. قال أبو زيد: عرس القوم في المنزل إذا نزلوا به أي وقت كان من ليل أو نهار. وقال الخليل والأصمعي: التعريس: النزول آخر الليل (¬4) (إذا قفل) أي: رجع، [ولا يقال إلا في الرجوع، وربما سميت الرفقة قافلة تفاؤلًا بالسلامة (راجعًا إلى المدينة حتى يصلي] (¬5) فيها ما بدا له) وأقله ركعتان. وزاد في "الموطأ": وإن مر به في غير وقت صلاة فليقم حتى تحل الصلاة ثم يصلي ما بدا له (لأنه بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عرس به) (¬6). ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" 4/ 456 - 457. (¬2) سقط من (م). (¬3) انظر "التاج والإكليل" 3/ 136. (¬4) "العين" للخليل 1/ 328، و"إكمال المعلم" 4/ 456. (¬5) سقط من (م). (¬6) "الموطأ" 1/ 405.

(قال أبو داود: سمعت محمد بن إسحاق) بن يسار (المدني) نسبة إلى المدينة، صاحب "المغازي" ([قال]: المعرس على ستة أميال من المدينة) وهو نصف بريد وفرسخان. (ثنا أحمد بن صالح) المعروف بابن الطبري (قال: قرأت على عبد الله بن نافع) الصائغ (قال: ثنا عبد الله بن عمر (¬1) يعني: العمري) بضم المهملة وفتح الميم. (عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قدم يعني من الحج بات بالمعرس حتى يغتدي) (¬2) أي: حتى (¬3) يصلي الفجر بها، وهي صلاة الغداة، والسنة في كيفية نوم المسافر ما رواه أبو قتادة أنه - عليه السلام - كان إذا كان في سفر فعرس بليل اضطجع على يمينه، وإذا عرس قبل الصبح نصب ذراعه ووضع رأسه على كفه. أخرجه مسلم (¬4)، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" وقال: هو صحيح على شرط مسلم، ولم يروه مسلم ولا البخاري (¬5). وعُدَّ هذا من وهم الحاكم؛ لأن مسلمًا رواه، انتهى. وإنما نام كذلك قبل الصبح لئلا يستغرق في النوم فتفوته صلاة الصبح ¬

_ (¬1) في الأصول الخطية: نافع. والمثبت هو الصواب. (¬2) هذا الحديث ليس في مطبوع "سنن أبي داود"، وأورده المزي في "تحفة الأشراف" 6/ 108 (7730) وعزاه لأبي داود فقط، وقال: هذا الحديث في رواية أبي الحسن ابن العبد وأبي بكر بن داسه، ولم يذكره أبو القاسم. ا. هـ. (¬3) سقط من (م). (¬4) "صحيح مسلم" (683) (313). (¬5) "المستدرك" 1/ 445.

أو أول وقتها، والله أعلم (¬1). ¬

_ (¬1) جاء بعدها في (م): وهذا آخر كتاب المناسك والحمد لله، ويتلوه كتاب النكاح إن شاء الله تعالى. وكان الفراغ من رقمه في شهر جمادى الأول سنة أحد وثمانين ومائة وألف من هجرته - صلى الله عليه وسلم -، بقلم أفقر العباد إليه وأحوجهم إلى ما لديه، الراجي عفو ربه، الفقيه الفقير إلى الله سبحانه حسين بن علي بن عبد الهادي الخولاني، غفر الله له ولوالديه، ولمالكه ولمن قرأ فيه، وللناظر فيه، ولكافة المسلمين بحق محمد وآله - صلى الله عليه وسلم -، والحمد لله رب العالمين. مما نسخ بعناية سيدي العلامة الفهامة فخر الإسلام عبد الله بن محيي الدين. . . .

كتاب النكاح

كِتَابُ النِّكَاحِ

1 - باب التحريض على النكاح

12 - النِّكَاحُ 1 - باب التَّحْرِيضِ عَلَى النِّكاحِ 2046 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: إِني لأَمْشِي مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ بِمِنًى إِذْ لَقِيَهُ عُثْمانُ فاسْتَخْلاهُ، فَلَمّا رَأى عَبْدُ اللهِ أَنْ لَيْسَتْ لَهُ حاجَةٌ قَالَ لي: تَعالَ يا عَلْقَمَةُ. فَجِئْتُ فَقَالَ لَهُ: عُثْمانُ: أَلا نُزَوِّجُكَ يا أَبا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِجارِيَةٍ بِكْرٍ لَعَلَّهُ يَرْجِعُ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ ما كُنْتَ تَعْهَدُ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: لَئِنْ قُلْتَ ذاكَ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنِ اسْتَطاعَ مِنْكُمُ الباءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجاءٌ" (¬1). * * * {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} كتاب النكاح ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1905)، ومسلم (1400).

باب التحريض على النكاح [2046] (ثنا عثمان بن أبي شيبة) العبسي مولاهم، الكوفي، شيخ الشيخين (عن جرير) بفتح الجيم، بن عبد الحميد الضبي الراوي (عن) سليمان (الأعمش، عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس بن عبد الله النخعي، يكنى أبا شبل، كان يشبَّه بعبد الله بن مسعود (قال: إني لأمشي مع عبد الله بن مسعود بمنى) وللبخاري عن علقمة: كنت مع عبد الله بن مسعود فلقيه عثمان بمنى (¬1). وللنسائي: ابن مسعود لقي عثمان (¬2). كذا في "جامع الأصول" (¬3) ولم أجده في ذا الباب (إذ لقيه عثمان - رضي الله عنه - فاستخلاه) أي: انفرد به في موضع خالٍ، فيه الخلوة عند استكتام السر إذا احتيج إلى ذلك. (فلما رأى عبد الله) بن مسعود (أن ليست له) أي (حاجة) لعثمان (فقال لي: تعال) بفتح اللام، فعل أمر من تعالى: ارتفع. وأصله أن الرجل العالي كان ينادي السافل فيقول: تعالى. يعني: ارتفع عندي، ثم كثر حتى استعمل في معنى: هلم. مطلقًا، سواء كان موضعه أعلى أم أسفل، فهو في الأصل لمعنى خاص، ثم استعمل في معنى عام، قال الله تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا} (¬4). ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (5065). (¬2) "سنن النسائي" 4/ 170. (¬3) "جامع الأصول" 11/ 426. (¬4) آل عمران: 64.

(يا علقمة، فجئت فقال: ألا نزوجك؟ ) لابن مسعود، وهو المراد بقوله: ألا نزوجك (يا أبا عبد الرحمن) وظاهر هذِه الرواية أن قوله: ألا نزوجك جارية بكرًا؟ كان بحضور علقمة، وظاهر رواية البخاري أنه قال في غيبة علقمة وغيره، بل حين انفرد به، ويحتمل أنه قاله مرتين، مرة في غيبته ومرة في حضوره ليجمع بين الروايتين؛ فإن رواية البخاري: فخليا (¬1)، فقال عثمان: هل لك يا أبا عبد الرحمن في أن نزوجك بكرًا؟ فلما رأى عبد الله أن ليست له حاجة إلى هذا، أشار إلي، فقال: يا علقمة، فانتهيت إليه وهو يقول: أما لئن قلت ذلك .. (جارية) أصل الجارية السفينة، سميت بذلك؛ لسرعة جريها، ثم قيل للأمة والبنت التي تصلح للزواج، والخدمة جارية على التشبيه بالسفينة لجريها في أشغال مواليها، والبنت في حوائج والديها وزوجها، ويؤخذ منه أنه ينبغي لمن أراد تزوج امرأة أن يسأل عن حالها في حركتها هل هي نشاط وسرعة وتثبيط وتثاقل عن الحركة وعن حال أبويها هل هي ممهنة بالخدمة وبالصلاة أو لا تمكن من فعل شيء بسبب الدلال. (بكرًا) فيه استحباب تزوج البكر، كما سيأتي في الحديث بعده، وللنسائي: ألا نزوجك جارية شابة (¬2) (لعله) هاء ضمير القصة والشأن وهو مخالف للقياس من خمسة أوجه في عوده على ما بعده لزومًا، وأن مفسرة لا تكون إلا جملة، كما في قوله: أن (يرجع إليك من ¬

_ (¬1) كذا أكثر روايات البخاري. ورواية الأصيلي: فخلوا. قال ابن التين: وهي الصواب. (¬2) "سنن النسائي" 6/ 101.

نفسك ما كنت تعهد) أي: من نشاطك وقوة شبابك، ولعل المراد بالرجوع هنا التذكر، كما في رواية البخاري والنسائي، والمراد: يتذكر ما كان يعهد من النشاط والقوة بذكر نعم الله تعالى عليه في حال الشباب، ولا ينسى نعم الله عليه، بل يشكر الله على النعم السالفة والحاضرة. وفيه استحباب تحصيل ما يُذَكِّره النعم إذا نسيها كأخ نصوح، أو معلم شفيق مرشد، وزوجة ديِّنة تذكره نعم الله وتعينه على الطاعة، لا زوجة تشغله عن الله تعالى، فمثل هذا يستحب نكاحها، وفيه أن على الخليفة أن (¬1) يتفقد أحوال الرعية لا سيما العاملين والأولياء والصالحين، وأن يعرض عليهم ما يحتاجون إليه من زواج وغيره، وأن يدفع عن المحتاج ما يحتاجه من صداق وغيره. (وقال عبد الله بن مسعود: والله لئن قلت ذاك، لقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول) زاد البخاري: "يا معشر الشباب" (¬2) (من استطاع) وفي رواية له عن عبد الرحمن بن يزيد قال: دخلت مع علقمة والأسود على عبد الله، فقال عبد الله: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - شبابًا لا نجد شيئًا، فقال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا معشر الشباب من استطاع" (¬3) (منكم) أصل استطاع، استطوع استثقلت الحركة على الواو فنقلت إلى الساكن قبلها، ثم قلبت الواو ياء، ومعناه: أطاق وقدر، فليست السين فيه للطلب. (الباءة) بالمد والهاء على الأفصح، المشهورة، وفيها لغة بالقصر ¬

_ (¬1) ليست في النسخة الخطية. ذكرناها ليستقيم الكلام. (¬2) "صحيح البخاري" (5065 - 5066). (¬3) "صحيح البخاري" (5066).

ولغة بلا هاء مع المد، ولغة باهة بالهاء عوض الهمزة، وأصلها لغة الجماع مأخوذة من المباءة وهي المنزل؛ لأن من تزوج امرأة بوأها منزلًا، والمراد بالباءة هنا على الأصح المعنى اللغوي، وإنما يتحقق قدرته بالقدرة على مؤنته وهي مؤن النكاح، وقيل: بل أطلق اللفظ هنا على نفس المؤن من مجاز الملازمة، ولو كان المراد الجماع لم يقل: "ومن لم يستطع فعليه بالصوم"؛ لأن العاجز عن الجماع لا يحتاج الصوم، إنما يحتاجه من يقدر عليه، لا على مؤنته، فيكسر به شهوته، وأجيب بأن المراد: وإن لم يستطع الجماع لعدم قدرته على مؤنه فهو عاجز حكمًا وإن كان قادرًا حسًّا، يدل عليه قوله في الرواية المتقدمة: كنا شبابًا لا نجد شيئًا. ويرجح الأول رواية النسائي: "يا معشر الشباب عليكم بالباءة" (¬1). ويرجح الثاني رواية النسائي: "من كان ذا طول فليتزوج" (¬2). وفي بعض شروح "التنبيه" أنها بالمد: القدرة على المؤن، وبالقصر: الوطء، وبالجملة فالمراد واحد، وإنما الخلاف في التعبير عنه هل هو من مجاز الاستعارة بإطلاق الباءة على المؤن، أو من حمل الاستعارة على معناها اللغوي، وهو القدرة شرعًا. (فليتزوج) معنى التفعل هنا بمعنى الاتخاذ كيتختم إذا اتخذ خاتمًا، أي: فليتخذ له زوجة، وليس في كلام العرب: تزوجت بامرأة، وأما قوله تعالى: {وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} (¬3) على التضمين، أي: قرناهن بهن، (فإنه ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 4/ 169. (¬2) "سنن النسائي" 4/ 171. (¬3) الدخان: 54.

أغض للبصر) أفعل تفضيل إما بمعنى غاضٍّ، كما أشار إليه ابن دقيق العيد، أو للتفضيل على أنه من غض طرفه أي حفظه، وكل شيء كففته فقد غضضته، وأريد بالبصر هنا الطرف؛ لرواية النسائي: "فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج" (¬1). فإن قيل: هل لا يكون غض البصر إلا بهذين الأمرين؟ فالجواب: إن هذين أكثره، وقد يكون غض البصر بأن يغطي رأسه حتى لا يرى أحدًا إن كان المعني الجارحة، وإن كان المعني الجارحة مع سكون الفكر في ذلك، فهذا قد يزيله نوع آخر، مثل شدة الخوف والتألم، كما روى الثوري أنه كان إذا مر به خاطر لغير الله يضرب نفسه بقضيب، فربما كان يقطع في اليوم الواحد جملة من القضبان. (ومن لم يستطع فعليه بالصوم) ذهب بعضهم إلى أنه إغراء للغائب (¬2)، كقوله: {عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (¬3) وسهَّل ذلك تَقَدَّم المغرى به في: "من استطاع منكم الباءة"، فصار كالحاضر، وكأنه قيل: فإن لم تستطيعوا فعليكم بالصوم، ذهب ابن عصفور إلى أن الباء زائدة في المبتدأ، والتقدير: فعليه الصوم، فهو خبر لا أمر، وضعف باقتضائه حينئذٍ الوجوب؛ لأن ذلك ظاهر هذِه الصيغة ولا قائل به, وذهب ابن حزم إلى أنه من إغراء المخاطب بتأويل، فقال: ولعل مراده: ومن لم يستطع فدلوه على الصوم. وأوله بعضهم بتقدير: ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 4/ 171. (¬2) انظر: "إحكام الأحكام" 1/ 399. (¬3) البقرة: 158.

فأشيروا عليه بالصوم، فحذف فعل الأمر وجعل: "عليه" عوضًا منه. على أن ابن (¬1) مالك لم يدخل مثل هذا الإغراء، بل ذكره من أحكام اسم الفعل إذا كان أصله الجار والمجرور أو الظرف، نحو: عليك وإليك وعندك، بمعنى: الزم، وإليك بمعنى تنح، وفيه دليل على أن الصوم يقطع مادة النكاح ويضعفها، وهذا أمر منه - صلى الله عليه وسلم - للشباب كما في رواية البخاري وغيره أن الشاب له من شهوة النكاح ما قد يغلب عليه، بخلاف الكبير، فإن تلك المادة الكبرى ليست عنده. وفيه دليل على أن المرء مأمور بعمل الأسباب؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالتسبب في دفع حرارة ما يجده الإنسان مما أشرف إليه بالتأهل. (فإنه له وجاء) بكسر الواو وتخفيف الجيم مع المد، وهو رض الخصيتين، فإن نزعتا نزعًا فهو الخصاء، وأما ما في حديث ابن حبان بعد قوله: "وجاء" وهو الإخصاء، فإما من تفسير بعض الرواة، وإما مرفوع لكن على المجاز والمشابهة لتقاربهما في المعنى. قال القرطبي: وقاله بعضهم بفتح الواو والقصر، وليس بشيء، انتهى (¬2). وذكر ابن سيده الوجهين، قال ابن دقيق العيد: وهو من مجاز المشابهة، الوجاء قطع الفعل، وإعدام الشهوة قطع له أيضًا (¬3). ¬

_ (¬1) سقطت من الأصل. (¬2) "المفهم" 4/ 85. (¬3) "إحكام الأحكام" 1/ 390.

2 - باب ما يؤمر به من تزويج ذات الدين.

2 - باب ما يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ تَزْوِيجِ ذاتِ الدِّينِ. 2047 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى - يَعْنَي: ابن سَعِيدٍ - حَدَّثَني عُبَيْدُ اللهِ حَدَّثَني سَعِيدُ بْنُ أَبي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "تُنْكَحُ النِّساءُ لأَرْبَعٍ لِمالِها وَلحَسَبِها وَلِجَمالِها وَلدِينِها فاظْفَرْ بِذاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَداكَ" (¬1). * * * باب ما يؤمر به من تزويج ذات الدين [2047] (ثنا مسدد، قال: ثنا يحيى بن سعيد) القطان، قال (ثني عبيد الله) بالتصغير بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب (عن سعيد بن أبي سعيد) المقبري (عن أبيه) أبي سعيد بن كيسان (عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: تنكح النساء لأربع: لمالها) وفيه دليل على أن للرجل الاستمتاع بمال الزوجة، وأنها تقصد لذلك، وإلا فكانت كالفقيرة، فإن طابت به نفسها فهو حلال، وإن منعت فله بقدر ما بذل من الصداق. قال النووي: الصحيح في معنى الحديث، أخبر بما يفعله الناس في العادة؛ فإنهم يقصدون هذِه الخصال الأربع، وخيرها (¬2) ذات الدين فاظفر أنت أيها المسترشد بذات الدين، لا أنه أمر بذلك (¬3). قال عياض في "الإكمال": قال الإمام: ظاهر هذا حجة لقولنا أن ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5090)، ومسلم (1466). (¬2) في "شرح النووي": آخرها عندهم. (¬3) "شرح النووي" 10/ 51 - 52.

المرأة إذا دفع إليها في الصداق الزوج ليسارها، أو لأنها تسوق إلى بيته من الجهاز ما جرت عادة أمثالها به، وجاء الأمر بخلافه، أن للزوج مقالًا في ذلك، ويحط من الصداق الزيادة؛ لاستباحة البضع، كمن اشترى سلعتين فاستحقت الأدنى منهما، فإنه إنما ينقضي في البيع في قدر المستحقة خاصة (¬1). (وحسبها) قال الهروي: احتاج أهل العلم لمعرفة الحسب مما يعتبر في مهر مثل المرأة، قال شمر: الحسب: الفعل الجميل للرجل وآبائه، مأخوذ من الحساب، إذا حسبوا مناقبهم، وذلك أنهم إذا تفاخروا أعد كل منهم مناقبه ومآثر آبائه، وفي حديث آخر: "كرم الرجل: دينه، وحسبه: خلقه" (¬2). (وجمالها) حسن الوجه مطلوب؛ إذ به يحصل التحصن، والطبع لا يكتفي بالدميمة غالبًا، (ودينها) والحث على الدين كما سيأتي، وأن المرأة لا تنكح لجمالها؛ ليس زجرًا عن رعاية الجمال، بل هو زجر عن النكاح لأجل الجمال المحض مع عدم الدين وقلة الصلاة، ويدل على الالتفات إلى معنى الجمال أن الألفة والمودة تحصل به غالبًا، وقد ندب الشرع إلى مراعاة أسباب الألفة، ولذلك استحب النظر، ومعلوم أن النظر لا يعرف به الخلق والدين والمال، وإنما يعرف به الجمال والقبح، وروي أن رجلًا تزوج على عهد عمر، وكان قد خضب لحيته، فنصل عليه خضابه، فاستعدى عليه أهل ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" 4/ 346. (¬2) أخرجه أحمد 2/ 365، وصححه ابن حبان (483)، والحاكم 1/ 123، 2/ 162 من حديث أبي هريرة. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (2369).

المرأة، وقالوا: حسبناه شابًّا. فأوجعه عمر ضربًا، وقال: غررت القوم. (فاظفر) أنت (بذات الدين) قال الرافعي في "أماليه": الدين يمكن حمله هنا على الملة والتوحيد، ولكن الأظهر حمله على الطاعات والأعمال الصالحة والعفة التي هي من واجب الملة، وفي الحديث الحث على استحباب الدينة فهي أولى من الفاسقة، والمسلمة أولى من الكتابية، نعم لو كانت المسلمة تاركة للصلاة، قال الزركشي: ويحتمل أن الذمية الكتابية أولى؛ لأن نكاحها مجمع على صحته وتاركة الصلاة باطل عند قوم بناء على ارتدادها، فإن كانت ضعيفة الدين في صيانة نفسها وزوجها وأزرت بزوجها فإن سلك فيها سبيل الغيرة والحمية لم يزل في بلاء ومحنة وإن سلك سبيل التهاون كان نقصًا في دينه، وإنما بالغ في الحث على الدين، لأنها حينئذٍ تكون عونًا له على الدين وإن لم تكن متدينة كانت شاغلة عن الدين ومشوشة له إذ يأمرها بالصلاة فلا تطيع أو تطيع في حضوره دون غيبته. (تربت يداك) ترب الرجل إذا افتقر، وأترب إذا استغنى، وهذِه الكلمة جارية على ألسنة العرب لا يريدون بها الدعاء على المخاطب ولا وقوع الأمر به كما يقولون: قاتله الله. وقيل: معناها: لله درك. وقال بعضهم: هو دعاء على الحقيقة، فإنه قد قال لعائشة: "تربت يداك"، لأنه رأى الفقر خيرًا لها، والأول أوجه.

3 - باب في تزويج الأبكار.

3 - باب في تَزْوِيجِ الأَبْكارِ. 2048 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، أَخْبَرَنا الأَعْمَشُ، عَنْ سالِمِ بْنِ أَبي الجَعْدِ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ لي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَتَزَوَّجْتَ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا". فَقُلْتُ: ثَيِّبًا. قَالَ: "أَفَلا بِكْرٌ تُلاعِبُها وَتُلاعِبُكَ" (¬1). * * * باب تزويج الأبكار [2048] (ثنا أحمد بن حنبل قال: ثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (أنا الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد) رافع الأشجعي مولاهم، الكوفي (عن جابر بن عبد الله) بن عمرو بن حرام الأنصاري، شهد العقبة مع أبيه وهو صبي، وشهد ما بعد أحد، استغفر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (قال: قال لي رسول الله: أتزوجت؟ ) بإثبات همزة الاستفهام، وسبب استفهامه ما في الصحيحين عن جابر: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزاة فلما أقفلنا تعجلت على بعير لي، فقال: "ما يعجلك؟ " فقلت: إني حديث عهد بعرس، فقال: "أتزوجت؟ ". (قلت: نعم، قال: بكرًا أم ثيبًا؟ ) منصوب بفعل مقدر، تقديره: تزوجت بكرًا أم ثيبًا، ومن حذف الفعل {انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ} (¬2). أي: وأتوا خيرًا لكم. (قلت) تزوجت (ثيبًا، قال: أفلا بكرًا) (¬3) منصوب ¬

_ (¬1) رواه مختصرا ومطولا البخاري (2097، 2309، 2967، 4052، 5079، 5080، 5245، 5247، 5367، 6387)، ومسلم بإثر (1466). (¬2) النساء: 171. (¬3) وردها بعدها في الهامش: نسخة: بكر.

بفعل محذوف، تقديره: أفلا تزوجت بكرًا، رواية البخاري: "فهلا جارية" (¬1) (تلاعبها وتلاعبك) (¬2) قال عياض عن بعضهم: يحتمل أن يراد بقوله: تلاعبها من اللعاب بكسر اللام، ويدل عليه ما في بعض طرق مسلم: "فأين أنت من العذارى ولعابها" (¬3) وما جاء في الحديث الآخر: "إنهن أطيب أفواهًا وأنتق أرحامًا" (¬4). ورواية أبي ذر في البخاري من طريق المستملي: "ولعابها" بضم اللام. قال القاضي: قال أكثر المتكلمين على الحديث: حملوا الملاعبة من اللعب بدليل قوله في الحديث: "وتضاحكها وتضاحكك" وفي كتاب أبي عبيد: "وتداعبها وتداعبك" (¬5). ثم قال عياض: وفي الحديث فضل تزويج الأبكار لا سيما للشباب، وفيه سؤال الإمام رعيته عن أمورها وتفقدهم في مصالحهم، وأن مقصود النكاح الاستمتاع والاستلذاذ، وبقدر ذلك تكون الألفة وذلك في الأبكار أوجد، وفيه جواز ملاعبة الأهل والترغيب فيها (¬6). ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (2309). (¬2) أخرجه مسلم (715/ 111). (¬3) "صحيح مسلم" (715/ 55). (¬4) أخرجه ابن ماجه (1861) من حديث عويم بن ساعدة. وقد حسنه الألباني في "صحيح ابن ماجه" (1508). (¬5) "غريب الحديث" 1/ 333. (¬6) "إكمال المعلم" 4/ 348.

4 - باب النهي عن تزويج من لم يلد من النساء

4 - باب النَّهْي عَنْ تَزْوِيجِ منْ لَمْ يَلِدْ مِنَ النِّساءِ 2049 - قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَتَبَ إِلي حُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ المَرْوَزيُّ، حَدَّثَنا الفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ واقِدٍ، عَنْ عُمارَةَ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: جاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتي لا تَمْنَعُ يَدَ لامِسٍ. قَالَ: "غَرِّبْها". قَالَ: أَخافُ أَنْ تَتْبَعَها نَفْسي. قَالَ: "فاسْتَمْتِعْ بِها" (¬1). * * * [2049] (قال) المصنف (كتب إلي حسين بن حريث) بضم الحاء المهملة، مصغر ابن عمار الخزاعي (المروزي) فيه دليل على صحة العمل بكتابة الشيخ إلى الراوي عنه بأن يكتب إليه يقول له: أجزت لك ما كتبته لك. سواء اقترنت الكتابة بالإجازة أو انفردت عنها، وهو الصحيح بين أهل الحديث وهو عندهم معدود في المسند الموصول، وقد استعمله البخاري فقال في كتاب الأيمان والنذور: كتب إلي محمد بن بشار. (أنا الفضل بن موسى) الشيباني، قرية من قرى مرو (عن الحسين بن واقد) بالقاف، قاضي مرو، أخرج له مسلم. (عن عمارة) بضم العين (بن أبي حفصة) مولى المهلب، أخرج له البخاري والأربعة، وذكر الدارقطني أن الحسين بن واقد تفرد به عن عمارة هذا، وأن الفضل بن موسى تفرد به عن الحسين بن واقد، وأخرجه النسائي من حديث عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي، عن ابن ¬

_ (¬1) رواه النسائي 6/ 67، 169 - 170. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1788).

عباس. وبوب عليه: باب تزويج الزانية (¬1). (عن عكرمة، عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إن امرأتي) زاد النسائي: من أحب الناس إلي، وهي (لا ترد يد لامس) قال الإمام أحمد: أي أنها تعطي من ماله من يلتمس منها، أي: يطلب، قال: وهذا أشبه؛ إذ لم يكن يأمره بإمساكها وهي تفجر. قال علي وابن مسعود: إذا جاءكم الحديث عن رسول الله فظنوا به الذي هو أهدى وأتقى (¬2)، ومنه الحديث: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا" (¬3). أي: يطلبه، فاستعار له اللمس، وسئل عنه ابن الأعرابي فقال: هو الفجور (¬4). وقال الخطابي: معناه الزانية (¬5)، وأنها مطاوعة لمن أرادها لا ترده (¬6). ويدل عليه تبويب النسائي: باب تزويج الزانية. وقد يحتج به لما قاله أصحابنا وغيرهم أن من قال عن زوجته: لا ترد يد لامس أو أنها تحب الخلوة بالأجنبي ونحوه فهو كناية، فإن أراد الزنا فقذف وإلا ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 6/ 66. (¬2) أخرجه ابن ماجه (19)، وأحمد 1/ 385، والدارمي (611) من حديث ابن مسعود. وفي سنده انقطاع. وأخرجه ابن ماجه (20)، وأحمد 1/ 122 من حديث علي، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" (20). (¬3) أخرجه مسلم (2699) (38)، وسيأتي تخريجه في باب الحث على طلب العلم. (¬4) انظر: "عون المعبود" 6/ 47. (¬5) في "معالم السنن": الريبة. (¬6) "مختصر سنن أبي داود" المطبوع معه "معالم السنن" 3/ 5.

فلا، فإن أنكر الإرادة صدق بيمينه، وأن هذا اللفظ لو كان صريح قذف لما سكت عنه؛ إذ لم يقر على خطأ. قيل: هي إجابتها لمن أرادها (قال: غربها) (¬1) أي: أبعدها، يريد الطلاق، يقال: غربته وأغربته إذا تجنبته وأبعدته. ومن كنايات الطلاق عند الشافعي: اغربي، بالغين المعجمة والراء، من غرب يغرب تباعد، واعزبي (¬2) بالمهملة والزاي من عزب يعزب إذا تباعد، ولفظ رواية النسائي قال: "طلقها" قال: لا أصبر عنها (¬3). (قال) إني (أخاف أن تتبعها نفسي) كناية عن الموت (قال: فاستمتع بها) أي: لا تمسكها إلا بقدر ما تقضي متعة النفس بها ومن وطئها، وخاف عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - إن هو أوجب عليه طلاقها أن تتوق نفسه إليها فيقع في الحرام ويفسد حاله، فرأى في دوام نكاحه مع دفع الفساد عنه مع ضيق قلبه أولى، وإن كانت فاسدة الدين، فيحرص عليها ويواقي مواضع التهم وإلا كان شريكًا في المعصية مخالفًا لقوله تعالى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} (¬4). ¬

_ (¬1) وقع هنا تقديم وتأخير في الأصل. (¬2) "الأم" 5/ 374، 377، وانظر: "المجموع" 17/ 101. (¬3) "سنن النسائي" 6/ 69. (¬4) التحريم: 6.

2050 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ أَخْبَرَنا مُسْتَلِمُ بْنُ سَعِيدِ ابن أُخْتِ مَنْصُورِ بْنِ زاذانَ، عَنْ مَنْصُورٍ - يَعْني: ابن زاذانَ - عَنْ مُعاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسارٍ قَالَ: جاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِني أَصَبْتُ امْرَأَةً ذاتَ حَسَبٍ وَجَمالٍ وَإِنَّها لا تَلِدُ أَفأَتَزَوَّجُها؟ قَالَ: "لا". ثُمَّ أَتاهُ الثّانِيَةَ فَنَهاهُ ثُمَّ أَتاهُ الثّالِثَةَ فَقَالَ: "تَزَوَّجُوا الوَدُودَ الوَلُودَ فَإِني مُكاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ" (¬1). * * * باب في تزويج الوليد [2050] (ثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا يزيد بن هارون) أبو خالد السلمي (¬2) (أنا مسلم بن سعيد) الثقفي الواسطي (بن أخت منصور بن زاذان) صدوق، قال عنه يزيد بن هارون: مكث أربعين عامًا لا يضع جنبه الأرض (عن منصور بن زاذان) صدوق، الواسطي (عن معاوية بن قرة) بن إياس البصري (عن معقل بن يسار - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال) وللنسائي: ذات حسب ومنصب (¬3). (وإنها) بكسر الهمزة؛ لأنها بعد واو الحال (لا تلد) فيه السؤال عن المرأة قبل العقد هل هي (. . .) (¬4) فإن كانت ثيبًا فيعرف حالها من زوجها الأول، وإن لم يعرف حالها فيراعى صحتها وشبابها؛ فإنها تكون ولودًا ¬

_ (¬1) رواه النسائي 6/ 65، وابن حبان (4056، 4057). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1789)، قال: إسناده حسن صحيح. (¬2) تحرفت في الأصول الخطية إلى: الشملى. (¬3) "سنن النسائي" 6/ 65. (¬4) بياض في الأصل قدر ثلاث كلمات.

في الغالب مع هذين الوصفين، قاله الغزالي (¬1). ونحب له أن يعرف من أقاربها وذي عشيرتها كما اعتبر في انقطاع الحيض ونحوه (أفأتزوجها؟ قال: لا) فيه النهي عن تزويج العقيم، وبوب عليه النسائي: باب كراهة تزويج العقيم (¬2). (فأتاه الثانية) فسأله (فنهاه، فأتاه الثالثة) فيه جواز تكرر سؤال المفتي إلى ثلاث ولا يزيد عليها، وإنما جازت إعادة السؤال لجواز أن يكون تغير اجتهاده، أو وقف على نص آخر كما يجوز أن يكون نسخ ذلك الحكم بحكم آخر بوحي أو غيره، هذا في حقه - صلى الله عليه وسلم -، كما أنه يجوز تكرر السؤال لثلاث مفتين اتفقوا في المذهب أو اختلف مذهبهم. (فقال: تزوجوا الودود) أي: المتحببة إلى زوجها بالتلطف في الخطاب وكثرة الخدمة والأدب والبشاشة في الوجه، وقد قال تعالى في وصف أهل الجنة: {عُرُبًا أَتْرَابًا (37)} (¬3)، قال تعالى: {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} (¬4) فالعرب جمع عروب، وهي المتحببة إلى زوجها، قال المبرد: وهي العاشقة لزوجها (¬5). (الولود) فيه استحباب نكاح الولود كما تقدم، قال بعض المتأخرين: إلا أن تكون المصلحة في غير الولود، وكأنه فيما إذا كانت المنكوحة لا لقصد أولادها كما إذا تزوج كتابية لما يحصل في معاشرة الولد لها من ¬

_ (¬1) "إحياء علوم الدين" 2/ 41. (¬2) "المجتبى" 6/ 65. (¬3) الواقعة: 37. (¬4) الروم: 21. (¬5) انظر: "فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية" 5/ 217.

المفاسد، وكذا الأمة المملوكة إذا كانت سوداء سيئة الخلق وقليلة الدين. (فإني مكاثر بكم) فيه بيان علة الأمر بالتزويج لموافقة محبة الله ومحبة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، أما محبة الله فبالسعي في تحصيل الولد لبقاء جنس الحيوان، وإظهار عجائب صنع الله ومجاري حكمته، وبيانه أن السيد إذا سلم إلى عبده البذر وآلات الحرث وهيأ له أرضًا مهيأة للحراثة وكان العبد قادرًا على الحراثة فإن تكاسل وعطل آلة الحرث وترك البذر ضائعًا حتى فسد، ودفع الوكيل عن نفسه بنوع من الحيلة كان مستحقًا للمقت والعقاب من سيده، والله تعالى خلق النطفة في القفا، وهيأ لها في الأنثيين عروقًا ومجاري، وخلق الرحم قرارًا، فلو لم يصرح به الخالق على لسان نبيه فالمراد في الحديث فكيف وقد صرح بالأمر وباح بالسر، فكل ممتنع من النكاح معرض عن الحراثة مضيع للبذر ومعطل لما خلق له، وللحكمة المفهومة من الشواهد. وأما السعي في محبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورضاه بتكثير ما هو مباهٍ به الأمم كما في رواية أبي بكر بن مردويه في "تفسيره" من حديث ابن عمر بلفظ: "تناكحوا تكثروا، فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة" (¬1). وزاد البيهقي في "المعرفة" عن الشافعي: حتى بالسقط (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه ابن مردويه في "تفسيره" كما بتخريج أحاديث "الإحياء" للزين العراقي 1/ 456 وقال: إسناده ضعيف. وضعف إسناده النووي في "المجموع" 16/ 126. (¬2) "معرفة السنن والآثار" 5/ 219 - 220.

5 - باب في قوله تعالى: {الزاني لا ينكح إلا زانية}

5 - باب في قَوْلِهِ تَعالَى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً} 2051 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّيْميُّ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ الأَخْنَسِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ مَرْثَدَ بْنَ أَي مَرْثَدٍ الغَنَويَّ كَانَ يَحْمِلُ الأُسارى بِمَكَّةَ، وَكَانَ بِمَكَّةَ بَغيٌّ يُقالُ لَها: عَناقُ وَكَانَتْ صَدِيقَتَهُ، قَالَ: جِئْتُ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ أَنْكِحُ عَناقَ؟ قَالَ: فَسَكَتَ عَنَّي فَنَزَلَتْ {وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} فَدَعاني فَقَرَأَها عَلَيَّ وقَالَ: "لا تَنْكِحْها" (¬1). 2052 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَأَبُو مَعْمَرٍ قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ، عَنْ حَبِيبٍ حَدَّثَني عَمْرُو بْنُ شُعَيبٍ، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُريِّ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَنْكِحُ الزّاني المَجْلُودُ إِلَّا مِثْلَهُ". وقَالَ أَبُو مَعْمَرٍ: حَدَّثَني حَبِيبٌ المُعَلِّمُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ (¬2). * * * باب في قوله: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً} [2051] (ثنا إبراهيم بن محمد التيمي) قاضي مرو، ثقة (ثنا يحيى) ابن سعيد القطان (عن عبيد الله بن الأخنس) بن مالك النخعي الخزاز (عن عمرو بن شعيب، عن أبيه) شعيب بن محمد (عن جده) محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص (¬3)، قال يحيى القطان: إذا روى عنه ثقة فهو ثقة ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3177)، والنسائي 6/ 66. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1790)، قال: إسناده حسن صحيح. (¬2) رواه أحمد 2/ 324، والحاكم 2/ 166. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1791). (¬3) كذا في النسخة الخطية، والمشهور أن عمرو بن شعيب يروي عن أبيه عن جده، أي: جد أبيه عبد الله بن عمرو بن العاص.

حجة، وقال البخاري: رأيت أحمد وعامة أصحابنا يحتجون به. (أن مرثد) بفتح الميم والمثلثة (بن أبي مرثد الغنوي) بفتح الغين المعجمة والنون نسبة إلى غني بن أعصر، وقيل: يعصر، واسمه مرثد بن سعد بن قيس غيلان، وشهد مرثد ووالده أبو مرثد - واسمه كناز بالنون قبل الألف بن حصين بن يربوع الغنوي - بدرًا واستشهد في غزوة الرجيع و (كان يحمل الأسارى) بضم الهمزة والمهملة بالفتح جمع أسير. (بمكة) تفسرها رواية الترمذي: من مكة حتى يأتي بهم إلى المدينة (¬1) (وكان بمكة) امرأة (بغي) بغت المرأة إذا زنت (يقال لها: عناق) بفتح العين المهملة تكري نفسها للزنا. (وكانت صديقته) أي صديقة له كما في الترمذي، وأصل الصديقة من الصدق وهو المودة، زاد الترمذي: وإنه كان وعد رجلًا من أسارى مكة بحمله، قال: فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة، قال: فجاءت عناق فأبصرت سواد ظلي بجنب الحائط فلما انتهت إلي عرفتني فقالت: مرثد؟ قلت: مرثد. قالت: مرحبًا وأهلًا، هلم فبت عندنا الليلة، قال: فقلت: يا عناق حرم الله الزنا، قالت: يا أهل الخيام هذا الرجل يحمل أساراكم، قال: فتبعتني ثمانية وسلكت الخندمة بفتح الخاء المعجمة وسكون النون، قال في "النهاية": هو جبل معروف عند أهل مكة (¬2). قال يعني: مرثد: فانتهيت إلى كهف أو غار فدخلت فجاؤوا حتى قاموا على رأسي فبالوا، فظل بولهم على رأسي ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (3177). (¬2) "النهاية" (خندم).

وعماهم الله عني، قال: فرجعوا فرجعت إلى صاحبي وحملته، وكان رجلًا ثقيلًا حتى انتهيت إلى الإذخر ففككت عنه أكيله، قال ابن الأثير: جمع كيل بفتح الكاف مثل فلس وأفلس، والكيل القيد الثقيل، انتهى. قال: فجعلت أحمله ويعينني حتى قدمت المدينة (قال) حتى (جئت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله، أنكح عناق) بالفتح بلا تنوين؛ لأنه غير منصرف؛ لاجتماع التأنيث والعلمية، ومنع صرفه مع أنه خال من تاء التأنيث لكنه رباعي قبل آخره حرف علة. (فسكت عني) وللنسائي: فأمسك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يرد علي حتى نزلت (¬1). فيه جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وفيه أنه يجب على المستفتى إذا سئل عن الجواب وكان لا يعرف جوابه إلى أن يراجع غيره أو يراجع كتب المذهب أن يسكت عن الجواب كما سكت سيد الأولين والآخرين، ولا يبادر بالجواب حياء من المستفتي، أو لئلا ينسب إلى قلة علم ونحو ذلك، ويخشى الناس والله أحق أن يخشاه (فنزلت) زاد الترمذي: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} (¬2). (والزانية لا ينكحها) نكاح زنا (إلا زان) مثلها، قال ابن المسيب وغيره: نسخ من هذِه الآية تحريم نكاح الزانية فيحل تزويجها بعد الاستبراء للذي زنى بها ولغيره، وهو مذهب ابن عمر وسالم وجابر ومالك بن أنس والشافعي وأبي حنيفة (¬3). ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 6/ 66. (¬2) النور: 3. (¬3) انظر: "الاستذكار" 24/ 114، و"الأم" 5/ 21، و"الحجة" 3/ 388.

(أو مشرك) قال ابن هشام في "المغني": استشكل بعضهم هذِه الآية وسأل عنها فقال: كيف عطف المرفوع على المجرور؟ فقلت له: فهلا استشكلت ورود الفاعل مجرورًا وبينت له أن الأصل (زانيُ) بياء (¬1) مضمومة ثم حذفت الضمة للاستثقال (¬2) فانحذفت الياء لالتقائها ساكنة والتنوين، فيقال: فاعل وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء المضمومة المحذوفة (¬3). قال ابن المسيب وغيره: نسخ من قوله تعالى: {وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} نكاح المشرك للزانية، فلا يحل تزويج المشرك لمسلمة ولو كانت زانية؛ لقوله تعالى: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} (¬4) بضم التاء من تنكحوا، فإن الأمة اجتمعت على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه؛ لما في ذلك من الغضاضة على الإسلام. (فدعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقرأها علي) وللترمذي: فقال: يا مرثد {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} (وقال: لا تنكحها) قيل: نزلت هذِه الآية في نساء بأعيانهن كن مشهورات بالزنا بمكة والمدينة يكرين أنفسهن للزنا لهن رايات، وقيل: بالنكاح ها هنا الوطء، والمراد أن الزاني لا يطاوعه على مثل فعله ويوافقه على مراده إلا زانية مثله أو مشرك من غير الملة لا يحرم الزنا، وقيل: المراد ¬

_ (¬1) في (ر): وثبت له أن الأصل يأتي بتاء. والمثبت من "مغني اللبيب". (¬2) في (ر): للاستعمال. والمثبت من "مغني اللبيب". (¬3) "مغني اللبيب" 6/ 611. (¬4) البقرة: 221.

بالآية تحريم نكاح الزانية على العفيف والعفيف على الزانية، والآية وإن كان ظاهرها خبر فمجازها ينبغي أن يكون كذلك. [2052] (ثنا مسدد وأبو معمر عبد الله) بن عمرو بن الحجاج المنقري المقعد (قال: ثنا عبد الوارث، عن حبيب) المعلم، قال (حدثني عمرو بن شعيب، عن سعيد) بن أبي سعيد (المقبري، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) في معنى الآية (لا ينكح الزاني المجلود) في حد الزنا (إلا مثله) الزانية المجلودة مثله، وعلى هذا فالآية وإن كان ظاهرها العموم فالمراد بها الخصوص، وهو هذا المجلود. (قال أبو معمر) المنقري المقعد (ثنا) عبد الوارث، وزاد في روايته (حبيب المعلم، عن عمرو بن شعيب) عن سعيد المقبري.

6 - باب في الرجل يعتق أمته ثم يتزوجها.

6 - باب في الرَّجُلِ يَعْتِقُ أَمَتَهُ ثُمَّ يَتَزَوَّجُها. 2053 - حَدَّثَنا هَنّادُ بْنُ السَّريِّ، حَدَّثَنا عَبْثَرٌ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عامِرٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَعْتَقَ جارِيَتَهُ وَتَزَوَّجَها كَانَ لَهُ أَجْرانِ" (¬1). 2054 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ قَتادَةَ وَعَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَجَعَلَ عِتْقَها صَداقَها (¬2). * * * باب في الرجل يعتق أمته ثم يتزوجها [2053] (ثنا هناد بن السري، ثنا عبثر) بفتح العين المهملة والثاء المثلثة بينهما موحدة، بن القاسم أبو زبيد الزبيدي (عن مطرف) بن طريف (عن عامر) بن شراحيل الشعبي (عن أبي بردة) عامر (عن) والده (أبي موسى) الأشعري - رضي الله عنه - (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أعتق جاريته) التي يملكها (وتزوجها) سواء وطئها أم لم يطأها، وهذا يبين أن المراد به في الصحيحين وطئها أي: حل له وطئها، والظاهر أنه لا بد في تحصيل الأجرين من بقية الأوصاف المذكورة في الصحيحين، واللفظ للبخاري: "أيما رجل كانت عنده وليدة فعلمها فأحسن تعليمها وأدبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه تاما ومطولا البخاري (97، 2544)، ومسلم (154)، وبإثر (1427/ 86). (¬2) رواه تاما ومطولا البخاري (371، 947، 4201، 5086، 5169)، ومسلم بإثر (1427/ 84، 85). (¬3) "صحيح البخاري" (2547).

(كان له أجران) (¬1) أجر الإعتاق وأجر التزويج والتأديب والتعليم يوجبان الأجر في الأجنبي والأولاد وجميع الناس، فلم يكن مختصًّا بالإماء وقيد بالتأديب والتعليم؛ لأنه أكمل الأجر إن تزوج المرأة المؤدبة المعلمة أكثر بركة وأقرب إلى إعانة زوجها على دينه. [2054] (ثنا عمرو بن عون) الواسطي البزاز، شيخ البخاري (أخبرنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله (عن قتادة وعبد العزيز بن صهيب) البناني البصري (عن أنس - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعتق صفية) بنت حيي بن أخطب (وجعل عتقها صداقها) (¬2) اختلف العلماء فيمن أعتق أمة على أن تتزوج به ويكون عتقها صداقها، فقال الجمهور: لا يلزمها أن تتزوج به، ولا يصح هذا الشرط، وممن قاله مالك والشافعي وأبو حنيفة (¬3). وقيل: معناه أنه أعتقها بشرط أن ينكحها فلزمها الوفاء، بخلاف غيره، وجعل عياض قوله: وجعل عتاقها صداقها من قول أنس لا مرفوعًا. قال: ولعله تأويل منه؛ إذ لم يسم صداقًا، قال الشافعي: فإن أعتقها على شرط فقبلت عتقت ولا يلزمها أن تتزوج به بل عليها قيمتها (¬4)؛ لأنه لم يرض بعتقها مجانًا، بل بعوض، وإذا بطل العوض في الشرع رجع إلى ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2544)، ومسلم (154) (86)، والنسائي 6/ 115 من طريق مطرف به. (¬2) أخرجه البخاري (947)، ومسلم (1365) (84)، والترمذي (1115) من طرق عن عبد العزيز، وفيه قصة. (¬3) "المدونة" 2/ 436، و"الذخيرة" 4/ 388، وانظر: "الحاوي الكبير" 9/ 85، و"المجموع" 16/ 332، و"الحجة" 3/ 421، و"البحر الرائق" 3/ 168. (¬4) انظر: "الحاوي الكبير" 9/ 85 - 86.

قيمتها لتعذر الرجوع إلى نفس سلعته، ومنهم من أجاز ذلك لظاهر الحديث، وعلى الصحيح أنه أعتقها مجانًا كما هو أقرب إلى لفظ الحديث، فيكون معناه: ثم جعل لها شيئًا غير العتق فحل محل الصداق وإن لم يكن صداقًا فهو كقولهم: الجوع زاد من لا زاد له. ومنهم من جعل ذلك من خصائصه؛ لأنه خص بالموهوبة وأجيز له النكاح بغير مهر، فلا يقاس عليه فيما خص به، وهو قول مالك وغيره، ويجوز أن يحمل على أنه أعتقها لله تعالى ثم تزوجها بلا صداق برضاها (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: "الذخيرة" 4/ 388 - 389 بمعناه.

7 - باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب

7 - باب يَحْرُمُ مِنَ الرَّضاعَةِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ 2055 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينارٍ عَنْ سُلَيمانَ بْنِ يَسارٍ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَحْرُمُ مِنَ الرَّضاعَةِ ما يَحْرُمُ مِنَ الوِلادَةِ" (¬1). 2056 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْليُّ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ قَالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ هَلْ لَكَ في أُخْتي؟ قَالَ: "فَأَفْعَلُ ماذا؟ ". قَالَتْ: فَتَنْكِحُها. قَالَ: "أُخْتَكِ". قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: "أَوَتُحِبِّينَ ذاكَ". قَالَتْ: لَسْتُ بِمُخْلِيَةٍ بِكَ وَأَحَبُّ مَنْ شَرَكَني في خَيْرٍ أُخْتي. قَالَ: "فَإِنَّها لا تَحِلُّ لي". قَالَتْ: فَواللَّهِ لَقَدْ أُخْبِرْتُ أَنَّكَ تَخْطُبُ دُرَّةَ - أَوْ ذُرَّةَ شَكَّ زُهَيْرٌ - بِنْتَ أَبي سَلَمَةَ. قَالَ: "بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ". قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: "أَما والله لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبتي في حجْري ما حَلَّتْ لي إِنَّها ابنةُ أَخي مِنَ الرَّضاعَةِ أَرْضَعَتْني وَأَباها ثُوَيْبَةُ فَلا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَناتِكُنَّ وَلا أَخَواتِكُنَّ" (¬2). * * * باب يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب [2055] (ثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب (عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن سليمان بن يسار، عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها (زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يحرم من الرضاعة) بفتح الراء من رضع بكسر الضاد، كتعب ورضع أيضًا من باب ضرب، لغة لأهل تهامة، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2646، 3105، 5099)، ومسلم (1444، 1445). وانظر: ما سيأتي برقم (2057). (¬2) رواه البخاري (5101، 5106، 5107، 5123، 5372)، ومسلم (1449).

وأنكر الأصمعي كسر الراء مع الباء. (ما يحرم من الولادة) واستدل بإطلاقه من قال: أن قليل الرضاع وكثيره يحرم، وقد روى ذلك علي وابن عباس وسعيد بن المسيب والحسن ومكحول ومالك والأوزاعي وأصحاب الرأي، وهو رواية عن أحمد (¬1). وزعم الليث أن المسلمين أجمعوا على أن قليل الرضاع وكثيره يحرم في المهد ما يفطر به الصائم، واستدل أيضًا: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} (¬2)، وبقول الأمة السوداء: أرضعتكما، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "وكيف قد زعمت أنها أرضعتكما" (¬3). ولأنه فعل يحرم به تحريم مؤبد فلم يعتبر فيه العدد كتحريم أمهات النساء، ولا يلزم اللعان؛ لأنه قول (¬4). والصحيح عند الشافعي، وأحمد وغيرهما أن الذي يتعلق به التحريم خمس رضعات؛ لرواية مسلم عن عائشة أنها قالت: أنزل في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن (¬5). فنسخ من ذلك خمس، وصار إلى خمس رضعات معلومات يحرمن، فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأمر على ذلك (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: "المدونة" 2/ 295، و"الاستذكار" 18/ 259، و"اللباب في شرح الكتاب" 1/ 7262، و"المغني" 11/ 310. (¬2) النساء: 23. (¬3) أخرجه البخاري (2659)، والترمذي (1151)، والنسائي 6/ 109، وأحمد 4/ 7 من حديث عقبة بن الحارث. (¬4) انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 314 (811)، "الاستذكار" 18/ 260، "المغني" 11/ 310. (¬5) "صحيح مسلم" (1452) (24). (¬6) "الأم" 5/ 45، وانظر: "المغني" 11/ 310 - 311.

وصريح هذا الحديث تخصيص مفهوم ما احتجوا به من الأدلة، وسيأتي الحديث مع زيادة على هذا. واستدل بهذا الحديث حيث لم يستثن منه شيئًا أن ما قالوه استثناء من القاعدة أن أربع نسوة يحرمن من الولادة، وفي الرضاع قد يحرمن وقد لا يحرمن، جمعها بعضهم في بيتين: أربع في الرضاع هن حلال ... وإذا ما نسبتهن حرام جدة ابن وأخته ثم أم ... لأخيه وحافد والسلام أي: جدة الابن وأخت الابن وأم الأخ وأم الحافد. وهذِه الصور الأربع ذكر الرافعي في كتاب الرضاع أنه لا حاجة إلى استثنائها، ونقل النووي من زياداته عن المحققين مثله، ولهذا لم يستثنها الشافعي ولا الجمهور، ولا استثنيت في هذا الحديث (¬1). [2056] (ثنا عبد الله بن محمد النفيلي، ثنا زهير) بن معاوية بن خديج الحافظ. (عن هشام بن عروة، عن) أبيه (عروة) بن الزبير (عن زينب بنت أم سلمة) وهي بنت أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي، وكان اسمها برة فسماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زينب، سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - عند البخاري (عن) أمها (أم سلمة) هند بنت أبي أمية. ¬

_ (¬1) "الشرح الكبير" 8/ 32، "روضة الطالبين" 7/ 110.

(أن أم حبيبة) بنت أبي سفيان بن صخر (قالت: يا رسول الله، هل لك في أختي) فيه عرض البنات والأخوات على الأكابر، واسمها عزة بفتح العين المهملة والزاي المشددة بنت أبي سفيان. (قال: فأفعل ماذا؟ ) فيه مراجعة السائل إذا لم يفهم المفتي مراده (قالت: فتنكحها) أي: أرضى بأن تنكحها، قال بعض المتأخرين: أنها إنما سألت ذلك نيابة عن والدها أبي سفيان؛ فإنه أراد أن يزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - بابنته الأخرى عزة فاستعان بأم حبيبة. (قال: أختك؟ ) أي: بالرفع أي: مرادك أختك؟ (قالت: نعم. قال: أو تحبين) بفتح الواو، أراد بالاستفهام ها هنا الاستثبات في شدة الرغبة ليقرر الجواب بعد ذلك، وإنصافًا ليعلم ما السبب في محبتها ذلك ليترتب عليه الحكم الشرعي، فلذلك أجابت بقولها: لست لك بمخلية إلى آخره والكاف في (¬1) (ذلك) مكسورة لأنه خطاب لمفرد مؤنث. (قالت: لست بمخلية) بضم الميم وسكون الخاء المعجمة وكسر اللام وتخفيف الياء اسم فاعل من أخلاه وجده خاليًا، وهو من معاني أفعل كأحمدته وجدته حميدًا، وأبخلته وجدته بخيلًا، والمعنى: لست أجدك خاليًا من طلب الزوجات بعدي. قال البرماوي: أما تفسير النووي له بقوله: أي أخلى بك بغير ضرة، فإن قرئ مبنيًّا للمفعول فخالف ضبطه أولًا، أو مبنيًّا للفاعل فلا معنى (¬2)، وإنما ينبغي أن يقال: لست بمخليتك (بك) وظاهره على ما قاله النووي: ¬

_ (¬1) سقطت من الأصل والسياق يقتضيها. (¬2) كلمة غير مقروءة وأقرب تصور لها للكلام.

لست أخلى بك دون ضرة (¬1). (وأحب من شركني) بكسر الراء الخفيفة، أي: أحب من شاركني (في خير) يحصل من صحبتك ومحبتك والانتفاع بك في الدنيا والآخرة (أختي) عزة بفتح المهملة كما تقدم، وأختي مرفوع بضمة مقدرة خبر المبتدأ الذي هو أحب، وإنما قالت ذلك اعتقادًا بخصوصية النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك وإلا فصريح القرآن تحريم الجمع بين الأختين، بل قال بذلك بعض أصحابنا أن ذلك كان من خصائصه فلهذا اعترضت بنكاح درة بنت أبي سلمة مع أن تحريم الربيبة أيضًا جوزت الجمع بين الأختين له قياسًا على الربيبة، أما إذا لم تكن عالمة بالآية فيهما فلا يلزم من تحريم الجمع بين الأختين تحريم الربيبة؛ لعدم الملازمة. (قال: فإنها لا تحل لي. قالت: فوالله لقد أخبرت) بضم الهمزة وكسر الموحدة (أنك تخطب درة) بضم الدال المهملة وتشديد الراء المهملة. قال ابن دقيق العيد: ومن قال فيه (أو ذرة) بفتح الذال المعجمة فقد صحفه (¬2) (شك زهير) بن معاوية - رضي الله عنه - (بنت) بالنصب (أبي سلمة) بن عبد الأسد القرشية المخزومية ربيبة النبي - صلى الله عليه وسلم - بنت زوجته أم سلمة (قال: بنت) بنصب التاء آخره؛ لأن ما قبله منصوب، وحرف الاستفهام محذوف، أي: أبنت (أم سلمة) بن عبد الأسد، تقدم. (قالت: نعم) ويحتمل أن يكون معنى هذا الاستفهام استئنافًا لرفع الاشتراك، ويحتمل أن يكون جاء على طريق الإنكار لما أرادت من نكاح أختها. ¬

_ (¬1) "شرح النووي" 10/ 25. (¬2) "إحكام الأحكام" 1/ 392.

(قال: أما والله لو لم تكن ربيبتي في حجري) الربيب ولد امرأة الرجل من غيره؛ سمي بذلك لأن الرجل راب له من الرب وهو الإصلاح؛ لأنه يقوم بأموره ويصلح أحواله، فهو فعيل بمعنى مفعول، وكان العباس لا يلحقه بالتأنيث؛ لأن فعيلًا هذا مما يستوي فيه المذكر والمؤنث؛ لكنهم استعملوه بالياء خشية الالتباس؛ لأن اللفظ يشتق من التربية غلط؛ لعدم الاتفاق في الحروف الأصلية، في حجري بالفتح أفصح، ويجوز الكسر وهو مقدم على ثوب الإنسان وما بين يديه في حال اللبس، ثم استعملت اللفظة في الحفظ والستر، قال ابن عطية: لأن اللابس وما يحفظ إنما أشبهه الطفل وغيره بذلك الموضع من الثوب (¬1). والتقييد بكونها في حجره جرى مجرى الغالب خلافًا لداود كما قرر ذلك في الآية الشريفة، ويجوز أن يكون - عليه السلام - ذكر الحجر اقتداء بالقرآن، ويكون ذلك من باب التأدب بآداب القرآن في قوله تعالى {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (¬2)، "وإنا إن شاء الله بكم لاحقون" (¬3). (ما حلت لي) أي ليست الأخرى، أي أن هذا السبب وهو كونها ربيبة لو فقد لكانت حرامًا بسبب آخر وهو كذا، والحاصل أنها حرام بسببين لو فقد أحدهما لم يحتج إليه لوجود الآخر (إنها ابنة أخي) أبي سلمة (من الرضاعة) المحرمة (أرضعتني وأباها) بفتح الهمزة والموحدة أي: والدها أبو سلمة (ثويبة) بضم المثلثة وفتح الواو مصغر، زاد البخاري ¬

_ (¬1) "المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز" 2/ 38. (¬2) الكهف: 23/ 24. (¬3) رواه مسلم (249).

في أفراده، قال عروة: وثويبة مولاة لأبي لهب، كان أبو لهب أعتقها فأرضعت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما مات أبو لهب أريه بعض أهله بشر خيبة، قال له: ماذا لقيت؟ قال أبو لهب: لم ألق بعدكم غير أني سقيت في هذِه بعتاقتي لثويبة (¬1)، انتهى. قال السهيلي: يقال أنها بشرت مولاها أبا لهب بميلاد النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: اذهبي فأنت حرة (¬2). وقيل: إنه أعتقها بعد الهجرة، قاله ابن سعد في "الطبقات" (¬3)، والحاكم أبو أحمد، فعلى الأول سبب الإعتاق التخفف ببعض البشارة، وعلى الثاني الإعتاق ببعض الإرضاع (فلا تعرضن) بفتح التاء وسكون الضاد وكسر الراء؛ لوقوعها قبل نون النسوة مثل يضربن، ويجوز تشديد النون للتوكيد فيكسر الضاد حينئذٍ لالتقاء الساكنين، والأصل: فلا تعرضننّ بثلاث نونات، الأولى نون النسوة، والأخريان نون التوكيد المشددة فحذفت النون الأولى فالتقى ساكنان فكسر الأول، وخطابه لجمع النسوة، وأن القضية لامرأتين أم سلمة وأم حبيبة لتعميم الحكم لكل امرأة وردعًا وزجرًا أن يعود أحد لمثل ذلك. (علي بناتكن ولا أخواتكن) بفتح الخاء. فيه النهي عن عرض ما لا يحل نكاحهن للأزواج، وكذا عرض شراء ما لا يجوز تملكه كالمعازف والملاهي ونحوه. ¬

_ (¬1) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 7/ 193. (¬2) "الروض الأنف" 5/ 123. (¬3) "الطبقات الكبرى" 1/ 108.

وفي الحديث دليل على تحريم الجمع بين الأختين سواء كان عقدًا واحدًا أو عقدين. وفيه دليل على تحريم الرضاع من النسب، وأن يقاسا بنص القرآن.

8 - باب في لبن الفحل

8 - باب فِي لَبَنِ الفَحْلِ 2057 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ العَبْدِيُّ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ أفلَحُ بْنُ أَبي القُعَيْسِ فاسْتَتَرْتُ مِنْهُ. قَالَ: تَسْتَتِرِينَ مِني وَأَنا عَمُّكِ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: مِنْ أَيْنَ؟ قَالَ: أَرْضَعَتْكِ امْرَأَةُ أَخي. قَالَتْ: إِنَّما أَرْضَعَتْني المَرْأَةُ وَلَمْ يُرْضِعْني الرَّجُلُ. فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ: "إِنَّهُ عَمُّكِ فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ" (¬1). * * * باب في لبن الفحل [2057] (ثنا محمد بن كثير العبدي، أنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن هشام بن عروة) بن الزبير (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة قالت: دخل علي أفلح) بفتح الهمزة وسكون الفاء (ابن أبي القعيس) بضم القاف وفتح العين المهملة، وفي البخاري: أفلح أخو أبي القعيس (¬2). وقيل: أفلح أبو القعيس (¬3) أخو عائشة من الرضاعة (فاستترت منه) وللبخاري عن عائشة: أن أفلح أخا أبي القعيس جاء يستأذن عليها وهو عمها من الرضاعة بعد أن نزل الحجاب، فأبت أن تأذن له (¬4) (قال: تستترين مني وأنا عمك) فيه التثبيت بالأحكام حتى يتضح ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2644، 4796، 5103، 5239، 6156)، ومسلم (1445). وانظر: ما سلف برقم (2055). (¬2) "صحيح البخاري" (4796)، وكذا هو عند مسلم (1445/ 5). (¬3) "صحيح البخاري" (4796)، و"فتح الباري" 9/ 54. (¬4) "صحيح البخاري" (5103)، وكذا هو عند مسلم (1445/ 3).

بالاستفتاء، وفيه عدم كراهة التسمية بأفلح وإن كان قد جاء ما يخالفه، ولعل تقريره - عليه السلام - في هذا الحديث بيان الجواز، وأن النهي عن الكراهة دون التحريم أعني حديث النهي عن التسمية بأفلح (وأنا عمك) وللبخاري: أتحتجبين مني وأنا عمك؟ (¬1). (قالت: قلت: من أين؟ قال: أرضعتك امرأة أخي) وفي الصحيح عن عائشة: لو كان فلان (¬2) حيًّا لعمها من الرضاعة دخل علي؟ قال: "نعم". ثم قال في آخر الحديث: "إن الرضاعة تحرم ما يحرم من الولادة" (¬3). قال القابسي: هما عمان لعائشة أحدهما أخو أبيها أبي بكر من الرضاعة أرضعتهما امرأة واحدة، والثاني أخو أبيها من الرضاعة يعني أخا أبي القعيس (¬4). كما قال: أرضعتك امرأة أخي. قال ابن أبي حازم: هما واحد في الحديثين. قال عياض: والأشبه قول أبي الحسن؛ إذ لو كان واحدًا لم تحتج للامتناع منه ولحجابه بعد إعلام النبي - صلى الله عليه وسلم - لها بذلك، أو لسؤالها عن عمها الميت لو كان حيًّا. ورجح بعضهم قول أبي حازم، وقال: لعل عم حفصة كان بخلاف عمها، وأفلح إما أن يكون أخاها (¬5) شقيقًا والآخر لأب أو أم فقط، أو يكون أحدهما أعلى في العمومة والأخر أدنى أو يكون أحدهما أرضعت زوجة أخيه بعد موته والأخر في ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (2644). (¬2) سقطت من الأصل، واستدركتها من "صحيح البخاري". (¬3) "صحيح البخاري" (2646). (¬4) "شرح النووي" 10/ 20. (¬5) في "إكمال المعلم": أخوهما.

حياته، فأشكل هذا الأمر عليها حتى سألت عن حكم ذلك. وفي حديث عائشة حجة على أن قليل الرضاعة وكثيرها يحرم كما تقدم؛ إذ لم يقع في الرضاع سؤال عن عدد الرضعات، واكتفي فيه بأنه عم من الرضاعة مجملًا ولم يفصل (¬1). (قالت: إنما أرضعتني المرأة) فيه الحصر بإنما، ومفهوم الحصر أن الرجل لم يرضع وإنما ذكر (ولم يرضعني الرجل) زيادة في البيان. اختلف العلماء في التحريم بلبن الفحل، فجمهور العلماء على أنه يحرم كما هو ظاهر الحديث، وذهبت طائفة إلى أنه لا يحرم وإنما يقع التحريم في ناحية المرأة لا من ناحية الرجل، روي هذا عن عائشة وابن عمر وابن الزبير وغيرهم من التابعين، وهو مذهب أهل الظاهر وابن ابنة الشافعي، وقيل: إنه لا يصح عن عائشة، وهذا الأشبه؛ لأنها روت الحديث فيه، وقال الإمام الشافعي: نشر الحرمة إلى الفحل خارج عن القياس؛ فإن اللبن ليس ينفصل منه، وإنما ينفصل منها، والمتبع الحديث (¬2) (فدخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحدثته، فقال: إنه عمك) بوب عليه البخاري في الشهادات: باب: الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض والموت القديم. (فليلج عليك) (¬3) وللبخاري في باب: لبن الفحل: فأمرني أن آذن له. ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" 4/ 324. (¬2) انظر: "الحاوي الكبير" 11/ 358 - 359، و"عون المعبود" 6/ 59 - 60 به. (¬3) أخرجه البخاري كما تقدم، ومسلم (1445/ 3)، والترمذي (1148)، والنسائي 6/ 103، وابن ماجه (1949) من طرق عن عروة بنحوه.

وفيه إثبات التحريم بلبن الفحل، وأن زوج المرضعة بمنزلة الوالد للرضيع، وأخاه بمنزلة العم له. قال الخطابي: اللفظ عام ومعناه خاص، وتفصيله أن الرضاع يجري عمومه في تحريم النكاح للمرضعة وذوي أرحامها على الرضيع مجرى النسب، ولا يجري بين الرضيع وذوي أرحامه مجراه، وذلك أنه إذا أرضعته صارت أمًّا له يحرم عليه نكاحها ونكاح محارمها، وهي لا تحرم على أبيه ولا على ذوي أنسابه غير أولاده (¬1). فيجري الأمر في هذا الباب عمومًا في أحد الشقين وخصوصًا في الشق الآخر. ¬

_ (¬1) "مختصر سنن أبي داود" المطبوع معه "معالم السنن" 3/ 9.

9 - باب في رضاعة الكبير

9 - باب فِي رَضاعَةِ الكَبِيرِ 2058 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ ح وَحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ المَعْنَى واحِدٌ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيْها وَعِنْدَها رَجُلٌ قَالَ حَفْصٌ: فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ - ثُمَّ اتَّفَقا - قَالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ أَخِي مِنَ الرَّضاعَةِ. فَقَالَ: "انْظُرْنَ مَنْ إِخْوانُكُنَّ فَإِنَّما الرَّضاعَةُ مِنَ المَجاعَةِ" (¬1). 2059 - حَدَّثَنا عَبْدُ السَّلامِ بْنُ مُطَهِّرٍ أَنَّ سُلَيْمانَ بْنَ المُغِيرَةِ حَدَّثَهُمْ، عَنْ أَبي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابن لِعَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابن مَسْعُودٍ قَالَ: لا رِضاعَ إلَّا ما شَدَّ العَظْمَ وَأَنْبَتَ اللَّحْمَ. فَقَالَ أَبُو مُوسَى: لا تَسْأَلُونا وهذا الحَبْرُ فِيكُمْ (¬2). 2060 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمانَ الأَنْبارِيُّ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ المُغِيرَةِ، عَنْ أَبي مُوسَى الهِلالِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابن مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، بِمَعْناهُ وقَالَ: أَنْشَزَ العَظْمَ (¬3). * * * باب في رضاعة الكبير [2058] (ثنا حفص بن عمر) الحوضي (ثنا شعبة) بن الحجاج الواسطي (وثنا محمد بن كثير) العبدي (أنا سفيان) الثوري (عن أشعث) بن أبي الشعثاء (سليم) المحاربي (عن أبيه) أبي الشعثاء سليم بن أسود ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2647، 5102)، ومسلم (1455). (¬2) رواه الدارقطني 4/ 173، والبيهقي 7/ 460، 461 ورواية الدارقطني مرفوعة. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1798). (¬3) رواه أحمد 1/ 432، والدارقطني 4/ 172 - 173، والبيهقي 7/ 461. وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (350).

ابن حنظلة المحاربي الكوفي (عن مسروق، عن عائشة - المعنى واحد - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها وعندها رجل) لم أطلع على تسميته، لكن في البخاري في باب الغسل بالصاع أن أبا (¬1) سلمة قال: دخلت على عائشة أنا وأخوها من الرضاعة (¬2). وأخرج مسلم من حديث أبي قلابة: وعبد الله بن يزيد رضيع عائشة (¬3). تابعي من أهل البصرة. (قال حفص) بن عمر دون محمد بن كثير (فشق عليه وتغير وجهه) كأنه كره ذلك، ولمسلم: فاشتد ذلك عليه، ورأيت الغضب في وجهه (¬4) (ثم اتفقا) فيما بعد (قالت: يا رسول الله إنه أخي من الرضاعة) بفتح الراء على الأفصح (فقال: انظرن من إخوانكن) جمع أخ في رواية للبخاري: "ما إخوانكن" (¬5). إيقاعًا للفظة (ما) موقع (من) في قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} (¬6)، قال ابن دقيق العيد: فيه نوع من التعريض لخشية أن يكون رضاعه لذلك الشخص وقع في حال الكبر (¬7). ففيه نوع تحذير، وفيه استعمال لفظ إخوان في غير الأصدقاء، وهو أكثر ما يستعمل فيهم عند أهل اللغة، والأخوة في الولادة فيقال فيهم: إخوة، ¬

_ (¬1) تحرفت في الأصل إلى: أم. والمثبت من "صحيح البخاري" وكذلك كلمة: قال، حرفت إلى: قالت. (¬2) "صحيح البخاري" (251). (¬3) "صحيح مسلم" (947) (58). (¬4) "صحيح مسلم" (1455) (32). (¬5) انظر: "عمدة القاري" 20/ 97. (¬6) النساء: 3. (¬7) "إحكام الأحكام" 1/ 423.

وكذا الرضاع كما في هذا الحديث. (فإنما) هي للحصر؛ لأن المقصود الرضاعة المحرمة في المجاعة لا مجرد (الرضاعة) ولمسلم: "إنما". والإتيان بالفاء أصرح في التعليل، ووجه التعليل في ذلك أن الرضاعة المعتبرة في المحرمية شرعًا ما كان فيه تقوية البدن واستغناؤه به من الجوع، وذلك إنما يكون في حال الطفولية قبل الحولين كما أشير إلى ذلك في قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} (¬1)، وأمَّا بعد الحولين فالولد يستغني غالبًا بغير اللبن، فليس الرضاعة (من المجاعة) ولا يشبعه بعد ذلك إلا الخبز واللحم وغير ذلك كما سيأتي في الحديث بعده "لا رضاع إلا ما شد العظم وأنبت اللحم" (¬2). [2059] (ثنا عبد السلام بن مطهر) بفتح الهاء المشددة، ابن حسام بن مصك الأزدي، شيخ البخاري (أن سليمان بن المغيرة) القيسي مولى بني قيس بن ثعلبة (حدثهم عن أبي موسى) ذكره ابن عبد البر فيمن لم يذكر له اسمٌ سوى كنيته، ويعرف بأبي موسى الهلالي (عن أبيه، [عن ابن عبد الله] (¬3) بن مسعود، عن) عبد الله (بن مسعود قال: لا رضاع) بكسر الراء (إلا ما شد العظم) أي: قوَّاه (وأنبت اللحم) أي: لحم المولود في بطن أمه كما ينبت الزرع في الأرض، والمعنى: أن حرمة الإرضاع لا تنتشر، ويؤثر التحريم كما تؤثر الولادة إلا إذا أنبتت الرضاعة اللحم ¬

_ (¬1) البقرة: 233. (¬2) يأتي تخريجه في الحديث التالي. (¬3) سقطت من الأصل واستدركته من مطبوعة "السنن".

وشدت العظم وقَوَّته، وتراعى مدة ذلك في الحولين كما اقتضته حكمة الله تعالى، ويدل على ذلك ما رواه الدارقطني من حديث عمرو بن دينار عن ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا رضاع إلا ما كان في الحولين" (¬1). وقال البيهقي: الصحيح موقوف (¬2). ويحتج له بحديث فاطمة بنت المنذر عن أم سلمة: لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام (¬3). والظاهر أن المراد بفتق الأمعاء انفتاحها ليدخل فيها اللبن، والأصل في الحولين قوله تعالى: {يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} (¬4) (فقال أبو موسى) الأشعري عمَّن مصَّ من ثدي امرأته لبنًا: حرمت عليك. فقال ابن مسعود: انظر ما تفتي به. فقال أبو موسى: ما تقول أنت؟ فقال ابن مسعود .. الحديث. فقال أبو موسى: (لا تسألونا) عن شيء. (وهذا الحبر فيكم) المراد بالحبر ابن مسعود في الحديث المذكور في "الموطأ" (¬5) عن يحيى بن سعيد، وفيه الاعتراف بمنزلة من فاق قومه وأنه يتعين السؤال له دون من دونه. [2060] (ثنا محمد بن سليمان الأنباري) بتقديم النون كما تقدم (ثنا وكيع، عن سليمان بن المغيرة، عن أبي موسى) سئل أبو حاتم الرازي عن أبي موسى فقال: مجهول، وأبوه مجهول (¬6) (الهلالي، عن أبيه) عن ابن ¬

_ (¬1) "سنن الدارقطني" (4364). (¬2) "السنن الكبرى" 7/ 462. (¬3) أخرجه الترمذي (1152)، وابن ماجه (1946)، وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬4) البقرة: 233. (¬5) "الموطأ" (1267) وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (1798): مرسل أو معضل. (¬6) "الجرح والتعديل" 9/ 438 (2197).

لعبد الله بن مسعود (عن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمعناه، فقال) لا رضاع إلا ما (أنشز العظم) له أنشز يروى بالراء المهملة أي: شدَّه وقوَّاه، من الإنشار بمعنى الإحياء قال الله تعالى: {ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ}، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو (وانظر إلى العظام كيف نُنشرها) (¬1) بضم النون الأولى وكسر الشين بعدها راء مهملة، وقرأ ابن عباس والحسن وأبو حيوة وأبان عن عاصم بفتح النون وضم الراء المهملة، وقرأ باقي السبعة بضم النون الأولى وكسر الزاي المعجمة، فقراءة الراء المهملة: نشر وأنشر بمعنى أحيا، وقراءة الضم مع الزاي بمعنى الارتفاع عن الحالة التي كان عليها، ويروى في الحديث: "إلا ما أنشز العظم" بالزاي أي: زاد في حجمه، والنشز بالزاي ما ارتفع من الأرض. وفي الحديث: "كان إذا أوفى على نشز كبر" (¬2) (¬3) وهو بسكون الشين وفتحها، والحديث وإن كان قد تكلم فيه. وقال: أبو موسى وأبوه مجهولان. فقد أخرجه البيهقي من وجهٍ آخر من حديث أبي حصين عن أبي (¬4) عطية قال: جاء رجل إلى أبي موسى (¬5)، فذكر بمعناه. ¬

_ (¬1) البقرة: 259. وانظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور 3/ 37. (¬2) تحرفت في الأصل إلى: خير. (¬3) أخرجه عبد الرزاق (9238)، والطبراني في "الكبير" (13371) من حديث ابن عمر. (¬4) تحرفت في الأصل إلى: ابن. (¬5) "السنن الكبرى" 7/ 461.

10 - باب فيمن حرم به

10 - باب فِيمَنْ حَرَّمَ بِهِ 2061 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَني يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وأُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ أَبا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ كَانَ تَبَنَّى سالِمًا وَأَنْكَحَهُ ابنةَ أَخِيهِ هِنْدَ بِنْتَ الوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَهُوَ مَوْلًى لامرَأَةٍ مِنَ الأَنْصارِ كَما تَبَنَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زَيْدًا، وَكَانَ مَنْ تَبَنَّى رَجُلًا فِي الجاهِلِيَّةِ دَعاهُ النّاسُ إِلَيْهِ وَوُرِّثَ مِيراثَهُ حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ - سبحانه وتعالى - فِي ذَلِكَ {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} فَرُدُّوا إِلَى آبائِهِمْ فَمَنْ لَمْ يُعْلَمْ لَهُ أَبٌ كَانَ مَوْلًى وَأَخًا فِي الدِّينِ، فَجاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو القُرَشِيِّ، ثُمَّ العامِريِّ - وَهَيَ امْرَأَةُ أَبِي حُذَيْفَةَ - فَقَالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ إِنّا كُنّا نَرى سالِمًا وَلَدًا وَكَانَ يَأْوي مَعَي وَمَعَ أَبِي خذَيْفَةَ فِي بَيْتٍ واحِدٍ وَيَرانِي فُضْلًا وَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ - عز وجل - فِيهِمْ ما قَدْ عَلِمْتَ فَكَيْفَ تَرى فِيهِ فَقَالَ لَها النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَرْضِعِيهِ". فَأَرْضَعَتْهُ خَمْسَ رَضَعاتٍ، فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِها مِنَ الرَّضاعَةِ، فَبِذَلِكَ كَانَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها تَأْمُرُ بَناتِ أَخَواتِها وَبَناتِ إِخْوَتِها أَنْ يُرْضِعْنَ مَنْ أَحَبَّتْ عَائِشَةُ أَنْ يَراها وَيَدْخُلَ عَلَيْها وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا خَمْسَ رَضَعاتٍ ثُمَّ يَدْخُلَ عَلَيْها، وَأَبَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَسائِرُ أَزْواجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُدْخِلْنَ عَلَيْهِنَّ بِتِلْكَ الرَّضاعَةِ أَحَدًا مِنَ النّاسِ حَتَّى يَرْضَعَ فِي المَهْدِ وَقُلْنَ لِعائِشَةَ: والله ما نَدْرِي لَعَلَّها كَانَتْ رُخْصَةً مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِسالِمٍ دُونَ النّاسِ (¬1). ويرى الفقهاء أن المقصود بالرضاعة هنا أن تفرغ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ لبنها في إناء وترسله لسالِمٍ ليشربه وتكرر ذلك خمس مرات وبذلك تحرم عليه. * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4000، 5088) دون ذكر مسألة الرضاعة، ومسلم (1453، 1454).

باب من حرم به [2061] (ثنا أحمد بن صالح) أبو جعفر بن الطبري شيخ البخاري. (ثنا عنبسة، قال: حدثني يونس، عن ابن شهاب قال: حدثني عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -. و) عن (أم سلمة) زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أن أبا حذيفة) اسمه قيس، وقيل: هاشم. وقيل: هشيم (بن عتبة) بضم المهملة وسكون المثناة الفوقانية (بن ربيعة بن عبد شمس) القرشي من فضلاء الصحابة، هاجر الهجرتين وصلى القبلتين، من المهاجرين الأولين، قال البخاري: وكان ممن شهد بدرًا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - (وكان تبنى) أي: اتخذه ابنا له فنسب إليه (سالمًا) وهو أبو عبد الله سالم بن معقل بفتح الميم وسكون المهملة، مولى أبي حذيفة، كان من خيار الصحابة وفضلاء الموالي، يعد في قريش لتبني أبي حذيفة ويعد في المهاجرين لهجرته، ويعد في الأنصار لأن معتقته أنصارية، ويعد في العجم لأنه من أهل فارس من إصطخر من كرمة ومن سبي كرمان، ويعد في القراء، وكان يؤم المهاجرين بقباء وعمر فيهم. (وأنكحه بنت أخيه هند) بالنصب، وأخيه بفتح الهمزة وكسر الخاء، وضبطه في بعض الروايات ابنة، بضم الهمزة وسكون النون والحاء، هذا غير صحيح، واحتج من خالف البخاري وأبا داود وغيرهما بأن قال: إنما هذِه سالمًا، ونكحت زينب زيدًا قبل أن يدعيا إلى أبويهما وهم يرون أن من تبنى أحدًا فإنه ابنه. (بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة) وذكر الزبير بن بكار أن هند ولدت لقدامة بن مظعون وذكر لها شعرًا (وهو مولى لامرأة من الأنصار) اسمها

ثبيتة بضم المثلثة وفتح الموحدة وإسكان المثناة، وقيل: سلمى بنت يعار (كما تبنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيدًا) بن حارثة بن شراحيل (وكان من تبنى رجلًا في الجاهلية) سموا بذلك لكثرة جهالاتهم (دعاه الناس إليه) أي: نسبوه إليه (وورث) بكسر الراء (ميراثه) كما قال تعالى {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} (¬1) (حتى أنزل الله {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ}) (¬2) الذين ولدوهم {هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} (¬3) أي: قولكم لأدعيائكم فلان بن فلان، فانسبوه لأبيه الذي ولده (إلى قوله) تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ}) أي: فهم إخوانكم ({فِي الدِّينِ}) إذا لم تعرفوا للداعي أن يعرف فيقول: أخي فلان ({وَمَوَالِيكُمْ}) من ولاء العتاقة، وقيل: من موالاة المودة وكانوا قد تبنوا مماليكهم، فلما نزلت الآية انتسبوا لآبائهم حتى لو كان لأحدهم أبٌ حمار لانتسب إليه (فردوا) بضم الراء مبني لما لم يسم فاعله (إلى آبائهم) أي: تنسبوا الأبناء إلى آبائهم وتركوا التبني. (فمن لم يعرف) أي: يعرف (له أب) ينتسب إليه (كان مولى) من العتاقة أو من موالاة المودة (وأخًا في الدين) سمي أخًا لأنه يتوخى أي: يقصد ما يود أخوه وما فيه نفعه ليوصله إليه (فجاءت سهلة) بفتح السين المهملة (بنت سهيل بن عمرو القرشي ثم العامري) وهي أيضًا امرأة أبي حذيفة [وولدت له] (¬4) محمد بن أبي حذيفة، وولدت لعبد الرحمن بن عوف سالمًا (فقالت: يا رسول الله، إنا كنا نرى) بضم ¬

_ (¬1) النساء: 11. (¬2) و (¬3) الأحزاب: 5. (¬4) غير موجودة بالأصل، والمثبت من كتب التراجم.

النون أي: نظن ونعتقد (سالمًا ولدًا) أي: بمنزلة الولد في حكمه (وكان يأوي معي) بسكون الهمزة أي: ينضم ويجتمع (ومع أبي حذيفة في بيت واحد) نسكن فيه ليس لنا غيره، والمأوى المنزل، وفي الحديث: "الحمد لله الذي كفانا وآوانا" (¬1) أي ردنا إلى مأوى لنا ولم يجعلنا منتشرين متفرقين (و) إنه (يراني فضلًا) بضم الفاء والضاد المعجمة أيضًا مثل جنب، قال في "النهاية": أي متبذلة في ثياب مهنتي، يقال: تفضلت المرأة إذا لبست ثياب مهنتها أو كانت في ثوب واحد فهي فضل (¬2). وذلك الثوب مفضال، وقيل: معنى فضل مكشوفة الرأس، وقيل: رجل فضل إذا كان عليه قميص ورداء دون سراويل. (وقد أنزل الله) تعالى (ما قد علمت) تعني: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} (¬3) (فكيف ترى فيه؟ فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: أرضعيه) بفتح الهمزة أي: لتحرمي (¬4) عليه (فأرضعته خمس رضعات) بفتح الضاد؛ لأن فعلة إذا كانت اسمًا أو مصدرًا فعينها مفتوحة في الجمع السالم كركعات، قال الله تعالى: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} (¬5)، وإن كانت صفة فساكنة العين كضخمات، والمراد بخمس الرضعات أن يكن متفرقات، لكن استغني عنه بجمع الرضعة (فكان) بعد ذلك سالم (بمنزلة ولدها) في التحريم والخلوة والرؤية (من) أجل تلك (الرضاعة) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2715) (64) وسيأتي عند أبي داود في باب ما يقال عند النوم. (¬2) "النهاية" (فضل). (¬3) البقرة: 233. (¬4) في النسخة الخطية: تحرمي. والمثبت المناسب للسياق. (¬5) فاطر: 8.

استدل به لما شذ من قول الليث بن سعد وعطاء أن رضاع الكبير يوجب التحريم، وهو قول عائشة كما سيأتي، وروي عن أبي موسى، وروي عنه ما يدل على رجوعه كما سيأتي، وبه قال أهل الظاهر، واتفق أئمة الأمصار أن رضاع الكبير لا يحرم (¬1)، واتفقوا على حمل هذا الحديث على أحد وجهين: إما على الخصوص، وإما على النسخ، كما سيأتي. (فبذلك كانت عائشة) رضي الله عنها (تأمر بنات) بكسر التاء آخره؛ لأنه جمع مؤنث سالم (أخواتها، وبنات) بكسر التاء أيضًا (أخويها أن يرضعن كل من أحبت عائشة) رضي الله عنها (أن يراها) ورواية "الموطأ": فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا: "أرضعيه خمس رضعات، فيحرم بلبنها"، وكانت تراه ابنا من الرضاعة، فأخذت بذلك عائشة أم المؤمنين فيمن كانت تحب أن يدخل عليها من الرجال، فكانت أختها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق وبنات أختها يرضعن من أحبت أن يدخل عليها من الرجال (¬2). (ويدخل عليها) ويخلو بها ويسافر معها وينظر منها ما ينظر المحرم من النسب (وإن كان الراضع كبيرًا) أي: رجلًا (خمس رضعات، ثم يدخل عليها) الراضع ويخلو بها، وهذا مذهب عائشة والليث وداود، وخالفهم الجمهور وسائر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - كما سيأتي، وذكر ابن المواز (¬3) حديث "الموطأ" عن عائشة أنها كانت تأخذ بذلك في ¬

_ (¬1) انظر: "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 7/ 197. (¬2) "الموطأ" (1265). (¬3) تحرفت في الأصل إلى الوزان.

الحجاب خاصة، وقد اعتضد الجمهور بأن هذا مخالف للقواعد في الرضاع، ولقاعدة تحريم الاطلاع على العورة؛ لأن ثدي الحرة عورة، ولا يجوز للأجنبي الاطلاع عليه (¬1). قال القرطبي: ولا يقال: يمكن أن يرضع ولا يطلع؛ لأنا نقول: إن نفس التقام حلمة الثدي بالفم لا يجوز (¬2). ومما يدل على قول الجمهور ما أخرجه مالك في "الموطأ" عن عبد الله بن دينار قال: جاء رجل إلى عبد الله بن عمر وأنا معه عند دار القضاء يسأله عن رضاعة الكبير، فقال ابن عمر: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: إني كانت لي وليدة أطؤها، فعمدت امرأتي فأرضعتها ثم قالت لي: دونك قد والله أرضعتها، فقال عمر: أوجعها ضربًا وأت (¬3) جاريتك، فإن الرضاعة في الصغر (¬4). وروى أبو داود الطيالسي في "مسنده" (¬5) عن جابر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا رضاع بعد فصال، ولا يتم بعد احتلام" (¬6). (وأبت) أي: امتنعت (أم سلمة) هند بنت أبي أمية زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكانت قبله عند أبي سلمة بن عبد الأسد فولدت له عمر وسلمة ودرة وزينب. وعن أم الحسن أنها كانت عند أم سلمة، فدخل عليها مساكين فجعلوا يلحون في المسألة، فقلت: اخرجن. فقالت أم سلمة: ما بهذا أمرنا يا ¬

_ (¬1) انظر: "المفهم" 4/ 187 - 188. (¬2) "المفهم" 4/ 188. (¬3) تحرفت في الأصل إلى: وأين. (¬4) "الموطأ" (1266). (¬5) في النسخة الخطية: سننه. (¬6) "مسند أبي داود الطيالسي" (1876).

جارية، ردي كل واحدة، ولو بتمرة تضعيها في يدها (¬1). (وسائر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدخلن) بضم الياء (عليهن بتلك الرضعة) بفتح الراء (أحدًا من الناس) جاوز الحولين (حتى يرضع في المهد) المهد المكان للصبي ينام فيه، ويراد به حجراته أيضًا (وقلن لعائشة: والله ما ندري) حكم رضاعة سالم (لعلها كلانت رخصة من النبي - صلى الله عليه وسلم - لسالم) مولى أبي حذيفة (دون) غيره من (الناس) وقد قال الشافعي: هو رخصة لسالم خاصة (¬2). وقاله ابن المنذر. قال القرطبي: أطلق بعض الأئمة على حديث أم سلمة أنه منسوخ، وأظنه سمى التخصص نسخًا، وإلا فحقيقة النسخ لم تحصل (¬3). وعلى ما تقرر ليس يخلو إما أن يكون منسوخًا أو خاصًّا بسالم كما قالت أم سلمة وسائر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهن بالخاص والعام والناسخ والمنسوخ أعلم من غيرهن. ¬

_ (¬1) أورده ابن عبد البر في "الاستيعاب" في ترجمة أم سلمة (4160). (¬2) "الأم" 5/ 47. (¬3) "المفهم" 4/ 189.

11 - باب هل يحرم ما دون خمس رضعات

11 - باب هَلْ يُحَرِّمُ ما دُونَ خَمْسِ رَضَعاتٍ 2062 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّها قَالَتْ: كَانَ فِيما أَنْزَلَ اللهُ - عز وجل - مِنَ القُرْآنِ عَشْرُ رَضَعاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُوماتٍ يُحْرِّمْنَ، فَتُوُفِّيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُنَّ مِمّا يُقْرَأُ مِنَ القُرْآنِ (¬1). 2063 - حَدَّثَنا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابن أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُحَرِّمُ المَصَّةُ وَلا المَصَّتانِ" (¬2). * * * باب هل يحرم ما دون خمس رضعات؟ [2062] (ثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب (القعنبي، عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم) الأنصاري المدني. (عن) خالة أبيه (عمرة بنت عبد الرحمن) بن سعد بن زرارة من فقهاء التابعين، أخذت (عن عائشة) وكانت في حجرها (أنها قالت: كان فيما أنزل الله من القرآن على محمد - صلى الله عليه وسلم - عشر رضعات) زاد مسلم: معلومات (¬3). (يحرمن) بتشديد الراء كما يحرم النسب (ثم نسخن) العشر تلاوة وحكمًا (بخمس) رضعات (معلومات) ووصفها بالمعلومات إنما هو محرز مما يتوهم أو يشك في وصوله إلى الجوف ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1452). (¬2) رواه مسلم (1450). (¬3) "صحيح مسلم" (1452) (24).

من الرضعات، وبقيد دليل خطابه أن الرضعات إذا كانت غير معلومات الوصول لم يحرمن، ولو شك هل رضع خمسًا أم أقل؟ وهل رضع في حولين أم بعده؟ فلا تحريم؛ لأن الأصل عدمه، ولا يخفى الورع وخمس أكلات من خبز صنع من لبن المرأة أو من زبد من لبنها في معنى الخمس رضعات. فإن قيل: لا حجة في هذا الحديث على التحريم؛ لأن عائشة ذكرت في عشر رضعات ونسخها بخمس أن ذلك كان من القرآن وهو آحاد لم يتواتر إلينا، وخبر الآحاد لا يثبت به القرآن، ولأن عائشة لم ترفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيكون لا يصلح التمسك به كما ذكر في الأصول، وهذا سؤال أشار إليه النووي في "شرح مسلم" (¬1) ولم يجب عنه، وأجاب إلكيا الطبري بأن القرآن وإن لم يثبت بخبر الواحد لكن يثبت حكمه والعمل به، والأحسن الاستدلال بحديث سالم قبله؛ فإن فيه تخصيص الرضعات بخمس، وهو محل ضرورة، فلو حصل بما دونها لذكره (فتوفي رسول - صلى الله عليه وسلم - وهن مما يقرأ من القرآن) تريد بذلك قرب عهد النسخ من وفاة رسول الله حتى أن بعض من لم يبلغه النسخ يقرأه على الرسم الأول، وهذا مما نسخ لفظه يعني الخمس وبقي حكمه، فهو نظير: الشيخ والشيخة إذا زنيا فإنه نسخ لفظه وبقي حكمه، وأما العشر فنسخ لفظه وحكمه. [2063] (ثنا مسدد بن مسرهد، ثنا إسماعيل) ابن علية (عن أيوب، عن) عبد الله بن عبيد الله (بن أبي مليكة) زهير التيمي المكي (عن عبد الله ¬

_ (¬1) "شرح النووي" 10/ 30.

ابن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تحرم) بتشديد الراء المكسورة، زاد مسلم: الرضعة أو الرضعتان أو (¬1) (المصة ولا المصتان) (¬2). قال القرطبي: لم يقل أحد فيما علمت بظاهر هذا الحديث إلا داود الظاهري فإنه قال: أقل ما يحرم ثلاث رضعات، فلا تحرم الرضعة ولا الرضعتان، وهو تمسك بدليل الخطاب (¬3). انتهى. وفي وجه عند الشافعية يعتبر في التحريم ثلاث رضعات، واختاره ابن المنذر من أصحابنا للحديث؛ فإن أدنى ما يكون من العدد بعد الاثنتين الثلاث (¬4). قال ابن المنذر فيما حكاه ابن الرفعة: واختاره مشايخنا، والمراد به مشايخ ابن المنذر، وزعم زاعم أن الصواب نسبة الرافعي ذلك إلى مشايخه وابن المنذر لا يقف مع المذهب أصلًا، ولا تعد اختياراته وجوهًا قطعًا، ولو حكم بالتحريم برضعة حاكم لم ينقض، وعن الإصطخري ينقض (¬5). فقد حكى ابن المنذر عن جمهور العلماء أن التحريم يثبت برضعة واحدة، وحكاه عن علي وابن مسعود وابن عمر ¬

_ (¬1) وردت هذِه الزيادة عند مسلم (1451) (20) من حديث أم الفضل لبابة بنت الحارث. (¬2) الحديث أخرجه مسلم (1450) (17)، والترمذي (1150)، والنسائي 6/ 101، وابن ماجه (1941)، وأحمد 6/ 31 من طرق عن أيوب به. (¬3) "المفهم" 4/ 184. (¬4) انظر: "الأوسط" لابن المنذر 8/ 555، و"روضة الطالبين" 9/ 7. (¬5) "روضة الطالبين" 9/ 7.

وابن عباس وعطاء وطاوس وابن المسيب والحسن ومكحول والزهري وقتادة والحكم وحماد ومالك والأوزاعي والثوري وأبي حنيفة (¬1). لأنه أقل ما ينطلق عليه الاسم في الرضاع، ولا شك في صدق الاسم على الواحدة في مثل {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} (¬2)، وفي: "يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب" (¬3). كما تقدم؛ فإنه يصدق على القليل كما يصدق على الكثير، وعضد هذا عمل أهل المدينة، فقد روى مالك عن عروة وسعيد بن المسيب وابن شهاب: أن القطرة الواحدة تحرم (¬4)، وعضده قياس الرضاعة على الصهر، واعتذروا عن الأحاديث المخالفة، واعترضت الشافعية على المالكية بهذا الحديث: "لا تحرم المصة ولا المصتان". وأجابوا عنه بأجوبة. قال النووي: باطلة لا ينبغي ذكرها (¬5). ¬

_ (¬1) "الأوسط" 8/ 550 - 551، و"المدونة" 2/ 295، و"المبسوط" 5/ 126. (¬2) النساء: 23. (¬3) تقدم قريبًا. (¬4) "الموطأ" ص 374. (¬5) "شرح النووي" 10/ 30.

12 - باب في الرضخ عند الفصال

12 - باب فِي الرَّضْخِ عِنْدَ الفِصالِ 2064 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن مُحَمَّدٍ النُّفَيْليُّ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ ح وَحَدَّثَنا ابن العَلاءِ، حَدَّثَنا ابن إِدْرِيسَ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَجّاجِ بْنِ حَجّاجٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ ما يُذْهِبُ عَني مَذَمَّةَ الرَّضاعَةِ؟ قَالَ: "الغُرَّةُ العَبْدُ أَوِ الأَمَةُ". قَالَ النُّفَيْليُّ: حَجّاجُ بْنُ حَجّاجٍ الأَسْلَميُّ وهذا لَفْظُهُ (¬1). * * * باب في الرضخ عند الفصال الرضخ: عطية غير الكثير. [2064] (ثنا عبد الله بن محمد النفيلي، ثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (ثنا) محمد (ابن العلاء) بن كريب الهمداني (أنا) عبد الله (ابن إدريس) كلاهما (عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير (عن حجاج بن حجاج) الأسلمي (عن أبيه) حجاج بن مالك الأسلمي ويقال: الحجاج بن عمرو الأسلمي، والأول أصح، مدني كان ينزل العرج بفتح المهملة وإسكان الراء ثم جيم، قرية جامعة على طريق مكة (قال: قلت: يا رسول الله ما يذهب) بضم أوله وكسر ثالثه (عني مذمة) بفتح الميم وكسر الذال المعجمة وفتحها لغتان مع تشديد الميم المفتوحة، مفعلة من الذم، وهي بفتح الميم وكسرها من الذمة والذمام، وقيل: هي بالكسر والفتح، ورجحه المنذري، هي الحق ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1153)، والنسائي 6/ 108، وأحمد 3/ 450، ابن حبان (4230، 4231). وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (351).

والحرمة التي يذم بتضييعها، وتقييد الحديث بالوجهين يدل على أن المراد به الحق والحرمة، فكأنه سأل ما يسقط عني الحق اللازم بسبب الرضاع حتى أكون قد أديته كاملًا؟ فحذف المضاف، تقول: إنها قد خدمتك وأنت طفل، وحضنتك وأنت صغير. (الرضاعة قال) تذهبه (الغرة) وهي الخادم، أي: كافئها على خدمتها بخادم يكفيها المهنة وهي الخدمة قضاء لذمامها وجزاء لإحسانها إليك. قال النخعي: كانوا يستحقون للمرضعة عند فصال الصبي بشيء سوى أجرتها، وأصل الغرة بياض في الوجه، ولهذا قال ابن عبد البر: لا يكون العبد أو الأمة إلا أبيضين لذكره الغرة (العبد أو الأمة) قال الجوهري: كأنه عبر عن الجسم كله بالغرة (¬1)، فهو من باب التعبير بالبعض عن الكل، كقوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} (¬2)، وظاهر هذا يرد ما قاله ابن عبد البر من البياض. (قال: ) عبد الله (النفيلي) في روايته: هو (حجاج بن حجاج الأسلمي، وهذا لفظه) بزيادة الأسلمي. ¬

_ (¬1) "الصحاح" (غرر). (¬2) النساء: 92.

13 - باب ما يكره أن يجمع بينهن من النساء.

13 - باب ما يُكْرَهُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُنَّ مِنَ النِّساءِ. 2065 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عامِرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُنْكَحُ المَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِها، وَلا العَمَّةُ عَلَى بِنْتِ أَخِيها، وَلا المَرْأَةُ عَلَى خالَتِها وَلا الخالَةُ عَلَى بِنْتِ أُخْتِها وَلا تُنْكَحُ الكُبْرى عَلَى الصُّغْرى، وَلا الصُّغْرى عَلَى الكُبْرى" (¬1). 2066 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا عَنْبَسَةُ أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ، أَخْبَرَنِي قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أبا هُرَيْرَةَ يَقُول: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ المَرْأَةِ وَخالَتِها وَبَيْنَ المَرْأَةِ وَعَمَّتِها (¬2). 2067 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنا خَطّابُ بْنُ القاسِمِ عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ العَمَّةِ والخالَةِ وَبَيْنَ الخالَتَيْنِ والعَمَّتَيْنِ (¬3). 2068 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ الِمصْرِيُّ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ قَوْلِ اللهِ تَعالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} قَالَتْ: يا ابن أُخْتِي هِيَ اليَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حِجْرِ وَليِّها فَتُشارِكهُ فِي مالِهِ فَيُعْجِبُهُ مالُها وَجَمالُها فَيُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَها بِغَيْرِ أَنْ يُقْسِطَ فِي صَداقِها فَيُعْطِيَها مِثْلَ ما يُعْطِيها غَيْرُهُ فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوهنَّ إلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ وَيَبْلُغُوا بِهِنَّ أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ مِنَ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5109)، ومسلم (1408). وانظر: ما بعده. (¬2) رواه البخاري (5110)، ومسلم (1408). وانظر: ما قبله. (¬3) رواه أحمد 1/ 217، وابن حبان (4116). وهو في الترمذي (1125) بلفظ: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تزوج المرأة على عمتها، أو على خالتها". وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (352).

الصَّداقِ، وَأُمِرُوا أَنْ يَنْكِحُوا ما طابَ لَهُمْ مِنَ النِّساءِ سِواهُنَّ. قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: ثُمَّ إِنَّ النّاسَ اسْتَفْتَوْا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ هذِه الآيَةِ فِيهِنَّ فَأَنْزَلَ اللهُ - عز وجل - {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} قَالَتْ: والَّذِي ذَكَرَ اللهُ أَنَّهُ يُتْلَى عَلَيْهِمْ فِي الكِتابِ الآيَةُ الأُولَى التِي قَالَ اللهُ - سبحانه وتعالى -: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَقَوْلُ اللهِ - عز وجل - فِي الآيَةِ الآخِرَةِ {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} هِيَ رَغْبَةُ أَحَدِكُمْ عَنْ يَتِيمَتِهِ التِي تَكُونُ فِي حِجْرِهِ حِينَ تَكُونُ قَلِيلَةَ المالِ والجَمالِ، فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوا ما رَغِبُوا فِي مالِها وَجَمالِها مِنْ يَتامَى النِّساءِ إِلَّا بِالقِسْطِ مِنْ أَجْلِ رَغْبَتِهِمْ عَنْهُنَّ. قَالَ يُونُسُ: وقَالَ رَبِيعَةُ فِي قَوْلِ اللهِ - عز وجل - {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} قَالَ: يَقُولُ اتْرُكُوهُنَّ إِنْ خِفْتُمْ فَقَدْ أَحْلَلْتُ لَكُمْ أَرْبَعًا (¬1). 2069 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْراهِيمَ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ الوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْن عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ الدُّؤَلِيُّ أَنَّ ابن شِهابٍ حَدَّثَهُ أَنَّ عَليَّ بْنَ الحُسَيْنِ حَدَّثَهُ أَنَّهُمْ حِينَ قَدِمُوا المَدِينَةَ مِنْ عِنْدِ يَزِيدَ بْنِ مُعاوِيَةَ مَقْتَلَ الحُسَينِ بْنِ عَلَيٍّ - رضي الله عنهما - لَقِيَهُ الِمسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ فَقَالَ لَهُ: هَلْ لَكَ إِلي مِنْ حاجَةٍ تَأْمُرُنِي بِها؟ قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: لا. قَالَ: هَلْ أَنْتَ مُعْطِيَّ سَيْفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَإِنِّي أَخافُ أَنْ يَغْلِبَكَ القَوْمُ عَلَيْهِ وايْمُ اللهِ لَئِنْ أَعْطَيْتَنِيهِ لا يُخْلَصُ إِلَيْهِ أَبَدًا حَتَّى يَبْلُغَ إِلَى نَفْسِي، إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طالِبٍ - رضي الله عنه - خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ عَلَى فاطِمَةَ رضي الله عنها فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَخْطُبُ النّاسَ فِي ذَلِكَ عَلَى مِنْبَرِهِ هذا، وَأَنا يَوْمَئِذٍ مُحْتَلِمٌ فَقَالَ: "إِنَّ فاطِمَةَ مِنِّي وَأَنا أَتَخَوَّفُ أَنْ تُفْتَنَ فِي دِينِها". قَالَ: ثُمَّ ذَكَرَ صِهْرًا لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ فَأْثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصاهَرَتِهِ إِيّاهُ فَأَحْسَنَ، قَالَ: ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2494، 2763، 4574، 5064، 5092، 5140، 6965)، ومسلم (3018).

"حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي وَوَعَدَنِي فَوَفَّى لِي وَإِنِّي لَسْتُ أُحَرِّمُ حَلالًا وَلا أُحِلُّ حَرامًا ولكن والله لا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللهِ مَكانًا واحِدًا أَبَدًا" (¬1). 2070 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّزّاقِ أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، وعَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابن أَبِي مُلَيكَةَ بهذا الخَبَرِ قَالَ: فَسَكَتَ عَلَيٌّ عَنْ ذَلِكَ النِّكاحِ (¬2). 2071 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن يُونُسَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ - المَعْنَى - قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ القُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ أَنَّ المِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى المِنْبَرِ يَقُولُ: "إِنَّ بَنَي هِشامِ بْنِ المُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُونِي أَنْ يُنْكِحُوا ابنتَهُمْ مِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالِبٍ فَلا آذَنُ ثُمَّ لا آذَنُ ثُمَّ لا آذَنُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ ابن أَبِي طالِبٍ أَنْ يُطَلِّقَ ابنتَي وَيَنْكِحَ ابنتَهُمْ فَإِنَّما ابنتِي بَضْعَةٌ مِنِّي يُرِيبُنِي ما أَرابَها وَيُؤْذِينِي ما آذاها". والإِخْبارُ فِي حَدِيثِ أَحْمَدَ (¬3). * * * باب ما يكره أن يجمع بينهن من النساء [2065] (ثنا عبد الله بن محمد النفيلي، ثنا زهير، ثنا داود بن أبي هند) واسم أبي هند دينار، قاله المصنف فيما سأله عنه الآجري البصري أحد الأعلام (عن عامر) بن شراحيل (عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تنكح) يحتمل أن تكون التاء مفتوحة والحاء مجزومة وتكسر لالتقاء الساكنين على الجزم بلا الناهية (المرأة) بالنصب، ويحتمل أن تكون لا نافية وتنكح بضم أوله وفتح ثالثه ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3110، 3729)، ومسلم (2449). وانظر لاحقيه. (¬2) انظر: السابق، وما بعده. (¬3) رواه البخاري (3714، 3767، 5230، 5278)، ومسلم (2449). وانظر سابقيه.

والحاء مرفوعة خبر معناه النهي؛ فإنه أبلغ من النهي بصيغته وأظهر في الرواية، والمرأة على هذا مرفوع، وقد جاء في رواية البخاري: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تنكح المرأة (¬1) (على عمتها) ومعناه النهي عن هذا النكاح، أنه يفضي إلى التنافر بينهما والتباغض، وإلى قطيعة الرحم، ويدل عليه ما في رواية ابن عدي من حديث ابن عباس: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تزوج المرأة على العمة والخالة، وقال: "إذا فعلتن ذلك قطعتن أرحامكن" (¬2). وإن كان في سنده من فيه فقد أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (¬3). (ولا العمة على بنت أخيها، ولا المرأة على خالتها، ولا الخالة على بنت أختها) المراد بالعمة والخالة أخت الأب وأخت الأم، وهذا حقيقة، وفي معناها أخت الجد ولو من جهة الأم، وأخت أبي الجد وإن علا وأخت الجدة هان علت، وكذا أخت أم الجدة ولو من قبل الأب، لكن هل ذلك لأنهن عمات وخالات حقيقة كالأول، أو لكونه مجازًا، ولكن حمل اللفظ على حقيقته ومجازه، وهو جائز عند الشافعي (¬4) (ولا تنكح) العمة (الكبرى على) بنت أختها (الصغرى ولا) تنكح بنت الأخ (الصغرى على) عمتها (الكبرى) ولا تنكح المرأة الكبرى على خالتها الصغرى، ولا تنكح الخالة الصغرى على بنت أختها الكبرى. ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (5110). (¬2) "الكامل" لابن عدي 5/ 262. (¬3) "صحيح ابن حبان" (4116). (¬4) انظر: "الحاوي الكبير" 9/ 204.

قال القرطبي: وهذا مساق حسن بيِّن غير أن فيه واوًا اقتضت إشكالًا، وهي التي في قوله: ولا تنكح الكبرى على الصغرى، ولا الصغرى على الكبرى، فأتى بواو العطف التي تقتضي المغايرة، وبالنهي عن إدخال إحداهن على الأخرى طردًا وعكسًا. قال: ويرتفع الإشكال بأن تقدر الواو زائدة، ويكون الكلام الذي بعد الجملة الأولى مؤكدًا لما قبله ومبينًا له (¬1). [2066] (ثنا أحمد بن صالح، ثنا عنبسة، قال: أخبرني يونس، عن) محمد (بن شهاب، قال: أخبرني قبيصة بن ذؤيب، أنه سمع أبا هريرة يقول: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجمع بين المرأة وخالتها وبين المرأة وعمتها) معنى الجمع بينهما أن يستحل وطئهما معًا بأن يجمع بينهما في نكاح أو يطؤهما بملك اليمين. قال الشافعي في كتاب "الأم": وهذا مما لا خلاف فيه (¬2). وقالت طائفة من الخوارج والشيعة وعثمان البتي: يجوز، ولكن لما لم يقيد بهذا الخلاف لم يقدح في حكاية الإجماع، وسواء كان الجمع بالنكاح معًا أم مرتبًا فتبطل الثانية؛ لأن بها حصل الجمع، والمرتب هو المراد به في الحديث قبله: "لا تدخل المرأة على خالتها" (¬3). [2067] (ثنا عبد الله بن محمد النفيلي، ثنا خطاب) بفتح الخاء المعجمة أوله والموحدة آخره (ابن القاسم) قاضي حران، وثقه ابن ¬

_ (¬1) "المفهم" 4/ 103. (¬2) "الأم" 5/ 6 بمعناه. (¬3) تقدم.

معين (عن خصيف) بضم الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة وبعد ياء التصغير فاء، ابن عبد الرحمن بن أبي عون الحراني مولى بني أمية صدوق سيء الحفظ. (عن عكرمة، عن ابن عباس) رضي الله عنهما (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه كره أن يجمع بين) المرأة (العمة والخالة) لها سواء كانت خالتها بنسب أو رضاع، وضبطوه بكل امرأتين بينهما قرابة أو نكاح، لو فرضت إحداهما ذكرًا لحرمت المناكحة بينهما، واحترز بالنسب والرضاع عن المصاهرة كالمرأة وأم زوجها فإنه يجوز أن يجمع بينهما، وقد أفتى ابن الفركاح بجواز الجمع بين المرأة وبين خالتها. قال ابن النحاس: الواجب على لفظ هذا الحديث أن لا يجمع بين امرأتين إحداهما عمة الأخرى والأخرى خالة الأخرى، قال: وهذا يخرج على وجه صحيح، وهو أن يكون رجل وابنه تزوجا امرأة وابنتها، تزوج الأب البنت، والابن الأم، فولدت كل واحدة منهما بنتًا، فابنة الأب عمة ابنة الأم، وابنة الأبن خالة ابنة الأب (¬1). (و) لا (بين الخالتين) وهو أن يتزوج رجل ابنة رجل، ويتزوج الثاني ابنة الأول، فيولد لكل واحد منهما ابنة، فابنة واحد منهما خالة الأخرى. (و) أن يجمع بين (العمتين) وهو أن يتزوج أم رجل ويتزوج الآخر أم الآخر، ثم يولد لكل واحد منهما ابنة، فبنت كل واحد منهما عمة الأخرى (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: "المفهم" 4/ 103 - 104. (¬2) انظر: "المفهم" 4/ 104.

[2068] (ثنا أحمد بن عمرو بن السرح المصري، ثنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني عروة بن الزبير أنه سأل عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -) رضي الله عنها (عن قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ}) (¬1) أي: فزعتم، وهو ضد الأمن، وقد يكون المخوف منه معلوم الوقوع، وقد يكون مظنونًا، فلذلك اختلف العلماء في تفسير هذا الخوف، فقال أبو عبيدة: خفتم: أيقنتم (¬2). وقال آخرون: خفتم: ظننتم. قال ابن عطية: والذي اختاره أن الخوف على بابه من الظن لا من اليقين، والتقدير: من غلب على ظنه التقصير في القسط لليتيمة فليعدل عنها ({أَنْ لَا تُقْسِطُوا}) تعدلوا، يقال: أقسط الرجل إذا عدل، وقسط إذا جار وظلم، وقرأ ابن وثاب والنخعي: تقسطوا. بفتح التاء على تقدير زيادة: لا، كأنه قال: وإن خفتم أن تجوروا (¬3) ({فِي الْيَتَامَى}) اليتيم في بني آدم من قبل الأب، وفي الحيوان من قبل الأم، وأصل اليتيم أن يقال على من لم يبلغ، وقد أطلق في هذِه الآية على المحجور عليها صغيرة كانت أو كبيرة، استصحابًا لإطلاق اسم اليتم لبقاء الحجر عليها، وإنما قلنا أن اليتيمة الكبيرة قد دخلت في الآية؛ لأنها قد أبيح العقد عليها في الآية، ولا تنكح اليتيمة الصغيرة؛ إذ لا إذن لها، فإذا بلغت جاز نكاحها لكن بإذنها. ¬

_ (¬1) النساء: 3. (¬2) "مجاز القرآن" 1/ 114. (¬3) انظر: "المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز" 2/ 8.

({فَانْكِحُوا مَا}) وجاز وقوع ما للآدميين وإن كان أصلها لمن لا يعقل؛ لأن من وما يتعاقبان، قال الله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5)} (¬1) أي من بناها، وقال الله تعالى: {فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ} (¬2) أي: ما يمشي، فمن هنا لمن يعقل ومن النساء؛ لقوله تعالى بعد ذلك: {طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}، وقرأه ابن أبي عبلة (¬3): من طاب. على الأصل {طَابَ لَكُمْ} قيل: المراد نكاحًا طيبًا، وقراءة ابن أبي عبلة ترده. واتفق كل من يعاني العلوم أن قوله تعالى {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} ليس له مفهوم، فقد أجمع المسلمون على أن من لم يخف القسط في اليتامى فله أن ينكح أكثر من واحدة (¬4)، وقد تعلق أبو حنيفة بهذِه الآية في تجويزه نكاح اليتيمة قبل البلوغ، وقال: إنها تكون يتيمة قبل البلوغ، وبعد البلوغ ليست بيتيمة (¬5)، بدليل أنه لو أراد البالغة لما نهى عن حطها عن صداق مثلها لأنها تختار ذلك، فيجوز إجماعًا، وذهب مالك والشافعي والجمهور إلى أن ذلك لا يجوز حتى تبلغ وتستأمر (¬6)؛ لقوله تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} (¬7)، والنساء اسم يطلق على الكبار، كالرجال في الذكور (قالت: يا ابن أختي) لأن عروة ¬

_ (¬1) الشمس: 5. (¬2) النور: 45. (¬3) في النسخة الخطية: علية. وهو خطأ. (¬4) انظر: "المفهم" 7/ 330. (¬5) "الحجة على أهل المدينة" 3/ 144. (¬6) "المدونة" 2/ 103، وانظر: "المجموع" 16/ 168 - 169. (¬7) النساء: 127.

من أسماء وهي أخت عائشة (هي اليتيمة) مجاز، كقوله تعالى: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} (¬1) فسماهم يتامى وقد بلغوا، مجازًا، وقيل: سُمِّين يتامى وأيتام؛ لأنهن كن أيتام، كقوله تعالى: {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46)} (¬2) ولا سحر مع السجود، فلا يتم مع البلوغ، وكان يقال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يتيم أبي طالب؛ اعتبارًا لما كان عليه (تكون في حجر) بفتح الحاء وكسرها (وليها فتشاركه في ماله) أي: في المال المتخلف عن أبيه أو أمه، ولا يلزم من المشاركة التسوية في المال، أو يكون لها مال عنده من غير الميراث (فيعجبه مالها) الذي تحت يده (وجمالها) إن كانت جميلة (فيريد وليها أن يتزوجها) إن جاز له ذلك (من غير أن يقسط) بضم أوله وكسر ثالثه، أي يعدل في مقدار صداقها (فيعطيها) بالنصب (مثل ما يعطيها) بسكون الياء؛ لأنه في موضع صلة الموصول الذي هو (ما) عطاء (غيره) لو أراد زواجها (فنهوا) عن (أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن) قرأ ابن وثاب والنخعي بفتح التاء من: تقسطوا. على تقدير زيادة: لا. كأنه قال: وإن خفتم أن تجوروا. وعلى قراءة الجمهور: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تَعْدِلُوا} (¬3) (ويبلغوا بهن أعلى سنتهن) أي: أعلا عادتهن (من الصداق) ومهور أمثالهن (وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم) أي حل لهم من النساء، هذا الأمر بالنكاح هو ندب لقومه وإباحة، لا تحذير بحسب قرائن الأمر، والنكاح في الجملة في ¬

_ (¬1) النساء: 2. (¬2) الشعراء: 46. (¬3) النساء: 3.

الأغلب مندوب إليه سواهن، فإنه أبعد في التهمة وأسلم في الدين والعرض. (قال عروة) بن الزبير (قالت عائشة) رضي الله عنها (ثم إن الناس) أي: جماعة من الصحابة (استفتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: سألوه أن يفتيهم بعد هذِه الآية التي في أول النساء (فيهن) في إماء الأيتام (فأنزل الله تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ}) (¬1) أي: في أمر النساء وأحكامهن في الميراث وغير ذلك ({قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ}) أمر الله نبيه أن يقول لهم: إن الله يفتيكم فيهن، أي: يبين لكم حكم ما سألتم عنه. وروى أشهب، عن مالك، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأل فلا يجيب حتى نزل عليه الوحي، وذلك في كتاب الله: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ}. ({وَمَا يُتْلَى}) في موضع رفع عطف على اسم الله، والمعنى: والقرآن يفتيكم، وهو قوله {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}. ({عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ}) أي: القرآن ({فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ}) معناه: النهي عما كانت العرب تفعله من ضم اليتيمة الجميلة الغنية بدون ما تستحقه من المهر، ومن عضل اليتيمة الدميمة الفقيرة عن النكاح أبدًا، والدميمة الغنية حتى يرثها الولي، ونحو ذلك مما يقصد به الولي منفعة نفسه في الدنيا لا نفع اليتيمة، والذي كتب لهن هو توفية ما تستحقه من مهر وإلحاقها بأقرانها. وقرأ أبو (عبد الله) (¬2) المدني في: {يَتَامَى النِّسَاءِ} بياءين من ¬

_ (¬1) النساء: 127. (¬2) في النسخ الخطية: عبيد.

تحت (¬1)، قال أبو الفتح: والقول في هذِه القراءة أنه أراد أيامى فقلبت الهمزة ياء، كما قلبت الهمزة في: قطع الله أديه. أي: يده (¬2). والأيامى: جمع أيم بتشديد الياء ({وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ}) أي: في أن تنكحوهن فحذفت في، أي: ترغبون في مالها إذا كانت كثيرة المال، وحديث عائشة يدل على أن المحذوف: عن. أي: وترغبون عن أن تنكحوهن. قال في حديثها: وترغبون أن تنكحوهن رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره، حين تكون قليلة المال والجمال، كما سيأتي. (قالت) عائشة (والذي ذكر الله) تعالى (أنه يتلى عليهم في الكتاب) هي (الآية التي قال الله تعالى فيها) في أول النساء: ({وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ}) أي: حل ({لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}) (¬3) قال بعضهم: تأويل الآية أن الله تعالى خاطب أولياء اليتامى، فقال: وإن خفتم من أنفسكم المشاحة في صداقهن وأن لا تعدلوا فتبلغوا بهن صداق أمثالهن فلا تنكحوهن وانكحوا غيرهن من الغرائب اللاتي أحل الله لكم خطبتهن (قالت عائشة: وقول الله - عز وجل - في الآية الآخرة) من سورة النساء ({وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ}) (¬4) هذِه الرغبة (هي رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره) يجوز أن يكون من حجر الثوب وهو ¬

_ (¬1) انظر: "مختصر في شواذ القرآن" لابن خالويه ص 35، "المحتسب" لابن جني 1/ 200. (¬2) "المحتسب" 1/ 200. (¬3) النساء: 3. (¬4) النساء: 127.

طرفه المقدم؛ لأن الإنسان يربي ولده ويتيمته في حجره، وكذا الولي القائم بأمر اليتيم يأخذه في حجره غالبًا (حين تكون قليلة المال والجمال) فلا يرغب في نكاحها، وكان عمر بن الخطاب يأخذ الناس في الدرجة الفضلى في هذا المعنى، فكان إذا سأل الولي عن يتيمته فقيل: هي غنية جميلة. قال: اطلب لها من هو خير منك وعد عليها بالنفع. وإذا قيل: هي دميمة قليلة المال. قال له: أنت أولى بها وبالستر عليها من غيرك (فنهوا) الأولياء (أن ينكحوا ما) أي: اليتيمة التي (رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء) اللاتي في حجورهن (إلا بالقسط) يعني: بالعدل (من أجل رغبتهم عنهن) حيث كن قليلات المال والجمال (قال يونس) بن يزيد بن أبي النجاد القرشي، أحد الرواة (وقال ربيعة) قال المنذري: يشبه أن يكون ابن أبي عبد الرحمن شيخ مالك (¬1). (في قول الله: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} قال: يقول) الله تعالى لأولياء الميت حين تحرجوا عن القيام بمصالح أموال اليتامى (اتركوهن) أي: اتركوا نكاحهن (إن خفتم) العجز عن القيام بمصالحهن (فقد أحللت لكم) من غيرهن (أربعًا) فإن لم تقدروا أي تتركوهن فلا تكثروا منهن فتحتاجون إلى مخالطتهن. قال القرطبي: وأقرب الأقوال وأصحها قول عائشة في تفسيرها من الفقه ما قال به مالك من صداق المثل والرد إليه فيما فسد من الصداق، ووقع الاختلاف في مقداره لقولها: بأدنى من سنة صداقها. فوجب أن يكون صداق المثل معروفًا لكل صنف من الناس على قدر أحوالهم، ¬

_ (¬1) انظر: "عون المعبود" 6/ 76.

وقال مالك: للناس صداقات عرفت لهم وعرفوا لها صداقات وأكفاء، وقال: إذا بلغت اليتيمة وأقسط الولي صداقها جاز له أن يتزوجها، ويكون هو الناكح والمنكح على ما قررته عائشة، وبه قال مالك وأبو حنيفة، وقال الشافعي: لا يجوز له أن يتزوجها إلا بإذن السلطان أو يزوجها عنه ولي لها مثله، أو أعلى منه (¬1). [2069] (ثنا أحمد بن محمد بن حنبل، ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد) (¬2) الزهري قال (حدثني أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف المدني. (عن الوليد بن كثير) المدني الكوفي قال (حدثني محمد بن عمرو بن حلحلة الدؤلي، أن) محمد (بن شهاب) الزهري (حدثه، أن علي بن حسين) بن علي بن أبي طالب زين العابدين رضي الله عنهما حدثه (¬3) (أنهم) أي وجماعته الذي كانوا معه (حين قدموا المدينة) شرفها الله تعالى (من عند يزيد بن معاوية مقتل) منصوب لنيابته عن ظرف الزمان (¬4)، وهو من باب حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، أي أيام مقتل، ومنه كان كذا طلوع الثريا، أي وقت طلوع الثريا، وهو كثير يقاس (الحسين بن علي) بن أبي طالب، وكان مقتله يوم عاشوراء سنة إحدى وستين، وقيل: سنة اثنتين وستين. ¬

_ (¬1) "الجامع لأحكام القرآن" 5/ 14 - 15. (¬2) تحرفت في الأصل إلى: سعيد. (¬3) سقطت من الأصل واستدركتها من مطبوعة "السنن". (¬4) في الأصل: المكان. ولعله سبق قلم.

(لقيه المسور بن مخرمة) بن نوفل الزهري (فقال له: هل لك إلي من حاجة). (من) زائدة تنصص العموم، كقوله تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} (¬1) (تأمرني بها؟ ) فيه فضيلة قضاء حوائج أهل العلم والصلاح وبيت النبوة والشرف، وسؤالهم عما لهم من الحوائج ليبادر إلى قضائها. (قال) علي بن الحسين (فقلت له: لا) ثم (قال: فهل أنت معطيَّ) بتشديد الياء المفتوحة للتخفيف (سيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) استفهام بمعنى الطلب، طلب المسور سيف رسول الله إرادة التبرك، وكان على يد الحسين فلما قتل أراد المسور أن يأخذه لئلا يأخذه بنو أمية، ثم حلف على القطع على المستقبل ثقة بالله في إبراره. (فإني أخاف أن يغلبك القوم عليه، وايم الله لئن أعطيتنيه) فيه حجة لابن مالك وغيره أيما وقع ثاني ضميرين منصوبين فالاتصال أرجح، ويجوز: أعطيني إياه (لا يخلص) بضم الياء وفتح اللام (إليه) أي: لا يصل إليه أحد (أبدًا) وتكرر ذكر: خلص، بمعنى: وصل، ومنه حديث الإسراء: "فلما خلصت" (¬2) أي: وصلت وبلغت. ومنه حديث هرقل: إني أخلص إليه (¬3). (حتى يصل) (¬4) بضم المثناة تحت وفتح اللام (إلى) أي حتى يبلغ ¬

_ (¬1) فاطر: 3. (¬2) تحرفت في الأصل إلى: جلست. والحديث في البخاري (3430) من حديث مالك بن صعصعة. (¬3) أخرجه البخاري (7)، ومسلم (1773) (74) من حديث أبي سفيان. (¬4) كذا في الرواية التي اعتمد عليها الشارح. ولفظ رواية ابن داسة: يبلغ.

الهلاك إلى (نفسي) قبله، ورواية مسلم: حتى تبلغ نفسي (¬1). بضم المثناة فوق من: يبلغ، ثم قال (إن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - خطب بنت أبي جهل) بن هشام، كما تقدم نسبه، قال الطبري: اسم بنت أبي جهل هذِه: جويرية، أسلمت وبايعت وتزوجها عتاب بن أسيد (¬2)، وقيل: اسمها جميلة (¬3)، وقيل: اسمها العوراء، ذكره عبد الغني بن سعيد، وهي معدودة من الصحابة، وقيل: اسمها: جويرية (على فاطمة) البتول سيدة نساء العالمين، عن علي قال: قلت: يا رسول الله، لم سميت فاطمة؟ قال: "إن الله - عز وجل - فطمها وذريتها من النار يوم القيامة" (¬4). قال الطبري: أخرجه الحافظ الدمشقي (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب الناس) فيه ما يدل على جواز خطبة الإمام الناس وجمعهم للأمر الذي يحدث (في ذلك على المنبر) فيه أن السنة للخطيب أن يكون على منبر أو مرتفع (وأنا محتلم) أي بلغت مبالغ الرجال، كذا في الصحيحين (¬5)، وفيه نظر؛ فإن الجماعة نصوا على أنه ولد بمكة في السنة الثانية، وتوفي رسول الله وهو ابن ثمان سنين، فإن كان يريد كالمحتلم لكثرة ضبطه لصغره (فقال: إن فاطمة مني) أي: جزء مني، كما في الرواية الآتية: "بضعة مني" (وإني أخاف أن تفتن في دينها) ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2449) (95). (¬2) تحرفت في الأصل إلى: سعيد. (¬3) تحرفت في الأصل إلى: جهدمه، وانظر: "الإصابة" 8/ 72. (¬4) أخرجه الخطيب البغدادي 12/ 331 من حديث ابن عباس بسند ضعيف، كما في "الفوائد المجموعة" للشوكاني (123). (¬5) "صحيح البخاري" (3110)، و"صحيح مسلم" (2449) (95).

فكره النبي - صلى الله عليه وسلم - فتنتها وتخوف من ذلك لفرط ما تحملها الغيرة على زوجها من عداوة بنت عدو أبيها ومشاركتها في زوجها، وأن عداوة الآباء قد تؤثر، وخاف - صلى الله عليه وسلم - على ابنته من المفسدة في دينها من ضرر يسري إليها (قال: ثم ذكر صهرًا له) الصهر يطلق على زوج البنت وأقاربه، من صهرت الشيء وأصهرته إذا قربته، والمصاهرة مقاربة بين الأجانب المتباعدين (من بني عبد شمس) هو أبو العاص ابن الربيع، زوج زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واسمه: هشيم، ويقال: لقيط، ويقال: القاسم، وحكى البغوي فيه: مقسم (¬1). (فأثنى عليه في مصاهرته فأحسن) لأنه أحسن في معاشرته مع ابنته وكان محبًّا لها، وأرادت قريش منه أن يطلقها فأبى، فشكر النبي - صلى الله عليه وسلم - له ذلك، ثم إنه حضر مع المشركين ببدر فأسر وحمل إلى المدينة، فبعثت فيه زينب قلادتها، فردت عليها وأطلق لها - صلى الله عليه وسلم - (قال: حدثني فصدقني) حدثه أن يرد أموال قريش ويسلم، ففعل (ووعدني فوفى) بتخفيف الفاء (لي) كان وعد النبي أن يرسل إليه ابنته زينب، فوفى له بوعده وأرسلها، وهاجرت زينب، وبقي هو بمكة على شركه إلى أن خرج في عير لقريش تاجرًا، وذلك قبل الفتح بيسير، فعرض لتلك العير زيد بن حارثة في سرية من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأخذها، وأفلت أبو العاص هاربًا إلى أن جاء المدينة فاستجار بزينب فأجارته، وكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس في رد جميع ما أخذت تلك السرية. (وإني لست أحرم حلالًا) فيه الإعلام بإباحة نكاح بنت أبي جهل لعلي ¬

_ (¬1) "معجم الصحابة" 5/ 167.

- رضي الله عنه -، وأنه حلال، فلم يحرمه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيه تصريح بأن الحكم بالتحليل والتحريم من الله تعالى، وإنما الرسول مبلغ عن الله تعالى، ويستدل به من منع من اجتهاد النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأحكام، ومن منع جواز تفويض الأحكام للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا حجة فيه؛ لأن اجتهاد المجتهد لا يوجب الأحكام، وإنما يظهرها من النصوص كما هو مقرر في كتب الأصول، ويقيد هذا أن حكم الله تعالى على علي وعلى غيره التخيير من نكاح ما طاب له من النساء الأربع، وإنما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما لعلتين منصوصتين: أحدهما أن ذلك يؤدي إلى أذى فاطمة فيتأذى حينئذٍ النبي - صلى الله عليه وسلم - فيهلك من آذاه، فنهى عن ذلك لكمال شفقته على علي وعلى فاطمة، والثانية خوف الفتنة عليها بسبب الغيرة، قال الداوودي: فيه دليل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان اشترط على علي، ولعله إن صح ذلك أن يكون علي تطوع به بعد العقد وقبل. (ولا أحل حرامًا) ولعله قاله استطرادًا لما قبله (ولكن والله) أقسم بالله على المستقبل ثقة بالله أن يبر قسمه (لا تجتمع بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وقد ذكر أبو علي السبخي في "شرح التلخيص" أنه يحرم التزوج على بنات النبي - صلى الله عليه وسلم -، أي: كل من تنسب إليه بالبنوة (¬1). (وبنت عدو الله) فيه دليل على أن الأصل أن ولد الخبيث خبيث وولد العدو عدو، إلى أن يتبين خلاف ذلك، وفيه بقاء عار الآباء في أعقابهم بقوله: "بنت عدو الله" مع كونها مسلمة كما سبق، وكذلك الخير والشرف في الدين يبقى في العقب، كقوله تعالى: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} (¬2)، وقد استنبط بعض ¬

_ (¬1) "فيض القدير" 4/ 554. (¬2) الكهف: 82.

الفقهاء من هذا منع نكاح الأمة على الحرة، ورد ذلك بعضهم؛ لأنه يلزم منه منع نكاح الحرة المكاتبة على المسلمة، ومنع نكاح ابنة المرتد على من ليس أبوها كذلك (مكانًا) منصوب على المفعول به بعد إسقاط الخافض توسعًا، والتقدير: في مكان (واحدًا) وقيل: منصوب على الظرفية تشبيهًا له بالمبهم، ورواية ابن ماجه وغيره: "ولا تجتمع بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبنت عدو الله عند رجل واحد" (أبدًا) ولعل هذِه الرواية مبينة للرواية التي قبلها؛ فإن قوله: في مكان واحد. يفهم أنه لو كانا في مكانين لجاز، وهذا بعيد المراد. [2070] (ثنا محمد بن) عبد الله بن خالد بن (فارس) بن ذؤيب الهذلي شيخ البخاري (ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري، عن عروة، وعن أيوب، عن) عبيد الله (بن أبي مليكة، بهذا الخبر، وقال: فسكت علي عن) تلك الخطبة التي لابنة أبي جهل (وذلك النكاح) الذي عزم عليه وعن غيره، ولم يتزوج عليها ولا تسرى عليها حتى ماتت. [2071] (ثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس، وقتيبة بن سعيد - المعنى - قال أحمد) بن يونس (ثنا الليث، حدثني عبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكة القرشي التيمي، أن المسور بن مخرمة - رضي الله عنه - حدثه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر يقول: إن بني هشام (¬1) بن المغيرة استأذنوا) النبي - صلى الله عليه وسلم - (أن ينكحوا) أي: يزوجوا (ابنتهم من علي بن أبي طالب) - رضي الله عنه -. فإن قيل: لفظ الحديث قبله أن عليًّا خطب بنت أبي جهل على فاطمة، وهنا: بني هشام (¬2) بن المغيرة استأذنوا؟ ¬

_ (¬1) و (¬2) تحرفت في النسخ إلى: هاشم.

فالجواب: لا منافاة بينهما، فأبو جهل عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي. (فلا آذن) في ذلك (ثم لا آذن، ثم لا آذن) فإن قيل: ثم حرف عطف ولا بد فيه من المغايرة بين المتعاطفين. فالجواب: أن الثاني مغاير للأول، باعتبار أن فيه تأكيدًا ليس للأول، وبوب عليه البخاري: باب: ذب الرجل عن ابنته في الغيرة والإنصاف (¬1). لما يخاف على فاطمة في الجمع بينها وبين ابنة أبي جهل من الافتتان لأجل الغيرة، ولما يتوقع من مناكدة هذِه الضرة؛ لأن عداوة الآباء قد تؤثر في عداوة الأبناء (إلا أن يريد) علي (ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي) فيه جواز سؤال الأب طلاق ابنته من زوجها إذا كان بسبب كخوف فتنتها من الغيرة أو غيرها، وأما الطلاق من غير سبب فمكروه (¬2) (وينكح ابنتهم) أي: ابنة بني هشام بن المغيرة (فإنما ابنتي بضعة) بفتح الباء هي القطعة من اللحم، ويجمع على بضاع كقصعة وقصاع، وسماها في رواية الصحيحين: "مضغة" (¬3)، وهي قدر ما يمضغه الماضغ (مني) ويعني بذلك أنها كالجزء منه، ويؤلمه ما آلمها (يريبني) يجوز الضم. قال ابن القوطية: يقال: رابني الشيء وأرابني إذا خوفني وشككني. قال النووي: يريبني بفتح الياء. قال إبراهيم الحربي: الريب ما رابك ¬

_ (¬1) بوب به على حديث (5230). (¬2) زاد هنا: وإن كان لغير سبب. (¬3) "صحيح مسلم" (2449) (96).

من شيء خفت عقباه، وقال الفراء وأبو زيد وغيرهما: راب وأراب بمعنى (¬1). وقال غيرهم: يريبني، أي: يشق علي ويؤلمني. يقال: رابني فلان إذا رأيت منه ما تكره، ثلاثيًّا، وهذيل يقال: أرابني رباعيًّا. ومنه (ما أرابها) أي شق عليها (ويؤذيني ما آذاها) يعني: إذا تأذت فاطمة في نفسها تأذى النبي - صلى الله عليه وسلم - بسببها، وأذى النبي - صلى الله عليه وسلم - حرام، وفيه القول بسد الذرائع وإعمال للمصالح، وأن حرمة النبي - صلى الله عليه وسلم - أعظم من حرمة غيره ويظهر حالنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل يحرم علينا كل شيء يتأذى به، وإن كان في أصله مباحًا لنا وإن أدى إلى أذى النبي - صلى الله عليه وسلم - ارتفعت الإباحة ولزمت التحريم، وفيه ما يدل على غضب الرجل لابنته وولده وحرمه، وعلى الحرص في دفع ما يؤدي إلى ضررهم وإن كان بوجه جائز. (والإخبار) بكسر الهمزة (في حديث أحمد) دون قتيبة. ¬

_ (¬1) "شرح النووي" 16/ 2.

14 - باب في نكاح المتعة

14 - باب فِي نِكاحِ المُتْعَةِ 2072 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ بْنُ مُسَرْهَدٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ، عَنْ إِسْماعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كُنّا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ، فَتَذاكَرْنا مُتْعَةَ النِّساءِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يُقالُ لَهُ رَبِيعُ بْن سَبْرَةَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي أَنَّهُ حَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْها فِي حَجَّةِ الوَداعِ (¬1). 2073 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرَيِّ، عَنْ رَبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حَرَّمَ مُتْعَةَ النِّساءِ (¬2). * * * باب نكاح المتعة [2072] (ثنا مسدد بن مسرهد، ثنا عبد الوارث، عن إسماعيل بن أمية) بن عمرو بن سعيد الأموي. (عن الزهري، قال: كنا عند عمر بن عبد العزيز فتذاكرنا متعة النساء) لا متعة الحج (فقال رجل: يقال: ربيع ابن سبرة) بفتح السين المهملة وكسر الموحدة، الجهني. (أشهد على أبي) سبرة بن معبد الجهني يكنى أبا ثرية بفتح الثاء المثلثة، قال في "الاستيعاب": والصواب ضمها، سكن المدينة وله بها دار، ثم انتقل إلى المروة (¬3) (أنه حدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنها) قال النووي بعد أن نقل كلام القاضي: والصواب المختار أن التحريم ¬

_ (¬1) رواه بنحوه مسلم (1406). (¬2) انظر: السابق. (¬3) "الاستيعاب" 2/ 146.

والإباحة كانا مرتين (¬1) فكانت حلالًا قبل خيبر ثم حرمت يوم خيبر، ثم أبيحت يوم فتح مكة وهو يوم أوطاس، ثم حرمت يومئذٍ بعد ثلاثة أيام تحريمًا مؤبدًا إلى يوم القيامة، واستمر التحريم (¬2). قال القاضي: واتفق العلماء على أن هذِه المتعة كانت نكاحًا إلى أجل لا ميراث فيه، وفراقها بانقضاء الأجل من غير طلاق، ووقع الإجماع على تحريمها إلا الروافض، وكان ابن عباس يقول بإباحتها، وروي عنه أنه رجع عنه، وأجمعوا على أنه متى وقع نكاح المتعة الآن حكم ببطلانه، واختلف أصحاب مالك: هل يحد فيه؟ ومذهبنا لا يحد لشبهة العقد وشبهة الخلاف (¬3). (في حجة الوداع) بفتح الحاء والواو، قال النووي: الصحيح أن الذي جرى في حجة الوداع مجرد النهي كما في الرواية؛ لاجتماع الناس وليبلغ الشاهد الغائب، ولتمام الدين، قال: وذكر إباحتها يوم حجة الوداع خطأ؛ لأنه لم يكن يومئذٍ ضرورة ولا عزوبة وأكثرهم حجوا بنسائهم (¬4)، ولأن المتعة إنما كانت في السفر دون الحضر، وإنما كانت في أسفارهم في الغزو عند ضرورتهم وعدم النساء، وفي حديث ابن عمر أنها كانت رخصة في أول الإسلام لمن اضطر إليها كالميتة ونحوها، وعن ابن عباس نحوه. ¬

_ (¬1) تحرفت في الأصل إلى: مرتبين. (¬2) "شرح النووي" 9/ 181. (¬3) "شرح النووي" 9/ 180، وانظر: "إكمال المعلم" 4/ 277. (¬4) السابق.

[2073] (ثنا محمد بن يحيى) بن عبد الله (بن فارس) الذهلي (ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري، عن ربيع بن سبرة، عن أبيه) سبرة بن معبد الجهني (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حرم متعة النساء) يعني: النكاح إلى أجل معين، وهو من التمتع بالشيء وهو الانتفاع به، يقال: تمتعت بالشيء تمتعًا، والاسم: المتعة، كأنه ينتفع بها إلى أمد معلوم.

15 - باب في الشغار

15 - باب فِي الشِّغارِ 2074 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ ح وَحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ بْنُ مُسَرْهَدٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللهِ كِلاهُما عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الشِّغارِ. زادَ مُسَدَّدٌ فِي حَدِيثِهِ: قُلْتُ لِنافِعٍ: ما الشِّغارُ؟ قَالَ: يَنْكِحُ ابنةَ الرَّجُلِ وَيُنْكِحُهُ ابنتَهُ بِغَيْرِ صَداقٍ وَيَنْكِحُ أُخْتَ الرَّجُلِ وَيُنْكِحُهُ أُخْتَهُ بِغَيْرِ صَداقٍ (¬1). 2075 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا يَعْقُوبُ بْن إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا أَبِي، عَنِ ابن إِسْحاقَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن هُرْمُزَ الأَعْرَجُ أَنَّ العَبّاسَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ العَبّاسِ أَنْكَحَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الحَكَمِ ابنتَهُ، وَأَنْكحَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابنتَهُ وَكانا جَعَلا صَداقًا، فَكَتَبَ مُعاوِيَةُ إِلَى مَرْوانَ يَأْمُرُهُ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُما وقَالَ فِي كِتابِهِ: هذا الشِّغارُ الذي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬2). * * * باب في الشغار [2074] (ثنا) عبد الله بن مسلمة (القعنبي، عن مالك. وثنا مسدد بن مسرهد، ثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بن عبد الله (كلاهما عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الشغار) بكسر الشين المعجمة وتخفيف الغين المعجمة، وهو نكاح من أنكحة الجاهلية، وأغرب الشريف المرتضى فحكى فيه فتح الشين، وأصله في اللغة الرفع، ومنه شغر الكلب رجله إذا رفعها عند البول، فكأن المتناكحين رفعا المهر ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5112، 6960)، ومسلم (1415). (¬2) رواه أحمد 4/ 94، وابن حبان (4153). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1810).

بينهما، وقيل: من المكان الشاغر أي: الخالي لخلوه عن المهر، وكانوا في الجاهلية يقول الرجل للرجل: شاغرني وليتي بوليتك، أي: عاوضني جماعًا بجماع. (زاد مسدد في حديثه: قلت لنافع: ما الشغار؟ قال: ينكح) بفتح أوله (الرجل ابنة الرجل) أو ابنة ابنه أو نحوها ممن له الولاية عليها (وينكحه) بضم الياء أي: زوجة الآخر (ابنته) أو نحوها ممن له الولاية عليها (بغير صداق) قال ثعلب: كأن كلا من الوليين يقول: لا ترفع رجل موليتي ما لم ارفع رجل موليتك (¬1). واختلفوا في علة النهي، والمشهور التشريك في البضع؛ لأنه جعله موردًا للعقد وصداقًا فأشبه تزويجها من رجلين (وينكح أخت الرجل فينكحه) بضم الياء (أخته) ذكر الابنة في الحديث قبله والأخت هنا على سبيل المثال، وكل مولية من عمة وغيرها كذلك، وظاهر هذا السياق يدل على أن التفسير من قول مالك، وفي كتاب "المدرج" للخطيب أن تفسير الشغار من قول مالك (¬2). وقال القرطبي في "المفهم": جاء تفسير الشغار من قول نافع، وجاء في حديث أبي هريرة من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وظاهره الرفع (¬3). (بغير صداق) فلو اقتصر على قوله: زوجتك لتزوجني. ولم يتعرضا لإسقاط الصداق بينهما، أو لم يجعلا البضع صداقًا فالأصح الصحة ¬

_ (¬1) انظر: "شرح الزرقاني" 3/ 185. (¬2) "الفصل للوصل المدرج" 1/ 385. (¬3) "المفهم" 4/ 112.

في النكاحين بمهر المثل؛ لأنه لم يعلق ولا جعلا البضع صداقًا. [2075] (ثنا محمد بن يحيى) بن عبد الله (بن فارس) الذهلي (ثنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد (حدثني أبي) إبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، أخرج له الشيخان. (عن) محمد (ابن إسحاق، قال: حدثني عبد الرحمن بن هرمز الأعرج: أن العباس بن عبد الله) وكان من أكبر ولد أبيه، وبه كان يكنى، وكان يقال له: الأعتق. وكان من أجمل ولد عبد الله (بن عباس) وقد روي عنه: ولا عقب له (أنكح عبد الرحمن بن الحكم) بن أبي العاص أخو مروان (ابنته، وأنكحه عبد الرحمن) بن الحكم (ابنته، وكانا قد جعلا صداقًا) لكل واحد منهما (فكتب معاوية إلى مروان) بن الحكم والد عبد الملك بن مروان (يأمره بالتفريق بينهما) في العقدين بعد أن دخلا (وقال في كتابه) إليه (هذا) هو (الشغار الذي نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) لأنهما شركا في العقد الذي جعلاه صداقًا، وبين البضع فجعلا البضع مع الصداق مهرًا، فلو لم يزوج كل واحد منهما الآخر لم يرضَ بهذا الصداق، وقيل: علة البطلان تعليق عقد النكاح على عقد الأخرى. قاله القفال.

16 - باب في التحليل

16 - باب فِي التَّحْلِيلِ 2076 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ حَدَّثَنِي إِسْماعِيلُ، عَنْ عامِرٍ، عَنِ الحارِثِ عَنْ عَلَيٍّ - رضي الله عنه - قَالَ إِسْماعِيلُ: وَأُراهُ قَدْ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَعَنَ اللهُ المُحَلِّلَ والمُحَلَّلَ لَهُ" (¬1). 2077 - حَدَّثَنا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، عَنْ خالِدٍ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عامِرٍ، عَنِ الحارِثِ الأَعْوَرِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: فَرَأَينا أَنَّهُ عَلِيٌّ - عليه السلام - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَعْناهُ (¬2). * * * باب في التحليل [2076] (ثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) اليربوعي شيخ الشيخين (ثنا زهير) بن معاوية، قال (ثنا إسماعيل) بن أبي خالد، أخرج له البخاري، واسم أبي خالد سعد (عن عامر) بن شراحيل الشعبي (عن الحارث) بن عبد الله الأعور الهمداني. قال ابن أبي داود: كان أفقه الناس وأفرض الناس وأحسب الناس، تعلم الفرائض من علي (عن علي) بن أبي طالب (- رضي الله عنه -، قال إسماعيل) بن أبي خالد (وأراه) بضم الهمزة (قد رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال) ورفعه الترمذي وغيره من غير أظن، وصححه ابن القطان وابن دقيق العيد ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1119)، والنسائي 8/ 147، 148، وابن ماجه (1935)، وأحمد 1/ 83، 121. وروايتا النسائي مرسلة عن الحارث، وعن الشعبي. وانظر: ما بعده. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1811). (¬2) رواه أحمد 1/ 87. وانظر: ما قبله. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1812).

على شرط البخاري، وله طرق أخرى عن ابن مسعود وأبي هريرة وعقبة بن عامر (¬1)، وصححه ابن السكن، ورواه ابن ماجه والحاكم. (لعن الله) كذا للترمذي (¬2)، ولابن ماجه (¬3): لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (المحل) (¬4) بكسر الحاء وتشديد اللام، وكذا للترمذي (¬5) وابن ماجه (¬6) والنسائي (¬7)، لكن في قوله: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الواشمة والمستوشمة والواصلة والموصولة وآكل الربا ومؤكله. والمحل اسم فاعل من أحل، وفي حديث بعض الصحابة: "لا أوتى بحال ولا محلل إلا رجمته"، وجعله الزمخشري حديثًا لا أثرًا (¬8)، فهذِه ثلاثة ألفاظ: محل ومحلل وحال، وهي ثلاث لغات: أحللت وحللت وحللت، فعلى الأول جاء الأول محل تقول: أحل يحل فهو محل ومحلل له، وعلى الثانية جاء الثاني تقول: حلل فهو محلل ومحلل له (و) على الثانية جاء (المحلل له) وعلى الثالثة جاء الأثر، تقول: حللت، فأنا حال وهو محلول له. وقيل: أراد بقوله: لا أوتى بحال. أي: بذي إحلال، مثل: ريح لاقح، أي: ذات ألقاح. والمعنى في الجميع هو أن يطلق الرجل امرأته ثلاثًا فيتزوجها رجل آخر على شريطة ¬

_ (¬1) انظر: "سنن الترمذي" (1119). (¬2) "سنن الترمذي" (1119) ولفظه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن. (¬3) "سنن ابن ماجه" (1935). (¬4) كذا في الرواية التي اعتمد عليها الشارح. ورواية ابن داسة: المحلل. (¬5) "سنن الترمذي" (1120) ولفظه: لعن رسول الله. (¬6) لفظ ابن ماجه (1935): المحلل. (¬7) لفظ النسائي 8/ 147: الحال. (¬8) أورده الزمخشري في "الفائق" 1/ 308.

أن يطلقها بعد وطئها لتحل لزوجها الأول. وقيل: سمي محللًا بقصده إلى التحليل كما يسمى مسريًا إذا قصد السراء، واللعنة تقتضي التحريم، والتحريم يقتضي البطلان، هذا إذا شرط الطلاق أو البينونة في نفس العقد، وإن تواطأ عليه قبل العقد ثم عقدًا بلا شرط فليس كالمشروط على الصحيح، نعم يكره؛ لأن كل ما صرح به أبطل، فإذا أضمره كره؛ لأن الله وضع عن البشر حديث النفس. وفي قول مخرج أن الشرط المتقدم كالمقارن، قال ابن قيم الجوزية: سمعت شيخ الإسلام - يعني ابن تيمية - يقول: نكاح المتعة خير من نكاح التحليل من عشرة أوجه: أحدها: أن نكاح المتعة كان مشروعًا في أول الإسلام، ونكاح التحليل لم يشرع في زمن. الثاني: أن الصحابة تمتعوا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن في الصحابة من تحلل. الثالث: أن نكاح المتعة مختلف بين الصحابة، فأباحه ابن عباس وأباحه ابن مسعود. الرابع: أن الرسول لم يجئ عنه لعن المستمتع والمستمتع بها. والخامس: أن المستمتع له غرض صحيح في المرأة، ولها غرض، والمحلل لا غرض له إلا أنه مستعار في الضراب كالتيس. السادس: أن المستمتع لم يحتل على تحليل ما حرم الله. السابع: أن المستمتع يريد المرأة لنفسه فيريد بنكاحها حلها له والمحلل لا يريد حلها لنفسه وإنما يريد حلها لغيره، فلهذا سمي محللًا. والثامن: أن الفطر السليمة والقلوب التي لم يتمكن منها مرض الجهل

تنفر من التحليل أشد نفار، ونكاح المتعة لا ينفر منه ولو نفرت منه لم يبح أول الإسلام. التاسع: أن نكاح المتعة يشبه إجارة الدابة مدة للركوب، ونكاح المحلل لا يشبه شيئًا، ولهذا شبهه الصحابة بالسفاح وباستعارة التيس للضراب. العاشر: أن الله نسب هذِه الأسباب كالبيع والنكاح، فجعل البيع سببًا لملك المنفعة والنكاح سببًا لملك منفعة البضع، والمحلل مناقض لشرع الله؛ فإنه جعل نكاحه سببًا لتحليل المطلق البضع. الحادي عشر: أن المحلل من جنس المنافق يظهر أنه زوج، وليس كذلك. الثاني عشر: أن نكاح المحلل لا يشبه نكاح الجاهلية ولا الإسلام، بخلاف المتعة (¬1). [2077] (ثنا وهب بن بقية) الواسطي شيخ مسلم (عن خالد) بن عبد الله الطحان (عن حصين) بمهملتين مصغر، ابن عبد الرحمن السلمي (عن عامر) بن شراحيل (عن الحارث) بن عبد الله (الأعور) كنيته أبو زهير كان كذابًا (عن رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قرئنا) بضم القاف وتشديد الراء المكسورة وسكون الهمزة من القراءة أي: أقرأنا مشايخنا (أنه علي) - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمعناه المتقدم. ¬

_ (¬1) "إغاثة اللهفان" 1/ 277 - 279 بأتم مما هنا.

17 - باب في نكاح العبد بغير إذن مواليه

17 - باب فِي نِكاحِ العَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ مَوالِيهِ 2078 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَعُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ - وهذا لَفْظُ إِسْنادِهِ - وَكِلاهُما عَنْ وَكِيعٍ، حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ صالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّما عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْن مَوالِيهِ فَهُوَ عاهِرٌ" (¬1). 2079 - حَدَّثَنا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ، حَدَّثَنا أَبُو قُتَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا نَكَحَ العَبْدُ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوْلاهُ فَنِكاحُهُ باطِلٌ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هذا الحَدِيثُ ضَعِيفٌ وَهُوَ مَوْقُوفٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما (¬2). * * * باب في نكاح العبد بغير إذن مواليه [2078] (ثنا أحمد بن حنبل وعثمان بن أبي شيبة وهذا لفظ إسناده) إسناد ابن أبي شيبة (وكلامه) بالجر (عن وكيع، قال: ثنا الحسن بن صالح) الهمداني، أخرج له مسلم. (عن عبد الله بن محمد بن عقيل) بن أبي طالب الهاشمي المدني، أمه زينب بنت علي بن أبي طالب. قال الترمذي: صدوق، تكلم فيه من قبل حفظه، سمعت محمد بن ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1111، 1112)، وأحمد 3/ 300، 377، 382. وانظر: ما بعده. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1813). (¬2) رواه ابن ماجه (1959، 1960)، والدارمي (2280). وانظر: ما قبله. وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (354).

إسماعيل يقول: كان أحمد بن حنبل وإسحاق والحميدي يحتجون بحديث ابن عقيل (¬1). وقال المنذري: احتج به غير واحد من الأئمة (¬2). (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أيما عبد تزوج) امرأة (بغير إذن مواليه) ظاهر الجمع أنه لو كان العبد مشتركًا وله مال فلا بد من إذن الجميع، فلو أذن بعضهم دون بعض لم يصح في حقه غير الآذن؛ لأن إذن كل منهم شرط لصحة العقد (فهو عاهر) أي: زانٍ كما في رواية ابن ماجه (¬3)، ونكاحه باطل كما سيأتي، وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر أنه أخبر أن عبدًا له تزوج بغير إذنه، ففرق بينهما وأبطل صداقه وضربه حدًّا (¬4). [2079] (ثنا عقبة بن مكرم) بضم الميم وفتح الراء العمي البصري، أخرج له مسلم. (ثنا) أبو (¬5) (قتيبة) (¬6) سلم (¬7) بن قتيبة الشعيري (¬8) الخراساني نزيل البصرة. ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" 1/ 9. (¬2) "مختصر سنن أبي داود" 3/ 23. (¬3) "سنن ابن ماجه" (1960). (¬4) "مصنف عبد الرزاق" (12981). (¬5) ساقطة من النسخة الخطية، وأثبتناها كما في مصادر ترجمته. (¬6) زاد في الأصل هنا: ابن. (¬7) تحرفت في الأصل إلى: سليم. (¬8) تحرفت في الأصل إلى: الشريفي.

قال أبو داود وأبو زرعة: ثقة (¬1). (عن عبد الله بن عمر) بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري. قال أحمد: لا بأس به. وقال أبو حاتم: رأيت أحمد يحسن الثناء عليه. وقال ابن معين: صويلح (¬2). وقال ابن عدي: لا بأس به، صدوق (¬3). (عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا نكح العبد بغير إذن مولاه) أي: سيده سواء كان رجلًا أو امرأة، وحكى الماوردي وجهًا أنه لا بد من إذن ولي المرأة (¬4) مع إذنها ذريعة (فنكاحه باطل) سهل إطلاقه ما لو استأذنه فمنعه، وهو الصحيح. وفي المجموع. . . . (¬5) وجه أنه يصح إذا منعه لشدة احتياجه إليه، ومقتضى كلامهم في السفيه أنه لو وطئ في هذا النكاح لم يلزمه شيء كما لا يلزم السفيه، ومفهوم الحديث أن السيد لو أذن صح النكاح. (قال المصنف: هذا الحديث ضعيف وهو) على الصواب (موقوف، وهو من قول ابن عمر) وصوب الدارقطني في "العلل" وقفه على ابن ¬

_ (¬1) انظر: "الجرح والتعديل" (1148). (¬2) انظر: "الجرح والتعديل" (499). (¬3) "الكامل" لابن عدي (976). (¬4) انظر: "الحاوي" 9/ 40. (¬5) كلمة غير مقروؤة ورسمها: الباين. وانظر: "المجموع" 16/ 130 - 131.

عمر (¬1)، وأخرجه عبد الرزاق عن معمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر موقوفًا أنه أخبر: [أن عبدًا له بغير إذنه] (¬2). كما تقدم قريبًا. ¬

_ (¬1) "علل الدارقطني" 13/ 73. (¬2) كذا في الأصول، والذي في "مصنف عبد الرزاق" (12981): أن ابن عمر وجد عبدًا له نكح بغير إذنه؛ ففرق بينهما وأبطل صداقه، وضربه حدًّا.

18 - باب في كراهية أن يخطب الرجل على خطبة أخيه

18 - باب فِي كَراهِيَةِ أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ 2080 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ" (¬1). 2081 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وَلا يَبِيعُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ" (¬2). * * * باب كراهية أن يخطب الرجل على خطبة أخيه [2080] (ثنا أحمد بن عمر بن السرح، ثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يخطب الرجل على خطبة) بكسر الخاء اسم من خطب فهو خاطب وخطاب مبالغة (أخيه) خرج مخرج الغالب كقوله تعالى {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} (¬3)، فإن الأصح تحريم الخطبة على خطبة الذمي، وينبغي إلحاق العاقد والمستأمن به بخلاف الحربي والمرتد. [2081] (ثنا الحسن بن علي) (¬4) الحلواني (ثنا عبد الله بن نمير) الهمداني (عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2140)، ومسلم (1413). (¬2) رواه البخاري (2139، 2165، 5142)، ومسلم (1412). (¬3) النساء: 23. (¬4) سقطت من الأصل.

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه) الذي صرح له بالإجابة؛ فإن لم يجب ولم يرد لم يحرم في الأظهر، كحديث فاطمة بنت قيس فإن الخطاب تواردوا عليها ولم ينه النبي - صلى الله عليه وسلم - المتأخر منهم لما لم يصرح بالإجابة، وعن القديم المنع في إذا لم يجب ولم يرد لإطلاق النهي في هذا الحديث. والحديث فيه استثناء مأخوذ من الاستثناء فيما بعده؛ فإن عند الشافعي أدن الجمل المتعاطفة يعود الاستثناء بعدها إلى الكل (¬1) فيقول قوله بعد الجملة الثانية في البيع على النكاح أيضًا؛ لأن الأصل اشتراك المتعاطفين في جميع المتعلقات كالحال والشرط، وتكون الجمل المتعاطفة بعضها على بعض بمنزلة الجملة الواحدة، ويدل على هذا المقدر، ورواية البخاري: "لا يخطب الخاطب على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب" (¬2) (¬3). (ولا يبيع على بيع أخيه) والمعنى في تحريمه ما فيه من الإيذاء والقطيعة والعداوة، ولهذا شرط ابن حربويه أن يكون الأول مسلمًا، وخالفه الجمهور وحملوا الحديث على أنه خرج مخرج الغالب كما تقدم، وإنما يحرم ذلك قبل لزوم العقد (. . .) (¬4) ضرورة وذلك بأن يعقد ويبقى الخيار في المجلس والشرط وصورته في التحريم أن يقول من عنده السلعة للمتعاقدين في حال ثبوت خيار المجلس أو الشرط: ¬

_ (¬1) انظر: "أسنى المطالب" 2/ 469. (¬2) تحرفت إلى: الخطاب. (¬3) "صحيح البخاري" (5142). (¬4) كلمة غير مقروءة، ولعلها: وبته.

أفسخ البيع لأبيعك مثله بأرخص من هذا القدر، أو إلى أجل، أو أبيعك أحسن منه بهذا السعر (إلا بإذنه) أي: إلا أن يأذن البائع للآخر في البيع على بيعه؛ فإن أذن ارتفع التحريم على الصحيح في أصل "الروضة" ولم يصرح الرافعي بتصحيحه، وذكر ابن كج من شروط التحريم أن لا يكون المشتري مغبونًا غبنًا مفرطًا، فإن كان فله أن يعرفه ويبيع على بيعه، وهو ضرب من النصيحة. قال في "الروضة": وقد انفرد به ابن كج، وظاهر الحديث يخالفه؛ فإن المختار عدم اشتراطه (¬1). وكما يحرم البيع على البيع يحرم الشراء على الشراء، بأن يأمر البائع بالفسخ ليشتريه منه بأكثر، وذكر الماوردي أنه يحرم أيضًا طلب السلعة من المشتري بزيادة ربح والبائع حاضر؛ لأنه يؤدي إلى أن يفسخ البيع (¬2). ¬

_ (¬1) "روضة الطالبين" 3/ 416. (¬2) "الحاوي الكبير" 5/ 344.

19 - باب في الرجل ينظر إلى المرأة وهو يريد تزويجها

19 - باب فِي الرَّجُلِ يَنْظُرُ إِلَى المَرْأَةِ وَهُوَ يُرِيدُ تَزْوِيجَها 2082 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ الواحِدِ بْنُ زِيادٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحاقَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ واقِدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - يَعْنِي: ابن سَعْدِ بْنِ مُعاذٍ - عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ المَرْأَةَ فَإِنِ اسْتَطاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى ما يَدْعُوهُ إِلَى نِكاحِها فَلْيَفْعَلْ". قَالَ: فَخَطَبْتُ جارِيَةً فَكُنْتُ أَتَخَبَّأُ لَها حَتَّى رَأَيْتُ مِنْها ما دَعانِي إِلَى نِكاحِها وَتَزَوُّجِها فَتَزَوَّجْتُها (¬1). * * * باب الرجل ينظر إلى المرأة وهو يريد تزويجها [2082] (ثنا مسدد، حدثنا عبد الواحد بن زياد) العبدي مولاهم البصري (ثنا محمد بن إسحاق، عن داود بن حصين) القرشي، مولى عمر بن عثمان بن عفان الأموي المدني. (عن واقد بن عبد الرحمن) كذا ذكر المصنف، قيل: إنه واقد بن عمرو (ابن سعد بن معاذ) كما ذكره البخاري وأبو حاتم، والصواب الذي ذكره الذهبي وغيره أنهما اثنان أحدهما واقد بن عبد الرحمن بن سعد بن معاذ، وهو من أفراد أبي داود، والثاني واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ، أخرج له الشيخان والمصنف (¬2). (عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا خطب أحدكم المرأة) المراد إذا أراد أحدكم أن يخطب امرأة بدليل ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 334، والحاكم 2/ 165. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1816). (¬2) "الكاشف" 2/ 346 - 347، وفيه: أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي والبيهقي.

رواية أحمد وابن ماجه من حديث محمد بن سلمة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا ألقى الله في قلب امرئ منكم خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها" (¬1). وروي أيضًا عن أنس أن المغيرة بن شعبة أراد أن يتزوج امرأة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اذهب فانظر إليها" (¬2). لفظ البيهقي: "إذا خطب أحدكم المرأة فقدر أن يرى منها ما يعجبه ويدعوه إليها فليفعل" (¬3). (فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل) حمل بعضهم الأمر للإرشاد والإباحة، ومال إليه ابن الصلاح (¬4)؛ لأن قاعدة مذهب الشافعي في الأصول أن الأمر بعد الحظر للإباحة (¬5)، ويؤيده رواية أحمد وابن ماجه: "فلا بأس أن ينظر إليها" (¬6). والمشهور في مذهب الشافعي أنه سنة لورود الأمر به في أحاديث، وأنه قبل الخطبة؛ لأنه قد يعرض بعدها فيوحشها. قال القرطبي في "تفسيره" في سورة الأحزاب: قال داود (¬7): ينظر إلى سائر جسد التي يريد نكاحها تمسكًا بظاهر الحديث: "انظر إليها" (¬8) انتهى. ولهذا قال في الترجمة: الرجل ينظر إلى المرأة، ولعله أراد ما ينظر ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد 3/ 493، وابن ماجه (1864). (¬2) أخرجه ابن ماجه (1865)، وأحمد 4/ 244. (¬3) "السنن الكبرى" 7/ 84. (¬4) "مشكل الوسيط" بهامش "الوسيط" 5/ 29. (¬5) انظر: "الحاوي الكبير" 2/ 468. (¬6) تقدم. (¬7) تحرفت في الأصل إلى: أبو داود. وهو خطأ، فهذا هو داود الظاهري. (¬8) "الجامع لأحكام القرآن" 14/ 222.

الرجل من امرأته؛ فإن أصول الشريعة على تحريم نظرهما وكراهة نظر الزوج إليهما؛ لأنه يورث الطمس، هذا في الزوجة، فكيف بالأجنبية؟ ويؤخذ من قوله: "إن استطاع أن ينظر"، أنه يتحايل في نظره إليها من غير أن تعلم به؛ لما جاء في رواية الطبراني وأحمد عن موسى بن عبد الله عن (¬1) أبي حميد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا خطب أحدكم امرأة فلا جناح عليه أن ينظر وإن لم تعلم" (¬2). أي: وإن لم تأذن هي ولا وليها، وعلله في "المطلب" بأنه لو اعتبر إذنها وعلمها فربما تجملت وتصنعت بما ليس فيها، ففيه نوع غرور يخيل عند النظر فيغير الصبغة الخلقية ولا يحصل مقصود النظر. (قال) لعله جابر (فخطبت) امرأة (جارية فكنت أتخبأ لها) في مكانٍ لا تراني (تحت الكرب) (¬3) بفتح الكاف والراء هي أصول السعف التي تقطع منها. . . . (¬4) الواحدة كربة مثل قصب وقصبة؛ لأنه يبس وجاز أن يقطع، وقيل: الكرب ما يبقى من الأصول في النخلة بعد القطع، ولفظ رواية البيهقي: فكنت أتخبأ لها في أصول النخل حتى رأيت منها بعض ما أعجبني فتزوجتها (¬5) (حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها و) وأعجبني منها فرغبني في (تزوجها فتزوجتها) واكتفى في جواز النظر بإذن الشارع دون إذنها خلافًا لمالك. ¬

_ (¬1) تحرفت في الأصل إلى: (بن). (¬2) "مسند أحمد" 5/ 424، "المعجم الأوسط" (911). (¬3) هذه العبارة ليست في "السنن"، ولكنها عند أحمد في "مسنده" 3/ 334. (¬4) بياض في الأصل. (¬5) "السنن الكبرى" 7/ 84.

20 - باب في الولي

20 - باب فِي الوَليِّ 2083 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، أَخْبَرَنا ابن جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ مُوسَى عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّما امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوالِيها فَنِكاحُها باطِلٌ". ثَلاثَ مَرّاتٍ: "فَإِنْ دَخَلَ بِها فالمَهْرُ لَها بِما أَصابَ مِنْها فَإِنْ تَشاجَرُوا فالسُّلْطانُ وَليُّ مَنْ لا وَليَّ لَهُ" (¬1). 2084 - حَدَّثَنِي القَعْنَبَيُّ، حَدَّثَنا ابن لَهِيعَةَ، عَنْ جَعْفَرٍ - يَعْنِي: ابن رَبِيعَةَ - عَنِ ابن شِهابٍ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَعْناهُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: جَعْفَرٌ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الزُّهْرِيِّ كَتَبَ إِلَيْهِ (¬2). 2085 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ قُدامَةَ بْنِ أَعْيَنَ، حَدَّثَنا أَبُو عُبَيْدَةَ الحَدّادُ، عَنْ يُونُسَ وَإِسْرائِيلَ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا نِكاحَ إِلَّا بِوَليٍّ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هُوَ يُونُسُ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ وَإِسْرائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحاقَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ (¬3). 2086 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ أَنَّها كَانَتْ عِنْدَ ابن جَحْشٍ فَهَلَكَ عَنْها - وَكَانَ فِيمَنْ هَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الحَبَشَةِ - فَزَوَّجَها النَّجاشيُّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهِيَ عِنْدَهُمْ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1102)، وابن ماجه (1879، 1880)، وأحمد 6/ 47، 66، ، ، 165، 260، وابن حبان (4074). وصححه الألباني (1817). (¬2) انظر: السابق. (¬3) رواه الترمذي (1101)، وابن ماجه (1881)، وأحمد 4/ 394، 413، 418، وابن حبان (4077، 4078، 4083، 4090). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1818). (¬4) رواه النسائي 6/ 119، وأحمد 6/ 427، وابن حبان (6027). وانظر: ما سيأتي =

باب في الولي [2083] (ثنا محمد بن كثير) العبدي (ثنا سفيان) بن سعيد الثوري، (ثنا) عبد الملك (ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أيما (¬1) امرأة نكحت) زوجًا (بغير إذن وليها) مواليها، لفظ ابن ماجه: "أيما امرأة لم ينكحها الولي" (¬2). أو الولاة (فنكاحها باطل ثلاث مرات) وللترمذي وابن ماجه: "فنكاحها باطل، فنكاحها باطل" (¬3). قال عبد الحق: وفي بعض طرق هذا الحديث: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها وشاهدي عدل فنكاحها باطل"، ذكره الدارقطني عن عيسى بن يونس، عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى عن الزهري، عن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: وكذلك رواه حفص بن غياث وخالد بن الحارث، عن ابن جريج (¬4). وقد استدل محمد بن الحسن بقوله: "نكحت بغير إذن وليها" أن لها تزويج نفسها بإذن وليها (¬5)، وكذا تزويج غيرها بالوكالة؛ فإن مفهوم قوله: "بغير إذن وليها" صحة نكاحها بإذنه، ولأن المرأة إنما منعت من ¬

_ = برقم (2107، 2108). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1819). (¬1) في الأصل: أي: والمثبت من "السنن". (¬2) "سنن ابن ماجه" (1879). (¬3) "سنن الترمذي" (1102)، وابن ماجه (1879). (¬4) "الأحكام الوسطى" 3/ 138. (¬5) انظر: "المبسوط" 5/ 10 - 11.

الاستقلال بالنكاح لقصور عقلها فلا يؤمن انخداعها وقوعه منها على وجه المفسدة، وهذا مأمون فيما إذا أذن فيه وليها، والصحيح أنها لا تزوج وإن أذن لها وليها؛ لعموم قوله في الحديث الآتي: "لا نكاح إلا بولي" (¬1). وهذا مقدم على دليل الخطاب، والتخصيص ها هنا لا يخرج مخرج الغالب؛ فإن الغالب أنها لا تزوج نفسها بغير (¬2) إذن وليها. فإن قيل: هذا الحديث أنكره الزهري، وهو راويه قال ابن جريج: سألت الزهري عنه فلم يعرفه. فالجواب: لم يقل هذا عن ابن جريج غير ابن علية، كذلك قال الإمام أحمد ويحيى، ولو ثبت هذا، لم يكن فيه حجة؛ لأنه نقله عنه ثقات فلو نسيه الزهري لم يضره؛ لأن النسيان لم يعصم منه إنسان. (فإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها) لفظ الترمذي: "فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها". قال صاحب "الكافي": ووجه الدلالة على بطلانه لعدم ولايتها أنه حكم في الحديث بالبطلان وأكده بالتكرار، وأوجب المهر بالدخول، ولو كان النكاح صحيحًا لوجب المهر بالدخول. (فإن تشاجروا) أي: تنازعوا واختلفوا، قال الله تعالى: {حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} (¬3) (فالسلطان ولي من لا ولي له) فيه دلالة على أن المرأة لا تزوج نفسها ولا غيرها؛ إذ لو كان لها ولاية لما نقلت الولاية عنها إلى السلطان، بل كانت هي ولية نفسها، ¬

_ (¬1) سيأتي تخريجه. (¬2) فوقها في الأصل: إلا. (¬3) النساء: 65.

وكانت أولى من السلطان. وقال أبو حنيفة: لها أن تزوج نفسها وغيرها؛ لقوله تعالى: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} (¬1)، فأضاف النكاح إليهن (¬2). [2084] (ثنا) عبد الله (القعنبي، حدثنا) عبد الله (ابن لهيعة) بن عقبة الحضرمي قاضي مصر وعالمها ومسندها، كان أحمد يقول: من مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه (¬3). (عن جعفر بن ربيعة) الكندي (عن ابن شهاب، عن عروة) بن الزبير (عن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمعناه) دون لفظه. (قال المصنف: وجعفر) بن ربيعة (لم يسمع من) ابن شهاب (الزهري) بل (كتب إليه) أن يروي عنه. [2085] (ثنا محمد بن قدامة بن أعين) المصيصي مولى بني هاشم، قال النسائي: لا بأس به (¬4)، وقال الدارقطني: ثقة (¬5). (ثنا أبو عبيدة) عبد الواحد بن واصل (الحداد) الدوسي، أخرج له البخاري في الصلاة. (عن يونس) بن أبي إسحاق (وإسرائيل، عن) يونس بن أبي يونس. (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي الهمداني. (عن أبي بردة) عامر بن أبي موسى الأشعري (عن) أبيه (أبي موسى ¬

_ (¬1) البقرة: 232. (¬2) انظر: "المبسوط" 5/ 10 بمعناه، وانظر: "بدائع الصنائع" 2/ 248. (¬3) انظر: "تذكرة الحفاظ" 1/ 238، "سير أعلام النبلاء" 8/ 13. (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 309. (¬5) "علل الدارقطني" 10/ 136.

الأشعري - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا نكاح) ذهب القاضي إلى أن هذا مجمل؛ لأنه متردد بين نفي الكمال ونفي الجواز (¬1)، والذي عليه الجمهور أنه لا إجمال بناءً على ثبوت الحقائق الشرعية، وأن الشرعي مخصوص بالصحيح، أي: لا يصح نكاح محجور عليه من امرأة أو مجنون أو سفيه (إلا بولي) أي: مرشد؛ لرواية الشافعي بسنده: "لا نكاح إلا بولي مرشد" (¬2). وهو احتراز من الفاسق؛ لكن الكافر يلي عقد الكافرة؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (¬3)، قال عبد الحق: وذكر أبو أحمد ابن عدي من حديث المغيرة بن موسى البصري مولى عائذ عن هشام ابن حسان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا نكاح إلا بولي وخاطب وشاهد عدل" (¬4). وقال الترمذي: وحديث أبي موسى: "لا نكاح إلا بولي". فيه اختلاف، وذكر بعضهم رواه مرسلًا، وقال بعد ذكر الاختلاف: رواية هؤلاء الذين رووا عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا نكاح إلا بولي" عندي أصح (¬5). وصححه أحمد ويحيى بن معين وابن حبان والحاكم وغيرهم. (قال المصنف: هو يونس) رواه ([عن] أبي بردة و) رواه (إسرائيل، عن أبي إسحاق) الهمداني بسكون الميم (عن أبي بردة) عن أبي موسى ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" 4/ 566. (¬2) "الأم" 5/ 35. (¬3) الأنفال: 73. (¬4) "الكامل" لابن عدي 8/ 79، "الأحكام الوسطى" 3/ 138. (¬5) "الجامع الصحيح" 3/ 408 - 409.

الأشعري. [2086] (ثنا محمد بن يحيى) بن عبد الله (بن فارس) الهذلي (ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن أم حبيبة) رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب الأموية (أنها كانت عند) عبيد الله (بن جحش) بن رياب بن يعمر الأسدي حليف بني أمية فولدت له حبيبة التي كانت تكنى بها بأرض الحبشة، وكان قد هاجر مع زوجته أم حبيبة إلى أرض الحبشة ثم تنصر هناك (فهلك عنها، وكان ممن هاجر إلى أرض الحبشة) ومات نصرانيًّا وبقيت أم حبيبة بأرض الحبشة، وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي واسمه أصحمة بهمزة مفتوحة وصاد ساكنة ثم حاء مهملتين مفتوحتين، هكذا جاء في الصحيح، والنجاشي اسم لكل ملك من ملوك الحبشة كما يسمى ملك الروم [قيصر] (¬1) وملك الترك خاقان والفرس كسرى، والقبط فرعون. (فزوَّج رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -) قيل: إنما ساق المهر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأضيف التزويج إليه، وقيل: عقد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليها؛ لأنه كان أمير الموضع وسلطانه، ويحتمل أن يكون النجاشي هو الخاطب على رسول الله، والصحيح أن الذي تولى العقد عليها خالد بن سعيد بن العاص وهو ابن عم أبي سفيان؛ لأن [أباها أبا سفيان] (¬2) كان كافرًا لا ولاية له، وقيل: إن الذي ولي العقد عثمان بن عفان، وقيل: إن ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والسياق يقتضيها. (¬2) في الأصل: أبوها أبو. والجادة ما أثبتناه.

الذي عقد عليها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن أمية الضمري، وكله بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعث به إلى الحبشة في ذلك، وفي "الاستيعاب" أن أم حبيبة بنت أبي سفيان قالت: ما شعرت وأنا بأرض الحبشة (وهي عندهم) إلا برسول النجاشي جارية يقال لها: أبرهة كانت تقوم على شأنه (¬1)، فاستأذنت علي فأذنت لها، فقالت: إن الملك يقول لك: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إلي أن أزوجك منه؟ فقلت: بشرك الله بخير. وقالت: يقول لك الملك: من يزوجك؟ فأرسلت إلى خالد بن سعيد فوكلته، وأعطيت أبرهة سوارين فضة كانت علي وخواتيم فضة كانت في إصبعي سرورًا بما بشرتني به (¬2). وأصدقها النجاشي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعمائة دينار بعثها مع شرحبيل ابن حسنة، وجهزها من عنده، كل ذلك سنة سبع. وفي ذكر المصنف هذا الحديث في باب ذكر الموالي يدل على أن السلطان ولي من لا ولي له إذا قلنا إن النجاشي هو الذي زوجها؛ لكونه الملك، أو يدل على أن الأب إذا كان كافرًا تنتقل الولاية إلى من بعده من الأولياء إذا قلنا إن الذي زوجها خالد بن سعيد. وقد يستدل على أن الولي إذا كان كافرًا ينوب عنه السلطان، ولا ينتقل إلى بقية الأقارب. ¬

_ (¬1) في "الاستيعاب": ثبابه. (¬2) "الاستيعاب" (3497).

21 - باب في العضل

21 - باب فِي العَضْلِ 2087 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى حَدَّثَني أَبُو عامِرٍ، حَدَّثَنا عَبّادُ بْنُ راشِدٍ عَنِ الحَسَنِ حَدَّثَنِي مَعْقِلُ بْنُ يَسارٍ قَالَ: كَانَتْ لِي أُخْتٌ تُخْطَبُ إِلَى فَأَتاني ابن عَمٍّ لِي فَأَنْكَحْتُها إِيّاهُ ثُمَّ طَلَّقَها طَلاقًا لَهُ رَجْعَةٌ ثُمَّ تَرَكَها حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُها فَلَمّا خُطِبَتْ إِلي أَتانِي يَخْطُبُها فَقُلْتُ: لا والله لا أُنْكِحُها أَبَدًا. قَالَ: فَفيَّ نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} الآيَةَ. قَالَ: فَكَفَّرْتُ، عَنْ يَمِيني فَأَنْكَحْتُها إِيّاهُ (¬1). * * * باب في العضل العضل في اللغة: المنع، وأصله الضيق والشدة، يقال: عضلت المرأة إذا نشب ولدها في بطنها فضاق عليه الخروج، والداء العضال الذي لا يطاق علاجه. [2087] (ثنا محمد بن المثنى، قال: حدثني أبو عامر) عبد الملك بن عمرو العقدي، (ثنا عباد بن راشد) التميمي البصري البزار، أخرج له البخاري في تفسير سورة البقرة (عن الحسن) البصري قال: (حدثني معقل بن يسار) بن عبد الله المزني، شهد الحديبية ونزل البصرة، (قال: كانت لي أخت) اسمها جميلة بضم الجيم وفتح الميم وسكون ياء التصغير ثم لام، وقيل: جمل بضم الجيم وسكون الميم، وقيل: ليلى، وأبوها يسار بن عبد الله، (تخطب إلي) بضم الفوقانية. فيه أن ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4529، 5130، 5330، 5331).

الخطبة إلى الرجال الأولياء لا إلى النساء (فأتاني ابن عم فأنكحتها إياه) زوج جميل أبو البداح بفتح الباء الموحدة وتشديد الدال وبعد الألف حاء مهملة، قيل: اسمه عبيد الله وهو أبو عاصم بن عدي القضاعي حليف الأنصار، وقيل: إن البداح لقب غلب عليه وكنيته أبو عمر، واختلف في أبي البداح، فقيل: صحابي، وقيل: الصحبة لأبيه وهو تابعي، قال الذهبي في "المجرد": والأظهر أنه تابعي (¬1)، وفي "الاستيعاب" الأكثر يذكرونه في الصحابة (¬2). (ثم طلقها طلاقًا له رجعة) أي: بغير عوض (ثم تركها حتى انقضت عدتها، فلما خطبت إلي) فيه دليل على تحريم خطبة الرجعية تصريحًا أو تعريضًا؛ لأنهم لم يخطبوها إلا بعد انقضاء عدتها، ولولا التحريم لخطبت؛ لأنها كانت مرغوبًا فيها، وإنما حرم خطبتها لأنها في معنى الزوجة، بدليل صحة طلاقها وظهارها ولعانها، وتعتد منه عدة الوفاء إذا مات ويتوارثان (أتاني يخطبها) بضم الطاء زاد الدارقطني: مع الخطاب (¬3) (فقلت: والله لا أنكحها) بضم الهمزة وكسر الكاف، وللبخاري: فقلت له: زوجتك وفرشتك وأكرمتك ثم طلقتها، ثم جئت تخطبها! والله لا تعود إليك (أبدًا) وكان رجلًا لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه (¬4). لفظ البخاري في باب: من قال: لا نكاح ¬

_ (¬1) "تجريد أسماء الصحابة" 2/ 150. (¬2) "الاستيعاب" (2855). (¬3) "سنن الدارقطني" (3526). (¬4) "صحيح البخاري" (5130).

إلا بولي. وفي قوله: لا أنكحها مع أنها تريد الرجوع إليه دليل على أنها لا تنكح إلا بولي إذ لو لم تحتج إليه لزوجت نفسها لرغبتها فيه. ويدل عليه ما بعده: (قال: ) معقل بن يسار، وقال الطحاوي: هو معقل بن سنان (¬1) (ففي) وفي أختي (نزلت هذِه الآية) وهي قوله تعالى: ({وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ}) (¬2) بلوغ الأجل في هذا الموضع تناهيه؛ لأن ابتداء النكاح إنما يتصور بعد انقضاء العدة (فلا تعضلوهن) معناه تحبسوهن، وحكى الخليل: دجاجة معضل قد احتبس بيضها، وقيل: العضل: المنع وهو راجع إلى معنى الحبس، يقال: أردت أمرًا فعضلني عنه أي: منعني، وكل مشكل عند العرب معضل، ومنه قول الشافعي: إذا المعضلات تصدينني ... كشفت حقائقها بالنظر وفي الآية دليل للشافعي وغيره على أنه لا يجوز النكاح بغير ولي؛ لأن أخت معقل كانت ثيبًا، ولو كان الأمر إليها دون وليها لما قبلت العضل، ولزوجت نفسها، ولم تحتج إلى وليها معقل، فالخطاب في قوله تعالى: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} للأولياء، وأن الأمر إليهم في التزويج مع رضاهن (¬3). وقد قيل: إن الخطاب في ذلك للأزواج، واختاره الرازي في "تفسيره" (¬4)، ويرد سبب النزول بأن يكون تأخير ارتجاع الزوجة ¬

_ (¬1) انظر: "شرح مشكل الآثار" 12/ 457. (¬2) البقرة: 232. (¬3) "الأم" 5/ 21 - 22. (¬4) "تفسير الفخر الرازي" 6/ 454.

لأجل المضارة عضلًا عن نكاح الغير بتطويل العدة عليها ({أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ}) احتج بهذا أصحاب أبي حنيفة على تزويج المرأة نفسها؛ لأن الله تعالى أضاف النكاح إليهن في قوله تعالى: {يَنْكِحْنَ} كما قال في آية أخرى: {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (¬1)، ولم يذكر الولي (¬2)، ولأن المرأة تصرفت في خالص حقها وهي من أهله؛ لكونها عاقلة مميزة، ولهذا كان التصرف لها في المال (الآية) إلى آخرها (قال: فكفرت عن يمينها) البخاري: عن يميني (وأنكحتها إياه) ولفظ البزار في هذا الحديث: قال معقل: فأمرني أن أكفر عن يميني فأزوجها. ¬

_ (¬1) البقرة: 230. (¬2) انظر: "المبسوط" 5/ 10، 12.

22 - باب إذا أنكح الوليان.

22 - باب إِذا أَنْكَحَ الوَلِيّانِ. 2088 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا هِشامٌ ح وَحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا هَمّامٌ ح وَحَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ - المَعْنَى - عَنْ قَتادَةَ، عَنِ الحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَيُّما امْرَأَةٍ زَوَّجَها وَلِيّانِ فَهي لِلأَوَّلِ مِنْهُما وَأَيُّما رَجُلٍ باعَ بَيْعًا مِنْ رَجُلَيْنِ فَهُوَ لِلأَوَّلِ مِنْهُما" (¬1). * * * باب إذا أنكح (¬2) الوليان [2088] (ثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي شيخ البخاري، (ثنا هشام، وثنا محمد بن كثير) العبدي (أنبأنا همام، وأنبأنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (ثنا حماد) بن سلمة (المعنى، عن قتادة، عن الحسن) البصري (عن سمرة) بن جندب، وقال الترمذي فيه: حديث حسن، وقيل: لم يسمع الحسن من سمرة شيئًا، وقيل: إنه سمع منه حديث العقيقة، (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أيما امرأة زوجها وليان) أذنت لهما أو أطلقت أو أذنت لأحدهما وقالت: زوجني بزيد، وللآخر وقالت: زوجني. وكذا لو (¬3) وكَّل المخير اثنين فزوجا كفؤين أو زوجها الولي واحدًا ووكيله غيره (فهي للأول) أي: للسابق (منهما) إن عرف ببينة أو تصادق معتبر ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1110)، والنسائي 7/ 341، وابن ماجه (2191، 2344)، وأحمد 5/ 8، 12، 18، 22. وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (355). (¬2) في الأصل: نكح. (¬3) سقطت من الأصل، والسياق يقتضيها.

سواء دخل بها الثاني أم لا، خلافًا لمالك (¬1)، وقيد الجرجاني في "التحرير" الصحة للسابق بما إذا أطلقت الإذن لهما، فإن عينت لأحدهما وأطلقت للآخر صح للمعين سواء تقدم أو تأخر، وقد يستدل به لمذهب الشافعي: لا نكاح إلا بولي (¬2). (وأيما رجل باع بيعًا) من إطلاق البيع على السلعة المبيعة مجازًا (من رجلين) مرتبًا، وكذا لو وكل اثنين فباعا مرتبًا أو وكل وكيلًا فباع هو ووكيله اثنين مرتبًا (فهو) أي: فالمبيع (للأول) أي: للسابق (منهما) فلو باع المبيع من رجلين غير مرتبين بل بلفظ واحد كقوله: بعتكما هذِه الصبرة القمح بعشرة؛ فإنه يصح المبيع لهما ويتعدد العقد باعتبار المشترين فكأنه باع النصف لأحدهما ثم باع النصف الثاني لآخر، ويترتب على ذلك لو رد أحدهما بالعيب ورضي الآخر جاز حبس المبيع من أحدهما؛ لأجل وفاء الثمن دون الآخر. ¬

_ (¬1) انظر: "المدونة" 2/ 110 - 111. (¬2) "الأم" 5/ 22.

23 - باب قوله تعالى: {لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن}

23 - باب قَوْلِهِ تَعالَى: {لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} 2089 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنا أَسْباطُ بْن مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنا الشَّيْبانيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - قَالَ الشَّيْبانيُّ: وَذَكَرَهُ عَطاءٌ أَبُو الحَسَنِ السُّوائِيُّ وَلا أَظُنُّهُ إلَّا، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - فِي هذِه الآيَةِ: {لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا ماتَ كَانَ أَوْلِياؤُهُ أَحَقَّ بِامْرَأَتِهِ مِنْ وَلِيِّ نَفْسِها إِنْ شاءَ بَعْضُهُمْ زَوَّجَها أَوْ زَوَّجُوها وَإِنْ شاءُوا لَمْ يُزَوِّجُوها فَنَزَلَتْ هذِه الآيَةُ فِي ذَلِكَ (¬1). 2090 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ ثابِتٍ المَرْوَزِيُّ حَدَّثَنِي عَليُّ بْنُ حُسَيْنِ بْنِ واقِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْويِّ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: {لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَرِثُ امْرَأَةَ ذِي قَرابَتِهِ فَيَعْضُلُها حَتَّى تَمُوتَ أَوْ تَرُدَّ إِلَيْهِ صَداقَها فَأَحْكَمَ اللهُ، عَنْ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْ ذَلِكَ (¬2). 2091 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ شَبُّويَةَ المَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمانَ، عَنْ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ مَوْلَى عُمَرَ، عَنِ الضَّحّاكِ بِمَعْناهُ قَالَ: فَوَعَظَ اللهُ ذَلِكَ (¬3). * * * باب في قوله تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} [2089] (ثنا أحمد بن منيع) بفتح الميم، البغوي الحافظ (ثنا أسباط) ابن محمد بن عبد الرحمن القرشي مولى السائب بن يزيد. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4579، 6948). وانظر: ما بعده. (¬2) انظر: ما قبله وما بعده. (¬3) رواه الطبري في "تفسيره" 4/ 308. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1823)، قال: حديث مقطوع، وهو صحيح بما قبله.

(ثنا) أبو إسحاق سليمان بن أبي سليمان (الشيباني، عن عكرمة، عن) عبد الله (ابن عباس، قال) أبو إسحاق (الشيباني وذكره) أي: هذا الحديث (عطاء أبو الحسن (¬1) السوائي) بضم السين وفتح الواو المخففة بعدها مد نسبة إلى سواءة بن عامر بن صعصعة الكندي، قيل: إنه مولى بني يشكر، وهو والد يزيد بن عطاء، أخرج البخاري لعطاء في الإكراه وفي تفسير سورة النساء (ولا أظنه) يروي (إلا عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذِه الآية {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} {لَا يَحِلُّ لَكُمْ}) (¬2) الخطاب للأولياء ({أَنْ تَرِثُوا}) أن مصدرية في موضع رفع بـ (يحل)، أي: لا يحل لكم وراثة (النِّسَاءَ}) والمقصود بهذِه الآية نفي الظلم عن النساء وإضرارهن ({كَرْهًا}) مصدر في موضع الحال، وأمر الزوج أن يطلقها إن كره صحبتها ولا يمسكها كرهًا، والمقصود من الآية إذهاب ما كانوا عليه في جاهليتهم كما سيأتي، وأن تجعل كالمال يورثن عن الرجال كما يورث المال، وكرهًا بضم الكاف وفتحها في السبع ({وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ}) تقدم أن معنى العضل المنع، يقال: الخِطاب لأزواج النساء إذا حبسوهن مع سوء العشرة طمعًا في الإرث، أو ليفتدين ببعض مهورهن وهو الأصح، واختاره ابن عطية (¬3) لقوله تعالى {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (قال: كان الرجل إذا مات عن) زوجته (كان أولياؤه أحق بامرأته) من ولي نفسها وأقاربها، قال الزهري وأبو مجلز: ¬

_ (¬1) بعدها في الأصل: مهاجر. وهو خطأ، فمهاجر أبو الحسن تيمي لا سوائي، انظر: ترجمته في "التهذيب" 28/ 584. (¬2) النساء: 19. (¬3) "المحرر الوجيز" 2/ 72.

كان من عادة الجاهلية إذا مات الرجل يلقي ابنه من غيرها أو أقرب عصبته ثوبه على المرأة فيصير أحق بها من نفسها ومن أوليائها (إن شاء بعضهم) أي بعض أولياء الميت (تزوجها) بلا صداق إلا الصداق الذي أصدقها الميت (أو) إن شاؤوا (زوجوها) لمن اختاروا من غيرهم وأخذوا صداقها، ولم يعطوها منه شيئًا (وإن شاؤوا لم يزوجوها) لأحد إلى أن تفتدي منه بما ورثت من الميت أو تموت فيرثها (فنزلت هذِه الآية في ذلك) فيكون المعنى: لا يحل لكم أن ترثوهن من أزواجهن فتكونوا أزواجًا لهن، وقيل: كان الوارث إن سبق فألقى عليها ثوبًا فهو أحق بها، وإن سبقته فذهبت إلى أهلها كانت أحق بنفسها، قاله السدي. [2090] (ثنا أحمد بن محمد بن ثابت) أبو الحسن بن شبويه (المروزي) بفتح الواو من كبار الأئمة، قال في "الكمال": قال الدارقطني: روى عنه البخاري (¬1). (قال: حدثني علي بن حسين، عن أبيه) حسين بن واقد القرشي قاضي مرو، أخرج له مسلم. (عن يزيد) بن أبي سعيد (النحوي) المروزي، متقن عابد، قتله أبو مسلم (عن عكرمة، عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال) في قوله تعالى: ({لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا}) تقدم ({وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ}) النهي عن العضل ها هنا للأزواج نهوا أن يمسكوهن إذا لم يكن لهم فيهن حاجة إضرارًا بهن ({لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ}) يعني لتفتدي ببعض ما آتيتموهن من المهور ({إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ}) قال أبو ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 1/ 436.

الحسن: هو الزنا، إذا زنت البكر فإنها تجلد مائة وتنفى سنة وترد إلى زوجها ما أخذت منه. وقال أبو قلابة: إذا زنت البكر فلا بأس أن يشق عليها ويضارها حتى تفتدي (¬1). وقال ابن مسعود وابن عباس والضحاك وقتادة: البينة في هذِه الآية البغض والنشوز، قالوا: فإذا نشزت حل له أن يأخذ مالها (¬2). قال القرطبي: هذا مذهب مالك (¬3)، قال: ومن العلماء من يجوز أخذ المال من الناشز على جهة الخلع إلا أنه يرى أن لا يجاوز ما أعطاها ركونًا إلى قوله: {لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} قال ابن عطية: الزنا أصعب على الزوج من النشوز والأذى، وكل ذلك فاحشة تحل أخذ المال. قال عطاء الخراساني: كان الرجل إذا أصابت امرأته فاحشة أخذ منها ما ساق إليها وأخرجها فنسخ ذلك بالحدود (¬4). ({مُبَيِّنَةٍ}) قرأ نافع وأبو عمرو بكسر الياء والباقون بفتحها (¬5) (وذلك أن الرجل كان يرث امرأة ذي قرابته فيعضلها) أي: يمنعها من الزواج وتستمر بلا زوج (حتى تموت أو ترد) بالنصب (إليه صداقها) الذي دفعه إليها الزوج (فأحكم الله) في كتابه أي منع من ذلك (ونهى عن ذلك) يقال: أحكمت فلانًا أي: منعته، ومنه سمي الحاكم؛ لأنه يمنع الظالم، ومنه حكمة الفرس أي: لجامها؛ لأنها تمنعه عن مخالفة ¬

_ (¬1) انظر: "جامع البيان" للطبري 8/ 116 - 117. (¬2) "الجامع لأحكام القرآن" 5/ 95. (¬3) انظر: "المدونة" 2/ 245 - 246. (¬4) "الجامع لأحكام القرآن" 5/ 95 - 96، وانظر: "المحرر الوجيز" 2/ 28. (¬5) انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص 230.

راكبها، ومنه قول الشاعر: أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم ... إني أخاف عليكم أن أغضبا (¬1) [2091] (ثنا أحمد بن) محمد بن ثابت بن (شبويه) المروزي (ثنا عبد الله بن عثمان) بن جبلة بن رواد العتكي الأزدي مولاهم من موالي المهلب، قال أحمد بن عبدة الآملي: تصدق بألف ألف درهم وكَتب كُتب ابن المبارك كلها بقلم واحد، أخرج له الشيخان. (عن عيسى بن عبيد) الكندي أبو المنيب المروزي، قال أبو عبيدة: لا بأس به (عن عبيد الله مولى عمر) باهلة (عن الضحاك بمعناه) المتقدم، و (قال) في روايته (فوعظ الله) في (ذلك) ونهى عنه. ¬

_ (¬1) البيت لجرير، انظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد 4/ 427، "مجمل اللغة" 1/ 296.

24 - باب في الاستئمار

24 - باب فِي الاسْتِئْمارِ 2092 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا أَبانُ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا تُنْكَحُ الثَّيِّبُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ وَلا البِكْرُ إِلَّا بِإِذْنِها". قَالُوا: يا رَسُولَ اللهِ وَما إِذْنُها قَالَ: "أَنْ تَسْكُتَ" (¬1). 2093 - حَدَّثَنا أَبُو كامِلٍ، حَدَّثَنا يَزِيدُ يَعْنِي ابن زُرَيْعٍ ح وَحَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ - المَعْنَى - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "تُسْتَأْمَرُ اليَتِيمَةُ فِي نَفْسِها فَإِنْ سَكَتَتْ فَهُوَ إِذْنُها وَإِنْ أَبَتْ فَلا جَوازَ عَلَيْها". والإِخْبارُ فِي حَدِيثِ يَزِيدَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَلِكَ رَواهُ أَبُو خالِدٍ سُلَيْمانُ بْنُ حَيّانَ وَمُعاذٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو (¬2). 2094 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنا ابن إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو بهذا الحَدِيثِ بِإِسْنادِهِ زَادَ فِيهِ قَالَ: "فَإِنْ بَكَتْ أَوْ سَكَتَتْ". زَادَ: "بَكَتْ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَلَيْسَ: "بَكَتْ". بِمَحْفُوظٍ وَهُوَ وَهَمٌ فِي الحَدِيثِ الوَهَمُ مِنِ ابن إِدْرِيسَ أَوْ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ العَلاءِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَواهُ أَبُو عَمْرٍو ذَكْوانُ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ البِكْرَ تَسْتَحِي أَنْ تَتَكَلَّمَ. قَالَ: "سُكاتُها إِقْرارُها" (¬3). 2095 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا مُعاوِيَةُ بْنُ هِشامٍ عَنْ سُفْيانَ، عَنْ إِسْماعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ حَدَّثَنِي الثِّقَةُ، عَنِ ابن عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "آمِرُوا ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5136، 6968، 6970)، ومسلم (1419). وانظر: تالييه. (¬2) رواه الترمذي (1109)، والنسائي 6/ 87، وأحمد 2/ 259، 384، 475، وابن حبان (4079، 4086)، وانظر: ما قبله وما بعده. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1825) وقال: إسناده حسن صحيح. (¬3) انظر: سابقيه.

النِّساءَ فِي بَناتِهِنَّ" (¬1). باب في الاستئمار [2092] (ثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي (أنا أبان) بن يزيد العطار البصري، أخرج له الشيخان (ثنا يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري (عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تنكح الثيب) لفظ البخاري ومسلم: "لا تنكح الأيم" (¬2)، وهو بمعناه (حتى تستأمر) الاستئمار المشاورة، وقيل: طلب الأمر منها، واحتج به على وجوب استئذان الثيب البالغة وجوابها بصريح النطق، فإن كانت خرساء فإذنها بالإشارة المفهمة، والظاهر أن كنايتها بالإذن كالإشارة (ولا البكر) يعني: البالغ (إلا بإذنها) استحبابًا، ويكفي في إذنها كما سيأتي (قالوا: يا رسول الله وما إذنها؟ قال: أن تسكت) هذا هو الأصح، والثاني: لا بد من صريح نطقها كالثيب في غير الأب، أما الأب والجد فالسكوت كافٍ بلا خلاف. قال إمام الحرمين: وهو القياس (¬3) وأطلق الجمهور الاكتفاء بالسكوت، وقيده ابن المنذر بما إذا علمت أن ذلك إذنها وهو حسن (¬4)، لكن قال النووي: مذهب الجمهور لا يشترط (¬5). ويدل على ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 34. وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (356). (¬2) "صحيح البخاري" (5136)، ومسلم (1419) (64). (¬3) "نهاية المطلب" 12/ 44. (¬4) "الأوسط" لابن المنذر 8/ 276 بمعناه. (¬5) "شرح النووي" 9/ 205.

قول ابن المنذر قولهم في الدعاوى: أن القاضي لا يحكم بالنكول حتى يعلم المدعى عليه أن سكوته يوجب ذلك. [2093] (ثنا أبو كامل) الجحدري واسمه فضيل بن حسين شيخ مسلم (ثنا يزيد بن زريع وحدثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (ثنا حماد) بن سلمة (المعنى قال: حدثني محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص الليثي (ثنا أبو سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف. (عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: تستأمر اليتيمة) أي: تستأذن، واليتيمة من ليس لها أب ولا جد وإن علا، واستئذانها لمن على حاشية النسب كأخ وعم واجب، والمراد استئذان البالغة؛ فإن الصغيرة لا إذن لها عند الشافعي (¬1) وخيره أبو حنيفة وخيرها إذا بلغت (¬2) (في) نكاح (نفسها) أما غير نفسها فلا تستأمر قطعًا (فإن سكتت فهو إذنها) في الأصح هذا في غير المخير، أما المخير فلا خلاف في الاكتفاء بسكوتها، وشرط الاكتفاء بذلك بعد الاستئذان، فأما لو زوجت بحضرتها وهي ساكتة لم يكف في الأصح، وهذا بالنسبة في التزويج، أما قدر المهر فلا يكفي في رضاها السكوت إذا كان بأقل من مهر المثل أو بغير نقد البلد حكاه في زيادة "الروضة" عن صاحب "البيان" فإنه قال: فلا يكن سكوتها كبيع مالها، لكنه بعد ذلك حكى عن فتاوى البغوي ما يخالفه (¬3)، والأول أوجه (وإن أبت) ¬

_ (¬1) "الأم" 5/ 30، 33. (¬2) انظر: "الحجة على أهل المدينة" 3/ 142، "المبسوط" 4/ 238. (¬3) "روضة الطالبين" 7/ 56 - 57، وانظر: "البيان" 9/ 181.

(. . .) (¬1) أي: لا ولاية عليها لغير أبيها حيث هي يتيمة (فلا يجوز عليها) لأنها لم ترض و (. . .) (¬2) الحد وإن سكتت لم يكن رضا (والإخبار) بكسر الهمزة (في حديث يزيد) بن زريع (. . .) (¬3) (قال المصنف: وكذلك رواه أبو خالد سليمان بن حيان) بفتح (. . .) (¬4) الكوفي الأزدي. (ومعاذ بن معاذ، عن محمد بن عمرو) ولم (. . .) (¬5) رواية (ورواه أبو عمرو ذكوان) مولى عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - (. . .) (¬6). (عن عائشة) رضي الله عنها (قلت: يا رسول الله إن البكر تستحي) (. . .) (¬7) وقرأه ابن محيصن تستحي بكسر الحاء (. . .) (¬8) ياء مفردة (. . .) (¬9) لكونها لم تمارس الرجال ولا خالطتهم بعد (قال: سكاتها) (. . .) (¬10) مداومة السكوت ومصدر سكت سكتًا وسكوتًا (. . .) (¬11) بالهمزة، ومنه حديث: ما تقول في إسكاتك؟ (¬12) أي: سكوتك. (إقرارها) الصحيح كما تقدم وهو الذي عليه الجمهور: أن سكوتها قائم مقام الإقرار في جميع الأولياء لعموم الحديث، ولوجود الحياء في الأبكار. [2094] (ثنا محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي، (ثنا) ¬

_ (¬1) بياض في الأصل قدر نصف سطر. (¬2) و (¬3) و (¬4) و (¬5) و (¬6) و (¬7) و (¬8) و (¬9) و (¬10) و (¬11) وبياض في الأصل قدر نصف سطر. (¬12) أخرجه ابن أبي شيبة (16217)، وابن راهويه في "مسنده" (1746) عن عبد الله بن إدريس قال: سمعت ابن جريج يحدث عن ابن أبي مليكة عن أبي عمرو به موصولًا. وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. راجع "صحيح أبي داود" (1826).

عبد الله (بن إدريس، عن محمد بن عمرو بهذا الحديث بإسناده) المذكور (وزاد فيه: قال: فإن بكت) البكر (أو سكتت) (¬1) عطف البكاء على السكوت؛ لأن البكاء بمجرده ليس مانعًا من الزواج، بل إن كان معه صياح وضرب خد فهو قرينة ظاهرة على عدم الرضا. (زاد) ابن إدريس في روايته (بكت. قال المصنف: ليس) قوله (بكت بمحفوظ) في الرواية: بل (هو وهم في الحديث) وهذا (الوهم من) عبد الله (ابن إدريس) الأودي الكوفي. [2095] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا معاوية بن هشام) القصار الكوفي مولى بني أسد، أخرج له مسلم. (عن سفيان) بن سعيد الثوري (عن إسماعيل بن أمية) بن سعيد الأموي، له نحو ستين حديثًا، قال (حدثني الثقة، عن ابن عمر) رضي الله عنهما (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: آمروا) بمد الهمزة وتخفيف الميم المكسورة، يقال: آمرته في أمري بالمد إذا شاورته، ويقال: وأمرته بالواو قبل الألف، وليس بفصيح، والمعنى شاوروا (النساء في) نكاح (بناتهن) إذا أردتم تزويجهن، قال الشافعي: لا يختلف الناس أن ليس لأمها فيها أمر ولكن هذا لاستطابة أنفسهن (¬2). وهو أدعى للألفة، وخوفًا من وقوع الوحشة بينهما إذا لم يكن برضا الأم؛ إذ البنات إلى الأمهات أميل من الآباء، وفي سماع قولهن أرغب، ولأن المرأة ربما ¬

_ (¬1) أخرجه البيهقي في "الكبرى" (7/ 122) من طريق المصنف، وأقرَّه على إعلاله زيادة: (بكت) بالشذوذ. (¬2) "الأم" 5/ 249.

علمت من حال بنتها الخافي عن أبيها أمرًا لا يصلح معه النكاح من علة تكون بها أو سببًا يمنع من وفاء حقوق النكاح، ومنه حديث: "آمروا النساء في أنفسهن" (¬1). أي: شاوروهن في تزويجهن. ¬

_ (¬1) أخرجه البيهقي في "الكبرى" 7/ 123 من حديث العرس بن عميرة الكندي. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (13).

25 - باب في البكر يزوجها أبوها ولا يستأمرها

25 - باب فِي البِكْرِ يُزَوِّجُها أَبُوها وَلا يَسْتَأْمِرُها 2096 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنا جَرِيرُ بْنُ حازِمٍ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّ جارِيَةً بِكْرًا أَتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَتْ أَنَّ أَباها زَوَّجَها وَهيَ كارِهَةٌ فَخَيَّرَها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). 2097 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بهذا الحَدِيثِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَمْ يَذْكُرِ ابن عَبَّاسٍ وَكَذَلِكَ رَواهُ النّاسُ مُرْسَلًا مَعْرُوفٌ (¬2). * * * باب في البكر يزوجها أبوها ولا يستأمرها [2096] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا حسين بن محمد) أبو أحمد المؤدب المروزي بفتح الواو سكن بغداد. (حدثنا جرير) بفتح الجيم (بن حازم) بن زيد الأودي العتكي. (عن أيوب) السختياني (عن عكرمة، عن ابن عباس) رضي الله عنهما (أن جارية) الأصل في الجارية الشابة سميت بذلك لسرعة مشيها وخفتها تشبيهًا بالجارية السفينة، ثم توسعوا حتى سموا كل أمة جارية وإن كانت عجوزًا لا تقدر على المشي (بكرًا أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت له أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي - صلى الله عليه وسلم -) استدل به أحمد في أحد الروايتين على أن المرأة المعتبر إذنها إذا زوجت بغير إذنها أن العقد يقف على إجازتها، ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (1875)، وأحمد 1/ 273، والنسائي في "السنن الكبرى" (5387). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1827). (¬2) رواه البيهقي 7/ 117 من طريق أبي داود مرسلا. وانظر: السابق.

وإن رضيت جاز، وإن لم ترض فسخت، وإذا زوجت اليتيمة فلها الخيار إذا بلغت (¬1). وهذا قول أصحاب الرأي في كل مسألة يعتبر فيها الإذن (¬2)، والرواية الصحيحة عن أحمد أن العقد لا يقف على الإجازة ولا يصير بالإجازة صحيحًا، وهو قول الشافعي وأبي عبيدة وأبي ثور (¬3). وأجابوا عن هذا الحديث بما قال البيهقي: أن هذا الحديث أخطأ فيه جرير بن حازم، عن أيوب السختياني، والمحفوظ عن أيوب (¬4) ما ذكره المصنف (. . .) (¬5). [2097] (ثنا محمد بن عبيد) بن حسان العنبري البصري، أخرج له مسلم. (حدثنا حماد بن [زيد عن أيوب، عن عكرمة، عن النبي] (¬6) - صلى الله عليه وسلم - بهذا الحديث) مرسلًا. (قال المصنف: لم يذكر) أيوب (. . .) (¬7) (ابن عباس) قال المصنف: (وكذا رواه الناس مرسلًا معروف) وقال البيهقي: [وقد رُوي من وجه آخر] (¬8) عن عكرمة، عن ابن عباس موصولًا خطأ، وذكره أيضًا من ¬

_ (¬1) "المغني" 9/ 379. (¬2) انظر: "المبسوط" 4/ 238 - 239. (¬3) "الأم" 5/ 179، وانظر: "المغني" 9/ 379. (¬4) "السنن الكبرى" للبيهقي 7/ 117. (¬5) بياض قدر نصف سطر. (¬6) بياض في (الأصل). والمثبت من "سنن أبي داود". (¬7) بياض قدر نصف سطر. (¬8) بياض في (الأصل). والمثبت من "السنن الكبرى" للبيهقي.

حديث [عطاء، عن جابر، وقال: هذا وهم] (¬1) والصواب مرسل على تقدير [وإن صح ذلك] (¬2) فكأنه كان وضعها في غير [كفء فخيرها النبي] (¬3) - صلى الله عليه وسلم - حين كرهت (. . .) (¬4) وكذا ما رواه ابن ماجه (¬5) عن [بريدة قال: جاءت فتاة إلى] (¬6) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: [إن أبي] (¬7) زوجني ابن أخيه ليرفع [به خسيسته، قال: فجعل الأمر إليها، فقالت: قد أجزت] (¬8) ما صنع أبي، ولكن أردت أن يعلم النساء [أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء] (¬9) [ثم يحتمل أن] (¬10) التي قالت زوجني فيرفع خبيث نسبه كان [غير كفء، وهذا] (¬11) يثبت الخيار ولا يبطل النكاح. ¬

_ (¬1) و (¬2) و (¬3) بياض في (الأصل). والمثبت من "السنن الكبرى" للبيهقي. (¬4) بياض قدر نصف سطر. (¬5) "سنن ابن ماجه" (1874). (¬6) و (¬7) و (¬8) و (¬9) بياض في (الأصل). والمثبت من "سنن ابن ماجه" (1874). (¬10) و (¬11) بياض في الأصل، والمثبت من "المغني" 9/ 379.

26 - باب في الثيب

26 - باب فِي الثَّيِّبِ 2098 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قالا أَخْبَرَنا مالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الفَضْلِ عَنْ نافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِها مِنْ وَلِيِّها والبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِها وَإِذْنُها صُماتُها". وهذا لَفْظُ القَعْنَبِيِّ (¬1). 2099 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ زِيادِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الفَضْلِ بإِسْنادِهِ وَمَعْناهُ قَالَ: "الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِها مِنْ وَلِيِّها والبِكْرُ يَسْتَأْمِرُها أَبُوها". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: "أَبُوها". لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ (¬2). 2100 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ عَنْ صالِحِ بْنِ كَيْسانَ، عَنْ نافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ أَمْرٌ واليَتِيمَةُ تُسْتَأْمَرُ وَصَمْتُها إِقْرارُها" (¬3). 2101 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُجَمِّعٍ ابنى يَزِيدَ الأَنْصارِيَّيْنِ عَنْ خَنْساءَ بِنْتِ خِدامٍ الأَنْصارِيَّةِ أَنَّ أَباها زَوَّجَها وَهِيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ فَجاءَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَرَدَّ نِكاحَها (¬4). * * * باب في الثيب [2098] (حدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) اليربوعي (وعبد الله بن ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1421). (¬2) انظر: ما قبله وما بعده. (¬3) رواه النسائي 6/ 85، وأحمد 1/ 334، وابن حبان (4089). وانظر: سابقيه. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1830). (¬4) رواه البخاري (5138، 6945).

مسلمة) القعنبي (قال: ثنا مالك، عن عبد الله بن الفضل) بن العباس بن ربيعة بن [الحارث بن] (¬1) عبد المطلب بن هاشم الهاشمي المدني. (عن نافع بن جبير) بن مطعم (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الأيم) بتشديد الياء المكسورة هي الثيب التي مات عنها زوجها أو طلقها، ويستعمل في الرجال إذا لم يكن لهم نساء قليلًا، وأكثر ما تستعمل في النساء، ولذلك لم يقل: أيمه بالهاء على الأكثر فهو كقولهم: امرأة طالق، وقد تستعمل الأيم في كل من لا زوج لها وإن كانت بكرًا صغيرة كانت أو كبيرة، قاله الحربي، وقد جاءت في رواية الأثبات: "الثيب" مفسرًا، ويدل على أن المراد الثيب أنه قد قابله بالبكر بعده في قوله: "والبكر تستأمر". يدل على أن ما قبله الثيب التي هي خلاف البكر. (أحق بنفسها) يحتمل من حيث اللفظ أن المراد أحق من وليها في كل شيء من عقد وإذن وغيرهما كما قاله أبو حنيفة (¬2) وداود، ويحتمل أنها أحق بالإذن الدال على الرضا وهو قول كافة العلماء، فلا تزوج حتى تنطق بالإذن بخلاف البكر، لكن لما صح قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا نكاح إلا بولي" مع غيره من الأحاديث الدالة على اشتراط الولي تعين الاحتمال الثاني. واعلم أن لفظة "أحق" هنا للمشاركة معناه: إن لها في نفسها النكاح حقًّا ولوليها حقًّا وحقها آكد من حقه؛ فإنه لو أراد تزويجها كفؤًا وامتنعت ¬

_ (¬1) بياض قدر كلمتين، والمثبت من "الطبقات" 3/ 121. (¬2) انظر: "المبسوط" 5/ 12 - 13.

لم يجز، ولو أرادت أن تتزوج كفؤًا فامتنع الولي وأصر زوجها القاضي، فدل على تأكيد حقها ورجحانه (¬1). (والبكر تستأمر في نفسها) قال النووي: اختلفوا في معناه، فقال الشافعي وابن أبي ليلى وأحمد وغيرهم: الاستئذان في البكر البالغ مأمور به، فإن كان الولي أبًا أو جدًّا وإن علا كان الاستئذان مندوبًا إليه، ولو زوَّجها بغير استئذانها صح لكمال شفقته (¬2). وعن أحمد أن المميزة تستأذن (¬3)، وعلى القول بصحة تزويجها بغير إذنها فيستحب استئذان البالغة للحديث وللخروج من خلاف أبي حنيفة، وكذا يستحب استئذان المراهقة كما صرح به بعضهم والأم أولى باستئذانها لتعرف ما في نفسها، وقوله: "تستأمر في نفسها" (احترازًا من غيرها فلا تستأمر في ابنتها ولا ابنة ابنها ونحو ذلك. (وإذنها صماتها) بضم الصاد أي: سكوتها، قال عياض: اختلف في مذهبنا هل من شرط ذلك إعلامها بأن إذنها صماتها أم لا؟ مع اتفاقهم على استحباب ذلك (¬4). وقد تقدم زيادة في ذلك (وهذا لفظ القعنبي) دون ابن يونس. [2099] (ثنا أحمد بن حنبل، ثنا سفيان) بن عيينة (عن زياد بن سعد، عن عبد الله بن الفضل بإسناده) المذكور (ومعناه، وقال: الثيب أحق بنفسها ¬

_ (¬1) في الأصل: (نقصانه) والمثبت من "شرح مسلم" للنووي 9/ 204. (¬2) "شرح النووي" 9/ 204، وانظر: "الأم" 5/ 29، و"المغني" 9/ 405. (¬3) انظر: "المغني" 9/ 399. (¬4) "إكمال المعلم" 4/ 566.

من وليها، والبكر يستأمرها أبوها قال المصنف) زيادة (أبوها ليس بمحفوظ) وأبوها جاء في "صحيح مسلم" من طريق [ابن أبي عمر] (¬1) عن سفيان، ولفظه: "البكر يستأذنها أبوها وإذنها صماتها"، وربما قال: "وصمتها إقرارها"، ورواه النسائي في "صحيحه" (¬2). [2100] (ثنا الحسن بن علي) الخلال (ثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن صالح بن كيسان، عن نافع، عن جبير بن مطعم، عن ابن عباس، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ليس (¬3) للولي مع الثيب) (¬4) هي هنا البكر البالغ، ولفظ النسائي كذا: "ليس للولي مع الثيب" (أمر) أي: إذا منعت النكاح ولم ترض به، وأما الثيب إذا أرادت كفؤًا فعضل الأب سقطت ولايته وزوج السلطان عنه، وكذا إذا اجتمع الولي وأرادت كفؤًا فلا يزوجها الأب بل السلطان، وكذا لو عاب الفقر وأرادت الزواج زوَّجها السلطان، ويحصل العضل مع قلة المهر، فلو دعت إلى كفء بدون مهر المثل وامتنع الولي زوَّج السلطان؛ لأن المهر محض حقها. (واليتيمة) قال المنذري: اليتيمة هنا هي البكر البالغ (¬5). (تستأمر) قال البيهقي: هذا الحديث رواته ثقات، وفيه دليل على أن ¬

_ (¬1) في الأصل: (أبو عمرو) والمثبت هو الصواب كما في "صحيح مسلم". (¬2) أطلق بعض الحفاظ على "سنن النسائي": "الصحيح"؛ لأجل ما رأوه في كتابه من قوة شرطه وتحريه. ومن هؤلاء: أبو علي النيسابوري، وابن عدي، والدارقطني. (¬3) سقط من (ر). (¬4) في الأصل: البنت. وجرى عليه الشرح، فليعلم. (¬5) "مختصر سنن أبي داود" المطبوع معه "معالم السنن" 3/ 37، ولكن هذا القول ليس قول المنذري ولكنه من كلام الخطابي.

المراد بالبكر التي تستأذن اليتيمة (¬1) يزوجها غير الأب والجد بعد بلوغها ويقنع منها بالسكوت حينئذٍ في الإذن في ظاهر المذهب (وصمتها إقرارها) أي: قائم مقام الإقرار، ودخل في قوله: "تستأمر وصمتها إقرارها" ما إذا استؤمرت للعصبة، وكذا للحاكم، وكذا المحكم على تجويزه في النكاح. [2101] (حدثنا) عبد الله بن مسلمة (القعنبي، عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر التيمي أفضل أهل زمانه هو وابنه. (عن عبد الرحمن ومجمع ابني يزيد) بن جارية (الأنصاريين) ومجمع صحابي، وكان أبوهما جارية بن عامر أحد بني مالك بن عوف ممن اتخذ مسجد الضرار، وكان مجمع غلامًا قد جمع القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا سورة أو سورتين. (عن خنساء) بفتح الخاء المعجمة وسكون النون ثم سين مهملة بعدها مد (بنت خذام) بكسر الخاء المعجمة وتشديد الذال المعجمة وبعد الألف ميم ابن ربيعة، وخنساء ووالدها صحابيان، وكانت خنساء تحت أنيس بن قتادة فقتل عنها يوم أحد فزوجها أبوها رجلًا من بني عوف فحنت إلى أبي لبابة بن عبد المنذر، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أباها أن يلحقها بهواها، فتزوجت أبا لبابة فجاءت بالسائب بن أبي لبابة (¬2). (الأنصارية أن أباها زوجها وهي ثيب) قال في "الاستيعاب": اختلفت الأحاديث في حالها: هل كانت بكرًا أم ثيبًا؟ قال: والصحيح نقل ¬

_ (¬1) انظر: "سنن البيهقي الكبرى" 7/ 116. (¬2) "الطبقات الكبرى" 8/ 456، و"معرفة الصحابة" لابن منده 1/ 535.

مالك (¬1) يعني كما نقله عنه البخاري (¬2) والمصنف وغيرهما. وقد اتفق أئمة الفتوى وعلماء الأمصار على أن الأب إذا زوج الثيب بغير رضاها أنه لا يصح، وبوب عليه البخاري: إذا زوج ابنته وهي كارهة فنكاحها مردود، وشذ الحسن البصري والنخعي فقال الحسن: نكاح الأب جائز على ابنته بكرًا كانت أو ثيبًا، كرهت أو لم تكره. وقال النخعي: إن كانت الابنة في عياله زوجها ذلك ولم يستأمرها وإن كانت في [عيالها نائية] (¬3) عنه استأمرها، قال: وما خالف هذِه السنة فمردود (فكرهت) قال السفاقسي: واستدل به الشافعي على إبطال نكاح الموقوف على إجازة من له الإجازة (¬4) على قولي الإمام مالك وأحمد (¬5)، قال: وليس في هذا الحديث دليل للشافعي؛ لأنه ذكر أنها كرهت ذلك، وإنما الخلاف لو رضيت. قال: وظاهره أنها لو رضيت لجاز، واستدل به على أبي حنيفة في قوله: لا يزوج الأب البكر البالغ إلا برضاها، قال: وذلك أن ذكر الثيوبة إنما ذكرت في هذا الحديث ليعلم أنها علة الحكم، فدل على أن حكم البكر بخلافه (¬6). (فجاءت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له) فيه جواز خروج المرأة من ¬

_ (¬1) "الاستيعاب" (3297). (¬2) "صحيح البخاري" (5138). (¬3) بياض قدر ثلاث كلمات، والمثبت من "مصنف عبد الرزاق" 6/ 144 (10293). (¬4) "الأم" 5/ 29. (¬5) انظر: "الاستذكار" 16/ 208 - 209، "المدونة" 2/ 103، "مسائل أحمد وإسحاق" رواية الكوسج (856)، و"المغني" 9/ 406 - 407. (¬6) انظر: "المبسوط" 5/ 9 - 10.

بيتها إلى بيت العالم إذا كان من أهل الصلاح لتسأله عما تحتاج إليه في أمور دينها، وإن أمكنها معرفة ذلك برسول تنوبه لأن القادر على اليقين لا يأخذ بالظن بقول الواحد. (فرد نكاحها) ولم يخيرها كما تقدم.

27 - باب في الأكفاء

27 - باب فِي الأَكْفاءِ 2102 - حَدَّثَنا عَبْدُ الواحِدِ بْنُ غِياثٍ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَبا هِنْدٍ حَجَمَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي اليافُوخِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يا بَنِي بَياضَةَ أَنْكِحُوا أَبا هِنْدٍ وانْكِحُوا إِلَيْهِ". قَالَ: "وَإِنْ كَانَ فِي شَيء مِمّا تَداوَوْنَ بِهِ خَيْرٌ فالحِجامَةُ" (¬1). * * * باب في الأكفاء [2102] (ثنا عبد الواحد بن غياث) المربدي بكسر الميم وسكون الراء نسبة إلى مربد موضع بالبصرة، وعبد الواحد بصري صدوق (عن أبي هريرة: أن أبا هند) قيل: اسمه عبد الله وهو مولى فروة بن عمرو البياضي، وبنو بياضة بطن من الأنصار، وذكر ابن وهب في "موطأه" أن اسمه كيسان، تخلف أبو هند عن بدر ثم شهد سائر المشاهد (حجم النبي - صلى الله عليه وسلم - في اليافوخ) وسط الرأس، ولم يذكره الأطباء في مواضع المحاجم وهي أربعة عشر، بل قال معمر: احتجمت فذهب عقلي حتى كنت ألقن فاتحة الكتاب في صلاتي، وكان احتجم في هامته (¬2). أي: رأسه بقرن وشفرة من الشكوى الذي كان يعتريه من الأكلة التي أكلها بخيبر (¬3) (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: يا بني بياضة) بطن من الأنصار نسب إليه غير ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (3476)، وأحمد 2/ 342، 423، وأبو يعلى (5911)، وابن حبان (6078)، والحاكم 3/ 410. وسيأتي الحديث الثاني برقم (3857). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1832). (¬2) سيأتي قوله في الحديث رقم (3860)، وهو في "جامع معمر" 11/ 29. (¬3) "الجامع" لابن وهب 1/ 99.

واحد من الصحابة منهم سلمة بن صخر البياضي الصحابي (أنكحوا) بفتح الهمزة (أبا هند) أي: زوجوه (وانكحوا) بوصل الهمزة (إليه) يعني: انكحوا من ينتسب إليه من ذريته كابنته وابنة ابنه، قيل: في الحديث حجة لمن ذهب أن الكفاءة في الدين واجبة، ويمكن أن يقال: إنه - صلى الله عليه وسلم - ندبهم إلى ما هو أنفع لهم في الدنيا والآخرة بتزويج أهل الصلاح وإن لم يكونوا أكفأ في النسب كما قال لفاطمة بنت قيس - رضي الله عنها -: "انكحي أسامة" (¬1). (وقال: إن كان في شيء مما تداوون) بفتح التاء والواو الأولى أصله تتداوون ثم حذفت إحدى التاءين تخفيفًا (به خير) يعني به: الشفاء، وجاء في هذا الحديث كما في الصحيحين (¬2) بصيغة الاشتراط من غير تحقيق الأخبار، وقد جاء في البخاري من حديث ابن عباس مرفوعًا: "الشفاء في ثلاث: في شرطة محجم، أو شربة من عسل، أو كية بنار" (¬3). فحقق الخبر (فالحجامة) فيه حذف تقديره: فهو الحجامة، وفي معناه الفصد والبط (¬4) والعلق، فهذِه تذهب غلبة أحد الأخلاط الأربعة التي هي الدم والبلغم والصفراء والسوداء باستفراغ الدم الذي يحصل به الداء. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1480) (36)، وسيأتي تخريجه في باب نفقة المبتوتة (2284). (¬2) تحرفت في الأصل إلى: لذغة. (¬3) "صحيح البخاري" (5683)، "صحيح مسلم" (2205) من حديث جابر. (¬4) البط: الشق. يقال: بططت القرحة أي: شققتها.

28 - باب في تزويج من لم يولد.

28 - باب فِي تَزْوِيجِ مَنْ لَمْ يُولَدْ. 2103 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلَيٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى - المَعْنَى - قالا: حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ أَخْبَرَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مِقْسَمٍ الثَّقَفَيُّ - مِنْ أَهْلِ الطّائِفِ - حَدَّثَتْنِي سارَّةُ بِنْتُ مِقْسَمٍ أَنَّها سَمِعَتْ مَيْمُونَةَ بِنْتَ كَرْدَمٍ قَالَتْ: خَرَجْتُ مَعَ أَبِي فِي حَجَّةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَدَنا إِلَيْهِ أَبِي وَهُوَ عَلَى ناقَةٍ لَهُ فَوَقَفَ لَهُ واسْتَمَعَ مِنْهُ وَمَعَهُ دِرَّةٌ كَدِرَّةِ الكُتّابِ فَسَمِعْتُ الأَعْرابَ والنّاسَ وَهُمْ يَقُولُونَ: الطَّبْطَبِيَّةَ الطَّبْطَبِيَّةَ الطَّبْطَبِيَّةَ فَدَنا إِلَيْهِ أَبِي فَأَخَذَ بِقَدَمِهِ فَأَقَرَّ لَهُ وَوَقَفَ عَلَيْهِ واسْتَمَعَ مِنْهُ فَقَالَ: إِنَّي حَضَرْتُ جَيْشَ عِثْرانَ - قَالَ ابن المُثَنَّى: جَيْشَ غِثْرانَ - فَقَالَ طارِقُ بْنُ المُرَقَّعِ: مَنْ يُعْطِينِي رُمْحًا بِثَوابِهِ قُلْتُ: وَما ثَوابُهُ؟ قَالَ: أُزَوِّجُهُ أَوَّلَ بِنْتٍ تَكُونُ لِي. فَأَعْطَيْتُهُ رُمْحِي ثُمَّ غِبْتُ عَنْهُ حَتَّى عَلِمْتُ أَنَّهُ قَدْ وُلِدَ لَهُ جارِيَةٌ وَبَلَغَتْ ثُمَّ جِئْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ: أَهْلِي جَهِّزْهُنَّ إِلَى. فَحَلَفَ أَنْ لا يَفْعَلَ حَتَّى أُصْدِقَهُ صَداقًا جَدِيدًا غَيْرَ الذِي كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَحَلَفْتُ لا أُصْدِقُ غَيْرَ الذِي أَعْطَيْتُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَبِقَرْنِ أَيِّ النِّساءِ هِيَ اليَوْمَ". قَالَ: قَدْ رَأَتِ القَتِيرَ. قَالَ: "أَرى أَنْ تَتْرُكَها". قَالَ: فَراعَنِي ذَلِكَ وَنَظَرْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمّا رَأى ذَلِكَ مِنِّي قَالَ: "لا تَأْثَمُ وَلا يَأْثَمُ صاحِبُكَ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: القَتِيرُ الشَّيْبُ (¬1). 2104 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا ابن جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي إِبْراهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ أَنَّ خالَتَهُ أَخْبَرَتْهُ، عَنِ امْرَأَةٍ قَالَتْ: هِيَ مُصَدَّقَةٌ امْرَأَةُ صِدْقٍ قَالَتْ: بَيْنا أَبِي فِي غَزاةٍ فِي الجاهِلِيَّةِ إِذْ رَمِضُوا فَقَالَ رَجُلٌ مَنْ يُعْطِينِي نَعْلَيْهِ وَأُنْكِحُهُ أَوَّلَ بِنْتٍ تُولَدُ لِي فَخَلَعَ أَبِي نَعْلَيْهِ فَأَلْقاهُما إِلَيْهِ فَوُلِدَتْ لَهُ جارِيَةٌ فَبَلَغَتْ وَذَكَرَ نَحْوَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ قِصَّةَ القَتِيرِ (¬2). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 366. وقصة النذر ستأتي برقم (3314). وانظر ما بعده. وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (357). (¬2) رواه عبد الرزاق 6/ 179 - 180 (10418)، والبيهقي 7/ 145 - 146. وانظر: ما =

باب في تزويج من لم يولد يعني: تزويج البنت قبل أن تولد. [2103] (ثنا الحسن بن علي) الخلال، أخرج له الشيخان (ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا يزيد بن هارون) أبو خالد السلمي (أخبرنا عبد الله بن يزيد بن مقسم) بكسر الميم (الثقفي من أهل الطائف) هو بصري من ضبة، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬1)، قال (حدثتني عمتي) سارة بنت مقسم الثقفية (أنها سمعت ميمونة بنت كردم) بفتح الكاف وسكون الراء المهملة وفتح الدال الثقفية، أخرج لها في "مسند أحمد" (قالت: خرجت مع أبي) كردم الثقفي (في حجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) لست بقين من ذي القعدة سنة عشر (فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) زاد المصنف في الحديث الآتي في النذر: وسمعت الناس يقولون: رسول الله، فجعلت أبده بصري (فدنا إليه) كردم (وهو على ناقة له) فيه فضيلة حج الراكب على الماشي على المذهب الصحيح اقتداء به - صلى الله عليه وسلم - حيث حج راكبًا، وكانت راحلته زاملته، ويستحب للراكب أن يكون على الرحل والقتب اقتداءً به دون المحامل والهوادج. (معه درة [كدرة]) بكسر الدال المهملة وتشديد الراء المفتوحة بعدها هاء، قال المنذري: وهي التي يضرب بها، قال: ويشبه أن يكون أراد بدرة الكُتَّاب التي يؤدب بها المعلم صبيانه، وكأنه يشير إلى صغرها (¬2). ¬

_ = قبله. وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (358). (¬1) "الثقات" 7/ 632. (¬2) "عون المعبود" 6/ 131.

و (الكتاب) بضم الكاف وتشديد التاء (¬1)، الظاهر أنه جمع كاتب كعادل جمعه عدال، وحاسب وحساب، سمي به الموضع الذي يتعلم فيه الصبيان القراءة والكتابة لكثرة من يكتب فيه (فسمعت الأعراب) وهم أهل البدو من العرب (والناس) أهل الحضر لمقابلة الأعراب ويشبه أن يكون على عمومه، وهو من عطف العام على الخاص (وهم يقولون: الطبطبية) بفتح الطاءين المهملتين بينهما باء موحدة ساكنة وبعد الطاء الثانية موحدة أيضًا مكسورة وياء مشددة مفتوحة، يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون أراد حكاية وقع الأقدام عند السعي، أي: أقبل الناس يسعون وهم يقولون بأرجلهم على الأرض: طب طب وطب طب حكاية صوت المشي. والوجه الآخر: أن يكون كناية عن الدرة المذكورة فسماها طبطبية؛ لأنها إذا ضرب بها حكت صوت طب طب، وقال الأزهري: هي حكاية وقع السياط (¬2). والطبطبية هنا منصوبة على التحذير كقوله: الأسد الأسد، أي: احذروا الطبطبية احذروا (الطبطبية) احذروا (الطبطبية فدنا إليه) أي: إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - (وأخذ بقدمه) اليمنى، يحتمل أن يكون أتى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ماشيًا ومسك قدمه التي يحرك بها الناقة لتسير وأراد بمسك قدمه لتقف له عن المشي ليحدثه (فأقر) أي: استقر أي: يسكنون عن السفر ويقيمون (له، ووقف) بفتح القاف (عليه) أي: له، فتكون على بمعنى اللام ¬

_ (¬1) في الأصل: الراء، والمثبت هو الصواب. (¬2) انظر: "النهاية" (طبطب).

(فاستمع منه) كلامه، وهذا من كثرة شفقته وتواضعه ورفقه بالرعية (فقال) كردم (إني حضرت جيش عثران) بفتح العين المهملة وسكون الثاء المثلثة وتخفيف الراء وبعد الألف نون، اسم جيش وقعت له وقعة في الجاهلية، و (قال) محمد (بن المثنى) في روايته: هو (جيش غثران) بالغين المعجمة بدل المهملة. (فقال طارق بن المرقع) بكسر القاف الحجازي، قال الذهبي: الأظهر أنه تابعي (من يعطيني رمحًا بثوابه) الثواب الجزاء، يطلق على الجزاء في الدنيا والآخرة، ويطلق على الخير والشر، إلا أنه بالخير أخص، وأكثر استعمالًا. (قلت: وما ثوابه؟ قال: أزوجه أول بنت تكون) أي: تولد (لي) وكان هذا من أفعال الجاهلية، قال (فأعطيته رمحي) ليطعن به في الجيش طمعًا في زواج ابنته (ثم غبت عنه حتى علمت أنه قد ولد له) كذا في الأصل لكن حذفت تاء التأنيث لوجود الفاصل وهو الجار والمجرور (جارية) مرفوع نائب عن الفاعل (وبلغت) ولم تزوج (فجئته فقلت له: ) أريد (أهلي) فحذف الفعل مع الفاعل المقدر، ومن حذفهما قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} (¬1) أي: واعتقدوا الإيمان من قبل هجرتهم (جهزهن إلي) لما تقدم منك من ثواب الرمح الذي قاتلت به أعداءك وانتصرت عليهم. (فحلف أن لا يفعل) ذلك (حتى أصدق) بضم الهمزة وكسر الصاد يعني لابنته (صداقًا جديدًا غير) الصداق (الذي كان بيني وبينه) وهو إعطاؤه الرمح، (وحلفت) أنا أيضًا (أن لا أصدق) ابنته شيئًا (غير) ¬

_ (¬1) الحشر: 9.

الرمح (الذي أعطيته) إياه أولًا ليقاتل به. (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وبِقَرن) بالجر والفتح وكسر الراء بعدها نون سأله عما بلغت من السن والعمر أي: ولسن (أي: النساء هي اليوم؟ ) بالنصب، أي: في هذا اليوم، والقرن هو سن أهل زمانٍ واحد ومنه الحديث: "خيركم قرني ثم الذين يلونهم" (¬1). يعني: الصحابة ثم التابعين، فالقرن هو مقدار التوسط في أعمار أهل كل زمان مأخوذ من الاقتران فكأنه المقدار الذي يقترن فيه أهل ذلك الزمان نساءً كن أو رجالًا في أعمارهم، قال المنذري: ويشبه أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشار عليه بتركها لأن عقد النكاح على معدوم العين فاسد (¬2). كما في بيع الملاقيح والمضامين، وإنما كان ذلك موعدًا منه، فلما رأى أن غريمه لا يفي بما وعد وهذا لا يقلع عما طلب أشار عليه بتركها لما خاف على كل منهما من الإثم إذا تنازعا؛ إذ كل واحد منهما قد حلف أن لا يفعل، فتلطف به - صلى الله عليه وسلم - في صرفه عنها بالمسألة عنها (فقال: قد رأت القتير) بفتح القاف وكسر التاء المثناة فوق المخففة وسكون الياء التحتانية بعدها راء، وسيأتي تفسيره حيث ذكره المصنف رحمه الله وتلطف - صلى الله عليه وسلم - في صرفه عنها بالمسألة عن سنها حيث قرر عنده أنها قد رأت الشيب وكبرت فظهر العجز عليها ليكون ذلك مانعًا له عنها؛ فإن ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2651)، ومسلم (2535) (214) من حديث عمران بن حصين، وسيأتي عند أبي داود (4657) باب فضل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (¬2) "مختصر سنن أبي داود" المطبوع معه "معالم السنن" 3/ 45، ولكن هذا القول ليس من كلام المنذري، وإنما هو من كلام الخطابي.

الخاطب ينفر أيضًا عن المخطوبة إذا كبرت وظهر شيبها فكان سؤاله عنها كإظهار العلة المنفرة له عن زواجها، كما أنه - صلى الله عليه وسلم - سأل عن الرطب أينقص إذا يبس؟ قالوا: نعم. قال: لا (¬1). فسؤاله عن نقص الرطب إذا جف لإظهار العلة الموجبة لبطلان بيع الرطب باليابس. (قال: أرى أن تتركها) أي: لأنها كبرت وشابت (قال: فراعني) أي أفزعني وأخافني ذكر شيبها وكبرها، ورأي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بتركها، والروع هو الفزع، وفي حديث ابن عباس: إذا شمط الإنسان في عارضيه فذلك الروع (¬2)، يعني: الفزع الحاصل من رؤية الشيب المنذر بالموت (ونظرت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ليزيل روعي (فلما رأى ذلك) الروع (مني قال) إنما أشرت عليك بتركها لأن (لا تأثم، ولا يأثم صاحبك) أي: غريمك بما يصدر منكما من النزاع والمخاصمة، وقد يؤخذ منه تأخير البيان إلى وقت الحاجة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يبين له أنه يستحق ارتجاع الرمح منه وأجرة الانتفاع به لفساد العقد؛ لأنه رآهما في حدة المخاصمة فأخر إعلامه إلى أن يسكن غضبهما. (قال المصنف: القتير) هو (الشيب) وبياض الشعر في الرأس واللحية، ولعله مأخوذ من قترة الجيش وهو الغبار الذي يعتري وجه الآدمي ولحيته من مشي دواب الجيش. [2104] (ثنا أحمد بن صالح) المصري (ثنا عبد الرزاق، أخبرنا) عبد الملك (بن جريج قال: أخبرني إبراهيم بن ميسرة) المكي (أن خالته أخبرته ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1225) من حديث سعد. وقال: حسن صحيح. وسيأتي تخريجه عند أبي داود (3359) باب التمر بالتمر. (¬2) ذكره ابن الجوزي في "غريب الحديث" 1/ 421.

عن امرأة وقالت: هي مصدقة) بضم الميم وفتح الصاد والدال المشددة أي تصدق بما تقوله من رواية وغيرها (امرأة صدق) وأضاف المرأة إلى الصدق دليل على زيادة خيرها وملازمتها الصدق (قالت: بينا أبي في غزاة في) أيام (الجاهلية) سموا بذلك؛ لكثرة جهالاتهم (إذ رمضوا) بكسر الميم أي اشتد عليهم حر الرمل الذي يمشون عليه، وفي الحديث: "صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال" (¬1). وهو أن يحمى حر الرمضاء فتبرك الفصال من شدة حرها وإحراقها أخفافها، يقال: رمض يرمض رمضًا بفتح الميم كفرح يفرح فرحًا (فقال رجل) من المشاة معهم هو طارق بن المرقع (من يعطيني نعليه وأنكحه) بضم الهمزة وكسر الكاف، أي أزوجه (أول بنت تولد لي، فخلع أبي) له (نعليه) من رجليه حين سمع كلامه (فألقاهما إليه) على اعتقاد أنهما صداق لابنته [التي] لم تولد له بعد (فولدت) بضم الواو وكسر اللام المخففة مبني للمجهول (له جارية) بالرفع (فبلغت) (وذكر نحوه) أي: نحو ما تقدم من كونه طالبه بالزوجة فحلف أن لا يفعل حتى يصدق صداقًا جديدًا (ولم يذكر) في هذِه الرواية (قصة القتير) الذي هو الشيب كما تقدم. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (748) (144) من حديث زيد بن أرقم.

29 - باب الصداق

29 - باب الصَّداقِ 2105 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ الهادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْراهِيمَ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنْ صَداقِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَتْ: ثِنْتا عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشٌّ. فَقُلْتُ: وَما نَشٌّ؟ قَالَتْ: نِصْفُ أُوقِيَّةٍ (¬1). 2106 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي العَجْفاءِ السُّلَمِيِّ قَالَ: خَطَبَنا عُمَرُ رَحِمَهُ اللهُ فَقَالَ: أَلا لا تُغالُوا بِصُدُقِ النِّساءِ فَإِنَّها لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيا أَوْ تَقْوى عِنْدَ اللهِ لَكانَ أَوْلاكُمْ بِها النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ما أَصْدَقَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - امْرَأَةً مِنْ نِسائِهِ وَلا أُصْدِقَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَناتِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَى عَشْرَةَ أُوقِيَّةً (¬2). 2107 - حَدَّثَنا حَجّاجُ بْن أَبِي يَعْقُوبَ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنا مُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنا بن المُبارَكِ، حَدَّثَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ أَنَّها كَانَتْ تَحْتَ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ فَماتَ بِأَرْضِ الحَبَشَةِ فَزَوَّجَها النَّجاشِيُّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَمْهَرَها عنه أَرْبَعَةَ آلافٍ وَبَعَثَ بِها إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ شُرَحْبِيلَ ابن حَسَنَةَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَسَنَةُ هِيَ أُمُّهُ (¬3). 2108 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ حاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ، حَدَّثَنا عَلِيُّ بْنُ الحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنِ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1426). (¬2) رواه الترمذي (1114)، والنسائي 6/ 117، وابن ماجه (1887)، وأحمد 1/ 40، 41، 48، وابن حبان (4620). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1834)، قال: إسناده حسن صحيح. (¬3) رواه النسائي 6/ 119، وأحمد 6/ 427. وانظر: ما بعده، وما سلف برقم (2086). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1835).

ابن المُبارَكِ عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ النَّجاشِيَّ زَوَّجَ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - علَى صَداقٍ أَرْبَعَةِ آلافِ دِرْهَمٍ وَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَبِلَ (¬1). * * * باب الصداق [2105] (ثنا عبد الله بن محمد النفيلي، حدثنا عبد العزيز بن محمد) الدراوردي. (حدثنا يزيد بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث التيمي القرشي (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف. (قال: سألت عائشة عن صداق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: ثنتا عشرة) بسكون الشين، وبنو تميم يكسرونها (أوقية) بضم الهمزة وتشديد الياء، والمراد أوقية الحجاز وهي أربعون درهمًا (ونش) بنون مفتوحة ثم شين معجمة مشددة، وهو يطلق على النصف من كل شيء، والمراد هنا نصف أوقية وهو عشرون، والأوقية أربعون (قلت: وما نش؟ قالت) النش (نصف أوقية) عشرون درهمًا. فيه دليل على ما قال أصحابنا أنه يستحب أن يكون الصداق فضة كما في الحديث، وفيه أنه يستحب أن لا يزاد على صداق أزواجه - صلى الله عليه وسلم - وهو خمسمائة درهم كما في الحديث (¬2). ¬

_ (¬1) رواه ابن سعد 8/ 99، والحاكم 4/ 20، 22، الطبراني 23/ 219 (403) عن الزهري بنحوه مرسلا. وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (359). (¬2) انظر: "شرح النووي" 9/ 215، و"المهذب" 2/ 55.

[2106] (ثنا محمد بن عبيد، ثنا حماد بن زيد، عن أيوب) بن أبي تميمة. (عن محمد بن سيرين، عن أبي العجفاء) بفتح العين واسمه هرم بن نسيب بضم النون مصغر، قال يحيى بن معين: بصري ثقة، وقيل: اسمه نسيب. (قال: خطبنا عمر) بن الخطاب - رضي الله عنه - (فقال) في خطبته (لا تغالوا بصدق) بضم الصاد والدال جمع صداق ككتب جمع كتاب، والصداق بفتح الصاد وكسرها مهر المرأة وكذلك الصدقة بضم الدال من جهة قوله تعالى {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ} (¬1)، والصدقة بضم الصاد وسكون الدال مثله. (النساء) قال الماوردي: المستحب أن يعدل الزوجان عن التناهي في المغالاة والزيادة التي يظهر العجز عنها وعن التناهي في النقصان الذي لا وقع له في النفوس (¬2). وظاهر كلام عمر ترك المغالاة وإن كان الزوج قادرًا عليه، قال أصحابنا: يستحب كون الصداق خمسمائة في حق من يحتمل ذلك (¬3) ولا يجحف مال الزوج (فإنها لو كانت) المغالاة في الأصدقة (مكرمة) بفتح الميم وسكون الكاف وضم الراء واحدة المكارم اسم من الكرم وهو الشرف والعزة (في الدنيا أو) كانت (تقوى عند الله) في أحوال ¬

_ (¬1) النساء: 4. (¬2) "الحاوي الكبير" 9/ 400. (¬3) انظر: "شرح النووي" 9/ 215.

الآخرة (لكان أولاكم بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) لكنها ليست مكرمة في الدنيا ولا تقوى عند الله، والمتقون هم أكرم الناس عند الله تعالى، وقال عمر - رضي الله عنه -: كرم الرجل دينه، وأصله عقله، ومروءته خلقه، وحسبه ماله (¬1). وقال أبو القاسم: سرف المال والمغالاة في الأصدقة ليس فضيلة في الدين، لكنه في عادات أبناء الدنيا وفي طمع الآدميين كتقديم الشيخ على الشاب؛ ولهذا قال أصحابنا وغيرهم: أن اليسار بالمال لا يعتبر في الكفاءة؛ لأنه - عليه السلام - نكح خديجة وكانت ذات مال؛ ولهذا قال أبو طالب في خطبته: فإن كان في المال قل فإن المال ظل زائل وأمر حائل، ولأنه لا يفتخر به ذو المروءة. (ما أصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة من نسائه) اللائي حضر تزويجهن (ولا أصدقت) بضم الهمزة وكسر الدال (امرأة من بناته) - صلى الله عليه وسلم - صداقًا (أكثر من ثنتي عشرة أوقية) ولم يذكر عمر في خطبته النش بل اعتبر الأواقي الصحيحة دون الكسر، والعمل على حديث عائشة المتقدم. [2107] (ثنا حجاج بن أبي يعقوب) يوسف الشاعر (الثقفي) من أهل بغداد، شيخ مسلم في مواضع. (ثنا معلى بن منصور) أبو يعلى الرازي (ثنا) عبد الله (بن المبارك) بن واضح الحنظلي التميمي أحد الأئمة ومشايخ الإسلام، كان كثيرًا ما ينشد: ¬

_ (¬1) رواه الإمام مالك في "الموطأ" 2/ 463.

وإذا صاحبت فاصحب صاحبًا ... ذا حياء وعفاف وكرم قوله للشيء لا إن قلت لا ... وإذا قلت نعم قال نعم (ثنا معمر، عن الزهري، عن عروة) بن الزبير (عن أم حبيبة) رملة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - (أنها كانت تحت عبيد الله بن جحش) وهاجرت معه إلى أرض الحبشة كما تقدم. (فمات بأرض الحبشة) نصرانيًّا، وثبتت هي على الإسلام (فزوجها النجاشي النبي - صلى الله عليه وسلم -) كما تقدم (وأمهرها عنه) أي: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (أربعة آلاف) درهم، وقال ابن إسحاق عن أبي جعفر: أصدقها أربعمائة دينار. أخرجه ابن أبي شيبة من طريقه (¬1)، وللطبراني عن أنس: مائتي دينار (¬2)، ولكن إسناده ضعيف. (وبعث بها) مع ما جهزها به من عنده (مع شرحبيل) بضم الشين وفتح الراء وسكون الحاء المهملة وكسر الموحدة (ابن حسنة) نسبة إلى أمه مولاة عمر بن أبي حبيب بن وهب، ووالده عبد الله بن المطاع حليف بني زهرة، وكان أميرًا على ربع من أرباع الشام لعمر بن الخطاب. (قال المصنف: حسنة) هي (أمه) كما تقدم. [2108] (ثنا محمد [بن حاتم] بن بزيع) بفتح الموحدة وكسر الزاي البصري، شيخ البخاري (ثنا علي بن حسن بن شقيق) العبدي مولاهم (ثنا) ¬

_ (¬1) "مصنف ابن أبي شيبة" (16643). (¬2) "المعجم الأوسط" (1650).

عبد الله (بن المبارك، عن يونس، عن الزهري: أن النجاشي) ملك الحبشة، اسمه أصحمة، وتفسيره بالعربية عطية، والنجاشي ياؤه مشددة، وقيل: الصواب تخفيفها (زوج أم حبيبة) رملة (بنت أبي سفيان) صخر بن حرب بن أمية والد معاوية ويزيد، كان من أشراف قريش، أسلم يوم الفتح، وشهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حنينًا، وأعطاه من غنائمها مائة بعير وأربعين أوقية وزنها له بلال. (من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على صداق أربعة آلاف درهم) وقيل: إنما تزوج أم حبيبة بالمدينة مرجعها من الحبشة، والأول أثبت، قاله قتادة (وكتب بذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقبل) ذلك العقد وأمضاه، ولا يبعد أن يكون استأنف العقد.

30 - باب قلة المهر.

30 - باب قِلَّةِ المَهْرِ. 2109 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ عَنْ ثابِتٍ البُنانِيِّ وَحُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأى عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَعَلَيْهِ رَدْعُ زَعْفَرانٍ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَهْيَمْ". فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً. قَالَ: "ما أَصْدَقْتَها". قَالَ وَزْنَ نَواةٍ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ: "أَوْلِمْ وَلَوْ بِشاةٍ" (¬1). 2110 - حَدَّثَنا إِسْحاقُ بْنُ جِبْرِيلَ البَغْدادِيُّ، أَخْبَرَنا يَزِيدُ، أَخْبَرَنا مُوسَى بْنُ مُسْلِمِ بْنِ رُومانَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ أَعْطَى فِي صَداقِ امْرَأَةٍ مِلْءَ كَفَّيْهِ سَوِيقًا أَوْ تَمْرًا فَقَدِ اسْتَحَلَّ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ صالِحِ بْنِ رُومانَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جابِرٍ مَوْقُوفًا، وَرَواهُ أَبُو عاصِمٍ عَنْ صالِحِ بْنِ رُومانَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جابِرٍ قَالَ: كُنّا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَسْتَمْتِعُ بِالقبْضَةِ مِنَ الطَّعامِ عَلَى مَعْنَى المُتْعَةِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَواهُ ابن جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جابِرٍ عَلَى مَعْنَى أَبِي عاصِمٍ (¬2). * * * باب قلة المهر [2109] (ثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (ثنا حماد) بن سلمة (عن ثابت البناني) بضم الموحدة (وحميد) بن أبي حميد الطويل، سمي بذلك؛ لأنه كان قصير القامة طويل اليدين (عن أنس) بن مالك (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2049، 3781، 3937، 5072، 5148، 5153، 5155، 5167، 6082، 6386)، ومسلم (1427). (¬2) رواه أحمد 3/ 355، والدارقطني 3/ 243، والبيهقي 7/ 238. وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (360).

رأى عبد الرحمن بن عوف وعليه ردغ) بالغين المعجمة أثر الطيب، وبفتح الراء وسكون الدال ثم عين مهملات الثلاثة، ولفظة الردغ ذكرها في العمرة (¬1)، ولم تقع في الصحيحين، وإنما الذي في البخاري أول البيوع: وعليه وضر صفر (¬2)، وكذا في باب: كيف آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أصحابه (¬3)، وفي غيرهما بلفظ: أثر صفرة (¬4)، وكذا في مسلم (¬5)، وفي رواية: رأى عليه صفرة، ولغيره: لطخ من خلوق، أي: طيب، والردغ معناه أثر كما في البخاري (من زعفران) ولم ينكر النبي على عبد الرحمن أثر الزعفران؛ لأن الأثر تعلق به من زوجته من غير قصد على ما قاله القاضي (¬6) والمحققون وإلا ففي "الصحيح" (¬7) النهي عن التزعفر للرجال، وكذا نهي الرجال عن الخلوق؛ لأنه شعار النساء، وقد نهوا عن التشبه بهن، وقيل: لأنه رخص للعروس، وقيل: لعله كان يسيرًا لا ينكر، ولهذا عبر عنه بالأثر، وقيل: كان ذلك أول الإسلام كان يلبس العروس ثوبًا مصبوغًا علامة على سروره بالزواج. قال: قال القاضي: وهذا غير معروف وإن كان بعضهم زعم أنه أولى ما قيل (¬8)، ويحتمل أنه كان في ثوبه دون بدنه، وقد جوز لبس الثياب ¬

_ (¬1) وردت لفظة الردغ في حديث يعلى بن أمية عند أحمد في "المسند" 4/ 224. (¬2) "صحيح البخاري" (2049). (¬3) "صحيح البخاري" (3937). (¬4) "صحيح البخاري" (3780). (¬5) "صحيح مسلم" (1427) (79). (¬6) "إكمال المعلم" 4/ 585. (¬7) "صحيح البخاري" (5846)، "صحيح مسلم" (2101). (¬8) "إكمال المعلم" 4/ 585.

المزعفرة، وحكاه عن علماء المدينة وهو قول ابن عمر وغيره، ولكن منعه الشافعي وأبو حنيفة للرجال (¬1). (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: مَهْيَم) بفتح الميم وإسكان الهاء وفتح المثناة تحت وسكون آخره على البناء، ومعناه: ما أمرك؟ وقيل: ما هذا؟ وما شأنك؟ قال ابن السيد: كلمة يمانية يقيمونها مقام حرف الاستفهام والشيء المستفهم عنه. قال بعضهم: يشبه أن تكون مركبة، واستبعد بأنه لا يكاد يوجد اسم مركب من أربعة أحرف. وقال إمام الحرمين: هي كلمة تستعمل في التهاني رآها البصريون كصه ومه (¬2) (قال: يا رسول الله تزوجت امرأة) هي بنت أبي الحيسر بن رافع، قاله ابن بكار (¬3). (قال: ما أصدقتها؟ قال: وزن) يجوز نصبه، بل هو الأحسن ليشاكل الجواب السؤال في ما أصدقتها؟ والتقدير: أصدقتها وزن، والاستفهامية في موضع نصب، مفعولًا ثانيًا لأصدقتها متقدم عليها؛ لأن الاستفهام له صدر الكلام، ويجوز رفع وزن على تقدير أن الجواب جملة اسمية، أي: هو وزن نواة إن قدرت ما في قوله: "ما أصدقتها؟ " مبتدأ وجملة أصدقتها في موضع الخبر، ويكون الثاني لأصدقتها ضميرًا محذوفًا تقديره: ما أصدقتها إياه، فصار كل من السؤال والجواب جملة اسمية فيحصل التشاكل أيضًا، لكن مع تقدير منصوب بخلاف النصب. (نواة) اسم لقدر معروف عندهم فسروه بخمسة دراهم (من ذهب) ¬

_ (¬1) "شرح النووي" 9/ 216. (¬2) "نهاية المطلب" 13/ 187. (¬3) انظر: "فتح الباري" 1/ 230.

صفة لوزن؛ لأنه مصدر بمعنى المفعول على كل حال أي موزون نواة من ذهب فيكون الصداق ذهبًا وزنه خمسة دراهم. قال القاضي: كذا فسرها أكثر العلماء (¬1). وقال أحمد: النواة ثلاثة دراهم وثلث (¬2). وقال بعض المالكية: ربع دينار عن أهل المدينة، وقيل: النواة ذهب وزن خمسة دراهم (¬3). والمعنى هنا أنه أصدقها وزن نواة من الذهب دراهم، فيكون من ذهب صفة لنواة، ويكون وزن نواة ولم يبين جنسه وهو ظاهر كلام أبي عبيد؛ فإنه قال: لم يكن هناك ذهب، إنما هي خمسة دراهم من نواة كما يسمى الأربعون أوقية (¬4). وقيل: المراد بالنواة نواة التمر المعروفة، والمراد وزنها من الذهب وضعف بأنه مجهول؛ لاختلاف نوى التمر، إلا أن يحمل على غالب النوى، وقيل: المراد نواة من ذهب قيمتها خمسة دراهم، نقله ابن الجوزي عن الأزهري (¬5). وقد روى البيهقي وزن نواة من ذهب قومت خمسة دراهم (¬6). وسنده جيد، وفي رواية للبيهقي: قومت يعني النواة ثلاثة دراهم (¬7). لكن روايتها ضعيفة، وعن الشافعي أنها ربع النش، والنش نصف أوقية، والأوقية أربعون. نقلة البغوي وقال: هو كما قال (¬8). ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" 4/ 302. (¬2) "مسائل أحمد وإسحاق" رواية الكوسج (1085). (¬3) "الاستذكار" 16/ 340. (¬4) "غريب الحديث" لأبي عبيد 2/ 190. (¬5) "غريب الحديث" لابن الجوزي 2/ 442. (¬6) "السنن الكبرى" 7/ 237. (¬7) "السنن الكبرى" 7/ 237. (¬8) "شرح السنة" للبغوي 9/ 134.

(قال: أولم) أي: اصنع وليمة (ولو بشاة) يعني وإن قلَّت، فـ (لو) هنا للتقليل، والوليمة من الولم وهو الاجتماع، ومنه سمي القيد ولمًا؛ لأنه يجمع الرجلين، والوليمة لغةً اجتماع الشيء، ثم نقلت في الشرع إلى طعام العرس من الولائم تشبيهًا بها، وقد عد أصحابنا وغيرهم أنواعًا من الضيافات دونها أبينها وليمة العرس وهي التي عند التعريس بالمرأة، أي: الدخول بها، وهي المراد بأمره - صلى الله عليه وسلم - عبد الرحمن في هذا الحديث. قال البيهقي: قال الشافعي: لم أعلمه أمر غير عبد الرحمن بن عوف، ولا ترك وليمة على عرس (¬1). وفي رواية الصحيحين: "بارك الله لك، أولم ولو بشاة" (¬2). [2110] (ثنا إسحاق بن جبريل البغدادي) قال الذهبي: قال البخاري: ثنا إسحاق بن أبي عيسى: حدثنا يزيد (¬3) فلعله هو (أنا يزيد) بن هارون أبو خالد السلمي (أنا موسى بن مسلم بن رومان) ويقال: مسلم بن رومان، وورد من طريق يونس بن محمد المؤدب عن صالح بن رومان، عن أبي الزبير، عن جابر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لو أن رجلًا تزوج امرأة على ملء كف من طعام لكان ذلك صداقًا" (¬4). ويقال: صالح بن مسلم بن رومان (عن أبي الزبير) محمد بن مسلم ابن ¬

_ (¬1) انظر: "معرفة السنن والآثار" 5/ 403. (¬2) البخاري (2048)، ومسلم (1427). (¬3) "صحيح البخاري" (7473). (¬4) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 7/ 238.

تدرس المكي (عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من أعطى في صداق امرأة ملء كفيه) أي: مقدار ما يملأ كفيه (سويقًا) نصب على التمييز؛ لأنه تفسير للمقدار المذكور، وقال الكسائي: نصب على إضمار من أي: من سويق، والسويق هو ما يعمل من الحنطة والشعير، (أو تمرًا فقد استحل) أي: طلب الحل، وروى البيهقي من رواية يحيى بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة، عن جده: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من استحل بدرهم فقد استحل" (¬1). وروى الدارقطني والبيهقي من حديث ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "انكحوا الأيامى وأدوا العلائق"، قيل: وما العلائق؟ قال: "ما تراضى به الأهلون ولو بقضيب من أراك" (¬2). وقد استدل بهذِه الأحاديث على أبي حنيفة أن أقل الصداق عشرة دراهم (¬3). وعلى مالك في قوله: أقله نصاب السرقة، والنصاب عند مالك ثلاثة دراهم (¬4). وفيه حجة للشافعي في قوله: ما صح أن يكون ثمنًا صح أن يكون صداقًا (¬5) كما سيأتي. (قال المصنف: رواه عبد الرحمن بن مهدي، عن صالح بن رومان) بضم الراء (عن أبي الزبير) محمد بن مسلم (عن جابر موقوفًا) قال ¬

_ (¬1) "السنن الكبرى" 7/ 238. (¬2) أخرجه الدارقطني في "سننه" (3600)، والبيهقي في "الكبرى" 7/ 239 من طريق محمد بن عبد الرحمن البيلماني عن أبيه. وضعف سنده البيهقي من أجل محمد بن البيلماني. (¬3) انظر: "المبسوط" 5/ 76. (¬4) "المدونة" 4/ 527. (¬5) "الأم" 5/ 240.

شيخنا ابن حجر: وهو موقوف أقوى (¬1). (ورواه أبو عاصم) يحتمل أنه النبيل (عن صالح بن رومان، عن أبي الزبير، عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما (قال: كنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وفي "صحيح مسلم": استمتعنا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر (¬2). وهو محمول على أن الذي يستمتع في عهد أبي بكر وعمر لم يبلغه النسخ. (نستمتع) الاستمتاع الانتفاع والتلذذ بالجماع من النساء (بالقبضة) بضم القاف وفتحها. قال النووي: الضم أفصح (¬3). قال الجوهري: القبضة بالضم ما قبضت عليه، يقال: أعطاه قبضة من سويق أو تمر، وربما فتح (¬4). وفي "النهاية": القبضة بمعنى المقبوض كالغرفة بمعنى المغروف، وهي بالضم اسم، وبالفتح المرة، والقبض الأخذ بجميع الكف (¬5) (من الطعام) ولمسلم: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق (¬6) (على معنى المتعة) وهي الاسم من التمتع بالشيء وهو الانتفاع به، كأنه ينتفع بها إلى أجل معلوم، واتفق العلماء على أن هذِه المتعة كانت نكاحًا إلى أجل لا ميراث فيه، وفراقها بانقضاء الأجل من غير طلاق. قال البيهقي: وهذا وإن كان في نكاح المتعة ¬

_ (¬1) "التلخيص الحبير" 3/ 190. (¬2) "صحيح مسلم" (1405) (15) من حديث جابر. (¬3) "شرح النووي" 9/ 183. (¬4) "الصحاح" (قبض). (¬5) "النهاية" (قبض). (¬6) "صحيح مسلم" (1405) (16) من حديث جابر.

ونكاح المتعة صار منسوخًا فإنما نسخ منه شرط الأجل، فأما ما يجعلونه صداقًا من قبضة تمر أو دقيق فإنه لم يرد فيه النسخ (¬1). يعني بل يستمر الاستدلال به على جواز جعل القبضة من التمر والسويق ونحوهما صداقًا، وكذا كل ما صح أن يكون ثمنًا كما تقدم في الرد على الحنفية والمالكية، وأراد أن الاستمتاع بالقبضة المعلومة من التمر ونحوه من غير تأجيل صحيح غير منسوخ، وإنما المنسوخ بعده على معنى المتعة يعني به التأجيل، فعلى هذا أول الحديث ثابت وآخره منسوخ، ويكون هذا نظير قوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ} (¬2)؛ فإن الاستشهاد منا أي من الرجال غير منسوخ، وإنما المنسوخ ما بعده وهو قوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ}. (قال المصنف: ورواه ابن جريج) هذِه صيغة التعليق، وفيها خلاف، وقد أخرجه مسلم في "صحيحه" من غير تعليق من حديث ابن جريج عن أبي الزبير قال: سمعت جابر بن عبد الله: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق (¬3) (عن أبي الزبير) محمد بن مسلم (عن جابر) بن عبد الله (على معنى رواية أبي عاصم) كما تقدم. ¬

_ (¬1) "معرفة السنن والآثار" 5/ 375 - 376. (¬2) النساء: 15. (¬3) تقدم.

31 - باب في التزويج على العمل يعمل.

31 - باب فِي التَّزْوِيجِ عَلَى العَمَلِ يُعْمَلُ. 2111 - حَدَّثَنِي القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبِي حازِمِ بْنِ دِينارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السّاعِدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ إِنِّي قَدْ وَهَبْتُ نَفْسِي لَكَ. فَقامَتْ قِيامًا طَوِيلًا فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ زَوِّجْنِيها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِها حاجَةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيء تُصْدِقُها إِيّاهُ". فَقَالَ ما عِنْدِي إِلَّا إِزارِي هذا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّكَ إِنْ أَعْطَيْتَها إِزارَكَ جَلَسْتَ وَلا إِزارَ لَكَ فالتَمِسْ شَيْئًا". قَالَ: لا أَجِدُ شَيْئًا. قَالَ: "فالتَمِسْ وَلَوْ خاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ". فالتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَهَلْ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ شَيء". قَالَ: نَعَمْ سُورَةُ كَذا وَسُورَةُ كَذا. لِسُوَرٍ سَمّاها. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ زَوَّجْتُكَها بِما مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ" (¬1). 2112 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللهِ حَدَّثَنِي أَبِي حَفْصُ بْنُ عَبْدِ اللهِ حَدَّثَنِي إِبْراهِيمُ بْنُ طَهْمانَ، عَنِ الحَجّاجِ بْنِ الحَجّاجِ الباهِلِيِّ عَنْ عِسْلٍ عَنْ عَطاءِ بْنِ أَبِي رَباحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَ هذِهِ القِصَّةِ لَمْ يَذْكُرِ الإِزارَ والخاتَمَ فَقَالَ: "ما تَحْفَظُ مِنَ القُرْآنِ". قَالَ سُورَةَ البَقَرَةِ أَوِ التِي تَلِيها. قَالَ: "فَقُمْ فَعَلِّمْها عِشْرِينَ آيَةً وَهِيَ امْرَأَتُكَ" (¬2). 2113 - حَدَّثَنا هارُونُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي الزَّرْقاءِ، حَدَّثَنا أَبِي، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ راشِدٍ عَنْ مَكْحُولٍ نَحْوَ خَبَرِ سَهْلٍ قَالَ: وَكَانَ مَكْحُولٌ يَقُولُ: لَيْسَ ذَلِكَ لأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬3) ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2310، 5135، 7417)، ومسلم (1425). (¬2) رواه ابن طهمان في "مشيخته" (50)، والنسائي في "السنن الكبرى" (5506). وانظر: ما قبله. وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (361). (¬3) رواه ابن الجوزي في "التحقيق في أحاديث الخلاف" (2093) من طريق أبي داود. وانظر: سابقيه. وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (362).

باب في التزويج على العمل يعمل [2111] (ثنا) عبد الله بن مسلمة (القعنبي، عن مالك، عن أبي حازم) سلمة (بن دينار) الأعرج المدني، (عن سهل بن سعد الساعدي) - رضي الله عنه -: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاءته امرأة) يقال لها: خولة بنت حكيم، ولم يثبت. (فقالت: يا رسول الله، إني قد وهبت نفسي لك) استدل به القاضيان ابن القصار وابن بكير على أن النكاح ينعقد بلفظ الهبة، وكذلك البيع، وذكر أبو حامد عن مالك أنه إن ذكر المهر مع هذا اللفظ صح وجاز العقد، وإلا لم يجز ولم ينعقد النكاح (¬1). ووافق أبو حنيفة على أن النكاح ينعقد بلفظ الهبة، والبيع والتمليك (¬2). وقال الشافعي وأحمد: لا ينعقد بالهبة، وأجابوا عن هذا الحديث بأنه من خواصه - صلى الله عليه وسلم - بدليل قوله تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} إلى قوله: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} (¬3)، فذكر ذلك خالصًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولأنه لفظ ينعقد به غير النكاح فلم ينعقد به النكاح كلفظ الإجارة (¬4). (فقامت قيامًا طويلًا) وبوب عليه البخاري باب: عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح. ولفظه في هذا الباب: جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعرض عليه نفسها وقالت: يا رسول الله ألك بي حاجة؟ فقالت بنت ¬

_ (¬1) هناك روايتان عن مالك: إحداهما تجيز هذا النكاح، والأخرى لا تجيز. وانظر: "الاستذكار" 16/ 68، و"التاج والإكليل" 3/ 420. (¬2) انظر: "المبسوط" 5/ 56 - 57. (¬3) الأحزاب: 50. (¬4) "الأم" 5/ 60، وانظر: "المغني" 9/ 460.

أنس يعني: ابن مالك: ما أقل حياءها، واسوأتاه واسوأتاه! قال: هي خير منك، رغبت في النبي - صلى الله عليه وسلم - فعرضت نفسها عليه (¬1). ولفظه في باب القراءة عن ظهر القلب: جئتك لأهب لك نفسي، فنظر إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصعد النظر إليها وصوبه ثم طأطأ رأسه، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها بشيء جلست (¬2). (فقام رجل) قال الحافظ ابن حجر: لم يسم (فقال: يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة) ولم يقل: هبنيها؛ إذ ذاك خالص له - عليه السلام -، قال بعض الأئمة: وفي الحديث دليل على أن الهبة لا تنعقد ولا تدخل في ملك الموهوب إلا بالقبول؛ لأن الموهوبة [كانت جائزة] (¬3) للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد وهبت هذِه له نفسها فلم تصر زوجة بذلك، قاله الشافعي (¬4)، وفي قول هذا الرجل: زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة. دليل على جواز الخطبة ما لم يتراكنا. قال عياض: لا سيما مع ما رأى في زهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها. قال الباجي: فيه جواز ذلك إذا كان باستئذان [الذي أجابته] (¬5)؛ إذ هو حقه. ثم قال القاضي: وعندي أن الاستدلال بهذا كله ضعيف؛ لأنه لم يكن هذا إلا من المرأة للنبي في نفسها، والرجل إنما طلب المرأة وخطبها من النبي ولم يخطبها غيره قبله، حتى يقال: هي خطبة على خطبة. ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (5120). (¬2) "صحيح البخاري" (5030). (¬3) سقطت من الأصل، واستدركتها من "عمدة القاري" 12/ 144. (¬4) انظر: "الأم" 5/ 60. (¬5) غير واضحة في الأصل، وقد استدركتها من "المنتقى" للباجي.

(فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل عندك شيء تصدقها) بضم التاء وكسر الدال (إياه؟ قال) في "الموطأ" (¬1) وغيره، فيه دليل على أنه لا نكاح إلا بصداق (فقال: ما عندي إلا إزاري هذا) فيه فضيلة الصحابة وما كانوا عليه من التقلل من الدنيا والاقتصار من الدنيا على ستر العورة وسد الجوعة، وعلى جواز خطبة من لا يملك غير ما عليه ثقة بالله تعالى واعتمادًا عليه في رزقه ورزقها، ويكون حديث: "ومن لم يستطع فعليه بالصوم" (¬2)، محمولًا على من ليس يحفظ من كتاب الله ما يستغني به. (فقال رسول الله: إنك إن أعطيتها إزارك) الذي يستر عورتك، جلست عريانًا (ولا إزار لك) فيه دليل على نظر كبير القوم في مصالحهم وهدايتهم إلى ما فيه الرفق بهم، وفيه المنع من كشف العورة، وفيه جواز لبس الرجل ثوب امرأته إذا رضيت أو غلب على ظنه رضاها، قال النووي: وهو المراد في هذا الحديث (¬3). قال عياض: وفيه دليل على أن صداق المال يخرجه من يد مالكه، وأن من أصدق جارية حرمت، وفيه أن أثمان المبيعات لا تصح إلا بتسليمها أو إمكانه، فمتى لم يمكن ذلك وامتنع تسليمه لم ينعقد فيه بيع ولا به سواء كان امتناع ذلك حسًّا كالطير في الهواء والحوت في الماء والآبق والشارد، أو شرعًا كالرهون، ومثل هذا الإزار الذي لو زال لكشف (¬4)، انتهى. ¬

_ (¬1) "الموطأ" 2/ 526. (¬2) أخرجه البخاري (5065)، ومسلم (1400) (1). (¬3) "شرح النووي" 9/ 214. (¬4) "إكمال المعلم" 4/ 580.

قال (فالتمس) فيه أن الالتماس لا يختص بالمساوي، بل يقع على طلب الأعلى من الأدنى خلافًا لبعض الأصوليين (شيئًا) عام، والمراد به الخصوص، أي: التمس مالًا له وقع بحيث يكون قدره أكثر من الخاتم الحديد (قال: لا أجد شيئًا) أي ما يصلح للصداق (قال: فالتمس ولو خاتمًا من حديد) يحتمل أن المرأة كانت بكرًا، فإن البكر يكنى عنها بالخاتم كما في حديث الغار، وقول المرأة: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه (¬1). يعني بنكاح صحيح ومهر، فناسب ذكر الخاتم في المهر ليستحل به خاتم البكارة، ويحتمل غير ذلك، قال عياض: قوله: ولو خاتمًا على طريق المبالغة لا التحديد؛ لقوله أولًا: لا أجد شيئًا، وأنه المراد بقوله: التمس شيئًا أكثر قيمة من خاتم الحديد؛ إذ قد نفى الرجل أن يجد شيئًا ولا ما هو الأقل من خاتم الحديد، قال: وهذا يضعفه أن مذهب مالك استحباب تقديم ربع دينار لا أقل، قالوا: وفيه دليل على جواز اتخاذ خواتم الحديد، وقد اختلف السلف والعلماء في ذلك، فأجازه بعضهم إذا لم يثبت النهي فيه، ومنعه آخرون وقالوا: كان هذا قبل النهي، وقوله - صلى الله عليه وسلم - فيه: "حلية أهل النار" (¬2). قالوا: ومطالبته له بذلك في الحين يدل على أن من حكمته [تعجيله] (¬3) أو تعجيل ما يصح أن يكون مهرًا، ولو ساغ تأخير ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (3465)، ومسلم (2743) (100) من حديث عبد الله بن عمر. (¬2) أخرجه الترمذي (4223) من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه. وقال: حديث غريب وسيأتي عند أبي داود (1785) باب ما جاء في خاتم الحديد. (¬3) من "إكمال المعلم ".

جميعه لسأله هل يرجو أن يكتسب في المستقبل شيئًا أو يجده ويزوجه على ذمته (¬1). قال النووي: ولأصحابنا في كراهته وجهان، أصحهما: لا يكره؛ لأن الحديث في النهي ضعيف، وفيه أستحباب تعجيل المهر إليها (¬2). قال (فالتمس، فلم يجد شيئًا) يعني: خاتمًا من حديد ولا غيره (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل معك من القرآن شيء؟ ) قال السفاقسي: فيه أن النكاح لا يكون إلا بصداق غير القرآن؛ لأنه بدأ بطلب ذلك - عليه السلام - منه، قال: وفيه نكاح المعسر، وكذلك بوب عليه البخاري، قال ابن الجلاب: إذا علمت المرأة بفقر الرجل عند النكاح فلا كلام لها بعد ذلك (¬3). (قال: نعم) معي (سورة) بالرفع (كذا، وسورة كذا، وسورة كذا لسور سماها و) سور جمع قلة ثلاثة، وتسمية السور تنفي الجهالة لاختلاف السور في الطول والقصر. (فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قد زوجتكها) قال أصحابنا: هذِه رواية الجمهور، قال البيهقي: والجماعة أولى بالحفظ من الواحد (¬4). يعني الذي في رواية: "ملكتكها". وقال أبو بكر النيسابوري: وهم معمر في "ملكتكها"، ولو صح "ملكتكها" فإما أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قد جمع بينهما، أو يحمل على أن الراوي روى بالمعنى ظنًّا منه ترادفهما، ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" 4/ 580. (¬2) "التفريع" لابن الجلاب ص 355. (¬3) "شرح النووي" 9/ 213. (¬4) "السنن الكبرى" للبيهقي 7/ 144.

وعلى كلا التقديرين لا يبقى فيه حجة. (بما) هذِه باء التعويض كما تقول: بعتك هذا بدينار (معك) قال الشيخ أبو محمد بن أبي زيد: هذا خاص بذلك الرجل (¬1). قال: والدليل على ذلك أنه زوجها من ذلك الرجل ولم يستأمرها في تزويجه، وليس في الحديث ما يدل على أنها أرادت غيره، وأيضًا فلم يعلم ما معه من السور، وظاهر الحديث: إني زوجتك لأن معك قرآنًا إكرامًا لك ولما معك من القرآن، وكما زوج أبا طلحة على إسلامه، وقال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين: زوجها ليعلمها السور (¬2)، وفي "صحيح مسلم": "زوجتكها فعلمها من القرآن" (¬3)، وكما في رواية أبي داود الآتية: "فعلمها عشرين آية"، ويأتي هناك زيادة. (من القرآن) فيه فضيلة حفظ القرآن، وبوب عليه البخاري باب: خيركم من تعلم القرآن وعلمه. [2112] (ثنا أحمد بن حفص بن عبد الله) شيخ البخاري، قال (حدثني أبي حفص بن عبد الله) بن راشد السلمي، قاضي نيسابور، أخرج له البخاري، قال (حدثني إبراهيم بن طهمان، عن الحجاج بن الحجاج الباهلي) الأحول البصري، أخرج له الشيخان. (عن عسل) بكسر العين وسكون السين المهملتين، وهو ابن سفيان التميمي. ¬

_ (¬1) "فتح الباري" 9/ 119. (¬2) "الأم" 5/ 91، وانظر: "المغني" 10/ 103 - 104. (¬3) "صحيح مسلم" (1425) (77).

(عن عطاء بن أبي رباح، عن أبي هريرة) - رضي الله عنه - حدثنا (نحو هذِه القصة) المذكورة و (لم يذكر) في هذِه (الإزار والخاتم) المذكورين قبله. (فقال: ما تحفظ من القرآن؟ قال) احفظ (سورة) بالنصب، ويجوز الرفع كما تقدم في "ما أصدقتها؟ " قال: وزن نواة من ذهب. (البقرة أو التي تليها) شك من الراوي، (قال: قم) فاذهب (فعلمها عشرين آية وهي امرأتك) ولأحمد: "قد أنكحتكها على ما معك من القرآن" (¬1)، احتج به الشافعي على جواز تعليم القرآن صداقًا، واستدل بأن التعليم منفعة معينة مباحة، فجاز جعلها صداقًا كتعليم قصيدة من الشعر المباح (¬2)، واحتج مالك (. . .) (¬3) لا تستباح إلا (. . .) (¬4) بالأموال؛ لقوله تعالى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} (. . .) (¬5) {مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} (¬6)، والطول: المال، ولقول مكحول (. . .) (¬7) بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (. . .) (¬8) في الحر عندهم، فلو تزوج عبد حرة بإذن مولاه على خدمة سنة جاز (. . .) (¬9) لتضمنه تسليم رقبته، ولا كذلك الحر. ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 5/ 330. (¬2) انظر: "المغني" 10/ 104، وانظر: "الأم" 5/ 91. (¬3) بياض في الأصل أكثر من نصف سطر. (¬4) بياض بالأصل قدر نصف سطر. (¬5) بياض في الأصل قدر ثلاث كلمات. (¬6) النساء: 24 - 25. (¬7) بياض في الأصل قدر ثلاث كلمات. (¬8) بياض في الأصل قدر ثلاث كلمات. (¬9) بياض في الأصل قدر ثلاث كلمات.

[2113] (ثنا هارون بن يزيد بن أبي الزرقاء (. . .) (¬1) ثنا أبي) زيد بن الرزقاء المحدث أبو محمد الموصلي الزاهد صدوق (. . .) (¬2) (ثنا محمد بن راشد) نزيل البصرة، روى (عن مكحول) فنسب إليه (نحو خبر سهل) ابن سعد الساعدي (وقد كان مكحول يقول: ليس ذلك لأحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فيه حجة لأبي حنيفة ومالك أن تعليم القرآن لا يصح مهرًا (¬3). وأن حديث سهل قبله من خواص رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لقول مكحول، ولما رواه النجاد بإسناده عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه زوج رجلًا على سورة من القرآن، ثم قال: لا يكون لأحد (. . .) (¬4) مهرًا، وقد (. . .) (¬5) الشافعية عن هذا بأن الأصل عدم الاختصاص، وبأن قول مكحول وما رواه النجاد ضعيف لا تقوم به الحجة، ولا يعادل ما رواه الشيخان والجمهور من المسانيد. ¬

_ (¬1) بياض بالأصل قدر ثلاث كلمات. (¬2) بياض في الأصل قدر ثلاث كلمات. (¬3) انظر: "الاستذكار" 16/ 81، و"البحر الرائق" 3/ 168، و"بدائع الصنائع" 2/ 277، و"المبسوط" 5/ 100. (¬4) بياض في الأصل قدر ثلاث كلمات. (¬5) كلمة غير مقروءة. ورسمها: بحثت.

32 - باب فيمن تزوج ولم يسم صداقا حتى مات.

32 - باب فِيمَنْ تَزَوَّجَ وَلَمْ يُسَمِّ صَداقًا حَتَّى ماتَ. 2114 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيانَ، عَنْ فِراسٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَماتَ عَنْها وَلَمْ يَدْخُلْ بِها وَلَمْ يَفْرِضْ لَها الصَّداقَ فَقَالَ: لَها الصَّداقُ كامِلًا وَعَلَيْها العِدَّة وَلَها المِيراثُ. فَقَالَ مَعْقِلُ بْنُ سِنانٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بِهِ فِي بِرْوَعَ بِنْتِ واشِقٍ (¬1). 2115 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ وابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيانَ، عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ وَساقَ عُثْمانُ مِثْلَهُ (¬2). 2116 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ خِلاسٍ وَأَبِي حَسّانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ أُتِيَ فِي رَجُلٍ بهذا الخَبَرِ قَالَ: فاخْتَلَفوا إِلَيْهِ شَهْرًا أَوْ قَالَ مَرّاتٍ قَالَ: فَإِنِّي أَقُولُ فِيها إِنَّ لَها صَداقًا كَصَداقِ نِسائِها لا وَكْسَ وَلا شَطَطَ وَإِنَّ لَها المِيراثَ وَعَلَيْها العِدَّةُ فَإِنْ يَكُ صَوابًا فَمِنَ اللهِ وَإِنْ يَكُنْ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنَ الشَّيْطانِ والله وَرَسُولُهُ بَرِيئانِ. فَقامَ ناسٌ مِنْ أَشْجَعَ فِيهِمُ الجَرّاحُ وَأَبُو سِنانٍ فَقَالُوا: يا ابن مَسْعُودٍ نَحْنُ نَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَضاها فِينا فِي بِرْوَعَ بِنْتِ واشِقٍ وَإِنَّ زَوْجَها هِلالُ بْنُ مُرَّةَ الأَشْجَعيُّ كَما قَضَيْتَ. قَالَ: فَفَرِحَ عَبْدُ اللهِ بْن مَسْعُودٍ فَرَحًا شَدِيدًا حِينَ وافَقَ قَضاؤُهُ قَضاءَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬3). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1145)، والنسائي 6/ 121، 122، 198، وابن ماجه (1891)، وأحمد 3/ 480، 4/ 279، 280. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1839). (¬2) انظر: ما قبله وما بعده. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1840). (¬3) أخرجه أحمد 1/ 427 من طريق قتادة به، وصححه ابن حبان (4088)، وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (1841): إسناده صحيح على شرط الشيخين.

2117 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فارِسٍ الذُّهْلِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَعُمَرُ بْنُ الخَطّابِ - قَالَ مُحَمَّدٌ - حَدَّثَنا أَبُو الأَصْبَغِ الجَزَرِيُّ عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ خالِدِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِرَجُلٍ: "أَتَرْضَى أَنْ أُزَوِّجَكَ فُلانَةَ". قَالَ: نَعَمْ. وقَالَ لِلْمَرْأَةِ: "أَتَرْضِينَ أَنْ أُزَوِّجَكِ فُلانًا". قَالَتْ: نَعَمْ. فَزَوَّجَ أَحَدُهُما صاحِبَهُ فَدَخَلَ بِها الرَّجُلُ وَلَمْ يَفْرِضْ لَها صَداقًا وَلَمْ يُعْطِها شَيْئًا وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ الحُدَيْبِيَةَ وَكَانَ مَنْ شَهِدَ الحُدَيْبِيَةَ لَهُ سَهْمٌ بِخَيْبَرَ فَلَمّا حَضَرَتْهُ الوَفاةُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زَوَّجَنِي فُلانَةَ وَلَمْ أَفْرِضْ لَها صَداقًا وَلَمْ أُعْطِها شَيْئًا وَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَني أَعْطيْتُها مِنْ صَداقِها سَهْمِي بِخَيْبَرَ فَأَخَذَتْ سَهْمًا فَباعَتْهُ بِمِائَةِ أَلْفٍ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَزَادَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ - وَحَدِيثُهُ أَتَمُّ - فِي أَوَّلِ الحَدِيثِ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "خَيْرُ النِّكاحِ أَيْسَرُهُ". وقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِلرَّجُلِ ثُمَّ ساقَ مَعْناهُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: يُخافُ أَنْ يَكُونَ هذا الحَدِيثُ مُلْزَقًا لأَنَّ الأَمْرَ عَلَى غَيْرِ هذا (¬1). * * * باب فيمن تزوج ولم يذكر (¬2) صداقًا حتى مات [2114] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان) بن سعيد الثوري (عن فراس) بكسر الفاء، وبعد الألف مهملة، وهو ابن يحيى الهمداني، الكوفي المكتب. (عن الشعبي، عن مسروق، عن عبد الله) بن مسعود - رضي الله عنه -، لفظ ¬

_ (¬1) رواه ابن حبان (4072)، والحاكم 2/ 181 - 182، ورواه البيهقي 7/ 232 من طريق أبي داود. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1842). (¬2) بعدها في النسخ: نسخة: ولم يسم.

الترمذي: أنه سئل (¬1) في رجل تزوج امرأة فمات عنها ولم يدخل بها ولم يفرض) لإظهار الآية (¬2). (ولها) من ماله (الميراث) الذي فرضه الله لها (فقال معقل) بفتح الميم، وسكون العين المهملة، وكسر القاف (ابن سنان) بكسر السين المهملة، وتخفيف النون الأولى، وهو ابن مظهر الأشجعي، في كنيته أقوال، شهد الفتح، سكن المدينة، وكان على المهاجرين يوم الحرة، فاستشهد رحمه الله، فيمن استشهد (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى به في بروع) بكسر الباء الموحدة وسكون الراء المهملة، وفتح الواو بعدها عين مهملة، هذا هو المشهور، وقال بعضهم: بروع بفتح الباء، وصوبه، وقال بعضهم: تزوع بكسر المثناة فوق وزاي ساكنة (بنت واشق) بكسر الشين المعجمة، الرؤاسية، وقيل: الأشجعية. زوجة هلال بن مرة. [2115] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون وعبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان) بن سعيد الثوري. (عن منصور) بن المعتمر السلمي (عن إبراهيم) بن يزيد النخعي (عن علقمة، عن عبد الله) بن مسعود (فساق عثمان) بن أبي شيبة في روايته (مثله) أي: مثل ما تقدم. ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (1145). (¬2) سقط هنا جزء من الحديث وهو: لها الصداق فقال: لها الصداق كاملًا، وعليها العدة. وصححه ابن حبان (4100)، والحاكم 2/ 180 ووافقه الذهبي. وانظر: "صحيح سنن أبي داود" (1839).

[2116] (حدثنا عبيد الله بن عمر) بن ميسرة القواريري، شيخ الشيخين. (ثنا يزيد بن زريع، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن خلاس) بكسر الخاء المعجمة، وتخفيف اللام، بن عمرو العمري، (وأبي حسان) مسلم بن عبد الله الأعرج. (عن عبد الله بن عتبة بن مسعود - رضي الله عنه - أتي) بضم الهمزة مبني للمجهول، سئل (عن رجل بهذا الخبر) المذكور، و (قال) فيه (فاختلفوا إليه شهرًا، أو قال) اختلفوا إليه (مرات) يسألونه، فيه دليل على أن المجتهد يجتهد في المسائل التي تحدث غاية ما تصل إليه استطاعته، ويعيد (¬1) النظر في ذلك أيامًا متواليات شهرًا فأكثر، ليظهر له وجه الصواب، ولا يبادر بالجواب قبل استعمال الفكر في ذلك ومراجعته أهل العلم وكتب الحديث والفقه في ذلك، فإن ذلك من النصح في الدين، وفيه دليل على جواز الاجتهاد في الحوادث فيما لم يوجد فيه نص، والحكم بما أدى إليه فيها اجتهاد، مع إمكان أن يكون فيها نص صريح أو ظاهر. (قال: فإني أقول فيها) بما أدى إليه اجتهادي دون نص بما أقول (إن لها) في الميراث (صداقًا (¬2) كصداق) استدل به على أحد قولي الشافعي أن أحد الزوجين إذا مات قبل المسيس وقبل أن يفرض لها مهرًا أنه يجب مهر المثل (¬3) بهذا الحديث الذي حسنه الترمذي فمن بعده كابن حبان والحاكم ¬

_ (¬1) غير واضحة والمثبت أقرب تصور لها. (¬2) في (الأصل): صداق. (¬3) انظر: "الحاوي الكبير" 9/ 485.

والبيهقي وغيرهم، وهذا هو الذي لا يعدل عنه، وقطع به جماعة من الشافعية. قال النووي: قلت: الأظهر وجوبه (¬1)، وهو الصحيح من مذهب أحمد (¬2)، وإليه ذهب ابن مسعود وابن شبرمة وابن أبي ليلى والثوري، وعلله الرافعي بأن الموت بمثابة الوطء في تقرير المسمى؛ فكذلك في إيجاب المهر في صورة التفويض، قال: وهذا يوافق مذهب أبي حنيفة؛ لأنه يقول بوجوبه بالعقد ويقدره بالموت (¬3)، وعلق الشافعي القول به على صحة الحديث، وقال الحاكم: لو حضرت الشافعي على رؤوس أصحابه. وقلت: قد صح الحديث فعل به. وقال به في البويطي (¬4)، وإنما توقف في غيره لعدم صحته عنده إذ ذاك (نسائها) أي: كصداق نساء عصباتها؛ لأن إطلاق هذا اللفظ ينصرف إليه، وعن صاحب "الذخائر": يعتبر نساء عشيرتها المساويات لها في نسبها؛ لأن النسب يعتبر في النكاح (¬5). والمراد أنه إذا ثبت مقدار في عشيرة جرت أنكحتهم عليه؛ إذ من لا ينتمي إلى نسبها لا يساويها فيه (لا وكس) بفتح الواو هو النقص، ومنه حديث معاوية أنه كتب إلى الحسين بن علي: إني لم أَكِسْكَ ولم أَخِسْكَ (¬6). أي: لم أنقصك حقك ولم أنقض ¬

_ (¬1) "روضة الطالبين" 8/ 278 - 279. (¬2) انظر: "المغني" 10/ 137 - 138. (¬3) "الشرح الكبير" 8/ 278، وانظر: "المبسوط" 5/ 59. (¬4) "الأم" 5/ 101. (¬5) انظر: "حاشية عميرة" 3/ 285. (¬6) "الفائق" في غريب الحديث" 4/ 79، "النهاية في غريب الحديث والأثر" 5/ 220.

عهدك. (ولا شطط) هو الجور والعدوان والظلم، والزيادة على قدر الحق، يقال: اشتط في الحكم إذا تعدى الحق وجاوزه، ويقال: شطني فلان يشطني شطًّا إذا ظلمك وجار عليك فيما يشق عليك، وكأن المعنى: لها صداق (¬1) كصداق نسائها من دون نقص عن أصدقتهن فتظلم، أو زيادة وتعد على أصدقتهن فيظلم مستحقو الإرث. (وإن لها الميراث) بلا خلاف؛ لأن الله تعالى فرض لكل من الزوجين فرضًا، وعقد الزوجية هنا ثابت صحيح فترث به؛ لدخوله في عموم نص الآية (وعليها العدة) أي: عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرًا كما تقدم (فإن يك) ما قلته (صوابًا) أي: موافقًا لما في نفس الأمر من حكم الله تعالى (فمن الله) أي: فهو من فضل الله وتوفيقه، وله أجران؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا اجتهد المجتهد فاصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر" (¬2). (وإن يكن خطأ) أي: لم يصادف الحق (فمني) أي: فهو عقوبة لذنب وقع مني. وهذا اعتراف منه، وإلا فمن اجتهد وأخطأ فقيل: يأثم، والصحيح أنه لا يأثم، بل له أجر كما في الحديث، والمختار أنه يؤجر على بذل وسعه لا على نفس الخطأ (ومن) الذنب الذي دعاني إليه (الشيطان) فأجبته (والله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - بريئان) مما وقع مني من الخطأ (فقام ناس من أشجع) بالشين المعجمة، وهو أشجع بن زيد بن غطفان ¬

_ (¬1) في الأصل: صداقا. والمثبت هو الجادة. (¬2) أخرجه البخاري (7352)، ومسلم (1716) (15)، من حديث عمرو بن العاص. وسيأتي تخريجه مفصلًا برقم (3574) باب في القاضي يخطئ.

قبيلة معروفة، وفي رواية: قام رجل من أشجع. قال البيهقي: قد سمي فيه معقل ابن سنان (¬1) وهو صحابي مشهور (¬2). والاختلاف فيه لا يضر، يعني: لأن الصحابة كلهم عدول، وجميع الروايات فيها صحيحة. وقال ابن أبي حاتم: قال أبو زرعة: الذي قال: معقل بن سنان أصح. وذكر الدارقطني الاختلاف فيه في "العلل"، ثم قال: وأحسنها إسنادًا حديث قتادة - يعني: عن خلاس - المذكور، إلا أنه لم يحفظ اسم الصحابي (فيهم الجرَّاح) بفتح الجيم، وتشديد الراء، هو ابن أبي الجراح الأشجعي الصحابي (وأبو سنان) بكسر السين المهملة، وتخفيف النون الأولى، قيل: هو معقل بن سنان الأشجعي، وقيل: معقل بن سنان كنيته أبو سنان، الصحابي (فقالوا: يا) عبد الله (ابن مسعود، نحن نشهد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضاها) أي: قضى بهذِه الفتيا التي أفتيت فيها باجتهادك (فينا) أي: في بني أشجع بن زيد بن غطفان (في بروع) بكسر الباء كما تقدم (بنت واشق) الأشجعية، ولم يذكرها في "الاستيعاب" (¬3)، وذكرها في "التجريد" كما تقدم (وإن زوجها هلال بن مرة الأشجعي) وكذا ذكره ابن منده في "المعرفة"، وهو في "مسند أحمد" أيضًا، ولم يذكره في "الاستيعاب" في الصحابة فاستدرك عليه، (كما قضيت) باجتهادك (ففرح عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -) بذلك (فرحًا شديدًا حين وافق قضاؤه قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فيه فضيلة عبد الله؛ إذ ¬

_ (¬1) في الأصل: سنان بن معقل. والمثبت الصواب. (¬2) "السنن الكبرى" للبيهقي 7/ 245. (¬3) كذا في الأصل، وهي في "الاستيعاب" 4/ 357 (3289).

طابق ما أدى إليه اجتهاده ما حكم به النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك فرح به فرحًا شديدًا كما فرح عمر بن الخطاب حين وافق ربه تعالى في ثلاثٍ تكلم بها فنزل القرآن مطابقًا لما قاله. قال البخاري: يجري الله الصواب على ألسنتهم أو يلهمهم بما يوقع في قلوبهم (¬1). فيحصل لهم الفرح بفضل الله عليهم {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} (¬2). [2117] (ثنا محمد بن يحيى) بن عبد الله بن خالد (بن فارس) بن ذؤيب (الذهلي) بضم الذال المعجمة، نسبة إلى ذهل بن ثعلبة، قبيلة معروفة، ومحمد شيخ البخاري (وعمر بن الخطاب) السجستاني (¬3) الحافظ، نزيل الأهواز (قال محمد) بن يحيى (حدثني أبو الأصبغ الجزري) نسبة إلى الجزيرة، وهي عدة بلاد، منها: الموصل وسنجار وحران والرها والرقة ورأس عين وديار بكر، وهي بلاد بين دجلة والفرات، وإنما قيل لها: الجزيرة لهذا (¬4) (عبد العزيز بن يحيى) وهو ثقة (أخبرنا أبو سلمة، عن أبي عبد الرحيم خالد بن يزيد) (¬5) المصري الفقيه (¬6) (عن زيد بن أبي أنيسة) أبي سلمة الرهاوي، شيخ الجزيرة، (عن يزيد بن أبي حبيب) الأزدي أبي رجاء، عالم أهل مصر. (عن مرثد بن عبد الله، عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أترضى ¬

_ (¬1) انظر: "شرح النووي" 15/ 166. (¬2) يونس: 58. (¬3) في الأصل: السختياني. والمثبت من مصادر ترجمته. (¬4) "الأنساب" للسمعاني (891). (¬5) ورد في اسمه: خالد بن أبي يزيد، وخالد بن يزيد. (¬6) "حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة" 1/ 300.

أن أزوجك فلانة؟ قال: نعم. وقال للمرأة: أترضين أن أزوجك فلانًا؟ قالت: نعم) فيه دليل على صحة عقد النكاح بدون تسمية المهر، وهو نكاح التفويض، وعلى جوازه دون كراهة، وقد صرح المتولي بالكراهة، ولا يلزم من الصحة الجواز؛ لأن الطلاق في زمن الحيض حرام، والحديث محمول على أن المرأة رشيدة فلا يجوز ترك التسمية في غير الرشيدة، ومع ذلك هو صحيح. وفي الحديث دليل على أن رضا الزوجين شرط في صحة النكاح مع الإكراه. (فزوج أحدهما صاحبه) بنصب (أحد) و (صاحب) مفعولين، والمراد: زوج أحدهما صاحبه بإيجاب من النبي - صلى الله عليه وسلم - بالولاية العامة وقبول من الزوج مع لفظ التزويج أو الإنكاح عند الشافعي، وإليه الإشارة بقوله قبله في كل منهما: أن أزوجك، ولم (. . .) (¬1) ونحوه على ما ذهب إليه بعضهم كما تقدم (فدخل بها الرجل ولم يفرض) بفتح الياء، وكسر الراء، أي: لم يقدر (لها صداقًا) معلومًا يبقى في ذمته حالًّا أو مؤجلًا (ولم يعطها شيئًا) معجلًا قبل الدخول. فيه رد على ما نقل عن ابن عباس: إن لم يجد شيئًا يخلع إحدى نعليه من رجليه ويلقها إليها (¬2). (وكان ممن شهد) غزوة (الحديبية) بتخفيف الياء الثانية، وكانت في ذي القعدة سنة ست (وكان) كل (من شهد الحديبية) وجب (له سهم بخيبر) وفي "عيون الأثر" عن ابن عباس: قسمت خيبر على ألف وخمسمائة سهم ¬

_ (¬1) بياض قدر كلمتين. (¬2) رواه ابن جرير كما في "كنز العمال" (45810).

وثمانين سهمًا، وكانوا ألفًا (¬1) وخمسمائة وثمانين رجلًا، الذين شهدوا الحديبية منهم ألف وخمسمائة وأربعون، والذين كانوا مع جعفر بن أبي طالب بأرض الحبشة أربعين رجلًا (¬2). (فلما حضرته الوفاة) أوصى (قال: ) في وصيته (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوجني فلانة ولم أفرض) بفتح الهمزة، وكسر الراء، (لها صداقًا) قبل الدخول ولا بعده (ولم أعطها شيئًا) معجلًا ولا مؤخرًا (وإني أشهدكم) على (أني) قد (أعطيتها) عوضًا (من صداقها سهمي) الذي (بخيبر) فيه دليل على أن من دنت وفاته وأيس من حياته أن يبادر إلى قضاء ما عليه من دين لزوجته أو غيرها، وردِّ وديعة، فإن الله تعالى فرض أداء الأمانات، فإن لم يتيسر له في مرضه فتجب عليه الوصية به إلى من يقوم بالخروج منه، وفيه دليل على أن الواطئ في عقد المفوضة يجب عليه مهر المثل، وأنه يجوز أخذ العوض عليه من غير جنسه، وأنه يجوز أخذ الزائد على مهر المثل، فإن الظاهر أن السهم الذي بيع بمائة ألف درهم أكثر من مهر المثل، وقد يستدل به على أن هبة المجهول جائزة، فإن الزائد عن قدر مهر المثل هبة منه لها، وهو مجهول، لكن مذهب الشافعي أنه يشترط علمها بقدر مهر المثل، قال الزركشي في قول "المنهاج": لا يشترط علمها بقدر المثل في الأظهر، يعني: في المفوضة، وهذا فيما قبل الدخول، فأما بعده فلا يصح التقدير إلا مع علمها بقدر المثل قولًا واحدًا؛ لأنه هنا قيمة مستهلك، ¬

_ (¬1) في الأصل: أربعين. والجادة ما أثبتناه. (¬2) "عيون الأثر" 2/ 145.

قاله الماوردي (¬1). (فأخذت) يعني: السهم الذي عوضه إياه عن مهرها (فباعته) أي: بعد رؤيته والعلم به بنفسها أو بوكيلها (بمائة ألف) درهم، قد يستدل به على صحة بيع الحصة من الأرض قبل أن يستأذن شركاءه؛ إذ لو استأذنت لنقل، ولم ينقل. (قال المصنف: زاد عمر بن الخطاب) السجستاني، شيخه في أول الحديث المذكور (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: خير النكاح أيسره) أي: ما تيسر دون ما تعسر، كتيسير رضا الزوجين من غير مخالفة بينهما، وتيسير عقد النكاح، وحضور الشهود، ونحو ذلك من أموره، وكذا غيره من البيوع والإجارة ونحوهما، فخير البيع أيسره كما في الحديث الصحيح: "الدين يسر" (¬2). (وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للرجل) أترضى. . . إلخ (ثم ساق معناه المتقدم) دون لفظه. ¬

_ (¬1) انظر: "الحاوي الكبير" 9/ 482، 484. (¬2) أخرجه البخاري (39) من حديث أبي هريرة.

33 - باب في خطبة النكاح.

33 - باب في خُطْبَةِ النِّكاحِ. 2118 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ أَبِي إِسْحاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي خُطْبَةِ الحاجَةِ فِي النِّكاحِ وَغَيْرِهِ ح وَحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمانَ الأَنْبارِيُّ - المَعْنَى - حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحاقَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ وَأَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: عَلَّمَنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خُطْبَةَ الحاجَةِ: "إِنَّ الحَمْدَ لله نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ يا أَيُّها الذِينَ آمَنُوا {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} ". لَمْ يَقُلْ مُحَمَّدُ ابْنُ سُلَيْمانَ: إِنَّ (¬1). 2119 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشّارٍ، حَدَّثَنا أَبُو عاصِمٍ، حَدَّثَنا عِمْرانُ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ، عَنْ أَبِي عِياضٍ، عَنِ ابن مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا تَشَهَّدَ ذَكَرَ نَحْوَهُ وقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: "وَرَسُولُهُ": "أَرْسَلَهُ بِالحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا بَيْنَ يَدي السّاعَةِ مَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِهِما فَإِنَّهُ لا يَضُرُّ إِلَّا نَفْسَهُ وَلا يَضُرُّ اللهَ شَيْئًا" (¬2). 2120 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشّارٍ، حَدَّثَنا بَدَلُ بْنُ المُحَبَّرِ أَخْبَرَنا شُعْبَةُ، عَنِ العَلاءِ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1105)، والنسائي 3/ 104، 6/ 89، وابن ماجه (1892)، وأحمد 1/ 392، 393، 432. وانظر: ما بعده، وما سلف برقم (1097). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1843، 1844). (¬2) سبق برقم (1097). وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (363).

ابن أَخِي شُعَيْبٍ الرّازِيِّ عَنْ إِسْماعِيلَ بْنِ إِبْراهِيمَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ قَالَ: خَطَبْتُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أُمامَةَ بِنْتَ عَبْدِ المُطَّلِبِ فَأَنْكَحَنِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَشَهَّدَ (¬1). * * * باب في خطبة النكاح [2118] (ثنا محمد بن كثير) العبدي (ثنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي. (عن أبي عبيدة) عامر بن عبد الله بن مسعود، ولم يسمع أبو عبيدة من والده شيئًا. (في خطبة الحاجة) ولابن ماجه قال: أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جوامع الخير وخواتمه - أو قال: فواتح الخير - فعلمنا خطب الصلاة وخطبة الحاجة، خطبة الصلاة: التحيات لله (¬2). . . إلخ. وخطبة الحاجة في النكاح، وغيره من الحاجات. (ثنا محمد بن سليمان الأنباري) بتقديم النون على الموحدة (المعنى، حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق) السبيعي (عن أبي الأحوص) عوف بن مالك الجشمي (وأبي عبيدة) عامر، ورواه النسائي (¬3) عن أبي الأحوص وحده (عن عبد الله) بن مسعود - رضي الله عنه -. ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1428)، والبخاري في "التاريخ الكبير" (1086)، والبيهقي 7/ 147. وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (364). (¬2) "سنن ابن ماجه" (899). (¬3) "سنن النسائي" 6/ 89.

(قال: علمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبة) من كانت له الحاجة إلى النكاح وغيره (الحاجة: إن) بكسر الهمزة وتشديد النون، ويجوز فتح الهمزة تقديره: علمنا حمد الله (الحمد لله) بالنصب، ويجوز الرفع على (إن) بمعنى (نعم) كقراءة من قرأ: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} (¬1)، وقد حكي الوجهان في قوله - صلى الله عليه وسلم - في التلبية: "إن الحمد" (¬2). قال النووي: والكسر أصح وأشهر (¬3) (نستعينه) كذا للترمذي (¬4)، وللنسائي (¬5) وابن ماجه (¬6): "الحمد لله نحمده ونستعينه" (ونستغفره، ونعوذ به) انفرد به المصنف، ولفظ الثلاثة: نعوذ بالله (من شرور أنفسنا) زاد ابن ماجه: "من سيئات أعمالنا". (من يهده الله) أي: يتولى الله هدايته وتوفيقه إلى الصراط المستقيم (فلا مضل له) أي: فلا يستطيع أحد من الخلق أن يضله (ومن يضلل) أي: ومن أضله الله عن الطريق وخذله (فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله) كذا للترمذي، وزاد النسائي وابن ماجه: "وحده لا شريك له". (وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله) زاد النسائي وابن ماجه: "أما بعد"، وزاد ابن ماجه: ثم تصل خطبتك بثلاث آيات من كتاب الله، قال الترمذي: ففسره لنا سفيان الثوري يعني ¬

_ (¬1) طه: 63. (¬2) أخرجه البخاري (1812)، ومسلم (1184/ 19) وقد سبق تخريجه مفصلًا في (1812) باب كيف التلبية. (¬3) "روضة الطالبين" 3/ 74. (¬4) الترمذي (1105). (¬5) النسائي 3/ 104. (¬6) ابن ماجه (1892).

الراوي (¬1) (يا أيها الذين آمنوا) هكذا الرواية وليست في التلاوة ({وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ}) (¬2) الجمهور بنصب الميم، وحمزة يجزمها، قيل: المعنى: أسألك بالله وبالرحم، وضعف؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من كان حالفًا فليحلف بالله" (¬3)، فإذا لم يجز الحلف بغير الله فكيف يجوز بالرحم؟ وقال أبو إسحاق: معنى تساءلون به تطلبون به حقوقكم وحقوق ذوي الأرحام (¬4). ({إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}) (¬5) أي: حفيظًا، فعيل بمعنى فاعل ({يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}) (¬6) روى البخاري عن مرة عن عبد الله قال: حق تقاته أن يطاع فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر (¬7). وقال ابن عباس: هو أن لا يعصى طرفة عين (¬8). وذكر المفسرون أنه لما نزلت هذِه الآية قالوا: يا رسول الله من يقوى على هذا؟ وشق عليهم، فأنزل الله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (¬9) فنسخت هذِه الآية، وقيل: إن قوله: {مَا اسْتَطَعْتُمْ} بيان هذِه الآية، والمعنى: ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" 3/ 413. (¬2) النساء: 1. (¬3) رواه البخاري (2679)، ومسلم (1646). (¬4) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" 5/ 4. (¬5) النساء: 1. (¬6) آل عمران: 102. (¬7) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 407 (3755) وقد عزاه هنا للبخاري، ولعله تصحيف أصله النحاس. وقد رواه النحاس في "الناسخ والمنسوخ" ص 281. (¬8) ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" 1/ 447. (¬9) التغابن: 16.

اتقوا الله حق تقاته ما استطعتم. قال القرطبي: وهذا أصوب؛ لأن النسخ إنما يكون عند عدم الجمع، والجمع ممكن، فهذا أولى (¬1) ({وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا}) (¬2) فيه إيجاز بليغ الزموا الإسلام ودوموا عليه ولا تفارقوا حتى تموتوا ({وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}) (¬3) فأتى بلفظ وجيز يتضمن المقصود ويتضمن وعظًا وتذكيرًا بالموت، وذلك أن المرء يتحقق أنه يموت ولا يدري متى، فإذا أمر بأمر لا يأتيه الموت إلا وهو عليه فقد توجب الخطاب من وقت الأمر لازمًا ({يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70)}) (¬4) عن ابن عباس: صوابًا. ومقاتل: عدلًا مستقيمًا. وعكرمة: لا إله إلا الله. وقيل: قولوا في وصف الله والرسول قولًا موافقًا لما في الكتاب والسنة (¬5) ({يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}) (¬6) أي: يوفقكم للعمل الصالح ({وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}) (¬7) الصغائر ({وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}) (¬8) والفوز الظفر بالمقصود. (ولم يقل محمد بن سليمان) الأنباري في روايته (أن) قبل الحمد لله. ¬

_ (¬1) "الجامع لأحكام القرآن" 4/ 157. (¬2) آل عمران: 102. (¬3) آل عمران: 102. (¬4) الأحزاب: 70. (¬5) "تفسير البغوي" 6/ 379. (¬6) الأحزاب: 71. (¬7) الأحزاب: 71. (¬8) الأحزاب: 71.

[2119] (ثنا محمد بن بشار) بالموحدة والشين المعجمة، (ثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل (ثنا عمران) القطان أبو العوام بن داور بفتح الدال المهملة والواو، قال شيخنا البلقيني: أخرج له البخاري تعليقًا أوائل الصلاة، نقل في باب وجوب الصلاة في الثياب: وقال عبد الله بن رجاء: ثنا عمران (¬1). وجرى عليه المزي في "الأطراف" (¬2)، غير أنه وقع له في "التهذيب" نقل العلامة لغير موضعها فاعلمه. (عن قتادة، عن عبد ربه، عن أبي عياض) هو (¬3) عمرو بن الأسود، روى عنه الشيخان في الأشربة باب: من شرب قائمًا فليستقى (¬4). لا غيره (عن) عبد الله (بن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا تشهد) أي: قال: أشهد أن محمدًا عبده ورسوله و (ذكر نحوه، وقال بعد قوله) عبده (ورسوله: أرسله بالحق بشيرًا) نصب على الحال، أي: مبشرًا لمن آمن (ونذيرًا) لمن عصى (بين يدي) قيام (الساعة) مؤذنًا بقربها (من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما) يعارضه روايته رواية مسلم عن عدي بن حاتم: أن رجلًا خطب عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بئس الخطيب ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (351). (¬2) في المخطوط: عن، والمثبت كما في مصادر ترجمته. (¬3) كذا. ولم أقف عليه. وإنما رواية أبي عياض عند الشيخين هي عن عبد الله بن عمرو بن العاص في "صحيح البخاري" (5593) باب الترخيص في الأوعية والظروف. وعند مسلم (2000) (26) باب كراهة انتباذ التمر والزبيب مخلوطين. أما حديث النهي عن الشرب قائمًا فرواه مسلم (2026) (116) باب كراهية الشرب قائمًا من طريق أبي غطفان المري عن أبي هريرة. (¬4) "تحفة الأشراف" 3/ 398.

أنت" (¬1). قال بعضهم: إنكاره - صلى الله عليه وسلم - على الخطيب في قوله: ومن يعصهما. في جمعه بين ضمير الله وضمير رسوله، قاله تواضعًا لله في أول الأمر، فلما نزلت {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (¬2) علم من منزلته ما علم فعبر عن نفسه بلفظ ما أنكره أولًا على الخطيب، ولهذا المعنى قال: "لا تفضلوني على يونس بن متى" (¬3). حتى أوحي إليه أنه أفضل خلق الله، قال: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر" (¬4). (فإنه لا يضر إلا نفسه) ويعرضها للعقاب بسبب المخالفة (ولا يضر الله) تعالى (شيئًا) فإنه لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية لغناه عنها. [2120] (ثنا محمد بن بشار، حدثنا بدل) بفتح الموحدة والدال المهملة (ابن المحبر) بضم الميم وفتح الحاء المهملة والباء الموحدة المشددة، اليربوعي البصري، شيخ البخاري في الصلاة وغيرها. (ثنا شعبة، عن العلاء ابن أخي شعيب الرازي) ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬5). (عن رجل) هو جده عباد بن شيبان السلمي (من بني سليم) بضم السين مصغر، ولا يضر الجهل باسمه؛ لأنه صحابي، والصحابة كلهم ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (870) (48). (¬2) النساء: 80. (¬3) لم أقف عليه مسندًا بهذا اللفظ. وإنما الثابت ما أخرجه البخاري (3395)، ومسلم (2377) (167) من حديث ابن عباس بلفظ: "لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى". (¬4) أخرجه البخاري (4712)، ومسلم (2278) (3) من حديث أبي هريرة. وسيأتي تخريجه مفصلًا في (4673) باب في التخيير بين الأنبياء. (¬5) "الثقات" 8/ 503.

عدول (قال: خطبت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أمامة بنت عبد المطلب) أخرجه البخاري في "تاريخه الكبير" وذكر الاختلاف فيه، وذكر في بعضها: خطبت إلى (¬1) النبي - صلى الله عليه وسلم - عمته ولم يتشهد في بعضها إلا "أنكحتك أمامة بنت ربيعة بن الحارث" (¬2). انتهى كلام المنذري (¬3) (فأنكحني) إياها (من غير أن يتشهد) أي: لم يخطب، وهذا يدل على أن هذِه الخطبة مستحبة؛ إذ لو كانت واجبة لما تركها، ويدل على عدم الوجوب حديث الصحيحين المتقدم: زوجتكها بما معك من القرآن، ولم يذكر خطبة. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل واستدركتها من مصادر التخريج. (¬2) أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (1086) وقال: إسناده مجهول. (¬3) "مختصر سنن أبي داود" 3/ 55.

34 - باب في تزويج الصغار.

34 - باب فِي تَزْوِيجِ الصِّغارِ. 2121 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو كامِلٍ قالا: حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنا بِنْتُ سَبْعٍ - قَالَ سُلَيْمانُ: أَوْ سِتٍّ - وَدَخَلَ بِي وَأَنا بِنْتُ تِسْعٍ (¬1). * * * باب تزويج الصغار [2121] (ثنا سليمان بن حرب وأبو كامل) الجحدري (قال: ثنا حماد بن زيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: تزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) بمكة في شوال سنة عشر من النبوة (وأنا بنت سبع) سنين، بوب عليه البخاري: باب إنكاح الرجل ولده الصغار. ثم قال: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} (¬2)، فجعل عدتها ثلاثة أشهر قبل البلوغ، وبوب عليه أيضًا: باب تزويج الأب ابنته من الإمام. وقد استدل به على أن للأب إجبار ابنته الصغيرة التي لا تحتمل الوقاع بالعقد عليها، وأما الدخول ففيه وقفة، ويشترط في إجباره ستة أمور: أن يكون من كفء موسر بمهر المثل ونقد البلد إذا لم يكن بينها وبين الأب عداوة ظاهرة، ولا تكون موطوءة، فقيل: وظاهر إطلاقهم أن له إجبار القرناء والرتقاء (قال سليمان) بن حرب شيخ المصنف، وأنا بنت ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3894، 3896، 5133، 5134، 5158)، ومسلم (1422). وانظر: ما سيأتي (4933 - 4937). (¬2) الطلاق: 4.

سبع (¬1) (أَوْ سِتٍّ) وهو الذي ذكره البخاري في البابين، ورجحه ابن عبد البر، وشذ ابن شبرمة فقال: تزويج الآباء على الصغار لا يجوز ولهن الخيار إذا بلغن (¬2). (ودخل بي وأنا بنت تسع) (¬3) قال ابن عبد البر: ابتنى بها بالمدينة وهي بنت تسع لا أعلمهم اختلفوا في ذلك [وكانت تذكر لجبير بن مطعم] (¬4) وتسمى [له] (¬5)، وكان أحمد بن حنبل يجعل هذا حدًّا في تزويج الأبكار ولغير الآباء [والأجداد، ويقول: لا أرى] (¬6) للولي ولا للقاضي أن يزوج اليتيمة حتى تبلغ تسع سنين، فإذا بلغت تسع سنين ورضيت فلا خيار لها (¬7). ¬

_ (¬1) تحرفت في الأصل إلى: ست. (¬2) "مصنف عبد الرزاق" 6/ 166 (10367) عن الثوري عنه قال: الصغيران بالخيار إذا أدركا. (¬3) أخرجه البخاري (5133)، ومسلم (1422) (71). (¬4) بياض بالمخطوط قدر نصف سطر. والمثبت من "الاستيعاب" لابن عبد البر. (¬5) "الاستيعاب" 4/ 1881 (4029). (¬6) بياض في (ر). والمثبت من "مختصر سنن أبي داود" (¬7) انظر: "مختصر سنن أبي داود" 3/ 56، و"المغني" 10/ 169.

35 - باب في المقام عند البكر.

35 - باب فِي المَقامِ عِنْدَ البِكْرِ. 2122 - حَدَّثَنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى عَنْ سُفْيانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمّا تَزَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ أَقامَ عِنْدَها ثَلاثًا ثُمَّ قَالَ: "لَيْسَ بكِ عَلَى أَهْلِكِ هَوانٌ إِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكِ وَإِنْ سَبَّعْتُ لَكِ سَبَّعْتُ لِنِسائِي" (¬1). 2123 - حَدَّثَنا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ وَعُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قَالَ: لَمّا أَخَذَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَفِيَّةَ أَقامَ عِنْدَها ثَلاثًا. زادَ عُثْمانُ وَكَانَتْ ثَيِّبًا. وقَالَ: حَدَّثَنِي هُشَيْمٌ أَخْبَرَنا حُمَيْدٌ أَخْبَرَنا أَنَسٌ (¬2). 2124 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا هُشَيْمٌ وَإِسْماعِيلُ ابن عُلَيَّةَ، عَنْ خالِدِ الحَذّاءِ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قَالَ: إِذَا تَزَوَّجَ البِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ أَقامَ عِنْدَها سَبْعًا. وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ أَقَامَ عِنْدَها ثَلاثًا. وَلَوْ قُلْتُ: إِنَّهُ رَفَعَهُ لَصَدَقْتُ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: السُّنَّةُ كَذَلِكَ (¬3). * * * باب في المقام - بضم الميم - عند البكر [2122] (ثنا زهير بن حرب، ثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن سفيان) الثوري (قال: حدثني محمد بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، قاضي المدينة (عن عبد الملك بن أبي بكر، عن أبيه) أبي بكر بن عبد الرحمن المخزومي أحد الفقهاء السبعة، قيل: اسمه ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1460). (¬2) رواه البخاري (4212، 4213، 5085، 5159). (¬3) رواه البخاري (5213، 5214)، ومسلم (1461). وانظر: ما قبله.

محمد، والصحيح أن اسمه كنيته (عن أم سلمة) هند بنت أبي أمية المخزومي زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما تزوج أم سلمة) لما انقضت عدتها من أبي سلمة بن عبد الأسد بالوفاة، وخلت منه لعشر بقين من شوال سنة أربع، وتزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ليال بقين من شوال المذكور (أقام عندها ثلاثًا) لأن للجديدة حياء لا يزول إلا بمزيد المعاشرة، ولا قضاء عليه بعد ذلك لمن عنده من النساء، ولا تحاسب الجديدة بهذِه الأيام، وقال أبو حنيفة: إنها تحاسب، ورأى أن العدل والمساواة واجب في الابتداء كوجوبه في الاستدامة والاستمرار (¬1). (ثم قال: ليس بك) أي: لا يلحقك ولا يتعلق بك (على أهلك) يعني: نفسه؛ إذ كل واحد من الزوجين أهل لصاحبه، أي: لا أفعل فعلًا يظهر به هوانك علي أو تظنيه في (هوان) أي: نقص واحتقار، بل نوفي حقك في المقام والتأنيس، وإنما قال لها ذلك حين أخذت بثيابه تستزيده في المقام عندها؛ لئلا تستوحش حين أراد الخروج عنها، واستلطفها بهذا القول الحسن، ثم بين لها ما لها وما عليها من ذلك. قال عياض: وفيه تلطف ورفق بمن خشي منه كراهة الحق حتى يتبين له وجه ترجيحه فيرجع إليه (¬2). (هو) ضمير الشأن أو القصة (إن شئت سبعت لك) ولمسلم: "إن شئت زدتك وحاسبتك به" (¬3) (وإن سبعت لك سبعت لنسائي) هذا بيان ¬

_ (¬1) "الحجة" 3/ 246. (¬2) "إكمال المعلم" 4/ 659. (¬3) "صحيح مسلم" (1460).

القاعدة، وهو حجة الجمهور على أبي حنيفة حيث يقول: لا يختص بذلك واحدة منهن، بل يقضي لسائر نسائه بمثل ذلك تمسكًا منه بمطلق الأمر بالعدل بينهن. قال القرطبي: ولا يتم ذلك؛ لأنه مخصص بهذا الحديث وشبهه، قال القرطبي: وقد اختلف: هل لغير النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يسبع للثيب أم لا؟ فمذهب مالك فيما ذكر عند ابن المواز أنه ليس له أن يسبع، وكأنه رأى ذلك من خصوصيات النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ قد ظهرت خصوصياته في هذا الباب كثيرًا. وقال ابن القصار: إذا سبع للثيب سبع لسائر نسائه أخذًا بظاهر هذا الحديث (¬1). وعند الشافعية يسن تخيير الثيب بين ثلاث بلا قضاء وسبع بقضاء عملًا بالحديث في تخييره أم سلمة، هذا هو المشهور (¬2). وفي "حلية الروياني" أنه يلزمه ذلك، ثم إن اختارت السبع قضى الجميع لظاهر الحديث، وإن لم يخيرها بل أقام السبع عندها باختياره لم يقض إلا ما زاد على الثلاث. [2123] (ثنا وهب بن بقية وعثمان بن أبي شيبة، عن هشيم) بن بشير السلمي (عن حميد) الطويل (عن أنس بن مالك قال: لما أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - صفية) بنت حيي بن أخطب، من سبط هارون بن عمران - عليه السلام -، واصطفاها النبي - صلى الله عليه وسلم - لنفسه وهي بنت سبع عشرة، وكانت قبله عند سلام بن مشكم وأولم عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتمر وسويق (أقام عندها ¬

_ (¬1) "المفهم" 4/ 202 - 203. (¬2) انظر: "نهاية المحتاج" 6/ 386، و"فتح الوهاب" 2/ 109.

ثلاثًا) ولفظ النسائي: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقام على صفية بنت حيي بن أخطب بطريق خيبر ثلاثة أيام حين عرس بها، ثم كانت بعد فيمن ضرب عليها الحجاب (¬1) (زاد عثمان) بن أبي شيبة (وكانت ثيبًا) فيه تخصيص الزوجة الجديدة الثيب بثلاثة أيام لميل النفس إلى الجديدة، وليؤنسها لكي لا تستوحش، وسواء في ذلك الحرة أو الأمة (وقال: ثنا هشيم، أخبرنا حميد) الطويل (ثنا أنس) فصرح في هذا بالتحديث؛ فإنه أصرح من العنعنة في السند قبله. [2124] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا هشيم وإسماعيل ابن علية، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي (عن أنس بن مالك) - رضي الله عنه - موقوفًا (قال: إذا تزوج البكر على الثيب [أقام عندها سبعًا]) (¬2) المراد بالبكر هنا البكر في الاستنطاق بالإذن على ما مر من خلاف ووفاق على ما مر، كذا قاله الرافعي والنووي. وقال المرعشي: هي التي ذهبت عذرتها بأي وجه كان بوطئ أو غيره، وقال بعض أصحابنا: وخصت البكر بزيادة الإقامة عندها أكثر لزيادة حيائها، والميل إليها أكثر واستحبابها أكبر (وإذا تزوج الثيب) على غيرها، ظاهره يشعر أن يكون تزوجها بعقد حتى لو قضى للجديدة ثم طلقها ثم راجعها لم يعد الإقامة عندها؛ لأنها باقية على النكاح الأول، قال في "التتمة": بلا خلاف، وأما إذا خالعها ثم ردها على صداق جديد فلم أراجع النقل فيه. ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 6/ 134. (¬2) ليست بالمخطوط. وأثبتناها من "السنن".

(أقام عندها) وجوبًا (ثلاثًا) متوالية (¬1) فلو فرقها ليلة عندها وليلة في نحو المسجد، وهكذا لم يحسب في الأصح، ولو كان يقسم لثنتين فتزوج جديدة في أثناء ليلة إحداهما فهل يقطع الليلة كلها ويقسم للجديدة أو يكمل الليلة وجهان في "حلية الشاشي". قال أبو قلابة (ولو قلت) عن أنس (إنه رفعه) إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - (لصدقت، ولكنه: قال: السنة كذلك) قال الرافعي: هو موقوف (¬2). وهذا خلاف ما عليه الأكثر من أهل العلم بالحديث، حيث قالوا: إن قول الراوي: من السنة كذا، كان مرفوعًا على أن ابن ماجه (¬3) والدارمي (¬4) وابن خزيمة والإسماعيلي (¬5) والدارقطني (¬6) والبيهقي (¬7) وابن حبان (¬8) أخرجوا هذا الحديث عن أنس، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "سبع للبكر وثلاث للثيب" (¬9). ¬

_ (¬1) في الأصل: ولا. والمثبت من "الشرح الكبير" للرافعي 8/ 371. (¬2) "الشرح الكبير" 8/ 371. (¬3) "سنن ابن ماجه" (1916). (¬4) "سنن الدارمي" (2255). (¬5) أخرجه ابن خزيمة والإسماعيلي كما في "التلخيص الحبير" 3/ 410. (¬6) "سنن الدارقطني" (3730). (¬7) "السنن الكبرى" 7/ 302. (¬8) "صحيح ابن حبان" (4208). (¬9) "التلخيص الحبير" 3/ 410.

36 - باب في الرجل يدخل بامرأته قبل أن ينقدها شيئا

36 - باب في الرَّجُلِ يَدْخُلُ بِامْرَأَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُنْقِدَها شيْئًا 2125 - حَدَّثَنا إِسْحاقُ بْنُ إِسْماعِيلَ الطّالقانيُّ، حَدَّثَنا عَبْدَةُ، حَدَّثَنا سَعِيدٌ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: لَمّا تَزَوَّجَ عَليٌّ فاطِمَةَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَعْطِها شيْئًا". قَالَ ما عِنْدي شيء. قَالَ: "أيْنَ دِرْعُكَ الحُطَمِيَّةُ" (¬1). 2126 - حَدَّثَنا كَثِيرُ بْنُ عُبيْدٍ الحِمْصيُّ، حَدَّثَنا أَبُو حيْوَةَ، عَنْ شُعيْبٍ - يَعْني: ابن أَبي حَمْزَةَ - حَدَّثَني غيْلانُ بْنُ أَنَسٍ حَدَّثَني مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبانَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحابِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ عَلِيًّا - عليه السلام - لَمّا تَزَوَّجَ فاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَرضي الله عنها أَرادَ أَنْ يَدْخُلَ بِها فَمَنَعَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى يُعْطِيَها شيْئًا فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ ليْسَ لي شَيء. فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: " أَعْطِها دِرْعَكَ". فَأَعْطاها دِرْعَهُ ثُمَّ دَخَلَ بِها (¬2). 2127 - حَدَّثَنا كَثِيرٌ - يَعْني: ابن عُبيْدٍ - حَدَّثَنا أَبُو حيْوَةَ، عَنْ شُعيْبٍ عَنْ غيْلانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ مِثْلَهُ (¬3). 2128 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبّاحِ البَزّارُ، حَدَّثَنا شَرِيكٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ خيْثَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَمَرَني رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أُدخِلَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِها قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَها شيْئًا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: خيْثَمَةُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه النسائي 6/ 130، وابن حبان (6945)، والضياء في "المختارة" (610) وانظر ما بعده وما سيأتي برقم (2127). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1849). (¬2) رواه البيهقي 7/ 252 من طريق أبي داود. وانظر ما قبله. وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (365). (¬3) انظر سابقيه. (¬4) رواه ابن ماجه (1992). وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (366).

2129 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ البُرْسانيُّ أَخْبَرَنا ابن جُريْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أيُّما امْرَأةٍ نُكِحَتْ عَلَى صَداقٍ أَوْ حِباءٍ أَوْ عِدَةٍ قَبْلَ عِصْمَةِ النِّكاحِ فَهُوَ لَها وَما كَانَ بَعْدَ عِصْمَةِ النِّكاحِ فَهُوَ لِمَنْ أُعْطِيَهُ وَأَحَقُّ ما أُكْرِمَ عَليْهِ الرَّجُلُ ابنتُهُ أَوْ أُخْتُهُ" (¬1). * * * باب في الرجل يدخل بامرأته قبل أن ينقدها بفتح القاف (¬2) وضم القاف، يقال: نقدت الرجل الدراهم بمعنى أعطيته فيتعدى إلى مفعولين. [2125] (ثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني) بفتح الطاء وسكون اللام وفتح القاف، وبعد الألف نون، كذا ضبطه ابن السمعاني، وقال: نسبة إلى طالقان من خراسان وهي بلدة من مروالروز وبلخ مما يلي الجبل (¬3). وإسحاق بن إسماعيل ثقة، مات سنة خمس وعشرين ومائتين (ثنا عبدة، ثنا سعيد) بن أبي عروبة مهران البصري (عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال: لما تزوج علي فاطمة) بعد وقعة أحد، وقيل: إنه تزوجها بعد أن بنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعائشة بأربعة أشهر ونصف (قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أعطها شيئًا) قبل الدخول (قال: ما عندي شيء) قيل: قال: لم يكن عندي في هذا الوقت ¬

_ (¬1) رواه النسائي 6/ 120، وابن ماجه (1955)، وأحمد 2/ 182. وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (367). (¬2) كذا بالمخطوط، والصواب: الياء. (¬3) "الأنساب" 3/ 575.

صفراء ولا بيضاء (قال: أين درعك؟ ) قال ابن الأثير: الدرع: الزَّرَدِيَّة (¬1). والدرع مؤنثة (الحطمية) بضم الحاء وفتح الطاء المهملتين بعدها ميم مفتوحة وياء مشددة، وكذا ضبطه المنذري فلينظر في فتح الميم، وهي التي تحطم السيوف أي: تكسرها، ومنه سميت النار الحطمة؛ لأنها تحطم كل شيء أي تكسره، وقيل: الحطمية هي العريضة الثقيلة وهي منسوبة إلى بطن من عبد القيس، يقال لهم حطمة بن محارب، كانوا يعملون الدروع، قال في "النهاية": وهذا أشبه الأقوال (¬2). [2126] (ثنا كثير بن عبيد الحمصي) أبو الحسن إمام الجامع المقرئ ثقة، له معرفة ورحلة (ثنا أبو حيوة) شريح بن يزيد الحضرمي الحمصي المقرئ والد حيوة بن شريح، ذكره ابن حبان في كتاب "الثقات" (¬3) (عن شعيب بن أبي حمزة) دينار القرشي المصري، قال (حدثني غيلان) بفتح الغين المعجمة (ابن أنس) الدمشقي، قال (حدثني محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان) بفتح المثلثة والد العامري مولاهم المدني (من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -) لا يضر جهالة الصحابي؛ لأنهم كلهم عدول (أن عليًّا - رضي الله عنه - لما تزوج فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يدخل بها، فمنعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الدخول حتى يعطيها شيئًا) اختلف الناس في الدخول قبل أن يعطي الرجل شيئًا من المهر، فكان ابن عمر يقول: لا يحل لمسلم أن يدخل على امرأته حتى يقدم إليها ما قل أو كثر. وروي عن ¬

_ (¬1) "جامع الأصول" 8/ 163، "النهاية" لابن الأثير 2/ 114. (¬2) "النهاية" (حطم). (¬3) "ثقات ابن حبان" (13630).

ابن عباس الكراهة في ذلك، وذلك عن قتادة والزهري، وقال مالك: لا يدخل حتى يقدم شيئًا من صداقها أدناه ربع دينار أو ثلاثة دراهم سواء فرض لها أو لم يكن فرض (¬1). وكان الشافعي يقول في القديم: إن لم يسم لها مهرًا كرهت أن يطأها قبل أن يسم ويعطها شيئًا. ورخص في ذلك سعيد بن المسيب والحسن البصري والنخعي وأحمد والشافعي (¬2). (فأعطاها درعه) فيه دليل على جواز بيع السلاح المعد للجهاد وإجارته ورهنه عند المسلم والذمي إذا دعت الحاجة إلى ذلك. قال ابن عبد البر: اختلف في مهره لفاطمة، ففي هذين الحديثين مهرها درعه الحديد، وأنه لم يكن عنده في ذلك الوقت غيره، وقيل: إنه تزوجها على أربعمائة وثمانين، فولدت له حسن وحسين ومحسنًا، مات صغيرًا وأم كلثوم وزينب، وماتت فاطمة بعد أبيها بثلاثة أشهر (¬3). [2127] (ثنا كثير بن عبيد) الحمصي (ثنا أبو حيوة) شريح بن يزيد الحضرمي (عن شعيب) بن أبي حمزة (عن غيلان) بن أنس (عن عكرمة، عن ابن عباس مثله) فصرح فيه كثير بالتحديث عن أبي حيوة. [2128] (ثنا محمد بن الصباح البزاز) بزاءين معجمتين، تقدم (ثنا شريك، عن منصور) بن المعتمر (عن طلحة) بن مصرف (عن خيثمة) ابن عبد الرحمن (عن عائشة قالت: أمرني أن أدخل امرأة على زوجها قبل أن يعطيها شيئًا) لفظ ابن ماجه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرها أن تدخل ¬

_ (¬1) انظر "المدونة" 2/ 152، و"الاستذكار" 16/ 85. (¬2) "شرح السنة" للبغوي 9/ 127، و"معالم السنن" 3/ 58. (¬3) "الاستيعاب" (3411).

على رجل امرأته قبل أن يعطيها شيئًا. والجمع بين هذا الحديث والذي قبله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خص عليًّا - رضي الله عنه - بالأفضل والأولى، لما يعلم منه من كرم شمائله، وأمر عائشة أن تدخل المرأة على زوجها على أن يعطيها شيئًا ليبين جواز الدخول من غير عطية. [2129] (ثنا محمد بن معمر) بن ربعي القيسي المعروف بالبحراني (ثنا محمد بن بكر) بن عثمان (البرساني) وبرسان بضم الموحدة وتخفيف السين المهملة من الأزد (أنا) عبد الملك (بن جريج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده) تقدم مرات (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أيما امرأة نكحت) بضم النون وكسر الكاف (¬1)، ولفظ ابن ماجه: "ما كان من صداق" (¬2) (على صداق أو حباء) بكسر الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة مع المد أصله العطية، وهو المسمى عند العرب بالحلوان، وقيل: هو عطية خاصة، وهو محمولٌ هنا على ما يشترطه الولي بنفسه سوى المهر، وللعلماء فيه خلاف كما سيأتي (أو عدة) ظاهره أنه يلزمه الوفاء بالوعد من يقول به، ولفظ ابن ماجه: "أو هبة" (¬3). بدل العدة. (قبل عصمة النكاح) أي: قبل عقد النكاح، وجمع عصمة عصم كما قال الله تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} (¬4)، يعني: لا تعتد بامرأتك الكافرة التي بمكة فقد انقطعت عصمة الزوجية بينكما، والعصمة النكاح الذي بينهما، والاعتصام الامتساك بالشيء افتعال منه (فهو لها) ¬

_ (¬1) في (ر): الحاء. والمثبت الصواب. (¬2) و (¬3) "سنن ابن ماجه" (1955). (¬4) الممتحنة: 10.

مختص به دون أبيها؛ لأنه وهب لها قبل العقد الذي شرط فيه لأبيها ما شرط، فليس لأبيها حق فيه إلا برضاها. (وما كان) من ذلك (بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه) أي: وما شرط من هبة أو عدة أو نحوهما مع عقد النكاح فهو ثابت لمن أعطته أو حبته، لكن يرجح تعين الأب قوله بعده: (وأحق ما أكرم) بضم الهمزة وكسر الراء (عليه) أي: لأجله (الرجل) فعلى للتعليل، كقوله تعالى {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} (¬1) أي: لأجل هدايته إياكم، قال القرطبي: أحق ما أكرم عليه استئناف كلام يقتضي الحض على إكرام الولي تطييبًا لنفسه (¬2). استدل (. . .) (¬3) مالك على أن المنكح إذا (. . .) (¬4) غير الصداق (. . .) (¬5) في حال العقد فهو للمرأة (. . .) (¬6) وقال (. . .) (¬7) شرط الولي غير المميز فهو للأب لا لغيره من الأولياء (. . .) (¬8) وعن مسروق: أنه زوج ابنته واشترط لنفسه عشرة (. . .) (¬9) بلادنا من الفلاحين (ابنته) بالرفع خبر المبتدأ الذي هو أحق، ويجوز النصب على حذف كان، التقدير: أحق ما كرم لأجله الرجل إذا كانت ابنته. استدل به على ما ذهب إليه الإمام أحمد أنه يجوز لأب المرأة أن يشترط من صداق ابنته لنفسه شيئًا غير المبين لابنته؛ لأن يد الأب ¬

_ (¬1) البقرة: 185. (¬2) "المفهم" 4/ 113. (¬3) و (¬4) و (¬5) و (¬6) و (¬7) بياض بالأصل قدر بضع كلمات. (¬8) بياض بالأصل قدر ثلاث كلمات. (¬9) بياض بالأصل قدر ثلاث كلمات. وفي "شرح السنة" 9/ 128: عشرة آلاف درهم يجعلها في الحج والمساكين. وسيأتي قريبًا.

مبسوطة في مال الولد، فهو أحق ما أكرم من جهة ابنته، وبهذا قال إسحاق بن راهويه (¬1). وقد روي عن زين العابدين أنه زوج ابنته واشترط لنفسه شيئًا، وروي عن مسروق أنه لما زوج ابنته اشترط لنفسه عشرة آلاف درهم يجعلها في الحج والمساكين (¬2)، وقال للزوج: جهز امرأتك. وقال عطاء وطاوس وعكرمة وعمر بن عبد العزيز وسفيان الثوري ومالك في الرجل ينكح المرأة على أن لأبيها شيئًا اتفقا عليه سوى المهر أن ذلك كله للمرأة دون الأب (¬3). قال أصحابنا: ولو نكح بألف على أن لأبيها أو أن يعطي أباها ألفًا فالمذهب فساد الصداق المسمى ووجوب مهر المثل؛ لأنه نقص من صداقها لأجل هذا الشرط الفاسد، والمهر لا يجب إلا للزوجة؛ لأنه عوض بضعها (¬4). وحكى الرافعي الخلاف فيما لو نكحها على ألف وعلى أن يعطي أباها ألفًا، وعلل الصحة فيها بأن المشروط الإعطاء على الألف الأولى فيشعر بأن الصداق الفان والزوج نائب عنها في الدفع (¬5) (أو أخته) ظاهر العطف أن الحكم المذكور لا يختص بالأب في كل ولي في معنى الأب، ولم أر من قال به. ¬

_ (¬1) "مسائل أحمد وإسحاق رواية الكوسج" (895). (¬2) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (16723). (¬3) "معالم السنن" 3/ 216. (¬4) "نهاية المطلب" 13/ 142. (¬5) "الشرح الكبير" للرافعي 8/ 255. وإسناده ضعيف لعنعنة ابن جريج وهو مدلس. وانظر "ضعيف سنن أبي داود" (367).

37 - باب ما يقال للمتزوج

37 - باب ما يُقالُ لِلْمُتَزَوِّجِ 2130 - حَدَّثَنا قُتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ - يَعْني ابن مُحَمَّدٍ - عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُريْرَةَ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا رَفَّأَ الإِنْسانَ إِذَا تَزَوَّجَ قَالَ: "بارَكَ اللهُ لَكَ وَبارَكَ عَليْكَ وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ" (¬1). * * * باب ما يقال للمتزوج [2130] (ثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي (ثنا عبد العزيز بن محمد) الدراوردي (عن سهيل) بالتصغير، ابن أبي صالح (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان (عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رفأ) روي بالهمز وعدم الهمز؛ فإن أصله من قولهم: رفأت الإبل رفأ مع فتح الفاء والراء، أي: دعا له عند الزواج، ورفوته رفوًا، وفي الحديث النهي عن أن يقال للمتزوج: بالرفاء والبنين (¬2). والرفاء بالمد الالتمام والاتفاق والنماء والبركة، وإنما وردت كراهته؛ لأنه كان من عادتهم فنهي عنه، وسن الدعاء بالبركة، وقيل: الرفاء معناه التسكين والطمأنينة من قولهم: رفوت الرجل إذا سكنت ما به من روع؛ فيكون ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1091) وقال: حسن صحيح، وابن ماجه (1905)، وأحمد 2/ 381، والدارمي (2174)، والنسائي في "الكبرى" (10089)، وصححه ابن حبان (4052)، وقال الحاكم في "المستدرك" 2/ 183: صحيح على شرط مسلم. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1850). (¬2) أخرجه النسائي 6/ 128، وابن ماجه (1906)، وأحمد 1/ 614 من طريق عقيل بن أبي طالب. وصححه الألباني بمجموع طرقه في "آداب الزفاف" (35).

أصله بغير همز، قال المنذري: وروي: رفح بالحاء المهملة بدل الهمزة، وقال بعضهم: رقح بالقاف المشددة، والترقيح: إصلاح المعيشة (¬1). (الإنسان إذا تزوج) وعقد عقده، وكذا إذا أدخلت عليه امرأته ليلة الزفاف (قال) وروى الطبراني في "معجمه" الحديث، وفي أوله: فيصليان ركعتين (¬2). ثم يقول: (بارك الله لك) في أهلك (وبارك) لأهلك (عليك) فإن على التي للاستعلاء إشارة إلى أن الله ينزل عليه البركة فهو أبلغ مما قبله (وجمع بينكما في خير) وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا تزوج أحدكم ثم دخل على أهله فليضع يده على رأسها وليقل: اللهم بارك لي في أهلي، وبارك لأهلي في، واجمع بيننا ما جمعت في خير، وإذا فرقت ففرق على خير" (¬3). قال الشيخ أبو محمود في "المصباح" [في الجمع] (¬4) بين الأذكار والسلاح رويناه في النفقات بإسناد صحيح. ¬

_ (¬1) انظر "النهاية" (رفح). ولم يذكر ابن الأثير أنه نقل هذا الكلام عن المنذري. (¬2) "المعجم الأوسط" (4018). (¬3) أخرجه عبد الرزاق (10460)، والطبراني في "المعجم الكبير" (8993). (¬4) ساقطة من النسخ.

38 - باب في الرجل يتزوج المرأة فيجدها حبلى.

38 - باب في الرَّجُلِ يتَزَوَّجُ المَرْأَةَ فيَجِدُهَا حُبْلَى. 2131 - حَدَّثَنا مَخْلَدُ بْنُ خالِدٍ والحَسَنُ بْنُ عَليٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّريِّ - المَعْنَى - قَالُوا: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ أَخْبَرَنا ابن جُريْجٍ عَنْ صَفْوانَ بْنِ سُليْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسيَّبِ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصارِ - قَالَ ابن أَبِي السَّريِّ مِنْ أَصْحابِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يَقُلْ مِنَ الأَنْصارِ ثُمَّ اتَّفَقُوا - يُقالُ لَهُ بَصْرَةُ قَالَ تَزَوَّجْت امْرَأَةً بِكْرًا في سِتْرِها فَدَخَلْتُ عَليْها فَإِذا هيَ حُبْلَى فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَهَا الصَّداقُ بِما اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا والوَلَدُ عَبْدٌ لَكَ فَإِذا وَلَدَتْ". قَالَ الحَسَنُ: "فاجْلِدْها". وقَالَ ابن أَبي السَّريِّ: "فاجْلِدُوها". أَوْ قَالَ: "فَحُدُّوها". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوى هذا الحَدِيثَ قَتادَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابن المُسيَّبِ وَرَواهُ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِيرٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ نُعَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسيَّبِ وَعَطَاءُ الخُراسَانِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسيَّبِ أَرْسَلُوهُ كُلُّهُمْ. وَفي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ بَصْرَةَ بْنَ أَكْثَمَ نَكَحَ امْرَأَةً وَكُلُّهُمْ قَالَ في حَدِيثِهِ جَعَلَ الوَلَدَ عَبْدًا لَهُ (¬1). 2132 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا عَليٌّ - يَعْنِي: ابن المُبارَكِ - عَنْ يَحْيَى عَنْ يَزِيدَ بْنِ نُعيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسيَّبِ أَنَّ رَجُلًا يُقالُ لَهُ بَصْرَةُ بْنُ أَكْثَمَ نَكَحَ امْرَأَةً فَذَكَرَ مَعْنَاهُ. وَزَادَ وَفَرَّقَ بيْنَهُمَا. وَحَدِيثُ ابن جُريْجٍ أَتَمُّ (¬2). * * * ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق 6/ 249 (10704، 10705)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2212)، والطبراني 2/ 48 (1243)، والدارقطني 3/ 250 - 251، والحاكم 2/ 183، 3/ 593، والبيهقي 7/ 157. وانظر ما بعده. وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (368). (¬2) أورده ابن أبي حاتم في "العلل" (1259)، وقال: حديث مرسل. وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (369)، قال: هذا مرسل، وهو الصحيح كما تقدم، وحديث ابن جريج هو الموصول الذي قبله، وهو ضعيف جدًا.

باب في الرجل يزَّوَّج المرأة فيجدها حبلى [2131] (ثنا مخلد بن خالد) الشعيري، أبو محمد العسقلاني، نزيل طرسوس شيخ مسلم (والحسن بن علي، ومحمد بن أبي السري) (¬1) (. . .) (¬2) (المعنى قالوا) الثلاثة (ثنا عبد الرزاق، أنا) عبد الملك (بن جريج، عن صفوان بن سليم) المدني، ذكر أنه صلى على جنازة فقال: أما هذا فقد انقطعت عنه أعماله واحتاج إلى دعاء من خلف بعده، فبكى وأبكى القوم (¬3). (عن سعيد بن المسيب، عن رجل من الأنصار، قال) محمد بن السري (¬4) في روايته: يعني (من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يقل: من الأنصار. ثم اتفقوا) على أنه (يقال له: بصرة) بضم الباء الموحدة وسكون الصاد المهملة بعدها راء، وقيل: نضرة بفتح النون وسكون الضاد المعجمة، وقيل فيه: نضلة بفتح النون وسكون الضاد المعجمة بعدها لام، وقيل: بسرة بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة، وقيل: هو نضلة بن أكثم الخزاعي، والصواب الأول، ليس له إلا هذا الحديث الواحد. (قال: تزوجت امرأة بكرًا في سترها) بكسر السين وسكون المثناة فوق، لعل المراد به الخدر وهو يطلق على البيت إن كان فيه امرأة ¬

_ (¬1) تحرفت إلى: السوائي. (¬2) بياض قدر كلمتين. (¬3) "تاريخ دمشق" 24/ 133. (¬4) تحرفت إلى: السوائي.

وإلا فلا (فدخلت عليها) فيه الكناية عن الألفاظ المستقبحة (فإذا هي حبلى، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لها) عليك (الصداق بما استحللت) أي: تحللت (من) الانتفاع بـ (فرجها) وهو الوطء، والاستحلال هو الفعل في غير موضع الحل، كقوله - عليه السلام -: "ما آمن بالقرآن من استحل محارمه" (¬1). ولهذا فرق بينهما، كما سيأتي، وللزوجة الصداق كاملًا؛ لأنه وطء شبهة، وهذا مما لا خلاف فيه. (والولد عبد لك) قال الخطابي: لا أعلم أحدًا من الفقهاء قال بهذا، ولا أعلم أن أحدًا من العلماء اختلف في أن ولد الزنا حر إذا كان من حرة، فكيف يستعبده؟ قال: ويشبه أن يكون معناه: إن ثبت هذا الحديث - أنه - صلى الله عليه وسلم - أوصاه بهذا الولد خيرًا وأمره باصطناعه وتربيته واقتنائه لينتفع بخدمته إذا بلغ فيكون كالعبد له في الطاعة مكافأة له على إحسانه وجزاء معروفه. قال: وفيه حجة - إن ثبت - لمن رأى أن الحمل من الفجور يمنع عقد النكاح، وهو قول سفيان الثوري وأبي يوسف وأحمد وإسحاق. وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن: النكاح جائز، وهو قول الشافعي، والوطء على مذهبه مكروه ولا عدة عليها في قول أبي يوسف، وكذلك عند الشافعي، قال: ويشبه أن يكون إنما جعل لها صداق المثل دون المسمى للرواية الآتية أنه فرق بينهما، ولو كان النكاح صحيحًا لم يجز التفريق؛ لأن حدوث الزنا بالمنكوحة لا يفسخ النكاح ولا يوجب للزوج الخيار، وقد يحتمل أن يكون هذا الحديث ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2918) وقال: إسناده ليس بالقوي.

- إن كان له أصل - أن يكون منسوخًا، والله أعلم (¬1). (فإذا ولدت) الولد (قال الحسن) بن علي (فاجلدوها) بكسر اللام (وقال) محمد (بن أبي السري) في روايته (فاجلدوها، أو قال: فحدوها) وهو بمعنى: فاجلدوها، يعني: مائة جلدة، وتغريب؛ لأن حالة الزنا لم تكن محصنة. (قال المصنف: روى هذا الحديث قتادة، عن سعيد بن يزيد، عن سعيد بن المسيب) قال (ورواه يحيى بن أبي كثير، عن يزيد بن نعيم) ابن هزال الأسلمي، أخرج له مسلم في البيوع (¬2). (عن سعيد بن المسيب وعطاء الخراساني، عن سعيد بن المسيب، وأرسلوه) وعن الشافعي: إنَّ مراسيل ابن المسيب فتشت فوجدت كلها مسانيد (¬3). (وفي حديث يحيى بن أبي كثير) عن سعيد بن المسيب (أن نضرة) بفتح النون وإسكان الضاد المعجمة (ابن أكثم) الخزاعي الأنصاري (نكح امرأة) بكرًا في سترها كما تقدم (وكلهم قال في حديثه: وجعل الولد عبدًا له) أي جعله بكثرة الإحسان إليه كالعبد؛ لأن من أحسن إليك فقد استعبدك. [2132] (ثنا محمد بن المثنى، ثنا عثمان بن عمر بن فارس) العبدي (ثنا علي) بن المبارك الهنائي. ¬

_ (¬1) "معالم السنن" المطبوع مع "مختصر سنن أبي داود" 3/ 60 - 62. (¬2) رواه مسلم (1536/ 103). (¬3) "المجموع" 11/ 201، و"الحاوي الكبير" 5/ 158، 16/ 93.

(عن يحيى) بن أبي كثير (عن يزيد بن نعيم، عن سعيد بن المسيب - رضي الله عنه -: أن رجلًا يقال له: نضرة) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة الخزاعي (نكح امرأة) فولدت لأربعة أشهر فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لها الصداق (فذكر معناه) و (زاد) في هذِه الرواية: (وفرق بينهما) لأن النكاح باطل، ولو كان صحيحًا لم يفرق بينهما. قال المصنف: (وحديث) عبد الملك (بن جريج أتم) من حديث يزيد بن نعيم.

39 - باب في القسم بين النساء.

39 - باب في القَسْمِ بيْنَ النِّساءِ. 2133 - حَدَّثَنا أَبُو الوَلِيدِ الطّيالِسيُّ، حَدَّثَنا هَمَّامٌ، حَدَّثَنا قَتادَةُ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُريْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتانِ فَمالَ إِلَى إِحْداهُما جاءَ يَوْمَ القِيامَةِ وَشِقُّهُ مائِلٌ" (¬1). 2134 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمَّادُ عَنْ أيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ الخَطْميِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْسِمُ فيَعْدِلُ ويَقُولُ: "اللَّهُمَّ هذا قَسْمي فِيما أَمْلِكُ فَلا تَلُمْني فِيما تَمْلِكُ وَلا أَمْلِكُ". يَعْني القَلْبَ (¬2). 2135 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ - يَعْني ابن أَبي الزِّنادِ - عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَتْ: عَائِشَةُ يا ابن أُخْتِي كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَا يُفَضِّلُ بَعْضَنا عَلَى بَعْضٍ في القَسْمِ مِنْ مُكْثِهِ عِنْدَنا وَكَانَ قَلَّ يَوْمٌ إِلَّا وَهُوَ يَطُوفُ عَليْنا جَمِيعًا فيَدْنُو مِنْ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ غيْرِ مَسِيسٍ حَتَّى يَبْلُغَ إِلَى التي هُوَ يَوْمُها فيَبِيتُ عِنْدَها وَلْقَدْ قَالَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ حِينَ أَسَنَّتْ وَفَرِقَتْ أَنْ يُفَارِقَها رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: يا رَسُولَ اللهِ يَوْمي لِعَائِشَةَ. فَقَبِلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْها قَالَتْ: نَقُول في ذَلِكَ: أَنْزَلَ اللهُ تَعالَى وَفي أَشْباهِهَا - أُراهُ قَالَ - {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا} (¬3). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1141)، والنسائي 7/ 63، وابن ماجه (1969)، وأحمد 2/ 295، 347، 471، وابن حبان (4207). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1851). (¬2) رواه الترمذي (1140)، والنسائي 7/ 63، وابن ماجه (1971)، وأحمد 6/ 144، وابن حبان (4205). وانظر ما بعده. وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (370). (¬3) رواه أحمد 6/ 107، والطبراني 24/ 31 (81)، والحاكم 2/ 186، والبيهقي 7/ 74 - 75. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (1852): إسناده حسن صحيح.

2136 - حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى - المَعْنَى - قالا: حَدَّثَنا عَبّادُ بْنُ عَبَّادٍ عَنْ عاصِمٍ عَنْ مُعاذَةَ، عَن عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَأْذِنُنَا إِذَا كَانَ في يَوْمِ المَرْأَةِ مِنّا بَعْدَ ما نَزَلَتْ {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} قَالَتْ مُعاذَةُ: فَقُلْتُ لَها: ما كُنْتِ تَقولِينَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: كُنْتُ أَقُولُ إِنْ كَانَ ذَلِكَ إِلَى لَمْ أُوْثِرْ أَحَدًا عَلَى نَفْسي (¬1). 2137 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا مَرْحُومُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ العَطَّارُ حَدَّثَني أَبُو عِمْرانَ الجَوْنيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ بابَنُوسَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ إِلَى النِّساءِ - تَعْني في مَرَضِهِ - فاجْتَمَعْنَ فَقَالَ: "إِنِّي لا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَدُورَ بيْنَكُنَّ فَإِنْ رَأيْتُنَّ أَنْ تَأْذَنَّ ليَ فَأَكُونَ عِنْدَ عَائِشَةَ فَعَلْتُنَّ". فَأَذِنَّ لَهُ (¬2). 2138 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابن شِهابٍ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبيْرِ حَدَّثَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: كَانَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَرادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بيْنَ نِسَائِهِ فَأيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُها خَرَجَ بِها مَعَهُ وَكَانَ يَقْسِمُ لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهنَّ يَوْمَها وَليْلَتَها غيْرَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَها لِعائِشَةَ (¬3). * * * باب في القسم بين النساء [2133] (ثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك (الطيالسي، ثنا همام، ثنا قتادة، عن النضر بن أنس) بن مالك (عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4789)، ومسلم (1476). (¬2) رواه البخاري (198، 665، 2588، 3099، 4442، 4450، 5217، 5714)، ومسلم (418). (¬3) رواه البخاري (2593، 2661، 2688، 2879، 4141، 4750، 5211)، ومسلم (2445، 2770).

- رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما) أكثر، لفظ الترمذي والحاكم: "فلم يعدل بينهما" (¬1) (جاء يوم) بالنصب (القيامة وشقه) بكسر الشين، أي: نصفه (مائل) لفظ الترمذي والحاكم: "ساقط". ولفظ النسائي: "من كانت له امرأتان يميل إلى إحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة أحد شقيه مائل" (¬2). احتج به على أنه يجب على الزوج أن يساوي بين زوجاته في القسم؛ لقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (¬3)، قال ابن زيد: بتقوى الله تعالى، ومع الميل إلى إحداهن ليس بمعروف، ومن بات عند امرأة من نسائه وجب عليه المبيت عند من بقي دون تخصص، فإن خصص عصى، ويجب عليه أن لا يبتدئ بواحدة إلا بقرعة؛ لأن البدأة لها بغير قرعة تفضيل لها على غيرها والتسوية بينهن واجبة، فإن كانتا اثنتين كفاه قرعة واحدة، ويصير في الليلة الثانية إلى الثانية دون قرعة، لأن حقها تعين، وإن كن ثلاثًا أقرع في الليلة الثانية للبدأة بأحد الباقيتين. [2134] (ثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (ثنا حماد) بن سلمة (عن أيوب، عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي (عن عبد الله بن يزيد الخطمي) نسبة إلى بطن من الأنصار وهو بنو خطمة بن حكيم بن مالك ¬

_ (¬1) سنن الترمذي (1141)، و"المستدرك" 2/ 187، وأخرجه الترمذي كما ذكر، والنسائي 7/ 63، وابن ماجه (1969). وأحمد 2/ 295 والدارمي (2252) من طريق همام به. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (6850). (¬2) "المجتبى" 7/ 63. (¬3) النساء: 19.

بن الأوس (عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقسم) بفتح أوله، زاد الترمذي: "بين نسائه" (¬1) (فيعدل) بينهن من العطاء والتسوية في الليالي (ويقول: اللهم هذا قسمي) بفتح القاف أي: قسمتي، وللترمذي: "اللهم هذِه قسمتي" (¬2) (فيما أملك) يعني: العطاء والتسوية بينهن (فلا تلمني) وفي رواية: "ولا طاقة لي" (فيما تملك ولا أملك. يعني) حب (القلب) فقد كانت عائشة أحب نسائه إليه يعرفن ذلك، قال تعالى: {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} (¬3)، قال الشافعي: فإذا مال بالقول والفعل فذلك كل الميل (¬4). [2135] (ثنا أحمد بن) عبد الله بن (يونس) اليربوعي (ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان مولى قريش، قال موسى بن سلمة: قلت لمالك: عمن أكتب؟ فقال: عليك بابن أبي الزناد (عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير (قال: قالت عائشة: يا ابن أختي) أسماء بنت أبي بكر (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يفضل بعضًا) أي: بعض نسائه (على بعض في القسم) يعني: في القسمة بينهن، بل يعدل، ومن (¬5) يعدل إذا لم يعدل ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1140) كما تقدم، والنسائي 7/ 63، وابن ماجه (1971)، وأحمد 6/ 144، والدارمي (2213) من طريق حماد بن سلمة به. وقال الترمذي: رواه حماد بن زيد مرسلًا وهو أصح من حديث حماد بن سلمة وراجع "ضعيف أبي داود" (370). (¬2) "سنن الترمذي" (114)، وضعفه الألباني (370). (¬3) النساء: 129. (¬4) "الأم" 5/ 279. (¬5) بعدها في الأصل: لم.

أشرف الخلق - صلى الله عليه وسلم - ويساوي (من مكثه) مثلث الميم، وفي "المطلب" لغة رابعة وهي فتح الميم والكاف أي: إقامته (عندنا) فلا يجوز التفضيل في قدر مكثه عند إحداهن على غيرها، وإن اختصت الواحدة بصفات شريفة كإسلام ونسب ودين ونحوها؛ لأن القسم شرع للعدل واجتناب التفضيل المؤدي إلى الوحشة، لكن يمكث عند الحرة مثل الأمة. (وكان قل) أن يمضي (يوم إلا وهو يطوف علينا) أي: على نسائه (فيدنو من كل امرأة) من التسع (من غير مسيس) المس والمسيس أصله المس باليد دون حائل، ثم استعير للجماع، ولأحمد: كان يطوف علينا فيقبِّل (¬1) ويلمس (¬2) (حتى يبلغ إلى) المرأة (التي هو يومها) وفي نوبتها (فيبيت عندها) ولكنه - صلى الله عليه وسلم - لحسن عدله بين النساء وقوته على الجماع كان إذا تاقت نفسه إلى واحدة من النساء في غير نوبتها فجامعها، طاف في يومه أو ليلته على سائر نسائه، وللبخاري: كان يطوف على نسائه في ليلة واحدة، وله تسع نسوة (¬3). (و) الله (لقد قالت سودة بنت زمعة) بن قيس بن عبد شمس (حين أسنت) وكبرت (وفرقت) بكسر الراء، أي: خافت، يقال: فرق يفرق فرقًا كبعث يبعث بعثًا، ويتعدى بالهمزة فيقال: أفرقته (أن يفارقها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وللبيهقي عن عروة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلق سودة فلما ¬

_ (¬1) لفظ أحمد في "المسند": فيدنوا. أما رواية: "فيقبل ويلمس" فعند الدارقطني (3735)، والحاكم 1/ 135 والبيهقي 1/ 123. (¬2) "مسند أحمد" 6/ 107. (¬3) "صحيح البخاري" (5068).

خرج إلى الصلاة أمسكت بثوبه فقالت: والله ما لي في الرجال من حاجة، ولكني أحب أن أحشر في أزواجك. قال: فردها (¬1). (يا رسول الله) وهبت (يومي لعائشة) وللشافعي عن هشام بن عروة، عن أبيه أن سودة وهبت يومها لعائشة (¬2). وفي الصحيحين أن سودة وهبت يومها لعائشة، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقسم لعائشة يومها ويوم سودة (¬3). وهذِه الهبة ليست بلازمة، فلها الرجوع متى شاءت (فقبل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها) وهذا القبول ليس بلازم للزوج؛ لأنها بإسقاط حقها لا تملك إسقاط حقه من الاستمتاع بها، وأفهم اقتصاره في الحديث على قبوله أنه لا عبرة برضا عائشة الموهوبة ولا عدمه، بل يكفي قبول الزوج وهو المشهور، وليس لنا تقبل الهبة فيها غير الموهوب له إلا هذِه، وقيل: يشترط رضا الموهوبة للمنة عليها، وبه أجاب المتولي، وإذا وهبت ليلتها لمعينة بات عندها ليلتيهما؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقسم لعائشة يومها ويوم سودة، وقيل: يوالي بين الليلتين؛ لأنه أسهل عليه (قالت) عائشة: كنا (نقول) و (في ذلك) بكسر كاف التأنيث (أنزل الله وفي أشباهها من النساء أراه) بضم الهمزة، أي: أظنه (قال: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ}) (¬4) أي: توقعت، قال القرطبي: وقول من قال: معنى خافت ¬

_ (¬1) "السنن الكبرى" 8/ 75. (¬2) "الأم" 5/ 158. (¬3) "صحيح البخاري" (5212)، و"صحيح مسلم" (1463) (47). (¬4) النساء: 128، وأخرجه البيهقي في "الكبرى" 7/ 74 من طريق المصنف. وصححه الحاكم في "المستدرك" 2/ 186. وحسن سنده الألباني في "صحيح أبي داود" (1852).

تيقنت، فهو خطأ ({مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا}) قال الزجاج: المعنى: خافت من بعلها دوام النشوز، قال النحاس: الفرق بين النشوز والإعراض أن النشوز هو التباعد، والإعراض أن لا يكلمها ولا يأنس بها (¬1). [2136] (ثنا يحيى بن معين) بفتح الميم أبو زكريا المري شيخ الشيخين (ومحمد بن عيسى) بن نجيح البغدادي ابن الطباع، روى عنه البخاري تعليقًا (¬2) (المعنى، قالا: ثنا عباد بن عباد) بن حبيب المهلبي. (عن عاصم) الأحول (عن معاذة) العدوية أم الصهباء (عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستأذننا) (¬3) لفظ البخاري: يستأذن في يوم المرأة منا (¬4). أي: يستأذن المرأة في اليوم الذي هو نوبتها (إذا كان في يوم المرأة منا) والمراد باليوم مع ليلته، فإن اليوم يطلق ويراد به مع ليلته كما في الحيض، لكن اليوم قبل الليلة أم بعده؟ وجهان للعراقيين، والأول أولى، بل في "المهذب" تعينه (¬5). (بعدما نزلت) هذِه الآية ({تُرْجِي}) (¬6) أي: تؤخر ({مَنْ تَشَاءُ}) تأخيرها ({مِنْهُنَّ}) أي: من نسائك فتتركها من غير قسم ولا طلاق ({وَتُؤْوِي}) أي: تضم إلى فراشك ({مَنْ تَشَاءُ}) من الإيواء، قال ابن عباس: تطلق من تشاء وتمسك من تشاء، وأراد تطليق سودة حين همَّ ¬

_ (¬1) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" 5/ 403. (¬2) البخاري (1769، 6072). (¬3) تحرفت إلى: ليستأذننا. (¬4) "صحيح البخاري" (4789). (¬5) "المهذب" 2/ 483. (¬6) الأحزاب: 51.

بطلاقها، فوهبت نوبتها لعائشة فبقاها، وقال مجاهد: تعزل من تشاء بغير طلاق وتضم إليك من تشاء، فكان ممن آوى إليه عائشة وحفصة وأم سلمة، وأرجأ سودة وجويرية وصفية وميمونة وأم حبيبة، وكان يقسم لهن ما شاء، قال القرطبي: توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد آوى جميعهن إلا صفية، قال: وهذا يدل على أن القسم لم يكن عليه واجبًا (¬1). (قالت معاذة: فقلت لها) أي: لعائشة (ما) استفهامية (كنت تقولين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ) إذا استأذنك (قالت: كنت أقول) له (إن كان ذلك الأمر إليَّ لم أوثر) بنصيبي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أحدًا على نفسي) كما قال الغلام وهو ابن عباس حين استأذنه في شرب اللبن أن يعطي للأشياخ الذين عن يساره: لا أوثر بنصيبي منك أحدًا (¬2). وإنما استأذنها تألفًا لقلب عائشة، وإعلامه بوده لها، فقالت: لا أوثر أحدًا؛ لأن في إيثارها تفويت فضيلة أخروية ومصلحة دينية بما كانت تأخذ عنه في اجتماعها به من الأحكام الشرعية، ولما يحصل لها من التملي بمشاهدته، والمزية العظيمة باجتماعها به، وقد نص أصحابنا وغيرهم على أنه لا يؤثر في القرب، وإنما الإيثار المحبوب ما كان من حظوظ النفس دون الطاعات، كما قالوا: يكره أن يؤثر غيره بنصيبه من الصف الأول، وكذا نظائره. [2137] (ثنا مسدد، ثنا مرحوم بن عبد العزيز) بن مهران (العطار) البصري، مولى آل معاوية الأموي، قال (حدثني أبو عمران) عبد الملك ¬

_ (¬1) "المفهم" 4/ 210. (¬2) أخرجه البخاري (2451)، ومسلم (2030) (127) من حديث سهل بن سعد.

ابن حبيب (الجوني) بفتح الجيم نسبة إلى جون، بطن من الأزد، وهو جون بن عوف بن خزيمة، التابعي المشهور. (عن يزيد بن بابنوس) بفتح الباء الموحدة وبعد الألف مفتوحة أيضًا، وضم النون وبعد الواو سين مهملة، قال الدارقطني: لا بأس به (¬1)، وقال البخاري: إنه سمع من عائشة، وأنه من الشيعة الذين قاتلوا عليًّا - رضي الله عنه - (¬2). (عن عائشة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث إلى النساء) أي: نسائه، وعلامة "ال" العهدية؛ إذ يسد الضمير مسدها مع مصحوبها (تعني: في مرضه) الذي توفي فيه (فاجتمعن) عنده في بيت ميمونة، وذلك في أواخر صفر أول ربيع الأول (فقال: إني لا أستطيع أن أدور بينكن) لما حدث لي من الوجع (فإن رأيتن أن تأذن لي) أن أمرَّض في بيت عائشة (فأكون عند عائشة فعلتن فأذن له) فيه دليل على أن الزوج إذا شق عليه ولم يستطع أن يدور على نسائه استأذن أزواجه في أن يكون عند إحداهن كما فعل - صلى الله عليه وسلم -، فإن لم يؤذن له أقام عند إحداهن بالقرعة أو اعتزلهن جميعًا إن أحب، ومفهوم قوله: لا أستطيع أن أدور. أن المريض إذا استطاع الدور عليهن وجب عليه القسم بينهن؛ لأن المقصود من القسم الأنس، وذلك يحصل بالمريض إن استطاع، ويدل عليه ما في "صحيح البخاري" عن عائشة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما كان في مرضه جعل يدور في نسائه ويقول: "أين أنا غدًا؟ أين أنا غدًا؟ " (¬3). ¬

_ (¬1) "سؤالات البرقاني" (559). (¬2) "التاريخ الكبير" (3174). (¬3) "صحيح البخاري" (3774).

[2138] (ثنا أحمد بن عمرو بن السرح، ثنا ابن وهب، عن يونس، عن) محمد (بن شهاب) الزهري (أن عروة بن الزبير حدثه، أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد سفرًا) طويلًا، وكذا في القصير في الأصح، وأراد أن يستصحب بعضهن معه سواء كانت واحدة أو أكثر، ولا يشترط في السفر كونه مباحًا، لكن اشترط الغزالي كونه مرخصًا (¬1)، أي: مباحًا، وكذا صرح به القفال في "محاسن الشريعة"، وهو قضية تصريح الشافعي بأن ذلك رخصة، وصرح به الماوردي في سفر المعصية (¬2). (أقرع بين نسائه) لتعيين المخصوصة منهن بالسفر، هذا قول أكثر أهل العلم، وحكي عن مالك أن له ذلك من غير قرعة (¬3). وفيه إثبات القرعة في الشريعة والعمل بها في كل مكان يحصل التساوي فيه والقرعة تزيل التهمة (فأيتهن خرج سهمها) والأصل في السهم واحد السهام التي يضرب بها في الميسر هي القداح، ثم سمي به ما يفوز به الفاتح، وطريق القرعة أن يأخذ رقاعًا بعدد النساء ثم إن شاء كتب اسم النساء اللاتي يقرع عليهن ليخرج السهام عليهن، وإن شاء كتب الخروج في السفر في الرقعة أولى وفي ثانية ثانٍ وثالثة ثالث، فيخرج على الأسماء ثم يدرج الرقاع في بنادق مستوية ورقًا وشكلًا في طين أو شمع، ثم توضع البنادق في حجر من لم يحضر ¬

_ (¬1) انظر: "الوسيط" 5/ 300. (¬2) "الحاوي الكبير" 9/ 590. (¬3) انظر "المدونة" 2/ 189 - 190.

الكتابة والإدراج؛ لأن القصد سترها عن المخرج ولو (. . .) (¬1) بثوب حصل الغرض كما نص عليه الشافعي (¬2)، ثم إن كان كتب الرقاع (. . .) (¬3) القاسم المخرج أن يخرج رقعة رقعة على من يخرج أولًا، فمن خرج اسمه فيها (. . .) (¬4) ثم يخرج أخرى على التي تخرج بعدها فيعطي لمن يخرج اسمها، وهكذا البواقي، وإن كان كتب فيها الخروج إلى السفر أخرجت رقعة على اسم عائشة مثلًا، فإن خرج فيها أولًا خرجت عائشة أولًا، وإن خرج ثانيًا خرجت عائشة ثانيًا، وإن خرج ثالثًا خرجت عائشة ثالثًا، وكذا البواقي (خرج بها معه) سواء كان سفره في يومها أو يوم غيرها، نص عليه الشافعي في "الإملاء" (وكان يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها) ظاهره أن الليلة تابعة اليوم، والأرجح كما تقدم أن النهار تابع الليل؛ لقوله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} (¬5) (غير أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة) رضي الله عنها، كما تقدم. ¬

_ (¬1) بياض قدر خمس كلمات. ولعلها: غطى عليها. ليشاكل ما في "الأم". (¬2) "الأم" 9/ 285. (¬3) بياض قدر ثلاث كلمات. (¬4) بياض قدر ثلاث كلمات. (¬5) يس: 37.

40 - باب في الرجل يشترط لها دارها

40 - باب فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِطُ لَهَا دَارَهَا 2139 - حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ ما اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الفُرُوجَ" (¬1). * * * باب في الرجل يشترط لها دارها [2139] (ثنا عيسى بن حماد) المعروف بزغبة التجيبي البصري، أخرج له مسلم في الإيمان (¬2) ومواضع (أنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله اليزني المصري (عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: إن أحق الشروط) بالوفاء لفظ البخاري: "إن أحق ما أوفيتم من الشروط" (¬3). (أن توفوا به) قال الفارابي: يقال: أوفيته حقه، ووفيته إياه بالتثقيل (¬4). قال الشافعي وأكثر العلماء: هذا محمول على الشروط المباحة في النكاح، وهو ما لا ينافي مقتضى النكاح، بل يكون من مقتضياته ومقاصده كاشتراط المعاشرة بالمعروف والإنفاق عليها وكسوتها وسكناها، ووصية أن لا يقصر في شيء من حقوقها ويقسم لها كغيرها، وأنها لا تخرج من بيته إلا بإذنه ولا تنشز عليه، ولا ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2721، 5151)، ومسلم (1418). (¬2) "صحيح مسلم" (480). (¬3) "صحيح البخاري" (5151). (¬4) "المصباح المنير" مادة: وفى.

تصوم تطوعًا بغير إذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه، ولا تتصرف في متاعه إلا برضاه ونحو ذلك، فأما شرط يخالف مقتضى العقد كشرط أن لا يقسم أو لا يتسرى عليها ولا ينفق عليها أو لا يسافر بها، وأن يفرق بينها وبين ولدها الذي من غيره، وما أشبه ذلك، فلا يجب الوفاء به، بل النكاح صحيح والشرط باطل؛ لأنه لم يستحل به شيء من الفروج، ولقوله - عليه السلام -: "كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط" (¬1). وقال أحمد: يجب الوفاء بالشرط مطلقًا لحديث الباب: "أحق ما أوفيتم بالشروط" (¬2) (ما استحللتم) أي: ما حل فهو مما جاء فيه استفعل بمعنى فعل المجرد عن الزوائد كاسترجع بمعنى رجع، واستحيى بمعنى حيي (به) والمعنى: إن أحق الشروط بالوفاء شروط حل لكم بها وطء (الفروج) لأن الأبضاع أمرها أحوط وبابها ضيق. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (456)، ومسلم (1504) (8) من حديث عائشة رضي الله عنها وسيأتي عند أبي داود (3929) باب في بيع المكاتب. (¬2) "مسائل أحمد وإسحاق" رواية الكوسج (1061).

41 - باب في حق الزوج على المرأة

41 - باب فِي حَقِّ الزَّوْجِ عَلَى المَرْأَةِ 2140 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنا إِسْحاقُ بْن يُوسُفَ، عَنْ شَرِيكٍ عَنْ حُصَيْنٍ، عَنِ الشَّعْبيِّ، عَنْ قيْسِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: أَتيْتُ الحِيرَةَ فَرَأيْتُهُمْ يَسْجُدُونَ لَمِرْزُبانٍ لَهُمْ فَقُلْت: رَسُولُ اللهِ أَحَقُّ أَنْ يُسْجَدَ لَهُ. قَالَ: فَأَتيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: إِنِّي أَتيْتُ الحِيرَةَ فَرَأيْتُهُمْ يَسْجُدُونَ لِمَرْزُبانٍ لَهُمْ فَأَنْتَ يا رَسُولَ اللهِ أَحَقُّ أَنْ نَسْجُدَ لَكَ. قَالَ: "أَرَأيْتَ لَوْ مَرَرْتَ بِقَبْري أَكُنْتَ تَسْجُدُ لَهُ؟ ". قَالَ: قُلْتُ: لا. قَالَ: "فَلا تَفْعَلُوا لَوْ كنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرْتُ النِّساءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لِأَزْواجِهِنَّ لِمَا جَعَلَ اللهُ لَهُمْ عَليْهِنَّ مِنَ الحَقِّ" (¬1). 2141 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرّازيُّ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي حازِمٍ، عَنْ أَبِي هُريْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا دَعا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِراشِهِ فَأَبَتْ فَلَمْ تَأْتِهِ فَباتَ غَضْبانَ عَليْها لَعَنَتْها المَلائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ" (¬2). * * * باب في حق الزوج على المرأة [2140] (ثنا عمرو بن عون) الواسطي البزاز الحافظ، شيخ البخاري (أنا إسحاق بن يوسف) الأزرق الواسطي. (عن شريك) بن عبد الله القاضي، أخرج له مسلم في المتابعات. (عن حصين) بضم الحاء المهملة أيضًا، ابن عبد الرحمن السلمي ¬

_ (¬1) رواه الدارمي (1504)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2023)، والطبراني 18/ 351 (895)، وصححه الحاكم 2/ 187، والبيهقي 7/ 291. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1857)، قال: حديث صحيح، إلا جملة القبر. (¬2) رواه البخاري (3237، 5193)، ومسلم (1436).

الكوفي. (عن) عامر بن شراحيل (الشعبي، عن قيس بن سعد) الساعدي رضي الله عنهما (قال: أتيت الحيرة) بكسر المهملة وسكون المثناة تحت، بعدها راء مفتوحة وهاء تأنيث، البلد المشهور بظهر الكعبة، سكنها ملوك قحطان وغيرهم، وقد جاء ذكرها في حديث (¬1)، والحيرة أيضًا محلة بنيسابور، يحتمل أن يكون بعض أهل حيرة الكوفة سكنوا هذِه المحلة التي بنيسابور فنسبت إليهم، كما جرى مثل هذا في غير موضع لا سيما وقد ذكر بعض من نسب إلى جزيرة نيسابور أن أجداده كانوا من جزيرة الكوفة جاؤوا إلى نيسابور فاستوطنوها (فرأيتهم يسجدون لمرزبان) بفتح الميم وسكون الراء المهملة وضم الزاي كذا ضبطه المنذري، ثم قال: وهو الرئيس من الفرس، ويجمع المرازبة، وهو فارسي معرب (لهم) ورواية ابن حبان في "صحيحه" عن ابن أبي أوفى قال: لما قدم معاذ بن جبل من الشام سجد للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما هذا" فقال: قدمت الشام فرأيتهم يسجدون لمرازبتهم (¬2) (فأنت يا رسول الله أحق أن يسجد لك) (¬3) من مرازبتهم. (قال: أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له؟ قال: قلت: لا) فيه أنه ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3595). (¬2) "صحيح ابن حبان" (4171) ولفظه: فرأيتهم يسجدون لبطارقتهم وأساقفتهم. (¬3) كذا بالمخطوط، وسقط منه كما في المطبوع عن "السنن": فقلت: رسول الله أحق أن يسجد له. قال فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: إني أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم فأنت يا رسول الله. . . . فذكره.

كان من المعلوم عندهم أن القبر لا يسجد له ولا يصلى، ويدل عليه رواية مسلم عن جندب بن عبد الله: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يموت بخمسٍ، يقول: "إن من (¬1) كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك" (¬2). (قال: فلا تفعلوا) ذلك (فلو كنت آمرًا) بمد الهمزة وكسر الميم مع التنوين اسم فاعل من أمر (أحدًا أن يسجد لأحد) ورواية الشافعي بإسنادٍ جيد، رواته مشهورون في قصة الجمل وسجوده: هذِه بهيمة لا تعقل تسجد لك نحن نعقل فنحن أحق أن نسجد لك، قال: "لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر" (¬3) (لأمرت النساء أن تسجد لأزواجهن) ولابن ماجه: "لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها" (¬4) وقد نهى الله عن السجود لمخلوق كالشمس والقمر، وأمر بالسجود لخالقها، وكذا المرأة لزوجها المخلوق، بل لخالقه، وقد قرن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طاعة الزوج بالصلوات الخمس التي من جملتها السجود فيما رواه ابن حبان، عن أبي هريرة: "إذا صلت المرأة خمسها وحصنت فرجها وأطاعت زوجها دخلت من أي أبواب الجنة شاءت" (¬5) (لما جعله الله) ورواية أحمد المتقدمة: ¬

_ (¬1) من "صحيح مسلم". (¬2) "صحيح مسلم" (532) (23). (¬3) لم أقف عليه عند الشافعي. وقد أخرجه أحمد 3/ 158. وقال الضياء في "المختارة" (1895): إسناده حسن. (¬4) "سنن ابن ماجه" (1853). (¬5) "صحيح ابن حبان" (4163).

"لعظم حقه عليها" (¬1) (لهم عليهن من الحق) وتتمة حديث أحمد: "ولو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنبجس بالقيح والصديد، ثم استقبلته فلحسته ما أدت حقه". [2141] (ثنا محمد بن عمرو) بن غسان (زنيج) بضم الزاي وفتح النون، مصغر (الرازي) شيخ مسلم (ثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي حازم) سلمان الأشجعي (عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه) بأن تأتيه من فراشها (فلم تأته) ولفظ مسلم: "ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطًا عليها" (¬2) (فبات غضبان) بالنصب غير منصرف؛ لأنه وصف على فعلان الذي فيه زيادة الألف والنون، ومؤنثه سلم من أن يختم بتاء التأنيث، بل مؤنثه: غضبى (عليها) فيه جواز غضب الرجل على زوجته ومبيته على الغضب (لعنتها الملائكة) يعني: في السماء، وهذا بيان لرواية مسلم: "كان الذي في السماء ساخطًا عليها" أن الذي في السماء الملائكة ليجتمع معنى الحديثين (حتى تصبح) إن نام الزوج على غضبه، فيه جواز لعن العاصي المسلم إذا كان على وجه الإرهاب له لئلا يواقعه، فإذا واقعه فإنه يدعو له بالتوفيق، وفيه أن الملائكة تدعوا على أهل المعاصي ما داموا (¬3) في المعصية، فالملائكة تلعنها في حال نومها لإطلاق الحديث اللعنة إلى الصباح، وظاهره أنه ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 3/ 158. (¬2) "صحيح مسلم" (1436) (121). (¬3) في المخطوط: داما.

لو دعاها أول النهار فلم تأته تلعنها الملائكة حتى تمسي، وفيه دليل على تحريم امتناع المرأة على زوجها إذا أرادها، ولا خلاف فيه، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} (¬1)، قاله القرطبي (¬2). والمرأة في ذلك بخلاف الرجل، فلو دعت المرأة زوجها إلى ذلك لم يجب عليه إجابتها إلا أن يقصد بالامتناع مضارتها فيحرم عليه ذلك، والفرق بينهما أن الرجل هو الذي ابتغاها بماله، فهو المالك للبضع، والدرجة التي له عليها هي السلطنة التي له بسبب تملكه، وأيضًا فقد لا ينتشط الرجل في وقت تدعوه فلا يتيسر له ذلك، بخلاف المرأة. قال عياض: ومنع الحقوق في النفوس والأموال سواء (¬3). ¬

_ (¬1) البقرة: 228. (¬2) "المفهم" 4/ 160. (¬3) "إكمال المعلم" 4/ 613.

42 - باب في حق المرأة على زوجها

42 - باب فِي حَقِّ المَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا 2142 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ حَدَّثَنا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو قَزَعَةَ البَاهِليُّ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعاوِيَةَ القُشيْريِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ ما حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَليهِ قَالَ: "أَنْ تُطْعِمَها إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَها إِذَا اكْتَسيْتَ - أَوِ اكْتَسَبْتَ - وَلَا تَضْرِبِ الوَجْهَ وَلا تُقَبِّحْ وَلا تَهْجُرْ إِلَّا فِي البيْتِ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: "وَلا تُقَبِّحْ". أَنْ تَقُولَ قَبَّحَكِ اللهُ (¬1). 2143 - حَدَّثَنا ابن بَشَّارٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا بَهْز بْنُ حَكِيمٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي قَالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ نِسَاؤُنَا ما نَأْتِي مِنْهُنَّ وَما نَذَرُ قَالَ: "ائْتِ حَرْثَكَ أَنَّى شِئْتَ وَأَطْعِمْها إِذَا طَعِمْتَ واكْسُهَا إِذَا اكْتَسيْتَ وَلا تُقَبِّحِ الوَجْهَ وَلا تَضْرِبْ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوى شُعْبَةُ: "تُطْعِمُهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوها إِذَا اكْتَسيْتَ" (¬2). 2144 - أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ المُهَلَّبيُّ النّيْسابُوريُّ، حَدَّثَنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَزِينٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ بْنُ حُسيْنٍ، عَنْ دَاوُدَ الوَرَّاقِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ مُعاوِيَةَ القُشيْريِّ قَالَ: أَتيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: فَقُلْتُ: ما تَقُولُ في نِسائِنا؟ قَالَ: "أَطْعِمُوهُنَّ مِمَّا تَأْكُلُونَ واكْسُوهُنَّ مِمّا تَكْتَسُونَ وَلا تَضْرِبُوهُنَّ وَلا تُقَبِّحُوهُنَّ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (1850)، وأحمد 4/ 446، والنسائي في "السنن الكبرى" 5/ 369 (9160)، وابن حبان (4175). وانظر لاحقيه. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (1859): إسناده حسن صحيح. (¬2) رواه أحمد 5/ 5، والنسائي في "الكبرى" 5/ 369 (9160)، والروياني في "مسنده" 2/ 108 (912، 915)، والطبراني في "الكبير" 9/ 415، والبيهقي 7/ 466. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (1860): إسناده حسن صحيح. (¬3) انظر سابقيه. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1861).

باب في حق المرأة على زوجها [2142] (ثنا موسى بن إسماعيل التبوذكي، ثنا حماد بن سلمة، ثنا أبو قزعة) سويد بن حجير بضم الحاء المهملة وفتح الجيم مصغر (الباهلي) أخرج له مسلم والأربعة (عن حكيم بن معاوية) بن حيدة (القشيري، عن أبيه) معاوية بن حيدة بن معاوية القشيري جد بهز بن حكيم - رضي الله عنه - (قال: قلت: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها) بضم التاء وكسر العين (إذا طعمت) بفتح الطاء وكسر العين، أي: أكلت، بدليل رواية النسائي: "أطعموهن مما تأكلون" (¬1). والطعام يستلزم السقي، والمعنى: وتطعمها إذا طعمت وتسقها إذا شربت، قد يؤخذ منه أنها إذا أكلت معه برضاها سقطت نفقتها، ولعل المراد: يطعمها أول وقت يطعم غالب الناس فيه وهو صدر نهار كل يوم إذا طلعت الشمس؛ لأنه أول وقت الحاجة إلى الطعام، فاعتبر. قال الغزالي: لا ينبغي أن يستأثر عن أهله بمأكول طيب فلا يطعمهم منه، وهو ظاهر الحديث؛ فإن ذلك مما يوغر الصدور ويبعد عن المعاشرة بالمعروف، فإن كان لا تطيب نفسه بأكلهم منه لقلته أو لغير ذلك، فليأكله في خفية بحيث لا يعرف به أهله (¬2). (وتكسوها) بفتح التاء (إذا اكتسيت) ويدل عليه رواية ابن ماجه: "ويكسوها إذا اكتسى" (¬3) (أو) قال: إذا (اكتسبت) بالباء الموحدة بدل ¬

_ (¬1) "السنن الكبرى" للنسائي (9106). (¬2) "إحياء علوم الدين" 2/ 47. (¬3) "سنن ابن ماجه" (1850).

المثناة، وهو شك من الراوي، والمراد بالاكتساب في هذِه الرواية ما استقر عليه ملكه من حادث بالتكسب أو موروث أو هبة ونحوها؛ لأنه مكسوب له وهو الأصل في حصوله، والسبب فيه، والواجب عليه دفع كسوة زوجته، ومذهب الشافعي (¬1) أنه يلزمه كسوة كل ستة أشهر أولها؛ لأنه أول وقت حاجته وحاجتها، وهذا في كسوة البدن، أما ما يبقى سنة فأكثر كالبسط والظروف والسقط فإنه يجدد في وقت تجديده، ومثله - فيما يظهر - تبييض الدست ونحوه عند الحاجة (ولا تضرب الوجه) ولا المواضع المخوفة؛ لأن المقصود التأديب لا الإتلاف، ولكن قوله: "ولا يضرب الوجه" دلالة على جواز ضربها في غير الوجه، إلا أنه ضرب غير مبرح، أي: شديد بحيث يؤلمها ولا يكسر لها عظمًا، ولا يدمي لها جسمًا. قال ابن قدامة في "المغني": للزوج تأديبها على ترك فرائض الله تعالى (¬2). وسأل إسماعيل بن سعيد أحمد بن حنبل عن ما يجوز ضرب المرأة عليه، قال على فرائض الله تعالى. وقال في الرجل له امرأة لا تصلي يضربها ضربًا رفيقًا غير مبرح. وروى أبو محمد الخلال بإسناده عن جابر، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "رحم الله عبدًا علق في بيته سوطًا يؤدب أهله"، فإن لم تصلي فقد قال أحمد: أخشى أن لا يحل للرجل أن يقيم [مع] (¬3) امرأة لا تصلي ¬

_ (¬1) "الحاوي" 11/ 434 - 435، "المهذب" 2/ 162. (¬2) "المغني" 3/ 55. فصل في النشوز. (¬3) من "المغني".

ولا تغتسل من الجنابة ولا تتعلم القرآن (¬1) (ولا تقبح) أي: لا يقول: قبحك الله، من القبح وهو الإبعاد، ولا يقول: قبح الله وجهك، ولا ينسبه ولا شيئًا من بدنها إلى القبح الذي هو ضد الحسن؛ لأن الله صور وجهها وجسمها، وأحسن كل شيء خلقه، وذم الصنعة يعود إلى مذمة الصانع، وهذا نظير كونه - صلى الله عليه وسلم - ما عاب طعامًا ولا شيئًا قط، وإذا امتنع التقبيح امتنع الشتم والسب واللعن بطريق الأولى (ولا تهجر) ها (إلا في البيت) أي: المضجع، وإذا هجرها فله أن يهجرها من ليلة إلى ثلاث، قاله القرطبي والغزالي (¬2) كما قال تعالى: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} (¬3)، وعن ابن عباس: الهجر في المضاجع هو أن يضاجعها ويوليها ظهره أو يتحول عنها إلى مضجع آخر، ولا يحولها إلى دار أخرى؛ فإن الزوج إذا أعرض عن فراشها فإن كانت تحب الزوج يشق عليها فترجع للإصلاح، وإن كانت مبغضة يظهر النشوز منها (¬4). [2143] (ثنا) محمد (بن بشار) بندار (ثنا يحيى بن سعيد) القطان (ثنا بهز بن حكيم) قال (حدثني أبي) حكيم بن معاوية (عن جدي) معاوية بن حيدة القشيري. (قال: قلت: يا رسول الله نساؤنا) أي: أزواجنا (ما نأتي منها) قال بعضهم: صوابه: منهن؛ لأنه ضمير النساء، والظاهر أن المراد بالنساء ¬

_ (¬1) "المغني" 7/ 319. فصل له تأديبها على ترك فرائض إليه. (¬2) "إحياء علوم الدين" 2/ 49. (¬3) النساء: 34. (¬4) أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (5267) بنحوه.

الجنس، فأعاد الضمير على الواحدة من الجنس (وما نذر) أي: ما نستمتع من الزوجة وما نتركه (قال) هي حرثك و (ائت حرثك) الحرث بمعنى المحترث، وذكر الحرث يدل على أن الإتيان في غير المأتى حرام؛ لأن (. . .) (¬1) بالمزروع، أي من مزرع الذرية، ولفظ الحرث يعطي أن الإباحة لم تقع إلا في القبل؛ إذ هو المزرع، ففرج المرأة كالأرض، والنطفة كالبذر، والولد كالنبات (أنى شئت) معناه عند جمهور الصحابة والتابعين وأئمة الفتوى: من أي وجه شئتم مقبلة ومدبرة وباركة ومستقبلة ومضطجعة (وأطعمها) بفتح الهمزة (إذا طعمت) وهذا أمر إرشاد يدل على أن من كمال المروءة أن يطعمها كل ما أكل، ويكسوها إذا اكتسى، وفي الحديث إشارة إلى أن أكله يقدم على أكلها، وأنه يبدأ في الأكل قبلها، وحقه في الأكل والكسوة مقدم عليها: ابدأ بنفسك ثم بمن تعول (¬2) (واكسها) بوصل الهمزة وضم السين، ويجوز كسرها، والاسم منه كسوة بضم الكاف وكسرها (إذا اكتسيت، ولا تقبح) بتشديد الموحدة (الوجه) تقدم. (ولا تضرب) لغير نشوز كما سيأتي (قال المصنف: روى شعبة) عن أبي قزعة الباهلي بلفظ: أن (تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت) ولفظ ابن ماجه: "أن يطعمها إذا طعم، ويكسوها إذا اكتسى" (¬3). ¬

_ (¬1) بياض قدر كلمتين. (¬2) يريد بذلك ما رواه مسلم (997) (41) من حديث جابر بن عبد الله بلفظ: "ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك. . .". (¬3) أخرجه ابن ماجه (1850)، وأحمد 4/ 447 من طريق شعبة به.

[2144] (أخبرني أحمد بن يوسف) السلمي (المهلبي النيسابوري) بفتح النون نسبة إلى نيسابور، أحسن بلاد خراسان وأجمعها للخيرات، وإنما قيل لها: نيسابور؛ لأن سابور لما رأى موضعها قال: يصلح أن يكون ها هنا مدينة، وكانت قصباء فأمر بقطع القصب، وأن تبنى مدينة، فقيل: نيسابور والني: القصب، وقد جمع الحاكم أبو عبد الله تاريخ علمائها في ثلاث مجلدات، وأحمد المذكور شيخ مسلم (ثنا عمر بن عبد الله بن رزين) أخرج له مسلم (ثنا سفيان بن حسين) الواسطي مولى عبد الله بن حازم، استشهد به البخاري في "الصحيح"، وروى له في "القراءة خلف الإمام" وفي "الأدب"، ومسلم في مقدم كتابه (عن داود) البصري (الوراق) ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬1) (عن سعيد بن حكيم) أخي بهز (بن معاوية، عن أبيه) حكيم (عن جده معاوية) بن حيدة (القشيري قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فقال: ما تقول في نسائنا) وفي حقوقهن علينا؟ (قال: أطعموهن مما تأكلون) أي: من جنس ما يأكله غالب أهل البلد، كما قال أصحابنا (¬2) وغيرهم: يجب للمرأة أدم غالب البلد كزيت وسمن وخل، فإن لم يكن في البلد فيجب ما يليق بحال الزوج، وكذا يجب المشروب، ويكون المشروب إمتاعًا حتى لو مضت عليه مدة ولم يشربه لم يملكه (واكسوهن مما) جنس (تكسون) منه، وفي هذا شاهد على جواز حذف العائد المجرور بالحذف لوجود الشرط، وهو أن يتحرى الوصول بمثل الجار للعائد لفظًا، ومنه قوله ¬

_ (¬1) "الثقات" (8066). (¬2) "الحاوي" 11/ 425 - 426، "الوسيط" للغزالي 4/ 3 - 4.

تعالى: {يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} (¬1)، ومثله ابن مالك في "الألفية": كمر بالذي مررت فهو بر (¬2) (ولا تضربوهن) في الوجوه (ولا تقبحوهن) كما تقدم. ¬

_ (¬1) المؤمنون: 33. (¬2) "ألفية ابن مالك" ص 16.

43 - باب في ضرب النساء

43 - باب في ضَرْبِ النِّساءِ 2145 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمَّادٌ عَن عَليِّ بْنِ زيْدٍ، عَنْ أَبِي حُرَّةَ الرَّقاشيِّ، عَنْ عَمِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "فَإِنْ خِفْتُمْ نُشُوزَهُنَّ فاهْجُرُوهُنَّ في المَضاجِعِ". قَالَ حَمَّادٌ: يَعْني النِّكاحَ (¬1). 2146 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي خَلَفٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ قالا: حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - قَالَ ابن السَّرْحِ عُبيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - عَنْ إِياسِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي ذُبابٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَضْرِبُوا إِماءَ اللهِ". فَجاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: ذَئِرْنَ النِّساءُ عَلَى أَزْواجِهِنَّ. فَرَخَّصَ فِي ضَرْبِهِنَّ فَأَطافَ بِآلِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نِساءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْواجَهُنَّ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَقَدْ طافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْواجَهُنَّ ليْسَ أُوْلَئِكَ بِخِيارِكُمْ" (¬2). 2147 - حَدَّثَنا زُهيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْديٍّ، حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأَوْديِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُسْليِّ عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا يُسْأَلُ الرَّجُلُ فِيما ضَرَبَ امْرَأَتَهُ" (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 72 - 73 مطولا، ورواه البيهقي 7/ 303 من طريق أبي داود. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1862). (¬2) رواه ابن ماجه (1985)، والنسائي في "السنن الكبرى" 5/ 371 (9167)، وابن حبان (4189). وقال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (1863): إسناده صحيح أحمد 1/ 20، والنسائي في "السنن الكبرى" (9168). (¬3) أخرجه ابن ماجه (1985)، والدارمي (2265) من طريق عبد الله بن عبد الله بن عمر به. وصححه الحاكم 2/ 188. ووافقه الذهبي. وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (371).

باب في ضرب النساء [2145] (ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد) بن سلمة (عن علي بن زيد) بن جدعان المكي، نزل البصرة التميمي الضرير، أخرج له مسلم في الجهاد عن أنس بن مالك (¬1). (عن أبي حرة) بضم الحاء المهملة وتشديد الراء، واسمه حنيف (¬2)، وثقه المصنف. (عن عمه الرقاشي) بفتح الراء وتشديد القاف نسبةً إلى امرأة، قال محمد بن طاهر: عمه: حنيفة (¬3). ويقال: حكيم بن أبي (¬4) زيد، وقيل: عامر بن عبدة، وقال عبد الله بن محمد البغوي: عم أبي حرة بلغني أنه حذيم بن حنيفة الرقاشي (¬5) (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: فإن خفتم) أي: علمتم وتيقنتم (نشوزهن) أي: عصيانهن عليكم، مأخوذ من النشز وهو ما ارتفع من الأرض، ومنه {وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا} (¬6) أي: ارتفعوا وانهضوا إلى حرب أو أمر من أمور الله، يقال: نشزت المرأة فهي ناشز بغير هاء، أي: أساءت عشرتها (فاهجروهن في المضاجع) قيل: هو من الهجر بضم الهاء وهو القبيح من الكلام، أي: أغلظوا عليهن ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1789). (¬2) كذا بالمخطوط، وفي "تهذيب الكمال" (1567): حنيفة أبو حرة الرقاشي، حديثه في البصريين، روى عن عمه. اهـ. ولم أجد من سماه: حنيف. (¬3) سقطت من الأصل. وأثبتها من "عون المعبود" 6/ 129. (¬4) سقطت من الأصل. (¬5) "معجم الصحابة" للبغوي 2/ 217 (576). (¬6) المجادلة: 11.

في الكلام، وعن ابن عباس: أي شدوهن وثاقًا (¬1) في بيوتهن. من هجر البعير إذا ربطه بالهجار وهو حبل يشد به البعير، وهو اختيار الطبري (¬2)، ورده ابن العربي في "أحكامه" فقال: هذِه هفوة من عالم بالقرآن والسنة يا لها من هفوة (¬3). (قال حماد) بن سلمة (يعني) اهجروهن في (النكاح) وكذا قال ابن عباس: هو أن يوليها ظهره ولا يجامعها. [2146] (حدثنا محمد بن) أحمد (بن أبي خلف) القطيعي شيخ مسلم. (وأحمد بن عمرو بن السرح، قالا: ثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري، عن عبد الله بن عبد الله) كذا لابن ماجه: عبد الله بن عبد الله بن عمر (¬4) (قال) أحمد بن عمرو (بن السرح) في روايته (عبيد الله) بالتصغير (ابن عبد الله) بن عمر، وكان ابن عمر روى عنه من أولاده عبد الله وعبيد الله وسالم وحمزة وزيد وبلال (عن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب) بضم الذال المعجمة وتخفيف الباء الأولى الدوسي، سكن مكة، قال أبو القاسم: لا أعلم روى إياس بن عبد الله غير هذا الحديث (¬5). وذكر البخاري هذا الحديث في "تاريخه"، وقال: لا يعرف لإياس ¬

_ (¬1) في المخطوط: وباقي. والعبارة كلها مشكلة. وأصلها من "تفسير القرطبي" 5/ 171 وهي فيه: أي: أغلظوا عليهن في القول وضاجعوهن للجماع وغيره. قال معناه سفيان وروي عن ابن عباس. وقيل: أي شدوهن وثاقا في بيوتهن. (¬2) "جامع البيان" 8/ 309. (¬3) "أحكام القرآن" 1/ 533. (¬4) الذي في "سنن ابن ماجه" (1985): عبيد الله بن عبد الله بن عمر. بالتصغير. (¬5) "معجم الصحابة" لأبي القاسم البغوي ت 1/ 33 (99).

صحبة (¬1). وقال ابن أبي حاتم: إياس بن عبد الله بن أبي ذباب مدني له صحبة، سمعت أبي وأبا زرعة يقولان ذلك (¬2) (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تضربوا إماء) جمع أمة (الله) قال الرافعي: أشار الشافعي إلى أن فيه احتمالين، أحدهما أنه منسوخ بالآية يعني قوله: {وَاضْرِبُوهُنَّ} (¬3)، أو بما ورد من الأدب في ضربهن يعني في حديث جبريل الطويل في الحج؛ فإن فيه: "فاضربوهن ضربًا غير مبرح" (¬4). وروى البيهقي عن مكحول عن أم أيمن: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوصى بعض أهل بيته، فذكر حديثًا، وفيه: "ولا ترفع عصاك عنهن" (¬5). وهو مرسل أو معضل، والاحتمال الثاني حمل النهي على الكراهة، أو على أن الأولى التحرز عنه ما أمكن، وقد يحمل النهي على الحال التي لم يوجد فيها السبب المجوز للضرب. (فجاء عمر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ذئرن النساء) بفتح الذال المعجمة وكسر الهمزة، وفي لفظ النسائي وابن ماجه: ذئر النساء (¬6). وهي اللغة المشهورة الفصيحة، ورواية المصنف وذلك جارٍ في القرآن العزيز في قوله تعالى: {ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا} (¬7) والسنة النبوية في قوله - صلى الله عليه وسلم -: ¬

_ (¬1) "التاريخ الكبير" 1/ 440. (¬2) "الجرح والتعديل" 2/ 280. (¬3) النساء: 34. (¬4) أخرجه مسلم (1218) (147)، وقد سبق تخريجه في (1905) باب في صفة حجة النبي. (¬5) "السنن الكبرى" 7/ 304. (¬6) "السنن الكبرى" للنسائي (9122)، و"سنن ابن ماجه" (1985). (¬7) المائدة: 71.

"يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار" (¬1). وفي شعر العرب، وقد تأول ذلك غير واحد من العلماء، قال الأصمعي: معنى ذئرن نفرن ونشزن واجترأن (على أزواجهن) يقال: ذئرت المرأة تذأر فهي ذائر وذئر أي: ناشز، وأذأرت (¬2) الرجل بالشيء (¬3) إذا أغريته ليغتاظ، وقال غيره: الذائر المغتاظ على خصمه المستعد للشر، وفيه أن ضرب النساء على منع حقوق النكاح مباح، إلا أنه غير مبرح، ولا مدمٍ، ولا يقع على الوجه والمهالك كما تقدم، وإذا أفضى التلف وجب الغرم؛ لأنه تبين أنه إتلاف لا إصلاح (فرخص في ضربهن) يفهم من قوله: رخص، أن العزيمة ترك الضرب كما ذكر أصحابنا أن الزوج وإن جاز له الضرب فالأولى أن يعفو أو يعرض عنها، وأن الصبر على سوء أخلاقهن والعفو عما يصدر منهن أفضل، وإذا أفضى ضرب الرجل (. . .) (¬4) الولي فإنه يؤدب الطفل ولا غرم عليه إذا تولد من ضرب الصبي تلف، كذا قال الغزالي، قال الرافعي: ولم يساعد عليه (فأطاف) هذِه لغة، واللغة المشهورة كما في رواية ابن ماجه: فطاف (¬5). يقال: طاف بالشيء وأطاف به واستطاف، وامرأة طوافة تطوف على بيوت جاراتها، ومنه قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (555)، ومسلم (632) (210) من حديث أبي هريرة. (¬2) في المخطوط: وأذيرت. بالتسهيل. (¬3) كذا. وفي "معالم السنن": بالشر. (¬4) بياض بالمخطوط قدر ثلاث كلمات. (¬5) "سنن ابن ماجه" (1985).

طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ} (¬1) أي: مترددون في قضاء حوائجكم (بآل) أي: أهل وأقارب (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ويحتمل أن يراد بآل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفسه (نساء كثير يشكون) إليهم (أزواجهن) من الضرب (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لقد طاف) قال في "المحيط": طاف بالبيت طوافًا وطوفانًا، وأطاف بهذا الأمر أي: أحاط به فهو مطيف (¬2) (بآل محمد) يعني: نفسه كما تقدم (نساء كثير) بينه ابن ماجه في "سننه" بأنهن سبعون امرأة، ولفظه: فأمر بضربهن فضربوا، فطاف بآل محمد - صلى الله عليه وسلم - نساء كثير، فلما أصبح قال: "لقد طاف الليلة بآل محمد سبعون امرأة كل امرأة تشكو زوجها" (¬3). (يشكون أزواجهن) إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ليس أولئك) (. . .) (¬4) يشكين أزواجهن (بخياركم) خياركم يعني أزواجهن، ولعله - صلى الله عليه وسلم - علم أنهن مظلومات، ويحتمل أن يعود الضمير على النساء، ولفظ ابن ماجه: "فلا تجدون أولئك"، يعني: لأنهن لم يصبرن على ضرب أزواجهن الذي رخص فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهم لعظم حقهم عليهن، وقد تلطف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحسن عبارته وفصيح بلاغته حين لم يسميهن ولا ذمهن، بل أخبر أنهن لسن بالخيار ففهم المقصود من غير تصريح. [2147] (ثنا زهير بن حرب، ثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الحافظ (ثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله الحافظ (عن داود بن عبد الله ¬

_ (¬1) النور: 58. (¬2) "المحيط في اللغة" للصاحب بن عباد (طوف). (¬3) سبق قريبًا. (¬4) بياض قدر كلمتين.

الأودي) وثقه أحمد (عن عبد الرحمن) والد وبرة المخرج له في الصحيحين، وعبد الرحمن أخرج له النسائي وابن ماجه، وهو جاء إلى مذحج بفتح الميم وسكون الذال وكسر الحاء بعدها جيم، وقال ابن الكلبي: قبيلته بطن من بني الحارث بن كلب منهم وبرة بن عبد الرحمن (المسلي) (¬1) أبو (¬2) خزيمة (عن الأشعث بن قيس) الكندي، وفد سنة عشر في قومه وكانوا سبعين ركبانًا أسلموا ثم ارتد فيمن ارتد (. . .) (¬3) به إلى الصديق أسيرًا، فقال: استبقني لحربك وزوجني أختك، فزوجه، فلما زوجه دخل سوق الإبل فاخترط سيفه، فجعل لا يرى جملًا ولا ناقة إلا عقره فصاح الناس كفر الأشعث، فلما فرغ طرح سيفه، وقال: إن هذا الرجل زوجني أخته، ولو كنا ببلادنا لكانت لي وليمة غير هذِه يا أهل المدينة انحروا وكلوا وأعطى أصحاب الإبل أثمانها (¬4). شهد اليرموك ثم القادسية ثم جلولاء (عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يسأل) بضم أوله ورفع آخره (الرجل فيما) هكذا الرواية بإثبات الألف وهي لغة شاذة عند أهل العربية كما شذ ثبوت الألف: فيما أهللت، و: لا يبالي المرء بما أخذ المال. ويجوز أن تكون من موصولة أي: لا يسأل عن السبب الذي ضربها لأجله، وعن المنير: إني لا أعرف فيما عوده. قال ابن ¬

_ (¬1) في الأصل: السلمي. والمثبت الصواب وهو كذلك في "سنن أبي داود". (¬2) تحرفت إلى: بن. (¬3) بياض قدر نصف سطر، ولعله كما في "أسد الغابة" 1/ 249: فسير أبو بكر الجنود إلى اليمن فجيء به إلى الصديق أسيرًا. (¬4) رواه الطبراني في "الكبير" 1/ 237 (649). عن قيس بن أبي حازم.

مالك: لأن ما في هذِه المواضع استفهامية مجرورة فحقها أن تحذف ألفها فرقًا بينها وبين ما الموصولة، قال: وهذا هو الكثير نحو {بِمَ يَرْجِعُ المُرْسَلُونَ} (¬1) و {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43)} (¬2)، قال: ونظير ثبوت الألف في الأحاديث المذكورة ثبوتها في {عما يتساءلون} (¬3) من قراءة عكرمة وعيسى (¬4)، ومن ثبوتها في الشعر قول حسان: على ما قام يشتمني لئيم ... كخنزير تمرغ (¬5) في رماد (¬6) قال: وعدول حسان عن علام (¬7) يقوم يشتمني لئيم مع إمكانه؛ دليل على أنه مختار لا يضطر. (يضرب امرأته) أو يهجرها أو يعظها، ولا تسأل المرأة في ضربها زوجها أو هجرها (ولعل الأمة الموطوءة إذا باعها سيدها)، ولعل سبب النهي عن سؤال الرجل عن ضرب زوجته لأن ذلك قد يؤدي إلى هتك ستر زوجته؛ فإنه قد يكون ضربها أو هجرها لامتناعها من جماعه أو نحو ذلك مما يستقبح ذكره بين الرجال، وفيه دليل على جواز ضرب الرجل امرأته كما قال - عليه السلام -: "اضربوا النساء إذا عصينكم في معروف ¬

_ (¬1) النمل: 35. (¬2) النازعات: 43. (¬3) النبأ: 1. (¬4) "روح المعاني" للألوسي 11/ 401. (¬5) بياض في الأصل. واستدركته من مصدر التخريج. (¬6) انظر "خزانة الأدب" 6/ 99. (¬7) كتبت في المخطوط: على م.

ضربًا غير مبرح" (¬1). قال عطاء: قلت لابن عباس: ما الضرب غير المبرح؟ قال: بالسواك ونحوه (¬2). وروي أن عمر ضرب امرأته، فعذل (¬3) في ضربها، فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يسأل الرجل فيم ضرب أهله"، وكما لا يَسأل الزوجَ عن الضرب أجنبيُّ لا يسأله أبوها ولا أمها ولا أحد من أقاربها، فمن حق الزوج أن لا يفش سرها لا في الطلاق ولا عقد النكاح، فقد روى مسلم والمصنف عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته أو تفضي إليه ثم ينشر أحدهما سر صاحبه" (¬4). ويروى عن بعض الصالحين أنه أراد طلاق امرأة فقيل له: ما الذي يريبك منها؟ فقال: العاقل لا يهتك ستر امرأته. فلما طلقها قيل له: لم طلقتها؟ فقال: ما لي ولامرأة غيري. ¬

_ (¬1) يريد بذلك ما رواه مسلم (1218) (147) من حديث جابر بن عبد الله بلفظ: "ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحد تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرح". (¬2) رواه الطبراني في "تفسيره" 8/ 314. (¬3) أي: لاموه على ضربها. اللسان مادة: عذل. (¬4) أخرجه مسلم (1437) (123). وسيأتي تخريجه عند أبي داود (4870) باب في نقل الحديث.

44 - باب ما يؤمر به من غض البصر.

44 - باب ما يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ غَضِّ البَصَرِ. 2148 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عُبيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبي زُرْعَةَ، عَنْ جَرِيرٍ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ نَظْرَةِ الفَجْأَةِ فَقَالَ: "اصْرِفْ بَصَرَكَ" (¬1). 2149 - حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بْن مُوسَى الفَزاريُّ، أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ الإِياديِّ عَنِ ابن بُريْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِعَليٍّ: "يا عَليُّ لا تُتْبعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَليْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ" (¬2). 2150 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي وائِلٍ، عَنِ ابن مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُباشِرُ المَرْأَةُ المَرْأَةَ لِتَنْعَتَها لِزَوْجِها كَأَنَّمَا يَنْظُرُ إِليْها" (¬3). 2151 - حَدَّثَنا مُسْلِمٌ بْن إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا هِشامٌ، عَنْ أَبي الزُّبيْرِ عَنْ جابِرٍ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأى امْرَأَةً فَدَخَلَ عَلَى زيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَقَضَى حاجَتَهُ مِنْها ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَصْحابِهِ فَقَالَ لَهُمْ: "إِنَّ المَرْأَةَ تُقْبِلُ في صُورَةِ شيْطانٍ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شيْئًا فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ فَإِنَّهُ يُضْمِرُ ما في نَفْسِهِ" (¬4). 2152 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبيْدٍ، حَدَّثَنا ابن ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، أَخْبَرَنَا ابن طاوُسٍ، ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (2159) (45)، والترمذي (2776)، وأحمد 4/ 361، والدارمي (2685) من طريق يونس به. (¬2) أخرجه الترمذي (2777)، وأحمد 5/ 351 من طريق شريك به. وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك. وصححه الحاكم في "المستدرك" 2/ 194 ووافقه الذهبي وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1865). (¬3) رواه البخاري (5240، 5241)، والترمذي (2792)، وأحمد 1/ 380 من طريق شقيق ابن سلمة. (¬4) رواه مسلم (1403).

عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: ما رَأيْتُ شيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمّا قَالَ أَبُو هُريْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ كَتَبَ عَلَى ابن آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لا مَحالَةَ فَزِنا العيْنيْنِ النَّظَرُ وَزِنا اللِّسانِ المَنْطِقُ والنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي والفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ ويُكَذِّبُهُ" (¬1). 2153 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمَّادٌ، عَنْ سُهيْلِ بْنِ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرْيرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لِكُلِّ ابن آدَمَ حَظُّهُ مِنَ الزِّنَا". بهذِه القِصَّةِ قَالَ: "واليَدانِ تَزْنِيانِ فَزِنَاهُما البَطْشُ والرِّجْلان تَزْنِيانِ فَزِناهُما المَشْى والفَمُ يَزْني فَزِناهُ القُبَلُ" (¬2). 2154 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللِّيْثُ، عَنِ ابن عَجْلانَ، عَنِ القَعْقاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي صالِحٍ، عَنْ أَبي هُريْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بهذِه القِصَّةِ قَالَ: "والأُذُنُ زِناها الاسْتِماعُ" (¬3). * * * باب ما يؤمر به من غض البصر [2148] (ثنا محمد بن كثير) العبدي (أنا سفيان) بن سعيد الثوري، قال (حدثني يونس بن عبيد بن دينار) العبدي مولى عبد القيس (عن عمرو بن سعيد) البصري، مولى ثقيف، أخرج له مسلم (عن أبي زرعة) هرم، وقيل: عبد الله بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي (عن) جده (جرير) بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه - (قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نظرة الفجاءة) بضم ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6243، 6612)، ومسلم (2657). وانظر لاحقيه. (¬2) أخرجه مسلم (2657/ 21)، وأحمد 2/ 343 من طريق سهيل بن أبي صالح به. وليس عند مسلم ذكر زنا الفم. (¬3) أخرجه مسلم (2657) (21)، وأحمد 2/ 379 من طريق أبي صالح به.

الفاء وفتح الجيم مع المد، وفي لغة فجأة بفتح الفاء وسكون الجيم بوزن عنزة، وهي التي تقع بغتة من غير قصد فهي معفو عنها، والمحرم إدامة النظر وتأمل المحاسن كما في الحديث الذي بعده: "لا تتبع النظرة النظرة" (فقال: اصرف بصرك) أي: اقلبه إلى الناحية الأخرى كما في حديث الخثعمية التي استقبلته فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصره عنها (¬1)، وفي رواية للترمذي: فأخذ بذقن الفضل فعدل بصره عن النظر إليها، وزاد الترمذي فقال العباس: لويت عنق ابن عمك، فقال: "رأيت شابًّا وشابة فلم آمن عليهم الشيطان" (¬2). [2149] (ثنا إسماعيل بن موسى الفزاري) بفتح الفاء وتخفيف الزاي نسبة إلى فزارة بن ظبيان وإسماعيل صدوق شيعي (¬3) (ثنا شريك، عن أبي ربيعة) قال ابن منده: اسمه عمرو بن ربيعة (الإيادي) روى الدارمي عن ابن معين، قال ابن ربيعة: الذي روى عنه شريك كوفي ثقة (¬4). فلعله هذا وهو الظاهر (عن) عبد الله (بن بريدة، عن أبيه) بريدة بن الحصيب ابن عبد الله بن الحارث الأسلمي (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي) بن أبي طالب (يا علي لا تتبع) بضم أوله (النظرة) الأولى (النظرة) الثانية، أي: لا تلحق النظرة الأولى التي بغير قصد بالنظرة الثانية التي تقصد بها التمتع بشهوة (فإن لك) النظرة (الأولى) معفو عنك فيها، وأنت غير مخاطب ¬

_ (¬1) "الكاشف" 1/ 250 (411). (¬2) أخرجه البخاري (1513)، ومسلم (1334) (407) وغيرهما من حديث عبد الله بن عباس. (¬3) "سنن الترمذي" (885). (¬4) "تاريخ ابن معين" رواية الدارمي (948).

به، فلا توصف بطاعة ولا معصية ولا إباحة؛ إذ ليست داخلة تحت اكتساب الآدمي وهي كرعشة المرتعش، وهذا الحديث يبين الحديث الذي قبله، وأن قوله: "اصرف بصرك" لم يرد به نظرة الفجأة كما هو ظاهر اللفظ، وإنما يصرف بصره عن النظرة التي بعدها التي تقع تحت اكتساب الآدمي، فكأنه يقول: إذا نظرت إلى ما لا يجوز بغتة بغير قصد، فاصرف بصرك عن الدوام، وعن النظرة الثانية. (وليست لك) النظرة (الثانية) أي: ليس لك أن تعود إلى النظرة الثانية، والتعمد ابتداء في معنى الثانية المقصودة، وهذِه النظرة والله أعلم ليست من الكبائر، بل من صغائر الذنوب التي تكفرها الطاعات إذا اجتنبت الكبائر، وقد جعل ذلك في حديث أبي هريرة مكفرًا بالوضوء حيث قال: "إذا توضأ العبد أو المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء" (¬1). ويدل على ذلك أيضًا قصة الذي أصاب من المرأة ما دون أن يمسها، فقال: "صلِّ معنا"، فنزلت {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (¬2) (¬3). [2150] (ثنا مسدد، ثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله (عن الأعمش، عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي (عن) عبد الله (بن مسعود) - رضي الله عنه -. (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تباشر) بكسر الراء لالتقاء الساكنين، ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (526)، ومسلم (2763) وغيرهما من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -. (¬2) أخرجه مسلم (244/ 32)، والترمذي (2) وأحمد 2/ 303 من حديث أبي هريرة. (¬3) هود: 114.

وأصله الجزم على النهي، ويجوز رفع الراء على أنه خبر بمعنى النهي كقوله: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)} (¬1) (المرأة) بالرفع (المرأة) من المباشرة، وهي الملامسة، قال أبو الحسن القابسي: هذا من أبين ما تحمى به الذرائع (¬2). فإنه نهى أن تضاجع المرأة المرأة، وبين لما نهاها عن ذلك، وأخبر أن ذلك ينتهي إلى أن تصف لزوجها المرأة بأمارات منها وصفات تقوم مقام نظره إليها، ولعل ذلك يدخل في قلب زوجها من الفتنة بالموصوفة فقد يكون سببًا لطلاق الزوجة، أو يكون وصفها لها قبيحًا فيكون ذلك غيبة لها (لتنعتها) بكسر لام الجر ونصب تنعت بأن المقدرة. ورواية البخاري: "فتنعتها" (¬3) بالفاء بدل اللام وهو نصب أيضًا على جواب النهي، فكأن الشيخ أبو الحسن جعل النعت يقع على الحسن والقبيح. قال الخليل: النعت وصفك الشيء بما فيه من حسن إلا أن يتكلف متكلف فيقول: ذا نعت سوء، قال: وكل شيء جيد بالغ فهو نعت (¬4). وقال الداودي: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مباشرة المرأة المرأة (لزوجها) للوجه الذي ذكره ابن مسعود. فكأنه جعل فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها من كلام ابن مسعود. قال السفاقسي: وظاهر الحديث ما ذكره الشيخ أبو الحسن قبل هذا أنه من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، والغرض من ¬

_ (¬1) الواقعة: 79. (¬2) انظر: "شرح البخاري" لابن بطال 7/ 365. (¬3) "صحيح البخاري" (5240). (¬4) "العين" 2/ 72 (نعت).

الحديث انتفاء النعت لا المباشرة، لكن أوقع النهي عن المباشرة؛ لأن بها توصلت إلى معرفة نعتها فهو نهي للسبب والمراد المسبب، وفي معنى المباشرة رؤية المرأة في الحمام ونحوه؛ فإنه سبب إلى معرفة نعتها (كأنما) لفظ البخاري: "كأنه" (¬1) (ينظر إليها) استدلوا به على جواز السلم في الحيوان إذا وصف وصفًا تامًّا، وقد يستدل به على أنه يصح البيع بالصفة التي تقوم مقام النظر كما في الحديث: "كأنه ينظر إليها" كما يصح في السلم، قال ابن قدامة: وهو قول أكثر أهل العلم. وعن أحمد: لا يصح حتى يراه (¬2). كما هو الجديد من مذهب الشافعي (¬3). [2151] (ثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي الفراهيدي شيخ البخاري (ثنا هشام) بن أبي عبد الله الدستوائي. (عن أبي الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس (عن جابر) بن عبد الله - رضي الله عنهما - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى امرأة) أي: وقع نظره عليها فجأة، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تحتجب النساء منه (فدخل على) امرأته (زينب بنت جحش) رضي الله عنها، الظاهر أنه إنما خصها بالدخول دون غيرها؛ لأن النوبة في المبيت كانت عندها (فقضى حاجته منها) (¬4) لا يظن برسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما دخل فقضى حاجته أنه كان غلبته شهوته أو مالت نفسه إليها حاشاه عن ذلك، إنما فعل ذلك ليسن وليُقتدى به وليحسم عن نفسه ما يتوقع ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (5240). (¬2) "المغني" 6/ 33. (¬3) أنظر: "الأم" 4/ 241. (¬4) في الأصل: منه.

وقوعه (ثم خرج إلى أصحابه) أي: بعض أصحابه (فقال لهم: إن المرأة تقبل في صورة شيطان) أي: في صفته من الوسوسة والتحرك للشهوة النفسية والميل الطبيعي، وذلك يدعوه إلى الفتنة بها وهي أعظم من فتنة الشيطان، ولذلك قال - عليه السلام -: "ما تركت في أمتي فتنة أضر على الرجال من النساء" (¬1). يعني: بما يدعو الشيطان بوسوسته وأعوانه بتزيينها في قلوب الناظرين إليها. (فمن وجد من ذلك شيئًا) ولمسلم: "فإذا أبصر أحدكم امرأة" (¬2)، وفي رواية له: "فأعجبته ووقعت في قلبه" (¬3) (فليأت أهله) وفيه تسمية الزوجة أهل، وفي معناه أمته الموطوءة، فيه [وصفه] (¬4) - صلى الله عليه وسلم - لدواء ذلك الداء المحرك للشهوة للنساء يطفئها بالجماع وإراقة ما تحرك من الماء، إذ هو - صلى الله عليه وسلم - طبيب أمته ومرشدهم إلى مصالح أمورهم (فإنه) أي: فإن جماع امرأته (يضمر) بضم الياء وفتح الضاد المعجمة وتشديد الميم المكسورة، ويجوز سكون الضاد مع تخفيف الميم (ما في نفسه) أي: يضعفه ويقلله، من الضمور وهو الهزال وقلة اللحم، ورواية مسلم: "فإن ذلك يرد ما في نفسه" (¬5). قال القرطبي: للرد وجهان: أحدهما: أن المني إذا خرج انكسرت الشهوة وانطفت فزال تعلق النفس بالصورة المرئية. وثانيها: أن محل الوطء والإصابة متساوٍ من ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5096)، ومسلم (2740/ 97) من حديث أسامة بن زيد. (¬2) "صحيح مسلم" (1403) (9). (¬3) "صحيح مسلم" (1403). ولفظه: "إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه". (¬4) زيادة يقتضيها السياق. (¬5) "صحيح مسلم" (1403) (9).

النساء كلهن، والتفاوت إنما هو من خارج ذلك، فليكتف الناظر بمحل الوطء الذي هو المقصود ويغفل عما سواه (¬1). وقد دل على هذا ما جاء في الحديث في رواية: "فليأت أهله فإن معها مثل الذي معها" (¬2). [2152] (ثنا محمد بن عبيد) بن (حساب الغبري) (¬3) البصري شيخ مسلم (ثنا) محمد (بن ثور) بفتح المثلثة الصنعاني العابد، سئل عنه أبو حاتم فقال: الفضل والعبادة والصدق (¬4) (عن معمر، أنا) عبد الله (ابن طاوس) سمي بذلك لأنه كان طاوس القراء (عن أبيه) طاوس بن كيسان الخولاني الهمداني. (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال: ما رأيت شيئًا أشبه باللمم) أصل اللمم والإلمام الميل إلى الشيء وطلبه من غير مداومة عليه، وهو ما عفا الله عنه من صغائر الذنوب بقوله تعالى {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} (¬5)، واختلف فيه، ومعنى الآية والله أعلم: الذين يجتنبون المعاصي غير اللمم يغفر لهم اللمم كما في قوله تعالى {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} (¬6)، فمعنى الآيتين: إن اجتناب الكبائر يسقط الصغائر وهو اللمم، وفسره ابن عباس بما في هذا الحديث من النظر واللمس والغمز والمضاجعة ¬

_ (¬1) "المفهم" 4/ 91. (¬2) أخرجه الترمذي (1158) من حديث جابر - رضي الله عنه -. (¬3) تحرفت إلى: حسان العبدي. والمثبت من مصادر الترجمة. (¬4) "الجرح والتعديل" 7/ 218. (¬5) النجم: 32. (¬6) النساء: 31.

والتقبيل ونحو ذلك، وقيل: هو أن يلم بالذنب ولا يفعله، وقيل: نظره (¬1) بلا تعمد، وقيل: هو ما لم يشرع فيه حدٌّ في الدنيا، ولا نص على عقابه في الآخرة (بما قال أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) لفظ مسلم: قال أبو هريرة: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال (¬2) (إن الله كتب على ابن آدم) أي: قدَّر عليه وقضى، وهو نص في الرد على القدرية، والظاهر أن المراد به العموم، فمعنى كتب على كل مكلف من بني آدم (حظه) أي نصيبه (من الزنا أدرك) قال القرطبي: كذا صح وهو مرفوع على أنه خبر مبتدأ مضمر، أي: وهو مدرك (ذلك) الذي قدر له (¬3) (لا محالة) بفتح الميم أي: لا بد، ولا حيلة له في التخلص من إدراك ما كتب عليه ووقوعه (فزنا) مقصور (¬4) كقوله: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} (¬5) (العينين النظر) بهما، والمراد به ما زاد على النظرة الأولى التي هي غير مكتسبة، وهي نظرة الفجأة، فالزيادة عليها على سبيل الشهوة المحرمة إلى الأجنبية، وروى البزار بإسناد رواته مشهورون عن أبي موسى، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل عين زانية" (¬6). يعني: إما حقيقيًّا أو مجازيًا، فالحقيقي بإدخال الفرج في ¬

_ (¬1) تحرفت إلى: يضره. والمثبت من كتب التفسير. وهو قول الحسين بن الفضل. وراجع "تفسير الثعلبي" 9/ 149. (¬2) "صحيح مسلم" (2657) (20). (¬3) "المفهم" 6/ 674 وكلام القرطبي على لفظة: "مدرك ذلك لا محالة" وليس على لفظ: "أدرك". (¬4) في المخطوط: مقصرًا. (¬5) الإسراء: 32. (¬6) "مسند البزار" (3034). وهو مخرج عند الترمذي (2786)، وأحمد 4/ 394، والدارمي (2688). وقال الترمذي: حسن صحيح.

الفرج الحرام، والمجازى بالنظر الحرام (وزنا اللسان المنطق) بالكلام الحرام فيما يتعلق بالوطء ونحو ذلك، و (المنطق) في رواية المصنف بفتح الميم وسكون النون، وفي رواية مسلم: "النطق" بغير ميم. (والنفس تمنى) أصله تتمنى بتاءين حذفت إحداهما تخفيفًا (وتشتهي) أي: تتمنى الوطء وتشتهيه، والتمني والشهوة هما زنا النفس؛ لأنها تلتذ بالحديث في ذلك وتتمنى وتشتهي (والفرج) يدخل فيه ذكر الرجل وفرج المرأة (يصدق ذلك ويكذبه) يعني أنه إن حصل إيلاج الفرج الحقيقي يكمل زنا تلك الأعضاء وثبت إثمه عليها، وإن لم يحصل ذلك واجتنب كفر عنه زنا تلك الأعضاء كما قال تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} (¬1). [2153] (ثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (ثنا حماد) بن سلمة (عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان (عن أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لكل) واحد من (ابن آدم حظه) أي: نصيبه الذي كتب عليه (من الزنا) لا محالة (بهذِه القصة) المذكورة (قال) فيها (واليدان تزنيان، فزناهما البطش) وهو الأخذ القوي الشديد، ولعل المراد أخذها إليه بقوة شديدة ليقبلها أو يجامعها أو يضاجعها ونحو ذلك من اللمس على أعضائها وجسمها مما يلتذ به (والرجلان تزنيان) أيضًا زنا حقيقيًّا إن حصل الوطء بعد ذلك، وإلا فمجازيًّا (فزناهما المشي) إلى المزني بها (والفم يزني) أيضًا (فزناه القبل) بضم القاف وفتح الباء الموحدة جمع قبلة كجمع غرف جمع غرفة، والمراد أن زنا الفم تقبيل ¬

_ (¬1) النساء: 31.

وجه الأجنبية. [2154] (ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا الليث، عن) محمد (بن عجلان) القرشي مولى بنت الوليد، أخرج له مسلم (عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح) السمان (عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذِه القصة) المذكورة، و (قال) في هذِه (والأذن زناها الاستماع) إلى ما يتعلق بأمر الزنا ويؤدي إلى تحصيله، وإنما أطلق على هذِه الأمور كلها؛ لأنها مقدماته؛ إذ لا يحصل الزنا الحقيقي في الغالب إلا بعد استعمال هذِه الأعضاء في تحصيله.

45 - باب في وطء السبايا.

45 - باب في وَطْءِ السَّبايا. 2155 - حَدَّثَنا عُبيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ ميْسَرَةَ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ زُريْعٍ، حَدَّثَنا سَعِيدٌ عَنْ قَتادَةَ، عَنْ صالِحٍ أَبِي الخَلِيلِ، عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ الهاشِميِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْريِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ يَوْمَ حُنيْنٍ بَعْثًا إِلَى أَوْطاسٍ فَلَقُوا عَدُوَّهُمْ فَقاتَلُوهُمْ فَظَهَرُوا عَليْهِمْ وَأَصَابُوا لَهُمْ سَبايا فَكَأَنَّ أُناسًا مِنْ أَصْحابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَحَرَّجُوا مِنْ غِشْيانِهِنَّ مِنْ أَجْلِ أَزْواجِهِنَّ مِنَ المُشْرِكِينَ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعالَى في ذَلِكَ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} أي فَهُنَّ لَهُمْ حَلالٌ إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ (¬1). 2156 - حَدَّثَنا النُّفيْليُّ، حَدَّثَنا مِسْكِينٌ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُميْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبيْرِ بْنِ نُفيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الدَّرْداءِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ في غَزْوَةٍ فَرَأى امْرَأَةً مُجِحًّا فَقَالَ: "لَعَلَّ صاحِبَها أَلَمَّ بِها". قَالُوا: نَعَمْ. فَقَالَ: "لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنَةً تَدْخُلُ مَعَهُ في قَبْرِهِ كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لا يَحِلُّ لَهُ وَكَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لا يَحِلُّ لَهُ" (¬2). 2157 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنا شَرِيكٌ عَنْ قيْسِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي الوَدَّاكِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْريِّ وَرَفَعَهُ أَنَّهُ قَالَ: في سَبايا أَوْطاسٍ: "لا تُوطَأُ حامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلا غيْرُ ذاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حيْضَةً" (¬3). 2158 - حَدَّثَنا النُّفيْليُّ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ حَدَّثَني يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي مَرْزُوقٍ، عَنْ حَنَشٍ الصَّنْعانِيِّ، عَنْ رُويْفِعِ بْنِ ثابِتٍ الأَنْصَاريِّ قَالَ: قَامَ فِينا خَطِيبًا قَالَ: أَما إِنِّي لا أَقُولُ لَكُمْ إِلَّا ما سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1456/ 33)، والترمذي (1132)، والنسائي 6/ 110، وأحمد 3/ 84 من طريق قتادة به. (¬2) رواه مسلم (1441). (¬3) رواه أحمد 3/ 28، 62، 87، والدارمي (2341)، والحاكم 2/ 195، والبيهقي 7/ 449. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1873).

- صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ يَوْمَ حُنَيْنٍ قَالَ: "لا يَحِلُّ لاِمْرِئٍ يُؤْمِنُ باللهِ واليَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْقيَ ماءَهُ زَرْعَ غيْرِهِ". يَعْني: إِتْيانَ الحَبالَى: "وَلا يَحِلُّ لاِمْرِئٍ يُؤْمِنُ باللهِ واليَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَقَعَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنَ السَّبْى حَتَّى يَسْتَبْرِئَها وَلا يَحِلُّ لاِمْرِئٍ يُؤْمِنُ باللهِ واليَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَبِيعَ مَغْنَمًا حَتَّى يُقْسَمَ" (¬1). 2159 - حَدَّثَنا سَعِيدُ بْن مَنْصُورٍ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ ابن إِسْحاقَ بهَذا الحَدِيثِ قَالَ: "حَتَّى يَسْتَبْرِئَها بِحيْضَةٍ". زادَ فِيهِ (بِحيْضَةٍ) وَهُوَ وَهَمٌ مِنْ أَبي مُعاوِيةَ وَهُوَ صَحِيحٌ في حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ زادَ: "وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللهِ واليَوْمِ الآخِرِ فَلا يَرْكَبْ دابَّةً مِنْ فَيء المُسْلِمِينَ حَتَّى إِذَا أَعْجَفَها رَدَّها فِيهِ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللهِ واليَوْمِ الآخِرِ فَلا يَلْبَسْ ثَوْبًا مِنْ فَيء المُسْلِمِينَ حَتَّى إِذَا أَخْلَقَهُ رَدَّهُ فِيهِ" (¬2). قَالَ أَبُو دَاوُدَ: الحيْضَةُ ليْسَتْ بِمَحْفُوظَةٍ وَهُوَ وَهَمٌ مِنْ أَبِي مُعاوِيَةَ. * * * باب في وطء السبايا [2155] (ثنا عبيد الله) مصغر (بن عمر بن ميسرة) القواريري شيخ الشيخين (ثنا يزيد بن زريع، ثنا سعيد) بن أبي عروبة (عن قتادة، عن صالح) بن أبي مريم الضبعي مولاهم (أبي الخليل) البصري (عن أبي علقمة) ذكره ابن عبد البر فيمن لم يذكر له سوى كنيته (الهاشمي) مولى بني هاشم الأنصاري، روى ابن عبد البر عن أبي حاتم أن أحاديثه ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1131)، وأحمد 4/ 108، وابن حبان (4850). وانظر ما بعده. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1874). (¬2) أخرجه أحمد 4/ 158، والدارمي (2520) من طريق محمد بن إسحاق بنحوه. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1875).

صحاح (¬1). (عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث يوم) غزوة (حنين) بعد فتح مكة (بعثًا) لما انهزمت هوازن يوم حنين وعسكر بعضهم بأوطاس، وتوجه بعضهم نحو نخلة، وكان في البعث أبو عامر الأشعري (إلى أوطاس) وأوطاس موضع عند الطائف يجوز فيه الصرف وعدمه. (فلقوا) بضم القاف (عدوهم) المشركين من هوازن (فقاتلوهم) فقاتل أبو عامر الأشعري بعد أن بادر تسعة فقتلهم وقُتِل. قتله سلمة بن دريد (فظهروا عليهم) أي: بالغلبة وفتح الله على يد أبي موسى الأشعري فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم اغفر لأبي عامر واجعله من أعلى أمتي في الجنة، واغفر لأبي موسى" (¬2). (وأصابوا لهم سبايا) من العدو، والسبايا جمع سبية (¬3) مثل عطايا وعطية (فكأن أناسا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحرجوا) أي خافوا الحرج وهو الإثم، وفي بعض الروايات لغير المصنف: تحوبوا بالباء الموحدة أي: خافوا الحوب وهو الإثم أيضًا (من غشيانهن) أي: وطئهن (من أجل أزواجهن) ظنوا أن نكاح أزواجهن لم ينقطع عصمته، ومن لم تنقطع عصمتها لا يجوز نكاحها. قال القرطبي: وفي هذا ما يدل على وجوب توقف الإنسان وبحثه وسؤاله عما لا يتحقق وجهه ولا حكمه، وهو دأب من يخاف الله، ¬

_ (¬1) انظر "تهذيب الكمال" للمزي 34/ 102. (¬2) أخرجه البخاري (4323)، ومسلم (2498) (165) من حديث أبي موسى - رضي الله عنه -. (¬3) في المخطوط: سبي. والصواب المثبت؛ لما بعده.

ولا يختلف في أن ما لا يتبين حكمه لا يجوز الإقدام عليه (¬1). (فأنزل الله في ذلك: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ}) (¬2) أي: الزوجات من النساء حرام على غير (¬3) أزواجهن ({إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}) (¬4) أي: ما ملكتم بالسبي؛ فإنه ينفسخ نكاح زوجها الكافر (أي: فهن لهم) أي: لكم (حلال) وطئهن والاستمتاع بهن (إذا انقضت عدتهن) أي: استبرءوهن من ماء الزوج بوضع الحمل من الحوامل، وبحيضة من الحوائل كما جاءت به الأحاديث الصحيحة. قال النووي: اعلم أن مذهب الشافعي ومن قال بقوله من العلماء أن وطء المسبية من عبدة الأوثان وغيرهم من الكفار الذين لا كتاب لهم لا يحل وطئها بملك اليمين حتى تسلم، فما دامت على دينها فهي محرمة، وهؤلاء المسبيات كن من مشركي العرب عبدة الأوثان، فيتأول هذا الحديث وشبهه على أنهن أسلمن، وهذا التأويل لا بد منه (¬5). قال عياض: السبي عندنا في المشهور يهدم النكاح بهذِه الآية سواء سُبي الزوجان معًا أو مفترقين (¬6). واختلف العلماء في الأمة - يعني: المشركة - إذا بيعت وهي تحت زوج: هل يكون بيعها فسخًا لنكاحها؟ فمنع من ذلك مالك (¬7) ¬

_ (¬1) "المفهم" 4/ 193. (¬2) النساء: 24. (¬3) ليست بالأصل والسياق يقتضيها. (¬4) النساء: 24. (¬5) "شرح النووي على مسلم" 10/ 36. (¬6) "إكمال المعلم" 4/ 645. (¬7) انظر "الاستذكار" لابن عبد البر 6/ 299.

والشافعي (¬1) والجمهور، وذهب ابن عباس وبعض الصحابة أن ذلك فسخًا للنكاح أخذًا من عموم هذِه الآية وهو قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}، ولم يفرق بين ما ملكت أيماننا بسبي أو شراء وهذا على عمومه عندهم (¬2). قال: وتحقيق القول في هذِه المسألة أن هذا عموم خرج على سبب، فمن رأى قصر العموم إذا خرج على سبب لم يكن فيه حجة على جمهور العلماء؛ لأنه كأنه قال: إلا ما ملكت أيمانكم بالسبي، وإذا قلنا أن العموم إذا خرج على سبب يجب حمله على مقتضى اللفظ في التفهم اقتضى ذلك فسخ نكاح الأمة بالشراء كما ينفسخ بالسبي، لكن حديث بريرة في شراء عائشة لها ثم لم يفسخ ذلك نكاحها، بل خيرها - عليه السلام - لما عتقت في فسخ النكاح دليل على أن البيع لا يفسخ نكاح الأمة ذات الزوج، ولكن هذا خبر واحد في تخصيص عموم القرآن، فهل يختص أم لا؟ فيه خلاف للأصولية. قال: وقوله: "فهن حلال لكم" دليل على صحة أنكحة أهل الشرك ولحوق الأنساب بها، ولولا ذلك لم يحتج إلى العدة. [2156] (ثنا) عبد الله بن محمد (النفيلي، ثنا مسكين) بن بكير (¬3) الحراني الحذاء، أخرج له الشيخان (ثنا شعبة، عن يزيد بن خمير) بضم الخاء المعجمة وفتح الميم مصغر الرحبي الهمداني، أخرج له ¬

_ (¬1) "الأم" 5/ 176. (¬2) راجع "السنن الكبرى" للبيهقي 7/ 167. (¬3) تحرفت إلى: مسكين. والمثبت الصواب.

مسلم (عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه) جبير بن نفير الحضرمي، أخرج له مسلم (عن أبي الدرداء - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في غزوة فرأى) لفظ مسلم: أتى (¬1). بفتح الهمزة والتاء على أنه فعل ماضٍ، وهو بمعنى: مر، فرأى (امرأة مجحا) بضم الميم وكسر الجيم بعدها حاء مهملة مشددة، وهي الحامل التي قربت ولادتها، زاد مسلم: على باب فسطاط. هو خباء صغير من الشعر (فقال: لعل صاحبها ألم بها) ولمسلم: "لعله يريد أن يلم بها". أي: يريد أن يطأها، والإلمام كناية عنه، وأصل الإلمام النزول (قالوا: فعم. قال: لقد هممت أن ألعنه لعنة) تستمر معه، و (تدخل معه في قبره) هذا وعيد شديد على وطء السبايا الحبالي حتى يضعن حملهن، وهو دليل على تحريم ذلك مطلقًا سواء كان الحمل من وطء صحيح أو فاسد أو زنا؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم يستفصل عن سبب الحمل وترك الاستفصال عن سبب الحمل، وترك الاستفصال في قضايا الاحتمال منزل منزلة العموم في المقال كما هي قاعدة مذهب الشافعي، ولا ذكر في هذا الحديث أنه يختلف حكمه، وهذا موضع لا يصح فيه تأخير البيان، وإلى الأخذ بظاهر هذا أخذ جماهير العلماء (كيف يورثه) بفتح الواو وتشديد الراء (وهو) تقدير الحديث أنه يستلحقه ويجعله ابنا له ويورثه ميراثه مع أنه (لا يحل له) توريثه لكونه ليس منه، فلا يحل توريثه ومزاحمته لباقي الورثة (وكيف) كيف يجوز له أن (يستخدمه) استخدام العبيد، ويجعله عبدًا يتملكه مع أنه ليس بعبد لما خالطه من أجزاء الحر كما سيأتي، ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1441) (139).

فلا يحل له استخدامه لكونه إذا وضعته لمدة يحتمل كونه من كل واحد منهما، فيجب عليه الامتناع من وطئها خوفًا من هذا المحذور، وهذا هو الظاهر في معنى الحديث. قال القرطبي: وفي هذا الحديث تنبيه منه - صلى الله عليه وسلم - على أن واطئ (¬1) الحامل له مشاركة في الولد، وبيانه أن ماء الوطء ينمي الولد ويزيد في أجزائه وينميه فيحصل مشاركة هذا الواطئ للأب، ولذلك قال - عليه السلام -: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسق ماءه زرع غيره" (¬2)، قال: وفيه من الفقه استحالة اجتماع الحرية والرق في شخص واحد، وأن من فيه شائبة بنوة لا يملك (¬3). [2157] (ثنا عمرو بن عون) الواسطي البزاز (أنا شريك) بن عبد الله القاضي، أخرج له مسلم (عن قيس بن وهب) الهمداني الكوفي، أخرج له مسلم في الفتن (عن أبي الوداك) جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة ابن نوف الهمداني، أخرج له مسلم. (عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ورفعه) إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - (أنه قال في سبايا أوطاس) تقدم قريبًا (لا توطأ) أي: لا تحل أن توطأ؛ لما روى الدارقطني وابن أبي شيبة بلفظ: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن توطأ حامل (¬4). وكما يحرم الوطء يحرم تقبيلها والاستمتاع بها في غير الفرج؛ لأنه من ¬

_ (¬1) سقطت من الأصل. واستدركتها من "المفهم" للقرطبي. (¬2) أخرجه الترمذي (1131) وغيره من حديث رويفع بن ثابت. وقال: حديث حسن. وسيأتي تخريجه قريبًا (2158) في هذا الباب. (¬3) "المفهم" 4/ 172. (¬4) أخرجه ابن أبي شيبة (7746) عن الشعبي، والدارقطني (3640) عن ابن عباس.

مقدمات الجماع، ويدعو إليه، ويستمر التحريم حتى يحصل الاستبراء - ومفهوم الحديث الجواز، وبه قال الحسن: لا يحرم من المستبرأة إلا فرجها، وله أن يستمتع منها بما شاء ما لم يمس فرجها؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما نهى عن الوطء فاختص بالفرج، ولأن كل استبراء حرم الوطء حرم دواعيه كالعدة لأنه (¬1) داعية إلى الوطء المحرم لأجل اختلاط المياه واشتباه الأنساب، وعن أحمد أنه لا يحرم لما روي عن ابن عمر أنه قال: وقع في سهمي يوم جلولاء جارية كأن عنقها إبريق فضة، فما ملكت نفسي أن قمت إليها فقبلتها والناس ينظرون (¬2) (حامل) ولو كان من زنا لإطلاق الحديث، وهو الذي صححه النووي (¬3) تبعًا للمتولي. (حتى تضع) حملها ولو ميتًا أو مضغة فيها صورة آدمي لا علقة، والمراد بالوضع وضع كل الحمل كما هو ظاهر الحديث لا بعضه، ولو فضل إلى أن يخرج معظمه حيث لم يبق منه إلا بعض يد فهو كالمنفصل جميعه، ولو كان الحمل توأمين فلا يحصل الاستبراء إلا بوضع الثاني؛ لأنهما حمل واحد (ولا) توطأ (غير ذات حمل) ورواية أحمد (¬4) وابن أبي شيبة (¬5): والحائل. وهي بمعناها أي: ولا يستمتع ¬

_ (¬1) في المخطوط لأمه. (¬2) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (16921)، والبخاري في "التاريخ الكبير" 1/ 419 من طريق حماد به. (¬3) "روضة الطالبين" 8/ 426. (¬4) "مسند أحمد" 3/ 28. وروايته: غير حامل. كرواية المصنف. (¬5) "مصنف ابن أبي شيبة" (17751).

بها في غير الفرج (حتى تحيض) واستدل به الرافعي على أن الحامل [لا] (¬1) تحيض، قال: لأنه جعل الحيض دليلًا على براءة الرحم، فلو قلنا: الحامل تحيض ولو حيضة (لبطلت دلالته) (¬2) ولهذا أكدها بقوله: (حيضة) (¬3) ولفظ ابن أبي شيبة: حتى تستبرأ بحيضة (¬4). يعني: كاملة، فلا يكفي بعض الحيض حتى لو كانت حائضًا عند وجوب الاستبراء لم ينقضي الاستبراء حتى تطهر وتحيض حيضة أخرى للحديث، ويخالف بقية الطهر حيث يعتد بها طهرًا في العدة وفي الاستبراء على رأى؛ لأن بقية الحيض مستعقب الطهر الذي لا دلالة له على البراءة، وعن مالك: إن وجد الاستبراء في أول الدم حسب للباقي، وإن وجد في آخره لم يحسب (¬5). والقول الثاني وهو القديم ونص عليه في "الإملاء": استبراؤها بالطهر قياسًا على العدة. [2158] (ثنا) محمد بن محمد (النفيلي، ثنا محمد بن سلمة) بفتح السين واللام وهو ابن عبد الله الباهلي، أخرج له مسلم. (عن محمد بن إسحاق) صاحب "المغازي"، قال (حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن أبي مرزوق) حبيب بن الشهيد التجيبي، ثم القتيري مولاهم البصري. ¬

_ (¬1) سقط من المخطوط. (¬2) في الأصل: كاملة على الأظهر. والمثبت من "الشرح الكبير" للرافعي 2/ 576. (¬3) "الشرح الكبير" للرافعي. (¬4) "مصنف ابن أبي شيبة" (17751). (¬5) "المدونة" 2/ 18.

(عن حنش) بفتح الحاء المهملة والنون ثم شين معجمة، وهو ابن عبد الله (الصنعاني) السبائي دمشقي، نزل أفريقية، وثقه أبو زرعة وغيره (¬1). (عن رويفع) مصغر (ابن ثابت) بن سكن (الأنصاري) النجاري أمير المغرب لمعاوية وغزا له أفريقية وهو صحابي يعد في المصريين. (قال) حنش (قام فينا) رويفع (خطيبًا) والظاهر أنه فعل في قيامه للخطبة كما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل (فقال: أما) بتخفيف الميم حرف استفتاح، ولهذا كسر الهمزة بعده (إني لا أقول لكم إلا ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول) فيه تبليغ ما سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما بعده ممن لم يسمعه ممتثلًا لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليبلغ الشاهد منكم الغائب" (¬2) يقوم (يوم) وقعة (حنين) وهوازن (لا يحل لامرئ يؤمن بالله و) يصدق بمجيء (اليوم الآخر) قال القرطبي: الإيمان الكامل المنجي من عذاب الله الموصل إلى رضوان الله؛ لأن من آمن بالله واليوم الآخر خاف وعيده ورجا ثوابه، ومن آمن بالله واليوم الآخر استعد له واجتهد في دفع ما يدفع به أهواله من الانتهاء عما نهى الله من وطء المسبية وغيرها، وأتي بما أمر الله تعالى من الفرائض والمستحبات ليتقرب إلى الله تعالى (¬3) (أن يقع على امرأة من السبي) بجماع ولا تقبيل ولا غيره من الاستمتاعات المذكورة (حتى يستبرئ) أي: يطلب براءة رحمها من الحمل، قال الشافعي وغيره: يجب الاستبراء لشيئين: للتعبد، وللبراءة ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 3/ 291. (¬2) أخرجه البخاري (105) من حديث أبي بكرة رضي الله تعالى عنه. (¬3) "المفهم" 1/ 229. بتصرف.

من الحمل بوضع الحمل أو بحيضة كاملة (¬1). (ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه) سمى المني ماء كما سماه الله تعالى {مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} (¬2) (زرع غيره) فشبه - صلى الله عليه وسلم - النطفة إذا علقت بالرحم بالزرع إذا نبت ورسخ في الأرض، وفي قوله: "زرع غيره" قطع إضافة ملك الزرع إلى الساقي وإثباته لرب الأرض التي زرع فيها وتقدم فيه زيادة (يعني) به (إتيان) أي: وطء النساء (الحبالى) من غيره (ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر) معنى الحديث: أن من التزم شرائع الإسلام لزمه (أن) لا (يبيع مغنمًا) أي: شيئًا مما غنمه الغازون من أهل الشرك بإيجاف خيل وقتال (حتى يقسم) بضم أوله على البناء للمجهول، وفيه حجة على أن من باع شيئًا من مال الغنيمة قبل أن يقسم فبيعه باطل؛ لأنه لا يملك التصرف فيه بالبيع والإجارة ونحوها إلا بالقسمة، لكن الأمير إذا باع شيئًا من المغنم قبل قسمه للمصلحة الظاهرة في ذلك صح بيعه، فإذا قسمت الغنائم في دار الإسلام أو دار الحرب جاز لمن أخذ سهمه أن يتصرف فيه بالبيع وغيره. [2159] (ثنا سعيد بن منصور) بن شعبة الخراساني (ثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (عن) محمد (بن إسحاق) صاحب "المغازي" بهذا الحديث المذكور (وقال) فيه: ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر يسقي ماءه غيره (حتى يستبرئها بحيضة) كاملة كما تقدم (وزاد) هذِه الرواية (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يركب دابة من فيء ¬

_ (¬1) "الأم" 6/ 257. (¬2) الطارق: 6.

المسلمين) الفيء ما حصل بعد انقضاء الحرب بغير إيجاف خيل ولا ركاب، وكذا لا تركب دابة من غنيمة المسلمين وهي ما حصل بإيجاف الخيل والركاب؛ لأنه في معنى الفيء، وسيأتي (حتى إذا أعجفها) أي: أهزلها، والعجفاء المهزولة من الإبل والبقر والغنم (ردها فيه) أي: في المغنم، فيه أنه لا يجوز الانتفاع بركوب شيء من دوابه، فلو خالف وركب لزمه أجرة ذلك، وإن رده وأرش ما نقص من قيمته بالهزال والعرج ونحو ذلك، فلو احتاج إلى ركوب شيء منه لشدة حر أو برد أو غير ذلك استأذن الإمام وحسب عليه، وللإمام أن يأذن له في ركوب مدة الحاجة بأجرة ثم يرده إلى المغنم (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس) بفتح الموحدة (ثوبًا من فيء المسلمين) فيه ما تقدم (حتى إذا أخلقه) أي: أبلاه، يقال: خلق الثوب بضم اللام إذا بلي وتمزق، وأخلق بالألف لغة، فيستعمل أخلقته لازمًا ومتعديًا (رده فيه) (¬1) فيه أنه لا يجوز استعمال شيء من ثياب المغنم بلبس أو غيره، فإن استعمله لزمه الأجرة كما يلزمه القيمة لو أتلف بعضه فإن احتاج إليه لشدة برد ونحوه استأذن الإمام كما تقدم في الركوب. (قال المصنف: الحيضة) في الرواية المذكورة (ليست بمحفوظة) عند الحفاظ المعتبرين. ¬

_ (¬1) أخرجه سعيد بن منصور في "سننه" (2722) به، وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1875).

46 - باب في جامع النكاح.

46 - باب في جامِعِ النِّكَاحِ. 2160 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شيْبَةَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ قالا: حَدَّثَنا أَبُو خالِدٍ - يَعْني: سُليْمانَ بْنَ حيّانَ - عَنِ ابن عَجْلَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً أَوِ اشْتَرى خادِمًا فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خيْرَها وَخيْرَ ما جَبَلْتَها عَليْهِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّها وَمِنْ شَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَليْهِ وَإِذَا اشْتَرى بَعِيرًا فَلْيَأْخُذْ بِذِرْوَةِ سَنامِهِ وَلْيَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: زادَ أَبُو سَعِيدٍ: "ثُمَّ لْيَأْخُذْ بِناصِيَتِها وَلْيَدْعُ بِالبَرَكَةِ". في المَرْأَةِ والخادِمِ (¬1). 2161 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْن عِيسَى، حَدَّثَنا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ كُريْبٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَرادَ أَنْ يَأْتيَ أَهْلَهُ قَالَ بِسْمِ اللهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطانَ مَا رَزَقْتَنا ثُمَّ قُدِّرَ أَنْ يَكُونَ بيْنَهُما وَلَدٌ في ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ شيْطَانٌ أَبَدًا" (¬2). 2162 - حَدَّثَنا هَنَّادٌ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيانَ، عَنْ سُهيْلِ بْن أَبِي صالِحٍ عَنِ الحَارِثِ بْنِ مُخَلَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرْيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ في دُبُرِها" (¬3). 2163 - حَدَّثَنا ابن بَشَّارٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جابِرًا يَقُولُ إِنَّ اليَهُودَ يَقُولُونَ إِذَا جَامَعَ الرَّجُل أَهْلَهُ في فَرْجِها ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (1918، 2252)، والنسائي في "السنن الكبرى" (10069، 10093). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1876). (¬2) رواه البخاري (141)، ومسلم (1434). (¬3) رواه ابن ماجه (1923)، وأحمد 2/ 444، والدارمي (1180)، والنسائي في "السنن الكبرى" (9015). واللفظ لأحمد والنسائي. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1878)، قال: حديث حسن بهذا اللفظ، والأصح عنه بلفظ: "لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها".

مِن وَرائِها كَانَ وَلَدُهُ أَحْوَلَ فَأَنْزَلَ اللهُ - سبحانه وتعالى -: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (¬1). 2164 - حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْن يَحْيَى أَبُو الأَصْبَغِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ - يَعْني: ابن سَلَمَةَ -، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ أَبانَ بْنِ صالِحٍ عَنْ مُجاهِدٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ إِنَّ ابن عُمَرَ - والله يَغْفِرُ لَهُ - أَوْهَمَ إِنَّما كَانَ هذا الحَى مِنَ الأَنْصَارِ - وَهُمْ أَهْلُ وَثَنٍ - مَعَ هذا الحَى مِنْ يَهُودَ - وَهُمْ أَهْلُ كِتابٍ - وَكَانُوا يَرَوْنَ لَهُمْ فَضْلًا عَليْهِمْ في العِلْمِ فَكَانُوا يَقْتَدُونَ بِكَثِيرٍ مِنْ فِعْلِهِمْ وَكانَ مِنْ أَمْرِ أَهْلِ الكِتابِ أَنْ لا يَأْتُوا النِّساءَ إِلَّا عَلَى حَرْفٍ وَذَلِكَ أَسْتَرُ ما تَكُونُ المَرْأَةُ فَكَانَ هذا الحَى مِنَ الأَنْصارِ قَدْ أَخَذُوا بِذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ وَكَانَ هذا الحَى مِنْ قُريْشٍ يَشْرَحُونَ النِّساءَ شَرْحًا مُنْكَرًا ويَتَلَذَّذُونَ مِنْهُنَّ مُقْبِلاتٍ وَمُدْبِراتٍ وَمُسْتَلْقِياتٍ فَلَمَّا قَدِمَ المُهَاجِرُونَ المَدِينَةَ تَزَوَّجَ رَجُلٌ مِنْهُمُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ فَذَهَبَ يَصْنَعُ بِها ذَلِكَ فَأَنْكَرَتْهُ عَليْهِ وقَالَتْ إِنَّما كُنَّا نُؤْتَى عَلَى حَرْفٍ فاصْنَعْ ذَلِكَ وَإِلَّا فاجْتَنِبْنِي حَتَّى شَريَ أَمْرُهُما فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فأَنْزَلَ اللهُ - عز وجل - {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} أي مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِراتٍ وَمُسْتَلْقِياتٍ يَعْنِي بِذَلكَ مَوْضِعَ الوَلَدِ (¬2). * * * باب في جامع النكاح [2160] (ثنا عثمان بن أبي شيبة وعبد الله بن سعيد) بن حصين الكندي (قالا: ثنا أبو خالد سليمان بن حيان) الأحمد (عن محمد بن ¬

_ (¬1) البقرة: 223، والحديث رواه البخاري (4528)، ومسلم (1435). (¬2) رواه الطبري في "تفسيره" 2/ 395 - 396، 396، والحاكم 2/ 195، 279، والبيهقي 7/ 195. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1880).

عجلان) أخرج له مسلم (عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده) - رضي الله عنه -، وتقدم (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا تزوج أحدكم امرأة) ظاهره أن هذا الدعاء يقال عند دخوله على أهله، وبوب عليه ابن ماجه: باب ما يقول إذا دخل عليه أهله، ولفظه: "إذا أفاد أحدكم امرأة" (¬1) (أو اشترى خادمًا) يعني الجارية أو الغلام كما في رواية النسائي (¬2) والحاكم في المستدرك (¬3) (فليقل: اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه) قال في النهاية: أي خلقتها وطبعتها عليه (وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها) لفظ ابن ماجه والحاكم: "جبلت" (¬4) (عليه، وإذا اشترى بعيرًا) لفظ ابن ماجه وغيره: "دابة"، وهو أعم؛ فإنه يشمل البقر والغنم والخيل والبغال ونحو ذلك (فليأخذ بذروة) بكسر الذال المعجمة وسكون الراء المهملة، ويقال: بضم الذال وهو أعلى جزء من السنام، وذروة الجبل وكل شيء أعلاه، والسنام للبعير كالألية للغنم، وجمعه أسنمة (وليقل مثل ذلك) ويستحب أن يقول مع ذلك: اللهم بارك لي فيه وارزقني منه. (قال المصنف: زاد أبو سعيد) عبد الله بن سعيد الأشج شيخ المصنف في روايته (ثم ليأخذ بناصيتها) شعر مقدم الرأس، جمعها النواصي، والناصاة والناصية لغير طيء (وليدعو) كذا الرواية بإثبات الواو بعد لام الأمر، وكان حقها أن تحذف كما في بعض النسخ: "فليدع" وإثباتها ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (1918). (¬2) "السنن الكبرى" للنسائي (9998). (¬3) "المستدرك" 2/ 185 - 186. (¬4) "سنن ابن ماجه" (1918).

محمول على إجراء المعتل مجرى الصحيح، فأثبت الواو واكتفى بتقدير حذف الضمة التي كان ثبوتها منويا بالرفع، ونظيرها قول الشاعر: هجوت زبان ثم جئت معتذرًا ... من هجو زبان فلم تهجو ولم تدع كذا قال ابن مالك، ولا يقال: إنه ضرورة لإمكان أن يقال: من هجو زبان لا تهج ولا تدع (¬1). قال ابن مالك: وأكثر ما يجري المعتل مجرى الصحيح فيما آخره ياء أو واو، فمن ذلك في الياء قراءة قنبل في السبعة (إنه من يتقي ويصبر) (¬2) ومنه قول عائشة: إنه إن يقم مقامك يبكي (¬3). وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إحدى الروايتين: "مروا أبا بكر فليصلي بالناس". ومن مجيء الألف على الأظهر قوله - عليه السلام -: "فلا يغشانا في مجالسنا". قال ابن مالك وغيره: ويجوز أن يكون إثبات الواو من باب الإشباع، فتكون الواو متولدة من إشباع ضمة العين بعد سقوط الواو الأصلية جزمًا. قال: وهي لغة معروفة أعني إثبات الحركات الثلاث وتوليد الأحرف الثلاثة بعدها، ومنه قراءة الحسن (سأوريكم دار الفاسقين) (¬4) بإشباع ضمة الهمزة، ومثله رواية أحمد بن صالح عن ورش: (إياك نعبدو وإياك نستعين) بإشباع ضمة الدال. ¬

_ (¬1) في المخطوط: وليدع. (¬2) انظر: "السبعة في القراءات" 1/ 351. (¬3) أخرجه البخاري (712). (¬4) انظر "تفسير الزمخشري" 2/ 158.

(بالبركة) وهي زيادة الخير، وقيل: دوامه من البركة التي فيها الماء الدائم. (في العبد والخادم) والدابة. [2161] (ثنا محمد بن عيسى) بن نجيح بن الطباع، روى عنه البخاري تعليقًا (ثنا جرير، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد) رافع الأشجعي (عن كريب، عن ابن عباس قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لو أن أحدكم أراد أن يأتي أهله) لفظ ابن السني: "لو أن أحدكم إذا جامع" (¬1). ويحتمل أن تكون (لو) هذِه التي للتمني، قال ابن مالك: لو المصدرية أغنت عن فعل التمني. قال الزمخشري: قد تأتي (لو) في معنى التمني كـ: لو تأتيني فتحدثني. فيقال: إن أراد أن الأصل: وددت لو تأتيني فحذف فعل التمني لدلالة (لو) عليه فأشبهت (ليت) في إشعار التمني (¬2). (قال: بسم الله) قال الغزالي: يستحب أن يبدأ باسم الله ويقول: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} أولًا، ويكبر ويهلل ويقول: باسم الله العلي العظيم، اللهم اجعلها ذرية طيبة إن كنت قدرت أن تخرج ذلك من صلبي، قال: وإذا قرب من الإنزال يقول في نفسه ولا يحرك شفتيه: الحمد لله الذي جعل من الماء بشرًا (¬3). قال ابن أبي جمرة: فمن نسي التسمية حتى أولج فيقول: جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، ويترك التسمية تنزيهًا لاسم الله، ¬

_ (¬1) "عمل اليوم والليلة" (608). (¬2) انظر "مغني اللبيب" لابن هشام 1/ 352. (¬3) "إحياء علوم الدين" 2/ 50.

ويحصل المقصود، ومن تركه الاتباع (¬1). وبوب البخاري على هذا الحديث في الوضوء: باب التسمية على كل حال وعند الوقاع. قال ابن بطال: فيه حث وندب على ذكر الله في كل وقت على طهارة وغيرها، ورد على قول من قال: لا يذكر الله إلا وهو طاهر، وفيه أن تسمية الله عند ابتداء كل عمل مستحبة تبركًا بها واستشعارًا بأن الله هو الميسر لذلك العمل والمعين عليه (¬2). (اللهم جنبنا) أي: باعدنا عنه، والجنابة البعد (الشيطان) يعني: وذريته (وجنب الشيطان) فإن قيل: لم خاف على المجامع مسندًا إليه وفاعل المرزوق هو الله تعالى؟ قلت: يشبه أن يكون لما كان المجامع بالغًا ينسب إليه الاكتساب الذي يذم عليه ويمدح جاء بلفظ جنبنا وأضيف التجنب إليه، وطلب من الله أن يعينه على التجنب عن الشيطان، ويوفقه لذلك، ولما كان المولود طفلًا ليس له اكتساب ولا حركة أضيف الفعل إلى الله تعالى فقيل: جنب الشيطان (ما رزقتنا) (ما) هو المفعول الثاني لجنب، والمراد منه الولد، وإن كان اللفظ أعم ذلك، وفيه دليل على أن الرزق ليس مخصوصًا بالغداء والعشاء، بل يعم كل ما ينتفع به ولو كان حرامًا، والعائد إلى الموصول محذوف وهو ضمير المفعول الثاني للرزق الذي هو كالإعطاء في أحد المفعولين (ثم قدر أن يكون بينهما ولد) لفظ البخاري: "ثم قدر بينهما في ذلك، أو قضي ولد". والولد يشمل الذكر والأنثى والقضاء والنذر ¬

_ (¬1) كذا. ولم أقف على هذا النقل بعد طول بحث. (¬2) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 1/ 230.

لا فرق بينهما لغةً، وفي الاصطلاح: القضاء هذا الأمر الكلي الإجمالي الذي في الأزل، والقدر وهو جريان ذلك الكلي وتفاصيل ذلك المجمل الواقعة، قاله الكرماني في النكاح (¬1). (في ذلك) الجماع (لم يضره) بفتح الراء؛ لأنه أخف الحركات وضمها لاتباع الضاد والضم أفصح، رواية ابن ماجه: "ثم كان بينهما ولد لم يسلط عليه" (¬2) (الشيطان (¬3) أبدًا) نسخة: شيطان. إن قيل: معنى (لم يضره) لم يصرعه شيطان، وقيل: لا يطعن فيه الشيطان عند ولادته ويطعن في خاصرة من لا يقال في جماعه ذلك. قال عياض: ولم يحمله أحد على العموم على جميع الضرر والوسوسة والإغواء (¬4). قال القرطبي: أما قصره على الصرع وحده فليس بشيء؛ لأنه تحكم بغير دليل مع صلاحية اللفظ له ولغيره، وأما القول الثاني ففاسد؛ بدليل قوله - عليه السلام -: "كل مولود يطعن الشيطان في خاصرته إلا ابن مريم فإنه جاء يطعن في خاصرته فطعن في الحجاب" (¬5)؛ وهذا يدل على أن الناجي من هذا هو عيسى - عليه السلام - وحده؛ لخصوص دعوة أمه {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (¬6)، ثم إن طعنه ليس بلازم منه الضرر؛ لأنه طعن كثيرًا ¬

_ (¬1) "البخاري بشرح الكرماني" 19/ 119. (¬2) "سنن ابن ماجه" (1919). (¬3) أخرجه البخاري (141)، ومسلم (1434) (116). (¬4) "إكمال المعلم" 4/ 610. (¬5) رواه البخاري (3286) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -. (¬6) آل عمران: 36.

من الأنبياء والأولياء ولم يضرهم ذلك. ومقصود الحديث أن الولد يقال له ذلك يحفظ من إضلال الشيطان وإغوائه؛ لأنه يكون من جملة العباد المخصوصين بقوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} (¬1)، وذلك ببركة دعاء الأبوين وبركة اسم الله (¬2). [2162] (ثنا هناد) بن السري (عن وكيع، عن سفيان) بن عيينة (عن سهيل بن أبي صالح) السمان (عن الحارث بن مخلد) بضم الميم وفتح المعجمة وتشديد اللام الزرقي، صدوق (¬3) (عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ملعون من أتى امرأته في دبرها) نسخة: امرأة، وهي أعم من امرأته. ورواية الطبراني والحاكم عن أبي هريرة أيضًا: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لعن الله سبعة من فوق سبع سماوات"، وردد اللعنة على كل واحد منهم ثلاثًا: "ملعون من عمل عمل قوم لوط، ملعون من عمل عمل قوم لوط، ملعون من عمل عمل قوم لوط، ملعون" (¬4). روى الإمام أحمد والبزار ورجالهما رجال الصحيح: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اللوطية الصغرى يأتي الرجل امرأته في دبرها" (¬5). والملعون: الذي تبرأ الله منه وأبعده من رحمته وثوابه. وقال له: ¬

_ (¬1) الإسراء: 65. (¬2) "المفهم": 4/ 159 - 160. (¬3) "الكاشف" 1/ 197. (¬4) أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (8497)، والحاكم في "المستدرك" 4/ 356. (¬5) أخرجه أحمد 2/ 182، والبزار كما في "كشف الأستار" (1455). وقال البزار عقيبه: لا أعلم في هذا الباب حديثًا صحيحًا.

عليك لعنتي كما قال لإبليس اللعين: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} (¬1)، وأصل اللعن في اللغة الإبعاد. وقال القرطبي: إن وطء المرأة في دبرها حرام، وما نسب إلى مالك في كتاب السر ومحمد بن كعب القرظي وأصحاب مالك فباطل، وهم مبرؤون منه؛ لأن الحكمة في خلق الأزواج بث (¬2) النسل، فغير موضع النسل لا يناله ملك النكاح، وهذا هو الحق. وقد قيل: إن القذر من النجو (¬3) أكثر من دم الحيض (¬4). [2163] (ثنا) محمد (ابن بشار قال: ثنا عبد الرحمن) بن مهدي الحافظ البصري (ثنا سفيان، عن محمد بن المنكدر قال: سمعت جابرًا - رضي الله عنه - يقول: إن اليهود) كانوا (يقولون: إذا جامع الرجل أهله) لفظ مسلم: إذا أتى الرجل امرأته (¬5) (في فرجها) أي: قبلها (من ورائها) حالة انتكاسها (كان الولد أحول) رواية: ولده أحول العين اليمنى أو اليسرى، وروى النسائي عن أبي النضر أنه قال لنافع مولى ابن عمر: قد أكثر عليك القول إنك تقول عن ابن عمر أنه أفتى بأن يؤتى النساء في أدبارهن. قال نافع: لقد كذبوا علي، ولكن سأخبرك كيف كان الأمر: إن ابن عمر عرض علي المصحف يومًا وأنا عنده حتى بلغ {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} قال: يا نافع، أتدري ما أمر هذِه الآية؟ إنا كنا ¬

_ (¬1) ص: 78. (¬2) في الأصل: من. (¬3) النجو: ما يخرج من الدبر من ريح وغائط. (¬4) "تفسير القرطبي" 3/ 94. (¬5) "صحيح مسلم" (1435) (117).

معشر قريش نجبي النساء، فلما دخلنا المدينة ونكحنا الأنصار أردنا منهن ما كنا نريد من نسائنا، فإذا هن قد كرهن ذلك، وكان نساء الأنصار إنما يؤتين على جنوبهن (فأنزل الله - عز وجل - {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ}) (¬1) (¬2) تقدم ({فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}) أي: ائتوا مواضع حرثكم كيف شئتم. [2164] (ثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ) بالغين المعجمة، الحراني ثقة (¬3) قال (حدثني محمد بن سلمة) بفتح السين الحراني، مولى باهلة، أخرج له مسلم. (عن محمد بن إسحاق) صاحب "المغازي" (عن أبان) عدم الصرف أفصح (ابن صالح) أبي بكر، علق له البخاري استشهادًا في باب: هل على من لم يشهد الجمعة غسل. (عن مجاهد) (¬4) وفي الجنائز عن الحسن بن مسلم (¬5). (عن ابن عباس قال: إن) عبد الله (بن عمر) رضي الله عنهما (والله) بالرفع (يغفر له) جملة معترضة. فيه استحباب دعاء الإنسان بالتوبة أو المغفرة أو الرحمة أو نحو ذلك لمن ذكره وذكر أنه وقع منه خطأ أو كذب أو نسيان ونحو ذلك، ولا يكون هذا من الغيبة المحرمة، كما ¬

_ (¬1) البقرة: 223. (¬2) أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (8929). (¬3) "الكاشف" 2/ 203. (¬4) أورده البخاري (898) قال: رواه أبان عن مجاهد، عن طاوس، عن أبي هريرة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لله على كل مسلم حق أن يغتسل في كل سبعة أيام يومًا". (¬5) أورده البخاري (1349).

قال الغزالي: اجتنب أنواع الغيبة وهي: غيبة العلماء والمنتسبين إلى أهل الدين والصلاح ليظهروا من أنفسهم التعفف عن الغيبة ولا يدرون أنهم قد جمعوا بين فاحشتين: الرياء والغيبة، مثل أن يقول: فلان المسكين قد بلي بآفة عظيمة تاب الله عليه منها، وكذا غفر الله له ذلك (¬1). (أوهم) ابن عمر، قال الخطابي: كذا وقع في الرواية، والصواب: وهم، من غير ألف يعني: مع كسر الهاء إذا غلط في الشيء، ووهم مفتوحة الهاء إذا ذهب وهمه إلى الشيء، وأوهم بالألف إذا سقط من قراءته انتهى. ومن الأول حديث: إنه سجد للوهم وهو جالس، أي: للغلط. ومن الثاني حديث ابن عباس: إنه وهم في تزويج ميمونة. أي: ذهب وهمه إليه، ومن الثالث: أنه أوهم في صلاته. أي: أسقط منها شيئًا. قال الخطابي: ويشبه أن يكون بلغ ابن عباس عن ابن عمر خلاف ما كان يذهب إليه ابن عباس (¬2). قال المنذري: وقد تتوجه الرواية بأن يكون ابن عباس جعل قول ابن عمر في الآية إسقاطًا للصواب على وجه المجاز، والله أعلم. (إنما كان هذا الحي) بالرفع بدل من (هذا) التي هي اسم كان (من الأنصار) من قريش (وهم) قبل أن يقدموا المدينة ويسلموا (أهل وثن) قال في "النهاية": الفرق بين الوثن والصنم: أن الوثن كل ما له جثة معمولة من جواهر الأرض أو من الخشب أو من الحجارة كصورة ¬

_ (¬1) "إحياء علوم الدين" 3/ 145. (¬2) "معالم السنن" الملحق بـ "مختصر المنذري" 3/ 80 - 81.

الآدمي ينصب فيعبد من دون الله تعالى، والصنم: الصورة بلا جثة يعني على حائط ونحوه. قال: ومنهم من لم يفرق بينهما وأطلقهما على المعنيين، وقد يطلق الوثن على غير الصورة كحديث عدي بن حاتم: قدمت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي عنقي طوق من ذهب، فقال لي: ألق هذا الوثن عنك (¬1). (مع هذا الحي من يهود) غير منصرف للعلمية ووزن الفعل، أو لأنه جعل قبيلة كما قيل: هذِه مجوس، غير منصرف؛ لأنهم أرادوا به القبيلة، ويجوز دخول الألف واللام عليه فيقال: اليهود، والنسبة إليه يهودي، وقيل: اليهودي نسبة إلى يهودا بن يعقوب عليهما السلام، هكذا أورده الصغاني يهودا في باب المهملة (¬2) (وهم أهل كتاب) وكتابهم التوراة المنزلة على موسى - عليه السلام - (وكانوا) يعني: الأنصار قبل أن يسلموا (يرون) بفتح الياء (أن لهم) أي: لليهود، ويحتمل أن يكون الضمير في (وكانوا) يعود (¬3) على اليهود (فضلًا عليهم في العلم) للكتاب الذي أنزل عليهم. فيه فضيلة أيضًا إنصاف الآدمي من نفسه، واعترافه بفضيلة أهل العلم ومرتبتهم عليهم، هذا وهم في الجاهلية الجهلاء، وجاء الإسلام بموافقة ذلك، والمسلمون أحق من اليهود بهذا كما قال - صلى الله عليه وسلم -: لما قدم المدينة فرأى اليهود تصوم عاشوراء فقال: ما هذا؟ قالوا: يوم ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3095) وقال: حديث غريب. وحسنه الألباني في "صحيح سنن الترمذي" (2471). (¬2) انظر: "المصباح المنير" للفيومي: هود. (¬3) في الأصل: يعودون.

صالح نجى الله موسى وبني إسرائيل من عدوهم، فقال: "إنا أحق بموسى منكم"، فصامه وأمر بصيامه (¬1) (فكانوا يقتدون) بهم (في كثير من فعلهم) فيه متابعة أهل العلم والاقتداء بهم فيما يفعلونه ويأمرون به إذا كانوا من العاملين بما علموه وإلا فلا يقتدى بهم كما في كثير من علماء هذا الزمان، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء (¬2). (وكان من أمر أهل الكتاب) وعادتهم المستقرة في جماعهم (أن لا يأتوا النساء إلا على حرف) بفتح الحاء المهملة أي: جنب مضطجعات، والحرف في الأصل هو الطرف والجانب، ومنه حرف الجبل وحرف الرغيف (وذلك) الوطء الذي على هذِه الهيئة والكيفية (أستر ما تكون) من أحوال المرأة وكيفيتها من الجماع، وفيه فضيلة التستر عند الجماع من أعين الإنس والجن، ويدل عليه ما رواه ابن ماجه عن عتبة بن عبد الأسلمي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ولا يتجرد تجرد العيرين" (¬3). والعير بفتح العين المهملة وسكون المثناة تحت ثم راء مهملة هو الحمار الوحشي، والمراد بالحديث أن يتغطى هو وأهله عند الجماع بثوب أو ملحفة أو لحاف ونحوه مما يسترهما جميعًا، وروى الخطيب من حديث أم سلمة: أن ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2004)، ومسلم (1130) (127) وغيرهما من حديث ابن عباس - رضي الله عنه -. وسيأتي تخريجه عند أبي داود مفصلًا (2444) باب في صوم عاشوراء. (¬2) أخرجه البخاري (3558)، ومسلم (2336) (90)، وغيرهما من حديث ابن عباس - رضي الله عنه -. وسيأتي تخريجه عند أبي داود (4188) باب ما جاء في الفرق. (¬3) "السنن" لابن ماجه (1921).

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يغطي رأسه ويغض صوته ويقول للمرأة: "عليك السكينة" (¬1). وإذا كان الجماع على جنب أستر الهيئات فهو أولى الحالات عند الجماع. (فكان هذا الحي من الأنصار) الذين هم أهل الأوثان (قد أخذوا بذلك) الفعل (من فعلهم) في الوطء (وكان هذا الحي من قريش يشرحون) بفتح الياء والراء بينهما شين معجمة (نساءهم) يقال: شرح فلان جاريته إذا وطئها نائمة على قفاها مستلقية، وأصل الشرح في اللغة البسط، ومنه انشراح الصدر وهو انبساطه، وشرحت المسألة إذا بسطت الكلام فيها وبينت المشكل من معناها، وقيل في شرح النساء: أنه التوسعة والبسط في التلذذ والاستمتاع، وشرح الله الصدر وسعه لبيان الحكم الشرعية (شرحًا منكرًا) عند من ينكره ولا يقول به (ويتلذذون منهن) أي: بهن، فمن بمعنى الباء كقوله تعالى {يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} (¬2)، ويحتمل أن تكون للابتداء (مقبلات) بالجر الذي هو علامة النصب؛ لأنه حال من فاعل تلذذ، ويحتمل أن يراد بمقبلات مضطجعات على جنوبهن، وجه الفاعل إلى وجه الموطوءة، والأول الذي يقتضيه سياق الحديث أظهر، والله أعلم بالصواب. ¬

_ (¬1) أخرجه الخطيب كما في "فيض القدير" للمناوي 5/ 90 قال العراقي في "المغني" 1/ 401: رواه عن أم سلمة بسند ضعيف. وقال الزين العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" 1/ 489: إسناده ضعيف. وقد روى الطبراني نحوه في "المعجم الكبير" 22/ 83 رقم (200) من حديث واثلة. (¬2) الشورى: 45.

(ومدبرات متجهات) كما تقدم في الحديث أو باركات (ومستلقيات) على أقفيتهن. (فلما قدم المهاجرون) من مكة إلى (المدينة) الشريفة (تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار، فذهب) لما دخل عليها (يصنع بها) في الوطء الشرح (ذلك) الفعل (فأنكرته عليه؛ ) لكونها لم تألفه ولا اعتادته (قالت: إنما كنا نؤتى على حرف) أي: جنب كما تقدم (فاصنع ذلك) الذي اعتدنا له (وإلا فاجتنبني) كان منها هذا الامتناع قبل نزول الآية وإلا بعد نزولها فلا يجوز للمرأة أن تمتنع منه على أي حال شاء ما دام في محل الوطء المشروع وشاع ذلك (حتى شري) بفتح الشين المعجمة وكسر الراء وفتح المثناة تحت آخره (أمرهما) أي: عظم وتعاظم وارتفع، وأصله من قولهم: شري البرق وأشرى إذا لج في اللمعان وكثر تكرره، وشري السحاب إذا تفرق في وجه الغيم، واستشرى الرجل إذا لج في الأمر (فبلغ ذلك رسول) بالنصب (¬1) (الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله) تعالى ({نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}) (¬2) هذا الحديث يدل على أنه سبب نزول {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} الآية، وفي الحديث الذي قبله حديث نص على أن هذِه الآية نزلت بسبب قول اليهود المذكور. أجاب القرطبي: هذان سببان مختلفان ولا [بعد في نزول] (¬3) الآية ¬

_ (¬1) في الأصول: بالرفع، والمثبت هو الصحيح لغة. (¬2) البقرة: 223. (¬3) بياض في الأصل. واستدركته من "المفهم" 4/ 157.

جوابًا للفريقين في وقت واحد، وتكرر نزول الآية في وقتين مختلفين كما قد روى غير واحد من النقلة في الفاتحة أنها تكرر نزولها بمكة والمدينة. قال: وقد تمسك طائفة بعموم لفظ {أَنَّى شِئْتُمْ} ورأوا أنها متناولة لقبل المرأة ودبرها، فأجازوا وطء المرأة في دبرها، وممن نسب إليه هذا القول سعيد بن المسيب ونافع وابن الماجشون من أصحابنا، وحكي عن مالك في كتاب يسمى كتاب السر، وحكى العتبي إباحة ذلك عن مالك. قال: وأظنه من ذلك الكتاب. قال: وجمهور السلف والعلماء على تحريم ذلك، ولا متمسك للمبيحين بالآية؛ لأنها نزلت جوابًا لما ذكر فيقصر على نوع ما نزلت جوابًا له؛ فإنهم سألوا عن جواز الوطء في الفرج من جهات متعددة فأجيبوا بجوازه، فأتى على عمومها في جهات المسلك الواحد لا في المسالك (¬1). (مقبلات) على جنب كما تقدم (ومدبرات ومستلقيات، يعني بذلك) كله (موضع الولد) وهو القبل. ¬

_ (¬1) "المفهم" 4/ 157 - 158.

47 - باب في إتيان الحائض ومباشرتها.

47 - باب في إِتْيَانِ الحَائِضِ وَمُبَاشَرَتِهَا. 2165 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنَا ثابِتٌ البُنَانيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ اليَهُودَ كَانَتْ إِذَا حَاضَتْ مِنْهُمُ امْرَأَةٌ أَخْرَجُوها مِنَ البيْتِ وَلَمْ يُؤاكِلُوها وَلَمْ يُشَارِبُوها وَلَمْ يُجَامِعُوها في البيْتِ فَسُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "جامِعُوهُنَّ في البُيُوتِ واصْنَعُوا كُلَّ شَيءٍ غيْرَ النِّكَاحِ". فَقالَتِ اليَهُودُ: ما يُرِيدُ هذا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ شيْئًا مِنْ أَمْرِنا إِلَّا خَالَفَنا فِيهِ. فَجاءَ أُسيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالا: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ اليَهُودَ تَقُولُ كَذا وَكَذا أَفَلا نَنْكِحُهُنَّ في المَحِيضِ؟ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ قَدْ وَجِدَ عَليْهِما فَخَرَجا فاسْتَقْبَلَتْهُما هَدِيَّةٌ مِنْ لَبَنٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَبَعَثَ في آثارِهِما فَسَقافما فَظَنَنّا أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ عَليْهِمَا (¬1). 2166 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى عَنْ جابِرِ بْنِ صُبْحٍ قَالَ: سَمِعْتُ خِلَاسًا الهَجَريَّ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها تَقُولُ: كُنْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَبِيتُ في الشِّعارِ الواحِدِ وَأَنَا حائِضٌ طامِثٌ فَإِنْ أَصابَهُ مِنِّي شَيء غَسَلَ مَكَانَهُ وَلَمْ يَعْدُهُ وَإِنْ أَصَابَ - تَعْني: ثَوْبَهُ - مِنْهُ شَيء غَسَلَ مَكانَهُ وَلَمْ يَعْدُهُ وَصَلَّى فِيهِ (¬2). 2167 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ وَمُسَدَّدٌ قالَا: حَدَّثَنا حَفْصٌ عَنِ الشّيْبانيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ خالَتِهِ ميمُونَةَ بِنْتِ الحارِثِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا أَرادَ أَنْ يُبَاشِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسائِهِ وَهيَ حائِضٌ أَمَرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ ثُمَّ يُباشِرُها (¬3). * * * ¬

_ (¬1) سبق برقم (258). وهو صحيح. (¬2) سبق برقم (269). وهو صحيح. (¬3) رواه البخاري (303)، ومسلم (294، 295). وانظر ما سلف برقم (267).

باب في إتيان الحائض ومباشرتها [2165] (ثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (ثنا حماد) بن سلمة (أنا ثابت البناني) بضم الموحدة. (عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: أن اليهود والمجوس كانت إذا حاضت منهم امرأة) أي: رأت الحيض (أخرجوها) أي: اجتمعو اعلى إخراجها (من البيت) ومنعوها من الدخول فيه، والظاهر أن دم النفاس كذلك، وكانت هذِه العادة مستقرة في بني إسرائيل فيهم (ولم يؤاكلوها) يعني: الرجال، ويحتمل أن يكون النساء كذلك (ولم يشاربوها) أي: لم يشربوا من الإناء الذي تشرب منه (ولم يجامعوها) في أول الحيض ولا في آخره، لفظ مسلم: ولم يجامعوهن في البيوت (¬1) (في البيت) أي: تحت سقف (فسئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فأنزل الله) في ذلك: ({وَيَسْأَلُونَكَ}) (¬2) ذكر الطبري عن السدي: أن السائل ثابت بن الدحداح (¬3). وقيل: أسيد بن حضير وعباد بن بشر، وهو قول كثيرين، والظاهر أن السائل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما في مسلم: فسأل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله هذِه الآية. ({عَنِ الْمَحِيضِ}) هو الحيض مصدر حاضت حيضًا ومحيضًا ومحاضًا .. (إلى آخر الآية) {وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (302) (16). (¬2) البقرة: 222. (¬3) "تفسير الطبري" 4/ 374.

جامعوهن في البيوت) قال النووي: أي خالطوهن وساكنوهن في بيت واحد، يعني: إن شئتم (¬1) (واصنعوا كل شيء) أي: استمتعوا بكل ما شئتم منهن (غير النكاح) استدل به النووي ومن قال بقوله على أنه يجوز للرجل أن يستمتع بما بين السرة والركبة في غير القبل، وقواه من جهة هذا الحديث الذي استدل به واختاره، فقال: وممن ذهب إلى جوازه عكرمة ومجاهد والشعبي والنخعي والثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل ومحمد بن الحسن وأصبغ وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وابن المنذر من أصحابنا (¬2). واعلم أن أكثر أصحابنا قد فرضوا هذِه المسألة في الاستمتاع وهو شامل للنظر إلى ما بين السرة والركبة في حال الحيض وللمباشرة وهو التقاء البشرتين، وعبر النووي في "المهذب" (¬3) و"التحقيق" بالمباشرة وهو يقتضي إباحة النظر بشهوة، واعلم أن أكثر الأصحاب سكتوا عن مباشرة المرأة لما بين السرة والركبة من الرجل كمس الفرج، والقياس تحريمه في حال الحيض. (فقالت اليهود) حين بلغهم ذلك (ما يريد هذا الرجل أن يدع شيئًا من أمرنا) أي: من أمر ديننا (إلا خالفنا فيه) كان يشق عليهم مخالفة دينهم، ويطمعون أن يرجع إلى دينهم، ولم يزل الآدمي يكره مخالفته في قوله وفعله أو مخالفة مذهبه ونحو ذلك (فجاء أسيد بن حضير) بضم ¬

_ (¬1) انظر "شرح مسلم" 3/ 211. (¬2) "شرح مسلم" 3/ 205. (¬3) "المجموع شرح المهذب" 2/ 365.

أولهما، وحضير بالحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة (وعباد بن بشر) بن قيظي الأشهلي، قتل يوم اليمامة، وله حديث واحد رواه وهو في "معجم الطبراني" (¬1) (إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالا: يا رسول الله، إن اليهود تقول كذا وكذا) ليس هذا من النميمة في شيء؛ فإن النميمة نقل كلام الغير على وجه الإفساد، وهذا وجه المصلحة المترتبة على ذلك (أفلا ننكحهن) بفتح (¬2) النون، يعني في البيوت و (في المحيض) بفتح الميم (فتمعر) بفتح الميم والعين المهملة المشددة بعدها راء مهملة (وجه رسول الله) أي: تغير وانقبض كراهية لذلك، وبينه رواية مسلم: فتغير (¬3). بالغين المعجمة والمثناة تحت، وأصله قلة النضارة وعدم إشراق اللون من قولهم: مكان أمعر وهو الجدب الذي لا خصب فيه، وقيل: أصله من المعر وهو ذهاب الشعر كأن المراد به ذهاب الدم من الوجه (حتى ظننا أن) مخففة من الثقيلة، تقديره: أنه (قد وجد) أي غضب (عليهما) قال القرطبي: وتغير وجهه - صلى الله عليه وسلم - إنما كان ليبين أن الحامل على مشروعية الأحكام إنما هو أمر الله ونهيه، لا مخالفة أحد ولا موافقته، كما ظنا، ثم لما خرجا من عنده وتركاه على هذِه الحالة خاف عليهما فسقاهما (¬4)، كما سيأتي. (فخرجا) من عنده (فاستقبلتهما) رواية: فاستقبلهما بحذف التاء (هدية ¬

_ (¬1) "المعجم الكبير" 24/ 207 (530) قلت: وهو أيضًا في "الآحاد والمثاني" (530). (¬2) بالأصل: بضم. وهو خطأ. (¬3) "صحيح مسلم" (302/ 16). (¬4) "المفهم" 1/ 561.

من لبن إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فيه إكرام الأكابر والعلماء وأهل الصلاح بالهدايا والتحف، وفيه كما قال أصحابنا وغيرهم: إن الهدية هي ما نقل إلى (¬1) المهدى له لأجل إكرامه وإعظامه، والصدقة ما دفع لثواب الآخرة (فبعث في آثارهما) خوفًا عليهما أن يحزنا ويتكدر حالهما بغضبه فاستدرك ذلك استمالة لقلوبهما وأزال عنهما ما أصابهما بأن أرسل إليهما (فسقاهما) رأفة ورحمة منه لهما على مقتضى خلقه الكريم كما قال تعالى: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (¬2) (فظننا) قال بعضهم: معناه: علمنا (أنه لم يجد) بكسر الجيم، أي: يغضب ويعتب (عليهما) والمصدر منه موجدة بفتح الميم وكسر الجيم، ومما يدل على أن ظننا بمعنى علمنا أنه - صلى الله عليه وسلم - لا يدعوهما إلى مجالسته ومؤاكلته إلا وهو راضٍ عنهما، والظن يكون بمعنى اليقين كثيرًا ومنه قوله تعالى: {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20)} (¬3) أي: تيقنت وعلمت، فظننا الأولى بمعنى: حسبنا، والثانية بمعنى: علمنا، وفيه تطييب نفوسهما، وزوال الوحشة عنهما بسقيهما اللبن ما يدل على ما كان عليه - صلى الله عليه وسلم - من حسن العشرة والرفق بالمؤمنين، شفقة عليهما لما كان يلحقهما من [ظنهما بوجد] (¬4) النبي - صلى الله عليه وسلم - لا سيما فيما هو من باب الدين. [2166] (ثنا مسدد، ثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن جابر بن صبح) ¬

_ (¬1) في المخطوط: عن. والسياق يقتضيه. (¬2) التوبة: 128. (¬3) الحاقة: 20. (¬4) في المخطوط: وجه. والمثبت من "إكمال المعلم" 2/ 135.

بسكون الموحدة الراسبي، وثقه ابن معين (¬1). (قال: سمعت خلاسًا) (¬2) بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام بعدها سين ابن عمرو (الهجري) بفتح الجيم (قال: سمعت عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أنا ورسول) بالرفع عطفًا على الضمير وأنا فاصل ويجوز نصب رسول (الله) (¬3) على المفعول معه (- صلى الله عليه وسلم - نبيت في الشعار) بكسر الشين المعجمة هو ما يلي الجسد من ثوب وغطاء ونحوهما، سمي بذلك لأنه يلي الشعر ويتصل به، والدثار ما فوق الشعار (وأنا حائض) بغير هاء التأنيث، وللنحاة فيه وجهان: أحدهما: أن حائض وطالق وضع لما لا (¬4) شركة فيه للمذكر فاستغني عن العلامة، والثاني وهو الصحيح: أن ذلك على طريق النسب ذات حيض وطلاق، كما قال تعالى: {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} (¬5) أي: ذات انفطار (¬6). فيه جواز مضاجعة الحائض وهما عريانان (¬7) في لحاف أو ملحفة أو نحوهما، لكن بشرط أن تتزر المرأة فيما بين سرتها وركبتها بثوب كما سيأتي في الحديث بعده، والمراد بالمبيت نومه معها إلى أن يستيقظ إلى تهجد، فهو من إطلاق الكل على البعض (طامث) إما أن يكون بمعنى حائض وكرر ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 2/ 501. (¬2) في الأصل: خلاس. والمثبت الجادة. (¬3) كلمة غير مقروءة. (¬4) ليست بالأصل والسياق يقتضيها. (¬5) المزمل: 18. (¬6) في الأصل: انفجار. (¬7) في الأصل: عريان.

لتأكيد الأمر، أو يكون الطامث مخصوصة بأول الحيض كما قال بعضهم، أو تكون الطامث: الحائض التي ترى الدم في حال نومها معه؛ لأنها تكون حائضًا تنام معه ولا ترى الدم؛ فإن الطمث الدم؛ فإنهم قالوا: الطمث يطلق على النكاح فيقال: طمث الرجل امرأته إذا افتضها، لكن قالوا: لا يكون الطمث نكاحًا إلا بالتدمية، وكذا لا تكون الحائض طامثًا إلا حال رؤيتها الدم. (فإن أصابه) أي: أصاب جسمه أو ثوبه (مني) أي: من دم حيضي (شيء غسل مكانه) فقط، فيه وجوب غسل النجاسة (ولم يَعْدُه) بفتح الياء وسكون العين المهملة مع ضم الدال أي: لم يجاوز مكان الدم في غسل ما أصابه، فيه دليل على أنه لا يجب غسل ما جاوز النجاسة، وقد يؤخذ منه أنه لا يجب إزالة أثر الدم ولونه لما تقدم من رواية أبي هريرة، فإن لم يخرج الدم؟ "يكفيك الماء ولا يضرك أثره" (¬1). وقد سبق (¬2) أن الحت والعصر لا يجب، لكن ورد التصريح بالحت في قوله: "حتيه ثم اقرصيه" (¬3). (وصلى فيه) فيه دليل على صحة الصلاة في الثوب الذي أصابه دم الحيض وغسل مكانه ولما يجاوزه. [2167] (ثنا محمد بن العلاء) أبو كريب (ومسدد، قالا: ثنا حفص) ابن غياث النخعي قاضي الكوفة (عن) سليمان بن أبي سليمان فيروز (الشيباني، عن عبد الله بن شداد) بن الهادي، أخرج له الشيخان (عن ¬

_ (¬1) تقدم برقم (365) باب المرأة تغسل ثوبها. (¬2) من الأصل. (¬3) تقدم برقم (362) باب المرأة تغسل ثوبها.

خالته ميمونة بنت الحارث) الهلالية زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه) التسع (وهي حائض) فيه جواز الاستمتاع بالحائض فيما عدا ما بين السرة والركبة وهو الصحيح، وقيل: يحرم الاستمتاع بما أصابه دم الحيض من بدنها لوجود المعنى المقتضي لتحريم الوطء، وقيل: يحرم الاستمتاع بجميع بدنها لظاهر القرآن، حكاه الرافعي عن أبي عبيد بن حربويه في كتاب النكاح (أمرها أن تتزر) كذا اشتهر بالتشديد. قال المطرزي: وهو عامي، والصواب ائتزر بسكون الهمزة التي هي فاء افتعل (¬1). وقد نص الزمخشري على خطأ من قال اتزر بالإدغام، وأما ابن مالك فحاول تخريجه على وجه يصح، وقال: إنه مقصور على السماع كاتكل يتكل، فمنه قراءة ابن محيصن وعاصم في شاذة: (الذي اتمن) بألف وصل وتاء مشددة (¬2). قال أبو حيان: معنى قول المطرزي: عامي. أنه من إحداث العامة لا من أصل قواعد اللغة، قال: وذكر غيره أن ذلك لغة رديئة (¬3). وحكى سيبويه في كتابه: قال بعض العرب: أمرها أن تتزر، ومعناه: أن تشد إزارها في وسطها تستر ما بين السرة والركبة (ثم يباشرها) المباشرة هنا ملاقاة البشرة لا الجماع. ¬

_ (¬1) "المغرب" ص 25 (أزر). (¬2) "شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح" لابن مالك ص 238. (¬3) "تفسير البحر المحيط" لأبي حيان 2/ 745.

48 - باب في كفارة من أتى حائضا.

48 - باب في كَفَّارَةِ مَنْ أَتَى حَائِضًا. 2168 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ - غيْرُهُ، عَنْ سَعِيدٍ -، حَدَّثَنِي الحَكَمُ، عَنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الذي يَأْتي امْرَأَتَهُ وَهيَ حائِضٌ قَالَ: "يَتَصَدَّقُ بِدِينارٍ أَوْ بِنِصْفِ دِينارٍ" (¬1). 2169 - حَدَّثَنا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ مُطَهَّرٍ، حَدَّثَنا جَعْفَرٌ - يَعْني: ابن سُليْمانَ -، عَنْ عَليِّ بْنِ الحَكَمِ البُنَانِيِّ، عَنْ أَبي الحَسَنِ الجَزَريِّ عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: إِذَا أَصَابَها في الدَّمِ فَدِينارٌ وَإِذَا أَصابَها في انْقِطاعِ الدَّمِ فَنِصْفُ دِينارٍ (¬2). * * * باب في كفارة من أتى حائضًا [2168] (ثنا مسدد، ثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن شعبة) غيره عن سعيد، قال (حدثني الحكم) بن عتيبة، مولى امرأة من كندة، الكوفي (عن عبد الحميد بن عبد الرحمن) أخرج له البخاري (عن مقسم) بكسر الميم، أخرج له البخاري حديثًا في تفسير النساء (¬3). (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في) الرجل (الذي يأتي امرأته وهي حائض) كذا للنسائي (¬4) بذكر الرجل وإطلاق الحائض، وفيها ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (136)، والنسائي 1/ 153، وابن ماجه (640)، وأحمد 1/ 229، والدارمي (1146) من طريق مقسم به. وقد صححه الحاكم في "المستدرك" 1/ 172. وقال الألباني: إسناده صحيح. وراجع "صحيح سنن أبي داود" (257). (¬2) "مسند أحمد" 1/ 367. سبق برقم (265). وهو صحيح موقوف. (¬3) "صحيح البخاري" (3954). (¬4) "سنن النسائي" 1/ 153.

تفصيل بين أن يأتيها في الدم أو في انقطاعه كما سيأتي في الحديث بعده (قال: يتصدق بدينار أو) على الشك (بنصف دينار) كذا للنسائي (¬1) وابن ماجه، ورواه الترمذي عن حصين، عن مقسم بلفظ يقع على امرأته وهي حائض؛ قال: "يتصدق بنصف دينار". وهو محمول على من وطئ بعد انقطاع الدم، وهكذا الرواية: "بدينار أو بنصف دينار" عند الثلاثة، وأما ما وقع في "الشرح الكبير" للرافعي جاء في رواية: "فليتصدق بدينار وبنصف دينار"، ففيه تحريف وهو حذف الألف، والصواب إثباتها كما تقدم (¬2)، قال المنذري: هذا الحديث اضطرب الرواة فيه اضطرابًا كثيرًا، فروي تارةً مرفوعًا وتارة مرسلًا. قال: وقيل لشعبة: إنك ترفعه. قال: كنت مجنونًا ثم صَحَحْتُ. فرجع عن رفعه بعدما كان يرفعه. وقال شيخنا ابن حجر: شك شعبة في رفعه عن الحكم، عن عبد الحميد. [2169] (ثنا عبد السلام بن مطهر) بتشديد الهاء المفتوحة بن حسام الأزدي، أخرج له البخاري، عن عمر بن المقدمي. (ثنا جعفر بن سليمان) الضبعي، كان مع كثرة علومه أميًّا، أخرج له مسلم عن جماعة (عن علي بن الحكم البناني) بضم الموحدة نسبة إلى بنانة بن سعد بن لؤي بن غالب، وصارت بنانة محلة بالبصرة لنزول هذِه القبيلة ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 1/ 153. (¬2) لم أقف على تلك الرواية عند الرافعي في "الشرح الكبير" وإنما عندنا: من أتى امرأته حائضًا فليتصدق بدينار، ومن أتاها وقد أدبَر الدم فليتصدق بنصف دينار. "الشرح الكبير" 1/ 296.

بها، أخرج البخاري لعلي بن الحكم هذا في الإجارة. (عن أبي الحسن) ذكره ابن عبد البر فيمن لم يذكر له اسم سوى كنيته (¬1) (الجزري) بفتح الجيم والزاي نسبة إلى الجزيرة، مجهول. (عن مقسم، عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال: إذا أصابها في) إقبال (الدم) كذا للبيهقي (¬2). وفي رواية له وللترمذي: إذا كان دمًا أحمر (¬3). ولأبي يعلى والدارمي من طريق أبي جعفر الرازي: في رجل جامع امرأته وهي حائض؛ فقال: إن كان دمًا عبيطًا (¬4) (فدينار) أي: فليتصدق بدينار، كذا في رواية أبي يعلى والدارمي المذكورة، والمراد بالدينار وهو المثقال، والمراد بإقبال الدم أوله، ويجوز صرف هذا إلى واحد (وإذا أصابها في انقطاع الدم) ورواه البيهقي من طريق سعيد بن أبي عروبة وعبد الكريم بن أمية به مرفوعًا وجعل هذا التفسير من قول مقسم فقال: فسر ذلك مقسم فقال: إن غشيها في الدم فدينار، وإن غشيها بعد انقطاع الدم قبل أن تغتسل (¬5) (فنصف دينار) أي: فيتصدق بنصف دينار. وفي رواية لأحمد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل في الحائض نصاب دينار، فإن أصابها وقد أدبر الدم عنها ولم تغتسل فنصف دينار (¬6). ¬

_ (¬1) "الاستغنا في معرفة المشهورين من حملة العلم بالكنى" (1478). (¬2) "السنن الكبرى" 1/ 317. (¬3) سنن الترمذي (137)، "والسنن الكبرى" 1/ 317. (¬4) "سنن الدارمي" (1151)، و"مسند أبي يعلى" (2432). (¬5) "السنن الكبرى" 1/ 317. (¬6) الحديث تقدم تخريجه برقم (265) باب في إتيان الحائض.

قال في "المنتقى": وفيه تنبيه على تحريم الوطء قبل الغسل (¬1). وللترمذي: إن كان دمًا أحمر فدينار، وإن كان دمًا أصفر فنصف دينار (¬2). وهذا الدينار والنصف الدينار التصدق به مستحب، وليس بواجب على الجديد من مذهب الشافعي والقديم، ونقله الداودي في "شرح المختصر" عن الجديد أنه لازم أيضًا، وعلى كلا القولين فالدينار أو نصفه إنما يستحب أو يجب على من جامع متعمدًا عالمًا بالتحريم، فيكون قد ارتكب كبيرة ولا غرم عليه واجبٌ في الجديد، بل يستغفر الله ويتوب إليه (¬3). ¬

_ (¬1) "المنتقى" للباجي 1/ 118. (¬2) انظر "الحاوي الكبير" 1/ 385. (¬3) "سنن الترمذي" 1/ 245 (137).

49 - باب ما جاء في العزل.

49 - باب ما جَاءَ في العَزْلِ. 2170 - حَدَّثَنا إِسْحاقُ بْنُ إِسْماعِيلَ الطَّالقانيُّ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ ابن أَبي نَجِيحٍ عَنْ مُجاهِدٍ عَنْ قَزَعَةَ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ ذُكِرَ ذَلِكَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَعْني: العَزْلَ - قَالَ: "فَلِمَ يَفْعَلُ أَحَدُكُمْ". وَلَمْ يَقُلْ فَلا يَفْعَلْ أَحَدُكُمْ: "فَإِنَّهُ ليْسَتْ مِنْ نَفْسٍ مَخْلُوقَةٍ إِلَّا اللهُ خالِقُها". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَزَعَةُ مَوْلَى زِيادٍ (¬1). 2171 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا أَبانُ، حَدَّثَنا يَحْيَى أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبانَ حَدَّثَهُ أَنَّ رِفاعَةَ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْريِّ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لي جارِيَةً وَأَنا أَعْزِلُ عَنْها وَأَنا أَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ وَأَنَا أُرِيدُ ما يُرِيدُ الرِّجالُ وَإِنَّ اليَهُودَ تُحَدِّثُ أَنَّ العَزْلَ مَوءُودَةُ الصُّغْرى. قَالَ: "كَذَبَتْ يَهُودُ لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَخْلُقَهُ ما اسْتَطَعْتَ أَنْ تَصْرِفَهُ" (¬2). 2172 - حَدَّثَنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبّانَ، عَنِ ابن مُحيْرِيزٍ قَالَ: دَخَلْت المَسْجِدَ فَرَأيْت أَبا سَعِيدٍ الخُدْريَّ فَجَلَسْتُ إِليْهِ فَسَأَلْتُهُ، عَنِ العَزْلِ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في غَزْوَةِ بَنِي المُصْطَلِقِ فَأَصَبْنا سَبْيًا مِنْ سَبْى العَرَبِ فاشْتَهيْنا النِّسَاءَ واشْتَدَّتْ عَليْنا العُزْبَةُ وَأَحْبَبْنا الفِداءَ فَأَرَدْنَا أَنْ نَعْزِلَ ثُمَّ قُلْنا نَعْزِل وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بيْنَ أَظْهُرِنَا قَبْلَ أَنْ نَسْأَلهُ، عَنْ ذَلِكَ فَسَأَلْنَاهُ، عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: "ما عَليْكُمْ أَنْ لا تَفْعَلُوا ما مِنْ نَسَمَةٍ كائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ القِيامَةِ إِلَّا وَهيَ كائِنَةٌ" (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم كما تقدم، والترمذي (1138) من طريق سفيان به. وأخرجه البخاري تعليقًا عقب (7409). (¬2) رواه أحمد 3/ 33، 51، 53، والنسائي في "السنن الكبرى" (9079 - 9082). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1887). (¬3) رواه البخاري (2229، 2542، 4138، 5210، 6603، 7409)، ومسلم (1438).

2173 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا الفَضْلُ بْنُ دُكيْنٍ، حَدَّثَنا زُهيْرٌ، عَنْ أَبي الزُّبيْرِ عَنْ جابِرٍ قَالَ جاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ إِنَّ لِي جارِيَةً أَطُوفُ عَليْها وَأَنا أَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ. فَقَالَ: "اعْزِلْ عَنْها إِنْ شِئْتَ فَإِنَّهُ سيَأْتِيها ما قُدِّرَ لَها". قَالَ: فَلَبِثَ الرَّجُلُ ثُمَّ أَتاهُ فَقَالَ: إِنَّ الجارِيَةَ قَدْ حَمَلَتْ. قَالَ: "قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّهُ سيَأْتِيها ما قُدِّرَ لَها" (¬1). * * * باب ما جاء في العزل [2170] (ثنا إسحاق بن إسماعيل) الطالقاني (¬2) تقدم عن ابن السمعاني أنه بسكون اللام (¬3)، وهو ثقة (ثنا سفيان) بن عيينة (عن) عبد الله (بن أبي نجيح، عن مجاهد، عن قزعة) بفتح الزاي وهو ابن يحيى، ويقال: ابن الأسود مولى زياد (عن أبي سعيد) الخدري - رضي الله عنه - قال (ذكر ذلك عند النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني: العزل) وهو أن يجامع، فإذا أراد الإنزال نزع وأنزل خارج الفرج (فقال: فلم) الأصل فلما، وحذفت ألف (¬4) "ما" الاستفهامية مع دخول لام الجر عليها ليفرق بين ما الخبرية وما الاستفهامية (يفعل أحدكم؟ ) فهم منه ومن: "فلا عليكم أن لا تفعلوا"، ومن "وإنكم تفعلون" ابن سيرين الكراهةَ والإنكارَ، وقال: هو أقرب إلى النهي (¬5). ولهذا قال الشافعي ومن تابعه: إنه ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1439). (¬2) سقطت من الأصل والسياق يقتضيها. راجع "الأنساب" 9/ 8. (¬3) "الأنساب" 9/ 8. (¬4) في الأصل: الألف. والمثبت أليق بالسياق. (¬5) انظر: "إكمال المعلم" 4/ 616.

مكروه في كل حال، وكل امرأة سواء رضيت أم لا؛ لأنه طريق إلى قطع (¬1) النسل. قاله النووي (¬2). (ولم يقل: فلا يفعل) يعني: بصيغة النهي، ففهم منه الراوي وهو من العرب أنه ليس بنهي يقتضي التحريم (فإنه) فإن الأمر أو الشأن (ليست من) زائدة لتأكيد النفي (نفس) ورواية مسلم بإسقاط من (¬3) (مخلوقة) أي: خلقت وأوجدت بعد العدم (إلا) كان (الله خالقها) وخالق كل شيء لا راد لما قضى وقدر أن يخلق لا من زوج بالعزل ولا من غيره، ولا معطي أحد ولدًا ولا غيره لما منع، فالكل منه والكل إليه. (قال أبو داود - رضي الله عنه -: قزعة) بن يحيى (مولى زياد) البصري، يكنى أبا الغادية وأهله يقولون: نحن حرشيون. [2171] (ثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (ثنا أبان) غير منصرف (حدثنا يحيى) بن أبي كثير (أن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان) العامري مولاهم المدني، أخرج له البخاري في التقصير وغيره (أن رفاعة) ويقال فيه: أبو رفاعة عند النسائي (¬4)، ويقال: أبو مطيع عنده (¬5) وهو مقبول (حدثه عن أبي سعيد الخدري: أن رجلًا قال: يا رسول الله إن لي جارية وأنا أطؤها وأعزل عنها، وأنا أكره أن تحمل) مني (وأنا أريد) منها (ما يريد الرجل) من الوطء (وإن اليهود تحدث أن العزل) في ¬

_ (¬1) في الأصل: طريق. والمثبت من "شرح النووي". (¬2) "شرح النووي على مسلم" 10/ 9. (¬3) "صحيح مسلم" (1438) (132). (¬4) "السنن الكبرى" (9031). (¬5) "السنن الكبرى" (9034).

الوطء هو (موؤودة الصغرى) كذا رواية المصنف، وهو من إضافة الموصوف إلى صفته نحو: مسجد الجامع، وهو مؤول عند البصريين على حذف المضاف إليه، وإقامة صفته مقامه، أي: موؤودة القتلة الصغرى، ومسجد المكان الجامع، قال بعضهم: جعل العزل عن المرأة بمنزلة الوأد إلا أنه خفي؛ لأن من يعزل عن امرأته إنما يعزل هربًا من الولد، ولذلك سماه في هذا الحديث: الموءودة الصغرى؛ لأن وأد الأحياء التي كانت تفعله كندة وهو دفن البنات وهن أحياء هو الموؤودة الكبرى (قال: كذبت يهود) غير منصرف كما تقدم، روى النسائي نحو هذا عن جابر وعن أبي هريرة (¬1). قال شيخنا ابن حجر: الظاهر أن هذا الحديث ناسخ لما رواه مسلم من حديث جدامة بنت وهب أخت عكاشة؛ حين سألوه عن العزل، قال: هو الوأد الخفي (¬2). قال: ومع جزم الطحاوي بأن حديث جدامة في مسلم منسوخ، وتعقب، وعكسه ابن حزم (¬3). (لو أراد الله) تعالى (أن يخلقه) يعني: الولد (ما استطعت أن تصرفه) عما أراد سبحانه من الخلق الذي كتبه في الأزل قبل أن يخلق خلقه. [2172] (ثنا) عبد الله بن مسلمة (القعنبي، عن مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) فروخ مولى المنكدر بن عبد الله الرازي التيمي (عن يحيى بن يحيى بن حبان) بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة ابن ¬

_ (¬1) أخرجه النسائي في "الكبرى" (8924) عن جابر، وفي (9035) عن أبي هريرة. (¬2) "صحيح مسلم" (1442) (141). (¬3) "فتح الباري" 9/ 219.

منقذ بن عمرو الأنصاري المازني (عن) عبد الله (بن محيريز) الجمحي المكي، نزل بيت المقدس، رباه أبو محذورة التابعي ثقة (¬1) معدود من الشاميين (قال: دخلت المسجد) أنا وأبو الصرمة مالك بن قيس المازني الأنصاري البدري (فرأيت أبا سعيد الخدري - رضي الله عنه - فجلست إليه) يعني: بعد ركعتي تحية المسجد، وفيه جلوس السائل بين يدي المسئول، ولو سأل واقفًا لجاز كما في الصحيحين (¬2) (فسألته عن العزل) ولمسلم: فسأله أبو الصرمة فقال: يا أبا سعيد، هل سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر العزل؟ فقال: نعم (¬3). انتهى، ولا مانع أن يكون كلًّا منهما سأله (فقال أبو سعيد) الخدري (خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة) ويقال: غزاة (بني المصطلق) بكسر (¬4) اللام. قال البخاري في "الصحيح": غزوة بني المصطلق من خزاعة وهي غزوة المريسيع. قال ابن إسحاق: وذلك سنة ست (¬5). وبنو المصطلق بطن من خزاعة كانت الوقعة بهم في المريسيع من نحو قديد. قال أبو عمر: قد روى هذا الحديث موسى بن عقبة، عن ابن محيريز، عن أبي سعيد قال: أصبنا سبيًا من سبي أوطاس قال: وهو سبي هوازن. وذلك يوم حنين سنة ثمان من الهجرة، قال: فوهم ابن ¬

_ (¬1) "تاريخ الثقات" (882). (¬2) يشير بذلك إلى ما أخرجه البخاري (83)، ومسلم (1306) (327) حيث وقف رسول الله بعرفات والناس يسألونه. (¬3) "صحيح مسلم" (125) (1438). (¬4) في المخطوط: بفتح. والمثبت كما في "اللباب في تهذيب الأنساب" 3/ 219. (¬5) "صحيح البخاري" قبل حديث (4138).

عقبة في ذلك (¬1) (فأصبنا سبيًا من سبي العرب) ولمسلم: فسبينا كرائم العرب، فطالت علينا العزبة ورغبنا في الفداء (¬2) (فاشتهينا النساء واشتدت علينا العزبة) بضم العين وسكون الزاء، والعزوبة البعد عن النكاح، يقال: رجل عزب، ولا يقال: أعزب. قال القرطبي: قال ذلك لتعذر النكاح عليهم عند تعذر أسبابه لا لطول إقامتهم في تلك الغزوة؛ فإن غيبتهم فيها عن المدينة لم تكن طويلة (¬3). (وأحببنا الفداء) أي: رغبنا في أخذ المال عوضًا عنهن وفداءً لخروجنا عنهن، يقال: فدى أسيره إذا دفع فيه مالًا وأخذه، وفاداه إذا دفع فيه رجلًا على ما حكاه أبو عمرو (فأردنا أن) نستمتع و (نعزل) كذا لمسلم. قال عياض: وفيه حجة للجمهور في جواز استرقاق العرب، كما يجوز استرقاق العجم؛ لأن بني المصطلق من خزاعة. قال: ومنع ذلك الشافعي وأبو حنيفة وابن وهب من أصحابنا، وقالوا: لا تقبل منهم جزية، بل إن أسلموا وإلا قوتلوا وجاز وطء سبيهم؛ لأنهم - كانوا جلهم - كانوا ممن دان بدين أهل الكتاب. قال: ولا يصح قول من زعم من الشارحين: لعلهم وإن كانوا على دين العرب قد أسلموا؛ فإن في الحديث: وأحببنا الفداء. ولا يصح استعمال هذا اللفظ فيمن أسلم، ولا يجوز. قال: ولا يصح أيضًا قول من قال: إنهم كانوا على الشرك، فلعل هذا كان جائزًا في أول الإسلام ثم نسخ، أو يحتاج هذا إلى نقل صحيح، وفيه حجة لما عليه جمهور العلماء من أن بيع أمهات الأولاد ¬

_ (¬1) "الاستذكار" 18، 197 - 198. (¬2) "صحيح مسلم" (1438) (125). (¬3) "المفهم" 4/ 164.

لا يجوز إذ الفداء بيع، وقد تقرر عندهم منعه لسبب الحمل، وقال بعضهم: إنما فيه حجة لمنع بيعهن حبالى فقط لأجل استرقاق الولد، وهو الذي عليه إجماع المسلمين (¬1)، انتهى. قال النووي: فيه أنهم إذا كانوا مشركين وسبوا جاز استرقاقهم؛ لأن بني المصطلق عرب قبيلة من خزاعة، وقد استرقوهم ووطئوا سباياهم واستباحوا (¬2) بيعهن وأخذ فدائهن، وبهذا قال مالك والشافعي في قوله الجديد والجمهور، وقال أبو حنيفة والشافعي في قوله القديم: لا يجري عليهم الرق لشرفهم (¬3). (ثم قلنا: نعزل ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا قبل أن نسأله عن ذلك، فسألناه عن ذلك) فيه التوقف عند اشتباه الأحكام الشرعية حتى يسأل عنها؛ لأنهم سألوا قبل أن يعزلوا، لكن في رواية مسلم: أصبنا سبايا فكنا نعزل، ثم سألنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك. قال القرطبي: إن فيهم من وقع سؤاله قبل أن يعزل، وفيهم من وقع سؤاله بعد أن عزل ثم قال: ويحتمل أن يكون معنى قوله: كنا نعزل، أي: عزمنا على ذلك، فيرجع معناها إلى الرواية الأخرى (¬4). (فقال: ما عليكم أن لا تفعلوا) اختلفوا فيه؛ ففهمت طائفة منهم النهي والزجر عن العزل كما حكي عن الحسن ومحمد بن المثنى، ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" 4/ 618 - 619. (¬2) في المخطوط: فاستحقوا. والمثبت من "شرح مسلم". (¬3) "شرح مسلم" 10/ 11 - 13. (¬4) "المفهم" 4/ 166.

وكأن هؤلاء فهموا من "لا" النهي عما سئل عنه وحذف بعد قوله: "لا"، فكأنه قال: لا تعزلوا، و"عليكم أن لا تفعلوا" (¬1) تأكيد لذلك النهي. وفهمت طائفة أخرى منها الإباحة وكأنها جعلت جواب السائل قوله: "لا عليكم أن لا تفعلوا". أي: ليس عليكم جناح في أن لا تفعلوا. قال القرطبي: هذا التأويل أولى بدليل قوله: "ما من نسمة كائنة إلا ستكون". ولقوله: "لا عليكم، إنما هو القدر". وبقوله: "إذا أراد خلق شيء لم يمنعه شيء". وهذِه الألفاظ كلها مصرحة بأن العزل لا يرد القدر ولا يضر، فكأنه قال: لا بأس. وبهذا تمسك من رأى إباحة العزل مطلقًا عن الزوجة والسرية سواء رضيا أم لا، وبهذا قال الشافعي ومالك وكثير من الصحابة والتابعين والفقهاء (¬2). قال الرافعي والنووي وغيرهما من أصحابنا: العزل في السرية جائز عندنا بلا خلاف (¬3). قال النووي: ما ادعياه من نفي الخلاف ليس كذلك، ففيه وجه أنه لا يجوز لحق الولد، حكاه الروياني في "البحر" قبل باب نكاح الشغار (¬4). وأما العزل عن الحرة المنكوحة ففيه طريقان: أظهرهما أنه يجوز إن رضيت لا محالة، وإلا فوجهان الجواز (¬5) أصحهما عند الغزالي ¬

_ (¬1) زاد هنا: وعليكم. والأولى حذفها كما في "المفهم". (¬2) "المفهم" 4/ 166. (¬3) "الشرح الكبير" 8/ 178، و"روضة الطالبين" 7/ 205. (¬4) انظر "المجموع" 16/ 423. (¬5) سقط من الأصل. والمثبت يقتضيه السياق؛ كما في مصادر التخريج.

والرافعي في "الشرح الصغير"، والنووي في "الروضة" (¬1). (ما من نسمة) قال الخليل: النسمة: هو الإنسان (¬2). وقال شمر: النسمة النفس، وكل دابة فيها روح فهي نسمة. ولفظ مسلم: "ما كتب الله خلق نسمة هي (كائنة إلى يوم القيامة) إلا ستكون" (¬3). (إلا وهي كائنة) (¬4) كذا للبخاري (¬5). قال الكرماني: أي: ما من نفس قدر كونها إلا وهي تكون سواء عزلتم أم لا، أي: ما قدر وجوده لا يدفعه العزل. ولفظ البخاري في أواخر البيع: "ليست نسمة كتب الله أن تخرج إلا وهي خارجة" (¬6). وبوب عليه: باب بيع الرقيق. [2173] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا الفضل بن دكين، ثنا زهير) ابن معاوية بن خديج (عن أبي الزبير) محمد بن مسلم المكي (عن جابر - رضي الله عنه - قال: جاء رجل من الأنصار - رضي الله عنهم - إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن لي جارية) زاد مسلم: هي خادمنا وسانيتنا وأنا (أطوف عليها) (¬7) ومعنى سانيتنا أي: تستقي لنا، شبهها بالبعير الذي يستقي عليه، يقال: سنت الدابة فهي سانية إذا استقى عليها الماء كذا رواية الجمهور، وعند ابن الحذاء: ¬

_ (¬1) "الوسيط" 5/ 183، "روضة الطالبين" 7/ 205. (¬2) "العين" 7/ 275. (¬3) "صحيح مسلم" (1438) (125). (¬4) أخرجه مالك في "الموطأ" (1239)، ومن طريقه البخاري (2542)، وأحمد 3/ 68 عن ربيعة به، وأخرجه مسلم (1438) (125) من طريق ربيعة به. (¬5) "صحيح البخاري" (4138). (¬6) "صحيح البخاري" (2229). (¬7) "صحيح مسلم" (1439) (134).

سايستنا اسم فاعل من ساس الفرس إذا خدمه، وقوله: أطوف عليها، كناية عن الوطء (وأنا أكره أن تحمل) فيه دلالة على لحاق النسب للولد (مع العزل) لأن الماء قد يسبق ولا يعرف به، وفيه أنه إذا اعترف بوطء أمته صارت فراشًا له، ويلحقه أولادها إلا أن يدعي الاستبراء، وهو مذهبنا ومذهب مالك (فقال: أعزل عنها إن شئت) فيه نص في إباحة الوطء كما هو مذهب الشافعي وغيره كما تقدم (فإنه سيأتيها ما قدر لها) لأن كل نفس قدر الله خلقها لا بد أن يخلقها سواء عزل أم لا، وما لم يقدر خلقه لا يقع سواء تداوى بأدوية نافعة للحبل أم لا، وسواء عزل أم لا، فلا فائدة في العزل (فلبث) بكسر الموحدة (الرجل، ثم أتاه فقال: إن الجارية قد حملت) بفتح الميم، ولمسلم: حبلت بكسر الموحدة بدل الميم (قال: قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر) الله تعالى (لها) فيه دليل على إلحاق الولد بمن اعترف بالوطء وادعى العزل في الإماء، وكذا في الحرائر؛ لأنهن في معناهن، وسببه انفلات الماء ولا يشعر به العازل ولم يختلف فيه عند الشافعي ومالك إذا كان الوطء في الفرج [فإن كان في غير الفرج] (¬1) ومما يقاربه لم يلحق. ¬

_ (¬1) سقط من الأصل. والمثبت من "المفهم" 4/ 169 - 170.

50 - باب ما يكره من ذكر الرجل ما يكون من إصابة أهله.

50 - باب ما يُكْرَهُ منْ ذِكْرِ الرَّجُلِ ما يَكُونُ مِنْ إِصابَةِ أَهْلِهِ. 2174 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا بِشْرٌ، حَدَّثَنا الجُريْريُّ ح وَحَدَّثَنا مُؤَمَّلٌ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ ح وَحَدَّثَنا مُوسَى، حَدَّثَنا حَمّادٌ، كُلُّهُمْ عَنِ الجُريْريِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ حَدَّثَني شيْخٌ مِنْ طُفاوَةَ قَالَ: تَثَوّيْتُ أَبا هُريْرَةَ بِالمَدِينَةِ فَلَمْ أَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحابِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَشَدَّ تَشْمِيرًا وَلا أَقْوَمَ عَلَى ضيْفٍ مِنْهُ فَبيْنَما أَنا عِنْدَهُ يَوْمًا وَهُوَ عَلَى سَرِيرٍ لَهُ وَمَعَهُ كِيسٌ فِيهِ حَصًى أَوْ نَوى - وَأَسْفَل مِنْهُ جارِيَةٌ لَهُ سَوْداءُ - وَهُوَ يُسَبِّحُ بِها حَتَّى إِذا أَنْفَدَ ما في الكِيسِ أَلْقاهُ إِليْها فَجَمَعَتْهُ فَأَعادَتْهُ في الكِيسِ فَدَفَعَتْهُ إِليْهِ فَقَالَ أَلا أُحَدِّثُكَ عَنّي وَعَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: قُلْتُ: بَلَى. قَالَ بيْنا أَنا أُوعَكُ في المَسْجِدِ إِذْ جاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى دَخَلَ المَسْجِدَ. فَقَالَ: "مَنْ أَحَسَّ الفَتَى الدَّوْسيَّ". ثَلاثَ مَرّاتٍ. فَقَالَ رَجُلٌ يا رَسُولَ اللهِ هُوَ ذا يُوعَكُ في جانِبِ المَسْجِدِ فَأَقْبَلَ يَمْشي حَتَّى انْتَهَى إِلَى فَوَضَعَ يَدَهُ عَليَّ فَقَالَ لي مَعْرُوفًا فَنَهَضْتُ فانْطَلَق يَمْشي حَتَّى أَتَى مَقامَهُ الذي يُصَلّي فِيهِ فَأَقْبَلَ عَليْهِمْ وَمَعَهُ صَفّانِ مِنْ رِجالٍ وَصَفٌّ مِنْ نِساءٍ أَوْ صَفّانِ مِنْ نِساءٍ وَصَفٌّ مِنْ رِجالٍ فَقَالَ: "إِنْ أَنْساني الشّيْطانُ شيْئًا مِنْ صَلاتي فَلْيُسَبِّحِ القَوْمُ وَلْيُصَفِّقِ النِّساءُ". قَالَ: فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يَنْسَ مِنْ صَلاتِهِ شيْئًا. فَقَالَ: "مَجالِسَكُمْ مَجالِسَكُمْ". زادَ مُوسَى: "ها هُنا". ثُمَّ حَمِدَ اللهَ تَعالَى وَأَثْنَى عَليْهِ ثُمَّ قَالَ: "أَمّا بَعْدُ". ثُمَّ اتَّفَقُوا ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الرِّجالِ فَقَالَ: "هَلْ مِنْكُمُ الرَّجُلُ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ فَأَغْلَقَ عَليْهِ بابَهُ وَأَلْقَى عَليْهِ سِتْرَهُ واسْتَتَرَ بِسِتْرِ اللهِ؟ ". قالُوا نَعَمْ. قَالَ: "ثُمَّ يَجْلِسُ بَعْدَ ذَلِكَ فيَقُولُ فَعَلْتُ كَذا فَعَلْتُ كَذا". قَالَ: فَسَكَتُوا قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَى النِّساءِ فَقَالَ: "هَلْ مِنْكُنَّ مَنْ تُحَدِّثُ؟ ". فَسَكَتْنَ فَجَثَتْ فَتاةٌ - قَالَ مُؤَمَّلٌ في حَدِيثِهِ فَتاةٌ كَعابٌ - عَلَى إِحْدى زكْبَتيْها وَتَطاوَلَتْ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِيَراها ويَسْمَعَ كَلامَها فَقَالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُمْ ليَتَحَدَّثُونَ وَإِنَّهُنَّ ليَتَحَدَّثْنَهْ فَقَالَ: "هَلْ تَدْرُونَ ما مَثَلُ ذَلِكَ". فَقَالَ: "إِنَّما ذَلِكَ مَثَلُ شيْطانَةٍ لَقِيَتْ شيْطانًا في السِّكَّةِ فَقَضَى مِنْها حاجَتَهُ والنّاسُ يَنْظُرُونَ إِليْهِ أَلا وَإِنَّ طِيبَ الرِّجالِ ما ظَهَرَ

رِيحُهُ وَلَمْ يَظْهَرْ لَوْنُهُ أَلا إِنَّ طِيبَ النِّساءِ ما ظَهَرَ لَوْنُهُ وَلَمْ يَظْهَرْ رِيحُهُ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: مِنْ ها هُنا حَفِظْتُهُ، عَنْ مُؤَمَّلٍ وَمُوسَى: "أَلا لا يُفْضِيَنَّ رَجُلٌ إِلَى رَجُلٍ وَلا امْرَأَةٌ إِلَى امْرَأَةٍ إِلَّا إِلَى وَلَدٍ أَوْ والِدٍ". وَذَكَرَ ثالِثَةً فَأُنْسِيتُها وَهُوَ في حَدِيثِ مُسَدَّدٍ وَلَكِنّي لَمْ أُتْقِنْهُ كَما أُحِبُّ وقَالَ مُوسَى، حَدَّثَنا حَمّادٌ عَنِ الجُريْريِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنِ الطُّفاويِّ (¬1). * * * باب ما يكره من ذكر الرجل ما يكون من إصابته أهله [2174] (ثنا مسدد، ثنا بشر) بن المفضل بن لاحق الإمام (ثنا) سعيد بن إياس (الجريري) بضم الجيم نسبة إلى جرير بن عباد أخي الحارث بن عباد بن بكر بن وائل (وثنا مؤمل) بتشديد الميم الثانية ابن هشام اليشكري، شيخ البخاري (ثنا إسماعيل) ابن علية (ح وثنا موسى) بن إسماعيل (ثنا حماد) بن سلمة، الثلاثة (كلهم، عن) سعيد (الجريري، عن أبي نضرة) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة هو المنذر بن مالك بن قطعة بسكون الطاء العوقي بفتح العين المهملة والواو المخففة وكسر القاف، قال الأمير: نسبة إلى العوقة من عبد القيس (¬2). وبالبصرة محلة يقال لها: العوقة سكنها هذا البطن فنسب إليهم، وأبو نضرة بصري تابعي (قال: ثني شيخ من طفاوة) بضم الطاء المهملة وتخفيف الفاء بعد ¬

_ (¬1) رواه مختصرا بقصة الطيب الترمذي (2787)، والنسائي 8/ 151. وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود" (372). ولذكر التسبيح للرجال والتصفيق للنساء انظر ما سلف برقم (939)، وهو صحيح. (¬2) "الإكمال" 6/ 315.

الألف واو مفتوحة وهو حي من قيس عيلان (قال: تثويت) بفتح التاء المثناة فوق مع المثلثة والواو المشددة وسكون المثناة تحت (أبا هريرة بالمدينة) أي: جئته ضيفًا، والثوي بفتح المثلثة وكسر الواو وتشديد الياء هو الضيف، وهذا كما تقول: تضيفته إذا ضفته، ومن قولهم: ثوى بالمكان إذا أقام به. وفيه استضافة أهل الدين والعلم والمجيء إليهم ليأكلوا من طعامهم ويستشفوا به؛ فإن طعامهم شفاء لحاجة ولغير حاجة، وأما استضافة أهل الشر أو من لا يعرف حاله فلا يكون إلا لحاجة إلى الطعام، كما في قصة موسى - عليه السلام - والخضر حين أتيا أهل قرية فاستطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما، أي: استضافوهم فلم ينزلوهما منزلة الأضياف. (فلم أر رجلًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أشد) لما لم يجز أن يصاغ من (شَمَّرَ) أفعل التفضيل لكونه رباعيًّا توصل بـ (أشد) الذي جمع الشروط صيغ منه أفعل، وأتى بمصدر الفعل الذي عَدِمَ الشروط تمييزًا فقيل: (تشميرًا) مصدر شمر ثوبه تشميرًا إذا رفعه عن الأرض، وشمر في العبادة تشميرًا إذا اجتهد فيها مع السرعة (ولا أقوم على ضيف منه) من قام على الضيف إذا قام بخدمته وبما يتعين له من حقه. وفي الحديث دلالة على إكرام الضيف وخدمته، وفيه تشمير الثوب عند الخدمة كتشمير كمه وذيله عند السباق، وفيه التشمير والاجتهاد في إكرام الضيف بسرعة، وخدمة الضيف دون استنابة، بل يتولى من جاءه الضيف خدمته بنفسه وإن كانت مرتبته أعلى من ضيفه؛ فإن أبا هريرة أفضل من ضيفه، وإبراهيم - عليه السلام - أفضل من الملائكة الذين أتوه على

هيئة الأضياف فتولى خدمتهم بنفسه وفاجأهم حين جاءهم بعجلٍ حنيذٍ. (فبينما أنا يومًا عنده) يحتمل أن يريد يومًا من أيام الضيافة (وهو على سرير) فيه جواز الجلوس والنوم على السرير؛ لأنه يرفع عن برودة الأرض وعن هوامها وحشراتها، وكان له - صلى الله عليه وسلم - سرير (¬1) ينام عليه (له) فيه أن اليد تدل على الملك، فمن عليه ثوب أو تحته سرير فيحكم بأنه له إلى أن يثبت ما يخالفه (ومعه كيس) وهو الذي يخاط من الخرق (فيه حصًى أو نوىً) شك من الراوي، والحصى أقرب إلى المعنى، ولكونه ابتدأ به (وأسفل) بالنصب على الظرفية وهو خبر مقدم (منه جارية) ولهذا جاز رفع جارية وهي نكرة؛ لتقدم الظرف عليها، ولأنه وصف بقوله (له) أي: ملك له، وفيه استخدام الجواري واسترقاقهن للخدمة؛ لأنه إعانة على الطاعة وفي اقتنائهن تفريغ القلب عن تدبير المنزل والتكفل بشغل الطبخ والكنس والفرش وتنظيف الأواني؛ إذ لو تكفل الإنسان بجميع أشغال المنزل لضاعت أكثر أوقاته ولم يتفرغ للعبادة، وعلى هذا فليست الخادم من الدنيا؛ لأنها تفرغ العبد للآخرة كالزوجة الصالحة. (سوداء) وهي أولى من البيضاء لكونها أخف ثمنًا وأقوى للعمل وأبعد عن الشهوة في حق من يدخل إليه (وهو يسبح بها) فيه فضيلة التسبيح، وفي معناه التحميد والتهليل والإكثار منه وإشغال الأصابع بتحريك الحصى أو النوى ونحوهما أو السبحة وهو داخل في الحديث المتقدم: "واعقدن بالأصابع فإنهن مسئولات مستنطقات" (¬2). وفيه ¬

_ (¬1) في الأصول: سريرًا. والمثبت الصواب. (¬2) سبق تخريجه برقم (1501) باب التسبيح بالحصى.

جمع بين العبادة بالقلب واللسان والجوارح، والظاهر أن الحصى شاهدات للمسبح بهن كما أن الأرض تشهد كما قال تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4)} (¬1) (حتى إذا أنفد) بفتح الهمزة والفاء، والدال المهملة، أي: أفنى جميع (ما في الكيس) يقال: نفد الشيء كتعب نفادًا إذا فني، وأنفدته أنا فيتعدى بالهمزة (ألقاه إليها) والظاهر أن الحصى الذي يفنى له عدد مخصوص معلوم من الأعداد التي ورد لها ثواب مخصوص في السنة. (فجمعته فأعادته في الكيس فدفعته إليه) ليعيد التسبيح به، وهذا يدل على شدة اجتهاد الصحابة - رضي الله عنهم - في العبادة، وملازمتهم التسبيح والأذكار وإعراضهم عن السعي في التكاثر من الدنيا والاكتلاب عليها كما هو مشاهد اليوم (فقال: ألا أحدثك عني وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وما سمعته منه؟ فيه تعليم العلم لمن لا يسأل عنه (قال الشيخ: قلت: بلى) أبا هريرة (قال: بينا أنا أوعك) بضم الهمزة وفتح العين، والوعك هو الحمى أو ألمها، وقد وعكه المرض فهو موعك (في المسجد) فيه جواز إقامة الموعك والمريض في المسجد إذا لم يحصل منه نجاسة في المسجد ونومه فيه ليلًا أو نهارًا (إذ جاء رسول الله) يسأل عنه (حتى دخل المسجد) الظاهر أنه في غير أوقات الصلاة؛ فإنه لم يأته إلا ليعود المريض الذي به (فقال: من أحس الفتى) أصل الإحساس الإبصار، ومنه: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ} (¬2)، ثم استعمل في الوجدان ¬

_ (¬1) الزلزلة: 4. (¬2) مريم: 98.

والعلم بأي حاسة كانت، وربما زيدت الباء فقيل: أحس به. على معنى: شعرت به (الدوسي) بفتح الدال المهملة نسبة إلى دوس بن عدنان بطن كبير من الأزد، ونسب إليه خلق كثير منهم أبو هريرة هنا، ومنهم الطفيل بن عمرو الدوسي الذي قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ثلاث مرات) وليس هذا من إنشاد الضالة المنهي عنه. (فقال رجل: هو ذا) حاضر (يوعك في جانب المسجد) فيه أن المريض إذا احتاج إلى الإقامة في المسجد لكونه عازبًا أو غريبًا ونحوهما أن يجلس في جانب المسجد لا في صدره ومواضع الصفوف الأول، بل في جوانب المسجد وأواخره لئلا يضيق على المصلين، قال: (فأقبل يمشي) بعدما صلى تحية المسجد؛ فإن تحية المسجد حق لله تعالى، وهو مقدم على حق الآدمي من عيادة مريض أو سلام على قادم حاضر فيه ونحو ذلك (فوضع يده علي) في الحديث دلالة على أن من تمام عيادة المريض أن يضع أحدكم يده على جبهته أو على يده ويسأله كيف هو (وقال لي معروفًا) صفة لمصدر محذوف، أي: قولًا معروفًا كقوله: "لا بأس طهور إن شاء الله تعالى" (¬1). ونحو ذلك مما كان يقوله - صلى الله عليه وسلم - ويدعو به للمريض إذا عاده. (فنهضت) من ساعتي فرحًا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فانطلق يمشي) في المسجد (حتى مقامه) بفتح الميم هو اسم الموضع الذي يقوم فيه المصلي وغيره، وبضم الميم اسم موضع من أقام بالموضع اتخذه وطنًا (الذي) يعتاده (يصلي فيه) فيه مشروعية أن يتخذ الإنسان مكانًا ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3616) عن ابن عباس.

في المسجد يعتاد الصلاة فيه أو التدريس أو التعليم ونحو ذلك. (فأقبل عليهم ومعه) في المسجد (صفان من رجال وصف من نساء) فيه ترتيب الصفوف وهو أن يتقدم في الصفوف الرجال ثم النساء، هذا إذا لم يكن صبيان؛ فإن كان صبيان قدم الرجال ثم الصبيان ثم النساء حتى لو حضر النساء أولًا ووقفوا في الصف ثم جاء الرجال، تأخروا للرجال ولو لم يكمل الصف الأول بالرجال لم يكمل بالنساء بل بالصبيان (أو) معه. (صفان من نساء وصف من رجال) قبلهم وأمامهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إن نسَّاني) بتشديد السين (الشيطان شيئًا من صلاتي) فيه جواز النسيان عليه في أحكام الشرع، وهو مذهب جمهور العلماء وظاهر القرآن، لكن لا يقر عليه بل يعلمه الله تعالى به، وظاهر الحديث وقوله تعالى حكاية عن موسى - عليه السلام - {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ} (¬1)، أن الشيطان ينسي الأنبياء، وكما قال تعالى {فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ} (¬2) قال ابن عباس: لما تضرع يوسف إلى مخلوق وكان قد اقترب خروجه أنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن (¬3). (فليسبح القوم) يعني: يسبح الرجال دون النساء إذا نسي الإمام في الصلاة، وأما النساء فيصفقن، وصفة التسبيح سبحان الله، ويجهر بحيث يسمع المقصود، لا واحد له من لفظه، قال تعالى: {لَا يَسْخَرْ ¬

_ (¬1) الكهف: 63. (¬2) يوسف: 42. (¬3) رواه الطبري 16/ 93.

قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ} (¬1) {وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ}، فخص القوم بالرجال، جاء لفظ الحديث على ذلك، قال بعضهم: وربما يجعل النساء فيه على سبيل التبع؛ لأن قوم كل نبي رجال ونساء، والقوم يذكر ويؤنث، قال تعالى: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ} (¬2) فذكَّر، وقال تعالى {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ} (¬3) فأنث، وسمي القوم قومًا لأنهم قوامون على النساء، بالأمور التي ليست للنساء أن يقمن بها وسميت النساء (¬4) لتأخرهن عن منازل الرجل، من نسأته إذا أخرته أو نسيته إذا تركته. (ولتصفق النساء) بضرب الكف اليمين على ظهر اليسار، ولا ينبغي أن تضرب بطن الكف على بطن الكف؛ فإنه لعب، ولو فعلت ذلك على وجه اللعب بطلت صلاتها وإن كان قليلًا؛ لأن اللعب ينافي الصلاة، وتقدم في كتاب الصلاة زيادة. (قال: فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم ينس من صلاته شيئًا) وفيه تعليم الإمام المأمومين أحكام الصلاة قبل الدخول فيها (فقال: مجالسكم مجالسكم) بالنصب فيهما على الإغراء، وهما منصوبان بفعل مضمر تقديره: الزموا مجالسكم، ولا يجوز إظهار هذا الفعل المضمر؛ لأن التكرار جعل كالبدل من التلفظ بالفعل، فلا يجمع بين البدل والمبدل، وأمرهم بلزوم مجالسهم ليستمعوا ما يعلمهم من أمر دينهم بعد ¬

_ (¬1) الحجرات: 11. (¬2) الأنعام: 66. (¬3) الشعراء: 105. (¬4) زاد هنا في الأصل: رجال. ولعلها مقحمة.

الصلاة، وفيه أن الصلاة إذا أريد بعدها قراءة حديث أو (. . .) (¬1) أو تفسير أو تعليم شيء من أمور الدين فللإمام أو المبلغ والمؤذن أن يقول بعد انتهاء الصلاة: مجالسكم مجالسكم. كما في الحديث، أو كما يقال اليوم: رحم الله من جلس وسمع الواعظ أو المحدث. وهذا إنما يحتاج إليه إذا كان في الابتداء، فإن استمرت قراءة الحديث أو غيره فيعلم بالعادة ولا يحتاج إلى إعلامهم. (زاد موسى) بن إسماعيل شيخ المصنف (ها هنا: ) ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - (حمد الله) تعالى (وأثنى عليه) فيه أنه يستحب لكل خطيب وواعظ ونحو ذلك أن يبدأ أول كلامه بحمد الله تعالى وحسن الثناء عليه؛ لأن كل ما لا يبدأ فيه بحمد الله تعالى فهو أجذم أي: مقطوع البركة (ثم قال: أما بعد) مبني على الضم، والإضافة فيه مقدرة تقديره: أما بعد حمد الله والثناء عليه، وثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "أما بعد". في خطبته وكتبه، حتى رواه الحافظ عبد القاهر الرهاوي في "الأربعين" التي له بأسانيد عن أربعين صحابيًّا، واختلفوا في أول من ذكرها، فقيل: داود - عليه السلام -، وأن هذِه الكلمة {وَفَصْلَ الْخِطَابِ} المشار إليها في الآية (ثم اتفقوا) يعني: مسدد والجريري ومؤمل وموسى (ثم أقبل على الرجال) وبدأ بهم أولًا لتفضيلهم على النساء (فقال: هل منكم الرجل) الألف واللام للجنس وتعريف الحضور، فهو نفس الجنس بدأ به والحضور بدخول (الـ) (إذا أتى أهله فأغلق عليه) وعليها (بابه) فيه قول بسم الله ¬

_ (¬1) كلمة غير مقروءة.

كما في الحديث (¬1)، فيه اتخاذ الأبواب للبيوت والدور (وألقى عليه) وعليها (ستره) الذي يسترهما. (واستتر بستر الله) الذي يحبه كما في الحديث: "إن الله حيي ستير يحب الحياء ويريده لعباده" (¬2)، وفي حديث آخر: "أيما رجل أغلق بابه وأرخى أستاره فقد تم صداقها". والإسارة كالستارة (قالوا: ) الرجال (نعم، قال: ثم يجلس بعد ذلك) يحدث به في المجالس أو لآحاد الناس (فيقول: فعلت) بأهلي (كذا) و (فعلت كذا) وكذا (قال: فسكتوا) الرجال، فيه أن الإنسان إذا سئل عن فعل شيء قبيح وكان فعله فينبغي أن يسكت؛ لأن سكوته علامة على خجله واستحيائه بما وقع منه أن يذكره في حضرة الأكابر ومجالس أهل العلم والصلاح. (قال: فأقبل في النساء فقال: هل منكن من متحدث) أصله: تتحدث به، بتاءين فحذفت إحداهما تخفيفًا (فسكتن) النساء واستحيين (فجثت) بفتح الجيم والثاء المثلثة (فتاة) أي: شابة حديثة السن (على إحدى ركبتيها) أي: جلست على إحدى ركبتيها كما يجلس المخاصم، وفي "مسند أحمد" ما يدل على أن هذِه الفتاة أسماء بنت يزيد (¬3). (وتطاولت) جلساؤها، أي: رفعت قامتها لتطول عليهن (لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليراها) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقع نظره الكريم عليها (ويسمع كلامها) ¬

_ (¬1) يشير إلى حديث "وأغلق بابك واذكر اسم الله .. " رواه البخاري (3280) ومسلم (2012). (¬2) سيأتي تخريجه عند أبي داود برقم (4012) باب النهي عن التعري. (¬3) "مسند أحمد" 6/ 456.

ويصغي إليه (يا رسول الله) والله (إنهم ليتحدثون) بذلك، يعني: الرجال (وإنهن) يعني: النساء (ليتحدثنه) أي: ليتحدثن به، أخبر - صلى الله عليه وسلم - بوقوع ذلك من الرجال والنساء ليعلم ما يتعلق به من الثواب والعقاب؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم يسأل عن هذا السؤال إلا لإظهار فائدة شرعية. (فقال: هل تدرون ما مثل ذلك؟ ) فقالوا: لا يا رسول الله (فقال: إنما مثل ذلك مثل) بفتح الميم والثاء وبكسر الميم وسكون الثاء شَبَه وشِبْه، فيه ضرب الأمثال والمقصود منها أنها تؤثر في القلوب ولا يؤثر وصف الشيء في نفسه، وذلك لأن الغرض من المثل تشبيه الخفي بالجلي والغائب بالشاهد، فيتأكد الوقوف على ماهيته ويصير الحس مطابقًا للعقل، وذلك هو النهاية في الإيضاح، ألا ترى أن التنفير إذا وقع عن ذكر ما يقع بين الزوجين في الخلوة مجردًا عن ضرب مثال لم يتأكد وقوعه كما إذا شبه بالشيطانة والشيطان في السكة يقضي بها حاجته، ولهذا أكثر الله تعالى ورسوله في كتبه المنزلة وعلى ألسنة أنبيائه من ذكر الأمثال (شيطانة لقيت شيطانًا) استشهد بالشيطان لأن الحامل على التحدث به الشيطان، ويحتمل أن هذا فعل الشيطان والشيطانة يفعلان حقيقة في الطريق فشبه فعله بفعلهما (في السكة) جمعها سكك وهي الطرق والأزقة وأصلها النخل المصطفة ثم شبهت السكك بالطرق لاصطفاف المنازل بجانبيها (فقضى منها حاجته) في الطريق (والناس) المارون بالطريق (ينظرون إليه) ومقصود الحديث أن الرجل له مع أهله خلوة وحالة يقبح ذكرها والتحدث بها، ويلزم من كشفها عار عند أهل المروءة والحياء؛ فإن تكلم بشيء من ذلك وأبداه كان مثل كشف عورة

نفسه وزوجته؛ إذ لا فرق بين كشفها للعيان وكشفها للأسماع والآذان؛ إذ كل منهما يحصل به الاطلاع على العورة، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تعمد المرأة فتصف المرأة لزوجها حتى كأنه ينظر إليها" (¬1). كما تقدم في الحديث؛ فإن دعت حاجة إلى ذكر شيء من ذلك فليذكر معها غير معين بحسب الحاجة والضرورة كما قال - عليه السلام -: "فعلته أنا وهذِه" (¬2). وكقوله: "هل أعرستم الليلة" (¬3). (ألا إن طيب الرجال) من هنا رواه الترمذي (¬4) والنسائي (¬5) دون ما قبله (ما ظهر ريحه) زاد الترمذي: "وخفي لونه" (ولم يظهر لونه) لأن لون الطيب والثياب ليسا مقصودين في الشرع، بل المحبوب استعمال الطيب والبخور، والرائحة الطيبة مرغوب فيه مندوب إليه، فإن فيه النفع المتعدي، لكن إنما يكون مندوبًا إليه إذا قصد به الأمور الشرعية كاستعماله عند حضور الجمع والجماعات والأمور المعظمات ليكون في العبادات على أشرف الحالات، فلو قصد بذلك المباهاة والفخر والاختيال لكان ذلك من أسوأ الذنوب وأقبح الأفعال (ألا إن طيب النساء) المحمود (ما ظهر لونه) للزوج كما لها أن تتحلى له بألوان الثياب المصبغة (ولم يظهر ريحه) (¬6) للرجال الأجانب؛ فإنه جالب ¬

_ (¬1) تقدم تخريجه قريبًا برقم (2150) باب ما يؤمر به من غض البصر. (¬2) أخرجه مسلم (350) (89) من حديث عائشة. (¬3) أخرجه البخاري (5470)، ومسلم (2144) (23) من حديث أنس. (¬4) "سنن الترمذي" (2787). (¬5) "سنن النسائي" 8/ 151. (¬6) أخرجه الترمذي والنسائي كما تقدم، وأحمد 2/ 447 من طريق سفيان به.

للفتنة وداع إلى استجلاب قلوب الرجال إليهن. (قال المصنف: ومن ها هنا حفظته) بكسر الفاء (عن مؤمل) بن هشام (وموسى) بن إسماعيل (ألا لا يفضين) بضم أوله وكسر الضاد المعجمة وتشديد نون التأكيد (رجل إلى رجل ولا امرأة إلى امرأة) قال بعضهم: الإفضاء المنهي عنه هنا أن يتضاجعا تحت لحاف واحد ويلتصق بشرة أحدهما بالآخر ليس بينهما حاجز، وإذا امتنع إفضاء الرجل إلى الرجل والمرأة إلى المرأة فأحرى وأحق أن يمتنع إفضاء الرجل إلى المرأة والمرأة إلى الرجل؛ إذ لا زوجية بينهما ولا مبيح لذلك (إلا إلى ولد أو والد) يحتمل أن يعود الاستثناء إلى جميع ما قبله كما هو قاعدة مذهب الشافعي أن الاستثناء يعود إلى جميع ما قبله، فيجوز أن يفضي الرجل إلى ولده الصغير تحت لحاف واحد، وكذا المرأة إلى ولدها الصغير، وكذا يفضي الولد إلى والده ووالدته وجده وجدته وإن علوا (وذكر) خصلة (ثالثة فنسيتها) ولم أذكرها. قال المصنف (وهو في حديث مسدد، قال موسى: حدثنا حماد، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن الطفاوي) بضم المهملة كما تقدم في أول الإسناد.

كتاب الطلاق

كِتَابُ الطَّلَاقِ

1 - باب فيمن خبب امرأة على زوجها.

13 - الطلاق 1 - باب فِيمَنْ خَبَّبَ امْرَأةً عَلى زَوْجِها. 2175 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنا زَيْدُ بْنُ الحُبابِ، حَدَّثَنا عَمّارُ بْن رُزَيْقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ مِنّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِها أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ" (¬1). * * * تفريع أبواب الطلاق * * * باب فيمن خبب امرأة على زوجها [2175] (ثنا الحسن بن علي) الحلواني، شيخ الشيخين (ثنا زيد بن ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 397، والبزار (7827)، والنسائي في "الكبرى" (9214). وصححه الألباني في "الصحيحة" (324).

الحباب) بضم الحاء المهملة العكلي الخراساني، أخرج له مسلم (عن عمار، عن رزيق) بتقديم الراء على الزاي، الضبي أبو الأحوص (عن عبد الله بن عيسى) بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري (عن عكرمة، عن يحيى بن معمر) بفتح الميم وضمها غير منصرف. (عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ليس منا) قيل: معناه ليس على هدينا وسيرتنا الكاملة (من خبب) بفتح الخاء المعجمة والباء المشددة الأولى (امرأة) أي خدعها وأفسدها (على زوجها) وفي الحديث: "لا يدخل الجنة خب ولا خائن" (¬1) الخب بالفتح: الخداع، وهو الجُربز الذي يسعى بين الناس بالفساد، وامرأة خب وقد يكسر خاؤه، فأما المصدر فبالكسر لا غير (أو) خبب (عبدًا على سيده) أو جارية على سيدها، أو ولدًا على والده أو والدته، ورواية الحاكم في "صحيحه": "من خبب عبدًا على أهله فليس منا، ومن أفسد امرأة على زوجها فليس منا" (¬2). ¬

_ (¬1) رواه الطيالسي (8)، وأحمد 1/ 4، والبيهقي في "الشعب" 7/ 431 (10862). والحديث فيه فرقد السبخي: لين الحديث، وقيل: ضعيف. انظر: "ميزان الاعتدال" 3/ 345، و"التقريب" (5384). (¬2) كذا. ولم أقف عليه عند الحاكم. وإنما هذِه رواية ابن حبان (5560) فلعله سبق قلم.

2 - باب في المرأة تسأل زوجها طلاق امرأة له.

2 - باب فِي المَرْأَةِ تَسْأَلُ زَوْجَها طَلاقَ امْرَأَةٍ لَهُ. 2176 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنادِ عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَسْأَلِ المَرْأَةُ طَلاقَ أُخْتِها لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَها وَلْتَنْكِحْ فَإِنَّما لَها ما قُدِّرَ لَها" (¬1). * * * باب في المرأة تسأل زوجها طلاق امرأة له [2176] (ثنا) عبد الله بن مسلمة (القعنبي، عن مالك، عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تسأل) بكسر اللام (المرأة) على النهي، ويجوز الرفع على الخبر الذي يراد به النهي. قال النووي: وهو المناسب لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يخطب"، "ولا يسوم" (¬2). ومعنى هذا الحديث: نهي المرأة أن تسأل زوج المرأة (طلاق أختها) أو عمتها أو خالتها (¬3) أو أجنبية وأن ينكحها عوضًا عنها ويصير لها من نفقته ومعروفه ومعاشرته ونحوها ما كان للمطلقة فعبر عن ذلك باستفراغ صحفتها لها مجازًا. قال القرطبي: هذا مثل لإمالة الضرة حق صاحبتها من زوجها إلى نفسها (¬4). انتهى. وتسميتها أختها كالعلة للنهي المذكور؛ فإنها أختها ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6600)، ومسلم (1408). (¬2) "شرح النووي على مسلم" 9/ 192. (¬3) عطف العمة والخالة هنا على قوله: أختها. خطأ، فالمقصود هنا الضرة لا الأخت الصلبية. (¬4) "المفهم" 4/ 104.

في الإيمان، والأخ لا يضار أخاه. (لتستفرغ) هذِه سين الطلب، أي: تسأل طلاقها لتطلب أن تفرغ ما في (صحفتها) لها، قال في "النهاية": الصحفة إناء كالقصعة المبسوطة ونحوها (¬1). وهذا مثل تريد به الاستئثار عليها بحظها فيكون كمن استفرغ صحفة غيره وقلب ما في إنائه إلى إناء نفسه. وبوب البخاري على هذا الباب: باب الشروط التي لا تحل في النكاح (¬2). وبوب عليه في كتاب الشروط: باب ما لا يجوز من الشروط في النكاح (¬3). (ولتنكح) بفتح المثناة وكسر الكاف، فأمرها أن تنكح من شاءت ولا تشترط طلاق ضرتها؛ فإن النكاح بشرط باطل كما بوب عليه البخاري (فإنما لها) في ذلك النكاح (ما قدر) الله (لها) فإن كان الله قدر أن تنفرد بذلك الزوج وصلت إلى ذلك، وإن لم يقدره لم يحصل ولم (¬4) ينفعها ما اشترطته فقد يطلق الضرة ثم يردها فلا يصح للمشترطة مقصودها. ¬

_ (¬1) "النهاية" 3/ 13. (¬2) قبل حديث رقم (5152). (¬3) قبل حديث رقم (2723). (¬4) ليست بالأصل، والسياق يقتضيها.

3 - باب في كراهية الطلاق.

3 - باب فِي كَراهِيَةِ الطَّلاقِ. 2177 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا مُعَرِّفٌ، عَنْ مُحارِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ما أَحَلَّ اللهُ شَيْئًا أَبْغَضَ إِلَيْهِ مِنَ الطَّلاقِ" (¬1). 2178 - حَدَّثَنا كَثِيرُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ خالِدٍ عَنْ مُعَرِّفِ بْنِ واصِلٍ عَنْ مُحارِبِ بْنِ دِثارٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَبْغَضُ الحَلالِ إِلَى اللهِ تَعالَى الطَّلاقُ" (¬2). * * * باب كراهية الطلاق [2177] (ثنا أحمد بن) عبد الله بن (يونس، ثنا معرف) بن واصل السعدي الكوفي أخرج له مسلم (عن محارب) بن دثار، من جلة التابعين، أرسله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وذكره (. . .) (¬3). ورواه الدارقطني من حديث مكحول عن معاذ بن جبل بلفظ: "ما خلق الله شيئًا أبغض إليه من الطلاق". وإسناده ضعيف، وأوله عنده: "ما خلق الله على وجه الأرض أحب إليه من العتاق" (¬4). (ما أحل (¬5) الله شيئًا أبغض) بالنصب (إليه من الطلاق) البغض والفرح ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (19537) والبيهقي 7/ 527 من طريق أبي داود. وضعفه الألباني في "الإرواء" (2040). (¬2) رواه ابن ماجه (2018). وضعفه الألباني في "الإرواء" (2040). (¬3) بياض قدر ثلاث كلمات. (¬4) "سنن الدارقطني" 4/ 35. ورواه ابن عدي في "الكامل" 3/ 86. (¬5) تحرفت في الأصل إلى: أبغض.

والغضب من صفات المخلوقين التي تعرض لهم (¬1)، والمراد من بغض الله الطلاق الزجر منه والتحذير عنه في غير ما بأس فيستدل به على كراهته كما سيأتي، وإنما عبر بالبغض للتقريب على الأفهام بالخطاب المتعارف الجاري على ألسنة العرب ووجوه الاستعارات صحيحة ثابتة عند أهل المعرفة. [2178] (ثنا كثير بن عبيد) الحمصي أبو الحسن، إمام الجامع، له معرفة ورحلة (ثنا محمد بن خالد) الوهبي أخو أحمد، وكان الأكبر، لا بأس به (عن معرف بن واصل، عن محارب بن دثار، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) قال البيهقي: وفي رواية ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمر موصولًا، ولا أراه يحفظه (¬2) (قال: أبغض الحلال إلى الله الطلاق) استدل به على أن الطلاق مكروه، والظاهر أنها كراهة تحريم؛ لأنه ورد في هذا الحديث نهي مخصوص فيه بالتصريح ببغضه، وإنما يكون مبغضًا من حاجة إليه تقتضيه، وقد سماه النبي - صلى الله عليه وسلم - حلالًا مع الكراهة. قال القرافي: فسر الحلال بجواز الإقدام عليه، فيشمل الوجوب والندب والكراهة والإباحة، وعليه يحمل قوله - عليه السلام -: "أبغض المباح إلى الله الطلاق" فإن البغضة تقتضي رجحان الترك، والرجحان مع التساوي محال عندهم (¬3). ولأنه مزيل للنكاح المشتمل على المصلحة ¬

_ (¬1) سبق أن ذكرنا أن هذِه الصفات صفات حقيقية لله تعالى، ولكنها تنسب له تعالى على الوجه اللائق به دون أن تشبه الله بأحد أو صفة من صفات خلقه. والله أعلم. (¬2) "السنن الكبرى" 7/ 322. (¬3) "شرح تنقيح الفصول" 1/ 70، "الذخيرة" 1/ 66.

المندوب إليها، فيكون مكروهًا، ولأن فيه إيذاء للزوجة وأقاربها وأولادها إن كان لها من غير سبب، ومهما طلقها فقد آذاها، ولا يباح إيذاء الغير إلا لجناية توجبه أو لضرورة، قال الله تعالى: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} (¬1) أي: لا تطلبوا حيلة الفراق. قال بعض العلماء من أصحابنا وغيرهم: الطلاق على خمسة أقسام منها المكروه، وهو أن تكون الحال بينهما مستقيمة، ولم يقع بينهما شيء يقتضي المفارقة فيكره لما فيه من قطع سبب الوصلة (¬2). وجعل الخطابي سبب الكراهة منصرف إلى السبب الجالب للطلاق وهو سوء العشرة لا إلى نفس الطلاق (¬3). ¬

_ (¬1) النساء: 34. (¬2) الذي في كتب الشافعية أن الطلاق على أربعة أقسام: واجب ومستحب ومحرم ومكروه. انظر: "المهذب" 3/ 5، "البيان" 10/ 77، "الروضة" 8/ 3. (¬3) "معالم السنن" 3/ 199.

4 - باب في طلاق السنة.

4 - باب فِي طَلاقِ السُّنَّةِ. 2179 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلَ عُمَرَ بْنُ الخَطّابِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مُرْهُ فَلْيُراجِعْها ثُمَّ لْيُمْسِكْها حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إِنْ شاءَ أَمْسَكَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ شاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ العِدَّةُ التِي أَمَرَ اللهُ سُبْحانَهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَها النِّساءُ" (¬1). 2180 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنْ نافِعٍ أَنَّ ابن عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ وَهِيَ حائِضٌ تَطْلِيقَةً بِمَعْنَى حَدِيثِ مالِكٍ (¬2). 2181 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ، عَنْ سالِمٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حائِضٌ فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مُرْهُ فَلْيُراجِعْها ثُمَّ لْيُطَلِّقْها إِذَا طَهُرَتْ أَوْ وَهِيَ حامِلٌ" (¬3). 2182 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَنا يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ أَخْبَرَنِي سالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حائِضٌ فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَتَغَيَّظَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قَالَ: "مُرْهُ فَلْيُراجِعْها ثُمَّ لْيُمْسِكْها حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ ثُمَّ إِنْ شاءَ طَلَّقَها طاهِرًا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَذَلِكَ الطَّلاقُ لِلْعِدَّةِ كَما أَمَرَ اللهُ - عز وجل -" (¬4). 2183 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4908)، ومسلم (1471). (¬2) رواه البخاري (5332)، ومسلم (1471). (¬3) رواه مسلم (1471/ 5). (¬4) رواه البخاري (4908)، ومسلم (1471/ 4).

ابن سِيرِينَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ جُبَيْرٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابن عُمَرَ فَقَالَ: كَمْ طَلَّقْتَ امْرَأَتَكَ فَقَالَ واحِدَةً (¬1). 2184 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، حَدَّثَنا يَزِيدُ - يَعْنِي: ابن إِبْراهِيمَ -، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: قُلْتُ: رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حائِضٌ. قَالَ: تَعْرِفُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قُلْتُ نَعَمْ. قَالَ: فَإِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حائِضٌ. فَأَتَى عُمَرُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلَهُ فَقَالَ: "مُرْهُ فَلْيُراجِعْها ثُمَّ ليُطَلِّقْها فِي قُبُلِ عِدَّتِها". قَالَ: قُلْتُ فَيُعْتَدُّ بِها قَالَ: فَمَهْ أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ واسْتَحْمَقَ (¬2). 2185 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ أَخْبَرَنا ابن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَيْمَنَ مَوْلَى عُرْوَةَ يَسْأَلُ ابن عُمَرَ وَأَبُو الزُّبَيْرِ يَسْمَعُ قَالَ: كَيْفَ تَرى فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حائِضًا قَالَ طَلَّقَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلَ عُمَرُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فقالَ إِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حائِضٌ قَالَ عَبْدُ اللهِ فَرَدَّها عَلَيَّ وَلَمْ يَرَها شَيْئًا وقَالَ: "إِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْ أَوْ لِيُمْسِكْ". قَالَ ابن عُمَرَ وَقَرَأَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ} فِي قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوى هذا الحَدِيثَ، عَنِ ابن عُمَرَ يُونُسُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَنَسُ بْنُ سِيرِينَ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَأَبُو الزُّبَيْرِ وَمَنْصُورٌ، عَنْ أَبِي وائِلٍ مَعْناهُمْ كُلُّهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَهُ أَنْ يُراجِعَها حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ إِنْ شاءَ طَلَّقَ وَإِنْ شاءَ أَمْسَكَ وَكَذَلِكَ رَواهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سالِمٍ، عَنِ ابن عُمَرَ وَأَمّا رِوايَةُ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سالِمٍ وَنافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَهُ أَنْ يُراجِعَها حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إِنْ شاءَ ¬

_ (¬1) "مصنف عبد الرزاق" (10959). ورواه البخاري (5253)، ومسلم (1471/ 7) بنحوه. (¬2) رواه البخاري (5258)، ومسلم (1471/ 7).

طَلَّقَ وَإِنْ شاءَ أَمْسَكَ وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ الخُراسانِيِّ عَنِ الحَسَنِ عَنِ ابن عُمَرَ نَحْوُ رِوايَةِ نافِعٍ والزُّهْرِيِّ والأَحَادِيثُ كُلُّها عَلَى خِلافِ ما قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ (¬1). * * * باب في طلاق السنة [2179] (ثنا القعنبي، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر) عند المحدثين أن الإسناد الذي فيه مالك عن نافع عن ابن عمر يسمى: سلسلة الذهب (¬2). (أنه طلق امرأته) آمنة بنت غفار، قاله ابن باطيش وابن نقطة في "تكملة الإكمال" (¬3)، وعزاه لابن سعد (¬4)، وقيل: آمنة بنت عمار، وفي "مسند أحمد" من حديث نافع أن عمر قال: يا رسول الله إن عبد الله طلق ¬

_ (¬1) أشار إليها مسلم (1471/ 14)، ورواها أبو نعيم في "مستخرجه على مسلم" (3471). وهي أيضًا في "مسند أحمد" 2/ 80. قال الحافظ في "الفتح" 9/ 353: وإسناده على شرط الصحيح فإن مسلما أخرجه من رواية حجاج بن محمد عن ابن جريج وساقه على لفظه ثم أخرجه من رواية أبي عاصم عنه وقال نحو هذِه القصة. ثم أخرجه من رواية عبد الرزاق عن ابن جريج قال: مثل حديث حجاج وفيه بعض الزيادة. فأشار إلى هذِه الزيادة ولعله طوى ذكرها عمدا. ا. هـ. وصححه الألباني في "الإرواء" (2058). (¬2) وهو قول البخاري. انظر: "مقدمة ابن الصلاح" ص 16. (¬3) "المغني" لابن باطيش 2/ 537، "إكمال الإكمال" (4188). (¬4) في "الطبقات الكبرى" 8/ 211: آمنة بنت عفان غير أنه في "تكملة الإكمال"، و"توضيح المشتبه" 6/ 302: غفار. نقلا عن ابن سعد. وذكر هذا الاختلاف ابن حجر في "الإصابة" 8/ 5 ط العلمية.

امرأته النوار (¬1) فيحتمل أن يكون هذا لقبها وذاك اسمها. (وهي حائض) جملة حالية، وليست بحامل. (على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وهذا معلوم مما بعده، فذكره له على سبيل التأسيس، ومن ورود التأسيس في كتاب الله {قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} (¬2) فإنها تأسيس لقوله تعالى بعدها {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} (¬3) والتأكيد خلاف التأسيس (فسأل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - رسول الله عن ذلك) فيه سؤال أهل العلم عند تجدد الحوادث؛ ليعلم حكم الله فيها وليبلغ حكمها من لم يكن حاضرًا (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مره) أصلها: اأمره بهمزتين الأولى للوصل مضمومة تبعًا لثالث الفعل وهو الميم كما في أقبل، والثانية فاء الكلمة ساكنة تبدل تخفيفًا من جنس حركة ما قبلها فيقال: أؤمر، وإذا وصل الفعل بما قبله زالت همزة الوصل وسكنت الهمزة الأصلية كما قال تعالى {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ} (¬4) لكن هذِه الثلاثة ألفاظ استعملتها العرب من غير همز، فقالوا: خذ ومر وكل؛ لكثرة دورها في الكلام، واستدل بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "مره". على الأمر بعد بالمراجعة على طريق الندب وهو قول الشافعي (¬5) وأحمد (¬6) وأبي حنيفة (¬7)؛ لأن الأمر بالأمر بالشيء لا يكون أمرًا بذلك الشيء على ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 2/ 124. وليس فيه لفظة: النوار. وعزاه الحافظ في "الفتح" 9/ 259 إلى مسند أحمد بهذا اللفظ وقال: هذا إسناد على شرط الشيخين. (¬2) آل عمران: 49. (¬3) آل عمران: 50. (¬4) طه: 132. (¬5) انظر: "المستصفى" ص 216. (¬6) انظر: "روضة الناظر" 1/ 582. (¬7) انظر: "التقرير والتحبير" 2/ 79.

الأصح عند الأصوليين (¬1)، فلا تكون المراجعة واجبة، فلو كانت واجبة لقال رسول الله لعمر: أخبره أن الله أمره بالمراجعة، أو إني آمره بالرجعة، ولا يصار إلى أنه أمر إلا بدليل. قال عياض: فأمره بمراجعتها واجب عندنا خلافًا لأبي حنيفة والشافعي، ولا حجة لهما إن قالا: فإن الآمر لابن عمر بالمراجعة أبوه وليس لأبيه أن يضع الشرع لأن أباه إنما أمره بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهو مبلغ إليه أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2) (فليراجعها) بكسر اللام على الأصل؛ لأنها لام الأمر الجازمة للمضارع، ويجوز إسكانها، وقرئ بهما في السبع (¬3)، والأمر بالمراجعة للندب كما تقدم، قال أصحابنا: والصارف للأمر للوجوب؛ فإن الله قال: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} (¬4) وغيرها من الآيات المقتضية للتخيير بين الإمساك بالرجعة أو الفراق بتركها، وفيه جمع بين الحديث والآيات إذا حملنا الأمر على الندب (ثم ليمسكها) بضم الياء وكسر السين، كما قال تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا} (¬5) وفي رواية في الصحيح: "ثم يمسكها" (¬6). بحذف لام الأمر، وجزم الكاف، عطفًا على الأمر قبله. والمراد بهذا الأمر: استمرار الإمساك لها؛ لأن الرجعة إمساك لها ¬

_ (¬1) وهو قول المالكية أيضًا، انظر: "شرح تنقيح الفصول" ص 148. (¬2) "إكمال المعلم" 5/ 5. (¬3) اتفقوا على تسكين لام الأمر إذا كان قبلها (واو) أو (فاء) في جميع القرآن، واختلفوا إذا كان قبلها (ثم) بين التسكين والكسر. انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص 177. (¬4) الطلاق: 2. (¬5) البقرة: 231. (¬6) "صحيح البخاري" (5332)، ومسلم (1471).

(حتى تطهر) واختلف في المعنى الذي لأجله منعه إيقاع الطلاق في الطهر الثاني للحيضة التي طلق فيها (ثم تحيض) بعد ذلك (ثم تطهر) فإنه أمر أولًا بالرجعة ثم بتأخير الطلاق إلى طهر يلي هذا الحيض، فقيل: لئلا تصير الرجعة لغرض الطلاق، ولو طلق في أول طهر بخلاف الطهر الثاني حتى قيل: إنه يستحب الوطء في الطهر الأول، وإن كان المرجح خلافه، وقيل: هو عقوبة للمطلق في الحيض المحرم وتغليظ عليه، ورد (¬1) بأن ابن عمر لم يكن يعلم تحريمه. وأجيب بأن تغليظه - صلى الله عليه وسلم - دون أن يعذره يقتضي أن ذلك في غاية الظهور، وأن هذا لا يكاد يخفى على أحد، وقيل: لأن الطهر الأول مع الحيض قبله كالشيء الواحد، وقيل: لأنه إذا طال مقامها رجي أن لا يطلق لأنه قد يطأها في الطهر الأول، فيذهب ما في نفسه منها من سبب طلاقها. وادعى القرطبي أن هذا الحديث رواه سالم بن عبد الله ويونس بن جبير عن ابن عمر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك وإن شاء طلق". ولم يقولوا: "ثم تحيض ثم تطهر"، وهذا الذي في "المختصر" رواه الترمذي بلفظ: "ثم يطلقها طاهرًا أو حاملًا" (¬2). قال شيخنا البلقيني: وليس في رواية سالم ويونس، ورواية ابن عمر مخالفة في المعنى، بل في اللفظ، قال: وإنما يختلفان من وجه آخر، ¬

_ (¬1) في الأصل: وأورد. والمثبت أليق بالسياق. (¬2) "سنن الترمذي" (1176).

وهو أن في رواية لسالم في مسلم: فأمره أن يراجعها طاهرًا من غير جماع. وسيأتي في الرواية الآتية: "مره فليراجعها ثم ليطلقها إذا طهرت أو وهي حامل" كما سيأتي. (ثم إن شاء) الزوج (أمسك) زوجته، أي: دام عصمتها (بعد ذلك) كله (وإن شاء طلق) فيه دليل على جواز الجمع بين الطلقات الثلاث؛ لأنه قال: طلقها فأطلق الطلاق، ولم يفصل بين الثلاث والثنتين، أو الواحدة تدل على جواز الجمع؛ لأن قاعدة مذهب الشافعي أن ترك التفصيل في قضايا الإجمال منزل منزلة العموم في المقال، وطلق هنا قضية الإجمال فكان كالعموم (¬1). (قبل أن يمس) بفتح الياء والميم، أي: قبل أن يجامعها، واحترز قبل اللمس عما لو طلقها في طهر جامعها فيه، وكانت ممن تحبل ولَمَّ بها حمل فإن الطلاق في هذِه الحالة حرام وواقع عليها، وعلل التحريم بأمرين: أن الزوج لا يأمن أن تكون حاملًا فيندم على مفارقتها مع الولد، والثاني أنها تكون مرتابة بالحمل؛ فإنها في هذِه الحالة لا تعلم هل تعتد بوضع الحمل أم بالأقراء. (فتلك) المدة زمن (العدة التي أمر الله) تعالى في كتابه العزيز في قوله تعالى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (¬2) (أن تطلق لها النساء) أي: فيها؛ فاللام بمعنى: في، كقوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} (¬3) {لَا ¬

_ (¬1) انظر: "البرهان" للجويني 1/ 122. (¬2) الطلاق: 1. (¬3) الأنبياء: 47.

يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} (¬1)، وقولهم: مضى لسبيله، ولا تصح الإشارة التي في قوله: "فتلك" إلى (¬2) الحيضة؛ لأن الطلاق في الحيض غير مأمور به، بل منهي عنه، انتهى. [2180] (ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا الليث، عن نافع، أن) عبد الله (بن عمر - رضي الله عنه - طلق امرأة له وهي حائض تطليقة) يعني: واحدة كما سيأتي مصرحًا به في الرواية الآتية (بمعنى حديث مالك) عن نافع كما تقدم. [2181] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا وكيع) بن الجراح ومات قبله (عن سفيان) بن عيينة. (عن محمد بن عبد الرحمن) بن عبيد (مولى آل طلحة) التيمي من الكوفة، أخرج له مسلم والبخاري في "الأدب". (عن سالم) بن عبد الله (بن عمر) رضي الله عنهما (أنه طلق امرأته) آمنة، كما تقدم (وهي حائض) جملة حالية، وطلاق النفساء في معنى الحائض. واستثني من الطلاق في الحيض صور منها: الحامل إذا حاضت. فلا يحرم طلاقها على الأصح، ومنها: إذا قال: أنت طالق مع آخر حيضك، ومنها: الحكمان في صورة الشقاق لا يحرم في الحيض للحاجة إلى قطع النزاع، ومنها: المؤلي إذا طولب فطلق في زمن الحيض، قاله الإمام وغيره وتوقف فيه الرافعي (¬3). ¬

_ (¬1) الأعراف: 187. (¬2) في الأصل: أي. والمثبت المناسب للسياق. (¬3) انظر: "روضة الطالبين" 8/ 4.

(فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: مره فليراجعها) الأمر للاستحباب كما تقدم؛ لأنه بالمراجعة يزيل المعنى الذي حرم الطلاق من أجله وهو تطويل العدة، وإذا راجعها فهل يرتفع أثر التحريم؟ حكى النووي في تعليقه على الوسيط أن جماعة من مشايخه قالوا: يرتفع التحريم؛ لأنها كفارة له، ولأنه رجوع عن المصيبة لأنها توبة وهي تجب ما قبلها، وبه يتقوى مذهب مالك أن الأمر بالرجعة هنا أمر وجوب (¬1)؛ لأنها توبة من معصية، والتوبة واجبة، وردَّ الماوردي على مالك بأنه أورد على أن الارتجاع لا يجب إذا طلقها في طهر جامعها فيه مع أنه حرام بالاتفاق، فكذا في الطلاق في الحيض (¬2) (ثم ليطلقها) يعني إن شاء طلاقها، قال الماوردي والروياني: لو طلق للسنة ثم راجعها ندب أن لا يطلق أخرى حتى يطأ لتكون المراجعة للاستمتاع. قال الرافعي: وكان الوجهين للاستحباب أما الإباحة فما ينبغي فيها خلاف (إذا طهرت) أي: إذا شرعت في الطهر الأول قبل أن يمس لأنه إن جامعها حرم عليه أن يطلق في ذلك الطهر (أو) يطلقها (وهي حامل) ولفظ الترمذي: "فليراجعها ثم ليطلقها طاهرًا أو حاملًا". قال عياض: في قول مسلم: "ليطلقها طاهرًا أو حاملًا" فيه دلالة على جواز طلاق الحامل على الإطلاق دون التفصيل، يعني سواء كانت حائضًا أو غير حائض. قال: وقد منعه بعض أصحابنا كما منع طلاق من لم يدخل بها وهي حائض، وأجازه الآخرون. قال: وهذا راجع ¬

_ (¬1) انظر: "البيان والتحصيل" 5/ 464. (¬2) "الحاوي" 10/ 123.

إلى الاختلاف في النهي عن الطلاق في الحيض، فمن رأى أنه معلل بتطويل العدة أجازه في الحامل وفي التي لم يدخل بها؛ إذ الحامل عدتها الوضع فلا تطويل فيها، ومن لم يدخل بها لا عدة عليها أصلًا فتوصف بطول أو قصر، ومن رآه غير معلل منع الطلاق في المسألتين جميعًا. قال: وفيه نظر؛ لأن قضية ابن عمر قضية عين، فإذا قلنا أن النهي غير معلل افتقر المنع في المسألتين إلى دليل على القول بأن القضايا في الأعيان لا تتعدى، أو كون مجرد النهي غير معلل لا يوجب الحكم في المسألتين بالمنع. وأما الطريقة الأخرى وهي إثبات التعليل فإنما يصح ما قالوه فيها أيضًا على القول بأن العلة إذا ارتفعت ارتفع حكمها، وهذا فيه تفصيل وتحقيق (¬1). وقال النووي: فيه دليل لجواز طلاق الحامل التي تبين حملها وهو مذهب الشافعي (¬2). قال ابن المنذر: وبه قال أكثر العلماء - يعني: بحل طلاق الحامل وإن كان قد جامعها فيه - لأن المطلق مع العلم بالحمل قد وطأ نفسه عليه (¬3). وقد استدل بهذا الحديث أصحابنا على أن طلاق (¬4) الحامل سني كما قال القفال، قال: وكأن الشافعي لم يبلغه هذا الحديث (¬5). ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" 5/ 13 - 14. (¬2) "شرح النووي على صحيح مسلم" 10/ 65. (¬3) "الأوسط" لابن المنذر 9/ 145 - 146. (¬4) ليست بالأصل والسياق يقتضيها. (¬5) انظر: "حاشيتا قليوبي وعميرة" 3/ 349.

والأصح عند الشافعية ليس ببدعي ولا سني. [2182] (ثنا أحمد بن صالح) العبدي (ثنا عنبسة، ثنا يونس، عن) محمد (بن شهاب قال: أخبرني سالم بن عبد الله عن أبيه) عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (أنه طلق) الطلاق لفظ جاهلي ورد الشرع باستعماله أو تقريره كما قاله الإمام (¬1) (امرأته) فيه أن غير الزوج لا يصح طلاقه بغير نيابة شرعية أو قولية لا بالتخيير ولا بالتعليق (وهي حائض) مدخول بها. (فذكر ذلك عمر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتغيظ) الغيظ هو الغضب المحيط بالكيد (¬2) (رسول الله) وفي النسائي: فتغير وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3). وفيه دليل على تحريم الطلاق في الحيض؛ فإنه أنكره بتغيظه عليه مع أن ابن عمر لم يكن عرف تحريم ذلك عليه. وأجيب بأن تغيظه - صلى الله عليه وسلم - دون أن يعذره لعدم علمه يقتضي أن تحريم ذلك في غاية الظهور، وأنه لا يكاد يخفى على أحد. وقد استدل بهذا الحديث من يقول من أصحابنا وغيرهم أن طلاق الحامل الحائض أنه بدعي فيحرم؛ لأنه طلاق في الحيض وقد نهي عن الطلاق في الحيض، ووجه التحريم أنه - صلى الله عليه وسلم - تغيظ على ابن عمر حين طلق الحائض ولم يستفصل بين أن تكون حاملًا أو غير حامل، فدل على أنه لا فرق في التحريم للقاعدة المطردة أن ترك الاستفصال في ¬

_ (¬1) "نهاية المطلب" 14/ 5. (¬2) انظر: "المصباح المنير" 2/ 459. (¬3) "سنن النسائي" 6/ 138. وفيه: (فتغيظ). وليس (فتغير وجه).

قضايا الإجمال منزل منزلة العموم في المقال. (ثم قال: مره) استدل به على أن المراجعة التي بعده غير واجبة؛ لأنه لم يأمر عبد الله وإنما أمر أباه، والأمر بالأمر بالشيء ليس أمرًا بذلك الشيء؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "مروهم بالصلاة لسبع" (¬1). والصلاة ليست واجبة على ابن سبع. (فليراجعها) فيه دليل على أن قول المطلق رجعيًّا: راجعتك، أو ارتجعتك، صريح في المراجعة، لا يفتقر إلى نية، وقد اشتهرت هذِه اللفظة في المراجعة بين أهل العرف كاشتهار اسم الطلاق فيه، والاحتياط في المراجعة أن يقول: راجعت امرأتي أو زوجتي إلى نكاحي أو زوجتي، أو راجعتها لما وقع عليها من طلاقي، وقد يؤخذ من اقتصاره في الحديث على لفظ المراجعة أن الرجعة لا تفتقر إلى ولي ولا صداق ولا رضا المرأة ولا علمها، وكذا لا تفتقر إلى شاهدي عدل يحضران المراجعة، لكن يستحب، وهو المذهب (¬2). (ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر) قال ابن قدامة في "المغني": فإذا راجعها وجب إمساكها حتى تطهر، واستحب إمساكها حتى تحيض حيضة أخرى ثم تطهر على ما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3). قال ابن عبد البر: وذلك من وجوه: منها: أن الرجعة لا تكاد تعلم صحتها إلا بالوطء؛ لأنه المبتغى من النكاح، ولا يحصل الوطء إلا في ¬

_ (¬1) أخرجه الطبراني في "الأوسط" (4129) من حديث أنس بن مالك. (¬2) انظر: "الإقناع" للماوردي ص 153. (¬3) "المغني" 10/ 329.

الطهر؛ فإذا وطئها حرم طلاقها حتى تحيض ثم تطهر. ومنها: أن الطلاق حرم في الحيض لتطويل المدة، فلو طلقها عقب الرجعة من غير وطء كانت في معنى المطلقة قبل الدخول، وكانت تبني على عدتها، فأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطع حكم الطلاق بالوطء، واعتبر الطهر الذي في محل الوطء، فإذا وطئ حرم عليه طلاقها حتى تحيض ثم تطهر، وقد جاء في حديث عن ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مره فليراجعها، فإذا طهرت مسها، حتى إذا طهرت أخرى فإن شاء طلقها وإن شاء أمسكها". رواه ابن عبد البر (¬1). ومنها: أنه عوقب على إيقاعه في الوقت المحرم بمنعه منه في الوقت الذي يباح له. (ثم إن شاء طلقها) فيه دليل على أنه لا إثم في الطلاق بغير سبب، لكن يكره كما في الحديث المتقدم: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق". فيكون "أبغض الحلال" بيانا لكراهة التنزيه، وتعليقه هنا على المشيئة لبيان أنه ليس بحرام. (طاهرًا قبل أن يمس) أي: قبل أن يطأها، وفيه تحريم الطلاق في طهر جامعها فيه كما تقدم. (فذلك الطلاق للعدة) أي: عند زمان عدتهن، وهو عند الشروع في الطهر، فاللام في العدة بمعنى: عند، كقولهم: لخمس خلون، وجعل منه ابن جني قراءة الجحدري: {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ} (¬2) بكسر اللام ¬

_ (¬1) "التمهيد" 15/ 53 - 55. (¬2) ق: 5.

وتخفيف الميم (¬1)، والمراد أنها تأتي للتأقيت إذا قرنت بالوقت مثل: "صوموا لرؤيته" (¬2)، وجعل منه الزمخشري: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (¬3). (كما أمر الله تعالى) الظاهر أن أمر هنا بمعنى أذن وأباح، وهو كقولك: يا من طرق الباب ادخل؛ لأن الطلاق غير مأمور به، قيل: قد جاء: "أبغض المباح إلى الله الطلاق" (¬4). [2183] (ثنا الحسن بن علي) الخلال (ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن أيوب) بن أبي تميمة كيسان السختياني. (عن) محمد (بن سيرين قال: أخبرني يونس بن جبير) أبو غلاب الباهلي البصري (أنه سأل) عبد الله (ابن عمر فقال: كم طلقت امرأتك) وهي حائض؟ (فقال) طلقة (واحدة) ووهم من روى ثلاثًا. كما رواه مسلم عن ابن سيرين أيضًا (¬5). استدل به مالك وعامة أصحابه على ما ذهبوا إليه من أنه لا بد في طلاق السنة من أن يعتبر في الوقت أن يطلقها واحدة، ويتركها حتى تنقضي عدتها ولا يردفها، ومتى خالف شيئًا من ذلك خرج عن طلاق السنة ووصف بالبدعة (¬6). وقال أبو حنيفة وأصحابه: هذا أحسن الطلاق (¬7). ¬

_ (¬1) "المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات" 2/ 282. (¬2) رواه البخاري (1909)، ومسلم (1081) من حديث أبي هريرة. (¬3) طه: 14. (¬4) تقدم بلفظ: أبغض الحلال. (¬5) "صحيح مسلم" (1471/ 11). (¬6) "المدونة" 2/ 3. (¬7) "بدائع الصنائع" 3/ 88.

وقال الشافعي وأحمد وأبو ثور: ليس في عدد الطلاق سنة ولا بدعة (¬1) [2184] (عن) عبد الله بن مسلمة (القعنبي، ثنا يزيد بن إبراهيم) القشيري أبو يزيد (عن محمد بن سيرين) قال (حدثني يونس بن جبير، قال: سألت عبد الله بن عمر، قلت: رجل) رجل مبتدأ، ويحتمل أن يكون سوغ الابتداء به وهو نكرة كونه موصوف بصفة محذوف تقديره: رجل متزوج (طلق امرأته) فحذف الصفة كما قالوا: ضعيف عاذ بقرملة (¬2) فيه حذف تقديره: رجل ضعيف، والمبتدأ في الحقيقة المحذوف وهو موصوف مبتدأ وضعيف خبره، ثم حذف المبتدأ وثبتت خبره صفته. (وهي حائض، فقال: تعرف) فيه حذف لهمزة الاستفهام تقديره: أتعرف. كقول الشاعر: ثم قالوا: تحبها؟ قلت: بهرًا ... عدد الرمل والحصى والتراب (¬3) تقديره: أتحبها؟ . (عبد الله بن عمر؟ قلت: نعم. قال: فإن عبد الله بن عمر) سؤاله عن معرفة ابن عمر مع جوابه كالتوطئة لما يأتي بعده (طلق امرأته وهي حائض) ¬

_ (¬1) "الأم" 5/ 264، و"المغني" 10/ 330 - 331. (¬2) القرمل: شجر ضعيف ترتفع على سويقة قصيرة لا تستر من خلفها ولا تظل من تحتها. وهذا مثل يضرب من استعاذ بأضعف منه. انظر: "اللسان" مادة (قرمل). (¬3) انظر: "الكامل في اللغة والأدب" 2/ 179، وعزاه لعمر بن أبي ربيعة، وهو في "ديوانه" ص 60.

في غيبة النبي - صلى الله عليه وسلم - (فأتى عمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله) عن ذلك (فقال: مره) فيه أن تأديب الوالد ولده وتعليمه الأحكام الشرعية أولى من الحاكم، ولهذا لم يطلبه النبي ليأمره بالمراجعة مشافهًا له، بل أمر والده ليأمره تشريعًا لهذِه الأمة بأمور دينها، وكذلك المفتي الوالد عن مسألة تتعلق بولده يجيبه عنها، ليكون الوالد هو المباشر لذلك دون المفتي، هذا ما ظهر لي من معنى الحديث. والله أعلم. (فليراجعها) المراجعة مما استعمل فيه فاعل لغير المشاركة في الفعل بل لموافقة أفعل الذي همزته للتعدية نحو: باعدته بمعنى: أبعدته، وضاعفته بمعنى: أضعفته، وراجعتها بمعنى أرجعتها إلى عصمتي (ثم يطلقها) بجزم القاف عطفًا على الأمر قبله (في قبل) (¬1) بضم القاف والباء الموحدة (عدتها) أي: وقت استقبال العدة والشروع فيها، أي: طلقها في طهر لم يجامعها فيه. قال السفاقسي: فيه رد على أبي حنيفة في قوله: الأقراء الحيض؛ لأن قبل العدة وهي حالة تعتد بها من العدة وهي فيها طاهر، فدل على أن الأقراء هي الأطهار (قال: فقلت) له (فيعتد) في بعض النسخ: فتعتد بفتح المثناتين بينهما عين مهملة، وفي بعضها: يعتد بضم المثناة تحت مبني لما لم يسم فاعله، وفيه حذف همزة الاستفهام كما تقدم، أي: أفيعتد (بها؟ ) أي: بتلك التطليقة وتحسب عليها، يعني: المطلقة (قال: فمه) أصلها: فما؟ أي: فهل يكون إلا ذلك؟ والفاء في (فمه) دخلت على (ما) الاستفهامية وأبدلت ألف ما هاء لقرب مخرجها منها ¬

_ (¬1) في (الأصل): قبيل.

كما في هرقت وأرقت، أي: فما يكون إن لم تحسب بتلك التطليقة. قال الكرماني: ويحتمل أن تكون يعني: (مه) التي هي كلمة الكف والزجر عنه أي: انزجر عنه فإنه لا شك في وقوع الطلاق وكونه محسوبًا في عدد الطلاق (¬1) (أرأيت إن عجز) إن عجز عن النطق بالرجعة أأسقط عنه عجزه وقوع الطلاق وحكمه؟ وهذا من المحذوف منه جواب إن الشرطية لدلالة مجرى الكلام عليه. (واستحمق) هذا مثال لما جاء فيه استفعل للتحول من حالة إلى حالة؛ لأن معنى استحمق أي صار كالأحمق حين فعل فعله. كما يقال: استحجر الطين، أي: صار كالحجر، واستنسر البغاث (¬2) أي: صار كالنسر، كقول الشاعر: إن البغاث بأرضنا تستنسر (¬3) أي: تتحول وتصير إلى صفة النسر. قال النووي: أي أيرتفع عنه الطلاق وإن استحمق؟ فهو استفهام إنكار تقديره: لا يمنع احتسابها لعجزه وحماقته، والقائل لهذا الكلام هو عبد الله بن عمر صاحب القضية، ويريد به نفسه وإن ذكر الضمير بلفظ الغيبة. وقد جاء في رواية مسلم أن ابن عمر قال: ما لي لا أعتد بها وإن كنت عجزت واستحمقت؟ (¬4) (¬5) وفيه حذف تقديره: أرأيت إن عجز واستحمق ¬

_ (¬1) "شرح البخاري" 19/ 179. (¬2) تحرفت في الأصل إلى: بغاة. (¬3) انظر: "العقد الفريد" 3/ 27، "المستقصى في أمثال العرب" 1/ 402. (¬4) "صحيح مسلم" (1471) (11). (¬5) "شرح صحيح مسلم" 10/ 66.

أيسقط عنه الطلاق حمقه أو يبطله عجزه؟ قال القرطبي: هو بفتح التاء والميم مبنيًّا للفاعل، ولا يجوز بناؤه للمفعول؛ لأنه غير متعدٍ (¬1). انتهى. وفيه رد على من يرويه بالضم على ما لم يسم فاعله، يعني: إن الناس استحمقوه وعدوه أحمق حين وضع الطلاق في غير موضعه، وإنما هو بفتح التاء مبنيًّا للفاعل، أي: يكلف الأحمق بما يفعله من الطلاق وامرأته حائض. [2185] (ثنا أحمد بن صالح، ثنا عبد الرزاق، أن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس (أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن) المخزومي المكي مولى عزة، ويقال (مولى عروة) قال ابن طاهر: وهو أصح (يسأل ابن عمر وابن الزبير يسمع) سؤاله (فقال: كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضًا؟ ) منصوب على الحال. (قال: طلق عبد الله بن عمر امرأته وهي حائض على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فسأل عمر رسول الله، فقال: إن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض) فيه أنه يجوز للسائل والمفتي أن يبهم السائل فيقول: ما تقول؟ أو: ما ترى في رجل طلق امرأته حائضًا؟ كما فعل عبد الرحمن بن أيمن في سؤال ابن عمر، ويجوز أن يعينه إذا كان المفتي يعلمهما ويقول: إني طلقت زوجتي وهي حائض. كما فعل ابن عمر في سؤال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (قال عبد الله) بن عمر - رضي الله عنه - (فردها) يعني التطليقة (عليَّ) وللنسائي: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليراجعها" فردها علي (¬2). ¬

_ (¬1) "المفهم" 4/ 233. (¬2) "سنن النسائي" 6/ 139.

ويحتمل أن يراد: فرد الزوجة عليَّ حين أمرني بمراجعتها (ولم يرها) أي: لم ير التطليقة شيئًا ولم يحسبها من الطلقات الثلاث، كما سيأتي (وقال: إذا طهرت) من حيضها (فليطلق) في أي طهر شاء من الأول والثاني سواء اغتسلت أم لا، والمراد بالطهر الذي يطلق فيه طهر تشرع فيه في العدة منه؛ فإنها قد تطهر ولا تشرع في عدته كما في وطء الشبهة الواقع في المدة التي تثبت له المراجعة فيها، وحينئذٍ فلا يقع طلاق فيه؛ لأنه بدعي بل يتأخر وقوعه إلى وقت طهر تشرع به في عدته (¬1) (أو ليمسك) إن شاء (قال ابن عمر: وقرأ النبي - صلى الله عليه وسلم -: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ}) وللنسائي: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ({يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ}) (¬2) نادى النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم خاطب أمته؛ لأنه السيد المقدم، فإذا نودي وخوطب خطاب الجمع كانت أمته داخلة في ذلك الخطاب، ومعنى {إِذَا طَلَّقْتُمُ}: إذا أردتم التطليق، كقوله {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} (¬3)، {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ} (¬4) ({فَطَلِّقُوهُنَّ} في قبل) بضم القاف والموحدة (عدتهن) قال في "النهاية": وفي رواية: "في قبل طهرهن"، أي: في إقباله وأوله حين يمكنها الدخول في العدة والشروع فيها، وذلك في حالة الطهر، يقال: كان ذلك في قبل الشتاء، أي: إقباله (¬5). وهذِه القراءة رواها المصنف والنسائي، وحكاها المازني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعثمان وجابر (¬6) بن عبد الله ومجاهد وزيد، وقرأ أبو نهيك وأبو ذر: ¬

_ (¬1) انظر: "مغني المحتاج" 4/ 500. (¬2) الطلاق: 1. (¬3) المائدة: 6. (¬4) النحل: 98. (¬5) "النهاية" 4/ 9. (¬6) كذا ولعله: خالد بن عبد الله كما في "إيجاز البيان عن معاني القرآن" 2/ 820.

(فطلقوهن لقبل عدتهن) بضم القاف وسكون الباء (¬1). قال ابن مهران: وعن مجاهد (فطلقوهن قبل عدتهن) بفتح القاف واللام مع سكون الباء (¬2). (قال المصنف: روى) بفتح الراء والواو (هذا الحديث عن ابن عمر: يونس بن جبير، وأنس بن سيرين) أو محمد بن سيرين (وسعيد بن جبير، وزيد بن أسلم، وأبو الزبير) محمد بن مسلم (ومنصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي. (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (معناهم كلهم) برفع اللام (أن النبي أمره أن يراجعها) ثم يمسكها (حتى تطهر، ثم إن شاء طلق) بعد ذلك (وإن شاء أمسك) يعني أنها إذا شرعت في أول الطهر فهو مخير بين الطلاق والإمساك (وكذلك رواه محمد بن عبد الرحمن) ابن عبيد مولى آل طلحة بن عبيد القرشي (عن سالم) بن عبد الله (عن أبيه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وأما رواية الزهري، عن سالم بن عبد الله ونافع عن ابن عمر: أن النبي أمره أن يراجعها) ويمسكها (حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر) طهرًا يشرع فيه العدة كما تقدم (ثم إن شاء طلق) طلقة واحدة (وإن شاء أمسك) أي: استدام بقاءها لعصمته، واستمرت إلى الطهر الثاني. (وروي عن عطاء) بن أبي مسلم (الخراساني) مولى المهلب بن أبي صفرة (عن الحسن) بن أبي الحسن البصري (عن ابن عمر رواية نافع ¬

_ (¬1) انظر: "فضائل القرآن" لأبي عبيد ص 315، "أحكام القرآن" لابن العربي 4/ 436. (¬2) انظر: "الناسخ والمنسوخ" للنحاس 1/ 217، "المحتسب" لابن جني 2/ 323.

عن الزهري) قال المصنف: (والأحاديث كلها على خلاف ما قال أبو الزبير) يعني: من أن الطلقة في الحيض لا تحتسب عليه تطليقة. لكن قال شيخنا ابن حجر: لم ينفرد أبو الزبير، فقد رواه عبد الوهاب الثقفي عن عبيد الله، عن نافع: أن ابن عمر قال في الرجل يطلق امرأته وهي حائض، قال ابن عمر: لا يعتد بذلك. أخرجه محمد بن عبد السلام الحسيني، عن بندار، عنه. ثم قال: وإسناده صحيح، لكن يحمل قوله: لا يعتد بذلك على معنى أنه خالف السنة، لا على أن الطلقة لا تحسب جمعًا بين الروايات القوية (¬1). انتهى. فإن البخاري صرح بأنها تحسب عليه، ولمسلم نحوه (¬2). قال الشافعي: ورواية نافع أثبت عن ابن عمر من أبي الزبير، والأثبت من الحديثين أولى أن يقال به (¬3). وقال أبو عمر النمري: لم يقل عنه أحد غير أبي الزبير، وقد يحتمل أن يكون معناه: لم يره شيئًا ثابتًا تحرم معه الرجعة ولا تحل له إلا بعد زوج، أو لم يره شيئًا جائزًا في السنة ماضيًا في حكم الاختيار وإن كان لازمًا على سبيل الكراهة (¬4). ¬

_ (¬1) "التلخيص الحبير" 3/ 419. (¬2) البخاري (5253)، ومسلم (1471). (¬3) "معرفة السنن والآثار" 5/ 453. (¬4) "التمهيد" 15/ 65 - 66.

5 - باب الرجل يراجع ولا يشهد.

5 - باب الرَّجُلِ يُراجِعُ وَلا يُشْهِدُ. 2186 - حَدَّثَنا بِشْرُ بْنُ هِلالٍ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ سُلَيْمانَ حَدَّثَهُمْ عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ عِمْرانَ بْنَ حُصَيْنٍ سُئِلَ، عَنِ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يَقَعُ بِها وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَى طَلاقِها وَلا عَلَى رَجْعَتِها فَقَالَ: طَلَّقْتَ لِغَيْرِ سُنَّةٍ. وَراجَعْتَ لِغَيْرِ سُنَّةٍ أَشْهِدْ عَلَى طَلاقِها وَعَلَى رَجْعَتِها وَلا تَعُدْ (¬1). * * * باب في نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث (¬2) [2186] (ثنا بشر بن هلال) الصواف، شيخ مسلم وابن خزيمة (أن جعفر بن سليمان) الضبعي أخرج له مسلم والأربعة. (حدثهم عن يزيد) ابن أبي يزيد الذراع (¬3) أبو الأزهر الضبعي، وذكر الترمذي في أثناء الصوم أن يزيد (الرشك) هو يزيد بن القاسم، والرشك بكسر الراء وسكون الشين المعجمة، بالفارسية ومعناه بالعربية: القسام؛ لأنه كان يقسم الدور، مسح مكة قبل أيام الموسم فبلغ كذا ومسح أيام الموسم فإذا قد زاد كذا وكذا (عن مطرف بن عبد الله: أن عمران بن حصين) بن عبيد الخزاعي وكان من فضلاء الصحابة وفقهائهم يقول عنه أهل البصرة: إنه كان يرى الحفظة وكانت تكلمه حتى اكتوى. قال ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (2025). وصححه الألباني في "الإرواء" (2078). (¬2) كذا بوب له هنا. وهذا الباب يأتي بعد بخمسة أبواب. لكن كما فعل الشارح هنا فعل المنذري كما أشير إليه في حاشية "المختصر" 3/ 112 فليحرر. (¬3) في الأصل: تبات. والمثبت من مصادر التخريج.

محمد بن سيرين: هو أفضل من نزل البصرة من الصحابة (¬1) (سئل عن رجل طلق امرأته) ظاهر تبويب المصنف أن الطلاق كان ثلاثًا (ثم يقع بها) أي: يراجعها، وأصله اللوم والتعنيف، يقال: وقع بفلان وقيعة إذا عنفه ولامه واغتابه، والغالب أن المراجعة تقع بعد اللوم والعتاب على ما وقع بسببه الطلاق (ولم يشهد) الشهود (على طلاقها ولا على رجعتها) فتح الراء أفصح من كسرها (فقال: طلقت) بفتح تاء المخاطب (لغير سنة) حيث لم يشهد على طلاقها؛ لقوله تعالى: {أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} (¬2)، قال المفسرون: أمروا أن يشهدوا عند الطلاق وعند الرجعة (¬3). قال ابن الأثير: معنى قوله: ثم يشهد على رجعتها، أي: ثم يشهد عليها أنه قد ردها وارتجعها إلى عصمته (¬4) (وراجعت لغير سنة) ولا خلاف بين أهل العلم أن السنة الإشهاد، لكن هو واجب أو مستحب (أشهد على طلاقها و) أشهد ([على] رجعتها) ذوي عدل من الأمة، بدليل الآية المتقدمة {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} (¬5) ورواية البيهقي: "وأشهد الآن" (¬6). وزاد الطبراني: "واستغفر الله" (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: "الاستيعاب" 3/ 285. (¬2) الطلاق: 2. (¬3) انظر: "التفسير الوسيط" للواحدي 4/ 312. (¬4) "الشافي" 5/ 8 (¬5) الطلاق: 2. (¬6) "السنن الكبرى" 7/ 373. (¬7) "المعجم الكبير" 18/ 181 (420).

وقد اختلف الشافعية وغيرهم في الإشهاد على الرجعة، هل هو واجب أو مستحب؟ فأظهر القولين والمشهور في المذهب أنها مستحبة (¬1). وهو قول مالك (¬2) وأبي حنيفة (¬3)؛ لأنها لا تفتقر إلى القبول فلم تفتقر إلى الشهادة كسائر حقوق الزوج؛ ولأن ما لا يشترط فيه الولي لا يشترط فيه الإشهاد، وعند ذلك يحمل الأمر في الآية والحديث على الاستحباب. والقول الثاني: واجب (¬4)؛ لأنه مأمور في الآية وفي هذا الأثر، والأمر يقتضي الوجوب، ولأنه استباحة بضع مقصود فوجبت الشهادة فيه، كالنكاح. قال شيخنا البلقيني في "التدريب": وقال الشافعي في "الإملاء": لا رجعة إلا بشاهدين، قال: وهو آخر قوليه كما ذكره الربيع في غير "الأم". قال: وينبغي أن يرجح ولم يرجحوه. (ولا تعد) بفتح التاء وضم العين يعني إلى ما وقع منك، وليست هذِه اللفظة في ابن ماجه. [2195] (ثنا أحمد بن محمد) بن ثابت بن شبويه (المروزي) بفتح الواو من كبار الأئمة، وفي "الإكمال" قال الدارقطني: روى عنه البخاري (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: "الإقناع" للماوردي ص 153، "الحاوي" 10/ 311، "نهاية المطلب" 14/ 342. (¬2) انظر: "الكافي" 2/ 617، "البيان والتحصيل" 5/ 418. (¬3) انظر: "المبسوط" 6/ 19. (¬4) وهي رواية عند الحنابلة. انظر: "المغني" 7/ 522. (¬5) لم أقف على هذا النقل في "الإكمال" عند ترجمة أحمد بن محمد شبويه 5/ 21. وإنما وقفت عليه عند المزي في "تهذيب الكمال" 1/ 436.

(قال: حدثني علي بن حسين بن واقد) بكسر القاف المروزي. (عن أبيه) صرح بالتحديث عند (¬1) النسائي فقال: حدثني أبي (¬2). يعني حسين بن واقد قاضي مرو، خرج له مسلم. (عن يزيد) بن أبي سعيد المروزي (النحوي) متقن عابد (¬3)، روى له الأربعة. (عن عكرمة، عن ابن عباس) رضي الله عنهما، زاد النسائي في قوله تعالى {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} (¬4)، وقال: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ} (¬5) الآية، وقال: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} (¬6)، فأول ما نسخ من القرآن القبلة (¬7) و (قال: {وَالْمُطَلَّقَاتُ}) (¬8) لفظ عموم، والمراد به الخصوص في المدخول بهن؛ لأن المطلقة قبل الدخول خرجت بآية الأحزاب {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} (¬9) وكذلك الحامل بقوله {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (¬10). ({يَتَرَبَّصْنَ}) أي: ينتظرن، وهذا خبر، والمراد به الأمر كقوله: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} (¬11)، وقيل: أصله: ليتربصن. فحذفت اللام ({بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}) على وزن فعول عند الجمهور، القروء هي (¬12) ¬

_ (¬1) سقطت من الأصل والسياق يقتضيها. (¬2) "سنن النسائي" 6/ 187. (¬3) "الكاشف" 3/ 278. (¬4) البقرة: 106. (¬5) النحل: 101. (¬6) الرعد: 39. (¬7) "المجتبى" 6/ 187. (¬8) البقرة: 228. (¬9) الأحزاب: 49. (¬10) الطلاق: 4. (¬11) البقرة: 233. (¬12) في الأصل: هو.

الأطهار عند الشافعي (¬1) ({وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ}) يعني من الحيض، قاله عكرمة (¬2)، وقيل: من الحمل، قاله ابن عباس (¬3) (الآية) إلى {حَكِيمٌ} ورواية النسائي: إلى قوله {إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} (وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها) من غيره (وإن) كان قد (طلقها ثلاثًا) فله أن يراجعها إلى عصمته بعد الطلقات الثلاث، أي: سواء كان الثلاث بكلمة واحدة أو متفرقة (فنسخ) بفتح النون والسين، أي: فنسخ الله تعالى (ذلك، فقال: {الطَّلَاقُ}) الذي يملك الزوج به الرجعة ({مَرَّتَانِ}) الآية. قال أبو عمر: أجمع العلماء على أن قوله تعالى: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (¬4) هي الطلقة الثالثة بعد التطليقتين، وبين ذلك بقوله تعالى {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (¬5) وأجمعوا على أن من طلق امرأته طلقة أو طلقتين فله مراجعتها، فإن طلقها ثلاثًا فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره، وكان هذا من محكم القرآن الذي لم يختلف في تأويله (¬6)، ونسخ ما كان في الجاهلية أن الطلاق ليس له عدد ينتهي إليه، وكذا كان أول الإسلام فنسخ واستمر النسخ. ¬

_ (¬1) "الأم" 5/ 224. (¬2) انظر: "تفسير الطبري" 4/ 517. (¬3) انظر: "الكشف والبيان" 3/ 126. (¬4) البقرة: 229. (¬5) البقرة: 230. (¬6) "الاستذكار" 18/ 158.

6 - باب في سنة طلاق العبد.

6 - باب في سُنَّةِ طَلاقِ العَبْدِ. 2187 - حَدَّثَنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا عَليُّ بْنُ المُبارَكِ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ مُعَتِّبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبا حَسَنٍ مَوْلَى بَني نَوْفَلٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ اسْتَفْتَى ابن عَبَّاسٍ فِي مَمْلُوكٍ كانَتْ تَحْتَهُ مَمْلُوكَةٌ فَطَلَّقَها تَطْلِيقَتَيْنِ ثُمَّ عَتقا بَعْدَ ذَلِكَ هَلْ يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَخْطُبَها؟ قَالَ: نَعَمْ قَضَى بِذَلِكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). 2188 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنا عَليٌّ بإِسْنادِهِ وَمَعْناهُ بِلا إِخْبارٍ قَالَ ابن عَبَّاسٍ: بَقِيَتْ لَكَ واحِدَةٌ قَضَى بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّزّاقِ: قَالَ ابن المُبارَكِ لِمَعْمَرٍ: مَنْ أَبُو الحَسَنِ؟ هذا لَقَدْ تَحَمَّلَ صَخْرَةً عَظِيمَةً. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَبُو الحَسَنِ هذا رَوى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَانَ مِنَ الفُقَهاءِ مِن رَوى الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي الحَسَنِ أَحادِيثَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَبُو الحَسَنِ مَعْرُوفٌ وَلَيْسَ العَمَلُ عَلَى هذا الحَدِيثِ (¬2). 2189 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ، حَدَّثَنا أَبُو عاصِمٍ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ عَنْ مُظاهِرٍ عَنِ القاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "طَلاقُ الأَمَةِ تَطْلِيقَتانِ وَقُرْؤُها حَيْضَتانِ". قَالَ أَبُو عاصِمٍ: حَدَّثَنِي مُظاهِرٌ حَدَّثَنِي القاسِمُ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: "وَعِدَّتُها حَيْضَتانِ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهُوَ حَدِيثٌ مَجْهُولٌ (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه النسائي 6/ 154، وابن ماجه (2082). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (375). (¬2) انفرد به. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (376). (¬3) رواه الترمذي (1182)، وابن ماجه (2080). وضعفه الألباني في "الإرواء" (2066).

باب في سنة طلاق العبد [2187] (ثنا زهير بن حرب، حدثنا يحيى بن سعيد) القطان (ثنا علي بن المبارك، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير: أن عمر بن معتب) بفتح العين المهملة وتشديد المثناة فوق المكسورة لم يرو عنه غير يحيى بن أبي كثير ومحمد بن يحيى الأسلمي قال النسائي: عمر بن معتب ليس بالقوي (¬1) (أن أبا حسن مولى بني نوفل) أخرج له البخاري في "الأدب"، قال المنذري: قد ذكر بخير وصلاح (¬2). وقد وثقه أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان (¬3) (أنه استفتى) بفتح التاءين المثناتين فوق (ابن عباس في عبد مملوك كانت تحته) أمة (مملوكة) يحتمل أن يكونا مملوكين لشخص واحد أو لاثنين، والأول أقرب لرواية النسائي: كنت أنا وامرأتي مملوكين (¬4). (فطلقها تطليقتين ثم) عتق واشتراها و (عتقا بعد ذلك) بضم العين وكسر التاء، ولفظ ابن ماجه: ثم أعتقا (¬5). بزيادة ألف وبوب عليه: باب من طلق أمة تطليقتين ثم اشتراها (هل يصلح له أن يخطبها؟ ) ولفظ ابن ماجه والنسائي: أن يتزوجها (¬6). ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 21/ 509. (¬2) "مختصر سنن أبي داود" 3/ 113. (¬3) "الجرح والتعديل" 9/ 356. (¬4) "سنن النسائي" 6/ 154. (¬5) "سنن ابن ماجه" (2082). (¬6) "سنن النسائي" 6/ 154. ولفظه: يتزوجها. و"سنن ابن ماجه" (2082) ولفظه: أيتزوجها؟ .

(قال: نعم، قضى به) نسخة: بذلك (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) قال الخطابي: لم يذهب إلى هذا أحدٌ من العلماء فيما أعلم (¬1)، لكن قال ابن قدامة في "المغني": قال: قد روي عن أحمد أن العبد إذا طلق زوجته اثنتين ثم أعتق أنه يحل له أن يتزوجها وتبقى عنده على واحدة، وذكر حديث ابن عباس هذا وقال: لا أرى شيئًا يدفعه، غير واحد يقول به أبو سلمة وجابر وسعيد بن المسيب. ورواه الإمام أحمد في "المسند"، وقال أبو بكر: إن صح الحديث فالعمل عليه. قال: وأكثر الروايات عن أحمد وظاهر مذهبه أن العبد إذا طلق اثنتين ثم عتق لا تحل له زوجته حتى تنكح زوجًا غيره؛ لأنها حرمت عليه بالطلاق تحريمًا لا يحل إلا بزوج وإصابة، ولم يوجد ذلك فلا يزول التحريم (¬2). [2188] (ثنا محمد بن المثنى، ثنا عثمان بن عمر) بن فارس العبدي البصري (أنا علي) بن المبارك (بإسناده) عن يحيى بن أبي كثير (ومعناه: بلا إخبار) بكسر الهمزة، يعني: عن عمر بن معتب، بل بتحديث أو عنعنة، ولفظ ابن ماجه: عن عمر بن معتب، عن أبي الحسن (¬3). (قال ابن عباس) لما سأله (بقيت لك) طلقة (واحدة، قضى) أي حكم (به رسول الله) - صلى الله عليه وسلم -. قال البيهقي: روي عن ابن عباس ما لا يقول به أحد من الفقهاء في ¬

_ (¬1) "معالم السنن" 3/ 206. (¬2) "المغني" 1/ 535 - 536. (¬3) "سنن ابن ماجه" (2082).

مملوك كانت تحته مملوكة فطلقها طلقتين ثم أعتقا بعد ذلك هل يصلح له أن يخطبها؟ قال: نعم (¬1). [2189] (ثنا محمد بن مسعود) بن يوسف العجمي النيسابوري نزيل طرسوس قال محمد بن وضاح: رفيع الشأن فاضل (¬2)، ليس بدون أحمد بن حنبل. وقال الخطيب: ثقة (¬3). وقال ابن وضاح: ما رأيت أحدًا أعلم بالحديث منه (¬4) (ثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل (عن) عبد الملك (ابن جريج، عن مظاهر) بضم الميم وفتح الظاء المعجمة وكسر الهاء بعد الألف وهو ابن أسلم المخزومي المكي قال الترمذي: لا يعرف له في العلم غير هذا الحديث. قال المنذري: وقد ذكر له أبو أحمد ابن عدي حديثًا آخر رواه عن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ عشر آيات من آخر آل عمران كل ليلة (¬5). (عن القاسم بن محمد، عن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: طلاق الأمة تطليقتان) احتج به أبو حنيفة على أن عدد الطلاق يعتبر تحرير الزوجة ورقها، فطلاق الأمة اثنتان سواء كان زوجها حرًّا أو عبدًا لهذا الحديث، ولأن المرأة محل للطلاق فيعتبر بها كالعدة (¬6). وأجاب أصحابنا بأن الحديث ضعيف كما سيأتي في كلام المصنف. ¬

_ (¬1) "السنن الكبرى" 7/ 370. (¬2) انظر: "تذكرة الحافظ" 2/ 81. (¬3) "تاريخ بغداد" 4/ 484. (¬4) انظر: "تذكرة الحافظ" 2/ 81. (¬5) "مختصر السنن" 3/ 115. (¬6) "الهداية" للمرغيناني 2/ 274.

وعلى تقدير صحته فإنه يعارضه ما رواه الإمام مالك في "الموطأ" والشافعي عن نافع، عن ابن عمر موقوفًا (¬1). ورواه ابن ماجه والدارقطني والبيهقي من وجه آخر عن ابن عمر مرفوعًا (¬2): "طلاق الأمة اثنتان"، وصحح الدارقطني والبيهقي ولفظه عندهما: "إذا طلق العبد امرأته طلقتين حرمت عليه حتى أن تنكح زوجًا غيره حرة كانت أو أمة" (¬3). ولفظ مالك في "الموطأ" هكذا، وفيه: وعدة الحرة ثلاث حيض، وعدة الأمة حيضتان (¬4). وهذِه الروايات تدل على أن المراد بحديث الباب طلاق الأمة تطليقتان إذا كان الزوج عبدًا، وفيه جمع بين الأحاديث. ويدل على أن المراد بالزوج العبد أن الأمة لا يتزوجها الحر إلا عن ضرورة، والأصل حمل الأحاديث على حالة الاختيار دون الضرورة. وقال البيهقي: الصحيح في ذلك ما رواه سالم (¬5): أيهما (¬6) رُقَّ نقص الطلاق برقه (¬7). كذا رواه الزهري، عن سالم، عن أبيه موقوف (¬8). ورواه عبد الله والليث وابن جريج وغيرهم عن نافع، عن ابن عمر موقوف (¬9). ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في "الموطأ" 2/ 574، والشافعي في "الأم" 5/ 371. (¬2) أخرجه ابن ماجه (2079)، والدارقطني 4/ 38، والبيهقي في "الكبرى" 7/ 369. (¬3) أخرجه الدارقطني 4/ 38، والبيهقي في "الكبرى" 7/ 369. (¬4) "الموطأ" 2/ 574. (¬5) في الأصل: مسلم. وهو تحريف. (¬6) في الأصل: أنه. والمثبت من مصادر التخريج. (¬7) "السنن الكبرى" للبيهقي 7/ 369. (¬8) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (12957)، ومن طريقه الدارقطني 4/ 38. (¬9) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (12957) من طريق عبد الله بن عمر عن نافع به.

(وقرؤها) بفتح القاف، وقيده جماعة من الحذاق بالضم (حيضتان) استدل به الجمهور على أن العدة إليها (¬1). وروي عن ابن سيرين أنه قال: ما أرى عدة الأمة إلا كعدة الحرة، إلا أن تكون مضت في ذلك سنة، فالسنة أحق أن تتبع (¬2). انتهى. وهذِه السنة قد مضت وإن كان مظاهر قد تكلم فيه في هذا الإسناد فقد صحح الدارقطني والبيهقي عن ابن عمر: عدة الحرة ثلاث حيض، وعدة الأمة حيضتان (¬3). لكن حكى القرطبي عن الأصم عبد الرحمن ابن كيسان وداود بن علي وجماعة أهل الظاهر أن الايات في عدة الوفاة والطلاق بالأشهر والأقراء عامة في حق الأمة والحرة، فعدة الأمة والحرة سواء (¬4). وقد احتج بهذا الحديث أبو حنيفة (¬5)، وأحمدُ في أصح الروايتين عنه (¬6) وغيرهما، على أن الأقراء هي الحِيَضُ (. . .) (¬7) وبقول عمر بحضرة الصحابة: عدة الإماء حيضتان، ولو قدرت على أن أجعلها حيضة ونصفًا فعلت، ولم ينكر عليه أحد. قال القرطبي: فدل على أنه إجماع. قال: وهو قول عشرة من الصحابة منهم الخلفاء الأربعة وحسبك بهم قالوا: فالحرة كالأمة (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: "الاستذكار" 18/ 192. (¬2) رواه عبد الرزاق 7/ 222 (12880)، ومن طريقه ابن حزم في "المحلى" 10/ 119. (¬3) تقدم. (¬4) "تفسير القرطبي" 3/ 118. (¬5) انظر: "المبسوط" 3/ 153. (¬6) "المغني" 10/ 556. (¬7) بياض قدر ثلاث كلمات. (¬8) "تفسير القرطبي" 3/ 116.

وأجيب عن هذا الحديث: "قرؤها حيضتان" يطلقها في بقية الطهر فقرؤها حيضتان بعده فكمل العدة. (قال أبو عاصم) النبيل (حدثني مظاهر) يعني: بغير واسطة ابن جريج، وكذا قال الترمذي (¬1)، قال (حدثني القاسم، عن عائشة) رضي الله عنها (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله، إلا أنه قال) في هذِه الرواية (وعدتها حيضتان) كما تقدم. (قال المصنف: هو حديث مجهول) وكذا قال البيهقي: لو كان هذا الحديث ثابتًا لقلنا به، إلا أنا لا نثبت حديثًا يرويه من لا تثبت عدالته (¬2). قال البيهقي: وروي بإسناد أوهى من هنا عن عمر بن شبيب (¬3) المُسْليّ، عن عبد الله بن عيسى، عن عطية العوفي، عن ابن عمر مرفوعًا والصحيح ما رواه سالم ونافع عن ابن عمر (¬4) موقوفًا: طلاق الأمة ثنتان، وعدتها حيضتان. قال الدارقطني: تفرد به عمر بن شبيب مرفوعًا، وكان ضعيفًا (¬5). ¬

_ (¬1) الترمذي (1182). (¬2) انظر: "مختصر سنن أبي داود" 3/ 115. (¬3) في الأصل: عمرو بن شعيب. والصواب المثبت. (¬4) سقط من النسخة الخطية، والمثبت من "سنن البيهقي الكبرى" 7/ 369. (¬5) "سنن الدارقطني" 4/ 38.

7 - باب في الطلاق قبل النكاح.

7 - باب فِي الطَّلاقِ قَبْلَ النِّكاحِ. 2190 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا هِشامٌ، ح وَحَدَّثَنا ابن الصَّبّاحِ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، قالا: حَدَّثَنا مَطَرٌ الوَرّاقُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا طَلاقَ إِلَّا فِيما تَمْلِكُ وَلا عِتْقَ إِلَّا فِيما تَمْلِكُ وَلا بَيْعَ إِلَّا فِيما تَمْلِكُ". زادَ ابن الصَّبّاحِ: "وَلا وَفاءَ نَذْرٍ إِلَّا فِيما تَمْلِكُ" (¬1). 2191 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ أَخْبَرَنا أَبُو أُسامَةَ، عَنِ الوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الحارِثِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شعَيْبٍ بِإِسْنادِهِ وَمَعْناهُ زادَ: "مَنْ حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ فَلا يَمِينَ لَهُ وَمَنْ حَلَفَ عَلَى قَطِيعَةِ رَحِمٍ فَلا يَمِينَ لَهُ" (¬2). 2192 - حَدَّثَنا ابن السَّرْحِ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سالِمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحارِثِ المَخْزُومِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: في هذا الخَبَرِ زادَ: "وَلا نَذْرَ إِلَّا فِيما ابْتُغيَ بِهِ وَجْهُ اللهِ تَعالَى ذِكْرُهُ" (¬3). * * * باب في الطلاق قبل النكاح [2190] (ثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي الفراهيدي (ثنا هشام) بن أبي عبد الله الدستوائي (عن) محمد (بن الصباح) بن سفيان الجرجرائي (¬4)، ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1181)، والنسائي 7/ 12، وابن ماجه (2047) بنحوه. وحسنه الألباني في "الإرواء" (2069). (¬2) رواه النسائي 7/ 12. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1901). (¬3) رواه أحمد 2/ 185. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (7522). (¬4) كذا قال الشارح، والصواب أن هذا هو عبد الله بن الصباح الهاشمي العطار. فإن محمد بن الصباح لم يرو عن عبد العزيز بن عبد الصمد. كما أن الخطابي صرَّح =

وثقه أبو زرعة وغيره (¬1) (ثنا عبد العزيز بن عبد الصمد) العمي (قال: ثنا مطر) بن طهمان (الوراق) الخراساني، مولى علي السلمي، أخرج له مسلم (عن عمرو بن شعيب، عن أبيه) شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص (عن جده - رضي الله عنهم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا طلاق) لابن آدم، أي: لا صحة لطلاق زوج (إلا فيما يملك) الزوج بعد النكاح الذي كان بيد الولي بالخطاب، وانتقل إليه بالعقد، وحمل بعضهم قوله تعالى: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} (¬2) أنه على حذف مضاف تقديره الذي بيده حل عقدة النكاح. والظاهر أنه سَمَّى النِّكاح ملكًا لأنه يملك الاستمتاع بالزوجة، أو سُمِّيَ ملكًا على سبيل المشاكلة لما بعده من قوله: "ولا نذر إلا فيما تملكُ، ولا بيع إلا فيما تملك". كما سمى الله تعالى إعطاء المرأة المهر كله عفوًا لمشاكلة ما قبله إلا أن يعفون؛ لأنه عفى عن أخذه النصف الذي يستحقه. وقد استدل به الشافعية ومن وافقهم على أن خطاب الأجنبية بالطلاق لغو (¬3)، وكذا تعليقه الطلاق بنكاحها كقوله: إن تزوجتك فأنت طالق، أو قال لأجنبية: إن دخلت الدار فأنت طالق (¬4)، ثم نكحها ثم دخلت الدار، ¬

_ = باسمه. وهو ثقة روى عنه الجماعة إلا ابن ماجه. (¬1) "الجرح والتعديل" 7/ 289. (¬2) البقرة: 237. (¬3) انظر: "نهاية المطلب" 13/ 322، و"منهاج الطالبين" 1/ 232. (¬4) زاد بعدها في الأصل: ثم دخلت فيه شرط النكاح في إيقاع الطلاق. والراجح أنها مقحمة.

أما المنجَزُ فالإجماع على أنه لغو (¬1)، وأما المعلَّقُ على النِّكاح فلهذا الحديث، ولقوله تعالى: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} (¬2)، وعلله الشيخ عز الدين بفوات المقصود من العقد فبطل أثره، وهو أحسن من الاستدلال بهذا الحديث، إذ يقال فيه: تقديره: لا طلاق واقع إلا فيما يملك، والخصم الذي هو أبو حنيفة ومن وافقه يلتزمه (¬3). قال الماوردي: ولا يجوز حمله (¬4) على وقوع الطلاق دون عقده؛ لأن عدم الوقوع في الأجنبية معلوم لا يحتاج إلى إثباته، فيحمل على عموم الأمرين فيكون معناه: لا طلاق واقع ولا معقود؛ لأن اللفظ يحتملها (¬5). وناظر الكسائي أبا يوسف في هذِه المسألة وتعلق بقولهم (¬6): السيل لا يسبق (¬7) المطر. ولو عمَّمَ الزوجات فقال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق فهو لغو عند الشافعي ويمين عند الخصم، فلو رفع إلى قاضٍ شافعي ففسخه انفسخت اليمين؛ لأنه مجتهد فيه، هل هو يمين أم لا، قاله العبادي. قال الهروي: ليس ذلك بفسخ، بل هو حكم بإبطال اليمين؛ فإن ¬

_ (¬1) يعني إجماع الشافعية. (¬2) الأحزاب: 49. (¬3) "المبسوط" 6/ 96. (¬4) في "النسخة": حكمه. والمثبت مستفاد من "الحاوي الكبير" للماوردي. (¬5) "الحاوي الكبير" للماوردي 10/ 27. (¬6) سقطت من (الأصل) وأثبتناها من المصادر وهي في "وفيات الأعيان" 3/ 296 وغيره. (¬7) في موضعها بياض. والمثبت من المصادر.

اليمين الصحيحة لا تنفسخ (¬1) (ولا عتق) صحيح لعبد أو أمة (إلا فيما يملك) السيد رقبته، وفيما لا يملكه لا يصح عتقه فيؤخذ منه أن من أعتق عبد ولده الصغير أو يتيمه الذي في حجره لم يصح، وبهذا قال الشافعي وأحمد (¬2)، وقال مالك: يصح عتق عبد ولده الصغير وإن كان لا يملكه؛ لحديث: "أنت ومالك لأبيك" (¬3). ولأن له عليه ولاية وله فيه حق فيصح إعتاقه (¬4). ودليلنا أنه عتق من غير مالك فلم يصح كإعتاق ولده الكبير. قال ابن المنذر: لما ورث الأب من مال ابنه السدس مع ولده دل على أنه لا حق له في سائر أمواله غيره (¬5). وأما حديث: "أنت ومالك لأبيك" لم يُرِدْ به حقيقة الملك، وإنما أراد به المبالغة في وجوب حقه عليه وتأكده. ويؤخذ من الحديث الرد على الثوري وإسحاق حيث قالا: لو بلغ رجل أن رجلًا قال لعبد: أنت حر من مالي، فقال: رضيت. لم يعتق عليه من ماله (¬6). (ولا بيع) يصح (إلا فيما يملك) وبه استدل على أن بيع الفضولي باطل وإن أجاز مالكه؛ لأن الفضولي باع ما لا يملك. ¬

_ (¬1) "تحفة المحتاج" وبهامشه "حاشية العبادي" 8/ 42. (¬2) "المغني" لابن قدامة 14/ 349. (¬3) سيأتي برقم (3530) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. (¬4) "البيان والتحصيل" 9/ 300. (¬5) "الأوسط" لابن المنذر 7/ 197. (¬6) "المغني" لابن قدامة 14/ 350.

وفيه حجة على أن بيع الحر باطل؛ لأنه لا يملك أصلًا. (زاد) محمد (¬1) (بن الصباح: ولا) يلزم (وفاء نذر إلا فيما تملك) كما إذا أضاف النذر إلى معين لا يملكه بأن قال: إن شفى الله مريضي فلله علي أن أعتق عبد فلان، أو أتصدق بثوبه، أو داره، أو نحو ذلك. فأما إذا التزم في ذمته شيئًا لا يملكه فيصح نذره، وإذا شفي المريض ثبت العتق في ذمته ووجب عليه الوفاء به. [2191] (ثنا محمد بن العلاء) أبو كريب الكوفي الحافظ (أنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (عن الوليد بن كثير) المخزومي، من أهل المدينة وكان بالكوفة قال (حدثني عبد الرحمن بن الحارث) بن عبد الله بن عياش المخزومي (عن عمرو بن شعيب) عن أبيه عن جده (بإسناده ومعناه) المتقدم. (وزاد) في هذِه الرواية (من حلف على) فعل (معصية) كأن يقول: لله علي أن أشرب الخمر، أو أقتل نفسًا محرمة، ونَذْر المرأة الصيام والصلاة في أيام الحيض أو الصوم في العيد، أو إن ولد له ولد أن ينحره ونحو ذلك (فلا) يصح نذره، ولا يجوز الوفاء به ولا كفارة (يمين) عليه ولا ينعقد (له) ولا يلزمه كفارة اليمين على المذهب، وهو مذهب مالك (¬2)، وروي عن أحمد ما يدل عليه؛ فإنه قال فيمن نذر ليهدمن دار غيره لبنة لبنة: لا كفارة عليه. وهذا في معناه (¬3)؛ ولأنه نذر غير ¬

_ (¬1) هكذا في الأصل: محمد - وصوابه: عبد الله. وقد سبق التنبيه على هذا. (¬2) "المدونة" 1/ 586. (¬3) انظر: "المغني" لابن قدامة 13/ 624.

منعقد فلم يوجب شيئًا كاليمين غير المنعقد، وذهب أبو حنيفة ومشهور مذهب أحمد: يجب عليه كفارة يمين (¬1). كما سيأتي في النذر. وخرج بقوله في الحديث: "من حلف على معصية" المكروه كصوم الدهر، فإذا نذره انعقد ولزمه الوفاء به بلا خلاف، كذا في "شرح المهذب" (¬2) وتعقب بأن كلام المتولي يفهم عدم الانعقاد، وأشار الرافعي إليه تفقهًا؛ لأن النذر قربة والمكروه لا يتقرب فيه. (ومن حلف على قطيعة رحم) وقطيعة الرحم ضد صلتها وذو الرحم الأقارب، ويقع على كل من بينك وبينه نسب (فلا) يبر فيها ولا (يمين) ينعقد (له) لأن قطيعة الرحم معصية، ولا يمين بالنذر في معصية الله. [2192] (ثنا) [أحمد بن عمرو] (¬3) (ابن السرح، ثنا ابن وهب، عن يحيى بن عبد الله بن سالم) بن عبد الله العمري، أخرج له مسلم. (عن عبد الرحمن بن الحارث) بن عبد الله (المخزومي) أخرج له مسلم (عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده - رضي الله عنهم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في هذا الخبر) المذكور و (زاد) فيه (ولا نذر) يعتد قبوله من الله تعالى ويستحق صاحبه المدح (إلا فيما ابتغي) أي: طلب (به وجه الله) فعبر بالوجه عن الرضا (¬4)؛ لقوله تعالى: {ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} (¬5)، فهذا خبر اشترط ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" 13/ 624، "المبسوط" 8/ 151. (¬2) "المجموع" 6/ 391. (¬3) بياض بالأصل قدر كلمتين والمثبت من المصادر. (¬4) الصواب في ذلك أن لله تعالى وجهًا حقيقيًّا يليق به لا يشبه أحدًا من خلقه، وصفة الوجه غير صفة الرضا بلا خلاف. (¬5) البقرة: 207.

فيه قيد محذوف، أي: يعتد قبوله كما تقدم، وذكر الوجه لمعنيين أحدهما: إنك إذا قلت: فعلته لوجه زيد فهو أشرف في الذكر من قولك: فعلته له؛ لأن وجه الشيء أشرف ما فيه، ثم كثر حتى صار يعبر به عن الشرف بهذا اللفظ. الثاني: أنك إذا قلت: فعلت هذا الفعل له فها هنا يحتمل أن يقال: فعلته له ولغيره، أما إذا قلت: فعلت هذا الفعل لوجهه فهو يدل على أنك فعلت الفعل له فقط لا شركة لغيره فيه.

8 - باب الطلاق على غيظ

8 - باب الطَّلاقِ عَلَى غَيْظٍ 2193 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ أَنَّ يَعْقُوبَ بْنَ إِبْراهِيمَ حَدَّثَهُمْ قَالَ: حَدَّثَنا أَبِي، عَنِ ابن إِسْحاقَ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ الحِمْصِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي صالِحٍ الذِي كَانَ يَسْكُنُ إِيلْيا قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ الكِنْدِيِّ حَتَّى قَدِمْنا مَكَّةَ فَبَعَثَنِي إِلَى صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ وَكَانَتْ قَدْ حَفِظَتْ مِنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لا طَلاقَ وَلا عَتاقَ فِي غِلاقٍ" (¬1). قَالَ أَبُو دَاوُدَ: الغِلاقُ أَظُنُّهُ فِي الغَضَبِ. * * * باب في الطلاق على غلط (¬2) [2193] (ثنا عبيد الله) بالتصغير (ابن سعد) بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (الزهري) شيخ البخاري (أن) عمه (يعقوب بن إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (حدثهم قال: ثنا أبي) إبراهيم بن سعد الزهري العوفي (عن) محمد (ابن إسحاق، عن ثور) بالمثلثة (ابن يزيد الحمصي) الحافظ، أخرج له البخاري في غير موضع مات ببيت المقدس (¬3). (عن محمد بن عبيد بن أبي صالح) مكي نزل بيت المقدس، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4) (الذي كان سكن إيلياء) بكسر الهمزة والمد، وهي ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (2046). وحسنه الألباني في "الإرواء" (2047). (¬2) كذا بالنسخة، وسيفسره كذلك في شرحه بالنسيان. (¬3) "تهذيب الكمال" 4/ 428. (¬4) "الثقات" 7/ 371.

بيت المقدس، وفيها ثلاث لغات هذِه أفصحها، قال محمد بن سهل الكاتب: معنى إيليا: بيت الله (¬1). (قال: خرجت مع عدي بن عدي) بن عميرة بفتح العين وكسر الميم، أبي فروة (الكندي) سيد أهل الجزيرة، وهو ثقة ناسك فقيه (حتى قدمنا مكة) زادها الله تشريفًا (فبعثني إلى صفية بنت شيبة) الحاجب بن عثمان العبدرية، مختلف في صحبتها، وأكثر أحاديثها مرسلة (وكانت قد حفظت من عائشة) وحدثت عنها (قالت: سمعت عائشة تقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لا) يقع (طلاق ولا عتاق) بفتح العين، هو العتق ذكره في "ديوان الأدب" (¬2). وفي "المحيط" (¬3): ويحتمل إعتاق ثم حذفت الهمزة كما في قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} (¬4) أي: إنباتًا (في غلاق) رواية أحمد: "في إغلاق" (¬5). ورواه ابن ماجه (¬6) وأبو يعلى (¬7) والحاكم (¬8) والبيهقي (¬9) من طريق صفية بنت شيبة، وصححه الحاكم، وفي إسناده محمد بن عبيد ضعفه ¬

_ (¬1) "معجم ما استعجم" 1/ 217. (¬2) "معجم ديوان الأدب" 1/ 381. (¬3) "المحيط في اللغة" (عتق). (¬4) نوح: 17. (¬5) أحمد 6/ 276. (¬6) "سنن ابن ماجه" (2046). (¬7) "مسند أبي يعلى" (4444). (¬8) "مستدرك الحاكم" 2/ 198. (¬9) "السنن الكبرى" للبيهقي 7/ 357.

أبو حاتم الرازي (¬1). ورواه البيهقي من طريق ليس هو فيها (¬2)، لكن لم يذكر عائشة، وزاد أبو داود وابن ماجه: "ولا عتاق". (قال المصنف: الغلاق أظنه في الغضب) ورواه عنه ابن الأعرابي، وكذا فسره أحمد، ورده ابن السيد فقال: لو كان كذلك لم يقع من أحد طلاق؛ لأن أحدًا لا يطلق حتى يغضب. والجمهور على أن المراد بالإغلاق: الإكراه، وهو قول مالك والشافعي وأحمد؛ لأن المكره مغلق عليه في أمره ومضيق عليه في تصرفه كما يغلق الباب على الإنسان، وبه قال ابن قتيبة وابن ماجه وأبو يعلى وأبو عبيد (¬3). قال أبو بكر: سألت ابن دريد وأبا طاهر النحويين فقالا: لا يريد إلا الإكراه؛ لأنه إذا أكره انغلق عليه رأيه (¬4). واستدل القائلون بأنه الإكراه على أن طلاق المكره وإعتاقه ونذره وبيعه وشراؤه وردته وإقراره وقذفه وغير ذلك مما يشترط في نفوذه الاختيار [لا يقع] (¬5)، وأجاز طلاق المكره أبو قلابة والنخعي والزهري والثوري وأبو حنيفة (¬6)، لما روي عن أبي هريرة مرفوعًا: "كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه والمغلوب على عقله" (¬7). وهو ضعيف؛ لأنه ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 8/ 9. (¬2) "السنن الكبرى" للبيهقي 7/ 357. (¬3) "المدونة" 2/ 79، " الأم" 3/ 270، وانظر: "المجموع" 17/ 67، "المغني" 10/ 350 - 351. (¬4) "المغني" 10/ 351. (¬5) زيادة يقتضيها السياق. (¬6) انظر: "المبسوط" 24/ 49، "الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة" 1/ 152، "المغني" 10/ 350. (¬7) أخرجه الترمذي (1191) وضعفه.

من رواية عكرمة بن خالد، عن أبي هريرة، وهو لم يدرك أبا هريرة. وقال البيهقي: وهو منسوب إلى الوضع يعني عطاء بن عجلان عن عكرمة بن خالد (¬1). وعلى تقدير صحته فالمراد طلاق المعتوه ومن في معناه، والمكره في معناه بجامع أن كلا منهما غير جائز التصرف. وقيل: الإغلاق الجنون والتبرسُم، واستنكره المطرزي (¬2). وقيل: معناه النهي عن إيقاع الطلاق الثلاث بكلمة واحدة في دفعة واحدة، حيث لا يبقى منه شيء؛ لأنه يغلق باب الطلاق بعدها فلا يقع منه بعد الثلاث شيء، بل يطلق واحدة واحدة. وقال أبو عبيد: الإغلاق التضييق، وتبويب المصنف يدل على أن الإغلاق الغلط، يعني: والنسيان، ومن سبق لسانه إليه بغير قصد في دَرَج الكلام واستعماله عند المجاوزة كما أنه لا يقع عليه اليمين بذلك، وقد جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين الإكراه وسوى بينهما بقوله: "إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" (¬3). قال الخطابي: أسعد الناس بهذا الحديث من قال بظاهره وأجراه على عمومه، ولا حجة مع من فرق بين حال وحال (¬4). ¬

_ (¬1) "مختصر خلافيات البيهقي" 4/ 222. (¬2) "المغرب في ترتيب المعرب" ص 343. (¬3) أخرجه ابن ماجه (2043، 2044، 2045) وصححه الألباني في "الإرواء" (82). (¬4) "معالم السنن" المطبوع مع "مختصر السنن" 3/ 116.

9 - باب الطلاق على الهزل

9 - باب الطَّلاقِ عَلَى الهَزْلِ 2194 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ - يَعْنِي: ابن مُحَمَّدٍ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَباحٍ، عَنِ ابن ماهَكَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكاحُ والطَّلاقُ والرَّجْعَةُ" (¬1). * * * باب الطلاق على الهزل [2194] (ثنا) عبد الله بن مسلمة (القعنبي، ثنا عبد العزيز بن محمد) الدراوردي (عن عبد الرحمن بن حبيب) بن أَرْدَك المدني، مولى بني مخزوم، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2) حسَّنَ الترمذي حديثه (¬3). (عن عطاء بن أبي رباح، عن) يوسف (بن ماهك) قال في "المشارق": هو بفتح الهاء (¬4)، وقال النووي: هو بفتح الهاء لا ينصرف؛ لأنه عجمي علم (¬5). الفارسي المكي. (عن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ثلاث جِدهن) هو (جد) بكسر الجيم فيهما. قال في "النهاية": الجد بكسر الجيم ضد الهزل، يقال: جد يجد ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1184)، وابن ماجه (2039). وحسنه الألباني في "الإرواء" (1826). (¬2) "الثقات" لابن حبان 7/ 77. (¬3) حديث رقم (1184). (¬4) "مشارق الأنوار" 1/ 398. (¬5) "شرح النووي على مسلم" 3/ 131.

جدًّا (¬1) (وهزلُهن جِد) هذا الحديث له سبب، وهو ما رواه أبو الدرداء قال: كان الرجل يطلق في الجاهلية وينكح ويعتق ويقول: إنما طلقت وأنا لاعب، فأنزل الله هذِه الآية {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} (¬2) على هذا (¬3)، أي: لا تتخذوا أحكام الله في طريق الهزل؛ فإنها جد كلها، فمن هزل فيها لزمته. وفيه إبطال لأمر الجاهلية وتقرير للأحكام الشرعية (النكاح و) نسخة: وهو (الطلاق) قال الرافعي: الهازل بالطلاق يقع طلاقه، وصورة الهزل أن يلاعبها بالطلاق مثل أن تقول في معرض الدلال والاستهزاء: طلقني ثلاثًا، فيقول: طلقتك ثلاثًا، فيقع الطلاق؛ لأنه خاطبها بالطلاق عن قصد واختيار، وليس فيه إلا أنه غير راضٍ بالطلاق ظانًّا بأنه كان مستهزئًا غير راضٍ بوقوع الطلاق، وهذا الظن خطأ، ألا ترى أنه لو طلق بشرط الخيار لنفسه يقع الطلاق ويلغى الشرط، وإن لم يرض بالوقوع في الحال كما يقع طلاق الهازل في الظاهر ويقع في الباطن أيضًا، بخلاف ما إذا قال: أنت طالق، وقال: أردت من وثاق حيثُ يُدَيَّن ولا يحكم بوقوعه في الباطن؛ لأن هناك صرف اللفظ عن ظاهره إلى تأويل يدعيه، والهازل لا يصرف اللفظ إلى معنى آخر، قال: وهل ينعقد البيع وسائر التصرفات مع الهزل. ووجه الآخر أن ظاهر الحديث يقتضي اختصاص التحاق الهازل بالجد في التصرفات الثلاثة. ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (جدد). (¬2) البقرة: 231. (¬3) رواه ابن أبي عمر في "مسنده" كما في "المطالب العالية" (3529) عن أبي الدرداء. وانظر: "الدر المنثور" 1/ 683.

قال: والخلاف جارٍ في النكاح، والخبر يقتضي التحاق النكاح بالطلاق؛ فإنه مذكور معه. قال: ولفظ الغزالي يشعر بترجيح عدم الانعقاد، وقد يؤيد ذلك بما يختص به النكاح من وجوه الاحتياط (¬1) (والرجعة) يعني: ارتجاع المرأة إلى عصمته بعد الطلاق، ورواه الطبراني من حديث فضالة بن عبيد وجعل بدل الرجعة العتاق ولفظه: "ثلاث لا يجوز اللعب فيهن: النكاح والطلاق والعتق" (¬2). وفيه ابن لهيعة. ورواه الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" عن بشر بن عمر، عن ابن لهيعة، عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن عبادة بن الصامت رفعه: "لا يجوز اللعب في ثلاث: الطلاق والنكاح والعتاق، فمن قالهن فقد وجبن" (¬3). وفي الباب عن أبي ذر رفعه: "من طلق وهو لاعب فطلاقه جائز، ومن أعتق وهو لاعب فعتاقه جائز، ومن نكح وهو لاعب فنكاحه جائز". أخرجه عبد الرزاق (¬4). وفي هذا رد على ابن العربي وعلى النووي حيث أنكرا على الغزالي إيراد لفظ العتاق. وقال النووي: إنما المعروف الرجعة. ¬

_ (¬1) "الشرح الكبير" 8/ 553. (¬2) "المعجم الكبير" للطبراني (780). (¬3) "زوائد مسند الحارث" (503). (¬4) "مصنف عبد الرزاق" (10249).

10 - باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث

10 - باب نَسْخِ المُراجَعَةِ بَعْدَ التَّطْلِيقاتِ الثَّلاثِ 2195 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنِ بْنِ واقِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} الآيَةَ وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِرَجْعَتِها وَإِنْ طَلَّقَها ثَلاثًا فَنُسِخَ ذَلِكَ وقَالَ {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} (¬1). 2196 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا ابن جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي بَعْضُ بَنِي أَبِي رافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابن عَبَّاسٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: طَلَّقَ عَبْدُ يَزِيدَ - أَبُو رُكانَةَ وَإِخْوَتِهِ - أُمَّ رُكانَةَ وَنَكَحَ امْرَأَةً مِنْ مُزَيْنَةَ فَجاءَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: ما يُغْنِي عَنِّي إِلَّا كَما تُغْنِي هذِه الشَّعْرَةُ. لِشَعْرَةٍ أَخَذَتْها مِنْ رَأْسِها فَفَرِّقْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَأَخَذَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حَمِيَّةٌ فَدَعا بِرُكانَةَ وَإِخْوَتِهِ ثمَّ قَالَ لِجُلَسائِهِ: "أَتَرَوْنَ فُلانًا يُشْبِهُ مِنْهُ كَذا وَكَذا مِنْ عَبْدِ يَزِيدَ وَفُلانًا يُشْبِهُ مِنْهُ كَذا وَكَذا". قَالُوا نَعَمْ. قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِعَبْدِ يَزِيدَ: "طَلِّقْها". فَفَعَلَ ثُمَّ قَالَ: "راجِعِ امْرَأَتَكَ أُمَّ رُكانَةَ وَإِخْوَتِهِ". فَقَالَ إِنِّي طَلَّقْتُها ثَلاثًا يا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "قَدْ عَلِمْتُ راجِعْها". وَتَلا {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَحَدِيثُ نافِعِ بْنِ عُجَيْرٍ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكانَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رُكانَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ البَتَّةَ فَرَدَّها إِلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَصَحُّ لأَنَّ وَلَدَ الرَّجُلِ وَأَهْلَهُ أَعْلَمُ بِهِ أَنَّ رُكانَةَ إِنَّما طَلَّقَ امْرَأَتَهُ البَتَّةَ فَجَعَلَها النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - واحِدَةً (¬2). 2197 - حَدَّثَنا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ، أَخْبَرَنا أَيُّوبُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ¬

_ (¬1) رواه النسائي 6/ 212. وصححه الألباني في "الإرواء" (2080). (¬2) رواه عبد الرزاق (11334)، والحاكم 2/ 491. وحسنه الألباني بشواهده في "صحيح أبي داود" (1906).

بْنِ كَثِيرٍ عَنْ مُجاهِدٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابن عَبَّاسٍ فَجاءَ رَجُلٌ فَقَالَ إِنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاثًا. قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ رادُّها إِلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ: يَنْطَلِقُ أَحَدُكُمْ فَيَرْكَبُ الحَمُوقَةَ ثُمَّ يَقُولُ يا ابن عَبَّاسٍ يا ابن عَبَّاسٍ وَإِنَّ اللهَ قَالَ: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} وَإِنَّكَ لَمْ تَتَّقِ اللهَ فَلَمْ أَجِدْ لَكَ مَخْرَجًا عَصَيْتَ رَبَّكَ وَبانَتْ مِنْكَ امْرَأَتُكَ وَإِنَّ اللهَ قَالَ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ} فِي قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوى هذا الحَدِيثَ حُمَيْدٌ الأَعْرَجُ وَغَيْرُهُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ وَرَواهُ شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ وَأَيُّوبُ وابْن جُرَيْجٍ جَمِيعًا عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خالِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ وَرَواهُ ابن جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ رافِعٍ، عَنْ عَطاءٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ وَرَواهُ الأَعْمَشُ، عَنْ مالِكِ بْنِ الحارِثِ عَنِ ابن عَبَّاسٍ وابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ كُلُّهُمْ قَالُوا فِي الطَّلاقِ الثَّلاثِ إِنَّهُ أَجازَها قَالَ: وَبانَتْ مِنْكَ، نَحْوَ حَدِيثِ إِسْماعِيلَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَثِيرٍ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوى حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ إِذَا قَالَ: أَنْتِ طالِقٌ ثَلاثًا. بِفَمٍ واحِدٍ فَهِيَ واحِدَةٌ. وَرَواهُ إِسْماعِيلُ بْنُ إِبْراهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ هذا قَوْلُهُ لَمْ يَذْكُرِ ابن عَبَّاسٍ وَجَعَلَهُ قَوْلَ عِكْرِمَةَ (¬1). 2198 - وَصارَ قَوْلُ ابن عَبَّاسٍ فِيما، حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن صالِحٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى - وهذا حَدِيثُ أَحْمَدَ - قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِياسٍ أَنَّ ابن عَبَّاسٍ وَأَبا هُرَيْرَةَ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العاصِ سُئِلُوا عَنِ البِكْرِ يُطَلِّقُها زَوْجُها ثَلاثًا ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق (11352)، وابن الأعرابي في "معجمه" (487)، والطبراني 11/ 88 (11139)، والدارقطني 4/ 13. وصححه الألباني في "الإرواء" (2055).

فَكُلُّهُمْ قَالُوا لا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوى مالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ عَنْ مُعاوِيَةَ بْنِ أَبِي عَيّاشٍ أَنَّهُ شَهِدَ هذِه القِصَّةَ حِينَ جاءَ مُحَمَّدُ بْنُ إِياسِ بْنِ البُكَيْرِ إِلَى ابن الزُّبَيْرِ وَعاصِمِ بْنِ عُمَرَ فَسَأَلَهُما عَنْ ذَلِكَ فَقالا اذْهَبْ إِلَى ابن عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنِّي تَرَكْتُهُما عِنْدَ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - ثُمَّ ساقَ هذا الخَبَرَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَقَوْلُ ابن عَبَّاسٍ هُوَ أَنَّ الطَّلاقَ الثَّلاثَ تَبِينُ مِنْ زَوْجِها مَدْخُولًا بِها وَغَيْرَ مَدْخُولٍ بِها لا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ هذا مِثْلُ خَبَرِ الصَّرْفِ قَالَ: فِيهِ ثُمَّ إِنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ يَعْنِي ابن عَبَّاسٍ (¬1). 2199 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن عَبْدِ المَلِكِ بْنِ مَرْوانَ، حَدَّثَنا أَبُو النُّعْمانِ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ غَيْرِ واحِدٍ عَنْ طاوُسٍ أَنَّ رَجُلًا يُقالُ لَهُ: أَبُو الصَّهْباءِ كَانَ كَثِيرَ السُّؤالِ لابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَما عَلِمْتَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِها جَعَلُوها واحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِي بَكْبر وَصَدْرًا مِنْ إِمارَةِ عُمَرَ؟ قَالَ ابن عَبَّاسٍ: بَلَى كَانَ الرَّجُلُ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِها جَعَلُوها واحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وأَبي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ إِمارَةِ عُمَرَ فَلَمّا رَأى النّاسَ قَدْ تَتابَعُوا فِيها قَالَ: أَجِيزُوهنَّ عَلَيْهِمْ (¬2). 2200 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ أَخْبَرَنا ابن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابن طاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبا الصَّهْباءِ قَالَ لابنِ عَبَّاسٍ: أَتَعْلَمُ إِنَّما كَانَتِ الثَّلاثُ تُجْعَلُ واحِدَةً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِي بَكْرٍ وَثَلاثًا مِنْ إِمارَةِ عُمَرَ قَالَ ابن عَبَّاسٍ: نَعَمْ (¬3). ¬

_ (¬1) رواه مالك 2/ 571، وعبد الرزاق (11071)، وسعيد بن منصور في "سننه" (1075)، والطحاوي (4480). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1908) (¬2) رواه مسلم (1472). دون قوله: قبل أن يدخل بها. وقال الألباني عنها في "الضعيفة" (1134): منكرة. (¬3) رواه مسلم (1472).

باب المراجعة بعد الثلاث تطليقات [2196] (ثنا أحمد بن صالح) الطبري المصري، شيخ البخاري (ثنا عبد الرزاق، أنا) عبد الملك (بن جريج قال: أخبرني بعض بني) قال عبد الحق: ليس في بني أبي رافع من يحتج به إلا عبيد الله (¬1) (أبي رافع) اسمه إبراهيم ويقال: أسلم القبطي. (مولى النبي - صلى الله عليه وسلم -) قيل: كان للعباس فوهبه لرسول الله، فلما أسلم العباس بشر أبو رافع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإسلامه فأعتقه (عن عكرمة) المفسر (مولى ابن عباس، عن) مولاه عبد الله (ابن عباس قال: طلق عبد يزيد) بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف وكنيته (أبو ركانة) بضم الراء (وإخوته) زوجته (أم ركانة) هكذا ذكره المصنف هنا، قال الذهبي: هذا لا يصح، والمعروف أن صاحب القصة ركانة (¬2) كما سيأتي. (ونكح امرأة من مزينة) بنت كلب بن وبرة بن تغلب قبيلة كبيرة، فجاءت المرأة المزنية (فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: ) يا رسول الله إن أبا ركانة (ما يغني عني) أبو ركانة، أي: ما ينفعني في شيء، ولم يكفني مؤنة، ويقال: استغنت (¬3) بزوجها عن غيره فهي غانية، والجمع الغواني (إلا كما تغني) عني (هذِه الشعرة) بسكون العين، وأشارت (لشعرة أخذتها من رأسها) ولعلها كنَّت بهذا عن الجماع أنه لا ينفعها ¬

_ (¬1) "الأحكام الوسطى" لعبد الحق 3/ 195. ووقع فيه: عبد الله بدل عبيد الله. (¬2) "تجريد أسماء الصحابة" للذهبي (3829). (¬3) من "مجمل اللغة".

كما كنَّت امرأة عبد الرحمن بن الزبير عن وطء زوجها بهدبة الثوب (¬1). وهي طرفه الذي لم ينسج شبهوها بهدب العين وهي شعر الجفن. فيه جواز قطع الشعرة والشعرتين من شعر رأس الرجل والمرأة للحاجة، وفيه جواز نظر الأجنبي إلى الشعرة أو الشعرتين من المرأة إذا انفصلا منها، وقد قال أصحابنا: لا يجوز النظر إلى الشعر المبان من شعر الأجنبية (¬2) وبشرتها وإن جاز مسه، ويحتمل أن يقال: لم يكن حين أشارت إلى الشعرة عنده أحد، أو كان عنده محارمها أو عرفت أنهم في مجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنهم كانوا يجلسون عنده ولا يرفعون رؤوسهم في حضرته تعظيمًا له - صلى الله عليه وسلم -. (ففرق) بفتح الفاءين وكسر الراء المشددة (بيني وبينه) وفي الحديث دليل على جواز سماع كلام الأجنبية عند الإفتاء والحكم، وكذا ما في معناه، وجواز ذكر الإنسان بما يكرهه إذا كان للاستفتاء والشكوى ونحوهما. (فأخذت النبي - صلى الله عليه وسلم -) عند سماع كلامها (حمية) تشديد المثناة تحت، أي: غيرة لله تعالى وشفقة عليها ورحمة لها (فدعا بركانة) فيه إرسال الحاكم من يحضر المدعى عليه إذا استعداه المدعي على خصم ظاهر في البلد يمكن إحضاره وجوبًا وإن كان من ذوي المروءات، وأن الرسول يدعوه بالخطاب؛ لأنه يدعو الخصم بدفع ختم طين رطب أو غيره ليعرضه على الخصم وليكن مكتوبًا: أجب القاضي، كما قاله ¬

_ (¬1) حديثها رواه البخاري (2639) ومسلم (1433) من حديث عائشة رضي الله عنها. (¬2) "فتاوى ابن الصلاح" (912).

أصحابنا وغيرهم (¬1) (و) دعا بـ (إخوته) العارفين بكمال الخصمين (ثم قال لجلسائه) فيه أن الحاكم والمفتي لا يخرج للقضاء والفتوى إلا إذا حضر جمع من الفقهاء وأهل العلم والدين ليستشيرهم فيما يحدث (أترون فلانًا) بفتح التاء، أي: أتعلمون قاله؟ أي: هنا أعلمك قال الراغب: تتعدى بنفسها دون الجار (¬2) (يشبه) بضم أوله وكسر ثالثه (منه كذا وكذا؟ ) لعله كناية عن الذَّكر (من عبد يزيد) بفتح الدال غير منصرف للعلمية ووزن المضارع والمراد أن الذكر يشبه الشعرة في عدم انتصابها للوطء كما قالت امرأة رفاعة: إنما هو معه مثل هدبة الثوب (وفلانًا يشبه منه كذا وكذا) لعله أعاد الكناية لرجل آخر؛ فإن القبلة تحتاج لشاهدين (قالوا: نعم) نعلم هذا. (قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعبد يزيد) أي ركانة (طلقها) أي طلق المزنية، والظاهر أن هذا أمر إرشاد ومصلحة يشبه أن يكون أمره بطلاقها لما جهرت به بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولما رأى من المصلحة (ففعل) أي: طلقها امتثالًا لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي رأى له فيه المصلحة. (قال: راجع امرأتك أم) بالنصب بدل (ركانة و) أم (إخوته) هذا كالتعليل للمراجعة، والتقدير: راجعها لأنها أم أولادك لما يحصل للأولاد من الرفق عند اجتماع أبويهما وما يحصل لهم من المشقة إذا كانوا عند ضرة أمهما. (فقال: إني طلقتها ثلاثًا يا رسول الله قال: قد علمت) فيه دلالة على ¬

_ (¬1) انظر: "روضة الطالبين" 11/ 194. (¬2) "تفسير الراغب الأصفهاني" 1/ 499.

جواز وقوع الطلاق الثلاث واحدة؛ لأنه قال: "قد علمت" فأقره عليه ولم ينكر عليه (راجعها) هذا موضع التبويب وهو أن هذِه المراجعة التي بعد التطليقات الثلاث منسوخة بما في "الصحيح" عن عائشة: أن امرأة رفاعة القرظي طلقها فبت طلاقها، وفي رواية: فطلقها آخر ثلاث تطليقات فتزوجها ابن الزبير، وإنما معه مثل هدبة الثوب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ ! لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك" (¬1). وهذا الذي ذكره المصنف من النسخ هو قول الجمهور من السلف والخلف، وشذ طاوس وبعض أهل الظاهر فقالوا: إن الطلاق الثلاث في كلمة واحدة يقع واحدة فقط، ولزوجها أن يراجعها، ويروى هذا عن محمد بن إسحاق والحجاج بن أرطاة، حكاه القرطبي، وقال: قيل عنهما: لا يلزم منه شيء، وهو مذهب مقاتل، ويروى عن داود (¬2). واستدل من قال: تقع الثلاث المجتمعة بكلمة واحدة بأحاديث ثلاثة: بهذا الحديث، والثاني حديث ابن عمر على رواية من روى أنه طلق ثلاثًا (¬3)، والثالث: ما روي عن ابن عباس من رواية طاوس وأبي الصهباء وعكرمة (¬4) (وتلا) قول الله تعالى: ({يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ}) (¬5) فيه استدلال بكتاب الله على السنة؛ لأنه الأصل المعتمد ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6084). ومسلم (1433). (¬2) "المفهم" للقرطبي 4/ 237. (¬3) أخرجه مسلم (1471) (7). (¬4) رواه مسلم (1472). (¬5) الطلاق: 1.

للأخذ منه، والسنة بيان له ({فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}) (¬1) قال مالك في "الموطأ": فطلقوهن لعدتهن يعني بذلك أن يطلق في كل طهر مرة (¬2)، انتهى. ويؤخذ منه أن من طلق ثلاثًا بكلمة واحدة مخالف لأمر الله. (قال المصنف: وحديث نافع بن عجير) بن عبد يزيد المطلبي، روى عن أبيه وعمه ركانة، وعن أبيه محمد وعبد الله بن علي وثق (¬3) وروايته هنا عن عمه ركانة (وعبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة) بن عبد يزيد بن هاشم المطلبي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4) ولم يرو عنه غير الزبير بن سعيد الهاشمي (عن أبيه) علي (عن جده) يزيد. (أن) أباه (ركانة) بن عبد يزيد (طلق امرأته) سهيمة بضم السين المهملة وفتح الهاء مصغر، وهي بنت عمير المزنية، قال البخاري: ثنا علي، ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، حدثني أبي، عن ابن إسحاق قال: ثني محمد بن نافع بن عمير قال: وكان ثقة، سمع عبد الله بن الحارث بن عويمر المزني قال: كان من النبي - صلى الله عليه وسلم - في عمتي سهيمة بنت عمير قضاء ما قضى به في أحد قبلها (¬5) (فردها إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - أصح) من حديث عكرمة عن ابن عباس المذكور (لأنهم) يعني: لأن عبد الله بن علي ووالده علي بن يزيد وجده يزيد بن ركانة ثلاثتهم هم (ولد الرجل) يعني ¬

_ (¬1) الطلاق: 1. (¬2) "الموطأ" 2/ 459. (¬3) "الكاشف" 3/ 197. (¬4) "الثقات" 7/ 15. (¬5) "التاريخ الكبير" للبخاري 1/ 250.

أولاده، بفتحتين كل أولاده يعني وهو يطلق على الذكر والأنثى والتثنية والجمع، وهو فَعَلْ بمعنى مفعول (وأهله) هم الأقارب، والولد من الأهل كما قال نوح - عليه السلام - {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} (¬1) وهم (أعلم به) من غيرهم وأعرف بحديثه من سواهم. وبهذا الذي قاله المصنف من أن أهل الرجل وأولاده أعلم به ما رواه الإمام الشافعي المطَّلبي في "مسنده" عن محمد بن علي بن شافع، وفي رواية أخرى: أخبرنا عمي محمد بن علي بن شافع، عن عبد الله بن علي بن السائب، عن نافع بن عجير بن عبد يزيد أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة المزنية البتة، ثم أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إني طلقت امرأتي سهيمة البتة، ووالله ما أردت إلا واحدة فردها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فطلقها الثانية في زمان عمر، والثالثة في زمان عثمان (¬2) كما سيأتي حيث ذكره المصنف في باب البتة. ورواه ابن ماجه من حديث عبد الله بن علي بن يزيد، عن أبيه، عن جده بنحوه ثم قال: قال أبو عبد الله: سمعت أبا الحسن الطنافسي يقول: ما أشرف هذا الحديث (¬3). (إن ركانة إنما طلق امرأته البتة) سيأتي، ويجوز أن يكون قوله البتة شاهدًا على مجيء الحال على صورة المعرف بالأداة فيحكم بزيادة الألف واللام؛ لأن تنكير الحال وتعريف صاحبه لازم، ويكون البتة مصدر وضع موضع اسم الفاعل والتقدير: طلق امرأته باتًّا طلاقها، ¬

_ (¬1) هود: 45. (¬2) "مسند الشافعي" 1/ 268. (¬3) "سنن ابن ماجه" (2051).

ومما زيد فيه الألف واللام على الحال قولهم: ادخُلوا الأول فالأول، التقدير: ادخلوا مترتبين في الدخول (فجعلها النبي - صلى الله عليه وسلم -) طلقة (واحدة) حين حلف أنه أراد طلقة واحدة كما سيأتي في البتة. [2197] (ثنا حميد بن مسعدة) الباهلي، شيخ مسلم (ثنا إسماعيل) بن إبراهيم ابن علية الإمام (أنا أيوب، عن عبد الله بن كثير) الداري أحد القراء (¬1) السبعة (عن مجاهد) وقرأ عليه القرآن (قال: كنت عند) عبد الله (بن عباس فجاءه رجل فقال: إنه طلق امرأته ثلاثًا، فسكت) ابن عباس عن جوابه (حتى ظننت أنه رادُّها) بتشديد الدال المرفوعة، وأصلها رادِدُها إليه ثم أدغمت الدال في الدال (إليه) أي: إلى عصمته لطول سكوته، ولما تقدم من رواية طاوس وأبي الصهباء. (ثم قال: ينطلق أحدكم فيركب الحموقة) بفتح الحاء المهملة وضم الميم، وهي فَعولة من الحمق كالرَّكوبة من الركب، أي: يركب خصلة ذات حُمق، وإسناد الركوبة إلى الحموقة استعارة كما يسند الركوب إلى الدين، فيقال: ركبه الدين. وحقيقةُ الحمقِ وضع الشيء في غير موضعه مع العلم بقبحه، ومنه حديث نجدة الحروري: لولا أن يقع في أحموقة ما كتبت إليه (¬2). وهي أُفعولة من الحمق بمعنى الحموقة (ثم) يذهب (يقول: يا ابن عباس، يا ابن عباس) أعادها مرتين مبالغة في الكلام، يعني: يا ابن عباس أنقذني مما وقعت فيه (وإن الله) تعالى (قال) في كتابه العزيز محذرًا من إيقاع الثلاثة واحدة: ({وَمَنْ ¬

_ (¬1) في النسخة الخطية: الفقهاء. والمثبت من "تهذيب الأسماء واللغات" 1/ 283. (¬2) سيأتي برقم (2727).

يَتَّقِ اللَّهَ}) في إيقاعه الطلاق على زوجته، وفي سائر أموره ولم يتعد حدود الله التي حدها في إيقاع الطلقات الثلاث متفرقة ({يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا}) (¬1): من طلاقه الذي أهمه، وفرجًا من سائر همومه وكل ضيق يعتريه ويراجع زوجته إلى عصمته (وإنك لم تتق الله) في طلاق زوجتك وتعديت حدوده بإيقاع الثلاث في كلمة واحدة، وظلمت نفسك فيما بينك وبين الله، ثم جئت تقول: يا ابن عباس انظر لي مخرجًا مما وقعت فيه (فلا أجد لك مخرجًا) من طلاقك الثلاث حتى تنكح زوجًا غيرك وإنك قد (عصيت ربك) في تعديك حدوده (وبانت منك امرأتك) بينونة كبرى، وفيه دليل على أن إيقاع الثلاث بكلمة واحدة معصية لمخالفة أمر الله في قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} (¬2)، وفي قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (¬3). وروى النسائي عن محمود بن لبيد قال: أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعًا، فقام غضبان، ثم قال: "أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم" حتى قام رجل فقال: يا رسول الله، ألا أقتله (¬4) وذكر البخاري أن محمودًا له صحبة (¬5). وروى الدارقطني عن عبادة بن الصامت قال: طلق بعض آبائي امرأته ألفًا فانطلق بنوه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: يا رسول الله، إن أبانا طلق ¬

_ (¬1) الطلاق: 2. (¬2) الطلاق: 1. (¬3) الطلاق: 2. (¬4) "السنن الكبرى" للنسائي 5/ 252. (¬5) "التاريخ الكبير" 7/ 402 (1762).

ألفًا، فهل له من مخرج؟ فقال: "إن أباكم لم يتق الله فيجعل له من أمره مخرجًا، بانت منه امرأته بثلاث على غير السنة، وتسعمائة وسبعة وتسعون إثم في عنقه" (¬1) (وإن الله قال) في كتابه: ({يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ} (¬2) في قبل عدتهن) فيه ما تقدم قريبًا. (قال المصنف: روى هذا الحديث حميد) بن قيس المكي (الأعرج) القارئ (وغيره عن مجاهد، عن ابن عباس، ورواه شعبة، عن عمرو بن مرة) الجملي، أحد الأعلام (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، و) رواه (أيوب، و) عبد الملك (بن جريج) رووه (جميعًا، عن عكرمة بن خالد) المخزومي، أخرج له الشيخان. (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس و) رواه عبد الملك (بن جريج) أيضًا (عن عبد الحميد بن رافع، عن عطاء، عن ابن عباس، ورواه) سليمان بن مهران (الأعمش، عن مالك بن الحارث) السلمي، أخرج له مسلم. (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (و) رواه عبد الملك (بن جريج، عن عمرو بن دينار) مولى فراس المكي (عن ابن عباس، وكلهم قالوا في الطلاق الثلاث: أنه أجازها) أي أجاز وقوع الثلاث تطليقات (قال) للسائل: (وبانت منك) بينونة كبرى فلا تحل لك حتى تنكح زوجًا غيرك (نحو حديث إسماعيل) ابن علية (عن أيوب، عن عبد الله بن كثير) في الحديث المتقدم، وكذا رواه الطحاوي عن محمد بن [إياس ¬

_ (¬1) "سنن الدارقطني" 4/ 20 وقال: رواته مجهولون وضعفاء إلا شيخنا وابن عبد الباقي (53). (¬2) الطلاق: 1.

ابن البكير] (¬1) والنعمان بن أبي عياش وعطاء أنهم كلهم رووا عن ابن عباس فيمن طلق امرأته ثلاثًا أنه قد عصى ربه وبانت منه امرأته ولا ينكحها إلا بعد زوج (¬2). وكذا رواه الأئمة الأربعة. ورواه عن ابن عباس من غير طريق أنه أفتى بلزوم الثلاث مجتمعة. (قال المصنف: وروى حماد بن زيد) بن درهم الإمام الأزدي (عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس إذا قال: أنت طالق. ثلاثًا بفم واحد) أي: بلفظة واحدة، فعبر عن اللفظة بالفم تجوزًا (فهي) طلقة (واحدة) هذِه الرواية صحت في الأحاديث المتقدمة، وغيرها بخلافه. قال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن حديث ابن عباس يعني هذا بأي شيء تدفعه؟ قال: أدفعه برواية الناس عن ابن عباس من وجوه بخلافه، ثم ذكر عن عدة، عن ابن عباس من وجوه أنها ثلاث. وقيل: معنى هذا الحديث أن الناس كانوا يطلقون واحدة على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وإلا فلا يسوغ لابن عباس أن يروي هذا عن النبي ويفتي بخلافه (¬3). (ورواه إسماعيل بن إبراهيم) ابن علية (عن أيوب، عن عكرمة هذا) القول (قوله) بالنصب على المصدرية، ونصب هذا المصدر مصدر مثله، تقديره: هذا القول قوله كما قال تعالى: {فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا} (¬4) لكن الآية المصدر الناصب فيها ظاهر، وهذا مقدر ¬

_ (¬1) في النسخة الخطية: المنكدر. والمثبت من "شرح معاني الآثار" 3/ 57. (¬2) "شرح معاني الآثار" 3/ 57 - 58. (¬3) "المغني" 334 - 335. (¬4) الإسراء: 63.

(لم يذكر) عكرمة (ابن عباس) في هذِه الرواية (وجعله) أي جعل هذا القول (قول عكرمة) دون ابن عباس. [2198] (وصار قول) بالرفع (ابن عباس فيما حدثنا) به (أحمد بن صالح) أبو جعفر المصري الحافظ (ومحمد بن يحيى) بن [عبد الله] (¬1) ابن فارس الذهلي شيخ البخاري (قالا: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن بن عوف ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان) العامري مولاهم المدني (عن محمد بن إياس) ابن بكير الليثي (أن ابن عباس وأبا هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهم - سئلوا عن البكر يطلقها زوجها ثلاثًا، فكلهم قالوا: لا تحل له) وحرمت عليه (حتى تنكح زوجًا غيره) سواء كان الطلاق قبل الدخول أو بعده، وسواء كانت بكرًا أو ثيبًا، وهذا قول أكثر الأئمة من التابعين والأئمة بعدهم. (قال المصنف: وروى مالك، عن يحيى بن سعيد) القطان (عن بكير بن الأشج، عن معاوية بن أبي عياش) الأنصاري (أنه شهد هذِه القصة) المذكورة (حين جاء محمد بن إياس بن البكير) الليثي (إلى) عبد الله (ابن الزبير وعاصم بن عمر) بن الخطاب، ولد في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان بينه وبين رجل من قريش دور في أرض، فقال القرشي لعاصم: فإن كان صادقًا فأدخلها، فقال عاصم: أوقد بلغ بك الغضب كل هذا؟ هي لك، فقال القرشي: سبقتني بها بل هي لك فتركاها لم يأخذها واحد منهما حتى هلكا، ثم لم يتعرض لهما أولادهما ¬

_ (¬1) في الأصل: عياش. وهو خطأ. والمثبت من "المصادر".

(فسألهما عن ذلك قال: اذهب إلى ابن عباس وأبي هريرة فإني تركتهما عند عائشة - رضي الله عنهم -) فيه أن من سئل عن مسألة وعرف أن غيره أعرف بها أن يدل عليه، وهذا من النصح في الدين والاعتراف لأهل الفضل، ورواية الشافعي: فقال ابن الزبير: هذا الأمر ما لنا فيه قولٌ اذهب إلى ابن عباس (¬1). وزاد الشافعي في "مسنده": فاسألهما، ثم إنه جاء فأخبرنا فذهب فسألهما، فقال ابن عباس: أفتنا يا أبا هريرة فقد جاءتك معضلة، فقال أبو هريرة: واحدة تبينها والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجًا غيره، فقال ابن عباس: مثل ذلك (¬2) (ثم ساق هذا الخبر) المذكور. [2199] (ثنا محمد بن عبد الملك بن مروان) بن الحكم الواسطي، قال أبو حاتم: صدوق (¬3). وقال الدارقطني وغيره: ثقة (¬4). (ثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل [المعروف بعارم] (¬5) السدوسي (ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن غير واحد، عن طاوس) قيل: هو لقب واسمه ذكوان، سمي به لأنه كان طاوس القراء (¬6)، وهو ابن كيسان اليماني (¬7) (أن رجلًا يقال له: أبو الصهباء) صهيب البصري مولى ابن عباس، وروى له مسلم في الصرف، وتقدم في باب من قال: الحمار ¬

_ (¬1) "الأم" 6/ 358. (¬2) "مسند الشافعي" 1/ 271. (¬3) "الجرح والتعديل" 8/ 4. (¬4) "تهذيب الكمال" 26/ 25. (¬5) بياض قدر كلمتين، والمثبت من المصادر. (¬6) روي ذلك عن يحيى بن معين. انظر: "تهذيب الكمال" 13/ 358. (¬7) "التهذيب" 13/ 357.

لا يقطع الصلاة (كان كثير السؤال لابن عباس لأنه كان مولاه وكان له ولاؤه فسأله) و (قال: أما علمت؟ ) استفهام معناه التقرير للحكم الآتي (أن) فتحت الهمزة لأنها في موضع نصب بالعلم (الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثًا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة) يريد أنها لا تقع إلا واحدة وتلغى الثنتان. قال ابن الأثير في "شرح مسند الشافعي": الفرق بين قول مسلم: أتعلم (¬1). وبين قول أبي داود: أما علمت، وقول النسائي: ألم تعلم (¬2). أن قول مسلم: أتعلَمُ. أن أكثر ما يطلق هذا اللفظ في استفهام من لا يكون المستفهم قد علم أن المستفهم عالم بما سأله عنه فيكون متوقفًا في أمره فيسأله ليعلم حقيقة الأمر عنده هل يعلمه أو لا، ويجوز أن يكون المستفهم عالمًا بذلك، وإنما يريد بذلك تقريره وتثبيته أو أن يظهر للسامع حقيقة حال المسئول من علم أو جهل، وأما قوله في رواية أبي داود: أما علمت، والنسائي: ألم تعلم، فإنما هو استفهام تقرير وتثبيت محض مع علم المستفهم أن المستفهم عالم بما سأله عنه (¬3). (على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وصدرًا) قال ابن الأثير: هو بالنصب عطفًا على الموضع، أي موضع رسول الله، والظاهر أن موضعه رفع؛ لأنه من إضافة المصدر إلى فاعله لا إلى مفعوله، وعلى تقدير أن يكون من إضافة المصدر إلى مفعوله أو فاعله، فالمصدر على ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1472/ 16). (¬2) "سنن النسائي" (3406). (¬3) "الشافي شرح مسند الشافعي" 4/ 487.

تقدير ما والفعل والتقدير على ما لعهد رسول الله، ويجوز أن يكون صدرًا منصوب على المفعول معه (من إمارة) بكسر الهمزة (عمر) بن الخطاب، وعند الطبراني: وسنتين من خلافة عمر (¬1). قال عياض: ذهب إلى هذا المذهب قومٌ من التابعين من أصحاب ابن عباس رأوا أن الثلاث لا تقع على غير المدخول بها؛ لأنها تبين منه بقوله: أنت طالق طلقة واحدة، وقوله: ثلاثًا بعدها كلام وقع بعد البينونة فلا يعتد به، فأجروا المتصل مجرى الطلقات المنفصلة ثلاثًا، قال: وهذا باطل عند جمهور العلماء؛ لأن قوله: أنت طالق معناه ذات طلاق، فلا يصلح إطراح هذا السنن (¬2). ولأن قولهم بانت بواحدة وبقي قوله ثلاثًا لم يصادف محلًّا فيه إجراء المتصل مجرى المنفصل، وهذا ليس بشيء؛ لأن قوله: أنت طالق ثلاثًا كلام واحد متصل غير منفصل، ومن المحال البين إعطاء الشيء حكم نقيضه، لأن الاتصال والانفصال نقيضان (قال ابن عباس: بلى) أي نعم. فيه تصديق وتقرير لسؤال أبي الصهباء (كان الرجل إذا طلق امرأته قبل أن يدخل بها) سواء كان الطلاق الثلاث متفرقًا أو في كلمة واحدة (جعلوها واحدة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وعهد (أبي بكر وصدرًا) بالنصب كما تقدم (من إمارة عمر) قال بعض العلماء البغداديين: المراد بهذا الحديث أنه كان المعتاد في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - تطليقة واحدة، وقد اعتاد الناس التطليق بالثلاث، فالمعنى: كان الطلاق الموقع الآن ثلاثًا لموقع واحدة فيما ¬

_ (¬1) "معجم الطبراني الكبير" 11/ 23 (10916). (¬2) "إكمال المعلم" 5/ 21.

قبل إنكارًا لخروجهم عن السنة (¬1). قال عياض: وهذا بعيد؛ لقوله: وكانت الثلاث تجعل واحدة، ولكن يصح أن يريد كانت الثلاث الموقعة الآن فيما يطلقون به لسانهم تجعل واحدة، يعني: يوقع واحدة (¬2)، انتهى. فإن (جعل) تأتي بمعنى أوقع وأوجد لقوله: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} (¬3) أوجدهما وأوقعهما بعد العدم (فلما رأى الناس) بالنصب مفعول والفاعل عمر، يعني: فلما رأى عمر الناس (قد تتابعوا) قال القرطبي: رويناه بالياء باثنتين من تحت بين الألف والعين وبالباء الواحدة وهما بمعنًى واحد (¬4). قال النووي: بالمثناة تحت قول الجمهور في الشر واللجاج وبالموحدة تستعمل في الخير والشر فالمثناة هنا أجود (¬5) (فيها) أي في الثلاث (قال: أجيزوهن عليهم) قال ابن الأثير: أي أمضوهن وأنفذوا الثلاث وأوقعوهن عليهم، ومنه حديث الحساب: "لا أجيز اليوم على نفسي شاهدًا إلا مني" (¬6) أي: لا أنفذ وأمضي شاهدًا على نفسي من أجاز أمره يجيزه إذا أمضاه وجعله جائزًا (¬7). ثم قال ابن الأثير في ¬

_ (¬1) "المفهم" 4/ 243. (¬2) "إكمال المعلم" 5/ 20. (¬3) الأنعام: 1. (¬4) "المفهم" 4/ 246. (¬5) شرح النووي على مسلم" 10/ 72. (¬6) رواه مسلم (2969) من حديث أنس. (¬7) "النهاية في غريب الحديث" (جوز).

"شرح المسند": اختلف الناس في تأويل هذا الحديث فقال: كان هذا الحكم في الصدر الأول ثم نسخ، قال: وهذا (لا وجه) (¬1) له؛ لأن النسخ إنما يكون في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - فأما في زمانهم فلا وجه للنسخ، فإن الأحكام استقرت وانقطع الوحي، وإنما هو زمان الاجتهاد والرأي فيما (لم يبلغهم) (¬2) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه نص (¬3). قالوا: ويشبه أن يكون معنى الحديث منصرفًا إلى طلاق البتة كما في حديث ركانة الآتي؛ فإنه جعل البتة واحدة، وكان عمر يراها واحدة ثم تتابع الناس في ذلك وأكثروا منه فألزمهم الثلاث، وإليه ذهب غير واحد من الصحابة وغيرهم (¬4)، وبه قال مالك وأحمد، وهذا كصنعه في حد شارب الخمر؛ فإنه كان في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر أربعين، ثم إن عمر لما رأى الناس تتابعوا في الخمر، واستخفوا عقوبتها. قال: أرى أن تبلغ حد المفتري، يعني: القاذف فجعلها ثمانين، وذلك بمحضر من الصحابة فلا يبعد أن يكون الأمر في طلاق البتة مثله (¬5). قال أبو العباس بن سريج: يمكن أن يكون إنما جاء في نوع خاص من طلاق الثلاث وهو أن يفرق بين اللفظ كأنه يقول: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، فكان في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر والناس على صدقهم وسلامة صدورهم، ولم يكن ظهر فيهم الخب الخداع، ¬

_ (¬1) في الأصل الأوجه. والمثبت من "معالم السنن" 3/ 124. (¬2) في الأصل: بلغهم. والمثبت من "معالم السنن" المطبوع مع "مختصر السنن". (¬3) "الشافي" 4/ 488. (¬4) "معالم السنن" المطبوع مع "مختصر السنن" 3/ 126. (¬5) السابق.

فكان يصدقهم أنهم أرادوا به التأكيد ولم يريدوا به الثلاث، فلما رأى عمر في زمانه أمورًا ظهرت وأحوالًا تغيرت منع من حمل اللفظ على التكرار والتأكيد وألزمهم الثلاث (¬1). وقال قوم: هذا الحكم خاص في غير المدخول بها. لما تقدم. [2200] (ثنا أحمد بن صالح، أبنا عبد الرزاق، أبنا) عبد الملك (ابن جريج) قال (أخبرني) عبد الله (بن طاوس) بن كيسان (عن أبيه) طاوس القراء (أن أبا الصهباء) صهيب مولى ابن عباس كما تقدم. (قال لابن عباس: أتعلم) تقدم أن هذِه رواية مسلم (¬2)، والفرق بينها وبين الرواية المتقدمة: أما علمت (أنما) بفتح الهمزة وهي مركبة من أن التي للتحقيق والتوكيد، وما الكافة، ويحصل من مجموعها حصر الحكم على الشيء والشيء على الحكم، فيقال: إنما القائم زيد، وإنما زيد القائم، فحصرت للقيام على زيد وزيد على القيام، وها هنا قد حصر الثلاث تطليقات على الواحدة، وليس الغرض من قول أبي الصهباء الإخبار بأن التطليقات منهم (كانت الثلاث) تجعل واحدة، بل الغرض الاستفهام بمعنى التقرير والتثبيت كما تقدم ويدل على ذلك أمران: أحدهما: قوله في آخر الحديث: فقال ابن عباس: نعم. ونعم لا تكون جواب إخبار؛ لأن الخبر لا يحتاج إلى جواب، وإنما يحتاج إليه الاستفهام. ¬

_ (¬1) "معالم السنن" المطبوع مع "مختصر السنن" 3/ 127. (¬2) رواه مسلم (1472/ 16) من طريق عبد الرزاق به.

والثاني: تقديره الاستفهام في أول الكلام في قوله: أتعلم، فدل على الغرض الاستفهام (تجعل واحدة) يريد أنها لا يقع منها إلا واحدة، ويلغي اللسان بكلمة الثلاث (على عهد) أي: عصر (النبي - صلى الله عليه وسلم - و) عصر (أبي بكر وثلاثًا) بالنصب عطف على المعنى كما تقدم؛ لأن عهد بمعنى عصر كما فسروه به، وعصر أصله منصوب على الظرفية، وإنما كان في الظاهر مجرورًا بعلى وثلاثًا مما حذف المضاف إليه وعوض عنه التنوين، أي: وثلاث سنين (من) أول (إمارة عمر - رضي الله عنه - قال ابن عباس) رضي الله عنهما (نعم) (¬1) قال ابن المنذر: غير جائز أن يظن أن ابن عباس كان يحفظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يفتي بخلافه (¬2). وقال الشافعي: فإن كان معنى قول ابن عباس أن الثلاث كانت تحسب على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - واحدة، يعني: أنه بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فالذي يشبه والله أعلم أن يكون ابن عباس قد علم أنه كان شيئًا فنسخ (¬3). وذكر البيهقي أن رواية ابن عباس تأكيدًا لصحة الحديث الذي ذكره المصنف في باب نسخ المراجعة. وقال القرطبي: حديث ابن عباس يعني هذا لا يصح الاحتجاج به لأوجه: أحدها: أنه ليس حديثًا مرفوعًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما ظاهره الإخبار عن أهل عصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعصر أبي بكر، فاتفاقهم على ¬

_ (¬1) هذا النقل الطويل من قوله: قال ابن الأثير إلى هنا من "الشافي" لابن الأثير 4/ 488 - 489. (¬2) "الأوسط" 9/ 158. (¬3) اختلاف الحديث" 8/ 660.

ذلك وإجماعهم عليه ليس بصحيح، فأول من خالف ذلك بفتياه ابن عباس كما في حديث مجاهد في هذا الباب، وفي آخره: عصيت ربك وبانت منك امرأتك (¬1). وروى مالك في "الموطأ" أن رجلًا قال لابن عباس: طلقت امرأتي مائة طلقة، فقال: طلقت منك ثلاثًا وسبعة وتسعون اتخذت بها آيات الله هزؤًا (¬2). وفي "الموطأ" أن رجلًا جاء إلى ابن مسعود، فقال: إني طلقت امرأتي ثمان تطليقات. قال ابن مسعود: فماذا قيل لك؟ قال: قيل لي أنها بانت منك. قال: صدقوا (¬3). هو كما يقولون، قال: فهذا يدل على وجوه الخلاف فيها في عصر الصحابة، وأن المشهور عندهم المعمول به خلاف مقتضى حديث ابن عباس، فبطل التمسك به، وقيل: إن أبا الصهباء لا يعرف في موالي ابن عباس. ولئن سلمنا أنه حديث مسند مرفوع فلا حجة فيه للاضطراب والاختلاف الذي في سنده ومتنه، فقد اضطرب فيه أبو الصهباء عن ابن عباس في لفظه، واضطرب فيه طاوس، فمرة رواه عن أبي الصهباء، ومرة رواه عن ابن عباس نفسه، ومهما كثر الاختلاف والتناقض ارتفعت الثقة (¬4). ¬

_ (¬1) "المفهم" 4/ 239. (¬2) "الموطأ" 2/ 433. (¬3) "الموطأ" 2/ 433. (¬4) انظر: "المفهم" 4/ 239 - 240.

11 - باب فيما عني به الطلاق والنيات.

11 - باب فِيما عُنِيَ بِهِ الطَّلاقُ والنِّيّاتُ. 2201 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْراهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقّاصٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّما الأَعْمالُ بِالنِّيّاتِ وَإِنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيا يُصِيبُها أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُها فَهِجْرَتُهُ إِلَى ما هاجَرَ إِلَيْهِ" (¬1). 2202 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ وَسُلَيْمانُ بْنُ دَاوُدَ قالا أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ كَعْبٍ - وَكَانَ قائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَميَ - قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مالِكٍ. فَساقَ قِصَّتَهُ فِي تَبُوكَ قَالَ: حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ مِنَ الخَمْسِينَ إِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْتِي فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ. قَالَ: فَقُلْتُ: أُطَلِّقُها أَمْ ماذا أَفْعَلُ قَالَ: لا بَلِ اعْتَزِلْها فَلا تَقْرَبَنَّها. فَقُلْتُ لامْرَأَتِي: الحَقِي بِأَهْلِكِ فَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللهُ سُبْحانَهُ فِي هذا الأَمْرِ (¬2). * * * باب فيما عني به الطلاق والنيات [2201] (ثنا محمد بن كثير) الضبعي (¬3) العبدي (أنا سفيان) بن سعيد الثوري (قال: حدثنا يحيى بن سعيد) الأنصاري، أخرج له الشيخان. (عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن علقمة بن وقاص الليثي قال: ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1)، ومسلم (1907). (¬2) رواه البخاري (4418)، ومسلم (2769). (¬3) كذا. وليست في نسبته. ولعلها: البصري.

سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنما الأعمال) جمع عمل وهو حركة البدن بكله أو بعضه، وربما أطلق على حركة النفس والأسبق في الفهم اختصاصه بالجارحة وعلى التفهم فتكون النية ونحوها من عمل القلب مخصوصًا من العموم؛ إذ لا يحتاج إلى نية، وكذلك بعض التروك كإزالة النجاسة ونحوها للدليل على خروج ذلك كله بخلاف الصوم؛ فإنه باقٍ على شموله الحكم له، فيحتاج إلى النية والفرق أن الصوم من قبل المصالح، فلا بد من حضوره في الذهن لتحصل مصلحة النفس بمشقة الجوع الباعث على الصدقة، وأما غيره فهو من قبيل درء المفاسد، وهو موجود وإن لم يخطر بالبال. واعلم أن في الكلام حذفًا؛ لأن إنما كانت في الحصر ففيها نفي الحكم عن غير المذكور، والأعمال إذا وقعت من غير نية لا تكون مثبتة، ولا بد من تقدير ما يصح فيه الكلام بما يناسب معناه المقصود منه، ويسمى مثل هذا عند الأصوليين دلالة الاقتصار. واختلفوا في المقدر المناسب، فالشافعية وغيرهم قدروا: إنما صحة الأعمال (¬1) أو إنما اعتبار الأعمال (بالنية) وقدر قومٌ: إنما كمال الأعمال بالنية، والأول أرجح باعتبار أن النفي لما يُقَدَّرُ كان التجوز بما هو أقرب إليه أولى من البعيد، ونفي الصحة أقرب لنفي الحقيقة من نفي الكمال؛ لأن الصحة ألزم للحقيقة من الكمال، نعم ينبغي أن يكون المقدر: إنما الأعمال معتبرة أو مجزئة بالنية؛ إذ لا بد للجارِّ من متعلق محذوف هنا هو الخبر في الحقيقة فينبغي أن يجعل المقدر أولًا في ضمن الخبر كما ¬

_ (¬1) انظر: "الغرر البهية في شرح البهجة الوردية" 1/ 84، "إعانة الطالبين" 1/ 49.

مثلناه، فيستغني عن إضمار شيء في الأول، لئلا يصير في الكلام حذفان: حذف مبتدأ أولًا، وحذف الخبر ثانيًا. قال البرماوي: لكن يعارضه أن الخبر يصير كونًا خاصًّا، وإذا قدرنا إنما صحة الأعمال كائنة كان كونًا مطلقًا، وحَذفُ الكون المطلق أكبر من الكون الخاص وحذف المضاف كثير أيضًا بارتكاب حذفين نكرة، وقياس أولى من حذف واحد نقله شذوذًا، ويشهد لذلك ما قرروه في حذف خبر المبتدأ بعد لولا في الكون الخاص على العام، ومنهم من جعل المقدر القبول أي: إنما قبول الأعمال بالنية الباقية يحتمل أن تكون للمصاحبة، ويحتمل أن تكون للشبهية، ويظهر أثرهما في أن النية شرط أو ركن إن قلنا للمصاحبة: كانت شرطًا؛ لأن الشرط خارج عن الماهية مصاحب لها، أو للشبهية كانت ركنًا؛ لأن جزاء الماهية له تأثير. قال الحافظ المقدسي: النية والقصد والإرادة والعزم بمعنًى، والعرب تقول: بوأك الله بحفظه، أي: قصدك، وعبارة بعضهم: أنها تصميم القلب على فعل الشيء. وقال الماوردي: هي قصد الشيء مقترنًا بفعله وإن تراخى عنه كان عزمًا (¬1)، قاله في كتاب الأيمان، وأصل النية نوية بكسر النون فقلبت الواو ياءً لسكونها بعد كسرة وأدغمت، قال الجوهري: ويقال في النية نية بالتخفيف (¬2)، وفي رواية: "بالنيات" كما بوب عليه المصنف، وهذا من مقابلة الجمع بالجمع على معنى لكل عمل نية كرَكِبَ القوم دوابَّهم. ¬

_ (¬1) نقله عنه في "مغني المحتاج" 5/ 427. (¬2) "الصحاح" (نوى).

واعلم أن الحصر المذكور من حصر المبتدأ والخبر، ويعبر عنه الشاميون بقصر الموصوف على الصفة، وذلك لأن المحصور فيه أو المقصور عليه هو المؤخر، ثم هو أيضًا قصر خاص خلافًا لما ادعاه ابن دقيق العيد أنه عام (¬1)، وممن قرأ الحديث كذلك السماني في "إعجاز القرآن". (وإنما) الحاصل (لكل امرئ ما) يعني الذي (نوى) فـ (ما) موصول اسمي، ويجوز أن يكون موصولًا حرفيًّا فلا يحتاج لعائد، بل التقدير: وإنما لكل امرئ نيته، ولا بد من حذف مضاف على التقديرين لئلا يلزم اتحاد هذِه الجملة مع التي قبلها؛ لأن الأولى قد تضمنت أن كل عامل لا يصح عمله إلا بنية، فإذا كانت النية موجودة في عمله، فقد حصل له وإلا فلا يحصل له فيقدر هنا: وإنما لكل امرئ ثواب ما نوى ونحو ذلك، فتكون الأولى قد نبهت على أن الأعمال لا تصير ذات ثواب إلا بنية، والثانية على أن العامل يكون له من العمل على مقدار نيته، ولهذا أُخِّرت عنها ليرتبها عليها. وقال بعضهم: الجملة الأولى لبيان اعتبار النية لغرض تمييز العبادة عن العادة، والثانية لغرض تمييز رتب العبادات كالتعيين والفريضة في الصوم والصلاة، فإن النية تنقسم إلى نية تعبد وهو إخلاص العمل لله تعالى، ونية تمييز كمن أقبض رب الدين من جنس دينه شيئًا، فإنه يحتمل التمليك هبة وفرضًا ووديعة وإباحة ونحو ذلك (فمن كانت هجرته) هي فعلة من هجره هجرًا إذا تركه، والمراد هنا الهجرة من مكة إلى المدينة قبل أن تفتح مكة، وبعد الفتح لا هجرة بل جهاد ونية، نعم ¬

_ (¬1) "إحكام الأحكام" 1/ 60.

حكم الهجرة باقٍ من سائر بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، ويسمى الخروج لطلب العلم هجرة (إلى) طاعة (الله) وإلى عبادة الله (و) طاعة (رسوله - صلى الله عليه وسلم - فهجرته إلى الله ورسوله) هذِه الجملة جواب الشرط المذكور قبله وهو (من) وظاهره اتحاد الشرط مع الجزاء، وذكروا تخريجه من وجوه: أحدها: فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله نية وقصدًا فهجرته إلى الله ورسوله حكمًا وشرعًا وهو جنس باعتبار السياق، فإنه في الاعتبار بالنية، لكن يضعفه في جهة العربية أن الحال المثبتة لا تحذف بلا دليل، ولهذا منع بعضهم تعلق الباء في بسم الله بحال محذوفة أي: أبتدئ متبركًا، قال: لأن حذف الحال في نحو ذلك لا يجوز. ولقائل أن يقول: إن الحذف هنا لم يقع إلا لدليل من السياق كما تقدم فإن تقريره: فمن كانت هجرته خالصة لله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله مقبولة، وهو أحسن من الأول باعتبار جعل التقييد في متعلق الجار، فاستغني عن حذف الحال وجعله في الثاني المحذوف خبرًا لمبتدأ وهو كثير، وتعبيره فيه بالقبول أخص من تقدير حكمًا وشرعًا؛ إذ كل مقبول هو شرعي، ولا ينعكس إلا أن فيه ضعفًا من جهة حذف الكون الخاص من غير دليل، وهو خالصة، وأما تعبيره إلى باللام فلا حاجة إليه؛ فإنه يقال: خلص إليه إذا وصل إليه. ثالثها: أنه على إقامة السبب مقام المسبب، أي: استحق الثواب العظيم المستحق للمهاجر إلى الله ورسوله، وإنما أعاد المجرور ظاهرًا لا مضمرًا؛ إذ لم يقل: فهجرته إليهما، ولا ذكره بلفظ الموصول كما في الذي بعده لقصد الاستلذاذ والتبرك بذكر الله ورسوله بخلاف الدنيا والمرأة؛ فإن الإبهام والإخفاء فيهما أولى، وأيضًا فيخلص من جمع

اسم الله ورسوله في ضمير واحد كما تقدم في: "بئس الخطيب أنت، قل: ومن يعص الله ورسوله" (¬1). (ومن كانت هجرته إلى دنيا) نسخة: الدنيا بضم الدال، وحكى ابن قتيبة كسرها ولا تنوين على المشهور؛ لأنها فعلى من الدنو والتأنيث يمنع من الصرف، وحكى ابن جني تنوينها لغة نادرة، وأورد ابن مالك أن أفعل التفضيل المذكر لا يؤنث ولا يثنى، ولا يجمع، فلا يقال: صغرى وكبرى، بل أصغر وأكبر في الكل، وأجاب بأنه أجري مجرى الأسماء وصار كرجعى في معنى الدنيا قولان للمتكلمين: أحدهما: ما على الأرض من الجو والهوى. وأظهرهما: كل مخلوق من الجواهر والأعراض الموجودة قبل الدار الآخرة، والمراد بها في الحديث المالُ ونحوه، بدليل ذكر المرأة بعده (يصيبها) أي: تحصل له وهو استعارة من إصابة الغرض في الرمي، وأصله من الصواب، وهو ضد الخطأ (أو امرأة) إنما أفردها بالذكر مع دخولها في لفظ دنيا بدليل حديث: "الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة" (¬2) وقد تقدم أن المراد بالدنيا المال ونحوه، ويحتمل أن ذلك من ذكر الخاص على العام [ولكن] لا يكون إلا بالواو (يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه) قالوا: إنما جاء هذا الحديث في رجل كان يخطب امرأة بمكة فهاجرت إلى المدينة فتبعها الرجل رغبة في نكاحها، فسمي مهاجر أم قيس (¬3)، ولما خرج في صورة طالب فضيلة ¬

_ (¬1) سبق برقم (1099)، وسيأتي أيضًا برقم (4981). (¬2) أخرجه مسلم (1467) (64)، والنسائي 6/ 69، من حديث عبد الله بن عمرو. (¬3) رواه الطبراني في "الكبير" 9/ 103 (8540) عن ابن مسعود، وقال الهيثمي في "المجمع" 2/ 101: رجاله رجال الصحيح.

الهجرة وأبطن خلاف ما أظهر توجَّهَ عليه الذَّمُّ. [2202] (ثنا أحمد بن عمرو ابن السرح وسليمان بن داود) أبو الربيع المهري، كان زاهدًا فقيها على مذهب مالك، قال النسائي: ثقة (¬1) (قالا: ثنا) عبد الله (بن وهب قال: أخبرني يونس، عن) محمد (ابن شهاب قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك) الأنصاري، أخرج له الشيخان (أن عبد الله بن كعب) بن مالك والده (وكان قائد كعب) بن مالك (من بنيه) أي: من دون أولاده (حين عمي) بكسر الميم والده كعبًا - رضي الله عنهم -[(قال: سمعت كعب بن مالك، فساق)] (¬2) قصته) المذكورة (في) الصحيحين وغيرهم عن غزوة (تبوك) بفتح الكاف غير منصرف للتأنيث والعلمية على المشهور، وسميت باسم الموضع وهي بالشام منه إلى المدينة أربع عشرة مرحلة، وإلى الشام (¬3) إحدى عشرة مرحلة، وهذِه آخر غزوة غزاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنفسه. و (قال) فيها (حتى مضت أربعون) ليلة، كذا للبخاري (¬4) (من الخمسين) ليلة التي اجتنب الناس كلامنا فيها (إذا) فجائية (رسول) بالرفع مبتدأ (رسول) مضاف إليه (الله - صلى الله عليه وسلم - يأتي) وفي الصحيحين (¬5): يأتيني (فقال: إن رسول الله يأمرك أن تعتزل امرأتك) فيه دليل على أن للإمام أن يؤدب بعض من وقع منه الذنب باعتزال امرأته في النوم معها في الفراش وفي الاستمتاع بشيء ¬

_ (¬1) "مشيخة النسائي" (93). (¬2) من "السنن". (¬3) في "الفتح" 8/ 111: دمشق. (¬4) "صحيح البخاري" (4418). (¬5) البخاري (4418)، ومسلم (2769).

حتى يأذن له (فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ ) فيه استفهام ما يجهل حكمه وطلب البيان عنه (قال: لا) تطلقها (بل اعتزلها) في الفراش وغيره (فلا تقربنها) بتشديد نون التوكيد كما في مسلم، وللبخاري بتخفيفها (¬1). قال ابن العربي: سمعت الشاشي يقول في مجلس النظر إذا قيل: لا تقرب بفتح الراء كان معناه لا تتلبس بالفعل يعني المنهي عنه وإن كان بضم الراء كان معناه: لا تدنوا منه (¬2) (فقلت لامرأتي: الحقي) بكسر الهمزة وفتح الحاء (بأهلك) فيه حذف تقديره: لأني لا يحل لي أن أقربك. وفيه أن قوله لزوجته: الحقي بأهلك. ليس بصريح طلاق، ولا يقع به شيء إذا لم ينو؛ لأنه لفظ محتمل لأن تذهب إلى أهلها لأنها مطلقة أو لغيره، ولا فرق بين أن يكون لها أهل أو لم يكن (فكوني عندهم) الظاهر أن زوجته هذِه كان لها أهل تذهب إليهم، فيه جواز خروج المرأة إلى بيت أهلها بإذن زوجها ومطاوعته في الخروج وإن لم يكن لها غرض، وفيه الاحتياط بمجانبته ما يخاف منه الوقوع في منهي عنه؛ لأنه كان شابًّا يخاف على نفسه، ولأنه لم يستأذن في خدمة زوجته له. وفيه أن المرأة إذا احتاجت إلى الخروج تكون عند أهلها أولى من أن تكون عند أهل الزوج أو نساء أجانب (حتى يقضيَ الله) أي: يحكم بتوبته وينزلها على نبيه - صلى الله عليه وسلم - (في هذا الأمر) الذي قضاه عليه بما يشاء. ¬

_ (¬1) في (الأصل): يخوفها. والمثبت هو الصواب. (¬2) "أحكام القرآن" لابن العربي 1/ 227.

12 - باب في الخيار

12 - باب فِي الخِيارِ 2203 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَيَّرَنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فاخْتَرْناهُ فَلَمْ يَعُدَّ ذَلِكَ شَيْئًا (¬1). * * * باب في الخيار [2203] (ثنا مسدد، ثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله الحافظ (عن) سليمان (الأعمش، عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح، الهمداني الكوفي (عن مسروق، عن عائشة) رضي الله عنها (قالت: خيرنا رسول الله) وكان واجبًا عليه - صلى الله عليه وسلم -، واختلفوا في سبب وجوبه ونزول الآية على أقوال: أحدها: أن الله خيره بين الغنى والفقر فاختار الفقر، فأمره بتخيير نسائه ليكون اختياره منهن موافقة لاختياره، وهذا يعكر عليه أن الأكثر من أهل العلم بالمغازي على أنه كان في آخر عمره قد وسع له في العيش بالنسبة لما كان عليه قبل ذلك، وقد قالت عائشة: ما شبعنا من التمر حتى فتحت خيبر (¬2). ثانيها: أنهن تغايرن عليه فحلف أن لا يكلمهن شهرًا، ثم أمر بأن يخيرهن. حكاه الغزالي. ثالثها: إنهنَّ طالبنهُ بالحلي والثياب ما ليس عنده، فتَسَخَّطْنَ. رابعها: سببه قصة مارية في بيت حفصة، أو قصة العسل، وكان ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5262)، ومسلم (1477). (¬2) أخرجه البخاري (4242)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

تخييرهن بين المقام معه وبين مفارقته لما نزل قوله تعالى {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} (¬1) الآية والتي بعدها، وفي "مسند أحمد" من حديث علي: أنه خير نساءه بين الدنيا والآخرة، ولم يخيرهن للطلاق (¬2) (فاخترناه) أي اخترنا جميعًا المقام معه (فلم يعد ذلك شيئًا) فيه دلالة لمذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد وجماهير العلماء: أن من خير زوجته فاختارته لم يكن ذلك طلاقًا، أو لا تقع به فرقة (¬3). وروي عن علي وزيد بن ثابت والحسن والليث أن نفس الخيار طلقة واحدة بائنة وإن اختارت زوجها، وحكاه الخطابي (¬4) والنقاش عن مالك. قال القرطبي: ولا يصح عنه، وروي عن ربيعة نحوه في التمليك. وهذا الحديث حجة عليهم. قال: وفي قول عائشة هذا دليل على أن المخيرة إذا اختارت نفسها أنَّ نفس ذلك الخيار يكون طلاقًا من غير احتياج إلى النطق بلفظ يدل على الطلاق سوى الخيار، قال: ويقتبس ذلك من مفهوم لفظها فتأمله (¬5). ¬

_ (¬1) الأحزاب: 28. (¬2) "مسند أحمد" 1/ 78. (¬3) "الأم" 5/ 205، و"المدونة" 2/ 277، و"المبسوط" للسرخسي 6/ 248، و"مسائل أحمد" برواية ابنه عبد الله (1347). (¬4) "معالم السنن" 3/ 213. (¬5) "المفهم" 4/ 258.

13 - باب في أمرك بيدك

13 - باب فِي أَمْرُكِ بِيَدِكِ 2204 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ لأَيُّوبَ: هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِقَوْلِ الحَسَنِ فِي أَمْرُكِ بِيَدِكِ؟ . قَالَ: لا إِلَّا شَيء حَدَّثَناهُ قَتادَة عَنْ كَثِيرٍ مَوْلَى ابن سَمُرَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِنَحْوِهِ. قَالَ أَيُّوبُ: فَقَدِمَ عَلَيْنا كَثِيرٌ فَسَأَلْتُهُ. فَقَالَ: ما حَدَّثْتُ بهذا قَطُّ. فَذَكَرْتُهُ لِقَتادَةَ، فَقَالَ: بَلَى وَلَكِنَّهُ نَسِيَ (¬1). 2205 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا هِشامٌ عَنْ قَتادَةَ، عَنِ الحَسَنِ فِي أَمْرُكِ بِيَدِكِ. قَالَ: ثَلاثٌ (¬2). * * * باب في أمرك بيدك [2204] (ثنا الحسن بن علي) الخلال، نزيل مكة (¬3)، أخرج له الشيخان (ثنا سليمان بن حرب) بن بجيل الأزدي الواشحي، وواشح من الأزد، وكان سليمان قاضي مكة (¬4) (عن حماد بن زيد قال: قلت لأيوب) بن أبي تميمة السختياني، البصري التابعي: (هل تعلم أحدًا قال بقول الحسن في) أن الرجل إذا قال لامرأته: (أمرك بيدك) زاد الترمذي والنسائي: أنها ثلاث (¬5) إلا الحسن (قال: لا إلا شيء حدثناه ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1178)، والنسائي 6/ 147. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (379). (¬2) رواه سعيد بن منصور في "سننه" (1657). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1914). (¬3) "تهذيب الكمال" 6/ 260. (¬4) "تهذيب الكمال" 11/ 384. (¬5) "سنن الترمذي" (2178)، و"سنن النسائي" 6/ 147.

قتادة) ورواية الترمذي والنسائي قال: لا، ثم قال: اللهم غفرًا، إلا ما حدثني قتادة. (عن كثير) بن أبي كثير (مولى) عبد الرحمن (ابن سمرة) بن حبيب القعنبي. (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف القرشي. (عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحوه) روايتهما قال: ثلاث. (قال أيوب) السختياني (فقدم علينا كثير) مولى ابن سمرة. روايتهما: فلقيت كثيرًا (فسألته) عن هذا الحديث (فقال: ما حدثت بهذا) الحديث (قط) روايتهما: فلم يعرفه (فذكرته لقتادة) روايتهما: فرجعت إلى قتادة وأخبرته (فقال: بلى) حدثني به (ولكنه نسي) قال الترمذي: هذا الحديث لا نعرفه إلا من حديث سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، وسألت محمدًا يعني البخاري عن هذا الحديث فقال: حدثنا سليمان بن حرب عن حماد بن زيد بهذا، وإنما هو عن أبي هريرة موقوف، ولم نعرف حديث أبي هريرة مرفوعًا (¬1)، وقد اختلف الأصوليون في تكذيب الأصل الفرع الذي روي عنه قال ابن السبكي: والمختار وفاقًا للسمعاني وخلافًا للمتأخرين أن تكذيب الأصل الفرع لا يسقط المروي عنه إذا كان الفرع جازمًا بالرواية عنه (¬2)؛ لاحتمال أن يكون رواه عنه ثم نسيه كثير مولى ابن سمرة فلا يسقط عنه رواية الراوي بعد (أن يكون ثقة) (¬3) مع هذا الاحتمال (¬4)، كما روي أن ربيعة كان روى عن سهل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قضى ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (1178). (¬2) انظر: "حاشية العطار" 2/ 164. (¬3) تحرفت في (الأصل)، والمثبت من "قواطع الأدلة" للسمعاني 1/ 355. (¬4) في (الأصل)، والتحول. والمثبت هو الصواب، وهو معنى ما في "قواطع الأدلة".

باليمين مع الشاهد. ثم نسيه سهل، وكان يقول: حدثني ربيعة عني عن أبي هريرة. [2205] (ثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي الفراهيدي (ثنا هشام) الدستوائي. (عن قتادة، عن الحسن) البصري في قول الرجل لامرأته (أمرك بيدك) وقد اختلف أهل العلم فيه، فقال أبو حنيفة (¬1) والشافعي (¬2) وأحمد (¬3): هو كناية تفتقر إلى نية، كسائر الكنايات وهذا في حق الزوج (¬4). وقال مالك: لا يفتقر إلى نية (¬5) لأنه من الكنايات الظاهرة، وحكى الترمذي عن بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود هي واحدة. قال: وهو قول غير واحد من أهل العلم من التابعين ومن بعدهم، يعني فيما إذا طلقت نفسها (¬6)، وقال مالك: إذا اختارت نفسها فهي ثلاث، وإن اختارت زوجها فهي واحد (¬7). قال الخطابي: وروي عن الحسن البصري (¬8). ¬

_ (¬1) "المبسوط" 6/ 74. (¬2) "الأم" 6/ 658، "الإقناع" للماوردي 1/ 146. (¬3) "المغني" 10/ 383. (¬4) انظر: "المبسوط" 6/ 259 - 260، و"الأم" 5/ 205، وانظر: "مسائل أحمد وإسحاق رواية الكوسج" (967، 1134). (¬5) انظر: "المدونة" 2/ 284. (¬6) "سنن الترمذي" (1178). (¬7) انظر "المدونة" 2/ 271، و"بداية المجتهد" 3/ 94. (¬8) "معالم السنن" المطبوع مع "مختصر السنن" 3/ 132.

14 - باب في البتة

14 - باب فِي البَتَّةِ 2206 - حَدَّثَنا ابن السَّرْحِ وَإِبْراهِيمُ بْنُ خالِدٍ الكَلْبِيُّ أَبُو ثَوْرٍ - فِي آخَرِينَ - قَالُوا: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنِي عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَليِّ بْنِ السّائِبِ، عَنْ نافِعِ بْنِ عُجَيْرِ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ بْنِ رُكانَةَ أَنَّ رُكانَةَ بْنَ عَبْدِ يَزِيدَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ سُهَيْمَةَ البَتَّةَ فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِذَلِكَ وقَالَ: والله ما أَرَدْتُ إِلَّا واحِدَةً. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "والله ما أَرَدْتَ إِلَّا واحِدَةً". فَقَالَ رُكانَةُ: والله ما أَرَدْتُ إِلَّا واحِدَةً. فَرَدَّها إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَطَلَّقَها الثّانِيَةَ فِي زَمانِ عُمَرَ والثّالِثَةَ فِي زَمانِ عُثْمانَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَوَّلُهُ لَفْظُ إِبْراهِيمَ وَآخِرُهُ لَفْظُ ابن السَّرْحِ (¬1). 2207 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ النَّسائِيُّ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ، حَدَّثَنِي عَمَّي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنِ ابن السّائِبِ عَنْ نافِعِ بْنِ عُجَيْرٍ عَنْ رُكانَةَ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بهذا الحَدِيثِ (¬2). 2208 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ دَاوُدَ العَتَكِيُّ، حَدَّثَنا جَرِيرُ بْنُ حازِمٍ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَلَيِّ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكانَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ البَتَّةَ فَأَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "ما أَرَدْتَ". قَالَ واحِدَةً. قَالَ: "آللَّهِ". قَالَ آللَّهِ. قَالَ: "هُوَ عَلَى ما أَرَدْتَ" (¬3). قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وهذا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ ابن جُرَيْجٍ أَنَّ رُكانَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاثًا لأَنَّهُمْ أَهْلُ بَيْتِهِ وَهُمْ أَعْلَمُ بِهِ وَحَدِيثُ ابن جُرَيْجٍ رَواهُ، عَنْ بَعْضِ بَنِي أَبِي رافِعٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ. * * * ¬

_ (¬1) رواه الشافعي في "مسنده" (118). ورواه الطيالسي (1284). وضعفه الألباني في "الإرواء" (2063). (¬2) رواه الشافعي في "مسنده" (118). وضعفه الألباني في "الإرواء" (2063). (¬3) رواه الترمذي (1177)، وابن ماجه (2051).

باب في البتة [2206] (ثنا) أحمد بن عمرو (ابن السرح وإبراهيم بن خالد) أبو ثور (الكلبي) البغدادي أحد المجتهدين، ثقة مأمون معروف بالسنة (¬1) (في) جماعة (آخرين قالوا: حدثنا محمد بن إدريس الشافعي) إمام المذهب، قال: (حدثني عمي محمد بن علي بن شافع بن السائب) وثقه الشافعي (عن عبد الله بن علي بن السائب) المطلبي لم يضعف (عن نافع بن عجير) بضم العين وفتح الجيم مصغر (بن عبد يزيد بن ركانة) المطلبي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2): (أن ركانة بن عبد يزيد) بن هاشم المطلبي بن عبد مناف المطلبي، صارع النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان شديدًا (طلق امرأته سهيمة) بضم السين المهملة وفتح الهاء المهملة مصغر، بنت عمير المزنية (البتة) بفتح الباء الموحدة والمثناة فوق المشددة من البت وهو القطع، أي: طلقة قاطعة لأمر النكاح، كما يقال: صدقة بتة أي: منقطعة عن الإملاك، ومنه الحديث: "لا صيام من لم يبت الصيام" (¬3) في إحدى الروايتين، أي: لم ينوه فيقطعه عن الوقت الذي لا صوم فيه، وهو الليل والبتة في هذا الحديث والذي بعده منصوب على المصدر بفعل محذوف، أي: بتها بتًّا (وأخبر) بفتح الهمزة والباء (النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك) ولفظ الشافعي في "المسند": ثم أتى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إني ¬

_ (¬1) انظر: "الكاشف" 1/ 80. (¬2) "الثقات" لابن حِبَّان 5/ 469. (¬3) ذكره ابن قتيبة في "غريب الحديث" 1/ 300، وابن الأثير في "النهاية" 1/ 92.

طلقت امرأتي سهيمة البتة (¬1). وسيأتي. (وقال: والله ما أردت) بقولي: البتة (إلا) طلقة (واحدة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: والله ما أردت إلا واحدة) فيه جواز وقوع الطلاق الثلاث دفعة واحدة؛ لأنه استحلف ركانة على ما نوى ولو لم تكن الثلاث تقع لما استحلفه ودينه. (فقال ركانة: والله ما أردت إلا واحدة) وفيه أنه يستكفي في استحلاف الحاكم أو من ينوب عنه في اليمين إذا تعينت (والله) ولا يحتاج إلى زيادة الأوصاف كقوله: الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، ونحو ذلك، وقد يؤخذ من لفظ الحديث بقوله: ما أردت، أي: ما نويت بقولي البتة إلا واحدة؛ لأن أنت دالة على الخطاب لا غير، فلا يحتاج إلى نية، والنية جعلت لصرف اللفظ إلى أحد محتملاته، وإنما الاحتمال في النية ونحوها من الكنايات فقط، وقد صرح بأن النية إنما هي في الكناية فقط الماوردي (¬2) والروياني والبندنيجي، فَمَثَّل الماوردي اقتران النية بأول الباء من قولك بائن، وكذا من البتة (¬3). (فردها إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) بقوله: راجعتك إلى عصمتي ونحوه، واستدل به على أن الرد والإمساك صريحان في الرجعة وهو الأصح لقوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} (¬4) (فطلقها) الطلقة (الثانية في زمان ¬

_ (¬1) "مسند الشافعي" ص 268. (¬2) "الحاوي الكبير" 10/ 33. (¬3) انظر: "الحاوي" 10/ 159. (¬4) البقرة: 228.

عمر - رضي الله عنه - والثالثة في زمان) هذا هو الأصل، وزمن بحذف الألف مقصور منه (عثمان) - رضي الله عنه -. وفيه دليل على تفريق الثلاث لمن أرادها وهو المستحب؛ لأنها بالطلقة الأولى والثانية، قد تندم وترجع عمَّا كان سببًا لطلاقها. (قال المصنف: أوله) أي أول متن هذا الحديث (لفظ) رواية (إبراهيم وآخره لفظ) أحمد بن عمرو (ابن السرح) وهذا يدل على كثرة ضبط المصنف وشدة اعتنائه بألفاظ الحديث وتحريرها وكثرة ورعه. [2207] (وحدثنا محمد بن يونس النسائي) وهو ثقة (¬1) (أن عبد الله بن الزبير) الحميدي المكي شيخ البخاري. (عن محمد بن إدريس) الإمام الشافعي قال: (حدثني عمي محمد بن علي) بن شافع (عن) عبد الله بن علي (ابن السائب، عن نافع بن عجير) بن عبد يزيد بن ركانة (عن ركانة بن عبد يزيد) كما تقدم (بهذا الحديث) المذكور. [2208] (ثنا سليمان بن داود) أبو (¬2) الربيع (العتكي) شيخ الشيخين (ثنا جرير بن حازم، عن الزبير بن سعيد) الهاشمي من ولد الحارث بن عبد المطلب. (عن عبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة، عن أبيه، عن جده) ركانة رضي الله تعالى عنه (أنه طلق امرأته) سهيمة (البتة) منصوب على المصدر كما تقدم، أي: مقطوعة الوصل مأخوذ من البت وهو القطع ¬

_ (¬1) "الكاشف" 3/ 111. (¬2) كانت في النسخة: بن. والمثبت من المصادر.

من الزوج أو غيره، والبتة مصدر لا يستعمل إلا معرَّفًا باللام على الأصح، وهو مذهب سيبويه (¬1)، وجوز الفراء تنكيره. (فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم -) فأخبره (فقال) له: (ما أردت) بقولك: البتة؟ (قال: ) أردت طلقة (واحدة) فيه دليل على أن كنايات الطلاق يُرجَع فيها إلى نية الحالف وإرادة صاحبها، فإن أراد واحدة فواحدة، أو ثنتين فثنتان (¬2)، أو ثلاثًا فثلاث، والطلاق الواقع بالكناية رجعي ما لم يقع الثلاث، وهو قول الشافعي (¬3) وأحمد (¬4) في ظاهر المذهب عنده؛ لأنه طلاق صادف مدخولًا بها من غير عوض ولا استيفاء عدد، فوجب أن يكون رجعيًّا كصريح الطلاق، وقال أبو حنيفة: تطلق بائنًا لأنها تقتضي بينونة فتقع البينونة كقوله: أنت طالق ثلاثًا (¬5). قلت: ينبغي على قولكم أن تبين بثلاث؛ لأن المدخول بها لا تبين إلا بثلاث أو عوض، والحديث حجة للشافعي. (قال: آلله؟ ! قال: آلله) بمد الهمزة فيهما، وهي مفتوحة وجر الهاء وفتحها، ويجوز تسهيل الهمزة الثانية مع القصر، وأصله: والله، أو تالله بحرف القسم، فلما حذفوا حروف القسم عوضوا منه في اسم الله تعالى خاصة همزة الاستفهام، فقالوا: آلله لأفعلن. بالمد، وهاللهِ وتعويض ¬

_ (¬1) "الكتاب" 1/ 379. (¬2) في النسخة الخطية: فثنتين. (¬3) "الأم" 5/ 172. (¬4) انظر: "مسائل أحمد" برواية ابنه عبد الله (1345)، و"مسائل أحمد وإسحاق" برواية الكوسج (970، 971) ولكنه قال: أخشى أن يكون ثلاثًا. (¬5) انظر: "المبسوط" 6/ 21، و"البحر الرائق" 3/ 276.

ها (¬1) التي للتنبيه، وإذا حذف حرف القسم من الاسم المقسم به مذهبان أحدهما النصب وهو المشهور، والثاني الجر، وقرئ (ولا نَكتُم شهادةً أللهِ) (¬2) بتنوين شهادة وقطع همزة الله. قال أبو البقاء: ويُقرأ بوصل الهمزة والجر على القسم من غير تعويض ولا تنبيه (¬3) (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (هو) يعني طلاقك (على ما أردت) به إن واحدة فواحدة، وإن ثنتان فثنتان، وإن ثلاث فثلاث كما تقدم عن مذهب الشافعي. (قال المصنف: وهذا) الحديث (أصح) بالرفع (من حديث) عبد الملك (بن جريج) الذي تقدم فيه (أن ركانة) بن عبد يزيد (طلق امرأته) سهيمة (ثلاثًا؛ لأنهم) لأن الإمام الشافعي وعمه وعبد الله بن السائب ونافع بن عجير كلهم مُطَّلِبيون (أهل بيته وهم أعلم به) من غيرهم من الأحاديث، لا سيما وحديث ابن (¬4) جريج رواه عن بعض بني رافع عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل. (¬2) انظر: "المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات" ص 221. (¬3) "التبيان في إعراب القرآن" 1/ 468. (¬4) سقط من النسخة والمثبت هو الصواب.

15 - باب في الوسوسة بالطلاق

15 - باب فِي الوَسْوَسَةِ بِالطَّلاقِ 2209 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا هِشامٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ زُرارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ اللهَ تَجاوَزَ لأُمَّتِي عَمّا لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ وَبِما حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَها" (¬1). * * * باب في الوسوسة بالطلاق [2209] (ثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي (ثنا هشام) الدستوائي (عن قتادة، عن زرارة بن أبي أوفى) أبي حاجب الحرشي قاضي البصرة (عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن الله تجاوز لأمتي) أي: لم يؤاخذها، وظاهر الحديث أن هذا من خصائص هذِه الأمة تكريمًا لها وتشريفًا لنبيها بخلاف ما كان على الأمم التي قبلها من المؤاخذة بوساوس النفوس الذي لا طاقة لنا بالخلاص منه حتى قيل: إن أبا يزيد البسطامي أو غيره أقام عشرين سنة أو أكثر يجاهد نفسه حتى استطاع أن يصلي صلاة لا تحدثه نفسه فيها بشيء (عما) أي: عن كل ما (لم يتكلم به أو يعمل به) الإنسان مما خطر في نفسه وترك الكلام به أو العمل به أي: بما حدثته نفسه. وفي الحديث دليل على أن الطلاق لا يقع بحديث النفس بالطلاق ووسوستها به كما بوب عليه المصنف، وهو مذهب الشافعي (¬2) ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2528)، ومسلم (127). (¬2) "الأم" 5/ 377.

والجمهور، وقال الزهري: إذا عزم على ذلك وقع وإن لم يتلفظ به (¬1)، واتفقوا على أنَّ (¬2) العزم على الظهار لا يلزم به كفارة. والفاعل ضمير أحد، ويجوز أن يقرأ بالنون أي: نتكلم نحن به، أو ما نعمل (¬3)، وقد استدل بهذا الحديث بعضُهم على أن ما يهم به الإنسان وإن وطن نفسه على فعله لا يؤاخذ به، واستدل أيضًا بقوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} (¬4)، وزعم أن كل من لم يعمل بما عزم عليه ولا نطق به فلا يؤاخذ به، وهو متجاوز عنه. وأجاب القرطبي عن الآية بأن من الهم ما يؤاخذ به، وهو ما استقر واستوطن عزمه عليه، ومنه ما يكون أحاديث لا تستقر فلا يؤاخذ بها كما شهد له به الحديث. وأجاب عن قوله: "ما لم تعمل" أن توطين النفس عليه عمل فيؤاخذ به (¬5) (وبما حدثت به أنفسها) قال القرطبي: روايتنا بنصب أنفسها على أنه مفعول "حدثت"، وفي "حدثت" ضمير هو فاعل حدثت عائد على الأمة، وأهل اللغة يقولون: "أنفسها" بالرفع على أنه فاعل "حدثت"، يريدون: عما تحدثت به أنفسها بغير اختيار منهم، قاله الطحاوي (¬6). والمراد أن الإنسان لا يؤاخذ بالأحاديث الطارئة التي لا تستقر في النفس ولا يركن إليها. قال: وهذا نحو ما قاله القاضي أبو بكر - أظنه ¬

_ (¬1) انظر: "الأوسط" لابن المنذر 9/ 201. (¬2) سقط من النسخة، وإثباتها أحسن. (¬3) جاءت في الأصل بعد قوله: (وتشريفا لنبيها)، ووضعناها في مكانها المناسب. (¬4) يوسف: 24. (¬5) "المفهم" 1/ 341. (¬6) "شرح مشكل الآثار" 4/ 322.

الباقلاني - في قوله - عليه السلام - عن الله تعالى: "إذا هم عبدي بحسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعمل، فإذا عملها فأنا أكتبها له عشرًا، وإذا هم بسيئة فأنا أغفرها ما لم يعملها، فإذا عملها فأنا أكتبها له سيئة واحدة" (¬1). قال القاضي: إن الهم هنا ما يمر بالفكر من غير استقرار ولا توطين، فلو استمر ووطن قلبه عليه لكان ذلك هو العزم المؤاخذ به أو المثاب عليه، بدليل قوله - عليه السلام -: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار". قالوا: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: "إنه كان حريصًا على قتل صاحبه" (¬2). ولا يقال: هذِه المؤاخذة هنا إنما كانت لأنه قد عمل بما استقر في قلبه من حمله للسلاح عليه لا مجرد حرص القلب [لأنا نقول] (¬3) أن هذا فاسد؛ لأنه - عليه السلام - قد نص على ما وقعت المؤاخذة به [وأعرض عن غيره] (¬4) فقال: "إنه كان حريصًا على قتل صاحبه"، فلو كان حمل السلاح هو العلة لما سكت عنه وعلق المؤاخذة على غيره؛ لأن ذلك خلاف البيان الواجب عند الحاجة إليه. قال القرطبي: وهذا الذي صار إليه القاضي هو الذي عليه (¬5) عامة السلف وأهل العلم من الفقهاء والمحدثين فلا يلتفت لكلام غيره (¬6). ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (128) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنهم - بلفظ: "تحدث عبدي بأن يعمل" بدلا من "هم عبدي". (¬2) سيأتي برقم (4268). (¬3) و (¬4) بياض في الأصل. والمثبت من "المفهم". (¬5) من "المفهم". (¬6) "المفهم" 1/ 341.

16 - باب في الرجل يقول لامرأته: يا أختي

16 - باب فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لاِمْرَأَتِهِ: يا أُخْتِي 2210 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ ح وَحَدَّثَنا أَبُو كامِلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الواحِدِ وَخالِدٌ الطَّحّانُ - المَعْنَى - كُلُّهُمْ عَنْ خالِدٍ، عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ الهُجَيْمِيِّ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لامْرَأَتِهِ: يا أُخَيَّةُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أُخْتُكَ هِيَ". فَكَرِهَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ (¬1). 2211 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْراهِيمَ البَزّازُ، حَدَّثَنا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ السَّلامِ - يَعْنَي: ابن حَرْبٍ - عَنْ خالِدٍ الحَذّاءِ، عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ: "يا أُخَيَّةُ". فَنَهاهُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَواهُ عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ المُخْتارِ عَنْ خالِدٍ، عَنْ أَبِي عُثْمانَ، عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَرَواهُ شُعْبَةُ، عَنْ خالِدٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬2). 2212 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهّابِ، حَدَّثَنا هِشامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَّ إِبْراهِيمَ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَكْذِبْ قَطُّ إِلَّا ثَلاثًا: ثِنْتانِ فِي ذاتِ اللهِ تَعالَى: قَوْلُهُ: {إِنِّي سَقِيمٌ} وَقَوْلُهُ: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} وَبَيْنَما هُوَ يَسِيرُ فِي أَرْضِ جَبّارٍ مِنَ الجَبابِرَةِ إِذْ نَزَلَ مَنْزِلًا فَأُتِيَ الجَبّارُ فَقِيلَ لَهُ إِنَّهُ نَزَلَ ها هُنا رَجُلٌ مَعَهُ امْرَأَةٌ هِيَ أَحْسَنُ النّاسِ قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَيهِ فَسَأَلَهُ عَنْها فَقَالَ: إِنَّها أُخْتِي. فَلَمّا رَجَعَ إِلَيْها قَالَ: إِنَّ هذا سَأَلَنِي عَنْكِ فَأَنْبَأْتُهُ أَنَّكِ أُخْتِي وَإِنَّهُ لَيْسَ اليَوْمَ مُسْلِمٌ غَيْرِي وَغَيرُكِ وَإِنَّكِ أُخْتِي فِي كِتابِ اللهِ فَلا تُكَذِّبِينِي ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق في "مصنفه" (12595). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (383). (¬2) رواه البيهقي 7/ 366 من طريق المصنف. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (384).

عِنْدَهُ". وَساقَ الحَدِيثَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوى هذا الخَبَرَ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنادِ عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَهُ (¬1). 2229 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ البَزّازُ، حَدَّثَنا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ القَطّانُ، حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةَ ثابِتِ بْنِ قَيْسٍ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عِدَّتَها حَيْضَةً (¬2). قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وهذا الحَدِيثُ رَواهُ عَبْدُ الرَّزّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُرْسَلًا (¬3). 2230 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قَالَ: عِدَّةُ المُخْتَلِعَةِ حَيْضَةٌ (¬4). * * * باب في الرجل يقول لامرأته: يا أختي [2210] (ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد) بن سلمة (وثنا أبو كامل) فضيل بن الحسين الجحدري، روى عنه البخاري تعليقًا قال (حدثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي مولاهم البصري (وخالد) بن عبد الله الواسطي الطحان، اشترى نفسه من الله ثلاث مرات بوزن نفسه فضة (المعنى كلهم عن خالد) بن مهران الحذاء. (عن أبي تميمة) بفتح المثناة فوق، واسمه طريف بفتح الطاء المهملة ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3358)، ومسلم (2371). (¬2) رواه الترمذي (1185). وصححه الألباني "صحيح أبي داود" (1931). (¬3) رواه عبد الرزاق في "المصنف" (11858). (¬4) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (18777). وصححه الألباني "صحيح أبي داود" (1932).

ابن مجالد بضم الميم وتخفيف الجيم، أخرج له البخاري في الأدب (¬1) والأحكام (¬2)، وحديثه هذا مرسل؛ لأنه تابعي كما سيأتي (الهجيمي) بضم الهاء وفتح الجيم مصغر نسبة إلى محلة بالبصرة نزلها بنو الهجيم بن عمرو بن تميم بن (مُرِّ بن أُدٍّ) (¬3) بطن من تميم فنسب إليهم، والصحيح أن أبا تميمة تابعي يروي عن أبي هريرة وأبي موسى، قال في "الاستيعاب": وقد ذكر بعض من ألف في الصحابة أبا تميمة الهجيمي فغلط. وذكره العقيلي في كتابه في الصحابة، قيل لأبي تميمة: كيف أنت؟ قال: بين نعمتين: ذنب مستور وثناء بين الناس مشهور (¬4). (أن رجلًا قال لامرأته: يا أُخيَّة) بضم الهمزة وتشديد ياء التصغير أصله أُخيوة فالواو لام الفعل، فلما اجتمعت الياء والواو سبقت إحداهما بالسكون قلبت ياء وأدغمت في ياء التصغير ولحقته هاء التأنيث، ولم يقيد بهذِه التاء التي كانت في أخت التي يسميها النحاة بالإلحاق، كما (¬5) تقول في تصغير بنت: بنية (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أختُك هي؟ ) الظاهر أن فيه همزة الاستفهام التي للإنكار ثم حذفت للعلم بها، والتقدير في الأصل: أأختك هي؟ وحذف همزة الاستفهام كثير كما تقدم (فكره ذلك) من الزوج (ونهى عنه) نهي كراهة. قال بعضهم: معنى كراهة ذلك - والله أعلم - خوفًا عليه من شبهة التحريم، فإن من ¬

_ (¬1) حديث رقم (6003). (¬2) حديث رقم (7152). (¬3) بياض بالنسخة، والمثبت من "عجالة المبتدي" للحازمي. (¬4) "الاستيعاب" 4/ 180 - 181. (¬5) في الأصل: ولا. ولعل المثبت الصواب.

قال لزوجته: يا أختي، أو أنت أختي، أو أمي ممن يحرم عليه فهو بمنزلة من قال: أنت علي كظهر أمي. في التحريم إذا قصد ذلك، فأرشده النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنهي إلى اجتناب الألفاظ المشكلة التي يتطرق بها إلى تحريم المحللات، ولكن لا تحرم عليه بهذا اللفظ ولا يثبت بهذا حكم الظهار؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقل لَهُ: حَرُمَت عليك، ولأن هذا اللفظ ليس بصريح في الظهار ولا نواه به، فلا يثبت التحريم؛ ولأنَّ إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما أرسل إليه الجبار فسأله عنها يعني: عن زوجته سارة فقال: إنها أختي، ولم يعد ذلك ظهارًا كما سيأتي، ولأن الزوج نوى بقوله: أخية ما نواه إبراهيم من أخوة الدين فلا يضره شيء عن جماعة العلماء. [2211] (ثنا محمد بن إبراهيم البزاز) بزاءين معجمتين (ثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين الملائي, (ثنا عبد السلام يعني: ابن حرب) الملائي، سكن الكوفة، أخرج له البخاري في المغازي والطلاق (¬1) (عن خالد الحذاء، عن أبي تميمة) طريف بن مجالد الهجيمي. (عن رجل من قومه، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلًا يقول لامرأته: يا أخية، فنهاه) نهي كراهة، وقد استدل به على الكراهة دون التحريم كما تقدم. قال المنذري: وذكر أبو داود ما يدل على اضطرابه (¬2). (قال المصنف: ورواه عبد العزيز بن المختار) البصري (¬3) الدباغ (عن ¬

_ (¬1) "التعديل والتجريح لمن خرج له البخاري" (985). (¬2) "مختصر سنن أبي داود" 3/ 136. (¬3) في النسخة: المصري، والمثبت من "التهذيب" وغيره.

خالد) الحذاء (عن أبي عثمان) عبد الرحمن ملٍّ (¬1) النهدي (عن أبي تميمة، عن النبي) بنحو ما تقدم. (ورواه شعبة، عن خالد) الحذاء (عن رجل، عن أبي تميمة) أيضًا. [2212] (ثنا محمد بن المثنى) بن عبيد بن قيس العنزي (ثنا عبد الوهاب، ثنا هشام) بن حسان القُردوسي، والقراديس من الأزد (عن محمد) بن سيرين. (عن أبي هريرة، عن النبي: أن إبراهيم) الخليل عليه الصلاة والسلام (لم يكذب قط إلا ثلاثًا) أي: ثلاث كذبات، ذكر مسلم في كتاب الإيمان أنها أربعًا (¬2)، وزيد في هذِه الثلاثة قوله للكوكب: هذا ربي. ولم يذكرها في هذا الحديث مع أنه قد جاء بلفظ الحصر، فينبغي أن لا يقال عليها كذبة في حق إبراهيم إذ قد نفاها الرسول - عليه السلام - بهذا الحصر، وإنما لم تعد عليه كذبة وهي أدخل في الكذب من هذِه الثلاث؛ لأنه والله أعلم كان حين قال ذلك في حال الطفولية وليست حال تكليف (¬3) (ثنتان) منهما، هكذا جاءت الرواية بالرفع على تقدير الحذف، أي: منهما ثنتان فيكون مبتدأ وخبر، ورواية الصحيحين: "ثنتين" (¬4) بالنصب بدل ¬

_ (¬1) في النسخة الخطية: مؤمل. وهو خطأ. راجع "التهذيب" 17/ 425. (¬2) ليس في "صحيح مسلم" ولا غيره لفظ: أربع كذبات، والذي فيه أن الراوي ذكر شيئًا مكان آخر، ورجح الحافظ أنه وهم من بعض الرواة. راجع "الفتح" 6/ 391. (¬3) الصواب أن قوله: {هَذَا رَبِّي} استفهام إنكار، أو هو من باب المحاجة. أما قول الشارح إن إبراهيم - عليه السلام - كان صغيرًا حين قال ذلك فذلك مردود، فإن الأنبياء عليهم السلام لم يشكوا قط ولا كفروا قبل البعثة ولا بعدها. والأدلة على ذلك كثيرة. (¬4) "صحيح البخاري" (3358)، و"صحيح مسلم" (2371).

من ثلاث (في ذات الله) أي: في حق ذات الله ودفع كل آلهة سوى الله تعالى، وبيان الحجة على أن المستحق للإلهية هو الله تعالى لا غيره، وفيه دليل جواز إطلاق لفظ الذات على وجود الله، وفيه رد على بعض المتكلمين، وواحدة في شأن سارة. (قوله: {إِنِّي سَقِيمٌ}) (¬1) هذا اعتذار عما دعوه إليه من الخروج معهم بأنه سقيم، فورى بهذا اللفظ وهو يريد خلاف ما فهموا عنه حتى يخلو بالأصنام فيكسرها، وتأويل قوله {إِنِّي سَقِيمٌ} أي: ما سأسقم فإن ابن آدم عرضة للأسقام (وقوله: {بَلْ فَعَلَهُ}) قال هذا لما احتج بأنه سقيم ويخلو عنهم فكسر الأصنام وترك كبيرها لينسب إليه كسرها في الظاهر، فلما قال هذا القول قطعهم به فإنهم لما رجعوا من عيدهم وجدوا الأصنام مكسورة {قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ} (¬2) فقال بعضهم: {سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} (¬3) وكان هذا الذكر قول إبراهيم {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} (¬4) فلما أحضروه قالوا: من فعل هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟ فأجابهم بقوله: {بَلْ فَعَلَهُ}. قال ابن قتيبة وطائفة: جعل النطق شرطًا لفعل كبيرهم، أي: فعله كبيرهم إن كان ينطق (¬5). ¬

_ (¬1) الصافات: 59. (¬2) الأنبياء: 59. (¬3) الأنبياء: 60. (¬4) الأنبياء: 57. (¬5) "تأويل مختلف الحديث" ص 86.

وقال الكسائي: توقف عند قوله: {فَعَلَهُ} أي: فاعله فأضمره ثم يبتدئ فيقول: ({كَبِيرُهُمْ هَذَا}) {فَاسْأَلُوهُمْ} عَن ذلك الفاعل {إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} (¬1) قال النووي: وذهب الأكثرون إلى أنها على ظاهرها وجوابها ما سبق (¬2) (وبينما هو) يعني: إبراهيم، ولم يذكر زوجته؛ لأنها تابعة له والحكم للمتبوع لا للتابع (يسير في أرض جبار من الجبابرة) الجبار هو الذي يُجبِرُ الناس على فعلِ ما أراد فعله، يقال: جبره السلطان وأجبره على الشيء، قال بعض المفسرين عند قوله تعالى {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} (¬3) إنَّ الثلاثي لغة حكاها الفراء وغيره، واستشهد لصحتها بما معناه أنه لا يُبنَى فَعَّال إلا من فعل ثلاثي نحو الفتاح والعلام ولم يجئ من أفعل (¬4) (إذ نزل) بفتح الزاي (فأتي) بضم الهمزة وكسر التاء (الجبار) قيل: اسمه صادوق، وهو ملك الأردن، وقيل: هو سنان بن علوان، وقيل: هو عمرو بن امرئ القيس، وكان على مصر (فقيل له: إنه نزل) بأرضك (ها هنا) قال الكرماني: قيل: كان ملك حَرَّان بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء (¬5). قال البكري: هي كورة من كور ديار مضر، سميت بحران بن آزر أخي إبراهيم - عليه السلام - (¬6) (رجل معه امرأة هي أحسن الناس) وكانت أحسن الموجودين في زمانها ¬

_ (¬1) الأنبياء: 63. (¬2) انظر: "شرح النووي على مسلم" 15/ 125. (¬3) ق: 45. (¬4) "معاني القرآن" 3/ 81. (¬5) "صحيح البخاري بشرح الكرماني" 14/ 16. (¬6) "معجم ما استعجم" 2/ 435.

كما قيل، وهي سارة أم إسحاق وهو أصغر من إسماعيل بأربع عشرة سنة. (قال: فأرسل) الملك (إليه) فأتاه (فسأله عنها فقال: إنها أختي) فإن قيل: ما فائدة القول بأنها أخته والحال أن الجبار يأخذها سواء كانت أخته أو زوجته أو أجنبية؟ فالجواب: أن هذا الجبار كان من عادته وسيرته أن لا يتعرض إلا لذوات الأزواج غير الإخوان، وهذا مساق الحديث، وإلا فما الذي فرق بينهما في حق جبار عنيد ظالم، وهذِه الواحدة أيضًا في ذات الله لأنها بسبب دفع كافر ظالم عن مواقعة فاحشة عظيمة لا سيما زوجات الأنبياء (فلما رجع) من عنده (إليها قال) لها: (إن هذا) الظالم الجبار (سألني عنك فأنبأته أنك أختي) قيل: خاف أن يقول زوجتي فيكرهه على طلاقها، أو يقصد قتله ليتزوجها بعده (وإنه) أي: إن الشأن والقصة (ليس) يوجد على ظهر الأرض (اليوم مسلم غيري وغيرك) بالرفع نعت لما قبله (وإنك أختي في كتاب الله) أي دين الله وحكمه كما في الحديث: "لأقضين بينكما بكتاب الله" (¬1) أي بحكمه، ولم يرد القرآن؛ لأن النفي والرجم لا ذكر لهما في كتاب الله، ومنه الحديث: "من اشترط شرطًا ليس في كتاب الله" (¬2) (فلا تكذبيني) بكسر الذال المشددة (عنده) وفي الحديث أن من قال لامرأته: يا أختي أو أنت بنتي ولا يريد بذلك طلاقها لا يكون طلاقًا كما تقدم، وفي هذا ما يدل على جواز المعاريض والحيل في التخلص من الظلمة. ¬

_ (¬1) هو جزء من حديث رواه البخاري (2695)، ومسلم (1697). (¬2) هو جزء من حديث رواه البخاري (456)، ومسلم (1504).

قال القرطبي: بل نقول: إنه إذا لم يخلص من الظالم إلا بالكذب الصريح جاز له أن يكذب، بل قد يجب في بعض الصور بالاتفاق ككذبة تنجي عبدًا صالحًا، وهو يريد قتله أو إنجاءُ أحدٍ من المسلمين من عدوهم (¬1)، انتهى. وفي قوله: "لا تكذبيني عنده" دليل على أن من علم أنه كذب أو أتى بشيء من المعاريض لخلاصه من ظالم يريد قتله أو يريد أخذ وديعة عنده فلم يصدقه، وسأل غيره أن يكذب الآخر فيعرض ولا يكذبه فيكون تكذيبه سببًا لهلاكه (وساق الحديث) المذكور في الصحيحين وغيرهما. (قال المصنف: روى) بفتح الراء والواو (هذا الخبر شعيب بن أبي حمزة) بفتح الحاء المهملة والزاي المعجمة واسمه دينار القرشي الأموي (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان مولى بني أمية (عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحوه) على ما تقدم. [2229] (حدثنا محمد بن عبد الرحيم البزاز، ثنا علي بن بحر) بفتح الباء الموحدة وسكون الحاء المهملة البري قال ابن الأثير: بتشديد الراء فيه نظر، وقد وثقوه (القطان، ثنا هشام بن يوسف) قاضي صنعاء، أخرج له البخاري (عن معمر، عن عمرو بن مسلم) الجندي (¬2) بفتح الجيم والنون نسبة إلى الجند بلدة مشهورة باليمن، خرج منها جماعة، وأخرج له مسلم. (عن عكرمة، عن ابن عباس: أن امرأة ثابت بن قيس) بن شماس، واسمها حبيبة بنت سهل - كما سيأتي في كلام المصنف في الخلع - ¬

_ (¬1) "المفهم" 6/ 186. (¬2) سقطت من النسخة الخطية والمثبت من "المصادر".

الأنصارية، قال الذهبي: وورد أيضًا أن جميلة بنت أُبِيٍّ اختلعت من ثابت فجائز أن تكون المرأتين اختلعتا (اختلعت) نفسها (منه) روى [أبو يعلى] (¬1) في "المعرفة" في آخر الحديث أنه أول خلع في الإسلام. (فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - عدتها) منه (حيضة) لفظ الترمذي: فأمرها النبي أن تعتد بحيضة، وقال: حديث حسن غريب (¬2). واستدل به [ابن] المنذر من أصحابنا أن عدة المختلعة بحيضة، ورواه ابن القاسم عن أحمد، وقال الترمذي: إن ذهب إلى هذا فهو قوي، وهو مروي عن عثمان بن عفان وابن عمر وأبان بن عثمان وإسحاق والجمهور على أن عدة المختلعة كعدة المطلقة (¬3)؛ لقوله تعالى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (¬4)؛ لأنها فرقة بعد الدخول في الحياة، فكانت ثلاثة قروء كغير الخلع، وأجابوا عن حديث الباب بأنه حديث عكرمة رواه مرسلًا وضعفه جماعة. (قال المصنف: وهذا الحديث رواه عبد الرزاق، عن معمر، عن عمرو بن مسلم) المذكور قبله (عن عكرمة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا) كما تقدم، وذكره الترمذي مسندًا. [2230] (ثنا) عبد الله بن مسلمة (القعنبي، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر) رضي الله عنهما (قال: عدة المختلعة حيضة) فيه حجة أيضًا لما ¬

_ (¬1) كذا في النسخة، ولعله يعني أبا نعيم، ولم أقف عليها في "الإرشاد في معرفة علماء البلاد" لأبي يعلى، وهو من "معرفة الصحابة" (7569). (¬2) انظر: "سنن الترمذي" 3/ 492. (¬3) "سنن الترمذي" 3/ 492، و"الأوسط" لابن المنذر 9/ 543 - 544. (¬4) البقرة: 228.

قال به ابن المنذر وغيره. وأجيب بأن قول ابن عباس قد خالفه قول عمر وعلي؛ فإنهما قالا: عدتها ثلاث حيض، وقولهما أولى، وأما قول ابن عمر هنا فقد روى مالك، عن نافع عنه أنه قال: عدة المختلعة عدة المطلقة (¬1)، وفي "موطأ مالك" أنه بلغه عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أنهم كانوا يقولون: عدة المختلعة ثلاثة قروء (¬2). ¬

_ (¬1) هاتان الروايتان ظاهرهما التناقض وليس كذلك، فإن ابن عمر - رضي الله عنه - كان يقول بأن عدة المختلعة هي عدة المطلقة ثم قال بالقول الآخر لما رأى عثمان - رضي الله عنه - يفتي به. (¬2) "موطأ مالك" 2/ 443.

17 - باب في الظهار

17 - باب فِي الظِّهارِ 2213 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ - المَعْنَى - قالا: حَدَّثَنا ابن إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطاءٍ - قَالَ ابن العَلاءِ ابن عَلْقَمَةَ بْنِ عَيّاشٍ - عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ يَسارٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ - قَالَ ابن العَلاءِ البَياضِيِّ - قَالَ: كُنْتُ امْرَأً أُصِيبُ مِنَ النِّساءِ ما لا يُصِيبُ غَيْرِي فَلَمّا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضانَ خِفْت أَنْ أُصِيبَ مِنَ امْرَأَتِي شَيْئًا يُتابَعُ بِي حَتَّى أُصْبِحَ فَظاهَرْتُ مِنْها حَتَّى يَنْسَلِخَ شَهْرُ رَمَضانَ فَبَيْنَما هِيَ تَخْدُمُنَي ذاتَ لَيْلَةٍ إِذْ تَكَشَّفَ لي مِنْها شَئ فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ نَزَوْتُ عَلَيْها فَلَمّا أَصْبَحْتُ خَرَجْتُ إِلَى قَوْمي فَأَخْبَرْتُهُمُ الخَبَرَ، وَقُلْتُ: امْشُوا مَعِي إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قالُوا: لا والله. فانْطَلَقْتُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: "أَنْتَ بِذاكَ يا سَلَمَةُ". قُلْتُ: أَنا بِذاكَ يا رَسُولَ اللهِ - مَرَّتَيْنِ - وَأَنا صابِرٌ لأَمْرِ اللهِ فاحْكُمْ فِيَّ ما أَراكَ اللهُ. قَالَ: "حَرِّرْ رَقَبَةً". قُلْتُ: والَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ ما أَمْلِكُ رَقَبَةً غَيْرَها وَضَرَبْتُ صَفْحَةَ رَقَبَتَي قَالَ: "فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ". قَالَ: وَهَلْ أُصِبْتُ الذِي أُصِبْتُ إِلَّا مِنَ الصِّيامِ. قَالَ: "فَأَطْعِمْ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ بَيْنَ سِتِّينَ مِسْكِينًا". قُلْتُ: والَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لَقَدْ بِتْنا وَحْشَيْنِ ما لَنا طَعامٌ. قَالَ: "فانْطَلِقْ إِلَى صاحِبِ صَدَقَةِ بَنِي زُرَيْقٍ فَلْيَدْفَعْها إِلَيْكَ فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ وَكُلْ أَنْتَ وَعِيالُكَ بَقِيَّتَها". فَرَجَعْتُ إِلَى قَوْمِي فَقُلْتُ: وَجَدْتُ عِنْدَكُمُ الضِّيقَ وَسُوءَ الرَّأي وَوَجَدْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - السَّعَةَ وَحُسْنَ الرَّأي وَقَدْ أَمَرَنِي - أَوْ أَمَرَ لِي - بِصَدَقَتِكُمْ. زادَ ابن العَلاءِ: قَالَ ابن إِدْرِيسَ: بَياضَة بَطْنٌ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ (¬1). 2214 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنا ابن إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَنْظَلَةَ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3299)، وابن ماجه (2062). وصححه الألباني في "الإرواء" (2091).

سَلامٍ، عَنْ خُوَيْلَةَ بِنْتِ مالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ قَالَتْ: ظاهَرَ مِنِّي زَوْجِي أَوْسُ بْنُ الصّامِتِ فَجِئْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَشْكُو إِلَيْهِ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُجادِلُنِي فِيهِ وَيَقُولُ: "اتَّقِي اللهَ فَإِنَّهُ ابن عَمِّكِ". فَما بَرِحْتُ حَتَّى نَزَلَ القُرْآنُ {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} إِلَى الفَرْضِ فَقَالَ: "يُعْتِقُ رَقَبَةً". قَالَتْ: لا يَجِدُ قَالَ: "فَيَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ". قَالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ ما بِهِ مِنْ صِيامٍ. قَالَ: "فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا". قَالَتْ: ما عِنْدَهُ مِنْ شَيء يَتَصَدَّقُ بِهِ قَالَتْ: فَأُتِي ساعَتَئِذٍ بِعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ فَإِنِّي أُعِينُهُ بِعَرَقٍ آخَرَ. قَالَ: "قَدْ أَحْسَنْتِ اذْهَبِي فَأَطْعِمِي بِها عَنْهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا وارْجِعِي إِلَى ابن عَمِّكِ". قَالَ: والعَرَقُ سِتُّونَ صاعًا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: فِي هذا إِنَّها كَفَّرَتْ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَسْتَأْمِرَهُ. وقَالَ أَبُو دَاوُدَ: وهذا أَخُو عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ (¬1). 2215 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ يَحْيَى أَبُو الأَصْبَغِ الحَرّانِيُّ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ ابن إِسْحاقَ بهذا الإِسْنادِ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: والعَرَقُ مِكْتَلٌ يَسَعُ ثَلاثِينَ صاعًا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وهذا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ آدَمَ (¬2). 2216 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا أَبانُ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: يَعْنِي بِالعَرَقِ زَنْبِيلًا يَأْخُذُ خَمْسَةَ عَشَرَ صاعًا (¬3). 2217 - حَدَّثَنا ابن السَّرْحِ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ أَخْبَرَنِي ابن لَهِيعَةَ وَعَمْرُو بْنُ الحارِثِ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ يَسارٍ بهذا الخَبَرِ، قَالَ: فَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 410، وإسحاق بن راهويه (2208)، وابن حبان (4279). وصححه الألباني بشواهده في "الإرواء" (2087). (¬2) رواه ابن الجارود (746)، والطبراني 1/ 225 (616)، والبيهقي 7/ 389. وصححه الألباني بشواهده في "الإرواء" (2087). (¬3) رواه الطبراني 7/ 42 (6329). وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (1919) صحيح مرسل.

- صلى الله عليه وسلم - بِتَمْرٍ فَأَعْطاهُ إِيّاهُ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ صاعًا قَالَ: "تَصَدَّقْ بهذا" قَالَ: فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ عَلَى أَفْقَرَ مِنِّي وَمِنْ أَهْلِي فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كُلْهُ أَنْتَ وَأَهْلُكَ" (¬1). 2218 - قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ وَزِيرٍ المِصْرِيِّ قُلْتُ لَهُ: حَدَّثَكُمْ بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، حَدَّثَنا الأَوْزاعِيُّ، حَدَّثَنا عَطاءٌ عَنْ أَوْسٍ أَخِي عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَعْطاهُ خَمْسَةَ عَشَرَ صاعًا مِنْ شَعِيرٍ إِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَعَطاءٌ لَمْ يُدْرِكْ أَوْسًا وَهُوَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ قَدِيمُ المَوْتِ والحَدِيثُ مُرْسَلٌ وَإِنَّما رَوَوْهُ عَنِ الأَوْزاعِيِّ، عَنْ عَطاءٍ أَنَّ أَوْسًا (¬2). 2219 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ جَمِيلَةَ كَانَتْ تَحْتَ أَوْسِ بْنِ الصّامِتِ وَكَانَ رَجُلًا بِهِ لَمَمٌ فَكَانَ إِذَا اشْتَدَّ لَمَمُهُ ظاهَرَ مِنَ امْرَأَتِهِ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعالَى فِيهِ كَفّارَةَ الظِّهارِ (¬3). 2220 - حَدَّثَنا هارُونُ بْن عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الفَضْلِ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ (¬4). 2221 - حَدَّثَنا إِسْحاقُ بْنُ إِسْماعِيلَ الطّالقانِيُّ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، حَدَّثَنا الحَكَمُ بْنُ أَبانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ رَجُلًا ظَاهَرَ مِنَ امْرَأَتِهِ ثُمَّ واقَعَها قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: "ما حَمَلَكَ عَلَى ما صَنَعْتَ". قَالَ: رَأَيْتُ بَياضَ ساقَيْها فِي القَمَرِ. ¬

_ (¬1) رواه ابن الجارود (745). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1920) (¬2) رواه البيهقي 7/ 392 من طريق المصنف. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1921). (¬3) رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2880) عن هشام عن أبيه. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (1922) مرسل صحيح الإسناد. (¬4) رواه ابن شبة في "تاريخ المدينة" 2/ 398، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (7563)، والحاكم 2/ 482. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1923).

قَالَ: "فاعْتَزِلْها حَتَّى تُكَفِّرَ عَنْكَ" (¬1). 2222 - حَدَّثَنا الزَّعْفَرانِيُّ، حَدَّثَنا سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الحَكَمِ بْنِ أَبانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ رَجُلًا ظَاهَرَ مِنَ امْرَأَتِهِ فَرَأى بَرِيقَ ساقِها في القَمَرِ فَوَقَعَ عَلَيها فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَمَرَهُ أَنْ يُكَفِّرَ (¬2). 2223 - حَدَّثَنا زِيادُ بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ، حَدَّثَنا الحَكَمُ بْنُ أَبانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَهُ وَلَمْ يَذْكُرِ السّاقَ (¬3). 2224 - حَدَّثَنا أَبُو كامِلٍ أَنَّ عَبْدَ العَزِيزِ بْنَ المُخْتارِ حَدَّثَهُمْ، حَدَّثَنا خالِدٌ حَدَّثَنِي مُحَدِّثٌ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِنَحْوِ حَدِيثِ سُفْيانَ (¬4). 2225 - قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عِيسَى يُحَدِّثُ بِهِ، حَدَّثَنا المُعْتَمِرُ قَالَ: سَمِعْتُ الحَكَمَ بْنَ أَبانَ يُحَدِّثُ بهذا الحَدِيثِ وَلَمْ يَذْكُرِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ، عَنْ عِكْرِمَةَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَتَبَ إِلَى الحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ قَالَ: أَخْبَرَنا الفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الحَكَمِ بْنِ أَبانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ بِمَعْناهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬5). * * * باب في الظهار [2213] (ثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء المعنى قالا: ثنا) ¬

_ (¬1) رواه النسائي 6/ 167. قال الألباني في "صحيح أبي داود" (1924): صحيح مرسل. (¬2) لم أقف عليه - بلفظه - عند غير المصنف. والكلام في سنده كباقي الروايات: الحكم بن أبان ضعيف ولكنه حسن بشواهده. (¬3) رواه النسائي 6/ 167. وصححه الألباني بشواهده في "صحيح أبي داود" (1925). (¬4) صححه الألباني بشواهده في "صحيح أبي داود" (1926). (¬5) رواه النسائي 6/ 167. وصححه الألباني بشواهده في "صحيح أبي داود" (1926).

عبد الله (ابن إدريس) بن يزيد الأودي الكوفي (عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن عمرو بن عطاء) بن عباس بن علقمة القرشي العامري (قال) محمد (بن العلاء) في روايته: فوقع في نسبه فقال: هو محمد بن عمرو بن عطاء بن علقمة بن عباس. (عن سليمان بن يسار، عن سلمة بن صخر قال) محمد (ابن العلاء) هو سلمة بن صخر بن سليمان الخزرجي، ودعوتهم في بني بياضة، فلهذا يقال له (البياضي) قال في "الاستيعاب": يقال سلمان بن صخر وسلمة أصح، وهو أحد البكائين (¬1). قال أبو القاسم البغوي: لا أعلم لسلمة بن صخر حديثًا مسندًا غير هذا الحديث (¬2). وقال الترمذي عن البخاري: سليمان بن يسار لم يسمع عندي من سلمة بن صخر (¬3). (قال: كنت امرَأً أصيب من النساء ما لا يصيب غيري) ولفظ ابن ماجه: كنت امرأً أستكثر من النساء لا أرى رجلًا كان يصيب من ذلك ما أصيب (¬4)، وفيه أنه كان كثير الجماع، ويقال: إن كثرة جماع الرجل يدل على التقوى، فإن غير المتقي إذا مرت به امرأة أو مر بها ينظر إليها ويأخذ حظه من النظر إليها، وأما المتقي فإذا بدت له امرأة غض بصره عنها، وكذا في الثانية والثالثة فيجتمع كثرة غضه عن المحارم في قلبه شيء من التوقان فإذا أتى عند أهله أزال ما اجتمع عنده بكثرة ¬

_ (¬1) "الاستيعاب" 2/ 201. (¬2) "معجم الصحابة" (1022). (¬3) "سنن الترمذي" 5/ 379. (¬4) "سنن ابن ماجه" (2062).

جماع أهله (فلما دخل شهر رمضان خفت أن أصيب من امرأتي شيئًا يُتَابَعُ) بضم المثناة تحت وتخفيف المثناة فوق وبعد الألف موحدة (¬1) تحت مفتوحة، والتتابع الوقوع في الشر والتهافت عليه من غير فكرة ولا روية، ولا يكون في الخير، وفي الحديث: "لا تتابعوا في الكذب كما يتتابع الفراش في النار" (¬2) والسكران يتتابع، أي: بنفسه (بي حتى أصبح) بضم الهمزة وكسر الموحدة، وفيه حرص الآدمي على نفسه من الوقوع في منهي عنه، وتوَقِّي ما يخاف منه، ولعل هذا الذي خاف منه هو ما كان في أول الإسلام كما في البخاري (¬3): لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله، وكان رجال يخونون أنفسهم، فأنزل الله {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} (¬4). قال ابن الأثير: وفي رواية الترمذي قال: كنت رجلًا أوتيت من جماع النساء ما لم يؤت غيري، فلما دخل رمضان ظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ رمضان فرقًا من أن أصيب منها في ليلتي فأتتابع في ذلك إلى أن يدركني النهار وأنا لا أقدر أن أنزع (¬5). ولم أجد هذا في النكاح ولا في التفسير منه (¬6) (فظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان) استدل به الرافعي على صحة تعليق الظهار (¬7) وتعقبه ابن الرفعة بأن الذي في ¬

_ (¬1) في الأصل: مثناة، والصواب ما أثبتناه. (¬2) رواه أحمد 6/ 454، والطبراني في "الكبير" 24/ 164. (¬3) "صحيح البخاري" (4508) من حديث البراء - رضي الله عنه -. (¬4) البقرة: 187. (¬5) "جامع الأصول" 7/ 647. (¬6) بل هو في كتاب التفسير، في تفسير سورة المجادلة، برقم (3299). (¬7) "الشرح الكبير" 9/ 260.

السنن لا حجة فيه على جواز التعليق، وإنما هو ظهار مؤقت لا معلق (¬1). قال ابن حجر: واللفظ المذكور في البيهقي يعني: أن سلمة بن صخر جعل امرأته على نفسه كظهر أمه إن غشيها حتى ينصرف رمضان يشهد لما قاله الرافعي (¬2) (فبينا) وفي رواية: فبينما. بزيادة الميم (هي تخدمني ذات ليلة) فيه دليل على خدمة المرأة زوجها وهو عند الشافعي مستحب وليس بواجب (¬3) (إذ تكشف لي منها شيء) لعل هذا الذي رآه ما جاء في رواية الترمذي عن ابن عباس، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما حملك على ذلك يرحمك الله؟ " قال: رأيت خلخالها في ضوء القمر (¬4). وللبزار عن ابن عباس أيضًا أني ظاهرت من امرأتي رأيت ساقها في القمر فواقعتها (¬5)، وسيأتي (فلم ألبث) بفتح الموحدة (أن نزوت عليها) بفتح النون والزاي وسكون الواو، أي: وثبت إلى جماعها، وفي الحديث: ألا تأمرنا أن نُنْزِيَ الحمر على الخيل؟ (¬6)، أي: نحملها عليها للنسل، وقد يكون في الأجسام والمعاني، وفي الحديث: "انترى على القضاء فقضى بغير علم" (¬7) (فلما أصبحت خرجت) فيه جواز تأخير السؤال عما يحتاج إليه من الأحكام إذا كان لخوف أو عدو أو ¬

_ (¬1) "التلخيص الحبير" 3/ 444. (¬2) "التلخيص الحبير" 3/ 444 - 445. (¬3) انظر: "البيان" 9/ 508. (¬4) الترمذي (1199). (¬5) "مسند البزار" (4797). (¬6) سبق برقم (808) من حديث ابن عباس بلفظ: أمرنا ألا ننزي الحمار على الفرس. (¬7) ذكره ابن الأثير في "جامع الأصول" 10/ 167 وعزاه إلى رزين، وانظر: "النهاية" (نزا).

نحوه (إلى قومي فأخبرتهم الخبر) ولابن ماجه: غدوت على قومي وأخبرتهم خبري، وقلت لهم: سلوا لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). (وقلت: امشوا) بوصل الهمزة (معي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فيه استعانة الآدمي بإخوانه في أموره المهمة؛ فإن هذِه الأمة كالبنيان يشد بعضهم بعضًا، وإن هذا من قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (¬2)، وفيه أنه إذا أراد إخوانه أن يمشوا معه في حاجته أن يذكر لهم قضيته قبل أن يطلب منهم المشي معه ليعرفوا ما يذهبون إليه ولا يطالبهم أن يمشوا معه ويساعدوه قبل أن يعرفوا قضيته، وفيه جواز ذكر الإنسان ما يكون من إصابته أهله إذا كان لحاجة لا يكون هذا من كشف ستر المرأة، ويكون الحديث المتقدم من حديث الطفاوي عن أبي هريرة في باب: ما يكره من ذكر الرجل ما يكون من إصابته أهله (¬3). مخصوص كما إذا كان لغير حاجة (قالوا: لا والله) فيه جواز القسم لتأكيد الكلام وإن لم يطلب منه، ولابن ماجه: فقالوا: ما كنا لنفعل إذًا ينزل الله فينا كتابًا، أو يكون فينا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قول فيبقى علينا عاره، ولكن سوف نسلمك بخزيتك (¬4) اذهب أنت فاذكر شأنك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬5). (فانطلقت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته فقال: أنت بذاك يا سلمة) معناه: أنت الملم بذاك الفعل، وأنت المرتكب له (قلت: أنا الملم بذاك) الفعل ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (2062). (¬2) المائدة: 2. (¬3) سبق برقم (2174). (¬4) في "السنن": بجريرتك. (¬5) ابن ماجه (2062).

(يا رسول الله مرتين) الظاهر أن مرتين متعلق بالمحذوف، أي: أنا الملم بذلك الفعل مرتين، وأخبر بالوطء مرتين لاحتمال تعدد الكفارة بتعدد الوطء في وقتهن وليعلم ما يجب بالوطأة الثانية، وهذا أولى من تعلق مرتين بالقول ويكون التقدير: قلت له هذا القول مرتين (وأنا صابر لأمر الله) تعالى أي: لما يقضي الله به علي، ولفظ ابن ماجه: وها أنا يا رسول الله صابر لحكم الله علي. (فاحكم فيَّ ما أراك الله) معناه: على قوانين الشرع إما بوحي ونص أو بنظر جارٍ على سنن الوحي، وهذا أصل في القياس، وفيه دليل على أنه - عليه السلام - كان يجتهد فيما لا نص فيه عنده من الحوادث وهي مسألة خلاف في أصول الفقه، وهذا الحديث والآية حجة للجواز، وأن الاجتهاد في الأحكام منصب كمال، فلا ينبغي أن يفوته - عليه السلام -، وقد دل على وقوعه منه - عليه السلام -: "لو قلت نعم لوجبت" (¬1) وحجة المانعين {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (¬2) وعلى القول بجواز الاجتهاد له، هل يقع منه الخطأ؟ والصواب أنه إن رأى شكًّا كان صوابًا؛ لأن الله تعالى أراه ذلك، وقد تضمن الله لأنبيائه العصمة، وأما أحدُنا إذا رأى شيئًا فظنه فلا قطع فيما رآه، ولم يرد به رؤية العين في الحديث ولا الآية؛ لأن الحُكم لا يرى بالعين. (قال: حرر) لفظ ابن ماجه قال: "أعتق" (رقبة) هو موافق لقوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} (¬3)، وهذِه الرقبة مؤمنة؛ لأنها مقيدة في كفارة ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1337)، وأصله في "صحيح البخاري" أيضًا. (¬2) النجم: 4. (¬3) المجادلة: 3.

قتل (¬1) الخطأ بالإيمان، وهذا مما حمل فيه المطلق على المقيد كما أطلق الشهادة في موضعين في النور وقيدها في المائدة والطلاق. واختار ابن المنذر عدمَ شرط الإيمان، قال: لأنهم لم يجعلوا حكم أمهات النساء حكم الربائب، بل قالوا: لكل آية حكمها فما أطلقه الله فهو مطلق (¬2). والمذهب اشتراط الإيمان في جميع الكفارات (¬3). وفي قوله في الحديث: "حرر رقبة" دليل على أن المظاهر إذا جامع امرأته مرتين أو ثلاثًا أو أكثر ليس عليه إلا كفارة واحدة كما أن المجامع في رمضان وإن كرر الجماع ليس عليه إلا كفارة واحدة؛ لأنَّ سلمة وطئ مرتين ولم يأمره إلا برقبة، وفيه رد على ما روي عن عمرو بن العاص أنَّ عليه كفارتين؛ لأن الوطء يوجب كفارة، والظهار يوجب أخرى (¬4). وروي عن قبيصة وسعيد بن جبير والزهري (¬5). أو حلف أن لا يفعل شيئًا وكرر اليمين وفعل المحلوف عليه ليس عليه إلا كفارة واحدة (¬6) (قلت: والذي بعثك بالحق ما) أصبحت (أملك رقبة غيرها) أي: لا أملك التصرف إلا في رقبة نفسي (وضربت صفحة) أي: جانب (رقبتي) وكل شيء عريض: صفحة. (قال: فصم شهرين متتابعين) بالهلال، وأن نقصا؛ لأنه الأشبه شرعًا ¬

_ (¬1) سقطت من النسخة الخطية، وإثباتها يوضح المعنى. (¬2) "الأوسط" 9/ 405. (¬3) انظر: "الحاوي الكبير" 10/ 461. (¬4) "المحلى" 9/ 197. (¬5) انظر: "الأوسط" لابن المنذر 9/ 397، "الاستذكار" 17/ 121. (¬6) انظر: "الروضة" 8/ 275، "جواهر العقود" 2/ 264.

بشرط نية الكفارة لكل يوم من الليل، ولا يشترط نية التتابع، بل يكفي التتابع بالفعل (قال: وهل أصبت) بفتح الهمزة والصاد (الذي أصبت) بفتحهما أيضًا (إلا من الصيام) لفظ ابن ماجه: وهل دخل علي ما دخل من البلاء إلا بالصوم، يعني الذي خاف منه في رمضان، فظاهر بسببه كما تقدم (قال: فأطعم) بفتح الهمزة (وسقًا) بفتح الواو، وحكى بعضهم الكسر مثل حمل وأحمال، والوسق ستون صاعًا، والصاع أربعة أمداد (من تمر) احتج به سفيان الثوري وأصحاب الرأي على أن كفارة الظهار من القمح مدان لكل فقير، ومن التمر والشعير صاع لكل مسكين (¬1). وكذا رواه الإمام أحمد في "المسند" (¬2) كما رواه المصنف ورواه غيرهما، وقوله: "من تمر" مثال لنوع من أنواع ما يخرج في الكفارة وذكر التمر دون غيره؛ لأنه غالب أقواتهم (بين ستين مسكينًا) فيه حذف الموصوف، أي: ستين رجلًا مسكينًا، وظاهره لا بد من تعدد المساكين، وفيه حجة على أبي حنيفة أنه لو دفع طعام ستين مسكينًا إلى مسكين واحد في ستين يومًا أجزأه (¬3)، ويرده الحديث، ولأنه لم يطعم إلا واحدًا فلم يمتثل الأمر، ولأن في التعدد فائدة وهو أن دعاءهم إذا تعدد كان أقرب للإجابة (قال: والذي بعثك بالحق لقد بتنا وحشين) بفتح (¬4) الواو وسكون الحاء المهملة بعدها شين معجمة مفتوحة أي: مفتقرين جائعين، قال في "النهاية": يقال: رجل وَحش ¬

_ (¬1) انظر: "الأوسط" 9/ 427. (¬2) 4/ 37. (¬3) انظر: "المبسوط" 7/ 18، و"المحيط البرهاني" 3/ 438. (¬4) في الأصل: (بضم)، والصواب ما أثبتناه.

بالسكون من قوم أوحاش إذا [كان جائعًا] (¬1) لا طعام له، وقد أوحش إذا جاع وتوحش للدواء إذا احتمى لَهُ وجاء في رواية الترمذي: لقد بتنا ليلتنا هذِه وَحشى (¬2). يعني: مثال صرعى كأنه أراه مجاعة وحشى (¬3). وفي الحديث أنه جاءه سائل فأعطاه تمرة فوحَّش بها كأنه رمى بها (¬4) (ما لنا طعام) ليس هذا شكوى، بل هو إعلام بأنه عاجز (قال: فانطلق إلى صاحب) أي: عامل (صدقة بني زريق) قال المنذري: هو بضم الزاي وبعدها راء مهملة مصغر، وهم بطن من الأنصار، وفيه أنه يقبل قول من ادعى الفقر أو المسكنة ولم يكلف البينة، بل يدفع إليه بلا يمين بخلاف من عرف له مال وادعى قلته واليمين بغير إذن الحاكم لا تعتبر (فليدفعها) يعني: صدقة بني زريق لا الستين صاعًا (إليك) فيه حجة لمن ذهب إلى أنه يجوز أن يدفع الرجل صدقته في الظهار والزكاة وغيرهما إلى صنف واحد من الأصناف ولا يفرقها على الأصناف الثمانية، لكن يعارضه قوله: "بعده وكل أنت وعيالك بقيتها". (فأطعم) قد يستدل به على جواز الخبز في كفارة الظهار، ويعطي لكل مسكين رطلان، قال: وبه قال الأنماطي وابن أبي هريرة (¬5) والصيرفي وأحمد (¬6)، وقال الصيمَري في باب كفارة اليمين: وأصحابنا يعنون ¬

_ (¬1) في الأصل: طائعًا. والمثبت من "النهاية". (¬2) "جامع الترمذي" (3299). (¬3) "النهاية في غريب الحديث" 5/ 161. (¬4) هو جزء من حديث رواه أحمد 3/ 260. (¬5) انظر: "الحاوي الكبير" 15/ 301. (¬6) انظر: "المغني" 13/ 507.

لكل واحد رطلين من الخبز لكثرة وقوعه، ولأنه المأكول الغالب لقوله: فأطعم، والخبز من أفضل ما يطعم ويعتاد، وليس الادخار مقصودًا في الكفارة فائتًا بنذره بما يقوت الإنسان في يومه، فدل على أن المقصود كفاية يومه واعتاده مؤنته (ستين مسكينًا وسقًا من تمر) وحمله ابن الصباغ على بيان الجواز، واستشكله ابن الرفعة لوروده في معرض بيان الواجب، ولذلك قال الخطابي: فيه حجة لأبي حنيفة أن خمسة عشر صاعًا لا يجزئ في كفارة الظهار (¬1). وهو أحوط الأمرين. (وكل أنت وعيالك) وظاهر كلام الزجاج أن الخدم والسراري من العيال؛ لأنه قال: إن الله أباح كثرة السراري، وتعقبه ابن عطية بأن السراري مال يتصرف فيه بالبيع، وإنما العيال الحرائر ذوات الحقوق الواجبة (¬2) (بقيتها) فيه حذف تقديره: كُلْ وأطعم عيالك من بقيتها، وفيه جواز إطعام زوجته وأولاده الذين تلزمه نفقتهم من الزكاة إذا قبضها وأطعمهم. (فرجعت إلى قومي فقلت) لهم (وجدت عندكم الضيق ووجدت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - السعة) بفتح السين، يعني: الاتساع والتيسير (وحسن الرأي) أي: التدبير والعقل، يقال: فلان ذو رأي، أي: بصيرة وحذق بالأمور (وقد أمرني) بفتح الهمزة والميم والراء وكسر النون (أو أمر لي) بكسر اللام بدل النون شك من الراوي (بصدقتكم) وفي الرواية الأولى حذف مضاف، أي: أمرني بأخذ صدقتكم، وفيه أن القوم إذا كان فيهم فقير ¬

_ (¬1) "معالم السنن" المطبوع مع "مختصر سنن أبي داود" 3/ 139. (¬2) "المحرر الوجيز" 2/ 8.

أو فقراء فهم أحق بأخذ الصدقة والكفارة ممن ليس من ذلك القوم، وعلى هذا يؤخذ منه أن الجار أحق بصدقة جاره، والقريب الذي يجوز الدفع إليه مقدم على الأجنبي، بل قالوا: يجوز أن ينتظر بالزكاة القريب والجار إذا كان غائبًا بخلاف غيره. (زاد) محمد (بن العلاء) في روايته (قال) عبد الله (بن إدريس) الكوفي: (وبياضة بطن من بني زريق) بضم الزاي، وكذا هم بطن من الأنصار. [2214] (ثنا الحسن بن علي) الخلال، شيخ الشيخين (ثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي (ثنا) عبد الله (بن إدريس، عن محمد بن إسحاق، عن معمر بن عبد الله بن حنظلة) بن أبي عامر عبد عمرو الراهب أبوه الغسيل غسلته الملائكة، وليس له في الكتاب سوى هذا الحديث أصيب في وقعة الحرة هو وستة بنين له، ورؤي في النوم ومعه لواء فقيل له: يا أبا عبد الرحمن أما قتلت؟ قال: بلى، لقيت ربي فأدخلني الجنة فأنا أسرح في ثمارها حيث شئت (¬1). (عن يوسف بن عبد الله بن سلام) بتشديد اللام، أتى به عبد الله إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو صغير فأجلسه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجره ومسح رأسه وسماه يوسف. قال في "الاستيعاب": ومن حديث يوسف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ كسرة من خبز شعير ووضع عليها تمرة، وقال: هذِه إدام هذِه، ثم أكلها (¬2) (عن خويلة) بضم الخاء المعجمة وفتح الواو ¬

_ (¬1) أخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 5/ 68، وانظر: "أسد الغابة" 3/ 219. (¬2) "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" 4/ 152.

مصغر (بنت مالك بن ثعلبة) قال في "الاستيعاب": هي خولة بنت ثعلبة وهو الأكثر وهي المجادلة (¬1). (قالت: ظاهر مني زوجي أوس) وقالت: كنت عنده وكان شيخًا كبيرًا قد ساء خلقه وضجر فدخل علي فراجعته فغضب، وقال: أنت علي كظهر أمي (¬2)، وذكر الحديث، وعن عمر أنه مر بها فجعل يحدثها فقال رجل: يا أمير المؤمنين، حبست الناس على هذِه العجوز فقال: ويلك، تدري من هذِه؟ هذِه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سموات، هذِه خولة بنت ثعلبة التي نزل فيها {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} (¬3)، ولو أنها وقفت إلى الليل ما فارقتها إلا إلى الصلاة، ثم أرجع (¬4). (ابن الصامت) بن قيس الخزرجي، شهد بدرًا والمشاهد كلها بعدها نزل الشام (فجئت رسول الله أشكو إليه) ما بي من المكروه، ولابن ماجه تقول يا رسول الله أكل شبابي ونثرت له بطني حتى إذا كبرت سني وانقطع ولدي ظاهر (¬5) مني. أي: وندم، فهل من عذر؟ (ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجادلني فيه) المجادلة: هي مقابلة المعنى بما يدعو إلى خلافه للفصل فيه، ولهذا كان من قابل المعنى بخلافه لطلب الفائدة ليس بمجادل، وأصل الجدل الفَتْلُ، وكان جداله لها أن يقول لها: حُرمْتِ عليه (اتقي الله) فيه. ¬

_ (¬1) "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" 4/ 390. (¬2) رواه أحمد 6/ 410، وابن حبان (4279) وأبو نعيم في "المعرفة" 6/ 3310. (¬3) المجادلة: 1. (¬4) رواه الدارمي في "الرد على الجهمية" (79)، وذكره ابن عبد البر في "الاستيعاب" 4/ 390. (¬5) "سنن ابن ماجه" (2063).

(فإنه ابن عمك) يجتمع معها في أصرم؛ فإنه أوس بن الصامت بن قيس بن أصرم وهي خولة بنت مالك بن ثعلبة بن أصرم بن فهر الأنصاري الشامي (فما برحت) تجادل النبي - صلى الله عليه وسلم - وتقول: إن لي صبية صغار إن ضممتهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إلي جاعوا، وإنه والله ما ذكر طلاقًا، وترفع رأسها إلى السماء (حتى نزل القرآن) في شأنهما، وهو قوله تعالى: ({قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا}) (¬1) أوس بن الصامت، وكان جدالها له أن تقول: إن ابن الصامت أبو ولدي وابن عمي وأحب الناس إلي ظاهر مني، ووالله ما ذكر طلاقًا (إلى) أن جاء في الآية ذكر (الفرض) الذي أوجبه الله على المظاهر كفارةً لما وقع منه من الزور والقول المنكر. (فقال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مبلغًا عن الله تعالى ما أنزل إليه بالوحي (يُعتق) بضم المثناة تحت وكسر المثناة فوق، أي: قال لخويلة: يعتق زوجك (رقبة) أو أمة، يقال: عَتَق العبدُ ثلاثي لازم للفاعل وأَعْتَقَ فلان العبد رباعي متعد بهمزة النقل، ولهذا قال في "البارع": لا يقال عتق العبد وهو ثلاثي مبني للمفعول، ولا أعتق وهو بالألف مبنيًّا للفاعل، بل الثلاثي لازم والرباعي متعد (¬2). (قالت) يا رسول الله (لا يجد) ها، أي: لا يملك الرقبة ولا يملك ثمنها، وهذِه المسألة للفقهاء فيها كلام طويل وخلاف كبير أعرضنا عن ذكره؛ لأن الغرض ذكر الرقبة ([قال: فيصوم] شهرين) بالهلال وإن ¬

_ (¬1) المجادلة: 1. (¬2) انظر: "المصباح المنير" (عتق).

نقصا عن الستين يومًا لأنها الأشهر شرعًا؛ لقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ} (¬1) وَآلَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نسائه شهرًا ومكث تسعة وعشرين (¬2) (متتابعين) بنية الكفارة من الليل ويزول التتابع بفوات يوم ولو الأخير بلا عذر، وإنما يصح صوم الشهرين إذا ابتدأ بهما في وقت يعلم دوامهما فلو ابتدأ الصوم في وقت يعلم دخول ما يقطعه في أثنائه من رمضان أو يوم النحر لم يُجزِه وهل يبطل أو يقع نفلًا وفي عبارة الرافعي في "المحرر" ما يشعر أنه يقع نفلًا (¬3). (قالت: يا رسول الله إنه شيخ كبير ما به) يحتمل أن يكون الباء بمعنى في، وفيه حذف مضاف تقديره: ما في قدرته أو استطاعته كما في قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ} (¬4) أي: في وقعة أو في غزوة بدر، ثم حذف المضاف (من صيام) من زائدة للتوكيد؛ لأنها تزاد [بعد النفي] (¬5)، وعند البصريين أن تكون بعد نفي ومجرورها نكرة كما هنا، وفيه دليل على أن هرم الشيخ مسقط لوجوب الصيام عليه إذا كان لا يقدر عليه (قال: فليطعم) أي يُمَلِّكْ فقد جاء في الحديث: أطعم النبي - صلى الله عليه وسلم - الجدة السدس، أي: ملَّكها (ستين) فلا يجوز الدفع إلى عدد دون الستين لاشتمال الآية والحديث على هذا العدد، فكما لا يجوز ¬

_ (¬1) البقرة: 189. (¬2) راجع "صحيح البخاري" (378). (¬3) لفظه في "المحرر" ص 354 ولو ابتدأ بصوم شهرين قريبًا من مجيء رمضان لم يعتد به عن الكفارة. (¬4) آل عمران: 123. (¬5) سقطت من النسخة الخطية. والمثبت من المصادر.

الإخلال بوصف المسكنة لا يجوز الإخلال بالعدد كما في قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} (¬1) (مسكينًا) أو فقيرًا؛ لأنه أسوأ حالًا من المسكين، فيجوز الدفع إليه بطريق الأولى، ولأنه حق لله فاعتبر صفات الزكاة (قالت) والله (ما عنده من شيء يتصدق) بفتح الياء والتاء، ويصح ضم أوله بناء على ما لم يسم فاعله (به، قالت) الزوجة (فأتي) بضم الهمزة وكسر التاء، من الإتيان، يعني: النبي - صلى الله عليه وسلم - (ساعتئذٍ) بسكون الألف وفتح العين والتاء المثناة فوق وكسر الهمزة وتنوين الذال المعجمة، يعني: فأتي الساعة إذ كنت أقول له، فأضيفت الساعة إلى إذ ونُوِّنت إذ تنوينُ العوض عن الجملة، وفي بعض النسخ: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فإني سأعينه" (¬2). بتشديد نون إني التي للتأكيد، وسأعينه بضم الهمزة وكسر العين وسكون المثناة تحت من الإعانة (بعرق) بفتح العين والراء المهملتين المفتوحتين وسكن بعضهم الراء وصوبه بعضهم. قال المنذري: والأشهر الفتح وهو الزنبيل الذي يُنسَجُ مِن خوص وغيره، وكل شيء مضفور فهو عَرق وعَرقة بفتح الراء فيهما كما تنسج (. .) (¬3) (من تمر) من هنا لبيان جنس مما يجوز دفعه. (قلت لرسول الله: فإني أعينه بعرق آخر) فيه فضيلة إعانة الإمام آحاد الرعية والمرأة زوجها والرجل قريبه وصديقه فيما يحتاج إليه من وفاء دين أو دفع كفارة لزمته بالمال والنفس ونحوهما (قال) لها: (أحسنت) فيه أنه ¬

_ (¬1) الطلاق: 2. (¬2) "السنن الكبرى" للبيهقي 7/ 391 من رواية ابن داسة عن أبي داود. (¬3) كلمة غير واضحة، ولعلها: الفتائل.

يقال لمن فعل خيرًا مع المسلمين يعود عليهم نفعه أو أحد منهم: أحسنت أو أصبت أو جزاك الله خيرًا ونحو ذلك؛ فإن في ذلك ترغيب له في فعل الخير لا سيما إن كان للقائل إمارة أو جاه، أو قاله بحضرة جمع. (اذهبي فأطعمي) بفتح الهمزة وكسر العين (بها عنه ستين مسكينًا) كما تقدم (وارجعي) فيه جواز دفع الكفارة عن المظاهر والمجامع في رمضان بغير إذنه كما يجوز أداء دين الآدمي بلا ضمان له ولا إذن منه ولا رجوع له بما أدى عنه قياسًا على من أنفق على دواب غيره بغير إذنه (إلى ابن عمك) فيه أن المظاهر إذا أخرج الكفارة أو أُخرِجَتْ عَنهُ جاز رجوع الزوجة إليه وجاز له وطؤها وسائر الاستمتاعات التي كانت قبل الظهار؛ فإن الكفارة دافعة للحرج (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (والعَرَقُ ستون صاعًا) ويحتمل أن يكون هذا من تفسير بعض الرواة وقد ضعف بعضهم هذا بأن في هذا الحديث ما يدل على ضعفه؛ لأنه قال ذلك في سياق قوله: "إني سأعينه بعرق"، فقالت امرأته: إني سأعينه بعرق آخر، ثم قال: "فأطعمي بها عنه ستين مسكينًا"، فلو كان العرق ستين صاعًا لكانت الكفارة مائة وعشرين صاعًا ولا قائل به. (قال المصنف: في هذا) الحديث (إنها) إنما (كفرت عنه) أي دفعت عنه كفارة (من غير أن تستأمره) وهو جائز كما تقدم قريبًا. [2215] (حدثنا الحسن بن علي) الحلواني الخلال (ثنا عبد العزيز بن يحيى بن الأصبغ الحراني) وهو ثقة (¬1) (ثنا محمد بن سلمة، عن) محمد ¬

_ (¬1) انظر: "الكاشف" 2/ 203.

(ابن إسحاق) صاحب المغازي (بهذا الإسناد نحوه) بفتح الواو (إلا أنه قال) في هذِه الرواية: (والعرق مِكتَل) بكسر الميم وفتح التاء، هو الزنبيل الآتي ذِكره، وقيل: هو القُفَّة، وهما بمعنى، وقيل: المكاتل القفاف العِظام، سميت بذلك لتكتل الشيء فيها وهو يلاصق بعضه ببعض (يسع ثلاثين صاعًا) والصاع أربعة أمداد كما تقدم. (قال المصنف: ) والحديث بهذا الإسناد (أصح من حديث يحيى بن آدم) المذكور قبله، وبهذا استدل مالك - رضي الله عنه - على ما ذهب إليه أن كفارة الظهار ثلاثين صاعًا لستين مسكينًا لكل مسكين نصف صاع وهو مدان من جميع أنواع الكفارة (¬1)، وممن قال: مدان من قمح: مجاهد وعكرمة والشعبي والنخعي؛ لأنها كفارة تشتمل على صيام وإطعام، فكان لكل مسكين نصف صاع كفدية الأذى (¬2)، وقد يحتج به أحمد ومن تابعه على أن لكل مسكين من التمر الذي هو أغلب أقواتهم، وتقدم مصرحًا به في الرواية قبلها، وكذا في الشعير نصف صاع لكنه خالف في البر فقال: ربع صاع؛ لرواية الإمام أحمد: جاءت امرأة من بني بياضة بنصف وسق شعير، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للمظاهر: "أطعم هذا"، قال: هذا مدي شعير مكان مد قمح، وهذا نص في المسألة (¬3). [2216] (ثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (ثنا أبان) بن يزيد العطار (ثنا يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف ¬

_ (¬1) "المدونة" 2/ 324. (¬2) "المغني" لابن قدامة 11/ 94. (¬3) انظر: "المغني" 11/ 94 - 95.

الزهري (قال: يعني بالعرق: زنبيلًا) بفتح الزاي وكسر الباء الموحدة المخففة، فإذا كسرت الزاي شدت الباء الموحدة، فقيل: زبيل وزنبيل بزيادة النون والأولى أولى وأعلى، سمي زِبِّيلًا؛ لأنه (¬1) يُنقَل فيه الزبل للسِّماد (يأخذ) أي: يسع (خمس عشر صاعًا) وفي هذا وما بعده حجة للشافعي كما سيأتي. [2217] (ثنا) أحمد (بن) عمرو بن (السرح، ثنا) عبد الله (بن وهب قال: أخبرني) عبد الله (بن لهيعة) بفتح اللام الحضرمي الفقيه، قاضي مصر (¬2) وعالمها ومسندها، أخرج له مسلم (وعمرو بن الحارث) عن يزيد بن أبي حبيب في الصلاة (عن بكير) عبد الله (بن الأشج) الليثي السدوسي الكوفي (عن سليمان بن يسار) مولى ميمونة أم المؤمنين، عن سلمة بن صخر البياضي (بهذا الخبر، وقال فيه: فأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتمر فأعطاه إياه وهو قريب من خمسة عشر صاعًا) وللترمذي في حديث سلمان بن صخر: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعروة بن عمرو: "أعطيه ذلك العرق" وهو مكتل يأخذ خمسة عشر صاعًا أو ستة عشر صاعًا، ثم قال: حديث حسن، يقال سلمان وسلمة بن صخر البياضي ثم قال: والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم في كفارة الظهار (¬3). (قال: تصدق بهذا) يعني: على ستين مسكينًا؛ لرواية البيهقي في ¬

_ (¬1) في النسخة الخطية: لم. (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 15/ 488. (¬3) "سنن الترمذي" (1200).

حديث سلمة بن صخر أنه عليه الصلاة والسلام أتي بعرق فيه خمسة عشر صاعًا فقال: "تصدق على ستين مسكينًا" (¬1). قال البيهقي: هذا الحديث مختلف فيه فتارة يقول: ستون صاعًا، وتارةً يقول: ثلاثون صاعًا، وتارة يقول خمسة عشر صاعًا وأسانيدها ليست بالقوية ولا يقارب حديث المجامع في شهر رمضان في الصحة وإذا كان كذلك فالأخذ بالأصح أولى هذا، وقد روينا في حديث يوضحه خمسة عشر صاعًا (¬2) يعني: الرواية المذكورة، قال المنذري: واختلاف الروايات في هذا الحديث يدل على أن العرق تختلف في السعة والضيق فيكون بعضها أكبر من بعض (¬3). (قال) الراوي: فقال (يا رسول الله على أفقر مني) هذِه الرواية رواية الأعرابي المجامع، وفيه حذف همزة الاستفهام والفعل تقديره: أأتصدق به على أحد أفقر مني؟ وحذف همزة الاستفهام كثير وكذا حذف الفعل بدلالة قوله - صلى الله عليه وسلم - قبله: "فتصدق به"، وهذا استفهام تعجبي أي: ليس أحدًا أفقر مني حتى أتصدق عليه، ولمسلم: أفقر منا (¬4). بحذف على، والرواية قبله بنصب الراء صفة لمحذوف، أي: أأجد أحدًا أفقر منا؟ ورواية لمالك: ما أجد أحدًا أحوج مني (¬5)، وقد يرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف، أي: أَأَجَد أفقر منا؟ ¬

_ (¬1) "السنن الكبرى" للبيهقي (15278). (¬2) "مختصر خلافيات البيهقي" 4/ 260. (¬3) "معالم السنن" 3/ 140 ولكن هذا القول هو قول الخطابي وليس المنذري. (¬4) "صحيح مسلم" 2/ 781. (¬5) "الموطأ" 1/ 296.

وفي الحديث إشارة لترجيح مذهب الشافعي أن الفقير أسوء حالًا (¬1) من المسكين؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر الصدقة فذكر في جوابه من هو أسوَءُ حالًا منه وأنه لم يوجد أكثر فقرًا منه للمبالغة (ومن أهلي؟ ! ) الأهل يطلق على المذكر والمؤنث وعلى الواحد وأكثر منه ويطلق على الزوجة وحدها وعلى من في عصمته (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كله أنت وأهلك) بالرفع عطف على الضمير المحذوف المؤكد بأنت، ويحتمل أن يراد بالأهل هنا كل من تلزمه نفقته أو زوجته أو يطلق على (¬2) أقاربه المحتاجين فإن للأهل إطلاقات في اللغة والعرف. قال الزهري: هذا خاص بهذا الرجل وحده، يعني: أنه يجزئه أن يأكل من صدقة نفسه لسقوط الكفارة عنه فسوغها له النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: هو منسوخ، وقيل: يحتمل أنه أعطاه إياه ليخرجه عن كفارته ويأكل منه قدر كفاية يومه ويطعم الباقي من لا تلزمه نفقته من أهله (¬3)، لكن الرواية المتقدمة: "كل أنت وعيالك بقيتها" ترد هذا. وقيل: لما كان عاجزًا عن نفقة أهله جاز له إعطاء الكفارة عن نفسه لهم، والذي عليه الشافعي ومالك وكافة العلماء لهذا أطعمه إياه لفقره وأبقى الكفارة عليه في ذمته يخرجها متى أيسر (¬4) كما في كفارة المجامع في رمضان. ¬

_ (¬1) "المجموع شرح النووي" 6/ 197. (¬2) زيادة يقتضيها السياق. (¬3) انظر: "إكمال المعلم" 4/ 56. (¬4) انظر: "المجموع شرح المهذب" 6/ 344.

[2218] (قال المصنف: وقرأت على) أبي عبد الله (محمد) بن يحيى (ابن وزير المصري) التجيبي وهو ثقة علامة (¬1) (حدثكم بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة (ابن بكر) التِّنيسي (¬2) بكسر التاء المشدَّدة (¬3) نسبة إلى تنيس (¬4) قرية من قرى مصر (¬5)، أخرج له البخاري آخر الكتاب، وفي الحج مقرونًا بالوليد بن مسلم. (ثنا) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي، ثنا عطاء) بن يسار (عن أوس أخي عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاه خمسة عشر صاعًا من شعير) وهو (إطعام ستين مسكينًا) مأخوذ من السكون؛ لأن المعدم ساكن الحال عن أمور الدنيا، والمراد بالمسكين هنا أعم من الفقير؛ لأن كلًّا منهم حيث أفرد يشمل الآخر، وإنما يفترقان عند اجتماعهما نحو آية الزكاة {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} (¬6) والخلاف في معناهما مشهور في كتب الفقه. واستنبط بعضهم من رواية خمسة عشر لستين مسكينًا أن إطعام كل مسكين مدًا لأن الصاع أربعة أمداد، وقد صرفت هذِه الخمسة عشر إلى ستين مسكينًا، وقِسمةُ خمسة عشر على ستين كيلة وهو ربع صاع وهو مد. (قال المصنف: وعطاء) بن يسار (لم يدرك أوسًا) وأوس (من أهل ¬

_ (¬1) لعل الشارح يعني أحمد بن وزير، وقد قيل هما واحد. (¬2) في النسخة الخطية: النسبي وهو تحريف. (¬3) في النسخة الخطية: الباء الموحدة، وهو تحريف. (¬4) في النسخة الخطية: نسبي. وهو تحريف. (¬5) في النسخة الخطية: الريِّ. هو خطأ. (¬6) التوبة: 60.

بدر) أي: شهد بدرًا والمشاهد ونزل الشام، وهو (قديم الموت) وكان نزل الشام وهو خزرجي - رضي الله عنه -. (والحديث مرسل) مطلق، والمرسل من الحديث وهو أن يروي المحدث حديثًا عن من لم يعاصره، والمطلق أن يقول التابعي: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. [2219] (ثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (ثنا حماد) بن سلمة (عن هشام بن عروة) بن الزبير بن أخي عبد الله، وهما من الأئمة الأعلام (أن جميلة) بفتح الجيم، ويقال: خولة، ويقال: خويلة بنت مالك بن ثعلبة كما تقدم (كانت تحت أوس بن الصامت) ولعله كانت له زوجتان خولة وجميلة، ولعلها كان لها اسمان أو جميلة وصف وخويلة اسم (وكان رجلًا به لمم) قال المنذري: اللمم هنا هو الإلمام بالنساء وشدة التوقان إليهن، ويدل على هذا الحديث المتقدم، وليس معنى اللمم ها هنا الجنون، ولو كان كذلك فَظَاهَر في تلك الحال لم يلزمه شيء (¬1)، انتهى، ويحتمل أن يكون اللمم على حقيقته وهو الجنون، وأنه كان يعتريه في بعض الأوقات، وأنه ظاهر وقت إفاقته وهو صحيح معتد به، ويحتمل أنه كان به لمم شفي منه، وظاهر بعد أن شفي منه، ويبعد هذا قوله. (فكان إذا اشتد لممه) قال في "النهاية": الإلمام هو الإلمام بالنساء وشدة الحرص عليهن (¬2) (ظاهر من امرأته) لعله لما اشتدت شهوته ¬

_ (¬1) "مختصر السنن" المطبوع مع "معالم السنن" 3/ 142. (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (لمم).

للجماع أراد الجماع فراجعته لعذر أو غيره فغضب من مراجعتها له؛ لأنه كان قد ساء خلقه حين كبر فكان هذا سبب ظهاره كما تقدم عن الذهبي (فأنزل الله تعالى فيه) وفي كل من صح ظهاره (كفارة الظهار) والكفارة اسم من التكفير وهو التغطية سميت بذلك لأنها تستر الذنب وتغطيه تخفيفًا من الله تعالى، وسمي الكافر لأنه يغطي نعمة الله. قال ابن عبد السلام في "القواعد": الخلاف في الكفارات هل هي زواجر أو جوابر؟ والظاهر الثاني؛ لأنها [عبادات وقربات] (¬1) ولا تصح إلا بالنية (¬2). [2220] (ثنا هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي، شيخ مسلم (ثنا محمد بن الفضل) السدوسي البصري، الحافظ. (ثنا حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة) بن الزبير (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) حديثًا (مثله) لما تقدم. [2221] (ثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني) وهو ثقة (¬3) (ثنا سفيان) ابن عيينة. (ثنا الحكم بن أبان) العدني، ثقة صاحب سنة، إذا هدأت السيول وقف في البحر إلى ركبتيه يذكر الله وكان سيد أهل اليمن (¬4). (عن عكرمة: أن رجلًا ظاهر من امرأته) هكذا ورد مرسلًا، قال ابن ¬

_ (¬1) بياض في الأصل. والمثبت من "قواعد الأحكام في مصالح الأنام". (¬2) "قواعد الأحكام في مصالح الأنام" 1/ 178. (¬3) انظر: "الكاشف" 1/ 108. (¬4) انظر: "الكاشف" 1/ 244.

حزم: رجاله ثقات ولا يضر إرساله (¬1). وفي "مسند البزار" طريق أخرى شاهدة لهذِه الرواية من طريق خصيف، عن عطاء، عن ابن عباس: أن رجلًا قال: يا رسول الله إني ظاهرت من امرأتي رأيت ساقها في القمر فواقعتها قبل أن أكفر (¬2) (ثم واقعها قبل أن يكفر) كفارة الظهار (فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره) بحاله (فقال: ما حملك على ما صنعت) لما كان الجماع حرامًا عليه قبل التكفير، سأله عن السبب الموجب لذلك لاحتمال أن يكون له عذر في ذلك، وكذا ينبغي للمفتي والحاكم إذا وقع له شخص في معصية أن يسأله عن ذلك لاحتمال أن يكون له عذر من إكراه أو جهل بعدم التحريم أو نحو ذلك، ولفظ الترمذي: رأيت خلخالها في ضوء القمر (¬3). (قال: فاعتزلها) قد يؤخذ منه تحريم التلذذ بما دون الجماع كالقبلة واللمس والمباشرة فيما دون الفرج، وهو أظهر قولي الشافعي (¬4)، وهو قول الزهري ومالك (¬5) وأصحاب الرأي (¬6)، وإحدى الروايتين عن أحمد؛ لأن ما حرَّم الوطء من القول حرَّم دواعيه كالطلاق والإحرام (¬7)، ولأن اللمس والقبلة يدعوا إلى الجماع وحملًا للمس في ¬

_ (¬1) "المحلى" 9/ 189. (¬2) "مسند البزار" (4797). (¬3) "سنن الترمذي" (1199). (¬4) انظر: "المجموع" 17/ 365. (¬5) "المدونة" 2/ 316، وانظر: "بداية المجتهد" 3/ 127. (¬6) انظر: "الدر المختار" 3/ 468. (¬7) "المغني" لابن قدامة 11/ 67.

الآية على التقاء البشرتين، وهو يشمل الجماع وغيره. (حتى تكفر عنك) إطلاق الكفارة يشمل العتق والصوم، وكذا الإطعام، وهو قول أكثر أهل العلم، وبه قال الشافعي (¬1) وأصحاب الرأي (¬2) وأحمد (¬3). وذهب أبو ثور إلى إباحة الجماع قبل التكفير بالإطعام، وعن أحمد ما يقتضي ذلك؛ لأن الله تعالى لم يمنع المسيس قبله كما في العتق والجماع (¬4)، وأجاب الجمهور بأن الإطعام محمول على العتق والصوم؛ لأنه في معناهما ولإطلاق الحديث. [2223] (ثنا زياد بن أيوب) الطوسي، الحافظ شيخ البخاري في باب: إتيان اليهود النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬5) (ثنا إسماعيل) ابن علية (ثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) حديثًا (نحوه) كما تقدم، لكنه (لم يذكر السياق) كما لم يذكره الترمذي فيما تقدم. [2224] (ثنا أبو كامل) فضيل بن حسين الجحدري (أن عبد العزيز بن المختار حدثهم) قال: (ثنا خالد) الحذاء قال: (حدثني محدث، عن عكرمة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) وستأتي رواية باتصاله حديثًا (نحو حديث سفيان) بن عيينة المتقدم. [2225] (قال المصنف: وسمعت محمد بن عيسى) بن نجيح بن ¬

_ (¬1) "الأم" 5/ 408. (¬2) "المبسوط" 6/ 262. (¬3) "المغني" لابن قدامة 11/ 66، 92. (¬4) "المغني" لابن قدامة 11/ 66. (¬5) "صحيح البخاري" (3943).

الطباع، روى عنه البخاري تعليقًا (يحدث به) قال: (حدثنا معتمر قال: سمعت الحكم بن أبان يحدث بهذا الحديث، ولم يذكر ابن عباس) كما لم يذكره في الرواية قبلها (ثنا الحسين بن حريث) بضم الحاء المهملة وفتح الراء مصغر وهو أبو (¬1) عمار الخزاعي (ثنا الفضل بن موسى) السيناني (عن معمر، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس) رضي الله عنهما، هكذا رواه الترمذي بهذا الإسناد جميعه، وقال: حديث حسن صحيح (بمعناه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) ولفظ الترمذي أن رجلًا ظاهر أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - قد ظاهر من امرأته فوقع عليها، فقال: يا رسول الله، إني ظاهرت من امرأتي فوقعت عليها قبل أن أكفر. قال: "ما حملك على ذلك يرحمك الله؟ " قال: رأيت خلخالها في ضوء القمر، قال: "لا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله" (¬2)، انتهى. وظاهره أن عليه كفارة واحدة. قال الترمذي: وهو قول أكثر أهل العلم. قال: وقال بعضهم: إذا واقعها قبل أن يكفر فعليه كفارتان، يعني: كفارة عن الظهار، وكفارة عن الجماع. قال: وهو قول عبد الرحمن بن مهدي (¬3). ¬

_ (¬1) في النسخة الخطية: ابن، وهو خطأ. (¬2) "سنن الترمذي" (1199). (¬3) "سنن الترمذي" بعد حديث (1198).

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

شَرْحُ سُنَنِ أَبِي دَاوُد لِابْنِ رَسْلَان [10]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ جميعُ الحقوقِ مَحْفوظَة لِدَارِ الفَلَاحِ وَلَا يجوز نشر هَذَا الْكتاب بِأَيّ صِيغَة أَو تَصْوِيره PDF إِلَّا بِإِذن خطي من صَاحب الدَّار الْأُسْتَاذ/ خَالِد الرَّباط الطَّبْعَةُ الأُولَى 1437 هـ - 2016 م رَقم الْإِيدَاع بدَارِ الكتُب 17164/ 2015 دَارُ الفَلَاحِ لِلبحثِ العِلمي وتَحْقِيق التُّرَاثِ 18 شَارِع أحمس - حَيّ الجامعة - الفيوم ت: 01000059200 [email protected] تطلب منشوراتنا من: • دَار الْعلم - بلبيس - الشرقية - مصر • دَار الأفهام - الرياض • دَار كنوز إشبيليا - الرياض • مكتبة وتسجيلات ابْن الْقيم الإسلامية - أَبُو ظَبْي • دَار ابْن حزم - بيروت • دَار المحسن - الجزائر • دَار الْإِرْشَاد - استانبول • دَارُ الفَلَاحِ - الفيوم

18 - باب في الخلع

18 - باب فِي الخُلْعِ 2226 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا حَمّادٌ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْماءَ، عَنْ ثَوْبانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّما امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَها طَلاقًا فِي غَيْرِ ما بَأْسٍ فَحَرامٌ عَلَيْها رائِحَةُ الجَنَّةِ" (¬1). 2227 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرارَةَ أَنَّها أَخْبَرَتْهُ، عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْلٍ الأَنْصارِيَّةِ أَنَّها كَانَتْ تَحْتَ ثابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ إِلَى الصُّبْحِ فَوَجَدَ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ عِنْدَ بابِهِ فِي الغَلَسِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ هذِه؟ ". فَقالَتْ: أَنا حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ. قَالَ: "ما شَأْنُكِ؟ ". قَالَتْ: لا أَنا وَلا ثابِتُ بْن قَيْسٍ. لِزَوْجِها فَلَمّا جاءَ ثابِتُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هذِه حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ". وَذَكَرَتْ ما شاءَ اللهُ أَنْ تَذْكُرَ وقَالَتْ حَبِيبَةُ: يا رَسُولَ اللهِ كُلُّ ما أَعْطانِي عِنْدِي. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِثابِتِ بْنِ قَيْسٍ: "خُذْ مِنْها". فَأَخَذَ مِنْها وَجَلَسَتْ هِيَ فِي أَهْلِها (¬2). 2228 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، حَدَّثَنا أَبُو عامِرٍ عَبْدُ المَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنا أَبُو عَمْرٍو السَّدوسِيُّ المَدِينِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ كَانَتْ عِنْدَ ثابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ فَضَرَبَها فَكَسَرَ بَعْضَها فَأَتَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ الصُّبْحِ فاشْتَكَتْهُ إِليْهِ فَدَعا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ثابِتًا فَقَالَ: "خُذْ بَعْضَ مالِها وَفارِقْها". فَقَالَ: وَيَصْلُحُ ذَلِكَ يا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "نَعَمْ". قَالَ: فَإِنِّي صْدَقْتُها حَدِيقَتَيْنِ وَهُما بِيَدِها فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "خُذْهُما فَفارِقْها". فَفَعَلَ (¬3). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1187)، وابن ماجه (2055). وصححه الألباني في "الإرواء" (2035). (¬2) رواه النسائي 6/ 169. وصححه الألباني "صحيح أبي داود" (1929). (¬3) رواه البيهقي 7/ 315. وصححه الألباني "صحيح أبي داود" (1930).

باب في الخلع [2226] (حدثنا سليمان بن حرب، ثنا حماد) بن زيد (عن أيوب) بن أبي تميمة السختياني (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي (عن أبي أسماء) عمرو بن مرثد الرحبي (عن ثوبان) بن بجدد مولى رسول الله (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أيما امرأة سألت زوجها طلاقًا في غير ما بأس) بأن تخاف أن لا تقيم حدود الله فيما يجب عليها من حسن الصحبة وجميل العشرة لكراهتها له، أو بأن يضارها لتختلع منه، ونحو ذلك (لم تشم رائحة الجنة) كذا لفظ الترمذي وابن ماجه، ولابن ماجه من رواية ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تسأل امرأة زوجها الطلاق في غير كُنهه فتجد ريح الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا" (¬1). قال في "النهاية": "من غير كنهه"، أي: في غير أن يبلغ من الأذى إلى الغاية التي تعذر في سؤال الطلاق معها (¬2). وفيه زجر عظيم ووعيد كبير في سؤال المرأة طلاقها من غير ضرورة. ولا بد فيه من تأويل: إما أن يحمل على من استحلت إيذاء زوجها بسؤال الطلاق مع علمها بتحريمه فهي كافرة لا تدخل الجنة ولا تجد ريحها أصلًا، وإما أن يحمل على أن جزاءها أن لا تشم رائحة الجنة إذا شم الفائزون ريحها, بل يؤخر شمها بعدهم حتى تجازى, وقد ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (2054). (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (كنه).

يعفى عنها فيدخلها أولًا، وإنما احتجنا إلى تأويله وأمثاله؛ لأن مذهب أهل الحق أن من مات على التوحيد مصرًّا على الكبائر فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه أولًا فأدخله الجنة أولًا وإن شاء عاقبه ثم يدخله الجنة. وفي الحديث دليل على جواز سؤالها الطلاق عند وجود البأس. [2227] (ثنا) عبد الله بن مسلمة بن قعنب (القعنبي، عن مالك، عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة) من فقهاء التابعين (أنها أخبرته عن حبيبة بنت سهل الأنصارية) وورد أيضًا أن جميلة بنت أبي سلول اختلعت من ثابت بن قيس قال في "الاستيعاب": وجائز أن تكون حبيبة هذِه وجميلة اختلعتا من ثابت بن قيس (¬1). (أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس) بفتح الشين المعجمة والميم المشددة، ابن زهير بن مالك بن امرئ القيس، شهد أُحُدًا، وقتل باليمامة (وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى) صلاة (الصبح فوجد حبيبة بنت سهل) الأنصارية (عند بابه) أي: باب داره (في الغلس) وهو ظلمة آخر الليل إذا اختلط بضوء الصباح، ومحل الجار والمجرور نصب على الظرفية، وفيه دليل للشافعي ومالك وأحمد على تقديم صلاة الصبح في الغلس قبل أن يسفر الصبح (¬2) خلافًا لأهل الكوفة حين قالوا: الإسفار أفضل للحديث الذي تقدم: "أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر" (¬3)، وأجاب بعضهم عن هذا الحديث بأنه محمول على تحقق ¬

_ (¬1) "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" 4/ 371. (¬2) "الأم" 1/ 156، و"المدونة" 1/ 157، "مسائل أحمد برواية عبد الله" (179). (¬3) انظر: "المبسوط" للسرخسي 1/ 294 - 295 والحديث سبق برقم (424).

طلوع الفجر عند خفائه، وحمله بعض الشافعية على الليالي المقمرة التي يخفى فيها طلوع الفجر. وفيه دليل على جواز خروج النساء من بيوتهن في الغلس لغير صلاة عند الحاجة، وهذا بشرط أمن الفتنة عليهن، وكره بعضهم الخروج للشواب خوفًا من الفتنة وهو الأليق بزماننا. وقال بعضهم: لا تخرج المرأة إلا بخمسة شروط: أن يكون ذلك لضرورة، وأن تلبس أدنى ثيابها، وأن لا يظهر عليها ريح الطيب، وأن يكون خروجها في طرفي النهار، وأن تمشي في أطراف الطريق دون وسطه. (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من هذِه؟ ) فيه سؤال من وجد عند باب داره عن حاجته فإنه لم يأت إليه إلا لحاجة وتعريفه بنفسه (قالت: أنا حبيبة بنت سهل، قال: ما شأنك؟ ) والشأن الحال والأمر. (قالت: لا أنا ولا ثابت بن قيس) قال ابن الأثير في "شرح مسند الشافعي": تريد لا نجتمع ولا نصطحب، فنفت نفسها ونفسه يعني في الاجتماع نفيًا مستغرقًا، أي: لا بقاء ولا ثبات ولا وجود لي وله معًا (¬1) (لزوجها) يعني عن زوجها فاللام بمعنى عن، كقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} (¬2)، وقيل: هي لام التبليغ، والتفت عن الخطاب إلى الغيبة. (فلما جاء ثابت بن قيس) فيه حذف تقديره فدعوه فأتي به فلما جاء زوجها (قال: يا رسول الله هذِه حبيبة بنت سهل) ولم يقل زوجتي؛ لأنهما ¬

_ (¬1) "الشافي في شرح مسند الشافعي" 4/ 457. (¬2) الأحقاف: 11.

كانا طالبي الفراق (فذكرت ما شاء الله أن تذكر) كذا للمصنف، وفي "الموطأ" والنسائي: قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر (¬1)، ورواية الشافعي في "المسند": أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغلس وهي تشكو شيئًا ببدنها (¬2). قال ابن الأثير: يريد أثرًا من ضرب (¬3). (وقالت: يا رسول الله) الظاهر أن فيه حذف تقديره: فقال رسول الله: أتردين عليه ما أعطاك؟ فقالت (كل ما أعطاني) يعني: من الصداق (عندي) لم يذهب منه شيء (فقال رسول الله: خذ منها) كذا في "الموطأ" والنسائي والشافعي (¬4)، وفيه حذف تقديره: خذ منها ما أعطيتها إياه صداقًا (فأخذ منها) ما أعطاها وهو الحديقتان كما سيأتي. فيه دليل على أن المرأة إذا كانت بالغة رشيدة تتصرف في مالها بإذن أبيها وبغير إذنه، وفي غيبته، فإن أباها لم يحضر ولا استأذنته، إذ لو كان لذكر (وجلست) بعد أن فارقها (في بيت أهلها) وقد استدل إبراهيم النخعي بهذا على ما ذهب إليه أن أخذ المال يفيد تطليقة بائنة ونحو ذلك عن الحسن، وورد عن علي - رضي الله عنه - من قبل مالًا على فراق، فهي تطليقة بائنة لا رجعة فيها؛ لأنه لم يذكر هنا أنه فارقها؛ فإنه قال: "خذ منها"، فأخذ منها، ولم يستدع منه لفظًا، ولأن دلالة الحال تغني عن اللفظ بدليل ما لو دفع ثوبًا إلى قصار أو خياط معروفين بذلك؛ فإنهما إذا ¬

_ (¬1) "موطأ مالك" 2/ 443، "السنن الكبرى" للنسائي (5656/ 2). (¬2) "مسند الشافعي" ص 263. (¬3) "الشافي في شرح مسند الشافعي" 4/ 457. (¬4) "موطأ مالك" 2/ 443، "السنن الكبرى" (5656/ 2)، "مسند الشافعي" ص 263.

عملاه استحقا الأجر وإن لم يشترطا عوضًا. وقد استحسنه الرافعي وغيره، وروى إسحاق بن منصور: قلت لأحمد: كيف الخلع؟ قال: إذا أخذ المال فهي فرقة (¬1)، والجمهور لا بد من لفظ الزوج؛ لأنه جاء مصرحًا به في رواية البخاري: "اقبل الحديقة وطلقها تطليقة" (¬2)، وفي رواية: فأمره (¬3) ففارقها. ويحمل هذا الحديث على أنه اقتصر على بعض الحديث بدليل ما تقدم؛ فإن القصة واحدة، والزيادة من الثقة مقبولة، ولعل الراوي استغنى بذكر العوض عن ذكر اللفظ؛ لأنه معلوم منه، وعلى هذا يحمل كلام أحمد وغيره من الأئمة. [2228] (ثنا محمد بن معمر) بن ربعي القيسي البحراني (ثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو) العقدي (¬4) (ثنا أبو عمرو) قيل: إنه سعيد بن سَلَمة بن أبي الحسام (السدوسي) بفتح السين نسبة إلى سدوس بن سنان (المديني) وعلى ما في "الكمال" أنه سعيد بن سلمة بن أبي الحسام فهو أخرج له مسلم حديثًا واحدًا في الإفك (¬5) (عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم) الأنصاري المدني، عن خالة أبيه (عمرة) بنت عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة، من فقهاء التابعين (عن عائشة، أن حبيبة بنت سهل) الأنصارية (كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس) بن زهير الخزرجي، وهو الذي رؤي في المنام بعد قتله وأجيزت وصيته ¬

_ (¬1) "مسائل أحمد وإسحاق رواية الكوسج" (1015). (¬2) البخاري (5273). (¬3) موافق لما في البخاري (5276)، وفي نسخة: فأمرها. (¬4) في النسخة الخطية: العبدي. والمثبت من "التهذيب" 18/ 364 وغيره. (¬5) "تهذيب الكمال" (2288).

بالمنام، وقتل باليمامة. (فضربها فكسر بعضها) زاد بعضهم: أنها شكته إلى أبيها فلم يشكها، ثم شكته إليه ثانية وثالثة فلم يشكها ولا نظر إلى ضربها (فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم -) ووقفت عند بابه (عند الصبح) فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فوجدها عند بابه فقال: "من هذِه؟ " قالت: حبيبة بنت سهل، قال: "ما شأنك؟ " قالت: لا أنا ولا ثابت بن قيس، لا يجمع رأسي ورأسه شيء، (فدعا النبي ثابتًا فقال) له: (خذ بعض مالها) فيه أنه يجوز أن يخالع زوجته من مالٍ ورثته من أبيها، أو من غير ما أصدقها، ولا يتعين العوض أن يكون من الصداق (وفارقها) أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - على سبيل المصلحة والإرشاد، وفيه دليل على أنه يجوز للرجل إذا ضرب زوجته على نشوزها أو منعها حقه أن يخالعها، ولا يمنع خلعها لأجل ضربه؛ لأن ذلك لا يمنعها أن لا يخافا أن لا يقيما حدود الله. قال ابن قدامة في "المغني": وكذا لو ضربها ظلمًا لسوء خلقه أو غيره لا يريد بذلك أن تفتدي نفسها لا يحرم عليه مخالعتها؛ لأنه لم يضربها ليذهب ببعض ما آتاها، ولكن عليه إثم الظلم (¬1). (فقال: ويصلح) فيه حذف همزة الاستفهام، وهو كثير تقديره: أو يصلح (ذلك يا رسول الله؟ قال: نعم. قال: فإني أصدقتها حديقتين) الحديقة: كل أرض ذات شجر أحدق بها حاجز، ثم سميت البساتين حدائق، والحديقة: القطعة من النخل وإن لم يكن محاطًا بها، والحديقة: فعيلة بمعنى مفعولة؛ لأن الحائط أحدق بها أي: أحاط. ¬

_ (¬1) "المغني" 10/ 273.

(وهما بيدها) أي: باقيتان في ملكها. (فقال رسول الله: خذهما) منها. فيه رد لما روي عن سعيد بن المسيب قال: ما أرى أن يأخذ كل مالها، ولكن ليدع لها شيئًا يعني: مما أعطاها (¬1) (وفارقها ففعل) استدل بعضهم بأمره بفراقها من غير أن يسأل زوجها هل هي حائض أو في طهر جامعها فيه، على أن الخلع فسخ؛ إذ لو كان طلاقًا لاقتضى شرائط الطلاق من وقوعه في طهر لم يمسسها فيه، فلو لم يتعرف النبي - صلى الله عليه وسلم - الحالة في ذلك دل على أن الخلع فسخ، وإليها ذهب ابن عباس وطاوس وعكرمة، وأحد قولي الشافعي (¬2)، وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور (¬3). قال الإمام أحمد: ليس لنا في الباب أصح من حديث ابن عباس أنه فسخ لا ينقص عدد الطلاق (¬4)، وهذا رواه أحمد عن يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن ابن دينار، عن ابن عباس قال: الخلع تفريق وليس بطلاق (¬5). قال الحافظ ابن حجر: وإسناده صحيح. قال أحمد: ليس في الباب أصح منه (¬6)، واحتج ابن عباس بقوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} (¬7)، ثم ¬

_ (¬1) "المغني" 10/ 269. (¬2) "نهاية المطالب" 13/ 293. (¬3) "مسائل أحمد وإسحاق" رواية الكوسج (1346)، و"المغني" لابن قدامة 10/ 274. (¬4) انظر: "المغني" لابن قدامة 10/ 274. (¬5) انظر: "المحلى بالآثار" لابن حزم 9/ 515. (¬6) "التلخيص الحبير" 3/ 415. (¬7) البقرة: 229.

قال: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (¬1)، ثم قال {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (¬2)، فذكر تطليقتين، والخلع وتطليقه بعدها، فلو كان الخلع طلاقًا لكان أربعًا، ولأنها فرقة خلت عن صريح الطلاق ونيته فكانت فسخًا كسائر الفسوخ (¬3)، ونسب هذا القول للقديم عند الشافعي (¬4)، وفي "أحكام القرآن" (¬5) له - رضي الله عنه -. ¬

_ (¬1) البقرة: 229. (¬2) البقرة: 230. (¬3) "المغني" لابن قدامة 10/ 275. (¬4) "نهاية المطالب" 13/ 293. (¬5) انظر: "أحكام القرآن" للشافعي 1/ 217 - 218.

19 - باب في المملوكة تعتق وهي تحت حر أو عبد

19 - باب فِي المَمْلُوكَةِ تَعْتِقُ وَهِيَ تَحْتَ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ 2231 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ عَنْ خالِدٍ الحَذّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّ مُغِيثًا كَانَ عَبْدًا فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ اشْفَعْ لِي إِلَيْها. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يا بَرِيرَةُ أتَّقِي اللهَ فَإِنَّهُ زَوْجُكِ وَأَبُو وَلَدِكِ". فَقَالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ أَتَأْمُرُنِي بِذَلِكَ قَالَ: "لا إِنَّما أَنا شافِعٌ". فَكَانَ دُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى خَدِّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِلْعَبّاسِ: "أَلا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ وَبُغْضِها إِيّاهُ" (¬1). 2232 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا عَفّانُ، حَدَّثَنا هَمّامٌ عَنْ قَتادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا أَسْوَدَ يُسَمَّى مُغِيثًا فَخَيَّرَها - يَعْني النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَمَرَها أَنْ تَعْتَدَّ (¬2). 2233 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ قَالَتْ: كَانَ زَوْجُها عَبْدًا فَخَيَّرَها رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فاخْتارَتْ نَفْسَها وَلَوْ كَانَ حُرًّا لَمْ يُخَيِّرْها (¬3). 2234 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ والوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ زائِدَةَ، عَنْ سِماكِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ بَرِيرَةَ خَيَّرَها رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وكَانَ زَوْجُها عَبْدًا (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5283). (¬2) رواه أحمد 1/ 281، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/ 82، والطبراني 11/ 308 (11826). ورواه البخاري (5284) دون ذكر العدة. (¬3) رواه مسلم (1504). (¬4) رواه مسلم (1504).

باب في المملوكة تعتق وهي تحت حر أو عبد [2231] (ثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (ثنا حماد) بن سلمة (عن خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن مغيثًا) بضم الميم وكسر الغين المعجمة وسكون المثناة تحت بعدها ثاء مثلثة و (كان عبدًا) لأبي أحمد بن جحش من بني مطيع (فقال: يا رسول الله اشفع لي إليها) فيه جواز الاستشفاع بأهل الخير والصلاح ومن له وجاهة (فقال رسول الله: يا بريرة اتقي الله) فيه وعظ المشفوع عنده بقوله: اتق الله، أو راقبه، أو ارحم هذا المسكين، ونحو ذلك؛ لأنه أبلغ من الشفاعة مجردة (فإنه) فيه حذف تقديره: لو راجعتيه (فإنه زوجك) وهكذا كالتعليل للمراجعة؛ لأن له عليها حق وفضل، فهو أولى من غيره لقوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} (¬1) أي في ذلك الأجل الذي أمرت أن تتربص فيه وهو زمن العدة، وعلى هذا ففي الحديث دليل على أن العبد البالغ العاقل له أن يراجع زوجته من غير إذن سيده، وهو المذهب، وفيه وجه (¬2). وفيه دليل على أن الرجعية زوجة. وعند الشافعي الرجعية زوجة في خمس آيات (¬3). قال البلقيني: الرجعية زوجية في ستة (¬4) عشر آية، ثم بينها (¬5)، ويحتمل أن يكون سماه زوجًا باعتبار ما كان، ولا يكون ¬

_ (¬1) البقرة: 228. (¬2) انظر: "الحاوي الكبير" 9/ 336. (¬3) انظر: "الحاوي الكبير" 9/ 267. (¬4) في "النسخة الخطية": ثم أحد! . والمثبت من المصدر. (¬5) انظر: "أسنى المطالب" 3/ 344.

الطلاق بائنًا (وأبو ولدك) الولد بفتحتين يطلق على الذكر والأنثى والمثنى والمجموع فعيل بمعنى مفعول, وفي مراجعة أم الأولاد مصلحة من جهات. (قالت: يا رسول الله، تأمرني) حذف همزة الاستفهام يعني: أتأمرني بمراجعته (بذلك؟ قال: لا إنما أنا شافع) زاد البخاري: قالت: لا حاجة لي (¬1). فيه دليل على أن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - مخالف لشفاعته وأمره - صلى الله عليه وسلم - أبلغ، فإنه على الوجوب عند أكثر الفقهاء، وفيه شفاعة الإمام إلى الرعية، وهو من مكارم الأخلاق. وفيه دليل على أن هذِه المراجعة غير الرجعية التي تكون بين الزوجين في الطلاق الرجعي، ولهذا احتاج إلى الشفاعة (فكان) زاد البخاري: يطوف خلفها يبكي، و (دموعه تسيل على خده) أي: خديه، فهو مفرد قائم مقام التثنية؛ إذ الرجل له خدان يسيل على كل خد دمع، فهو نظير قوله في بانت سعاد: مِن كُلِّ نَضَّاخَةِ الذَّفرى إذا عَرِقَت ... عُرْضتُها طامِسُ الأعلامِ مجهولُ (¬2) ومنه قول الشاعر: ألا إنَّ عينًا لم تَجُد يوم واسط ... عليكَ بجارِي دَمعها لَجَمودُ (¬3) ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (5283). (¬2) انظر: "جمهرة أشعار العرب" ص 283. والقصيدة لكعب بن زهير بن أبي سلمى. (¬3) انظر: "شرح ديوان الحماسة" للمرزوقي ص 566، وعزاه لأبي عطاء السندي.

ومنه: أظنُّ انهِمال الدمع ليس بمنتهٍ ... عن العين حتى يضمحل سوادها (¬1) إذِ الآدميُّ له عينان، كما أن الناقة لها ذِفرتان بكسر الذال المعجمة وفتح الراء تثنية ذفرة وهي النقرة التي خلف الأذن، وفي كلامهم عكس هذا و (منه قول بشر بن أبي خازم) (¬2): على كُل ذي مَيْعةٍ سابحٍ ... يقطع ذو أبهريه الحِزاما (¬3) وإنما له أبهر واحد، وهو عرق إذا انقطع مات صاحبه. (فقال رسول الله للعباس) بن عبد المطلب: يا عباس (ألا تعجب من حب مغيث) فيه جواز تسمية الرجل مغيثًا وإن كان اسمًا من أسماء الله تعالى المشتركة، وكنت أتوقف في تسمية بعض جماعتنا وأقول: قولوا عبد المغيث، فإن المغيث هو اللهُ حتى ظفِرتُ بهذِه التسمية. وفي الحديث جواز إظهار الزوج محبة زوجته، وجواز الرغبة والبكاء بسبب ذلك؛ إذ لم ينكر النبي على مغيثٍ شيئًا من ذلك، ولم ينهه عنه. وفيه فقه بريرة حيث فرقت بين الأمر والإشفاع. (و) من (بغضها إياه؟ ) ولا حرج على الرجل في حبه امرأته المطلقة منه أو (. . .) (¬4) بفسخ نكاحها منه وإن أفرط في المحبة ما لم يأت محرمًا، ¬

_ (¬1) البيت لجرير وهو في "ديوانه" ص 91. (¬2) بياض في النسخة الخطية. والمثبت مستفاد من أساس البلاغة وغيره. (¬3) انظر: "الشعر والشعراء" لابن قتيبة 1/ 262، "أساس البلاغة" 1/ 84. (¬4) بياض بالنسخة، ولعلها: المختلعة.

وكذا لا حرج على المرأة في بغضها مطلقًا؛ لسواده أو لكونه رقيقًا ونحو ذلك، وأما سبب تعجبه - صلى الله عليه وسلم - من ذلك؛ فلأن الغالِبَ في العادة أن المحب لا يكون إلا محبوبًا، وبالعكس. [2232] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا عفان) بن مسلم الصفار، الحافظ (ثنا همام (¬1) عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن زوج بريرة) مولاة عائشة بنت أبي بكر الصديق (كان عبدًا أسود) لعل هذين الوصفين كان سبب بغضها له (يسمى مغيثًا) فيه جواز تسمية الرقيق بهذا، وقد تقدم (فخيرها، يعني النبي - صلى الله عليه وسلم -) بين فسخ نكاحها وبين بقائها في عصمته لكونها عتقت تحت عبد، وهذا الخيار مجمع عليه للحديث، ولما عليها من الغضاضة بالمقام تحت عبد وإن رضيت بالمقام معه لم يكن لها فراقه بعد ذلك؛ لأنها أسقطت حقها بلا خلاف، (وأمرها أن تعتد) عدة الطلاق للحرة؛ لأنها فُرقة بعد الدخول في الحياة، فكانت كعدة الطلاق، ولا يلحقها في العدة طلاق ولا نفقة لها ولا كسوة إذا كانت حائلًا. [2233] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير. (عن عائشة في قصة) مولاتها (بريرة قال) عروة عن عائشة (كان زوجها عبدًا) لآل أبي أحمد كما سيأتي، (فخيرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) في فسخ نكاحها (فاختارت نفسها) لمفارقته، وهذا يدل على أن هذِه الفرقة راجعة لحق ¬

_ (¬1) في النسخة الخطية: هشام. وهو خطأ. والمثبت من "السنن"، وغيره.

الزوجة المعتقة، لا لحق الله تعالى، ولهذا جاء في رواية: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لبريرة: "ملكت نفسك فاختاري" (¬1) (ولو كان) الزوج (حرًّا لم يخيرها) قال الطحاوي: يحتمل أن يكون هذا من كلام عروة (¬2). يعني: مدرجًا في آخر الحديث، وقد صرح بذلك النسائي فقال: قال عروة: فلو كان زوجها حرًّا ما خيرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3). قال ابن حزم: يحتمل أن يكون ذلك من كلام عائشة، أو من دونها (¬4). وفي "الطبقات" لابن سعد عن عبد الوهاب بن عطاء، عن داود بن أبي هند، عن عامر الشعبي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لبريرة لما أعتقت: "قد عتق بضعك معك فاختاري" (¬5). وهذا مرسل وصله الدارقطني من طريق أبان بن صالح، عن هشام، عن أبيه (¬6). [2234] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا حسين بن علي) بن الوليد الجعفي (والوليد بن عقبة، عن زائدة) بن قدامة (عن سماك) بن حرب (عن عبد الرحمن بن القاسم [عن أبيه، عن عائشة أن بريرة خيرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -]) (¬7) بأن تختار ما ترضى في البقاء مع زوجها أو مفارقته ¬

_ (¬1) انظر: "الاستذكار" 17/ 155. (¬2) "شرح معاني الآثار" 3/ 82. (¬3) هي رواية أحمد 6/ 170. (¬4) "المحلى" لابن حزم 10/ 156. (¬5) "الطبقات الكبرى" 8/ 259. (¬6) "سنن الدارقطني" 3/ 290. (¬7) من "السنن".

لشرف الحرية التي حصلت لها دون زوجها، ولمنع مضرة المعيرة اللاحقة لها بملك العبد لها. (وكان زوجها عبدًا) وألحقنا بالعبد المُبعَّضَ لبقاء حكم الرق عليه. قال الروياني في "البحر" وغيره: وليس على أصلنا أنه لا خيار لها بالعتق تحت عبد إلا في مسألة الدور، ويؤخذ من الحديث أنها لا تحتاج في هذا الفسخ إلى الحاكم، وهو كذلك؛ لثبوت النص، لكن في "التلقين" لابن سراقة ما يقتضي اعتباره حيث قال: فإن اختارت فراقه فسخ الحاكِمُ نكاحها، وهو غريب.

20 - باب من قال: كان حرا

20 - باب مَنْ قَالَ: كَانَ حُرًّا 2235 - حَدَّثَنا ابن كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ حُرّا حِينَ أُعْتِقَتْ وَأَنَّها خُيِّرَتْ فَقَالَتْ: ما أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ مَعَهُ وَإِنَّ لِي كَذا وَكَذا (¬1). * * * باب من قال كان حرًّا [2235] (ثنا) محمد (ابن كثير) العبدي (ثنا سفيان، عن منصور) بن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) أبي عمرو ويقال: أبي عبد الرحمن النخعي من تابعي أهل الكوفة (عن عائشة: أن) مغيثًا (زوج بريرة كان حرًّا حين أعتقت) أعتقتها عائشة، وكانت مولاة لبعض بني هلال، فكاتبوها ثم باعوها من عائشة. وفي "الاستيعاب" أن عبد الملك بن مروان قال: كنت أجالس بريرة بالمدينة، قبل أن ألي هذا الأمر فكانت تقول [لي: يا] (¬2) عبد الملك إني أرى أنك خليق [أن تلي] (¬3) هذا الأمر فإن وليت فاحذر الدماء؛ فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الرجل ليدفع عن باب الجنة بعد أن ينظر إليها بِمِلء محجمة من دم يريقه من مسلم بغير حق" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6758)، وأشار أن قوله (كان حرا) من كلام الأسود. (¬2) في الأصل: حديثًا. والمثبت من "الاستيعاب". (¬3) من مصادر التخريج. (¬4) "الاستيعاب" 4/ 358. والحديث رواه الطبراني 24/ 205 (526)، وابن عدي في "الكامل" 4/ 296.

قال المنذري: قوله في هذا الحديث: هو كان حرًّا. هو من كلام الأسود بن يزيد، جاء ذلك مفسرًا، وإنما وقع مدرجًا (¬1) في الحديث، وقال البخاري: قول الأسود منقطع، وقول ابن عباس: رأيته عبدًا أصح (¬2). انتهى. قال إبراهيم بن أبي طالب: خالف الأسود الناس، وقال البخاري: هو من قول الحكم (¬3). قال القرطبي: لو كان زوجها حرًّا لم يكن لها خيار للمساواة بين الحر والحُرِّ (¬4)، وإذا لم يكن لها خيار نُفِيَ الضرر اللاحق لها هذا مذهب الجمهور، وقد شذ أبو حنيفة فأثبت لها الخيار وإن كان زوجها حرًّا متمسكًا بقول الحكم أن زوج بريرة كان حرًّا وبقول الأسود في هذا الحديث وكلاهما لا يصح (¬5)، وأنها خيرت فقالت: ما أحب أن أكون معه ولي كذا وكذا من مقايس الأموال العظيمة. ¬

_ (¬1) في الأصل: من رجاء. والمثبت من "مختصر السنن". (¬2) "مختصر السنن" 3/ 148، وانظر: "صحيح البخاري" (6751). (¬3) في النسخ الخطية: والعبد. وهو خطأ. والمثبت مستفاد من "المفهم". ولفظه: للمساواة بينهما. (¬4) "المفهم" 4/ 335. (¬5) البخاري (6754).

21 - باب حتى متى يكون لها الخيار

21 - باب حتَّى مَتَى يَكُونُ لَها الخِيارُ 2236 - حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الحَرّانِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ - يَعْنِي: ابن سَلَمَةَ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، وَعَنْ أَبانَ بْنِ صالِحٍ، عَنْ مُجاهِدٍ، وَعَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ بَرِيرَةَ أُعْتِقَتْ وَهِيَ عِنْدَ مُغِيثٍ - عَبْدٍ لآلِ أَبِي أَحْمَدَ - فَخَيَّرَها رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وقَالَ لَها: "إِنْ قَرِبَكِ فَلا خِيارَ لَكِ" (¬1). * * * باب حتى متى يكون لها الخيار [2236] (ثنا عبد العزيز بن يحيى) أبو الأصبغ (الحراني) وهو ثقة (¬2) قال: (حدثني محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق) صاحب المغازي (عن أبي جعفر) [عمير بن يزيد الخطمي، ثقة] (¬3) (وعن أبان بن صالح، عن مجاهد، وعن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة: أن بريرة أعتقت) بضم الهمزة وكسر التاء (وهي عند مغيث) بالتنوين (عبد) بالجر والتنوين بدل اشتمال (لآل أبي أحمد) بن جحش بعض بني مطيع. فيه جواز قولهم: عبد بني فلان، وفي الصحيح: "لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي؛ فكلكم عبيد الله وكل نسائكم إماء الله، ولكن ليقل: غلامي وخادمي، وفتاي وفتاتي". رواه مسلم من حديث ¬

_ (¬1) رواه الطحاوي في "مشكل الآثار" (4386)، والدارقطني 3/ 294، والبيهقي 7/ 225. وضعفه الألباني في "الإرواء" (1908). (¬2) انظر: "الكاشف" 2/ 203. (¬3) هكذا في النسخة الخطية: وهو خطأ. والصواب: محمد بن علي بن الحسين الباقر.

أبي هريرة (¬1) فيدل حديث الباب على الجواز مع الكراهة. وحديث أبي هريرة على الكراهة. (فخيرها رسول الله وقال لها: إن قربك) بفتح القاف وكسر الراء، قربتُ المرأة قربانًا كناية عن الجماع، ومضارعه يقرَب بفتح الراء كما قال الله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} (¬2) {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} (¬3). قال ابن العربي: سمعت الشاشي يقول في مجلس النظر: إذا قيل: لا تقرب بفتح الراء كان معناه: لا تتلبس بالفعل، وإن كان بضم الراء كان معناه: لا تدنو (¬4). (فلا خيار لك) استدل به على أن الزوج إذا وطئها قبل الخيار بطل خيارها كما لو أعتق قبل خيارها فإنه يسقط خيارها، وهذان مفرعان على أن خيار المعتقة على التراخي إلى أن يعتق زَوجُها أو يطأها، ولا يمنع الزوج من وطئها لهذا الحديث، ولما روى الإمام أحمد في "المسند" بإسناده عن [الفضل بن] (¬5) الحسن، أن عمرو بن أمية قال: سمعت رجالًا يتحدثون عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا أعتقت الأمة فهي بالخيار ما لم يطأها إن شاءت، فإن وطئها فلا خيار لها" (¬6). ورواه الأثرم أيضًا. ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2249). (¬2) البقرة: 222. (¬3) الإسراء: 32. (¬4) "أحكام القرآن" لابن العربي 1/ 227. (¬5) سقطت من النسخة الخطية. والمثبت من "المسند". (¬6) "مسند أحمد" 4/ 65.

واستدل الشافعي على أن خيارها على التراخي بالحديث المتقدم، أنه كان يطوف خلفها ويبكي خوفًا من أن تفارقه وطلب من النبي - صلى الله عليه وسلم -[أن يشفع] (¬1) إليها، قال: فلو كان على الفور لبطل حقها على التأخير واستغنى عن الشفاعة (¬2). ¬

_ (¬1) من "الشرح الكبير" للرافعي. (¬2) انظر: "الشرح الكبير" 8/ 159.

22 - باب في المملوكين يعتقان معا هل تخير امرأته

22 - باب فِي المَمْلُوكَيْنِ يُعْتَقانِ مَعًا هَلْ تُخَيَّرُ امْرَأَتُهُ 2237 - حَدَّثَنا زُهَيْرُ بْن حَرْبٍ وَنَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ المَجِيدِ، حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَوْهَبٍ، عَنِ القاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّها أَرادَتْ أَنْ تَعْتِقَ مَمْلُوكَيْنِ لَها زَوْجٌ قَالَ: فَسَأَلَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ فَأَمَرَها أَنْ تَبْدَأَ بِالرَّجُلِ قَبْلَ المَرْأَةِ. قَالَ نَصْرٌ: أَخْبَرَنِي أَبُوِ عَلِيٍّ الحَنَفِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ (¬1). * * * باب في المملوكين يعتقان معًا (¬2) هل تخير امرأته [2237] (ثنا زهير بن حرب، ونصر بن علي) بن نصر بن علي الجهضمي (قال زهير) بن حرب (ثنا عبيد الله) بالتصغير (ابن عبد المجيد) أبو علي الحنفي البصري (ثنا عبيد الله بن عبد الرحمن) بن عبد الله (بن موهب) بفتح الميم، قال أبو حاتم: صالح الحديث (¬3) (عن القاسم) بن محمد. (عن عائشة) رضي الله عنها (أنها أرادت أن تُعتِق) بضم أوله (مَملوكَينِ لها زوج) يعود على عائشة أي: فيجتمع لها عتق اثنين من جنس واحد (فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم -) ولفظ النسائي عن القاسم قال: كان لعائشة غلام وجارية، قالت: فأردت أن أعتقهما فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬4) ¬

_ (¬1) رواه النسائي 6/ 161، وابن ماجه (2532). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (386). (¬2) في النسخة الخطية: معها والمثبت من "السنن". (¬3) "الجرح والتعديل" 5/ 323. (¬4) "سنن النسائي" 6/ 161.

(فأمرها أن تبدأ بالرجل قبل المرأة) أي: تبدأ بعتق الرجل قبل المرأة. استدل به على أنه يستحب لمن له عبد وأمة متزوجان فأراد عتقهما أن يبدأ بعتق الرجل لئلا يثبت للمرأة خيار عليه فيفسخ نكاحه، ورواية الأثرم عن عائشة: أنه كان لها غلام وجارية، فقالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أريد أعتقهما (¬1). وعن صفية بنت أبي عبيد أنها فعلت ذلك وقالت للرجل: بدأت بعتقك لئلا يكون لها عليك خيار (¬2). (قال نصر) يعني: ابن علي في روايته (أخبرني أبو علي) عبيد الله بن عبد المجيد (الحنفي) البصري (عن عبيد الله) بن عبد الرحمن بن موهب. ¬

_ (¬1) وهي رواية ابن ماجه (2532). (¬2) انظر: "المغني" لابن قدامة 10/ 74، ورواه بنحوه عبد الرزاق 7/ 255، وابن أبي شيبة 9/ 171.

23 - باب إذا أسلم أحد الزوجين

23 - باب إِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ 2238 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ عَنْ إِسْرائِيلَ، عَنْ سِماكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسِ أَنَّ رَجُلًا جاءَ مُسْلِمًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ جاءَتِ امْرَأَتُهُ مُسْلِمَةً بَعْدَهُ فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّها قَدْ كَانَتْ أَسْلَمَتْ مَعي. فَرَدَّها عَلِيْهِ (¬1). 2239 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ أَخْبَرَني أَبُو أَحْمَدَ، عَنْ إِسْرائِيلَ، عَنْ سِماكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: أَسْلَمَتِ امْرَأَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَتَزَوَّجَتْ فَجاءَ زَوْجُها إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّي قَدْ كُنْتُ أَسْلَمْتُ وَعَلِمَتْ بِإِسْلامي. فانْتَزَعَها رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ زَوْجِها الآخَرِ وَرَدَّها إِلَى زَوْجِها الأَوَّلِ (¬2). * * * باب إذا أسلم أحد الزوجين [2238] (ثنا عثمان، حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن سماك) بن حرب (عن عكرمة، عن ابن عباس: أن رجلًا جاء مسلمًا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم جاءت امرأته مسلمة بعده فقال) الرجل: (يا رسول الله، إنها كانت أسلمت معي) يعني: ولم تخالفه زوجته، بل أقرته على ذلك (فردها عليه) أي: أجراه على النكاح الذي كان عليه. وقد استدل به على أن الزوجين إذا أسلما معًا دام نكاحهما على أيِّ كفرٍ كانا سواء كان قبل الدخول أو بعده. قال ابن عبد البر إنه إجماع من أهل العلم (¬3)، لهذا الحديث الذي ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1144). وضعفه الألباني في "الإرواء" (1918). (¬2) رواه ابن ماجه (2008). وضعفه الألباني في "الإرواء" (1918). (¬3) "التمهيد" 12/ 23.

صححه الترمذي بلفظه، ولأنه لم يوجد منهم اختلاف لا في الكفر ولا في الإسلام، وتعتبر المعية بآخر اللفظ الذي يصير به مسلمًا؛ لأن به يحصل الإسلام لا بأوله. قال الإمام: وهو أن يقترن آخر كلمة من إسلامه بآخر كلمة من إسلامها، ولا اعتبار بالأول، وحيث حكمنا بدوام النكاح فلا يضر؛ لمقارنة العقد الواقع بالكفر بمفسد هو زائل بالإسلام (¬1). [2239] (ثنا نصر بن علي قال: أخبرني أبو أحمد) محمد بن عبد الله بن الزبير، قال يحيى بن معين: سمي بذلك لجده الزبير، لا أنه من آل الزبير من قريش (عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: أسلمت امرأة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتزوجت) لفظ ابن ماجه: أن امرأة جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأسلمت فزوجها رجلًا. ويؤخذ من ظاهر الحديث أن المرأة إذا ادعت أنها لا زوج لها أو أنه طلقها وانقضت عدتها وأنها خلية عن الموانع الشرعية، وأنها لا ولي لها، ونحو ذلك أنها يقبل منها ذلك، وتزوج إذا لم يعلم مناقض لما ادعته. (فجاء زوجها) في حال الكفر، ولابن ماجه: فجاء زوجها الأول (إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إني قد كنت أسلمت) زاد ابن ماجه: معها (¬2) (وعلمت بإسلامي) في حين أسلمت وأنكرت (فانتزعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من زوجها الآخر) بكسر الخاء يعني: الثاني؛ لأن ¬

_ (¬1) "نهاية المطلب" 12/ 318. (¬2) "سنن ابن ماجه" (2008).

نكاحها باطل (وردها إلى زوجها الأول) قال الخطابي: فيه دليل على أن النكاح متى علم بين الزوجين وادعت المرأة الفرقة فإن القول في ذلك قول الزوج، وإن قولها في إبطال النكاح غير مقبول، والشك لا يزحم باليقين (¬1). يعني: كما إذا تيقن الطهارة وشك في الحدث، أو تيقن الحدث وشك في الطهارة فإنه يبني على اليقين. ¬

_ (¬1) "معالم السنن" 3/ 149 - 150.

24 - باب إلى متى ترد عليه امرأته إذا أسلم بعدها؟

24 - باب إلَى مَتَى تُرَدُّ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ إِذَا أَسْلَمَ بَعْدَها؟ 2240 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ ح وَحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرّازِيُّ، حَدَّثَنا سَلَمَةُ يَعْنِي ابن الفَضْلِ، ح وَحَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ، حَدَّثَنا يَزِيدُ - المَعْنَى - كُلُّهُمْ عَنِ ابن إِسْحاقَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: رَدَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ابنتَهُ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي العاصِي بِالنِّكاحِ الأَوَّلِ لَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو في حَدِيثِهِ: بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ. وقَالَ الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ: بَعْدَ سَنَتَيْنِ (¬1). * * * باب إلى متى ترد عليه امرأته إذا أسلم بعدها [2240] (ثنا عبد الله بن محمد النفيلي، ثنا محمد بن سلمة وثنا) أيضًا (محمد بن عمرو) بن بكر التميمي العدوي (الرازي) شيخ مسلم (ثنا سلمة) ابن الفضل الأبرش الأنصاري قاضي الري، قال محمد بن سعد: كان ثقة صدوقًا (¬2)، وهو صاحب مغازي محمد بن إسحاق، روى عنه "المبتدأ" و"المغازي" وكان مؤدبًا، وكان يقال: إنه مِن أخشع الناسِ في الصلاة، وكان يخطِئ ويخالف. (وثنا الحسن بن علي، ثنا يزيد) بن هارون الواسطي الحافظ (المعنى كلهم) وزاد الترمذي من طريق هناد، عن يونس بن بكير، عن محمد بن ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1143)، وابن ماجه (2009). قال الألباني في "صحيح أبي داود" (1938): صحيح دون ذكر السنين. (¬2) "الطبقات" لابن سعد 7/ 381.

إسحاق أيضًا (عن) محمد (بن إسحاق) صاحب المغازي (عن داود بن الحصين) القرشي، مولى عمر بن عثمان بن عفان القرشي (عن عكرمة، عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال: رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زينب على) زوجها (أبي العاص) اسمه على الأصح لقيط بن الربيع بن عبد العزى صهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن أخت خديجة بنت خويلد، وكان أُسِرَ يوم بدر (بالنكاح الأول لم يُحدِث شيئًا) قال بعضهم: معناه ردها عليه بالنكاح أي بمثل النكاح الأول في الصداق والحِبَاء لم يحدث زيادة على ذلك من شرط ولا غيره، وفي هذا جمع بين هذا الحديث، وبين ما رواه الترمذي وابن ماجه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ابنته على أبي العاص بن الربيع بمهر جديد ونكاح جديد (¬1). قال الترمذي: في إسناده مقال (¬2)، وقال أحمد: هذا حديث ضعيف. والحديث الصحيح الذي روي: أنه أقرهما على النكاح الأول (¬3). وقال الدارقطني: حديث عمرو بن العاص لا يثبت، والصواب حديث ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ردها بالنكاح الأول (¬4). وقال البخاري: حديث ابن عباس أصح في هذا الباب من حديث عمرو بن شعيب (¬5). ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (1142)، و"سنن ابن ماجه" (2010). (¬2) "سنن الترمذي" (1142). (¬3) "مسند أحمد" 2/ 207. (¬4) "سنن الدارقطني" 3/ 253 - 254. (¬5) انظر: "علل الترمذي الكبير" 5/ 206.

قال الخطابي: إنما ضعفوا حديث عمرو بن شعيب مِن قِبَلِ الحجَّاجِ بنِ أرطاة؛ لأنه معروف بالتدليس (¬1). (وقال محمد بن عمرو) الراوي، أحد الرواة (في حديثه: ) ردها عليه (بعد ست سنين. وقال الحسن بن علي) الحلواني شيخ المصنف: ردها عليه (بعد سنتين) زاد ابن ماجه: بنكاحها الأول (¬2)، وكذا في رواية الترمذي: بعد ست سنين بالنكاح الأول، ولم يحدث شيئًا (¬3). قال ابن عبد البر: لم يختلف العلماء في أنه إذا أسلم أحد الزوجين وتخلف الآخر حتى انقضت عدة المرأة انفسخ النكاح إلا شيء عن النخعي شذ فيه عن جماعة العلماء ولم يتبعه عليه أحد، زعم أنها ترد إلى زوجها وإن طالت المدة (¬4). قال ابن عبد البر في رد أبي العاص إلى امرأته: لا يخلو من أن يكون قبل نزول تحريم المسلمات على الكفار، يعني: في قوله تعالى: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} (¬5)، وقوله: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} (¬6) فيكون منسوخًا بما جاء بعده أو تكون حاملًا استمر حملها حتى أسلم زوجها، أو مريضة لم تحض ثلاث حيضات حتى أسلم، أو تكون ردت إليه بنكاح جديد؛ لما روى ابن أبي شيبة عن عمرو بن شعيب أنه ردها إليه بنكاح ¬

_ (¬1) "معالم السنن" المطبوع مع "مختصر السنن" 3/ 151 - 152. (¬2) "سنن ابن ماجه" (2009). (¬3) "سنن الترمذي" (1143) وفي المتن "لم يحدث نكاحًا". (¬4) "التمهيد" لابن عبد البر 12/ 23. (¬5) الممتحنة: 10. (¬6) الممتحنة: 10.

جديد (¬1) يعني: ويؤول حديث ابن عباس بما تقدم أولًا (¬2) ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق 7/ 171 (12648)، وابن ماجه (2010)، والترمذي (1142)، وأحمد 2/ 207. (¬2) "التمهيد" 12/ 23 - 24.

25 - باب في من أسلم وعنده نساء أكثر من أربع أو أختان.

25 - باب فِي مَنْ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ نِساءٌ أَكْثَرُ منْ أَرْبَعٍ أَوْ أُخْتانِ. 2241 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، ح وَحَدَّثَنا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، أَخْبَرَنا هُشَيْمٌ، عَنِ ابن أَبِي لَيْلَى، عَنْ حُمَيْضَةَ بْنِ الشَّمَرْدَلِ، عَنِ الحارِثِ بْنِ قَيْسٍ - قَالَ مُسَدَّدٌ: ابن عُمَيْرَةَ. وقَالَ وَهْبٌ: الأَسَدِيِّ - قَالَ: أَسْلَمْتُ وَعِنْدِي ثَمانُ نِسْوَةٍ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَحَدَّثَنا بِهِ أَحْمَدُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا هُشَيْمٌ بهذا الحَدِيثِ فَقَالَ: قَيْسُ بْنُ الحارِثِ مَكانَ الحارِثِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ أَحْمَدُ بْن إِبْراهِيمَ هذا الصَّوابُ. يَعْنِي قَيْسَ بْنَ الحارِثِ (¬1). 2242 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا بَكْرُ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ قاضِي الكُوفَةِ، عَنْ عِيسَى بْنِ المُخْتارِ، عَنِ ابن أَبِي لَيْلَى، عَنْ حُمَيْضَةَ بْنِ الشَّمَرْدَلِ عَنْ قَيْسِ بْنِ الحارِثِ بِمَعْناهُ (¬2). 2243 - حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ, عَنْ أَبِي وَهْبٍ الجَيْشانِيِّ، عَنِ الضَّحّاكِ بْنِ فَيْرُوزَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أَسْلَمْتُ وَتَحْتِي أُخْتانِ. قَالَ: "طَلِّقْ أَيَّتَهُما شِئْتَ" (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (1952). وحسنه الألباني في "الإرواء" (1885). (¬2) رواه ابن ماجه (1952). وحسنه الألباني في "الإرواء" (1885). (¬3) رواه الترمذي (1129)، وابن ماجه (1950). وحسنه الألباني في "الإرواء" (1915).

باب فيمن أسلم وعنده نساء أكثر من أربع [2241] (ثنا مسدد، وثنا وهب بن بقية) الواسطي شيخ مسلم (أخبرنا هشيم، عن) محمد بن عبد الرحمن (بن أبي ليلى) القاضي (عن حميضة) بضم الحاء المهملة وفتح الميم وبعد ياء التصغير ضاد معجمة (بن الشمرذل) بفتح الشين والذال المعجمتين (¬1)، الأسدي، ويقال: بنت الشمردل و (¬2) الشمردل في اللغة: الرجل الطويل، وهو أسدي كوفي مقبول. (عن الحارث بن قيس، قال مسدد) هو الحارث بن قيس (ابن عَميرة) (¬3) يعني: بفتح العين وكسر الميم. (وقال وهب) بن بقية هو الحارث بن قيس (الأسدي) قال أبو القاسم البغوي: لا أعلم للحارث ابن قيس حديثًا غير هذا (¬4). وقال أبو عمر النمري: ليس له إلا حديث واحد، ولم يأت من وجه صحيح (¬5). (قال: أسلمت وعندي ثمان نسوة) كن معي في الكفر (فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: اختر منهن أربعًا) وفارق سائرهن كما في رواية غيلان، يعني: فارق باقيهن. وقد استدل بهذا الحديث وحديث غيلان على أن الكافر إذا أسلم ¬

_ (¬1) ويقال الشمردل بالدال المهملة، وهو أكثر. (¬2) في النسخة: بن. وهو خطأ. (¬3) في النسخة الخطية: عمير. والمثبت من المصادر. (¬4) "معجم الصحابة" للبغوي (460). (¬5) "الاستيعاب" 1/ 363.

وتحته أكثر من أربع نسوة فأسلمن قبل الدخول أو أسلمن بعد الدخول في عدتهن أو كن كتابيات لم يكن له (¬1) إمساكهن كلهن بلا خلاف، ولا يملك إمساك أكثر من أربع؛ لقوله: "اختر أربعًا"، فإذا أحب ذلك اختار منهن أربعًا، والأصحاب كالمجتمعين على وجوب الاختيار حملًا للأمر في قوله: "اختر" للوجوب؛ فإن بعضهم أفهم من قوله: "اختر" للإباحة، وقوله: "فارق سائرهن" للوجوب، ولا فرق في ذلك عند مالك والشافعي وأحمد بين أن يتزوجهن في الشرك في عقد أو عقود، وسواء اختار الأوائل أو الأواخر (¬2). وقال أبو حنيفة: إن كان تزوجهن في عقد انفسخ نكاحهن جميعهن، وإن كان في عقود فنكاح الأول صحيح، ونكاح ما زاد على أربع باطل (¬3). [2242] (وثنا أحمد بن إبراهيم) البغدادي الدورقي، شيخ مسلم (ثنا هشيم بهذا الحديث فقال) فيه (عن قيس بن الحارث مكان الحارث بن قيس) الأسدي. (قال أحمد بن إبراهيم: وهذا هو الصواب يعني: قيس بن الحارث) قال عبد الحق في "الأحكام": هو قيس بن الحارث (¬4). يعني: ابن جدار الأسدي. (ثنا أحمد بن إبراهيم) الدورقي (ثنا بكر بن عبد الرحمن) ويقال: ابن ¬

_ (¬1) سقطت من النسخة الخطية. (¬2) "المدونة" 2/ 222، "الأم" 7/ 592 - 593، وانظر: "المغني" 10/ 15. (¬3) انظر: "المبسوط" 5/ 53. (¬4) "الأحكام الوسطى" 3/ 128.

عبيد الأنصاري (قاضي الكوفة) وهو ثقة (¬1) (عن عيسى بن المختار، عن) محمد بن عبد الرحمن (بن أبي ليلى، عن حميضة بن الشمرذل، عن قيس بن الحارث بمعناه) المتقدم دون لفظه. [2243] (ثنا يحيى بن معين) بفتح الميم المري، إمام المحدثين شيخ الشيخين (ثنا وهب بن جرير، عن أبيه) جرير بفتح الجيم بن حازم، الأزدي (قال: سمعت يحيى بن أيوب) الغافقي المصري (يحدث عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي وهب) قال الترمذي: اسمه الديلم بن الهوشع (¬2)، وكذا قال البخاري (¬3)، وقيل: الهوشع بن الديلم، مقبول (الجيشاني) بفتح الجيم والشين المعجمة، نسبة إلى جيشان بن عبدان بن حجر بن ذي رُعين، قبيلة كبيرة من اليمن. (عن الضحاك بن فيروز) الديلمي أخو عباس بن فيروز وعبد الله بن فيروز، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4). قال البخاري: الضحاك بن فيروز، عن أبيه، روى عنه أبو وهب الجيشاني لا يعرف سماع بعضهم من بعض (¬5). (عن أبيه) فيروز الديلمي قاتِل الأسود العنسي الكذَّاب، وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم - (قال: قلت: يا رسول الله، إني أسلمت وتحتي أختان. قال: ¬

_ (¬1) انظر: "الكاشف" 1/ 162. (¬2) "سنن الترمذي" (1130). (¬3) "التاريخ الكبير" 3/ 249. (¬4) "الثقات" لابن حبان 4/ 387. (¬5) "التاريخ الكبير" 4/ 333.

طلِّقْ) لفظ الترمذي: "اختر" (أيتهما) بفتح الياء المشددة وتاء التأنيث (شئت) ولابن ماجه من طريق أبي خِراش الرعيني عن الديلمي قال: قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعندي أختان تزوجتهما في الجاهلية فقال: "إذا رجعت فطلق إحداهما" (¬1). حسنه الترمذي (¬2)، وصححه البيهقي (¬3). وقد استدل به على جواز أن الكافر إذا أسلم وتحته أختان اختار منهما واحدة للحديث، ولأن أنكحة الكفار صحيحة، وإنما حرم الجمع في الإسلام، وقد أزاله بطلاق إحداهما، وصح النكاح كما لو طلق إحداهما قبل إسلامه (¬4)، ثم أسلم والأخرى في حياله، وهكذا الحكم في المرأة وعمتها أو خالتها، وبهذا قال الجمهور. وقال أبو حنيفة في هذِه كما (¬5) تقدم في أكثر من أربع نسوة. كما تقدم (¬6). ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (1950). (¬2) "سنن الترمذي" (1130). (¬3) صحح البيهقي في "الكبرى" 7/ 184 طريق يزيد بن أبي حبيب عن أبي وهب عن الضحاك به. (¬4) في النسخة الخطية: أبيه لأمه. والمثبت الملائم للصواب. (¬5) في النسخة: في. والمثبت هو الصواب. (¬6) انظر: "بدائع الصنائع" 2/ 314.

26 - باب إذا أسلم أحد الأبوين مع من يكون الولد

26 - باب إِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الأَبوَيْنِ مَعَ منْ يَكُونُ الوَلَدُ 2244 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى الرازِيُّ، أَخْبَرَنا عِيسَى، حَدَّثَنا عَبْدُ الحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ جَدَّي رافِعِ بْنِ سِنانٍ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَأَبَتِ امْرَأَتُهُ أَنْ تُسْلِمَ فَأَتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتِ: ابنتَي وَهَيَ فَطِيمٌ أَوْ شِبْهُهُ، وقَالَ رافِعٌ: ابنتَي. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اقْعُدْ ناحِيَةً". وقَالَ لَها: "اقْعُدِي ناحِيَةً". قَالَ: وَأَقْعَدَ الصَّبِيَّةَ بَيْنَهُما ثُمَّ قَالَ: "ادْعُواها". فَمالَتِ الصَّبِيَّةُ إِلَى أُمِّها فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ اهْدِها". فَمالَتِ الصَّبِيَّةُ إِلَى أَبِيها فَأَخَذَها (¬1). * * * باب إذا أسلم أحد الأبوين مع من يكون الولد [2244] (ثنا إبراهيم بن موسى الرازي) الحافظ (أنا عيسى) بن يونس بن أبي إسحاق عمرٍو الهمداني (ثنا عبد الحميد بن جعفر) بن عبد الله بن الحكم بن رافع بن سنان الأنصاري، أخرج له مسلم (قال: أخبرني أبي) جعفر بن عبد الله بن الحكم بن رافع (عن جدي) الأعلى (رافع بن سنان) أبي الحكم الأنصاري الأوسي، له هذا الحديث فقط. (أنه أسلم وأبتِ امرأتُه أن تسلِم، فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: ابنتي) وقع عند الدارقطني أن هذِه البنت اسمها عميرة (¬2) (وهي فطيم أو شبهه وقال) زوجها (رافع) ابن سنان: بل هي (ابنتي) ورواية النسائي: فجاء ابن لها صغير ولم يبلغ (¬3). قال ابن الجوزي: رواية من روى أنه كان غلامًا ¬

_ (¬1) رواه النسائي 6/ 185. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1941). (¬2) "سنن الدارقطني" 4/ 43. (¬3) "سنن النسائي" 6/ 185.

أصح. قال ابن القطان: لو صح رواية من روى أنها بنت لاحتمل أن تكون قضيتين لاختلاف المخرجين (¬1). (فقال له) أي: لرافع (النبي - صلى الله عليه وسلم -: اقعد ناحية) وللنسائي: فأجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - الأب ها هنا (¬2) (وقال لها) أي للأم (اقعدي ناحية) أخرى (وأقعد الصبية بينهما، ثم قال) لأبيها وأمها (ادعواها) إليكما، فيه حذف تقديره: فدعواها (فمالت الصبية إلى أمها) وهي مُشرِكة. استدل بهذا الحديث على أن المميز إذا افترق أبواه مع أهليتهما لكفالته ومقامهما في بلد واحد يكون الولد عند من يختار منهما سواء كان الولد غلامًا أو جارية، وقد استدل بهذِه الرواية ابن القاسم وأبو ثور وأصحاب الرأي، على أن الأم الكافرة تلي حضانة المسلم (¬3)، ويخير المميز بين أمه الكافرة وأبيه المسلم، وقال مالك والشافعي وأحمد: لا حضانة للكافرة على المسلم، ولا يخير بينهما، بل المسلم أحق به (¬4). قال البيهقي بعدما روى هذا الحديث: هذا حديث صحيح الإسناد. وفي هذا إثبات التخيير بين الأبوين وإن كان أحدهما غير مسلم، قال: وإليه ذهب أبو سعيد الإصطخري من أصحابنا قال: وقد ألزم الشافعي الحنفية روايتهم هذا الحديث في التخيير لإنكارهم التخيير (¬5). ¬

_ (¬1) "بيان الوهم والإيهام" 3/ 515. (¬2) "سنن النسائي" 6/ 185. (¬3) انظر: "المبسوط" 5/ 197. (¬4) "المدونة" 2/ 359، وانظر: "روضة الطالبين" 9/ 98، "المغني" 11/ 412 - 413. (¬5) "مختصر الخلافيات" للبيهقي 4/ 321.

وأجاب الشافعي والقائلون أنه لا تخيير بين من أحد أبويه كافر؛ فإن في إسناده مقال كما قال ابن المنذر (¬1)، وعلى القول بالصحة يحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - علم أنها تختار أباها المسلم بدعوته: اللهم اهدها، فكان ذلك خاصًّا في حقه (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: اللهم اهدها) يعني: إلى جهة الإسلام (فمالت) فيه حذف تقديره: فهداها الله بدعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - فمالت (إلى أبيها) المسلم (فأخذها) وقد يستدل به على أن الولد إذا مال إلى أحد أبويه ثم اختار الآخر سلم إليه سواء تسلمه من اختاره أولًا أو لم يتسلمه، فإن عاد واختار الأول أعيد إليه، وهكذا أبدًا كلما اختار أحدهما صار إليه. قال الماوردي: وعلى هذا أبدًا كلما اختار واحدًا حول إليه (¬2)؛ لأنه اختار شهوة لحظ نفسه فاتبع ما يشتهيه كما يتبع ما يشتهيه في المأكول والمشروب بخلاف اختيار أحد الشخصين عند اشتباه يشبه بينهما حيثما لا يعود إلى الآخر إذا اختاره، وظاهر الحديث أنه إذا اختار أحدهما حول إليه وإن لم يطلبه ذلك الآخر، وظاهر نص الشافعي في "المختصر" أنه لا يسلم إليه إلا إذا اختاره (¬3). قال في "المطلب": وعليه جرى الأصحاب. ¬

_ (¬1) "الأوسط" 9/ 96 - 97. (¬2) "الحاوي الكبير" 11/ 509. (¬3) "المختصر" 8/ 340.

27 - باب في اللعان

27 - باب فِي اللِّعانِ 2245 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السّاعِدِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُوَيْمِرَ بْنَ أَشْقَرَ العَجْلانّي جاءَ إِلَى عاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ فَقَالَ لَهُ: يا عاصِمُ أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ سَلْ لِي يا عاصِمُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عنْ ذَلِكَ. فَسَأَلَ عاصِمٌ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَكَرِهَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - المَسائِلَ وَعابَها، حَتَّى كَبُرَ عَلَى عاصِمٍ ما سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمّا رَجَعَ عاصِمٌ إِلَى أَهْلِهِ جاءَهُ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ لَهُ: يا عاصِمُ ماذا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ عاصِمٌ: لَمْ تَأْتِنِي بِخَيْرٍ قَدْ كَرِهَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - المَسْأَلَةَ التِي سَأَلْتُهُ عَنْها. فَقَالَ عُوَيْمِرٌ: والله لا أَنْتَهِي حَتَّى أَسْأَلَهُ عَنْها. فَأَقْبَلَ عُوَيْمِرٌ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ وَسَطَ النّاسِ فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ أُنْزِلَ فِيكَ وَفِي صاحِبَتِكَ قُرْآنٌ فاذْهَبْ فَأْتِ بِها". قَالَ سَهْلٌ: فَتَلاعَنا وَأَنا مَعَ النّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمّا فَرَغا قَالَ عُوَيْمِرٌ: كَذَبْتُ عَلِيْها يا رَسُولَ اللهِ إِنْ أَمْسَكْتُها. فَطَلَّقَها عُوَيْمِرٌ ثَلاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ ابن شِهابٍ: فَكَانَتْ تِلْكَ سُنَّةَ المُتَلاعِنَيْنِ (¬1). 2246 - حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ - يَعْنِي: ابن سَلَمَةَ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ حَدَّثَنِي عَبّاسُ بْنُ سَهْلٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِعاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ: "أَمْسِكِ المَرْأَةَ عِنْدَكَ حَتَّى تَلِدَ" (¬2). 2247 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السّاعِدِيِّ قَالَ: حَضَرْتُ لِعانَهُما عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وأَنا ابن ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4745)، ومسلم (1492). (¬2) رواه أحمد 5/ 335. وحسنه الألباني "صحيح أبي داود" (1943).

خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَسَاقَ الحَدِيثَ قَالَ: فِيهِ ثُمَّ خَرَجَتْ حامِلًا فَكَانَ الوَلَدُ يُدْعَى إِلَى أُمِّهِ (¬1). 2248 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الوَرَكانِيُّ، أَخْبَرَنا إِبْراهِيمُ - يَعْنِي: ابن سَعْدٍ - عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي خَبَرِ المُتَلاعِنَيْنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَبْصِرُوها فَإِنْ جاءَتْ بِهِ أَدْعَجَ العَيْنَيْنِ عَظِيمَ الأَلْيَتَيْنِ فَلا أُراهُ إِلَّا قَدْ صَدَقَ وَإِنْ جاءَتْ بهِ أُحَيْمِرَ كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ فَلا أُراهُ إِلَّا كَاذِبًا". قَالَ: فَجاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ المَكْرُوهِ (¬2). 2249 - حَدَّثَنا مَحْمُودُ بْنُ خالِدٍ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنا الفِرْيابِيُّ، عَنِ الأَوْزاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السّاعِدِيِّ بهذا الخَبَرِ قَالَ: فَكَانَ يُدْعَى - يَعْنِي الوَلَدَ - لأُمِّهِ (¬3). 2250 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ عَنْ عِياضِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الفِهْرِيِّ وَغَيْرِهِ عَنِ ابن شِهابٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي هذا الخَبَرِ قَالَ: فَطَلَّقَها ثَلاثَ تَطلْيقاتٍ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَنْفَذَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَ ما صُنِعَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سُنَّةً. قَالَ سَهْلٌ حَضَرْتُ هذا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَمَضَتِ السُّنَّةُ بَعْدُ فِي المُتَلاعِنَيْنِ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُما ثُمَّ لا يَجْتَمِعانِ أَبَدًا (¬4). 2251 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَوَهْبُ بْنُ بَيانٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ وَعَمْرُو بْنُ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6854) دون آخره. وآخره رواه البخاري (4746)، ومسلم (1492). وصححه الألباني في "الإرواء" (2100). (¬2) رواه البخاري (4745). (¬3) رواه البخاري (5309)، ومسلم (1492). (¬4) رواه ابن شبة في "تاريخ المدينة" 2/ 386، وأبو عوانة في "مستخرجه" (4676). وصححه الألباني "صحيح أبي داود" (1947).

عُثْمانَ قالُوا: حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ. قَالَ مُسَدَّدٌ قَالَ شَهِدْتُ المُتَلاعِنَيْنِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنا ابن خَمْسَ عَشْرَةَ فَفَرَّقَ بَيْنَهُما رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ تَلاعَنا. وَتَمَّ حَدِيثُ مُسَدَّدٍ. وقَالَ الآخَرُونَ إِنَّهُ شَهِدَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَرَّقَ بَيْنَ المُتَلاعِنَيْنِ فَقَالَ الرَّجُلُ: كَذَبْتُ عَلَيْها يا رَسُولَ اللهِ إِنْ أَمْسَكْتُها - لَمْ يَقُلْ بَعْضُهُمْ عَلَيْها - قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَمْ يُتابِعِ ابن عُيَيْنَةَ أَحَدٌ عَلَى أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ المُتَلاعِنَيْنِ (¬1). 2252 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ دَاوُدَ العَتَكِيُّ، حَدَّثَنا فُلَيْحٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي هذا الحَدِيثِ وَكَانَتْ حامِلًا فَأَنْكَرَ حَمْلَها فَكَانَ ابنها يُدْعَى إِلَيْها ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّةُ فِي المِيراثِ أَنْ يَرِثَها وَتَرِثَ مِنْهُ ما فَرَضَ الله - عز وجل - لَها (¬2). 2253 - حَدَّثَنا عثْمان بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: إِنّا لَلَيْلَةُ جُمْعَةٍ فِي المَسْجِدِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصارِ فِي المَسْجِدِ فَقَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَتَكَلَّمَ بِهِ جَلَدْتُمُوهُ أَوْ قَتَلَ قَتَلْتُمُوهُ! فَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى غَيْظٍ والله لأَسْأَلَنَّ عَنْهُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَلَمّا كَانَ مِنَ الغَدِ أَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلَهُ فَقَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَتَكَلَّمَ بِهِ جَلَدْتُمُوهُ أَوْ قَتَلَ قَتَلْتُمُوهُ أَوْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى غَيْظٍ. فَقَالَ: "اللَّهُمَّ افْتَحْ". وَجَعَلَ يَدْعُو فَنَزَلَتْ آيَةُ اللِّعانِ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} هذِه الآيَةُ فابْتُلِيَ بِهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْنِ النّاسِ فَجاءَ هُوَ وامْرَأَتُهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَتَلاعَنا فَشَهِدَ الرَّجُلُ أَرْبَعَ شَهاداتٍ باللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ ثُمَّ لَعَنَ الخامِسَةَ عَلِيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الكَاذِبِينَ، قَالَ: فَذَهَبَتْ لِتَلْتَعِنَ فَقَالَ لَها النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَهْ". فَأَبَتْ فَفَعَلَتْ فَلَمَّا أَدْبَرا قَالَ: "لَعَلَّها أَنْ تَجِيءَ بِهِ أَسْوَدَ جَعْدًا". فَجاءَتْ بِهِ أَسْوَدَ جَعْدًا (¬3). 2254 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشّارٍ، حَدَّثَنا ابن أَبِي عَدِيٍّ، أَخْبَرَنا هِشامُ بْنُ حَسّانَ، ¬

_ (¬1) أوله رواه البخاري (6854). وآخره رواه البخاري (5259)، ومسلم (1492). (¬2) رواه البخاري (4746)، ومسلم (1492). (¬3) رواه مسلم (1495).

حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّ هِلالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِشَرِيكِ بْنِ سَحْماءَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "البَيِّنَةَ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ". قَالَ: يا رَسُولَ اللهِ إِذا رَأى أَحَدُنا رَجُلًا عَلَى امْرَأَتِهِ يَلْتَمِسُ البَيِّنَةَ فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "البَيِّنَةَ وَإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِكَ". فَقَالَ هِلالٌ: والَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ نَبِيًّا إِنِّي لَصادِقٌ وَلَيُنْزِلَنَّ اللهُ فِي أَمْرِي ما يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنَ الحَدِّ فَنَزَلَتْ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ {لَمِنَ الصَّادِقِينَ} فانْصَرَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَرْسَلَ إِلَيْهِما فَجاءا فَقامَ هِلالُ بْنُ أُمَيَّةَ فَشَهِدَ والنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "اللهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُما كاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُما مِنْ تائِبٍ". ثُمَّ قامَتْ فَشَهِدَتْ فَلَمّا كانَ عِنْدَ الخامِسَةِ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ كَانَ مِنَ الصّادِقِينَ وَقَالُوا لَها إِنَّها مُوجِبَةٌ. قَالَ ابن عَبَّاسٍ فَتَلَكَّأَتْ وَنَكَصَتْ حَتَّى ظَنَنّا أَنَّها سَتَرْجِعُ فَقَالَتْ: لا أَفْضَحُ قَوْمِي سائِرَ اليَوْم. فَمَضَتْ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَبْصِرُوها فَإِنْ جاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ العَيْنَيْنِ سابِغَ الأَلْيَتَيْنِ خَدَلَّجَ السّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ بْنِ سَحْماءَ". فَجاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْلا ما مَضَى مِنْ كِتابِ اللهِ لَكانَ لِي وَلَها شَأْنٌ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وهذا مِمّا تَفَرَّدَ بِهِ أَهْلُ المَدِينَةِ حَدِيثُ ابن بَشّارٍ حَدِيثُ هِلالٍ (¬1). 2255 - حَدَّثَنا مَخْلَدُ بْنُ خالِدٍ الشَّعِيرِيُّ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ عاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ رَجُلًا حِينَ أَمَرَ المُتَلاعِنَيْنِ أَنْ يَتَلاعَنا أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ عِنْدَ الخامِسَةِ يَقُولُ إِنَّها مُوجِبَةٌ (¬2). 2256 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ، حَدَّثَنا عَبّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: جاءَ هِلالُ بْنُ أُمَيَّةَ وَهُوَ أَحَدُ الثَّلاثَةِ الذِينَ تابَ اللهُ عَلَيهِمْ فَجاءَ مِنْ أَرْضِهِ عَشِيًّا فَوَجَدَ عِنْدَ أَهْلِهِ رَجُلًا فَرَأى بِعَينَيْهِ وَسَمِعَ بِأُذُنَيْهِ فَلَمْ يَهِجْهُ حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ غَدا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ إِنِّي جِئْتُ أَهْلِي ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4747). (¬2) رواه النسائي 6/ 175. وصححه الألباني "صحيح أبي داود" (1952).

عِشاءً فَوَجَدْتُ عِنْدَهُمْ رَجُلًا فَرَأَيْتُ بِعَيْنِي وَسَمِعْتُ بِأُذُنِي فَكَرِهَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ما جاءَ بِهِ واشْتَدَّ عَلِيْهِ فَنَزَلَتْ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} الآيَتَيْنِ كِلْتَيْهِما فَسُرَّيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "أَبْشِرْ يا هِلالُ قَدْ جَعَلَ اللهُ - عز وجل - لَكَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا". قَالَ هِلالٌ: قَدْ كُنْتُ أَرْجُو ذَلِكَ مِنْ رَبِّي. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَرْسِلُوا إِلَيْها". فَجاءَتْ فَتَلا عَلِيْهِما رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَذَكَّرَهُما وَأَخْبَرَهُما أَنَّ عَذابَ الآخِرَةِ أَشَدُّ مِنْ عَذابِ الدُّنْيا فَقَالَ هِلالٌ: والله لَقَدْ صَدَقْتُ علَيْها. فَقالَتْ: قَدْ كَذَبَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لاعِنُوا بَيْنَهُما". فَقِيلَ لِهِلالٍ: اشْهَدْ. فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ باللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ فَلَمّا كَانَتِ الخامِسَةُ قِيلَ لَهُ: يا هِلالُ اتَّقِ اللهَ فَإِنَّ عَذابَ الدُّنْيا أَهْوَنُ مِنْ عَذابِ الآخِرَةِ وَإِنَّ هذِه المُوجِبَةُ التِي تُوجِبُ عَلَيْكَ العَذابَ. فَقَالَ: والله لا يُعَذِّبُنِي اللهُ عَلَيْها كَما لَمْ يَجْلِدْنِي عَلَيْها. فَشَهِدَ الخامِسَةَ أَنَّ لَعْنَةَ اللهِ عَلِيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الكاذِبِينَ ثُمَّ قِيلَ لَها: اشْهَدِي. فَشَهِدَتْ أَرْبَعَ شَهاداتٍ باللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الكاذِبِينَ فَلَمّا كَانَتِ الخامِسَةُ قِيلَ لَها: اتَّقِي اللهَ فَإِنَّ عَذابَ الدُّنْيا أَهْوَنُ مِنْ عَذابِ الآخِرَةِ وَإِنَّ هذِه المُوجِبَةُ التِي تُوجِبُ عَلَيْكِ العَذابَ. فَتَلَكَّأَتْ ساعَةً ثُمَّ قَالَتْ: والله لا أَفْضَحُ قَوْمِي فَشَهِدَتِ الخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلِيْها إِنْ كانَ مِنَ الصّادِقِينَ، فَفَرَّقَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَهُما وَقَضَى أَنْ لا يُدْعَى وَلَدُها لأبٍ وَلا تُرْمَى وَلا يُرْمَى وَلَدُها وَمَنْ رَماها أَوْ رَمَى وَلَدَها فَعَلَيْهِ الحَدُّ وَقَضَى أَنْ لا بَيْتَ لَها عَلَيْهِ وَلا قُوتَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُما يَتَفَرَّقانِ مِنْ غَيْرِ طَلاقٍ وَلا مُتَوَفَّى عَنْها وقَالَ: "إِنْ جاءَتْ بِهِ أُصَيْهِبَ أُرَيْصِحَ أُثَيْبِجَ حَمْشَ السّاقَيْنِ فَهُوَ لِهِلالٍ وَإِنْ جاءَتْ بِهِ أَوْرَقَ جَعْدًا جُمالِيًّا خَدَلَّجَ السّاقَيْنِ سابِغَ الأَلْيَتَيْنِ فَهُوَ لِلَّذِي رُمِيَتْ بِهِ فَجاءَتْ بِهِ أَوْرَقَ جَعْدًا جُمالِيًّا خَدَلَّجَ السّاقَيْنِ سابِغَ الأَلْيَتَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْلا الأَيْمانُ لَكانَ لي وَلَها شَأْنٌ". قَالَ عِكْرِمَةُ: فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَمِيرًا عَلَى مُضَرَ وَما يُدْعَى لأَبٍ (¬1). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 238، والطيالسي (2789)، وابن شبة في "تاريخ المدينة" 2/ 379، وأبو يعلى (2740). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (388).

2257 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: سَمِعَ عَمْرٌو سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابن عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِلْمُتَلاعِنَيْنِ: "حِسابُكُما عَلَى اللهِ أَحَدُكُما كاذِبٌ لا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْها". قَالَ: يا رَسُولَ اللهِ مالِي. قَالَ: "لا مالَ لَكَ إِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْها فَهُوَ بِما اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِها وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْها فَذَلِكَ أَبْعَدُ لَكَ" (¬1). 2258 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ، حَدَّثَنا أَيُّوبُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لابْنِ عُمَرَ: رَجُلٌ قَذَفَ امْرَأَتَهُ. قَالَ: فَرَّقَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ أَخَوي بَنِي العَجْلانِ وقَالَ: "اللهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُما كاذِبٌ. فَهَلْ مِنْكُما تائِبٌ". يُرَدِّدُها ثَلاثَ مَرّاتٍ فَأَبَيا فَفَرَّقَ بَيْنَهُما (¬2). 2259 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا لاعَنَ امْرَأَتَهُ فِي زَمانِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وانْتَفَى مِنْ وَلَدِها فَفَرَّقَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَهُما وَأَلْحَقَ الوَلَدَ بِالمَرْأَةِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: الذِي تَفَرَّدَ بِهِ مالِكٌ قَوْلُهُ: "وَأَلْحَقَ الوَلَدَ بِالمَرْأَةِ". وقَالَ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ في حَدِيثِ اللِّعانِ وَأَنْكَرَ حَمْلَها فَكَانَ ابنها يُدْعَى إِلَيْها (¬3). * * * باب في اللعان [2245] (ثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، عن مالك، عن) محمد (بن شهاب) الزهري (أن سهل بن سعد) بن مالك (الساعدي) الصحابي (أخبره) قال الزهري: قلت لسهل بن سعد: ابن كم أنت يومئذٍ؟ يعني: يوم ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5312)، ومسلم (1493). (¬2) رواه البخاري (5311)، ومسلم (1493). (¬3) رواه البخاري (4748)، ومسلم (1494).

المتلاعنين. قال: ابن خمس عشرة سنة. قال الواقدي: مات سنة إحدى وتسعين وهو آخر من مات بالمدينة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمره يوم مات مائة سنة (¬1). (أن عويمر بن أشقر) كذا قال بعضهم، والأصح كما في "الاستيعاب" (¬2) وغيره: أن عويمر بن أبيض بن أشقر العجلاني الأنصاري (العجلاني) بفتح العين وسكون الجيم، كذا للسمعاني (¬3)، وقال: نسبة إلى بني العجلان بن زيد بن غنم بن سالم بن عوف بن الخزرج بطن من الأنصار (جاء إلى عاصم بن عدي) بن الجد (¬4) العجلاني بن حارثة العجلاني حليف بني عمرو بن عوف سيد بني العجلان، شهد أحدًا، ولم يشهد بدرًا بنفسه؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استخلفه حين خرج إلى بدر على قباء وأهل العالية، وضرب له بسهم، فكان كمن شهدها، توفي سنة خمس وأربعين، وقد بلغ قريبًا من عشرين ومائة سنة. (فقال له: يا عاصم، أرأيت) أصلها: رأى العلمية المتعدية إلى مفعولين، دخل عليها همزة الاستفهام فضمنت معنى أخبرني، وحينئذٍ فلا يكون مفعولها الثاني إلا جملة استفهامية وهو هنا: أيقتله؟ وربما كانت مقدرة نحو: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى} (¬5)، أي: كيف ¬

_ (¬1) "طبقات الفقهاء" 1/ 53. (¬2) "الاستيعاب" 3/ 298. (¬3) "الأنساب" للسمعاني 4/ 163. (¬4) في النسخة الخطية: الحريث. وهو خطأ. والمثبت من "التهذيب" وغيره. (¬5) العلق: 9.

يكون حاله (رجلًا) فيه حذف تقديره كما صرح به في رواية مسلم: لو أن رجلًا (¬1) (وجد مع امرأته رجلًا أيقتله) قال القرطبي: تقريره - صلى الله عليه وسلم - على ذلك يلزم منه أن من قتله لم يكن فيه قصاص ولا غيره، وقد عضده قول سعد: لو رأيته ضربته بالسيف، ولم ينكر عليه، بل صوبه بقوله: "أتعجبون من غيرة سعد؟ " (¬2). ولهذا قال أحمد وإسحاق: يهدر دمه إذا جاء القاتل بشاهدين (¬3)، فإن لم يبينه فإنه يقتل به ولا يقبل قوله عند الجمهور، انتهى. ولم أدر من أين أخذ قوله ولم يكن فيه قصاص من هذا الحديث، وقد صرح عاصم بأنه إن قتل يقتلونه. قال السفاقسي: فيه سؤال العالم من هو أعلم منه، وفيه دليل على وجوب القتل على من قتل رجلًا وادعى أنه وجده مع امرأته. قال النووي: معنى قوله: أيقتل (فتقتلونه) معناه أنه إذا وجد رجلًا مع امرأته وتحقق أنه قد زنى بها فإن قتل قتلتموه وإن صبر صبر عن أمرٍ عظيم (¬4) (أم كيف يفعل؟ ) هذا تتمة السؤال، وهو سؤال عن أن يتحرز من الحد متشوق لمعرفة الحكم (سل لي يا عاصم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك) فيه أن من أراد السؤال عن شيء فاستحيا عن ذكره أن يستنيب غيره في السؤال عنه. (فسأل عاصم رسول الله) عن ذلك (فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسائل) بفتح ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1492). (¬2) "المفهم" 4/ 291. (¬3) "مسائل أحمد وإسحاق، رواية الكوسج" (1109). (¬4) "شرح النووي على مسلم" 10/ 121.

الميم جمع مسألة، قيل: كرهها لكثرتها كما قد جاء النص الصريح في النهي عن كثرة السؤال وقيل وقال (¬1)، ويحتمل أن تكون المسائل من باب التعبير بالجمع عن المفرد، ويكون كره المسألة لقبحها وبشاعة ذكرها، ولهذا قال: (وعابها) أي: عاب ذكر هذِه المسألة، ويدل على هذا قول عاصم: قد كره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسألة التي سألته عنها (حتى كبر) بفتح الكاف وضم الباء الموحدة، أي: عظم فهو كبير أي: عظيم. (على عاصم ما سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وشق عليه قوله الذي كرهه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (فلما رجع عاصم إلى أهله جاءه عويمر) العجلاني (قال: يا عاصم، ماذا) ذا بمعنى الذي يعني: ما الذي (قال لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) عما سألته عنه؟ قال: قد كره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسألة التي سألته عنها من جهتك، قال بعضهم: كره السؤال عما لا حاجة للسائل عنه دون ما به إليه حاجة، وذلك أن عاصمًا إنما سأل لغيره لا لنفسه، فأظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكراهة في ذلك إيثارًا لستر العورات، فأما ما كان من السؤال على وجه التبيين والتعليم فيما تدعو الحاجة إليه من أمر الدين فلا بأس بها وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُسأَلُ عن الأحكام فلا يكره ذلك، وقيل: كره قذف الرجل امرأته وذكرها بما يكرهه. (فقال عويمر: والله لا أنتهي حتى أسأله عنها لعله) فهم من قوله: كره رسول الله النهي عن ذكرها والكراهة كراهة تنزيه لا تحريم، ولهذا قال: لا أنتهي، ولو أن النهي للتحريم لكرهه (فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1477)، ومسلم (593) من حديث المغيرة بن شعبة.

- صلى الله عليه وسلم - وهو وسط الناس) بسكون السين أوسط إذا كان بمعنى بين فهو ساكن السين، تقول: جلست وسط القوم، أي: بينهم، أي لم ينتظره حتى يجده منفردًا ويسأله بينه وبينه بحيث لا يعلم أحد بحاله، بل سأله في ملأٍ من الصحابة - رضي الله عنهم -. (قال: يا رسول الله، أرأيت) تقدم (رجلًا وجد مع امرأته رجلًا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ ) تقدم جميع ذلك (فقال رسول الله: قد أنزل) الله تعالى (فيك وفي صاحبتك) فيه نسبةُ المرأة (¬1) للرجل على أن بينك وبينها صحبة ومعاشرة متقدمة (قرآن) قال القرطبي: يدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - علم أنه صاحب المسألة المتقدمة إما بقرائن الأحوال، وإما بالوحي (¬2). والقرآن قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} (¬3) الآيات (فاذهب) إليها (فأت بها) فيه أن المرأة إذا احتيج إلى حضورها إلى الحاكم فإرسال زوجها ليحضرها أولى من الأجنبي. (قال سهل) بن سعد: (فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) تقدم أن الزهري سأل سهلًا: ابن كم أنت يومئذٍ؟ قال: ابن خمس عشرة سنة، كما سيأتي. فيه أن اللعان يكون بحضرة جمع من الأعيان والصلحاء لقوله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (¬4) وقد حضر هذا اللعان سهل وابن ¬

_ (¬1) سقط من النسخة الخطية. (¬2) "المفهم" 4/ 292. (¬3) النور: 6. (¬4) النور: 2.

عمر وابن عباس - رضي الله عنهم - عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حداثة أسنانهم، فدلَّ على حضورِ كبارهم (فلما فرغا) من اللعان (قال عويمر: كذبتُ) بفتح الذال (يا رسول الله إن) أنا (أمسكتها) قال النووي: هو كلام تام مستقل (¬1). ثم استوفى الكلام بعده (فطلقها عويمر ثلاثًا قبل أن يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم -) بطلاقها؛ لقوله أنه لا يمسكها وأنه طلقها لأنه ظن أن اللعان لا يحرمها عليه، فأراد تحريمها عليه بالطلاق. وقد استدل به أصحابنا على أن جمع الطلاق الثلاث بلفظ واحد ليس حرامًا (¬2)، ووجه الدليل أنه أقره على ذلك ولم ينكر عليه إطلاق لفظ الثلاث. وأجاب بعض المالكية بأنه إنما أقره على ذلك لأن الطلاق لم يقع إذ لم يصادف محلًا فإنها قد بانت منه بفراغها من اللعان بدليل قوله في الحديث الآخر: "لا سبيل لك عليها" وقوله للذي سمع يطلق ثلاثًا بكلمة: "أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟ " (¬3) وهو إنكار محقق. (قال) محمد (بن شهاب) الزهري (فكانت تلك) الفرقة (سُنَّة) بالنصب خبر كان (للمتلاعنين) وفي رواية للشافعي: "قد قضي فيك وفي امرأتك" فتلاعنا وأنا شاهد ثم فارقها عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكانت سنة بعدهما أن يفرق بين المتلاعنين (¬4). ¬

_ (¬1) "شرح النووي على مسلم" 10/ 122. (¬2) "المجموع" 16/ 263. (¬3) أخرجه النسائي 6/ 142 من حديث محمود بن لبيد، وضعفه الألباني رحمه الله. (¬4) "الأم" 5/ 415.

قال القرطبي: قول ابن شهاب: فكانت سنة المتلاعنين. ظاهره أنه إشارة إلى كونه طلقها ثلاثًا. قال: وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: التفريق بين كل متلاعنين (¬1). وللعلماء في قوله: سنة المتلاعنين تأويلان: أحدهما: الفرقة بانقضاء اللعان. والثاني: استحباب إظهار الطلاق بعد اللعان على مذهب من يستحبه. [2246] (أخبرنا عبد العزيز بن يحيى) أبو الأصبغ الحراني، ثقة (ثنا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق قال: حدثني عباس) بالموحدة والسين المهملة (بن سهل) أخرج له الشيخان. (عن أبيه) سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لعاصم بن عدي - رضي الله عنه - أمسك المرأة عندك) لعله أبعدها من أهلها وأمرها أن تعتد عند عاصم بن عدي خوفًا عليها من أقاربها أن تحملهم الغيرة ولحوق العار بهم أن يؤذوها، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ولي الغامدية أن يحسن إليها إلى أن تضع خوفًا من ذلك، وإذا أبعدت عن أقاربها فصديق زوجها وأقاربها أولى أن تكون عنده، وأن عويمر ابن عم عاصم (حتى تلد) فيه أنه لاعنها وهي حامل، وأن لعان الحامل صحيح. وفيه أن الحمل يعرف بأمارات وهو المشهور عند الشافعي وغيره (¬2). [2247] (حدثنا أحمد بن صالح، ثنا ابن وهب قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن سهل بن سعد الساعدي قال: حضرت لعانهما عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا ابن خمس عشرة سنة) استدل به الشافعي على أن ¬

_ (¬1) "المفهم" 4/ 293. (¬2) انظر: "الحاوي الكبير" 5/ 326.

اللعان لا يكون إلا بمحضر من طائفة من المؤمنين أقلهم أربعة؛ لأنه قال: ولما حكى سهل بن سعد المتلاعنين أنه حضر المتلاعنين مع حداثة سنه؛ إذ هو ابن خمس عشرة سنة، وحكاه ابن عمر. استدللنا به أن اللعان لا يكون إلا بمحضر من طائفة من المؤمنين؛ لأن ما يحضره الصغار فالكبار أولى بالحضور، ولأنه أردع للمتلاعنين عن الكذب، وقد تقدم. (وساق الحديث) المتقدم، و (قال فيه: ثم خرجت) المرأة (حاملًا) فيه أنها كانت عند الملاعنة حاملًا كما تقدم، إلا أنه لم يكن يعلم ثم علم (فكان الولد يدعى إلى أمه) وينسب إليها وإلى مواليها إن كانت مولاة ويرثها وترث هي منه فرضها كما في كتاب الله، ويرث إخوته لأمه ميراث الأخوة للأم، ورواية مسلم أصرح في المقصود؛ فإن لفظه: وألحق الولد بأمه (¬1). [2248] (ثنا محمد بن جعفر) بن زياد أبو عمران، شيخ مسلم (الوركاني) بفتح الواو وسكون الراء، ووركة من أعمال بخارى، وقال السمعاني: من أعمال أصبهان (¬2). (ثنا إبراهيم بن سعد) الزهري العوفي المدني. (عن) محمد بن شهاب (الزهري، عن سهل بن سعد) الساعدي (في خبر المتلاعنين قال) سهل (قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أبصروها) بفتح الهمزة وكسر الصاد، وللبخاري: "انظروا" (¬3) (فإن جاءت به أدعج العينين) الدعج: ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1494) (8). (¬2) "الأنساب" للسمعاني (5170). (¬3) "صحيح البخاري" (4745).

شدة سواد العين مع شدة بياضها (فلا أراه) بضم الهمزة أي: أظنه (إلا قد صدق) عليها (وإن جاءت به أحيمر) بضم الهمزة وفتح الحاء، وكذا وقع غير مصروف، والصواب على اللغة الفصحى صرفه تصغير أحمر، وهو الأبيض، وقد يعد شاهدًا لما ذهب إليه قوم منهم أحمد بن يحيى منع صرف المنصرف اختيارًا في غير ضرورة شِعر، وذهب الكوفيون إلى جوازه للضرورة، واختاره ابن مالك (¬1)، وإذا صحت هذِه الرواية في البخاري وغيره فلا يلتفت إلى قول من خالفه (كأنه وحرة) بفتح الواو والحاء المهملة وهو دويبة حمراء كالعضاه تلزق بالأرض تشبه الوزغة إلا أنها أكبر منها، وهي إذا دنت على اللحم وَحِر فيقال: طعام وحر بكسر الحاء إذا دنت عليه فشبه الولد بها لحمرتها وقصرها والأحمر الشديد الشُّقرَةِ (فلا أراه إلا كاذبًا) عليها، وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتبر الشبه بالولد ثم لم يحكم به، وذلك لمعارضة ما هو أقوى منه وهو الفراش, وكذلك صنع في ابن وليدة زمعة لما رأى الشبه قال: احتجبي منه يا سودة (¬2)، وإنما يحكم بالشبه وهو حكم القافة إذا استوت العلائق كواطئين في طهر من زوج أو سيد. (قال: فجاءت به على النعت المكروه) زاد البخاري في اللعان من ذلك ولفظه في سورة النور: فجاءت به على النعت الذي نعت به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تصديق عويمر، فكان بعد ينسب إلى أمه (¬3). ¬

_ (¬1) "شرح الأشموني" 3/ 176. (¬2) سيأتي تخريجه برقم (2273). (¬3) "صحيح البخاري" (4745).

[2249] (ثنا محمود بن خالد) بن يزيد السلمي (الدمشقي) قال أبو حاتم: كان ثقة رضى (¬1)، ووثقه النسائي (¬2). (ثنا) محمد بن يوسف بن واقد الضبي (الفريابي) بكسر الفاء وسكون الراء وتخفيف المثناة تحت، وبعد الألف باء موحدة نسبة إلى فرياب من خراسان (عن) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي، عن الزهري، عن سهل بن سعد الساعدي بهذا الخبر) و (قال) فيه: (فكان يدعى) - يعني: الولد - (لأمه) استدل به أحمد وعامة أهل العلم كما قال ابن قدامة: على أن الولد لا ينتفي عن أبيه ويلتحق بأمه؛ إلا إن تم اللعان (¬3) لأنه إنما انتفى هنا باللعان التام بين الزوجين (¬4). ومذهب الشافعي: ينتفي بلعان الزوج فقط؛ لأن نفي الولد إنما كان بيمينه والتعانه لا بيمين المرأة، ولا معنى ليمين المرأة في لعانها إلا لدرء الحد عنها (¬5). والحديث حجة لأحمد؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما نفى الولد عن الأب وألحقه بأمه بالتعانهما جميعًا. [2250] (ثنا أحمد بن عمرو بن السرح، ثنا ابن وهب، عن عياض بن عبد الله) أخرج له مسلم (الفهري) بكسر الفاء نسبة إلى فهر بن مالك بن ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 8/ 292. (¬2) "مشيخة النسائي" (151). (¬3) سقط من النسخة الخطية، والمثبت من "المغني". (¬4) "المغني" 11/ 161. (¬5) "الحاوي الكبير" 8/ 159.

النضر بن كنانة (وغيره، عن) محمد (بن شهاب، عن سهل بن سعد في هذا الخبر) و (قال) فيه: (فطلقها ثلاث تطليقات عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنفذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) استُدِلَّ به على أنه لا يتعلق باللعان فرقة، وإنما حصلت الفرقة هنا بالطلاق الثلاث، قال: فلو وقعت الفرقة باللعان لما قال في هذا الحديث: فأنفذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا لا يصح؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرق بين المتلاعنين كما في الحديث الصحيح الذي لا دافع له، وقوله في هذا الحديث: فأنفذه أي: أنفذ الفرقة المتعلقة باللعان، لا أنه أنفذ الطلاق. (وكان ما صنع عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة) فيه التصريح بأن ما صنع في حضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم ينكره يكون سنة، والمشهور عند الأصوليين أنه يدل على جوازه ولم يسمحوا بأنه يكون سنة، ولعل المراد بالسنة هنا السنة بين المتلاعنين كما سيأتي بعده. (قال سهل) بن سعد: (حضرت هذا عند رسول الله فمضت السنة بعد) بضم الدال، على أنه لما حذف المضاف إليه بني على الضم، أي: بعد التطليقات الثلاث (في المتلاعنين) كلما وجد (أن يفرَّق بينهما) أي: يفرق الحاكم بينهما، استدل به أبو حنيفة على أن الفرقة بينهما لا بد فيها من تفريق الحاكم والقاضي بالحديث المتقدم: طلقها ثلاث تطليقات فأنفذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1)، ومذهب الشافعي والجمهور: الفرقة تتعلق بلعان الزوج (¬2). وأجيب عن هذا الحديث بأنه يحتمل أن المراد به أن يفرق ¬

_ (¬1) "المبسوط" 7/ 46. (¬2) "الحاوي الكبير" 8/ 159.

بينهما في المسكن. (ثم لا يجتمعان أبدًا) استدل به الشافعي على أن الزوجة إذا كانت أمة فلاعنها ثم اشتراها لم تحل له إصابتها؛ لأن الفرقة وقعت متأبدة، فصارت كحرمة الرضاع، ولا فرق في تحريم اجتماعهما بين أن يكون اللعان في نكاح فاسد أو لا (¬1). وقيل: إن كان اللعان في نكاح فاسد جاز اجتماعهما وزيفوه، نعم ولو كان اللعان بقذفه في نكاح ظن صحته ثم بان فساده لم يجز اجتماعهما أبدًا بلا خلاف، وإنما الخلاف في اللعان لنفي النسب، ذكره ابن الرفعة (¬2). [2251] (وثنا مسدد ووهب بن بيان) الواسطي وهو ثقة (¬3) (وأحمد بن عمرو بن السرح وعمرو بن عثمان قالوا: حدثنا سفيان بن عيينة، عن) محمد بن مسلم بن شهاب (الزهري، عن سهل بن سعد) الساعدي (قال مسدد) في روايته: (قال) سهل: (شهدت المتلاعنين على عهد رسول الله وأنا ابن خمس عشرة سنة) تقدم (ففرق النبي بينهما حين تلاعنا) فيه دليل على عثمان بن سليمان البتي في قوله: لا يفرق بين المتلاعنين وهما على نكاحهما، واحتج بهذا أبو حنيفة على أن الفرقة لا تقع حتى يحكم بها الحاكم (¬4)، وليس كذلك؛ لأن هذا إخبار عن وقوع ¬

_ (¬1) انظر: "الحاوي الكبير" 11/ 76. (¬2) "شرح التنبيه" لابن الرفعة 14/ 350. (¬3) "الكاشف" 3/ 243. (¬4) "المبسوط" 7/ 46.

الفرقة المتقدمة التي أوجبها اللعان، وإنما أضيفت الفرقة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن اللعان كان بحضوره [كقولك أعطى الحاكم فلانًا حقه، وإنما يحكمُ] (¬1) الحاكمُ بثبوت حق فلان على فلان إذا شهد عليه بذلك أو اعترف به بحضرة الحاكم، وإنما ثبت الحق بالشهادة أو الاعتراف، ثم يضاف إثباته إلى الحاكم (وتم) بفتح المثناة أي: انتهى وكمل (حديث مسدد) هنا. (وقال الآخرون) وهم أحمد وعمرو ووهب، يعني: زيادة على مسدد (إنه شهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فرق بين المتلاعنين فقال الرجل) يعني: عويمر (كذبت) بفتح الذال وضم تاء المتكلم (عليها يا رسول الله إن أمسكتها) لفظ البخاري: إن حبستها فقد ظلمتها (¬2)، وقد استدل به أصحاب أبو حنيفة على أن اللعان ليس بطلاق (¬3). قالوا: أعتقد أنه يملك إمساكها فلم ينكره النبي - صلى الله عليه وسلم -، وجاوب عنه بعضهم بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنكر فعله واعتقاده وبين له أنه لا يملك ذلك لقوله - عليه السلام -: "لا سبيل لك عليها" يعني: ليس لك إمساكها ولا سبيل لك عليها فكيف تطلقها؟ ! . (قال المصنف: لم يتابع) سفيان (بن عيينة) بالنصب مفعول مقدم (أحد) قال البيهقي: يريد بذلك في حديث الزهري عن سهل بن سعد (¬4) كما تقدم (على أنه فرق بين المتلاعنين) ومع أن ابن عيينة لم ¬

_ (¬1) بياض بالنسخة الخطية، والمثبت هو أقرب للسياق والمعنى. (¬2) "صحيح البخاري" (4745). (¬3) انظر: "المبسوط" 7/ 47. (¬4) "السنن الكبرى" للبيهقي 7/ 48.

ينفرد بهذِه الرواية، وقد تابعه عليها الأوزاعي عن الزبيدي عن الزهري. [2252] (ثنا سليمان بن داود) شيخ الشيخين (العتكي) بفتح العين والمثناة، نسبة إلى العتيك بطن من الأزد، وهو عتيك بن النضر بن الأزد (ثنا فليح) بن سليمان، أخرج له الشيخان (عن الزهري، عن سعد في هذا الحديث: وكانت حاملًا) فيه دليل على أن الحامل تلاعن خلافًا لأبي حنيفة في قوله لا يجوز اللعان لنفي الحمل؛ لأن الحمل لا ينتفي فيكون اللعان مع الشبهة، واللعان يوجب القذف فلا يثبت مع الشبهة (¬1). قلنا: الحمل مظنون بدلائل وأمارات، والمظنون بدليل كالمعدوم في تعلق الأحكام، ولهذا علق عليه النفقة في العدة وغيرها من الأحكام. (فأنكر حملها) أن يكون منه ولاعنها على ذلك (فكان ابنها) بعد ذلك (يدعى إليها) وينسب إليها كما تقدم (ثم جرت السنة) في المتلاعنين (أن يرثها وترث منه ما فرض الله لها) في كتابه العزيز: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} (¬2) وهذا مذهب مالك (¬3) والشافعي (¬4) وزيد وأهل المدينة والجمهور (¬5). وقال ابن مسعود: إن كانت الملاعنة وحدها ورثت جميع ما يتركه ¬

_ (¬1) "المبسوط" 7/ 48. (¬2) النساء: 11. (¬3) "المدونة" 2/ 595 - 596. (¬4) "الأم" 4/ 110. (¬5) "بداية المجتهد" 4/ 139.

ولدها (¬1)، فجعلها عصبة. [2253] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن إبراهيم) بن يزيد النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: إنا) أصلها إننا النون الأولى نون إن التي للتأكيد، والثانية نون ضمير الجمع (لليلة) بفتح اللام الأولى التي تأتي في جواب إن، والثانية التي في ليلة ونصب ليلة على الظرف (جمعة) بضم الميم على الأفصح (في المسجد) خبرُ المبتدأ، ولفظ ابن ماجه: كنا في المسجد ليلة جمعة (¬2). فيه فضيلة الاعتكاف في المسجد في ليلة الجمعة (إذ دخل رجل من الأنصار) حكى النووي في "تهذيب الأسماء واللغات" في هذا الرجل قولين: أحدهما: أنه سعد بن عبادة. والثاني: أنه عاصم بن عدي (¬3). وأنكر شيخنا العلامة سراج الدين البلقيني القول الأول، وقال: لم يصح هذا عن سعد بن عبادة (المسجد فقال: لو أن رجلًا وجد مع امرأته رجلًا فتكلم به جلدتموه) يعني: أربعين أو ثمانين جلدة (أو قتل) الرجل أو المرأة (قتلتموه، وإن سكت) على ذلك الأمر (سكت على غيظ) وفي رواية: على أمر عظيم، وقد عده العلماء من (¬4) الدياثة، وروى النسائي عن ابن عمر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثة لا يدخلون ¬

_ (¬1) أخرجه ابن أبي شيبة 16/ 302 (31814). (¬2) "سنن ابن ماجه" (2068)، ولكن فيه: ليلة الجمعة. (¬3) "تهذيب الأسماء واللغات" 2/ 305. (¬4) سقط من النسخة الخطية. والمثبت أليق بالسياق.

الجنة: العاق والديوث ورجلة النساء". والديوث بالثاء المثلثة هو الذي يرى في أهله الفاحشة ويقرهم عليها، بين الطبراني في روايته: قالوا: يا رسول الله، ما الديوث؟ قال: "الذي لا يبالي مَن [دخل على] (¬1) أهله؟ " قالوا: فما الرجلة من النساء؟ قال: "التي تَشَبَّهُ بالرجال" (¬2). فإن استحسن الرجل على غير أهله فهو القواد، والقوادة من الكبائر أيضًا. (والله لأسألن عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فيه إخبار (¬3) ما ابتلي به لغير الحاكم، ولا يكون هذا من الغيبة (فلما كان من الغد أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأله) عن ذلك. (فقال: لو أن رجلًا وجد مع امرأته رجلًا) يعني: أجنبيًّا (فتكلم به) يعني: إن تكلم به (جلدتموه أو قتل قتلتموه) قال بعض العلماء: في تركه - صلى الله عليه وسلم - الإنكار على هذا الرجل في قوله: أو قتل قتلتموه. دليل على وجوب قتل من قتل رجلًا وادعى أنه وجده مع امرأته؛ لأن إقراره - عليه السلام - على القول أو الفعل كحكمه به، ويؤيد ذلك ما في "الموطأ" عن سعد بن عبادة أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلًا أمهله حتى آتي بأربعة؟ قال: "نعم" (¬4). (أو سكت سكت على غيظ) عظيم. ¬

_ (¬1) سقط من النسخة الخطية. والمثبت من "المصادر". (¬2) رواه النسائي في الكبرى 3/ 63، وأحمد 10/ 321، والحاكم في "المستدرك" 1/ 72، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الألباني في "الصحيحة" (1397): وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات من رجال "التهذيب". (¬3) بياض بالنسخة الخطية، والمثبت مقتضى السياق. (¬4) "موطأ مالك" 2/ 566.

(فقال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اللهم افتح) أي: احكم، والفتاح الحاكم، ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ} (¬1). وفي حديث ابن عباس: ما كنت أدري ما قوله: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا} (¬2) حتى سمعت بنت ذي يزن تقول لزوجها: تعال أُفَاتِحُكَ، أي: أحاكِمك (¬3) (وجعل يدعو) الله، وفيه أن المجتهد والمفتي والحاكم إذا سئل عن حكم لم يدر جوابه أن يراجع ويسأل عنه أهل العلم، فإن لم يتبين له فليبتهل إلى الله بالدعاء أن يبين له حكمه ويقول في دعائه: رب افتح وأنت خير الفاتحين. (فنزلت آية اللعان) سميت آية اللعان لذكر اللعنة في الكلمة الخامسة، وإنما سميت آية اللعنة ولم يقل آية الغضب وإن كانا موجودين في الآية لكون اللعنة متقدمة فيها، وفي الواقع من صورة اللعان {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ}) أي: يقذفون زوجاتهم بالزنا ({وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ}) أي: شهود يشهدون بالزنا عليهن ({إِلَّا أَنْفُسُهُمْ}) (¬4) (الآية) يعني: الآيات كما في مسلم. (فابتلي به ذلك الرجل) الذي سأل عنه من دون غيره (من بين الناس) لأنه كان السبب لذلك، فمن سأل سؤال تعنت من غير حاجة إليه كما في شأن بقرة بني إسرائيل، فإن الله أمرهم أن يذبحوا بقرة، فلو أخذوا أي ¬

_ (¬1) سبأ: 26. (¬2) الأعراف: 89. (¬3) أخرجه الطبري في "تفسيره" 12/ 564. من طريق قتادة، عن ابن عباس. (¬4) النور: 6.

بقرة كانت فذبحوها أجزأتهم، فما زالوا يسألون ويغلظون حتى غلظ عليهم، فلذلك جاء فيهم: شددوا فشدد عليهم (¬1). (فجاء هو وامرأته إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتلاعنا) ثم بين كيف تلاعنهما (فشهد الرجل أربع شهادات) قال القفال في "محاسن الشريعة": كررت الأربع لتأكيد الأمر، ولأنها أقيمت مقام أربع شهود من غيره ليقام عليها الحد، وهي في الحقيقة أيمان، لكن لما أقيمت مقام الشهود الأربعة سميت شهادات (بالله إنه لمن الصادقين) فيه حذف تقديره: فيما رميت زوجتي به هذِه إن كان أو من إصابة غيري لها على فراشي (ولعن) بفتح اللام والعين أي: لعنة الله في الكلمة (الخامسة عليه إن كان من الكاذبين) فيما رماها به من الزنا، وإن كان له ولد ينفيه بقوله مع ذلك في الكلمات فيقول: وإن الولد الذي ولدته أو هذا الولد إن كان حاضرًا من الزنا، وليس مني. (قال: فذهبت) المرأة (لتلتعن) بعده (فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: مه) وهي كلمة زجر، قيل: أصلها: ما هذا. ثم حذفت ألف ما وما بعد الهاء وسكنت الهاء، وتستعمل هذِه الكلمة مفردة ومكررة، ومثله: به، بالباء الموحدة فيها بدل الميم. قال الجوهري: مه كلمة بنيت على السكون، وهو اسم سمي به الفعل ومعناه: اكفف؛ لأنه زجر، فإن وصلت نونت - يعني: مع كسر ¬

_ (¬1) قول مأثور عن بعض التابعين كأبي قلابة الجرمي كما عند عبد الرزاق في "التفسير" 1/ 192، وعبيدة السلماني كما عند البيهقي في "الكبرى" 6/ 220.

الهاء - فقلت: مَهٍ مَهْ (¬1). (فأبت) أي: امتنعت أن تترك الملاعنة لما يلحقها من العار وغيره عند سكوتها (ففعلت) لفظ مسلم: فلعنت (¬2)، وهو أصرح من فعلت (فلما أدبرا قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لعلها أن تجيء به) أي: بالولد (أسود جعدًا) بفتح الجيم وسكون العين، قال في "النهاية": الجعد في صفات الرجال يكون مدحًا وذمًّا، فالمدح معناه أنه شديد الأسر والخلق، أو يكون جعد الشعر وهو ضد السبط؛ لأن السبوطة أكثرها في شعور العجم، وأما الذم فهو القصير المتردد الخلق، وقد يطلق على البخيل أيضًا فيقال: هو جعد اليدين ويجمع على جعاد، ومنه الحديث أنه سأل أبا رهم الغفاري: "ما فعل النفر السود الجعاد" (¬3) انتهى، وظاهر هذا يدل على أن المراد هنا صفة الذم؛ لأن أسود اللون صفة ذم، وكذا صفة الجعودة، وكذا الشعر القطط صفة ذم، ويدل عليه الرواية المتقدمة: فجاءت به على النعت المكروه (فجاءت به أسود) اللون (جعدًا) أي: جعد الشعر. [2254] (ثنا محمد بن بشار، حدثنا) محمد بن إبراهيم (ابن أبي عدي) البصري (أنبأنا هشام بن حسان) الأزدي مولاهم الحافظ. (قال: حدثني عكرمة، عن ابن عباس) رضي الله عنهما (أن هلال بن ¬

_ (¬1) "الصحاح" (مهه). (¬2) "صحيح مسلم" (1495). (¬3) "النهاية في غريب الحديث" 1/ 275، والحديث رواه أحمد 4/ 349، والبخاري في "الأدب المفرد" (754)، وابن حبان (7257).

أمية) بن عامر الأنصاري الواقفي من بني واقف البدري، كما صح في البخاري مرارًا وكان معه راية قومه يوم الفتح، وهو أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك الذي نزل فيهم {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا. . .} (¬1) الآية، وتخلف معه كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع (قذف امرأته عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) قال أبو الفضل (¬2) بن طاهر: اسم امرأة هلال المقذوفة خولة بنت عاصم لها ذكر وليست لها رواية (¬3) (بشريك بن سحماء) مؤنث الأسحم بالمهملتين وسحماء أمه، سميت بذلك لسوادها، وأما أبوه فهو عبدة بسكون الموحدة بن معتب، وعبدة صحابي أيضًا، قيل: إن عبدة وابنه شريكًا شهدا أحدًا. (فقال) له (النبي - صلى الله عليه وسلم -: البينة) بالنصب على إضمار فعل، أي: أحضر البينة (أو حدٌّ) بالنصب أيضًا، ويروى بالرفع فيهما مبتدأ وخبر محذوف، أي: عليك الحد (في ظهرك) الرواية هنا بالرفع فيهما، وفي البخاري روايتان كما تقدم. قال السفاقسي: فيه دليل على أن من قذف امرأته يحد لها حتى يلاعن، وهو مذهب مالك (¬4) والشافعي (¬5)، وقال أبو حنيفة: لا يجب عليه حد وإن لم يلاعن، بل يحبس حتى يلاعن (¬6)، واحتج بحديث ¬

_ (¬1) التوبة: 118. (¬2) في النسخة الخطية: عبد الله. وهو خطأ. (¬3) "إيضاح الإشكال" لابن طاهر (202). (¬4) "المدونة" 2/ 355، 359. (¬5) "الأم" 5/ 422. (¬6) "المبسوط" 7/ 42 - 43.

العجلاني المتقدم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا بين شيئًا لم يلزمه تكراره، وقد سنه النبي - صلى الله عليه وسلم - في قصة هلال هذِه وهي كانت قبل قصة عويمر العجلاني، وقد صرح في حديث هلال هذا في رواية مسلم: وكان أول رجل لاعَنَ (¬1) في الإسلام (¬2) (فقال: يا رسول الله إذا رأى أحدنا رجلًا على امرأته) زاد البخاري: ينطلق (¬3) (يلتمس) وفيه حذف همزة الاستفهام، تقديره: أينطلق يطلب (البينة) فيه استبعاد ذلك من جهة العادة؛ فإن جبلة الآدمي ونخوته تأبى ذلك ويشق ذلك على كل من له غَيرة على أهله، وقد تقدم أن السكوت على ذلك من الكبائر العظام. فيه أن من عزم على فعل شيء يتعلق بآدمي ويخشى من جحده أن يحضر بينة تشهد بذلك لتقبل دعواه عليه، والبينة مشتقة من البيان والإيضاح سميت بذلك لأنها تبين الحق وتوضحه (فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: البينة) بالنصب مفعول فعل محذوف، تقديره: أحضر البينة (وإلا) أي: وإن لم تحضر البينة (فحد) بالرفع فقط، وارتفاعه على أنه فاعل فعل محذوف، أي: وإلا يجب حدٌّ، وعلى أنه خبر مبتدأ محذوف، تقديره: وإلا فالواجب حدٌّ، وعلى أنه مبتدأ حذف خبره، تقديره: إلا فحدٌّ يجب عليك، وهذِه الأوجه في قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ} (¬4) (في ظهرك) فيه شاهد على استعمال في بمعنى ¬

_ (¬1) في النسخة الخطية: طالع. وهو خطأ، والمثبت من "صحيح مسلم"، وغيره. (¬2) "صحيح مسلم" (1496) (11). (¬3) "صحيح البخاري" (2671). (¬4) البقرة: 282.

على كقوله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} (¬1) أي: عليها، وفيه دلالة على ما ذهب إليه مالك أن الحدود تضرب على الظهر وما يقاربه (¬2)، وقال الشافعي وأحمد: يضرب على جميع أعضائه إلا المقاتل والوجه؛ لقول علي - رضي الله عنه -: لكل موضع من الجسد حظ يعني: في الحد إلا الوجه والفرج (¬3). وأما قول علي؛ فلأن ما عدا الوجه والرأس والفرج ليس بمقتل فهو في معنى الظهر. (فقال هلال) بن أمية (والذي بعثك بالحق إني لصادق) فيما ذكرته (و) والله (لينزلن) بضم الياء وتشديد نون التوكيد (الله في أمري) اليمين شاملة لصدقه وإنزال الله تعالى في أمره. وفيه دليل على جواز الحلف على ما يغلب عليه ظن الآدمي في المستقبل كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "والله لأغزون قريشًا" (¬4). وقول عمر عن ابن صياد: والله إنه هو الدجال (ما يبرئ) بضم الياء وفتح الموحدة وتشديد الراء وهمزة (ظهري من الحد) وقد أنزل الله ما أبرأ ظهره وأبر قسمه كما في الحديث: من أن في عباد الله من لو أقسم على الله لأبره (¬5). وفيه: أن الآية نزلت بسببه، وتقدم أنها نزلت في عويمر فلهذا قال ¬

_ (¬1) طه: 71. (¬2) "المدونة" 4/ 503. (¬3) انظر: "الحاوي الكبير" 13/ 437، و"المغني" لابن قدامة 12/ 507 - 508. (¬4) سيأتي تخريجه برقم (3285). (¬5) ولفظه: "إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره" رواه البخاري (2703)، ومسلم (1675) وسيأتي عند المصنف برقم (4595).

بعضهم: هما قضيتان، ويحتمل أنهما كانا متقاربين في (¬1) الوقت، فنزل القرآن، وفي كل من كان في معناهما. (فنزلت) هذِه الآيات: ({وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ}) جمع زوج للمرأة وهي اللغة الفصحى، وفي لغة: زوجة جمعها زوجات {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ}) بالرفع نعت لشهداء، أو بدل منه. قال أبو البقاء: لو قُرِئ بالنصب لجاز على أن يكون خبر كان، أو على الاستثناء، وإنما كان بالرفع أقوى لأن (إلا) هنا صفة بمعنى غير كما في قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ} (¬2) (قرأ) لفظ البخاري: فقرأ (¬3) بزيادة الفاء (حتى بلغ {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ}) (¬4) فانصرف النبي - صلى الله عليه وسلم - (فأرسل إليهما فجاءا) كذا للترمذي (¬5) وابن ماجه (¬6)، ولفظ البخاري (¬7): فأرسل إليها (فقام هلال بن أمية فشهد قائمًا) فيه دليل على أن اللعان يكون قائمًا، فتلك السنة؛ لأن ذلك أبلغ في الردع والزجر (والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: الله يعلم) لفظ البخاري: "إن الله يعلم" (¬8) (أن أحدكما كاذب) قال ابن دقيق العيد وغيره: فيه رد ¬

_ (¬1) سقطت من النسخة الخطية. (¬2) الأنبياء: 22. وانظر: "التبيان في إعراب القرآن" 2/ 965. (¬3) "صحيح البخاري" (4747). (¬4) النور: 9. (¬5) "سنن الترمذي" (3179). (¬6) "سنن ابن ماجه" (2067). (¬7) "صحيح البخاري" (5307). (¬8) نفس المصدر السابق.

على من ذهب من النحاة لأن (أحدًا) لا يستعمل إلا في النفي. قال: وكذلك قوله تعالى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} (¬1)، وتعقبه الفاكهي بأن هذا عجيب من ابن دقيق العيد مع براعته وحذقه فإن الذي قاله النحاة أن أحدًا التي للعموم لا تستعمل إلا في النفي بهذا القيد الذي لا بد منه نحو: ما في الدار أحد، أما إذا كانت أحد بمعنى واحد فلا خلاف بينهم في جواز استعماله في الإيجاب لقوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} (¬2)، {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} وكما في الحديث، ألا ترى أن المعنى: الله يعلم أن واحدًا منكما كاذب، وقد جمع الشاعر بين أحد التي للعموم والأخرى بقوله: لقد ظَهرتَ فما تخفى على أحدٍ ... إلا على أحدٍ لا يعرفُ القَمرا فاستعمل أحدًا التي للعموم، والثانية التي بمعنى واحد. قال ابن الأثير في "شرح المسند": وهو في هذا اللفظ من الأدب الحسن ما لا يخفى على السامعين، وذلك أنه لم يواجه أحدًا منهما بالكذب ولا خصه به، ولعل الله لم يكن أعلمه الكاذب منهما (¬3). (فهل منكما من تائب) في قوله تائب تغليب المذكر على المؤنث كما في قوله: أحدكما، وإنما عرض لهما بالتوبة بلفظ الاستفهام لإيهام الكاذب منهما، ولذلك لم يقل لأحدهما بعينه: تب، ولا لأحدهما: ¬

_ (¬1) النور: 6. (¬2) الإخلاص: 1. (¬3) "شرح مسند الشافعي" لابن الأثير 5/ 39.

توبا، وفيه دليل على عرض التوبة على المذنبين، وقد يؤخذ منه أن الزوج لو رجع فأكذب نفسه كان توبة, ويجوز أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - دعاهما (¬1) إلى التوبة فيما بينهما وبين الله تعالى، وفيه جواز التسجيع في الكلام إذا لم يتكلف له. (ثم قامت) فيه أن المرأة تقوم للعان كما يقوم الرجل وإن كان أمرهما مبني على الستر، والمشهور أن قيامها مستحب، وفي "الكفاية" عن "التتمة": لو لاعن قاعدًا لم يعتد به إلا أن يكون عاجزًا (فشهدت) أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين (فلما كان) كذا للترمذي (¬2) وابن ماجه (¬3)، فلما كانت (عند) الكلمة (الخامسة) وهي (أن) فيه قراءتان في السبع، إحداهما تخفيف النون الساكنة على أنها المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن ولذا كسرت الضاد (غضب) وجعل ماضيًا لزم رفع (الله) ومن شد النون من أنَّ فتح الضاد فصار مصدرًا مضافًا إلى الفاعل فلزم جر لفظ الجلالة، وإنما خص الغضب بالمرأة لأن جريمة الزنا من المرأة أقبح في جناية القذف منه، ولذلك تفاوت الحدان ولا شك أن غضب الله أغلظ من لعنته فخصت المرأة بالتزام أغلظ العقوبتين؛ لأنها هي السبب (عليها إن كان من الصادقين) فيما رماها به، زاد البخاري: وَقَّفُوها (¬4) (وقالوا لها: إنها موجبة) أي: للعذاب الأليم إن كانت كاذبة في يمينها (قال ابن عباس: فتلكأت) بفتح المثناة فوق واللام والكاف المشددة والهمزة، يقال: لَكِئ بالمكان بكسر ¬

_ (¬1) سقط من النسخة الخطية وإثباتها ليتم المعنى. (¬2) و (¬3) و (¬4) سبق تخريجه.

الكاف إذا أقام، أي: تباطأت وتوقفت في تمام اللعان أن تقوله، ومنه حديث زياد: فأتي برجل فتلكأ في الشهادة (ونكصت) أي: رجعت، وللترمذي: نكست (¬1). بالسين، وفيه إن توقف ونكس عند الإقرار بشيء لا يقبل منه شيء ولا يؤاخذ به حتى (¬2) يفصِحَ عن المقصود عنه حتى ظننا أنها سترجع عن لعانه. (فقالت) وللبخاري: ثم قالت (¬3): والله (لا أفضحُ [قومي]) بفتح الهمزة والضاد المعجمة، أي: لا أدخل عليهم الفضيحة، والمراد: بل أسترهم، وفي الدعاء: لا تفضحنا، أي: استر عيوبنا ولا تكشفها بين خلقك (سائر اليوم) أي: في باقي هذا اليوم (فمضت) في لعانه. وفيه إشارة إلى صدق زوجها. (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أبصروها) بقطع الهمزة المفتوحة وكسر الصاد من أبصر يبصر، يقال: أبصرت الشيء إذا رأيته، وبصرت به إذا صرت به بصيرًا، فهذا من الرؤيا والنظر بما تقدم في حديث عويمر (فإن جاءت به أكحل العينين) الكحل بفتحتين، وهو أن يعلو الجفون سواد كالكحل من غير اكتحال، ومنه: ليسَ التكحل في العينين كالكَحَلِ، وفي حديث: "أهل الجنة جرد مرد كحلى" (¬4) جمع كحيل مثل قتلى وقتيل (سابغ الأليتين) أي: تامهما وعظيمهما، وفي "مسند الشافعي" (في ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (3179). (¬2) في النسخة الخطية: على و. والمثبت هو اللائق بالسياق. (¬3) "صحيح البخاري" (4747). (¬4) أخرجه الترمذي (2539) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

صورة) (¬1) شريك بن سحماء: وهو رجل عظيم الأليتين أدعج العينين (¬2) (خدلج) بفتح الخاء المعجمة والدال المهملة واللام المشددة ثم جيم (الساقين) أي: عظيمهما وممتلئهما، وساق خدلجة، أي: مملوءة (فهو لشريك بن سحماء) فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتبر الشبه في الولد، ولكن لم يحكم به لأجل ما هو أقوى من الشبه، وهو أن الولد للفراش، وكذلك في وليدة زمعة لما رأى الشبه بعتبة قال: "احتجبي منه يا سودة" (¬3)، وقضى بالولد للفراش؛ لأن الفراش أقوى منه، وحَكَم بالشبه في حكم القافة إذا لم يكن هناك أقوى من الشبه (فجاءت به كذلك) أي: أكحل العينين سابغ الأليتين خدلج الساقين كما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لولا ما مضى من كتاب الله) أي: من حكم الله من أنه لا يحكم على أحد إلا بإقرار أو بينة (لكان لي ولها) ولم يصرح بالمرأة ولا شريك (شأن) يريد به الرجم، أي: لولا أن الشرع أسقط الرجم عنها لحكمت بمقتضى المشابهة لرجمتها. وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: ذكر الشافعي في كتاب "إبطال الاستحسان" فصلًا في أحكام الدنيا إنما هي على ما أظهر الله تعالى للعباد، وأن اللهَ مُدِينٌ بالسرائر، واحتج بأمر المنافقين، وبحديث: "إنكم تختصمون إليَّ" (¬4) ثم ذكر حديث العجلاني بلا إسناد، وقال ¬

_ (¬1) في "المسند" رأيت. (¬2) "مسند الشافعي" ص 264. (¬3) أخرجه البخاري (2218)، وغيره من حديث عائشة رضي الله عنها. (¬4) "معرفة السنن والآثار" 11/ 158.

في آخره: لا يحكم على أحد إلا بإقراره. (قال المصنف: وهذا) الحديث (مما تفرد به أهل المدينة) النبوية يعني: برواية محمد (بن بشار حديث هلال) بن أمية المذكور. [2255] (ثنا مخلد بن خالد الشعيري) بفتح الشين، نسبة إلى بيع الشعير أو إلى محلة معروفة بالكرج، ومخلد عسقلاني نزل طرسوس وهو شيخ مسلم. (ثنا سفيان) بن عيينة (عن عاصم بن كليب) أخرج له مسلم (عن أبيه) كليب بن شهاب الفرمي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬1). (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر رجلًا حين أمر المتلاعنين أن يتلاعنا) فيه أن من شرط اللعان أمر القاضي؛ لأنه يمين فلا يعتد به إلا بإذن الحاكم كما في سائر الخصومات، وفي معنى القاضي المحكم إذا (. .) أن التحكيم في اللعان، وكذا السيد إذا لاعن بين عبده وأمته فلا يعتد باليمين إلا بإذن السيد، والمراد بالأمر تلقين المتلاعنين (أن يضع) الرجل (يده على فيه) أي: على فم الملاعن، وذكر الإمام أن الرجل يأتي الملاعِنَ من ورائه، ويضع يده على فيه لعله أن ينزجر ويمتنع، وتضع المرأة يدها على فم المرأة إذا انتهت إلى كلمة الغضب (¬2)، قال: ولم أره في المرأة في حديث (عند) الشهادة (الخامسة) [. . .] (¬3) (يقول: إنها موجبة) عليك العذاب، كما ¬

_ (¬1) "الثقات" لابن حبان 5/ 337. (¬2) "نهاية المطلب" 15/ 57. (¬3) بياض بالنسخة الخطية.

سيأتي في الحديث بعده. قال الشيخ أبو إسحاق في "التنبيه": ويستحب أن يقول الحاكم: إنها موجبة للعذاب وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة (¬1). [2256] (ثنا الحسن بن علي) الهذلي الحلواني الخلال، نزيل مكة شيخ الشيخين. (ثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي (أنا عباد بن منصور) النَّاجي، أبو سلمة البصري، ولي قضاء البصرة أيام خرج إبراهيم بن عبيد، وقال المصنف: ولي البصرة خمس مرات، قال أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان: قال جدي: عباد بن منصور ثقة لا ينبغي أن يترك حديثه لرأي أخطأ فيه، يعني: القدر (¬2) (عن عكرمة، عن ابن عباس قال: جاء هلال بن أمية) الواقفي تقدم، قال أبو عبد الله بن أبي صفرة: الصحيح أن القاذف لزوجته عويمر وهلال بن أمية خطأ (وهو أحد الثلاثة الذين) خلفوا عن غزوة تبوك (تاب الله عليهم) يعني: في قوله تعالى في آخر سورة براءة: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا} (¬3) (فجاء من أرضه) أي: من أرض زرعه (عشيًّا فوجد عند أهله رجلًا) شريك بن سحماء كما تقدم (فرأى) وفي "مسند الشافعي" عن ابن عباس: أن رجلًا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله والله ما لي عهد بأهلي منذ عفار النخل. قال: ¬

_ (¬1) "التنبيه" ص 190. (¬2) "تهذيب الكمال" 14/ 158. (¬3) التوبة: 118.

وعفارها إذا كانت تؤبر تغيب (¬1) أربعين يومًا لا تسقى بعد العفار (¬2) قال: فوجدت مع أهلي أي: رجلًا خدلًا إلى السواد (¬3). قال ابن الأثير: عقار النخل (¬4) بفتح العين المهملة وتخفيف القاف تلقيح النخل وإصلاحها، وقوله: ما لي عهد بأهلي، يريد أنه لم يطأ منذ كذا وكذا، يعني: ولم يرد أنه حضر عندها، وهذِه الرواية تدل على أن المراد بالأرض الأرض التي فيها النخل، وأنه وجده ورآه خدلًا إلى السواد، والخدل السمين الساقين (بعينيه) بشد ياء التثنية (وسمع بأذنيه) الإنسان لا ينظر إلا بعينيه ولا يسمع إلا بأذنيه، وهذا من المعلوم لكل أحد، وذكر العينين والأذنين توكيدًا لما رأى وسمع لئلا يتطرق إليه المجاز، ومنه قول الشاعر: نظرت فلم تنظر بعينيك منظرًا ومنه قوله تعالى: {وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} (¬5) (فلم يهجه) بفتح الياء المثناة تحت وكسر الهاء وسكون الجيم، أي: فلم يزعجه ولم ينفره، وقيل: إنه لم يتحرك، يقال: هاج الشيء إذا تحرك، وهاجه غيره، يتعدى ولا يتعدى، قاله المنذري (حتى أصبح ثم غدا على رسول الله ¬

_ (¬1) في "المسند": تعفر. (¬2) في "المسند": الإبار. (¬3) "مسند الشافعي" ص 269 - 270. (¬4) قال ابن الأثير: عفار النخل. . . ويروى بالقاف وهذا خطأ، والتعفير: أنهم كانوا إذا أبروا النخل تركوها أربعين يومًا لا تسقى. . . انظر: "النهاية في غريب الحديث" (عفر). (¬5) الأنعام: 38.

- صلى الله عليه وسلم -) هذِه الرواية الصحيحة، وروي: غدا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فقال: يا رسول الله، إني جئت إلى أهلي) يعني: امرأتي (عشاء) منصوب على الظرف، أي: وقت العشاء وهو في موضع الحال من الضمير في جئت (فوجدت عندهم) جمع الضمير باعتبار الأهل (رجلًا، فرأيت بعيني وسمعت بأذني فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما جاء به) يعني: الخبر الذي جاءه به (واشتد عليه) أمر ذلك؛ فإن هذا مما يستقبح ذكره وسماعه، (فنزلت) هذِه الآيات: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ}) تقدم ({فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ}) (¬1) هو من إضافة المصدر إلى الفاعل. وفي رفع شهادة وجهان: أحدهما: هو خبر مبتدأ محذوف، أي: فالواجب شهادة أحدهم. والثاني: هو مبتدأ والخبر محذوف، أي: فعليهم شهادة أحدهم. (الآيتين) لعله منصوب بأعني محذوفة (كلتيهما) بسكون ياء التثنية (فسري) بضم السين المهملة وتشديد الراء المكسورة وفتح الياء آخره (عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: كشف وزال عنه ما كان يجده، من قولهم: سريت الثوب وسروته إذا خلعته، والتشديد فيه للمبالغة. (فقال: أبشر) بفتح الهمزة وكسر الشين (يا هلال) فيه استحباب بشارة الآدمي بما يسره، وقد تكرر في الكتاب والسنة (قد جعل لك) من الضيق والمشقة الحاصلين لك (فرجًا) من همك (ومخرجًا) من ضيقك. (قال هلال) بن أمية: (قد كنت أرجو ذلك) لما كان الفرج والمخرج ¬

_ (¬1) النور: 6.

متقاربي المعنى أعيدت الإشارة إليهما بالإفراد (من ربي) خص ذكر الرب وإن كان اسم الذات وهو الله جامعًا لكل الأوصاف؛ لأن فيه معنى التربية له وإصلاح أموره وإسباغ نعمه. (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أرسلوا) بفتح الهمزة وكسر السين (إليها) وتقدم في الحديث المتقدم أنه قال لزوجها: اذهب فأت بها فجعل زَوجَها الرسول (فجاءت فتلا عليهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكرهما) بالوعظ والتخويف كأن يقول للرجل: أيما رجل جحد ولده احتجب الله منه وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين، ويقول لها قوله - عليه السلام -: "أيما امرأة أدخلت على قومٍ ما ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها الله الجنة" (¬1) (وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا) فاتق الله فإني أخشى إن لم تكن صادقًا أن تبوء بلعنة الله ويقرأ عليه: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} (¬2). (فقال هلال: والله لقد صدقت عليها) فيما رميتها به (فقالت) له (كذبت) ولم تقسم كما أقسم (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لاعنوا بينهما) فيه أنه يجوز أن يلاعن بينهما من آذنه القاضي فإنه بإذنه قائم مقامه كما يقوم مقامه في التحليف بين الخصمين وغير ذلك، أي: وتقدم أنَّ (¬3) في معنى القاضي المحكم (فقيل) أي: فقال من أذن له النبي - صلى الله عليه وسلم - (لهلال: اشهد) فيه أن القاضي أو من ينوب عنه يلقن الملاعن فيقول ¬

_ (¬1) "مسند الشافعي" 2/ 49. (¬2) آل عمران: 77. (¬3) في النسخة الخطية: أي. والمثبت هو اللائق بالسياق.

للملاعن: قل أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به هذِه من الزنا أربع مرات إلى آخره، ويقول لها في كل مرة: قولي أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا إلى آخره، ويكفي في التلقين أن يقتصر الأمر بأوله كما في الحديث (فشهد) اختلف فيه: هل هو يمين أو شهادة؟ فذهب أبو حنيفة وصاحباه (¬1) إلى حمله على حقيقته وهو أنه شهادة، فلا يصح عندهم إلا من مسلمين حرين عفيفين لا من كافر ومملوك ومحدود في قذف (¬2)، وذهب الشافعي إلى الأول، وهو الأصح عند أصحابه (¬3)، وبه قال مالك (¬4) والليث وأحمد؛ لقوله في آخر الحديث: "لولا الأيمان لكان لي ولها شأن" (¬5) كما سيأتي. (أربع) منصوب على أنه تابع لمصدر محذوف أي: شهادات أربع (شهادات بالله إنه لمن الصادقين) فيما رميتها به. (فلما كانت) الشهادة (الخامسة قيل) أي: قال له من استخلفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الملاعنة: (يا هلال اتق الله) فيما تقول (فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة) كما قال تعالى: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ} (¬6) أي: أشد من عذاب الناس (وإن هذِه) الكلمة الخامسة هي (الموجبة التي توجب عليك العذاب) الأليم في الآخرة، فإني أخشى إن لم تكن صادقًا أن تبوء بلعنة ¬

_ (¬1) في النسخة الخطية: وشاهداه. وهو خطأ والمثبت هو الصواب. (¬2) انظر: "المبسوط" 7/ 43 - 44. (¬3) "الأم" 5/ 195. (¬4) انظر: "بداية المجتهد" 3/ 137. (¬5) "المغني" لابن قدامة 11/ 123. (¬6) الرعد: 34.

الله (فقال: والله لا يعذبني الله) تعالى (عليها) أي: على هذِه الشهادة (كما لم يجلدني) بالمثناة تحت أوله (عليها) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا قدره الثعلبي (فشهد) الشهادة (الخامسة: أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين) فيما رمى به زوجته، ويسميها إن كانت غائبة عن البلد أو عن المجلس لحيض أو كبر ولم يرض الزوج بلعانها في المسجد أو كان ذلك في المسجد الحرام. (ثم قيل لها: اشهدي) يقال لها ذلك في كل مرة كما تقدم، (فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين) فيما رماها به (فلما كانت الخامسة) وقفها (قيل لها: اتقي الله) بإثبات ياء التأنيث بعد القاف، وخافي من عذاب الآخرة (فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة) فإن رآها الحاكم مستمرة على الحلف أتت امرأة من ورائها وقبضت على فيها، وهذا القبض سنة أيضًا (وإن هذِه الموجبة التي توجب عليك العذاب، فتلكأت) أي: تباطأت وتوقفت أن تأتي بتمام اللعان كما تقدم (ساعة) حتى همت أن ترجع وتعترف (ثم قالت: والله لا أفضح) بفتح الضاد (قومي) سائر اليوم كما تقدم (فشهدت الشهادة الخامسة أَنَّ غضب الله عليها إن كان من الصادقين) كما تقدم (ففرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهما) تعلق به من يرى أن الفرقة لا تحصل إلا بقضاء القاضي كأبي حنيفة (¬1)، وحمله الجمهور على أن المراد به أفتى بالتفريق بينهما وأخبر عن حكم الله تعالى بذلك. ¬

_ (¬1) "المبسوط" 7/ 46.

واعلم أن قولهم: فرَّق - بتشديد الراء - في الأجسام وبتخفيفها في المعاني، فإن المراد به في الأغلب وإلا فقد قال الله تعالى: {فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ} (¬1) أي: فلقنا لكم البحر حتى صار {كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} (¬2) فالباء في الآية بمعنى اللام. (وقضى) النبي - صلى الله عليه وسلم - أي: حكم بينهما (أن لا يدعى) أي: لا ينتسب (ولدها) الذي ولد على فراشها (لأب) بل لأم (وألا ترمى) المرأة بعد ذلك بالزنا لسقوطه عنها باللعان (و) أن (لا يرمى ولدها) أيضًا بأنه ولد زنا إذا لم يتبين أمره، ولهذا قال - عليه السلام -: "أحدكما كاذب" (¬3). ولم يبين الصادق من الكاذب إذ لم يطلعه الله عليها (ومن رماها أو رمى ولدها) بالزنا (فعليه الحد) أي: حد القذف. وقد استدل به على أن من قذف الملاعنة يجب عليه الحد، وبه قال مالك (¬4) والشافعي (¬5) وأحمد (¬6) وجمهور العلماء بلا خلاف؛ لأن حصانتها الثابتة بالشرع لم تسقط باللعان، ولا يثبت الزنا به، ولذلك لم يلزمها بعد اللعان حد، وكذا من قذف ابن الملاعنة وقال: هو ولد زنا وجب عليه الحد لهذا الحديث، وكذلك إن قال له: أنت من الذي رميت يجب عليه الحد، فأما إن قال له: لست ابن فلان الملاعن ¬

_ (¬1) البقرة: 50. (¬2) الشعراء: 63. (¬3) سبق برقم (2254). (¬4) "المدونة" 4/ 502. (¬5) "الأم" 6/ 744. (¬6) انظر: "مختصر الخرقي" 1/ 134.

وأراد أنه منفي عنه شرعًا فلا حد عليه؛ لأنه صادق. (وقضى) أي: حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أنه) أي: بأنه (لا) يجب (بيت لها عليه) تسكن فيه، ولا يجب لها عليه قوت ولا شيء مما يتبعه من النفقات المذكورة للزوجات، ثم بين العلة في أن الملاعنة لا سكنى لها ولا نفقة فقال (من أجل) أي: لأجل (أنهما يتفرقان) بفتح التاء والفاء والراء، وفي بعض النسخ: يفترقان بسكون الفاء وفتح التاء بعدها (من غير طلاق) بل بفسخ، وبهذا قال مالك (¬1) والشافعي (¬2) وأحمد (¬3): أن اللعان فسخ، وقال أبو حنيفة: هو طلاق بائن، قال: لأنها فرقة من جهة الزوج تختص بالنكاح فكانت طلاقًا كالفرقة كقوله: أنت طالق، فيكون لها السكنى والنفقة في العدة إلى انقضائها (¬4)، وحجتنا عليه الحديث في قوله: يفترقان من غير طلاق، فنفى الطلاق عن الملاعنة (ولا) هي (متوفى عنها) فقد دل الحديث على أن الملاعنة ليس على زوجها نفقة ولا كسوة، وأن من رمى الملاعنة أو ولدها فعليه الحد، وأن التحلية بالنعوت المعيبة إذا أريد بها التعريف لم يكن غيبة يأثم قائلها. (وقال) النبي - صلى الله عليه وسلم -: "تحينوا به الولادة" كذا زاده الثعلبي (¬5) (إن جاءت به أصيهب) بضم الهمزة وفتح الصاد المهملة تصغير أصهب، قال في ¬

_ (¬1) "بداية المجتهد" 3/ 139. (¬2) "الحاوي الكبير" 11/ 54. (¬3) "المغني" لابن قدامة 11/ 147. (¬4) "المبسوط" 7/ 47. (¬5) "الكشف والبيان" 7/ 71 وقال الزيلعي في "تخريج أحاديث الكشاف" 2/ 421: غريب بهذا السياق. وفيه تخليط.

"النهاية" في رواية: "إن جاءت به أصهب" يعني: دون تصغير، والأصهب الذي يعلو لونه صهبة وهي كالشقرة، قاله الخطابي (¬1)، ثم قال: والمعروف أن الصهبة مختصة بالشعر وهي حمرة يعلوها سواد. قال: وفي الحديث: كان يرمي الجمار (¬2) على ناقة له صهباء (¬3) (أريصح) بضم الهمزة وكسر الصاد بعدها حاء مهملتين تصغير أرصح، وهو الخفيف عجز الأليتين، أبدلت السين منه صادًا. قال في "النهاية": المعروف في اللغة أن الأرصح والأرسح هو الخفيف لحم الأليتين (¬4)، وقال في الأرسح: هو الذي لا عجز له، أو هي لاصقة بظهره (¬5). قال: وقال الهروي: الأرصح الناتئ الأليتين (¬6) (أثيبج) بفتح المثلثة والباء الموحدة بعدها جيم تصغير الأثبج وهو الناتئ الثبج ما بين الكاهل ووسط الظهر، وثبج كل شيء وسطه، ومنه حديث: "يركبون ثبج هذا البحر" (¬7)، أي: وسطه، وأصل الكاهل من كاهل الجمل وهو مقدم ظهره الذي يكون عليه الحمل، وكاهل الرجل مقدم أعلى الظهر. واعلم أنه قد جاءت هذِه الصفات الثلاث غير منصرفة، وهي عند النحاة ¬

_ (¬1) "معالم السنن" 3/ 232. (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (صهب)، والحديث رواه النسائي 5/ 270، وابن ماجه (3035)، وأحمد 3/ 413 من حديث قدامة بن عبد الله بن عمار. (¬3) في النسخة الخطية: الجار. وهو خطأ. والمثبت من المصادر. (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (رصح). (¬5) "النهاية في غريب الحديث" (رسح). (¬6) "الغريبين" للهروي: رصح. (¬7) رواه البخاري في "صحيحه" (2788) من حديث أنس.

منصرفة، وأن اللغة المشهورة، أن (¬1) يقال: أصيهبًا وأريصحًا وأثيبجًا، كما تقدم في أحيمر أن أصله أحيمرًا بالتنوين (¬2) (حمش) بفتح الحاء المهملة وإسكان الميم ثم شين معجمة، يقال: رجل حمش الساقين وأحمش الساقين أي: دقيقهما (فهو لهلال) بن أمية (وإن جاءت به أورق) هو الأسمر، والورقة السمرة، ومنه حديث ابن الأكوع: خرجت أنا ورجل من قومي وهو على ناقة ورقاء، أي: سمراء (جعدًا) بسكون العين، الشعر الجعد ضد السبط وهو المسترسل (جماليًّا) بضم الجيم وتخفيف الميم وتشديد الياء آخره هو الضخم الأعضاء التام الأوصال العظيمة الخلقة، شبه خلقه بخلق الجمل لعظم بدنه، يقال: ناقة جمالية إذا شبهت بالفحل من الإبل العظيم البدن (خدلج) بفتح الخاء والدال المهملة واللام المشددة العظيم (الساقين) كما تقدم (سابغ) بالباء الموحدة (الأليتين) أي: عظيمهما، من سبوغ الثوب، ومنه قوله تعالى: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ} (¬3) (فهو للذي رميت) بفتح وسكون تاء التأنيث (به) المرأة. فيه أن ذكر الإنسان بالنعوت التي هي من عيوب الآدمي إذا أريد به التعريف ليس بغيبة ولا يأثم قائلها؛ لأنها من الستة المستثناة كالأعرج والأعمش والأثبج والأورق ونحو ذلك، فقد فعل العلماء ذلك لضرورة ¬

_ (¬1) في الأصل: أي. (¬2) ذكر الشارح قبل ذلك نحو هذا، وجانبه - رحمه الله الصواب في ذلك، فالصحيح المشهور، منع ذلك من الصرف، وكونه على حاله قبل أن يصغر كما ذكر ذلك سيبويه وغيره. والمجال هنا لا يتسع للشرح وللاستزادة. انظر "الكتاب" 3/ 193. (¬3) لقمان: 20.

التعريف، نعم لو وجد الإنسان عنه معدلًا وأمكنه التعريف بعبارة أخرى فهو أولى، كما يقال للأعمى: البصير عدولًا عن اسم النقص. (فجاءت به أورق جعدًا جماليًّا خدلج الساقين سابغ الأليتين) سوى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما بمقتضى اللعان، وحكم بينهما بالظاهر لا بما علمه من باطن الأمر وقرائن الأحوال الذي قال لأجلها: إن جاءت به كذا وكذا فهو لفلان. (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لولا الأيمان) بفتح الهمزة جمع يمين (لكان لي ولها شأن) أي: لرجمتها، كما تقدم. استدل به الشافعي على أن المراد: يشهد فيما تقدم اليمين دون الشهادة (¬1) كما تقدم؛ لأنه جاء ها هنا يمينًا، ولأنه أيضًا لا يجوز له أن يشهد لنفسه، ولأنه لو كان شهادة ما تكرر أربعًا، وأما تسميته فيما تقدم شهادة لأن الشهادة يراد بها اليمين، وإنما حمل على اليمين ليعرف معنى الشهادة عند الحكام، وفيه شوب شهادة وشوب يمين. (قال عكرمة: فكان) الابن الذي لُوعن بسببه (بعد ذلك أميرًا على مضر) بضم الميم وفتح الضاد المعجمة غير منصرف، ومضر شعب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي ينتسب إليه قريش وأسد وجديلة وتميم [وخزاعة، وأسلم، وباهلة وغيرهم] (¬2) وهو شعب عظيم (وما يدعى لأب) وفيه جواز إمارة ولد الزنا وأطلق أصحابنا وغيرهم جواز (¬3) أن يكون قاضيًا. ¬

_ (¬1) انظر: "مختصر المزني" 9/ 223، و"الحاوي الكبير" 11/ 41. (¬2) بياض بالنسخة الخطية، والمثبت من "جمهرة أنساب العرب" لابن حزم. (¬3) بياض بالنسخة الخطية. والمثبت المناسب للسياق، كما في "الروضة" 11/ 245.

[2257] (ثنا أحمد بن حنبل، ثنا سفيان بن عيينة، قال: سمع عمرو) ابن دينار (سعيد بن جبير يقول: سمعت) عبد الله (بن عمر) رضي الله عنهما (يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمتلاعنين: حسابكما على الله) لا على أحدٍ من الآدميين (أحدكما كاذب) تقدم (لا سبيل) أي: لا طريق (لك) على الاستيلاء لك (عليها) ولا على أن تملك عصمتها بوجهٍ من الوجوه، وحمله جمهور العلماء على العموم فلا تحل بوجه من الوجوه؛ إذ لو كان له عليها سبيل إذا أكذب نفسه لا اشتباه، وجوز بعضهم رجوعه إلى المال؛ لقوله بعده (قال: يا رسول الله مالي) فمالي مرفوع على الابتداء والخبر محذوف، أي: أين مالي، أو أنه منصوب على المفعولية بفعل محذوف: أي أطلب مالي، والمراد بماله المهر الذي أمهرها إياه، وإنما جعله ماله مع أن المرأة ملكته بالعقد والدخول لكن سماه ماله باعتبار ما كان عليه، أو ظن أنه رجع إليه وصار ماله بمجرد اللعان، فرد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله؛ إذ (قال) له (لا مال لك) هذا مما لا خلاف فيه إذا كانت الزوجة مدخولًا بها، وأما غير المدخول بها ففيها أقوال: لها الكل، لها النصف، لا شيء لها (إن كنت صدقت عليها) يقال: صدق عليه فيما ظنه كما في كذب عليه، قال تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} (¬1) على قراءة تخفيف الدال، أي: في ظنه، فاتسع في نسبه أما قولهم: صدق في الحديث أو كذب في حديثه أو صدقه الحديث أو كذبه فواضحان، (فهو بما استحللت) أي بسبب ما حل لك من وطئها، ورواية ¬

_ (¬1) سبأ: 20.

البخاري: "إن كنت صادقًا فقد دخلت بها" (¬1)، وبوب عليه البخاري: باب صداق الملاعنة، أي: الصداق الذي دفعه نظير ما استمتع به (من) وطء (فرجها، وإن كنت كذبت عليها) فيما شهدت به (فذلك) يحتمل أن تكون الإشارة بذلك إلى الكذب (أبعد) بالرفع أي: أشد إبعادًا، وإنما صيغ التفضيل هنا من بعد لأنه لازم للإبعاد؛ لأن التفضيل لا يصاغ من الرباعي إلا سماعًا، قال البرماوي: ويجوز أن يكون أبعد مصوغًا من الرباعي مما جاء قليلًا كقولهم: هو أعطاهم للدراهم، وهذا الكلام أخصر من هذاك، ومنهم من جوز ذلك قياسًا مطلقًا، ويجوز أن يكون التفضيل باعتبار أن اللعان قد يبطل حكمه باعتبار ظهور فساد النكاح، أو وقوع بينونة قبله كما قال أبو حنيفة أنه إذا أكذب نفسه حلت له (¬2)، بخلاف المال فإنها قد ملكته بالدخول على كل حال فلا يعود إليه أبدًا. (لك) اللام في لك للبيان نحو: هَيْتَ لك، وسقيا لك. [2258] (ثنا أحمد بن حنبل، حدثنا إسماعيل) ابن علية (حدثنا أيوب، عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عمر) رضي الله عنهما (رجل) جاز الابتداء بالنكرة لتخصصيه بالصفة المحذوفة، تقديره: رجل مزوج (قذف امرأته) أي: رماها بالفاحشة فكأنه رماها بالحجارة، ويسمى رميًا كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} (¬3) (قال) لفظ البخاري: فقال (فرق النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أخوي بني العجلان) بفتح العين كما ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (5311). (¬2) "المبسوط" 7/ 47. (¬3) النور: 6.

تقدم وأخوي تثنية أخ، والأصل أخ وأخت. قال الكرماني: هو من باب التغليب كالأخ كما جعلت الأم كالأب في الأبوين، وأما إطلاق الأخوة بين الزوجين فبالنظر إلى أن المؤمنين إخوة أو إلى القرابة التي بينهما بسبب أن الزوجين كليهما من قبيلة عجلان (¬1). (وقال: الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما من تائب؟ ) فيه جواز استعمال السجع في النثر إذا لم يتكلف له، وقد كثر استعماله في الأحاديث (يرددها) أي: يردد هذِه الكلمة (ثلاث مرات فأبيا) أن يرجعا إلى التوبة، وقد بين ذلك البخاري، ولفظه: فرق النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أخوي بني العجلان وقال: "الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟ " فأبيا وقال: "الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟ " فأبيا وقال: "الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟ " فأبيا (ففرق بينهما) أي: حكم بأن يفترقا حِسًّا لحصول الافتراق شرعًا بنفس اللعان أو قال ذلك تبيينًا [لما أوجب] (¬2) الله بينهما من المباعدة. [2259] (ثنا) عبد الله بن مسلمة (القعنبي، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر) رضي الله عنهما (رجلًا) كان من الأنصار، كذا في البخاري (لاعن امرأته في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانتفى من ولدها) أن يكون منه (ففرق النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما) بعد أن أحلفهما كما تقدم (وألحق الولد بالمرأة) كما تقدم أنه ألحقه بأمه. ¬

_ (¬1) "الكواكب الدراري" للكرماني 9/ 252. (¬2) تحرفت في النسخة الخطية إلى: طلاق حب. والمثبت من فتح الباري، وغيره ..

28 - باب إذا شك في الولد.

28 - باب إِذَا شَكَّ فِي الوَلَدِ. 2260 - حَدَّثَنا ابن أَبِي خَلَفٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ جاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ بَنِي فَزارَةَ فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتِي جاءَتْ بِوَلَدٍ أَسْوَدَ فَقَالَ: "هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ ". قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "ما أَلْوانُها؟ ". قَالَ حُمْرٌ قَالَ: "فَهَلْ فِيها مِنْ أَوْرَقَ؟ ". قَالَ: إِنَّ فِيها لَوُرْقًا. قَالَ: "فَأَنَّى تُراهُ؟ ". قَالَ: عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ. قَالَ: "وهذا عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ" (¬1). 2261 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنادِهِ وَمَعْناهُ قَالَ: وَهُوَ حِينَئِذٍ يُعَرِّضُ بِأَنْ يَنْفِيَهُ (¬2). 2262 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَعْرابِيًّا أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلامًا أَسْوَدَ وَإِنِّي أُنْكِرُهُ. فَذكَرَ مَعْناهُ (¬3). * * * باب إذا شك في الولد [2260] (ثنا) أبو بشر بكر (بن خلف) ثقة (¬4) (ثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري، عن سعيد) بن المسيب (عن أبي هريرة قال: جاء رجل) هو ضمضم بن قتادة، ذكره عبد الغني بن سعيد في كتاب "الغوامض" فقال فيه: ولد له مولود من بني عجل، وقال فيه أيضًا: فقدم عجائز من بني ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1500). (¬2) رواه البخاري (7314)، ومسلم (1500/ 20). (¬3) كذا بالنسخة الخطية، وكذا ذكره الشارح؛ وفي "السنن" ابن أبي خلف، وهو محمد بن أحمد بن أبي خلف القطيعي، وكلاهما روى عن ابن عيينة. (¬4) انظر: "الكاشف" 1/ 161.

عجل فأخبرن أنه كان للمرأة جدة سوداء. قال: وإسناده غريب جدًّا (¬1) (إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من بني فزارة) بفتح الفاء ابن ذبيان بن بغيض قبيلة كبيرة من قيس عيلان ينسب إليها خلق كثير منهم عيينة بن حصن وغيره. (فقال: إن امرأتي) يعني: التي من بني عجل كما تقدم (جاءت) لفظ ابن ماجه: إن امرأتي ولدت على فراشي غلامًا أسود وإنَّا أهل بيت لم يكن فينا أسود قط (¬2) (بولد أسود، فقال: هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: ما ألوانها؟ قال: حمر) بضم الحاء وسكون الميم، جمع أحمر، وضم الميم خطأ؛ لأنه جمع حمار. فيه دليل على ما في المستفتي وحسن تفهيمه وعدم تصريحه بالمقصود، وفيه حسن استفسار المفتي وضربه الأمثال للمستفتي تقريبًا لذهنه، وقد احتج الشافعي بسؤال المستفتي على أن التعريض لا حد فيه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يوجب على هذا المعرض بقذف امرأته حد (¬3)، ولهذا بوب عليه البخاري: باب إذا عَرَّضَ بنفيِ الولد. (قال: فهل فيها من أورق؟ ) قال الأصمعي: الأورق من الإبل الذي في لونه بياض يميل إلى السواد، وهو أطيب الإبل لحمًا (¬4). وليس بمحمود عندهم في عمله وسيره، ومنه قيل للحمامة ورقاء، وقال أبو زيد: هو الذي يضرب لونه إلى الخضرة، وبالجملة فالمراد أنه ليس بصافي السواد، بل أغبر اللون، وبذلك فسره النووي (¬5) وغيره، وعبارة ¬

_ (¬1) "الغوامض والمبهمات" (56). (¬2) "سنن ابن ماجه" (2003). (¬3) "الأم" 5/ 192 - 193. (¬4) "الإبل" للأصمعي ص 145 - 146. (¬5) "شرح مسلم" للنووي 10/ 133.

المازري: هو الأسمر. زاد القرطبي: هو الذي يميل إلى الغبرة (¬1). وأورق غير منصرف للوصف ووزن الفعل، جمعه: ورق، كأحمر وحمر. (قال: إن فيها لوُرقًا) بضم الواو وسكون الراء جمع أورق (قال: فأنى) بفتح الهمزة وتشديد النون هي التي للاستفهام، أي: من أين (تراه؟ ) بضم المثناة فوق، أي: تظنه أتاه الورقة وبقية إبلك الحمرة (قال: عسى أن يكون نزعه) أي: جذبه إليه (عرق) والمراد بالعرق هنا الأصل من النسب تشبه بعرق الشجرة ومعنى أشبهه واجتذب منه إليه وأظهر لونه عليه. (قال: وهذا عسى) ورواية البخاري: "لعل" (¬2) وكلاهما بمعنى اليقين والتحقيق كما قاله الداودي دون شك (أن يكون نزعه عرق) وفيه عرض الغامض المشكل على الظاهر البين. قال ابن دقيق العيد: وفيه أن التعريض اللطيف إذا لم يقصد منه المشاتمة وكان لغير ضرورة أو شكوى أو استفتاء فلا حد فيه (¬3). كما استدل به الشافعي على أنه لا حد في التعريض والكناية كما تقدم، وتعقبه المالكية (¬4) بأن لا حجة فيه؛ لأن الرجل لم يرد قذفًا إنما جاء سائلًا مستخبرًا مستشيرًا، ويدل على ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما ضرب لها مثل بالإبل سكت، وعلم أن الحق فيما ضربه له النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد ضرب عمر - رضي الله عنه - ثمانين لما قال لرجل: ما أنا بزانٍ ولا أمي زانية (¬5). ¬

_ (¬1) "المفهم" 4/ 308. (¬2) "صحيح البخاري" (5305). (¬3) "إحكام الأحكام" 2/ 203. (¬4) "المدونة" 4/ 494، وانظر: "الذخيرة" 12/ 94. (¬5) أخرجه عبد الرزاق (13725) عن يحيى بن سعيد مرسلًا، والإمام مالك في =

وفي الحديث حجة القول بالقياس على ما قيل لتشبيهه - عليه السلام - هذا الرجل المخالف لونه لون والده بولد الإبل المخالف لألوانها، والعلة الجامعة نزع عرق. قال الفاكهي: وقد أبعد الخطابي بالاستدلال بهذا الحديث على نفي الحد عمن قال: ليس هذا الولد مني؛ إذ ليس فيه شيء من ذلك، وإنما فيه إنكاره اللون دون الولد ونفيه له. [2261] (ثنا الحسن بن علي) الحلواني الخلال (ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري بإسناده ومعناه) وقال فيه (وهو حينئذٍ يعرض) بتشديد الراء (بأن ينفيه) أي: بأن ينفي الولد؛ لأنه كان أبيض وجاء ابنه أسود، وهذِه الرواية تؤيد ما استدل به الشافعي على أن التصريح ليس فيه حد لتصريحه في هذِه الرواية بالتعريض (¬1). [2262] (ثنا أحمد بن صالح) المصري الحافظ، شيخ للبخاري، كتب عن ابن وهب خمسين ألف حديث (ثنا ابن وهب) قال (أخبرني يونس، عن) محمد (بن شهاب) الزهري (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة: أن رجلًا) هو ضمضم بن قدامة، كما تقدم (أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال) يا رسول الله (إن امرأتي ولدت غلامًا أسود) على فراشي (وإني أنكره) لأنه أسود وأنا أبيض، يحتمل أن المراد: أنكر لونه، لا أنه نفاه عن نسبه كما تقدم. ¬

_ = "موطئه" 2/ 829، والدارقطني 3/ 209، وصححه الألباني في "الإرواء" (2371). (¬1) انظر: "إحكام الأحكام" 2/ 203.

29 - باب التغليظ في الانتفاء

29 - باب التَّغْلِيظِ فِي الانْتِفاءِ 2263 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو - يَعْنِي: ابن الحارِثِ - عَنِ ابن الهادِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ حِينَ نَزَلَتْ آيَةُ المُتَلاعِنَيْنِ: "أَيُّما امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ فَلَيْسَتْ مِنَ اللهِ فِي شَيء وَلَنْ يُدْخِلَها اللهُ جَنَتَّهُ وَأَيُّما رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ احْتَجَبَ اللهُ مِنْهُ وَفَضَحَهُ عَلَى رُءُوسِ الأَوَّلِينَ والآخِرِينَ" (¬1). * * * باب التغليظ في الانتفاء [2263] (حدثنا أحمد بن صالح) المصري (ثنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري أحد الأعلام. (عن) يزيد (بن الهاد، عن عبد الله بن يونس) قال البخاري: عبد الله بن يونس. (عن سعيد المقبري) روى عنه يزيد بن الهاد يعرف بحديث واحد، قال ابن أبي حاتم: عبد الله بن يونس يعرف بحديث واحد عن سعيد (¬2). (عن أبي هريرة) وذكر هذا الحديث وصحح هذا الحديث، الدارقطني في "العلل" مع اعترافه بتفرد عبد الله بن يونس به، عن سعيد المقبري وأنه ¬

_ (¬1) رواه النسائي 6/ 179، وابن ماجه (2743). وضعفه الألباني في "الإرواء" (2367). (¬2) "الجرح والتعديل" 5/ 205.

لا يعرف إلا بهذا الحديث (¬1). وفي الباب عن ابن عمر في "مسند البزار"، ورواه أحمد من طريق مجاهد عن ابن عمر (أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول حين نزلت عليه آية المتلاعنين) المتقدمة: (أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم) قال ابن الأثير في "شرح مسند الشافعي": يريد به: أدخلت عليهم ولد الزنا، وكذلك المرأة إذا حملت من الزنا وجعلت الحمل من زوجها فقد أدخلت على زوجها وقومه ولدًا ليس من زوجها (¬2) (فليست من الله في شيء) أي: لا علاقة بينها وبين الله، أو: ما عندها من حكم الله وأمره ودينه شيء كما تقول: لست من شأنك في شيء، أو: ليس عندي من أمرك وما أنت عليه شيء ولا أنا متعلق منك بسبب، وذلك براءة من الله تعالى، فكأنه قال: هي بريئة من الله في كل أمره أو شأنها، ولذلك جاء بلفظ شيء منكرة، أي: إنها بريئة منه في كل أمورها وأحوالها (ولن يدخلها الله) تعالى (جنته) وهذا داخل في جملة الأول؛ لأن من ليس من الله في شيء لا يدخله جنته لأمرين: أحدهما: أنَّ الأول حكم عام كما قلنا، إلا أنه مع عمومه لا يكاد (يطلع السامعون) (¬3) على حقيقته المراد منه بعمومه فأعقبها بذكر ما يفهمه كل سامع، وذكر عدم دخول الجنة دون غيره من أنواع الوعيد؛ لأن الأنفس تميل إلى نعيم الجنة وحصول الراحة فيها، لا سيما النساء، ودخول الجنة من أقوى أسباب حصول النعيم؛ فإن كل ما أعد ¬

_ (¬1) "علل الدارقطني" 10/ 375. (¬2) "شرح المسند" لابن الأثير 5/ 54. (¬3) في النسخة الخطية: للسامعون. والمثبت هو الأليق بالسياق.

الله من أسباب النعيم موجود فيها، ومن حُرِمَها فقد حرم الخير كله. الأمر الثاني: أن قوله: ولن يدخلها جنته تعريض بدخول النار؛ لأنه ليس في الآخرة إلا جنة أو نار، فمن لم يدخل الجنة فهو في النار. (وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه) فيه تغليظ على من يقذف زوجته ويَفْتاتُ على نفي الولدِ عنه، وهو كاذب عليها فجاء بلفظ (¬1) جحود الولد؛ لأنه يدل على القذف والنفي معًا، وقوله: وهو ينظر إليه، يريد: وهو يراه أنه منه فيعلم أنه ولده منها وهو ينكره. (احتجب الله منه) وهذا من أعظم أسباب الوعيد والتغليظ فإنه لا غاية في النعيم أعظم من النظر إلى الله تعالى في الدار الآخرة وهي الغاية القصوى من الخير، فإذا احتجب الله من إنسان فويل له ثم ويل له إلى ما لا يتناهى (وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين) يريد فضحه بجحوده ولده وهو يعلم أنه منه، وإظهار كذبه على زوجته وافترائه عليها، وهذا من أعظم أسباب الوعيد لا سيما عند العرب الذين هم أهل الأنفة والحمية، وإنما قدم ذكر المرأة على الرجل هنا لأن المرأة هي التي باشرت الزنا، ولولا إرادتها وإجابتها لم يقع الرجل عليها إلا كرهًا، وعلى هذا جاء قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} (¬2) فقدم المرأة على الرجل. ¬

_ (¬1) في النسخة الخطية: ينفي، وهو سبق قلم، والمثبت هو الصواب. (¬2) النور: 2.

30 - باب في ادعاء ولد الزنا

30 - باب في ادِّعَاءِ وَلَدِ الزِّنَا 2264 - حَدَّثَنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا مُعْتَمِرٌ، عَنْ سَلْمٍ - يَعْني: ابن أَبي الذّيّالِ - حَدَّثَني بَعْضُ أَصْحابِنا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبيْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا مُساعاةَ في الإِسْلامِ، مَنْ ساعَى في الجاهِلِيَّةِ فَقَدْ لَحِقَ بِعَصَبَتِهِ، وَمَنِ ادَّعَى وَلَدًا مِنْ غيْرِ رِشْدَةٍ فَلا يَرِثُ وَلا يُورَثُ" (¬1). 2265 - حَدَّثَنا شيْبانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ راشِدٍ ح وَحَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ، أَخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ راشِدٍ - وَهُوَ أَشْبَعُ - عَنْ سُليْمانَ بْنِ مُوسَى عَنْ عَمْرِو بْنِ شعيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: إِنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى أَنَّ كُلَّ مُسْتَلْحَقٍ اسْتُلْحِقَ بَعْدَ أَبِيهِ الذي يُدْعَى لَهُ ادَّعاهُ وَرَثَتُهُ، فَقَضَى أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَمَةٍ يَمْلِكُها يَوْمَ أَصابَها، فَقَدْ لَحِقَ بِمَنِ اسْتَلْحَقَهُ، وَليْسَ لَهُ مِمّا قُسِمَ قَبْلَهُ مِنَ المِيراثِ شَيء، وَما أَدْرَكَ مِنْ مِيراثٍ لَمْ يُقْسَمْ فَلَهُ نَصِيبُهُ، وَلا يُلْحَقُ إِذَا كَانَ أَبُوهُ الذي يُدْعَى لَهُ أَنْكَرَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَمَةٍ لَمْ يَمْلِكْها، أَوْ مِنْ حُرَّةٍ عاهَرَ بِها فَإِنَّهُ لا يُلْحَقُ بِهِ وَلا يَرِثُ وَإِنْ كَانَ الذي يُدْعَى لَهُ هُوَ ادَّعاهُ فَهُوَ وَلَدُ زِنْيَةٍ مِنْ حُرَّةٍ كَانَ أَوْ أَمَةٍ (¬2). 2266 - حَدَّثَنا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنا أَبي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ راشِدٍ بِإِسْنادِهِ وَمَعْنَاهُ زادَ وَهُوَ وَلَدُ زِنًا لأَهْلِ أُمِّهِ مَنْ كَانُوا حُرَّةً أَوْ أَمَةً وَذَلِكَ فِيما اسْتُلْحِقَ في أَوَّلِ الإِسْلامِ، فَما اقْتُسِمَ مِنْ مالٍ قَبْلَ الإِسْلامِ فَقَدْ مَضَى (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 362، والطبراني 12/ 49 (12438)، والحاكم 4/ 342. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (390). (¬2) رواه ابن ماجه (2746). وحسنه الألباني "صحيح أبي داود" (1959). (¬3) رواه البيهقي 6/ 260 من طريق المصنف. وحسنه الألباني "صحيح أبي داود" (1960).

باب في ادعاء ولد الزنا [2264] (ثنا يعقوب بن إبراهيم) بن كثير الدورقي (ثنا معتمر، عن سلم) بفتح السين وسكون اللام (ابن أبي الذيَّال) بفتح الذال المعجمة وتشديد المثناة تحت، يعد في البصريين، أخرج له مسلم في الصلاة عن حميد بن هلال قال (حدثني بعض أصحابنا، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا مساعاة في الإسلام) المساعاة: الزنا، وكان الأصمعي يجعل المساعاة [في الإماء دون] (¬1) الحرائر، وذلك لأنهن كان السيد يطأهن، ويطأهن [غيره فيكتسبن لمواليهن بضرائب] (¬2) كانت عليهن، فأبطل النبي - صلى الله عليه وسلم - المساعاة في الإسلام [ولم يلحق النسب لها] (¬3)، بل جعل الولد للفراش، يقال: ساعت الأمة إذا فجرت، وساعاها فلان إذا فجر بها، وهو مفاعلة من السعي بالفساد، فكأن كل واحد منهما يسعى لصاحبه في حصول [غرضه] (¬4) (ومن ساعى في الجاهلية فقد لحق بعصبته) العصبة بفتحات هم الأقارب من جهة [الأب] (¬5) يعصبونه ويعتصبن به، أي: يحيطون به كالعصابة بالرأس ويشتد بهم، وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عفا عما كان من المساعاة في الجاهلية فمن ألحق بها، ومنه حديث عمر (¬6) في نساء أو إماء ساعين في الجاهلية: فأمر بأولادهن أن يقوموا ¬

_ (¬1) و (¬2) و (¬3) بياض بالأصل، والمثبت من "شرح السنة" للبغوي 9/ 278. وغيره. (¬4) بياض بالأصل، والمثبت من "النهاية". (¬5) بياض بالأصل. (¬6) في الأصل: عمر الداني، وهو خطأ.

على آبائهم (¬1) ولا يسترقوا (¬2). ومعنى التقويم أن يكون قيمتهم على من زنا بهم لموالي الإماء، ويكونوا أحرارًا لاحقي النسب بآبائهم الزناة. (ومن ادّعى) بتشديد الدال، أن له (ولدًا من غير رشدة) بكسر الراء وفتحها وسكون الشين المعجمة وفتح الدال وتنوين التاء المرسومة هاء، يقال: هذا ولد رشدة إذا كان النكاح صحيح كما يقال في ضده ولد زنية، قال في "النهاية" بالكسر فيهما، قال: وقال الأزهري في فصل بغى: كلام العرب المعروف: فلان ابن زِنية، وابن رِشدة، والفتح أفصح اللغتين (¬3). (فلا يرث ولا يورث) فيه أن من ادعى أن له ولدًا من الزنا فلا يرث الولد من أبيه ولا أحد من عصبته، وكذلك الأب لا يرث من الابن ولا من أحدٍ من عصبته، ويرث ولد الزنا أمه، والذي عليه الشافعي (¬4) وأحمد وجمهور العلماء أن ولد الزنا حكمه حكم ولد الملاعنة، إلا أن الحسن بن صالح قال: عصبة ولد الزنا لسائر المسلمين؛ لأن أمه ليست فراشًا، بخلاف الملاعنة، والجمهور على التسوية بينهما؛ لانقطاع نسب كل واحد من أبيه (¬5). [2265] (ثنا شيبان بن فروخ، ثنا محمد بن راشد) الخزاعي الدمشقي ¬

_ (¬1) في النسخة الخطية: أولادهم، والمثبت من المصادر. (¬2) "مصنف ابن أبي شيبة" (34208). (¬3) "النهاية في غريب الحديث والأثر" (رشد)، "تهذيب اللغة" (بغى). (¬4) "الأم" 4/ 110. (¬5) انظر: "الشرح الكبير" لابن قدامة 7/ 36.

المكحولي، روى عن مكحول فنسب إليه، وثقه أحمد وابن معين، وقال عبد الرزاق: ما رأيت رجلًا أورع في الحديث منه، وقال النسائي وغيره: ثقة (¬1). (وثنا الحسن بن علي) الحلواني (ثنا يزيد بن هارون، ثنا محمد بن راشد) المكحولي (وهو أشبع) من الشبعة. (عن سليمان بن موسى) القرشي الأموي الأسدي، روى له مسلم في مقدمة كتابه، والأربع (عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده - رضي الله عنهم - قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى) أي: حكم (أن كل) ولد (مستلحق) بفتح الحاء من استَلحقْتُ الشيء ادعيته (استُلحِقَ) بضم التاء وكسر الحاء، مبني لما لم يسم فاعله، أي: ادعاه شخص أنه ابنه (بعد) موت (أبيه) وإن لم يكن وطئ الأمة (الذي يدعى له) أي: الذي كان ينسب إليها بعد موته، ثم (ادعاه ورثته) من بعد موت أبيهم ولم يكن أبوه ادعاه ولا نسبه إليه، فإنه يلحق بالأب الذي هو على فراشه لا لمن استلحقه من غيره من الزناة الذي كانوا يطؤون الأمة كما في قصة ابن زمعة على ما سيأتي، ويؤخذ من قوله: الذي يدعى له، أنه لم يدعه، بل ادعاه الورثة بعده، ويؤخذ من إطلاق قوله: الذي يدعى له، أن ورثته إذا ادعوه بعد موته ثبت نسبه وورث سواء أنكره في حياته أو سكت عنه، وهو الصحيح عند الشافعي كما لو استلحقه المورث بعدما نفاه بلعان أو غيره بأن ادعى ثبوته فأنكر، فإن حكم الورثة من بعده كحكمه (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" (25/ 189 - 190). (¬2) "الأم" 5/ 421.

قال العمراني: وهذا أكثر قول أصحابنا (¬1)، ويدل على أن حكم الورثة حكم أبيهم أنهم يقومون مقامه في ميراثه وديونه وشأنه ودعاوته. وقوله في الحديث: ادعاه ورثته، أي: جميعهم سواء كانوا ذكورًا أو إناثًا أو واحدًا، ولو أقر بعضهم وأنكر البعض فلا يثبت كما هو ظاهر الحديث. (فقضى) أي: وقضى، لكن أتى بالفاء الدالة على الترتيب والتعقيب بخلاف الواو، أي: وحكم أيضًا (أن كل من) أي: كل ولد أو أولاد، فإنَّ (مَن) للعموم (كان من أمة) له (يملكها يوم أصابها) يدل على أن المسألة التي قبله فيمن لم يصبها (فقد لحق) الولد (بمن استلحقه) سواء استلحقه الواطئ أو ورثته من بعده؛ فإن اللفظ ها هنا عام بخلاف التي قبلها؛ فإنه مقيدة بما إذا استلحقه الورثة دون السيد (وليس له قسم) بكسر القاف، أي: نصيب مما قسم (قبله) أي: قبل استلحاقه (من الميراث) المخلف عن المورث، أي: لا ميراث له ولا يشارك إخوته الذين استلحقوه في ميراثهم من أبيهم إذا كانت القسمة قد مضت قبل أن يستلحقه الورثة، وجعل حكم ذلك حكم ما مضى في الجاهلية فعفا عنه ولم يرده إلى حكم الإسلام (وما كان من ميراث لم يقسم) إلى أن ثبت نسبه باستلحاق الورثة إياه كان شريكهم فيه (فله نصيبه) فيه أسوة من يساويه في النسب منهم، فإن مات من أخويه بعد ذلك أحد ولم يخلف من يحجبه عن الميراث ورثه. (ولا يلحق) الولد بحمل من الأمة بالسيد (إذا كان أبوه الذي يدعى إليه ¬

_ (¬1) "البيان" 10/ 442.

ينكره) ولم يدعه، وليس للورثة أن يستلحقوه بعد موته إذا أنكره؛ لأنهم خلفاؤه فلا يخالفوه، قال الشيخ تقي الدين السبكي في "شرح المنهاج": أمضى النبي - صلى الله عليه وسلم - أحكام الجاهلية على ما كانت عليه كما أنا لا ننقض أحكام الكفار التي أنقضت بينهم قبل الإسلام. وفي الحديث دليل على إرث المسلمين من حيث الجملة. (وإن كان) الولد الذي أتت به (من أمة لم يملكها) بشراء ولا غيره (أو) كان (من حرة) قد (عاهر بها) بفتح الهاء، أي: زنا بها، وهو فاعل من عهر يعهر عهرًا وعهورًا إذا أتى المرأة ليلًا للفجور بها ثم غلب ذلك على الزنا مطلقًا سواء كان ليلًا أو نهارًا (فإنه لا يلحق) من استلحقه (ولا يرث) منه، وهذا فيه إبطال ما كانت الجاهلية تقول به من إلحاق النسب بالزنا، فمن ألحقت المزني بها التحق به. (وإن كان الزاني الذي يدعى له) الولد الذي من الزنا (هو ادعاه) وألحقه بنسبه (فهو ولد زنية) بكسر الزاي وفتحها وجهان، وتنون آخره كما تقدم في نظيره وهو ولد رشدة، وسواء كان الولد (من حرة كان أو) من (أمة) فإنه لا يلحق ولا يرث من أبيه. [2266] (ثنا محمود بن خالد) بن زيد السلمي الدمشقي، قال أبو حاتم: كان ثقة رضي (¬1)، وثقه النسائي (¬2) (ثنا أبي) خالد بن يزيد السلمي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3) (عن محمد بن راشد) ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 8/ 292. (¬2) انظر: "المعجم المشتمل" (1028). (¬3) "الثقات" 9/ 202.

المكحولي (بإسناده) المذكور (ومعناه) و (زاد) في هذه الرواية (وهو ولد زنا لأهل أمه) أي: ميراثه لذوي الفروض من أهل الأم يأخذون فروضهم منه كاثنين (من كانوا حرة) كانت المزني بها (أو أمة) فإنها ترث الأم وذوي الفروض كما تقدم منه دون الأب ومن يدلي به (وذلك فيما استلحق) بضم التاء وكسر الحاء من الأولاد (في أول الإسلام) وهم قريبو عهد بجاهلية (فما اقتسم) بضم التاء وكسر السين (من مال) ورث (قبل الإسلام فقد مضى) الأمر على ذلك إلى أن نسخ منه ما نسخ.

31 - باب في القافة.

31 - باب في القَافَةِ. 2267 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَعُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ - المَعْنَى - وابْنُ السَّرْحِ، قَالُوا: حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَليَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ مُسَدَّدٌ وابْنُ السَّرْحِ: يَوْمًا مَسْرُورًا، وقَالَ عُثْمانُ: يُعْرَفُ أَسارِيرُ وَجْهِهِ فَقَالَ: "أَي عَائِشَةُ أَلَمْ تَري أَنَّ مُجَزِّزًا المُدْلِجيَّ، رَأى زيْدًا وَأُسامَةَ قَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا بِقَطِيفَةٍ وَبَدَتْ أَقْدامُهُما فَقَالَ: إِنَّ هذِه الأَقْدامَ بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ أُسَامَةُ أَسْوَدَ وَكَانَ زيْدٌ أَبْيَضَ (¬1). 2268 - حَدَّثَنا قُتيْبَةُ، حَدَّثَنا اللّيْثُ، عَنِ ابن شِهابٍ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ قَالَ: قَالَتْ: دَخَلَ عَليَّ مَسْرُورًا تَبْرُقُ أَسارِيرُ وَجْهِهِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَأَسارِيرُ وَجْهِهِ. لَمْ يَحْفَظْهُ ابن عُييْنَةَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَسارِيرُ وَجْهِهِ هُوَ تَدْلِيسٌ مِنِ ابن عُييْنَةَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ إِنَّما سَمِعَ الأَسَارِيرَ مِنْ غيْرِ الزُّهْرِيِّ. قَالَ: والأَسَارِيرُ مِنْ حَدِيثِ اللّيْثِ وَغيْرِهِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ صالِحٍ يَقُولُ: كَانَ أُسَامَةُ أَسْوَدَ شَدِيدَ السَّوادِ مِثْلَ القارِ وَكَانَ زيْدٌ أَبْيَضَ مِثْلَ القُطْنِ (¬2). * * * باب في القافة القافة جمع قائف وهو الذي يعرف الآثار، يقال: قفيت أثره أقفوه فأنا قائف إذا اتبعته. وهم في الشريعة: قوم معروفون من العرب يلحقون الناس بالشبه، فيلحقون إنسانًا بإنسان لما يدركون من المشابهة ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6771)، ومسلم (1459). (¬2) رواه البخاري (3555)، ومسلم (1459).

التي يدركونها مما يخفى على غيرهم. [2267] (ثنا مسدد وعثمان بن أبي شيبة و) أحمد بن عمرو (بن السرح) أبو الطاهر شيخ مسلم (قالوا ثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال مسدد و) أحمد بن عمرو (بن السرح: يومًا مسرورًا) السرور خلاف الحزن، وسبب سروره - عليه السلام - أن الجاهلية كانت تقدح في نسب أسامة لكونه أسود شديد السواد وزيد أبيض، ونقل عبد الحق عن أبي داود: أن زيدًا كان شديد البياض (¬1)، ونقل المازري والبغوي عنه أنه كان أبيض من القطن (¬2)، وقال إبراهيم بن سعد: كان أسامة أسود من الليل وزيد أبيض أشقر. وقال الرافعي: كان أسامة طويلًا أقنى الأنف أسود وكان زيد قصيرًا أخنس الأنف (¬3). (وقال عثمان) بن أبي شيبة في روايته (تعرف) بضم المثناة وفتح الراء، أي: تعرف السرور والفرح من (أسارير وجهه) وهي الخطوط التي في الجبهة من الوجه مثل التكسر، ويقال فيها أيضًا: الأسرة وهي جمع قلة واحدها: سر، بكسر السين، وسرور: جمع أسرار وجمع الجمع أسارير، قال الأصمعي: الخطوط في الكف مثلها (¬4)، أي: مثل خطوط الجبهة، ويقال لأسارير الجبهة أيضًا غضون. ¬

_ (¬1) "الأحكام الوسطى" 3/ 221. (¬2) "شرح السنة" 9/ 285. (¬3) "الشرح الكبير" 13/ 294، وانظر: "التلخيص الحبير" 4/ 387. (¬4) انظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد 1/ 109.

(فقال: أي عائشة) أي: يا عائشة (ألم تري أن مُجززًا) بضم الميم وفتح الجيم وتشديد الزاي الأولى على المشهور، وكان ابن خديج يقول: مجرزًا بفتح الزاي، وقيل عنه أيضًا محززًا بحاء مهملة ساكنة وراء مكسورة، والصواب الأول، فإنه روي: إنما سمي مجززًا لأنه كان إذا استأسر أسيرًا جز ناصيته، وقيل: حلق لحيته، قاله الزبيري (¬1). وكان من بني مدلج، وكانت القيافة فيهم وفي بني أسد يعرفهم العرب بذلك. ويقال: إن من علوم العرب ثلاثة أشياء: القيافة كما تقدم، والسِّيافة، بكسر السين المهملة وتخفيف المثناة تحت وبعد الألف فاء، وهو شم التراب ليعلم أن تلك الطريق التي سار هي على استقامة الطريق (¬2) أو الخروج منها وكان دليل (. . . . . .) (¬3) يفعل ذلك، والثالث: العيافة وهي زجر الطير لينظر كيف يطير إلى أي جهة (المدلجي) بضم الميم وسكون الدال نسبة إلى مدلج بن مرة بن عبد مناة بطن كبير من كنانة منهم القافة الذين يلحقون الأولاد بالآباء (رأى زيدًا) يعني: زيد بن حارثة وهو عربي صريح أصابه سبي فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بنت خويلد فوهبته للنبي - صلى الله عليه وسلم - فتبناه فكان يدعى: زيد بن محمد، حتى نزل قوله تعالى {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} (¬4) فقيل: زيد بن ¬

_ (¬1) انظر: "الاستيعاب" 4/ 23. (¬2) في النسخة الخطية: الطروح. وهو خطأ، والمثبت من "عمدة الأحكام". (¬3) بياض بالنسخة الخطية، ولعله يعني: عبد الله بن أريقط دليل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الهجرة. (¬4) الأحزاب: 5.

حارثة، وابن زيد أسامة وأمه بركة الحبشية مولاة عبد الله بن عبد المطلب وداية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم أر لأحد أنها كانت سوداء. قال القرطبي: إلا ما روي عن ابن سيرين في "تاريخ أحمد بن سعيد" قال: كان هذا فلهذا خرج أسامة أسود، لكن لو كان هذا صحيحًا لم ينكر الناس لونه؛ إذ لا ينكر أن يكون المولود أسود من سوداء، وذكر مسلم في الجهاد عن ابن شهاب: أن أم أيمن كانت من الحبش. ولعل ابن شهاب نسبها للحبشة لأنها من مهاجرة الحبشة (¬1). (وأسامة) ابنه (قد غطيا رؤوسهما بقطيفة) وهي كساء غليظ له خمل، (وبدت) أي: ظهرت (أقدامهما) من تحت القطيفة (فقال: إن هذِه الأقدام بعضها من بعض) وذكر ابن عبد البر أنهما كانا نائمين في المسجد (¬2). وفي تغطية رؤوسهما - فلم يرى وجوههما المدلجي بل رأى أقدامهما من آخر القطيفة - فائدة عظيمة دالة على صدق القيافة. وقد استدل العلماء على الرجوع إلى قول القيافة عند التنازع في الولد؛ لسرور النبي - صلى الله عليه وسلم - بقول هذا القائف إذ لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يسر بالباطل ولا يعجبه، ولم يأخذ به أبو حنيفة تمسكًا بإلقاء النبي - صلى الله عليه وسلم - الشبه في حديث اللعان على ما تقدم (¬3)، وفي حديث سودة الآتي. وقد انفصل عما قاله أبو حنيفة بما تقدم أن إلقاء الشبه في تلك المواضع التي ذكروها إنما كان لمعارض أقوى منه كما تقدم، وهو ¬

_ (¬1) "المفهم" 4/ 199 - 200. (¬2) "الاستيعاب" 4/ 23. (¬3) انظر: "المبسوط" 17/ 82 - 83.

معدوم هنا فانفصلا. وقد اختلف القائلون بالقافة هل يؤخذ بذلك في ولد الحرائر والإماء أو يختص بولد الإماء على قولين: أحدهما قول الشافعي (¬1) ومالك في رواية ابن وهب، ومشهور مذهب مالك قصره على ولد الأمة، وفرق بينهما بأن الواطئ في الاستبراء يستند (¬2) وطؤه لِعقدٍ (¬3) صحيح فله شبهة المِلك فيصح إلحاق الولد به إذا أتت به لأكثر من سنة من وطئه وليس كذلك الوطء في العدة؛ إذ لا عقد، ثم العجب أن هذا الحديث الذي هو الأصل في الباب إنما وقع في الحرائر فإن أسامة وأباه ابنا حرين فكيف يلغي السبب (¬4) الذي خرج عليه دليل الحكم وهو الباعث؟ هذا مما لا يجوز عند الأصوليين (¬5). (قال المصنف: كان أسامة أسود وكان زيد) أباه (أبيض) وقد تقدم الكلام في ذلك في أول الباب. [2268] (ثنا قتيبة) بن سعيد (ثنا الليث، عن) محمد بن مسلم (بن شهاب بإسناده) المذكور (ومعناه، وقال: تبرق) بضم الراء (أسارير وجهه) أي: تضيء وتستنير من السرور والفرح بما شاهده. ¬

_ (¬1) انظر: "الأم" 7/ 611. (¬2) بياض بالنسخة الخطية، والمثبت من "المفهم". (¬3) بياض بالنسخة الخطية، والمثبت من "المفهم". (¬4) في النسخة الخطية: الشبة والمثبت من "المفهم". (¬5) "المفهم" 4/ 200 - 201.

32 - باب من قال بالقرعة إذا تنازعوا في الولد.

32 - باب مَنْ قَالَ بِالقُرْعَةِ إِذَا تَنازَعُوا فِي الوَلَدِ. 2269 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنِ الأَجْلَحِ، عَنِ الشَّعْبيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الخَلِيلِ، عَنْ زيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: كُنْتُ جالِسًا عِنْدَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَجاءَ رَجُلٌ مِنَ اليَمَنِ فَقَالَ: إِنَّ ثَلاثَةَ نَفَرٍ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ أَتَوْا عَلِيًّا يَخْتَصِمُونَ إِليْهِ في وَلَدٍ وَقَدْ وَقَعُوا عَلَى امْرَأَةٍ في طُهْرٍ واحِدٍ، فَقَالَ لاِثْنيْنِ مِنْهُمَا: طِيبا بِالوَلَدِ لهذا. فَغَلبا ثُمَّ قَالَ لاِثْنيْنِ: طِيبا بِالوَلَدِ لهذا. فَغَلَبا ثُمَّ قَالَ: لاِثْنيْنِ طِيبا بِالوَلَدِ لهذا. فَغَلَبا فَقَالَ: أَنْتُمْ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ إِنِّي مُقْرِعٌ بيْنَكُمْ فَمَنْ قُرِعَ فَلَهُ الوَلَدُ وَعَليْهِ لِصاحِبيْهِ ثُلُثا الدِّيَةِ. فَأَقْرَعَ بيْنَهُمْ فَجَعَلَهُ لِمَنْ قُرِعَ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَدَتْ أَضْراسُهُ أَوْ نَواجِذُهُ (¬1). 2270 - حَدَّثَنا خُشيْشُ بْنُ أَصْرَمَ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا الثَّوْريُّ، عَنْ صالِحٍ الهَمْدانِيِّ، عَنِ الشَّعْبيِّ، عَنْ عَبْدِ خيْرٍ، عَنْ زيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: أُتِيَ عَليٌّ - رضي الله عنه - بِثَلاثَةٍ وَهُوَ بِاليَمَنِ وَقَعُوا عَلَى امْرَأَةٍ في طُهْرٍ واحِدٍ فَسَأَلَ اثْنيْنِ أَتُقِرَّانِ لِهَذَا بِالوَلَدِ؟ قالا: لا. حَتَّى سَأَلَهُمْ جَمِيعًا فَجَعَلَ كُلَّما سَأَلَ اثْنيْنِ قالا: لا. فَأَقْرَعَ بيْنَهُمْ فَأَلْحَقَ الوَلَدَ بِالَّذي صارَتْ عَليهِ القُرْعَةُ، وَجَعَلَ عَليْهِ ثُلُثَى الدِّيَةِ، قَالَ: فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَواجِذُهُ (¬2). 2271 - حَدَّثَنا عُبيْدُ اللهِ بْنُ مُعاذٍ، حَدَّثَنا أَبي، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ سَمِعَ الشَّعْبيَّ، عَنِ الخَلِيلِ أَوِ ابن الخَلِيلِ قَالَ: أُتِيَ عَليُّ بْنُ أَبي طالِبٍ - رضي الله عنه - في امْرَأَةٍ وَلَدَتْ مِنْ ثَلَاثٍ نَحْوَهُ لَمْ يَذْكُرِ اليَمَنَ وَلا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَلا قَوْلَهُ طِيبا بِالوَلَدِ (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه النسائي 6/ 182، وأحمد 4/ 373، والحاكم 2/ 207، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1963). (¬2) رواه النسائي 6/ 182، وابن ماجه (2348). وصححه الألباني "صحيح أبي داود" (1964). (¬3) رواه البيهقي 10/ 266. وضعفه الألباني "ضعيف أبي داود" (391).

باب من قال بالقرعة إذا تنازعوا في الولد [2269] (ثنا مسدد، ثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن (¬1) الأجلح) بتقديم الجيم الكِندي (عن) عامر بن شرحبيل (الشعبي، عن عبد الله بن الخليل) ويقال: ابن أبي الخليل الحضرمي الكوفي في ثقات ابن حبان (¬2) (عن زيد بن أرقم) بن زيد الخزرجي - رضي الله عنه -. (قال: كنت جالسًا عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجاء رجل من اليمن فقال: إن ثلاثة نفر) النفر من الثلاثة إلى العشرة (من أهل اليمن أتوا عليًّا - رضي الله عنه - يختصمون إليه في ولد) لفظ: كنت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلي يومئذٍ باليمن، فأتاه رجل فقال: شهدت عليًّا أُتي في ثلاثة ادعوا ولد امرأة (وقد وقعوا على امرأة) ظاهره أن هذِه المرأة هي أم الولد (في طهر واحد) وأمكن أن يكون كل واحد من الثلاثة؛ بأن يأتي الولد لأقل من أربع سنين وأقل من ستة أشهر بين الوطأين، فادعوه جميعًا، وهذا الولد يعرض وقوعه بين الثلاثة فأكثر في صور ذكرها الرافعي (¬3) وعدة: أحدها: أن يجد كل واحد منهم بالشبهة بأن يجدها على فراشه ويظنها زوجته أو أمته، ولم يكن في نكاح صحيح، فإن كانت في نكاح صحيح فعن القاضي أبي الطيب وصاحب "الشامل" وعند الإمام أحمد: أن الولد يلحق بالزوج؛ لأنها فراشه والفراش أقوى من ¬

_ (¬1) زاد هنا: يحيى بن عبد الله. وهي زيادة مقحمة. (¬2) "الثقات" لابن حبان 5/ 13. (¬3) "الشرح الكبير" 13/ 298 - 299.

الشبهة، والأظهر أنه لا يتعين الزوج للإلحاق، بل الموضع موضع اشتباه فيعين على القائف. (فقال) علي (لاثنين) من الثلاثة المدعيين (طيبا) بكسر الطاء وسكون المثناة تحت وتخفيف الباء الموحدة وبعدها ألف التثنية (بالولد لهذا) الرجل الذي هو ثالث الثلاثة، وفي رواية لغير المصنف: طيبا نفسًا بالولد، أي: طيبا أنفسكما بهذا الولد لهذا الرجل وألحقاه به سماحةً منكما له من غير كراهة كما في حديث وفد هوازن: "من أحب أن يطيب بذلك منكم فليفعل، فليحلله وليُبِجْه"، ورواية النسائي: فقال لأحدهم: تدعه لهذا؟ (¬1) فأبى. (فغليا) بفتحات، أي: امتنعا من إلحاقه لغلبة الاشتباه واختلاط المياه، وفي بعض النسخ: غليا بضم الغين وكسر اللام (ثم قال للاثنين) أحدهما أحد اللذين قبله (طيبا) أنفسكما (لهذا، فغليا) أي: امتنعا كما امتنع الأوليان (فقال) علي (أنتم شركاء) في الوطء (متشاكسون) أي: مختلفون متنازعون في هذا الولد (إني مُقرِعٌ) لفظ النسائي: وسأقرع (بينكم) فأيكم أصابته فهو له. انتهى (فمن قرع) أصحابه (فله الولد) فيه دليل على إثبات القرعة في أمر الولد وهي أصل في الشريعة لكل من أراد العدل في القسمة. ورد العمل بالقرعة أبو حنيفة وأصحابه، وردوا الأحاديث الواردة فيها وزعموا أنها لا معنى لها، وأنها تشبه الأزلام التي نهى الله عنها (¬2). ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 6/ 183. (¬2) انظر: "مجمع الأنهر" 2/ 273.

قال أبو عبيد (¬1): قد عمل بالقرعة ثلاثة من الأنبياء: يونس وزكريا ونبينا - صلى الله عليه وسلم - (¬2). قال ابن المنذر: واستعماله القرعة كالإجماع من أهل العلم فيما يقسم بين الشركاء فلا معنى لمن يقول بردها (¬3)، انتهى. وفي الحديث دليل على أن الولد لا يلحق بأكثر من أبٍ واحد. وعند أبي حنيفة: يلحق الولد باثنين فأكثر باعتبار قول القائف، ويحكى عن أبي يوسف، وحكى الطحاوي عنه أنه يلحق باثنين ولا يلحق بأكثر (¬4). وقال المتأخرون: يجوز أن يلحق بمائة أب، حكاه ابن الأثير في "شرح المسند". ورد عليه أصحابنا بامتناع إلحاق باثنين فأكثر بأن الولد لا ينعقد من ماء شخصين؛ لأن الوطء لا بد أن يكون على التعاقب، وإذا جمع ماء الأول مع ماء المرأة وانعقد الأول منه حصلت عليها غشاوة تمنع من اختلاط ماء الثاني بماء الأول [ومائها] (¬5). وأيضًا فلو تداعى الولد مسلم وكافر لا يلحق بهما بالاتفاق، فكذلك إذا تداعاه مسلمان. (وعليه لصاحبيه) اللذين شاركاه في الوطء (ثلثا الدية) قال الرافعي: ¬

_ (¬1) في النسخة الخطية: أبو عبيدة. والمثبت من "فتح الباري" وغيره. (¬2) انظر: "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 8/ 75. (¬3) "الأوسط" 7/ 82. (¬4) "مختصر الطحاوي" ص 357. (¬5) كلمة غير مقروءة في النسخة الخطية، والمثبت من "الشرح الكبير" للرافعي.

روي أنه - صلى الله عليه وسلم - في قسمة بعض الغنائم [بالبعر] (¬1)، ويروى أنه أقرع مرة بالنوى (¬2)، لكن قال ابن الصلاح في كلامه على "الوسيط": ليس لها صحة (¬3) (فجعله لمن قرع) أي: لمن أصابته القرعة منهم (فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت أضراسه) وفي الصحيحين عن عائشة: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان ضحكه من غير قهقهة (¬4). وفي "الشمائل" للترمذي من حديث هند بنت أبي: كان كل ضحكه التبسم (¬5). ولعل سبب ضحكه - صلى الله عليه وسلم - استبشارًا وإعجابًا بإصابة علي الصواب (أو نواجذه) هذا شك من الراوي وسيأتي في الرواية الآتية نواجذه من غير شك. [2270] (ثنا خُشيش) بضم الخاء وفتح الشين المعجمتين مصغر (ابن أصرم) النسائي أبو عاصم حافظ ثبت (¬6). (ثنا عبد الرزاق، أبنا) سفيان بن سعيد (الثوري، عن صالح) بن صالح (الهمداني) بسكون الميم. (عن الشعبي، عن عبد خير) الهمداني ثقة مخضرم (¬7)، قال المنذري: ¬

_ (¬1) في النسخة الخطية: بالبقر. وهو خطأ. والمثبت من "التلخيص الحبير". (¬2) "الشرح الكبير" 13/ 358. (¬3) انظر: "التلخيص الحبير": 4/ 391. (¬4) ليس لفظه هكذا في "الصحيحين"، ولفظه فيهما عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مستجمعًا ضاحكًا حتى أرى لهواته، إنما كان يبتسم. أخرجه البخاري (4828)، ومسلم (899). (¬5) "الشمائل المحمدية" 1/ 135. (¬6) انظر: "الكاشف" للذهبي 1/ 280. (¬7) انظر: "الكاشف" للذهبي 2/ 153.

حديث عبد خير رجال إسناده ثقات، غير أن الصواب في حديثه الإرسال (¬1) (عن زيد بن أرقم قال: أتي علي بثلاثة) نفر (وهو باليمن) حين بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو شاب إليها ليقضي بينهم، فقال: يا رسول الله، إني لا أدري ما القضاء؟ فضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - على صدري وقال: "اللهم أهد قلبه وسدد لسانه". قال علي - رضي الله عنه -: فوالله ما شككت بعدها في قضاء بين اثنين (وقعوا على امرأة في طهر واحد) قال الرافعي: فإن تخلل بين الوطئين حيضة فهي أمارة ظاهرة في حصول البراءة عن الأول، فينقطع تعلقه إلا أن يكون الأول زوجًا في نكاح صحيح، والثاني واطئًا بالشبهة، أو في نكاح فاسد فلا ينقطع تعلق الأول؛ لأن إمكان الوطء مع فراش النكاح قائم مقام نفس الوطء والإمكان حاصل بالحيضة. ولا فرق بين أن يكون الواطئون مسلمين أو أحرارًا أو مختلفي الحال (¬2) (فسأل اثنين) منهم (أتقران) بفتح همزة الاستفهام وضم تاء المضارعة (لهذا) زاد النسائي: بالولد (¬3). مقتضى سؤال الاثنين أنهما لو أقرا بأنه ولد الثالث ثبت نسبه ولحق به ولم يحتج إلى قرعة (قالا: لا، حتى سألهم جميعًا) عن الإقرار بالولد، وفيه أن الحاكم يسأل عما يحتاج إليه في الأحكام الشرعية وإن لم يسأله المستحق (فجعل كلما سأل اثنين) منهما: أتقران لهذا؟ (قالا: لا، فأقرع بينهم) فيه ثبوت القرعة والحكم بها كما تقدم (فألحق الولد بالذي ¬

_ (¬1) "مختصر سنن أبي داود" للمنذري 3/ 178. (¬2) "الشرح الكبير" 13/ 299. (¬3) "سنن النسائي" 6/ 182.

صارت عليه القرعة) وممن ذهب إلى القول بظاهر هذا الحديث إسحاق بن راهويه وقال: هو السنة في دعوى الولد (¬1). وكان الشافعي يقول به في القديم، والأظهر عند الشافعي وأصحابه أنه يعرض على القافة؛ لأن قول القائف حجة أو حكم وهو أقوى من القرعة، فإذا لحقه لم ينقض بعده إلا إذا قامت بينة بإلحاقه بالآخر، ولو ألحقه القائف ثم انتسب بعد البلوغ لآخر فظاهر كلام الرافعي المنع؛ لأنه صحح في العكس، وهو لو انتسب ثم ألحقه القائف بآخر أنه يلحق بالقائف (¬2) (وجعل عليه ثلثي الدية) ولفظ الحميدي في "مسنده": فأغرمه ثلثي قيمة الجارية لصاحبيه، وبوب عليه في المبيع باب: الشركاء يطؤون الأمة (¬3). (قال فذكر) مبني للمجهول (ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فضحك حتى بدت نواجذه) بالذال المعجمة. والنواجذ من الأسنان الضواحك، وهي التي تبدو عند الضحك. قال في "النهاية": والأكثر الأشهر أنها أقصى الأسنان، والمراد الأول؛ لأنه ما كان يبلغ به الضحك حتى يبدو أواخر أضراسه، وإن أريد به الأواخر فالوجه فيه أن يراد مبالغة مثله في ضحكه من غير أن يراد نواجذه في الضواحك. قال: وهو أقيس القولين، لاشتهار النواجذ بأواخر الأضراس (¬4). [2271] (ثنا عبيد الله بن معاذ، ثنا أبي) هو معاذ بن معاذ كما تقدم ¬

_ (¬1) "مسائل أحمد وإسحاق رواية الكوسج" (1050). (¬2) "الشرح الكبير" 6/ 416. (¬3) "مسند الحميدي" (803). (¬4) "النهاية في غريب الحديث" 5/ 20 (نجذ).

(ثنا شعبة، عن سلمة) بن كهيل أنه (سمع الشعبي، عن الخليل أو) عبد الله (ابن الخليل) وللنسائي: عن أبي الخليل أو ابن أبي الخليل (¬1). قال (ابن حزم) (¬2): إن قيل في هذا الحديث: قد اضطرب فأرسل شعبة عن الشعبي، عن مجهول، ورواه أبو إسحاق الشيباني عن رجل من حضرموت عن زيد بن أرقم ثم قال: قلنا: قد وصله سفيان، وليس هو بدون شعبة عن صالح وهو ثقة، عن عبد خير، وهو ثقة، عن زيد بن أرقم (¬3). (قال: أتي علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في امرأة ولدت من ثلاث) زاد النسائي: نفر اشتركوا في طهر (¬4). فذكر (نحوه، ولم يذكر اليمن، ولا النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا) ذكر (قوله: طيبا بالولد) كما تقدم. ¬

_ (¬1) "المجتبى" 6/ 184. (¬2) في النسخة الخطية: عبد الحق. ولم أجده من كلامه. وإنما هو من كلام ابن حزم، رحمهما الله. (¬3) "المحلى" 9/ 342. (¬4) "سنن النسائي" 6/ 184.

33 - باب في وجوه النكاح التي كان يتناكح بها أهل الجاهلية.

33 - باب في وُجُوهِ النِّكَاحِ التي كَانَ يَتَنَاكَحُ بِهَا أَهْلُ الجَاهِلِيَّةِ. 2272 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنا عَنْبَسَةُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَني يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهابٍ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا زَوْجَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرَتْهُ أَنَّ النِّكَاحَ كَانَ في الجَاهِلِيَّةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءٍ فَنِكَاحٌ مِنْها نِكاحُ النّاسِ اليَوْمَ يَخْطُبُ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ وَلِيَّتَهُ فيُصْدِقُها ثُمَّ يَنْكِحُهَا وَنِكَاحٌ آخَرُ كانَ الرَّجُلُ يَقُولُ لاِمْرَأَتِهِ إِذَا طَهُرَتْ مِنْ طَمْثِها: أَرْسِلي إِلَى فُلانٍ فاسْتَبْضِعِي مِنْهُ، ويَعْتَزِلُها زَوْجُهَا وَلا يَمَسُّها أَبَدًا حَتَّى يَتَبيَّنَ حَمْلُهَا مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ الذي تَسْتَبْضِعُ مِنْهُ فَإِذا تَبيَّنَ حَمْلُهَا أَصابَها زَوْجُها إِنْ أَحَبَّ وَإِنَّما يَفْعَلُ ذَلِكَ رَغْبَةً في نَجابَةِ الوَلَدِ فَكانَ هذا النِّكاحُ يُسَمَّى نِكاحَ الاسْتِبْضاعِ، وَنِكَاحٌ آخَرُ يَجْتَمِعُ الرَّهْطُ دُونَ العَشَرَةِ فيَدْخُلُونَ عَلَى المَرْأَةِ كُلُّهُمْ يُصِيبُهَا فَإِذَا حَمَلَتْ وَوَضَعَتْ وَمَرَّ ليالٍ بَعْدَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا أَرْسَلَتْ إِليْهِمْ فَلَمْ يَسْتَطِعْ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْ يَمْتَنِعَ حَتَّى يَجْتَمِعُوا عِنْدَها فَتَقُولُ لَهُمْ: قَدْ عَرَفْتُمُ الذي كانَ مِنْ أَمْرِكُمْ وَقَدْ وَلَدْتُ وَهُوَ ابنكَ يا فُلَانُ، فَتُسمي مَنْ أَحَبَّتْ مِنْهُمْ بِاسْمِهِ فيُلْحَقُ بِهِ وَلَدُهَا وَنِكَاحٌ رابِعٌ يَجْتَمِعُ النَّاسُ الكثِيرُ فيَدْخُلُونَ عَلَى المَرْأَةِ لا تَمْتَنِعُ مِمَّنْ جاءَها، وَهُنَّ البَغَايا، كُنَّ يَنْصِبْنَ عَلَى أَبْوابِهِنَّ راياتٍ يَكُنَّ عَلَمًا لِمَنْ أَرادَهُنَّ دَخَلَ عَليْهِنَّ فَإِذَا حَمَلَتْ فَوَضَعَتْ حَمْلَها جُمِعُوا لَها، وَدَعَوْا لَهُمُ القافَةَ ثُمَّ أَلْحَقُوا وَلَدَها بِالَّذي يَرَوْنَ فالتاطَهُ وَدُعِيَ ابنَهُ لا يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ فَلَمّا بَعَثَ اللهُ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - هَدَمَ نِكاحَ أَهْلِ الجاهِلِيَّةِ كُلَّهُ إِلَّا نِكاحَ أَهْلِ الإِسْلامِ اليَوْمَ (¬1). * * * باب في وجوه النكاح التي كان يتناكح بها أهل الجاهلية [2272] (ثنا أحمد بن صالح) المصري (ثنا عنبسة بن خالد) الأيلي، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5127).

أخرج له البخاري قال (حدثني يونس بن يزيد قال محمد بن مسلم بن شهاب) الزهري (أخبرني عروة، عن الزبير، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرته: أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء) أي: أنواع واحدها نحو، قال الداودي: بقي عليها نحو لم تذكره وذكره الله تعالى في قوله: {وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} (¬1)، قيل: المسافحة: المجاهرة بالزنا تُكري نفسها جهرة، وذات الخدن هي ذات الصاحب التي يزنى بها سرًّا، وهو المراد بقوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} (¬2)، وكانت الجاهلية تقول: ما استتر فلا بأس به، وما ظهر فهو لؤم. (فنكاح منها نكاح الناس اليوم يخطب إلى الرجل وليته) ولا نكاح إلا بولي، أي: يلتمس منه نكاحها، وفيه أنه لا نكاح إلا بولي كما بوب عليه البخاري (¬3)، وفيه استحباب خطبة من أراد نكاحها، وأن الخطبة لا تكون إلا من ولي المرأة. زاد البخاري: أو ابنته (¬4). يعني: ونحوها، لمن له عليها حق الولاية (فيصدقها) بضم الياء أي: يعين صداقها ويسمى قدره (ثم ينكحها) بعد ذلك. (ونكاح آخر: كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت) بإسكان تاء التأنيث الغائبة (من طمثها) الطمث الحيض، ومنه قوله تعالى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ} (¬5) ¬

_ (¬1) النساء: 25. (¬2) الأنعام: 151. (¬3) "صحيح البخاري" قبل حديث (5127). (¬4) "صحيح البخاري" (5127). (¬5) الرحمن: 56، 74.

النكاح (أرسلي) بفتح الهمزة (إلى فلان فاستبضعي منه) أي: اطلبي منه الجماع، والبضع: الفرج، فهو استفعال منه، وإنما تطلب الاستبضاع رغبة في نجابة الولد الذي يأتي منه، وإنما تطلب من رؤسائهم وأشرافهم، فكان الرجل إذا استبضع زوجته أو أمته الموطوءة اعتزلها فلا يمسها حتى يتبين حملها من ذلك الرجل، ومنه الحديث: أن عبد الله أبا النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بامرأة فدعته أن يستبضع (¬1). (ويعتزلها زوجها) الذي أمرها بالاستبضاع (ولا يمسها) بفتح الميم زوجها (أبدًا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه، فإذا تبين حملها) ممن استبضعت منه (أصابها زوجها إن أحب) وطأها (وإنما تفعل) بفتح أوله وثالثه، ويجوز ضم أوله (ذلك رغبة في نجابة الولد) يقال: نَجُب الولد بضم الجيم ينجُب نجابة مثل كرُم يكرُم كرامة فهو كريم، وهم وزنًا ومعنى (فكان هذا النكاح يسمى نكاح) بفتح الحاء (الاستبضاع ونكاح آخر يجتمع الرهط) قال (أبو عبيدة) (¬2): الرهط ما (دون العشرة) من الناس (¬3)، ولا يكون فيهم امرأة، قال الله تعالى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ} (¬4) فجمع، وليس لهم واحد من لفظهم مثل ذَوْد، (فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها، فإذا حملت ووضعت ومر) عليها (ليالٍ بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم، فلم يستطع رجل أن يمتنع) ¬

_ (¬1) "طبقات ابن سعد" 1/ 95 - 96. (¬2) في "طرح التثريب": أبو عبيد. (¬3) "طرح التثريب" 8/ 110. (¬4) النمل: 48.

عن المجيء إليها (حتى يجتمعوا عندها فتقول لهم: قد عرفتم) قال الكرماني: وفي بعض نسخ البخاري: قد عرفت بصيغة المتكلم (¬1) (الذي كان من أمركم، وقد ولدت وهو ابنك يا فلان، فتسمي من أحبت منهم باسمه) الذي يتميز به (فيلحق) به بضم المثناة تحت وفتح الحاء (به ولدها) بالرفع، وروي بضم المثناة فوق وكسر الحاء ولدها بالنصب، لا يستطيع أن يمتنع منه كذا للبخاري، وفي بعضها: لا يستطيع أن يمتنع به الرجل. (ونكاح رابع: يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها، وهنَّ البغايا) جمع بغي، وهو وصف مختص بالنساء، والبغي: الفاجرة. وقال الأزهري: هي القينة. (كن ينصبن) بكسر الصاد (على أبوابهن رايات يكن) بتشديد النون، وللبخاري: تكون (علمًا) بفتح العين واللام أي: علامة عليهن (ودعوا لهم القافة) جمع قائف وهو الذي يلحق الولد بالوالد، وروى البيهقي عن سعيد بن المسيب أن رجلين اشتركا في طهر امرأة فولدت ولدًا، فارتفعا إلى عمر، فولاها ثلاثة من القافة، فدعوا بتراب فوطئ فيه الرجلان والغلام، ثم قال: انظر. فنظر فقال: أسر أم أعلن؟ فقال: بل أسر. فقال: لقد أخذ الشبه منهما جميعًا (¬2). (ثم ألحقوا بالذي يرون) أنه منه (فالتاطه) وللبخاري: فالتاط به. في رواية (¬3)، وفي أخرى: فالتاطته. بسكون تاء التأنيث أي: ¬

_ (¬1) "شرح الكرماني على صحيح البخاري" 19/ 97. (¬2) "السنن الكبرى للبيهقي" 10/ 264. (¬3) سبق تخريجه قريبًا في شرح هذا الحديث.

استلحقته وألصقته، والالتياط بالتاء المثناة فوق وبعد الألف طاء مهملة أصله من اللوط وهو اللصوق، وفي الحديث: "من أحب الدنيا التاط منها بثلاث: شغل لا ينقضي، وأمل لا يدرك، وحرص لا ينقطع" (¬1). ومعنى التاط بها، أي: التصق منها (ودعي) بضم الدال مبني للمفعول (ابنه) أي: لحقه نسبه والتصق به (لا) يقدر الرجل الملحق به أن (يمتنع من ذلك) الولد. (فلما بعث الله) تعالى (محمدًا - صلى الله عليه وسلم -) زاد البخاري: بالحق (هدم) بالدال المهملة أي: أسقط وأبطل، ويحتمل أن يكون بالذال المعجمة من قولهم: هاذم اللذات أي: قاطعها ومزيلها (نكاح) أي: أنكحة (الجاهلية كله إلا نكاح) بالنصب (أهل الإسلام) وهو نكاح الناس (اليوم). ¬

_ (¬1) رواه الطبراني 10/ 162 (10328)، وأبو نعيم في "الحلية" 8/ 119 من حديث ابن مسعود مرفوعًا بنحوه.

34 - باب الولد للفراش

34 - باب الوَلَدِ لِلْفِراشِ 2273 - حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَمُسَدَّدٌ، قالا: حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ اخْتَصَمَ سَعْدُ بْن أَبي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ بْن زَمْعَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في ابن أَمَةِ زَمْعَةَ فَقَالَ سَعْدٌ أَوْصانِي أَخِي عُتْبَة إِذا قَدِمْتُ مَكَّةَ أَنْ أَنْظُرَ إِلَى ابن أَمَةِ زَمْعَةَ فَأَقْبِضَه فَإِنَّهُ ابنهُ. وقَالَ عَبْدُ بْن زَمْعَةَ أَخي ابن أَمَةِ أَبي وُلِدَ عَلَى فِراشِ أَبي. فَرَأى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَبَهًا بيِّنًا بِعُتْبَةَ فَقَالَ: "الوَلَدُ لِلْفِراشِ وَلِلْعاهِرِ الحَجَرُ واحْتَجِبِي عَنْهُ يا سَوْدَةُ". زادَ مُسَدَّدٌ في حَدِيثِهِ وقَالَ: "هُوَ أَخُوكَ يا عَبْدُ" (¬1). 2274 - حَدَّثَنا زُهيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ، أَخْبَرَنَا حُسيْنٌ المُعَلِّمُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ فُلانًا ابني عاهَرْتُ بِأُمِّهِ في الجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا دِعْوَةَ في الإِسْلامِ ذَهَبَ أَمْرُ الجاهِلِيَّةِ الوَلَدُ لِلْفِراشِ وَلِلْعاهِرِ الحَجَرُ" (¬2). 2275 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا مَهْديُّ بْن ميْمُونٍ أَبُو يَحْيَى، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي يَعْقُوبَ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ مَوْلَى االحَسَنِ بْنِ عَليِّ بْنِ أَبي طالِبٍ - رضي الله عنه -، عَنْ رَباحٍ قَالَ: زَوَّجَنِي أَهْلِي أَمَةً لَهُمْ رُومِيَّةً فَوَقَعْتُ عَليْها فَوَلَدَتْ غُلامًا أَسْوَدَ مِثْلي فَسَمّيْتُهُ عَبْدَ اللهِ ثُمَّ وَقَعْتُ عَليْها فَوَلَدَتْ غُلامًا أَسْوَدَ مِثْلي فَسَمّيْتُهُ عُبيْدَ اللهِ ثمَّ طَبَنَ لَها غُلامٌ لأَهْلِي رُوميٌّ يُقالُ لَهُ: يُوحَنَّهْ فَراطَنَها بِلِسانِهِ فَوَلَدَتْ غُلامًا كَأَنَّهُ وَزَغَةٌ مِنَ الوَزَغاتِ، فَقُلْتُ لَها: ما هذا فَقَالَتْ: هذا لِيُوحَنَّهْ. فَرَفَعْنا إِلَى عُثْمانَ أَحْسِبُهُ قَالَ مَهْديٌّ، قَالَ: فَسَأَلَهُما فاعْتَرَفَا فَقَالَ: لَهُما أَتَرْضَيانِ أَنْ أَقْضيَ بيْنَكُمَا بِقَضاءِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى أَنَّ الوَلَدَ لِلْفِراش. وَأَحْسِبُهُ قَالَ: فَجَلَدَها وَجَلَدَهُ وَكانا مَمْلُوكيْنِ (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2053)، ومسلم (1457). (¬2) رواه أحمد 2/ 207. وحسنه الألباني "صحيح أبي داود" (1967). (¬3) رواه أحمد 1/ 65، والطيالسي (86)، والبزار (408)، والبيهقي 7/ 402. =

باب الولد للفراش [2273] (ثنا سعيد بن منصور) بن شعبة الخراساني، ولد بجوزجان ونشأ ببلخ، وسكن مكة ومات بها، شيخ مسلم وغيره (¬1). (ومسدد قالا: ثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة) بن الأسود العامري، أخو سودة أم المؤمنين، وكان من سادات الصحابة، وسبب هذِه الخصومة أن أهل الجاهلية كانت تكون لهم إماء يبغين وفيهم نزل قوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} (¬2) وكان لهم عليهن ضرائب يؤدونها إليهم، وكانت السادة تأتي الإماء في خلال ذلك، فإذا أتت إحداهن بولد وادعاه أحد الزناة الذين زنوا بها التحق به وصار ولده كما يكون في النكاح الصحيح، وكان لزمعة بن قيس من عامر بن لؤي وهو أبو سودة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أمة زانية إلا أنه كان يلم بها فزنا بها عتبة بن أبي وقاص في الجاهلية وحملت منه، فلما حضرته الوفاة قال لأخيه سعد بن أبي وقاص إنَّ حمل أمة زمعة مني، فلما فتحت مكة نظر سعد إلى ابن زمعة فطلبه ليأخذه فامتنع عبد بن زمعة وقال: هو أخي وولد على فراش أبي من أمته، فاختصما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - (في ابن أمة زمعة) وهذا الابن هو عبد الرحمن بن زمعة بن قيس العامري، ¬

_ = وضعفه الألباني "ضعيف أبي داود" (392). (¬1) "تهذيب الكمال" 11/ 77. (¬2) النور: 33.

وله عقب بالمدينة، شرفها الله تعالى، وهو من كبار الصحابة. (فقال سعد: أوصاني أخي عتبة) بن أبي وقاص أخو سعد لأبيه، شهد أحدًا مع المشركين، ويقال: هو الذي دمى رسول الله؟ ودمى رباعيته ودمى وجهه، ومات بعد ذلك كافرًا، إني (إذا قدمت مكة أن أنظر إلى ابن أمة زمعة) بسكون الميم وفتحها والسكون أشهر (فأقبضه) إليك (فإنه ابنه) على ما كان يعمل به في الجاهلية (وقال عبد بن زمعة) وللبخاري زيادة ولفظه: فلما كان عام الفتح أخذه سعد بن أبي وقاص وقال: ابن أخي، قد عهد إلي فيه، فقام عبد بن زمعة (¬1). انتهى. وقال عبد بن زمعة: هو (أخي من أبي) و (ابن أمة أبي، ولد على فراش أبي) استدل به الشافعي على أن الأخ يستلحق أخاه (¬2)، ومنعه مالك وقال: لا يستلحق إلا الأب خاصة (¬3)؛ لأنه لا يتنزل غيره منزلته في تحقيق الإصابة. وقد اعتذر أصحاب مالك عن هذا الحديث الظاهر في الحكم بوجهين: أحدهما: أن الحديث ليس نصًّا في أنه ألحقه به بمجرد شبه الأخوة، ولعل النبي - صلى الله عليه وسلم - علم وطء زمعة بطريق اعتمدها من اعتراف، أو وحي، أو نحو ذلك، فحكم بذلك لا باستلحاق الأخ. الثاني: أن حكمه به لم يكن بمجرد الاستلحاق، بل بالفراش، ألا ¬

_ (¬1) البخاري (2053). (¬2) "الأم" 7/ 624. (¬3) انظر: "الذخيرة" للقرافي 9/ 313.

ترى قوله: "الولد للفراش وللعاهر الحجر (¬1) "، وقد تقدم شيء من ذلك. (فرأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شبهًا بينًا) أي: واضحًا (بعتبة) بن أبي وقاص، فيه دلالة على أن الشبه البين لا يعمل به في إلحاق النسب عند وجود ما هو أقوى منه، فإنه ألغاه هنا وحكم بالفراش كما ألغاه في حديث اللعان، كما تقدم، وأما حديث القافة فإنما حكم القائف فيه بالشبه البين؛ لأنه ليس هناك معارض هو أقوى منه فعمل به. (فقال: الولد للفراش) الفراش هنا هو كناية عن الموطوءة التي [كانت] (¬2) فراشًا له بوطئه، ووطء زمعة وليدته وافتراشها معلوم، وأصحاب أبي حنيفة يحملونه على أن المراد به صاحب الفراش (¬3)، فهو على حذف المضاف كقوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} (¬4)، وقد أخرجه البخاري في كتاب الفرائض من حديث أبي هريرة: "الولد لصاحب الفراش"، وترجم عليه وعلى حديث عائشة: الولد للفراش حرة كانت أو أمة (¬5)، وإنما قدره الحنفية بصاحب الفراش؛ لأنهم لم يشترطوا إمكان الوطء في الحرة، قيل: ولا يعلم في اللغة إيقاع الفراش على الزوج، لكن قال الراغب: يعبر بالفراش عن كل من الزوجين (¬6). قال: ومنه هذا الحديث. والسيد في معناه. وأوله ابن دقيق ¬

_ (¬1) سقط من النسخة الخطية، والمثبت من "المصادر". (¬2) زيادة يقتضيها السياق. (¬3) انظر: "المبسوط" 17/ 118. (¬4) يوسف: 82. (¬5) البخاري (6749). (¬6) "المفردات في غريب القرآن" ص 929.

العيد بأن التقدير: تابع للفراش، أو محكوم به للفراش، وما يقارب هذا (¬1) (واحتجبي منه يا سودة) هو عند الجمهور أمر ندب واحتياط، وإنما أمرها بذلك من أجل الشبه البين بعتبة، والاحتياط لا ينافي ظاهر الحكم. فإن قيل: كيف ثبت نسبه والذي أقر به ليس كل الورثة فإن سودة لم تدع ذلك ولا جاء أنها اعترفت ولا احتيج لقولها، قيل: يجوز أن تكون استلحقته سودة أيضًا وإن لم يبلغنا ذلك، ويجوز أن تكون سودة لما لم ترث من زمعة لكونه مات كافرًا كان الوارث الجائز أخوها عبد فقط، واستلحاق الجائز معتبر. (زاد مسدد في حديثه وقال: هو أخوك) لأبيك (يا عبد) فقضى له بالأخوة، وفيه حجة للشافعية كما تقدم. [2274] (ثنا زهير بن حرب، ثنا يزيد بن هارون) السلمي (ثنا حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده - رضي الله عنه - قال: قام رجل فقال: يا رسول الله، إن فلانًا) هو (ابني عاهرت) أي: زنيت (بأمه في الجاهلية، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا دعوة في الإسلام) الدِعوة بكسر الدال في النسب عند أكثر العرب، والدَعوة بالفتح الطعام المدعو إليه، والمراد بالنسب هو أن ينتسب الإنسان إلى غير أبيه وعشيرته، وقد كانوا يفعلونه في الجاهلية، فنهى عنه في هذا الحديث وغيره وجعل الولد للفراش (ومنه الحديث: "ليس من رجل ادعي إلى غير أبيه) (¬2) وهو يعلمه إلا كفر" (¬3). (ذهب ¬

_ (¬1) "إحكام الأحكام" 2/ 205. (¬2) بياض بالنسخة الخطية، والمثبت من "النهاية" لابن الأثير، والكلام منقول منه. (¬3) البخاري (3508)، مسلم (112).

أمر الجاهلية) وما كانوا عليه قبل (¬1) الإسلام، وهذا كالعلة لما قبله، والمعنى أن [حكام الجاهلية قد هُدِمت] (¬2) بالإسلام، لكن جاء التعليل عاريًا من (. . .) (¬3) لأنه يكون الكلام كأنه جملة واحدة، وإذا جاء حرف العلة (. . .) (¬4) منقسمًا (¬5) إلى علة ومعلول. (الولد) يقع على الواحد والجمع، والذكر والأنثى، يقال: هذا ولدك، وهو ولدك، وهذِه ولدك (للفراش) قيل: الألف واللام فيه لام الملك، والتقدير: الولد لمالك الفراش الذي ينامان عليه [وقوله: الولد للفراش] (¬6) معنيان: أحدهما وهو أعمهما وأولاهما أن الولد للفراش ما لم ينفه رب الفراش باللعان الذي نفاه به وإذا نفاه عنه فهو منفي وغير لاحق بمن ادعاه وإن كان أشبهه. والمعنى الثاني: إذا تنازع رب الفراش (¬7) والعاهر فالولد لرب الفراش (وللعاهر) قال العلماء: العاهر الزاني، وفي "المحكم": العهور [الإتيان ليلًا للفجور] (¬8)، وقيل: أي وقت كان، وامرأة عاهر بغير هاء، له (الحجر) معناه على قول أبي عبيدة: لا حق له في النسب ¬

_ (¬1) بياض بالنسخة، والمثبت هو الصواب. (¬2) بياض بالنسخة، والمثبت هو الأقرب لسياق الكلام. (¬3) بياض بالنسخة. (¬4) بياض بالنسخة. (¬5) في النسخة الخطية: مستقيما. والمثبت هو الصواب. (¬6) بياض بالأصل، والمثبت من "معرفة السنن والآثار". (¬7) بياض بالأصل، والمثبت من "معرفة السنن والآثار". (¬8) بياض بالأصل، والمثبت من "المحكم".

كقولهم (له التراب أي: الخيبة) (¬1) أي: لا شيء له، وكذلك حديث: "وإن جاء يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه ترابًا" (¬2) عبر به عن الخيبة، وفي "الكنى" لأبي أحمد الحاكم من حديث زيد بن أرقم أنه - عليه السلام - قال: "الولد للفراش، وفي فم العاهر الحجر"، وقيل: معناه: وللعاهر الرجم، واستبعد بأن ذلك ليس لجميع الزناة، بل يختصُّ بالمحصن بخلاف (¬3) ما لو حمل على الخيبة فإنه على عمومه. وأيضًا فسياق الحديث إنما هو في نفي الولد عنه ولا يلزم من رَجْمِه نفي الولد (¬4) وقيل: المراد بالعاهر في الحديث عتبة بن أبي وقاص الذي كسر رباعية النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد، فان ذلك مات قبل الفتح كافرًا. [2275] (ثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (ثنا مهدي بن ميمون أبو يحيى) الأزدي مولاهم المعولي. (ثنا محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب) التميمي البصري (عن الحسن بن سعد) بن سعيد الكوفي. (مولى الحسن بن علي بن أبي طالب) أخرج له مسلم في الوضوء والفضائل (عن رباح) بفتح الراء والباء المخففة الكوفي، ذكره ابن ¬

_ (¬1) بياض بالنسخة الخطية، والمثبت من "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" ص 231. (¬2) أخرجه أحمد 4/ 7، والدارقطني (178)، والترمذي (1133)، والحاكم في "المستدرك" (553)، وقال: هذا حديث رواته كلهم ثقات، وقد استعمل منه الشيخان في غير موضع، والنسائي في "الكبرى" 4/ 428، وابن ماجه (2160)، وابن حبان (5157). (¬3) بياض بالنسخة الخطية، والمثبت مستفاد من "فتح الباري". (¬4) بياض بأصله. والمثبت مستفاد من "الفتح".

حبان في "الثقات" (¬1). (قال: زوجني أهلي) أي: سيدي ومن يلوذ به (أمة لهم) فيه أن للسيد أن يزوج عبده أمته بإذنه، وظاهره أن له إجبار عبده على النكاح صغيرًا كان أو كبيرًا، وهو أحد قولي الشافعي وقيل: يجبر الصغير، وهو ظاهر كلام النووي (¬2)، وجرى عليه أكثر العراقيين. (رومية) بيضاء (فوقعت عليها، فولدت) زاد أحمد: لي (¬3) (غلامًا أسود مثلي) ومن شابه أبه فما ظلم (فسميته عبد الله) مكبرًا، فيه أن تسمية الأب لابنه لا لأمه، وإنما استبدت امرأة عمران بتسمية ابنتها مريم؛ لأن أباها عمران كان قد مات كما نقل أنه مات وهي حبلى، ويحتمل أن تستبد الأم بتسمية البنت دون الصبي لكراهة الرجال البنات، والمشهور: لا فرق، لكن ينبغي أن يستشيرها؛ لحديث: "أمروا النساء في بناتهن" (¬4) (ثم وقعت عليها) بعد ذلك (فولدت غلامًا) زاد أحمد: لي (¬5)، أصل الغلام هو الشاب الذي طرَّ بشاربه، وأطلق هنا على الطفل تفاؤلًا بأنه سيصير غلامًا، وقد يطلق على الكهل باعتبار ما قبله (فسميته عبيد الله) بالتصغير؛ لأنه أصغر ممن قبله، وليتميز عنه. رواية أحمد [فَعلقها عبدٌ] (¬6) رومي (ثم طبن) بكسر ¬

_ (¬1) "الثقات" لابن حِبَّان 8/ 242 (¬2) "روضة الطالبين" 7/ 102. (¬3) "مسند أحمد" 1/ 59. (¬4) تقدم. (¬5) المصدر السابق. (¬6) في الأصل: فعلقتها عند.

الباء وفتح النون، أي: هجم على باطنها وخبر أمرها، وأنها ممن تؤاتيه على المراودة، قال في "النهاية": هكذا على الرواية بكسر الباء، وإن روي بالفتح كان معناه خيَّبَها وأفسدها على سيدها (¬1)، وقال الخطابي: طبن (لها) أي: فطن لها (¬2) (غلام لأهلي رومي) من جنسها (يقال له: يوحنه) بضم المثناة تحت وسكون الواو وفتح الحاء المهملة بعدها نون مشددة مفتوحة ثم هاء، رواية أحمد: يوحنس. بالسين بدل الهاء (فراطنها بلسانه) أي: بلسان الروم، والرطانة بفتح الراء وكسرها، والتراطن: كلام لا يفهمه الجمهور؛ لأنه غير عربي، والعرب تخص بها غالبًا لسان العجم، رواية أحمد: فرطنها. بحذف الألف وهو بمعناه، يقال: رطنت له وراطنته (فولدت غلامًا) زاد أحمد في روايته: أحمر (¬3) (كأنه وزغة من الوزغات) بفتح الزاي في المفرد والجمع وهي التي يقال لها سام أبرص، وفي حديث عائشة: لما أُحرق بيت المقدس كانت الأوزاغ تنفخه. والمراد هنا والله أعلم: أنها جاءت به أشقر. (فقلت لها: ما هذا؟ قالت: ليوحنه) الرومي (فرفعنا) بضم الراء وكسر الفاء (إلى عثمان) أمير المؤمنين (وأحسبه قال: فسألهما) عثمان عن ذلك (قال مهدي) بن ميمون الثقة، عن شيخه محمد بن عبد الله. (فاعترفا فقال لهما: أترضيان أن أقضي بينكما بقضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (طبن). (¬2) "معالم السنن" 3/ 282. (¬3) "مسند أحمد" 1/ 69.

قالوا: نعم، فقال: (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى أن) بفتح الهمزة على حذف حرف الجر (الولد للفراش) زاد أحمد في روايته: وللعاهر الحجر. يعني: الرجم، وزاد: فألحقه بي، فولدت لي بعد غلامًا أسود فألحقه برباح؛ لأنه صاحب الفراش دون يوحنه العاهر، ولم يعتبر الشبه الذي رآه في الولد ليوحنه، لكن ليوحنه أن يحسن إلى الولد ويبره، وإن لم يلحق به في الإسلام للشبه البين (وأحسبه قال: فجلدها وجلده) عثمان - رضي الله عنه -، (وكانا مملوكين) لسيد رباح. قد يستدل به لما ذهب إليه أحمد بن حنبل أن الأمة المزوجة يجلدها السلطان دون السيد (¬1)؛ لما روي عن ابن عمر أنه قال: إذا كانت الأمة ذات زوج رفعت إلى السلطان، وإن لم يكن لها زوج جلدها سيدها (¬2)، ولم يعرف له مخالف في زمنه، فكان إجماعًا، ولأن نفعها مملوك إلى غير السيد، فأشبهت المشتركة. وقال مالك والشافعي: يجلدها سيدها (¬3)؛ لعموم قوله - عليه السلام -: "إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها ولا يثرب" (¬4). وحد الرقيق خمسون، ذكرًا كان أو أنثى، كما سيأتي. ¬

_ (¬1) "مسائل أحمد وإسحاق رواية الكوسج" (990). (¬2) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (13610). (¬3) "المدونة" 4/ 519، وانظر: "التنبيه" للشيرازي 1/ 242. (¬4) سيأتي تخريجه.

35 - باب من أحق بالولد

35 - باب مَنْ أَحقُّ بِالوَلَدِ 2276 - حَدَّثَنا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ السُّلَميُّ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ، عَنْ أَبي عَمْرٍو - يَعْني: الأَوْزاعيَّ - حَدَّثَني عَمْرُو بْنُ شُعيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ ابني هذا كَانَ بَطْني لَهُ وِعاءً وَثَدْيِي لَهُ سِقاءً وَحِجْري لَهُ حِواءً وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَني وَأَرادَ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنِّي! فَقَالَ لَها رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ ما لَمْ تَنْكِحي" (¬1). 2277 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ الحُلْوانيُّ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَأَبُو عاصِمٍ، عَنِ ابن جُريْجٍ، أَخْبَرَنِي زِيادٌ عَنْ هِلالِ بْنِ أُسامَةَ أَنَّ أَبَا ميْمُونَةَ سَلْمَى - مَوْلًى مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ رَجُلَ صِدْقٍ - قَالَ: بيْنَما أَنا جالِسٌ مَعَ أَبي هُريْرَةَ جاءَتْهُ امْرَأَةٌ فارِسِيَّةٌ مَعَهَا ابن لَهَا فادَّعياهُ وَقَدْ طَلَّقَها زَوْجُهَا فَقَالَتْ يا أَبا هُريْرَةَ - وَرَطَنَتْ لَهُ بِالفارِسِيَّةِ - زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِابْني، فَقَالَ أَبُو هُريْرَةَ: اسْتَهِما عَليْهِ وَرَطَنَ لَها بِذَلِكَ، فَجاءَ زَوْجُها فَقَالَ: مَنْ يُحاقُّني في وَلَدي؟ فَقَالَ أَبُو هُريْرَةَ: اللَّهُمَّ إِنِّي لَا أَقُولُ هذا إِلَّا أَنِّي سَمِعْتُ امْرَأَةً جاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنا قاعِدٌ عِنْدَهُ فَقَالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِابْني وَقَدْ سَقَانِي مِنْ بِئْرِ أَبي عِنَبَةَ وَقَدْ نَفَعَني. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اسْتَهِما عَليْهِ". فَقَالَ زَوْجُها: مَنْ يُحاقُّني في وَلَدي! فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "هَذَا أَبُوكَ وهَذِهِ أُمُّكَ فَخُذْ بِيَدِ أيِّهِما شِئْتَ". فَأَخَذَ بِيَدِ أُمِّهِ فانْطَلَقَتْ بِهِ (¬2). 2278 - حَدَّثَنا العَبّاسُ بْنُ عَبْدِ العَظِيمِ، حَدَّثَنا عَبْدُ المَلِكِ بْن عَمْرٍو، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الهادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْراهِيمَ، عَنْ نافِعِ بْنِ عُجيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَليٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: خَرَجَ زَيْدُ بْنُ حارِثَةَ إِلَى مَكَّةَ فَقَدِمَ بِابْنَةِ حَمْزَةَ فَقَالَ جَعْفَرٌ: ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 182، وعبد الرزاق (12597)، والدارقطني 3/ 305، والحاكم 2/ 207، والبيهقي 8/ 4. وحسنه الألباني "الإرواء" (2187). (¬2) رواه الترمذي (1357)، والنسائي 6/ 185، وابن ماجه (2351). ورواية الترمذي وابن ماجه مختصرة. وصححه الألباني "الإرواء" (2192).

أَنا آخُذُها أَنا أَحَقُّ بِها ابنةُ عَمِّي وَعِنْدي خَالَتُها وَإِنَّما الخَالَةُ أُمٌّ. فَقَالَ عَليٌّ: أَنَا أَحَقُّ بِها ابنةُ عَمِّي وَعِنْدي ابنةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهيَ أَحَقُّ بِها. فَقَالَ زيْدٌ: أَنا أَحَقُّ بِها أَنا خَرَجْتُ إِليْها وَسافَرْتُ وَقَدِمْتُ بِها. فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ حَدِيثًا قَالَ: "وَأَمَّا الجارِيَةُ فَأَقْضي بِها لِجَعْفَرٍ تَكُونُ مَعَ خالَتِها وَإِنَّما الخَالَةُ أُمٌّ" (¬1). 2279 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ أَبي فَرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي ليْلَى بهَذا الخَبَرِ وَليْسَ بِتَمامِهِ قَالَ وَقَضَى بِها لِجَعْفَرٍ وقَالَ: "إِنَّ خالَتَها عِنْدَهُ" (¬2). 2280 - حَدَّثَنا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى، أَنَّ إِسْماعِيلَ بْنَ جَعْفَرٍ حَدَّثَهُمْ، عَنْ إِسْرائِيلَ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنْ هانِئٍ وَهُبيْرَةَ، عَنْ عَليٍّ قَالَ: لَمَّا خَرَجْنَا مِنْ مَكَّةَ تَبِعَتْنا بِنْتُ حَمْزَةَ تُنادي يا عَمِّ يا عَمِّ. فَتَناوَلَها عَليٌّ فَأَخَذَ بِيَدِها وقَالَ: دُونَكِ بِنْتَ عَمِّكِ. فَحَمَلَتْهَا فَقَصَّ الخَبَرَ، قَالَ: وقَالَ جَعْفَرٌ: ابنةُ عَمِّي وَخالَتُهَا تَحْتي. فَقَضَى بِها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِخالَتِها وقَالَ: "الخالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ" (¬3). * * * باب من أحق بالولد [2276] (ثنا محمود بن خالد) بن يزيد (السلمي) بضم السين الدمشقي، قال أبو حاتم: ثقة رضا (¬4) (ثنا الوليد) بن مسلم (عن أبي ¬

_ (¬1) رواه البزار (891)، والحاكم 3/ 211. وصححه الألباني "صحيح أبي داود" (1970). (¬2) رواه الطحاوي في "مشكل الآثار" (3080). وصححه الألباني "صحيح أبي داود" (1971). (¬3) رواه النسائي في "الكبرى" (8456)، والطحاوي في "مشكل الآثار" (3079). وصححه الألباني "صحيح أبي داود" (1972). (¬4) "الجرح والتعديل" 8/ 292

عمرو) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي قال: حدثني عمرو بن شعيب، عن أبيه) سمعت محمد بن عبد الله بن عمرو (عن جده) الأعلى الحجازي (عبد الله بن عمرو) بن العاصي بتصريحه بالرواية عن جده الأعلى، وأن احتمال الإرسال بأن يكون روى عن جده الحقيقي محمد. (أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاءً) بكسر الواو مع المد والنصب خبر (¬1) كان (وثديي له سقاء) بكسر السين والنصب أيضًا، أي: يرتضع منه، وأصل السقاء هو وعاء اللبن والماء، وفي الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - تفل في فم عبد الله بن عامر، وقال: "أرجو أن يكون سقاء" أي: لا يعطش (وحجري له حواء) بفتح الحاء المهملة والمد اسم للمكان الذي يحوي الشيء، أي: يضمه ويجمعه، وهذِه الأشياء كالحجة على أنها أحق منه بالولد (وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنت) بكسر تاء التأنيث (أحق به) بحضانته من الأب؛ لما ذكرت، ولأنها أكثر شفقة وأهدى إلى التربية (ما لم تنكحي) (¬2) بفتح التاء، أي: ما لم تتزوجي غيره إلا عم الوليد وعم أبيه؛ لأن لهم حقًّا في الحضانة فيستمر الولد في حضانتهم مع أمه. ورواية الدارقطني: "المرأة أحق بولدها ما لم تتزوج" (¬3)، فإذا تزوجت صارت مكلفة بطاعة الزوج وهو يشغلها عن الحضانة. ¬

_ (¬1) كان في النسخة الخطية: اسم. والمثبت هو الصواب. (¬2) رواه أحمد 2/ 182، وصححه الحاكم 2/ 207 وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1968). (¬3) "سنن الدارقطني" (219).

[2277] (ثنا الحسن بن علي الحلواني، ثنا عبد الرزاق وأبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل (عن) عبد الملك (ابن جريج قال: أخبرني زياد) ابن سعد وكان شريك بن جريج (عن هلال بن أسامة) [بن أبي ميمونة] (¬1) ثقة (¬2). (أن أبا ميمونة سُلمى) بضم السين الفارسي الأبار (مولى من أهل المدينة رجل صدق) وقيل: اسمه سليم، وقيل: أسامة (قال: بينما أنا جالس مع أبي هريرة - رضي الله عنه - جاءته امرأة فارسية معها) زوجها و (ابن لها، فادعياه) واختصما فيه إلى أبي هريرة (وقد طلقها زوجها) وتداعيا الولد (فقالت: يا أبا هريرة ورطنت) معه (بالفارسية) يعني: باللغة الأعجمية، فقالت: (زوجي يريد أن يذهب بابني) ويقتلعه (فقال أبو هريرة: استهما عليه) والاستهام: الاقتراع، قال تعالى: {فَسَاهَمَ} (¬3) (ورطن) بفتح الطاء (لها بذلك) فيه أن الحاكم إذا كان يعلم لغة المدعي لا يحتاج إلى ترجمان يبين لما يدعيه. (فجاء زوجها) بعد ذلك (فقال: من يحاقني) بضم الياء وتشديد القاف، أصله يحاققني بقافين ثم أدغمت الأولى في الثانية، أي: يخاصمني (في ولدي؟ فقال أبو هريرة: اللهم إني لا أقول هذا) الذي قلته (إلا أني سمعت امرأة جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا قاعد عنده فقالت: يا رسول الله إن زوجي) طلقني و (يريد أن يذهب بابني) ويقتلعه ¬

_ (¬1) في النسخة الخطية: أبي ميمون. والمثبت من "التهذيب" وغيره. (¬2) انظر: "تقريب التهذيب" (7394) (¬3) الصافات: 141.

مني (وقد سقاني من بئر أبي عنبة) بكسر العين المهملة وبعدها نون مفتوحة وباء موحدة مفتوحة أيضًا وتاء تأنيث، قال في "النهاية": هي بئر معروفة بالمدينة عندها عرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه لما سار إلى بدر (¬1) (وقد نفعني) في غير هذا، فهو من ذكر العام بعد الخاص، يريد أنها أرضعته وحضنته إلى أن جاء نفعه لي، واحتجنا إليه، يريد أن يأخذه مني. (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: استهما عليه) فيه إثبات القرعة والحكم بها لقوله تعالى: {إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ} (¬2) قال أبو حيان: الظاهر أنها الأقلام التي للكتابة، قيل: كانوا يكتبون بها التوراة [فاختاروها للقرعة] (¬3) تبركًا بها (¬4) وقد تقدم زيادة. وفيه: أن الولد إذا استقل بنفسه وأكل وشرب بنفسه [ونفع أبويه] (¬5) يقرع بينهما، فمن خرجت له القرعة أخذه، ولعل هذا فيما إذا تراضيا الأبوان بالقرعة، ولم أجد من قال بذلك. (فقال أبوه: من يحاقّني) بتشديد القاف (في ولدي) كما تقدم، أي: ينازعني في حقي. يشبه أن يكون الأب لم يرض بالقرعة التي أرشد إليها - صلى الله عليه وسلم -، فإن أمره في قوله: "استهما عليه" أمر إرشاد، ولو كان أمر جزم وحكم لم يمكنه كلام بعد ذلك. (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -) زاد أحمد: "يا غلام" (¬6) (هذا أبوك وهذِه أمك) ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (عنب). (¬2) آل عمران: 44. (¬3) بياض بالأصل، وما أثبتناه من "البحر المحيط". (¬4) "البحر المحيط" 3/ 151. (¬5) بياض بالنسخة الخطية. والمثبت هو الأنسب للسياق. (¬6) "مسند أحمد" 2/ 246.

وتقدم في الرواية المتقدمة: أجلس الولد بين أبويه (فَخُذ بيد أيهما شئت) فيه أن المخير إذا فرق أبواه يخير بينهما، فمن اختاره كان عنده، وسن التمييز غالبًا سبع سنين، والمدار على التمييز لا سنه، فإذا ميز واختار أحدهما فهو أولى به، وبه قال الشافعي وأحمد، وقال مالك وأبو حنيفة: لا يخير، لكن قال أبو حنيفة: إذا استقل بنفسه وأكل وشرب واستنجى بنفسه فالأب أحق به، ومالك يقول: الأم أحق به حتى يثغر (¬1) (فأخذ بيد أمه فانطلقت به) ظاهر الحديث أنه بمجرد اختياره يأخذه من اختاره ولا يحتاج إلى حكم الحاكم بذلك، والغالب في الأولاد أن يميلوا إلى الأم لكثرة حملها له ومباشرتها بخدمته. [2278] (ثنا العباس بن عبد العظيم) بن إسماعيل بن توبة العنبري البصري شيخ مسلم. (ثنا عبد الملك (¬2) بن عمرو) القيسي (¬3) أبو عامر العقدي. (وثنا عبد العزيز بن محمد) الدراوردي (عن يزيد بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم) التميمي (¬4) المدني الفقيه (عن نافع بن عجير) بن عبد يزيد المطلبي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬5). (عن أبيه) عجير بضم المهملة وفتح الجيم مصغر ابن عبد يزيد بن ¬

_ (¬1) "الأم" 5/ 134، و"المدونة" 2/ 161، و"المبسوط" 5/ 194 - 195. (¬2) في الأصل: عبد الله. والمثبت الصواب. (¬3) بياض في (الأصل). والمثبت من "التهذيب" وغيره. (¬4) كذا، والصواب: التيمي. (¬5) "الثقات" لابن حبَّان 5/ 469.

هاشم أخي ركانة، وهو صحابي من مشايخ قريش، كان فيمن بعثه عمر بتجديد أعلام الحرم (¬1). (عن علي - رضي الله عنه - قال: خرج زيد بن حارثة) بن شراحيل القصامي (¬2) صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومولاه (إلى مكة) حاجًّا في ذي القعدة. (فقدم بابنة حمزة) بن عبد المطلب بعد أن استشهد، صرح الحاكم في "المستدرك" بأن اسمها أمامة (¬3)، وجاء في "مصنف ابن أبي شيبة" أنها فاطمة، وأخرجه الطبراني في "الكبير" (¬4) أيضًا. وقال المنذري: بنت حمزة هي عُمارة، وتكنى أم الفضل (¬5) (فقال جعفر: أنا آخذها) لأنها ابنة عمي كما سيأتي (وأنا أحق بها) وهي بنت عمي وعندي خالتها، وهي [خرجت من] (¬6) مكة (وسافرت) لأجلها، وقدمت بها معي من مكة (فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر حديثًا (. . . . .) (¬7) (قال: وأما الجارية) يعني: ابنة حمزة (فأنا أقضي) بفتح الهمزة وكسر الضاد، يعني: أنا أحكم بأنها تكون (لجعفر) أي: عند جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي (تكون مع خالتها) وهي أسماء بنت عميس ¬

_ (¬1) انظر: "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" (2023)، وكان في (الأصل): الجزية؛ فأصلحناها. (¬2) كذا في (الأصل) والصواب: الكلبي. (¬3) "المستدرك" 4/ 66. (¬4) "المعجم الكبير" 24/ 353. (¬5) "مختصر السنن" 3/ 186. (¬6) بياض بالأصل، والمثبت مستفاد من "أسد الغابة"، ويوجد هنا سقط كبير. (¬7) بياض بالأصل.

(وإنما الخالة) هي الـ (أم) يعني: عند فقد الأم. قال شيخنا ابن حجر: أخرج ابن المبارك في كتاب "البر والصلة" عن الزهري قال: بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "العم أب إذا لم يكن دونه أب، والخالة والدة إذا لم يكن دونها أم" (¬1). [2279] (ثنا محمد بن عيسى) بن نجيح بن الطباع، روى عنه البخاري تعليقًا (ثنا سفيان) بن عيينة (عن أبي فروة) عروة بن الحارث (الهمداني) وهو الأكبر، أخرج له الشيخان. (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) أخرج له البخاري وغيره (بهذا الخبر) المذكور (وليس) هو (بتمامه) و (قال) فيه (وقضى بها) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لجعفر) بن أبي طالب (إن خالتها) أسماء بنت عميس بن معد الخثعمية (عنده) أي: تحت جعفر، قال في "الاستيعاب": الأصح عندي - والله أعلم - أن أسماء بنت عميس كانت تحت جعفر، وأن سلمى أختها كانت تحت حمزة بن عبد المطلب (¬2)، قال: وقيل: إن التي كانت تحت حمزة أسماء بنت عميس، ثم خلف عليها بعده شداد، ثم بعد شداد جعفر، والأول أصح (¬3). [2280] (ثنا عباد بن موسى) الختلي، سكن بغداد، شيخ مسلم (¬4) (أن إسماعيل بن جعفر) المدني من ثقات العلماء (¬5) (حدثهم عن ¬

_ (¬1) "التلخيص الحبير" 4/ 22. (¬2) "الاستيعاب" في معرفة الأصحاب (3381). (¬3) "الاستيعاب" (4099). (¬4) "تهذيب الكمال" للمزي 14/ 161. (¬5) انظر: "الكاشف" للذهبي 1/ 121.

إسرائيل، عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي [(ابن أبي شعيرة، الكوفي المفلج)] (¬1) الهمداني، قال النسائي: ليس به بأس (وهبيرة) بن يَريم، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2)، وقال النسائي: ليس به بأس (¬3) (عن علي - رضي الله عنه - قال: لما خرجنا من مكة) في عمرة القضاء مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (تبعتنا بنت حمزة) واسمها أمامة كما صرح به الحاكم في "المستدرك" كما تقدم الخلاف عنها وهي (تنادي (¬4): يا عم، يا عم) فيه حذف تقديره: يا ابن عم يا ابن عم؛ فإنها ابنة حمزة بن عبد المطلب، وعلي هو ابن أبي طالب بن عبد المطلب (فتناولها علي، فأخذ بيدها وقال) زاد البخاري: لفاطمة (¬5) (دونك) بكسر كاف التأنيث، أي خذيها، وهو من أسماء الأفعال (بنت) بالنصب (عمك) وفيه حذف مضاف أيضًا؛ لأنها ابنة عم أبيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قالت فاطمة (فحملتها) وفي بعض نسخ البخاري: احتملتها، وفي بعضها: احتملتها (فقص الخبر) يعني: خبر علي وجعفر وزيد فيها، ورواية البخاري: فقال علي (¬6): أنا آخذها وهي بنت عمي، وقال زيد: ابنة أخي، و (قال جعفر) هي (ابنة عمي وخالتها) أسماء (تحتي، فقضى بها ¬

_ (¬1) بياض بالأصل مقدار أربع كلمات أو خمسة. والمثبت من "التهذيب" وغيره. (¬2) "الثقات" لابن حبان 5/ 511. (¬3) انظر تهذيب الكمال 30/ 151. غير أن المنقول عن النسائي قوله: ليس بالقوي. فلعله سبق قلم من الناسخ. (¬4) سقط من النسخة الخطية. والمثبت من "السنن". (¬5) "صحيح البخاري" (2699). (¬6) نفس المصدر السابق.

النبي - صلى الله عليه وسلم - لخالتها) فأخذتها. فإن قيل: كيف أخذوها وفي أخذها مخالفة [كتاب العهد] (¬1) فإن من جملة العهد أن لا يخرج من أهلها بأحد إن أراد أن يتبعه، وهذا لفظ البخاري؟ فالجواب كما ذكر الكرماني: لعلهم أرادوا بلفظ العهد المكلَّفين، وهذِه غير مكلفة، أو الذُّكور، وهي أنثى (¬2). (وقال: الخالة بمنزلة الأم) وسلمها لجعفر، وجعل لزوجته خالتها الحضانة، وهي ذات زوج؛ لأنها أَحنى وأشفق على الولد وأهدى لما يصلحه. وعلى الإطلاق النساء أولى بالحضانة من الرجال. وقد يستدل بهذا الحديث في عمومه أن الخالة بمنزلة الأم في حكم الإرث، ويؤيده رواية الطبراني وغيره: "الخالة والدة" (¬3) وكذا رواية المصنف في الحديث قبله: "وإنما الخالة الأم". ¬

_ (¬1) بياض بالنسخة الخطية، والمثبت من "الكواكب الدراري" للكرماني. (¬2) "الكواكب الدراري" 16/ 118. (¬3) "المعجم الكبير للطبراني" (677).

36 - باب في عدة المطلقة.

36 - باب في عِدَّةِ المُطَلَّقَةِ. 2281 - حَدَّثَنا سُليْمانُ بْنُ عَبْدِ الحَمِيدِ البَهْرانِيُّ، حَدَّثَني يَحْيَى بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بْنُ عيَّاشٍ، حَدَّثَني عَمْرُو بْن مُهاجِرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْماءَ بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ الأَنْصَارِيَّةِ أَنَّها طُلِّقَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُطَلَّقَةِ عِدَّةٌ فَأَنْزَلَ اللهُ - عز وجل - حِينَ طلِّقَتْ أَسْماءُ بِالعِدَّةِ لِلطَّلاقِ فَكَانَتْ أَوَّلَ مَنْ أُنْزِلَتْ فِيها العِدَّةُ لِلْمُطَلَّقاتِ (¬1). * * * باب في عدة المطلقة [2281] (ثنا سليمان بن عبد الحميد) بن رافع، قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: صدوق (¬2) (البهراني) بفتح الباء الموحدة وسكون الهاء وبعد الألف نون، نسبة إلى بهراء، وهي قبيلة نزل أكثرها مدينة حمص من الشام (ثنا يحيى بن صالح) الوحاظي الحمصي، أخرج له الشيخان (ثنا إسماعيل بن عياش قال: حدثني عمرو بن مهاجر) الدمشقي، أخو محمد ولي شرطة ابن عبد العزيز، وثقوه (¬3) (عن أبيه) مهاجر بن أبي مسلم دينار مولى أسماء، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4). (عن) مولاته (أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية) إحدى نساء بني عبد الأشهل هي من المبايعات، وهي ابنة عمة معاذ بن جبل، (أنها ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (2186). وحسنه الألباني (1973). (¬2) "الجرح والتعديل" 4/ 130. (¬3) انظر: "الكاشف" 2/ 344. (¬4) "الثقات" لابن حِبَّان 5/ 427.

طلقت) بضم الطاء وكسر اللام المشددة (على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكن للمطلقة عدة) معلومة بالشرع إذا دخل بها زوجها، فإن غير المدخول بها لا عدة عليها؛ لقوله: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} (¬1) (فأنزل الله) الفاء للسببية، أي: أنزل الله بسبب أسماء هذِه الآية (حين طلقت) بضم الطاء للمجهول (أسماء بالعدة) يحتمل أن تكون الباء زائدة للتوكيد، والتقدير: فأنزل الله العدة (للطلاق) احترازًا من عدة الوفاة (فكانت) أسماء (أول) بالنصب خبر كان (من) نكرة موصوفة، تقديره: أول امرأة، وجملة (أنزلت) صفة لِمَن. قال الفرزدق: إني وإياك إذْ حلَّت بأرحُلِنا ... كمن بواديه بعد المحَل ممطور (¬2) أي: كشخص بواديه ممطور، فجملة: بواديه ممطور في محل خفض صفة لمن. (فيها العدة) قال أبي بن كعب: أول ما أنزل الله من العدد {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (¬3) فارتاب ناس من المدينة في عدة الصغار والمؤيسات وذوات الحمل، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته بذلك، فأنزل الله: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ}) (¬4) إلى آخرها. (للمطلقات) أي لكل من طلقها زوجها أن تعتد منه. ¬

_ (¬1) البقرة: 237. (¬2) انظر: "الأغاني" 10/ 310. (¬3) البقرة: 228. (¬4) الطلاق: 4.

37 - باب في نسخ ما استثني به من عدة المطلقات

37 - باب فِي نَسْخِ مَا اسْتُثْنِيَ بِهِ مِنْ عِدَّةِ المُطَلَّقَاتِ 2282 - حَدَّثَني أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ ثابِتٍ المَرْوَزيُّ، حَدَّثَنِي عَليُّ بْنُ حُسيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْويِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}. وقَالَ: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} فَنُسِخَ مِنْ ذَلِكَ وقَالَ: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ}، {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} (¬1). * * * باب في نسخ ما استثني به من عدة المطلقات [2282] (ثنا أحمد بن محمد بن ثابت) أبو الحسن بن شبويه (المروزي) بفتح الواو، من كبار الأئمة قال (حدثني ابن حسين) ضعفه أبو حاتم وغيره (¬2) (عن أبيه) حسين بن واقد المروزي قاضي مرو (¬3)، أخرج له مسلم عن عبد الله بن بريدة (عن يزيد) بن أبي سعيد المروزي (النحوي) أخرج له مسلم. (عن عكرمة، عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال) زاد النسائي (¬4) في قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} (¬5) وقال: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا ¬

_ (¬1) رواه النسائي 6/ 187. وحسنه الألباني "صحيح أبي داود" (1974). (¬2) انظر "تهذيب الكمال" 20/ 407. (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 6/ 492. (¬4) "السنن الكبرى" للنسائي 5/ 298. (¬5) البقرة: 106.

يُنَزِّلُ} الآية (¬1)، وقال: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} (¬2)، وأول ما نسخ من القرآن القبلة (¬3). قال: ({وَالْمُطَلَّقَاتُ}) مبتدأ ({يَتَرَبَّصْنَ}) خبر المبتدأ وصورته صورة الخبر وهو أمر من حيث المعنى، قيل: والمطلقات على حذف مضاف تقديره: وحكم المطلقات أن يتربصن. قال الزمخشري بعد أن قال: هو خبر في معنى الأمر: وإخراج الأمر في صورة الخبر تأكيد للأمر، وإشعار بأنه مما يجب المسارعة إلى امتثاله، فكأنهن امتثلن الأمر بالتربص، فهو مخبر عنه وجودًا، وبناه على المبتدأ مما زاده فضل تأكيد، ولو قيل: يتربص المطلقات لم تكن الوكادة (¬4). قال أبو حيان: وإنما كانت الجملة الابتدائية فيها زيادة تأكيد على جملة الفعل والفاعل لتكرار الاسم فيها مرتين، إحداهما: بظهوره، والأخرى: بإضماره. وجملة الفعل والفعل يذكر الاسم فيها مرة واحدة (¬5) ومعنى يتربصن ينتظرن، والمطلقات لفظة عموم، لكنه مخصوص بالمدخول بهن ذوات الأقراء (ثلاثةَ) منصوب على الظرف؛ لأن يتربصن أحد مفعوليه، والمعنى: مدة ثلاثة ({قُرُوءٍ}) على وزن فعول، وقرأ الزهري: قروٍّ. بتشديد الواو دون همز، وقروء جمع كثرة، ¬

_ (¬1) النحل: 101. (¬2) الرعد: 39. (¬3) "سنن النسائي" 6/ 187. (¬4) "تفسير الزمخشري" 1/ 270. (¬5) "البحر المحيط" 2/ 453.

ولم يأت أقراء؛ لأنه من باب التوسع في وضع إحدى الجمعين مكان الآخر (فنسخ من) عموم (ذلك، وقال: و) النساء (اللائي يئسن من المحيض) اسم لمعنى الحيض، كقول رؤبة في العيش: إليك أشكو شدة المعيشِ ... ومُرّ أعوامٍ نتفن ريشي (¬1) ({مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ}) (¬2) أي: شككتم فلم تدروا ما عدتهن ({فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ}) بالأهلة، وذهب أبو (¬3) محمد ابن بنت الشافعي إلى أنا نعتبر الأشهر بالعدد (¬4)، فنسخ من عموم ذلك في المطلقات فنسخ الآيس والتي لم تحض لهذِه الآية، ونسخ الحوامل بقوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (¬5). قال ابن عباس: ونسخ من عموم ذلك التي لم يدخل بها فلا عدة عليها (¬6)؛ لقوله تعالى: ({وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ}) أي تجامعوهن ({فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا}) أي: تُحصونها بالأقراء، والأشهر. ¬

_ (¬1) انظر: "الجليس الصالح" لأبي الفرج النهرواني (ص 16). (¬2) الطلاق: 4. (¬3) سقط من (الأصل) والمثبت هو الصواب. (¬4) "المهذب" 3/ 121. (¬5) الطلاق: 4. (¬6) "تفسير الإمام الشافعي" 1/ 406.

38 - باب في المراجعة

38 - باب في المُراجَعَةِ 2283 - حَدَّثَنا سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ العَسْكَريُّ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيّا بْنِ أَبِي زائِدَةَ، عَنْ صالِحٍ بْنِ صالِحٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهيْلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبيْرٍ، عنِ ابن عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طَلَّقَ حَفْصَةَ ثُمَّ راجَعَها (¬1). * * * باب في المراجعة [2283] (ثنا سهل بن محمد بن الزبير العسكري) نزيل البصرة، قال أبو حاتم: صدوق ثقة (¬2). وقال النسائي: ثقة (¬3) (ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة) أبو سعيد الوادعي (¬4) (عن صالح بن صالح) بن حي الهمداني الكوفي (عن سلمة بن كهيل، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن عمر) بن الخطاب - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طلق حفصة) بنت عمر بن الخطاب (ثم راجعها) (. . . . .) (¬5) وكذا رواه النسائي والحاكم وابن ماجه. وأخرج له شاهدًا عن أنس (¬6). ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (2016)، والنسائي 6/ 213، والحاكم 2/ 215، وصححه الألباني "الإرواء" (2077). (¬2) "الجرح والتعديل" 4/ 204. (¬3) انظر "تهذيب الكمال" 12/ 200. (¬4) في (الأصل): الوداعي، وهو خطأ. والمثبت من "التهذيب" وغيره. (¬5) بياض بأصله بمقدار ثمان كلمات. (¬6) أخرجه الدارمي في "سننه" (2311)، وسعيد بن منصور في "سننه" (2158).

39 - باب في نفقة المبتوتة

39 - باب في نَفَقَةِ المَبْتُوتَةِ 2284 - حَدَّثَنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الأَسْوَدِ بْنِ سُفْيانَ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ فاطِمَةَ بِنْتِ قيْسٍ أَنَّ أَبا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَها البَتَّةَ وَهُوَ غائِبٌ فَأَرْسَلَ إِليْها وَكِيلَهُ بِشَعِيرٍ فَتَسَخَّطَتْهُ فَقَالَ: والله ما لَكِ عَليْنا مِنْ شَيء. فَجاءَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَها: "ليْسَ لَكِ عَليْهِ نَفَقَةٌ". وَأَمَرَها أَنْ تَعْتَدَّ في بيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشاها أَصْحابي اعْتَدّي في بيْتِ ابن أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ وَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي". قَالَتْ: فَلَمَّا حَلَلْت ذَكَرْتُ لَهُ أَنَّ مُعاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيانَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَباني، فَقَالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمّا أَبُو جَهْمٍ فَلا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عاتِقِهِ، وَأَمّا مُعاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لا مالَ لَهُ، انْكِحي أُسامَةَ بْنَ زيْدٍ". قَالَتْ: فَكَرِهْتُهُ ثُمَّ قَالَ: "انْكِحي أُسامَةَ بْنَ زيْدٍ". فَنَكَحْتُهُ فَجَعَلَ اللهُ تَعالَى فِيهِ خيْرًا كَثِيرًا واغْتَبَطْتُ بِهِ (¬1). 2285 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنا أَبَانُ بْن يَزِيدَ العَطَّارُ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قيْسٍ حَدَّثَتْهُ أَنَّ أَبَا حَفْصِ بْنَ المُغِيرَةِ طَلَّقَها ثَلَاثًا، وَسَاقَ الحَدِيثَ فِيهِ وَأَنَّ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ وَنَفَرًا مِنْ بَني مَخْزُومٍ أَتَوُا النَّبيَّ فَقَالُوا: يا نَبِيَّ اللهِ إِنَّ أَبَا حَفْصِ بْنَ المُغِيرَةِ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاثًا وَإِنَّهُ تَرَكَ لَها نَفَقَةً يَسِيرَةً فَقَالَ: "لَا نَفَقَةَ لَهَا". وَسَاقَ الحَدِيثَ وَحَدِيثُ مالِكٍ أَتَمُّ (¬2). 2286 - حَدَّثَنا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ، حَدَّثَنا أَبُو عَمْرٍو، عَنْ يَحْيَى، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ، حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ قيْسٍ أَنَّ أَبا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ المَخْزُومِيَّ طَلَّقَها ثَلاثًا وَساقَ الحَدِيثَ وَخَبَرَ خالِدِ بْنِ الوَليدِ قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَتْ لَهَا ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1480). (¬2) انظر سابقه.

نَفَقَةٌ وَلا مَسْكَنٌ". قَالَ: فِيهِ وَأَرْسَلَ إِليْهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ لَا تَسْبِقِينِي بِنَفْسِك (¬1). 2287 - حَدَّثَنا قُتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَّ إِسْماعِيلَ بْنَ جَعْفَرٍ حَدَّثَهُمْ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ فاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ بَني مَخْزُومٍ فَطَلَّقَنِي البَتَّةَ ثُمَّ سَاقَ نَحْوَ حَدِيثِ مالِكٍ قَالَ: فِيهِ: "وَلا تَفُوتِينِي بِنَفْسِكِ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَلِكَ رَواهُ الشَّعْبيُّ والبَهيُّ وَعَطَاءٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عاصِمٍ وَأَبُو بَكْرِ بْن أَبِي الجَهْمِ كُلُّهُمْ عَنْ فاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ زَوْجَها طَلَّقَها ثَلاثًا (¬2). 2288 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، حَدَّثَنا سَلَمَةُ بْن كُهَيْلٍ، عَنِ الشَّعْبيِّ عَنْ فاطِمَةَ بِنْتِ قيْسٍ أَنَّ زَوْجَها طَلَّقَها ثَلاثًا فَلَمْ يَجْعَلْ لَها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - نَفَقَةً وَلا سُكْنَى (¬3). 2289 - حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ خَالِدٍ الرَّمْليُّ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنْ عُقيْلٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ فاطِمَةَ بِنْتِ قيْسٍ أَنَّها أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ أَبِي حَفْصِ بْنِ المُغِيرَةِ، وَأَنَّ أَبَا حَفْصِ بْنَ المُغِيرَةِ؛ طَلَّقَها آخِرَ ثَلاثِ تَطْلِيقاتٍ فَزَعَمَتْ أَنَّهَا جاءَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فاسْتَفْتَتْهُ في خُرُوجِها مِنْ بيْتِها فَأَمَرَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ إِلَى ابن أُمِّ مَكْتُومٍ الأَعْمَى، فَأَبَى مَرْوانُ أَنْ يُصَدِّقُهَا حَدِيثَ فَاطِمَةَ في خُرُوجِ المُطَلَّقَةِ مِنْ بيْتِها. قَالَ عُرْوَةُ: وَأَنْكَرَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها - عَلَى فاطِمَةَ بِنْتِ قيْسٍ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَلِكَ رَواهُ صالِحُ بْنُ كيْسانَ وابْنُ جُريْجٍ وَشُعيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْريِّ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَشُعيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ واسْمُ أَبِي حَمْزَةَ دِينارٌ وَهُوَ مَوْلَى زِيادٍ (¬4). 2290 - حَدَّثَنا مَخْلَدُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ عُبيْدِ اللهِ قَالَ: أَرْسَلَ مَرْوانُ إِلَى فَاطِمَةَ فَسَأَلهَا فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّها كَانَتْ عِنْدَ أَبِي حَفْصٍ، وَكَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَّرَ عَليَّ بْنَ أَبِي طالِبٍ - يَعْني: عَلَى بَعْضِ اليَمَنِ - فَخَرَجَ مَعَهُ زَوْجُها فَبَعَثَ إِليْها بِتَطْلِيقَةٍ كَانَتْ بَقِيَتْ لَها، وَأَمَرَ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ والحارِثَ بْنَ هِشامٍ أَنْ يُنْفِقا عَليْها فَقَالا والله ما لَها نَفَقَةٌ إِلَّا أَنْ تَكُونَ حامِلًا. فَأَتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) و (¬2) و (¬3) و (¬4) انظر سابقه.

فَقَالَ: "لا نَفَقَةَ لَكِ إِلَّا أَنْ تَكُونِي حامِلًا". واسْتَأْذَنَتْهُ في الانْتِقَالِ فَأَذِنَ لَهَا فَقَالَتْ: أيْنَ أَنْتَقِلُ يا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "عِنْدَ ابن أُمِّ مَكْتُومٍ". وَكَانَ أَعْمَى تَضَعُ ثِيَابَها عِنْدَهُ وَلا يُبْصِرُها فَلَمْ تَزَلْ هُنَاكَ حَتَّى مَضَتْ عِدَّتُها فَأَنْكَحَها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أُسامَةَ فَرَجَعَ قَبِيصَةُ إِلَى مَرْوانَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ مَرْوانُ: لَمْ نَسْمَعْ هذا الحَدِيثَ إِلَّا مِنَ امْرَأَةٍ فَسَنَأْخُذُ بِالعِصْمَةِ التي وَجَدْنا النَّاسَ عَليْها فَقَالَتْ فاطِمَةُ حِينَ بَلَغَها ذَلِكَ: بيْنِي وَبيْنَكُمْ كِتابُ اللهِ قَالَ اللهُ تَعالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} حَتَّى {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} قَالَتْ: فَأي أَمْرٍ يَحْدُثُ بَعْدَ الثَّلاثِ؟ . قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَلِكَ رَواهُ يُونُسُ عَنِ الزُّهْريِّ، وَأَمَّا الزُّبيْديُّ فَرَوى الحَدِيثيْنِ جَمِيعًا حَدِيثَ عُبيْدِ اللهِ بِمَعْنَى مَعْمَرٍ، وَحَدِيثَ أَبِي سَلَمَةَ بِمَعْنَى عُقيْلٍ، وَرَواهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحاقَ، عَنِ الزُّهْريِّ أَنَّ قَبِيصَةَ بْنَ ذُؤيْبٍ حَدَّثَهُ بِمَعْنًى دَلَّ عَلَى خَبَرِ عُبيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ حِينَ قَالَ: فَرَجَعَ قَبِيصَةُ إِلَى مَرْوانَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ (¬1). * * * باب نفقة المبتوتة [2284] (ثنا) عبد الله بن مسلمة (القعنبي، عن مالك، عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان) المخزومي المدني المقرئ الأعور (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (عن فاطمة بنت قيس) بن خالد القرشية الفهرية من المهاجرات الأول، كانت ذات جمال وعقل وكمال، وفي بيتها اجتمع أهل الشورى عند قتل عمر بن الخطاب (¬2) (أن أبا عمرو) اسمه أحمد (بن حفص) ويقال فيه: أبو حفص بن عمرو بن المغيرة، وقيل: اسمه عبد الحميد، وقيل: اسمه كنيته، وعلى الأول يكون ليس ¬

_ (¬1) انظر سابقه. (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 35/ 264.

في الصحابة من اسمه أحمد سواه، كذا في "حواشي المنذري"، وعد في "التجريد" أحمد بن جعفر بن أبي طالب تفرد بذكره الواقدي فقال: ولدت أسماء لجعفر بالحبشة: عبد الله وعونًا ومحمدًا وأحمد، ونقله عبد الرحمن بن منده (¬1) (طلقها البتة) بالمثناة فوق، وهذِه الرواية هي رواية الثقات، يعني: ثلاثًا، وقد جاء مصرحًا في رواية مسلم: أن زوجها طلقها ثلاثًا (¬2). ولمسلم أيضًا: فأرسل إلى امرأته بتطليقة كانت بقيت من طلاقها (¬3) يعني: يكون سبقتها طلقتان، وأما ما في آخر "صحيح مسلم" في حديث الجساسة ما يوهم أنه مات عنها، ولفظه: عن فاطمة بنت قيس قالت: نكحت ابن المغيرة وهو من خيار شباب قريش يومئذٍ، فأصيب في الجهاد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما تأيمت خطبني .. الحديث (¬4). قال العلماء: هذِه الرواية مؤولة على أن معناها: أصيب بجراحة أو في ماله ونحو ذلك، وتأيمت بطلاقه لا أنه مات في الجهاد، كما ذكره مسلم هنا. وقد اختلف في وقت وفاة زوجها، فقيل: مع علي عقب طلاقها باليمن، حكاه ابن عبد البر (¬5)، وقيل: في خلافة عمر، حكاه البخاري ¬

_ (¬1) انظر: "تجريد أسماء الصحابة" 1/ 9 (43). (¬2) "صحيح مسلم" (1480/ 38). (¬3) "صحيح مسلم" (1480/ 41) (¬4) "صحيح مسلم" (2942/ 119). (¬5) "الاستيعاب" (3104).

في "تاريخه" (¬1). (وهو غائب) حين خرج مع علي بن أبي طالب إلى اليمن (فأرسل إليها وكيله) منصوب على المفعول، والوكيل: عياش بن أبي ربيعة كما سيأتي (بشعير) قال ابن دقيق العيد: ويحتمل أن يكون وكيله مرفوعًا، ويحتمل أن يكون الوكيل هو المرسِل بكسر السين (¬2)، وجزم النووي بالأول (¬3). نعم تجويز الرفع فيه مخالفة لتصريح الرواة بأن عياش بن ربيعة أتاها بالطلاق وبالآصع من الشعير والتمر، ولفظ مسلم: قالت: أرسل إلي زوجي أبو عمرو بن حفص عياش بن أبي ربيعة بطلاقي، وأرسل معه بخمسة آصع تمر وخمسة آصع من شعير (¬4). (فتسخطته) بفتح التاء والسين والخاء المشددة، أي: كرهته ولم ترض به (فقال) وكيله (والله ما لك علينا من شيء) وإنما قال ذلك لقيامه مقام موكله في ذلك، ولأنه أيضًا في حكم المدعى عليه. قال القرطبي: وكان إرساله هذا الشعير والتمر على سبيل النفقة لمطلقته فحسبته هي نفقة واجبة عليه، فلذلك تسخطته ورأت أنها تستحق عليه أكثر من ذلك وأطيب، فلم تقبل ذلك حتى أخبرها الشارع - صلى الله عليه وسلم - (¬5). (فجاءت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له، فقال لها: ليس لك عليه ¬

_ (¬1) "التاريخ الكبير" (469). (¬2) "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" 2/ 190. (¬3) "شرح مسلم" للنووي 10/ 96. (¬4) "صحيح مسلم" (1480/ 48). (¬5) "المفهم" 4/ 267.

نفقة) ولا سكنى كما سيأتي (وأمرها أن تعتد) فيه: وجوب العدة على المطلقة ثلاثًا (في بيت أم شريك) واسمها غُزيَّة، بضم الغين المعجمة وفتح الزاي وتشديد المثناة تحت مصغر، ويقال: غُزيلَة بزيادة لام، ويقال: إنها وهبت نفسها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: الواهبة غيرها، وذكرها بعضهم في أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يصح، ومن زعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نكحها قال: كان ذلك بمكة (ثم قال: إن تلك المرأة) يعني: أم شريك (امرأة) بالرفع (يغشاها أصحابي) أي يترددون إليها فلا يأمن أن ينظرها أحدهم من غير قصد ويشق عليها التحرز أو التستر في كل وقت، قيل: كان دخول الصحابة إلى أم شريك قبل نزول الحجاب، وقيل: كانت متعبدة خيرة وكانوا يزورونها ويكثرون التردد إليها لصلاحها وكثرة دينها (اعتدي في بيت ابن أم مكتوم) قيل: اسمه عمرو، وقيل: عبد الله، وقيل غير ذلك، واسم أم مكتوم عاتكة (فإنه رجل أعمى) قال بعضهم: فيه جواز نظر المرأة إلى الرجل وكونه معها إذا لم تنفرد به (تضعين ثيابك) ولمسلم: "تلقي ثوبك عنده (¬1). فيه دليل على صحة إيداع الأعمى الثياب وغيرها من الأمتعة إذا علم قدرته على حفظها، وفي الحديث أن ما ينكشف للرجال من النساء في تصرفهم لا حرج فيه غير العورات، بخلاف النساء معهم (¬2). واعلم أن في مسلم وغيره أنه قال لها: "انتقلي إلى ابن عمك ابن أم مكتوم" (¬3). ¬

_ (¬1) تقدم. (¬2) صوابها: أن ما ينكشف من الرجال للنساء. . .، بخلاف النساء، وبهذا يصح المعنى. (¬3) "صحيح مسلم" (2942) (119).

قال القاضي: والمعروف أنه ليس ابن عمها ولا من البطن الذي هي منه، بل هي من بني محارب بن فهر، وهو من بني عامر بن لؤي. والجواب أنه ابن عم بعيد؛ لأن القبيلتين تجتمعان في فهر (¬1)، وضعفه ابن دقيق العيد ومن تبعه بأن الصحيح الذي عليه جمهور العلماء أنه يحرم على المرأة النظر إلى الأجنبي كما يحرم نظره إليها؛ لقوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} (¬2)؛ فإن الفتنة مشتركة بحديث نبهان مولى أم سلمة عن أم سلمة أنها كانت وميمونة عند النبي، فدخل ابن أم مكتوم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "احتجبا منه". فقالتا: إنه أعمى لا ينظرنا. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أفعمياوان أنتما؟ أليس تنظراني" (¬3) (¬4). كما سيأتي حيث ذكره المصنف. وأما هذا الحديث فليس فيه إذن لها بالنظر إليه، بل فيه أنها تأمن عنده من نظره إليها، وهي مأمورة بغض بصرها فيمكنها الاحتراز بلا مشقة بخلاف مكثها في بيت أم شريك (¬5). وأما حديث نبهان فيختص بزيادة حرمة أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنهن كما ¬

_ (¬1) نقله عنه النووي في "شرحه على صحيح مسلم" 10/ 103، 18/ 80. (¬2) النور: 30. (¬3) "شرح النووي على مسلم" 10/ 96. (¬4) رواه المصنف (4112)، والترمذي (2778)، وأحمد 6/ 296 وابن حبان (5575) من طريق ابن المبارك به، والنسائي في "الكبرى" 8/ 293 من طريق يونس به، وقال الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" 1/ 2: حديث ضعيف، بينما قال الترمذي في "السنن" (2778): حديث حسن صحيح. (¬5) "شرح النووي على مسلم" 10/ 96 - 97.

غلظ الحجاب على الرجال فيهن غلظ عليهن في حق الرجال أيضًا لعظم حرمتهن، وهذا يدل على أنه لا دليل في حديث نبهان؛ لوجود خصوصية في أزواجه - عليه السلام - (فإذا حللت) ولمسلم: "فإذا انقضت عدتك" (¬1). (فآذنيني) بمد الهمزة، أي: أعلميني، وفيه دليل على جواز التعريض بالخطبة في مدة العدة، واستبعده ابن دقيق العيد؛ إذ ليس في قوله: "آذنيني" ولا: "لا تسبقيني" في الرواية الأخرى غير التعريض من غير أن يسم لها زوجًا. قال: وإنما يكون التعريض من الزوج أو ممن يتوسط له بعد تعيينه ومعرفته، وأما في مجهول فلا يصح فيه التعريض؛ إذ لا يصح مواعدته. قال: بل في الحديث ما يدل على منع التعريض والخطبة والمواعدة في العدة؛ إذ لم يذكر لها - عليه السلام - مراده ولا ذكره لأسامة. (قالت: فلما حللت) من العدة (ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان) كذا لمسلم، وفيه الرد على من ادعى أنه غيره (وأبا جهم) بفتح الجيم، وهو ابن حذيفة القرشي البدري، ويقال فيه أبو الجهيم بالتصغير، واسمه عامر، الذي أهدى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخميصة، ولم ينسبه إلا يحيى بن يحيى الأندلسي أحد رواة "الموطأ" قال: أبو جهم بن هشام (¬2). قال الفاكهي: ولم يوافق يحيى على ذلك أحد من رواة "الموطأ" ولا غيرهم (¬3) (خطباني) فيه دليل على جواز إدخال الخطبة إذا لم يجب إليها ولم يرد؛ إذ لو حرم في هذِه الحالة لنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1480) (48). (¬2) "الموطأ" رواية يحيى بن يحيى 2/ 580. (¬3) انظر: "شرح النووي على مسلم" 10/ 97.

المتأخر منهما، وقطع الماوردي (¬1) بالجواز فيما إذا لم يكن إذن ولا رد، وحكى قولين فيما إذا أظهر الرضى بالخاطب، لكن لم يأذن في العبد. (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه) العاتق: ما بين العنق والمنكب، وفيه تأويلات: أصحها: أنه كثير الضرب للنساء؛ لأنه قد جاء مصرحًا به في رواية مسلم، قال فيها: "وأما أبو جهم فضراب للنساء" (¬2)، وهذا محمول على الغالب؛ لأنه يضع عصاه عن عاتقه في حالة النوم والأكل وغير ذلك. والثاني: أنه كثير الأسفار، وقد جاء في غير الصحيحين ما يدل له، كما حكاه القرطبي (¬3). والثالث: أنه كناية عن كثرة الجماع. حكاه الرافعي وصاحب "البيان" (¬4) والمنذري، واستبعد بأنه - عليه السلام - يبعد اطلاعه على هذِه الحالة من غيره، ويبعد عن خلقه وكمال أدبه ذكر ذلك، ثم إن المرأة لا ترغب عن الخاطب لذلك. قال الصيمري: لو قيل: إنه أراد بقوله هذا كثرة الجماع بحيث كثرة التزوج لكان أشبه (¬5). الرابع: أنه كناية عن شدة الغيرة على أهله، قاله الأزهري في ¬

_ (¬1) "الحاوي الكبير" 9/ 251. (¬2) "صحيح مسلم" (1480/ 47). (¬3) "المفهم" 4/ 272. (¬4) "البيان" للعمراني 9/ 288. (¬5) المصدر السابق.

"الزاهر" (¬1). ومنه قوله - عليه السلام -: "أنفق على أهلك ولا ترفع عصاك عنهم" (¬2) إذ لم يرد العصا والضرب حقيقة، كما قاله أبو عبيد (¬3) إنما أراد الغيرة والمنع من الفساد، ولذلك يقال للرجل الرفيق الحسن السياسة: إنه لين العصا. (وأما معاوية فصعلوك) بضم الصاد، أي: فقير، من التصعلك وهو الفقر، قال الشاعر: غشينا زمانًا بالتصعلك والغنا أي غشينا زمانًا الوصفين. وفي رواية لمسلم: "إنه تَرِب" (¬4) بفتح المثناة فوق وكسر الراء، أي: فقير. (لا مال له) وهذا أيضًا محمول على الغالب للعلم بأن له ثوبًا يلبسه وشيئًا على رأسه ونحو ذلك، وهذا في الابتداء، ثم صار إلى ما صار إليه من كثرة المال. وفيه دليل على جواز ذكر الإنسان بما فيه عند المشاورة ولا يكون ذلك غيبة. قال الغزالي: يشترط أن يقصد بذكر عيوبه النصيحة لا الفضيحة والوقيعة (¬5)، وروى الحاكم أن أخًا لبلال خطب امرأة فقالوا: إن ¬

_ (¬1) "الزاهر" (ص 206). (¬2) رواه عبد بن حميد (159)، والبخاري في "الأدب المفرد" (18) وحسنه الألباني في "الإرواء" (2026). (¬3) "غريب الحديث" للقاسم بن سلام (عصا). (¬4) "صحيح مسلم" (1480/ 47). (¬5) انظر: "إحياء علوم الدين" 3/ 190.

يحضر بلال زوجناك. فحضر وقال: أنا بلال وهذا أخي، وهو امرؤ سيِّئ الخلق. وقال: صحيح الإسناد (¬1). (انكحي) بكسر الهمزة والكاف، أي: ابتدئي به (أسامة بن زيد) بن حارثة حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وفيه دليل على جواز نكاح غير الكفء في النساء إذا رضيت به الزوجة والولي؛ لأن فاطمة هذِه قرشية وأسامة بن زيد مولى، والكفاءة عند الشافعي ومالك ومن وافقهما (¬2)، فإن تركوها جاز، واستثنى شارح "التعجيز" وغيره من المالكية كفاءة الإسلام فلا تسقط بالرضى (¬3)؛ لقوله تعالى: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} (¬4). قال ابن عبد السلام: ويكره تزويجها من فاسق برضاها كراهة شديدة إلا أن تخاف من فاحشة أو ريبة. (قالت) فاطمة (فكرهته) بضم تاء المتكلم، إما لكونه مولى أو لسواده أو لهما، وهو الأولى، أو لأنها طمعت في قوله - عليه السلام -: "فآذنيني" أنه يتزوجها. (ثم قال) ثانيًا (انكحي أسامة بن زيد) فيه استحباب إرشاد الإنسان إلى مصلحته وإن كرهها، وتكرار ذلك عليه، كما كرر هنا (فنكحته) بضم التاء أيضًا، فيه قبول نصيحة أهل الفضل والانقياد لإشاراتهم المباركة النافعة، وفيه الحرص على مصاحبة أهل الخير والتقوى والفضل وإن دنت ¬

_ (¬1) "المستدرك على الصحيحين" 3/ 283 (¬2) "الأم" 5/ 25 - 26، و"المدونة" 2/ 106 - 107. (¬3) انظر: "تحفة المحتاج" 7/ 275. (¬4) البقرة: 221.

أنسابهم، (فجعل الله تعالى) لي (فيه خيرًا) فيه أن عاقبة قبول نصح أهل الخير والصلاح محمودة مباركة في الدنيا والآخرة (واغتبطت) أي: غبطني غيري على ما نلت، بفتح التاء وضم تاء المتكلم، ولمسلم زيادة (به) في رواية (¬1). والغبطة: أن يتمنى لنفسه مثل ما للمغبوط من غير أن يزول ذلك عن المغبوط، بخلاف الحسد: فإنه مع تمني زواله عن المحسود، والاغتباط: افتعال من الغبطة، فافتعل هنا بمعنى (¬2) فعل. [2285] (ثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (ثنا أبان بن يزيد العطار) البصري، أخرج له الشيخان، قال (حدثني يحيى بن أبي كثير) الإمام أبو نصر اليمامي الطائي (عن أبي سلمة) عبد الله، على الأصح (ابن عبد الرحمن) بن عوف (أن فاطمة بنت قيس) الفهرية رضي الله عنها (حدثته أن أبا حفص بن المغيرة طلقها ثلاثًا) هذا بيان للبتة في الحديث قبله (وساق الحديث فيه) على ما تقدم. (و) زاد (أن خالد بن الوليد) بن المغيرة، أبو سليمان المخزومي، سيف الله (ونفرًا من بني مخزوم) بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب (أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا نبي الله إن أبا حفص بن المغيرة طلق امرأته ثلاثًا) يعني: في ثلاث مرات، بدليل الرواية الآتية (وإنه) بكسر الهمزة (ترك لها) أي: أرسل إليها مع وكيله (نفقة يسيرة) وأنها سخطتها (فقال) لهم (لا نفقة لها) ولا كسوة إلا أن تكون حاملًا كما ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1480) (36). (¬2) بياض بالنسخة الخطية. والمثبت هو اللائق بالسياق.

سيأتي، وفيه التصريح بإسقاط النفقة، ولمفهوم قوله تعالى: {فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (¬1)، فإنه يقتضي عدم النفقة مع عدم الحمل، فأكد هذا الحديث دليل مطلق الآية كما ذهب إليه الشافعي ومالك (¬2). (وساق الحديث) المتقدم. قال المصنف: وحديث القعنبي (عن مالك) المتقدم (أتم) من هذا الحديث. [2286] (ثنا محمود بن خالد) بن يزيد السلمي الدمشقي، وثقه أبو حاتم (¬3) والنسائي (¬4) (ثنا الوليد) بن مسلم. (ثنا أبو عمرو) (¬5) عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي. (عن يحيى) بن أبي كثير قال (حدثني أبو سلمة) بن عبد الرحمن قال (حدثتني فاطمة بنت قيس، أن أبا عمرو بن حفص المخزومي طلقها ثلاثًا، وساق الحديث وخبر خالد بن الوليد) المذكور، وقال فيه (قال) أبو سلمة (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ليست لها نفقة ولا مسكن) ومذهب الشافعي وآخرين أن السكنة للمعتدة واجب؛ لقوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ} (¬6). وأجابوا عن حديث فاطمة هذا بأن أكثر الرواة لم يذكروا فيه: ولا سكنى. وأجاب القاضي: بأنه خبر واحد فقد لا يخص العموم في قوله: {أَسْكِنُوهُنَّ} (¬7). ¬

_ (¬1) الطلاق: 6. (¬2) "الأم" 5/ 343، "المدونة" 2/ 48. (¬3) "الجرح والتعديل" 8/ 292. (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 27/ 297. (¬5) في النسخة الخطية: عامر، وهو خطأ. والمثبت من "السنن" وغيره. (¬6) "الأم" 5/ 339. (¬7) "إكمال المعلم" 5/ 54.

(وقال فيه: وأرسل إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن لا تسبقيني بنفسك) أي: بالتزويج، وهو من التعريض بالخطبة، وهو جائز في عدة الوفاة، وكذا عدة البائن. وفيه قول ضعيف في عدة البائن، والصواب الأول. [2287] (وحدثنا قتيبة بن سعيد، أن محمد بن جعفر) الهذلي، مولاهم البصري الكرابيسي، حدثهم قال (ثنا محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص، أخرج له الشيخان. (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن فاطمة بنت قيس قالت: كنت عند رجل من بني مخزوم) وهو أبو عمرو بن حفص (فطلقني البتة) يعني: ثلاثًا متفرقة جمعًا بين الروايات. (ثم ساق نحو حديث) القعنبي عن (مالك، وقال فيه: و) أن (لا تفوتيني) بضم الفاء وسكون الواو (¬1) (بنفسك) قيل: هو من الفوت وهو السبق، من افتات بالأمر إذا انفرد فيه برأيه، والتصرف فيه دون غيره. (قال المصنف: وكذلك) عامر بن شراحيل (الشعبي، والبهي) بفتح الموحدة، واسمه عبد الله، وهو مولى مصعب بن الزبير بن العوام القرشي، أخرج له مسلم هنا وفي الوضوء والفضائل (¬2) (وعطاء) بن أبي رباه. (عن عبد الرحمن بن عاصم وأبو بكر بن أبي الجهم) [اسم أبيه] (¬3) عبد الله، أخرج له مسلم. ¬

_ (¬1) سقط من النسخة الخطية. (¬2) "صحيح مسلم" (373، 2418/ 52، 2536). (¬3) في النسخة الخطية: اسمه. وهو خطأ. والمثبت مستفاد من "التهذيب"، وغيره.

(عن فاطمة بنت قيس: أن زوجها) أبو عمرو بن حفص (طلقها ثلاثًا) ذكر بعضهم أن فيه جواز الطلاق ثلاثًا بكلمة واحدة، ولا حجة فيه؛ لأن هذِه الثلاث كانت متفرقة بدليل قوله في الحديث الآخر: آخر ثلاث تطليقات. [2288] (ثنا محمد بن كثير) العبدي (أنا سفيان) الثوري (¬1). (ثنا سلمة بن كهيل، عن الشعبي، عن فاطمة بنت قيس) رضي الله عنها (أن زوجها طلقها ثلاثًا، فلم يجعل لها النبي - صلى الله عليه وسلم - نفقة ولا سكنى) ظاهره إسقاط النفقة والكسوة، وقد اختلف في المطلقة البائن الحائل، هل لها السكنى والنفقة، أم لا؟ فقال أبو حنيفة بإثباتهما (¬2)، وقال آخرون بإسقاطهما، وهو قول ابن عباس وأحمد، وقال مالك والشافعي: لها السكنى دون النفقة (¬3) كما تقدم. وأجيب بضعف هذِه الرواية؛ لأن فيه رواية الشعبي عن فاطمة وهي التي أنكرها عليه الأسود، قاله القرطبي (¬4). [2289] (ثنا يزيد بن خالد) بن يزيد بن عبد الله (الرملي) الثقة الزاهد (¬5). (ثنا الليث، عن عقيل) مصغر (عن) محمد (بن شهاب، عن أبي ¬

_ (¬1) بياض بالأصل، والمثبت من مصادر التخريج. (¬2) "المبسوط" 5/ 188. (¬3) "المدونة" 2/ 48، و"الأم" 5/ 343. (¬4) "المفهم" 4/ 267. (¬5) "الكاشف" 3/ 276.

سلمة) بن عبد الرحمن. (عن فاطمة بنت قيس، أنها أخبرته أنها كانت عند أبي حفص بن المغيرة) وكذا في مسلم (¬1)، أي: كانت زوجته. قال القرطبي: أكثر الأئمة الحفاظ مالك وغيره أنه أبو عمرو بن حفص كما تقدم، قال: وقلبه (¬2) شيبان وأبان العطار عن يحيى بن أبي كثير فقال: إن أبا حفص بن عمرو. والمحفوظ الأول (¬3). يعني: هو أبو عمرو بن حفص بن المغيرة بن عبد الله المخزومي، ويحتمل أن يكون له كنيتان أبو حفص، وأبو عمرو. (وأن أبا حفص بن المغيرة) المخزومي (طلقها) بتطليقة أرسلها إليها من اليمن؛ فإنه كان خرج مع علي بن أبي طالب إلى اليمن حين كان أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليها (آخر) أي: بقية (ثلاث تطليقات) متفرقة (فزعمت أنها جاءت رسول الله فاستفتته في) حُكمِ (خروجها من بيتها، فأمرها أن تنتقل) قال النووي: هو محمول على أنه أذن لها في الانتقال من البيت الذي طلقت فيه لعذر، وهو ما ذكره مسلم في رواية أنها خافت على نفسها من عوده منزلها، وكذا خافت من أن يفتح (¬4) عليها (¬5). قال القرطبي: وهذا أولى مِن قول من قال أنها كانت لَسِنةً تؤذي ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1480) (38). (¬2) في الأصل: قلته. والمثبت من "المفهم". (¬3) "المفهم" 4/ 266. (¬4) في "شرح النووي على مسلم": يقتحم. (¬5) "شرح النووي على مسلم" 10/ 101.

زوجها وأحماءها بلسانها؛ فإن هذِه الصفة لا تليق بمن اختارها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحبه وابن حبه أسامة بن زيد تواردت (¬1) رغبات الصحابة عليها حين انقضت عدتها (¬2). (إلى) بيت عبد الله (بن أم مكتوم الأعمى) أي: لا يبصرها، كما سيأتي في الرواية (فأبى) أي: امتنع (مروان) بن الحكم بن أبي العاص القرشي الأموي والد عبد الملك (أن يصدق حديث فاطمة) بنت قيس (في خروج المطلقة من بيتها) لغير عذر. (قال عروة) بن الزبير بن العوام أحد رواة إسناد مسلم (أنكرت عائشة على فاطمة بنت قيس) خروجها من بيتها، كما سيأتي. (قال المصنف: وكذلك رواه صالح بن كيسان و) عبد الملك (بن جريجٍ وشعيب بن أبي حمزة) بالحاء المهملة والزاي، واسمه دينار القرشي الأموي مولاهم الجهضمي (كلهم عن الزهري قال المصنف: شعيب بن أبي حمزة، واسم أبي حمزة دينار) كما تقدم (وهو مولى زياد) من بني أمية الأموي. [2290] (ثنا مخلد بن خالد) الشعيري شيخ مسلم. (ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عبيد الله) بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الفقيه الأعمى. (قال: أرسل مروان) بن الحكم، ولد بعد سنتين من الهجرة، ولم يصح له سماع من النبي - صلى الله عليه وسلم - (فسألها) عن هذا الحديث (فأخبرته أنها ¬

_ (¬1) في الأصل: وتغادرت. والمثبت من "المفهم". (¬2) "المفهم" 4/ 269.

كانت تحت أبي حفص) بن المغيرة، الصواب كما في مسلم: أن أبا عمرو بن حفص (¬1) بن المغيرة (وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أمَّر) بتشديد الميم (علي بن أبي طالب يعني) جعله أميرًا (على بعض) بلاد (اليمن، فخرج معه زوجها) أبو عمرو بن حفص (فبعث إليها بتطليقة كانت بقيت لها) من الثلاثة (وأمر عياش) بالمثناة تحت والشين المعجمة (ابن أبي ربيعة) عمرو بن المغيرة المخزومي، أخو أبي جهل بن هشام لأمه، وأخو عبد الله بن أبي ربيعة لأبيه وأمه، هاجر إلى أرض الحبشة، وولد له بها عبد الله، ثم هاجر إلى المدينة فجمع الهجرتين (والحارث بن هشام) بن المغيرة المخزومي أخو أبي جهل لأبويه، وهو الذي أجارته أم هانئ يوم الفتح، توفي بالشام مرابطًا (أن ينفقا) بضم أوله (عليها) فيه التوكيل في النفقة من غير تعيين مقدارها. (فقالا: والله ما لها نفقة إلا أن تكون حاملًا) أي: ذات حمل، فيه أن الحائل (¬2) البائن بخلع أو ثلاث لا نفقة لها ولا كسوة، وأفهم ذلك استحقاقها السكنى، وفيه أن النفقة والكسوة واجبان للحامل؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (¬3)، والمعنى فيه كما قاله القاضي حسين: أنها مشغولة بمائه فهو منتفع برحمها (¬4) فصار كالاستمتاع في حالة الزوجية. ويجب أيضًا الأدم، ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1480) (36). (¬2) في النسخة الخطية: الحامل. وهو خطأ. والمعنى ظاهرٌ من السياق. (¬3) الطلاق: 6. (¬4) "حاشية البجيرمي" 4/ 54.

قاله المتولي، سواء قلنا النفقة للحامل أو للولد (¬1). (فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم -) فسألته (فقال) لها (لا نفقة لك) ولا كسوة ولا أدمًا (إلا أن تكوني حاملًا) منه (فاستأذنته في الانتقال) من بيته (فأذن لها) فيه أن المعتدة لا تخرج إلا بإذن، فإن خرجت من بيته بغير إذنه كان نشوزًا، ولو أشرف المنزل على الاستهدام أو كان المنزل لغير زوجها وأخرجها منه صاحبه أو خرجن على العادة لحاجة وتعود على قرب. (فقالت: أين أنتقل يا رسول الله) وإذنه لها بالانتقال محمول على أنه أذن لها لعذر كما تقدم، وأما لغير حاجة فلا يجوز لها الخروج والانتقال، ولا يجوز نقلها لقوله تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ} (¬2). (فقال: عند ابن أم مكتوم، وكان أعمى، تضع ثيابها عنده ولا يبصرها) فيه أن المرأة يجوز لها أن تطلع من الرجل على ما لا يجوز للرجل أن يطلع عليه من المرأة كالرأس ومعلق القرط ونحو ذلك، فأما العورة فلا، ولكن هذا يعارضه رواية الترمذي من قوله - عليه السلام - لميمونة وأم سلمة وقد دخل عليهما ابن أم مكتوم فقال: "احتجبا منه"، فقالتا: إنه أعمى، فقال: "أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصران؟ " (¬3). والجواب عن هذا الحديث من وجهين: أحدهما: أن هذا الحديث لا يصح، وعلى تقدير صحته فذلك تغليظ منه - صلى الله عليه وسلم - على زوجتيه ميمونة وأم سلمة؛ ¬

_ (¬1) نقله النووي في "الروضة" 9/ 68. (¬2) الطلاق: 1. (¬3) سبق تخريجه.

لحرمتهما كما غلظ عليهما أمر الحجاب (فلم تزل هنالك حتى انقضت عدتها) لفظ "مسند أحمد": حتى مضت عدتها (¬1). فيه أن كل امرأة مدخول بها طلقها زوجها يجب عليها العدة، وهذا مما لا خلاف فيه. وتفاصيل العدة ستأتي. (فأنكحها النبي - صلى الله عليه وسلم - أسامة) كما تقدم (فرجع قبيصة) بن ذؤيب بن (¬2) حلحلة الخزاعي، ولد في أول سنة الهجرة، وقيل: ولد عام الفتح، كان له فقه وعلم، وكان على خاتم عبد الملك بن مروان (إلى مروان) ابن الحكم (فأخبره بذلك) فيه قبول قول الواحد، وأنه حجة، (فقال مروان: لم نسمع) بفتح النون (هذا الحديث إلا من امرأة) بكسر نون من لالتقاء الساكنين. (فسنأخذ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها) قال القرطبي: أي بالأمر الذي اعتصم الناس به، وعملوا به وعليه يعني: بذلك أنها لا تخرج من بيتها ولا نفقة لها (¬3). (فقالت فاطمة حين بلغها ذلك) ولفظ مسلم: حين بلغها قول مروان: بيني وبينكم القرآن (¬4) (بيني وبينكم كتاب الله) يعني: ثم تلت قول الله: ({فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}) (¬5) اللام بمعنى: في. كقوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 6/ 414 ولفظه هناك: حتى انقضت عدتها. (¬2) سقط من النسخة الخطية. والمثبت هو الصواب. (¬3) "المفهم" 4/ 275. (¬4) "صحيح مسلم" (1480) (41) (¬5) الطلاق: 1.

الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} (¬1). أي: في يوم القيامة وفي زمن عدتهن {وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (حتى) بلغ قوله: ({لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ}) أي: يوقع في قلب الزوجة المحبة لزوجها أو الزوج المحبة لزوجته (بعد ذلك) الطلقة والطلقتين ({أَمْرًا}) (¬2). يعني: يوجب المراجعة (قالت) فاطمة (فأي أمر يحدث) زاد مسلم: قالت: فكيف تقولون: لا نفقة لها إذا لم تكن حاملًا فَعَلَامَ تحبسونها؟ (¬3)، ولم يذكر أبو داود (¬4) قوله تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بيُوتِهِنَّ} (¬5). (قال المصنف: وكذلك رواه يونس، عن الزهري وأما) محمد بن الوليد (الزبيدي) بضم الزاي وفتح الموحدة مصغرًا أخرج له الشيخان (فروى الحديثين جميعًا) عن الزهري (حديث) بالنصب بدل (عبيد الله) (¬6) بن عبد الله بن عتبة (بمعنى) حديث بالنصب أيضًا (أبي سلمة) ابن عبد الرحمن (بمعنى) حديث (عقيل) بالتصغير (¬7). (ورواه محمد بن إسحاق، عن الزهري: أن قبيصة بن ذؤيب) ¬

_ (¬1) الأنبياء: 47. (¬2) الطلاق: 1. (¬3) "صحيح مسلم" (1480/ 41). (¬4) بياض بالأصل، والمثبت هو الصواب إن شاء الله. (¬5) الطلاق: 1. (¬6) كان بالأصل: عبد الله. والمثبت هو الصواب. (¬7) زاد هنا في (الأصل): فإذا. وهي زيادة مقحمة.

الصحابي المذكور (حدثه بمعنى) بالتنوين (دل) أي: دال (على خبر عبيد الله بن عبد الله) بن عتبة، حين قال فيه: فرجع قبيصة بن ذؤيب (إلى مروان) بن الحكم (فأخبره بذلك) أي: بما حدثته به فاطمة بنت قيس.

40 - باب من أنكر ذلك على فاطمة

40 - باب مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَى فَاطِمَةَ 2291 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْنُ عَليٍّ، أَخْبَرَني أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنا عَمَّارُ بْنُ رُزيْقٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: كُنْتُ في المَسْجِدِ الجَامِعِ مَعَ الأَسْوَدِ فَقَالَ: أَتَتْ فاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - فَقَالَ: ما كُنَّا لِنَدَعَ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا - صلى الله عليه وسلم - لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لا نَدْري أَحَفِظَتْ ذَلِكَ أَمْ لا. موقوف (¬1). 2292 - حَدَّثَنا سُليْمانُ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَقَدْ عابَتْ ذَلِكَ عَائِشَة رَضِي اللهُ عَنْهَا أَشَدَّ العيْبِ، يَعْني حَدِيثَ فاطِمَةَ بِنْتِ قيْسٍ وقَالَتْ: إِنَّ فاطِمَةَ كَانَتْ في مَكَانٍ وَحْشٍ فَخِيفَ عَلَى ناحِيَتِها فَلِذَلِكَ رَخَّصَ لَها رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬2). 2293 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبيْرِ أَنَّهُ قِيلَ لِعائِشَةَ: أَلَمْ تَري إِلَى قَوْلِ فاطِمَةَ! قَالَتْ: أَما إِنَّهُ لا خَيْرَ لَها في ذِكْرِ ذَلِكَ (¬3). 2294 - حَدَّثَنا هارُونُ بْنُ زيْدٍ، حَدَّثَنا أَبِي، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سُليْمانَ بْنِ يَسارٍ في خُرُوجِ فاطِمَةَ قَالَ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ سُوءِ الخُلُقِ (¬4). 2295 - حَدَّثَنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ القاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَسُليْمانَ بْنِ يَسارٍ أَنَّهُ سَمِعَهُما يَذْكُرانِ أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدِ بْنِ العَاصِ طَلَّقَ بِنْتَ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1480/ 46). (¬2) رواه البخاري (5325) معلقًا، ووصله ابن ماجه (2032). وحسنه الألباني "صحيح أبي داود" (1984). (¬3) رواه البخاري (5325)، ومسلم (1481). (¬4) رواه أبو عوانة في "مستخرجه" (4631). وضعفه الألباني "ضعيف أبي داود" (393).

عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحَكَمِ البَتَّةَ فانْتَقَلَها عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها إِلَى مَرْوانَ بْنِ الحَكَمِ وَهُوَ أَمِيرُ المَدِينَةِ فَقَالَتْ لَهُ: اتَّقِ اللهَ وارْدُدِ المَرْأَةَ إِلَى بيْتِهَا. فَقَالَ مَرْوانُ في حَدِيثِ سُليْمانَ: إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ غَلَبَني. وقَالَ مَرْوانُ في حَدِيثِ القاسِمِ: أَوَما بَلَغَكِ شَأْنُ فاطِمَةَ بِنْتِ قيْسٍ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لا يَضُرُّكَ أَنْ لا تَذْكرَ حَدِيثَ فاطِمَةَ. فَقَالَ مَرْوانُ: إِنْ كَانَ بِكِ الشَّرُّ فَحَسْبُكِ ما كَانَ بَيْنَ هَذيْنِ مِنَ الشَّرِّ (¬1). 2296 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا زُهيْرٌ، حَدَّثَنا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقانَ، حَدَّثَنا ميْمُونُ بْنُ مِهْرانَ قَالَ: قَدِمْتُ المَدِينَةَ فَدُفِعْتُ إِلَى سَعِيدِ بْنِ المُسيَّبِ فَقُلْتُ: فاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ طُلِّقَتْ فَخَرَجَتْ مِنْ بيْتِها فَقَالَ سَعِيدٌ: تِلْكَ امْرَأَةٌ فَتَنَتِ النَّاسَ إِنَّها كَانَتْ لَسِنَةً فَوُضِعَتْ عَلَى يَدي ابن أُمِّ مَكْتُومٍ الأَعْمَى (¬2). * * * باب من أنكر على فاطمة [2291] (ثنا نصر بن علي) الجهضمي، قال (أخبرني أبو أحمد) محمد بن عبد الله بن الزبير الزبيري نسبةً إلى جده لا إلى الزبير بن العوام. (ثنا عمار بن رزيق) بتقديم الراء على الزاي، مصغر، الضبي، أخرج له مسلم (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله، السبيعي الهمداني. (قال: كنت في المسجد الجامع مع الأسود) لفظ مسلم: كنت مع الأسود بن يزيد جالسًا في المسجد الأعظم ومعنا الشعبي فحدث بحديث فاطمة بنت قيس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يجعل لها سكنى ولا نفقة، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5321). (¬2) رواه عبد الرزاق في "مصنفه" (12038)، وإسحاق بن راهويه (2378)، والطحاوي (4530)، والبيهقي 7/ 433. قال الألباني في "صحيح أبي داود" (1987) إسناده مقطوع صحيح.

ثم أخذ الأسود كفًّا من حصى فحصبه به، ثم قال: ويلك تحدث بمثل هذا؟ قال عمر: لا نترك كتاب الله (¬1). (فقال: أتت فاطمة بنت قيس) إلى (عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -) وللنسائي قال: إن جئت بشاهدين يشهدان أنهما سمعا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإلا لم يترك كتاب الله (¬2) (فقال: ما كنا لندع كتاب الله) قال بعضهم: الذي يظهر أن المراد بقوله: لندع كتاب ربنا. يعني: به إثبات السكنى في قوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ} (¬3) خاصة (وسنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - لقول امرأة) قال الدارقطني (وسنة نبينا) غير محفوظ، ولم يذكرها جماعة من الثقات (¬4). هذا كلامه، وقد ثبتت هذِه اللفظة في "صحيح مسلم" (¬5) و"جامع الترمذي" (¬6) (لا ندري أحفظت أم لا) قال القرطبي: معناه أنه لم يجز تخصيص القرآن بخبر الواحد وقد اختلف في ذلك الأصوليون (¬7). قال: ويجوز أن يكون قد استقر (¬8) العمل بالسكنى على مقتضى العموم فلا يقبل حينئذٍ قول الواحد في نسخه اتفاقًا (¬9). ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1480) (46)، "سنن الترمذي" (1180). (¬2) "سنن النسائي" 6/ 209. (¬3) الطلاق: 6. (¬4) "علل الدارقطني" 4/ 141، وانظر "سنن الدارقطني" 4/ 25. (¬5) قاله المنذري في "مختصر سنن أبي داود" 3/ 193. (¬6) هنا قبل كلام القرطبي جملة مقحمة ولفظها: وترك سيدنا لا يدع قول ربنا لقول امرأة. (¬7) "المفهم" للقرطبي 13/ 103. (¬8) في "المفهم": استمر. (¬9) "المفهم" 4/ 274.

وقال بعضهم: في قول عمر هذا إشارة إلى تخصيص القرآن بخبر الآحاد إن كان أراد بقوله: جهلت أو نسيت جواز ذلك عليها، وأما إن كان قطع به فلا إشارة فيه لذلك، ويحتمل أن يكون رأي حكم السكنى مستقرًّا فيكون هذا الخبر ناسخًا والنسخ لا يكون بأخبار الآحاد باتفاق بعد زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -. [2292] (ثنا سليمان بن داود) بن حماد المهري البصري، قال النسائي: ثقة (¬1). قال ابن يونس: كان زاهدًا فقيهًا على مذهب مالك بن أنس (¬2). (ثنا) عبد الله (بن وهب) قال (أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد) بتخفيف النون عبد الله بن ذكوان مولى قريش بن محمد المدني، قال يعقوب بن شيبة: ثقة صدوق (¬3). (عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير. (قال: لقد عابت ذلك) يعني: حديث فاطمة في نفي السكنى (عائشة رضي الله عنها أشد العيب يعني: حديث فاطمة بنت قيس) وأنكرت عليها انتقال المطلقة ثلاثًا أيضًا. (وقالت: إن فاطمة كانت في مكان وَحش) بإسكان الحاء المهملة، ويروى كسرها، أي: خلاء لا ساكن به، ومنه حديث عبد الله أنه كان يمشي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في مكان وحش، أي: ليس معه غيره، والوحش ¬

_ (¬1) "مشيخة النسائي" (93). (¬2) "تهذيب الكمال" 11/ 410. (¬3) "تهذيب الكمال" 17/ 99.

الخلاء من الأرض (فخيف على ناحيتها) أي عليها وعلى الناحية التي هي فيها، فعبر عنها بما هو الأعم (فلذلك) هذِه اللام صريحة في العلة للرخصة (رخص لها رسول الله) في الانتقال، وكذا لفظ البخاري، وابن ماجه لفظه: فخيف عليها (¬1). [2293] (ثنا محمد بن كثير) العبدي (أنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد، أخرج له الشيخان. (عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر التيمي (¬2) الفقيه. (عن عروة بن الزبير أنه قيل لعائشة: الم تري) لفظ البخاري: ألم تسمعي (¬3) (إلى قول فاطمة) في الانتقال. قالت عائشة (أما) بتخفيف الميم (إنه لا خير لها في) ذكر (ذلك) وليس هذا طعن في روايتها وإنما أنكرت ذلك وإظهاره للناس؛ إذ قولها موهم للعموم في حقها وحق غيرها، والحال أنه خاص بها جُوِّزَ لعذر كان بها وخفي (¬4) عليها معرفة السبب الموجب لنقلها من بيتها إلى غيره فتوهمت هي إبطال سكناها، فقالت عند ذلك: لم يجعل لي النبي - صلى الله عليه وسلم - سكنى ولا نفقة. فتوهمت فاطمة إبطال سكناها وكان إخبارها عن أحد الأمرين علمًا بحقيقة الحال وعن الأمر الآخر وهمًا منها توهمته وهو نفي السكنى مطلقًا. قال القرطبي: ولا يلتفت في هذا الحديث إلى فهم من فهم من قول ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (2032). (¬2) في النسخة الخطية: التميمي، وهو خطأ. والمثبت من "التهذيب" وغيره. (¬3) "صحيح البخاري" (5325). (¬4) بياض بالنسخة الخطية، والمثبت هو اللائق بالسياق.

عائشة هذا نقصًا في حق فاطمة رضي الله عنها. وإنما أنكرت عليها قولها: لا سكنى لها ولا نفقة كما نص عليه الراوي. قال: ويظهر من إنكار عائشة أنها ترى أن لها السكنى والنفقة كما رواه عمر تمسكًا بما تمسك هو به، ويحتمل أن تكون أنكرت قولها: لا سكنى فقط. قال: والظاهر الأول (¬1). والذي ذهب إليه مالك والشافعي وأصحاب الرأي وأحمد أنها تجب لها السكنى (¬2). وفرق الشافعي بين وجوب السكنى دون النفقة (¬3) أن السكنى لتحصين مائهِ، ويستوي في ذلك حالية الزوجية وعدمها. وأما النفقة فهي للتمكين وهو خاص بالزوجية. [2294] (ثنا هارون بن زيد) نزيل الرملة (¬4) ثقة (ثنا أبي) زيد بن أبي الزرقاء، المحدث الموصلي الزاهد ثقة صدوق. (عن سفيان) الثوري (عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري. (عن سليمان بن يسار في خروج فاطمة من بيتها: إنما كان ذلك من سوء الخلق) وقد ورد [في بعض طرق الحديث] (¬5) عن عائشة أنها قالت لفاطمة: إنما أخرجك هذا اللسان. وهذا الحديث ضمنه البخاري في ترجمة الباب: المطلقة إذا خشي ¬

_ (¬1) "المفهم" 4/ 278. (¬2) "المدونة" 2/ 48، و"الأم" 5/ 339، وانظر: "المبسوط" 5/ 188، و"مسائل أحمد وإسحاق" رواية الكوسج (1336). (¬3) انظر "الأم" 5/ 343. (¬4) "تهذيب الكمال" 30/ 85. (¬5) بياض بالأصل. والمثبت مستفاد من "شرح الزرقاني" وغيره.

عليها في مسكن زوجها أن يقتحم (¬1) أو تبذو على أهلها (¬2)، لكن لم يوافق شرط البخاري أثر عائشة (¬3) وضمنه الترجمة قياسًا؛ لأن الخوف عليها إذا اقتضى خروجها فمثله الخوف من لسانها على أحمائها. وفي حديث الباب دليل على أن سكنى البائن يسقط بسوء خلق الزوجة وبذاءة لسانها على أهل زوجها؛ لأنه نشوز. وقد حكى القاضي عياض في قوله تعالى: {وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (¬4) عن ابن عباس هو النشوز وسوء الخلق (¬5). وقيل: الفاحشة بذاؤها على أهل زوجها، قال: وهو قريبٌ مِمَّن قال: وفيه حجة لإخراج كل مؤذٍ لجيرانه عنهم من منزله لإخراج هذِه من حقها بالسكنى. قال: وقد قال مالك وأصحابه في مثله: أن المنزل يباع عليه أو يُكرى. [2295] (ثنا) عبد الله بن قعنب (القعنبي) [عن مالك] (¬6). (عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد) بن أبي بكر (وسليمان بن يسار) رضي الله عنهما أن (يحيى بن سعيد بن العاص) الأموي (طلق بنت عبد الرحمن بن الحكم) بفتحتين الأموي بن أبي العاص بن أمية، ¬

_ (¬1) في "س": يقبح. والمثبت من "صحيح البخاري" 7/ 58. (¬2) بوب البخاري باب المطلقة إذا خشي عليها في مسكن زوجها أن يُقتحم عليها أو تبذو على أهلها بفاحشة 7/ 58. (¬3) بياض بالأصل، والمثبت هو الصواب. (¬4) الطلاق: 1. (¬5) "إكمال المعلم" 5/ 58. (¬6) سقط من (الأصل)، واستدركناه من "السنن".

وعبد الرحمن هو أخو مروان بن الحكم (البتة) قال الكرماني: همزتها القطع لا الوصل (¬1)، والمقصود أنها بانت منه وملكت نفسها إذ ليس طلاقها رجعيًّا (فانتقلها) أي: نقلها والدها (عبد الرحمن) بن الحكم من مسكن الفراق (فأرسلت عائشة إلى مروان بن الحكم) أخو عبد الرحمن (و) كان (أمير المدينة) استعمله معاوية عليها (فقالت له: اتق الله) يعني: في إخراج بنتك من مسكن فراقها وهي في عدتها (واردد المرأة) أي احكم عليها بالرجوع (إلى بيتها) الذي طلقت فيه. وفيه دليل على جواز الموعظة للإمام والإنكار عليه. (فقال مروان بن الحكم في حديث سليمان) بن يسار (إن) أخي (عبد الرحمن غلبني) أي لم أقدر على منعه من نقلها من بيتها، والمراد أنه غلبني بالحجة؛ لأنه احتج بالسوء الذي كثر وقوعه بينهما وحصل منه الصدر. (وقال مروان) بن الحكم أمير المدينة (في حديث القاسم) بن أبي بكر (أو ما بلغك) بكسر الكاف خطاب لعائشة (شأن فاطمة بنت قيس) أي: شأنها كشأن فاطمة بنت قيس في انتقالها لما حصل من الضرر. وفيه دليل على جواز اعتذار الإمام لمن وعظه برفق، وفيه جواز إنكار المفتي على الإمام وعلى مفتٍ آخر إذا خالف النص أو عمم ما هو خاص. وفيه دليل على أن الإمام إذا تبين له الحق لا يرجع إلى غيره فيما حكم به. ¬

_ (¬1) "الكواكب الدراري" 19/ 233.

(فقالت عائشة) رضي الله عنها لمروان (لا يضرك أن لا) في موضع رفع فاعل يضر، وأن مصدرية تقدر هي و (تذكر) بمصدر، والتقدير: لا يضرك عدم ذكر (حديث فاطمة) بنت قيس؛ لأن انتقالها كان لعلة وهو أن مكانها كان وحشًا مخوفًا عليه، أو لأنها كانت لَسِنَة استطالت على أهلها. (فقال مروان: إن كان بك) بكسر الكاف؛ لأن الصحيح أن المخاطب هو عائشة، وتقدير الكلام: إن كان ضَرَّ بك (الشر) الذي كان في أمر فاطمة حيث كان علة لجواز انتقالها (فحسبك) أي فكفاك في جواز انتقال هذِه المطلقة أيضًا (ما كان) حصل (بين هذين) الزوجين (من الشر) أيضًا إذا سكنت دار زوجها. وقال بعضهم: الخطاب لبنت أخي مروان المطلقة، أي: إن كان شر ملصقًا بك من جهة فاطمة فحسبك من الشر ما بين هذين الأمرين من الطلاق والانتقال إلى بيت الأب. قال ابن بطال: قول مروان لعائشة: إن كان بك شر فحسبك. يدل على أن فاطمة إنما أمرت بالتحول إلى الموضع الآخر لشر كان بينها وبينهم (¬1). [2296] (ثنا أحمد بن عبد الله بن يونس) اليربوعي (ثنا زهير، ثنا جعفر بن برقان) بضم الموحدة الكلابي، أخرج له مسلم في مواضع. (عن ميمون بن مهران) بكسر الميم عالم الرقة، أخرج له مسلم. (قال: قدمت المدينة فدفعت) بضم الدال وكسر الفاء (إلى سعيد بن ¬

_ (¬1) انظر "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 7/ 490.

المسيب - رضي الله عنه - فقلت له: فاطمة بنت قيس طلقت) بضم الطاء وكسر اللام المشددة، يعني: من زوجها (فخرجت من بيتها) في العدة (فقال سعيد بن المسيب: تلك امرأة فتنت الناس) قال القرطبي: يغفر الله لسعيد بن المسيب ما وقع فيه حيث قال في هذِه الصحابية المختارة تلك امرأة فتنت. قال: وروي عنه أيضًا أنه قال: تلك امرأة استطالت بلسانها على أحمائها فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تنتقل، فلقد أفحش في القول واغتابها ولا بد لها وله من موقف بين يدي الله تعالى (¬1). (إنها كانت لسنة) بكسر السين وصفها بالسلاطة وكثرة الكلام والبذاء. وفي حديث عمر: وامرأة إن دخلت عليها لسنتك (¬2). أي: أخذتك بلسانها تستطيل به عليك (فوضعت) بضم الواو وكسر الضاد المعجمة (على يد ابن أم مكتوم الأعمى) اسمه عمرو كما في "صحيح مسلم" (¬3)، وقيل: عبد الله وسيأتي ذكره في (¬4) آخر الكتاب، فيه حجة أن نظر المرأة للرجل (¬5) وكونها معه إذا لم تنفرد به جائز، وأن ما ينكشف من الرجال للنساء عند تصرفهم لا حرج فيه غير العورة بخلاف النساء معهم كما تقدم. ¬

_ (¬1) "المفهم" 4/ 278. (¬2) أخرجه البيهقي في "الشُّعَب" (9107). (¬3) "صحيح مسلم" (1480/ 45، 2942). (¬4) بياض بالأصل. والمثبت هو اللائق بالسياق. (¬5) بياض بالأصل. والمثبت هو اللائق بالسياق.

41 - باب في المبتوتة تخرج بالنهار

41 - باب في المَبْتُوتَةِ تَخْرُجُ بِالنَّهارِ 2297 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابن جُريْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبيْرِ عَنْ جابِرٍ قَالَ: طُلِّقَتْ خَالَتي ثَلاثًا فَخَرَجَتْ تَجُدُّ نَخْلًا لَها فَلَقِيَها رَجُلٌ فَنَهاها فَأَتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَها: "اخْرُجي فَجُدِّي نَخْلَكِ لَعَلَّكِ أَنْ تَصَدَّقي مِنْهُ أَوْ تَفْعَلي خيْرًا" (¬1). * * * باب في المبتوتة تخرج في النهار [2297] (ثنا أحمد بن حنبل، ثنا يحيى بن سعيد) القطان (¬2) (ثنا) عبد الملك (بن جريج قال: أخبرني أبو الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس المكي (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما (قال: طلقت خالتي) قال المنذري: ذكرت في الصحابيات اللاتي لم يسمين (ثلاثًا فخرجت) لفظ مسلم: فأرادت أن (تجد) بضم الجيم أي تقطع (نخلًا لها) يقال: أَجَدَّ النخلُ بالألف إذا حان جداده (فلقيها رجل فنهاها) عن الخروج في العدة (فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت له فقال لها) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اخرجي فجدي نخلك) أي اقطعي ثمره فأباح لها الخروج لجد نخلها، وهو دليل لمالك والشافعي وابن حنبل والليث على قولهم: إن المعتدة تخرج بالنهار لقضاء حوائجها، وإنما تلزم منزلها بالليل وسواء عند مالك رجعية كانت أو بائنة. وقال الشافعي في الرجعية: لا تخرج لا ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1483). (¬2) في النسخة الخطية: العطار. وهو خطأ. والمثبت من "التهذيب" وغيره.

ليلًا، ولا نهارًا، وإنما تخرج نهارًا المبتوتة (¬1). وقال أبو حنيفة: ذلك في المتوفى عنها زوجها، وأما المطلقة لا تخرج لا ليلًا ولا نهارًا (¬2). وقال الجمهور بهذا الحديث فإن الجُداد إنما هو بالنهار عرفًا وشرعًا، أما العرف فهو عادة الناس في مثل ذلك الشغل، وأما الشرع فقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن جداد النخل وغيره بالليل، ولا يقال: فيلزم من إطلاقه أن تخرج بالليل؛ إذ قد يكون نخلها بعيدًا تحتاج إلى المبيت فيه لأنا نقول لا يلزم ذلك من هذا الحديث؛ لأن نخلهم لم يكن الغالب عليها البعد من المدينة بحيث تحتاج إلى المبيت، وإنما هي بحيث تخرج إليها وترجع منها في النهار (¬3). وظاهره أن كل وجه إن استدل بها إنما كان لخروج النهار (لعلك أن تصدقي منه أو تفعلي خيرًا) لفظ مسلم: "معروفًا". وليس هذا تعليلًا لإباحة الخروج بالاتفاق، وإنما خرج هذا مخرج التنبيه لها والحض على الصدقة من التمر المجدود والمهاداة منه للجيران والمارين ونحوهم. ¬

_ (¬1) "المدونة" 2/ 42، و"الأم" 5/ 339، و"المجموع" 18/ 175، وانظر: "المغني" لابن قدامة 11/ 297. (¬2) "المبسوط" للسرخسي 6/ 37. (¬3) "المفهم" 4/ 279.

42 - باب نسخ متاع المتوفى عنها بما فرض لها من الميراث

42 - باب نَسْخِ مَتَاعِ المُتَوَفَّى عَنْهَا بِمَا فُرِضَ لَهَا مِنَ المِيراثِ 2298 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزيُّ، حَدَّثَنِي عَليُّ بْنُ الحُسيْنِ بْنِ واقِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْويِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} (¬1) فَنُسِخَ ذَلِكَ بِآيَةِ المِيراثِ بِما فُرِضَ لَهُنَّ مِنَ الرُّبُعِ والثُّمُنِ وَنُسِخَ أَجَلُ الحَوْلِ بِأَنْ جُعِلَ أَجَلُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا (¬2). * * * باب نسخ متاع المتوفى عنها بما فرض لها من الميراث [2298] (ثنا أحمد بن محمد) بن ثابت (المروزي) بفتح الواو، وكان من كبار الأئمة، وفي "الكمال": قال الدارقطني: عنه البخاري (¬3). (قال: حدثني علي بن حسين بن واقد) المروزي، ضعفه أبو حاتم (¬4)، وقواه غيره (¬5) (عن أبيه) الحسين بن واقد، قاضي المرو، أخرج له مسلم (عن يزيد) بن أبي سعيد (النحوي) تقدم. (عنِ عكرمة، عن ابن عباس) رضي الله عنهما في قوله تعالى: ({وَالَّذِينَ}) مبتدأ، والجملة من قوله: ({وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ}) في موضع ¬

_ (¬1) البقرة: 240. (¬2) رواه النسائي في "الكبرى" (3543)، والطبري في "تفسيره" 2/ 581. وحسنه الألباني "صحيح أبي داود" (1989). (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 436. (¬4) "الجرح والتعديل" 6/ 179. (¬5) انظر: "تهذيب الكمال" 20/ 407.

الرفع، خبره: ({يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً}) بالرفع، وقراءة الحرميين والكسائي والباقون بالنصب (¬1) فارتفع وصية على الابتداء، وهي نكرة موصوفة، وفي المعنى التقدير وصية منهم أو من الله على اختلاف القولين في الوصية أهي على الإيجاب من الله أو على الندب للأزواج، وخبر هذا المبتدأ هو قوله: ({لِأَزْوَاجِهِمْ}) والجملة من قوله: {وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ} في موضع الخبر عن {الَّذِينَ}، ومن نصب {وَصِيَّةً} فهو على إضمار فعل التقدير: والذين يتوفون يوصون وصية، فيكون والذين مبتدأ يوصون المحذوف هو الخبر، ({مَتَاعًا}) على إضمار فعل من لفظه أي: متعوهن متاعًا، أو من غير لفظه أي: جعل الله لهم متاعًا بالإنفاق عليهن ({إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ}) صفة لمتاعًا أو بدلًا منها أو حالًا من الأزواج، فغير ({إِخْرَاجٍ}) أي: غير مخرجات، أو من الموصول أي: غير مخرجين أي: مصدرًا مؤكدًا، أي: لا إخراجًا، والمعنى من غير إخراج لها من بيت الزوج (فنسخ ذلك) الحكم الذي في هذِه الآية وهو الوصية للأزواج متاعًا إلى الحول (بآية الميراث) يعني: آية المواريث وهي: يوصيكم الله (بما فرض لهن من الربع) عند عدم الولد (والثمن) عند وجود الولد بقوله تعالى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ} (¬2)، ولا نفقة لهن إلا مع الحمل، وصارت الوصايا لمن لا ترث، (ونسخ أجل الحول بأن جعل أجلها أربعة أشهر وعشرًا) كما جاء مصرحًا به في عدة ¬

_ (¬1) انظر: "السبعة للقراء السبعة" 2/ 341. (¬2) النساء: 12.

الوفاة في الآية قبلها. ونقل القاضي عياض (¬1) وابن عطية (¬2) الإجماع على نسخ الحول بالآية التي قبلها [واختلفوا هل] (¬3) الوصية كانت واجبة من الله [بعد وفاة الزوج] (¬4) فقال ابن عباس وعطاء وقتادة والضحاك: كان لها [بعد وفاته السكنى] (¬5) والنفقة والكسوة [حولًا في ماله ما لم تخرج برأيها ثم نُسخت النفقة بالربع] (¬6) والثمن وسكنى الحول بالأربعة أشهر وعشرًا، أم كانت على سبيل الندب [ندبوا بأن يوصوا] (¬7) للزوجات، فيكون يتوفون هنا معناه: يقاربون الوفاة تجوُّزًا في اللفظ. ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" 5/ 69. (¬2) "المحرر الوجيز" 2/ 340. (¬3) و (¬4) و (¬5) و (¬6) و (¬7) بياض بالنسخة الخطية، والمثبت من "البحر المحيط" لأبي حيان. والكلام بنصه هناك 2/ 552.

43 - باب إحداد المتوفى عنها زوجها

43 - باب إِحْدَادِ المُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا 2299 - حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نافِعٍ، عَنْ زيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّها أَخْبَرَتْهُ بِهَذِه الأَحَادِيثِ الثَّلاثَةِ، قَالَتْ زَيْنَبُ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ حِينَ تُوُفّيَ أَبُوها أَبُو سُفْيانَ فَدَعَتْ بِطِيبٍ فِيهِ صُفْرَةٌ خَلُوقٌ أَوْ غيْرُهُ فَدَهَنَتْ مِنْهُ جارِيَةً ثُمَّ مَسَّتْ بِعَارِضيْها. ثُمَّ قَالَتْ: والله ما لي بِالطِّيبِ مِنْ حاجَةٍ غيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُول: "لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ باللهِ واليَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى ميِّتٍ فَوْقَ ثَلاثِ ليالٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا". قَالَتْ زيْنَبُ: وَدَخَلْتُ عَلَى زيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ حِينَ تُوُفِّيَ أَخُوهَا فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَّتْ مِنْهُ ثُمَّ قَالَتْ: والله ما لي بِالطِّيبِ مِنْ حاجَةٍ غيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ: "لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ باللهِ واليَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى ميِّتٍ فَوْقَ ثَلاثِ ليالٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا". قَالَتْ زيْنَبُ: وَسَمِعْتُ أُمّي أُمَّ سَلَمَةَ تَقُولُ جاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ ابْنَتِي تُوُفّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَدِ اشْتَكَتْ عيْنَها أَفَنَكْحُلُهَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا". مَرَّتيْنِ أَوْ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: "لا". ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّما هيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَقَدْ كَانَتْ إِحْداكُنَّ في الجَاهِلِيَّةِ تَرْمي بِالبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الحَوْلِ". قَالَ حُميْدٌ فَقُلْتُ لِزيْنَبَ: وَما تَرْمي بِالبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الحَوْلِ فَقَالَتْ زيْنَبُ: كَانَتِ المَرْأَةُ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْها زَوْجُهَا دَخَلَتْ حِفْشًا وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا وَلَمْ تَمَسَّ طِيبًا وَلا شيْئًا حَتَّى تَمُرَّ بِها سَنَةٌ ثُمَّ تؤْتَى بِدابَّةٍ حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ طَائِرٍ فَتَفْتَضُّ بِهِ فَقَلَّما تَفْتَضُّ بِشَيء إِلَّا مَاتَ ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُعْطَى بَعْرَةً فَتَرْمِي بِهَا ثُمَّ تُرَاجِعُ بَعْدُ ما شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أَوْ غيْرِهِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: الحِفْشُ بيْتٌ صَغِيرٌ (¬1). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1280)، ومسلم (1486).

باب إحداد المتوفى عنها زوجها [2299/ 1] (ثنا القعنبي، عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري (عن حميد بن نافع) المدني (عن زينب بنت أبي سلمة) بن عبد الأسد المخزومية ربيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان اسمها برة فسماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زينب (¬1)، تزوجها عبد الله بن زمعة فقتل ولداها منه يوم الحرة (¬2) (أنها أخبرته بهذِه الأحاديث الثلاثة) الأول (قالت زينب) بنت أبي سلمة (دخلت على أم حبيبة) رملة - على الأصح - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - (حين توفي أبوها أبو سفيان) صخر بن حرب الأموي - رضي الله عنه - (فدعت) أم حبيبة (بطيب فيه صفرة خلوق) بفتح الخاء ورفع آخره مع التنوين بدل مما قبله وهو نوع من أنواع الطيب مخلوط بالزعفران، وهو العنبر أيضًا (أو غيره فدهنت منه جارية) بالنصب (ثم مست) من ذلك الطيب (بعارضيها) العارضان جانبا الوجه وهما الخدان وما فوق الذقن إلى ما دون الأذن، وأصل العوارض الأسنان، وسميت الخدود عوارض؛ لأنها عليها، من باب تسمية الشيء باسم الشيء إذا جاوره، وإنما فعلت هذا أم حبيبة لتدفع صورة الإحداد عنها، وقيل: العارض من اللحية ما نبت على عرض اللحى فوق الأذن، وفي رواية: فمسحت ذراعيها وعارضيها (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6192)، ومسلم (2141) من حديث أبي هريرة. (¬2) "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" (3359) بتصرف، وانظر: "تهذيب الكمال" 35/ 185. (¬3) رواه مسلم (1486/ 62).

(ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة غير) بالنصب على الاستثناء المنقطع، والتقدير: بهذا الطيب من حاجة من حاجاته التي يستعمل لها، لكن فعلته لاتباع السنة، وفعل الطيب لاتباع السنة ليس هو من جنس ما يستعمل له الطيب، ويجوز الرفع على أنه استثناء متصل، فيكون بدلًا من موضع حاجة، وحاجة على عمومها الشامل لاتباع السنة وغيرها، ويجوز الجر اتباعًا للفظ حاجة كما في قراءة الكسائي بجر الراء من {غَيْرِهِ} ومن قوله تعالى {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (¬1) , (أني سمعت) بفتح الهمزة؛ لأنها تسد مسد المصدر، أي: غير سماعي (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لا يحل لامرأة تؤمن) وفي رواية البخاري: "مسلمة تؤمن" (¬2) (بالله واليوم الآخر) وهذا من خطاب التهييج؛ لأن المسلم هو الذي ينتفع بخطاب الشارع وينقاد له كما قال تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (¬3). واحتج به القاضي في "معونته" (¬4) لرواية ابن نافع عن مالك أن الكتابية لا حداد عليها، وهو قول أبي حنيفة (¬5) مع إنكاره مفهوم الصفة وغيره مخالف قاعدته، وقال مالك في "المدونة" والشافعي: إن عليها الإحداد (¬6)، وحملوا هذا الحديث على أنه خرج مخرج الغالب، فلا يستدل به لإخراج الذمية، ولا يستدل بقوله: "امرأة" على إخراج ¬

_ (¬1) الأعراف 59، وانظر "الحجة للقراء السبعة" 4/ 39. (¬2) "صحيح البخاري" (5339). (¬3) المائدة: 23. (¬4) "المعونة" للقاضي عبد الوهاب 1/ 633. (¬5) انظر "المبسوط" 6/ 69، و"مجمع الأنهر" 1/ 471. (¬6) "المدونة" 2/ 13، و"الأم" 5/ 335 - 336.

الصغيرة، واقتضى إلحاق الصغيرة بالمرأة بدليلٍ آخر - كلام ابن دقيق العيد - من قياس وغيره (¬1) (أن تحد) بضم أوله وكسر ثانيه، ويجوز فتح أوله وضم ثانيه، يقال: أحدت المرأة على زوجها تحد فهي مُحِدٌّ وحدَّت تحُد وتحِد بضم الحاء وكسرها فهي حادة، ولا يقال: حاد. ومعنى هذِه المادة في اللغة المنع، وفي الشرع هو الامتناع مِن مُخالف الحزن والتفجع على الميت إظهارًا لهما، وذلك كترك التزين في اللباس، فلا تلبس حريرًا ولا مصبوغًا نتزين به كالأخضر والأزرق الصافي والأصفر، والتحلي بالذهب والفضة ونحوهما من لؤلؤ وغيره، والتطيب بما يحرم على المحرم، وجوز الخطابي فيه أن يكون بالجيم من الوجَد، وأنه بالحاء أجود ذكر ذلك في كتاب "تصاحيف الرواة". قال: والمعنى لا يختلف (¬2). وفي "شرح الفصيح" للدَّميري (¬3) رواية الجيم مأخوذ من جددت الشيء إذا قطعته فكأنها قد اقتطعت عن الزينة وما كانت عليه قبل ذلك، والمصدر المُنسَبك من "أن تحد"، وهو الإحداد هو فاعل: "لا يحل" (على ميت فوق ثلاث ليال) كما جاء مصرحًا به في رواية الصحيحين وهنا، ولذلك قال: "ثلاث"، ولم يقل: ثلاثة، وقضية قوله: "فوق ثلاث" جواز الإحداد بثلاثة فما دونها، وأنه يحرم الزيادة على الثلاث؛ لأن في تعاطيه إظهار عدم ¬

_ (¬1) "إحكام الأحكام" 2/ 196. (¬2) الذي في "إصلاح غلط المحدثين" (ص 65): ويروى: تَحُدّ. وتَحِدّ. بالضم أجود اهـ، ومثله في "غريب الحديث" 3/ 258. إلا أن المحقق أشار عند لفظة (بالضم) أنها في النسخة الخطية وقع فيها (بالحاء) فعلى ذلك تكون موافقة لكلام المصنف. (¬3) في النسخة الخطية: للترمذي. وهو تحريف.

الرضا بالقضاء، وأما الثلاث [فإن النفوس لا تستطيع فيها الصبر] (¬1) ولذلك سن فيها التعزية (إلا على زوج) واستثنى بكل مفهوم [عدم وجوب الحداد على المنكوحة نكاحًا فاسدًا] (¬2) فإنه لا يحل الإحداد لها، ولفظ "لا يحل" لا يفهم منها الوجوب، فأين وجوب الإحداد؟ وأجيب بأن الوجوب مأخوذ من الإجماع فاكتفي به، وتعقب بعض المتأخرين ذلك بمنع الإجماع فإن الإجماع في الإحداد معروف. (أربعة أشهر) الظرف في ذلك متعلق بفعل محذوف تقديره: فإنها تحد على الزوج أربعة أشهر كما دل عليه ما قبله، وسيأتي مصرحًا به في الرواية الآتية (وعشرًا) أي: عشر ليالٍ. [2299/ 2] (قالت زينب) بنت أبي سلمة: (و) الحديث الثاني: (دخلت على زينب بنت جحش) بن رئاب بن يعمر زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -. (حين توفي أخوها) هو عبيد الله - بالتصغير - بن جحش زوج أم (¬3) حبيبة بنت أبي سفيان، هو أخو عبد الله بن جحش، وأبو أحمد (بن جحش) (¬4) فولدت أم حبيبة من عبيد الله بن جحش حبيبة بأرض الحبشة، وكان قد هاجر مع زوجته أم حبيبة إلى الحبشة مسلمًا ثم تنصر هناك ومات نصرانيًّا، وأما أخوها عبد الله - مكبرًا - بن جحش - رضي الله عنه - فشهد بدرًا واستشهد يوم أحد، وكان يعرف بالمجدَّعِ في الله؛ لأنه ¬

_ (¬1) بياض بالنسخة الخطية، والمثبت من "مغني المحتاج" وغيره. (¬2) بياض بالأصل، والمثبت هو الأقرب للصواب إن شاء الله. (¬3) سقط من النسخة الخطية والمثبت هو الصواب. (¬4) في النسخة الخطية: عبد الله. والمثبت هو الصواب.

مُثل به يوم أحد فجدع أنفه، وذكر النسائي وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما تزوج أمها أم سلمة كانت زينب بنتها هذِه ترضع، وكان تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - أم سلمة بعد قتل عبد الله بمدة، فكيف يتصور من زينب فعل ما ذكر في هذا الحديث (¬1)؟ ! . فيتعين أن يكون أخو زينب بنت جحش هذا الذي دخلت زينب بنت أم سلمة عليها حين توفي هو أبو أحمد (فدعت بطيب فمست منه) جسمها؛ لتبين حل الطيب بعد تحريمه، ولتميز أيام العدة من غيرها. (ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة غير) بالنصب كما تقدم. (أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر) بكسر الميم. فيه أنه يستحب للخطيب والواعظ والمحدث أن يجلس على مكان مرتفع ليكون أبلغ في سماع كلامه. (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد) المصدر من هذا هو فاعل (لا يحل) فكأنه قال: لا يحل الإحداد (على ميت) من أقاربها. (فوق ثلاث ليالٍ إلا على زوج أربعة أشهر) منصوب على الظرف، والعامل فيه (تحد) و (عشرًا) معطوف عليه. وهذا الحديث يحكم عمومه بتناول الزوجات كلهن المتوفى عنهن أزواجهن، فيدخل فيه الحرائر والإماء وهو مذهب الجمهور (¬2)، وذهب أبو حنيفة أنه لا حداد على أمة (¬3) (وعشرًا) وإنما خص عدة الوفاة ¬

_ (¬1) راجع "فتح الباري" 9/ 485. (¬2) "شرح النووي على مسلم" 10/ 112. (¬3) "المبسوط" للسرخسي 6/ 69.

بأربعة أشهر وعشرًا؛ لأن الغالب أن الحمل يتبين تحركه في تلك المدة؛ لأن النطفة تبقى في الرحم أربعين ثم تصير علقة أربعين، ثم تصير مضغة أربعين، فتلك أربعة أشهر، ثم ينفخ فيه الروح بعد ذلك فتظهر حركته في العشر الزائد على الأربعة أشهر. وأنَّثَ عشرًا لأنه أراد به مدة العشر، قاله المبرد. [2299/ 3] (قالت زينب: و) الحديث الثالث (سمعت أمي أم سلمة) واسمها هند بنت أبي أمية المعروف بزاد الراكب، وهي زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -. (تقول: جاءت امرأة) هي عاتكة بنت عبد الله بن نعيم العدوي، كذا في "موطأ ابن وهب" (¬1) (إلى رسول الله فقالت: يا رسول الله، إن ابنتي) رواه الإسماعيلي، وفي طرقه تصريح بأن البنت اسمها عاتكة، وعلى هذا فإنها لم تسم (توفي زوجها) المغيرة بن أبي شهاب المخزومي (عنها وقد اشتكت عينها) يجوز في عينها الرفع على الفاعلية، وعليه اقتصر النووي (¬2)، ونسبت الشكاية إلى نفس العين مجازًا، ويؤيده رواية مسلم: اشتكت عيناها (¬3). بلفظ التثنية، ويجوز النصب على الفاعل ضمير مستتر عائد للابنة. قال ابن دقيق العيد: وقد رجح (¬4). ونقل عن المنذري ترجيحه. قال الحريري: إنه الصواب وأن الرفع من أوهام الخواص. ¬

_ (¬1) نقله ابن بشكوال في "الغوامض" 1/ 354 من طريق ابن وهب. (¬2) "إحكام الأحكام" 2/ 198. (¬3) "شرح مسلم" 10/ 113. (¬4) السابق وقال: وقع في بعض الأصول.

قال في "الدرة": لا يقال إلا: اشتكى فلان عينه؛ لأنه هو المشتكي، والعين مشتكى ألمها (¬1) (فنكحلها) بفتح النون وضم الحاء وهو مما جاء مضمومًا وإن كان عينه حرف حلق، والأصل: أفتكحلها؟ بتقديم همزة الاستفهام كما في البخاري (¬2) وغيره. (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرتين أو ثلاثًا) تكريره (لا) الناهية يدل على أن التشديد في منع المحدة من الاكتحال بما فيه زينة أو طيب إذا وجدت منه بدًّا إثمدًا كان أو غيره، وهو مذهب الجمهور (¬3) بخلاف ما إذا اضطرت، وإن كان إطلاقه يعم حال الضرورة وغيرها. (كل ذلك يقول: لا، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنما هي) يعني: العدة الشرعية، فالضمير عائد إلى غير مذكور للعلم به (أربعة أشهر وعشر) المراد به تقليل المدة وتهوين أمرها، فقد خفف الله الاعتداد عن السنة بأربعة أشهر وعشرًا، فلا تستكثرون ذلك ولا تستعظمن منع الكحل فيه. قال العلماء: وفيه نسخ الحول في عدة الوفاة (وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة) بفتح العين والتسكين لغة، قيل: المراد من البعرة أنه إشارة إلى العدة، كأنها رمت بها بعد انقضائها كرميها بالبعرة المذكورة وانفصالها منها، ورميها مشعر بأن أمر العدة المذكور بالسنة وإن كان شديدًا فقد هان عليها في حق من مات عنها. [واختلفوا في] (¬4) البعرة وهل كانت ترميها أمامها أو خلفها؟ ¬

_ (¬1) "درة الغواص في أوهام الخواص" للحريري ص 155. (¬2) "صحيح البخاري" (5336). (¬3) "المفهم" 4/ 285 - 286. (¬4) بياض بالنسخة الخطية، والمثبت هو الأنسب للسياق.

روايتان حكاهما الباجي (¬1)، واقتصر الفاكهي على أنها ترمي بها وراء ظهرها، وهذا هو المناسب للمعنى؛ لقوله تعالى: {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} (¬2) (على رأس الحول) وانقضائه. (قال حميد) بن نافع أحد الرواة (فقلت لزينب) بنت أبي سلمة روت عن أمها أم سلمة (وما) معنى (ترمي بالبعرة على رأس الحول؟ ) وفيه سؤال المشايخ عن معنى ما رووه؛ فإنهم أعلم بمواقع التنزيل (فقالت زينب: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشًا) بكسر الحاء المهملة وسكون الفاء بعدها شين معجمة، قيل: هو البيت الصغير وهو تفسير الشافعي في "الأم" (¬3)، وزاد: هو القريب السمك، وقيل: الحفش الدرج - بضم الدال وبعد الراء جيم - وهو ما تدرج به المرأة ما يخف من أمتعتها وغزلها وغيره، شبه به ما كانت المرأة فيه من الحزن على زوجها. وفي النسائي: قال مالك: الحفش الخص (¬4) وقيل ونقل عنه: البيت الصغير الخرب، وقيل: إنه شبه القفة (¬5) تجمع فيه المرأة غزلها وسقطها يكون من خوص وغيره، وتفسيره بالبيت الصغير، والخص هو الأليق بمعنى الحديث، ويدل عليه حديث ابن اللتبية الساعي للزكاة لما رجع بمال: "هلا قعد في حِفش أمه فينظر أيهدى إليه أم لا؟ " (¬6) ¬

_ (¬1) "المنتقى شرح الموطأ" 4/ 146. (¬2) آل عمران: 187. (¬3) "الأم" 6/ 585. (¬4) "سنن النسائي" 6/ 202. (¬5) في (الأصل): الفقير. والمثبت من "شرح الزرقاني على الموطأ". (¬6) رواه البزار كما في "كشف الأستار" (899).

فنسبه إلى بيت أمه لصغره (ولبست) بكسر الباء (شر ثيابها) أي: أدونها (ولم تمس) بفتح التاء والميم (طيبًا ولا شيئًا) من المشمومات والأدهان مما له ريح، واستثنى في "الكفاية" حالة طهرها من الحيض (¬1)؛ فإنها تتبع أثر الدم بمسك أو غيره. قال النووي: الرخصة في القسط والأظفار خاصة (¬2). وهما نوعان من البخور ليسا من مقصود الطيب (حتى يمر بها سنة) كاملة (ثم يؤتى بدابة حمار أو شاة أو طائر) بالجر في الثلاثة حمار بدل وما بعده عطف عليه، وسميت هذِه دواب؛ لأنها تدب، أي: تمشي، وهي تسمية لغوية، والطائر فرد جمعه طير كصاحب وصحب (فتفتض به) بفتح المثناتين فوق بينهما فاء ساكنة وبعد الثانية ضاد معجمة على المشهور، أي: تدلك به جسدها وتكسر ما هي فيه من العدة بطائر تمسح به قبلها وتنبذه. وقيل: معناه (تَطهَّر) مأخوذ من الفضة، شبه به في النقاء والنظافة. وقال ابن وهب: تمسح بيدها عليه أو على ظهره، وقيل: معناه: تفارق ما كانت عليه، من الانتفاض. قال الأزهري: رواه الشافعي تقبص بسكون القاف وكسر الباء الموحدة وبالصاد المهملة المخففة من القبص وهو القبض بأطراف الأصابع، ومنه قراءة الحسن (فقبصت قُبصة) (¬3) بالصاد المهملة (¬4). ¬

_ (¬1) "كفاية الأخيار" (ص 431). (¬2) انظر "المجموع" 18/ 188. (¬3) انظر: "المحتسب" لابن جني 2/ 55. (¬4) "الزاهر" (ص 229).

قال ابن الأصبهاني وابن الأثير: معناه: الإسراع، أي: تذهب بسرعة إلى بيت أبويها لكثرة حيائها (¬1). وعلى هذا فالباء في (به) للسببية (فقلما تفتض بشيء إلا مات) من حينِه (ثم تخرج) من الحفش (فتعطى بعرة) بفتح العين (فترمي بها من وراء ظهرها) على ما تقدم (ثم تراجع بعد) بضم الدال، أي: بعد ذلك (ما شاءت من طيب) وحلي (أو) من (غيره) من المشمومات والأدهان. (قال المصنف: الحفش: بيت صغير) كما تقدم. ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (قبص).

44 - باب في المتوفى عنها تنتقل

44 - باب في المُتَوَفَّى عَنْها تَنْتَقِلُ 2300 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، عَنْ عَمَّتِهِ زيْنَبَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، أَنَّ الفُريْعَةَ بِنْتَ مالِكِ بْنِ سِنانٍ - وَهيَ أُخْتُ أَبي سَعِيدٍ الخُدْريِّ - أَخْبَرَتْها أَنَّها جاءَتْ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - تَسْأَلُهُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى أَهْلِها في بَني خُدْرَةَ فَإِنَّ زَوْجَها خَرَجَ في طَلَبِ أَعْبُدٍ لَهُ أَبَقُوا حَتَّى إِذا كانُوا بِطَرَفِ القَدُّومِ لَحِقَهُمْ فَقَتَلُوهُ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أَرْجِعَ إِلَى أَهْلي فَإِنّي لَمْ يَتْرُكْني في مَسْكَنٍ يَمْلِكُهُ وَلا نَفَقَةٍ. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "نَعَمْ". قَالَتْ: فَخَرَجْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ في الحُجْرَةِ أَوْ في المَسْجِدِ دَعاني أَوْ أَمَرَ بي فَدُعِيتُ لَهُ فَقَالَ: "كيْفَ قُلْتِ". فَرَدَدْتُ عَليْهِ القِصَّةَ التي ذَكَرْتُ مِنْ شَأْنِ زَوْجي قَالَتْ: فَقَالَ: "امْكُثي في بيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الكِتابُ أَجَلَهُ". قَالَتْ: فاعْتَدَدْتُ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. قَالَتْ: فَلَمّا كَانَ عُثْمانُ بْنُ عَفّانَ أَرْسَلَ إِلي فَسَأَلَني عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرْتُهُ فاتَّبَعَهُ وَقَضَى بِهِ (¬1). * * * باب في المتوفى عنها تنتقل [2300] (ثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، عن مالك، عن سعد بن إسحاق، بن كعب بن عجرة، عن عمته زينب بنت (¬2) كعب بن عجرة) زاد ابن ماجه: وكانت تحت أبي سعيد الخدري (¬3)، وذكرها ابن ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1204)، والنسائي 6/ 199، وابن ماجه (2031). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1992 م). (¬2) سقط من النسخة الخطية، والمثبت من "السنن". (¬3) "سنن ابن ماجه" (2031).

فتحون وابن الأثير في الصحابة (¬1). (أن القريعة بنت مالك بن سنان) بضم القاف وفتح الراء المهملة وسكون آخر الحروف وفتح العين المهملة بعدها تاء تأنيث، كذا ضبطها في "حواشي المنذري"، والصواب أنها بضم الفاء (¬2)، قاله ابن عبد البر في "الاستيعاب" (¬3)، والذهبي لم يذكرها في "التجريد" إلا في باب الفاء، ولعلها تصحيف من كاتب "الحواشي"، قالا: ويقال لها: الفارعة، شهدت بيعة الرضوان، وأمها حبيبة بنت عبد الله بن أبي بن سلول المنافق (وهي أخت أبي سعيد) سعد بن مالك بن سعد بن ثعلبة (الخدري) بالدال المهملة. (أنها جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة) قبيلة من الأنصار، واسم خدرة الأبجر بن عوف بن الحارث بن الخزرج (فإن زوجها خرج في طلب أعبد) ضم الباء جمع عبد، لفظ ابن ماجه: في طلب أعلاج له (¬4). لفظ النسائي: أن زوجها تكارى علوجًا ليعملوا له (¬5). العلوج والأعلاج جمع علج، وهو الرجل القوي الضخم، وفي حديث قتل عمر: قال لابن عباس: قد كنت أنت وأبوك تحبان أن يكثر ¬

_ (¬1) لم أجدها في "أسد الغابة" وقد عزاها له أيضًا الحافظ في "تهذيب التهذيب" 4/ 675، بينما عزاها في "الإصابة" 4/ 318 لابن فتحون وأبي إسحاق بن الأمين في "ذيله على الاستيعاب". (¬2) في المخطوط: القاف. والسياق يخطئه. (¬3) "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" (4066). (¬4) "سنن ابن ماجه" (2031). (¬5) "سنن النسائي" 6/ 199.

العلوج بالمدينة (¬1). (أبقوا) بفتح الباء وكسرها لغة أي: هربوا من غير خوف ولا له عمل، فإن كان كذلك فهو هارب، كذا ذكره الثعالبي (حتى إذا كانوا بطرف القدوم) بفتح القاف ودال مهملة مضمومة تشدد وتخفف، موضع على ستة أميال من المدينة. قال البكري: هو بلد دوس (¬2). قال: ورواه أبو داود مخففًا، وهو قول أكثر اللغويين. وقال محمد بن جعفر اللغوي: قدوم موضع معرفة (¬3) لا تدخل عليه الألف واللام. قال: ومن روى: "اختتن إبراهيم عليه الصلاة والسلام بالقدوم" (¬4) مخففًا، فإنما يعني: الذي ينجر به (¬5). (لحقهم) ليردهم (فقتلوه) بطرف القدوم، قال: (فسألت) بضم تاء المتكلم. قال ابن الأثير في "شرح مسند الشافعي": فيه الرجوع من الغيبة إلى ضمير المتكلم؛ لأنه قال في (¬6) الأول: جاءت تسأله أن ترجع إلى أهلها فكان إخبارًا من الراوي عنها، ثم عدل من الإخبار إلى التكلم (¬7). بقوله (رسول الله أن أرجع إلى أهلي) في بني خدرة، زاد النسائي: ويتامى لي في ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3700). (¬2) "معجم ما استعجم" 3/ 298. (¬3) في الأصل: بعرفة، والمثبت من "معجم ما استعجم". (¬4) رواه البخاري (3356)، ومسلم (2370). (¬5) "معجم ما استعجم" 3/ 298. (¬6) بياض بالنسخة الخطية. والمثبت من "شرح مسند الشافعي". (¬7) "شرح مسند الشافعي" لابن الأثير 5/ 87.

حجري (¬1). (فإني) لفظ مالك في "الموطأ" (¬2) والشافعي في "الرسالة": فإن زوجي (¬3) (لم يتركني في مسكن يملكه ولا) ترك لي (نفقة. قالت: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نعم) فيه دلالة على أن المتوفى عنها زوجها تستحق السكنى، وأنها لا تعتد إلا في بيت يستحق زوجها منفعته بملك أو إجارة أو نحو ذلك. وقلت: ويظهر أن المسكن لو كان للزوجة اعتدت فيه وتستحق في مال زوجها أجرته. (قالت: فخرجت) زاد ابن ماجه: قريرة العين لما قضى الله لي على لسان رسول الله (¬4) (حتى إذا كنت في الحجرة) بضم الجيم هو البيت جمعه حجرات (أو في المسجد) شك من الراوي. وفي "الموطأ": حتى إذا كنت في الحجرة من غير شك (دعاني) وفي "الموطأ": ناداني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬5) (أو أمر بي) بفتح الهمزة والميم والراء، وكسر باء الجر الداخلة على ياء المتكلم، وللنسائي وابن ماجه: دعاني. من غير شك (فدعيت) بضم الدال وكسر العين (له، فقال: كيف قلت؟ فرددت عليه القصة التي ذكرتها) له (من شأن زوجي، قالت: فقال لي: امكثي في بيتك) قال ابن الأثير: يحتمل ما لم ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 6/ 199. (¬2) "الموطأ" (87). (¬3) "الرسالة" للشافعي 1/ 438. (¬4) "سنن ابن ماجه" (2031). (¬5) "الموطأ" 2/ 591.

تخرجي منه إن كان لغيرك؛ لأنها قد وصفت أن المنزل ليس لزوجها، انتهى. ولفظ النسائي: "امكثي في أهلك" (¬1). وفي رواية له أخرى: "اعتدي حيث بلغك الخبر" (¬2) (حتى يبلغ الكتاب أجله) قال ابن الأثير: يريد مدة العدة التي فرضها الله تعالى وقدرها، وهي أربعة أشهر وعشرًا، لم يُرِد بالكتاب كتاب الله العزيز، إنما أراد ما كتبه الله أي: ما فرضه الله على النساء من العدة (¬3)، وفي أمره لها - صلى الله عليه وسلم - أنها تمكث في البيت التي بلغها فيه الخبر بعد إذنه لها في الانتقال دليل على جواز وقوع النسخ قبل الفعل، وقيل: إنه كان حرامًا على أمر تبين بعد ذلك عنده خلافه فحكم به، والجمهور على نسخ وجوب الحكم قبل التمكن من الفعل (¬4). قال في "التقريب": وهو قول جميع أهل الحق (¬5). ونقل ابن السمعاني عن الصيرفي وأكثر الحنفية: المنع (¬6). (قالت) قريعة (فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرًا) العدة التي فرضها الله تعالى (قالت: فلما كان زمن) خلافة (عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته) بذلك (فاتبعه) بتشديد المثناة فوق، مع وصل الهمزة، ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 6/ 200. (¬2) السابق 6/ 199. (¬3) "شرح مسند الشافعي" لابن الأثير 5/ 87. (¬4) انظر "البحر المحيط" للزركشي 5/ 226، 5/ 234. (¬5) انظر: "البحر المحيط" 5/ 226. (¬6) "قواطع الأدلة" 3/ 111.

وتخفيفها، مع فتح الهمزة لغتان قرئ بهما في السبع (¬1) (وقضى به) وهذا الحديث بهذا اللفظ أخرجه الشافعي في كتاب "الرسالة" مستدلًّا به على قبول خبر الواحد، وكذا قال [عثمان في علمه وإمامته] (¬2) قَبِل خبر امرأة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتصير إلى اتباعه ولم يفهمها وقضى به بين المهاجرين والأنصار (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص 397 - 398 (¬2) في النسخة الخطية: الشافعي في عقبه وأمانته. وهو تحريف ظاهر. والمثبت من "كتاب الرسالة" للشافعي رحمه الله. (¬3) "الرسالة" ص 438 - 439.

45 - باب من رأى التحول

45 - باب مَنْ رَأى التَّحَوُّلَ 2301 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزيُّ، حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ، حَدَّثَنا شِبْلٌ، عَنِ ابن أَبي نَجِيحٍ، قَالَ: قَالَ عَطاءٌ: قَالَ ابن عَبَّاسٍ: نَسَخَتْ هذِه الآيَةُ عِدَّتَها عِنْدَ أَهْلِهِ فَتَعْتَدُّ حيْثُ شاءَتْ وَهُوَ قَوْل اللهِ تَعالَى: {غَيْرَ إِخْرَاجٍ} قَالَ عَطاءٌ: إِنْ شاءَتِ اعْتَدَّتْ عِنْدَ أَهْلِهِ وَسَكَنَتْ في وَصِيَّتِها وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ لِقَوْلِ اللهِ تَعالَى: {فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ}. قَالَ عَطاءٌ: ثُمَّ جاءَ المِيراثُ فَنَسَخَ السُّكْنَى تَعْتَدُّ حيْثُ شاءَتْ (¬1). * * * باب من رأى التحول [2301] (ثنا أحمد بن محمد المروزي، ثنا موسى بن مسعود) (¬2) أبو حذيفة النهدي، أخرج له البخاري في العتق (¬3) والرقاق (¬4) والقدر (¬5). (ثنا شبل) بن عباد مقرئ مكة تلميذ ابن كثير، أخرج له البخاري. (عن) عبد الله (ابن أبي نجيح) يسار (قال: قال عطاء) بن أبي رباح. (قال) عبد الله (ابن عباس: نسخت) بفتحات (هذِه الآية) وهي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} (¬6) (عدتها) بالنصب، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4531). (¬2) في (الأصل): إسماعيل. وهو خطأ، والمثبت من "السنن". (¬3) "صحيح البخاري" (2519). (¬4) "صحيح البخاري" (6488). (¬5) "صحيح البخاري" (6604). (¬6) البقرة: 234.

يعني: عدة المتوفى عنها زوجها في سكناها (عند أهلها) حولًا كاملًا (فتعتد) أي: لما نسخ سكنى الحول صارت المعتدة مخيرة في اعتدادها (حيث شاءت) باتت وسكنت. (و) المنسوخ (هو قول الله {إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ}) (¬1) أي: من غير إخراج للزوجة من بيت الزوج، وقال غيره: لم ينسخ، وإنما خص الله الأزواج أن يوصوا بتمام السنة لمن لا ترث من الزوجات. (قال عطاء) بن أبي رباح الراوي، عن ابن عباس (إن شاءت) الزوجة (اعتدت عند أهله) كذا هنا، وفي البخاري: عند أهلها (¬2). وهو الظاهر (وسكنت) عندهم (في وصيتها) التي جعلها الله لها، وهو حول كما تقدم. وفيه وجوب السكنى للمعتدة (وإن شاءت خرجت) من عندهم (لقول الله: ({فَإِنْ خَرَجْنَ}) مختارات للخروج (فلا جناح) مستقر ({عَلَيْكُمْ}) الخطاب لمن له عليهن الولاية ({فِي مَا فَعَلْنَ}) ما موصولة، والعائد محذوف، أي: في الذي فعلته من ترك إحداد وتزيين وخروج وتعرض للخطاب؛ إذ قوله: {فِي مَا فَعَلْنَ} بعد ذلك كله. (قال عطاء: ثم جاء) الله تعالى بـ (الميراث) وهو الربع أو الثمن المفروض لهن في آية المواريث (فنسخ السكنى) الذي كان واجبًا لها (فتعتد حيث شاءت) ولا سكنى لها، هذا قول أبي حنيفة أن المتوفى عنها لا سكنى لها (¬3). ¬

_ (¬1) البقرة: 240. (¬2) "صحيح البخاري" (4531). (¬3) "المبسوط" للسرخسي 6/ 35.

وقال مالك (¬1) والشافعي (¬2) والجمهور (¬3): لها السكنى كما تقدم، والذي قاله ابن عباس في هذِه الآية أن هذِه الآية نسخت بآية المواريث، ونسخ أجل الحول بأن جعل لها أربعة أشهر وعشرًا. ¬

_ (¬1) "المدونة" 2/ 52. (¬2) "الأم" 5/ 328. (¬3) انظر: "المغني" لابن قدامة 8/ 160.

46 - باب فيما تجتنبه المعتدة في عدتها.

46 - باب فِيما تَجْتَنِبُهُ المُعْتدَّةُ في عِدَّتِها. 2302 - حَدَّثَنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْراهِيمَ الدَّوْرَقيُّ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ أَبي بُكيْرٍ، حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْن طَهْمانَ، حَدَّثَني هِشامُ بْن حَسّانَ ح وَحَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ الجَرّاحِ القُهُسْتانيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - يَعْني: ابن بَكْرٍ - السَّهْميِّ، عَنْ هِشامٍ - وهذا لَفْظُ ابن الجَرّاحِ - عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا تُحِدُّ المَرْأَةُ فَوْقَ ثَلاثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ فَإِنَّها تُحِدُّ عَليْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا لا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ وَلا تَكْتَحِلُ وَلا تَمَسُّ طِيبًا إِلَّا أَدْنَى طُهْرَتِها إِذَا طَهُرَتْ مِنْ مَحِيضِها بِنُبْذَةٍ مِنْ قُسْطٍ أَوْ أَظْفارٍ". قَالَ يَعْقُوبُ مَكانَ عَصْبٍ: "إِلَّا مَغْسُولًا". وَزادَ يَعْقُوبُ: "وَلا تَخْتَضِبُ" (¬1). 2303 - حَدَّثَنا هارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَمالِكُ بْنُ عَبْدِ الواحِدِ الِمسْمَعيُّ قالا: حَدَّثَنا يَزِيدُ بْن هارُونَ، عَنْ هِشامٍ عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بهذا الحَدِيثِ وَليْسَ في تَمامِ حَدِيثِهِما. قَالَ المِسْمَعيُّ: قَالَ يَزِيدُ: وَلا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ فِيهِ: "وَلا تَخْتَضِبُ". وَزادَ فِيهِ هارُونُ: "وَلا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ" (¬2). 2304 - حَدَّثَنا زُهيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ أَبي بُكيْرٍ، حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ طَهْمانَ حَدَّثَني بُديْلٌ عَنِ الحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شيْبَةَ، عَنْ أمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: "المُتَوَفَّى عَنْها زَوْجُها لا تَلْبَسُ المُعَصْفَرَ مِنَ الثِّيابِ وَلا المُمَشَّقَةَ وَلا الحُليَّ وَلا تَخْتَضِبُ وَلا تَكْتَحِلُ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (313)، ومسلم (938) بعد حديث (1491). (¬2) رواه البخاري (5342)، ومسلم (938/ 66) من طريق هشام به وليس عندهما: ولا تختضب. (¬3) رواه النسائي 6/ 203. وصححه الألباني "الإرواء" (2129).

2305 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَني مَخْرَمَةُ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ المُغِيرَةَ بْنَ الضَّحّاكِ يَقُولُ: أخْبَرَتْني أُمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ أُسيْدٍ عَنْ أُمِّها أَنَّ زَوْجَها تُوُفّيَ وَكَانَتْ تَشْتَكي عيْنيْها فَتَكْتَحِلُ بِالجَلاءِ - قَالَ أَحْمَدُ: الصَّوابُ بِكُحْلِ الجَلاءِ - فَأَرْسَلَتْ مَوْلاةً لَها إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَسَأَلَتْها عَنْ كُحْلِ الجَلاءِ فَقَالَتْ: لا تَكْتَحِلي بِهِ إِلَّا مِنْ أَمْرٍ لا بُدَّ مِنْهُ يَشْتَدُّ عَليْكِ فَتَكْتَحِلِينَ بِاللّيْلِ وَتَمْسَحِينَهُ بِالنَّهارِ. ثُمَّ قَالَتْ: عِنْدَ ذَلِكَ أُمُّ سَلَمَةَ دَخَلَ عَليَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ تُوُفّيَ أَبُو سَلَمَةَ وَقَدْ جَعَلْتُ عَلَى عيْني صَبِرًا فَقَالَ: "ما هذا يا أُمَّ سَلَمَةَ". فَقُلْتُ: إِنَّما هُوَ صَبِرٌ يا رَسُولَ اللهِ ليْسَ فِيهِ طِيبٌ. قَالَ: "إِنَّهُ يَشُبُّ الوَجْهَ فَلا تَجْعَلِيهِ إِلَّا بِاللّيْلِ وَتَنْزِعِينَهُ بِالنَّهارِ وَلا تَمْتَشِطي بِالطِّيبِ وَلا بِالحِنّاءِ فَإِنَّهُ خِضابٌ". قَالَتْ: قُلْتُ: بِأي شَيء أَمْتَشِطُ يا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "بِالسِّدْرِ تُغَلِّفِينَ بِهِ رَأْسَكِ" (¬1). * * * باب فيما تجتنب المعتدة في عدتها [2302] (ثنا يعقوب بن إبراهيم) بن كثير (الدورقي) البغدادي (ثنا يحيى بن أبي بكير) (¬2) العبدي قاضي كرمان (ثنا إبراهيم بن طهمان قال: حدثني هشام بن حسان) الأزدي مولاهم (وثنا عبد الله بن الجراح) التميمي (القهستاني) بضم القاف والهاء وسكون السين وفتح المثناة فوقها ثنتان، وبعد الألف نون، هذِه النسبة إلى قوهستان وهي ناحية بخراسان بين هراة ونيسابور، وثقه النسائي وغيره (¬3) (عن عبد الله بن ¬

_ (¬1) رواه النسائي 6/ 204. وضعفه الألباني "ضعيف أبي داود" (395). (¬2) في النسخة الخطية: كثير. وهو خطأ، والمثبت من "السنن" وغيره. (¬3) "مشيخة النسائي" (112)، "الثقات" لابن حبان 8/ 356.

بكر (¬1) السهمي) بفتح المهملة نسبة إلى سهم بن عمرو (عن هشام) بن حسان أيضًا (وهذا لفظ) عبد الله (ابن الجراح، عن حفصة) بنت سيرين أخت محمد (عن أم عطية) نسيبة بضم النون وفتح المهملة مصغر بنت الحارث الأنصارية، كانت تغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تداوي، وشهدت غسل ابنته - صلى الله عليه وسلم - (¬2). (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تحد) بضم المثناة فوق وكسر المهملة، كما تقدم (المرأة فوق ثلاث، إلا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرًا) أي عشر ليالٍ، وقيل: بأيامها، فيدخل اليوم العاشر فما تنقضي عدتها إلا بانقضاء اليوم العاشر. هذا قول الجمهور (¬3)، والقاعدة أنه إذا حذف المعدود المذكر فلك فيه وجهان: أحدهما: وهو الأصل، أن تبقي العدد على ما كان عليه قبل الحذف فتقول: صمت خمسة. يعني: أيام، هذا هو الفصيح. ويجوز حذف تاء التأنيث (¬4). كما في حديث: "وأتبعه بست من شوال" (¬5). فجاء قوله تعالى: {وَعَشْرًا} على أحد الجازئين، وحسنه هنا الشبه بالفواصل كما حسن: {إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا} (¬6) كونها فاصلة. (ولا تلبس) بفتح الموحدة (ثوبًا مصبوغًا إلا ثوب عصب) بفتح العين ¬

_ (¬1) في النسخة الخطية: أبي بكر. والمثبت من "السنن" وغيره. (¬2) "تهذيب الكمال" للمزي 35/ 316. (¬3) "المفهم" 4/ 285. (¬4) "الكليات" لأيوب بن موسى الحسيني ص 1016. (¬5) رواه مسلم (1146). (¬6) طه: 103.

وسكون الصاد المهملتين، قال في "النهاية": هي برود يمنية يعصب غزلها، أي يجمع ويشد ثم يصبغ وينسج فيأتي موشيًا لبقاء ما عصب منه أبيض لم يأخذه صبغ يقال: برد عصبٍ. بالتنوين وبالإضافة، وقيل: العصب: برود مخططة، والعصب: الفتل، والعَصَّاب: الغزَّال، فيكون النهي للمعتدة عما صبغ بعد النسج. انتهى (¬1). وقد علم أن عصبًا بمعنى معصوب، وأن إضافة ثوب إلى عصب من إضافة الموصوف إلى صفته، ووقع في "روض الأنف" للسهيلي عن أبي حنيفة - يعني: الدينوري -: أن العصب نبت لا يكون إلا باليمن (¬2)، وذكر بعض أهل اليمن أنه من دابة بحرية تسمى فرس فرعون يتخذ منها الحرير وغيره، قال صاحب "المستعذب": وإنما يعصب السدي دون اللحمة (¬3). وإنما رخص النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه؛ لأنه أكثر لباسهم، قاله السهروردي في "شرح المصابيح". (ولا تكتحل) بالجزم عطفًا على "تلبس" بإثمد لا طيب فيه؛ فإنه مما يتزين به، والمراد به الأسود سواء كانت المرأة بيضاء أو سوداء (ولا تمس) بفتح الميم (طيبًا إلا) في (أدنى) يعني: أول، وفي بعض نسخ البخاري: "إلى أدنى" (¬4)، والأدنى هو بمعنى الأول (طهرتها) وفي البخاري: "طهرها" (¬5) بدون تاء التأنيث، ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (عصب). (¬2) "الروض الأنف" 1/ 241. (¬3) انظر: "فتح الباري" لابن حجر 9/ 491. (¬4) ذكرها الكرماني في "شرحه" 19/ 242. (¬5) "صحيح البخاري" (5343).

ولمسلم: "إلا" (¬1) (إذا طهرت من محيضها) بفتح الميم، أي: حيضها (بنبذة) بضم النون، أي: بقطعة يسيرة من نبذ الشيء إذا طرح الشيء ورماه، وقوله: "إذا طهرت" ظرف فاصل بين المستثنى والمستثنى منه، والتقدير: إلا بنبذة من قسط وأظفار إذا طهرت. (من قسط) بضم القاف، وسكون السين المهملة، وهو ضرب من الطيب، وقيل: هو العود. وقال ابن دقيق العيد: هو نوع من البخور (¬2). ويقال فيه: الكسط. بالكاف، ويقال: بتاء بدل الطاء فيقال: قسط أو كست، صرح بهذِه اللغات الفضل بن سلمة في كتاب "الطيب"، قال: وهو من طيب الأعراب (وأظفار) بفتح الهمزة، وسكون الظاء المعجمة، وهو نوع من البخور، وقيل: من الطيب. لا واحد له من لفظه، وقيل: واحده ظفر. وقيل: هو شيء من العطر أسود. والقطعة منه شبيهة بالظفر بالعطف بالواو يدل على أن الأظفار غير القسط، وقيل: يبخر به الأطفال. وقيل: إن ظفار مدينة باليمن. وعلى هذا فلا يصرف للتعريف والتأنيث، ويكون كحذام وقطام، ومعنى استعمالها القسط والأظفار إذا طهرت تتبخر به، قاله القاضي والداودي: تسحق القسط وتلقيه في الماء آخر غسلها ليذهب رائحة الحيض (¬3) كما قال - عليه السلام -: "خذي فرصة من المسك" (¬4)، والأول أظهر؛ ¬

_ (¬1) رواية مسلم (938) بعد حديث (1491): "عند أدنى". (¬2) "إحكام الأحكام" 2/ 197. (¬3) انظر: "فتح الباري" لابن حجر 9/ 492. (¬4) سبق برقم (315) ورواه البخاري (314).

لأن القسط والأظفار رائحتهما في بخورهما. (قال يعقوب) بن إبراهيم الدورقي (مكان عصب إلا) ثوبًا مصبوغًا (مغسولًا) يعني: فإنه يجوز؛ لأن بالغسل يذهب رونق صبغه ولا يتزين به غالبًا، كما يجوز لبس ثوب العصب وهو الذي صبغ غزله قبل نسجه، فإنه صار كالذي صبغ لغير التحسين، وحمل الشافعي في القديم العصب المستثنى على الغليظ (¬1). (وزاد يعقوب) أيضًا (ولا تختضب) بحناء وزعفران وكتم ونحو ذلك، يعني: في الوجه واليدين؛ لأنهما محل الخضاب عادة، ولم يفرقوا في الخضاب بين الحاجة وغيرها، وقياس ما ذكر في الاكتحال استثناؤه، وبه صرح الماوردي (¬2). [2303] (ثنا هارون بن عبد الله) بن مروان البزاز الحمَّال، شيخ مسلم. (ومالك بن عبد الواحد) أبو غسان (المسمعي) بكسر الميم الأولى وفتح الثانية نسبةً إلى مَسمِع بفتح الميم الأولى وسكون السين وكسر الميم الثانية، فإذا نسبت عكست فكسرت الميم الأولى وفتحت الثانية، وهذِه نسبة إلى المسامعة محلة بالبصرة نزلها المسمعون فنسبت إليهم، والمسمعي في قيس ثعلبة ينسب إلى مسمع بن شهاب، كذا ذكره الكلبي ومالك أيضًا شيخ مسلم. (قالا: ثنا يزيد بن هارون، عن هشام) بن حسان (عن حفصة) بنت ¬

_ (¬1) انظر "المجموع" 18/ 187. (¬2) "الحاوي الكبير" 11/ 278.

سيرين (عن أم عطية) نسيبة بنت الحارث (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا الحديث) المذكور (وليس) هذا الحديث (في تمام حديثهما) فإن مالكًا (المسمعي قال) في روايته (قال يزيد) بن هارون (لا أعلمه إلا قال فيه: ولا تختضب) كما تقدم (وزاد فيه هارون) بن عبد الله (ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا إلا ثوب عصب) كما تقدم. [2304] (ثنا زهير بن حرب، حدثنا يحيى بن أبي بكير) (¬1) قاضي كرمان (ثنا إبراهيم بن طهمان قال: حدثني بديل) بضم الموحدة مصغر ابن ميسرة العقيلي، أخرج له مسلم (عن الحسن بن مسلم) بن يناق أخرج له الشيخان (عن صفية بنت شيبة) الحاجب العبدرية، مختلف في صحبتها، قيل: أحاديثها مرسلة (¬2) (عن أم سلمة) هند (زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: المتوفى عنها) أي يجب من توفي عنها (زوجها لا تلبس) بفتح الموحدة (المعصفر من الثياب) وهو المصبوغ بالعصفر؛ لأنه يقصد به الزينة، وفي معناه كل ما صبغ للزينة كالأصفر والأزرق والأخضر الصافيين (ولا) الثياب (الممشَّقة) بتشديد الشين المعجمة يعني: المصبوغة بالمشق، بكسر الميم وسكون الشين، وهو المغرة بفتح الميم وسكون الغين المعجمة، وقد تحرك وهو الطين الأحمر، ومنه حديث جابر: كنا نلبس الممشق في الإحرام (¬3). وفي ¬

_ (¬1) في الأصل: كثير. والمثبت هو الصواب. (¬2) انظر "التهذيب" 35/ 211. (¬3) لم أقف عليه من حديث جابر مسندًا، ورواه مالك من حديث عمر، أنه رأى على طلحة. . . الحديث بنحوه. انظر "الموطأ" 1/ 326.

الحديث تنبيه على أن المراد بالنهي عن المصبوغ هو ما قصد به الزينة دون غيره مما لم يقصد به التزين والتحسين، ولو أراد مطلق الصبغ لم يكن للقيد بهذين الفرعين فائدة. وفهم من الحديث أن ما لم يصبغ وكان في خلقته أسود أو أحمر أو غيره من الألوان الخلقية المختلفة من قطن وصوف وكتان لا يحرم عليها لبسه وإن كان نفيس الثمن أو رقيقًا؛ لأن حسنه من أصل الخلقة فلا يلزم لغيره، كما أن المرأة إذا كانت حسنة الخلقة لا يلزمها أن تغير لونها وتشوه نفسه (ولا) تلبس (الحلي) بضم الحاء وكسر اللام مع تشديد الياء، وهذِه قراءة الجمهور وقرأ حمزة والكسائي بكسر الحاء للإتباع (¬1)، والحلي جمع حَلْي بفتح الحاء وسكون اللام ونظيره في الصحيح فلوس جمع فلس، والمعنى أنه يحرم على المرأة أن تتحلى بالذهب والفضة كالخلخال والسوار والقرط والخاتم، وكذا باللؤلؤ، والتختم بالعقيق ونحوه مما يتحلى به؛ لأنه يزيد في الحسن ويدعو إلى المباشرة (ولا تختضب) بالحناء ونحوه، وفي معناه تحمير خديها ووجهها بالكلكون على وزن عصفور وتبيض وجهها بالاسفيداج (ولا تكتحل) بالإثمد من غير ضرورة؛ لأن الكحل من أبلغ الزينة يدعو إليها ويحرك الشهوة، فهي كالطيب وأبلغ منه. [2305] (ثنا أحمد بن صالح) أبو جعفر الطبري شيخ البخاري، كتب عن ابن وهب خمسين ألف حديث (¬2) (عن عبد الله بن وهب قال: أخبرني ¬

_ (¬1) انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص 294. (¬2) انظر "التهذيب" 1/ 343.

مخرمة) بن بكير، أخرج له الشيخان (عن أبيه) بكير بن عبد الله بن الأشج المدني (قال: سمعت المغيرة بن الضحاك) الأسدي الحزامي أرسل عن عم جده حكيم بن حزام وحدث عن أم حكيم (¬1) (يقول: أخبرتني أم حكيم بنت أسيد) بفتح الهمزة وكسر السين المهملة (عن أمها) قال المنذري: هذِه الأم مجهولة (¬2). قال ابن الرفعة وكذا مولاتها، لكن تعضده رواية النسائي من طريق أحمد بن عمرو بن السرح، عن ابن وهب بالسند (¬3)، ورواه الشافعي عن مالك أنه بلغه فذكر الحديث (أن زوجها توفي وكانت تشتكي عينيها) وهذِه الرواية تدل على أن النصب في الرواية المتقدمة: اشتكت عينها أرجح كما رجحه ابن دقيق العيد والمنذري كما تقدم (فتكتحل بالجلاء) قال في النهاية: هو بكسر الجيم والمد، وهو الإثمد، وقيل: هو بالفتح والمد والقصر، ضرب من الكحل (¬4)، قاله الجبائي. وقال أبو علي البغدادي: هو كحل يجلو البصر، وأما الحلاء بضم الحاء المهملة والمد فحكاكة حجر على حجر يكتحل بها فيتأذى البصر، والمراد في الحديث: الأول. (قال أحمد) بن صالح (الصواب) تكتحل (بكحل الجلاء) بفتح الجيم والمد (فأرسلت مولاة) بالنصب (لها إلى أم سلمة) هند بنت أبي أمية بن ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" للمزي 28/ 376. (¬2) "مختصر سنن أبي داود" 3/ 202. (¬3) "سنن النسائي" 6/ 204. (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (جلا).

المغيرة المخزومية (فسألتها عن كحل الجلاء) بكسر الجيم والمد، وهو كحل يجلو البصر كما تقدم (فقالت: لا تكتحلي به إلا من أمر لا بد منه يشتد عليك) الصبر عنه كشدة الألم لوجع العين الرمدة، قال الشافعي: فأما الفارسي وما أشبهه إذا احتاجت إليه فلا بأس؛ لأنه ليس فيه زينة (¬1). انتهى. والمراد بالفارسي هو الأبيض من البرود والدرور والتوتيا فيباح؛ لأنه لا زينة فيه، وكذا العنزروت (فتكتحلين) منه (بالليل وتمسحينه بالنهار) والمذهب عند أصحابنا أن ما اضطرت إليه مما فيه زينة من الكحل تكتحل به ليلًا وتمسحه نهارًا (¬2) كما دل عليه الحديث. قال الزركشي: وبذلك صرح الشافعي في "الأم" (¬3)، ثم قال: وعلى هذا فإطلاق النووي في "المنهاج" الجواز عند الحاجة (¬4) مردود، فإن القائل به يخصه بالليل دون النهار، انتهى. لكن إن دعت ضرورة إلى استعماله نهارًا جاز كما قاله الأذرعي وغيره (¬5). (ثم قالت عند ذلك أم سلمة: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين توفي أبو سلمة) عبد الله بن عبد الأسد بن هلال القرشي المخزومي، هاجر مع ¬

_ (¬1) "الأم" 6/ 586. (¬2) انظر "المجموع" 18/ 186. (¬3) "الأم" 6/ 586. (¬4) "منهاج الطالبين" ص 256. (¬5) انظر: "أسنى المطالب شرح روض الطالب" 3/ 403.

امرأته أم سلمة إلى أرض الحبشة، ثم شهد بدرًا بعد أن هاجر الهجرتين، وقد أفرد من أنواع الحديث أبو الحسن محمد بن عبد الله النيسابوري من اتفق كنيته وكنية زوجته فبلغوا اثني عشر، منهم هذا أبو سلمة وزوجته أم سلمة، أبو أيوب أم أيوب، أبو أسيد الساعدي أم أسيد، أبو الدحداح، أم الدحداح، أبو بكر الصديق أم بكر، أبو الدرداء أم الدرداء، أبو ذر الغفاري أم ذر، أبو رافع الأسلمي، أم رافع، أبو سيف أم سيف، أبو طليق أم طليق، أبو الفضل بن عبد المطلب أم فضل، أبو معقل الأسدي أم معقل. (وقد جعلت علي) بتشديد الياء، لفظ النسائي: جعلت على عيني (¬1)، ولفظ الشافعي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على أم سلمة وهي حادة على أبي سلمة (¬2) (صبرًا) بفتح الصاد وكسر الباء الموحدة وسكون الراء لغة قليلة، ومنهم من قال: لم يسمع تخفيفه إلا في الشعر، وحكى ابن السيد جواز التخفيف كما في نظائره، وحكي كسر الصاد فيكون ثلاث لغات، وهذا هو الدواء المر (فقال: ما هذا يا أم سلمة) فيه المبادرة إلى إنكار المنهي عنه (فقلت: إنما هو صبر) ليس فيه طيب. قال الشافعي: الصبر يصفر فيكون زينة وليس بطيب، فأذن لها أن تجعله بالليل وتمسحه بالنهار (¬3). قال أصحابنا: أما الكحل الأصفر وهو الصبر فحرام على السوداء، ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 6/ 204. (¬2) "الأم" 6/ 586. (¬3) "الأم" 5/ 334 - 335.

وكذا على البيضاء على الأصح؛ لأنه يحسن العين ويحرم أيضًا أن تطلي به وجهها؛ لأنه يصفر الوجه فهو كالخضاب (¬1). (قال: إنه يشب) بفتح الياء وضم الشين المعجمة (الوجه) أي يلونه ويحسنه ويوقده، من قولهم: شب النار إذا أوقدها، فتلألأت ضياءً ونورًا ومنه حديث: أنه - صلى الله عليه وسلم - أنه اتزر ببردة سوداء فجعل سوادها يشب بياضه، وجعل بياضه يشب سوادها (¬2). وفي رواية: أنه لبس مدرعة سوداء، فقالت عائشة: ما أحسنها عليك، يشب سوادها ببياضك وبياضك بسوادها، أي: تحسنه ويحسنها، ورجل مشوب إذا كان أبيض الوجه أسود الشعر (فلا تجعليه) عليك (إلا بالليل، وتنزعينه) (¬3) بكسر الزاي، أي: عنك (بالنهار) رواية الشافعي: "اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار" (¬4). وفي الحديث إشارة إلى أنها لا تمنع من جعل الصبر على غير وجهها من بدنها؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما جعله يشب الوجه أي: يصفره، فيكون فيه زينة وسببه الخضاب (ولا تمتشطي بالطيب) يعني: بالغالية، (ولا بالحناء) بكسر الحاء والمد على وزن فعال (فإنه خضاب) للشعر كما أنه خضاب لليدين والرجلين، قال أصحابنا: يحرم عليها أن تمتشط بالطيبى (¬5) والحناء وكذا ترجيل شعرها بالأدهان المطيبة كدهن البنفسج ¬

_ (¬1) "روضة الطالبين وعمدة المفتين" 8/ 407. (¬2) أخرجه أحمد 6/ 132، وسيأتي تخريجه مفصلًا إن شاء الله. (¬3) في النسخة الخطية: وتجعلينه. وهو خطأ. والمثبت من "السنن". (¬4) "الأم" 6/ 587. (¬5) انظر: "الحاوي" 4/ 109.

واللبان وكذا غير المطيبة كزيت وشيرج وسمن ونحوهما، ويجوز لها استعمال غير الأدهان المطيبة في سائر البدن. قال الشافعي: أما المطيبة والبخور فلا (¬1)، وقد جاء عن الشافعي شيء على جهة الاستحباب أن تجتنب ما فيه تليين الشعر (¬2). (قال: قلت: بأي شيء أمتشط يا رسول الله؟ قال: بالسدر) فيه حذف مضافين، تقديره: امتشطي بورق شجر السدر وهو النبق، وفي معناه الخطمي (تغلفين) بضم التاء وفتح الغين المعجمة وكسر اللام المشددة مع الفاء المخففة أي: تلطخين (بها) شعر (رأسك) ومنه حديث عائشة: كنت أغلف لحية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3). أي ألطخها به، يقال: غلف لحيته بالحناء غلفا وغلفها تغليفًا. وفي الحديث دليل على أن المعتدة يجوز لها أن تمشط رأسها بالسدر والخطمي ونحوهما. قال ابن عبد البر: لا أعلم خلافًا أن للحادة أن تجمع رأسها بالسدر والزيت؛ لأنهما ليسا بطيب (¬4). ¬

_ (¬1) "الأم" 6/ 586. (¬2) السابق. (¬3) أخرجه أبو بكر البزاز في "الغيلانيات" (478). (¬4) "الاستذكار" 18/ 236.

47 - باب في عدة الحامل

47 - باب في عِدَّةِ الحامِلِ 2306 - حَدَّثَنا سُليْمانُ بْنُ دَاوُدَ المَهْريُّ، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَني يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ، حَدَّثَني عُبيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ أَباهُ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأَرْقَمِ الزُّهْريِّ يَأْمُرُهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى سُبيْعَةَ بِنْتِ الحارِثِ الأسْلَمِيَّةِ فيَسْأَلَها عَنْ حَدِيثِها وَعَمّا قَالَ لَها رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ اسْتَفْتَتْهُ، فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ يُخْبِرُهُ أَنَّ سُبيْعَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّها كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ بن خَوْلَةَ - وَهُوَ مِنْ بَني عامِرِ بْنِ لُؤي وَهُوَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا - فَتُوُفّيَ عَنْها في حَجَّةِ الوَداعِ وَهيَ حامِلٌ فَلَمْ تَنْشَبْ أَنْ وَضَعَتْ حَمْلَها بَعْدَ وَفاتِهِ فَلَمّا تَعَلَّتْ مِنْ نِفاسِها تَجَمَّلَتْ لِلْخُطّابِ فَدَخَلَ عَليْها أَبُو السَّنابِلِ بْنُ بَعْكَكِ - رَجُلٌ مِنْ بَني عَبْدِ الدّارِ - فَقَالَ لَها: ما لي أَراكِ مُتَجَمِّلَةً لَعَلَّكِ تَرْتَجِينَ النِّكاحَ إِنَّكِ والله ما أَنْتِ بِناكِحٍ حَتَّى تَمُرَّ عَليْكِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ. قَالَتْ سُبيْعَةُ: فَلَمّا قَالَ لي ذَلِكَ جَمَعْتُ عَليَّ ثِيابي حِينَ أَمْسيْتُ فَأَتيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَفْتاني بِأَنّي قَدْ حَلَلْتُ حِينَ وَضَعْتُ حَمْلي وَأَمَرَني بِالتَّزْوِيجِ إِنْ بَدا لي. قَالَ ابن شِهابٍ: وَلا أَرى بَأْسًا أَنْ تَتَزَوَّجَ حِينَ وَضَعَتْ وَإِنْ كَانَتْ في دَمِها غيْرَ أَنَّهُ لا يَقْرَبُها زَوْجُها حَتَّى تَطْهُرَ (¬1). 2307 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ - قَالَ عُثْمانُ: حَدَّثَنا، وقَالَ ابن العَلاءِ: أَخْبَرَنا - أَبُو مُعاوِيَةَ، حَدَّثَنا الأَعْمَشُ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: مَنْ شاءَ لاعَنْتُهُ لأُنْزِلَتْ سُورَةُ النِّساءِ القُصْرى بَعْدَ الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ وَعَشْرًا (¬2). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3991)، ومسلم (1484). (¬2) رواه البخاري (4532) بنحوه.

باب في عدة الحامل [2306] (ثنا سليمان بن داود) المصري (المهري) بفتح الميم، ثقة فقيه، والمهري نسبة إلى مهرة بن حيدان (¬1) قبيلة كبيرة. (ثنا) عبد الله (ابن وهب قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب قال: حدثني عبيد الله) بالتصغير (ابن عبد الله بن عتبة) الفقيه الأعمى (أن أباه) عبد الله بن عتبة ابن مسعود الهذلي، رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو خماسي أو سداسي (¬2) أخرج له الشيخان. (كتب إلى عمر بن عبد الله بن الأرقم الزهري يأمره أن يدخل على سبيعة) تصغير سبعة (بنت الحارث الأسلمية فيسألها عن حديثها) حين استفتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (وعما قال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين استفتته) عن عدتها. (فكتب عمر بن عبد الله) بن الأرقم (إلى عبد الله بن عتبة) بن مسعود (يخبره) فيه جواز العمل بالمكاتبة (أن سبيعة) الأسلمية (أخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة وهو من بني عامر بن لؤي) من أنفسهم عند بعضهم، وعند بعضهم هو حليف لهم، قال ابن هشام: هو من اليمن (¬3)، وقال غيره: كان من العجم (وكان ممن شهد بدرًا) وكذا ذكره ابن هشام، وتابع ابن هشام على ذلك معتمر بن سليمان، عن أبيه في البدريين، ¬

_ (¬1) بياض بالنسخة الخطية، والمثبت من "عون المعبود"، وغيره. (¬2) "تهذيب الكمال" 15/ 269. (¬3) "السيرة" لابن هشام 1/ 329.

وكان من مهاجرة الحبشة الهجرة الثانية. (فتوفي عنها في حجة الوداع) بفتح الواو، قال ابن عبد البر: لم يختلفوا أنه مات بمكة في حجة الوداع إلا ما ذكره الطبري محمد بن جرير فإنه قال: توفي سعد بن خولة سنة سبع، والصحيح الأول، رثى له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن مات بمكة (¬1) يعني: في الأرض التي هاجر منها (¬2). (وهي حامل) ووقع في البخاري في التفسير في سورة التغابن من حديث زينب عن أم سلمة: فقالت: قتل زوج سبيعة الأسلمية وهي حبلى فوضعت بعد موته بأربعين ليلة، فخطبت (¬3). (فلم تنشب) بفتح التاء وسكون النون وفتح الشين المعجمة وبعدها باء موحدة، أي: لم تلبث. قال ابن الأثير: وحقيقته لم تتعلق بشيء سواه (¬4)، قال الجوهري: نشب الشيء في الشيء بالكسر ينشب بالفتح نشوبًا أي: تعلق فيه، وأنشبته أنا أعلقته فنشب (¬5). قال الشيخ أبو حيان: ذكر بعضهم نشب من أفعال المقاربة، وعلى هذا فليس في قوله (أن وضعت) حرف جر مقدر وعلى الأول التقدير: فلم تنشب عن أن تفعل كذا، والمقصود بهذا الكلام الإشارة إلى قرب زمن الولادة، وقد سبقت رواية البخاري وضعت (حملها بعد وفاته) بأربعين ¬

_ (¬1) "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" (928). (¬2) رواه البخاري (1295)، ومسلم (1628) من حديث سعد بن أبي وقاص. (¬3) "صحيح البخاري" (4909). (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (نشب). (¬5) "الصحاح" (نشب).

ليلة، وفي رواية له: فمكثت قريبًا من عشر ليالٍ، وفي رواية للنسائي: قريبًا من عشرين ليلة (¬1). وفي رواية له: لأدنى من أربعة أشهر (¬2)، وفي رواية للبيهقي: بشهر أو أقل (¬3)، وفي رواية للنسائي والترمذي: بثلاثة وعشرين يومًا أو خمسة وعشرين (¬4) (¬5). وفي الطبراني: فمكثت بعده شهرين ثم وضعت (¬6). (فلما تعلت) بفتح التاء والعين المهملة وتشديد اللام، ويروى تعالت بتخفيف اللام، وكلاهما بمعنى ارتفعت وطهرت (من نفاسها) كأنَّ حالها في نفاسها حالة تسفل. قال ابن الأثير: ويجوز أن يكون من قولهم: تعلى الرجل من علته إذا برأ، أي خرجت من نفاسها وسلمت (¬7)، ومنه حديث ابن عباس: فإذا تتعلى علي أي: ترتفع علي. وقال القرطبي: يحتمل أن يكون المراد الاستعلاء من أوجاعها (¬8)، (تجملت) أي: تزينت (للخطاب) جمع خاطب من الخطبة بكسر الخاء، وقد تقدم (دخل عليها أبو السنابل) جمع سنبلة واسمه عمرو (بن بعكك) ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 6/ 194. (¬2) "سنن النسائي" 6/ 188. (¬3) "السنن الكبرى" للبيهقي 7/ 429. (¬4) "سنن الترمذي" (1193). (¬5) "سنن النسائي" 6/ 190. (¬6) "المعجم الكبير" للطبراني (746). (¬7) "النهاية في غريب الحديث" (علا). (¬8) "المفهم" 4/ 282.

بفتح الباء الموحدة وإسكان المهملة، وفتح الكاف الأولى ابن الحجاج بن الحارث بن السباق القرشي العبدري، وقيل: اسمه حبة بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة ابن بعكك بن مسلمة، كان شاعرًا ومات بمكة، كذا في "الاستيعاب" (¬1)، وهو (رجل من بني عبد الدار) وهو من المؤلفة قلوبهم (فقال لها: ما لي أراك متجملة) فيه تجمل المتوفى عنها زوجها بأنواع الزينة التي كانت ممنوعة منها في الحداد، وإنما أنكر عليها التجمل؛ لأنه كان قبل انقضاء عدتها (لعلك تَرَجِّينَ) بفتح التاء وتشديد الجيم المكسورة، ويجوز الفتح فيهما، والأصل: تترجين حذف إحدى التاءين (النكاح) قبل انقضاء عدتك. (إنكِ والله ما أنتِ بناكح) أصله بناكحة، فحذف الهاء جوازًا، أي: متزوجة. قال الجوهري: ونكحت هي أي: تزوجت في بني فلان أي: ذات زوج منهم (¬2). واعلم أن قول أبي السنابل لها ذلك؛ لأنه كان في عزمه أنه يخطبها؛ ففي البخاري من رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه كان ممن خطبها. نعم وقع في النسائي أن أبا السنابل خطبها (¬3). والمعروف أن خطبته إياها إنما كانت بعد الولادة. قال ابن العطار: خطبها وكان كهلًا، خطبها أبو البشر وكان شابًّا. وفي "مسند أحمد" من حديث ابن مسعود أنها لما أخبرت النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" (3020). (¬2) "الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية" (نكح). (¬3) "المجتبى" 6/ 192.

بقول أبي السنابل قال: "كذب أبو السنابل" (¬1)، أي: أخطأ. وقيل: سماه كاذبًا لأنه كان عالمًا ثم أفتى بخلافه، حكاه ابن داود من أصحابنا وفيه بُعد فإنه حلف بالله على ما أفتاها به كما تقدم، وقيل: إنما قال لها أبو السنابل ما قال لتتربص حتى يأتيها أولياؤها إذ كانوا غُيبًا فيتزوجها هو؛ إذ كان له فيها غرض، ويحتمل أنه حمل الآية على العموم كما حملها غيره (حتى تمر) بفتح المثناة فوق (عليك أربعة) بالرفع فاعل (أشهر وعشرًا) كذا الرواية بالنصب مفعول معه. (قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك، جمعت علي ثيابي) قال ابن الأثير: أي: لبست الثياب التي تبرزيها إلى الناس من الإزار والرداء والعمامة والدرع والخمار (¬2)، انتهى، وعلى هذا ففيه دلالة على أن من أراد الاجتماع بأهل العلم والصلاح والأمراء والأكابر أن تلبس أكمل ثيابها وأجملها كما تفعل في الذهاب إلى الجمع والأعياد، ويحتمل أن يكون جمعت علي ثيابي أي: ضممتها وشمرتها لئلا تمنعني من سرعة الحركة كما ورد في الحديث أنه كان إذا مشى مشى مجتمعًا، أي: شديد الحركة غير مترنح في المشي (حين أمسيت) أي: عند المساء، وهذا يرجح ما قاله ابن الأثير. (فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألته عن ذلك) كذا لمسلم (¬3) (فأفتاني بأني قد حللت) من عدتي أو حللت لمن يتزوجني (حين وضعت حملي) فيه ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 7/ 305. (¬2) "النهاية في غريب الحديث": (جمع). (¬3) "صحيح مسلم" (1484) (56).

التصريح بانقضاء العدة بوضع الحمل، وفيه رد على ما نقل عن الشعبي والنخعي وحماد أن جواز نكاحها متوقف على الطهر من دم النفاس تعلق بقوله: فلما تعلت من دم النفاس إنما هو إخبار عن وقت سؤالها أنه كان حين تعلت من نفاسها. قال القرطبي: ويحتمل أن يكون المراد به هنا: تعلت آلام نفاسها أي: استعلت من أوجاعها فصح ما قاله الجمهور (¬1). قال عياض: وظاهر قوله - عليه السلام -: "حللتِ حين وضعتِ". ولم يفصل بين أن يكون ولدًا كاملًا أو سقطًا وغيره أن فيه حجة للكافة من أن ذلك تنقضي به العدة كيف كان من غير مراعاة إتمام خلقته، بل بكل مضغة فيها صورة آدمي ولو خفية (¬2)، وكذا استدل النووي من هذا الحديث بأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يسألها عن صفة حملها (¬3) وأشار ابن المنذر للإجماع فيه (¬4)، وعلم أن ما فيه صورة آدمي ظاهرة بخلاف الأولى. قال ابن دقيق العيد: وهذا ضعيف، يعني: الاستدلال بعدم الانفصال؛ لأن الغالب هو الحمل التام المتخلق ووضع المضغة والعلقة نادر، وحمل الجواب على الغالب أولى وهو الظاهر وإنما تقوى هذِه القاعدة حيث لا يترجح بعض الاحتمالات على بعض، ويختلف الحكم باختلافها (¬5). قال الفاكهي بعد حكاية هذا: وهو كما ¬

_ (¬1) "المفهم" 4/ 282. (¬2) "إكمال المعلم" 5/ 65. (¬3) "شرح مسلم" للنووي 10/ 109. (¬4) "الأوسط" 9/ 530. (¬5) "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق العيد 2/ 195.

قال (وأمرني بالتزويج إن بدا لي) وبدا بغير همز. قد يؤخذ منه أن الأمر يقتضي الوجوب وإلا لما احتاج بالتقييد بقوله (إن بدا لي) أي: اخترته. (قال) محمد (ابن شهاب: ولا أدري) بها (بأسًا أن تتزوج حين وضعت) حملها (وإن كانت) غارقة (في دمها) هذا مذهب الجمهور خلافًا لما شذ من قول الحسن والشعبي والنخعي (¬1)، كما تقدم أنها لا تنكح ما دامت في دم نفاسها مستدلين بقوله (فلما تعلت من نفاسها) كما تقدم في معنى الحديث لا سيما وقد صرح الزهري راوي الحديث، وناهيك به من إمام عارف بمعاني الحديث. (غير أنه لا يقربها) الذي تزوجها في حال دم نفاسها (حتى تطهر) بانقطاع دم النفاس واغتسالها منه. [2307] (ثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء) بن كريب الهمداني أبو كريب (قال عثمان) بن أبي شيبة. (ثنا، وقال محمد بن العلاء) وهذا من تحرير المصنف في تبيين ألفاظ الرواية في تفريقه بين حدثنا و (أنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير. (ثنا الأعمش، عن مسلم) بن صبيح أبو الضحى (عن مسروق، عن عبد الله) بن مسعود. (قال: من شاء لاعنته) لفظ ابن ماجه: لاعَنَّاه (¬2). من الملاعنة، وأصلها من جهة الله الطرد واللعن، ومن الخلق السب والدعاء، وهي هنا من الدعاء، بدليل رواية عبد الرزاق: لأداعينه (¬3). أو لأدعون عليه ¬

_ (¬1) انظر: "المفهم" 4/ 281 - 282. (¬2) "سنن ابن ماجه" (2030). (¬3) الذي في "المصنف" 6/ 471 (11714): لاعنته.

أو له بالهداية إذ اتضح له الحق وحاد عنه وجادل بالباطل، وأما قوله تعالى: {ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} (¬1) فإنها في حق بني نجران من الكفار (لأنزلت) هذِه لام القسم والله لقد أنزلت (سورة النساء) يعني: الآية التي في سورة النساء. (القصرى) بضم القاف، والقصرى تأنيث الأقصر كالطولى تأنيث الأطول، والمراد بهذِه السورة سورة الطلاق، وسميت قصرى احترازًا بالقُصرى عن النساء لئلا تشتبه بها في التسمية، لكن المراد البقرة؛ لأن فيها الآية باعتبار السورة الطولى وهي البقرة فإنها قصيرة بالنسبة إليها، والمراد بالآية قوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (¬2) (بعد الأربعة الأشهر) يعني: بعد آية العدة التي في البقرة وهي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} (¬3)، ولفظ ابن ماجه: بعد أربعة الأشهر (¬4). ولفظ النسائي: أن سورة النساء القصرى بعد البقرة (¬5). ولفظ البخاري في التفسير: أنزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى (¬6). قال الداودي: لا أرى قوله (القصرى) محفوظًا، ولا يقال في سور القرآن: قصرى ولا صغرى، انتهى، وهو رد للأخبار الثابتة بلا مستند، ¬

_ (¬1) آل عمران: 61. (¬2) الطلاق: 4. (¬3) البقرة: 234. (¬4) "سنن ابن ماجه" (2030) (¬5) "سنن النسائي" 6/ 197. (¬6) "صحيح البخاري" (4910).

والقصر والطول أمر نسبي (¬1) (وعشرًا) كذا الرواية هنا في ابن ماجه وهو منصوب على المفعول معه بعد المضاف، كقول الشاعر: مخافة الإفلاس والِّليانا ويجوز جره بالعطف على ما قبله ولعل مراد ابن مسعود بقوله الذي أقسم فيه أن آية الطلاق بعد آية البقرة أن آية البقرة تتناول الحوامل ثم نسخ بآية: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (¬2) أو خصص عمومه بآية الطلاق ولم يخصص الشافعي هذا العموم الذي في قوله {يَتَرَبَّصْنَ} (¬3) بقوله: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ} (¬4) الآية، بل بالنسبة لا بالآية؛ فإنها وردت عقب ذكر الطلاق، فيحتمل أن يقال: هي في المطلقة لا في المتوفى عنها زوجها، ولأن كل واحدة من الاثنين أعم من الأخرى من وجه وأخص (¬5) منها من وجه؛ لأن الحامل قد يتوفى عنها زوجها وقد لا يتوفى، والمتوفى عنها زوجها قد تكون حاملًا وقد لا تكون حاملًا، فامتنع التخصيص. ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر 8/ 524. (¬2) الطلاق: 4. (¬3) البقرة: 234. (¬4) الطلاق: 4. (¬5) في النسخة الخطية: أخصر. والمثبت هو الصواب.

48 - باب في عدة أم الولد

48 - باب في عِدَّةِ أُمِّ الوَلَدِ 2308 - حَدَّثَنا قُتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ حَدَّثَهُمْ، ح وَحَدَّثَنا ابن المُثَنَّى، حَدَّثَنا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ مَطَرٍ، عَنْ رَجاءِ بْنِ حيْوَةَ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤيْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ العاصِ، قَالَ: لا تَلْبِسُوا عَليْنا سُنَّتَهُ - قَالَ ابن المُثَنَّى: سُنَّةَ نَبِيِّنا - صلى الله عليه وسلم - عِدَّةُ المُتَوَفَّى عَنْها أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ. يَعْني: أُمَّ الوَلَدِ (¬1). * * * باب في عدة أم الولد [2308] (ثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي (أن محمد بن جعفر) الهذلي مولاهم (وثنا) محمد (بن المثنى بن عبيد) (¬2) بن قيس الأنصاري (ثنا عبد الأعلى، عن سعيد) بن أبي عروبة. (عن مطر) بن طهمان الوراق (عن رجاء بن حيوة، عن قبيصة بن ذؤيب، عن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - قال: لا تلبسوا) بتشديد الباء الموحدة أي: تفسدوا، بدليل رواية ابن ماجه ولفظه: "لا تفسدوا" (¬3) (علينا سنة نبينا - صلى الله عليه وسلم -) قيل: يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون أراد بذلك سنة كان يرويها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هنا ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (2083)، وابن حبان (4300)، والدارقطني (3839)، والحاكم 2/ 210. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. وصححه الألباني "صحيح أبي داود" (1998). (¬2) بياض بالنسخة الخطية، والمثبت من "التهذيب" وغيره. (¬3) "سنن ابن ماجه" (2083).

وتوفيقًا، ويؤيده أن أكثر الأصوليين على (¬1) أن قول الصحابي من السنة كذا صحيح محتج به. . . . (¬2) له على سنة الرسول؛ لأنه المتبادر عند الإطلاق، فكيف وقد صرح الصحابي بأنه سنة نبينا - صلى الله عليه وسلم -؟ والوجه الثاني: أن يكون ذلك منه اجتهادًا على معنى أن السنة هي الطريقة المعلومة في النساء الحرائر، ولو كان معنى السنة التوقيف لأشبه أن يصرح به، وأيضًا فإن التلبيس والاشتباه لا يقع في النصوص، وإنما يكون في الرأي والاجتهاد. (عدة المتوفى عنها) زوجها (أربعة أشهر وعشر. يعني: أم الولد) وقال بهذا سعيد بن المسيب (¬3) وابن سيرين وسعيد بن جبير (¬4) ومجاهد وعمر بن عبد العزيز (¬5) والزهري والأوزاعي، وهو رواية عن أحمد، ولأنها حرة تعتد للوفاة فكانت عدتها أربعة أشهر وعشرًا كالزوجة الحرة، ومذهب الشافعي (¬6) ومالك (¬7) والرواية المشهورة عن أحمد: أن أم الولد إذا مات عنها سيدها فلا تنكح حتى تحيض حيضة كاملة (¬8). وحكى أبو الخطاب عن أحمد رواية ثالثة: أنها تعتد بشهرين وخمسة ¬

_ (¬1) ليست بالأصول والسياق يقتضيها. (¬2) كلمة غير واضحة بالأصل. (¬3) رواه ابن أبي شيبة 10/ 97 (19076)، 98 (19079، 19080). (¬4) رواه ابن أبي شيبة 10/ 97 (19077). (¬5) رواه ابن أبي شيبة 10/ 98 (19080). (¬6) "الأم" 5/ 316. (¬7) "المدونة" 2/ 18. (¬8) "مسائل أحمد برواية ابنه عبد الله" (1355)، و"المغني" لابن قدامة 11/ 262.

أيام، وهي مروية عن عطاء وطاوس وقتادة؛ لأنها حين الموت أمة فكانت عدتها عدة الأمة (¬1). وتأوَّل (¬2) الجمهور هذا الأمر على أنه إنما جاء في أم ولد بعينها كان أعتقها صاحبها ثم تزوجها، وهذِه إذا مات عنها مولاها الذي تزوجها كانت عدتها أربعة أشهر وعشرًا إن لم تكن حاملًا، ولا خلاف في هذا، وبأن هذا ضعيف. قال ابن المنذر: ضعف أحمد وأبو عبيد حديث عمرو بن العاص، وقال محمد بن موسى: سألت أبا عبد الله عن حديث عمرو بن العاص فقال: لا يصح. وقال الميموني: رأيت أبا عبد الله يعجب من حديث عمرو بن العاص هذا ثم قال: إن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا، وقال: أربعة أشهر وعشرًا إنما هي عدة الحرة من النكاح، وإنما هذِه أمة خرجت من الرق إلى الحرية، ويلزم من قال بهذا أن يورثها. ¬

_ (¬1) "المغني" لابن قدامة 11/ 263. (¬2) كلمة غير واضحة بالأصل، والمثبت من "معالم السنن" 3/ 250.

49 - باب المبتوتة لا يرجع إليها زوجها حتى تنكح زوجا غيره

49 - باب المَبْتُوتَةِ لا يَرْجِعُ إِليْها زَوْجُها حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غيْرَهُ 2309 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ - يَعْني: ثَلاثًا - فَتَزَوَّجَتْ زَوْجًا غيْرَهُ فَدَخَلَ بِها، ثُمَّ طَلَّقَها قَبْلَ أَنْ يُواقِعَها أَتَحِلُّ لِزَوْجِها الأَوَّلِ؟ قَالَتْ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَحِلُّ لِلأَوَّلِ حَتَّى تَذُوقَ عُسيْلَةَ الآخَرِ ويَذُوقَ عُسيْلَتَها" (¬1). * * * باب المبتوتة - أي: المطلقة ثلاثًا - لا يرجع إليها زوجها حتى تنكح غيره [2309] (ثنا مسدد، ثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير. (عن الأعمش، عن إبراهيم) بن يزيد بن عمرو النخعي (عن الأسود) ابن يزيد النخعي (عن عائشة قالت: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن رجل طلق امرأته) وهذا الرجل هو رفاعة بن سموأل القُرَظي، بضم القاف وفتح الراء وكسر الظاء، وهو خال صفية أم المؤمنين، وقيل: هو رفاعة بن رفاعة القرظي، أحد العشرة الذين نزلت فيهم: {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ} (¬2) (¬3). وامرأته هي تميمة بفتح المثناة فوق وكسر الميم الأولى بنت وهب، قال في "الاستيعاب": لا أعلم لها غير قصتها مع ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5261)، ومسلم (1433). (¬2) القصص: 51. (¬3) بياض بالأصل، والمثبت من "عمدة القاري" (22/ 6).

رفاعة (¬1). ونص الطبراني في "الكبير" أنه لا حديث لها، وهذا أصح الأقوال الأربعة كما صرح ابن بشكوال (¬2) وغيره، وقيل: اسمها تميمة بضم التاء. وقيل: سهيمة. وقيل: عائشة. وقال ابن طاهر: اسمها: أميمة بنت الحارث (¬3) (فتزوجت زوجًا غيره) وهو عبد الرحمن بن الزبير بفتح الزاي وكسر الموحدة ابن باطا، ويقال: باطيا. وكان عبد الرحمن صحابيًّا، والزُّبيرُ قتل يهوديًّا في غزوة بني قريظة، كذا ذكره ابن عبد البر (¬4) والمحققون، وقال ابن منده وأبو نعيم الأصبهاني في كتابيهما في "معرفة الصحابة": إنما هو عبد الرحمن بن الزبير بن زيد بن أمية (¬5) (فدخل بها) عبد الرحمن (ثم طلقها قبل أن يواقعها) وكان زوجها الأول طلقها ثلاثًا كما في "الموطأ" (¬6) (أتحل لزوجها الأول؟ ) بعد أن طلقها ثلاثًا. (قال: قال رسول الله: لا تحل) كزوجة (للأول حتى تذوق عسيلة) بضم العين على التصغير، وهو كناية عن الجماع، شبه الشارع لذة الجماع بلذة العسل وحلاوته. وقد روى عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة مرفوعًا: "إن العسيلة هي الجماع" (¬7). وهذا هو الصحيح. ¬

_ (¬1) "الاستيعاب" (3263). (¬2) "غوامض الأسماء المبهمة" 2/ 622 - 623. (¬3) "إيضاح الإشكال" ص 145. وفيه: أمية. (¬4) "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" (1420). (¬5) "معرفة الصحابة" لأبي نعيم (1857). (¬6) 2/ 531. (¬7) رواه أحمد 6/ 62. قال الألباني في "الإرواء" (2083): صحيح المعنى.

وفي المسألة ثلاثة أقوال أخر: أحدها: أنه أنث في التصغير على إحدى المعنيين، فإن فيه لغتين: التذكير والتأنيث، فمن أنثه قال في تصغيره عسيلة. والثاني: أنه تصغير عسلة وهي قطرة من العسل. والثالث: أنه أنث على إرادة النطفة، وضعف بأن إنزال النطفة لا يشترط وإن قال به الحسن البصري. وقيل: أُنِّثَ على إرادة اللذة لتضمنه ذلك، ولهذا فسر أبو عبيد العسيلة باللذة، حكاه الماوردي (¬1). (الآخر) بكسر الخاء يعني: الزوج الآخر (ويذوق هو عسيلتها) وقد استدل به من اشترط انتشار الذكر في الوطء للتحليل، سواءٌ قويُّ الانتشارِ وضعيفُهُ، وكذا لو استعان بإصبعه لقول الشافعي: سواء أدخله بيده أو يدها (¬2). حكاه ابن عبد البر (¬3)، وجزم الجرجاني وغيره بأنه لو احتاج إلى إصبع لا يكفي، فإن لم يكن انتشار أصلًا لتعنين أو شلل أو غيرهما لم يصح على الأصح عند الشافعي لعدم ذوق العسيلة (¬4)، وليس لنا وطء يتوقف تأثيره على الانتشار سوى هذا، وأما غيره من أحكام الوطء فتترتب على مجرد الاستدخال من غير انتشار خلافًا لأبي حامد (¬5). ¬

_ (¬1) "الحاوي الكبير" 10/ 327. (¬2) "الحاوي الكبير" 10/ 328. (¬3) "التمهيد" 13/ 229. (¬4) "روضة الطالبين" 7/ 124 - 125. (¬5) "الحاوي الكبير" 10/ 328.

ويؤخذ من الحديث أنه يشترط في الوطء المحلِّل أن يكون ممن يمكن جماعه ويجد لذة الجماع احترازًا من الطفل؛ لأنه لا يتصور منه ذوق العسيلة على المذهب، ويؤخذ من قوله: "تذوق عسيلته" أنه يشترط في الزوجة أن تكون ممن يمكن جماعها وتجد لذة النكاح، ونص في "الأم" أن وطء الطفلة لا يحلها كما في الطفل (¬1). وهذا الحديث نص على أن المطلقة البتة بالطلاق الثلاث لا تحل لزوجها الأول حتى تتزوج زوجًا غيره ويطؤها وطئًا يلتذان به، وقال الحازمي في "الاعتبار": كان ابن المنذر يقول: فيه دلالة على أنه لو واقعها وهي نائمة أو مغمي عليها لا تحس باللذة فإنها لا تحل للزوج الأول؛ لأنها لم تذق عسيلته، وإنما يكون ذواقها أن تحس باللذة (¬2). وكذا قال مالك في أحد قوليه: لو وطئها نائمة أو مغمًى عليها لم تحل للمطلق (¬3). حكاه أبو حيان. وفي هذا الحديث رد على ما نقل عن سعيد بن المسيب (¬4) وسعيد بن جبير ونفر من الخوارج أنها لا تحتاج إلى وطء الزوج الثاني، واستدلوا بقوله: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (¬5)، وحملوا النكاح على العقد، وقالوا: إذا عقد الثاني عقد النكاح عليها حلت للأول وإن لم يدخل بها ولم ¬

_ (¬1) "الأم" 5/ 358. (¬2) "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ" 1/ 182. (¬3) انظر: "المدونة" 2/ 208، و"شرح مختصر الخليل" 3/ 216. (¬4) رواه سعيد بن منصور في "سننه" 2/ 75 (1989). (¬5) البقرة: 230.

يصبها؛ لأن النكاح يتعلق حكمه بأوله وهو العقد. قال القرطبي عن سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير: أظنهما لم يبلغهما حديث العسيلة أو لم يصح عندهما فأخذا بظاهر القرآن (¬1). قال ابن العربي: ما مرت بي مسألة في الفقه أعسر منها، وذلك أن في أصول الفقه أن الحكم هل يتعلق بأوائل الأسماء أم بأواخرها؟ فإن قلنا أن الحكم يتعلق بأوائل الأسماء لزمنا مذهب سعيد بن جبير وابن المسيب، وإن قلنا أن الحكم يتعلق بأواخر الأسماء لزمنا أن نشترط الإنزال مع مغيب الحشفة في الإحلال؛ لأنه آخر ذوق العسيلة (¬2). على ما قاله الحسن بن أبي الحسن أنه لا يكفي مجرد الوطء حتى يكون الإنزال. ¬

_ (¬1) "المفهم" 4/ 235. (¬2) "أحكام القرآن" لابن العربي 1/ 268.

50 - باب في تعظيم الزنا

50 - باب في تَعْظِيمِ الزِّنا 2310 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبي وائِلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ عَبْدِ الله قَالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ أي الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: "أَنْ تَجْعَلَ لله نِدّا وَهُوَ خَلَقَكَ". قَالَ: فَقُلْتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قَالَ: "أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخافَةَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَكَ". قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قَالَ: "أَنْ تُزانيَ حَلِيلَةَ جارِكَ". قَالَ: وَأَنْزَلَ اللهُ تَعالَى تَصْدِيقَ قَوْلِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} الآيَةَ (¬1). 2311 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْراهِيمَ، عَنْ حَجّاجٍ، عَنِ ابن جُريْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَني أَبُو الزُّبيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جابِرَ بْنَ عَبْدِ الله يَقُولُ: جاءَتْ مُسيْكَةُ لِبَعْضِ الأَنْصارِ فَقالَتْ إِنَّ سيِّدي يُكْرِهُني عَلَى البِغاءِ فَنَزَلَ في ذَلِكَ: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} (¬2). 2312 - حَدَّثَنا عُبيْدُ اللهِ بْنُ مُعاذٍ، حَدَّثَنا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ {وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبي الحَسَنِ: غَفُورٌ لَهُنَّ المُكْرَهاتِ (¬3). * * * باب في تعظيم الزنا [2310] (ثنا محمد بن كثير) العبدي (أنا سفيان) الثوري (عن منصور) ابن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عمرو بن شرحبيل) غير منصرف لكونه أعجميًّا علمًا، أبي ميسرة الهمداني، أخرج له الشيخان ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4477)، ومسلم (86). (¬2) رواه مسلم (3029). (¬3) رواه البيهقي 8/ 10 من طريق المصنف. قال الألباني في "صحيح أبي داود" (2002): إسناد مقطوع صحيح على شرط مسلم.

(عن عبد الله) ابن مسعود - رضي الله عنه -. (قال: قلت: يا رسول الله، أي الذنب) أي: خصال الذنب (أعظم) إثمًا عند الله تعالى (قال: أن تجعل لله) تعالى (ندًّا) الند: المثل والنظير، جمعه أنداد كما قال تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (¬1) (وهو خلقك) وصورك، ومعناه أن اتخاذ الإنسان إلهًا ومعبودًا غير خالقه المنعم عليه مع علمه بأن ذلك المتخذ ليس هو الذي خلقه ولا الذي أنعم عليه من أقبح القبائح وأعظم الآثام وأكثر الجهالات. (قال: قلت: ثم أي؟ ) قال أبو الفرج: بالتشديد والتنوين سمعته من ابن الخشاب؛ لأنه اسم معرف غير مضاف. (قال: أن تقتل ولدك مخافة) منصوب على المفعول له، أي: أجل خوف (أن يأكل معك) من طعامِكَ وتنفق عليه من مالك فتفتقر، وهذا القيد الذي هو خشية أن يأكل معك ليس له مفهوم، فإن قتلهم حرام سواء خاف من أكلهم الفقر أو لم يخف، وإنما هو مما خرج مخرج الغالب، وكانوا يقتلون البنات خوف الفقر وغيره فنهاهم الله عن ذلك بقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} (¬2)، فضمن الرزق لهم ولأولادهم، وظاهر الحكم هنا لمن كان واحدًا كما يتفق فولد بنت أو ذكر فقتله ليخف مؤنته من طعامه ولوازمه، فعظم النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر ذلك وجعله من أعظم الكبائر. ¬

_ (¬1) البقرة: 22. (¬2) الإسراء: 31.

(قال: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة) بضم الحاء المهملة، وهي التي يحل وطؤها بالنكاح أو التسري، ومعنى تزاني أي: تحاول الزنا بزوجة جارك أو جاريته برضاها (جارك) أي: من يجاورك في المسكن أو الداخل في جوار العهد. والزنا من الفواحش العظام، وإفساد المرأة على زوجها واستمالة قلبها للزنا بها أفحش من ذلك وأعظم ذنبًا وأعظم فحشًا أن الجار يتوقع من جاره الذب عنه وعن حريمه لما تضمن من خيانة الجار، وقد عظم فحش ذلك عادةً وشرعًا، وكانت الجاهلية يمتدحون حرمة الجار ويغضون دونهم الأبصار كما قال عنترة: وأغض طرفي إن بدت لي جارتي ... حتى يواري جارتي مأواها (¬1) (قال: وأنزل الله تعالى تصديق قول النبي - صلى الله عليه وسلم -) ظاهر هذا أن هذِه الآية نزلت بسبب هذا الذنب الذي ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم -، وليس كذلك، لأن الترمذي قد روى هذا الحديث وقال فيه: وتلا النبي - صلى الله عليه وسلم -: ({وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} (¬2) الآية (¬3) بدل: وأنزل الله. وظاهره أنه - عليه السلام - قرأ بعد ذكر هذا الحديث ما كان أنزل منها قبل ذلك على أن الآية تضمنت ما ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديثه بحكم عمومها. ({وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ}) معطوف على ما قبلها من الأوصاف التي وصف بها عباد الرحمن، وهو من باب عطف الصفات بعضها على ¬

_ (¬1) انظر: "العقد الفريد" 6/ 3، "نهاية الأرب" 15/ 338. (¬2) الفرقان: 68. (¬3) "سنن الترمذي" (3183).

بعض ({مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ}) بالإشراك بالله تعالى ({وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}) أي: بأمر موجب للقتل شرعًا، وذلك الأمر هو المذكور في قوله - عليه السلام -: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: زنا بعد إحصان، أو كفر بعد (¬1) إيمان، أو قتل نفس بغير نفس" (¬2). ({وَلَا يَزْنُونَ}) (¬3)، وقد صرف هذِه الآية عن ظاهرها بعض أهل المعاني، فقال: لا ينبغي لمن أضافهم الله إليه إضافة تشريف واختصاص ووصفهم بما ذكرهم من صفات المعرفة وقوع هذِه الأمور القبيحة منهم حتى يمدحوا بنفيها؛ لأنهم أعلى وأشرف، فقال: معناها: لا يدعون الهوى إلها، لا يذلون أنفسهم بالمعاصي فيكون قتلًا لها. ومعنى {إِلَّا بِالْحَقِّ}: إلا بتسكين الصبر وسبق المجاهدة، ولا ينظرون إلى دنيا ليست لهم محرم فيكون مباحًا على الضرورة فيكون كالنكاح مباحًا. (الآية) إلى آخرها. [2311] (ثنا أحمد بن إبراهيم) البغدادي الدورقي الحافظ، شيخ مسلم (عن حجاج) بن محمد الأعور الهاشمي ترمذي، سكن المصيصة (عن) عبد الملك (بن جريج قال: وأخبرني أبو الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس المكي (أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: جاءت مسيكة) بضم الميم وفتح السين مصغر (لبعض) أي: إلى بعض (الأنصار) ويتعدى جاء أيضًا بنفسه كقوله تعالى: {أَوْ جَاءُوكُمْ} (¬4) ¬

_ (¬1) في النسخة الخطية: بغير. والمثبت من المصادر. (¬2) سيأتي برقم (4363) من حديث أبي برزة. (¬3) الفرقان: 68. (¬4) النساء: 90.

(فقالت: إن سيدي يكرهني على البغاء) يعني: الزنا، ولفظ مسلم: أن جارية لعبد الله بن أبي يقال لها: مسيكة. وأخرى يقال لها: أميمة. فكان يريدهما على الزنا، فَشَكتا ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1). وحكى الثعلبي عن مقاتل: نزلت الآية - يعني: هذِه الآية - في سبب جوارٍ لعبد الله بن أبي كان يكرههن على الزنا ويأخذ أجورهن، وهن معاذة ومسيكة وأميمة وعمرة وقبيلة وأروى، فجاءته إحداهما ذات يوم بدينار وجاءت أخرى ببرد، فقال لهما: ارجعا فازنيا. فقالتا: لا والله لا نفعل، قد جاءنا الله بالإسلام وحرم الزنا. فأتيا رسول الله وشكيا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). (فنزل في ذلك) قوله تعالى: ({وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ}) جمع فتاة وهي الجارية ({عَلَى الْبِغَاءِ}) (¬3)، يعني: على الزنا والفجور، وهو وصف مختص بالمرأة، ولا يقال للرجل: بغي. قاله الأزهري (¬4). [2312] (ثنا عبيد الله) بالتصغير (ابن معاذ) بن معاذ العنبري شيخ مسلم (ثنا معتمر) بن سليمان أحد الأعلام، مات سنة سبع وثمانين ومائة، وكان الناس يقولون يوم مات: مات اليوم أعبد الناس (¬5) (عن أبيه) سليمان بن طرخان التيمي، ولم يكن من تيم، بل نزل فيهم (¬6)، مكث أربعين سنة يصوم يومًا ويفطر يومًا ويصلي صلاة الفجر بوضوء ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (3029) (27)، وعنده: يكرههما بدل: يريدهما. (¬2) "الكشف والبيان" المعروف بـ "تفسير الثعلبي" 4/ 378. (¬3) النور: 33. (¬4) انظر: "تهذيب اللغة" باب الغين والباء 8/ 180. (¬5) "تهذيب الكمال" 28/ 255. (¬6) "تهذيب الكمال" 12/ 5.

عشاء الآخرة (¬1)، وقال لابنه عند موته: يا معتمر، حدثني بالرخص لعلي ألقى الله حسن الظن به (¬2). وقال في قوله تعالى: ({وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ}) أي: من أكره جاريته على أن تزني وهي كارهة. (قال سليمان) التيمي (قال سعيد بن أبي الحسن) يسار الأنصاري مولاهم البصري أخو الحسن البصري، قال ابن عون: كان سعيد بن أبي الحسن يقول في دعائه عند الموت: اللهم اجعل لنا في الموت راحة وروحًا ومعافاة. ولما مات سعيد طال [حُزن أخيه الحسَن] (¬3) فتحرَّق بكاءً عليه، فقيل له: إنك إمام من الأئمة يقتدى بك، فلو تركت بعض ما أنت عليه. فقال: دعوني فما رأيت الله تعالى عاب على يعقوب طول الحزن على يوسف - عليه السلام - (¬4) ({فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ}) لهن ({غَفُورٌ رَحِيمٌ}) (¬5) قال النووي: كذا وقع في النسخ - يعني لمسلم - كلها: لهن غفور رحيم. قال: وهذا تفسير ولم يرد أن لفظة لهن منزلة (¬6) فإنه لم يقرأ بها أحد، وإنما هي تفسير وبيان أن المغفرة والرحمة لهن لكونهن مكرهات لا لمن أكرههن (¬7). [2312] (قال سعيد بن أبي الحسن: غفور لهن) الأفعال (المكرهات) ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 12/ 8. (¬2) "تهذيب الكمال" 12/ 12. (¬3) في النسخة الخطية: حسن أخيه الحزن. وهو سبق قلم. (¬4) "تهذيب الكمال" 1/ 387. (¬5) النور: 33. (¬6) في الأصل: بقوله. والمثبت من "شرح النووي". (¬7) "شرح النووي على مسلم" 18/ 163.

بضم الميم وفتح الراء يعني: عليهن، وكان الحسن يقول: غفور لهن والله (¬1) لا يكرههن مستدلًّا على ذلك بإضافة الإكراه إليهن، وأما المكره فعليه الوزر إذا لم يتب من ذلك الإكراه السابق؛ فإن الله تعالى {غَفُورٌ رَحِيمٌ} (¬2) لمن أخلص في التوبة والإصلاح. * * * وتم بحمد الله تعالى وفضله العميم كتاب النكاح ويتلوه في الجزء الثالث إن شاء الله تعالى كتاب الصيام وصلى الله على سيدنا محمد وآل محمد صلاةً وسلامًا دائمين على مر الصباح، ووافق الفراغ من نسخه على يد كاتبه الفقير في يوم الثلاثاء ثاني شهر جمادى الآخرة من شهور سنة تسعين وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام والصلاة والتسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ¬

_ (¬1) "تفسير ابن كثير" 6/ 52. (¬2) النور: 33.

كتاب الصوم

كِتَابُ الصَّوْمِ

1 - باب مبدأ فرض الصيام

14 - الصوم 1 - باب مَبْدَأ فَرْضِ الصِّيامِ 2313 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَبُّويَةَ، حَدَّثَني عَليُّ بْنُ حُسيْنِ بْنِ واقِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْويِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} فَكَانَ النّاسُ عَلَى عَهْدِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - إِذا صَلَّوُا العَتَمَةَ حَرُمَ عَليْهِمُ الطَّعامُ والشَّرابُ والنِّساءُ وَصامُوا إِلى القابِلَةِ فاخْتانَ رَجُلٌ نَفْسَهُ فَجامَعَ امْرَأَتَهُ وَقَدْ صَلَّى العِشاءَ وَلَمْ يُفْطِر، فَأَرادَ اللهُ - عز وجل - أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ يُسْرًا لِمَنْ بَقيَ وَرُخْصَةً وَمَنْفَعَةً فَقَالَ سُبْحانَهُ: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ}. وَكانَ هذا مِمّا نَفَعَ اللهُ بِهِ النّاسَ وَرَخَّصَ لَهُمْ ويَسَّرَ (¬1). 2314 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْنُ عَليِّ بْنِ نَصْرٍ الجَهْضَميُّ، أَخْبَرَنا أَبُو أحْمَدَ، أَخْبَرَنا إِسْرائِيلُ، عَنْ أبي إِسْحاقَ، عَنِ البَراءِ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا صامَ فَنامَ لَمْ يَأْكُلْ إِلى ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 4/ 201 من طريق المصنف. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (2003): حسن صحيح.

مِثْلِها وَإِنَّ صِرْمَةَ بْنَ قيْسٍ الأَنْصاريَّ أَتَى امْرَأَتَهُ وَكَانَ صائِمًا، فَقَالَ: عِنْدَكِ شَيء؟ قَالَتْ: لا، لَعَلّي أَذْهَبُ فَأَطْلُبُ لَكَ شيْئًا. فَذَهَبَتْ وَغَلَبَتْهُ عيْنُهُ فَجاءَتْ فَقَالَتْ: خيْبَةً لَكَ. فَلَمْ يَنْتَصِفِ النَّهارُ حَتَّى غُشيَ عَليْهِ، وَكَانَ يَعْمَلُ يَوْمَهُ في أَرْضِهِ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبي - صلى الله عليه وسلم - فَنَزَلَتْ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} قَرَأَ إِلى قَوْلِهِ: {مِنَ الْفَجْرِ} (¬1). * * * {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} كتاب الصيام الصيام والصوم مصدر صام، والصوم في اللغة الإمساك مطلقًا، والمراد بالترجمة سبب نزول آية الرخصة [في] الصيام. * * * باب مبدأ فرض الصيام [2313] (حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت) بن عثمان الخزاعي المروزي، (حدثني علي بن حسين بن واقد) المروزي. (عن أبيه) حسين بن واقد قاضي مرو، وثقه ابن معين (¬2) وغيره. (عن يزيد) بن أبي سعيد (¬3) المروزي (النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس) في قوله تعالى: ({يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ}) (¬4) أصل الكتابة ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1915). (¬2) "تاريخ ابن معين" رواية الدارمي (290). (¬3) في (ر) سعد، والمثبت من (ل). (¬4) البقرة: 183.

الخط الذي يقرأ، وعبر به هنا عن معنى الالتزام والإثبات، أي: فرض وأثبت؛ لأن ما كتب حكم بثبوته وبقائه، وقيل: هو على حقيقته وهو إخبار عما كتب في اللوح المحفوظ وبناء "كتب" للمفعول وحذف الفاعل للعلم به؛ إذ هو الله تعالى. ولما كان الصيام فيه مشقة بالجوع وغيره على المكلف ناسب أن لا ينسب إلى الله لفظًا وإن كان الله الذي كتبها، وإذا كان المكتوب فيه راحة للمكلف وأسس أن يبنى الفعل للفاعل كما قال تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} (¬1). (الصيام) الألف واللام فيه للعهد إن كانت قد سبقت تعهداتهم به (¬2) أو للجنس إن كانت لم تسبق. قال الزمخشري (¬3): الصوم عبادة قديمة أصلية. وقال القاضي (¬4): الصوم في اللغة: الإمساك عما ينازع إليه النفس، وفي الشرع: الإمساك عن المفطرات فإنها معظم ما تشتهيه النفس. (كما) قال أبو حيان: الظاهر أن هذا المجرور في موضع الصفة لمصدر محذوف، وقيل: الكاف في موضع نصب على الحال من الصيام، أي: مشبهًا ما كتب عليكم وذو الحال هو الصيام، والعامل فيه كتب، وتكون ما موصولة (¬5) ({كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}) ¬

_ (¬1) الأنعام: 54. (¬2) زيادة من (ل). (¬3) "الكشاف" 1/ 378. (¬4) "تفسير البيضاوي" ص 123. (¬5) "البحر المحيط" 2/ 178، وانظر: "المحرر الوجيز" لابن عطية 1/ 250.

قال بعضهم (¬1): التشبيه عائد إلى الإيجاب، أي: أنتم معبدون بالصيام كما تعبد الله به من قبلكم من الأمم. (قال: كان الناس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: كان المسلمون في شهر رمضان (إذا صلوا العتمة) يعني: العشاء، وفيه جواز تسمية العشاء عتمة؛ وإن كان يكره لرواية البخاري: "لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم العشاء فإنها في كتاب الله العشاء، وإنها تعتم بحلاب الإبل" (¬2). وقيل: إن حديث تسميتها عتمة كان متقدمًا على نزول قوله تعالى: {وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ} (¬3) (حَرُم عليهم) أكل (الطعام، و) شرب (الشراب، و) جماع (النساء) أي: فيما بين السرة والركبة، هذا الظاهر كما في الحائض (وصاموا (¬4) إلى) أن يفطروا من الليلة (القابلة) المشهور تقييد المنع من الأكل والشرب والنساء بالنوم كما سيأتي في حديث البراء، وقيده هنا بصلاة العتمة وهو أخص، ويحتمل العشاء ذكرت هنا لأنها مظنة النوم غالبًا والتقييد في الحقيقة بالنوم، وفي رواية ابن جرير: حتى يفطر من الغد (¬5). (فاختان) أي: خان افتعل تأتي بمعنى فعل كاقتدر بمعنى قدر، ¬

_ (¬1) كالرازي في "تفسيره" 5/ 239، وابن عادل في "اللباب" (3/ 252). (¬2) هذا اللفظ من رواية مسلم (644)، ولفظ البخاري (563) "لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم المغرب، قال: وتقول الأعراب: هي العشاء". (¬3) النور: 58. (¬4) ليست في الأصول واستدركت من المطبوع. (¬5) "تفسير الطبري" 2942، 3/ 496.

وزيادة الحرف تدل على الزيادة في المعنى (رجل) روي عن مجاهد، وعطاء، وعكرمة، والسدي، وقتادة، وغيرهم (¬1) سبب نزول هذِه الآية في عمر بن الخطاب، ومن صنع مثل ما صنع، وفي صرمة بن قيس (¬2) (نفسه فجامع امرأته) وإنما كان الجماع والأكل خيانة للنفس؛ لأن وبال المعصية عائد على النفس فكأنه قيل: ظلم نفسه ونقصها حقها من الخير. (وقد صلى العشاء) الآخرة (ولم يفطر) من صيامه، (فأراد الله أن يجعل ذلك يسرًا لمن بقي) من المسلمين (ورخصة) لهم في إباحة ما حرم عليهم (ومنفعة) لهم بالأكل والشرب والجماع (فقال: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ}) (¬3) أي: تخونوها بالمعصية. قال ابن عباس: يريد: فيما ائتمنكم عليه (¬4) (الآية) إلى آخرها (فكان هذا) التخفيف والإباحة (مما نفع الله به الناس) يعني المسلمين (ورخص لهم) والرخصة تغير الحكم الشرعي إلى سهولة مع قيام الحكم الأصلي، (ويسر) ما كان فيه عسر، واليسر في اللغة معناه السهولة ويقال: للغنى بالمال والسعة اليسار؛ لأنه يتسهل به الأمور واليد اليسرى على التفاؤل باليسر، وقيل: لأنه يتسهل له الأمر بمعاونتها لليمنى. [2314] (حدثنا نصر بن علي الجهضمي، أنا أبو أحمد) الحسين بن محمد المروزي (أنبا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء) بن عازب - رضي الله عنه - ¬

_ (¬1) انظر: هذِه الرويات في "تفسير الطبري" من رقم (2940 - 2952). (¬2) رواه البخاري (1915)، وسيأتي في الحديث التالي. (¬3) البقرة: 187. (¬4) أورده الخازن في تفسيره 1/ 161.

(قال: كان الرجل إذا صام فنام) بعد غروب الشمس (لم يأكل إلى مثلها) من الغد. (وإن صرمة) بكسر الصاد وسكون الراء (بن قيس) بن صرمة بن مالك من بني خَطْمَة بفتح الخاء المعجمة وسكون الطاء المهملة، وربما قال فيه بعضهم: صرمة بن مالك فنسبه إلى جده، وكان رجلًا ترهب في الجاهلية، ولبس المسوح، واغتسل من الجنابة. وفي البخاري: قيس بن صرمة، وللنسائي: أبو قيس (¬1)، وبجمع الروايات أنه أبو قيس صرمة بن قيس بن صرمة بن مالك (الأنصاري - رضي الله عنه - أتى امرأته) أي: جامعها (وكان صائمًا) فيه دليل على فطر الصائم على الجماع الحلال دون شبهة وهو أحد الأقوال في قوله تعالى: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} (¬2) أنه الجماع. (فقال) لامرأته (أعندك شيء؟ ) أي من الطعام، كذا في رواية (¬3)، (قالت: لا) ولكن (لعلي أذهب) إلى فلانة (فأطلب لك شيئًا) وفيه دليل على خروج المرأة لحاجة زوجها (فذهبت) لتأتي له بشيء (وغلبته عينه) أي: غلبه النعاس الذي في عينه، وفيه المجاز بتسمية الشيء بما يحل فيه (فجاءت) امرأته (فقالت: خيبة) بالرفع والنصب (لك). قال الجوهري (¬4): تقول (¬5) خيبة لزيد وخيبة لزيد، فالنصب على ¬

_ (¬1) في "السنن" (2168). (¬2) البقرة: 187. (¬3) البخاري (1915). (¬4) "الصحاح في اللغة" 1/ 140 بتصرف. (¬5) زيادة من (ل).

إضمار فعل، أي: وينتصب على المصدر، قال: وبالرفع على الابتداء أي (¬1): والخبر "لك". وجاز الابتداء هنا بالنكرة؛ لأنه في معنى الدعاء نحو {سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130)} (¬2)، و {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1)} (¬3). ويقال: خاب الرجل خيبة إذا لم ينل ما طلب، وأخرج [ابن جرير (¬4) عن] (¬5) السدي: فأيقظته امرأته فكره أن يعصي الله وأبى أن يأكل (فلم ينتصف) بتقديم النون على التاء (النهار) قال الجوهري: نصف النهار وانتصف بمعنى (¬6). (حتى غُشِي) بضم الغين وكسر الشين (عليه وكان يعمل يومه) ذلك (في أرضه، فذُكر) بضم الذال (ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فنزلت) هذِه الآية ({أُحِلَّ لَكُمْ}) يقتضي أنه كان حرامًا قبل ذلك، لكنه لم يكن حرامًا في جميع الليلة، ألا ترى أن ذلك كان حلالًا لهم إلى وقت النوم أو إلى بعد (¬7) العشاء (ليلة) نصب على الظرف، قالوا: والناصب لهذا الظرف أحل. قال أبو حيان (¬8): فليس بشيء؛ لأن "ليلة" ليس بظرف لـ "أحل"، إنما هو من حيث المعنى ظرف للرفث وإن كانت صناعة النحو تأبى أن يكون انتصاب ليلة بالرفث؛ لأن الرفث مصدر وهو موصول هنا. أي: إن الداخلة على الرفث موصول حرفي، فلا يتقدم معموله عليه، لكن ¬

_ (¬1) زيادة من (ل). (¬2) الصافات: 130. (¬3) المطففين: 1. (¬4) "تفسير الطبري" 3/ 501 - 502 (2949). (¬5) زيادة من (ل). (¬6) "الصحاح في اللغة" 4/ 119. (¬7) زيادة من (ل). (¬8) تفسير "البحر المحيط" 2/ 55.

يتقدم له ناصب محذوف من جنس ما بعده، تقديره: الرفث ليلة (الصيام) فحذف وجعل الرفث المذكور مبينًا له كما خرجوه في قوله تعالى {إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} (¬1)، و {إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ} (¬2) أي: ناصح لكما ولعملكم، فما كان من الموصول قدم على (¬3) ما يتعلق به من حيث المعنى عليه أضمر له عامل يدل عليه ذلك الموصول. قال الواحدي: ليلة الصيام أراد: ليالي الصيام، وقع الواحد موقع الجماعة (¬4). (الرفث) هو الجماع، وأصله قول الفحش ثم كني به عن الجماع. قال أبو إسحاق: الرفث كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة (¬5). (إلى نسائكم) قال الأخفش: إنما عداه بإلى؛ لأنه كان بمعنى الإفضاء (¬6). زاد الترمذي: ففرحوا بها فرحًا شديدًا (¬7) (قرأ) الآية (إلى قوله: {مِنَ الْفَجْرِ}) قال الأزهري: الفجر أصله الشق، ومنه فجر السِّكْر أي: بثْقُه (¬8). فعلى هذا الفجر في آخر الليل هو شق عمود الصبح شبة شق الضوء (¬9) ظلمة الليل بفجر الماء الحوض. ¬

_ (¬1) الأعراف: 21. (¬2) الشعراء: 168. (¬3) زيادة من (ل). (¬4) "البسيط" 3/ 596. (¬5) الزجاج في "معاني القرآن وإعرابه" 1/ 255. (¬6) انظر: "تاج العروس" 28/ 344. (¬7) في "سننه" (1968)، وقال: حديث حسن صحيح. (¬8) "تهذيب اللغة" 11/ 36. (¬9) زيادة من (ل).

2 - باب نسخ قوله: {وعلى الذين يطيقونه فدية}

2 - باب نَسْخِ قَوْلِهِ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} 2315 - حَدَّثَنا قُتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا بَكْرٌ - يَعْني: ابن مُضَرَ - عَنْ عَمْرِو بْنِ الحارِثِ، عَنْ بُكيْرٍ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى سَلَمَةَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ: لَمّا نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} كَانَ مَنْ أَرادَ مِنّا أَنْ يُفْطِرَ ويَفْتَديَ فَعَلَ حَتَّى نَزَلَتِ الآيَةُ التي بَعْدَها فَنَسَخَتْها (¬1). 2316 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَني عَليُّ بْنُ حُسيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْويِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسِ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} فَكَانَ مَنْ شاءَ مِنْهُمْ أَنْ يَفْتَديَ بِطَعامِ مِسْكِينٍ افْتَدى وَتَمَّ لَهُ صَوْمُهُ فَقَالَ: {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} وقالَ: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (¬2). * * * باب في نسخ قوله: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} [2315] (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي، مولى الحجاج بن يوسف (حدثنا بكر بن مضر) بن محمد المصري شيخ الشيخين. (عن عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري. (عن بكير) بن عبد الله بن الأشج (عن يزيد) بن أبي عبيد (مولى سلمة) بن الأكوع. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4507)، ومسلم (1145). (¬2) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 307 (1637)، وأبو جعفر النحاس في "الناسخ والمنسوخ" 1/ 495 (59). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (2006).

(عن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - قال: لما نزلت هذِه الآية: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ}) قراءة الجمهور: يطيقونه مضارع أطاق، وفيه ست قراءات (¬1) يرجع معناها إلى الاستطاعة والقدرة ({فِدْيَةٌ}) الفدية: الجزاء والبدل من قوله: فديته بكذا، أي: أعطيته بدلًا منه كقوله تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} (¬2) ({طَعَامُ مِسْكِينٍ}) جمع المساكين؛ لأن الذين يطيقونه جماعة، وكل واحد منهم يلزمه طعام مسكين، ومن قرأ بالتوحيد فلأن المعنى على كل واحد لكل يوم طعام مسكين. ونزلت هذِه الآية رخصة لهم لما تقدم في حديث شعبة في الأذان (¬3): نزل رمضان وكانوا قومًا لم يتعودوا الصيام، وكان الصيام عليهم شديد فرخص لهم لما نزلت هذِه الآية (وكان من أراد منا أن يفطر) ويفدي (ويفتدي فعل) ذلك (حتى نزلت الآية التي بعدها) يعني قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (فنسختها) فخالف ابن عباس في نسخها. [2316] (حدثنا أحمد بن محمد) المروزي المعروف بابن شبويه (حدثني علي بن الحسين، عن أبيه الحسين) بن واقد المروزي. (عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}) فيه حذف يدل عليه (¬4) ما حكى الطبري عن ¬

_ (¬1) انظر "المحتسب" 1/ 118، و"معجم القراءات" للدكتور عبد اللطيف الخطيب 1/ 250 - 251. (¬2) الصافات: 107. (¬3) حديث رقم (506) باب كيف الأذان. (¬4) زيادة من (ل).

عكرمة: أنه كان يقرؤها: وعلى الذين يطيقونه فأفطروا فدية (¬1). (فكان من شاء منهم أن يفتدي بطعام مسكين افتدى) به (وتم له صومه) وإن أفطر (فقال جل وعز: {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا}) أي: بزيادة على إطعام مسكين، قاله ابن عباس، وجماعة. وقال ابن شهاب: من أراد الإطعام مع الصيام، وقال مجاهد: من زاد في الإطعام على المد. ({فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ}) أي: أفضله، ومعناه: من تطوع بأكثر من ذلك فهو أفضل له عند الله تعالى، ثم قال: أي: ثم ذكر الناسخ بقوله: ({فَمَنْ شَهِدَ}) أي: حضر ({مِنْكُمُ الشَّهْرَ}) وقيل: هو مفعول به، وهو على حذف مضاف، أي: من شهد منكم دخول الشهر عليه وهو معتم ({فَلْيَصُمْهُ}) أي: فيجب عليه الصوم، قالوا: وإنما يفطر في السفر من دخل عليه رمضان وهو في سفر، ولهذا ذهب ابن عباس، وعبيدة السلماني، والنخعي، والسدي (¬2). وأما الجمهور قالوا: من شهد أول الشهر أو آخره فليصم ما دام مقيمًا. وقال الزمخشري: الشهر منصوب على الظرف، وكذلك الهاء في فليصمه، ولا يكون مفعولًا به كقولك: شهدت الشهر؛ لأن المقيم والمسافر كلاهما شاهدان الشهر (¬3)، انتهى. ¬

_ (¬1) "تفسير الطبري" 3/ 433. (¬2) رواه عنهم الطبري في "تفسيره" 2/ 146 - 147. (¬3) "الكشاف" 1/ 228.

وقال الواحدي: مفعول شهد محذوف؛ لأن المعنى: فمن شهد منكم البلد أو بيته (¬1). ومعنى فليصمه، أي: يصوم ما شهده منه. ({وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا}) المرض الذي يبيح الإفطار ضبطه الإمام بأن كل مرض يمنع من التصرف مع الصوم (¬2) يجوز الإفطار بسببه، وهو المعني بالضرر الظاهر الذي ذكره الأصحاب (¬3). ولا يشترط أن ينتهي الضرر الشديد إلى حالة لا يمكنه فيها الصوم. قال الواحدي: يبيحُ الإفطارَ كلُ مرض كان الأغلب من أمر صاحبه إذا صامه زيادة في علته (¬4). ({أَوْ عَلَى سَفَرٍ}) يعني: سفرًا يقصر فيه الصلاة وكان مباحًا فلا يجوز الفطر في سفر المعصية، وحيث جاز القصر فهو أفضل إن تضرر بالصوم، وإلا فالصوم أفضل على الصحيح. قال المتولي: لو لم يتضرر منه (¬5) في الحال، لكن يخاف الضعف، وكان سفر حج أو غزو فالفطر أفضل (¬6). وقال السبكي - ولم يخالفه غيره -: ({فَعِدَّةٌ}) خبر مبتدأ [محذوف، أي: فعليه عدة لقوله (فعدة) باتباع، والتقدير فعليه صوم ¬

_ (¬1) "التفسير الوسيط" للواحدي (1/ 281). (¬2) زاد بعدها في (ل): إلى حالة لا يمكنه. (¬3) "نهاية المطلب" 1/ 197. (¬4) "التفسير الوسيط" 1/ 273. (¬5) زيادة من (ل). (¬6) انظر: "المجموع شرح المهذب" 6/ 261.

عدة، ويكون هذا من باب حذف المضاف (¬1)] (¬2). ({مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}) أي: غير أيام مرضه أو سفره. ¬

_ (¬1) زيادة من (ل). (¬2) كذا وقال النسفي في "تفسيره" 1/ 160: فعدة مبتدأ والخبر محذوف أي فعليه عدة أي: صوم عدة. وانظر: "الدر المصون" 2/ 270.

3 - باب من قال هي مثبتة للشيخ والحبلى

3 - باب مَنْ قَالَ هيَ مُثْبَتَةٌ لِلشّيْخِ والحُبْلَى 2317 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا أَبانُ، حَدَّثَنا قَتادَةُ أَنَّ عِكْرِمَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: أُثْبِتَتْ لِلْحُبْلَى والمُرْضِعِ (¬1). 2318 - حَدَّثَنا ابن المُثَنَّى، حَدَّثَنا ابن أَبي عَديٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ عَزْرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبيْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} قَالَ: كَانَتْ رُخْصَةً لِلشّيْخِ الكَبِيرِ والمَرْأَةِ الكَبِيرَةِ وَهُما يُطِيقانِ الصِّيامَ أَنْ يُفْطِرا ويُطْعِما مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا والحُبْلَى والمُرْضِعُ إِذَا خافَتا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: يَعْني: عَلَى أَوْلادِهِما أَفْطَرَتا وَأَطْعَمَتا (¬2). * * * باب من قال: هي مثبتة للشيخ والحبلى أي: باب دليل من قال: هي يعني قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} (¬3) مثبتة غير منسوخة في حق الشيخ والحبلى. [2317] (حدثنا [موسى] (¬4) بن إسماعيل) المعروف بالتبوذكي (قال: حدثنا أبان) قال (ثنا قتادة، أن عكرمة حدثه أن ابن عباس قال) في الآية المتقدمة وهي قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ ¬

_ (¬1) رواه الطبري في "جامع البيان عن تأويل آي القرآن" 2/ 139 بنحوه. وانظر ما بعده. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2007). (¬2) رواه ابن الجارود (381)، والطبري في "جامع البيان" 2/ 135. وقال الألباني في "ضعيف أبي داود" (396): شاذ بهذا اللفظ. وهذا الأثر مخالف لما نص عليه ابن عباس من أن الآية محكمة لم تنسخ، رواه البخاري (4505). (¬3) البقرة: 184. (¬4) في (ر): محمد، والمثبت من المطبوع.

مِسْكِينٍ} أنها ليست منسوخة مطلقًا، بل (¬1) كما جاء في رواية عن ابن عباس أنه قال: إن هذِه الآية منسوخة الحكم إلا في حق الحامل والمرضع، أي: لم ينسخ بل (أثبتت) أي: أثبت حكمها (للحبلى والمرضع) ويدل عليه ما رواه الترمذي (¬2) والنسائي (¬3) عن أنس بن مالك رجل من بني عبد الله بن (¬4) كعب قال: أغارت علينا خيل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجدته يتغدى، فقال: "ادن فكل". فقلت: إني صائم. قال: "ادن أحدثك عن الصوم - أو الصيام - إن الله وضع عن المسافر الصلاة، وعن الحامل والمرضع الصوم" وقال الترمذي: حديث حسن لا نعرف لأنس بن مالك هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - غير هذا الحديث، والعمل على هذا عند أهل العلم. وقال بعض أهل العلم: الشيخ، والحامل (¬5)، يفطران، ويقضيان، ويطعمان، وبه يقول سفيان، ومالك (¬6)، والشافعي، وأحمد (¬7). انتهى. وما ذكره (¬8) عن الشافعي سيأتي ما فيه. [2318] (حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) البصري، وثقه جماعة (عن سعيد) بن أبي عروبة بصري (عن قتادة، عن عزرة) (¬9) بفتح العين بن عبد الرحمن الخزاعي (عن سعيد بن جبير، ¬

_ (¬1) زيادة من (ل). (¬2) في "السنن" (715). (¬3) في "السنن" 4/ 190. (¬4) زيادة من (ل). (¬5) بعدها في (ل): والمرضع. (¬6) "المدونة" 1/ 278. (¬7) "مسائل الكوسج" (775)، وانظر كتابنا: "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 7/ 367. (¬8) هكذا في النسخ. ولعل الصواب: ما ذكرته. (¬9) في (ر): عروة، والمثبت من المطبوع.

عن ابن عباس) في قوله تعالى: ({وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ}) قرأ ابن عباس بما ذكره البكري، عن عطاء في المشهور عنه يُطوُّقونه (¬1) [بفتح] (¬2) الواو المشددة ومبنيًّا للمفعول من طوق على وزن قطع، والتشديد يقتضي التكليف أي: يكلفونه يعني: ولا يطيقونه ({فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}، قال: كانت رخصة للشيخ الكبير) الذي يلحقه بالصوم مشقة شديدة (والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام) أي مع المشقة والتكلف الكثير (أن يفطرا ويطعما مكان) فطر (كل يوم مسكينًا) قال الماوردي عن قراءة ابن عباس: ويطوقونه المذكورة قراءة الصحابي تجري مجرى الخبر الواحد في وجوب العمل، لكنه لا يقول ذلك إلا سماعًا وتوقيفًا، قال: وإنما عدل الشافعي عن الاستدلال بهذِه القراءة؛ لأنها تشذ عن الجماعة وتخالف رسم المصاحف (¬3). وكذلك قال القاضي أبو الطيب: إن القراءة الشاذة كالخبر الواحد في الاحتجاج، ونقله ابن عبد البر عن جمهور العلماء (¬4). قال السبكي: والمشهور عن الشافعية خلافه، ومعنى قول الماوردي: إنها تشذ عن الجماعة أن معناها مخالف لمعنى القراءة المتواترة، وخبر الواحد إذا خالف المتواتر لم يعمل به، أما الشاذ الذي لا يعارض القراءة المشهورة فمقتضى جعله كخبر الواحد أن ¬

_ (¬1) "تفسير الطبري" 3/ 430. (¬2) في الأصول: (بضم)، والمثبت هو الصواب والله أعلم. (¬3) "الحاوي" 3/ 466. (¬4) "التمهيد" (4/ 279).

يعمل به. ووافقنا على وجوب الفدية على الكبير والكبيرة أبو حنيفة (¬1) وأحمد (¬2)؛ إلا أن أبا حنيفة قال: لكل يوم صاع تمر أو نصف صاع حنطة، وأحمد قال: مد حنطة، أو مدان من تمر أو شعير. والقول الثاني عند الشافعي: أنه لا يجب عليه شيء، وبه قال مالك؛ لأنه سقط عنه شرط الصوم فأشبه الصبي، واختاره أبو ثور وابن المنذر (¬3)، والخلاف جارٍ في المريض الذي لا يرجى برؤه، وحكمه حكم الشيخ الهرم وحيث أوجبنا الفدية فلا يجوز تعجيلها قبل رمضان، ويجوز بعد فجر كل يوم، وقطع الدارمي بالجواز قبل الفجر. وقال النووي: إنه الصواب (¬4). وإذا قلنا بوجوب الفدية على الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة فلا قضاء عليهما لما أخرجه الحاكم في "المستدرك" من طريق عكرمة عن (¬5) ابن عباس بمعنى هذا الحديث، وزاد: ولا قضاء عليه (¬6). (والحبلى والمرضع إذا خافتا على أولادهما) (¬7) أي: ولديهما (أفطرتا وأطعمتا) رواه البزار، وزاد: وكان ابن عباس يقول لأم ولد له حبلى: أنت بمنزلة التي لا تطيقه فعليك بالفداء ولا قضاء عليك (¬8). وصحح ¬

_ (¬1) انظر: "فتح القدير" لابن الهمام 2/ 356. (¬2) انظر: "كشاف القناع" 2/ 313. (¬3) "الإشراف على مذاهب العلماء" لابن المنذر 3/ 151. (¬4) "المجموع" 6/ 259 - 260. (¬5) زيادة من (ل). (¬6) "المستدرك" 1/ 439. (¬7) بعدها في الأصل: نسخة ولدهما. (¬8) "مسند البزار" (4996)، وقال: هذا الحديث لا نعلمه يروى بهذا اللفظ بإسناد أحسن من هذا الإسناد.

الدارقطني إسناده (¬1). فيه دليل للأظهر من قولي الشافعي أن الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما أفطرتا ولزمتهما الفدية بالإطعام عن كل يوم مدًّا (¬2) وقد نص عليه الشافعي في أكثر كتبه، وبه قال مجاهد. والقول الثاني: يلزم المرضع دون الحامل كما نص عليه الشافعي في البويطي (¬3) وبه قال مالك: إن الحامل أفطرت لمعنى فيها، فهي كالمريض والمرضع أفطرت للمنفصل عنها. والثالث: لا يلزمهما، بل تستحب، وبه قال أبو حنيفة (¬4) والمزني (¬5) ونقل أبو علي الطبري أن الشافعي نص عليه في موضع آخر، أما القضاء فواجب بلا خلاف عندنا، وعن ابن عمر وابن عباس - رضي الله عنهم -: تجب الفدية دون القضاء، وإذا أوجبنا الفدية فهل تتعدد بتعدد الأولاد فيه طريقان: أصحهما: لا، أما إذا خافتا على أنفسهما، فيجب القضاء إذا أفطرتا ويجوز لهما ذلك. قال الزيادي: ويجوز للحامل تقديم الفدية على الفطر، ولا تقدم الفدية إلا يوم واحد (¬6). ¬

_ (¬1) "سنن الدارقطني" 2/ 206. (¬2) "الأم" 2/ 103. (¬3) انظر: "الحاوي" للماوردي 3/ 292. (¬4) انظر: "البحر الرائق" لابن نجيم 2/ 308. (¬5) "مختصر المزني" (ص 57). (¬6) انظر: "المجموع" 6/ 133.

4 - باب الشهر يكون تسعا وعشرين.

4 - باب الشَّهْرِ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ. 2319 - حَدَّثَنا سُليْمانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو - يَعْني ابن سَعِيدِ بْنِ العاصِ - عَنِ ابن عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لا نَكْتُبُ وَلا نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذا وَهَكَذا وَهَكَذا". وَخَنَسَ سُليْمانُ أُصْبَعَهُ في الثّالِثَةِ، يَعْني: تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَثَلاثِينَ (¬1). 2320 - حَدَّثَنا سُليْمانُ بْنُ دَاوُدَ العَتَكيُّ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، حَدَّثَنا أيُّوبُ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَلا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ وَلا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَليْكُمْ فاقْدُرُوا لَهُ ثَلاثِينَ". قَالَ: فَكانَ ابن عُمَرَ إِذَا كَانَ شَعْبانُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ نُظِرَ لَهُ فَإِنْ رُئيَ فَذاكَ وَإِنْ لَمْ يُرَ وَلَمْ يَحُلْ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحابٌ وَلا قَتَرَةٌ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَإِنْ حالَ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحابٌ أَوْ قَتَرَةٌ أَصْبَحَ صائِمًا. قَالَ: فَكَانَ ابن عُمَرَ يُفْطِرُ مَعَ النّاسِ وَلا يَأْخُذُ بهذا الحِسابِ (¬2). 2321 - حَدَّثَنا حُميْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهّابِ حَدَّثَني أيُّوبُ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ إِلى أَهْلِ البَصْرَةِ بَلَغَنا عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. نَحْوَ حَدِيثِ ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - زادَ وَإِنَّ أَحْسَنَ ما يُقَدَّرُ لَهُ إِذا رَأيْنا هِلالَ شَعْبانَ لِكَذا وَكَذا فالصَّوْمُ إِنْ شاءَ اللهُ لِكَذا وَكَذا إِلَّا أَنْ تَرَوُا الهِلالَ قَبْلَ ذَلِكَ (¬3). 2322 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، عَنِ ابن أَبي زائِدَةَ، عَنْ عِيسَى بْنِ دِينارٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الحارِثِ بْنِ أَبي ضِرارٍ، عَنِ ابن مَسْعُودٍ قَالَ: لمَا صُمْنا مَعَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَكْثَرُ مِمّا صُمْنا مَعَهُ ثَلاثِينَ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1913)، ومسلم (1080). (¬2) رواه البخاري (1906)، ومسلم (1080). (¬3) انظر السابق. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2010). (¬4) رواه الترمذي (689)، وأحمد 1/ 441. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2011).

2323 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ زُريْعٍ حَدَّثَهُمْ، حَدَّثَنا خالِدٌ الحَذّاءُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "شَهْرا عِيدٍ لا يَنْقُصانِ رَمَضانُ وَذُو الحِجَّةِ" (¬1). * * * باب الشهر يكون تسعًا وعشرين [2319] (حدثنا سليمان بن حرب) بن بَجِيل الأزدي قاضي مكة، (حدثنا شعبة، عن الأسود بن قيس، عن سعيد بن عمرو يعني ابن سعيد بن العاص) بن أبي أحيحة الأموي، قال النسائي (¬2): ثقة. (عن ابن عمر) رضي الله عنهما (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنا أمة) أي العرب، وقيل: أراد نفسه (أمية) بلفظ النسب إلى الأم، فقيل: أراد أمة العرب؛ لأنها لا تكتب، أو منسوب إلى الأمهات، أي: أنهم على أصل ولادة أمهم، وقيل: منسوبون إلى مكة أم القرى. (لا نكتب ولا نحسب) تفسير لكونهم كذلك، وقيل: العرب أميون؛ لأن الكتابة كانت فيهم عزيزة، قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ}، ولا يرد على ذلك أنه كان فيهم من يكتب ويحسب؛ لأن الكتابة كانت فيهم قليلة نادرة. والمراد بالحساب هنا حساب النجوم وسرها، ولم يكونوا يعرفون من ذلك إلا القدر اليسير، أي: لم يعرف مواقيت صومنا ولا عبادتنا بالحساب ولا الكتابة، وإنما ربطت عباداتنا بأعلام واضحة يستوي في ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1912)، ومسلم (1089). (¬2) "تسمية مشيخة النسائي" (86).

معرفة ذلك الحساب وغيرهم. (الشهر) بالرفع مبتدأ خبره ما بعده، أي: يكون تارةً (هكذا) وتارةً (هكذا) وصفق بيديه مرتين بكل أصابعه العشر، وأشار بأصابع يديه العشر مرتين (وخنس) أي: قبض كما في رواية الصحيح، ومنه قوله تعالى: {الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ}، أي: إذا ذكر الله خنس أي انقبض ورجع، وفي رواية للبخاري (¬1): وحبس بالحاء الموحدة ثم الباء الموحدة أي: منع (سليمان بن حرب أصبعه في) المرة (الثالثة) وفي رواية مسلم (¬2): ونقص في الصفقة الثالثة فقبض الإبهام الثالثة إبهام اليمنى أو اليسرى، وفي رواية شعبة (¬3): طبق بين كفيه مرتين، وطبق الثالثة فقبض الإبهام (يعني) يكون الشهر (تسعًا وعشرين) ويكون (ثلاثين) وفي هذا الحديث جواز الاعتماد على الإشارة المفهمة في هذا وغيره والحكم بها. قال القرطبي (¬4): فيه أن من نذر أن يصوم شهرًا غير معين فله أن يصوم تسعًا وعشرين؛ لأن ذلك يقال عليه: شهر. كما أن من نذر صلاة أجزأه من ذلك ركعتان؛ لأنه أقل ما يصدق عليه الاسم. وكذلك من نذر صومًا فصام يومًا أجزأه. قال: وهو خلاف ما قال مالك؛ فإنه قال: لا يجزيه إذا صامه بالأيام ¬

_ (¬1) كما في رواية أبي ذر، والكشميهني (1908). (¬2) مسلم (1080). (¬3) في (ل): ابن أبي شعبة، وهو خطأ ولعلها: أن شعبة طبق. لأنه هو الذي فعل ذلك. (¬4) "المفهم" 3/ 139.

إلا ثلاثون يومًا، فإن صامه بالهلال فعلى ما يكون ذلك الشهر من رؤية هلاله (¬1)، انتهى. وعند الشافعي كذلك، فإن أصحابنا قالوا: إن نذر صوم شهر غير معين وفرق أو ابتدأ في أثناء الشهر الهلال صام ثلاثين يومًا، وإن ابتدأ في أوله وخرج ناقصًا كفاه (¬2). قال ابن بطال (¬3): وفي الحديث رفع (¬4) لمراعاة النجوم بقوانين التعديل، وإنما المعول عليه رؤية الأهلة. [2320] (حدثنا سليمان بن داود العتكي) بفتح المهملة والمثناة الأزدي، (حدثنا حماد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الشهر تسع وعشرون) فيه دلالة لما تقدم أن من نذر أن يصوم شهرًا غير معين كفاه أن يصوم تسعًا وعشرين يومًا إلى هنا، أي: الذي نحن فيه أو جنس الشهر، أو الأغلب فيه لقول ابن مسعود، وفي أواخر الباب صمنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - تسعًا وعشرين أكثر مما صمنا ثلاثين إلى هنا. (ولا تصوموا حتى تروه) ظاهره إيجاب الصوم حين توجد الرؤية ليلًا كان أو نهارًا، لكنه محمول على صوم اليوم المستقبل، وبعض العلماء فرق بين ما بعد الزوال وقبله، ومذهب الشافعي أن رؤية الهلال بالنهار هو الليلة المستقبلة سواء كان قبل الزوال أو بعده (¬5). ¬

_ (¬1) "المدونة" 1/ 284. (¬2) انظر: "المجموع" للنووي 6/ 284. (¬3) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 4/ 32. (¬4) هكذا في الأصل، وعند ابن بطال: ناسخ لرعاة. (¬5) "الأم" 3/ 235، وانظر: "المجموع" للنووي 6/ 270، و"أسنى المطالب في شرح الروض الطالب" لزكريا الأنصاري 1/ 411.

وخالف الشيعة الإجماع فأوجبوا الصيام لرؤيته مطلقًا (¬1). فظاهر الحديث النهي عن ابتداء صوم رمضان قبل رؤية الهلال، فيدخل فيه صورة الغيم وغيرها، ولو وقع الاقتصار على هذِه الجملة لكفى ذلك لمن تمسك به، لكن قوله بعده: "فإن غم" عليكم أوقع للمخالف شبهة (ولا تفطروا حتى تروه) إجماعهم على وجوب الصوم على الأعمى، وإنما المراد رؤيته في الجملة إذا ثبتت لشروطها في تلك البلدة وغيرها كما سيأتي. (فإن غم) بضم المعجمة وتشديد الميم، أي: حال بينكم وبينه غيم، يقال: غممت الشيء إذا غطيته. ونقل ابن العربي (¬2): عمي بالعين من العمى، قال: وهو بمعناه؛ لأنه ذهاب البصر عن المشاهدات، أو ذهاب البصيرة من المعقولات (عليكم فاقدروا) بهمزة وصل وضم الدال وكسرها (له) أي: لمنزلته بمعنى حققوا مقادير أيام شعبان حتى تكملوا ثلاثين يومًا كما جاء مفسرًا في رواية أخرى (¬3)، وهذا عند الشافعي (¬4) والجمهور. قال أهل اللغة: قدرت الشيء أقدره وأقدره بضم الدال وكسرها مع ¬

_ (¬1) انظر: "الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية" 1/ 361، و"فقه الصادق" 11/ 241. (¬2) "عارضة الأحوذي" 3/ 205. (¬3) بل هنا في هذا الحديث في بعض النسخ، ويبدو أنها ليست في نسخة المصنف، وظاهر باقي الحديث أنها ليست صحيحة الثبوت. ورواه البخاري (1907) بلفظ: فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين. (¬4) "الأم" 3/ 233.

التخفيف وقدرته بالتشديد وأقدرته كله بمعنى واحد وهو من التقدير (¬1). وقال أحمد: معناه ضيقوا له وقدروه تحت السحاب، وأوجب الصيام إذا حضر الغيم ليلة ثلاثين من شعبان (¬2). وقال ابن شريح (¬3)، وابن قتيبة: قدروه بحساب المنازل، ويكون اختلاف الحواس في الحديث لاختلاف أفهام الناس فمن لا يحسن منازل القمر وهم الأكثرون أمروا بإكمال العدة ثلاثين، ومن يحسن إذا استبان له كمال الشهر دخل فيما بعده بالعلم الذي حصل له وورد بالحديث المتقدم: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب" (¬4). (قال: فكان ابن عمر إذا كان) في شهر (شعبان تسعًا وعشرين نظر له) والمشهور: نظر إليه، والنظر تأمل الشيء بالعين، وفي رواية أحمد: إذا مضى من شعبان تسع وعشرون يبعث من ينظر (¬5) (فإن رئي) بضم الراء وكسر الهمزة الهلال، أو شهد أحد برؤيته (فذاك) أي: حكم به وصام وأمر بصيامه (وإن لم ير) بضم الياء وفتح الراء (ولم يحل) بضم الحاء ¬

_ (¬1) انظر: "لسان العرب" 5/ 74 مادة (قدر)، و"القاموس المحيط" ص 591، و"إسفار الفصيح" للهروي النحوي مادة قوله وقدرت الشيء. (¬2) "مسائل أحمد" رواية عبد الله ص 194 (م 724). وذكره النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" 7/ 189. وانظر كتابنا "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 7/ 349. (¬3) هكذا في الأصل بشين معجمة وحاء مهملة، وذكره كذلك ابن الأثير في "النهاية" 4/ 23، ذكره النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" 7/ 189 سريج بسين مهملة وجيم معجمة، وسيأتي قريبا في الشرح بنفس الضبط الأخير. (¬4) ذكره النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" 7/ 189. (¬5) "المسند" 2/ 5.

وتخفيف اللام (دون منظره سحاب أو قترة) (¬1) أي: ظلمة، قال الله تعالى: {تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ} (¬2). قال المبرد: القترة ما يصيب الإنسان من الغبار المغبي على الألوان، والمفسرون يقولون: سواد (¬3). (أصبح مفطرًا، فإن حال دون منظره سحاب أو قترة) سواد كالدخان مرتفع إلى السماء جمعه قتر بفتح القاف وإسكان التاء (أصبح صائمًا) احتج به أحمد في أشهر الروايات الثلاث عنه على إن حال دون نظر الراء غيم أو قتر وجب الصيام، وقد أجزأ إذا كان من شهر وإن لم يحل سحاب ولا قتر لم يجب الصيام (¬4). قال الحنابلة: فقد فسر ابن عمر ما رواه من قوله: "فاقدروا له" بفعله، وهو راويه وأعلم بمعناه، فيجب الرجوع إلى تفسيره كما رجع إليه في تفسير التفرق في خيار المتبايعين، ولأن الصوم يحتاط له (¬5). (قال) نافع (وكان ابن عمر يفطر مع الناس) إذا أمرهم الإمام بالإفطار (ولا يأخذ بهذا الحساب) فيه وفيما تقدم في الحديث قبله: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب"، رد على من قال: إن الحاسب إذا عرف منازل القمر ¬

_ (¬1) بعدها في الأصل: نسخة: ولا قترة. (¬2) عبس: 41. (¬3) "تفسير الفخر الرازي" 31/ 62. (¬4) "مسائل الإمام أحمد" رواية عبد الله ص 194 (م 724)، ورواية ابنه صالح المسألة (1654)، وانظر كتابنا "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 7/ 348 - 351. (¬5) انظر: "المغني" لابن قدامة 4/ 332، و"كشاف القناع" 2/ 302.

وعلم به وجود القمر وكمال الشهر ومنع من رؤيته حائل جاز له أن يصوم بالعلم الذي حصل له. وهو وجه، قاله ابن سريج (¬1)، وابن قتيبة. وفي "البيان" في كتاب الصلاة عن صاحب "الفروع": إن كان يعلم الوقت بالحساب فهل يقبل قوله في دخول الوقت ودخول رمضان وجهان: المذهب أنه يعمل عليه بنفسه، وأما غيره فلا يعمل عليه (¬2). والجمهور على أنه لا يعمل بقول الحساب؛ لأن حساب النجوم لا مدخل له في الشرع وكذا رواه أبو داود (¬3) عن ابن عباس مرفوعًا: "ما اقتبس رجل علمًا من النجوم إلا اقتبس شعبة من السحر". [2321] (حدثنا حميد بن مسعدة) بن المبارك (الشامي (¬4) حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد بن الصلت) وثقه ابن معين (¬5). (حدثني أيوب قال: كتب ابن عبد العزيز إلى أهل البصرة: بلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فيه العمل بالمكاتبة (فذكر نحو حديث ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) يعني: المتقدم عنه (زاد فيه: وأن) بفتح الهمزة على حذف حرف الجر (أحسن ما يقدر) بضم المثناة تحت وفتح الدال المخففة، ويجوز تشديدها أي: يقدر (له) الهلال بتمام العدة ثلاثين يومًا، وأراد به قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فاقدروا له" (أنا إذا رأينا هلال شعبان لكذا وكذا) يجوز أن ¬

_ (¬1) "المجموع" 6/ 279 - 280. (¬2) "البيان" للعمراني 2/ 36. (¬3) سيأتي (3905) في كتاب الطب: باب في النجوم. (¬4) هكذا بالأصل، والصواب السامي بالمهملة. انظر: "تقريب التهذيب" ت (1559). (¬5) "تاريخ ابن معين" برواية الدارمي ت (62).

يكون اللام بمعنى بعد كقولهم: كتبته لثلاث خلون، ومنه قوله تعالى {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} (¬1) (فإنا نصوم إن شاء الله لكذا وكذا) أي بعد ذهاب ثلاثين يومًا من وقت الرؤية (إلا أن تروا الهلال قبل ذلك) القدر فيعمل بالرؤية، وهذا موافق لمذهب الشافعي، والجمهور أن معنى (فاقدروا له) كمال العدة ثلاثين يومًا كما تقدم، وفي معنى هذا ما قاله أصحابنا: إنا إذا صمنا رمضان بقول عدل ولم نر هلال شوال بعد ثلاثين يومًا أفطرنا على الأصح وإن كانت السماء مصحية؛ لأن رمضان كمل ثلاثين كما كمل شعبان ثلاثين كما ذكر ابن عبد العزيز (¬2). [2322] (حدثنا أحمد بن منيع) بن عبد الرحمن البغوي (عن) يحيى بن زكريا (ابن أبي زائدة، عن عيسى بن دينار، عن أبيه) دينار مولى عمرو بن الحارث (عن) مولاه (عمرو بن الحارث) المصطلقي (ابن أبي ضرار) بكسر الضاد المعجمة. (عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: لما) بتخفيف الميم أي: للذي (صمنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - تسعًا وعشرين أكثر) بالرفع خبر ما الموصولة (مما) ظرف زمان (صمنا معه ثلاثين) يومًا، وهكذا رواه ابن ماجه (¬3) من حديث أبي هريرة: صمنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسعًا وعشرين أكثر مما صمنا ثلاثين. وكذا رواه الدارقطني بسندٍ صحيح عن عائشة (¬4). وبهذه الأحاديث ¬

_ (¬1) الإسراء: 78. (¬2) انظر: "المجموع" 6/ 296، "شرح منهج الطلاب" 2/ 308. (¬3) "سنن ابن ماجه" (1658). (¬4) "سنن الدارقطني" 2/ 198.

ونحوها يرد على بعض الشيعة الذين أسقطوا حكم الأهلة في رمضان، واعتمدوا العدد لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "شهرا عيد لا ينقصان" (¬1)، وسيأتي معناه. [2323] (حدثنا مسدد، أن يزيد بن زريع) بالتصغير وهو الحافظ الذي قال فيه أحمد: إليه المنتهى في التثبت بالبصرة (¬2). (حدثهم) قال: (حدثنا خالد الحذاء) بفتح المهملة وتشديد الذال المعجمة، (عن عبد الرحمن بن أبي بكرة) نفيع، (عن أبيه) نفيع بن الحارث الثقفي. (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: شهرا عيد) وأخرجه أبو نعيم في "مستخرجه" من طريق ابن خليفة، عن مسدد بلفظ: "لا ينقص رمضان ولا ينقص ذو الحجة" (¬3). ولفظ البخاري (¬4): "شهران لا ينقصان: شهرا عيد رمضان وذو الحجة". واختلفوا في قوله: معنى (لا ينقصان) فمنهم من حمله على ظاهره فقال: لا يكون رمضان ولا ذو الحجة أبدًا إلا ثلاثين، وهذا قول مردود معاند للموجود المشاهد، ويكفي لرده قوله: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة"، ولم كان رمضان أبدًا ثلاثين لم ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1912)، ومسلم (1089)، وسيأتي. (¬2) "الجرح والتعديل" 9/ 264. (¬3) لم أجده في المطبوع من "المستخرج" وهو على مسلم، وما وجدته من طريق أبي مسلم الكشي، عن مسدد بإسناده (2447) بلفظ: "شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذو الحجة". وقال ابن حجر في "الفتح" 4/ 124: أخرجه أبو نعيم في "مستخرجه" من طريق أبي خليفة وأبي مسلم الكجي جميعا عن مسدد بهذا الإسناد بلفظ "لا ينقص. . ." فذكره. (¬4) البخاري (1912).

يحتج إلى هذا. وقيل: لا ينقصان معًا، بل إن جاء أحدهما تسعًا وعشرين جاء الآخر ثلاثين. وقيل: لا ينقصان في ثواب العمل فيهما. وروى الحاكم في "تاريخه" بإسناد صحيح: أن إسحاق بن إبراهيم، سئل عن ذلك، فقال: إنكم ترون العدد ثلاثين فإن كان تسعًا وعشرين ترونه ناقصًا، وليس ذلك بنقصان، وقيل: لا ينقصان في عام بعينه وهو العام الذي قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك المقالة. ونقل عن أبي بكر ابن فورك (¬1). وقال الطحاوي (¬2): لا ينقصان في الأحكام وإن نقصا في العدد؛ لأن في (¬3) أحدهما الصيام وفي الآخر الحج وأحكام ذلك كله كاملة غير ناقصة، وجزم بمعناه البيهقي (¬4). قال شيخنا ابن حجر (¬5): وأقرب هذِه الأقوال أن المراد النقص الحسي باعتبار العدد (¬6) ينجبر بأن كلًّا منهما شهر عند الله عظيم، فلا ينبغي وصفهما بالنقصان بخلاف غيرهما من (الشهور) (¬7) وقال البيهقي في "المعرفة" (¬8): إنما خصهما بالذكر لتعلق حكم الصوم والحج ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" 4/ 125 - 126. (¬2) "مشكل الآثار" 1/ 439. (¬3) زيادة من (ل). (¬4) "السنن الكبرى" 4/ 250. (¬5) "فتح الباري" 4/ 125. (¬6) زيادة من (ل). (¬7) في (ر) الشهر، والمثبت من (ل). (¬8) "معرفة السنن والآثار" (6/ 234).

بهما، وبه جزم النووي، وقال: إنه الصواب (¬1). وقال الطيبي: المراد رفع الحرج عما عسى أن يقع فيه خطأ لاختصاصهما بالعيدين وجواز احتمال وقوع الخطأ فيهما. واستدل به بعضهم لمذهب مالك في اكتفائه لرمضان بنية واحدة، قال: لأنه جعل الشهر بجملته عبادة واحدة واكتفى له بالنية (¬2). وروى (هشيم) (¬3) الطبراني من طريق هشيم عن خالد الحذاء بسنده: "كل شهر حرام لا ينقص ثلاثين يومًا وثلاثين ليلة" (¬4) (رمضان وذو الحجة) وأطلق على رمضان بأنه شهر عيد لقربه من العيد، ونظيره قوله - صلى الله عليه وسلم -: "المغرب وتر النهار". أخرجه الترمذي (¬5). وصلاة المغرب ليلية، في "الفتح": كونها وتر النهار لقربها منه. وفيه إشارة إلى أن وقت الحج يقع أوله أول يوم من شوال (¬6). ¬

_ (¬1) شرح "صحيح مسلم" 7/ 199. (¬2) قاله القرافي في "الذخيرة" 2/ 499. وانظر: "فتح الباري" لابن حجر 4/ 125، و"عمدة القاري" للعيني 10/ 408. (¬3) هكذا في الأصل، والظاهر زيادتها. (¬4) ليس في ما طبع من "المعجم الكبير"؛ لكن أورده الهيثمي في "المجمع" (4821) وقال: رواه الطبراني في "الكبير" ورجاله رجال الصحيح. (¬5) "السنن" (552) من طريق ابن أبي ليلى، عن عطية ونافع، عن ابن عمر به. وقال الترمذي: حديث حسن. (¬6) انظر: "فتح الباري" 4/ 126.

5 - باب إذا أخطأ القوم الهلال.

5 - باب إِذا أَخْطَأَ القَوْمُ الهِلالَ. 2324 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبيْدٍ، حَدَّثَنا حَمّادٌ - في حَدِيثِ أيُّوبَ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ أَبي هُريْرَةَ ذَكَرَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فِيهِ قَالَ: "وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ وَأَضْحاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ وَكُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ وَكُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ وَكُلُّ فِجاجِ مَكَّةَ مَنْحَرٌ وَكُلُّ جَمْعٍ مَوْقِفٌ" (¬1). * * * باب إذا أخطأ القوم الهلال [2324] (حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا حميد (¬2) في حديث أيوب) بن أبي تميمة السختياني. (عن محمد بن المنكدر، عن أبي هريرة ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه) رواه الترمذي (¬3) عن أبي هريرة أيضًا "الصوم يوم تصومون". (وفطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون) بضم التاء وتشديد الحاء المهملة. قال الترمذي: حديث حسن. ثم قال الترمذي: وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال: إنما معنى هذا الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس. يعني أن الناس إذا أخطؤوا رؤية الهلال فلم يروه فهم تبع للإمام، فإن صام صاموا، وإن أفطر أفطروا. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (697)، وابن ماجه (1660). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2013). (¬2) هكذا في النسخ، وفي مطبوع "السنن" حماد. ولعلها نسخة الشارح. (¬3) "السنن" (697).

قال أصحابنا (¬1): ليس الفطر (¬2) أول شوال مطلقًا، وإنما هو اليوم الذي يفطر فيه الناس. قال الشافعي عقب هذا الحديث (¬3): فبهذا نأخذ، إنما كلف العباد بالظاهر. قال ابن قدامة (¬4): وهو قول الحسن وابن سيرين، وهو إحدى الروايات عن أحمد (وكل) بقاع أرض (عرفة موقف) يجوز الوقوف وإن كان الصخرات أفضل (وكل) مكان من (منى منحر) وإن كان المكان الذي نحر فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل لما ذكر في موضعه في الحج. (وكل فجاج) جمع فج وهو الطريق الواسع (مَكَّةَ منحر) هكذا هنا، وذكر في الحج من رواية جابر: "وكل فجاج مكة طريق" (¬5)، وهو الموافق للفجاج، والمراد أن أراضي حرم مكة كلها منحر حيث نحر منها أجزأه في الحج والعمرة، ولكن السنة في الحج أن ينحر بمنى؛ لأنها موضع تحلله، وفي العمرة بمكة وأفضلها عند المروة؛ لأنه موضع تحلله. (وكل جمع) بفتح الجيم وإسكان الميم أي المزدلفة كما في حديث جابر (موقف) للمبيت بالمزدلفة وإن كان موقف النبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل. ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع" للنووي 5/ 29. (¬2) زيادة من (ل). (¬3) "الأم" 2/ 484. (¬4) "المغني" 3/ 108. (¬5) رواه ابن ماجه (3048)، وأحمد 3/ 326.

6 - باب إذا أغمي الشهر

6 - باب إِذا أُغْميَ الشَّهْرُ 2325 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْديٍّ، حَدَّثَني مُعاوِيَةُ بْنُ صالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي قيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها تَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَحَفَّظُ مِنْ شَعْبانَ ما لا يَتَحَفَّظُ مِنْ غيْرِهِ ثُمَّ يَصُومُ لِرُؤْيَةِ رَمَضانَ فَإِنْ غُمَّ عَليْهِ عَدَّ ثَلاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ صامَ (¬1). 2326 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبّاحِ البَزّازُ، حَدَّثَنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الحَمِيدِ الضَّبّيُّ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ المُعْتَمِرِ، عَنْ رِبْعيِّ بْنِ حِراشٍ، عَنْ حُذيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُقَدِّمُوا الشَّهْرَ حَتَّى تَرَوُا الهِلالَ أَوْ تُكْمِلُوا العِدَّةَ ثُمَّ صُومُوا حَتَّى تَرَوُا الهِلالَ أَوْ تُكمِلُوا العِدَّةَ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَواهُ سُفْيانُ وَغيْرُهُ، عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعيٍّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحابِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - لم يُسَمِّ حُذيْفَةَ (¬2). * * * باب إذا غم الشهر [2325] (حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثني عبد الرحمن بن مهدي) ابن حسان اللؤلؤي، أحد الأعلام (حدثنا معاوية بن صالح) بن حُدير الحضرمي (عن عبد الله بن أبي قيس) الشامي مولى عطية بن عازب بالعين المهملة والزاي من تابعي الشاميين، وثقه النسائي، وغيره (¬3). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 149، وابن خزيمة في "صحيحه" (1910)، وابن حبان (3444). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2014). (¬2) رواه النسائي 4/ 135، وابن خزيمة في صحيحه (1911)، وابن حبان (3458). ورواه أحمد 4/ 314 من حديث بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2015). (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" (15/ 460)، و"معرفة الثقات" للعجلي ت (953).

(قال: سمعت عائشة تقول: كان رسول الله يتحفظ من) يحتمل أن يكون من بمعنى في كما حكاه ابن الصباغ في "الشامل" (¬1) عن الشافعي، {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ} (¬2) أي: في قوم؛ وفي قوله تعالى: {مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ} (¬3). (شعبان ما لا يتحفظ من) أي: في (غيره) من الشهور قال الجوهري (¬4) التحفظ هو التيقظ وقلة الغفلة. أي: كان يستعد في هذا الشهر ويجتهد بكثرة العبادات وتلاوة القرآن والصدقة؛ لأنه شهر يغفل عنه لكونه بين شهرين عظيمين رجب ورمضان، فيشتغل الناس بهما عنه فيصير مغفولًا عنه. ويدل على هذا ما رواه النسائي (¬5) من حديث أسامة بن زيد. قلت: يا رسول الله لم أرك تصوم من (¬6) شهر من الشهور ما تصومه من شعبان، قال: "ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين". وبإسناد ضعيف عن أنس: كان المسلمون إذا دخل شعبان أكبوا على المصاحف يقرؤوها وأخرجوا زكاة أموالهم تقوية للضعيف والمسلمين على صيام رمضان (¬7). وكان ¬

_ (¬1) "الشامل في فروع الشافعية" لابن الصباغ، وهو مخطوط لم يطبع. (¬2) النساء: 92. (¬3) فاطر: 40، الأحقاف: 4. (¬4) في الأصل: الجوزي، والصواب (الجوهري)، انظر: "الصحاح" (3/ 308). (¬5) النسائي في "السنن" (2357)، وفي "الكبرى" (2678)، وأحمد 5/ 201 من طرق، عن ثابت بن قيس، عن أبي سعيد المقبري، عن أسامة بن زيد به. (¬6) زيادة من (ل). (¬7) رواه قوام السنة في "الترغيب والترهيب" 2/ 350.

عمرو بن قيس الملائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن. ويحتمل أن تكون (من) على بابها، ويكون التقدير: كان يحفظ نفسه من تضييع صومه شعبان، ويتحفظ (¬1) منه ما لا يتحفظ من غيره. (ثم يصوم (¬2) لرؤية رمضان) يحتمل أن تكون اللام بمعنى بعد كما تقدم، ويحتمل أن تكون السببية أي: بسبب رؤية الهلال فإن رؤيته سبب موجب لصيام رمضان لرواية عبد الله بن جراد قال: أصبحنا يوم الثلاثين صيامًا، وكان الشهر قد أغمي علينا فأتينا النبي فوجدناه مفطرًا، فقال: "أفطروا إلا أن يكون رجل يصوم [هذا اليوم] (¬3) فليصم لأنْ أفطر يومًا من رمضان يتمارى فيه أحب إليَّ من أن أصوم يومًا من شعبان ليس منه". يعني: من رمضان (¬4) (فإن غم عليه) بضم الغين المعجمة كما تقدم. ¬

_ (¬1) في (ر): للحفظ. (¬2) بعدها في الأصل: نسخة: بصومه. (¬3) زيادة من (ل). (¬4) أخرجه ابن الجوزي في "التحقيق في أحاديث الخلاف" 2/ 77 عن الخطيب وقال: هذا الحديث موضوع على ابن جراد لا أصل له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا ذكره أحد من الأئمة الذين جمعوا "السنن" وترخصوا في ذكر الأحاديث الضعاف، وإنما هو مذكور في نسخة يعلى بن الأشدق عن ابن جراد وهي نسخة موضوعة. قال أبو زرعة الرازي: يعلى بن الأشدق ليس بشيء. وقال أبو أحمد بن عدي الحافظ: وروى يعلى بن الأشدق عن عمه عبد الله بن جراد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث كثيرة منكرة وهو وعمه غير معروفين. وقال البخاري: يعلى لا يكتب حديثه. وقال أبو حاتم بن حبان الحافظ: لقي يعلى عبد الله بن جراد فلما كبر اجتمع عليه من لا دين له فوضعوا له شبيها بما في حديث نسخة عن ابن جراد فجعل يحدث بها وهو لا يدري لا يحل الرواية عنه. اهـ.

(عد) من شعبان (ثلاثين يومًا ثم صام) وهذا يبين الرواية المتقدمة، وإن غم عليكم فاقدروا له. [2326] (حدثنا محمد بن الصباح البزاز) بزاءين معجمتين الجرجرائي التاجر بالجيم (¬1) (حدثنا جرير بن عبد الحميد الضبي) بالضاد المعجمة والباء الموحدة المشددة (عن منصور بن المعتمر) السلمي بضم السين من أئمة الكوفة (عن ربعي بن حراش) بكسر الحاء المهملة (عن حذيفة) بن اليمان - رضي الله عنه - (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تَقَدّموا) بفتح التاء والقاف وتشديد الدال أي: لا تتقدموا؛ لأن أصله بتاءين ثم حذفت إحداهما. ورواية البخاري "لا يتقدمن أحدكم رمضان" (¬2). وفي رواية لأحمد عن روح، عن هشام: "لا تتقدموا قبل رمضان بصوم" (¬3). ورواية الترمذي (¬4): "لا تقدموا شهر رمضان بصيام قبله". وروى مسروق عن عائشة: أن قوله تعالى: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} نزلت في النهي عن صوم يوم الشك، قالت: يقول: لا تصوموا قبل أن يصوم نبيكم - صلى الله عليه وسلم - (¬5). وفي معناه: لا تصوموا قبل أن يصوم إمامكم كما تقدم. ¬

_ (¬1) (الجرجرائي التاجر بالجيم) زيادة في الترجمة فهو غير البزاز، فالبزاز هو الدولابي صاحب "السنن" وكلاهما - البزاز، والجرجرائي - محمد بن الصباح، وكلاهما شيخ لأبي داود. سئل أبو زرعة: محمد بن الصباح البزاز أحب إليك أو محمد بن الصباح الجرجرائي؟ فقال: محمد بن الصباح البزاز "الجرح والتعديل" 7/ 298). (¬2) "صحيح البخاري" (1914). (¬3) "المسند" (2/ 513). (¬4) "السنن" للترمذي (685). (¬5) أخرجه الواحدي في "التفسير الوسيط" (4/ 150).

ولا (تصوموا) (¬1) رمضان قبل دخول وقته برؤية أو عدد، وفي الحديث والآية دليل على أنه لا يجوز أداء فرض ولا تطوع من صيام وصلاة وغيرهما قبل دخول الوقت المفروض له (الشهر) أي شهر رمضان بصيام يوم أو يومين كما سيأتي في الحديث بعده (حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة) فيه دليل لما قاله الجمهور أنه لا يجب صوم رمضان إلا بأحد سببين إكمال شعبان ثلاثين، أو رؤية الهلال، ومفهوم الغاية يحيي أنه لا يجب بغير هذين، وقد جزم الرافعي عند الكلام في يوم الشك بأنه لا أثر لظننا الرؤية لولا السحاب لبعد الهلال (¬2). ولو قال شخص أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام، وقال له: إن غدًا من رمضان فصمه؟ قلنا: قد حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته في اليقظة أنه لا يجب إلا برؤية الهلال أو تكميل العدة كما في الحديث، ذكره القاضي حسين وغيره (¬3) ونقل القاضي عياض الإجماع عليه (¬4) فلا يصح صومه لصاحب المنام ولا لغير؛ لاختلال المنام لا للشك في الرؤية. (ثم صوموا) أي من رمضان (حتى تروا الهلال) يعني هلال شوال (أو تكملوا العدة) ثلاثين. (قال أبو داود: ورواه سفيان وغيره، عن منصور، عن ربعي، عن رجل من أصحاب النبي لم يسم حذيفة) لابن الأعرابي. ¬

_ (¬1) في (ر): تقوموا. (¬2) "الشرح الكبير" 6/ 415. (¬3) ذكره النووي في "المجموع" 6/ 281. (¬4) "إكمال المعلم شرح صحيح مسلم" للقاضي عياض 1/ 125.

7 - باب من قال: فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين.

7 - باب مَنْ قَالَ: فَإِنْ غُمَّ عَليْكُمْ فَصُومُوا ثَلاثِينَ. 2327 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ، حَدَّثَنا حُسيْنٌ عَنْ زائِدَةَ، عَنْ سِماكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُقَدِّمُوا الشَّهْرَ بِصِيامِ يَوْمٍ وَلا يَوْميْنِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ شَيء يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ وَلا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ ثُمَّ صُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ حالَ دُونَهُ غَمامَةٌ فَأَتِمُّوا العِدَّةَ ثَلاثِينَ ثُمَّ أَفْطِرُوا وَالشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَواهُ حاتِمُ بْنُ أَبي صَغِيرَةَ وَشُعْبَةُ والحَسَنُ بْنُ صالِحٍ عَنْ سِماكٍ بِمَعْناهُ لَمْ يَقُولُوا: "ثُمَّ أَفْطِرُوا". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهُوَ حاتِمُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ أَبي صَغِيرَةَ وَأَبُو صَغِيرَةَ زَوْجُ أُمِّهِ (¬1). * * * باب من قال إذا غم (¬2) عليكم فصوموا ثلاثين [2327] (حدثنا الحسن بن علي) الهذلي الحافظ أو الواسطي (عن حسين) بن الوليد الجعفي (عن زائدة) بن قدامة الثقفي ثقة حجة (¬3) (عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تقدموا) بفتح التاء والقاف كما تقدم (الشهر بصيام يوم ولا يومين) (¬4) بقصد الاحتياط له، فإن صومه مرتبط بالرؤية فلا حاجة إلى التكلف، ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (688)، والنسائي 4/ 136. ورواه مختصرا مسلم (1088). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2016). (¬2) بعدها في الأصل: نسخة: إذا أغمي. (¬3) انظر: "الكاشف" للذهبي 1/ 317. (¬4) بعدها في الأصل: نسخة: أو يومين.

وإنما اقتصر على يوم أو يومين؛ لأنه الغالب ممن يقصد ذلك، وأبعد من قال: المراد بالنهي التقدم بنية رمضان، واستدرك عليه بلفظ التقدم؛ لأن التقدم على الشيء بالشيء إنما يتحقق إذا كان من جنسه (إلا أن يكون شيء يصومه أحدكم) أختلفوا في النهي عن الصيام قبل رمضان وفي الاستثناء منه فقيل: منع من إنشاء الصوم قبل رمضان في يوم أو يومين فقط لأجل الاحتياط فما زاد على اليومين قبله فمفهوم الاستثناء الجواز، وقيل: يمتد المنع بالنهي لما قبل اليومين، وبه قطع كثير من الشافعية (¬1). وأجابوا عن الحديث بأن ذكر اليوم واليومين للغالب، ولا مفهوم له كالمفهوم في قوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} (¬2)، وقيل: ابتداء النهي من السادس عشر من شعبان للحديث الآتي: "إذا انتصف شعبان" (¬3)، فإنه مخصص بهذا (لا تصوموا) من شعبان (حتى تروه) يعني هلال رمضان (ثم صوموا حتى تروه) يعني هلال شوال (¬4) (فإن حال دونه غمامة) أو قترة (فأتموا العدة ثلاثين) يومًا (ثم أفطروا) فيه دليل على وجوب الإفطار يوم عيد الفطر (والشهر تسع وعشرون) تقدم. (قال أبو داود: رواه أبو حاتم بن أبي صغيرة وشعبة والحسن بن صالح، عن سماك بمعناه لم يقولوا: ثم أفطروا قال أبو داود: وهو حاتم بن مسلم [بن أبي صغيرة] (¬5) أبو صغيرة زوج أمه). ¬

_ (¬1) "المهذب" 1/ 346. (¬2) النساء: 23. (¬3) سيأتي برقم (2337). (¬4) في (ر): شعبان. خطأ. (¬5) من مطبوع "السنن".

8 - باب في التقدم

8 - باب في التَّقَدُّمِ 2328 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ ثابِتٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصيْنٍ وَسَعِيدٍ الجُريْريِّ، عَنْ أَبي العَلاءِ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِرَجُلٍ: "هَلْ صُمْتَ مِنْ سَرَرِ شَعْبانَ شيْئًا". قَالَ لا. قَالَ: "فَإِذا أَفْطَرْتَ فَصُمْ يَوْمًا". وقَالَ أَحَدُهُما: "يَوْميْنِ" (¬1). 2329 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ العَلاءِ الزُّبيْديُّ مِنْ كِتابِهِ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ العَلاءِ، عَنْ أَبي الأَزْهَرِ المُغِيرَةِ بْنِ فَرْوَةَ قَالَ قَامَ مُعاوِيَةُ في النّاسِ بِديْرِ مِسْحَلٍ الذي عَلَى بابِ حِمْصَ فَقَالَ يا أيُّها النّاسُ إِنّا قَدْ رَأيْنا الهِلالَ يَوْمَ كَذا وَكَذا وَأَنا مُتَقَدِّمٌ بِالصِّيامِ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَفْعَلَهُ فَلْيَفْعَلْهُ. قَالَ: فَقامَ إِليْهِ مالِكُ بْنُ هُبيْرَةَ السَّبَئيُّ فَقَالَ يا مُعاوِيَةُ أَشَئ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمْ شَيء مِنْ رَأْيِكَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "صُومُوا الشَّهْرَ وَسِرَّهُ" (¬2). 2330 - حَدَّثَنا سُليْمانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقيُّ - في هذا الحَدِيثِ - قَالَ: قَالَ الوَلِيدُ: سَمِعْتُ أَبا عَمْرٍو - يَعْني: الأَوْزاعيَّ - يَقُولُ سِرُّهُ أَوَّلُهُ (¬3). 2331 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن عَبْدِ الواحِدِ، حَدَّثَنا أَبُو مُسْهِرٍ قَالَ: كَانَ سَعِيدٌ - يَعْني ابن عَبْدِ العَزِيزِ - يَقُولُ سِرُّهُ أَوَّلُهُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وقَالَ بَعْضُهُمْ: سِرُّهُ وَسَطُهُ، وَقالُوا: آخِرُهُ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1983)، ومسلم (1161). (¬2) رواه الطبراني 19/ 384 (901)، والبيهقي 4/ 210. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (397). (¬3) وقال الألباني في "ضعيف أبي داود" (398): إسناده صحيح إلى الأوزاعي، لكنه مقطوع وشاذ، وقد أنكره الخطابي من الوجهة العربية. (¬4) وقال الألباني في "ضعيف أبي داود" (399): إسناده صحيح إلى سعيد، ولكنه مقطوع، مستنكر لغة.

باب في التقدم [2328] (حدثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة المنقري (¬1) (حدثنا حماد) بن سلمة (عن ثابت، عن مطرف، عن عمران بن حصين وسعيد الجريري، عن أبي العلاء، عن مطرف، عن عمران بن حصين، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل: هل صمت من سرر) بفتح السين وكسرها، وحكى القاضي عياض ضمها، وقال: هو جمع سرة وهو من الاستسرار (¬2) ورجح الفراء الفتح. قال أبو عبيد (¬3) والجمهور: المراد بالسرر ها هنا آخر الشهر، سميت بذلك لاستسرار القمر فيها وهي ليلة ثمان وعشرين وتسع وعشرين وثلاثين (¬4) وسيأتي ما ذكره المصنف. (قال: لا) قال الخطابي: قال بعض أهل العلم: سؤاله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك سؤال زجر وإنكار (¬5). قال ابن المنير في الحاشية: قوله: سؤال إنكار. فيه تكلف، ويدفع في صدره قول المسؤول: لا يا رسول الله، والغرض أنه لم يصم فكيف ينكر عليه فعل ما لم يفعل، ويحتمل أن الرجل كان له عادة بصيام آخر الشهر، فلما سمع نهيه - صلى الله عليه وسلم - أن يتقدم رمضان بصوم يوم أو يومين ولم ¬

_ (¬1) في (ر): البغوي. (¬2) "إكمال المعلم" 4/ 135. (¬3) "غريب الحديث" لأبي عبيد 1/ 132. (¬4) انظر: "تاج العروس" 12/ 16، و"جمهرة اللغة" 1/ 38، "لسان العرب" 4/ 356. (¬5) "غريب الحديث" 1/ 132.

يبلغه الاستثناء ترك الصيام الذي كان اعتاده من ذلك، فأمر بقضائها ولتستمر محافظته على ما وظف نفسه من العبادة؛ لأن أحب العمل إلى الله تعالى ما داوم عليه صاحبه (¬1). قال القرطبي: الفرار من حمل سرار الشهر على غير ظاهره وهو آخر الشهر الفرار من المعارضة لنهيه - صلى الله عليه وسلم - من تقدم يوم أو يومين، وقال: الجمع بين الحديثين ممكن بأن يحمل النهي على من لم يكن له عادة بصوم شيء من شعبان فيصومه لأجل رمضان، وأما لمن كانت له عادة أن يصوم فليستمر على عادته. قال: وقد جاء هذا في بقية الخبر؛ فإنه قال: "إلا أن يكون أحدكم يصوم صومًا فليصمه" (¬2). (قال: فإذا أفطرت فصم يومًا، وقال أحدهما) يعني حماد بن سلمة وسعيد (يومين) (¬3) الرواية المشهورة، ووقع في "سنن أبي مسلم اللخمي" (¬4) "فصم مكان اليوم يومين". وقال القرطبي (¬5): ويظهر إنما أمره بصوم يومين للمزية التي يختص بها شعبان فلا بُعد في أن يقال: إن صوم يوم منه كصوم يومين في غيره، ويشهد لهذا أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم منه أكثر مما يصوم من غيره اغتنامًا لمزية ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" 4/ 231. (¬2) "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" 3/ 234. (¬3) في (ر): وهو. (¬4) عبد الرحمن بن علي بن المسلم اللخمي الخرقي الدمشقي حدث بكتاب "السنن" لأبي داود عن عبد الكريم بن حمزة عن الخطيب. انظر: "التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد" ص 343. (¬5) "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (3/ 235).

فضيلته، انتهى. فعلى هذا يستحب لمن فاته يوم من رمضان أن يصوم مكانه أيامًا لعظم مزية حرمته على شعبان. وفي هذا الحديث دليل على مشروعية قضاء التطوع، وقد يؤخذ قضاء الفرض بطريق الأولى خلافًا لمن منع من ذلك. [2329] (حدثنا إبراهيم بن العلاء الزُبيدي) بضم الزاي المعروف زِبْريق، بكسر الزاي وسكون الموحدة مستقيم الحال إلا في حديث واحد يقال: إن ابنه محمدًا أدخله عليه (¬1) (من كتابه) فيه جواز الرواية عمن يمليه من كتابه المعتمد كما يجوز من حفظه (قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا عبد الله بن العلاء) بن زبر - بفتح الزاي وسكون الموحدة - الربعي الدمشقي. وثقه أبو داود (¬2). (عن أبي الأزهر المغيرة بن فروة) الثقفي روى (قال: قام معاوية) بن أبي سفيان، تولى الشام (بدير مِسْحل) بكسر الميم وإسكان السين المهملة، وفتح المهملة أيضًا (الذي على باب حمص) لا يجوز صرفها كما في هند؛ لأنه اسم أعجمي سميت برجل من العمالقة، قاله البكري (¬3). (فقال: يا أيها الناس، أنا قد رأيت الهلال يوم كذا وكذا، وأنا متقدم بالصيام) أي: رأينا هلال شعبان يوم كذا وكذا، وأنا أحب أن أستقبل ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 2/ 162 - 163. (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 15/ 408. (¬3) "معجم ما استعجم" 2/ 468.

صيام رمضان بصوم على عادتي، أو لأني نذرته (فمن أحب أن يفعله) أي: من أحب أن يصومه (فليفعله). (قال: فقام إليه مالك بن هبيرة) بن خالد بن مسلم (السبائي) (¬1) السكوني معدود في الشاميين، كان أميرًا لمعاوية على الجيوش، (فقال: يا معاوية) أهذا الذي تقوله (شيء سمعته من رسول الله) فترفعه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أم شيء) قلته (من رأيك؟ ) واجتهادك. (فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: صوموا الشهر) أي يوم هلال شعبان والعرب تسمي الشهر هلالًا لاشتهاره وأنشد ابن الأعرابي: والشهر مثل قلامة الظفر (¬2) (وسِرِّه) بكسر السين وتشديد الراء. [2330] (حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي في هذا الحديث قال: سمعت الوليد) بن مسلم الدمشقي، سمعت (أبا عمرو يعني) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي يقول: سره) بالرفع؛ لأنه مبتدأ (أوله) بالنصب؛ لأنه ظرف وقع خبرًا كقوله تعالى: {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} (¬3)، ونقل الخطابي عن الأوزاعي أن سره آخره كالجمهور (¬4). ¬

_ (¬1) في (ر): السساني، وفي مطبوع "السنن": السبئسي، والمثبت من (ل). (¬2) انظر: "معالم السنن" للخطابي 2/ 97. (¬3) الأنفال: 42. (¬4) "معالم السنن" 2/ 97، وقال الخطابي عن قول الأوزاعي: سره أوله. أنا أنكر هذا التفسير وأراه غلطا في النقل ولا أعرف له وجها في اللغة، والصحيح أن سره آخره هكذا حدثناه أصحابنا عن إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل حدثنا محمود بن خالد الدمشقي، عن الوليد، عن الأوزاعي، قال: سِره آخره. وهذا هو الصواب. اهـ.

وقيل: السرر وسط الشهر، حكاه أبو داود (¬1) أيضًا (¬2) ورجحه بعضهم، ورجح بأن السرر جمع (¬3) سرة وسرة الشيء وسطه، ويؤيده الندب إلى صيام أيام البيض، وهي وسط الشهر، وأنه لم يرد في صيام آخر الشهر ندب، بل ورد نهي خاص وهو آخر شعبان إن (¬4) صامه لأجل رمضان (¬5). ¬

_ (¬1) نسخة أخرى للسنن اعتمد عليها الشارح. (¬2) زيادة من (ل). (¬3) زيادة من (ل). (¬4) في (ر): لمن. (¬5) في هذا الموضع أثر سقط من الشارح استدرك من المطبوع قال أبو داود: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الوَاحِدِ، حَدَّثنَا أَبُو مُسْهِر، قَالَ: كَانَ سَعِيدٌ - يَعْنِي: ابن عَبْدِ العَزِيزِ - يَقُولُ: سِرُّهُ أوَّلُهُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ سِرُّهُ وَسَطُهُ وَقَالُوا آخِرُهُ.

9 - باب إذا رؤي الهلال في بلد قبل الآخرين بليلة

9 - باب إِذا رُؤيَ الهِلالُ في بَلَدٍ قَبْلَ الآخَرِينَ بِليْلَةٍ 2332 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ - يَعْني: ابن جَعْفَرٍ - أَخْبَرَني مُحَمَّدُ بْنُ أَبي حَرْمَلَةَ، أَخْبَرَني كُريْبٌ أَنَّ أُمَّ الفَضْلِ ابنةَ الحارِثِ بَعَثَتْهُ إِلى مُعاوِيَةَ بِالشّامِ قَالَ: فَقَدِمْتُ الشّامَ فَقَضيْتُ حاجَتَها فاسْتُهِلَّ رَمَضانُ وَأَنا بِالشّامِ فَرَأيْنا الهِلالَ ليْلَةَ الجُمعَةِ، ثُمَّ قَدِمْتُ المَدِينَةَ في آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَني ابن عَبَّاسٍ ثُمَّ ذَكَرَ الهِلالَ فَقَالَ: مَتَى رَأيْتُمُ الهِلالَ؟ قُلْتُ: رَأيْتُهُ ليْلَةَ الجُمُعَةِ. قَالَ: أَنْتَ رَأيْتَهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ وَرَآهُ النّاسُ وَصامُوا وَصامَ مُعاوِيَةُ. قَالَ: لَكِنّا رَأيْناهُ ليْلَةَ السَّبْتِ فَلا نَزالُ نَصُومُهُ حَتَّى نُكْمِلَ الثَّلاثِينَ أَوْ نَراهُ. فَقُلْتُ: أفَلا تَكْتَفي بِرُؤْيَةِ مُعاوِيَةَ وَصِيامِهِ قَالَ: لا، هَكَذا أَمَرَنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). 2333 - حَدَّثَنا عُبيْدُ اللهِ بْنُ مُعاذٍ، حَدَّثَني أَبي، حَدَّثَنا الأَشْعَثُ، عَنِ الحَسَنِ. في رَجُلٍ كَانَ بِمِصْرٍ مِنَ الأَمْصارِ فَصامَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَشَهِدَ رَجُلانِ أنَهُما رَأيا الهِلالَ ليْلَةَ الأَحَدِ فَقَالَ: لا يَقْضي ذَلِكَ اليَوْمَ الرَّجُلُ وَلا أَهْلُ مِصْرِهِ إِلَّا أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّ أَهْلَ مِصْرٍ مِنْ أَمْصارِ المُسْلِمِينَ قَدْ صامُوا يَوْمَ الأَحَدِ فيقْضُونَهُ (¬2). * * * باب إذا رُئي الهلال في بلد قبل آخرين بليلة وإذا كان هلال الشهر مأمورًا بصيامه فقد علم أن الأمر بصيام سره غير أوله. قال البيهقي: إنما أراد بالشهر الهلال، وأراد بالسر آخر الشهر، فكأنه استحب صوم أوله وآخره (¬3). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1087). (¬2) قال الألباني في "صحيح أبي داود": صحيح مقطوع. (¬3) "معرفة السنن والآثار" 6/ 241.

[2332] (حدثنا موسى بن إسماعيل) المنقري (حدثنا إسماعيل بن جعفر المدني، أخبرني محمد يعني ابن أبي حرملة) المدني قال: (أخبرني كريب، أن أم الفضل) (¬1) واسمها لبابة بضم اللام وتخفيف الباء الموحدة الأولى (¬2) (بنت الحارث) أخت ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - (بعثته إلى معاوية) بن أبي سفيان وهو متولي (بالشام) في حاجة لها. (قال: فقدمت الشام، فقضيت حاجتها، فاستهل) بضم التاء وكسر الهاء مبنيًّا لما لم يسم فاعله وأصل استهل من الإهلال وهو رفع الصوت عند رؤية الهلال ثم غلب عرف الاستعمال فصار يعرف منه رؤية الهلال، ومنه سمي الهلال لما كان يهل عنده. (رمضان) قال الزمخشري: رمضان (¬3) مصدر رمض إذا احترق من الرمضاء فأضيف الشهر إليه وجعل علمًا ومنع الصرف للتعريف والألف واللام (¬4). فإن قلت: فإذا كانت التسمية واقعة بالمضاف والمضاف إليه جميعًا فما وجه هذا الحديث؟ فالجواب: أنه من باب الحذف للمضاف وإقامة المضاف إليه مقامه (¬5). ولم يسموا الشهر مع ما يضاف إليه إلا أربعة أشهر شهر ¬

_ (¬1) في (ر): أم العقيل. وهو خطأ. (¬2) قلت: والثانية أيضًا. (¬3) زيادة من (ل). (¬4) كذا: الألف واللام! . والصواب: الألف والنون، كما في "الكشاف" 1/ 227. (¬5) قال الزمخشري في "الكشاف" 1/ 227: هو من باب الحذف لأمن الإلباس.

رمضان وشهر رجب وشهر ربيع، وانحصرت هذِه الشهور في أن أولها راء وأما بقية الشهور فلا يذكر معها الشهر فيقول: صفر ولا نقول شهر صفر، وكذا باقيها، وهل يكره أن يقال: رمضان من غير إضافة الشهر إليه؟ فيه ثلاثة مذاهب (¬1): أحدها: أنه يكره، وهو مذهب مالك (¬2) وجماعة لرواية البيهقي: "لا تقولوا رمضان؛ فإن رمضان اسم من أسماء الله، لكن قولوا: شهر رمضان" (¬3). والثاني: لا يكره لهذا الحديث، وحديث البيهقي ضعيف (¬4). والثالث: وهو مذهب أصحابنا (¬5) وجماعة: أنه (¬6) إن انضم إليه قرينة تصرفه إلى الشهر لم يكره وإلا يكره، فتقول: رمضان أفضل الأشهر، ويكره: جاء رمضان. (وأنا) يومئذٍ (بالشام، فرأينا) هكذا رواية الترمذي (¬7) ورواية مسلم: فرأيت (¬8) (الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني ابن ¬

_ (¬1) انظر: "شرح مسلم" للنووي 7/ 187 - 188، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي 3/ 77. (¬2) ذكر الباجي في "المنتقى" 2/ 35 الخلاف، ورجح الجواز. وكذا أغلب فقهاء المالكية يحكون الخلاف ويرجحون الجواز. (¬3) "السنن الكبرى" 4/ 201 (8185) وضعفه. قال النووي في "تهذيب الأسماء" 3/ 77: والضعف بيّن عليه. (¬4) وهو مذهب البخاري، والنووي. انظر: "المجموع" 6/ 247. (¬5) انظر: "الحاوي" 2/ 396. (¬6) زيادة من (ل). (¬7) "السنن" (693). (¬8) "صحيح مسلم" (1087).

عباس) عن أشياء فيه ([ثُمَّ ذَكَرَ الهِلَالَ، فَقَالَ: مَتَى رَأيْتُمُ الهِلَالَ]) (¬1) يعني هلال رمضان. (قلت: رأيته) رواية مسلم (¬2): رأيناه (ليلة الجمعة، قال: أنت رأيته) ليلة الجمعة؟ (قلت: نعم، ورآه الناس وصاموا، وصام معاوية) فيه الزيادة على جواب المسؤول عنه إذا كان فيه فائدة يتعلق بها الجواب. (فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت) ظاهره أن الرؤية كانت بعد غروب الشمس (فلا نزال نصومه) رواية مسلم وغيره: نصوم بغير ضمير، وهو الظاهر (حتى نكمل) بضم النون وتشديد الميم المكسورة (الثلاثين، أو نراه) اختلف الناس (¬3) في قول ابن عباس: هل كان عنده نص في هذِه المسألة أو أشار إلى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته". (فقلت: أو) بفتح الواو (تكتفي) نسخة: أفلا نكتفي بالنون (برؤية معاوية) في الشام (وصيامه؟ قال: لا، هكذا أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) هو ظاهر في أن عنده نص صريح. قال الرافعي: روي أن (¬4) ابن عباس أمر كريبًا أن يقتدي بأهل المدينة (¬5). وهو ظاهر في قوله: أو لا نكتفي برؤية معاوية وصيامه. ¬

_ (¬1) سقطت من المخطوط. (¬2) زيادة من (ل). (¬3) زيادة من (ل). (¬4) زيادة من (ل). (¬5) "صحيح مسلم" (1087/ 28).

قال: قال في مسلم (¬1): شك يحيى بن يحيى في لفظه: نكتفي من الحديث هل هي بالتاء المثناة فوق أوله (¬2) أو بالنون، ويدل على أنه نص ما جاء في "مصنف سعيد بن منصور" أن قومًا من العرب سكنا بين جبال لا يرون الهلال إذا رآه الناس سألوا عمر بن الخطاب عن ذلك فقال لهم: لا تفطروا حتى تروه. وقد اختلفوا فيما (¬3) إذا رؤي الهلال في بلد قبل آخرين بليلة هل يلزمهم حكمه أم يلزم كل بلد رؤيتهم؟ قال الترمذي في آخر الحديث: والعمل عند أهل العلم أن لكل بلد رؤيتهم (¬4). والصحيح عند أصحابنا أن الرؤية لا تعم الناس، بل تختص بمن هو في بلد قريب على مسافة لا تقصر فيها الصلاة، ويدل عليه تبويب المصنف في قوله: قبل آخرين بليلة، أي: مع يومها، فإنها دون مسافة القصر، لكن يعارض الحديث الأول ما رواه سعيد بن منصور في "مصنفه" - قال السبكي: بسند صحيح - إلى أبي عمير بن أنس. قال: أخبرني عمومة لي من الأنصار من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا: غم علينا هلال شوال فأصبحنا صيامًا، فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ¬

_ (¬1) "الشرح الكبير" 3/ 180، قال ابن الملقن في "البدر المنير" 5/ 650: وهذا غريب. (¬2) مكررة في (ل). (¬3) في (ر): أنهما. (¬4) "السنن" (693).

يفطروا ثم يخرجوا لعيدهم من الغد (¬1). ثم قال السبكي: فهذا الحديث نص في ثبوت حكم بلد لبلد أخرى، بل قد يقال: إن ترك الاستفصال عن المسافة التي قطعوها بعد رؤيته، وعن موضع رؤيته يدل على أنه لا يعتبر المسافة ولا المطالع، وثبت الحكم على العموم كما هو أحد الوجهين في أصل المسألة. قال: ولعل قائلًا يجمع بين هذا الحديث وحديث كريب بأن هذا الحديث الهلال فيه في أثناء النهار؛ فلزمنا (¬2) حكمه وحديث كريب لم يثبت إلا بعد أول الشهر فيجب أن يصوم ثلاثين أو يراه. إلا أن هذا يلزم فيما إذا ثبت في أثناء النهار رؤيته في تلك البلد والمنقول فيها وجوب قضاء اليوم الأول فتأمل ذلك. [2333] (حدثنا عبيد الله) بالتصغير (ابن معاذ) بن معاذ التميمي [قال أبو داود: كان يحفظ نحو عشرة آلاف حديث (حدثني أبي) معاذ بن معاذ] (¬3) العنبري قاضي البصرة. (حدثنا الأشعث، عن الحسن) أنه سئل (في رجل كان بمصر) بالتنوين (من الأمصار) لأنه لم يرد بلدة بعينها. قال الزجاج: يصرف لأنه مذكر مثل دعد وهند، أي: على ثلاثة ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد 5/ 58، وعبد الرزاق في "المصنف" 1/ 529 (2023)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" 6/ 253 (9554، 37336)، وابن ماجه في "السنن" (1653) من طريقه، كلهم من طريق هشيم، عن أبي بشر، عن أبي عمير بن أنس به. (¬2) في (ر): قلت منا. (¬3) من (ل).

أحرف أوسطه ساكن، والمصر في اللغة الحاجز بين الشيئين (¬1). (فصام يوم الاثنين) مثلًا. (وشهد رجلان) أي: بصفة الشهود (أنهما رأيا الهلال ليلة الأحد) قبلها، (فقال: لا يقضي ذلك اليوم) بالنصب مفعول مقدم (الرجل) بالرفع فاعل يقضي، (ولا أهل) بالرفع معطوف، (مصره إلا أن يعلموا أن أهل مصر من أمصار المسلمين قد صاموا يوم الأحد) بأمر شائع ذائع يستغني عن الشهادة والتعديل، (فيقضوه) إن فات الأداء. وهذا فيه حجة لمذهب مالك على ما حكاه القرطبي: أن القاضي إسحاق روى عن ابن الماجشون أنه إن كان ثبت الصوم بالبصرة بأمر شائع ذائع يستغني عن الشهادة والتعديل له فإنه يلزم غيرهم من أهل البلاد القضاء وإن كان إنما ثبت بشهادة (¬2) شاهدين لم يلزم ذلك من البلاد إلا من كان يلزمه حكم ذلك الحاكم ممن هو في ولايته، أو يكون ذلك ثبت عند أمير المؤمنين، فيلزم القضاء جميع المسلمين، ثم قال: وهذا قول مالك (¬3). انتهى. وقوله: يلزم أمير المؤمنين. . . فيلزم القضاء. يقرب منه ما رواه ابن عبد البر (¬4) عن مالك قال: وهو قول المدنيين من أصحابنا: أن الرؤية لا تلزم غير البلد الذي حصلت فيه إلا أن يحمل الإمام على ذلك. ¬

_ (¬1) انظر "اللباب" لابن عادل 2/ 120. (¬2) في الأصل: بشاهد. والمثبت من "تفسير القرطبي". (¬3) "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 2/ 296. (¬4) "التمهيد" 14/ 357.

10 - باب كراهية صوم يوم الشك.

10 - باب كَراهِيَةِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ. 2334 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُميْرٍ، حَدَّثَنا أَبُو خالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قيْسٍ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنْ صِلَةَ قَالَ: كُنّا عِنْدَ عَمّارٍ في اليَوْمِ الذي يُشَكُّ فِيهِ فَأُتي بِشاةٍ فَتَنَحَّى بَعْضُ القَوْمِ فَقَالَ عَمّارٌ: مَنْ صامَ هذا اليَوْمَ فَقَدْ عَصَى أَبا القاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). * * * باب كراهية صوم يوم الشك [2334] (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني، روى عنه الشيخان (حدثنا أبو خالد) سليمان بن (حيان (¬2) الأحمر، عن عمرو بن قيس، عن أبي إسحاق، عن صلة) بكسر الصاد وتخفيف اللام، ابن زفر - غير منصرف؛ لأنه اجتمع فيه العلمية والعدل فهو معدول عن زافر من زفر الحمل إذا حمله - الكوفي. [وقد عدل عن زفر] (¬3)، عن حذيفة بن اليمان قال: قلب صلة من ذهب. يعني: أنه منور كالذهب. [(كُنَّا عِنْدَ عَمَّار) بن ياسر كما في الترمذي (¬4) (في اليوم الذِي يَشُكُّ فِيهِ فَأُتِيَ بِشَاةٍ) زاد الترمذي] (¬5) مَصْلِيَّة، أي: مشوية. يقال: صَليْتُ اللحم ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (686)، والنسائي 4/ 153، وابن ماجه (1645)، وابن خزيمة في "صحيحه" (1914)، وابن حبان (3585). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2022). (¬2) في (ر): حسان. خطأ. (¬3) هكذا في النص. (¬4) "السنن" (686). (¬5) من (ل).

أُصْلِيه صَلْيًا إذا شويته (فتنحى) (¬1) بعض القوم، فقال: إني صائم، كذا في الترمذي (فقال عمار) إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فتعال فكل كما رواه ابن أبي شيبة (¬2) (من صام هذا اليوم) الذي يشك فيه (فقد عصى أبا القاسم) وعلقه البخاري في "صحيحه" (¬3) عن صلة (- صلى الله عليه وسلم -) [ورواه البزار عَن أبي هُريرة؛ أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صيام ستة أيام من السنة: يوم الأضحى، ويوم الفطر، وأيام التشريق، واليوم الذي يشك فيه من رمضان] (¬4). استدل به على تحريم يوم الشك؛ لأن الصحابي لا يقول ذلك من قبل رأيه فيكون من قبل المرفوع، وإذا قلنا بالتحريم فالمراد به حيث لا سبب كالقضاء والنذر، أو وافق عادة تطوعه، فلو صامه بلا سبب لم يصح في الأصح كيوم العيد، وقيل: يصح، وهو قول أبي حنيفة ومالك وصححه السرخسي (¬5)، واختاره ابن الصباغ من أصحابنا؛ لأنه في الجملة قابل للصوم، والخلاف فيه كالخلاف في الأوقات المكروهة. قال الطيبي في قوله اليوم الذي يشك فيه (¬6): إنما أتى بالموصول ولم يقل: يوم الشك مبالغة في أن صوم [يوم] (¬7) فيه أدنى شك سبب لعصيان ¬

_ (¬1) في (ر) فتحن. (¬2) "المصنف" 6/ 263 (9595). (¬3) "الجامع الصحيح" 3/ 27 قبل حديث (1906). (¬4) من هامش (ل). وانظر: "البحر الزخار" 15/ 135. (¬5) "المبسوط" 3/ 114. (¬6) من (ل). (¬7) من "فتح الباري" 4/ 120.

صاحب الشرع، فكيف لمن صام يومًا الشك فيه قائم ثابت، ونحوه قوله تعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} (¬1) أي: الذين أونس منهم أدنى ظلم، فكيف بالظالم المستمر عليه وقد وقع في بعض الطرق: يوم الشك. والفائدة في تخصيص اسم أبي القاسم [ففي ذكر هذِه الكنية الإشارة إلى أنه هو الذي يقسم بين عباد الله أحكامه زمانًا ومكانًا] (¬2) وغير ذلك (¬3). ¬

_ (¬1) هود: 113. (¬2) من (ل). (¬3) انظر: "فتح الباري" 4/ 120.

11 - باب فيمن يصل شعبان برمضان.

11 - باب فِيمَنْ يَصِلُ شَعْبانَ برَمَضانَ. 2335 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا هِشامٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبي كَثِيرٍ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُريْرَةَ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا تَقَدَّمُوا صَوْمَ رَمَضانَ بِيَوْمٍ وَلا يَوْميْنِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ صَوْمًا يَصُومُهُ رَجُلٌ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الصَّوْمَ" (¬1). 2336 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ تَوْبَةَ العَنْبَريِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْراهِيمَ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِنَ السَّنَةِ شَهْرًا تامّا إِلَّا شَعْبانَ يَصِلُهُ بِرَمَضانَ (¬2). * * * باب من رخص في الرجل يصل شعبان برمضان تطوعًا [2335] (حدثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي، روى عنه البخاري، وكذا سنده كله للبخاري (حدثنا هشام) الدستوائي (عن يحيى بن أبي (¬3) كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يتقدمن) (¬4) بضم أوله وفتح ثانيه، ويجوز بفتحهما أي المكلف لا يتقدم أحدكم (صوم رمضان بصوم يوم أو يومين) يقصد به الاحتياط (إلا أن يكون) كان تامة، أي: إلا أن يوجد (صوم يصومه رجل) وفي رواية الترمذي (¬5) وأحمد (¬6) من طريق محمد بن عمرو، عن أبي ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1914)، ومسلم (1082). (¬2) رواه الترمذي (736)، والنسائي 4/ 200، وابن ماجه (1648)، وأحمد 6/ 311. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2024). (¬3) سقطت من (ر). (¬4) هكذا في المخطوط، وفي المطبوع عند أبي داود (لا تقدموا). (¬5) "السنن" (684). (¬6) "المسند" 2/ 497.

سلمة: "إلا أن يوافق ذلك (¬1) صومًا كان يصومه أحدكم" (فليصم ذلك الصوم) فيه حجة على أصحاب داود حيث قالوا: لا يصح صومه أصلًا، ولأنه صوم يوم من شعبان فصح صومه كاليوم الذي قبله. والحكمة في النهي عن الصوم ليتقوى بالفطر ليدخل في رمضان بقوة ونشاط. [2336] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا محمد بن جعفر) ربيب شعبة الهذلي مولاهم البصري، جالس شعبة نحوًا من عشرين سنة المعروف بغندر، اشترى مرة سمكًا وقال لأهله: اصنعوه، ونام، فأكل عياله السمك ولطخوا يده، فلما انتبه قال: هاتوا السمك، قالوا: قد أكلت. قال: لا، قالوا: فشم يدك، ففعل فقال: صدقتم لكنني ما شبعت. (حدثنا شعبة، عن توبة) بفتح المثناة وبعد الواو موحدة (العنبري) ثقة (عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق القرشي التابعي (¬2). (عن أم سلمة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يكن يصوم من السنة شهرًا تامًّا إلا شعبان) تعارضه رواية ابن عباس في الصحيحين: ما صام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) المثبت من (ل). (¬2) أبو سلمة ليس كما قال المؤلف إنما هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري، المدني، قيل اسمه عبد الله، وقيل إسماعيل (وقيل اسمه وكنيته واحد)، وهو الذي روى له أبو داود في "السنن" انظر: "تهذيب الكمال" 33/ 370. أما عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق القرشي فلم يكنى بأبي سلمة، وكذلك لم يروي له أبو داود في "السنن" إنما روى له في "الناسخ والمنسوخ" وفي "القدر" انظر: "تهذيب الكمال" 15/ 198.

شهرًا كاملًا غير رمضان (¬1)، وغير ذلك فنحتاج (¬2) في هذا الحديث إلى تأويل أن المراد بالشهر (¬3) التام معظمه، ونقل الترمذي عن ابن المبارك أنه قال: جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقال (¬4): صام الشهر، ويقال: قام فلان ليلته أجمع ولعله قد تعشى واشتغل ببعض أمره. قال الترمذي: كأن ابن المبارك جمع بين الحديثين بذلك (¬5). وحاصله: أن إحدى الروايتين مفسرة للأخرى ومخصصة لها، وأن المراد بالتام الأكثر، وهو مجاز قليل الاستعمال. واستبعده الطيبي؛ لأن كلًّا وتامًّا تأكيد لإرادة الشمول، ودفع التجوز فتفسيره بالبعض منافٍ له، قال: فيحمل على أنه كان يصوم شعبان كله تارة ويصوم معظمه أخرى لئلا يتوهم أنه واجب كله كرمضان، وقيل: المراد بقولها تامًّا أنه كان يصوم من أوله تارةً ومن آخره تارة ومن أثنائه طورًا، فلا يخلي شيئًا منه من صيام ولا يخص بعضه بصيام دون بعض (¬6). وقال ابن المنير: يحمل التام على المبالغة، والمراد: الأكثر (¬7). (يصله برمضان) ورواية النسائي عن عائشة: كان أحب الشهور إلى ¬

_ (¬1) البخاري (1971)، ومسلم (1157). (¬2) في (ر): ليحتاج. (¬3) في (ر): أشهر. (¬4) زاد في (ر): ما، وهو خطأ. (¬5) "سنن الترمذي" 3/ 114. (¬6) انظر: "فتح الباري" لابن حجر 4/ 214. (¬7) المصدر السابق.

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصوم شعبان كان يصله برمضان (¬1). وعن أم سلمة: ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان (¬2). وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصل صيام شعبان برمضان لكن يفصل بينهما بيوم أو يومين يفطر ليكون فاصلًا بينهما كما كان يصل رمضان بما بعده غير يوم العيد لقربهما من رمضان، لكن الصيام في شعبان أفضل لكثرة الصيام فيه أكثر من شوال. فظهر بهذا أن أفضل التطوع ما كان قريبًا من رمضان قبله أو بعده، وذلك يلتحق بصيام رمضان لقربه منه، وتكون منزلة صيام التطوع من رمضان بمنزلة الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها، فيلتحق بالفرائض بالفضل وهي مكملة لنقص الفرائض، فكذلك صيام ما قبل رمضان وما بعده أفضل من صيام ما بعد منه ويكون قوله: أفضل الصيام بعد رمضان المحرم (¬3) (¬4) محمول على التطوع المطلق الصيام، فأما ما كان قبل رمضان وبعده فإنه يلتحق به في الفضل كما أن قوله في الحديث: "أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل" إنما أريد منه الليل على التطوع المطلق دون السنن الرواتب عند جمهور العلماء خلافًا لبعض الشافعية كالنووي وغيره (¬5). ¬

_ (¬1) "السنن الصغرى" 4/ 199. (¬2) عند النسائي أيضًا في "الصغرى" 4/ 151، 200. (¬3) رواه مسلم (1163). (¬4) في (ر) العموم، والمثبت من (ل). (¬5) انظر: "المجموع" للنووي 4/ 48.

12 - باب في كراهية ذلك

12 - باب في كَراهِيَةِ ذَلِكَ 2337 - حَدَّثَنا قُتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ قَدِمَ عَبّادُ بْنُ كَثِيرٍ المَدِينَةَ فَمالَ إِلى مَجْلِسِ العَلاءِ فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَأَقامَهُ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ هذا يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُريْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا انْتَصَفَ شَعْبانُ فَلا تَصُومُوا". فَقَالَ العَلاءُ: اللَّهُمَّ إِنَّ أَبي حَدَّثَني، عَنْ أَبي هُريْرَةَ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بِذَلِكَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَواهُ الثَّوْريُّ وَشِبْلُ بْنُ العَلاءِ وَأَبُو عُميْسٍ وَزُهيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ العَلاءِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لا يُحَدِّثُ بِهِ، قُلْتُ لأَحْمَدَ: لِمَ؟ قَالَ: لأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَصِلُ شَعْبانَ بِرَمَضانَ وقَالَ عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - خِلافَهُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَليْسَ هذا عِنْدي خِلافَهُ وَلَمْ يَجِئْ بِهِ غيْرُ العَلاءِ عَنْ أَبِيهِ (¬1). * * * باب في كراهية ذلك [2337] (حدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي مولى الحجاج بن يوسف، (حدثنا عبد العزيز بن محمد) الدراوردي، قال الذهبي: صدوق من علماء المدينة (¬2). (قال: قدم عباد بن كثير) الثقفي العابد بمكة، كان شيخًا صالحًا (¬3). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (738)، وابن ماجه (1651)، وأحمد 2/ 442. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2025). (¬2) "ميزان الاعتدال" 2/ 633. (¬3) كان شيخا عابدًا لكنه متروك الحديث. قاله البخاري، والنسائي. انظر: "تهذيب الكمال" 14/ 145.

(المدينة فمال إلى مجلس العلاء) بن عبد الرحمن، قال أحمد: العلاء ثقة لا ينكر من حديثه إلا هذا (¬1). (فأخذ بيده فأقامه) من مجلسه (ثم قال: اللهم إن هذا يحدث عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب المدني. (عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا انتصف شعبان فلا تصوموا) أخذ به جماعة من العلماء منهم الشافعي وأصحابه، ونهوا عن ابتداء التطوع بالصيام بعد نصف شعبان لمن ليس له عادة، ووافقهم بعض المتأخرين من الحنابلة، وهذا في غير يوم الشك، فإن وصله بما قبله جاز، وقطع المتولي بأنه يجوز ولا يكره. وأجاب المتولي عن الحديث بجوابين: أحدهما: أنه ضعيف. والثاني: أنه محمول على من يخاف عليه الضعف بصومه فيعجز عن صيام رمضان فيدعه ليتقوى به (¬2). وكأنه أشار إلى تضعيفه، وليس كذلك، فقد رواه أصحاب السنن منهم الترمذي (¬3)، وصححه ولم يضعفه أبو داود، ورواه أحمد (¬4) والنسائي (¬5) وابن حبان في "صحيحه" (¬6) والحاكم (¬7) من حديث العلاء ¬

_ (¬1) انظر: "المحرر في الحديث" لابن عبد الهادي ص 378. (¬2) انظر: "المجموع" للنووي 6/ 399. (¬3) "سنن الترمذي" (738)، وقال: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه. (¬4) "المسند" 2/ 442. (¬5) "السنن الكبرى" (2911). (¬6) "صحيح ابن حبان" (3589)، (3591). (¬7) ذكره في "المدخل إلى الإكليل" ص 39، و"معرفة علوم الحديث" ص 92.

ابن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقال الطحاوي: هو منسوخ (¬1). وأما حديث أم سلمة قبله وحديث مسلم والبخاري: كان يصوم شعبان كله. فأجيب عنه بأنه كان يصوم نصف الدهر، ولم يتيسر له صيام يوم وإفطار يوم، فكان يصوم ما تيسر له، فإذا دخل شعبان فصل إتمام صوم النصف فتارة يحتاج إلى صيام كله وتارة يحتاج إلى صيام أكثره، والحديث محمول على ذلك، وهذا يوافق ما قاله ابن المنير في الجمع بين الحديثين كما تقدم. (فقال العلاء: اللهم إن [أبي حدثني] (¬2) عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك) (¬3) فيه التثبت عند إنكار ما يرويه وإعادة روايته تأكيدًا ودفعًا لما يتوهم غيره. ¬

_ (¬1) انظر: "شرح معاني الآثار" 2/ 82 - 87. (¬2) في (ر) حديثي، والمثبت من المطبوع من نسخ أبي داود. (¬3) في المطبوع من نسخ أبي داود زيادة: قال أبو داود: رواه الثوري، وشبل بن العلاء، وأبو عُمَيس، وزهير بن محمد عن العلاء. وكان عبد الرحمن لا يحدث به قلت لأحمد: لم قال؛ لأنه كان عنده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصل شعبان برمضان وقال عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافه. قال أبو داود وليس هذا عندي خلافه ولم يجئ به غير العلاء عن أبيه.

13 - باب شهادة رجلين على رؤية هلال شوال

13 - باب شَهادَةِ رَجُليْنِ عَلَى رُؤْيَةِ هِلالِ شَوّالٍ 2338 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَبُو يَحْيَى البَزّازُ، حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ سُليْمانَ، حَدَّثَنا عَبّادٌ، عَنْ أَبي مالِكٍ الأَشْجَعيِّ، حَدَّثَنا حُسيْنُ بْنُ الحارِثِ الجَدَليُّ مِنْ جَدِيلَةِ قيْسٍ أَنَّ أَمِيرَ مَكَّةَ خَطَبَ ثُمَّ قَالَ: عَهِدَ إِليْنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَنْسُكَ لِلرُّؤْيَةِ فَإِنْ لَمْ نَرَة وَشَهِدَ شاهِدا عَدْلٍ نَسَكْنا بِشَهادَتِهِما فَسَأَلْتُ الحُسيْنَ بْنَ الحارِثِ مَنْ أَمِيرُ مَكَّةَ قَالَ: لا أَدْري. ثُمَّ لَقِيَني بَعْدُ فَقَالَ: هُوَ الحارِثُ بْنُ حاطِبٍ أَخو مُحَمَّدِ ابْنِ حاطِبٍ ثُمَّ قَالَ الأَمِيرُ: إِنَّ فِيكُمْ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ باللهِ وَرَسُولِهِ مِنّي وَشَهِدَ هذا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. وَأَومَأَ بِيَدِهِ إِلى رَجُلٍ قَالَ الحُسيْنُ: فَقُلْتُ لِشيْخٍ إِلى جَنْبي: مَنْ هذا الذي أَوْمَأَ إِليْهِ الأَمِيرُ؟ قَالَ: هذا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ. وَصَدَقَ كَانَ أَعْلَمَ باللهِ مِنْهُ فَقَالَ: بِذَلِكَ أَمَرَنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). 2339 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَخَلَفُ بْنُ هِشامٍ المُقْرِئُ قالا: حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعيِّ بْنِ حِراشٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحابِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: اخْتَلَفَ النّاسُ في آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضانَ فَقَدِمَ أَعْرابِيّانِ فَشَهِدا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - باللهِ لأَهَلَّا الهِلالَ أَمْسِ عَشِيَّةً فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - النّاسَ أَنْ يُفطِرُوا. زادَ خَلَفٌ في حَدِيثِهِ وَأَنْ يَغْدُوا إِلى مُصَلَّاهُمْ (¬2). * * * ¬

_ (¬1) رواه ابن قانع في "معجم الصحابة" (192)، والدارقطني 2/ 167، والبيهقي 4/ 247، وابن الجوزي في "التحقيق في أحاديث الخلاف" (1073). قال الدارقطني: هذا إسناد متصل صحيح. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2026). (¬2) رواه أحمد 4/ 314. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2027).

باب شهادة رجلين على رؤية هلال شوال [2338] (حدثنا محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى البزاز) بزاءين معجمتين (أنبا سعيد بن سليمان) القيسي (¬1)، قال أبو حاتم: لعله أوثق من عفان (¬2). قال أحمد العجلي: هو واسطي ثقة (¬3)، قيل: مات وله مائة سنة، سنة 225. (حدثنا عباد) بن العوام الكلابي (عن أبي (¬4) مالك) سعد بن طارق بن أشيم (الأشجعي، حدثنا حسين بن الحارث) أبو القاسم (الجدلي) بفتح الجيم والدال المهملة ([من] (¬5) جديلة قيس) عيلان بعين مهملة ثم مثناة تحت، احتراز من جديلة طيء، والجديل القبيلة النسبة إليهم جدلي مثل ثقفي نسبة إلى ثقيف. (أن أمير مكة) الحارث بن حاطب بالحاء والطاء المهملتين بن الحارث بن معمر القرشي الجمحي، خرج مع أبيه مهاجرًا إلى أرض الحبشة، وقيل: ولد (¬6) بأرض الحبشة هو وأخوه محمد بن حاطب، واستعمل عبد الله بن الزبير الحارث على مكة سنة ست وستين، (خطب، ثم قال: عهد إلينا) وفي رواية: أمرنا (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ¬

_ (¬1) في (ل): الضبي. وكلاهما في اسمه. (¬2) "الجرح والتعديل" 4/ 26 (ت 107). (¬3) "معرفة الثقات" للعجلي 1/ 400 (596). (¬4) في (ل): ابن، وهو خطأ. (¬5) من المطبوع. (¬6) سقط من المخطوط. والمثبت كما في "الطبقات" لابن سعد 2/ 76.

ننسك) بفتح أوله وضم السين وكسرها، لغتان مشهورتان، والنسك العبادة (لرؤيته) (¬1) واللام للتعليل، والمراد بالنسك هنا الصيام عند رؤية الهلال كما تقدم (فإن لم نره وشهد شاهدا عدل) أي: برؤيته (نسكنا) بفتح النون والسين، أي: صمنا رمضان (بشهادتهما) أخرجه الدارقطني (¬2) والبيهقي (¬3) وصححاه. وقال أبو مالك (فسألت الحسين بن الحارث من أمير مكة؟ فقال: لا أدري) فيه أنه يستحب لمن سئل عما لا يعلمه أن يقول: لا أدري؛ فإنها نصف العلم (ثم لقيني بعد) بضم الدال بنيت لقطعها عن الإضافة لشبهها بحيث، والتقدير: بعد ذلك. (فقال: هو الحارث بن حاطب) (¬4) بالحاء والطاء المهملتين كما تقدم (أخو محمد بن حاطب) قيل: ولد هو وأخوه بالحبشة كما تقدم (ثم قال الأمير: إن فيكم من هو أعلم بالله) أي: بأحكام الله (ورسوله مني) فيه أن من سئل شيئًا وعلم من هو أعلم به منه يدل عليه السائل ويأمره بسؤاله، (وشهد هذا) أي: حضر وعلم (من رسول الله) أي: ما لم أعلمه (وأومأ) بهمز آخره أي: أشار. قال الجوهري: ولا تقل: أو ميت (¬5). (بيده إلى رجل، قال الحسين) بن الحارث (فقلت لشيخ إلى جنبي) قال الجوهري: يقول: قعدت إلى جنب فلان وإلى جانب فلان بمعنًى (¬6). ¬

_ (¬1) بعدها في الأصل: نسخة: للرؤية. (¬2) "سنن الدارقطني" 2/ 167 وقال: هذا إسناد متصل صحيح. (¬3) "السنن الكبرى" 4/ 247. (¬4) في (ر) الحاطب. (¬5) "الصحاح في اللغة" 1/ 94. (¬6) "الصحاح في اللغة" 1/ 115.

(من هذا الذي أومأ إليه الأمير؟ قال: هذا عبد الله بن عمر) بن الخطاب - رضي الله عنه -، قال (وصدق) الأمير قد (كان) عبد الله بن عمر (أعلم بالله) ورسوله (منه) وممن في زمانه. (فقال) عبد الله بن عمر (بذلك أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وقد استدل بهذا الحديث من قال: لا يثبت هلال رمضان إلا بشهادة عدلين، ونص عليه الشافعي في البويطي، ونقل الربيع عن الشافعي أنه رجع إلى أنه لا يقبل أقل من شاهدين، وهو القياس (¬1). هذا لفظه، ولا دليل فيه على هلال رمضان؛ لأن هذا الحديث إنما هو في هلال شوال كما بوب عليه المصنف وهو المراد بالنسك. قال النووي: وبه قال عطاء، وعمر بن عبد العزيز، ومالك، والأوزاعي، والليث والماجشون (¬2). قال أصحابنا: وإذا شرطنا عدلين فلا مدخل للنساء والعبيد في هذِه الشهادة، ويشترط لفظ الشهادة، ويختص بمجلس القاضي، ولكنها شهادة حسبة لا ارتباط لها بالدعوى (¬3). [2339] (حدثنا مسدد وخلف بن هشام المقرئ قالا: حدثنا أبو عوانة) الوضاح مولى يزيد بن عطاء (عن منصور، عن ربعي بن حراش) بالحاء المهملة. ¬

_ (¬1) في "الأم" 3/ 233: قال الشافعي بعدُ: لا يجوز على هلال رمضان إلا شاهدان. وقد قال بعض أصحابنا لا أقبل عليه إلا شاهدين وهذا القياس .. (¬2) "المجموع" 6/ 282. (¬3) انظر: "المجموع" 6/ 277.

(عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -) رواه ابن ماجه من رواية أبي (¬1) بشر، عن أبي (¬2) عمير بن أنس بن مالك - رضي الله عنه - (¬3). قال أبو حمد الحاكم: كان أبو عمير أكبر أولاد أنس واسمه عبد الله (¬4)، ولا التفات إلى قول ابن عبد البر: أبو عمير هذا مجهول (¬5)، فقد روى عنه ابن ماجه هذا الحديث، وليس له عنده غير هذا الحديث، وله في "سنن أبي داود" حديث واحد، قال فيه: قال أبو بشر: فأخبرني أبو عمير: إن الأنصار تزعم أن عبد الله بن زيد لولا أنه كان يومئذٍ مريضًا لجعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مؤذنًا، وقال في أول الباب: عن أبي عمير بن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، عن عمومة له من الأنصار .. إلخ، قال: وهذا جميع ما له عندهم. (قال: اختلف الناس في آخر يوم من رمضان، فقدم أعرابيان فشهدا عند النبي - صلى الله عليه وسلم -) ولفظ رواية ابن ماجه: عن أبي عمير بن أنس قال: حدثني عمومتي من الأنصار من أصحاب رسول الله قالوا: أغمي علينا هلال شوال فأصبحنا صيامًا، فجاء ركب من آخر النهار، فشهدوا عند النبي - صلى الله عليه وسلم -. ورواه أحمد والنسائي وابن حبان كذا ابن ماجه (¬6). قال البيهقي: ¬

_ (¬1) و (¬2) في (ر) ابن، والمثبت من (ل). (¬3) "سنن ابن ماجه" (1653). (¬4) "تهذيب الكمال" (34/ 142) ت (7545). (¬5) "التمهيد" 14/ 360. (¬6) "مسند أحمد" 5/ 58، "سنن النسائي" (1557)، "صحيح ابن حبان" (3456)، "سنن ابن ماجه" (1653).

إسناده صحيح (¬1)، وصححه ابن المنذر، رواه ابن حزم (¬2). (بالله) أي: حلفًا بالله؛ لأن اليمين تسمى شهادة كما قال تعالى {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} (¬3). وقد يستدل به على جواز حلف (¬4) الشاهد بالله إذا لم يحلف ليكون ذلك أقوى في شهادته وأوقع في النفوس. (لأهلا) اللام جواب القسم، أي: لقد أهلا أي: رأيا (الهلال) يقال: أهللنا الهلال واستهللناه بمعنى رأيناه، وسمي الهلال؛ لأن الناس يرفعون أصواتهم عند رؤيته بالإخبار عنه (أمس) مبني على الكسر؛ لأن المراد به اليوم الذي قبل يومك، فبني لتضمنه معنى حرف التعريف، ولشبهه الضمير في التعريف بغير أداة (عشية) أي: عشية أمس، وهو غير منصرف للعلمية والتأنيث، وانصرف بكرة وعشيًّا لأنه غير علم. (فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس أن يفطروا) فيه دليل على اشتراط شاهدين في هلال غير رمضان، وبه قال العلماء إلا أبو ثور؛ فإنه قال: يقبل في هلال شوال واحد كما تقدم. وفيه دليل على أنه يكفي في شاهدي شوال العدالة الظاهرة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسأل عن حال الأعرابيين الذين شهدا، وللقائل باشتراط العدالة الباطنة أن يجيب أن الأعرابيين صحابيان، والصحابة - رضي الله عنهم - كلهم عدول. ¬

_ (¬1) "معرفة السنن والآثار" للبيهقي 5/ 108. (¬2) "المحلى" 5/ 92. (¬3) النور: 6. (¬4) زاد هنا: "رواية" ولا وجه لها.

قال في "شرح المهذب": والأصح قبول رواية المستور الحديث، وكذا الأصح قبول قوله هنا (¬1). أي: بناء على القول بأن شهادة رمضان رواية لا شهادة. (زاد خلف) بن هشام (في حديثه: وأن يغدوا) أي أمر رسول الله الناس (إلى مصلاهم) توضحه رواية ابن ماجه: فأمرهم رسول الله أن يفطروا وأن يخرجوا إلى عيدهم من الغد. قال ابن الرفعة: وظاهر قوله: أمرهم أن يخرجوا ([إلى مصلاهم من الغد]) (¬2) أنهم يخرجون لصلاة العيد وهو بين في رواية هشيم، ولا يجوز أن يحمل على أنه أمرهم بالخروج ليدعوا وليرى كثرتهم بلا خلاف، بل ليخرجوا ليقضوا صلاة العيد. وفيه دليل على أن صلاة العيد تقضى، وفيه خلاف لأصحابنا مبني على أن النوافل المؤقتة تقضى أم لا؟ فإن قلنا: لا، لم تقض صلاة العيد، وإن قلنا: تقضى؛ على أن صلاة العيد هل هي بمنزلة صلاة الجمعة في الشرائط والأحكام إن قلنا: نعم. لم يقض، وإن قلنا: لا - وهو المذهب - قضوها (¬3). والحديث حجة لذلك، وهذا الحديث يبين حديث أبي هريرة المذكور في باب: إذا أخطأ القوم الهلال في قوله: "وفطركم يوم تفطرون" كما صرح به الأصحاب أن يوم الفطر ليس هو أول يوم ¬

_ (¬1) "المجموع" 6/ 277. (¬2) في (ر) من الغد إلى مصلاهم، والمثبت من (ل). (¬3) انظر: "روضة الطالبين" للنووي 2/ 78.

شوال مطلقًا، بل اليوم الذي يقطع فيه الناس، وكذا يوم النحر ويوم عرفة هو اليوم الذي يظهر للناس أنه يوم عرفة سواء كان تاسعًا أو عاشرًا للحديث المتقدم (¬1). قال الشافعي في "الأم" عقب روايته للحديث: فبهذا نأخذ، وإنما كلف العباد بالظاهر ولم يظهر إلا يوم أفطروا (¬2). أي: وكذا صلاة عيدهم يوم يعيدون لا اليوم الأول من شوال، وظاهر الحديث أن شهادة الأعرابيين كانت آخر النهار قبل غروب الشمس، وقد صرح بذلك في الرواية المتقدمة: فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا. وإلى العمل بهذا ذهب الأوزاعي وسفيان الثوري وأحمد وإسحاق وابن المنذر من أصحابنا (¬3) وصوبه الخطابي (¬4)، وحكي عن أبي حنيفة أنها لا تقضى (¬5). وفصل جمهور الشافعية بين ما إذا شهدوا يوم الثلاثين برؤية الهلال في الليلة الماضية قبل الزوال؛ فإننا نفطر ونصلي العيد إذا بقي من الوقت ما يسع جمع الناس وإقامة الصلاة فيه وإن شهدوا بين الزوال وغروب الشمس أو قبل الزوال بيسير بحيث لا يمكن فيه الصلاة أفطرنا للحديث وفاتت الصلاة على الصحيح الذي قطع به الجمهور. ¬

_ (¬1) "المجموع" للنووي 5/ 29. (¬2) "الأم" 1/ 230. (¬3) "الإشراف على مذاهب العلماء" 3/ 112 - 113. (¬4) "معالم السنن" 2/ 87. (¬5) "معالم السنن" 2/ 88.

والوجه الثاني: أن صلاة العيد تقضى للحديث. قال الخطابي: سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى، وحديث أبي عمير صحيح، فالمصير إليه واجب (¬1). ولأنها صلاة مؤقتة فلا تسقط بفوات الوقت كسائر الفرائض وقياس من قال: لا يقضى على الجمعة؛ لأنها معدول بها عن الظهر بشرائط منها الوقت، فإذا فات واحد منها رجع إلى الأصل. ¬

_ (¬1) "معالم السنن" 1/ 252.

14 - باب في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان

14 - باب في شَهادَةِ الواحِدِ عَلَى رُؤْيَةِ هِلالِ رَمَضانَ 2340 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكّارِ بْنِ الرَّيّانِ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ يَعْني: ابن أَبي ثَوْرٍ ح وَحَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ، حَدَّثَنا الحُسيْنُ - يَعْني: الجُعْفي -، عَنْ زائِدَةَ - المَعْنى -، عَنْ سِماكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ جاءَ أَعْرابي إِلى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ إِني رَأيْتُ الهِلالَ - قَالَ الحَسَنُ في حَدِيثِهِ يَعْني رَمَضانَ - فَقَالَ: "أَتَشْهَدُ أَنْ لا إله إلَّا اللهُ؟ ". قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ؟ ". قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "يا بِلالُ أَذِّنْ في النّاسِ فَلْيَصُومُوا غَدًا" (¬1). 2341 - حَدَّثَني مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ سِماكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُمْ شَكُّوا في هِلالِ رَمَضانَ مَرَّةً فَأَرادُوا أَنْ لا يَقُومُوا وَلا يَصُومُوا فَجاءَ أَعْرابي مِنَ الحَرَّةِ فَشَهِدَ أنَّهُ رَأى الهِلالَ فَأُتي بِهِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "أَتَشْهَدُ أَنْ لا إله إلَّا اللهُ وَأَنّي رَسُولُ اللهِ؟ ". قَالَ: نَعَمْ. وَشَهِدَ أَنَّهُ رَأى الهِلالَ فَأَمَرَ بِلالًا فَنادى في النّاسِ أَنْ يَقُومُوا وَأَنْ يَصُومُوا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَواهُ جَماعَةٌ عَنْ سِماكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ مُرسَلًا وَلَمْ يَذْكُرِ القِيامَ أَحَدٌ إِلَّا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ (¬2). 2342 - حَدَّثَنا مَحْمُودُ بْنُ خالِدٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّمَرْقَنْديُّ - وَأَنا لِحَدِيثِهِ أَتْقَنُ - قالا: حَدَّثَنا مَروانُ - هُوَ ابن مُحَمَّدٍ - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سالِمٍ، عَنْ أَبي بَكْرِ بْنِ نافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابن عُمَرَ قَالَ: تَرائى النّاسُ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (691)، والنسائي 4/ 131 - 132، وابن ماجه (1652)، وابن خزيمة في "صحيحه" (1923)، وابن حبان (3446). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (402). (¬2) رواه النسائي 4/ 132. وانظر السابق. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (403).

الهِلالَ فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنّي رَأيْتُهُ فَصامَهُ وَأَمَرَ النّاسَ بِصِيامِهِ (¬1). * * * باب إجازة شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان [2340] (حدثنا محمد بن بكار بن الريان) براء وياء مثناة تحت، الرصافي مولى بني هاشم، قال الدارقطني وغيره: ثقة (¬2). (حدثنا الوليد) بن عبد الله [(يعني ابن] (¬3) أبي ثور) الهمداني بإسكان الميم، ضعفه أحمد، وقال ابن معين: ليس بشيء (¬4). (وحدثنا الحسن بن علي) بن محمد بن الخلال شيخ الشيخين، (حدثنا حسين) بن علي بن الوليد الجعفي قال أحمد: ما رأيت أفضل منه (¬5) (عن زائدة) بن قدامة (المعنى) (¬6) بفتح النون. (عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني رأيت الهلال) فيه دليل على أن الشاهد للهلال إذا قال: أشهد أني رأيت الهلال صحت شهادته، وتوقف في هذِه المسألة ابن أبي الدم من أصحابنا، فقال تفقهًا: إن شهد أن هذِه أول ليلة من ¬

_ (¬1) رواه الدارمي (1733)، وابن حبان (3447)، والطبراني في "الأوسط" 4/ 165، والدارقطني 2/ 156، والبيهقي 4/ 212، وابن الجوزي في "التحقيق" (1070). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2028). (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 24/ 528. (¬3) من (ل). (¬4) "الكامل في ضعفاء الرجال" 7/ 76، "ميزان الاعتدال" 4/ 340. (¬5) انظر: "تهذيب الكمال" 6/ 451. (¬6) في (ر) المعين، والمثبت من (ل).

رمضان كفى استنادًا إلى رؤية الهلال، فإن قال: أشهد أني رأيت الهلال، ففيه نظر، انتهى. وهو يشير إلى أنه لا يصح كقول المرضعة: أرضعته؛ لأنها شهادة على فعل نفسها. قال: فإن قال: رأيت هلال رمضان هذا من هذِه السنة في وقت كذا، وبذلك أشهد. قبل. وقال ابن الأستاذ في "شرح الوسيط": هل يقول: أشهد أني رأيت الهلال، ويجوز للحاجة، أو يقول: أشهد أن الليلة من رمضان لم أر من تعرض له. قال: والظاهر عندي هو الأول. وفي "أدب الشاهد" لابن سراقة: يقول: أشهد أيها القاضي أني رأيته والحديث حجة لهذِه الشهادة، وقد ذكر في "الإشراف" صفة أداء الشهادة على الهلال فيقول: رأيته في ناحية المغرب، ويذكر غلظ الهلال ودقته وصغره وكبره وتدويره أو تنويره، وأنه بحذاء الشمس أو في جانب منه، وأن ظهره إلى الجنوب أو إلى الشمال، وكان في السماء غيم أو لم يكن. في الحديث دليل على أن لفظ الشهادة لا يشترط، وهذا على (¬1) قولنا أنها رواية، وإن قلنا: شهادة. اشترط، والأصح لا يشترط. (قال الحسن في حديثه: يعني) بالهلال هلال (رمضان) فإنه لا يقبل في هلال غير رمضان إلا عدلان. (قال: أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم. قال: أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ قال: نعم) فيه دليل على اشتراط العدالة الظاهرة وهي الإسلام دون العدالة الباطنة، لكن ¬

_ (¬1) من (ل).

الاحتجاج على قبول المستور بحديث هذا الأعرابي ليس بجيد؛ لأنه صحابي، والصحابة كلهم عدول. قال أصحابنا: ينبغي للقاضي إذا شهد عنده شاهد بالرؤية أن يأمر الناس بالصيام بظاهر العدالة ثم يبحث عن عدالته الباطنة إذا لم يعلمها منه، والمراد بالعدالة الباطنة: هي التي يرجع فيها القاضي إلى قول المزكين (¬1). (قال: يا بلال، أذن في الناس أن) وفي رواية: "فليصوموا" (يصوموا) فيه دليل على ما تقدم أن الإمام يأمر أحدًا أن ينادي في الناس أن يصوموا (غدًا) وظاهر الحديث أن الذي يأمره القاضي يكون ممن يؤذن للصلوات وصحح الحديث ابن حبان (¬2) وابن خزيمة (¬3) والحاكم (¬4) وأخرجه الدارقطني بلفظ: أن أعرابيًّا جاء ليلة رمضان .. الحديث (¬5) وفيه عند أبي يعلى: أبصرت الهلال الليلة (¬6) وفيه عندهما: فأمر أن ينادي في الناس أن يصوموا غدًا. [2341] (حدثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة المنقري، (حدثنا حماد، عن سماك بن حرب، عن عكرمة: أنهم شكُّوا) بتشديد الكاف ¬

_ (¬1) قاله إمام الحرمين في "نهاية المطلب" 4/ 16. (¬2) "صحيح ابن حبان" (3446). (¬3) "صحيح ابن خزيمة" (1923). (¬4) "المستدرك" 1/ 423. (¬5) "السنن" 2/ 159. (¬6) "مسند أبي يعلى" (2529).

المضمومة (في هلال رمضان مرة) هكذا رواه أبو داود مرسلًا، ورواه ابن خزيمة (¬1) وابن حبان (¬2) والدارقطني (¬3) والبيهقي (¬4) والحاكم (¬5) من طرق موصولًا ومن طرق مرسلًا، قال النسائي: إنه أولى بالصواب (¬6). والمذهب الصحيح أن الحديث إذا روي مسندًا ومتصلًا احتج به؛ لأن مع من وصله زيادة وزيادة الثقة مقبولة. (فأرادوا أن لا يقوموا) لعل المراد به قام رمضان وهو التراويح أو ما في معناه (ولا يصوموا) في غد (فجاء أعرابي من الحَرَّة) بفتح الحاء المهملة كل أرض ذات حجارة سود يقال لها: حرة. وذلك لشدة حرها من وهج الشمس (فشهد) في غير حضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - (أنه رأى الهلال) هذا ظاهر بالتلفظ بالشهادة، وهو قول الشافعي. (فأُتيَ به النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قال: نعم) فيه دليل على أنه لا بد في صحة الإسلام من الشهادتين معًا ويكفيان، أما من خص الرسالة فلا يكفي في إسلامه حتى يقول: محمد رسول الله إلى جميع الخلق. وفيه دليل على أنه لو قيل للكافر: أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا ¬

_ (¬1) "صحيح ابن خزيمة" (1923). (¬2) "صحيح ابن حبان" (3446). (¬3) "السنن" 2/ 159. (¬4) "السنن الكبرى" 4/ 212. (¬5) "المستدرك" 1/ 423. (¬6) الحديث في "السنن" 4/ 132 بدون ذكر العبارة، لكن الزيلعي ذكرها في "نصب الراية" 2/ 443.

رسول الله؟ فقال: نعم. صح إسلامه ولو لم يتلفظ بالشهادتين. (وشهد أنه رأى الهلال) فيه دليل على أن هذا يكفي ولا يشترط ذكر صفاته كما تقدم (فأمر بلالًا) وهو بلال بن رباح مولى أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - وأمه حمامة (فنادى في الناس أن يقوموا) فيه دليل على قيام رمضان، فقد رغب فيه - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه" (¬1). وقال أبو هريرة - رضي الله عنه -: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة (¬2). يعني: بفريضة، والمراد بالقيام فيه الصلاة في الليل، ويحصل بمطلق القيام وأقله ركعتان كما في التهجد. قال ابن بطال: قيام رمضان سنة؛ لأن عمر إنما أخذه من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3) فبالغ الطحاوي فقال: إن صلاة التراويح واجبة على الكفاية (¬4). (وأن يصوموا) شهر رمضان، ولعل الطحاوي اعتبر قرينة الاقتران وهي ضعيفة عند الشافعية. (قال أبو داود: ورواه جماعة عن سماك) بن حرب (عن عكرمة مرسلًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) أي: كما تقدم (ولم يذكر القيام) في (¬5) رواية: لم يذكر أحد القيام (أحد) من الرواة (إلا حماد بن سلمة، وقال أبو داود: وهذِه الكلمة ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2009)، ومسلم (759) من حديث أبي هريرة. (¬2) رواه مسلم (759/ 174). (¬3) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 4/ 147. (¬4) "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 314 - 315 قال أبو جعفر: قد أجمعوا أنه لا يجوز للناس تعطيل المساجد عن قيام رمضان وكان هذا القيام واجبًا على الكفاية. (¬5) في (ر): من.

لم يقلها) أحد (إلا حماد) فإنه قال (وأن تقوموا) في رمضان لله تعالى؛ (لأن قومًا يقولون: القيام قبل الصلاة) قال ابن قدامة في "المغني": اختلف أصحابنا في قيام ليلة الشك، فحكي عن القاضي أنه قال: جرت هذِه المسألة في وقت شيخنا أبي عبد الله فصلاها القاضي أبو يعلى أيضًا؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله فرض عليكم صيامه وسننت لكم قيامه". فجعل القيام مع الصيام، وذهب أبو حفص العكبري إلى ترك القيام؛ لأنه لم ينقل عن الصحابة ولا التابعين قيام تلك الليلة؛ لأن الأصل بقاء شعبان، وإنما صرنا إلى الصوم احتياطا للواجب، والصلاة غير واجبة فتبقى على الأصل (¬1). [2342] (حدثنا محمود بن خالد) أبو علي (¬2) الكلاعي (¬3) (وعبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل التميمي (السمرقندي) أظهر علم الآثار بسمرقند، قال ابن حبان: كان من الحفاظ أهل الورع في الدين أظهر السنة في بلده وذب عن حريمها (¬4). (وأنا لحديثه أتقن، قالا: حدثنا (¬5) مروان - وهو ابن محمد -) الدمشقي الطاطري، ثقة إمام قانت لله. (عن عبد الله بن وهب، عن يحيى بن عبد الله بن سالم) بن عبد الله ¬

_ (¬1) "المغني" 2/ 608. (¬2) في (ر): ابن علي، والمثبت من (ل) وهو الصواب. (¬3) هكذا في الأصل، والصواب السلمي الدمشقي. انظر: "تهذيب الكمال" 27/ 259. (¬4) "الثقات" 8/ 364. (¬5) سقط في (ر) والمثبت من المطبوع.

العمري، روى له مسلم، (عن أبي بكر بن نافع، عن أبيه) نافع بن سرخس مولى عبد الله بن عمر، (عن ابن عمر) رضي الله عنهما (قال: تراءى) بالمد لأجل الهمزة التي بعد الألف (الناس الهلال) أي: اشتركوا في الرؤية، (فأخبرت رسول الله أني رأيته) فيه دليل على شهادة رواية وإخبار (¬1) لا شهادة، وإذا قلنا أنه إخبار فليس بخبر من كل وجه بدليل أنه لا يكفي أن يقول: أخبرني فلان عن فلان أنه رأى الهلال إجماعًا كما حكاه الشيخ أبو علي حكاه السبكي، ثم قال الإمام: ولا نسلم دعواه الإجماع من نزاع به واحتمال ظاهر (¬2). (فصامه وأمر الناس بصيامه). قال النووي: حديث صحيح (¬3). رواه الدارقطني (¬4) والبيهقي (¬5) بإسناد صحيح على شرط مسلم، ورواه ابن حبان (¬6) وصححه ابن حزم (¬7). وقال الدارقطني: تفرد به مروان بن محمد عن ابن وهب وهو ثقة. وهذا الحديث أقوى دليل على ثبوت شهادة رمضان بعدل واحد، ¬

_ (¬1) كذا بالمخطوط ولعلها: روايةً وإخبارًا. بالنصب فيكون المعنى أن الشهادة قد تؤدى بلفظ الرواية والخبر وليس بلفظ (أشهد). والله أعلم. (¬2) انظر "المجموع" للنووي 6/ 278. (¬3) "المجموع" 6/ 282. (¬4) "السنن" 2/ 156. (¬5) "السنن الكبرى" 4/ 212. (¬6) "صحيح ابن حبان" (3447). (¬7) "المحلى" 6/ 236.

وهو نص الشافعي في القديم (¬1) ومعظم كتبه الجديدة، وهو الأصح (¬2) باتفاق الأصحاب (¬3). وفي الحديث دليل على وجوب قبول أخبار الآحاد، وأنه لا فرق بين أن يكون المخبر بذلك منفردًا عن الناس وحده وبين أن يكون مع جماعة من الناس ولا يشاركه أصحابه (¬4) في ذلك. ¬

_ (¬1) "الأم" 3/ 233. (¬2) في (ر): أصح. (¬3) في (ر): الاحتجاب. (¬4) في (ر): احتجابه.

15 - باب في توكيد السحور.

15 - باب في تَوْكِيدِ السُّحُورِ. 2343 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبارَكِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُلَى بْنِ رَباحٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي قيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ العاصِ عَنْ عَمْرِو بْنِ العاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ فَصْلَ ما بيْنَ صِيامِنا وَصِيامِ أَهْلِ الكِتابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ" (¬1). * * * باب توكيد السحور [2343] (حدثنا مسدد قال: حدثنا عبد الله بن المبارك) بن واضح (¬2) الحنظلي، قال ابن عيينة: نظرت في أمر الصحابة فما رأيت لهم فضلًا على ابن المبارك إلا بصحبتهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وغزوهم معه. (عن موسى بن عُليّ) بضم العين وفتح اللام مصغر، كان اسمه عليا بفتح العين مكبر فلما أمر الحجاج أن لا يسمي أحد عليًّا فقيل له عُلي بالتصغير فكان موسى يقول: لا أُحِلُّ من سمى أبي عُليًّا (بن رباح) بفتح الراء والباء الموحدة اللخمي، ولي مصر للمنصور سنة ستين، ثبت صالح (عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص) هكذا ذكره مسلم في "الكنى" ولم يذكر اسمه (¬3). (عن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ فَصْلَ) بإسكان الصاد المهملة، أي: فرق (¬4) (ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1096). (¬2) في (ر): واحتج. (¬3) "الكنى والأسماء" 2/ 697 ت (2809). (¬4) بعدها في هامش (ل): وفي نسخة: إنْ فَصْلُ. بسكون النون ورفع اللام.

قال الجوهري في الحديث: "من أنفق نفقة فاصلة فله من الأجر كذا" (¬1). أي أنها فصلت بين إيمانه وكفره (¬2). (أَكلة) قال القرطبي: روايتنا عن شيوخنا بفتح الهمزة، وهي مصدر أكل أَكلة كضرب ضربة، والمراد بها أكل ذلك الوقت، وقد روي "أُكلة" بضم الهمزة، قال: وفيه بُعد؛ لأن الأكلة - بالضم - اللقمة وليس المراد أن المتسحر يأكل لقمة واحدة، ويصح أن يقال: إنه غير ما يتسحر به لقلته (¬3). وهذا الحديث يدل على أن السحور من خصائص هذِه الأمة ومما خفف به عنهم السحر. قال الجوهري: السحر قبيل الصبح (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد 1/ 195، وأبو يعلى في "مسنده" (878)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (19850) وغيرهم من طرق عن عياض بن غطيف، عن أبي عبيدة بن الجراح به، بلفظ: من أنفق نفقة فاضلة. بضاد معجمة، ولم أقف عليها بالمهملة سوي في كتب اللغة، وعليه كان تفسيرهم للكلمة. (¬2) "مختار الصحاح" ص 517. (¬3) "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" 9/ 155 - 156. (¬4) "الصحاح" 2/ 678 (سحر).

16 - باب من سمى السحور الغداء.

16 - باب منْ سَمَّى السَّحُورَ الغَداءَ. 2344 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النّاقِدُ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ خالِدٍ الخيّاطُ، حَدَّثَنا مُعاوِيَةُ بْنُ صالِحٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ سيْفٍ، عَنِ الحارِثِ بْنِ زِيادٍ، عَنْ أَبي رُهْمٍ عَنِ العِرْباضِ بْنِ سارِيَةَ قَالَ: دَعاني رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلى السَّحُورِ في رَمَضانَ فَقَالَ: "هَلُمَّ إِلى الغَداءِ المُبارَكِ" (¬1). 2345 - حَدَّثَنا عُمَرُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبي الوَزِيرِ أَبُو المُطَرِّفِ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُريِّ، عَنْ أَبي هُريْرَةَ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "نِعْمَ سَحُورُ المُؤْمِنِ التَّمْرُ" (¬2). * * * باب من سمى السحور الغداء [2344] (حدثنا عمرو بن محمد الناقد) نزيل الرقة (حدثنا حماد بن خالد الخياط) البصري ببغداد، قال ابن معين: ثقة. (حدثنا معاوية بن صالح، عن يونس بن سيف) الكلاعي ثقة (عن الحارث بن زياد) شامي، قيل: صحابي، والصحيح تابعي (عن أبي (¬3) رُهْم) بضم الراء وإسكان الهاء، اسمه [أحزاب بن أسيد] (¬4) الظاهري السمعي وظهر في ¬

_ (¬1) رواه النسائي 4/ 145، وأحمد 4/ 126، وابن حبان (3465). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2030). (¬2) رواه ابن حبان (3475)، والبيهقي 4/ 236. وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1072). (¬3) في (ر): ابن. (¬4) في (ر): أحداب بن أسد.

حمير، قال المنذري: رواه النسائي (¬1) وابن خزيمة (¬2) وابن حبان (¬3) في صحيحيهما، وكلهم رووه عن ابن الحارث، عن ابن زياد، عن أبي رهم. والحارث لم يرو عنه غير يونس بن سيف. وقال أبو عمر النميري: مجهول (¬4). (عن العرباض بن سارية) السلمي من أهل الصفة (قال: دعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى السُّحور) بضم السين (في رمضان، فقال: هلُم) بضم اللام (إلى الغَداء) بفتح الغين والدال المهملة هو الطعام الذي يؤكل وقت الغداة كالعشاء، ما يؤكل بالعشي وسمي المأكول وقت السحر غداء لقرب وقته من الغداة. وفيه دليل على أن (¬5) وقت الغداء قبل الفجر فيحصل ببركته من القوة للأكل ما يحصل لمن أكله وقت الغداة. والغدوة ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس. وأما الغِذاء بكسر الغين وبالذال المعجمة فهو ما يغذى به من الطعام والشراب، وقيل: سمي مباركًا؛ لأنه يتضمن الاستيقاظ للذكر والدعاء، وربما توضأ. (المبارك) سمي بذلك لأنه أعانه على العبادة وهي صيام رمضان، وفي رواية لأحمد بإسنادٍ قوي: "السحور كله (¬6) بركة"، فيدخل فيه ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 4/ 145. (¬2) "صحيح ابن خزيمة" (1938). (¬3) "صحيح ابن حبان" (3465). (¬4) "الاستيعاب" 3/ 1420. (¬5) من (ل). (¬6) هكذا في الأصول، وفي "المسند" 3/ 44 من حديث أبي سعيد بلفظ: أكله.

سحور رمضان وغيره، وروى ابن ماجه (¬1)، وابن خزيمة في "صحيحه" (¬2): "استعينوا بطعام السحر على صيام النهار". [2345] (حدثنا عمر بن الحسين (¬3) بن إبراهيم) صوابه محمد بن الحسين بن إبراهيم العامري شيخ البخاري (¬4) (حدثنا محمد بن عمر) ابن مطرف (بن أبي الوزير أبو المطرف) الهاشمي، قال أبو حاتم: ليس به بأس (¬5) ووثقه غيره (¬6). (حدثنا محمد بن موسى) أبو عبد الله الفطري بكسر الفاء مولى الفطريين موالي بني مخزوم (عن سعيد المقبري) التابعي. (عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: نعم سحور المؤمن) فاعل نعم، و"ال" فيه عند الجمهور للجنس، والسحور عام، وجنس السحور كله (¬7) ممدوح لكون التمر يسحر به للمؤمنين متعلق بالسحور، "نعم سَحورُ المؤمن التمرُ" بالرفع لأنه المخصوص بالمدح، وهو مندرج تحت جنس السحور (¬8)؛ لأنه فرد من أفراده. ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (1693). (¬2) برقم (1939). (¬3) في مطبوع "السنن": الحسن. (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 21/ 298. (¬5) "الجرح والتعديل" 8/ 20. (¬6) ذكره ابن حبان في "الثقات" 9/ 75، وقال ابن خزيمة: كان من ثقات أهل المدينة. انظر: "تهذيب التهذيب" 9/ 322. (¬7) في المخطوط: كلمة. (¬8) في (ل): سحور المؤمن، والمثبت من (ر).

ولهم في إعراب التمر وجهان: أحدهما أنه مبتدأ، والجملة قبله من قولك: نعم السحور جملة فعلية في موضع الخبر، والثاني أن يكون التمر خبر مبتدأ محذوف، أي: نعم السحور هو التمر، وفيه دليل على فضيلة السحور بالتمر والفطر عليه، لكن الرطب أفضل منه كما سيأتي في باب: ما يفطر عليه. ويحصل السحور بقليل الأكل وكثيره وبالماء؛ لحديث: "تسحروا ولو بجرعة ماء". رواه ابن حبان في "صحيحه" (¬1). ¬

_ (¬1) "صحيح ابن حبان" 8/ 253 - 254 (3476).

17 - باب وقت السحور.

17 - باب وَقْتِ السُّحُورِ. 2346 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ زيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَوادَةَ القُشيْريِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ يَخْطُبُ وَهُوَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَمْنَعَنَّ مِنْ سَحُورِكُمْ أَذانُ بِلالٍ وَلا بياضُ الأُفُقِ الذي هَكَذا حَتَّى يَسْتَطِيرَ" (¬1). 2347 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى عَنِ التّيْميِّ ح وَحَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا زُهيْرٌ، حَدَّثَنا سُليْمانُ التّيْميُّ، عَنْ أَبي عُثْمانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَذانُ بِلالٍ مِنْ سَحُورِهِ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ - أَوْ قَالَ يُنادي: - لِيَرْجِعَ قائِمُكُمْ ويَنْتَبِهَ نائِمُكُمْ وَليْسَ الفَجْرُ أَنْ يَقُولَ هَكَذا". قَالَ مُسَدَّدٌ: وَجَمَعَ يَحْيَى كَفيهِ حَتَّى يَقُولَ هَكَذا وَمَدَّ يَحْيَى بِأُصْبَعيْهِ السَّبّابَتيْنِ (¬2). 2348 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنا مُلازِمُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ النُّعْمانِ، حَدَّثَني قيْسُ بْنُ طَلْقٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُوا واشْرَبُوا وَلا يَهِيدَنَّكُمُ السّاطِعُ المُصْعِدُ فَكُلُوا واشْرَبُوا حَتَّى يَعْتَرِضَ لَكُمُ الأَحْمَرُ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هذا مِمّا تَفَرَّدَ بِهِ أَهْلُ اليَمامَةِ (¬3). 2349 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا حُصيْنُ بْنُ نُميْرٍ ح وَحَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شيْبَةَ، حَدَّثَنا ابن إِدْرِيسَ - المَعْنَى -، عَنْ حُصيْنٍ، عَنِ الشَّعْبي، عَنْ عَديِّ بْنِ حاتِمٍ قَالَ: لَمّا نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ}. قَالَ: أَخَذْتُ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1094). (¬2) رواه البخاري (621)، ومسلم (1093). (¬3) رواه الترمذي (705)، وأحمد 4/ 23، وابن خزيمة في "صحيحه" (1930). =

عِقالًا أَبْيَضَ وَعِقالًا أَسْوَدَ فَوَضَعْتُهُما تَحْتَ وِسادَتي فَنَظَرْتُ فَلَمْ أَتَبيَّنْ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَضَحِكَ فَقَالَ: "إِنَّ وِسادَكَ لَعَرِيضٌ طَوِيلٌ، إِنَّما هُوَ اللّيْلُ والنَّهارُ". قَالَ عُثْمانُ: "إِنَّما هُو سَوادُ اللّيْلِ وَبياضُ النَّهارِ" (¬1). * * * باب وقت السُّحور [2346] (حدثنا مسدد، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن عبد الله بن سوادة) بن حنظلة (القشيري) ثقة (عن أبيه) سوادة بن حنظلة القشيري البصري، قال أبو حاتم: شيخ (¬2)، ووثقه غيره (¬3)، له حديث واحد وهو هذا، قال (سمعت سمرة بن جندب - رضي الله عنه - يخطب) على المنبر (وهو يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يمنعن) أي: لا يمنعنكم (من سحوركم) قال النووي (¬4): ضبطناه بفتح السين وضمها، فالمفتوح اسم للمأكول، والمضموم اسم للفعل، وكلاهما صحيح هنا (أذان بلال) فيه جواز الأكل والشرب والجماع بعد الأذان الأول، وقيل: أذان الفجر الثاني. وفيه جواز الأكل بعد النية، ولا يفسد مرتبة الصوم بالأكل بعدها؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أباح الأكل إلى طلوع الفجر، ومعلوم أن النية لا تجوز عند الشافعي بعد الفجر (¬5)، فدل على أنها سابقة وأن الأكل بعدها لا ¬

_ = وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2033). (¬1) رواه البخاري (1916)، ومسلم (1090). (¬2) "الجرح والتعديل" 4/ 292. (¬3) كالعجلي في "معرفة الثقات" 2/ 32، والذهبي في "الكاشف" 1/ 472. (¬4) "شرح مسلم" 7/ 206 - 207. (¬5) "الأم" 5/ 284.

يضر، وهذا هو الصواب المشهور من مذهبنا ومذهب غيرنا. وقال بعض أصحابنا: متى أكل بعد النية أو جامع فسدت (¬1) ووجب تجديدها، وإلا فلا يصح صومه. قال النووي: وهذا غلط صريح (¬2). (ولا بياض) بالرفع معطوف (الأفق) بضم الهمزة والفاء جمعه آفاق وهي نواحي السماء والأرض (الذي) يقول (هكذا) وأشار بيده إلى أفق السماء، أي: يرتفع هكذا ثم يتحفظ ويزول كما سيأتي (حتى يستطير) أي: ينتشر في الأفق. [2347] (حدثنا مسدد، حدثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن) سليمان (التّيْمي وحدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) اليربوعي. قال أحمد لرجل: اخرج إلى أحمد بن يونس فإنه شيخ الإسلام (¬3). (حدثنا زهير) بن معاوية (حدثنا سليمان) بن طرخان (التيمي) هو وما بعده سند مسلم (عن أبي عثمان) عبد الرحمن النهدي. (عن عبد الله بن مسعود، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره) فيه جواز الأذان للصبح قبل طلوع الفجر (فإنه يؤذن) بليل (أو قال: ينادي) شك من الراوي. (ليَرجعَ) بفتح الياء (قائمكم) (بالنصب مفعول) (¬4) يرجع، قال الله تعالى: {فَإِنْ رَجَعَكَ} (¬5) ومعناه: أنه إنما يؤذن بليل ليعلمكم أن ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) "شرح مسلم" 7/ 203. (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 377، و"الكاشف" 1/ 198. (¬4) كذا بالنسخ، وهو خطأ؛ لأنه فاعل (يرجع)، وقد ذكر المصنف فتح الياء في (يرجع). (¬5) التوبة: 83.

الفجر ليس ببعيد فهو يؤذن ليرد القائم المتهجد إلى راحته لينام غفوة فتنشط نفسه فيصبح نشيطًا لصلاة الصبح، أو يوتر إن لم يكن أوتر، أو يتأهب للصبح إن احتاج إلى طهارة أخرى، ونحو ذلك من المصالح المترتبة على علمه بقرب الصبح، هذا فيمن هو قائم أو مستيقظ. (وينبه) رواية مسلم: "ويوقظ" (¬1) (نائمَكم) أي: ينبه المؤذن من استولى النوم [عليه] ليتأهب للصبح أيضًا فيفعل ما أراده من تهجد قليل أو إيتار إن لم يكن أوتر، أو تسحر إن كان عزم على الصوم، أو يغتسل قبل الفجر إن كان جنبًا، أو غير ذلك مما يحتاجه قبل الفجر. (قال أحمد) بن عبد الله بن يونس (في حديثه: وليس الفجرُ) فالفجر اسم ليس، "وأن يقول" هو الخبر (أن يقول يعني الفجر أو الصبح) شك الراوي هل قال: الفجر (هكذا) أو: الصبح. (قال مسدد) في حديثه (وجمع يحيى كفيه) رواية مسلم: وجمع أصابعه ثم نكسها إلى الأرض. أي: بعد رفعها، وأشار إلى أن الفجر الأول يطلع في السماء ثم يرتفع (¬2) طرفه الأعلى وينخفض طرفه السفل (¬3) (حتى يقول) هو غاية لقوله: "ليس الفجر أن يقول هكذا". أي: يستطيل من العلو إلى الأسفل حتى يقول (هكذا) ومعنى القول بالكف والأصابع الإشارة بها (و [مد يحيى بإصبعيه] (¬4) السبابتين) ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1039). (¬2) في (ر): يطلع. (¬3) في (ر): الأسفل. (¬4) بياض في الأصول، والمثبت من المطبوع.

وهي من الأصابع التي تلي الإبهام، سميت بذلك لأن الناس يشيرون بها عند الشتم والسب. فيه بيان للفجر الصادق الذي أشار إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث وضع السبابة على السبابة ومد يديه (¬1) في التفريق بينهما، وهو إشارة إلى أنه يطلع معترضًا بالأفق ثم ينتشر في يمين الأفق من السماء وفي شماله. [2348] (حدثنا محمد بن عيسى) بن نجيح البغدادي (حدثنا مُلازِم بن عمرو) السُحيمي بضم السين المهملة، ثقة (عن عبد الله بن النعمان) السُحيمي أيضًا بضم السين وفتح الحاء المهملتين، وثق (حدثني قيس بن طَلْق) بفتح الطاء المهملة وسكون اللام (عن أبيه) طلق بن علي بن طلق بن عمرو منسوب إلى جده سحيم بن مرة بن الدؤل بن الحنيفة الحنفي السحيمي. (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كلوا واشربوا، ولا يَهِيدنَّكم) بفتح أوله وكسر الهاء وتشديد نون التوكيد، أي: لا يزعجنكم الفجر، يقال: هدته أهيده إذا أزعجته، وأصل الهيد بالكسر الحركة (الساطع) في أفق السماء بارتفاعه (المُصْعد) بضم الميم وإسكان الصاد، وفي رواية: "المتصعد" بزيادة التاء المفتوحة وتشديد الصاد (¬2). قال الجوهري: أصعد في الوادي وصعد فيه تصعيدًا إذا انحدر (¬3). أي: لا يزعجنكم رؤية الفجر المرتفع في السماء أولًا ثم ينحدر ¬

_ (¬1) في (ر): يده. (¬2) كذا في الأصول، والصواب: العين. (¬3) "الصحاح في اللغة" 2/ 59.

ويذهب فإنه الفجر الكاذب، وبيَّن الفجرين ما رواه ابن أبي شيبة عن ثوبان مرفوعًا "الْفَجْرُ فَجْرَانِ فَأَمَّا الذِي كَأَنَّهُ ذَنَبُ السِّرْحَانِ فَإِنَّهُ لَا يُحِلُّ شيئًا وَلَا يُحَرِّمُهُ، ولكن المُسْتَطِيرُ" (¬1). أي: هو الذي يحرم الطعام ويحل الصلاة (فكلوا واشربوا) أي: وجامعوا (حتى يعترض) أي: يرى الفجر معترضًا بالأفق ([لكم الأحمر]) (¬2) قال الإمام أحمد: حدثنا موسى بن داود، حدثنا محمد بن جابر، عن قيس بن طلق، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس الفجر المستطيل في الأفق، ولكنه المعترض الأحمر" (¬3). قال الخطابي (¬4): معنى الأحمر ها هنا أن يستبين البياض المعترض أوائل حمرة، وذلك أن البياض إذا تتام (¬5) طلوعه ظهرت أوائل الحمرة فيه، والعرب تشبه الصبح بالبلق في الخيل لما فيه من بياض وحمرة. [2349] (حدثنا مسدد، حدثنا حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين (ابن نُمير) بضم النون، الواسطي الضرير، ثقة. (وحدثنا عثمان بن أبي شيبة، أنا) عبد الله (ابن إدريس المعنى، عن حُصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين، ابن عبد الرحمن (عن ¬

_ (¬1) "مصنف ابن أبي شيبة" (9164). والسِّرْحانُ بالكسر: الذِّئْبُ وذَنَبُ السِّرْحانِ: كناية عن الفَجْرُ الكاذِبُ. انظر: "القاموس المحيط" ص 286، و"لسان العرب"، مادة: سرح. (¬2) ليست في الأصول، والمثبت من المطبوع. (¬3) "مسند أحمد" 4/ 23. (¬4) "معالم السنن" 2/ 104. (¬5) في (ر): تمام. والمثبت من (ل) و"معالم السنن".

الشعبي، عن عدي بن حاتم - رضي الله عنه -: لما نزلت هذِه الآية {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ}) حتى لانتهاء غاية التحريم الأكل والشرب والجماع بتبين الفجر الصادق ({الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ}) وهو ما يبدو من الفجر المعترض بالأفق ({مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}) (¬1) قال الزمخشري: بيان الخيط الأبيض واكتفى به عن بيان الخيط الأسود؛ لأن بيان أحدهما بيان الثاني، ويجوز أن يكون من للتبعيض؛ لأنه بعض الفجر. فإن قلت: أهذا من الاستعارة أم من باب التشبيه؟ قلت: قوله: {مِنَ الْفَجْرِ} أخرجه من باب الاستعارة كما أن قولك: رأيت أسدًا مجازًا، فإذا زدت (من فلان) كان تشبيهًا. فإن قلت: فلم زيد {مِنَ الْفَجْرِ} حتى كان تشبيهًا، وهلا اقتصر به على الاستعارة التي هي أبلغ من التشبيه وأدخل في الفصاحة؟ قلت: لأن من شرط المستعار أن يدل عليه الحال أو الكلام، ولو لم يذكر من الفجر لم يعلم أن الخيطين مستعاران فزيد {مِنَ الْفَجْرِ}، فكان تشبيهًا بليغًا، وخرج عن كون استعارة؛ لأن الاستعارة هي أن يذكر أحد طرفي التشبيه ويراد به الطرف الآخر، وها هنا الفجر هو المشبه والخيط الأبيض المشبه به، وهما مذكوران، فلا يكون استعارة (¬2). (أخذت عِقالًا أبيض وعِقالًا أسود) ظاهر قول عدي: لما نزلت الآية .. أخذت. يدل على أنه كان حاضر نزول هذِه الآية، وهو يقتضي تقدم إسلامه، وليس كذلك؛ لأن نزول فرض الصوم كان مقدمًا في أوائل ¬

_ (¬1) البقرة: 188. (¬2) "الكشاف" 1/ 258.

الهجرة وإسلام عدي كان في التاسعة أو العاشرة كما ذكره ابن إسحاق وغيره (¬1). فإما أن يقال: إن الآية التي في حديث الباب تأخر نزولها عن نزول فرض الصوم، وهذا بعيد جدًّا، وإما أن يؤول قول عدي هذا على أن المراد بقوله: لما نزلت أي: لما تليت علي عند إسلامي، أو لما بلغني نزول الآية، أو في السياق حذف تقديره: لما نزلت الآية ثم قدمت فأسلمت وتعلمت الشرائع عمدت إلى عقالين، وقد روى أحمد من طريق مجالد بلفظ: علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة والصوم فقال: "صل كذا، وصم كذا، فإذا غابت الشمس فكل حتى يتبين لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود"، وقال: فأخذت خيطين. . . الحديث (¬2) وذكر الخيطين في هذا الحديث مبين للعقالين، والمراد بهما الحبل، سمي بذلك لأنه يعقل به، أي: يربط به ويحبس. (فوضعتهما تحت وسادتي) أي: حين نمت (فنظرت) يعني إليهما في الليل (فلم أتبين) رواية البخاري: فلا يستبين لي (فذكرت ذلك) رواية البخاري: فغدوت إلى رسول الله فذكرت له ذلك (¬3) (لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضحك) أي: تبسم تعجبًا من حمله الآية على ظاهرها. فإن قلت: كيف التبس على عدي هذا مع بيانه حتى عمد إلى العقالين؟ ¬

_ (¬1) "سيرة ابن إسحاق" ص 287. (¬2) "مسند أحمد" 4/ 377. (¬3) "صحيح البخاري" (1916).

قال الزمخشري: غفل عن البيان، ولذلك عرض رسول الله قفاه؛ لأنه مما يستدل به على بلاهة الرجل وقلة فطنته. قال: وأنشدني بعض البدويات، قيل: هي أم كردس خادمة لبعض العرب: عريض القفا ميزانه في شماله ... قد انخص من حسب القراريط شاربه (¬1) فقوله: (ميزانه في شماله كناية) عن الحمق، وقوله: (قد انخص) لعله بنقل الهمزة إلى الدال قبلها، والنخص بالخاء المعجمة والصاد المهملة، يقال: انخص شعره وشاربه إذا انجرد وانحسر، والحاسب إذا أمعن في الحساب وتفكر فيه عض على شاربه (¬2) وشفتيه. (وقال: إن وسادتك إذًا) بالتنوين، وهو تنوين التعويض عن جملة تقديره: إذا كان بياض النهار وسواد الليل تحت وسادتك (لعريض) فإذا قيل: فلان عريض الوسادة فهي كناية تلويحية؛ لأن عريض الوسادة مشعر بعريض القفا الذي ينام به عليها، وعريض القفا مشعر بالبلاهة، وعريض القفا كناية رمزية، وترجم ابن حبان على هذا الحديث ذكر البيان أن العرب تتفاوت لغاتها، وأشار بذلك إلى أن عديًّا لم يكن يعرف في لغته أن سواد الليل وبياض النهار يعبر عنهما بالخيط الأسود والخيط الأبيض، وساق هذا الحديث (¬3). ¬

_ (¬1) "الكشاف" 1/ 259. (¬2) زيادة من (ل). (¬3) "صحيح ابن حبان" 8/ 242.

قال ابن المنير في "الحاشية": في حديث عدي جواز التلويح بالكلام النادر الذي يسير فيضرب مثلًا بشرط صحة القصد ووجود الشرط عند أمن الغلو في ذلك فإنه مزلة القدم إلا لمن عصمه الله تعالى (¬1). وأنكر القرطبي وغيره على من ذم فهم عدي وقالوا: من فهم اللفظ على حقيقته الأصلية في اللسان إذا لم يتبين له التجوز لم يستحق ذمًّا ولا ينسب إلى جهل (¬2). (لعريض) أي: لطول قفاك، ورواية البخاري في التفسير عن الشعبي: "إنك لعريض القفا" (¬3) (إنما) صيغة حصر نفي لما فهمه وإثبات أن المراد بالخيط الأبيض والخيط الأسود الليل والنهار، سميا خيطين لأن كل ما دق واستطال وأشبه الخيط فالعرب تسميه خيطًا. (قال عثمان) بن أبي شيبة في روايته وهي رواية الصحيحين (¬4) (إنما هو) كناية عن (سواد الليل وبياض النهار) فبطلوع أول الفجر الصادق يجب الإمساك وتجب الصلاة، هذا مذهب الجمهور، ونص عليه علماء الأمصار، وقيل: لا يجب الإمساك إلا بتبين الفجر في الطرق وعلى رؤوس الجبال، وهذا مروي عن عثمان وحذيفة وابن عباس وعطاء والأعمش وغيرهم، وقادهم إلى هذا أنهم يرون أن الصوم إنما هو في النهار، والنهار عندهم من طلوع الشمس إلى غروبها فقط (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر 4/ 133. (¬2) "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" 9/ 113. (¬3) "صحيح البخاري" (4510). (¬4) "صحيح البخاري" (1916)، "صحيح مسلم" (1090). (¬5) انظر: "تفسير الطبري" 3/ 511 - 530، و"المحرر الوجيز، لابن عطية 1/ 245.

18 - باب في الرجل يسمع النداء والإناء على يده.

18 - باب في الرَّجُلِ يَسْمَعُ النِّداءَ والإِناءُ عَلَى يَدِهِ. 2350 - حَدَّثَنا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمّادٍ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُريْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمُ النِّداءَ والإِناءُ عَلَى يَدِهِ فَلا يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضيَ حاجَتَهُ مِنْهُ" (¬1). * * * باب الرجل يسمع النداء والإناء على يده (¬2) [2350] (حدثنا عبد الأعلى بن حماد) بن نصر، روي عنه في الصحيحين. ([حدثنا حماد] (¬3)، عن محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص الليثي، روى عنه مالك في "الموطأ" غير حديث، وروى له البخاري مقرونًا بغيره، ومسلم في المتابعات (عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أحد الفقهاء السبعة المشهورين بالفقه في المدينة في قول، ومن (¬4) مشاهير التابعين. (عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا سمع أحدكم النداءَ والإناءُ) مرفوع على أنه مبتدأ وخبره ما بعده (في يده) قيل: المراد ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 423. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (2035): إسناده حسن صحيح. (¬2) بعدها في الأصل: نسخة: على فيه. (¬3) سقط من المخطوط واستدركت من المطبوع، وهو حماد بن سلمة. (¬4) من (ل).

بالنداء أذان بلال الأول؛ لقوله - عليه السلام -: "إن بلالًا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم" (¬1)، (فلا يضعه) بالجزم نهي يقتضي إباحة الشرب من الإناء الذي في يده إلا أن لا يضعه (حتى يقضيَ حاجته) ولهذا ذكره بعد الحديث في الباب قبله أنه يباح له أن يأكل ويشرب حتى يتبين له دخول الفجر الصادق باليقين، والظاهر أن الظن الغالب بدليل ملحق باليقين هنا، أما الشاك في طلوع الفجر وبقاء الليل إذا تردد فيهما. فقال أصحابنا: يجوز له الأكل؛ لأن الأصل بقاء الليل (¬2)، فقال النووي وغيره: إن الأصحاب اتفقوا على ذلك، وممن صرح به: الدارمي والبندنيجي وخلائق لا يحصون، قال: وأما قول الغزالي في "الوسيط": لا يجوز الأكل هجومًا في أول النهار، [وقول المتولي في مسألة السحور] (¬3) لا يجوز للشاك في طلوع الفجر أن يتسحر، فلعلهما أرادا بقولهما: لا يجوز أنه ليس مباحًا مستوي الطرفين، بل الأولى تركه، فإن أراد تحريم الأكل على الشاك في طلوع الفجر فهو غلط مخالف للقرآن ولجماهير العلماء، ولا نعلم أحدًا من العلماء قال بتحريمه إلا مالك. وذكر ابن المنذر (¬4) بابًا في إباحة الأكل للشاك، وحكاه عن أبي بكر وابن عمر وابن عباس وغيرهم، ولم ينقل المنع إلا عن مالك (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (617)، ومسلم (1092) من حديث ابن عمر. (¬2) انظر: "الحاوي" 3/ 416. (¬3) ساقط من المخطوط، وأثبت من "المجموع". (¬4) "الإشراف على مذاهب العلماء" لابن المنذر 3/ 118 - 119. (¬5) "المجموع شرح المهذب" 6/ 306.

قال الأذرعي من أصحابنا: لو غلب على ظنه طلوع الفجر بأمارة صحيحة فالوجه الجزم بتحريم الأكل حينئذٍ، والآية والحديث يحمل على غير هذِه الحالة وإلا لزم أن يجوز له أن يصلي الفجر وأن يأكل ما دام شاكًّا! قال: ولا أحسب أحدًا يقول هذا، ويدل على الإباحة للشاك ما رواه عبد الرزاق - قال شيخنا ابن حجر: بإسناد صحيح (¬1) - عن ابن عباس قال: أحل الله لك الأكل والشرب ما شككت (¬2). ولابن أبي شيبة عن أبي بكر (¬3) وعمر (¬4) نحوه، قال: وروى ابن أبي شيبة من طريق أبي (¬5) الضحى قال: سأل رجل ابن عباس عن السحور وقال له رجل من جلسائه: كل حتى لا تشك. فقال ابن عباس: إن هذا لا يقول شيئًا، كل ما شككت حتى لا تشك (¬6). قال ابن بَزِيزَة في "شرح الأحكام": اختلفوا هل يحرم الأكل بطلوع الفجر أو بتبينه عند الناظر تمسكًا بظاهر الآية، واختلفوا هل يجب إمساك جزء قبل طلوع الفجر أم لا بناءً على الخلاف المشهور في تقدمة الواجب (¬7). ¬

_ (¬1) "فتح الباري" 4/ 135. (¬2) "مصنف عبد الرزاق" (7367). (¬3) "مصنف ابن أبي شيبة" 9151 - 9152. (¬4) "مصنف ابن أبي شيبة" (9159). (¬5) في (ل): ابن أبي. (¬6) "مصنف ابن أبي شيبة" (9150). (¬7) انظر: "فتح الباري" لابن حجر 4/ 136.

19 - باب وقت فطر الصائم.

19 - باب وَقْتِ فِطْرِ الصّائِمِ. 2351 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، حَدَّثَنا هِشامٌ ح وَحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ هِشامٍ - المَعْنَى - قَالَ هِشامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عاصِمِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا جاءَ اللّيْلُ مِنْ ها هُنا وَذَهَبَ النَّهارُ مِنْ ها هُنا". زادَ مُسَدَّدٌ: "وَغابَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصّائِمُ" (¬1). 2352 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ الواحِدِ، حَدَّثَنا سُليْمانُ الشّيْبانيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبي أَوْفَى يَقُولُ: سِرْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهوَ صائِمٌ فَلَمّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَالَ: "يا بِلالُ، انْزِلْ فاجْدَحْ لَنا". قَالَ: يا رَسُولَ اللهِ لَوْ أَمْسيْتَ. قَالَ: "انْزِلْ فاجْدَح لَنا". قَالَ: يا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ عَليْكَ نَهارًا. قَالَ: "انْزِلْ فاجْدَحْ لَنا". فَنَزَلَ فَجَدَحَ فَشَرِبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قَالَ: "إِذا رَأيْتُمُ اللّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ ها هُنا فَقَدْ أَفْطَرَ الصّائِمُ". وَأَشارَ بِأُصْبُعِهِ قِبَلَ المَشْرِقِ (¬2). * * * باب وقت فطر الصائم [2351] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا وكيع) بن الجراح (عن هشام) بن عروة أحد الأعلام، قال أبو حاتم: ثقة (¬3). (وحدثنا مسدد قال: حدثنا عبد الله بن داود) الخريبي بضم المعجمة وفتح الراء وبعد الياء باء مفتوحة (¬4) نسبة إلى خريبة البصرة المشهورة، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1954)، ومسلم (1100). (¬2) رواه البخاري (1941)، ومسلم (1101). (¬3) "الجرح والتعديل" 9/ 64. (¬4) هكذا في الأصل، والصواب: مكسورة.

قال أبو حاتم: ثقة إمام (¬1) (عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير، [قال ابن سعد: ] (¬2) كان فقيهًا عالمًا ثبتًا (¬3). (عن عاصم بن عمر) بن الخطاب العدوي، ولد في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - لكن لم يسمع منه (¬4) شيئًا. قال أبو حازم: كان بينه وبين رجل من قريش أرضًا، فقال القرشي لعاصم: إن كنت صادقًا فادخلها. فقال عاصم: أو قد بلغ بك الغضب إلى هذا، هي لك. فقال القرشي: سبقتني، بل هي لك، فتركاها لم يأخذها أحد منهما ولا أولادهما بعدهما (¬5). (عن أبيه) عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا جاء الليل من ها هنا) وفي رواية ابن خزيمة من طريق أبي معاوية عن هشام: قال لي (¬6). وقوله: "إذا أقبل الليل من ها هنا"، أي: من جهة المشرق كما في رواية البخاري (¬7) والمراد به وجود الظلمة حسًّا. وذكر في هذا الحديث ثلاثة أشياء متلازمة: أحدها: إذا جاء الليل. والثاني (وذهب النهار من ها هنا) أي: من المغرب، أي: ذهب ضوؤه. ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 5/ 47. (¬2) من (ل). (¬3) "الطبقات الكبرى" 7/ 178. (¬4) من (ل). (¬5) "تهذيب الكمال" 13/ 523. (¬6) "صحيح ابن خزيمة" (2058). (¬7) "صحيح البخاري" (1853).

والثالث (زاد مسدد) في روايته (وغابت الشمس) فإذا حصل الواحد من هذِه الثلاثة حصل سائرها، وإنما جمعها في الذكر - والله أعلم - لأن الناظر قد لا يرى عين غروب الشمس بحائل ويرى ظلمة الليل في المشرق فيحصل له إذ ذاك الفطر ومجموعها إنما يحصل بغروب الشمس، (فقد أفطر الصائم) أي: دخل الصائم في وقت فطره كما تقول العرب: أظهر. دخل في وقت الظهر، و: أنجد. إذا دخل في أرض نجد، و: أتهم. إذا دخل في أرض تهامة، وعلى هذا لا يكون في الحديث تعرض للوصال لا بنفي ولا إثبات، ويحتمل أن يكون معناه: فقد صار مفطرًا في الحكم، ومعناه: أن زمان الليل يستحيل فيه الصوم الشرعي. ورد ابن خزيمة هذا الاحتمال وأومأ إلى ترجيح الأول فقال: قوله: "قد أفطر الصائم" لفظه لفظ خبر ومعناه الأمر، أي: فليفطر الصائم، ولو كان المراد فقد صار مفطرًا لكان فطر جميع الصوام واحد، ولم يكن للترغيب في تعجيل الإفطار معنى (¬1). انتهى. وعلى هذين التأويلين يخرج خلاف العلماء: هل يصح إمساك بعد الغروب؟ فمنهم من قال: لا يصح وهو كيوم الفطر، ومَنعَ الوصال، وقال: لا يصح. ومنهم من جوَّز إمساك ذلك الوقت، ورأى أن له أجر الصائم محتجًّا بأحاديث الوصال (¬2). قالوا: وإنما نهاهم عن الوصال رحمة لهم، ولا شك أن التأويل ¬

_ (¬1) "صحيح ابن خزيمة" 3/ 273. (¬2) انظر: "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" 3/ 158.

الأول أرجح، ولو كان الثاني معتمدًا لكان من حلف أن لا يفطر فصام فدخل الليل حنث بمجرد دخوله ولو لم يتناول شيئًا. ويمكن الانفصال عن ذلك بأن الأيمان مبنية على العرف، وبذلك أفتى الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في مثل هذِه الواقعة بعينها، فإن العرف على أن المراد: لا يفطر قبل غروب الشمس، ومثل هذا لو قال: إن أفطرت فأنت طالق، فصادف يوم العيد لم تطلق؛ لأنه لا إفطار حتى يتناول ما يفطر به، وقد ارتكب بعضهم هذا الشطط، فقال: يحنث. ويرجح الأول روايةُ شعبة: "فقد حل الإفطار" (¬1). وكذا أخرجه أبو عوانة من طريق الثوري (¬2). [2352] (حدثنا مسدد، حدثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي، قال النسائي: ليس به بأس (¬3). (حدثنا سليمان) بن فيروز (الشيباني قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى) - رضي الله عنه - (يقول: سرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) زاد البخاري: في سفر (¬4). (وهو صائم) يشبه أن يكون صيام هذا السفر كان في غزوة الفتح ويؤيده رواية هشيم عن الشيباني عند مسلم بلفظ: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر في شهر رمضان (¬5). وسفره في رمضان ينحصر في غزوة بدر وغزوة الفتح، فإن ثبت أن ابن أبي أوفى لم (¬6) ¬

_ (¬1) رواها أحمد 4/ 382. وانظر: "فتح الباري" لابن حجر 4/ 197. (¬2) "مسند أبي عوانة" (2805). (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 18/ 454. (¬4) "صحيح البخاري" (1941). (¬5) "صحيح مسلم" (1101). (¬6) من (ل).

يشهد بدرًا تعينت غزوة الفتح. (فلما غربت الشمس) وفي رواية للبخاري: فلما غابت الشمس (¬1). وغربت يفيد معنى أزيد من معنى غابت (قال: يا بلال اْنزل) يدل على أنه كان راكبًا (فاجدَح) قيل: أصل الفاء أن تدخل على المعلول؛ لأنها للتعقب، والمعلول يعقب العلة، وقد تدخل على العلة كما في الحديث، فإن الجدح علة للنزول، ومنه قوله تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} (¬2)، والجدح بالجيم والحاء تحريك السويق ونحوه بالماء بعود يقال له: المجدح بكسر الميم مجنح الرأس، وقال القرطبي: هو خلط اللبن بالماء، والجدح الخلط (¬3). وزعم الداودي أن معنى أجدح أحلب، وغلطوه في ذلك (¬4). (قال: يا رسول الله، لو أمسيت) "لو" إما لليمين كقوله تعالى {لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} (¬5)، أو للشرط وجزاؤها محذوف أي: لكنت متما للصوم. (قال: انزل فاجدح لنا. قال: يا رسول الله، إن عليك نهارًا) أي: إن النهار باقٍ عليك، وإنما قال له ذلك لأنه رأى ضوء الشمس ساطعًا وإن كان حرمها غائبًا فظن أن الشمس لم تغرب، أو كان هناك غيم فلم يتحقق غروب الشمس (فقال: أنزل فاجدح لنا، فنزل فجدح) قال ¬

_ (¬1) لم أقف على هذا اللفظ في "صحيح البخاري"، وإنما وجدته بنفس لفظ أبي داود. "صحيح البخاري" (1955، 1956، 5297). (¬2) البقرة: 197. (¬3) "المفهم" 3/ 159. (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض 1/ 141، و"فتح البار " (4/ 197). (¬5) الشعراء: 101.

ابن المنير: يؤخذ من هذا الحديث جواز الاستفسار عن الظواهر. وفي الحديث استحباب تعجيل الفطر، وأنه لا يجب إمساك جزء من الليل مطلقًا، بل متى تحقق غروب الشمس حل الفطر. وفيه تذكير العالم بما يخشى أن يكون نسيه وترك المراجعة له بعد ثلاث. وقد اختلفت الروايات عن الشيباني في ذلك، فأكثر ما وقع فيها أن المراجعة وقعت ثلاثًا، وفي بعضها مرتين، وفي بعضها مرة. وهو محمول على أن بعض الرواة اختصر القصة (¬1). فنزل فجدح (فشرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) الشرب فيه دليل لما قاله القرطبي أن الجدح خلط اللبن بالماء (¬2). ويرد على من قال: إنه اللت (ثم قال: إذا رأيتم الليل أقبل من ها هنا) أي: بظلامه (فقد أفطر الصائم) وإن لم يأكل (وأشار بأصبعه) يشبه أن تكون المسبحة، وفي بعض نسخ البخاري بالتثنية (قبل المشرق) فإن الظلام يأتي من جهته، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" 4/ 197 - 198. (¬2) سبق تخريجه.

20 - باب ما يستحب من تعجيل الفطر.

20 - باب ما يُسْتَحَبُّ مِنْ تَعْجِيلِ الفِطْرِ. 2353 - حَدَّثَنا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، عَنْ خالِدٍ عَنْ مُحَمَّدٍ -يَعْني ابن عَمْرٍو- عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُريْرَةَ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لا يَزالُ الدِّينُ ظاهِرًا ما عَجَّلَ النّاسُ الفِطْرَ، لأَنَّ اليَهُودَ والنَّصارى يُؤَخِّرُونَ" (¬1). 2354 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمارَةَ بْنِ عُميْرٍ، عَنْ أَبي عَطِيَّةَ قالَ: دَخَلْتُ عَلَى عائِشَةَ رضي الله عنها أَنا وَمَسْرُوقٌ فَقُلْنا: يا أُمَّ المُؤْمِنِينَ، رَجُلانِ مِن أَصْحابِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - أَحَدُهُما يُعَجِّلُ الإِفْطارَ ويُعَجِّلُ الصَّلاةَ والآخَرُ يُؤَخِّرُ الإِفْطارَ ويُؤَخِّرُ الصَّلاةَ؟ قالَتْ: أيُّهُما يُعَجِّلُ الإِفْطارَ ويُعَجِّلُ الصَّلاةَ؟ قُلْنا: عَبْدُ اللهِ. قالَتْ: كَذَلِكَ كانَ يَصْنَعُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬2). * * * باب ما يستحب من تعجيل الإفطار [2353] (حدثنا وهب بن بقية) بفتح الموحدة وكسر القاف الواسطي ثقة. (عن خالد) بن عبد الله الواسطي (عن محمد يعني ابن عمرو) بن علقمة (عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن. (عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا يزال الدين ظاهرًا) أي: غالبا وعاليا. وظهور الدين مستلزم لدوام أفعال الخير (ما) ظرفية زمانية (عجَّل الناس ¬

_ (¬1) رواه النسائي في "الكبرى" 3/ 253 (3313)، وابن ماجه (1698)، وأحمد 2/ 450، وابن خزيمة في "صحيحه" (2060)، وابن حبان (3503). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (2038). (¬2) رواه مسلم (1099).

الفطر) زاد أبو ذر في حديثه: "وأخروا السحور". أخرجه أحمد (¬1) أي: مدة فعلهم ذلك، فما داموا متمسكين بالسنة واقفين عند حدودها غير متنطعين بعقولهم ما يغير قواعدها. (لأن اليهود والنصارى يؤخرون) هذا التعليل زيادة على الصحيحين، وتابعه في زيادتها ابن خزيمة (¬2) وغيره (¬3)، وتأخير أهل الكتاب له أمد وهو ظهور النجم. وقد روى ابن حبان (¬4) والحاكم (¬5) من حديث سهل: "لا تزال أمتي على سنتي ما لم تنتظر بفطرها النجوم". قال المهلب: والحكمة في ذلك أن لا يزاد في النهار من الليل، ولأنه أرفق بالصائم وأقوى له على العبادة (¬6). [2354] (حدثنا مسدد، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمارة) بضم العين (ابن عمير) الكوفي، وثقوه (¬7). (عن أبي عطية) مالك بن عامر الهمداني. (قال: دخلت على عائشة) أنا ومسروق بن الأجدع بالجيم (فقلنا: يا ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 5/ 147. (¬2) "صحيح ابن خزيمة" (2060). (¬3) "مسند أحمد" 2/ 450، و"صحيح ابن حبان" (3510). (¬4) "صحيح ابن حبان" (3510). (¬5) "المستدرك" 1/ 433. (¬6) انظر: "شرح ابن بطال" 4/ 104، "فتح الباري" لابن حجر 4/ 199. (¬7) وثقه أحمد والنسائي والعجلي. انظر: "تهذيب الكمال" 21/ 256.

أم المؤمنين، رجلان من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أحدهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة) في أول وقتيهما (¬1)، ([والآخر يؤخر الإفطار ويؤخر الصلاة] (¬2) قالت: أيهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة؟ ) فيه سؤال المفتي عن صاحب الواقعة لما يتعلق بمعرفته من الفوائد، وفيه مدح من كان متمسكًا بالسنة (¬3). (قلنا: هو عبد الله بن مسعود. قالت: كذلك كان يصنع رسول الله) قال الترمذي بعد روايته: والآخر أبو موسى الأشعري. ثم قال: هذا حديث حسن صحيح (¬4). وروي قبله عن أبي هريرة، قال رسول الله: "قال الله عز وجل: أحب عبادي إليَّ أعجلهم فطرًا" (¬5). قال الشافعي في "الأم": تعجيل الفطر مستحب، ولا يكره تأخيره إلا لمن تعمد تأخيره ورأى الفضل فيه (¬6). * * * ¬

_ (¬1) في (ر): وقتهما. (¬2) من المطبوع. (¬3) من (ل). (¬4) "سنن الترمذي" (702). (¬5) "سنن الترمذي" (700، 701). (¬6) "الأم" 3/ 238.

21 - باب ما يفطر عليه.

21 - باب ما يُفْطَرُ عَليْهِ. 2355 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ الواحِدِ بْنُ زِيادٍ، عَنْ عاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنِ الرَّبابِ، عَنْ سَلْمانَ بْنِ عامِرٍ عَمِّها قالَ: قالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا كانَ أَحَدُكُمْ صائِمًا فَلْيُفْطِرْ عَلَى التَّمْرِ فَإِنْ لَمْ يجِدِ التَّمْرَ فَعَلَى الماءِ فَإِنَّ الماءَ طَهُورٌ" (¬1). 2356 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، حَدَّثَنا جَعْفَرُ بْن سُليْمانَ، حَدَّثَنا ثابِتٌ البُنانيُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مالِكٍ يَقُولُ كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُفْطِرُ عَلَى رُطَباتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلّيَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَباتٌ فَعَلَى تَمَراتٍ، فَإِنْ لَمْ تَكنْ حَسا حَسَواتٍ مِنْ ماءٍ (¬2). * * * باب ما يفطر عليه [2355] (حدثنا مسدد، حدثنا عبد الواحد بن زياد) العبدي، ليس به بأس (عن عاصم) بن سليمان (الأحول) وثق (عن حفصة بنت سيرين) أم الهذيل الفقيه (عن الرَّبَاب) بفتح الراء وتخفيف الباء الموحدة الأولى بنت صليع بن عامر جدة عثمان بن حكيم بفتح الحاء وكسر الكاف. (عن سلمان بن عامر) بن أوس الضبي، قال مسلم: لم يكتب في ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (658)، وابن ماجه (1699)، وأحمد 4/ 17، وابن خزيمة في "صحيحه" (2067)، وابن حبان (3515). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (404). (¬2) رواه الترمذي (696)، وأحمد 3/ 164.

الصحابة ضبي غيره (¬1) لكن قال ابن أبي خيثمة: وقد روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من بني ضبة عتاب (¬2) بن شمير الضبي (¬3) (عمِّها) بنت أخيه صليع بن عامر (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا كان أحدكم صائمًا فليفطر على التمر) هكذا قال الترمذي، ثم قال: حديث صحيح (¬4). قال ابن المنذر في "الإقناع ": يجب الفطر على التمر (¬5). هكذا (¬6) للحديث الصحيح، وذكر قال بعض المتأخرين: هذا مذهب ابن حزم (¬7)، وأخشى أن يكون تصحف قول ابن المنذر - ويحب بالحاء - من الناقل انتهى. ولا حاجة إلى حمله بالتصحيف إذا حمل الأمر على الوجوب فيما صح وثبت، ورواه الشافعي في "الإملاء" بلفظ: "فليفطر على تمر فإنه بركة". ورواه الحاكم (¬8) وابن حبان (¬9) بألفاظ مختلفة. وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري، وله شاهد على شرط مسلم. ¬

_ =وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (2040): إسناده حسن صحيح. (¬1) نقله عنه ابن منده في "معرفة الصحابة" ص 727 ط. جامعة الإمارات. (¬2) في المخطوط: عثمان. والمثبت من "تاريخ ابن أبي خيثمة". (¬3) "التاريخ الكبير" لابن أبي خيثمة 1/ 264 (913). (¬4) "سنن الترمذي" (695). (¬5) "الإقناع" 1/ 200. (¬6) من (ر). (¬7) "المحلى" 7/ 32. (¬8) "المستدرك" 1/ 432 بلفظ: "إذا كان أحدكم صائما فليفطر على التمر فإن لم يجد التمر فعلى الماء فإن الماء طهور". (¬9) "صحيح ابن حبان" (3514) بلفظ: "من وجد تمرًا فليفطر عليه، ومن لا يجد فليفطر=

ورواه أحمد وزاد في آخره: "ومع الغلام عقيقة فأميطوا عنه الأذى، وأهريقوا عنه دمًا، والصدقة على القرابة ثنتان: صدقة وصلة" (¬1). وأخرجه الأربعة (¬2). والجمهور على أنه سنة ليس بواجب، ويستحب أن يكون التمر ونحوه وترًا، وأقله ثلاث. قيل: الحكمة في التمر أن لا يدخل جوفه شيء مسته النار. وقيل: الحكمة فيه أن الصوم يضعف البصر والحلو يقوي البصر، لكن الأطباء قالوا: إن أكل التمر يضعف البصر. ولعلهم أرادوا ما به الإكثار، إذ الشيء قد ينفع قليله ويضر كثيره. وذكر السمعاني في "الزبد" عن وهب بن منبه أنه قال: إذا سرد الرجل الصوم زاغ بصره، فإذا أفطر على حلو رجع إليه بصره (¬3). (فإن لم يجد التمر فعلى الماء) قيل: الأولى أن يفطر على ماء زمزم إن وجده، انتهى، وإن لم يجده فعلى الماء الفاضل من وضوئه. قال المحب الطبري: وحسن أن يجمع بين التمر والماء بعده. قال ابن عبد السلام: إذا أفطر على الماء يحسو ثلاث حسيات. أي: كما سيأتي في الحديث. (فإن الماء طَهور) أي: مطهر كقوله في ماء البحر: "هو الطهور ¬

_ =على الماء فإنه طهور". (¬1) "مسند أحمد" 4/ 17. (¬2) "سنن الترمذي" (658)، والنسائي في "الكبرى" (3301)، و"سنن ابن ماجه" (1699). (¬3) رواه ابن أبي خيثمة في "التاريخ" 1/ 319، وأبو نعيم في "الحلية" 4/ 51، والبيهقي=

ماؤه" (¬1). ويحتمل أن يراد بالطهور ما يتطهر به من الذنوب؛ لما روى أبو الشيخ عن أبي سعيد الخدري أنه: "يخرج من ذنوبه كما تخرج الحية من سلخها" (¬2). [2356] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عبد الرزاق) بن همام أحد الأعلام (حدثنا جعفر بن سليمان) الضبعي بضم الضاد ثقة، فيه شيء. قيل: كان مع كثرة علمه أميًّا (¬3). (أخبرني ثابت البناني) بضم الموحدة من أعلام البصرة (أنه سمع أنس ابن مالك يقول: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفطر على رُطَبات) بضم الراء وفتح الطاء جمع رطبة. رواه الترمذي وحسنه (¬4) وصحح الدارقطني إسناده (¬5)، وقال الحاكم: على شرط مسلم (¬6). وفيه تفضيل الرطب إن وجد على التمر، وظاهر الحديث أنه لابد من ثلاث رطبات؛ لأنها أقل الجمع، وبذلك صرح بعض أصحابنا، فلا تحصل السنة بدون ثلاث (قبل أن يصلي) فيه دليل على أنه يستحب للصائم أن يفطر قبل أن يصلي، روى الطبراني عن أنس: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان صائمًا لم يصل حتى يأتيه برطب وماء فيأكل ويشرب، وإذا لم يكن رطب لم يصل حتى يأتيه بتمر وماء. وقال: تفرد به ¬

_ =في "شعب الإيمان" (3618). (¬1) سبق برقم (83). (¬2) رواه أبو نعيم الأصبهاني في "تاريخ أصبهان" 1/ 453 مرفوعًا. (¬3) انظر: "الكاشف" (792). (¬4) "سنن الترمذي" (696). (¬5) "سنن الدارقطني" 2/ 185. (¬6) "المستدرك" 1/ 431.

[سليمان بن عبد الرحمن] (¬1) عن يحيى (¬2). (فإن لم يكن رطبات فعلى) أي: يفطر على (تمرات) بفتح الميم إتباعًا لفتح أوله، وهي التاء كقوله تعالى: {أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ} (¬3) أي: وساوسها. (فإن لم يكن تمرات) أو ما في معناها من زبيب. وأخرج أبو يعلى عن أنس: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب أن يفطر على ثلاث تمرات أو شيء لم تمسه النار (¬4). (حسا حسوات) بفتح السين، ويجوز إسكانها. قال ابن مالك: ولا يقال فعلات يعني بسكون العين فيما استحق فعلات أي: بفتح العين اختيارًا إلا الاعتلال، نحو ظبية وظبيات وعروة وعروات، وشبه الصفة نحو أهلات. (من ماء) قال القاضي حسين في "فتاويه": الأولى في زماننا أن يفطر على ما يأخذه بكفه من النهر ليكون أبعد عن الشبهة التي كثرت في أيدي الناس، أو يصب الماء من الكوز على يده. وقال الماوردي (¬5): إن لم يجد تمرًا فليفطر على حلاوة أخرى، فإن لم يجد فعلى الماء. ¬

_ (¬1) في (ر): سليمان بن عبد البر. والمثبت من (ل)، وكلاهما خطأ، والصواب (مسكين ابن عبد الرحمن) كما عند الطبراني في "الأوسط" (3861). (¬2) "المعجم الأوسط" (3861). (¬3) المؤمنون: 97. (¬4) "مسند أبي يعلى" (3305). (¬5) هكذا في الأصل، ولم أجد هذا الكلام في "الحاوي"، وعزاه النووي للروياني كما=

قال النووي (¬1): وهو شاذ؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدم التمر ونقل منه إلى الماء بلا واسطة. قال صاحب "البيان" (¬2): ويكره للصائم إذا أراد أن يشرب أن يتمضمض ويمجه. قال النووي (¬3): وهذا شبيه بكراهة السواك له بعد الزوال. وقال الحليمي: الأولى أن لا يفطر على شيء مسته النار (¬4). وقال في "الإحياء" (¬5) في الباب الثاني من باب الحلال والحرام بيسير: قال السري: انتهيت إلى حشيش في جبل وماء يخرج منه فتناولت من الحشيش وشربت من الماء، وقلت في نفسي: إن كنت أكلت يومًا حلالًا طيبًا فهو هذا اليوم. فهتف بي هاتف: إن القوة التي أوصلتك إلى هذا الموضع يجب أن يبحث عنها من أين هي؟ فندمت على ما وقع مني. * * * ¬

_ =في "روضة الطالبين" 2/ 368. (¬1) "المجموع شرح المهذب" 6/ 363. (¬2) "البيان" للعمراني 3/ 539. (¬3) انظر: "المجموع شرح المهذب" 6/ 363، "أسنى المطالب في شرح روض الطالب" 1/ 420. (¬4) انظر: "تحفة المحتاج في شرح المنهاج" 3/ 411. (¬5) "إحياء علوم الدين" 2/ 97.

22 - باب القول عند الإفطار.

22 - باب القَوْلِ عنْد الإِفْطارِ. 2357 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى أَبُو مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنا عَليُّ بْنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَني الحُسيْنُ بْنُ واقِدٍ، حَدَّثَنا مَرْوانُ -يَعْني: ابن سالِمٍ المُقَفَّعُ- قالَ: رَأيْتُ ابن عُمَرَ يَقْبِضُ عَلَى لْحِيَتِهِ فيقْطَعُ ما زادَ عَلَى الكَفِّ وقالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا أَفْطَرَ قالَ: "ذَهَبَ الظَّمَأُ، وابْتَلَّتِ العُرُوقُ، وَثَبَتَ الأَجْرُ إِنْ شاءَ اللهُ" (¬1). 3358 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا هُشيْمٌ، عَنْ حُصيْنٍ، عَنْ مُعاذِ بْنِ زُهْرَةَ أنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - كانَ إِذا أَفْطَرَ قالَ: "اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ" (¬2). * * * باب القول عند الإفطار [2357] (حدثنا عبد الله بن محمد بن يحيى) الطرسوسي (أبو محمد) المغروف بالضعيف، لقب له (¬3) لكثرة عبادته. قال النسائي: شيخ صالح ثقة (¬4) [(حدثنا علي بن الحسن، أخبرنى الحسين بن واقد) المروزي قال النسائي: ليس به بأس (¬5). (حدثنا مروان يعني ابن سالم المقفع) بقاف ثم فاء مشددة مفتوحة ¬

_ (¬1) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (3329). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (2041). (¬2) رواه ابن المبارك في "الزهد" (1410)، (1411)، وابن أبي شيبة 6/ 330 (9837)، والبيهقي 4/ 239. وقال الألباني في "ضعيف أبي داود" (406): إسناده ضعيف مرسل. (¬3) في (ر): به. (¬4) انظر: "المعجم المشتمل" (553)، "تهذيب الكمال" 16/ 98. (¬5) انظر: "تهذيب الكمال" 6/ 494.

مصري (¬1) مقبول. (قال: رأيت ابن عمر يقبض على لحيته فيقطع ما زادت) فيه شاهد للنحاة على أن ما ومن الموصولتين إذا خالف معناهما لفظهما أن يعود الضمير عليهما باعتبار اللفظ والمعنى، فإن ها هنا لما كان معناها التأنيث لأن اللحية مؤنثة أتى بتاء التأنيث في "زادت" لا لاعتبار المعنى، وقد استشهد عليه ابن مالك بقول امرئ القيس: فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها ... لما نسجتها من جنوب وشمأل فالمِقراة بكسر الميم وسكون القاف وهي الساحة التي يقرى فيها الضيفان، لما كانت مؤنثة أعيد اللفظ بالتأنيث عليها، ومن إعادة (¬2) الضمير على المعنى ما أنشده ابن مالك: فإن من النسوان من هي روضة (¬3) (على الكف) فيه دليل على إباحة القص مما طال من اللحية. قال الغزالي: اختلف الناس فيما طال من اللحية، فقيل: لا بأس أن تقبض عليها وتقص ما تحت القبضة، فعله ابن عمر (¬4) ثم جماعة من التابعين (¬5)، واستحسنه الشعبي وابن سيرين، وكرهه الحسن وقتادة، ¬

_ (¬1) في (ر): بصري. وهو خطأ. (¬2) في (ر): عادة. والمثبت من (ل). (¬3) هو صدر بيت أورده ابن سيده في "المخصص" 1/ 218، وعجزه: تهيج الرياض قبلها ونصوح (¬4) رواه مالك في "الموطأ" 1/ 396. (¬5) انظر: "مصنف ابن أبي شيبة" 13/ 112 (25991 - 26001).

قالوا: بل يتركها عافية لقوله - صلى الله عليه وسلم -، أي في الحديث الصحيح: "وأعفوا اللحى" (¬1). أي: وفروها بلا قص ولا تقصوها كفعل الأعاجم. قال الغزالي: والأمر في هذا قريب إذا لم ينته إلى تقصيصها؛ لأن الطول المفرط قد يشوه الخلقة (¬2). قال النووي: والصحيح كراهة الأخذ منها مطلقًا، بل يتركها على حالها (¬3). انتهى. وهذا الحديث حجة عليه؛ فيكون إعفاء اللحية لما لا طول فيها والأخذ منها لما ازداد طولها. (وقال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أفطر قال: ذهب الظمأ) قال النووي: الظمأ مهموز الآخر مقصور وهو العطش، قال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ} (¬4) قال: وإنما ذكرت هذا وإن كان ظاهرًا؛ لأني رأيت من اشتبه عليه فتوهمه ممدودًا (¬5). (وابتلت العروق) الظاهر أن هذا الدعاء مخصوص بشرب الماء لا بأكل التمر ونحوه (وثبت الأجر إن شاء الله) والتعليق بالمشيئة راجع إلى ثبوت الأجر لا لما قبله. [2358] (حدثنا مسدد، حدثنا هشيم) بن بشير أبو معاوية السلمي حافظ بغداد، ثقة. (عن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين، ابن عبد الرحمن ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5893)، ومسلم (259) من حديث ابن عمر. (¬2) "إحياء علوم الدين" 1/ 143. (¬3) "المجموع شرح المهذب" 1/ 290. (¬4) التوبة: 120. (¬5) "الأذكار" للنووي ص 190.

السلمي الكوفي. (عن معاذ بن زهرة) أبو زهرة الضبي (¬1)، تابعي أرسل حديثه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد رواه الطبراني في "الكبير" (¬2) والدارقطني (¬3) من حديث ابن عباس بسند ضعيف (أنه بلغه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أفطر قال: اللهم) وأسند الطبراني عن أنس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أفطر قال: "بسم الله، اللهم" (¬4) (لك) أي: لوجهك الكريم (صمت، وعلى رزقك) الرزق: كل ما انتفع به من مأكول ومشروب وملبوس ومركوب وزوجة وولد ودار، وهو عند أهل السنة يطلق على الحلال والحرام، وهو كله من الله. وعند المعتزلة هو مخصوص بالحلال، وإنما حصل بكسب وعمل من صاحبه لا من الله. (أفطرت) ورواه ابن السني وزاد فيه: "فتقبل منا إنك أنت السميع العليم" (¬5). وقال المتولي: يقول بعد قوله: "وعلى رزقك أفطرت": "وبك آمنت وعليك توكلت ورحمتك رجوت وإليك أنبت" (¬6). وفي "كافي سليم ¬

_ (¬1) من (ل). (¬2) "المعجم الكبير" 12/ 146. (¬3) "سنن الدارقطني" 2/ 185. (¬4) رواه الطبراني في "الدعاء" ص 286 (918)، وهو في "الأوسط" 7/ 298 (7549)، و"الصغير" (912). قال الهيثمي في "المجمع" 3/ 156: رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه داود بن الزبرقان وهو ضعيف. (¬5) "عمل اليوم والليلة" (480) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - مرفوعا. (¬6) انظر: "تحفة المحتاج" 3/ 428.

الرازي" (¬1) ونصر المقدسي (¬2) بعد هذا الدعاء: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني. وأن يعقد فيه الصوم في ذلك الوقت. * * * ¬

_ (¬1) هو كتاب "الكافي" في فروع الشافعية لسليم بن أيوب الرازي المتوفي سنة 404 هـ. (¬2) هو أيضًا كتاب "الكافي" في فروع الشافعية لنصر إبراهيم المقدسي. المتوفي سنة 490 هـ.

23 - باب الفطر قبل غروب الشمس.

23 - باب الفطْر قَبْل غُرُوبِ الشَّمْسِ. 2359 - حَدَّثَنا هارُونُ بْن عَبْدِ اللهِ وَمُحَمَّد بْن العَلاءِ -المَعْنَى- قالا: حَدَّثَنا أَبُو أُسامَةَ، حَدَّثَنا هِشامُ بْن عُرْوَةَ، عَنْ فاطِمَةَ بِنْتِ المنْذِرِ، عَنْ أَسْماءَ بِنْتِ أَبي بَكْرٍ قالَتْ: أَفْطَرْنا يَوْمًا في رَمَضانَ في غيْمٍ في عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ. قالَ أَبُو أُسامَةَ: قُلْتُ لِهِشامٍ: أُمِرُوِا بِالقَضِاءِ؟ قالَ: وَبَدٌّ مِنْ ذَلِكَ؟ ! (¬1). * * * باب من أفطر قبل غروب الشمس [2359] (حدثنا هارون بن عبد الله) القيسي البردي، روى له البخاري (ومحمد بن العلاء المعنى قالا: حدثنا أبو أسامة) هو وما بعده سند البخاري. (حدثنا هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر) وهي ابنة عم هشام وزوجته، وأسماء جدتهما جميعًا. (عن أسماء بنت أبي بكر) رضي الله عنها (قالت: أفطرنا يومًا في رمضان في) يوم (غيم في عهد) رواية البخاري: على عهد (¬2) (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ظانين غروب الشمس. (ثم طلعت الشمس قال أبو أسامة: قلت لهشام) هذا يبين رواية البخاري: قيل لهشام (أمروا بالقضاء؟ قال: وَبَدٌّ) بفتح الواو والباء وتشديد الدال مع التنوين وتقديره: أوبد، والهمزة استفهام إنكار بمعنى النفي، والتقدير: لا بد (من ذلك) أي: من القضاء، ووقع في رواية ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1959). (¬2) "صحيح البخاري" (1959).

أبي ذر (¬1): لا بد من القضاء (¬2). وقد اختلف في هذِه المسألة، فذهب الجمهور إلى إيجاب القضاء، واختلف عن عمر فروى ابن أبي شيبة وغيره من طريق زيد بن وهب عنه ترك القضاء (¬3)، وروى مالك من وجه آخر عن عمر أنه قال لما أفطر: الخطب يسير (¬4). وزاد عبد الرزاق في روايته من هذا الوجه: نقضي يومًا مكانه (¬5). وجاء ترك القضاء عن مجاهد (¬6) والحسن (¬7)، وبه قال أحمد في رواية (¬8)، واختاره ابن خزيمة فقال: قول هشام: لا بد من القضاء. لم يسنده، ولا يبين عندي أن عليهم القضاء (¬9). ويرجح الأول أنه لو غم هلال رمضان فأصبحوا مفطرين ثم تبين أن ذلك من رمضان فالقضاء ¬

_ (¬1) أي رواية أبي ذر الهروي لـ "صحيح البخاري". (¬2) "صحيح البخاري" (1959) ولفظه: بد من القضاء. (¬3) "مصنف ابن أبي شيبة" 6/ 152 (9143)، "مصنف عبد الرزاق" 4/ 179 (7395). (¬4) "موطأ مالك" (670). (¬5) "مصنف عبد الرزاق" 4/ 177 (7392). (¬6) "مصنف ابن أبي شيبة" 6/ 152 (9144). (¬7) "مسائل الكوسج" (695، 720)، وانظر كتابنا "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 7/ 425 (م 915). (¬8) "صحيح ابن خزيمة" 3/ 239. (¬9) رواه عبد الرزاق 4/ 177 (7389)، ولفظه: عن مجاهد قال: إذا أفطر الرجل في رمضان ثم بدت الشمس فعليه أن يقضيه، وإن أكل في الصبح وهو يرى أنه الليل لم يقضه. ورواه ابن أبي شيبة 6/ 152 (9142) عن مجاهد قال: يقضي؛ لأن الله تعالى يقول: {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}.

واجب بالاتفاق، فلذلك قال ابن التين: لم يوجب مالك القضاء إذا كان من صوم نذر. قال ابن المنير: في هذا الحديث أن المكلفين إنما خوطبوا بالظاهر، فإذا اجتهدوا فلا حرج عليهم في ذلك (¬1). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر 4/ 200.

24 - باب في الوصال

24 - باب في الوِصالِ 2360 - حَدَّثَنا عَبْدُ الله بْن مَسْلَمَةَ القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِع، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ الله نَهَى عَنِ الوِصالِ، قالُوا: فَإِنَّكَ تُواصِل يا رَسُولَ اللهِ! قالَ: "إِنّي لَسْتُ كَهيْئَتِكُمْ، إِنّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى" (¬1). 2361 - حَدَّثَنا قُتيْبَة بْن سَعِيدٍ أَنَّ بَكْرَ بْنَ مُضَرَ حَدَّثَهُمْ عَنِ ابن الهادِ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْريِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لا تُواصِلُوا فَأيُّكُمْ أَرادَ أَنْ يُواصِلَ فَلْيُواصِلْ حَتَّى السَّحَرِ". قالُوا فَإِنَّكَ تُواصِلُ. قالَ: "إِنّي لَسْتُ كَهيْئَتِكُمْ، إِنَّ لي مُطْعِمًا يُطْعِمُني وَساقِيًا يَسْقِيني" (¬2). * * * باب في الوصال [2360] (حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى) أصحابه (عن الوصال) وهو صوم يومين فصاعدًا من غير أكل أو شرب بينهما، ونص الشافعي (¬3) وأصحابنا على كراهته كراهة تحريم على الأصح (¬4). (قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله! ) كذا في أكثر الأحاديث، وفي رواية للبخاري: "فقال رجل من المسلمين" (¬5) فكان القائل واحد، ونسب القول إلى الجمع لرضاهم به. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1922)، ومسلم (1102). (¬2) رواه البخاري (1963). (¬3) انظر: "مختصر المزني" ص 59. (¬4) "المجموع" 6/ 357. (¬5) "صحيح البخاري" (1965).

قال شيخنا ابن حجر: ولم أقف على اسم السائل في شيء من الطرق (¬1). (قال: إني لست كهيئتكم) وفي رواية في "الصحيح": "لست مثلكم" (¬2). أي: ليست منزلتي من ربي مثلكم (إني أطعم وأسقى) وفي رواية "الصحيح": "إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني" (¬3). حمله قوم على ظاهره، وهو أن الله تعالى يطعمه طعامًا، ويسقيه شرابًا حقيقة من غير تأويل، ورد بأنه لو كان كذلك لما صدق عليه قولهم: إنك تواصل؟ ! ولا ارتفع اسم الوصال عليه؛ لأنه كان حينئذٍ يكون مفطرًا، ولأن في بعض ألفاظه: "إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني" (¬4). و (ظل) إنما تقال فيمن فعل الشيء نهارًا كما أن (بات) فيمن فعله ليلًا. وقيل: معناه: إن الله يخلق فيَّ من الشبع والري مثل ما يخلقه فيمن أكل وشرب. وهذا القول يبعده النظر إلى حاله؛ فإنه كان يجوع أكثر مما يشبع ويربط على بطنه الحجر من الجوع، وكان يقول: "الجوع حرفتي" (¬5). وقال ابن المنير: هو محمول على أن أكله وشربه في تلك الحال كحال النائم الذي يحصل له الشبع والري بالأكل والشرب ويستمر له ¬

_ (¬1) "فتح الباري" 4/ 203. (¬2) "صحيح البخاري" (1962). (¬3) "صحيح البخاري" (7299). (¬4) "مسند أحمد" 2/ 253، 2/ 377، 2/ 495، "صحيح ابن خزيمة" (2072). (¬5) انظر: "المفهم" للقرطبي 3/ 160 - 161، والحديث لم أجده.

ذلك حتى يستيقظ، ولا يبطل ذلك صومه ولا ينقص أجره (¬1). [2361] (حدثنا قتيبة بن سعيد) البلخي (أن بكر بن مضر) بن محمد ابن حكيم القرشي (حدثهم، عن) يزيد (بن الهاد) شيخ الليث، ابن عبد الله بن أسامة (عن عبد الله بن خباب) بخاء معجمة وباء مكررة الأنصاري، وثقه أبو حاتم (¬2). (عن أبي سعيد الخدري، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لا تواصلوا) وفي رواية ابن خزيمة عن (¬3) شعبة بهذا الإسناد عن شعبة (¬4): "إياكم والوصال" (¬5). (فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر) بالجر يعني إلى السحر، لكن يخالفها أن شرط (حتى) الداخلة على ذي أجزأ أن يكون المجرور آخرًا وملاقيه الآخر جزاء، التقدير: فليواصل بالإمساك عن المفطرات إلى السحر. وذهب إلى هذا أحمد وإسحاق وابن المنذر وابن خزيمة، وجماعة من المالكية مستدلين بهذا الحديث. وهذا الوصال لا يترتب عليه شيء مما يترتب على غيره؛ لأنه في حقيقته بمنزلة عشائه إلا أنه يؤخره؛ لأن القائم له في الليل والنهار أكلة، فإذا أكلها في السحر كان قد نقلها من أول النهار إلى آخره، وكان أخف لجسمه في قيام الليل، وإنما الوصال صوم يومين فصاعدًا ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" 4/ 207. (¬2) "الجرح والتعديل" 5/ 43. (¬3) من (ل). (¬4) زاد بعدها في (ل): عن شعبة. (¬5) "صحيح ابن خزيمة" (2069).

من غير أكل (¬1) أو شرب بينهما. وإنما سمي الإمساك إلى السحر وصالًا لمشابهته الوصال في الصورة، وقد ورد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يواصل من سحر إلى سحر. أخرجه أحمد (¬2) وعبد الرزاق في "مسنده" (¬3) من حديث علي، والطبراني (¬4) من حديث جابر (¬5). (قالوا: فإنك تواصل) فيه جواز مراجعة المفتي لفهم المعنى (قال: إني لست كهيئتكم) فيه أن الوصال مباح في حقه، وهو من خصائصه، بل قال الإمام (¬6): هو قربة في حقه (¬7). قال الشافعي في "المختصر": فرق الله بين رسوله - صلى الله عليه وسلم - وبين خلقه في أمور أباحها وحظرها عليهم، وعد منها الوصال، والحظر هو التحريم، وهو ظاهر النهي (¬8). قال البغوي: العصيان في الوصال لقصده إليه وإلا فالفطر حاصل بدخول الوقت كالحيض (¬9). (إن لي مطعمًا يطعمني وساقيًا يسقيني) ¬

_ (¬1) في (ر): أكلة. (¬2) "مسند أحمد" 1/ 141. (¬3) هكذا في الأصل لكنه في "المصنف" 4/ 267 (7752) عن محمد بن علي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يواصل من سحر إلى سحر. (¬4) "المعجم الأوسط" (3756). (¬5) انظر: "فتح الباري" لابن حجر 4/ 204. (¬6) إمام الحرمين الجويني. (¬7) "نهاية المطلب" 4/ 72. (¬8) "مختصر المزني" ص 59. (¬9) انظر: "المجموع شرح المهذب" 6/ 358.

يجوز في يسقيني ضم الياء أوله، لكن الفتح أفصح، ويدل عليه: ساقيًا؛ لأنه اسم فاعل من الثلاثي. قيل: إنه كان يؤتى بطعام وشراب من الجنة -كما تقدم- كرامة له لا يشاركه فيها أحد كما فعل ذلك بزكريا ومريم. قال القاضي: وقد روي هذا مرفوعًا، وإنما يقع الفطر بطعام الدنيا، وقيل: معناه أن محبة الله كانت تشغله عن الطعام والشراب والحب البالغ يشغل عنهما. والجمهور على كراهة الوصال إلا عبد الله بن الزبير وابن أبي نعيم، فإنهما لم يريا كراهته وكانا يواصلان، روى الماوردي عن ابن الزبير أنه واصل سبعة عشر يومًا (¬1). * * * ¬

_ (¬1) "الحاوي" في فقه الشافعي 12/ 40.

25 - باب الغيبة للصائم.

25 - باب الغِيبةِ لِلصّائِمِ. 2362 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا ابن أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ المَقْبُريِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُريْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ بِهِ فَليْسَ لله حاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعامَهُ وَشَرابَهُ". قالَ أَحْمَدُ: فَهِمْتُ إِسْنادَهُ مِنَ ابن أَبِي ذِئْبٍ وَأَفْهَمَني الحَدِيثَ رَجُلٌ إِلى جَنْبِهِ أراهُ ابن أَخِيهِ (¬1). 2363 - حَدَّثَنا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبي الزِّنادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُريْرَةَ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "الصِّيامُ جُنَّةٌ، إِذا كانَ أَحَدُكُمْ صائِمًا فَلا يَرْفُثْ وَلا يَجْهَلْ، فإِنِ امْرُؤٌ قاتَلَهُ أَوْ شاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنّي صائِمٌ، إِنّي صائِمٌ" (¬2). * * * باب الغيبة للصائم [2362] (حدثنا أحمد بن يونس) اليربوعي (حدثنا) محمد بن عبد الرحمن (ابن أبي ذئب) العامري، كان كبير الشأن (عن) سعيد ابن كيسان (المقبري، عن أبيه) كيسان أبي سعيد، سمي المقبري؛ لأنه كان يحفظ مقبرة بني دينار (عن أبي هريرة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من لم يدع) أي: يترك (قول الزور) يعني: الكذب والميل عن الحق والانحراف عنه إلى الباطل. وقول الزور وإن كان منهيًّا عنه في غير الصيام في قوله تعالى: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ} (¬3) ومن أعظم ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1903). (¬2) رواه البخاري (1894)، ومسلم (1151). (¬3) الحج: 30 - 31.

محرماته الزور؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "عدلت شهادة الزور الإشراك به" (¬1) لكن النهي عن قول الزور في غير الصيام ففي الصيام أشد (والعمل به) أي: بمقتضاه وما في معناه مما نهى الله عنه. قال البيضاوي: المقصود من شرعية الصوم كسر الشهوات (¬2). قال المتولي من أصحابنا: يجب على الصائم أن يصوم بعينه فلا ينظر إلى ما لا يحل له، وبسمعه فلا يسمع ما لا يحل له، وبلسانه فلا ينطق بفحش ولا يشتم ولا يكذب ولا يغتب، وهذِه الأشياء وإن حرمت مطلقًا فهي في رمضان أشد تحريمًا. وقال الحليمي: ينبغي أن يصوم بجميع جوارحه: ببشرته، وبعينه، وبقلبه، وبلسانه، فلا يغتب، ولا يسب (¬3)، ولا ينظر، ولا يخاصم، ولا يكذب، ولا يفني زمانه بإنشاد الأشعار ورواية الأسمار والمضحكات، والثناء على من لا يستحقه، والمدح والذم بغير حق، ونحو ذلك، وبيده فلا يمدها إلى باطل، وبرجله فلا يمشي بها إلى باطل، وبجميع قوى بدنه فلا يستعملها في باطل. انتهى. وروي مرفوعًا بسند ضعيف: "خمس يفطرن الصائم: الغيبة، والنميمة، والكذب، والقبلة، واليمين الفاجرة" (¬4)، وربما قال بعض ¬

_ (¬1) سيأتي برقم (3599). (¬2) انظر: "تفسير البيضاوي" 1/ 216. (¬3) في (ر): يغش. والمثبت من (ل). (¬4) موضوع. أخرجه ابن الجوزي في "الموضوعات" (1131) من حديث سعيد بن عنبسة، قال: حدثنا بقية حدثنا محمد بن الحجاج، عن جابان عن أنس به مرفوعًا، وقال: هذا موضوع، ومن سعيد إلى أنس كلهم مطعون فيه، قال يحيى بن معين: =

العلماء بمقتضاه. وبوب البخاري على هذا الحديث في كتاب الأدب باب قوله تعالى: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} (¬1)، ولفظه: "من لم يدع قول الزور [والعمل به والجهل" (¬2). فزاد الجهل، وكذا رواية أحمد عن حجاج، ويزيد بن هارون، عن ابن أبي ذئب (¬3). وفي رواية ابن وهب: "والجهل في الصوم" (¬4). وفي رواية ابن ماجه: "من لم يدع قول الزور] (¬5) والجهل والعمل به" (¬6). جعل الضمير في (به) يعود على الجهل، والأول جعله يعود على قول الزور، ويجوز أن يعود على الزور نفسه؛ لأنه أقرب مذكور كما قال ابن حزم في قوله تعالى: {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} (¬7) جعل الضمير يعود على الخنزير لا على اللحم؛ (¬8) لأن الضمير إذا احتمل عوده على شيئين كان عوده على الأقرب أرجح، وعورض بأن الحديث عنه إنما هو اللحم. ¬

_ =وسعيد كذاب. وقال ابن أبي حاتم في كتاب "العلل": سألت أبي عن الحديث فقال: إن هذا كذب. وقال السيوطي 2/ 90 في "اللآلي المصنوعة": موضوع. وقال النووي في "المجموع" 6/ 356: حديث باطل لا يحتج به. (¬1) الحج: 30. (¬2) "صحيح البخاري" (6057). (¬3) "مسند أحمد" 2/ 452. (¬4) رواها النسائي في "الكبرى" 2/ 238 (3247). (¬5) ما بين المعقوفتين ساقط من (ر). (¬6) "سنن ابن ماجه" (1689). (¬7) الأنعام: 145. (¬8) "المحلى" 1/ 124.

وإذا قلنا: إن الضمير يعود على الزور. فيكون القول ذكر تنبيهًا على أنه أعظم ما ينبغي أن يحترز عنه وإن كان غيره من الزور مشاركًا له؛ لكونه يكب الناس في النار على وجوههم، ورواية الطبراني في "الأوسط" بلفظ: "من لم يدع الخنا والكذب" (¬1). ورجاله ثقات. والمراد بالجهل السفه على الناس بلسانه. (فليس لله حاجة) بالرفع، ولا مفهوم لهذا؛ فإن الله لا يحتاج إلى شيء، وإنما معناه: فليس لله إرادة في صيامه، فوضع الحاجة موضع الإرادة فنفي السبب وإرادة المسبب كناية عن عدم القبول كما يقول المغضب لو رد عليه طلبه منه فلم يعطه أو أعطاه ما لا يعجبه: لا حاجة لي به. فالمراد رد الصوم المتلبس بالزور وقبول الصيام السالم منه، وليس المراد منه (أن يدع) نفس (طعامه وشرابه) فقط، بل يترك مع ذلك ما تدعو إليه النفس من الشهوات، ويترك الكذب والخيانة والسفه وغير ذلك مما تقدم. قال ابن العربي: معناه: إن من فعل ما ذكر لا يثاب على صيامه (¬2). وفي الحديث: "ليس الصيام من الأكل والشرب فقط، [إنما] (¬3) الصيام من اللغو والرفث". قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم (¬4). (قال أحمد: فهمت إسناده) إلى النبي، أي: إسناد هذا الحديث (من) ¬

_ (¬1) "المعجم الأوسط" 4/ 65 (3622) من حديث أنس. (¬2) "عارضة الأحوذي لشرح سنن الترمذي" (3/ 229). (¬3) ليست في الأصل. (¬4) "المستدرك" 1/ 429 - 430 من حديث أبي هريرة.

محمد بن عبد الرحمن (ابن أبي ذئب) [واسم أبي ذئب هشام بن شعبة] (¬1)، قال أحمد بن حنبل أيضا: كان ابن أبي ذئب يشبه سعيد بن المسيب. قيل لأحمد: خُلف مثله ببلاده؟ قال: لا، ولا بغيرها (¬2). (وأفهمني) هذا (الحديث رجل إلى جنبه، أُراه) بضم الهمزة، أي: أظنه الحارث بن (¬3) عبد الرحمن القرشي (ابن أخيه) بالمثناة تحت (¬4) قبل الهاء. قال الذهبي وغيره: شيخ ابن أبي ذئب الذي روى عنه الحارث بن عبد الرحمن، وكان خال ابن أبي ذئب. قال النسائي: ليس به بأس (¬5). [2363] (حدثنا القعنبي، عن مالك، عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن) عبد الرحمن (الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: الصيام جنة) بضم الجيم أي: الصوم سترة ووقاية، ومادة هذِه اللفظة كيفما دارت موردها بمعنى السترة كالجن والجنة والجنون، والمجن، فيصح أن يكون المراد هنا جنة بحسب مشروعيته، أي: ينبغي للصائم أن يصون صيامه عما يفسده من المفطرات وعما ينقص ثوابه كمعاصي اللسان كالكذب والغيبة والنميمة؛ ولهذا بوب عليه المصنف باب الغيبة للصائم. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين في الأصل: وهشام بن شعبة اسم أبي ذئب يونس. (¬2) "سؤالات أبي داود للإمام أحمد بن حنبل" (192). (¬3) زيادة من (ل). (¬4) في (ر): فوق. والمثبت من (ل). (¬5) "تذهيب التهذيب" 2/ 179، "التاريخ الكبير" 2/ 272، "الجرح والتعديل" 3/ 80.

ورواه النسائي من حديث عمرو بن العاص: "الصيام جنة كجنة أحدكم من القتال" (¬1). وزوائد أحمد من طريق أبي يونس عن أبي هريرة: "جنة وحصن حصين من النار" (¬2). وله من حديث أبي (¬3) عبيدة بن الجراح: "الصيام جنة ما لم يخرقها" (¬4)، زاد الدارمي: "بالغيبة" (¬5). وبذلك ترجم المصنف. قال صاحب "النهاية": معنى كونه جنة أي: يقي صاحبه مما يؤذيه من الشهوات (¬6). ويصح أنه يراد أنه سترة بحسب فائدته، وهو كسر النفس عن الشهوات، وإليه الإشارة بقوله (فإذا كان أحدكم صائمًا فلا يرفث) بضم الفاء على الأفصح، ويجوز الكسر، والفاء في ماضيه مثلث، والرفث الفحش في القول، والكلام للنساء في أمر الجماع، ويطلق على مقدماته، ويطلق على الجماع (¬7). قال ابن عباس: إنما الرفث ما خوطب به النساء (¬8). (ولا يسخب) هو هنا بالسين، ويقال بالسين والصاد، وأصله الصياح ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 4/ 167 من حديث عثمان بن أبي العاص الثقفي مرفوعا، لا عمرو ابن العاص كما ذكر المصنف. (¬2) "المسند" 2/ 402 وانظر: "غاية المقصد في زوائد المسند" للهيثمي 2/ 6 (1427). (¬3) ساقطة من (ر). (¬4) "مسند أحمد" 1/ 195. (¬5) "سنن الدارمي" (1732). (¬6) "النهاية في غريب الأثر" 1/ 828. (¬7) انظر: "فتح الباري" 4/ 104. (¬8) رواه سعيد بن منصور في "تفسيره" 3/ 806 (345)، ورواه الطبري في "تفسيره" 3/ 458 بنحوه.

وهو بمعنى الرواية الأخرى. (ولا يجهل) أي: لا يفعل شيئًا من أفعال الجهل بالصياح في غير فائدة والسفه بالكلام ونحو ذلك، ولسعيد بن منصور من طريق سعيد ابن صالح عن أبيه: "فلا يرفث ولا يجادل". قال القاضي: ورواه الطبراني (¬1): ولا يسخر بالراء (¬2). أي: في مكان "يسخب". قال النووي: معناه صحيح؛ لأن السخرية تكون بالقول والفعل وكله من الجهل (¬3). قال القرطبي: السخب اختلاط الأصوات وكثرتها ورفعها بغير الصواب، والجهل في الصوم هو العمل به على خلاف ما يقتضيه العلم (¬4). والجمهور حملوا النهي على التحريم، وهو الأصل في النهي، وعلى أن الصوم لا يبطل بشيء من ذلك. وقال الأوزاعي: يبطل الصوم بالغيبة والكذب، ويجب القضاء (¬5). وأجاب الماوردي وغيره بأن المراد بطلان الثواب لا نفس الصوم (¬6). قال السبكي: وقد يقول القائل: لا يحصل ثواب الصوم وعليه إثم الغيبة إلا أن يرد توقيف. قال: ولا أعلم هل بقية الأصحاب يوافقون على بطلان الثواب أم لا؟ وقال مجاهد: خصلتان من حفظهما في ¬

_ (¬1) هكذا في الأصل، وعند القاضي والنووي: الطبري. ولم أجدها عندهما. (¬2) "مشارق الأنوار" 2/ 210. (¬3) "شرح النووي على مسلم" 8/ 31، وقال: وهذِه الرواية تصحيف. (¬4) "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" 3/ 214. (¬5) انظر: "المجموع شرح المهذب" 6/ 356. (¬6) "الحاوي" 3/ 465، وانظر: "المجموع شرح المهذب" 6/ 356.

صومه سلم له صومه: الغيبة والكذب (¬1) (فإن امرؤ قاتله) أي: نازعه ودافعه (أو شاتمه) أي: شتمه متعرضًا لشتمه، ولأبي قرة من طريق سهل عن أبيه: "وإن شتمه إنسان فلا يكلمه" (¬2). ولسعيد بن منصور من طريق سهيل: "فإن شاتمه أحد أو ماراه" يعني: جادله (فليقل: إني صائم) فيه تأويلان: أحدهما: يقوله بلسانه ويسمعه صاحبه لينزجر عنه ولا يقصد الرياء، رواه القاضي عن صاحب "التقريب"، وجزم (¬3) به البندنيجي وابن الصباغ، ورجحه النووي (¬4). والثاني: يقوله في قلبه ليذكر نفسه أنه صائم لا يليق الجهل والمشاتمة ولا يقوله بلسانه تحفظًا من الرياء، جزم به المتولي، ونقله الرافعي عن الأئمة، وكلام الشافعي في "الأم" يرشد إلى الأول فإنه بوب عليه: باب إعفاء الصائم. قال النووي: التأويلان حسنان ولو جمعهما كان حسنًا (¬5). وحكى الروياني وجهًا آخر فاستحسنه أن يقوله بلسانه في صوم رمضان وفي نفسه في صوم التطوع، وادعى ابن العربي أن محل الخلاف في التطوع، وأما في الفرض فيقوله بلسانه قطعًا (¬6). * * * ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة 6/ 101 (8980). (¬2) رواه الطبراني في "الأوسط" 9/ 30 (9042) عن أبي هريرة بلفظ: "أو شتمه أحد فلا يكلمه". (¬3) في (ر): وذهب. (¬4) "الأذكار" ص 189. (¬5) "المجموع" 6/ 356. (¬6) انظر: "فتح الباري" لابن حجر 4/ 105.

26 - باب السواك للصائم

26 - باب السِّواكِ لِلصّائِمِ 2364 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبّاحِ، حَدَّثَنا شَرِيكٌ ح وَحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ عاصِمِ بْنِ عُبيْدِ الله، عَنْ عُبيْدِ اللهِ بْنِ عامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتاكُ وَهُوَ صائِمٌ. زادَ مُسَدَّدٌ: ما لا أَعُدُّ وَلا أُحْصِي (¬1). * * * باب السواك للصائم [2364] (حدثنا محمد بن الصباح) صاحب كتاب "السنن"، (حدثنا شريك بن عبد الله) القاضي. (وحدثنا مسدد، حدثنا يحيى) بن سعيد (عن سفيان، عن عاصم بن عبيد الله) بالتصغير، ابن عاصم بن عمر بن الخطاب. (عن عبد الله بن عامر بن ربيعة) العنزي التابعي (عن أبيه) عامر بن ربيعة بن عامر بن مالك، هاجر الهجرتين، وشهد بدرًا. (قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستاك وهو صائم) فيه حجة لإباحة السواك للصائم [مطلقًا، وهو مذهب مالك (¬2) وأبي حنيفة (¬3)، وإليه يرشد قول البويطي هنا: ولا بأس بالسواك للصائم] (¬4) بالليل والنهار. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (725)، وأحمد 445، 446، ورواه البخاري معلقا قبل حديث (1934). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (407). (¬2) انظر: "المدونة" 1/ 179، و"الكافي في فقه أهل المدينة" ص 131. (¬3) انظر: "الحجة على أهل المدينة" 1/ 411، و"البناية" 3/ 684. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (ر).

ونقله الترمذي عن الشافعي (¬1)، وتبعه على ذلك المزني (¬2) وأكثر العلماء. قال النووي: وهو المختار من حيث الدليل والصحيح المشهور عند الشافعي أنه يكره بعد الزوال؛ لأنه يزيل الخلوف الذي صح أنه أطيب عند الله من ريح المسك (¬3). ولما روى خباب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي؛ فإنه ليس من صائم تيبس شفتاه إلا كانتا نورًا بين عينيه يوم القيامة". رواه الدارقطني (¬4)، والبيهقي (¬5)، والطبراني (¬6). وأخرج الدارقطني (¬7) أيضًا من طريق عمر بن قيس، عن عطاء، عن أبي هريرة قال: لك السواك إلى العصر، فإذا صليت العصر فألقه، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك". ومذهب أحمد: لا يكره في صوم النفل لإبعاده عن الرياء، وهو وجه للقاضي حسين (¬8). (زاد مسدد في حديثه: ما لا أعُد) بضم العين (ولا أُحصي) بضم الهمزة وكسر الصاد -يعني: عدد استياكه وهو صائم- فيدخل في ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" عقب حديث (725). (¬2) "مختصر المزني" ص 59. (¬3) "المجموع شرح المهذب" 1/ 276. (¬4) "سنن الدارقطني" 2/ 204. (¬5) "السنن الكبرى" 4/ 274. (¬6) "المعجم الكبير" 4/ 78 (3696). (¬7) "سنن الدارقطني" 2/ 203. (¬8) انظر: "المجموع شرح المهذب" 6/ 377.

عمومه ما كان قبل الزوال وما بعده حقيقة. ويكره عند المالكية (¬1) والشعبي (¬2) للصائم الاستياك بالسواك الرطب، وأشار البخاري إلى رده في ترجمته على الحديث بقوله: باب سواك الرطب واليابس للصائم (¬3). وقاس ابن سيرين السواك الرطب على الماء الذي يتمضمض به (¬4)، وقد قال ابن المنير في "الحاشية": أخذ البخاري شرعية السواك للصائم بالدليل الخاص، ثم انتزعه من الأدلة العامة التي تناولت أحوال السواك وأحوال ما يستاك به، ثم انتزع ذلك مما هو أعم من السواك وهو المضمضة إذ هي أبلغ من السواك الرطب (¬5). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "المدونة" 1/ 179، "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" 7/ 198. (¬2) رواه ابن أبي شيبة 3/ 37 (9269). (¬3) رواه ابن أبي شيبة 3/ 37 (9262). (¬4) "صحيح البخاري" قبل حديث (1934). (¬5) "المتواري على أبواب البخاري" ص 133، وانظر: "فتح الباري" لابن حجر 4/ 158.

27 - باب الصائم يصب عليه الماء من العطش ويبالغ في الاستنشاق

27 - باب الصّائِم يصُبُّ عَليْهِ الماءَ مِنَ العَطَشِ ويُبالِغُ في الاسْتِنْشاقِ 2365 - حَدَّثَنا عَبْدُ الله بْن مَسْلَمَةَ القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ سُميٍّ مَوْلَى أَبي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ بَعْضِ أَصْحابِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قالَ: رَأيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ النّاسَ في سَفَرِهِ عامَ الفَتْحِ بِالفِطْرِ وقالَ: "تَقَوَّوْا لِعَدُوِّكُمْ". وَصامَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قالَ أَبُو بَكْرٍ: قالَ الذي حَدَّثَني: لَقَدْ رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالعَرْجِ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ الماءَ وَهُوَ صائِمٌ مِنَ العَطَشِ أَوْ مِنَ الحَرِّ (¬1). 2366 - حَدَّثَنا قُتيْبَة بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَني يَحْيَى بْنُ سُليْمٍ، عَنْ إِسْماعِيلَ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ عاصِمِ بْنِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ، عَنْ أَبِيهِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "بالِغْ في الاسْتِنْشاقِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ صائِمًا" (¬2). * * * باب الصائم يصب عليه الماء من العطش ويبالغ في الاستنشاق [2365] (حدثنا القعنبي، عن مالك، عن سُمي مولى أبي بكر، عن) مولاه (أبي بكر بن عبد الرحمن) بن الحارث بن هشام المخزومي (عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -) قال شيخنا أبو زرعة في "المستفاد": هو خلاد ابن [سويد] (¬3). (قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الناس في سفره عام) ¬

_ (¬1) رواه مالك 1/ 294، وأحمد 3/ 475. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2047). (¬2) سبق مطولا برقم (142)، ورواه الترمذي (788)، والنسائي 1/ 66، وابن ماجه (407)، وأحمد 4/ 32 - 33. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2048). (¬3) في النسخ: شريك. والمثبت كما في "المستفاد من مبهمات المتن والإسناد" 1/ 538.

ثمان (الفتح) أي: فتح مكة في رمضان (بالفطر) وكان سنة ثمان من الهجرة لما علم المشقة التي حصلت لهم. فيه دليل للصحيح من مذهب الشافعي أن المسافر سفرًا طويلًا مباحًا إذا تضرر من الصوم كان الفطر أفضل دفعًا للضرر. وقيل: إن الفطر أفضل كما أن القصر أفضل مطلقًا. وهو ضعيف. وقال المتولي: ولو لم يتضرر في الحال (¬1). (وقال: تَقَوَّوا) بإسكان (¬2) القاف وتشدد الواو (لعدوكم). هكذا رواه في "الموطأ" أيضًا (¬3)، وكذا أحمد (¬4)، ورواية مسلم: "إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم" (¬5). قال القرطبي: وفيه دليل على أن حفظ القوة بالفطر أفضل لمن هو منتظر للقاء العدو ذلك اليوم (¬6). قال المتولي من أصحابنا: لو لم يتضرر في الحال لكن يخاف الضعف من الصوم وكان سفر حج أو عمرة أو غزو فالفطر أفضل (¬7). قال السبكي: ولم يخالفه غيره. والحديث حجة لذلك، ولا يؤثر (¬8) ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع شرح المهذب" 6/ 261. (¬2) هكذا في الأصل، والصواب بتخفيف القاف. (¬3) "موطأ مالك" (651). (¬4) "مسند أحمد" 3/ 475. (¬5) "صحيح مسلم" (1120) من حديث أبي سعيد. (¬6) "المفهم" 3/ 183. (¬7) انظر: "المجموع شرح المهذب" 6/ 261. (¬8) في (ر): يغير.

الجهل بالصحابي؛ لأنهم كلهم عدول. (وصام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) قال القرطبي أيضًا: إنهم فهموا من أمره - صلى الله عليه وسلم - بالفطر أنه أمر جزم، ولا بد منه، وأنه واجب فلم يصم منهم أحد فيما بلغنا (¬1). أي: غير النبي - صلى الله عليه وسلم - لانتفاء العلة في حقه؛ فإنه كان يجد قوة المفطرين كما تقدم. (قال أبو بكر) بن عبد الرحمن (قال الذي حدثني) وهو بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - (لقد رأيت رسول الله بالعَرْج) بفتح العين وسكون الراء المهملتين ثم جيم، سمي بذلك لتعريجه، نزله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إن الجن اجتمعوا" وأسكن المسلمين منهم بطن العرج، وأسكن المشركين بطن الأثاية (¬2). وهي قرية من عمل الفُرُع بضم الفاء والراء، وقيل: بسكون الراء على طريق مكة على نحو من ثمانية وسبعين ميلًا من المدينة المشرفة (¬3). (يصب على رأسه الماء وهو صائم) أي: بيانًا للجواز، وفيه دليل على أن الصائم لا يكره له الاغتسال بالماء، وقد بلَّ ابن عمر ثوبًا (¬4) فألقاه عليه وهو صائم (¬5). وقال أنس: إن لي أبزنًا أتقحم (¬6) فيه وأنا ¬

_ (¬1) "المفهم" 3/ 183. (¬2) أخرج نحوه أبو الشيخ في "العظمة" (1152) من حديث بلال بن الحارث. (¬3) انظر: "معم ما استعجم" 3/ 930، "معجم البلدان" 4/ 98 - 99. (¬4) في (ر): ثوبان. والمثبت من (ل). (¬5) أخرجه ابن أبي شيبة 6/ 186 (9303). (¬6) في (ر): أنعم. والمثبت من (ل).

صائم. حكى البخاري ذلك في الترجمة (¬1)، والأَبْزن بفتح الهمزة وسكون الموحدة ثم زاي هو شبه الحوض الصغير كلمة فارسية. قال أصحابنا: ولا يضر ما يصل إلى الدماغ والبطن بشرب المسام؛ لأن المسام منافذ غير مفتوحة. قالوا: وكذا لو دهن بطنه أو رأسه فوصل الدهن من المسام إلى الباطن لا يضر صومه ذلك؛ لأنه لم يصل إليه من منفذ مفتوح، وإن وجد أثره في باطنه (¬2). قال البغوي: إلا أن يكون فيه جراحة جائفة (¬3)، فإذا نزل الدواء إلى الجوف أفطر. قال الروياني: وعن بعض أصحابنا: إن دهن رأسه بالنهار فدخل الدهن الدماغ بالليل لا يفطر، وإن دهنه بالليل ودخل الدهن دماغه بالنهار لم يجز، وليس هذا بشيء. (من) شدة (العطش أو) من (الحر) رواية من الحر، وزاد في "الموطأ": ثم قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن طائفة من الناس قد صاموا حين صمت. قال: فلما كان رسول الله بالكديد دعا بقدح فشرب فأفطر الناس (¬4). والكديد بفتح الكاف وكسر الدال عين جارية بينها وبين مكة قريب من مرحلتين. ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" معلقا قبل حديث (1930)، ووصله قاسم بن ثابت في "الدلائل" كما في "تغليق التعليق" 3/ 153. (¬2) انظر: "المجموع شرح المهذب" 6/ 315. (¬3) أي: النافذة. انظر: "لسان العرب" 2/ 728 مادة (جوف). (¬4) "الموطأ" 2/ 294.

[2366] (حدثنا قتيبة، حدثنا يحيى بن سليم) بالتصغير الهاشمي، (عن إسماعيل بن كثير) بن هاشم المكي، وثقه أحمد (¬1). (عن عاصم بن لقيط) بفتح اللام وكسر القاف، ابن عامر (بن صبرة) بفتح الصاد المهملة وكسر الباء الموحدة (عن لقيط بن صبرة) وافد بني المنتفق (¬2) وقد تقدم الحديث بطوله بإسناده ولفظه في باب الاستنثار من كتاب الطهارة (¬3). (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) للقيط لما سأله عن الوضوء: "أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع"، و (بالغ في الاستنشاق) قال في "التتمة": المبالغة في الاستنشاق سنة زائدة على الاستنشاق. أي: كالمبالغة في المضمضة. قال القاضي حسين: المبالغة في الاستنشاق أن يأخذ الماء بالنفس ويبلغه أقصى الخياشيم ثم يستنثر كالممتخط، ويدخل إصبعه في أنفه ليزيل ما فيه من أذى (¬4). وفي "المهذب": الاستنشاق: أن يحول الماء في أنفه ويمده بنفسه إلى خياشيمه (¬5). ([إلا أن تكون صائما]) (¬6) واستدل الماوردي بهذا الحديث على أن ¬

_ (¬1) رواه عنه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 2/ 194 من رواية أبي طالب عنه. (¬2) موضعها بياض في (ر). (¬3) برقم (143). (¬4) انظر: "المجموع" 1/ 356. (¬5) "المهذب" 1/ 15. (¬6) ليست في الأصل.

الصائم يبالغ في المضمضة ولا يبالغ في الاستنشاق لقوله: ويبالغ في الاستنشاق إلا أن يكون صائمًا، [ولم يذكر المضمضة (¬1). قال شيخنا ابن حجر: وروى الدولابي عن الثوري: "وبالغ في المضمضة والاستنشاق إلا أن تكون صائما" (¬2)] (¬3) فإن المشروع في حقه إيصال الماء في المضمضة إلى الفم وفي الاستنشاق إلى الأنف. * * * ¬

_ (¬1) "الحاوي" 1/ 160. (¬2) "التلخيص الحبير" 1/ 265، وقال ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" (5/ 593): قال أبو بشر الدولابي - فيما جمع من حديث الثوري -: حدثنا محمد ابن بشار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن أبي هشام، عن عاصم ابن لقيط، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر الحديث. ثم قال: وهذا صحيح. (¬3) زيادة من (ل).

28 - باب في الصائم يحتجم.

28 - باب في الصّائمِ يَحْتَجِمُ. 2367 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ هِشامٍ ح وَحَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا حَسَنُ بْن مُوسَى، حَدَّثَنا شيْبانُ -جَمِيعًا- عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبي قِلابَةَ، عَنْ أَبي أَسْماءَ - يَعْني: الرَّحَبي - عَنْ ثَوْبانَ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "أَفْطَرَ الحاجِمُ والمَحْجُومُ". قالَ شيْبانَ: أَخْبَرَني أَبُو قِلابَةَ أَنَّ أَبا أَسْماءَ الرَّحَبي حَدَّثَهُ أَنَّ ثَوْبانَ مَوْلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). 2368 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا حَسَنُ بْن مُوسَى، حَدَّثَنا شيْبانُ، عَنْ يَحْيَى، قالَ: حَدَّثَني أَبُو قِلابَةَ الجَرْميُّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ شَدّادَ بْنَ أَوْسٍ بيْنَما فوَ يَمْشي مَعَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ نَحْوَهُ (¬2). 2369 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا وُهيْبٌ، حَدَّثَنا أيُّوبُ، عَنْ أَبي قِلابَةَ، عَنْ أَبي الأَشْعَثِ، عَنْ شَدّادِ بْنِ أَوْسٍ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَتَى عَلَى رَجُلٍ بِالبَقِيعِ وَهُوَ يَحْتَجِمُ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدي لِثَمان عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضانَ فَقالَ: "أَفْطَرَ الحاجِمُ والمَحْجُومُ". قالَ أَبُو داوُدَ: وَرَوى خالِدٌ الحَذّاءُ عَنْ أَبي قِلابةَ بِإسْنادِ أيُّوبَ مِثْلَهُ (¬3). 2370 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن بَكْرٍ وَعَبْدُ الرَّزّاقِ ح وَحَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شيْبَةَ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ -يَعْني: ابن إِبْراهِيمَ- عَنِ ابن جُريْجٍ، أَخْبَرَني مَكْحُولٌ أَنَّ شيْخًا مِنَ الحَى -قالَ عُثْمانُ في حَدِيثِهِ: مُصَدَّقٌ- أَخْبَرَهُ أَنَّ ثَوْبانَ مَوْلَى ¬

_ (¬1) سيأتي برقم (2371)، ورواه ابن ماجه (1680)، وأحمد 5/ 277، وابن حبان (3532). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2049). (¬2) رواه ابن ماجه (1681). وانظر التالي. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2050). (¬3) رواه أحمد 4/ 122، وابن حبان (3523). انظر السابق. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2051).

رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أخْبَرَهُ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "أَفْطَرَ الحاجِمُ والمَحْجُومُ" (¬1). 2371 - حَدَّثَنا مَحْمُودُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا مَرْوانُ، حَدَّثَنا الهيْثَمُ بْنُ حُميْدٍ، أَخْبَرَنا العَلاءُ بْنُ الحارِثِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبي أَسْماءَ الرَّحَبي، عَنْ ثَوْبانَ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "أَفْطَرَ الحاجِمُ والمَحْجُومُ". قالَ أَبُو داوُدَ: وَرَواهُ ابن ثَوْبانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَكْحُولٍ بِإِسْنادِهِ مِثْلَهُ (¬2). * * * باب الصائم يحتجم [2367] (حدثنا مسدد، حدثنا يحيى بن سعيد، عن هشام) بن عروة ابن الزبير (وحدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا الحسن بن موسى) الأشيب البغدادي قاضي حمص (حدثنا شيبان) بن عبد الرحمن (جميعًا) حال من الضمير في قالا المقدرة واجتمعا على هذا اللفظ (عن يحيى) بن أبي (¬3) كثير (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجَرْمي (عن أبي أسماء) قال مسلم: هو عمرو بن مرثد (¬4). قال أبو داود: اسم أبي أسماء عبد الله بن أسماء (يعني: الرُّحَبي) (¬5) بفتح الحاء (عن ثوبان) بن بُجْدُد بضم الباء الموحدة وسكون الجيم وضم ¬

_ (¬1) سبق برقم (2367)، وانظر ما بعده. وهو صحيح. (¬2) السابق. (¬3) زيادة من (ل). (¬4) "الكنى والأسماء" لمسلم (195). (¬5) الرحبة بدمشق: موضع مشهور داخلها، لكنه الآن خرابٌ من فتنة التتار، ضاعف الله عذاب قائدهم. انظر: "توضيح المشتبه" 4/ 160.

الدال المهملة، وقيل: ابن جحْدر. بفتح الجيم وسكون الحاء المهملة من السَّراة بفتح المهملة، موضع بين مكة واليمن اشتراه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعتقه فلم يزل معه سفرًا وحضرًا إلى أن توفي (¬1). (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أفطر الحاجم والمحجوم) قال البغوي في "شرح السنة": أي: تعرضا للإفطار، أما الحاجم فلا يأمن وصول شيء من الدم إلى جوفه عند المص، وأما المحجوم فلأنه لا يأمن ضعف قوته بخروج الدم فيؤول أمره إلى أن يفطر (¬2). وقيل: معنى أفطرا فعلا فعلًا مكروهًا وهو الحجامة، فصارا كأنهما غير متلبسين بالعباد؛ فلهذا قيل: مكروهًا، ويدل على الكراهة ما رواه البخاري: سئل أنس: أكنتم تكرهون الحجامة للصائم؟ قال: لا، إلا من أجل الضعف (¬3). ولهذا قال أصحابنا: إن الأولى أن لا يحتجم وإن كان لا يفطر، لكن لا يكره على المذهب كما صرح به الروياني. وسيأتي الجواب عن هذا الحديث. (قال شيبان) (¬4) بن عبد الرحمن التميمي النحوي. قال أحمد: ثبت في كل المشايخ (¬5). (في حديثه: قال يحيى: أخبرني أبو قلابة أن أبا أسماء الرحبي) بسكون المهملة نسبة (¬6) إلى رَحْبَة بن زرعة تابعي مشهور. ¬

_ (¬1) انظر: "معرفة الصحابة" لابن منده 1/ 359 (174)، "معرفة الصحابة" لأبي نعيم 1/ 501 (422)، "أسد الغابة" 1/ 296 (624). (¬2) "شرح السنة" 6/ 304. (¬3) "صحيح البخاري" (1940). (¬4) في (ر): سفيان. والمثبت من المطبوع. (¬5) "الجرح والتعديل" 4/ 356. (¬6) في (ر): شيبة. والمثبت من (ل).

(حدثه أن ثوبان مولى رسول الله أخبره أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) الحديث. [2368] (وحدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا الحسن بن موسى) قاضي حمص (حدثنا سفيان، عن يحيى) بن أبي كثير قال (حدثني أبو قلابة) عبد الله (الجَرْمي) بفتح الجيم وسكون الراء (أنه أخبره أن شداد بن أوس) بن ثابت الأنصاري نزل بيت المقدس. (بينما هو يمشي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ... فذكر نحوه) أي: نحو الحديث المتقدم. [2369] (حدثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة المنقري، (حدثنا وُهيب) بالتصغير ابن خالد الباهلي، قال أبو حاتم: لم يكن بعد شعبة أعلم بالرجال منه (¬1). (عن أيوب) بن أبي تميمة السختياني (عن أبي قلابة) عبد الله (عن أبي الأشعث) شَراحِيل بفتح الشين المعجمة وكسر الحاء المهملة بن أَدَّة بفتح الهمزة وتشديد الدال المهملة، ويقال: آدَة بالمد وتخفيف الدال الصنعاني بنون بين الصاد والعين المهملتين من صنعاء دمشق تابعي أدرك الوليد بن عبد الملك. (عن شداد بن أوس - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى على رجل) الرجل هو معقل بن سنان (¬2) كما في "مسند [ابن] أبي شيبة" (¬3) (بالبقيع) بالباء الموحدة قبل القاف، بالمدينة (وهو يحتجم، فقال) كذا في رواية ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 9/ 35. (¬2) عند الطبراني كما في "المعجم الكبير" (7130): معقل بن يسار. (¬3) (748).

الشافعي (¬1) (وهو آخذ بيدي) أي: قال حين كان آحذًا (¬2) بيدي، وإنما ذكر أخذه بيده تأكيدًا وتقوية لاستماعه منه، ولما ذكر هذِه ذكر الزمان الذي كان فيه (لثمان عشرة) رواية أحمد: بعد ما مضى من الشهر ثمان عشرة ليلة (¬3). فيه ذم الحجامة هذا اليوم، بل كرواية المصنف: "من احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين كان شفاء من كل داء" (¬4). (خلت من) شهر (رمضان) سنة ثمان (فقال) وهو آخذ بيدي (¬5) (أفطر الحاجم والمحجوم) قال به أحمد، وبه قال جماعة من أصحابنا الجامعين بين الفقه والحديث منهم: ابن المنذر وابن خزيمة وأبو الوليد النيسابوري والحاكم أبو عبد الله، وهو قول عطاء (¬6)، وعبد الرحمن بن مهدي (¬7). وقال أكثر العلماء من الصحابة وغيرهم: لا يفطر الحاجم ولا المحجوم بالحجامة (¬8). وأجابوا عن هذا الحديث بوجوه: أحدها: جواب الشافعي أنه منسوخ بحديث ابن عباس؛ لأن فيه - أعني حديث: "أفطر الحاجم والمحجوم". بالإسناد الصحيح -: كنا مع ¬

_ (¬1) "السنن المأثورة" (350). (¬2) في الأصل: آخذ. (¬3) "مسند أحمد" 4/ 123. (¬4) سيأتي في كتاب الطب، برقم (3861) من حديث أبي هريرة مرفوعًا. (¬5) في (ر): بيده. والمثبت من (ل). (¬6) رواه عبد الرزاق 4/ 212 (7534). (¬7) انظر: "المجموع" (6/ 349)، و"الحاوي" 3/ 461، و"فتح الباري" لابن حجر 4/ 174 - 175، و"المغني" لابن قدامة 3/ 36. (¬8) انظر: "مصنف ابن أبي شيبة" 6/ 213 - 220 (9404 - 9430).

النبي - صلى الله عليه وسلم - زمان الفتح فرأى رجلًا يحتجم لثمان عشرة خلت من شهر رمضان، فقال وهو آخذ بيدي: "أفطر الحاجم والمحجوم". رواه الشافعي وغيره من رواية أبي قلابة، عن أبي الأشعث، عن شداد (¬1). وقال الشافعي: أخبرنا سفيان، عن يزيد بن أبي (¬2) زياد، عن مقسم، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم صائمًا محرمًا (¬3). ثم (¬4) قال الشافعي: وابن عباس إنما صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - محرمًا في حجة الوداع حجة الإسلام سنة عشر من الهجرة، وحديث: "أفطر الحاجم والمحجوم" في الفتح سنة ثمان، وحديث ابن عباس بعد حديث شداد بسنتين وزيادة، فإذا كانا ثابتين فحديث ابن عباس ناسخ وحديث: "أفطر الحاجم والمحجوم" منسوخ، فإن حديث ابن عباس أمثلها إسنادًا. ثم قال: فإن توقى رجل الحجامة كان أحب إليَّ احتياطًا، ولئلا يعرض نفسه أن يضعف فيفطر (¬5). ثم قال الشافعي: ومع حديث ابن عباس القياس ليس الفطر من شيء يخرج من جسد إلا أن يخرجه الصائم من جوفه متقيّأً. ثم قال: والذي أحفظه عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وعامة المدنيين أنه لا يفطر أحد بالحجامة (¬6). ¬

_ (¬1) "مسند الشافعي" 1/ 255. (¬2) قلادة من (ل). (¬3) رواه البيهقي في "السنن الكبرى" من طريق الشافعي 4/ 268. (¬4) زيادة من (ل). (¬5) في (ر): يفطر فيضعف. والمثبت من (ل). (¬6) "اختلاف الحديث" 1/ 530.

قال البيهقي (¬1): ويدل على النسخ حديث أنس في قصة جعفر: ثم رخص النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد في الحجامة (¬2). وهو حديث صحيح. وأجاب بعضهم بأن الحاجم والمحجوم الذين قال لهما النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أفطر الحاجم والمحجوم" كان يغتابان في صومهما، وقد روى البيهقي ذلك في بعض طرق ثوبان (¬3). قال الشافعي: فيكون المراد بفطرهما كما قال بعض الصحابة لمن تكلم في حال الخطبة: لا جمعة لك (¬4). أي: ليس لك أجرها، وإلا فهي صحيحة مجزئة. وذكر بعضهم جوابًا آخر: إنه دعا عليهما تغليظًا لارتكابهما ما يعرضهما لفساد صومهما (¬5). (قال أبو داود: وروى خالد الحذاء، عن أبي قلابة)، وكذا رواه الشافعي فقال: أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث، عن شداد بن أوس: فرأى رجلًا يحتجم (¬6) (بإسناد أيوب) أي: المتقدم (مثله) أي: مثل ما تقدم. [2370] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا محمد بن بكر) بن عثمان ¬

_ (¬1) "السنن الكبرى" 4/ 267 - 268. (¬2) رواه الدارقطني 2/ 182. (¬3) "السنن الكبرى" 4/ 268. (¬4) رواه ابن أبي شيبة من حديث ابن عمر 4/ 104 (5346)، ورواه عبد بن حميد في "المنتخب" 2/ 200 (1140)، وأبو يعلى 2/ 66 (708) من حديث سعد بن أبي وقاص. (¬5) انظر: "المجموع" 6/ 352 - 353. (¬6) "اختلاف الحديث" (ص 529).

البُرساني بضم الموحدة، وبرسان من الأزد، وثقه أبو داود وغيره (¬1)، روى عن ابن جريج (وعبد الرزاق) بن همام بن نافع أحد الأعلام روى (¬2) أيضًا، عن ابن جريج. (وحدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا إسماعيل - يعني: ابن إبراهيم) بن مقسم (¬3) الأزدي أبو بشر (عن ابن جريج، أخبرني مكحول) فقيه الشام (أن شيخًا من الحي - قال عثمان) بن أبي شيبة (قال في حديثه) شيخ (مصدَّق أخبره أن ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أفطر الحاجم والمحجوم) قال ابن قدامة: رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد عشر نفسًا، أي: رافع بن خديج، وأبو موسى، ومعقل بن يسار، وأسامة بن زيد، وبلال، وعلي، وعائشة، وأبو هريرة، وأنس، وجابر، وابن عمر، وسعد بن أبي وقاص، وأبو يزيد الأنصاري، وابن مسعود، قال: وحديثهم منسوخ بحديثنا بدليل ما روى ابن عباس أنه قال: احتجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالقاحة (¬4)، بقرن وناب، وهو محرم صائم فوجد لذلك ضعفًا شديدًا؛ فنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يحتجم الصائم. رواه أبو إسحاق الجُوزَجَاني (¬5) في "المترجم" قال: وكان ابن عباس وهو راوي حديثهم يُعِدُّ [الحاجم ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 24/ 530. (¬2) قلادة من (ل). (¬3) في الأصل: سهم. والمثبت من مصادر ترجمته، وهو ابن علية. (¬4) رواه أحمد 1/ 244، والبزار 11/ 398 (5236)، والطبراني 12/ 211 (12919). القاحة: مدينة على ثلاث مراحل من المدينة قبل السقيا بنحو ميل. "معجم البلدان" 4/ 290. (¬5) في (ر): الحوراني. والمثبت من (ل).

والمحجوم] (¬1)، فإذا غابت الشمس احتجم بالليل. رواه الجُوزْجَاني (¬2). وهو يدل على أنه عَلِم نسخ الحديث الذي رواه وحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى الحاجم والمحجوم يصابان ثم تبين صحة هذِه الرواية مع أن اللفظ أعم من السبب فيجب الأخذ بعموم اللفظ دون خصوص السبب (¬3). [2371] (حدثنا محمود بن خالد) بن أبي خالد يزيد السلمي، قال النسائي: ثقة مأمون (¬4) (حدثنا مروان) بن حسان الطاطري، روى له مسلم (حدثنا الهيثم بن حميد الغساني) قال أبو داود: ثقة قدري (¬5). (حدثنا العلاء بن الحارث) الحضرمي الدمشقي الفقيه، وثقوه مع قوله بالقدر (¬6). (عن مكحول، عن أبي أسماء الرحبي) بالحاء المهملة (عن ثوبان، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أفطر الحاجم والمحجوم) قال أبو الوليد موسى بن [أبي] (¬7) الجارود وهو ممن صحب الشافعي: مذهب الشافعي أنه يفطر الحاجم والمحجوم لقوله: إذا صح الحديث فهو مذهبي، وقد صح، وغلطه الأصحاب فيه؛ لأن ذلك إنما قاله الشافعي في حديث لم يصح عنده، وأما هذا فقد علم صحته وأجاب عنه. ¬

_ (¬1) هكذا في الأصل، والصواب الحجَّام والمحاجم كما في "المغني" 3/ 36. (¬2) في (ر): الحوراني. والمثبت من (ل). (¬3) "المغني" 3/ 36. (¬4) "مشيخة النسائي" 1/ 69. (¬5) "تهذيب الكمال" 30/ 372. (¬6) "الكاشف" 2/ 359. (¬7) زيادة ليست في الأصلين أثبتناها من مصادر ترجمته.

قالوا: ولم تقع مخالفته للحديث إلا نادرًا. قيل للإمام البارع أبي بكر ابن خزيمة: هل تعرف سنة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحلال والحرام لم يودعها الشافعي كتابه؟ قال: لا (¬1). (قال أبو داود: ورواه) [محمد بن عبد الرحمن] (¬2) (بن ثوبان) العامري، وثقه أبو زرعة (¬3) (عن أبيه) عبد الرحمن (عن مكحول) أبي عبد الله (بإسناده) المتقدم (مثله. قال أبو داود: قلت لأحمد) بن حنبل (أي: حديث أصح) في أحاديث (أفطر الحاجم والمحجوم؟ قال: حديث ثوبان) يعني: ابن بجدد، وكذا قال علي بن سعيد النسوي: سمعت أحمد يقول: هو أصح ما فيه (¬4). وكذا قال الترمذي عن البخاري (¬5). (قلت: حديث) بالرفع (معدان) بن أبي طلحة اليعمري، عن ثوبان (أو حديث أبي أسماء) الرحبي، عن ثوبان (قال: حديث) عبد الملك ابن عبد العزيز (ابن جريج، عن مكحول، عن شيخ من الحي) مصدق. ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع شرح المهذب" 1/ 64. (¬2) كذا في الأصلين، وقد روى هذا الطريق الطبراني في "مسند الشاميين" 1/ 131 (208) عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن أبيه عن مكحول. وكذا سماه الألباني في "صحيح أبي داود" (2053) وقد قال ابن معين فيه: ضعيف وأبوه ثقة. وقال مرة أخرى: ليس به بأس. "تاريخ ابن معين" برواية الدارمي ص 146، ورواية الدودي 4/ 463. (¬3) "الجرح والتعديل" 7/ 312. (¬4) "سنن النسائي الكبرى" 4/ 267. (¬5) "العلل الكبير" 1/ 362.

(عن ثوبان) واسم أبي أسماء عبد الله بن أسماء، وتقدم عن مسلم أن اسمه عمرو بن مرثد (¬1)، وكذا ذكره أغير مسلم، (¬2) (وأبو راشد الحُبْراني) بضم الحاء المهملة وإسكان الموحدة (اسمه أخضر). ¬

_ (¬1) "الكنى والأسماء" (195). (¬2) زيادة من (ل). وانظر: "التاريخ الكبير" للبخاري 6/ 376.

29 - باب في الرخصة في ذلك

29 - باب في الرُّخْصَةِ في ذَلِكَ 2372 - حَدَّثَنا أبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - احْتَجَمَ وَهُوَ صائِمٌ. قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ وُهيْبُ بْن خالِدٍ عَنْ أيُّوبَ بإسْنادِهِ مِثْلَهُ. وَجَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ وَهِشامُ بْنُ حَسّانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ مِثْلَهُ (¬1). 2373 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْن عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَة، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبي زِيادٍ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - احْتَجَمَ وَهُوَ صائِمٌ مُحرِمٌ (¬2). 2374 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْديٍّ، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عابِسٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي ليْلَى، حَدَّثَني رَجُلٌ مِنْ أَصْحابِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نهَى عَنِ الِحجامَةِ والمُواصَلَةِ وَلَمْ يُحَرِّمْهُما إِبْقاءً عَلَى أَصْحابِهِ، فَقِيلَ لَهُ يا رَسُولَ اللهِ: إِنَّكَ تُواصِل إِلى السَّحَرِ! فَقالَ: "إِنّي أُواصِلُ إِلى السَّحَرِ وَرَبي يُطْعِمُني ويَسْقِيني" (¬3). 2375 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنا سُليْمانُ -يَعْني: ابن المُغِيرَةِ- عَنْ ثابِتٍ قالَ: قالَ أَنَسٌ: ما كُنّا نَدَعُ الِحجامَةَ لِلصّائِمِ إلَّا كَراهِيَةَ الجَهْدِ (¬4). باب الرخصة الرخصة تعني: في الحجامة للصائم. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1938). (¬2) السابق. (¬3) رواه عبد الرزاق 4/ 212 (7535)، وأحمد 4/ 314. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2055). (¬4) رواه البخاري (1940) بنحوه.

[2372] (حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ الله بْنُ عَمْرٍو) بن أبي الحجاج ميسرة المنقري مولاهم المقعد، روى له البخاري، قال (حدثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان التميمي مولاهم فأكثر عنه وأجاد، وكان معربًا فصيحًا ثبتًا صالحًا (¬1). (عن أيوب) بن أبي تميمة (عن عكرمة، عن ابن عباس أَن رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - احْتَجَمَ وَهُوَ صائِمٌ) ورواه البزار من طريق داود بن علي، عن أبيه، عن ابن عباس وزاد في آخره: فغشي عليه (¬2). كذا رواه ابن (¬3) سعد من طريق الحجاج، عن مقسم وزاد في آخره: فلذلك كرهت الحجامة للصائم. والحجاج ضعيف (¬4). كذا رواه ابن سعد من طريق داود بن علي. احتج به الجمهور عن أن الحجامة لا تفطر. قال الداودي: هذا من خواصه - صلى الله عليه وسلم -، ويجب الأخذ بظاهر: "أفطر الحاجم والمحجوم" (¬5). ورُدَّ عليه هذا بما رواه أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص في الحجامة للصائم بعد أن كان نهى عنها (¬6). وروى الدارقطني من حديث أنس أول ما كرهت الحجامة للصائم: أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم، فمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ¬

_ (¬1) انظر: "الكاشف" 2/ 219. (¬2) "المسند" (5236)، بلفظ: فنزف حتى خشي عليه. (¬3) من (ل). (¬4) الطبقات الكبرى" 1/ 444 من طريق الحجاج، عن الحكم، عن مقسم. (¬5) سلف عند المصنف (2367). (¬6) رواه الدارقطني 2/ 182، وسبق تخريجه.

"أفطر هذان" ثم رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد في الحجامة للصائم، وكان أنس يحتجم وهو صائم (¬1). ورواته كلهم من رجال البخاري. (قال أبو داود: رواه وهيب) بالتصغير (ابن خالد) الباهلي، قال أبو حاتم: لم يكن بعد شعبة أعلم بالرجال منه (¬2) (عن أيوب (¬3) بإسناده مثله، و) رواه (جعفر بن ربيعة) الكندي، روي له في الصحيحين، (وهشام بن حسان) الأزدي الحافظ (عن عكرمة، عن ابن عباس نحوه). [2373] (حدثنا حفص بن عمر) بن الحارث بن سخبرة الأزدي، روى له البخاري (قال: حدثنا شعبة (¬4) عن يزيد بن أبي زياد، عن مقسم) بكسر الميم وسكون القاف ابن يحيى مولى عبد الله بن الحارث الهاشمي. (عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو صائم محرم) وعن أحمد قال: ليس فيه صائم، إنما هو محرم (¬5). وقال الحميدي: لم يكن صائمًا محرمًا؛ لأنه خرج في رمضان غزاة الفتح، ولم يكن محرمًا (¬6). ¬

_ (¬1) "سنن الدارقطني" 2/ 182، وقال عن رجاله: كلهم ثقات، ولا أعلم له علة. (¬2) "الجرح والتعديل" 9/ 35. (¬3) في (ر): ثوبان. والمثبت من المطبوع. (¬4) في (ر): سعيد. والمثبت من المطبوع. (¬5) "تنقيح التحقيق" لابن عبد الهادي 3/ 274 نقله عن مهنا قال: سألت أحمد .. فذكره. (¬6) انظر: "التلخيص الحبير" 2/ 415.

وقال ابن خزيمة: هذا الحديث لا يدل على أن الحجامة لا تفطر الصائم؛ لأنه إنما احتجم وهو صائم محرم في سفر لا في حضر؛ لأنه لم يكن قط محرمًا مقيمًا ببلد. قال: وللمسافر أن يفطر، ولو نوى الصوم ومضى عليه بعض النهار خلافًا لمن رأى ذلك، ثم احتج لذلك (¬1). لكن تعقب عليه الخطابي بأن قوله: "وهو صائم" دال على بقاء الصوم (¬2). قال ابن حجر (¬3): ولا مانع من إطلاق ذلك باعتبار ما كان حالة الاحتجام؛ لأنه على هذا التأويل إنما أفطر بالاحتجام. [2374] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عبد الرحمن بن مروان) (¬4) بكسر الميم مولى بني هاشم (¬5) وثق (عن سفيان، عن عبد الرحمن بن عابس) بالباء الموحدة والسين المهملة الحضرمي شامي، مختلف في صحبته (¬6). ¬

_ (¬1) "صحيح ابن خزيمة" 2/ 415. (¬2) "معالم السنن" 2/ 111. (¬3) انظر: "التلخيص الحبير" 2/ 415. (¬4) هكذا في (ر)، ويبدو أنها في (ل) مهران؛ لأن الشارح ترجم له، وكلاهما خطأ، والصواب (مهدي) فهو عبد الرحمن بن مهدي بن حسان شيخ أحمد بن حنبل. (¬5) وهم المصنف فظنه عبد الرحمن بن مهران مولن بني هاشم، وهو خطأ؛ فإن ابن مهران لم يرو له أبو داود إلا حديثًا واحدًا. انظر: "تهذيب الكمال" 17/ 445. (¬6) الصواب: عبد الرحمن بن عابس بن ربيعة النخعي الكوفي، تابعي، ت 119، ولم يتكلم أحد في صحبته، وأبوه عابس جاهلي مخضرم سمع عمر وبعض الصحابة. انظر: "تهذيب الكمال" 17/ 193.

(عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثني رجل من أصحاب النبي أن النبي - صلى الله عليه وسلم -) قال (نهى) بفتح النون والهاء النبي - صلى الله عليه وسلم - (عن الحجامة) زاد عبد الرزاق: للصائم (¬1) (و) عن (المواصلة ولم يحرمهما إبقاء) بالباء الموحدة والقاف والمد أي: رفقًا بأصحابه لتبقى فيهم بقية من القوة يستعينوا بها على الجهاد والحج والعبادات، ومنه قولهم: في الزوايا خبايا وفي الرجال بقايا (على أصحابه) الذين كانوا معه و"إبقاء (¬2) على" متعلق بقوله (¬3): "نهى"، و"إبقاء" منصوب على المفعول له وهو مصدر، أي: نهى عن ذلك لأجل الرفق بأصحابه. وإسناده صحيح، والجهالة بالصحابي لا تضر؛ لأن الصحابة - رضي الله عنهم - كلهم عدول. ورواه ابن أبي شيبة، عن وكيع، عن الثوري بإسناده هذا، ولفظه: عن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - قال: إنما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الحجامة للصائم وكرهها للضعف (¬4). أي: لئلا يضعف. (فقيل له: يا رسول الله، إنك تواصل إلى السحر! فقال: إني أواصل إلى السحر وربي يطعمني ويسقيني) بفتح الياء على الأفصح كما تقدم في الكلام عليه قريبًا. [2375] (وحدثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (حدثنا سليمان يعني ابن ¬

_ (¬1) "مصنف عبد الرزاق" 4/ 212 (7535). (¬2) في المخطوط: هو. ولعل الصواب المثبت؛ كما في "فتح الباري" 4/ 178. (¬3) زاد في الأصل: - صلى الله عليه وسلم -. (¬4) "المصنف" 6/ 218 (9420)، 289 (9683) بدون (وكرهها للضعف).

المغيرة) أبو سعيد البصري أحد الأعلام، قال أحمد (عن ثابت) بن سالم البناني بضم الباء (قال: قال أنس: ما كنا ندع الحجامة للصائم إلا كراهية) بتخفيف الياء منصوب مفعول له، أي: إلا لأجل كراهة (الجهد) بفتح الجيم (¬1) وهو المشقة. ¬

_ (¬1) من (ل).

30 - باب في الصائم يحتلم نهارا في شهر رمضان.

30 - باب في الصّائِم يَحْتلِمُ نَهارًا في شَهْرِ رَمَضانَ. 2376 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ زيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحابِهِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحابِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُفْطِرُ مَنْ قاءَ وَلا مَنِ احْتَلَمَ وَلا مَنِ احْتَجَمَ" (¬1). باب الصائم يحتلم نهارًا في رمضان [2376] (حدثنا محمد بن كثير) أبو عبد الله العبدي (أنا سفيان، عن زيد بن أسلم) الفقيه العمري (عن رجل من أصحابه، عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -) هذان الرجلان (¬2) عطاء، عن أبي سعيد الخدري؛ لما روى الترمذي عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاث لا يفطرن الصائم: الحجامة، والقيء، والاحتلام" (¬3). وسئل الدارقطني عن (¬4) هذا الحديث فقال: حدث به أولاد زيد بن أسلم عن أبيهم، عن عطاء، عن أبي سعيد (¬5). ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق 4/ 212 (7538)، وابن خزيمة في "صحيحه" (1973 - 1975)، والبيهقي 4/ 220. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (409). ورواه من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا أيضا الترمذي (719). (¬2) من (ل). (¬3) "سنن الترمذي" (719). (¬4) من (ل). (¬5) "علل الدارقطني" 11/ 267 (2278).

(قال: قال رسول الله: لا يُفْطِرُ مَنْ قاءَ) أي: استدعى القيء كما تقدم (وَلا مَنِ احْتَلَمَ) أي: في منامه نهارًا في رمضان فأنزل، فلا فطر ولا قضاء لعدم القصد والتعمد، كما لا يفطر من أكل غبار الطريق وغربلة الدقيق (وَلا مَنِ احْتَجَمَ) فيه دليل على أن الحجامة لا تفطر، وكذا الفصد وشرط الأذن ونحو ذلك، وإن كان الأولى ترك ذلك.

31 - باب في الكحل عند النوم للصائم

31 - باب في الكَحْلِ عِنْدَ النَّوْمِ للصّائِمِ 2377 - حَدَّثَنا النُّفيليُّ، حَدَّثَنا عَليُّ بْنُ ثابِتٍ، حَدَّثَني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن النُّعْمانِ ابْنِ مَعْبَدِ بْنِ هَوْذَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ أَمَرَ بِالإِثْمِدِ المُرَوَّحِ عِنْدَ النَّوْمِ وقالَ: "لِيَتَّقِهِ الصّائِمُ". قالَ أَبُو داوُدَ: قالَ لي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ يَعْني: حَدِيثَ الكحْلِ (¬1). 2378 - حَدَّثَنا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ أَخْبَرَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنْ عُتْبَةَ، عَنْ أَبي مُعاذٍ، عَنْ عُبيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أنَّهُ كانَ يَكْتَحِلُ وَهُوَ صائِمٌ (¬2). 2379 - حَدَّثَنا محَمَّد بْن عَبْدِ اللهِ المُخَرِّميُّ ويَحْيَى بْن مُوسَى البَلْخيُّ، قالا: حَدَّثَنا يَحْيَى بْن عِيسَى، عَنِ الأعمَشِ قالَ: ما رَأيْتُ أَحَدًا مِنْ أَصْحابِنا يَكْرَهُ الكَحْلَ لِلصّائِمِ، وَكانَ إِبْراهِيمُ يُرَخِّصُ أَنْ يَكْتَحِلَ الصّائِمُ بِالصَّبِرِ (¬3). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 476، 499، والطبري في "تهذيب الآثار" مسند ابن عباس (749 - 751)، والطبراني 20/ 341 (802). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (410). (¬2) رواه ابن أبي شيبة 6/ 202 (9364). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (2057). (¬3) رواه ابن أبي شيبة 6/ 201 (9360) عن حفص عن الأعمش عن إبراهيم قال: لا بأس بالكحل للصائم. ورواه عبد الرزاق 4/ 208 (7515) عن سفيان الثوري عن القعقاع بن يزيد الضبي أنه سأل إبراهيم عن الصبر للصائم، قال: اكتحل به ولا تستعطه. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (2058).

باب في الكحل عند النوم [2377] (حدثنا) عبد الله بن محمد (النُفيلي) بضم النون وفتح الفاء (حدثنا علي بن ثابت) الجزري، من أخف الناس روحًا، له نوادر، وثقه أحمد (¬1). (قال: حدثني عبد الرحمن بن النعمان بن مَعْبَد بن هوذة) بفتح الهاء الأنصاري، صدوق، ومَعْبَد بفتح الميم والموحدة هو صحابي معروف بهذا الحديث، ليس له غيره، وحديثه رواه البخاري في "تاريخه"، فقال: حدثنا أبو طاهر الفقيه، حدثنا أبو بكر النعمان، حدثنا أحمد بن يونس (¬2). (عن أبيه) النعمان بن معبد، وثق (¬3) (عن جده) معبد بن هوذة. (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر بالإثمد) بكسر الهمزة والميم حجر يكتحل به، وهو الكحل الأسود الأصبهاني، وهو معرب كما قال بعضهم (المروح) بفتح الراء والواو المشددة، أي: المطيب بالمسك ونحوه. وفي الحديث: نهى أن يكتحل المحرم بالإثمد المروح (¬4). فيه: الأمر بالاكتحال عند النوم. وروى الطبراني -بإسناد حسن- عن علي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت له ¬

_ (¬1) انظر: " الكاشف" (2/ 281). (¬2) "التاريخ الكبير" 7/ 398 (1740). (¬3) انظر: "الكاشف" 3/ 206. (¬4) كذا أورده ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" 4/ 1724 (ط قطر)، ونقله عدد من الشُّرَّاح، ولم أقف على من خرَّجه.

مكحلة يكتحل منها كل ليلة ثلاثة في هذِه وثلاثة في هذِه (¬1). وهو مستحب للرجال والنساء والصبيان. (وقال: لِيَتّقه) بكسر لام الأمر وتشديد التاء المثناة فوق المكسورة (¬2). (الصائم) فيه الأمر باجتناب الصائم الكحل. وقد اختلف العلماء في اكتحال الصائم، فمذهب الشافعي إلى أنه جائز بلا كراهة، ولا يفطر به سواء وجد طعمه بحلقه أم لا. وقال الشافعي في "الأم": لا يفسد الكحل -يعني الصوم- وإن تنخمه، فالنخامة شيء من الرأس باستنْزَاله والعين متصلة بالرأس، ولا أعلم أحدًا كره الكحل على أنه يفطر (¬3). انتهى. فأشار بذلك إلى الجماع. وقال الداركي: قال أبو إسحاق من أصحابنا: إنه يفطر متى تيقن وصوله إلى حلقه. وحكى ابن المنذر الجواز عن عطاء، والحسن البصري، والنخعي، والأوزاعي، وأبي حنيفة، وأبي ثور، وحكي عن سليمان التيمي (¬4)، ومنصور بن المعتمر، وابن سبرة، وابن أبي ليلى (¬5) [أنهم قالوا: يبطل ¬

_ (¬1) لم أقف عليه من حديث علي، وإنما من حديث ابن عباس عند الطيالسي (2803)، والترمذي (2048)، وأحمد 1/ 354، وابن ماجه (3499) وغيرهم من طرق عن عباد بن منصور، عن ابن عباس به. ومن حديث أنس عند أبي الشيخ في "أخلاق النبي" (519) من طريق عبد الحميد ابن جعفر، عن عمران بن أبي أنس، عن أنس به. (¬2) كذا بالأصول، والصواب: المفتوحة. (¬3) "الأم" 3/ 255. (¬4) في (ر): التميمي. (¬5) نقله النووي في "المجموع" 6/ 387 - 388.

به صومه] (¬1). والدليل على الجواز ما رواه ابن ماجه قال: حدثنا هشام بن عبد الملك الحمصي، حدثنا بقية، حدثنا الزبيدي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: اكتحل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو صائم (¬2). ولكن في إسناده الزبيدي. قال النووي (¬3) عن هذا الحديث: رواه ابن ماجه بإسناد ضعيف من رواية بقية عن (¬4) سعيد بن أبي سعيد الزبيدي (¬5). ونص أحمد على أنه إن وجد طعمه بحلقه أو علم وصوله إليه أفطر، وإلا لم يفطر (¬6). وقال نحوه أصحاب مالك (¬7). واحتج المانعون بحديث معبد بن هوذة الذي ذكره المصنف. (قال أبو داود: قال لي يحيى بن معين) إمام المحدثين (هو حديث منكر) وقال في "المنتقى": رواه البخاري في "تاريخه" (¬8)، وفي إسناده مقال قريب. قال ابن معين: عبد الرحمن ضعيف. وقال أبو حاتم ¬

_ (¬1) ليست في الأصول، وأثبتت من "المجموع" ومنه ينقل المصنف. (¬2) "سنن ابن ماجه" (1678). (¬3) في الأصل: الثوري. (¬4) في الأصل: بن، ولعل هذا ما جعل الشارح يقول: ليس في إسناده الزبيدي. (¬5) "المجموع شرح المهذب" 6/ 388. (¬6) "مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه" (768)، وانظر: "المغني" 3/ 36، "الجامع لعلوم الإمام أحمد" (من تصنيفنا) 7/ 452 (م 905). (¬7) انظر: "المدونة" 1/ 269، و"الكافي في فقه أهل المدينة" 1/ 346. (¬8) "التاريخ الكبير" 7/ 398.

الرازي: هو صدوق (¬1). [2378] (حدثنا وهب بن بقية) بالباء الموحدة أوله الواسطي، روى له البخاري (أخبرنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (عن عتبة) بإسكان المثناة فوق (أبي معاذ) بن حميد الضبي، ضعفه أحمد، وقال أبو حاتم: صالح الحديث (¬2). (عن عبيد الله) بالتصغير (ابن أبي بكر بن أنس، عن) جده (أنس بن مالك أنه قال: يكتحل وهو صائم) فيه دليل أيضا على الجواز؛ لأنه لا منفذ من العين إلى الحلق وما يصل إليه منها يصل (من) (¬3) المسام، وليست العين من (¬4) الأجواف. [2379] (حدثنا محمد بن عبد الله المخرمي) بضم الميم وتشديد الراء، أخرج له البخاري في الطلاق (¬5) (ويحيى بن موسى البلخي) السختياني، روى له البخاري (قالا: حدثنا يحيى بن عيسى) التميمي الفاخوري بالرملة، ليس بالقوي (¬6). (عن الأعمش قال: ما رأيت أحدًا من أصحابنا يكره الكحل للصائم، وكان إبراهيم) النخعي (يرخص أن يكتحل الصائم بالصبر) بكسر الباء ¬

_ (¬1) انظر: "الجرح والتعديل" 5/ 294. (¬2) "الجرح والتعديل" 6/ 370. (¬3) في (ر) إلى. (¬4) في (ر) في. (¬5) "صحيح البخاري" (5276). (¬6) انظر: "الكاشف" 3/ 365.

الموحدة [على الأشهر] (¬1)، وحكى ابن السيد سكونها في "مثلث اللغة" (¬2) كما في نظائره، ويجوز كسر الصاد إتباعًا للباء وهو نبات مر. قال أبو عبيد: يحصد ويعصر [بساحل البحر] (¬3) ويترك حتى يجف، ونباته كنبات السوس، وأجود الصبر ما يجلب من سقطرى جزيرة بساحل البحر، وهو حار يابس، ينفع ورم العين وقروح العين وحرها، ويجفف رطوبتها، ويحد البصر. ¬

_ (¬1) من (ل). (¬2) "المثلث" 2/ 220. (¬3) سقط من (ل).

32 - باب الصائم يستقيء عامدا

32 - باب الصّائِمِ يَسْتَقيءُ عامِدًا 2380 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ حَسّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيِرينَ، عَنْ أَبي هُريْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ ذَرَعَهُ القَئ وَهُوَ صائِمٌ فَليْسَ عَليْهِ قَضاءٌ، وَإِنْ اسْتَقاءَ فَلْيَقْضِ". قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ أيْضًا حَفْصُ بْنُ غِياثٍ عَنْ هِشامٍ مِثْلَهُ (¬1). 2381 - حَدَّثَنا أَبُو مَعْمَرِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ، حَدَّثَنا الحُسين، عَنْ يَحْيَى، حَدَّثَني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن عَمْرِو الأوْزاعيُّ، عَنْ يَعِيشَ بْنِ الوَلِيدِ بْنِ هِشامٍ، أَنَّ أَباهُ حَدَّثَهُ حَدَّثَني مَعْدانُ بْنُ طَلْحَةَ أَنَّ أَبا الدَّرْداءِ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قاءَ فَأَفْطَرَ، فَلَقِيتُ ثَوْبانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَقُلْتُ: إِنَّ أَبا الدَّرْداءِ حَدَّثَني أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قاءَ فَأَفْطَرَ. قالَ: صَدَقَ وَأَنا صَبَبْتُ لَهُ وَضُوءَهُ - صلى الله عليه وسلم - (¬2). باب الصائم يستقيء بالمد والهمز. [2385] (حدثنا مسدد، حدثنا عيسى بن يونس) السبيعي (حدثنا هشام بن حسان) الأزدي مولاهم الحافظ (عن محمد بن سيرين، عن ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (720)، وابن ماجه (1676)، وأحمد 2/ 498، وابن خزيمة في "صحيحه" (1960، 1961)، وابن حبان (3518). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2059). (¬2) رواه الترمذي (87)، وأحمد 6/ 443، وابن خزيمة (1956)، وابن حبان (1097). لكن الترمذي رواه بلفظ: قاء فتوضأ. بدل لفظ: قاء فأفطر. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2060).

أبي هريرة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من ذَرَعَه) بفتح الذال المعجمة والراء والعين المهملتين، أي: سبقه وغلبه (القيء وهو صائم) بغير اختياره (فَليسَ عَليهِ قَضاءٌ) استدل به على أن من غلبه القيء فخرج منه لا يفطر ولا قضاء عليه، وكثير القيء وقليله سواء؛ لأن سائر المفطرات لا فرق بين قليلها وكثيرها، ولا فرق بين كون القيء طعامًا، أو مرارًا أو بلغمًا أو دمًا أو غيره؛ لأن العموم داخل تحت عموم الحديث. ولا فرق في الصوم بين صوم الفرض والمسنون والمتطوع. (وإن استقاءَ) بالمد والهمزة، أي: تقيأ مستدعيًا للقيء وطالبًا له، فإن سين الاستفعال في (استقاء) يدل على المطلب (فَلْيَقْضِ) صححه الحاكم، ورواه ابن حبان (¬1) والحاكم (¬2) والدارقطني (¬3). وقال الترمذي: حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث هشام، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة (¬4). وقد استدل به الجمهور على أن من تعمد القيء يفطر، ونقل ابن المنذر الإجماع على بطلان الصوم بتعمد القيء (¬5)، لكن نقل ابن بطال عن ابن عباس وابن مسعود: لا يفطر مطلقًا. وهو إحدى الروايتين عن مالك، واستدل الأبهري بإسقاط القضاء عمن تقيأ عمدًا بأنه لا كفارة عليه على [الأصح عندهم. قال: فلو وجب القضاء ¬

_ (¬1) "صحيح ابن حبان" (3518). (¬2) "المستدرك" 1/ 426. (¬3) "سنن الدارقطني" 2/ 184. (¬4) "سنن الترمذي" (720). (¬5) "الإجماع" لابن المنذر ص 45.

لوجبت الكفارة. وعكس بعضهم فقال: هذا يدل على اختصاص الكفارة بالجماع دون غيره من المفطرات، وارتكب عطاء والأوزاعي وأبو ثور فقالوا يقضي ويكفر. ونقل ابن المنذر أيضًا الإجماع على ترك القضاء على من] (¬1) ذرعه القيء، ولم يتعمده إلا في إحدى الروايتين عن الحسن (¬2). والصحيح عند الشافعي أنه لو تيقن أنه لم يرجع شيء إلى جوفه بأن تقيأ منكوسًا وتحفظ فيه قولان: الأول بطل صومه بناءً على أن نفس الاستقاءة مفطرة، وهو المأخذ الصحيح للحديث كإنزال المني، والثاني: لا يفطر بناء على أن الفطر رجوع شيء مما خرج وإن قل (¬3). ويستثنى من قولنا -أن من تقيأ عمدًا يفطر- من كان جاهلًا بأنه مبطل لقرب عهده بالإسلام أو شيئًا ببادية كما قالوه في الأكل. (قال أبو داودة سمعت أحمد) بن حنبل (يقول: ليس من ذا شيء) قال الخطابي: يريد أنه غير محفوظ (¬4). وقال البخاري: لا أراه محفوظًا (¬5). وقد روي من غير وجه ولا يصح إسناده. وقال الدارمي: زعم أهل البصرة أن هشامًا أوهم فيه (¬6). وقال ¬

_ (¬1) ليس بالأصل، وألحق من "فتح الباري" لابن حجر 4/ 174؛ فمنه ينقل المصنف. فلعله سقط بانتقال النظر. والله أعلم. (¬2) انظر: "فتح الباري" لابن حجر 4/ 174، و"الإجماع" ص 49. (¬3) انظر: "المجموع" 6/ 319. (¬4) "معالم السنن" 2/ 112. (¬5) انظر: "علل الترمذي الكبير" ص 43. (¬6) "سنن الدارمي" 2/ 24.

مهنا (¬1) عن أحمد: حدث به عيسى وليس هو من كتابه غلط فيه. وقال الحاكم: صحيح على شرطهما (¬2). (قال أبو داود: وهذا رواه حفص بن غياث) النخعي الحجاج قاضي الكوفة (عن هشام بن حسان نحوه) والله أعلم. [2381] (حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو) أبي الحجاج المنقري المقعد (عن عبد الوارث، حدثنا الحسين) بن ذكوان المعلم (عن يحيى) بن أبي كثير (قال: حدثني عبد الرحمن بن عمرو) بن أبي عمرو (الأوزاعي) أحد الأعلام (عن يعيش بن الوليد بن هشام) المعيطي الشامي، ثقة (أن أباه) الوليد (حدثه قال: حدثني معدان بن طلحة) اليعمري بفتح الياء والميم، هكذا يقول الأوزاعي، وأما قتادة فيقول: معدان بن أبي طلحة (¬3). (أن أبا الدرداء) عويمر بن عامر الأنصاري (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاء فأفطر) أي: استقاء عمدًا مستدعيًا له، فيكون بمعنى الحديث الذي قبله إن استقاء فليفطر. قال شيخنا ابن حجر: وهذا التأويل أولى مما حكاه الترمذي (¬4). وأشار إلى ما في كتاب الترمذي: وقد روي عن أبي الدرداء (¬5) ¬

_ (¬1) في الأصل: حدثنا. والمثبت الصواب؛ كما في "التلخيص الحبير" 2/ 189. (¬2) "المستدرك" 1/ 426. (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 28/ 257. (¬4) "فتح الباري" لابن حجر 4/ 175. (¬5) رواه أحمد 5/ 195.

وثوبان (¬1) وفضالة بن عبيد (¬2)، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاء فأفطر. وإنما معنى هذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان صائمًا متطوعًا فقاء فضعف فأفطر لذلك. هكذا (¬3) روي في بعض الحديث مفسرًا (¬4). وقال الطحاوي: ليس في الحديث أن القيء فطره، وإنما فيه أنه قاء فأفطر بعد ذلك (¬5). وتعقبه ابن المنير بأن الحكم إذا عقب بالفاء دل على أنه للعلة كقولهم: سها فسجد (¬6). وكذا يؤول ما جاء في البخاري: ويذكر عن أبي هريرة أنه - يعني: من قاء - يفطر (¬7). أن من تقيأ عمدًا يفطر، ويحمل قوله قبله: من قاء فلا يفطر (¬8). أي: من غلبه القيء وخرج بغير اختياره فلا، ليجمع بين الأحاديث. (قال معدان: فلقيت ثوبان) مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (في مسجد دمشق) وكان خرج إلى الشام بعدما توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - (فقلت: إن أبا الدرداء حدثني أن رسول الله قاء) هذِه اللفظة هي محل الخلاف كما قال البخاري أن (ثوبان سمع أبا هريرة - رضي الله عنه -) (¬9) (¬10): إذا قاء فلا يفطر. ويُذْكَر عن أبي ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 276 - 277 - 283. (¬2) رواه أحمد 6/ 22، والدارقطني في "سننه" 2/ 182. (¬3) من (ل). (¬4) "سنن الترمذي" بعد حديث (720). (¬5) "شرح معاني الآثار" 2/ 97. (¬6) انظر: "فتح الباري" لابن حجر 4/ 175. (¬7) "صحيح البخاري" قبل حديث (1938). (¬8) "صحيح البخاري" قبل حديث (1938). (¬9) بياض في الأصل. (¬10) في البخاري قبل حديث (1938): عمر بن الحكم بن ثوبان، وليس ثوبان.

هريرة أنه يفطر (¬1). والأول أصح، وأما الرواية المتقدمة: "إن استقاء فليقض". فإنها مبطلة للصوم بلا خلاف. وقال البيهقي: محمول على القيء عامدًا (¬2)، ويدل على ما رواه البزار من طريق أبي أسماء حدثنا ثوبان قال: كان رسول الله صائمًا في غير رمضان فأصابه أحسبه قيء وهو صائم فأفطر .. الحديث (¬3). (فأفطر) قال في "المحكم": قاء واستقاء وتقيأ (¬4). أي: بمعنى، ويقال: قاء الرجل إذا طلب القيء (قال: صدق) أبو الدرداء (أنا صببت له الوضوء) بفتح الواو يعني الماء الذي توضأ به. وفيه الاستعانة بصب الماء في الإناء لمن يتوضأ وإحضاره إليه ولا كراهة فيه، وأما الاستعانة بالصب ففيها وجهان: أصحهما: لا يكره، وقيل: إن الاستعانة بإحضار الماء خلاف الأولى (¬5). ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" قبل حديث (1938). (¬2) "سنن البيهقي الكبرى" 4/ 220. (¬3) "مسند البزار" (4182). (¬4) "المحكم والمحيط الأعظم" لابن سيده 6/ 597. (¬5) زاد في الأصل: [قال أبو داود: والصواب الذي قاله الأكثرون: عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي مات في الحمام. وهما ليستا في مطبوع أبي داود وغير متناسقتين، ولا معنى لهما كمتن. والله أعلم.

33 - باب القبلة للصائم

33 - باب القُبْلةِ للصّائِمِ 2382 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيةَ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنِ الأسوَدِ وَعَلْقَمَةَ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: كانَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّلُ وَهُوَ صائِمٌ ويُباشِرُ وَهُوَ صائِمٌ وَلكِنَّهُ كانَ أَمْلَكَ لإِرْبِهِ (¬1). 2383 - حَدَّثَنا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نافِعٍ، حَدَّثَنا أَبُو الأحوَصِ، عَنْ زِيادِ بْنِ عِلاقَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ ميْمُونٍ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّلُ في شَهْرِ الصَّوْمِ (¬2). 2384 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرِ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْراهِيمَ، عَنْ طَلْحَةَ ابْنِ عَبْدِ اللهِ -يَعْني: ابن غثْمانَ القُرَشيَّ- عَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها قالَتْ: كانَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّلُني وَهُوَ صائِمٌ وَأَنا صائِمَةٌ (¬3). 2385 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا اللّيْثُ ح وَحَدَّثَنا عِيسَى بْنُ حَمّادٍ، أَخْبَرَنا اللّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ بُكيْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قالَ: قالَ عُمَز بْن الخَطّابِ: هَشِشْتُ فَقَبَّلْتُ وَأَنا صائِمٌ، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ، صَنَعْتُ اليَوْمَ أَمْرًا عَظَيمًا قَبَّلْتُ وَأَنا صائِمٌ. قالَ: "أَرَأيْتَ لَوْ مَضْمَضْتَ مِنَ الماءِ وَأَنْتَ صائِمٌ". قالَ عِيسَى بْنُ حَمّادِ في حَدِيثِهِ: قُلْتُ: لا بَأْسَ بِهِ. ثُمَّ اتَّفَقا قالَ: "فَمَهْ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1927)، ومسلم (1106). (¬2) مسلم (1106). وانظر ما قبله. (¬3) انظر الحديثين السابقين. (¬4) رواه أحمد 1/ 21، والنسائي في "السنن الكبرى" (3048)، وابن خزيمة (1999)، وابن حبان (3544). وجود إسناده الألباني في "صحيح أبي داود" (2064).

باب القبلة للصائم [2382] (حدثنا مسدد، حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم السعدي (عن الأعمش، عن إبراهيم) بن يزيد النخعي (عن الأسود) بن يزيد (وعلقمة، عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّلُ وَهُوَ صائِمٌ) فيه دليل على إباحة القبلة للصائم مطلقًا سواء حركت القبلة شهوته أم لا، وهو مذهب جماعة من الصحابة والتابعين وأحمد وإسحاق وداود. وكرهها قوم مطلقًا. قال القرطبي؛ وهو مشهور مذهب مالك (¬1)، وفصل قوم فكرهوها للشاب الذي تحرك القبلة شهوته، وأجازوها للشيخ الذي لا تحرك شهوته، وهو مروي عن ابن عباس (¬2)، وإليه ذهب أبو حنيفة والشافعي والثوري والأوزاعي، وحكاه الخطابي عن مالك، [وقد روى ابن وهب عن مالك] (¬3) أنه أباحها في النفل ومنعها في الفرض، وسبب هذا الخلاف معارضة الأحاديث لسد الذريعة، وذلك أن القبلة قد يكون معها الإنزال فيفسد الصوم (¬4). (ويُباشِرُ [وهو صائم]) (¬5) هو من ذكر العام بعد الخاص، فإن المباشرة أعم من التقبيل فإنها تعم الوطء والمس والتقبيل وغير ذلك. ¬

_ (¬1) بعدها في (ل): و. ثم بياض قدر كلمتين. (¬2) رواه عبد الرزاق 4/ 185 (7418). (¬3) سقط من (ر). (¬4) "المفهم" 9/ 122، وانظر: "معالم السنن" 2/ 114. (¬5) من المطبوع.

فيه دليل على إباحة المباشرة للصائم فيما دون الفرج مطلقًا، وكرهها قوم مطلقًا، لما روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يكره القبلة والمباشرة (¬1). ونقل ابن المنذر وغيره عن قوم تحريمها، واحتجوا بقوله تعالى {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} الآية (¬2)، فمن المباشرة في هذِه الآية نهارًا. والجواب عن ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو المبين عن الله تعالى، وقد أباح المباشرة نهارًا في هذا الحديث وغيره، فدل على أن المراد بالمباشرة في الآية الجماع لا ما دونه ونحوه، وألزم ابن حزم أهل القياس أن يلحقوا الصيام بالحج في منع المباشرة ومقدمات النكاح للاتفاق على إبطالهما بالجماع (¬3). (ولكنه كان أملك) رواية الصحيحين: أملككم (¬4) (لأَرَبه) بفتح الهمزة والراء وبالموحدة، أي: حاجته، أشارت إلى أن الإباحة لمن يكون مالكًا لنفسه دون من لا يأمن الوقوع، ويروى بكسر الهمزة وسكون الراء أي: عضوه وهو الفرج - والأول أشهر - لقوله تعالى: {غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ} فإن الإربة الحاجة للوطء؛ لأنهم بله [لا يعرفون] (¬5) شيئًا من أمر النساء ويتبعون أصحاب الطعام (¬6) ليصيبون من فضل الطعام. ¬

_ (¬1) "مصنف ابن أبي شيبة" 6/ 247 (9529). (¬2) البقرة: 187. (¬3) "المحلى" 6/ 213. (¬4) البخاري (1927)، مسلم (1106). (¬5) في (ر) لا يفرقون. (¬6) سقط من (ر).

قال ابن عطية: يدخل في هذِه الصيغة المجنون (¬1)، والمعتوه، والمخنث، والشيخ الفاني (¬2). وعن أبي حنيفة: لا يحل إمساك (¬3) الخصيان واستخدامهم وبيعهم وشراؤهم، ولم ينقل أحد من السلف إمساكهم، نقله أبو حيان (¬4). [2383] (حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع) الحلبي، حافظ من الأبدال، (حدثنا أبو الأحوص، عن زياد بن عِلاَقة) بكسر العين أبو مالك الثعلبي، (عن عمرو بن ميمون) الأزدي. (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُقبِّل في شهر الصوم) أي: في حال الصيام الواجب، أشارت بذلك الرد على من يفرق بين الفرض والنفل في الرواية التي حكاها ابن وهب عن مالك أنه لا تباح القبلة في الفرض وتباح في النفل، ولا خلاف أن الصوم لا يبطل بالقبلة إلا أن ينزل المني بها. والمراد بشهر الصوم شهر رمضان. وقد جاء في رواية لمسلم: يقبل في رمضان (¬5). ولرمضان أسماء تزيد على الستين ذكرها أبو الخير الطالقاني في كتابه: "حظائر القدس"، منها: شهر الصوم، وشهر الله، [وشهر ¬

_ (¬1) هكذا في الأصل، وعند ابن عطية: المجبوب. (¬2) "المحرر الوجيز" 4/ 179. (¬3) بياض مكانها في (ل)، وفي (ر): إمسكان. والمثبت من "تفسير أبي حيان". (¬4) تفسير "البحر المحيط" 6/ 413. (¬5) "صحيح مسلم" (1106/ 71).

الأمة] (¬1) وشهر الإيمان. [2384] (حدثنا محمد بن كثير) العبدي (أنا سفيان، عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف أمه أم كلثوم بنت سعد بن أبي وقاص، ولي قضاء المدينة (عن طلحة بن عبد الله - يعني: ابن عثمان) المدني (القرشي - عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبِّلني) فيه جواز ذكر المرأة عما يجري بين الزوجين من تقبيل ووطء وغيره على الجملة للضرورة. قال النووي: وأما بغير الضرورة فمنهي عنه، وكذا يجوز للرجل للضرورة (¬2). فيه إباحة القبلة للصائم، قال الشافعي في "الأم": ولا يحرم على الصائم قبلة المرأة ومباشرتها، إلا أنه إن كان يخشى الإنزال منه كرهت له وإلا لم يكره (¬3). وقال ابن عبد البر: لا أعلم أحدًا رخص في القبلة لمن يعلم أنه يتولد عليه منها ما يفسد صومه (¬4). (وهو صائم وأنا صائمة) فيه جواز إظهار الإنسان عبادته إذا كان لحاجة. [2385] (حدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) بن عبد الله التميمي اليربوعي، متفق عليه (عن الليث وحدثنا عيسى بن حماد، أنا الليث بن ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) "شرح النووي على مسلم" 7/ 217. (¬3) "الأم" 8/ 506 - 507. (¬4) "الاستذكار" 10/ 58.

سعد، عن بكير بن عبد الله) بن الأشج (عن عبد الملك بن سعيد) بن سويد الأنصاري صدوق. (عن جابر بن عبد الله قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: هشِشت) بكسر الشين الأولى. أي: نشطت وارتحت وخففت. فيه جواز نظر الصائم إلى زوجته وأمته وهو صائم، فإنه لم ينشط لها إلا لما نظر إليها (فقبَّلتُ وأنا صائم) فيه جواز تقبيل الرجل زوجته بالنهار وإن كان الليل هو الأصل ومباشرتها في الفرج وفيما دونه بالنهار. ثم جئت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - (فَقُلْتُ: يا رَسُولَ الله، صَنَعْتُ اليَوْمَ أَمْرًا عَظِيمًا) ثم فسره فقال (قبلتُ وأنا صائم فقال: أَرَأيْتَ لَوْ مَضْمَضْتَ مِنَ الماءِ) أي: في الوضوء أو الغسل (وَأَنْتَ صائِمٌ) ومججته. (قال عيسى بن حماد) زُغْبَة قال أبو حاتم: وهو ثقة رضي (¬1). ([في حديثه] (¬2) قلت: لا بأس به) فيه جواز المضمضة في الوضوء للصائم إذا لم يبالغ كما تقدم في حديث لقيط وأنه لا بأس به (¬3)، [و] الجمع بين الشيئين في الحكم الواحد، لاجتماعهما في الشبه، ولا يبطل الصوم إلا إذا وصل شيء من الماء إلى الجوف. (قال: فمه؟ ) قال المنذري: يشبه أن تكون الهاء للسكت، المعنى فما الفرق بينهما؟ يحتمل أن يكون مه اسم فعل بمعنى اكفف، وعدل عن الفعل إلى اسم الفعل لما فيه من التعظيم والمبالغة. فلما استعمل ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 6/ 274. (¬2) من المطبوع وليس في المخطوط. (¬3) سبق برقم (142)، وقريبًا برقم (2366).

عمر التعظيم [وبالغ في التقبيل في الصوم ناسب أن يؤدي بما فيه ذلك. قال ابن جني: إذا أردت المبالغة في الشيء والتعظيم] (¬1) لا بد لك أن تترك لفظا (¬2) إلى لفظ، ولهذا أخرج نعم (¬3) وبئس وفعل التعجب من قياسه وهو التصرف إلى صيغة ما لا ينصرف (¬4). ويحتمل أن تكون (مه) أصلها (ما) الاستفهامية حذفت ألفها وعوض عنها هاء السكت، والتقدير: فإذا كان التمضمض للصائم لا بأس فلأي شيء تستعظم التقبيل وأنت صائم، لكن لا يتأتى هذا إلا على تقدير حذف حرف الجر وهو اللام الداخلة على (¬5) ما الاستفهامية، أو يكون على لغة من يجوز حذف ألف الاستفهام إذا لم تكن مجرورة؛ لأن المعروف أن ما الاستفهامية لا تحذف ألفها إلا إذا دخل عليها حرف جر. انتهى. وذكر المزني من أصحاب الشافعي هذا الحديث في القياس، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر: "أرأيت لو تمضمضت ومججته" فقال: لا بأس. فقال: "ففيم؟ ! "، أي: ففيم تسأل؟ ! ، ثم قال المزني: فبين له بذلك أنه لا شيء عليه في التقبيل كما لا شيء عليه في المضمضة (¬6)، انتهى. ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) في الأصل: ألفظا. (¬3) في الأصل: فعل. ولعل المثبت الصواب. (¬4) لم أقف على كلام ابن جني في كتبه المطبوعة التي بين يدي. (¬5) سقط من (ر). (¬6) نقله الزركشي في "البحر المحيط في أصول الفقه" 7/ 32.

والظاهر أن هذا من قياس الشبه؛ فإن قياس الشبه ما أخذ حكم فرعه من شبه أصله، وسماه الشيخ أبو إسحاق قياس الدلالة (¬1)، وفسره بأن يحمل الفرع على الأصل بقرب من الشبه عمت العلة التي علق الحكم عليها في الشرع، ووجهه هنا أنا استدللنا على القبلة من الصائم لا تفطر [كما أن المضمضة من الصائم لا تفطر] (¬2) لعدم وجود العلة التي علق الحكم عليها في الشرع وهو وجود المفطر، ووجه الشبه (¬3) بينهما أن كلًّا منهما وسيلة إلى الفطر. ¬

_ (¬1) "اللمع في أصول الفقه" ص 100. (¬2) سقط من (ر). (¬3) في (ر): المشبه.

34 - باب الصائم يبلع الريق

34 - باب الصّائمِ يَبْلَعُ الرِّيقَ 2386 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ دِينارٍ، حَدَّثَنا سَعْدُ بْنُ أَوْسٍ العَبْديُّ، عَنْ مِصْدَعٍ أَبِي يَحْيَى، عَنْ عائِشَةَ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُقَبِّلُها وَهُوَ صائِمٌ ويَمصُّ لِسانَها (¬1). باب الصائم يبلع الريق [2386] (حدثنا محمد بن عيسى) بن نجيح بن الطباع، سكن أذنة، روى له البخاري تعليقًا (¬2) (حدثنا محمد بن دينار) الأزدي، قال أبو زرعة والنسائي: لا بأس به، ولم يكن له كتاب (¬3). (حدثنا سعد بن أوس) قال الذهبي: هو العدوي، ويقال (العبدي) البصري (¬4). (عن مِصْدع) بكسر الميم وإسكان الصاد وفتح الدال والعين المهملات (أبي يحيى) اشتهر بكنيته، قال يحيى بن معين: اسمه زياد المعرقب، صدوق (¬5). قال ابن الأعرابي: بلغني عن أبي داود أنه قال: هذِه الرواية ليست ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 123، 234، وابن خزيمة (2003). وسلف بأسانيد صحيحة برقم (2382 - 2384) دون قوله: ويمص لسانها. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" 411. (¬2) "صحيح البخاري" (1769، 6072). (¬3) "الجرح والتعديل" 7/ 250، "تهذيب الكمال" 25/ 178، 179. (¬4) "تذهيب تهذيب الكمال" 3/ 396. (¬5) "تاريخ ابن معين" رواية الدوري 3/ 164.

بصحيحة. (عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُقَبِّلُها وَهُوَ صائِمٌ) فيه دليل على إباحة القبلة للصائم كما تقدم (ويَمَصُّ) بفتح الميم وأصله يمصص، فنقلت حركة الصاد الأولى إلى الميم قبلها وأدغمت الصاد في الصاد (لِسانَها) وهو صائم. فيه دليل على جواز مص لسان الزوجة والأمة وشفتها وغير ذلك من وجهها. وفيه دليل على وجه جواز ذكر المرأة ما يجري بينها وبين زوجها مما يتعلق بالنكاح إذا دعت الضرورة إلى ذلك. وفيه دليل على أن من ابتلع ريق غيره وهو صائم لا يفطر كما بوب عليه المصنف؛ فإن قوله: يبلع الريق يشتمل على ريقه وريق غيره. قال النووي: اتفق العلماء على أن من ابتلع ريق غيره وهو صائم أفطر (¬1). أي: لأنه ابتلع شيئًا من غير فمه فأشبه (¬2) ما لو بلع دمع غيره. وأما هذا الحديث إن صح فيحمل على أنه كان يقبل في الصوم ويمص لسانها ليلًا إذا أفطر فإن الواو لا تقتضي الاتصال، ويجوز أن يمصه ولا يبتلعه، بل يبصقه، ولأنه لا يتحقق انفصال ما على لسانها من البلل إلى فمه، فأشبه ما لو ترك حصاة مبلولة في (¬3) فمه أو تمضمض بماء ثم مجه. ولو أخرج لسانها من فمه وعليه الريق ثم رده وابتلع ما عليه فقال في "الروضة" وأصلها: لم يفطر على الأصح (¬4). ¬

_ (¬1) "المجموع شرح المهذب" 6/ 318. (¬2) سقط من (ر). (¬3) في (ر) إلى، والمثبت من (ل). (¬4) "روضة الطالبين" 2/ 359.

والأصح في "شرح الرافعي الصغير" أنه يفطر. وأما ما رواه هنا رواه ابن حبان في "صحيحه" بإسناده: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان لا يمس شيئًا من وجهها وهي صائمة (¬1). فإنه قال: ليس بينهما - أي: بينه وبين هذا الحديث - تضاد؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يملك إربه، ونبه بفعله على ذلك على جواز هذا الفعل لمن هو بمثل حاله (¬2). ¬

_ (¬1) "صحيح ابن حبان" (3546). (¬2) "صحيح ابن حبان" 8/ 316.

35 - باب كراهيته للشاب

35 - باب كراهِيَتِه لِلشّابِّ 2387 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْن عَلِيٍّ، حَدَّثَنا أبُو أَحْمَدَ -يَعْني: الزُّبيْريَّ- أَخْبَرَنا إِسْرائِيلُ، عَنْ أَبِي العَنْبَسِ، عَنِ الأَغَرِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - عَنِ المُباشَرَةِ لِلصّائِمِ فَرَخَّصَ لَهُ، وَأَتاهُ آخَرُ فَسَأَلة فَنَهاهُ. فَإِذا الذي رَخَّصَ لَهُ شيْخٌ والَّذي نَهاهُ شابٌّ (¬1). باب كراهيته للشاب (¬2) [2387] (حدثنا نصر بن علي) الجهضمي (أخبرنا أبو أحمد محمد) ابن عبد الله بن الزبير بن عمر بن درهم (الزبيري) قال ابن معين: ثقة (¬3). (أخبرنا إسرائيل، عن أبي العَنْبَس) الحارث بن عبيد (¬4) الكوفي، مقبول (عن الأَغَرِّ) بفتح الغين المعجمة بعدها راء، أبي مسلم مولى أبي سعيد الخدري وأبي هريرة اشتركا فيه فهو مولاهما، روى عنهما، كان قاضيًا رضًى (عن) مولاه (أبي هريرة: أن رجلًا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المباشرة للصائم) المراد بالمباشرة في هذِه الأحاديث الملامسة، وأصله من لمس بشرة الرجل بشرة المرأة (فرخص له، وأتاه آخر فسأله فنهاه، فإذا الذي رَخص له) بفتح الراء (شيخ، والذي نهاه شاب) قال ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 4/ 231. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (2065): حسن صحيح. (¬2) بعدها في (ل): نسخة: كراهية القبلة للشاب. (¬3) "الجرح والتعديل" 7/ 297. (¬4) في (ر): بجيد.

النووي: إسناده جيد. قال: ورواه مالك (¬1) والشافعي (¬2) والبيهقي (¬3) بأسانيدهم الصحيحة عن عطاء بن يسار أن ابن عباس سئل عن القبلة للصائم فأرخص فيها للشيخ وكرهها للشاب (¬4) (¬5) على التفرقة، هكذا رووه موقوفًا على ابن عباس. ورواه ابن ماجه مرفوعًا: رخص للكبير الصائم في المباشرة، وكرهها للشاب (¬6). فيه دليل على التفرقة بين الشيخ والشاب، وبه قال مالك (¬7). وأما مذهب الشافعي: فتكره لمن حركت القبلة شهوته، ولا تكره لغيره، والأولى تركها (¬8). وإنما ذكر الشيخ والشاب لأن الغالب في الشيخ أنها لا تحرك شهوته، والغالب في الشاب تحريكها. وإذا قلنا بالكراهة فهي كراهة تحريم، وحكاه القاضي أبو الطيب عن "الأم"، وقال أبو ثور: إن خاف المجاوزة من القبلة إلى غيرها لم يقبل، ومذهب أبي حنيفة كمذهبنا (¬9). ¬

_ (¬1) "موطأ مالك" (648). (¬2) "الأم" 2/ 98. (¬3) "السنن الكبرى" (7876). (¬4) "المجموع شرح المهذب" 6/ 355. (¬5) زاد بعدها في (ل): فيه دليل. (¬6) "سنن ابن ماجه" (1688) وقد رواه موقوفا، ولكن له حكم الرفع، فلعله قصد المصنف. وهذِه الفقرة ينقلها عن النووي واضطربت عليه. والله أعلم. (¬7) "المدونة" 1/ 268 وفيه الكراهية مطلقا. ولكن روى حديث ابن عباس مستشهدا به. (¬8) "الأم" 3/ 247. (¬9) انظر: "المجموع شرح المهذب" 6/ 355.

ويدل على أنها كراهة تنزيه ما رواه أبو الفتوح العجلي قال: قرأت في "مناقب الشافعي" عن الربيع بن سليمان أنه قال: كنت عند الشافعي إذ جاءه رجل برقعة فقرأها، ووقَّعَ فيها ومضى الرجل فتبعته وقلت: والله لا تفوتني فتيا الشافعي، فأخذت الرقعة فوجدت فيها: ألا فاسأل المفتي المكي هل في ... تقبيل وضمة مشتاق الفؤاد جناح أقول معاذ الله أن يذهب ... التقا تلاصق أكباد بهن جراح فأنكرت أن يفتي الشافعي لحدث بمثل هذا، فقلت: يا أبا عبد الله تفتي هذا بمثل هذا؟ فقال: هذا (¬1) رجل هاشمي سأل؛ هل يباح له أن يضم ويقبل زوجته في شهر رمضان من غير وطء؟ فأفتيته (¬2). ¬

_ (¬1) من (ل). (¬2) انظر: "طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي 1/ 304.

36 - باب فيمن أصبح جنبا في شهر رمضان.

36 - باب فِيمَنْ أصْبَحَ جُنُبًا في شَهْرِ رَمَضانَ. 2388 - حَدَّثَنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ ح وَحَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ الأذْرَميُّ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْديٍّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحارِثِ بْنِ هِشامٍ، عَنْ عائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجَي النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُما قالتا: كانَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصْبحُ جُنُبًا. قالَ عَبْدُ اللهِ الأذْرَميُّ في حَدِيثِهِ: في رَمَضانَ مِنْ جِماعٍ غيْرِ احْتِلامٍ ثُمَّ يَصُومُ. قالَ أَبُو داوُدَ: وَما أَقَلَّ مَنْ يَقُولُ هذِه الكَلِمَةَ -يَعْني: يُصْبحُ جُنُبًا في رَمَضانَ- وَإِنَّما الحَدِيثُ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُصْبِحُ جُنُبًا وَهُوَ صائِمٌ (¬1). 2389 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ -يَعْني: القَعْنَبي- عَنْ مالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرٍ الأنْصاريِّ، عَنْ أَبي يُونُسَ مَوْلَى عائِشَةَ، عَنْ عائِشَةَ زَوْجِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ رَجُلًا قالَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ واقِفٌ عَلَى البابِ: يا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أُصْبعُ جُنُبًا وَأَنا أُرِيدُ الصِّيامَ. فَقالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: وَأَنا أُصْبحُ جُنُبًا وَأَنا أُرِيدُ الصِّيامَ فَأَغْتَسِلُ وَأَصُومُ". فَقالَ الرَّجُلُ يا رَسُولَ اللهِ إِنَّكَ لَسْتَ مِثْلَنا قَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ فَغَضِبَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وقالَ: والله إِنّي لأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشاكُمْ لله وَأَعْلَمَكُمْ بِما أتَّبعُ (¬2). باب فيمن أصبح جنبًا في شهر رمضان [2388] (حدثنا القعنبي، عن مالك، وحدثنا عبد الله بن محمد بن ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1925، 1926)، ومسلم (1109). (¬2) رواه مسلم (1110).

إسحاق) أبو عبد الرحمن (الأذْرَمي) بإسكان الذال المعجمة، وفتح الراء (¬1). قال أبو حاتم: ثقة (حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان البصري، أحد الأعلام (¬2) الحديث. (عن مالك، عن عبد ربه بن سعيد) الأنصاري أخي يحيى، حجة، (عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام) بن المغيرة أحد الفقهاء (عن عائشة وأم سلمة) رضي الله عنهما. بيّن النسائي في رواية له: أن عبد الرحمن بن الحارث إنما سمعه من ذكوان مولى عائشة رضي الله عنها، ومن نافع مولى أم سلمة رضي الله عنها، فأخرج من طريق عبد ربه بن سعيد، عن أبي عياض، عن عبد الرحمن بن الحارث قال: أرسلني مروان إلى عائشة، فأتيتها فلقيت غلامها ذكوان فأرسلته إليها، فسألها عن ذلك فقالت فذكر الحديث مرفوعًا، قال: فأتيت مروان فحدثته بذلك فأرسلني إلى أم سلمة فأتيتها فلقيت غلامها نافعًا فأرسلته إليها فسألها عن ذلك فذكر مثله (¬3). وفي إسناده نظر؛ فإن أبا عياض مجهول، فإن كان محفوظًا فيجمع بأن كلًّا من الغلامين كان واسطة بين عبد الرحمن وبينهما في السؤال. وفي هذِه الرواية: وسمع عبد الرحمن كلامهما من وراء حجاب، ويدل على هذا ما جاء في رواية أبي حازم، عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبيه، عند النسائي، وفيه أن عبد الرحمن ¬

_ (¬1) ووردت بالمد وفتح الذال وسكون الراء الآذَرْمي. انظر "الأنساب" للسمعاني 1/ 46. (¬2) كذا بالأصل، والصواب تنكيرها. (¬3) النسائي في "الكبرى" (2953).

جاء إلى عائشة فسلم على الباب فقالت عائشة: يا عبد الرحمن .. الحديث (¬1). (زوجي النبي - صلى الله عليه وسلم -) بحذف التاء من زوجي على اللغة الفصحى (أنهما قالتا: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصبح جنبًا) رواية البخاري وغيره: كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله (¬2). (قال عبد الله) بن محمد (الأذرمي في حديثه في رمضان) فيه أنه يجوز للصائم أن يجامع أهله في رمضان ويؤخر الغسل إلى بعد طلوع الفجر (من جماع) أهله (غير احتلام) لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان لا يحتلم، إذ الاحتلام من الشيطان، وهو معصوم منه، ولذلك قال: "الحلم من الشيطان"، وقيل في قولها: من غير احتلام إشارة إلى جواز الاحتلام عليه، وإلا لما كان لاستثنائه معنى، ورد بأن الاحتلام من الشيطان وهو معصوم منه. وأجيب بأن الاحتلام يطلق على الإنزال [وقد يقع الإنزال] (¬3) بغير رؤية شيء في المنام، وأرادت بالتقييد بالجماع المبالغة في الرد على من زعم أن فاعل ذلك عمدًا يفطر. قال ابن دقيق العيد: لما كان الاحتلام يأتي للمرء على غير اختياره فقد يتمسك به من يرخص لغير المتعمد الجماع، فبين في هذا الحديث أن ذلك من جماع لإزالة هذا الاحتمال (¬4). (ثم يصوم) فيه دليل لما قاله الجمهور أن من أصبح جنبًا وهو صائم يغتسل ثم يتم صومه خلافًا لمن قال: يفطر ولا صوم له، واستدلوا بما في ¬

_ (¬1) النسائي في "الكبرى" (2944). (¬2) "صحيح البخاري" (1925). (¬3) زيادة من (ل). (¬4) "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" ص 397، وانظر: "فتح الباري" 4/ 144.

"صحيح مسلم" وغيره: من أدركه الفجر جنبًا فلا صوم له (¬1). وأجاب الجمهور بأن هذِه فتيا منه وهو قوله الأول، وقد [روي عن] (¬2) الحسن بن صالح مثل قول أبي هريرة، وعن الحسن، والنخعي: لا يجزئه إذا أصبح عالمًا بجنابته، وإن لم يعلم أجزأه، وروي عن الحسن، والنخعي: لا يجزئه في الفرض ويجزئه في النفل، وروي عن الحسن: يصومه ويقضيه (¬3). ومذهب الجمهور الأخذ بحديث أم سلمة، وعائشة (¬4) وهو الذي يفهم من ضرورة قوله تعالى {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ}، فلما مد (¬5) الله إباحة الجماع إلى الفجر علم بالضرورة أن الفجر يطلع عليه وهو جنب، فإن (¬6) الغسل إنما يتأتى بعد الفجر. (قال أبو داود: ما أقل من يقول هذِه الكلمة يعني: يصبح جنبًا في رمضان) فيه دليل لما قاله النحاة أن الكلمة تطلق ويراد بها كلام كثير؛ فإن الكلمة عندهم هي اللفظة الواحدة (¬7) (وإنما الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1109) من كلام أبي هريرة. (¬2) سقط من (ر). (¬3) "مصنف ابن أبي شيبة" (9672). (¬4) قال النووي بعدما ساق هذا الخلاف في "شرح مسلم" 7/ 222: ثم ارتفع هذا الخلاف، وأجمع العلماء بعد هؤلاء على صحته، وفي صحة الإجماع بعد الخلاف خلاف مشهور لأهل الأصول. (¬5) في (ر): أمر. (¬6) في (ر): فإنما. (¬7) كذا العبارة في الأصول. وهو متناقض. قال ابن الصائغ في "اللمحة في شرح الملحة" 1/ 104: الكلمة هي اللفظة الدالة على معنى مفرد بالوضع عند النحويين. وعند اللغويين هي كلام مستقل بنفسه.

كان يصبح جنبًا وهو صائم) أي من غير ذكر رمضان. قد يستدل به الحسن والنخعي أنه لا يجزئه في الفرض ويجزئه في النفل، والجمهور: يجزئه فيهما. [2389] (حدثنا القعنبي، عن مالك، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر) أبي طوالة (الأنصاري) قاضي المدينة (عن أبي يونس) نافع، ذكره النسائي (مولى عائشة رضي الله عنها، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن رجلًا قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو واقف على الباب) زاد مسلم: وهي من وراء الباب تسمع (¬1) (يا رسول الله إني أصبحت جنبًا وأنا أريد الصيام) [لعل المراد أني نويت الصيام وأصبحت جنبا فإنه إذا أصبح غير صائم وأراد الصيام لم يصح في الفرض ويحتمل أن يكون هذا في التطوع فإنه يصح بنية قبل الزوال. (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وأنا أصبح جنبا وأنا أريد الصيام] (¬2) فأغتسل، وأصوم) زاد النسائي (¬3): فأغتسل ثم أصوم ذلك اليوم. فيسوي بينه وبين غيره في إباحة ذلك، وهذا يحمل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعله مرة لبيان الجواز وأكثر أحواله أنه كان لا ينام ولا يصبح إلا على طهارة. (فقال الرجل: يا رسول الله، إنك لست مثلنا، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر) فيه إشعار بأن هذا كان بعد الحديبية، وأشار إلى آية ¬

_ (¬1) في المخطوط: أسمع. والمثبت من "صحيح مسلم" (1110). (¬2) سقط من (ر). (¬3) لم أقف عليها عند النسائي، وهي عند البيهقي في "الكبرى" 4/ 213 من طريق الشافعي وهو في "مسنده" (692).

الفتح وهي {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} (¬1) وهي إنما نزلت عام الحديبية سنة ست وابتداء فرض الصيام كان في السنة الثانية وكان الصائم في ابتداء الصيام ممنوعًا في ليلة الصوم من الأكل والشرب والجماع بعد النوم، فيكون حديث عائشة هذا ناسخًا لحديث أبي هريرة، وكان أبو هريرة لم يبلغه فلما بلغه حديث عائشة عمل به. وإلى دعوى النسخ ذهب ابن المنذر والخطابي وغير واحد (¬2) والنسخ أولى من سلوك التزويج (¬3) بين الخبرين. ولعل هذا الرجل خطر بباله أن من غفر الله له ما تقدم [من ذنبه] (¬4) وما تأخر يكون مسامحًا في بعض الممنوعات، وهذا يلزم منه إسقاط التكليف، ويدل عليه قوله (فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي لهذا الخاطر الذي خطر لهذا الرجل (وقال: والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله) أي أكثركم خشية، والخشية الخوف، وفرق بعضهم بأن الخشية أشد الخوف، وقيل: الخوف التطلع لنفس الضرر، [والخشية التطلع لفاعل الضرر] (¬5) وإنما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أشد الناس خشية لأنه أعظم معرفة بالله تعالى (وأعلمَكم) بالنصب عطفًا على أخشاكم (بما أتبع) أي أتبعه من الوحي الذي أمرت باتباعه. ¬

_ (¬1) الفتح: 2. (¬2) "معالم السنن" للخطابي 2/ 115، وانظر: "فتح الباري" لابن حجر 4/ 147. (¬3) في (ل): الترنح. (¬4) سقط من (ر). (¬5) سقط من (ر).

37 - باب كفارة من أتى أهله في رمضان

37 - باب كَفّارَة مَنْ أَتى أهْلَهُ في رَمضانَ 2390 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى -المَعْنَى- قالا: حَدَّثَنا سُفْيانُ -قالَ مُسَدَّدٌ- حَدَّثَنا الزُّهْريُّ، عَنْ حُميْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي هُريْرَةَ قالَ: أَتَى رَجُلٌ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ: هَلَكْتُ. فَقالَ: "ما شَأْنُكَ". قالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتي في رَمَضانَ. قالَ: "فَهَلْ تَجِدُ ما تُعْتِقُ رَقَبَةً؟ ". قالَ لا. قالَ: "فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْريْنِ مُتَتابِعيْنِ". قالَ لا. قالَ: "فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ ". قالَ: لا. قالَ: "اجْلِسْ". فَأُتي النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ فَقالَ: "تَصَدَّقْ بِهِ". فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ ما بيْنَ لابَتيْها أَهْلُ بيْتٍ أَفْقَرَ مِنّا فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حتَّى بَدَتْ ثَناياهُ قالَ: "فَأَطْعِمْهُ إِيّاهُمْ". وقالَ مُسَدَّدٌ في مَوْضِعٍ آخَرَ: أَنْيابُهُ (¬1). 2391 - حَدَّثَنا الحَسَن بْن عَليٍّ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْريِّ، بهذا الحَدِيثِ، بِمَعْناة. زادَ الزُّهْريُّ: وَإِنَّما كانَ هذا رُخْصَةً لَهُ خاصَّةً فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا فَعَلَ ذَلِكَ اليَوْمَ لَمْ يَكنْ لَهُ بُدٌّ مِنَ التَّكْفِيرِ. قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ اللّيْثُ بْنُ سَعْدٍ والأَوْزاعيُّ وَمَنْصُورُ بْن المُعْتَمِرِ وَعِراكُ بْنُ مالِكٍ عَلَى مَعْنَى ابن عُييْنَةَ. زادَ الأَوْزاعِيُ: "واسْتَغْفِرِ اللهَ" (¬2). 2392 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي هُريْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ في رَمَضانَ فَأَمَرَهُ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً أَوْ يَصُومَ شَهْريْنِ مُتَتابِعيْنِ أَوْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا. قالَ: لا أَجِدُ. فَقالَ لَهُ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1936)، ومسلم (1111). (¬2) رواه مسلم (1111) دون كلام الزهري، ورواه بقول الزهري عبد الرزاق 4/ 194 - 195 (7457). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2069). ورد الحافظ في "فتح الباري" 4/ 171 على قول الزهري قائلا: ورُدَّ بأن الأصل عدم الخصوصية.

رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اجْلِسْ". فَأُتي رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ فَقالَ: "خُذْ هذا فَتَصَدَّقْ بِهِ". فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ ما أَحَدٌ أَحْوَجَ مِنّي. فَضَحِكَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَدَتْ أَنْيابُهُ وقالَ لَهُ: "كُلْهُ". قالَ أبُو داوُدَ: رَواهُ ابن جُريجٍ عَنِ الزُّهْريِّ عَلَى لَفْظِ مالِكٍ أَنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ وقالَ: فِيهِ: "أَوْ تُعْتِقَ رَقَبَةً أَوْ تَصُومَ شَهْريْنِ أَوْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا" (¬1). 2393 - حَدَّثَنا جَعْفَرُ بْن مُسافِرٍ، حَدَّثَنَا ابن أَبي فُديْكٍ، حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي هُريْرَةَ قالَ: جاءَ رَجُلٌ إِلى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أَفْطَرَ في رَمَضانَ بهذا الحَدِيثِ. قالَ: فَأُتي بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ قَدْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ صاعًا وقالَ: فِيهِ: "كُلْهُ أَنْتَ وَأَهْلُ بيْتِكَ وَصُمْ يَوْمًا واسْتَغْفِرِ اللهَ" (¬2). 2394 - حَدَّثَنَا سُليْمان بْن داوُدَ المَهْريُّ، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الحارِثِ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ القاسِم، حَدَّثَهُ أَن مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبيْرِ، حَدَّثَهُ أَنَّ عَبّادَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبيْرِ حَدَّثَهُ أنَّهُ سَمِعَ عائِشَةَ زَوْجَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - تَقُولُ أَتَى رَجُلٌ إِلى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - في المَسْجِدِ في رَمَضانَ فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ احْتَرَقْتُ. فَسَأَلهُ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - ما شَأْنُهُ؟ قالَ: أَصَبْتُ أَهْلي. قالَ: "تَصَدَّقْ". قالَ: والله ما لي شَيء وَلا أَقْدِرُ عَليْهِ. قالَ: "اجْلِسْ". فَجَلَسَ، فَبيْنَما هُوَ عَلَى ذَلِكَ أَقْبَلَ رَجُلٌ يَسُوقُ حِمارًا عَليْهِ طَعامٌ فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أيْنَ المُحْتَرِقُ آنِفًا؟ ". فَقامَ الرَّجُلُ فَقالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "تَصَدَّقْ بهذا". فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ أَعَلَى غيْرِنا فَواللَّهِ إِنّا لَجِياعٌ ما لَنا شَيء. قالَ: "كُلُوهُ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1111). وانظر سابقيه وما بعده. (¬2) رواه ابن خزيمة (1954)، والدارقطني 2/ 190، والبيهقي 4/ 226 - 227. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2073). (¬3) رواه البخاري (1935)، ومسلم (1112).

2395 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ أَبي مَرْيَمَ، حَدَّثَنا ابن أَبي الزِّنادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحارِثِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبيْرِ، عَنْ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ عائِشَةَ بهذِه القِصَّةِ قالَ: فَأُتي بِعَرَقٍ فِيهِ عِشْرُونَ صاعًا (¬1). باب كفارة من أتى أهله في رمضان [2390] (حدثنا مسدد، ومحمد بن عيسى - المعنى - قالا: حدثنا سفيان، قال مسدد: قال) سفيان (حدثنا الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري القرشي وعبد الرحمن والده أحد العشرة (عن أبي هريرة قال: أتى رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -) جزم الحافظ عبد الغني وابن بشكوال (¬2) بأنه: سلمان (¬3) أو سلمة بن صخر البياضي، واستندا إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة وغيره من طريق سليمان بن يسار، عن سلمة ابن صخر أنه ظاهر من امرأته في رمضان، وأنه وطئها، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "حرر رقبة" قلت: ما أملك غيرها، وضرب صفحة رقبته .. الحديث (¬4). قال ابن عبد البر: أظن هذا وهمًا؛ لأن المحفوظ أنه ظاهر من ¬

_ (¬1) السابق. (¬2) "غوامض الأسماء المبهمة" 1/ 212 - 214. (¬3) كذا بالأصل، وفي "التمهيد" و"الفتح": سليمان. (¬4) "مسند ابن أبي شيبة" (627) بنحوه، ورواه أحمد 5/ 436، والترمذي (3299)، وابن ماجه (2062)، وابن خزيمة (2378) من طرق عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن سليمان بن يسار، عن سلمة بن صخر به.

امرأته ووقع عليها ليلًا، لا أن [ذلك] كان منه في النهار، انتهى (¬1). ويحتمل أن يكون قوله في الرواية المذكور: وقع على امرأته في رمضان، أي: ليلًا بعد أن ظاهر منها، ووقع على امرأته أيضًا نهارًا في تلك الليلة أو في ليلة غيرها. (فقال) زاد عبد الجبار بن عمر، عن الزهري: جاء رجل وهو ينتف شعره، ويدق صدره، ويقول (¬2) .. ولحجاج بن أرطاة: يدعو ويله (¬3). وفي مرسل ابن المسيب عند الدارقطني: ويحثي على رأسه التراب (¬4). واستدل بهذا على جواز هذا الفعل ممن وقعت له معصية، ويفرق في ذلك بين معصية الدين والدنيا، فيجوز في معصية الدين لما يشعر به الحال من شدة الندم (هلكت) بفتح اللام في رواية ابن أبي حفصة: ما أرى أني إلا قد هلكت (¬5). وقد استدل به على أنه كان عامدًا؛ لأن الهلاك والاحتراق مجاز عن العصيان المؤدي إلى ذلك فكأنه جعل المتوقع كالواقع وبالغ فيه، فعبر عنه بلفظ الماضي. ¬

_ (¬1) كذا نقل المصنف تبعًا لشيخه ابن حجر في "الفتح" 4/ 164 - مع خلل في نقله عن شيخه، سببه محاولته الاختصار - ولا أدري كيف وقع ذلك للحافظ ابن حجر في فهم كلام ابن عبد البر، فالذي في "التمهيد" 21/ 12: أظن هذا وهما لأن المحفوظ أنه ظاهر من امرأته ثم وقع عليها لا أنه كان ذلك منه في رمضان. (¬2) ما وقفت عليه من رواية عبد الجبار بن عمر، عن يحيى بن سعيد الأنصاري وعطاء الخراساني لا عن الزهري. في "مسند الشاميين" للطبراني (2403). (¬3) "العلل" للدارقطني 10/ 238. (¬4) السابق 10/ 244. (¬5) "مسند أحمد" 2/ 516.

وفيه دليل على مذهبنا ومذهب العلماء كافة في وجوب الكفارة على من جامع عامدًا في شهر رمضان. وعلى تقدير ما تقدم فليس فيه حجة على وجوب الكفارة على الناسي وهو الصحيح من مذهبنا وجمهور العلماء، وهو المشهور من مذهب مالك، وعن أحمد، وبعض المالكية منهم عبد الملك، وابن حبيب: يفطر وتجب الكفارة، وتمسكوا بترك استفسار (¬1) النبي - صلى الله عليه وسلم - السائل وإطلاق الفتيا مع هذا الاحتمال (¬2) وهذا كما قال الشافعي في الأصول ترك الاستفصال مع الاحتمال (¬3) ينزل منزلة العموم في المقال (¬4). قال القرطبي: وهذا ضعيف؛ لأنه يمكن أن يقال أنه ترك استفصاله؛ لأنه قد تبين حاله وهو أنه كان عامدًا كما يدل عليه ظاهر قوله: هلكت (¬5). واعتذروا عن هذا بأنه يجوز أن يخبر عن هلكته لما يعتقده في الجماع مع النسيان من إفساد الصوم؛ ولأن الصوم عبادة تحرم الوطء فاستوى فيها عمده وسهوه كالحج. (فقال: ما شأنك؟ ) استفهام عن حاله، وفي رواية الأوزاعي: "ويحك ما صنعت؟ " (¬6) وترجم عليه البخاري في ¬

_ (¬1) في (ر) استفصال. (¬2) انظر: "المفهم" للقرطبي 3/ 169، و"فتح الباري" لابن حجر 4/ 164. (¬3) تكررت في (ر). (¬4) انظر: "الأشباه والنظائر" للإمام تاج الدين السبكي 2/ 137 ثم قال بعد ذكره هذِه القاعدة عن الشافعي: وهذا وإن لم أجده مسطورًا في نصوصه فقد نقله عنه لسان مذهبه. (¬5) "المفهم" للقرطبي 3/ 169. (¬6) "سنن البيهقي الكبرى" 5/ 186.

الأدب: ما جاء في قول الرجل: ويلك (¬1). فيه سؤال من رآه منزعجًا عن حاله ليدله على ما فيه نفعه. (قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: فهل تجد ما تعتق) بضم أوله (رقبة) بالنصب. قال القرطبي: نصب على البدل من (ما) الموصوفة وهي مفعولة بـ (تجد) وإطلاق الرقبة يقتضي جواز الرقبة الكافرة، وهو مذهب أبي حنيفة (¬2). والجمهور على اشتراط الإيمان بدليل تقييدها به من كفارة القتل، وهي مسألة حمل المطلق على المقيد، وهي مسألة مشهورة عند الأصوليين، وبدليل أن مقصود الشارع بالعتق تخليص الرقاب من الرق ليتفرغوا إلى عبادة الله تعالى ونصر المسلمين، وهذا مفقود في الكافر، ويدل على هذا حديث السوداء: "أعتقها فإنها مؤمنة" (¬3). (قال: لا) تقدم في حديث سلمة صخر: قال: ما أملك غيرها وضرب صفحة رقبته (قال: فهل تستطيع) أي: تقوى وتقدر (أن تصوم شهرين متتابعين؟ ) أي متواليين، وهو حجة للجمهور في اشتراط التتابع في الكفارة على ابن أبي ليلى إذ لم يشترط (¬4). وفي رواية الدارقطني قال: إني لا أدع الطعام ساعة فما أطيق ذلك (¬5). لكن في إسناده مقال: وفي رواية ابن إسحاق: فهل لقيت ما ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (6159). (¬2) "الأصل" 3/ 198. (¬3) "المفهم" للقرطبي 3/ 170، والحديث أخرجه مسلم في "صحيحه" (537). (¬4) انظر: "المفهم" للقرطبي 3/ 170، و"شرح النووي على مسلم" 7/ 228. (¬5) " العلل" للدارقطني 10/ 244.

لقيت إلا من الصيام (¬1). قال ابن دقيق العيد: لا إشكال في الانتقال عن الصوم إلى الإطعام، لكن رواية ابن إسحاق هذِه اقتضت أن عدم استطاعته لشدة شبقه وعدم صبره عن الوقاع فيه. هنا للشافعية نظر في أنه هل يكون ذلك عذرًا أي: شدة الشبق حتى يعد صاحبه غير مستطيع للصوم أو لا (¬2). والصحيح عندهم اعتبار ذلك، ويلتحق به من يجد رقبة لا غنى له عنها فإنه يشرع له الانتقال إلى الصوم مع وجودها؛ لكونها في حكم غير الواجد (¬3). (قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينًا؟ قال: لا) وفي حديث ابن عمر: والذي بعثك بالحق ما أشبع أهلي (¬4). قال ابن دقيق العيد: أضاف الإطعام إلى ستين فلا يكون ذلك موجودًا في حق من أطعم ستة مساكين عشرة أيام مثلًا، ومن أجاز ذلك فكأنه استنبط من النص معنى يعود عليه بالإبطال (¬5). والمشهور عن الحنفية الإجزاء حتى لو أطعم الجميع مسكينًا واحدًا في ستين يومًا كفى (¬6). والمراد بالإطعام الإعطاء لا اشتراط حقيقة الإطعام، وهو وضع ¬

_ (¬1) "مسند البزار" (8073). (¬2) "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام " ص 400. (¬3) انظر: "فتح الباري" لابن حجر 4/ 166. (¬4) رواه أبو يعلى في "مسنده" (5725). (¬5) "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" ص 400. (¬6) "النتف" 1/ 160، "المبسوط" 7/ 17.

المطعوم في الفم، بل يكفي الوضع بين يديه بلا خلاف، وفي إطلاق الإطعام ما يدل على الاكتفاء بوجود الإطعام من غير اشتراط مناولة بخلاف زكاة الفرض فإن فيها النص على الإيتاء، وصدقة الفطر فإن فيها النص على الأداء (¬1). (قال: اجلس) يدل على أنه كان قائمًا في كلامه المتقدم، فيؤخذ منه الإذن في مخاطبة العالم وسؤاله حال القيام، فلما انقضى كلامه أمره بالجلوس فجلس الرجل. قال بعضهم: يحتمل أن يكون سبب أمره بالجلوس لانتظار ما يوحى إليه في حقه، ويحتمل أنه كان عرف أنه سيؤتى بشيء يعينه به، ويحتمل أنه أسقط عنه الكفارة بالعجز وهذا الثالث ليس بقوي لأنها لو سقطت ما عادت عليه حيث أمره بها بعد إعطائه إياه المكتل (¬2) (¬3). (فأُتي النبي - صلى الله عليه وسلم -) بضم أوله على البناء للمفعول، والآتي المذكور لم يسم لكن وقع في رواية معمر: فجاء رجل من الأنصار (¬4). وفي رواية ابن إسحاق: فجاء رجل بصدقة يحملها (بعَرَق) بفتح العين المهملة والراء بعدها قاف، وفي رواية أبي الحسن القابسي بإسكان الراء. قال عياض: والصواب الفتح (¬5). قال ابن التين: أنكر بعضهم الإسكان؛ ¬

_ (¬1) "فتح الباري" لابن حجر 4/ 166. (¬2) في (ر): الكيل. (¬3) انظر: "فتح الباري" لابن حجر 4/ 168. (¬4) "صحيح البخاري" (2600). (¬5) "إكمال المعلم" 4/ 56.

لأن الذي بالإسكان هو العظم عليه اللحم (¬1). (فيه تمر) قال البخاري: والعرق؛ الزَّبيل (¬2). بفتح الزاي وتخفيف الموحدة بعدها تحتانية ساكنة ثم لام بوزن رغيف. قال ابن دُريد: سمي لحمل الزبل فيه (¬3) (¬4). (فقال: تصدق به) وزاد ابن إسحاق: فتصدق به عن نفسك، (فقال: يا رسول الله) والله (ما بين لابَتيها) تثنية لابة، والضمير للمدينة أي: لابتي المدينة؛ فإن المدينة (¬5) بين حرتين، يقال: لابة ولوبة بفتح اللام ونوبة بالنون، ومنه قيل للأسود لوبي ونوبي باللام والنون وجمعها لابات ما لم تكثر وهي غير مهموزة (¬6). (أهل) بالرفع على أنه اسم ما النافية (بيت أفقر) بالنصب خبر ما، ويجوز الرفع على لغة تميم بالنصب صفة أهل بيت (منا) رواية البخاري وغيره: أفقر من أهل بيتي (¬7). (قال: فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) تعجبًا من حاله وسرعة قسمه، وقيل: تعجب من تباين حال الرجل حيث جاء خائفًا على نفسه راغبًا في فدائها مهما أمكنه، فلما وجد الرخصة طمع في أن يأكل ما أعطيه من الكفارة (حتى بدت ثناياه) يدل على أن المراد بالضحك التبسم؛ فإن في صفة (¬8) ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر 4/ 168. (¬2) "صحيح البخاري" 3/ 33. (¬3) "جمهرة اللغة" 1/ 334 (زبل). (¬4) انظر: "فتح الباري" لابن حجر 4/ 169، و"إكمال المعلم" 4/ 56. (¬5) سقط من (ر). (¬6) انظر: "المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي 2/ 250، "لسان العرب" 1/ 745 مادة: لوب، "الصحاح" للجوهري 1/ 241 - 242. (¬7) "صحيح البخاري" (1936). (¬8) في (ر): وصفه.

النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ضحكه كان تبسمًا على غالب أحواله، ورواية البخاري: حتى بدت أنيابه (¬1). وفي رواية ابن إسحاق: حتى بدت نواجذه (¬2). وظاهرها بين الروايتين على أن المراد بالضحك ما فوق التبسم؛ فإن الثنايا تبين بالتبسم. قيل: كان لا يضحك إلا بأمر يتعلق بالآخرة؛ فإن كان في أمر الدنيا لم يزد على التبسم. (وقال: فأطعمه) بفتح الهمزة (إياهم) وفي رواية لابن خزيمة في حديث عائشة: "عد به عليك وعلى أهلك" (¬3). تخيل قوم من هذا الكلام سقوط الكفارة عن هذا الرجل، فقالوا: هو خاص به؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يبين استقرارها في ذمته إلى حين يساره، وهو أحد قولي الشافعي المرجوح. قال السبكي: ولا نعلم أن أحدًا قال بأنه يجوز صرفه لنفسه. قال القرطبي: وليس في الحديث ما (¬4) يدل على سقوطها، بل نقول: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما بيَّن له ما يترتب على جنايته من الكفارة لزم الحكم وتقرر في الذمة، ثم لما تبين من حاله هذا أنه عاجز عن الكفارة سقط عنه (¬5) القيام بما لا يقدر عليه في تلك الحال، ويبقى ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (1936، 5368، 6164). (¬2) رواها البزار (8073). (¬3) "صحيح ابن خزيمة" (1947). (¬4) في (ر): فيما. (¬5) في (ر): عند، والمثبت من (ل).

الحكم في الذمة على ما رتب أولًا، وإلا وبقيت في ذمته إلى ذمته إلى أن يستطيع شيئًا من خصالها. هذا مذهب الجمهور وأئمة الفتوى، وذهب الأوزاعي، وأحمد إلى أن حكم من لم يجد الكفارة من سائر الناس سقوطها (¬1). (وقال مسدد في موضع آخر) في رواية أخرى (حتى بدت أنيابه) كما في رواية البخاري المتقدمة، ورواية مسلم (¬2). والأنياب جمع ناب، وهي الأسنان الملاصقة للثنايا وهي أربع من كل ناحية ثنتان. [2391] (حدثنا الحسن بن علي، حدثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري بهذا الحديث بمعناه. زاد) فيه (قال الزهري: وإنما كان هذا) أي سقوط الكفارة عن الأعرابي (رخصة) بالنصب خبر كان، أي خاص به لا يتعداه (فلو أن رجلًا) غيره (فعل ذلك) هذا (اليوم) بالنصب على الظرفية (لم يكن له بد من التكفير) لأن هذا الأعرابي أخبر النبي بإعساره قبل أن يدفع إليه العرق ولم يسقطها عنه، ولأنها كفارة واجبة فلم تسقط بالعجز عنها كسائر الكفارات. (قال أبو داود) رحمه الله: و (رواه الليث بن [سعد و] (¬3) الأوزاعي، ومنصور بن المعتمر) أبو عتاب السُلمي بضم السين من أئمة الكوفة (وعراك بن مالك) الغفاري المدني (عن الزهري، على معنى حديث سفيان بن عيينة) المتقدم. ¬

_ (¬1) "المفهم" 3/ 172. (¬2) مسلم (1111). (¬3) سقط من (ل).

قال عمر بن عبد العزيز: ما رأيت أحدًا أكثر صلاة منه (¬1). مات في خلافة يزيد بن عبد الملك (¬2). قال ابن قدامة: وهو رواية ثابتة (¬3) عن أحمد، وهو قياس قول أبي حنيفة والثوري وأبي ثور، وهو أحد قولي الشافعي كما تقدم (¬4). وإليه نحا إمام الحرمين، ورد بأن الأصل عدم الخصوصية. وقال بعضهم: هو منسوخ، ولم يبين قائله ناسخه، وقيل: المراد بقوله: "أطعمه إياهم" الذين أمر بصرفها إليهم ممن لا يلزمه نفقتهم من أقاربه وغيرهم، وهو قول بعض الشافعية، وضعف بالرواية السابقة: "أطعمه عيالك". لكن قد يدخل الذين لا يلزمه نفقتهم في العيال، وقيل: لما كان عاجزًا عن نفقة أهله جاز له أن يصرف الكفارة لهم، وهذا هو ظاهر الحديث، وهو الذي حمل أصحاب الأقوال الماضية على ما قالوه. وقال الشيخ تقي الدين: أقوى من ذلك أن يجعل الإعطاء لا على جهة الكفارة [بل على جهة التصدق] (¬5) التصدق عليه وعلى أهله بتلك الصدقة، فإنه كان من أهل الصدقة لما ظهر له من حاجتهم، وأما الكفارة فلم تسقط بذلك (¬6). ¬

_ (¬1) أي: من عراك. والأثر رواه ابن أبي خيثمة في "تاريخه" (1879)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (2931). (¬2) "الطبقات الكبرى" 5/ 196. (¬3) كذا في الأصل، وعند ابن قدامة (ثانية). (¬4) "المغني" 4/ 385. (¬5) سقط من (ر). (¬6) انظر: "فتح الباري" لابن حجر 4/ 171 - 172.

(زاد فيه الأوزاعي: واستغفر الله تعالى) وتاب إليه وعزم أن لا يعود، ويتأيد ذلك بصدقة الفطر حيث تسقط بإعسار المقارن لسبب وجوبها، وهو هلال شوال، لكن الفرق أن صدقة الفطر لها أمد تنتهي إليه وكفارة الجماع لا أمد لها فتستقر في الذمة (¬1). [2392] (حدثنا القعنبي، عن ابن مالك، عن ابن شهاب، عن حميد ابن عبد الرحمن) بن عوف المذكور (عن أبي هريرة أن رجلًا أفطر في) شهر (رمضان، فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعتق رقبة، أو يصوم، أو يطعم ستين مسكينًا) استدل به مالك وأصحابه على أن الكفارة على المجامع واجبة على التخيير، إلا أنه يستحب عندهم الإطعام لشدة الحاجة إليه، وخصوصًا بالحجاز؛ لأن الوارد فيه أو (¬2) التي للتخيير موضوعة كما في كفارة اليمين، ورده بعضهم بأن أو ليست للتخيير، بل للتفسير والتقدير فيه أنه أمر رجلًا أن يعتق رقبة أو يصوم إن عجز عن العتق أو يطعم إن (¬3) عجز عنهما. وذكر الطحاوي أن سبب إتيان (¬4) بعض الرواة بالتخيير أن ابن شهاب الزهري راوي الحديث قال في آخر حديثه: فصارت الكفارة إلى عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينًا (¬5). وكذلك رواه الدارقطني في "العلل" من طريق صالح بن أبي الأخضر عن الزهري ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر 4/ 171. (¬2) في الأصل: أن. والمثبت للصواب كما في "شرح مسلم" 7/ 227. (¬3) سقط من (ر). (¬4) في (ر) إثبات. (¬5) "شرح معاني الآثار" 2/ 61.

قال في آخره: فصارت سنة عتق رقبة أو صيام شهرين أو إطعام ستين مسكينًا (¬1). انتهى. فالزهري حكى لفظ راوي الحديث فدل على أنه من تصرف بعض الرواة، إما للاختصار أو لغير ذلك. فإن قيل: فهذا الحديث هو الحديث الأول والقضية واحدة فترد إليها؟ قال القرطبي: لا نسلم، بل هما قضيتان مختلفتان؛ لأن مساقهما مختلف. قال: وهذا هو الظاهر (¬2). وسلك الجمهور في الحديثين مسلك الترجيح بأن الذين رووا الترتيب عن الزهري أكثر ممن روى التخيير، ورجح الترتيب أيضًا بأن راويه حكى لفظ القصة على وجهها فمعه زيادة علم من (¬3) صورة الواقعة. (فقال: لا أجد. فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اجلس) لينتظر وجهًا يتخلص به مما حصل فيه (فأتي) بكسر التاء المثناة فوق (¬4) (رسول الله بعرق) بفتح الراء لا غير، سمي بذلك لأنه جمع عرقة وهي الصغيرة من الخوص يصنع منها المكيل (فيه تمر) ووقع في بعض طرق حديث عائشة عند مسلم: فجاءه عرقان (¬5). والمشهور في غيرها: عرق، ورجحه البيهقي وجمع غيره بينهما بتعدد الواقعة، وَرُدَّ لاتحاد مخرج الحديث، ¬

_ (¬1) "العلل" للدارقطني 10/ 240. (¬2) "المفهم" 3/ 174. (¬3) سقط من (ر). (¬4) في الأصول: تحت. والمثبت المناسب للسياق. (¬5) "صحيح مسلم" (1112).

والأصل عدم التعدد. قال ابن حجر: والذي يظهر أن التمر كان قدر عرق لكنه قال عرقين في حال التحميل على الدابة ليكون أسهل في الحمل، فيحتمل أن الآتي به لما وصل أفرغ أحدهما في الآخر، فمن قال: عرقان. أراد ابتداء الحال، ومن قال: عرق. ما آل عليه. (قال: خذ هذا فتصدق به، فقال: يا رسول الله ما أحد) بفتح الحاء المهملة وتنوين الدال مع الرفع اسم ما النافية، ويحتمل كسر الجيم مع فتح الدال (¬1) (أحوج) إليه (مني. فضحك رسول الله حتى بدت أنيابه) تقدم، (وقال: كُلْه) لما أمره (¬2) بحاجته صرف إليه ليأكله صدقة. (قال أبو داود: رواه ابن جريج، عن الزهري كما قال مالك) وفي بعض النسخ: كما لفظ مالك. بجر الظاء من لفظ؛ لأنه مجرور بالكاف وما مقحمة، أي: كلفظ مالك عن الزهري. (وقال فيه: أو تعتق رقبة، أو تصوم شهرين، أو تطعم ستين مسكينًا) كما تقدم. [2393] (حدثنا جعفر بن مسافر التنيسي) بكسر التاء المثناة فوق وتشديد النون المكسورة وبعد الياء سين مهملة، صدوق (حدثنا) محمد ابن إسماعيل (بن أبي فديك، حدثنا هشام بن سعد) مولى بني مخزوم، قال الحاكم: روى له مسلم في الشواهد (¬3). ¬

_ (¬1) كذا! ولا وجه له بل الصواب الضم. (¬2) كذا. ولعلها: أخبره. (¬3) "تسمية من أخرج لهم البخاري ومسلم" (1885) ذكره فيمن روى له مسلم وحده.

(عن ابن شهاب، عن أبي سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف. (عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -) وقد (أفطر في رمضان) وحدث (بهذا الحديث) المتقدم. و(قال) فيه (فأتي بعرق فيه تمر قدر) بالرفع صفة للتمر (خمسة عشر صاعًا) هذا مقدار ما في العرق من التمر، ولم يذكر في شيء من طرق الصحيحين، والمراد به: ما يقع به الكفارة، وهو دليل على ما قاله الجمهور أن مقدار ما يدفع لكل مسكين من الستين مد؛ لأن الصاع أربعة أمداد، وأربعة في خمسة عشر بستين، وفيه حجة للجمهور على أبي حنيفة والثوري؛ إذ قالا: لا يجزئ أقل من مدين لكل مسكين وهو نصف صاع (¬1). ويؤيدها ما رواه الدارقطني: يطعم ستين مسكينًا لكل مسكين مد (¬2). وفيه رد على أشهب في قوله: لو (¬3) غداهم وعشاهم (¬4) كفى لصدق الإطعام، ولقول عطاء: إن أفطر بالأكل أطعم عشرين صاعًا، أو بالجماع (¬5) أطعم خمسة عشر (¬6). (وقال فيه: كله أنت وأهلُ بيتك وصم يومًا) مكانه، فيه دليل على وجوب [القضاء على من أفسد صومًا بالجماع عامدًا كما لو أفسده ¬

_ (¬1) انظر: "المفهم" للقرطبي 3/ 171. (¬2) "سنن الدارقطني" 2/ 208. (¬3) في (ر) أو. (¬4) كذا. وفي "الفتح" ومنه ينقل المصنف: أو. (¬5) في (ر) بالجملة. (¬6) انظر: "فتح الباري" لابن حجر 4/ 169.

بالأكل حتى لو لم يصح هذا الحديث لحمل على أنه ترك للعلم به بخلاف السكوت عن وجوب] (¬1) الكفارة عن المرأة. وقال بهذا جمهور العلماء، ولأصحاب الشافعي وجه أنه لا يجب مع الكفارة قضاء؛ لأن الخلل الحاصل انجبر بالكفارة. ووجه ثالث: إن كفر بالصوم دخل فيه القضاء وإلا فلا لاختلاف الجنس. والوجهان الأولان: قال البندنيجي: إن الشافعي أومأ إليهما في "الأم". قال الروياني: هذا الوجه الثالث غلط، إنما هو للأوزاعي. قال الإمام: ولا خلاف أن المرأة يلزمها القضاء إذا لم تلزمها الكفارة ولا يتحمله الزوج؛ لأن الكفارة إذا كانت صومًا لم تتحمل فما ظنك بالقضاء؟ ! (¬2). واعلم أنه كما يجب القضاء يجب إمساك بقية النهار الذي جامع فيه. (واستغفر الله) أي: لما وقع منه كما تقدم. [2394] (حدثنا سليمان بن داود) أبو الربيع (المَهْري) بفتح الميم (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) أحد الأعلام. (أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري أحد الأعلام. (أن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن الصديق الفقيه. ¬

_ (¬1) زيادة من (ل). (¬2) "نهاية المطلب" 4/ 37 - 38، وانظر: "الشرح الكبير" 6/ 451، و"المجموع شرح المهذب" 6/ 331، و"روضة الطالبين" 2/ 379.

(حدثه (¬1) أن محمد بن جعفر بن الزبير) بن العوام (حدثه، أن عباد بن عبد الله بن الزبير حدثه، أنه سمع عائشة زوجَ النبي - صلى الله عليه وسلم - تقول: أتى رجل إلى النبي) وهو (في المسجد في رمضان، فقال: يا رسول الله، احترقت) فيه استعمال المجاز، وأنه لا إنكار على من استعمله (فسأله النبي - صلى الله عليه وسلم - ما شأنُه) بالرفع. (فقال: أتيت أهلي) فيه التجوز بتسمية الزوجة أهلًا؛ لأنها تصير كالأهل (قال: تصدق) فيه أن الإطعام أفضل من العتق والصوم لشدة الحاجة إليه خصوصًا بالحجاز، كما هو مذهب مالك القائل بالتخيير. قال القرطبي: بل هو ظاهر الحديث الاقتصار على الإطعام؛ لأنه لم يذكر في الحديث غيره، وهو أيضًا ظاهر مذهب مالك في "المدونة" فإنه قال: قلت: وكيف الكفارة؟ قال: في قول مالك قال: الطعام لا يعرف غير الطعام لا يأخذ مالك بالعتق ولا بالصيام (¬2). (قال: والله ما لي شيء ولا أقدر عليه) فيه قبول العجز ممن وجبت عليه كفارة أو زكاة فطر أو غيرهما بلا يمين ولا بينة. (قال: اجلس، فجلس، فبينما هو على ذلك أقبل رجل يسوق حمارًا عليه طعام) أي: تمر (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أين المحترق) فيه تسمية الرجل بما وصف به نفسه (آنفًا) بمد الهمزة وكسر النون، أي: قريبًا، وقيل: في أول وقت كنا فيه، وكل ذلك من الاستئناف (فقام الرجل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: تصدق بهذا) يلزم منه أن يكون قد ملكه إياه [ليتصدق به عن كفارته، ¬

_ (¬1) ليست في (ر). (¬2) "المفهم" 3/ 174، و"المدونة" 1/ 284.

ويكون هذا كقول القائل: أعتقت عبدي عن فلان، فإنه يتضمن سبقية] (¬1) الملكية إليه (¬2). ويدخل في ضمنه الإيجاب والقبول تقديرًا، (فقال: يا رسول الله، أعَلى) الهمزة للاستفهام، وعلى حرف جر متعلق بمحذوف تقديره: أيتصدق به على (غيرنا؟ ) ونحن محتاجون إليه. (فوالله إنا لجياع ما لنا شيء) نأكله، ولا يدخل في يمينه ما يستر عورتهم من الثياب (قال: كُلُوه) أمر بأكله [لأنه] كان مضطرًّا ومحتاجًا إليه في الحال والكفارة على التراخي وما (¬3) يحتاج إليه [في الحال] (¬4) مقدم على التراخي، وإنما لم يبين له بقاء الكفارة في ذمته؛ لأن تأخير البيان إلى وقت الحاجة جائز عند جمهور الأصوليين (¬5). وتقدم تأويلان آخران. [2395] (حدثنا محمد بن عوف) الطائي الحافظ الحمصي (حدثنا سعيد بن أبي مريم) الحكم الجمحي. قال أبو داود: وهو عندي حجة (¬6). (حدثنا) عبد الرحمن (بن أبي الزناد) بنون بعد الزاي، قال ابن معين: هو أثبت الناس (¬7). ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) "المفهم" للقرطبي 3/ 171. (¬3) في (ر): ولها. (¬4) سقط من (ر). (¬5) انظر: "شرح النووي على مسلم" 7/ 225. (¬6) انظر: "تهذيب الكمال" 10/ 394. (¬7) ما ورد عن يحيى مقيدًا حيث قال: أثبت الناس في هشام بن عروة عبد الرحمن بن أَبي الزناد. انظر: "تهذيب الكمال" 17/ 98، وتاريخ بغداد 10/ 228.

(عن عبد الرحمن بن الحارث، عن محمد بن جعفر بن الزبير) بن العوام، (عن عباد بن عبد الله) بن الزبير، (عن عائشة) رضي الله عنها (بهذِه القصة) المتقدمة، (وقال) فيها: (فأتي) بضم الهمزة (بعرق) بفتح العين (فيه عشرون صاعًا) لم يسق أبو داود لفظ هذا الحديث، وساقه ابن خزيمة في "صحيحه" قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - جالسًا في فارع - بعين مهملة - فجاءه رجل من بني بياضة فقال: احترقت وقعت على امرأتي في رمضان (¬1). وفي حديث عند ابن خزيمة: فأتي بعرق فيه عشرون (¬2). قال البيهقي: قوله: "عشرون صاعًا" بلاغٌ بلغ محمد بن جعفر يعني من بعض رواته، وقد بين ذلك محمد بن إسحاق عنه فذكر الحديث، وقال في آخره: قال محمد بن جعفر: فَحُدِّثْتُ بَعْدُ أنه كان عشرين صاعًا من تمر (¬3). والجمع بينهما أن من قال: عشرين صاعًا. أراد أصل ما كان في العرق، ومن قال: خمسة عشر صاعًا. أراد قدر ما تقع به الكفارة. والله أعلم (¬4). ¬

_ (¬1) "صحيح ابن خزيمة" (1947). (¬2) السابق. (¬3) "السنن الكبرى" للبيهقي 4/ 223. (¬4) انظر: "فتح الباري" لابن حجر 4/ 169.

38 - باب التغليظ في من أفطر عمدا.

38 - باب التَّغْلِيظِ في مَنْ أفْطَرَ عَمْدًا. 2396 - حَدَّثَنا سُليْمان بْنُ حَرْبٍ، قالَ: حَدَّثَنا شُعْبَةُ ح وَحَدَّثَنا محَمَّدُ بْن كَثِيرٍ، قالَ: أَخْبَرَنا شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أبِي ثابِتٍ، عَنْ عُمارَةَ بْنِ عُميْرٍ، عَنِ ابن مُطَوِّسٍ، عَنْ أَبِيهِ -قالَ ابن كَثِيرٍ: عَنْ أبِي المُطَوِّسِ عَنْ أَبِيهِ-، عَنْ أبِي هُريْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضانَ مِنْ غيْرِ رُخْصَةٍ رَخَّصَها اللهُ لَهُ لَمْ يَقْضِ عَنْهُ صِيامُ الدَّهْرِ" (¬1). 2397 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْن سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيانَ، حَدَّثَني حَبِيبٌ، عَنْ عُمارَةَ، عَنِ ابن المُطَوِّسِ -قالَ: فَلَقِيتُ ابن المُطَوِّسِ فَحَدَّثَني- عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أبِي هُريْرَةَ قالَ: قالَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، مِثْلَ حَدِيثِ ابن كَثِيرٍ وَسُليْمانَ. قالَ أبُو داوُدَ: واخْتُلِفَ عَلَى سُفْيانَ وَشُعْبَةَ عَنْهُما ابن المُطَوِّسِ وَأَبُو المُطَوِّسِ (¬2). باب التغليظ في من أفطر متعمدًا [2396] (حدثنا سليمان بن حرب) الواشحي، بشين معجمة وحاء مهملة، البصري، قاضي مكة (حدثنا شعبة وحدثنا محمد بن كثير، أنا شعبة، عن حبيب بن أبي ثابت) قيس الأسدي، من ثقات التابعين (عن عمارة بن عمير) من تيم الله، الكوفي، وثقوه (عن أبي المطوس) بكسر الواو المشددة، قال الترمذي: سمعت محمدًا يقول: أبو المطوس ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 386، والنسائي في "السنن الكبرى" (3278). وانظر ما بعده. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (413). (¬2) رواه الترمذي (723)، وابن ماجه (1672)، وأحمد 2/ 442. وانظر ما قبله. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (413).

اسمه يزيد بن المطوس لا أعرف له غير هذا الحديث (¬1). (عن أبيه) مطوس (قال ابن كثير: عن أبي المطوس، عن أبيه، عن أبي هريرة) قال البخاري في "التاريخ": لا أدري أسمع أبوه من أبي هريرة أم لا (¬2). (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أفطر يومًا من رمضان) رواية: من رمضان (¬3). (في غير رخصة) فيها ثلاث لغات بضم الراء والخاء، رخصة بإسكان الخاء فيجوز أن تكون مخففة من الأولى، ويجوز أن تكون كل واحدة منهما أصلًا بنفسه، الثالثة خرصة بتقديم الخاء، حكاها الفارابي، والظاهر أنها مقلوبة من الأولى، وقد اشتهر على ألسنة الناس فتح الخاء ولا يشهد له سماع ولا قياس، لِأَنَّ فُعَلَة تَكُونُ لِلْفَاعِلِ كَهُمَزَةٍ وَلُمَزَةٍ (¬4). قال الآمدي في "الأحكام": الرخصة الأخذ بالرخصة، وهي في اللغة اليسر والسهولة (¬5). (رخصها الله له) رواية البخاري: "من أفطر يومًا من رمضان من غير عذر ولا مرض" (لم يقض) بفتح أوله (عنه صيام الدهر) زاد البخاري: "وإن صامه" (¬6). أي: وإن قضاه في الظاهر؛ لما فاته من بركة ¬

_ (¬1) "علل الترمذي" ص 116. (¬2) ليس في "التاريخ"، وإنما هو من تتمة كلام البخاري السابق في "علل الترمذي" ص 116. (¬3) كذا بالمخطوط. وليس ثمة اختلاف. (¬4) "البحر المحيط في أصول الفقه" 1/ 261. (¬5) "الإحكام في أصول الأحكام" للآمدي 1/ 176. (¬6) رواه البخاري في "صحيحه" معلقًا 3/ 32.

خصوصية ذلك اليوم الذي عظم الله تعالى حرمته وخصه بمزية الفضل. قال شيخنا ابن حجر: ورويناه عاليًا في حديث ابن مسعود قال: من أفطر يومًا من رمضان من غير علة لم يجزه صيام الدهر حتى يلقى الله، فإن شاء غفر له، وإن شاء عذبه (¬1). قال ابن بطال: أشار بهذا الحديث إلى إيجاب الكفارة على من أفطر بأكل أو شرب قياسًا على الجماع؛ لأن الذي ورد فيه الحديث المسند وإنما ذكر آثار الإفطار ليفهم أن الإفطار بالأكل والجماع بمعنى واحد. ثم قال: والذي يظهر لي أن البخاري أشار بالآثار التي ذكرها إلى أن (¬2) إيجاب القضاء مختلف فيه بين السلف، وأن الفطر بالجماع لا بد فيه من الكفارة (¬3). [2397] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، حدثني حبيب) بن أبي ثابت (عن عمارة) بضم العين (عن) يزيد (بن المطوس قال: فلقيت ابن المطوس فحدثني) به. [قال البخاري في "التاريخ": ثقة، وأبو المطوس بهذا الحديث ولا أدري أسمع أبوه من أبي هريرة أم لا] (¬4). (عن أبي هريرة قال رسول الله فذكر مثل حديث) محمد (بن كثير، ¬

_ (¬1) "فتح الباري" لابن حجر 4/ 161. (¬2) زيادة من (ل). (¬3) لم أقف عليه عند ابن بطال؛ لكن عزاه أيضًا ابن حجر لابن بطال. انظر: "فتح الباري" لابن حجر 4/ 161. (¬4) زيادة من (ل)، وانظر التعليق عليها في الحديث السابق.

وسليمان) بن حرب. (قال أبو داود: اختلف على سفيان وشعبة عنهما) هل هو يزيد (بن المطوس أو أبو المطوس) وذكر الترمذي: أبو المطوس. ويحتمل أن يكون كنيته أبو المطوس وهو يزيد بن المطوس.

39 - باب من أكل ناسيا

39 - باب مَنْ أَكَلَ ناسِيًا 2398 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا، حَمّادٌ، عَنْ أيُّوبَ وَحَبِيبٌ وَهِشامٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيِرينَ، عَنْ أَبي هُريْرَةَ قالَ: جاءَ رَجُلٌ إِلى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أَكَلْتُ وَشَرِبْتُ ناسِيًا وَأَنا صائِمٌ. فَقالَ: "أَطْعَمَكَ اللهُ وَسَقاكَ" (¬1). باب من أكل ناسيًا [2398] (حدثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي الحافظ. (حدثنا حماد، عن أيوب، وحبيب) بن الشهيد الأزدي (وهشام) القُرْدُوسِي بضم القاف. (عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: جاء رجل) هو أبو هريرة راوي الحديث، أخرجه الدارقطني بسند ضعيف (¬2) (إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إني أكلت وشربت ناسيًا وأنا صائم) رواية مسلم: "من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه" (¬3). (فقال: الله أطعمك وسقاك) فيه دلالة لمذهب الأكثرين أن الصائم إذا أكل أو شرب أو جامع ناسيًا لم يفطر، وممن قال بهذا الشافعي وأبو حنيفة وآخرون، وخالف في ذلك ربيعة ومالك فقالوا: يفسد صومه وعليه القضاء دون الكفارة (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1933)، ومسلم (1155). (¬2) "سنن الدارقطني" 2/ 178. (¬3) "صحيح مسلم" (1155). (¬4) انظر: "شرح النووي على مسلم" 8/ 35.

قال القرطبي: ولهؤلاء أن يقولوا بموجب هذا الحديث إذا لم يتعرض فيه للقضاء، بل الذي تعرض له سقوط المؤاخذة عمن أفطر ناسيًا والأمر بمضيه على صومه وإتمامه وهم يقولون بذلك إذ المطلوب صيام تام لا يقع به خرم، ولم يأت به، فهو باقي عليه. قال: وهذا عذر أصحابنا عن هذا الحديث. وفي كتاب الدارقطني لهذا الحديث مساق أَنَصُّ من هذا عن أبي هريرة مرفوعًا قال: "إذا أكل الصائم ناسيًا أو شرب ناسيًا فإنما هو رزق ساقه الله إليه ولا قضاء عليه". قال الدارقطني: إسناده صحيح (¬1). وفي طريق آخر: "من أفطر في شهر رمضان ناسيًا فلا قضاء عليه ولا كفارة". قال: وهو صحيح (¬2). وهذِه النصوص لا تقبل ذلك الاحتمال (¬3). وقال أحمد: يجب في الجماع [القضاء و] (¬4) الكفارة ولا شيء في الأكل، واستدل في الجماع بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الذي قال: وقعت على امرأتي بالكفارة ولم يسأله عن العمد والنسيان، ولو افترق الحال لسأل واستفصل (¬5). وقوله في الحديث: "أطعمك الله وسقاك" يعني لما أفطر [ناسيًا لم ينسب إليه من ذلك الفطر شيء، وتمحضت نسبة الإطعام والسقي إلى الله ¬

_ (¬1) "سنن الدارقطني" 2/ 178. (¬2) "سنن الدارقطني" 2/ 178. (¬3) "المفهم" 3/ 222. (¬4) سقط من (ر). (¬5) "مسائل أحمد" رواية أبي داود ص 133.

تعالى؛ إذ هو فعله، ولذلك] (¬1) قال في رواية: "فإنما هو رزق ساقه الله إليك" (¬2). ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) انظر: "المفهم" للقرطبي 3/ 222.

40 - باب تأخير قضاء رمضان

40 - باب تَأْخِيرِ قَضاءِ رمَضانَ 2399 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ عائِشَةَ رضي الله عنها تَقُولُ: إِنْ كانَ ليَكُونُ عَليَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضانَ فَما أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَة حَتَّى يَأْتِي شَعْبانُ (¬1). باب تأخير قضاء رمضان [2399] (حدثنا القعنبي، عن مالك، عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري، قاضي السفاح (عن أبي سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف (أنه سمع عائشة تقول: إنْ) بكسر الهمزة هي المخففة من (¬2) الثقيلة أي: إنه (كان ليكون عليّ) يعني (الصوم) نصب بأعني، والجملة في موضع رفع اسم كان (من) شهر (رمضان، فما أستطيع أن (¬3) أقضيه حتى يأتي شعبان) فيه حجة على أن قضاء رمضان في حق من أفطر بعذر كحيض ونفاس وسفر يجب على التراخي (¬4) ولا يشترط المبادرة به في أول الإمكان، لكن قالوا: لا يجوز تأخيره عن شعبان الآتي (¬5)؛ لأنه يؤخره حينئذٍ إلى زمان لا يقبله وهو رمضان الآتي. وقال داود: يجب المبادرة به في أول يوم من شوال، وحديث عائشة ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1950)، ومسلم (1146). (¬2) سقط من (ر). (¬3) سقط من (ر). (¬4) في (ر) التراضي. (¬5) سقط من (ر).

هذا يرد عليه. قال الجمهور: ويستحب المبادرة به للاحتياط فيه، والصحيح عند المحققين من الفقهاء وأهل الأصول أنه يجب العزم على فعله، وكذلك القول في كل واجب موسع كالصلاة والحج وغيرهما، إنما يجوز تأخيره بشرط العزم على فعله لتكون النية بدلًا عن الفعل حتى لو أخره بلا عزم عصى (¬1). وفيه دليل على أن عائشة كانت لا تتطوع بشيء من الصيام لا في عشر ذي الحجة ولا عاشوراء ولا غير ذلك، وهو مبني على أنها كانت لا ترى صيام التطوع لمن عليه دين من رمضان، وفي رواية البخاري: الشغل من رسول الله، أو برسول الله (¬2). أي: هو المانع لها من القضاء مراعاة حقوق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أزواجه كانت الموجبة لتأخير رمضان، وإن كانت المبادرة أولى لو تمكنت. فإن قيل: كيف لا تقدر على الصوم لحقه وقد كان له تسع نسوة وكان يقسم بينهن فلا تصل (¬3) النوبة لإحداهن إلا بعد [ثمان، فكان يمكنها أن تصوم في هذِه الثمانية؟ ! أجاب القرطبي: بأن القسم لم يكن عليه] (¬4) واجب لهن، وإنما كان يفعله لتطييب قلوبهم ودفعًا لما يتوقع [من] (¬5) ¬

_ (¬1) انظر: "شرح النووي على مسلم" 8/ 23. (¬2) "صحيح البخاري" (1950). (¬3) سقط من (ر). (¬4) سقط من (ر). (¬5) من "المفهم".

الشرور (¬1). ويستفاد من هذا أن المرأة لا تصوم للقضاء وزوجها شاهد إلا بإذنه إلا أن تخاف الفوات فيتعين. ورواية الترمذي (¬2) وابن خزيمة (¬3) عن عائشة: ما قضيت شيئًا مما يكون علي من رمضان إلا في شعبان حتى قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. والله أعلم. ¬

_ (¬1) "المفهم" للقرطبي 3/ 207. (¬2) "سنن الترمذي" (783). (¬3) "صحيح ابن خزيمة" (2051).

41 - باب فيمن مات وعليه صيام

41 - باب فِيمَنْ ماتَ وَعَليه صِيامٌ 2400 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الحارِثِ، عَنْ عُبيْدِ اللهِ بْنِ أبِي جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "مَنْ ماتَ وَعَليْهِ صِيامٌ صامَ عَنْهُ وَليُّهُ". قالَ أَبُو داوُدَ: هذا في النَّذْرِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (¬1). 2401 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ أَبي حَصِينٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: إِذا مَرِضَ الرَّجُلُ في رَمَضانَ ثُمَّ ماتَ وَلَمْ يَصُمْ أُطْعِمَ عَنْهُ وَلَمْ يَكُنْ عَليْهِ قَضاءٌ، وَانْ كانَ عَليْهِ نَذْرٌ قَضَى عَنْهُ وَليُّهُ (¬2). باب من مات وعليه صيام [2400] (حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا) عبد الله (بن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري (عن عبيد الله) بالتصغير (بن أبي جعفر، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة) بن الزبير (عن عائشة: أن النبي قال: من مات وعليه صيام صام عنه وليه) زاد (¬3) البزار: "إن شاء" (¬4) لكنها رواية ضعيفة؛ لأنها من طريق ابن لهيعة، وقوله: "صام عنه وليه" هو خبر بمعنى الأمر، كقولهم: رحمك الله، وحسبك، أي: اكتف به، وليس هذا الأمر للوجوب عند الجمهور، وبالغ إمام ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1952)، ومسلم (1147). (¬2) رواه ابن أبي شيبة 7/ 624 (12739)، والبيهقي 4/ 254. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2078). (¬3) في (ل) ذكر. (¬4) "كشف الأستار" (1023).

الحرمين ومن تبعه فادعوا الإجماع على ذلك. وفيه نظر؛ لأن بعض أهل (¬1) الظاهر أوجبه، فلعله لم يعتد بخلافهم على قاعدته (¬2). قال البيهقي في "الخلافيات": هذِه السنة ثابتة لا أعلم خلافًا بين أهل الحديث في صحتها، فوجب العمل بها. ثم ساق بسنده إلى الشافعي قال: كل ما قلت وصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافه، فخذوا بالحديث ولا تقلدوني. أي: فيكون صوم الولي لازمًا [من مذهبه] (¬3)؛ فإن الجديد من مذهبه أن من مات بعد التمكن لا يصوم عنه وليه، بل يخرج من تركته لكل يوم مد من طعام وصححه معظم أصحابه وهو مذهب مالك وأبي حنيفة، لكن اختار النووي الصيام عنه، وذكر أن جماعة من محققي الأصحاب الجامعين بين الحديث والفقه اختاروه (¬4). [2401] (حدثنا محمد بن كثير) العبدي قال (أنا سفيان) الثوري (عن أبي حَصِين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين، هو عثمان بن عاصم، تابعي مشهور (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: إذا مرض الرجل في رمضان ثم مات ولم يصُح (¬5) أُطعِم عنه ولم يكن عليه قضاء، وإن كان عليه نذر قضى عنه وليه). (قال أبو داود: هذا) أي: الصيام عن الميت (في) الصوم (النذر) أما غيره فلا يصوم عنه وليه (وهو قول) الليث و (أحمد) وإسحاق وأبي عبيد حملًا لعموم هذا الحديث على المقيد الذي رواه ابن عباس: جاءت ¬

_ (¬1) سقطت من (ر). (¬2) انظر: "فتح الباري" 4/ 193. (¬3) في (ر): لمذهبه. (¬4) "المجموع شرح المهذب" 6/ 369. (¬5) أي: لم يبرأ من مرضه. وفي بعض نسخ أبي داود (ولم يصم).

امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر، أفأصوم عنها؟ قال: "أرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه أكان يؤدي ذلك عنها؟ " قالت: نعم، قال: "فصومي عن أمك". رواه مسلم (¬1). وفي بعض طرق البخاري: إن أختي ماتت (¬2). وستأتي (¬3) الأحاديث في باب قضاء النذر على الميت، وباب: من مات وعليه صيام صام عنه وليه إن شاء الله تعالى. قال ابن حجر: وليس بين الحديثين تعارض حتى يجمع بينهما، فإن حديث ابن عباس صورة مستقلة سأل عنها من وقعت له، وأما حديث عائشة هذا فهو مقرر لقاعدة عامة، وقد وقعت الإشارة في حديث ابن عباس، أي: الآتي في النذر: "لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ " قالت: نعم. قال: "فدين الله حق أن يقضى" (¬4)، وأما رمضان فيطعم عنه، وأما المالكية فأجابوا عن حديث عائشة - هذا بأنه مخالف لعمل أهل المدينة، كعادتهم، واحتج القرطبي (¬5) بزيادة [ابن] (¬6) لهيعة: "إن شاء"؛ فإنها تدل على عدم الوجوب، والله أعلم (¬7). ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1148). (¬2) علقه البخاري بعد حديث (1953). (¬3) في (ر): وسيأتي في. (¬4) يأتي برقم (3310)، رواه البخاري (7315). (¬5) "المفهم" للقرطبي 3/ 209. (¬6) من "فتح الباري"، وسقط من المخطوط. (¬7) "فتح الباري" لابن حجر 4/ 194.

42 - باب الصوم في السفر

42 - باب الصَّوْمِ في السَّفَرِ 2402 - حَدَّثَنا سُليْمانُ بْنُ حَرْبٍ وَمُسَدَّدٌ، قالا: حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّ حَمْزَةَ الأسلَميَّ سَأَلَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ إِنِّي رَجُلٌ أَسْرُدُ الصَّوْمَ أَفأَصُومُ في السَّفَرِ قالَ: "صُمْ إِنْ شِئْتَ وَأَفْطِرْ إِنْ شِئْتَ" (¬1). 2403 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفيليُّ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الَمجِيدِ الَمدَنيُّ، قالَ: سَمِعْتُ حَمْزَةَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ الأسْلَميَّ يَذْكُرُ أَنَّ أَباهُ أَخْبَرَهُ، عَنْ جَدِّهِ قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ إِنّي صاحِبُ ظَهْرِ أُعالجُهُ أُسافِرُ عَليْهِ وَأَكْرِيهِ وَإِنَّهُ رُبَّما صادَفَني هذا الشَهْرُ -يَعْني: رَمَضانَ- وَأَنا أَجِدُ القُوَّةَ وَأَنا شابٌّ وَأَجِدُ بِاَنْ أَصُومِ يا رَسُولَ اللهِ أَهْوَنَ عَليَّ مِنْ أَنْ أُؤَخِّرَهُ فيكُونَ ديْنًا أَفأَصُومُ يا رَسُولَ اللهِ أَعْظَمُ لأجْري أَوْ أُفْطِرُ قالَ: "أي ذَلِكَ شِئْتَ يا حَمْزَةُ" (¬2). 2404 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجاهِدٍ، عَنْ طاوُسٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: خَرَجَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - مِنَ المَدِينَةِ إِلى مَكَّةَ حَتَّى بَلَغَ عُسْفانَ ثُمَّ دَعا بإِناءٍ فَرَفَعَهُ إِلى فِيهِ لِيُرِيَهُ النّاسَ وَذَلِكَ في رَمَضانَ. فَكانَ ابن عَبّاسٍ يَقُولُ: قَدْ صامَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وَأَفْطَرَ فَمَنْ شاءَ صامَ وَمَنْ شاءَ أَفْطَرَ (¬3). 2405 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا زائِدَةُ، عَنْ حُميْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسٍ قالَ: سافَرْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في رَمَضانَ فَصامَ بَعْضُنا وَأَفْطَرَ بَعْضُنا، فَلَمْ يَعِبِ الصّائِمُ عَلَى المُفْطِرِ وَلا المُفْطِرُ عَلَى الصّائِمِ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1942، 1943)، ومسلم (1121). (¬2) رواه مسلم (1121) بنحوه مختصرا. وانظر حديث عائشة قبله. وضعف إسناد أبي داود الألباني في "ضعيف أبي داود" (414). (¬3) رواه البخاري (1948)، ومسلم (1113). (¬4) رواه البخاري (1947)، ومسلم (1118).

2406 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ وَوَهْبُ بْن بيانٍ -المَعْنَى- قالا: حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، حَدَّثَني مُعاوِيَةُ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ، عَنْ قَزَعَةَ قالَ: أَتيْتُ أَبا سَعِيدٍ الخُدْريَّ وَهُوَ يُفْتي النّاسَ وَهُمْ مكِبُّونَ عَليهِ فانْتَظَرْتُ خَلْوَتَهُ فَلَمّا خَلا سَأَلْتُهُ عَنْ صِيامٍ رَمَضانَ في السَّفَرِ فَقالَ: خَرَجْنا مَعَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - في رَمَضانَ عامَ الفَتْحِ فَكانَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ وَنَصُومُ حَتَّى بَلَغَ مَنْزِلًا مِنَ المَنازِلِ فَقالَ: "إِنَّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ والفِطْرُ أَقْوى لَكُمْ". فَأَصْبَحْنا مِنّا الصّائِمُ وَمِنّا المُفْطِرُ -قالَ- ثُمَّ سِرنا فَنَزَلْنا مَنْزِلًا فَقالَ: "إِنَّكُمْ تُصَبِّحُونَ عَدُوَّكُمْ والفِطْرُ أَقْوى لَكُمْ فَأَفْطِرُوا". فَكانَتْ عَزِيمَةً مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قالَ أَبُو سَعِيدٍ: ثُمَّ لقَدْ رَأيْتُني أَصُومُ مَعَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ ذَلِكَ وَبَعْدَ ذَلِكَ (¬1). باب الصوم في السفر [2404] (حدثنا سليمان بن حرب ومسدد قالا: حدثنا حماد، عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها: (أن حمزة) بن عمرو (الأسلمي سأل النبي فقال: يا رسول الله إني رجل أسرُد الصوم) أي: أتابعه، استدل به ابن حزم على أن السؤال الذي بعده كان عن صوم التطوع (¬2). ويرده الحديث الذي بعده كما سيأتي. واستُدل به على أنه لا كراهية في صيام الدهر ولا دلالة فيه لأن التتابع يصدق بدون صوم الدهر، فإن ثبت النهي عن صوم الدهر لم يعارضه هذا الإذن بالسرد، بل الجمع بينهما واضح، ويحمل حديث ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1120). (¬2) "المحلى" 6/ 253.

حمزة على أنه علم أن فيه قوة بخلاف عمرو بن العاص وغيره. (أفأصوم في السفر؟ ) قال ابن دقيق العيد: ليس فيه تصريح بأنه صوم رمضان، فلا يكون فيه حجة على من منع صيام رمضان في السفر (¬1). انتهى. لكن في رواية ابن مرواح عند مسلم أنه قال: يا رسول الله أجد قوة على الصيام في السفر فهل علي جناح؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هي رخصة من الله" (¬2). وهذا يشعر بأنه سأل عن صيام الفريضة؛ لأن الرخصة إنما تطلق في مقابلة ما هو واجب، وللحديث الآتي بعده (قال: صم إن شئت، وأفطر إن شئت) هذا نص (¬3) في التخيير في الصيام في السفر لما سيأتي. باب التاجر يفطر [2403] رواية ابن الأعرابي (حدثنا عبد الله بن محمد) بن علي بن نفيل (النُّفيلي، حدثنا محمد بن عبد المجيد) بن سهيل العوفي (المدني قال: سمعت حمزة بن محمد بن حمزة) بن عمرو (الأسلمي) أبوه محمد أشهر منه، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4). وجده حمزة من ¬

_ (¬1) "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" (277). (¬2) "صحيح مسلم" (1121). (¬3) في (ر): يضر. (¬4) "الثقات" لابن حبان (5/ 357).

الصحابة - رضي الله عنهم - (يذكر أن أباه أخبره عن جده) حمزة بن عمرو الأسلمي المدني. (قال: قلت: يا رسول الله، إني صاحب ظهر) بفتح الظاء أي: إبل يحمل الأثقال على ظهرها (أعالجه) بالرعي والسعي وخدمته (وأسافر عليه وأكريه) بضم الهمزة، يقال: أكريت الدار والدابة فهي مكراة أي: مؤجرة (وربما صادفني هذا الشهر) بالرفع بدل من هذا (يعني: رمضان وأنا أجد القوة) على الصيام (وأنا شاب) في قوة الشباب (وأجد) رواه الحاكم من طريق محمد بن حمزة بن عمرو، عن أبيه، وفيه: وأجدني فأجد بأن أصوم (¬1)، ورواية ابن داسه: فأحب إلي (أن أصوم) بالرفع لأن أن مخففة من الثقيلة؛ لأنها بعد ما في معنى العِلْم وهو (وَجَد) والتقدير: أجد أني أصوم (¬2) (يا رسول الله أهون) بالرفع يعني: الصوم لتبرأ ذمتي أهون علي وأكتسب فضيلة رمضان (من أن أؤخره فيكون دينًا) بالنصب عطفًا على أؤخره (دينا) عليّ، فيه دليل على وجوب القضاء على من أفطر في السفر في رمضان (أفأصوم يا رسول الله أعظم لأجري أو أفطر؟ قال: أي) منصوب بفعل محذوف تقديره: افعل أي، نسخة (أي: ذلك) بالترخيم (شئت). قال القرطبي (¬3): وهذا نص في التخيير بين الصوم والفطر للمسافر في رمضان صريح في بيان المراد في قوله في الحديث قبله: أسرد ¬

_ (¬1) هكذا في الأصل، وعند الحاكم في المطبوع (1/ 432): (وأجدني أن أصوم). (¬2) في (ر): هي اهـ. يوم. (¬3) "المفهم" (3/ 172).

الصوم. خلافًا لما ادعاه ابن حزم أنه إنما سأله عن صوم التطوع، ويدل عليه: أسرد الصوم. وهذا ينتقض بهذا الحديث. و (يا حمزة) نداؤه بعد انتهاء خطابه فيه تأكيد للسامع. [2404] (حدثنا مسدد، حدثنا أبو عوانة) أظنه الوضاح بن عبد الله، قال الذهبي: ثقة حجة لا سيما إذا حدث من كتابه (¬1). (عن منصور، عن مجاهد، عن طاوس، عن ابن عباس قال: خرج رسول الله من المدينة إلى مكة) وكان ذلك في غزوة الفتح، قال بعضهم: ابن عباس لم يكن حاضرًا سفر فتح مكة، لكن هذا الحديث يعد من مسنداته؛ لأنه لم يروه إلا عن صحابي (حتى بلغ عُسْفان) (¬2) وفي رواية البخاري: بلغ الكَديد. بفتح الكاف (¬3). وفي مسلم (¬4): فلما بلغ كُراع الغميم. قال القاضي عياض (¬5): اختلفت الروايات في الموضع الذي أفطر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه، والكل في قصة واحدة، وكلها متقاربة، والجميع ¬

_ (¬1) "المغني في الضعفاء" (6838). (¬2) قال القرطبي في "المفهم" 3/ 175: عُسفان قرية جامعة على ستة وثلاثين ميلًا من مكة. (¬3) "صحيح البخاري" (1944) الكديد: عين جارية عليها نخل ما بينها وبين مكة، اثنان وأربعون ميلًا. انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض 4/ 64، والقرطبي في "المفهم" 3/ 175. (¬4) "صحيح مسلم" (1114)، قال القرطبي في "المفهم" 3/ 175: كُراع الغَميم. فالغميم، بفتح الغين: واد أمام عُسفان بثمانية أميال. وكراع: جبل أسود هناك يضاف إلى الغميم. والكراع لغة: هو كل أنف مال من جبل أو غيره. (¬5) "إكمال المعلم" للقاضي عياض 4/ 64.

من عمل عسفان. انتهى. وفي رواية معمر: ومعه عشرة آلاف من المسلمين، وذلك على رأس ثمان سنين ونصف من مقدمه المدينة، فسار ومن معه من المسلمين يصوم ويصومون معه حتى بلغ الكديد فأفطر (ثم دعا بإناء) رواية البخاري: دعا بماء (¬1) (فرفعه إلى فيه ليُرِيَه) بضم أوله وكسر الراء وفتح الياء التحتانية و (الناسَ) (¬2) بالنصب على المفعولية، هذِه إحدى الروايتين في البخاري، والرواية بفتح الياء أوله مع الراء (الناس) بالرفع على الفاعلية، ويحتمل أن يكون الناسخ كتب ليريه بالياء المرسومة عن الألف كما في أكثر الروايتين فلا يكون بين الروايتين اختلاف (وذلك في رمضان) أي: رفع يده إلى فيه ليراه الناس ممن يقتدي به فيتابعوه فيكون الفطر في حقه - صلى الله عليه وسلم - أفضل كمن جهده الصوم أو خشي العجب والرياء، أو كرهت نفسه الفطر في رمضان رغبة عن الرخصة، وكذا إذا فطر من يقتدى به فيكون الفطر في حقه أفضل لفضيلة البيان وهو حجة لمن يقول أن من بيت الصوم في السفر فله أن يفطر وإن لم يكن له عذر وإليه ذهب مطرف، وهو أحد قولي الشافعي المشهور، والقول الثاني نص عليه في البويطي (¬3). ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (1948). (¬2) في (ر): التأنيث. (¬3) في "الأم" 3/ 257: قال الشافعي: ولو أن مقيما نوى الصيام قبل الفجر ثم خرج بعد الفجر مسافرًا لم يفطر يومه ذلك؛ لأنه قد دخل في الصوم مقيما. قال الربيع: وفي كتاب غير هذا من كتبه: إلا أن يصح حديث عن النبي حين أفطر بالكديد أنه نوى صيام ذلك اليوم وهو مقيم.

وقال بالجواز جماعة من أصحاب الحديث وقطع به الأكثرون من أصحاب الشافعي. قال النووي (¬1): والأصح لا يكره إذا كان لحاجة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما بلغ عسفان قيل له: إن الناس شق عليهم الصيام، وإنما ينتظرون ما فعلت، فدعا بماء بعد العصر، رواه مسلم (¬2). قال السبكي: والظاهر أنه - صلى الله عليه وسلم - كان صائمًا ولو لم يكن صائمًا لكان مقصوده أن الناس يفطرون، قال: وأما إذا كان لغير حاجة فينبغي أن يكره لقوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (¬3). ولو أصبح المسافر صائمًا فنذر الإتمام، قال صاحب "البحر" عن والده: لا يلزمه؛ لأن الإيجاب شرعًا أقوى من الإيجاب نذرًا (¬4)، انتهى. ومقتضى هذا أن من كان في صلاة تطوع فنذر الإتمام لا يجب عليه الإتمام. (فكان ابن عباس يقول: قد صام النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفطر، فمن شاء صام ومن شاء أفطر) فهم ابن عباس من فعله - صلى الله عليه وسلم - ذلك له لبيان الجواز لا للأولوية. [2405] (حدثنا أحمد بن يونس) هو ابن عبد الله (ثنا زائدة، عن حميد الطويل، عن أنس قال: سافرنا مع رسول الله في رمضان فصام بعضنا وأفطر بعضنا، فلم يعب) بفتح أوله (الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم) رواية مسلم: منا الصائم ومنا المفطر فلا يجد ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع شرح المهذب" 6/ 265. (¬2) "صحيح مسلم" (1113). (¬3) محمد: 33. (¬4) "بحر المذهب" للروياني 4/ 305.

الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم وزاد: يرون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن، ويرون أن من وجد ضعفًا فأفطر فإن ذلك حسن (¬1). قال النووي: وهذا صريح في ترجيح مذهب الأكثرين وهو تفضيل الصوم لمن أطاقه بلا ضرر ولا مشقة ظاهرة، وقال بعض العلماء: الفطر والصوم سواء كما هو ظاهر، رواية أبي داود: لتعادل الأحاديث والصحيح قول الأكثرين (¬2). [2406] (حدثنا أحمد بن صالح) أبو جعفر الطبري، كتب عن ابن وهب خمسين ألف حديث (ووهب بن بيان) الواسطي (المعنى قالا: حدثنا ابن وهب، حدثني معاوية) بن صالح بن حدير الحضرمي قاضي الأندلس (عن ربيعة بن يزيد) القصير الإيادي فقيه دمشق (أنه حدثه عن قزعة) بن يحيى. (قال: لقيت أبا سعيد الخدري وهو يفتي) بضم أوله (الناس وهم مكبون) بضم الميم وكسر الكاف وتشديد الباء الموحدة (عليه) في السؤال منه وفي رواية ابن داسة مَكْثُور -بفتح الميم وإسكان الكاف وضم المثلثة- عنده كثيرون من الناس، أي: أكثروا من سؤاله يغتنمون الاجتماع به. وهذِه رواية مسلم (¬3). وهو هكذا لمن اجتمع بالعالم أن يذكر له ما يحتاج إليه في أمر دينه ودنياه. (فانتظرت خلوته) منهم (فلما خلا) منهم (سألته عن صيام رمضان في ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (96/ 1116). (¬2) "شرح النووي على مسلم" 7/ 230. (¬3) "صحيح مسلم" (1120).

السفر) وجواز الفطر (قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في) السفر، في (رمضان عام الفتح) أي فتح مكة كما تقدم، رواية مسلم: سافرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة ونحن صيام (¬1) (حتى بلغ منزلًا من المنازل، فقال: إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر) بالرفع مبتدأ (أقوى لكم فأفطروا) دليل على أن حفظ القوة بالفطر أفضل لمن هو منتظر للقاء العدو، وقد يؤخذ منه أنه ينبغي للمجاهد ونحوه أن يتقوى للجهاد بأكل ما يحصل منه القوة كاللحوم والأدهان والمآكل الدسمة مع حسن النية (وأصبحنا منا الصائم ومنا المفطر) أي: منا من وجد قوة فصام، ومنا من وجد ضعفًا فأفطر. (قال: ثم سرنا فنزلنا منزلًا) آخر كذا في مسلم (¬2) (فقال: إنكم تصبحون) بتشديد الباء الموحدة المكسورة (عدوكم والفطر أقوى لكم) على جهاد العدو من الفطر (فأفطروا) فأفطرنا (فكانت) هذِه المرة الثانية وهي الأمر بالفطر (عزيمة) نسخة (عزمة) العزيمة في اللغة هي القصد المؤكد، ومنه قوله: ولم نجد له يوم القيامة عزمًا (¬3). وشرعًا: عبارة عن الحكم الشرعي السالم من العارض كالصلوات الخمس وغيرها من التكاليف، قيل: وقضيته أن الإباحة حيث لا يقوم دليل المنع عزيمة، وفيه تأكيد وجزم. قال أصحابنا: ترك الصلاة في حق الحائض والنفساء عزيمة. قال ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1120). (¬2) "صحيح مسلم" (1120). (¬3) لعله يقصد الآية {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 15].

النووي: لكونها تتركها (¬1). ولما فهمت الصحابة من أمره بالفطر أنه عزيمة أي جزم ولا بد منه وأنه واجب، قال القرطبي: فلم يصم منهم أحد عند ذلك فيما بلغنا، قال: ولو قدر هناك صائم لاستحق أن يقال: أولئك العصاة (¬2). وفيه رد لما يقتضيه كلام الغزالي والآمدي من أن العزيمة تختص بالواجبات، فإنما قالا: ما لزم العباد بإلزام الله تعالى. أي: بإيجابه (¬3). وليس كما قالا فإنها تذكر في مقابلة الرخصة كما ذكرت هنا، فإن في رواية مسلم: نزلنا منزلًا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم"، فكانت رخصة، فمنا من صام ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلًا آخر فقال: "إنكم مصبحو عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا"، فكانت عزمة فأفطرنا (¬4). (قال أبو سعيد) الخدري (ثم لقد رأيتني أصوم (¬5) مع رسول الله قبل ذلك وبعد ذلك) رواية مسلم: لقد رأيتنا بعد ذلك نصوم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السفر (¬6). ففيه دليل على أن الصوم هو الأصل والأفضل، وأن الفطر إنما كان لعلة وسبب، ولما زال ذلك رجع إلى الأفضل. ¬

_ (¬1) "المجموع" 3/ 9: قال: لأنها مكلفة بترك الصلاة. (¬2) "المفهم" 3/ 183. (¬3) "المستصفى" ص 78، و"الإحكام" 1/ 131. (¬4) "صحيح مسلم" (1120). (¬5) في النسخ: نصوم، والمثبت من "السنن". (¬6) "صحيح مسلم" (1120).

43 - باب اختيار الفطر

43 - باب اخْتِيار الفِطْر 2407 - حَدَّثَنا أَبُو الوَلِيدِ الطّيالِسيُّ، حَدَّثَنا شعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -يَعْني: ابن سَعْدِ بْنِ زُرارَةَ- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَسَنٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأى رَجُلًا يُظَلَّلُ عَليهِ والزِّحامُ عَليهِ فَقالَ: "ليْسَ مِنَ البِرِّ الصِّيامُ في السَّفَرِ" (¬1). 2408 - حَدَّثَنا شيْبانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنا أبُو هِلالٍ الرّاسِبيُّ، حَدَّثَنا ابن سَوادَةَ القُشيْريُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ -رَجُلٍ مِنْ بَني عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبٍ إِخْوَةِ بَني قُشيْرٍ- قالَ: أَغارَتْ عَليْنا خيْل لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فانْتَهيْتُ - أَوْ قالَ: فانْطَلَقْتُ - إِلى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَأْكُلُ فَقالَ: "اجْلِسْ فَأَصِبْ مِنْ طَعامِنا هذا". فَقُلْتُ: إِنّي صائِمٌ. قالَ: "اجْلِسْ أُحَدِّثْكَ، عَنِ الصَّلاةِ وَعَنِ الصِّيامِ إِنَّ اللهَ تَعالَى وَضَعَ شَطْرَ الصَّلاةِ أَوْ نِصْفَ الصَّلاةِ والصَّوْمَ، عَنِ المُسافِرِ وَعَنِ المُرْضِعِ أَوِ الحُبْلَى". واللْه لَقَدْ قالَهُما جَمِيعًا أَوْ أَحَدَهُما قالَ: فَتَلَهَّفَتْ نَفْسي أَنْ لا أَكونَ أَكَلْتُ مِنْ طَعامِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬2). باب اختيار الفطر [2407] (حدثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك (الطيالسي) الحافظ، قال أحمد: هو اليوم شيخ الإسلام (¬3). (حدثنا شعبة، عن ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1946)، ومسلم (1115). (¬2) رواه الترمذي (715)، وابن ماجه (1667)، وأحمد 4/ 347. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (2083): إسناده حسن صحيح. (¬3) انظر: "الإرشاد في معرفة علماء الحديث" 2/ 514، و"تذكرة الحفاظ" وذيوله 1/ 280.

محمد بن عبد الرحمن -يعني: ابن سعد بن زرارة) الأنصاري الذي هو نسبه إلى جده لأمه يسمى زرارة، ولى المدينة لعمر بن عبد العزيز، وثقه النسائي وغيره (¬1). (عن محمد بن عمرو بن الحسن) بن علي بن أبي طالب. وثقه أبو زرعة وغيره (¬2). (عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلًا) ذكر مغلطاي أنه أبو إسرائيل العامري، وعزى ذلك لمبهمات الخطيب (¬3). قائمًا في الشمس (يُظلَّلُ عليه) رواية الخطيب: رأى رجلًا قائمًا في الشمس فقالوا: نذر أن لا يستظل، ولا يتكلم، ولا يجلس، ويصوم (¬4). (والزحام عليه) ينظرون إليه (فقال: ليس من البر الصيام في السفر) حمل الشافعي نفي البر المذكور في الحديث على من أبي قبول الرخصة، قال: ويحتمل أن يكون معناه: ليس من البر المفروض الذي من خالفه أثم (¬5). وجزم ابن خزيمة وغيره بالمعنى الأول (¬6). وقال الطحاوي: المراد بالبر هنا البر الكامل الذي هو أعلى مراتب البر، وليس المراد به إخراج الصوم في السفر عن أن يكون برًّا؛ لأن الإفطار قد يكون أَبَرُّ من الصوم إذا كان للتقوي على العدو كما تقدم. ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 611. (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 204. (¬3) "الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة" 4/ 274. (¬4) المصدر السابق. (¬5) "اختلاف الحديث" ص 493. (¬6) "صحيح ابن خزيمة" 3/ 254.

قال: وهو نظير قوله - صلى الله عليه وسلم -: ليس المسكين بالطواف ... الحديث (¬1). فإنه لم يرد إخراجه من أسباب المسكنة كلها، وإنما أراد الكامل المسكنة الذي لا يجد غنى يغينه ويستحق أن يسأل الناس ولا يفطن له (¬2). قال ابن دقيق العيد: وأخذ من هذِه القصة أن كراهة الصوم [في السفر] (¬3) مختصة بمن هو في مثل هذِه الحالة ممن يجهده الصوم ويشق عليه، إذ يؤدي إلى ترك ما هو أولى من الصوم من وجوه القرب فينزل قوله: "ليس من البر الصوم في السفر" على مثل هذِه الحال. قال: والمانعون في السفر أن اللفظ عام والعبرة بعمومه لا بخصوص السبب (¬4). ولفظ رواية الإمام أحمد من حديث كعب بن عاصم الأشعري: "ليس من أمبر أمصيام في أمسفر" (¬5). فهذِه لغة لبعض أهل اليمن يجعلون لام التعريف ميمًا، ويحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - خاطب بها هذا الأشعري كذلك؛ لأنها لغته، ويحتمل أن يكون الأشعري هذا نطق بها على ما ألف من لغته، فحملها عنه الراوي وأداها باللفظ الذي سمعها به (¬6). [2408] (حدثنا شيبان بن فرُّوخَ) لا ينصرف (حدثنا أبو هلال) محمد ابن سليم (الراسبي) بسين مهملة ثم باء موحدة، نزل في بني راسب ¬

_ (¬1) "شرح معاني الآثار" 2/ 63. (¬2) "فتح الباري" لابن حجر 4/ 185. (¬3) ساقط من (ر). (¬4) "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" ص 403. (¬5) "مسند أحمد" 5/ 434. (¬6) انظر: "التلخيص الحبير" 2/ 449.

بالبصرة فنسب إليهم، وولاؤه لبني سامة بن لؤي. قال أبو داود: ثقة (¬1). (حدثنا عبد الله بن سوادة) بتخفيف الواو ابن حنظلة القشيري، وثقه ابن معين (¬2). وله حديثان. (عن أنس بن مالك) الكعبي (رجلٍ) بالجر بدل من أنس (من بني عبد الله بن كعب) بن ربيعة بن عامر بن صعصعة (إخوة) بالجر (بني قُشير) بضم القاف وفتح الشين المعجمة، ابن كعب بن ربيعة بن عامر ابن صعصعة (قال: أغارت) -نسخة: غارت- (علينا خيل رسول الله فانتهيت، أو قال) شك من الراوي (فانطلقت إلى) رواية الترمذي: فأتيت (¬3) (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يأكل) أعم من رواية الترمذي: فوجدته يتغدى (¬4). لأن الأكل وقت الغداة، وفيه: إشارة إلى الفطر في السفر. (فقال: اجلس فأصب من طعامنا هذا) ورواية الترمذي: "ادن فكل". وفيه: أن من حضر إليه وهو يأكل فيستحب له أن يدعوه للأكل منه. (فقال: إني صائم) فيه إظهار صيام النفل إذا سأله شيخه أو والده أو معلمه، واختار بعضهم أن يعرض عن الصيام بأن يقول: لي ضرورة، أو أنا قريب العهد بالأكل، ونحو ذلك خوفًا من أن ينقل تطوعه من السر إلى العلانية. (فقال: اجلس أحدثك) بالجزم (¬5) جواب الأمر (عن الصلاة وعن ¬

_ (¬1) "سؤالات الآجري لأبي داود" (504)، وانظر: "تهذيب الكمال" 25/ 295. (¬2) انظر: "الجرح والتعديل" 5/ 77. (¬3) "سنن الترمذي" (715). (¬4) "سنن الترمذي" (715). (¬5) في (ر): بالالجر. هكذا. وفي (ل): بالجر. والمثبت ما تقتضيه القواعد.

الصيام) فيه: أن الحاضر عند الأكل إذا دعاه فلم يأكل أن يدعوه ثانيًا ويرغبه في الأكل معه ليعلمه شيئًا من الأحكام الشرعية، أو يفيده فائدة لا يعلمها. (إن الله وضع) أي: أسقط (شطر الصلاة أو نصف) هو شك من الراوي، وفيه: بيان الشطر أن معناه النصف من (الصلاة) يعني من الصلاة الرباعية. (والصوم) بالنصب عطفًا على شطر، أو وضع الصوم (عن المسافر) فأباح له الفطر فيه مع القضاء بعد انقضاء شهر رمضان (عن المسافر) أي: سفرًا تقصر فيه الصلاة، ولهذا عطفه عليها (و) وضع (عن المرضع أو الحبلى) الصوم، كذا في الترمذي (¬1)، وقد تقدم الكلام عليه، وعن رواية أحمد: الحبلى والمرضع (¬2). ثم قال (والله لقد قالهما) النبي - صلى الله عليه وسلم - (جميعًا) رواية الترمذي: كلاهما (أو أحدهما) فيه جواز حلف المتكلم وإن لم يستحلف (قال: فتلهفت نفسي) التلهف على الشيء التحسر والحزن على فواته (إلا أن أكونَ أكلتُ من طعام النبي - صلى الله عليه وسلم -) فيه: التأسف على ترك أفعال الخير ولوم النفس على ذلك، وفيه دليل على أن الفطر في السفر أفضل ولو لم يشق الصوم. ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (715). (¬2) "مسند أحمد" 5/ 29.

44 - باب فيمن اختار الصيام

44 - باب فيمَنِ اخْتارَ الصِّيامَ 2409 - حَدَّثَنا مُؤَمَّلُ بْنُ الفَضْلِ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ، حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ، حَدَّثَني إِسْماعِيل بْن عُبيْدِ اللهِ، حَدَّثَتْني أُمُّ الدَّرْداءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْداءِ قالَ: خَرَجْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في بَعْضِ غَزَواتِهِ في حَرٍّ شَدِيدٍ حَتَّى إِنَّ أَحَدَنا ليَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ كَفَّهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الَحرِّ ما فِينا صائِمٌ إلَّا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعَبْدُ اللهِ بْن رَواحَةَ (¬1). 2410 - حَدَّثَنا حامِدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنا هاشِمُ بْنُ القاسِمِ ح، وَحَدَّثَنا عُقْبَةُ بْنُ مُكرَمٍ، حَدَّثَنا أَبُو قُتيْبَةَ -المَعْنَى- قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأزْديُّ، حَدَّثَني حَبِيبُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قالَ: سَمِعْتُ سِنانَ بْنَ سَلَمَةَ بْنِ الُمحَبَّقِ الهُذَليَّ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كانَتْ لَهُ حَمُولَةٌ تَأْوي إِلى شِبَعٍ فَلْيَصُمْ رَمَضانَ حيْثُ أَدْرَكَهُ" (¬2). 2411 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْنُ المُهاجِرِ، حَدَّثَنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الوارِثِ، حَدَّثَنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ حَبِيبٍ، قالَ: حَدَّثَني أَبِي عَنْ سِنانِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ المُحَبَّقِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضانُ في السَّفَرِ". فَذَكَرَ مَعْناهُ (¬3). باب فيمن اختار الصوم [2409] (حدثنا مؤمل بن الفضل) الحراني، ثقة (حدثنا الوليد) بن ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1945)، ومسلم (1122). (¬2) رواه أحمد 3/ 476، والبيهقي 4/ 245. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (415). (¬3) انظر السابق. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (415).

مسلم، أخرج له مسلم (حدثنا سعيد بن عبد العزيز) بن أبي يحيى التنوخي مفتي دمشق في زمانه (حدثني إسماعيل بن عبيد الله) بالتصغير ابن أبي المهاجر المخزومي الدمشقي، ثقة (قال: حدثتني أم الدرداء الكبرى) اسمها: خيرة بفتح الخاء المعجمة وسكون المثناة تحت بنت أبي حدرد الأسلمية، واسم أبي حدرد عبد (¬1)، وهي زوجة أبي الدرداء واسم أم الدرداء الصغرى: هجيمة، وكانت الكبرى من فضلاء الصحابيات وذوات الرأي وهي المذكورة في الإسناد. (عن أبي الدرداء) عويمر بن عامر الأنصاري، روى عن النبي أنه قال فيه: "حكيم أمتي أبو الدرداء" (¬2). ومن حكمته: الدنيا دار كدر لا ينجو منها إلا أهل الحذر (قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض غزواته في حر شديد) كانت غزوة تبوك في حر شديد فلعلها هي هذِه الغزوة، فإن أبا الدرداء اختلف في شهوده أحدًا، وشهد ما بعدها، وتبوك بعدها بكثير (حتى إن) بكسر الهمزة؛ لأنها جاءت بعد حتى الابتدائية ومثلوا لذلك بقولهم: مرض حتى إنه لا يرجى، قالوا: لأن حتى الابتدائية يلزم وقوع الجملة بعدها (أحدنا ليضع يده على رأسه أو كفه من شدة الحر) يدل على ما كانت عليه الصحابة من الخشونة؛ لأن أحدهم لم يضع يده على رأسه إلا وهو مكشوف ليس عليه ما يقيه من الحر والبرد، وفيه فضيلة الجهاد للفقير والغني (ما فينا صائم إلا رسول ¬

_ (¬1) في النسخ الخطية: وعبد. (¬2) رواه أبو بكر الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم" (405) من حديث جبير بن نفير. قال الألباني في "الضعيفة" (3193): ضعيف جدًا.

الله - صلى الله عليه وسلم - وعبد الله بن رواحة) بن ثعلبة بن امرئ القيس، كان أحد الأمراء في غزوة مؤتة، وقتل فيها شهيدًا (¬1). وفيه: فضيلة الصيام للمسافر إذا كان في الجهاد، وهو محمول على ما إذا لم يضعفه الصيام. [2410] (حدثنا حامد بن يحيى) البلخي، ثقة من أعلم الناس، (حدثنا هاشم (¬2) بن القاسم) أبو النضر الحافظ. (وحدثنا عقبة بن مُكْرَمِ) بضم الميم وسكون الكاف وفتح الراء العَمِّيُّ البصري الحافظ (حدثنا أبو قتيبة سلم) بفتح السين المهملة وسكون اللام الخراساني، وثقه أبو داود (¬3)، وأبو زرعة (¬4). (المعنى، قالا: حدثنا عبد الصمد بن حبيب) بفتح المهملة (ابن عبد الله الأزدي) [العَوذي بفتح العين المهملة والذال المعجمة] (¬5) قال ([حدثني حبيب بن عبد الله) أبي] (¬6) (قال: سمعت سنان بن سلمة المُحَبِّق) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد الباء المشددة المكسورة وقاف بعدها (عن أبيه) سلمة بن المحبق، واسم المحبق: صخر بن عتبة، من بني لحيان ابن هذيل بن مدركة بن إلياس. (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من كانت له حَمولة) بفتح الحاء التي يحمل ¬

_ (¬1) "الطبقات الكبرى" 3/ 525، و"معجم الصحابة" للبغوي 4/ 54. (¬2) في (ر): سليمان، والمثبت من المطبوع. (¬3) "سؤالات الآجري لأبي داود" ص 170. (¬4) "الجرح والتعديل" 4/ 266. (¬5) و (¬6) سقط من (ر).

عليها من بعير وبغل وحمار وغيرهما، والمعنى: إن من كان راكبًا وسفره قصير بحيث يبلغ المنزل الذي يشبع فيه فليصم رمضان، وقيل المعنى من كان راكبا ومعه على الراحلة ما يشبعه عند الفطور فليصم رمضان هذا إذا كان السفر قصيرًا (¬1) لا يبلغ مسافة القصر ستة عشر [فرسخًا] (¬2) لا يجوز له الإفطار، قال الله تعالى: {حَمُولَةً وَفَرْشًا} (¬3)، فالحمولة التي يحمل عليها الأحمال الثقال، والفرش صغار الإبل، والحمولة بضم الحاء: الأحمال، والهاء فيها لتأنيث الجمع كبعولة جمع بعل في قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} (¬4)، والمعنى: إن من كانت له دابة يركبها وهي (تأوي) عند النزول (إلى شِبع) بكسر الشين المعجمة وسكون الموحدة أي: إلى مكان تشبع فيه بالرعي أو الشراء أو نحوهما. قال الجوهري وغيره: الشبع [بفتح الباء] (¬5) نقيض الجوع، تقول: شبعت من خبز ولحم شبعًا، وهو من مصادر الطبائع، والشبع بالتسكين: اسم ما يشبعك من طعام ونحوه وهو اسم (¬6). وفي الحديث: "أن موسى آجر نفسه شعيبًا بشبع بطنه" (¬7). قال التوربشتي: يرويه من لا معرفة له بالياء (¬8) نسقا على (مَنْ) وليس ¬

_ (¬1) في النسخ الخطية: قصير. بدون النصب. وقواعد النحو تقتضيه. (¬2) زيادة يقتضيها السياق. (¬3) الأنعام: 142. (¬4) البقرة: 228. (¬5) زيادة من (ل) وليست في "الصحاح". (¬6) "الصحاح في اللغة" 3/ 369. (¬7) رواه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" 4/ 2248 (5585). (¬8) يقصد (يأوي) أو (تأوى).

هو ثم، ولو كان ما يحكيه لجيء به في أول النسق وإنما هو بتاء التأنيث للحمولة، و (أوى) لازم متعدي بلفظ (¬1) واحد، والأكثر في المتعدي المد، وفي الحديث: "لا قطع في ثمر حتى يأويه الجرين" (¬2). أي: يؤويه، والمعنى: من كانت له حمولة ولم يكن مشقوقًا عليه في الزاد، بل ترده الحمولة إلى حال شبع ورِي فليصم رمضان، وهو على الاستحباب (فليصم) فيه دليل لما ذهب إليه أبو حنيفة ومالك والشافعي أن الصوم في السفر أفضل لمن قوي عليه، فإن كان راكبًا ويحصل له ولدابته ما يحتاجان إليه من الأكل والشرب بلا تعب، فإذا قوي عليه بهذا وغيره فالصوم أفضل وإلا فالفطر أفضل لظاهر هذا الحديث، ولأن من خير بين الصوم والفطر فالصوم أفضل كالتطوع، ومن دخل عليه شهر (رمضان) وهو مسافر فليصمه (حيث أدركه) أي في المكان الذي دخل عليه الشهر فيه، ويحتمل أن تكون (حيث) هنا للزمان فإنها تأتي بمعنى (حين) كما ذكره ابن مالك. فيكون المعنى: أن المسافر يصوم حين يدخل عليه الشهر في السفر. [2411] (حدثنا نصر بن المهاجر) المصيصي ثقة (حدثنا عبد الصمد ابن عبد الوارث) السوري حافظ حجة (حدثنا عبد الصمد بن حبيب) قال (حدثني أبي، عن سنان بن أبي سلمة عن المحبق - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أدركه رمضان في السفر .. فذكر معناه) أي فليصمه حيث أدركه. ¬

_ (¬1) بعدها في (ل): متعد. (¬2) رواه النسائي 8/ 85 بنحوه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

45 - باب متى يفطر المسافر إذا خرج.

45 - باب مَتَى يُفْطِرُ المُسافِرُ إذا خَرَجَ. 2412 - حَدَّثَنا عُبيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَني عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، ح وَحَدَّثَنا جَعْفَرُ ابْن مُسافِرٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى -المَعْنَى- حَدَّثَني سَعِيدُ بْن أَبِي أَيُّوبَ، وَزادَ جَعْفَرٌ واللّيْثُ: حَدَّثَني يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، أَنَّ كُليْبَ بْنَ ذُهْلٍ الَحضْرَميَّ أَخْبَرَهُ، عَنْ عُبيْدِ -قالَ جَعْفَرٌ: ابن جَبْرٍ- قالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي بَصْرَةَ الغِفاريِّ صاحِبِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - في سَفِينَةِ مِنَ الفُسْطاطِ في رَمَضانَ فَرُفِعَ ثُمَّ قُرِّبَ غَداهُ -قالَ جَعْفَرٌ في حَدِيثِهِ- فَلَمْ يُجاوِزِ البُيُوتَ حَتَّى دَعا بِالسُّفْرَةِ قالَ اقْتَرِبْ. قُلْتُ: ألَسْتَ تَرى البُيُوتَ قالَ أبُو بَصْرَةَ: أَتَرْغَبُ عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قالَ جَعْفَرٌ في حَدِيثِهِ: فَأَكَلَ (¬1). باب متى يفطر المسافر إذا خرج؟ [2412] (حدثنا عبيد الله) بالتصغير (بن عمر) القواريري الحافظ، حدث بمائة ألف حديث (حدثنا عبد الله بن يزيد) أبو عبد الرحمن المقرئ (وحدثنا جعفر بن مسافر) بن إبراهيم التنيسي (قال: حدثنا عبد الله بن يحيى) المعافري (المعنى) أي: المعنى دون اللفظ، قال: (حدثني سعيد بن أبي أيوب) مقلاص الخزاعي قال ابن معين وغيره: ثقة. (زاد جعفر) بن مسافر (والليث حدثني يزيد بن أبي حبيب، أن كليب) بالتصغير (ابن ذُهْل) بضم الذال المعجمة (الحضرمي أخبره عن عبيد) بالتصغير (قال جعفر) بن مسافر: هو (ابن جبر) بفتح الجيم وسكون ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 398، والدارمي (1754)، وابن خزيمة (2040)، والطبراني 2/ 279 - 280 (2169 - 2170)، والبيهقي 4/ 246. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2085).

الباء الموحدة بن عبد الله القبطي المصري، قيل: لم يرو عنه غير كليب بن ذهل فقط (قال: ركبت مع أبي بَصْرة) بفتح الباء الموحدة وإسكان الصاد المهملة هو جُميل - بالتصغير - ابن بصرة (الغفاري صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفينة من الفسطاط) مصر أي: ابتدأ سفره من فسطاط (في رمضان فرفع) أمتعة السفر (ثم قرَّب غداءه) بفتح الغين المعجمة والدال المهملة، وهو الطعام الذي يؤكل أول النهار، أي: قربه إلى مكانه في المركب. (قال جعفر في حديثه: فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسُفرة) بضم السين، هي التي يوضع فيها طعام المسافر، وأصله الطعام، لكن سميت التي فيه الطعام مجازًا (ثم قال: اقترب) أي: ادن وكُلْ. (قلت: ألست ترى البيوت؟ ! ) يعني: بيوت المدينة (قال أبو بصرة: أترغب عن سنة رسول الله؟ ) رواية أحمد: أرغبت عن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). (قال جعفر في حديثه: فأكلَ) يعني: عبيد بن جبر -رضي الله عنه -. فيه: دليل لما قاله عمرو بن شرحبيل (¬2)، والشعبي (¬3)، وإسحاق، وداود، ورواية عن أحمد بن حنبل (¬4) وابن المنذر: أن المسافر إذا أنشأ السفر في أثناء يوم من رمضان أنه يجوز له أن يفطر فيه لهذا الحديث، ولأن السفر معنى لو وجد ليلًا واستمر في النهار لأباح الفطر، فإذا وجد في أثنائه أباحه كالمريض، ولأنه أحد الأمرين ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 6/ 398. (¬2) رواه ابن شيبة في "المصنف" (9104، 9111). (¬3) رواه عبد الرزاق في "مصنفه" (7766). (¬4) "مسائل أحمد" رواية أبي داود ص 136.

المنصوص عليهما في إباحة الفطر بهما فأباحه في أثناء النهار (¬1). وقال الشافعي (¬2)، ومالك (¬3)، والأوزاعي (¬4)، وفي رواية عن أحمد (¬5): لا يباح له فطر ذلك اليوم؛ لأنَّ الصوم عبادة تختلف بالسفر والحضر، فإذا اجتمعا فيها غلب حكم الحضر كالصلاة، وفرقوا بين الصوم والصلاة بأن الصلاة المقصورة إذا نوى إتمامها لزمه إتمامها بنيته بخلاف الصيام (¬6). وإذا قلنا بهذا فلا يباح له الفطر حتى يخلف البيوت وراء ظهره ويجاوزها ويخرج من بنائها، وقد روى البيهقي عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل أنَّه كان يسافر وهو صائم فيفطر من يومه (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: "الإشراف على مذاهب العلماء" لابن المنذر 3/ 144. (¬2) "الأم" 3/ 257. (¬3) "المدونة" 1/ 272. (¬4) "مسائل أحمد وإسحاق" لكوسج م (782). (¬5) السابق. (¬6) انظر: "المغني" لابن قدامة 3/ 33. (¬7) "السنن الكبرى" للبيهقي 4/ 415.

46 - باب قدر مسيرة ما يفطر فيه

46 - باب قَدْرِ مَسِيرَةِ ما يُفْطِرُ فِيهِ 2413 - حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ حَمّادٍ، أَخْبَرَنا اللّيْثُ -يَعْني: ابن سَعْدٍ- عَنْ يَزِيدَ ابْنِ أَبي حَبِيبٍ، عَنْ أَبي الخيْرِ، عَنْ مَنْصُورٍ الكَلْبي أَنَّ دِحْيَةَ بْنَ خَلِيفَةَ خَرَجَ مِنْ قَرْيَةٍ مِنْ دِمَشْقَ مَرَّةً إِلى قَدْرِ قَرْيَةِ عُقْبَةَ مِنَ الفُسْطاطِ وَذَلِكَ ثَلاثَةُ أَمْيالٍ في رَمَضانَ ثُمَّ إِنَّهُ أَفْطَرَ وَأَفْطَرَ مَعَهُ ناسٌ وَكَرِهَ آخَرُونَ أَنْ يُفْطِرُوا، فَلَمّا رَجَعَ إِلى قَرْيَتِهِ قَالَ: والله لَقَدْ رَأيْتُ اليَوْمَ أَمْرًا ما كُنْتُ أَظُنُّ أَنّي أَراهُ إِنَّ قَوْمًا رَغِبُوا عَنْ هَدى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحابِهِ. يَقُولُ ذَلِكَ لِلَّذِينَ صامُوا ثُمَّ قَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: اللَّهُمَّ اقْبِضْني إِليْكَ (¬1). 2414 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا الُمعْتَمِرُ، عَنْ عُبيْدِ اللهِ عَنْ نافِعٍ أَنَّ ابن عُمَرَ كانَ يَخْرُجُ إِلى الغابَةِ فَلا يُفْطِرُ وَلا يَقْصُرُ (¬2). * * * باب مسيرة ما يفطر فيه المسافر [2413] (حدثنا عيسى بن حماد) زغبة، قال أبو حاتم: ثقة (¬3) (أنا الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله اليزني مفتي أهل مصر (عن منصور الكلبي) قال الذهبي: لا يعرف (¬4). (أن دحية بن خليفة) بن فروة بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى قيصر وهو الذي ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 398، وابن خزيمة (2041). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (416). (¬2) رواه ابن أبي شيبة 6/ 133 (9075)، والبيهقيُّ 4/ 241. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2086). (¬3) "الجرح والتعديل" 6/ 274. (¬4) "الكاشف" 3/ 176.

كان ينزل جبريل في صورته. (خرج من قرية - نسخة: قريته - من دمشق مرة) اسم قرية من دمشق (إلى قدْر قرية) قيل هذِه القرية من عمل مصر تسمى منية عقبة (¬1) بينها وبين الفسطاط ثلاثة أميال (عقبة) بفتح العين والنصب لا ينصرف للعلمية والتأنيث، وأصل الفسطاط: الخيمة، قيل: لما نزل عمرو بن العاص بمصر ضرب خيمته على موضع جامع عمرو (من الفسطاط، وذلك ثلاثة أميال في رمضان ثمَّ إنه أفطر وأفطر معه الناس - نسخة: أناس - وكره آخرون أن يفطروا) استدل به من قال: يفطر المسافر إذا بلغ سفره ثلاثة أميال كما أن المسافر يقصر في ثلاثة أميال فصاعدًا. وقد قال أصحابنا وغيرهم: يفطر المسافر في المسافة التي يقصر فيها الصلاة، ولم يفرقوا بينهما. قال ابن عطية: مسافة القصر عند مالك حين يقصر الصلاة. واختلف في قدر ذلك، فقال مالك: يوم وليلة، ثمَّ رجع وقال: ثمانية وأربعون ميلًا (¬2). وفي المذهب: ستة وثلاثون ميلًا، وفي غير المذهب يقصر في ثلاثة أميال فصاعدًا (¬3). وفي حديث: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ صلى ركعتين. رواه مسلم (¬4). وهذا على قول الجمهور محمول ¬

_ (¬1) رسمت في النسخ: (عبرة) غير منقوطة. ولم أقف على اسم منية على رسمها. (¬2) "المدونة" 1/ 207. (¬3) "المحرر الوجيز" 2/ 121 بتصرف. (¬4) "صحيح مسلم" (691).

على أنَّه كان أراد سفرًا طويلًا فلما بلغ ثلاثة أميال قصر في الصلاة. (فلما رجع إلى قريته) وكان نازلًا بالشام وبقي فيها إلى أيام معاوية. (قال: والله لقد رأيت اليوم) يحتمل أنَّه رجع إلى قريته في يومه ذلك (أمرًا ما كنت أظن أني أراه) فذلك (أن قومًا رغبوا عن هَدْي) بفتح الهاء وإسكان الدال على اللغة الفصحى (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: عن طريقته وسنته وأصحابه، وهو محمول عند الجمهور على أنَّه أراد أنهم رغبوا عن قبول الرخصة في الإفطار في السفر مطلقًا أصلًا لا في السفر المقيد بثلاثة أميال (يقول ذلك للذين صاموا) في السفر ولم يفطروا. (ثمَّ قال عند ذلك: اللهم اقبضني إليك) فهو محمول على أنَّه خشي بعد ذلك حصول فتنة في الدين؛ لأنه يجوز لمن خاف الفتنة في دينه أن يدعو على نفسه بالموت؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي أخرجه الإمام مالك: "وإذا أردت بقومٍ فتنة فاقبضني إليك غير مفتون" (¬1). كما حمل ما روي عن عمر بن الخطّاب، وعليّ، وعمر بن عبد العزيز تمنوا، على أنهم خشوا الفتنة والعجز عن القيام بما تأولوه، وأجاب الله دعاء عمر قبل انسلاخ الشهر، وأما لغير (¬2) خوف الفتنة فلا يجوز تمني الموت بل يكره تمنيه لضر نزل به لما في الصحيحين (¬3): أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه؛ فإن كان ولابد قائلًا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة ¬

_ (¬1) "موطأ مالك" (508). (¬2) من (ل). (¬3) "صحيح البخاري" (5671)، "صحيح مسلم" (2680).

خيرًا لي". [2414] (حدثنا مسدد، حدثنا المعتمر، عن عبيد الله، عن نافع: أن ابن عمر كان يخرج إلى الغابة) موضع قريب من المدينة في طريق خيبر بينها وبين المدينة أربعة أميال من الشام، فكان العباس يقف على سلع جبل بالمدينة فينادي غلمانه وهم بالغابة فيسمعهم، وبين الغابة وسلع ثمانية أميال (¬1). (فلا يفطر ولا يقصر) فيه أن الصيام أحب ما لم يتضرر، وكذا الإتمام في الصلاة. ¬

_ (¬1) انظر: "معجم البلدان" 4/ 182.

47 - باب من يقول: صمت رمضان كله

47 - باب مَنْ يَقُولُ: صُمْتُ رَمَضانَ كُلَّهُ 2415 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنِ المُهَلَّبِ بْنِ أَبي حَبِيبَةَ، حَدَّثَنا الحَسَنُ، عَنْ أَبي بَكْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنّي صُمْتُ رَمَضانَ كُلَّهُ وَقُمْتُهُ كُلَّهُ". فَلا أَدْري أَكَرِهَ التَّزْكِيَةَ أَوْ قَالَ: لا بُدَّ مِنْ نَوْمَةٍ أَوْ رَقْدَةٍ (¬1). * * * باب فيمن يقول: صمت رمضان كله [2415] (حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن المهلب بن أبي حبيبة) وهو ثقة (حدثنا الحسن) بن أبي الحسن البصري (عن أبي بكرة) نفيع (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يقولن أحدكم صمت رمضان كله وقمتُه كله) قال (فلا أدري أكره) ذكره الصيام والقيام؛ لأنَّ في ذكر ذلك (التزكية) المنهي عنها في قوله تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} (¬2) وقوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} (¬3) أم لم يكرهها. (أو قال: لابد) للإنسان فيه (من نومة أو رقدة) وإن قَلَّتْ، وكذا لا يقول أحد: قرأت القرآن كله في ليلة، إما للتزكية أو لابد أن يسقط منه حرفًا أو شدة أو مدة ونحو ذلك. ¬

_ (¬1) رواه النسائي 4/ 130، وأحمد 5/ 40، وابن حبَّان (3439). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (417). (¬2) النجم: 32. (¬3) النساء: 49.

48 - باب في صوم العيدين

48 - باب في صَوْمِ العِيديْنِ 2416 - حَدَّثَنا قُتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَزُهيْرُ بْنُ حَرْبٍ - وهذا حَدِيثُهُ - قَالَ: حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ أبَي عُبيْدٍ قَالَ: شَهِدْتُ العِيدَ مَعَ عُمَرَ فَبَدَأَ بِالصَّلاةِ قَبْلَ الخُطْبَةِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ صِيامِ هَذيْنِ اليَوْميْنِ، أَمّا يَوْمُ الأَضْحَى فَتَأْكُلُونَ مِنْ لْحَمِ نُسُكِكُمْ، وَأَمّا يَوْمُ الفِطْرِ فَفِطْرُكُمْ مِنْ صِيامِكُمْ (¬1). 2417 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا وُهيْبٌ، حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْريِّ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صِيامِ يَوْميْنِ، يَوْمِ الفِطْرِ ويَوْمِ الأَضْحَى، وَعَنْ لِبْسَتيْنِ الصَّمّاءِ وَأَنْ يَحْتَبي الرَّجُلُ في الثَّوْبِ الواحِدِ، وَعَنِ الصَّلاةِ في ساعَتيْنِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ العَصْرِ (¬2). * * * باب صوم (¬3) الفطر والنحر العيدين [2416] (حدثنا قتيبة بن سعيد وزهير بن حرب وهذا حديثه قالا: حدثنا سفيان) بن عيينة (¬4) (عن الزهري، عن أبي عبيد) سعد بن عبيد مولى عبد الرحمن بن أزهر بن عبد عوف بن أخي عبد الرحمن بن عوف، وقيل: ابنه، من مشاهير التابعين بالمدينة. مجمع على ثقته. (قال: شهدت العيد و) في رواية للبخاري في الأضاحي: شهد العيد ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1990، 5571)، ومسلم (1137). (¬2) رواه البخاري (1991، 1992)، ومسلم مقتصرا على الصيام بإثر (1138/ 140، 141). (¬3) فوقها وفوق كلمة النحر كتب في (ل): يوم. (¬4) زيادة من (ل).

يوم الأضحى (¬1). (مع عمر) بن الخطّاب (فبدأ) بهمز آخره (بالصلاة قبل الخطبة) كون الخطبة بعد الصلاة معلوم من فعل النبي والخلفاء بعده كما تقدم، فلو خطب قبل الصلاة فهو مسيء ولم يعتد بها إلا على احتمال إمام الحرمين (¬2) والأصح المنصوص خلافه. (ثمَّ قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صيام هذين اليومين) هذين فيه التغليب، وذلك أن الحاضر يشار إليه بهذا، والغائب يشار إليه بذاك، فلما أن جمعهما في اللفظ قال هذان تغليبًا للحاضر وهو عيد الأضحى على الغائب الذي هو عيد الفطر (أما يوم) بالرفع (الأضحى) بدأ به لأنه الحاضر، وفائدة وصف اليومين فيه الإشارة إلى العلة في وجوب فطرهما (فتأكلون) فيه (لحم نُسُكِكم) أصل العبادة، والمراد هنا التي تتقربون بذبحه إلى الله تعالى لتأكلون منه أنتم والفقراء القانع والمعتر، ولو شرع صومه لم يكن لمشروعية الذبح فيه معنى، والمراد بالنسك هنا: الذبيحة. (وأما يوم الفطر ففطركم من صيامكم) أي: فيه فطركم من صومكم وانفصال الصوم وظهور تمام صوم رمضان، ونظير هذا الفصل التسليمة الأولى من الصلاة. وفي الحديث تحريم صوم يومي (¬3) العيد سواء كان الصوم نذرًا أو كفارة أو تطوعًا. ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (5571). (¬2) "نهاية المطلب في دراية المذهب" 2/ 619. (¬3) في (ر): يوم.

واختلفوا فيمن أقدم فصام يوم العيد، فعن أبي حنيفة ينعقد (¬1)، وخالفه الجمهور، ولو نذر صوم يوم يقدم زيد فقدم يوم العيد فالأكثر لا ينعقد النذر، وعن الحنفية ينعقد ويلزمه القضاء (¬2)، وعن مالك في رواية: يقضي إن نوى القضاء وإلا فلا (¬3). [2417] (حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا وهيب، حدثنا عمرو بن يحيى، عن أبيه) يحيى بن عمارة بن أبي حسن المازني، ثقة (عن أبي سعيد الخدري قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صيام يومين: يوم) بالجر بدل مما قبله (الفطر، ويوم الأضحى) أجمع العلماء على تحريم صوم يوم الفطر، وعندنا وعند أكثر العلماء لا يصح ولا ينعقد نذره كأيام الحيض. وقال أبو حنيفة: ينعقد نذره ويلزمه صوم غيرهما، فإن صامهما أجزأه مع التحريم، ووافق أنَّه لا يصح عن النذر المطلق (¬4). (وعن لِبْسَتين) بكسر اللام؛ لأنَّ المراد هيئة اللبس المذكورة لا المرة الواحدة (الصَّمَّاء) بفتح الصاد المهملة وتشديد الميم والمد والجر، (و) هي (أن يحتبي الرجل) فالاحتباء أن يقعد الرجل على أليته وينصب ساقيه ويشتمل عليهما بالشملة التي تعرف بهذا الاسم (في الثوب الواحد) أي: بالثوب الواحد ليس عليه غيره. ¬

_ (¬1) انظر: "النتف" 1/ 146. (¬2) "الأصل" 2/ 242. (¬3) "المدونة" 1/ 282. انظر: "فتح الباري" لابن حجر 4/ 239. (¬4) "الأصل" 2/ 217.

قال الأصمعي: هو أن يشتمل بالثوب حتى يجلل به جسده لا يرفع منه جانبًا، فلا يبقى ما يخرج منه يده (¬1). سميت هذِه الهيئة صماء لسد المنافذ كلها كالصخرة الصماء التي ليس فيها خرق، فعلى تفسير الفقهاء يحرم الاشتمال المذكور إن انكشف منه بعض العورة وإلا فيكره (¬2). (وعن الصلاة في ساعتين) وهما (بعد) صلاة (الصبح) توضحه رواية عمرو بن عبسة في مسلم: "صل صلاة الصبح ثمَّ أقصر عن الصلاة حتى ترتفع فإنها تطلع (¬3) بين قرني شيطان وحينئذٍ يسجد لها الكفار" (¬4). (وبعد) صلاة (العصر) وفي رواية عمرو: "حتى تصلي العصر ثمَّ أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرني شيطان وحينئذٍ يسجد لها الكفار". وكراهة الصلاة في هذين الوقتين كراهة تحريم على الأصح، ولا تصح الصلاة المكروهة فيها. ¬

_ (¬1) انظر: "غريب الحديث" لابن سلام 2/ 117 - 118، "النهاية في غريب الأثر" 3/ 106. (¬2) انظر: "شرح النووي على مسلم" 14/ 76. (¬3) ساقط من (ر). (¬4) "صحيح مسلم" (832).

49 - باب صيام أيام التشريق.

49 - باب صِيامِ أيّامِ التَّشْرِيقِ. 2418 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الهادِ، عَنْ أَبي مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هانِئٍ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو عَلَى أَبِيهِ عَمْرِو بْنِ العاصِ فَقَرَّبَ إِليْهِما طَعامًا فَقالَ: كُلْ. فَقالَ: إِنّي صائِمٌ. فَقالَ عَمْرٌو: كُلْ فهذِه الأيّامُ التي كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُنا بِإِفْطارِها ويَنْهانا عَنْ صِيامِها. قَالَ مالِكٌ: وَهيَ أيّامُ التَّشْرِيقِ (¬1). 2419 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ، حَدَّثَنا وَهْبٌ، حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ عُلَى ح، وَحَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شيْبَةَ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُلَي - والإِخْبارُ في حَدِيثِ وَهْبٍ - قَالَ: سَمِعْتُ أَبي أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَوْمُ عَرَفَةَ ويَوْمُ النَّحْرِ وَأيّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنا أَهْلَ الإِسْلامِ وَهيَ أيّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ" (¬2). * * * باب صيام أيام التشريق [2418] (حدثنا القعنبي، عن مالك، عن يزيد بن الهاد، عن أبي مرة مولى أم هانئ) فاختة الصحابية بنت أبي طالب، وقيل: إنه مولى عقيل (أنَّه دخل مع عبد الله بن عمرو على أبيه عمرو بن العاص) رضي الله ¬

_ (¬1) رواه مالك 1/ 376 - 377، وأحمد 4/ 197، والدارميُّ (1808)، وابن خزيمة (2961). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2089). (¬2) رواه الترمذي (773)، والنسائيُّ 5/ 252، وأحمد 4/ 152، وابن خزيمة (2100)، وابن حبَّان (3603). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2090).

عنهما (فقرب إليهما طعامًا) (¬1) فيه: فضيلة إسراع تقديم الطعام للضيف، (فقال) أي: لأبي مرة (كل) فيه استحباب قول صاحب الطعام لضيفه ومن في معناه: كل باسم الله، وكذا إذا رفع يده من الطعام قبل أن يكتفي منه، ويستحب هذا حتى للرجل مع زوجته وعياله. (فقال: إني صائم) وروى الشافعي هذا الحديث في "الإملاء" بإسنادٍ صحيح، فيه بيان القصة، وأن ذلك كان من الغد في يوم الأضحى (¬2). (فقال عمرو: كل) ثمَّ بين سبب أمره بالأكل ثانيًا. (فهذِه الأيام التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُنا بِإِفْطارِها ويَنْهانا عَنْ صِيامِها) فيه حجة للجديد من قولي الشافعي، والأصح عند الأصحاب أنَّه لا يحل ولا يصح صوم أيام التشريق وهي ثلاثة أيام بعد العيد؛ ليمتنع ولا يعيده، وهذا قول أكثر أهل العلم، وعن ابن الزبير أنَّه كان يصومها، وروي نحو ذلك عن ابن عمر، والأسود بن يزيد (¬3) وعن أبي طلحة أنَّه كان لا يفطر إلا يومي العيدين (¬4). والظاهر أن هؤلاء لم يبلغهم النهي عن صيامها، ولو بلغهم لم يعدوه إلى غيره. والظاهر أن ابن عمر أفطر لما بلغه نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬5). ¬

_ (¬1) زاد في الأصل: نسخة: طعام. (¬2) رواه من طريق الشافعي البيهقي في "معرفة السنن والآثار" 6/ 265 (9015). (¬3) "مصنف ابن أبي شيبة" (15977). (¬4) قال ابن عبد البر في "التمهيد" 12/ 127: وفي أسانيد أخبارهم تلك ضعف وجمهور العلماء من الفقهاء وأهل الحديث على كراهية ذلك. (¬5) انظر: "المغني" لابن قدامة 4/ 425.

(قال مالك) هو ابن أنس -رضي الله عنه - (هي أيام التشريق) وقد اختلف في كونها يومين أو ثلاثة، وسميت أيام التشريق؛ لأنَّ لحوم الأضاحي تشرق فيها تنشر اللحم في الشمس، وقيل: لأنَّ الهدي لا تنحر حتى تشرق الشمس، وقيل: لأنَّ صلاة العيد تقع عند شروق الشمس، وقيل: التشريق: التكبير دبر كل صلاة. (قال أبو داود: وهذا) الحديث (أصح حديث فيه) أي في هذا الباب، ولهذا اقتصر عليه بالاحتجاج به أكثر المحققين، وصححه ابن خزيمة (¬1) والحاكم (¬2) وهو صحيح على شرط البخاري ومسلم (لأنه ليس في حديث) منها (أنَّه نهى عن صيام التشريق) والنهي يقتضي التحريم، (إنما في الحديث كله) ورواياته (أنها أيام أكل وشرب) كما سيأتي. [2419] (حدثنا الحسن بن علي) الخلال (حدثنا وهب، عن موسى ابن عُليّ) بالتصغير، ابن رباح، أخرج له مسلم. (وحدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا وكيع، عن موسى بن عُليّ) اللخمي، ولي مصر للمنصور سنة ستين (والإخبار في حديث ابن وهب) (¬3) عن موسى بن علي (قال: سمعت أبي) عُليّ بن رباح بفتح الراء بن قصير ولقبه عُليّ بضم العين وفتح اللام، وكان في المكتب إذ قتل عثمان (أنَّه سمع عقبة بن عامر) -رضي الله عنه -. ¬

_ (¬1) "صحيح ابن خزيمة" (2149). (¬2) "المستدرك" 1/ 434. (¬3) أي: وألفاظ الحديث ما في حديث وهب. انظر: "بذل المجهود في حل أبي داود" 11/ 270.

(قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يَوْمُ عَرَفَةَ ويَوْمُ النَّحْرِ) هذِه (وأَيّامُ التَّشْرِيقِ) بعده وهي ثلاثة أيام عند الأكثر (عِيدُنا) [بالرفع، أي أعياد للمسلمين في الدنيا، وأما أعياد المؤمنين في الجنة فهي أيام زيارتهم لربهم - عز وجل -] (¬1). (أَهْلَ) بالنصب نصب الاختصاص (الإِسْلامِ) وأفضل أيام هذِه الأعياد يوم النحر وأكبرها عند الله تعالى؛ لأنه يجتمع فيه شرف المكان والزمان لأهل الموسم، وكانت لهم فيه أعياد قبله وبعده، وأفضل أيام التشريق أولها وهو يوم القر؛ لأنَّ أهل منى يستقرون فيه، ولا يجوز فيه النفر، وفي حديث عبد الله بن قرظ: "أعظم الأيام عند الله يوم النحر ويوم القر" (¬2). (وَهيَ أيّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ) رواه أصحاب السنن من طرق متعددة (¬3). وأخرجه النسائي من طريق مسعود بن الحكم عن أمه أنها رأت وهي بمنى في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - راكبًا يصيح فيقول: يا أيها الناس، إنها أيام أكل، وشرب، وبعال (¬4) وذكر الله. فقلت: من هذا؟ قالوا: علي بن أبي طالب (¬5). ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) سلف في كتاب المناسك برقم (1765). (¬3) رواه الترمذي (773) من طريق وكيع، والنسائيُّ 5/ 252 من طريق عبد الله بن يزيد المقرئ كلاهما من طريق موسى بن علي، عن أبيه، عن عقبة بن عامر به. (¬4) البِعَال هو: النِّكَاح وملاعبة الرجل أَهله. انظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد 1/ 182، "النهاية في غريب الأثر" 1/ 368. (¬5) رواه النسائي في "الكبرى" (2879)، وأحمد 1/ 92، وأبو يعلى (461) وصححه ابن خزيمة (2147).

ورواه البيهقي من هذا الوجه إلا أنَّه قال: إن جدته حدثته (¬1). ورواه البزار من طريق عبد الله بن عمر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أيام التشريق أيام أكل وشرب [وصلاة فلا يصومها أحد"] (¬2) (¬3). ¬

_ (¬1) "سنن البيهقي الكبرى" 4/ 298. (¬2) زيادة من (ل). (¬3) لم أجده عند البزار من هذا الطريق.

50 - باب النهي أن يخص يوم الجمعة بصوم.

50 - باب النَّهْي أَنْ يُخَصَّ يَوْمُ الجُمُعَةِ بِصَوْمٍ. 2420 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبي هُريْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَصُمْ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ إلَّا أَنْ يَصُومَ قَبْلَهُ بِيَوْمٍ أَوْ بَعْدَهُ" (¬1). * * * باب النهي أن يخص يوم الجمعة بصوم [2420] (حدثنا مسدد، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح) السمان. (عن أبي هريرة قال رسول الله: لا يصوم) بالرفع، روي: "لا يصم" وهو بلفظ النفي، والمراد به النهي، كقوله تعالى: {لَا رَيْبَ فِيهِ} (¬2)، [أي: لا ترتابوا فيه] (¬3) وفي رواية البخاري: "لا يصومن" (أحدكم) بلفظ النهي المؤكد بنون التوكيد (يوم الجمعة) سمي بذلك لاجتماع الناس فيه (إلا أن يصوم قبله بيوم أو بعده) بيوم، والباء فيه للمصاحبة، وفي رواية من طريق ليلى امرأة بشير بن الخصاصية أنَّه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لا تصم يوم الجمعة إلا في أيام هو أحدها" (¬4). وروى الحاكم من طريق أبي (¬5) بشر عن أبي هريرة مرفوعًا: "يوم ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1985)، ومسلم (1144). (¬2) البقرة: 2. (¬3) سقط من (ر). (¬4) رواه أحمد في "المسند" 5/ 224، وعبد بن حميد في "مسنده" (428). (¬5) في (ر): ابن، والمثبت من (ل). وهو الصواب.

الجمعة عيدنا فلا تجعلوا عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا يومًا قبله أو بعده". وقال: أبو بشر لا أعرفه (¬1). قال ابن حجر: أخرجه البزار، يقال: أبو بشر مؤذن مسجد دمشق (¬2). ويؤخذ من الاستثناء جوازه لمن صام قبله أو بعده أو اتفق وقوعه في أيام له عادة يصومها كمن يصوم أيام البيض، أو من له عادة بصوم معين كعرفة فوافق يوم الجمعة. ويؤخذ منه جواز صومه لمن نذر مثلا يوم قدوم زيد أو يوم شفاء فلان ونحوه. ¬

_ (¬1) "المستدرك" 1/ 436. (¬2) "التلخيص الحبير" 2/ 468، و"كشف الأستار" في زوائد البزار (1069).

51 - باب النهي أن يخص يوم السبت بصوم.

51 - باب النَّهْي أَنْ يُخَصَّ يَوْمُ السَّبْتِ بِصَوْمٍ. 2421 - حَدَّثَنا حُميْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، حَدَّثَنا سُفْيانُ بْنُ حَبِيبٍ ح وَحَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ قُبيْسٍ -مِنْ أَهْلِ جَبَلَةَ- حَدَّثَنا الوَلِيدُ، جَمِيعًا عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ خالِدِ بْنِ مَعْدانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ السُّلَميِّ، عَنْ أُخْتِهِ -وقالَ يَزِيدُ الصَّمّاءِ- أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إلَّا فِيما افْتُرِضَ عَليْكُمْ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إلَّا لِحاءَ عِنَبَةٍ أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهُ". قَالَ أَبُو داوُدَ: وهذا حَدِيثٌ مَنْسُوخٌ (¬1). * * * باب النهي أن يخص يوم السبت بصوم [2421] (حدثنا حميد بن مسعدة) بفتح الميم، الباهلي، صدوق (حدثنا سفيان بن حبيب) البصري، البزار، ثبت عالم. (وحدثنا يزيد بن قُبيس) بضم القاف وفتح الموحدة مصغر أبو سهل وهو شامي ثقة (من أهل جَبَلة) بفتح الجيم والموحدة مدينة على ساحل الشام نحو حمص. (حدثنا الوليد) قالوا كلهم: (جميعًا عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن عبد الله بن بُسْر) بضم الموحدة وسكون المهملة آخر من مات بالشام من الصحابة (السلمي) بضم السين المهملة، (عن أخته قال يزيد) بن قبيس: (هي الصَّمَّاء) بفتح الصاد المهملة الصحابية: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إلَّا فِيما افْتُرِضَ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (744)، وابن ماجه (1726 م)، وأحمد 6/ 368، وابن خزيمة (2163). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2092).

عَليْكُمْ) فيه دليل على كراهة إفراد يوم السبت بصوم ما لم يوافق عادة كيوم الجمعة؛ لمخالفة اليهود في تعظيمهم له، وفي "الأحوذي" لابن العربي: إنما نهي عن صوم يوم الجمعة لأنه عيد أهل الإِسلام وأهل الكتاب يصومون في عيدهم [ونحن نفطر] (¬1) فكره التشبه بهم (¬2). (فإن لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إلاَّ لِحاءَ) بكسر اللام وبالحاء المهملة والمد هو قشر الشجرة، ومنه المثل: "بين العضا ولحائها" (¬3). يضرب للأخوين يتفقان. (أو عودَ شجرة) الإضافة بمعنى اللام، أي: عودًا من شجرة (فليمضُغْه) بضم الضاد المعجمة وفتحها لغة، رواية: فليمضغها. [(قال أبو داود: هذا الحديث منسوخ) نسخه حديث جويرية] (¬4). ¬

_ (¬1) زيادة من (ل). (¬2) "عارضة الأحوذي بشرح سنن الترمذي" 3/ 287. (¬3) انظر: "الأمثال" لأبي عبيد ص 176، "جمهرة الأمثال" 1/ 216، "مجمع الأمثال" 1/ 92. (¬4) هذِه العبارة وردت في الأصول قبل قوله: أو عود شجرة.

52 - باب الرخصة في ذلك

52 - باب الرُّخْصَةِ في ذَلِكَ 2422 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنا هَمّامٌ، عَنْ قَتادَةَ ح وَحَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا هَمّامٌ، حَدَّثَنا قَتادَةُ، عَنْ أَبي أيُّوبَ - قَالَ حَفْصٌ العَتَكيُّ - عَنْ جُويْرِيَةَ بِنْتِ الحارِثِ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَليْها يَوْمَ الجُمُعَةِ وَهيَ صائِمَةٌ فَقالَ: "أَصُمْتِ أَمْس؟ ". قالَتْ: لا. قَالَ: "تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومي غَدًا؟ ". قالَتْ: لا. قَالَ: "فَأَفْطِري" (¬1). 2423 - حَدَّثَنا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ شُعيْبٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، قالَ: سَمِعْتُ اللّيْثَ يُحَدِّثُ، عَنِ ابن شِهابٍ أَنَّهُ كانَ إِذا ذُكِرَ لَهُ أَنَّهُ نُهيَ عَنْ صِيامِ يَوْمِ السَّبْتِ، يَقُولُ ابن شِهابٍ: هذا حَدِيثٌ حِمْصيٌّ (¬2). 2424 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبّاحِ بْنِ سُفْيانَ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ، عَنِ الأَوْزاعيِّ قَالَ: ما زِلْتُ لَهُ كاتِمًا حَتَّى رَأيْتُهُ انْتَشَرَ. يَعْني: حَدِيثَ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ هذا في صَوْمِ يَوْمِ السَّبْتِ. قَالَ أَبُو داوُدَ: قَالَ مالِكٌ: هذا كَذِبٌ (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1986). (¬2) رواه البيهقي 4/ 302. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2094)، وقال: هذا نقد غريب لحديث الثقة الصحيح من مثل الإمام ابن شهاب الزهري! ويكفي في رده عليه أن جماعة من الأئمة قد صححوه من بعده. انتهى. (¬3) رواه البيهقي 4/ 302 - 303. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2095)، وقال: كتمانه إياه ليس جرحًا مفسرا يُعَلُّ الحديث بمثله، ولعله كان لأنه لم يظهر له معناه. انتهى.

باب الرخصة في ذلك أي: في صيام يوم السبت. [2422] (حدثنا محمَّد بن كثير، أخبرنا همام، عن قتادة) بن دعامة السدوسي الأعمى الحافظ (وحدثنا حفص بن عمر، حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن أبي أيوب) يحيى بن مالك المراغي (قال حفص) قتادة عن أبي أيوب (العتكي) بفتح العين المهملة وفتح المثناة فوق نسبة إلى بطن من الأزد أبو أيوب (عن جويرية بنت الحارث) بن أبي ضرار بكسر الضاد المعجمة وتخفيف الراء الأولى المصطلقية، سباها النبي في غزوة المريسيع وهي غزوة بني المصطلق، أعتقها وتزوجها. (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة) وليس لجويرية زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - في البخاري من روايتها سوى هذا الحديث. (فقال: أصمت أمس؟ قالت: لا. قال: تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومي) (¬1) هكذا صوابه، وفي بعض النسخ هنا وفي البخاري: أن تصومين بالنون، وهي لغة من أهمل عمل (أن) حملًا على [أصلها] (¬2). (غدًا؟ قالت: لا. قال: فأفطري) زاد أبو نعيم في روايته: "إذًا". وفي البخاري: حدثني أبو أيوب أن جويرية حدثته فأمرها فأفطرت (¬3). ووصله البغوي، فقال: حدثني أبو أيوب فذكر الحديث، ¬

_ (¬1) بعدها في الأصل: نسخة: وتصومين. (¬2) في الأصل أختها. والمثبت هو الصحيح. (¬3) "صحيح البخاري" (1986).

وقال فيه: فأمرها فأفطرت (¬1). استدل به المصنف على إباحة صيام يوم السبت، ويستدل له أيضًا بما رواه الترمذي عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم من الشهر السبت والأحد والاثنين، ومن الشهر الآخر الثلاثاء والأربعاء والخميس (¬2). قال ابن الرفعة: ولا كراهة في صومه مع غيره اتفاقًا، وذكر ابن يونس في "مختصر التنبيه" أنَّه يكره إفراد يوم الأحد أيضًا (¬3)، وليس ببعيد؛ فإن فيه مثل المعنى المذكور في السبت وهو تعظيم النصارى له. [2423] (حدثنا عبد الملك بن شعيب) بن الليث بن سعد، ثقة (حدثنا ابن وهب قال: سمعت الليث يحدث، عن الزبير: أنَّه كان إذا ذكر له أنَّه نهى عن صيام يوم السبت يقول ابن شهاب) الزهري (هذا حديث حمصي) لأنَّ [يزيد بن] (¬4) قبيس حمصي (¬5) من جبلة، يعني يوهيه بذلك، وكذا ذكر الحاكم عن الزهري. [2424] (وثنا محمَّد بن الصباح بن سفيان) الجرجرائي، وجرجراء بين واسط وبغداد، وثقه أبو زرعة (حدثنا الوليد) بن يزيد (عن الأوزاعي قال: ما زلت له) أي لهذا الحديث (كاتمًا) وكذا حكاه المنذري عن الأوزاعي فقال: ما زلت له كاتمًا (حتى رأيته انتشر، يعني: حديث عبد الله بن بسر هذا في صوم يوم السبت) وبُسْر بضم ¬

_ (¬1) قال ابن حجر في "فتح الباري" 4/ 234 وصله أبو القاسم البغوي في "جمع حديث هدبة بن خالد"، قال: حدثنا هدبة، حدثنا حماد بن الجعد، سئل قتادة. (¬2) "سنن الترمذي" (746). (¬3) زيادة من (ل). (¬4) زيادة من (ل). (¬5) زيادة ليستقيم بها السياق.

الموحدة وسكون المهملة. (قال أبو داود: قال مالك) بن أنس (هذا كذب) وقال أبو داود: هذا الحديث منسوخ بصحة حديث جويرية بنت الحارث. قال النووي بعد حكايته: وليس كما قالا وقد صححه الأئمة - يعني: ابن حبَّان، والطبراني، والبيهقيُّ، وصححه ابن السكن - وقال الحاكم: هو صحيح على شرط البخاري. قال النووي: وكلها واردة في صومه مع الجمعة والأحد، ولا مخالفة فيها لما قاله أصحابنا من كراهة إفراد السبت، والصواب على الجملة كراهة إفراده ما لم يوافق [عادة له. انتهى (¬1). وكراهة إفراده ذكره الدارمي، والبغوي، وقليلون، وتبعهم الرافعي، وليس للأكثرين] (¬2) نصٌّ فيه، وصحح ابن حبَّان والحاكم عن أم سلمة أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان أكثر ما يصوم من الأيام يوم السبت والأحد (¬3). قال الأذرعي: وهذا يقتضي أنَّه لا يكره إفراد أحدهما بالصوم، ومالك وأبو داود لا يقولان ما قالاه إلا عن تثبت فلا يرد قولهما بالهوينا، وكرهت الحنابلة صوم يومي النيروز والمهرجان، وعندنا قاله الماوردي لا يكره إفراد يوم من أعياد أهل الملل كالفصح. ¬

_ (¬1) "المجموع" 6/ 440. (¬2) زيادة من (ل). (¬3) "صحيح ابن حبَّان" (3616)، "المستدرك" 1/ 435.

53 - باب في صوم الدهر تطوعا

53 - باب في صَوْمِ الدَّهْرِ تَطَوُّعًا 2425 - حَدَّثَنا سُليْمانُ بْنُ حَرْبٍ وَمُسَدَّدٌ، قالا: حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ زيْدٍ، عَنْ غيْلانَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْبَدٍ الزِّمّانيِّ، عَنْ أَبي قَتادَةَ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ كيْفَ تَصُومُ؟ فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ قَوْلِهِ، فَلَمّا رَأى ذَلِكَ عُمَرُ قَالَ: رَضِينا باللهِ رَبّا، وَبِالإِسْلامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيّا، نَعُوذُ باللهِ مِنْ غَضَبِ اللهِ، وَمِنْ غَضَبِ رَسُولِهِ. فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَدِّدُها حَتَّى سَكَنَ غَضَبُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ كيْفَ بِمَنْ يَصُومُ الدَّهْرَ كُلَّهُ؟ قَالَ: "لا صامَ وَلا أَفْطَرَ". قَالَ مُسَدَّدٌ: "لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يُفْطِرْ، أَوْ ما صامَ وَلا أَفْطَرَ". شَكَّ غيْلانُ. قَالَ: يا رَسُولَ اللهِ، كيْفَ بِمَنْ يَصُومُ يَوْميْنِ ويُفْطِرُ يَوْمًا؟ قَالَ: "أَو يُطِيقُ ذَلِكَ أَحَدٌ؟ ". قَالَ: يا رَسُولَ اللهِ، فَكيْفَ بِمَنْ يَصُومُ يَوْمًا ويُفْطِرُ يَوْمًا؟ قَالَ: "ذَلِكَ صَوْمُ داوُدَ". قَالَ: يا رَسُولَ اللهِ فَكيْفَ بِمَنْ يَصُومُ يَوْمًا ويُفْطِرُ يَوْميْنِ؟ قَالَ: "وَدِدْتُ أَنّي طُوِّقْتُ ذَلِكَ". ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ثَلاثٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَمَضانُ إِلى رَمَضانَ فهذا صِيامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ، وَصِيامُ عَرَفَةَ إِنّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التي قَبْلَهُ والسَّنَةَ التي بَعْدَهُ، وَصَوْمُ يَوْمِ عاشُوراءَ إِنّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التي قَبْلَهُ" (¬1). 2426 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا مَهْدي، حَدَّثَنا غيْلانُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ مَعْبَدٍ الزِّمّانيِّ، عَنْ أَبي قَتادَةَ بهذا الحَدِيثِ، زادَ قَالَ: يا رَسُولَ اللهِ، أَرَأيْتَ صَوْمَ يَوْمِ الاثْنيْنِ ويَوْمِ الخَمِيسِ؟ قَالَ: "فِيهِ وُلِدْتُ، وَفِيهِ أُنْزِلَ عَليَّ القُرْآنُ" (¬2). 2427 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، حَدَّثَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْريِّ، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1162). (¬2) انظر السابق.

عَنِ ابن المُسيَّبِ وَأَبي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ قَالَ: لَقِيَني رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ: "أَلَمْ أُحَدَّثْ أَنَّكَ تَقُولُ: لأَقُومَنَّ اللّيْلَ وَلأَصُومَنَّ النَّهارَ؟ ! ". قَالَ: أَحْسِبُهُ قَالَ: نَعَمْ يا رَسُولَ اللهِ قَدْ قُلْتُ ذاكَ. قَالَ: "قُمْ وَنَمْ، وَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَصُمْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةَ أيّامٍ، وَذاكَ مِثْلُ صِيامِ الدَّهْرِ". قَالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ إِنّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: "فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْميْنِ". قَالَ: فَقُلْتُ: إِنّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: "فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا، وَهُوَ أَعْدَلُ الصِّيامِ، وَهُوَ صِيامُ داوُدَ". قُلْتُ: إِنّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ" (¬1). * * * باب في صوم الدهر تطوعًا [2425] (حدثنا سليمان بن حرب ومسدد، قالا: حدثنا حماد بن زيد) الأزدي أحد الأعلام، أخبر (عن غيلان) بالغين المعجمة، ثمَّ مثناة تحت (ابن جرير) بالجيم والراء المكررة الأزدي. (عن عبد الله بن معبد) بسكون العين المهملة (الزماني) بكسر الزاي. (عن أبي قتادة) الحارث بن ربعي -رضي الله عنه - (أن رجلًا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، كيف تصوم؟ ) بتاء الخطاب أوله (فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قوله) قال الخطابي: يشبه أن يكون غضب النبي - صلى الله عليه وسلم - من مسألته إياه عن صومه كراهة أن يقتدي به السائل في صومه فيتكلفه، ثمَّ يعجز عنه فعلًا أو يسأمه فيمله بقلبه فيكون صيامًا من غير نية ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1975، 1976)، ومسلم (1159). وانظر ما سلف برقم (1389).

وإخلاص، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يواصل (¬1) وهو محرَّم على أمته، وقد كان رسول الله يترك بعض النوافل خوفًا أن تفرض على أمته إذا فعلوا اقتداء به، كما ترك القيام في رمضان بعد أن قام بهم ثلاثة أيام أو ليلتين ثمَّ لم يخرج إليهم وقال لهم: "إنه لم يخف علي مكانكم، ولكني خفت أن يكتب عليكم فلا تقومون به"، أو كما قال، انتهى (¬2). وليس غضبه - صلى الله عليه وسلم - لسؤاله عما (¬3) ينتفع به أو يعمل به، بل غضب عليه لأنه لم يفكر في أن مجيئه يحكم على الأمة الاقتداء به فيه والعمل به، والدين مبني على اليسر {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (¬4)، وكان ذلك مشهورًا عندهم كما في حديث أبي ثعلبة الخشني: "وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها". حديث حسن رواه الدارقطني وغيره (¬5). معناه: إنما سكت عن ذكرها رحمة بعباده ورفقًا حيث يوجبها عليهم حتى يعاقبهم على تركها، بل جعلها عفوًا، فإن تركها فلا حرج عليهم في تركها، وقوله: "فلا تبحثوا عنها"، أي: ولا تسألوا عنها، ويحتمل اختصاص هذا النهي من النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّ السؤال عنها قد يكون سببًا ¬

_ (¬1) زيادة من (ل). (¬2) "معالم السنن" 2/ 129. (¬3) في (ر): ليس الدعاء. (¬4) الحج: 78. (¬5) "سنن الدارقطني" 4/ 183، والحاكم في "المستدرك" 4/ 115، والطبراني في "مسند الشاميين" (3492) من طرق عن داود بن أبي هند، عن مكحول، عن أبي ثعلبة الخشني به.

لنزول التشديد بإيجاب أو غيره، ويحتمل أن يكون النهي عامّا فإن السؤال عما لم يذكر في الواجبات قد يوجب اعتقاد إيجابه لمشابهته لبعض الواجبات، فقبول العافية فيه وترك السؤال خير، وقد يدخل في ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "هلك المتنطعون". قالها ثلاثًا. رواه أبو داود (¬1). والمتنطع هو المتعمق (¬2) في السؤال عما لا يتعين عليه السؤال عنه. قال الراغب: الأشياء في البحث عنها وسؤالها ثلاثة أضرب: ضرب يجب السؤال عنه، وهو ما كلف الإنسان به. وفيه أمر وإياه كالجريح الذي اغتسل فهلك، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "قتلتموه، هلا سألتم عنه، إنما شفاء العي السؤال" (¬3). وضرب يكره أو يحظر السؤال عنه وإليه يوجه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "اتركوني ما تركتكم إنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم" (¬4). وضرب يجوز السكوت والسؤال عنه، وهو ما يستحب أن يحمد ولا يؤخذ به الإنسان إن سأل عنه (¬5). (فلما رأى ذلك عمر -رضي الله عنه - قال: رضينا بالله) يشبه أن يكون التقدير: رضينا بأحكام الله وأقضيته (ربّا) أي: مالكًا يحكم ما يشاء (وبالإِسلام) أي: وبدين الإِسلام وما جاء به (دينًا، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبيّا) ورسولًا مبلغًا عن الله تعالى أحكامه، وفي معناه ما رواه جماعة من السلف منهم ¬

_ (¬1) كتاب السنة، باب: باب في لزوم السنة، ورواه مسلم في "صحيحه" (2670). (¬2) في (ر) التعمق، والمثبت من (ل). (¬3) رواه أحمد 1/ 330، وابن ماجه (572)، وأبو داود (336). (¬4) رواه مسلم (1337). (¬5) "تفسير الراغب" 5/ 464.

أسباط، عن السدي أنَّه قال في قوله تعالى: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} (¬1)، قال: غضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا فقام خطيبًا فقال: "سلوني فإنكم لا تسألوني عن شيء إلا أنبأتكم به". فقام إليه رجل يقال له: ابن حذافة. فقال: من أبي؟ فقال: "حذافة". فقام إليه عمر ابن الخطاب فقبل رجله، وقال: رضينا بالله ربّا، وبك نبيّا، وبالإِسلام دينًا، وبالقرآن إمامًا، فاعف عنا عفا الله عنك، فلم يزل به حتى رضي (¬2). ولعل المراد بالرضا ترك المنازعة والسخط فيما أمرهم من ترك السؤال كما في قوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} (¬3) أي: حتى يرضوا بما قضيت عليهم ولا تضيق صدورهم بما قضيت به وأمرت. (نعوذ بالله تعالى من غضب الله وغضب رسوله، فلم يزل عمر يرددها) أي: يردد هذِه المقالة (حتى سكن من غضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) قيل: هو من باب القلب المستعمل أي: حتى سكن النبي - صلى الله عليه وسلم - من غضبه نحو: أدخلت فمي في الحجر تقديره: أدخلت الحجر في فمي، وقيل: لا ينبغي هذا؛ لأنه من القلب وهو لم يقع إلا في قليل من الكلام، وقرأ معاوية بن قرة: (ولما سكن عن موسى الغضب) (¬4)، وعلى القراءة المشهورة فسكوت الغضب كناية. شبه جمود الغضب بانقطاع كلام المتكلم وهو سكوته. ¬

_ (¬1) المائدة: 101. (¬2) أخرجه الطبري في "تفسيره" 11/ 102، وابن أبي حاتم في "التفسير" 4/ 1219 بإسنادهما عن السدي، وأخرج نحوه البخاري (540)، ومسلم (2359). (¬3) النساء: 65. (¬4) انظر: "مختصر في شواذ القراءة" ص 51.

(فقال: ) الرجل (يا رسول الله، كيف بمن يصوم الدهر كله؟ قال: لا صام ولا أفطر). قال المنذري: يحتمل أن يكون ذلك على وجه الدعاء عليه كراهة لصنيعه وزجرًا عن ذلك. قيل (لا) فيهما بمعنى ما، كقوله تعالى: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى} (¬1)، فعلى هذا فيه دليل على أن "لا" تدخل على الماضي كقول الراجز: إن تغفر اللهم تغفر جمّا وأي عبد لك لا ألما (¬2) وقيل: معناه: لم يصم ولم يفطر كما. (قال) أي: (مسدد: ) في روايته (لم يصم ولم يفطر، أو: ما صام ولا أفطر) وعلى هذا هو خبر معناه: أنَّه (¬3) لم يأت بشيء؛ لأنَّ من سرد الصوم صار عادة ولم يجد له مشقة فيعود النهار في حقه كالليل في حق غيره، فكأنه ما صام إذ لم يجد ما يجده الصائم، ولا أفطر لوجود صورة الصوم، وقيل: ليس هو خبرًا (¬4) عنه، بل دعاء عليه وعلى من صام الأبد، [ويا ويح] (¬5) من دعا عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - (شك غيلان) الراوي. وإلى كراهة صوم الدهر مطلقًا ذهب إسحاق وأهل الظاهر، وهي رواية عن أحمد، وشذ ابن حزم فحرمه (¬6) وروى ابن أبي شيبة بإسناد ¬

_ (¬1) القيامة: 31. (¬2) هو من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - كما رواه الترمذي (3284)، وقال: حسن صحيح غريب. (¬3) زيادة من (ل). (¬4) في الأصلين: خبر. والجادة ما أثبتناه. (¬5) في (ر): وما ربح. (¬6) انظر: "المحلى" 4/ 431.

صحيح عن أبي عمرو الشيباني قال: بلغ عمر أن رجلًا يصوم الدهر فأتاه فعلاه بالدرة وجعل يقول: كل يا دهري (¬1). ومن طريق ابن (¬2) إسحاق: أن عبد الرحمن بن أبي نُعْم كان يصوم الدهر، فقال عمرو بن ميمون: لو رأى هذا أصحاب محمَّد لرجموه (¬3). واحتجوا أيضًا بحديث أبي موسى رفعه: "من صام الدهر ضيقت عليه جهنم". وعقد بيده تسعين. أخرجه أحمد (¬4)، والنسائيُّ (¬5)، وابن خزيمة (¬6)، وابن حبَّان (¬7)، وحمله ابن خزيمة معنى ضيقت عليه أي: عنه فلم يدخلها (¬8). وفي الطبراني عن أبي الوليد ما يومئ إلى ذلك (¬9). ومن قاله بظاهره قال: يضيق عليه حصرًا له فيها لتشديده على نفسه ورغبته عن السنة واعتقاده أن غير السنة أفضل منها، وهذا يقتضي الوعيد الشديد، فيكون حرامًا، وذهب آخرون إلى جواز صيام الدهر، وحملوا أخبار النهي على من صامه حقيقة فإنَّه يدخل فيه ما حرم صيامه كالعيدين، ¬

_ (¬1) "مصنف ابن أبي شيبة" (9649). (¬2) زيادة من (ل). (¬3) "تهذيب الآثار" للطبري (497). (¬4) "مسند أحمد" 4/ 414. (¬5) ذكره المزي في "تحفة الأشراف" (9011) للنسائي من رواية أبي الحسن بن حيويه. (¬6) "صحيح ابن خزيمة" (2154). (¬7) "صحيح ابن حبَّان" (3584). (¬8) "صحيح ابن خزيمة" 3/ 313. (¬9) "الأوسط" من حديث أبي موسى وشيخه فيه أبو مسلم الكشي.

وهذا اختيار ابن المنذر وطائفة، وروي عن عائشة. وذهب آخرون إلى استحباب صيام الدهر لمن قوي عليه ولم يفوت به حقّا، وإلى ذلك ذهب الجمهور. وللجمع بين الأحاديث وزوال التعارض، قال السبكي: أطلق أصحابنا كراهة صوم الدهر لمن فوت حقّا ولم يوضحوا هل المراد الحق الواجب أو المندوب؟ ويتجه أن يقال: إن علم أنَّه يفوت حقّا واجبًا حرم، وإن علم أنَّه يفوت حقّا مندوبًا أولى من الصيام كره وإن كان يقوم مقامه فلا، وإلى ذلك أشار ابن خزيمة (¬1). (قال: يا رسول الله، كيف بمن يصوم يومين ويفطر يومًا؟ ) في جميع الدهر (قال: أَو يُطيقُ ذلك أحد؟ ) الهمزة أصلها الاستفهام، وهي هنا للتوبيخ، وأما الواو التي بعدها، فقال الأخفش: هي زائدة (¬2). والصحيح أنها واو العطف مفتوحة على أصلها، والأصل تقديم هذِه الواو على همزة الاستفهام، والتقدير: وأيطيق ذلك أحد؟ وإنما قدمت الهمزة على الواو لأنَّ لها صدر الكلام، والزمخشري يذهب إلى أن ثَمَّ محذوفًا معطوفًا عليه مقدرًا بين الهمزة وحرف العطف (¬3). (قال: يا رسول الله، فكيف بمن يصوم يومًا ويفطر يومًا؟ قال: ذلك صوم داود -عليه السلام -)، وسيأتي عليه الكلام في الباب بعده. (قال: يا رسول الله ¬

_ (¬1) (2152)، وانظر: "فتح الباري" لابن حجر 4/ 222. (¬2) "معاني القرآن" 1/ 333، وفيه أنها للعطف دخلت عليها ألف الاستفهام. (¬3) "الكشاف" 2/ 679.

فكيف بمن يصوم يومًا ويفطر يومين؟ قال: وددت) بكسر الدال الأولى (أني طُوِّقت) بضم الطاء وكسر الواو المشددة (ذلك) قال القاضي عياض: قيل: معناه: وددت أن أمتي تطوقه. أي: تقدر على الدوام عليه؛ لأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يطيق ذلك وأكثر منه، وكان يواصل ويقول: "إني لست كأحدكم، إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني"، ويدل عليه ما جاء في رواية "ليت أن الله قوانا لذلك" (¬1)، أو يقال: إنما قاله لحقوق نسائه وغيرهن من المسلمين المتعلقين به والقاصدين إليه (¬2). (ثمَّ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ثلاث) مرفوع على الابتداء، وجاء الابتداء بالنكرة؛ لأنه وصف (¬3) بقوله (من كل شهر) خبره قوله فهذا صيام الدهر، والمراد بالثلاث أيام البيض كما سيأتي في بابه (ورمضان) بالرفع (إلى رمضان) يجوز تنوينه؛ لأنه في معنى النكرة، أي: صيام كل رمضان إلى رمضان كصيام الدهر، أي: صيام شهر رمضان يكفر ما بعده من (¬4) الشهور إلى رمضان الثاني. (فهذا صِيامُ الدَّهْرِ) أي: كصيام الدهر (كله) لأنَّ ثلاثة من الشهر كصوم شهر ورمضان بغير تضعيف بشهر فيكمل صيام الدهر (وصيامُ عَرَفَةَ إِنّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ) أي: التكفير ليس على القطع، بل هو على الرجاء، والأمر فيه مرجوع إلى الله إن شاء كفَّر وإن شاء لم يكفِّر، ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1162/ 197). (¬2) انظر: "شرح النووي على مسلم" 8/ 50. (¬3) في (ر): وقع. (¬4) في (ر): إلى.

لكن الصيام علامات على ظن التكفير. (أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التي قَبْلَهُ والسَّنَةَ التي بَعْدَهُ) صريح في تعيين السنتين الماضية والمستقبلة، وفي رواية مسلم: "يُكفر السنة الماضية والسنة الباقية" (¬1) وفي لفظ آخر: "السنة الماضية والتي تليها" (¬2). وحمله بعضهم على سنتين ماضيتين، والأول أصح ويُكفر السنة بعده قيل: إذا ارتكب فيها معصية يكفرها الصوم السابق كما يكفر ما قبله، وقيل: بالعصمة عن ارتكاب ما يحتاج إلى كفارة، ثمَّ التكفير إنما يكون في الصغائر فإذا ارتكب كبيرة، ويستثنى من صيام عرفة الحاضر بعرفة كما سيأتي. (وَصَوْمُ يَوْمِ عاشُوراءَ) بالمد كتاسوعاء، وحكي عن أبي (¬3) عمرو الشيباني قصرهما. قال ابن دريد: هما اسمان إسلاميان لا يعرفان في الجاهلية وليس من لغة العرب فاعولاء (¬4). وحكى ابن الأعرابي أنَّه سمع خابوراء (¬5)، وعاشور لغة بوزن هارون. (إِنّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التي قَبْلَهُ) ورواية ابن ماجه: "صيام عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي بعده" (¬6). ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1162). (¬2) "مسند أحمد" 5/ 296. (¬3) في (ر): ابن. (¬4) "الجمهرة" 2/ 727. (¬5) انظر: "مشارق الأنوار على صحاح الآثار" للقاضي عياض 2/ 102. (¬6) "سنن ابن ماجه" (1738).

[2426] (حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا مهدي، حدثنا غيلان، عن عبد الله بن معبد الزماني، عن أبي قتادة بهذا الحديث) و (زاد: قال: يا رسول الله، أرأيت صوم الاثنين والخميس؟ ) رواية مسلم: سئل عن صوم يوم الاثنين (¬1). (قال: ذاك يوم ولدت فيه، وفيه أنزل عليَّ القرآن) زاد مسلم: "ويوم بعثت". قال العلماء: اجتمع فيه سبعة أشياء: فيه ولد، وفيه بعث، وفيه نزل الوحي، وفيه توفاه الله، وفيه ليلة أسري به في قول بعض العلماء، وفيه دخل المدينة، وفيه أن الأعمال تعرض كما سيأتي، وهذا يدل على فضل هذا اليوم. [2427] (حدثنا الحسن بن علي، حدثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري، عن) سعيد (ابن المسيّب وأبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف (عن عبد الله بن عمرو بن العاص) رضي الله عنهما (قال: لقيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أَلَمْ أُحَدَّثْ أَنَّكَ تَقُولُ: لأَقُومَنَّ اللّيْلَ وَلأَصُومَنَّ النَّهارَ؟ ) زاد البخاري: "ما عشت" (¬2). وفي الصحيح: "ألم أخبر أنك تصوم ولا تفطر وتصلي" (¬3). قال القرطبي: إنما فعله بعد قوله: "لأقومن الليل ولأصومن النهار". فحكى بعض الرواة قوله وحكى بعضهم فعله (¬4). ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1162). (¬2) "صحيح البخاري" (1976). (¬3) " صحيح البخاري" (1977)، "صحيح مسلم" (1159). (¬4) "المفهم" 3/ 224.

(قال: أَحْسِبُهُ قال: نعم يا رسول الله، قد قلتُ ذاك) وفي رواية لمسلم: فقلت: بلى يا رسول الله، ولم أرد بذلك إلا الخير (قال: قُمْ وَنَمْ، وَصُمْ وَأَفْطِرْ) رواية مسلم: "لا تفعلن" (¬1). فنهى عن استمرار الصيام والقيام الذي كان التزمه لأجل ما تؤدي إليه المفسدة التي نبه عليها بقوله: "فإنك إذا فعلت ذلك هجمت عيناك .. " الحديث (¬2). (وَصُمْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةَ أيّامٍ) زاد البخاري وغيره: "فإن الحسنة بعشر أمثالها" (¬3) (وَذاكَ مِثْلُ صِيامِ الدَّهْرِ) كله، لا تستلزم المثلية التساوي من كل وجه؛ لأنَّ المراد بها هنا أصل التضعيف دون التضعيف الحاصل بالفعل، لكن يصدق على فاعل ذلك أنَّه صام الدهر مجازًا (قال: قلت: يا رسول الله إِنّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ) في رواية مسلم: إني أجدني أقوى من ذلك يا نبي الله (¬4). (قال: صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْميْنِ) أي: ليتقوى بفطر اليومين على صيام اليوم الثالث. (قال: قلت: إِنّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ) أي: إني أقدر على صيام أكثر من ذلك (قال: فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا وَهُوَ أَعْدَلُ الصِّيامِ) أي: من جهة حفظ القوة ووجدان مشقة العبادة وإذا كان أعدل في نفسه فهو عند الله أفضل وأحب (وَهُوَ صِيامُ داوُدَ) -عليه السلام - إنما أحاله على صوم أخيه داود؛ لأنه كان أعبد الناس كما في رواية مسلم، قال الله ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1159/ 186). (¬2) "صحيح مسلم" (1159/ 188)، "المفهم" للقرطبي 3/ 224. (¬3) "صحيح البخاري" (1976). (¬4) "صحيح مسلم" (1159/ 186).

تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} (¬1) قال ابن عباس والمفسرون: يريد ذا القوة في العبادة وفي طاعة الله تعالى (¬2). قال ابن (¬3) إسحاق: كانت قوة داود على العبادة أتم قوة، كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، وذلك من أشد الصوم، وكان يصلي نصف الليل (قلتُ: إني أطيق أفضل من ذلك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ) أي: في حقك، فيدخل فيه من هو في معناه ممن يدخل فيه على نفسه مشقة أو يفوت حقّا، ولذلك لم ينه حمزة بن عمرو عن السرد، فلو كان السرد ممتنعًا لبينه، وسيأتي أصرح من ذلك في باب صوم يوم وإفطار يوم: "أحب الصيام إلى الله تعالى صيام داود" (¬4). وفي رواية للترمذي: "أفضل الصيام صيام داود" (¬5). ¬

_ (¬1) ص: 41. (¬2) رواه الطبري في "تفسيره" 2/ 41، والبخاري معلقا بعد حديث (4807). (¬3) هكذا بالأصل، ولعله أبو إسحاق الزجاج؛ حيث نقل هذا الأثر عنه. انظر: "التفسير الوسيط" للواحدي 3/ 543، و"فتح القدير" للشوكاني 4/ 603. (¬4) سيأتي برقم (2448). (¬5) "سنن الترمذي" (770).

54 - باب في صوم أشهر الحرم

54 - باب في صَوْمِ أَشْهُرِ الحُرُمِ 2428 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ سَعِيدٍ الجُريْريِّ، عَنْ أَبي السَّلِيلِ، عَنْ مُجِيبَةَ الباهِلِيَّةِ، عَنْ أَبِيها أَوْ عَمِّها أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ انْطَلَقَ فَأَتاهُ بَعْدَ سَنَةٍ وَقَدْ تَغيَّرَتْ حالَتُهُ وَهيْئَتُهُ فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ أَما تَعْرِفُني؟ قَالَ: "وَمَنْ أَنْتَ؟ ". قَالَ: أَنا الباهِليُّ الذي جِئْتُكَ عامَ الأَوَّلِ. قَالَ: "فَما غيَّرَكَ وَقَدْ كُنْتَ حَسَنَ الهيْئَةِ؟ ". قَالَ: ما أَكَلْتُ طَعامًا إلَّا بِليْلٍ مُنْذُ فارَقْتُكَ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لِمَ عَذَّبْتَ نَفْسَكَ؟ ". ثُمَّ قَالَ: "صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ ويَوْمًا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ". قَالَ: زِدْني فَإِنَّ بي قُوَّةً. قَالَ: "صُمْ يَوْميْنِ". قَالَ: زِدْني. قَالَ: "صُمْ ثَلاثَةَ أيّامٍ". قَالَ: زِدْني. قَالَ: "صُمْ مِنَ الحُرُمِ واتْرُكْ، صُمْ مِنَ الحُرُمِ واتْرُكْ، صُمْ مِنَ الحُرُمِ واتْرُكْ". وقالَ بِأَصابِعِهِ الثَّلاثَةِ فَضَمَّها ثُمَّ أَرْسَلَهَا (¬1). * * * باب في صوم أشهر الحرم [2428] (حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد) بن سلمة (عن سعيد) بن إياس (الجريري) بضم الجيم، مصغر (عن أبي السَّليل) بفتح السين المهملة، واسمه ضُريب بضم الضاد المعجمة، ابن نقير القيسي الجريري، وثقه ابن معين وغيره (¬2). (عن مُجِيبة) بضم الميم وكسر الجيم من الإجابة، وقيل: هو مجيبة ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (1741)، وأحمد 5/ 28، والنسائيُّ في "السنن الكبرى" (2743). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (419). (¬2) انظر: "الجرح والتعديل" 4/ 470.

الباهلي، كذا رواه النسائي (¬1)، وقيل: أبو مجيبة، رواه ابن ماجه (¬2). (الباهلية) تفرد بالرواية عنها أبو داود. (عن أبيها أو عمها) لا يضر الشك في الصحابي (أنَّه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - ثمَّ انطلقَ، فَأَتاهُ بَعْدَ سَنَةٍ وَقَدْ تَغيَّرَتْ حالَتُهُ وَهيْئَتُهُ) عن حالته التي كان عليها في العام الأوّل (فقال: أَما تَعْرِفُني؟ قَالَ: وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنا الباهِليُّ الذي جِئْتُكَ عامَ الأَوَّلِ) هذا من إضافة الموصوف إلى صفته وتقديره عند جمهور البصريين الزمن الأوّل، كقولهم الساعة الأولى وليلة الأولى، تقديره: ساعة الوقت الأوّل، وليلة الوقت الأوّل. (قال: فَما غيَّرَكَ وَقَدْ كُنْتَ حَسَنَ الهيْئَةِ؟ ) رواية ابن ماجه: "ما لي أرى جسمك ناحلًا؟ ! " (¬3). (قال: ما أكلتُ طعامًا منذ) مذ ومنذ ذكرهما سيبويه في الظروف التي تضاف إلى الأفعال (¬4). (فارقتُك) جملة فعلية في محلّ جر؛ لأنَّ منذ ظرف، وفارقتك مضاف إليه (إلا بليل) أي: في الليل، (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قد عذبتَ) رواية: "لم عذبت" (نفسك) رواية ابن ماجه: "من أمرك أن تعذب نفسك". (ثمَّ قال: صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ) أي: شهر رمضان؛ لأنَّ الصائم يصبر فيه على الجوع والعطش وغيرهما من الشهوات، قال الله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} (¬5) قيل: المراد بالصبر شهر الصوم (ويومًا من كل شهر) ¬

_ (¬1) "سنن النسائي الكبرى" (2756). (¬2) "سنن ابن ماجه" (1741). (¬3) السابق. (¬4) "كتاب سيبويه" 3/ 117. (¬5) البقرة: 45.

لئلا تخلو سنة من صيام (¬1) شهر ولا شهر من صيام، وإنما أمره بصيام يوم ولم يأمره بالثلاث البيض لما رأى من تغير حاله وضعفه عن الصيام. (قال: زدني، فإن بي قوة) أي: فيَّ قوة، فالباء بمعنى (في) كقوله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ} (¬2) (قال: صم يومين) أمره بالتدريج مرتبة بعد مرتبة. (قال: زدني. قال: صُمْ ثلاثةَ أيام) أي: من كل شهر كما سيأتي (قال: زدني. قال: صُمْ مِنَ الحُرُمِ) أي: من الأشهر الحرم (واترك) قال الترمذي (¬3) في "الديباجة شرح ابن ماجه": إنما أمره بالترك لأنه كان يشق عليه إكثار الصوم كما ذكره في أول الحديث، فأما من لا يشق عليه فصوم جميعها فضيلة، ورواية ابن ماجه: "صم أشهر الحرم"، وقد كان بعض السلف يصوم الأشهر الحرم كلها، منهم ابن عمر والحسن البصري وأبو إسحاق السبيعي (¬4)، وقال الثوري: الأشهر الحرم أحب إلى أن أصوم فيها. (صُمْ مِنَ الحُرُمِ واتْرُكْ، صُمْ مِنَ الحُرُمِ واتْرُكْ) وخرج ابن ماجه بإسناد فيه ضعف عن ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صيام رجب (¬5). ¬

_ (¬1) في (ر): قيام. والمثبت من (ل). (¬2) آل عمران: 123. (¬3) هكذا في الأصلين، والصواب الدميري صاحب الكتاب، وصاحب كتاب "حياة الحيوان". انظر: "البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع" للشوكاني 2/ 264، "الأعلام" للزركلي 7/ 118. (¬4) رواه البغوي في "مسند ابن الجعد" (404)، والبيهقيُّ في "الشعب" 9/ 242 (6613). (¬5) "سنن ابن ماجه" (1743).

والصحيح وقفه على ابن عباس، كما قاله ابن رجب، قال: وروي عن عمر أنَّه كان يضرب أكف الرجال صوم (¬1) في رجب حتى يضعوها في الطعام ويقول: ما رجب! إن رجبًا كان يعظمه الجاهلية، فلما كان الإِسلام ترك (¬2). وعلى هذا فلعل المعنى: صم الأشهر الحرم واترك رجبًا، والله أعلم. ويدل عليه أن بعده (قال بِأَصابِعِهِ الثَّلاثَةِ فَضَمَّها) إشارة إلى الأشهر الثلاثة المتوالية (ثُمَّ أَرْسَلَها) كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثة سرد وواحد فرد" (¬3) أي: صمها واترك رجب المنهي عن صيامه، ويحتمل أن يراد الثلاث البيض المتوالية، واترك ما سواها. ¬

_ (¬1) زيادة من (ل). (¬2) رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (7636). وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 3/ 349: رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه الحسن بن جبلة، ولم أجد من ذكره وبقية رجاله ثقات. (¬3) ذكره الخليل في "العين" 3/ 222، والأزهري في "تهذيب اللغة" 12/ 250، والخطابي في "غريب الحديث" 1/ 511، وغيرهم، وليس هو من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -.

55 - باب في صوم المحرم

55 - باب في صَوْمِ المُحَرَّمِ 2429 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَقُتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قالا: حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ أَبي بِشْرٍ، عَنْ حُميْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي هُريْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَفْضَلُ الصِّيامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضانَ شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ. وَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلاةِ بَعْدَ المَفْرُوضَةِ صَلاةٌ مِنَ اللّيْلِ". لَمْ يَقُلْ قُتيْبَةُ: "شَهْرِ". قَالَ: "رَمَضانَ" (¬1). * * * باب في صوم المحرم [2429] (حدثنا مسدد وقتيبة بن سعيد قالا: أنا أبو عوانة) اسمه الوضاح بن عبد الله اليشكري الحافظ. (عن أبي بشر) جعفر بن أبي وحشية (عن حميد بن عبد الرحمن) الحميري بكسر الحاء وإسكان الميم. قال الحميدي: كل ما في الصحيحين من حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة فهو حميد بن عبد الرحمن [بن عوف الزهري] (¬2) إلا هذا الحديث خاصة (¬3). [(عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أَفْضَلُ الصِّيامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضانَ شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ)] (¬4). قال علم الدين السخاوي في جزء جمعه في أسماء الأيام والشهور: سمي المحرم بذلك لكونه شهرًا محرمًا. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1163). (¬2) ما بين المعقوفتين جاء في الأصلين بعد قوله: خاصة. (¬3) "الجمع بين الصحيحين" 3/ 322، "شرح النووي" 8/ 55. (¬4) زيادة من (ل).

وعندي أنَّه سمي بذلك تأكيدًا لتحريمه؛ لأنَّ العرب كانت تتقلب فيه فتحله عامًا وتحرمه عامًا. قال: ويجمع على محرمات ومحارم ومحاريم نسبة المحرم إلى الله تعظيمًا كقوله تعالى: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} (¬1)؛ لأنه أشرف المكاسب و {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} (¬2) نسبها إليهم لأنها أوساخ الناس. قال القرطبي: والله أعلم من أجل أن المحرم أول السنة المستأنفة التي لم يجيء بعدُ رمضانُها، فكان استفتاحها بالصوم الذي هو من أفضل الأعمال وهو ضياء فاستفتح السنة بضياء يمشي فيه بقيتها (¬3). وقد استدل النووي وغيره بهذا الحديث أن أفضل ما تطوع به من الصيام بعد رمضان، شهر الله المحرم. ويحتمل أن يراد أنَّه أفضل شهر تطوع بصيامه كاملًا بعد رمضان، فأما التطوع ببعض شهر فقد يكون أفضل من بعض أيامه كصيام عرفة وعشر ذي الحجة فيشهد لهذا ما خرجه الترمذي من حديث علي؛ أن رجلًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله أخبرنى بشهر أصومه بعد رمضان. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن كنت صائمًا شهرًا بعد رمضان فصم المحرم فإنَّه شهر الله، وفيه يوم تاب الله فيه على قوم، ويتوب فيه على آخرين" (¬4). قال النووي: ويلي المحرم في الفضيلة شعبان. ¬

_ (¬1) الشمس: 13. (¬2) التوبة: 60. (¬3) "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" 3/ 235. (¬4) "سنن الترمذي" (741)، وأحمد في "مسنده" 1/ 154 - 155.

وقال صاحب "البحر": رجب أفضل الحرم. قال: وليس كما قال (¬1). وفي الجرجاني والشافعيُّ لأصحابنا: يكره له أن يتعهد إلى صوم شهر بعينه في كل سنة؛ لأنه إذا اختاره من كل سنة فربما اعتقد جاهل وجوبه، انتهى. وهو يوهم كراهة المداومة على صوم المحرم مثلًا، وهو بعيد (وَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلاةِ بَعْدَ المَفْرُوضَةِ صَلاةٌ مِنَ اللّيْلِ) فيه دليل لما اتفق العلماء عليه: أن تطوع الليل أفضل من تطوع النهار. وفيه حجة لأبي إسحاق المروزي من أصحابنا ومن وافقه أن صلاة الليل أفضل من الراتبة. وقال أكثر أصحابنا: الرواتب أفضل؛ لأنها تشبه الفرائض. قال النووي: والأول أقوى وأوفق للحديث (¬2). (لم يقل قتيبة) بن سعيد (شهرًا) بل (قال: رمضان) والله أعلم. ¬

_ (¬1) انظر: "روضة الطالبين" 2/ 388. (¬2) "شرح النووي على مسلم" 8/ 55.

56 - باب في صوم رجب

56 - باب في صَوْمِ رَجَبَ 2430 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنا عِيسَى، حَدَّثَنا عُثْمانُ - يَعْني: ابن حَكِيمٍ - قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبيْرٍ عَنْ صِيامِ رَجَبَ، فَقالَ: أَخْبَرَني ابن عَبّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لا يُفْطِرُ. ويُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لا يَصُومُ (¬1). * * * [2430] (حدثنا إبراهيم بن موسى، حدثنا عيسى) بن يونس (حدثنا عثمان بن حكيم) بفتح الحاء وكسر الكاف ابن عباد الأوسي، وثقوه، (قال: سألت سعيد بن جبير -رضي الله عنه - عن صيام رجب) قال السخاوي: رجب من الترجيب، وهو التعظيم يجمع على أرجاب، ورجاب، ورجبات (¬2). (فقال: أخبرني ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لا يُفْطِرُ) أي: كان يصوم متطوعًا فيكثر ويوالي صيامه حتى يتحدث الناس ونساؤه وخاصته، ويقول القائل: لا يفطر بعد ذلك، فلما سئل ابن عباس عن صيام رجب وكان لم يثبت في صيام فضل (¬3) بخصوصه، بل هو داخل في عموم تطوعه فإنَّه كان يتطوع في رجب وفي غيره، لكن روي عن أبي قلابة أنَّه قال: في الجنة قصر لصوام رجب (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1971)، ومسلم (1157). (¬2) انظر: "تفسير ابن كثير" 4/ 147، و"عمدة القاري شرح صحيح البخاري" للعيني 27/ 294. (¬3) في (ر): وصل. والمثبت من (ل). (¬4) أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (3521).

قال البيهقي: أبو قلابة من كبار التابعين لا يقول مثله إلا عن بلاغ (¬1). وخرج ابن ماجه بإسناد فيه ضعف عن ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صيام رجب (¬2). والصحيح وقفه على ابن عباس كما قال ابن رجب، قال: ورواه عطاء، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا (ويُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ) أي: حتى يقول خواصه وأصحابه (لا يصومُ) بعد هذا أو رواية من حديث عائشة فقالت: كان يصوم حتى نقول: قد صام، قد صام، ويفطر حتى نقول: قد أفطر قد أفطر (¬3). ¬

_ (¬1) "شعب الإيمان" 3/ 368. (¬2) "سنن ابن ماجه" (1743). في إسناده داود بن عطاء، وهو ضعيف متفق على ضعفه. (¬3) رواه البخاري (1969)، ومسلم (1156).

57 - باب في صوم شعبان.

57 - باب في صَوْمِ شَعْبانَ. 2431 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْديٍّ، عَنْ مُعاوِيَةَ بْنِ صالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي قيْسٍ سَمِعَ عائِشَةَ تَقُولُ: كانَ أَحَبَّ الشُّهُورِ إِلى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَصُومَهُ شَعْبانُ ثُمَّ يَصِلُهُ بِرَمَضانَ (¬1). * * * باب صوم شعبان قال السخاوي: سمي شعبان من تشعب القبائل وتفرقها للغارة والقتال فيه، ويجمع على شعابين وشعبانات (¬2). [2431] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثني عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان اللؤلؤي أحد الأعلام (عن معاوية بن صالح) الحضرمي قاضي الأندلس (عن عبد الله بن أبي قيس) مولى عطية بن عازب، يعد في تابعي الشاميين (أنَّه سمع [عائشة تقول: كانَ أَحَبَّ الشُّهُورِ إِلى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَصُومَهُ شَعْبانُ ثُمَّ يَصِلُهُ بِرَمَضانَ)] (¬3). رواية النسائي: كان أحب الشهور إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شعبان، كان يصله برمضان (¬4). ¬

_ (¬1) رواه النسائي 4/ 199، وأحمد 6/ 188، وابن خزيمة (2077). وانظر ما سيأتي برقم (2434). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2101). (¬2) انظر: "تفسير ابن كثير" 4/ 147. (¬3) سقط من (ر). (¬4) "سنن النسائي" (2350).

وعن أم سلمة قالت: ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان (¬1). فإن قيل: كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخص شعبان بصيام التطوع فيه مع أنَّه قال: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم". فالجواب: أن جماعة أجابوا عن ذلك بأجوبة غير قوية لاعتقادهم أن صيام المحرم أفضل من شعبان كما صرح به الشافعية وغيرهم كما قال النووي: أفضل الأشهر للصوم بعد رمضان الأشهر الحرم، وأفضلها المحرم، ويلي المحرم في الفضيلة شعبان (¬2). والأظهر - كما قال بعض الشافعية والحنابلة وغيرهم - أن أفضل الصيام بعد شهر رمضان شعبان؛ لمحافظته - صلى الله عليه وسلم - على صومه أو صوم أكثره، ويدل على ذلك ما خرجه الترمذي من حديث أنس: سئل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أي الصيام أفضل بعد رمضان؟ قال: "شعبان". تعظيمًا لرمضان (¬3). وذلك لأنه يلي رمضان قبله كما فضل (¬4) شوال لكونه يلي رمضان بعده؛ لما روى ابن ماجه أن أسامة كان يصوم الأشهر الحرم، فقال له رسول الله: "صم شوالًا" (¬5) فترك الأشهر الحرم وصام شوالا حتى مات (¬6). وفي إسناده إرسال، وقد روي من وجه آخر يعضده. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي في "سننه" (736)، والنسائيُّ في "سننه" (2175). (¬2) "المجموع" 6/ 387. (¬3) "سنن الترمذي" (663). (¬4) في (ر): فعل هو. (¬5) في الأصلين: هنا. وفي الموضع التالي: شوال. والمثبت من "السنن" وهو الجادة. (¬6) "سنن ابن ماجه" (1744).

فهذا نص في تفضيل صيام شوال على صيام الأشهر الحرم، فإذًا شوال أفضل الأشهر الحرم؛ فلأن يكون صوم شعبان أفضل بطريق الأولى، فظهر بهذا أن أفضل التطوع ما كان قريبًا من رمضان قبله وبعده، وذلك يلتحق بصيام رمضان لقربه منه، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب من الفرائض قبلها وبعدها، فيلتحق بالفرائض في الفضل وهي تكملة لنقص الفرائض، فيكون قوله: "أفضل الصيام بعد رمضان المحرم" محمولًا على التطوع، وكذا: "أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل" (¬1) إنما أريد به تفضيل قيام الليل على التطوع المطلق دون السنن الرواتب التي قبل الفرض وبعده خلافًا لبعض الشافعية. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1163/ 202) من حديث أبي هريرة.

58 - باب في صوم شوال.

58 - باب في صَوْمِ شَوّالٍ. 2432 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمانَ العِجْليُّ، حَدَّثَنا عُبيْدُ اللهِ - يَعْني: ابن مُوسَى - عَنْ هارُونَ بْنِ سَلْمانَ، عَنْ عُبيْدِ اللهِ بْنِ مُسْلِمٍ القُرَشيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَأَلْتُ - أَوْ سُئِلَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صِيامِ الدَّهْرِ فَقالَ: "إِنَّ لأَهْلِكَ عَليْكَ حَقّا، صُمْ رَمَضانَ والَّذي يَلِيهِ وَكُلَّ أَرْبِعاءَ وَخَمِيسٍ فَإِذا أَنْتَ قَدْ صُمْتَ الدَّهْرَ". قَالَ أَبُو داوُدَ: وافَقَهُ زيْدٌ العُكْليُّ، وَخالَفَهُ أَبُو نُعيْمٍ قَالَ: مُسْلِمُ بْنُ عُبيْدِ اللهِ (¬1). * * * باب صوم شوال [2432] (حدثنا محمَّد بن عثمان) بن كرامة (العِجْلي) بكسر العين، ثمَّ سكون الجيم، روى له البخاري في الرقاق والردة (ثنا عبيد الله بن موسى العبسي) بإسكان الباء الموحدة، أحد الأعلام على تشيعه، عن (هارون بن سلمان) ويقال: ابن موسى، لا بأس به (عن عبيد الله) بالتصغير (ابن مسلم القرشي) له صحبة (عن أبيه) مسلم. قال ابن عبد البر: يقال: مسلم بن [عبيد الله] (¬2) الهذلي المدني القاضي ولا أدري: من أي قريش هو (¬3)؟ . (قال: سألت أو سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن صيام الدهر، فقال: إِنَّ لأَهْلِكَ عَليْكَ حَقّا) وهو الوطء؛ إذ هو من حق الزوجة، وذلك أنَّه إذا صام الدهر ووالى القيام بالليل منعها ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (748)، والنسائيُّ في "السنن الكبرى" (2780). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (420). (¬2) في (ر): جندب. (¬3) "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" 1/ 437.

بذلك حقها من الوطء، ويدخل في الأهل الأولاد والقرابة وحقهم الرفق بهم ومؤاكلتهم وملازمة صيام الدهر يؤدي نقص (¬1) حقهم، وأن فيه تقديم الأولى إذا تعارضت الفضائل (صُمْ رَمَضانَ والَّذي يَلِيهِ) وهو شوال، وإنما قال: "الذي يليه". ولم يقل: شوال؛ لأنَّ العلة في صيامه كونه يلي رمضان، أي: يقرب منه كما تقدم في الباب قبله، ولهذا ذكره المصنف -والله أعلم - باب صوم شوال بعد صوم شعبان إشارة إلى أن العلة في صيامهما كونهما قبله وبعده كما تقدم. (وصُم كُلَّ أَرْبِعاءَ) بفتح الهمزة، وكسر الباء والمد، وحكى الجوهري عن بعض بني أسد فتح الباء فيه، سمي بذلك لأنه رابع أيام الأسبوع، والجمع أربعاوات وأرابيع (¬2). (وَخَمِيسٍ) يجمع على أخمسة وأخامس، وروى (¬3) أبو يعلى عن ابن عباس، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من صام يوم الأربعاء والخميس كتب الله له براءة من النار" (¬4). المراد كل أربعاء وخميس كما في أبي داود (فإذًا) بالتنوين عوض عن الجملة تقديرها: فإذا صمت ذلك كان كما (قَدْ صُمْتَ الدَّهْرَ) زاد الترمذي: "وأفطرت"، قال الترمذي: رواته ثقات (¬5). ¬

_ (¬1) في (ر): بعض. (¬2) "الصحاح" 3/ 350. (¬3) زيادة من (ل). (¬4) رواه أبو يعلى (5636)، وضعفه الألباني في "الضعيفة" (480). (¬5) "سنن الترمذي" (748)، لكن الذي ورد من كلام الترمذي على هذا الحديث كما في المطبوع: حديث غريب.

59 - باب في صوم ستة أيام من شوال.

59 - باب في صَوْمِ سِتَّةِ أيّام من شَوّالٍ. 2433 - حَدَّثَنا النُّفيليُّ، حَدَّثَنا عَبْد العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَفْوانَ بْنِ سُليْمِ وَسَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ ثابِتٍ الأنصاريِّ، عَنْ أَبي أيّوبَ صاحِبِ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- عَنِ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "مَنْ صامَ رَمَضانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوّالٍ فَكَأَنَّما صامَ الدَّهْرَ" (¬1). * * * باب صوم ستة أيام من شوال [2433] (ثنا النفيلي، حدثنا عبد العزيز بن محمد) الدراوردي، أخرج له البخاري مقرونًا بغيره، قال الذهبي: صدوق (¬2). (عن صفوان ابن سليم) مصغر، الزهري مولاهم، مولى حميد بن عبد الرحمن بن عوف (وسعد بن سعيد) بن قيس بن عمرو الأنصاري أخو يحيى بن سعيد (عن عمر بن ثابت الأنصاري) صاحب أبي أيوب الأنصاري، (عن أبي أيوب الأنصاري صاحب النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: مَنْ صامَ رَمَضانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِسِتّ) رواية البزار: "وأتبعه بست" (مِنْ شَوّالٍ) (¬3). قال السخاوي: من شالت الإبل بأذنابها (¬4) للطروق (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1164). (¬2) "ميزان الاعتدال" 2/ 633. (¬3) "مسند البزار" (4178). (¬4) بعدها في الأصلين: من. وليس لها وجه. (¬5) في (ر): للضراب، وانظر: "تفسير ابن كثير" 4/ 147، و"المصباح المنير في غريب الشرح الكبير" للفيومي 1/ 108، و"شرح شافية ابن الحاجب" 4/ 280.

(فَكَأَنَّما صامَ الدَّهْرَ) تبينه زيادة الطبراني: قال: قلت: لكل يوم عشرة؟ قال: "نعم". ورواية ابن ماجه والنسائي ولفظه: "جعل الله الحسنة بعشر؛ فشهر بعشرة أشهر وستة أيام بعد الفطر تمام السنة" (¬1). ورواه (¬2) ابن خزيمة في "صحيحه" ولفظه وهو رواية للنسائي قال: "صيام شهر رمضان بعشرة أشهر (¬3)، وصيام ستة أيام بشهرين، فذلك صيام السنة (¬4) ". وقد أخذ بظاهر هذا الحديث جماعة من العلماء فصاموا هذِه الستة إثر يوم الفطر منهم الشافعي وأحمد بن حنبل، وكره مالك وغيره ذلك، وقال في "موطئه": لم أر أحدًا من أهل العلم والفقه يصومها، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف وأهل العلم يكرهون ذلك، ويخافون بدعته، وأن يلحق برمضان ما ليس منه أهل الجهالة والجفاء (¬5). قال القرطبي: أي: لئلا يظن أهل الجهالة أنها بقية من صوم رمضان، فأما إذا باعد بينها وبين يوم الفطر فيبعد ذلك التوهم وينقطع ذلك التخيل، ويدل على اعتبار هذا قوله: "لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم (¬6) يوم ولا يومين" (¬7). * * * ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (1715)، "سنن النسائي الكبرى" (2874). (¬2) و (¬3) زيادة من (ل). (¬4) "صحيح ابن خزيمة" (2115)، والنسائي في "الكبرى" (2873). (¬5) "موطأ مالك" 1/ 310. (¬6) بعدها في الأصل: نسخة: يصوم. (¬7) "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" 3/ 237 والحديث رواه البخاري (1914)، ومسلم (1082) من حديث أبي هريرة.

60 - باب كيف كان يصوم النبي -صلى الله عليه وسلم-

60 - باب كيف كانَ يَصُومُ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- 2434 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبي النَّضْرِ مَوْلَي عُمَرَ بْنِ عُبيْدِ اللهِ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عائِشَةَ زَوْجِ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- أَنَّها قالَتْ: كانَ رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَصُومُ حَتَّى نَقُول: لا يُفطِرُ. ويفطر حَتَّى نَقولَ: لا يَصومُ. وَما رَأيْتُ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- اسْتَكْمَلَ صِيامَ شَهْرِ قَطّ إلَّا رَمَضانَ، وَما رَأيْتُهُ في شَهْرٍ أَكْثَرَ صِيامَا مِنْهُ في شَعْبانَ (¬1). 2435 - حَدَّثَنا موسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُريْرَةَ، عَنِ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- بِمَعْناهُ. زادَ كانَ يَصُومُهُ إلَّا قَلِيلاً، بَلْ كانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ (¬2). * * * باب كيفَ كانَ يَصُومُ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- يعني: التطوع. [2434] (حدثنا القعنبي، عن مالك، عن أبي النضر) سالم (مولى عمر بن عبيد) بالتصغير (عن أبي سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف (عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى نقول) بالرفع والنصب، كقوله: {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِين} (¬3) - بالنون يعني: ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1969)، ومسلم (1156). (¬2) قال الألباني في "صحيح أبي داود" (2104): إسناده حسن صحيح، لكن ذكر أبي هريرة فيه وهم! والصواب أنه من مسند عائشة كما في الطريق التي قبلها، أو من مسند أم سلمة كما رواه النسائي وغيره. انتهى. (¬3) البقرة: 214. قرأها نافع وحده بالرفع، وقرأ الباقون بالنصب، وكان الكافي يقرؤها دهرًا رفعًا، ثم رجع إلى النصب.

أصحابه وخاصته (لا يفطر) رواية البخاري: حتى يقول القائل: لا والله لا يفطر (¬1). ورواية البخاري: ما أحب أن أراه من الشهر صائمًا إلا رأيته (¬2). يعني: أن حاله في التطوع بالصيام كان يختلف كما يختلف حاله بقيام الليل، فكان تارةً يصوم من أول الشهر وتارةً من وسطه وتارةً من آخره، وفي رواية: كان يصوم حتى يقولوا: لا يريد أن يفطر (¬3). (ويفطر حتى نقول) يجوز أن يكون هذا شاهدًا على لغة سليم التي حكاها ابن مالك في "التسهيل" و"الألفية" وغيرهما أن يجري القول مجرى الظن مطلقًا. أي: ليس مشروطًا فيه أن يلي استفهامًا، وأن لا ينفصل بين الاستفهام والفعل، بل يعمل الماضي والمضارع والأمر واسم الفاعل والمصدر، بل يعمل مطلقًا (¬4). وعلى هذا فقوله (لا يصوم) جملة في موضع نصب على المفعول الثاني، والتقدير: يصوم (¬5) حتى نظنه لا يفطر بعدها، ويفطر حتى نظنه لا يصوم بعدها، أي: من كثرة ذلك (وَما رَأيْتُ رَسُولَ اللِّه اسْتَكْمَلَ صِيامَ شَهْرٍ قَطُّ إلاَّ رَمَضانَ) وفي رواية أبي داود الطيالسي: ما صام شهرًا تامّا منذ قدم ¬

_ =انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص 181، "الحجة في القراءات السبع" لابن خالويه 1/ 95 - 96. (¬1) "صحيح البخاري" (1971). (¬2) "صحيح البخاري" (1973). (¬3) "سنن الترمذي" (769). (¬4) قال ابن مالك في "الألفية" ص 24: وَأُجْرِي القَوْلُ كَظَن مُطْلَقَا ... عِنْدَ سُلَيْمٍ نَحْوُ قُلْ ذَا مُشْفِقَا (¬5) زيادة من (ل).

المدينة غير رمضان (¬1). (وَما رَأيْتُهُ في شَهْر أَكثَرَ) منصوبًا وهو ثاني مفعولي رأيت، و (في شعبان) يتعلق بـ (صيامًا). (صيامًا) كذا للأكثر بالنصب، وحكى السهيلي أنه روي بالخفض. قال ابن حجر: وهو وهم، ولعل بعضهم كتب (صيامًا) بغير ألف على رأي من يقف على المنصوب بغير ألف فتوهمه مخفوضًا، أو أن بعض الرواة ظن أنه مضاف؛ لأن صيغة أفعل تضاف كثيرًا فتوهمها مضافة وهو باطل قطعًا (¬2). (مِنْهُ في شَعْبانَ) إنما كان صيامه فيه أكثر من غيره لمعانٍ ذكر منها في حديث أسامة معنيان: أحدهما: أنه شهر يغفل الناس فيه بين رجب ورمضان كما في الحديث: "ذاكر الله في الغافلين كالحي بين الأموات" (¬3). حتى قال أبو صالح: إن الله ليضحك ممن يذكره في السوق (¬4). وفي إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة فوائد كثيرة. والثاني: إنه ينسخ فيه الآجال كما روي عن عائشة: كان أكثر صيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شعبان، قال: "إن هذا الشهر يكتب فيه لملك الموت من يقبض، وأنا أحب أن لا ينسخ اسمي إلا وأنا صائم" (¬5). وقد روي مرسلًا. وقد روي في شعبان معنى آخر وهو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصوم من ¬

_ (¬1) "مسند الطيالسي" (2748). (¬2) "فتح الباري" 4/ 214. (¬3) أورده الغزالي في "إحياء علوم الدين" 2/ 394. (¬4) رواه ابن منده في "أماليه" (29) من حديث ابن مسعود. (¬5) أخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد" 11/ 314 بإسناد فيه إسماعيل بن قيس الأنصاري، وهو منكر الحديث. انظر "ميزان الاعتدال" 1/ 245.

كل شهر ثلاثة أيام، وربما تأخر عليه شيء فيقضيه في شعبان. وقيل فيه معنى آخر، وهو أن صيامه كان كالتمرين على صيام رمضان لئلا يدخل على صوم رمضان مشقة وكلفة. [2435] (حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد، [عن محمد] (¬1) بن عمرو) بن علقمة بن وقاص (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن [(عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-] (¬2) بمعناه، زاد: كان يصومه إلا قليلاً، بل كان يصومه كله) قيل: إن الكلام الأول مفسر للكلام الثاني، وموضح له، أي: كان يصوم معظمه، ونقل الترمذي عن كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقال: صام الشهر، يقال: قام ليله أجمع، ولقد كان يغشى، ويوافقه الرواية السابقة: ما رأيته في شهر أكثر صيامًا منه فهو شعبان، وما استكمل صيام شهر إلا رمضان، ويحمل الكل على الأكثر، كما تقدم الكلام عليه (¬3). والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل). (¬2) ساقطة من (ل). (¬3) "سنن الترمذي" 3/ 114.

61 - باب في صوم الاثنين والخميس.

61 - باب في صوْمِ الاْثنيْنِ والخمِيس. 2436 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا أَبانُ، حَدَّثَنا يحيَى، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبي الَحكَمِ بْنِ ثَوْبانَ، عَنْ مَوْلَى قُدامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ، عَنْ مَوْلَى أسامَةَ بْنِ زيْدٍ، أنَّة انْطَلَقَ مَعَ أسامَةَ إِلى وادي القُرى في طَلَبِ مالٍ لَهُ فَكانَ يَصُوم يَوْمَ الاثنيْنِ ويومَ الَخمِيسِ فَقالَ لَهُ مَوْلاهُ: لِمَ تَصُوم يَوْمَ الاثنيْنِ وَيوْمَ الَخمِيسِ وَأَنْتَ شيْخ كَبِير فَقالَ: إِنَّ نَبي اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كانَ يَصُومُ يَوْمَ الاثنيْنِ ويومَ الخَمِيسِ، وَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقالَ: "إِنَّ أَعْمالَ العِبادِ تُعْرَضُ يَوْمَ الاثْنيْنِ وَيوْمَ الخَمِيسِ". قالَ أَبو داوُدَ: كَذا قالَ هِشام الدَّسْتَوائيُّ، عَنْ يحيَى، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبي الَحكَمِ (¬1). * * * باب صوم يوم الاثنين والخميس [2436] (حدثنا موسى بن إسماعيل، نا أبان) فيه الصرف وعدمه، (ثنا يحيى) بن سعيد (عن عمر بن أبي الحكم [بن ثوبان]) (¬2) وقيل: عمر بن الحكم (بن زيد) المدني صدوق وثق [(عن مولى قدامة بن مظعون) بالظاء المعجمة (عن مولى أسامة بن زيد)] (¬3). قال المنذري: في هذا السند راويان مجهولان هما مولى قدامة بن مظعون ومولى أسامة. قال: ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" عن شرحبيل ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 200، 204، 208، وابن خزيمة (2119)، والدارمي (1791)، والنسائي في "السنن الكبرى" (2781). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2105). (¬2) ليست في (ل). (¬3) زيادة من (ل).

ابن سعد، عن أسامة (¬1). (أنه انطلق مع أسامة إلى وادي القُرى) بضم القاف وادٍ موضع من أعمال المدينة بين المدينة والشام، قاله الزمخشري وغيره (¬2) (في طلب مال له) قد ضل (فكان يصوم يوم الاثنين ويوم الخميس) فيه التطوع في السفر بالصيام (فقال مولاه: لم) أصله ما الاستفهامية لما دخل عليها حرف الجر حذفت ألفها، ويجوز إدخال الهاء عليها في الوقف فيقال: "له" (تصوم يوم الاثنين ويوم الخميس وأنت شيخ كبير؟ ) فإنه لما قبض النبي -صلى الله عليه وسلم- كان ابن عشرين سنة وعُمِّر إلى أن مات بعد قتل عثمان، قيل: سنة أربع وخمسين. قال ابن عبد البر: وهو عندي أصح، نزل بوادي القرى، قيل: ومات به، وقيل: حمل إلى المدينة (¬3). (فقال: إن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصوم يوم الاثنين ويوم الخميس فسئل عن ذلك، فقال: إِن أَعْمالَ العِبادِ تُعْرَضُ يَوْمَ الاثنينِ ويَوْمَ الخَمِيسِ) رواية النسائي: "يومان تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم" (¬4). فيه دليل على استحباب صوم الاثنين والخميس والمداومة عليهما من غير عذر، وأغرب الحليمي فيعد في "منهاجه" من الصوم المكروه اعتياد يوم بعينه كالاثنين والخميس. وذكر عن ابن عباس أنه سئل عن صومهما فقال: أكره أن توقت ¬

_ (¬1) "الترغيب والترهيب" 2/ 79. و"صحيح ابن خزيمة" (2119). (¬2) انظر: "معجم البلدان" 2/ 221، "آثار البلاد وأخبار العباد" للقزويني 1/ 34. (¬3) "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" 1/ 25. (¬4) "سنن النسائي" (2358).

عليك يومًا تصومه (¬1). وعن أنس: إياك أن تكون اثنينيّا أو خميسيّا أو رجبيّا (¬2). ووجه الكراهة أن يخصص يوم أو شهر بالصوم دائمًا يشبه رمضان، وأجيب عن الأحاديث الواردة في صومهما، فإن المعنى: من أراد صيام يوم أو يومين، فهذان أولى من سواهما أو على أنه يديم صيامهما ما لم يدع إلى طعام أو ينزل به ضيف يحب أن يؤاكله أو يدخل إلى ذي حرمة فيقدم له (¬3) طعامًا، قال الشافعي: إن خالف بين الشهور فصام بعضها جميعه مرة وأفطر مرة خرج من الكراهة (وكذا قال هشام) بن أبي عبد الله (الدستوائي) كان يبيع الثياب الدستوائية، ودستوا من الأهواز. (عن يحيى، عن عمر بن الحكم) أي: تابع أبان في الرواية عن يحيى. * * * ¬

_ (¬1) "مصنف ابن أبي شيبة" (9329). (¬2) "مصنف ابن أبي شيبة" (9853) بإسنادِ الراوي فيه عن أنس مبهم. (¬3) في (ر): لها. والمثبت من (ل).

62 - باب في صوم العشر

62 - باب في صَوْمِ العَشْرِ 2437 - حَدَّثَنا مُسَدَّد، حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنِ الُحرِّ بْنِ الصّيَّاحِ، عَنْ هُنيْدَةَ بْنِ خالِدٍ، عَنِ امْرَأَتِهِ عَنْ بَعْضِ أَزْواجِ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قالَتْ: كانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَصُومُ تِسْعَ ذي الِحجةِ وَيوْمَ عاشُوراءَ وَثَلاثَةَ أيّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ أَوَّلَ اثْنيْنِ مِنَ الشَّهْرٍ والخَمِيسَ (¬1). 2438 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شيْبَةَ، حَدَّثَنا وَكِيع، حَدَّثَنا الأعْمَشُ، عَنْ أَبي صالِح وَمُجاهِدٍ وَمُسْلِمِ البَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "ما مِنْ أيّامٍ العَمَلُ الصّالِحُ فِيها أَحَبُّ إِلى اللهِ مِنْ هذِه الأيّامِ". يَعْني: أيّامَ العَشْرِ. قالُوا: يا رَسُولَ اللهِ وَلا الِجهادُ في سَبِيلِ اللهِ؟ قالَ: "وَلا الجِهادُ في سَبِيلِ اللهِ إلَّا رَجُل خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيء" (¬2). * * * باب صوم العشر أي: عشر ذي الحجة. [2437] (حدثنا مسدد، ثنا أبو عوانة) الوضاح (عن الحر بن الصياح) بالمثناة تحت والموحدة وهو النخعي ثقة (عن هنيدة) بالتصغير (ابن خالد) ثقة، روى عنه النسائي أيضًا. (عن أمرأته، عن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: كان رسول الله يصوم تسع ذي الحجة) بكسر الحاء، وروي فتحها، سمي ذلك لإيقاعهم الحج فيه، ويجمع على ذوات الحجة، استدل به النووي في "شرح المهذب" ¬

_ (¬1) رواه النسائي 4/ 205، وأحمد 5/ 271. وانظر ما سيأتي برقم (2452). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2106). (¬2) رواه البخاري (969).

على استحباب صوم تسع ذي الحجة (¬1)، وقال: رواه أحمد (¬2) والنسائي (¬3). قال: وأما عائشة قالت: ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صائمًا في العشر قط، وفي رواية: لم يصم العشر. رواهما مسلم في "صحيحه" (¬4). وسيأتي الثاني في كلام المصنف، فقال العلماء: هو متأول (¬5) على أنها لم تره، ولا يلزم منه تركه في نفس الأمر؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يكون عندها في يوم من تسعة أيام، والباقي عند باقي أمهات المؤمنين، أو لعله كان يصوم بعضه في بعض الأوقات، وكله في بعضها ويتركه في بعضها لعارض من سفر أو مرض أو غيرهما، وبهذا يجمع بين الأحاديث (¬6). (وبوم عاشوراء) بالمد على الأفصح وهو اليوم العاشر من المحرم، وبه قال جمهور العلماء. وقال ابن عباس: عاشوراء هو اليوم التاسع من المحرم، ثبت ذلك في "صحيح مسلم" (¬7) والصحيح ما قاله الجمهور. قال النووي: وهو ظاهر الأحاديث ومقتضى إطلاق اللفظ، وهو المعروف عند أهل اللغة (¬8)، ويدل عليه قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لئن عشت إلى ¬

_ (¬1) "المجموع" 6/ 439. (¬2) "مسند أحمد" 5/ 271، 6/ 288، 423. (¬3) "سنن النسائي" (2417) وانظر: "المجموع" 6/ 387. (¬4) "صحيح مسلم" (1176). (¬5) في (ر): متناول. والمثبت من (ل). (¬6) "المجموع شرح المهذب" 6/ 387 - 388. (¬7) "صحيح مسلم" (1134). (¬8) "المجموع" 6/ 433.

العام المقبل لأصومن التاسع" (¬1). وهذا صريح في أن الذي كان يصومه ليس هو التاسع (¬2). لما سيأتي بعد إن شاء الله (وثلاثة أيام من كل شهر) قال النووي: الأيام البيض هي الثلاثة المأمور بصومها من كل شهر وكلام غيره يقتضي أنها غيرها حيث قالوا: يستحب صيام أيام البيض وصوم ثلاثة أيام من كل شهر، قال القاضي حسين في تعليقه بعد ذكر الحديث: اختلفوا في الأيام الثلاثة، فمنهم من قال: أراد به الأيام البيض. ومنهم من قال: لا، بل هي أوائل كل عشر. و (أول) بالنصب بدل من ثلاثة (¬3). كل (اثنين من الشهر والخميس) قال المتولي من أصحابنا: صوم ثلاثة أيام من كل شهر سنة، ومتى يستحب؟ قيل: أيام البيض، وقيل: الاثنين والخميس والاثنين، [فإن كان أوله الخميس أو الأربعاء مثلًا فإن الخميس يليه، فيحتمل أن يبدأ بصيام الخميس وبعده الاثنين] (¬4) الآخر من كل شهر، أي: لهذا الحديث؛ فإنه فسر الأيام البيض بهذا، وهذا (¬5) إذا كان أول الشهر (¬6) الاثنين والخميس الآخر، وقد يؤخذ هذا من لفظ الحديث. [2438] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن أبي صالح) باذام مولى أم هانئ (ومجاهد ومسلم) بن عمران (البطين) بفتح ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1134/ 134) من حديث ابن عباس. (¬2) "المجموع شرح المهذب" 6/ 433. (¬3) انظر: "شرح النووي على مسلم" 8/ 52. (¬4) زيادة من (ل). (¬5) في (ر): هو. والمثبت من (ل). (¬6) في (ر): الأشهر. والمثبت من (ل).

الباء (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال رسول الله: ما من أيام العمل الصالح فيها) يدخل فيه الصيام والذكر والقراءة والصدقة وغير ذلك من الأعمال الصالحة، لكن ورد في خصوص صيام أيامه وقيام لياليه وكثرة الذكر فيه أحاديث؛ فمنها ما خرجه الترمذي (¬1) وابن ماجه (¬2) من رواية النهاس بن قهم، عن قتادة، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من أيام أحب إلى الله أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة، يعدل صيام كل يوم منها سنة، وكل ليلة منها بقيام ليلة القدر". لكن النهاس بن قهم ضعفوه (¬3)، وذكر الترمذي عن البخاري أن الحديث مروي عن قتادة، عن سعيد مرسلًا (¬4). وروى ثوير (¬5) بن أبي فاختة (¬6) -وفيه ضعف- عن مجاهد، عن ابن عمر قال: ليس يوم أعظم عند الله من يوم الجمعة، ليس العشر، [فإن العمل فيها يعدل عمل سنة (¬7). (أحب إلى الله) وأحب هو خبر المبتدأ الذي هو العمل] (¬8) وإذا كان أحب إلى الله فهو أفضل كما في رواية البخاري (¬9) (من) متعلق بأحب (هذِه الأيام يعني أيام العشر) أي: عشر ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (758). (¬2) "سنن ابن ماجه" (1728). (¬3) زيادة من (ل). وانظر: الكلام على النهاس في "تهذيب الكمال" 30/ 28 - 30. (¬4) "سنن الترمذي" 3/ 131. (¬5) في الأصلين: ثور. والمثبت من مصادر التخريج. (¬6) في (ر): خاصة. والمثبت من (ل). (¬7) انظر: "علل الدارقطني" 9/ 17، "فتح الباري" لابن رجب 12/ 376. (¬8) زيادة من (ل). (¬9) "صحيح البخاري" (969).

ذي الحجة، وإذا كان العمل في أيام العشر أفضل وأحب إلى الله من العمل في غيره من أيام السنة كلها صار العمل فيه وإن كان مفضولًا أفضل من العمل في غيره وإن كان فاضلًا، ولهذا (قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله) ثم استثنى جهادًا واحدًا هو أفضل الجهاد فقال (إلا رجل) قال الزركشي: فيه وجهان: أحدهما: إن الاستثناء متصل أي: إلا عمل رجل؛ لأنه استثناء من العمل. وثانيهما: إنه منقطع، أي: لكن رجل يخاطر بنفسه فلم يرجع بشيء (خرج) إلى الجهاد (بنفسه وماله) رواية البخاري: "إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله" (¬1). ومعنى "يخاطر بنفسه" أي: يكافح العدو بنفسه وجواده وسلاحه ويوقع نفسه في الهلاك تقربًا إلى الله، فهذا أفضل الجهاد والعمل فيه أفضل في هذِه الأيام وفي غيرها من غيره (فلم يرجع من ذلك) أي: مما خرج به (بشيء) وقوله: يرجع يحتمل أن يكون معناه لا يرجع بشيء من ماله ويرجع هو بنفسه، ويحتمل أن يكون معناه لا يرجع هو ولا شيء مما خرج به بأن يرزقه الله الشهادة في سبيل الله؛ فإنه -صلى الله عليه وسلم- سئل: أي الجهاد أفضل؟ قال: "أن يعقر جوادك، ويهراق دمك". رواه ابن حبان من رواية جابر (¬2) وسمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلَّا يَقول: اللهم آتني أفضل ما يؤتى عبادك الصالحين فقال له: "إذن يعقر ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (969). (¬2) "صحيح ابن حبان" (4639).

جوادك وتستشهد" (¬1). فهذا الجهاد بخصوصه مفضل على العمل في العشر، وأما بقية أنواع الجهاد فإن العمل في عشر ذي الحجة أفضل وأحب إلى الله منها، وكذلك سائر الأعمال. * * * ¬

_ (¬1) رواه البزار في "مسنده" (1113).

63 - باب في فطر العشر

63 - باب في فطْرِ العشْرِ 2431 - حَدَّثَنا مُسَدَّد، حَدَّثَنا أَبو عَوانَةَ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنِ الأسوَدِ عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: ما رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- صائِمًا العَشْرَ قَطُّ (¬1). * * * باب في فطره أي: في فطر عشر ذي الحجة. [2439] (حدثنا مسدد، ثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن إبراهيم) النخعي (عن) ابن أخته (¬2) (الأسود) بن يزيد بن قيس من بني بكر بن النخعي (عن عائشة قالت: ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صائمًا العشر قط) هذا معارض للحديث المتقدم: كان يصوم تسع ذي الحجة، وتقدم جواب النووي عنه. واختلف جواب الإمام (¬3) أحمد عن هذا الحديث؛ فأجاب مرة بأنه قد روي خلافه وذكر حديث حفصة (¬4)، وأشار إلى أنه اختلف في إسناد حديث عائشة، وأجاب غيره بأنه اختلف حديث عائشة وحفصة -رضي الله عنها- في النفي والإثبات، والإثبات (¬5) مقدم؛ لأن معه علمًا خفي عن النافي. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1176). (¬2) هكذا بالأصل، والصواب عكسه أن إبراهيم ابن أخت الأسود. انظر: "تهذيب الكمال" 3/ 233. (¬3) زيادة من (ل). (¬4) قبل السابق. (¬5) زيادة من (ل).

وأجاب أحمد مرة أخرى بأن عائشة أرادت أنه لم يصم العشر كاملًا، وحفصة أرادت أنه كان يصوم غالبه فينبغي أن يصام بعضه ويترك بعضه. وهذا الجمع يصح في رواية من روى: ما رأيته صائمًا العشر. كرواية المصنف، وأما من روى: ما رأيته صائمًا في العشر. فيبعد، وكان ابن سيرين (¬1) يكره أن يقال: صام العشر؛ لأنه يوهم دخول يوم النحر فيه، وإنما يقال: صام التسع كما في الحديث المتقدم، ولكن الصيام إذا أضيف إلى العشر فالمراد صوم ما يجوز صومه منه ولو نذر صيام العشر (¬2) فينبغي أن يصرف إلى التسع (¬3). * * * ¬

_ (¬1) زيادة من (ل). (¬2) زيادة من (ل). (¬3) انظر: "لطائف المعارف" لابن رجب ص 289.

64 - باب في صوم عرفة بعرفة

64 - باب في صَوْمِ عَرفةَ بِعَرَفَةَ 2440 - حَدَّثَنا سُليْمانُ بْنُ حَرْب، حَدَّثَنا حَوْشَبُ بْن عَقِيلٍ، عَنْ مَهْديٍّ الهَجَريِّ، حَدَّثَنا عِكْرِمَةُ قالَ: كُنّا عِنْدَ أَبى هُريْرَةَ في بيْتِهِ فَحَدَّثَنا أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ صَوْمِ يومِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ (¬1). 2441 - حَدَّثَنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبي النَّضْرِ، عَنْ عميْرٍ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبّاسٍ، عَنْ أُمِّ الفَضْلِ بِنْتِ الحارِثِ أَنَّ ناسًا تَمارَوْا عِنْدَها يومَ عَرَفَةَ في صَوْمِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقالَ بَعْضُهُمْ هُوَ صائِمٌ. وقالَ بَعْضُهُمْ ليْسَ بِصائِمٍ. فَأَرْسَلَتْ إِليْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ واقِف عَلَى بَعِيرِهِ بِعَرَفَةَ فَشَرِبَ (¬2). * * * باب صوم يوم عرفة بعرفة [2440] (حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حَوشب) بفتح الحاء المهملة (بن عَقيل) بفتح المهملة بصري ثقة. (عن مهدي) بن حرب (الهَجَري) بفتح الهاء والجيم، قال يحيى بن معين: لا أعرفه (¬3). (عن عكرمة قال: كنا عند أبي هريرة في بيته، فحدثنا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ) رواه الحاكم أبو عبد الله وقال: هو على شرط البخاري، وأقره الحافظ الذهبي في مستخرجه على ذلك (¬4) ولا ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (1732)، وأحمد 2/ 304، والنسائي في "السنن الكبرى" (2830). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (421). (¬2) رواه البخاري (1661)، ومسلم (1123). (¬3) انظر: "الجرح والتعديل" 8/ 337. (¬4) "المستدرك" 1/ 433.

يعارضه تضعيف النووي (¬1)، فإن الحاكم حجة. ورواه أحمد (¬2) والنسائي (¬3) وابن ماجه (¬4) والبيهقي (¬5) من حديث أبي هريرة، قال العقيلي: قد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بأسانيد جياد أنه لم يصم يوم عرفة بها (¬6). ورواه ابن خزيمة وصححه (¬7) ووثق مهديّا المذكور ابن حبان (¬8). وقد استدل به على استحباب الفطر يوم عرفة لمن كان بها ليتقوى على الدعاء في هذا اليوم المعظم الذي يستجاب فيه الدعاء في ذلك الموقف الشريف الذي يقصد من كل فج عميق رجاء فضل الله فيه، وهو قول أكثر أهل العلم. وقال عطاء: أصوم في الشتاء ولا أصوم في الصيف؛ (¬9) لأن كراهة صومه إنما هي معللة بالضعف على الدعاء، فإذا قوي عليه أو كان في الشتاء لم يضعف فتزول الكراهة. وصحح النووي في "شرح المهذب" (¬10) و"تصحيح التنبيه" (¬11) أن ¬

_ (¬1) "المجموع" 6/ 380. (¬2) "مسند أحمد" 2/ 304. (¬3) "سنن النسائي الكبرى" (2843). (¬4) "سنن ابن ماجه" (1732). (¬5) "سنن البيهقي الكبرى" 4/ 284. (¬6) "الضعفاء الكبير" للعقيلي (478). (¬7) "صحيح ابن خزيمة" (2101). (¬8) "الثقات" لابن حبان 7/ 501. (¬9) "مصنف عبد الرزاق" (7822). (¬10) "المجموع" 6/ 380. (¬11) "تصحيح التنبيه" ص 229.

صومه خلاف الأولى، ونسبه إلى الشافعي والجمهور. وقال في "الحلية": إن كان قويّا وفي الشتاء ولا يضعفه عن الدعاء فالصوم أفضل، وبه قالت عائشة وعطاء وأبو حنيفة وجماعة من أصحابنا (¬1). وبه جزم القاضي حسين في "تعليقه". ومنها يغترف المتولي، قال النووي فيما علقه على "التنبيه" (¬2) واقتضاه كلام غيره: يستثنى من إفطار الحجيج ما لو كان الحاج لا يأتي عرفة إلا ليلًا استحب له صومه كغيره، وحكى الإسنوي عن الشافعي في "الإملاء": أحب للمسافر أن يترك صوم عرفة. [2441] (حدثنا القعنبي، عن مالك، عن أبي النضر) مولى عمر بن عبيد الله (عن عمير مولى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، عن أم الفضل) لُبَابة بضم اللام وتخفيف الموحدة الأولى (بنت الحارث) أخت ميمونة: (أن ناسًا تَمَارَوا) (¬3) أي: اختلفوا، ووقع عند الدارقطني في "الموطآت" من طريق أبي نوح عن مالك: اختلف ناس من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-. (عندها يوم) بالنصب (عرفة في صوم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) وهذا يشعر بأن صوم يوم عرفة كان معروفًا عندهم معتادًا لهم في الحضر، فكان من جزم ¬

_ (¬1) انظر: "حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء" للشاشي القفال 3/ 176 بنحوه. ولكن في "المجموع" نسبه لـ"حلية" الروياني. وهو كتاب "حلية المؤمن". والمصنف ينقل عن النووي، فلعله يقصد كتاب الروياني. (¬2) "نكت التنبيه " 3/ 207. (¬3) ورد بعدها في الأصل: نسخة: رواية: اختلفوا.

بأنه صائم استند إلى ما ألفه من العادة، ومن جزم بأنه غير صائم قامت عنده قرينة أنه كان مسافرًا (¬1)، وقد عرف نهيه عن صوم الفرض في السفر فضلًا عن النفل (¬2). (فقال بعضهم: هو صائم) استند إلى [ما ألفه من عادته في الحضر (وقال بعضهم: هو صائم) استند إلى] (¬3) قرينة سفره (فأرسلت إليه بقدح لبن) في رواية للبخاري: فأرسلت إليه ميمونة بنت الحارث بحلاب (¬4). فيحتمل التعدد، ويحتمل أنهما معًا أرسلتا فينسب ذلك إلى كل واحدة منهما؛ لأنهما كانتا أختين. (وهو واقف على بعيره بعرفة) زاد أبو نعيم في "المستخرج" من طريق يحيى عن مالك: وهو يخطب الناس. وللبخاري في الأشربة: وهو واقف عشية عرفة (¬5). (فشربه) فشرب زاد البخاري في حديث وفي رواية ميمونة: فشرب منه (¬6)، وهو مشعر بأنه لم يستوف شربه ليكون أبلغ في البيان. وفي الحديث جواز الركوب في حال الوقوف، وترجم البخاري على هذا الحديث: باب الشرب في القدح، وشُرب الواقف على البعير، وفيه دليل على استحباب الفطر يوم عرفة. ¬

_ (¬1) في النسخ الخطية: مسافر. والجادة النصب كما أثبتناه. (¬2) انظر: "فتح الباري" لابن حجر 4/ 237. (¬3) سقط من (ر). (¬4) "صحيح البخاري" (1989). (¬5) "صحيح البخاري" (5618). (¬6) "صحيح البخاري" (1989).

واستشكل بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد يترك المستحب لبيان الجواز، ويكون في حقه أفضل لمصلحة التبليغ، وجاء عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه قال: يجب فطر يوم عرفة للحاج (¬1). وقيل: إنما شرب النبي -صلى الله عليه وسلم- وأفطر لموافقته يوم الجمعة وقد نهى عن إفراده بالصوم. وقيل: إنما كره صوم عرفة وأفطر لأنه يوم عيد لأهل الموقف، ويدل عليه الحديث المتقدم: "يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام" (¬2). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" 4/ 238. (¬2) سلف برقم (2419).

65 - باب في صوم يوم عاشوراء

65 - باب في صَوْمِ يَوْمِ عاشُوراءَ 2442 - حَدَّثَنا عَبْد اللهِ بْن مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِك، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها قالَتْ: كانَ يَوْمُ عاشوراءَ يَوْمًا تَصومُه فريْش في الجاهِلِيَّةِ وَكانَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَصُومُهُ في الجاهِلِيَّةِ فَلَمّا قَدِمَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- المَدِينَةَ صامَة وَأَمَرَ بِصِيامِهِ فَلَمّا فرِضَ رَمَضانُ كانَ هُوَ الفَرِيضَةَ وَتُرِكَ عاشُوراءُ فَمَنْ شاءَ صامَهُ وَمَنْ شاءَ تَرَكَة (¬1). 2443 - حَدَّثَنا مُسَدَّد، حَدَّثَنا يحيى، عَنْ عُبيْدِ اللهِ، قالَ: أَخْبَرَني نافِعٌ، عَنِ ابن عُمَرَ قالَ: كانَ عاشوراءُ يَوْمًا نَصومُهُ في الجاهِلِيَّةِ فَلَمّا نَزَلَ رَمَضان قالَ رَسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "هذا يَوْمٌ مِنْ أيّامِ اللهِ فَمَنْ شاءَ صامَهُ وَمَنْ شاءَ تَرَكَهُ" (¬2). 2444 - حَدَّثَنا زِيادُ بْنُ أيُّوبَ، حَدَّثَنا هُشيْمٌ، حَدَّثَنا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: لّمَا قدِمَ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- الَمدِينَةَ وَجَدَ اليَهودَ يَصُومُونَ عاشُوراءَ فَسئِلوا عَنْ ذَلِكَ فَقالُوا هذا اليَوْمُ الذي أَظْهَرَ اللهُ فِيهِ موسَى عَلَى فِرْعَوْنَ وَنَحْن نَصومُهُ تَعْظِيمًا لَهُ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ". وَأَمَرَ بِصِيامِهِ (¬3). * * * باب صوم عاشوراء [2442]، (حدثنا القعنبي، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير، (عن عائشة قالت: كان يوم عاشوراء يومًا تصومه قريش ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2002)، ومسلم (1125). (¬2) رواه البخاري (4501)، ومسلم (1126). (¬3) رواه البخاري (3943)، ومسلم (1130). وانظر ما بعده.

في الجاهلية) يدل على أن صيام هذا اليوم كان عندهم معلوم (المشروعية) (¬1) والقدر، ولعلهم كانوا يستندون في صومه إلى أنه من شريعة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وأنهم كانوا ينتسبون إليهما ويستندون في كثير من أحكام الحج وغيره إليهما. (وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصومه في الجاهلية) يحتمل أن يكون بحكم الموافقة لهم عليه كما وافقهم على أن حج معهم على ما كانوا يحجون أي حجته الأولى التي حجها قبل هجرته، وقيل: فرض الحج إذ كل ذلك فعل خير. ويؤخذ منه أنه -صلى الله عليه وسلم- كان متمسكًا قبل البعث بشريعة إبراهيم-عليه السلام-. قال القرطبي بعدما حكى الأول: ويمكن أن الله أذن له في صيامه فلما قدم المدينة وجد اليهود يصومون فسألهم عن الحامل لهم على صومه (¬2). كما سيأتي بعده. (فلما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة) وجدهم يصومونه (صامه وأمر بصيامه) أي: أوجب صيامه، وأكد (¬3) أمره عندهم حتى كانوا يُصوِّمون الصغار وتصنع لهم اللعبة من العهن وهو الصوف الأحمر ويلهيهم بشغلهم. (فلما نزل فرض رمضان) ونسخ وجوب صوم يوم عاشوراء (كان هو الفريضة) الناسخة لما قبلها المستمر ثبوتها (وتُرك) صيام (عاشوراء) وقال: "إن الله لم يكتب صيام هذا اليوم" (¬4). وخير في صومه وفطره ¬

_ (¬1) في (ر): الشرعية، والمثبت من (ل). (¬2) "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" 3/ 191. (¬3) في النسخ الخطية: وكذا. والمثبت من "المفهم". (¬4) رواه مالك في "الموطأ" 1/ 299، ورواه البخاري (2003) ومسلم (1129) بنحوه.

فقال: (فمن شاء صام ومن شاء تركه) ثم ألقى الفضيلة في صومه في قوله: "وأنا صائم" (¬1). ينبني على الخلاف المعروف عند الأصوليين إذا نسخ الوجوب هل يبقى الجواز أو الاستحباب. [2443] (حدثنا مسدد، ثنا يحيى) القطان، (عن عبيد الله) بن عمر ابن حفص العدوي (أخبرني نافع، عن ابن عمر قال: كان عاشوراء يومًا نصومه) بالنون (في الجاهلية، فلما نزل) صوم شهر (رمضان قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هذا يوم من أيام الله) إضافته إلى الله فيه نوع تعظيم لصيامه؛ فإن هذِه الإضافة إضافة إكرام وتعظيم فهو كقوله تعالى: {نَاقَةُ اللَّهِ} (فمن شاء صامه ومن شاء تركه) (¬2) معناه أنه ليس صيامه متحتمًا؛ فأبو حنيفة يقدره ليس بواجب، والشافعية يقدرونه ليس متأكدًا أكمل التأكيد، وعلى التقديرين هو سنة مستحبة الآن من حين قال هذا الكلام (¬3). [2444] (حدثنا زياد بن أيوب) الطوسي الحافظ ببغداد، (حدثنا هشيم، حدثنا أبو بشر) جعفر بن إياس (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لما قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء، فسئلوا عن ذلك) قال النووي: وفي رواية: فسألهم (¬4) قال: والمراد بالروايتين أمر من سألهم (¬5). (فقالوا له: هذا اليوم الذي أظهر الله فيه موسى) -عليه السلام- (على فرعون) أي: بالغلبة. ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (2003) ومسلم (1129). (¬2) ورد بعدها في الأصل: نسخة: أفطره. (¬3) "شرح النووي على مسلم" 8/ 5. (¬4) رواية للبخاري (4737)، ومسلم (1130). (¬5) شرح النووي على مسلم" 8/ 9.

قال الليث: الظهور الظفر (¬1) بالشيء، وزاد في رواية أحمد: "وهذا يوم استوت فيه السفينة على الجودي فصام نوح وموسى عليهما السلام" (¬2)، ورواية مسلم: "هذا يوم عظيم أنجى الله موسى وقومه، وغرق فرعون وقومه؛ فصامه موسى (¬3) شكرًا". (فنحن نصومه تعظيمًا له) أي لهذا اليوم، وفي مسلم: "كانوا يتخذونه عيدًا وبلبسون نساءهم فيه حليهم". (فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ) رواية مسلم: "نحن أحق" أي باتباع الأنبياء عليهم السلام والاقتداء بأفعالهم. (وأمر بصيامه) قال المازري: خبر اليهود غير مقبول، فيحتمل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أوحي إليه بصدقهم فيما قالوه، أو تواتر النقل عنده بذلك حتى حصل له العلم به (¬4). قال القاضي عياض ردّا عليه: قد روى مسلم أن قريشًا كانت تصومه فلما قدم المدينة صامه فلم يحدث له بقول اليهود حكم حتى يحتاج إلى الكلام عليه، وإنما هي صفة حال وجواب سؤال (¬5). * * * ¬

_ (¬1) في النسخ الخطية: الظهر الظهور. والمثبت من "تهذيب اللغة" أبواب الهاء والظاء. (¬2) "مسند أحمد" 2/ 359. (¬3) سقط من (ر). (¬4) "المعلم" 1/ 314. (¬5) "إكمال المعلم شرح صحيح مسلم" للقاضي عياض 4/ 83.

66 - باب ما روي أن عاشوراء اليوم التاسع.

66 - باب ما رُويَ أَنَّ عاشُوراءَ اليَوْم التّاسِعُ. 2445 - حَدَّثَنا سُليْمان بْن داوُدَ المَهْريُّ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَنى يحيي بْنُ أيُّوبَ، أَنَّ إِسْماعِيلَ بْنَ أُميَّةَ القُرَشيَّ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبا غَطَفانَ يَقولُ سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ ابْنَ عَبّاسٍ يَقُولُ حِينَ صامَ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- يومَ عاشُوراءَ وَأَمَرَنا بِصِيامِهِ قالُوا: يا رَسولَ اللهِ إِنَّهُ يَوْم تُعَظِّمهُ اليَهُودُ والنَّصارى. فَقالَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "فَإذا كانَ العامُ المُقْبِلُ صُمْنا يَوْمَ التّاسِعِ". فَلَمْ يَأْتِ العامُ المُقْبِلُ حَتَّى تُوُفي رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- (¬1). 2446 - حَدَّثَنا مُسَدَّد، حَدَّثَنا يحيَى -يَعْني ابن سَعِيدٍ- عَنْ مُعاوِيةَ بْنِ غَلابٍ، ح وَحَدَّثَنا مُسَدَّد، حَدَّثَنا إِسْماعِيل، أَخْبَرَني حاجِبُ بْنُ عُمَرَ -جَمِيعًا المَعْنَى- عَنِ الَحكَمِ بْنِ الأعرَجِ قالَ: أَتيْتُ ابن عَبّاسٍ وَهُوَ متَوَسِّد رِداءَهُ في المَسْجِدِ الحَرامِ، فَسَألْتُهُ عَنْ صَوْمِ يومِ عاشُوراءَ فَقالَ: إِذا رَأيْتَ هِلالَ المُحَرَّمِ فاعْدُدْ فَإذا كانَ يَوْمُ التّاسِعِ فَأَصْبحْ صائِمًا. فَقُلْتُ: كَذا كانَ مُحَمَّد -صلى الله عليه وسلم- يَصُومُ، فَقالَ: كَذلِكَ كانَ محَمَّد -صلى الله عليه وسلم- يَصُوم (¬2). * * * باب: من رأى (¬3) أن عاشوراء اليوم التاسع [2445] (حدثنا سليمان بن داود المهري) بفتح الميم، المصري (أخبرنا) عبد الله (ابن وهب) الفهري (أخبرني يحيى بن أيوب) الغافقي قال النسائي: ليس بالقوي (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1134). وانظر ما بعده. (¬2) رواه مسلم (1133). وانظر ما قبله. (¬3) زاد في الأصل: نسخة: ما روي. (¬4) "الضعفاء والمتروكين" للنسائي (626)، وقال في "عمل اليوم والليلة" (365): عنده أحاديث مناكير وليس هو بذلك القوي في الحديث.

(أن إسماعيل بن أمية القرشي حدثه أنه سمع أبا غَطَفان) بفتح الغين المعجمة، اسمه سعد بن طريف بالفاء آخره المُرِّي بضم الميم وتشديد الراء. (يقول: سمعت عبد الله بن عباس يقول حين صام النبي -صلى الله عليه وسلم- عاشوراء وأمر بصيامه) استدل به أبو حنيفة وغيره على أن صيام عاشوراء كان واجبًا أول الإسلام ثم نسخ (¬1)، والصحيح الذي رجع إليه الشافعي أنه لم يكن واجبًا قط لما ثبت في الصحيحين عن معاوية أنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو على المنبر يقول: "إن هذا اليوم يوم عاشوراء لم يكتب عليكم صيامه" (¬2). فدل على أنه لم يجب قط؛ فإن (لم) حرف ينفي الماضي، وأما الأحاديث الواردة بالأمر به فمحمولة على تأكيد (¬3) الاستحباب (¬4). (قالوا: يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى)؛ لأن الله أنجى فيه موسى وأهلك فيه فرعون كما تقدم، (فقال رسول الله: فإذا كان العام المقبل صمنا يوم التاسع) ظاهره أنه كان عزم على أن يصوم التاسع بدل العاشر، وهذا هو الذي فهمه ابن عباس حتى قال في الحديث الذي بعده عن صوم عاشوراء، فإذا كان اليوم التاسع فأصبح صائمًا كما سيأتي، وبهذا تمسك من يراه التاسع، والظاهر من الحديث أنه ليس فيه دليل على أن يترك صوم العاشر، بل وعد بأن يصوم التاسع مع العاشر. ¬

_ (¬1) انظر: "البناية شرح الهداية" 4/ 3. (¬2) "صحيح البخاري" (2003)، "صحيح مسلم" (1129). (¬3) في (ر): تأكد. (¬4) انظر: "شرح النووي على مسلم" 8/ 4، "فتح الباري" لابن حجر 4/ 142.

(فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) في ربيع الأول من تلك السنة، وهذا تصريح في أن الذي صامه العاشر لا التاسع، وأخذ به الشافعي وأحمد وإسحاق (¬1) وآخرون أنه يستحب صوم العاشر والتاسع جميعًا؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- صام العاشر ونوى صيام التاسع. [2446] (حدثنا مسدد، حدثنا يحيى بن سعيد، عن معاوية بن غلاب) بفتح الغين المعجمة وآخره باء موحدة، النصري نصر بن عمرو البصري (¬2) وثقه ابن معين (¬3) والنسائي (¬4) قال الذهبي: له في الكتب حديث واحد، في أن عاشوراء يوم التاسع (¬5). (وحدثنا مسدد، حدثنا إسماعيل، أخبرني حاجب) بالحاء المهملة والجيم (ابن عمر) أبو خشينة الثقفي، وثقه أحمد (¬6). (جميعًا) أي: معاوية، وحاجب بن عمر (المعنى، عن الحكم) بن عبد الله (الأعرج) قال أحمد: هذا ثقة. وكذا أبو زرعة (¬7). (قال: أتيت ابن عباس وهو متوسد رداءه) قال الجوهري: الوساد ¬

_ (¬1) "مسائل أحمد وإسحاق" للكوسج (688)، وانظر: "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 7/ 464. (¬2) في "تهذيب التهذيب": معاوية بن عمرو بن خالد بن غلاب النصري مولى بني نصر ابن معاوية بصري. (¬3) "تاريخ ابن معين" (3698). (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 28/ 205. (¬5) "تذهيب تهذيب الكمال" للذهبي 9/ 39. (¬6) "الجرح والتعديل" 3/ 285. (¬7) "الجرح والتعديل" 3/ 120.

والوسادة المخدة، وقد وسدته الشيء فتوسده إذا جعله تحت رأسه (¬1). (في المسجد الحرام، فسألته عن صوم يوم عاشوراء) هو عند اليهود حادي عشرين بيسان (¬2) ونقل محمد بن عبد الحق المالكي في "شرح الموطأ" عن بعضهم أن تاسوعاء اسم لليلة التاسعة من المحرم، وعاشوراء اسم لليلة العاشرة، وإليهما اختلف اليوم، قالوا: ولو كان تاسوعاء اسم لليوم التاسع وعاشوراء اسم لليوم العاشر لم يجز أن يقال: يوم عاشوراء؛ لأنه يكون من إضافة الشيء إلى نفسه وهو ممتنع عند البصريين. واختلفوا في تسميتها عاشوراء، فذكر المنذري قولًا أن الله أكرم فيه عشرة من الأنبياء بعشر كرامات: فتاب الله على آدم فيه، ونجى إبراهيم من النار، وكشف البلاء عن أيوب، وأخرج يونس من بطن الحوت (¬3). (فقال: إذا رأيت هلال المحرم فاعدد) من أيامه (فإذا كان اليوم التاسع) من المحرم (فأصبح) بفتح الهمزة (صائمًا) هذا مذهب ابن عباس أن اليوم التاسع يوم عاشوراء كما ثبت في "صحيح مسلم" (¬4)، وتأوله على أنه مأخوذ من إظماء الإبل، وأن العرب تسمي اليوم الخامس (¬5) من الورد رِبعًا بكسر الراء وكذا تسمي باقي الأيام على ¬

_ (¬1) "الصحاح في اللغة" الجوهري 2/ 112. (¬2) زيادة من (ل). (¬3) أخرجه ابن الجوزي في "الموضوعات" مطولا 2/ 200. ثم قال: هذا حديث لا يشك عاقل في وضعه ولقد أبدع من وضعه وكشف القناع ولم يستحي. (¬4) (1133/ 132). (¬5) سقط من (ر).

هذِه النسبة فيكون التاسع عِشرًا بكسر العين وإسكان الشين، ويدل عليه ما روي في حديث ابن أبي ذئب: لأصومن عاشوراء [يوم التاسع] (¬1) (¬2). (فقلت: هكذا كان محمد -صلى الله عليه وسلم- يصوم) فيه دليل على أن للسائل أن يطلب الدليل من المفتي ونحوه، (فقال: كذلك كان محمد -صلى الله عليه وسلم- يصوم) فيه أن المستفتي إذا طلب الدليل يذكره له، وكذا إن علم أنه يحتاج إليه ولم يطلبه. * * * ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (3300).

67 - باب في فضل صومه.

67 - باب في فَضْل صَوْمِهِ. 2447 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الِمنْهالِ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ زُريْع، حَدَّثَنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ عَمِّهِ أَنَّ أَسْلَمَ أَتَتِ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- فَقالَ: "صُمْتُمْ يَوْمَكُمْ هذا". قالُوا: لا. قالَ: "فَأَتِمُّوا بَقِيَّةَ يَوْمِكُمْ واقْضُوهُ". قالَ أَبُو داودَ: يَعْني يَوْمَ عاشُوراءَ (¬1). * * * باب في فضل صومه أي: صوم عاشوراء. [2447] (حدثنا محمد بن المنهال) الضرير، روى له الشيخان (أنا يزيد بن زريع) بن معاوية الحافظ (حدثنا سعيد) بن أبي عروبة، (عن قتادة، عن عبد الرحمن بن مسلمة) وقيل: ابن سلمة، لم يرو عنه غير قتادة، (عن عمه: أن أسلم أتت النبي -صلى الله عليه وسلم-) أي: في يوم عاشوراء (فقال: صمتم يومكم هذا؟ ) رواية مسلم: [بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-] رجلا من أسلم] (¬2) يوم عاشوراء؟ فأمره أن يؤذن في الناس: من أكل فليتم صيامه إلى الليل (¬3). (قالوا: لا. قال: فأتموا بقية يومكم) رواية مسلم: من كان أكل فليتم صيامه هذا مما يدل على أنه كان واجبًا، كما قال به الشافعي -رضي الله عنه- أولًا ثم رجع عنه. ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 29، والنسائي في "الكبرى" (2851). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (422/ 1). (¬2) زيادة من (ل). (¬3) "صحيح مسلم" (1135).

وقال به بعض الشافعية وأبو حنيفة؛ لأن إمساك بقية اليوم من خواص رمضان، وهو مما اتفق عليه الأصحاب؛ لأن رمضان هو الزمان الذي طلب فيه الصوم بعينه، وهذا طلب فيه بعينه من الله تعالى بخلاف ما إذا نذر صوم يوم بعينه، واحتج أبو حنيفة بهذا الحديث لمذهبه على أن صوم رمضان وغيره من الفرض يجوز نيته في أثناء النهار، ولا يشترط تبييت النية له، قال: لأنهم نووا في النهار وأجزأهم إتمامه، وأجابوا عن هذا الحديث بأن المراد إمساك بقية النهار لا حقيقة الصوم، والدليل على هذا أنهم أكلوا ثم أمروا بالإتمام والقضاء، وقد وافق أبو حنيفة وغيره على أن شرط إجزاء النية في النهار في الفرض والنفل أن لا يتقدمها مفسد للصوم من أكل وغيره (¬1). وجواب ثانٍ أنه ليس في الحديث أنه أجزأهم بلا قضاء، بل أمروا بعده بالقضاء لقوله (¬2) (¬3). (واقضوه) وهذا فيه أيضًا دليل على أنه كان واجبًا؛ لأن القضاء من صفة الوجوب، وأما وجوب قضائه فعلى الصحيح الذي رجع إليه الشافعي أنه لم يكن واجبًا فالأمر بقضائه من باب الندب لا من باب الوجوب، وعلى القول المرجوع عنه لاحقًا في قضائه. (قال أبو داود: يعني: عاشوراء) بالمد كما تقدم. * * * ¬

_ (¬1) "شرح النووي على مسلم" (8/ 13 - 14). (¬2) زيادة من (ل). (¬3) انظر: "شرح النووي على مسلم" (8/ 14).

68 - باب في صوم يوم وفطر يوم

68 - باب في صَوْمِ يَوْم وفِطْرِ يَوْمٍ 2448 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى وَمُسَدَّدْ -والإِخْبارُ في حَدِيثِ أَحْمَدَ- قالُوا: حَدَّثَنا سُفْيانُ قالَ: سَمِعْتُ عَمْرًا، قالَ: أَخْبَرَني عَمْرُو بْنُ أوْسِ، سَمِعَهُ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قالَ: قالَ لي رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَحَبُّ الصِّيامِ إِلى اللهِ تَعالَى صِيامُ داوُدَ وَأَحَبُّ الصَّلاةِ إِلى اللهِ صَلاةُ داوُدَ كانَ يَنامُ نِصْفَهُ ويَقُومُ ثُلُثَهُ ويَنامُ سُدُسَهُ وَكانَ يفْطِرُ يِومًا ويَصُومُ يَوْمًا" (¬1). * * * باب صوم يوم وفطر يوم [2448] (حدثنا أحمد بن حنبل ومحمد بن عيسى) بن نجيح البغدادي، قال أبو داود: كان يحفظ نحوًا من أربعين ألف حديث، قال النسائي: ثقة (¬2). (ومسدد، والإخبار) بكسر الهمزة (في حديث أحمد) وغيره فبالتحديث (قالوا: حدثنا سفيان قال: سمعت عمرًا) بن دينار (قال: أخبرني عمرو بن أوس) الثقفي، قال فيه أبو هريرة -رضي الله عنه-: لا تسألوني وعمرو بن أوس فيكم (¬3). (سمعه من عبد الله بن عمرو) بن العاص -رضي الله عنه- (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أحب الصيام إلى الله تعالى صيام داود) استدل به جماعة من الشافعية منهم المتولي على أن صوم داود أفضل الصيام وأفضل من السرد، وهو ظاهر هذا الحديث بل صريحه. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1131)، ومسلم (1159). وانظر ما سلف برقم (2425، 2427). (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 258. (¬3) "الجرح والتعديل" (6/ 220).

وترجيح من حيث المعنى أيضًا بأن صيام الدهر قد يفوِّت بعض الحقوق كما تقدم، وبأن من اعتاده لا يكاد يشق عليه صيامه بل تضعف شهوته عن الأكل، وتقل حاجته إلى الطعام والشراب نهارًا، ويألف أكله في الليل بحيث يتجدد له طبع زائد بخلاف من يصوم يومًا ويفطر يومًا؛ فإنه ينتقل من صوم إلى فطر ومن فطر إلى صوم (¬1). ونقل الترمذي عن بعض أهل العلم أنه أشق الصوم (¬2). ومن رجح صوم الدهر يؤول هذا أن أحب الصيام في حق عبد الله بن عمرو (وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود) -عليه السلام-؛ لأنه كان أعبد الناس كما تقدم (كان ينام نصفه) وفي حديث ابن عباس في صفة تهجده -صلى الله عليه وسلم- أنه نام حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل، ثم استيقظ (ويقوم ثلثه) أي: السدس الرابع، والسدس الخامس. فيه دليل على أن المتهجد إذا قسم الليل أثلاثًا، فالثلث الذي بعد النصف الأول أفضل [لهذا الحديث، ورجح جماعة الثلث الأوسط] (¬3) للحديث المتفق عليه: "ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا حتى يبقى ثلث الليل الآخر" (¬4). (وينام سدسه) ليستيقظ لصلاة الصبح بنشاط (وكان يفطر يومًا ويصوم يومًا) هذا تفسير لصيام داود -عليه السلام-. * * * ¬

_ (¬1) "فتح الباري" لابن حجر (4/ 223). (¬2) "سنن الترمذي" (3/ 140). (¬3) زيادة من (ل). (¬4) "صحيح البخاري" (1145)، "صحيح مسلم" (758) من حديث أبي هريرة.

69 - باب في صوم الثلاث من كل شهر.

69 - باب في صَوْم الثَّلاثِ مِنْ كلِّ شَهْرٍ. 2449 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرِ، حَدَّثَنا هَمّامٌ، عَنْ أَنَسٍ أَخي مُحَمَّدٍ، عَنِ ابن مِلْحانَ القيْسيِّ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَأْمُرُنا أَنْ نَصُومَ البِيضَ ثَلاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخسَ عَشْرَةَ. قالَ: وقالَ: "هُنَّ كَهيْئَةِ الدَّهْرِ" (¬1). 2450 - حَدَّثَنا أَبُو كامِلٍ، حَدَّثَنا أَبو داوُدَ، حَدَّثَنا شيبان، عَنْ عاصِمٍ، عَنْ زِرِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَصُومُ -يَعْني مِنْ غُرَّةِ كُلّ شَهْرٍ- ثَلاثَةَ أيامِ (¬2). * * * باب صوم الثلاث من كل شهر [2449] (حدثنا محمد بن كثير، أنا همام، عن أنس) بن سيرين (أخي محمد) بن سيرين (عن) عبد الملك (بن) قتادة بن (مِلحان) بكسر الميم، ويقال: عبد الملك بن المنهال، كما في رواية ابن ماجه، قال ابن معين (¬3): ما حدث عنه غير أنس بن سيرين. قال الذهبي: وثق (¬4). ¬

_ (¬1) رواه النسائي 4/ 224، وابن ماجه (1707 م)، وأحمد 5/ 27، وابن حبان (3651). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2115/ 2). (¬2) رواه الترمذي (742)، وابن ماجه (1725)، وأحمد 1/ 406، والنسائي في "السنن الكبرى" (2677)، وابن خزيمة (2129)، وابن حبان (3641، 3645). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (2116). (¬3) هكذا في الأصول، والصواب ابن المديني؛ فإنه من كلامه. انظر: "علل الحديث ومعرفة الرجال لابن المديني" (ص 110). (¬4) "الكاشف" (2/ 213).

(القيسي) بفتح القاف، (عن أبيه) قتادة بن القيسي، قيس بن ثعلبة، وقتادة صحابي مسح النبي رأسه ووجهه (¬1). الملحان، أو المنهال. (قال: كان رسول الله يأمرنا أن نصوم) الأيام (البيض) تسمى (¬2) بيضًا (¬3) لبياضها بضوء القمر من أول لياليها إلى آخرها، فمعنى قولهم أيام البيض، أي: أيام ليالي البيض، وأما ما وقع في كثير من كتب الفقه كـ "الوسيط" و"التنبيه" ونحوهما، من قولهم: الأيام البيض بتعريف الأيام، ووصفها بالبيض فهو غلط؛ لأن الأيام كلها بيض، وعن علي: سميت أيام البيض؛ لأن آدم لما أهبط إلى الأرض أشرقت عليه الشمس فاسود جميع بدنه، فلما تاب الله عليه شكا ذلك إلى جبريل فأمره الله بصيام هذِه الأيام، فلما صامها آبيض جميع جلده (ثلاث عشرة) بإسكان الشين وكسرها لبني تميم. (وأربع عشرة وخمس عشرة) فيه: إثبات أيام البيض أنها الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، وفي وجه غريب حكاه الضميري والماوردي والبغوي وصاحب "البيان" أن الثاني عشر بدل الخامس عشر (¬4) وهو بعيد للأحاديث الواردة بخلافه ولمخالفته قول أهل اللغة، فإن ليالي البيض الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر تسمى بيضًا ¬

_ (¬1) رواه ابن قانع في "معجم الصحابة" 2/ 359، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" 4/ 2341 (5754) بنحوه. (¬2) في (ر): سمي. (¬3) في النسخ: بيض. (¬4) انظر: "روضة الطالبين" (2/ 387)، و"تحرير ألفاظ التنبيه" للنووي (1/ 129).

لبياضها بضوء القمر من أولها إلى آخرها. قال النووي: والاحتياط صوم الثاني عشر والخامس، واستشكل؛ لأن فيه صيام أربعة أيام والتعبد وقع بالوتر؛ لأن الله وتر يحب الوتر وصوم الأربعة يقويه ويجعله شفعًا. (وقال: هنَّ كهيئة) صيام (الدهر) أي: مثل صيام الدهر من غير تضعيف الحسنات المرتب على صومها حقيقة؛ لأن المقدر لا يكون مثل المحقق من كل وجه، والأجور تتفاوت بتفاوت المصالح والمشقة في الفعل، قالوا: والحكمة في صيام هذِه الثلاثة الأيام أنه لابد أن يكثر رطوبة الأبدان في هذِه الليالي لعموم ضوء القمر فيها، فأمر بصيامها لتزول من الأبدان الرطوبة المتحصلة من القمر بالصيام؛ فإنه يخفف البدن، وقيل: شكرًا لنعمة الله على بياض النهار والليل. [2450] [(حدثنا أبو كامل، حدثنا أبو داود] (¬1) حدثنا شيبان، عن عاصم، عن زر) بن حبيش بن حُبَاشة بضم الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة، عاش في الجاهلية ستين سنة وفي الإسلام ستين. (عن عبد الله) بن مسعود. (قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم يعني من غرة) بضم الغين المعجمة (كل شهر) قال أهل اللغة: كل ثلاث من الشهر يسمى اسمًا، فالأول: يسمى غرر، وغرة الشيء أوله، والثانية: نُفَل بضم النون وفتح الفاء لزيادتها على العدد، والنفل الزيادة، والثالثة: تسع؛ لأن آخرها ¬

_ (¬1) ليست في (ر)، ومستدركة من المطبوع.

التاسع، والرابع: عشر؛ لأن أولها العاشر، والخامس: بيض (¬1). كما تقدم (ثلاثة أيام) لكن الظاهر أن المراد هنا بالغرر الأيام البيض لذكرها عقب حديث أيام البيض، ولما روى النسائي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأعرابي: "كل". قال: إني صائم، قال: "صوم ماذا؟ " قال: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، قال: "إن كنت صائمًا فعليك بالغر البيض: ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة" (¬2). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "الأزمنة" لقطرب (ص 11). (¬2) "سنن النسائي" 4/ 223 (2427).

70 - باب من قال: الاثنين والخميس

70 - باب مَنْ قالَ: الاْثنيْنِ والخَمِيسِ 2451 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ عاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ سَواءٍ الخُزاعيَ، عَنْ حَفْصَةَ قالَتْ: كانَ رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَصوم ثَلَاثَةَ أيّام مِنَ الشَّهْرِ الاثنيْنِ والخَمِيسِ والاثنيْنِ مِنَ الجُمعَةِ الأخرى (¬1). 2452 - حَدَّثَنا زهيْرُ بْن حَرْبٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضيْل، حَدَّثَنا الَحسَنُ بْن عُبيْدِ اللهِ، عَنْ هُنيْدَةَ الخزاعيِّ، عَنْ أمِّهِ قالَتْ: دَخَلْت عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَسَألتها عَنِ الصِّيامِ فَقالَتْ: كانَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَأْمرُني أَنْ أَصُومَ ثَلَاثَةَ أيّام مِنْ كُلِّ شَهْرٍ أَوَّلها الاثنيْنِ والَخمِيسِ (¬2). * * * [باب من قال الاثنين والخميس يعني: هي الأيام البيض] (¬3) [2451] (حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، عن عاصم بن) أبي النَّجود بفتح النون (بَهْدلة) بفتح الباء الموحدة وسكون الهاء، قال الجوهري (¬4): بهدلة اسم أمه. وقال ابن أبي داود (¬5): زعم من لا يعلم أن بهدلة أمه، بل بهدلة أبوه. ¬

_ (¬1) رواه النسائي 4/ 203، وأحمد 6/ 287، والنسائي في "السنن الكبرى" (2675). (¬2) رواه النسائي 4/ 221، وأحمد 6/ 289 - 310. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (422/ 3)، قال: منكر. (¬3) زيادة من (ل). (¬4) "الصحاح في اللغة" 4/ 329. (¬5) انظر: "تاريخ دمشق" 25/ 228.

وهو أحد القراء السبعة الكوفي (عن سواء) بفتح المهملة والمد (الخزاعي) قال الذهبي: وثق (¬1). وهو أخو مغيث (عن حفصة قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم ثلاثة أيام من الشهر) أي من كل شهر (الاثنين) أي: أول الاثنين من الشهر كما في الرواية المتقدمة (والخميس) بالنصب عطف على الاثنين يعني: الذي بعد الاثنين الأول. وجمع البيهقي بين هذا الحديث وحديث الأيام البيض برواية مسلم الآتية: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم كل شهر ثلاثة أيام لا يبالي من أي شهر صام (¬2). قال: وكل من رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- فعل شيئًا ذكره، وعائشة رأت جميع ذلك (¬3). (والاثنين من الجمعة الأخرى) الذي يلي الخميس، فعلى هذا كان يجعلها من أول الشهر ولا يبالي بينهما، بل كان يتحرى بها يوم الاثنين مرتين والخميس مرة، واختار صيامه جماعة من الشافعية، وحكاه القرطبي عن جماعة المالكية. [2452] (حدثنا زهير بن حرب، حدثنا محمد بن فضيل) بالتصغير بن غزوان، قال أبو زرعة: صدوق من أهل العلم. وقال أبو داود: وكان شيعيّا محترقًا (¬4) (حدثنا الحسن بن عبيد الله) بالتصغير، أبو عروة النخعي ثقة كوفي (عن هنيدة) بالتصغير بن خالد، ثقة (الخزاعي، عن ¬

_ (¬1) "الكاشف" 1/ 410. (¬2) "صحيح مسلم" (1160). (¬3) انظر: "فتح الباري" لابن حجر 4/ 227. (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 297.

أمه) وفي الحديث المتقدم في صوم العشر: عن هنيدة بن خالد، عن امرأته، عن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- (¬1). (قالت: دخلت على أم سلمة) زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- (فسألتها عن الصيام فقالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرني أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر أولها الاثنين والخميس) [يجعل أول الأيام الاثنين أو الخميس] (¬2). قال في "شرح المصابيح": لأن الشهر إما أن يكون افتتاحه من الأسبوع في القسم الذي بعد الخميس فيفتتح من ذلك الشهر بالاثنين، وإما أن يكون في القسم الذي بعد الاثنين فيفتتح صومها في شهرها ذلك بالخميس، انتهى. فعلى هذا تكون الواو بمعنى أو التي للتقسيم، والمراد أنها تجعل أول الأيام الثلاثة الاثنين أو الخميس. قال القرطبي: اختار جماعة في صيام الثلاثة الأيام، ما جاء في حديث ابن عمر: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصوم ثلاثة من كل شهر أول الاثنين والخميس الذي بعده والخميس الذي يليه (¬3). * * * ¬

_ (¬1) تقدم برقم (2437). (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" 3/ 223، والحديث أخرجه النسائي (2414).

71 - باب من قال: لا يبالي من أي الشهر.

71 - باب مَنْ قالَ: لا يُبالي مِنْ أيِّ الشّهْرِ. 2453 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ، عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ، عَنْ مُعاذَةَ قالَتْ: قُلْتُ لِعائِشَةَ: أَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةَ أيّامٍ؟ قالَتْ: نَعَمْ. قلْتُ: مِنْ أيِّ شَهْرٍ كانَ يَصُومُ؟ قالَتْ: ما كانَ يُبالي مِنْ أيِّ أيّامِ الشَّهْرِ كانَ يَصُومُ (¬1). * * * باب من قال: لا يبالي من أي الشهر كان [2453] (حدثنا مسدد، حدثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان الرشك، قال الترمذي (¬2): هو القسام بلغة أهل البصرة. قال: وهذا الضبعي الحافظ الثبت الصالح (عن يزيد) بن حميد، روى له الشيخان (عن معاذة) بضم الميم، بنت عبد الله العدوية، كنيتها أم الصهباء بفتح الصاد المهملة والباء الموحدة (قالت: قلت لعائشة: أكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم من كل شهر ثلاثة أيام؟ قالت: نعم. قلت: من أي شهر) أي من أي الشهر رواية الترمذي: من أيه (¬3) (كان يصوم؟ قالت: ما كان يبالي من أي أيام الشهر يصوم) الثلاثة. فيه دليل على أن صيامه كان مطلقًا من غير تعيين، فيصوم الثلاثة في شهر من أوله وفي شهر من أوسطه وفي شهر من آخره، وفي شهر على غير ذلك، وفي هذا جمع بين الأحاديث الواردة بالتخصيص مع اختلافها، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1160). (¬2) "سنن الترمذي" (3/ 135)، ولم أجد الشطر الآخر من كلام الترمذي. (¬3) "سنن الترمذي" (763).

ولما رواه الترمذي عن عائشة: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم من الشهر السبت والأحد والاثنين، ومن الشهر الآخر الثلاثاء والأربعاء والخميس. ثم قال: حديث حسن (¬1). ويدل على عدم التعيين رواية أبي هريرة في الصحيحين: أوصاني خليلي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصيام ثلاثة أيام من كل شهر (¬2). * * * ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (746). (¬2) "صحيح البخاري" (1178)، "صحيح مسلم" (721).

72 - باب النية في الصيام.

72 - باب النِّيَّةِ في الصِّيام. 2454 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَني ابن لَهِيعَةَ ويَحْيَى بْنُ أيوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أبي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنِ ابن شِهاب، عَنْ سالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيامَ قَبْلَ الفَجْرِ فَلا صِيامَ لَهُ". قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ اللّيْثُ وَإِسْحاقُ بْنُ حازِمٍ أيْضًا جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي بَكْرٍ مِثْلَهُ وَوَقَفَهُ عَلَى حَفْصَةَ مَعْمَرٌ والزُّبيْديُّ وابْنُ عُييْنَةَ ويُونُسُ الأيْليّ كلّهُمْ عَنِ الزُهْريِّ (¬1). * * * باب النية في الصيام [2454] (حدثنا أحمد بن صالح) الطبري، روى له البخاري، كتب عن ابن وهب خمسين ألف حديث (حدثنا عبد الله بن وهب) الفهري المصري، أحد الأعلام (حدثني) عبد الله (ابن لهيعة) بفتح اللام، الحضرمي، قاضي مصر (ويحيى بن أيوب) المصري الغافقي (عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو (بن حزم) حجة (عن) محمد (بن شهاب) الزهري (عن سالم بن عبد الله) بن عمر، أحد الفقهاء التابعين (عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب. (عن حفصة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: مَنْ لم يجمع) بضم الياء وأما الميم ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (730)، والنسائي 4/ 196، وابن ماجه (1700)، وأحمد 6/ 287، والدارمي (1740)، و"ابن خزيمة" (1933). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2118).

فروي تشديدها وتخفيفها، أي: يقوم، يقال: جمعت الشيء وأجمعت عليه، أي عزم عليه (الصيام قبل الفجر) رواه النسائي والترمذي (¬1) وابن خزيمة في صحيحه (¬2) والبيهقي، وابن ماجه (¬3) والدارقطني (¬4) بلفظ: "من لم يفرضه من الليل". وأخرجه الدارقطني بلفظ (¬5): "من أجمع الصوم من الليل فليصم، ومن لم يجمعه فلا يصم". أخرجه عن ميمونة بنت سعد. وأخرج عن عائشة: "من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له" (¬6). وصوب النسائي وقفه (¬7). روي عن حفصة موقوفًا عليها ومرفوعًا، وروي موقوفًا عليها وعلى عائشة. وعن عبد الله بن عمر موقوفًا عليه. قال البيهقي (¬8) والدارقطني (¬9): رفعه عبد الله بن أبي بكر، وهو من الثقات الأثبات. وقال الحاكم في "الأربعين": هو صحيح على شرط الشيخين. وقال في المستدرك: صحيح على شرط البخاري (فلا صيام له) أي: لا يصح صومه. ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (730). (¬2) "صحيح ابن خزيمة" (1933). (¬3) "سنن ابن ماجه" (1700). (¬4) "سنن الدارقطني" 2/ 172. (¬5) "سنن الدارقطني" 2/ 173. (¬6) "سنن الدارقطني" 2/ 171. (¬7) "سنن النسائي الكبرى" 2/ 117. (¬8) "السنن الكبرى" للبيهقي (4/ 202)، "معرفة السنن والآثار" (6/ 220). (¬9) "سنن الدارقطني" (2/ 172).

استدل به على أنه لا يصح صوم رمضان ولا غيره من الصيام إلا بالنية؛ لقوله: "إنما الأعمال بالنية" (¬1). وقياسًا على الصلاة والزكاة والحج، ولا يشترط التلفظ بها إلا ما حكى الروياني عن (الزهري) (¬2) اشتراط التلفظ بها في كل عبادة، واستدل به أيضًا على اشتراط تبييت النية في صوم رمضان وغيره من الواجب كالكفارة وقضاء رمضان وفدية الحج وغير ذلك من الواجب. (قال أبو داود: رواه الليث وإسحاق بن حازم) بالحاء المهملة، وقيل: ابن أبي حازم البزاز المدني صدوق، تكلم فيه بالقدر (عن عبد الله بن أبي بكر) بن حزم، كذا رواه ابن ماجه (مثله) لكن لفظه: لم يفرض (¬3). كما تقدم. (ووقفه على حفصة معمر والزبيدي) بضم الزاي واسمه محمد بن الوليد راوي الزهري (و) سفيان (بن عيينة ويونس) بن يزيد (الأيلي) بفتح الهمزة وسكون المثناة تحت (كلهم) رووه (عن الزهري). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6689)، ومسلم (1907) من حديث عمر. (¬2) في (ر): الزبيري. (¬3) "سنن ابن ماجه" (1700).

73 - باب في الرخصة في ذلك.

73 - باب في الرُّخْصَةِ في ذَلِك. 2455 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ ح وَحَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شيْبَةَ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ جَمِيعًا، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يحيى، عَنْ عائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عائِشَةَ -رضي الله عنها- قالَتْ: كانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذا دَخَلَ عَليَّ قالَ: "هَلْ عِنْدَكمْ طَعامٌ". فَإِذا قلْنا: لا قالَ: "إِني صائِمٌ". زادَ وَكِيعٌ: فَدَخَلَ عَليْنا يَوْمًا آخَرَ فَقُلْنا: يا رَسُولَ اللهِ أُهْديَ لَنا حيْسٌ فَحَبَسْناهُ لَكَ. فَقالَ: "أَدْنِيهِ". قالَ طَلْحَة: فَأَصْبَحَ صائِمًا وَأَفْطَرَ (¬1). 2456 - حَدَّثَنا عُثْمان بْن أَبي شيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرُ بْن عَبْدِ الحَمِيدِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبي زِيابى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الحارِثِ، عَنْ أُمّ هانِئٍ قالَتْ: لمَّا كانَ يَوْمُ الفَتْحِ -فَتْحِ مَكَّةَ- جاءَتْ فاطِمَةُ، فَجَلَسَتْ عَنْ يَسارِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وأُمُّ هانِئٍ عَنْ يَمِينِهِ، قالَتْ: فَجاءَتِ الوَلِيدَةُ بإناءٍ فِيهِ شَرابٌ فَناوَلَتْهُ فَشَرِبَ مِنْهُ ثُمَّ ناوَلَهُ أُمَّ هانِئٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ، فَقالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ لَقَدْ أَفْطَرْتُ وَكُنْتُ صائِمَةً. فَقالَ لَها: "أَكُنْتِ تَقْضِينَ شيْئًا". قالَتْ: لا. قالَ: "فَلا يَضُرُّكِ إِنْ كانَ تَطَوُّعًا" (¬2). * * * باب الرخصة فيه أي: في ترك النية. [2455] (حدثنا محمد بن كثير، أنا سفيان) بن سعيد الثوري (وحدثنا ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1154). (¬2) رواه الترمذي (731)، وابن أبي شيبة 6/ 162 (9191)، وأحمد 6/ 342، والدارمي (1777)، والنسائي في "السنن الكبرى" (3304). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2120).

عثمان بن أبي شيبة، حدثنا وكيع، جميعًا عن طلحة بن يحيى) بن النعمان الدرقي، وثقه ابن معين وغيره (¬1) وقال أحمد (¬2): مقارب الحديث. (عن عائشة بنت طلحة) بن عبيد الله، أصدقها مصعب ألف ألف، وكانت مبدعة (¬3)، أمها أم كلثوم بنت الصديق (عن) خالتها (عائشة أم المؤمنين، قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل علي قال: هل عندكم طعام؟ ) رواية مسلم في "صحيحه" (¬4): قال لي رسول الله ذات يوم: "يا عائشة، هل عندكم شيء؟ "، وفي رواية: "غداء" (¬5). بفتح الغين وهو ما يؤكل قبل الزوال، ولا يسأل عما عهد فيه أن الإنسان إذا دخل بيته واحتاج إلى الأكل لا يعين لهم طعامًا بعينه، بل يطلب ما تيسر إن كان كما قال -صلى الله عليه وسلم-. (فإذا قلنا: لا، قال: إني صائم) فيه حجة لمذهب الجمهور أنه يصح النفل بنية في النهار قبل زوال الشمس، وبه قال جماعة من الصحابة. وقال مالك والمزني وأبو يحيى البلخي: لا يصح إلا بنية من الليل كالفرض لعموم الحديث المتقدم، وأجابوا عن الحديث بأن سؤاله أولًا: هل عندكم طعام كان لضعفه عن الصوم، فاحتاج إلى الفطر، فسأل، فلما لم يجد بقي على نيته المتقدمة وعلى صومه، قالوا: ويحتمل أن يكون قوله: "وأنا صائم"، أي: لم آكل بعد شيئًا، فيكون صائمًا لغة، ويرد ¬

_ (¬1) "تاريخ ابن معين" رواية الدارمي (446)، "الجرح والتعديل" 4/ 482. (¬2) "تاريخ بغداد" 9/ 348. (¬3) أي من أجمل نساء زمانها. (¬4) "صحيح مسلم" (1154). (¬5) رواه النسائي في "السنن" (2324)، وفي "الكبرى" (2645).

هذا رواية النسائي: فقال: "إذن أصوم" (¬1). أي: أبتدئ نية الصيام. وفي رواية للبيهقي وصححها أي: إذًا أصوم (¬2). والفرق بين صوم الفرض والنفل أن النفل أخف من الفرض، ولذلك يجوز ترك القيام والاستقبال في نوافل الصلاة مع القدرة دون الفرض. (زاد وكيع) في روايته: (فدخل علينا يومًا آخر) وفي رواية مسلم (¬3): أتانا يومًا آخر (فقلنا: يا رسول الله أهدي لنا) رواية مسلم: فخرج رسول الله، فأهديت لنا هدية أو جاءنا زور، فلما رجع رسول الله قلت: يا رسول الله، أهديت لنا هدية أو جاءنا زور، وقد خبأت لك شيئًا، قال: "ما هو؟ " قلت: (حيس) بفتح الحاء المهملة وهو التمر مع السمن والأقط، قال الشاعر: التمر والسمن جميعًا (¬4) والأقط ... الحيس، إلا أنه لم يختلط (¬5) وقال الهروي: هو ثريدة من أخلاط (¬6). والأول هو المشهور (فحبسناه لك) فيه أن ما أتى به إلى بيت الرجل من الهدية، وجاءهم ضيف يطعمونه منه ويدخرون للزوج ما يأكله إذا حضر ويعرفونه بما أهدي لهم في غيبته (فقال: أدنيه) لي بفتح الهمزة أي: قربيه، ورواية ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" (2330). (¬2) "السنن الكبرى" للبيهقي 4/ 203. (¬3) "صحيح مسلم" (1154). (¬4) سقطة من (ر). (¬5) انظر: "جمهرة اللغة" 1/ 536، 2/ 1049، "مجمع الأمثال" 1/ 62. (¬6) "الغريبين في القرآن والحديث" ص 516.

مسلم: "هاتيه". فأكل، ثم قال: "قد كنت صائمًا" (¬1)، وفي رواية له: "أرنييه (¬2)، فلقد أصبحت صائمًا". فأكل (¬3). (قال طلحة) بن يحيى: (فأصبح صائمًا وأفطر) وفيه التصريح بالدلالة لمذهب الشافعي وموافقيه في أن صوم النافلة يجوز قطعه والأكل في أثناء النهار؛ لأنه نفل فهو إلى خيرة الإنسان في الابتداء، وكذا في الدوام، وممن قال بهذا جماعة من الصحابة وأحمد، ولكنهم كلهم والشافعي معهم وكلهم متفقون على استحباب إتمامه. وقال أبو حنيفة ومالك: لا يجوز قطعه ويأثم بذلك، وحملوا هذا الحديث على أنه كان مجهودًا، فإن كان الفطر لعذر جاز القطع بلا إثم (¬4). وحكى ابن عبد البر الإجماع على أنه لا قضاء على من أفطر لعذر (¬5). قال القرطبي (¬6): كأنه لم يقف على ما ذكر عن ابن علية أنه يلزمه القضاء. [2456] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير) بالجيم، ابن عبد الحميد الضبي القاضي (عن منصور، عن يزيد بن أبي زياد) الكوفي مولى بني هاشم عالم فهم صدوق، (عن عبد الله بن الحارث) ابن نوفل الهاشمي، بَبَّة (¬7)، مات هاربًا من الحجاج، ويقال: ولد ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1154/ 169). (¬2) في النسخ: أدنيه. والمثبت من "صحيح مسلم". (¬3) "صحيح مسلم" (1154/ 170). (¬4) "الاستذكار" 3/ 355. (¬5) السابق. (¬6) "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" 3/ 220. (¬7) لقب له. انظر: "تهذيب الكمال" 14/ 398.

على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأتي به إليه فحنكه ودعا له، من التابعين. (عن أم هانئ) بهمز آخره، اسمها فاختة بنت أبي طالب (قالت: لما كان يوم الفتح فتح) بالجر (مكة جاءت فاطمة) ابنته رواية الترمذي: عن أم هانئ: كنت قاعدة عند النبي -صلى الله عليه وسلم- (¬1) "فجلست عن يسار رسول الله و) كانت (أم هانئ قاعدة، عن يمينه، قالت: فجاءت الوليدة) بفتح الواو، قال الجوهري: الوليدة هي الصبية والأمة، والجمع له الولائد (¬2). (بإناء فيه شراب، فناولته فشرب ثم ناوله أم هانئ) فيه أن السنة لمن شرب أن يسقي من على يمينه أولًا (فشربت منه، قالت: يا رسول الله، لقد أفطرت وكنت صائمة) رواية الترمذي: فقلت: يا رسول الله إني أذنبت فاستغفر لي، فقال يومًا ذاك، قالت: كنت (صائمة) (¬3) فأفطرت (فقال لها: ما كنت تقضين شيئًا) رواية الترمذي: "أمن قضاء كنت تقضينه؟ " (قالت: لا) رواه أحمد (¬4) والنسائي (¬5) من حديث حماد بن سلمة، عن سماك، عن هارون، عن أم هانئ. ورواه الدارقطني (¬6) والبيهقي (¬7) والطبراني (¬8) من طرق، ورواه قاسم ابن أصبغ في "جامعه"، وفيه: إني كنت صائمة، وإني كرهت أن أرد سؤرك، وفيه: فقال: "إن كان قضاء رمضان فصومي يومًا مكانه" (¬9)، ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (731). (¬2) "الصحاح في اللغة" للجوهري 2/ 116. (¬3) ساقطة من (ر). (¬4) "مسند أحمد" 6/ 343. (¬5) "سنن النسائي الكبرى" (3291). (¬6) "سنن الدارقطني" 2/ 174. (¬7) "سنن البيهقي الكبرى" 4/ 276. (¬8) "المعجم الأوسط" 2/ 170. (¬9) رواه بنحوه أبو داود الطيالسي في "المسند" 3/ 188 (1721)، وأحمد 6/ 343، =

ومما يقدح في الحديث ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، والنسائي، والطبراني: أنه كان يوم الفتح فتح مكة، ويوم الفتح كان في رمضان، فكيف يتصور قضاء رمضان أو غيره في رمضان؟ ! وفيه: أن من شرع في صوم قضاء، لم يجز له الخروج منه لتعينه كرمضان هذا فيما قضاؤه على الفور، وأما ما يجب قضاؤه على التراخي، ففي جواز الخروج منه وجهان: أصحهما عند الأكثرين لا يجوز؛ لظاهر الحديث. (قال: فلا يضرك) يعني الفطر (إن كان تطوعًا) فيه دليل على أن من شرع في صيام تطوع أو صلاة تطوع لم يلزمه إتمامها، ويجوز له الخروج منهما لعذر أو لغيره، ولا قضاء عليه، وبه قال أحمد (¬1)، لكن يستحب له إتمامهما، ويكره الخروج لغير عذر، لقوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (¬2). وللخروج من خلاف العلماء. ويستحب القضاء سواء خرج لعذر أو لغيره، واستدل القائلون بوجوب الإتمام بالحديث الصحيح: هل علي غيرها؟ قال: "لا (¬3) إلا أن تطوع" (¬4). وبالقياس على حج التطوع، وعمل به. * * * ¬

_ =والنسائي في "الكبرى" 2/ 250 (3305)، والطحاوي 2/ 107، والبيهقي 4/ 278 وغيرهم. (¬1) انظر: "المغني" 4/ 410. (¬2) محمد: 33. (¬3) ساقط من (ر). (¬4) رواه البخاري (46)، ومسلم (8/ 11).

74 - باب من رأى عليه القضاء

74 - باب مَنْ رَأى عليْهِ القَضاءَ 2457 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْب، أَخْبَرَنى حيْوَة بْن شُريْحٍ، عَنِ ابن الهادِ، عَنْ زُميل مَوْلَى عُروَةَ، عَنْ عُروَةَ بْنِ الزُّبيْرِ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: أهْديَ لي وَلَحِفْصَةَ طَعام وَكُنّا صائِمَتيْنِ فَأَفْطَرْنا، ثُمَّ دَخَلَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْنا لَه: يا رَسولَ اللهِ إِنّا أُهْدِيَتْ لَنا هَدِيَّة فاشْتَهيْناها فَأَفْطَرنا، فَقالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لا عَليْكُما، صُوما مَكانَهُ يَوْمًا آخَرَ" (¬1). * * * باب من رأى عليه القضاء [2457] (حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا عبد الله بن وهب، أخبرني حيوة بن شريح، عن) يزيد بن عبد الله بن أسامة (بن الهاد) الليثي (عن زُميل) بضم الزاي مصغر ابن عباس (مولى عروة) بن الزبير. (عن) مولاه (عروة بن الزبير، عن عائشة قالت: أهدي لي ولحفصة طعام) الظاهر أن عائشة رضي الله عنها كانت في بيت حفصة لما حضر الطعام، وفيه: دليل على أن المرأة إذا أهدي لها طعام أو غيره في غيبة زوجها تقبله إذا علمت أن زوجها يرضى بذلك، وأن لها أن تأكل منه وتطعم من عندها من أقارب الزوج وغيرهم إذا علمت رضا أو ظنَّتْه (وكنا صائمتين) متطوعتين (فأفطرنا) كما في رواية النسائي، فأكلنا أي منه قبل أن يأتي النبي -صلى الله عليه وسلم-. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (735)، ومالك 1/ 306، وأحمد 6/ 141، 263، والنسائي في "السنن الكبرى" (3290)، وابن حبان (3517). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (423).

(ثم دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) علينا (فقلنا له: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) رواية النسائي: فقالت له حفصة: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنا كنا صائمتين (¬1). و(أهديت لنا هدية فاشتهيناها فأفطرنا) عند النسائي: فأكلنا منه. فيه أن المرأة إذا حضر عندها زوجها تذكر له ما عرض لها في غيبته، والرجل إذا اجتمع بالعالم يسأله عما حدث له (فقال: لا) حرج (عليكما) في ذلك (صوما مكانه يومًا آخر) قال في "المنتقى": هذا أمر ندب؛ بدليل قوله قبله: "لا عليكما". استدل به (¬2) أبو حنيفة رحمه الله على أن المتطوع إذا خرج من صومه لغير عذر لزمه القضاء، وإن كان لعذر فلا قضاء، وجوابه أن الأمر محمول على الاستحباب كما تقدم إن صح، ويدل عليه: "لا عليكما". قال القمولي: وصح عن الزهري أنه قال: لم أسمع من عروة في هذا شيئًا (¬3). وقال البخاري (¬4): لا يعرف لزميل سماع من عروة، ولا ليزيد من زميل، ولا تقوم به الحجة، وزميل مجهول. قال ابن الأعرابي: هذا الحديث لا يثبت. * * * ¬

_ (¬1) "سنن النسائي الكبرى" (3290). (¬2) سقط من (ر). (¬3) انظر: "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" 12/ 69. (¬4) "التاريخ الكبير" 3/ 450.

75 - باب المرأة تصوم بغير إذن زوجها.

75 - باب المرْأةِ تَصُوم بغيْرِ إِذْنِ زَوْجها. 2458 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، حَدَّثَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبا هُريْرَةَ يَقُول: قالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لا تَصُومُ المَرْأَةُ وَبَعْلُها شاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ غيْرَ رَمَضانَ وَلا تَأْذَنُ في بيْتِهِ وَهُوَ شاهِدٌ إلَّا بإذْنِهِ" (¬1). 2459 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبي شيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ أَبي صالِح، عَنْ أَبي سَعِيدٍ قالَ: جاءَتِ امْرَأَةٌ إِلى النَّبي -صلى الله عليه وسلم- وَنَحْنُ عِنْدَهُ فَقالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ إِنّ زَوْجي صَفْوانَ بْنَ المُعَطَّلِ يَضْرِبُني إِذا صَلّيْتُ ويُفَطِّرني إِذا صُمْتُ وَلا تُصَلّي صَلاةَ الفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ. قالَ: وَصَفْوانُ عِنْدَهُ. قالَ: فَسَأَلهُ عَمّا قالَتْ: فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ أَمّا قَوْلُها يَضْرِبني إِذا صَلّيْتُ فَإِنَّها تَقْرَأُ بِسُورَتيْنِ وَقَدْ نَهيْتها. قالَ: فَقالَ: "لَوْ كانَتْ سُورَةً واحِدَةً لَكَفَتِ النّاسَ". وَأَمّا قَوْلُها: يُفَطِّرُني فَإِنَّها تَنْطَلِقُ فَتَصُومُ وَأَنا رَجُلٌ شابٌّ فَلَا أَصْبِرُ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَئِذٍ: "لا تَصُومُ امْرَأَةٌ إلَّا بِإذن زَوْجِها". وَأَمّا قَوْلها: إِنّي لا أُصَلّي حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإنّا أَهْلُ بيْتٍ قَدْ عُرِفَ لَنا ذاكَ لا نَكادُ نَسْتيْقِظُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ. قالَ: "فَإِذا اسْتيْقَظْتَ فَصَلِّ". قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ حَمّادٌ -يَعْني: ابن سَلَمَةَ- عَنْ حُميْدٍ أَوْ ثابِتٍ، عَنْ أَبي المتَوَكِّلِ (¬2). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5192، 5195)، ومسلم (1026). (¬2) رواه أحمد 3/ 80، 84، وأبو يعلى (1037)، وابن حبان (1488)، والحاكم 1/ 436، والبيهقي 4/ 303. ورواه ابن ماجه (1762) بلفظ: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- النساء أن يصمن إلا بإذن أزواجهن. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2122).

باب المرأة تصوم بغير إذن زوجها [2458] (حدثنا الحسن بن علي، حدثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن همام بن منبه، أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا تصوم المرأة) هو خبر في معنى النهي (وبعلها) أي: زوجها (شاهد إلا بإذنه) رواية البخاري (¬1): "لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه" (غير) بالنصب (رمضان) قال الجمهور: لا تصوم التطوع إلا بإذنه. وقال جماعة من أصحابنا: يكره، وأما صومها التطوع في غيبة الزوج عن البلد فجائز بلا خلاف لمفهوم الحديث، قاله في "الديباجة". (ولا تأذن في بيته وهو شاهد إلا بإذنه) أي: لا تأذن لأحد في دخول بيته والجلوس في منزله سواء أكان رجلًا أو امرأة أو أحد محارم الزوجة إلا إذا أذن أو علمت أو ظنت أنه لا يكره ذلك، فإن شكت في الرضى ولا قرينة فلا تأذن. [2549] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد) الخدري. (قال: جاءت امرأة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحن عنده فقالت: يا رسول الله، إن زوجي صفوان بن المعطل) بن رُبيْضة بفتح الموحدة وإسكان المثناة تحت، السلمي، الذي قيل فيه في الإفك وعائشة ما قيل، وكان خيِّرًا ديّنًا. (يضربني إذا صليت، ويفطرني إذا صمت، ولا يصلي صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، قال: وصفوان عنده يسمع، فسأله عما قالت، ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (1595).

فقال: يا رسول الله، أما قولها: يضربني إذا صليت فإنها تقرأ بسورتين) كذا وجد في بعض النسخ: "بسورتين" وهو ظاهر في كون السورتين غير الفاتحة (وقد نهيتها) فيه: أن للزوج أن يضرب زوجته إذا خالفته فيما لا معصية في فعله وتركه، وفي الحديث: "اضربوا النساء إذا عصينكم في المعروف ضربًا غير مبرح" (¬1). سئل ابن عباس رضي الله عنهما: ما الضرب غير المبرح؟ قال: الضرب بالسواك ونحوه (¬2). (فقال: لو كانت سورة واحدة لكفت الناس) كفى هنا بمعنى حسب، وفيه دليل على تعيين السورة دون بعضها لكل مصل إمامًا أو منفردًا (وأما قولها: ويفطرني إذا صمتُ، فإنها تنطلق فتصوم) أي تطوعًا (وأنا رجلٌ شابٌ فلا أصبر) على الجماع. (فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومئذٍ: لا تصوم امرأة إلا بإذنِ زوجِها) كما تقدم (وأما قولها: فإني لا أصلي حتى تطلع الشمس فإنا أهل) بالنصب على الاختصاص (بيت قد عرف لنا ذلك لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس، قال: فإذا استيقظت فصل) سواء قبل طلوع الشمس أو بعده. وفيه: أن النوم عذر لإخراج الصلاة عن وقتها رافع الإثم. (قال أبو داود: ورواه حماد بن سلمة، عن حميد أو عن ثابت) بن أسلم البناني، (عن أبي المتوكل) علي بن داود، ويقال: داود الناجي. * * * ¬

_ (¬1) رواه الطبري في "جامع البيان" (9377) مرسلًا. (¬2) "تفسير الطبري" (9386).

76 - باب في الصائم يدعى إلى وليمة.

76 - باب في الصّائِمِ يُدْعَى إلى وَليمَةٍ. 2460 - حَدَّثَنا عَبْد اللهِ بْنُ سَعِيدِ، حَدَّثَنا أَبُو خالِدٍ، عَنْ هِشام، عَنِ ابن سِيرِينَ، عَنْ أَبى هُريْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذا دُعيَ أَحَدُكُمْ فَليُجِبْ فَإنْ كانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ وَإِنْ كانَ صائِمًا فَلْيُصَلِّ". قالَ هِشام: والصَّلاةُ الدُّعاءُ. قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ حَفْصُ بْنُ غِياثٍ أيْضًاِ عَنْ هِشامِ (¬1). * * * باب في الصائم يدعى إلى وليمة [2460] (حدثنا عبد الله بن سعيد) بن حصين الكندي (حدثنا أبو خالد) سليمان (عن هشام) بن حسان الأزدي (عن ابن سيرين، عن أبي هريرة) -رضي الله عنه-. (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا دعي أحدكم فليجب) ولمسلم (¬2) عن جابر أنه فرض عين على كل من دعي، لكن يسقط بأعذار، هذا في وليمة العرس، وأما غيرها فالأصح أنها مستحبة (فإن كان مفطرًا فليطعم) بفتح الياء والعين استحبابًا (وان كان صائمًا فليصل، قال هشام: والصلاة الدعاء) لأهل الطعام بالمغفرة والبركة ونحو ذلك، هذا قول الجمهور، وقيل: المراد الصلاة الشرعية ذات الركوع والسجود، أي: يشتغل بالصلاة ليحصل له ولهم بركتها العامة. * * * ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1431) وانظر ما بعده. (¬2) "صحيح مسلم" (1430).

77 - باب ما يقول الصائم إذا دعي إلى الطعام

77 - باب ما يَقول الصّائِم إذا دُعيَ إِلى الطّعامِ 2461 - حَدَّثَنا مُسَدَّد، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ أَبي الزِّنادِ، عَنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبي هُريْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذا دُعيَ أَحَدُكُمْ إِلى طَعامٍ وَهُوَ صائِم فَلْيَقُلْ إِنّي صائِم" (¬1). * * * باب ما يقول الصائم إذا دعي إلى الطعام [2461] (حدثنا مسدد، حدثنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا دعي أحدكم إلى طعام وهو صائم فليقل: إني صائم) هو محمول على أنه يقول له اعتذارًا له، فإن سمح ولم يطالبه بالحضور سقط عنه الحضور، وإن لم يسامح وطالبه بالحضور لزم، وليس الصوم عذرًا في الإجابة. وفي هذا الحديث أنه لا بأس بإظهار العبادة النافلة من صيام وصلاة وغيرهما إذا دعت إليه حاجة، وإلا استحب إخفاؤها. وفيه الإرشاد (¬2) إلى تآلف القلوب بالأعذار. * * * ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1150) وانظر ما قبله. (¬2) في (ر): الإشارة.

كتاب الاعتكاف

كتاب الاعتكاف

78 - باب الاعتكاف

[كتاب الاعتكاف] 78 - باب الاعتِكافِ هو في اللغة لزوم الشيء وحبس النفس عليه. قال الشافعي: لزوم المرء شيئًا وحبس نفسه عليه برًّا كان أو إثمًا، قال الله تعالى: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} (¬1)، وقال تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (¬2). وفي الشرع: اللبث في المسجد، ويسمى أيضًا جوارًا، ومنه قول عائشة في حديث ليلة القدر: وهو مجاور في (¬3) المسجد (¬4). ¬

_ (¬1) الأنبياء: 52. (¬2) البقرة: 187 وانظر: "البيان في مذهب الإمام الشافعي" للعمراني (3/ 571)، "المجموع شرح المهذب" للنووي (6/ 474). (¬3) ساقطة من (ر). (¬4) رواه البخاري (296، 2028).

2462 - حَدَّثَنا قُتيْبَة بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللّيْثُ، عَنْ عُقيْلٍ، عَنِ الزُّهْريّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- كانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأوَاخِرَ مِنْ رَمَضانَ حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْواجُهُ مِنْ بَعْدِهِ (¬1). 2463 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّاد، أَخْبَرَنا ثابِتًا، عَنْ أَبي رافِعٍ، عَنْ أُبَي بْنِ كَعْب أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأوَاخِرَ مِنْ رَمَضانَ فَلَم يَعْتَكِفْ عامًا، فَلَمّا كانَ العامُ المقْبِلُ اعْتَكف عِشْرِين ليْلَةً (¬2). 2464 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبي شيْبَةَ، حَدَّثَنا أَبو معاوِيَةَ ويَعْلَى بْن عُبيْدٍ، عَنْ يحيى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: كانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذا أَرادَ أَنْ يَعْتَكف صَلَّى الفَجْرَ ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَة. قالَتْ: وإنَّهُ أَرادَ مَرَّة أَنْ يَعْتَكِفَ في العَشْرِ الأوَاخِرِ مِنْ رَمَضانَ. قالَتْ: فَأَمَرَ بِبِنائِهِ فَضُرِبَ، فَلَمّا رَأيْتُ ذَلِكَ أَمَرْتُ بِبِنائي فَضُرِبَ. قالَتْ: وَأَمَرَ غيْري مِنْ أَزْواجِ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- ببِنائِهِ فَضُرِبَ فَلَمّا صَلَّى الفَجْرَ نَظَرَ إِلى الأبنِيَةِ فَقالَ: "ما هذِه! الْبِرَّ تُرِدْنَ؟ ". قالَتْ: فَأَمَرَ بِبِنائِهِ فَقُوِّضَ وَأَمَرَ أَزْواجُهُ بِأَبْنِيَتِهِنَّ فَقوِّضَتْ، ثُمَّ أَخَّرَ الاعتِكافَ إِلى العَشْرِ الأُوَلِ، يَعْني: مِنْ شَوّالٍ. قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ ابن إِسْحاقَ والأوزاعيُّ، عَنْ يحيى بْنِ سَعِيد نَحْوَهُ، وَرَواهُ مالِك، عَنْ يحيى بْنِ سَعِيدِ قالَ: اعْتَكف عِشْرِينَ مِنْ شَوّال (¬3). * * * [2426] (حدثنا قتيبة، حدثنا الليث، عن عُقيل) بالتصغير بن خالد، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2026)، ومسلم (1172). (¬2) رواه ابن ماجه (1770)، وأحمد 5/ 141، والنسائي في "الكبرى" (3344)، وابن خزيمة (2225)، وابن حبان (3663). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2126). (¬3) رواه البخاري (2033)، ومسلم (1173).

(عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف العشر الأواخر) جمع آخرة؛ لأن العشر مؤنث، وإنما جمع باعتبار العشرين الذين قبله، وفي رواية في "الصحيح": العشر الآخر (من رمضان). فيه دليل على تأكيد استحباب اعتكاف العشر الآخر، فمن رغب في إقامة هذِه السنة، فينبغي أن يدخل المسجد قبل غروب الشمس ليلة الحادي والعشرين؛ لئلا يفوته شيء منه ويخرج بعد غروب الشمس ليلة العيد، سواء تم الشهر أو نقص، والأفضل أن يمكث فيه ليلة العيد حتى يصلي فيه صلاة العيد، أو يخرج منه إلى المصلى لصلاة العيد ويحيى تلك الليلة، والمقتضي لتأكيد الاعتكاف في العشر الأخير طلب ليلة القدر. (حتى قبضه الله تعالى) فيه دليل على أن اعتكافه لم ينسخ، بل استمر حكمه إلى أن توفي النبي -صلى الله عليه وسلم- (¬1)، وفي مواظبة النبي -صلى الله عليه وسلم- عليه ما يدل على تأكده، وزاد ابن ماجه (¬2) في رواية عن ابن عمر: كان إذا اعتكف طرح له فراشه وراء أسطوانة. (ثم اعتكف أزواجه من بعده) فيه: أن الاعتكاف ليس من خصائص النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل هو مسنون له ولمن بعده رجلًا كان أو امرأة، وهو حجة على من منع اعتكاف النساء في المسجد؛ فإنهن إنما اعتكفن على نحو ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعتكف؛ لأن الراوي عنهن ساق اعتكاف النبي -صلى الله عليه وسلم- ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) "سنن ابن ماجه" (1774).

واعتكافهن بعده مساقًا واحدًا، ولو خالفنه في المسجد لذكره، وكان يقول: غير أن ذلك في بيوتهن. [2463] (حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، حدثنا ثابت) بن أسلم البناني. (عن أبي رافع) الصائغ بالغين المعجمة، قيل: اسمه نفيع، تابعي (عن أبي بن كعب، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان) قال ابن المنذر: عن ابن شهاب أنه كان يقول: عجبًا للمسلمين، تركوا الاعتكاف والنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يتركه منذ دخل المدينة حتى قبضه الله تعالى (¬1). وروى ابن نافع عن مالك: فكرت في الاعتكاف وترك الصحابة له مع شدة اتباعهم للأمر، فوقع في نفسي أنه كالوصال، وأراهم تركوه لشدته، ولم يبلغني عن أحدٍ من السلف أنه اعتكف إلا عن أبي بكر ابن عبد الرحمن (¬2). (فلم يعتكف عامًا) لأنه كان فيه مسافرًا (فلما كان العام المقبل) بعده (اعتكف) فيه (عشرين ليلة) أي: متوالية العشر الأخير والأوسط الذي قبله، ويدل عليه تبويب البخاري على هذا الحديث باب الاعتكاف في العشر الأوسط من رمضان، وذكر قبله حديث أبي سعيد (¬3): اعتكفنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-[العشر الأوسط من رمضان. وقيل السبب في ¬

_ (¬1) حكاه ابن حجر أيضًا في "الفتح" 4/ 285. (¬2) انظر: "فتح الباري" لابن حجر 4/ 272. (¬3) "صحيح البخاري" (813).

اعتكاف عشرين أنه -صلى الله عليه وسلم-، (¬1) علم بانقضاء أجله، فأراد أن يستكثر من أعمال الخير لأمته. وقال ابن العربي (¬2): يحتمل أن يكون سبب ذلك أنه لما ترك الاعتكاف في العشر الأواخر؛ بسبب ما وقع من أزواجه واعتكف بعده عشرًا من شوال، كما سيأتي. [2464] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية) محمد بن حازم الضرير (ويعلي بن عبيد) بالتصغير، الطنافسي (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن عَمْرة) بنت عبد الرحمن (عن عائشة قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يعتكف صلَّى الفجر ثم دخل معتكفه) رواية ابن ماجه (¬3): صلى الفجر ثم دخل المكان الذي يريد أن يعتكف فيه (¬4). أخذ بظاهره في الاعتكاف بعد الفجر الأوزاعي والثوري والليث في أحد قوليه. ومذهب الشافعي -كما تقدم- وأبو حنيفة ومالك، لا يدخل اعتكافه إلا قبل غروب الشمس، وسبب هذا الاختلاف أن أول ليلة الاعتكاف هل هي داخلة في الأيام أم (¬5) لا تدخل، وأن اليوم هو المقصود بالاعتكاف والليل تابع؟ قولان، ومن قال بالأول تأول الحديث على أن معناه: أنه كان إذا صلى الصبح في الليلة التي دخل من أولها في ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) "عارضة الأحوذي" 4/ 6. (¬3) "سنن ابن ماجه" (1771). (¬4) ساقطة من (ر). (¬5) ساقطة من (ر).

اعتكافه دخل فيه اعتكافه التي كان ينزوي فيها نهاره؛ لا أن وقت دخوله قبته كان أول اعتكافه (¬1). (وإنه أراد مرة أن يعتكف في العشر الأواخر من رمضان فأمر ببنائه) أي: بخبائه كما في الصحيحين (¬2) والخباء واحد الأخبية من وبر أو صوف، ولا يكون من شعر، وهو على عودين أو ثلاثة، وما فوق ذلك فهو بيت (فضُرب) له (فلما رأيت ذلك أمرت ببنائي فضُرب) هذا يشعر أنها فعلت ذلك بغير إذن، وفي رواية البخاري (¬3): فاستأذنته عائشة أن تعتكف، فأذن لها، فضرب فيه، فسمعت حفصة بها فضربت فيه، كذا في رواية ابن فضيل (¬4) وفي رواية عمر بن الحارث: لتعتكف معه (¬5). وفي رواية للبخاري: فاستأذنت [حفصة عائشة، وفي رواية فسألت حفصة عائشة أن تستأذن] (¬6) لها ففعلت. (قالت: وأمر غيري من أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- ببنائه فضُرب) رواية البخاري: فلما رأته زينب بنت جحش ضربت خباء آخر، وفي رواية ابن فضيل: فسمعت بها زينب فضربت فيه أخرى، وفي رواية عمر بن ¬

_ (¬1) "المفهم" 3/ 244 - 245. (¬2) "صحيح البخاري" (2033)، "صحيح مسلم" (1172). (¬3) "صحيح البخاري" (2045). (¬4) "صحيح البخاري" (2041). (¬5) "صحيح ابن خزيمة" (2224). (¬6) ساقطة من (ر).

الحارث: فلما رأته زينب ضربت معهن، وكانت امرأة غيورًا (¬1). (فلما صلى) رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (الفجر نظر إلى الأبنية) في رواية مالك: فلما انصرف إلى المكان الذي أراد أن يعتكف فيه، إذا أخبية (¬2). وفي رواية ابن فضيل: فلما انصرف من الغداة أبصر أربع قباب (¬3). يعني: قبة له وثلاثة للثلاثة، وهذِه الرواية تبين أن المراد بقوله في الحديث ورواية مسلم (¬4): وأمر غيرها من أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- بخبائها فضرب. لا أن فيه تعميم أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك، ويدل على ذلك رواية ابن عيينة عند النسائي، فلما صلى الصبح إذا هو بأربعة أبنية، قال: "لمن هذِه؟ " قالوا: لعائشة وحفصة وزينب (¬5). (فقال: ما هذِه) الأخبية (آلْبِرَّ) بهمزة الاستفهام ممدودة (¬6) وبغير مد مع التسهيل، والبر بالنصب على أنه مفعول "تردن" مقدمًا، وفي رواية ابن فضيل: "حملهن على هذا البر؟ انزعوها" (تُردن) بضم أوله، قال) فأمر ببنائه فقُوِّضَ) بضم القاف وتشديد الواو المكسورة وبعدها ضاد معجمة، أي: نقض وأزيل، وكأنه -صلى الله عليه وسلم- خشي أن الحامل لهن على ذلك المباهاة والتنافس الناشئ عن الغيرة؛ حرصًا على القرب منه خاصة، فيخرج الاعتكاف عن موضوعه، أو لئلا يضيق المسجد على المصلين، أو ¬

_ (¬1) رواه ابن خزيمة 3/ 345 (2224)، وأبو عوانة 2/ 262 (3076)، وابن حبان 8/ 425 (3667). (¬2) "موطأ مالك" (690). (¬3) رواه البخاري (2041). (¬4) "صحيح مسلم" (1172). (¬5) "سنن النسائي الكبرى" (3333). (¬6) في (ر): ممدود.

بالنسبة إلى أن اجتماع النسوة عنده يصير كالجالس في بيته، وربما شغلنه عن التخلي للعبادة فيفوت مقصوده، وفي الحديث دليل لصحة اعتكاف النساء؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- كان أذن لهن، وإنما (¬1) منعهن من ذلك لعارض. (وأمر أزواجه) بالنصب (بأبنيتهن فقُوِّضت) أزيلت، يقال: قوضت الخباء أزلت عمده، وفيه منع الرجل امرأته من الاعتكاف بغير إذنه، وبه قال العلماء كافة. فلو أذن لها فهل له منعها بعد ذلك؟ فيه خلاف للعلماء، فعند الشافعي وأحمد: له منع زوجته ومملوكه وإخراجهما من اعتكاف التطوع، ومنعهما مالك، وجوز أبو حنيفة إخراج المملوك دون الزوجة (¬2). قال القرطبي (¬3): وتركه الاعتكاف إنما كان ذلك والله أعلم قبل أن يدخل في الاعتكاف، وهو الظاهر من مساق الحديث، فلا يكون فيه حجة لمن يقول أن من دخل في التطوع جاز له أن يخرج منه؛ فإنه إنما كان (¬4) عزم عليه وأراده؛ لا أنه دخل فيه (ثم أخَّر الاعتكاف) وتركه الاعتكاف في ذلك العشر الذي كان عزم على اعتكافه إنما كان ¬

_ (¬1) في (ر) وإن. (¬2) انظر: "المفهم" 3/ 246. (¬3) "المفهم" 3/ 246. (¬4) ساقطة من (ر).

مواساة (¬1) لأزواجه وتطييبًا لقلوبهن وتحسنًا لعشرتهن. وفيه: أن من يعزم (¬2) على فعل طاعة أنه يجوز له تركها، بل يكون الأفضل تركها لمصلحة يترجح فعلها على تلك الطاعة، ولا يقال إن في هذا ترك حق الله لحق الآدميين؛ لأن حسن المعاشرة وطلب تطييب قلوب الآدميين من حق الله تعالى، وتأخيره -صلى الله عليه وسلم- الاعتكاف إلى ما بعده، دليل على أن من عزم على طاعة وتركها لعارض يعزم على فعلها فيما بعد ذلك؛ فإن الصدق في العبادة أن يتمم ما عزم على فعله. (إلى العشر الأُوَل) فيه: أن من عزم على عبادة وتركها يأتي بها في أول زمان يمكنه الفعل فيه (يعني: من شوال) فيه دليل على الاعتكاف لا يختص برمضان، وإن كان الأفضل في رمضان. وفيه: ترك الأفضل إذا كان فيه مصلحة، وأن من خشي على عمله الرياء جاز له تركه، و [إن كان الأفضل] (¬3) أن يأتي به ويجتهد في الإخلاص. وفيه: أن الاعتكاف لا يجب بالنية، وأما قضاؤه له على طريق الاستحباب؛ لأنه كان إذا عمل عملًا داوم عليه، ولهذا لم ينقل أن نساءه اعتكفن معه في شوال، وأن المرأة إذا اعتكفت أو صلت في المسجد استحب لها التستر. وفيه دليل على ما ذهب إليه الشافعي وغيره أنه لا يشترط لصحة الاعتكاف الصيام، فإن يوم عيد الفطر كان فيه معتكفًا مفطرًا، وهو من ¬

_ (¬1) في (ر) مساواة. (¬2) في (ر) عزم. (¬3) ساقطة من (ر).

العشر. (قال أبو داود: رواه ابن إسحاق والأوزاعي، عن يحيى بن سعيد نحوه ورواه مالك، عن يحيى بن سعيد قال: اعتكف عشرين من شوال. هكذا وقع، والمحفوظ: عشرًا من شوال) فيه: فضيلة الاعتكاف في شوال، وأنه لا يختص برمضان كما تقدم، وفضيلة الاعتكاف المتوالي. * * *

79 - باب أين يكون الاعتكاف

79 - باب أيْن يَكون الاعْتِكاف 2465 - حَدَّثَنا سُليْمانُ بْنُ داوُدَ المَهْريُّ، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ أَنَّ نافِعًا أَخْبَرَهُ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- كانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأوَاخِرَ مِنْ رَمَضانَ. قالَ نافِعٌ: وَقَدْ أَرانى عَبْدُ اللهِ الَمكانَ الذي يَعْتَكِفُ فِيهِ رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الَمسجِدِ (¬1). 2466 - حَدَّثَنا هَنّادٌ، عَنْ أَبى بَكْرٍ، عَنْ أَبى حَصِينٍ، عَنْ أَبى صالِحٍ، عَنْ أَبى هُريْرَةَ قالَ: كانَ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- يَعْتَكِفُ كلَّ رَمَضانَ عَشَرَةَ أيّام فَلَمّا كانَ العام الذي قُبِضَ فِيهِ أعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا (¬2). * * * باب يكون موضع الاعتكاف معلوم (¬3) [2456] (حدثنا سليمان بن داود المَهْري) بفتح الميم (أنا) عبد الله (ابن وهب، عن يونس: أن نافعًا أخبره، عن ابن عمر: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان قال نافع) مولى ابن عمر (وقد أَراني) بفتح الهمزة (عبد الله) بن عمر (المكان الذي كان يعتكف فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) يعني: الموضع الذي كان اختصه لنفسه الذي كانت القبة التركية تنصب إليه، ومع أنه اختص موضع من المسجد فهو كان الإمام في حال اعتكافه، فكان يصلي بهم في موضعه المعتاد، ثم يرجع إلى معتكفه الذي اختصه بعد انقضاء صلاته. وتحصل منه جواز إمامه المعتكف، وقد منعها سحنون في أحد قوليه في الفرض والنفل، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2025)، ومسلم (1171). (¬2) رواه البخاري (204). (¬3) هكذا في الأصل، وفي المطبوع من "السنن" (باب أين يكون الاعتكاف).

والجمهور على جواز ذلك (¬1). ويدخل في رجوعه من المصلى إلى معتكفه صلاة الصبح، فيؤخذ منه أن من انتقل من مصلاه إلى مكان آخر في المسجد فضيلة من صلى الصبح ثم جلس في مصلاه حتى يصلي ركعتين. وأن المراد بالمصلى المسجد جميعه لا البقعة التي صلى فيها (¬2) بعينه كما قال بعضهم (من المسجد) قد يؤخذ منه: أن المسجد شرط في الاعتكاف؛ لقوله تعالى: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (¬3). [2466] (حدثنا هناد) بن السري، (عن أبي بكر) بن عياش المقرئ، (عن أبي حَصِين) بفتح الحاء عثمان الأسدي، (عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعتكف كل رمضان عشرة أيام) وهو الأواخر كما تقدم، (فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يومًا) قيل: السبب في ذلك أنه -صلى الله عليه وسلم- علم بانقضاء أجله فأراد أن يستكثر من أفعال الخير ليبين لأمته الاجتهاد في العمل إذا بلغوا أقصى العمر ليلقوا الله على خير أعمالهم، لما في الحديث: "خير الناس من طال عمره وحسن عمله" (¬4). وقيل: السبب فيه أن جبريل كان يعارضه القرآن في كل رمضان، ¬

_ (¬1) "المفهم" 3/ 247. (¬2) في (ر) بها. (¬3) البقرة: 187. (¬4) رواه الترمذي (2329)، من حديث عبد الله بن بسر، (2330) من حديث أبي بكرة. وقال: حسن صحيح. وصححه الألباني "صحيح الجامع" (3296).

فلما كان العام الذي قبض فيه [عارضه به مرتين فلذلك اعتكف قدر ما كان يعتكف مرتين، ويؤيده أن عند ابن ماجه عن هناد عن أبي بكر بن عياش وفي آخر الحديث متصلًا به وكان يعرض عليه القرآن في كل عام مرة فلما كان العام الذي قبض فيه] (¬1) عرض عليه مرتين (¬2). * * * ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) "سنن ابن ماجه" (1769)، وانظر: "فتح الباري" لابن حجر 4/ 285.

80 - باب المعتكف يدخل البيت لحاجته

80 - باب المُعْتَكِفِ يَدْخل البيْتَ لِحاجَتِه 2467 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُروَةَ بْنِ الزُّبيْرِ، عَنْ عَمرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: كانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذا اعْتَكَفَ يُدْني إِلى رَأْسَهُ فَأُرَجِّلهُ وَكانَ لا يَدْخل البيْتَ إلَّا لحِاجَةِ الإِنْسانِ (¬1). 2468 - حَدَّثَنا قُتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَبْدُ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ، قالا: حَدَّثَنا اللّيْثُ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُروَةَ، عَن عائِشَةَ، عَنِ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- نَحوَهُ. قالَ أَبُو داوُدَ: وَكَذَلِكَ رَواهُ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْريِّ، وَلَمْ يُتابعْ أَحَدٌ مالِكًا عَلَى عُروَةَ، عَنْ عَمْرَةَ وَرَواة مَعْمَرٌ وَزِيادُ بْن سَعْدٍ وَغيْرُهُما عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ عُروَةَ، عَنْ عائِشَةَ (¬2). 2461 - حَدَّثَنا سُليْمان بْنُ حَرْبٍ وَمُسَدَّدٌ، قالا: حَدَّثَنا حَمّادُ بْن زيْدٍ، عَنْ هِشامِ ابْنِ عُروَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: كانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَكُونُ مُعْتَكِفًا في المسْجِدِ فيناوِلني رَأْسَهُ مِنْ خَلَلِ الحُجْرَةِ فَأَغْسِل رَأْسَهُ. وقالَ مُسَدَّد: فَأُرَجِّلُهُ وَأَنا حائِضٌ (¬3). 2470 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَبُّويَةَ المَرْوَزيُّ، حَدَّثَني عَبْدُ الرَّزّاق، أَخْبَرَنا مَعمَرٌ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ عَليِّ بْنِ حُسيْنٍ، عَنْ صَفِيَّةَ قالَتْ: كانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مُعْتَكِفًا فَأَتيْتُهُ أَزُورُهُ ليْلًا فَحَدَّثْتهُ، ثُمَّ قُمْتُ فانْقَلَبْتُ، فَقامَ مَعي ليَقْلِبَني -وَكانَ مَسْكَنُها في دارِ أُسامَةَ بْنِ زيْدٍ -فَمَرَّ رَجُلانِ مِنَ الأنصارِ فَلَمّا رَأيا النَّبي -صلى الله عليه وسلم- أَسرَعا فَقالَ النَّبي -صلى الله عليه وسلم-: "عَلَى رِسْلِكُما إِنَّها صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَى". قالا: سُبْحانَ اللهِ يا رَسُولَ اللهِ! قالَ: "إِنَّ الشّيْطانَ يَجْري مِنَ الإِنْسان مَجْرى الدَّمِ فَخَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ في قُلُوبِكُما شيْئًا". أَوْ قالَ: "شَرّا" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (297). وانظر تالييه. (¬2) السابق. (¬3) رواه البخاري (295، 296، 2028)، ومسلم (297). وانظر الحديثين السابقين. (¬4) رواه البخاري (2035)، ومسلم (2175). وانظر ما بعده.

2471 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يحيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا أَبُو اليَمانِ، أَخْبَرَنا شُعيْبٌ، عَنِ الزّهْريِّ، بإِسْنادِهِ بهذا، قالَتْ: حَتَّى إِذا كانَ عِنْدَ بابِ المَسْجِدِ الذي عِنْدَ بابِ أمِّ سَلَمَةَ مَرَّ بِهِما رَجُلانِ. وَساقَ مَعناهُ (¬1). * * * باب المعتكف يدخل البيت للحاجة [2467] (حدثنا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عَمْرة بنت عبد الرحمن) بن سعد بن زرارة، وكانت في حجر عائشة (عن عائشة قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا اعتكف يدني إليَّ رأسه) أي: يقربه إليها، ورواية البخاري في الحيض: كان يخرج رأسه إلى وهو معتكف (¬2) وفي رواية له عن عائشة: أنها كانت ترجل شعر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي حائض (¬3). (فأرجِّلُه) بالجيم المشددة، أي: أسرحه. فإن قلتَ: الترجيل للشعر لا للرأس؟ قلتُ: أطلق المحل وأريد الحال فيه ذلك الشيء تجوزًا وهو من باب الإضمار تقديره: فأرجل شعر رأسه. فيه: دليل على أن المعتكف إذا خرج بعضه من المسجد كيده أو رجله أو رأسه لا يبطل اعتكافه، وأن من حلف لا يدخل دارًا (¬4) أو لا يخرج منها فأدخل بعضه أو أخرجه لا يحنث. ¬

_ (¬1) السابق. (¬2) "صحيح البخاري" (301) معلقًا. (¬3) "صحيح البخاري" (296). (¬4) في النسخ الخطية: دار.

وفيه: جواز استخدام الزوجة في الغسل ونحوه برضاها، وأما بغير رضاها فلا يجوز، وهو حجة في طهارة بدن الحائض. وفيه: أن المباشرة التي في قوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} لم يرد بها كل ما وقع عليه المس، وإنما المراد بها الجماع. وفيه: أن الحائض لا تدخل المسجد تنزيهًا له وتعظيمًا. واحتج به بعض المالكية على الشافعي في أن المباشرة الخفيفة في مثل هذا الحديث لا تنقض الوضوء، وليس فيه حجة عليه؛ لأن الشافعي لا يقول بأن مس الشعر ينقض الوضوء (¬1). (وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان) فسرها الزهري بالبول والغائط. وقد اتفقوا على استثنائهما، ويلحق بهما القيء والفصد لمن (¬2) احتاج إليه، واختلفوا في غيرهما من الحاجات كالأكل والشرب ولو خرج للبول أو الغائط فتوضأ خارج المسجد لم يبطل. [2468] (حدثنا قتيبة بن سعيد والقعنبي قالا: حدثنا الليث، عن ابن شهاب، عن عروة) بن الزبير (وعمرة) كذا في رواية الليث، جمع بينهما (عن عائشة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحوه وبذلك رواه يونس، عن الزهري. ولم يتابع أحد مالكا على) رواية (عروة عن عمرة) لكن ذكر الدارقطني (¬3) أن أبا ¬

_ (¬1) "الأم" 2/ 38 قال الشافعي: فإن أفضى بيده إلى شعرها ولم يماس لها بشرًا فلا وضوء عليه ... قال: ولو احتاط فتوضأ إذا لمس شعرها كان أحب إلي. وانظر: "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" 5/ 368. (¬2) سقط من (ر). (¬3) في (ر): القرطبي.

أويس رواه كذلك عن الزهري (¬1). واتفقوا على أن الصواب قول الليث، وأن الباقين اختصروا منه ذكر عمرة، وأن ذكر عمرة في رواية مالك من المزيد في متصل الأسانيد (¬2). (ورواه معمر وزياد بن سعد وغيرهما عن الزهري، عن عروة، عن عائشة) [2469] (حدثنا سليمان بن حرب ومسدد قالا: حدثنا حماد بن زيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير القرشي، (عن عائشة قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكون معتكفًا في المسجد) فيه: اشتراط المسجد للاعتكاف. (فيناولني رأسه من خلل) بفتح الخاء المعجمة واللام الأولى، وأصله الفرجة بين الشيئين جمعه خلال، قال الله: {يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ} (¬3) (الحجرة) البيت وكل موضع حجر عليه بالحجارة فهو حجرة، (فأغسل رأسه) رواية النسائي عن حماد عن إبراهيم: فأغسله بخطمي (¬4). فيه: دليل على جواز خدمة الحائض للمعتكف، وعلى جواز اغتسال المعتكف وغسل رأسه بسدر ونحوه، [وقد] (¬5) تقدم قبله. ¬

_ (¬1) "علل الدارقطني" 15/ 154 م (3914). (¬2) انظر: "السنن الأبين" ص 99، و"فتح الباري" لابن حجر 4/ 273. (¬3) النور: 48. (¬4) "سنن النسائي الكبرى" (3372) والخَطْمِيُّ: ضرب من النبات يُغْسَلُ به الرأسُ. انظر: "لسان العرب" 12/ 186، و"الصحاح في اللغة" للجوهري 5/ 193. (¬5) في النسخ الخطية: وفيه.

(وقال مسدد: فأرجله وأنا حائض) فيه ما تقدم، ولم يقل: حائضة؛ لأن الهاء التي للتأنيث يؤتى بها للفرق بين المذكر والمؤنث والحيض من الصفات المختصة بالنساء، فلا حاجة إلى أنها الفارقة. فإن قلت: قد جاءت (المرضعة) ونحوها. الجواب للزمخشري: المرضعة: هي التي في حال الإرضاع ملقمة ثديها الصبي، والمرضع: هي التي من شأنها الإرضاع وإن لم ترضع (¬1). ومعناه: أن (مرضعة) هو إذا جرى (¬2) فعل من أرضعت، ومرضع لمن هي ذات رضاع وإن لم ترضع. قال في "الانتصاف": الفرق بينهما أن [وروده على] (¬3) النسب لا يلاحظ فيه (¬4) حدوث الصفة المشتق منها، بل مقتضاه أنه (¬5) موصوف بها، وأما على (¬6) غير النسب يلاحظ حدوث الفعل وخروج الصفة عليه (¬7). فإذا قلت: مررت بامرأة حاملة. مررت بها في حال كونها حاملة، فإذا قلت: حامل. بغير هاء كان معناه: مررت (¬8) بامرأة من شأنها أن ¬

_ (¬1) "الكشاف" 3/ 143. (¬2) زاد بعدها في (ل): على. (¬3) من "الانتصاف"، وليست في النسخ الخطية. (¬4) في النسخ الخطية: فيها. والمثبت من "الانتصاف". (¬5) في النسخ الخطية: مقتضاها أنها. والمثبت من "الانتصاف". (¬6) من "الانتصاف" وليست من النسخ الخطية. (¬7) "الانتصاف على حاشية الكشاف" لابن المنير مع "الكشاف" 4/ 173. (¬8) زيادة من (ل).

تحمل، ولا يلزم أن تكون في وقت مررت بها حامل (¬1). [2470] (حدثنا أحمد بن محمد) بن شبويه (المَروزي) بفتح الواو، (حدثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري، عن علي بن حسين) بن علي ابن زين العابدين (عن صفية) أم المؤمنين أنها حدثته كما في "صحيح ابن حبان" (¬2). (قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معتكفًا) في المسجد في العشر الأواخر من رمضان كما في البخاري (¬3). (فأتيته أزوره) في اعتكافه، فيه دليل على زيارة المرأة الرجل المعتكف (¬4) زوجًا كان أو محرمًا لها (ليلًا) كذا رواية البخاري في باب صفة إبليس (¬5). وفيه: جواز خروج المرأة ليلًا من بيتها لزيارة جار أو محرم إذا أمنت على نفسها. (فحدثته) زاد البخاري: ساعة (¬6). وفي الأدب: ساعة من العشاء (¬7). فيه: تصريح بجواز حديث المعتكف مع غيره وإباحة خلوة المعتكف بزوجته وخادمته من أمة وغيرها. (ثم قمت فانقلبت) أي: لأرجع إلى البيت، (فقام معي ليقلبني) رواية ¬

_ (¬1) كذا قال المصنف. وفيه ما لا يخفى. (¬2) "صحيح ابن حبان" (4496). (¬3) "صحيح البخاري" (3281). (¬4) زيادة من (ل). (¬5) "صحيح البخاري" (3281). (¬6) "صحيح البخاري" (2035). (¬7) "صحيح البخاري" (6219).

البخاري: وكان النبي في المسجد وعنده أزواجه فَرُحْنَ، فقال لصفية بنت حيي: "لا تعجلي حتى أنصرف معك" (¬1). واختصاص صفية بذلك لكون مجيئها تأخر عن رفقتها، فأمرها بتأخير التوجه ليحصل لها التساوي في مدة جلوسهن عنده، أو أن بيوت رفقتها كانت أقرب من منزلها فخشي النبي -صلى الله عليه وسلم- عليها وكان مشغولًا فأمرها بالتأخر ليفرغ من شغله ويشيعها (¬2). وفيه: جواز خروج المعتكف من المسجد للأمور المستحبة والمباحة من تشييع زائره والمشي عليه. (وكان مسكنها في دار أسامة) [زاد في رواية عبد الرزاق عن معمر وكان مسكنها في حجرة (¬3) أسامة] (¬4) إذ ذاك، ولم يكن له دار مستقلة يسكن فيها صفية وفي قوله: (مسكنها) إضافة بيوت أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- إليهن وإن لم يكن ملكًا لهن. (فمر رجلان من الأنصار) ذكر ابن العطار في "شرح العمدة" أنهما أسيد بن حضير وعباد بن بشر (¬5) وفي رواية في الصحيحين (¬6): لقيه رجل. بالإفراد، ووجهه أن أحدهما كان تبعًا للآخر، فحيث أفرد ذكرَ الأصلَ، وحيث ثنى ذكرَ الصورةَ. (فلما رأيا النبي -صلى الله عليه وسلم- أسرعا) أي: في المشي، وفي رواية البخاري: ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (2038). (¬2) "فتح الباري" لابن حجر 4/ 278. (¬3) في (ل): دار. والمثبت من "مصنف عبد الرزاق" (8065). (¬4) زيادة من (ل). (¬5) انظر: "فتح الباري" لابن حجر 4/ 279. (¬6) "صحيح البخاري" (2039) من حديث صفية بلفظ: فأبصره رجل، و"صحيح مسلم" (2174) من حديث أنس بلفظ: فمر به رجل.

فمر رجلان من الأنصار فسلما على رسول الله (¬1)، (فقال النبي: على رسلكما) بكسر الراء ويجوز فتحها أي: امشيا على هينتكما، (إنها صفية بنت حيي) وفي رواية البخاري: "هذِه صفية" (¬2). فيه: بيان شفقته -صلى الله عليه وسلم- على أمته وإرشادهم إلى ما يدفع الإثم عنهم. وفيه: التحرز من التعرض لسوء الظن والاحتفاظ من كيد الشيطان والاعتذار. قال ابن دقيق العيد: وهذا يتأكد في حق العلماء ومن يقتدى به، فلا يجوز لهم أن يفعلوا فعلًا يوجب ظن السوء بهم (¬3) وإن كان لهم فيه مخلص؛ لأن ذلك سبب إلى إبطال الانتفاع بهم، ومن ثم قال بعض العلماء: ينبغي للحاكم أن يبين للمحكوم عليه وجه الحكم الذي حكم به عليه إذا كان خافيا نفيا للتهمة (¬4). وفيه: دليل على هجوم خواطر الشيطان على النفس وما كان من ذلك غير مقدور على تركه فلا يؤاخذ به. (فقال: سبحان الله يا رسول الله! ! ) زاد البخاري: وكَبُرَ عليهما (¬5)، وزاد النسائي (¬6): ذلك. وفي رواية في الأدب (¬7): وكَبُرَ عليهما ما قال. ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (2035). (¬2) "صحيح البخاري" (2039). (¬3) زيادة من (ل). (¬4) "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" ص 429. (¬5) "صحيح البخاري" (2035) وهي في "صحيح البخاري" (3101). (¬6) "سنن النسائي الكبرى" (3342). (¬7) "صحيح البخاري" (6219).

وفي رواية هشيم: فقالا: يا رسول الله هل نظن بذلك إلا خيرًا (¬1)؟ وفيه: دليل على قول سبحان الله عند التعجب، وقد وقعت في الحديث لتعظيم الأمر وتهويله وللحياء من ذكره. (قال: فإن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم) المراد جنس أولاد آدم، فيدخل فيه الرجال والنساء؛ لقوله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ}، وقوله: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ} بلفظ الذكور إلا أن العرف عممه فأدخل فيه النساء (فخشيت أن يقذف في قلوبكما شيئًا أو قال شرًّا) بالشين المعجمة والراء وهي رواية مسلم (¬2)، وأحمد (¬3) وفي رواية للبخاري: سوءًا بالمد. [2471] (حدثنا محمد بن يحيى بن فارس، حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، عن الزهري بإسناده بهذا قالت: حتى إذا كان عند باب المسجد الذي عند باب أم سلمة مر بهما رجلان وساق معناه) والحاصل من هذِه الروايات أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ينسبهما إلى (¬4) أنهما يظنان به سوءًا لما تقرر عنده من صدق إيمانهما، ولكن خشي عليهما أن يوسوس لهما الشيطان ذلك؛ لأنهما غير معصومين، وقد يفضي بهما ذلك إلى الهلاك فبادر إلى إعلامهما حسمًا للمادة وتعليمًا لمن بعده إذا وقع له مثل ذلك كما قال الشافعي، فقد روى الحاكم أن الشافعي كان في مجلس ابن عيينة فسأله عن هذا الحديث فقال الشافعي: إنما قال لهما ¬

_ (¬1) وكذا أوردها أيضًا الحافظ في "الفتح" ولم أقف عليها. (¬2) "صحيح مسلم" (2175). (¬3) "مسند أحمد" 6/ 337. (¬4) زيادة من (ل).

ذلك لأنه خاف عليهما الكفر إن ظنا به التهمة فبادر إلى إعلامهما نصيحة لهما قبل أن يقذف الشيطان في نفسهما شيئًا يهلكان به (¬1)، وغفل البزار فطعن في حديث صفية هذا واستبعد وقوعه ولم يأت بطائل، والله الموفق. وقوله: يجري، قيل: هو على ظاهره، وأن الله تعالى أقدره على ذلك، وقيل: هو على سبيل الاستعارة من كثرة إغوائه فكأنه لا يفارق كالدم فاشتركا في شدة الاتصال وعدم المفارقة (¬2). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "آداب الشافعي ومناقبه" 1/ 52. (¬2) انظر: "فتح الباري" لابن حجر 4/ 280.

81 - باب المعتكف يعود المريض

81 - باب المُعْتَكفِ يَعُودُ المَرِيضَ 2472 - حَدَّثَنا عَبْد اللهِ بْن محَمَّدٍ النُّفيليُّ وَمحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ السَّلامِ بْنُ حَرْب، أَخْبَرَنا اللّيْثُ بْن أَبى سُليْمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ -قالَ النُّفيليُّ- قالَتْ: كانَ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- يمرُّ بِالمَرِيضِ وَهوَ مُعْتَكِفُ فيمرُّ كَما هُوَ وَلا يعَرّجُ يَسْأَلُ عَنْهُ. وقالَ ابن عِيسَى قالَتْ: إِنْ كانَ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- يَعُودُ المَرِيضَ وَهوَ مُعْتَكِفٌ (¬1). 2473 - حَدَّثَنا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، أَخْبَرَنا خالِدٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -يَعْني: ابن إِسْحاقَ- عَنِ الزّهْريِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّها قالَت: السُّنَّة عَلَى المُعْتَكِفِ أَنْ لا يَعُودَ مَرِيضًا وَلا يَشْهَدَ جَنازَةَ وَلا يَمَسَّ امْرَأة وَلا يُباشِرَها وَلا يَخْرُجَ لحِاجَةٍ إلَّا لمِا لا بُدَّ مِنْهُ وَلا اعْتِكافَ إلَّا بِصَوْمِ وَلا اعْتِكافَ إلَّا في مَسْجِدٍ جامِعٍ. قالَ أَبُو داودَ: غيْرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحاقَ لا يَقُولُ فِيهِ: قالَتِ السُّنَّةُ. قالَ أَبُو داوُدَ: جَعَلَهُ قَوْلَ عائِشَةَ (¬2). 2474 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا أَبُو داوُدَ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ بُديْلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينار، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ -صلى الله عليه وسلم- جَعَلَ عَليْهِ أَنْ يَعْتَكِفَ في الجاهِلِيَّةِ ليْلَةَ أَوْ يوْمًا عنْدَ هوْدَ الكَعْبَةِ فَسَأَلَ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- فَقالَ: "اعْتَكِفْ وَصُمْ" (¬3). 2475 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبانَ بْنِ صالِحِ القُرَشيِّ، حَدَّثَنا ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 4/ 321 من طريق أبي داود. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (424). ورواه من فعل عائشة مسلم (297) من حديث عائشة. (¬2) رواه الدارقطني 2/ 201، والبيهقي 4/ 320 - 321. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (2135): إسناده حسن صحيح. (¬3) رواه البخاري (2032)، ومسلم (1656). وسيأتي برقم (3325).

عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ -يَعْني: العَنْقَزيَّ- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُديْلٍ، بإِسْنادِهِ نَحْوَهُ، قالَ: فَبيْنَما هُوَ مُعْتَكفٌ إِذْ كَبَّرَ النّاسُ فَقالَ: ما هذا يا عَبْدَ اللهِ؟ قالَ: سَبْي هَوازِنَ أَعْتَقَهُمُ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قالَ: وَتلْكَ الجارِيَةُ. فَأَرْسَلَها مَعَهُمْ (¬1). * * * باب المعتكف يعود المريض [2472] (حدثنا النُّفيلي ومحمد بن عيسى قالا: حدثنا عبد السلام بن حرب) النهدي، ثقة (أنا الليث بن أبي سليم) أبو بكر القرشي، روى له مسلم. أحد العلماء، لا نعلمه لقي صحابيّا. (عن عبد الرحمن بن أبي القاسم، عن أبيه) القاسم بن محمد بن (¬2) الصديق، (عن عائشة) قال: (النفيلي قال: قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يمر بالمريض وهو معتكف فيمر كما هو) يحتمل أن تكون ما مصدرية والتقدير: أنه يمر كمروره الذي هو معتاده، (ولا يعرج) أي على الجلوس أو الإقامة عنده، (يسأل عنه) من قولهم: عرج فلان على المنزل إذا حبس مطيته عليه وأقام، فيه دليل على عيادة المريض والسؤال عنه كان معلومًا عندهم (¬3) من سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وعادتهم. واستدل بهذا الحديث على أن المعتكف لا يجوز له الخروج لعيادة المريض، وهو قول عطاء وعروة ومجاهد والزهري (¬4) ومالك (¬5) ¬

_ (¬1) رواه بنحوه مسلم (1656)، وليس فيه ذكر الصيام. (¬2) زيادة من (ل). (¬3) في (ر): عنده. (¬4) عن عطاء وعروة والزهري رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 357 - 359، وعنهم وعن مجاهد ابن أبي شيبة في "مصنفه" 6/ 301 - 305. (¬5) "المدونة" 1/ 293.

والشافعي (¬1) وإحدى الروايتين عن أحمد (¬2)، وهذا في الاعتكاف المنذور؛ لأن عيادة المريض ليست بواجبة فلا يجوز ترك الاعتكاف الواجب لأجله. وقال القاضي الماوردي: إن كان المريض من ذوي رحمه وليس له من يقوم به فهو مأمور بالخروج إليه، فإن عاد بنى على اعتكافه كالمرأة إذا خرجت لقضاء العدة ثم عادت تبني، قال: وفيه وجه شاذ أنها تستأنف (¬3). قال النووي: ونقله أيضًا السرخسي وهو اختيار لصاحب "التقريب"، وقال أحمد في الرواية الثانية وبعض السلف: يجوز له (¬4). واتفق العلماء على أنه يستحب له عيادة المريض في المسجد ولو خرج لقضاء حاجته فعاد مريضًا في طريقه فإن لم يقف بسبب العيادة ولا عرج عن طريقه بسببها بل اقتصر على السلام والسؤال عنه جاز، ولا يبطل اعتكافه [خلافا للحديث المذكور، ولأنه لم يفوت زمانا بالعيادة، وإن وقف للعيادة وأطال بطل اعتكافه] (¬5) وإن لم يطل فطريقان: أصحهما وبه قطع الجمهور وادعى الإمام الاتفاق عليه: لا يبطل؛ لأنه قدر يسير ولم يخرج لأجله وضبط الإمام البغوي اليسير بأن يكون قدر صلاة الجنازة، فإن وقف أكثر منه فطويل، وأما اعتكاف التطوع فلا يخفى ¬

_ (¬1) "الأم" 3/ 266. (¬2) "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 7/ 489 - 493. (¬3) "الحاوي" 3/ 495. (¬4) "مسائل أحمد" رواية أبي داود ص 138. وانظر: "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 7/ 493 - 489. (¬5) زيادة من (ل).

أن له أن يخرج منه لعيادة المريض (¬1). قال الأصحاب: والبقاء (¬2) في المعتكف وعيادة المريض سواء، لكن إن خرج المعتكف لما لابد له منه فلا يسأل عن المريض في طريقه ولا يعرج عليه للوقوف عنده، قال صاحب "الشامل": هذا مخالف للسنة، والأفضل البقاء على اعتكافه للحديث، ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يخرج من الاعتكاف لعيادة المريض، وكان اعتكافه تطوعًا. قال النووي: والمذهب ما قال الأصحاب (¬3). (وقال) محمد (بن محمد بن عيسى قال: إن كان النبي -صلى الله عليه وسلم-) أي: إن الأمر والشأن كان النبي (يعود المريض وهو معتكف) فيه: دليل على أن المعتكف يجوز له أن يعود المريض، وهو قول علي -رضي الله عنه-، وبه قال سعيد بن جبير والنخعي والحسن (¬4)، وهو إحدى الروايتين عن أحمد (¬5)، ويدل عليه ما رواه أحمد والأثرم، عن عاصم بن ضمرة، عن علي -رضي الله عنه-قال: إذا اعتكف الرجل فليشهد الجمعة وليعد المريض وليشهد الجنازة، وليأت أهله ويأمرهم بالحاجة وهو قائم (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع شرح المهذب" 6/ 511 - 512. (¬2) في (ر): والفقهاء. (¬3) انظر: "المجموع شرح المهذب" 6/ 512. (¬4) عن سعيد والنخعي والحسن رواه ابن أبي شيبة (9727 - 9730). وعزاه إليهما وقول أحمد الآتي ابن قدامة في "المغني" 4/ 470. (¬5) سبق قريبًا. (¬6) لم أقف عليه عند أحمد لكن رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (9724).

قال أحمد: وعاصم بن ضمرة عندي حجة (¬1). وبما رواه ابن ماجه عن الهياج الخراساني، عن عنبسة بن عبد الرحمن، عن عبد الخالق، عن أنس قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "المعتكف يتبع الجنازة ويعود المريض" (¬2). قال النووي: هياج الخراساني وعنبسة ضعيفان متروكا الحديث [لا يجوز الاحتجاج برواية واحد منهما (¬3). وعند الشافعي لا يجوز ويبطل الاعتكاف (¬4)] (¬5). وعلى تقدير صحة الدليل فهو محمول على أن المعتكف يعود المريض إذا خرج لما لابد له منه وعاده في طريقه ولم يعرج للعيادة، وفيه الجمع بين الأحاديث. [2473] (حدثنا وهب بن بقية) الواسطي، روى له مسلم في "صحيحه". (حدثنا خالد) بن عبد الله الواسطي الطحان، ثقة عابد، اشترى نفسه من الله ثلاث مرات يتصدق بزنة نفسه فضة. (عن عبد الرحمن بن إسحاق) بن عبد الله القرشي، قال أحمد: صالح الحديث (¬6). وقال عباس، عن ابن معين: ثقة (¬7). وقال أبو داود: قدري ثقة، ولما طلبت القدرية أيام مروان هرب إلى البصرة (¬8). ¬

_ (¬1) "ميزان الاعتدال" 2/ 352. (¬2) "سنن ابن ماجه" (1777). (¬3) "المجموع شرح المهذب" 6/ 512. (¬4) "الأم" 3/ 266. (¬5) زيادة من (ل). (¬6) "العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله (2559). (¬7) "تاريخ ابن معين" برواية الدوري (765). (¬8) "تهذيب الكمال" 16/ 425.

خرّج له مسلم من حديث بشر بن المفضل عنه عن الزهري (¬1)، وكان كثير العلم شاعرًا فصيحًا (¬2). (عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أنها قالت: السنة على المعتكف) قال شارح "المصابيح": إن كانت أرادت السنة إضافة هذِه الأمور إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قولًا وفعلًا فهي نصوص لا يجوز خلافها، وإن كانت أرادت به الفتوى على معنى ما عقلت من (¬3) السنة فقد خالفها بعض الصحابة في هذِه الأمور، وسيأتي أن غير عبد الرحمن بن إسحاق لا يقول أنها قالت: السُّنَّة. فدل ذلك على احتمال أنها قالته فتوى منها ليس برواية عن النبي -صلى الله عليه وسلم- (أن لا يعود مريضًا) إلا في طريقه إذا لم يعرج -كما تقدم- عن الطريق ولم يطل وقوفه فإنه لا يبطل اعتكافه على المشهور، وادعى الإمام إجماع الأصحاب عليه (¬4). (ولا يشهد جنازة) أي: الصلاة عليها. فيه: دليل لما قاله الجمهور وقطعوا به أن المعتكف لا يجوز له أن يخرج من المسجد لصلاة الجنازة، وبه قال عطاء وعروة ومجاهد والزهري (¬5) ومالك (¬6) وأصحاب الرأي (¬7)، وأصح الروايتين عن ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2225). (¬2) زيادة من (ل). (¬3) في (ر): عن، والمثبت من (ل). (¬4) قال في "نهاية المطلب" 4/ 100: وقد أجمع أصحابنا على أن الوقفة القريبة لا تؤثر إذا لم تصر العيادة مقصودة. (¬5) رواه عنهم ابن أبي شيبة في "المصنف" (9736 - 9739). (¬6) "المدونة" 1/ 293. (¬7) "الأصل" 2/ 273.

أحمد (¬1). ويدل عليه ما رواه مسلم: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فليبيت في معتكفه" (¬2). يعني: ولا يخرج منه، وهذا في اعتكاف النذر ولا يجوز له الخروج سواء تعينت عليه أم لا؛ لأنها إن لم تتعين عليه قام غيره مقامه فلا يترك المتعين عليه لغير المتعين، وإن تعينت عليه أمكن فعلها في المسجد بإحضار الميت إليه، فهو غير محتاج إلى الخروج؛ فإن خرج بطل اعتكافه. وفي وجه حكاه الماوردي وغيره: إن كان الميت ذوي رحمه وليس له من يقوم بدفنه خرج له؛ لأنه مأمور بالخروج، فإذا رجع بنى، وفي قول أنه يستأنف ولو خرج لقضاء حاجته فصلى في طريقه على جنازة، فإن وقف ينتظرها أو عدل عن طريقه إليها بطل اعتكافه قطعًا (¬3). - وإن لم ينتظرها ولا عدل عن طريقه عنها ففيه أربع طرق: أصحها وبه قال الجمهور أنه لا يبطل اعتكافه لأنه زمن يسير. (ولا يمس امرأة) اختلف أصحابنا في فساد الاعتكاف بمقدمات الجماع كلمس المرأة بشهوة ومعانقتها وتقبيلها وغير ذلك على ثلاثة أقوال أو أوجه: أحدها: أنه لا يفسد بها سواء أنزل أو لم ينزل. وثانيها: يفسد بها سواء أنزل أم (¬4) لم ينزل، وبه قال مالك (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 7/ 489 - 493. (¬2) "صحيح مسلم" (1167). (¬3) "الحاوي" 3/ 495. (¬4) في (ر): أو، والمثبت من (ل). (¬5) "المدونة" 1/ 291.

وثالثها: وبه قال أبو حنيفة (¬1) والمزني (¬2) وأصحاب أحمد (¬3) أنه يفسد إن اقترن بها إنزال وإلا فلا، قال الرافعي: والمفهوم من كلام الأصحاب بعد الفحص عنه أن هذا القول أرجح (¬4). وإذا قلنا بالصحيح لا يفسد فيكره له اللمس بشهوة، ولا يفسد اعتكافه؛ لأنها مباشرة لا يبطل الحج بها فلا يبطل الاعتكاف كالقبلة ولا يكره اللمس بغير شهوة ولا التقبيل على سبيل الشفقة والإكرام المصالحة عند الغيظ أو عند قدومها من السفر ونحوه؛ لأن عائشة كان النبي -صلى الله عليه وسلم-[يدني إليها] (¬5) رأسه فتغسله وتمشطه، ولا يخلو ذلك عن مس. وأما قوله في الحديث: "لا يمس امرأته" فمحمول على المس بشهوة، والله أعلم. (ولا يباشرها) أي: فيما دون الفرج بشهوة كما تقدم، وأما المباشرة في الفرج فإن جامع في الفرج عالمًا بتحريمه ذاكرًا للاعتكاف بطل اعتكافه إجماعًا للحديث ولقوله تعالى {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (¬6) سواء جامع في المسجد أو في غيره حيث خرج لعذر كقضاء الحاجة. وفيه وجه أنه لا يبطل إذا جامع في حال خروجه لعذر من غير مكث، ¬

_ (¬1) "الأصل" 2/ 286. (¬2) "مختصر المزني" على حاشية "الأم" 8/ 157 ط. دار المعرفة. (¬3) "المغني" 4/ 473. (¬4) "العزيز شرح الوجيز" للرافعي 6/ 482. (¬5) في (ر) يمد في النهار، والمثبت من (ل). (¬6) البقرة: 187.

بأن كان في هودج أو جامع في وقفة يسيرة لأنه لم يصرف النية زمنًا وليس معتكفًا في هذِه الحالة في أحد الوجهين وهو بعيد. ولو جامع ناسيًا للاعتكاف أو جاهلًا بتحريمه فالمذهب وبه قطع العراقيون وجماعة من الخراسانيين: هو على الخلاف في فطره بالصوم، وقال مالك (¬1) وأبو حنيفة (¬2) وأحمد (¬3): يفسد بجماع الناسي كما يفسد بجماع العامد، ولا فرق بين جماع وجماع (¬4). ولنا قوله -صلى الله عليه وسلم-: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان"، وروى المزني عن نص الشافعي في "الأم" في بعض المواضع: أنه لا يفسد الاعتكاف من الوطء إلا بما يوجب الحد (¬5). قال الإمام: ومقتضى هذا أنه لا يفسد الاعتكاف بوطء البهيمة وبالإتيان في الدبر إذا لم يوجب فيه حدًّا (¬6). أي: وفي معناه الوطء في قبل الزوجة ودبرها. قال الإمام (¬7): وهذا من أطرف (¬8) العجائب (¬9). (ولا يخرج) بالنصب (لحاجة إلا لما لابد منه) قال الجوهري: لابد ¬

_ (¬1) "المدونة" 1/ 291. (¬2) "الأصل" 2/ 284. (¬3) انظر: "المغني" 4/ 471. (¬4) انظر: "الشرح الكبير" للرافعي 6/ 482. (¬5) "مختصر المزني" ص 61. (¬6) "نهاية المطلب في دراية المذهب" 4/ 109. (¬7) هكذا بالأصل والصواب أنه النووي ردًا على كلام إمام الحرمين الجويني السابق. انظر: "المجموع" 6/ 525. (¬8) في (ر): لطف، والمثبت من (ل). (¬9) انظر: "الشرح الكبير" للرافعي 6/ 482.

من كذا كأنه قال: لا فراق منه، والبد العوض (¬1). أي: لا يخرج من المسجد إلا لما لا يعوض عنه غيره في فعله أو قوله ويتعين عليه فيخرج البول والغائط؛ لأن هذا لابد له منه، وهذا بالإجماع، ولا يمكن فعله في المسجد، وفي معناه الحاجة إلى المأكول والمشروب إذا لم يكن له (¬2) من يأتيه به فله الخروج إليه إذا احتاج إليه وإن وجد من يأتيه أو وجد الماء في المسجد. أما الخروج للأكل ففيه وجهان: أحدهما: ما رجحه الإمام البغوي أنه لا يجوز (¬3). والثاني وبه قال الأكثرون وهو نصه في "الأم": يجوز (¬4)؛ لأن الأكل في المسجد يستحيى به، ويشق عليه (¬5). وهذا قول مردود؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان، وكان أكثر الناس حياء وأعظمهم مروءة، ويدل عليه هذا الحديث. وإذا خرج لما لابد منه فلا يجب عليه قضاؤه لعلتين: أحدهما: أن الاعتكاف مستمر فيها على الصحيح، وقطع به بعضهم. والثاني: أن زمن الخروج لما لابد منه مستثنى وإن خرج لما له بد منه (¬6) عامدًا بطل اعتكافه إلا أن يكون اشترط. ¬

_ (¬1) "الصحاح في اللغة" للجوهري 2/ 7. (¬2) زيادة من (ل). (¬3) "شرح السنة" 6/ 398. (¬4) "الأم" 3/ 266. (¬5) "الحاوي الكبير" 3/ 492. (¬6) سقط من (ر).

(ولا اعتكاف إلا بصوم) احتج به مالك (¬1) وأبو حنيفة (¬2) على الصوم شرط لصحة الاعتكاف، وعن القديم قول (¬3) مثل قول مذهبهما وهو قول ابن عباس لهذا الحديث. وجوابه أنه تفرد به سويد بن عبد العزيز وهو ضعيف (¬4). فدل على أنه لا يُشْتَرط أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اعتكف العشر الأول من شوال كما تقدم، ورواه مسلم بهذا اللفظ (¬5) وهو متناول يوم العيد، ويلزم (¬6) من صحته أن الصوم ليس بشرط، وحديث عمر الآتي في نذره كما سيأتي له مزيد. (ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع) أما اشتراط المسجد فلقوله تعالى {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} وسطح المسجد ورحبته منه فيصح الاعتكاف فيه. واحتج بهذا الحديث الزهري وغيره على ما ذهب إليه أنه لا يصح الاعتكاف إلا في المسجد الجامع (¬7)، وأومأ الشافعي في القديم إليه. واقتضت الآية جواز الاعتكاف في كل مسجد، وهو مذهبنا (¬8) ¬

_ (¬1) "المدونة" 1/ 290. (¬2) "الأصل" 2/ 280. (¬3) زيادة من (ل). (¬4) "الطبقات" لابن سعد 7/ 470، و"تاريخ يحيى" رواية الدوري 4/ 458، و"الضعفاء والمتروكون" للنسائي ص 50 ت (259). (¬5) "صحيح مسلم" (1173). (¬6) في (ر) لا، والمثبت من (ل) وهو الصواب. (¬7) "مصنف عبد الرزاق" (8017). (¬8) "الأم" 3/ 266.

ومذهب مالك (¬1)، وقال أبو حنيفة وأحمد رحمهما الله وأبو ثور: يصح في كل مسجد يصلى فيه الصلوات كلها وتقام فيه الجمعة (¬2). وعن حذيفة ابن اليمان الصحابي: لا يصح الاعتكاف إلا في أحد المساجد الثلاثة (¬3) وعن ابن المسيب: لا يصح إلا في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- (¬4). (قال أبو داود: غير عبد الرحمن بن إسحاق لا يقول فيه: قالت السنة) وأخرجه النسائي من حديث يونس، وليس فيه: قالت السنة، ومن حديث الإمام مالك وليس فيه أيضًا ذلك (¬5). وعبد الرحمن المذكور يقال له: عبادة، زاد هذِه الزيادة وهو ثقة، وزيادة الثقة مقبولة. [2474] (حدثنا أحمد بن إبراهيم (¬6) [عن أبي داود حدثنا] (¬7) عبد الله ابن بديل) بضم الباء الموحدة (¬8) مصغرًا (ابن ورقاء) ويقال: ابن (¬9) بشر (الليثي) المكي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬10). (عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر، أن عمر -رضي الله عنه- جعل عليه أن يعتكف) فيه أن جعلت علي كذا وألزمت نفسي كذا ونحوه مما يقتضي لفظه إلزامًا ¬

_ (¬1) "المدونة" 1/ 291. (¬2) "الأصل" 2/ 282، "مسائل أحمد" رواية عبد الله ص 195. (¬3) رواه عبد الرزاق في "مصنفه" (8016)، والبيهقي في "الكبرى" 4/ 316. (¬4) "مصنف عبد الرزاق" (8008). (¬5) "سنن النسائي الكبرى" (3370، 3371). (¬6) في (ر) القيم. (¬7) ليست في (ر)، والمثبت من المطبوع. (¬8) سقط من (ر). (¬9) في النسخ الخطية: أبو. والمثبت من "تهذيب الكمال" (3176). (¬10) "الثقات" (3590)

يصح به النذر ولو لم يضفه لله تعالى وهو المذهب؛ لأن العبادات ينوي بها الله وإن لم يذكر (في الجاهلية) فيه: أن النذر واليمين ينعقدان في الكفر حتى يجب الوفاء بهما إذا أسلم، وأنه إذا نذر أو حلف لا يكلم إنسانًا وكان ذلك في كفره في الجاهلية ثم أسلم يلزمه الوفاء به، ويلتحق اليمين بالنذر لاشتراكهما في التعليق، والصحيح من مذهب الشافعي أنه لا يصح نذر الكافر (¬1)، وهو مذهب الجمهور؛ لأنه قربة والكافر ليس من أهلها. وقد اختلف في الجواب عن هذا الحديث، فقال ابن العربي في "القبس" (¬2): لما نذر عمر في الجاهلية وأسلم أراد أن يكون مثله في الإسلام، ونواه، فأمره أن يأتي به وإن لم يتلفظ (¬3). وفي هذا نظر، فإن عمر إنما ذكر مجرد إخباره في حال الجاهلية، وليس فيه ما يدل على نية في الإسلام، وإذا ثبت لنا على أنه نوى قلنا: إن مجرد النية لا توجب اعتكافًا ولا غيره من العبادات، فإنها لا تلزم إلا بالقول، وأوله ابن دقيق العيد بأنه أمر أن يأتي باعتكاف يوم يشبه ما نذر لئلا يخل بعبادة نوى فعلها، فأطلق عليه أنه منذور لشبهه بالمنذور (¬4). (ليلة) فيه دليل على أنه يصح اعتكاف الليل وحده، والقديم لا ¬

_ (¬1) "التنبيه" ص 84، و"المهذب" 1/ 440. (¬2) "القبس" ص 659. (¬3) انظر: "فتح الباري" لابن حجر 11/ 583. (¬4) "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" ص 427.

يصح، قال الإمام: قال الأئمة: إذا قلنا بالقديم لم يصح الاعتكاف في الليل لا تبعًا ولا منفردًا (¬1). وعند (¬2) أبي حنيفة رحمه الله: يجوز تبعًا (¬3) (أو يومًا) شك من الراوي، وفي رواية في "الصحيح": ليلة (¬4)، من غير شك (عند الكعبة) في رواية: يومًا في المسجد الحرام (¬5) [لعله العمدة لعطاء] (¬6) فيما ذهب إليه أنه لا يصح الاعتكاف إلا في المسجد الحرام ومسجد المدينة. (فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: اعتكف) استدل الشافعي بهذا الحديث على عدم اشتراط الصوم للمعتكف؛ لأن الليل لا صيام فيه (¬7). وأجيب بأنه جاء في رواية: أن أعتكف يومًا وليلة (¬8). ولأن العرب تعبر بالليلة عن اليوم والليلة (وصم). [2475] (حدثنا عبد الله بن عمر بن محمد بن أبان بن صالح القرشي، حدثنا عمرو بن محمد) العنقزي الكوفي، وثقوه. (عن عبد الله بن بديل بإسناده نحوه قال: فبينما هو معتكف) في المسجد الحرام (إذ كبر ¬

_ (¬1) "نهاية المطلب في دراية المذهب" 4/ 80. (¬2) في (ر) وعن، والمثبت من (ل). (¬3) "الأصل" 2/ 281، 297 - 298. (¬4) "صحيح البخاري" (2032)، و"صحيح مسلم" (1656). (¬5) "صحيح مسلم" (1656). (¬6) سقط من (ر). (¬7) انظر: "الأم" 2/ 107. (¬8) ذكره كذلك ابن بطال في "شرحه" 4/ 180، وعلقه الدارقطني في "علله" 2/ 30 عن عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر عن عمر به.

الناس) نسخة (كبر الناس) فيه: التكبير عند مشاهدة النعمة العظيمة. (قال: ما هذا يا عبد الله؟ ) يعني: ابن عمر بن الخطاب (قال: سبي) بالرفع خبر مبتدأ محذوف. أي: هذا سبي (هوازن) وكان ستة آلاف رأس غنمت يوم حنين (أعتقهم النبي -صلى الله عليه وسلم-) ومنَّ عليهم بالعتق (قال: وتلك الجارية) بالنصب مفعول مقدم (فأرسلها معهم) بفتح الهمزة وكسر السين، أي أطلقها لتذهب مع سبي هوازن فإنها منهم وفي بعضها بفتح السين واللام. * * *

82 - باب في المستحاضة تعتكف

82 - بَابُ فِي المُسْتَحَاضَةِ تَعْتَكِفُ 2476 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن عِيسَى وَقُتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عائِشَةَ -رضي الله عنها - قالَتِ: اعْتَكَفَتْ مَعَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - امْرَأةٌ مِنْ أَزْواجِهِ فَكانَتْ تَرى الصُّفْرَةَ والحُمْرَةَ فَرُبَّمَا وَضَعْنَا الطَّسْتَ تَحْتَهَا وَهِيَ تُصَلّي (¬1). * * * باب المستحاضة تعتكف [2476] (حدثنا محمد بن عيسى وقتيبة بن سعيد قالا: حدثنا يزيد) ابن زريع] (عن خالد) بن مهران (عن عكرمة، عن عائشة قالت: اعتكفت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - امرأة من أزواجه) أخرج البخاري (¬2) عن خالد الحذاء عن عكرمة: أن أم سلمة كانت عاكفة وهي مستحاضة. فحصل بذلك معرفة عينها. (وكانت ترى) فيه: جواز مكث المستحاضة في المسجد (الصفرة والحمرة) كناية عن الاستحاضة وهي صفة لازمة للمستحاضة، وأن الحمرة والصفرة من صفات دم الاستحاضة، وأن الحمرة أقوى من الصفرة لتقدمها في الذكر (فربما وضعت الطست) أصله الطس، فأبدلت من إحدى السينين تاء للاستثقال، فإذا جمعت أو صغرت ردت إلى أصلها، فجمع الطست طساس وتصغيره طسيس (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (309، 310، 311، 2037). (¬2) هكذا بالأصل وهو خطأ، والصواب أن الذي أخرجه هو سعيد بن منصور كما في "فتح الباري" لابن حجر 1/ 412. (¬3) انظر: "المخصص" لابن سيده 5/ 141، "عمدة القاري" للبدر العيني 5/ 419.

وفيه: صحة اعتكاف المستحاضة، وجواز حدث البول والغائط فيه إذا كان في وعاء ويؤمن منه التلويث، وكذا الفصد والحجامة، وفيه: إباحة الاعتكاف لمن به سلس البول والمذي أو جرح يسيل قياسًا على المستحاضة (تحتها وهي تصلي) فيه: صحة صلاة المستحاضة في المسجد وغيره، والله أعلم. آخر الاعتكاف. * * *

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

شَرْحُ سُنَنِ أَبِي دَاوُد لِابْنِ رَسْلَان [11]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ جميعُ الحقوقِ مَحْفوظَة لِدَارِ الفَلَاحِ وَلَا يجوز نشر هَذَا الْكتاب بِأَيّ صِيغَة أَو تَصْوِيره PDF إِلَّا بِإِذن خطي من صَاحب الدَّار الْأُسْتَاذ/ خَالِد الرَّباط الطَّبْعَةُ الأُولَى 1437 هـ - 2016 م رَقم الْإِيدَاع بدَارِ الكتُب 17164/ 2015 دَارُ الفَلَاحِ لِلبحثِ العِلمي وتَحْقِيق التُّرَاثِ 18 شَارِع أحمس - حَيّ الجامعة - الفيوم ت: 01000059200 [email protected] تطلب منشوراتنا من: • دَار الْعلم - بلبيس - الشرقية - مصر • دَار الأفهام - الرياض • دَار كنوز إشبيليا - الرياض • مكتبة وتسجيلات ابْن الْقيم الإسلامية - أَبُو ظَبْي • دَار ابْن حزم - بيروت • دَار المحسن - الجزائر • دَار الْإِرْشَاد - استانبول • دَارُ الفَلَاحِ - الفيوم

كتاب الجهاد

كِتَابُ الجِهَادِ

15 - كتاب الجهاد بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله الكريم الوهاب، اللهم ألهم الصواب، وصل وسلم على محمد والأصحاب أول كتاب الجهاد الجهاد: مأخوذ من الجهد بفتح الجيم وهو التعب والمشقة، وبضم الجيم الطاقة، يقال: بلغ جُهده أي: طاقته. والجهاد يكون بأربعة أشياء: بالقلب، واللسان، واليد، والسيف. فجهاد القلب مكابدة الشيطان في الوساوس، ومكابدة الدسائس ودفع النفس عن العادات والمخالطات واشتغاله بحفظ الأوقات، قال الله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} (¬1) قال عبد الله بن المبارك: ¬

_ (¬1) الحج: 78.

هو مجاهدة النفس والهوى (¬1). وذلك حق الجهاد وهو الجهاد الأكبر على ما ورد في الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في بعض غزواته: "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر" (¬2). وقيل: إن بعض الصالحين كتب إلى أخ له يستدعيه إلى الغزو فكتب إليه: يا أخي، كل الثغور مجتمعة في بيت واحد، والباب علي مردود فكتب إليه أخوه: لو كان الناس كلهم لزموا ما لزمته أختلفت أمور المسلمين وطمع الكفار؛ فلابد من الجهاد. فكتب إليه: يا أخي، لو لزم الناس ما أنا [عليه] (¬3) لكانوا إذا قالوا في زواياهم: الله أكبر. تهدم سور قسطنطينية. وجهاد اللسان: جهاد الربانيين والأحبار من العلماء؛ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسيأتي في أبي داود عن أبي سعيد، ¬

_ (¬1) انظر "الكشف والبيان" 7/ 35. (¬2) أخرجه البيهقي في "الزهد" (384)، والخطيب في "تاريخ بغداد" 13/ 493 من طرق عن ليث بن أبي سليم، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر به. وقال البيهقي: إسناده ضعيف. وقال الحافظ ابن حجر في "تسديد القوس": هو مشهور على الألسنة، وهو من كلام إبراهيم بن أبي عبلة. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوي" 11/ 197: لا أصل له، ولم يروه أحد من أهل المعرفة بأقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله، وجهاد الكفار من أعظم الأعمال، بل هو أفضل ما تطوع به الإنسان. ثم ذكر بعض الآيات والأحاديث الدالة على أنه من أفضل الأعمال، فكأنه رحمه الله يشير بذلك إلى استنكار تسميته بالجهاد الأصغر. انظر "السلسلة الضعيفة" للألباني (2460). (¬3) زيادة لا يستقيم السياق بدونها.

عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" (¬1). والإغلاظ (¬2) على المنافقين كما قال تعالى: " {وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} (¬3). وجهاد اليد: إقامة الحدود على الزناة، والقذفة، وشربة الخمر، وغير ذلك مما أوجبه الله عليهم. وجهاد السيف: قتال المشركين على حفظ الدين، فكل من أتعب نفسه في ذات الله فقد جاهد في سبيله، إلا أن الجهاد في سبيل الله إذا أطلق لم يقع عرفًا إلا على مجاهدة الكفار بالسيف. * * * ¬

_ (¬1) سيأتي في كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي (4344). (¬2) في (ر): والإغلاظات، والمثبت من (ل). (¬3) التوبة: 73.

1 - باب ما جاء في الهجرة وسكنى البدو

1 - باب ما جاءَ في الهِجْرَة وَسُكْنَى البَدْوِ 2477 - حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ الفَضْلِ، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ - يَعْني ابن مُسْلِمِ - عَنِ الأَوْزَاعِي، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي سَعِيدِ الخُدْرِيِّ أَنَّ أَعْرابِيًّا سَأَلَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الهِجْرَةِ فَقالَ: "ويْحَكَ، إِنَّ شَأْنَ الهِجْرَةِ شَدِيدٌ، فَهَلْ لَكَ مِنْ إبلٍ؟ ". قالَ: نَعَمْ. قالَ: "فَهَلْ تُوَدِّي صَدَقتَها؟ ". قالَ: نَعَمْ. قالَ: "فاعْمَلْ مِنْ وَراءِ البِحارِ فَإِنَّ اللهَ لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شيْئًا" (¬1). 2478 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ وَعُثْمانُ ابنا أَبِي شيْبَةَ قالا: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنِ الِمقْدامِ ابْنِ شُريْحٍ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: سَأَلْتُ عائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ البَداوَة فَقالَتْ: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَبْدُو إِلى هذِه التِّلاعِ، وَإِنَّهُ أَرَادَ البَدَاوَةَ مَرَّةَ فَأَرْسَلَ إِليَّ نَاقَةَ مُحَرَّمَةَ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ فَقالَ لي: "يا عائِشَةُ، ارْفُقي؛ فَإِنَّ الرِّفْقَ لَمْ يَكُنْ في شَيء قَطُّ إِلَّا زانَهُ، وَلا نُزِعَ مِنْ شَيء قَطُّ إِلَّا شَانَهُ" (¬2). * * * باب ما جاء في الهجرة الهجرة: مأخوذة من الهجر وهو ضد الوصل، يقال: هَجَرَ المكان إذا فارقه وخرج منه كما سيأتي (وسكنى البدو) أي: باب في هجرة الوطن الذي هو فيه، وفي حكم السكنى في البدو. والبدو بفتح الباء الموحدة هي البادية، والنسبة إليها بدوي، والبدو خلاف الحضر. [2477] (عن مؤمل بن الفضل) الحراني، قال أبو حاتم (¬3): ثقة. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1452)، مسلم (1865). (¬2) رواه مسلم (2594). (¬3) "الجرح والتعديل" 8/ 375.

(قال: حدثنا الوليد بن مسلم) عالم الشام (عن الأوزاعي، عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عطاء بن يزيد) الليثي (عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك (أن أعرابيًّا) قدم من البادية (سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -) فيه دليل على شدة اعتناء أعراب البوادي بالدين، وسؤالهم عما يحتاجون إليه، بخلاف عرب هذا الزمان (عن الهجرة) أي: من البادية إلى المدينة النبوية لينتقل من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، ولم يستأذنه في التخلف عنه، ولم يعتذر له (¬1) كما استأذن المنافقون فعصوا بالتخلف. قال العلماء: الهجرة من الأرض التي هو فيها على ستة أقسام: [الأول] (¬2) الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام. الثاني: الخروج من أرض تظهر فيها المعاصي ولا يقدر على إزالتها. الثالث: الخروج من أرض غلب فيها أكل (¬3) الحرام إلى أرض فيها الحلال، فإن طلب الحلال فرض على كل مسلم. الرابع: الفرار من الإذاية في البدن إذا خاف على نفسه؛ فقد أذن الله بالفرار من المحذور، وأول من فعله إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ فإنه لما خاف من قومه قال: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} (¬4)، وقال مخبرًا عن موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} (¬5). ¬

_ (¬1) زيادة من (ل). (¬2) زيادة يقتضيها السياق. (¬3) في (ر): أهل، والمثبت من (ل). (¬4) الصافات: 99. (¬5) القصص: 21.

الخامس؛ خوف المرض في البلاد الوخمة، وقد أذن النبي - صلى الله عليه وسلم - للرعاء حين استوخموا المدينة أن يخرجوا إلى المرج فيكونوا فيه حتى يصحُّوا، واستثنى بعضهم من ذلك الخروج خوفًا من الطاعون، وقالوا (¬1): الخروج منه مكروه. السادس: الخروج خوف الإذاية في المال وفي الأهل، فإن حرمة مال المسلم وأهله كحرمة دمه، بل الخروج خوفًا على البضع أولى من الخوف على المال؛ فإنه يجب الدفع عن أهله ولا يجب الدفع عن ماله، بل يجوز الدفع عنه وإن قل. (فقال: ويحك) كلمة ترحم، قال سيبويه: تقال هذِه الكلمة لمن أشرف على الهلكة خوفًا عليه (¬2). قال النووي في "شرح مسلم" (¬3): خاف عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لا يقوى على الهجرة وترك أهله ووطنه وملازمة. المدينة مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يقدر على القيام بحقوقها وأن ينكص على عقبيه؛ فلذلك قال له: (إن شأن الهجرة) التي سألت عنها (لشديد) عليك فعله، ويجوز أن يكون المعنى: إن شأن الهجرة لعظيم أجره عند الله تعالى، لكنك تضعف عنه. (فهل لك من إبل) أي: في البادية التي أنت مقيم فيها، ويشق عليك الهجرة عنها، أو أخذها معك إلى المدينة؟ (قال: نعم) لي إبل. (قال: فهل تؤدي صدقتها؛ ) أي: زكاتها التي فرضها الله تعالى، وهذا يدل ¬

_ (¬1) في (ر): قالوا، والمثبت من (ل). (¬2) انظر: "لسان العرب" (2/ 638). (¬3) "شرح النووي على مسلم" (13/ 9).

على أنه - صلى الله عليه وسلم - علم (¬1) أنها أكثر من خمس ذود (¬2) فليس فيما (¬3) دونها صدقة، وإنما سأل عن الإبل دون غيرها؛ لأنها كانت أعز أموال العرب وأنفسها، ومما (¬4) يشق خروجهم عنها لتعلق قلوبهم بها (قال: نعم) أؤدي صدقتها (قال: فاعمل) أي: في باديتك بطاعة الله (¬5) (من وراء البحار) قال النووي: المراد بالبحار هنا القرى (¬6). رواية أبي الهيثم في البخاري ["من وراء التجار"] (¬7) بالفوقانية والجيم (¬8). أي: اعمل وأجر عملك في باديتك دون أجر التجار الذين فازوا بالهجرة، وإن الله لن يترك من أجرك شيئًا. والعرب تسمي القرى بحارًا، والقرية البحيرة، ومنه قول سعد: لقد كان اصطلح أهل هذِه البحيرة أن يعصبوه قبل قدومك (¬9) إليها. يعني: عبد الله بن أبي ابن (¬10) سلول. ويحتمل أن يكون أراد بالبحار بحار الأرض المالحة وهي كثيرة، ¬

_ (¬1) في (ر): على، والمثبت من (ل). (¬2) في (ر): دون، والمثبت من (ل). (¬3) في (ر): منها، والمثبت من (ل). (¬4) في (ر): وإنما، والمثبت من (ل). (¬5) ساقطة من (ر). (¬6) "شرح النووي على مسلم" (13/ 9). (¬7) زيادة من (ل). (¬8) قال ابن حجر في "فتح الباري" 10/ 554: وقع في رواية الكشميهني بمثناة ثم جيم، وهو تصحيف. (¬9) في (ر): مقدمك، والمثبت من (ل). (¬10) ساقطة من (ر).

وهي كالخلجان تأخذ من البحر الأعظم المحيط بالدنيا، وحمل اللفظ على حقيقته أولى. وفي الحديث دليل على أن الهجرة قبل الفتح لم تكن فرضًا عليه. (وإن الله لن يترك) أي: ينقصك (¬1) (من) ثواب (عملك) الذي (¬2) تعمله (شيئًا) حيثما كنت في وطنك أو غيره ينفعك به ويثيبك عليه ثوابًا كاملًا ويمدك من فضله ولا يظلمك شيئًا. [2478] (حدثنا أبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة قالا: حدثنا شريك، عن المقدام بن شريح، عن أبيه: ) شريح بن هانئ بن يزيد الحارثي (سألت عائشة عن البداوة) بفتح الباء وكسرها، والكسر أظهر وهي الإقامة بالبادية والخروج إليها، وهي خلاف الحاضرة، قال ثعلب: لا أعرف البداوة بالفتح إلا عن أبي زيد وحده، والنسبة إليها بداوي (¬3). سميت بذلك لظهورها، من قولهم: بدا لي أن أفعل كذا. أي: ظهر لي رأي غير الرأي الأول. (فقالت: كان رسول الله يبدو) بفتح أوله وسكون الواو في آخره، أي: يخرج إلى البادية إذا اهتم لأمر طرأ له؛ فإن النفس تتروح بالخروج إلى الصحراء وتنشرح برؤيتها وشرح النظر في مسارح الفكر ومطالعة أجزاء (¬4) الأرض واستماع التسبيح من الحصا والجمادات ¬

_ (¬1) في (ر): ينقص، والمثبت من (ل). (¬2) في الأصلين: التي. والمثبت أولى. (¬3) انظر: "الصحاح في اللغة" 6/ 128. (¬4) في (ر): آخر، والمثبت من (ل).

(إلى هذِه التِّلاع) بكسر التاء جمع تَلعة بفتح التاء، وهي: ما ارتفع من الأرض وغلظ، وكان ما سفل منها مشتملًا لمياهها، وتلع النهار ارتفع، والصعود على التلاع والجبال أبلغ في ترويح (¬1) القلب واتساعه، ورؤية آيات الله تعالى في الآفاق، قال الله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ} (¬2) (وإنه أراد البداوة) أي: الخروج إلى البادية (مرّة) على عادته الكريمة كما تقدم، فخرج إليها (فأرسل إلى) منها (ناقة محرمة) بفتح الحاء وتشديد الراء المشددة المفتوحة المهملتين، وهي التي لم تركب ولم تذلل بالحمل، ولم يتم رياضتها بعد كما في غالب إبل البوادي فهي كير وطيئة، يقال: أعرابي محرم إذا كان جلفًا لم يخالط أهل الحضر (¬3). (من إبل الصدقة) المأخوذة من زكوات أهل البادية التي كان فيها والتلاع (فقال لي) أي: لما قدم من البادية (يا عائشة، أرفقي) أي: بهذِه الناقة، ولعل النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أمرها بالرفق بالدابة كانت راكبة لها، ويدل على ذلك رواية مسلم في "صحيحه" (¬4) عن شريح بن هانئ: ركبت عائشة بعيرًا وكانت فيه صعوبة، فجعلت تردده، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عليك بالرفق .. " الحديث. والمراد بالبعير هنا: الناقة بدليل دخول التاء في الفعل الذي بعده وهو: كانت. ¬

_ (¬1) في (ر): نزوع، والمثبت من (ل). (¬2) فصلت: 53. (¬3) انظر: "أساس البلاغة" (1/ 123). (¬4) "صحيح مسلم" (2594/ 79).

وقال الجوهري (¬1): يقال للجمل وللناقة: بعير. والرفق ضد العنف، فعلى هذا يكون في الحديث دليل على الرفق بالدابة في الضرب، ولا يضربها في وجهها ولا رأسها، وفي السير والتحميل فلا يكلفها في سيرها ولا في تحميلها ما لا تطيق. (فإن الرفق) سبب كل خير، ويثيب على الرفق ما لا يثيب على غيره (لم يكن (¬2) الرفق في شيء) من الأمور (قط) ولا تخلق به شخص (إلا زانه) أي: زينه وجمله، وسمي من يقص أطراف شعر الآدمي مزينًا لأنه يحسن وجه الآدمي ويجمله (ولا نزع) الرفق (من شيء) من أحوال الآدمي (قط إلا شانه) أي: قبحه وعابه، والشّين ضد الزين، وسيأتي هذا الحديث بتمامه في كتاب الأدب من أواخر (¬3) الكتاب (¬4). * * * ¬

_ (¬1) "الصحاح في اللغة" (2/ 156). (¬2) ورد بعدها في (ر): نسخة: لا يكون. (¬3) في (ر): آخر، والمثبت من (ل). (¬4) رقم (4808).

2 - باب في الهجرة هل انقطعت

2 - باب في الهِجْرَةِ هَلِ انْقَطَعَتْ 2471 - حَدَّثَنَا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى الرّازِيُّ، أَخْبَرَنا عِيسَى، عَنْ حَرِيزِ بْنِ عُثْمانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَوْفٍ، عَنْ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ مُعاوِيةَ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُول: "لا تَنْقَطِعُ الهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ وَلا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِها" (¬1). 2480 - حَدَّثَنَا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجاهِدٍ، عَنْ طاوُسٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الفَتْحِ فَتْحِ مَكَّةَ: "لا هِجْرَةَ، ولكن جِهادٌ وَنِيَّة وَإِذا اسْتُنْفِرْتُمْ فانْفِرُوا" (¬2). 2481 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْماعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، حَدَّثَنَا عامِرٌ قالَ: أَتَى رَجُلٌ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو وَعِنْدَهُ القَوْمُ حَتَّى جَلَسَ عِنْدَهُ فَقالَ: أَخْبِرْنِي بِشَيء سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَقالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسانِهِ وَيَدِهِ والمُهاجِرُ مَنْ هَجَرَ ما نَهَى اللهُ عَنْهُ" (¬3). * * * [2 - باب في الهِجْرَةِ هَلِ انْقَطَعَتْ] (باب في الهجرة) أي: إلى (¬4) مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم - (هل انقطعت) بفتح مكة أم هي باقية إلى يوم القيامة. ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 99، الدارمي (2555)، والنسائي في "الكبرى" (8711). وصححه الألباني في "الإرواء" (1208). (¬2) رواه البخاري (1834)، ومسلم (1353). (¬3) رواه البخاري (10). (¬4) زيادة من (ل).

[2479] (حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي) الفراء المعروف بالصغير (أنا عيسى) بن يونس (عن حريز) بالحاء المهملة المفتوحة وزاي آخره (ابن عثمان) الرحبي (عن عبد الرحمن بن أبي عوف) الجرشي. قال أبو داود (¬1): شيوخ الرحبي ثقات (عن أبي هند) البجلي، أخرج له النسائي (عن معاوية قال: سمعت رسول الله يقول: لا تنقطع الهجرة) المستحبة من دار الكفر إلى دار الإسلام، وروى هذا الحديث الإمام أحمد في مسند عبد الرحمن بن عوف (¬2)، وأوله أن الهجرة خصلتان: إحداهما: [أن] (¬3) يهجروا السيئات، والأخرى: أن يهاجروا إلى الله ورسوله، ولا تنقطع الهجرة (حتى تنقطع التوبة) أي: المقبولة، ولفظ رواية أحمد: "لا تنقطع الهجرة ما تقبلت التوبة" (¬4). [وفي رواية أحمد والنسائي] (¬5) "لا تنقطع الهجرة ما قوتل العدو (¬6) ". [(ولا تنقطع التوبة)] (¬7) المقبولة (حتى تطلع الشمس من مغربها) قال العلماء: طلوع الشمس من مغربها حد يعرف به [امتناع] (¬8) قبول التوبة، ¬

_ (¬1) ذكره المزي في "تهذيب الكمال" (8/ 163) عن الآجري. ولم أجده في "سؤالات الآجري". (¬2) "مسند أحمد" 1/ 192. (¬3) زيادة يقتضيها السياق. (¬4) "المسند" 1/ 192. (¬5) ساقطة من (ر). (¬6) "سنن النسائي" (4172)، "مسند أحمد" 5/ 270. (¬7) زيادة من (ل)، والمطبوع. (¬8) زيادة يقتضيها السياق.

وقد روى الترمذي (¬1) في حديث حسن صحيح، والبيهقي (¬2) واللفظ له عن صفوان بن عسال -رضي الله عنه -، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن من قبل المغرب لبابًا مسيرة عرضه أربعون عامًا - أو سبعون سنة - فتحه الله تعالى للتوبة يوم خلق السماوات والأرض، فلا يغلقه حتى تطلع الشمس منه". وعن ابن مسعود قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "للجنة ثمانية أبواب: سبعة مغلقة وباب مفتوح للتوبة حتى تطلع الشمس من نحوه". رواه أبو يعلى، والطبراني بإسناد جيد (¬3). [2480] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة) العبسي (حدثنا جرير، عن منصور) بن المعتمر (عن مجاهد، عن طاوس، عن ابن عباس) -رضي الله عنهما - (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح) يعني (فتح مكة) شرفها الله تعالى (لا هجرة) أي: لا تجب الهجرة من مكة إلى المدينة بعد فتح مكة؛ لأن الله تعالى لما فتح مكة دخل الناس في دين الله أفواجًا، وبقي وجوب الهجرة من المواضع التي لا يتأتى فيها أمر الدين كما تقدم [(ولكن جهاد ونية) أي: لن بقي فرض الجهاد والنية الصالحة على ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (3535). (¬2) "سنن البيهقي الكبرى" (1252). (¬3) رواه أبو يعلى في "المسند" (5012)، والطبراني في "المعجم الكبير" (10479)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (307)، والحاكم في "المستدرك" 4/ 261. من طرق عن شريك، عن عثمان بن أبي زرعة، عن أبي صادق، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله بن مسعود به. قالى الهيثمي في "المجمع" 10/ 198: إسناده جيد. قلت: لكن فيه شريك القاضي وهو سيئ الحفظ وقول الهيثمي: إسناده جيد من باب تساهله المعروف كما قال الشيخ الألباني. انظر: "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (4329).

من عجز عن الجهاد، وقيل: "ولكن جهاد ونيته" فإن الجهاد لا يكون بغير (¬1) نية مدى الدهر على من قام بفرضه أو نزل به عدو من الكفار (وإذا استنفرتم فانفروا)] (¬2) بضم التاء وكسر الفاء، أي: إذا استغيث بكم أو دعيتم للجهاد فبادروا بالخروج ولا تقعدوا؛ لأن الجهاد كان على الصحابة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرض كفاية، وقيل: فرض عين على كل قادر. قال الخطابي (¬3): هما هجرتان، فالمنقطعة منهما هي: الفرض، والثانية هي: الندب، وهذا وجه الجمع بين الحديثين. قال الماوردي (¬4): الصحيح عندي أن ابتداء فرضه كان على الأعيان في المهاجرين وعلى الكفاية في غيرهم؛ لأن المهاجرين انقطعوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنصرته، وأما بعده فإن كان الكفار ببلادهم ففرض كفاية، وإن دخلوا بلدة لنا أو أطلوا علينا قاصدين تعين الجهاد على القادر. [2481] (قال: حدثنا مسدد، حدثنا يحيى) [بن سعيد القطان] (¬5) (عن إسماعيل بن أبي خالد) [الأحمس مولاهم الكوفي التابعين] (¬6) (حدثنا عامر قال: أتى رجل عبد الله بن عمرو وعنده القوم فقال: ¬

_ (¬1) تكررت في (ل). (¬2) ساقط من (ر)، وبعدها: باب. (¬3) "معالم السنن" 2/ 234. (¬4) "الحاوي في فقه الشافعي" 14/ 112. (¬5) بياض في (ر)، (ل)، والمثبت كما هي عادة المصنف في ترجمة الرجال. (¬6) بياض في (ر)، (ل)، والمثبت كما هي عادة المصنف في ترجمة الرجال.

أخبرني بشيء سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: سمعت رسول الله يقول: المسلم) أي: الكامل، وليس المراد نفي أصل الإسلام عمن لم يكن بهذِه الصفة، بل هذا كما يقال: العلم ما نفع. أي: العلم المحبوب ما نفع، ويدل على ذلك ما جاء في رواية لمسلم في أول الحديث (¬1): أي المسلمين خير؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده". ثم اعلم [أن كمال الإسلام متعلق به خصال أخر. (من سلم المسلمون) أي: لم يؤذ أحدًا] (¬2) من المسلمين: بل سلموا (من لسانه ويده) أي من قوله باللسان ومن فعله، وخصت اليد بالذكر؛ لأن معظم الأفعال بها، ومنه قوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} (¬3)، وخص اللسان واليد بالذكر؛ لأن ضررهما أكثر من القلب (والمهاجر) الكامل (من هجر ما نهى الله عنه) ولا يتكل على هجرته، ويحتمل أنه قال ذلك لما شق فوات الهجرة على بعضهم فأعلمهم أن هذا هو المهاجر المطلوب تحصيله الكامل فضله، وهذا الحديث من جوامع كلمه - صلى الله عليه وسلم - وفصيحه كما يقال: المال الإبل والناس [العرب] (¬4) إذا أريد الفضيلة لا أنه يراد به الحصر وإخراج ما سواها، ويدخل فيما نهى الله عنه الحرام والمكروه وخلاف الأولى. * * * ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (40). (¬2) ما بين المعقوفين ساقط من (ر). (¬3) الشورى: 30. (¬4) ساقطة من الأصلين، والمثبت من "إكمال المعلم" 1/ 77.

3 - باب في سكنى الشام

3 - باب في سُكْنَى الشَّامِ 2482 - حَدَّثَنَا عُبيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ، فَخِيارُ أَهْلِ الأَرْضِ ألْزَمُهُمْ مُهاجَرَ إِبْراهِيمَ، ويَبْقَى فِي الأرْضِ شِرارُ أَهْلِها تَلْفِظُهُمْ أَرَضُوهُمْ تَقْذَرُهُمْ نَفْسُ اللهِ، وَتَحْشُرُهُمُ النّارُ مَعَ القِرَدَةِ والخَنَازِيرِ" (¬1). 2483 - حَدَّثَنَا حيْوَةُ بْنُ شُريْحٍ الحَضْرَميُّ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَني بَحِيرٌ، عَنْ خالِدٍ -يَعْنِي: ابن مَعْدانَ-، عَنْ أَبِي قُتَيلَةَ، عَنِ ابن حَوالَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "سيَصِيرُ الأمْرُ إِلى أَنْ تَكُوُنُوا جُنُودًا مُجَنَّدَةً جُنْدٌ بِالشَّامٍ، وَجُنْدٌ بِاليَمَنِ، وَجُنْدٌ بِالعِراقِ". قالَ ابن حَوالَةَ خِرْ لي يا رَسُولَ اللهِ إِنْ أدْرَكْتُ ذَلِكَ. فَقالَ: "عَليْكَ بِالشّام فَإِنَّها خِيَرَةُ اللهِ مِنْ أَرْضِهِ يَجْتَبِي إِليْها خِيَرَتَهُ مِنْ عِبادِهِ، فَأَمّا إِنْ أَبيْتُمْ فَعَليْكمْ بِيَمَنِكُمْ واسْقُوا مِنْ غُدَرِكُمْ فَإِنَّ اللهَ تَوَكَّلَ لي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ" (¬2). * * * باب في سكنى الشأم بهمزة ساكنة مثل رأس، ويجوز تخفيفه بحذفها كما في راس، وفيه لغة أخرى: شآم [بمد الهمزة] (¬3). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 198، والطيالسي (2407)، والحاكم 4/ 486. وصححه الألباني في "الصحيحة" (3203). (¬2) رواه أحمد 4/ 110، والطحاوي في "مشكل الآثار" (1114)، والبيهقي 9/ 179. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2244). (¬3) ساقط من (ر).

[2482] ([حدثنا عبيد الله بن عمر، حدثنا معاذ بن هشام، حدثنى أبي، عن قتادة، عن شهر بن حوشب] (¬1)، عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله يقول: ستكون) أي: في آخر الزمان (هجرة) ثانية إلى الشام (بعد هجرة) إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلى الشام أولًا كما سيأتي، فإذا ظهر في الأرض الفساد، وانتشرت الفتن في جميع البلاد هجر الناس أوطانهم وتفرقوا في الأرض شذر مذر. (فخيار أهل الأرض) حينئذٍ (ألزمهم) أي: أكثرهم ملازمة وسكنى لأرض الشام التي هي (مُهاجَرَ) بضم الميم وفتح الجيم (إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) أي: هاجر من دار الكفر بعد الخروج من النار إلى الشام كما قال الله تعالى حكاية عنه: (¬2) أي: إلى حيث أمرني ربي بالهجرة إليه وهو الشام، وهاجر معه إلى الشام لوط، ثم أرسل الله لوطًا إلى الغور من الشام، وأقام إبراهيم ببيت المقدس. (ويبقى في (¬3) الأرض) التي هي غير الشام (شرارها) أي: شرار أهل الأرض (تَلفِظُهم) بفتح التاء وكسر الفاء، أي: تلقيهم وتخرجهم (أرضوهم) بفتح الراء، وربما سكنت، جمع أرض، وهو جمع شاذ؛ لأن المؤنث لا يجمع بالواو والنون إلا أن يكون منقوصًا مثل: سنون جمع سنة، وسبب إخراجهم وإزعاجهم من على (¬4) ظهرها أنهم لما ¬

_ (¬1) مستدرك من المطبوع. (¬2) العنكبوت: 26. (¬3) ساقطة من (ر). (¬4) زيادة من (ل).

كثر منهم العصيان والفساد (تَقَذَّرهم) بفتح التاء والقاف والذال المشددة، أي: تتقذرهم ثم حذفت التاء الأولى ويجوز: (تَقْذَرهم) بسكون القاف وفتح الذال: أي: تكرههم، وفي "شرح الخطابي" (¬1): تأويله أن الله يكره خروجهم إليها، ومقامهم بها، فلا يوفقهم، فصاروا بالصد وترك القبول في معنى الشيء الذي تقذره (¬2) نفس الإنسان. (نفس الله) أي: يكره الله خروجهم إلى الشام، ومقامهم بها؛ فلا يوفقهم إلى المهاجرة إليها، بل إلى غيرها، فصاروا بترك الخروج إليها في معنى الشيء الذي تقذره نفس الإنسان، أي: ذاته، فلا تقبله، والنفس هنا ذات الله تعالى، كما قال تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} (¬3) كما تقول: قتل فلان نفسه، أي: ذاته كلها، ويحتمل أن تكون النفس هنا أهل شريعة الله القائمين على الحق الذين لا يضرهم من ناوأهم، كما قال تعالى: {ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} (¬4) أي: بأهل شريعتهم، ولما كره الله خروجهم إلى الشام أزال رغبتهم عنها (¬5) فارتحلوا إلى غيرها، فكأن الأرض لفظتهم عنها بفعل الله، وفي الكلام مجاز واتساع نظيره قوله تعالى: {كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ} (¬6) أي: عن الخروج إلى الغزو، ووجهه أن الله لما كره ¬

_ (¬1) "معالم السنن" للخطابي 2/ 235. (¬2) في الأصلين: تقذرهم، والمثبت أليق بالسياق. (¬3) آل عمران: 28، 35. (¬4) النور: 12. (¬5) في (ر): فيها، والمثبت من (ل). (¬6) التوبة: 46.

خروجهم وانبعاثهم ضعف رغبة الانبعاث وأزالها (¬1) من قلوبهم فحصل منهم التثبط والقعود عن الغزو. والحديث شبيه بقوله تعالى: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ} وفي هذا حث عظيم، وترغيب شديد في سكنى الشام والإقامة بها عند كثرة الفتن وشدة المحن، وروى البزار (¬2)، عن أبي الدرداء، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا وإن الإيمان حين تقع الفتن - بالشام". قال الحافظ عبد الحق: هذا صحيح، ولعل هذِه الفتن هي التي تكون عند خروج الدجال. والله أعلم. (وتحشرهم النار) كما روى ابن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ستخرج نار من حضرموت قبل يوم القيامة تحشر الناس، قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؛ قال: عليكم بالشام". رواه الترمذي (¬3). (مع القردة والخنازير) التي يمسخون، كما روى الحافظ رزين بن معاوية في "تجريد صحاح أصول الدين" (¬4) عن أنس: أن رسول الله ¬

_ (¬1) في الأصلين: وأزالهم. والمثبت أليق بالسياق. (¬2) رواه البزار (4111)، وأحمد 5/ 198 من طرق عن بسر بن عبيد الله، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي الدرداء به. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 7/ 567: رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن عامر الأنطاكي، وهو ثقة. وأخرجه أحمد 4/ 198، والطبراني في "مسند الشاميين" 2/ 288، من طرق عن إسماعيل بن عياش، عن عبد العزيز بن عبيد الله، عن عبد الله بن الحارث، عن عمرو بن العاص به. (¬3) (2217)، وقال: حسن صحيح غريب. وصححه الألباني في "الصحيحة" (2768). (¬4) هو رزين بن معاوية بن عمار، الإمام المحدث الشهير، أبو الحسن العبدري الأندلسي السرقسطي، توفي بمكة 535 هـ. انظر: "سير أعلام النبلاء" 20/ 205. =

- صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الناس يمصرون أمصارًا، وإن مصرًا منها تسمى البصرة فإن أنت مررت بها فإياك وسباخها وسوقها وأبواب أمرائها، وعليك بضواحيها فإنه يكون بها خسف ورجف وقوم يبيتون فيصبحون قردة وخنازير" (¬1). [2483] (حدثنا حيوة بن شريح الحضرمي، أنا بقية) بن الوليد (حدثني بَحِير) بفتح الموحدة وكسر المهملة بن سعد (عن خالد - يعني: ابن معدان - عن أبي قُبيلة) بضم القاف وفتح الموحدة (¬2) واسمه مرثد، ومن قال: ابن أبي قتيلة. فالكنية لأبيه (عن ابن حَوَالة) بفتح الحاء المهملة واسمه عبد الله بن حوالة بفتح الحاء أيضًا الأزدي، نزل الشام، وروى عنه من أهلها أبو قبيلة (¬3) مرثد بن وداعة له ثلاثة أحاديث. (قال: قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: سيصير الأمر) إلى (أن تكونوا جنودًا) قال الجوهري (¬4): الجند في اللغة هم الأنصار والأعوان. وكل صنف من الناس جند، وجمع القلة أجناد، وجمع الكثرة جنود. (مجندة: ) بتشديد النون، أي: كثيرة مجمعة، كما يقال: ألوف ¬

_ = وكتابه هذا جمع فيه بين "الموطأ"، والصحاح الخمسة، وعليه اعتمد ابن الأثير في تصنيف كتابه "جامع الأصول"، انظر: كلام ابن الأثير عن هذا الكتاب في مقدمة "جامع الأصول" 1/ 49 - 51. (¬1) سيأتي في "سنن أبي داود" (4307) باب في ذكر البصرة. (¬2) كذا ذكره المصنف، والصواب: قُتَيْلة - بقاف مضمومة ثم مثناة من فوق بعدها ياء - مصغر. انظر: "الإصابة" 6/ 56. (¬3) انظر التعليق السابق. (¬4) "الصحاح" 2/ 22.

مؤلفة، والمراد والله أعلم: أنكم ستفترقون في أقطار متفرقة (جند) تكون (بالشام) وحدُّه طولًا من العريش إلى الفرات، وأما عرضه فمن جبلي طيء إلى بحر الروم (وجند باليمن) وهو الإقليم المعروف، قال صاحب "المطالع" (¬1) (¬2): اليمن: كل ما كان عن يمين الكعبة من بلاد العرب. (وجند بالعراق) بكسر العين مذكر على المشهور، سمي عراقًا لاستواء أرضه، وخلوها عن جبال تعلو أو أودية تنخفض، وقيل: سميت عراقًا لقربها من البحر. (فقال ابن حوالة: خِرْ لي يا رسول الله) أي: اختر لي الإقامة في واحد منها (إن أدركتُ ذلك، فقال: عليك بالشام) ولازم الإقامة بها، قال الزمخشري: أجناد الشام خمسة: دمشق، وحمص، وفلسطين، وقنسرين، والأردن (¬3). (وعن مكحول) (¬4) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "دمشق من خير مدائن الشام" (¬5). ذكره رزين (¬6). (فإنها) يعني: الشام (خيرة الله من) جميع (أرضه) كما أنه سبحانه (يجتبي إليه) أي: يختار لسكنى الشام وحفظ دينه بها (¬7) (خيرته) أي: ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) "مطالع الأنوار" بتحقيقنا 6/ 292. (¬3) "أساس البلاغة" (152). (¬4) تصحفت في (ر) إلى: وغزة وروي. (¬5) سيأتي في باب في المعقل من الملاحم (4298). (¬6) وسيأتي برقم (4298) من حديث أبي الدرداء مرفوعًا: "إن فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة إلى جانب مدينة يقال لها: دمشق مِن خير مدائن الشام". (¬7) ساقطة من (ر).

من يختاره (من عباده) أضافهم إلى نفسه إضافة تشريف وتكريم، وروى الترمذي (¬1)، عن زيد بن ثابت: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "طوبى للشام". قلت: لم يا رسول الله؟ قال: "لأن الملائكة باسطة أجنحتها عليه". (فأما إن أبيتم) إلا الإقامة بغيرها أو لم يتيسر لكم سكناها (فعليكم بيمنكم) أي: بسكنى اليمن وهي بلاد العرب - كما قال الجوهري (¬2) - فإن الإقامة بها ترقق القلب. (واسقوا من غُدركم) بضم الغين المعجمة، وفتح الدال المهملة، ويجوز إسكانها جمع غدير ككثيب وكثب، وهو القطعة من الماء يسمى بذلك؛ لأن ماء السيل يغادره، أي: يتركه في المنخفض في الأرض. وفيه: الحث على الشرب من ماء الغدران الذي ببلاد الشام؛ لأنه اجتمع فيه بركة ماء السماء الذي قال الله فيه: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا} (¬3) وبركة أرض الشام كما جمع رسول الله للمريض حين دعا له بالشفاء بين الريق وتراب الأرض فيأخذ من ريق نفسه على السبابة ثم يضعها على التراب فيتعلق بها منه شيء فيمسح به العليل (¬4) ويقول: "باسم الله، تربة أرضنا، بريقة بعضنا، يشفى سقيمنا، بإذن ربنا" (¬5). ولهذا قيل: ينبغي للمسافر أن يستصحب معه تراب أرضه حتى إذا ورد على غير الماء المعتاد جعل منه في سقائه حتى يختلط بذلك ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (3954)، وصححه الألباني في "الصحيحة" (553). (¬2) "الصحاح" 1/ 179. (¬3) ق: 9. (¬4) ساقطة من (ر). (¬5) رواه البخاري (5745)، ومسلم (2194).

الماء ويشرب منه؛ فإنه يعين على حفظ صحته. (فإن الله توكل لي) أي: تكفل لي (بالشام) أي: بحفظ الشام (و) حفظ (أهله) المقيمين به تفضلًا منه سبحانه وتفضلًا (¬1)، وكان أبو إدريس إذا روى هذا الحديث قال: ومن تكفل الله به فلا ضيعة عليه (¬2). وهذا وعد من الله تعالى لرسوله بحفظ هذِه المملكة وحفظ أهلها، ولن يخلف الله وعده، لكن سياق الكلام يدل على أن المراد بالحفظ عند كثرة الفتن ومهاجرة الناس إليها، وسيأتي في كلام رواية أبي داود الطيالسي (¬3) حفظ بيت المقدس من الدجال من رواية سفينة أن الدجال يسير حتى يأتي الشام فيهلكه الله تعالى عند عقبة أفيق. وروى أبو بكر ابن أبي شيبة (¬4)، عن سمرة بن جندب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سيظهر على الأرض كلها إلا الحرم وبيت المقدس. ويحتمل أن يراد عموم الحفظ في جميع الأزمان، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) كذا تكررت لفظة تفضلا في الأصول. (¬2) "فضائل الشام ودمشق" لأبي الحسن الربعي (4)، "فضائل الشام" للسمعاني (1)، "تاريخ دمشق" لابن عساكر 1/ 60. (¬3) "مسند أبي داود الطيالسي" 2/ 429 - 430 (1202). (¬4) "مصنف ابن أبي شيبة" (38668).

4 - باب في دوام الجهاد

4 - باب في دَوامِ الجِهادِ 2484 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصيْنٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَزالُ طائِفَةٌ مِنْ أمَّتِي يُقاتِلُونَ عَلَى الحَقِّ، ظاهِرِينَ عَلَى مَنْ ناوَأَهُمْ حَتَّى يُقاتِلَ آخِرُهُمُ المَسِيحَ الدَّجّالَ" (¬1). * * * باب في دوام الجهاد حتى يأتي أمر الله. [2484] (حدثنا موسى بن إسماعيل، أنا حماد، عن قتادة، عن مطرف، عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تزال طائفة من أمتي) قال البخاري (¬2): هم أهل العلم. وقال أحمد (¬3): إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم. قال النووي (¬4): يحتمل أن تكون هذِه الطائفة مفرقة (¬5) من أنواع المؤمنين؛ فمنهم شجعان يقاتلون، ومنهم فقهاء محدثون، ومنهم زهاد، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين، بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض. ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 429، والطبراني 18/ 116 (228)، والحاكم 2/ 71. وصححه الألباني في "الصحيحة" (1909). (¬2) "صحيح البخاري" 9/ 101. (¬3) "معرفة علوم الحديث" للحاكم 1/ 35. (¬4) "شرح النووي على مسلم" 67/ 13. (¬5) في (ر): معروفة، والمثبت من (ل).

(يقاتلون) أي: يجاهدون في سبيل الله (على) أن تكون كلمة الله (الحق) هي العليا، وهذا يدل على ما قاله النووي أن الطائفة مفرقة، ومنهم شجعان يقاتلون (ظاهرين) أي: منتصرين (على من ناوأهم) بهمزة بعد الواو. أي: عاداهم وهو مأخوذ من ناء إليهم [إذا نهض للقتال] (¬1)، قاله النووي (¬2)، وإنما استعمل ذلك في المعاداة؛ لأن كلا المتعاديين ينهض إلى قتال صاحبه (حتى يقاتل آخرُهُم المسيح الدجال) وفي رواية في الصحيحين (¬3): حتى تقوم الساعة. أي: تقرب الساعة. * * * ¬

_ (¬1) في (ر): إن أنهض، والمثبت من (ل). (¬2) "شرح النووي على مسلم" 67/ 13. (¬3) "صحيح البخاري" (7312)، "صحيح مسلم" (1925).

5 - باب في ثواب الجهاد

5 - باب في ثَواب الجِهَادِ 2485 - حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ الطّيالِسِيُّ، حَدَّثَنَا سُليْمان بْن كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ سُئِلَ: أيّ المُؤْمِنِينَ أَكْمَلُ إِيمانًا؟ قالَ: "رَجُلٌ يُجاهِدُ في سَبِيلِ اللهِ بنَفْسِهِ وَمالِهِ، وَرَجُلٌ يَعْبُدُ اللهَ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعابِ قَدْ كُفي النّاسُ شَرَّهُ" (¬1). * * * باب في ثواب الجهاد [2485] [(حدثنا أبو الوليد) هشام (الطيالسي) (¬2) بن عبد الملك] (¬3) (أنا سليمان بن كثير) العبدي (أنا) محمد بن شهاب (الزهري، عن عطاء ابن يزيد الليثي، عن أبي سعيد) الخدري (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه سئل: أي المؤمنين أكمل إيمانًا؟ ) أي: أكملهم إيمانًا بالله (قال: رجل يجاهد في سبيل الله) هذا عام مخصوص بمن هو أفضل في حقه، وتقديره: من أكملهم رجل [يجاهد وإلا فالعلماء بالله تعالى والصديقون أفضل. (بماله ونفسه) وفي رواية في الصحيح (¬4): "مجاهد بنفسه وماله"، بتقديم النفس على المال، وهو أولى. (ورجل يعبد الله) وفي رواية في الصحيحين (¬5): "رجل] (¬6) معتزل ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6494)، ومسلم (1888). (¬2) ساقطة من (ل). (¬3) كذا ترتيب الاسم في (ر)، وهو غير واضح في (ل)، وكان الأولى تأخر النسب. (¬4) "صحيح البخاري" (6494). (¬5) البخاري (6494)، ومسلم (1888). (¬6) ساقطة من (ر).

يعبد ربه"، وفي رواية في البخاري: "رجل يتقي ربه" (في شِعْب من الشعاب) الشعب بكسر الشين ما انفرج بين جبلين، وليس المراد العبادة في الشعب خصوصًا؛ بل كل عابد لله منفرد عن الناس في مكان، وذكر الشعب مثالًا لمن (قَد كُفِي الناس شره) فإن الشعب خال عن الناس غالبًا، وفي هذا الحديث دلالة لما يقوله الصوفية أن الإنسان (¬1) إذا انعزل عن الناس ينوي به أنه مؤذ لهم بيده ولسانه وأنه يعتزلهم ليسلموا من شره لا ليسلم هو من شرور الناس فإن فيه سوء ظن بهم (¬2). وفيه دليل لمن يقول بتفضيل العزلة على الاختلاط (¬3)، وفي ذلك خلاف مشهور، ومذهب الشافعي وأكثر العلماء أن الاختلاط أفضل بشرط رجاء السلامة من الفتن. وأجابوا عن هذا الحديث بأنه محمول على الاعتزال في زمن الفتن والحروب وكثرة المظالم، وهو ممن لا يسلم الناس منه ولا يصبر على أذاهم. * * * ¬

_ (¬1) في (ر): الناس. (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) في (ر): الاختلاف، والمثبت من (ل).

6 - باب في النهى عن السياحة

6 - باب في النَّهْى عَنِ السِّياحَةِ 2486 - حَدَّثَنَا محَمَّد بْن عُثْمانَ التَّنُوخِيّ أَبُو الجَماهِرِ، حَدَّثَنَا الهيْثَمْ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنِي العَلاءُ بْن الحارِثِ، عَنِ القاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي أمامَةَ أَنَّ رَجُلًا قالَ: يا رَسُولَ اللهِ ائْذَنْ لِي في السِّياحَةِ. قالَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ سِياحَةَ أُمَّتِي الجِهادُ في سَبِيلِ اللهِ تَعالَى" (¬1). * * * باب النهي عن السياحة [2486] (حدثنا محمد بن عثمان أبو الجماهر التَّنوخي) أخرج له ابن ماجة (أنا الهيثم بن حميد) (¬2) الغساني (أخبرني العلاء بن الحارث) التميمي (عن القاسم بن (¬3) عبد الرحمن، عن أبي أمامة: أن رجلًا قال: يا رسول الله، ائذن لي في السياحة) بالياء المثناة من تحت، وفي الحديث: "لا سياحة في الإسلام" (¬4). أراد مفارقة الوطن (¬5) والذهاب ¬

_ (¬1) رواه الطبراني 8/ 183 (7760)، والحاكم 2/ 73، والبيهقي 9/ 161. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2247). (¬2) في (ر): محمد، والمثبت من (السنن). (¬3) في (ر): عن. وهو خطأ والمثبت من "السنن". (¬4) رواه عبد الرزاق 8/ 448 (15860)، وابن قتيبة في "غريب الحديث" 1/ 444 عن طاوس مرفوعًا مرسلًا. قال الألباني في "الصحيحة" 4/ 387 وقد عزاه إلى "غريب ابن قتيبة" من طريق ابن جريجٍ عن الحسن بن مسلم عن طاوس مرفوعًا، به، وهذا إسناد رجاله ثقات وهو مرسل. وقال في إسناد عبد الرزاق: مرسل صحيح. (¬5) في (ر): الوطء، والمثبت من (ل).

في الأرض أصله من السيح وهو الماء الجاري على وجه الأرض منبسطًا، وكان هذا السائل استأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الذهاب في الأرض قهرًا لنفسه بمفارقة (¬1) المألوفات والمباحات واللذات (¬2) وترك الجمعة والجماعات، فرد عليه ذلك كما رد على عثمان بن مظعون التبتل وهو الانقطاع عن النساء (¬3) وترك النكاح لعبادة الله تعالى، و (قال: ) لهذا السائل: (إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله تعالى) ولعل هذا محمول على أن السؤال كان في زمن تعين فيه الجهاد وكان السائل شجاعًا، أما السياحة في الفلوات، والانسلاخ مما في نفسه من الرعونات، إلى ملاحظة ذوي الهمم العليات، وتجرع مرارة فرقة الأوطان والأهل والقرابات، وعلم من نفسه الصبر على ذلك محتسبًا قاطعًا من قلبه العلائق الشاغلات، محتسبًا بصدق الطويات من غير تضييع من يعوله من أولاد وزوجات، ففيها (¬4) فضيلة، بل هي من المأمورات. * * * ¬

_ (¬1) في (ر): بمفارقات، والمثبت من (ل). (¬2) زيادة من (ل). (¬3) في (ر): الدنيا، والمثبت من (ل). (¬4) في (ر): ففيهما. وهو خطأ، والمثبت من (ل).

7 - باب في فضل القفل في سبيل الله تعالى

7 - باب في فَضْلِ القَفْلِ في سَبيلِ اللِّه تَعَالَى 2487 - حَدَّثَنَا محَمَّد بْن المُصَفَّى، حَدَّثَنَا عَليُّ بْن عيّاشٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا حيْوَةُ، عَنِ ابن شُفيٍّ، عَنْ شُفَى بْنِ ماتِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - هُوَ ابن عَمْرٍو - عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "قَفْلَةٌ كَغَزْوَةٍ" (¬1). * * * باب في فضل القفل في سبيل الله القفل والقفول أصله الرجوع من السفر (¬2). [2487] (حدثنا محمد بن المصفى) الحمصي (أنا علي بن عياش) بالمثناة، الألهاني (عن الليث بن سعد) المصري (عن حيوة بن شُريح) بضم المعجمة، المصري (عن) حسين (ابن شُفي) بضم المعجمة وفتح الفاء (عن شفي بن ماتع) بالفوقانية، المصري (عن عبد الله هو ابن عمرو) بن العاص. (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قفْلة كغزوة) القَفْلة بفتح القاف وإسكان الفاء الرجعة من الغزو، والمراد أن أجر الغازي في رجوعه إلى وطنه بنية السعي على عياله في النفقة يبتغي بها وجه الله وإدخال السرور عليهم وعلى إخوانه المعذورين كأجره في الذهاب إلى الجهاد، كما أن الراجع من المسجد أجره كأجر الذاهب على ما روى الإمام أحمد (¬3) ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 174، وابن الجارود في "المنتقى" (1039)، والحاكم 2/ 73، والبيهقي 9/ 28. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2248). (¬2) في (ر): السفور، والمثبت من (ل). (¬3) "مسند أحمد" 2/ 172.

عن عبد الله، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من راح إلى مسجد الجماعة (¬1) فخطوة تكتب حسنة، وخطوة تمحو سيئة ذاهبًا وراجعًا". وإسناده حسن. ورواه ابن حبان في "صحيحه" (¬2). * * * ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) "صحيح ابن حبان" (2039).

8 - باب فضل قتال الروم على غيرهم من الأمم

8 - باب فَضْل قِتَالِ الرُّومِ عَلَى غيْرِهمْ مِنَ الأُمَمِ 2488 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن سَلَّامٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ محَمَّدٍ، عَنْ فَرَجِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنْ عَبْدِ الخَبِيرِ بْنِ ثابِتِ بْنِ قيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قالَ: جاءَتِ امْرَأَةٌ إِلى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يقال لَها: أُمِّ خَلَّادٍ وَهيَ مُنْتَقِبَةٌ تَسْأَلُ عَنِ ابْنَهَا وَهُوَ مَقْتولٌ، فَقالَ لَها بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: جِئْتِ تَسْأَلِينَ عَنِ ابنكِ وَأَنْتِ مُنْتَقِبَةٌ. فَقالَتْ: إِنْ أُرزَأِ ابني فَلَنْ أُرْزَأَ حيائِي. فَقالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ابْنُكِ لَهُ أَجْرُ شَهِيديْنِ". قالَتْ: وَلَمِ ذاكَ يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: "لأنَّهُ قَتَلَهُ أَهْلُ الكِتَابِ" (¬1). * * * باب فضل قتال الروم وهم أولاد الروم بن عيصو بن إسحاق - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فمنهم مسلمون كسكان مُلْكِ ابن عثمان وسكان القسطنطينية وقبرس (¬2). [2488] (حدثنا عبد الرحمن بن سلَّام) بفتح المهملة وتشديد اللام (أنا حجاج بن محمد) الأعور (عن فرج بن فضالة) ضعيف (عن عبد الخبير بن ثابت بن قيس بن شمَّاس) بتشديد الميم (عن أبيه، عن جده) ثابت بن قيس. (قال: جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -) (¬3) وهي منتقبة) بإسكان النون وفتح المثناة بعدها، يقال: انتقبت المرأة بالنقاب بكسر النون. ¬

_ (¬1) رواه أبو يعلى (1591)، والبيهقي 9/ 175. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (428). (¬2) ورد بعدها في (ر)، (ل): نسخة: في فضل قتال الروم على غيرهم من الأمم. (¬3) ورد بعدها في (ر)، (ل): نسخة: يقال لها: أم خلاد.

قال أبو عبيد (¬1): النقاب عند العرب الذي يبدو منه محجر العين. قوله (وهي منتقبة) جملة منصوبة على الحال من (جاءت) أي: جاءت في حال كونها منتقبة، وهذا يدل على ما حكى الإمام اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات؛ لأنهن لو جاز لهن كشف الوجه لكن كالمرد، وهذا عند خوف الفتنة، أما مع الأمن فعلى الصحيح عند النووي يحرم، والثاني لا يحرم، ونسبه الرافعي للأكثرين؛ لقوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (¬2)، وفسر بالوجه واليدين، وما حكاه الإمام من الاتفاق معارض بما حكى القاضي عياض أنه لا يلزمها لمشر وجهها في طريقها، وعلى الرجال غض البصر للآية (¬3). وإذا قلنا بتحريم خروجهن سافرات الوجوه فيتعين عليها ستر وجهها وعينيها، فلو كانت منتقبة بنقاب صفيق يستر البشرة كما هو ظاهر الحديث إلا أنه يظهر منها محاجر عينيها، وعيناها من الوجه، فالظاهر كما صرح به بعضهم المنع؛ لأن ما حرم رؤيته حرم رؤية بعضه، وقد قيل: وعينان قال الله كونا فكانتا ... فعولان بالألباب ما تفعل الخمر (¬4) وظاهر الحديث الجواز، فلو كان النقاب تشف منه البشرة كما هو ¬

_ (¬1) "غريب الحديث" 4/ 463. (¬2) النور: 31. (¬3) "الشرح الكبير" 7/ 472. (¬4) البيت من الطويل التام الذي لزمه رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 48/ 149 بإسناده إليه، وله قصة.

الغالب في هذا الزمان فينبغي أن يجيء فيه الخلاف في الاكتفاء به في الشهادة عليها، وقضية كلام الرافعي في النكاح الاكتفاء (تسأل عن ابنها) إن كان في الجَنَّة صبرت وإن كان غير ذلك اجتهدت في البكاء (وهو مقتول) في قتال الروم كما بوب عليه المصنف مع الفرس. (فقال لها بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -: جئت تسألين عن ابنك وأنت منتقبة) لعله أُنكر عليها ستر وجهها من النبي - صلى الله عليه وسلم - في حال سؤالها، والوجه لا يستر بالنقاب إلا لخوف الفتنة، فكان الأولى كشف وجهها عند مخاطبته فيقع نظر النبي - صلى الله عليه وسلم - على وجهها فتشمله البركة. (فقالت: إن أُرزأ ابني) بضم الهمزة وهمزة في الآخر تكسر في الوصل لالتقاء الساكنين، أي: إن أُصَبْ" (¬1) بمصيبة موت ابني الذي (¬2) هو بضعة مني (فلن: أرزأ حيائي) بمد وهمزة قبل الياء الأخيرة، أي: فلا أضم إليها مصيبة أخرى وهي ترك الحياء الذي هو من الإيمان، ولعلها إنما تركت النقاب على وجهها حياء ممن كان حاضرًا عند النبي - صلى الله عليه وسلم -. (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن ابنك له أجر شهيدين) ممن قتل في سبيل الله، يبشرها بما له من النعيم المقيم والكرامة عند الله ليهون صبرها على ابنها، وابنها اسمه خلاد الأنصاري قتل في بني قريظة (قالت: ولم ذاك؟ ) أي: ما سبب تضاعف أجره حتى يرغب غيره في ذلك (قال: لأنه قتله أهل الكتاب) فيه الحث على جهاد أهل الكتاب وفضله ¬

_ (¬1) في الأصلين: أصيب، والمثبت أولى بالسياق. (¬2) ساقطة من (ر).

على غيرهم، والظاهر أن من قتل كافرًا من أهل الكتاب في الحرب له أجر من قتل كافرين كما أن مقتولهم له أجران، ولعل سبب المضاعفة أنهم لما علموا ما في كتبهم من صفة محمد وكذبوا به وبالقرآن فكفر أتباعهم، فكان عليهم إثمهم وإثم أتباعهم، كما قال تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} (¬1). * * * ¬

_ (¬1) العنكبوت: 13.

9 - باب في ركوب البحر في الغزو

9 - باب في رُكُوبِ البَحْرِ في الغَزْوِ 2481 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْن مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا إِسْماعِيل بْن زَكَرِّيا، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ بِشْرٍ أَبي عَبْدِ اللهِ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَرْكَبِ البَحْرَ إِلَّا حَاجٌّ أَوْ مُعْتَمِرٌ أَوْ غَازٍ في سبِيلِ اللهِ، فَإِنَّ تَحْتَ البَحْرِ نارًا وَتَحْتَ النّارِ بَحْرًا" (¬1). * * * باب ركوب البحر في الغزو وفضله على الغزو في البر [2489] (أنبأنا سعيد بن منصور) الخراساني (أنبأنا إسماعيل بن زكريا) بن مرّة الخلقاني (عن مطرف، عن بشر أبي عبد الله) الكندي مجهول (عن بَشِير) مكبر (بن مسلم) الكندي مجهول، وذكر البخاري في "تاريخه" (¬2): بشير. فذكر له هذا الحديث، وذكر اضطرابه. (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص -رضي الله عنهما - (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تركب) بفتح تاء الخطاب على النهي، وبالتحتانية على الخبر هو بمعنى النهي، و (حاج) بالرفع (البحر إلا حاجًّا أو معتمرًا أو غازيًا) أخذ بظاهره جماعة منهم عمر بن الخطاب وعمر بن العزيز، فمنعوا الركوب فيه إلا لهذِه الثلاثة وما في معناها من الطاعات، فلا يركب لتجارة، ولا لطلب دنيا، وروي عنهما منع ركوبه مطلقًا، والجمهور ¬

_ (¬1) رواه سعيد بن منصور في "السنن" (2393) ط الأعظمي، والبيهقي 4/ 334، 6/ 18. وقال الألباني في "الضعيفة" (478): منكر. (¬2) "التاريخ الكبير" 2/ 26.

على جواز ركوبه للرجال والنساء، وكره مالك ركوبه للنساء كما سيأتي، وأما ركوبه للحاج والمعتمر والغازي، فإن غلبت السلامة وجب ركوبه، وإن خيف الهلاك في ركوبه أو استوى فلا. (فإن تحت البحر نارًا وتحت النار بحرًا) يحتمل أن يحمل الحديث على ظاهره فيكون: تحت البحر نارًا وتحت النار بحرًا، فإن الله على كل شيء قدير. قال الخطابي (¬1): هذا تفخيم لأمر البحر وتهويل شأنه؛ لأن راكبه لا يؤمن الهلاك عليه كما لا يؤمن الهلاك في ملابسة النار والدنو منها، انتهى. ولهذا ندب الشارع إلى إطفاء المصباح عند النوم (¬2). ويحتمل أن يحمل الحديث على ظاهره؛ إذ لا مانع من ذلك، فقد ذكر المفسرون (¬3) في قوله تعالى: {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6)} (¬4)، وقوله تعالى: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6)} (¬5) أن الله تعالى يجعل يوم القيامة البحار (¬6) كلها نارا فتسجر بها نار جهنم، وأن في الحديث: البحر نار في نار (¬7). * * * ¬

_ (¬1) "معالم السنن" 2/ 238. (¬2) رواه مسلم (2512، 2514) من حديث جابر. (¬3) في (ر): المفسرين. (¬4) الطور: 6. (¬5) التكوير: 6. (¬6) ساقطة من (ر). (¬7) لم أجده مسندًا، وإنما أورده بعض أهل العلم بدون إسناد مرفوعًا. انظر: "الجامع لأحكام القرآن" 18/ 311، "الحاوي" في فقه الشافعي 1/ 40.

10 - باب فضل الغزو في البحر

10 - باب فَضْلِ الغزْوِ في البَحْرِ 2490 - حَدَّثَنَا سُليْمان بْن داوُدَ العَتَكِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - يَعْني: ابن زيْدٍ - عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ حَرامٍ بِنْتُ مِلْحانَ أُخْتُ أُمِّ سُليْمٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ عِنْدَهُمْ فاسْتيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ. قالَتْ: فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ، ما أَضْحَكَكَ؟ قالَ: "رَأيْتُ قَوْمًا مِمَّنْ يَرْكَبُ ظَهْرَ هذا البَحْرِ كالمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ". قالَتْ: قُلْت: يا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قالَ: "فَإِنَّكِ مِنْهُمْ". قالَتْ: ثُمَّ نَامَ فاسْتيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَك. قالَتْ: فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ ما أَضْحَكَكَ؟ فَقالَ مِثْلَ مَقالَتِهِ. قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قالَ: "أَنْتِ مِنَ الأَوَّلِينَ". قالَ: فَتَزَوَّجَها عُبادَةُ بْنُ الصّامِتِ، فَغَزَا في البَحْرِ، فَحَمَلَها مَعَهُ، فَلَمَّا رَجَعَ قُرِّبَتْ لَها بَغْلَةٌ لِتَرْكَبَها فَصَرَعَتْها فانْدَقَّتْ عُنُقُها فَماتَتْ (¬1). 2411 - حَدَّثَنَا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ إِسْحاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا ذَهَبَ إِلى قُباءٍ يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرامٍ بِنْتِ مِلْحانَ - وَكانَتْ تَحْتَ عُبادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - فَدَخَلَ عَليْها يَوْمًا فَأَطْعَمَتْهُ وَجَلَسَتْ تَفْلِي رَأْسَهُ. وَساقَ هذا الحَدِيثَ. قالَ أَبُو داوُدَ: وَماتَتْ بِنْتُ مِلْحانَ بِقُبْرُصَ (¬2). 2412 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا هِشامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ زيْدِ ابْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسارٍ، عَنْ أُخْتِ أُمِّ سُليْمٍ الرُّميْصاءِ قالَتْ: نامَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فاسْتيْقَظَ - وَكانَتْ تَغْسِلُ رَأْسَها - فاسْتيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ أَتَضْحَكُ مِنْ رَأْسِي؟ قالَ: "لا". ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2799)، ومسلم (1912). (¬2) رواه البخاري (2788)، ومسلم (1912/ 160).

وَساقَ هذا الخَبَرَ يَزِيدُ ويَنْقُصُ (¬1). 2413 - حَدَّثَنَا محَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ العيْشِيُّ، حَدَّثَنَا مَرْوان ح، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهّابِ ابْن عَبْدِ الرَّحِيمِ الجَوْبَرِيُّ الدِّمَشْقِيُّ -المَعْنَى- قالَ: حَدَّثَنَا مَرْوان، أَخْبَرَنَا هِلال بْن ميْمُونٍ الرَّمْليُّ، عَنْ يَعْلَى بْنِ شَدّادٍ، عَنْ أُمِّ حَرامٍ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قالَ: "المائِدُ في البَحْرِ - الَّذِي يُصِيبُهُ القيْءُ - لَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ، والغَرِقُ لَهُ أَجْرُ شَهِيديْنِ" (¬2). 2414 - حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلامِ بْنُ عَتِيقٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، حَدَّثَنَا إِسْماعِيلُ بْن عَبْدِ اللهِ - يَعْنِي: ابن سَماعَةَ - حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي سُليْمانُ بْن حَبِيبٍ، عَنْ أَبي أُمامَةَ الباهِلِيِّ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "ثَلاثَةٌ كلُّهُمْ ضامِنٌ عَلَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ -: رَجُلٌ خَرَجَ غازيًا في سَبِيلِ اللِّه فَهُوَ ضامِنٌ عَلَى اللِّه حَتَّى يَتَوَفَّاهُ فيدْخِلَهُ الجَنَّةَ أَوْ يَرُدَّهُ بِما نالَ مِنْ أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ، وَرَجُلٌ راحَ إِلى المَسْجِدِ فَهُوَ ضامِنٌ عَلَى اللِّه حَتَّى يَتَوَفَّاهُ فيدْخِلَهُ الجَنَّةَ أَوْ يَرُدَّهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ، وَرَجُلٌ دَخَلَ بيتَهُ بِسَلامٍ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللِّه - عَزَّ وَجَلَّ -" (¬3). * * * [2490] (أنبأنا سليمان بن داود) أبو (¬4) الربيع (العتكي، أنا حماد بن زيد) بن درهم (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن محمد بن يحيى ابن ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 435، وعبد الرزاق (9629)، والطبرانى 25/ 134 (325). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2251). (¬2) رواه الطبراني 25/ 134 (325)، والبيهقي 4/ 335. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (2252). (¬3) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (1094)، وابن حبان (499)، والطبراني 8/ 100 (7493)، والحاكم 2/ 73، والبيهقي 9/ 166. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2253). (¬4) في (ر): أبي.

حَبَّان) بفتح المهملة والموحدة (عن أنس بن مالك قال: حدثتني أم حرام) بفتح الحاء (بنت ملحان) بكسر الميم (أخت أم سليم) من النسب (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال (¬1) عندهم) من القيلولة وهو النوم في الظهيرة. فيه جواز الدخول على المحرم والنوم عندها، قال ابن عبد البر (¬2) وغيره: كانت إحدى خالاته - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة. (فاستيقظ) أي: من تلقاء نفسه؛ لأنه كان إذا نام لا يوقظ (وهو يضحك) فرحًا وسرورًا بكون أمته تبقى بعده متظاهرة على أمور الإسلام وإقامة شعائره حتى الجهاد في البحر، والمراد بالضحك التبسم على عادته الكريمة. وفيه: استحباب الضحك عند السرور بأمر من أمور الدين ترغيمًا للشيطان. (قلت: يا رسول الله ما أضحكك؟ ) أي: ما سبب سرورك حتى أسر لسرورك؟ (قال: رأيت قومًا) من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، والقوم -كما قال الجوهري وغيره- يطلق على الرجال دون النساء كما قال تعالى: {لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ} {وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ} (¬3)، وقد يدخل النساء على سبيل التبع (¬4). فعلى (¬5) هذا لا يركب البحر للغزو إلا الرجال، وإن ركبه بعض النساء للقيام على الرجال، حيث لا ¬

_ (¬1) في (ر): كان. (¬2) "التمهيد" 1/ 226. (¬3) الحجرات: 11. (¬4) "الصحاح في اللغة" 5/ 294. (¬5) في (ر): فقال: والمثبت من (ل).

مفسدة، فلا بأس، وهذِه الرؤيا رؤيا منام، ورؤيا الأنبياء حق (ممن يركب) على (ظهر هذا البحر) ووسطه (كالملوك على الأسرة) قيل: هو صفة لهم في الجَنَّة، قال النووي (¬1): والأصح أنه صفة لهم في الدنيا. أي: يركبون مراكب الملوك (¬2) لسعة حالهم، واستقامة أمرهم، وكثرة عددهم وعُدَدهم. وفيه دليل على أن راكب البحر يستكثر من آلة الحرب، ويستعمل ما (¬3) فيه إرهاب للعدو، ويلبس الديباج الذي لا يقوم غيره مقامه، وله تحلية آلة الحرب بفضة كسيف. وفيه: دليل على أن أمير القوم الراكب في البحر يجلس على سرير مرتفع، وكذا الملوك [في] (¬4) البر في حال الأمن الجلوس على السرير ليتميز به على غيره، وعلى هذا للمدرس أن يتميز على المشتغلين عليه بالجلوس على سجادة ونحوها. (قلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم) فيه: دليل على استحباب طلب الدعاء من أهل الفضل، وليعين ما يدعى به له. (قال: إنك منهم) فيه معجزة ظاهرة في إخباره بأن أم حرام تعيش إلى زمن ذلك الغزو، وأنها تكون معهم، وقد وجد بحمد الله كما سيأتي (ثم نام) أي: مرّة ثانية، وفيه دليل على أن من استيقظ من نومة القيلولة ¬

_ (¬1) "شرح النووي على مسلم" 13/ 58. (¬2) بياض في (ر)، والمثبت من (ل). (¬3) في (ر): لما، والمثبت من (ل). (¬4) زيادة يقتضيها السياق.

فله أن يعود إلى النوم إذا احتاج إلى ذلك كما في الليل. (فاستيقظ) أي: من نومه مرّة ثانية (وهو يضحك) كما ضحك في المرة الأولى (فقلت: يا رسول الله، ما أضحكك؟ فقال مثل مقالته، فقلت: يا رسول الله، أدع الله أن يجعلني منهم) فيه استحباب تكرير طلب الدعاء من أهل الفضل في المجلس الواحد مرتين فأكثر (قال: أنتِ من الأولين) أي: أنت من الذين رأيتهم في المرة الأولى، وفيه: دليل على أن القوم الذين رآهم في المرة الأولى غير الذين رآهم في المرة الثانية وأن القوم الأولين أفضل ممن رآهم في الثانية له. (فتزوجها عبادة بن الصامت) بن قيس الأنصاري، كان أحد النقباء، وشهد العقبة الأولى والثانية، ومات بفلسطين، ودفن ببيت المقدس، بباب الرحمة، وقبره ظاهر بها، وقيل: توفي بالرملة. وظاهر هذا أنه تزوجها عبادة بعد ذلك، وسيأتي ما يعارضه، والجمع بينهما. (فغزا في البحر) عبادة بن الصامت. قال القاضي عياض (¬1): والأظهر أن غزوته كانت في زمن معاوية، أي حين خالف عبادة معاوية في شيء أنكره عبادة من الصرف فأغلظ له معاوية في القول، فقال له عبادة: لا أساكنك (¬2) بأرض واحدة أبدًا (فحملها) عبادة (معه) إلى الغزو، وركبت معه البحر. (فلما رجع) من الغزو (قُرِّبت لها بغلة) كانت معه (لتركبها فصرعتها) أي: صرعت أم حرام عن البغلة التي ركبتها (فاندقت عنقها) هناك، أي: ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" 6/ 171. (¬2) في (ر): أسكنك، والمثبت من (ل).

انكسرت. والدق: الكسر (فماتت) أي: شهيدة. لما روى مسلم (¬1) من رواية أبي هريرة: "من مات في سبيل الله". وهو موافق لقول الله تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} (¬2). [2491] (حدثنا [القعنبي] (¬3)، عن مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك أنه سمعه يقول: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا ذهب إلى) مسجد (قباء) وكان يذهب إليه في كل سبت راكبًا أو ماشيًا فيصلي فيه ركعتين (يدخل على أم حرام بنت ملحان -وكانت تحت عبادة بن الصامت- فدخل عليها يومًا) هذا معارض للرواية المتقدمة (فتزوجها عبادة بعد) فظاهر الرواية الأولى أنه إنما تزوجها بعد ذلك، وظاهر هذِه الرواية أنها كانت زوجة لعبادة حال دخول النبي -صلى الله عليه وسلم- إليها. ويجمع بينهما بأن قوله في الرواية الأولى (فتزوجها) على أنه ماضٍ بمعنى المستقبل كقوله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} (¬4)، ويدل عليه ما جاء في رواية الصحيح: فتزوجها بعد ذلك (¬5). فهو أصرح من الأولى (فأطعمته) فيه جواز أكل الضيف عند المرأة المزوجة مما قدمته إليه إذا ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1915). (¬2) النساء: 100. (¬3) في (ر): شعبة، والمثبت من المطبوع وهو الصواب؛ فإن أبا داود لم يرو في "سننه" لشعبة عن مالك. (¬4) الأعراف: 44. (¬5) "صحيح مسلم" (1912).

لم يعلم أنه من مال الزوج وتعلم أنه يكره أكله من طعامه (¬1) أو شك في كراهته (وجعلت تفلي رأسه) هو بفتح التاء وسكون الفاء، أي: تفتشه لتخرج ما فيه من الهوام المؤذية (وساق هذا الحديث) إلخ. فيه: جواز فلي الرجل والأجنبي والمحرم رأسه، وقتل القمل والبراغيث منه ومن غيره بغير حرق النار. وفيه جواز نظر المحرم إلى شعر رأس محرمها ومسه. (قال أبو داود: وماتت أم حرام بقبرس) أي: بجزيرة قبرس -جعلها الله بلاد الإسلام- وهي لا تنصرف للعجمة والتأنيث. [2492] (حدثنا يحيى بن معين، أنا هشام بن يوسف) الصنعاني (عن معمر) بن راشد (عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار) الليثي (عن) أم حرام، قيل (أخت أم سليم الرميصاء) بضم الراء مصغرًا (قالت: نام النبي فاستيقظ وكانت) أم حرام (تغسل رأسها) وهو نائم (فاستيقظ) من نومه (وهو يضحك فقالت: يا رسول الله، أتضحك من) رؤيتك لغسل (رأسي؟ ) فيه غسل رأس المحرم بحضرته (قال: لا. وساق هذا الحديث يزيد وينقص). [2493] (حدثنا محمد بن بكار العيشي قال: حدثنا مروان، وحدثنا عبد الوهاب بن عبد الرحيم الجوبري الدمشقي -المعنى- قال: حدثنا مروان قال: حدثنا هلال بن ميمون الرملي، عن يعلي بن شداد، عن أم حرام: أن رسول الله قال: المائد في البحر -الذي يصيبه القيء-) من ¬

_ (¬1) في (ر): طعامك. والمثبت من (ل).

اضطراب السفينة (له) مثل (أجر شهيد) في سبيل الله. قال المنذري: المائد هو الذي يدوخ رأسه ويميل من ريح البحر (¬1). قال الله: {أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} (¬2) أي: لئلا تضطرب بكم (والغَرِق له أجر شهيد) فيه: الحث على ركوب البحر للغزو. وروى الطبراني في "الأوسط"، عن واثلة بن الأسقع، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من فاته الغزو معي فلُيَغْزُ في البحر" (¬3). وروى البيهقي: "المائد (¬4) في البحر كالمتشحط في دمه" (¬5). [2494] ([حدثنا عبد السلام بن عتيق قال: حدثنا أبو مسهر قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثني سليمان ابن حبيب، عن أبي أمامة، (¬6) عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ثلاثة كلهم) أي: كل واحد منهم (ضامن على الله) أي: مضمون حفظه عليه تفضلًا وتكرمًا، فهو فاعل (¬7) بمعنى مفعول. (رجل خرج) من بيته (غازيًا في سبيل الله فهو ضامن) أي: مضمون (على الله حتى يتوفاه فيدخله الجنة أو يرده بما نال من أجر أو غنيمة، ¬

_ (¬1) "الترغيب والترهيب" 2/ 199. (¬2) النحل: 15. (¬3) "المعجم الأوسط" (8352)، وضعفه الهيثمي في "المجمع" 5/ 281. (¬4) في (ر): المائدة، والمثبت من (ل). (¬5) "شعب الإيمان" (3917)، وروى نحوه ابن ماجه (2778) وضعفه الألباني في "الإرواء" (1195). (¬6) من (ر). ومطموس على هامش (ل). (¬7) في الأصلين: فعيل. ولعل المثبت أصوب.

ورجل راح إلى المسجد أو غدا فهو ضامن على الله) أي: مضمون (حتى يتوفاه فيدخله الجنة أو يرده) إلى وطنه (بما نال من أجر أو غنيمة، ورجل دخل بيته بسلام) رواية ابن خزيمة (¬1) وابن حبان (¬2) في صحيحيهما: "من جلس في بيته لم يغتب إنسانًا كان ضامنًا على الله، ومن عاد (¬3) مريضا كان ضامنًا على الله ". ورواه أبو يعلى (¬4)، وعنده: "أو خرج مع جنازة" بدل: "ومن غدا إلى المسجد"، وأراد بقوله (ودخل بيته بسلام) أي: يلزم بيته طالبًا للسلامة من الفتن ورغبة في العزلة، وقيل: أراد أنه إذا دخل سلم، قال في "النهاية": أوجه (¬5). لقوله تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} الآية (¬6) (فهو ضامن على الله) ¬

_ (¬1) "صحيح ابن خزيمة" (1495). (¬2) "صحيح ابن حبان" (372). (¬3) في (ر): دعا، والمثبت من (ل). (¬4) لم أقف عليه عند أبي يعلى (¬5) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 392. (¬6) النور: 61.

11 - باب في فضل من قتل كافرا

11 - باب في فَضْلِ مَنْ قَتَلَ كافِرًا 2495 - حَدَّثَنا محَمَّد بْنُ الصَّبّاحِ البَزّازُ، حَدَّثَنا إِسْماعِيل -يَعْني: ابن جَعْفَرٍ - عَنِ العَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُريْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لا يَجْتَمِعُ في النّارِ كافِرٌ وَقاتِلُهُ أَبَدًا" (¬1). * * * باب فضل من قتل كافرًا [2495] (حدثنا محمد بن الصباح البزاز قال: حدثنا إسماعيل -يعني ابن جعفر- عن العلاء) بن عبد الرحمن (عن أبيه، عن أبي هريرة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا يجتمع في النار كافر وقاتله) لفظ مسلم (¬2): "لا يجتمع كافر وقاتله [في النار"] (¬3). قيل: معناه: إذا كان الكافر في النار لا يكون قاتله في النار كما لا تتراءى ناراهما في الدنيا (¬4). قال القاضي عياض (¬5): يحتمل أن هذا مختص بمن قتل كافرًا في الجهاد، فيكون ذلك مكفرًا لذنوبه حتى لا يعاقب عليها. (أبدًا) قلت: ويدل عليه (¬6) سياق الكلام، فإن المصنف ذكره في كتاب الجهاد، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1891). (¬2) "صحيح مسلم" (1891). (¬3) في (ر): بالنار. والمثبت من (ل). (¬4) سيأتي برقم (2645). (¬5) "إكمال المعلم" 6/ 313. (¬6) في الأصلين: على. والمثبت أليق بالسياق.

وتكون الألف واللام للجنس، أي: لا يجتمعان في نار (¬1) أبدًا، ويحتمل أن يراد بهذِه النار النار المخصوصة بالكفار؛ فإن النار طبقات وأدراك، فأعلاها: للموحدين (¬2)، والثاني: للنصارى، والثالث: لليهود، والرابع: للصابئين، والخامس: للمجوس، والسادس: للمشركين، والسابع: للمنافقين. قال القاضي (¬3): ويحتمل أن يكون عقاب القاتل إن عوقب بغير النار كالحبس في الأعراف عن دخول الجنة. وفي رواية لمسلم (¬4): قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: "مؤمن (¬5) قتل كافرًا ثم سدد". أي: استقام على الطريقة المثلى، ولم يخلط. أي: لأن القتل كفر عنه ما مضى قبله، ولم يقع بعده ما يعذب عليه. ¬

_ (¬1) في الأصلين: النار. والمثبت أليق بالسياق. (¬2) يعني: للعصاة من أهل التوحيد الذين غلبت سيئاتهم على حسناتهم فيدخلون النار ثم يخرجون منها بعد استيفاء جزائهم رحمة من الله عزَّ وجلَّ بهم وتفضلا. (¬3) "إكمال المعلم" 6/ 313. (¬4) "صحيح مسلم" (1891). (¬5) في الأصلين: مؤمنًا. والمثبت من الصحيح.

12 - باب في حرمة نساء المجاهدين على القاعدين

12 - باب في حُرْمَةِ نِساءِ المُجاهدِين عَلَى القاعِدِينَ 2416 - حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصْورٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ قَعْنَبٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنِ ابن بُريْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: قالَ رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "حُرْمَةُ نِساءِ المُجاهِدِينَ عَلَى القاعِدِينَ كَحُرْمَةِ أُمَّهاتِهِمْ، وَما مِنْ رَجُلٍ مِنَ القاعِدِينَ يَخْلُفُ رَجُلاً مِنَ المُجاهِدِينَ في أَهْلِهِ إِلاَّ نُصِبَ لَهُ يَوْمَ القِيامَةِ فَقِيلَ لَهُ: هذا قَدْ خَلَفَكَ في أَهْلِكَ فَخُذْ مِنْ حَسَناتِهِ ما شِئْتَ". فالتَفَتَ إِليْنا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فقالَ: "ما ظَنُّكُمْ" (¬1). قالَ أَبُو داوُدَ: كانَ قَعْنَبٌ رَجُلًا صالِحًا، وَكانَ ابن أَبي ليْلَى أَرادَ قَعْنَبًا عَلَى القَضاءِ فَأَبَى عَليْهِ، وقالَ: أَنا أُريدُ الحاجَةَ بِدِرْهَمٍ فَأَسْتَعِينُ عَليْها بِرَجُلٍ. قالَ: وَأيُّنا لا يَسْتَعِينُ في حاجَتِهِ. قالَ: أَخْرِجُونِي حَتَّى أنْظُرَ فَأُخْرِجَ فَتَوارى. قالَ سُفْيان: بيْنَما هُوَ مُتَوارٍ إِذْ وَقَعَ عَليْهِ البيْتُ فَماتَ. * * * باب حرمة نساء المجاهدين على القاعدين [2496] (حدثنا سعيد بن منصور) بن سعيد (¬2) الخراساني (أنبأنا سفيان) بن عيينة (عن قعنب، عن علقمة بن مرثد، عن) سليمان (بن بريدة، عن أبيه) بريدة بن حُصيب (¬3) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين. أخرج له البخاري وغيره. (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: حرمة نساء المجاهدين على القاعدين) عن ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1897). (¬2) كذا في الأصلين، والصواب: شعبة. انظر ترجمته في "التهذيب" 11/ 77، "سير أعلام النبلاء" 10/ 586. (¬3) في (ر): حصين.

الجهاد (كحرمة أمهاتهم) أي: فكما يحرم على القاعدين التعرض لأمهاتهم بالريبة من لمس ونظر محرمين، كذلك يحرم التعرض (¬1) لنساء المجاهدين بالتعرض لريبة وغيرها، وكما يجب عليهم بر أمهاتهم والإحسان إليهن (¬2) وقضاء حوائجهن التي لا تترتب عليها مفسدة، لكن لا يعطون حكمهن الأمهات في الخلوة بهن، وكذا حكم أولاد المجاهدين في حقوقهم كحكم أولادهم في البر والإحسان إليهم. (وما من رجل من القاعدين يخلُف) بضم اللام، كقوله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ} (¬3)، وفي معنى المجاهدين الحجاج والمرتحلون (¬4) لطلب الحديث والعلم (رجلًا من المجاهدين في أهله) زاد في رواية مسلم (¬5): "فيخونه فيهم إلا وقف له". انتهى. (إلا نصب له يوم القيامة فقيل له: ) أي: قالت له الملائكة: (هذا قد خلفك في أهلك) فخانك فيهم (فخذ من حسناته ما شئت) رواية مسلم: "فيأخذ من حسناته ما شاء" (فالتفت إلينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) لعل سبب التفاته -صلى الله عليه وسلم- أن كلامه أولًا كان لمن يواجهه (فقال: ما ظنكم) ورواه النسائي وزاد (¬6): "أترون يدع له من حسناته شيئًا؟ " وعلى هذا ففيه التفات ¬

_ (¬1) في (ر): التعارض، والمثبت من (ل). (¬2) في الأصلين: إليهم، والمثبت أليق بالسياق. (¬3) الأعراف: 142. والآية في الأصلين دون قول: (وقال موسى لأخيه)، وقد أثبته لقبح البدء بـ {هَارُونَ اخْلُفْنِي}. (¬4) في الأصلين: المرتحلين والصواب ما أثبتناه. (¬5) "صحيح مسلم" (1897). (¬6) "سنن النسائي الكبرى" (4368).

العالم بالخطاب لمن لم يكن تلقاء وجهه يمينًا وشمالًا؛ لأنه أبلغ في السماع. وفيه استئناس لهم لكن قالوا في الخطيب: لا يلتفت، وقوله: (ما ظنكم؟ ) معناه: ما تظنون في رغبته في أخذ حسناته والاستكثار منها في ذلك المقام، أي: لا يبقي منها شيئًا إن أمكنه (ما ظنكم) ما استفهامية أي: هل تشكون في هذِه المجازاة. (فقال أبو داود: كان (¬1) قعنب) التميمي (¬2) الكوفي (رجلاً صالحًا) أخرج له مسلم وحده متابعة (وكان ابن أبي (¬3) ليلى) عبدُ الرحمن قاضي الكوفة (أراد) أن يكره (قعنبًا على القضاء) أي: على ولايته (فأبى عليه) أن يقبل منه القضاء (وقال قعنب: أنا أريد الحاجة) أن اشتريها (بدرهم) من السوق (فأستعين بها برجل! ) فيه: استعانة أهل العلم بغيرهم في قضاء حوائجهم، وأن ذلك لا ينقص شيئًا من أجرهم إن شاء الله، فقد استعان النبي -صلى الله عليه وسلم- بكثير من الصحابة في حوائجه. (قال: وأيُّنا لا يستعين) بالغير (في قضاء حاجته. قال) قعنب: (فأخرجوني حتى انظر في أمري) أوهمهم بذلك أنه يرجع إليهم (فأُخرج) من عند ابن أبي ليلى (فتوارى) عنهم (قال سفيان) بن عيينة الراوي عنه (بينما هو متوارٍ إذ وقع عليه [البيت] (¬4) فمات) رحمه الله تعالى. ¬

_ (¬1) بعدها في (ر): بن. (¬2) قبلها في الأصلين: بن. ولم يذكر أحد ممن ترجم له اسم أبيه. (¬3) ساقطة من (ر). (¬4) مثبت من "السنن".

13 - باب في السرية تخفق

13 - باب في السَّرِيَّةِ تُخْفقُ 2497 - حَدَّثَنا عُبيْدُ اللهِ بْن عُمَرَ بْنِ ميْسَرَةَ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن يَزِيدَ، حَدَّثَنا حيْوَةُ وابْنُ لَهِيعَةَ قالا: حَدَّثَنا أَبُو هانِئٍ الَخوْلانِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُول: قالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "ما مِنْ غازِيَةٍ تَغْزُو في سَبِيلِ اللهِ فيصِيبُونَ غَنِيمَةً إِلاَّ تَعَجَّلُوا ثُلُثَى أَجْرِهِمْ مِنَ الآخِرَةِ ويَبْقَى لَهُمُ الثُّلُثُ فَإِنْ لَمْ يُصِيبُوا غَنِيمَةً تَمَّ لَهُمْ أَجْرُهُمْ" (¬1). * * * باب ثواب السرية تُخفِق بضم التاء، وإسكان الخاء المعجمة، وكسر الفاء. وقال الجوهري (¬2): يقال: أخفق الغازي إذا غزا فلم يغنم، وأخفق الصائد إذا رجع ولم يصطد. [2497] (حدثنا [عبيد الله بن عمر] (¬3) بن ميسرة) القواريري (قال: حدثنا عبد الله بن يزيد) القصير (أنا حيوة) بن شريح (و) عبد الله (ابن لهيعة قالا: أنبأنا أبو هانئ الخولاني، أنه سمع أبا عبد الرحمن الحُبُليَّ يقول: سمعت عبد الله بن عمرو قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما من غازية تغزو في سبيل الله) وزاد مسلم: "أو سرية تغزو في سبيل الله فيَسْلمون" ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1906). (¬2) "الصحاح في اللغة" 4/ 1469. (¬3) ما بين المعقوفتين في (ر): عبيدة. والمثبت من "السنن"، وانظر ترجمته من "التهذيب" 19/ 130.

(فيصيبون غنيمة) من الغزو (إلا تعجلوا ثلثي أجرهم) وفي رواية لمسلم (¬1): "ثلثي أجورهم" (من الآخرة) قال النووي (¬2): الصواب الذي لا يجوز غيره أن معناه أن الغزاة إذا سلموا وغنموا يكون أجرهم أقل من أجر من لم يَسْلم أو سلم ولم يغنم، فإن الغنيمة في مقابلة جزء من أجر غزوهم (¬3)، فإذا حصلت لهم فقد تعجلوا ثلثي أجورهم المرتبة على الغزو (ويبقى لهم الثلث) وتكون الغنيمة في مقابلة الثلث، وهذا موافق لقوله: منا من مات ولم يأكل من أجره شيئًا، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها (¬4). أي: يجتنيها. ومن الأقوال الفاسدة قول من زعم أن هذا الحديث ليس بصحيح، ولا يجوز أن تنقص ثوابهم الغنيمة. (فإن لم يصيبوا غنيمة تم (¬5) لهم أجرهم) ولم ينقص منه شيئًا. ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1906). (¬2) "شرح النووي على مسلم" 13/ 52. (¬3) في (ر): عدوهم، والمثبت من (ل). (¬4) رواه البخاري (1276) من حديث خباب بن الأرت. (¬5) ساقطة من (ر).

14 - باب في تضعيف الذكر في سبيل الله تعالى

14 - باب في تَضْعِيفِ الذِّكْرِ في سَبيلِ الله تَعالَى 2498 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أيُّوبَ وَسَعِيدِ بْنِ أَبي أيُّوبَ، عَنْ زَبّانَ بْنِ فائِدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعاذٍ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ الصَّلاةَ والصِّيامَ والذِّكْرَ تُضاعَفُ عَلَى النَّفَقَةِ في سَبِيلِ اللهِ بِسَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ" (¬1). * * * باب تضعيف الذكر في سبيل الله [2498] ([أنبأنا أحمد بن عمرو بن السرح) المصري (قال: أنبأنا) عبد الله (ابن وهب) المصري (عن يحيى بن أيوب) الغافقي (وسعيد بن أبي أيوب، عن زبّان) بالزاي والموحدة (بن فاند) بالفاء والنون (¬2) (عن سهل بن معاذ) وهما ضعيفان، قاله ابن الأثير. (عن أبيه) معاذ] (¬3) ابن أنس الجهني -صلى الله عليه وسلم-. (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن الصلاة) الفرض والنفل (والصيام) الفرض كالكفارة والنذر وغيرهما (والذكر) من التكبير والتهليل والتسبيح والتلاوة والاعتكاف في المساجد في أيام الجهاد (تضاعف على) ثواب (النفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف) وفي "مسند الإمام ¬

_ (¬1) روه الحاكم 2/ 78، والبيهقي 9/ 172. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (430). (¬2) هكذا في (ر)، وغير واضحة في حاشية (ل)، والصواب: فائد، بالهمزة لا بالنون. انظر: "تقريب التهذيب" (2049). (¬3) من (ر)، ومطموس على هامش (ل).

أحمد" (¬1): عن بريدة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف". وأخرجه الطبراني (¬2) من حديث أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "النفقة [في الحج مثل النفقة] (¬3) في سبيل الله: الدرهم بسبعمائة". وروى البزار (¬4) من رواية أبي هريرة: "المجاهدون في سبيل الله تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف". وهذا يعم جميع أنواع البر. ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 5/ 354، وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (706). (¬2) "المعجم الأوسط" (5274) وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (707). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من الأصلين، أثبتناه من "المعجم الأوسط". (¬4) "مسند البزار" (9518)، وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (467).

15 - باب فيمن مات غازيا

15 - باب فِيمَنْ ماتَ غازِيًا 2499 - حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهّابِ بْنُ نَجْدَةَ، حَدَّثَنا بَقِيَّةُ بْن الوَلِيدِ، عَنِ ابن ثَوْبانَ، عَنْ أَبِيهِ يَرُدُّ إِلى مَكْحُولٍ إِلى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غُنْمٍ الأَشْعَرِيِّ، أَنَّ أَبا مالِكٍ الأَشْعَرِيَّ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "مَنْ فَصَلَ في سَبِيلِ اللهِ فَماتَ أَوْ قُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ أَوْ وَقَصَهُ فَرَسُهُ أَوْ بَعِيرُهُ أَوْ لَدَغَتْهُ هامَّةٌ أَوْ ماتَ عَلَى فِراشِهِ أَوْ بِأيِّ حَتْفٍ شاءَ اللهُ فَإِنَّهُ شَهِيدٌ وَإِنَّ لَهُ الجَنَّةَ" (¬1). * * * باب من مات غازيًا [2499] [(حدثنا عبد الوهاب بن نجدة) الحوطي (أنبأنا بقية بن الوليد، عن) عبد الرحمن (ابن ثوبان، عن أبيه) ثوبان (يَرُدُّ إلى مكحول إلى عبد الرحمن بن غَنْم) بفتح المعجمة وسكون النون (الأشعري) (¬2)، عن أبي مالك الأشعري) قيل: اسمه الحارث بن الحارث. (سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: من فَصَل) بفتح الفاء والصاد المهملة المخففة (في سبيل الله) أي: خرج للجهاد من منزله في سبيل الله، سُمي بذلك لأنه فصل بين إيمانه وكفره كما يقال: فصل الحاكم بين الخصمين (فمات) قبل أن يرجع إلى أهله (أو قُتل في سبيل الله) وهو الجهاد (فهو شهيد أو وقصه) بفتح القاف والصاد المهملة (فرسه) أي: رماه فكسر ¬

_ (¬1) روه الحاكم 2/ 78، والبيهقي 9/ 166. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (5361). (¬2) ساقط من (ل)، وأثبتناه من (ر).

عنقه، ومنه الأوقص وهو القصير العنق، كأنه لما رمي دخل عنقه في جوفه، والوقص كسر العنق، يقال: وقصه وأوقصه لغتان، ولم يذكر صاحب "الأفعال" إلا وقصه (¬1) (أو بعيره) سواء كان في القتال أو في الطريق. (أو لدغته) بفتح الدال والغين المعجمة، أي: ضربته بفيها أوذنبها (هامَّة) بتشديد الميم والمد، وهي كل ذي سم يقتل، وجمعها هوام كالحية، ولا تطلق الهامة إلا على ما يقتل، فأما ما لا يقتل ويسم فهي السوام كالزنبور والنحلة (أو مات على فراشه) في طريق الغزو، لعل المراد به أنه مرض على فراشه وهو في سبيل الله الذي خرج له (أو بأي حَتْف) بفتح الحاء المهملة وسكون المثناة فوق هو الموت (شاء الله فهو شهيد) له أجر شهيد في الآخرة، لكن الذي وقصته الدابة إن كان سقوطه عنها بسبب جماح الدابة أو بسبب من أسباب القتال فلا يغسل ولا يصلى عليه، وأما غير ذلك فيغسل ويصلى عليه، ويكون شهيدًا في الآخرة لا في الدنيا (فإن له) على الله (الجنة). ¬

_ (¬1) "الأفعال" لابن القطاع 3/ 318.

16 - باب في فضل الرباط

16 - باب في فَضْلِ الرِّباطِ 2500 - حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَني أَبُو هانِئٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مالِكٍ، عَنْ فَضالَةَ بْنِ عُبيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "كُلُّ الميِّتِ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إِلاَّ المُرابِطَ فَإِنَّهُ يَنْمُو لَهُ عَمَلُهُ إِلى يَوْمِ القِيامَةِ ويُؤَمَّنُ مِنْ فَتّانِ القَبْرِ" (¬1). * * * باب فضل الرباط أصله من الربط للخيل، ثم سمي ملازم لثغر من ثغور الإسلام مرابطًا فارسًا كان أو راجلًا. قال الخليل بن أحمد أحد أئمة اللغة وثقاتها: الرباط ملازمة الثغور ومواظبة الصلاة (¬2). وهذا يدل على أن انتظار الصلاة رباط لغوي حقيقة كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- (¬3)، لكن رباط الخيل في سبيل الله أهم كما نص عليه في التنزيل في قوله: {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} (¬4). [2500] (حدثنا سعيد بن منصور) الخراساني (قال: حدثنا) عبد الله (ابن وهب) المصري قال (حدثني أبو هانئ) حميد بن هانئ (عن عمرو ابن ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1715)، وأحمد 6/ 20. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2258). (¬2) العين" 7/ 422. (¬3) رواه مسلم (251). (¬4) الأنفال: 60.

مالك) النكري (¬1). (عن فضالة) بفتح (¬2) الفاء (ابن عبيد) مصغر الأنصاري، أول مشاهده الخندق، ثم شهد المشاهد كلها، كان قاضيًا بالشام (¬3) لمعاوية، ومات بها، وقبره بها معروف، يرفعه فضالة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-. (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: كل الميت) أي: كل من مات من المسلمين فإنه ينقطع ثوابه و (يختم على عمله) فلا يزاد عليه ولا ينقص منه (إلا المرابط) بالنصب على الاستثناء، المرابطة عند العرب العقد على الشيء حتى لا ينحل، وأفضله رباط الخيل في الثغر كما تقدم، ويدخل فيه مواظبة (¬4) الصلاة لما تقدم عن الخليل بن أحمد، ويدل عليه ما قاله أبو عمرو الشيباني (¬5): يقال: ماء رابط أي: دائم لا ينزح. وأما المرابط في سبيل الله عند الفقهاء فهو الذي يشخص إلى ثغر من الثغور ليرابط فيه مدة، فأما سكان الثغور دائمًا بأهليهم (¬6) الذين يعمرون ما يسكنون فيه ويكتسبون هنالك، فهم (¬7) وان كانوا حماة فليسوا مرابطين، قاله ابن عطية (¬8). ¬

_ (¬1) كذا في (ل)، وفي (ر): الكندي. وكلاهما خطأ، إنما هو: الجنبي. كما في "التهذيب" 22/ 209. (¬2) في (ر): بضم، والمثبت من (ل). (¬3) زيادة من (ل). (¬4) في (ر): مرابطة. (¬5) انظر: "الصحاح" للجوهري 3/ 264، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 4/ 324. (¬6) في (ر): بأهلهم، والمثبت من (ل). (¬7) زيادة من (ل). (¬8) "المحرر الوجيز" 1/ 560.

قال ابن خواز منداد: إذا كان الثغر مأمونًا ممتنعًا فيجوز سكناه بالأهل والولد، وإن كان غير مأمون جاز أن يرابط فيه بنفسه، إن كان من أهل القتال، ولا ينقل إليه الأهل والولد؛ لئلا يظهر العدو فيسترق ويسبى (¬1). وقيل لأبي عبد الله ابن حنبل: فيخاف على المنتقل بعياله إلى الثغر الإثم؟ فقال: كيف لا يخاف الإثم وهو يعرض ذريته للمشركين؟ وقال: كنت آمر بالتحول بالأهل والعيال إلى الشام قبل اليوم، فأنا أنهى عنه الآن؛ لأن الأمر قد اقترب، وقال: لابد لهؤلاء القوم من يوم. قيل: فذلك في آخر الزمان، قال: وهذا آخر الزمان (¬2). قال ابن قدامة: وهذا محمول على نقلة الأهل إلى ثغر مخوف، فأما أهل الثغر فلابد لهم من السكنى بأهليهم لولا ذلك لخربت الثغور وتعطلت. قال: وبلغني عن الأوزاعي أنه قال في المساجد التي بالثغر: لو أن لي عليها ولاية لسمرت أبوابها -ولم يقل: لخربتها- حتى تكون صلاتهم في موضع واحد إذا جاء النفير، وقال: يوم رباط، وليلة رباط، وساعة رباط، ومن رابط أربعين يوما (¬3) فقد استكمل الرباط، روي ذلك [عن أبي هريرة، وابن عمر، وقد ذكرنا خبر أبي هريرة] (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 4/ 324. (¬2) انظر: "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 8/ 397 (1365). (¬3) زيادة من (ل). (¬4) ساقطة من الأصول، وأثبتناها من "المغني" 10/ 373 - 374.

وروى أبو الشيخ في كتاب "اليواقيت" بإسناده عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "تمام الرباط أربعون يومًا" (¬1). وروى نافع عن ابن عمر أنه قدم على عمر بن الخطاب من الرباط، فقال له: كم رابطت؟ قال: ثلاثين يومًا. قال: عزمت عليك إلا رجعت حتى تتمها أربعين يومًا (¬2). وأفضل الرباط المقام بأشد الثغور خوفًا، وفضل الرباط في ثغر عسقلان؛ لما روى الدارقطني في كتابه المخرج على الصحيحين بإسناده عن ابن عمر: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى على مقبرة فقيل: يا رسول الله، أي مقبرة هي؟ قال: "مقبرة بأرض العدو، يقال لها: عسقلان يفتتحها ناس من أمتي، يبعث الله منها سبعين ألف شهيد، فيشفع الرجل في مثل ربيعة ومضر، ولكل مكان عروس، وعروس الجنة عسقلان" (¬3). وبإسناده عن ابن عباس أن رجلًا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني أريد أن أغزو. فقال: "عليك بالشام وأهله، ثم الزم من الشام عسقلان فإنها إذا ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في "الكبير" 8/ 133 (7606)، وفي "مسند الشاميين" 4/ 323 (3440) من حديث أبي أمامة، قال الهيثمي في "المجمع" 5/ 290: فيه أيوب بن مدرك، وهو متروك. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (2480). (¬2) "مصنف عبد الرزاق" 5/ 280 (9615). (¬3) رواه ابن الجوزي في "الموضوعات" 2/ 54 وقال: هذا حديث لا يصح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. والدولابي في "الكنى والأسماء" 2/ 842 ثم قال: هذا حديث منكر جدًّا، وهو يشبه حديث الكذابين، والله أعلم.

دارت الرحى (¬1) في أمتي كان أهلها في راحة وعافية" (¬2). وعن عطاء الخراساني قال: بلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "رحم (¬3) الله أهل المقبرة". ثلاث مرات، فسئل عن ذلك فقال: "مقبرة تكون بعسقلان". فكان عطاء يرابط بها كل عام أربعين يومًا حتى مات (¬4). (فإنه ينمو) قال الزمخشري (¬5): نميت الحديث ونميته مخففًا ومشددًا؛ فالمخفف في الإصلاح، والمشدد في الإفساد. أي: يضاعف (له) أجر (عمله يوم القيامة) لأنه لا معنى للنماء إلا المضاعفة للأجر، وهي غير موقوفة على سبب، فينقطع بانقطاعه كما في حديث: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له"، انفرد به مسلم في "صحيحه" (¬6)؛ فإن الصدقة الجارية والعلم الذي ينتفع به والولد الصالح الذي يدعو لوالديه (¬7) ينقطع ذلك بنفاد الصدقات وذهاب العلم وموت الولد بخلاف الرباط؛ فانه فضله دائم من الله تعالى إلى يوم القيامة. ¬

_ (¬1) في (ر): الراحة، والمثبت من (ل). (¬2) "المعجم الأوسط" (6679)، قال الهيثمى في "مجمع الزوائد" 10/ 62: وفيه يحيى بن سليمان المدنى، وهو ضعيف. (¬3) بعدها في (ل): أهل. (¬4) رواه سعيد بن منصور في "السنن" 2/ 194 (2415). وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (3107). (¬5) "الفائق في غريب الحديث" 4/ 27. (¬6) "صحيح مسلم" (1631)، وسيأتي برقم (2880) من حديث أبي هريرة. (¬7) في (ر): الديه.

قال القرطبي: وهذا لأن أعمال البر كلها لا متمكن منها إلا بالسلامة من العدو والتحرز منهم بحراسة بيضة الدين وإقامة شعائر الإسلام (¬1). (ويُؤَمَّن) بضم الياء، وتشديد الميم المفتوحة، ويجوز تخفيفها، أي: يرزقه الله الأمن (من فَتَّاني (¬2) القبر) تثنية فتان بفتح الفاء وتشديد المثناة مبالغة في الفاتن، والمراد بهما هنا منكر ونكير سميا بذلك؛ لأنه يفتتن بهما، أي: يختبر بسؤالهما الميت ليظهر الكافر من المؤمن للملائكة، فيثبت الله المؤمن ويلقنه كلمة الحق عند السؤال في القبر، ويضل الكافر عن كلمة الحق فيقول: لا أدري. فنسأل الله أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. وفي هذا الحديث دليل على أن الرباط أفضل الأعمال التي يبقى ثوابها بعد الموت، لكن هذا العمل الذي يجري عليه ثوابه إلى يوم القيامة هو ما كان يعمله من الأعمال الصالحة، لما رواه ابن ماجه (¬3) بإسناد صحيح عن أبي هريرة، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من مات مرابطًا في سبيل الله أجري عليه أجر عمله الصالح الذي كان يعمل، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتان، وبعثه الله يوم القيامة آمنًا من الفزع". ورواه الطبراني في "الأوسط" (¬4) وزاد فيه: "وقيل له: قف اشفع إلى أن يفرغ من الحساب". ¬

_ (¬1) "الجامع لأحكام القرآن" 4/ 325. (¬2) ورد بعدها في الأصلين: نسخة: فتان. (¬3) "سنن ابن ماجه" (2767). (¬4) "المعجم الأوسط" (3299)

قال المنذري (¬1): لكن إسناده مقارب. فعلى هذا يكون العمل الذي ينمو للمرابط مقيد بقيد (¬2) العمل الصالح. وله قيد ثانٍ وهو أن يموت في الرباط، لكن من مات مرابطًا في شهر رمضان حصل له الثواب الدائم، وإن لم يمت في الرباط؛ لما روى ابن ماجه (¬3) عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لرباط يوم في سبيل الله من وراء عورة المسلمين محتسبًا من شهر رمضان أفضل عند الله وأعظم أجرًا". أراه قال: "أفضل من عبادة ألفي سنة صيامها وقيامها، فإن رده الله إلى أهله سالمًا لم يكتب عليه سيئة ألف سنة، وبجري عليه أجر الرباط إلى يوم القيامة". لكن في سنده عمر بن صبح الخراساني، قال المنذري: ولولا أنه من الأصول لما ذكرته (¬4). ¬

_ (¬1) "الترغيب والترهيب" 2/ 155. (¬2) زيادة من (ل). (¬3) "سنن ابن ماجه" (2768). (¬4) "الترغيب والترهيب" 2/ 211. وقال: وآثار الوضع ظاهرة عليه.

17 - باب في فضل الحرس في سبيل الله تعالى

17 - باب في فَضْلِ الحَرْسِ في سَبيلِ الله تعالى 2501 - حَدَّثَنا أَبُو تَوْبَةَ، حَدَّثَنا مُعاوَيةُ -يَعْني: ابن سَلامٍّ- عَنْ زيْدٍ -يَعْني: ابن سَلَّامٍ- أَنَّهُ سَمِعَ أَبا سَلَّامٍ، قالَ: حَدَّثَني السَّلُولِيُّ أَبُو كَبْشَةَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ سَهْلُ ابن الحَنْظَلِيَّةِ أَنَّهُمْ سارُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ حُنيْنٍ فَأَطْنَبُوا السّيْرَ حَتَّى كانَتْ عَشِيَّةً فَحَضَرْتُ الصَّلاةَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فجاءَ رَجُلٌ فارِسٌ فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ إِنِّي انْطَلَقْتُ بيْنَ أيْدِيكُمْ حَتَّى طَلَعْتُ جَبَلَ كَذا وَكَذا، فَإِذا أَنا بِهَوازِنَ عَلَى بَكْرَةِ آبائِهِمْ بِظُعُنِهِمْ وَنَعَمِهِمْ وَشائِهِمُ اجْتَمَعُوا إِلى حُنيْنٍ. فَتَبَسَّمَ رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وقالَ: "تِلْكَ غَنِيمَةُ المُسْلِمِينَ غَدًا إِنْ شاءَ اللهُ". ثُمَّ قالَ: "مَنْ يَحْرُسُنا اللّيْلَةَ؟ ". قالَ أَنَسُ ابْنُ أَبي مَرْثَدٍ الغَنَوِيُّ: أَنا يا رَسُولَ اللهِ. قالَ: "فارْكَبْ". فَرَكِبَ فَرَسًا لَهُ فَجاءَ إِلى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "اسْتَقْبِلْ هذا الشِّعْبَ حَتَّى تَكُونَ في أَعْلاهُ، وَلا نُغَرَّنَّ مِنْ قِبَلِكَ اللّيْلَةَ". فَلَمّا أَصْبَحْنا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلى مُصَلَّاهُ فَرَكَعَ رَكْعَتيْنِ ثُمَّ قالَ: "هَلْ أَحْسَسْتُمْ فارِسَكُمْ؟ ". قالُوا: يا رَسُولَ اللهِ ما أَحْسَسْناهُ. فَثُوِّبَ بِالصَّلاةِ فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي، وَهُوَ يَلْتَفِتُ إِلى الشِّعْبِ، حَتَّى إِذا قَضَى صَلاتَهُ وَسَلَّمَ قالَ: "أَبْشِرُوا فَقَدْ جاءَكُمْ فارِسُكُمْ". فَجَعَلْنا نَنْظُرُ إِلى خِلالِ الشَّجَرِ في الشِّعْبِ فَإِذا هُوَ قَدْ جاءَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَسَلَّمَ فَقالَ: إِنِّي انْطَلَقْتُ حَتَّى كُنْتُ في أَعْلَى هذا الشِّعْبِ حيْثُ أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَلَمّا أَصْبَحْتُ اطَّلَعْتُ الشِّعْبيْنِ كِليْهِما، فَنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا. فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "هَلْ نَزَلْتَ اللّيْلَةَ؟ ". قالَ: لا إِلَّا مُصَلِّيًا أَوْ قاضِيًا حاجَةً. فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: " قَدْ أَوْجَبْتَ فَلا عَليْكَ أَنْ لا تَعْمَلَ بَعْدَها" (¬1). ¬

_ (¬1) رواه النسائي في "الكبرى" (8870)، والطبراني 6/ 96 (5619)، والحاكم 1/ 237، 2/ 83 - 84، والبيهقي 2/ 13، 9/ 149. وصححه الألباني في "الصحيحة" (378).

باب فضل الحرس في سبيل الله تعالى [2501] (حدثنا أبو توبة، [حدثنا معاوية -يعني: ابن سلام- عن زيد -يعني: ابن سلام- أنه سمع أبا سلام قال: حدثنى السلولى أبو كبشة] (¬1)، عن سهل ابن الحنظلية) الحنظلية أمه، وقيل: أم جده، وهو سهل بن الربيع بن عمر، ويقال: سهل بن عمرو (أنهم) أي: أنه ومن كان مع النبي -صلى الله عليه وسلم- من الصحابة (ساروا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) أي: أمامه وهو آخرهم، وهكذا ينبغي أن يكون أمير الجيش في آخرهم؛ لينظر في مصلحة من اعتل بعيره ومن مرض أو ضعف عن المشي أو أثقله حمل الزاد. (يوم) أي: في يوم قربوا من (حنين) وهو وادٍ قريب من الطائف، بينه وبين مكة بضعة عشر ميلًا (فأطنبوا) بفتح النون، والباء الموحدة (السير) أي: أطالوا في السير ذلك اليوم، والأطناب الطوال من حبال الفسطاط والأصر القصار (حتى كان عشية) بالرفع والنصب؛ لأن (كان) تامة، أي: حتى حضر وقت العشية، حكى النووي عن أهل اللغة أن العشي ما بين زوال الشمس وغروبها (¬2). (فحضرت الصلاة مع رسول الله) كما في رواية: حضرت صلاة الظهر، وهي مبينة للرواية الأولى (فجاء رجل فارس) كان قد تقدم على الجيش كالطليعة لهم (فقال: يا رسول الله إني انطلقت بين ¬

_ (¬1) سقط من (ر) وهو على حاشية (ل) غير واضح، والمثبت من المطبوع. (¬2) "شرح النووي على مسلم" 5/ 68، ونسبه للأزهري في "تهذيب اللغة" 1/ 325.

أيديكم) مسرعًا (حتى طلِعتُ) بكسر اللام، قال الجوهري (¬1) وغيره (¬2): طلِعت الجبل بالكسر، أي: علوته. (جبل كذا وكذا) كناية عن جبل يعرفونه. (فإذا) للمفاجأة (أنا بهوازن) وهي قبيلة من قيس (على بكرة) بفتح الباء الموحدة، وإسكان الكاف (أبيهم) (¬3) قال الجوهري (¬4): هذِه الكلمة يراد بها الجماعة إذا جاؤوا معًا لم يتخلف منهم أحد، وليس هناك بكرة في الحقيقة (بظعنهم) بفتح الظاء والعين، وسكون العين لغتان جمع ظعينة، وهي المرأة ما دامت في الهودج، مأخوذ من الظعن، وهو السير، كما قال تعالى: {يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ} (¬5)، وأصل الظعينة الراحلة لا تسير. (ونعمهم) وهي الإبل والبقر (وشائهم) بالمد جمع كثرة، واحدها شاة، والشياه جمع شاة، وكان جماع أمر هوازن إلى مالك بن عوف النصري، فلما أجمع السير إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حط معهم نساءهم وأموالهم وأبناءهم، فلما نزلوا بأوطاس اجتمع الناس إلى [مالك ابن] (¬6) عوف وفيهم دريد بن الصمة، شيخ كبير ليس فيه إلا التيمن برأيه، فقال له (¬7): يا مالك، ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير ¬

_ (¬1) "الصحاح" 3/ 388. (¬2) انظر: "أساس البلاغة" 1/ 393، "الأفعال" لابن القطاع 1/ 209. (¬3) ورد بعدها في الأصلين: نسخة: آبائهم. (¬4) "الصحاح" 2/ 158. (¬5) النحل: 80. (¬6) زيادة يقتضيها السياق. (¬7) من (ل).

وبكاء الصغير؟ قال: سقت مع الناس أبناءهم ونساءهم وأموالهم. قال: ولم؟ قال: أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله ليقاتل عنهم. فقال راعي ضأن (¬1) والله، وهل يرد المنهزم [شيء، إنها] (¬2) إن كانت النصرة لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك (¬3). (اجتمعوا إلى حنين) للقتال (فتبسم رسول الله) وسبب تبسمه أن الفارس لما ذكر له أمر هوازن واجتماعهم وأن معهم النساء والأبناء والإبل والبقر والغنم سر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتبسم لما أطلعه الله تعالى عليه في كونهم سيصيرون في غد غنيمة للمسلمين ينتفعون بهم. (وقال) للفارس (تلك) أي: هذِه الظعائن والنعم والشاء (¬4) سيصير جميعها (غنيمة المسلمين (¬5) غدًا) وهذا من معجزاته -صلى الله عليه وسلم- بإخباره بالمغيبات قبل أن تقع (إن شاء الله تعالى) إن قيل: إذا كان الله قد أعلمه أنها في غد غنيمة للمسلمين، وعلم الله تعالى لا يبدل ولا يغير، فلم علق ذلك بمشيئة الله تعالى؟ فالجواب: يحتمل أن تكون (إن) بمعنى إذ شاء الله. أي: حيث شاء الله تعالى، ويحتمل أن الله تعالى لما أعلمه ذلك أخبر به لكنه استثنى على ما أمره الله تعالى في ¬

_ (¬1) في الأصلين: ضال. وهو خطأ والمثبت من كتب السير. (¬2) تحرفت في الأصلين إلى: سحانها. (¬3) انظر: "دلائل النبوة" للبيهقي 5/ 185، و"السيرة النبوية" لابن هشام 5/ 106. (¬4) في (ر)، والنساء، والمثبت من (ل). (¬5) ورد بعدها في (ر): نسخة: للمسلمين.

قوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (¬1)، فأتى بالاستثناء تبركًا بالآية لا تعليقًا للمشيئة. (ثم قال: من يحرسنا) من العدو في هذِه (الليلة) الآتية جميعها. فيه: جواز الاحتراس من العدو، والأخذ بالحزم، وترك الإهمال في وقت الحاجة إلى الاحتياط، وفي معناه حراسة البيوت في الإقامة، وأخذ الأجرة عليه، يحتمل أن يكون هذا قبل نزول قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} فإنه كان يحرس قبل نزول الآية، وكان أبو طالب يرسل (¬2) معه كل يوم مع رسول الله رجالًا من بني هاشم يحرسونه حتى نزل: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (¬3)، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا عماه، إن الله قد عصمني من الجن والإنس، ولا احتاج من يحرسني" (¬4). ويحتمل أن يكون بعد نزول الآية وهو الظاهر، فإن طلب هذِه الحراسة كان في غزاة حنين بعد فتح مكة، وعلى هذا فهو غير محتاج للحراسة، وطلب الحراسة إنما كان لحراسة من معه من الجيش. (قال أنس بن أبي مرثد الغنوي: أنا) أحرسكم (يا رسول الله) يحتمل ¬

_ (¬1) الكهف: 23. (¬2) في (ر)، يحرس، والمثبت من (ل). (¬3) المائدة: 67. (¬4) رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (11663)، وعزاه ابن كثير في "تفسيره" 3/ 153 لابن مردويه، والواحدي في "الوسيط" 2/ 209، من طرق عن أبي كريب، عن عبد الحميد الحماني، عن النضر، عن عكرمة، عن ابن عباس به. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 7/ 81: رواه الطبراني، وفيه النضر بن عبد الرحمن، وهو ضعيف.

أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا لأنس لما قال هذا الكلام كما دعا في مقدمه المدينة لسعد بن أبي وقاص حين قال له: جئت أحرسك هذِه الليلة (¬1). وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعو لمن صنع إليه معروفًا أو إلى الناس ويثني عليه. (قال: فاركب) أي: فرسك لتحرس الجيش هذِه الليلة (فركب فرسًا له) امتثالًا لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، أتى بفاء التعقيب؛ لتدل على سرعة امتثاله الأمر (وجاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-) ذكر المجيء بعد أن كان عند النبي -صلى الله عليه وسلم- حاضرًا يدل على أنه لما ركب الفرس ذهب للحراسة فتذكر كثرة جماعة هوازن وشدة بأسهم، ورجع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ليؤكد عليه المقال الأول، وليسمع البشارة من النبي -صلى الله عليه وسلم- ثانيًا، ويزداد يقينًا، ويثبت قلبه عند الحراسة من العدو، قال له: إن هوازن على بكرة أبيهم بظعنهم ونعمهم وشائهم اجتمعوا على حنين فأعاد له النبي -صلى الله عليه وسلم- القول (وقال: تلك غنيمة المسلمين غدًا إن شاء الله) كما تقدم (ثم قال) النبي -صلى الله عليه وسلم- حين رآه رجع (من يحرسنا الليلة؟ ) لينظر هل هو باقْ على ما قال أولًا أو جبن عن الحراسة. (قال أنس بن أبي مرثد) في المرة الثانية (أنا يا رسول الله) أمتثل ما تأمرني به والله تعالى يحرسكم ويحفظكم، وفيه جواز قول الإنسان لأستاذه وشيخه: أنا أفعل لك كذا. والرد على من منع من ذلك؛ لأن أنا من قول الشيطان، ولأن النبي كرهه ممن استأذن فقال: من أنت؟ فقال: أنا؟ فخرج النبي وهو يقول: من أنا من أنا. كالكاره له (¬2). وإن ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2885)، ومسلم (2410). (¬2) رواه البخاري (6250)، ومسلم (2155) من حديث جابر بن عبد الله.

كان الأولى أن يقول لمن يخاطب شيخه: الفقير أو العبد يفعل كذا. (قال: فاركب) فيه دليل على أن الأولى أن يكون الحارس راكبًا على فرس إن وجد، وإلا فغيره (فركب) في الحال (فرسًا له) فيه: أنه (¬1) ينبغي أن يكون فرس من يحرس ملكًا له لا عارية، ولا من بيت المال (وجاء) بعدما ركب (إلى رسول الله) يتمثل ما يأمره به، وإن كان قد علم أنه أمره بالحراسة؛ لكنه جاء إليه ليذكر أن يقف للحراسة وليوصيه (¬2) بشيء غير ذلك وليدعو له. (فقال له رسول الله: استقبل) بوجهك (هذا الشِّعب) بكسر الشين المعجمة هو ما انفرج بين الجبلين، وقيل: الطريق في الجبل (حتى تكون) فيه حذف، تقديره: سر (¬3) على فرسك إلى هذا الشعب حتى تكون (في أعلاه) فيه: أنه يستحب للحارس أن يكون في مضيق الطرق، وأن يكون في أعلاه؛ ليتمكن ويظفر بالعدو. (ولا تَغُرَّن) بفتح التاء وضم الغين وتشديد الراء ونون التأكيد، وبضم النون وفتح الغين والراء المشددة أو المخففة. أي: لا تغفلن عن مراقبة هذا الشعب وحفظه من العدو بنعاس أو نظر إلى غيره، بل يكون النظر (مَن) بفتح الميم (قِبَلك) بكسر القاف وفتح الباء الموحدة أي: من جهتك التي أمرتك بحفظها وهي جهة الشعب. فيه: وصية الإمام للحارس على اعتنائه بالحراسة وترك غفلته، ويستحب الدعاء له بالإعانة على ما هو ¬

_ (¬1) زيادة من (ل). (¬2) في (ر)، وأن يوصيه، والمثبت من (ل). (¬3) في (ر)، سير، والمثبت من (ل).

بصدده (الليلة) أي: لا تغفل في جميع هذِه الليلة. (فلما أصبحنا من تلك الليلة خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) من المكان الذي بات فيه بعد الطهارة ماشيًا (إلى مصلاه) الذي اتخذه مسجدًا للصلاة فيه. فيه: أنه يستحب للإنسان إذا قام في مكان بنية الجهاد أو الرباط أو غير ذلك أن يتخذ مكانًا يصلي فيه هو وغيره (¬1)، كما أنه يستحب للمقيم (¬2) أن يعزل مكانًا في بيته يعده للصلاة رجلًا كان أو امرأة، ولهذا جاء الخلاف في صحة الاعتكاف، والصحيح أنه لا يصح اعتكاف المرأة في مسجد بيتها وهو المعين المهيأ للصلاة، وحينئذٍ فالظاهر أن الصلاة فيه وإن لم يكن مسجدًا أفضل من غيره. (فركع ركعتين) من غير الفريضة، الظاهر أن هاتين الركعتين ركعتا الفجر لما سبق في أبي داود: "لا تصلوا بعد الفجر إلا ركعتين" (¬3)، وفي لفظ: "لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا سجدتان" رواه الدارقطني (¬4). وهاتان الركعتان ركعهما النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد الفجر لقوله أولًا: فلما أصبحنا. (ثم قال: هل أحسستم) أي: علمتم أو عرفتم أمر (فارسكم؟ ) وأصل ذلك من الإحساس وهو وجود الشيء بالحاسة. ¬

_ (¬1) في (ر): أو غيره. والمثبت من (ل). (¬2) زيادة من (ل). (¬3) برقم (1278) وفيه: سجدتين. بدل: ركعتين. (¬4) "سنن الدارقطني" (1/ 246) بلفظ: لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتين، ورواه الترمذي (419) باللفظ الذي أورده المؤلف ثم قال: وهو ما اجتمع عليه أهل العلم كرهوا أن يصلي الرجل بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر.

وفيه: دليل على تفقد الأمير أمر عامته والسؤال عن حال من أرسله في مهم وعمن غاب من جماعته. (قال رجل: ) من القوم (يا رسول الله، ما أحسسنا) من أمره شيئًا. فيه: جواز الإخبار عن رفقته بما غلب على ظنه من حالهم (فثوب) بضم المثلثة وكسر الواو المشددة (بالصلاة) أي: أقيمت صلاة الصبح المفروضة، ويطلق التثويب على الأذان، وكل داعٍ مثوب، وقد ثوب فلان بالصلاة إذا دعا إليها، والأصل فيه: الرجل يجيء مستصرخًا فيلوح بثوبه، فسمي الدعاء تثويبًا لذلك، فإن حملنا التثويب على الإقامة أو الأذان ففيه دليل على أن الأذان أو الإقامة تسن للمسافر والغازي ولا تختص بالمقيم. (فجعل رسول الله يصلي وهو يلتفت) (¬1) أي: في حال صلاته وهو في أثنائها (إلى الشعب) يعني: الذي (¬2) أمر الفارس باستقباله وحفظه، وقد استدل كثير من العلماء بهذا الحديث على جواز الالتفات في الصلاة بوجهه من غير تحويل قدميه إذا دعت إليه حاجة كالتفاته -صلى الله عليه وسلم- إلى جهة الشعب الذي من جهة العدو لمعرفة أمر الفارس الذي اشتغل قلب الغزاة من جهته، فإن كان الالتفات لغير حاجة فيكره؛ لما رواه أبو داود عن أبي ذر: "لا يزال الله مقبلًا على العبد في صلاته ما لم يلتفت" (¬3). ¬

_ (¬1) ورد بعدها في الأصل: نسخة: يتلفت. (¬2) في (ر): النبي. والمثبت من (ل). (¬3) سبق في كتاب الصلاة، باب الالتفات في الصلاة برقم (909).

وروى الترمذي (¬1) من حديث أنس: "إياك والالتفات في الصلاة، فإن كان ولابد ففي التطوع"، وقال: حديث صحيح. وفي بعض نسخ أبي داود المعتمدة: فجعل رسول الله يتلفت، بتقديم التاء على اللام وتشديد الفاء، وهو يدل على كثرة التلفت. (حتى إذا قضى صلاته) وهي صلاة الصبح (وسلم) أي: تسليمتين يمينًا وشمالًا كما هو غالب أحواله، ويحتمل أن تكون التسليمة الأولى فقط، فإن الفعل إذا أطلق يحمل على الأقل (قال: أبشروا) بفتح الهمزة كما قال تعالى: {وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ} (¬2). فيه: استحباب البشارة والتهنئة كما بشر النبي -صلى الله عليه وسلم- كعب بن مالك بتوبة الله عليه بقوله: "أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك". متفق عليه (¬3). (فقد جاءكم فارسكم) الذي ذهب إلى الشعب، وفيه: مدح للفارس (فجعلنا ننظر إلى خلال الشجر) أي: إلى ما بين الأشجار التي (في الشعب) وواحد الخلال خلل، وأصله الفرجة بين الشيئين، وليس نظرهم (¬4) إلى خلال الشجر شكًّا في إخبار النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإن خبره يفيد العلم، لكن أرادوا أن يجمعوا بين العلم الخبري والعلم الضروري بحاسة البصر، وهذا على أن العلوم تتفاوت ويكون بعضها أقوى من بعض كما قال إبراهيم: {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} (¬5). ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (589) وقال: حسن غريب. (¬2) فصلت: 30. (¬3) "صحيح البخاري" (4418)، "صحيح مسلم" (2769). (¬4) في (ر): نظر، والمثبت من (ل). (¬5) البقرة: 260.

(فإذا هو) يعني: الفارس (قد جاء) مسرعًا (حتى وقف على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) أي: وقف بفرسه على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وفيه: دليل على أن من أرسله الأمير إلى جهة وقدم منها أن يبدأ في قدومه بالاجتماع بالأمير قبل (¬1) غيره، وظاهر اللفظ أنه استمر راكبًا حتى وقف على النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم ينزل عن الدابة قبل أن يصل إليه كما هو الأدب، ولعله استمر راكبًا حرصًا على سرعة وصوله إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- إن الفرس أسرع مشيًا من مشيه. (فسلم) على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيه: تسليم القادم من السفر على المقيم، ويسلم الراكب على الماشي [والواقف والجالس، وتسليم الصغير على الكبير، كما في الصحيحين (¬2): "ويسلم الراكب على الماشي] (¬3) والماشي على القاعد"، وفي البخاري: "يسلم الصغير على الكبير" (¬4). (فقال) يا رسول الله (إني انطلقت حتى كنت في أعلى هذا الشعب (¬5) حيث أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) فبت أرقبه هذِه الليلة حتى أصبحت (فلما أصبحت اطَّلعت) بتشديد الطاء من قوله: {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55)} (¬6)، وفي نسخة: طَلَعَت. بفتح اللام كما تقدم (الشعبين) أي: علَوْتهما. يعني: الشعبين الذين في وجه العدو [(كليهما) بإسكان ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل). (¬2) "صحيح البخاري" (6231)، "صحيح مسلم" (2160) من حديث أبي هريرة. (¬3) ما بين المعقوفين ساقط من (ر). (¬4) "صحيح البخاري" (6234) من حديث أبي هريرة. (¬5) ورد بعدها في (ل): وفي نسخة: هذِه الشعب. فكلا التذكير والتأنيث جائز؛ لأن الشعب مجازي التأنيث، دون الشعب الآخر. (¬6) الصافات: 55.

المثناة قبل هاء الضمير، قلبت الألف ياء كما قلبت في: عليهما ولديهما. (فنظرت) من الشعبين إلى جهة العدو] (¬1) (فلم أر أحدًا منهم. فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هل نزلت) في هذِه (الليلة؟ ) عن فرسك؟ (قال: لا) أي: لم أنزل عنها (إلا مُصَلِّيًا) منصوب على المفعول له أي: إلا لأجل الصلاة (أو قاضيًا) بنصب الياء (حاجة) فيه دليل على شدة اعتنائهم بأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واحتراصهم على أفعال الخير. (فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قد أوجبت) بإسكان الباء الموحدة، أي: أتيت بفعلٍ أوجب الله لك به الجنة (فلا) حرج (عليك) في (أن لا تعمل) عملًا من أعمال البر (بعدها) أي: بعد حراستك الشعب في هذِه الليلة، والظاهر أن المراد بترك العمل العملُ الموجب لدخول الجنة وارتفاع الدرجات، وأما ما فرضه الله عليه من الصلاة والزكاة والصيام وغير ذلك فلا يجوز له تركه بعد تلك الليلة بهذِه الحراسة، وهذا فيه حث عظيم وتفضيل جسيم للحراسة في سبيل الله تعالى. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفين ساقط من (ر).

18 - باب كراهية ترك الغزو

18 - باب كَراهِيَةِ تَرْكِ الغَزْوِ 2502 - حَدَّثَنا عَبْدَةُ بْن سُليْمانَ المَرْوَزِيُّ، أَخْبَرَنا ابن المُبارَكِ، أَخْبَرَنا وُهيْبٌ - قالَ عَبْدَةُ: يَعْني: ابن الوَرْدِ -أَخْبَرَني عُمَرُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ سُميٍّ، عَنْ أَبِي صالِحٍ، عَنْ أَبِي هُريْرَةَ، عَنِ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "مَنْ ماتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالغَزْوِ ماتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفاقٍ" (¬1). 2503 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْن عُثْمانَ وَقَرَأْتُهُ عَلَى يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الجُرْجُسِيِّ، قالا: حَدَّثَنا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الحارِثِ، عَنِ القاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي أُمامَةَ، عَنِ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "مَنْ لَمْ يَغْزُ أَوْ يُجَهِّزْ غازِيًا أَوْ يَخْلُفْ غازِيًا في أَهْلِهِ بِخيْرٍ أَصابَهُ اللهُ بِقارِعَةٍ". قالَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ في حَدِيثِهِ: "قَبْلَ يَوْمِ القِيامَةِ" (¬2). 2504 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ حميْدٍ، عَنْ أَنَسِ أَنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "جاهِدُوا المُشْرِكينَ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ" (¬3). * * * باب كراهة ترك الغزو [2502] (حدثنا عبدة بن سليمان) الصبي (¬4) (المروزي، أنبأنا) عبد الله ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1910). (¬2) رواه الدارمي (2462)، والطبراني 8/ 179 (7747)، والبيهقي 9/ 48. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (2261). (¬3) رواه النسائي 6/ 7، 51، وأحمد 3/ 124، 251. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2262). (¬4) كذا في الأصلين، وهو خطأ، والصواب: المصيصي، انظر ترجمته من "التهذيب" 18/ 534.

(ابن المبارك) المصري (¬1) (أنبأنا وهب (¬2) بن الورد) بفتح الواو القرشي (أخبرنا عمر بن محمد [بن] (¬3) المنكدر) أبي عبد الله (عن سمي) مصغر مولى أبي بكر (عن أبي صالح) السمان. (عن أبي هريرة (¬4)، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من مات ولم يغز) أي: قيل إن الغزو ببدنه في سبيل الله (ولم يحدث نفسه بالغزو) أي: ولم ينو الغزو (مات) وهو (على شعبة) بضم الشين، وروي: شعبة من نفاق (¬5). أي: خصلة من خصال (نفاق) وأصل الشعبة القطعة من الشيء، قال عبد الله ابن المبارك: نُرى ذلك -أي: نظن ذلك- كان على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- (¬6). يعني حيث كان الجهاد واجبًا، وحمله على النفاق الحقيقي، قال النووي: وهذا الذي قاله ابن المبارك محتمل. وقال غيره: إنه عام في جميع الأزمان، والمراد أن من فعل هذا فقد أشبه المنافقين المتخلفين عن الجهاد في هذا الوصف. قال: ترك الجهاد أحد شعب النفاق (¬7). وفي هذا الحديث أن من نوى فعل عبادة فمات قبل فعلها لا يتوجه عليه من الذم ما يتوجه على من مات ولم ينوها، وأن من لم يتمكن من فعل الخير فينبغي له أن يعزم على فعله إذا تمكن من فعله وأن ينويه (¬8) لتكون نيته بد، من فعله في ذلك الوقت. وقد اختلف أصحابنا فيمن تمكن من الصلاة في أول وقتها فأخرها ¬

_ (¬1) كذا في الأصلين، وهو خطأ والصواب: الحنظلي التميمي المروزي. انظر ترجمته من "التهذيب" 16/ 5. (¬2) كذا في (ر)، وغير واضحة في (ل)، والصواب: وهيب. (¬3) ساقطة من (ر). (¬4) ساقط من (ل). (¬5) و (¬6) "صحيح مسلم" (1910). (¬7) "شرح النووي على مسلم" 13/ 56. (¬8) في (ر): يكنوبه.

بنية أن يفعلها في أثنائه فمات قبل فعلها أو أخر الحج بعد التمكن إلى سنة أخرى فمات قبل فعله فهل يأثم أم لا؟ والأصح عندهم أنه يأثم في الحج دون الصلاة؛ لأن مدة الصلاة وقتها محدود فلا ينسب إلى تفريط بالتأخير، بخلاف تأخير الحج، فإن وقته العمر وهو غير محدود (¬1). [2503] (حدثنا عمرو بن عثمان) بن كثير (وقرأته على يزيد بن عبد ربه الجُرجُسي) بضم الجيمين ومهملة (قالا: حدثنا الوليد بن مسلم) الدمشقي (عن يحيى بن الحارث، عن القاسم أبي عبد الرحمن، عن أبي أمامة، عن النبي: من لم يغز) بنفسه (أو يجهز غازيًا) بما يحتاج إليه في غزوه من العدة والسلاح والحمل والنفقة وغير ذلك، ويحصل هذا الأجر لكل جهاز قليله وكثيره (أو يَخْلُف) بفتح أوله وسكون الخاء وضم اللام (غازيًا) بالقيام (في أهله) من النساء والبنين، وعلى أمواله وخدمته (¬2)، ويدخل فيه كل من خلف الغازي (بخير) من قضاء حاجة لهم أو ذب عنهم (أصابه الله) تعالى (بقارعة) أي: داهية من شدائد الدهر تقرع قلبه بالخوف، والهاء فيه للمبالغة، وتكون في البدن والمال، يقال: قرع الفناء إذا خلا من الماشية، ونعوذ بالله من قَرَعِ الفِناءِ وصَفَرِ الإناء (¬3). (قال يزيد بن عبد ربه) الجرجي (¬4) بفتح (¬5) الجيمين وبينهما مهملة ¬

_ (¬1) انظر: "شرح النووي على مسلم" 13/ 56. (¬2) في (ر): وحرفته. والمثبت من (ل). (¬3) أيَ: خُلُوِّ الديار من سُكانها، والآنيةِ من مُسْتَوْدعاتها. انظر: "لسان العرب" 8/ 262. (¬4) كذا في الأصول، وهو خطأ، والصواب: الجرجسي. (¬5) كذا في الأصلين، مع أنه قال في أول الحديث: بضم. قلت: وبضم هو الصواب. انظر: "الأنساب" للسمعاني 3/ 242.

(في حديثه: قبل يوم القيامة) أي: تصيبه القارعة في الدنيا قبل موته، قال أحمد بن حنبل (¬1): يقول: لا إله إلا الله ما كان أثبته! ما كان فيهم - يعني: في أهل حمص- مثله! أي: مثل أبي الفضل يزيد بن عبد ربه. فيما رواه اللؤلؤي عنه. [2504] (أنبأنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (أنبأنا حماد) بن سلمة (عن حميد) بن عبد الرحمن (¬2) (عن أنس: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: جاهدوا المشركين بأموالكم) في كل ما يحتاجه المجاهد من دواب وسلاح وزاد، وغير ذلك (وأنفسكم) أي: بالقتال بالسلاح، وقال الله (¬3) تعالى: {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} (¬4)، وقد تقدم أول الباب أن الجهاد يكون بالقلب واللسان واليد والسيف (وألسنتكم) كما قال تعالى: {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ} (¬5) أي: لا تداهنهم بالقول، وجادلهم بالقرآن، وبمخالفتك لهم، واغلظ كما قال تعالى: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} (¬6). ¬

_ (¬1) رواه عنه أبو داود في "سؤالاته" (307)، وانظر: "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 19/ 538. (¬2) كذا في الأصلين وهو خطأ، فليس حميد بن عبد الرحمن يروي عن أنس، ولا روى عنه حماد بن سلمة، وحميد هذا إما حميد الطويل بن أبي حميد وإما حميد بن هلال، فكلاهما يروى عن أنس وكلاهما يروي عنه حماد بن سلمة، وكلاهما ثقة. وانظر ترجمة أنس وحماد من "التهذيب" 3/ 356، 7/ 254. (¬3) لفظ الجلالة ساقط من (ل). (¬4) النساء: 95. (¬5) الفرقان: 52. (¬6) التوبة: 73، التحريم: 9.

19 - باب في نسخ نفير العامة بالخاصة

19 - باب في نَسْخِ نَفِيرِ العامَّةِ بِالخاصَّةِ 2505 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنِي عَليُّ بْنُ الحُسيْنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (¬1) وَ {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ} إِلى قَوْلِهِ: {يَعْمَلُونَ} (¬2) نَسَخَتْها الآيَةُ التي تَلِيها {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} (¬3) (¬4). 2506 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شيْبَةَ، حَدَّثَنا زيْدُ بْنُ الحُبابِ، عَنْ عَبْدِ المُؤْمِنِ بْنِ خالِدٍ الحَنَفي، حَدَّثَنِي نَجْدَة بْنُ نُفيعٍ قالَ: سَأَلْتُ ابن عَبّاسٍ عَنْ هذِه الآيَةِ: {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (¬5) قالَ: فَأُمْسِكَ عَنْهُمُ المَطَرُ وَكانَ عَذابَهُمْ (¬6). * * * باب نسخ نفير العامة بالخاصة أي: خروج الناس عامة، أي: نسخ فرض الجهاد على جميع الناس حين كان فرض عين (بالخاصة) أي: يفرضه على خاصة من الناس، أي: نسخ فرض العين بفرض الكفاية المقصود حصوله من غير جماعة معينين. ¬

_ (¬1) التوبة: 39. (¬2) التوبة: 120 - 121. (¬3) التوبة: 122. (¬4) رواه الطبراني في "مسند الشاميين" (2413)، والبيهقي 9/ 47. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2263). (¬5) التوبة: 39. (¬6) رواه الحاكم 2/ 104، 118، والبيهقي 9/ 48. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (432).

[2505] (حدثنا أحمد بن محمد المروزي، حدثني علي بن الحسين) ابن واقد [بن أبي سعيد] (¬1) (عن أبيه) الحسين بن واقد (عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: {إِلَّا تَنْفِرُوا} أي: إن لم تخرجوا جميعكم مع نبيكم إلى الجهاد ({يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}) قال الزجاج (¬2): هذا وعيد شديد في التخلف عن الجهاد. (و) قال تعالى: ({مَا كَانَ}) ينبغي ({لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ}) النبوية؛ وهم مزينة وجهينة وأشجع وأسلم ({أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ}) في غزوة يغزوها (إلى قوله تعالى: {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}) [من الجهاد] (¬3) (نسختها) أي: نسخت هذِه الآية والتي قبلها (الآية التي تليها) في التلاوة وهي قوله تعالى: ({وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ}) هذا نفي، ومعناه النهي عن أن ينفروا ({لِيَنْفِرُوا}) أي يخرجوا إلى العدو ({كَافَّةً}) أي: جميعًا. وسبب النهي أن الله لما عاتب الثلاثة الذي تخلفوا عن الجهاد في غزوة تبوك قال المؤمنون: والله لا نتخلف عن غزوة يغزوها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-[أبدًا، فلما أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-] (¬4) بعد ذلك بالخروج إلى الجهاد نفر المسلمون جميعًا إلى الجهاد وتركوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة وحده، فأنزل الله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفين زيادة من المصنف، لم أجدها في شيء من كتب الرجال التي ترجمت له. (¬2) "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج 2/ 448. (¬3) ساقطة من (ر). (¬4) ما بين المعقوفين ساقط من (ر).

فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} (¬1)، وتبقى مع النبي -صلى الله عليه وسلم- طائفة ليتفقه القاعدون في الدين ويعلموا الخارجين إذا رجعوا إليهم. [2506] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، أنا يزيد بن الحباب) بضم المهملة (عن عبد المؤمن بن خالد) المروزي (الحنفي) قال: (حدثني نجدة بن نفيع) مصغر (سألت ابن عباس عن هذِه الآية) التي في براءة ({إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًارٌ} قال: ) إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استنفر حيًّا من أحياء العرب فتثاقلوا عن النفير (فأمسك) الله (عنهم المطر) فماتوا بالجوع (وكان) ذلك (عذابهم) بالنصب مفعول و ({مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ} إلى قوله {يَعْمَلُونَ} نسختها الآية التي تليها: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً}) الذي ذكره الله، وفيه أن ترك الخروج للجهاد والرباط والتشاغل عنه بالحراثة والزروع سبب لحبس المطر. ¬

_ (¬1) التوبة: 122.

20 - باب في الرخصة في القعود من العذر

20 - باب في الرُّخْصَةِ في القُعُودِ منَ العُذْرِ 2507 - حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصْورٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خارِجَةَ بْنِ زيْدٍ، عَنْ زيْدِ بْنِ ثابِتٍ قالَ: كُنْت إِلى جَنْبِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَغَشِيَتْهُ السَّكِينَةُ فَوَقَعَتْ فَخِذُ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى فَخِذي فَما وَجَدْتُ ثِقَلَ شَيء أَثْقَلَ مِنْ فَخِذِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، ثمَّ سُرّيَ عَنْهُ فَقالَ: "اكْتُبْ". فَكَتَبْتُ في كَتِفٍ: لا يَسْتَوي القاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ والمُجاهِدُونَ في سَبِيلِ اللهِ. إِلى آخِرِ الآيَةِ فَقامَ ابن أُمِّ مَكْتُومٍ -وَكانَ رَجُلاً أَعْمَى- لَمّا سَمِعَ فَضِيلَةَ المُجاهِدِينَ فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ فَكيْفَ بِمَنْ لا يَسْتَطِيعُ الجِهادَ مِنَ المُؤْمِنِينَ فَلَمّا قَضَى كَلامَهُ غَشِيَتْ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- السَّكِينَةُ فَوَقَعَتْ فَخِذُهُ عَلَى فَخِذي وَوَجَدْي الضتُ مِنْ ثِقَلِها في المَرَّةِ الثّانِيَةِ كَما وَجَدْتُ في المَرَّةِ الأُولَى ثُمَّ سُرّيَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقالَ: "اقْرَأْ يا زيْدُ". فَقَرَأْتُ: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} فَقالَ رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 96] الآيَةَ كُلَّها. قالَ زيْدٌ: فَأَنْزَلها اللهُ وَحْدَها فَأَلْحَقْتُها، والَّذي نَفْسي بِيَدِهِ لَكَأَنّي أَنْظُرُ إِلى مُلْحَقِها عِنْدَ صَدْعٍ في كَتِفٍ (¬1). 2508 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ حُميْدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "لَقَدْ تَرَكْتُمْ بِالمَدِينَةِ أَقْوامًا ما سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ وَلا قَطَعْتُمْ مِنْ وادٍ إِلَّا وَهُمْ مَعَكُمْ فِيهِ". قالُوا: يا رَسُولَ اللهِ وَكيْفَ يَكُونُونَ مَعَنا وَهُمْ بِالَمدِينَةِ؟ فَقالَ: "حَبَسَهُمُ العُذْرُ" (¬2). * * * باب في الرخصة في القعود من الغزو من عذر [2507] (حدثنا سعيد بن منصور) الخراساني (حدثنا عبد الرحمن بن ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2832). (¬2) رواه البخاري (2839).

أبي الزناد، عن أبيه، عن خارجة بن زيد) [بن ثابت ثقة عابد] (¬1) واستشهد به البخاري (عن أبيه زيد بن ثابت) بن الضحاك، وكان ممن يكتب الوحي لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- (كنت إلى جنب رسول الله) يقال: قعدت إلى جنب فلان وإلى جانبه بمعنى، وفيه كثرة تواضع النبي -صلى الله عليه وسلم-، واختلاطه بهم، والجلوس إلى جانبهم حيث ما انتهى به المجلس، هذا إذا جلس إليهم، وأما إذا جلس الصحابي عنده يبادر بين يديه (فغشيته) أي: جللته حين نزلت عليه (السكينة) فعيلة، من السكون، أي: الطمأنينة التي تغشاه حين ينزل عليه الوحي الثقيل من ربه. (فوقعت فخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على فخذي) يحتمل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان محتبيًا رافعًا ساقيه وزيد متربعًا، فلما نزلت عليه السكينة انحلت حبوته فوقعت فخذه، وفي رواية: حتى خشيت أن ترضها (¬2). وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا نزل عليه الوحي يحمر وجهه بكدرة، وينكس رأسه وينكس أصحابه رؤوسهم، فإذا جلي عنه الوحي (¬3) رفع رأسه، وكان ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد وإن جبينه ليتفصد عرقًا (فما وجدت ثقل شيء) علي أبدًا (أثقل من فخذ رسول الله) حين نزلت عليه السكينة؛ لشدة الوحي الذي ينزل عليه وهوله، قال الله تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5)} (¬4) لا يحمله إلا قلب مؤيد بالتوفيق (¬5) ونفس مزينة ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفين ساقط من (ر). (¬2) رواها البخاري (4592) بلفظ: "حتى خفت أن ترض فخذي". (¬3) ساقطة من (ر). (¬4) المزمل: 5. (¬5) في (ر): بالرفيق. والمثبت من (ل).

بالتوحيد، قال ابن زيد: هو والله [مبارك كما يثقل] (¬1) في الدنيا يثقل في الميزان (¬2) (¬3). (ثم سري) بضم السين وتشديد الراء أي: كشف (عنه) ما أصابه من الثقل، وفي رواية للبخاري: ثم انجلى عنه (¬4). ورفع رأسه. (فقال: اكتب) فيه دليل على كتابة القرآن والحديث والعلم، وعلى إملاء الكاتب ما يكتبه (فكتبت في كتف) أي: من العظام. فيه: جواز كتابة القرآن والحديث في أكتاف العظام وفي الألواح والورق، وطهارة العظم المذكى وإن (¬5) لم يغسل، وجواز الانتفاع به في الآلات والأواني وغير ذلك ({لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (¬6) وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} فقام) عبد الله (بن أم مكتوم) واسم أمه أم مكتوم عاتكة بنت عبد الله بن عنكثة (وكان رجلاً أعمى لما سمع فضيلة) ما أنزل الله في فضيلة (المجاهدين) في سبيل الله، وفي قوله: (قام) فضيلة القيام ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ر). (¬2) في (ر): البزار. (¬3) "تفسير الطبري " 23/ 682. (¬4) "صحيح البخاري" (125) من حديث ابن مسعود. (¬5) زيادة من (ل). (¬6) ورد في الأصول (ل)، (ر) هذِه الفقرة [فيه: دليل على الرخصة في القعود عن الجهاد من المعذورين بقوله تعالى: {غَيْرُ} قرأ نافع، وابن عامر، والكسائي بنصب الراء، والباقون برفعها، وقرئ في الشاذ بجرها، فمن نصب فعلى الاستثناء، ومن رفع فوصف للقاعدين، ومن جر فوصف للمؤمنين، فلعل موضعها عند نزول الاستثناء في الآية.

عند مخاطبة المشايخ (¬1) والعلماء والأكابر تأدبًا معهم وتعظيمًا لهم؛ لأن قوله (فقام) يدل على أنه كان جالسًا. (فقال: يا رسول الله، فكيف) يفعل (بمن لا يستطيع الجهاد) ولا الخروج معهم (من المؤمنين؟ ) لأنه أعمى (فلما قضى) ابن أم مكتوم (كلامه) وبيان عذره، وفيه دليل على أن الإنسان إذا كلمه أحد بكلام لا يقطع عليه كلامه بل يستمع له إلى أن ينقضي كلامه كما كان يصنع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. (غشيت رسول الله السكينة) ثانيًا (فوقعت فخذه على فخذي) كما وقعت أولًا (ووجدت من ثقلها في المرة الثانية كما وجدت) من ثقلها (في المرة الأولى، ثم سري عن رسول الله) ما وجده من ثقل الوحي، فرفع رأسه إلى (فقال: اقرأ يا زيد) علي ما كتبته في الكتف. فيه: دليل على أن المعلم إذا أملى على الصبي أو غيره ما يكتبه في اللوح يستحب له أن يأمره بقراءته عليه ليصححه له لئلا يكون فيما كتبه نقص أو تحريف. (قرأت) عليه ما كتبته وهو قوله تعالى ({لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}) وفي "صحيح البخاري" (¬2) عن مقسم مولى عبد الله بن الحارث أنه سمع ابن عباس يقول: لا يستوي القاعدون من المؤمنين عن بدر والخارجون إلى بدر. (فقال رسول الله: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}) فيه: دليل على أن الكاتب إذا قرأ على المعلم ما كتبه يقرأ عليه ما بعده ولا يقول له: اكتب بعده كذا ¬

_ (¬1) في (ر): التاريخ، والمثبت من (ل). (¬2) "صحيح البخاري" (3954)، (4595).

وكذا من كلام الله تعالى لئلا يدخل بين كلامي الله كلام الآدميين، ولا يحتاج إلى أن يعيد الاستعاذة ولا التسمية. قال العلماء: أهل الضرر هم أهل الأعذار الذين أضرت بهم ومنعتهم الجهاد كالعمى والعرج والمرض، فأما الأعمى فلا جهاد عليه للآية، لكن على الأعور والأعشى، وأما الأعرج البين عرجه ولو في إحدى رجليه وإن وجد مركوبًا وأمكنه الركوب، وأما المريض فالمراد به المانع من القتال والركوب إلا بمشقة شديدة ومثلة ابن الصباغ بالحمى المطبقة ولا عبرة بصداع ووجع ضرس وحمى خفيفة. (الآية كلها) إلى آخرها. وفيها: أن الجهاد فرض كفاية [ليس بفرض عين. وفيه: رد على من يقول إنه كان في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرض عين وبعده فرض كفاية] (¬1)، والصحيح أنه لم يزل فرض كفاية من حين شرع، وهذِه الآية ظاهرة في ذلك؛ لقوله تعالى [في ذلك، (¬2): {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} (¬3) (قال زيد) ابن ثابت: هذِه الآية (أنزلها الله وحدها) يعني: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} (فألحقتها) {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} (¬4). (والذي نفسي بيده) فيه جواز الحلف بها، وجواز الحلف من غير استحلاف (لكأني) هذِه اللام جواب القسم (انظر) الآن (إلى مُلحَقها) بضم الميم موضع الإلحاق ويجوز فتحها، وهو أرجح؛ لأن ماضيه ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ر). (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (ر). (¬3) النساء: 95، الحديد: 10. (¬4) النساء: 95.

رباعي، وهو ألحق كما تقدم، والتقدير: لكأني أنظر الآن إلى ما ألحقتها فيه من المكان الذي ألحقتها به، وسمي الذي يلحق بالأول لَحَقًا بفتح اللام والحاء، فإن أهل الحديث والكتابة يسمون ما سقط من الكتاب فألحق بالحاشية أو بين السطور اللحق واشتقاقه من الإلحاق، ولو سماه المحدثون ملحقًا كما سماه زيد بن ثابت كاتب وحي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودل عليه الاشتقاق كان أولى، ولعلهم أرادوا أن يفرقوا بين جبر النقص الذي سقط من الابتداء وهو اللحق، وبين ما كان زائدًا على أصل صحيح وهو الملحق بزيادة الميم (عند صدع) بفتح الصاد المهملة وإسكان الدال أي شق كان (في الكتف) الكتف والكتف مثل كذب وكذب، هو عظم (¬1) عريض يكون في أصل [كتف] (¬2) الحيوان، وفيه دليل على طهارة ما ذكي [لحمه وطهارة عظمه] (¬3) الذي كتب فيه، وفي هذا دليل على أن الشاهد إذا احتاج إلى أداء الشهادة ويذكر كيفية الواقعة كما يذكر زيد كيفية نزول هذِه الآية، فإن تذكر بعض الواقعة كما إذا تذكر مكان الملحق عند شق الكتف فقط هل يشهد أم لا. [2508] (أنبأنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (أنبأنا حماد) بن سلمة. (عن حميد، عن موسى بن أنس بن مالك، عن أبيه) أنس (¬4) (أن رسول الله قال: لقد تركتم بالمدينة أقوامًا) (¬5) قال ذلك لما دنا من ¬

_ (¬1) في (ر): عظيم، والمثبت من (ل). (¬2) ليست في الأصول واستدركناها من "النهاية" لابن الأثير 4/ 150. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ر). (¬4) قبلها في (ر): عن. وليست واضحة في (ع). (¬5) وردت كلمة (أقواما) بعد كلمة (مرجعه) في الأصول. وبهذا لا يستقيم الترتيب.

المدينة مرجعه من غزوة تبوك (ما سرتم مسيرًا) بفتح الميم وكسر السين أي في ليل ولا نهار (ولا أنفقتم من نفقة) صغيرة ولا كبيرة ولو سهمًا أو عقالًا (ولا قطعتم واديًا) أي أرض في ذهابهم ومجيئهم، فالوادي كل منفرج بين جبال أو آكام يجري فيه السيل (إلا وهم معكم فيه) بالنية، وفيه فضيلة النية في الخير، وأن من نوى الغزو أو غيره من الطاعات فحصل له عذر فمنعه، حصل له ثواب (¬1) النية، وأنه كلما أكثر من التأسف على فوات ذلك وتمنى كونه مع الغزاة أو الحجاج أو غيرهم كثر ثوابه. (قالوا: يا رسول الله وكيف يكونون معنا) في الغزو (وهم) مقيمون (بالمدينة؟ ) سبب تعجبهم كونهم حملوا اللفظ على حقيقته (قال: حبسهم) عن الحضور معكم (العذر) وفي رواية لمسلم (¬2): "إلا حبسهم المرض"، وفي رواية: "إلا شركوكم في الأجر". وشركوكم بكسر الراء أي: شاركوكم، فيكتب لهم الأجر كما يكتب لكم أجر عملكم. وهذا الحديث يقتضي أن صاحب العذر يعطى أجر الغازي، فيحتمل أن يكون مساويًا، وفي فضل الله متسع للاستحقاق فيثيب على النية الصادقة ما لا يثيب على الفعل، وقيل: يعطى أجره من غير تضعيف، ويعطى الغازي أجره بالتضعيف للمباشرة، كما قيل في قراءة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ثلاث مرات، يعطى أجر من قرأ القرآن بلا تضعيف، ¬

_ (¬1) في (ر): فوات، والمثبت من (ل). (¬2) "صحيح مسلم" (1911).

ومن قرأه كاملًا يعطى أجره مضاعفًا، قال القرطبي (¬1): القول الأول أصح إن شاء الله للحديث المذكور، قال: ومن هذا المعنى ما ورد في الخبر: "إذا مرض العبد [قال الله] (¬2): اكتبوا لعبدي ما كان يعمل في الصحة" (¬3). ¬

_ (¬1) "الجامع لأحكام القرآن" 5/ 342. (¬2) ساقط من (ر). (¬3) "صحيح البخاري" (2996).

21 - باب ما يجزئ من الغزو

21 - باب ما يُجْزِئُ مِنَ الغزْوِ 2509 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن عَمْرِو بْنِ أَبي الحَجّاجِ أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ، حَدَّثَنا الحُسيْنُ، حَدَّثَني يَحْيَى، حَدَّثَني أَبُو سَلَمَةَ، حَدَّثَني بُسْرُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَني زيْدُ بْن خالِدٍ الجُهَنيُّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "مَنْ جَهَّزَ غازيًا في سَبِيلِ اللهِ فَقَدْ غَزا وَمَنْ خَلَفَهُ في أَهْلِهِ بِخيْرٍ فَقَدْ غَزا" (¬1). 2510 - حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَني عَمْرُو بْن الحارِثِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبي حَبِيبٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبي سَعِيدٍ مَوْلَى المَهْريِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْريِّ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَثَ إِلى بَني لِحْيانَ وقالَ: "لِيَخْرُجْ مِنْ كُلِّ رَجُليْنِ رَجُلٌ". ثُمَّ قالَ لِلْقاعِدِينَ: "أيُّكُمْ خَلَفَ الخارِجِ في أَهْلِهِ وَمالِهِ بِخيْرٍ كانَ لَهُ مِثْلُ نِصْفِ أَجْرِ الخارِجِ" (¬2). * * * باب ما يجزئ من الغزو [2509] (حدثنا عبد الله بن عمرو بن أبي (¬3) الحجاج أبو معمر) بفتح الميمين المقعد (أنبأنا عبد الوارث) بن سعيد التميمي (أنبأنا الحسين) المعلم (أخبرني يحيى) بن سعيد الأنصاري قال (حدثني أبو سلمة) عبد الله. (قال: حدثني بُسْر) بضم الموحدة وسكون المهملة (بن سعيد، عن زيد بن خالد الجهني، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: من جهز غازيًا في سبيل الله) ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2843)، ومسلم (1895). (¬2) رواه مسلم (1896). (¬3) ساقطة من (ر).

جهاز الغازي ما يحتاج إليه في غزوه من العدة والسلاح والمركوب والنفقة وغير ذلك قليلًا كان أو كثيرًا. (فقد غزا) أي: كتب له أجر من غزا في سبيل الله (ومن خَلَفه) بتخفيف اللام، مضارعه بضمها، كما قال تعالى: {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي} (¬1) في أهله) نسائه وأولاده وخدمه ودوابه وغير ذلك (بخير) أي: بنوع من أنواع الخير كمن ذب عنهم أو ساعدهم في أمرهم (فقد غزا) أي: أجره كأجر من غزا كما أن من فطر صائمًا كان له مثل أجره كما رواه النسائي (¬2) في حديث: "وأجر من جهز غازيًا أو جهز حاجًّا أو خلفه في أهله أو فطر صائمًا كان له مثل أجورهم، من غير أن ينقص من أجورهم شيء". لكن روى الطبراني (¬3) عن سلمان: "من فطر صائمًا على طعام أو شراب من حلال". فلعل جهاز الغازي (¬4) شرطه أن يكون من حلال ويتضاعف الثواب بكثرة الإحسان ويقل بقلته. [2510] ([حدثنا سعيد بن منصور، أخبرنا ابن وهب، أخبرني عمرو ابن الحارث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن يزيد بن أبي سعيد] (¬5) عن أبي سعيد مولى المهري) هو بالراء، واسمه سالم بن عبد الله. ¬

_ (¬1) الأعراف: 142. (¬2) "سنن النسائي الكبرى" (3316) من حديث زيد بن خالد الجهني، ورواه أحمد 4/ 114، 116، 5/ 192، والبزار 9/ 332 (3775)، وصححه ابن خزيمة (2064)، وابن حبان (4633)، والألباني في "صحيح الترغيب" (1078). (¬3) "المعجم الكبير" (6162). (¬4) في الأصول: العامري. ولعل المثبت هو الصواب. (¬5) ليست في (ر)، ومطموس على حاشية (ل) وهو مستدرك من المطبوع من "السنن".

(عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث إلى بني لِحْيان) بكسر اللام على الأفصح من بني هذيل، وقد اتفق العلماء على أن بني لحيان كانوا في ذلك الوقت كفارًا فبعث إليهم بعثًا يغزوهم (وقال) لذلك البعث اليخرج من كل رجلين رجل) رواية مسلم (¬1): ليخرج من كل قبيلة نصف عددها وهو المراد بقوله: "من كل رجلين رجل". (ثم قال: للقاعد) منهم (: أيكم خَلَف الخارج) إلى الغزو في أهله وماله) من قضاء حاجة لهم وفي الحفظ للمال (¬2) (بخير: كان له) من الأجر (مثل نصف (¬3) أجر الخارج) وأما كون الأجر بينهما ولا يلزم أن يكون ثوابهما سواء، والقائم على أهل الغازي أو ماله نائب عن الغازي في عمل لا يتأتى معه الغزو، فليس مقتصرًا على النية فقط، بل هو عامل في الغزو، ولما كان كذلك كان له مثل أجر الغازي كاملًا موفورًا (¬4) مضاعفًا. * * * ¬

_ (¬1) هكذا في الأصل، وهو خطأ، والصواب أن هذا كلام النووي على شرحه لرواية مسلم، ورواية مسلم كرواية أبي داود. (¬2) في (ر): في المال. (¬3) ساقطة من (ر). (¬4) في (ر): موفرًا، وفي (ل): موفوا.

22 - باب في الجرأة والجبن

22 - باب في الجُرْأَةِ والجُبْنِ 2511 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ الجَرّاحِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُلَى ابْنِ رَباحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ مَرْوانَ قالَ: سَمِعْتُ أَبا هُريْرَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " شَرُّ ما في رَجُلٍ: شُحٌّ هالِعٌ وَجُبْنٌ خالِعٌ " (¬1). * * * باب في الجرأة والجبن الجرأة بضم الجيم مثال الجرعة، هي الشجاعة، وقد يترك همزه فيقال: الجرة بفتح الراء المخففة، مثل كرة، كما قالوا للمرأة: مرة. [2511] (حدثنا عبد الله بن الجراح، عن عبد الله بن يزيد) بفتح الياء (عن موسى بن علي) مصغر (بن رباح) بفتح الراء ([عن أبيه] (¬2) عن عبد العزيز بن مروان، قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: شر ما في رجل (¬3) شح) قال الجوهري (¬4): الشح البخل مع حرص. قال القرطبي (¬5): الشح في كل أحد، فإن الإنسان لابد [أن] (¬6) يشح بحكم خلقته حتى يحمل صاحبه على بعض ما يكره. ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 302، 320، وابن حبان (3250)، والبيهقي 9/ 170. وصححه الألباني في "الصحيحة" (560). (¬2) ساقطة من (ر): (¬3) ورد بعدها في الأصل: نسخة: الرجل. (¬4) "الصحاح" 1/ 401. (¬5) "الجامع لأحكام القرآن" 5/ 406. (¬6) ليست في الأصول، والمثبت من "الجامع لأحكام القرآن".

(هالع) قال الجوهري (¬1): الهلع أفحش الجزع. قال الله تعالى: {* إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19)} (¬2)، وقد هلع بالكسر هو هالع، والهالع الذي يجزع فيه العبد ويحزن، كما يقال ليل نائم، أي: ينام فيه، ومعنى الحديث: وشر (¬3) ما في الرجل الشح الذي يمنع صاحبه من إخراج الحق الواجب عليه، وإذا استخرج منه هلع وجزع. (وجبن) بإسكان الباء الموحدة (خالع) والجبن الخالع هو الشديد الذي يكاد يخلع فؤاد صاحبه من شدته، وقد استعاذ النبي - صلى الله عليه وسلم - من الجبن والبخل؛ (¬4) لما فيهما من التقصير عن (¬5) أداء الواجبات، والقيام بحقوق الله تعالى، والنهي عن المنكر، والإغلاظ على العصاة، وبالشجاعة يقوم الإنسان بنصر المظلوم والجهاد، وبالسلامة من الشح يقوم بحقوق المال ومكارم الأخلاق. * * * ¬

_ (¬1) "الصحاح" 3/ 443. (¬2) المعارج: 19. (¬3) ليست في (ر). (¬4) "صحيح البخاري" (6367)، ومسلم (2722). (¬5) في (ر): على، والمثبت من (ل).

23 - باب في قوله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}

23 - باب في قَوْلِهِ تَعالَى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} 2512 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، عَنْ حيْوَةَ بْنِ شريْحٍ وابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَسْلَمَ أَبِي عِمْرانَ قالَ: غَزَوْنا مِنَ المَدِينَةِ نُرِيدُ القُسْطَنْطِينِيَّةَ وَعَلَى الجَماعَةِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خالِدِ بْنِ الوَلِيدِ والرُّومُ مُلْصِقُو ظُهُورِهِمْ بِحائِطِ المدِينَةِ فَحَمَلَ رَجُلٌ عَلَى العَدُوِّ فَقالَ النّاسُ: مَهْ مَهْ لا إله إِلا اللهُ يُلْقي بِيَديْهِ إِلى التَّهْلكَةِ. فَقالَ أَبُو أيُّوبَ: إِنَّما نَزَلَتْ هذه الآيَةُ فِينا مَعْشَرَ الأَنْصارِ لَمّا نَصَرَ اللهُ نَبِيَّهُ وَأَظْهَرَ الإِسْلامَ. قُلْنا: هَلُمَّ نُقِيمُ في أَمْوالِنا وَنُصْلِحُها، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعالَى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} فالإِلْقاء بِالأيْدي إِلى التَّهْلُكَةِ أَنْ نُقِيمَ في أَمْوالِنا وَنُصْلِحَها وَنَدَعَ الجِهادَ. قالَ أَبُو عِمْرانَ: فَلَمْ يَزَلْ أَبُو أيُّوبَ مُجاهِدُ في سَبِيلِ اللهِ حَتَّى دُفِنَ بِالقُسْطَنْطِينِيَّةِ (¬1). * * * باب قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [2512] (أنبأنا أحمد بن عمرو بن السرح) المصري (أنبأنا) عبد الله (ابن وهب) المصري (¬2) (عن حيوة بن شريح و) عبد الله (ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حَبيب (¬3)، عن أسلم) كنيته (أبي عمران) التجيبي مولاهم تابعي، يعد من البصريين (¬4). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2972)، والنسائي في "الكبرى" (11029). وصححه الألباني في "الصحيحة" (13). (¬2) في (ر) زاد: عن أسلم. (¬3) في (ر) زاد: بفتح الموحدة بن فرقد التميمي الفقيه. ولم أجدها في اسمه. (¬4) كذا في الأصل، والصواب: المصريين. انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 528.

(قال: غزونا من (¬1) المدينة) لم يعينها رواة الحديث، وفسرها أبو داود فقال: وفي بعض النسخ بنون المتكلم (¬2) ومن معه. أي (¬3): قاصدين القسطنطينية (نريد القسطنطينية) بضم القاف والطاء الأولى وزيادة ياء مشددة بعد النون، ويقال: قسطنطينة بحذف الياء المشددة، والأول أكثر. مدينة عظيمة هي الآن في يد الإفرنج من الروم، وسيأتي في الملاحم أن فتحها علامة خروج الدجال وقيام الساعة (¬4). (وعلى الجماعة) يحتمل أن يكون عريفًا عليهم؛ لما سيأتي (عبد الرحمن بن خالد بن الوليد) القرشي المخزومي، قال ابن عبد البر (¬5): أدرك النبي ولم يحفظ عنه ولا سمع منه، وكان عبد الرحمن من شجعان قريش وفرسانهم، وكان أبوه خالد بن الوليد البطل المعروف من كبار الصحابة، وقتل عبد الرحمن بصفين مع معاوية -رضي الله عنه -. هكذا في أبي داود: (وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد). وأما رواية الترمذي (¬6) فقال فيه: وعلى الجماعة فضالة بن عبيد. والظاهر أنه هو أمير الجيش، فإنه سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - وشهد المشاهد كلها، قال في "الاستيعاب" (¬7): أمره معاوية على الجيش فغزا الروم في ¬

_ (¬1) ليست في (ر). (¬2) في (ر): الكلمة، والمثبت من (ل). (¬3) زيادة من (ل). (¬4) سيأتي برقم (4294). (¬5) "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" 1/ 250. (¬6) "سنن الترمذي" (2972). (¬7) "الاستيعاب" 1/ 390.

البحر وثبتنا بأرضهم (والروم) عند القتال (ملصقوا ظهورهم) بالجر على الإضافة، ولهذا حذفت نون جمع المذكر (بحائط المدينة) يعني القسطنطينية. أي: يقاتلون من وراء الجدار، كما قال تعالى: {لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ} (¬1) أي: يقاتلون متحصنين بالجدار (¬2)؛ لما أوقع الله في قلوبهم من الخوف (فحمل رجل) من جماعة المسلمين وحده (على العدو) ورواية الترمذي: حمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم (فقال) رواية الترمذي: فصاح (الناس) خوفًا عليه وإنكارًا لما فعله، وقالوا له: (مه مه) كلمتا زجر مكررة، قال ابن السراج: وهما حرفان مبنيان على السكون سمي بهما الفعل، ومعناهما اكفف اكفف عن إهلاك نفسك (لا إله إلا الله) فيه التعجب بقول: لا إله إلا الله، وسبحان الله، وما في معناهما، وفي رواية الترمذي (¬3): سبحان الله. بدل: لا إله إلا الله، واستعمال سبحان الله للتعجب أكثر (يلقي بيديه) والباء في بيديه زائدة. التقدير: يلقي يديه، ونظيره {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} (¬4) قال المبرد: بيديه أي: بنفسه، فعبر بالبعض عن الكل كقوله تعالى: {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} (¬5) وقيل: معناه استسلم؛ لأن المستسلم في القتال يلقي سلاحه بيديه (إلى التهلكة) بضم اللام مصدر هلك يهلك هلاكًا. ¬

_ (¬1) الحشر: 14. (¬2) في (ل): بالجار. (¬3) "سنن الترمذي" (2972). (¬4) العلق: 14. (¬5) الشورى: 30.

وتهلكة أي: أخذ في فعل يهلكه. وقد اختلف العلماء في اقتحام الرجل في الحرب وحمله على العدو وحده، على الجيش العظيم، على وجهين: أحدهما: يلزمه الفرار، ولا يجوز الدخول فيهم؛ لقوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}، ولهذا الحديث. والثاني: لا يلزم الفرار ولا بأس بالثبوت، لقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} (¬1) ولما روي: أن رجلًا قال: يا رسول الله، أرأيت لو انغمست في المشركين فقاتلتهم حتى قتلت دخلت (¬2) الجنة؟ قال: "نعم"، فانغمس في صف المشركين وقاتل حتى قتل (¬3). وحكى الرافعي عن الإمام أنه إن كان في الثبات الهلاك المحض من غير نكاية في الكفار لزم الفرار، وإن كان في الثبات نكاية فيهم ففي جواز المصابرة الوجهان (¬4). قال محمد بن الحسين: لو حمل واحد على ألف رجل من المشركين وهو وحده لم يكن بذلك بأس إذا كان يطمع في نكاية العدو، وإلا فمكروه؛ لأنه عرض نفسه للتلف من غير منفعة المسلمين، فإن كان قصده (¬5) تجرئة المسلمين عليهم حتى يفعلوا مثل فعله فلا يبعد ¬

_ (¬1) البقرة: 207. (¬2) في (ل): إلى. (¬3) أخرج نحوه البخاري (4046)، ومسلم (1899) من حديث جابر بن عبد الله. (¬4) "نهاية المطلب في دراية المذهب" 17/ 454. (¬5) في (ر): وحده.

جوازه، وإن كان في ذلك نفع للمسلمين فتلفت نفسه لإعزاز دين الله وتوهين الكفر، فهو المقام الشريف الذي مدحه الله في قوله: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ} (¬1) الآية. (فقال أبو أيوب) رواية الترمذي: فقام أبو أيوب فقال: يا أيها الناس إنكم لتأولون هذِه الآية هذا التأويل (إنما أنزلت هذِه الآية) الكريمة فينا معشر الأنصار لما نصر الله نبيه) رواية الترمذي: لما أعز الله الإسلام (وأظهر) الله (الإسلام) وكثرنا (قلنا: هلم نقيم) رواية الترمذي: فقال بعضنا لبعض سرًّا دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فلو أقمنا في أموالنا ونصلحها) أي: نصلح منها ما ضاع منها (فأنزل الله) على نبيه يرد علينا ما قلنا ({وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}) [وقرأ الخليل (¬2): التهلكة بكسر اللام، تفعلة من هلَّك بتشديد اللام، أي: أهلك. قال أبو أيوب: (فالإلقاء بأيدينا إلى التهلكة)] (¬3). وفي "مختصر المنذري" (¬4): والإلقاء بأيدينا إلى التهلكة معناه المراد به (أن نقيم) أي: نتخلف للإقامة (في أموالنا) أي: وأهلينا وأولادنا (ونصلحها) بالحفظ والتصرف فيها بالبيع والشراء وغير ذلك (وندع) أي: نترك (الجهاد) في سبيل الله، وفي رواية الترمذي: فأنزل الله على نبيه يرد علينا ما قلناه: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}، فكانت ¬

_ (¬1) التوبة: 111. (¬2) انظر: "المحرر الوجيز" لابن عطية 1/ 265. (¬3) ساقط من (ر). (¬4) "مختصر سنن أبي داود" (2402).

التهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها وترك الغزو. (قال) أسلم (أبو عمران) الراوي (: فلم يزل أبو أيوب) الأنصاري (يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية) من أرض الروم، وقبره هناك معروف. وفي الآيات أقوال كثيرة أقواها ما ذكره البخاري في كتاب الحج من "صحيحه" (¬1) عن ابن عباس قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون فيقولون: نحن المتوكلون، فإذا قدموا مكة سألوا الناس. [ ... ] (¬2) عن حذيفة {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}: نزلت في النفقة (¬3). أي: بأن يتركوا النفقة في سبيل الله ويخافوا العيلة. * * * ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (1523). (¬2) كلمة غير واضحة في الأصول. (¬3) "صحيح البخاري" (4516).

24 - باب في الرمى

24 - باب في الرَّمْى 2513 - حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبارَكِ، حَدَّثَني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جابِرٍ، حَدَّثَني أَبُو سَلاَّمٍ، عَنْ خالِدِ بْنِ زيْدٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقُولُ: "إِنَّ اللهَ عز وجل لدْخِلُ بِالسَّهْمِ الواحِدِ ثَلاثَةَ نَفَرٍ الجَنَّةَ: صانِعَة يَحْتَسِبُ في صَنْعَتِهِ الخْيرَ والرّاميَ بِهِ وَمُنْبِلَهُ وارْمُوا وارْكَبُوا وَأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إِلى مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا ليْسَ مِنَ اللَّهْوِ إِلا ثَلاثٌ: تَأْدِيبُ الرَّجُلِ فَرَسَهُ وَمُلاعَبَتُهُ أَهْلَهُ وَرَمْيُهُ بِقَوْسِهِ وَنَبْلِهِ وَمَنْ تَرَكَ الرَّمْى بَعْدَ ما عَلِمَهُ رَغْبَةً عَنْهُ فَإِنَّها نِعْمَةٌ تَرَكَها". أَوْ قالَ: "كَفَرَها" (¬1). 2514 - حَدَّثَنا سَعِيدُ بْن مَنْصُورٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْب، أَخْبَرَني عَمْرُو بْنُ الحارِثِ، عَنْ أَبي عَليٍّ: ثُمامَةَ بْنِ شُفَى الهَمْدانيِّ أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عامِرٍ الجُهَنيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وهُوَ عَلَى الِمنْبَرِ يَقُولُ: " {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} أَلا إِنَّ القُوَّةَ الرَّمْى أَلا إِنَّ القُوَّةَ الرَّمْى أَلا إِنَّ القُوَّةَ الرَّمْى" (¬2). * * * باب في الرمي (¬3) روى سعيد في "سننه" (¬4) عن خالد بن زيد قال: كنت راميًا، وكان عقبة بن خالد الجهني [يمر بي] (¬5) فيقول: اخرج بنا يا خالد نرمي، ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1637)، والنسائي 6/ 28، وابن ماجه (2811)، وأحمد 4/ 144 - 145. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (433). (¬2) رواه مسلم (1917). (¬3) بعدها في (ر): عن خالد بن زيد. ومكانها بياض في (ل). (¬4) "سنن سعيد بن منصور" (2450). (¬5) ساقطة من الأصول، والمثبت من "سنن سعيد بن منصور".

فلما كان ذات يوم (¬1) أبطأت عنه فقال: هلم أحدثك حديثًا سمعته من رسول الله. [2513] (حدثنا سعيد بن منصور) الخراساني (أنبأنا عبد الله بن المبارك) الهُنَائِيّ (¬2) (حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، حدثني أبو سلام) ممطور الحبشي (عن خالد بن زيد) الجهني، تفرد بهذا الحديث (عن عقبة بن عامر) بن عبس بإسكان الباء الموحدة الجهني، سكن مصر وكان واليًا عليها (¬3)، وتوفي في آخر خلافة معاوية. (قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن الله يدخل بالسهم الواحد) فكيف بالكثير منها، وقوله (بالسهم) أي: بسبب السهم (ثلاثة نفر الجنة) أي: مع السابقين من غير مؤاخذة، فإن من قال: لا إله إلا الله. يدخل الجنة وإن لم يرم بسهم (صانعه) الواحد إذا انفرد بعمله، فإن صنع السهم الواحد جماعة فهل يكون سببًا لدخولهم جميعهم الجنة؟ كرم الله أوسع من ذلك (يحتسب) أي: يطلب في صنعته) أي: يطلب به وجه الله تعالى وما عنده في عمله من (¬4) (الخير) والثواب، يقال: فلان يحتسب الأخبار، أي: يطلبها (والرامي به) في سبيل الله، وإطلاقه يقتضي حصول الثواب لمن أصاب في رميه أو أخطأ، ومن بلغ به العدو أو لم يبلغ بل قصر عنه، والرامي منصوب ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) هكذا في الأصول، وهو خطأ فالهُنَائِيّ علي بن المبارك. انظر: "تقريب التهذيب" (4787) وإنما هو عبد الله بن المبارك بن واضح، الإمام المعروف. (¬3) في الأصول: عنها. (¬4) في (ر): علمه، والمثبت من (ل).

بالعطف على ما قبله، لفظ ابن ماجه: "والممد به" (¬1). (ومنبله) قال المنذري (¬2): هو بضم الميم وفتح النون وتشديد الباء الموحدة وكسرها، والظاهر أن الضمير في منبله عائد إلى الرامي، يقال: نبلته وأنبلته: ناولته النبل إذا رمى به العدو. قال البغوي (¬3): هو الذي يناول الرامي النبل، وهو يكون على وجهين: أحدهما: يقوم بجنب الرامي أو خلفه فيناوله النبل واحدًا بعد واحد. والثاني: أن يرد عليه النبل المرمي به. قال المنذري (¬4): ويحتمل أن يكون المراد بقوله: منبله. أي: الذي يعطيه للمجاهد ويجهزه به من ماله إمدادًا له وتقوية، ويدل على هذا ما في رواية البيهقي (¬5): سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " إن الله تعالى يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة: صانعه الذي يحتسب في صنعته الخير، والذي يجهز به (¬6) في سبيل الله، والذي يرمي به في سبيل الله ". وفي الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كنت أنبل على عمومتي (¬7) يوم الفجار" (¬8). ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (2811). (¬2) "الترغيب والترهيب" 2/ 179. (¬3) "شرح السنة" 10/ 383. (¬4) "الترغيب والترهيب" 2/ 179. (¬5) "شعب الإيمان" (3992). (¬6) ساقطة من (ر). (¬7) في (ل): عموتي، وفي (ر): عموم، والمثبت هو الصواب. (¬8) "السيرة النبوية" لابن هشام 1/ 326.

قال أبو عبيدة: أي كنت أجمع لهم النبل (¬1). قال الأصمعي: نَبَّلْت الرجل بالتشديد، أي: ناولته النبل (¬2). قلت: وعلى هذا فيجوز أن يقرأ مُنَبِّله بتشديد الباء الموحدة بعد النون المفتوحة. والحديث يؤخذ منه أن الذي يناول النبل يكون ممن ضعف عن القتال كالصبيان (¬3) الذين لم يبلغوا الحلم والنساء وغيرهم. (وارموا) (¬4) أي: بالسهام من النشاب مسابقة أو إلى غرض -بفتح الغين المعجمة والراء- وهي العلامة التي يرمي إليها من قرطاس أو دائرة مما رفع على الأرض أو نصب في الهواء، والأمر هنا للإباحة أو الاستحباب، والمقصود به الرياضة والتمرين على الرمي قبل لقاء العدو (واركبوا) بفتح الكاف: الخيل وغيرها من الدواب التي تركب للجهاد لتأديبها وليروضها للقتال، وليعتاد ركوبها والكر بها على العدو، ويدل على ذلك ما روى الطبراني في "الكبير" بإسناد جيد -كما قال المنذري- (¬5) عن عطاء بن أبي رباح، قال: رأيت جابر بن عبد الله وجابر بن عمير (¬6) الأنصاري يرتميان (¬7)، فمل أحدهما، ¬

_ (¬1) هذا التوضيح لابن الجوزي في "غريب الحديث" 2/ 388. (¬2) انظر: "غريب الحديث" لابن الجوزي 2/ 388. (¬3) في (ر): فالصبيان، والمثبت من (ل). (¬4) في (ر): فارموا. (¬5) "الترغيب والترهيب" 2/ 180. (¬6) في النسخ: عبيد. خطأ. (¬7) في (ل)، (ر): يرميان.

فجلس، فقال له الآخر: كسلت، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "كل شيء ليس من ذكر الله فهو لهو [أو سهو] (¬1) إلا أربع خصال: مشي الرجل بين الغرضين وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله وتعليم السباحة" (¬2). (وأن ترموا) (أن) بفتح الهمزة مصدرية تقدر هي وما بعدها بالمصدر، أي: والرمي بالسهام (أحب) خبر المبتدأ المقدر بالمصدر، كقوله: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} (¬3). (إلى من أن تركبوا) أي: من ركوبكم الخيل لتأديبها كما تقدم (ليس) أي: ليس يباح لكم (من اللهو إلا ثلاثة) أشياء، وفي بعض الروايات: "ليس من اللهو ثلاثة"، ولفظ ابن ماجه (¬4): "وكل ما يلهو به المسلم إلا رميه بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبته امرأته فإنه من الحق" (تأديب الرجل فرسه) تعليمه فرسه الركض والجولان على نية الغزو بالركوب عليها والمسابقة بها وتعليمها ما تحتاج إليه من الأمور المستحبة في أمثالها، وفي معنى الفرس كل ما يقاتل عليه من الإبل والفيل والبغل، وفي معناه تعليم الكلب للصيد والحراسة، وتعلم سباحة (وملاعبته أهله) (¬5) ومزاحه معها بالنزول إلى درجات عقولهن لتطيب قلوبهن ¬

_ (¬1) زيادة من (ل). (¬2) "المعجم الكبير" 2/ 193 (1785)، "المعجم الأوسط" 8/ 118 (8147)، ورواه النسائي في "الكبرى" 5/ 302 (8938)، والبيهقي 10/ 15، قال الحافظ في "الدراية" 2/ 240: إسناده حسن. وصححه الألباني في "الصحيحة" (315). (¬3) البقرة: 184. (¬4) اسنن ابن ماجه" (2811). (¬5) ورد بعدها في الأصل: نسخة: لأهله.

وتحسن العشرة معهن، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لجابر: " هلا بكرًا تلاعبها وتلاعبك" (¬1). وقال لقمان (¬2): ينبغي للعاقل أن يكون في أهله كالصبي، فإذا كان في القوم وجد رجلًا. ويدخل في الأهل الزوجة والولد والخادم، لكن لا ينبسط في الدعابة (¬3) معهم وموافقتهم باتباع هواهم إلى حد يفسد خلقهم ويسقط بالكلية هيبته عندهم، بل يراعي الاعتدال فلا يدع الهيبة والانقباض مهما رأى منكرًا. (ورميه بقوسه) يدخل في عموم القوس العجمية، وهي الفارسية: وهي التي يرمى بها النشاب. والعربية: وهي التي يرمى بها النبل كما قاله الأزهري وغيره، كما يدخل النشاب والنبل في عموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: " أو نصل " (¬4)، لكن روى ابن ماجه (¬5) وأبو داود في "المراسيل" (¬6) واللفظ له عن عبد الرحمن بن عدي البهراني عن أخيه عبد الأعلى، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه بعث عليًّا يوم غدير خم فرأى رجلًا معه قوس فارسية، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا صاحب القوس ألقها فإنها ملعونة ملعون حاملها، وعليكم بهذِه القسي (¬7) العربية -وأشار بقوسه- ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (2967)، "صحيح مسلم" (715). (¬2) في (ر)، لعمر، والمثبت من (ل). (¬3) في (ر): الدعاء، والمثبت من (ل). (¬4) يأتي برقم (2574). (¬5) "سنن ابن ماجه" (2810). (¬6) "المراسيل" (331). (¬7) جمع قوس. انظر: "لسان العرب" 7/ 418.

وأشباهها والرماح والقنا (¬1) بهاتين يسدد الله دينكم، وبها يمكن الله لكم في البلاد". قال أبو داود (¬2): قد أسند هذا الحديث وليس بصحيح؛ لأن عبد الله بن بشر الراوي عن عبد الرحمن ليس بالقوي، كان يحيى بن سعيد يضعفه. وهل الرمي بالقسي العربية والفارسية متساويان في الاستحباب أو العربية أولى؟ وجهان في كلام الماوردي (¬3) والظاهر: أن العربية أولى لهذا الحديث المتقدم؛ وإن كان ضعيفًا (ونبله) إن قلنا: إن الضمير في (نبله) عائد على القوس فالمراد به: القوس العربي، فإن النبل مختص به، كما تقدم عن الأزهري، وعلى هذا ففيه ترجيح للعربي، وإن قلنا: الضمير في (نبله) عائد على الرجل، فيكون المراد بالقوس: الفارسي، والنبل: العربي، وعلى هذا فهما متساويان في استحباب الرمي بهما. (ومن ترك الرمي) بالسهام (بعد ما علمه) يدل على أن معرفة الرمي من العلوم الشرعية (رغبة عنه) أي: لم يرده زهدًا فيه لا لعذر من مرض ونحوه (فإنها) أي: خصلة الرمي كانت (نعمة) أنعم الله تعالى عليه بها فلا يتركها تركًا يؤدي إلى نسيانها (تركها) أي: ترك العمل بها والشكر عليها (أو قال) الراوي (كفرها) وهذا شك من بعض الرواة، ورواية الحاكم (¬4): "فهي نعمة كفرها"، وقال: صحيح الإسناد. ¬

_ (¬1) القَناة من الرماح ما كان أَجْوف كالقَصبة. انظر: "لسان العرب" 15/ 201. (¬2) "المراسيل" (331). (¬3) انظر: "الحاوي" 15/ 223. (¬4) "المستدرك" 2/ 95.

وفي هذا الحديث دلالة ظاهرة على ذم من علم الرمي ثم تركه. قال النووي (¬1): ونسيان الرمي بعد علمه مكروه كراهة شديدة. وسبب هذِه الكراهة أن هذا الذي تعلم الرمي حصلت له أهلية الدفاع عن دين الله ونكاية العدو وتأهل لوظيفة الجهاد، فإذا تركه فقد فرط في القيام بما تعين عليه، هذا (¬2) إذا قصد بتعليمه الجهاد، فإن قصد غيره قال الماوردي: فهو مباح إذا لم يقصد به محرمًا، فلو قصد تعلمه ليقطع به الطريق أو ما في معناه صار حرامًا. [2514] (أنبأنا سعيد بن منصور) الخراساني (أنبأنا عبد الله بن وهب) المصري (أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري (عن أبي علي ثُمَامة بن شُفي) بضم المعجمة، الهمْداني (¬3) بسكون الميم (أنه سمع عقبة ابن عامر الجهني يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول وهو على المنبر) المرتفع ليكون أبلغ في سماع ذلك، ولعل ذلك كان في خطبة الجمعة أو في غيرها من الخطب المشروعة، وفي هذا حث على العمل بذلك. (يقول) في قوله تعالى: ({وَأَعِدُّوا لَهُمْ}) أي: هيئوا لقتالهم قبل مجيئهم ({مَا اسْتَطَعْتُمْ}) أي: ما أمكنكم أن تهيئوه وقدرتم عليه ({مِنْ قُوَّةٍ}) قال الزمخشري (¬4): من كل ما يتقوى به في الحرب من عددها من القسي والسهام والرماح والسيوف والدروع والمجان وسائر ¬

_ (¬1) "شرح النووي على مسلم" 13/ 65. (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) ساقطة من (ر). (¬4) "الكشاف" 2/ 220.

آلات الحرب والخيل، وما في معنى ذلك ومما يعد من القوة: اجتماع القلوب واتفاق الكلمة، فإن التنازع واختلاف الكلمة تذهب القوة كما قال تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا} (¬1) أي: ليصبر بعضكم على ما يقع من بعضكم (¬2) (ألا إن القوة) المذكورة في الآية هي (الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي) بالسهام، وهذا من تفسير الكتاب بالسنة الصحيحة والمطلق بالمقيد. قال القرطبي (¬3): لفظ الآية عام لسائر آلات الحرب إلا أنه لما كان الرمي أنكاها للعدو وأنفعها فسرها الشارع وخصها بالذكر وأكدها بقوله ثلاث مرات. قلت: ومن التأكيد ذكره لذلك على المنبر -كما تقدم- وإن كان في خطبة الجمعة فهو آكد. قال: ولم يُرد الشارع أنها جميع العدة، بل أنفعها، ولما علم عقبة بن عامر راوي الحديث أن الرمي بالقسي أنفعها أعد للجهاد سبعين قوسًا في سبيل الله. قال النووي: في الحديث فضيلة الرمي والمناضلة والاعتناء بذلك بنية الجهاد، وكذلك المثاقفة (¬4) وسائر أنواع استعمال السلاح، وكذا ¬

_ (¬1) الأنفال: 46. (¬2) في (ر): بعض. (¬3) "المفهم" 3/ 760. (¬4) قال الجوهري: الثقاف: ما تسوى به الرماح. وقال الزمخشري: فلان من أهل المثاقفة، وهو مثاقف: حسن الثقافة بالسيف. انظر: "الصحاح" 4/ 1334، "أساس البلاغة" 1/ 110.

المسابقة بالخيل، والمراد بهذا كله التمرن على القتال والتدريب والتحذق فيه ورياضة الأعضاء بذلك (¬1). انتهى. ومن القوة التي يحتاج إليها للجهاد توفير الأظفار، كما حكى الإمام أحمد عن عمر -رضي الله عنه -، قال: وفروا الأظفار في أرض العدو فإنه سلاح يحتاج إليها. ألا ترى أنه إذا (¬2) أراد أن يحل الحبل أو الشيء فإذا لم يكن له أظفار لم يستطع. وقال أحمد عن الحكم بن عمرو: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا نحفي الأظفار في الجهاد، وأن القوة الأظفار (¬3). قلت: ومما يعد من القوة الإفطار في الأيام التي يسن صيامها وأكل المأكولات الدسمة كاللحم والسمن وما في معنى ذلك، كما في الحديث: "ذهب المفطرون اليوم بالأجر" (¬4). وهذا لمن لا يعتاد الصوم، أما من اعتاده ولا يضعف بالصوم فلا. * * * ¬

_ (¬1) "شرح النووي على مسلم" 13/ 64. (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) ذكره ابن قدامة في "المغني" 13/ 17. والأثر أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (19797)، ومسدد في "مسنده" كما قال ابن حجر في "إتحاف الخيرة المهرة" (4415) كلاهما -ابن أبي شيبة، ومسدد- عن عيسى بن يونس، عن أبي بكر بن عبد الله، عن أشياخه، عن عمر. قال ابن حجر: هذا إسناد ضعيف، وفيه انقطاع. (¬4) أخرجه البخاري (2890)، ومسلم (1119).

25 - باب في من يغزو ويلتمس الدنيا

25 - باب في مَنْ يَغْزُو ويَلْتَمِسُ الدُّنْيا 2515 - حَدَّثَنا حيْوَة بْن شريْح الحَضْرَميُّ، حَدَّثَنا بَقِيَّةُ، حَدَّثَني بَحِيرٌ، عَنْ خالِدِ ابْنِ مَعْدانَ، عَنْ أَبي بَحْرِيَّةَ، عَنْ مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قالَ: "الغَزْوُ غَزْوان فَأَمّا مَنِ ابْتَغَى وَجْهَ اللهِ وَأَطاعَ الإِمامَ وَأَنْفَقَ الكَرِيمَةَ وياسَرَ الشَّرِيكَ واجْتَنَبَ الفَسادَ فَإِنَّ نَوْمَهُ وَنَبْهَهُ أَجْرٌ كُلُّهُ وَأَمّا مَنْ غَزا فَخْرًا وَرِياءً وَسُمْعَةً وَعَصَى الإِمامَ وَأَفْسَدَ في الأَرْضِ فَإِنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ بِالكَفافِ" (¬1). 2516 - حَدَّثَنا أَبُو تَوْبَةَ: الرَّبِيغِ بْنُ نافِعٍ، عَنِ ابن المُبارَكِ، عَنِ ابن أَبي ذِئْبٍ، عَنِ القاسِمِ، عَنْ بُكيْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنِ ابن مِكْرَزٍ -رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشّامِ-، عَنْ أَبي هُريْرَةَ: أَنَّ رَجُلاً قالَ: يا رَسُولَ اللهِ رَجُلٌ يُرِيدُ الجِهادَ في سَبِيلِ اللهِ وَهُوَ يَبْتَغي عَرَضًا مِنْ عَرَضِ الدُّنْيا فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا أَجْرَ لَهُ". فَأَعْظمَ ذَلِكَ النّاسُ وَقالُوا لِلرَّجُلِ: عُدْ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَعَلَّكَ لَمْ تُفَهِّمْهُ. فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ رَجُلٌ يُرِيدُ الجِهادَ في سَبِيلِ اللهِ وَهُوَ يَبْتَغي عَرَضًا مِنْ عَرَضِ الدُّنْيا، فَقالَ: "لا أَجْرَ لَهُ". فَقالُوا لِلرَّجُلِ: عُدْ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَقالَ لَهُ الثّالِثَةَ فَقالَ لَهُ: "لا أَجْرَ لَهُ" (¬2). * * * باب فيمن يغزو يلتمس الدنيا يعني بغزوه. [2515] (حدثنا حيوة بن شريح) بن يزيد (الحضرمي، ثنا بقية) بن الوليد الشامي (حدثني بَحِير) بفتح الموحدة وكسر المهملة (عن خالد بن ¬

_ (¬1) رواه النسائي 6/ 49، 7/ 155، وأحمد 5/ 234. وحسنه الألباني في "الصحيحة" (1990). (¬2) رواه أحمد 2/ 290، 366، وابن حبان (4637)، والحاكم 2/ 85، والبيهقي 9/ 169. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (2272).

معدان) الكلاعي (عن أبي بَحْريَّة) بفتح الموحدة وسكون المهملة، اسمه عبد الله بن قيس. (عن معاذ بن جبل، عن رسول الله قال: الغزو) في الظاهر (غزوان) فيه دليل على جواز التقسيم قبل التفسير، كقوله تعالى: {آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ} (¬1)، وقد يأتي التفسير بلا تقسيم، كقوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} الآية (¬2)، ولم يقل: لثمانية، ثم فسرها (فأما من) غزا و (ابتغى) أي: طلب بغزوه (وجه الله) خالصًا فهذا هو أعلى الغزو النافع (و) مع إخلاص النية (أطاع الإمام) فيما يراه مما أدى إليه اجتهاده، فإن طاعة الإمام لازمة للرعية (وأنفق) في غزوه (الكريمة) من أمواله -يعني: النفيسة- التي هي خيار ماله وأحبها إليه، كقوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} (¬3) كما فعل زيد بن حارثة -رضي الله عنه - أنه كان له فرس يقال له: سَبَل، وكان أحب أمواله إليه وأنفس خيله، فجاء به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: هذا في سبيل الله، فقال لأسامة بن زيد: "اقبضه" فكأن زيدًا وجد من ذلك في نفسه لكونه وصل إلى ابنه وخاف من نقصان أجره، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله قبلها منك" ذكره أسد بن موسى (¬4) (¬5). ونظير هذا قوله تعالى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} فإن المشهور أن المراد بالطيب: الجيد النفيس الذي يستطاب أكله دون الخسيس. ¬

_ (¬1) آل عمران: 13. (¬2) التوبة: 60. (¬3) آل عمران: 92. (¬4) قال الخطيب في الجامع 5/ 177: صنف أسد بن موسى المصري مسندًا، وكان أسد أكبر من نعيم بن حماد سنًّا وأقدم سماعًا. (¬5) أخرجه ابن المنذر في "تفسيره" (691) بإسناد صحيح.

(وياسَرَ الشريك) أي: عامل من بينه وبينه شركة في المركوب والزاد وغير ذلك باليسر والسماحة والإيثار، ومنه الحديث "ياسروا في الصداق" (¬1). أي: ارضوا منه بما استيسر ولا تغالوا فيه. وفيه دليل على أن يشترك الرجلان في فرس يشتريانه (¬2) يغزوان عليه، يركب هذا عقبة، وهذا عقبة، وعلى الاشتراك في الزاد، بل موافقة جماعة في الطعام يتعاونون عليه أولى من انفراده؛ لأنه لا يمكنه الانفراد بالطعام وحده، وفي الانفراد بالطبخ مشقة، ولا بأس بالتناهد فقد تناهد الصالحون وكان الحسن إذا سافر مع رفقته أنهد. والنهد (¬3): بكسر النون، وهو: أن يخرج كل واحد من الرفقة شيئًا من النفقة يدفعونه إلى رجل منهم ينفق عليهم ويأكلون جميعًا، وكان الحسن البصري يدفع إلى وكيلهم مثل واحد منهم ثم يعود فيأتي سرًّا ويدفع إليه مثل ذلك، وعلى صحة شركة الأبدان وإن لم يحصل من فعل أحدهما شيء؛ لما سيأتي عن عبد الله: اشتركت أنا وعمار وسعد فيما نصيب يوم بدر، فجاء سعد بأسيرين ولم أجئ أنا وعمار بشيء (¬4). وبصحتها قال مالك (¬5) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .. ¬

_ (¬1) أخرجه عبد الرزاق 6/ 174 (10398) مرسلًا عن ابن أبي الحسين. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (4857). (¬2) في (ر): يشتركانه، والمثبت من (ل). (¬3) مكررة في الأصول. (¬4) سيأتي برقم (3388)، ورواه النسائي 7/ 57، 319، وابن ماجه (2288)، وضعفه الألباني في "الإرواء" (1474). (¬5) انظر: "المدونة" 3/ 2595، "النوادر والزيادات" 7/ 332، "الكافي" 2/ 784، "البيان والتحصيل" 12/ 14.

وأحمد (¬1) وجوزها أبو حنيفة؛ (¬2) وإن اختلفت صنعتاهما وافترق موضعاهما، ومذهب الشافعي أنها باطلة (¬3). (واجتنب الفساد) وهو ضد الصلاح وحقيقته العدول عن الاستقامة والمعنى: ترك المعاصي وأهلها (فإن نومه ونَبهه) بفتح النون ضبطه المنذري (¬4) بفتح النون (¬5) وإسكان الباء الموحدة، أي: انتباهه من نومه واستيقاظه يعني: وأكله وشربه ومشيه وسائر أفعاله وأقواله المباحة في غير الغزو يكتب له (أجر كله) في صحائف حسناته ويجده يوم القيامة موفورًا نوى (¬6) به العبادة أو لم ينو، وما ذاك إلا للأصل المتقدم وهو كونه ابتغى به وجه الله تعالى، ويدل على ذلك ما ثبت في الصحيحين، ولو أنها -يعني: الخيل- مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقيها كان ذلك حسنات له. (وأما من غزا فخرًا) أي: يفتخر به على غيره (ورياء) بالهمز والمد أي طلبًا للمنزلة في قلوب الناس بإظهار العبادة لهم، وهما منصوبان على المفعول له (وسمعة) أي: وليستمع الناس بغزوه فتعظم منزلته في قلوبهم (وعصى الإمام) أو أمير السرية فيما يراه (وأفسد) أي: أظهر ¬

_ (¬1) انظر: "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 9/ 444 - 445، "المغني" لابن قدامة 5/ 111، "الإنصاف" للمرداوي 5/ 341. (¬2) انظر: "تحفة الفقهاء" للسمرقندي 3/ 11، "شرح فتح القدير" للسيواسي 6/ 186. (¬3) انظر: "الحاوى الكبير" 6/ 1058، و"البيان" للعمراني 6/ 372، و"المجموع" 14/ 72. (¬4) "مختصر سنن أبي داود" (2405). (¬5) في (ل): الباء الموحدة. (¬6) في (ر): الذي، والمثبت من (ل).

الفساد في الأرض) بالمعاصي، وهذان الوصفان وإن كانا في غير الغزو مذمومان فهما إلى الغزو أشد ذمًّا وأعظم (¬1) قبحًا (فإنه لن (¬2) يرجع) من غزوه (بالكفاف) رواه النسائي (¬3). أي: بغير إثم يزداده. والكفاف من الرزق القوت الذي ليس فيه زيادة عليه، والمراد أن أفعال الغزو باطلة، وعليه إثم الفساد ومعصية الإمام زيادة، وقيل: معناه لن يرجع مكفوفًا عنه لثمرها، بل يصل إليه، وقيل: معناه (لا أنال من الغزو ما لا ينالني منها، بل يلق عني ألمها وألق عن ثوابها) (¬4). [2516] (حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع) نزيل طرسوس (عن ابن المبارك، عن) محمد بن عبد الرحمن (ابن أبي ذئب، عن القاسم) بن عباس (عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن) مجهول (¬5) (بن مكرز) (¬6) ¬

_ (¬1) في (ر): وأعظمها، والمثبت من (ل). (¬2) ورد بعدها في الأصل: نسخة: لم. (¬3) "سنن النسائي" 6/ 49، وفي "الكبرى" 4/ 309. (¬4) كذا بالأصول، والمعنى مضطرب. وقال العيني في تفسيرها: وقيل: معناه لا ينال مني ولا أنال منه. "عمدة القاري" 16/ 212. (¬5) كذا جاءت قبل (ابن مكرز) والأولى أن تأتي بعده فهي رتبته. (¬6) قال المزي في "تهذيب الكمال" 3/ 482: قال أبو الحسن بن البراء، عن علي ابن المديني في هذا الحديث: لم يروه عنه غير ابن أَبي ذئب، والقاسم مجهول، وابن مكرز مجهول. هكذا قال علي ابن المديني، وقد روى عن القاسم ابن عباس غير واحد، كما هو مذكور في ترجمته، ووثقه يحيى بن مَعِين وغيره، فارتفعت جهالته وثبتت عدالته. وأما ابن مكرز فهو مجهول كما قال: وقد روى أحمد بن حنبل هذا الحديث - "المسند" 2/ 366 عن حسين بن محمد، عن ابن أَبي ذئب لإسناده وسماه (يزيد بن مكرز)، فتبين بذلك أن ابن مكرز الذي روى له أبو داود رجل مجهول، كما قال علي ابن المديني، وأنه ليس بأيوب بن عَبد الله بن مكرز هذا، والله أعلم.

بكسر الميم وسكون الكاف وفتح الزاي، قيل: هو أيوب بن عبد الله، انفرد بهذا الحديث (-رجل من أهل الشام- عن أبي هريرة، أن رجلاً) من الصحابة. (قال: يا رسول الله، رجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو) مع نية الجهاد (يبتغي عَرَضًا) بفتح العين المهملة والراء جميعًا وهو يعم جميع أصناف المال (من عرض الدنيا) وسمي عرضا لأنه عارض، أي: زائل لا يبقى. (فقال رسول الله: لا أجر له) في غزوه؛ لأن إرادة الجهاد خالطها طلب غنيمة من الدنيا، وهذا يدل على أن شوب طلب الغنيمة مبطل للثواب، وكذا شوب الرياء وشوب التجارة وسائر حظوظ الدنيا. قال الغزالي (¬1): يبعد أن يكون من أراد الجهاد وامتزج بإرادته شائبة من عرض الغنيمة أن يحبط عمله بالكلية وثواب جهاده، بل العدل أن يقال: إذا كان الغالب الأصلي والمرجح القوي هو إعلاء كلمة الله تعالى وإنما الرغبة في الغنيمة على سبيل التبعية فلا يحبط به الثواب؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} (¬2)، نعم لا يساوي ثوابه ثواب من لا يلتفت إلى الغنيمة أصلًا، وأما هذا الحديث وأمثاله فيحمل على مَن الأغلب على همه طلب الغنيمة فإن ذلك عصيان؛ لأن طلب الدنيا بأعمال الدين حرام لما فيه من الرياء وتغيير العبادة عن وضعها، وإن كان طلب التقرب أغلب فله ثواب بقدره، وإن كان (¬3) الباعث الديني والنفسي متساويان تساقطا فلا له ولا عليه، ويجوز أن يقال: منصب الشهادة لا ينال إلا بالإخلاص في الغزو، ولا ينفك ¬

_ (¬1) "إحياء علوم الدين" 4/ 385 - 386 بتصرف. (¬2) الزلزلة: 7. (¬3) ساقطة من (ر).

الإنسان غالبًا عن هذِه الشوائب التابعة إلا على الندور، فينبغي أن يكون كل ذي بصيرة مشفقًا من عمله، وكذلك (¬1) قال سفيان: لا أعتد بما ظهر من عملي. ومع هذا فلا ينبغي أن يترك العمل عند خوف الفتنة، فإن ذلك منتهى بغية الشيطان، فواظب على العمل واحترص في الإخلاص. (فأعظم ذلك) يعني: بطلان أجر من غزا لأجل طلب بعض عرض من الدنيا (الناس) بالرفع فاعل وشق عليهم لخوفهم من إبطال العمل (وقالوا للرجل) السائل: (عد) بضم العين الرسول الله - صلى الله عليه وسلم -) بالسؤال ثانيًا (فلعلك لم تُفْهِمه) بضم التاء وكسر الهاء. أي: لم تبين له السؤال. (فقال: يا رسول الله، رجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغي) مع ذلك (عرضًا من عرض الدنيا) أيحصل له شيء من الثواب؟ (قال: لا أجر له) في الغزو (فقالوا للرجل: عد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فلعلك لم تفهمه السؤال، أو لعله أن يذكر لك رخصة (فقال له) في المرة (الثالثة) كما قال أولًا (فقال) في المرة الثالثة: (لا أجر له). وفي هذا الحديث جواز تكرار سؤال العالم والمفتي إذا لم يتضح له أو كان حكم الجواب يشق على السائل، ورجاء أن يجيبه بما فيه رخصة أو غيرها من المقاصد. وفيه بيان كمال خلقه - صلى الله عليه وسلم -، وكثرة حلمه، وحسن عشرته في كونه أعاد عليه السؤال ثلاثًا وفي كلها يجيبه من غير تغير ولا غضب ولا إغلاظ في الجواب. * * * ¬

_ (¬1) زيادة من (ل).

26 - باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا

26 - باب مَنْ قاتَل لِتَكونَ كَلِمَةُ اللهِ هيَ العُلْيا 2517 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبي وائِلٍ، عَنْ أَي مُوسَى: أَنَّ أَعْرابِيّا جاءَ إِلى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ: إِنَّ الرَّجُلَ يُقاتِلُ لِلذِّكْرِ ويُقاتِلُ ليُحْمَدَ ويُقاتِلُ لِيَغْنَمَ ويُقاتِلُ لِيُرى مَكانُهُ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " مَنْ قاتَلَ حَتَّى تكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هيَ أَعْلَى فَهُوَ في سَبِيلِ اللهِ عز وجل " (¬1). 2518 - حَدَّثَنا عَليّ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنا أَبُو داوُدَ، عَنْ شعْبَةَ، عَنْ عَمْرٍو قالَ: سَمِعْتُ مِنْ أَبي وائِلٍ حَدِيثا أَعْجَبَني. فَذَكَرَ مَعْناهُ. 2519 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْن حاتِمٍ الأَنْصاريُّ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْديٍّ، حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ أَبي الوَضّاحِ، عَنِ العَلاءِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ رافِعٍ، عَنْ حَنانِ بْنِ خارِجَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قالَ: قالَ عَبْدُ اللهِ بْن عَمْرٍو: يا رَسُولَ اللهِ أَخْبِرْني عَنِ الِجهادِ والغَزْوِ. فَقالَ: "يا عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو إِنْ قاتَلْتَ صابِرًا مُحْتَسِبًا بَعَثَكَ اللهُ صابِرًا مُحْتَسِبًا وَإِنْ قاتَلْتَ مُرائِيًا مُكاثِرًا بَعَثَكَ اللهُ مُرائِيًا مُكاثِرًا يا عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو عَلَى أيِّ حالٍ قاتَلْتَ أَوْ قُتِلْتَ بَعَثَكَ اللهُ عَلَى تِيكَ الحالِ" (¬2). * * * [باب مَنْ قاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هيَ العُلْيا] [2517] (حدثنا حفص بن عمر) الحوضي (حدثنا شعبة) بن [الحجاج] (¬3) العتكي (عن عمرو بن مرة) العتكي (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (123)، (2810)، ومسلم (1904). (¬2) رواه الحاكم 2/ 85 - 86، والبيهقي 9/ 168. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (434). (¬3) في الأصل: (الجراح)، والصواب ما أثبتناه. (¬4) لم أجدها في ترجمته؛ وإنما هو المرادي، الجملي، الكوفي. انظر: "تهذيب الكمال" 22/ 232، و"لسان الميزان" (4286).

(عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن أبي موسى) الأشعري (أن أعرابيًّا جاء إلى رسول الله فقال: ) يا رسول الله (إن الرجل يقاتل للذكر) بكسر اللام. أي: ليذكره الناس بالشجاعة (و) الرجل (يقاتل ليحمد) بضم الياء. أي: ليحمده الناس ويشكروه على شجاعته (ويقاتل ليغنم) من أموال العدو (ويقاتل ليرى) بضم الياء المثناة تحت وفتح الراء (مكانه) بالرفع إذا دخل في العدو (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من قاتل حتى تكون) حتى للتعليل بمعنى اللام كما في رواية الصحيحين (¬1): "من قاتل لتكون"، ومن ورودها للتعليل قوله تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ} (¬2). (كلمة الله هي أعلى فهو في سبيل الله) من كل دين، والمراد بكلمة الله دين الإسلام، وأصله أن الإسلام ظهر بكلام الله الذي أظهره الله على لسان رسوله. ويفهم من هذا الحديث اشتراط الإخلاص في الجهاد، وكذلك هو شرط في جميع العبادات. وفيه أن الفضل الوارد في المجاهدين إذا كان في أصل النية إعلاء كلمة الله فلا يضره حب المغنم وحده. [2519] (حدثنا مسلم بن حاتم الأنصاري قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا محمد بن أبي الوضاح، عن العلاء بن عبد الله بن رافع، عن حنان) بفتح الحاء والنون المخففة (بن خارجة) السلمي (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص (قال: قال عبد الله بن عمرو: يا رسول الله، أخبرني عن الجهاد) وهو: أن يجهد بنفسه في قتال العدو وغيره (والغزو) وهو: قصد العدو في دارهم. عن ابن القطاع. (فقال: يا عبد الله بن عمرو، إن قاتلت) العدو (صابرًا) على قتالهم ¬

_ (¬1) البخاري (123)، ومسلم (1904). (¬2) البقرة: 217.

(محتسبًا) أي طالبًا الثواب الذي أعده الله للمجاهدين (بعثك الله) يوم القيامة (صابرًا محتسبًا) يبعث كل أحد على ما مات عليه ليظهر صبره واحتسابه للخلائق يوم القيامة (وإن قاتلت مرائيا مكاثرًا) أي: طالبًا لكثرة المال من الغنيمة، ويحتمل أن يراد بالمكاثرة المفاخرة بكثرة العدد والعدد والآلات. [(بعثك الله مرائيًا مكاثرًا] (¬1) يا عبد الله بن عمرو على أي حال) أي: على أي قصد وهيئة (قاتلت) أي حال قاتلت العدو (أو) على أي هيئة (قتلت) عليها (بعثك الله) من قبرك (على تيك) وفي أكثر النسخ: "على تلك الحال"، بكسر المثناة فوق (¬2) اسم إشارة لمؤنث (الحال) التي كنت عليها حتى تقف بين يدي الله تعالى، فإن كنت مرائيًا بعثت مرائيًا، ظاهرًا للناس رياؤك، وكل من مر بك من الخلائق مقتك، وينادى عليك يوم القيامة: يا مرائي، يا كافر، يا منافق. وإن كنت في القتال صابرًا محتسبًا أحبك من رآك من الخلائق (¬3). وفي الصحيح أن المقتول " يأتي يوم القيامة وجرحه يشخب دمًا اللون لون الدم والريح ردح المسك " (¬4). * * * ¬

_ (¬1) ليست في (ر)، وغير واضحة في (ل)، ومستدركة من المطبوع. (¬2) في الأصول: تحت. وهو خطأ. (¬3) أظن أن هذا تفسيرًا للحديث ليس بأثر، وعليه فكيف ينادى المرائي يوم القيامة يا منافق يا كافر، والكافر والمنافق مخلد في النار، والمرائي لا يخلد في النار، إلا إذا قصد النفاق الأصغر والكفر الأصغر. فتنبه فإن المسلم لا يخلد في النار مهما عظم ذنبه ما لم يكن شركًا. (¬4) أخرجه البخاري (2803).

27 - باب في فضل الشهادة

27 - باب في فَضْلِ الشَّهادَةِ 2520 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شيْبَةَ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ إِسْماعِيلَ بْنِ أُميَّةَ، عَنْ أَبي الزُّبيْرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " لَمّا أُصِيبَ إِخْوانُكُمْ بِأُحُدٍ جَعَلَ اللهُ أَرْواحَهُمْ في جَوْفِ طيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهارَ الجَنَّةِ تَأْكُلُ مِنْ ثِمارِها وَتَأْوي إِلى قَنادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٍ في ظِلِّ العَرْشِ فَلَمّا وَجَدُوا طِيبَ مَأْكَلِهِمْ وَمَشْرَبِهِمْ وَمَقِيلِهِمْ قالُوا: مَنْ يُبَلِّغُ إِخْوانَنا عَنّا أَنّا أَحْياءٌ في الجَنَّةِ نُرْزَقُ، لِئَلاَّ يَزْهَدُوا في الجِهادِ وَلا يَنْكُلُوا عِنْدَ الحَرْبِ فَقالَ اللهُ سبْحانَهُ: أَنا أُبَلِّغُهُمْ عَنْكُمْ. قالَ: فَأَنْزَلَ اللهُ {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} ". إِلى آخِرِ الآيَةِ (¬1). 2521 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ زُريْعٍ، حَدَّثَنا عَوْفٌ، حَدَّثَتْنا حَسْناءُ بِنْت مُعاوِيةَ الصَّرِيمِيَّة قالَتْ، حَدَّثَنا عَمّي قالَ: قُلْتُ لِلنَّبي - صلى الله عليه وسلم -: مَنْ في الجَنَّةِ؟ قالَ: " النَّبي في الجَنَّةِ، والشَّهِيدُ في الجَنَّةِ، والمَوْلُودُ في الجَنَّةِ، والوَئِيدُ في الجَنَّةِ" (¬2). * * * باب في فضل الشهادة [2520] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا عبد الله بن إدريس) ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 265، وأبو يعلى (2331)، والحاكم 2/ 88، والبيهقي 9/ 163. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (2275). (¬2) رواه أحمد 5/ 58، 409، والبيهقي 9/ 163. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2276).

الأزدي (¬1) (عن محمد بن إسحاق) [صاحب المغازي] (¬2) (عن إسماعيل ابن أمية، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لما أصيب إخوانكم) الذين قتلوا (بأحد) أي: في غزاة أحد (جعل الله أرواحهم في جوف) أي: في أجواف، كما في رواية الترمذي (¬3) (طير خضر) أي: طيور خضر. قال النووي (¬4): فيه أن الأرواح باقية لا تفنى كما هو مذهب أهل السنة خلافا للمبتدعة. وفي حديث: في حواصل طير (¬5). وفي آخر عن قتادة: في صورة طير بيض (¬6). وهو الأشبه لقوله: تأوي إلى قناديل تحت العرش. قال القرطبي (¬7): لا محالة أنهم ماتوا، وأن أجسادهم في التراب وأرواحهم في الجنة. قال: ومنهم من يقول: ترد إليهم أرواحهم في قبورهم فينعمون كما تعذب أرواح الكفار في قبورهم. وقال مجاهد (¬8): يرزقون من ثمر الجنة، أي: يجدون ريحها وليسوا فيها. ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل). (¬2) ساقطة من (ل). (¬3) لم أجدها عند الترمذي، وهي عند أحمد 1/ 265. (¬4) "شرح النووي على مسلم" 13/ 31، نقله عن القاضي عياض من "إكمال المعلم" 6/ 306. (¬5) "مسند الطيالسي" (289)، "سنن الدارمي" (2410) عن ابن مسعود موقوفًا. (¬6) "مصنف عبد الرزاق" (9558). (¬7) "الجامع لأحكام القرآن" 4/ 269. (¬8) "تفسير الطبري" (2317).

قال: والصحيح أنها في جوف طير في الجنة. (ترد) الأرواح التي على صورة الطيور (أنهار الجنة) فتشرب منها وتسقط على أشجارها (تأكل من ثمارها) وفي رواية مسلم (¬1) (¬2): تسرح في (¬3) الجنة حيث شاءت ثم تأوي. (وتأوي إلى قناديل من ذهب) قال القاضي (¬4): قيل: إن هذا المنعم من الأرواح جزء من الجسد يبقى فيه الروح، وهو الذي يقول {رَبِّ ارْجِعُونِ} (¬5) وهو الذي يسرح في الجنة يأكل من ثمار أشجارها ويشرب من مياهها، وغير مستحيل أن يصور هذا الجزء أو يكون في الجنة طائرًا، أو يجعل في جوف طير ويأوي إلى قناديل (معلقة في ظل العرش) يحتمل أن يراد بالظل هنا الكنف والحماية، كما يقال: فلان في ظل فلان، أي: في كنفه وحمايته، ويحتمل أن تكون القناديل معلقة في الفردوس الذي فوقه عرش الرحمن، ويدل عليه ما رواه البخاري (¬6) عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة". ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) "صحيح مسلم" (1887) موقوفًا على ابن مسعود. (¬3) في "صحيح مسلم": من. (¬4) "إكمال المعلم" 6/ 307. (¬5) المؤمنون: 99. (¬6) "صحيح البخاري" (2790).

وعلى هذا فالمراد بالظل نعيم جنة الفردوس، كما قال تعالى: {وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا} (¬1) (فلما وجدوا طيب مأكلهم) بإسكان الهمزة، مفرد في معنى الجمع (و) كذا (مشربهم) ولو قرئت مآكلهم بمد الهمزة على أنه جمع لجاز إلا أن الإفراد هو المناسب لمشربهم (ومَقِيلهم) بكسر القاف بعده تحتانية أي في موضع راحتهم شبه بالراحة التي يستريحها الإنسان في الدنيا وقت القائلة (قالوا: من يبلغ إخواننا) يعني: الذين في الدنيا (عنا) أي: عن حالنا الذي نحن فيه، وما أعطانا الله على الجهاد في سبيله، وهو (ألا أحياءٌ) فيه دليل على أن الشهداء حياتهم حياة حقيقية، بدليل قوله بعد ذلك في الجنة نُرزَق (¬2) ولا يرزق إلا حي، وهو نظير قوله تعالى: {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (¬3)، وقيل: لأن أرواحهم تركع وتسجد تحت العرش إلى يوم القيامة كأرواح الأحياء الذين باتوا على وضوء، ولكون الشهيد حيًّا حكمًا لا يصلى عليه كالحي حسًّا. وسبب تمني الشهداء أن يعلم إخوانهم حياتهم ورزقهم وما أعطاهم الله؛ (لئلا يزهدوا في الجهاد) قال الجوهري (¬4): الزهد خلاف الرغبة يقول: زهدت في الشيء وعن الشيء إذا لم ترغب فيه (ولا ينكلوا) قال الجوهري (¬5): ينكُلوا، بضم الكاف، يقال: نكل عن العدو وعن ¬

_ (¬1) النساء: 57. (¬2) في (ل)، (ر): يرزقون. والمثبت من "سنن أبي داود". (¬3) آل عمران: 169. (¬4) "الصحاح" 2/ 43. (¬5) "الصحاح" 5/ 113.

اليمين نكولًا، أي: جبن، والناكل: الجبان الضعيف. وقال أبو عبيدة: نكِل بالكسر لغة أنكرها الأصمعي. وقال المنذري (¬1): ينكلوا مثلث الكاف، أي: يجبنوا ويتأخروا عن الجهاد. (عن الحرب) وفي رواية: عند الحرب، وهذا الحديث نظير ما حكاه الله عن حبيب النجار الذي جاء من أقصى المدينة يسعى {قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} (¬2). فقام إليه قومه فرجموه حتى مات، وقيل: حرقوه مع الرسل، فقال لما دخل الجنة: {يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} (¬3) ليؤمنوا -أهل أنطاكية- بعيسى عليه السلام، وفي الحديث: "نصح قومه حيًّا وميتًا" (¬4). كما نصح قتلى أحد إخوانهم بعد الموت فلا يُلغى المؤمن إلا ناصحًا. (فقال الله: أنا أبلغهم) (¬5) أي: أبلغ إخوانكم (عنكم) لما أدخلهم الله الجنة ووعد داخلها ما تشتهيه نفسه وتمنوا تبليغ إخوانهم ولم يكن عندهم في الجنة من يخرج إلى الدنيا ليبلغ إخوانهم بلغ الله عنهم على لسان رسوله، وفي ذلك فضيلة عظيمة للشهداء (فأنزل الله) في كتابه: ({وَلَا ¬

_ (¬1) "الترغيب والترهيب" 2/ 213. (¬2) سورة يس: 20. (¬3) يس: 26 - 27. (¬4) ذكره الزيلعي في "تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في "تفسير الكشاف" 3/ 163 وعزاه لابن مردويه في تفسيره، وذكر إسناده، وفيه عمر بن إسماعيل بن مجالد، وهو متروك. انظر: "تهذيب الكمال" 21/ 274. (¬5) ورد بعدها في الأصل: نسخة: أنا مبلغهم.

تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا}) ذهب عنهم نعيم الدنيا ولذتها ({بَلْ}) هم ({أَحْيَاءٌ}) في دار الكرامة (إلى آخر الآيات) (¬1). [2521] ([حدثنا مسدد، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا عوف حدثتنا] (¬2) حسناء) بفتح الحاء المهملة وإسكان المهملة والمد (بنت معاوية الصَّريمية) بفتح الصاد المهملة وكسر الراء، ويقال: خنساء مقبولة، بالمعجمة بتقديم النون. انفرد أبو داود بهذا الحديث. (قالت: حدثنا عمي) قال المنذري (¬3): عم حسناء هو أسلم بن سليم، وهم ثلاثة إخوة: الحارث بن سليم، ومعاوية بن سليم، وأسلم ابن سليم -رضي الله عنهم - (من) يكون في الجنة) لعله سأل عن الوضوء الذي يستحق به الجنة، وفيه دليل على احتراصهم على أفعال الخير، وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: "من لقيت خلف هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبه فبشره بالجنة" (¬4). قال النووي (¬5): معناه: أخبروهم أن من كانت هذِه صفته فهو من أهل الجنة. ولما كانوا في دخولهم الجنة على مراتب ذكر له النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك حيث (قال (له (النبي: كل نبي في الجنة) أي: في أعلى الجنة (والشهيد) دون ذلك، فإنه في الجنة) في ظل عرش الرحمن، كما تقدم (والمولود) أي: الصغير في الجنة) يتبع أباه في الإيمان فيلحق بدرجته في الجنة وإن لم ¬

_ (¬1) ورد بعدها في الأصل: نسخة: الآية. (¬2) سقط من الأصول، ومستدرك من المطبوع. (¬3) "مختصر سنن أبي داود" (2410). (¬4) "صحيح مسلم" (31). (¬5) "شرح النووي على مسلم" 1/ 237.

يعمل بعمله تكرمة لأبيه؛ لتقر بذلك عينه، وأما ولد الكافر فحكمه في الدنيا حكم أبيه، وأما في الآخرة فهم إذا ماتوا قبل البلوغ فيهم ثلاثة مذاهب؛ قال النووي (¬1): الصحيح أنهم في الجنة. قلت: وإطلاق الحديث يقتضي ذلك (¬2) (والوَئِيد) بفتح الواو وكسر الهمزة، وهو المدفون حيًّا في الأرض، فهو فعيل بمعنى مفعول، قال الله تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} (¬3) سميت موؤودة لما يطرح عليها من التراب فيوئدها، أي: يثقلها حتى تموت في الجنة) وقد عاب الله وأوعد على قتل الموءودة فهي وئيدة، وهي في الجنة أيضًا، فإن كان أبواها أو أحدهما مسلمًا فهي ملحقة بهما في الإيمان وفي دخول الجنة، وإلا ففيها الخلاف، وقد روى الواحدي (¬4) بسنده عن سلمة بن يزيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " الوائدة والموءودة في النار إلا أن تدرك الوائدة الإسلام فيغفر لها ". * * * ¬

_ (¬1) "شرح النووي على مسلم" 12/ 50. (¬2) زيادة من (ل). (¬3) التكوير: 9. (¬4) "التفسير الوسيط" للواحدي 4/ 430. ورواه أحمد 3/ 478، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 4/ 421 (2474)، والنسائي في "الكبرى" 6/ 507 (11649). قال الهيثمي في "المجمع" 1/ 118 - 119: رجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (2447). وانظر ما سيأتي برقم (4717) عن أبي عامر.

28 - باب في الشهيد يشفع

28 - باب في الشَّهِيدِ يُشَفَّعُ 2522 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْن حَسّانَ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ بْن رَباحٍ الذِّماريُّ، حَدَّثَني عَمّي: نِمْران بْنُ عُتْبَةَ الذِّماريُّ قالَ: دَخَلْنا عَلَى أُمِّ الدَّرْداءِ وَنَحْن أيْتامٌ فَقالَتْ: أَبْشِرُوا فَإِنّي سَمِعْت أَبا الدَّرْداءِ يَقُولُ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يُشَفَّعُ الشَّهِيدُ في سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بيْتِهِ". قالَ أَبُو داوُدَ: صَوابُهُ رَباحُ بْنُ الوَلِيدِ (¬1). * * * باب في الشهيد يشفع [2522] (حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا يحيى بن حسان، حدثنا الوليد بن رباح الذِّمَاري) بكسر الذال المعجمة وتخفيف الميم، نسبة إلى ذمار بلد باليمن على مرحلتين من صنعاء (قال: حدثني عمي نِمْران) بكسر النون وسكون الميم (ابن عتبة الذِّمَاري) بكسر (¬2) الذال المعجمة وتخفيف الميم. وروى المصنف: رباح بن الوليد (¬3). (قال: دخلنا على أم الدرداء) هجيمة، وقيل: جهيمة الدمشقية (ونحن أيتام) زاد البزار في مسنده (¬4) فقال: أيتام صغار، فمسحت رؤوسنا. ¬

_ (¬1) رواه ابن حبان (4660)، والبيهقي 9/ 164. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2277). (¬2) في الأصول: بفتح. وهو خطأ، وانظر نسبة ابن أخيه قبله مباشرة. وانظر: "الأنساب" للسمعاني 6/ 18. (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 9/ 49. (¬4) "البحر الزخار" (4085).

(فقالت: أبشروا) بفتح الهمزة، أي: بشفاعة أبيكم فيكم. لفظ البزار: أبشروا بني فإني أرجو أن تكونوا في شفاعة أبيكم. (فإني سمعت أبا الدرداء) عويمر بن عامر، وقيل: ابن قيس. حكيم الأمة. (قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: يشفع الشهيد) في سبيل الله في سبعين) شخصًا (من أهل بيته) يدخل فيه: الأبناء، والبنات، والآباء، والأمهات، والزوجات، وغيرهم من الأقارب. وفيه دليل على أن الإحسان إلى الأقارب أفضل من الأجانب، ومن كان إليه أقرب كان الإحسان إليه أفضل. وفيه أن الشهيد لا يصلى عليه؛ لأن الصلاة شرعت للشفاعة وهو شافع. * * *

29 - باب في النور يرى عند قبر الشهيد

29 - باب في النَّورِ يُرى عِنْدَ قبْرِ الشَّهيدِ 2523 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن عَمْرٍو الرّازيُّ، حَدَّثَنا سَلَمَة -يَعْني ابن الفَضْلِ- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، حَدَّثَني يَزِيدُ بْن رُومانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: لَمّا ماتَ النَّجاشيُّ كُنّا نَتَحَدَّث أنَّهُ لا يَزال يُرى عَلَى قَبْرِهِ نُورٌ (¬1). 2524 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا شعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ ميْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رُبيِّعَةَ، عَنْ عُبيْدِ بْنِ خالِدٍ السُّلَميِّ، قالَ: آخَى رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بيْنَ رَجُليْنِ فَقُتِلَ أَحَدُهُما وَماتَ الآخَرُ بَعْدَة بِجُمُعَةٍ أَوْ نَحْوِها، فَصَلّيْنا عَليْهِ فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ما قُلْتُمْ". فَقُلْنا: دَعَوْنا لَهُ وَقُلْنا: اللَّهمَّ اغْفِرْ لَهُ وَأَلِحْقْهُ بِصاحِبِهِ. فَقالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " فَأيْنَ صَلاتُهُ بَعْدَ صَلاتِهِ وَصَوْمُهُ بَعْدَ صَوْمِهِ؟ "-شَكَّ شُعْبَة في صَوْمِهِ- "وَعَمَلُهُ بَعْدَ عَمَلِهِ إِنَّ بيْنَهُما كَما بيْنَ السَّماءِ والأَرْضِ " (¬2). * * * باب النور يرى عند قبر الشهيد [2523] (حدثنا محمد بن عمرو الرازي) [عرف بزنيج] (¬3) (حدثنا سلمة بن الفضل) الأبرش، ضعيف (¬4) وثقه ابن معين (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البيهقي في "دلائل النبوة" 4/ 411 - 412. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (435). (¬2) رواه النسائي 4/ 74، وأحمد 3/ 505، 4/ 219. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2278). (¬3) ساقطة من (ر). (¬4) ضعفه النسائي (241)، وقال البخاري في "التاريخ الكبير" 4/ 84: عنده مناكير. (¬5) "الجرح والتعديل" 4/ 169.

(عن محمد بن إسحاق) صاحب المغازي (حدثني يزيد بن رومان، عن عروة) بن الزبير (عن عائشة: لما مات النجاشي) وهو أسم لكل من ملك الحبشة، واسمه أصحمة بفتح الهمزة وفتح الحاء المهملة، ومات بأرض الحبشة. (كنا نُتَحدَّث) بضم النون في أوله وفتح الدال، من معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه حدث بموت النجاشي وهو في الحبشة في اليوم الذي مات فيه، فلعله - صلى الله عليه وسلم - هو المحدث عنه، ولهذا ذكره أبو داود واستدل به على هذِه المنقبة؛ لأنه كان يكتم إسلامه من جيشه (أنه لا يزال) ليلًا ونهارًا (يرى) بضم المثناة تحت (على قبره نور) لما وقر في قلبه من نور الإيمان ورسخ من (¬1) التصديق بالإسلام، فلما أن مات أظهره الله على قبره شاهدًا له بالإيمان، وقيل: إنه مات شهيدًا بالطاعون. وكلام المصنف في تبويبه يشعر بأن الشهادة سبب للنور الذي على قبره. [2524] (حدثنا محمد بن كثير) العبدي (حدثثا شعبة، عن عمرو بن مرة، سمعت عمرو بن ميمون، عن عبد الله بن رُبيِّعة) بضم الراء وتشديد ياء التصغير السلمي، قال شعبة: وجد له صحبة. صرح النسائي بصحبته (¬2). - ([عن عبيد الله بن خالد السلمي] (¬3) قال: آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) انظر: "أسد الغابة" 1/ 606، "الإصابة في تمييز الصحابة" 4/ 80. (¬3) ليست في (ر)، وغير واضحة في (ل) ومستدرك من المطبوع.

المؤاخاة في الإسلام مستحبة؛ لأنها تؤدي إلى موافقة القلوب ويحصل بها التناصر في الدين. وفي "صحيح مسلم" (¬1) عن أنس: آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين قريش والأنصار في داره (¬2) بالمدينة (بين رجلين) خرج النساء الخلص والرجال والنساء (فقتل أحدهما) أي: أحد الرجلين الذين تواخيا في سبيل الله (ومات الآخر) في غير الجهاد (بعده بجمعة) بضم الميم على الأفصح (أو نحوها) يعني: فوقها بقليل أو دونها بقريب. (فصلينا عليه) أي: على الثاني دون الأول المقتول؛ لأنه شهيد (فقال رسول الله: ما قلتم؟ ) أي: عند موت الثاني (فقلنا (¬3): دعونا له) فيه استحباب الدعاء للميت، ومن دعائه - صلى الله عليه وسلم - للميت (¬4): " اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين " (¬5). (وقلنا: اللهم اغفر له وألحقه) بفتح الهمزة (بصاحبه) في درجاته في الجنة؛ لأنه لم تحصل له الشهادة ولم يبلغ منزلتها (فقال رسول الله: فأين) يعني: ذهبت (صلاته) أي: صلواته الفرائض والسنن والنوافل، و (أين) استفهام إنكار معناه النفي. أي: لم تذهب صلاته بل هي باقية يرفعه الله بها درجات في الجنة (بعد صلاته) التي انقطعت بموته (و) أين (صومه) الذي صامه (بعد صومه) الذي انقطع (شك شعبة) فيما سمعه ¬

_ (¬1) (2529). (¬2) في (ل)، (ر): داري، والمثبت من "صحيح مسلم". (¬3) ورد بعدها في (ر): نسخة: فقالوا. (¬4) زيادة من (ل). (¬5) رواه مسلم (920) من حديث أم سلمة -رضي الله عنها -.

من عمرو بن مرة، هل سمع منه فأين صومه في صومه) أو سمع منه (و) أين (عمله بعد عمله) والعمل أعم من الصوم، فإنه يشمل الصلاة والصوم والاعتكاف وصلة الرحم وغير ذلك من أفعال البر. ويوضح هذا الحديث ما رواه أحمد بن حنبل (¬1) بإسنادٍ حسن، عن أبي هريرة قال: كان رجلان من بني مرة -حي من قضاعة- أسلما مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستشهد أحدهما، وأخر الآخر سنة، قال طلحة بن عبيد: فرأيت المؤخر منهما أدخل الجنة قبل الشهيد، فتعجبت لذلك، فأصبحت، فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو ذكر ذلك لرسول الله- فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أليس قد صام بعده رمضان وصلى ستة آلاف ركعة، أو كذا وكذا (¬2) ركعة صلاة سنة" وفي رواية (¬3): فرأيت الميت على فراشه أولهم، ورأيت الذي استشهد أُخِّر يليه، فذكرت ذلك للنبي فقال: "ليس أحد أفضل عند الله من مؤمن يعمر في الإسلام يسبحه ويكبره ويهلله ". وزاد ابن حبان (¬4) وابن ماجه (¬5) في آخره: " فما (¬6) بينهما أبعد مما بين السماء والأرض ". (فإن بينهما) أي: بين الرجلين (¬7) في الفضل (كما بين السماء ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 2/ 333. (¬2) زيادة من (ل). (¬3) "مسند أحمد" 1/ 163. (¬4) "صحيح ابن حبان" (2982). (¬5) "سنن ابن ماجه" (3925). (¬6) في (ل)، (ر): فيما. والمثبت من "سنن ابن ماجه". (¬7) في (ر): الرجل، والمثبت من (ل).

والأرض) وفي هذا فضيلة عظيمة لمن طال عمره وحسن عمله، وفي رواية لمسلم (¬1): " لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرًا ". وأما الفاجر فموته رحمة له ليستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب كما في مسلم أيضًا (¬2). * * * ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2682) من حديث أبي هريرة. (¬2) "صحيح مسلم" (950) من حديث أبي قتادة بن ربعي.

30 - باب في الجعائل في الغزو

30 - باب في الجَعائِلِ في الغزْوِ 2525 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى الرّازىُّ، أَخْبَرَنا ح وَحَدَّثَنا عَمْرٌو بْن عُثْمانَ، حَدَّثَنا محَمَّد بْن حَرْبٍ -المَعْنَى وَأَنا لحَدِيثِهِ أَتْقَنُ-، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: سُليْمانَ بْنِ سُليْمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جابِرٍ الطّائيِّ عَنِ ابن أَخي أَبِي أيُّوبَ الأَنْصاريِّ، عَنْ أَبِي أيُّوبَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُول: "سَتُفْتَحُ عَليْكُمُ الأَمْصارُ وَسَتَكُونُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ تُقْطَعُ عَليْكُمْ فِيها بُعُوثٌ، فيكْرَهُ الرَّجُلُ مِنْكُمُ البَعْثَ فِيها فيتَخَلَّصُ مِنْ قَوْمِهِ، ثُمَّ يَتَصَفَّحُ القَبائِلَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَليْهِمْ يَقُولُ: مَنْ أَكْفِيهِ بَعْثَ كَذا مَنْ أَكْفِيهِ بَعْثَ كَذا، أَلا وَذَلِكَ الأَجِيرُ إِلى آخِرِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهِ" (¬1). * * * باب في الجعائل في الغزو والجعائل جمع جعيلة. قال شمر: هو أن يُضرَب البعث على رجل فيعطي المضروب عليه إنسانًا مالًا ليخرج عنه في البعث، ويروى عن مسروق الجعل: أن يكتب البعث على الغزاة فيخرج من الأربعة والخمسة رجل واحد، ويجعل له جعل، وذكر عند ابن عمر الجعل (¬2) فقال: لا غزو على أجر، ولا أبيع نصيبي (¬3) من الجهاد. وكذا كرهه جماعة. أي: إذا بلغ الإسلام كل ناحية أحتاج الإمام أن يرسل في كل ناحية من يعلمهم. ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 413، والبيهقي 9/ 27. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (436). (¬2) في (ل): الجعائل. (¬3) في الأصول: غزوي. والمثبت من "مصنف ابن أبي شيبة" 5/ 345 (19875).

[2525] (حدثنا إبراهيم بن موسى) الفراء (الرازي، قال: أنبأنا، وحدثنا عمرو بن عثمان) بن سعيد القرشي (حدثنا محمد بن حرب) بالموحدة (المعنى، وأنا لحديثه أتقن، عن أبي سلمة سليمان بن سليم) مصغر (عن يحيى بن جابر الطائي) الحمصي (عن ابن أخي أبي أيوب) هو أبو سورة بفتح السين المهملة (الأنصاري) تابعي ضعيف (عن أبي أيوب) خالد (¬1) بن زيد الأنصاري. (أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ستفتح) (¬2) جنود (عليكم الأمصار) وهي المدن، واحدها مصر بكسر الميم كما قال تعالى: {اهْبِطُوا مِصْرًا} (¬3) أي: من الأمصار والقرى، وفي هذا معجزة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد فتحت المدائن والقرى وأظهر الله الإسلام وأعزه بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم -: (وستكون جنود مجندة) أي: طوائف مجتمعة كما تقدم (تقطع) بضم المثناة فوق أو تحت، أي: يقطع أمراؤكم من الجنود، يوسر (عليكم فيها) أي: في الجنود (بعوث) جمع بعث، وهو الجيش تسمية بالمصدر، ومن فتح ياء (يقطع) نصب (بعوثًا)، أي: يخرجون فيها. (يَتَكرَّه الرجل منكم) بفتح الياء والتاء وتشديد الراء. وفي رواية فيكره بالفاء بدل الياء وتخفيف الراء (البعث فيها) أي: الخروج في ذلك البعث المقطوع عليهم. (فيتخلص من قومه) أي: يفارقهم (ثم يتصفح القبائل) أي: غير قبيلته ¬

_ (¬1) في (ر): جابر، والمثبت من (ل). (¬2) ورد بعدها في (ل): نسخة: سيكون. (¬3) البقرة: 61.

وقومه التي كره الخروج معهم (يعرض نفسه عليهم يقول من أَكْفِيهِ) يعني: الخروج في (بعث كذا) (يعرض) بدل من (يتصفح) بدل الفعل من الفعل، ويجوز أن تكون الجملة في محل نصب على الحال. أي: يتصفح القبائل عارضًا قائلًا: من أكفيه بعث كذا ثم يقول في قبيلة أخرى (من أكفيه بعث كذا) إذا أجّر نفسه ليخرج عن أحد في بعث، فإن (¬1) (ذلك الأجير) إذا قاتل الكفار في الجهاد [وقتل فيه فهو أجير عمن خرج عنه (إلى آخر قطرة) تخرج (من دمه) فلا يكون له أجر في ذلك الجهاد] (¬2) ولا ثواب، بخلاف من غزا لله فإن عمله ورزقه يجريان عليه. وأما الإجارة عليه فقد اختلف العلماء في ذلك، فقال الشافعي: لا يصح استئجار مسلم للجهاد؛ لأنه وإن لم يكن معينًا عليه فهو إذا حضر الوقعة تعين عليه، ولا يجوز أخذ الأجرة على المتعين عليه، ولا فرق في بطلان العقد بين أن يقع الاستئجار من الإمام أو من الآحاد، وهذا فيما إذا قصد المستأجر إيقاعه عن نفسه، فإن قصد إقامة شعار الجهاد ففي جوازه من الآحاد وجهان. ومقتضى كلام الإمام ترجيح الصحة (¬3)، وأما من الإمام فعلى الأصح، ومحل بطلان العقد أيضا عند إصدار العقد، وإلا فلو قهر الإمام شخصًا على الخروج ولم يكن الجهاد متعينًا عليه فإنه يستحق الأجرة من حين إخراجه إلى حضور الوقعة، وعند الخروج (¬4) بطل ¬

_ (¬1) في (ر): قال: والمثبت من (ل). (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) انظر: "نهاية المطلب" 13/ 13. (¬4) في (ل): الحضور.

معنى الإجارة وصار الأجير واحدًا من جملة من حضر الوقعة، فيعطى سهمه إلا أن حصة الأجرة لتلك المدة ساقطة عن المستأجر، وأما ما يأخذه المرتزقة من الفيء والمتطوعة من الزكاة فليس أجرة، وجهادهم وقع عن أنفسهم لهم أجرة. وقال مالك (¬1): أكره أن يؤاجر الرجل نفسه أو فرسه في سبيل الله، ولا بأس بالجعائل في الغزو. * * * ¬

_ (¬1) "المدونة" 1/ 527.

31 - باب الرخصة في أخذ الجعائل

31 - باب الرُّخْصَةِ في أَخْذ الجَعائِلِ 2526 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ الحَسَنِ الِمصِّيصيُّ، حَدَّثَنا حَجّاجٌ -يَعْني: ابن مُحَمَّدٍ- ح وَحَدَّثَنا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ شُعيْبٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، عَنِ اللّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ حيوَةَ بْنِ شُريْحٍ، عَنِ ابن شُفَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: " لِلْغازي أَجْرُهُ وَلِلْجاعِلِ أَجْرُهُ وَأَجْرُ الغازي " (¬1). * * * باب الرخصة في أخذ الجعائل [2526] (حدثنا إبراهيم بن الحسن المصيصي) بكسر الميم [بن هيثم الخثعمي] (¬2) ثقة (قال: حدثنا حجاج بن محمد) (¬3) الأعور. (وحدثنا عبد الملك بن شعيب) ثقة (قال: حدثنا) عبد الله (ابن وهب، عن الليث، عن حيوة بن شريح، عن ابن شفي) بضم المعجمة وفتح الفاء (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص. (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: للغازي) في سبيل الله (أجره) الذي جعله له، قال مالك: لا بأس بالجعائل في الغزو، ولم يزل الناس يتجاعلون عندنا بالمدينة، يجعل القاعد للخارج إذا كانوا من أهل ديوان واحد؛ لأن عليهم سد الثغور (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 174، وابن الجارود في "المنتقى" (1039). وصححه الألباني في "الصحيحة" (2153). (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) سقط من (ر)، ومطموس على هامش (ل). (¬4) انظر: "المدونة" 1/ 403.

وأصحاب أبي حنيفة (¬1) يكرهون الجعائل ما دام بالمسلمين قوة أو (¬2) في بيت المال ما يفي بذلك، فإن لم تكن لهم قوة ولا مال فلا بأس أن يجهز بعضهم بعضًا على وجه المعونة لا على وجه البدل. وقال الشافعي (¬3): لا يجوز أن يغزو بجعل، فإن أخذه فعليه رده، وإنما أجزته (¬4) من السلطان؛ لأنه يغزو بشيء من حقه (وللجاعل) وهو معطي الأجرة أجران (أجره) أي: ثواب ما دفعه من الأجرة إلى الغازي، وله أيضًا (وأجر الغازي) النائب عنه في الجهاد. وفي هذا ترغيب للجاعل. واستدل الشافعي بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الغنيمة لمن حضر الوقعة". قال مجاهد لعبد الله بن عمر: أريد الغزو، فقال: إني أريد أن أعينك بطائفة من مالي [قلت: قد أوسع الله علي، قال: غناك لك، وإني أحب أن يكون من مالي] (¬5) في هذا الوجه (¬6). وليس هذا من الجعائل المكروهة، ولأنها إجارة مجهولة. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "الجامع الصغير" ص 262، "مختصر اختلاف العلماء" 3/ 436. (¬2) في (ر): إذ، والمثبت من (ل). (¬3) "الأم" 5/ 373. (¬4) في (ل)، (ر): أجبره، والمثبت كما في "الأم". (¬5) ساقط من (ر). (¬6) أخرجه البخاري قبل حديث (2970) معلقًا. قال ابن حجر في الفتح 6/ 144: وهذا الأثر وصله البخاري في المغازي في غزوة الفتح بمعناه. يعني (ح 3899).

32 - باب في الرجل يغزو بأجير ليخدم

32 - باب في الرَّجُلِ يغْزو بأَجِيرٍ لِيَخْدُمَ 2527 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن صالِحٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عاصِمُ بْن حَكِيمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو السّيْبانيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الدّيْلَميِّ، أَنَّ يَعْلَى بْنَ مُنْيَةَ قالَ: آذَنَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالغَزْوِ وَأَنا شيْخٌ كَبِيرٌ ليْسَ لي خادِمٌ، فالتَمَسْتُ أَجِيرًا يَكْفِيني وَأُجْري لَهُ سَهْمَهُ فَوَجَدْتُ رَجُلاً فَلَمّا دَنا الرَّحِيلُ أَتاني فَقالَ: ما أَدْري ما السُّهْمانُ وَما يَبْلُغُ سَهْمي فَسَمِّ لي شيْئًا كانَ السَّهْمُ أَوْ لَمْ يَكنْ. فَسَمّيْتُ لَهُ ثَلاثَةَ دَنانِيرَ فَلَمّا حَضَرَتْ غَنِيمَتُهُ أَرَدْت أَنْ أُجْريَ لَهُ سَهْمَهُ، فَذَكَرْتُ الدَّنانِيرَ، فَجِئْتُ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فذَكَرْتُ لَهُ أَمْرَهُ فَقالَ: "ما أَجِدُ لَهُ في غَزْوَتهِ هذِه في الدُّنْيا والآخِرَةِ إِلَّا دَنانِيرَهُ التي سَمَّى" (¬1). * * * باب الرجل يغزو بأجير آخر ليخدم أي: ليخدم الغازي لا ليخدم بنفسه. [2527] (حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا عبد الله بن وهب) الفهري (أخبرني عاصم بن حكيم) بفتح المهملة (عن يحيى بن أبي عمرو السّيباني) بفتح السين المهملة غير المعجمة ثم مثناة تحت ثم باء موحدة، وهذا من نوادر النسب (عن عبد الله) بن فيروز (الديلمي، أن يعلي بن مُنْيَة) بضم الميم وسكون النون ثم تحتانية، ومنية جدته أم أبيه التميمي، ويقال: يعلي بن أمية. نُسب حينًا إلى أمه وحينًا إلى أبيه، شهد حُنينًا والطائف وتبوك، قتل مع علي في صفين. ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 223، والحاكم 2/ 112. وصححه الألباني في "الصحيحة" (2233).

(قال: آذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالغزو) آذن بمد الهمزة -أي: أعلم بالخروج، ومنه: آذنت الدنيا بصرم (¬1) - وفتح الذال المعجمة، فيه الإعلام بوقت الجهاد ليستعدوا له. (وأنا شيخ كبير) هو كالعلة لطلب الخادم بالأجرة؛ لأن الصحابة كانوا مهنة أنفسهم (ليس لي خادم) فيه دليل على أنه كان في الإقامة بلا خادم لسهولة أمر الإقامة (فالتمست) حين أذن بالغزو (أجيرًا) للخدمة في السفر. فيه دليل على جواز اتخاذ الخادم عند الحاجة إليه (يكفيني) ما احتاج إليه في الغزو. وفيه دليل على صحة الاستئجار للخدمة في السفر، فإن قال: على أن يكفيني ما أحتاج إليه في السفر من الخدمة. فيدخل فيه الخدمة في النهار وفي أول الليل إلى الفراغ من العشاء الآخرة، لكن يشترط أن يعين مسافة الغزو فيقول: خمسة فراسخ أو عشرة فراسخ وإن استأجره يومًا أو شهرًا لم يدخل فيه أول النهار (¬2)، وظاهر الحديث يدل على أنه إذا قال: يكفيني ما أحتاج إليه من الخدمة. أنه يصح، وإن كانت الخدمة مجهولة، ويحمل على العادة [في أمثاله] (¬3). (وأُجْرِي له) بضم الهمزة أوله (¬4) (سهمَه) أي: الذي يحصل له من الغنيمة (فوجدت رجلاً) فيه حذف، تقديره: فاستأجرته على ذلك. ¬

_ (¬1) جزء من حديث رواه مسلم (2967) من كلام عتبة بن غزوان. (¬2) في (ل): الليل، والمثبت من (ر). (¬3) ساقطة من (ر). (¬4) ساقطة من (ر).

(فلما دنا الرحيل) بالحاء المهملة، أي: الارتحال إلى الغزو (أتاني، فقال: ما أدري ما السُّهمان) بضم السين جمع سهم، وهو النصيب، أي: ما أدري قدر ما يحصل لي، وشرط الأجرة أن تكون معلومة وإن استأجر بمجهول وعمل استحق أجرة المثل. (وما يبلغ سهمي) من الغنيمة فإنه مجهول (فسمِّ لي شيئًا) معلومًا، سواء (أكان السهم) في الغنيمة موجودًا (أو لم يكن) وفي هذا مثال لكان التامة التي لا تحتاج إلى خبر، والتقدير: سواء وجد السهم أو لم يوجد، ومثله النحاة بقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} (¬1) (فسميت له) أي: عينت له أجرته (ثلاثة دنانير) لعل المراد به ثلاثة (¬2) مثاقيل. (فلما حضرت) أي: وجدت (غنيمتُه) من الغزو (أردت أن أُجريَ له سهمه) الذي ذكرته له أولًا (فذكرت) الثلاثة (الدنانير) التي عينتها له ثانيًا (فجئت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -) فيه دليل على اعتنائهم بالسؤال عما يطرأ لهم (فذكرت له أمره) أي: أمر الأجير في المرة الأولى والثانية (قال: ما أجد) يحصل اله في غزوته هذِه في الدنيا والآخرة) أي: يحصل من أجرته في الدنيا ومن ثوابه في الآخرة (إلا دنانيره التي سمَّى) وهي الثلاث لا غير ذلك. قال أصحابنا: وإذا حضر الوقعة أجير استؤجر لسياسة الدواب وحفظ المتاع أو لعمل آخر معلوم، نظر إن لم يقاتل لم يستحق من الغنيمة شيئًا، وإن قاتل فثلاثة أقوال: ¬

_ (¬1) البقرة: 280. (¬2) في النسخ: ثلاث.

أحدها: له الأجرة لجميع المدة، [يرضخ له] (¬1) في الغنيمة؛ لأن منفعته مستحقة لغيره كالعبد إذا حضر القتال يرضخ له. والثاني: يسهم له مع الأجرة؛ لأن الأجرة تجب بالتمكين والسهم بحضور الغنيمة، وقد وجد الكل. والثالث: يخير بين الأجرة والغنيمة، والأصح أنه يسهم له مع الأجرة، والحديث محمول على ما إذا لم يقاتل. ¬

_ (¬1) في (ر): يوضح، والمثبت من (ل).

33 - باب في الرجل يغزو وأبواه كارهان

33 - باب في الرَّجُلِ يغْزُو وَأبَواهُ كارِهانِ 2528 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، حَدَّثَنا عَطَاءُ بْن السّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قالَ: جاءَ رَجُلٌ إِلى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ: جِئْتُ أُبايِعُكَ عَلَى الهِجْرَةِ وَتَرَكْتُ أَبَوي يَبْكِيانِ. فَقالَ: "ارْجِعْ عَليْهِما فَأَضْحِكْهُما كَما أَبْكيْتَهُما" (¬1). 2521 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيان، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثابِتٍ، عَنْ أَبِي العَبّاسِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قالَ: جاءَ رَجُلٌ إِلى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ أُجاهِدُ؟ قالَ: "أَلَكَ أَبَوانِ؟ ". قالَ: نَعَمْ. قالَ: "فَفِيهِما فَجاهِدْ" (¬2). قالَ أَبُو داوُدَ: أَبُو العَبّاسِ هذا الشّاعِرُ أسْمُهُ السّائِبُ بْنُ فَرُّوخَ. 2530 - حَدَّثَنا سَعِيدُ بْن مَنْصُورٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْن الحارِثِ أَنَّ دَرّاجًا أَبا السَّمْحِ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي الهيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْريِّ: أَنَّ رَجُلًا هاجَرَ إِلى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ اليَمَنِ فَقالَ: "هَلْ لَكَ أَحَدٌ بِاليَمَنِ؟ ". قالَ: أَبَواي. قالَ: "أَذِنا لَكَ؟ ". قالَ: لا. قالَ: "ارْجِعْ إِليْهِما فاسْتَأْذِنْهُما، فَإِنْ أَذِنا لَكَ فَجاهِدْ، وَإِلاَّ فَبِرَّهُما" (¬3). * * * باب في الرجل يغزو وأبواه كارهان [2528] ([حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان، حدثنا عطاء بن ¬

_ (¬1) رواه النسائي 7/ 143، وابن ماجه (2782)، وأحمد 2/ 160. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2281). (¬2) رواه البخاري (3004)، ومسلم (2549). (¬3) رواه أحمد 3/ 75 - 76، وابن حبان (422)، والحاكم 2/ 103 - 104. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2283).

السائب، عن أبيه] (¬1) عن عبد الله بن عمرو) بن العاص (جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال) يا رسول الله (جئت أبايعك على الهجرة) معك إلى الجهاد، كما في رواية أظنها لأحمد (¬2): إني جئت أريد الجهاد معك، ولقد أتيت وإن أبواي يبكيان .. الحديث. (وتركت أبوي يبكيان) لفراقي، وفيه دليل على شدة احتراص الصحابة على حفظ دينهم فإن هذا ترك وطنه وأهله وأبويه وهاجر إلى الله ورسوله ولم يمنعه بكاؤهما من ذلك. (فقال: ارجع إليهما) استدلوا به على تحريم الجهاد إلا بإذنهما، هذا إذا كان الجهاد فرض كفاية أو تطوع؛ لأن برهما فرض عين، وهو مقدم على فرض الكفاية، ولم يبين له النبي - صلى الله عليه وسلم - أن سفره الذي جاء فيه معصيته يجب عليه التوبة؛ لأنه كان جاهلًا بالتحريم، بل كان يظنه عبادة، فلما علم الحكم وجب عليه الرجوع في الحال، وكذا لو خرج في جهاد تطوع بإذنهما ثم علم في أثناء سفره قبل وجوب الجهاد عليه أنهما رجعا عن إذنهما ومنعاه، فعليه الرجوع؛ لأن منعهما لو وجد في ابتداء الجهاد منعه، فإذا وجد في أثنائه منع كسائر الموانع إلا أن يخاف على نفسه في الرجوع، وإن كان رجوعهما عن الإذن بعد تعين الجهاد لم يؤثر رجوعهما شيئًا. والأجداد والجدات كالأبوين؛ لأنهما يسميان أبوين حقيقة أو مجازًا، فلا يجاهد عند فقدهما أو جنونهما أو إغمائهما أو كفرهما إلا بإذنهم، وفي وجوب استئذانهم مع بقاء ¬

_ (¬1) ليست في (ر)، ومطموس على هامش (ل)، ومستدرك من المطبوع. (¬2) روايات أحمد كرواية أبي داود، لكن الرواية التي ذكرها عند ابن ماجه (2782).

الأبوين المسلمين العاقلين وجهان، أصحهما نعم. (فأضحكهما) لعل المراد ارجع إليهما لتدخل السرور على قلوبهما برجوعك، كما أدخلت عليهما الحزن بفراقهما، وهو المراد بقوله: (كما أبكيتهما) ويحتمل أن يراد: ارجع إليهما فبالغ في أنواع برهما بما تقدر عليه على [أن] (¬1) تضحكهما حقيقة [كما أبكيتهما حقيقة] (¬2). وفيه دليل على أن من أساء إلى شخص من جهة من الجهات يحسن إليه من تلك الجهة، الفعل بالفعل والقول بالقول، وإن جاز بغير الجنس، لكن الجنس أولى. [2529] ([حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي العباس] (¬3) عن عبد الله بن عمرو: جاء رجل إلى رسول الله) لعله هو الرجل المذكور في الحديث الذي قبله (فقال: يا رسول الله) جئتك أبايعك على الهجرة و (أجاهد) معك فقد ورد الجمع بينهما في رواية في "صحيح مسلم" في كتاب البر من رواية ابن عمرو (¬4): أقبل رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله (¬5). (قال: لك أبوان؟ ) فيه جواز حذف همزة الاستفهام، تقديره: ألك والدان، ويجمع بينهما بأنه لما سأله (قال: نعم) تركت أبويّ يبكيان ¬

_ (¬1) ساقطة من النسخ. (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) سقط في الأصلين، ومستدرك من المطبوع. (¬4) في (ل)] (ر): عمر. والمثبت من "صحيح مسلم". (¬5) "صحيح مسلم" (2549).

(قال: ففيهما فجاهد) (¬1) وأضحكهما كما أبكيتهما، والمراد بالجهاد فيهما: جهاد النفس في وصول البر إليهما بالتلطف بهما وحسن الصحبة والطاعة وغير ذلك. وتقدم أن الجهاد الأكبر هو جهاد النفس الأمارة بالسوء. [2530] ([حدثنا سعيد بن منصور حدثنا عبد الله بن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث] (¬2) أن دَرَّاجًا) بفتح الدال وتشديد الراء، بعد الألف جيم (أبا الحارث) بفتح السين المهملة، وإسكان الميم. ضعفه أبو حاتم (¬3) والدارقطني (¬4) لكن وثقه يحيى بن معين (¬5) وعلي بن المديني وغيرهما (¬6)، واحتج به ابن خزيمة (¬7) وابن حبان (¬8) والحاكم (¬9). (حدثه عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد) سعد بن مالك بن سنان (الخدري: أن رجلًا أتى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من اليمن) فيه فضيلة أهل اليمن كما في أحاديث (فقال: هل لك أحد) ممن يجب عليك بره (باليمن، ¬

_ (¬1) في المطبوع من نسخ أبي داود زيادة: قال أبو داود: أبو العباس هذا الشاعر اسمه السائب بن فروخ. (¬2) ساقط من الأصول، والمثبت من المطبوع. (¬3) "الجرح والتعديل" 3/ 442. (¬4) "سؤالات البرقاني للدارقطني" (142)، "سؤالات الحاكم النيسابوري للدارقطني" (261). (¬5) "تاريخ ابن معين" رواية الدارمي 1/ 107. (¬6) انظر: "تهذيب الكمال" 8/ 479. (¬7) "صحيح ابن خزيمة (653). (¬8) "صحيح ابن حبان" (193، 539) وغيرهما. (¬9) "المستدرك" 2/ 247.

قال: نعم أبواي) فيه استحباب تعرف أحوال السائل عما يتعلق به السؤال لما يبنى عليه من الأحكام الشرعية (قال: أَذِنا لك؟ ) في الهجرة (قال: لا) فيه الاقتصار في الجواب على ما يحتاج إليه، إذ لم يقل: لا، لم يأذنا لي في الهجرة. (قال: فارجع إليهما فاستأذِنْهما) في الجهاد (فإن أذنا لك فجاهد) يعني: أذن الأبوان جميعًا، فلو أذن أحدهما ومنع الآخر امتنع، وحكى الدارمي عن ابن القطان أنه لو أذن الأب ومنعت الأم، قبل من الأب، وهذا شاذ، وعكسه أقرب منه؛ لما لا يخفى. (وإلا فَبَرَّهُما) بفتح الباء الموحدة، أمر من البر، من قولهم: صدقت وبررت، ويجوز كسر الموحدة، وهو منصوب على الإغراء بفعل محذوف تقديره: وإلا فالزم برهما. وفي رواية لمسلم (¬1): "فأحسن صحبتهما". وفي رواية لأبي يعلى (¬2) والطبراني (¬3): " فإذا فعلت ذلك فأنت مجاهد". ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2549) من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما -. (¬2) "مسند أبي يعلى" (2760) من حديث أنس -رضي الله عنه -. (¬3) "المعجم الأوسط" (4466) من حديث أنس -رضي الله عنه -.

34 - باب في النساء يغزون

34 - باب في النِّساءِ يغْزُونَ 2531 - حَدَّثَنا عَبْدُ السَّلامِ بْنُ مُطَهِّرٍ، حَدَّثَنا جَعْفَرُ بْنُ سُليْمانَ، عَنْ ثابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قالَ: كانَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَغْزُو بِأُمِّ سُليْمٍ وَنسْوَءة مِنَ الأنصارِ لِيَسْقِينَ الماءَ ويُداوِينَ الجَرْحَى (¬1). * * * باب في النساء يغزون [2531] (حدثنا عبد السلام بن مطهر) بتشديد الطاء، الأزدي (حدثنا جعفر بن سليمان) الضبعي (عن ثابت) بن أسلم البناني (عن أنس، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغزو بأم سليم) بنت مِلحان بكسر الميم، قيل: اسمها سهلة، وقيل: مليكة، ويقال: الغميصاء والرميصاء. (ونسوة من الأنصار) فيهن: أم عطية، واسمها: نسيبة بنت الحارث، وكانت تقاتل، وقطعت يدها يوم اليمامة، وكذلك الرُّبيع بضم الراء مصغر ابنة معوذ، كانت تغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسقي القوم وتخدمهم وترد الجرحى والقتلى إلى المدينة. رواه البخاري (¬2). وفيه دليل على جواز دخول النساء إلى أرض العدو، ويستحب للإمام أن يأذن للنساء غير ذوات الهيئات الطاعنات في السن، ويستحثهن ولا يجب عليهن، لما في البخاري (¬3) عن عائشة استأذنت ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1810). (¬2) "صحيح البخاري" (2882). (¬3) "صحيح البخاري" (2875).

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجهاد فقال: "جهادكن الحج"، أما الشواب ذوات الهيئات، فلا؛ لما روى حشرج بن زياد، عن جدته أم أبيه، أنها خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة خيبر سادسة ستِّ نسوة، فبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبعث إلينا فجئنا فرأينا فيه الغضب فقال: "مع من خرجتن؟ (¬1) " وقيل للأوزاعي: هل كانوا يغزون في الصوائف؟ (¬2) قال: لا إلا بالجواري. (فيسقين الماء) والسويق للرجال (ويداوين الجرحى) بأدوية يخرج معهن، ويناولن السهام، ويغزلن الشعر والصوف للإعانة على الجهاد. وفي هذا الحديث دليل على معالجة المرأة الأجنبي من جرح وغيره، وعلى سقيه الماء، لكن مع حضور محرم أو زوج، بشرط عدم رجل يعالج. وإطلاق الحديث يقتضي الجواز مطلقًا إلا أن يختص بحديث آخر. ¬

_ (¬1) سيأتي في هذا الكتاب (2729)، باب في المرأة والعبد يحذيان من الغنيمة. (¬2) الغزوة في الصيف، وبها سميت غزوة الروم؛ لأنهم كانوا يغزون صيفا اتقاء البرد والثلج. انظر: "المعجم الوسيط" 1/ 531، و"أساس البلاغة" للزمخشري 1/ 368.

35 - باب في الغزو مع أئمة الجور

35 - باب في الغَزْو مَعَ أئمَّة الجَوْرِ 2532 - حَدَّثَنا سَعِيدُ بْن مَنْصُورٍ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، حَدَّثَنا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبي نُشْبَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: قالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ثَلاثَة مِنْ أَصْلِ الإِيمانِ: الكَفُّ عَمَّنْ قالَ: لا إله إِلَّا اللهُ وَلا تُكَفِّرْهُ بِذَنْبٍ وَلا تُخْرِجْهُ مِنَ الإِسْلامِ بِعَمَلٍ، والجِهادُ ماضٍ مُنْذُ بَعَثَنيَ اللهُ إِلى أَنْ يُقاتِلَ آخِرُ أمَّتي الدَّجّالَ، لا يُبْطِلُهُ جَوْرُ جائِرٍ وَلا عَدْلُ عادِلٍ، والإِيمانُ بِالأَقْدارِ" (¬1). 2533 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن صالِحٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، حَدَّثَني مُعاوِيَة بْن صالِحٍ، عَنِ العَلاءِ بْنِ الحارِثِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبي هُريْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الجِهادُ واجِبٌ عَليْكُمْ مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ بَرّا كانَ أَوْ فاجِرًا، والصَّلاةُ واجِبَةٌ عَليْكُمْ خَلْفَ كُلِّ مُسْلِمٍ بَرّا كانَ أَوْ فاجِرًا وَإِنْ عَمِلَ الكَبائِرَ، والصَّلاةُ واجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَرّا كانَ أَوْ فاجِرًا وَإِنْ عَمِلَ الكَبائِرَ" (¬2). * * * باب في الغزو مع أئمة (¬3) الجور الجَور: بفتح الجيم، هو الظلم. قال الجوهري (¬4): هو الميل عن القصد، يقال: جار عن القصد إذا عدل عنه، وجار عليه في الحكم. ¬

_ (¬1) رواه سعيد بن منصور في "السنن" (2367) ط الأعظمي، وأبو يعلى (4311). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (437). (¬2) رواه الطبراني في "مسند الشاميين" (1512)، والبيهقي 3/ 121. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (438). (¬3) في (ر): أبنية. (¬4) "الصحاح في اللغة" (2/ 180).

[2532] (حدثنا سعيد بن منصور) الخراساني (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (حدثنا جعفر بن بُرْقان) بضم الموحدة الكلابي (عن يزيد) من الزيادة (بن أبي نُشْبَة) بضم النون وإسكان الشين المعجمة ثم موحدة، وهكذا ذكره الدارقطني (¬1) (عن أنس، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ثلاث) أي: عن خصال ثلاث (من أصل الإيمان: الكف عن كل من قال لا إله إلا الله) فيه أنا مكلفون بالعمل بالظاهر وفيما ينطق به اللسان، وأما القلب فليس طريق إلى معرفة ما فيه، بل الله يتولى السرائر، وأن من قال: لا إله إلا الله وجب الكف عنه وعن ماله وحكم بإيمانه بالظاهر. قال القاضي عياض (¬2): وهذا في مشركي العرب وعبدة الأوثان ومن لا يوحد، وأما أهل الكتاب وغيرهم ممن (¬3) يقر بالتوحيد فلا يكفي في الكف عنه قول لا إله إلا الله إن كان يقولها في كفره، وهي من اعتقاده، بل لا بد من شهادة أن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة. (ولا يُكفرْه بذنب) من الذنوب بضم التحتانية وجزم الراء على النهي، وكذا لا يخرجه بعده (ولا يُخرجه من) ملة (الإسلام بعمل) يعمله من المعاصي، بل هو في مشيئة الله لا يقطع في أمره بتحريمه على النار ولا باستحقاقه الجنة لأول وهلة، بل يقطع بأنه لا بد من دخوله الجنة آخرًا، وحاله قبل ذلك في حكم المشيئة إن شاء الله تعالى عذبه بذنبه ¬

_ (¬1) "المؤتلف والمختلف" 3/ 1414. (¬2) "إكمال المعلم شرح صحيح مسلم" 1/ 183. (¬3) زاد في (ر): لا.

وإن شاء عفا عنه بفضله، خلافًا للخوارج في أن من ارتكب كبيرة يخلد في النار. (والجهاد ماضٍ) حكمه (منذ بعثني الله) أول ما بعثه الله أمره بالتبليغ والإنذار بلا قتال، وأول كلمة سُمعت منه - صلى الله عليه وسلم -: "أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام " (¬1). ثم بحد الهجرة أذن الله بالقتال إذا ابتدأ الكفار به، ثم أبيح لهم القتال ابتداء، لكن في غير الأشهر الحرم، ثم أمر به من غير شرط ولا زمان، ووجوب القتال مستمر بعد ذلك (إلى أن يقاتل آخر أمتي) المسيح (الدج (ل) فينتهي الجهاد. (لا يبطله جور) إمام (جائر) أي: لا يسقط فرض الجهاد بظلم الإمام، ولا بفسقه، ولا ينعزل الإمام بالفسق والظلم ولا يخلع بل يقاتل معه ولا يمتنع عن القتال معه بظلم ظالم (ولا عدل عادل) كما جاء في الحديث الصحيح: "عليك بالسمع والطاعة في يسرك، وعسرك، ومنشطك، ومكرهك، وأثرة عليك" (¬2) ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر" (¬3). (و) من أصل الإيمان (الإيمان (¬4) بالأقدار) فإن من (¬5) مذهب الحق إثبات القدر. ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 451، والترمذي (2485)، وابن ماجه (1334). (¬2) رواه مسلم (1836) من حديث أبي هريرة. (¬3) رواه البخاري (3062)، ومسلم (111) من حديث أبي هريرة. (¬4) بعدها في (ر): بالقدر. ولعلها نسخة. (¬5) ساقطة من (ل).

قال النووي (¬1): ومعناه أن الله قدر الأشياء في القدم، وعَلِم الله سبحانه أفها ستقع في أوقات معلومة عنده سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وعلى صفات مخصوصة، فهي تقع على حسب ما قدرها، وأنكرت القدرية هذا، وزعمت أنه سبحانه لم يقدرها ولم يتقدم علمه بها، وأنه سبحانه إنما يعلمها بعد وقوعها، وكذبوا على الله تعالى، وسميت هذِه الفرقة قدرية لإنكارهم القدر. [2533] [(ثنا أحمد بن صالح) أبو جعفر (ثنا) عبد الله (بن وهب، حدثني معاوية بن صالح) ابن حدير بضم المهملة مصغر (عن العلاء بن الحارث، عن مكحول) مكحول لم يسمع من أبي هريرة فهو منقطع] (¬2). (عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الجهاد واجب) أي: مستمر وجوبه (عليكم مع كل) إمام أو (أمير) كان عليكم (برًّا) بفتح الباء خبر مقدر (كان أو فاجرًا) لأنكم لو تركتم الجهاد مع الفاجر وقعد الناس كما قعدتم لأدى ذلك إلى ذهاب الإسلام والعياذ بالله، وأدى ذلك إلى قطع الجهاد وظهور الكفار على المسلمين واستئصالهم، وفيه فساد عظيم، قال الله: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} (¬3) (والصلاة) أي: والصلوات الخمس (واجبة عليكم) أي: على كل بالغ عاقل منكم (خلف كل مسلم برًّا) بفتح الباء، أي: بارًّا (كان) الإمام (أو فاجرًا) يعني: فاسقًا (وإن عمل ¬

_ (¬1) "شرح النووي على مسلم" (1/ 154). (¬2) ساقطة من (ل). (¬3) البقرة: 251.

الكبائر) جمع كبيرة، وهي التي يجب الحد في فعلها، وفيه حجة لمذهب الشافعي أن الصلاة - قال ابن المنذر: - خلف من لا نكفره ببدعته جائزة (¬1). قال أبو داود: سمعت أحمد وقيل له: إذا كان الإمام يسكر؟ قال: لا يصلى خلفه البتة (¬2). وسأله رجل قال: صليت خلف رجل ثم علمت أنه يسكر أعيد؟ قال: نعم، أعد. قال: أيتهما صلاتي؟ قال: الذي صليت وحدك (¬3). وفي معنى شارب الخمر كل فاسق فلا يصلى خلفه، نص عليه أحمد (¬4)؛ لما روى جابر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على منبره يقول: "لا تؤمن امرأة رجلًا ولا فاجر مؤمنًا إلا أن يقهره سلطان يخاف سوطه أو سيفه". رواه ابن ماجه (¬5). قال [ابن قدامة] (¬6): وهذا يعني: حديث ابن ماجه أخص من حديث الدارقطني: "صلوا خلف من قال: لا إله إلا الله" (¬7)، فتعين تقديم ¬

_ (¬1) "الأوسط" 4/ 264 - 265، وانظر: "الأم" 2/ 302. (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) "مسائل أبي داود" (299، 300)، وانظر: "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 6/ 339 - 340. (¬4) وعنه رواية أخرى أن الصلاة خلف الفاسق جائزة، وهو مذهب الشافعي انظر: "المغني" 3/ 19 - 21. (¬5) "سنن ابن ماجه" (1081). وضعفه ابن الملقن في "البدر المنير" 4/ 434، والألباني في "ضعيف الجامع" (6386). (¬6) زيادة لابد منها، فالكلام هنا لابن قدامة كما في "المغني" 3/ 19. (¬7) "سنن الدارقطني" 20/ 56 من حديث ابن عمر: ورواه أيضًا تمام في "الفوائد" 1/ 173 (401)، وابن الجوزي في "التحقيق" 1/ 477 - 478 (730 - 733)، =

حديث جابر، وحديث: "صلوا خلف من قال: لا إله إلا الله" أخص من الحديث الأول، والحديث الأول نقول به في الجمع والأعياد، وتعاد، وهو مطلق، فالعمل به في موضع يحصل الوفاء [بدلالته] (¬1)؛ لأنه قال أبو داود: سمعت أحمد سئل عن إمام قال: أصلي لكم رمضان بكذا وكذا درهمًا. قال: أسأل الله العافية لا يصلى خلف هذا كما لا يصلى خلف من لا يؤدي الزكاة ولا خلف من يشارط، ولا بأس أن يدفعوا إليه من غير شرط. ومذهب الشافعي الجواز خلف الكل للحديث، واستدل بأن ابن عمر كان يصلي مع الحجاج (¬2)، والذين كانوا في زمن الوليد بن عقبة كانوا يصلون خلفه وقد شرب الخمر وصلى الصبح أربعًا وقال: أزيدكم. رواه مسلم (¬3). فصار هذا إجماعًا (¬4). وأجاب المانعون الجواز بأن حديث: "كل مسلم برًّا كان أو فاجرًا" حديث منقطع؛ لأن مكحولًا لم يسمع من أبي هريرة كما قال المنذري (¬5) وغيره. ¬

_ =وضعفه الدارقطني، والألباني في "الإرواء" 2/ 305. (¬1) زيادة من "المغني". (¬2) انظر ما رواه البخاري (1660، 1662). (¬3) "صحيح مسلم" (1707). (¬4) انظر: "المغني" 3/ 20، "الأم" 2/ 302. (¬5) "مختصر سنن أبي داود" 3/ 380.

36 - باب الرجل يتحمل بمال غيره يغزو

36 - باب الرَّجُلِ يَتَحَمَّل بِمالِ غيْرِهِ يَغْزُو 2534 - حَدَّثَنا محَمَّد بْنُ سُليْمانَ الأنباريُّ، حَدَّثَنا عَبِيدَةُ بْنُ حُميْدٍ، عَنِ الأسوَدِ ابْنِ قيسٍ، عَن نُبيحٍ العَنَزيِّ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ أَرادَ أَنْ يَغْزُوَ فَقالَ: "يا مَعْشَرَ المُهاجِرِينَ والأَنْصارِ إِنَّ مِنْ إِخْوانِكُمْ قَوْمًا ليْسَ لَهُمْ ما وَلا عَشِيرَةٌ فَلْيَضُمَّ أَحَدُكُمْ إِليْهِ الرَّجُليْنِ أَوِ الثَّلاثَةَ فَما لأحَدِنا مِنْ ظَهْرٍ يَحْمِلُهُ إِلَّا عُقْبَةٌ كَعُقْبَةِ". يَعْني أَحَدِهِمْ. فَضَمَمْتُ إِلى اثْنيْنِ أَوْ ثَلاثَةً، قالَ: ما لي إِلا عُقْبَةٌ كَعُقْبَةِ أَحَدِهِمْ مِنْ جَمَلي (¬1). * * * باب الرجل يتحمل بمال غيره يغزو يتحمل. أي: يعين غيره على الحمل من مال غيره. [2534] [(حدثنا محمد بن سفيان (¬2) الأنباري) أبو هارون، وثقه الخطيب (¬3). (حدثنا عَبيدة) بفتح الموحدة (ابن حُميد) مصغر الحمد (عن الأسود بن قيس) العبدي] (¬4) ([عن] (¬5) نُبيح) بضم النون مصغر (العَنَزي) الكوفي، والعنزي نسبة إلى عَنَزة بفتح العين والنون بن أسد ابن ربيعة بن نزار بن معد. ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 358، والحاكم 2/ 90. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2285). (¬2) من (ر)، والصواب: سليمان. (¬3) "تاريخ بغداد" 5/ 292. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل). (¬5) ساقطة من (ل) , (ر)، وأثبتناها من "سنن أبي داود".

(عن جابر، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أراد أن يغزو) فرأى في القوم قلة الظهر (فقال: يا معشر) المعشر: الجماعة من الناس (المهاجرين والأنصار) قيل: المهاجرون الذين صلوا إلى القبلتين، ففي ندائهم استئناس لهم وحثهم على ما يذكرهم (إن من) معناها التبعيض. أي: بعض (إخوانكم) وهو في الأصل صفة لقوله بعده (قومًا) أي: ظهروا في الغزو معنا (ليس لهم مال) يملكونه، فمال هنا نكرة في معنى العموم، فيعم نفي (¬1) جميع المال، فتقديره: لا يملكون (¬2) شيئًا من المال، وفيه دليل على أن شاهد الإعسار إذا قال: أشهد أنه ليس له مال أن شهادته هذِه صحيحة مقبولة. وإن كان يملك من المال في الغزو يستثنى شرعًا، وهو ثياب البدن وقوت يومه وسكناه، ويدل على هذا أن من أخبر عنهم النبي - صلى الله عليه وسلم - لابد أن يكون عليهم ما يستر عورتهم، وأن منهم من يملك قوت يومه، وقد قال أصحابنا: لا يمحض الشاهد النفي، كقوله لا يملك شيئًا، بل (¬3) يقول: أشهد أنه معسر لا يملك إلا قوت يومه وثياب بدنه. [كذا قال الرافعي وغيره (¬4)، وأن محض النفي ينضم إليه وهو معسر، وفي الحديث دليل على أن الحالف إذا قال: والله لا يملك فلان شيئًا، وكان يملك قوت يومه وثياب بدنه] (¬5) لا يحنث؛ لأن استثناءه معلوم شرعًا. ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) في (ر): يملك. (¬3) ساقطة من (ر). (¬4) "الشرح الكبير" للرافعي 10/ 230، وانظر: "حاشية البجيرمي على شرح منهج الطلاب" 2/ 418. (¬5) ما بين المعقوفين ساقط من (ر).

(ولا) لهم (عشيرة) أي: قبيلة تنضم إليهم فيقومون به، وينصرونه ويحملونه إذا عيي، وفيه: الحض والتحريض على طعام المسكين وحمله، وقد ذم الله تعالى من لم يحض على طعام المسكين، وهذا الوصف الذي وصفهم النبي - صلى الله عليه وسلم - هو تفسير للفقراء أو للمساكين على الخلاف (فليضم أحدكم) إذا كان له البعير الواحد (الرجلين أو الثلاثة) هذا من باب المواساة والرفق بالمشاة، فإذا كان مع الغزاة أو المسافرين في غير الغزو مشاة كثيرون، فينبغي للجماعة أن يتوزعونهم، ويأخذ كل واحد منهم رجلين أو ثلاثة يضمهم إليه، يتعاقبون في الركوب على الدابة يركب كل واحد منهم مرة، ليرتفق بعضهم ببعض على حسب ما يحتمل الحال، وأنه ينبغي لكبير القوم أو أميرهم أن يأمر أصحابه بذلك، ويأخذ هو من يمكنه أخذه فيضمه إليه، وهذا من المعاونة على البر والتقوى الذي أمر الله به، وكذلك يفعل في الإطعام إذا كان معه من لا زاد له يضم إلى من كان معه الزاد رجلين أو ثلاثة على ما يحتمل الحال، وكذا إذا حضر في الإقامة ضيفان كثيرون يتوزعهم الجماعة كما جاء في الحديث الصحيح (¬1): أن أصحاب الصفة كانوا أناسًا فقراء، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال مرة: "من كان معه طعام اثنين فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس"، وفي الصحيح (¬2): "طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة"، وفي لفظ (¬3): "طعام رجل ¬

_ (¬1) البخاري (602). (¬2) البخاري (5392). (¬3) أخرجه مسلم (2059).

يكفي رجلين، وطعام رجلين يكفي أربعة". وهذا كله من باب المواساة والإيثار. (فما لأحدنا) أي: ليس لكل واحد منا (من ظهر يَحْمِله) بفتح التحتانية وسكون المهملة وكسر الميم، وفي بعضها: جَمَله (¬1) بفتح الجيم والميم وجر اللام على الإضافة، ويروى بتنوين (ظهر)، و (يحمله) بفتح الياء وإسكان الحاء المهملة وهو أعم من الرواية الأولى، فإنه يشمل ظهر الجمل وغيره، والمعنى: ليس ينتفع أحد منا بظهر الجمل الذي له (إلا عُقْبة) بضم العين، وهي النوبة من الركوب، سميت بذلك لأن كل واحد منهم يعقب صاحبه في الركوب، ويجوز في عقبة الرفع على البدل، والنصب على الاستثناء (كعقبة) بالتنوين، يحتمل أن يكون المضاف محذوفًا، تقديره كعقبة شخص منهم، ثم فسره بقوله: (يعني: أحدهم) والمراد أن كل واحد من أصحاب الظهور حكمه في الانتفاع بظهره، كحكم الشركاء المشتركين في منفعة الظهر لا يستأثر عنهم بركوب ولا يختص بشيء عنهم، وهذا من المواساة التي أمرهم بها النبي - صلى الله عليه وسلم -. (ق (ل) يعني: جابر (فضممت إلى) أي: منهم (اثنين أو ثلاثة) رجال، وضرب (ما لي) معهم من ظهري الذي (¬2) يحملني (إلا عقبة كعقبة أحدهم من جملي) بفتح الجيم والميم. ¬

_ (¬1) مكررة في (ل) , (ر). (¬2) في (ر): أي.

37 - باب في الرجل يغزو يلتمس الأجر والغنيمة

37 - باب في الرَّجُلِ يَغْزو يَلْتمِسُ الأَجْر والغَنِيمَةَ 2535 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنا مُعاوِيَةُ بْن صِالِحٍ، حَدَّثَني ضَمْرَة، أَنَّ ابن زُغْبٍ الإِياديَّ حَدَّثَهُ قالَ: نَزَلَ عَليَّ عَبْدُ اللهِ بْنُ حَوالَةَ الأزْديُّ، فَقالَ لي: بَعَثَنا رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِنَغْنَمَ عَلَى أَقْدامِنا فَرَجَعْنا فَلَمْ نَغْنَمْ شيْئًا، وَعَرَفَ الجُهْدَ في وُجُوهِنا فَقامَ فِينا فَقالَ: "اللَّهُمَّ لا تَكِلْهُمْ إِلي فَأَضْعُفَ عَنْهُمْ وَلا تَكِلْهُمْ إِلى أَنْفُسِهِمْ فيعْجِزُوا عَنْها وَلا تَكِلْهُمْ إِلى النّاسِ فيسْتَأْثِرُوا عَليْهِمْ". ثمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسي -أَوْ قالَ: عَلَى هامَتي- ثمَّ قالَ: "يا ابن حَوالَةَ إِذا رَأيْتَ الخِلافَةَ قَدْ نَزَلَتْ أَرْضَ المُقَدَّسَةِ فَقَدْ دَنَتِ الزَّلازِلُ والبَلابِلُ والأُمُورُ العِظامُ والسّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنَ النّاسِ مِنْ يَدي هذِه مِنْ رَأْسِكَ" (¬1). قالَ أَبُو داوُدَ: عَبْدُ اللهِ بْنُ حَوالَةَ حِمْصيٌّ. * * * باب الرجل يغزو (¬2) يلتمس الأجر والمغنم [2535] (حدثنا أحمد بن صالح) المصري (حدثني أسد بن موسى) ابن إبراهيم الأموي، روى له البخاري في الأدب. [(حدثني معاوية بن صالح، حدثني ضمرة، أن) عبد الله] (¬3) (ابن زُغْب) (¬4) بضم الزاي ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 288، وأبو يعلى (6867)، والحاكم 4/ 425. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2286). (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) طمس في هامش (ل) وأقحم بعدها: بفتح الهمزة والسين بن موسى بن إبراهيم الأموي. (¬4) أقحم بعدها في (ر): الإيادي، قال: مر بي أسد، بفتح الهمزة والسين، ابن موسى=

وسكون الغين المعجمة بعدها باء موحدة، حكى المنذري (¬1) عن الأمير أبي نصر أن له صحبة (¬2)، وحكي عن أبي زرعة الدمشقي أن اسمه عبد الله (¬3). (نزل علي عبد الله بن حوالة) بفتح الحاء المهملة، قال أبو داود: ابن حوالة حمصي. قالوا: سكن دمشق وقدم مصر مع مروان بن الحكم، ولم يرو لعبد الله في الكتب الستة سوى أبي داود (¬4). (فقال لي: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنغنم) من الكفار ونلتمس الأجر من الله تعالى، أي: ليس غزوهم خالصًا لله، بل خالطه طلب الغنيمة، وليس هذا محبطًا للثواب بالكلية، قال الغزالي (¬5): بل العدل أن يقال: إذا كان الغالب الأصلي والمزعج القوي هو إعلاء كلمة الله وإنما الرغبة في الغنيمة على سبيل التبعية فلا يحبط به الثواب، نعم لا يساوي ثوابه ثواب من لا يلتفت قلبه إلى الغنيمة أصلًا فإن هذا الالتفات نقصان لا محالة (على أقدامنا) أي: لا على ظهر خيل ولا إبل ولا غيرها، وفيه دليل على شدة ما كانوا عليه من الفاقة (¬6)، ومع هذا فقد فتح الله على يديهم الفتوحات العظيمة. (فرجعنا) من غزونا (فلم نغنم شيئًا) من المال في تلك الغزوة ¬

_ =ابن إبراهيم الأموي، عن ابن زغب. (¬1) "مختصر سنن أبي داود" 3/ 381. (¬2) "الإكمال" لابن ماكولا 4/ 186. (¬3) انظر: "الإكمال" لابن ماكولا 4/ 186، و"تحفة التحصيل" 1/ 175. (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 14/ 441. (¬5) "إحياء علوم الدين" 4/ 385. (¬6) في (ر): الغاية.

(وعرف) بفتح الراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (الجَهد) بفتح الجيم على المشهور، وهو: غاية المشقة في تلك الأيام (في وجوهنا) أي: بما ظهر له من رؤية وجوهنا، وعرف أننا لم نغنم شيئًا من المال (فقام فينا) حين رآنا وعرف ما نحن فيه من التعب والشدة ودعا لنا. (فقال: اللهم لا تكلهم إلى فأضعُف) بضم العين (عنهم) أي: عن القيام بهم (ولا تكلهم إلى أنفسهم فيعجزوا) بكسر الجيم (عنها) ومن دعائه - صلى الله عليه وسلم - "لا تكلني إلى نفسي فأضيع، ولا إلى غيرك فأهلك" (¬1) (ولا تكلهم إلى الناس فيستأثروا عليهم) أي: يستبدوا بالشيء ويختصوا به دونهم ويفضلوا أنفسهم عليهم، وفيه دليل على استحباب الدعاء للإمام إذا رجعوا من الغزو ورآهم في جهد ولم يغنموا، وكذا يستحب له أن يدعو من رآه في شدة أو جوع أو تعب، فإن في ذلك [رفقًا بهم وتطييبًا] (¬2) لقلبه. (ثم وضع يده) الكريمة (على رأسي، أو قال) الراوي (على هامَتي) بفتح الميم المخففة، أي: رأسي، لكن شك الراوي فيهما. (ثم قال: يا ابن حَوَالة) بفتح المهملة وتخفيف الواو، وحوالة أمه بنت حمزة بن عبد المطلب (إذا رأيت الخلافة) أي: حكم من ولي الخلافة (قد نزلت الأرض المقدسة) أي: التي يطهر فيها من الذنوب وهي إيلياء. قال الخطابي (¬3): إنما أنذر به - صلى الله عليه وسلم - أيام بني أمية وما حدث من الفتن في زمانهم وانتشر ذكره (فقد دنَت) بفتح النون، أي: قرب وقوع (الزلازل) ¬

_ (¬1) لم أجده. (¬2) في الأصول: رفق بهم وتطييب. (¬3) "معالم السنن" 2/ 247.

وفي هذا معجزة عظيمة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن عبد الله بن حوالة عاش إلى أن رأى خلافة معاوية بن أبي سفيان في شوال سنة إحدى وأربعين ببيت المقدس، وعاش بعد ذلك إلى أن رأى خلافة عبد الملك بن مروان في سنة ثمانين بالشام، وكانت الزلازل قد قربت؛ فإن في سنة خمس وتسعين كانت الزلازل في الدنيا حتى عم الهدم الأبنية الشاهقة، وقتل الحجاج سعيد بن جبير، وتهدمت دور أنطاكية (و) كثرت (البلابل) جمع بلبال وبَلْبَالة بفتح الباءين وإسكان اللام بينهما، وهو الهم والحزن ووسواس الصدر (والأمور العظام) ورواه الحاكم في "المستدرك" (¬1) عن ابن حوالة الصحابي أيضًا. يعني؛ الفتن العظيمة بين الحجاج وعبد الله بن الأشعث، واتصلت الحرب بينهما مائة يوم كان فيها إحدى وثمانون وقعة، حكاه ابن الجوزي (¬2). وقال ثور بن يزيد: قدس الأرض الشام، وقدس الشام فلسطين، وقدس فلسطين بيت المقدس، وقدس بيت المقدس الجبل، وقدس الجبل المسجد، وقدس المسجد القبة (¬3). وثور بفتح المثلثة، قيل: ينسب إليه جبل ثور. (والساعة يومئذٍ أقرب من الناس) لعله أريد بالساعة: أماراتها، أقرب (من يدي هذِه من رأسك) وقد وقعت علامات الساعة وتواصلت، فنسأل الله العافية والسلامة في الدين والدنيا والآخرة. ¬

_ (¬1) "المستدرك" 4/ 425. (¬2) "المنتظم" 6/ 224. (¬3) "تاريخ دمشق" 1/ 152.

38 - باب في الرجل الذي يشري نفسه

38 - باب في الرَّجُلِ الذي يشْري نَفْسَهُ 2536 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، أَخْبَرَنا عَطاءُ بْن السّائِبِ، عَنْ مُرَّةَ الهَمْدانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُود قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "عَجِبَ رَبُّنا مِنْ رَجُلٍ غَزا في سَبِيلِ اللهِ فانْهَزَمَ". يَعْني: أَصْحابَهُ: "فَعَلِمَ ما عَليْهِ فَرَجَعٍ حَتَّى أُهْرِيقَ دَمُهُ فيقُولُ اللهُ تَعالَى لِمَلائِكَتِهِ: انْظُرُوا إِلى عَبْدي رَجَعَ رَغْبَةً فِيما عِنْدي وَشَفَقَةً مِمّا عِنْدي حَتَّى أُهَرِيقَ دَمُهُ" (¬1). * * * باب في الرجل يشري (¬2) نفسه وقال الله تعالى: {مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} أي: يبيعها، ومنه قوله تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} أي: باعوه. [2536] (حدثنا موسى بن إسماعيل) المنقري (حدثنا حماد) بن سلمة (أخبرنا عطاء بن السائب، عن مُرَّة) بن عبد الله، مختلف في صحبته (الهَمْداني) بإسكان الميم (عن ابن مسعود، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: عجب ربنا) قال الإمام أبو بكر محمد بن فورك (¬3): اعلم أن أصل معنى التعجب إذا استعمل في أحدنا فالمراد به أن يرهقه أمر يستعظمه مما لم يعلمه، وذلك لا يليق بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وإذا قيل في صفته عجب ربنا فالمراد به أحد شيئين: ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 416، وأبو يعلى (5272)، وابن حبان (2557)، والحاكم 2/ 112. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (2287). (¬2) في النسختين: يشتري. والمثبت من "السنن". (¬3) "مشكل الحديث وبيانه" 1/ 192.

إما أن يراد به مما يعظمه قدر ذلك ويكبره؛ لأن المتعجب معظم لما يتعجب منه، ولكن لما كان الله عالمًا بما كان ويكون لم يلق به أحد الوجهين الذي يقتضي استدراك علم ما لم يكن به عالمًا، فبقي أمر التعظيم له. أو يراد بذلك الرضا له والقبول؛ لأن من أعجبه الشيء فقد رضيه وقبله، ولا يصح أن يعجب مما يسخطه ويكرهه، فلما أراد - صلى الله عليه وسلم - تعظيم قدر هذا الرجل وتعظيم فعله في قلوب خلقه أخبر عنها باللفظ الذي يقتضي التعظيم حثًّا على مثل فعله والمبادرة إليه (من رجل) هكذا رواية أبي داود، وأما أحمد (¬1) وأبو (¬2) يعلى (¬3) والطبراني (¬4) وابن حبان في "صحيحه" (¬5) فإنه قال: "عجب ربنا من رجلين: رجل ثار عن وطائه وفراشه من بين حبه وأهله إلى صلاته رغبة فيما عندي وشفقًا مما عندي". ولفظ الطبراني (¬6): "إن الله ليضحك إلى رجلين: رجل قام في ليلة باردة من فراشه [ولحافه ودثاره فتوضأ ثم قام إلى الصلاة". قلت: وفي هذا فضيلة عظيمة للقيام من فراشه] (¬7) إلى الصلاة لكونه قرنه مع الغازي ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 1/ 416. (¬2) في (ل) , (ر): وأبي. والجادة ما أثبتناه. (¬3) "مسند أبي يعلى" (5272). (¬4) "المعجم الكبير" (8532). (¬5) "صحيح ابن حبان" (2557). (¬6) "المعجم الكبير" (10383). (¬7) ساقط من (ر).

الذي قاتل في سبيل الله حتى أهريق دمه، [ثم قال في الحديث: ] (¬1) ورجل (غزا في سبيل الله فانهزم يعني: أصحابه) هذا من تفسير أبي داود، لا أنه سمعه من الراوي (فعلم ما عليه) العدو (فرجع حتى أُهريق) بضم الهمزة وفتح الهاء الزائدة، أي: أريق (دمه) بالرفع نائب عن الفاعل. وفي هذا الحديث دليل على أن الغازي إذا انهزم عنه أصحابه وكان في ثباته للقتال نكاية للكفار فيستحب الثبات، لكن لا يجب كما قاله السبكي، وأما إذا كان (¬2) الثبات موجبًا للهلاك المحض من غير نكاية فيجب الفرار قطعًا. (فيقول الله لملائكته) مباهيًا به الملائكة (انظروا إلى عبدي) أضافه إلى نفسه تعظيمًا لمنزلته عنده (رجع) إلى القتال (رغبة) وفي رواية (¬3): "رجع رجاء" (فيما عندي) و (رغبة) و (رجاء) منصوبان على المفعول له (و) كذا (شفقة) أي: خوفًا (مما عندي) من العقوبة (حتى أهريق) بضم الهمزة (دمه) وفي هذا دليل على أن نية المقاتل في الجهاد طمعًا فيما عند الله من الثواب وخوفًا مما وعد على الفرار من العقاب؛ لأنه علل الرجوع للرغبة وللإشفاق. ¬

_ (¬1) ساقط من (ر). (¬2) ساقط من (ر). (¬3) رواها ابن حبان 6/ 297 - 298 (2557 - 2558).

39 - باب فيمن يسلم ويقتل مكانه في سبيل الله -عز وجل-

39 - باب فِيمَنْ يسْلِمُ ويُقْتلُ مكانهُ في سَبيلِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- 2537 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، أَخْبَرَنا محَمَّد بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُريْرَةَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ أُقيْشٍ كانَ لَهُ رِبًا في الجاهِلِيَّةِ فَكَرِهَ أَنْ يُسْلِمَ حَتَّى يَأْخذَهُ فَجاءَ يَوْمَ أُحُدٍ فَقالَ: أَيْنَ بَنُو عَمّي؟ قالُوا: بِأُحُدٍ. قالَ: أيْنَ فُلانٌ؟ قالُوا: بِأُحُدٍ. قالَ: أيْنَ فُلانٌ؟ قالُوا: بِأُحُدٍ. فَلَبِسَ لأمَتَهُ وَرَكِبَ فَرَسَهُ ثُمَّ تَوَجَّهَ قِبَلَهُمْ، فَلَمّا رَآهُ المُسْلِمُونَ قالُوا: إِليْكَ عَنّا يا عَمْرُو. قالَ: إِنّي قَدْ آمَنْتُ. فَقاتَلَ حَتَّى جُرِحَ فَحُمِلَ إِلى أَهْلِهِ جَرِيحًا، فَجاءَهُ سَعْدُ بْن مُعاذٍ فَقالَ لأُخْتِهِ: سَلِيهِ حَمِيَّةً لقَوْمِكَ أَوْ غَضَبًا لَهُمْ أَمْ غَضَبًا لله؟ فَقالَ: بَلْ غَضَبًا لله وَلرَسُولِهِ فَماتَ، فَدَخَلَ الجَنَّةَ وَما صَلَّى لله صَلاةً (¬1). * * * باب فيمن يسلم ويقاتل مكانه أي: يقاتل في المكان الذي أسلم فيه. [2537] [(حدثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (حدثنا حماد) بن أسامة (أنا محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص الليثي (عن أبي سلمة) عبد الله، أحد الفقهاء السبعة] (¬2). (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر (أن عمرو بن أُقيش) [بن ثابت ابن وقيش، ويقال: أقيش] (¬3) بضم الهمزة، وفتح القاف، وياء التصغير، ثم شين معجمة. قال الجوهري (¬4): بنو أقيش قوم من العرب من بني عبد ¬

_ (¬1) رواه الطبراني 17/ (83)، والحاكم 2/ 113. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (2288). (¬2) و (¬3) ساقط من (ر). (¬4) "الصحاح في اللغة" 3/ 164.

الأشهل. قيل: أقيش ووقيش (كان له ربًا في الجاهلية) أصل الربا في اللغة هو: الزيادة، وكانت العرب يأكلون الربا إلى أن أنزل الله تحريمه في قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (¬1) قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ألا كل ربا في الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب" (¬2). (فكره أن يسلم) أي: يدخل في الإسلام (حتى يأخذه) أي: يأخذ ماله من الربا الذي استحلته قلوبهم لخفة اكتسابه، فلا يكاد يتحمل مشقة الكسب بالتجارة والصناعة المشقة اللذين لا ينتظم مصالح العالم إلا بهما، وأفضى به حب ذلك مع حب المال (¬3) إلى الاستمرار على الكفر وتأخر الإسلام والعياذ بالله، هذا فيما هو باقٍ على الكفر، وربما كان الربا سببًا لنزع الإيمان، كما حكي عن أبي حنيفة أنه قال: أكثر ما ينزع الإيمان من العبد عند الموت الذنوب. قال زيد الوراق: فنظرنا في الذنوب التي تنزع الإيمان فلم نر شيئًا أسرع نزعًا للإيمان من ظلم العباد. (فجاء يوم) خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى غزاة (أحد) فتفقد أقاربه (فقال: أين بنو عمي؟ ) رفاعة، وهم سهل بن روي بن أقيش (فقالوا) هو (بأحد، قال: أين فلان؟ ) أظنه يعني: والده ثابت بن وقيش (قالوا: بأحد، قال: أين فلان؟ ) أظنه: سلمة بن ثابت، أخوه (قالوا: بأحد، فلبس) حين سمع ذلك (لأْمَته) بهمزة ساكنة بعد اللام، ثم ميم مخففة. أي: درعه الحديد (وركب فرسه ثم توجه) أي: في أول النهار (قِبَلهم) بكسر القاف وفتح ¬

_ (¬1) البقرة: 275. (¬2) "رواه مسلم" (1218). (¬3) زيادة من (ل).

الباء، وهو على الإسلام حتى دخل في عرض الناس (فلما رآه المسلمون) سألوه و (قالوا له: إليك عنا يا عمرو) ما جاء بك؟ (قال: إني آمنت) بالله وبرسوله وأسلمت (فقاتل حتى جرح) وأثبتته الجراحة، [قال: فبينما رجال من بني عبد الأشهل يلتمسون قتلاهم في المعركة إذا هم به] (¬1). (فحمل إلى أهله جريحًا) فيه: استحباب حمل الجرحى إلى أهلهم ليداووهم من جراحاتهم (فجاءه سعد بن معاذ) بن النعمان الذي اهتز (¬2) لموته عرش الرحمن (¬3). (فقال لأخته (¬4) سليه) أتقاتل (¬5) (حمية) بتشديد الياء. أي: أنفًا وغضبًا (لقومك) لتحميهم وتمنعهم (أو) تقاتل (غضبًا) منصوبًا على المفعول الهم) (¬6). أي: لأجل غضبك على قومك وانتصارًا لهم (أم أغضبًا لله؟ ] (¬7) فقال: بل) أقاتل رغبة في الإسلام و (غضبًا لله ورسوله. فمات) من جراحاته (فدخل الجنة) وذكروه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "إنه من أهل الجنة". (وما صلى لله صلاة) فرضًا ولا نفلًا. والظاهر أنه لم تجب عليه صلاة، أو وجبت عليه ولكن لم يخرجها عن وقتها المقدور لها شرعًا، وعن أبي هريرة كان يقول: حدثوني عن ¬

_ (¬1) تقدمت هذه الجملة قبل سطرين في (ل)، وأثبتناها في الموضع اللائق بها. (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) رواه البخاري (3803)، ومسلم (2466) من حديث جابر. (¬4) ورد بعدها في (ل): نسخة: لقومه. (¬5) بعدها في (ر): أقاتلت. ولعلها نسخة. (¬6) ساقطة من (ر) وفي (ل): له. والمثبت من "سنن أبي داود". (¬7) في (ل) , (ر): رغبة في الإسلام. والمثبت من "سنن أبي داود".

رجل دخل الجنة ولم يصل صلاة قط، فإذا لم يعرفوه الناس سألوه: من هو؟ فيقول: هو أصيرم بني عبد الأشهل عمرو بن ثابت بن وقيش (¬1). واعلم أنه لم يذكر في هذا الحديث غسله، ولا الصلاة عليه. وفيه دليل على أن [من جرح] (¬2) في الحرب وحمل إلى أهله جريحًا، ومات من تلك الجراحة، أنه يكون شهيدًا، فلا يغسل ولا يصلى عليه، ومذهب الشافعي (¬3) أن الجريح إذا مات بعد انقضاء الحرب ولم يكن فيه إلا حركة المذبوح أنه شهيد، وإن كان بقي فيه حياة مستقرة فوجهان: أظهرهما أنه ليس بشهيد فيغسل (¬4) ويصلى عليه. وموضع الوجهين ما إذا تيقن موته من تلك الجراحة، أما لو مرض في حرب الكفار فمات فليس بشهيد، وعند أحمد (¬5): إن حمل وبه حياة مستقرة فيغسل ويصلى عليه وإن مات شهيدًا؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - غسل سعد بن معاذ وصلى عليه وكان شهيدًا وحمل إلى المسجد ولبث فيه أيامًا، وسعد ابن الربيع وأصيرم بني عبد الأشهل تكلما وماتا بعد انقضاء الحرب. وقال مالك: إن أكل أو شرب أو بقي يومين أو ثلاثة، غسل (¬6). ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في "مسنده" 5/ 428. (¬2) في (ر): ابن جريج، والمثبت من (ل). (¬3) انظر: "البيان" للعمراني 3/ 82، "المجموع شرح المهذب" 5/ 260. (¬4) زيادة من (ل). (¬5) انظر: "الشرح الكبير" لشمس الدين بن قدامة 2/ 335، و"شرح الزركشي على مختصر الخرقي" 1/ 335. (¬6) "المدونة" 1/ 258.

40 - باب في الرجل يفوت بسلاحه

40 - باب في الرَّجُلِ يَفوت بِسِلاحِهِ 2538 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن وَهْبٍ، أَخْبَرَني يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ، قالَ: أَخْبَرَني عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مالِكٍ -قالَ أَبُو داوُدَ: قالَ أَحْمَدُ: كَذا قالَ هُوَ -يَعْني: ابن وَهْبٍ- وَعَنْبَسَة -يَعْني: ابن خالِدٍ- جَمِيعًا عَنْ يُونُسَ -قالَ أَحْمَدُ: والصَّوابُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن عَبْدِ اللهِ - أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ قالَ: لَمَّا كانَ يَوْمُ خيبَرَ قاتَلَ أَخي قِتالا شَدِيدًا فارْتَدَّ عَليهِ سيفهُ فَقَتَلَهُ، فَقالَ أَصْحابُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في ذَلِكَ - وَشَكُّوا فِيهِ - رَجُلٌ ماتَ بِسِلاحِهِ. فَقالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ماتَ جاهِدًا مُجاهِدًا". قالَ ابن شِهابٍ: ثمَّ سَأَلتُ ابنا لِسَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ فَحَدَّثَني عَنْ أَبِيهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ غيْرَ أَنَّهُ قالَ: فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كَذَبُوا ماتَ جاهِدًا مُجاهِدًا فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتيْنِ" (¬1). 2531 - حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ خالِدٍ الدِّمَشْقيُّ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ، عَنْ مُعاوِيَةَ بْنِ أَبي سَلامٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَبي سَلامٍّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحابِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قالَ: أَغَرْنا عَلَى حَي مِنْ جُهيْنَةَ، فَطَلَبَ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ فَضَرَبَهُ فَأَخْطَأَهُ وَأَصابَ نَفْسَهُ بِالسّيْفِ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَخُوكُمْ يا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ". فابْتَدَرَهُ النّاسُ فَوَجَدُوهُ قَدْ ماتَ فَلَفَّهُ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِثِيابِهِ وَدِمائِهِ وَصَلَّى عَليْهِ وَدَفَنَهُ، فَقالُوا: يا رَسُولَ اللهِ أَشَهِيدٌ هُوَ؟ قالَ: "نَعَمْ، وَأَنا لَهُ شَهِيدٌ" (¬2). * * * باب في الرجل يموت بسلاحه أي: الذي معه. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4196)، ومسلم (1802). (¬2) رواه البيهقي 8/ 110. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (439).

[2538] ([حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا عبد الله بن وهب، أخبرنى يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرنى عبد الرحمن وعبد الله بن كعب بن مالك. قال أبو داود قال أحمد: كذا قال هو -يعني: ابن وهب- وعنبسة -يعني: ابن خالد- جميعًا، عن يونس -قال أحمد: والصواب عبد الرحمن ابن عبد الله أن] (¬1) سلمة بن الأكوع قال: لما كان يوم) غزاة (خيبر، قاتل أخي) هكذا وقع في رواية مسلم (¬2): قاتل أخي. قال القرطبي (¬3): هذا مخالف لما ذكره مسلم في الرواية المتقدمة، ولما يأتي بعد في مسلم أيضًا من أن هذِه القصة إنما وقعت لعمه، واسمه عامر بن الأكوع (¬4)، قال: وهو الصحيح. ولعل سلمة أطلق على عمه أسم الإخوة لرضاع كان بينهما أو مؤاخاة، وإلا فهو وهم من بعض الرواة، والله أعلم. قلت: وهذا إنما يقال إذا لم يكن له عم غير أخيه، فإن كان له عم وأخ فيحمل على أنها كانت قصتين، وهو أولى من حمل ما وقع في "الصحيح" على الوهم، والله أعلم. (قتالاً شديدًا) كيف لا يكون قتالهم شديدًا وقد باعوا أنفسهم لله تعالى، واختاروا الدار الباقية. (فارتد) أي: رجع (عليه سيفه) وهو يقاتل؛ لأنه كان فيه قِصَر، فرجع عليه لما أراد أن يضرب به، فأصاب ركبته - لكن ذكر الدارقطني أن حماد ابن سلمة تفرد به - فجرحه جرحًا ¬

_ (¬1) ليست في الأصول، ومستدرك من المطبوع. (¬2) رواه مسلم (1802). (¬3) "المفهم" 3/ 667. (¬4) "صحيح مسلم" (1807).

شديدًا (فقتله) ومات منه (فقال أصحاب رسول الله في ذلك) إنما قتله سلاحه (وشكُّوا فيه) بتشديد الكاف المضمومة. أي: شكوا في أمره وحصول الأجر له، وقد بينه في "صحيح مسلم" فقال: وشكوا في بعض أمره هل هو شهيد أم لا، وقالوا (رجل مات بسلاحه) يعني: سيفه، وفي "صحيح مسلم" لما تصاف القوم، كان سيف عامر بن الأكوع - عم سلمة بن الأكوع - فيه قصر، فتناول به ساق يهودي ليضربه فرجع ذباب سيفه فأصاب ركبة عامر فمات منه (¬1). قلت: فعلى هذا يستحب أن يكون السيف الذي يجاهد به طويلًا؛ لأن القصير ربما رجع على صاحبه إذا ضرب به ولم يصل إلى المضروب، فيرجع على صاحبه فيقتله كما وقع لعامر رحمه الله تعالى. قال المنذري: ذكر [أبو عبيد القاسم بن سلام] (¬2) أن لسلمة بن الأكوع أخوين أحدهما (¬3) عامر، والآخر عباد. وقال أبو القاسم البغوي: إن عامرًا أخا سلمة صحب النبي - صلى الله عليه وسلم -. وحكى محمد بن سعد في "الطبقات الكبرى" (¬4) إن أهبان بن الأكوع أسلم وصحب النبي - صلى الله عليه وسلم -. وصرح المنذري: والظاهر أنهما قصتان (¬5). وزاد مسلم في "صحيحه": فلما فعلوا، قال سلمة وهو آخذ بيدي، فلما رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساكتًا قال: "مالك" قلت له: فداك أبي وأمي، زعموا أن عامرًا (¬6) حبط عمله. قال: "من قاله؟ " قلت: فلان، وفلان، وأسيد ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1802). (¬2) من المطبوع. (¬3) ساقطة من (ر). (¬4) "الطبقات الكبرى" 4/ 308. (¬5) "مختصر سنن أبي داود" 3/ 383. (¬6) في (ل، ر): عامر. والمثبت من "صحيح مسلم".

ابن حضير الأنصاري. (فقال رسول الله) "كذبوا" (مات جاهِدًا) بكسر الهاء والتنوين، وهو اسم فاعل منصوب على الحال (مُجَاهِدًا) بضم الميم وكسر الهاء والتنوين، وفسروا الجاهد بأنه الجاد في عمله وأمره، قاله ابن دريد (¬1). أي: إنه لجاد مجتهد في طاعة الله، وفسروا الثاني بأنه تكرار على جهة التأكيد والمجاهد هو المجاهد في سبيل الله، وهو الغازي، قال ابن الأنباري: العرب إذا بالغت في الكلام وفي تعظيم شيء اشتقت من اللفظة الأولى لفظة أخرى على غير بنائها زيادة في التأكيد، وأعربوها بإعرابها، فقالوا: جاد مجد، وليل لائل، وشعر شاعر (¬2). (قال ابن شهاب) يعني الزهري (ثم سألت ابنا لسلمة بن الأكوع) هو إياس بن سلمة (فحدثني عن أبيه بمثل ذلك) يعني: في الرواية الأولى (غير أنه قال) في هذِه الرواية زيادة (فقال رسول الله: كذبوا) رواية مسلم: "كذب من قاله" (¬3). (مات جاهدًا مجاهدًا فله أجره مرتين) أشار بفاء التعليل إلى الجهتين اللتين (¬4) ثبت له بهما الأجر مرتين وهما جاهد مجاهد، فمعنى الثاني غير الأول؛ لأن مجاهدًا الأول معناه: أنه مبالغ في عمل الخير والثاني معناه (¬5): أنه مجاهد لأعداء الله، وفي رواية مسلم: "إن له ¬

_ (¬1) "جمهرة اللغة" 1/ 452. (¬2) انظر: "المفهم" للقرطبى 3/ 667، "إكمال المعلم" 6/ 95، "شرح النووي على مسلم" 12/ 169. (¬3) "صحيح مسلم" (1802). (¬4) ساقطة من (ر). (¬5) ساقطة من (ر).

لأجرين" (¬1) وجمع بين إصبعيه. أي: اجتمع له الأجر مرتين كاجتماع أصبعي هاتين، ولم يذكر أبو داود الصلاة عليه، [وفي رواية مسلم: أن ناسًا يهابون الصلاة عليه] (¬2) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كذبوا" (¬3) يعني (¬4): بل يصلى عليه. [2539] ([حدثنا هشام بن خالد الدمشقى، حدثنا الوليد، عن معاوية ابن أبي سلام، عن أبيه] (¬5)، عن جده أبي سلام) بتشديد اللام، واسمه ممطور، قال المنذري (¬6): وهو الحبشي. بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة منسوب إلى حبش بن حمير. أعن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أغرنا على حي من جهينة) وهي قبيلة (فطلب رجل من المسلمين رجلًا منهم) ليقتله (فضربه) بالسيف (فأخطأه) أي: لم يصبه سيفه (وأصاب نفسه بالسيف، فقال رسول الله) جرح (أخوكم يا معشر المسلمين) نفسه بسيفه (فابتدره) أي: تسارع إليه (الناس) فيه المبادرة إلى ما أمر به الأمير، لاسيما إن خيف على المجروح من العدو. (فوجدوه قد مات) قبل أن يدركوه، فحملوه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - (فلفه رسول الله بثيابه) أي: بثياب المجروح (ودمائه) التي مات فيها لا في ثياب النبي - صلى الله عليه وسلم -، هذا هو الظاهر، وظاهر هذا أنه لم يغسل (و) لكن (صلى عليه) ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1802). (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) "صحيح مسلم" (1802). (¬4) ساقطة من (ر). (¬5) ليست في الأصول، ومستدرك من المطبوع. (¬6) "مختصر سنن أبي داود" 3/ 383.

الحقيقة الشرعية في الصلاة عليه أنها صلاة الجنازة، وحمله بعضهم على أن المراد بالصلاة: الدعاء، أي: دعا له كالدعاء للميت، وفي هذا دليل لمذهب أبي حنيفة والثوري (¬1)، واختاره المزني من أصحاب الشافعي (¬2)، وروي عن أحمد أن الشهيد لا يغسل ولا يصلى عليه (¬3)، لكن هذا فيمن قتله المشركون، أما من جرح بسيف نفسه فالمشهور من مذهب الشافعي أنه لا يغسل ولا يصلى عليه، لكن في "فروق الجويني" من الشافعية أن من ارتد إليه سيفه يغسل ويصلى عليه عند كثير من أصحابنا (¬4)، ويدل عليه قول الشافعي في البويطي: كل من قتله كذا وكذا، أو غريق، أو حريق، أو غير ذلك فإنهم يغسلون ويصلى عليهم إلا من قتله أهل الحرب في المعركة، فخرج من هذا المجروح بسيف نفسه، فإنه يصلى عليه ويستدل له بهذا الحديث، لكن الحديث لم يذكر فيه الغسل، ففيه حجة ظاهرة لمذهب أبي حنيفة المتقدم ومن تبعه. (ودفنه، فقال: يا رسول الله أشهيد هو؟ ) هذا الاستفهام يدل على أنهم شكوا في أمره كما تقدم في ابن الأكوع (قال: نعم) أي: هو شهيد عند الله (وأنا له شهيد) بأنه مات شهيدًا. ¬

_ (¬1) انظر: "الحجة على أهل المدينة" 1/ 359، "شرح معاني الآثار" 1/ 505، "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 296 (375). (¬2) انظر: "البيان" للعمراني 3/ 85. (¬3) انظر: "مسائل أحمد برواية ابنه صالح" (1341). (¬4) "الجمع والفرق" 1/ 642 (207). قال النووي: وهذا الوجه شاذ مردود.

41 - باب الدعاء عند اللقاء

41 - باب الدُّعاء عِنْدَ اللِّقاءِ 2540 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ، حَدَّثَنا ابن أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ يَعْقوبَ الزَّمْعيُّ، عَنْ أَبِي حازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قالَ: قالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ثِنْتانِ لا تُرَدّانِ أَوْ قَلَّما تُرَدّانِ: الدُّعاءُ عِنْدَ النّداءِ وَعِنْدَ البَأْسِ حِينَ يُلْحِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا". قالَ مُوسَى: وَحَدَّثَني رِزْقُ بْن سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قالَ: وَوَقْتَ المَطَرِ (¬1). * * * باب الدعاء عند اللقاء أي: لقاء الكفار في الحرب. [2540] ([حدثنا الحسن بن علي، حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا موسى ابن يعقوب] (¬2) الزَّمَّعي) بفتح الزاي والميم، نسبة إلى جده زمعة الأسدي، وثقه أبو داود، وابن حبان (¬3) وابن معين (¬4) وضعفه بعضهم (¬5). قال ابن السمعاني (¬6): وكان ثقة. (عن سهل بن سعد) بن مالك الساعدي، توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ¬

_ (¬1) رواه ابن خزيمة (419)، والحاكم 1/ 198. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2290). (¬2) ليست في الأصول، ومستدرك من المطبوع. (¬3) "الثقات" لابن حبان 7/ 458. (¬4) "تاريخ ابن معين" رواية الدوري 3/ 157، "الجرح والتعديل" 8/ 167. (¬5) "تهذيب الكمال" 29/ 172. (¬6) "الأنساب" للسمعاني 3/ 164. وفيه نسب التوثيق لابن معين.

خمس عشرة سنة، وعمر حتى أدرك الحجاج وامتحن به. (قال رسول الله: ثنتان) أي: دعوتان (لا تُرَدَّان - أو قلما تُرَدَّان -) هذا ظاهر في أن الدعاء منه مردود ومنه مقبول عند الله فيقبل الله ما يشاء ويرد ما يشاء، كما قال تعالى: {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ} (¬1)، وهذِه الآية مقيدة لقوله {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (¬2) وقوله تعالى: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} (¬3)، ويبن هذا الحديث رواية ابن خزيمة (¬4): "ساعتان تفتح فيهما أبواب السماء وقلما يرد على داعٍ دعوته". (الدعاء عند) حضور (النداء) ورواية ابن حبان (¬5): "عند حضور الصلاة"، وفي رواية له (¬6): "ساعتان لا ترد على داعٍ دعوته: حين تقام الصلاة". فيحتمل أن يراد بالنداء إقامة الصلاة كما في هذِه الرواية، لكن الظاهر أن المراد بالنداء الأذان لما روى الحاكم (¬7): "إذا نادى المنادي فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء، فمن نزل به كرب أو شدة [فليتحين] (¬8) المنادي ". أي: ينتظر بدعوته حين يؤذن ¬

_ (¬1) الأنعام: 41. (¬2) غافر: 60. (¬3) البقرة: 186. (¬4) لم أجده عند ابن خزيمة، وإنما هي عند ابن حبان (1720). (¬5) "صحيح ابن حبان" (1720). (¬6) "صحيح ابن حبان" (1764). (¬7) "المستدرك" 1/ 545. وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب" (177، 1151). (¬8) في (ر): فليتجنب.

المؤذن فيجيبه ثم يسأل الله حاجته (وعند البأس) بهمزة بعد الباء يعني الصف (¬1) في سبيل الله، كما في رواية ابن خزيمة. (حين يُلْحِمُ) بضم الياء وكسر الحاء المهملة (بعضهم بعضًا) أيْ ينشب بعضهم في بعض في الحرب كما يلحم الثوب، يقال: ألحم الرجل واستلحم إذا نشب الحرب فلم يجد مخلصًا منه، قال النووي: وفي بعض النسخ: يلجم. بالجيم، وكلاهما - ظاهر يعني: أن رواية الجيم معناها إدخال الشيء في الشيء وإنشابه به، ومنه تلجم المرأة. (قال موسى: وحدثني رزيق بن سعيد بن عبد الرحمن) المدني، ويقال: اسمه رزق، له في أبي داود هذا الحديث، وأخرجه الطبراني (¬2) وقال (¬3) في روايته عن رزيق: وليس لرزيق إلا هذا الحديث وحديث آخر منقطع، والمشهور اسمه رزيق, (عن أبي حاتم) (¬4) بن دينار. (وعن سهل، عن النبي قال: وتحت المطر) أي (¬5): ودعاء من هو تحت المطر لا يرد، أو قل ما يرد، فإنه وقت نزول الرحمة لعباده لاسيما أول مطر السنة؛ لما روى مسلم (¬6) عن أنس قال: أصابنا ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) "المعجم الكبير" (5756). (¬3) ساقطة من (ر). (¬4) بياض في (ل). (¬5) زيادة من (ل). (¬6) "صحيح مسلم" (898).

ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مطر فحسر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثوبه (¬1) حتى أصابه المطر، فقلنا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟ قال: "لأنه حديث عهد بربه". ومعناه أن المطر رحمة، وهي قريبة العهد بخلق الله تعالى، وروى الشافعي في "الأم" (¬2) بإسناده حديثًا مرسلًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اطلبوا الدعاء عند التقاء الجيوش وإقامة الصلاة ونزول الغيث"، قال الشافعي: وقد حفظت عن غير واحد طلب الإجابة عند نزول الغيث، وإقامة الصلاة. ¬

_ (¬1) زيادة من (ل). (¬2) "الأم" 2/ 554. وصححه الألباني في "الصحيحة" (1469).

42 - باب فيمن سأل الله تعالى الشهادة

42 - باب فِيمنْ سَأَلَ الله تَعالَى الشَّهادَةَ 2541 - حَدَّثَنا هِشامٌ بْنُ خالِدٍ أَبُو مَرْوانَ وابْن المُصَفَّى، قالا: حَدَّثَنا بَقِيَّةُ، عَنِ ابن ثَوْبانَ، عَنْ أَبِيهِ يَرُدُّ إِلى مَكْحُولٍ إِلى مالِكِ بْنِ يُخَامِرَ أَنَّ مُعاذَ بْنَ جَبَلٍ حَدَّثَهُمْ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقولُ: "مَنْ قاتَلَ في سَبِيلِ اللهِ فُواقَ ناقَةٍ فَقَدْ وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ وَمَنْ سَأَلَ اللهَ القَتْلَ مِنْ نَفْسِهِ صادِقًا ثُمَّ ماتَ أَوْ قُتِلَ فَإِنَّ لَهُ أَجْرَ شَهِيدٍ". زادَ ابن المُصَفَّى مِنْ هُنا: "وَمَنْ جُرِحَ جُرْحًا في سَبِيلِ اللهِ أَوْ نُكِبَ نَكْبَةً فَإِنَّها تَجيءُ يَوْمَ القِيامَةِ كَأَغْزَرِ ما كانتْ لَوْنُها لَوْنُ الزَّعْفَران وَرِيحُها رِيحُ المِسْكِ وَمَنْ خَرَجَ بِهِ خُراجٌ في سَبِيلِ اللهِ فَإِنَّ عَليْهِ طابَعَ الشُّهَداءِ" (¬1). * * * باب فيمن سأل الله تعالى الشهادة [1254] (حدثنا هشام بن خالد أبو مروان) الأزرق (و) محمد (بن المصفى، قالا: حدثنا بقية، عن) عبد الرحمن بن ثابت (بن ثوبان، عن أبيه - يرد) الحديث (إلى مكحول -) ثم (إلى مالك بن يَخَامر) بفتح الياء تحت والخاء المعجمة، بعضهم بعضا (أن معاذ بن جبل سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من قاتل في سبيل الله فُواق) بضم الفاء (ناقة) أي: قدر ما بين حلبتي الناقة كونها تحلب ثم تترك قليلًا يرضعها الفصيل لقدر (¬2) ثم تحلب، ويحتمل أن الفواق ما بين الغداة إلى ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1657)، والنسائي 6/ 25، وابن ماجه (2792)، وأحمد 5/ 235. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2291). (¬2) ساقطة من (ر).

المساء؛ لأنها تحلب في الغداة ثم تحلب في المساء، وقيل: هو ما بين رفع يدك عن الضرع حال الحلب ووضعها، وزمن القتال على هذا القول أقصر من القول الأول. (فقد وجبت له الجنة) أي: التي أعدها الله للمجاهدين أو وجب له دخول الجنة مع السابقين، وإلا فالجنة للمؤمن وإن لم يقاتل (ومن سأل الله القتل من نفسه) ورواية الترمذي (¬1): "القتل في سبيله" (صادقًا) "من قلبه" كما في رواية الترمذي (ثم مات أو قتل فله أجر شهيد) ورواية ابن حبان في "صحيحه" (¬2) بنحوه، إلا أنه قال فيه: "ومن سأل (¬3) الله الشهادة مخلصًا أعطاه الله أجر شهيد وإن مات على فراشه". أما من سأل الله الشهادة ومات على فراشه فله أجر شهيد بسؤاله الشهادة وإن لم تحصل له، وأما من قتل شهيدًا فقد حصلت له الشهادة لكن يعطى أجر شهيد زيادة على من قتل شهيدًا لم يسأل الله الشهادة قبل القتل. (زاد ابن المصفى) بضم الميم وتشديد الفاء، قال المنذري: هو عبد الله محمد بن المصفى القرشي الحمصي شيخ أبي داود (من هاهنا) أي: بعد قوله: "أجر شهيد" (ومن جُرح جَرحا) بفتح الجيم هو المصدر، وبالضم الاسم منه، وهو المراد (في سبيل الله أو نكب) بضم النون وكسر الكاف (نكبة) بسكون الكاف، هو ما يصيب الإنسان من الحوادث. الفرق بين الجرح والنكبة: أن الجرح من الكفار، والنكبة من دابته أو ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (1654). (¬2) "صحيح ابن حبان" (1764). (¬3) في (ر): يسأل.

من سلاح نفسه، والنكبة بفتح النون، هي: الصدمة، مثل العثرة التي تدمي منها الرجل إذا كانت في سبيل الله. (فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر) أي: كأكثر (ما كانت) في الدنيا يوم طعن أو عشر، والجرح أو النكبة يتفجر دمًا، وفيه أن الشهيد يبعث يوم القيامة على أحسن هيئة كان في الدنيا (لونها) أي: لون دم النكبة أو الجرح (لون الزعفران) لعل المراد به زعفران الجنة لا زعفران الدنيا. وقد يستدل بهذا الحديث على أن تغير رائحة (¬1) الماء بطول المدة يخرجه عن أصل طهارته كما هو مذهب جماعة، أو وجه الاستدلال أن الدم لما استحالت رائحته الخبيثة إلى رائحة المسك خرج عن كونه مستخبثًا نجسًا، فإنه صار مسكًا، والمسك بعض دم (¬2) الغال، فكذلك الماء إذا تغيرت رائحته خرج عن كونه طاهرًا وصار مسلوب الطهورية. (وريحها ريح المسك) قال النووي (¬3): والحكمة في مجيئه يوم القيامة كأغزر ما كانت في الدنيا أن يكون معه شاهد فضيله وبذل نفسه في طاعة الله، قال: وفيه دليل على أن الشهيد لا يزال عنه الدم بغسل ولا غيره. (ومن خرج به خُرَاج) بضم الخاء المعجمة وتخفيف الراء. هو: ما يخرج من البدن من القروح (¬4) وأكثر الأدواء والأوجاع في ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) "شرح النووي على مسلم" 13/ 21. (¬4) ساقطة من (ر).

كلام العرب ينبني منها على فعال بضم الفاء، كصداع وزكام وسعال (في سبيل الله) أي: في الجهاد الذي يبتغى به وجه الله. قال ابن بطال: ويدخل في معناه كل (¬1) جرح أو خراج وهو في سبيل بر كحج أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر (¬2). (فإن) المجروح أو المنكوب أو من به الخراج (عليه طابَعَ) [بفتح الباء الموحدة، وكسر الباء لغة فيه، هو: الخاتم يختم به على الشيء، والطابع كالخاتم والخاتم، أي: إذا جاء يوم القيامة تظهر عليه علامة الشهداء، ويختم عليه بخاتم (الشهداء)] (¬3) ليكون ذلك شاهدًا له بفضيلته وبذله نفسه ابتغاء مرضات الله. ¬

_ (¬1) أقحم بعدها في الأصول: من. (¬2) "شرح البخاري" لابن بطال 5/ 20. (¬3) ساقطة من (ر).

43 - باب في كراهة جز نواصي الخيل وأذنابها

43 - باب في كَراهةِ جَزِّ نَواصي الخيْلِ وأذْنابِها 2542 - حَدَّثَنا أَبُو تَوْبَةَ، عَنِ الهيْثَمِ بْنِ حُميْدٍ، ح وَحَدَّثَنا خُشيْشُ بْنُ أَصْرَمَ، حَدَّثَنا أَبُو عاصِمٍ، جَمِيعًا عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ نَصْرٍ الكِنانيِّ، عَنْ رَجُلٍ. وقالَ أَبُو تَوْبَةَ: عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ شيْخٍ مِنْ بَني سُليْم، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَميِّ - وهذا لَفْظُهُ - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لا تَقُصُّوا نَواصيَ الخيْلِ وَلا مَعارِفَها وَلا أَذْنابَها فَإِنَّ أَذْنابَها مَذابُّها وَمَعارِفَها دِفاؤُها وَنَواهيها مَعْقُودٌ فِيها الخيْرُ" (¬1). * * * باب كراهية جزِّ نواصي الخيل وأذنابها والجز هو القطع. [2542] (حدثنا أبو توبة، عن الهيثم بن حُميد) الغساني. [ح] (وحدثنا خُشيش) بمعجمات مصغر (بن أصْرم) بن الأسود ثقة (¬2) (حدثنا أبو عاصم) النسائي [(جميعا عن ثور بن يزيد، عن نصر الكناني، عن رجل، وقال أبو توبة: عن ثور بن يزيد، عن شيخ من بني سليم، عن] (¬3) عتبة بن عبد السلمي) بضم السين الصحابي، قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما اسمك؟ قال: عتلة. قال: أنت (¬4) عتبة، وإنما غير النبي - صلى الله عليه وسلم - اسمه؛ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 183، والبيهقي 6/ 331. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2292). (¬2) "تقريب التهذيب" (1725). (¬3) ليست في الأصول، ومستدرك من المطبوع. (¬4) في (ر): ابن.

لأن العَتلة - بفتح العين المهملة والتاء المثناة فوق - هي: الهراوة الشديدة الغليظة، يعني: التي تكسر بها الحجارة، ومنها يقال: رجل عتل، أي: شديد غليظ، والمؤمنون هينون ليّنون (¬1)؛ فكره النبي - صلى الله عليه وسلم - وسماه عتبة، ولعله من العتبى وهو الرضا، تقول: استعتبته فأعتبني أي: استرضيته فأرضاني. (أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لا تقُضوا نواصي الخيل) النواصي (¬2) جمع ناصية، والمراد بالناصية هنا (¬3): الشعر المسترسل على الجبهة، قاله الخطابي (¬4) وغيره (ولا معارفها) جمع معرفة، بفتح الميم والراء وهو الموضع الذي ينبت عليه العرف، وأظنه الشعر الذي على أعلى (¬5) رقبة الفرس، فسمى الشعر باسم محله (ولا أذنابها) ولعل النهي في هذا نهي كراهة؛ فإن الإنسان له التصرف في ملكه، لكن قد يحرم القص على أصل النهي إذا لم يكن له (¬6) غرض صحيح، ثم بين علة النهي في ذلك. (فإن أذنابها مَذابُّها) بفتح الميم والباء المشددة، جمع مِذَبة بكسر الميم وفتح الذال. وهي: ما يذب به الذباب، أي: يدفع، ومنه سمي الذباب؛ لأنه كلما ذب آب، أي: رجع، وهذا من اللف والنشر المنعكس، كقوله ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) زيادة من (ل). (¬4) "غريب الحديث" للخطابي 2/ 579. (¬5) زيادة من (ل). (¬6) ساقطة من (ل).

تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} (¬1)، ثم بدأ بالآخر فبينه بقوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ}، والمعنى أنه لا يجوز قص الشعر الذي على أذناب الخيل وما في معناها من الإبل والبقر والبغال والحمير، سواء كان في ملكه أم لا، وسواء كان أهليًّا أو وحشيًّا؛ لأن فيه إضرارًا (¬2) بالحيوان الذي له حرمة في نفسه، وقد صرح الجويني بتحريم جز الصوف من الحيوان، وكذا حلقه من الظهر ونحوه ذكره في البيوع من "الفروق"، وكما لا يجوز قص شعر الذنب لا يجوز إزالته بنتف ولا بحلق ولا بنورة ولا بغيرها. وقد يؤخذ من الحديث جواز دفع الذباب والناموس ونحوهما عن وجه الآدمي وبدنه بالمِذبة المتخذة لذلك وباليد وغيرها، وكذا عن الطعام لئلا يقع فيه الذباب فيفسده أو يتقذر من أكله الآدمي ويستدل به على استعمال المذبة وصناعتها وجواز بيعها. وإذا قلنا: لا يجوز قص شعر الذنب من الحيوان فقطع الذنب بما عليه من الشعر أولى بعدم الجواز (ومعارفَها) بالنصب (دِفاؤها) بكسر الدال: كساؤها الذي تستدفئ به، كما قال تعالى: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ} (¬3) قال الزمخشري: الدفء ما يدفأ به كما أن الملأ اسم لما يملأ به، وهو الدفأ من لباس معمول (¬4). لكن أكثر ¬

_ (¬1) آل عمران: 106. (¬2) في الأصول: إضرار. (¬3) النحل: 5. (¬4) "الكشاف" 2/ 555، تتمة كلام الزمخشري: معمول من صوف أو وبر أو شعر.

النسخ التي رأيتها: دفاؤها بكسر الدال وفتح الفاء مع المد اقتصر عليه المنذري، والمعنى أنه لا يجوز قص (¬1) معرفة الفرس ولا نتفه ولا جزه ولا إزالته بنورة وغيرها؛ لأنها تستضر به، وكذا ما في معناه من إزالة صوف الغنم عنها في وقت تستضر به، ويحتمل أن يقال: يختص النهي بالخيل؛ لأنها معقود في نواصيها الخير، ولها خصائص دون غيرها، وإذا لم يجز أخذ ما تستدفأ به الخيل عنها فالآدمي أولى بعدم الجواز من إزالة ما يستدفئ به عنه عند الحاجة إليه، وأما قول مجاهد: إن خيل الملائكة يوم بدر كانت مجزوزة الأذناب والأعراف (¬2). فقال القرطبي (¬3) [هو بعيد؛ لهذا] (¬4) الحديث. (ونواصيها) بالنصب على تقدير إعادة (أن) مع الواو العاطفة، أي: وإن نواصيها. وهذا تعليل للنهي عن قص نواصي الخيل أو إزالة الشعر المسترسل على جبهتها بجز أو نتف أو إحراق أو غير ذلك، فإنها (معقود فيها) أي: الشعر معقود فيه (الخير) بالرفع بمعقود فلا يزال ما كان فيه الخير مظفورًا، وفي "صحيح مسلم" (¬5): رأيت (¬6) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلوي ناصية فرسه بإصبعيه -أي: ليحسنها ويكرمها- ويقول: ¬

_ (¬1) في (ر): قصر. (¬2) رواه الطبري في "جامع البيان" 7/ 187 (7782). (¬3) "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 4/ 197. (¬4) في (ر): هذا يعتد بهذا. (¬5) "صحيح مسلم" (1872). (¬6) أقحم بعدها في (ر): فيها.

"الخيل معقود في نواصيها الخير"، وفي رواية الطبراني (¬1): "وفي نواصيها الخير والنيل إلى يوم القيامة"، وفي رواية لأحمد (¬2): "وأهلها معانون عليها فامسحوا بنواصيها وادعوا لها بالبركة". وفي "مراسيل أبي داود" (¬3) عن الوضين بن عطاء، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقودوا الخيل بنواصيها فتذلوها". ¬

_ (¬1) لم أجدها عند الطبراني، وهي من رواية أحمد الآتية. (¬2) "مسند أحمد" 3/ 352. قال المنذري في "الترغيب والترهيب" 2/ 168 (1959): رواه أحمد بإسناد جيد. وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (1249). (¬3) "المراسيل" لأبي داود (293).

44 - باب فيما يستحب من ألوان الخيل

44 - باب فِيما يُسْتَحَبّ منْ أَلْوان الخيْلِ 2543 - حَدَّثَنا هارُونُ بْن عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنا هِشامٌ بْن سَعِيدٍ الطّالقانيُّ، حَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ المُهاجِرِ الأنصاريُّ، حَدَّثَني عَقِيل بْنُ شَبِيبٍ، عَنْ أَبي وَهْبٍ الجَشَمِيِّ - وَكانَتْ لَهُ صُحْبَة - قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "عَليْكُمْ بِكُلِّ كُميْتٍ أَغَرَّ مُحَجَّلٍ أَوْ أَشْقَرَ أَغَرَّ مُحَجَّلٍ أَوْ أَدْهَمَ أَغَرَّ مُحَجَّلٍ" (¬1). 2544 - حَدَّثَنا محَمَّد بْن عَوْفٍ الطّائيُّ، حَدَّثَنا أَبُو المُغِيرَةِ، حَدَّثَنا محَمَّد بْن مُهاجرٍ، حَدَّثَنا عَقِيل بْنُ شَبِيبٍ، عَنْ أَبي وَهْبٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "عَليْكُمْ بِكُلِّ أَشْقَرَ أَغَرَّ مُحَجَّلٍ أَوْ كميْتٍ أَغَرَّ". فَذَكَرَ نَحْوَهُ. قالَ مُحَمَّدٌ - يَعْني: ابن مُهاجِرٍ - سَأَلْتُهُ: لِمَ فَضَّلَ الأشقَرَ؟ قالَ: لأنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ سَرِيَّهً فَكانَ أَوَّلَ مَنْ جاءَ بِالفَتْحِ صاحِبُ أَشْقَرَ (¬2). 2545 - حَدَّثَنا يَحْيَى بْن مَعِينٍ، حَدَّثَنا حُسين بْن محَمَّدٍ، عَنْ شيْبانَ، عَنْ عِيسَى بْنِ عَليٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ ابن عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يُمْنُ الخيْلِ في شُقْرِها" (¬3). * * * باب ما يستحب من ألوان الخيل [2543] (حدثنا هارون بن عبد الله) الحمال, (حدثنا هشام بن سعيد ¬

_ (¬1) رواه النسائي 6/ 218، وأحمد 4/ 345. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (440). (¬2) ضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (441)، وانظر الحديث السابق. (¬3) رواه الترمذي (1695)، وأحمد 1/ 272. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (2293).

الطالقاني، حدثنا محمد بن المهاجر الأنصاري، حدثني عَقيل بن شبيب، عن أبي وهب الجُشَميِّ) اسمه كنيته بضم الجيم وفتح الشين المعجمة نسبة إلى جشم بن الخزرج الأنصاري, (وكانت له صحبة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: عليكم) أي: من الخيل (بكل كُميْتٍ) بضم الكاف وفتح الميم، قال المنذري (¬1): الكميت هو الفرس الذي ليس بالأشقر ولا الأدهم، بل يخالط حمرته سواد (أغر) هو ما في جبهته بياض فوق الدرهم، فإن كان له قدر الدرهم فما دونه فهو الأقدح، بالقاف والحاء المهملة. (مُحجَّل) قال ابن قتيبة: المحجل أن تكون قوائمه الأربع بيضاء يبلغ البياض منها ثلث الوظيف. والوظيف بالظاء المعجمة هو مستدق الذراع والساق] (أو أشقرَ أغرَّ محجل) لون الأشقر حمرة صافية يحمر معها العرف والذنب، فإن اسودا فهو الكميت، وبعير أشقر شديد الحمرة، قال ابن قتيبة: ينسب الأشقر (¬2) إلى الصِّنَّاب (¬3) وهو الخردل بالزبيب (أو أدهمَ غيرَّ محجل) قال الجوهري (¬4): الدهمة: السواد، يقال: فرس أدهم. [2544] (حدثنا محمد بن عوف الطائي، قال: حدثنا أبو المغيرة، قال [حدثنا] (¬5) محمد بن مهاجر، قال: حدثنا عقيل بن شبيب، عن أبي ¬

_ (¬1) "الترغيب والترهيب" 2/ 169. (¬2) زيادة من (ل). (¬3) انظر: "أدب الكاتب" (ص 134) والصّنَّاب: زبيب يتخذ صباغا، يخلط بالخردل. (¬4) "الصحاح" 5/ 202. (¬5) ساقطة من (ر).

وهب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: عليكم بكل أشقر أغر محجل، أو كميت أغر محجل. فذكر نحوه، قال محمد بن مهاجر: فسألته لم فُضِّل الأشقر) فيه استحباب سؤال السامع عن العلة إذا لم يفهمها؛ فإنه داعية إلى العمل بما سمعه. (فقال: ) يعني: شيخه عقيل بن شبيب (لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث سرية) أي: قطعة من الجيش، سميت بذلك لأنها تسري بالليل, (فكان أول) بالنصب خبر مقدم و (صاحب) اسمها، ويجوز العكس (من جاء بالفتح) يعني: النصر على المشركين (صاحبُ أشقرَ) أي راكب فرس أشقر، فيه استحباب الصفات والهيئات والأزمان والأمكنة التي حصل فيها النصرة أو التوبة أو رؤية الله تعالى، أو غير ذلك من أبواب الخير وأسباب الفوز، ألا ترى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لما دخل مكة وعليه عمامة سوداء (¬1)، استحب بعضهم التعمم بالسواد، حتى كثر لبس السواد في الخطباء، ولما قيل: إن موسى عليه السلام يوم كلمه الله كان عليه جبة صوف (¬2)، كان شعار الصوفية، ولما كانت البقرة التي أمر الله موسى بذبحها كانت صفراء استحب بعضهم أن تكون الأضحية ببقرة صفراء، ولما تيب على آدم يوم الاثنين وولد فيه - صلى الله عليه وسلم - وفيه بعث، وكانت الأعمال ترتفع فيه إلى الله تعالى استحب صيامه (¬3)، إلى غير ذلك مما يكثر وجوده من يتبعه وأراد جمعه. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1358) من حديث جابر. (¬2) رواه الترمذي (1734)، وابن أبي شيبة 19/ 363 (36324). (¬3) رواه مسلم (1162/ 197) بنحوه من حديث أبي قتادة.

[2545] (حدثنا يحيى بن معين) البغدادي] (حدثنا حسين بن محمد) ابن بهرام المؤدب] (عن شيبان) بالشين المعجمة والتحتانية، أخرج له الجماعة. (عن عيسى بن علي) بن عبد الله بن عباس] (عن أبيه، عن جده) يعني: عبد الله (ابن عباس، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يُمنُ الخيل) بضم الياء وإسكان الميم، أي: بركتها وقوتها (في شُقْرها) رواية الترمذي (¬1): يمن الخيل في الشقر. تقدم أن الشقرة حمرة صافية، يحتمل أن يقال: إنما كانت الشقرة فيها البركة والقوة؛ لأن الشقرة حمرة كما تقدم، والحمرة هي لون الدم، تفاؤلًا بأن دماء الكفار التي هي على لون هذِه الخيل تظهر على سيوفنا ورماحنا، وإشارة إلى أنا لا نرجع عن العدو إلا أن نشاهد لون خيولنا على سلاحنا، ويحتمل غير ذلك، والله أعلم. ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (1695).

45 - باب هل تسمى الأنثى من الخيل فرسا

45 - باب هَلْ تُسَمَّى الأنْثَى مِن الخيْلِ فرَسًا 2546 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ مَرْوانَ الرَّقّيُّ، حَدَّثَنا مَرْوانُ بْنُ مُعاوِيَةَ، عَنْ أَبي حيّانَ التّيْميِّ، حَدَّثَنا أَبُو زُرْعَةَ، عَنْ أَبي هُريْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُسَمّي الأنْثَى مِنَ الخيْلِ فَرَسًا (¬1). [2546] [(حدثنا موسى بن مروان الرقي، حدثنا مروان بن معاوية، عن أبي حيان التيمي، حدثنا أبو زرعة] (¬2) عن أبي هريرة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسمي الأنثى من الخيل فرسًا) لما كان - صلى الله عليه وسلم - أفصح العرب جرى على تسميتهم الأنثى فرسًا بغير هاء، ولا يقول فرسة؛ لأنه لم يسمع من كلامهم، وكذا قال الجوهري (¬3): لا يقال للأنثى فرسة (¬4). وأيضًا فلما كانت الخيل تتخذ للقوة على الكفار والاختيال بركوبها عليهم وكانت الهاء للتأنيث الذي أصله الضعف واللين لم يدخلها في اسم الفرس، والله أعلم. وحكى الحافظ أبو القاسم الدمشقي عن يونس وغيره: أتانة وعجوزة وفرسة، وقيل: عقربة ودمشقة. ¬

_ (¬1) رواه ابن حبان (4680)، والحاكم 2/ 144، والبيهقي 6/ 330. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2294). (¬2) ليست في الأصول، ومستدركة من المطبوع. (¬3) في الأصول: الجوري. بإسقاط الهاء. (¬4) "الصحاح في اللغة" 3/ 95.

46 - باب ما يكره من الخيل

46 - باب ما يُكْرهُ مِنَ الخيْلِ 2547 - حَدَّثَنا محَمَّد بْن كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ سَلْمٍ - هُوَ ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ - عَنْ أَبي زرْعَةَ، عَنْ أَبي هُريْرَةَ قالَ: كانَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - يَكْرَهُ الشِّكالَ مِنَ الخيْلِ. والشِّكالُ: يَكُونُ الفَرَسُ في رِجْلِهِ اليُمْنَى بياضٌ وَفي يَدِهِ اليُسْرى بياضٌ، أَوْ في يَدِهِ اليُمْنَى وَفي رِجْلِهِ اليُسْرى. قالَ أَبُو داوُدَ: أي: مُخالِفٌ (¬1). * * * باب ما يُكره من الخيل أي من الصفات التي فيها. [2547] (حدثنا محمد بن كثير) العبدي, (أنبأنا سفيان) بن مسروق الثوري, (عن سَلْم) بفتح السين (عن أبي زرعة) وخرجه مسلم (¬2) , (عن أبي هريرة: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكره الشكال من الخيل) (و) ثم فسر (الشكال) المكروه، وهو: أن (يكون الفرس في رجله اليمنى بياض وفي يده اليسرى) أي (بياض أو في) هكذا في بعض الروايات بأو التي للتقسيم أو الشك (¬3)، وفي بعض الروايات بواو العطف، والأولى هي المشهورة الموافقة لرواية مسلم (يده اليمنى) فيها بياض, (وفي رجله اليسرى) بياض (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1875). (¬2) السابق. (¬3) زيادة من (ل). (¬4) زيادة من (ل).

(قال أبو داود) تفسير الشكال (أي) شكال (مخالف) وهذا الذي قاله أبو داود هو ما قاله ابن دريد: الشكال: أن يكون محجلًا من شق واحدة في يده ورجله، فإن كان مخالفًا قيل: شكال مخالف (¬1). قال العلماء: إنما كرهه من جهة اللفظ؛ لأنه من الشكل وهو مشعر بنقيض ما تراد الخيل له، وهذا كما قال: "لا أحب العقوق" (¬2)، ويحتمل أن يكون قد جرب ذلك الجنس فلم يكن فيه نجابة. قال بعض العلماء: وإذا كان الفرس مع ذلك أغر زالت الكراهة لزوال شبه الشكال (¬3). واعلم أن تفسير الشكال يحتمل أن يكون من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويحتمل أن يكون من تفسير الراوي. ¬

_ (¬1) "جمهرة اللغة" 2/ 877. (¬2) رواه أحمد 2/ 193، والحاكم 4/ 265 عن عبد الله بن عمرو. (¬3) انظر: "شرح النووي على مسلم" (13/ 19).

47 - باب ما يؤمر به من القيام على الدواب والبهائم

47 - باب ما يؤْمرُ بِهِ منَ القِيام علَى الدَّوابّ والبَهائِمِ 2548 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفيليُّ، حَدَّثَنا مِسْكِين - يَعْني ابن بُكيْرٍ - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْن مُهاجِرٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبي كَبْشَةَ السَّلُوليِّ، عَنْ سَهْلِ ابن الحَنْظَلِيَّةِ قالَ: مَرَّ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِبَعِيرٍ قَدْ لِحَقَ ظَهْرُهُ بِبَطْنِهِ فَقالَ: "اتَّقُوا اللهَ في هذِه البَهائِمِ المُعْجَمَةِ فارْكبُوها وَكُلُوها صالِحَةً" (¬1). 2549 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا مَهْديٌّ، حَدَّثنا ابن أَبي يَعْقُوبَ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ - مَوْلَى الحَسَنِ بْنِ عَليٍّ - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ قالَ: أَرْدَفَني رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَلْفَهُ ذاتَ يَوْمٍ فَأَسَرَّ إِليَّ حَدِيثًا لا أُحَدِّث بِهِ أَحَدًا مِنَ النّاسِ، وَكانَ أَحَبُّ ما اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لحِاجَتِهِ هَدَفًا أَوْ حائِشَ نَخْلٍ. قالَ: فَدَخَلَ حائِطًا لِرَجُلٍ مِنَ الأنصارِ فَإِذا جَمَلٌ، فَلَمّا رَأى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - حَنَّ وَذَرَفَتْ عيْناهُ، فَأَتاهُ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فَمَسَحَ ذِفْراهُ فَسَكَتَ، فَقالَ: "مَنْ رَبُّ هذا الجَمَلِ؟ لِمَنْ هذا الجَمَلُ؟ ". فَجاءَ فَتًى مِنَ الأنصارِ فَقالَ: لي يا رَسُولَ اللهِ. فَقالَ: "أَفَلا تتَّقي اللهَ في هذِه البَهِيمَةِ التي مَلَّكَكَ اللهُ إِيّاها؟ ! فَإِنَّهُ شَكَى إِليَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ" (¬2). 2550 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ سُمَى مَوْلَى أَبي بَكْرٍ، عَنْ أَبي صالِحٍ السَّمّانِ، عَنْ أَبي هُريْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "بيْنَما رَجُلٌ يَمْشي بِطَرِيقٍ فاشْتَدَّ عَليْهِ العَطَشُ فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيها فَشَرِبَ، ثُمَّ خَرَجَ فَإِذا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكلُ الثَّرى مِنَ العَطَشِ فَقالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هذا الكَلْبَ مِنَ العَطَشِ مِثْلُ الذي كانَ بَلَغَني فَنَزَلَ البِئْرَ فَمَلأَ خُفيهِ فَأَمْسَكَهُ بفِيهِ حَتَّى رَقيَ فَسَقَى الكَلْبَ فَشَكَرَ اللهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ". فَقالُوا: يا رَسُولَ اللهِ وَإِنَّ لَنا في البَهائِمِ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 180، ابن خزيمة (2545)، وابن حبان (545). وصححه الألباني في "الصحيحة" (23). (¬2) رواه مسلم (2429/ 342).

لأجرًا؟ فَقالَ: "في كُل ذاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ" (¬1). * * * باب ما يؤمر من القيام على الدواب والبهائم [2548] (حدثنا عبد الله بن محمد النُّفيلي، حدثنا مسكين بن بكير) الحراني، (حدثنا محمد بن مهاجر) الأنصاري] (عن ربيعة بن يزيد) القصير] (عن أبي كبشة السَّلولي) بفتح المهملة (عن سهل بن الحنظلية) الحنظلية أمه (قال: مرَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببعير قد لحق) تفسيره رواية ابن خزيمة في "صحيحه" (¬2): قد لصق (ظهره ببطنه) أي: من الجوع. (فقال: اتقوا الله) أي: خافوه (في هذِه البهائم المُعْجَمة) بضم الميم وفتح الجيم، سميت (¬3) بذلك لأنها لا تتكلم فتشكو ما أصابها من الجوع والمشقة، وكل من لا يقدر على الكلام فهو أعجمي ومستعجم، (فاركبوها صالحة) منصوب على الحال من المفعول. أي: اركبوها في حال كون البهيمة صالحة للركوب قادرة عليه فإذ عنتت فلا تركبوها، وكذا إذا لم تقدر على الركوب لصغر أو مرض أو نحوه لا يركبها، والتحميل في معنى الركوب، فليتق الله صاحبها في التحميل فيحرم على مستحق منفعتها من مالك أو مستأجر ونحوهما أن يحملها ما لا تطيق حمله. (وكُلُوها) أي؛ كلوا من البهائم ما يحل أكله من الأهلي والصيد في ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2363)، ومسلم (2244). (¬2) "صحيح ابن خزيمة" (2545) بلفظ: الحق). طبعة الأعظمي. (¬3) في (ر): سمعت.

حال كونها (صالحة) للأكل منها، أي: غير محرم أكلها ولا مكروه، فلا يجوز الأكل مما عينه للنذر، كما لا يجوز للمحرم أن يأكل مما صيد له ولا ما ذبحه مجوسي أو وثني ولا ما ذبحه مسلم، وليس فيه حياة مستقرة، أو فيه حياة مستقرة لكنه لم يقطع تمام الحلقوم والمريء ونحو ذلك. [2549] [(حدثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (ثنا مهدي) بن ميمون (ثنا) محمد بن عبد الله (ابن أبي يعقوب) الضبي (عن الحسن بن سعد مولى الحسن بن علي) بن أبي طالب] (¬1) (عن عبد الله بن جعفر) بن أبي طالب: ([قال: ] (¬2) أردفني رسول الله خلفه ذات يوم) فيه جواز الإرداف على الدابة إذا كانت تطيق ذلك، وكثرة تواضعه - صلى الله عليه وسلم - ورفقه بمن معه لاسيما إن كان من أقاربه، وأن صاحب الدابة أحق بمقدمها. (فأسر إليَّ حديثًا) فيه دليل على جواز المناجاة مع حضور ثلاثة فأكثر؛ لأنه لا يكون سرًّا إلا مع حضور غيره، وورود النهي أن يتناجى اثنان دون الثالث (¬3)، فيحتمل على أنه كان معه جماعة (لا أحدث به أحدًا من الناس) فيه دليل على استحباب كتمان السر إذا كان فيه مصلحة، لاسيما إذا كان المتكلم كبير القدر. (وكان أحب) بالرفع (ما استتر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحاجته) أي: لقضاء حاجته. فيه دليل على استحباب الكناية عما يستقذر منه إلا لحاجة (هَدَفًا) بمفتوحات، وهو كل ما كان له شخص مرتفع من بناء وغيره (أو ¬

_ (¬1) زيادة من (ل). (¬2) زيادة من "سنن أبي داود". (¬3) رواه البخاري (6288) من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما -.

حَائش) بالحاء المهملة وبالشين المعجمة ممدودًا (نخل) هو جماعة النخل الصغار ولا واحد له من لفظه. وهذا مما يستدل به على أنه يستحب من أراد قضاء الحاجة أن يستتر عن العيون، فإن وجد حائطًا أو كئيب رمل أو شجرًا أو بعيرًا استتر به، فإن لم يجد شيئًا أبعد حتى لا يراه أحد. (قال: فدخل حائطًا) يعني: بستانًا؛ [سمي بذلك] (¬1) لأنه يحوط ما فيه من الأشجار وغيرها (لرجل من الأنصار) أي: يعرفه، وفيه دليل على دخول ملك غيره إذا كان يعلم أو يغلب على ظنه أنه راضٍ بذلك، (فإذا) هذِه هي إذا الفجائية (جمل) أي: عند الباب كما في رواية, (فلما رأى) الجمل (النبي - صلى الله عليه وسلم - حَنَّ) إليه (وذَرَفَت) بفتح الذال المعجمة والراء (عيناه) أي: سأل منها الدمع حين رآه، وفي رواية (¬2): حتى ابتل ما حوله من الدموع. وهذا من معجزاته - صلى الله عليه وسلم - الدالة على صدق نبوته. (فأتاه النبي) - صلى الله عليه وسلم - تواضعًا منه، (فمسح ذِفْراه) مفرد، وفي بعضها: ذفريه. هكذا بغير تاء بكسر الذال المعجمة وإسكان الفاء مقصور، فقلبت الألف منه ياء. والذفرى هو: الموضع الذي يعرق منه البعير خلف الأذن، والألف فيه للتأنيث وهو أول ما يعرق منه، وهذا من كمال شفقته - صلى الله عليه وسلم - (فسكت) أي: سكن ما به (وقال: من ربُّ هذا الجمل؟ ) أي: مالكه. فيه دليل على أن الرب إذا كان مضافًا يطلق على غير الله فيقال: من رب الدار؟ ورب المال، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - في ¬

_ (¬1) زيادة من (ل). (¬2) رواية أحمد في "المسند" 4/ 172، والطبراني في "الكبير" 22/ 275 (705).

الحديث الصحيح في ضالة الإبل: "دعها حتى يلقاها ربها" (¬1). فأما إذا كان معرفًا بالألف واللام فلا يطلق إلا على الله خاصة، ويكره أن يقول المملوك لمالكه: ربي. بل سيدي. (لمن هذا الجمل؟ ) لعله كرر السؤال عن مالكه لشدة اعتنائه بمعرفته وكثرة شفقته على الجمل, (فجاء فتى من الأنصار) وفي رواية لأحمد (¬2): فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "انظر من هذا الجمل؟ إن له لشأنًا"، قال: فخرجت ألتمس صاحبه فوجدته لرجل من الأنصار فدعوته له، فقال: "ما شأن جملك"، فقال: وما شأنه؟ لا أدري والله ما شأنه؟ ! عملنا عليه ونضحنا عليه حتى عجز عن السقاية فائتمرنا البارحة أن ننحره ونقسم لحمه قال: "فلا تفعل". قلت: وفي هذِه الرواية فائدة جليلة وهو أن الجمل أو الفرس إذا زمن أو عجز عن العمل لا يجوز ذبحه إلا أن يريد أكله، أما ذبحه لأجل جلده دون أكله فلا، وقد صرح بذلك أصحابنا, (فقال: ) هو (لي يا رسول الله، قال) له: (أفلا تتقي الله في هذِه البهيمة) سميت بهيمة لأنها استبهمت عن الكلام واستغلق عليها فلا تقدر عليه. وقال الأزهري (¬3): البهيمة في اللغة معناها المبهمة عن العقل والتمييز. والمعنى: خافوا الله في هذِه البهائم التي لا تتكلم فتُسألوا ما بها من ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (2438). (¬2) "مسند أحمد" 4/ 170. (¬3) "تهذيب اللغة" 2/ 344 بتصرف.

الجوع والعطش والتعب والمشقة. وفيه الأمر بالقيام بحقوقها الواجبة والمندوبة من العلف والسقي الذي يكفيها، أو تمكينها من الرعي، فإن امتنع أجبره الحاكم على الواجب من ذلك. وقال أبو حنيفة (¬1): لا يجبره السلطان، بل يأمره به (¬2) كما يأمره بالمعروف وينهاه (¬3) عن المنكر؛ لأن البهيمة لا يثبت لها حق من جهة الحكم؛ لأنها لا تتكلم ولا يصح منها الخصومة ولا يقتص (¬4) منها خصم، فصارت كالزرع والشجر والجواب عن قول أبي حنيفة: أن البهيمة حيوان تجب نفقته كالعبد، فكان للسلطان إجباره عليه، بخلاف الزرع والشجر؛ فإنه لا يجب سقيه، لكن يكره ترك سقي الزرع والشجر عند الإمكان. (التي ملكك الله إياها) فيه دليل على أنه إذا وجد في دار الآدمي أو بستانه شيئًا من حيوان أو غيره وادعى أنه ملكه حكم له به (¬5) بمجرد دعواه إذا لم يكن له منازع، ولهذا حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه ملكه من غير بينة. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ملكك الله إياها" أي: أنعم عليك به فلا تقابل نعمة الله بمعصيته، بل بالشكر والإحسان إلى ما أنعم عليك به، ثم ذكر بيان ذلك فقال: (فإنه شكا إلي) وفيه دليل على صحة الدعوى من الأخرس بالإشارة ¬

_ (¬1) انظر: "البحر الرائق" 5/ 168. (¬2) زيادة من (ل). (¬3) زيادة من (ل). (¬4) في (ر): ينتصب، والمثبت من (ل). (¬5) ساقطة من (ر).

المفهمة للحاكم، وإن لم يفهمها المدعى عليه، كما يصح بيعه وإقراره وإجارته وسائر العقود والفسوخ. (أنك تُجيعه) وفي رواية لأحمد (¬1) عن يعلى بن مرة: فإنه شكى كثرة العمل وقلة العلف (وتُدْئِبُه) بضم التاء وإسكان الدال المهملة وكسر الهمزة بعدها ثم باء موحدة، أي: تكده وتتعبه في العمل، قال الجوهري (¬2): دأب فلان في عمله، أي: جد وتعب، وأدأبته أنا. [2550] [(حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، عن مالك، عن سُميّ مولى أبي بكر، عن أبي صالح) ذكوان] (¬3) (السمان، عن أبي هريرة: أن رسول الله قال: بينما رجل يمشي بطريق) فيه دليل على جواز المشي في الطرق المسبلة [التي أمر الله بالمشي فيها في قوله تعالى: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} (¬4) قال مجاهد (¬5): أي: في طرقها. ففي المشي في الطرق المسلوكة فوائد كثيرة. (فاشتد عليه العطش) وفي رواية في الصحيحين (¬6): فاشتد عليه الحر. وهو الموجب للعطش مع المشي (فوجد بئرًا) يعني: في طريقه، وهذا من فوائد المشي في الطرق (فنزل فيها فشرب) فيه دليل على جواز النزول في ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 4/ 173. (¬2) "الصحاح في اللغة" 1/ 140. (¬3) ساقط من (ل). (¬4) الملك: 15. (¬5) "تفسير الطبري" 23/ 512. (¬6) البخاري (2363)، مسلم (2244).

الآبار التي توجد في الطرق المسَبلة] (¬1) والشرب منها اعتمادًا على العادة المعروفة القائمة مقام الإذن اللفظي من المستحق، وكذا يجوز الشرب وسقي الدواب من الجداول والأنهار المملوكة إذا كان الشرب لا يضر بمالكها إقامة للعرف مقام الإذن اللفظي. (ثم خرج) منه (فإذا كلب يلهث) قال الجوهري (¬2): لهث الكلب بفتح الهاء إذا أخرج لسانه من التعب أو العطش، قال الله تعالى: {كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} (¬3) أي: إن حملت عليه نبح عليك وولى، وإن تركته شد عليك ونبح. و (يأكل الثرى) بالقصر، وهو: التراب الندي (من) شدة (العطش) لتصل برودة التراب الندي إلى جوفه. (فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب) بالنصب مفعول مقدم (من العطش مثل) بالرفع فاعل (الذي كان بلغني) رواية مسلم: "مثل الذي كان بلغ مني" (¬4) زاد ابن حبان في روايته (¬5): "فرحمه", (فنزل البئر فملأ خفه) وفي رواية ابن حبان (¬6): "فنزع أحد خفيه" (فأمسكه بفيه حتى رقي): بكسر (¬7) القاف على اللغة الفصحى المشهورة، وحكي فتحها، وهي ¬

_ (¬1) زيادة من (ل). (¬2) "الصحاح في اللغة" 1/ 315. (¬3) الأعراف: 176. (¬4) "صحيح مسلم" (2244/ 153). (¬5) "صحيح ابن حبان" (544). (¬6) هذِه اللفظة في زوائد ابن حبان (859). (¬7) أقحم قبلها: (قال ابن بطال). وليس في "شرحه"، وإنما هو قول النووي، كما يأتي.

لغة طيء في كل ما أشبهه، قاله النووي (¬1). ويقال: رقي بكسر القاف من الارتقاء، ورقى بفتحها من الرقية. (فسقى الكلب) قال ابن بطال في "شرح البخاري" في كتاب الوضوء (¬2): قال المهلب: فيه دليل على طهارة سؤر الكلب؛ لأن الرجل ملأ خفه وسقاه به، ولا شك أن سؤره بقي فيه، واستباح لباسه في الصلاة وغيرها دون غسله؛ إذ لم يذكر في الحديث أنه غسله. وقال غيره: وفيه وجه آخر، وهو أن في بعض طرق البخاري: "فأخذ الرجل خفه فجعل يغرف له به حتى أرواه" (¬3) وذلك يدل على أن تكرر فعله في تناوله من الماء حتى أرواه مرة بعد أخرى، ولو كان سؤره نجسًا لأفسد البئر بذلك. (فشكر الله له فغفر له) قال النووي (¬4): معناه قبل عمله وأثابه وغفر له. (فقالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم لأجرًا) فيه سؤال المستفتي للمفتي عما أبهم عليه في الفتوى ولم يتضح له معناه، وفيه تسمية الكلب بهيمة فإن طباعه مركبة من طباع السبعية والبهيمية، فلو تم له طباع السبعية ما ألف الناس، ولو تم له طباع البهيمية ما أكل الجيف. (قال: في كل ذات كبد رَطْبة أجرٌ) رواية أحمد (¬5) وابن حبان في "صحيحه" (¬6): "في ¬

_ (¬1) "شرح النووي على مسلم" 14/ 242. (¬2) "شرح صحيح البخارى" 1/ 267. (¬3) "صحيح البخاري" (173). (¬4) "شرح النووي على مسلم" 14/ 242. (¬5) "مسند أحمد" 2/ 375. (¬6) "صحيح ابن حبان" (544).

كل ذات كبد حرى أجر"، وفيه: "فشكر الله له فأدخله الجنة". قال النووي (¬1): والمعنى: أن في الإحسان إلى كل حيوان أجر حتى سقيه وإطعامه ونحوهما أجر، وسمي الحي ذا كبد رطبة؛ لأن الميت يجف جسمه وكبده. وفي هذا الحديث الحث على الإحسان إلى الحيوان المحترم وهو ما لم يؤمر بقتله، فأما المأمور بقتله فيمتثل أمر الشارع في قتله، والمأمور بقتله كالكافر الحربي والمرتد والكلب العقور والفواسق الخمس وما في معناهن، انتهى كلام النووي. قال ابن بطال (¬2): وفي كل كبد رطبة أجر، سواء كان مأمورًا بقتله أو غير مأمور، قال: وكذلك يجب أن يكون في الأسرى من الكفار؛ لأن التعطيش والتجويع تعذيب، والله تعالى لا يريد أن يعذب خلقه، بل يمتثل فيهم فعله من الإحسان على عاصيهم. ¬

_ (¬1) شرح النووي على مسلم" 14/ 241. (¬2) "شرح صحيح البخاري" 1/ 268.

48 - باب في نزول المنازل

48 - باب في نُزُولِ المَنازل 2551 - حَدَّثَنا محَمَّد بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَني محَمَّد بْن جَعْفَرٍ، حَدَّثَنا شعْبَةُ، عَنْ حَمْزَةَ الضَّبي قالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مالِكٍ قالَ: كُنّا إِذا نَزَلْنا مَنْزِلاً لا نُسَبِّحُ حَتَّى نَحُلَّ الرِّحالَ (¬1). * * * باب نزول المنازل [2551] (حدثنا محمد بن المثنى) العنزي (حدثني محمد بن جعفر) غندر (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي (عن حمزةَ) بن عمرو (الضبيِّ، عن أنس قال: كنا) أي: مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، واختلفوا فيه، فقال ابن الصباغ في "العدة": الظاهر أنه من قبيل المرفوع. (إذا نزلنا منزلاً لا نسبح) يريد لا نصلي سبحة الضحى، ولا تحية (¬2) النزول (حتى نَحُط) بفتح النون وضم الحاء، أي: حتى ننزل (الرحال) عن ظهور المطي ونحطها عنها، من قولهم: حل بالمكان يحل إذا نزل فيه وحط رحله (¬3)، قال الله تعالى: {أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ} (¬4)، وفي الحواشي للمنذري: وقد يقال: إن لفظة لا النافية سهوًا، والصواب كنا إذا نزلنا منزلاً [نسبح حتى نحل الرحال، رواه غير واحد من الثقات، ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق (9263)، والطبراني في "الأوسط" (1376). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2299). (¬2) في (ر): يحل. (¬3) زيادة من (ل). (¬4) الرعد: 31.

ورواه ابن السني، ولفظه (¬1): كنا إذا نزلنا] (¬2) سبحنا حتى نحل الرحال. ثم قال: قال شعبة: يعني: سبحنا باللسان، أي: إلى أن نفرغ من حط الرحال، ومعناه: كنا (¬3) نشتغل بالصلاة تحية (¬4) المنزل والتنفل ونحو ذلك حين يحط أصحاب الرحال رحالهم، ثم نجتمع فنشتغل ببعض ما يشتغل به المسافرون إذا خلوا من تهيئة الطعام. لكن الذي رأيناه في النسخ المعتمدة: لا نسبح. بزيادة لا النافية، وهو أقرب إلى المعنى؛ فإن تأخير سبحة النافلة له فوائد منها: أن فيه راحة البهائم التي لم تصل إلى المنزل إلا وقد حصل لها التعب الكبير، فاشتغاله بالصلاة فيه تأخير بالحط عن الدواب بخلاف ما إذا اشتغل الجميع بالحط، ولأن حط أصحاب الرحال رحالهم وصيحتهم للحط يشغل خاطر المصلي. وفيه دليل على أن النوافل المطلقة مستحبة في السفر [كما هي في الحضر قال النووي (¬5): وقد أتفق الفقهاء على استحباب النوافل المطلقة في السفر] (¬6). واختلفوا في النوافل الراتبة، فتركها ابن (¬7) عمر، وقال (¬8): لو كنت مسبحًا أتممت صلاتي (¬9). وتبعه آخرون، واستحبها الشافعي وأصحابه والجمهور. ¬

_ (¬1) "عمل اليوم والليلة" (528). (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) في (ر): حتى. (¬4) في (ر): عند. (¬5) "شرح النووي على مسلم" 5/ 198. (¬6) ساقط من (ر). (¬7) في (ر): أبو. (¬8) في (ر): وقالوا. (¬9) "صحيح مسلم" (689).

49 - باب في تقييد الخيل بالأوتار

49 - باب في تَقْييد الخيْلِ بِالأَوْتارِ 2552 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَبّادِ بْنِ تَمِيمٍ، أَنَّ أَبا بَشِيرٍ الأَنْصاريَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في بَعْضِ أَسْفارِهِ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَسُولاً - قالَ عَبْدُ اللهِ ابْنُ أَبي بَكْرٍ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قالَ - والنّاسُ في مَبِيتِهِمْ: "لا يُبْقيَنَّ في رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلادَةٌ مِنْ وَتَرٍ وَلا قِلادَةٌ إِلَّا قُطِعَتْ". قالَ مالِكٌ: أَرى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ العيْنِ (¬1). * * * باب في تقليد الخيل الأوتار [2552] (حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، عن مالك، عن عبد الله ابن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم) الأنصاري (عن عباد بن تميم) بن غزية (أن أبا بَشِير) بفتح الباء الموحدة وكسر الشين المعجمة (الأنصاري) المدني، أدرك الحرة وجرح جراحات ومات بعد ذلك، قيل: اسمه قيس ابن عبيد. (أخبره أنه كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره) فيه فضيلة لأبي بشير بمسافرته مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومشاهدة (¬2) لأحواله في السفر (فأرسل رسول الله رسولاً) أي: يخبر (¬3) من في الركب بأنه لا يبقين (¬4) في رقبة بعير زيادة من وتر. (قال عبد الله بن أبي بكر) محمد بن عمرو الراوي ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3005)، ومسلم (2115). (¬2) كذا في (ل) , (ر)، ولعل الصواب: ومشاهدته. (¬3) ساقطة من (ر). (¬4) في (ر): يتعين، والمثبت من (ل).

عن عباد بن تميم الأنصاري. (حسبت أنه) يعني: عبادًا (قال: والناس في مبيتهم) أي: أرسل الرسول حين كان الناس في مبيتهم، وإنما أمر بذلك في حال النزول ليكون أيسر من قطع القلائد في حال السير، فإن النازل يتمكن من الفعل أكثر من السفر، وهو أرفق بالدواب وأصحابها (لا يبقين) يبقين بضم أوله وتشديد القاف والنون (في رقبة بعير زيادة) بل تقطع أو تحل إن تيسر؛ لأن القطع فيه نوع إتلاف، ثم بين أدن المراد ليس هو قطع القلادة مطلقًا، بل إن كانت (من وتر) قال محمد بن الحسن، وغيره (¬1): لا يقلدونها أوتار القسي؛ لئلا تضيق (¬2) على عنقها فتخنقها وتتأذى الدواب بذلك. وقال النضر (¬3): معناه: لا تطلبوا الرحول (¬4) التي وترتم بها في الجاهلية. يعني: إن كانت مصنوعة من الأنعام التي ذبحت لغير الله فهي نجسة، فنهى عنها لنجاستها، وأن الأوتار من حديد، فيحرم استعماله، والله أعلم. وقال وكيع (¬5): معناه: لا تركبوها في الفتن خشية أن تطالب بها وترًا فتطالب به (ولا زيادة [إلا قطعت]) (¬6) رواية مسلم (¬7)، وللبخاري (¬8): ¬

_ (¬1) "غريب الحديث" لابن سلام 2/ 2. (¬2) في (ر): يطبق. (¬3) "غريب الحديث" لابن الجوزي 2/ 451. (¬4) في (ر): الدخول. (¬5) "التمهيد" (17/ 165). (¬6) ليست في (ر)، ومستدركة من المطبوع. (¬7) "صحيح مسلم" (2115) (¬8) "صحيح البخاري" (3005).

"من وتر أو قلادة"، وعلى كلا الروايتين فقلادة مرفوع معطوف على قلادة الأولى، وعلى رواية مسلم فمعناه: أن الراوي شك، هل قال شيخه: قلادة من وتر، فقيد القلادة بأنها من وتر أو قال: قلادة، فأطلق ولم يقيد بالوتر، وهي مبينة لرواية أبي داود. (قال مالك) يعني: ابن أنس كما نسبه صاحب "الغريبين" (¬1) (أُرى) بضم الهمزة أي: أظن (أن ذلك) النهي؛ لأنهم كانوا يقلدونها أوتار القسي (من أجل) إصابة [(العين)] (¬2) فأمرهم بقطعها ليعلم أن الأوتار لا ترد من أمر الله شيئًا، وعلى هذا فالنهي مختص بمن فعل ذلك بسبب دفع ضرر العين؛ لئلا يظن أنها ترد القدر ولا يجوز اعتقاد هذا، أما من فعله لغير ذلك من زينة أو غير ذلك فلا بأس. قال ابن بطال (¬3): ولا بأس بتعليق التمائم (¬4) والخروز التي فيها الدعاء، والرقى بكتاب الله عند جميع العلماء؛ لأن ذلك من التعوذ بالله تعالى، قال: وقد سئل عيسى بن يسار عن زيادة ملونة بها خرز يعلقها الرجل على فرسه للجمال، فقال: لا بأس بذلك إذا لم تجعل للعين. ¬

_ (¬1) هو لأبي عبيد الهروي (ت 401 هـ)، والكلام في "غريب الحديث" لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي (ت 224 هـ) 2/ 2. (¬2) في (ر): العنق. (¬3)، شرح صحيح البخاري" 5/ 159. (¬4) في (ر): البهائم.

50 - باب إكرام الخيل وارتباطها والمسح على أكفالها

50 - باب إِكْرامِ الخيْلِ وارْتِباطِها والمَسْحِ عَلَى أَكْفالِها 2553 - حَدَّثَنا هارُونُ بْن عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ سَعِيدٍ الطّالقانيُّ، أَخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُهاجِرِ، حَدَّثَني عَقِيلُ بْن شَبِيبٍ، عَنْ أَبِي وَهْبٍ الجُشَميِّ - وَكانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ - قالَ: قالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ارْتَبِطُوا الخيْلَ وامْسَحُوا بِنَواصِيها وَأَعْجازِها". أَوْ قالَ: "أَكْفالِها". "وَقَلِّدُوها، وَلا تُقَلِّدُوها الأَوْتارَ" (¬1). * * * [باب إكرام الخيل وارتباطها والمسح على أكفالها] (¬2) [2553] (حدثنا هارون بن عبد الله) الحمال (حدثنا هشام بن سعيد الطالقاني، أنبأنا محمد بن المهاجر) الأنصاري (حدثني عقيل بن شبيب، عن أبي وهب) اسمه كنيته (الجُشَمي) بضم الجيم وفتح المعجمة، (وكانت له صحبة) قيل: إنه أبو وهب الجيشاني، والصواب أن الجيشاني تابعي والجشمي صحابي. (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ارتبطوا الخيل) رواه النسائي (¬3) وفي أوله: "تسموا بأسماء الأنبياء، وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن". وارتبطوا الخيل، أي: اربطوها على ثغر من ثغور المسلمين من وراء عوراتهم (وامسحوا بنواصيها) أي: ما عليها من الغبار والأذى، فإن البركة في نواصيها. ¬

_ (¬1) رواه النسائي 6/ 218، وأحمد 4/ 345. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (2301). (¬2) ساقط من (ر) وطمس بهامش (ل)، والمثبت من المطبوع. (¬3) "سنن النسائي" (3565).

وفي الصحيحين (¬1) عن أنس: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "البركة في نواصيها". وفي "مسند أحمد" (¬2): "امسحوا بنواصيها وادعوا لها بالبركة". ولعل هذا المسح مخصوص بالخيل، فقد قال الزمخشري (¬3): جاء في الحديث: إن الشيطان لا يقرب صاحب فرس ولا دار فيها فرس عتيق (¬4). وروي أن صهيل الخيل يرهب الجن (¬5). (وأعجازها أو قال) هذا شك من الراوي، هل سمع من شيخه أعجازها أو (وأكفالها) رواية النسائي: "وامسحوا بنواصيها وأكفالها" (¬6) من غير شك، وفي "صحيح ابن حبان" (¬7) عن فضالة بن عبيد، قال: غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة تبوك، فشكوا إلى رسول ¬

_ (¬1) البخاري (2851)، مسلم (1874). (¬2) 3/ 352. (¬3) "الكشاف" 2/ 221. (¬4) موضوع. أخرجه الحارث في "مسنده" (652)، ومن طريقه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" (5591)، والطبراني في "المعجم الكبير" (506)، وابن قانع في معجم الصحابة 2/ 295، وغيرهم من طرق عن سعيد بن سنان، عن ابن المليكي، عن أبيه، عن جده به. قال ابن كثير في تفسيره 4/ 82: وهذا الحديث منكر، لا يصح إسناده ولا متنه. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 7/ 150: فيه مجاهيل. وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (3475): موضوع. (¬5) لم أجده. وقال الحافظ الزيلعي في تخريج "أحاديث الكشاف" 2/ 34: غريب. (¬6) "المجتبى" 6/ 218. (¬7) "صحيح ابن حبان" (4681)، ورواه أيضًا أحمد 6/ 20.

الله [ما بظهرهم] (¬1) من الجهد، فتحين بهم مضيفًا سار الناس فيه وهو يقول: "مروا باسم الله"، فجعل ينفخ بظهورهم وهو يقول: "اللهم احمل عليهم في سبيلك، فإنك تحمل على القوي والضعيف". (وقلدوها) الأمر بالتقليد في هذِه الرواية يبين النهي عن التقليد في الرواية الأولى إنما يراد به زيادة من وتر، وأما القلادة من غير الوتر فأدنى مراتب الأمر أن يكون للاستحباب؛ لأنها من زينة الخيل، واستحسان آلة الخيل داخل في قوله تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (¬2) أي: باستحسان الخيل والمغالاة في أثمانها واستحسان آلتها. (ولا تقلدوها الأوتار) قال الخطابي (¬3): إنما نهى عن ذلك من أجل الأجراس التي تعلق فيها عند شدة الركض. قيل الأوتار جمع وتر بكسر الواو، وهو الدم وطلب الثأر، أي: اجعلوا ذلك لازمًا لها لزوم القلائد للأعناق. ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) الحج: 32. (¬3) "معالم السنن" للخطابي 2/ 249.

51 - باب في تغليق الأجراس

51 - باب في تَغلِيقِ الأَجْراس 2554 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ عُبيْدِ اللهِ، عَنْ نافِعٍ، عَنْ سالِمٍ، عَنْ أَبي الجَرّاحِ مَوْلَى أُمِّ حَبِيبَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لا تَصْحَبُ المَلائِكَةُ رُفْقَةً فِيها جَرَسٌ" (¬1). 2555 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن يُونُسَ، حَدَّثَنا زُهيْرٌ، حَدَّثَنا سُهيْل بْنُ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُريْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَصْحَبُ المَلائِكَةُ رُفْقَةً فِيها كَلْبٌ أَوْ جَرَسٌ" (¬2). 2556 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْن رافِعٍ، حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي أُويْسٍ، حَدَّثَني سُليْمانُ بْن بِلالٍ، عَنِ العَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُريْرَةَ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قالَ في الجَرَسِ: "مِزْمارُ الشّيْطان" (¬3). * * * باب في تعليق الأجراس [2554] (حدثنا مسدد، حدثنا يحيى) القطان (عن عبيد الله، عن نافع، عن سالم، عن أبي الجراح) الزبير (مولى أم حبيبة، عن أم حبيبة) رملة بنت أبي سفيان، هاجرت مع زوجها عبيد الله بن جحش إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية فولدت له حبيبة، وبها كانت تكنى. (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تصحب الملائكة) أي: ملائكة الرحمة ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 327، والنسائي في "الكبرى" (8811)، والدارمي (2717). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2302). (¬2) رواه مسلم (2113). (¬3) رواه مسلم (2114).

والاستغفار، وأما الحفظة فيدخلون في كل بيت ولا يفارقون بني آدم في حال؛ لأنهم مأمورون بإحصاء أعمالهم وكتابتها (رفقة فيها جرس) بفتح الراء، وهو معروف، هكذا ضبطه أكثر الجمهور. قال القاضي (¬1): وضبطناه عن أبي بحر بإسكان الراء، وهو اسم الصوت، وأصل الجرس بالإسكان الصوت الخفي. وفيه كراهة استصحاب الجرس في الأسفار، وسبب منافرة الملائكة للجرس أنه تشبيه بالنواقيس، أو لأنه من المعاليق المنهي عنها. [2555] (حدثنا أحمد بن يونس) بن صالح السمان (عن زهير، حدثنا سهيل) بن [أبي صالح] (¬2) ذكوان ([عن أبيه] (¬3) عن أبي هريرة قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: لا تصحب الملائكة رفقة) بضم الراء وكسرها، والضم أشهر (فيها كلب أو جرس) فيه كراهة استصحاب الكلب والجرس في الأسفار؛ لأن الملائكة لا تصحب رفقة فيها أحدهما، وهذِه الكراهة كراهة تنزيه. وقال جماعة من متقدمي علماء الشام: يكره الجرس الكبير دون الصغير (¬4). وهذِه الكراهة تزول بإزالة الجرس والكلب، فلو سد الجرس حتى لم يبق له صوت هل تزول الكراهة؟ قلت: إن عللناه بأنه مزمار الشيطان فتزول بزوال الصوت، وإن ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" 6/ 641. (¬2) في النسخ: (عبد الله) والمثبت هو الصواب. (¬3) ساقط من (ر). (¬4) انظر: "إكمال المعلم" 6/ 641، "شرح النووي على مسلم" 14/ 95.

عللناه بأنه من المعاليق فلا، أما إذا بطلت منفعته برضخ وغيره حتى زال (¬1) عن هيئته زالت الكراهة قطعًا. ويستحب للأمير ومن في معناه أن يأمر بإزالته ويكون ذلك عند نزولهم في المبيت كما تقدم في زيادة الوتر، فإن لم يتمكن المسافر من إزالته فيستحب أن يقول: اللهم إن هذا مكروه لا أستطيع إبطاله فلا تحرمني بركة موافقة الملائكة. وينكر ذلك بقلبه ولا ينظر إلى (¬2) ذلك (¬3). [2556] (حدثنا محمد بن رافع، أنبأنا أبو بكر بن أبي أويس) عبد الحميد] (حدثنا سليمان بن بلال، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال) في الجرس (: مزمار الشيطان) هذا يدل على أن سبب الكراهة كونه مزمار الشيطان، وعلى هذا فعلى من سمعه أن يضع أصبعيه في أذنيه؛ لئلا يسمع، وقد صرح أصحابنا بأنه لو كان في جواره ملا؛ محرمة لا يمكنه إزالتها لا يلزمه النقلة، ولا يأثم بسماعها إلا عن قصد، ويأثم بالاستماع، لا (¬4) بالسماع من غير قصد. ¬

_ (¬1) في (ر): زاله. (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) زاد هنا في (ر): بقلبه. (¬4) ساقطة من (ر).

52 - باب في ركوب الجلالة

52 - باب في رُكُوبِ الجَلالَّةِ 2557 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ، عَنْ أيّوبَ، عَنْ نافِعٍ, عَنِ ابن عُمَرَ قالَ: نُهيَ عَنْ رُكُوبِ الجَلالَّةِ (¬1). 2558 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن أَبي سُريْجٍ الرّازيّ، أَخْبَرَني عَبْدُ اللهِ بْنُ الجَهْمِ، حَدَّثَنا عَمْرُو - يَعْني ابن أَبي قيْسٍ - عَنْ أيّوبَ السَّخْتِيانيِّ، عَنْ نافِعٍ, عَنِ ابن عُمَرَ قالَ: نَهَى رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عنِ الجَلالَّةَ في الإِبِلِ أَنْ يُرْكَبَ عَليْها (¬2). * * * باب ركوب الجلالة بفتح الجيم وتشديد اللام، ويقال لها: الجالة، وهي التي تأكل الجلة [بفتح الجيم] (¬3) وهي البعر، ثم قيل للعذرة: جلة على التشبيه. [2557] (حدثنا مسدد، حدثنا عبد الوارث، عن أيوب) السختياني (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر قال: نُهِيَ) بضم النون وكسر الهاء (عن ركوب الجلَّالة) فيه دليل على كراهة ركوب الدابة التي تأكل الجلة، سواء كانت ناقة أو ما في معناها إذا لم يكن بينه وبينها حائل، فإن حال بينهما حائل كسرج فلا كراهة. ولا خلاف أن الركوب عليها ليس بحرام، سواء أصابه شيء من ¬

_ (¬1) رواه الحاكم 2/ 34 - 35، والبيهقي 9/ 333. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود "2305). (¬2) انظر الحديث السابق. (¬3) ساقطة من (ر).

عرقها أم لا. [2558] (حدثنا أحمد بن أبي سُريج) بضم المهملة (الرازي، أخبرني عبد الله بن الجهم) الرازي، صدوق (¬1) (حدثنا عمرو يعني ابن أبي قيس) الأزرق الرازي (عن أيوب السختياني، عن نافع، عن ابن عمر قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الجلالة في الإبل أن يُركب عليها) والكراهة تناط بالتي أكثر أكلها العذرة، وعبارة كثير من الأئمة: ما تأكل العذرة اليابسة. والأصح أن اليبس ليس بقيد، ورواية البزار (¬2) عن ابن عمر أيضًا: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكل لحوم الجلالة، وأن يشرب ألبانها، وأن يحمل عليها. وإذا قلنا بكراهة الركوب دون حائل فلو علفت طاهرًا مع حبسها عن النجاسات زالت الكراهة. قال الماوردي (¬3): تعلف الإبل أربعون يومًا، والبقر ثلاثون يومًا. وإذا قلنا بالكراهة فالمراد بالنجاسة النجاسة العينية، أما لو (¬4) علفت طاهرًا متنجسًا بنجاسة عارضة فلا (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: "الكاشف" 2/ 78. (¬2) "مسند البزار" (5839). (¬3) "الحاوي في فقه الشافعي" 5/ 385. (¬4) ساقطة من (ر). (¬5) ساقطة من (ر).

53 - باب في الرجل يسمي دابته

53 - باب في الرَّجُلِ يُسَمّي دابَّتَهُ 2551 - حَدَّثَنا هَنّادُ بْنُ السَّريِّ، عَنْ أَبي الأحوَصِ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ ميْمُونٍ، عَنْ مُعاذٍ قالَ: كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى حِمارٍ يُقالُ لَهُ عُفيرٌ (¬1). * * * باب في الرجل يُسمِّي دابته [2559] [(حدثنا هناد بن السري، عن أبي الأحوص، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون] (¬2) عن معاذ قال: كنت رِدْف) بكسر الراء وكسر الدال، قال النووي (¬3): هذِه الرواية المشهورة، وحكي فتح الراء وكسر الدال، والردف والرديف هو الراكب خلف الراكب (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -). فيه جواز ركوب رجلين على الدابة وهو محمول على طاقة الدابة، فإذا قصرت قوتها عن شيء لم يجز حمله عليها إذا كان مسرفًا في المشقة عليها، أما المشقة اليسيرة التي تستطيقها فللرجل أن يُحَمِّل دابته ومملوكه ذلك ما لم يكن إسرافًا (على حمار) فيه التواضع من وجوه: أحدها: ركوب الإمامِ الحمارَ، ثم كونه مردفًا خلفه مع جلالة قدره - صلى الله عليه وسلم - ومحله مع الله تعالى والخليقة، فلم يكن يرفع نفسه على أن يحمل ردفًا معه على دابته، وكان يفعل ذلك لتتأسى به أمته بعده، ولا يستنكفوا مما ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2856)، ومسلم (30). (¬2) ليست في (ر)، ومستدركة من المطبوع. (¬3) "شرح النووي على مسلم" 1/ 230.

لم يكن (¬1) يستنكف منه، وكونه على قطيفة غليظة تحتها إكاف، يعني: برذعة، وفي "صحيح البخاري" (¬2) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ركب على حمار عليه قطيفة أردف أسامة وراءه (يقال له عُفير) بعين مهملة مضمومة ثم فاء مفتوحة. قال النووي (¬3): هذا هو الصواب المعروف في الرواية. قال أبو عمرو ابن الصلاح: وقول القاضي عياض أنه بغين معجمة مردود عليه. (¬4) وهذا الحمار أهداه له المقوقس مع بغلة شهباء يقال لها دلدل. قال ابن مغلطاي في "سيرته": وكان له حمار آخر يقال له يعفور ويقال هما واحد، قال: وله حمار آخر أعطاه سعد بن عبادة. قال ابن الصلاح: وهذا الحمار الذي كان له يسمى عفيرًا (¬5)، قيل: إنه مات في حجة الوداع (¬6). وإنما سمي الحمار عفيرًا (¬7) تصغير أعفر؛ لأن لونه كان أعفر، والعفرة حمرة يخالطها بياض. وفيه تسمية الدواب والآلات؛ لأن اسم فرسه المرتجز، وناقته ¬

_ (¬1) زيادة من (ل). (¬2) "صحيح البخاري" (2987) من حديث أسامة بن زيد. (¬3) "شرح النووي على مسلم" 1/ 232. (¬4) "صيانة صحيح مسلم" ص 186. (¬5) في (ل) , (ر): عفير. ولعل المثبت هو الصواب. (¬6) "صيانة صحيح مسلم" ص 186. (¬7) في (ل) , (ر): عفير. ولعل المثبت هو الصواب.

العضباء والقصواء، ورَايته العُقاب. وإذا كان ذلك من فعله [في أملاكه، والله ندب خلقه إلى الاستنان به فيما لم ينههم] (¬1) فالصواب لكل من أنعم الله عليه وخوله رقيقًا أو حيوانًا من البهائم والطير وغير ذلك أن يسميه باسمٍ، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -. واعلم أن هذا الحديث رواه مسلم (¬2) بلفظه، وزاد فيه: فقال: "يا معاذ تدري ما حق الله على العباد؟ " قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا. [وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئًا"] (¬3). قلت: يا رسول الله أفلا أبشر الناس؟ قال: "لا تبشرهم فيتكلوا". ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) مسلم (30) (¬3) ساقطة من (ر).

54 - باب في النداء عند النفير: يا خيل الله اركبي

54 - باب في النِّداءِ عِنْد النَّفِير: يا خيْلَ اللهِ ارْكَبي 2560 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ داوُدَ بْنِ سُفْيانَ، حَدَّثَني يَحْيَى بْن حَسّانَ، أَخْبَرَنا سُليْمان بْن مُوسَى أَبُو داوُدَ، حَدَّثَنا جَعْفَرٌ بْن سَعْدِ بْنِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، حَدَّثَني خبيْبٌ بْنُ سُليْمانَ، عَنْ أَبِيهِ سُليْمانَ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَمّا بَعْذ فَإِنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - سَمَّى خيْلَنا خيْلَ اللهِ إِذا فَزِعْنا، وَكانَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يأْمُرنا إِذا فَزِعْنا بِالجَماعَةِ والصَّبْرِ والسَّكِينَةِ وَإذا قاتَلْنا (¬1). * * * باب في النداء ينادي عند النفير: يا خيل الله اركبي (عند النفير) أي: عند الخروج إلى الحرب. والنفير: الجماعة تنهض إلى القتال وغيره. (يا خيل الله) إضافة الخيل إلى الله تكريمًا لها وتعظيمًا، كما قال تعالى: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} (¬2). [2560] [(حدثنا محمد بن داود بن سفيان، قال: حدثني يحيى بن حسان، أخبرنا سليمان بن موسى أبو داود، ثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب، حدثني] (¬3) خبيب بن سليمان) بالمعجمة وتكرير الباء مصغر [(عن أبيه سليمان بن سمرة، عن] (¬4) سمرة بن جندب) حليف الأنصار. (أما بعد) قال أبو إسحاق: إذا كان الرجل في حديث وأراد أن يأتي بغيره قال: أما بعد، ولأجل حذف ما بعدها ضمت الدال بناءً، وفي ¬

_ (¬1) رواه الطبراني 7/ 269 (7102). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (442). (¬2) الشمس: 13. (¬3) سقط من الأصول، ومستدرك من المطبوع. (¬4) سقط من (ر).

"المحكم" (¬1) أما بعد دعائي لك، وقيل: أما بعد الكلام المتقدم (فإن النبي - صلى الله عليه وسلم -) كان ينادي عند النفير والفزع من العدو: يا خيل الله اركبي. قال صاحب "الغريبين": قوله: يا خيل الله اركبي من مختصر الكلام، أراد: يا ركاب خيل الله، فحذف اختصارًا أو اقتصارًا على علم المخاطب كما قال: "لا يفضض الله فاك" (¬2)، قال: وإنما أراد: أسنانك التي في فيك، فأقام الفم مقام الأسنان (سمى) النبي - صلى الله عليه وسلم - (خيلنا) المعدة للجهاد في سبيل الله (خيل) بالنصب قوة الله (الله). قال ابن الأثير: كناية عن طريق النجاة، أي: هذا من باب استعارة المحسوس للمعقول أو الاستدلال بالشاهد على الغائب، فكأنه أراد بقوله: يا خيل الله، يا قوة الله؛ لأن من أراد القوة على قتال العدو ركب الخيل الفحول التي هي (¬3) سبب للقوة على العدو، فمن أراد الظفر بالعدو فليستعن بقوة الله، كما قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} (¬4) قال عكرمة: القوة: ذكور الخيل، ورباط الخيل: إناثها (¬5). وتظهر هذِه الاستعارة في (¬6) قوله تعالى: {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} (¬7)؛ لأن العروة عبارة عن الشيء الذي يستمسك به؛ لأن من أراد إمساك شيء تعلق بعروته، ¬

_ (¬1) "المحكم والمحيط الأعظم" لابن سيده 2/ 33. (¬2) جزء من حديث رواه الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" كما في "بغية الباحث" (894)، وتمام في "الفوائد" 2/ 185 (1484). (¬3) سقط من (ر). (¬4) الأنفال: 65. (¬5) رواه البيهقي في "شعب الإيمان" 4614 (4307). (¬6) ساقطة من (ل). (¬7) البقرة: 256.

فكذا من أراد إمساك الدين تعلق بالدلائل الدالة عليه. (إذا فزعنا) بكسر الزاي، أي: ذعرنا واستغثنا عند الخوف، وفيه استحباب قول هذِه الكلمة عند لقاء العدو والفزع منهم، وتكرر النداء بها على قول صاحب "الغريبين". فيه دليل على المبادرة عند الخوف من العدو إلى ركوب الخيل وأخذ السلاح، ويحتمل أن يراد بركاب خيل الله الاستعانة على العدو بالملائكة الذين يمدهم الله بهم، كما قال تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)} (¬1) فأمدهم حين استغاثوا بالملائكة مسومين بالصوف في نواصي الخيل وأذنابها (وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا إذا فزعنا) من العدو (بالجماعة) أي: بلزوم جماعة المسلمين والانضمام إليهم لاجتماع القلوب والقوة على العدو وترك الفرقة، فإن الاجتماع واتفاق الكلمة هو العروة الوثقى، ولأن الفرقة هلكة والجماعة نجاة، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)} (¬2). (و) لزوم (الصبر) على الدين والثبات عليه فلا يدعه لشدة عارضة زائلة (و) لزوم (السكينة) وهو فعيلة من السكون وهو ضد الحركة مصدر وقع موقع الاسم نحو العزيمة والقضية (و) يأمرنا [إذا قاتلنا] (¬3) بالجماعة والصبر والسكينة (إذا قاتلنا) العدو أيضًا. ¬

_ (¬1) الأنفال: 9. (¬2) الصف: 4. (¬3) زيادة من (ل).

55 - باب النهي عن لعن البهيمة

55 - باب النَّهْيِ عنْ لَعْنِ البَهِيمَةِ 2561 - حَدَّثَنا سُليْمان بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ أَبي قِلابَةَ، عَنْ أَبي المهَلَّبِ عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصيْنٍ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - كانَ في سَفَرٍ فَسَمِعَ لَعْنَة فَقالَ: "ما هذِه؟ ". قالُوا: هذِه فلانَةُ لَعَنَتْ راحِلَتَها. فَقالَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "ضَعُوا عَنْها فَإِنَّها مَلْعُونَة". فَوَضَعُوا عَنْها. قالَ عِمْرانُ: فَكَأَنِّي أَنْظرُ إِليْها ناقَةً وَرْقاءَ (¬1). * * * باب النهي عن لعن البهيمة [2561] (حدثنا سليمان بن حرب) الأزدي الواشجي (حدثنا حماد) بن زيد (عن أيوب) بن أبي تميمة السختياني (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد (عن أبي المهلب) قيل: عمرو اسمه (عن عمران بن حصين) الخزاعي الأزدي، كنيته أبو نُجيد بضم النون وفتح الجيم مصغر. (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في سفر) وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت فلعنتها. هكذا رواية مسلم (¬2) (فسمع لعنة) من المرأة (فقال: ما هذِه؟ ) استفهام إنكار ما سمعه من اللعن. (قالوا: فلانة) الأنصارية (لعنت راحلتها) والراحلة هي: الحيوان من الإبل ذكرًا كان أو أنثى (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ضعوا عنها) أي: ما عليها ودعوها (فإنها ملعونة) وفي رواية لمسلم (¬3): "لا تصحبنا ناقة عليها ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2595). (¬2) "صحيح مسلم" (2595). (¬3) مسلم (2596).

لعنة". وإنما قال هذا زجرًا لها ولغيرها، وكان سبق منه نهي عن اللعن فعوقبت بإرسال الناقة، والمراد النهي عن مصاحبة تلك الناقة في الطريق، فأما بيعها وذبحها وركوبها في غير مصاحبته - صلى الله عليه وسلم - وغير ذلك من التصرفات التي هي جائزة قبل ذلك، فهي باقية على الجواز؛ لأن النهي إنما ورد عن المصاحبة فيبقى الباقي كما كان. (قال عمران: ) يعني: ابن حصين (فكأني أنظر إليها) الآن تمشي في الناس ما يتعرض لها أحد، وهي (ناقة ورقاء) بالمد، أي: يخالط بياضها سواد، وقيل: هي السوداء، أو قيل: التي لونها كلون الرماد.

56 - باب في التحريش بين البهائم

56 - باب في التَّحْرِيشِ بيْنَ البَهائِمِ 2562 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ العَلاءِ، أَخْبَرَنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ قُطْبَةَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ ابْنِ سِياهٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي يَحْيَى القَتّاتِ، عَنْ مُجاهِدٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ التَّحْرِيشِ بيْنَ البَهائِمِ (¬1). * * * باب في التحريش بين البهائم [2562] (حدثنا محمد بن العلاء) أبو كريب (ثنا يحيى بن آدم) بن سليمان (عن قطبة بن عبد العزيز بن سياه) بكسر المهملة (عن الأعمش، عن أبي يحيى) قيل: اسمه زاذان (القتات) بقاف ومثناة فوق مشددة، الكوفي، ثقة. (عن مجاهد، عن ابن عباس قال: نهى رسول الله عن التحريش) وهو: التهييج وتسليط بعض البهائم على بعض، الذكور على الإناث لتطرقها. وقوله (بين البهائم) يشمل الخيل والإبل والبقر والغنم والحمير متفقات الجنس أو مختلفاتها وغير ذلك من البهائم والدواب، ويحمل النهي على الكراهة؛ لما في ذلك من بشاعة رؤية ذلك وقبحها، ولما يؤدي إليه من إضعاف الذكر وذهاب قوته، وإن فعل ذلك صاحب الفحل ليأخذ أجرة على ضراب الفحل ونزوه كان حرامًا. وقد اختلفوا في أخذ الأجرة على ضراب الفحل، فمذهب الشافعي، ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1708). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (443).

ومالك وأحمد: حرام، وحكي عن مالك جوازه؛ لأنه عقد على منافع الفعل [ونزوه، وهذِه منفعة مقصودة والماء تابع. والغالب حصوله عقب نزوه] (¬1) فيكون كالعقد على الظئر ليحصل اللبن في بطن الصبي (¬2). وهذا الحديث رواه الترمذي مرفوعًا (¬3) كما رواه أبو داود ورواه مرسلًا (¬4) عن مجاهد قال: ويقال: إن المرسل أصح من حديث قطبة المرفوع. ¬

_ (¬1) ساقط من (ر). (¬2) انظر: "المغني" 6/ 303. (¬3) "سنن الترمذي" (1708). (¬4) "سنن الترمذي" (1709).

57 - باب في وسم الدواب 2563 - حدثنا حفص بن عمر، حدثنا شعبة، عن هشام بن زيد، عن أنس بن مالك قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بأخ لي حين ولد ليحنكه فإذا هو في مربد يسم غنما - أحسبه قال - في آذانها.

57 - باب في وَسْمِ الدَّوابِّ 2563 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْن عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ هِشامِ بْنِ زيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: أَتيْتُ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بِأَخٍ لي حِينَ وُلدَ لِيُحَنِّكَهُ فَإِذا هُوَ في مِرْبَدٍ يَسِمُ غَنَمًا - أَحْسِبُهُ قالَ - في آذانِها (¬1). * * * باب وسم الدواب [2563] (حدثنا حفص بن عمر) الحوضي (حدثنا شعبة، عن هشام ابن زيد) بن أنس بن مالك (عن أنس قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بأخٍ لي) أي: من أمي، وهو عبد الرحمن بن أبي طلحة، أرسلته معي أمي (حين ولد) فيه دليل على إخراج الولد إثر ولادته قبل أن يصيب لبنًا أو غيره من الطعم. قال القرطبي (¬2)؛ والعادة جارية عندنا با لأندلس يخرجونه يوم السابع، ثم قال: وذلك عدول عن مقتضى الحديث. (ليحنكه) بالتشديد، ويجوز بفتح التاء وكسر النون المخففة كيضرب، والتحنيك: أن يأخذ تمرة فيمضغها ويدلك بها داخل حلقه، وفي حديث أسماء بنت أبي بكر لما أتت بابنها فوضعته في حجره ثم دعا بالتمرة فمضغها، ثم تفل في فيه فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3). قال أصحابنا (¬4): فإن لم يكن تمر فشيء آخر حلو، وفي "الرونق" ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5542)، ومسلم (2119). (¬2) "المفهم" 5/ 439. (¬3) رواه البخاري (3909)، ومسلم (2146). (¬4) انظر: "المجموع شرح المهذب" 8/ 443.

يحنك بتمرة أو رطبة أو موزة فإن لم يكن فلعقة من عسل، وما لم تمسه النار أولى (فإذا هو في مِرْبَد) بكسر الميم وإسكان الراء وفتح الموحدة، وهو: الموضع الذي تحبس فيه الإبل، وهو مثل الحظيرة للغنم، فقوله هنا: "في مربد" يحتمل أنه أراد الحظيرة التي للغنم، فأطلق عليها اسم المربد مجازًا لمقاربتها، ويحتمل أنه على ظاهره، وأنه أدخل الغنم إلى مربد الإبل ليسمها فيه. (يَسِم) بفتح الياء وكسر السين المهملة. قال أهل اللغة (¬1): الوسم أثر (¬2) الكي، وأصل العلامة (غنمًا أحسبه) رواية مسلم (¬3) (قال) شعبة وأكبر علمي أنه قال: في آذانها. فيه دليل على استحباب وسم الغنم (في آذانها) وأما البقر والإبل ففي أصول أفخاذها؛ لأنه موضع صلب، قال الشافعي (¬4): يستحب كون مِيسَمِ الغنم ألطف من مِيسَمِ البقر ومِيسَمِ البقر ألطف من مِيسَمِ الإبل، واستحباب وسم نعم الزكاة والجزية هو مذهب الشافعي وجماهير العلماء (¬5). وقال أبو حنيفة: مكروه؛ لأنه تعذيب ومثلة، وقد نهي عن المثلة (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: "المحكم والمحيط الأعظم" 8/ 627، "القاموس المحيط" 1/ 1506، "لسان العرب" 12/ 635. (¬2) في (ر): اسم، والمثبت من (ل). (¬3) "صحيح مسلم" (2119). (¬4) "الأم" 2/ 80. (¬5) انظر: شرح النووي على مسلم" 14/ 99. (¬6) انظر: "التمهيد" 17/ 232، و"شرح النووي على مسلم" 14/ 99.

58 - باب النهى عن الوسم في الوجه والضرب في الوجه

58 - باب النَّهْى عَنِ الوَسْم في الوَجْهِ والضَّرْبِ في الوَجْهِ 2564 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ أَبِي الزُّبيْرِ، عَنْ جابِرٍ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - مرَّ عَليْهِ بِحِمارٍ قَدْ وُسِمَ في وَجْهِهِ فَقالَ: "أَما بَلَغَكُمْ أَنّي قَدْ لَعَنْتُ مَنْ وَسَمَ البَهِيمَةَ في وَجْهِها أَوْ ضَرَبَها في وَجْهِها". فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ (¬1). * * * [باب النهي عن الوسم في الوجه والضرب في الوجه] (¬2) [2564] (حدثنا محمد بن كثير) العبدي (أخبرنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن أبي الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس (عن جابر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مُر) بضم الميم (عليه بحمار قد وسم) أي: كُوي، كما في رواية ابن حبان في "صحيحه" (¬3) (في وجهه) [وفيه: يفور منخره من دم. (فقال: أما بلغكم أني قد لعنت من وَسَمَ البهيمة في وجهها)] (¬4) فيه دليل على تحريم وسم الوجه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن فاعله، والنهي يقتضي التحريم، فأما الآدمي فوسمه حرام لكرامته، ولأنه لا حاجة إليه، فلا يجوز تعذيبه لغير فائدة (أو) لعنت من (ضربها في وجهها) قال النووي (¬5): الضرب في الوجه منهي عنه في كل حيوان محترم من ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2117) بلفظ: لعن الله. (¬2) ساقط من (ل) , (ر)، والمثبت من المطبوع. (¬3) "صحيح ابن حبان" (5626). (¬4) ساقط من (ر). (¬5) "شرح النووي على مسلم" 14/ 97.

الآدمي والحمير والخيل والإبل والبغال والغنم وغيرها، لكنه في الآدمي أشد؛ لأنه مجمع المحاسن مع أنه لطيف يظهر فيه أثر الضرب، وربما شانه وربما آذى بعض الحواس (فنهى عن ذلك) كله (¬1)، كما تقدم. ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل).

59 - باب في كراهية الحمر تنزى على الخيل

59 - باب في كَراهِيَةِ الحُمُرِ تُنْزى عَلَى الخيْلِ 2565 - حَدَّثَنا قُتيْبَة بْن سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللّيْث، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبي حَبِيبٍ، عَنْ أَبي الخيرِ عَنِ ابن زريْرٍ عَنْ عَليِّ بْنِ أَبي طالِبٍ -رضي الله عنه - قالَ أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَغْلَة فَرَكِبَها. فَقالَ عَليٌّ: لَوْ حَمَلْنا الحَمِيرَ عَلَى الخيْلِ فَكانَتْ لَنا مِثْلُ هذِه. قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّما يَفْعَلُ ذَلِكَ الذِينَ لا يَعْلَمُونَ" (¬1). * * * باب في كراهية الحمر تُنزى على الخيل الحُمُر بضم الحاء والميم جمع حمار، كما قال تعالى: {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ} (¬2). وتُنزى بضم التاء وفتح الزاي، قال الأصمعي: يقال للسباع كلها سفد، وفي الحمار طرق، وفي الظلف والحافر نزى الذكر على الأنثى نزوًا. [2565] (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل (حدثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب) بفتح المهملة (عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله اليزني (عن ابن زُرير) بضم الزاي بعدها راء مكررة هو عبد الله الغافقي، قال ابن سعد: ثقة (¬3). ¬

_ (¬1) رواه النسائي 6/ 224، وأحمد 1/ 78. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2311). (¬2) المدثر: 50. (¬3) "الطبقات الكبرى" 7/ 510.

(عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه - قال: أهديت) بضم الهمزة وكسر الدال (لرسول الله بغلة) البغال التي أهديت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ست من ست، وهم: المقوقس، وفروة بن عمير الجذامي، وابن العَلْماء صاحب أيلة، وصاحب دومة الجندل، والنجاشي، ويقال: كسرى. (فركبها) فيه دليل على ركوب الدابة التي تهدى، ولبس الثوب، والأكل من الطعام الذي يهدى بحضرة مهديه وفي غيبته، فإن فيه تطييبًا لقلب المهدي وتألفًا له، وفيه دليل على جواز ركوب البغل واقتنائه وبيعه وشرائه. (فقال علي) -رضي الله عنه -: يا رسول الله (لو حملنا الحمير على الخيل) فيه استعمال حمل في (¬1) الحمير، وتقدم أنه يقال فيه: طرق ونزا (فكانت لنا) خيل (مثل) بالرفع (هذِه. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون) رواه ابن حبان (¬2) في "صحيحه" (¬3). وقال: هم الذين لا يعلمون النهي عنه، أي: إنما يقول ذلك من لا سجية له في العلم لفرط غباوته. وروى الترمذي (¬4) عن ابن عباس: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبدًا مأمورًا ما اختصنا دون الناس بشيء إلا بثلاث: أمرنا أن نسبغ الوضوء، وألا (¬5) نأكل الصدقة، وأن لا ننزي حمارًا على فرس. قال: حديث حسن ¬

_ (¬1) في (ر): على، والمثبت من (ل). (¬2) في (ر): ماجه، والمثبت من (ل). (¬3) "صحيح ابن حبان" (4682). (¬4) "سنن الترمذي" (1701). (¬5) ساقط من (ر).

صحيح. وفيه النزو. والوجه فيه كما قال الخطابي أن الحمر إذا حملت على الخيل قل عددها، وانقطع نماؤها، وتعطلت منافعها، والخيل يحتاج إليها للركوب والركض والجهاد وإحراز الغنائم وأكل لحمها وغير ذلك من المنافع التي ليس في البغل شيء منها، فأحب الشارع أن يكثر نسلها ليكثر الانتفاع (¬1) بها. وقيل: المراد (¬2) في الحديث اختلاط ماء الخيل بماء الحمر لئلا يكون منها الحيوان المركب من نوعين مختلفين، فإن أكثر المركبات من جنسين أخبث طبعًا من أصولهما المتولد منهما وأشد شراسة وهو حيوان ليس له نسل (¬3). ¬

_ (¬1) في (ر): الابتداع، والمثبت من (ل). (¬2) ساقط من (ر). (¬3) "معالم السنن" 2/ 252.

60 - باب في ركوب ثلاثة على دابة

60 - باب في رُكُوبِ ثَلاثَةٍ عَلَى دابَّةٍ 2566 - حَدَّثَنا أَبُو صالِحٍ مَحبُوبُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنا أَبُو إِسْحاقَ الفَزاريُّ، عَنْ عاصِمِ بْنِ سُليْمانَ، عَنْ مُوَرِّقٍ - يَعْني العِجْليَّ - حَدَّثَني عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إذا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ اسْتُقْبِلَ بِنا فَأيُّنا اسْتُقْبِلَ أَوَّلاً جَعَلَهُ أَمامَهُ فاسْتُقْبِلَ بي فَحَمَلَني أَمامَهُ، ثُمَّ اسْتُقْبِلَ بِحَسَنِ أَوْ حُسيْنِ فَجَعَلَهُ خَلْفَهُ، فَدَخَلْنا المَدِينَةَ وَإنّا لَكَذَلِكَ (¬1). * * * باب في ركوب ثلاثة على دابة [2566] (حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى، حدثنا أبو إسحاق الفَزَاري) بفتح الفاء (عن عاصم بن الأحول، عن مُوَرِّق) بضم الميم وتشديد الراء، ابن المشمرج أبي المحتمر (العِجْلي) بكسر المهملة وسكون الجيم (عن عبد الله بن جعفر) عبد الله صحابي، وجعفر صحابي، ابن أبي طالب. (قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن قدم من سفر استُقبِل) بضم المثناة فوق وكسر الموحدة، أي: تلقي (فأيُّنا) أي: بصبيان أهل بيته، وفي "صحيح البخاري" (¬2) عن السائب بن يزيد: أذكر أني خرجت مع الصبيان نتلقى النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ثنية الوداع مقدمه من غزوة تبوك. وفي "صحيح مسلم" (¬3) ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2428). (¬2) "صحيح البخاري" (4427). (¬3) "صحيح مسلم" (2428).

في فضائل عبد الله بن جعفر: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قدم من سفر تلقى بصبيان أهل بيته. (استقبل أولًا جعله أمامه؛ ) لأن السابق حاز الفضيلة فكان أحق بصدر الدابة، كما أن الحاكم إذا اجتمع عنده خصوم يقدم حكومة من جاء أولًا، لكن بحكومة واحدة (فاستقبل بي) رواية مسلم: وإنه قدم من سفر فسبق بي إليه (فحملني أمامه) بفتح الهمزة أي: بين يديه كما في مسلم (¬1). (ثم استقبل بحسن أو حسين) رواية مسلم: ثم جيء بأحد ابني فاطمة (فأردفه فحمله) رواية مسلم: فجعله (خلفه) قال البغوي (¬2): فيه أن ركوب الاثنين والثلاثة الدابة جائز إذا كانت الدابة تقوى على حملهم ولا يضر بها الضرر البين. قال ابن عمر: ما أبالي لو كنت عاشر عشرة على دابة إذا طاقتنا (¬3). قال النووي (¬4): فهذِه سنة مستحبة أن تتلقى الصبيان المسافر وأن يركبهم وأن يردفهم ويلاطفهم. (فدخلنا المدينة وإنا لكذلك) وهذا من عظيم تواضعه وكرم شمائله في دخوله المدينة بين يديه وخلفه لم ينزلهم عند رؤية الناس بل تركهم على حالهما تلطفًا بهما، وليتأسى به من يراه على تلك الحال. ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2428). (¬2) شرح السنة" 11/ 185. (¬3) أخرجه ابن أبي شيبة (26898)، وابن الجعد في "مسنده" (2155) كلاهما من طريق عاصم الأحول، عن عامر، عن ابن عمر. (¬4) "شرح النووي على مسلم" 15/ 197.

61 - باب في الوقوف على الدابة

61 - باب في الوُقوفِ عَلَى الدّابَّةِ 2567 - حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهّابِ بْنُ نَجْدَةَ، حَدَّثَنا ابن عيّاشٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبي عَمْرٍ والسّيْبانيِّ، عَنِ ابن أَبي مَرْيَمَ، عَنْ أَبي هُريْرَةَ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إيّاكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا ظُهُورَ دَوابِّكُمْ مَنابِرَ؛ فَإِنَّ اللهَ إِنَّما سَخَّرَها لَكُمْ لِتُبَلِّغَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنْفُسِ وَجَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فَعَليْها فاقْضُوا حاجَتَكُمْ" (¬1). * * * باب الوقوف على الدابة [2567] (حدثنا عبد الوهاب بن نجدة) بفتح النون وسكون الجيم (حدثنا) إسماعيل (ابن عياش) بالتحتانية والمعجمة (عن يحيى بن أبي عمرو السّيباني) بفتح السين المهملة، كنيته أبو زرعة. (عن أبي مريم، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: إياي) بدل عن أهل العربية بـ (أيا) المتكلم والغائب؛ لأن التحذير لا يكون إلا للمخاطب، ومن الشذوذ قول عمر -رضي الله عنه - وقد عن له أرنب وهو محرم وأصحابه محرمون: إياي وأن يحذف أحدكم الأرنب (¬2). تقديره: إياي باعدوا عن حذف الأرنب لا تحذفوه. "إياي" (¬3) هو منصوب بفعل محذوف لا ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في "مسند الشاميين" (867)، والبيهقي 5/ 255. وصححه الألباني في "الصحيحة" (22). (¬2) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 44/ 20. (¬3) ساقطة من (ل).

يجوز إظهاره؛ لأنه قد كثر التحذير بهذا اللفظ فجعلوه بدلًا من اللفظ بالفعل، والتزموا معه إضمار العامل، وتقديره: أحذركم، والمراد به تنبيه المخاطبين على مكروه ينبغي الاحتراز منه (أن تتخذوا ظهور دوابكم منابر) وفي رواية غير أبي داود: كراسي (¬1). وهذا من رفقه - صلى الله عليه وسلم - بالدواب المحترمة وإحسانه إليها ولا يؤذيها بطول القيام عليها وهي واقفة فيطالب به يوم القيامة. وقال أبو الدرداء [لبعير له] (¬2) عند الموت: لا تخاصمني إلى ربك فإني لم أؤذك. (¬3) وكذا لا ينام عليها فإنه يثقل بالنوم وتتأذى، لكن قد ثبت في "صحيح مسلم" (¬4) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له، فأتى بطن الوادي فخطب فيها خطبته الطويلة التي من أولها: "إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا ... " إلى آخرها، وقد قال أصحابنا وغيرهم (¬5): الأفضل في الوقوف بعرفة الركوب على الدابة؛ لأنه أمكن للدعاء الكثير، وقد قيل على الأفضل عملًا بالحديث. ¬

_ (¬1) رواه أحمد في "المسند" 3/ 439، والدارمي في "السنن" (2668) (¬2) في (ر): لنصراني. (¬3) رواه ابن المبارك في "الزهد" (1173)، وابن أبي الدنيا في "الورع" (179) من رواية معاوية بن قرة عن أبي الدرداء، بنحوه. (¬4) "صحيح مسلم" (1218) من حديث جابر مرفوعا. (¬5) انظر: "شرح النووي على مسلم" 8/ 2.

(فإن الله تعالى إنما سخرها لكم) وذللها للانتفاع بها و (لتبلغكم إلى بلد) بعيد قد علمتم أنكم (لم تكونوا بالغيه) بأنفسكم (إلا بشق الأنفس) بكسر الشين، وقرئ بفتحها، قيل: هما لغتان بمعنى المشقة، وقيل: بينهما فرق، والكسر معناه: يذهب نصف قوته لما يناله من الجهد والسعي لم تكونوا بالغيه بأنفسكم إلا بجهد ومشقة، فضلًا عن أن تحملوا على ظهوركم أثقالكم، ويجوز أن يكون المعنى: لم تكونوا بالغيه بها (¬1) إلا بشق الأنفس. (وجعل لكم الأرض) أي: صيرها لكم وطاء تفترشونها وتقرون عليها (فعليها فاقضوا حاجاتكم) (¬2) بالجمع وهو الأكثر، لا على الدواب التي تتأذى بالوقوف عليها، والظاهر أن البحر في معنى الأرض. * * * ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) ورد بعدها في (ر): نسخة: حاجتكم.

62 - باب في الجنائب

62 - باب في الجَنائبِ 2568 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن رافِعٍ، حَدَّثَنا ابن أَبي فُديْكٍ، حَدَّثَني عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبي يَحْيَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبي هِنْدٍ قالَ: قالَ أَبُو هُريرَةَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "تَكُونُ إِبِلٌ لِلشّياطِينِ وَبُيُوتٌ لِلشّياطِينِ فَأَمّا إِبِلُ الشّياطِينِ فَقَدْ رَأيْتُها يَخْرُجُ أَحَدُكُمْ بِجَنِيباتٍ مَعَهُ قَدْ أَسْمَنَها فَلا يَعْلُو بَعِيرًا مِنْها ويَمُرُّ بِأَخِيهِ قَدِ انْقَطَعَ بِهِ فَلا يَحْمِلُهُ وَأَمّا بُيُوتُ الشّياطِينِ فَلَمْ أَرَها". كانَ سَعِيدٌ يَقُولُ: لا أُراها إِلاَّ هذِه الأَقْفاصَ التي يَسْتُرُ النّاسُ بِالدِّيباجِ (¬1). * * * باب في الجنائب الجنائب واحدها جنيبة، وهي الدابة التي تقاد مع الراكب أو مع الماشي فلا راكب عليها ولا حمل. [2568] (حدثنا محمد بن رافع) بن أبي زيد (حدثنا) محمد بن إسماعيل (بن أبي فديك، حدثنا عبد الله بن أبي يحيى) الأسلمي (عن سعيد بن أبي هند) الفزاري. (قال أبو هريرة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تكون) أي: ستكون (إبل للشياطين) وهي التي تتخذ للفخر والخيلاء، والتي يتخذها من بطر عبثًا لا لحاجة، ونسبت إلى الشياطين؛ لأنه دعا الإنسان إلى اتخاذها فأجابه إلى ذلك وأطاعه في ذلك فكانت له. ¬

_ (¬1) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (459)، والبيهقي 5/ 255. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (2303).

قال قتادة في قوله تعالى: {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} (¬1): إن للشيطان خيلاً ورجالة من الجن والإنس (¬2). فكل من دعاه الشيطان إلى معصية فذهب فيها راكبًا فرسًا فهو من خيله، ومن ذهب ماشيًا فهو من رجالته، ومن دعاه أن يستصحب معه جنائب تقاد من الإبل فتلك إبله، ومن دعاه إلى استصحاب (بيوت) من خشب تستر بالحرير بطرًا وفخرًا فهي (للشياطين) الآمرين بفعلها، وهذا كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "فراش لك وفراش لأهلك وفراش للضيف وفراش للشيطان" (¬3). وهو الذي اتخذ عبثًا ليفخر به على غيره لا لحاجة، بل دعاه الشيطان إلى فعله فأجابه. (فأما إبل الشياطين فقد) وجدت و (رأيتها) وهي: أن (يخرج أحدكم) إلى السفر (بجنيبات) يعني: من كرائم الإبل الجياد النفيسات تقاد معه بأيدي ركاب ومشاة قد أكثر لها من العلف والراحة والخدمة حتى (أسمنها) بفتح النون من السمن (فلا يعلو) صاحبها (بعيرًا منها) لاستغنائه عنها (ويمر) بتلك الجنائب (بأخيه) المؤمن الفقير أو المسكين الذي قد تعب من المشي (قد انقطع به) بضم الهمزة والقاف (¬4). أي: عجز عن السفر من نفقة ذهبت منه أو وقفت عليه راحلته، أو أتاه أمر لا يقدر على أن يتحرك معه أو يمشي (فلا يحمله) ¬

_ (¬1) الإسراء: 64. (¬2) رواه الطبري في "جامع البيان" 17/ 491. (¬3) سيأتي برقم (4142) في كتاب اللباس، باب في الفرش. (¬4) في الأصول: الطاء. والمثبت هو الصواب.

على جنيبة من تلك الجنائب التي لا ينتفع بها، وقد كثر استعمال هذِه الجنائب حتى صار الأمير له نحو المآت من ذلك. (وأما بيوت الشياطين) يعني التي دعتهم الشياطين إلى فعلها فأجابوا إلى اتخاذها، قال - صلى الله عليه وسلم -: (فلم أرها) وجدت، و (كان سعيد) بن أبي هند مولى سمرة بن جندب توفي بالمدينة في أول خلافة هشام بن عبد الملك، حكى المنذري (¬1) عن أبي حاتم الرازي (¬2): أن سعيدًا لم يلق أبا هريرة، ثم قال: وفي كلام البخاري ما يدل على ذلك (¬3). (يقول: لا أُراها) بضم الهمزة، أي: أظنها -يعني: بيوت الشياطين (إلا هذِه الأقفاص) الكبيرة التي على هيئة قفص الطير مرتفعة، وأظنها التي تسمى بالمحفة (التي يسترها الناس بالديباج) ويحفونها به كما يحف الهودج بالثياب، وهذا من معجزاته - صلى الله عليه وسلم - التي أخبر بها عن المغيبات، ثم وجدت بعده على الهيئة التي أخبر بها، فلله الحمد على أن جعلنا من أمته وعلى شريعته. * * * ¬

_ (¬1) "مختصر سنن أبي داود" 3/ 395. (¬2) "المراسيل" (ص 28). (¬3) قال في "التاريخ الكبير" 3/ 518: سمع ابن عباس، وعن أبي هريرة، وعن علي.

63 - باب في سرعة السير والنهى عن التعريس في الطريق

63 - باب في سُرْعة السّيْرِ والنَّهْى عَن التَّعْرِيِس في الطَّرِيق 2569 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، أَخْبَرَنا سُهيْلُ بْنُ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُريْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إِذا سافَرْتُمْ في الخِصْبِ فَأَعْطُوا الإِبِلَ حَقَّها، وَإِذا سافَرْتُمْ في الجَدْبِ فَأَسْرِعُوا السّيْرَ، فَإِذا أَرَدْتُمُ التَّعْرِيسَ فَتَنكَّبُوا عَنِ الطَّرِيقِ" (¬1). 2570 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شيْبَةَ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ، أَخْبَرَنا هِشامٌ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَ هذا، قالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: "حَقَّها": "وَلا تَعْدُوا المَنازِلَ" (¬2). * * * باب في سرعة السير والنهي عن التعريس بالطريق وهذِه الزيادة في بعض النسخ. [2569] (حدثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (حدثنا حماد) بن سلمة (أنبأنا سهيل بن أبي صالح) السمان (عن أبيه) أبي صالح (عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا سافرتم في الخِصْب) بكسر الخاء، وهو كثرة العشب (¬3) والمرعى، وهو ضد الجدب (فأعطوا الإبل حقها) بالقاف، ورواية مسلم (¬4) بالظاء المعجمة من الأرض، ومعناهما متقارب. والمراد بالحديث الحث على الرفق بالدواب، ومراعاة مصلحتها، فإن ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1926). (¬2) رواه أحمد 3/ 381، وأبو يعلى (2219). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2316). (¬3) في (ر): العيش. (¬4) "صحيح مسلم" (1926).

سافرتم في الخصب فقللوا السير [بما ترعى كالإبل] (¬1)، واتركوها ترعى في بعض النهار وفي أثناء السير، فتأخذ حقها الذي رزقه الله إياها في السير بما ترعاه من الأرض حتى تأخذ منه ما يمسك قواها (¬2) وترد شهوتها، ولا تعجلوا سيرها فتمنعوها المرعى مع وجوده فيجتمع عليها ضعف القوى مع ألم كسر شهوتها. (وإذا سافرتم في الجدب) [بفتح الجيم] (¬3) يعني: القحط (فأسرعوا السير) لتقرب مدة سفرها، فتصل المقصد وبها بقية من القوة، ولا تقللوا السير فيلحقها الضرر؛ لأنها تتعب ولا يحصل لها مرعى فتضعف وربما وقفت، وقد جاء في أول الحديث من رواية مالك في "الموطأ" (¬4): "إنَّ الله رفيقٌ يحب الرفق". (فإذا أردتم التعريس) وهو النزول في أواخر الليل للنوم والراحة، هذا قول الخليل (¬5) والأكثرين. وقال أبو زيد: هو النزول أي وقت كان من ليل أو نهار (¬6). (فتَنَكّبُوا) بفتح التاء والنون وتشديد الكاف وضم الباء الموحدة (عن الطريق) أي: اعدلوا وأعرضوا عنها وولوها مناكبكم، ومنه قوله تعالى: {عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ} (¬7) أي: عادلون عنه، ورواية مسلم: "وإذا عرستم ¬

_ (¬1) ساقط من (ر). (¬2) في (ر): قوادها. (¬3) في (ر): بكسر الميم. (¬4) "موطأ مالك" (3590). (¬5) "العين" 1/ 328. (¬6) انظر: "شرح النووي على مسلم" 13/ 69. (¬7) المؤمنون: 74.

فاجتنبوا الطريق، فإنها طرق الدواب ومأوى الهوام بالليل" (¬1). أي: فإن الحشرات وذوات السموم والسباع وغيرها تمشي على الطريق بالليل لسهولتها، ولأنها تلتقط منها ما يسقط من مأكول ونحوه وما تجد فيها من رمة ونحوها. [2570] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون الواسطي، أخبرنا هشام، عن الحسن) البصري (عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو هذا) الحديث، و (قال) فيه (بعد قوله حقها: ولا تعدوا) بفتح العين والدال المشددة، أصلها تتعدوا بتاءين فحذفت إحدى التاءين تخفيفًا، هذِه الرواية المشهورة، وروي بسكون العين وتخفيف الدال، أي: لا تجاوزوا (المنازل) (¬2) إلى ما بعدها، قال الله تعالى: {وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} (¬3)؛ فإن في المبيت في المنازل المعهودة رفق بالدواب وأمان ورفقة يسير معها، وفي مجاوزتها ضد ذلك. قال العلماء: وإذا كانت الدابة مستأجرة فليس لأحد المتاكريين مجاوزة المنازل المعهودة، ولا مفارقة القافلة بتقدم ولا تأخر إلا برضا صاحبه. قال المنذري (¬4): قال علي ابن المديني، وأبو زرعة (¬5) الرازي وغيرهما: إن الحسن لم يسمع من جابر شيئًا. * * * ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1926). (¬2) في (ر): الطريق. (¬3) الكهف: 28. (¬4) "مختصر سنن أبي داود" 3/ 396. (¬5) في (ر): قال أبو زرعة.

64 - باب في الدلجة

64 - باب في الدُّلْجَةِ 2571 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عَليٍّ، حَدَّثَنا خالِدُ بْن يَزِيدَ، حَدَّثَنا أَبُو جَعْفَرٍ الرّازيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "عَليْكُمْ بِالدُّلْجَةِ فَإِنَّ الأَرْضَ تُطْوى بِاللّيْلِ" (¬1). * * * [باب في الدلجة] [2571] (حدثنا عمرو بن علي، حدثنا خالد بن يزيد، حدثنا أبو جعفر الرازي) اسمه عيسى بن عبد الله بن ماهان (عن الربيع بن أنس) ابن مالك (عن أنس قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: عليكم بالدُّلجْة) بضم الدال وسكون اللام، وهي سير آخر الليل، فإن فيه البركة، فيه استحباب الإكثار من سير الليل. (فإن الأرض تُطْوى بالليل) ما لا تطوى بالنهار، أي: ينزوي بعضها إلى بعض ويدخل فيه، فيقطع المسافر من المسافة في الليل ما لا يقطعه في النهار، خصوصًا آخر الليل (¬2) الذي ما فعل فيه شيء من العبادات والمباحات إلا وكانت البركة الكثيرة فيه؛ فإنه الوقت الذي ينزل الله فيه إلى سماء الدنيا فيقول: من تائب .. إلى آخره (¬3). [وقد قال الله ¬

_ (¬1) رواه ابن خزيمة (2555)، وأبو يعلى (3618)، والحاكم 1/ 445. وصححه الألباني في "الصحيحة" (681). (¬2) في (ر): النهار. (¬3) يشير إلى الحديث الذي رواه البخاري (1145، 6321، 7494)، ومسلم (758) عن أبي هريرة.

تعالى: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} (¬1) أي: سر في سواد الليل إذا بقي منه قطعة] (¬2). قال ابن رواحة: عند الصباح يحمد القوم السرى ... وتنجلي عنا غيايات الكرى * * * ¬

_ (¬1) هود: 81. (¬2) ساقطة من (ر).

65 - باب رب الدابة أحق بصدرها

65 - باب رَبُّ الدّابَّةِ أحَقُّ بِصَدْرِها 2572 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن محَمَّدِ بْنِ ثابِتٍ المَرْوَزيُّ، حَدَّثَني عَليُّ بْنُ حُسيْنٍ، حَدَّثَني أَبي، حَدَّثَني عَبْدُ اللهِ بْن بُريْدَةَ قالَ: سَمِعْتُ أَبي بُريْدَةَ يَقُولُ: بيْنَما رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمْشي جاءَ رَجُلٌ وَمَعَهُ حِمارٌ فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ ارْكَبْ. وَتَأَخَّرَ الرَّجُلُ. فَقالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا؛ أَنْتَ أَحَقُّ بِصَدْرِ دابَّتِكَ مِنّي، إِلاَّ أَنْ تَجْعَلَهُ لي". قالَ: فَإِنّي قَدْ جَعَلْتُهُ لَكَ. فَرَكِبَ (¬1). * * * باب رَبُّ الدابة أحقُّ بصدرها [2572] (ثنا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي، حدثنا علي بن حسين) بن واقد، (حدثني أبي، حدثني عبد الله بن بريدة) بن الخطيب بن عبد الله الأسلمي (قال: سمعت أبي بريدة يقول: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشي جاء رجل ومعه حمار فقال: يا رسول الله أركب) فيه أن من كان معه فضل ظهر ووجد ماشيًا تعب أن يركبه، لاسيما إن كان أميرًا وعالمًا أو من أهل الصلاح. (وتأخر الرجل) ليركب النبي - صلى الله عليه وسلم - على صدر الدابة أدبًا مع النبي وإيثارًا له (فقال رسول الله: لا) أركب على الصدر؛ لأنك (أنت أحق بصدر دابتك مني) لأنك المالك لها ولمنافعها كما أن صاحب البيت والمجلس وإمام المسجد أحق من غيره بالإمامة في الصلاة وإن كان ذلك الغير أفضل منه، (إلا أن تجعله لي) أي: إلا أن تجعل الصدر ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2773)، وأحمد 5/ 353. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (2318/ 1): حسن صحيح.

لي، وقال محمد بن إسماعيل (¬1): قال بعضهم: صاحب الدابة أحق بصدر الدابة إلا أن يأذن له. ويستحب لصاحب الدابة أن يأذن لمن هو أفضل منه بالصدر (قال: فإني قد جعلته لك) إكرامًا لعظيم منزلتك والتماسًا لبركتك (فركب) على الصدر. * * * ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" فبل حديث (5966).

66 - باب في الدابة تعرقب في الحرب

66 - باب في الدّابَّةِ تُعرْقَبُ في الحَرْب 2573 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن محَمَّدٍ النُّفيليُّ، حَدَّثَنا محَمَّد بْن سَلَمَةَ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، حَدَّثَني ابن عَبّادٍ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبيْرِ، قالَ أَبُو داوُدَ: وَهُوَ يَحْيَى بْن عَبّادٍ - حَدَّثَني أَبى الذي أَرْضَعَني وَهُوَ أَحَدُ بَني مُرَّةَ بْنِ عَوْفٍ -وَكانَ في تِلْكَ الغَزاةِ غَزاةِ مُؤْتَةَ- قالَ: والله لَكَأَنّي أَنْظُرْ إِلى جَعْفَرٍ حِينَ اقْتَحَمَ عَنْ فَرَسٍ لَهُ شَقْراءَ فَعَقَرَها ثُمَّ قاتَلَ القَوْمَ حَتَّى قُتِلَ (¬1). قالَ أَبُو داوُدَ: هذا الحَدِيثُ ليْسَ بِالقَويِّ. * * * باب الدابة تُعرْقَب في الحرب [2573] (حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي) البصري (قال: حدثنا محمد بن سلمة) بفتح المهملة واللام، الباهلي (عن محمد بن إسحاق) صاحب "المغازي" (حدثني ابن عباد، عن أبيه عباد بن عبد الله بن الزبير قال: حدثني أبي الذي أرضعني) أي: رضعت من لبن زوجته (وهو أحد بني مرة بن عوف) بن سعد بن ذبيان بن بغيض (وكان في تلك الغزاة: غزوة مؤتة) بضم الميم والهمزة، وهي (¬2) بأدنى البلقاء من أرض الشام، وهي في جمادى الأولى (¬3) سنة ثمان. (قال: والله لكأني أنظر إلى جعفر) بن أبي طالب (حين) التحم (¬4) ¬

_ (¬1) رواه الطبراني 2/ 106 (1462)، والحاكم 3/ 209، والبيهقي 9/ 87. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (2318/ 2). (¬2) و (¬3) و (¬4) ساقط من (ر).

القتال، وقتل زيد بن حارثة حامل راية النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأخذ الراية جعفر فقاتل بها حتى إذا (¬1) ألجمه القتال (اقتحم) بضم الهمزة والتاء. قال شمر: يقال: تقحمت به دابته إذا ندت به فلم يضبط رأسها، وربما طرحت به في أُهْويَّة. (عن فرس له شقراء) فيه استحباب ركوب الفرس الشقراء والقتال عليها (فعقرها) وفي رواية أبي عمر ابن عبد البر: فعرقبها حين رأى الغلبة، فيه أنه يستحب للفارس في الحرب إذا سقط عن فرسه وعلم أنه مغلوب أن يقتل فرسه بذبح أو عقر أو غير ذلك؛ لئلا يظفر به (¬2) العدو فيتقوى على قتال المسلمين، وكذا إذا اغتنمنا خيولهم ولحقونا وخفنا أنهم يأخذونها ويقاتلون عليها ويشتد الأمر، فيجوز إتلافها، وجوز مالك وأبو حنيفة إتلافها بكل حال مغايظة لهم، وكرهه الشافعي لحديث: "من قتل عصفورًا فما فوقه بغير حقه سأله الله عن قتله" (¬3). (ثم قاتل القوم حتى قُتل) فكان جعفر أول من عرقب فرسًا في الإسلام وقاتل. (قال أبو داود: هذا الحديث ليس بالقوي) يحتمل لأن ابن إسحاق في سنده (¬4). ¬

_ (¬1) و (¬2) ساقط من (ر). (¬3) رواه أحمد 2/ 166، 210، والدارمي 2/ 1259 (2021)، والنسائي 7/ 206 من حديث عبد الله بن عمرو. وصححه الحاكم في "المستدرك" 4/ 233، وابن الملقن في "البدر المنير" 9/ 376. (¬4) ليس كما قال؛ فقد صرح ابن إسحاق بالتحديث، وقد حسن إسناده ابن حجر في "الفتح" 7/ 511.

وروي أنه أخذ اللواء بيمينه فقاتل به حتى قطعت يمينه، فأخذ الراية بيساره فقطعت يساره، فاحتضن الراية وقاتل حتى قتل رحمه الله وسنه ثلاث وثلاثون، أو أربع وثلاثون سنة، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قطعت يداه: "إن الله أبدله بيديه جناحين يطير بهما في الجنة" (¬1). وفي البخاري (¬2) عن ابن عمر أنه وقف على جعفر وهو قتيل: فعددت به خمسين من طعنة وضربة وليس شيء في دبره. * * * ¬

_ (¬1) رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 4/ 39 من حديث علي، بنحوه. (¬2) "صحيح البخاري" (4260).

67 - باب في السبق

67 - باب في السَّبْقِ 2574 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن يُونُسَ، حَدَّثَنا ابن أَبي ذِئْبٍ، عَنْ نافِع بْنِ أَبي نافِعٍ، عَنْ أَبي هُريْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا سَبْقَ إِلاَّ في خُفٍّ أَوْ في حافِرٍ أَوْ نَصْلٍ" (¬1). 2575 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سابَقَ بيْنَ الخيْلِ التي قَدْ ضُمِّرَتْ مِنَ الحَفْياءِ وَكانَ أَمَدُها ثَنِيَّةَ الوَداعِ، وَسابَقَ بيْنَ الخيْلِ التي لَمْ تُضْمَرْ مِنَ الثَّنِيَّةِ إِلى مَسْجِدِ بَني زريْقٍ وَإِنَّ عَبْدَ اللهِ كانَ مِمَّنْ سابَقَ بِها (¬2). 2576 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا مُعْتَمِرٌ، عَنْ عُبيْدِ اللهِ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ نَبي اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُضَمِّرُ الخيْلَ يُسابِقُ بِها (¬3). 2577 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عُقْبَةُ بْنُ خالِدٍ، عَنْ عُبيْدِ اللهِ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - سَبَّقَ بِيْنَ الخيْلِ وَفَضَّلَ القُرَّحَ في الغايَةِ (¬4). * * * باب في السَّبْق السبق بسكون الباء مصدر سبقه إذا تقدم عليه. قال الأزهري (¬5) ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1705)، والنسائي 6/ 226 - 227، وابن ماجه (2878)، وأحمد 2/ 256. وصححه الألباني في "الإرواء" (1506). (¬2) رواه البخاري (420)، ومسلم (1870). (¬3) رواه البخاري (2868)، ومسلم (1870). (¬4) رواه أحمد 2/ 157، وابن حبان (4688)، والدارقطني 4/ 299. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2322). (¬5) "تهذيب اللغة" 3/ 170.

والقاضي الحسين وغيرهما: النضال في الرمي، والرهان في الخيل، والسباق يكون في الخيل والرمي. فعلى هذا الترجمةُ بالسبق تشمل ما في الحديث من الخف والحافر والنصل، لكن الغالب استعمال السبق في الرمي في الحيوان دون الرمي؛ لكن قوله تعالى في إخوة يوسف: {ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ} (¬1) أي: ننتضل، كما قاله الزجاج وغيره (¬2). وقد ورد في شرعنا ما قرره. [2574] (حدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) اليربوعي (حدثنا) محمد (ابن أبي ذئب، عن نافع بن أبي نافع) البزاز، وثقه ابن معين (¬3). (عن أبي هريرة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا سَبَقَ) بفتح الباء على المشهور، أي: لا يجوز أن يجعل المال للسابق من مال (¬4)، والرواية الصحيحة في هذا الحديث: السبق بفتح الباء، قاله الخطابي (¬5) "إلا في كذا". وروي بالتسكين وهو مصدر سبقه إذا تقدم عليه. (إلا في خف) أراد بالخف هاهنا الإبل، أراد: في ذي خف، فحذف المضاف كما قال تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} (¬6)، وخف البعير مجمع فِرسِنه بكسر الفاء والسين، وهو من البعير بمنزلة الحافر من الدابة، وقيل: المراد بالخف البعير، عبر عن الكل بجزئه. ويلتحق بالإبل الفيل على ¬

_ (¬1) يوسف: 17. (¬2) انظر: "معاني القرآن" للزجاج 3/ 95، "تفسير الطبري" 15/ 577. (¬3) "تاريخ ابن معين" برواية الدوري (851). (¬4) بعدها بياض بالأصل، ولعلها (أو جُعْل) كما في "معالم السنن". (¬5) "معالم السنن" 2/ 255. (¬6) يوسف: 82.

الأظهر؛ لأنه ذو خف، وقيل: لا يجوز المسابقة على الفيل؛ لأنه لا يصلح للكر والفر. (أو حافر) والمراد به الخيل، أي: في ذي حافر كما تقدم، ويلحق بالخيل البغل والحمار على الأصح، والخلاف كما قال سليم (¬1) في "المجرد" (¬2) مع العوض، فإن سابق عليهما بلا عوض جاز بلا خلاف، والمراد بالخيل كما قاله الدارمي ما يسهم له، وهو الجذع أو الثني (¬3). (أو نَصْل) والمراد به السهام، أي: عربية كانت أو عجمية، وهي النشاب كما سبق. قال الماوردي (¬4): وقياسه كل سلاح فارق يد صاحبه من الحراب والمزاريق. وأما الزيادة التي زادها غياث بن إبراهيم للمهدي حين كان يلعب بالحمام فروي له الحديث: "لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل". وزاد فيه: أو جناح. فعلم المهدي ذلك منه وترك لعب الحمام بعد ذلك وأمر بذبحها، وقال: أنا حملته على ذلك (¬5). ¬

_ (¬1) في (ر): مسلم. والمثبت من (ل). (¬2) "المجرد في فروع الشافعية" لأبي الفتح: سليم بن أيوب الرازي المتوفى: سنة 447 هـ، جرده من تعليقة شيخه: أبي حامد عاريا عن الأدلة. انظر: "كشف الظنون" 2/ 1593. (¬3) انظر: "روضة الطالبين" 10/ 352. (¬4) "الحاوي" 15/ 186. (¬5) هذِه الزيادة موضوعة باتفاق المحدثين من وضع غياث بن إبراهيم للخليفة المهدي تقربًا إليه، وهو متروك الحديث لا يكتب حديثه بحال. انظر: "الجرح والتعديل" 7/ 57، و"التاريخ الكبير" 7/ 109، و"التمهيد" لابن عبد البر 14/ 94.

[2575] (حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، عن مالك، عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سابق) وفي رواية: أجرى (¬1) وهو بمعناه، والمسابقة هي من العقود (¬2) اللازمة بالإجازة بشروط مذكورة في كتب الفقه، وهذا الحديث أصل في المسابقة بين الخيل من حيث الجملة وهي مستحبة أو مباحة، فمذهب الشافعي وأصحابه أنها مستحبة لهذا الحديث اقتداء به - صلى الله عليه وسلم - (¬3). (بين الخيل التي قد أضمرت) يقال: أضمرت وضمرت بمعنى، وهو أن تعلف حتى تسمن ثم يردها إلى القوت، وذلك في أربعين يومًا، ثم يشد عليها سروجها وتجلل بالأجلة في بيتٍ كنين حتى تعرق ثم يجف عرقها فيخف لحمها وتقوى على الجري (من الحَفْياء) بحاء مهملة ثم فاء ساكنة ثم ياء مثناة تحت ثم همزة ممدودة، وحكي فيها القصر. قال الحازمي: ويقال فيه: الحيفاء بتقديم الياء على الفاء، والمشهور الأول (¬4). (وكان أمدها) بفتح الميم وتخفيف الدال، أي: غايتها في المسابقة (إلى ثنية الوداع) بفتح الواو والثنية بفتح المثلثة بعدها نون مكسورة بعدها المثناة تحت المكسورة، قال سفيان بن عيينة: سميت ثنية الوداع؛ لأن الخارج من المدينة يمشي معه المودعون إليها. قال ابن عمر: وكنت ¬

_ (¬1) رواها البخاري (2868). (¬2) في (ر): القعود. والمثبت من (ل). (¬3) انظر: "شرح النووي على مسلم" 13/ 14. (¬4) انظر: "شرح النووي على مسلم" 13/ 14.

فيمن سابق (¬1). قال سفيان: من الحفياء إلى ثنية الوداع خمسة أميال أو ستة أميال (¬2). قال ابن عبد البر: الأصح أن الميل ثلاثة آلاف ذراع وخمسمائة (¬3)، والأظهر أن المراد بالذراع هنا هو ذراع اليد من الرجل المعتدل الخلقة. وفيه دليل على جواز تضمير الخيل والمسابقة عليها في الجملة إذا لم يكن هناك مراهنة؛ لأن ذلك كله مما ينتفع به في الحروب ويحتاج إليه. وقال بعضهم: في سنة (وسابق بين الخيل التي لم تضمر) بإسكان الضاد (من الثنية) يعني: ثنية الوداع، وكان أمدها (إلى مسجد بني زريق) بتقديم الزاي المعجمة المضمومة وفتح الراء المهملة مصغر مثل حجير، قال سفيان: بين ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق ميل (¬4). وقال موسى بن عقبة: ميل (¬5) ونحوه. وفيه دليل على قول مسجد ابن رسلان ومسجد الباشقرذي، وقد ترجم له البخاري بهذِه الترجمة (¬6). (وإن عبد الله) بن عمر (كان ممن سابق) بين الخيل (بها) وهذا من شدة احتراصهم على الاقتداء بالنبي (¬7) - صلى الله عليه وسلم - والتأسي به والعمل بما يعلمونه (¬8). ¬

_ (¬1) ذكرها البخاري بعد حديث (2868). (¬2) رواه الحميدي في "مسنده" 1/ 550 (701). (¬3) "الاستذكار" 1/ 237. (¬4) ذكرها البخاري بعد قول سفيان المتقدم. (¬5) ساقطة من (ر). (¬6) "صحيح البخاري" قبل حديث (420) قال: باب هل يقال مسجد بني فلان؟ (¬7) ساقطة من (ر). (¬8) ساقطة من (ر).

[2576] (حدثنا مسدد، حدثنا المعتمر) بن سليمان (عن عبيد الله) بن عبد الله، (عن نافع، عن ابن عمر: أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يضمر) فيه لغتان: إسكان الضاد مع تخفيف الميم، وفتحها مع تشديد الميم (الخيل) كما تقدم (يسابق عليها بها) [ليرى أيهما أجرى. هذا] (¬1) الحديث فيه دليل على استحباب تضمير الخيل، وأما الحديث الذي قبله فيدل على استحباب المسابقة على الخيل التي قد أضمرها غيره، وليس فيه ذكر عوض في المسابقة. [2577] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عقبة بن خالد) السكوني (عن عبيد الله) بن عبد الله (عن نافع، عن ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سبَّق) بتشديد الباء الموحدة، أي: سابق (بين الخيل) ليرى أيهما أجرى كما تقدم. (وفضَّل) بتشديد الضاد المعجمة (القُرّح) بضم القاف وتشديد الراء جمع قارح، ولا يقال للأنثى: قارحة. وفعل مقيس في جمع ما هو صحيح اللام على وزن فاعل نحو عادل وعدل، وصائم وصوم، وشذ في معتل اللام نحو غُزى جمع غاز (¬2)، وإنما يقرح ما كان من ذوات الحافر في خمس سنين، يقال: أجذع المهر وأثنى وقرح بالتشديد، ويحتمل أن تكون الراء في القرح ساكنة جمع أقرح، قال الجوهري (¬3): القرحة في وجه الفرس دون الدرهم. يعني: من البياض، والأول هو المشهور؛ لأن الغرض من المسابقة معرفة ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) في الأصلين: غازي. والجادة ما أثبتناه. (¬3) "الصحاح في اللغة" (1/ 418).

أسبقهما إلى الغاية المعينة، وما هو أصبر على الجري، فكان يفضل القارح على الصغير؛ لكونه أصبر منه على العمل والجري، وأسبق في (¬1) الوصول (إلى الغاية) المعينة التي حُدَّت لهما. والمراد بالمفاضلة والتفضيل هو فيما يسهم له من الخيل وهو الجذع والثني والقارح، فإذا سابق بين القارح والثني والجذع فضل القارح؛ لأنه وصل إلى وقت انتهاء اشتداد قوته، فيكون أصبر وأقوى، كما يفضل بين الآدميين ابن ثلاث وثلاثين على ابن خمسة عشر سنة في الحرب؛ لكونه وصل إلى حال تناهي قوته وكمال عقله. * * * ¬

_ (¬1) مكانها بياض في (ل)، وأثبتناها من (ر).

68 - باب في السبق على الرجل

68 - باب في السَّبْقِ عَلَى الرِّجْلِ 2578 - حَدَّثَنا أَئو صالِحٍ الأَنْطاكيُّ مَحْبُوبُ بْن مُوسَى، أَخْبَرَنا أَبُو إِسْحاقَ -يَعْني: الفَزاريَّ- عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّها كانَتْ مَعَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - في سَفَرٍ قالَتْ: فَسابَقْتُهُ فَسَبَقْبُهُ عَلَى رِجْلَى فَلَمّا حَمَلْتُ اللَّحْمَ سابَقْتُهُ فَسَبَقَني فَقالَ: "هذِه بِتِلْكَ السَّبْقَةِ" (¬1). * * * باب في السبق على الرجل [2578] (حدثنا أبو صالح الأنطاكي محبوب بن موسى، أنبأنا أبو إسحاق) إبراهيم بن محمد (الفزاري) بفتح الفاء (عن هشام بن عروة، عن أبيه وعن أبي سلمة، عن عائشة أنها كانت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر) فيه دليل على جواز خروج النساء مع أزواجهن. (قالت: فسابقته) بإسكان القاف وضم التاء، نسبة الفعل إلى عائشة؛ لكونه من اللهو المباح، فلما طلبت المسابقة نزل معها إلى درجة عقلها وفعل ما أرادته، قالت (فسبقته) يومًا في العدو (على رجلي) بتشديد الياء، حين كنت خفيفة اللحم سريعة الحركة. (فلما حملتُ اللحم) وكثر لحمي وشحمي، وثقلت عن الحركة والنشاط سابقته بعد ذلك في يوم آخر (سابقته فسبقني) في العدو، وقد استدل بهذا الحديث على جواز المسابقة على الأقدام، ومن منع ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (1979)، وأحمد 6/ 39، 264، والنسائي في "الكبرى" (8942) (8945). وصححه الألباني في "الإرواء" (1502).

المسابقة على الأقدام استدل بمفهوم الحديث المتقدم: "لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل"، فإن مفهوم الحصر عدم المسابقة في غير هذِه الثلاثة المذكورة، والجمع بين الحديثين أولى، وهو أن يحمل الحديث المتقدم على أن المسابقة بعوض لا تجوز إلا في هذِه الثلاثة، ويحمل هذا الحديث على جواز المسابقة [بغير عوض. وفيه عمل بالحديثين، ويدل على ذلك أن الإجماع على جواز المسابقة] (¬1) في غير هذِه الثلاثة على غير عوض. (فقال - صلى الله عليه وسلم - هذِه) المرة الثانية (بتلك السبقة) في المرة الأولى، وهذا من حسن مفاكهته - صلى الله عليه وسلم - لنسائه وحسن عشرته. * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ر).

69 - باب في المحلل

69 - باب في المُحَلِّلِ 2571 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا حُصيْنُ بْن نُميْر، حَدَّثَنا سُفْيانُ بْنُ حُسيْنٍ ح، وَحَدَّثَنا عَليُّ بْن مُسْلِمٍ، حَدَّثَنا عَبّادُ بْن العَوّامِ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ بْن حُسيْنٍ -المَعْنَى- عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسيَّبِ، عَنْ أَبي هُريْرَةَ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بيْنَ فَرَسيْنِ". يَعْني وَهُوَ لا يُؤْمَن أَنْ يُسْبَقَ: "فَليْسَ بِقِمارٍ وَمَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بيْنَ فَرَسيْنِ وَقَدْ أَمِنَ أَنْ يَسْبِقَ فَهُوَ قِمارٌ" (¬1). 2580 - حَدَّثَنا مَحْمُودُ بْن خالِدٍ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ بْن مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنِ الزُّهْريِّ بِإِسْنادِ عَبّادٍ وَمَعْناهُ (¬2). قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ مَعْمَرٌ وَشُعيْبٌ وَعَقِيلٌ عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ رِجالٍ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ وهذا أَصَحُّ عِنْدَنا. * * * باب في المحلل بضم الميم وكسر اللام الأولى، سمي بذلك لأن العوض يصير حلالًا به، قال القاضي في "تعليقه": وهل المحلل لتحليل العقد والمال أو العقد دون المال وجهان. [2579] (حدثنا مسدد، حدثنا حصين بن نمير) مصغر الواسطي (حدثنا سفيان بن حسين) الواسطي (وحدثنا علي بن مسلم) الطوسي (حدثنا عباد بن العوام) بن عمرو الكلاعي (حدثنا سفيان بن حسين ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (2876)، وأحمد 2/ 505. وضعفه الألباني في "الإرواء" (1509). (¬2) انظر الحديث السابق.

المعنى، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: من أدخل فرسًا بين فرسين) عند المسابقة بينهما إذا أخرج كلًّا منهما جعلًا فالداخل الثالث بفرسه بين فرسيهما يسمى دخيلًا ومحللًا (يعني: ) لعل هذا من تفسير الراوي (وهو لا يؤمن) بفتح الميم، وفي رواية (¬1): "لا يأمن". وكلاهما صحيحتان. (أن يسبق) بضم أوله وفتح ثالثه بهما معًا أو بأحدهما. قال البغوي (¬2): قوله: إن كان لا يؤمن أن يسبق يريد إن كان الفرس الثالث جوادًا لا يأمنان أن يسبقهما، فيذهب بالرهنين فليس بقمار. وفي بعض النسخ: "أن يَسبِق" بفتح المثناة وكسر الموحدة، وهو أولى. (فليس) ذلك (بقمار) بكسر القاف، وهو ما يتخاطر الناس عليه، قال ابن عباس (¬3): كان الرجل في الجاهلية يخاطر الرجل على أهله وماله، فأيهما قمر صاحبه ذهب بماله وأهله، فأنزل الله تحريم القمار. وإنما لا يكون قمارًا عند خوف سبق فرس الثالث؛ لأن كل واحد منهما يجوز أن يكون خاليًا عن الغنيمة أو الغرامة كما إذا سبقاه وجاءا معًا فلا يأخذ المحلل شيئًا؛ لأنه مسبوق، ولا يأخذ أحد منهما من الآخر لاستوائهما، ويحوز كل منهما ما أخرجه. (ومن أدخل فرسًا) ثالثة (بين فرسين وقد أُمن) بضم الهمزة وفتحها (أن يسبق) بفتح الياء المثناة فرسه فرسيها بأن قطع بأنه مسبوق إذ فرسه ¬

_ (¬1) أخرجها أحمد في "المسند" 2/ 505، وابن ماجه (2876) وغيرهما. (¬2) "شرح السنة" 10/ 396. (¬3) "تفسير الطبري" 4/ 324.

ليس كفؤًا لفرسيهما (فهو قمار) لأنه لا يخلو كل واحد منهما من أن يغرم أو يغنم، ويكون وجود المحلل بينهما كما لو لم يكن، وأما إذا لم يكن بينهما محلل أصلًا فهو أولى بالقمار؛ لأن كلًّا منهما يرجو المغنم ويخاف المغرم، وكما يدخل المحلل بين الفرسين يدخل بين الراميين في النضال. (وهذا) الذي ليس بمرفوع (أصح) من المرفوع (عندنا) وهكذا رواه ابن ماجه (¬1) من حديث سفيان بن حسين، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة. وفي الحديث دليل على إباحة الحيل الشرعية، وأن بها يصير الحرام حلالًا، وهل يدخل المحلل بين لاعبي الشطرنج والنرد وغيرهما إذا كان بعوض منهما إذا قلنا بأنه مباح بلا عوض؟ * * * ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (2876).

70 - باب في الجلب على الخيل في السباق

70 - باب في الجَلَب عَلَى الخيْلِ في السِّباقِ 2581 - حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهّابِ بْنُ عَبْدِ المَجِيدِ، حَدَّثَنا عَنْبَسَةُ ح وَحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا بِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ، عَنْ حُميْدٍ الطَّوِيلِ، جَمِيعًا عَنِ الحَسَنِ عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصيْنٍ عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لا جَلَبَ وَلا جَنَبَ". زادَ يَحْيَى في حَدِيثِهِ: "في الرِّهانِ" (¬1). 2582 - حَدَّثَنا ابن المُثَنَّى، حَدَّثَنا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتادَةَ قالَ: الجَلَبُ والجَنَبُ في الرِّهانِ (¬2). * * * باب في الجلب على الخيل في السباق الجَلَب بفتح الجيم واللام، قال الجوهري (¬3): جلب على فرسه يجلب جلبًا إذا صاح به من خلفه واستحثه للسبق، وأجلب عليه مثله. قال الله تعالى: {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} (¬4) أي: صح عليهم. [2581] [(حدثنا يحيى بن خلف، حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد، حدثنا عنبسة. وحدثنا مسدد، حدثنا بشر بن المفضل] (¬5) عن حميد الطويل، جميعًا عن الحسن، عن عمران) قال النسائي (¬6): هذا ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1123)، والنسائي 6/ 111، وأحمد 4/ 429. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2324). (¬2) رواه الطبراني 18/ 147 (315)، والبيهقي 10/ 21. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2324). (¬3) "الصحاح" 1/ 114. (¬4) الإسراء: 64. (¬5) ليست في الأصل، ومستدركة من المطبوع. (¬6) "السنن" 6/ 111.

هو الصواب في إسناده إلا ما روي عن حميد، عن أنس (بن حصين) الخزاعي، (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا جلب) بفتح الجيم واللام، (ولا جَنَب) بفتح الجيم والنون. وهو يخبر عن النفي، ومعناه النهي كما قيل (¬1) في قوله تعالى: {لَا رَيْبَ} (¬2) معناه: لا ترتابوا فيه. قال الجوهري (¬3): الجلب الذي جاء النهي عنه هو أن لا يأتي المصدق القوم في مياههم لأخذ الصدقات، ولكن يأمرهم بجلب نعمهم إليه. فالمعنى على هذا أنه لا يجوز للساعي أن يأمر أصحاب المواشي أن يجلبوا مواشيهم إليه، ويجمعوها ليأخذ الصدقة منهم؛ بل يأخذها عند الماء إذا وردت الماشية إليه، وإن لم ترده فعند بيوت أهلها، وإلا فعند مضيق ويقف المالك من جانب والساعي من آخر. والجنب في الزكاة أن ينزل العامل بأقصى موضع الصدقة ثم يأمر بالأموال أن تُجْنَبَ إليه، وقيل: أن يَجْنُب رب المال بماله، أي: يبعده فيحتاج العامل إلى الإبعاد في طلبه، قاله أبو السعادات (¬4). (زاد يحيى) قال المنذري: هو يحيى بن خلف شيخه رضي الله عنهما (في حديثه) يعني: لا جلب ولا جنب. [(في الرهان)] (¬5). [2582] (حدثنا) محمد (ابن المثنى) العنزي، (حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى، (عن سعيد) بن أبي عروبة، (عن قتادة: الجلب ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) البقرة: 2. (¬3) "الصحاح في اللغة" 1/ 115. (¬4) هو ابن الأثير في كتابه "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 819. (¬5) ليست في الأصل، ومستدركة من المطبوع.

والجنب في الرهان) وهذا التفسير هو الصحيح، لما روي عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من أجلب على الخيل يوم الرهان فليس منا" (¬1). ذكره ابن قدامة (¬2). وروى الترمذي هذا الحديث في النكاح (¬3) بزيادة، فقال: "لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام، ومن انتهب نهبة فليس منا". ورواه ابن ماجه في الفتن (¬4). والجَنَب بالتحريك ومعناه أن الفارسين إذا أرسلا فرسيهما لم يجز لأحدهما أن يجنب إلى فرسه فرسًا لا راكب عليه؛ يتحول عليه قبل الغاية لكونه أقل كلالاً وإعياء. قال ابن المنذر (¬5): كذا قيل، ولا أحسب هذا يصح؛ لأن الفرس التي يسابق عليها لا بد من تعيينها، فإن كانت التي يتحول عنها فما حصل السبق بها وإن كانت التي يتحول إليها فما حصلت المسابقة عليها في جميع الجلبة، ومن شرط السباق ذلك؛ ولأن المقصود معرفة عدو الفرس في الجلبة كلها، فمتى كان إنما يركبه في آخر الجلبة فما حصل المقصود، وأما الجلب فهو أن يتبع الرجل فرسه فرسًا يركض خلفه بها ويجلب عليه ويصيح وراءه يستحثه بذلك على العدو كهذا فسره مالك -رضي الله عنه - (¬6). * * * ¬

_ (¬1) رواه أبو يعلى في "مسنده" (2413)، قال ابن حجر في "إتحاف الخيرة المهرة" 5/ 112: له شاهد من حديث عبد الله بن عمرو، رواه أحمد في "المسند" 2/ 19. (¬2) "المغني" 13/ 433. (¬3) "سنن الترمذي" (1123)، وقال: حديث حسن صحيح. (¬4) "سنن ابن ماجه" (3937) مختصرًا. (¬5) "الأوسط" 6/ 475. (¬6) انظر: "التمهيد" 14/ 91.

71 - باب في السيف يحلى

71 - باب في السّيْفِ يُحَلَّى 2583 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْن إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا جَرِيرُ بْنُ حازِمٍ، حَدَّثَنا قَتادَة، عَنْ أَنَسٍ قالَ: كانَتْ قَبِيعَةُ سيْفِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِضَّةً (¬1). 2584 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن المُثَنَّى، حَدَّثَنا مُعاذُ بْن هِشامٍ، حَدَّثَني أَبي، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبي الحَسَنِ قالَ: كانَتْ قَبِيعَةُ سيْفِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِضَّةً. قالَ قَتادَة: وَما عَلِمْتُ أَحَدًا تابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ (¬2). 2585 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن بَشّارٍ حَدَّثَني يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ أَبُو غَسّانَ العَنْبَريُّ، عَنْ عُثْمانَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: كانَتْ. فَذَكَرَ مِثْلَهُ (¬3). قالَ أَبُو داوُدَ: أَقْوى هذِه الأحَادِيثِ حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ أَبي الحَسَنِ والباقِيَةُ ضِعافٌ. * * * باب في السيف يُحلَّى بتشديد اللام، أي: يجعل لها حليًّا، والأصل في الحلي للمرأة. [2583] (حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا جرير بن حازم، حدثنا قتادة، عن أنس: كانت قبيعة) قال الجوهري (¬4): قبيعة السيف ما على طرف مقبضه من فضة أو حديد (سيف النبي - صلى الله عليه وسلم - من فضة) هذا مما ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1691)، والنسائي 8/ 219. وصححه الألباني في "الإرواء" (822). (¬2) رواه النسائي 8/ 219. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (2327): إسناده مرسل صحيح. (¬3) انظر الحديث رقم (2583). (¬4) "الصحاح في اللغة" 3/ 395.

يستدل به على جواز تحلية آلة الحرب كالسيف، والرمح، والمنطقة التي يشد بها الرجل وسطه، وأطراف السهام، وسكين الحرب، والخنجر، والدرع، والخوذة، والترس، وما في معناها إرهابًا للعدو. وأما سكين الخدمة وسكين المقلمة فالأصح تحريم تحليتها بالفضة على الرجال وغيرهم، وفي بعض نسخ أبي داود: (حديث سعيد بن أبي الحسن) واسمه يسار تابعي (أقوى الأحاديث، والباقي كلها ضعاف). [2584] (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ بن هشام) بن عبد الله الدستوائي، (حدثنيه أبي، عن قتادة قال: كانت قبيعة سيف (¬1) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضة) ورواية سعيد بن أبي الحسن رواها الترمذي أيضًا وقال: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا وهب بن جرير، حدثنا أبي، عن قتادة، عن أنس قال (¬2): كانت قبيعة سيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فضة. ثم قال: حديث حسن غريب (¬3). [2585] ([حدثنا محمد بن بشار حدثني يحيى بن كثير أبو غسان العنبرى] (¬4) عن عثمان بن سعد) وثقه أبو نعيم، قال المنذري (¬5): هو أبو بكر التميمي البصري الكاتب، تكلم فيه غير واحد. (عن أنس قال: كانت قبيعة سيف النبي - صلى الله عليه وسلم - فضة) قال في "الذخائر": ¬

_ (¬1) زيادة من (ل). (¬2) ساقطة من (ل). (¬3) "سنن الترمذي" (1691). (¬4) ليست في الأصل، ومستدركة من المطبوع. (¬5) "مختصر سنن أبي داود" 3/ 404.

تحلية سيف من لا يجاهد كما يشاهد في زماننا فحرام، فإن صح تخصيص تحلية سيف المجاهد فيحمل (¬1) على من عزم على الجهاد أو من يتصور منه الجهاد من المرتزقة والآحاد، أما من لا يتصور منه الجهاد لهرم شديد أو زمانة فالتجويز لمثله بعيد (¬2). * * * ¬

_ (¬1) في (ل): فيحتمل. (¬2) انظر: "مغني المحتاج" 2/ 98.

72 - باب في النبل يدخل به المسجد

72 - باب في النَّبْلِ يُدْخَلُ بِهِ المَسْجِدُ 2586 - حَدَّثَنا قُتيْبَة بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللّيث، عَنْ أَبي الزُّبيْرِ، عَنْ جابِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ أَمَرَ رَجُلاً كانَ يَتَصَدَّقُ بِالنَّبْلِ في المَسْجِدِ أَنْ لا يَمُرَّ بِها إِلَّا وَهُوَ آخِذٌ بِنُصُولِها (¬1). 2587 - حَدَّثَنا محَمَّد بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنا أَبُو أُسامَةَ، عَنْ بُريْدٍ، عَنْ أَبي بُرْدَةَ، عَنْ أَبي مُوسَى، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إِذا مَرَّ أَحَدُكُمْ في مَسْجِدِنا أَوْ في سُوقِنا وَمَعَهُ نَبْلٌ فَلْيُمْسِكْ عَلَى نِصالِها". أَوْ قالَ: "فَلْيَقْبِضْ كَفَّهُ". أَوْ قالَ: "فَلْيَقْبِضْ بِكَفِّهِ أَنْ يُصِيبَ أَحَدًا مِنَ المُسْلِمِينَ" (¬2). * * * باب في النبل يدخل به المسجد تقدم أن النبل هو: العربي، والنشاب: لما قوسه فارسي. [2586] (حدثنا قتيبة بن سعيد) البلخي، (حدثنا الليث، عن أبي الزبير) محمد بن مسلم التدرسي، (عن جابر، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر رجلاً كان يتصدق بالنبل) فيه فضيلة التصدق بالسهام والقسي والرماح وما في معناها من آلات السلاح للمجاهدين. (في المسجد) فيه جواز الصدقة في المسجد حتى في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال القرطبي (¬3): أن سائلًا سأل في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يعطه ¬

_ (¬1) رواه البخاري (451)، ومسلم (2614). (¬2) رواه البخاري (452)، ومسلم (2615). (¬3) "الجامع لأحكام القرآن" 6/ 221.

أحد شيئا، وكان علي في الصلاة في الركوع وفي يمينه خاتم، فأشار إلى السائل حتى أخذه منه، فأنزل الله تعالى: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} (¬1)، وفيه دليل على إدخال آلة السلاح في المسجد (ألا يمر بها) فيه جواز المرور في المسجد لغير الصلاة وحمل السلاح فيه، وفيه فضيلة التصدق بآلة الجهاد (إلا وهو آخذ بنصولها) جمع نصل، ويجمع على نصال أيضًا، والنصل: حديدة السهم التي تدخل في آخر السهم. وفي رواية البخاري (¬2): فليأخذ على نصالها. يعني: لئلا يجرح أحدًا، وهذا يرجح ما ذهب إليه مالك من سد الذرائع، وفيه أن ما (¬3) فيه مصلحة محققة لا تترك لمفسدة غير محققة، فإن الصدقة محقق فضلها، والجرح بالنبل غير محقق. [2587] (حدثنا محمد بن العلاء) أبو (¬4) كريب الهمداني (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد) بضم الموحدة مصغر (عن أبي بردة، عن أبي موسى) عبد الله بن قيس (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا مر أحدكم في مسجدنا) لعل المراد به في مسجد المؤمنين، ولا يختص هذا الإذن بمسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -[لكن ترك هذا الأدب فيه أولى من غيره لفضيلته، ¬

_ (¬1) المائدة: 55، والأثر رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 4/ 1162 عن سلمة بن كهيل قال: تصدق عليٌّ بخاتمه وهو راكع فنزلت. ورواه الحاكم في "معرفة علوم الحديث" (ص 102) عن عيسى بن عبد الله بن عبيد الله بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن أبيه عن جده وفيه قدر مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬2) "صحيح البخاري" (7075). (¬3) زيادة من (ل). (¬4) في (ر): ابن. وكلاهما صحيح فهو أبو كريب وابن كريب.

وكذا المسجد الأقصى أولى بالترك من غيره من المساجد ويدل على أن هذا لا يختص بمسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -] (¬1) الرواية المتقدمة، ورواية مسلم (¬2): "إذا مر أحدكم بمجلس أو سوق". ولم يقل: سوقنا كما لا يختص بسوق المدينة، قوله: (أو في سوقنا) وكذا لا يختص بالمسجد والسوق، وإنما ذكر المسجد لحرمته والسوق لكثرة المارين فيه، بل يجري هذا في المجالس التي يتخذ فيها، كما في مسلم ذكر المجلس، وكذا يجري في الطرق المسلوكة وغيرها من الأماكن. (ومعه نبل) فيه جواز الدخول إلى المسجد بالسلاح وحمله فيه والمرور به في المسجد والسوق والطريق وغيرها (فليمسك) بضم الياء (على نصالها) جمع نصل كما تقدم، (أو قال) هذا شك من الراوي (فليقبض كفه) [عليها (¬3) (أو قال: ) الراوي (¬4) (فليقبض بكفه)] (¬5) بزيادة الباء، وهذا من شدة اعتنائهم على ضبط الألفاظ، وفيه دليل لمن يقول: لا يجوز رواية الحديث بالمعنى؛ إذ لو جاز بالمعنى لما ادعاه هذا اللفظ الذي هو بمعناه (أن تصيب) بنصلها (أحدًا من المسلمين) هذا هو علة للأدب المذكور وهو الإمساك بنصالها [عند إرادة المرور بين الناس، وفي رواية للبخاري في كتاب الصلاة (¬6): ¬

_ (¬1) ما بين المعكوفتين ساقط من (ر). (¬2) "صحيح مسلم" (2615). (¬3) ساقطة من (ر). (¬4) ساقطة من (ر). (¬5) ما بين المعكوفتين ساقط من (ر). (¬6) "صحيح البخاري" (452).

"فيأخذ بنصالها] (¬1) لا يعقر بكفه مسلمًا"، وفيه تقديم وتأخير تقديره: فليأخذ على نصالها بكفه لا يعقر مسلمًا أي: لا يجرح به أحدًا من المسلمين. قال النووي (¬2): فيه اجتناب كل ما يخاف به ضرر. يعني: على المسلمين إذا مر بينهم في سوق أو غيره لا سيما المسجد، وفي رواية ابن ماجه (¬3): لا يشهر فيه سلاح ولا يقتص فيه من أحد، وفي رواية الطبراني (¬4): لا ينبض فيه بقوس، ولا ينثر فيه نبل ولا يمر فيه بلحم نيء ولا يضرب فيه حد، وأنبض القوس بضاد معجمة إذا حرك وترها لترن. * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعكوفتين ساقط من (ر). (¬2) "شرح النووي على مسلم" 16/ 169. (¬3) "سنن ابن ماجه" (748). (¬4) لم أجدها عند الطبراني، وهي نفس رواية ابن ماجه السابقة.

73 - باب في النهي أن يتعاطى السيف مسلولا

73 - باب في النَّهْي أَنْ يَتَعاطَى السّيْف مَسْلُولاً 2588 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ أَبي الزُّبيْرِ، عَنْ جابِرٍ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ يُتَعاطَى السّيْفُ مَسْلُولاً (¬1). * * * باب النهي عن السيف يتعاطى مسلولًا [2588] (حدثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي، (حدثنا حماد) بن سلمة، (عن أبي الزبير) محمد بن مسلم، (عن جابر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يتعاطى السيف مسلولاً) رواية الترمذي بهذا اللفظ، وقال: حديث حسن غريب (¬2). يقال: تعاطيت السيف إذا تناولته. قال الله تعالى: {تعاطى فعقر} (¬3) أي: تناول الناقة بسيفه فعقرها. وهذا فيه كراهة تناول السيف مسلولًا؛ لأن المتناول قد يخطى في تناوله فتنجرح يده أو شيء من جسده فيتأذى بذلك ويحصل الفساد. وفي معنى السيف السكين، فلا يرميها إليه والحد من جهته، والإذن في تناولها أن يمسك النصل المحدد في يده من جهة قفاه ويجعل المقبض إلى جهته ليتناولها بالنصاب. * * * ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2163)، وأحمد 3/ 300. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2331). (¬2) "سنن الترمذي" (2163). (¬3) القمر: 29.

74 - باب في النهى أن يقد السير بين أصبعين

74 - باب في النَّهْى أَنْ يُقَدَّ السَّيْرُ بيْن أُصْبُعيْنِ 2589 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْن بَشّارٍ، حَدَّثَنا قُريْش بْن أَنَسٍ، حَدَّثَنا أَشْعَثُ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نهَى أَنْ يُقَدَّ السّيْرُ بيْنَ أصْبُعيْنِ (¬1). * * * باب النهي أن يُقدَّ السير بين أصبعين [2589] (حدثنا محمد بن بشار، حدثنا قريش بن أنس) بفتح القاف وكسر الراء (¬2)، روي له في الصحيحين، (حدثنا أشعث) بن سوار الكندي، أخرج له مسلم في المتابعات. (عن الحسن) وهو البصري، (عن سمرة) قال المنذري (¬3): قد اختلف في سماع الحسن من سمرة. (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يُقدَّ) أي: يقطع الجلد ويشق (السير) طولًا (بين أصبعين) وفي الحديث: كان علي إذا تطاول قدّ وإذا تقاصر قطّ. (¬4) أي: إذا تطاول في الحرب على عدوه قطعه طولًا، وإذا قصر عنه قطعه ¬

_ (¬1) رواه الطبراني 7/ 219 (6910)، والحاكم 4/ 281. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (446). (¬2) كذا في الأصول، وقد ترجم له الأمير ابن ماكولا في "الإكمال" 6/ 497 فيمن اسمه قريش بضم القاف وفتح الراء، وكذا هو ضبطه في "الصحيح" (طبعة طوق النجاة) 7/ 85 (5472 م). (¬3) "مختصر سنن أبي داود" 3/ 405. (¬4) لم أقف عليه مسندًا، وذكره الفيروزأبادي في تفسيره "بصائر ذوي التمييز" 4/ 240، والخطابي في "غريب الحديث" 2/ 152، والزمخشري في "الفائق" 3/ 166، وابن الأثير كما سيأتي.

عرضًا كما يقط القلم. قال في "النهاية" (¬1): سبب النهي لئلا يعقر الحديد يده وهو شبيه بما قبله أن يتعاطى السيف مسلولًا. يعني: لغير حاجة. * * * ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الأثر" 4/ 40.

75 - باب في لبس الدروع

75 - باب في لُبْس الدُّرُوعِ 2590 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا سُفْيانُ قالَ: حَسِبْتُ أَنّي سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنَ خُصيْفَةَ يَذْكُرُ، عَنِ السّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ رَجُلٍ قَدْ سَمّاهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ظاهَرَ يَوْمَ أُحُدٍ بيْنَ دِرْعيْنِ أَوْ لَبِسَ دِرْعيْنِ (¬1). * * * باب في لبس الدروع الدروع جمع درع ودرع الحديد مؤنثة، وكذا درع المرأة وهو قميصها. [2590] (حدثنا مسدد، عن سفيان) بن عيينة. في رواية ابن ماجه في الجهاد (¬2): سفيان بن عيينة، عن يزيد بن خصيفة. (عن يزيد) بن عبد الله (بن خُصيفة) بضم الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة الكندي، (عن السائب بن يزيد) الكندي، حج به أبوه مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع وهو ابن سبع سنين. (عن رجل قد سماه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ظاهر) بفتح الهاء (يوم أحد بين درعين) قال صاحب "المطالع" و"المشارق" (¬3): أي: لبس درعًا فوق ¬

_ (¬1) رواه أبو يعلى (659)، (660)، وابن قانع في "معجم الصحابة" 2/ 39، 3/ 25 - 26، والبيهقي 9/ 46. وفي بعض الروايات بزيادة: طلحة بن عبيد الله. ورواه ابن ماجه (2806)، وأحمد 3/ 449، عن السائب مرفوعا، دون ذكر الرجل. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2332). (¬2) "سنن ابن ماجه" (2806). (¬3) "المطالع" 3/ 23 - 24، "المشارق" 1/ 256، 1/ 330.

أخرى. وقيل: طارق بينهما، أي: جعل ظهر أحدهما لظهر الأخرى، وقيل: عاون والظهير: المعين، أي: قوى إحداهما بالأخرى زيادة في التقوي والتوقي، قال الله تعالى: {وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ} (¬1) أي: أعانوا، (أو) هذا شك من الراوي. (لبس درعين) ورواية الترمذي: كان على النبي [- صلى الله عليه وسلم - درعان يوم أحد (¬2). وفي رواية: قد ظاهر بينهما، وهذا يدل على تأكيد الحذر والتأهب من العدو بكثرة السلاح ولبس بعضه فوق بعض، وترك التفريط في أمرهم؛ فإن الجيش ما يصاب غالبًا إلا من تفريط، وهذا قبل نزول قول الله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (¬3)، وفيه دليل على تعاطي الأسباب والتوقي من العدو بما يكون سببًا للسلامة وبلاغًا لدار الكرامة. * * * ¬

_ (¬1) الممتحنة: 9. (¬2) "سنن الترمذي" (3738). (¬3) المائدة: 67.

76 - باب في الرايات والألولة

76 - باب في الرّاياتِ والأَلْوِلَةِ 2591 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى الرّازيُّ، أَخْبَرَنا ابن أَبي زائِدَةَ، أَخْبَرَنا أَبُو يَعْقوبَ الثَّقَفي، حَدَّثَني يُونُسُ بْن عُبيْدٍ - رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ مَوْلَى مُحَمَّدِ بْنِ القاسِمِ- قالَ: بَعَثَني مُحَمَّدُ بْن القاسِمِ إِلى البَراءِ بْنِ عازِبٍ يَسْأَلُهُ، عَنْ رايَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ما كانَتْ فَقالَ: كانَتْ سَوْداءَ مُرَبَّعَةً مِنْ نَمِرَةٍ (¬1). 2592 - حَدَّثَنا إِسْحاق بْن إِبْراهِيمَ المَرْوَزيُّ -وَهُوَ ابن راهَويْهِ- حَدَّثَنا يَحْيَى ابْنُ آدَمَ، حَدَّثَنا شَرِيكٌ، عَنْ عَمّارٍ الدُّهْنيِّ، عَنْ أَبي الزُّبيْرِ، عَنْ جابِرٍ يَرْفَعُهُ إِلى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كانَ لِواؤهُ يَوْمَ دَخَلَ مَكَّةَ أَبْيَضَ (¬2). 2593 - حَدَّثَنا عُقْبَة بْن مُكْرَمٍ، حَدَّثَنا سَلْمُ بْنُ قتيْبَةَ الشَّعِيريُّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سِماكٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ، عَنْ آخَرَ مِنْهُمْ قالَ: رَأيْت رايَةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَفْراءَ (¬3). * * * باب في الرايات والألوية قال صاحب "المطالع" وغيره: اللواء راية لا يحملها إلا صاحب جيش الحرب أو (¬4) صاحب دعوة الجيش والناس له تبع. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1680)، وأحمد 4/ 297، والنسائي في "الكبرى" (8606). وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (2333): حديث صحيح دون قوله: مربعة. (¬2) رواه الترمذي (1679)، والنسائي 5/ 200، وابن ماجه (2817). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2334). (¬3) رواه البيهقي 6/ 363. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (447). (¬4) في (ر): و. وانظر: "مطالع الأنوار" بتحقيقنا 3/ 464.

وأما الرايات فجمع راية. قال الجوهري (¬1) وغيره: الراية: العلم. ويسمى به لأن به يعرف مقدم الجيش وجوانبه [ويشتهر به] (¬2)، وقيل: الراية هي اللواء، فيكون على هذا من المترادف. [2591] (حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي، حدثنا) يحيى (ابن أبي زائدة، أنبأنا أبو يعقوب) قال الترمذي (¬3): اسمه إسحاق بن إبراهيم. قال ابن عدي الجرجاني: روى عن الثقات ما لا يتابع عليه (¬4). الثقفي. (حدثنا يونس بن عبيد) مولى عبد القيس، وثقه ابن حبان (¬5). (مولى محمد بن القاسم قال: بعثني محمد بن القاسم الثقفي إلى البراء ابن عازب) الصحابي ابن الصحابي رضي الله عنهما (فسأله عن راية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فيه فضيلة السؤال عن أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وآلاته ليتأسى به فيها (ما كانت؟ قالت: كانت سوداء مربعة) السائل: يونس بن عبيد. لفظة: "كان" تدل على أن استعمال الراية من سنته المعهودة التي يستعملها في حروبه فينبغي أن يسار بسيرته ويستن بها. قال المهلب: وفي حديث الزبير أن الراية لا يركزها حاملها إلا بإذن الإمام؛ لأنها علامة على مكانه فلا يتصرف فيها إلا بأمره (¬6). وفيه أن الأفضل أن تكون خرقتها مربعة متساوية الجهات، وينبغي أن تكون هكذا الأعلام التي على المنابر (من نمرة) بفتح النون وكسر الميم، أي: من صوف مخطط، سميت بذلك لأنها تشبه النمر بالسواد الذي فيه، ¬

_ (¬1) "الصحاح" 6/ 214. (¬2) في (ر): ويستر حربه. والمثبت من (ل). (¬3) "سنن الترمذي" 4/ 196. (¬4) الكامل لابن عدي 1/ 340. (¬5) "الثقات" لابن حبان 5/ 554. (¬6) انظر: "فتح الباري" 6/ 127.

وجاء عنه -عليه السلام- أنه كانت رايته سوداء من مرط لعائشة مرحل (¬1). بالحاء المهملة، أي: موشى، سمي مرحلًا؛ لأن فيه تصاوير الرحال. [2592] (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن مخلد الحنظلي (المروزي وهو ابن راهويه) بضم الهاء وإسكان الواو، حافظ مجتهد، قرين أحمد ابن حنبل، (حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا شريك) يحتمل أنه النخعي أو ابن أبي نمر، وكل ثقة. (عن عمار الدُّهني) بضم الدال المشددة، قال الترمذي (¬2): هو ثقة عن أهل الحديث، ودُهن بطن من بجيلة. (عن جابر يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان لواؤه يوم دخل مكة أبيض) كان مع سعد بن عبادة فجعله بيد قيس ابنه، ورأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن اللواء لم يخرج عنه إذ صار إلى ابنه قيس وقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى الراية للزبير إذ نزعها من سعد (¬3). وكان اللواء أبيض (¬4) مربعًا، قال البخاري: هذا الحديث هو حديث دخل مكة وعليه عمامة سوداء. [2593] ([حدثنا عقبة بن مكرم، حدثنا سلم بن قتيبة الشعيري، عن شعبة عن] (¬5) عن سماك) وهو ابن حرب، (عن رجل من قومه، عن آخر منهم قال: رأيت راية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صفراء) يعني: في بعض غزواته. * * * ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 18/ 159 (34289) عن عمرة مرسلا. (¬2) "سنن الترمذي" 4/ 196. (¬3) رواه الفاكهي في "أخبار مكة" 5/ 200 (177)، وأبو يعلى 2/ 44 (684)، وأبو نعيم في "فضائل الخلفاء الراشدين" 2/ 44 (684). قال الهيثمي 6/ 169: رواه أبو يعلى، وفيه محمد بن الحسن بن زبالة، وهو ضعيف جدًّا. (¬4) مكانها بياض في (ل) وأثبتناها من (ر). (¬5) ليست في الأصول، ومستدركة من المطبوع.

77 - باب في الانتصار برذل الخيل والضعفة

77 - باب في الانْتِصارِ بِرذْلِ الخيْلِ والضَّعَفَةِ 2594 - حَدَّثَنا مُؤَمَّل بْنُ الفَضْلِ الحَرّانيُّ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ، حَدَّثَنا ابن جابِرٍ، عَنْ زيْدِ بْنِ أَرْطاةَ الفَزاريِّ، عَنْ جُبيْرِ بْنِ نُفيرٍ الحَضْرَميِّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبا الدَّرْداءِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقول: "ابْغُوني الضُّعَفاءَ فَإِنَّما تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفائِكُمْ" (¬1). قالَ أَبو داوُدَ: زيْدُ بْن أَرْطاةَ أَخو عَديِّ بْنِ أَرْطاةَ. * * * باب في الانتصار (¬2) برذل الخيل والضعفة (¬3) برذل بضم الراء والذال، أي: يصير خيله على حالة الأراذل من الخيل وعلى حالة الضعفاء، يقال: أقهر الرجل: إذا صيره على حالة القهر، وأذله: صيره على هيئة الذل، وفي بعض النسخ: باب في الانتصار برذل الخيل بكسر باء الجر وفتح الراء من رذل والرذل (¬4) بالذال المعجمة: الدون الخسيس (¬5)، وقد رذُل الفرس وغيره بضم الذال رذالة ورذولة فهو رذل. [2594] (حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني قال: حدثنا الوليد، حدثنا ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1702)، والنسائي 6/ 45، وأحمد 5/ 198. وصححه الألباني في "الصحيحة" (779). (¬2) في الأصول: الإمام وأثبتناها كما في "سنن أبي داود". (¬3) في (ر): والضعفاء. (¬4) في (ر): وارتذل. (¬5) مكررة في: (ل).

ابن جابر، عن زيد بن أرطاة الفزاري، عن جبير بن نفير الحضرمي أنه سمع أبا الدرداء) عويمر بن عامر الأنصاري. (يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ابغوني) بهمزة وصل مكسورة؛ لأنه من فعل ثلاثي، أي: اطلبوا لي (الضعفاء) يعني: صعاليك المسلمين أستعين بهم وأسير معهم، قال الله تعالى: {يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} (¬1) أي: يطلبون لكم ما يشق عليكم، فإذا قلت: أبغني بقطع الهمزة، فمعناه: أعنيِّ على الطلب، وأصل البغاء الطلب، ومنه (¬2) الباغية؛ لأنها تطلب الفساد، وبوب البخاري على هذا الحديث (¬3): باب من استعان بالضعفاء والصالحين، وبوب الترمذي (¬4): باب الاستفتاح بصعاليك المسلمين. ورواه البخاري (¬5) عن مصعب بن سعد قال: رأى سعد -رضي الله عنه - أن له فضلًا على من دونه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم". ورواه النسائي (¬6) عن سعد أيضًا، ولفظه عن سعد أنه ظن أن له فضلًا على من دونه من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما نصر الله هذِه الأمة بضعفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم". ومعنى الحديث على ما بوب عليه أبو داود وغيره: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا حصل على العسكر خوف يقول: "اطلبوا لي صعاليك المسلمين ¬

_ (¬1) التوبة: 47. (¬2) في (ر): منها. (¬3) "صحيح البخاري" 4/ 36. (¬4) "سنن الترمذي" 4/ 205. (¬5) "صحيح البخاري" (2896). (¬6) "سنن النسائي" 6/ 45.

أستعين وأستنصر بهم على العدو"، وكذلك إذا سار يقول: اطلبوا ركاب (¬1) أراذل الخيل وضعفاء المشاة أسير معهم وأرفق بهم وأمشي معهم (¬2) على سير أضعفهم لقوله: (فإنما ترزقون) ما تنتفعون به (وتنصرون) على عدوكم (بضعفائكم) يعني: بالصعاليك من المسلمين. (قال أبو داود: زيد بن أرطاة أخو عدي بن أرطاة) وفيه دليل على أن الأمير يستحب له أن يفعل ذلك بالجيش لئلا يشق عليهم في السفر إذا لم تدع حاجة إلى جد السير، وكذلك آحاد الجيش إذا رأى رجلًا قد أصيب فرسه ومعه فضل استحب له حمله ولم يجب فإن خاف تلف الآدمي فقد يجب عليه بذل فضل مركوبه كما تقدم ليحيي به صاحبه، كما يجب عليه بذل فضل الطعام للمضطر إليه وتخليصه من العدم. * * * ¬

_ (¬1) في (ر): رقاب، والمثبت من (ل). (¬2) ساقطة من (ر).

78 - باب في الرجل ينادي بالشعار

78 - باب في الرَّجُلِ ينادي بِالشِّعارِ 2595 - حَدَّثَنا سَعِيدُ بْن مَنْصُورٍ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْن هارُونَ، عَنِ الحَجّاجِ عَنْ قَتادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُب قالَ: كانَ شِعارُ المُهاجِرِينَ عَبْدُ اللهِ وَشِعارُ الأَنْصارِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ (¬1). 2596 - حَدَّثَنا هَنّادٌ، عَنِ ابن المُبارَكِ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمّارٍ، عَنْ إِياسِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: غَزَوْنا مَعَ أَبي بَكْرٍ -رضي الله عنه - زَمَنَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فَكانَ شِعارُنا أَمِتْ أَمِتْ (¬2). 2597 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن كَثِير، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنِ المُهَلَّبِ بْنِ أَبي صُفْرَةَ، قالَ: أَخْبَرَني مَنْ سَمِعَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - يَقُول: "إِنْ بُيِّتُّمْ فَلْيَكُنْ شِعارُكُمْ حم لا يُنْصَرُونَ" (¬3). * * * باب في الرجل ينادي بالشعار الشعار بكسر الشين المعجمة وبالعين المهملة هي العلامة التي يعرف بها القوم، ومنه: إشعار البدن يجرح أحد جانبي الشعار ليجعل علامة على أنه من الهدي. ¬

_ (¬1) رواه سعيد بن منصور (2909) ط الأعظمي، والطبراني 7/ 217 (6903)، والبيهقي 6/ 361. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (448). (¬2) رواه ابن ماجه (2840)، وأحمد 4/ 46، والنسائي في "الكبرى" (8665). وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (2336): إسناده حسن صحيح على شرط مسلم. (¬3) رواه الترمذي (1682)، وأحمد 4/ 65، والنسائي في "الكبرى" (8861). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2337).

قال المنذري (¬1): في إسناده الحجاج بن أرطاة، ولا يحتج بحديثه. لكن قال أحمد: كان من الحفاظ (¬2). وروى له مسلم مقرونًا بآخر، وقال شعبة (¬3): اكتبوا عن الحجاج بن أرطاة وابن إسحاق فإنهما حافظان (¬4). قلت: وإن كان ضعيفًا فيعمل بالضعيف في فضائل الأعمال. [2595] (حدثنا سعيد بن منصور) الخراساني، (حدثنا يزيد بن هارون) الواسطي، (عن الحجاج، عن قتادة، عن الحسن) البصري، (عن سمرة بن جندب قال: كان شعار المهاجرين عبد الله) فيه استحباب الشعار في الحرب ليعرف الرجل صاحبه فلا يضربه، (وشعار الأنصار عبد الرحمن) وإنما اختير هذين الاسمين دون غيرهما لأنهما أحب الأسماء إلى الله تعالى كما في "صحيح مسلم" (¬5)، ولأن هذين الاسمين تضمنتا وصفي الآدمي الواجبين له وهما العبودية والافتقار إلى المعبود ورحمته لهم في ملاقاة عدوهم ونصرة دينه، وتضمنتا وصفين واجبين لله تعالى وهو الإلهية والرحمانية. [2596] [(حدثنا هناد) بن السري، (عن) عبد الله (بن المبارك، عن عكرمة بن عمار) العجلي] (¬6) (عن إياس بن سلمة) هو بفتح اللام، (عن ¬

_ (¬1) "مختصر سنن أبي داود" 3/ 407. (¬2) "الجرح والتعديل" 3/ 156. (¬3) "الكامل في ضعفاء الرجال" 2/ 227، "سير أعلام النبلاء" 6/ 191. (¬4) الحجاج بن أرطاة يدلس في بعض أحيانه، ويخطئ في بعض، فيحتج بحديثه إذا لم يتبين خطؤه أو تدليسه. انظر: "تهذيب التهذيب". (¬5) (2132). (¬6) ما بين المعكوفتين ساقط من: (ل).

أبيه) وهو سلمة بن الأكوع: (غزونا مع أبي بكر زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكان شعارنا) فيه أنه يستحب أن يجعل لكل طائفة شعارًا يعرفون به في الحرب ويعرف بعضهم بعضًا به، وفي "سنن النسائي" (¬1): كان سيمانا يوم بدر الصوف الأبيض. (أمت أمت) بفتح الهمزة وكسر الميم وإسكان المثناة هو أمر بالموت، فيحمل أنه يراد به سؤال الموت وهو القتل في سبيل الله حبًّا للشهادة، فعبر عن القتل بالموت؛ لأنه سببه كما عبر عنه في قوله تعالى: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ} (¬2)، ويحتمل أن يراد به: اللهم أمتهم يعني: الكفار بما بأيدينا من السلاح. قال البغوي (¬3): روي كان شعار النبي - صلى الله عليه وسلم - يا منصور أمت (¬4). قيل: هو أمر بالموت أراد به التفاؤل بالنصر بعد الإماتة مع حصول الغرض بالشعار؛ فإنه علامة يتعارفون بها في ظلمة الليل. [2597] (حدثنا محمد بن كثير) العبدي، (أنبأنا سفيان) الثوري، (عن أبي إسحاق) السبيعي، (عن المهلب بن أبي صفرة قال: أخبرني من سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن بُيِّتم) بضم الباء وتشديد المثناة المكسورة، أي: إن بيتكم (¬5) العدو كما في رواية، وفي بعض النسخ ¬

_ (¬1) "سنن النسائي الكبرى" 8/ 34 (8586). (¬2) آل عمران: 143. (¬3) "شرح السنة" 11/ 52. (¬4) أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (6015)، وفي "الكبير" (6496). (¬5) في (ر): بيتم.

بفتح الباء والتاء المثناة، أي: أوقعتم القتل بهم ليلًا وهو كناية عما يفعل ليلًا كما أن (ظل) كناية عن فعل النهار. (فليكن شعاركم) فيه الأمر بأن البيات إذا وقع واختلط المسلمون بالعدو فيستحب للإمام أن يجعل للمسلمين شعارًا يقولونه يتميزون به عن العدو (حم) كما في أول الحواميم من كتاب الله تعالى، قال البغوي (¬1): هو اسم من أسماء الله تعالى أقسم الله بها لشرفها أو فضلها، وقيل: إنه اسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، فكأنه أقسم باسم الله أو بالاسم الأعظم أنهم (لا ينصرون) هو إخبار، كأنه قال: والله لا ينصرون، وقد قال مثله أهل التفسير في حواميم القرآن، قال أبو عبيد (¬2): المعني: أنهم لا ينصرون، وعن أبي العباس أحمد بن يحيى أنه قال: هو إخبار معناه والله أعلم: لا ينصرون، ولو كان دعاء لكان مجزومًا بحذف النون؛ لأنه جواب الأمر (¬3). وذكر الحسن بن مظفر النيسابوري في كتاب "مأدبة الأدباء" قال: كان شعار أصحاب علي -رضي الله عنه- يوم الجمل: (حم)، وكان شريح بن أبي أوفى مع علي، فلما طعن شريح محمدًا قال: حم، فأنشد شريح: يذكرني (حم) والرمح شاجر ... فهلاَّ تلا (حم) قبل التقدم (¬4) ¬

_ (¬1) "شرح السنة" 11/ 53. (¬2) "غريب الحديث" لابن سلام 4/ 95. (¬3) "شرح السنة" للبغوى 11/ 53. (¬4) البيت من الطويل التام، وهو في "صحيح البخاري" قبل حديث (4815).

أي: يذكرني حم، أي: بتلاوته: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} (¬1). وقيل: كان مراد محمد بن طلحة بقوله: حم اذكر فيَّ حم، أي: قوله تعالى في: {حم (1) عسق (2)}: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} (¬2)، كأنه يذكر بقراءته عدم قتله. قال البغوي (¬3): وسمعت من يروي: (حُمَّ) بضم الحاء وتشديد الميم. أي: قضي الأمر المهم. قلت: ويؤيده أن صاحب "الغريبين" ذكره في مادة حمم (¬4). ورواية النسائي (¬5) عن البراء: إنكم ستلقون عدوكم غدًا فليكن شعاركم حم لا ينصرون دعوة نبيهم، هكذا الرواية. قال أبو الحجاج: وفي بعض النسخ: دعوة (¬6) نبيكم، وهو الأظهر. والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) غافر: 28، والقصة ذكرها الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" 8/ 555. (¬2) الشورى: 23. (¬3) "شرح السنة" 11/ 53. (¬4) في الأصلين: حميم. والمثبت كما "الغريبين" 2/ 499. (¬5) "سنن النسائي الكبرى" (10451) بلفظ: "دعوة نبيكم". (¬6) ساقطة من: (ر).

79 - باب ما يقول الرجل إذا سافر

79 - باب ما يَقُول الرَّجُلُ إِذا سافَرَ 2598 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلانَ حَدَّثَني سَعِيدٌ المَقْبُرىُّ، عَنْ أَبي هُريْرَةَ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا سافَرَ قالَ: "اللَّهُمَّ أَنْتَ الصّاحِبُ في السَّفَرِ، والخَلِيفَةُ في الأَهْلِ، اللَّهُمَّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ المُنْقَلَبِ وَسُوءِ المَنْظَرِ في الأهْلِ والمالِ، اللَّهُمَّ اطْوِ لَنا الأَرْضَ، وَهَوِّنْ عَليْنا السَّفَرَ" (¬1). 2599 - حَدَّثَنا الحَسَن بْنُ عَليٍّ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا ابن جُريْجٍ، أَخْبَرَني أَبُو الزُّبيْرِ، أَنَّ عَلِيّا الأَزْديَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ ابن عُمَرَ عَلَّمَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إِذا اسْتَوى عَلَى بَعِيرِهِ خارِجًا إِلى سَفَرٍ كَبَّرَ ثَلاثًا ثُمَّ قالَ: " {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} [الزخرف: 13، 14] اللَّهُمَّ إِنّي أَسْأَلُكَ في سَفَرِنا هذا البِرَّ والتَّقْوى، وَمِنَ العَمَلِ ما تَرْضَى، اللهُمَّ هَوِّنْ عَلينا سَفَرَنا هذا، اللَّهُمَّ اطْوِ لَنا البُعْدَ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصّاحِبُ في السَّفَرِ، والخَلِيفَةُ في الأَهْلِ والمالِ". وَإذا رَجَعَ قالَهنَّ وَزادَ فِيهِنَّ: "آيِبُونَ، تائِبُونَ، عابِدُونَ، لِرَبِّنا حامِدُونَ". وَكانَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وَجُيُوشُهُ إِذا عَلَوُا الثَّنايا كَبَّرُوا وَإذا هَبَطوا سَبَّحُوا، فَوُضِعَتِ الصَّلاة عَلَى ذَلِكَ (¬2). * * * باب ما يقول إذا سافر [2598] (حدثنا مسدد، حدثنا يحيى) بن سعيد القطان، (حدثنا محمد بن عجلان) المدني، (حدثني سعيد المقبري، عن أبي هريرة: ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3438)، والنسائي 8/ 273، وأحمد 2/ 401. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (2338): حسن صحيح. (¬2) رواه مسلم (1342).

كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سافر) أي: سفرًا طويلًا أو قصيرًا (قال) فيه استحباب هذا الدعاء عند ابتداء سفره وركوب الدابة. (اللهم أنت الصاحب في السفر) إطلاق الصاحب هنا نظرًا إلى أن قدرة الله مصاحبة لكل مخلوق ومسافر، وأنه هو الذي يرجى منه حفظ المسافر ورعايته، (والخليفة في الأهل) أي: وإنه الذي يرجى منه إصلاح من يخلف عنه من الأهل والزوجة والولد والأقارب والخدم والمال (¬1) وإصلاح أمر ما يخلف عنه من جميع أمواله لا أحد من المخلوقين، وزاد عبد الله: والحامل على الظهر والمستعان على الأمر (¬2). (اللهم إني أعوذ بك من وَعثاء السفر) بفتح الواو، وإسكان العين المهملة، وبالثاء المثلثة، وبالمد، وهي المشقة والشدة، أصله من الوعث وهو أرض فيها رمل تزج فيها الأرجل، فجعل مثلًا لكل ما يشق. (وكآبة) بفتح الكاف، وبالمد، أي: تغير النفس من حزن وغيره وكأنه استعاذ من أن ينقلب إلى أهله كئيبًا حزينًا لا يقضي حاجته (المنقلب) بفتح القاف واللام، وهو: المرجع، قاله النووي في كتاب المناسك من "شرح مسلم" (¬3). (وسوء المنظر) بفتح الظاء أي: وأعوذ بك من ما يسوء المنظر إليه (¬4) ¬

_ (¬1) مكانها بياض في: (ل) وأثبتاها من: (ر). (¬2) رواها المحاملي في "الدعاء" (34). (¬3) "شرح النووي على مسلم" 9/ 111. (¬4) زيادة من (ل).

(في الأهل والمال) "والولد" (¬1)، ويورث الكآبة والحزن (اللهم اطو لنا الأرض) وفي رواية للترمذي (¬2): " اللهم ازو لنا الأرض " ومعناهما متقارب أي: اجمع لنا الأرض وضمها (وهون علينا) مشقة (السفر) ونصبه. [2599] (حدثنا الحسن بن علي، حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا) عبد الملك (ابن جريج، أخبرني أبو الزبير) المكي محمد بن مسلم بن تدرس بفتح التاء (أن عليًّا) وهو ابن رباح البارقي، وبارق جبل نزله سعد بن عدي فسمي به (¬3). روى له مسلم (الأزدي أخبره أن) عبد الله (ابن عمر) رضي الله عنهما (علمه) فيه فضيلة التعليم وتضاعف أجره: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا استوى) أي: استقر (على بعيره) أو غيره من الدواب (خارجًا إلى) أي (سفر) كان من أسفاره غزوًا أو حجًّا أو غيرهما (كبر) الله أي قال: الله أكبر (ثلاثًا) وفي رواية لأحمد (¬4): كبر الله ثلاثًا، وحمد الله ثلاثًا، وسبح الله ثلاثًا، وهلل الله واحدة، وفي رواية له: " ما من بعير إلا في ذروته شيطان، فاذكروا اسم الله إذا ركبتموها كما أمركم الله، ثم امتهنوها لأنفسكم فإنما يَحمِل الله عز وجل ". (قال: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا}) (¬5) أي: ذلل لنا هذا المركب. ¬

_ (¬1) زادها النسائي 8/ 272، وابن حبان 6/ 413 (2696). (¬2) "سنن الترمذي" (3438). (¬3) انظر: "التاريخ الكبير" 6/ 283. (¬4) "مسند أحمد" 1/ 330. (¬5) الزخرف: 13.

قال مقاتل والكلبي: هو أن يقول: الحمد لله الذي رزقني هذا [وحملني عليه] (¬1). ({وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ}) أي: مطيقين لتذليله والانتفاع به من تحميل وركوب وغير ذلك. ({وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ}) أي في الآخرة ({لَمُنْقَلِبُونَ}) أي: راجعون إليه، وفيه دليل لأهل السلوك، وهو إذا كان في حال من أحوال الدنيا تذكر نظيره من أحوال الآخرة؛ لأن الله لما ذكره نعمته عليه في سفر الدنيا ذكره سيره (¬2) إلى الله يوم القيامة ورجوعه إليه ومحاسبته على هذا الركوب ومسائلته عنه. (اللهم إني أسألك) رواية مسلم (¬3): إنا نسألك. أي: نتضرع إليك. في سفرنا هذا) بخصوصه، وفي كل سفر بالعموم (البر) يعني: الطاعة (والتقوى) وهي: كلمة فيها جماع الخير كله، (ومن العمل) يعني الصالح (ما) تحب (وترضى) علينا به (¬4) (اللهم هون علينا) مشقة (سفرنا هذا) الذي نحن فيه (اللهم اطو لنا البعد) هو: كناية عن سرعة الرجوع إلى الوطن؛ فإن المسافر إذا رجع إلى وطنه بسرعة طوي عنه بعد ذلك السفر ومشقته [(اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل والمال] (¬5) وإذا رجع) من سفره (قالهن) يعني هذِه الدعوات المذكورة. (وزاد فيهن) أي: عليهن. وفي بمعنى على كقوله: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي ¬

_ (¬1) في الأصل: وحملنيه. والمثبت من "الوسيط" للواحدي 4/ 65. (¬2) في الأصول: ستره. وما أثبتناه ما يقتضيه السياق. (¬3) "صحيح مسلم" (1342). (¬4) زيادة من (ل). (¬5) ليست في الأصل، ومستدركة من المطبوع.

جُذُوعِ النَّخْلِ} (¬1) أي: عليها (آيبون) خبر مبتدأ محذوف تقديره: نحن آيبون. أي: راجعون من سفرنا (تائبون) إلى الله تعالى (¬2) من التقصير في عبادته ومن الذنوب الكثيرة (عابدون لربنا حامدون، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - وجيوشه) إذا كانوا معه أو منفردين عنه (إذا علوا الثنايا) جمع ثنية وهي الطريق في الجبل، أي: إذا ساروا في الطرق (¬3) المرتفعة في الجبال (كبروا) الله تعالى، وفي رواية الترمذي (¬4): "عليك بتقوى الله والتكبير على كل شرف ". وفي رواية أحمد (¬5) وأبي يعلى (¬6): كان إذا علا نشزًا من الأرض قال: " اللهم لك الشَّرَفُ على كل شَرَفٍ، ولك الحمد على كل حال ". (وإذا هبطوا) في وادٍ ونحوه (سبحوا) ورواية البخاري (¬7): كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبحنا. وفي "مسند أحمد" عن قيس بن عباد (¬8): كنا مع علي فكان إذا هبط واديًا قال: سبحان الله صدق الله ورسوله (فوضعت الصلاة على ذلك) أي: التكبير في حالة القيام والارتفاع، والتسبيح في حال الانهباط وهو السجود والركوع، ¬

_ (¬1) طه: 72. (¬2) من (ر). (¬3) في (ر): الطريق، والمثبت من (ل). (¬4) "سنن الترمذي" (3445). (¬5) "مسند أحمد" 3/ 239. (¬6) "مسند أبي يعلى" (4297). (¬7) "صحيح البخاري" (2831). (¬8) "مسند أحمد" 2/ 385.

والمعنى في ذلك: أن المسافر إذا ارتفع على شرف من الأرض فيذكر بقلبه ولسانه أن الله أشرف من هذا الشرف وأكبر منه وأعظم، وكذلك القيام في الصلاة وأنه يكون مرتفعًا، وأما إذا نزل واديًا منهبطًا فيذكر بقلبه ولسانه أن الله تعالى متنزه عن الانهباط والتسافل فيقول: سبحان الله، ومعناها: تنزيه الله عما لا يليق من ذلك المكان المنهبط، وكذلك الساجد والراكع في الصلاة فإنه في غاية ما يكون من الانهباط إذا وضع جبهته على الأرض فينزه الله عن ذلك ويسبح الله في السجود والركوع. * * *

80 - باب في الدعاء عند الوداع

80 - باب في الدُّعاءِ عِنْد الوَداعِ 2600 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ داوُدَ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ إِسْماعِيلَ بْنِ جَرِير، عَنْ قَزَعَةَ قالَ: قالَ لي ابن عُمَرَ: هَلُمَّ أُوَدِّعْكَ كَما وَدَّعَني رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَسْتَوْدِعُ اللهَ دِينَكَ وَأَمانتَكَ وَخَواتِيمَ عَمَلِكَ" (¬1). 2601 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْن عَليٍّ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْن إِسْحاقَ السّيْلَحِينيُّ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْن سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الخَطْميِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ الخَطْميِّ قالَ: كانَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - إِذا أَرادَ أَنْ يَسْتَوْدِعَ الجيْشَ قالَ: " أَسْتَوْدِع اللهَ دِينَكُمْ وَأَمانَتَكُمْ وَخَواتِيمَ أَعْمالِكُمْ " (¬2). * * * باب الدعاء عند الوداع الوداع بفتح الواو. [2600] [(حدثنا مسدد، حدثنا عبد الله بن داود، عن عبد العزيز بن عمر] (¬3) عن إسماعيل بن جرير) بفتح الجيم وتكرير الراء، قال شيخنا شهاب الدين ابن حجر في "تقريب التهذيب" (¬4): صوابه يحيى بن ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3443)، وابن ماجه (2826)، وأحمد 2/ 7، والنسائي في "الكبرى" (8806). وصححه الألباني في "الصحيحة" (14). (¬2) رواه النسائي في "الكبرى" (10341)، والحاكم 2/ 97 - 98. وصححه الألباني في "الصحيحة" (15). (¬3) ليست في الأصل، ومستدركة من المطبوع. (¬4) "تقريب التهذيب" (430).

إسماعيل بن جرير. (عن قَزْعة) قال النووي (¬1): هو بفتح القاف وفتح الزاي وإسكانها. ابن يحيى البصري. (قال لي ابن عمر: هلُمَّ) أي: تعال. قال الخليل: أصله لم، تشدد من قولك: لمَّ الله شعثه أي: جمعه، كأنه أراد لم نفسك إلينا أي: اقْرُب، و (ها) للتنبيه، حذفت ألفها لكثرة الاستعمال وجعل اسمًا واحدًا يستوي فيه الواحد والجمع والتأنيث (¬2)، قال الله: {هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ} (¬3) أي: هاتوا (أُودعْك) بجزم العين؛ لأنه جواب الأمر (كما ودعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -). فيه دليل على أنه يستحب للمسافر أن يودع أهله وأقاربه وجيرانه عند إرادة السفر، وفي رواية النسائي (¬4) أن ابن عمر قال لقزعة: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "قال لقمان الحكيم: إن الله إذا استودع شيئًا حفظه، وإني (أستودع الله) أي: أستحفظه (دينك) فقدم حفظ الدين على حفظ الأمانة (وأمانتك) قال الخطابي (¬5): الأمانة هاهنا أهله ومن يخلفه منهم وماله الذي يودعه أمينه، وجرى ذكر الدين مع الودائع؛ لأن السفر موضع خوف وخطر، وقد يصيبه منه المشقة والتعب فيكون [سببًا] (¬6) لإهمال ¬

_ (¬1) "شرح النووي على مسلم" 4/ 176. (¬2) "الصحاح" 5/ 2060 (هلم). (¬3) الأنعام: 150. (¬4) "سنن النسائي الكبرى" (10273). (¬5) "معالم السنن" 2/ 258. (¬6) ليست في الأصول، ويقتضيها السياق.

بعض الأمور المتعلقة بالدين (وخواتيم عملك) الصالح الذي جعلته آخر عملك في الإقامة، فإن الأعمال بخواتيمها فيستحب للمسافر أن يختم إقامته بعمل صالح صدقة وصلة رحم وصلاة ركعتين وقراءة آية الكرسي بعدهما وغير ذلك. [2601] (حدثنا الحسن بن علي، حدثنا يحيى بن إسحاق السّيلِحِينِي) بفتح المهملة وكسر اللام والحاء المهملة، (عن حماد بن سلمة، عن أبي جعفر) واسمه عبد الله بن جعفر (الخَطمي) بفتح الخاء المعجمة (عن محمد بن كعب، عن عبد الله الخطمي قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يودع الجيش) أي: يودعهم، وأصل الودع: الترك والفراق. خرج معهم إلى ثنية الوداع. قال الشعبي: يحق على الرجل إذا أراد أن يسافر أن يأتي إخوانه فيسلم عليهم ويودعهم؛ لأنه هو المفارق، ويحق على إخوانه إذا قدم أن يأتوا إليه ليهنئوه بالسلامة (قال: أستودع الله دينكم) قيل: أصل المادة من الدعة واليسر وخفض العيش، فكأنه دعا أن ييسر الله له دينه ليأتي به في دعة وخفض من غير مشقة. (وأمانتكم) أي: وأن يجعل أهلك وأقاربك في يسر وخفض عيش (وخواتيم أعمالكم) وهو مفرد بمعنى الجمع، أي: خواتيم أعمالك (¬1). * * * ¬

_ (¬1) في (ر): عملك. والمثبت من (ل).

81 - باب ما يقول الرجل إذا ركب

81 - باب ما يَقُولُ الرَّجُلُ إِذا رَكِبَ 2602 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو الأَحْوَصِ، حَدَّثَنا أَبُو إِسْحاقَ الهَمْدانيُّ، عَنْ عَليِّ بْنِ رَبِيعَةَ قالَ: شَهِدْت عَلِيّا -رضي الله عنه - وَأُتيَ بِدابَّةٍ لِيَرْكَبَها فَلَمّا وَضَعَ رِجْلَهُ في الرِّكابِ قالَ: بِسْمِ اللهِ. فَلَمّا اسْتَوى عَلَى ظَهْرِها قالَ: الحَمْدُ لله. ثُمَّ قالَ: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} ثُمَّ قالَ: الحَمْدُ لله. ثَلاثَ مَرّاتٍ. ثمَّ قالَ: اللهُ أَكْبَرُ. ثَلاثَ مَرّاتٍ ثمَّ قالَ: سُبْحانَكَ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسي فاغْفِرْ لي، فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ. ثمَّ ضَحِكَ فَقِيلَ: يا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ مِنْ أيِّ شَيء ضَحِكْتَ؟ قالَ: رَأيْتُ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فَعَلَ كَما فَعَلْتُ ثمَّ ضَحِكَ فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ، مِنْ أيِّ شَيء ضَحِكْتَ؟ قالَ: "إِنَّ رَبَّكَ يَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ إِذا قالَ: اغْفِرْ لي ذُنُوبي يَعْلَمُ أَنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غيْري" (¬1). * * * باب ما يقول الرجل إذا ركب يعني: دابته أو السفينة. [2602] (حدثنا مسدد، حدثنا أبو الأحوص، حدثنا أبو إسحاق الهمداني، عن علي بن ربيعة) الوالبي بالباء الموحدة. (قال: شهدت عليًّا) أي: حضرته (أتى بدابة ليركبها) فيه خدمة العالم بتقديم الدابة إليه وإعانته في الركوب. (فلما وضع رجله في الركاب). قال ابن بطال (¬2): ركاب سرج الدابة يستعين به الراكب عند ركوبه ويعتمد عليه ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3446)، وأحمد 1/ 97، والنسائي في "الكبرى" (10336). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2342). (¬2) "شرح صحيح البخاري" 5/ 70.

وهو معروف عندهم قديمًا. فيه دليل على جواز الركاب والاستعانة به. قال (¬1): وأما ما جاء عن عمر بن الخطاب أنه قال: اقطعوا الركب وثبوا على الخيل وثبًا (¬2). فلم يرد به منع اتخاذ الركب أصلًا، وإنما أراد تمرينهم وتدريبهم على ركوب الخيل حتى يسهل عليهم ذلك من غير استعانة بالركب لا أنه أراد منع الركب البتة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - اتخذها واستعان بها في ركوبه. (قال: بسم الله) ظاهره أنه يسمي عند ابتداء وضع رجله في الركاب، ورواية ابن حبان في "صحيحه" (¬3) وأحمد (¬4): "فإذا ركبتموها فسموا الله" تدل على أن التسمية عند الركوب على ظهرها. وقد يجمع بين الروايتين بأن التسمية في حال اعتماده على الركاب وارتفاعه للركوب، ويحتمل أن يسمي عند أول وضع رجله في الركاب [وعند ركوبه أيضًا؛ لأن في رواية الترمذي (¬5): فلما وضع رجله في الركاب] (¬6) قال: بسم الله ثلاثًا. (فلما استوى) أي: استقر (على ظهرها) راكبًا (قال: الحمد لله) فيه استحباب حمد الله عند كل نعمة متجددة (ثم قال: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا} فيه الجمع بين حمد الله والآية ({وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ}) أي: ¬

_ (¬1) أي: ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" 5/ 70. (¬2) رواه عبد الرزاق (19994)، وابن أبي شيبة (33593). (¬3) "صحيح ابن حبان" (1703). (¬4) "مسند أحمد" 3/ 494. (¬5) "سنن الترمذي" (3446). (¬6) ما بين المعكوفتين ساقط من (ر).

مقتدرين عليه من قولهم: فلان قرن فلان إذا كان له من القوة مثل ما له ({وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُون}) اللهم فأحسن منقلبنا (ثم قال: الحمد لله ثلاث مرات) فيه استحباب التثليث في الأقوال والأفعال، ثم قال: (الله أكبر ثلاث مرات) هكذا رواية الترمذي (¬1). وتقدم في رواية أحمد: سبح ثلاثًا وهلل الله واحدة (¬2). (ثم قال: سبحانك) أي: تنزيهًا لك على أن تحتاج إلى شيء يحملك أو تجلس عليه من عرش وغيره، بل الخلائق محمولون بقدرتك على ما سخرت لهم (إني ظلمت نفسي) فيه دليل على أن الإنسان لا يعرى من ذنب وتقصير كما قال عليه السلام: "كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون" (¬3). ولو كان ثم حالة تعرى عن الذنب والتقصير لما طابق هذا الإخبار عن ظلم النفس، ثم إن التقصير في طلب معالي الأمور والتوسل بطاعة الله وتقواه إلى رفع الدرجات عند الله لا يبعد أن يصدق عليه اسم الظلم بالنسبة لما يقابله من المبالغة في التشمير لذلك، والله الموفق. والمراد بالنفس هنا الذات أي: ظلمت ذاتي بوضع المعاصي التي هي سبب العقوبة موضع الطاعات التي هي سبب النجاة (فاغفر لي) ذنوبي وتقصيري (إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) المغفرة والغفران ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (3446). (¬2) "مسند أحمد" 1/ 330. (¬3) رواه الترمذي في "سننه" (2499)، والحاكم في "مستدركه" 4/ 244، وقال: حديث صحيح الإسناد.

معناهما الستر والتغطية. ونقل ابن الجوزي (¬1) عن بعض أهل اللغة أنها مأخوذة من الغفر، وهو نبت تُداوى به الجراح إذا ذر عليها دملها وأبرأها. وقوله: "لا يغفر الذنوب إلا أنت"، إقرار بوحدانية الله واستجلاب لمغفرته كما قال تعالى: علم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب (¬2). وقال تعالى: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} (¬3) (ثم ضحك) يعني: عليًّا -رضي الله عنه - (فقلت) له (أو فقيل) له، وهذا (شك) من الراوي وهو (أبو داود) صاحب "السنن" (يا أمير المؤمنين) أول من سمي بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وأول من خاطبه به عمرو بن العاص، وأول من سماه بذلك لبيد بن ربيعة العامري وعدي بن حاتم الطائي (من أي شيء ضحكت؟ ) فيه سؤال العالم إذا فعل ما لا يتضح معناه عنه سببه ليقتدى به فيه (قال: فقال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل كما فعلت) من الركوب والدعاء والذكر (ثم ضحك) ولم أعلم سبب ضحكه. وفيه أن الإنسان يفعل الفعل الحسن وإن لم يكن له داعية من نفسه تشبهًا بأهله كما قال عليه السلام: " إن لم تبكوا فتباكوا " (¬4) (فقلت: يا رسول الله من أي شيء ضحكت؟ ) ولم يظهر لنا ما يوجب الضحك (قال: إن ربك يعجب من عبده) تقدم أن التعجب الحقيقي لا ينسب إلى الله تعالى، وأن ¬

_ (¬1) "كشف المشكل من حديث الصحيحين" 1/ 13. (¬2) رواه البخاري (7507)، ومسلم (2758). (¬3) آل عمران: 135. (¬4) رواه ابن ماجه (1337) من حديث سعد بن أبي وقاص، وضعفه الألباني في "الضعيفة" (6511).

معناه أن الله ليرضى على عبده (إذا قال: ) رب (اغفر لي ذنوبي) إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت (يعلم) أي: علم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، و (أنه لا يغفر الذنوب غيري) أي: ليس أحد يغفر المعصية غيري ولا يزيل عقوبتها إلا أنا. * * *

82 - باب ما يقول الرجل إذا نزل المنزل

82 - باب ما يَقول الرَّجُلُ إذا نزَلَ المَنْزِلَ 2603 - حَدَّثَنا عَمْرٌو بْنُ عُثْمانَ، حَدَّثَنا بَقِيَّةُ، حَدَّثَني صَفْوانُ، حَدَّثَني شُريْحُ بْنُ عُبيْدٍ، عَنِ الزُّبيرِ بْنِ الوَلِيدِ، عَنْ عَندِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا سافَرَ فَأَقْبَلَ اللّيْلُ قالَ: "يا أَرْضُ رَبي وَرَبُّكِ اللهُ، أَعُوذُ باللهِ مِنْ شَرِّكِ، وَشَرِّ ما فِيكِ، وَشَرِّ ما خُلِقَ فِيكِ، وَمِنْ شَرِّ ما يَدِبُّ عَليْكِ، وَأَعُوذُ باللهِ مِنْ أَسَدٍ وَأَسْوَدَ، وَمِنَ الحيَّةِ والعَقْرَبِ، وَمِنْ ساكِنِ البَلَدِ، وَمِنْ والِدٍ وَما وَلَدَ" (¬1). * * * باب ما يقول الرجل إذا نزل المنزل [2603] (حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا بقية) بن الوليد قال المنذري: هو ثقة عند الجمهور، ولكنه مدلس. قال النسائي وغيره (¬2): إذا [قال حدثني] (¬3) فهو ثقة (حدثنا صفوان، حدثني شريح بن عبيد) شريح بضم المعجمة مصغر. (عن الزبير بن الوليد، عن عبد الله بن عمر، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سافر وأقبل) عليه (الليل) ونزل المنزل (قال) فيه استحباب هذا الدعاء في أول الليل إذا أظلم فإن الله أمر نبيه بالاستعاذة من الغاسق إذا وقب ومن الليل إذا أظلم وأخبر - صلى الله عليه وسلم - بأنه إذا كان جنح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم فإن الشياطين تبث حينئذٍ، وإن للجن عند المساء ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 132، والنسائي في "الكبرى" (7862)، وابن خزيمة (2572). وضعفه الألباني في "الضعيفة" (4837). (¬2) "تاريخ دمشق" 10/ 347. (¬3) مكانها في (ل): بياض، وأثبتناها من (ر).

انتشارًا (¬1) وخطفة (¬2) كما ثبت في "صحيح مسلم" (¬3). (يا أرض) فيه نداء الأرض بما ينادى به أهل التمييز والعقل فإن كان من خصائصه كما قال للحمار المكبل: " ما اسمك؟ "، قال: يزيد بن شهاب (¬4). فلا كلام. وإن قلنا بعدم التخصيص وهو الأصل، فيحتمل أن يكون الخطاب للأرض والمراد ما فيها وما عليها [فإن الأرض ليس فيها شر يستعاذ منه، وكذا قوله: (ربي وربك الله) أي: الأرض وما فيها وما عليها] (¬5) مربوبين مقهورين لله (¬6) لا ضر ولا نفع إلا من الله، وخالقنا واحد وقاهرنا واحد يجازي كل امرئ بما صنع من خير وشر (أعوذ بالله من شرك) أي: من شر ما يحدث في حال النزول عليك. فهو من باب تسمية الشيء باسم ما يتعلق به، وهذا كما قال أبو بكر الخطيب البغدادي في استعاذة النبي - صلى الله عليه وسلم - من شر الغاسق إذا وقب يعني القمر إذا خسف وأظلم، قال: يشبه أن يكون سبب الاستعاذة منه في حال وقبه؛ لأن أهل الفساد ينتشرون في ظلمته ويتمكنون منها مما لا [يقدرون عليه] (¬7) في حال الضياء، فأضاف ¬

_ (¬1) في الأصلين: انتشار. والجادة ما أثبتناه. (¬2) في (ر): وحفظة، والمثبت من (ل). (¬3) "صحيح مسلم" (2012). (¬4) رواه ابن حبان في "المجروحين" 2/ 308، وأبو نعيم في "دلائل النبوة" (288)، وابن الجوزي في "الموضوعات" 1/ 294، وقال: هذا حديث موضوع فلعن الله واضعه فإنه لم يقصد إلا القدح في الإسلام والاستهزاء به. (¬5) ما بين المعكوفتين ساقط من (ر). (¬6) في (ر): وحفظة. والمثبت من (ل). (¬7) في الأصول: (يتمكنون من) والمثبت من كتاب الخطيب.

فعلهم في تلك (¬1) الحال إلى القمر؛ لأنهم تمكنوا في ظلمته (¬2) بسببه فهو من باب تسمية الشيء باسم سببه (¬3). (وشر ما فيك) أي: ما في جبلتك من البرودة واليبس وغير ذلك مما أودعه الله في الأرض الخبيثة التي لا يخرج نباتها إلا بنكد، كما جاء في رواية أبي داود (¬4): " إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادمًا أو اشترى بعيرًا فليقل: اللهم إني أعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليها ". (وشر ما خلق فيك) أي: في بطنك من الهوام والحشرات وشياطين الجن. (وشر ما يدب عليك) من وحش وذوات السموم ومن أهل الفساد (وأعوذ بك) فيه حذف أي: أعوذ بربك كقوله: {أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} (¬5)، وفي رواية: أعوذ بالله من الإنس والجن والشياطين، ثم عطف عليه [يدب عليها (من أسد) وهو السبع وله أسماء كثيرة، ذكر ابن خالويه (¬6) منها خمسمائة] (¬7) (وأسود) وهو الشخص، وكل شخص يسمى أسود، وقيل: الأسود العظيم من الحيات، ويسمى: الرقطاء، وهي التي في سوادها نقط بيض، وهي من أخبث الأفاعي، ويكون تخصيصها بالذِّكر لخبثها (ومن الحية والعقرب) وهي أنواع، ومنها ما ¬

_ (¬1) في (ل): ذلك. (¬2) زيادة من (ل). (¬3) "القول في علم النجوم" للخطيب (ص 170). (¬4) سبق برقم (2160). (¬5) الفلق: 1. (¬6) في كتابه "أسماء الأسد" ط مؤسسة الرسالة. (¬7) زيادة من (ل).

يطير والعقارب القاتلة تكون في موضعين بِشَهْرَزُور وعسكر مكرم، تلسع فتقتل الفيل العظيم بلسعتها مع صغرها. وروى الحافظ أبو نعيم في "تاريخ أصبهان" (¬1) والبيهقي في "الشعب" (¬2) عن علي أنه قال: لدغت النبي - صلى الله عليه وسلم - عقرباء وهو يصلي، فلما فرغ قال: " لعن الله العقرب "، وتناول نعله فقتلها به، ثم دعا بماء وملح فجعل يمسح عليها ويقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} (¬3) والمعوذتين. وسيأتي إن شاء الله تعالى الدعاء من العقرب. (ومن ساكن) الرواية المشهورة بالإفراد (البلد) وهم الجن الذين هم سكان الأرض والبلد من الأرض ما كان مأوى الحيوان وإن لم يكن فيه بناء ومنازل، وفي رواية ذكرها المحاملي في كتاب "الدعاء" (¬4): "ومن ساكني (¬5) البلد". بالجمع وهو معنى المفرد (ومن والد وما ولد) رواية المحاملي: " ومن شر والد وما ولد ". والمراد بالوالد: إبليس، وما ولد: الشياطين. * * * ¬

_ (¬1) "تاريخ أصبهان" 2/ 193. (¬2) "شعب الإيمان" (2340). (¬3) الإخلاص: 1. (¬4) "الدعاء" (53). (¬5) في (ر): ساكن. والمثبت من (ل).

83 - باب في كراهية السير في أول الليل

83 - باب في كَراهِيَةِ السّيْرِ في أَوَّل اللّيْلِ 2604 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن أَبي شُعيْبٍ الحَرّانيُّ، حَدَّثَنا زُهيْرٌ، حَدَّثَنا أَبُو الزُّبيْرِ، عَنْ جابِرٍ قالَ: قالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُرْسِلُوا فَواشِيَكُمْ إِذا غابَتِ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ العِشاءِ، فَإِنَّ الشّياطِينَ تَعِيثُ إِذا غابَتِ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ العِشاءِ" (¬1). قالَ أَبُو داوُدَ: الفَواشي ما يَفْشُو مِنْ كُلِّ شَيء. * * * باب كراهية سير أول الليل [2604] (حدثنا أحمد) بن عبد الله (بن أبي شعيب) مسلم (الحرَّاني) فيما أظن، (حدثنا زهير، حدثنا أبو الزبير، عن جابر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا ترسلوا فواشيكم) بالفاء والشين المعجمة (¬2) جمع فاشية، [كل ما] (¬3) أفشى وانتشر في الأرض من المال كالإبل والغنم وسائر البهائم قال ابن الأعرابي: يقال: أفشى إذا كثرت فواشيه] (¬4) كما يقال: أمشى لمن كثرت مواشيه. (إذا غابت الشمس) أطلع الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - على ما يكون من المضارب في هذا الوقت من الشياطين (حتى تذهب فحمة العشاء) أي: ظلمتها وسوادها، وفسرها بعضهم بإقباله وأول ظلامه، وكذا ذكره صاحب ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3280)، ومسلم (2012). (¬2) زيادة من (ل). (¬3) في (ر): فلما، والمثبت من (ل). (¬4) زيادة من (ل).

"نهاية الغريب" (¬1) قال: ويقال للظلمة التي بين صلاتي المغرب والعشاء الفحمة، والتي بين العشاء والفجر العسعسة، قال القرطبي (¬2): وهذا النهي من باب الإرشاد إلى المصلحة الدنيوية كقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} (¬3) وغايته أن تكون من باب الندب، بل جعله كثير من الأصوليين قسمًا مفردًا بين الإيجاب والندب. (فإن الشياطين تعيث) ببني آدم وأموالهم، وفي بعض النسخ: تبعث (إذا غابت الشمس) وقد أرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ترك ذلك فليبادر الإنسان إلى ترك ما نهي عنه (حتى تذهب فحمة العشاء) فإذا ذهبت فأرسلوها للرعي وغيرها إن شئتم. (قال أبو داود: الفواشي: ما يفشو) أي: ينتشر في الأرض، وفي بعض النسخ: ما يفشى. أي: يكثر من أفشى الرجل إذا كثرت فواشيه (من كل شيء) من الدواب والسائمة. * * * ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الأثر" 3/ 417. (¬2) "المفهم" 5/ 280 - 281. (¬3) البقرة: 282.

84 - باب في أي يوم يستحب السفر

84 - باب في أيِّ يَوْمٍ يُسْتَحَبُّ السَّفَرُ 2605 - حَدَّثَنا سَعِيدُ بْن مَنْصُورٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبارَكِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مالِكٍ، عَنْ كَعْبِ بْنِ مالِكٍ قالَ: قَلَّما كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْرُجُ في سَفَرٍ إِلا يَوْمَ الخَمِيسِ (¬1). * * * باب في أي يوم يستحب السفر [2605] (حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا عبد الله بن المبارك، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن كعب بن مالك قال: قلما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج في سفر إلا يوم الخميس) فيه استحباب ابتداء (¬2) السفر والخروج إليه. وفي "صحيح البخاري" (¬3) عن كعب أيضًا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج يوم الخميس في غزوة تبوك وكان يحب أن يخرج يوم الخميس، فإن لم يتيسر السفر يوم الخميس ففي يوم الاثنين. * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2949). (¬2) زيادة من (ل). (¬3) "صحيح البخاري" (2951).

85 - باب في الابتكار في السفر

85 - باب في الابْتِكارِ في السَّفَرِ 2606 - حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنا هُشيْمٌ، حَدَّثَنا يَعْلَى بْن عَطاءٍ، حَدَّثَنا عُمارَةُ بْنُ حَدِيدٍ، عَنْ صَخْرٍ الغامِديِّ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قالَ: " اللَّهُمَّ بارِكْ لأُمَّتي في بُكُورِها ". وَكانَ إِذا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جيْشًا بَعَثَهُمْ في أَوَّلِ النَّهارِ. وَكانَ صَخْرٌ رَجُلاً تاجِرًا وَكانَ يَبْعَث تِجارَتَهُ مِنْ أَوَّلِ النَّهارِ فَأَثْرى وَكَثُرَ مالُهُ (¬1). قالَ أَبُو داوُدَ: وَهُوَ صَخْرُ بْنُ وَداعَةَ. * * * باب في الابتكار في السفر [2606] (حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا هشيم) بن بشير، (حدثنا يعلى بن عطاء، حدثنا عُمارة) بضم العين (بن حديد) بالحاء المهملة (¬2) والدال (¬3) المكررة بَجَلي بفتح الباء الموحدة والجيم مجهول (عن صخر) بن وداعة بفتح الواو (الغامدي) بالغين المعجمة، (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (قال المنذري (¬4): غامد في الأزد، سكن الطائف وهو معدود في أهل الحجاز، روى عنه عمارة بن حديد، لم يرو عنه غير يعلى الطائفي، قال: ولا أعرف لصخر غير حديث: " بورك لأمتي ". ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1212)، وابن ماجه (2236)، وأحمد 3/ 417، والنسائي في "الكبرى" (8833). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2345). (¬2) زيادة من (ل). (¬3) بعدها في الأصلين: مصغر. وهو خطأ، انظر "الإكمال" 2/ 54. (¬4) "مختصر سنن أبي داود" 3/ 412.

(اللهم بارك لأمتي في بكورها) وفي رواية البزار (¬1): " اللهم بارك لأمتي في بكورها يوم خميسها ". وفيه استحباب الارتحال من المنزل بكرة إلى السفر كما يستحب إلى طلب الرزق في الإقامة بكرة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "باكروا في طلب الرزق؛ فإن الغدو بركة ونجاح". رواه البزار، والطبراني في "الأوسط" (¬2). وفي رواية للبيهقي (¬3): "فإن الله يقسم أرزاق العباد ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس " (وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا بعث سرية) وهي: ما بين خمسة أنفس إلى ثلاثمائة (أو جيشًا) وهو العسكر الكثير والسرية قطعة منه (بعثهم من أول النهار)، وهو البكرة كما تقدم؛ لأن البركة في أول النهار، (وكان صخر) بن وداعة (رجلًا تاجرًا) يتجر بالبيع والشراء وغير ذلك في القماش وغيره (وكان يبعث تجارته (¬4) أول النهار) عملًا بما رواه من الحديث المتقدم، وكان السلف الصالح يجتهدون على العمل بما يعلمونه (فأثرى) أي: كثر ماله من بركة العمل بالحديث (وكثر ماله) واستمر في البركة إلى أن توفي. * * * ¬

_ (¬1) "مسند البزار" (5312). (¬2) "كشف الأستار" (1247)، "المعجم الأوسط" (7250). (¬3) "شعب الإيمان" (4405)، وقال: إسناده ضعيف. (¬4) ورد بعدها في الأصل: نسخة: بتجارته.

86 - باب في الرجل يسافر وحده

86 - باب في الرَّجُلِ يُسافِرُ وَحْدَهُ 2607 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " الرّاكِبُ شيْطانٌ، والرّاكِبانِ شيْطانانِ، والثَّلاثَةُ رَكْبٌ " (¬1). * * * باب في الرجل يسافر وحده [2607] (حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، عن مالك، عن عبد الرحمن بن حرملة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده) وهو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الراكب) يعني: إذا سافر وحده (شيطان) أي: إنما حمله على سفره وحده الشيطان، وقيل: فعله فعل الشيطان؛ لأن الشيطان بعيد من الخير وقبول السنة، وقيل: المراد أن الشيطان قرينه في السفر. (والراكبان) في السفر على دابتيهما إذا سافرا بمفرديهما (شيطانان) ومعناه كما تقدم في الشيطان. (والثلاثة ركب) أصل الركب هم أصحاب الإبل وأصحاب الخيل والبغال والحمير في معناها، وذكر أبو عمر في "التمهيد" (¬2) وأبو بكر البزار (¬3) عن أبي هريرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الشيطان ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1674)، وأحمد 2/ 186، والنسائي في "الكبرى" (8849). وحسنه الألباني في "الصحيحة" (62). (¬2) "التمهيد" 20/ 8. (¬3) "مسند البزار" (7834).

بهم بالواحد وبالاثنين، فإذا كانوا ثلاثة لا يهم بهم ". قيل: المسافر وحده إذا مات لم يجد من يغسله ويدفنه ولا عنده من يوصي إليه ويحمل تركته إلى أهله، وإذا كانوا ثلاثة تعاونوا في الخدمة والحراسة وصلوا جماعة. * * *

87 - باب في القوم يسافرون يؤمرون أحدهم

87 - باب في القَوْمِ يُسافِرُونَ يؤَمِّرُونَ أَحَدَهُمْ 2608 - حَدَّثَنا عَليُّ بْن بَحْرِ بْنِ بَرّيٍّ، حَدَّثَنا حاتِمُ بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا محَمَّدُ ابْن عَجْلانَ، عَنْ نافِعٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْريِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إِذا خَرَجَ ثَلاثَة في سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ" (¬1). 2609 - حَدَّثَنا عَليُّ بْنُ بَحْرٍ، حَدَّثَنا حاتِمُ بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا مُحَمَّد بْن عَجْلأنَ، عَنْ نافِعٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُريْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: " إِذا كَانَ ثَلاثَةٌ في سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ ". قالَ نافِعٌ: فَقُلْنا لأَبي سَلَمَةَ: فَأَنْتَ أَمِيرُنا (¬2). * * * باب في القوم يسافرون يؤمِّرون أحدهم [2608] (حدثنا علي بن بَحْر) بفتح الموحدة وإسكان المهملة (بن بَرِّي) بفتح الموحدة وتشديد الراء. (حدثنا حاتم بن إسماعيل، حدثنا محمد بن عجلان، عن نافع، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد) سعد بن مالك بن سنان (الخدري، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا خرج ثلاثة في سفر) فأكثر، وفيه دليل على ما تقدم من أن الثلاثة أقل عدد المسافرين (فليؤمروا أحدهم) أي: يتخذونه أميرًا عليهم يأتمرون بأمره. وهذا الحديث يستدل به على أن التأمير سنة عمل بها الخلفاء الراشدون ومضى عليها السلف والخلف. ¬

_ (¬1) رواه أبو يعلى (1054)، والطبراني في "الأوسط" (8093). وصححه الألباني في "الإرواء" (2454). (¬2) رواه البيهقي 5/ 257، وانظر الحديث السابق. وحسنه الألباني في "الصحيحة" (1322).

وذهب جماعة من المتأخرين إلى وجوبه، وكلام الماوردي في "الحاوي" يقتضي وجوبه (¬1). وقال ابن سريج في "الروائع": فرض الجهاد خمس خصال وعد منها التأمير على الجيش؛ ولأن تركهم بلا أمير يؤدي إلى افتراق كلمتهم ومخاصمتهم. قال الحليمي: والعدو إنما يفزع من رئيس القوم، فإذا لم يكن لهم زعيم حصل الطمع فيهم. [2609] (وبالسند المتقدم عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا كان ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم) قال: قال الشافعي في "الأم" (¬2): لا يبتغي الإمام في الغزو إلا ثقة في دينه شجاعًا في بدنه حسن الأناة عاقلًا للحرب بصيرًا بها، وأن لا يحمل المسلمين على هلكة، ولا يأمرهم دخول مطمورة يخاف أن يقتلوا ولا يدفعوا عن أنفسهم فيها، ولا غير ذلك من أسباب المهالك. قال الغزالي (¬3): وعلى الأمير أن لا ينظر إلا لمصلحة القوم، وأن يجعل نفسه وقاية لهم كما نقل عن عبد الله المروزي أنه صحبه أبو علي الرباطي فقال: على أن تكون أنت الأمير أم أنا؟ فقال: بل أنت، فلم يزل يحمل زاده وزاد أبي علي على ظهره، فإذا قال له قال: لا تتحكم على الأمير ولا تخالفه. ¬

_ (¬1) "الحاوي" 14/ 138. (¬2) "الأم" 4/ 169. (¬3) "إحياء علوم الدين" 2/ 252.

وفي الحديث دليل على أن الرجلين إذا حكما بينهما رجلًا في قضية فحكم نفذ حكمه. (قال نافع: فقلنا لأبي سلمة: ) بن عبد الرحمن حين ذكر الحديث (فأنت أميرنا) فيه دليل على أن الرفقة إذا أقاموا أميرًا من بينهم ارتضوه للإمارة تعين بذلك ووجب عليه النظر في مصالح القوم، وأما مواطن الإقامة فلا تخلوا عن أمير عام كأمير البلد، وعن (¬1) أمير خاص كرب الدار. * * * ¬

_ (¬1) في (ر): على، والمثبت من (ل).

88 - باب في المصحف يسافر به إلى أرض العدو

88 - باب في المُصْحف يُسافَرُ بِهِ إلى أَرْضِ العَدُوِّ 2610 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ ابْنَ عُمَرَ قالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يسافَرَ بِالقُرْآنِ إِلى أَرْضِ العَدُوِّ. قالَ مالِكٌ: أراهُ مَخافَةَ أَنْ يَنالَهُ العَدُوُّ (¬1). * * * باب في المصحف يُسَافَر به إلى أرض العدو [2610] (حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يسافر بالقرآن) أي: بالمصحف الكريم، أو بجزء منه (إلى أرض العدو) قال النووي (¬2): واتفق العلماء على أنه يجوز أن يكتب إليهم كتاب فيه آية أو آيات، والحجة فيه كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل. قال القاضي عياض (¬3): وكره مالك وغيره معاملة الكفار بالدنانير والدراهم التي فيها اسم الله أو ذكره سبحانه وتعالى. (قال مالك: أُراه) بضم الهمزة أي: أظنه. وهذِه العلة الآتية في المسافر بالقرآن إلى أرض العدو، وهي من كلام الإمام مالك كما صرح به أبو داود هنا وغيره، وهو راوي الحديث وأعرف بمعانيه. قال النووي (¬4): هذِه العلة هي من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: وزعم بعض ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2990)، ومسلم (1869). (¬2) "شرح النووي على مسلم" 13/ 13 - 14. (¬3) "إكمال المعلم" 6/ 283. (¬4) "شرح النووي على مسلم" 13/ 13.

المالكية أنها من كلام مالك. قلت: لعل النووي رحمه الله لم يقف على نقل الإمام الجليل أبي داود، أو وقف عليه ولم يستحضره في حال كتابة هذا في "شرح مسلم"، ونسبه إلى بعض المالكية (¬1). (مخافة) بالنصب (أن يناله العدو) فينتهكوا حرمته، وفي رواية لمسلم (¬2): قال أيوب الراوي عن نافع: فقد ناله العدو وخاصموكم به. قال النووي (¬3): فإن أمنت هذِه العلة بأن يدخل في جيش المسلمين (¬4) الظاهر عليه فلا كراهة ولا منع منه حينئذٍ لعدم العلة. هذا هو الصحيح، وبه قال أبو حنيفة والبخاري وآخرون. ¬

_ (¬1) قلت: ليس هذا وهمًا من النووي، إنما ذاك قول تبناه، فاللفظة فيها خلاف بين إدراجها من مالك رحمه الله أو رفعها للنبي - صلى الله عليه وسلم -. قال القاضي عياض في "إكمال المعلم شرح صحيح مسلم" 6/ 283: الروايات الأخر من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لا من قول مالك، كما ظنه بعضهم وصححه، وإن كان جاء في "الموطأ" من رواية يحيى بن يحيى الأندلسي، ويحيى بن بكير وجماعة من قول مالك؛ فيحتمل أنه شك، هل هي من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فجعل بتحريه هذِه الزيادة من كلامه على التفسير، وإلا فهي صحيحة من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - من رواية الثقات إسماعيل بن أبي أمية، وليث بن أبي سليم، والضحاك بن عثمان، وعبد الله العمري، وأيوب، وغيرهم. وقد رويت عن مالك متصلة من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - كرواية غيره من رواية عبد الرحمن بن مهدي. ومن رواية ابن وهب عنه. اهـ. وصحح ابن حجر في "فتح الباري" 6/ 93 رفعه. وانظر: "التمهيد" لابن عبد البر 15/ 253. وانظر: طرق الحديث كما خرجها الشيخ الألباني رحمه الله في "إرواء الغليل" 5/ 138. (¬2) "صحيح مسلم" (1869). (¬3) "شرح النووي على مسلم" 13/ 13. (¬4) في الأصول: (المشركين) والمثبت من "شرح صحيح مسلم" للنووي.

وقال مالك وجماعة من أصحابنا بالنهي مطلقًا (¬1)، وحكى ابن المنذر عن أبي حنيفة رحمه الله الجواز مطلقًا (¬2). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "الاستذكار" 5/ 21، "التمهيد" 15/ 253. (¬2) "الأوسط" 6/ 307.

89 - باب فيما يستحب من الجيوش والرفقاء والسرايا

89 - باب فِيما يُسْتَحَبُّ مِنَ الجُيُوشِ والرُّفقاء والسَّرايا 2611 - حَدَّثَنا زهيْرُ بْنُ حَرْبٍ أَبُو خيْثَمَةَ، حَدَّثَنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنا أَبي قالَ: سَمِعْتُ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ عُبيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنِ ابن عَبّاسٍ عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قالَ: " خيْرُ الصَّحابَةِ أَرْبَعَةٌ وَخيْرُ السَّرايا أَرْبَعُمِائَةٍ وَخيْرُ الجُيُوشِ أَرْبَعَةُ آلافٍ وَلَنْ يُغْلَبَ اثْنا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ " (¬1). قالَ أَبُو داوُدَ: والصَّحِيحُ أنَّهُ مُرْسَلٌ. * * * باب ما يستحب من الجيوش والرُّفقاء والسرايا [2611] (حدثنا زهير بن حرب، حدثنا وهب بن جرير، حدثنا أبي، سمعت يونس، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: خير الصحابة أربعة) وفي غير أبي داود: خير الأصحاب أربعة. قال الغزالي (¬2): تخصيص هذِه (¬3) الأربعة من بين سائر الأعداد لابد أن يكون له فائدة، والذي ينقدح فيه أن المسافر لا يخلو عن رجل يحتاج إلى حفظه، وعن حاجة يحتاج إلى التردد فيها، ولو كانوا ثلاثة لكان المتردد في الحاجة واحد فيتردد في السفر بلا رفيق، فلا يخلو عن ضيق القلب لفقد أنس الرفيق، ولو تردد في الحاجة اثنان لكان ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1555)، وأحمد 1/ 294. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (449/ 2). (¬2) "إحياء علوم الدين" 2/ 252. (¬3) ساقطة من (ل).

الحافظ للرحل وحده، فلا يخلو عن الخطر ولا عن ضيق القلب، فإذًا ما دون الأربعة لا يفي بالمقصود، والخامس زيادة بعد الحاجة ومن يستغنى عنه لا تصرف الهمة إليه، فالأربعة خير الرفاق الخاصة لا الرفاقة العامة. (وخير السرايا أربعمائة) جمع سرية. قال النووي: السرية: القطعة من الجيش تخرج منه تغير وترجع إليه. قال إبراهيم الحربي: هي الخيل تبلغ أربعمائة ونحوها. قالوا: سميت بذلك لأنها تسري في الليل ويخفى ذهابها. وهي (¬1) فعيلة بمعنى فاعلة، يقال (¬2): سرى وأسرى إذا ذهب ليلًا (¬3). وضعف ابن الأثير ذلك، وقال: سميت بذلك لأنها خلاصة العسكر (¬4). وسارة من الشيء السري النفيس، ولعل السرية إثما خصت بأربعمائة كما تقدم عن الحربي، ألا ترى إلى خير السرايا وهي عدة أهل بدر ثلاثمائة وبضعة عشر، وكذا عدة أصحاب طالوت حين عبروا النهر وما جاوز معه إلا مؤمن. فعلى هذا خير السرايا ما بين ثلاثمائة إلى أربعمائة، وبين أربعمائة إلى خمسمائة، [لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -] (¬5) لأكثم بن الجون الخزاعي: " اغز مع غير قومك يحسن خلقك وتكرم على رفقائك. خير الرفقاء أربعة، وخير الطلائع أربعون، وخير السرايا أربعمائة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولن يؤتى اثنا عشر ألفًا من قلة " (¬6). ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل). (¬2) ساقطة من (ل). (¬3) "شرح مسلم" 12/ 37. (¬4) "النهاية في غريب الأثر" 2/ 919. (¬5) ساقطة من الأصول. (¬6) أخرجه ابن ماجه (2827)، وابن أبي حاتم في "العلل" (2398)، والطبراني في=

ومعنى يؤتى: ينهزم. رويناه في كتاب "الأربعين" (¬1) لعبد اللطيف الخُجندي (¬2)، عن أنس. (وخير الجيوش أربعة آلاف) وخصت الأربعة آلاف؛ لأن الأربعة في العقد الرابع الذي هو نظير الآحاد الأربعة تصير الأربعة آلاف؛ وهو غير تحديد كما تقدم في الأربعمائة. (ولن يغلب) الجيش إذا بلغ (اثنا عشر ألفًا من) (¬3) جهة (قلة) العدد، بل من جهة (¬4) سبب آخر. زاد أبو يعلى الموصلي (¬5): " إذا صبروا وصدقوا ". زاد العسكري: " وخير الطلائع أربعون "، وهو العجب بكثرة العَدد والعُدد أو بما زين لهم الشياطين في أنفسهم من قدرتهم على الحرب وشجاعتهم وقوتهم ونحو ذلك، ألا ترى إلى وقعة حنين؟ فإن المسلمين كان عدتهم فيها على ما قال قتادة اثنا عشر ألفًا أو نحوها، وقول مقاتل كانوا إحدى عشر ألفًا وخمسمائة. قال سلمة بن سلامة بن وقش، حين أعجبه كثرتهم واعتمد على الكثرة: لن نغلب اليوم عن قلة. (¬6) وسار القوم ¬

_ ="المعجم الأوسط" 7/ 14، والقضاعي في "مسند الشهاب" (1238) وغيرهم من طرق عن أبي سلمة العاملي، عن الزهري، عن أنس بن مالك به. قال ابن أبي حاتم: قال أبي: أبو سلمة العاملي متروك الحديث، كان يكذب، والحديث باطل. وقال الدارقطني في "العلل" 12/ 200: لا يصح هذا الخبر عن الزهري، عن أنس. (¬1) اسم الكتاب: "الماء المعين في الأربعين في فضل الأربعة الخلفاء". (¬2) في الأصول: الخجندري. (¬3) ساقطة من (ل). (¬4) ساقطة من (ر). (¬5) "مسند أبي يعلى" (2714). (¬6) ذكره الواحدي في "التفسير الوسيط" 2/ 478.

حين أعجبهم كلمة سلمة بن سلامة واعتمدوا عليها فغلبوا عند ذلك، ولن تغني عنهم كثرتهم شيئًا (¬1). وقد استدل بهذا الحديث على أن عدد المسلمين إذا بلغ اثنا عشر ألفًا أنه يحرم الانصراف وإن زاد الكفار على مثليهم. قال القرطبي: وهو مذهب جمهور العلماء، أي: لأنهم (¬2) جعلوا هذا الحديث مخصصًا للآية الكريمة (¬3). قال الزجاج: أعلم الله أنهم ليس بكثرتهم يغلبون [إنما يغلبون] (¬4) بنصر الله إياهم (¬5). وتوكلوا ذلك اليوم إلى كثرتهم فانهزموا، ولو توكلوا على الله واعترفوا بضعفهم وعجزهم عن العدو إلا أن ينصرهم الله، ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} (¬6)، وإن كانوا أعزاء في الحقيقة لكن نفوسهم ذليلة معترفة بالعجز والضعف. وفي البخاري (¬7): أن سعدًا لما رأى له فضلًا على من دونه قال - صلى الله عليه وسلم -: " هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم ". وقد تقدم. * * * ¬

_ (¬1) "مستخرج أبي عوانة" (6754). (¬2) في (ل): منهم لأنهم. (¬3) "الجامع لأحكام القرآن" 7/ 382. (¬4) ساقطة من (ر). (¬5) "معاني القرآن وإعرابه" 2/ 440. (¬6) آل عمران: 123. (¬7) "صحيح البخاري" (2896).

90 - باب في دعاء المشركين

90 - باب في دُعاءِ المُشْرِكِينَ 2612 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن سُليْمانَ الأَنْباريُّ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُليْمانَ بْنِ بُريْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا بَعَثَ أَمِيرًا عَلَى سَرِيَّةٍ أَوْ جيْشٍ أَوْصاهُ بِتَقْوى اللهِ في خاصَّةِ نَفْسِهِ وَبِمَنْ مَعَهُ مِنَ المُسْلِمِينَ خيْرًا وقالَ: " إِذا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ المُشْرِكينَ فادْعُهُمْ إِلى إِحْدى ثَلاثِ خِصالٍ أَوْ خِلالٍ فَأيَّتُها أَجابُوكَ إِليْها فاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكلفَّ عَنْهُمُ، ادْعُهُمْ إِلى الإِسْلامِ فَإِنْ أَجابُوكَ فاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلى التَّحَوُّلِ مِنْ دارِهِمْ إِلى دارِ المُهاجِرِينَ وَأَعْلِمْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ أَنَّ لَهُمْ ما لِلْمُهاجِرِينَ وَأَنَّ عَليْهِمْ ما عَلَى المُهاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا واخْتارُوا دارَهُمْ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّهُمْ يَكونُونَ كَأَعْرابِ المُسْلِمِينَ يُجْرى عَليْهِمْ حُكْمُ اللهِ الذي يَجْري عَلَى المُؤْمِنِينَ وَلا يَكُونُ لَهُمْ في الفَيء والغَنِيمَةِ نصِيبٌ إِلاَّ أَنْ يُجاهِدُوا مَعَ المُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فادْعُهُمْ إِلى إِعْطاءِ الجِزْيَةِ، فَإِنْ أَجابُوا فاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ أَبَوْا فاسْتَعِنْ باللهِ تَعالَى وَقاتِلْهُمْ، وَإِذا حاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللهِ تَعالَى فَلا تُنْزِلْهُمْ فَإِنَّكُمْ لا تَدْرُونَ ما يَحْكُمُ اللهُ فِيهِمْ ولكن أَنْزِلُوهُمْ عَلَى حُكْمِكُمْ ثُمَّ اقْضُوا فِيهِمْ بَعْدُ ما شِئْتُمْ ". قالَ سُفْيانُ بْنُ عُييْنَةَ: قالَ عَلْقَمَةُ: فَذَكَرْت هذا الَحدِيثَ لِمُقاتِلِ بْنِ حيّانَ فَقالَ: حَدَّثَني مُسْلِمٌ -قالَ أَبُو داوُدَ: هُوَ ابن هيْصَمٍ- عَنِ النّعْمانِ بْنِ مقَرِّنٍ عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَ حَدِيثِ سُليْمانَ بْنِ بُريْدَةَ (¬1). 2613 - حَدَّثَنا أَبُو صالِحٍ الأَنْطاكيُّ مَحْبُوبُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنا أَبُو إِسْحاقَ الفَزاريُّ، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سُليْمانَ بْنِ بُريْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قالَ: " اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ وَفي سَبِيلِ اللهِ وَقاتِلُوا مَنْ كَفَرَ باللهِ اغْزُوا وَلا ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1731).

تَغْدِرُوا وَلا تَغُلُّوا وَلا تُمَثِّلُوا وَلا تَقْتُلُوا وَليدًا " (¬1). 2614 - حَدَّثَنا عُثْمان بْنُ أَبي شيْبَةَ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ وَعُبيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ حَسَنِ بْنِ صالِحٍ، عَنْ خالِدِ بْنِ الفِرْزِ، حَدَّثَني أَنَسُ بْن مالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: " انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللهِ وَبِاللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ وَلا تَقْتُلُوا شيْخًا فانِيًا وَلا طِفْلاً وَلا صَغِيرًا وَلا امْرَأَةً وَلا تَغُلُّوا وَضُمُّوا غَنائِمَكُمْ وَأَصْلِحُوا وَأَحْسِنُوا {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} " (¬2). * * * باب دعاء المشركين [2612] (حدثنا محمد بن سليمان [الأنباري، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن علقمة بن مرثد] (¬3) عن سليمان بن بريدة) بضم الباء الموحدة (¬4) مصغرًا (عن أبيه) بريدة بن الحصيب بضم الحاء المهملة مصغرًا (قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا بعث أميرًا) فيه دليل على تأمير الأمراء كما تقدم (على سرية) تقدم تفسيرها قريبًا (أو جيش) مشتق من جاشت القدر إذا غلت. (أوصاه) فيه وصية الإمام الأمير (بتقوى الله) وهو التحرز بطاعته من عقوبته في خاصة نفسه) أي: يلزم طاعة الله في نفسه (وبمن) أي: ووصاه ¬

_ (¬1) انظر الحديث السابق. (¬2) رواه البيهقي 9/ 90، وابن عبد البر في "التمهيد" 24/ 233. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (450). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، واستدركناه من المطبوع. (¬4) ساقطة من (ر).

بمن (معه من المسلمين) أن يفعل معهم (¬1) (خيرًا) بأن يرفق بمن يتبعه ويعرفه بما يحتاج إليه في غزوه وما يجب عليه، وما يحل له وما يحرم عليه، وما يكره له وما يستحب. (وقال: ) في وصيته (إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم) رواية الشافعي (¬2): " عدوًّا من المشركين ". وهي أولى؛ لأنه أطلق العداوة من المشركين ولم يقيدها بإضافتها إلى الأمير، والمراد إنما هي عداوة عامة لكل من خالف. (إلى إحدى ثلاث خصال أو) هي للشك من بعض الرواة رواه الشافعي في "اختلاف الحديث" (¬3)، قال: فشك علقمة. يعني ابن مرثد الراوي عن سليمان. وخلال جمع خلة بفتح الخاء (خلال) ومعنى الخلال والخصال واحد (فأيتها) (¬4) منصوب على أن يعمل فيها (أجابوك) على إسقاط حرف الجر وما زائدة (¬5) وتقدير الكلام: فإلى أيتهن أجابوك. قاله القرطبي (¬6). ويجوز أن ينصب بفعل محذوف من جنس ما بعده تقديره: اقبل أيتهن ما أجابوك (إليها فاقبل) ذلك (منهم وكف عنهم) أي: عن قتالهم (ادعهم إلى الإسلام) هذا ابتداء تفسير الثلاثة الخصال، وليس ¬

_ (¬1) في (ر): بهم. (¬2) "الأم" 4/ 172. (¬3) "اختلاف الحديث" (ص 509). (¬4) ورد بعدها في الأصول: نسخة: فأيتهن. (¬5) كذا قال نقلا عن "المفهم" للقرطبي 3/ 513، والقرطبي يشرح لفظة مسلم التي فيها (ما) أما لفظة أبي داود فليست فيها. فلينتبه. (¬6) "المفهم" 3/ 513.

غيرها، قال القاضي عياض (¬1): هذا هو الصواب، بخلافه رواية جميع نسخ مسلم: " ثم ادعهم". بزيادة ثم. والدعوة إلى الإسلام قبل القتال واجبة لمن لم تبلغه الدعوة [أما من بلغته الدعوة] (¬2) فليس عرض الإسلام عليهم ودعوتهم إليه وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو إلى الإسلام قبل أن يحارب حتى أظهر الله الدين وعلا الإسلام. قال أحمد: إن الدعوة قد بلغت وانتشرت وبلغت الدعوة كل أحد، والروم قد بلغتهم الدعوة وعلموا ما يراد منهم (¬3)، ولكن إن جاز أن يكون قوم خلف الروم وخلف الترك لم تبلغهم الدعوة لم يجز قتالهم قبل الدعوة. (فإن هم أجابوك) إلى الإسلام (فاقبل منهم) ذلك (وكف عنهم ثم ادعهم) إذا أسلموا، وهذِه الدعوة مستحبة (إلى التحول من دارهم) يعني دار الكفر (إلى دار المهاجرين) وهي المدينة، فإن المهاجرين تحولوا من دار الكفر إلى المدينة. قال القرطبي: وكان هذا التحول في أول الأمر في وقت وجوب الهجرة إلى المدينة على كل من دخل في الإسلام، أو على أهل مكة خاصة، خلاف (¬4). (وأعلمهم أنهم إن فعلوا ذلك أن لهم ما للمهاجرين) قبلهم من ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" 6/ 32. (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) "المغني" 10/ 379. (¬4) "المفهم" 3/ 513.

الأحكام في استحقاق الفيء والغنيمة وغير ذلك كأعراب. (وأن عليهم ما على المهاجرين) من واجبات الشريعة كالصلاة والزكاة والصيام وغير ذلك (فإن أبوا واختاروا دارهم) أي: أبوا أن يتحولوا من بلادهم واختاروا الإقامة في دارهم (فأعلمهم أنهم يكونون مثل أعراب المسلمين) الساكنين في البادية من غير هجرة ولا غزو، وفي بعض الروايات: "كأعراب المسلمين". مثل رواية مسلم (¬1) (يجرى) بضم الياء مبني (¬2) للمفعول ويجوز للفاعل (عليهم حكم الله الذي يجرى على المؤمنين) أي: أحكام الإسلام (ولا يكون لهم في الفيء والغنيمة نصيب) أي: حق، وإنما يكون لهم نصيب من الزكوات (¬3) إن كانوا بصفة استحقاقها (إلا أن يجاهدوا مع المسلمين) فيكون لهم نصيب من الفيء والغنيمة. قال الشافعي: الصدقات للمساكين ونحوهم مما لا حق لهم في الفيء والفيء للأجناد. قال: ولا نعطي أهل الفيء من الصدقات [ولا أهل الصدقات] (¬4) من الفيء والأشراف الذين هم من بني هاشم والمطلب لا يعطون من الزكوات (¬5) ويعطون من الفيء كما أن أهل الجهاد وأجناد المسلمين لا حق لهم في الصدقة. (¬6) واحتج الشافعي ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1731). (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) في (ر): الزكاة. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (ر). (¬5) في (ر): الزكاة. (¬6) انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي 12/ 38.

بهذا الحديث. وقال مالك وأبو حنيفة: المالان سواء في الاستحقاق، ويجوز صرف كل واحد منهما إلى النوعين (¬1). وقال أبو عبيد: الحديث منسوخ. قالوا: وإنما كان هذا الحكم في أول الإسلام لمن لم يهاجر ثم نسخ بقوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} (¬2). قال النووي: وهذا الذي ادعاه أبو عبيد لا نسلم له لما فيه من البعد (¬3). (فإن هم أبوا) أن يكونوا كأعراب المسلمين في إجراء أحكام الله عليهم (فادعهم) رواية مسلم: " فاسألهم " (إلى إعطاء الجزية) فعلة من الجزاء كأنها جزاء عن إقرارهم على دينهم وترك قتلهم وأخذ أموالهم، هذا مما يستدل به مالك والأوزاعي في أخذ الجزية من كل كافر عربيًّا كان أو أعجميًّا كتابيًّا كان أو مجوسيًّا أو غيرهما. وقال أبو حنيفة: تؤخذ الجزية من جميع الكفار إلا من مشركي العرب ومجوسهم، وهو قول عبد الملك وابن وهب من المالكية. وقال الشافعي: لا تقبل إلا من أهل الكتاب والمجوس عربيًّا كان أو أعجميًّا، واحتج بمفهوم آية الجزية، ولحديث: " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " (¬4) [وتأول هذا الحديث على أن المراد بإعطاء الجزية أهل ¬

_ (¬1) السابق. (¬2) الأنفال: 75. (¬3) "شرح النووي على مسلم" 12/ 39. (¬4) رواه الإمام مالك في "الموطأ" 1/ 278، وعبد الرزاق 6/ 68 (10025)، 10/ 325 (19253) من حديث عبد الرحمن بن عوف مرفوعا.

الكتاب] (¬1) والمجوس دون غيرهم. وكان تخصيص هذا الحديث معلومًا عند الصحابة (¬2). (فإن هم أجابوك) إلى إعطاء الجزية (فأقبل منهم) ما أجابوا إليه (وكف) القتال (عنهم، فإن أبوا) عن ذلك (فاستعن بالله) أي: فاطلب منه العون والتأييد (وقاتلهم) طالبًا من الله الإعانة. (وإذا حاصرت أهل حصن) أي: أهل بلد لها سور (فأرادوك) أي طلبوا منك (أن تنزلهم على حكم الله عز وجل فلا تنزلهم) على حكم الله كما في مسلم (فإنكم لا تدرون بما يحكم الله فيهم) رواية مسلم: "فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا". قال النووي (¬3): هذا النهي للتنزيه والاحتياط، وفيه حجة لمن يقول: ليس كل مجتهد مصيب، بل المصيب واحد، وهو الموافق لحكم الله في نفس الأمر. وهو المعروف من مذهب مالك وغيره. ووجه الاستدلال هو أنه - صلى الله عليه وسلم - قد نص على أن لله حكمًا معينًا في المجتهدات، فمن وافقه فهو المصيب، ومن لم يوافقه مخطئ. وقد ذهب قومٌ من الفقهاء والأصوليين إلى أن كل مجتهد مصيب، وتأولوا هذا الحديث بأن قالوا: إن معناه: إنك لا تأمن أن ينزل علي وحي في حال غيبتك، وهو بخلاف ما حكمت. وهذا المعنى منتفٍ ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) انظر: "المفهم" 3/ 514، و"شرح النووي على مسلم" 12/ 39. (¬3) "شرح النووي على مسلم" 12/ 39.

بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن نزول الوحي قد انقطع بعده (ولكن أنزلهم (¬1) على حكمكم) فإنكم إن تنقضوا حكمكم وتخالفوه خير من أن تنقضوا حكم الله (ثم اقضوا فيهم بعد) مبني على الضم؛ لأنه قطع عن الإضافة، تقديره: بعد ذلك (بما شئتم) أي: بما أدى إليه اجتهادكم بعد مشاورة أهل العلم في ذلك لا أن الأمير يحكم بما تشتهي نفسه، والله أعلم. (قال سفيان: قال علقمة: فذكرت هذا الحديث لمقاتل بن حيان) بالياء المثناة تحت (فقال: حدثني مسلم، قال أبو داود: ) مسلم هذا (هو ابن هيصم، عن النعمان بن مقرن، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثل حديث سليمان بن بريدة). [2613] ([حدثنا أبو صالح الأنطاكى محبوب بن موسى، أخبرنا أبو إسحاق الفزارى، عن سفيان، عن علقمة بن مرثد] (¬2) عن سليمان بن بريدة، عن أبيه) بريدة بن حصيب (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: اغزوا باسم الله) أي: أسرعوا في فعل الخير مستعينين بالله مخلصين له في النية وقاتلوا في سبيل الله) أي: في الطريق الموصلة إلى الله (وقاتلوا من كفر بالله) قال القرطبي (¬3): هذا العموم يشمل جميع أهل الكفر المحاربين وغيرهم، وقد خصص منه من له عهد، والرهبان، والنسوان، ومن لم يبلغ الحلم، وقد قال بعده: " ولا تقتلوا وليدًا ". (اغزوا ولا تغدروا) بكسر الدال، فيه تحريم الغدر وهو نقض العهد، ¬

_ (¬1) ورد بعدها في (ر): (نسخة: أنزلوهم). وغير واضحة في (ل). (¬2) ليست في الأصول ومستدرك من المطبوع. (¬3) "المفهم" 3/ 514.

(ولا تغلوا) بضم الغين وتشديد اللام المضمومة. فيه تحريم الغلول، وهو: الأخذ من الغنيمة قبل قسمتها. (ولا تمثلوا) بضم المثناة وكسر المثلثة مع التشديد شدد للتكثير. فيه كراهة المثلة. والتمثيل هنا: التشويه بالقتيل كجدع أنفه وأذنه. (ولا تقتلوا وليدًا) بفتح الواو أي: صبيًّا. وفيه تحريم قتل الصبيان إذا لم يقاتلوا، فإن قاتلوا جاز قتلهم دفعًا، نص عليه الشافعي والأصحاب، ولا يتبع مدبرهم ولا يذفف جريحهم. قال الماوردي (¬1): تقتلوا مقبلين لا مدبرين. [2614] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثني يحيى بن آدم وعبيد الله ابن موسى، عن حسن بن صالح، عن خالد بن الفِزْر) بكسر الفاء وإسكان الزاي على المشهور عند المحدثين. قال يحيى بن معين (¬2): خالد بن الفزر ليس بذاك. وقال عبد الحق (¬3): ليس بالقوي. [قال أبو حاتم (¬4): هو شيخ] (¬5) (حدثني أنس بن مالك، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: انطلقوا باسم الله) فيه دليل على أنه يقال لمن عزم على فعل من سفر وغيره: افعل باسم الله، وسافر باسم الله. ¬

_ (¬1) "الحاوي" 13/ 125. (¬2) "الجرح والتعديل" 3/ 346. (¬3) "الأحكام الوسطى" 3/ 43. (¬4) "الجرح والتعديل" 3/ 346. (¬5) ساقطة من (ر).

قال النووي (¬1): وكره بعضهم أن يقال: سافر على اسم الله؛ لأن اسمه تعالى علا كل شيء. قال القاضي عياض: وهذا القول غلط؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: " اذبحوا على اسم الله ". (¬2) (وبالله وعلى ملة رسول الله) الفرق بين الثلاثة أن قوله: انطلقوا باسم الله أن المراد به متبركين باسم الله، فإن اسم الله للتبرك به، ولطرد الشيطان إذا ذكر اسم الله في أول الفعل فإن الشيطان لا يحضر طعامًا ذكر عليه اسم الله، ولا يدخل بيتًا ذكر اسم الله عند دخوله. وأما قوله: (وبالله) فهي للاستعانة بقوة الله، أي: انطلقوا مستعينين بقوة الله لا بقوتكم. وأما قوله: (وعلى ملة رسول الله) فمعناه والله أعلم: سافروا متبعين أحكام الله وملتزمين شريعته في القتال وفي الثبات عليها، وفي الفيء والغنيمة الحاصلين إن شاء الله. (لا تقتلوا شيخًا فانيًا) أي: كبيرًا. فيه دليل على أن الشيخ الكبير لا يقتل إذا لم يقاتل، فإن قاتل بالفعل قتل بلا خلاف، واستدل على عدم القتل بحديث زيد بن خالد: " لا تقتلوا شيخًا كبيرًا ولا أصحاب الصوامع ". لكن قال البيهقي (¬3): منقطع ضعيف. ¬

_ (¬1) "شرح النووي على مسلم" 13/ 112. (¬2) رواه عبد الرزاق 4/ 330 (7963)، وأبو يعلى (4521)، والبيهقي 9/ 303، من حديث عائشة -رضي الله عنها -. (¬3) "السنن الكبرى" 9/ 91.

والأظهر أنه يجوز قتله لعموم قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} (¬1). وحسّن الترمذي وصحح رواية الحسن عن سمرة يرفعه (¬2): " اقتلوا شيوخ المشركين، واستبقوا شرخهم ". بالشين المعجمة والخاء المعجمة أيضًا، وهم: الصغار، وقيل: الشباب. (ولا طفلًا ولا صغيرًا) الطفل أول ما يولد ثم صغيرًا، فإن قيل: إذا كان الصغير لا يقتل فالطفل أولى بأن لا يقتل، فكان الصغير تكرارًا. قلنا: التقدير: لا يقتل الطفل فضلًا [عن الصغير كما في قوله تعالى: {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} (¬3) تقدير الآية: لا تأخذه سنة فضلًا] (¬4) عن أن يأخذه نوم. (ولا امرأة) مما يستدل على أن المرأة لا تقتل لما في الصحيحين عن ابن عمر (¬5): نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتل النساء والصبيان. وألحق المجنون بالصبي والخنثى بالمرأة لاحتمال أنوثته. قال الشافعي: إنما نهى عن قتل الولدان لأنهم لم يبلغوا كفرًا يتعلمونه فيقتلون به، وعن قتل النساء لأنه لا معنى فيهن لقتال، ونص على أنه لا إثم في قتلهم ولا دية ولا كفارة. وهذا إذا لم يقاتلوا. (ولا تَغُّلوا) بضم الغين ويجوز كسرها (¬6)، يقال: غل وأغل. والغلول ¬

_ (¬1) التوبة: 5. (¬2) "سنن الترمذي" (1583)، وسيأتي قريبًا. (¬3) البقرة: 255. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (ر). (¬5) "صحيح البخاري" (3014)، "صحيح مسلم" (1744). (¬6) بعدها في الأصول: لكن مع ضم الفاء. ولا وجه لها.

الخيانة، وكل خيانة غلول، لكنه صار في عرف الشرع الخيانة للغانم خاصة. وفيه دليل على تحريم الغلول لما تقدم، وأما القطع بسرقته ففيه تفصيل في الفقه. (وضموا غنائمكم) المأخوذة من أهل الحرب قهرًا، أي: اجمعوا المتفرق وضموا بعضه إلى بعض واحفظوه من الفساد. (وأصلحوا) أي: أموال الغنائم بما يؤدي إلى استنمائها وحفظها من غير أجرة ولا أخذ عوض، فإنه أعظم لأجوركم (وأحسنوا) أي: في إصلاح أموال الغنيمة، ويحتمل العموم، أي: أحسنوا في جميع أقوالكم وأفعالكم، ومنها إصلاح الأموال، ويحتمل أن يراد: وأحسنوا الظن بالله في إثابتكم على الإصلاح (إن الله يحب المحسنين) ويضاعف أجورهم. * * *

91 - باب في الحزق في بلاد العدو

91 - باب في الحَزقِ في بلاد العَدُوِّ 2615 - حَدَّثَنا قُتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللّيثُ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَرَّقَ نَخْلَ بَني النَّضِيرِ وَقَطَعَ وَهيَ البُويْرَةُ فَأَنْزَلَ اللهُ {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا} (¬1). 2616 - حَدَّثَنا هَنَّادُ بْنُ السَّريِّ عَنِ ابن المُبارَكِ عَنْ صالِحِ بْنِ أَبى الأخضَرِ عَنِ الزُّهْريِّ قالَ عُروَةُ فَحَدَّثَني أُسامَةُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ عَهِدَ إِليْهِ فَقالَ: " أَغِرْ عَلَى أُبْنَى صَباحًا وَحَرِّقْ" (¬2). 2617 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو الغَزّيُّ سَمِعْتُ أَبا مُسْهِرٍ قِيلَ لَهُ أُبْنَى. قالَ نَحْنُ أَعْلَمُ هيَ يُبْنَى فِلَسْطِينَ (¬3). * * * باب في الحرق في بلاد العدو أي: الحرق بالنار. [2615] (حدثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي (حدثنا الليث، عن نافع) مولى ابن عمر، (عن ابن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرَّق) بتشديد الراء (نخل بني النضير وقطع أشجارهم) وفي معنى النخل جميع الأشجار والنبات، وهدم البناء في معنى الحريق (وهي) موضع بأرض (البُويرة) ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2326)، ومسلم (1746). (¬2) رواه ابن ماجه (2843)، وأحمد 5/ 205. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (451). (¬3) رواه البيهقي 9/ 84. وقال الألباني في "ضعيف أبي داود" (452): أثر مقطوع.

بضم الباء الموحدة مصغر. وفيه دليل على جواز إتلاف أشجارهم وبنائهم بهدم وقطع وغير ذلك؛ لأنه إذا جاز بالإحراق جاز بغيره، وروى البيهقي (¬1): أنه قطع لأهل الطائف كرومًا. وهذا إذا لم يرج حصولها للمسلمين مغايظة للعدو، فإن رجي حصولها ندب الترك حفظًا لحق الغانمين، وقيل: يحرم القطع، وحمل فعله - صلى الله عليه وسلم - على حالة غلبة الظن بعدم الحصول. وجعل الماوردي ذلك أربعة أقسام: أحدها: أن يعلم أن لا يصل إليهم إلا بذلك، فيجب؛ لأن ما أدى إلى الظفر بهم واجب. [والثاني: أن يقدر على الظفر بهم بدون ذلك فيحرم القطع لأنها مغنم لنا] (¬2). والثالث: أن ينفعنا ذلك ولا ينفعهم فهو مباح. الرابع: أن لا ينفعنا ولا ينفعهم فهو مكروه لا محظور (¬3). (فأنزل الله عزَّ وجلَّ) في ذلك: ({مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ}) وهي أنواع التمر كلها إلا العجوة، وقيل: كل النخل. وقيل: كل الشجر للينها. وقد قيل: إن أنواع نخل المدينة مائة وعشرون نوعًا، فأهل المدينة يسمون ما خلا العجوة الألوان واحدها لون. ولينة أصلها لون بفتح الواو، وكسرت الواو لكسرة ما قبلها. ¬

_ (¬1) "سنن البيهقي الكبرى" (17896). (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) "الحاوي" 14/ 186.

[2616] ([حدثنا هناد بن السري، عن ابن المبارك، عن صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري] (¬1) قال عروة) بن الزبير يعني أنه حدثه: (فحدثني أسامة بن زيد) بن حارثة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أن رسول الله كان عهد إليه) أي: أوصى إليه يوم الاثنين لأربع بقين من رجب سنة إحدى عشرة بالتهيؤ لغزو الروم. ورواه الشافعي (¬2) بلفظ: أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أغير صباحًا على أهل أُبنى وأحرق. فرواية الشافعي هي حكاية قول أسامة عند خطابه لعروة، ورواية أبي داود ردًّا من المتكلم إلى الغائب، فعروة حكى ما قاله أسامة لا بلفظه، ورواية الشافعي أعاد فيها لفظه عند خطابه وهو أبلغ وأتقن؛ لأن رواية الحديث بالمعنى مختلف فيها. ويجاب عن رواية أبي داود أنها أبلغ؛ لأنها حكاية لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم -. (أن أَغِر) بفتح الهمزة وكسر الغين من الإغارة، وهي: المهاجمة على القوم لاستلاب أموالهم ونفوسهم بالخيل الذي يغير في أول النهار وهم غافلون. وفي هذا الحديث جواز الإغارة على الكفار الذين بلغتهم الدعوة من غير إنذار بالإغارة. واختلفوا في هذِه المسألة على ثلاثة (¬3) مذاهب: أحدها: يجب الإنذار قبل الإغارة مطلقًا، قاله مالك (¬4) وغيره، وهو ضعيف. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، واستدركناه من المطبوع. (¬2) "مسند الشافعي" (1495). (¬3) في الأصول: ثلاث. وما أثبتناه هو الجادة. (¬4) "المدونة" 1/ 496.

والثاني: لا يجب مطلقًا، وهذا أضعف منه. والثالث: يجب إن لم تبلغهم الدعوة، ولا يجب إن بلغتهم، لكن يستحب، وهذا هو الصحيح. وهو قول الشافعي والجمهور (¬1). (على) أهل (أُبْنى) بضم الهمزة [وإسكان الباء الموحدة ثم نون ثم ألف مقصورة، أرض بالسراة في ناحية البلقاء التي قتل فيها أبوه] (¬2) (صباحًا) أي: في وقت الصباح (وحرَّق) عليهم، أي: زروعهم وقطع أشجارهم. وفيه دليل على جواز ذلك إذا (¬3) لم يرج حصوله للمسلمين ولا دعت الحاجة إلى إتلافه كالذي يقرب من حصونهم ويمنع من قتالهم أو يستترون به عن المسلمين أو يحتاج إلى قطعه لتوسعة طريق أو نحو ذلك، وبه قال مالك والشافعي (¬4). قال إسحاق: هو سنة إذا كان أنكى في العدو (¬5). وقال الأوزاعي، والليث، وأبو ثور: لا يجوز؛ لحديث أبي بكر ووصيته، ولأن فيه إتلافًا محضًا فلم يجز كعقر الحيوان (¬6). [2617] (حدثنا عبد الله بن عمرو) بن عمر (الغزي) بفتح الغين المعجمة وكسر الزاي (قال: سمعت أبا مسهر) هو عبد الأعلى بن ¬

_ (¬1) انظر: "شرح النووي على مسلم" 12/ 36. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (ر). (¬3) في (ر): إن. (¬4) "المدونة" 1/ 500، "الأم" 5/ 306. (¬5) "مسائل أحمد وإسحاق برواية الكوسج" (2761). (¬6) انظر: "المغني" 13/ 146.

مسهر الغساني (قيل له: أبنى) بضم الهمزة كما تقدم قرية من أرض الكرك في أطراف الشام. (قال: نحن أعلم) ببلادنا من غيرنا (هي يُبْنَى) بضم الياء المثناة تحت وإسكان الباء الموحدة قرية كبيرة بين الرملة وغزة بالقرب من عسقلان من أرض (فلسطين) بكسر الفاء وفتح اللام صقع من الشام منه الرملة، وغزة وقاعدته إيلياء، وهي بيت المقدس؛ سميت بذلك لأن أول من سكنها فليشين (¬1) بن كسلوخيم بن يونان بن يافث بن نوح عليه السَّلام. قال موفق الدين عبد الله بن قدامة في "المغني": الصحيح أنها أبنى كما جاءت الرواية وهي قرية من أرض الكرك في الناحية التي قتل فيها أبوه، فأما يبنى فهي من أرض فلسطين، ولم يكن أسامة ليصل إليها ولا يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإغارة عليها لبعدها، والخطر بالمصير إليها لتوسطها في البلاد وبُعدها من طَرف الشام، فما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ليأمره بالتغرير بالمسلمين، فكيف يُحمل اللفظ عليها مع مخالفة لفظ الرواية وفساد المعنى! (¬2) قال ابن الأثير (¬3): هي مدينة عند الرملة والمشهور في اسمها يبنى (¬4) كما تسمى اليوم، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) في الأصول: فلسطين. وما أثبتناه كما في "معجم البلدان" 4/ 274. (¬2) "المغني" 13/ 147 - 148. (¬3) "النهاية في غريب الأثر" 1/ 18. (¬4) ساقطة من (ر).

92 - باب بعث العيون

92 - باب بَعْثِ العُيُونِ 2618 - حَدَّثَنا هارُون بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنا هاشِمُ بْنُ القاسِمِ، حَدَّثَنا سُليْمانُ - يَعْني: ابن المُغِيرَةِ - عَنْ ثابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قالَ بَعَثَ - يَعْني النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بُسْبَسَةَ عيْنًا يَنْظُرُ ما صَنَعَتْ عِيرُ أَبي سُفْيانَ (¬1). * * * باب في بعث العيون جمع عين، وهو: الجاسوس صاحب سر الشر، والناموس: صاحب سر الخير، والجاسوس: هو الذي يفحص عن بواطن الأمور ويحسر (¬2) عنها. [2618] (حدثنا هارون بن عبد الله، حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس قال) أبو داود: (بعث يعني رسول الله بُسيس) بضم الباء الموحدة وتكرير السين المهملة مصغر، هكذا في أصل أبي داود والذي ذكر ابن إسحاق، والمنذري بسبس بن عمرو بفتح الموحدة غير مصغر، وفي بعضها بسبسة بزيادة هاء التأنيث (عينًا) يعني: جاسوسًا، سمي بذلك لأنه يعاين العدو ثم يخبر مرسله بما يراه، فكأنه عينه التي يبصر بها. (يبصر ما صنعت عير) بكسر العين المهملة، الإبل التي تحمل الميرة وهو الطعام الذي يمتاره القوم (أبي سفيان) صخر بن حرب بن أمية ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1901). (¬2) في (ل): يخبر.

القرشي، فيه دليل على جواز بعث الإمام الواحد أو الجماعة [جاسوسًا يعلمون] (¬1) خبر العدو وكثرته أو قلته وما معهم من الأنعام وغير ذلك مما يحتاج الجيش إلى معرفته ليأخذوا أهبة العدو، وهذا البعث يشاركون الجيش في الغنيمة؛ لأنهم في مصلحتهم كما يشاركهم الرسول والدليل والطليعة ومن كانت عينه في مصلحة الجيش وما يحتاجون إليه. * * * ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر).

93 - باب في ابن السبيل يأكل من التمر ويشرب من اللبن إذا مر به

93 - باب في ابن السَّبيلِ يَأكُلُ مِنَ التَّمْرِ ويَشْرَبُ مِنَ اللَّبَنِ إِذا مَرَّ بِه 2619 - حَدَّثَنا عيّاشُ بْنُ الوَلِيدِ الرَّقّامُ، حَدَّثَنا عَبْدُ الأعلَى، حَدَّثَنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنِ الحسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّ نَبي اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إِذا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى ماشِيَةٍ فَإنْ كانَ فِيها صاحِبُها فَلْيَسْتَأْذِنْهُ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فَلْيَحْلِبْ وَلْيَشْرَبْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيها فَلْيُصَوِّتْ ثَلاثًا فإنْ أَجابَهُ فَلْيَسْتَأْذِنْهُ وَإِلاَّ فَلْيَحْتَلِبْ وَلْيَشْرَبْ وَلا يَحْمِلْ" (¬1). 2620 - حَدَّثَنا عُبيْدُ اللهِ بْنُ مُعاذٍ العَنْبَريُّ، حَدَّثَنا أَبى، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبى بِشْرٍ، عَنْ عَبّادِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، قالَ: أَصابَتْني سَنَةٌ فَدَخَلْتُ حائِطًا مِنْ حِيطانِ المدِينَةِ فَفَرَكْتُ سُنْبُلاً فَأكَلْتُ وَحَمَلْتُ في ثَوْبى فَجاءَ صاحِبُهُ فَضَرَبَني وَأَخَذَ ثَوْبى فَأَتيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ لَهُ: "ما عَلَّمْتَ إِذْ كانَ جاهِلاً وَلا أَطْعَمْتَ إِذْ كانَ جائِعًا". أَوْ قالَ: "ساغِبًا". وَأَمَرَهُ فَرَدَّ عَليَّ ثَوْبى وَأَعْطْانى وَسْقًا أَوْ نِصْفَ وَسْقٍ مِنْ طَعامٍ (¬2). 2621 - حَدَّثَني مُحَمَّدُ بْنُ بَشّارٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبى بِشْرٍ قالَ: سَمِعْتُ عَبّادَ بْنَ شُرَحْبِيلَ - رَجُلاً مِنّا مِنْ بَني غُبَرَ - بِمَعْناهُ (¬3). * * * باب في ابن السبيل يأكل من الثمرة، ويشرب من اللبن إذا مر به [2619] (حدثنا عياش) بالمثناة والمعجمة (بن الوليد الرقام) بالقاف ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1296). وصححه الألباني في "الإرواء" (2520). (¬2) رواه النسائي 8/ 240، وابن ماجه (2298)، وأحمد 4/ 166. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2357). (¬3) انظر الحديث السابق.

(حدثنا عبد الأعلى، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب) الفزاري البصري (أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا أتى أحدكم على ماشية فإن كان فيها صاحبها) أو وكيله الذي أقامه مقام نفسه (فليستأذنه) في احتلابها والشرب منها، وهذا الاستئذان واجب. (فإن أذن له المالك) باللفظ أو الإشارة المفهمة للعاجز عن اللفظ (فليحتلب) بنفسه أو بما دونه قدر العادة، ولا يجوز له إلا حلب ما يفضل عن ري ولدها وإن أذن له المالك أن يحلب ما يحتاجه ولدها لم يجز (وليشرب) منه قدر عادة الناس، ويحرم عليه أن يحمل منه إلا بإذن المالك (فإن لم يكن فيها) صاحبها ولا وكيله (فليصوت) أي: فليصح له يقال: صاته وصوت له إذا صاح (ثلاثًا) كما يستأذن صاحب المنزل في الدخول ثلاثًا. (فإن أجابه) أحد كما في الترمذي (¬1) (فليستأذنه) فإن أذن له فليحلب وليشرب (وإلا) أي: وإن لم يجبه أحد كذا في رواية الترمذي (فليحتلب وليشرب) وله أن يشرب منه ما يسد به الرمق، وهذا فيه دليل لما ذهب إليه إسحاق، وبه يقول أحمد في إحدى الروايتين، وحمله الشافعي والجمهور على المضطر الذي لا يجد طعامًا وهو يخاف على نفسه التلف، فإنه يجوز له أن يحلب ويشرب وتستقر قيمته في ذمته باعتبار ذلك المكان والزمان، وإن لم يكن مضطرًا لم يجز أن يحلب ولا يشرب لرواية ابن عمر الآتية: "لا يحتلبن أحد ماشية أحد بغير إذنه ... " الحديث. (ولا) يجوز له أن (يحمل) من المحلوب شيئًا إلا بإذنه أو يكون ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (1296).

المالك صديقًا له كما قال تعالى: {أَوْ صَدِيقِكُمْ} (¬1)، وجواز الشرب من مال الصديق مخصوص بمن علم رضاه أو غلب على ظنه، فإن شك حرم، وكذا إذا علم رضاه أو ظنه وكان غير صديق له. [2620] (حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري، حدثنا أبي، حدثنا شعبة، عن أبي بشر) بكسر الباء وإسكان الشين المعجمة هو جعفر بن أبي وحشية اليشكري، مات سنة ثلاث وعشرين ومائة، (عن عَبَّاد) بفتح العين وتشديد الباء الموحدة (بن شُرحبيل) بضم الشين المعجمة العنزي اليشكري. (قال: أصابني (¬2) سَنة) بفتح السين أي: جدب وقحط، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ} (¬3) أي: بالجدب والمحل. (فدخلت حائطًا) أي: بستانًا، سمي بذلك لأنه يحوط به الجدران (من حيطان المدينة) النبوية (ففركت) بفتح الراء (سنبلًا) جمع سنبلة وهو سنبل الزرع (فأكلت) أكله الحب اليابس بمفرده يدل على ما كانت الصحابة عليه من خشونة العيش ويبس المؤنة واقتصارهم على أكل الحب والخبز بغير أدم (وحملت في ثوبي) منه، يدل على كثرة تواضعهم لتعاطيهم أشغالهم بأنفسهم وحملهم أمتعتهم بأيديهم تأسيا بأفعاله - صلى الله عليه وسلم -. قال علي -رضي الله عنه -: لا ينقص الرجل من كماله ما حمل من شيء إلى عياله (¬4). وكان أبو عبيدة بن الجراح وهو أمير يحمل صطلا ¬

_ (¬1) النور: 61. (¬2) ورد بعدها في الأصل: نسخة: أصابتني. (¬3) الأعراف: 130. (¬4) ذكره الغزالي في "الإحياء" 2/ 240.

له من خشب إلى الحمام (¬1). قال بعضهم: رأيت عليًّا اشترى لحمًا بدرهم فحمله في ملحفته، قلت له: أحمل عنك يا أمير المؤمنين. قال: لا، أبو العيال أحق أن يحمل. (¬2) (فجاء صاحبه) يدل على أنه كان غائبًا حين قطع من زرعه وفرك وحمل في ثوبه منه (فضربني) يحتمل أن يكون ضربه بيده أو بشيء كان في يده. وفيه دليل على احتمالهم الأذى وأخذهم بالعفو والصفح حيث لم يضربه في مقابلة ضربه ولا سبه ولا تغير من الضرب (وأخذ ثوبي) بما فيه من الحب. (فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فيه حذف تقديره والله أعلم: فذكرت له ذلك فطلبه فأتي به (فقال له: ما عَلَّمت) بفتح العين واللام المشددة أي: ما علمته (إذ كان جاهلاً) فيه تعليم الجاهل وإن لم يطلب التعليم وأن من ظلمه في شيء يعرفه أولًا أن هذا حرام عليه؛ لاحتمال أن يكون يعتقد حله (ولا أطعمت) أي: أطعمته مما أنعم الله به عليك (إذ كان جائعًا) فيه أن جاهل الحكم معذور لا إثم عليه واللوم على من رأى جائعًا ولا يطعمه (أو قال) هذا شك من الراوي (ساغبًا) تقديره: ولا أطعمت إذ كان ساغبًا. والسغب: الجوع، قال الله تعالى: {فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} (¬3) أي: مجاعة. وفيه دليل على أن المضطر يأكل مما هو داخل الحائط، ولا يحمل نه من الزرع والثمار، وعند عدم الاضطرار لا يأكل؛ لأن ¬

_ (¬1) ذكره ابن أبي الدنيا في "التواضع والخمول" (97). (¬2) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (551). (¬3) البلد: 14.

ما كان محفوظًا فالحائط حريم له. قال بعض العلماء: وإذا كان عليه ناطور فهو بمنزلة المحوط في أنه لا يدخل إليه ولا يأكل منه إلا لضرورة (¬1). (فأمره فرد علي ثوبي) وهذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (وأعطاني وسقًا) بفتح الواو وكسرها لغتان حكاهما جماعة، وفي مقداره خمسة أقوال: أحدها: أنه حمل بعير، والصحيح أنه ستون صاعًا وهو الذي قدمه الجوهري (¬2). والصاع أربعة أمداد والمد رطل وثلث، والرطل مائة وثلاثون درهمًا. (أو نصف وسق من طعام) والظاهر أنه قمح لأنه الذي يؤكل منه الفريك عادةً، وفيه بعض رطوبة بخلاف الشعير. [2621] (حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن أبي بشر وعن عباد بن شرحبيل اليشكري رجلاً منا) أي: (من بني غبر) بضم الغين المعجمة وفتح الباء الموحدة، وهي قبيلة من يشكر (بمعناه) أي بمعنى الحديث المتقدم، وذكر أبو القاسم البغوي أن عبادًا سكن البصرة، وروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثًا لم يحدث به غير أبي بشر جعفر بن إياس، وذكر له هذا الحديث. * * * ¬

_ (¬1) "الشرح الكبير" لابن قدامة 11/ 112. (¬2) "الصحاح" 4/ 252.

94 - باب من قال إنه يأكل مما سقط

94 - باب مَنْ قالَ إِنَّهُ يَأكل مِمّا سَقطَ 2622 - حَدَّثَنا عُثْمانُ وَأَبُو بَكْرٍ ابنا أَبى شيْبَةَ - وهذا لَفْظُ أَبى بَكْرٍ - عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُليْمانَ قالَ: سَمِعْتُ ابن أَبى حَكَمٍ الغِفاريَّ يَقُولُ: حَدَّثَتْني جَدَّتي، عَنْ عَمِّ أَبى: رافِعِ بْنِ عَمْرٍو الغِفاريِّ، قالَ: كُنْتُ غُلامًا أَرْمي نَخْلَ الأنصارِ فَأُتي بي النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ: "يا غُلامُ لِمَ تَرْمي النَّخْلَ؟ ". قالَ: آكُلُ. قالَ: "فَلا تَرْمِ النَّخْلَ وَكُلْ مِمّا يَسْقُطُ في أَسْفَلِها". ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ فَقالَ: "اللَّهُمَّ أَشْبعْ بَطْنَهُ" (¬1). * * * باب من قال يأكل مما سقط [2622] (حدثنا عثمان وأبو بكر ابنا أبي شيبة، وهذا لفظ أبي بكر، عن معتمر بن سليمان، قال: سمعت ابن أبي حكم) بفتح الحاء المهملة والكاف لم يعرف اسمه، وقيل: اسمه الحسن، وقيل: عبد الكبير (¬2) (الغفاري يقول: حدثتني جدتي، عن عم أبي) واسمه (رافع بن عمرو) ابن مخدج (الغفاري) الكناني الضمري أخي الحكم بن عمرو الغفاري، نزل البصرة، أخرج له مسلم في الزكاة (¬3). (فقال: كنت غلامًا أرمي نخل الأنصار) وفيه الاعتراف بما وقع في زمن الصبى من رمي الأشجار المفسد للثمار المأكولة وأنها من تمر النخل التي هي من أكرم الأشجار، وأن النخل هي للأنصار الذين هم ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1288)، وابن ماجه (2299)، وأحمد 5/ 31. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (453). (¬2) في النسخ: (عبد الكريم) والمثبت من مصادر الترجمة "تهذيب الكمال" 34/ 435. (¬3) "صحيح مسلم" (1067).

من أفاضل الصحابة -رضي الله عنهم -، وأن هذا الفعل تكرر منه؛ لأن لفظة "كان" تدل على التكرار (فأُتى بي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -) ورواية الترمذي (¬1): فأخذوني وذهبوا بي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. فيه دليل على أن من ظلم في شيء وأراد أخذ حقه فليرفع الأمر إلى الحاكم، وإن كان الذي ظلمه صبيًّا (فقال: يا غلام) بالضم؛ لأنه نكرة مقصودة نحو: {يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ} (¬2). (لم ترمي النخل؟ ) رواية الترمذي: "يا رافع لم ترمي نخلهم؟ " وفيه استفهام المدعى عليه عن سبب تعديه؛ ليذكر حجته (قال: آكل) أي: إنما أرمي النخل؛ لآكل من ثمرها، فحذف اللام التي (¬3) للتعليل اختصارًا، ويوضح ذلك رواية الترمذي، فإنه قال فيها: قلت: يا رسول الله، الجوع. يعني: هو الذي حملني على الرمي. (قال: فلا ترم النخل) فيه النهي عن رمي الثمار التي على الأشجار، ورميها بالأحجار، فإن ذلك يفسدها، وإذا كان فيه فساد الثمرة فلا فرق في النهي بين أن يكون المرمي ملكًا للرامي أو لغيره، وهو مقتضى إطلاق النهي (وكل ما يسقط في أسفلها) لفظ ابن ماجه: "وكل مما يسقط في أسافلها (¬4) ". فيه دليل على أن من مر ببستان غيره وهو محوط وفيه فاكهة رطبة أنه يجوز له الأكل منها إذا كان جائعًا وإن لم يكن جائعًا فلا يأكل، وهو ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (1288). (¬2) سبأ: 10. (¬3) ساقطة من (ر). (¬4) في النسخ: (أسفلها) والمثبت من "سنن ابن ماجه" (2299).

رواية عن أحمد بن حنبل، قال: وقد فعله غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال في موضع: إنما الرخصة للمسافر إلا أنه لم يعتبرها هنا حقيقة الاضطرار؛ لأن الاضطرار يبيح ما وراء الحائط ورويت عنه الرخصة من الأكل من غير المحوط مطلقًا من غير اعتبار رجوع ولا غيره (¬1). وروي عن أبي زينب التيمي قال: سافرت مع أنس بن مالك وعبد الرحمن بن سمرة وأبي برزة فكانوا يمرون بالثمار فيأكلون في أفواههم (¬2)، وإذا أكل فلا ضمان عليه. وقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي: لا يباح له الأكل من غير ضرورة إلا بإذن مالكه ومع الضرورة يأكل بشرط الضمان، وأما إذا كان عليه حائط فلا يباح له الأكل بالإجماع. (ثم مسح رأسه) لعل هذا الغلام كان يتيمًا؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يمسح على رأس اليتيم ويدعو له كما مسح على رأس عبد الله بن جعفر ثلاثًا، فكلما مسح قال: "اللهم اخلف جعفرًا في ولده". رواه البيهقي في "الدعوات" (¬3). (فقال: اللهم أشبع بطنه) فيه دليل على استحباب هذا الدعاء للجائع، ورواية الترمذي (¬4): "أشبع الله بطنك وأرواك". وقال: حديث حسن غريب صحيح. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" 13/ 335. (¬2) أخرجه ابن أبي شيبة 13/ 397 (26793)، وابن زنجويه في "الأموال" (472). (¬3) "الدعوات الكبير" (645). (¬4) "سنن الترمذي" (1288).

95 - باب فيمن قال: لا يحلب

95 - باب فِيمنْ قال: لا يَحْلِبُ 2623 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لا يَحْلبَنَّ أَحَدٌ ماشِيَةَ أَحَدٍ بِغيْرِ إِذْنِهِ، أيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرَبَتُهُ، فَتُكْسَرَ خِزانتُهُ فينْتَثَلَ طَعامُهُ؟ فَإنَّما تَخْزُنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَواشيهِمْ أَطْعِمَتَهُمْ، فَلا يَحْلبَنَّ أَحَدٌ ماشِيَةَ أَحَدٍ إِلاَّ بِإذْنِهِ" (¬1). * * * باب من قال: لا يَحلُب [2623] ([حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن نافع، ] عن ابن عمر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يحلبن أحد ماشية أحد بغير إذنه) فيه تحريم أخذ مال الإنسان بغير إذنه والأكل منه والتصرف فيه، وأنه لا فرق بين اللبن وغيره، وسواءٌ المحتاج وغيره إلا المضطر، وإنما كان هذا؛ لأن أصل الأملاك بقاؤها على ملك مالكها وتحريمها على غيرهم، وإنما خص اللبن بالذكر؛ لتساهل الناس فيه كما يتساهل في الثمار التي تحت الأشجار. (أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته) بفتح الميم وفي الراء لغتان: الضم والفتح، والضم أشهر، وهي كالغرفة يخزن فيها الطعام وغيره. وفيه إثبات القياس والتمسك في المسائل. (فتكسر خزانته، فينْتَثَل) أي: يستخرج وينتثر كله ويرمى، وهو بالثاء ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1726).

المثلثة، وفي رواية مسلم (¬1): "فينتقل" (¬2) بالقاف بدل الثاء، ومعناهما متقارب إلا أن النثل النثر بمرة واحدة، يقال: نثل ما في كنانته، أي: صبها، وما يخرج من تراب البئر يقال له: المنتثل. (طعامه) فيه أن اللبن يسمى طعامًا يحنث به من حلف لا يتناول طعامًا إلا أن يكون له نية تخرج اللبن، (فإنما تَخزُن) بفتح التاء وضم الزاي (لهم ضروع) جمع ضرع، وهو لكل ذات ظلف أو خف، وهو بمنزلة الثدي من المرأة (مواشيهم أطعمتهم) شبه اللبن في الضرع بالطعام المخزون المحفوظ في الخزانة في أنه لا يحل أخذه لأحد. قال القرطبي (¬3): تشبيه ضرع الماشية بالخزانة يقتضي أن من حلب ماشية أحد في خفية، وكانت قيمة ما أخذ نصابًا فإنه يقطع كما يقطع من أخذ من خزانته، وقد قال به بعض العلماء، فأما مالك فلم يقل به، إلا إذا كانت الماشية في حرز. (فلا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه) أو إذن وكيله، وكرر النهي المذكور أولًا، للمبالغة والتأكيد. * * * ¬

_ (¬1) من (ل). (¬2) "صحيح مسلم" (1726). (¬3) "المفهم" 5/ 196.

96 - باب في الطاعة

96 - باب في الطّاعَة 2624 - حَدَّثَنا زُهيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا حَجّاجٌ قالَ: قالَ ابن جُريْجٍ {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} في عَبْدِ اللهِ بْنِ قيْسِ بْنِ عَديِّ بَعَثَهُ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - في سَرِيَّةٍ، أَخْبَرَنيهِ يَعْلَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ (¬1). 2625 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، أَخْبَرَنا شُعْبَةُ، عَنْ زُبيْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبيْدَةَ، عَنْ أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَميِّ، عَنْ عَليٍّ -رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ جيْشًا وَأَمَّرَ عَليْهِمْ رَجُلاً وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْمَعُوا لَهُ ويُطِيعُوا فَأَجَّجَ نارًا وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَقْتَحِمُوا فِيها فَأَبَى قَوْمٌ أَنْ يَدْخُلُوها وَقالُوا: إِنَّما فَرَرْنا مِنَ النّارِ، وَأَرادَ قَوْمٌ أَنْ يَدْخُلُوها فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ: " لَوْ دَخَلُوها - أَوْ دَخَلُوا فِيها - لَمْ يَزالُوا فِيها". وقالَ: "لا طاعَةَ في مَعْصِيَةِ اللهِ؛ إِنَّما الطّاعَةُ في المَعْرُوفِ" (¬2). 2626 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحيَى عَنْ عُبيْدِ اللهِ، حَدَّثَني نافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قالَ: "السَّمْعُ والطَّاعَةُ عَلَى المَرْءِ المُسْلِم فِيما أَحَبَّ وَكَرِهَ ما لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ فَإذا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلا سَمْعَ وَلا طاعَة" (¬3). 2627 - حَدَّثَنا يَحيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الوارِثِ، حَدَّثَنا سُليْمانُ بْنُ المُغِيرةِ، حَدَّثَنا حُميْدُ بْنُ هِلالٍ عَنْ بِشْرِ بْنِ عاصِمٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ مالِكٍ - مِنْ رَهْطِهِ - قالَ: بَعَثَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - سَرِيَّةً فَسَلَحْتُ رَجُلاً مِنْهُمْ سيْفًا فَلَمّا رَجَعَ قالَ: لَوْ رَأيْتَ ما لامَنا رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "أَعَجَزْتُمْ إِذْ بَعَثْتُ رَجُلاً مِنْكُمْ فَلَمْ يَمْضِ لأَمْري أَنْ تَجْعَلُوا مَكانَهُ مَنْ يَمْضي لأمْري؟ " (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4584)، ومسلم (1834). (¬2) رواه البخاري (4340)، ومسلم (1840). (¬3) رواه البخاري (2955)، ومسلم (1839). (¬4) رواه أحمد 4/ 110، وابن حبان (4740)، والحاكم 2/ 114 - 115.

باب في الطاعة [2624] ([حدثنا زهير بن حرب، حدثنا حجاج قال: ] قال) عبد الملك (ابن جريج) نزلت ({يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ}) في امتثال أمره واجتناب نواهيه ({وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}) فيما أمر به ونهى عنه ({وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}) قال ابن خويز (¬1) منداد: طاعة أولي الأمر تجب فيما كان لله فيه طاعة، ولا تجب فيما كان لله فيه معصية، ولذلك قلنا: إن ولاة زماننا لا تجب طاعتهم ولا معاونتهم ولا تعظيمهم، ويجب الغزو معهم، (في عبد الله) بن حذافة، بضم الحاء المهملة (بن قيس بن عدي) بفتح العين المهملة وكسر الدال السهمي القرشي، مات بمصر، وكان (بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم -) وأمره عليهم (في سرية) وتمام القصة: أن عبد الله بن قيس أمرهم بأمر فخالف بعضهم وأنف على عادة العرب، فإنهم كانوا يأنفون من الطاعة. قال الشافعي: كانت العرب تأنف من الطاعة للأمراء، فلما أطاعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرهم بطاعة الأمراء (¬2). (أخبرنيه) أي: أخبرني بذلك (يعلى) بفتح التحتانية وسكون المهملة وفتح اللام ابن مسلم، (عن سعيد بن جبير، عن) عبد الله (ابن عباس). [2625] ([حدثنا عمرو بن مرزوق، أخبرنا: شعبة] عن زُبيد) بضم الزاي وفتح الموحدة، ابن الحارث اليامي، (عن سعد بن عبيدة) بضم ¬

_ =وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (2362). (¬1) في (ل): خواز، وكلاهما صواب. (¬2) "المفهم" 12/ 85.

العين، مصغر. (عن) ختنه (أبي عبد الرحمن السلمي) [بضم السين] (¬1) واسمه: عبد الله بن حبيب، صاحب علي -رضي الله عنه -، (عن علي: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث جيشًا) في بعض الغزوات (وأمَّر عليهم) فيه دليل على استحباب التأمير كما تقدم (رجلاً) هذا الرجل ليس هو عبد الله بن قيس بن حذافة المذكور أولًا؛ لأن في رواية مسلم: رجلًا من الأنصار، (وأمرهم أن يسمعوا له) قوله (ويطيعوا) أمره كما قال الله تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51)} (¬2). والسمع والطاعة للأئمة والأمراء والقضاة واجبة؛ لظاهر الأمر، ولا خلاف فيه إذا لم يأمر بمعصية. (فأجج نارًا) رواية الصحيحين: فقال: اجمعوا لي حطبًا فجمعوه، ثم قال: أوقدوا لي نارًا فأوقدوا. (وأمرهم أن يقتحموا فيها) والاقتحام الدخول في الشيء من غير روية ولا تثبت، قال الله تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11)} (¬3)، أي: لم يتحمل الأمر العظيم في الدخول في طاعة الله، ورواية "الصحيح": قال لهم: ألم يأمركم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تسمعوا لي وتطيعوا؟ قالوا: بلى. قال: فادخلوها. (¬4) ¬

_ (¬1) ليست في (ر). (¬2) النور: 51. (¬3) البلد: 11. (¬4) "صحيح مسلم" (1840/ 40).

قيل: كان أمره لهم بالدخول في النار امتحانًا لهم (¬1) واختبارًا لطاعتهم، وقيل: كان مازحًا؛ فإنه كانت فيه دعابة كما قال الليث بن سعد: بلغني أنه حل حزام راحلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره حتى كاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقع. قال ابن وهب: فقلت لليث: ليضحكه؟ قال: نعم، كانت فيه دعابة. وقيل: إنما حمله على ذلك غضبه عليهم فأراد عقوبتهم بذلك؛ لأنه قد جاء في رواية مسلم: فأغضبوه في شيء. (فأبى قوم) حين نظر بعضهم إلى بعض (أن يدخلوها، وقالوا: إنما فررنا) إلى رسول الله (من النار) أي نار جهنم، وهذِه منها لما روى ابن ماجه (¬2) عن أنس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ناركم هذِه جزء من سبعين جزءًا من جهنم". (وأراد قوم أن يدخلوها) (¬3) امتثالًا لطاعته. (فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -) ورواية الصحيحين (¬4): فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فقال: لو دخلوها أو) قال: لو (دخلوا فيها) وهذا شك من الراوي (لم يزالوا فيها) زاد مسلم: "إلى يوم القيامة"، قال النووي (¬5): هذا مما علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالوحي، وهذا التقييد بيوم القيامة مبين للرواية الأخرى بأنهم لا يخرجون منها لو دخلوها. ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) "سنن ابن ماجه" (4318). (¬3) بعدها في الأصول: نسخة: يدخلوا. (¬4) البخاري (4340)، مسلم (1840). (¬5) "شرح النووي على مسلم" 12/ 227.

قال القرطبي (¬1): هذا ظاهر في أنه تحرم الطاعة في المعصية المأمور بها، وأن المطيع فيها يستحق العقاب. (وقال: لا طاعة في معصية الله) قال القرطبي (¬2): لو أمر بمعصية مثل أخذ مالٍ بغير حق أو قتل أو ضرب بغير حق فلا يطاع في ذلك ولا ينفذ أمره، ولو أفضى ذلك إلى ضرب ظهر المأمور وأخذ ماله؛ إذ ليس دم أحدهما ولا ماله بأولى من دم الآخر ولا ماله، وكلاهما يحرم شرعًا؛ إذ هما مسلمان ولا يجوز الإقدام على واحد منهما لا للآمر ولا للمأمور؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق". كما ذكره الطبراني (¬3) (¬4) ولقوله في الحديث الآتي: "فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة". (إنما الطاعة) أي الواجبة (في المعروف) ومقتضى هذا الحصر أن الطاعة لا تكون إلا في معروف. ويعني بالمعروف هنا ما ليس بمنكر ولا معصية، فيدخل فيه الطاعات الواجبة والمندوب إليها، والأمور الجائزة شرعًا، وقد صرح أصحابنا بأن الإمام إذا أمر بصيام الثلاثة الأيام المستحبة لصلاة الاستسقاء أنها تصير واجبة بأمر الإمام. قلت: فعلى هذا إذا أمر الإمام في الشتاء برفع الطين من الشوارع، أو أمر بتعليق الثياب التي يتزين بها عند ولاية الإمام فتجب طاعته، إذا لم ¬

_ (¬1) "المفهم" 3/ 39. (¬2) "المفهم" 3/ 39. (¬3) في (ل): الطبري. (¬4) "المعجم الأوسط" (4322)، و"المعجم الكبير" (407).

يؤد ذلك إلى معصية، والله أعلم. [2626] (حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن عبيد الله، عن نافع، عن عبد الله) بن عمر -رضي الله عنه - (عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: السمع) بالرفع على الابتداء (والطاعة) أي واجبة (على المرء المسلم) ويجوز النصب على الإغراء عن من يجوزه في الغائب كقول بعضهم: إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب. ويدل عليه رواية مسلم: "عليك السمع والطاعة" (¬1) فإنه تقدم لاجتماع كلمة المسلمين؛ فإن الخلاف سبب لفساد أحوالهم في دينهم ودنياهم (فيما أحب) المسلم ووافق هواه (و) فيما (كره) أي: ويجب السمع والطاعة فيما تكرهه نفس المسلم ويشق عليها مما ليس بمعصية (ما لم يؤمر) المسلم (بمعصية) كما تقدم، (فإذا أمر بمعصية) تعلمونها من دين الله ولا تشتبه عليكم (فلا سمع ولا طاعة) فيما أمر، لكن إذا ظلموا لا يجوز الخروج عليهم ما لم يغيروا شيئًا من قواعد الإسلام، لكن يجب تغيير الظلم على من قدر بيده أو بلسانه فإن عجز فيكرهه بقلبه ولا يأثم بمجرد السكوت، بل إنما يأثم بالرضا، قاله النووي وغيره. قال سهل بن عبد الله التستري: أطيعوا السلطان في سبعة: ضرب الدراهم والدنانير، والمكاييل، والأوزان، والأحكام، والحج، والجمعة، والعيدين، والجهاد. قال: وإذا نهى السلطان العالم أن يفتي فليس له أن يفتي، فإذا أفتى فهو عاصٍ. ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1836).

[2627] (حدثنا يحيى بن معين، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، حدثنا سليمان بن المغيرة، حدثنا حميد بن هلال، عن بشر) بكسر الباء الموحدة وإسكان المعجمة أخو نضر (بن عاصم) [الليثي] (¬1) (عن عقبة ابن مالك) الليثي البصري، قال أبو عمر بن عبد البر وغيره: إن عقبة هذا روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثًا واحدًا (¬2) (من رهطه) لعل المراد: من رهط بشر الراوي عنه. (قال: بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - سرية فسلحت) بفتح السين واللام المشددة وإسكان الحاء المهملة (رجلاً منهم سيفًا) أي جعلته ذا سلاح بالسيف الذي دفعته إليه، وهو داخل في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من جهز غازيًا فقد غزا" (¬3). (فلما رجع) أي: من الغزو (قال: لو رأيتَ ما لامنا) بفتح الميم المخففة من اللوم، و (ما) مصدرية تقدر هي وما بعدها بالمصدر والتقدير: لو رأيت لوم (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) لنا. ثم فسر اللوم المذكور إذ (قال: أعجزتم إذ بعثت رجلًا منكم) أمرته على سرية وأمرته بأمر (فلم يمض لأمري) الذي أمرته به أن تقوموا عليه وتخلعوه من الإمارة بمخالفته أمري، قال القاضي عياض (¬4): لو طرأ عليه ¬

_ (¬1) في النسخ: (ابن سفيان الثقفي) والمثبت صرح به غير واحد؛ منهم الإمام أحمد في "المسند" 4/ 110، والليثي أخو نصر غير الثقفي هذا، وقد فرّق بينهما غير واحد. انظر: "تهذيب الكمال" 4/ 130 (693)، 4/ 132 (695). (¬2) "الاستيعاب" 3/ 1075. (¬3) تقدم برقم (2509). (¬4) "إكمال المعلم" 6/ 246.

كفر أو تغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسلمين (أن تجعلوا مكانه من يمضي لأمري) أي أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقال القرطبي: لو ابتدع بدعة، أي: مخالفة للشريعة المحمدية، فالجمهور على أنه يخلع (¬1). ومعنى الحديث إذا جعلت عليكم أميرًا وأمرته بأمر فلم يمض فيه، ولم يذهب إلى حيث أرسلته فاعزلوه وأقيموا مكانه أميرًا يعمل عمله، والحديث معمول به، وإذا كان الأمير لا يحفظ الرعية ويظلمهم، قال بعضهم: يجوز للمسلمين عزله وإقامة غيره إن لم يحصل من عزله إثارة فتنة وإراقة دماء. * * * ¬

_ (¬1) "المفهم" 4/ 39.

97 - باب ما يؤمر من انضمام العسكر وسعته

97 - باب ما يُؤْمَرُ مِنَ انضمامِ العَسْكرِ وَسِعَتِهِ 2628 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عُثْمانَ الِحمْصيُّ وَيَزِيدُ بْنُ قُبَيْسٍ - مِنْ أَهْلِ جَبَلَةَ ساحِلِ حِمْصٍ وهذا لَفْظُ يَزِيدَ - قالا: حَدَّثَنا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ العَلاءِ أنَّهُ سَمِعَ مُسْلِمَ بْنَ مِشْكَمٍ أَبا عُبَيْدِ اللهِ يقول: حدثَنا أَبُو ثَعْلَبَةَ الخُشَنيُّ قالَ: كانَ النّاسُ إِذا نَزَلُوا مَنْزِلًا - قالَ عَمْرٌو: كانَ النّاسُ إِذا نَزَلَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَنْزِلاً - تَفَرَّقُوا في الشِّعابِ والأودِيَةِ فَقالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ تَفَرُّقَكُمْ في هذِه الشِّعابِ والأوْدِيَةِ إِنَّما ذَلِكُمْ مِنَ الشَّيْطانِ". فَلَمْ يَنْزِلْ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْزِلاً إِلاَّ انْضَمَّ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ حَتَّى يُقالُ لَوْ بُسِطَ عَلَيْهِمْ ثَوْبٌ لَعَمَّهُمْ (¬1). 2629 - حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بْنُ عَيّاشٍ، عَنْ أَسِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الخَثْعَميِّ، عَنْ فَرْوَةَ بْنِ مُجاهِدٍ اللَّخْميِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعاذِ بْنِ أَنَسٍ الجُهَنيِّ عَنْ أَبِيهِ قالَ غَزَوْتُ مَعَ نَبي اللهِ - صلى الله عليه وسلم - غزْوَةَ كَذا وَكَذا فَضَيَّقَ النّاسُ المَنازِلَ وَقَطَعُوا الطَّرِيقَ فَبَعَثَ نَبي اللهِ - صلى الله عليه وسلم -! مُنادِيًا يُنادَي في النّاسِ أَنَّ مَنْ ضَيَّقَ مَنْزِلاً أَوْ قَطَعَ طَرِيقًا فَلا جِهادَ لَهُ (¬2). 2630 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عُثْمانَ، حَدَّثَنا بَقِيَّة، عَنِ الأَوزاعيِّ عَنْ أَسِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ فَرْوَةَ بْنِ مُجاهِدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعاذٍ عَنْ أَبِيهِ قالَ: غَزَوْنا مَعَ نَبي اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. بِمَعْناهُ (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 193، والنسائي في "الكبرى" (8856)، وابن حبان (2690). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2663). (¬2) رواه أحمد 3/ 440، وسعيد بن منصور (2468) ط الأعظمي. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (2364): حسن صحيح. (¬3) انظر الحديث السابق.

باب ما يؤمر من انضمام العسكر وسعته [2628] (حدثنا عمرو بن عثمان الحمصي ويزيد بن قُبَيس) بضم القاف وفتح الباء الموحدة مصغر الشامي ثقة (من أهل جَبَلة) بفتح الجيم والباء الموحدة (ساحل حمص) لا ينصرف للتأنيث والعلمية (وهذا لفظ يزيد قالا: حدثنا الوليد عن عبد الله بن العلاء، أنه سمع مسلم بن مِشكم) بكسر الميم (أبا عبيد الله يقول: حدثنا أبو ثعلبة) جرثوم، ويقال: جرهم بن ناشم (الخشني) وخشينة حي من قضاعة. (قال: كان الناس إذا نزلوا منزلاً) هذا لفظ رواية يزيد و (قال عمرو) في روايته: (كان الناس إذا نزل رسول الله منزلاً) ثم اتفقا (تفرقوا في الشعاب) جمع شعب بكسر الشين، وهو الطريق في الجبل (والأودية) ينزلون متفرقين يطلبون الظلال ليرتفقوا به لما ينالهم من مشقة السفر، فلما كان في الغزوة التي غزوها قبل نجد ونزل في الوادي وتفرق الناس عنه يستظلون بالشجر ونزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت شجرة وعلق سيفه، فأتى أعرابي (¬1) (غورث)، والنبي - صلى الله عليه وسلم - نائم، فأخذ السيف، فاستيقظ وهو قائم على رأسه، والسيف صلت في يده، فقال: من يمنعك مني؟ قال: الله (¬2). (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ) بعد ذلك (إن تفرُّقكم) (¬3) بفتح التاء والفاء، أصلها: تتفرقوا ثم حذفت إحدى التاءين ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) "صحيح البخاري" (4135). (¬3) ورد بعدها في الأصل: نسخة: لا تَفَرقوا.

(في الشعاب والأودية) فتتفرق قلوبكم، فإن الافتراق هلكة والاجتماع نجاة ورحمة، فإن المؤمنين كالبنيان يشد بعضهم بعضًا. (إنما ذلكم) أي: هذا التفرق الذي تتفرقونه في الشعاب (من الشيطان) وهو الذي يدعوكم إليه ليتخلل (¬1) الشيطان في فُرجكم إذا تفرقتم ويطمع فيكم العدو. (فلم ينزل بعد ذلك) الذي نهاهم فيه عن التفرق (منزلاً) واحدًا (إلا انضم بعضهم إلى بعض) امتثالًا لأمره في منازلهم (حتى يقال: ) أي: يقول القائل إذا رآهم منضمين (لو بسط عليهم) في حال انضمامهم (ثوب) واحد (لعمَّهم) وشملهم جميعهم، وهذا يدل على فضل الصحابة وشدة اعتنائهم بالدين وحرصهم على العمل بما أمروا به ومبادرتهم إلى ترك ما نهوا عنه، جعلنا الله كذلك. [2629] (حدثنا سعيد بن منصور قال: ثنا إسماعيل بن عياش، عن أسيد) بفتح الهمزة وكسر السين المهملة (بن عبد الرحمن الخثعمي، عن فروة بن مجاهد اللخمي) بإسكان الخاء المعجمة (عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني) ضعَّفه بعضهم، لكن حسن له الترمذي وصحح أيضًا، واحتج به ابن خزيمة (¬2) وغيرهما. (عن أبيه معاذ) بن أنس -رضي الله عنه - (قال: غزوت مع نبي الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة كذا وكذا فضيق الناس) على أهل (المنازل) الذين نزلوا فيها منازلهم ¬

_ (¬1) بعدها في (ر): لكم. (¬2) "صحيح ابن خزيمة" (1815).

بنزولهم عليهم فيها (وقطعوا الطريق) على المارين بها لنزولهم فيها (فبعث نبي الله - صلى الله عليه وسلم - مناديًا ينادي في الناس: ) أي: في حال النزول (أن من ضيق) على من سبق إلى منزل نزل فيه (منزلاً) بنزوله عنده، وكذا من ضيق على المصلين مسجدًا ببناء لا يحتاج إليه فيه، أو وضع كرسيًّا (¬1) أو غرس شجرًا وغير ذلك مما يضيق على المصلين، ولهذا كره أبو حنيفة ومالك الصلاة في المسجد على الجنازة؛ لأنها تضيق على المصلين. (أو قطع طريقًا) عن المارين فيه إلى الغزاة، وكذا من ضيق طريق الحجاج والطريق إلى الجوامع والمساجد، وكذا الشوارع المسلوكة بإدخال شيء منها في بيوتهم بالبناء، وكذا بالجلوس فيها للبيع، وكذا بناء سباط قصير يمنع من مرور الفارس ومحامل الإبل، وكذا بناء الدكة فيه وهي المسطبة، وكذا غرس الشجر وإن لم يضر بالمارة، وكذا اتخاذ الطين فيه إن منع المرور منه (فلا جهاد له) أي: كاملًا، ويحتمل أن لا يراد لا أجر له في جهاده، وكذا من ضيق طريق الحاج والمسجد والجامع، وفيه دليل على أنه يستحب للإمام إذا رأى بعض الناس فعل شيئًا مما تقدم أن يبعث مناديًا ينادي بإزالة ما تضرر به الناس، وينادون به من جميع ما تقدم، وهذا لا يختص بالجهاد، بل أمير الحاج كذلك، وكذا الأمير والحاكم في المدينة، ومن يتكلم في الحسبة ونحو ذلك، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) في (ل): كرسي. والجادة ما أثبتناه.

98 - باب في كراهية تمني لقاء العدو

98 - باب في كَراهيةِ تَمَنّي لِقاء العَدُوِّ 2631 - حَدَّثَنا أَبُو صالِحٍ مَحْبُوبُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنا أَبُو إِسْحاقَ الفَزاريُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سالمٍ أَبي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ - يَعْني ابن مَعْمَرٍ وَكانَ كاتِبًا لَهُ - قالَ: كَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبي أَوْفَى حِينَ خَرَجَ إِلى الحرُورِيَّةِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في بَعْضِ أَيَّامِهِ التي لَقيَ فِيها العَدُوَّ قالَ: "يا أَيُّها النَّاسُ لا تتمَنَّوْا لِقاءَ العَدُوِّ وَسَلُوا اللهَ تَعالَى العافِيَةَ فَإذا لَقِيتُمُوهُمْ فاصْبِرُوا واعْلَمُوا أَنَّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ". ثُمَّ قالَ: "اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتاب وَمُجْريَ السَّحاب وَهازِمَ الأحْزابِ اهْزِمْهُمْ وانْصُرْنا عَلَيْهِمْ" (¬1). * * * باب كراهية تمني لقاء العدو [2631] (حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى، أخبرنا أبو إسحاق الفزاري، عن موسى بن عقبة) من موالي أمية (عن سالم أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله) تصغير عبد (يعني: ابن معمر) بقوله إلا أن تفسير عمر بن عبيد الله بأنه (وكان) ليس هو من كلام الراوي الذي سمع منه (كاتبًا) يعني: سالمًا (له) أي: لعمر بن عبيد الله (قال): يعني: سالمًا (كتب إليه) يعني: إلى عمر بن عبيد الله (عبد الله بن أبي أوفى) الأسلمي، واسمه علقمة الأسلمي. قال النووي: واتفاق البخاري ومسلم على روايته حجة في جواز ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2818)، ومسلم (1742).

العمل بالمكاتبة والإجازة، وقد جوزوا (¬1) العمل (¬2) بالمكاتبة، وبه قال جماهير العلماء من أهل الحديث والأصول والفقه، ومنعت طائفة العمل بها، وهو غلط (¬3). (حين خرج إلى الحرورية) نسبة إلى حروراء، وهو موضع أو قرية بظاهر الكوفة. قال السمعاني (¬4): وهي على ميلين من الكوفة، كان أول اجتماع الخوارج فيه فتعاقدوا في هذِه القرية على مذهبهم الفاسد؛ فنسبوا إليها. وكان عبد الله آخر من بقي بالكوفة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابتنى بها دارًا، ومات بالكوفة سنة سبع وثمانين بعدما كف بصره. (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أيامه التي لقِي) بكسر القاف (فيها العدو، قال: يا أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو) فيه الدليل على كراهة تمني لقاء العدو خشية اضطراب النفوس عند اللقاء وتغيرها عما عزمت عليه لصعوبة فقد الحياة عند الملاقاة أو غير ذلك مما علمه عليه السَّلام، وقد نهى عن تمني الموت. قال ابن عباس: لم يتمن الموت غير يوسف عليه السَّلام (¬5). وروي عن عمر -رضي الله عنه - أنه قال: اللهم رق عظمي وانتشرت رعيتي فتوفني ¬

_ (¬1) في الأصول: قال ابن الجوزي. والمثبت من "شرح النووي على مسلم". (¬2) ورد بعدها في الأصول: ابن خالد. ولا معي لها، وراجع "شرح النووي على مسلم". (¬3) "شرح النووي على مسلم" 12/ 47. (¬4) "الأنساب" للسمعاني 2/ 207. (¬5) "تفسير الطبري" (19941).

غير مقصر ولا عاجز (¬1). قال الإمام: وقد يشكل في هذا الموضع أن يقال: إذا كان الجهاد طاعة فتمني الطاعة كيف ينهى عنه؟ ! قيل: قد يكون المراد بهذا أن التمني ربما أثار فتنة وأدخل حسرة إذا التحق به ومن استخف بعدوه فقد أضاع الحزم، فيكون المراد: لا تتمنوا لقاء العدو في حالة الشك في غلبته عليكم، أو يخاف منه استباحة (¬2) الحريم ويذهب بالأنفس (¬3) والأموال. (وسلوا الله العافية) قد كثرت الأحاديث في الأمر بسؤال العافية، وهي من الألفاظ العامة المتناولة لدفع جميع المكروهات في البدن والباطن في الدين والدنيا والآخرة، وقيل: لما يخاف من ظفر العدو بالمسلمين: "اللهم إني أسألك العافية العامة لي ولأحبابي وجميع المسلمين". (فإذا لقيتموهم فاصبروا) فيه الحث على الصبر في القتال وهو أركز أركانه، وقد جمع الله آداب القتال في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (¬4)، فوعد الله أن يكون مع الصابرين، ومن كان الله معه فلا يبالي. ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في "الموطأ" (1506). (¬2) في الأصول: استباح. (¬3) في الأصول: الأنفس. (¬4) الأنفال: 46.

(واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف) فمعناه أن ثواب الله والسبب الموصل إلى الجنة عند الضرب بالسيوف في سبيل الله، وهذا من المجاز البليغ الحسن جدًّا، فإن ظل الشيء لما كان ملازمًا له جعل ثواب الجنة واستحقاقها سبب الجهاد وإعمال السيوف لازمًا لذلك كما يلازم الظل، وهذا كقوله - صلى الله عليه وسلم - لمن استشاره للجهاد، وذكر أن له والدين: "الزمهما فإن الجنة تحت أرجلهما". رواه الطبراني بإسنادٍ جيد (¬1). وتخصيص السيوف دون غيرها؛ لأنها الغالب ما يقاتل به. (ثم قال: اللهم (¬2) منزل الكتاب) منادى مضاف فيه إشارة إلى السبب الذي تطلب به الإجابة، وهو طلب النصرة لكتاب الله المنزل عليه كأنه قال: كما أنزلته فانصره وأعله وأهله (مجري السحاب) فيه إشارة إلى قدرته سبحانه وتعالى، وفيه التوسل بالنعمة السابقة (وهازم الأحزاب) جمع حزب وهم القطعة من الناس، ويعني به الذين تحزبوا عليه بالمدينة فهزمهم الله. فيه التوسل بالنعمة اللاحقة، وقد ضمن الشعراء هذا المعنى أشعارهم بعدما أشار إليه كتاب الله حكاية عن زكريا عليه السلام {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} (¬3) وعن إبراهيم عليه السَّلام: {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} (¬4) أي: بارًّا وصولًا. وقال الشاعر: ¬

_ (¬1) "المعجم الكبير" (2202). (¬2) بعدها في (ل): منادى مضاف. وحقها أن توضع بعد (منزل الكتاب) كما أثبتناها، حيث لفظ الجلالة هنا منادى مفرد، و (منزل) منادى مضاف. (¬3) مريم: 4. (¬4) مريم: 47.

كما أحسن الله فيما مضى ... كذلك يحسن فيما بقى وفي قوله: (هازم الأحزاب) إشارة إلى تفرد الله سبحانه بالفعل وتجريد التوكل وإطراح الأسباب واعتقاد أن الله هو الفاعل، وفيه دليل على أنه يستحب الدعاء (¬1) بصفات الله التي تناسب طلبة الداعي كقوله: وهازم الأحزاب (اهزمهم) وفيه الدعاء على العدو بالانهزام (وانصرنا عليهم) فيه الدعاء بالنصر والغلبة على الكفرة، وفيه دليل على جواز السجع في الدعاء إذا لم يتكلف. * * * ¬

_ (¬1) زيادة من (ل).

99 - باب ما يدعى عند اللقاء

99 - باب ما يُدْعَى عِنْد اللِّقاءِ 2632 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْنُ عَليٍّ، أَخْبَرَنا أَبي، حَدَّثَنا المُثَنَّى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا غَزا قالَ: "اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدي وَنَصِيري بِكَ أَحُولُ وَبِكَ أَصُولُ وَبِكَ أُقاتِلُ" (¬1). * * * باب ما يُدعى عند اللقاء [2632] (حدثنا نصر بن علي) الجهضمي (أخبرني أبي) هو علي الجهضمي الأزدي (حدثنا المثنى بن سعيد، عن قتادة، عن أنس: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا غزا قال: اللهم أنت عضدي) أي: عوني، والأصل فيه عضد اليد، ثم يوضع موضع العون؛ لأن اليد قوامها بالعضد، قال الله: {وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} (¬2) أي: أعوانًا (ونصيري) النصير والناصر المعاون (بك أحول) بالحاء المهملة. أي: بقدرتك أتحرك لملاقاة العدو لا بقوتي من قولك: حال الشخص إذا تحرك. وقال الخطابي (¬3): أحول أحتال. (وبك أصول) أي: أسطو على العدو (وبك أقاتل) أي: لأستعين على القتال، ورواية النسائي (¬4): "رب بك أقاتل، وبك أصول، ولا حول ولا قوة إلا بك". * * * ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3584)، وأحمد 3/ 184، والنسائي في "الكبرى" (2468). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2366). (¬2) الكهف: 51. (¬3) "معالم السنن" للخطابي 2/ 267. (¬4) "سنن النسائي الكبرى" (10375).

100 - باب في دعاء المشركين

100 - باب في دُعاءِ المُشْرِكِينَ 2633 - حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بْنُ إِبْراهِيمَ، أَخْبَرَنا ابن عَوْنٍ قالَ: كَتَبْتُ إِلى نافِعٍ أَسْألُهُ، عَنْ دُعاءِ المُشْرِكِينَ عِنْدَ القِتالِ فَكَتَبَ إِلى أَنَّ ذَلِكَ كانَ في أَوَّلِ الإِسْلامِ وَقَدْ أغارَ نَبي اللهِ - صلى الله عليه وسلم - علَى بَني المُصْطَلِقِ وَهُمْ غارُّونَ وَأَنْعامُهُمْ تُسْقَى عَلَى الماءِ فَقَتَلَ مُقاتِلَتَهُمْ وَسَبَى سَبْيَهُمْ وَأَصابَ يَوْمَئِذٍ جُوَيْرِيةَ بِنْتَ الحارِثِ حَدَّثَنَي بِذَلِكَ عَبْدُ اللهِ وَكانَ في ذَلِكَ الجيْشِ. قالَ أَبُو داوُدَ: هذا حَدِيثٌ نَبِيلٌ رَواهُ ابن عَوْنٍ عَنْ نافِعٍ وَلَمْ يُشْرِكْهُ فِيهِ أَحَدٌ (¬1). 2634 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، أَخْبَرَنا ثابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُغِيرُ عِنْدَ صَلاةِ الصُّبْحِ وَكانَ يَتَسَمَّعُ فَإِذا سَمِعَ أَذانًا أَمْسَكَ وَإِلا أَغارَ (¬2). 2635 - حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ عَبْدِ الملِكِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ مُساحِقٍ، عَنِ ابن عِصامٍ المُزَنىِّ عَنْ أَبِيهِ قالَ بَعَثَنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في سَرِيَّةٍ فَقالَ: "إِذا رَأَيْتُمْ مَسْجِدًا أَوْ سَمِعْتُمْ مُؤَذِّنًا فَلا تَقْتُلُوا أَحَدًا" (¬3). * * * باب في دعاء المشركين [2633] (حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا ابن عون قال: كتبت إلى نافع) مولى ابن عمر رضي الله عنهما (أسأله عن ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2541)، ومسلم (1703). (¬2) رواه مسلم (382). (¬3) رواه الترمذي (1549)، وأحمد 3/ 448، والنسائي في "الكبرى" (8831). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (454).

دعاء المشركين) إلى الإسلام (عند القتال) تقدم أن الصحيح أن الدعوة إلى الإسلام تجب قبل القتال إن لم تبلغهم الدعوة ولا تجب إن بلغتهم، ولكن تستحب. (فكتب إلي) فيه دليل على جواز العمل بالمكاتبة والإجازة وهو مذهب الجمهور كما تقدم (أن ذلك) يعني: الدعوة قبل القتال (كان في أول الإسلام) قبل انتشار الدعوة وظهور الإسلام حتى أظهر الله الدين وأعلى الإسلام، واستدل نافع على أن الدعاء إلى الإسلام قبل أن يحارب كان أولًا بقضية بني المصطلق. وكلامه يفهم (¬1) أن هذا نسخ بقضية بني المصطلق وبه تمسك من قال: سقوط الدعوة مطلقًا؛ فإنه قال: (وقد أغار نبي الله علي بني المصطلق) بكسر اللام حي من خزاعة، أي: أرسل إليهم الغارة [بالغين المعجمة] (¬2) وهي الخيل التي تغير في أول النهار (¬3) (وهم غارُّون) بالغين المعجمة وتشديد الراء المضمومة. أي: غافلون آمنون في دارهم (وأنعامهم) وهي الإبل والبقر والغنم (تُسْقَى) بضم التاء وفتح القاف (على الماء فقتل مقاتِلتهم) بكسر التاء. وهم: الصالحون للقتال (وسبى سبيهم) السبي هم الذراري والنساء، وفي هذا الحديث دليل على جواز الإغارة على الكفار الذين تبلغهم الدعوة من غير إنذار الإغارة. (وأصاب يومئذٍ) أي: يوم المريسيع في غزوة بني المصطلق (جويرية) ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) في (ر): الليل، والمثبت من (ل).

كان اسمها برة (¬1) فحوله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسماها جويرية (بنت الحارث) بن ضرار، وكانت قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند مسافع بن صفوان المصطلقي وكانت عليها حلاوة وملاحة لا يكاد يراها أحد إلا وقعت بقلبه وعندما تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الناس: صهر رسول الله. فأرسلوا ما في أيديهم من سبايا بني المصطلق، قالت عائشة: فلا نعلم امرأة كانت أكثر بركة على قومها منها (¬2). (حدثني بذلك عبد الله) بن عمر (وكان في ذلك الجيش) الذين أغاروا على (¬3) بني المصطلق. (قال أبو داود: هذا حديث مرسل؛ ) (¬4) لأنه أرسله نافع مولى ابن عمر التابعي الجليل المشهور، والمرسل عند المحدثين: ما رفعه التابعي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - سواء كان من كبار التابعين أو صغارهم. هذا هو المشهور، وقيل: لا يكون مرسلًا إلا ما رفعه التابعي الكبير كسعيد بن المسيب وإن رواه صغار التابعين كالزهري ويحيى بن سعيد فهو منقطع. (رواه ابن عون عن نافع لم يشركه) بفتح الياء وكسر الراء أي: لم يشاركه (فيه أحد) قال أبو داود: سمعت بندارًا يقول وقد (¬5) حدث ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) سيأتي في أول كتاب العتق (3931). (¬3) ساقطة من (ر). (¬4) في المطبوع من "سنن أبي داود": هذا حديث نبيل. وهو الصواب إذ ورد في الحديث تصريح سماع نافع من ابن عمر فلا وجه للحكم بإرساله. (¬5) ساقطة من (ر).

بهذا الحديث: هذا قفل قد (¬1) ضل مفتاحه. قال أبو داود: لم يشرك البصريين فيه أحد، ذكره في كتاب "المنفرد". [2634] (حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، أنبأنا ثابت، عن أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يغير) بضم الياء الأولى وكسر الغين أي: يرسل الخيل لطلب غرة العدو مسرعة صبحًا من غير إعلام لهم (عند صلاة الصبح) ورواية مسلم: يغير إذا طلع الفجر (¬2). ورواية البخاري (¬3): إذا جاء قومًا بليل لا يغير عليهم حتى يصبح. لأنه وقت الصلاة، وهو مظنة إجابة الدعاء، وحصول الغنيمة منهم، فإنه وقت يقسم فيه أرزاق الناس، ولهذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا بعث سرية أو جيشًا بعثه أول النهار ويقول: "اللهم بارك لأمتي في بكورها" (¬4) كما تقدم. (وكان) إذا دنا من القوم (يتسمع) ويصغي بسمعه إلى جهتهم (فإذا سمع أذانًا) في ناحيتهم أمنهم من الغارة و (أمسك) عن قتالهم. قال النووي (¬5): فيه دليل على [أن الأذان يمنع من الإغارة على أهل ذلك الموضع فإنه دليل على] (¬6) إسلامهم. قال: وفيه أن النطق بالشهادتين ¬

_ (¬1) زيادة من (ل). (¬2) "صحيح مسلم" (382). (¬3) "صحيح البخاري" (2945). (¬4) رواه الترمذي (1212)، وابن ماجه (2236)، وأحمد 1/ 153، وسعيد بن منصور (2382)، والدارمي (2479). وغيرهم من حديث علي، وصخر الغامدي. وقال ابن حجر: منها ما يصح، ومنها ما لا يصح. انظر: "المقاصد الحسنة" (171). (¬5) "شرح النووي على مسلم" 4/ 84. (¬6) ساقطة من (ر).

يكون إسلامًا وإن لم يكن الأذان باستدعاء ذلك منه، وهذا هو الصواب. ولا يحتاج مع النطق بالشهادتين أن يقول: وأنا بريء من كل دين يخالف دين الإسلام إلا إذا كان من الكفار الذين يعتقدون اختصاص رسالة نبينا - صلى الله عليه وسلم - بالعرب؛ فإنه لا يحكم بإسلامه إلا إذا تبرأ. قال: ومن أصحاب الشافعي من شرط أن يتبرأ مطلقًا، وليس بشيء. (وإلا) أي: وإن لم يسمع أذانًا (أغار) على العدو بالهجوم عليهم صبحًا من غير إعلام. [2635] ([حدثنا سعيد بن منصور، أخبرنا سفيان، عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق] (¬1) عن) عبد الرحمن (ابن عصام المزني عن أبيه) عصام المزني، وكانت له صحبة (قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سرية) هي: القطعة من الجيش فعيلة بمعنى فاعلة؛ لأنها تسري في خفية. (فقال: إذا رأيتم مسجدًا) من مساجد المسلمين محرابه إلى قبلتهم فكفوا عن قتال أهل ذلك الموضع؛ فإنه يدل على إسلامهم سواء وجد المسجد في بلد أو قرية أو طريق مطروق، وتكون رؤية المسجد قائمة مقام التخبر عن إسلامهم كما أن من يعرف القبلة إذا رأى مسجدًا للمسلمين فإنه يجب عليه في الصلاة إلى محرابه وقبلته المنصوبة، وجرى ذلك مجرى المخبر عن القبلة، وهذا مما يقوم فيه فعل العبد (¬2) مقام قوله، وهذا إذا رأى مسجدًا عامرًا، أما إذا رأى آثار مسجد قديم خرب وغلب على ظنه أنه ليس من بنائهم فلعل هذا لا يكون سببًا ¬

_ (¬1) ليست في الأصل، والمستدرك من المطبوع. (¬2) في (ر): الغير، والمثبت من (ل).

للكف عنهم. (أو سمعتم مؤذنًا) يؤذن في مسجد أو فلاة (فلا تقتلوا أحدًا) من أهل ذلك الموضع كما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمسك عن الإغارة على أهل الموضع الذي سمع منه رجلًا يقول: الله أكبر. فقال: "على الفطرة" ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خرجت من النار" فنظر فإذا هو راعي معز. تفرد بروايته مسلم عن البخاري (¬1). وفي الحديث دلالة على أنه يجوز الاعتماد في دخول الوقت على أذان المنفرد وإن لم يره ولا عرفه، وأن المنفرد في الفلاة يشرع له الأذان كما يشرع للمقيم. * * * ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (382).

101 - باب المكر في الحرب

101 - باب المَكْرِ في الحَرْب 2636 - حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ عَمْرٍو أَنَّهُ سَمِعَ جابِرًا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "الحَرْبُ خُدْعَةٌ" (¬1). 2637 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنا ابن ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْريّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - كانَ إِذا أَرادَ غَزْوَةً وَرى غَيْرَها وَكانَ يَقُولُ: "الحَرْبُ خُدْعَةٌ". قالَ أَبُو داوُدَ: لَمْ يَجِيْء بِهِ إِلا مَعْمَرٌ يُرِيدُ قَوْلَهُ: "الحَرْبُ خُدْعَةٌ". بهذا الإِسْنادِ إِنَّما يُرْوى مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ عَنْ جابِرٍ وَمِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ (¬2). * * * باب المكر في الحرب [2636] (حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا سفيان) يعني ابن عيينة (عن عمرو) يعني: ابن دينار (أنه سمع جابر) بن عبد الله (يقول: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: الحرب خَدعة) في يوم الأحزاب، لما بعث نعيم بن مسعود. (الحرب خدعة) فيه ثلاث لغات مشهورة اتفقوا على أن أفصحهن: خَدْعة بفتح الخاء وإسكان الدال مصدر خدع، قال ثعلب وغيره: هي لغة النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3030)، ومسلم (1739). (¬2) رواه البخاري (2947)، ومسلم (2769) دون قوله: "الحرب خدعة". ورواه بتمامه أحمد 6/ 387، والبيهقي 9/ 150. وصححه الألباني. في "صحيح أبي داود" (2370). (¬3) انظر: "الفصيح" (ص 292)، و"تاج العروس" 20/ 483، وإصلاح غلط المحدثين=

والثانية بضم الخاء وإسكان الدال. والثالثة: بضم الخاء وفتح الدال. والمعنى: أن الحرب تكون ذات خدعة، فوضع المصدر موضع الاسم، أي: ينبغي أن يستعمل فيهم الخداع ولو مرة واحدة. وقد اتفق العلماء على جواز خداع الكفار في الحرب كيف أمكن إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يحل. وقد صح في الحديث جواز الكذب في ثلاثة أشياء أحدها الحرب (¬1). قال الطبري: إنما يجوز من (¬2) الكذب في الحرب المعاريض دون حقيقة الكذب فإنه لا يحل (¬3). قال النووي (¬4): والظاهر إباحة حقيقة نفس الكذب، لكن الاقتصار على التعريض أفضل. قيل: إن المماكرة في الحرب أنفع من المكاثرة، روي أن عمرو بن عبد ود بارز عليًّا، فلما أقبل عليه قال علي: ما بارزت لأقاتل اثنين، فالتفت عمرو فوثب عليه علي فقتله. [2637] (حدثنا محمد بن عبيد الله، حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن ¬

_ =للخطابي (ص: 68). (¬1) الحديث عند مسلم (2605) عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وسيأتي عند أبي داود في كتاب الأدب (4921). (¬2) في (ر): لأن، والمثبت من (ل). (¬3) انظر: "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 5/ 187، "شرح النووي على مسلم" 12/ 45. (¬4) "شرح النووي على مسلم" 12/ 45.

الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه) كعب بن مالك (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد غزوة وَرى) أي سترها وأوهم بغيرها، وهو من الوري أي: ألقى البيان والظهور وراءه (غيرَها) ولم يذكرها. وفيه أنه يستحب لأمير الجيش إذا أراد غزوة أن يوري بغيرها لئلا يسبقه الجواسيس ونحوهم بالتحذير منهم إلا إذا كانت سفرة بعيدة فيستحب أن يعرفهم البعد ليتأهبوا له. (وكان يقول: الحرب خدعة) تقدم أن فيها ثلاث لغات، وفيها لغة رابعة وهي فتح الخاء والدال جمع خادع يعني أن أهلها بهذِه الصفة يخدعون فلا يطمئن إليهم، كأنه قال: أهل الحرب خدعة، ثم حذف المضاف، وأصل الخدع إظهار أمر وإضمار خلافه. * * *

102 - باب في البيات

102 - باب في البَياتِ 2638 - حَدَّثَنا الحسَنُ بْنُ عَلَيٍّ، حَدَّثَنا عَبْدُ الصَّمَدِ وَأَبُو عامِرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمّارٍ، حَدَّثَنا إِياسُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: أَمَّرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْنا أَبا بَكْرٍ -رضي الله عنه - فَغَزَوْنا ناسًا مِنَ المُشْرِكِينَ فَبَيَّتْناهُمْ نَقْتُلُهُمْ وَكانَ شِعارُنا تِلْكَ اللَّيْلَةَ: أَمِتْ أَمِتْ. قالَ سَلَمَةُ: فَقَتَلْتُ بِيَدَي تِلْكَ اللَّيْلَةَ سَبْعَةَ أَهْلِ أَبْياتٍ مِنَ المُشْرِكِينَ (¬1). * * * باب البيات البيات بفتح الباء والتبييت وهو الإغارة عليهم ليلًا. [2638] (حدثنا الحسن بن علي، حدثنا عبد الصمد وأبو عامر، عن عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة، عن أبيه) سلمة بن الأكوع ويقال: سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي يكنى أبا إياس؛ لأن ابنه إياس الراوي عنه (قال: أمَّرَ رسول الله علينا) فيه استحباب التأمير كما تقدم (أبا بكر) الصديق -رضي الله عنه - (فغزونا ناسًا من المشركين فبيتناهم نقتلهم) فيه جواز التبييت، وهو الإغارة عليهم ليلًا في غفلة. فإن قيل: التبييت فيه قتل النساء والصبيان، وقد نهى الشارع عنه كما تقدم. فأجيب: بأنه إنما نهى عن قتلهم صبرًا بعد السبي؛ لأنهم صاروا غنيمة، وأما إذا كانوا في دار الحرب فهي دار إباحة فيقتلون تبعًا لرجالهم. فإن قيل: ادعى الزهري وسفيان بن عيينة نسخ حديث التبييت بحديث ¬

_ (¬1) سبق برقم (2596). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (2371).

النهي عن قتل النساء والصبيان، وادعاه ابن حبان في "صحيحه" (¬1). فالجواب: أن الشافعي أنكر ذلك. وقال ابن الجوزي: إنه ليس بصحيح، وأن النهي عن تعمد النساء والصبيان بالقتل (¬2)، وحديث أنه سئل عن أهل الديار من المشركين يبيتون فيصاب من نسائهم وذراريهم فقال: هم منهم. فيما إذا لم يتعمد. وهذا حسن؛ لأن فيه الجمع بين الحديثين. (وكان شعارنا تلك الليلة) أي علامتنا (أمِت أمِت) بكسر الميم فيهما، كما تقدم الحديث من طريق أخرى في باب: الرجل ينادي بالشعار (¬3). (قال سلمة) بن الأكوع (فقتلت بيدي تلك الليلة) التي كان شعارنا فيها أمت أمت (سبعةَ أهلِ أبياتٍ) لعل التقدير: فقتلت أهل أبيات سبعة، فهو على التقديم والتأخير (من المشركين) هو كالعلة لما تقدم. أي: إنما قتلتهم لأنهم مشركون. فإن قيل: ذكر هذا فيه إظهار للعمل والفضيلة في إخفائه. فالجواب: أن هذا من ذكر النعمة التي أنعم الله عليه بها كما قال تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)} (¬4) وليتأس به سامعه في ذلك. * * * ¬

_ (¬1) "صحيح ابن حبان" 11/ 107. (¬2) "إخبار أهل الرسوخ في الفقه والتحديث بمقدار المنسوخ من الحديث" (ص 57)، "إعلام العالم بعد رسوخه بناسخ الحديث ومنسوخه" (ص 401). (¬3) قبل حديث (2595). (¬4) الضحى: 11.

103 - باب في لزوم الساقة

103 - باب في لُزومِ السّاقَةِ 2639 - حَدَّثَنا الحسَنُ بْن شَوْكَرٍ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ ابن عُلَيَّةَ، حَدَّثَنا الحجّاجُ بْنُ أَبي عُثْمانَ، عَنْ أَبى الزُّبَيْرِ أَنَّ جابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ حَدَّثَهُمْ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَخَلَّفُ في المسِيرِ فيزْجي الضَّعِيفَ وَيُرْدِفُ وَيَدْعُو لَهُمْ (¬1). * * * باب في لزوم الساقة أي: الذين يساق بهم، والساقة جمع سائق كالقادة جمع قائد. [2639] (حدثنا الحسن بن شوكر) البغدادي (حدثنا إسماعيل ابن عُلَية، حدثنا الحجاج بن أبي عثمان، عن أبي الزبير، عن جابر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخلف في المسير) أي: يتأخر ليسير في آخر القوم (فيُزْجِي) بضم الياء وإسكان الزاي أي: يسوق (الضعيف) أي: الذي دابته ضعيفة، وهذا سبب تخلفه في المسير، يقال: أزجيت المطي وزجيتها إذا سقتها، ومنه قوله تعالى: {يُزْجِي سَحَابًا} (¬2) أي: يسوقه (¬3)، و {يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ} (¬4) أي: يسيره. فيه أنه يستحب للأمير أن يسير آخر الركب ويرفق بالجيش ويسير بهم سير أضعفهم؛ لئلا يشق عليهم، ويسوق بمن دابته ضعيفة إذا اعتلت. ¬

_ (¬1) رواه الحاكم 2/ 115، والبيهقي 5/ 257. وصححه الألباني في "الصحيحة" (2120). (¬2) النور: 43. (¬3) في (ر): يسوق، والمثبت من (ل). (¬4) الإسراء: 66.

وفيه الحمل على الدابة ببعض ما يشق عليها؛ لأن السوق يكلف الدابة [ما يشق عليها] (¬1)، وإذا صح ذلك فكذلك يجوز أن يكلف العبد والأمة بعض ما يشق عليهما إذا كان من طاقتهما ووسعهما، وإذا احتاج في السوق إلى ضرب الدابة وإيلامها جاز، فقد ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لجابر في غزوة أو عمرة: "يا جابر استمسك"، فضربه بسوطه ضربة فوثب البعير مكانه فقال: "أتبيع الجمل ... " الحديث (¬2). وفيه دليل على أن (¬3) الأمير يستحب له التواضع لمن معه والإحسان إليهم؛ فإن السوق بالبعير فيه نوع تواضع. (و) كان (يردف) خلفه من أعيا عن المشي أو أعيت دابته إذا كانت دابته تردف، وإذا وجد من تعب أو ماتت دابته يحمل متاعه، وهذا فيه نوع تواضع أيضًا. (ويدعو لهم) أي: للجيش ولمن يرافقه ولدوابهم، ولاسيما إذا رآهم في جهد كما سيأتي في رواية عبد الله بن حوالة: اللهم لا تكلهم إلى فأضعف عنهم، ولا تكلهم إلى أنفسهم فيعجزوا عنها، ولا تكلهم إلى الناس فيستأثروا عليهم (¬4). * * * ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) "صحيح البخاري" (2861). (¬3) ساقطة من (ر). (¬4) سيأتي برقم (2535).

104 - باب على ما يقاتل المشركون

104 - باب علَى ما يُقاتَل المُشْركونَ 2640 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوَيةَ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أُمِرْتُ أَنْ أُقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لا إله إِلاَّ اللهُ فَإِذا قالُوها مَنَعُوا مِنِّي دِماءَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّها وَحِسابُهُمْ عَلَى اللهِ تَعالَى" (¬1). 2641 - حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ يَعْقوبَ الطَّالقانيُّ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبارَكِ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أُمِرْتُ أَنْ أُقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إله إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنْ يَسْتَقْبِلُوا قِبْلَتَنا وَأَنْ يَأْكُلُوا ذَبِيحَتَنا وَأَنْ يُصَلُّوا صَلاتَنا فَإِذا فَعَلُوا ذَلِكَ حَرُمَتْ عَلَيْنا دِماؤُهُمْ وَأَمْوالُهُمْ إِلاَّ بِحَقِّها لَهُمْ ما لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ ما عَلَى المُسْلِمِينَ" (¬2). 2642 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ داوُدَ المَهْرِيُّ، أَخْبَرَنا ابنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَي يَحْيَى بْن أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أُمِرْتُ أَنْ أُقاتِلَ المُشْرِكِينَ". بِمَعْناهُ (¬3). 2643 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ وَعُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ المعْنى قالا: حَدَّثَنا يَعْلى بْنُ عُبَيْدٍ عَنِ الأعمَشِ، عَنْ أَبي ظَبْيانَ، حَدَّثَنا أُسامَةُ بْنُ زَيْدٍ قالَ بَعَثَنا رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَرِيَّةً إِلى الحُرَقاتِ فَنَذِرُوا بِنا فَهَرَبُوا فَأَدْرَكْنا رَجُلًا فَلَمّا غَشَيْناهُ قالَ: لا إله إِلا الله فَضَرَبْناهُ حَتَّى قَتَلْناهُ فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبي - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ: "مَنْ لَكَ بِلا إله إِلاَّ اللهُ يَوْمَ القِيامَةِ". فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّما قالَها مَخافَةَ السِّلاحِ. قالَ: "أَفَلا شَقَقْتَ، عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قالَها أَمْ لا مَنْ لَكَ بِلا إله إِلاَّ اللهُ يَوْمَ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2946)، ومسلم (21). (¬2) رواه البخاري (392). (¬3) رواه النسائي 7/ 57، وانظر الحديث السابق.

القِيامَةِ". فَما زالَ يَقُولُها حَتَّى وَددْت أَنِّي لَمْ أسلِمْ إِلا يَوْمَئِذٍ (¬1). 2644 - حَدَّثَنا قتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ عَنِ اللَّيْثِ عَنِ ابن شِهابٍ عَنْ عطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثَيِّ عَنْ عبَيْدِ اللهِ بْنِ عَدَيِّ بْنِ الخِيارِ عَنِ الِمقْدادِ بْنِ الأسوَدِ أَنَّهُ أَخْبَرَه أَنَّهُ قالَ: يا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ رَجلاً مِنَ الكفّارِ فَقاتَلَنَي فَضَرَبَ إِحْدى يَدى بِالسَّيْفِ ثمَّ لاذَ مِنَّي بِشَجَرَةٍ فَقالَ أَسْلَمْتُ لله. أفَأقْتله يا رَسولَ اللهِ بَعْدَ أَنْ قالَها قالَ رَسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَقْتُلْهُ". فَقُلْت: يا رَسُولَ اللهِ إِنهُ قَطَعَ يَدَي. قالَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَقْتُلْهُ فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ وَأَنْتَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ التَي قالَ" (¬2). * * * باب على ما يقاتل المشركين من رواها المشركين كسر التاء من يقاتل، ومن روى المشركون فتح التاء. [2640] (حدثنا مسدد، حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم، بمعجمتين (عن الأعمش) هو: سليمان بن مهران الأسدي (عن أبي صالح) هو: ذكوان السمان (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله) قال الخطابي (¬3): معلوم أن المراد بهذا أهل الأوثان دون أهل الكتاب؛ لأنهم يقولون: لا إله إلا الله ثم يقاتلون ولا يرفع عنهم ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4269)، ومسلم (96). (¬2) رواه البخاري (4019)، ومسلم (95). (¬3) "معالم السنن" للخطابي 2/ 11.

السيف حتى يسلموا ويقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله كما سيأتي في الرّواية الآتية. (فإذا قالوها منعوا مني دماءهم وأموالهم) فيه دليل على صيانة مال من أتى بكلمة التوحيد ودمه ولو كان عند السيف، وأن الأحكام تجري على قوله الظاهر والله تعالى يتولى السرائر [(إلا بحقها)] (¬1) زنا بعد إحصان، وكفر بعد إيمان. (وحسابهم على الله) أي: حساب سرائرهم على الله؛ لأنه سبحانه هو المطلع عليها، فمن أخلص لله في إيمانه وأعماله جازاه عليها جزاء المخلصين، ومن لم يخلص في ذلك كان من المنافقين يحكم له في الدنيا بأحكام المسلمين، وهو عند الله من أسوأ الكافرين، بوب عليه البخاري (¬2): باب دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس إلى الإسلام وعلى ما يقاتلون. [2641] (حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني قال: حدثنا عبد الله بن المبارك، عن حميد، عن أنس قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله) وفي رواية الصحيحين (¬3) "حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله" وبأيهما نطق دخل في الإسلام. (وأن يستقبلوا قبلتنا) فيه أمر ولاة الأمر أن يقاتلوا الكفار حتى ينطقوا بالشهادتين ويستقبلوا القبلة في الصلاة (وأن يأكلوا ذبيحتنا) فعيل بمعنى ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصول، ولعل هذا مكانها في الشرح. (¬2) لم أقف على هذا التبويب. (¬3) البخاري (25)، ومسلم (21).

مفعول أي: يأكلوا ما ذبحه المسلمون، (وأن يصلوا) إلى قبلتنا ويركعوا ويسجدوا كما نفعل في (صلاتنا، فإذا فعلوا ذلك حَرُمت علينا دماؤهم) أي: سفك دمائهم في الحرب (وأموالهم) أي: نأخذها غنيمة (إلا بحقها، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين). [2642] ([حدثنا سليمان بن داود المهري، أخبرنا: ابن وهب، قال: أخبرني يحيى بن أيوب] (¬1)، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أمرت أن أقاتل المشركين بمعناه). [2643] (حدثنا الحسن بن علي وعثمان بن أبي شيبة، المعنى، قالا: حدثنا يعلي بن عبيد) بضم العين مصغر (عن الأعمش، عن أبي ظبيان) بفتح الظاء المعجمة حصين بن جندب قال: (حدثنا أسامة بن زيد قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سرية إلى الحُرَقَات) بضم الحاء المهملة وفتح الراء وبالقاف، موضع معروف من بلاد جهينة، سمي بجمع المؤنث السالم كعرفات وأذرعات. (فنذِروا) بكسر الذال المعجمة (بنا) أي: علموا بمجيئنا إليهم (فهربوا) منا (فأدركنا) بإسكان الكاف (رجلًا) منهم (فلما غَشِيناه) بكسر الشين المعجمة. أي: قربنا منه (قال: لا إلة إلا الله، فضربناه حتى قتلناه) رواية مسلم (¬2): طعنته. فيجمع بين الروايتين بأن أسامة طعنه ثم طعنه غيره حتى قتلوه، وفيه دليل على أنه لا يقتصر في القتال على ضربة واحدة ثم ينتقل إلى غيره، بل يكرر الضرب هو وغيره على ¬

_ (¬1) من المطبوع. (¬2) مسلم (96).

الواحد من العدو حتى يقتلوه. (فذكرته للنبي - صلى الله عليه وسلم -) فيه دليل على أن السرية إذا رجعت من الغزو يذكرون جميع ما وقع لهم في المحاربة للإمام؛ ليبين لهم ما يترتب على فعلهم من الأحكام الشرعية (فقال: من لك بلا إله إلا الله) أي: من يشفع لك ويحاجج عنك وبماذا تحتج إذا جيء بكلمة التوحيد (يوم القيامة) وقيل لك: كيف قتلت من قال لا إله إلا الله وقد حصلت له ذمة حرمة الإسلام. وأما كونه - صلى الله عليه وسلم - لم يوجب على أسامة قصاصًا ولا دية ولا كفارة. قال النووي (¬1): فقد يستدل به لإسقاط الجميع، ولكن الكفارة واجبة والقصاص ساقط للشبهة؛ فإنَّه ظنه كافراً، ويدل عليه قول أسامة (فقلت: يا رسول الله إنما قالها مخافة) منصوب على المفعول له. أي: لأجل الخوف من (السلاح) فإنَّه ظن أن إظهاره كلمة التوحيد في هذِه الحال لا يجعله مسلماً. وفي وجوب الدية قولان للشافعي، وقال بكلِّ واحد منهما بعض العلماء، وقيل: إنما لم تجب الدية لأن مستحقي ديته كانوا معاندين. ويجاب عن عدم ذكر الكفارة بأنها ليست على الفور، بل تجب على التراخي، وتأخير البيان إلى وقت الحاجة جائز على الصحيح عند الأصوليين. وأما الدية على قول من أوجبها، فيحتمل أن أسامة كان في ذلك الوقت معسرًا [بها فأخرت إلى يساره (¬2). (قال أفلا شققت عن ¬

_ (¬1) "شرح النووي على مسلم" 2/ 106. (¬2) انظر: "شرح النووي على مسلم" 2/ 106.

قلبه حتى تعلم من أجل ذلك أقالها أم لا؟ ) بقلبه وتكلم بها في نفسه، والفاعل في قوله: (أقالها) هو القلب (من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة) وفيه دليل لأهل السنة أن في النفس كلامًا وقولًا خلافًا للمعتزلة. وفيه دليل على ترتيب الأحكام على الأسباب الظاهرة الجلية دون الباطنة الخفية (فما زال يقولها) أي: يكررها يعني كلمة الإنكار (حتى وددت) أي: تمنيت، كما في مسلم (¬1) (أني لم أسلم إلا يومئذٍ). وإنما تمنى أسامة أن يتأخر إسلامه إلى يوم المعاتبة على قتله ليسلم من هذِه الجناية وكأنه استصغر ما كان منه من الإسلام والعمل الصالح قبل ذلك في جنب ما ارتكبه من هذِه الجناية لما حصل في نفسه من شدة إنكار النبي - صلى الله عليه وسلم - وتعظيمه لذلك. [2644] (حدثنا قتيبة بن سعيد، عن اللَّيث، عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار) بكسر الخاء المعجمة. وفي هذا الإسناد لطيفة وهي: أن فيه ثلاثة تابعيين يروي بعضهم عن بعض: ابن شهاب الزُّهريّ، وعطاء، وعبيد الله بن عدي. (عن المقداد بن الأسود، أنه أخبره، أنه قال: يا رسول الله، أرأيت إن لقيت رجلًا من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف ثم لاذ) أي: اعتصم باستتاره عني. (مني بشجرة) يقال: لاذ يلوذ لواذًا إذا استتر، والملاذ ما يستتر به ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (96).

(فقال: أسلمت لله) أي: دخلت في دين الإسلام وتدينت به (أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ ) أي قال: أسلمت لله (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تقتله) قال القرطبي (¬1): فيه دليل على أن كل من صدر عنه أمرٌ ما مما يدل على الدخول في دين الإسلام من قول أو فعل حكم له بذلك بالإسلام، وامتنع قتله، وأن ذلك ليس مقصورًا على النطق بالشهادة. وقد حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسلام بني جذيمة الذين قتلهم خالد بن الوليد وهم يقولون: صبأنا صبأنا. ولم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا. فلما بلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد" ثلاث مرات رافعًا يديه إلى السماء، ثم وداهم (¬2). على أن قوله: في هذِه الرِّواية: أسلمت لله يحتمل أن يكون نقلًا بالمعنى، فيكون بعض الرواة عبَّر عن قوله: لا إله إلا الله بأسلمت كما جاء مفسرًا في رواية لمسلم (¬3) قال فيها: فلما أهويت لأقتله قال: لا إله إلا الله. (فقلت: يا رسول الله، إنَّه قطع يدي) بكسر الدال (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تقتله) أي: لأنه حرام الدم، عصم نفسه وماله حين نطق بما يوجب عصمته من كلمتي الإسلام التي قالها (فإن قتلته) وتأثم بقتله (فإنَّه بمنزلتك) ظاهره في الكفر. قال القرطبي: وليس ذلك بصحيح؛ لأنه إنما قتله متأولًا أنه باقٍ على كفره، فلا يكون قتله كبيرة، إذا لم ¬

_ (¬1) "المفهم" 1/ 294. (¬2) رواه البخاري (4339). (¬3) "صحيح مسلم" (95).

يكن قتله كبيرة لا يصح لأحد - وإن كان مكفرًا بالكبائر- أن يقول هذا كفر بوجه (¬1). فدل على أنه متأول. قال النووي (¬2): وأحسن ما قيل فيه وأظهره ما قاله الشافعي وابن القصار المالكي وغيرهما: أن معناه أنه معصوم الدم محرمٌ قتله بعد قوله: أسلمت لله. أو: لا إله إلا الله. كما كنت أنت قبل أن تقتله، وأنك بعد قتله غير معصوم الدم ولا محرم الدم كما كان هو. (قبل أن تقتله، وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال) قال ابن القصار: لولا عذرك بالتأويل المسقط للقصاص عنك. قال القاضي (¬3): وقيل: معناه: إنك مثله في مخالفة الحق وارتكاب الإثم، وإن اختلفت أنواع المخالفة والإثم فيسمى إثمه كفرًا وإثمك معصية. * * * ¬

_ (¬1) في (ل): (موجبه) والمثبت من "المفهم" 1/ 294. (¬2) "شرح النووي على مسلم" 2/ 106. (¬3) "إكمال المعلم" 1/ 368.

105 - باب النهي عن قتل من اعتصم بالسجود

105 - باب النَّهْي عنْ قَتْلِ من اعتصمَ بِالسُّجُودِ 2645 - حَدَّثَنا هَنّادُ بْن السَّرَيِّ، حَدَّثَنا أَبُو معاوِيةَ، عَنْ إِسْماعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قالَ: بَعَثَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَرِيَّةً إِلى خَثْعَمٍ فاعْتَصَمَ ناسٌ مِنْهمْ بِالسّجُودِ فَأَسْرَعَ فِيهِم القَتْلُ -قالَ: - فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فَأَمَرَ لَهُمْ بِنِصْفِ العَقْلِ وقالَ: "أنا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِم يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُر المُشْركينَ". قالُوا: يا رَسُولَ اللهِ لِمَ؟ قالَ: "لا تَراءَى ناراهُما" (¬1). قال أبُو داودَ: رَواه هُشَيْمٌ وَمُعْتَمِر وَخالِدٌ الواسِطَي وَجَماعَةٌ لم يَذْكُروا جَرِيرًا. * * * باب النهي عن قتل من اعتصم بالسجود [2645] (حدثنا هناد بن السري، حدثنا أبو معاوية، عن إسماعيل) بن أبي خالد (عن قيس) بن أبي حازم (عن جرير) بن عبد الله (قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية إلى) حي من (خثعم، فاعتصم ناس منهم) أي: أرادوا أن يمنعوا القتل عنهم وعن ذراريهم (بالسجود) إلى القبلة (فأسرع فيهم) أمير السرية (القتل) ولم يعتبر هو ولا من معه سجودهم. والسرية التي بعثها النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى خثعم كان أميرها: قطنة بن عامر. وقد اختلف العلماء في أن الكافر هل يحكم بإسلامه بالصلاة أم لا؟ فذهب أحمد وجماعة إلى أن الكافر يحكم بإسلامه إذا صلى، سواء كان في دار الكفر أو دار الإسلام؛ لأن الصلاة ركن يختص به الإسلام ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1604). ورواه النسائي 8/ 36 عن قيس مرسلاً. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (2377): صحيح دون العقل.

فحكم بإسلامه بها كالشهادتين (¬1). وقال الشافعي: إن صلى في دار الحرب حكم بإسلامه، وإن صلى في دار الإسلام لم يحكم بإسلامه؛ لأنه يحتمل أنه صلى رياءً وتقية (¬2). والقائل بأن الإسلام يثبت بالصلاة فلا بد أن تكون الصلاة مما يتميز بها عن صلاة الكفار من استقبال قبلتنا والركوع والسجود، ولا يحصل بمجرد الركوع ولا بالقيام؛ لأنهم يسجدون ويقومون؛ ولهذا لم يحكم الصحابة بسجودهم. (قال: فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأمر لهم) أي: لمستحقي دية المقتولين (بنصف العقل) أي: بنصف دية المقتولين على عاقلة القاتلين؛ لأن القتل خطأ؛ لأنهم لم يعلموا إسلام المقتولين، ولم يقصدوا قتل مسلم. قال الخطابي (¬3): وإنما أمر لهم بنصف العقل ولم يكمل لهم الدية بعد علمه بإسلامهم؛ لأنهم قد أعانوا على أنفسهم بمقامهم بين ظهراني الكفار، فكانوا كمن هلك بجناية نفسه وجناية غيره، فسقطت حصة جنايته من الدية. (وقال: أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين). وقد استدل بهذا الحديث على أن من قتل مسلماً ظن كفره بدار الحرب، أو ظن المقتول على حالة فبان خلافها فلا قصاص على القاتل ولا دية؛ لأنه أسقط حرمة نفسه بمقامه في دار الحرب التي هي ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (12/ 290 - 291). (¬2) انظر: "المهذب" للشيرازي 2/ 223. (¬3) "معالم السنن" 2/ 271.

دار الإباحة، وقيل: يجب نصف الدية؛ لأنها تثبت مع الشبهة، والأول هو الأظهر عند الشافعي. (قالوا: يا رسول الله، لم) تبرأت من المقيم بين المشركين؟ وفيه سؤال المفتي عن العلة إذا لم يتضح للسائل معنى ذلك (قال: لا) أي: لا تقيموا مع المشركين في بلادهم ولا تساكنوهم بحيث (تراءى ناراهما) (¬1) بفتح التاء والراء ثم همزة ممدودة، أصله: تتراءى بتاءين ثم حذفت إحداهما. و (ناراهما) تثنية نار، أي: بحيث يرى المقيم عند ناره نار المشرك إذا أوقدها، ويرى المشرك إذا وقف عند ناره نار المسلم لكنَّه يبعد عنه وينزل في مكان بحيث إن المشرك إذا أوقد ناره لا يراها من مكانه، كأنه كره النزول والإقامة في جوار المشركين؛ لأنه لا عهد لهم ولا أمان، ومن ذلك قوله تعالى: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ} (¬2) أي: صار الجمعان يرى كل واحد منهما مكان الآخر، وهو تفاعل من الرؤية، وتقول العرب: تراءت منازلهم. إذا كان بعضهم يرى منازل بعض. وفي بعض النسخ: لا ترايا ناراهما، وهو يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون على النقل، أي: نقلت الهمزة في مكان الياء، والياء في مكان الهمزة فبقي تترايأ بهمز آخره، والثَّاني: أن يكون الأصل تتراءى: ثم أبدلت الهمزة ياء. وقيل غير ذلك. ومما يدل على أن المراد: لا تقيموا مع المشركين في بلادهم ما ¬

_ (¬1) ورد بعدها في الأصل: نسخة: ترايا. (¬2) الشعراء: 61.

رواه الترمذي (¬1) بعد هذا الحديث في الباب عن سمرة بن جندب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تساكنوا المشركين ولا تجامعوهم، فمن ساكنهم أو جامعهم فهو مثلهم". (قال أبو داود: رواه هشيم، ومعمر، وخالد الواسطيِّ، وجماعة لم يذكروا جريرًا) بل رووه مرسلًا. وأخرجه الترمذي (¬2) أيضاً مرسلًا عن قيس بن أبي حازم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث سرية ... الحديث. وقال: سمعت محمدًا يقول: الصحيح حديث قيس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسل. * * * ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (1605). (¬2) "سنن الترمذي" (1605).

106 - باب في التولي يوم الزحف

106 - باب في التَّوَلي يوْمَ الزّحْفِ 2646 - حَدَّثَنا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نافِعٍ، حَدَّثَنا ابن المُبارَكِ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حازِمٍ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ خِرِّيتٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ نَزَلَتْ (إِنْ يَكنْ مِنْكمْ عِشْرونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى المسْلِمِينَ حِينَ فَرَضَ الله عَلَيْهِمْ أَنْ لا يَفِرَّ واحِد مِنْ عَشَرةٍ ثُمَّ إِنَّهُ جاءَ تَخْفِيف فَقالَ: (الآنَ خَفَّفَ الله عَنْكُمْ) قَرَأَ أَبُو تَوْبَةَ إِلى قَوْلِهِ (يَغْلِبوا مِائَتَين) قالَ: فَلَمّا خَفَّفَ اللهُ تَعالَى عَنْهمْ مِنَ العِدَّةِ نَقَصَ مِنَ الصَّبْرِ بِقَدْرِ ما خَفَّفَ عَنْهُمْ (¬1). 2647 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يونُسَ، حَدَّثَنا زهَيْر، حَدَّثَنا يَزِيد بْنُ أَبي زِيادٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبي لَيْلَى حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أنَّهُ كانَ في سَرِيَّةٍ مِنْ سَرايا رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: فَحاصَ النّاس حَيْصَةً فَكُنْت فِيمَنْ حاصَ -قالَ- فَلَمّا بَرَزْنا قُلْنا كَيْفَ نَصْنَعُ وَقَدْ فَرَرْنا مِنَ الزَّحْفِ وَبُؤْنا بِالغَضَبِ فَقُلْنا نَدْخُلُ المَدِينَةَ فَنَتَثَبَّتُ فِيها وَنَذْهَب وَلا يَرانا أَحَدٌ - قالَ- فَدَخَلْنا فَقُلْنا لَوْ عَرَضْنا أَنْفسَنا عَلَى رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَإنْ كانَتْ لَنا تَوْبَة أَقَمْنا وَإنْ كانَ غَيْرَ ذَلِكَ ذَهَبنا -قالَ- فَجَلَسنا لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ صَلاةِ الفَجْرِ فَلَمّا خَرَجَ قُمْنا إِلَيْهِ فَقُلْنا نَحْنُ الفَرّارونَ فَأَقْبَلَ إِلَيْنا فَقالَ: "لا بَلْ أَنْتُمُ العَكّارُونَ". قالَ: فَدَنَوْنا فَقَبَّلْنا يَدَهُ فَقالَ: "أَنا فِئَةُ المُسْلِمِينَ" (¬2). 2648 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن هِشامٍ الِمصْرَيُّ، حَدَّثَنا بِشْرُ بْن المُفَضَّلِ، حَدَّثَنا داودُ، عَنْ أَبي نَضْرَةَ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ قالَ نَزَلَتْ في يَوْمِ بَدْرٍ (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبرَه) (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4652)، (4653). (¬2) رواه الترمذي (1716)، وأحمد 2/ 70. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (455). (¬3) رواه النسائي في "الكبرى" (11204)، والحاكم 2/ 327. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2379).

باب في التولي يوم الزحف [2646] (حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع، حدثنا) عبد الله (ابن المبارك، عن جرير بن حازم) بالحاء المهملة والزاي (عن الزبير بن خِرِّيت) بكسر الخاء المعجمة والراء المشددة البصري (عن عكرمة، عن ابن عباس قال: نزلت: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ}) شرط بمعنى الأمر، أي: ليقاتل واحد منكم عشرة منهم، وفرار الواحد من العشرة من الكبائر، وقد بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمزة في ثلاثين راكبًا فلقي أبا جهل في ثلاثمائة راكب (¬1). (فشق ذلك على المسلمين) وثقل عليهم بعد مدة طويلة (حين فرض الله عليهم أن لا يفر واحد) ويصبر على القتال (من عشرة) من الكفار الذين يقاتلون على غير احتساب وطلب ثواب كالبهائم (ثم إنَّه) رحمهم و (جاء تخفيف) ونسخ لما تقدم، (فقال: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ}) قيل: كان فيهم قلة في الابتداء ثم لما كثروا بعدُ نزل التخفيف. (قرأ أبو توبة) الربيع شيخ أبي داود الآية (إلى قوله: ) تعالى ({يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ}) قال القاضي: المعنى في نظائره المائة المائتين: أن المسلم يقاتل على إحدى الحسنيين إما أن يقتل فيدخل الجنة، أو يسلم فيفوز بالأجر والغنيمة، والكافر يقاتل على الفوز بالدنيا فقط. ومفهوم الآية: أنهم إذا زادوا على المثلين جاز الانصراف مطلقًا ¬

_ (¬1) أخرجه ابن حبان في "الثقات" 1/ 142، وأورده ابن هشام في "السيرة النبوية" 3/ 140.

وهو كذلك، لكن حكى القرطبي في "تفسيره" فيما إذا بلغ عدد المسلمين اثني عشر ألفًا أنه يحرم الانصراف وإن زاد الكفار على مثليهم عند جمهور العلماء منهم للحديث المتقدم: "لن يغلب اثني عشر ألفًا من قلة". وأنهم جعلوا هذا الحديث مخصصًا لهذِه الآية (¬1). ومفهوم الآية أنه لا يجوز الانصراف إذا لم يزيدوا على الضعف وإن غلب على الظن الهلاك، وهو كذلك لقوله تعالى: {فَاثْبُتُوا}؛ ولأن المجاهد إنما يقاتل ليقتل أو يقتل. وقيل: لهم الفرار إذا ظنوا الهلاك. (قال: فلما خفف الله تعالى عنهم من العدد) رواية البخاري: من العدة (¬2) (نقص من الصبر) الذي كان أعطاهم قبل التخفيف (بقدر ما خفف عنهم) من العدد، يعني: أنه كان يوضع عنهم أن يصبروا والأكثر من مثليهم. [2647] (حدثنا أحمد بن يونس) هو ابن عبد الله (ثنا زهير) بن معاوية (حدثنا يزيد بن أبي زياد) مولى عبد الله بن الحارث من الكوفيين، تكلم فيه غير واحد (¬3)؛ لكن أخرج له مسلم متابعة (أن عبد الرحمن بن أبي ليلى) التَّابعي المشهور (حدثه أن عبد الله بن عمر حدثه أنه كان في سرية من سرايا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) قيل: إن هذا كان في سرية مؤتة كما جاء مصرحًا به في رواية، واستعمل عليهم زيد بن حارثة. ¬

_ (¬1) "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 7/ 382. (¬2) "صحيح البخاري" (4653). (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 32/ 135، و "الجرح والتعديل" 9/ 265.

(قال: فحاص) بالحاء والصاد المهملتين (الناس حَيصة) أي: كروا راجعين وحالوا منهزمين، يقال: حاص الرجل إذا حاد عن طريقه وانصرف عن وجهه إلى جهةٍ أخرى، ومنه قوله تعالى: {مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ}، وروي جاض الناس جيضة بالجيم والضاد المعجمتين وهو بمعناه، وحكى الجوهري عن الأصمعي: حاص عن الشيء يحيص حيصا أي: حاد عنه (¬1). (فكنت فيمن حاص) عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. فيه الاعتراف بالذنب والتوبة منه (فلما برزنا) أي: ظهرنا من عنده وصرنا في البراز، وهو المتسع من الأرض (قلنا: كيف نصنع) فيما وقع منا. وفيه دليل على فضل الصحابة -رضي الله عنهم -، في تدارك ما فرط منهم والمبادرة إلى الندم على ما صدر منهم والتوبة من الذنب على قرب عهدٍ منه (و) كيف الخلاص مما اقترفنا. (قد فررنا من الزحف) أصل الزحف: المشي المتثاقل كالصبي يزحف قبل أن يمشي، وسمي القتال عند التقاء المسلمين والكفار زحفًا لأنه يزحف فيه، وليس في الحديث أنهم انصرفوا عن الصف، ولا رأوا العدو، وإنما رجعوا من السرية التي كانوا فيها، ولا يظن بالصحابة -رضي الله عنهم - أنهم ارتكبوا كبيرة الفرار من الزحف، وإنما تكون كبيرة إذا التقوا هم والكفار كما قال تعالى: {إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} (¬2) وتسمية رجوعهم من السرية فرارًا من الزحف وبوءًا ¬

_ (¬1) "الصحاح" 3/ 172. (¬2) الأنفال: 15.

بغضب الله من باب تعظيم الذنب والخوف منه، فكلما عظَّم الإنسان ذنبه صغر عند الله، وإذا احتقره عظم عند الله كما في الصحيح (¬1): "الفاجر يرى ذنبه كذباب مر على أنفه، والمؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه". ويشهد بهذا ما في الوجود من خوف المؤمن وتهاون الفاجر. ولعل هذا الفرار والحيصة حين كانوا بأرض عثمان وبلغهم أن هرقل نزل بأرض مآب من أرض البلقاء بمائة ألفٍ من الروم وانضم إليهم من لَخْمٍ، وَجُذَامٍ، وبَلِيّ مائة ألف، وأنهم أقاموا في معان ليلتين ينظرون في أمرهم، وقالوا: نكتب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نخبره بعدد عدونا، وكان المسلمون لا يزيدون على ثلاثة آلاف (¬2). قال الترمذي في "السنن" (¬3): حاص الناس حيصةً. يعني: أنهم فروا من القتال. (وبُؤْنا) بضم الباء وإسكان الهمزة، فرجعنا به، أي: صار علينا لازمًا لنا (بالغضب) والمراد به العقاب المذكور في قوله تعالى: قوله - عز وجل -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6308)، ومسلم (2744). (¬2) وهي غزوة مؤتة. انظر: "الروض الأنف" 4/ 121. (¬3) "سنن الترمذي" 4/ 215. (¬4) الأنفال: 16.

(فقلنا: ندخل المدينة فنبيت فيها) (¬1) بكسر الباء الموحدة بعد النون ثم ياء مثناة تحت. هذِه الرّواية الصحيحة إن شاء الله، ويدل على ذلك رواية أحمد (¬2): ثم دخلنا المدينة فبتنا، وفي رواية لأحمد أو الشافعي: ثم قلنا: ندخل المدينة ليلًا ولا يرانا أحد، ثم (لنذهب ولا يرانا أحد، قال: فدخلنا فقلنا لو عرضنا أنفسنا على رسول الله) - صلى الله عليه وسلم -، أي: نريد أن نعرض أنفسنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (فإن كانت) أي: وجدت، وهي كان التَّامة (لنا توبة) أي: مقبولة من الله ورسوله (أقمنا) في المدينة (وإن كان غير ذلك) ورواية أحمد: وإلا (ذهبنا) على وجوهنا كما في رواية أحمد: منها. رواية الترمذي (¬3): فقدمنا المدينة فاختبأنا بها، وقلنا: هلكنا (فجلسنا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل صلاة الفجر). رواية أحمد: قبل صلاة الغداة. اختلاف الرواة يدل على أنها تسمى صلاة الصبح وصلاة الفجر وصلاة الغداة، (فلمَّا خرج قمنا إليه). فيه دليل على جواز القيام بل على استحبابه للأستاذ والوالدين ومن فيه فضيلة ظاهرة من علم أو صلاح أو شرف أو ولاية مصحوبة بصيانة أو رحم أو نحو ذلك، ويكون هذا القيام للبر والإكرام لا للرياء والإعظام. قال النووي (¬4): وهذا الذي نختاره، وهو الذي استمر عليه السلف ¬

_ (¬1) ورد بعدها في الأصل: نسخة: فنثبت. (¬2) "مسند أحمد" 2/ 70. (¬3) "سنن الترمذي" (1716). (¬4) "شرح النووي على مسلم" 4/ 135.

والخلف. قال: وقد جمعت في ذلك جزءًا جمعت فيه الأحاديث والآثار وأقوال السلف ([فلما خرج قمنا إليه] (¬1)، فقلنا: نحن الفَرَّارون) بفتح الفاء والراء الأولى المشددة. يحتمل أن يراد بالفرار ورجوعهم من السرية كما تقدم، ويحتمل أن يراد به تقهقرهم عن الجيش وانحيازهم عنهم من غير هزيمة، فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - فتحًا، وكانت قهقرتهم سببًا لكسرة العدو عند تفرقهم، ولذلك استحب الفرار من العدو للمكيدة والخديعة. (فأقبل إلينا) بوجهه الكريم (فقال: لا، بل أنتم العَكَارون) بفتح العين المهملة والكاف المشددة وبعد الألف راء مهملة. أي: العائدون إلى القتال العاطفون، يقال للرجل الذي تولى عن الحرب ثم كرَّ راجعًا عكر واعتكر. قال الترمذي: العكار: الذي يفر إلى إمامه لينصره ليس يريد الفرار من الزحف (¬2) (فدنونا) منه (فقبلنا يده) استدل به على تقبيل يد الأستاذ والوالدين ونحوهم. قال النووي في "فتاويه": يستحب تقبيل أيدي الصالحين وفضلاء العلماء، ويكره تقبيل يد غيرهم -يعني: من المسلمين- وتقدم في حديث وفد عبد القيس قال: فجعلنا نتبادر عن رواحلنا فنقبل يد النبي - صلى الله عليه وسلم - ورجله. قال البغوي (¬3): ومن قبَّل فليقبل اليد والرأس والجبهة ولا يقبل الفم. (فقال: أنا) بتخفيف النون. يعني: نفسه الكريمة (فئة المسلمين) أي: ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل)، (ر)، والمثبت من "سنن أبي داود". (¬2) "سنن الترمذي" (1716). (¬3) "شرح السنة" 12/ 293.

الذي يتحيز المسلمون إليه كما قال تعالى: {أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ} (¬1) قال ذلك تسلية لهم ورعاية لحالهم وتمهيدًا لغيرهم من الفرار الذي خافوا منه. وقد استدل بهذا الحديث أنه يجوز التحيز إلى فئة بعيدة، وكانوا بمكان بعيد منهم لإطلاق قوله تعالى: {أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ} ومثلوه بما لو كانت الفئة بخراسان والمتحيز بالحجاز جاز تحيزه إليهم. وقال عمر: أنا فئة كل مسلم (¬2). وكان بالمدينة وجيوشه بالشام ومصر وخراسان، وهذا هو الصحيح من مذهب الشافعي. والثَّاني: لا يجوز التحيز للبعيدة، ولم أر ضبطًا للقريب والبعيد. وفي "البسيط": هنا لا يضبط القريب بمسافة القصر، بل يكون بينهما نوع قرب يتصور الاستنجاد بهم في هذا القتال ولحوق مددهم. [2648] (ثنا محمد بن هشام المصري، حدثنا: بشر بن المفضَّل، حدثنا داود عن أبي نضرة) بنون وضاد معجمة العوقي بالقاف وفتح الواو، واسمه منذر بن مالك (عن أبي سعيد) الخدري (قال: نزلت) هذِه الآية {إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ} (¬3) (في يوم بدر {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ}) {إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ} قال أبو نضرة: لأنهم لو انحازوا يومئذٍ لانحازوا إلى المشركين، ولم ¬

_ (¬1) الأنفال: 16. (¬2) رواه أحمد 2/ 58، وسعيد بن منصور (2540)، والبيهقيّ 9/ 131، وضعفه الألباني في "الإرواء" (1204). (¬3) "أحكام القرآن" 3/ 153.

يكن يومئذٍ مسلم غيرهم (¬1). قال إلكيا الهراسي (¬2): وهذا الذي قاله أبو نضرة فيه نظر؛ لأنه كان بالمدينة خلق كثير من الأنصار لم يأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالخروج، ولم يكونوا يرون أنه يكون ذلك. وقيل: إنهم لم يجز لهم الانحياز يومئذٍ؛ لأنهم كانوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكن الانحياز جائزًا (¬3) لهم. قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ} (¬4). * * * ¬

_ (¬1) "تفسير الطبري" 13/ 437. (¬2) "أحكام القرآن" 3/ 153. (¬3) في (ل): جائز، والصَّواب ما أثبتناه. (¬4) التوبة: 120.

107 - باب في الأسير يكره على الكفر

107 - باب في الأَسِيرِ يكْرَهُ عَلَى الكُفْرِ 2649 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْن عَوْنٍ، أَخْبَرَنا هُشَيْمٌ وَخالِد عَنْ إِسْماعِيلَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبي حازِم عَنْ خَبّابٍ قالَ أَتَيْنا رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً في ظِلِّ الكَعْبَةِ فَشَكَوْنا إِلَيْهِ فَقلْنا أَلا تَسْتَنْصِر لَنا أَلا تَدْعُو اللهَ لَنا فَجَلَسَ مُحْمَرّا وَجْهُهُ فَقالَ: "قَدْ كانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فيحْفَرُ لَهُ في الأرْضِ ثُمَّ يُؤْتَى بالمِنْشارِ فيجْعَلُ عَلَى رَأْسِهِ فيجْعَلُ فِرْقَتَيْنِ ما يَصْرِفُهُ ذَلِكَ، عَنْ دِينِهِ ويُمْشَطُ بِأَمْشاطِ الحَدِيدِ ما دُونَ عَظْمِهِ مِنْ لَحْم وَعَصَبٍ ما يَصْرِفُهُ ذَلِكَ، عَنْ دِينِهِ والله ليتِمَّنَّ اللهُ هذا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرّاكِبُ ما بَيْنَ صَنْعاءَ وَحَضْرَمَوْتَ ما يَخافُ إِلَّا اللهَ تَعالَى والذِّئبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَكُمْ تَعْجلُونَ" (¬1). * * * باب الأسير يكره على الكفر [2649] (حدثنا عمرو بن عون) بن أوس (أخبرنا هشيم) بن بشير (وخالد) بن عبد الله الطحان (عن إسماعيل) بن أبي خالد (عن قيس بن أبي حازم) بالمهملة والزاي (عن خباب) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة هو ابن الأرت (قال: أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وقلت: لقينا من المشركين شدة كما في رواية للبخاري (¬2). (وهو متوسِّد) أي: جاعل تحت رأسه (بردة) (¬3) كالمخدة، والبردة: كساء أسود مربع يلبسه الإعراب، ويحتمل أن يراد بالتوسد هنا الاتكاء والاعتماد. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3612). (¬2) السابق. (¬3) ورد بعدها في الأصل: نسخة: ببردة.

وفيه دليل على جواز النوم في المسجد والاتكاء، وكان له - صلى الله عليه وسلم - وسادة من أدم حشوها ليف (¬1). وفي رواية أحمد: حشوها إذخر (¬2). (في ظل الكعبة) فيه دليل على الجلوس والاتكاء في الظل كما قال تعالى حكايةً عن موسى: {ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ} (¬3). (فشكونا إليه) أي: ما نحن فيه (فقلنا: ألا تستنصر لنا) بالتخفيف، معناه العرض وهو طلب بلين، ويقع للتحضيض وهو طلب بحب؛ لقوله تعالى: {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} (¬4) ويحتمل هنا المعنيين. (ألا تدعو الله لنا) يريد أن يكفينا الله عدوان الكفار علينا وهم بمكة قبل هجرتهم. فيه طلب الاستنصار والدعاء في الأشياء المهمة والأمور المدلهمة من الإمام والرجل الصالح والوالدين ومن في معناهما. (فجلس) من توسده (مُحْمَرّا وجهُه) بالرَّفع، أي: جلس وقد احمر وجهه من الغضب لعدم تصبرهم وتحملهم المشاق والآلام في دين الله ومبادرتهم إلى طلب النصرة والدعاء. وفيه دليل على حدوث الغضب منه - صلى الله عليه وسلم -؛ لكن لا يخرجه الغضب عن مجاوزة حكم الشريعة وانتهاك حرمتها. وقد يستدل بهذا الحديث من يقول: لا فائدة في الدعاء؛ فإن القضاء لا مرد له. ¬

_ (¬1) البخاري (1980)، ومسلم (1159). (¬2) لم أقف عليها عند أحمد أو غيره. (¬3) القصص: 24. (¬4) التوبة: 13.

وجوابه: ما في الكتاب والسنة من الأدعية] (¬1) وأن من جملة القضاء رد البلاء بالدعاء، والدعاء سبب لرد البلاء، فكما أن الترس سبب لدفع السلاح والماء سبب لخروج النبات من الأرض. (فقال: قد كان من كان قبلكم) من الأنبياء والرسل (يؤخذ الرجل) منهم (فيُحفَرُ له في الأرض) حفرة فيجعل فيها، أي: كما يحفر للمرأة إذا زنت حفرة إلى صدرها ويحفر للرجل إذا زنى عند أبي حنيفة (ثم يؤتى بالمئشار) بهمزة ساكنة بعد الميم عند الأكثرين من أشرت الخشبة ووشرتها. وفي حديث الدجَّال: يؤشر بالمئشار (¬2). وروي بالنون بدل الهمزة، كما هو المستعمل الآن من نشرت الخشبة، والمراد به: الآلة المستعملة لذلك. (فيجعل على رأسه) وفي رواية: "فيوضع على رأسه". أي: فينشر كما ينشر الخشب (فيجعل فرقتين) وفي رواية: "نصفين" (ما يصرفه) وفي رواية (¬3): "ما يصده" (ذلك عن دينه) وقد يستدل بهذا الحديث على أن شرع من قبلنا شرع لنا؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنكر عليهم كونهم لم يصبروا على أذى المشركين كما صبر من قبلهم من الأنبياء والرسل ويقتدوا بهم في ذلك. (ويمشط) الرجل منهم (بأمشاط الحديد) جمع مشط، وأما جمعه على مشاط بكسر الميم كرمح ورماح كما في رواية البخاري فلم ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين من (ل)، وقد سقطت ورقتين كاملتين من (ر). (¬2) رواه مسلم (2938). (¬3) "صحيح البخاري" (3612).

يذكره الجوهري، لكن قاله الصغاني (¬1) في "شوارد اللغات" (¬2). (ما دون عظمه) أي: اللحم الذي تحت العظم، وهو أوضح من رواية البخاري: "ما دون لحمه". (من لحم وعصب) جمع عصبة ويجمع على أعصاب، وهي: أطناب المفاصل، وهي أشد من اللحم (ما يصرفه ذلك) ولا يصده (عن دينه) وقد اختلف فيمن أكره على كلمة الكفر بضرب أو قتل أو نشر أو مشط لحم وغير ذلك، هل الأفضل الصبر على ذلك إعزازًا لدينه، لا سيما إن كان ممن يقتدى به؟ أو الإجابة إلى التلفظ بما طلب منه مع اعتقاد الإيمان بالقلب؟ والصحيح أن التلفظ بكلمة الكفر مباح مع الاطمئنان بالقلب على الإيمان؛ لقوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} (¬3) ولا يجب ذلك، بل الثبات وترك التلفظ بكلمة الكفر لاسيما لمن يقتدى به أفضل لهذا الحديث، ولأنَّه أثقل على النفس وأشق. (والله) قسم فيه دليل على جواز الحلف من غير استحلاف؛ لأن فيه تقوية للكلام وتأكيدًا (ليُتمَّن) بضم الياء المثناة تحت وكسر المثناة فوق وفتح الميم المشددة (الله) بالرَّفع أي: كمله ويظهره (هذا الأمر) أي: أمر الإسلام (حتى يسير الراكب) على راحلته (ما بين صَنْعاء) بفتح المهملة وسكون النون وبالمد قاعدة اليمن ومدينته العظمى (وحَضْرَموت) بفتح الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة وفتح الراء ¬

_ (¬1) في (ل): الصنعاني. (¬2) "الشوارد" (ص 52). (¬3) النحل: 106.

والميم: بلدة أيضاً باليمن أعظم مدن اليمن. وصنعاء أيضاً مدينة قريبة من دمشق بناحية باب الفراديس تُشَبَّه بدمشق؛ لكثرة أنهارها وبساتينها، ويجوز في حضرموت وفي أمثالها بناء الاسمين على الفتح، ويجوز بناء الأول وإعراب الثاني كإعراب ما لا ينصرف، وعلى هاتين اللغتين، فالراء والتاء مفتوحتان والنسبة إليها حضرمي. فإن قلت: لا مبالغة فيه؛ لأنهما بلدتان متقاربتان (¬1). والجواب: أن الغرض بيان انتفاء خوف المسلمين من الكفار، ويحتمل أن يراد بصنعاء صنعاء الروم أو صنعاء دمشق قرية في ناحية الربوة. (ما يخاف إلا الله) - عز وجل - (والذئبَ) منصوب بالعطف على المستثنى وهو (الله)، وإن احتمل أن يعطف على المستثنى منه المقدر (على غنمه) فيه إشارة إلى أنه يستحب لمن له غنم أن يحفظها من الذئب براعٍ أو غيره (ولكنكم تَعْجَلون) (¬2) بفتح التاء والجيم أي: تستعجلون حصول الأمن وتطلبون سرعته قبل أوانه. وفي هذا الحديث دلالة ظاهرة ومعجزة باهرة على صدق نبوته، ولهذا ذكره البيهقي (¬3) في "دلائل النبوة". * * * ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) ورد بعدها في الأصل: نسخة: تستعجلون. (¬3) ورد في الأصول بدل كلمة: البيهقي. النبي - صلى الله عليه وسلم -. والصَّواب ما أثبتناه.

108 - باب في حكم الجاسوس إذا كان مسلما

108 - باب في حُكْمِ الجاسوسِ إِذا كانَ مُسْلِمًا 2650 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا سفْيان، عَنْ عَمْرٍو حَدَّثَهُ حَسَن بْنُ محَمَّدِ بْنِ عَلَيٍّ أَخْبَرَهُ عُبَيْد اللهِ بْن أَبي رافِعٍ - وَكانَ كاتِبا لِعَلَيّ بْنِ أَبي طالِبٍ - قالَ: سَمِعْتُ عَلِيّا -عليه السَّلام- يَقول بَعَثَنَي رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنا والزّبَيْرَ والِمقْدادَ فَقالَ: "انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خاخٍ فإنَّ بِها ظَعِينَةً مَعَها كتابُ فَخُذُوهُ مِنْها" فانْطَلَقْنا تَتَعادى بِنا خَيْلُنا حَتَّى أَتَيْنا الرَّوْضَةَ فَإذا نَحْن بِالظَّعِينَةِ فَقلْنا: هَلُمَّي الكتابَ. فَقالَتْ: ما عِنْدَي مِنْ كِتابٍ. فَقلْتُ: لَتخْرِجِنَّ الكتابَ أَوْ لَنلْقِيَنَّ الثِّيابَ. فَأخْرَجَتْه مِنْ عِقاصِها فَأَتَيْنا بِهِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فَإذا هُوَ مِنْ حاطِبِ بْنِ أَبي بَلْتَعَةَ إِلى ناسٍ مِنَ المُشْرِكِينَ يخبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ: "ما هذا يا حاطِبُ". فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ لا تَعْجَلْ عَلَيَّ فَإِنَّي كُنْتُ أمْرَأً مُلْصَقًا في قرَيْش وَلم أكَنْ مِنْ أَنْفسِها وَانَّ قُرَيْشًا لَهُمْ بِها قَرابات يحمونَ بِها أَهْلِيهِمْ بِمَكَّةَ فَأَحْبَبْتُ إِذْ فاتَنَي ذَلِكَ أَنْ أَتَّخِذَ فِيهِمْ يَدًا يحمُونَ قَرابَتَي بِها والله يا رَسولَ اللهِ ما كانَ بي مِنْ كفْرٍ وَلا ارْتِدادٍ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "صَدَقَكُمْ". فَقالَ عُمَرُ: دَعْنَي أَضْرِبْ عُنُقَ هذا المنافِقِ. فَقالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقالَ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ" (¬1). 2651 - حَدَّثَنا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، عَنْ خالِدٍ عَنْ حُصَينٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السّلَمَى عَنْ عَلَيٍّ بهذِه القِصةِ قالَ انْطَلَقَ حاطِب فَكَتَبَ إِلى أَهْلِ مَكَّةَ أَنَّ مُحَمَّدا - صلى الله عليه وسلم - قدْ سارَ إِلَيْكُمْ وقالَ فِيهِ: قالَتْ: ما مَعَي كِتاب. فانْتَحَيْناها فَما وَجَدْنا مَعَها كِتابًا فَقالَ عَلَيّ والَّذَي يحلَفُ بِهِ لأقتُلَنَّكِ أَوْ لَتخْرِجِنَّ الكتابَ. وَساق الحَدِيثَ (¬2). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3007)، ومسلم (2494). (¬2) رواه البخاري (3081)، ومسلم (2494).

[باب حكم الجاسوس إذا كان مسلماً] (¬1) [2650] (حدثنا مسدد، حدثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بن دينار (حديثه حسن) بفتح الحاء والسين (بن محمد) بن الحنفية (بن علي) وهي أم محمد (أخبره عبيد الله بن أبي رافع) تصغير عبد (قال: سمعت عليًّا يقول: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وفي رواية لمسلم (¬2): أنا ومرثد (¬3)، (والزبير) بن العوام (والمقداد) وكلنا فارس. (فقال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ) بخاءين معجمتين، هذا هو الصواب الذي قاله كافّة العلماء (¬4). وهو موضع بحمراء الأسد بين مكة والمدينة بقرب المدينة، بينه وبينها مسيرة اثنا عشر ميلًا. (فإن بها ظعينة) يعني: جارية، وأصله الهودج، سميت به الجارية؛ لأنها تكون فيه، واسم هذِه الظعينة سارة مولاة لعمران بن أبي صيفي القرشي. (معها كتاب فخذوه منها) وفي هذا البيان (¬5) عن بعض أعلام النبوة، وذلك إعلام الله نبينا بخبر المرأة الحاملة كتاب حاطب إلى قريش ومكانها الذي هي به، وكل هذا لا يعلم إلا بوحي من الله. (فانطلقنا تتعادى) بتاءين مفتوحتين (بنا خيلنا) أي: تجري. وفيه دليل ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) "صحيح مسلم" (2494). (¬3) في (ر): ويزيد، وليست في رواية مسلم. (¬4) أنظر: "شرح النووي على مسلم" 16/ 55، و "الديباج على مسلم" للسيوطي 5/ 462. (¬5) في الأصول: الباب، والمثبت هو الصواب.

على استحباب المبادرة لأمر الإمام وسرعة المضي فيه، لاسيما إذا خيف فواته (حتى أتينا الروضة) التي أخبر عنها النبي - صلى الله عليه وسلم -. (فإذا نحن بالظعينة) التي ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - كما أخبر، وفي رواية للبخاري (¬1): فأدركناها تسير على بعير لها (فقلنا: هلمي) بضم اللام (الكتاب) منصوب بمقدر، أي: أخرجيه. كما في رواية الصحيحين (فقالت: ما عندي من كتاب) رواية "الصحيح": ما معي كتاب. (فقلت) يعني: قال علي -رضي الله عنه - (لتخرجنَّ) بكسر الجيم (الكتاب) الذي معك من حاطب (أو) معناها التخيير؛ لأنها وقعت بعد الطلب، أي: تخيري لك إما إخراج الكتاب وإما (لتَلقينَّ) بفتح التاء وتشديد النون أي: يجردن عنك (الثياب) هكذا الرِّواية، وصوابه في العربية: لتلقن بحذف الياء؛ لأن النون المشددة تجتمع مع الياء الساكنة فتحذف لالتقاء الساكنين (¬2). وفي جواز تجريد المرأة كلها وتكشفها للحاجة والمصلحة العامة [وكشف ستر المفسد] (¬3) وكشف المرأة العاصية إذا كان في الستر مفسدة، وإنما يندب الستر إذا لم يكن فيه مفسدة ولا فوات مصلحة، وعلى هذا تحمل الأحاديث الواردة في الندب إلى الستر. (فأخرجته من عِقاصها) بكسر العين أي: شعرها المعقود عقيصة. بوب عليه البخاري (¬4): باب إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعر أهل ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (3007). (¬2) نسب هذا القول البدر العيني في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" 22/ 45 لابن التين، ثم قال: القياس ما قاله لكن صحت الرِّواية بالياء فتناول الكسرة بأنها لمشاكلة لتخرجن وباب المشاكلة واسع. (¬3) ساقطة من (ر). (¬4) "صحيح البخاري" 4/ 76.

الذمة والمؤمنات إذا عصين الله وتجريدهن. وإنما جاز له ذكر التجريد الذي فيه كشف العورة؛ لأن من عصى الله لا حرمة له، والمعصية تبيح حرمته، ألا ترى إلى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مطل الغني ظلم. ولَيُّ الوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ، وَعُقُوبَتَهُ" (¬1). وفي رواية للبخاري: فأخرجته من حُجْزتها. بضم الحاء وإسكان الجيم. وهو معقد السراويل. والجمع بين الروايتين أنه كان فيها كتابان أو أخرجته من الحجزة أولاً ثم أخفته في عقاصها، ثم اضطرت إلى الإخراج منهما (¬2). (فأتينا به النبي) ففتحه (فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة) بفتح الباء الموحدة والمثناة من فوق، واسمه عامر مات سنة ثلاثين (إلى ناس من المشركين) قال الكرماني: هو كلام الراوي وضع موضع (¬3) إلى فلان وفلان المذكورين في الكتاب (¬4) (يخبرهم ببعض أمر رسول الله) - صلى الله عليه وسلم - أختلف الفقهاء في المسلم يكاتب المشركين بأخبار المسلمين، فقال الشافعي (¬5): إن كان ذا هيئة عفا للإمام عنه، واحتج بهذا الحديث، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعاقبه وإن كان غير ذي هيئة عزره الإمام. وقال ابن القاسم في "الْعُتْبِيَّةِ": يضرب عنقه لأنه لا تعرف توبته، وهو ¬

_ (¬1) سيأتي في كتاب الأقضية باب: الحبس في الدين وغيره (3628). (¬2) في (ل): (وقال أبو حنيفة) ولعلها زيادة. (¬3) بعدها في (ل) بياض بمقدار كلمتين. (¬4) ذكره البدر العيني في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" 22/ 46 ثم قال: لم يطلع الكرماني على أسماء المكتوب إليهم فلذلك قال هكذا، والذين كتب إليهم هم صفوان بن أميَّة، وسهيل بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل. (¬5) "الأم" 4/ 250.

قول سحنون. وقال أبو حنيفة والأوزاعي: يوجع عقوبة ويطال حبسه (¬1). (فقال: ما هذا يا حاطب) فيه العمل بالخط إذا عرف وإن لم يعرف بأنه خطه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسأله هذا خطك أم لا؟ بل سأله عن حجته، والعمل بالخط مقبول عند المالكية، ولعلّه اعترف بأنه خطه. (فقال: يا رسول الله لا تعجل علي) أي: بالعقوبة حتى تسمع عذري، ولعلّه إنما سأل ترك العجلة لشدة خوفه، وإلا فالنبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يعجل بالعقوبة على أحد، وقد مدح التأني في الأمور وذم العجلة وقال: إنها من الشيطان (¬2) (فإنِّي كنت امرءًا ملصقًا في قريش) أي: مضافًا إليهم، ولست من نفس قريش وأقربائهم، وقيل: للدعي في القوم ملصق؛ ولهذا قال (ولم أكن من أنفسهم) بضم الفاء، أي: ممن ولدته قريش، وهي قراءة الجمهور في قوله تعالى: {رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} (¬3) وقرأ ابن عباس بفتح الفاء، أي: من أشرفهم. [(وإن قريشًا] (¬4) يحمون بها) أي بسبب القرابة (أهليهم) الذين عندهم (بمكة) شرفها الله (فأحببت إذ فاتني) أي: حين فاتني القرابة عندهم (أن أتخذ فيهم) لي (يداً) أي: يد نعمة أسوقها لهم، ومنه تكون لي عليهم أتقي بها عن قرابتي (¬5) السوء كي (يحمون قرابتي) أي: أقاربي الذين عندهم ¬

_ (¬1) انظر: "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" 22/ 48. (¬2) رواه الترمذي (2012). (¬3) التوب: 128. (¬4) ليست في الأصول: ومستدركة من المطبوع. (¬5) في (ر): أهلي، والمثبت من (ل).

(بها، والله ما كان بي كفر) أي: ما كانت كتابة هذا الكتاب من أجل كفر أصلي كنت عليه (ولا ارتداد) أي: ولا من ردة صدرت مني. (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: صدقكم) لعل النبي - صلى الله عليه وسلم - علم صدقه بوحي من الله أو بينة شهدت، ولم تذكّر في الحديث أو دلت قرائن الحال على صدقه (فقال عمر: ) -رضي الله عنه - (دعني أضرب) بالجزم جواب الأمر (عنق) جمعه أعناق، فيه دليل على من وجب عليه القتل يضرب عنقه بالسيف، وأما قوله تعالى: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ} (¬1) فقيل: فوق صلة، وقيل: بمعنى على، وقيل: أي (¬2) فاضربوا الأعناق فما فوقها. وفيه دليل على استحباب استئذان الإمام في القتل، وأن لا يحد العاصي إلا بإذن الإمام. وفيه دليل على جواز قتل الجاسوس وإن كان مسلماً؛ لأن عمر لما أستأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قتله لم يقل له: لا يحل لك قتله إنَّه مسلم، بل ذكر أن المانع من قتله كونه شهد بدرًا. وفيه استشارة الوزير بالرأي على السلطان وإن لم يستشره. (هذا المنافق) بالجر بدل من (هذا)، إنما أطلق عليه اسم النفاق لأنه صدر عنه ما يشبه فعلهم، ويحتمل أنه قاله قبل قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قد صدقكم". أو يريد أنه وإن صدق فلا عذر له، وإنما عذره النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه كان متأولًا ولم ينافق بقلبه، بل ذكر أنه ذكر في الكتاب تفخيم أمر جيش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنهم (¬3) لا طاقة لهم به فخوفهم بذلك ¬

_ (¬1) الأنفال: 12. (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) في (ر): وأنَّه، والمثبت من (ل).

ليخرجوا من مكة، وحَسَّن هذا التأويل [تعلق (¬1) حاطب بأهله] (¬2) وولده إذ هم قطعة من كبده، ولقد أبلغ من [قال: ما] (¬3) يفلح من كان له عيال، لكن لطف الله به فنجاه بما علم من صحة إيمانه. وفيه دليل على أن الرجل إذا نسب المسلم المتأول إلى النفاق أو الكفر لا يكفر بذلك، لاسيما إن قاله غضبًا لله ولرسوله ودينه لا لحظه وهواه ولا يأثم به، بل يثاب على نيته وقصده، وكذا لا يكفر إن كان غير متأول؛ لكن يستغفر الله تعالى، وهذا بخلاف أهل الأهواء والبدع فإنهم يُكَفِّرون بالمعاصي. (فقال رسول الله: قد شهد بدرًا) وشهوده لها يدل على قوة إيمانه الذي حمله على ذلك وبذله نفسه مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإيثاره الله ورسوله على قومه وأقاربه، وهم بين ظهراني العدو وفي بلدهم ولم يثن ذلك عنان عزمه ولا صرفه عن مواجهة القتال. (وما يدريك لعل الله) [أن يكون] (¬4) (قد اطلع على أهل بدر) فـ (يدريك) بمعنى يعلمك، و (لعل) للترجي؛ لكنَّه هنا محقق (¬5) عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: معنى الترجي راجع إلى عمر (فقال: اعملوا ما شئتم) من الذنوب وغيرها (فقد غفرت لكم) ذلك. فيه غفران ما تأخر وقوعه من الذنوب قبل وقوعه، وهذا يقوي الأحاديث التي قيل فيها غفر له ما تقدم من ذنبه ¬

_ (¬1) من "المفهم". (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) في (ر): كان من، والمثبت من (ل). (¬4) ساقطة من (ل)، والمثبت من (ر). (¬5) في (ر): متحقق.

وما تأخر، وقد جمعها المنذري وغيره. وقد استشكل هذا بعضهم؛ لأن فيه إباحة مطلقة للذنوب المستقبلة وهو خلاف قاعدة الشرع. فقيل: معناه الغفران لهم في الآخرة وإلا فلو توجه على أحد منهم حدّ وغيره أقيم عليه في الدنيا، ونقل القاضي عياض الإجماع على إقامة الحد (¬1). فأقامه عمر على بعضهم، وضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - مسطحاً الحد وكان بدريًّا، وقيل: ليس هو للاستقبال بل للماضي، تقديره: أي عمل كان لكم فقد غفرته، وهو ضعيف؛ لأن هذا الصادر من حاطب كان في المستقبل من بعد بدر، فلو كان للماضي لم يحسن التمسك به هنا (¬2)، وقيل: هو خطاب إكرام وتشريف أي: هؤلاء القوم حصلت لهم حالة غفرت لهم بها ذنوبهم السابقة وتأهلوا بها أن يغفر لهم ذنوب لاحقة إن وقعت منهم. وقد استدل ابن قيم الجوزية بهذا الحديث على أن الكبيرة العظيمة مما دون الشرك قد تكفر بالحسنة الكبيرة؛ لأن الحسنة العظيمة [التي هي شهود بدر مكفر (¬3) لهذِه المكاتبة، فإن الذي اشتلمت عليه الحسنة العظيمة] (¬4) خير وتضمنته من محبة الله لها ورضاه بها ومباهاته لملائكته بفاعلها أعظم مما اشتملت عليه سنة المكاتبة من المفسدة فغلب الأقوى الأضعف فأزاله وأبطل مقتضاه، وهذِه حكمة الله في ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" 7/ 539. (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) في (ل): مكفرًا والمثبت هو الصواب. (¬4) ساقطة من (ر).

الصحة والمرض الناشئين من الحسنات والسيئات الموجبتين لصحة القلب ومرضه، فهو نظير حكمة الله في الصحة والمرض اللاحقين للبدن، فإن الأقوى منها يقهر المغلوب حتى يقهر الأضعف ويذهبه، وهذا كما قال: إن الله يمحو السيئات بالحسنات؛ لقوله: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (¬1)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أتبع السيئة الحسنة تمحها" (¬2) وهذا الحكم ثابت في عكسه؛ لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} (¬3) وقوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} (¬4) وقول عائشة عن زيد بن أرقم لما باع بمسألة العينة: إنَّه قد أبطل جهاده مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أن يتوب (¬5) ونظيره كثيرة (¬6). [2651] (حدثنا وهب بن بقية، عن خالد) يعني: ابن عبد الله (عن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين، ابن عبد الرحمن الواسطيِّ (عن سعد بن عبيدة) مصغر (عن أبي عبد الرحمن) عبد الله بن حبيب (السلمي) بضم السين (عن علي بهذِه القصة) المذكورة (قال: انطلق حاطب فكتب إلى أهل مكة) صرح في هذِه بالكتابة (أن محمدًا قد سار ¬

_ (¬1) هود: 114. (¬2) أخرجه أحمد في "مسنده" 5/ 153، والترمذي في "سننه" (1987)، وقال: حديث حسن صحيح. (¬3) البقرة: 264. (¬4) الحجرات: 2. (¬5) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (14813)، والدارقطني في "السنن" 3/ 52. (¬6) "زاد المعاد في هدي خير العباد" 3/ 424.

إليكم) فيه بيان ما أبهم في الرّواية المتقدمة (وقال فيه: فابتحثناها) بإسكان الباء الموحدة وفتح التاء والحاء المهملة، ثم ثاء مثلثة، من البحث. أي: فتشناها، وضبطه المنذري بإسكان النون وفتح التاء والجيم والفاء. قال الجوهري (¬1): انتجفت الشيء استخرجته، ويقال: انتجفت إذا استخرجت أقصى ما في الضرع من اللبن. (فما وجدنا معها كتابًا) ظاهر في أن الأربعة كل منهم فتشها فلم يجد معها شيئًا، وفيه دليل على أن الجماعة إذا انتدبوا لأمر لا يقتصر بعضهم عليه دون (¬2) غيره، وأنَّه لو وكل أربعة أو أوصى لهم لا بد من اجتماعهم (فقال علي: والذي يحلف به) فيه دليل على جواز القسم به، وأنَّه يمين يجب به الكفارة إذا حنث. (لأقتلنك أو لتخرجن الكتاب) فيه دليل على جواز تهديد المتهم بمعصية كسرقة ونحوها، وتخويفه بالقتل والضرب والانتهار ونحو ذلك، واليمين على ذلك إذا احتاج إليها. (وساق الحديث) كما تقدم. * * * ¬

_ (¬1) "الصحاح في اللغة" 4/ 116. (¬2) بعدها في (ل): بعض، ولعلها زائدة.

109 - باب في الجاسوس الذمي

109 - باب في الجاسوس الذِّمَّيِّ 2652 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشّارٍ حَدَّثَنَي مُحَمَّد بْن مُحَبَّبٍ أَبُو هَمّامٍ الدَّلالُّ، حَدَّثَنا سُفْيانُ بْن سَعِيدٍ، عَنْ أَبي إِسْحاق، عَنْ حارِثَةَ بْنِ مضَرِّبٍ عَنْ فُراتِ بْنِ حَيّانَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ بِقَتْلِهِ وَكانَ عَيْناً لأبي سُفْيانَ وَكانَ حَلِيفًا لِرَجُلٍ مِنَ الأنصارِ فَمَرَّ بِحَلْقَةٍ مِنَ الأنصارِ فَقالَ: إِنَّي مُسْلِمٌ. فَقالَ رَجُلٌ مِنَ الأنصارِ يا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّي مُسْلِمٌ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنْكُمْ رِجالاً نكلُهُمْ إِلى إِيمانِهِمْ مِنْهُمْ فُراتُ بْنُ حَيانَ" (¬1). * * * باب حكم الجاسوس الذمي [2652] (حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن مجيب) بضم الميم وكسر الجيم والباء، الكوفيِّ (¬2) (أبو همام الدلال) وثقه المصنف (¬3) وأبو حاتم (¬4) (حدثنا سفيان بن سعيد) الثوري (عن أبي إسحاق) عمرو السبيعي، وثقه ابن معين (عن حارثة) بحاء مهملة (بن مُضَرب) بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وتشديد الراء المكسورة، ثم باء موحدة ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 62، 336، وابن الجارود (1058)، والحاكم 2/ 115، 4/ 366. وصححه الألباني في "الصحيحة" (1701). (¬2) هكذا ضبطه الشارح، وهو خطأ، والصَّواب أنه محمد بن محبب بموحدتين بعد المهملة على وزن محمد، وهو أبو همام الدلال، وهو ثقة، وهو الذي أخرج له أبو داود، أما محمد بن مجيب بالجيم على وزن مطيع الكوفيِّ فلم يخرج له أحد من أصحاب الستة، وهو متروك. انظر: "تقريب التهذيب" (6516، 6517). (¬3) "سؤالات الآجري لأبي داود" (150). (¬4) "الجرح والتعديل" 8/ 96.

(عن فُرَات) بضم الفاء وتخفيف الراء (بن حَيّان) بفتح المهملة وتشديد المثناة تحت، ابن ثعلبة العجلي من بني عجل بن لجيم. (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتله) فصار قتله فرضًا على كل من استطاع قتله من غير تعيين فاعله، وهذا القتل فرض كفاية أو في معناه؛ لأنه [مهم ديني يقصد] (¬1) الشرع حصوله من غير نظر بالذات إلى فاعله، وهذا حد فرض الكفاية، وإنما أمر بقتله؛ لأنه (كان عينًا) أي: جاسوسًا (لأبي سفيان) وهذا علة للأمر بقتله؛ لأنه حربي دخل دار الإسلام بغير أمان، وفي بقائه مفسدة عامة، فلو أمن الجاسوس مسلم لم يصح أمانه ووجب قتله؛ فإن الإمام صرح بأن شرط الأمان المعقود للحربي أن لا يكون فيه ضرر عائد على المسلمين، ومال الجاسوس إذا قتل يكون فيئًا؛ لأنه لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، وعند بعض العلماء أنه لمن قتله؛ لأن النبي نفل (¬2) سلمة بن الأكوع العين الذي قال النبي فيه: "اطلبوه فاقتلوه"؛ لأنه الذي قتله، رواه البخاري (¬3). (وكان) فوات بن حيان (حليفًا) بفتح الحاء وكسر اللام، تجمع على حلفاء وأحلاف، وهو ما كان عليه الجاهلية من التزام ونصرة (¬4) بعضهم لبعض، وأن لا يتخاذلوا، وأن يرث بعضهم بعضًا، وأصله من الحلف التي هي اليمين، كانوا يتقاسمون عند عقدهم الالتزام، ولعل حلفه ¬

_ (¬1) في (ر): متهم وهي تعضد، والمثبت من (ل). (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) "صحيح البخاري" (3051). (¬4) في (ر): ونصرته.

هذا (لرجل من الأنصار) كان قبل الإسلام، قال الطبري (¬1): لا يجوز الحلف اليوم، والحلف المذكور في الحديث كله منسوخ بقوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ}، قال الحسن: نسخ التوارث بالحلف بآية المواريث. (فمر فرات بحلقة) قوم (من الأنصار) في بعضها معتمدة بحليفه [يعني: الأنصاري] (¬2)، والحلْقة بإسكان اللام على اللغة الفصحى (فقال) حين علم أنه [حليف لرجل] (¬3) منهم (إني مسلم. فقال رجل من الأنصار) لعله حليفه المذكور (يا رسول الله إنَّه يقول إني مسلم) قد يستدل بهذا من قال: إن الكافر إذا قال أنا مسلم أو مؤمن أنه يحكم بإسلامه بهذا، وإن لم يتلفظ بالشهادتين؛ لأنهما اسمان لشيء معلوم وهو الشهادتان، فإذا أخبر عن نفسه بما تضمن الشهادتين كان مخبرًا بهما، ومذهب الشافعي أنه لا يصير مسلماً بهذين اللفظين ولا بأحدهما كما لو قال: آمنت أو أسلمت؛ لاحتمال أن يريد أنا مؤمن بموسى أو عيسى، وأن يريد بقوله: أنا مسلم. أي: مستسلم، وأسلمت استسلمت (¬4). (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن منكم) وفي رواية غير أبي داود: وإن فيكم (رجالاً نكلهم إلى إيمانهم) أي: نكتفي منه ومن أمثاله بالمنطق بالشهادتين، ¬

_ (¬1) "تفسير الطبري" (8/ 274). (¬2) في (ر): من الأنصار، والمثبت من (ل). (¬3) في (ل): حليفًا لرجل، وفي (ر): حليف الرجل، والمثبت هو الصواب. (¬4) انظر: "روضة الطالبين" 10/ 85.

فإنهما أصل الإسلام (منهم فرات بن حيان) [قال ابن عبد البر: وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرات بن حيان] (¬1) إلى ثمامة بن أثال في قتل مسيلمة وقتاله (¬2). ولم يزل يغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أن توفي، وهو فرات ابن حيان بن ثعلبة الربعي البكري ثم العجلي -رضي الله عنه -. * * * ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" 1/ 389.

110 - باب في الجاسوس المستأمن

110 - باب في الجاسُوسِ المُسْتأْمنِ 2653 - حَدَّثَنا الحَسَن بْنُ عَلَيٍّ، حَدَّثَنا أَبو نُعَيْمٍ قالَ: حَدَّثَنا أَبو عُمَيْسٍ، عَنِ ابن سَلَمَةَ بْنِ الأكوَعِ عَنْ أَبِيهِ قالَ أَتَى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - عيْنٌ مِنَ المُشْرِكِينَ- وَهُوَ في سَفَرٍ - فَجَلَسَ عِنْدَ أَصْحابِهِ ثمَّ انْسَلَّ فَقالَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "اطْلُبُوهُ فاقْتُلُوهُ". قالَ: فَسَبَقْتُهُمْ إِلَيْهِ فَقَتَلْتُهُ وَأَخَذْت سَلَبَة فَنَفَّلَنَي إِيّاهُ (¬1). 3654 - حَدَّثَنا هارُونُ بْن عَبْدِ اللهِ أَنَّ هاشِمَ بْنَ القاسِمِ وَهِشامًا حَدَّثاهُمْ قالا: حَدَّثَنا عِكْرِمَةُ بْن عَمّارٍ، قالَ: حَدَّثَنَي إِياسُ بْنُ سَلَمَةَ، قالَ: حَدَّثَنَي أَبي قالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هوازِنَ، قالَ: فَبَيْنَما نَحْنُ نَتَضَحَّى وَعامَّتنا مُشاة وَفِينا ضَعَفَةٌ إِذْ جاءَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ فانْتَزَعَ طَلَقًا مِنْ حِقْوِ البَعِيرِ فَقَيَّدَ بِهِ جَمَلَهُ ثُمَّ جاءَ يَتَغَدى مَعَ القَوْمِ فَلَمّا رَأى ضَعَفَتَهُمْ وَرِقَّةَ ظَهْرِهِمْ خَرَجَ يَعْدُو إِلى جَمَلِهِ فَأَطْلَقَهُ ثمَّ أَناخَهُ فَقَعَدَ عَلَيْهِ ثمَّ خَرَجَ يَرْكُضُهُ واتَّبَعَهُ رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ عَلَى ناقَةٍ وَرْقاءَ هَيَ أَمْثَلُ ظَهْرِ القَوْمِ، قالَ: فَخَرَجْت أَعْدُو فَأَدْرَكْتُهُ وَرَأْسُ النّاقَةِ عِنْدَ وَرِكِ الجَمَلِ وَكُنْتُ عِنْدَ وَرِكِ النّاقَةِ ثمَّ تَقَدَّمْتُ حَتَّى كُنْتُ عِنْدَ وَرِكِ الجَمَلِ ثُمَّ تَقَدَّمْتُ حَتَّى أَخَذْتُ بِخِطامِ الجَمَلِ فَأَنَخْتُهُ فَلَمّا وَضَعَ رُكْبَتَهُ بِالأرْضِ اَخْتَرَطْت سَيْفي فَأضْرِبَ رَأْسَهُ فَنَدَرَ فَجِئْتُ بِراحِلَتِهِ وَما عَلَيْها أَقُودُها فاسْتَقْبَلَنَي رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في النّاسِ مُقْبِلاً فَقالَ: "مَنْ قَتَلَ الرَّجُلَ؟ ". فَقالُوا سَلَمَةُ بْن الأكوَعِ. قالَ: "لَهُ سَلَبُهُ أَجْمَعُ". قالَ هارُونُ: هذا لَفْظُ هاشِمٍ (¬2). * * * باب الحكم في الجاسوس المستأمن [2653] (حدثنا الحسن بن علي) الخلال (حدثنا أبو نعيم) الفضل بن ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3051). (¬2) رواه مسلم (1754).

دكين (حدثنا أبو عُمَيس) مصغر وهو عُتْبة بضم المهملة وسكون الفوقانية، ابن عبد الله الهذلي (عن) إياس (ابن سلمة، عن أبيه) سلمة بن الأكوع (قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - عين من المشركين) تبينه رواية البخاري: عين من المشركين (¬1). والعين: الجاسوس (وهو في سفر) الغزو (فجلس عند أصحابه) أي: بغير أمان، فإن البخاري بوب عليه باب الحربي إذا دخل دار الإسلام بغير أمان (¬2). (ثم انسل) أي: خرج من بينهم كما تخرج المسلة من الثوب، ورواية البخاري: ثم انفتل (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - اطلبوه فاقتلوه) قال المهلب: هذا الحديث أصل في أن الجاسوس الحربي يقتل، وعلى هذا جماعة العلماء (¬3). (قال) سلمة (فسبقتهم إليه فقتلته) فيه المسابقة إلى طاعة الإمام والوالد والمعلم وغيرهم (فأخذت سَلَبَه) بالمفتوحات، أي: ما عليه من لباس وآلة حرب (فنفَّلني) بتشديد الفاء (إياه) أي: أعطاني ما سلبته منه، وأما النفل باصطلاح الفقهاء فهو مع ما شرطه الأمير لمتعاطي الخطر. هذا الحديث ظاهر الدلالة في أن السلب الذي عليه لمن قتله؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما جعل السلب لسلمة وحده لكونه قتله، وهو قول محمد بن الحسن (¬4). ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (3051). (¬2) "صحيح البخاري" 4/ 69. (¬3) انظر: "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 5/ 213. (¬4) "السير الصَّغير" 1/ 118.

وقال الشافعي: هو فيء إلا أن يسلم قبل الظفر به؛ لأن هذا مال لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب. وأجاب عن هذا الحديث بأن الفيء للإمام أن يعطيه من يشاء (¬1). [2654] (حدثنا هارون بن عبد الله) بن مروان بن عبيد (¬2)، بغدادي (أن هاشم بن القاسم) الليثي (وهشامًا حدثاهم) يعني: ابن عبد الله الدستوائي أو الفردوسي (قالا: حدثنا عكرمة بن عمار، حدثني إياس بن سلمة، حدثني أبي) يعني: سلمة بن الأكوع (قال: غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هوازن) هي قبيلة من قيس، وغزاة حنين هي غزاة هوازن. (قال: فبينما نحن نَتضحَى) أي: نتغدى وقت الضحاء بفتح الضاد والمد، وهو بعد امتداد النهار وفوق الضحى بالمد والقصر. فيه فضيلة الفطر للغازي ليتقوى على الجهاد، وفضيلة الأكل جماعة، وتأخير الغداء إلى نزول المركب وارتفاع النهار. (وعامَّتنا) بتشديد الميم. قال الجوهري: العامة خلاف الخاصة (¬3)، ورواية مسلم: وبعضنا (¬4). (مشاة) بضم الميم جمع ماشٍ كقاضٍ وقضاة (وفينا ضَعَفَة) بمفتوحات جمع ضعيف، قال النووي في "شرح مسلم": ضبطوه على وجهين الصحيح المشهور رواية الأكثرين بفتح الضاد وإسكان العين. ¬

_ (¬1) انظر: شرح صحيح البخاري" لابن بطال 5/ 213. (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) "الصحاح" 5/ 271. (¬4) "صحيح مسلم" (1754).

أي: حالة ضعف وهزال. قال: وفي بعض النسخ بحذف الهاء (¬1) (إذ جاء رجل على جمل أحمر) فأناخه كما في رواية مسلم. (فانتزع طَلَقاً) بفتح الطاء واللام وبالقاف. وهو عقال من حبل أو سير يقيّد به البعير (من حَقْو) بفتح الحاء وإسكان القاف (البعير) وهو مؤخر القتب، هذِه الرّواية الصحيحة، والرواية الثانية من حَقَب البعير -بفتح الحاء والقاف- وهو حبل يشد على حقو البعير وهو أعلى الخاصرة. قال القاضي: لم يرو هذا الحرف إلا بفتح القاف، قال: وكان بعض شيوخنا يقول: صوابه بإسكان القاف، أي: مما احتقب خلفه وجعله في حقيبته وهي الرفادة في مؤخر القتب (¬2). (فقيد به جمله) فيه أنه من سافر وكان معه دابة تهرب أن يستصحب معه عقالًا في السفر وإذا نزل عقله به (ثم جاء يتغدى مع القوم) ظاهره أنه أكل معهم ولم يدعه أحد إلى الأكل، وهذِه عادة العرب، وهي مستمرة فيهم إلى الآن. (فلما رأى ضعفتهم) فيه وجهان كما تقدم (ورِقَّة) بكسر الراء (¬3) وتشديد القاف (ظهرهم) أي: ضعف دوابهم التي يركبون على ظهورها ويحملون عليها الأثقال (خرج يعدو إلى جمله فأطلقه) من قيده (ثم أناخه فقعد عليه) وأثاره، كما في مسلم (ثم خرج يركضه) أي يضربه برجله ليسرع المشي هاربًا قال الله تعالى: {إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ} أي: ¬

_ (¬1) شرح النووي على مسلم" 12/ 66. (¬2) "إكمال المعلم شرح "صحيح مسلم" 6/ 34. (¬3) ساقطة من (ر).

يهربون (واتَّبعه رجل من أسلم) قبيلة معروفة (على ناقة ورقاء) أي: في لونها بياض إلى سواد وهو أطيب الإبل لحمًا، وليس بمحمود عندهم في حمله وسيره، قاله الجوهري (هي أمثل ظهر القوم) أي: خير إبلهم. (قال) سلمة بن الأكوع (فخرجت أعدو) على رجلي خلفه (فأدركته ورأس الناقة) التي عليها الرجل الذي تبعه (عند وَرِك الجمل) [بكسر الراء] (¬1) والورك ما فوق الفخذ وهي مؤنثة، وقد تخفف مثل فخذ وفخذ (وكنت عند ورك الناقة ثم تقدمت) أعدو [خلفه (حتى كنت عند ورك الجمل) الأحمر (ثم تقدمت أعدو] (¬2) حتى أخذت بخطام الجمل) أي: زمامه الذي يقاد به (فأنخته، فلما وضع) الجمل (ركبته بالأرض) ليبرك عليها (اخترطت سيفي) أي: سللته من غمده (فأضرب) أي: ضربت. كما في رواية مسلم (رأس الرجل) الذي على الجمل (فَنَدر) بفتح النون والدال المهملة. أي: سقط رأسه إلى الأرض. (فجئت براحلته) أي: بالجمل. كما في رواية مسلم، وسمي الجمل (¬3) راحلة؛ لأنه يوضع عليه الرجل، وهو أصغر من القتب، والهاء للمبالغة فهو فاعل بمعنى مفعول {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} أي (¬4): مرضية ورحل الرجل منزله وأثاثه (وما عليها) من أثاث الرجل المقتول وسلاحه (أقودها) (¬5) يعني: الجمل. ولم يذكر في الحديث أنه دفن ¬

_ (¬1) في (ر): أعدو خلفه الجمل، والمثبت من (ل). (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) في (ر): الرجل، والمثبت من (ل). (¬4) الحاقة: 21، الغاشية: 7. (¬5) ورد بعدها في الأصل: نسخة: أقوده.

رأس المقتول ولا حمله معه، فيحتمل أنه تركه مكانه، فعلى هذا يستدل به على أن الكافر الحربي والذمي لا يغسل، ولا يكفن، [ولا يدفن] (¬1)، وفي الحربي وجه أنه يجب مواراته. (قال: فاستقبلني رسول الله في) جماعة من (الناس مقبلاً) رواية مسلم: فاستقبلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والنّاس معه. وفيه استقبال الإمام ومن معه للسرايا إذا رجعوا، والثناء على من فعل جميلًا [أو ما] (¬2) فيه مصلحة للمسلمين. (فقال: من قتل الرجل؟ ) لعله إنما سأل عنه لينبه على فضيلته وشجاعته؛ ليتأسى به غيره (فقالوا: ابن الأكوع) فيه الاقتصار على اسم أبي الرجل دون اسمه إذا كان مشهورًا به (قال: له سلبه أجمع) اعلم أن هذا الحديث والذي قبله بوب عليه أبو داود: باب في الجاسوس المستأمن، والحديث الذي قبله بوب عليه البخاري: باب الحربي إذا دخل دار الإسلام بغير أمان (¬3)، فيتعين حمل هذا الحديث على المستأمن، وليس في الحديث أن أحدًا أمنه، فيحتمل تركهم قتله بعد رؤيته، وإقراره على الإقامة في دار الإسلام قائم مقام الأمان بالنطق، وهذا احتمال ضعيف لكن هذا (¬4) لا يتأتى إلا لمن يقرأ الجاسوس المستأمن بفتح الميم التي قبل النون، أما من كسر ميم ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) في (ر): ومن، والمثبت من (ل). (¬3) قبل حديث (3051). (¬4) ساقطة من (ر).

المستأمن على أن يكون اسم الفاعل. أي: الجاسوس الذي يطلب الأمان [(¬1) في الظاهر بهيئة خديعة منه ومكر؛ ليتوصل إلى مقصوده من الفساد في الأرض، فهذا يقتل إذا علم به، والظاهر أنهم لم يشعروا بكونه جاسوسًا إلا عند انفتاله وعدوه هارباً منهم. قال النووي: وفي هذا الحديث دليل على قتل الجاسوس الكافر الحربي، وهو كذلك بإجماع المسلمين، وفي رواية النسائي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أمرهم بطلبه وقتله، وأما الجاسوس المعاهد والذمي فقال جماهير العلماء: لا ينتقض عهده بذلك. قال أصحابنا: إلا أن يكون قد اشترط عليه انتقاض عهده بذلك. وأما الجاسوس المسلم فقال الشافعي وجماهير العلماء: يعزره الإمام بما يراه من حبس وضرب ونحوهما، ولا يجوز قتله (¬2). وفي هذا الحديث دلالة ظاهرة لمذهب الشافعي وموافقيه أن القاتل يستحق السلب، وأنَّه لا يخمس (¬3). وفيه استحباب محاسنة الكلام واستعمال السجعان إذا لم [يكن] (¬4) فيه تكلف ولا فوات مصلحة. (قال هارون) شيخ أبي داود (هذا لفظ هاشم) شيخ هارون المذكور. * * * ¬

_ (¬1) من هنا يبدأ سقط ورقتين من (ر). (¬2) "شرح النووي على مسلم" 12/ 67. (¬3) انظر: "الحاوي" 8/ 393، "نهاية المطلب" 11/ 450. (¬4) زيادة يقتضيها السياق.

111 - باب في أي وقت يستحب اللقاء

111 - باب في أي وَقْتِ يسْتَحَبُّ اللّقاءُ 2655 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، أَخْبَرَنا أَبُو عِمْرانَ الجَوْنَيّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ المُزَنَيِّ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسارٍ أَنَّ النُّعْمانَ -يَعْنَي: ابن مُقَرِّنٍ- قالَ: شَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا لَمْ يقاتِلْ مِنْ أَوَّلِ النَّهارِ أَخَّرَ القِتالَ حَتَّى تَزولَ الشَّمْسُ وَتَهُبَّ الرِّياحُ وَينْزِلَ النَّصْرُ (¬1). * * * باب في أي وقت يستحب اللقاء أي: لقاء العدو للقتال. [2655] (حدثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (حدثنا حماد) بن سلمة (أخبرنا أبو عمران) عبد الملك بن حبيب (الجوني) بفتح الجيم، ثم نون بعد الواو، من ولد الجون بن عوف (عن علقمة بن عبد الله المزني، عن معقل بن يسار) المزني الصحابي، بايع تحت الشجرة (أن النُّعمان يعني ابن مُقَرِّن) بفتح القاف وتشديد الراء المكسورة المزني. (قال: شهدت) أي: حضرت (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا لم يقاتل من أول النهار) وهو الوقت الذي تهب فيه الرياح ويحصل بها نشاط النفوس وتمكنها من القتال، فكلما زادوا نشاطًا زاد إقدامهم على العدو (أخر القتال حتى تزول الشَّمس) ومعنى زوالها ميلها عن كبد السماء، ويعرف ذلك بطول ظل الشجرة بعد تناهي قصره (وتهب الرياح) استبشارًا بما نصره من الرياح، وهذا مفهومٌ من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "نصرت ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3160).

بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور" (¬1). فهو يرجو أن يهلك الله أعداءه بالدبور كما أهلك عادًا بها ونصر بالصبا (وينزل النصر) بهبوب الرياح. وفي رواية البخاري: وتهب رياح النصر (¬2). وفي رواية: وتحضر الصلوات (¬3). أي: أوقاتها، فأوقات الصلوات أفضل الأوقات ويستجاب فيها الدعاء. * * * ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1035)، ومسلم (900) من حديث عبد الله بن عباس. (¬2) البخاري (3160) بلفظ: (وتهب الأرواح). (¬3) عند البخاري بالرقم السابق.

112 - باب فيما يؤمر به من الصمت عند اللقاء

112 - باب فِيما يُؤْمَر بِه مِن الصَّمْتِ عِنْد اللّقاءِ 2656 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا هِشام ح وَحَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدَيٍّ، حَدَّثَنا هِشام، حَدَّثَنا قَتادَةُ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبادٍ قالَ: كانَ أَصْحابُ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - يكْرَهُونَ الصَّوْتَ عِنْدَ القِتالِ (¬1). 2657 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ هَمّام حَدَّثَنَي مَطَرٌ عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَبي بُردَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بِمِثْلِ ذَلِكَ (¬2). * * * باب ما يؤمر من الصمت عند اللقاء [2656] (حدثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي (حدثنا هشام) الدستوائي (حدثنا قتادة، عن الحسن، عن قيس بن عُبَاد) بضم العين وتخفيف الباء الموحدة البصري (قال: كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يكرهون) ارتفاع (الصوت عند القتال) رفقًا بهم لئلا يجتمع عليهم مشقة القتال مع مشقة رفع الصوت. وكان - صلى الله عليه وسلم - رحيمًا بالمؤمنين، والله تعالى يسمع الصوت الخفي كما يسمع العالي. وجاء في رواية عن قيس بن عباد أيضاً قال: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكرهون رفع الصوت عند ثلاثة مواطن: عند الذكر، وعند اللقاء، ¬

_ (¬1) رواه الحاكم 2/ 116، والبيهقي 4/ 74، 9/ 153. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2386). (¬2) رواه الحاكم 2/ 116. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (456).

وعند الجنائز (¬1). وفي رواية عنه: يكرهون رفع الصوت، ورفع الأيدي عند القتال، والدعاء. والصوت المكروه عند القتال هو أن ينادي بعضهم بعضًا برفع الصوت، أو يفعل أحدهم فعلًا له أثر فيصيح. * * * ¬

_ (¬1) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (34104).

113 - باب في الرجل يترجل عند اللقاء

113 - باب في الرَّجُلِ يَتَرجَّلُ عِنْد اللِّقاءِ 2658 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ عَنْ إِسْرائِيلَ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنِ البَراءِ قالَ: لَمّا لَقَيَ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- المُشْرِكِينَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فانْكَشَفُوا نَزَلَ، عَنْ بَغْلَتِهِ فَتَرَجَّلَ (¬1). * * * باب الرجل يترجَّل عند اللقاء [2658] (حدثنا) أبو محمد (عثمان بن أبي شيبة) الكوفي شيخ الشيخين (حدثنا وكيع) بن الجراح (عن إسرائيل) بن يونس (عن أبي إسحاق) اسمه عمرو بن عبد الله السبيعي (عن البراء) بن عازب (قال) ثم فسر المعنى فقال (لما لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- المشركين) يعني: جمع هوازن وبني النضير (يوم) غزوة (حنين فانكشفوا نزل) رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (عن بغلته) البيضاء التي أهداها له فروة بن نفاثة، بنون مضمومة، ثم فاء مخففة، ثم ألف، ثم ثاء مثلثة. قال العلماء: ركوبه -صلى الله عليه وسلم- البغلة في مواطن الحرب هو النهاية في الشجاعة والثبات، ولأنه أيضًا يكون معتمدًا عليه يرجع إليه المسلمون، وتطمئن قلوبهم به وبمكانه، وإلا فقد كانت له أفراس معروفة، وكذا كونه نزل إلى الأرض (¬2). (فترجل) أي: صار راجلًا كالمشاة حين غشوها، وهذِه مبالغة في ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2930)، ومسلم (1776). (¬2) انظر: "شرح النووي على مسلم" 12/ 114، و"فتح الباري" لابن حجر 8/ 30.

الثبات والشجاعة والصبر على عادة الشجعان في المنازلة، ولهذا قالت الصحابة: إن الشجاع منَّا الذي نلوذ بجانبه. وقيل: فعل ذلك مواساة لمن كان نازلًا على الأرض من المسلمين.

114 - باب في الخيلاء في الحرب

114 - باب في الخُيَلاءِ في الحَرْبِ 2659 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ وَمُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ -المَعْنَى واحِدٌ- قالا: حَدَّثَنا أَبانُ قالَ: حَدَّثَنا يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْراهِيمَ، عَنِ ابن جابِرِ بْنِ عَتِيكٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَتِيكٍ أَنَّ نَبي اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كانَ يَقُولُ: "مِنَ الغَيْرَةِ ما يُحِبُّ اللهُ وَمِنْها ما يُبْغِضُ اللهُ، فَأَمّا التَي يُحِبُّها اللهُ فالغَيْرَةُ في الرِّيبَةِ، وَأَمّا الغَيْرَةُ التَي يُبْغِضُها اللهُ فالغَيْرَةُ في غَيْرِ رِيبَةٍ، وَإِنَّ مِنَ الخُيَلاءِ ما يُبْغِضُ اللهُ وَمِنْها ما يُحِبُّ اللهُ، فَأَمّا الخُيَلاءُ التَي يُحِبُّ اللهُ فاخْتِيالُ الرَّجُلِ نَفْسَهُ عِنْدَ القِتالِ واخْتِيالُهُ عِنْدَ الصَّدَقَةِ، وَأَمّا التَي يُبْغِضُ اللهُ فاخْتِيالهُ في البَغْى". قالَ مُوسَى: "والفَخْرِ" (¬1). * * * باب في الخيلاء في الحرب [2659] (حدثنا مسلم بن إبراهيم) (¬2) الفراهيدي (وموسى بن إسماعيل) التبوذكي (المعنى واحد قالا: حدثنا أبان) بن يزيد (حدثنا يحيى) بن سعد (¬3) الأنصاري (عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث (عن ابن جابر) لعل اسمه عبد الرحمن (بن عَتيِك) بفتح العين المهملة وكسر التاء المثناة فوق، ابن قيس الأنصاري (عن جابر بن عَتيك، أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول) إن (من الغَيرة) بفتح الغين، وهو تغير القلب وهيجان ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 445، والدارمي (2272)، وابن حبان (4762). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1999). (¬2) رمز فوقها في (ل) للجماعة. (¬3) كذا في (ل)، والصواب: سعيد.

الحفيظة بسبب المشاركة في الاختصاص من أحد الزوجين بالآخر (ما يحب الله) وهي التي في محلها (ومنها ما يُبْغِض) بضم الياء أوله وكسر الغين (الله) وهي التي في غير محلها (فأما التي يحبها الله) تعالى (فالغيرة) التي (في الريبة) وهي التهمة؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ما من امرئ لا يغار إلا منكوس القلب. رواه أبو عمر النُّوقَاتِي (¬1) في كتاب "معاشرة الأهلين" من رواية عبد الله بن محمد، والظاهر أنه عبد الله بن محمد ابن الحنفية مرسلًا (¬2). وروى البزار (¬3) والدارقطني (¬4) من حديث علي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لفاطمة: "أي شيء خيرٌ للمرأة؟ " قالت: أن لا ترى رجلًا ولا يراها. فضمها إليه وقال: "ذرية بعضها من بعض". وكان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسدون الكوى والثقب في الحيطان؛ لئلا تطلع النساء إلى الرجال. وقال عمر: أعروا النساء يلزمن الحجال (¬5). وإنما قال ذلك لأنهن لا ¬

_ (¬1) في (ل): الرقاقي. والمثبت هو الصواب، وهو النوقاتي المحدث الحافظ الأديب، أبو عمر، محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان النوقاتي السجستاني. ونوقات: قرية من قرى سجستان. وله من التصانيف: "العلم والعلماء"، "التعظة"، "العتاب"، "صون المشيب"، "الرياحين"، "المسلسلات" توفي أبو عمر قبل الأربع مئة. انظر: "سير أعلام النبلاء" 17/ 144، "معجم البلدان" 5/ 311، "الأعلام" للزركلي 5/ 312. (¬2) الحديث أخرجه ابن أبي شيبة 9/ 502 (18009). (¬3) "مسند البزار" (526). (¬4) ذكره المقدسي في "أطراف الغرائب والأفراد" للدارقطني (5798). (¬5) رواه ابن الأعرابي في "معجمه" 2/ 623، والطبراني في "الكبير" 19/ 438، من=

يرغبن في الخروج في الهيئة الرثة، فينبغي أن لا تخرج المرأة إلا لمهم، فإن الخروج للنظارات يقدح في المروءة، وربما يفضي إلى الفساد. (وأما الغيرة التي يبغضها الله عزَّ وجلَّ فالغيرة في غير ريبة) لأن غيرة الرجل على أهله من غير ريبة من سوء الظن الذي نهينا عنه في قوله تعالى: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}. وقال علي: لا تكثر الغيرة على أهلك فترمى بالسوء من أجلك (¬1). (وإن من الخيلاء) بضم الخاء (¬2) وفتح الياء ممدود من الاختيال وهو التكبر واحتقار الناس (ما يبغض الله) عزَّ وجلَّ، أي: لا يرتضيه (ومنها ما يحب الله) عزَّ وجلَّ أي: يرتضيه (فأمَّا الخيلاء التي يحب الله) ويثيب عليه (فاختيال الرجل نفسه) نصب بحذف الجر، تقديره: بنفسه، أي: إظهار التكبر والعظمة والعزة على العدو (عند القتال) وهو أن يتقدم إلى الحرب بنشاط نفس وقوة جنان رغبة فيما عند الله، ولا يكبع (¬3) ولا يجبن خوفًا من الموت (واختياله عند الصدقة) بأن تهزه أريحية، السخاء والكرم، فيعطيها طيبة بها نفسه شاكرًا لله على توفيقه لإخراجها، راغبًا ¬

_ =حديث مسلمة بن مخلد -رضي الله عنه- مرفوعًا، وقال الهيثمي في "المجمع" 5/ 138: رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" وفيه مجمع بن كعب ولم أعرفه وبفية رجاله ثقات. وقال الشوكاني في "الفوائد المجموعة" (ص 135): لا أصل له. وقال الألباني في "الضعيفة" 6/ 350: ضعيف جدًا. (¬1) ذكره الغزالي في "إحياء علوم الدين" 2/ 46، ورواه أحمد في "الزهد" (217) عن يحيى بن أبي كثير قال: قال سليمان بن داود عليه السلام ... فذكره مطولًا. (¬2) في (ل): الخيلاء. والمثبت هو الصواب. (¬3) في (ل): يلغ. والمثبت هو الصواب كما في "معالم السنن".

في قبول ثوابه من غير من ولا أذى يسقطان أجرها (وأما) الخيلاء (التي يبغض الله) تعالى (فاختياله) على الغير (في البغي) والاستطالة عليه والتكبر، ومنه قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الأولى قد بغوا علينا" (¬1) أي: استطالوا علينا وظلمونا. وأصل البغي الفساد. (قال موسى) بن إسماعيل شيخ أبي داود (و) اختياله في (الفخر) وهو التطاول وتعدد لباقته كبرًا، وإنما أبغض الله هذِه الخصال لأنها تحمل صاحبها على الأنفة من القريب الفقير والجار المسكين، وغيرهم من الثمانية الذين ذكرهم الله في الآية، فيضيع ما أمره الله من الصدقة عليهم. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2837)، ومسلم (1803).

115 - باب في الرجل يستأسر

115 - باب في الرَّجُلِ يُسْتَأْسَرُ 2660 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ -يَعْنَي: ابن سَعْدٍ- أَخْبَرَنا ابن شِهابٍ أَخْبَرَنَي عَمْرُو بْن جارِيَةَ الثَّقَفي -حَلِيفُ بَنَي زُهْرَةَ-، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عشَرَةَ عَيْنًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عاصِمَ بْنَ ثابِتٍ، فَنَفَرُوا لَهُمْ هُذَيْلْ بِقَرِيبٍ مِنْ مِائَةِ رَجُلٍ رامٍ، فَلَمّا أَحَسَّ بِهِمْ عاصِمٌ لَجَئُوا إِلى قَرْدَدٍ فَقالُوا لَهُمُ: انْزِلُوا فَأَعْطُوا بِأَيْدِيكُمْ وَلَكُمُ العَهْدُ والمِيثاقُ أَنْ لا نَقْتُلَ مِنْكُمْ أَحَدًا. فَقالَ عاصِمٌ: أَمّا أَنا فَلا أَنْزِلُ في ذِمَّةِ كافِرٍ. فَرَمَوْهُمْ بِالنَّبْلِ، فَقَتَلُوا عاصِمًا في سَبْعَةِ نَفَرٍ، وَنَزَلَ إِلَيْهِمْ ثَلاثَةُ نَفَرٍ عَلَى العَهْدِ والمِيثاقِ مِنْهُمْ خبَيْبٌ وَزَيْدُ بْنُ الدَّثِنَةِ وَرَجُلٌ آخَرُ، فَلَمّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ أَطْلَقُوا أَوْتارَ قِسِيِّهِمْ فَرَبَطُوهُمْ بِها، فَقالَ الرَّجُلُ الثّالِثُ: هذا أَوَّل الغَدْرِ، والله لا أَصْحَبُكُمْ إِنَّ لَي بهؤلاء لأُسْوَةً. فَجَرُّوهُ فَأَبَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ، فَقَتَلُوهُ، فَلَبِثَ خُبَيْبٌ أَسِيرًا حَتَّى أَجْمَعُوا قَتْلَهُ، فاسْتَعارَ مُوسَى يَسْتَحِدُّ بِها، فَلَمّا خَرَجُوا بِهِ لِيَقْتُلُوهُ قالَ لَهُمْ خُبَيْبٌ: دَعُوني أَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قالَ: والله لَوْلا أَنْ تَحْسِبُوا ما بي جَزَعًا لَزِدْتُ (¬1). 2661 - حَدَّثَنا ابن عَوْفٍ، حَدَّثَنا أَبُو اليَمانِ أَخْبَرَنا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرَيِّ أَخْبَرَني عَمْرُو بْن أَبِي سُفْيانَ بْنِ أَسِيدِ بْنِ جارِيةَ الثَّقَفي -وَهُوَ حَلِيفٌ لِبَنَي زهْرَةَ- وَكانَ مِنْ أَصْحابِ أَبي هُرَيْرَةَ فَذَكَرَ الحَدِيثَ (¬2). * * * باب في الرجل يُسْتَأْسَر بضم أوله وفتح السين الثانية أي: يصير أسيرًا لغيره باختياره. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3989). (¬2) رواه البخاري (3045).

[2660] (حدثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (حدثنا إبراهيم (¬1)، يعني ابن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (أخبرنا) محمد (بن شهاب) الزهري (أخبرني عمرو بن) أبي سفيان بن أسيد بن (جارية) بالجيم والمثناة تحت بعد الراء (الثقفي، حليف بني زهرة) قال بعضهم: أسيد بن جارية صحابي أسلم يوم الفتح وشهد حنينًا (¬2) (عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشرة) رجال سرية (عينًا) أي: جاسوسًا (وأمَّر عليهم عاصم بن ثابت) بن أقلح بفتح الهمزة وسكون القاف وبالمهملة، الأنصاري، جد عاصم بن عمر بن الخطاب لأمه؛ لأن أم عاصم بن عمر هي بنت عاصم بن ثابت واسمها جميلة بفتح الجيم. زاد البخاري: حتى إذا كانوا بالهدأة (¬3). وهي بين عسفان ومكة وذُكروا لحي من هذيل، يقال لهم بنو لحيان (فنفروا لهم) أي: انطلقوا، ونهضوا إليهم (هذيل بقريب من مائة رجل) ورواية البخاري: قريبًا من مائتي رامٍ رجل، ويجمع بين الحديثين أن رواية المصنف: مائة رجل لم يحسب فيها كسر السنين، بل اعتبر المائة الكاملة، ورواية البخاري حسبة كل منهم (رامٍ) زاد البخاري: فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مآكلهم تمرًا تزودوه من المدينة، فقالوا: هذا تمر يثرب، فاقتصوا آثارهم (فلما أحس بهم) زاد البخاري: فلما رآهم (عاصم) ¬

_ (¬1) رمز فوقها في (ل): (ع). (¬2) انظر: "الاستيعاب" 1/ 189. (¬3) "صحيح البخاري" (3045).

وأصحابه (لجؤوا) أي: التجؤوا (إلى قَرْدَد) بفتح القاف وسكون الراء ودال مهملة مكررة الأولى مفتوحة، أي: تحصنوا منهم برابية مشرفة على وهدة. قال الجوهري (¬1): القردد: المكان الغليظ المرتفع، وإنما أظهر لأنه ملحق بفعلل، والملحق لا يدغم. ورواية البخاري: لجؤوا إلى فدفد بفاء مكررة، وهو بمعناه، وقيل: هو الأرض المستوية، وهو الذي ذكره الجوهري. وفيه دليل على جواز فرار الواحد من العشرة على رواية أبي داود: بقرب من مائة رامٍ. وأما رواية البخاري: من مائتي رجل. فهو أولى بالفرار. وعلى رواية أبي داود فلعل هذا قبل أن ينزل التخفيف بقوله تعالى: {وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ}. وفيه دليل على التحصن من العدو بالصعود إلى حصن أو جبل ونحو ذلك إذا علموا أنهم لا يقدرون عليهم. وفي رواية البخاري: وأحاط بهم القوم. (فقالوا لهم: انزلوا فأعطوا بأيديكم) أي: سلموا أنفسكم، فالباء زائدة كقوله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14)} واليدين بمعنى النفس، عبَّر بالبعض عن الكل، سمي بذلك لأن المستسلم يلقي السلاح بيديه، ونظيره قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} التقدير: لا تدخلوا أنفسكم الهلاك (ولكم) منا (العهد والميثاق) أن لا نقتلكم (أن لا نقتل منكم أحدًا) إذا سلمتم أنفسكم بلا قتال. ¬

_ (¬1) "الصحاح في اللغة" 2/ 86.

(فقال عاصم) بن ثابت أمير السرية (أما أنا فلا أنزل) فيه دليل على أنهم كانوا في مكان مرتفع. رواية البخاري: فوالله لا أنزل اليوم (في ذمة) أي: في عهد (كافر) فيه الدليل على جواز الأخذ بالأشد ويمتنع بالشدة وألا يأبه من الأسر والأنفة من أن يجري عليه ملك كافر، قال الثوري: أكره للأسير أن يمكن من نفسه إلا مجبورًا (¬1)، لاسيما من كان كبير القوم ممن يتأسى به (فرموهم بالنبل) وهي السهام العربية (فقتلوا عاصمًا في سبعة نفر) أي: في جملة سبعة نفر منهم (ونزل إليهم ثلاثة نفر على العهد والميثاق) المتقدم (منهم: خُبَيب) بضم المعجمة وفتح الباء الموحدة الأولى وسكون التحتانية، ابن عدي الأنصاري (وزيد بن الدَّثِنَّة) بفتح الدال المهملة وكسر المثلثة وقد تسكن، وبفتح النون المخففة وقد تشدد، البياضي الأنصاري، (ورجل آخر) هو عبد الله بن طارق الظفري. فيه أنه جائز أن يسلم الرجل نفسه أسيرًا إذا أراد أن يأخذ برخصة الله في إحياء نفسه. قال الحسن البصري: لا بأس أن يستسلم الرجل إذا خاف أن يغلب (¬2). (فلما استمكنوا منهم أطلقوا) أي: حلوا (أوتار قسيهم فربطوهم بها، فقال الرجل الثالث) منهم (هذا أول الغدر) الذي أنتم أهله (والله لا أصحبكم) أبدًا (إن لي بهؤلاء) السبعة الذين قتلتموهم (لأسوة) بالنصب ¬

_ (¬1) في (ل): مجبور. والصواب ما أثبتناه. (¬2) انظر: "شرح البخاري" لابن بطال 5/ 207 بلفظ: يستأنس، "عمدة القاري" 14/ 294 بلفظ: يستأسر.

اسم (إن) قدم عليه الخبر أي: هم قدوة لي في أن أقتل] (¬1) كما قتلوا (فجروه) على أن يأخذوه أسيرًا (فأبى أن يصحبهم) بعدما عالجوه (فقتلوه) فانطلقوا بخبيب. (فلبث خبيب) معهم (أسيرًا) وابن الدثنة، في رواية البخاري: حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر، فابتاع خبيبًا بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف، وكان خبيب هو قتل الحارث بن عمرو يوم بدر (حتى أجمعوا) أي اجتمع رأيهم على (قتله، فاستعار) من بنت الحارث (موسى) وهو ما يحلق به، من أوسيت رأسه إذا حلقته بالموسى على وزن مفحل فعلى هذا ينصرف، ومن قال هو فعلى فهو مؤنث لا ينصرف على خلاف البصريين، وفيه دليل على صحة العارية من المحارب (يستحد بها) أي: يحلق شعر عانته بالحديدة. وفيه دليل على أن حلق العانة لا يسقط عن الأسير إذا تمكن منه. وعلى استحباب الاستحداد للأسير الذي يقتل لئلا يطلع منه على قبح عورته، وفي رواية البخاري: فأعارته، يعني بنت الحارث، قالت: فأخذ ابنا لي وأنا غافلة، قالت: فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده ففزعت فزعة عرفها خبيب في وجهي، فقال: تحسبين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك، والله ما رأيت أسيرًا قط مثل خبيب، والله لقد وجدته يوما يأكل قطف عنب في يده وإنه لموثق في الحديد وما بمكة من ثمر، وكانت تقول: إنه لرزق من الله رزقه خبيبًا (فلما خرجوا به) من الحرم (ليقتلوه) في الحل (قال لهم خبيب: دعوني أركع) بالجزم ¬

_ (¬1) هنا ينتهي السقط من (ر) المشار عليه آنفًا.

جواب الأمر (ركعتين) فتركوه فركع ركعتين. فيه استنان ركعتين لكل من قتل صبرًا (ثم قال: والله لولا أن تحسبوا أن ما بي جزعًا) قال القاضي عياض: والوجه جزعًا مفعول ثانٍ لتحسبوا وما في المفعول الأول وفي بعضها: تحسبوا ما بي جزع. أي: بالرفع (¬1) (¬2). ¬

_ (¬1) "مشارق الأنوار" 2/ 365. (¬2) للحديث إسناد آخر عند أبي داود -مستدرك من المطبوع- قال: حدثنا: ابن عوف، حدثنا: أبو اليمان، أخبرنا: شعيب، عن الزهري، أخبرنى: عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفى -وهو حليف لبنى زهرة- وكان من أصحاب أبي هريرة فذكر الحديث.

116 - باب في الكمناء

116 - باب في الكُمَناءِ 2662 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن مُحَمَّدٍ النُّفيلَيُّ، حَدَّثَنا زهَيْرٌ، حَدَّثَنا أَبُو إِسْحاقَ سَمِعْتُ البَراءَ يُحَدِّثُ قالَ: جَعَلَ رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى الرُّماةِ يَوْمَ أُحُدٍ -وَكانُوا خَمْسِينَ رَخلاً- عَبْدَ اللهِ بْنَ جُبَيْرٍ وقالَ: "إِنْ رَأَيْتُمُونا تَخَطَّفُنا الطَّيْرُ فَلا تَبْرَحُوا مِنْ مَكانِكُمْ هذا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ، وَإِنْ رَأَيْتُمُونا هَزَمْنا القَوْمَ وَأَوْطَأْناهُمْ فَلا تبرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ". قالَ: فَهَزَمَهُمُ اللهُ. قالَ: فَأَنا والله رَأَيْتُ النِّساءَ يَشْتَدِدْنَ عَلَى الجَبَلِ، فَقالَ أَصْحابُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُبَيْر الغَنِيمَةَ: أي قَوْمِ الغَنِيمَةَ ظَهَرَ أَصْحابُكُمْ فَما تَنْتَظِرُونَ؟ ! فَقالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ جُبَيْرٍ: أَنَسِيتُمْ ما قالَ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-؟ فَقالُوا: والله لَنَأْتِيَنَّ النّاسَ فَلَنصِيبَنَّ مِنَ الغَنِيمَةِ. فَأَتَوْهُمْ فَصُرِفَتْ وُجُوهُهُمْ وَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ (¬1). * * * باب في الكُمَناء الكمناء بضم الكاف والمد جمع كمين كبخيل وبخلاء وكريم وكرماء، والكمين في الحرب: هم القوم (¬2) يختفون في مكان أو أمكنة يتطلبون عدة العدو ليظهروا عليهم، ويستحب للأمير أن يتبع مكامن العدو الذي كمنوا فيها. [2662] (حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي، حدثنا زهير) (¬3) بن معاوية (حدثنا أبو إسحاق) السبيعي (سمعت البراء يحدث قال: جعل رسول الله ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3039). (¬2) في (ر): الذين. (¬3) رمز فوقها في (ل): (ع).

-صلى الله عليه وسلم- على الرماة) وهم خمسون رجلًا، والجميع سبعمائة رجل (يوم أحد) وكان يوم السبت لإحدى عشرة ليلة خلت من شوال سنة ثلاث (وكانوا خمسين رجلًا) كلهم رماة، وأمر عليهم (عبد الله بن جبير) أخا بني عمرو بن عوف، وهو معلم يومئذٍ بثياب بيض (وقال) اثبت مكانك لا نؤتين من قبلك (إن رأيتمونا تَخْطَفُنَا الطير) بإسكان الخاء وتخفيف الطاء المفتوحة، ويروى بفتح الخاء وتشديد الطاء هو من باب ضرب المثل يريد به الهزيمة، أي: إن رأيتمونا انهزمنا فلا تفارقوا مكانكم، وفيه دليل على جواز المبالغة في الكلام وضرب المثل كما ضرب الله المثل في قوله تعالى: {فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ}. (فلا تبرحوا من مكانكم هذا حتى أرسل إليكم) لما يعتمد (وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم) الهمزة فيه للتعريض. أي: جعلناهم في معرض الدوس التي يمشى عليهم، ويوطأ عليهم بالأقدام وهم قتلى بالأرض (فلا تبرحوا) من مكانكم هذا (حتى أرسل إليكم، فهزمهم الله) أي: هزم الله المشركين وولوا على أدبارهم لا يلوون على شيء، ونساؤهم يدعون بالويل، وتبعهم المسلمون. (قال) البراء: وقال عبد الله بن الزبير (فأنا والله رأيت النساء) يعني: هند بنت عتبة وصواحبها (يشْتدِدْن) بشين معجمة وكسر الدال الأولى. أي: يجرين على الكفار، يقال: شد عليه في الحرب إذا حمل عليه، وروي بسين مهملة ثم نون ودال أي: يمشين في سند (¬1) الجبل يردن ¬

_ (¬1) في (ر): مشية، والمثبت من (ل).

أن يرقين (على الجبل) فرارًا من المسلمين، وفي رواية البخاري (¬1): قد بدت خلاخلهن وأسواقهن رافعات ثيابهن. (فقال أصحاب عبد الله بن جبير: الغنيمة) منصوب على الإغراء. أي: دونكم الغنيمة (أي: قوم) فيه دليل على جواز النداء بأي المخففة. أي: يا قوم (الغنيمة) منصوب أيضًا كما تقدم (ظهر) أي: غلب (أصحابكم) المشركون (فماذا تنتظرون) في تأخركم عن الغنيمة. (فقال عبد الله بن جبير) حين وقع المسلمون في انتهاب العسكر وأخذ الغنائم وثبت هو في نفر معه دون العشرة مكانه، وقال: لا أجاوز أمر رسول الله، وقالوا: لم يرد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا، وقد انهزم المشركون، وجعل يعظ أصحابه ويذكرهم، ويقول: (أنسيتم ما قال لكم رسول الله؟ قالوا) قد انهزم المشركون (¬2) فما مقامنا عنه (والله لنأتين الناس) الذين يصيبون من الغنيمة (فلنصيبن من الغنيمة) كما يصيبون (فأتوهم) أي (¬3): فلما نظر خالد بن الوليد وكان قبل إسلامه إلى خلاء الجبل الذي أمرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يثبتوا فيه وقلة أهله لانصرافهم إلى الغنيمة عنه فكرَّ بالخيل الذين معه، وتبعه عكرمة بن أبي جهل، فأتوا إلى عبد الله بن جبير والذين معه دون العشرة وحملوا عليهم، فقتل الأمير عبد الله بن جبير، وانتقضت صفوف المسلمين (فصرفت وجوههم) عن القتال (فأقبلوا (¬4) منهزمين) وحالت الريح ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (3039). (¬2) في (ر): المسلمون، والمثبت من (ل). (¬3) ساقطة من (ر). (¬4) ساقطة من (ل).

وصارت دبورًا بعد أن كانت صبا، وإنما صرفت وجوههم عقوبة من الله لمخالفتهم أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعصيانهم قوله وأمره كما قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ولهذا ذكر البخاري في تبويب هذا الحديث: عقوبة من عصى إمامه (¬1). وأما تبويب أبي داود في الكمناء لما انصرفوا عن الجبل الذي أمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالثبات فيه ظهر لهم كمائن من خلفهم وأتوا من الجهة التي وصاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بها وصرخ الصارخ. ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" 4/ 65، قبل حديث (3038).

117 - باب في الصفوف

117 - باب في الصُّفُوفِ 2663 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن سِنانٍ، حَدَّثَنا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرَيُّ حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن سُلَيْمانَ بْنِ الغَسِيلِ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبي أُسَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ اصْطَفَفْنا يَوْمَ بَدْرٍ: "إِذا أَكْثَبُوكُمْ -يَعْنَي: إِذا غَشُوكُمْ- فارْمُوهُمْ بِالنَّبْلِ واسْتَبْقُوا نَبْلَكُمْ" (¬1). * * * باب في الصفوف [2663] (حدثنا أحمد بن سنان) القطان (حدثنا أبو أحمد) محمد بن عبد الله (الزبيري) بضم الزاي (حدثنا عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل) أي: غسلته الملائكة حين استشهد جنبًا، غسيل الملائكة واسمه حنظلة (عن حمزة بن أبي أُسَيد) مصغر، واسمه مالك بن ربيعة (عن أبيه) أبي أسيد مالك بن ربيعة بن البدن بفتح الباء والدال، ثم نون، الساعدي. (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين اصطففنا) للقتال (يوم بدر) فيه دليل على استحباب التصاف في القتال صفًّا واحدًا إن أمكن، وضم بعضهم إلى بعض، فإن الله يحب من ثبت في القتال ويلزم مكانه كثبوت البناء المرصوص، وقد تقدم في الصلاة حديث أنس (¬2): "رصوا صفوفكم وقاربوا بينها، فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنها الحذف" بفتح الحاء المهملة والذال المعجمة، وهي غنم صغار، فشبه الشياطين الداخلة في خلل الصفوف بالغنم الصغار، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2900). (¬2) رقم (667).

فيدخل في عموم هذا الحديث الاصطفاف في الصلاة وفي القتال، وقيل: المراد بالاصطفاف استواء الثبات في الحرب حتى يكونوا في اجتماع الكلمة وموالاة بعضهم كالبناء كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "أمتي كالبنيان يشد بعضه بعضًا" (¬1). ذكر أبو عبيد الهروي في حديث آخر: "كثبوكم"، وقال: فلعلهما لغتان (إذا أكثبوكم) أي: كاثروكم كرواية البخاري وأبي (¬2) داود، وهذا التفسير ليس معروفًا في اللغة، والمعروف: قاربوكم من الكثب بفتح المثلثة وهو القرب، يقال: رماه من كثب. أي: قرب، والهمزة في أكثبوكم لتعدية كثب، فكذلك عداها إلى ضميرهم، لكن فسرها أبو داود بقوله: (يعني غشوكم) بضم الشين (فارموهم بالنبل) وهي السهام العربية، وهي لطاف ليست بطوال كسهام النشاب، والخشبان أصغر من النبل، وهي التي يرمى بها عن القسي الكبار في مجاري من خشب، واحدها خشبانة يريد إذا دنوا منكم بحيث يصلهم نبلكم فارموهم، ولا ترموهم على بعد، وهو معنى قوله: (واستبقوا نبْلكم) بسكون الموحدة، فإنه إذا رمى عن البعد سقط على الأرض أو في البحر فذهب سهام الرامي، ولم يحصل بها نكاية في العدو، وإذا صانها عن ذلك استبقاها لوقت الحاجة إليها عند القرب، وعلى هذا فقوله: ارموهم بالنبل ثلاث ببعض النبل، واستبقوا البعض للحاجة إليها عند القرب. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (481)، ومسلم (2585) من حديث أبي موسى الأشعري بلفظ: "المؤمن للمؤمن كالبنيان ... ". (¬2) في (ل)، (ر): وأبو. والمثبت هو الصواب.

118 - باب في سل السيوف عند اللقاء

118 - باب في سَلِّ السُّيُوفِ عِنْدَ اللِّقاءِ 2664 - حَدَّثَنا محَمَّد بْن عِيسَى، حَدَّثَنا إِسْحاقُ بْن نَجِيحٍ -وَلَيْسَ بِالَملْطَيِّ- عَن مالِكِ ئنِ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيدٍ السّاعِدَيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قالَ: قالَ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ بَدْرٍ: "إِذا أَكْثَبُوكُمْ فارْمُوهُمْ بِالنَّبْلِ وَلا تَسُلُّوا السُّيُوفَ حَتَّى يَغْشَوْكُمْ" (¬1). * * * باب سل السيوف عند اللقاء [2664] (حدثنا محمد بن عيسى) الطباع (حدثنا إسحاق بن نجيح) وهو مجهول ولم يصب من قال أنه الملطي (عن مالك بن حمزة بن أبي أسيد الساعدي، عن أبيه) أبي أسيد، واسمه مالك بن ربيعة (عن جده) أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر: إذا أكثبوكم فارموهم بالنبل، ولا تسلوا السيوف) فيه النهي عن سل السيوف في غير وقت القتال، وتقدم النهي عن تعاطيه مسلولًا، وفي معناه إلتقافه مسلولًا والمشي به مسلولًا، وكذا إذا كان العدو بعيدًا لا يسل (حتى يَغْشَوكم) بفتح الشين المعجمة. أي: يدنو منكم، وكل ذلك [لما يخشى] (¬2) من الجرح به. وفيه ترويع المسلم، وفيه فساد له من الهوى وغيره. ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 9/ 155. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (457). (¬2) ساقطة من (ر).

119 - باب في المبارزة

119 - باب في المُبارَزَةِ 2665 - حَدَّثَنا هارُون بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن عُمَرَ، أَخْبَرَنا إِسْرائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحاقَ، عَنْ حارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، عَنْ عَلَيٍّ قالَ: تَقَدَّمَ -يَعْنَي: عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ - وَتَبِعَهُ ابنهُ وَأَخُوهُ فَنادى مَنْ يُبارِزُ؟ فانْتَدَبَ لَهُ شَبابٌ مِنَ الأَنْصارِ، فَقالَ: مَنْ أَنْتُمْ فَأَخْبَرُوهُ فَقالَ: لا حاجَةَ لَنا فِيكُمْ، إِنَّما أَرَدْنا بَنَي عَمِّنا. فَقالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "قُمْ يا حَمْزَةُ قُمْ يا عَلَيُّ قُمْ يا عُبَيْدَةُ بْنَ الحارِثِ". فَأَقْبَلَ حَمْزَةُ إِلى عُتْبَةَ وَأَقْبَلْتُ إِلى شَيْبَةَ واخْتُلِفَ بَيْنَ عُبَيْدَةَ والوَلِيدِ ضَرْبَتانِ فَأَثْخَنَ كُلُّ واحِدٍ مِنْهُما صاحِبَهُ ثُمَّ مِلْنا عَلَى الوَلِيدِ فَقَتَلْناهُ واحْتَمَلْنا عُبَيْدَةَ (¬1). * * * باب في المبارزة [2665] (حدثنا هارون بن عبد الله، حدثنا عثمان بن عمر، حدثنا إسرائيل) بن يونس قال أبو حاتم (¬2): هو من أتقن أصحاب أبي إسحاق. (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن حارثة) بحاء مهملة (ابن مُضَرِّب) بفتح الضاد المعجمة وتشديد الراء، ثم باء موحدة (عن علي -رضي الله عنه- قال: تقدم -يعني عتبة بن ربيعة- وتبعه ابنه) الوليد بن عتبة (وأخوه) شيبة بن ربيعة ونصلوا من الصف (فنادوا من يبارز) وفي رواية: فنادى -يعني: عتبة- من يبارز (فانتدب إليه) أي: أجاب نداءه (شباب) أي: فتية (من الأنصار) ثلاثة وهم عوف ومعوذ ابنا الحارث - وأمهما ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 117، والحاكم 3/ 194، والبيهقي 3/ 276. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2392). (¬2) "الجرح والتعديل" 1/ 66.

عفراء- ورجل آخر يقال هو عبد الله بن رواحة، فيه استحباب الخروج إلى الكافر إذا طلب من يبارزه؛ لأن في التأخر عن الخروج إليه إضعافًا (¬1) للمسلمين وتقوية للكافرين، وإنما يحسن ذلك ممن جرب نفسه فعرف قوته في المحاربة، لكن لا يخرج مديون ومن لم يأذن له أبواه ولا عبد بغير إذن سيده. وفيه دليل على جواز الخروج بغير إذن الإمام إذا لم يذكر هنا إذن. (فقال) ربيعة، وهذا يرجح رواية: فنادى يعني: ربيعة (من أنتم؟ فأخبروه) أي: قالوا: نحن رهط من الأنصار (فقال: لا حاجة لنا فيكم) لأنهم لما أجابوا بأنهم فتية من الأنصار أنفوا من مبارزتهم (إنما أردنا) أن يخرج إلينا (بني عمنا) الذين هم من قومنا وأكفاء لنا. (فقال رسول الله: قم يا حمزة) فيه تعيين الإمام من يخرج للمبارزة، (قم يا علي، قم يا عبيدة) بضم العين مصغر، ويجوز ضم آخره على أصل نداء المفرد العلم، ويجوز الفتح على إتباع ما بعده وهو ابن، وطلبًا للتخفيف، وأما (ابن) ففيه الفتح فقط (الحارث) بن المطلب بن عبد مناف. وعن علي -رضي الله عنه- قال: في وفي حمزة وعبيدة بن الحارث وعتبة وشيبة والوليد بن عتبة نزلت {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} حين تبارزوا يوم بدر، فقال عتبة عند ذلك: أكفاء كرام (¬2). وفيه دليل على استحباب الخروج وتأكده إذا عينه الإمام المطلع على حال الجيش وقوتهم وضعفهم. (فأقبل حمزة إلى عتبة) فبارزه (وأقبلت) ¬

_ (¬1) في (ل)، (ر): إضعاف. والمثبت هو الصواب. (¬2) أخرجه البخاري (3965)، ومسلم (3033) بنحوه.

يعني: عليًّا (إلى شيبة) فبارزه، وأقبل عبيدة -وكان أسن القوم إلى الوليد- فبارزه، هذا أصح الروايات، لكن الذي في السير أن الذي بارزه علي هو الوليد، وهو المشهور وهو اللائق بالمقام. وروى الطبراني (¬1) بإسناد حسن، عن علي قال: أعنت أنا وحمزة عبيدة بن الحارث على الوليد بن عتبة فلم يعب النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك علينا. وهو موافق لرواية المصنف. وفيه إعانة المبارز رفقته. وفي رواية البزار (¬2): فلم يلبث حمزة صاحبه. أي: لم يمهل حمزة أن قتل صاحبه شيبة وفرغ منه. (واختلف بين عتبة و) بين (الوليد ضربتان) هذا هو الصواب، وفي بعض النسخ: ضربتين (فأثخن) رواية البزار: فانتحر (كل واحد منهما صاحبه) وفيها قال -يعني: عليًّا- فأقبلت أنا وحمزة إليهما (ثم مِلْنَا) بأسيافنا (على الوليد) بن عتبة (فقتلناه) فيه دليل على أن معاونة المبارز جائزة إذا أثخنه بالجراح وتبعه ليقتله أو افترقا فقد انقضى قتالهما، فللمسلمين أن يحولوا بينه وبينه، فإن قاتلهم قاتلوه؛ لأنه إذا منعهم إنقاذه فقد نقض أمانه، فإن قاتله على أن لا يقاتله غيره وفَّى بذلك، ألا ترى أن عبيدة لما أثخن أعانه علي وحمزة، هذا مذهب الجمهور. وذكر الأوزاعي أنه ليس للمسلمين معاونة صاحبهم وإن أثخن بالجراح؛ لأن المبارزة إنما تكون هكذا. (واحتملنا عبيدة) أي: احتمل حمزة وعلي صاحبهما عبيدة فحازاه إلى أصحابه. ¬

_ (¬1) "المعجم الكبير" (2955). (¬2) "مسند البزار" (719).

120 - باب في النهي عن المثلة

120 - باب في النَّهْي عَنِ المُثْلَةِ 2666 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ عِيسَى وَزِيادُ بْنُ أَيُّوبَ قالا: حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنا مُغِيرَةُ، عَنْ شِباكٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ هُنَي بْنِ نُوَيْرَةَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَعَفُّ النّاسِ قِتْلَةً أَهْلُ الإِيمانِ" (¬1). 2667 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنا مُعاذُ بْن هِشامٍ، حَدَّثَنَي أَبي، عَنْ قَتادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنِ الهَيّاجِ بْنِ عِمْرانَ أَنَّ عِمْرانَ أَبَقَ لَهُ غلامٌ فَجَعَلَ لله عَلَيهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ لَيَقْطَعَنَّ يَدَهُ، فَأَرْسَلَنَي لأَسْأَلَ لَهُ، فَأَتَيْتُ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدَبٍ فَسَأَلْتُهُ، فَقالَ: كانَ نَبي اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَحُثُّنا عَلَى الصَّدَقَةِ وَيَنْهانا عَنِ المُثْلَةِ، فَأَتَيْتُ عِمْرانَ بْنَ حُصَيْنٍ فَسَأَلْتُهُ، فَقالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَحُثُّنا عَلَى الصَّدَقَةِ وَيَنْهانا عَنِ المُثْلَةِ (¬2). * * * باب النهي عن المُثْلة بضم الميم وسكون المثلثة، ويجوز ضمها أيضًا. وهي ما يفعل بالقتلى من التشويه. [2666] (حدثنا محمد بن عيسى) بن نجيح الطباع، ثقة، قال النسائي (¬3): ثقة (وزياد بن أيوب) بن زياد (قالا: حدثنا هشيم) بن بشير (حدثنا مغيرة) بن مقسم الضبي (عن شِباك) بكسر الشين المعجمة ثم ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (2681)، (2682)، وأحمد 1/ 393. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (1232). (¬2) رواه أحمد 4/ 428، وعبد الرزاق (15819)، والطبراني 18/ 216 - 217 (541 - 543). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2393). (¬3) تاريخ بغداد 2/ 396.

باء موحدة، الضبي، روى (¬1) له النسائي، وابن ماجه. وثقه النسائي (¬2). (عن إبراهيم) بن يزيد النخعي (عن هُنَيّ) بفتح النون مصغر (بن نُوَيرة) بضم النون مصغر الضبي مقبول (عن علقمة، عن عبد الله) بن مسعود. (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أعفُّ الناس) أي: أكفهم عما لا يحل فعله وأرحمهم بالناس في (قِتْلةً) والعفاف والعفة ترك ما لا يجوز قتله، والقتلة بكسر القاف؛ لأن المراد هنا هيئة القتل التي لا يحل فعلها من تشويه المقتول وإطالة تعذيبه، فأكثر الناس عهدًا بهذِه الخصال (أهلُ الإيمان) لما جعل الله في قلوبهم من الرحمة والشفقة لجميع خلقه بخلاف أهل الكفر. [2667] (حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي) يعني: هشام بن أبي عبد الله، واسمه سنبر (عن قتادة، عن الحسن) البصري، روى عن عمران بن حصين (عن الهَيَّاج) بفتح الهاء وتشديد المثناة تحت (بن عمران: أن عمران) بن حصين والده (أبَق) بفتح الباء (له غلام) وفيه أنه لا يقال عبدي بل غلامي وخادمي وفتاي (فجعل لله عليه) هذا من صيغ (¬3) النذر الئن قدر عليه ليقطعن يده) وقطع اليد معصية؛ لأنه من المثلة المنهي عنها، وفي الصحيح: "لا نذر في معصية" (¬4). (فأرسلني) فيه جواز الاستنابة في الاستفتاء، وأنه لا يجوز ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) انظر: "تهذيب الكمال " 12/ 350. (¬3) في (ل)، (ر): منع، والمثبت هو الموافق للسياق. (¬4) مسلم (1641)، والبخاري (6700) بنحوه.

الاعتماد على الخبر المظنون مع القدرة على المقطوع به؛ لأن عمران اقتصر على قول ابنه الهياج مع تمكنه من سؤال سمرة، ويحتمل أنه أرسله لعذر كان به. وفيه دليل على قبول الواحد؛ لأن عمران أمر الهياج بالسؤال ليقبل خبره. (لأسأل له) فيه دليل على السؤال عما لا يعلم؛ لقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} (¬1) (فأتيت سمرة بن جندب) فيه فضيلة المشي إلى أهل العلم والتردد إليهم. فيه محذوف تقديره: فسألت سمرة بن جندب (فكان نبي الله يحثنا) أي: يحضنا، كذا فسره الجوهري (¬2). والحض طلب بتأكيد (على الصدقة) فيه تعظيم فضيلة الصدقة والإكثار منها على المساكين، وقد ذم الله تعالى من لم يحض على إطعام المسكين والصدقة عليه، وفيه دليل على أنه يستحب للعالم والمفتي إذا سئل عن شيء وعلم أن بالسائل حاجة تتعلق بالمسئول عنه لم يذكره السائل أن يذكره له ويعلمه إياه؛ لأنه سأله عن قطع يد العبد الآبق فأجاب بأنه لا يجوز؛ لأنه مثلة، والمثلة منهي عنها، والسائل إنما التزم قطع يده لكونه أبق، والإباق سبب للعقوبة، والعفو عن الآبق معلوم، فذكر له ما هو أعلى منه، وهو الصدقة عليه بالمال وغيره والعفو عنه من جملة الصدقة عليه. (وينهانا عن المُثلة) بضم الميم كما تقدم، قال أبو عمر (¬3): والمثلة قطع الأنف والأذن وغيرهما مما يشوه بالآدمي. ¬

_ (¬1) النحل: 43. (¬2) "الصحاح في اللغة" 1/ 301. (¬3) "التمهيد" 24/ 234.

وقال غيره: هو النكال، وإذا نهي عن المثلة ففعلها معصية، وفي الصحيح: "لا نذر في معصية الله". فلا يصح نذر المعصية. وإذا قلنا أن نذر المعصية لا يصح فالأحسن أن لا يفعل المعصية المنذورة وهو قطع اليد هنا، وإذا لم يفعله فلا تلزمه الكفارة على المشهور. وفيه قول عن الربيع أنها تلزمه، واختاره البيهقي للحديث الذي رواه أبو داود: "لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين" (¬1). وقد اكتفى سمرة -رضي الله عنه- على عدم صحة النذر لكونه منهيًّا عنه. وروى حديث الباب أحمد في مسنده (¬2) وذكر البعثة، ولفظه: كان يحث في خطبته على الصدقة وينهى عن المثلة. فأفاد أن قوله: كان يحثنا علي في خطبته، وأصل الحديث في البخاري في غزوة عكل (¬3). قال: (فأتيت عمران بن حصين فسألته فقال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحثنا على الصدقة وينهانا عن المثلة) وفي هذا الحديث دليل على جواز الاقتصار على معنى السؤال بالنص الوارد فيه من غير تعرض للمعنى، وهو أقوى في الردع عن فعله وأقطع لمن يعارض بخلاف المعنى؛ فإنه بصدد المعارضة. ¬

_ (¬1) سيأتي في الأيمان والنذور. (¬2) "مسند أحمد" 4/ 428. (¬3) "صحيح البخاري" (233)، ومسلم (1671).

121 - باب في قتل النساء

121 - باب في قَتْلِ النِّساءِ 2668 - حَدَّثَنا يَزِيدُ بْن خالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ وَقُتَيْبَةُ -يَعْنَي: ابن سَعِيدٍ- قالا: حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنْ نافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ أَنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ في بَعْضِ مَغازَي رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مَقْتُولَةً فَأَنْكَرَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَتْلَ النِّساءِ والصِّبْيانِ (¬1). 2669 - حَدَّثَنا أَبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسَيُّ، حَدَّثَنا عُمَرُ بْن المُرَقِّعِ بْنِ صَيْفي بْنِ رَباحٍ، حَدَّثَنَي أَبي، عَنْ جَدِّهِ رَباحِ بْنِ رَبِيعٍ قالَ: كُنّا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- في غَزْوَةٍ فَرَأى النّاسَ مُجْتَمِعِينَ عَلَى شَيء فَبَعَثَ رَجُلاً، فَقالَ: "انْظُرْ عَلامَ اجْتَمَعَ هؤلاء" فَجاءَ فَقالَ: عَلَى امْرَأَةٍ قَتِيلٍ. فَقالَ: "ما كانَتْ هذِه لِتُقاتِلَ". قالَ: وَعَلَى المُقَدِّمَةِ خالِدُ بْنُ الوَلِيدِ. فَبَعَثَ رَجُلاً فَقالَ: "قُلْ لِخالِدٍ لا يَقْتُلَنَّ امْرَأَةً وَلا عَسِيفًا" (¬2). 2670 - حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصْورٍ، حَدَّثَنا هُشَيْم، حَدَّثَنا حَجّاجٌ، حَدَّثَنا قَتادَةُ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قالَ: قالَ رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "اقْتُلُوا شُيُوخَ المُشْرِكِينَ واسْتَبْقُوا شَرْخَهُمْ" (¬3). 2671 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفيلَيُّ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، حَدَّثَنَي محَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: لَمْ يُقْتَلْ مِنْ نِسائِهِمْ -تَعْنَي بَنَي قُرَيْظَةَ- إِلَّا امْرَأَةً إِنَّها لَعِنْدَي تُحَدِّثُ تَضْحَكُ ظَهْرًا وَبَطْنًا، وَرَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقْتُلُ رِجالَهُمْ بِالسُّيُوفِ إِذْ هَتَفَ هاتِفٌ بِاسْمِها أَيْنَ فُلانَةُ؟ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3014)، ومسلم (1744). (¬2) رواه ابن ماجه (2842)، وأحمد 3/ 488، والنسائي في "الكبرى" (8625، 8626). وصححه الألباني في "الصحيحة" (701). (¬3) رواه الترمذي (1583)، وأحمد 5/ 12، 20. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (459).

قالَتْ: أَنا. قُلْتُ: وَما شَأْنُكِ؟ قالَتْ: حَدَثٌ أَحْدَثْتُهُ. قالَتْ: فانْطَلق بِها فَضُرِبَتْ عُنُقُها فَما أَنْسَى عَجَبًا مِنْها أَنَّها تَضْحَكُ ظَهْرًا وَبَطْنًا وَقَدْ عَلِمَتْ أنَّها تُقْتَلُ (¬1). 2672 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْرَيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ -يَعْنَي: ابن عَبْدِ اللهِ- عَنِ ابن عَبّاسٍ عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثّامَةَ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الدّارِ مِنَ المُشْرِكِينَ يُبَيَّتُونَ فيصابُ مِنْ ذَرارِيِّهِمْ وَنِسائِهِمْ. فَقالَ النَّبي -صلى الله عليه وسلم-: "هُمْ مِنْهُمْ". وَكانَ عَمْرٌو -يَعْنَي: ابن دِينارٍ- يَقُولُ: هُمْ مِنْ آبائِهِمْ. قالَ الزُّهْرَيُّ: ثمَّ نَهَى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ قَتْلِ النِّساءِ والوِلْدانِ (¬2). * * * باب في قتل النساء [2668] (حدثنا يزيد بن خالد بن مَوْهَب) بفتح الميم والهاء الرملي (وقتيبة بن سعيد قالا: ثنا الليث، عن نافع، عن عبد الله) بن عمر (أن امرأة وجدت في بعض مغازي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مقتولة) فيه دليل على افتقاد حال القتلى بعد انقضاء الحرب ليعلم من فيه حياة مستقرة ممن ليست فيه حياة، ويفعل بكل منهم ما يتعلق به من الأحكام الشرعية. وفيه دليل على جواز النظر إلى الميت من قريب وأجنبي (فأنكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قتل النساء والصبيان) بالجر. أجمع العلماء على العمل بهذا الحديث وتحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا، فإن قاتلوا، فقال جماهير العلماء: يقتلون. ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 277، والحاكم 3/ 35 - 36. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (2396). (¬2) رواه البخاري (3012)، ومسلم (1745).

[2669] (حدثنا أبو الوليد الطيالسي) هشام بن عبد الملك (حدثنا عمر بن المرقع) بفتح الراء وتشديد القاف المكسورة، وثق (بن صيفي بن رباح) بفتح الراء وباء موحدة، وهو الأكثر، ويقال: رياح بكسر الراء وياء مثناة تحت، الأسدي مصغر أخو حنظلة الكاتب راوي الحديث أيضًا (حدثني أبي، عن جده رباح) المذكور (بن ربيع (الأسدي. (قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة فرأى الناس) يعني: رباحًا، وجماعة من الصحابة (مجتمعين على شيء) ينظرون إليه ويتعجبون منه وهم واقفون حوله (فبعث رجلاً فقال: انظر) رواية أحمد (¬1): فوقفوا ينظرون إليها ويعجبون يعني: من خلقها حتى لحقهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على راحلته فانفرجوا عنها، فوقف عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. (على ما اجتمع هؤلاء) فيه دليل على أن على الأمير أن يتفقد أحوال القوم ويكشف أمرهم، ولا ينظر إلا في مصلحتهم، ويقدم مصلحتهم على مصلحته، وأما غير الأمير إذا رأى جماعة مجتمعين لا يسأل عنهم ولا يذهب إليهم لأنه مما لا يعنيه. (فجاء) أي: إلى المجتمعين بعدما بعث إليهم الرجل (فقال) له الرجل المبعوث: اجتمعوا (على امرأة قتيل) أي: مقتولة كما في رواية أحمد. وفعيل إذا كان بمعنى مفعول فيستوي فيه المذكر والمؤنث في عدم هاء التأنيث إن ذكر موصوفه كما في الحديث: (امرأة قتيل) فإن ذكر المرأة، يعني: زيادة الهاء الدالة على التأنيث لعدم الالتباس، فإن ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 3/ 488.

حذف الموصوف وجب إلحاق التاء نحو: رأيت قتيلًا وقتيلة بزيادة التاء في المؤنث فرارًا من الالتباس (فقال: ما كانت هذِه) المرأة (لِتقاتِل) بكسر اللام الأولى والتاء الثانية، أي: ما كان ينبغي لها أن تقاتل، وفهم منه لوم المرأة [في تعرضها] (¬1) للقتال حتى قتلت. وفيه دليل على أنها إذا قاتلت بالسلاح أو الحجارة يجوز قتلها؛ لأنه جعل قتالها هو العلة الموجبة لقتلها، وعلى هذا فيجب طرد هذِه العلة في جواز قتل كل من قاتل. (قال) رباح (وعلى المقدمة) أي: مقدمة العسكر، وهو أول ما يبدو منه، وفيه لغتان: فتح الدال بمعنى المفعولية، أي: قدمت على الجيش وقاية لمن خلفها. واللغة الثانية: كسر الدال، واقتصر عليه المنذري باعتبار الفاعلية بمعنى أنها متقدمة بنفسها من قوله تعالى: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} قيل: الكسر أشهر (خالد بن الوليد فبعث رجلًا) من القوم. فيه دليل على أن كبير القوم يسير آخرهم؛ لأنه لم يبعث الرجل إلى المقدمة إلا وهو في آخرهم كما تقدم (فقال: قل لخالد) فيه ذكر الكبير باسمه من غير تعظيم بكنية ولا غيرها (لا يقتلن) بنون التوكيد (¬2) الثقيلة التي هي معنى تكرير النهي (امرأة) يعني: لم تقاتل (ولا عَسيفًا) بفتح العين، أي: أجيرًا للقتال؛ لأنه يصير رقيقًا للمسلمين بنفس السبي، فأشبه النساء والصبيان، وهذا إذا لم يقاتل (¬3)؛ والصحيح عند الشافعي جواز قتله وإن لم يقاتل، لعموم ¬

_ (¬1) في (ر): لتعرضها، والمثبت من (ل). (¬2) في (ل): التأكيد. (¬3) انظر: "نهاية المطلب" 17/ 464.

قوله {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} (¬1)، وللحديث الآتي: " اقتلوا شيوخ المشركين، واستبقوا .. ". [2670] (حدثنا سعيد (¬2) بن منصور) بن شعبة (حدثنا هشيم) (¬3) بن بشير (حدثنا الحجاج) (¬4) بن أبي عثمان (حدثنا قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب) الفزاري (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اقتلوا شيوخ المشركين) استدل به على جواز قتل الشيخ إذا لم يقاتل، وهذا هو الصحيح، والثاني: لا (¬5) يقتل؛ للحديث المتقدم: "لا تقتلوا شيخًا كبيرًا". قال ابن المنذر (¬6): لا أعرف حجة في ترك قتل الشيوخ يستثنى بها من عموم قوله تعالى: {اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ}، ولأنه كافر لا نفع في حياته فيقتل كالشاب (واستبقوا شرخهم) أي: اتركوهم باقين (¬7) بفتح الشين المعجمة وإسكان الراء ثم خاء معجمة، جمع شارخ كطير وطائر، وهو من لم ينبت من الصبيان، وألحق المجنون بالصبي كما ألحق الخنثى بالأنثى. قال أبو عبيد (¬8): فيه قولان: أحدهما: أنه أراد بالشيوخ الرجال أهل الجلد الذين فيهم القوة على ¬

_ (¬1) التوبة: 5. (¬2) و (¬3) و (¬4) رمز فوقها في (ل): (ع). (¬5) ساقطة من (ر). (¬6) "الإقناع" 2/ 464. (¬7) بعدها في (ل) كلمتان غير واضحتين ولعلهما: في رواية: استحيوا. ومكانها بياض في (ر). وهي في الترمذي (1583)، وأحمد 5/ 12. (¬8) "غريب الحديث" لابن سلام 3/ 16 - 17.

القتال ولم يرد الهرمى، وأراد بالشرخ الصغار الذين لم يدركوا فصار تأويل الخبر: اقتلوا البالغين واستبقوا الصبيان. وقيل: أراد بالشرخ: الشباب أهل الجلد الذين يصلحون للقتال والخدمة. قال المبرد: شرخ الشباب قوته (¬1). [2671] (حدثنا عبد الله (¬2) بن محمد النفيلي، حدثنا محمد (¬3) بن سلمة) بفتح اللام (عن محمد بن إسحاق، حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، عن عائشة قالت: لم يقتل) بضم الياء المثناة تحتأ (من نسائهم تعني) من نساء (بني قريظة) قبيلة معروفة (إلا امرأة) واحدة. فيه دليل على أن قتل النساء كان معلومًا عندهم؛ فلهذا لم يقتل أحد من العسكر امرأة إلا هذِه المرأة لما سيأتي (إنها لعندي تَحَدث) بفتح التاء والحاء، أي: تتحدث ثم حذفت إحدى التاءين (تضحك ظهرًا وبطنًا) يحتمل أن يراد به قويًّا ظاهرًا وباطنًا، ويحتمل أن تضحك حتى تستلقي على ظهرها ثم حتى تستلقي على بطنها (ورسول الله يقتل) فيه استعمال المجاز، أي تضرب بين يديه الأعناق، وكان الذي يضرب بين يديه علي والزبير والمقداد ومحمد بن مسلمة وعاصم بن ثابت، فلما كان تقتل بإذنه نسب إليه، وهو يدل على أن من حلف ألا يفعل شيئًا فأمر من فعله أنه يحنث. ¬

_ (¬1) "الكامل في اللغة والأدب" 3/ 84. (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) فوقها في (ل): (ع).

وقال المنذري: يحتمل أنها أرادت بالظهر والبطن كثرة ضحكها، وأنها تضحك من كل شيء، ويحتمل أنها أرادت السر والجهر يقال: إنها كانت سمَّت النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو الحدث الذي أحدثته، قيل: اسمها نباتة من بني قريظة. (من رجالهم) أي: دون النساء والصبيان، لكن يدخل فيه الشيوخ والأجراء، وقد تقدم أنهم لا يقتلون (بالسيوف) أي: الحادة من الأعناق؛ لأن ذلك من حسن القتلة المأمور بها في المسلم والكافر والحيوان، والمراد بقتل الرجال هنا من رأى الإمام المصلحة في قتله من الأسرى فإنه مخير فيهم بين خصال (إذ هتف هاتف) أي: صاح صائح، وهتفت الحمامة، أي: صاحت. وفرس هتاف أي: ذات رنين وصوت، يريد أنها لما ذكرت فيمن وجب ضرب عنقه صاح صائح (باسمها) أولًا ليضرب عنقها، ثم صاح ثانيًا (أين فلانة) كناية عن اسمها الذي صاح (¬1) بها الصائح أولًا، فلما سمعت الهاتف (قالت) ها (أنا) حاضرة مجيبة. (قلت) أي: قالت عائشة لها (وما شأنك) أي: ما الحالة (¬2) التي أوجبت طلبك، وإنما سألتها؛ لأنها كانت جالسة عندها، فأرادت أن تعرف حالها لتشفع فيها إن كان ذلك جائزًا (قالت: حدثا) منصوب بفعل محذوف لا يجوز إظهاره، وهو من جنس ما بعده وهو (أحدثته) بفتح الهمزة والدال هاسكان المثلثة، والتقدير: أحدثت حدثًا، ¬

_ (¬1) في (ر): صرح، والمثبت من (ل). (¬2) في (ر): الحاجة.

والظاهر أن حدثًا لا يجوز رفعه ولا يترجح كما في قولك: زيد ضربته؛ لأن زيدًا لا يصلح للابتداء بخلاف حدث، وفي بعضها حدث خبر مبتدأ محذوف، والحدث مشتق من الحدوث وهو تجدد أمر لم يكن. قال الخطابي: إنها كانت شتمت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو الحدث الذي أحدثته، وفي ذلك دلالة على وجوب قتل من فعل ذلك (¬1). قال ابن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على أن من سب النبي -صلى الله عليه وسلم- يقتل، وممن قاله مالك والليث وأحمد وهو مذهب الشافعي، وحكي عن النعمان أنه قال: لا يقتل من سبه من أهل الذمة فما هم عليه من الشرك أعظم، وكان مالك لا يرى لمن سب النبي -صلى الله عليه وسلم- توبة (¬2). (قالت: فانطُلِق) بضم الطاء وكسر اللام (بها فضربت عنقها) ولم يذكر فيه أنها عرض عليها الإسلام ولا استتيبت ولا غسلت ولا كفنت ولا دفنت، والظاهر أنه لو فعل شيئًا من ذلك لذكر (¬3) قالت عائشة: (فما أنسى عجبًا منها) ثم ذكرت سبب العجب وهو (أنها تضحك ظهرًا وبطنًا) أي: ظاهرًا وباطنًا كما تقدم، وعلى هذا فينصبان على الحال من الضمير المستتر في تضحك أو صفة لمصدر محذوف، أي: تضحك ضحكًا ظاهرًا وباطنًا (وقد) الواو فيها واو الحال (علمت أنها تقتل) هذا سبب تعجب عائشة، وهي أنها تعلم أن هذِه ذاهبة إلى ¬

_ (¬1) "معالم السنن" 2/ 281. (¬2) "الأوسط" 13/ 483، وانظر: "الصارم المسلول على شاتم الرسول" لشيخ الإسلام ابن تيمية 1/ 9. (¬3) ساقطة من (ر).

ضرب العنق وهي تضحك، وضرب العنق لا يناسبه إلا البكاء، والظاهر أن هذِه كثيرة العناد شديدة الكفر، فلهذا كانت إلى القتل سريعة الانقياد. [2672] (حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح، حدثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري، عن عبيد الله) مصغر (¬1) (ابن عبد الله) بن عتبة. (عن ابن عباس) الصحابي الكبير (عن الصعب ابن جَثَّامة) بفتح الجيم وتشديد المثلثة (أنه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الدار) أي: عن أهل الدار (من المشركين) وفي رواية ضعيفة لمسلم (¬2): عن الذراري من المشركين. قال القاضي (¬3): ليس بشيء، بل هو تصحيف. (يُبَيَّتون) بضم الماء الأولى وفتح الثانية التي بعد الباء. أي: يغار عليهم بالليل بحيث لا يعرف الرجل من المرأة. قال النووي (¬4): التشديد أفصح وأشهر، قال: والمراد بالذراري هنا: النساء والصبيان. (من ذراريِّهم ونسائهم) وفيه دليل على جواز البيات. وجواز الإغارة على من بلغتهم الدعوة من غير إعلامهم بذلك (¬5). (فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: هم منهم) أي: حكمهم حكم آبائهم وأزواجهم في جواز قتلهم عند الاختلاط بهم في دار كفرهم، وأما في الآخرة فهم إذا ماتوا قبل البلوغ ثلاثة مذاهب، الصحيح أنهم في الجنة. حكاه ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) "صحيح مسلم" (1745). (¬3) "إكمال المعلم شرح صحيح مسلم" 6/ 49 ثم قال: وما بعده يبين فيه الغلط. (¬4) "شرح النووي على مسلم" 12/ 50. (¬5) ساقطة من (ر).

النووي (¬1) والثاني: أنهم في النار، والثالث: لا يجزم فيهم بشيء. (وكان عمرو -يعني: ابن دينار- يقول: هم من آبائهم) أي: حكمهم حكم آبائهم كما تقدم. (قال الزهري: ثم نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك عن قتل النساء والولدان) إذا تميزوا، وأما إذا اختلطوا ولم يتميزوا فيجوز قتلهم، فإن أحكام آبائهم جارية عليهم في الميراث وفي النكاح وفي القصاص والديات وغير ذلك. ¬

_ (¬1) "شرح النووي على مسلم" 12/ 50.

122 - باب في كراهية حرق العدو بالنار

122 - باب في كَراهِيَةِ حَرْقِ العَدُوِّ بالنّارِ 2673 - حَدَّثَنا سَعِيدُ بْن مَنْصُورٍ، حَدَّثَنا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحِزامَيُّ، عَنْ أَبي الزِّنادِ، حَدَّثَنَي محَمَّد بْنُ حَمْزَةَ الأَسْلَمَيُّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَمَّرَهُ عَلَى سَرِيَّةٍ قالَ: فَخَرَجْتُ فِيها وقالَ: "إِنْ وَجَدْتُمْ فُلانًا فاحْرِقُوهُ بِالنّارِ". فَوَلَّيْتُ فَنادانَي فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقالَ: "إِنْ وَجَدْتُمْ فُلانًا فاقْتُلُوهُ وَلا تُحْرِقُوهُ فإِنَّهُ لا يُعَذِّبُ بِالنارِ إِلاَ رَبُ النارِ" (¬1). 2674 - حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ خالِدٍ وَقُتَيْبَةُ أَنَّ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ حَدَّثَهُمْ، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ يَسار، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: بَعَثَنا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- في بَعْثٍ فَقالَ: "إِنْ وَجَدْتُمْ فُلانًا وَفُّلَانًا". فَذَكَرَ مَعْناهُ (¬2). 2675 - حَدَّثَنا أَبُو صالِحٍ مَحْبُوبُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنا أَبُو إِسْحاقَ الفَزارَيُّ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ الشَّيبانَيِّ، عَنِ ابن سَعْدٍ -قالَ غَيْرُ أَبي صالِحٍ عَنِ الحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: كُنّا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- في سَفَرٍ فانْطَلَقَ لحِاجَتِهِ فَرَأَيْنا حُمَّرَةً مَعَها فَرْخانِ، فَأَخَذْنا فَرْخَيْها، فَجاءَتِ الحمَّرَةُ فَجَعَلَتْ تُفَرِّشُ فَجاءَ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- فَقالَ: "مَنْ فَجَعَ هذِه بِوَلَدِها؟ رُدُّوا وَلَدَها إِلَيْها" وَرَأى قَريَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْناها فَقالَ: "مَنْ حَرَّقَ هذِه" قُلْنا: نَحْنُ. قالَ: "إِنَّهُ لا يَنْبَغَي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنّارِ إِلاَّ رَبُّ النّارِ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 494، وسعيد بن منصور في "السنن" (2643) ط الأعظمي، وأبو يعلى (1536). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2398). (¬2) رواه البخاري (3016). (¬3) رواه أحمد 1/ 396، 423، والبخاري في "الأدب المفرد" (382)، والنسائي في "الكبرى" (8614)، والحاكم 4/ 239. وصححه الألباني في "الصحيحة" (25).

باب كراهية حرق العدو بالنار [2673] (ثنا سعيد بن منصور، حدثنا مغيرة بن عبد الرحمن الحزامي) بكسر الحاء المهملة ثم زاي (عن أبي الزناد) واسمه عبد الرحمن (عن محمد بن حمزة) بالحاء المهملة (الأسلمي، عن أبيه) حمزة بن عمرو (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرَه) بتشديد الميم، أي: جعله أميرًا (على سرية) تقدم ذكر السرية (قال: فخرجت فيها، وقال: إن وجدتم فلانًا) قيل: هو هَبَّار -بفتح الهاء وتشديد الموحدة وبالراء- ابن الأسود، رواه علي ابن حرب في "فوائده"، وقد أسلم، وله حديث عند الطبراني، وآخر عند ابن منده (فأحرقوه بالنار) رواية (¬1): نافع بن عبد القيس. قال ابن بطال (¬2): معنى الحديث أن الأمر بالتحريق للندب لا للإيجاب، قال الرافعي (¬3): يجوز للإمام إذا حاصر الكفار أن يشدد عليهم بالتحريق بإضرام النار ورمي النفط إليهم والتغريق بإرسال الماء. (فوليت فناداني) رواية البخاري (¬4) من حديث أبي هريرة قال: ثم أتيناه نودعه حين أردنا الخروج، فقال: "إني كنت أمرتكم أن تحرقوا فلانًا وفلانًا بالنار" (فرجعت إليه فقال: إن وجدتم فلانًا فاقتلوه) فيه نسخ السنة بالسنة، ويحتمل أن يكون من باب النسخ قبل التمكن (ولا ¬

_ (¬1) صرح به ابن حبان في "صحيحه" (5611). (¬2) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 5/ 172. (¬3) لم أقف على هذا الكلام للرافعي، وإنما وقفت عليه من كلام النووي كما في "روضة الطالبين" 10/ 244. (¬4) "صحيح البخاري" (2954).

تحرِّقوه) قال ابن بطال (¬1): ليس النهي عن التحريق بالنار على معنى التحريم، وإنما هو سبيل (¬2) التواضع لله عزَّ وجلَّ؛ بدليل قوله بعده (فإنه لا يعذب بالنار إلا رب النار) فلا يتشبه بغضبه في تعذيب الخلق، إذ القتل يأتي على ما يأتي عليه الإحراق، والدليل على أنه ليس بحرام سمل العرنيين في أعينهم بالنار. [2674] (حدثنا يزيد بن خالد) الرملي (وقتيبة بن سعيد، أن الليث حدثهم، عن بكير) مصغر البكر بالموحدة ابن عبد الله (عن سليمان بن يسار، عن أبي هريرة قال: بعثنا رسول الله) فقال (إن وجدتم فلانًا وفلانًا) كما تقدم في رواية البخاري (فذكر معناه). [2675] (حدثنا أبو صالح محبوب) بحاء مهملة (بن موسى) الأنطاكي، وثقه العجلي (¬3) (أنبأنا أبو إسحاق) إبراهيم (الفزاري، عن أبي إسحاق) سليمان (الشيباني) بشين معجمة منسوب إلى بني شيبان في بكر بن وائل (عن) الحسن (ابن سعد -قال غير أبي صالح: عن الحسن بن سعد، عن عبد الرحمن بن عبد الله) ذكر البخاري أن عبد الرحمن سمع من أبيه عبد الله بن مسعود (¬4) (عن أبيه) عبد الله بن مسعود قال (كنا مع رسول الله في سفر) الظاهر أنه سفر جهاد؛ لأنه ذكره فيه (فانطلق لحاجته) أي: لقضاء حاجته (فرأينا حمرة) بضم الحاء ¬

_ (¬1) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 5/ 172. (¬2) في (ر): سبب، والمثبت من (ل). (¬3) "معرفة الثقات" (1540). (¬4) "التاريخ الكبير" 5/ 299.

وتشديد الميم ضرب من الطير كالعصفور (معها فرخان) من فراخها (فأخذنا فرخيها) من عندها (فجاءت الحمرة فجعلت تُفَرِّشُ) بضم التاء وفتح الفاء وكسر الراء المشددة ثم شين معجمة، أي: تقرب من الأرض وترفرف بجناحيها كما يقرب الفراش من المصباح، ويروى: تعرش (¬1) بالعين المهملة بدل الفاء، أي: ترتفع فوقها وتظلل عليها، ومنه أخذ العريش. (فجاء النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: من فَجَع) بفتح (¬2) الفاء والجيم من الفجيعة، وهي الرزية المؤلمة (هذِه بولدها؟ ردوا ولدها) أي: فرخيها، قال الجوهري (¬3): يطلق الولد على الواحد والجمع. أي: وعلى الاثنين كما أطلق هنا على الولدين (إليها) قال الدميري (¬4) (¬5): يحتمل أنهم كانوا محرمين حين أخذوا فرخيها وكان الرد هنا واجبًا عليهم (¬6)، ويحتمل أنها لما استجارت به أجارها، ويحتمل أن يكون أمر بالرد رحمة عليها وشفقة (ورأى قرية نمل) أي: منزلها التي تجتمع فيه من قولهم: قريت الماء في الحوض، أي: جمعته (قد حرقناها) بالنار (فقال: من حرَّق) بتشديد الراء (هذِه؟ ) القرية على النمل (قلنا: نحن) حرقناها (قال: إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار) سيأتي ¬

_ (¬1) رواها ابن أبي شيبة في "مسنده" 1/ 144 - 145 (196). (¬2) في (ر): بضم. والمثبت من (ل). (¬3) "الصحاح في اللغة" 5/ 301. (¬4) ساقطة من (ر). (¬5) "حياة الحيوان الكبرى" 1/ 265. (¬6) ساقطة من (ر).

الحديث في آخر الكتاب (¬1). استدل به على أنه لا يجوز إحراق الحيوان بالنار إلا إذا أحرق إنسانًا فمات بالإحراق فلوليه الاقتصاص بإحراق الجاني، وسواء في الإحراق بالنار الجراد والقمل وغيرهما لهذا الحديث، وكذا قتل النمل بغير الإحراق لا يجوز عند الشافعي لرواية أبي داود: نهى عن قتل أربع: النملة والنحلة والهدهد والصرد (¬2). وكره مالك قتل النمل إلا أن يضر ولا يقدر على دفعها (¬3). ¬

_ (¬1) سيأتي برقم (5268). (¬2) سيأتي برقم (5267) من حديث ابن عباس. (¬3) انظر: "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" للقرطبي 5/ 542.

123 - باب في الرجل يكري دابته على النصف أو السهم

123 - باب في الرَّجُلِ يَكْرِي دابَّتَهُ عَلَى النِّصْفِ أَوِ السَّهْمِ 2676 - حَدَّثَنا إِسْحاقُ بْن إِبْراهِيمَ الدِّمَشْقَيُّ أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنا محَمَّد بْن شُعَيبٍ، أَخْبَرَنَي أَبُو زُرْعِةَ يَحْيَى بْنُ أَبي عَمْرٍو السَّيْبانَيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّهُ حَدَّثَة، عَنْ واثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ، قالَ: نادى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- في غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَخَرَجْتُ إِلى أَهْلَي، فَأَقْبَلْتُ وَقَدْ خَرَجَ أَوَّلُ صَحابَةِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَطَفِقْتُ في المَدِينَةِ أُنادَي: أَلا مَنْ يَحْمِل رَجُلاً لَهُ سَهْمُهُ. فَنادى شَيْخٌ مِنَ الأَنْصارِ قالَ: لَنا سَهْمُهُ عَلَى أَنْ نَحْمِلَهُ عُقْبَةً وَطَعامُهُ مَعَنا قلْت: نَعَمْ. قالَ: فَسِرْ عَلَى بَرَكَةِ اللهِ تَعالَى. قالَ: فَخَرَجْتُ مَعَ خَيْرِ صاحِبٍ حَتَّى أَفاءَ اللهُ عَلَيْنا، فَأَصابَنَي قَلائِصُ فَسُقْتُهُنَّ حَتَّى أَتَيْتُهُ، فَخَرَجَ فَقَعَدَ عَلَى حَقِيبَةٍ مِنْ حَقائِبِ إِبِلِهِ، ثُمَّ قالَ: سُقْهُنَّ مُدْبِراتٍ. ثُمَّ قالَ سُقْهُنَّ مُقْبِلاتٍ. فَقالَ: ما أَرى قَلائِصَكَ إِلا كِرامًا -قالَ: - إِنَّما هَيَ غَنِيمَتُكَ التَي شَرَطْتُ لَكَ. قالَ: خُذْ قَلائِصَكَ يا ابن أَخَي فَغَيْرَ سَهْمِكَ أَرَدْنا (¬1). * * * باب الرجل يكري دابته على النصف أو السهم أو بعض الغنيمة [2676] (حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدمشقي) بكسر الدال وفتح الميم (أبو النضر) بالضاد المعجمة (حدثنا محمد بن شعيب، أخبرني أبو زرعة يحيى بن عمرو السيباني) بالسين المهملة (عن عمرو بن عبد الله) ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2) (أنه حدثه عن واثلة) بالمثلثة (بن الأسقع) بالسين ¬

_ (¬1) رواه الطبراني 22/ 80 (196)، والبيهقي 9/ 28. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (460). (¬2) "الثقات" 5/ 179.

المهملة الليثي (قال: نادى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك) لا ينصرف للعلمية والتأنيث، أي: أظهر للمسلمين الغزو إلى تبوك وكشفه وبينه لهم من غير تورية، فقلما كان يخرج في غزوة إلا كنى بغيرها عنها وورى بغيرها إلا في غزوة تبوك فإنه نادى في الناس بالتوجه إليها؛ وذلك لبعد المشقة وشدة الزمان؛ فإنه استقبل سفرًا بعيدًا وبرية طويلة قليلة الماء به (¬1) يخاف فيها الهلاك، ليستعدوا له بما يحتاجون إليه في سفرهم، وهكذا يستحب للإمام وأمير السرية أن يفعل ذلك، قال: (فخرجت إلى أهلي) لأستعد للسفر وأجهز ما أحتاج إليه وأودعهم وأوصي. (فأقبلت) من عند أهلي (وقد خرج أول صحابة) بفتح الصاد جمع صاحب، قال أبو السعادات: لم يجمع فاعل على فعالة إلا هذا (¬2) (رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) ولم يخرج باقيهم، وفيه إشارة إلى تأسفه على فواته الذهاب مع السابقين أولًا إلى الخيرات وجنة عرضها السماوات والأرض (فطفقت في المدينة أنادي) أي: أخذت في النداء في المدينة مكررًا له وملازمًا عليه، ثم بين ما كان ينادي به وفسره بقوله (ألا) بالتخفيف معناه العرض وهو الطلب بلين (من يحمل رجلاً) أي (¬3): وطعامه وشرابه إلى تبوك و (له) ما يحصل من (سهمه) في الغزو (فنادى شيخ من الأنصار قال) نحن نحمل الرجل و (لنا سهمه) من الغزو، ¬

_ (¬1) قبلها في (ل): بها. (¬2) "النهاية في غريب الأثر" 3/ 16. (¬3) ساقطة من (ر).

ولكن لا (¬1) نحمله (على أن) لا (نحمله) إلا (عقبة) بضم العين وإسكان القاف وهي النوبة بعد النوبة؛ لأن كل واحد منهما يعقب صاحبه في الركوب ويركب موضعه. قال صاحب "العين": العقبة أن يركب كل منهما مقدار فرسخين (¬2). (و) على أن (طعامه) الذي هو زاده (معنا) أي: على الدابة نحن المتعاقبين عليها، وفيه دليل على صحة كراء العقب وهو أن يؤجر رجلًا دابة ليركبها بعض الطريق وصاحبها البعض، أو رجلين ليركب هذا زمانًا وهذا زمانًا ويبين البعضين، أو يكون معلومًا كما تقدم عن صاحب "العين" وإطلاق العقد يحمل عليه، وإن اختلفا في البداءة أقرع. وفيه دليل لأحمد حيث قال فيمن يعطي فرسه على النصف أو على السهم مما يغنمه في غزاته: أرجو أن لا يكون به بأس (¬3). ومذهب الشافعي: لا يجوز أن يعطيه فرسًا على سهم من الغنيمة، فإن فعل فالعقد باطل؛ لأن الأجرة مجهولة، ويستحق (¬4) صاحبها مثل أجر ركوبه (¬5). (قلت: نعم) فيه دليل على أن نعم تكفي في قبول المستأجر إذا اتصلت، وتغني عن قوله: استأجرت. (قال: (الأنصاري (فسر) بنا (على) اسم الله تعالى وعلى (بركة الله تعالى) أي: دوام فضله (قال: ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) "العين" 1/ 180. (¬3) انظر: "المغني" 7/ 117. (¬4) في الأصول: يستحب. ولعل المثبت هو الصواب. (¬5) انظر: "معالم السنن" للخطابي 2/ 284.

فخرجت مع) إلى الغزو فوجدته (خير صاحب) صاحبته واستمريت في صحبته (حتى أفاء الله علينا) أي: رد علينا من أموال الكفار، من فاء يفيء إذا رجع (فأصابني قلائص) جمع قلوص، وهي في النوق كالجارية في النساء (فسقتهن) [يدل] (¬1) على أنهن من نوق العرب التي ليس لهن أزمة يقدن بهن. وفيه دليل على جواز سوق الدواب وضربهن إذا احتاج إلى ذلك (حتى أتيته) بهن. فيه دليل على استحباب المبادرة في دفع الأجرة إلى المؤجر وحملها إليه؛ فإنه من حسن القضاء (فخرج) أي: من رحله (فقعد على حقيبة) وهي التي يضع الرجل فيها متاعه ويشدها على مؤخرة رحل البعير والفرس وغيرهما (من حقائب إبله) يدل على أن له إبلًا (¬2) كثيرة غير الذي أكراه، وعلى جواز إضافة ما يختص بالدابة إليها وإن كانت لا تملك شيئًا (ثم قال: سقهن مدبرات) لننظر إلى مؤخر القلائص وإلى أرجلهن في المشي (ثم قال: سقهن مقبلات) لتنظر إلى مقدمهن وإلى أيديهن في حال المشي، والظاهر أن أمره في سوقهن مقبلات ومدبرات ليخبر حالهن في الجودة والرداء قبل أن يهبهن له. (فقال: ) حين عرفهن (ما أرى) بضم الهمزة بمعنى أظن (قلائصك) هذِه (إلا كرامًا) أي: نفائس من خيارهن، وفيه دليل على أن هذِه الرؤية المذكورة هنا تكفي في رؤية بيع الإبل والبقر والغنم والبغال والحمير، لكن يشترط رفع الرحل والسرج والإكاف، ولعل هذِه ¬

_ (¬1) في (ر): بدلو، والمثبت من (ل). (¬2) في (ل): إبل. والجادة ما أثبتناه.

القلائص كانت عرايا، واشتراط جري الفرس بين يديه ومشيها ليعرف مسيرها وجه، والأصح لا يشترطان (¬1). (قال: إنما هي غنيمتك التي شرطت لك) في العقد، والمؤمنون عند شروطهم، لا غرض فيه باطل لا يلزم الوفاء به (قال: خذ قلائصك يا ابن أخي) فيه استعمال الأدب في المخاطبة أن يقال لمن هو أكبر منه: يا والدي، ولمن هو في سنه: يا أخي، ولمن هو أصغر منه: يا ابني أو: يا ابن أخي. (فغير) منصوب على أنه مفعول مقدم (سهمك أردنا) من حملك. قال الخطابي: يشبه أن يكون: إني (¬2) لم أرد سهمك من المغنم، إنما أردت مشاركتك في الأجر والثواب (¬3). ¬

_ (¬1) في (ل): لا يشترط. (¬2) في (ل): اعلم أي. (¬3) "معالم السنن" 2/ 284.

124 - باب في الأسير يوثق

124 - باب في الأَسِيرِ يُوثَقُ 2677 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ -يَعْنَي: ابن سَلَمَةَ- أَخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ زِيادٍ، قالَ: سَمِعْتُ أَبا هُرَيْرَةَ يَقُول: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يقُول: "لَقَدْ عَجِبَ رَبُّنا عزَّ وجلَّ مِنْ قَوْمٍ يُقادُونَ إِلى الجَنَّةِ في السَّلاسِلِ" (¬1). 2678 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبي الحَجّاجِ أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ، حَدَّثَنا محَمَّد بْنُ إِسْحاقَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ مَكِيثٍ قالَ: بَعَثَ رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عبْدَ اللهِ بْنَ غالِبٍ اللَّيْثَيَّ في سَرِيَّةٍ وَكُنْتُ فِيهِمْ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَشُنُّوا الغارَةَ عَلَى بَنَي المُلَوِّحِ بِالكَدِيدِ، فَخَرَجْنا حَتَّى إِذا كُنّا بِالكَدِيدِ لَقِينا الحارِثَ ابنَ البَرْصاءِ اللَّيْثَيَّ فَأَخَذْناهُ فَقالَ: إِنَّما جِئْت أُرِيدُ الإِسْلامَ وَإِنَّما خَرَجْت إِلى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْنا: إِنْ تَكُنْ مُسْلِمًا لَمْ يَضُرَّكَ رِباطُنا يَوْمًا وَلَيْلَةً وَإِنْ تَكُنْ غَيْرَ ذَلِكَ نَسْتَوْثِقُ مِنْكَ فَشَدَدْناهُ وِثاقًا (¬2). 2679 - حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ حَمّادٍ الِمصْرِيُّ وَقُتَيْبَةُ، قالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبي سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- خَيْلاً قِبَلَ نَجْدٍ فَجاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنَي حَنِيفَةَ يُقالُ لَة: ثُمامَةُ بْنُ أُثالٍ سَيِّدُ أَهْلِ اليَمامَةِ، فَرَبَطُوهُ بِسارِيَةٍ مِنْ سَوارَي المَسْجِدِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقالَ: "ماذا عِنْدَكَ يا ثُمامَةُ؟ ". قالَ: عِنْدَي يا مُحَمَّدُ خَيْرٌ إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شاكِرٍ، وَانْ كُنْتَ تُرِيدُ المالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ ما شِئْتَ. فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى إِذا كانَ الغَدُ ثُمَّ قالَ لَهُ: "ما عِنْدَكَ يا ثُمامَةُ". فَأَعادَ مِثْلَ هذا الكَلامِ فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حتَّى كانَ بَعْدَ الغَدِ فَذَكَرَ مِثْلَ هذا فَقالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَطْلِقُوا ثُمامَةَ". ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3010). (¬2) رواه أحمد 3/ 467، والطبراني 2/ 178 (1726)، والحاكم 2/ 124. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (461).

فانْطَلَقَ إِلى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ المَسْجِدِ فاغْتَسَلَ فِيهِ ثُمَّ دَخَلَ المَسْجِدَ فَقالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. وَساقَ الحَدِيثَ. قالَ عِيسَى: أَخْبَرَنا اللَّيْثُ وقالَ: ذا ذِمٍّ (¬1). 2680 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرّازَيُّ قالَ: حَدَّثَنا سَلَمَةُ -يَعْنَي: ابن الفَضْلِ- عَنِ ابن إِسْحاقَ، قالَ: حَدَّثَنَي عَبْدُ اللهِ بْن أَبي بَكْرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرارَةَ قالَ: قُدِمَ بِالأُسارى حِينَ قُدِمَ بِهِمْ وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ عِنْدَ آلِ عَفْراءَ في مناحِهِمْ عَلَى عَوْفٍ وَمُعَوِّذٍ ابني عَفْراءَ، قالَ: وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْهِنَّ الحِجابُ قالَ: تَقُولُ سَوْدَةُ: والله إِنَّي لَعِنْدَهُمْ إِذْ أَتَيْتُ فَقِيلَ هؤلاء الأُسارى قَدْ أُتَيَ بِهِمْ. فَرَجَعْتُ إِلى بَيْتَي وَرَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِيهِ وَإِذا أَبُو يَزِيدَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو في ناحِيَةِ الحُجْرَةِ مَجْمُوعَةٌ يَداهُ إِلى عُنُقِهِ بِحَبْلٍ. ثُمَّ ذَكَرَ الحَدِيثَ (¬2). قالَ أَبُو داوُدَ: وَهُما قَتَلا أَبا جَهْلِ بْنَ هِشامٍ وَكانا انْتَدَبا لَهُ وَلَمْ يَعْرِفاهُ وَقُتِلا يَوْمَ بَدْرٍ. * * * باب في الأسير يوثق [2677] (حدثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا محمد بن زياد) القرشي (سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: عجب ربنا عزَّ وجلَّ) العجب لا يصح على الله، لكن القاعدة الكلية [في إطلاق] (¬3) ما يستحيل على الله تعالى أن يراد به ¬

_ (¬1) رواه البخاري (462)، ومسلم (1764). (¬2) رواه الطبراني 24/ 35 (92)، والحاكم 3/ 22. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (462). (¬3) ساقطة من (ر).

لازمه وغايته وهو الرضا والتعظيم، وأن الله تعالى يعظم ويرضى عمن أخبر عنه بأنه عجب منه (وهو القوم لعلهم (¬1) الميت) (¬2) (من قوم يقادون إلى الجنة) وهم (في السلاسل) لعل هؤلاء القوم هم المسلمون الذين هم أسارى في أيدي الكفار مسلسلين فيموتون أو يقتلون على هذِه الحالة، فيحشرون على هذِه الحالة التي ماتوا عليها ويدخلون الجنة كذلك. قال الخطابي: لما دخلوا الإسلام مكرهين سمي الإسلام باسم الجنة؛ لأنه سببها، ومن دخله دخل الجنة، وقد جاء هذا المعنى فيما ذكره البخاري عن أبي هريرة أيضًا في قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}، قال: خير الناس للناس -أي: خير بعض الناس لبعضهم وأنفعهم لهم أناس- تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام (¬3). قال: وفيه سوق الأسارى في الحبال والسلاسل والاستيثاق منهم حتى يرى الإمام فيهم رأيه، وهذا هو مراد أبي داود في تبويبه. [2678] (حدثنا عبد الله [بن عمرو] (¬4) بن أبي الحجاج أبو معمر، حدثنا عبد الوارث) بن سعيد (حدثنا محمد بن إسحاق) صاحب "المغازي" (عن يعقوب بن عتبة) بن المغيرة (عن مسلم بن عبد الله) بن خبيب، مجهول (عن جندب (¬5) بن مَكِيث) بفتح الميم وكسر الكاف ¬

_ (¬1) في (ر): يعلمهم. والمثبت من (ل). (¬2) كذا بالنسخ، والمعنى غير واضح. (¬3) "صحيح البخاري" (4557). (¬4) ساقطة من الأصول، والمثبت من المطبوع. (¬5) فوقها في (ل): (د).

وبعد الياء ثاء مثلثة الجهني (قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عبد الله بن غالب) هكذا في أبي داود، وأما أصحاب السير فقالوا: غالب بن عبد الله (الليثي في سرية) وذلك في سفر سنة ثمان، قال جندب (وكنت فيهم وأمرهم أن يشُنُّوا الغارة) بضم الشين المعجمة وتشديد النون. أي: فرقوا الغارة، أي: الإغارة على العدو من كل وجه، وقيل: شن الغارة صبهم عليهم، شبهت بهم الغارة وهي شدة فعل (¬1) الخيل (علي بني المُلوِّح) بتشديد الواو المكسورة ثم حاء مهملة، وهم من بني ليث (بالكَدِيد) بفتح الكاف ودالين مهملتين أولهما مكسورة، وهو ما بين قديد وعسفان على اثنين وأربعين ميلًا من مكة. (قال: فخرجنا حتى إذا كنا بالكديد) وهو الماء المذكور (لقينا الحارث) بن مالك بن قيس (بن البرصاء الليثي) قيل: البرصاء أمه، وقيل: أم أبيه، بفتح الباء وإسكان الراء وصاد مهملة ممدود الليثي (فأخذناه) وأردنا أن نشده بالوثاق (فقال: إنما جئت أريد الإسلام) والدخول فيه (وإنما خرجت إلى رسول الله) يؤخذ منه: أنه لا يصير مسلمًا بهذا، ولا يحكم بإسلامه ولو كان هذا إسلامًا لما جاز لهم أن يوثقوه. قال (فقلنا له: إن تك) أصله تكن ثم حذفت النون تخفيفًا وإثباتها جائز وهما (¬2) لغتان. (مسلمًا لم يضرك رباطنا) فيه إِلَانَة القول لمن ادعى إرادة الإسلام والخروج إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (يومًا وليلة) أي: يوم بليلته (وإن تك) ¬

_ (¬1) في (ر): فقد. (¬2) في الأصول: وهم، والمثبت هو الصواب.

أمرك على (غير ذلك) فنحن (¬1) (نستوثق منك) أي: نأخذ في أمرك بالوثيقة، أي: بالقوة والإحكام (فشددناه وثاقًا) بفتح الواو كما قال تعالى: {فَشُدُّوا الْوَثَاقَ} (¬2) أي: استوثقوا ممن استسلم لكم بشد أيديهم في أرجلهم بالحبال والسيور المحكمة الفتل. وفيه دليل على جواز الاستيثاق من الأسير الكافر من الرباط والغل والقيد وما في معناها إذا خيف انفلاته وهربه ولم يؤمن شره إذا انطلق. [2679] (حدثنا عيسى بن حماد) بن مسلم التجيبي (وقتيبة) بن سعيد (حدثنا الليث) بن سعد (عن سعيد بن أبي سعيد) كيسان المقبري (أنه سمع أبا هريرة يقول: بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- خيلاً قِبَل نجد) النجد: ما ارتفع من الأرض، والغور: ما انخفض منها (فجاءت برجل من بني حنيفة) بفتح الحاء المهملة قبيلة معروفة كانوا باليمامة (يقال له ثمامة) بضم المثلثة وتخفيف الميم (ابن أثال) بضم الهمزة وتخفيف المثلثة الحنفي (سيد أهل اليمامة) مدينة باليمن على يومين من الطائف، وعلى أربعة من مكة، ولها عمائر قاعدتها حجر اليمامة. (فربطوه بسارية) بوب عليه البخاري في كتاب الصلاة: باب ربط الأسير في المسجد (¬3). وفيه دليل على حبس الكافر في المسجد (من سواري المسجد) تمسك الشافعي بهذا على جواز دخول الكفار [المساجد بإذن المسلم سواء كان الكافر كتابيًا أو غيره، ومنع مالك ¬

_ (¬1) في (ر): فنجيء. والمثبت من (ل). (¬2) سورة محمد: 4. (¬3) "صحيح البخاري" قبل حديث (462).

دخول الكفار] (¬1) من ذلك مسجد مكة وحرمها، وخص أبو حنيفة هذا الحكم بأهل الكتاب لا غير، ومنع مالك دخول الكفار سائر المساجد لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} (¬2). (فخرج إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) الظاهر أنه خرج من بيته قاصدًا المجيء إليه (فقال: ماذا عندك يا ثمامة) أي: من أمر الإسلام يرجى إسلامه، وهذا من تأليف القلوب ممن يرجى بإسلامه إسلام خلق كثير من قومه (قال: عندي يا محمد خير) مبتدأ (إن تقتل تقتل (¬3) ذا دم) بدال مهملة. ويعني به أنه ممن يستشفى بدمه؛ لأنه كبير في قومه ويدرك قاتله ثأره لرئاسته. [فحذف هذا لرئاسته] (¬4)، هذا لأنهم يفهمونه [في عرفهم] (¬5)، وقيل: معناه تقتل من عليه دم ومطلوب به وهو مستحق عليه [ولا عيب عليك] (¬6) في قتله. قال النووي: ورواه بعضهم في "سنن أبي داود" وغيره بالذال المعجمة وتشديد الميم، أي: ذا ذمام وحرمة في قومه، ومن إذا عقد ذمة وفَّى بها (¬7) (وإن تنعم) عليه بالإطلاق (تنعم على شاكر) لك قادر على جزاء إحسانك (وإن كنت تريد المال) مني (فسل تعط منه ما شئت) فإني قادر عليه. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ر). (¬2) انظر: "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" 5/ 584. (¬3) ساقطة من (ر). (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (ر). (¬5) ساقطة من (ل). (¬6) في (ر): ولا يجب عليه. والمثبت من (ل). (¬7) "شرح النووي على مسلم" 12/ 88.

(فتركه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) حين لم يسلم (حتى إذا كان الغد) أظنه بضم الدال (ثم) جاء إليه في الغد و (قال له: ما عندك يا ثمامة) لعله أن يكون رجع عما قاله بالأمس (فأعاد مثل هذا الكلام) الأول (فتركه) أيضًا (حتى كان بعد الغد) فقال له (فذكر مثل هذا) الكلام الأول (فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) قال الداودي: فيه أن ثلاثة أيام بلاغ في العذر (أطلقوا) بفتح الهمزة (ثمامة) فيه دليل على جواز المن على الأسير من غير فداء ولا شرط ولا أخذ مال، قال النووي: وهو مذهبنا ومذهب الجمهور (¬1). قال الداودي: وهذا لا يكون من النبي إلا بوحي من الله، أي: بأنه إذا أطلقه يسلم. (فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل) قال القرطبي (¬2): هذا يدل على أنه كان عندهم مشروعًا معمولًا به معروفًا، ألا ترى (¬3) أنه لم يحتج في ذلك إلى من يأمره بالغسل، وقد ورد الأمر به من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن قيس بن عاصم أسلم فأمره النبي أن يغتسل (¬4)، وبه تمسك من قال بوجوب الغسل على الكافر إذا أسلم، وهو قول أحمد، قال: والمشهور عند مالك إنما يغتسل إذا كان جنبًا، وهو مذهب الشافعي أنه يستحب، وإن كان أجنب في الكفر وجب. قال أصحابنا: إذا أراد الكافر الإسلام بادر به ولا يؤخره للاغتسال، ¬

_ (¬1) "شرح النووي على مسلم" 12/ 88. (¬2) "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" 5/ 585. (¬3) زاد هنا في (ر): أن قيس بن عاصم أسلم فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم-. (¬4) سبق برقم (355) من حديث قيس بن عاصم.

ولا يحل لأحد أن يأذن له في تأخيره بل يبادر به ثم يغتسل (¬1). (ثم دخل المسجد) بعد الاغتسال (فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله) ثم قال: (يا محمد) لعل هذا كان قبل نزول قوله تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} (¬2) وإلا لما أقر [على] (¬3) هذا النداء. (وساقا) يعني: عيسى وقتيبة شيخا أبي داود (الحديث) وفيه: إن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا تأمرني، فبشره النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمره أن يعتمر. (قال عيسى) بن حماد (أنا الليث) بن سعد (وقال: ذا ذم) بالذال المعجمة. ولعل هذِه الرواية التي تقدم ذكرها عن النووي، قال: ويمكن تصحيحها على التفسير أي: تقتل رجلًا جليلًا يحتفل قاتله بقتله، بخلاف ما إذا قتل ضعيفًا مهينًا فإنه لا فضيلة في قتله ولا يدرك قاتله به ثأره (¬4). [2680] (حدثنا محمد بن عمرو) بن بكر (الرازي، حدثنا سلمة) بفتح اللام ابن الفضل الأبرش (عن) محمد (ابن إسحاق، حدثني عبد الله بن أبي بكر) بن عمرو بن حزم (عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد) هكذا في نسخ أبي داود، قال البخاري: هو ابن أسعد، يعني: بزيادة الألف. وقال بعضهم: ابن سعد، وهو وهم (¬5) (ابن زرارة) بن ¬

_ (¬1) انظر: "شرح النووي على مسلم" 12/ 88. (¬2) سورة النور: 63. (¬3) ساقطة من (ر). (¬4) "شرح مسلم" 12/ 88. (¬5) "التاريخ الكبير" 8/ 283.

عدس الأنصاري النجاري، وجده أسعد أحد النقباء الاثنى عشر. (قال: قُدِم) بضم القاف وكسر الدال (بالأسارى) بضم الهمزة (حين قُدِم بهم) من غزوة بدر (وسودة بنت زمعة) بسكون الميم زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- (عند آل عَفْراء) أي: أهل بني عفراء (في مناحهم) يناح فيه (على عوف) بن الحارث (ومعوذ) بفتح العين المهملة وتشديد الواو المكسورة ثم ذال معجمة، إخوة (ابني عفراء) بفتح العين المهملة والمد، أمهما، اشتهرت نسبتهم إلى أمهم دون أبيهم، وقتل عوف ومعوذ يوم بدر شهيدين، رحمهما الله تعالى. واعلم أنه لا يلزم من كون سودة رضي الله عنها حضرت في المناحة أن تكون ناحت أو حضرت النوح. (قال: وذلك) أي: ذهابها إليهم (كان قبل أن يضرب عليهن الحجاب) أي: يؤمرون بالاحتجاب عن أعين الناس بقوله: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} (¬1). (قال) يحيى (تقول سودة: والله إني لعندهم) قاعدة (إذ أتيت) بضم الهمزة (فقيل: هؤلاء الأسارى) أي: أسارى بدر، وكان جملتهم سبعين (قد أتى بهم) قالت سودة (فرجعت إلى بيتي ورسول الله فيه) فيه خروج المرأة من بيتها في غيبة زوجها لكن إذا أذن لها أو علمت رضاه (وإذا أبو يزيد سهيل بن عمرو) خطيب الكفار، ولما أراد عمر أن يمثل به قال -صلى الله عليه وسلم-: "عسى أن يقوم مقامًا لا تذمه" (¬2) (في ناحية الحجرة) أي: البيت، وكل موضع حجر عليه بالحجارة فهو حجرة ¬

_ (¬1) سورة الأحزاب: 53. (¬2) ذكره ابن أبي خيثمة في "تاريخه" 1/ 170 وعزاه لابن إسحاق.

(مجموعة) خبر أبي يزيد، أو خبر بعد خبر ساد مسد الخبر لشدة شبهه بالفعل؛ لأنه اسم مفعول وهو يعمل عمل فعل بني لما لم يسم فاعله و (يداه) مثنى مرفوع بالألف، وهو نائب عن الفاعل، والتقدير: وإذا أبو زيد جمعت يداه (إلى عنقه) وربطتا (بحبل) ربطًا وثيقًا. وفيه دليل أيضًا على ما تقدم من جواز الاستيثاق من الكافر الأسير بالرباط والغل والقيد إذا خيف انفلاته كما تقدم (وذكر) يحيى بقية (الحديث) ومنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين أقبل بالأسارى فرقهم بين الصحابة وقال: "استوصوا بالأسارى خيرًا". وفيه: ثم بعثت قريش في فداء الأسارى فقدم مكرز بن حفص في فداء سهيل بن عمرو، وكان الذي أسره خالد بن الدخشم ومن حديثه: أن عمر بن الخطاب قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله، دعني أنزع (¬1) ثنيتي سهيل بن عمرو يدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيبًا في موطن أبدًا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا أمثل به فيمثل الله بي وإن كنت نبيًّا" (¬2). (قال أبو داود: وهما) يعني: ابنا عفراء (قتلا أبا جهل) يوم بدر (وكانا انتدبا له) لما قيل لهما: إنه يسب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (ولم يعرفاه) إلى أن أراهما إليه عبد الرحمن بن عوف (وقتلا يوم) غزوة (بدر) رحمهما الله ورضي عنهما. ¬

_ (¬1) في (ر): أنزل، والمثبت من (ل) (¬2) ذكره ابن هشام في "السيرة" 1/ 649، وابن أبي خيثمة في "تاريخه" (554) كلاهما عن ابن إسحاق.

125 - باب في الأسير ينال منه ويضرب ويقرر

125 - باب في الأَسِيرِ يُنالُ مِنْهُ وَيُضْرَبُ ويُقَرَّرُ 2681 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ قالَ: حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ ثابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- نَدَبَ أَصْحابَهُ فانْطَلَقُوا إِلى بَدْرٍ فَإِذا هُمْ بِرَوايا قُرَيْشٍ فِيها عَبْدٌ أَسْوَدٌ لِبَنَي الحَجّاجِ، فَأَخَذَهُ أَصْحابُ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ أَيْنَ أَبُو سُفْيانَ؟ فيقولُ: والله ما لَي بِشَيء مِنْ أَمْرِهِ عِلْمٌ، ولكن هذِه قرَيْشٌ قَدْ جاءَتْ فِيهِمْ أَبُو جَهْلٍ، وَعُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابنا رَبِيعَةَ وَأُميَّةُ بْنُ خَلَفٍ. فَإِذا قالَ لَهُمْ ذَلِكَ ضَرَبُوهُ. فيقُولُ: دَعُوني دَعُوني أُخْبِرْكُمْ. فَإِذا تَرَكُوهُ قالَ: والله ما لَي بِأَبِي سُفْيانَ مِنْ عِلْمٍ ولكن هذِه قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ فِيهِمْ أَبُو جَهْلٍ وَعُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابنا رَبِيعَةَ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ قَدْ أَقْبَلُوا. والنَّبي -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي وَهُوَ يَسْمَعُ ذَلِكَ فَلَمّا انْصَرَفَ قالَ: "والَّذَي نَفْسَي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لَتَضْرِبُونَهُ إِذا صَدَقَكُمْ وَتَدَعُونَهُ إِذا كَذَبَكُمْ، هذِه قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ لِتَمْنَعَ أَبا سُفْيانَ". قالَ أَنَسٌ: قالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "هذا مَصْرَعُ فُلانٍ غَدًا" وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى الأَرْضِ" وهذا مَصْرَعُ فُلاِنٍ غَدًا" وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى الأَرْضِ" وهذا مَصْرَعُ فُلانٍ غَدًا" وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى الأَرْضِ، فَقالَ: والَّذَي نَفْسَي بِيَدِهِ ما جاوَزَ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ مَوْضِعِ يَدِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَمَرَ بِهِمْ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأُخِذَ بِأَرْجُلِهِمْ فَسُحِبُوا فَأُلْقُوا في قَلِيبِ بَدْرٍ (¬1). * * * باب الأسير ينال منه ويُقَرَّر [2681] (حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد) بن سلمة (عن ثابت) البناني (عن أنس: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ندب أصحابه) أي: دعاهم (فانطلقوا إلى بدر) يوضحها رواية مسلم: فانطلقوا حتى نزلوا بدرًا (¬2) ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1779). (¬2) السابق.

(فإذا هم بروايا قريش) جمع راوية، وهي: القربة الكبيرة التي تروي بما فيها، قال يعقوب: لا يقال راوية، إنما الراوية البعير (¬1). فيحتمل أن القربة سميت راوية؛ لأن البعير يحملها، فهي من باب تسمية الشيء بما يلابسه (فيها عبد أسود) اسمه أسلم البني الحجاج) وغلام بني العاص (فأخذه أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) فسألوهما فقالوا: نحن سقاة العرب، يعنون: نسقيهم الماء (فجعلوا يسألونه: أين أبو سفيان؟ ) وأصحابه (¬2) فيه سؤال الأسير قبل أن يأتي إلى الإمام (فيقول: والله ما لي بشيء من أمره علم) فيه دليل على صحة اليمين على نفي العلم كما هو مذكور في الشهادات، وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بصدقه. (ولكن هذِه قريش قد جاءت) توضحه رواية مسلم (¬3): ولكن هذا أبو جهل، وعتبة، وشيبة، وأمية بن خلف في الناس. وأوضح منه ما في "سيرة ابن هشام" (¬4) فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من (فيهم) من أشراف قريش؟ قالا (¬5) (أبو جهل) بن هشام (وعتبة وشيبة ابنا ربيعة) وأبو البختري بن هشام، وحكيم بن حزام، ونوفل بن خويلد، والحارث بن عامر، وطعيمة بن عدي، والنضر بن الحارث، وزمعة بن الأسود، (وأمية بن خلف) ونبيه ومنبه ابنا الحجاج، وسهيل بن عمرو، وعمرو ابن عبد ود، فأقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "هذِه مكة ألقت إليكم ¬

_ (¬1) انظر: "إكمال المعلم شرح صحيح مسلم" للقاضي عياض 5/ 253. (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) "صحيح مسلم" (1779). (¬4) "السيرة النبوية" 3/ 164. (¬5) زيادة من (ل)، ساقطة من (ر).

أفلاذ كبدها" (¬1). أي: أشراف من فيها، وأصل الفلذ: القطعة من كبد البعير. وخص الكبد؛ لأنها من أطايب الجزور، فإن العرب تقول: أطايب الجزور السنام، ووسط الظهر ما بين الكاهن والعجز والكبد. (فإذا قال لهم ذلك ضربوه) وفي ضرب الصحابة للغلام وإقرار النبي -صلى الله عليه وسلم- إياهم عليه ما يدل على جواز ضرب الكافر الذي لا عهد له وإن كان أسيرًا، وتقريره بما ينال منه من الضرب والتوبيخ وغير ذلك. وفيه تعزير المتهم المسلم إذا كان هنالك سبب يقتضي ذلك، وأنه يضرب في التعزير فوق ذلك، خلافًا لمن قال بظاهر الحديث لا يجلد فوق عشرة إلا في حد (فيقول: دعوني دعوني أُخبرْكم) بالجزم؛ لأنه جواب الأمر (فإذا تركوه) فيه دليل على أن المتهم إذا أقر بما يتهم به يترك ضربه ويصدق في الظاهر (قال: والله ما لي بأبي سفيان علم) أي: ولا أظن، فإن الظن هنا في معنى العلم فكلاهما معمول به في الأحكام (ولكن هذِه قريش) وراء الكثيب الذي بالعدوة القصوى (قد أقبلت) إليكم (فيهم أبو جهل، وعتبة، وشيبة ابنا ربيعة، وأمية بن خلف قد أقبلوا) إليكم في جمع كثير (والنبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي) فيه المبادرة إلى الصلاة عند شدائد الأمور والخوف من المحذور (وهو يسمع ذلك) فيه استماع المصلي كلام من هو خارج الصلاة، وإنه لا يقطع الصلاة بل يتعين إذا احتاج إليه. (فلما) ركع ركعتيه و (انصرف) أي: سلم من صلاته (قال) قد يستدل ¬

_ (¬1) انظر: "جامع الأصول" 12/ 597.

به أبو حنيفة على أنه لا يشترط السلام منها (والذي نفسي بيده) فيه جواز الحلف بهذا وأنه ينعقد به اليمين، ويلزم في الحنث منه الكفارة (إنكم لتضربونه) قال النووي (¬1): في هذا الحديث استحباب تخفيف الصلاة إذا عرض أمر في أثنائها، ووقع في نسخ مسلم: لتضربوه بغير نون، وهي لغة أعني: حذف النون من الأمثلة الخمسة إذا كان مرفوعًا لتجرده عن الناصب والجازم، وهذِه اللام الداخلة عليه مفتوحة؛ لأنها لام التأكيد الداخلة في خبر إن. (إذا صدقكم وتدعونه إذا كذبكم) فيه معجزة من أعلام النبوة في إخباره عن الغلامين الذين كانوا يضربونهما يصدقان إذا تركوهما ويكذبان إذا ضربوهما، وكان كذلك في نفس الأمر، ثم (¬2) قال (هذِه قريش قد أقبلت لتمنع أبا سفيان) وأصحابه. (قال أنس -رضي الله عنه-: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) أبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم (هذا مَصرِعُ) بفتح الميم وكسر الراء (فلان غدًا ووضع يده على الأرض) يحتمل أنه أشار إلى موضع مصرعه، ويحتمل أن يكون وضعها على الأرض وهو الحقيقة المرجحة (وهذا مصرع فلان) هاهنا (غدًا) وسماه (ووضع يده على الأرض) كما تقدم. (قال) أنس (والذي نفسي بيده) تأسى بحلفه -صلى الله عليه وسلم- في اليمين الأولى (ما جاوز أحد منهم) هذا بيان لرواية مسلم فما ماط أحدهم (عن موضع يد ¬

_ (¬1) "شرح النووي على مسلم" 12/ 126. (¬2) ساقطة من (ر).

رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) وهذا معجزة ثانية لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- (¬1) في إخباره بمصارع القوم؛ إذ وقع ذلك ووجد كما أخبر ولم يتعد أحد مصرعه (فأمر بهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) أن يلقوهم في البئر (فأُخذ بأرجلهم) فيه جواز أخذ قتيل الكفار وسحبهم بأرجلهم، وكذا ما يذبح من الأنعام (فسحبوا) والسحب جر بعنف (فألقوا) بضم الهمزة والقاف (¬2) أي: طرحوا (في قَلِيب) بفتح القاف وكسر اللام (بدر) وهو البئر قبل أن يطوى بالحجارة، وهو حفيرة قلب ترابها. وفيه دليل على أن الكافر الحربي لا يغسل ولا يكفن ولا يدفن بل يرمى في بئر، ويجوز إغراء الكلاب عليه. قال ابن هشام في "السيرة" (¬3): لما أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالقتلى أن يطرحوا في القليب طرحوا فيه إلا ما كان من أمية بن خلف فإنه انتفخ في درعه فملأها فذهبوا ليحركوه فتزايد فأقروه فألقوا عليه ما غيبه من التراب والحجارة، فلما ألقاهم في القليب وقف عليهم فقال: "يا أهل القليب هل وجدتم ما وعد ربكم حقًّا .. ؟ " الحديث. ¬

_ (¬1) زاد هنا في (ر): في اليمين الأولى. (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) السيرة النبوية 3/ 187.

126 - باب في الأسير يكره على الإسلام

126 - باب في الأَسِيرِ يُكْرهُ عَلى الإِسْلامِ 2682 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلَيٍّ المُقَدَّمِيُّ قالَ: حَدَّثَنا أَشْعَثُ بْن عَبْدِ اللهِ يَعْنَي: السِّجِسْتانِيَّ ح وَحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن بَشّارٍ قالَ: حَدَّثَنا ابن أَبِي عَدَيٍّ وهذا لَفْظُهُ ح وَحَدَّثَنا الحَسَن بْن عَلَيٍّ قالَ: حَدَّثَنا وَهْبُ بْن جَرِيرٍ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: كانَتِ المَرْأَةُ تَكُونُ مِقْلاتًا فَتَجْعَلُ عَلَى نَفْسِها إِنْ عاشَ لَها وَلَدٌ أَنْ تُهَوِّدَهُ، فَلَمّا أُجْلِيَتْ بَنُو النَّضِيرِ كانَ فِيهِمْ مِنْ أَبْناءِ الأَنْصارِ، فَقالُوا: لا نَدَعُ أَبْناءَنا. فَأَنْزَلَ الله عزَّ وجلَّ {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} (¬1). قالَ أَبُو داوُدَ: الِمقْلاتُ التَي لا يَعِيشُ لَها وَلَدٌ. * * * باب في الأسير يكره على الإسلام [2682] (حدثنا محمد بن عمر المقدمي) وثقه النسائي (¬2) (حدثنا أشعث بن عبد الله السجستاني) قال البخاري في "تاريخه" (¬3): هو أشعث بن عبد الله الخراساني. وثقه ابن حبان (¬4) (وحدثنا محمد بن بشار، حدثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي (¬5)، وحدثنا الحسن بن ¬

_ (¬1) رواه النسائي في "الكبرى" (11048، 11049)، وابن حبان (140). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2404). (¬2) "المعجم المشتمل" لابن عساكر (920). (¬3) "التاريخ الكبير" 1/ 433. (¬4) "الثقات" 8/ 128. (¬5) فوقها في (ل): (ع).

علي) الحلواني (حدثنا وهب بن جرير، عن شعبة) قال أبو سعيد: بلغني عن أبي داود أنه قال: لما كان الحديث مرسلًا جمعت فيه هؤلاء الثلاثة يريد: الرواة عن شعبة (عن أبي بشر) جعفر بن إياس (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت أمرأة) من اليهود قبل مجيء دين الإسلام (تكون مقلاتا) بكسر الميم آخره تاء ممدودة، وهي المرأة التي لا يعيش لها ولد فتكاد تهلك نفسها من موت الأولاد، وأصله من القلت، وهو الهلاك (فتجعل) لله (على نفسها) نذرًا (إن عاش لها ولد) ذكر أو أنثى أو خنثى (أن تهوده) أي: تعلمه اليهودية وتحمله عليها، وقيل: تكون سببًا لإجراء حكم اليهودية عليه ما دام في الدنيا صغيرًا (فلما أجليت) أي: أخرجت من أوطانهم يهود (بنو النضير) حين غدروا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- لما هزم المسلمون يوم أحد وأظهروا العداوة بعد أن كانوا صالحوه (وكان فيهم) أي: في بني النضير (أبناء من الأنصار) المسلمين (فقالوا: ) يعني الأنصار الذين أسلموا (لا ندع أبناءنا) الذين هودوا قبل مجيء الإسلام يذهبون معكم وهو على حكم اليهودية، بل نكرههم على حكم دين الإسلام ونأخذهم (فأنزل الله عزَّ وجلَّ) هذِه الآية: ({لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}) أي: لا يكره على الدخول في الإسلام من دخل في اليهودية قبل مجيء دين الإسلام، بل يقر على ما كان انتقل إليه، وتجري عليه أحكام أهل الكتاب في أخذ الجزية منه وجواز مناكحتهم، ولكن يكره على الإسلام من انتقل إلى اليهودية أو النصرانية بعد نسخهما؛ لأنه ({قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}) أي: الحق من الباطل، فالحق هو الإسلام، والباطل ما عداه، فلفظ الآية عام مخصوص بمن نزلت فيه من اليهود.

ومعنى الآية: لا يكره أهل الكتاب وهم (¬1) اليهود والنصارى على الدخول في دين الإسلام؛ لأنهم تهودوا قبل ظهور الإسلام، لكن يكره من تهود أو تنصر بعد ظهور الإسلام بأن يقال له: أسلم وإلا قتلناك، فإن أسلم حكم بإسلامه ويكون حكم من تهود أو تنصر مخصصًا لقوله {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}، وإنها من العموم المراد به الخصوص {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}. (قال أبو داود: المقلات التي لا يعيش لها ولد) ومنه الحديث: "المسافر وماله على قلت". والقلت بفتح القاف واللام، وهو الهلاك. ¬

_ (¬1) في الأصول: وهو.

127 - باب قتل الأسير ولا يعرض عليه الإسلام

127 - باب قَتْلِ الأَسِيرِ ولا يُعْرَضُ علَيْهِ الإِسْلامُ 2683 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قالَ: حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ المُفَضَّلِ، قالَ: حَدَّثَنا أَسْباطُ بْنُ نَصْرٍ، قالَ زَعَمَ السُّدِّيُّ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدٍ قالَ: لَمّا كانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- النّاسَ إِلا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وامْرَأَتَيْنِ وَسَمّاهُمْ وابْنُ أَبِي سَرْحٍ. فَذَكَرَ الحَدِيثَ. قالَ وَأَمّا ابن أَبِي سَرْحٍ فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ عِنْدَ عُثْمانَ بْنِ عَفّانَ، فَلَمّا دَعا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- النّاسَ إِلى البَيْعَةِ جاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقالَ: يا نَبي اللهِ بايِعْ عَبْدَ اللهِ. فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى، فَبايَعَه بَعْدَ ثَلاثٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحابِهِ فَقالَ: "أَما كان فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلى هَذا حَيْثُ رَآنَي كفَفْتُ يَدَي عَنْ بَيْعَتِهِ فيقْتُلُهُ" فَقالُوا: ما نَدْرَي يا رَسُولَ اللهِ ما في نَفْسِكَ، أَلَا أَوْمَأْتَ إِلَيْنا بِعَيْنِكَ قالَ: "إِنَّهُ لا يَنْبَغَي لِنَبي أَنْ تَكُونَ لَهُ خائِنَةُ الأَعْيُنِ". قالَ أَبُو داوُدَ: كانَ عَبْدُ اللهِ أَخا عُثْمانَ مِنَ الرَّضاعَةِ وَكانَ الوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ أَخا عُثْمانَ لأُمِّهِ وَضَرَبَهُ عُثْمانُ الحَدَّ إِذْ شَرِبَ الخَمْرَ (¬1). 2684 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، قالَ: حَدَّثَنا زَيْذ بْنُ حُبابٍ، قالَ: أَخْبَرَنا عَمْرُو ابْنُ عُثْمانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعٍ المَخْزُومِيُّ، قالَ: حَدَّثَنَي جَدَّي، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قالَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: "أَرْبَعَةٌ لا أُؤْمِنُهُمْ في حِلٍّ وَلا حَرَمٍ". فَسَمّاهُمْ. قالَ: وَقَيْنَتَيْنِ كانَتا لِمِقْيَسٍ فَقُتِلَتْ إِحْداهُما وَأُفْلِتَتِ الأُخْرى فَأَسْلَمَتْ. قالَ أَبُو داوُدَ: لَمْ أَفْهَمْ إِسْنادَهُ مِنِ ابن العَلاءِ كَما أُحِبُّ (¬2). 2685 - حَذَثَنا القَعْنَبَيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ ¬

_ (¬1) رواه النسائي 7/ 105، والحاكم 2/ 54، 3/ 45. وصححه الألباني في "الصحيحة" (1723). (¬2) رواه الطبراني 6/ 66 (5529)، والدارقطني 2/ 301. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (463).

رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ مَكَّةَ عامَ الفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الِمغْفَرُ فَلَمّا نَزَعَهُ جاءَهُ رَحُلٌ فَقالَ: ابن خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتارِ الكَعْبَةِ فَقالَ: "اقْتُلُوهُ". قالَ أَبُو داوُدَ: ابن خَطَلٍ اسْمُه عَبْدُ اللهِ وَكانَ أَبُو بَرْزَةَ الأَسْلَمَيُّ قَتَلَهُ (¬1). * * * باب قتل الأسير ولا يعرض عليه الإسلام [2683] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أحمد بن المفضل) قرشي، وثقه ابن حبان (¬2) (حدثنا أسباط بن نصر) الهمداني، أخرج له مسلم والأربعة (قال: زعم السدي) إسماعيل بن عبد الرحمن، سمي بذلك لأنه كان يقعد في سدة باب الجامع، قال ابن عدي: صدوق (¬3). (عن مصعب بن سعد، عن سعد) بن أبي وقاص (قال: لما كان يوم فتح مكة) شرفها الله تعالى (أمَّن) بتشديد الميم وآمن بهمزة ممدودة (رسول الله الناس) أي: أعطاهم الأمان، والأمن هو ضد الخوف (إلا أربعة نفر وامرأتين فسماهم) بقتلهم وإن وجدوا تحت أستار الكعبة: عكرمة بن أبي جهل، وفي رواية موضع عكرمة علي بن نفيل، وعبد الله ابن خطل، ومِقْيَس -بكسر الميم وإسكان القاف وفتح الياء المثناة ثم سين مهملة- بن ضُبابة بضاد معجمة مضمومة (و) عبد الله (بن أبي سرح) العامري وهبار بن الأسود، وقيس بن خطل. (فذكر الحديث) وفي رواية النسائي (¬4): فأما عبد الله بن خطل فأدرك ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1846)، ومسلم (1357). (¬2) "الثقات" 8/ 28. (¬3) "الكامل" 1/ 449. (¬4) ساقطة من (ر)، انظر "السنن" (4067).

وهو متعلق بأستار الكعبة، فاستبق إليه سعيد بن جرير وعمار بن ياسر فسبق سعيد (¬1) عمارًا، وكان أشب الرجلين فقتله، وأما مقيس بن ضبابة فأدركوه الناس في السوق فقتلوه، وأما عكرمة فركب البحر فأصابهم عاصف فقال أصحاب السفينة: أخلصوا، فإن ألهتكم لا تغن عنكم هاهنا شيئًا (¬2)، فقال عكرمة: والله لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص فما ينجيني في البر غيره: اللهم إن لك علي عهدا إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمدًا حتى أضع يدي في يده فلأجدنه عفوًّا كريمًا، فجاء (¬3) فأسلم. (قال: وأما) عبد الله (ابن أبي السرح فإنه اختبأ عند عثمان بن عفان، فلما دعا رسول الله الناس إلى البيعة) على الإسلام وهي المعاقدة والمعاهدة، كان كل واحد باع ما عنده وأعطاه خالصة نفسه وطاعته (جاء به حتى أوقفه على النبي -صلى الله عليه وسلم-) فيه وقوف الأسير بين يدي الأمير، وقد يؤخذ منه وقوف المعلم بين يدي العالم والمولود بين يدي الوالد كما أنه يقوم لهم إذا جاؤوا إليه إكرامًا لهم (فقال: يا نبي الله بايع عبد الله) وفيه جواز تسمية الكافر عبد الله الذي هو أحب الأسماء إلى الله، وفيه جواز الشفاعة عند الإمام بلفظ الأمر وطلب الأمان للأسير. (فرفع رأسه) فيه إطراق الرأس عند حضور الأسير إهانة له (¬4) وصغارًا ¬

_ (¬1) في (ل)، (ر): سعيدًا. والصواب ما أثبتناه. (¬2) ساقطة من (ل). (¬3) ساقطة من (ر). (¬4) ساقط من (ر).

وما رفع رأسه إليه [إلا لأنه كان قائمًا بين يديه فنظر إليه] (¬1) وصمت، ثم أطرق رأسه، ثم رفع رأسه إليه (فنظر إليه ثلاثًا) بعد الإطراق (كل ذلك) وهو صامت (يأبى أن يبايعه) ثم قال: نعم (فبايعه بعد ثلاث) نظرات وطول السكتات (ثم) لما انصرف عثمان (أقبل على أصحابه) الذين حوله (فقال) منكرًا عليهم (: أما كان فيكم رجل رشيد) أي: ذو رشد، أي: فطنة يهتدي إلى سبيل الحق وصواب الحكم في قتله وفعله الجميل، ثم بعد ذلك حسن إسلامه، ولم يظهر عليه شيء ينكر عليه إلى أن توفي رحمه الله (يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته) وأمانه (فيقتله) فإني ما صمت إلا ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه. قال الخطابي (¬2): فيه دليل على أن ظاهر السكوت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الشيء يراه يصنع بحضرته يحل محل الرضا به والتقرير له. (فقالوا: ما ندري يا رسول الله ما في نفسك ألا) أي: فهلا (أومأت إلينا بعينك) بالإفراد. فيه دليل على جواز العمل بالإشارة بالعين والرأس واليد، وأنه يقوم مقام اللفظ لمن فهمه وإن كانت الإشارة مما يفهمها كل الناس فهو قائم مقام صريح اللفظ وإلا فكالكتابة (فقال: إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين) قال الرافعي (¬3): فسروها بالإيماء إلى مباح من ضرب أو قتل على خلاف ما يشعر به الحال، فلا يخالف ظاهره باطنه ولا سره علانيته، وإذا نفذ حكم الله بشيء لم ¬

_ (¬1) ساقط من (ر). (¬2) "معالم السنن" 2/ 249. (¬3) "الشرح الكبير" 7/ 441 - 442.

يومئ به، بل يصرح به ويظهره، وإنما قيل له خائنة الأعين لأنه يشبه الخيانة، ومن حيث إنه يخفى. قال: ولا يحرم ذلك على غيره إلا في محظور. واستدل صاحب "التلخيص" بتحريم خائنة الأعين على أنه لم يكن له أن يخدع في الحرب، وخالفه المعظم على ما اشتهر أنه كان إذا أراد سفرًا وَرى بغيره. انتهى. وقد عد تحريم خائنة الأعين من خصائصه -صلى الله عليه وسلم-، وظاهر الحديث أنه ليس مختصًّا به دون الأنبياء، بل من خصائصه وخصائص كل نبي ومرسل. (قال أبو داود: وكان عبد الله) يعني: ابن سعد بن أبي سرح (أخا عثمان) بن عفان (من الرضاعة) أرضعت أمه عثمان (وكان الوليد بن عقبة أخا عثمان لأمه) أروى بنت كريب بن ربيعة العشمية (وضربه عثمان الحد إذ شرب الخمر) فإذ ينصرف للماضي كقوله: {فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} (¬1)، ويحتمل أن تكون للتعليل. أي: لأجل أنه يشرب الخمر، ومن معناها التعليل لقوله تعالى: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ} (¬2) وفي بعض النسخ: أنّى شرب الخمر. بفتح الهمزة وتشديد النون. وشرب الوليد الخمر جاء حديثه في مسلم (¬3) عن حصين بن المنذر ¬

_ (¬1) التوبة: 40. (¬2) الزخرف: 39. (¬3) "صحيح مسلم" (1707)

قال: شهدت عثمان بن عفان أتى بالوليد قد صلى الصبح أربعًا ثم قال: أزيدكم. فشهد عليه رجلان أحدهما أنه شرب الخمر، وشهد آخر أنه رآه يتقيأها، فقال عثمان: إنه لم يتقيؤها حتى شربها. وفيه: فقال: يا عبد الله ابن جعفر قم فاجلده، فجلده وعلي يعد حتى بلغ أربعين، فقال: أمسك .. الحديث. [2684] (حدثنا محمد بن العلاء) بن كريب (حدثنا زيد بن الحباب) بضم الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة (أنبأنا عمرو بن عثمان بن عبد الرحمن بن سعيد المخزومي) وثقه ابن حبان (¬1) (حدثني جدي، عن أبيه) يعني: سعيد بن يربوع المخزومي، كان اسمه الصرم فغير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اسمه، وقال: "أنت سعيد" وقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أينا أكبر؟ " فقال: أنا أقدم منك وأنت أكبر مني، وخير مني (¬2). وذكره بعضهم في المؤلفة قلوبهم، توفي في خلافة معاوية وعمره مائة سنة وأربعة وعشرون سنة. (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال يوم فتح مكة: أربعة لا أؤمنهم) بضم الهمزة وكسر الميم الخفيفة (في حل) بكسر الحاء المهملة (ولا حرم) بفتح الحاء والراء، أي: في أرض حلال ولا حرام (فسماهم) كما تقدم. فأما عكرمة بن أبي جهل -واسم أبي جهل عمرو بن هشام- فإنه كان شديد العداوة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو وأبوه فهرب حين الفتح، فلحق باليمن ¬

_ (¬1) "الثقات" 7/ 179. (¬2) أخرجه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" (3887)، وابن عبد البر في "الاستيعاب" 1/ 189.

ولحقته امرأته أم حكيم، فأتت به النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما رآه قال: "مرحبًا بالراكب المهاجر" فأسلم وحسن إسلامه. [وأما ابن خطل] (¬1) فإنما أمر بقتله لأنه كان مسلمًا فبعثه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مصدقًا وبعث معه رجلًا من الأنصار مسلمًا يخدمه، فنزل منزلًا وأمر المولى أن يذبح له تيسًا يصنعه له طعامًا، فنام فاستيقظ ابن خطل ولم يصنع له شيئًا فعدا عليه فقتله ثم ارتد مشركًا. وأما مقيس فكان أسلم على يدي (¬2) النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم ارتد أيضًا. وأما ابن أبي سرح فأسلم أيضًا، وكان يكتب الوحي لرسول الله ثم ارتد مشركًا وصار إلى قريش، ثم جاء فأسلم وحسن إسلامه كما تقدم. (قال: وقَيْنتين) هما قَرَيْنَا وَقُرَيْبَةَ (كانتا لِمقْيَس) بكسر الميم كما تقدم، كانتا قينتا ابن خطل تهجو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (فقتلت إحداهما) وهي قريبة (وأفلتت الأخرى [فأسلمت]) (¬3) وهي قرينا بفتح القاف، واستؤمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للأخرى فأمنها، ذكره السهيلي. (قال أبو داود: ) هذا الحديث (لم أفهم إسناده من) محمد (ابن العلاء) فما بعده إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (كما أحب) فليراجع من غيره. [2685] ([حدثنا القعنبى، عن مالك، عن ابن شهاب] (¬4) عن أنس: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة عام الفتح) أي: فتح مكة عام ثمان (وعلى ¬

_ (¬1) زيادة يقتضيها السياق. (¬2) في (ل): يد. (¬3) ساقطة من (ل)، (ر)، والمثبت من "سنن أبي داود". (¬4) ليست في (ر)، ومستدركة من المطبوع.

رأسه المغفر) وهو برد ينسج من الدروع على قدر الرأس، يلبس تحت القلنسوة، قال التميمي: فيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة يوم الفتح غير محرم، وفيه أنه لبس المغفر مرة. وفيه استعمال الأسباب التي نصبها الله لمسبباتها، وهو من تمام التوكل. وضمان الله العصمة في الآية لا ينافي تعاطيه لأسبابها، كما أنه ضمن له حياته حتى يبلغ رسالته وهو يتعاطى أسباب الحياة من المأكل والمشرب. (فلما نزعه جاءه رجل، فقال: ابن خَطَل متعلق بأستار الكعبة! فقال: اقتلوه) فيه جواز القتل في الحرم قصاصًا أو حدًّا. وفيه أن للإمام أن يقتل من حاد الله ورسوله صبرًا وكان في قتله صلاح للمسلمين، وأن الإمام يخير بين القتل والمن. (قال أبو داود: اسم ابن خَطَل) بمفتوحتين (عبد الله بن خطل) وقيل: هلال، وقيل: ابن هلال أخوه وكان يقال لهما: الخطلان من بني تيم بن غالب (وكان أبو برزة) نضلة بن عبيد (الأسلمي قتله) بأمر النبي -صلى الله عليه وسلم-.

128 - باب في قتل الأسير صبرا

128 - باب في قَتْلِ الأَسِيرِ صَبْرًا 2686 - حَدَّثَنا عَلَيُّ بْنُ الحُسَيْنِ الرَّقَّيُّ قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن جَعْفَرٍ الرَّقَّيُّ، قالَ: أَخْبَرَنَي عُبَيْدُ اللهِ بْن عَمْرٍو، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبي أُنَيْسَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ إِبْراهِيمَ قالَ: أَرادَ الضَّحّاكُ بْنُ قَيْسٍ أَنْ يَسْتَعْمِلَ مَسْرُوقًا فَقالَ لَهُ عُمارَةُ بْنُ عُقْبَةَ: أَتَسْتَعْمِلُ رَجُلًا مِنْ بَقايا قَتَلَةِ عُثْمانَ فَقالَ لَهُ مَسْرُوقٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ - وَكانَ في أَنْفُسِنا مَوْثوقَ الحَدِيثِ- أَنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- لَمّا أَرادَ قَتْلَ أَبِيكَ قالَ: مَنْ لِلصِّبْيَةِ قالَ: "النّارُ". فَقَدْ رَضِيتُ لَكَ ما رَضَيَ لَكَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- (¬1). * * * باب قتل الأسير صبًرا يقال: قتل فلان صبرًا إذا حبس وأمسك على القتل. [2686] (حدثنا علي ين حسين الرقي) صدوق (حدثنا عبد الله بن جعفر) بن غيلان (الرقي، حدثنا عبيد الله) بالتصغير (بن عمرو) الرقي (عن زيد بن أبي أُنيسة) الجزري (عن عمرو بن مرة) بن عبد الله (عن إبراهيم) النخعي. (قال: أراد الضحاك بن قيس) بن خالد، وكان على شرطة معاوية ثم صار عاملًا له على الكوفة (أن يستعمل مسروقًا) ابن الأجدع (فقال له عمارة بن عقبة) بن أبي معيط أبان بن عمرو أخو الوليد بن عقبة (أتستعمل رجلًا من بقايا قتلة عثمان؟ ) بن عفان -رضي الله عنه-، وكان مسروقًا ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في "الأوسط" (2949)، والحاكم 2/ 124. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (2407): إسناده حسن صحيح.

يخلف عن علي -رضي الله عنه- في حروبه. (فقال له) أي: لعمارة بن عقبة (مسروق حدثنا عبد الله بن مسعود، وكان) مأمونًا (¬1) أي: ابن مسعود (في أنفسنا، موثوق الحديث) أي: مأمونًا (¬2) في نقل الحديث (أن النبي لما أراد قتل أبيك) يعني عقبة بن أبي معيط (قال) يا محمد (من للصبية) جمع صبي. أي: أولادي الصغار بعدي (قال) لهم (النار) تحرقهم (فقد رضيت لك ما رضي لك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) من النار. وكان عقبة من أسارى المشركين يوم بدر، أسره عبد الله بن سلمة، فلما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقتله صبرًا، قال: من للصبية يا محمد؟ قال: "النار"، فقتله عاصم بن ثابت بضرب عنقه، لا بحرق ولا مثلة، وقيل: علي بن أبي طالب، ولعل قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لهم النار تنكيلًا وزيادة في عقوبته، لا أنه حكم علي بنيه بالنار؛ فإن الوليد وعمارة أسلما يوم الفتح، والصحابة كلهم مرضيون. ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) في (ل)، (ر): مأمون. والصواب ما أثبتناه.

129 - باب في قتل الأسير بالنبل

129 - باب في قَتْلِ الأَسِيرِ بِالنَّبْلِ 2687 - حَدَّثَنا سَعِيدُ بْن مَنْصُورٍ قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنِ وَهْبٍ، قالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْن الحارِثِ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنِ ابن تِعْلَى قالَ: غَزَوْنا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خالِدِ بْنِ الوَلِيدِ فَأُتِيَ بِأَرْبَعَةِ أَعْلاجٍ مِنَ العَدُوِّ فَأَمَرَ بِهِمْ فَقُتِلُوا صَبْرًا. قالَ أَبُو داوُدَ: قالَ لَنا غَيْرُ سَعِيدٍ، عَنِ ابن وَهْبٍ في هذا الحَدِيثِ قالَ: بِالنَّبْلِ صَبْرًا فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبا أَيُّوبَ الأَنْصارِيَّ، فَقالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَنْهَى عَنْ قَتْلِ الصَّبْرِ، فَوالَّذَي نَفْسَي بِيَدِهِ لَوْ كانَتْ دَجاجَةٌ ما صَبَرْتُها. فَبَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ خالِدِ بْنِ الوَلِيدِ فَأَعْتَقَ أَرْبَعَ رِقابٍ (¬1). * * * باب قتل الأسير بالنبل وهي السهام العربية، وهي لطاف ليست بطوال كسهام النشاب، كما تقدم. [2687] (¬2) (حدثنا سعيد بن منصور) المروزي (قال: حدثنا عبد الله ابن وهب) القرشي (قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن بكير بن عبد الله) ابن الأشج (عن) عبيد (ابن تِعْلَى) بكسر المثناة فوق وإسكان المهملة وفتح اللام المقصورة، الطائي الفلسطيني، صدوق، وثقه النسائي (¬3). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 422، وسعيد بن منصور في "السنن" (2667) ط الأعظمي، وابن حبان (5610)، والطبراني 4/ 159 (4002). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (464). (¬2) هنا يبدأ سقط من (ر). (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" (19/ 190).

(قال: غزونا مع عبد الرحمن بن خالد بن الوليد) رأى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان من الأبطال (فأُتي بأربعة أعلاج) جمع علج بكسر العين، وهو الكافر الغليظ الشديد، سمي بذلك لأنه يدفع عن نفسه بقوته، ومنه سمي العلاج لدفعه الداء بنفسه (من العدو، فأمر بهم فقتلوا صبرًا) أي: حبسوا وأمسكوا للقتل حتى قتلوا. (قال أبو داود: قال لنا غير سعيد) بن منصور (عن) عبد الله (ابن وهب في هذا الحديث قال: بالنبل) وهي السهام العربية (صبرًا) أي: حبس وأمسك، ثم رمي بالنبل حتى قتل (فبلغ ذلك أبا أيوب) خالد بن زيد ابن كليب بن ثعلبة (الأنصاري) الخزرجي (فقال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهى عن قتل) أي: في كل ما له روح، أما ما لا روح له فجائز أن يتخذ هدفًا يرمى إليه، ويدخل في عموم النهي عن قتل الصبر فيما له روح (الصبر) القتل بكل ما يرمى به من نبل وبندق وحجارة وغير ذلك، ولهذا أستدل أبو أيوب على قتل الأسير بالنبل؛ لأنه يدخل في عموم قتل الصبر، لاسيما وقد صرح بذلك في رواية للبخاري (¬1) عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهى أن تصبر بهيمة أو غيرها للقتل، مع رواية مسلم (¬2): أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعن من اتخذ شيئًا فيه الروح غرضًا. نعم يقال رواية أبي داود نهى عن قتل الصيد مطلقا (¬3). ورواية ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (5514). (¬2) "صحيح مسلم" (1957). (¬3) في (ل): مطلق. ولعل الصواب ما أثبتناه.

البزار (¬1) عن ابن عباس: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن صبر الروح، وعن إخصاء البهائم نهيًا شديدًا. (فوالذي نفسي بيده) هذا تأكيد منه كما تقدم، ثم قال: (لو كانت دجاجة) فيها روح (ما صَبرتُها) أي: ما جاز لي أن أرمي إليها بالنبل، فكيف بالآدمي الذي كرمه الله تعالى، وكذا لا يجوز صبر من وجب إراقة دمه بقصاص أو حد أو غيرهما (فبلغ ذلك عبد الرحمن بن خالد ابن الوليد) فرأى أنه قارف معصية لله تعالى، لكن كان لا يعرف التحريم، فلما عرفه عاقب نفسه (فأعتق أربع رقاب) لله تعالى؛ ليكون ذلك كفارة لما وقع منه، وهكذا كان فعل السلف -رضي الله عنهم- في خوفهم من الله إذا وقع منهم نوع مخالفة أو تأخير طاعة عن وقتها، وهذا من المجاهدة في الله تعالى، فكان ابن عمر إذا أخَّر صلاة المغرب حتى طلع كوكبان أعتق رقبتين (¬2). وفات ابن أبي ربيعة ركعتا الفجر فأعتق رقبة (¬3). ¬

_ (¬1) "مسند البزار" (1690). (¬2) أخرجه ابن المبارك في "الزهد والرقائق" (529) لكن لعمر بن الخطاب. (¬3) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (4780).

130 - باب في المن على الأسير بغير فداء

130 - باب في المَنِّ على الأَسِيرِ بِغيْرِ فِداءٍ 2688 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، قالَ: حَدَّثَنا حَمّادٌ، قالَ: أَخْبَرَنا ثابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ ثَمانِينَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ هَبَطُوا عَلَى النَّبي -صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحابِهِ مِنْ جِبالِ التَّنْعِيمِ عِنْدَ صَلاةِ الفَجْرِ لِيَقْتُلُوهُمْ، فَأَخَذَهُمْ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- سَلَمًا، فَأَعْتَقَهُمْ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَنْزَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ} إِلى آخِرِ الآيَةِ (¬1). 2681 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، قالَ: أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قالَ لأُسارى بَدْرٍ: "لَوْ كانَ مُطْعِمُ بْنُ عَديٍّ حيّا ثُمَّ كَلَّمَني في هؤلاء النَّتْنَى لأَطْلَقْتُهُمْ لَهُ" (¬2). * * * باب في المن على الأسير بغير فداء [2688] (حدثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (قال: حدثنا حماد) ابن سلمة (قال: أخبرنا ثابت) البناني (عن أنس أن ثمانين رجلاً من أهل مكة) شرفها الله تعالى (هبطوا على النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه من جبال التنعيم) رواية مسلم (¬3): من جبل التنعيم، وهو بين مكة وسرف على فرسخين من مكة؛ لأن جبلًا على يمينها يقال له نعيم، وآخر عن شمالها يقال له ناعم، والوادي نعيمان (عند صلاة الفجر) يقال لها: ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1808). (¬2) رواه البخاري (3139). (¬3) "صحيح مسلم" (1808).

صلاة الفجر، وصلاة الصبح، وصلاة الغداة، وأيهما نوى أجزأ. زاد مسلم: متسلحين يريدون غرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه. (ليقتلوهم) في حال الصلاة (فأخذهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سلمًا) قال النووي (¬1): سِلْمًا ضبطوه بوجهين، أحدهما: بفتح السين واللام، والثاني: بإسكان اللام مع كسر السين وفتحها. قال الحميدي (¬2): ومعناه: الصلح. قال القاضي عياض (¬3): هكذا ضبطه الأكثرون. والرواية الأولى أظهر، ومعناها: أسرهم وأخذهم أسرى. وجزم الخطابي (¬4) بفتح السين واللام. قال: والمراد به الاستسلام والإذعان، كقوله تعالى: {وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ} (¬5) أي: الانقياد، وهو مصدر يقع على الواحد والاثنين والجمع. قال ابن الأثير (¬6): هذا هو الأشبه بالقضية؛ فإنهم لم يؤخذوا صلحًا، وإنما أخذوا قهرًا وسلموا أنفسهم عجزًا. (فأعتقهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله عزَّ وجلَّ: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ}) بما ألقى في قلوبهم من الرعب، فأجبنهم عن مقاتلة المؤمنين ({وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ}) بأن أوقع في قلوبكم ترك القتل؛ فذكر الله منته على الفريقين حين لم يقتتلا حتى اتفق بينهم الصلح الذي كان أعظم ¬

_ (¬1) "شرح النووي على مسلم" 12/ 187. (¬2) انظر: "جامع الأصول" 2/ 359. (¬3) "مشارق الأنوار على صحاح الآثار" 2/ 217. (¬4) "غريب الحديث" للخطابي 1/ 574. (¬5) النساء: 90. (¬6) "النهاية في غريب الأثر" 2/ 985.

من الفتح ({بِبَطْنِ مَكَّةَ}) قال أبو علي: هو المكان الذي يسمى الحديبية الذي كان نزله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (إلى آخر الآية) {بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا}. [2689] (حدثنا محمد بن يحيى بن فارس) الذهلي (قال: حدثنا عبد الرزاق) بن همام (قال: أخبرنا معمر) بن راشد البصري (عن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعِم، عن أبيه) جبير بن مطعِم بن عدي بن نوفل القرشي. (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأُسارى بدر) من المشركين حين أسرهم، يحتمل أن يكون التقدير: قال عن أسارى بدر (لو كان مطعم بن عدي) بن نوفل ابن عبد مناف، وهو أبو جبير بن مطعم -رضي الله عنه-. (حيًّا ثم كلمني في هؤلاء النتنى) بفتح النون، وإسكان التاء، جمع النتن بكسر المثناة، كزمنى جمع زمن، بوزن فعلى، جمع كثرة لما دل على هلك أو توجع أو ما في معناه كقتيل وقتلى، وأسير وأسرى، ومريض ومرضى، والنتن كل شيء يستقبح من الريح وغيره، سماهم نتنى لكفرهم. (لأطلقتهم له) قال سفيان: كانت له عند النبي -صلى الله عليه وسلم- يد، وكان مطعم معظمًا في قريش، وهو الذي قام بنقض الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم وبني المطلب. قال الخطابي (¬1): فيه دليل على جواز إطلاق الأسير والمن عليه من غير فداء، كما بوب عليه أبو داود. ¬

_ (¬1) "معالم السنن" 2/ 288.

131 - باب في فداء الأسير بالمال

131 - باب في فِداءِ الأَسِيرِ بِالمالِ 2690 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن محَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، قالَ: حَدَّثَنا أَبُو نُوحٍ، قالَ: أَخْبَرَنا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمّارٍ قالَ: حَدَّثَنا سِماكٌ الحنَفي قالَ: حَدَّثَنا ابن عَبّاسٍ، قالَ: حَدَّثَني عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ قالَ: لَمّا كانَ يَوْمُ بَدْرٍ فَأَخَذَ -يَعْني: النَّبي -صلى الله عليه وسلم- الفِداءَ أَنْزَلَ الله عزَّ وجلَّ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} إِلى قَوْلِهِ: {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} مِنَ الفِداءِ، ثُمَّ أَحَلَّ لَهُمُ اللهُ الغَنائِمَ (¬1). قالَ أَبُو داوُدَ: سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يُسْأَلُ عَنِ اسْمِ أَبي نُوحٍ فَقالَ: أيْشٍ تَصْنَعُ بِاسْمِهِ أسْمُهُ اسْمٌ شَنِيعٌ. قالَ أَبُو داوُدَ: اسْمُ أَبي نُوحٍ قُرادٌ والصَّحِيحُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَزْوانَ. 2691 - حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ المُبارَكِ العيْشيُّ، قالَ: حَدَّثَنا سُفْيانُ بْن حَبِيبٍ، قالَ: حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبي العَنْبَسِ، عَنْ أَبي الشَّعْثاءِ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- جَعَلَ فِداءَ أَهْلِ الجاهِلِيَّةِ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعَمِائَةٍ (¬2). 2692 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفيليُّ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبّادٍ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبيْرِ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: لَمّا بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ في فِداءِ أَسْراهُمْ بَعَثَتْ زيْنَبُ في فِداءِ أَبي العاصِ بِمالٍ وَبَعَثَتْ فِيهِ بِقِلادَةٍ لَها كانَتْ عِنْدَ خَدِيجَةَ أَدْخَلَتْها بِها عَلَى أَبِي العاصِ، قالَتْ: فَلَمّا رَآها رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لَها رِقَّةً شَدِيدَةً وقالَ: "إِنْ رَأيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَها أَسِيرَها وَتَرُدُّوا عَليْها الذي لَها". فَقالُوا نَعَمْ. وَكانَ رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَخَذَ عَليْهِ أَوْ وَعَدَهُ أَنْ يُخَلّيَ سَبِيلَ زيْنَبَ إِليْهِ، وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- زيْدَ بْنَ حارِثَةَ وَرَجُلاً مِنَ الأَنْصارِ فَقالَ: ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1763). (¬2) رواه النسائي في "الكبرى" (8661)، والحاكم 2/ 125، والبيهقي 6/ 321. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (465).

"كُونا بِبَطْنِ يَأْجِجَ حَتَّى تَمُرَّ بِكُما زيْنَبُ فَتَصْحَباها حَتَّى تَأْتِيا بِها" (¬1). 2693 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنا عَمّي -يَعْني: سَعِيدَ بْنَ الحَكَمِ- قالَ: أَخْبَرَنا اللّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عُقيْلِ، عَنِ ابن شِهابٍ قالَ: وَذَكَرَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبيْرِ أَنَّ مَرْوانَ والِمسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَراهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قالَ حِينَ جاءَهُ وَفْدُ هَوازِنَ مُسْلِمِينَ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِليْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَعي مَنْ تَرَوْنَ وَأَحَبُّ الحَدِيثِ إِلى أَصْدَقُهُ فاخْتارُوا إِمّا السَّبْي وَإِمّا المالَ". فَقالُوا نَخْتارُ سَبْيَنا فَقامَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَثْنَى عَلَى اللهِ ثُمَّ قالَ: "أَمّا بَعْدُ فَإِنَّ إِخْوانَكُمْ هؤلاء جاؤُوا تائِبِينَ وَإِنّي قَدْ رَأيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِليْهِمْ سَبْيَهُمْ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَطِيبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ ما يُفيءُ اللهُ عَليْنا فَلْيَفْعَلْ". فَقالَ النّاسُ: قَدْ طيَّبْنا ذَلِكَ لَهُمْ يا رَسُولَ اللهِ. فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنّا لا نَدْري مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ فارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِليْنا عُرَفاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ". فَرَجَعَ النّاسُ فَكَلَّمَهُمْ عُرَفاؤُهُمْ فَأَخْبَرُوهُمْ أَنَّهُمْ قَدْ طيَّبُوا وَأَذِنُوا (¬2). 2614 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، قالَ: حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَن عَمْرِو بْنِ شُعيبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ في هذِه القِصَّةِ، قالَ: فَقالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "رُدُّوا عَليْهِمْ نِساءَهُمْ وَأَبْناءَهُمْ فَمَنْ مَسَّكَ بِشَيء مِنْ هذا الفَيء فَإِنَّ لَهُ بِهِ عَليْنا سِتَّ فَرائِضَ مِنْ أَوَّلِ شَئ يُفِيئُهُ اللهُ عَليْنا". ثمَّ دَنا -يَعْني: النَّبي -صلى الله عليه وسلم- مِنْ بَعِيرٍ فَأَخَذَ وَبَرَةً مِنْ سَنامِهِ ثُمَّ قالَ: "يا أيُّها النّاسُ إِنَّهُ ليْسَ لي مِنَ الفَيء شَئ وَلا هذا". وَرَفَعَ أُصْبُعيْهِ: "إِلاَّ الخُمُسَ والخُمُسُ مَرْدُودٌ عَليْكُمْ فَأَدُّوا الخِياطَ والمِخْيَطَ". فَقامَ رَجُلٌ في يَدِهِ كُبَّةٌ مِنْ شَعْرٍ فَقالَ: أَخَذْتُ هذِه لأُصْلِحَ بِها ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 276، والحاكم 3/ 23، والبيهقي 6/ 322. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (2411/ 2). (¬2) رواه البخاري (2307، 2308).

بَرْذَعَةً لي. فَقالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَمّا ما كانَ لي وَلبَني عَبْدِ المُطَّلِبِ فَهُوَ لَكَ". فَقالَ: أَمّا إِذْ بَلَغَتْ ما أَرى فَلا أَرَبَ لي فِيها. وَنَبَذَها (¬1). * * * باب فداء الأسير بالمال [2690] (حدثنا: أحمد بن محمد بن حنبل) الشيباني (قال: ثنا أبو نوح، قال: أخبرنا: عكرمة بن عمار، قال: ثنا سِمَاك الحنفي، قال: ثنا ابن عباس رضي الله عنهما، قال: حدثني عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم بدر) الكبرى (فأخذ -يعني: النبي -صلى الله عليه وسلم- الفِداء) بكسر الفاء مع المد وفتحها مع القصر، وهو ما يعطى في فكاك الأسير بعد ما] (¬2) استشارهم في أمرهم واختار ما قال أبو بكر (¬3) أن يؤخذ منهم الفداء فيكون ما أخذ منهم قوة لنا على الكفار، وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضدًا، ففاداهم بالمال والأسرى فادى رجلًا برجلين فـ (أنزل الله: {مَا كَانَ}) ينبغي ({لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى}) أي: يحبس كافرًا يقدر عليه من عبدة الأوثان للفداء أو للمن ({حَتَّى يُثْخِنَ}) أي: يبالغ في قتل أعدائه حتى يغلب على كثير ممن ({فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} وهو الفداء {وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} يعني: الجنة {وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} أي: أن الغنائم حلال ¬

_ (¬1) رواه النسائي 7/ 131، وأحمد 2/ 184. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (2413). (¬2) زيادة من (ل)، وسقط ورقة كاملة من (ر). (¬3) يشير به إلى ما رواه أحمد 3/ 243.

لك ولأمتك ([إلى قوله] (¬1): {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ}) أي (من الفداء) {عَذَابٌ عَظِيمٌ}. قال الحسن (¬2): أخذوا الفداء قبل أن يؤمروا به، فعاب الله عليهم ذلك (ثم أحل) الله (لهم الغنائم) بقوله بعده: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا}. (قال أبو داود: سمعت) الإمام (أحمد بن) محمد بن (حنبل) حين (سئل عن اسم أبي نوح) شيخ أحمد (فقال: أيش) أي: أي شيء (تصنع باسمه؟ ! ) فيه دليل على أن معرفة ما أبهم من الكنى والألقاب إذا عرف بالكنية أو اللقب ليس فيه كبير فائدة، بل هو مما ينفع علمه ولا يضر جهله. (اسمه اسم شنيع) والشنيع لا يسمى به (¬3) إلا لحاجة، وهو معروف بالكنية فلا يسمى به. (قال أبو داود: [اسم أبي داود]) (¬4) أي: الاسم الذي استشنعه هو (قُرَاد) بضم القاف، وتخفيف الراء كالحيوان المعروف الكثير الفساد، قيل: إنه يسمع صوت أخفاف الإبل من مسيرة يوم فيتحرك لها ليتعلق بها فيؤذيها ويؤذي راكبها وربما قتلها، ولهذا ضرب به المثل في قوة السماع فيقال: أسمع من قراد. ¬

_ (¬1) من "السنن". (¬2) أخرجه الطبري في "تفسيره" 14/ 65. (¬3) ساقطة من (ر). (¬4) من "السنن".

(والصحيح) أن اسمه (عبد الرحمن بن غزوان) بفتح الغين وإسكان الزاي المعجمتين. [2691] (حدثنا عبد الرحمن بن المبارك العيشي) بياء مثناة من تحت، وشين معجمة، نسبة إلى بني عائش بن مالك، شيخ البخاري (حدثنا سفيان بن حبيب) البصري (عن أبي العَنْبس) بفتح العين المهملة، وإسكان النون، ثم باء موحدة، وسين مهملة، قيل: اسمه: عبد الله بن مروان الكوفي. (عن أبي الشعثاء) جابر بن زيد (عن ابن عباس، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل فداء أهل الجاهلية) من أسرى المشركين (يوم) غزوة (بدر) كل رجل (أربعمائة) وروى الإمام أحمد (¬1) عن ابن عباس: كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة. وفيه دليل على أخذ الفداء بالمال، وهذا في الرجال الأحرار البالغين العقلاء الذين كفرهم أصلي، أما المرتد فيطالبه الإمام بالإسلام أو السيف ولا يقبل منه المال، وقد يكون الأصلح الفداء بالمال كالرجل الضعيف الذي له مال كثير، ففداؤه بمال كثير أصلح. [2692] (حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي، حدثنا محمد بن سلمة) بفتح اللام، ابن عبد الله الباهلي. (عن محمد بن إسحاق) صاحب "المغازي" (عن يحيى بن عباد) بفتح ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 1/ 247.

المهملة، وتشديد الموحدة. (عن أبيه عباد بن عبد الله بن الزبير، عن عائشة قالت: لما بعث أهل مكة) إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- (في فداء أسراهم) بفتح الهمزة والقصر، وأسرائهم بضم الهمزة والمد لغتان قرئ بهما في السبع (¬1) (بعثت زينب) بنت رسول الله (في فداء أبي العاص) لقيط، وقيل: هشيم بن الربيع بن عبد العزى بن [عبد] (¬2) شمس بن عبد مناف، ابن خالة زينب فإن أمه هالة بنت خويلد أخت خديجة لأبيها وأمها. -قال الدارقطني: فخديجة خالته- ختن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين أصيب في الأسرى يوم بدر فكان بالمدينة عند رسول الله، وكان الإسلام قد فرق بينهما -حين أسلمت- وبين أبي العاص (بمال، وبعثت فيه بقلادة لها) فيه جواز لبس المرأة القلادة والعنبر والسوار ونحو ذلك من أنواع الحلي، وجواز تصرف المرأة في مالها إذا كانت بالغة بغير إذن وليها (كانت عند خديجة أدخلتها بها على أبي العاص) حين بنى عليها، فيه إيثار المرأة بنتها عند زواجها ببعض قماشها وحليها (قالت: فلما رآها رسول الله) عرفها و (رق لها رقة شديدة) لأنه كان رقيق القلب على الأجانب، فكيف على ابنته؟ . (وقال: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها) الذي استجار بها، فيه جواز المن على الأسير بغير مال إفداءً بأسير أو عوض، واستشارة القوم في تخلية سبيله (وتردوا عليها الذي لها) وعليه ماله الذي قد أصبتم له، ¬

_ (¬1) انظر: "الحجة للقراء السبعة" 2/ 143. (¬2) من مصادر الترجمة.

وأنا أرى أن تحسنوا له وتردوه عليه (¬1)، وإن أبيتم فأنتم أحق به (قالوا: نعم) يا رسول الله، فأطلقوا أبا العاص وردوا عليها الذي لها إكرامًّا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- (وكان رسول الله) قد (أخذ عليه) العهد (أو وعده) شك من الراوي (أن يخلي سبيل زينب إليه) لإسلامها، وصرح الدولابي أنه كان مغلوبًا بمكة لا يقدر أن يفسخ نكاحها منه (¬2). قال ابن هشام (¬3): أو كان فيما شرط عليه تخلية سبيلها في إطلاقه، ولم يظهر ذلك منه ولا من رسول الله فيعلم ما هو -يعني: من هذِه الأقسام التي تقدمت في أمر فراقه لها- هل هو عهد أو وعد أو شرط؟ إلا أنه لما خرج أبو العاص إلى مكة وخُلي سبيله. (وبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زيد بن حارثة) وناوله خاتمه معه (ورجلًا من الأنصار) مكانه ليحضر معه (فقال: كونا ببطن يَأْجَج) بياء مثناة تحت وهمزة ساكنة ثم جيم مكررة أولاهما مفتوحة، قال البكري: وقد تكسر. قال أبو عبيد (¬4): هو وادٍ من مطلع الشمس إلى مكة قريب منها، ويوم يأجج يوم الرقم كانت فيه وقعة لغطفان على عامر (حتى تمرَّ بكما زينب فتصحباها حتى تأتيا بها) فخرجا مكانهما وذلك بعد بدر بشهر أو نحوه، فلما قدم أبو العاص مكة أمرها باللحوق بأبيها فخرج بها ليلًا حتى أسلمها إلى زيد بن حارثة وصاحبه فقدما بها على رسول ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) "الذرية الطاهرة" للدولابي ص 49. (¬3) "سيرة ابن هشام" 1/ 653. (¬4) "معجم ما استعجم" 4/ 1385.

الله (¬1) فرد عليه رسول الله زينب على النكاح الأول لم يجد شيئًا. وخرج الدارقطني أنه رد ابنته على أبي العاص بمهر جديد ونكاح جديد (¬2). [2693] (حدثنا أحمد) بن سعد بن الحكم (بن أبي مريم، حدثنا عمي يعني: سعيد بن الحكم) بن أبي مريم (أنبأنا الليث) بن سعد [(عن عقيل) بن خالد، مصغر (عن) محمد (ابن شهاب) الزهري. (وذكر) ابن شهاب أن (عروة بن الزبير أن مروان والمسور بن مخرمة أخبراه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال حين جاءه وفد) جمع وافد كزور جمع زائر، وهم القوم يأتون الملوك ركبانًا، وكانوا أربعة عشر رجلًا (هوازن) بفتح الهاء وخفة الواو وكسر الزاي قبيلة من قيس (مسلمين، فسألوه أن يرد إليهم أموالهم) ويمن عليهم بالسبي. (فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ) إن (معي) أظن تقديره: معي من السبي (مَن ترون، وأَحبُّ الحديث إليَّ أصدقُه) فيه إشارة إلى طلب الصدق منهم. (فاختاروا) الطائفة من السبي قطعة منه (إما) أن نرد إليكم (السبي) وهم الأبناء والنساء. (وإما) أن نرد (المال) زاد البخاري في رواية في باب: من ملك من العرب رقيقًا فوهب وباع وجامع وفدى وسبى الذرية، فقال: وكان النبي ¬

_ (¬1) بعدها في (ر): ثم خرج حتى قدم على رسول الله. (¬2) لم أقف عليه عند الدارقطني، والحديث عند أحمد 2/ 207، والترمذي (1142)، وابن ماجه (2010) من طرق عن الحجاج بن أرطاة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده. وقال الترمذي: هذا حديث في إسناده مقال.

-صلى الله عليه وسلم- انتظرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف، فلما تبين لهم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- غير راذ إليهم إلا إحدى الطائفتين (¬1). (فقالوا: ) فإنا (نختار) أن نأخذ (سَبْينا) زاد ابن هشام (¬2): ما كنا نعدل بالأحساب شيئًا. فقال: "أما مالي ولبني عبد المطلب فهو لكم وسأسأل لكم الناس" (فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) فقال: "إذا صليت الصلاة فقوموا فقولوا: إنا نستشفع برسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المؤمنين، ونستشفع بالمؤمنين إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يرد علينا سبينا". فلمَّا صلى القوم قالوا ذلك في الناس (فأثنى على الله تعالى)، زاد البخاري: بما هو أهله. فيه دليل على أنه يستحب لكل خطيب ومدرس وواعظ ومتكلم أن يبتدئ بحمد الله تعالى، والصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (ثم قال: أما بعد) حمد الله والثناء عليه. فيه دليل على استحباب أما بعد، بعد الحمد والصلاة في الخطبة وغيرها. (فإن إخوانكم هؤلاء) لما أسلموا صاروا إخوانًا لهم {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}، وفيه نوع استعطاف عليهم؛ لأنهم صاروا إخوانهم في الإيمان. (جاؤوا تائبين) أي: مسلمين كما في أول الحديث، والإسلام يهدم ما قبله (وإني قد رأيت) من المصلحة. (أن أردَّ إليهم سَبْيهم) الذي حصل لي هبةً لهم مني؛ لأنهم لم يسلموا إلا بعد أن وقعوا في الأسر، ولو أسلموا قبل الأسر لأحرزوا أموالهم وأولادهم دون هبة. ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (2540). (¬2) "سيرة ابن هشام" 2/ 488.

وفيه من الفقه أن من جاء وأسلم بعد ما غنم ماله لا يجب رد ماله عليه، بل يملكه الغانمون، ويجوز تصرف الغانم فيه بعد القسمة بالهبة والبيع والوطء وغير ذلك. (فمن أحب منكم) المحبة أعلى من الإرادة (أن يطيب) بفتح أوله؛ لأن ماضيه طابت نفسه وهو ثلاثي، وبضم أوله وسكون الباء؛ لأن ماضيه أطاب وهو رباعي، وبضم أوله وتشديد الياء من قولهم: طيبت به نفسًا، أي: طابت به نفسي من غير أن يكرهني أحد على (ذلك فليفعل) وهو في معنى الشفاعة لهم (ومن أحب منكم أن يكون على حظه) أي: نصيبه من المغنم. قال ابن إسحاق: ومن أبي فليرد عليهم وليكن ذلك فرضًا علينا ست فرائض (حتى نعطيه إياه) عوضه (من أول ما يُفيءُ) بضم أوله وكسر ثانيه (الله) أي: يرجع علينا ويعطينا من مال الكفار من خراج أو غنيمة أو غير ذلك (علينا) أي: بنو سليم (فليفعل) فيه جواز تقديم لفظ القبول على لفظ الإيجاب في القرض والبيع ونحو ذلك (فقال الناس) أي: بنو سليم وغيرهم (قد طيَّبْنا) بفتح أوله وتشديد الياء (ذلك لهم يا رسول الله) من قلوبنا، أي: طابت أنفسنا بذلك. فيه دليل على أن هبة الجماعة للقوم أو الرجل للجماعة جائز كما بوب عليه البخاري؛ فإن الصحابة وهبوا لهوازن السبي وهو مشاع لم يقسموه، وهو حجة على أبي حنيفة (¬1) في منعه هبة المشاع، وقيل: إنما فعلوا ذلك بشفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فإنه وعد بالعوض لمن لم تطب ¬

_ (¬1) انظر: "المبسوط" 7/ 194.

نفسه بالهبة وكأنه هو الواهب إذا كان هو السبب. (فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنا لا ندري مَن أذِن منكم ممن لم يأذن) فيه أنه لابد من تعيين الواهب والمقرض والبائع ومعرفته، كما لا يصح بيع المجهول (فارجعوا حتى يَرفع إلينا عُرفاؤكم) جمع عريف، وهو الذي يعرف أمر القوم ويقوم بأمرهم، ويتعرف الأمير منه أحوالهم، فهو فعيل بمعنى فاعل، وفيه استحباب إقامة العرفاء على القوم فيقيم على كل قبيلة أو جماعة عريفًا يلي أمرهم، ويعرف الأمير أحوالهم (أمركم) ليعرف من أذن ممن لم يأذن (فرجع الناس) إلى رواحلهم (فكلمهم عرفاؤهم) في الإذن لهم أن يخبروا الإمام بأنهم طابت أنفسهم. (فأخبروهم أنهم قد طيبوا) بفتح الطاء والياء المشددة كما تقدم، أي: طابت قلوبهم؛ فإن اللسان ترجمان القلب. وفيه دليل على أن الهبة والقرض والبيع لا يصح بالمعاطاة، ولو كان حقيرًا ولا بد من الإيجاب والقبول الدال على ما في القلب. قال البغوي (¬1): يستدل بهذا من يقبل إقرار الوكيل على الموكل؛ لأن العرفاء بمنزلة الوكلاء، وقد أطلق النبي -صلى الله عليه وسلم- السبايا حين أخبره عرفاؤهم بأنهم طيبوا (وأذِنوا) من غير أن يرجع إلى الموكلين. وجوز أبو حنيفة (¬2) إقرار الوكيل على الموكل في مجلس الحكم، ولم يجوزه الشافعي (¬3). ¬

_ (¬1) "شرح السنة" 11/ 88. (¬2) انظر: "النتف في الفتاوى" 2/ 780. (¬3) انظر: "الحاوي" 6/ 491.

[2694] (حدثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (قال: حدثنا حماد) ابن سلمة (عن محمد بن إسحاق) صاحب "المغازي" (عن عمرو بن شعيب، عن أبيه) محمد بن عبد الله (عن جده) عبد الله بن عمرو بن العاص، فالصحابي هو عبد الله بن عمرو وهو جد شعيب، قال البخاري (¬1): رأيت أحمد بن حنبل وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. قال ابن الصلاح (¬2): احتج أكثر أهل الحديث بحديثه حملًا لمطلق الجد على الصحابي عبد الله بن عمرو دون أبيه محمد. وقال أبو داود فيما رواه أبو عبيد الآجري عنه: قيل له: عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده حجة؟ قال: لا، ولا نصف حجة (¬3). وقال ابن عدي (¬4): روايته مرسلة؛ لأن جده محمدًا (¬5) لا صحبة له. والصحيح الأول؛ لأنه صح سماع شعيب من عبد الله بن عمرو كما صرح به البخاري في "تاريخه". وفي المسألة قول ثالث (في هذِه القصة) المذكورة. (قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: رُدُّوا عليهم نساءهم وأبناءهم، فمن مَسَّك) بتشديد السين، يريد: أمسك، يقال: مسكت الشيء وأمسكت ¬

_ (¬1) "التاريخ الكبير" 6/ 242 - 343. (¬2) مقدمة ابن الصلاح (ص 188). (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 22/ 72. (¬4) "الكامل في ضعفاء الرجال" 5/ 115. (¬5) في (ل): محمد، والصواب ما أثبتناه.

بمعنى، كما أن نزلت وأنزلت بمعنى. قال الخطابي: وفي الكلام إضمار الرد كأنه قال: من أصاب شيئًا (¬1) (بشيء من هذا الفيء) فأمسكه ثم رده إليهم (فإن له به علينا به) أي: بكل فريضة يردها عليهم، أي: بسببه عوضا عنه (ست فرائضَ) جمع فريضة وهي الناقة الكبيرة، وهي الفارض، قال الله تعالى: {لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ} وقد فرضت الناقة فهي فارض وفارضة وفريضة إذا كبرت وأسنت، وتكون هذِه الفرائض فرضًا علينا نقوم به. وفيه دليل على جواز بيع الرقيق بالحيوان من الإبل وغيرها متفاضلًا. وقد صحح الترمذي النهي (¬2) عن بيع الحيوان بالحيوان (¬3). ويجمع بينهما أن النهي لا يرد ريعه إلى النسبة في الربويات متفاضلًا، وهنا جوز لمصلحة المسلمين وحاجتهم إلى تجهيز الجيش، ومصلحة تجهيز الجيش أرجح من مفسدة بيع الحيوان، ونظير هذا لبس الحرير للحرب. (من أول شيء يُفيئه) بضم أوله أيضًا (الله تعالى علينا، ثم دنا) أي: قرب (يعني: النبي -صلى الله عليه وسلم- من بعير) من تلك الأبعرة (فأخذ وَبَرَة) بفتح الباء وهي الواحدة من شعر الإبل تحقيرًا لأمرها (من سنامه) جمعه أسنمة. (ثم قال: يا أيها الناس) يعني: المؤمنين (إنه ليس لي من هذا الفيء) الحاصل (شيء، ولا هذا) الذي بين إصبعي (ورفع إصبعيه) بالوبرة (إلا ¬

_ (¬1) "معالم السنن" 2/ 291. (¬2) زيادة من (ل). (¬3) "سنن الترمذي" (1237).

الخُمُسَ) يعني: خمس الخمس المذكور في قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} وذكر الله للافتتاح به، فإن الأشياء كلها لله تعالى، وكان الخمس له في حياته يصنع فيه ما شاء (والخُمُسُ) الذي لي (مردود عليكم) استدل بعض أهل العلم بهذا على أن سهم النبي -صلى الله عليه وسلم- ساقط بعد موته ومردود على شركائه المردودين معه، كما أن كل صنف فقد مستحقه من الأصناف الثمانية يجب صرفه إلى الباقين، ومذهب الشافعي (¬1) أن الخمس بعده لمصالح المسلمين كالثغور والقضاة والعلماء يقدم الأهم فالأهم، واستدل به من أنكر كون الصفي للنبي -صلى الله عليه وسلم-. (فأدوا الخِياط) بكسر الخاء وتخفيف الياء يعني: الخيط الذي يسلك به في سم الإبرة (والمِخْيَط) بكسر الميم: الإبرة التي يخاط بها، قال الزمخشري (¬2): قرأ عبد الله {في سم المخيط} والخياط والمخيط كالخرام والمخرم. وهذا ضرب مثل، والمراد به المبالغة في القلة كما ضرب الله سم الإبرة وهو ثقبها مثلًا لضيق المسلك. وفيه دليل على أن جميع ما يغنم يقسم قليله -ولو خيطًا- بين من شهد الوقعة، ليس لأحد أن يستأثر بشيء منه إلا الطعام الذي وردت فيه الرخصة. وقال مالك (¬3): إذا كان شيئًا خفيفًا فلا أرى به بأسًا يرتفق به آخذه دون أصحابه، والحديث حجة عليه. ¬

_ (¬1) انظر "مختصر المزني" 8/ 248. (¬2) "الكشاف" 2/ 99. (¬3) انظر: "معالم السنن" للخطابي 2/ 291.

(فقام رجل في يده كُبَّة) بضم الكاف وتشديد الباء الموحدة، وهو ما يكبب (من شعر) مغزول، وقد يكون من وبر أو صوف، تقول: كببت الغزل إذا جعلته كببًا (فقال: أخذت هذِه) من الغنيمة (لأصُلح بها بَرذعة لي) بفتح الباء قال ابن سيده: وأخطأ من كسرها؛ لأنه اسم آلة، وإنما تكسر الآلة إذا كان أولها ميمًا وفتح الذال المعجمة، وحكى الأزهري (¬1) عن بعضهم إهمالها: وهو الحلس المحشو الذي تحت القتب، ويكون للبغل والحمار (فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أمّا ما) كان (لي ولبني المطلب) أي: وبني هاشم فإنهما شيء واحد (فهو لك) أي: لآخذ الكبة، وفي حديث آخر: "ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم" (¬2). واختلفوا في هذا العطاء هل هو من أصل الغنيمة أو من الخمس أو من خمس الخمس؟ فقال الشافعي (¬3) ومالك (¬4): هو من خمس الخمس وهو سهمه الذي جعله الله له من خمس الخمس؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يستأذن الغانمين في هذِه العطية، ولو كان العطاء من أصل الغنيمة لاستأذنهم؛ لأنهم ملكوها بالاستيلاء عليها، وليس من أصل الخمس؛ لأنه مقسوم على خمسة فهو أقل من خمس الخمس، ونص أحمد بن حنبل (¬5) على أن النفل يكون من أربعة أخماس الغنيمة، وهذا العطاء هو من ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب اللغة" 3/ 357. (¬2) أخرجه أحمد في "المسند" 2/ 184، والنسائي في "السنن" 6/ 262. (¬3) "الأم" 2/ 84. (¬4) انظر: "التمهيد" 14/ 54. (¬5) انظر "المغني" 13/ 60.

النفل، نفل النبي -صلى الله عليه وسلم- به رؤوس القبائل والعشائر، ليتألفهم به وأتباعهم على الإسلام، تقوية للإسلام وشوكته، واستجلاب عدوه إليهم. (فقال: أمّا إذْ بَلَغتْ) بفتح المعجمة هذِه الكبة من الشعر (ما أرى) أي: ما أراه من عظم شأنها (فلا أرَبَ) أي: لا حاجة ([لي فيها] (¬1) ونَبَذها) أي: طرحها من يده. ¬

_ (¬1) من المطبوع.

132 - باب في الإمام يقيم عند الظهور على العدو بعرصتهم

132 - باب في الإِمامِ يُقِيمُ عنْدَ الظُّهُورِ عَلَى العَدُوِّ بِعرْصَتِهمْ 2695 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، قالَ: حَدَّثَنا مُعاذُ بْنُ مُعاذٍ، ح، وَحَدَّثَنا هارُونُ ابْنُ عَبْدِ اللهِ، قالَ: حَدَّثَنا رَوْحٌ، قالَ: حَدَّثَنا سَعِيدُ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبي طَلْحَةَ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذا غَلَبَ عَلَى قَوْمٍ أَقامَ بِالعَرْصَةِ ثَلاثًا. قالَ ابن المُثَنَّى: إِذا غَلَبَ قَوْمًا أَحَبَّ أَنْ يُقِيمَ بِعَرْصَتِهِمْ ثَلاثًا. قالَ أَبُو داوُدَ: كانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ يَطْعَن في هذا الحَدِيثِ، لأَنَّهُ ليْسَ مِنْ قَدِيمِ حَدِيثِ سَعِيدٍ لأَنَّهُ تَغيَّرَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَلَمْ يُخْرِجْ هذا الحَدِيثَ إِلَّا بِأَخَرَةٍ. قالَ أَبُو داوُدَ: يُقال إِنَّ وَكِيعًا حَمَلَ عَنْهُ في تَغيُّرِهِ (¬1). * * * باب الإمام يقيم (¬2) عند الظهور على العدو بعَرْصتهم [2695] (حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا معاذ بن معاذ) بن نصر بن حسان (ح وحدثنا هارون بن عبد الله) الحمال بالمهملة (حدثنا رَوْح) بفتح الراء، ابن عبادة بن العلاء القيسي (قالا: حدثنا سعيد) بن أبي عروبة (عن قتادة) بن دعامة بكسر الدال (عن أنس) بن مالك (عن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري. (قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا غلب على قوم) رواية البخاري (¬3): إذا ظهر على قوم. وهو بمعنى: غلب (أقام بالعَرْصة) وهي كل بقعة بين (¬4) ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3065). (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) "صحيح البخاري" (3065، 3976). (¬4) في (ر): من، والمثبت من (ل).

الدور واسعة ليس فيها بناء، ولفظ الترمذي (¬1): أقام بعرصتهم. وفي رواية لأحمد (¬2): لما فرغ من أهل بدر أقام بالعرصة. فيه دليل على استحباب الإقامة في مواضع النصر، وليريح الظهر والأنفس، وهذا إذا كان في أمن من عدو طارق (ثلاثًا) رواية البخاري: ثلاث ليالٍ (قال) محمد (بن المثنى: إذا غلب) يعني: الإمام (قومًا أحب أن يقيم بعرصتهم ثلاثًا) وإنما قصد الثلاث لأنه أكثر راحة المسافر، ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- رخص للمهاجر أن يقيم بعد نسكه ثلاثًا، أي: غير يوم الدخول والخروج؛ لأنه مشتغل بعلق السفر. ورخص للمسافر إذا نوى الإقامة ثلاثة أيام أن يقصر الصلاة؛ لأن الثلاثة في حكم السفر، فإن نوى إقامة أربعة أيام أتم الصلاة. ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (1551). (¬2) "مسند أحمد" 4/ 29.

133 - باب في التفريق بين السبى

133 - باب في التَّفْريقِ بينَ السَّبْى 2616 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شيْبَةَ، قالَ: حَدَّثَنا إِسْحاقُ بْن مَنْصُورٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ السَّلامِ بْن حَرْبٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ ميْمُونِ بْنِ أَبي شَبِيبٍ، عَنْ عَليٍّ أَنَّهُ فَرَّقَ بيْنَ جارِيَةٍ وَوَلَدِها فَنَهاهُ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- عَنْ ذَلِكَ وَرَدَّ البيْعَ. قالَ أَبُو داوُدَ: وَميْمُونٌ لَمْ يُدْرِكْ عَلِيّا قُتِلَ بِالجَماجِمِ والجَماجِمُ سَنَةُ ثَلاثٍ وَثَمانِينَ. قالَ أَبُو داوُدَ: والَحرَّةُ سَنَةُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ وَقُتِلَ ابن الزُّبيْرِ سَنَةَ ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ (¬1). * * * باب التفريق بين السبي [2696] [(حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا إسحاق بن منصور) السلولي (حدثنا عبد السلام بن حرب، عن يزيد بن عبد الرحمن) الدمشقي (عن الحكم، عن ميمون بن أبي شبيب، عن علي -رضي الله عنه-: أنه فرَّق بين جارية وولدها) أي: الطفل من السبي لما فيه من الإضرار وإن رضيت الأم؛ لأنها قد ترضى بما فيه ضررها لغرض حاصل عند التفريق ثم يتغير قلبها فتندم (فنهاه النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك) للضرر، وفي معنى الأم الوالد، فلا يجوز التفريق بينه وبين ولده؛ لأنه أحد الأبوين، فأشبه الأم. وقال مالك (¬2) والليث (¬3) وبعض أصحاب أحمد: يجوز؛ لأنه ليس ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني 4/ 136، والحاكم 2/ 55، والبيهقي 9/ 126. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (2415). (¬2) انظر: "القوانين الفقهية" 1/ 99. (¬3) انظر: "الأوسط" 6/ 264.

من أهل الحضانة بنفسه، ولأنه لا نص فيه ولا هو في معنى المنصوص عليه؛ لأن الأم أشفق عليه (¬1). ورد عليه بأنا لا نسلم أنه ليس من أهل الحضانة، بل يحضن في صور. (وردَّ البيع) الذي يؤدي إلى التفريق بينهما. وقال أبو حنيفة (¬2): يصح البيع؛ لأن النهي لمعنى في غير المعقود عليه فأشبه النهي عنه النهي عن البيع وقت النداء. وهذا الحديث حجة عليه، وما ذكره لا يصح؛ لأنه نهى عنه لما يلحق المبيع من الضرر، فهو لمعنى فيه، وتفاريعه كتب الفقه. وفي الحديث دليل لمن قال: يحرم التفريق بين الولد ووالدته بعد التمييز؛ لأنه يسمى ولذا كما روي عن أحمد أنه يجوز التفريق بينهما إذا بلغ الولد، وهو قول سعيد بن عبد العزيز وأصحاب الرأي لعموم الحديث (¬3). (قال المصنف: وميمون) بن أبي شبيب (¬4) (لم يدرك عليًّا) قال أبو حاتم: رواية ميمون عن علي مرسلة، وميمون قيل (قتل بالجماجم) أي: بوقعة دير الجماجم بين الحجاج وعبد الرحمن (¬5) بن الأشعث. ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" 13/ 107. (¬2) "الأصل" 5/ 281. (¬3) انظر: "المغني" 13/ 107 - 108. (¬4) في الأصول: شيبة، والصواب ما أثبتناه. (¬5) في الأصول: عبد الله. وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه.

قال أبو عبيدة: سمي دير الجماجم لأنه كان يعمل فيه الجماجم، وهي أقداح من خشب (¬1). (و) وقعة دير (الجماجم سنة ثلاث وثمانين). وقال ابن الجوزي: سنة اثنتين وثمانين، وكان ابن الأشعث قد دعا إلى خلع الحجاج فيها (¬2). (قال أبو داود) فيه: (والحرة سنة ثلاث وستين) أيام يزيد، وكانت بظاهر المدينة (وقتل) عبد الله (بن الزبير سنة ثلاث وسبعين) وفيها قتل عبد الله بن عمر، وخلق كثير من الصحابة -رضي الله عنهم -. * * * ¬

_ (¬1) نسبها لأبي عبيد أيضاً ابن الجوزي كما في "غريب الحديث" 1/ 174. (¬2) "المنتظم" 6/ 225، 231.

134 - باب الرخصة في المدركين يفرق بينهم

134 - باب الرخْصَة في المُدْرِكِينَ يُفَرَّقُ بيْنَهُمْ 2697 - حَدَّثَنا هارُون بْنُ عَبْدِ اللهِ، قالَ: حَدَّثَنا هاشِم بْن القاسِمِ، قالَ: حَدَّثَنا عِكْرِمَةُ، قالَ: حَدَّثني إِياسُ بْن سَلَمَةَ، قالَ: حَدَّثَني أَبي قالَ: خَرَجْنا مَعَ أَبي بَكْرٍ وَأَمَّرَهُ عَليْنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَغَزَوْنا فَزارَةَ فَشَنَنّا الغارَةَ ثمَّ نَظَرْتُ إِلى عُنُقٍ مِنَ النّاسِ فِيهِ الذُّرِّيَّةُ والنِّساء فَرَميْتُ بِسَهْمٍ فَوَقَعَ بيْنَهُمْ وَبيْنَ الجَبَلِ فَقامُوا فَجِئْتُ بِهِمْ إِلى أَبي بَكْرٍ فِيهِمُ امْرَأة مِنْ فَزارَةَ وَعَليْها قِشْعٌ مِنْ أَدَمٍ مَعَها بِنْتٌ لَها مِنْ أَحْسَنِ العَرَبِ فَنَفَّلَني أَبو بَكْرٍ ابنتَها فَقَدِمْت المَدِينَةَ فَلَقِيَني رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ لي: "يا سَلَمَةُ هَبْ ليَ المَرْأَةَ". فَقُلْت: والله لَقَدْ أَعْجَبَتْني وَما كَشَفْتُ لَها ثَوْبًا. فَسَكَتَ حَتَّى إِذا كانَ مِنَ الغَدِ لَقِيَني رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في السّوقِ فَقالَ: "يا سَلَمَةُ هَبْ ليَ المَرْأَةَ لله أَبُوكَ". فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ والله ما كَشَفْتُ لَها ثَوْبًا وَهيَ لَكَ. فَبَعَثَ بِها إِلى أَهْلِ مَكَّةَ وَفي أيْدِيهمْ أَسْرى فَفاداهُمْ بِتِلْكَ المَرْأَةِ (¬1). * * * باب الرخصة في المدركات يفرق بينهن أي: المدركات إذا بلغن يفرق بينهن وبين أمهاتهن. [2697] (حدثنا هارون بن عبد الله) بن مروان (¬2) (قال: حدثنا هاشم ابن القاسم) الخراساني (قال: حدثنا عكرمة) بن عمار (قال: حدثني إياس ابن سلمة، قال: حدثني أبي) يعني: سلمة بن الأكوع (قال: خرجنا مع أبي بكر) الصديق (وأمَّره) بتشديد الميم، جعله أميرًا (علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فغزونا فزارة) بفتح الفاء أبو حي من غطفان (فَشَنَنَّا) بالشين المعجمة ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1755). (¬2) يشبه رسمها في (ل): بري.

(الغارة) شن الغارة، أي: فرقها وأرسلها، كما تقدم. (ثم نظرت إلى عُنُق) بضم العين والنون، أي: جماعة من الناس، ومنه قوله تعالى: {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} (¬1) أي: جماعاتهم، وقيل: كبراؤهم ورؤساؤهم (من الناس فيه الذرية) يعني: الصبيان (والنساء) زاد في مسلم (¬2): فخشيت أن يسبقوني إلى الجبل (فرميت) إليهم (بسهم، فوقع بينهم وبين الجبل) فلما رأوا السهم (فقاموا، فجئت بهم) أسوقهم (إلى أبي بكر) فيه أن من أخذ شيئًا من الغنيمة يأتي به إلى أمير القوم و (فيهم امرأة من فزارة) و (عليها قِشْع) بقاف وشين معجمة ساكنة ثم عين مهملة، وفي القاف لغتان: فتحها وكسرها، قال النووي (¬3): لغتان مشهورتان. (من أَدَم) أي: قطعة من جلد قد لبسته؛ سمي بذلك لأنه يقشع، أي: يؤخذ قشره (معها بنت لها من أحسن العرب، فنفلني أبو بكر ابنتها) أي: أعطانيها نافلة، أي: زيادة من الخمس على سهمه من الغنيمة لما رأى من نجدته وعنائه. فيه جواز التنفيل، وقد يحتج به من يقول: النفل من أصل الغنيمة، وقد يجيب عنه الآخرون بأنه حسب قيمتها لبعض أهل الخمس عن حصتهم فيها. (فقدمت المدينة) وما كشفت لها ثوبًا (فلقيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) في ¬

_ (¬1) الشعراء: 4. (¬2) "صحيح مسلم" (1755). (¬3) "شرح النووي على مسلم" 12/ 68.

السوق كما في مسلم (فقال لي: يا سلمة هب لي المرأة) فيه استيهاب الإمام أهل جيشه بعض ما غنموه ليفادي به مسلماً، أو يصرفه في مصالح المسلمين، أو يتألف به من تأليفه مصلحة، كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هنا وفي غنائم حنين. (فقلت: والله لقد أعجبتني، وما كشفت لها ثوبًا) يعني: أنه توقف على الاستمتاع بها منتظرًا إسلامها، وكانت عادة الصحابة إذا سبوا المرأة لم يقربوها حتى تسلم وتطهر (فسكتَ، حتى إذا كان من الغد لقيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السوق، فقال: يا سلمة هب لي المرأة) وفي بعض الروايات: هب لي ابنة المرأة التي نفلتها (لله أبوك) فيه جواز قول الإنسان للآخر: لله أبوك، ولله درك، ولله أبوك كلمة مدح تعتاد العرب الثّناء بها؛ فإن الإضافة إلى العظيم تشريف، ولهذا يقال: بيت الله، وناقة الله، وقيل: فيه حذف تقديره: لله أبوك حيث أتى بمثلك. (فقلت: يا رسول الله، والله ما كشفت لها ثوبًا) فيه استحباب الكناية عن الوقاع بما يفهم (وهي لك) فيه التفرقة بين الأم وولدها البالغ، ولا خلاف في جوازه عندنا؛ فإن المرأة في قوله: (هب لي المرأة) هي البالغة لغةً وعرفًا، وظاهر كلام الخرقي أنه لا فرق في تحريم التفريق بين كون الولد كبيرًا بالغًا أو طفلًا (¬1). قال ابن قدامة: وهذِه إحدى الروايتين عن أحمد؛ لعموم الخبر المتقدم، ولأن الوالدة تتضرر بمفارقة ولدها الكبير، ولهذا حرم عليه ¬

_ (¬1) "مختصر الخرقي" (ص 140).

الجهاد دون إذنهما (¬1). (فبعث) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (بها إلى أهل مكة وفي أيديهم) أي: أيدي أهل مكة (أسرى) من المسلمين (ففاداهم بتلك المرأة) توضحه رواية مسلم: ففدى بها ناسًا من المسلمين كانوا أسراء بمكة. فيه جواز المفاداة. وهذا الحديث حجة على أبي حنيفة (¬2) حيث لم يجز للإمام المفاداة ولا الفداء بالأسير. وفيه دليل على جواز فداء الرجال بالنساء. * * * ¬

_ (¬1) في الأصول: وهذا أحد. والمثبت من "المغني" 13/ 111. (¬2) انظر: "المبسوط" 10/ 24.

135 - باب في المال يصيبه العدو من المسلمين ثم يدركه صاحبة في الغنيمة

135 - باب في المالِ يصِيبهُ العدوُّ مِنَ المُسْلِمين ثُمّ يدْرِكه صاحِبُة في الغَنِيمَةِ 2698 - حَدَّثَنا صالِحُ بْنُ سُهيْلٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى -يَعْني: ابن أَبي زائِدَةَ- عَنْ عبيْدِ اللهِ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ غُلامًاً لابنِ عُمَرَ أَبَقَ إِلى العَدوِّ فَظَهَرَ عَليْهِ الُمسْلِمُونَ فَرَدَّة رَسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلى ابن عُمَرَ وَلَمْ يُقْسَمْ. قالَ أَبُو داوُدَ: وقالَ غيْرُه: رَدَّهُ عَليْهِ خالِدُ بْن الوَلِيدِ (¬1). 2699 - حَدَّثَنا محَمَّد بْن سليْمانَ الأنباريُّ والحَسَن بْنُ عَليٍّ -المَعْنَى- قالا: حَدَّثَنا ابن نميْرٍ، عَنْ عُبيْدِ اللهِ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قالَ: ذَهَبَ فَرَسٌ لَهُ فَأَخَذَها العَدُوُّ فَظَهَرَ عَليْهِمُ المسْلِمُونَ فَردَّ عَليْهِ في زَمَنِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. وَأَبَقَ عَبْد لَهُ فَلَحِقَ بِأَرْضِ الرُّومِ فَظَهَرَ عَليْهِمُ المسلمون، فَرَدَّهُ عَليْهِ خالِدُ بْنُ الوَلِيدِ بَعْدَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). * * * باب المال يصيبه العدو من المسلمين ثم يدركه صاحبه في الغنيمة [2698] (حدثنا صالح بن سهيل) النَّخعيُّ (حدثنا يحيى) بن زكريا (يعني: ابن أبي زائدة، عن عبيد الله) العمري (عن نافع، عن ابن عمر أن غلامًا لابن عمر أبق إلى العدو فظهر عليه المسلمون) أي: استولوا عليه وحازوه حين غلبوا المشركين. (فرده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى) مالكه عبد الله (ابن عمر) فيه حجة لمذهب ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3068، 3069). (¬2) علقه البخاري (3067) بصيغة الجزم، ورواه ابن ماجه (2847).

الجمهور: أن العبد إذا أبق وذهب إلى الكفار أو الفرس أو أعار إليهم لا يملكونه (¬1)، وإذا استنقذه المسلمون من أيديهم وأخذوه منهم رد إلى مالكه، خلافًا للزهري (¬2) في أنه لا يرد إلى مالكه وهو للجيش، وروي نحوه عن عمرو بن دينار (¬3)؛ لأن الكفار ملكوه باستيلائهم عليه وصار غنيمة لهم كسائر أموالهم (و) هذا فيما (لم يُقْسَم) مبني لما لم يسم فاعله، أما إذا قسم فقد اختلفوا فيه، فقال الشافعي: يأخذه صاحبه ويعطي مشتريه ثمنه من خمس المصالح؛ لأنه لم يزل عن ملك صاحبه فوجب أن يستحق أخذه بغير شيء، كما قبل القِسْمة، ويعطى من حسب عليه القيمة كما يفضي إلى حرمان أخذه من الغنيمة، وجعل من سهم المصالح؛ لأن هذا منها. وقال أبو حنيفة ومالك: صاحبه أحق به بالثمن الذي حسب به على من أخذه، يدفع إليه من ماله فهو بمنزلة مشتري الشقص للمشفوع. وقال عمر وعلي والليث وهو رواية عن أحمد: لا حق له فيه بحال. نص عليه أحمد في رواية أبي داود وغيره؛ لأن عمر كتب إلى النواب (¬4): أيُّما رجل من المسلمين أصاب رقيقه ومتاعه بعينه فهو أحق به من غيره، وإن أصابه في أيدي التجار بعدما قسم فلا سبيل إليه (¬5). رواه سعيد في ¬

_ (¬1) انظر "بدائع الصنائع" 7/ 128، "الاستذكار" 5/ 503، "الأم" 5/ 621، "المحرر" 2/ 173. (¬2) انظر "عمدة القاري" 15/ 2. (¬3) انظر "عمدة القارى" 15/ 2. (¬4) في الأصول: النياب. والجادة ما أثبتناه. (¬5) "مسائل أبي داود" (1556 - 1565)، وانظر: "المغني" 13/ 118.

"سننه" (¬1). [2699] (حدثنا محمد بن سليمان الأنباري) وثقه الخطيب (والحسن ابن علي) الحلواني (المعنى قالا: حدثنا) عبد الله (ابن نمير (¬2)، عن عبيد الله) مصغر (عن نافع، عن ابن عمر قال: ذهب فرس له فأخذها العدو فظهر عليهم المسلمون) أي: غلبوهم وعلوهم، ومنه قوله تعالى: {فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} (¬3) أي: غالبين لهم، عالين عليهم، واستنقذوا الفرس منهم (فرده عليه) أي: على مالكها الأصلي سواء كان قبل القسمة أو بعدها، لكن إن كان قبل القسمة فيرد عليه بلا عوض، وإن كان بعدها عُوِّض من هي في يده من خمس الخمس جبرًا لحقه، ولا تنفسخ القسمة؛ لأن في نقضها مشقة. قال القاضي حسين: فإن لم يشق القسمة نقضت بلا تعويض، ولو كان الذي وقعت في يده هو مالكها الذي أخذ منه أقرت في يده، وعوض نصيبه من القسمة، وكان هذا الرد (في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: هذا الرد لم يكن باجتهاد من الصحابة، بل كان في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال الإمام فخر الدين في "المحصول": إذا قال الصحابي قولًا ليس للاجتهاد فيه مجال فهو محمول على أنه مسموع من النبي - صلى الله عليه وسلم - تحسينًا للظن به (¬4). ¬

_ (¬1) "السنن" (2799). (¬2) فوقها في (ل): ع. (¬3) الصف: 14. (¬4) "المحصول" 4/ 643.

(وأبق عبد له) الظاهر أن الضمير يعود على صاحب الفرس (فلحق بأرض الروم) وهم الفرنج، ويقال لهم: بنو الأصفر، وأصل الروم من ولد الروم بن عيصو بن إسحاق (¬1) (فظهر عليهم المسلمون) حين فتحوا البلاد (فرده عليه خالد بن الوليد) بن المغيرة، مات بحمص في خلافة عمر سنة إحدى وعشرين (بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -) اعتمادًا على ما رد له في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن حكمه حكمه. * * * ¬

_ (¬1) قاله الجوهري في "الصحاح" 5/ 217.

136 - باب في عبيد المشركين يلحقون بالمسلمين فيسلمون

136 - باب في عَبِيدِ المًشْركينَ يَلْحقُونَ بِالمُسْلِمِينَ فيسْلمُونَ 2700 - حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الحَرّانيّ حَدَّثَني محَمَّدٌ -يَعْني: ابن سَلَمَةَ- عَنْ محَمَّدِ بْنِ إِسْحاق، عَنْ أَبانَ بْنِ صالِحٍ، عَنْ مَنْصورِ بْنِ المُعْتَمِرِ، عَنْ رِبْعيِّ بْنِ حِراشٍ، عَنْ عَليِّ بْنِ أَبي طالبِ قالَ: خَرَجَ عِبْدانٌ إِلى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -يَعْني: يَوْمَ الحُديْبِيَةِ- قَبْلَ الصّلْحِ فَكَتَبَ إِليْهِ مَوالِيهِمْ فَقالُوا: يا محَمَّد والله ما خَرَجُوا إِليْكَ رَغْبَةً في دِينِكَ وِإنَّما خَرَجوا هَرَبًا مِنَ الرِّق فَقالَ ناسٌ: صَدَقُوا يا رَسولَ اللهِ رُدَّهمْ إِليْهِمْ. فَغَضِبَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وقالَ: "ما أراكُمْ تَنْتَهُونَ يا مَعْشَرَ قُريْشٍ حَتَّى يَبْعَثَ اللهُ عَليْكُمْ مَنْ يَضْرِبُ رِقابَكُمْ عَلَى هذا". وَأَبَى أَنْ يَردهمْ وقالَ: "هُمْ عُتَقاءُ اللهِ - عز وجل -" (¬1). * * * باب في عبيد المشركين يلحقون بالمسلمين فيسلِمون [2700] (حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني) وثقه المصنف (¬2). (حدثني محمد، يعني: ابن سلمة) بفتح اللام، ابن عبد الله الباهلي. (عن محمد بن إسحاق) صاحب "المغازي". (عن أبان بن صالح) بن عمير القرشي. (عن منصور بن المعتمر) الكوفيِّ. (عن رِبعي بن حراش) بكسر الحاء المهملة. (عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه - قال: خرج عِبْدان) بكسر العين وإسكان ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3715)، وأحمد 1/ 155. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2419). (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 18/ 217.

الباء جمع عبد [وبكسر العين والباء، ] (¬1) وتشديد الدال، وكذا عبدَّان بكسر العين، وله جموع كثيرة ذكرها ابن مالك في بيتين وهما: عِباد، عَبِيد، جمْع عَبْدٍ، وأَعْبَدٌ ... أَعابِدُ، مَعبوداءُ، مَعْبَدَةٌ، عُبُدْ كذالِك عُبْدَان، وعِبْدَان أثبتا ... كذَلكَ العِبِدى وامدُدِ أن شِئتَ أَن تَمُد (¬2) (إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -يعني: يوم) غزوة (الحديبية قبل) أن يقع (الصلح) الذي من جملته على أن من أتى محمدًا من قريش بغير إذن وليه رده عليهم. (فكتب إليه مواليهم فقالوا: يا محمد، والله ما خرجوا إليك رغبة في دينك) أي: دين الإسلام (وإنما خرجوا) إليك (¬3) (هربا من الرق) أي: رق العبودية، وفرارًا من مشقاته. (فقال ناس) لعلهم من المنافقين (صدقوا يا رسول الله) في قولهم (رُدَّهم إليهم) أي: لأنهم لم يسلموا إذ لو أسلموا اعتقوا. (فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) حين سمع قولهم لما علم من كذبهم ونفاقهم؛ إذ كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يقر على باطل سمعه، أو رآه أو في عصره وعلم به سواء كان الباطل صدر من كافر أو منافق، كما يدل عليه هذا الحديث؛ لأن القول بأنهم لم يخرجوا إليك رغبة في ¬

_ (¬1) زيادة يقتضيها السياق، انظر "الإشارات" لابن الملقن 1/ 187. (¬2) انظر: "تاج العروس" 8/ 329. (¬3) بعدها في الأصول: لما.

دينك صدر من كافر، وقول الناس: صدقوا يا رسول الله، صدر هذا الباطل من المنافق ومع هذا فغضب، وقال ما سيأتي، ولم يقر الكافر ولا المنافق على ذلك. وخالف في ذلك إمام الحرمين، فإنَّه استثنى من قولنا: كان لا يقر على باطل إلا إذا كان من كافر أو منافق. والحديث يرده، وغضبه - صلى الله عليه وسلم - من سماع ذلك يدل على أنهم جاؤوا راغبين في الإسلام، ولهذا قال أبو داود في تبويبه: باب عبيد الكفار يلحقون بالمسلمين فيسلمون. (وقال: ما أراكم) استفهام إنكار على فاعله (تنتهون) عن منكر القول وباطله. (يا معشر قريش) فيه إشارة إلى أنكم تنتصرون لكفار قريش. (حتى يبعث الله) يحتمل أن تكون حتى هنا للاستثناء، وتكون ما نافية، على النفي كقوله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا} وعلى هذا فيكون التقدير: لا أجدكم تنتهون عن هذا المنكر إلا أن يبعث الله (عليكم من) يحتمل أن يكون اسم نكرة فيؤول باسم نكرة، والتقدير: يبعث الله عليكم رجلًا كقولهم: مررت بمن معجب لك، أي: بإنسان معجب لك. (يضرب رقابكم على هذا) على ما وقع منكم، مثل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه -. وهذا الحديث رواه أحمد، ولفظه: من يضرب أعناقكم. وقد اختلف العلماء في إمساك النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قتل المنافقين مع علمه بنفاقهم على أربعة أقوال: أحدها: أنه لم يعلم حالهم أحد سواه، وقد اتفق العلماء على أن

القاضي لا يقضي بعلمه. وقال أصحاب الشافعي (¬1): لأن الزنديق هو الذي يسر الكفر ويظهر الإيمان فيستتاب ولا يقتل. والثالث: أن ترك قتلهم مصلحة ليتألفهم على الإسلام كقوله لعمر: "معاذ الله أن يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه". متَّفقٌ عليه (¬2)، ولقوله تعالى: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} (¬3). وقيل الرابع: أن الله كان حفظ أصحاب نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يفسدهم المنافقون أو يفسدوا عليهم دينهم فلم يكن في تبقيتهم ضرر، وليس كذلك اليوم (¬4). ويحتمل خامس: وهو أنه أمسك عنهم لما علم من أنه يخرج منهم أبناء مؤمنون ينصرون دين الإسلام كما في عبد الله بن أبي وأمثاله. (وأبى) أي: امتنع (أن يردهم) إلى من كانوا له من العدو. وفيه دليل على أن العبد الحربي أو أمته إذا خرج إلينا فأسلم، وإن أسر سيده وأولاده وأخذ ماله وخرج إلينا فهو حر، وإن أسلم وأقام بدار الحرب فهو على رقه، وإن أسلمت أم ولد الحربي وخرجت إلينا عتقت ثم تستبريء نفسها. ¬

_ (¬1) انظر: "المهذب" 3/ 258. (¬2) "البخاري" (4905)، "مسلم" 63/ 2584. (¬3) الأحزاب: 60. (¬4) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 1/ 198 - 200.

قال ابن المنذر (¬1): قال بهذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم، إلا أن أبا حنيفة قال في أم الولد تزوج إن شاءت من غير استبراء وأهل العلم على خلافه؛ لأنها أم ولد عتقت فلم يجز أن تتزوج بغير استبراء كما لو كانت لذمي. وعن أبي سعيد الأعسم (¬2)، قال: قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العبد وسيده قضيتين، قضى أن العبد إذا خرج من دار الحرب قبل سيده فهو حر، فإن خرج سيده بعد لم يرد عليه، وقضى أن السيد إذا خرج قبل العبد ثم خرج العبد يرد على سيده. وفيه دليل على عبد الكافر البالغ إذا أسلم يصح إسلامه ... قال أصحابنا: إذا كان في يد الكافر عبد فأسلم فإنَّه يصح إسلامه ولم يزل ملكه عنه لكن لا يقر في يده لئلا يفتنه عن دينه، أو يعذبه كما كان عبد الله ... قبل أن يسلم في ... يومئذٍ بل يؤمر بإزالة ملكه عنه ببيع أو هبة أو عتق وغيره ولا يكفى الرهن والتزويج والإجارة (¬3). فكما قالوا: لو أسلم الصبي فعندنا لا يصح إسلامه ... إلى دين أهله بالألفة (وقال - صلى الله عليه وسلم -: هم عتقاء الله) لمّا أسلموا أعتقهم الله - عز وجل - من العبودية ومن الرجوع إلى الكفار ومن ... النبي - صلى الله عليه وسلم - ... أن يأتوا بعده بمعصية ولم يغفر لهم. * * * ¬

_ (¬1) "الأوسط" 6/ 304. (¬2) "المصنف" 15/ 35، (29674). (¬3) انظر: "المجموع شرح المهذب" للنووي 9/ 357.

137 - باب في إباحة الطعام في أرض العدو

137 - باب في إِباحَةِ الطَّعامِ في أَرْضِ العَدُوّ 2701 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ الزّبيْريّ، قالَ: حَدَّثَنا أَنَس بْنُ عِياضٍ، عَنْ عبيْدِ اللهِ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، أَنَّ جيْشًا غَنِمُوا في زَمانِ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طَعامًا وَعَسَلا فَلَمْ يؤْخَذْ مِنْهُم الخمس (¬1). 2702 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ والقَعْنَبي، قالا: حَدَّثَنا سليْمان، عَنْ حُميْدٍ يَعْني: ابن هِلالٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قالَ: دلّيَ جِراب مِنْ شَحْمٍ يَوْمَ خيْبَرَ، قالَ: فَأَتيْتُهُ فالتَزَمْته، قالَ: ثمَّ قُلْت: لا أعطْي مِنْ هذا أَحَدًا اليَوْمَ شيْئًا، قالَ: فالتَفَتّ فَإذا رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَبَسَّم إِلَيّ (¬2). * * * باب إباحة الطَّعام في أرض العدو [2701] (حدثنا إبراهيم بن حمزة) بن محمد (الزبيري قال: حدثنا أنس بن عياض) بن ضمرة الليثي. (عن عبيد الله) بالتصغير (عن نافع، عن ابن عمر: أن جيشاً غنموا في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طعامًا وعسلاً) أي: أدمًا وقوتًا هو من عطف الخاص على العام كقوله تعالى: {وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} ذكر جبريل بعد الملائكة لأنه أفضلهم، وكذا هنا ذكر العسل بعد الطَّعام مع أنه طعام؛ لأنه أفضل طعام غنموه. (فلم يؤخذ منهم الخمس) أي: لم يخمس في جملة ما يخمس من الغنيمة، وهذا من تخصيص ¬

_ (¬1) رواه ابن حبان (4825)، والبيهقيّ 9/ 59. ورواه بنحوه البخاري (3154). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2420). (¬2) رواه البخاري (3153)، ومسلم (1772).

الكتاب في قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} (¬1). فيه تخصيص للآية؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "السلب للقاتل" (¬2) بل يجوز للغزاة أكله قبل تقسيمه ما دام الطَّعام في حد القلة وما دام صاحبه مقيماً في دار الحرب، فإن أكل فوق الحاجة أدى ثمنه في المغنم. [2702] (حدثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (والقعنبي) عبد الله بن مسلمة (قالا: حدثنا سليمان) بن المغيرة القيسي (عن حميد -يعني: ابن هلال-) العدوي. (عن عبد الله بن مغفَّل -رضي الله عنه - قال: دُلِّي) بضم الدال وتشديد اللام المكسورة رواية مسلم: رُمي إلينا (¬3). يعني: من الحصن (جِراب) بكسر الجيم أفصح لا تفتح، والقصعة لا تكسر، وهو وعاء من جلد. (من شحم) أي: فيه شحم (يوم) حصار قصر (خيبر، قال: فأتيته) لآخذه (فالتزمته) رواية مسلم: فَوَثَبْتُ لآخذه. فيه دليل على جواز أخذ الطَّعام من الغنيمة قبل القسمة، ألا ترى أنه - صلى الله عليه وسلم - أقره على أخذ الجراب بما فيه من الشحم، وإقراره يدل على الإباحة، والجمهور على أنه لا يحتاج في ذلك إلى إذن الإمام إذ لو استأذنه أو أذن له لنفل. وحكي عن الزُّهريّ (¬4) أنه لا يجوز إلا بإذن الإمام، والجمهور (¬5) على أنه لا يخرج منه شيء إلى عمارة دار ¬

_ (¬1) الأنفال: 41. (¬2) "صحيح مسلم" (1753). (¬3) "صحيح مسلم" (1772). (¬4) "مصنف عبد الرزاق" 5/ 179 (9297). (¬5) انظر: "شرح البخاري" لابن بطال 5/ 236.

الإسلام، فإن أخرجه رده إلى المغنم وجوبًا. قال القرطبي: أجاز مالك أخذ ما فضل عن كفايته وأكله في أهله، وقاله الأوزاعي وذلك فيما قل (¬1). وفيه دليل على جواز أكل شحوم اليهود المحرمة عليهم، وهو مذهب أبي حنيفة والشَّافعيّ (¬2) وعامة العلماء، غير أن مالكًا كرهه (¬3). وحكى ابن المنذر عن مالك تحريمها (¬4)، وإليه ذهب أكثر أهل مذهبه ومتمسكهم أن ذكاتهم لم تعمل في الشحم وإن عملت في اللحم؛ لأن الذكاة لا تبعض عندهم. والحديث حجة عليهم. وفيه دليل على جواز ذبائح أهل الكتاب. ومذهب الجمهور إباحتها (¬5) سواء سموا الله تعالى عليها أم لا. (قال: ثم قلت: لا أعطي من هذا أحدًا اليومَ شيئًا قال: فالتفتُّ) أي: لأنظر هل أتى إليه أحد غيري. (فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتبسم إليّ) أي: لما رأى من شدة حرصي على أخذ الجراب في التزامي له وقولي: لا أعطي اليوم أحدًا من هذا شيئًا. ورواية مسلم: فاستحييت منه. * * * ¬

_ (¬1) "المفهم" 3/ 600 - 601. (¬2) انظر: "المبسوط" 8/ 184، "الأم" 3/ 632. (¬3) انظر: "الرسالة" للقيرواني 1/ 82. (¬4) لم أقف عليه عند ابن المنذر، وانظر "المحلى" 7/ 454. (¬5) انظر "المبسوط" 10/ 96، "الكافي" 1/ 438، "الأم" 3/ 604، "المغني" 13/ 293.

138 - باب في النهى عن النهبى إذا كان في الطعام قلة في أرض العدو

138 - باب في النَّهْى عَنِ النُّهْبَى إِذا كانَ في الطَّعامِ قِلَّة في أَرْضِ العَدوِّ 2703 - حَدَّثَنا سليْمان بْنُ حَرْبٍ، قالَ: حَدَّثَنا جَرِيرٌ - يَعْني ابن حازِمٍ - عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبي لُبيْدٍ قالَ: كُنّا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمرَةَ بِكابلَ فَأَصابَ النّاس غَنِيمَةً فانْتَهَبوها فَقامَ خَطِيبًا فَقالَ: سَمِعْت رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَى عَنِ النُّهْبَي. فَرَدّوا ما أخَذُوا فَقَسَمَه بينَهُم (¬1). 2704 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنا أَبو مُعاوِيَةَ، حَدَّثَنا أَبُو إِسْحاقَ الشّيْبانيّ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ أَبي مُجالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي أَوْفَى قالَ: قُلْت: هَلْ كنْتُم تُخَمِّسونَ - يَعْني الطَّعامَ- في عَهْدِ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقالَ: أَصَبْنا طَعامًا يَوْمَ خيْبَرَ فَكانَ الرَّجلُ يجيءُ فيأْخُذ مِنْه مِقْدارَ ما يَكْفِيهِ ثمَّ يَنْصَرِفُ (¬2). 2705 - حَدَّثَنا هَنّاد بْن السَّريِّ، حَدَّثَنا أَبُو الأحْوَصِ، عَنْ عاصِمٍ، يَعْني: ابن كُليْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الأنصارِ قالَ: خَرَجْنا مَعَ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في سَفَرٍ، فَأَصابَ النّاسَ حاجَةٌ شَدِيدَةٌ وَجَهْدٌ وَأَصابُوا غنَمًا فانْتَهَبوها، فَإِنَّ قُدورَنا لَتَغْلي إِذْ جاءَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمْشي عَلَى قَوْسِهِ فَأكفَأَ قدُورَنا بِقَوْسِهِ، ثُمَّ جَعَلَ يرَمِّلُ اللَّحْمَ بِالتّرابِ، ثُمَّ قالَ: "إِنَّ النُّهْبَةَ ليْسَتْ بأَحَلَّ مِنَ الميْتَةِ". أَوْ: "إِنَّ الميْتَةَ ليْسَتْ بِأَحَلَّ مِنَ النُّهْبَةِ". الشَّكُّ مِنْ هَنّادٍ (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 62، والدارمي (2038). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2422). (¬2) رواه أحمد 4/ 354، والحاكم 2/ 126. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2423). (¬3) رواه سعيد بن منصور (2636) ط الأعظمي، والبيهقيّ 9/ 61.

باب النهي عن النهبى في أرض العدو إذا كان في الطَّعام قلة [2703] (حدثنا سليمان بن حرب) الأزدي (قال: حدثنا جرير بن حازم) العتكي (عن يعلي بن حكيم، عن إبي لبيد) لمازة بكسر اللام وتخفيف الميم والزاي ابن زبار بكسر الزاي البصري، صدوق، تابعي. (قال: كنا مع عبد الرحمن بن سمرة بكابُل) بضم الباء كما تقدم، مدينة في بلاد الترك، غزاها عبد الرحمن بن سمرة، وفتحت على يديه هي وسجستان. (فأصاب الناس غنيمة) من تلك الغزوة (فانتهبوها) والانتهاب: أخذ من شاء من الجماعة الشيء على غير استواء واعتدال، أو على حسب نهمة السابق إليه (فقام) ابن سمرة (خطيباً) فيه أنه يستحب للعالم إذا رأى من القوم ما يخالف الشريعة أن يقوم فيحمد الله ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم يعرفهم أحكامه المشروعة كما في خطب الحج (فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن النُّهبي) بضم النون مقصور والهاء ساكنة وقد تحرك من الانتهاب كما تقدم. وفيه دليل على أن الطَّعام إذا كان قليلًا لا يكفي الغانمين فلا يحل النهب منه بما يزيد على كفايته؛ لأنه من الغصب، وفيه دناءة نفس وإخلال بالمروءة، وفي تركه صيانة للنفس والعرض؛ فإن أهل المروءات يصونون أنفسهم عن مزاحمة] (¬1) سفلة الناس على شيء من ¬

_ =وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2424). (¬1) من (ل) وسقط ثلاث ورقات من (ر).

الطَّعام أو غيره، ويدخل في عموم النهي الانتهاب في أخذ الأجود مما يعرض للبيع من المأكول وغيره كما يفعل في مدينة الرملة في شراء البطيخ الأصفر فيسبق القوي إلى الأجود ويضعف بعضهم عن مزاحمته فيأخذ الرديء المتأخر منه، وفيه إخلال بالمروءة كما تقدم. ويدخل في العموم الآكلون من الطَّعام المقدم إليهم، إذا كان قليلًا فلا يأخذ منه الآكل أكثر من غيره فيكون كالناهب من الغنيمة فإنهم متساوون في الإباحة كلهم (فردوا ما أخذوا) من الغنيمة حين بلغهم النهي عنه (فقسمه بينهم) أي: قَسَم مال الغنيمة على من حضر الغزو بالتخميس. [2704] (حدثنا محمد بن العلاء) الهمداني (حدثنا أبو معاوية) محمد ابن خازم الضَّرير (حدثنا أبو إسحاق) سليم بن أبي سليمان (الشيباني، عن محمد بن أبي مجالد) ويقال له: عبد الله (عن عبد الله بن أبي أوفى) علقمة له ولأبيه صحبة (قال: قلت: هل كنتم تخمسون الطَّعام؟ ) والمراد به ما يعتاد أكله عمومًا (في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) قطع الحاكم، وغيره من أهل الحديث أن هذِه الصيغة ونحوها من قبيل المرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال ابن الصلاح: وهو الذي عليه الاعتماد؛ لأن ظاهره مشعر بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اطلع على ذلك وقررهم عليه، وتقريره أحد وجوه السنن المرفوعة (¬1). (فقال: أصبنا طعامًا) أي: من العدو في (يوم خيبر، فكان الرجل) منا أي: ممن حضر الوقعة، وخرج بالرجل المرأة (يجيء فيأخذ منه) ظاهره ¬

_ (¬1) "مقدمة ابن الصلاح" (ص 48).

أن الأخذ لا يتوقف على إذن الإمام كما تقدم (مقدار ما يكفيه) أي: قدر الشبع، والثَّاني: قدر (¬1) ما يسد الرمق؛ لاستغنائه عن أخذ حق الغير فيكون كالمضطر، والمذهب الذي نص عليه الشافعي الأول (¬2)، ولا فرق في الجواز بين أن يجد سوقًا يمكنه الشراء منه أم لا. قال الإمام: ولم أر أحدًا منع التبسط بسبب ذلك والجنس الذي يأخذه هو القوت وما يصلح به القوت ويؤاخذ واحد فوق الحاجة كالذي حكاه الروياني عن نص الشافعي أنه يؤدي ثمنه إلى المغنم، ورخص أكثر العلماء في علف الدواب ورآه في معنى الطَّعام وكذا سائر الأدوية والأشربة التي لا تجري مجرى الأقوات (¬3). (ثم ينصرف) على ما فضل عن كفايته لاستغنائه. وأعلم أن هذا الحديث رواه الحاكم (¬4) وصححه، ولفظه: أنه سئل ما صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطعام خيبر: هل خمسه؟ قال: لا، كان أقل من ذلك، كان أحدنا إذا أراد شيئًا أخذ منه حاجته. وذكر أنه على شرط البخاري ومسلم، وأقره الذهبي عليه في "تلخيصه". [2705] (حدثنا هناد بن السَّرِي) بن مصعب (حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم (عن عاصم بن كليب، عن أبيه) كليب بن شهاب الجرمي (عن رجل من الأنصار، قال: خرجنا مع رسول الله في سفر) ¬

_ (¬1) زيادة من (ل). (¬2) انظر: "الحاوي" 15/ 174. (¬3) "نهاية المطلب في دراية المذهب" 17/ 441. (¬4) "المستدرك" (2/ 134 - 135).

أي: للجهاد (فأصاب الناسَ حاجة شديدة) أي: إلى الطَّعام (وجَهد) بفتح الجيم وحكي ضمها، والمراد به: الشدة في الحال والمبالغة في المشقة. وفيه دليل على جواز ذكر الإنسان ما حصل له من الجوع والمشقة والوجع إذا كان في ذكره مصلحة تعود على المسلمين أو عليه، وعلى أن المريض يجوز له ذكر ما يجده من الألم لمن يصف له دواء لا على هيئة الشكوى، فالشاكي لغيره في غير حاجة فكأنما يشكو الله. (فأصابوا) من العدو (غنمًا فانتهبوها) أي: انتهب الغنم جميعاً كل الجيش أو أكثرهم، فإن المعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينتهب ولا أكابر الصحابة، وفيه حذف تقديره: فذبحوها وطبخوا منها. (فإن قُدورنا لَتَغْلي) بفتح التاء وإسكان الغين المعجمة، يقال: غلت القدرة ولا يقال: غليت، حتى قيل في ذلك: ولا أقول لقدر القوم قد غليت ... ولا أقول لباب الدار مغلوق (إذ جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشي على قوسه) أي: يتوكأ عليه؛ لأنه كان في الجهاد وهو من آلة الجهاد كما تقدم في الصلاة أنه قام يعني: في خطبة الجمعة متوكئاً على عصا أو قوس [وكان - صلى الله عليه وسلم -] (¬1) (فأكفأ) فيه رد على ما قاله الأصمعي: كفأت الإناء قلبته، ولا يقال: أكفأت، والصحيح على ما قاله ابن السكيت (¬2)، وابن قتيبة (¬3): إن كفأت ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) "إصلاح المنطق" 1/ 16. (¬3) "غريب الحديث" 2/ 98.

وأكفأت لغتان، وقيل: كفأت القدر كفيتها فخرج ما فيها وأكفأتها أملتها (¬1) (قدورنا بقوسه) فيه تغيير المنكر؛ لأن اللحم كان نهبة فهو بمنزلة ما لو غصب شاة من قوم فذبحها وطبخ لحمها. ولم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بغسل القدور؛ لأن اللحم طاهر، فالموضوع فيه ظاهر وإن طبخ ألا ترى أن القدور التي طبخ [فيها لحم] (¬2) الحمر الأهلية، قال لهم: "أكفئوا القدور واكسروها"، قالوا: يا رسول الله أو نغسلها؟ قال: "أو ذاك". وفيه دليل على أن الغنم لا يجوز نهبها، بل تقسم بخلاف الطعام، وعلى أنه لا يجوز ذبحها للأكل وإن حصل لهم حاجة شديدة وجهد؛ لأن الحاجة إليها نادرة وهو وجه ضعيف في المذهب، لكن هذا الحديث حجة للقائل به ومما هو حجة له ما رواه الحاكم في "المستدرك" (¬3) عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه قال: شهدت فتح خيبر، فلما انهزموا أخذ الناس ما وجدوا من جزر، قال زيد: وهي المواشي، فلم يكن بأسرع من [أن] (¬4) فارت القدور، فلما رأى ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بالقدور فأكفئت، ثم قسم بيننا فجعل لكل عشرة شاة. وصححه وأقره الذهبي عليه. ثم أسند (¬5) عن ابن عباس قال: انتهب الناس غنمًا يوم خيبر فذبحوها وطبخوا منها، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر بالقدور فأكفئت وقال: "إنَّه لا تصلح النهبة". ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر 7/ 468. (¬2) في الأصول: (اللحم) والمثبت موافق للسياق. (¬3) و (¬4) "المستدرك" 2/ 134. (¬5) من "المستدرك".

روى الحافظ عبد الحق في "الأحكام" (¬1) عن القاسم مولى عبد الرحمن، عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: كنا نأكل الجزر في الغزو ولا نقسمه (¬2). لكن الصحيح جواز ذبح المأكول للجهد كما يجوز تناول الأطعمة، فتحمل الأحاديث المتقدمة على ما إذا كانت الغنم قليلة لا تحتمل القسمة، وازدحم الناس عليها (¬3) لشدة الحاجة، وانتهابهم وذبحهم يؤدي حرمان البعض، ويفضي إلى التنازع ووقوع الفتنة، فإذا استشعر الإمام ذلك، فقال المحققون: يثبت يده على الطَّعام ويقسمه على قدر الحاجات، ويقول لمن معه ما يكفيه: اكتف بما معك ولا تزاحم المحتاجين (¬4). (فجعل (¬5) يُرمل) بضم أوله وتشديد الجيم أي: يلطخ (اللحم بالتراب) ليفسد كي لا ينتفع به لأنه نهب، والانتهاب اختطاف؛ وقد صرح أصحابنا بأن المختطف كالمسروق وسيأتي في باب عقوبة الغال أن متاعه يحرق، وهذا في معناه. ويؤخذ من هذا الحديث أن الطَّعام المخلوط بالتراب والملوث به لا يؤكل إذا كثر فيه التراب أو الرمل [كالتوت المرمل الملقوط من تحت الشجر إذا كثر فيه التراب أو الرمل] (¬6) وقد جزم النووي (¬7) وآخرون ¬

_ (¬1) "الأحكام الوسطى" 3/ 86. (¬2) سيأتي الحديث القادم. (¬3) ساقطة من (ر). (¬4) في (ر): الناس، والمثبت من (ل). (¬5) ورد بعدها في الأصل: نسخة: ثم جعل. (¬6) ساقطة من (ر). (¬7) "المجموع شرح المهذب" 9/ 37.

بتحريم أكل التراب منهم القاضي حسين عن اختيار والده، والخياطي، والجرجاني، والقفال المروزي، ولم يفرقوا بين قليله وكثيره أي: إذا كان منفردًا. وفي "الذخائر" أن التراب والطين إنما يحرم على من تضرر به لا على من أعتاد أكله من غير مضرة. قال: وسائر أجزاء الأرض تجري مجرى الطين، وقال الإمام (¬1): أكره الطين؛ لأنه يضر بالبدن ولا يصح فيه حديث، ويقال: إنه رديء. (ثم قال: إن النهبة) بضم النون هي النهبى كما تقدم (ليست بأحل من الميتة) لأن ما يأخذه بقوته واختطافه فوق حقه من حق أخيه الذي ضعف عن مقاومته حرام كالميتة ليس بأحل منها (أو إن الميتة ليست بأحل من النهبة) أي أقل إثمًا منها في الأكل، بل هما متساويتان. وقد اختلف العلماء فيما لو وجد المضطر الميتة وطعام غيره على ثلاثة أوجه أو أقوال، أصحها: يجب أكل الميتة؛ لأن حقوق الله مبنية على المسامحة لعدم الضمان. والثالث: التخيير، وأشار الإمام (¬2) إلى أن هذا الخلاف مأخوذ من الخلاف في اجتماع حق الله وحق الآدمي. (الشَّك) في التقديم والتأخير (من هناد) بن السري. * * * ¬

_ (¬1) "نهاية المطلب" 5/ 616. (¬2) "نهاية المطلب" 13/ 227.

139 - باب في حمل الطعام من أرض العدو

139 - باب في حَمْلِ الطَّعامِ منْ أرْضِ العَدُوّ 2706 - حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُوِرٍ، قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قالَ: أَخْبَرَني عَمْرُو بْن الحارِثِ أَنَّ ابن حَرْشَفٍ الأزْديَّ حَدَّثَهُ، عَنِ القاسِمِ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ بَعْضِ أَصْحابِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، قالَ: كُنّا نَأكلُ الجَزْرَ في الغَزْوِ وَلا نَقْسِمُه حَتَّى إِنْ كُنّا لَنَرْجِع إِلى رِحالِنا وَأَخْرِجَتُنا مِنْه مُمْلاةٌ (¬1). * * * باب في حمل الطَّعام من أرض العدو [2706] (حدثنا سعيد بن منصور) الخراساني (حدثنا عبد الله بن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث) الأنصاري (أن ابن حرشف) بضم الحاء المهملة (¬2) وإسكان الراء وضم الشين المعجمة ثم فاء كان اسمه تميم (الأزدي) بضم الهمزة والدال وتشديد النون. (حدثه عن القاسم مولى عبد الرحمن عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: كنا نأكل الجَزَر) بفتح الجيم والزاي جمع جزرة هو المأكول وكسر الجيم لغة، قال زيد: هي المواشي، قال في "الصحاح": لا تكون الجزرة إلا من الغنم (¬3). وهي في "المجمل" (¬4): الجزرة: الشَّاةِ يقرم إليها (¬5) أهلها ¬

_ (¬1) رواه سعيد بن منصور (2739) ط الأعظمي، والبيهقيّ 9/ 61. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (466). (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) "الصحاح في اللغة" 2/ 176. (¬4) 1/ 188، 749. (¬5) ساقطة من (ر).

فيذبحونها، والقرم شدة شهوة اللحم والجزر القطع، ومنه سميت الجزور، ويحتمل أن يراد بالجزر القطع من اللحم لقوله: كنا نأكل الجزر (في الغزو) في بلاد العدو، ولأن الحاجة تدعو إليه، وفي المنع منه مضرة بالجيش (ولا نَقسمه) إذ لو قسم لم يحصل للواحد منه شيء يعظم نفعه فأباح الله لهم ذلك (حتى إن) بكسر الهمزة وإسكان النون وهي المخففة من إن المشددة، ولهذا جاءت لام الابتداء بعدها في قوله: لنرجع، وإذا وليها الفعل فالغالب كونها ماضيًا ناسخًا كقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً} (¬1) (كنا لنرجع إلى رحالنا) جمع رحل، وهو المنزل الذي يسكن فيه، ويطلق على الموضع الذي ينزل فيه المسافر ويضع فيه أثاثه (وأَخْرِجَتُنا) بكسر الراء جمع خرج بضمها وهو جوالق ذو أذنين وهو الوعاء المعروف وهو جمع قلة (منه مُمْلأة) بضم الميم الأولى وسكون الميم الثانية وفتح اللام والهمزة، ويجوز فتح الثانية وتشديد اللام المفتوحة أي: مملوءة. استدل به أصحاب مالك (¬2) ومن قال بقولهم، على أن من فضل معه من الطَّعام الذي أخذه من المغنم شيء فأدخله إلى بلده أنه يباح له أكله ولا يرده إلى المغنم. قال أحمد (¬3): وأهل الشَّام يتساهلون في هذا. قال الأوزاعي (¬4): أدركت الناس يقدمون بالقديد فيهديه بعضهم إلى بعض لا ينكره إمام ¬

_ (¬1) البقرة: 143. (¬2) "المدونة" 1/ 523. (¬3) انظر: "المغني" 13/ 132 - 133. (¬4) انظر: "المغني" 13/ 133.

ولا عامل ولا جماعة، والذي صححه الشافعي والجمهور (¬1): يجب عليه رده إلى المغنم الذي في تلك الغزوة للحديث المتقدم: ["أدوا الخيط والمخيط" (¬2) ولأنَّه من الغنيمة ولم تقسم فلم يبح وهذا إذا لم تقسم الغنيمة] (¬3)، فإن قسمت رده إلى الإمام، وهذا في اليسير، أما الكثير الذي له قيمة كبيرة فهو مردود لا محالة (¬4). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "تحفة الفقهاء" 3/ 300. "التهذيب في اختصار المدونة" 2/ 69، "الأم" 4/ 277. (¬2) تقدم برقم (2694). (¬3) ساقطة من (ر). (¬4) انظر: "المغني" 13/ 120.

140 - باب في بيع الطعام إذا فضل، عن الناس في أرض العدو

140 - باب في بيع الطّعامِ إذا فضَلَ، عَنِ النّاس في أرْض العَدوّ 2707 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْن المُصَفَّى، حَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ المُبارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ قالَ: حَدَّثَنا أَبُو عَبْدِ العَزِيزِ -شيْخ مِنْ أَهْلِ الأرْدُنِّ- عَنْ عبادَةَ بْنِ نسي، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، قالَ: رابَطْنا مَدِينَةَ قِنَّسْرِينَ مَعَ شرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ فَلَمّا فَتَحَها أَصابَ فِيها غَنَمًا وَبَقَرًا فَقَسَمَ فِينا طائِفَةً مِنْها وَجَعَلَ بَقِيَّتَها في المَغْنَمِ، فَلَقِيتُ معاذَ ابْنَ جَبَلٍ فَحَدَّثْتُه فَقالَ مُعاذ: غَزَوْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خيْبَرَ فَأَصَبْنا فِيها غَنَمًا فَقَسَمَ فِينا رَسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طائِفَةً وَجَعَلَ بَقِيَّتَها في المَغْنَمِ (¬1). * * * باب بيع الطَّعام إذا فَضَل عن الناس في أرض العدو [2707] (حدثنا محمد بن المصفى) بضم الميم وفتح الصاد المهملة والفاء، واسمه محمد بن بهلول الحمصي (حدثنا محمد بن المبارك عن يحيى بن حمزة) بالمهملة والزاي، الحضرمي (قال: حدثني أبو عبد العزيز) واسمه: يحيى بن عبد العزيز الشَّامي. قال أبو حاتم: الشَّامي ما بحديثه بأس (¬2). (شيخ من أهل الأردن) بضم الهمزة والدال وتشديد النون اسم نهر وكورة أحد أجناد الشَّام الخمسة منها طبرية وصور وعكا. (عن عُبَادة) بضم العين وتخفيف الباء (ابن نُسي) بضم النون مصغر ¬

_ (¬1) رواه الطبراني 20/ 89 (170)، والبيهقيّ 9/ 60. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2425). (¬2) "الجرح والتعديل" 9/ 170.

الكندي (عن عبد الرحمن بن غنم) الشَّامي الصحابي، وغنم بضم الغين المعجمة وسكون النون (قال: رابطنا مدينة) غير منصرف منصوب (¬1) بحذف حرف الجر (قنسرين) بكسر القاف والنون المشددة وإسكان السين المهملة، قال الزمخشري: بلد (¬2). وقيل: جمع، ويقال فيها: قنسرون في الرَّفع جمع السلامة إيذانًا بقوة العلم ومثاله يبرون وفلسطون، قال البكري: بلدة بالشام عند حلب (مع شرحبيل بن السمط) بفتح السين، ويقال: بكسر السين الكندي -رضي الله عنه - أمير حمص لمعاوية مختلف في صحبته، ذكر البخاري أن له صحبة (¬3). وقال الأمير: تابعي (فلما فتحها أصاب فيها غنماً وبقرًا فقسم فينا طائفة) أي: قطعة (منها) أي: قدر الحاجة منها للطعام، وهذا الذي قسمه عليهم ليأكلوه ولا يملكونه بالاستيلاء عليه، وإنما يتبين أنه ملكه بالأكل كالصيد ولا يصح بيعه ولا هبته (وجعل بقيتها) أي بقية الغنم والبقر (في المغنم) ليقسم بينهم على السهام. قال الخطابي: والأصل أن الغنيمة مخمسة والباقي بعد ذلك مقسوم، إلا أن الضرورة لما دعت إلى إباحة الطَّعام للجيش والعلف صار قدر الكفاية منها مستثنى ببيان النبي - صلى الله عليه وسلم -، وما زاد على ذلك مردود إلى المغنم لا يجوز بيعه، انتهى. لكن إذا قسمت الغنيمة بينهم في دار الحرب جاز لمن أخذ سهمه ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) "الكشاف" 1/ 174. (¬3) انظر: "الإصابة" 3/ 266، (3889).

التصرف فيه بالبيع وغيره، فإن باع بعضهم بعضاً شيئًا منها فغلب عليه العدو وبقي ضمان البائع (¬1) له، خلاف الصحيح من مذهب الشافعي أنه من ضمان المشتري؛ لأنه مال مقبوض أبيح لمشتريه فكان ضمانه عليه وأخذ العدو له تلف فلم يضمنه البائع كسائر أنواع التلف، ولأن نماءه للمشتري فكان ضمانه على المشتري؛ لأن "الخراج بالضمان" الحديث. (فلقيت معاذ بن جبل) الأنصاري، قال ابن نمير: مات بناحية الأردن سنة ثمان عشرة (فحدثته) بالحديث (فقال معاذ: غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر) سنة ست (فأصبنا فيها غنمًا فقسم فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فتنبه والله أعلم أن يكون أفرد لهم من الغنم (طائفة) أباحها لهم ليأكلوا لما رأى من حاجتهم، وفيه دليل على أن من تولى أمر شيء باشره وبعث فيه أن يبادر بإطعامه منه أولاً ترغيبًا له على الرجوع إليه بنشاط، فمن طبخ شيئًا أو التقط شيئًا أو اصطاد صيدًا فيعطى منه أولاً حتى الجارح يطعم من الصيد حيث يأتي به (وجعل بقيتها في المغنم) أي: في الموضع الذي تجمع فيه الغنائم، وإلا فيدفعها للإمام. * * * ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر).

141 - باب في الرجل ينتفع من الغنيمة بالشيء

141 - باب في الرّجل يَنْتَفِع مِنَ الغنِيمَةِ بِالشَّيء 2708 - حَدَّثَنا سَعِيدٌ بْن مَنْصُورٍ وَعُثْمانُ بْن أَبي شيْبَةَ -المَعْنَى- قالَ أَبُو داودَ: وَأَنا لَحِدِيثِهِ أَتْقَنُ -قالا: حَدَّثَنا أَبُو معاوَيةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبي حَبِيبٍ، عَنْ أَبي مَرْزُوقِ -مَوْلَى تُجيْبٍ- عَنْ حَنَشٍ الصَّنْعانيِّ، عَنْ رُويْفِعِ بْنِ ثابِتٍ الأنصاريِّ، أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "مَنْ كانَ يُؤْمِنُ باللهِ وَبِاليَوْمِ الآخِرِ فَلا يَرْكَبْ دابَّةً مِنْ فَيء المُسْلِمِينَ حَتَّى إِذا أَعْجَفَها رَدَّها فِيهِ، وَمَنْ كانَ يُؤْمِنُ باللهِ وَبِاليَوْمِ الآخِرِ فَلا يَلْبَسْ ثَوبا مِنْ فَيء المُسْلِمِينَ حَتَّى إِذا أَخْلَقَهُ رَدَّهُ فِيهِ" (¬1). * * * باب الرجل ينتفع من الغنيمة بالشيء [2708] (حدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة الخراساني (وعثمان بن) محمد بن (أبي شيبة المعنى. قال أبو داود: وأنا لحديثه أتقن، قالا: حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم (عن محمد بن إسحاق) صاحب المغازي (عن يزيد بن أبي حبيب) بفتح المهملة. (عن أبي مرزوق) حبيب بن الشهيد (مولى تُجِيب) بضم المثناة فوق وكسر الجيم. وثقه العجلي (¬2). (عن حَنَش) بفتح الحاء المهملة والنون ثم شين معجمة [السبائي، ابن] (¬3) عبد الله (الصنعاني، عن رويفع بن ثابت الأنصاري: أن النبي ¬

_ (¬1) سبق برقم (2159). (¬2) "معرفة الثقات الثقات" للعجلي (247). (¬3) في الأصول: الشيباني عن أبي. والصَّواب ما أثبتناه.

- صلى الله عليه وسلم - قال) يوم حنين كما في رواية أحمد (¬1) (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر) أي: الذي يؤمن بالله واليوم الآخر، ويلتزم شرائع الإسلام. ومنها (فلا يركب) بالجزم، رواية أحمد: "فلا يحل له أخذ" (دابة) فرسًا، أو بعيرًا، أو بغلًا، أو حمارًا (من فيء المسلمين) أي: ولا من غنيمتهم. وفيه دليل على أنه لا يجوز ركوب شيء من دواب المغنم، فإن وطئ فلا حد عليه عند الجمهور (¬2) خلافًا لمالك وموافقة قول القديم للشافعي في وطء أحد الشريكين الجارية المشتركة، ووجه المذهب أنه له فيها ملكًا وشبه ملك، فيندفع الحد ويعزر إن كان عالماً بالتحريم وإن كان جاهلًا لقرب عهده بالإسلام فينهى عنه ويعرف الحكم. (حتى إذا أعجفها) أي: أهزلها، يقال: عجف الشيء بفتح الجيم وكسرها وضمها إذا هزل عن ابن القطاع (¬3) (ردها فيه) الرد إلى المغنم ليس بمنهي عنه، بل هو متعين وإنما النهي عن إعجافها بكثرة استعمالها (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس) بفتح الياء والباء (ثوبًا) وفي معناه لبس العمامة والخف والنعل وغير ذلك (من فيء المسلمين) أو غنيمتهم (حتى إذا أخلقه) أي: أبلاه من كثرة الاستعمال (رده فيه) حين كره لبسه. * * * ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 4/ 108. (¬2) انظر "المغني" 12/ 344. (¬3) "الأفعال" 2/ 329.

142 - باب في الرخصة في السلاح يقاتل به في المعركة

142 - باب في الرخْصَةِ في السِّلاحِ يقاتَل بهِ في المعْرَكَةِ 2709 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، قالَ: أَخْبَرَنا إِبْراهِيمُ يَعْني: ابن يُوسف بْنِ إِسْحاقَ بْنِ أَبي إِسْحاقَ السَّبِيعيَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ السَّبِيعيِّ، حَدَّثَني أَبو عُبيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: مَرَرْتُ فَإذا أَبُو جَهْلٍ صَرِيعٌ قَدْ ضُرِبَتْ رِجْلُهُ فَقُلْتُ: يا عَدوَّ اللهِ يا أَبا جَهْل قَدْ أَخْزى الله الأخِرَ. قالَ: وَلا أَهابهُ عِنْدَ ذَلِكَ. فَقالَ أَبْعَد مِنْ رَجُل قَتَلَهُ قَوْمُهُ فَضَرَبْتُهُ بِسيفٍ غيْرِ طائِلٍ فَلَمْ يغْنِ شيْئًا حَتَّى سَقَطَ سيفُهُ مِنْ يَدِهِ فَضَرَبْتُه بِهِ حَتَّى بَرَدَ (¬1). * * * باب الرخصة في السلاح يقاتل به في المعركة [2709] (حدثنا محمد بن العلاء) الهمداني (حدثنا إبراهيم بن يوسف [ابن إسحاق] بن أبي إسحاق السبيعي) صدوق، مات سنة ثمان وتسعين ومائة. (عن أبيه) يوسف (عن أبي إسحاق [السبيعي] (¬2) حدثني أبو عبيدة) مصغر اسمه عامر (عن أبيه) عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه -. (قال: مررت) يعني: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر: "من ينظر ما صنع أبو جهل". (فإذا أبو جهل) عمرو بن هشام (صريع) يعني: في المكان الذي عينه النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أستقبل الكعبة ودعا على كفار قريش (قد ضربت) بضم ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 403، والبيهقيّ 9/ 62. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2427). (¬2) في الأصول: سليمان النسائي. والصَّواب ما أثبتناه.

الضاد وكسر الراء مبني لما لم يسم فاعله (رجله) ضربه معاذ بن عمرو بن الجموح، حكى ابن هشام (¬1) عن معاذ، قال: حملت عليه فضربته ضربة أطنت قدمه بنصْفِ ساقه فوالله ما شبهتها حين طاحت إلا بالنواة تطيح من تحت مرضخة النوى حين يضرب بها. (فقلت: ) أخزاك الله (يا عدو الله) فيه توبيخ الأسير والدعاء عليه (يا أبا جهل) فيه دليل على تكنية الكافر ولا يراد به الإكرام. (قد أخزى الله الأخِر) بكسر الخاء المعجمة والراء، [بوزن الكبد] (¬2) هو الأبعد المتأخر عن الخير وقيل: الأرذل. (قال: ولا أَهابه) بفتح الهمزة (عند ذلك) كما كنت أهابه لما حصل لهم من النصرة. (فقال: أَبعد) بفتح الهمزة وكسر العين، قال ابن الأثير: معناه على تقدير صحته: هل أطرد بدله (من رجل) ويحتمل أن يكون الفعل تفضيل وقبله همزة استفهام مقدرة فكان ابن مسعود لما دعا عليه وجعله عدو الله قال: هل أبعد من رجل (قتله قومه! ) والاستفهام المقدر للتهكم؛ لأن الغالب أن قوم الرجل المعظم عندهم لا يقتلونه، ويدل على الاستفهام المقدر رواية البخاري: هل أعمد من رجل قتلتموه (¬3). وفي رواية في غير أبي داود: لا أبعد من رجل، وفي بعض النسخ: أتعمد من رجل بفتح الهمزة وكسر الميم وسكون الدال على لفظ أحد فعلي ¬

_ (¬1) "سيرة ابن هشام" 1/ 634. (¬2) في الأصول: لكنه. والمثبت من "النهاية" 1/ 29. (¬3) "صحيح البخاري" (3961).

التعجب المجرور ما بعده بالباء وتكون من بمعنى الباء، ومعناه: ما أبعد رجلًا قتله قومه كقوله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} (¬1)، قال الخطابي: أبعد خطأ، وإنما هو أعمد من رجل بالميم بعد العين كأنه يقول: هل زاد على رجل قتله قومه يهون على نفسه ما حل به من الهلاك (¬2). قال الجوهري: قولهم: أنا أعمد من كذا، أي أعجب منه، ومنه قول أبي جهل: أعمد من سيد قتله قومه (¬3). قال غير الخطابي: معناه: أنهى وأبلغ؛ لأن الشيء المتناهي، يقال: قد أبعد فيه (¬4). قال المنذري: وهذا أمر بعيد، أي: لا يقع مثله لعظمه، والمعنى: إنك استعظمت شأني واستبعدت قتلي، فهل هو أبعد من رجل. قال: والرواية الصحيحة أعمد بالميم (¬5). وقيل: هو من قولهم: عميد القوم سيدهم، أي: ليس قتل السيد بعار؟ ! وهو مثل قول الآخر: هل فوق رجل عليه قومه؟ ! . (قال: فضربته بسيف) ضربًا (غير طائل) أي: غير ماض نفعه، وأصل الطائل النفع والفائدة، تقول: أتيته فلم أر عنده [طائلًا (¬6). ¬

_ (¬1) مريم: 38. (¬2) "معالم السنن" للخطابي 2/ 298. (¬3) "الصحاح" 2/ 74. (¬4) ذكره ابن الأثير في "النهاية في غريب الأثر" 1/ 140. (¬5) لم أجد ذلك للمنذري، وإنما هو من كلام ابن الأثير بنصه، كما في "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 140. (¬6) بداية سقط في (ر).

قال الخطابي: وفيه أنه قد استعمل سلاحه في قتله وانتفع به قبل القسم (¬1). (فلم يغن) يعني: الضربة (شيئاً) وفي رواية لغير أبي داود: لما ضربته بسيفي فلم يغن شيئاً فبصق في وجهي وقال: سيفك كهام، يعني: كليلا، خذ سيفي. فضربته (¬2) (حتى سقط سيفه من يده) فأخذته (فضربته به حتى بَرَد) بفتح الباء والراء، أي: مات. والبرد النوم الذي هو أخو الموت، قال الله تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24)} (¬3). وفيه دليل على ما بوب عليه أبو داود من الرخصة في السلاح أن يقاتل به العدو في المعركة، وهو كالتخصيص لما تقدم في الباب قبله أنه لا ينتفع بشيء من أدوات الغنيمة لا بركوب دابة ولا لبس ثوب ولا غير ذلك. * * * ¬

_ (¬1) "معالم السنن" 2/ 299. (¬2) انظر: "جامع الأصول" 8/ 196. (¬3) النبأ: 24.

143 - باب في تعظيم الغلول

143 - باب في تَعْظِيم الغُلُولِ 2710 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ وَبِشْرَ بْنَ الُمفَضَّلِ حَدَّثاهُمْ، عَنْ يَحيَى ابْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يحيى بن حَبّانَ، عَنْ أَبي عَمْرَةَ، عَنْ زيْدِ بْنِ خالِدٍ الجُهَنيِّ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحابِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - توُفي يوم خيْبَرَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ: "صَلُّوا عَلَى صاحِبِكُمْ". فَتَغيَّرَتْ وجوه النّاسِ لِذَلِكَ فَقالَ: "إِنَّ صاحِبَكُمْ غَلَّ في سَبِيلِ اللهِ". فَفَتَّشْنا مَتاعَه فَوَجَدْنا خَرَزًا مِنْ خَرَزِ يهودَ لا يُساوي دِرْهَميْنِ (¬1). 2711 - حَدَّثَنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِك، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زيْد الدِّيليِّ، عَنْ أَبي الغيْثِ مَوْلَى ابن مُطِيعٍ، عَنْ أَبي هريْرَةَ أَنَّهُ قالَ: خَرَجْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عامَ خيْبَرَ فَلَمْ يَغْنَمْ ذَهَباً وَلا وَرِقا إِلا الثِّيابَ والَمتاعَ والأموالَ، قالَ: فَوَجَّهَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَ وادي القرى وَقَدْ أُهْديَ لِرَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَبْدٌ أَسْوَدُ يُقالُ لَهُ: مِدْعَمٌ، حَتَّى إِذا كانوا بِوادي القُرى فَبيْنا مِدْعَمٌ يحطّ رَحْلَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ جاءَهُ سَهْمٌ فَقَتَلَهُ، فَقالَ النّاس: هَنِيئا لَهُ الجَنَّة. فَقالَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "كَلاَّ والَّذي نَفْسي بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ التي أَخَذَها يَوْمَ خيْبَرَ مِنَ المَغانِمِ لَمْ تُصِبْها المَقاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَليْهِ نارًا" فَلَمّا سَمِعُوا ذَلِكَ جاءَ رَجُلٌ بِشِراكٍ أَوْ شِراكيْنِ إِلى رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "شِراك مِنْ نارٍ" أَوْ قالَ: "شِراكان مِنْ نارٍ" (¬2). * * * باب في تعظيم الغلول الغلول بضم الغين. قال أبو عبيد (¬3): هو الخيانة في الغنيمة خاصة، ¬

_ (¬1) رواه النسائي 4/ 64، وابن ماجه (2848)، وأحمد 4/ 114. وضعفه الألباني في "الإرواء" (726). (¬2) رواه البخاري (4234)، ومسلم (115). (¬3) "غريب الحديث" 1/ 200.

وأصله السرقة من مال الغنيمة قبل القسمة، وقيل: هو الخيانة في كل شيء (¬1). [2710] (حدثنا مسدد) بن مسرهد (أن يحيى بن سعيد) القطان (وبشر بن المفضَّل) الرقاشي. (حدثاهم، عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن محمد بن يحيى بن حَبان) بفتح المهملة وباء موحدة، وحبان هذا هو ابن منقذ الصحابي جد محمد المذكور. (عن أبي عَمرة) بفتح المهملة مولى زيد بن خالد. (عن زيد بن خالد الجهني: أن رجلًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - توفي يوم خيبر) يحتمل أنه لم يقتل في سبيل الله، بل مات حتف أنفه، ويحتمل أن يكون شهيدًا، والظاهر أنه لو كان شهيدًا لذكر؛ لأنه أبلغ في التعظيم (فذكروا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -) يعني الصلاة عليه إمامًا. قد يستدل به من يقول: إن الإمام والأمير يقدم في الصلاة على أقارب الميت؛ لأنه يبعد أن لا يكون له قرابة وإن بعد؛ إذ لو كان له لذكر ولكان هو السائل، والمشهور من مذهب الشافعي أن الأقارب أولى قياساً على تقديمهم في النكاح (¬2). (فقال: صلوا على صاحبكم) ولم يقل: يصلي عليه وليه. وفيه دليل على أنه يصلَّى على الفاسق وإن عمل الكبائر، وعلى أنه لو صلى غير ¬

_ (¬1) انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي 2/ 129. (¬2) انظر: "الأم" 1/ 279، و "العزيز شرح الوجيز" للرافعي 5/ 159، و "المجموع" للنووي 5/ 130.

الأولى مع حضور الأولى صحت الصلاة (فتغيرت وجوه الناس لذلك) أي: لامتناع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصلاة عليه. وفي الحديث دليل للإمام أحمد في أن الإمام لا يصلي على الغال، بل يصلي عليه غيره. ومذهب الشافعي، والجمهور: يصلي عليه (¬1). وامتناع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصلاة عليه عقوبة له على خيانته، ولأن الغلول فيه أكل مال الغير فهو كالغاصب والمديون، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - في أول الإسلام لا يصلي على المديون؛ لأن الصلاة عليه شفاعة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لا ترد شفاعته. قال القرطبي: وامتناع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصلاة عليه دليل على تعظيم الغلول وتعظيم الذنب فيه، وأنَّه من الكبائر، وأنَّه من حقوق الآدميين، ولابد فيه من القصاص بالحسنات والسيئات ثم صاحبه في المشيئة (¬2). (فقال: إن صاحبكم غل) بفتح الغين. أي: سرق من مال الغنيمة الذي هو (في سبيل الله) تعالى، لا يبعد أن يكون هذا بوحي من الله في اليقظة أو في المنام. قال القرطبي: ومن الغلول حبس الكتب عن أصحابها، ويدخل غيرها في معناها، أي: ممن احتاج إلى شيء يستعيره فمنعه منه من غير ضرورة (¬3). قال الزُّهريّ: إياك وغلول الكتب. فقيل له: وما غلول الكتب؟ قال: ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" 3/ 418. (¬2) "الجامع لأحكام القرآن" 4/ 258. (¬3) "الجامع لأحكام القرآن" 4/ 262.

حبسها عن أصحابها (¬1). (ففتشنا) بتخفيف [التاء] (¬2) وتشديدها. قال الجوهري: فتشت الشيء فتشًا، وفتشته تفتيشًا (¬3) (متاعه) المخلف عنه (فوجدنا خَرَزًا) بفتح الراء. وهو الذي ينظم في السلك (من خرز يهود) خيبر (لا يساوي درهمين). [2711] (حدثنا) عبد الله بن مسلمة (القعنبي، عن مالك) بن أنس (عن ثور بن زيد الدؤلي) بضم الدال وفتح الهمزة، وكان النسائي، وأبو عبيد يقولان: الدِّيلي بكسر الدال وسكون الياء (عن) سالم (أبي الغيث مولى) عبد الله (ابن مطيع) القرشي. (عن أبي هريرة، أَنَّه قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام خيبر) سنة ست من الهجرة (فلم نغنم ذهباً ولا وَرِقاً) بكسر الراء على الأصل وسكونها تخفيف قراءتان في السبع (¬4)، وهي الدراهم المضروبة، ويقال لها: الرقة: بكسر الراء وتخفيف القاف (إلا الثياب، والمتاع، والأموال قال) أبو هريرة: (فوجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحو وادي القُرى) بضم القاف جمع قرية، وهو موضع بقرب المدينة، فسرنا حتى إذا كنا بوادي القرى (وقد أُهدي) بضم الهمزة وكسر الدال (لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد أسود) رواية "الموطأ": غلام (¬5) (يقال له: مِدْعَم) بكسر الميم ¬

_ (¬1) أخرجه ابن المقرئ في "معجمه" (922)، والخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (482). (¬2) في الأصل: النون. والصَّواب ما أثبتناه. (¬3) "الصحاح" 3/ 151. (¬4) انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص 389. (¬5) "موطأ مالك" 1/ 361 (926).

وسكون الدال وفتح العين، أهداه له رفاعة بن زيد كما في "الموطأ" ومسلم (¬1)، وزاد ابن وهب: الجُذاميُّ، وفي البخاري (¬2): أحد بني الضِّبَابِ. بكسر الضاد المعجمة وتكرير الباء. ورفاعة هذا قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - في مقدمه الحديبية في قوم فأسلموا وعقد له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قومه. واختلف: هل أعتق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مدعمًا أو مات عبداً؟ (حتى إذا كانوا بوادي القرى فبينا مدعم يحط رحل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وهو مركب الرجل على البعير (إذ جاءه سهم) عاير، كما في البخاري، وهو بالعين المهملة وبعد الألف تحتانية، يعني: لا يعرف راميه (فقتله. فقال الناس: هنيئا له الجنة) رواية البخاري: هنيئًا له الشهادة. (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: كلا) هو ردع وزجر لكلامهم في هذا الرجل أنه شهيد محكوم له بالجنة أول وهلة، بل هو في النار بسبب غلوله (والذي نفسي بيده) فيه جواز الحلف بالله من غير ضرورة (إن الشملة) وهي كساء يشتمل به الرجل (التي أخذها يوم خيبر) وفي رواية "الموطأ": "يوم حنين" (¬3)، لكن قال القاضي: أكثر رواة "الموطأ" خيبر كما في الصحيحين (¬4). (من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل) رواية مسلم: لتلتهب (¬5) (عليه ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (115). (¬2) "صحيح البخاري" (4234). (¬3) هي من رواية يحيى الليثي كما في "الموطأ" برواياته الثمانية (1076). (¬4) "إكمال المعلم شرح صحيح مسلم" 1/ 399. (¬5) "صحيح مسلم" (115/ 183).

نارًا) تنبيه على المعاقبة عليه في الآخرة (فلما سمعوا ذلك) زاد مسلم: فزع الناس (جاء رجل بشراك) بكسر الشين المعجمة، وهو السير المعروف الذي يكون في النعل على ظهر القدم (أو شراكين) شك من الراوي (إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فقال: يا رسول الله، أصبت هذا يوم خيبر (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: شراك من نار -أو قال: - شراكان من نار) قال القاضي عياض (¬1): قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الشملة لتشتعل عليه نارًا"، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "شراك أو شراكان من نار". تنبيه على المعاقبة فيهما وقد تكون المعاقبة [بهما] (¬2) أنفسهما فيعذب بهما وهما من نار، وقد يكون ذلك على أنَّهما سبب لعذاب النار. * * * ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم شرح صحيح مسلم" 1/ 398. (¬2) ساقطة من الأصول، والمثبت من "إكمال المعلم".

144 - باب في الغلول إذا كان يسيرا يتركه الإمام ولا يحرق رحله

144 - باب في الغلُول إِذا كانَ يَسِيرًا يَتْركهُ الإِمامُ وَلا يحَرّقُ رحْلَهُ 2712 - حَدَّثَنا أَبُو صالِحٍ مَحبوب بْنُ مُوسَى، قالَ: أَخْبَرَنا أَبو إِسْحاقَ الفَزاريُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَوْذَبٍ، قالَ: حَدَّثَني عامِر -يَعْني: ابن عَبْدِ الواحِدِ- عَنِ ابن بُريْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا أَصابَ غَنِيمَةً أَمَرَ بِلالاً فَنادى في النّاسِ فيجِيئُونَ بِغَنائِمِهِمْ فيخَمِّسُهُ ويقَسِّمهُ، فَجاءَ رَجُلٌ بَعْدَ ذَلِكَ بِزِمامٍ مِنْ شَعَرٍ فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ هذا فِيما كنّا أَصَبْناه مِنَ الغَنِيمَةِ. فَقالَ: "أَسَمِعْتَ بِلالاً يُنادي ثَلاثاً؟ ". قالَ: نَعَمْ. قالَ: "فَما مَنَعَكَ أَنْ تَجيءَ بِهِ؟ " فاعْتَذَرَ إِليْهِ، فَقالَ: "كُنْ أَنْتَ تَجيءُ بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ فَلَنْ أَقْبَلَهُ عَنْكَ" (¬1). * * * باب الغلول إذا كان يسيًرا يتركه الإمام ولا يحرق رحله [2712] (حدثنا أبو صالح محبوب) بالحاء المهملة (بن موسى) الفرّاء بالفاء والراء المشددة (قال: أخبرنا أبو إسحاق) إبراهيم (الفَزَاريُّ عن عبد الله بن شَوْذَب) بفتح الشين والذال المعجمة بسنده، وثقه ابن معين (¬2) (قال: حدثني عامر، يعني: ابن عبد الواحد) الأحول (عن) عبد الله أو سليمان (بن بريدة، عن عبد الله بن عمرو) بفتح العين وإسكان الميم، وعند ابن الأعرابي: عمر بضم العين وفتح الميم. (قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أصاب غنيمة) من العدو (أمر بلالاً فنادى في الناس، فيجيئون بغنائمهم) التي غنموها (فيخمسه) على خمسة أقسام ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 213، وابن حبان (4809)، والحاكم 2/ 127. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (2429). (¬2) "الجرح والتعديل" 5/ 83.

فيخمس قسم منها على خمسة أسهم، لكن اختلف في تخميس أشياء منها سلب القاتل، وأكثر أهل العلم لا يخمس، ومنها إذا قال الإمام: من أخذ منها شيئًا فهو له. (ويقسمه) عليهم فيخمسه لخمسه وأربعة الأخماس وخمس الخمس للنبي - صلى الله عليه وسلم - يصرفه. (فجاء رجل) يومًا (بعد ذلك) أي: بعد النداء والقسمة (بزمام) وهو الخيط الذي يشد في الحلقة يجعل في أحد جانبي المنخرين ثم يشد في طرفه المقود، وقد يسمى المقود زمامًا (من شعر، فقال: يا رسول الله) أكان (هذا فيما كنا أصبناه من الغنيمة؟ فقال) له: (أسمعت بلالاً ينادي ثلاثًا؟ ) فيه إشهار النداء في الركب أو البلد ليرد من عنده شيء لغيره أو له شريك فيه أن يرده لمالكه أو لمن يرده إلى مالكه، فيدخل فيه النداء بإنشاد الضَّالة وتثليث النداء إذا احتيج إلى ذلك. (قال: نعم. قال: فما منعك أن تجيء به؟ ) حين سمعت النداء (فاعتذر إليه فقال: كن أنت تجيء به) يحتمل أنه تأكيد للضمير المستتر، ويحتمل تقديره: كن أنت الذي تجيء به فحذف الموصول، وهذا كالمستثنى من الحديث الآتي: "من اعتذر إليه فلم يقبل منه كان عليه ما على صاحب مكس". وكن بضم الكاف وإسكان النون، كذا في أبي داود، ويحتمل تقديره: كن على إثمك إلى يوم القيامة، وفي رواية أظنها لابن حبان: فقال: كلا (¬1). ¬

_ (¬1) ذكرها ابن الأثير في "جامع الأصول في أحاديث الرسول" (1213)، كذا ابن الملقن في "البدر المنير" 8/ 733؛ لكني لم أقف عليها عند أحد من أصحاب "السنن" والمسانيد وغيرها.

(يوم القيامة، فلن أقبله عنك) وفي رواية في غير أبي داود: فلن أقبله منك (¬1). وهو بمعناه. قال بعض العلماء: أراد أنه يوافى يوم القيامة بوزر ذلك كما قال في آية أخرى: {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ} (¬2) وقيل: الخبر محمول على شهرة الأمر، أي: يأتي يوم القيامة قد شهر الله أمره، كما يشهر لو حمل بعيرًا أو فرسًا له حمحمة (¬3). قال القرطبي (¬4): وهذا عدول عن الحقيقة إلى المجاز، وإذا دار الأمر بين الحقيقة والمجاز فالحقيقة الأصل، كما في كتب الأصول (¬5). وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحقيقة. ولا عِطْرَ بعد عروس (¬6). ويقال: إن من غل شيئًا في الدنيا يمثل له يوم القيامة في النار ثم يقال له: انزل إليه فخذه، فيهبط إليه، فإن انتهى إليه حمله، فكلما انتهى إلى الباب سقط عنه إلى أسفل جهنم، فيرجع إليه فيأخذه، ولا يزال هكذا إلى ما شاء الله، ويقال: {يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (¬7) أي: ليشهد عليه بتلك الخيانة. * * * ¬

_ (¬1) عند ابن حبان في "صحيحه" (4809)، والطبراني في "مسند الشاميين" 1280). (¬2) الأنعام: 31. (¬3) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" 4/ 257. (¬4) "الجامع لأحكام القرآن" 4/ 257 - 258. (¬5) انظر: "المستصفى" 1/ 23، "البحر المحيط" للزركشي 1/ 547. (¬6) من أمثال العرب. انظر: "مجمع الأمثال" 2/ 211. (¬7) آل عمران: 161.

145 - باب في عقوبة الغال

145 - باب في عُقُوبَةِ الغالِّ 2713 - حَدَّثَنا النُّفيليُّ وَسَعِيدُ بْن مَنْصُورٍ، قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ العَريزِ بْن مُحَمَّدٍ - قالَ النُّفيليُّ: الأندَراوَرْديُّ- عَنْ صالِحِ بْنِ محَمَّدِ بْنِ زائِدَةَ -قالَ أَبُو داوُدَ: وَصالِحٌ هذا أَبو واقِدٍ - قالَ: دَخَلْث مَعَ مَسْلَمَةَ أَرْضَ الرُّومِ فَأُتَى بِرَجُلٍ قَدْ غَلَّ فَسَأَلَ سالِمًا عَنْهُ فَقالَ: سَمِعْتُ أَبي يُحَدِّثُ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إِذا وَجَدْتُمُ الرَّجلَ قَدْ غَلَّ فَأَحْرِقُوا مَتاعَهُ واضْرُبوهُ". قالَ: فَوَجَدْنا في مَتاعِهِ مُصْحَفًا فَسَأَلَ سالِمًا عَنْهُ فَقالَ: بِعْهُ وَتَصَدَّقْ بِثَمَنِهِ (¬1). 2714 - حَدَّثَنا أَبُو صالِحٍ مَحبُوبُ بْن مُوسَى الأنطاكيُّ، قالَ: أَخْبَرَنا أَبو إِسْحاقَ، عَنْ صالِحِ بْنِ محَمَّدٍ قالَ: غَزَوْنا مَعَ الوَلِيدِ بْنِ هِشامٍ وَمَعَنا سالمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ وَعُمَرُ بْن عَبْدِ العَزِيزِ فَغَلَّ رَجُلٌ مَتاعًا فَأَمَرَ الوَلِيدُ بِمَتاعِهِ فَأحْرِقَ، وَطِيفَ بِهِ، وَلَمْ يُعْطِهِ سَهْمَهُ. قالَ أَبو داوُدَ: وهذا أَصَحّ الحَدِيثيْنِ رَواة غيْرُ واحِدٍ أَنَّ الوَلِيدَ بْنَ هِشامٍ حَرَّقَ رَحْلَ زِيادِ بْنِ سَعْدٍ -وَكانَ قَدْ غَلَّ- وَضَرَبَهُ (¬2). 2715 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْن عَوْفٍ قالَ: حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ أيُّوبَ، قالَ: حَدَّثَنا الوَلِيدُ بْن مُسْلِمٍ، قالَ: حَدَّثَنا زُهيْرٌ بْن محَمَّدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وأَبا بَكْرٍ وَعُمَرَ حَرَّقُوا مَتاعَ الغالِّ وَضَرَبُوهُ. قالَ أَبو داوُدَ: وَزادَ فِيهِ عَليُّ بْنُ بَحْرٍ، عَنِ الوَلِيدِ -وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ- وَمَنَعُوهُ سَهْمَهُ. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1461)، وأحمد 1/ 22. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (468). (¬2) رواه البيهقي 9/ 103. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (469).

قالَ أَبو داوُدَ: وَحَدَّثَنا بِهِ الوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ وَعَبْدُ الوَهّابِ بْنُ نَجْدَةَ قالا: حَدَّثَنا الوَلِيدُ، عَنْ زهيْرِ بْنِ محَمَّدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شعيْبٍ قَوْلَهُ، وَلم يَذْكُرْ عَبْدُ الوَهّابِ بْنُ نَجْدَةَ الحَوْطيّ: مَنَعَ سَهْمَهُ (¬1). * * * باب في عقوبة الغال [2713] (حدثنا النُّفيلي) بضم النون وفتح الفاء، وهو عبد الله بن محمد بن نفيل (وسعيد بن منصور) الخراساني (قالا: حدثنا عبد العزيز ابن محمد - قال النفيلي) هو (الأَنْدَراوردي) (¬2) بفتح الهمزة، وسكون النون، وبعد الألف راء مفتوحة، ثم راء ساكنة (عن صالح (¬3) بن محمد بن زائدة) أبي (¬4) واقد الليثي (قال: دخلت مع مَسلمة) (¬5) بن عبد الملك بن مروان (أرض الروم، فأتي برجل قد غل) بفتح الغين (فسأل سالمًا عنه) أي: عن حكمه وما سمع فيه. (فقال: سمعت أبي) يعني: عبد الله بن عمر (يحدث عن) أبيه (عمر ابن الخطاب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا وجدتم الرجل قد غل) من الغنيمة (فأحرقوا) بفتح الهمزة (متاعه) ذهب بعض أهل العلم إلى ظاهر هذا الحديث: ¬

_ (¬1) رواه ابن الجارود (1082)، والحاكم 2/ 130 - 131، والبيهقيّ 9/ 102. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (470)، (471). (¬2) الذي في "السنن" وكتب التراجم ألفها بعد الراء، والذي شرحه هنا ألفها قبل الراء. (¬3) فوقها في (ل): 4. يعني روي له الأربعة. (¬4) في (ل): أبو. والجادة ما أثبتناه. (¬5) فوقها في (ل): د.

قال الأوزاعي: يحرق متاعه الذي غزا به وسرجه وإكافه، ولا تحرق دابته ولا نفقته ولا سلاحه ولا ثيابه الذي عليه. وقال الحسن: يحرق ماله، إلا أن يكون حيوانًا أو مصحفًا (¬1). وقال أحمد وإسحاق كذلك (¬2)، لكن لا يحرق ما غل؛ لأنه حق الغانمين يرد عليهم، فإن استهلكه غرم قيمته. وقال الشافعي: لا يحرق رحله ولا يعاقب الرجل في ماله، إنما يعاقب في بدنه، حد الله الحدود على الأبدان لا على الأموال (¬3). وإليه ذهب مالك (¬4). (واضربوه) أي: يعزر بالضرب على سوء صنيعه. (قال: فوجدنا في متاعه مصحفًا) فيه دليل على المسافرة بالقرآن إلى أرض العدو إذا كثر العسكر ولم يخف وقوعه في أيدي الكفار. (فسأل سالمًا) بن عبد الله (عنه، فقال: بعه وتصدق بثمنه) هذا يدل على أن سالمًا ذهب إلى ما ذهب إليه والده وجده عمر -رضي الله عنه - من إحراق متاع الغال (¬5). ولما أرادوا حرق متاعه وجدوا فيه مصحفًا، والمصحف لا يجوز حرقه، وكان المقصود من الإحراق زوال انتفاع الغال بمتاعه عقوبة له، ووجد مانع شرعي من الإحراق أقام بيعه والتصدق على الفقراء مقام الإحراق لمساواته للإحراق في زوال الانتفاع به وخروجه ¬

_ (¬1) "مصنف ابن أبي شيبة" (29282). (¬2) "مسائل أحمد وإسحاق ابن راهوية" رواية الكوسج (2771). (¬3) "الأم" 5/ 614. (¬4) "المدونة" 4/ 486. (¬5) "مصنف ابن أبي شيبة" (29283).

عن ملكه بغير عوض يعود نفعه إليه. وفيه دليل على جواز بيع المصحف وإن كرهه جماعة. [2714] (حدثنا أبو صالح محبوب) بالحاء المهملة (بن موسى الأنطاكي) بفتح الهمزة (قال: أخبرنا أبو إسحاق) الفَزَاريُّ (عن صالح ابن محمد) بن زائدة (قال: غزونا مع الوليد بن هشام) المعيطي (¬1) عامل قنسرين. (ومعنا سالم بن عبد الله بن عمر وعمر بن عبد العزيز) رضي الله عنهما (فغل رجل منا متاعًا، فأمر الوليد) بن هشام (بمتاعه فأحرق) بالنار، وأقره عمر بن عبد العزيز على ذلك؛ إذ هو ممن قال بهذا. وحكى ابن عبد البر عن (¬2) سعيد بن عبد العزيز ومكحول أنَّهما قالا بذلك (¬3). (وطيف به) لعل الطواف به كان بعد ضربه الذي ورد النص به (ولم يعطه سهمه) من الغنيمة زيادة عليه في العقوبة. (قال أبو داود: وهذا أصح الحديثين) المتقدمين (رواه غير واحد) من الرواة (أن الوليد بن هشام) المعيطي من تابعي أهل الشام عامل قنسرين (حرَّق) بتشديد الراء للمبالغة (رحل زياد) بن سعد بن ضميرة الضمري، ويقال: السلمي (بن سعد) بفتح السين وسكون العين (وكان قد غل) من الغنيمة (وضربه) تعزيرًا له. ¬

_ (¬1) أي: من ولد عقبة بن أبي معيط منسوباً إليه. (¬2) زاد بعدها في (ل): ولده. ولا وجه لها. (¬3) "التمهيد" 2/ 23.

قال أبو داود: شَغَر لقب زياد (¬1) وقيل: زياد بن ضميرة بن سعد. [2715] (حدثنا محمد بن عوف) بن سفيان الطائي. وثقه النسائي (¬2) (قال: حدثنا موسى بن أيوب) الأنطاكي. قال أبو حاتم (¬3): صدوق. (قال: حدثنا الوليد (¬4) بن مسلم) الدمشقي (قال: حدثنا زهير (¬5) بن محمد) الخراساني. (عن عمرو بن شعيب، عن أبيه) شعيب بن محمد (عن جده) [محمد ابن] (¬6) عبد الله بن عمرو بن العاص كما تقدم. (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر) رضي الله عنهما (حرقوا متاع الغال وضربوه) شددت الراء فيه للمبالغة في الضرب وكثرته. قال عبد الحق (¬7): وفي بعض ألفاظه: واضربوا عنقه. ذكره أبو عمر ابن عبد البر (¬8). وتحريق أبي بكر وعمر يبعد قول من يدعي أن هذا كان في مبدأ الأمر ¬

_ (¬1) ليست في مطبوع "سنن أبي داود"، لكن قال الحافظ ابن حجر في "نزهة الألباب في الألقاب" 1/ 401: شغر هو زياد ذكر أبو داود في "السنن" أنه غل من الغنيمة فحرق الوليد بن هشام رحله. قال أبو داود: شغر لقب زياد. (¬2) "مشيخة النسائي" (196). (¬3) "الجرح والتعديل" 8/ 135. (¬4) فوقها في (ل): ع. (¬5) فوقها في (ل): ع. (¬6) كذا في (ل)، وهو خطأ، فجده عبد الله بن عمرو، وليس محمد؛ لأن الضمير يعود على شعيب. (¬7) "الأحكام الوسطى" 3/ 80. (¬8) "التمهيد" 2/ 22.

ثم نسخ، إلا أن يقال: لم يبلغهما النسخ وهو خلاف الظاهر، وممن أثبته أنه كان في مبدأ الأمر الشافعي -رضي الله عنه -. وقال ابن خواز منداد (¬1): إن أبا بكر وعمر ضربا الغال وأحرقا متاعه. وعلى كل تقدير فعند الشافعي ومالك وأبي (¬2) حنيفة وأصحابهم والليث: لا يحرق متاعه، بل يؤخذ منه ما غله إن كان باقيًا، وبدله إن كان تالفًا، ويجعل في المغنم، وعوقب بالتعزير إن كان عالمًا بالنهي. (قال أبو داود: وزاد فيه علي بن بَحْر) بفتح الباء الموحدة وإسكان الحاء المهملة القطان، حافظ (عن الوليد) بن هشام (ولم أسمعه منه، ومنعوه سهمه) من الغنيمة. (وحدثنا به الوليد بن عتبة) الدمشقي (وعبد الوهاب بن نجدة) الحوطي (قالا: حدثنا الوليد، عن زهير بن محمد، عن عمرو بن شعيب قوله، ولم يذكر عبد الوهاب بن نَجْدة) بفتح النون وإسكان الجيم (الحوطي) نسبة إلى حوط من قرى حمص (منع سهمه). ¬

_ (¬1) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" 4/ 260. (¬2) في الأصل: أبو. والجادة ما أثبتناه.

146 - باب النهي عن الستر على من غل

146 - باب النَّهْي عَنِ السَّتْرِ علَى مَنْ غَلَّ 2716 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ داوُدَ بْنِ سُفْيانَ، قالَ: حَدَّثَنا يَحيَى بْن حَسّانَ، قالَ: حَدَّثَنا سُليْمانُ بْنُ مُوسَى أَبُو داوُدَ، قالَ: حَدَّثَنا جَعْفَرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُب، حَدَّثَني خُبيْبُ بْنُ سُليْمانَ، عَنْ أَبِيهِ سُليْمانَ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُب قالَ: أَمّا بَعْدُ وَكانَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقولُ: "مَنْ كَتَمَ غالّا فَإِنَّهُ مِثْلُهُ" (¬1). * * * باب النهي عن الستر على من غَلَّ (¬2) [2716] (حدثنا محمد بن داود بن سفيان، حدثنا يحيى بن حسان) التنيسي (حدثنا سليمان بن موسى أبو داود) الكوفي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3). (حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب، حدثني خبيب) بضم المعجمة مصغر (ابن سليمان) بن سمرة (عن أبيه سليمان بن سمرة) بن جندب (عن سمرة بن جندب: أما بعد) لعله حمد الله ثم قال: أما بعد (فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من كتم غالاًّ) أي: ستر على من غل من الغنيمة (فإنه مثله). ¬

_ (¬1) رواه الطبراني 7/ 251 (7023)، (7024). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (472). (¬2) سيعيد المصنف شرح هذا الباب بأطول من هنا بعد عشر صفحات. (¬3) "الثقات" لابن حبان 6/ 379.

147 - باب في السلب يعطى القاتل

147 - باب في السَّلَبِ يعْطَى القاتلُ 2717 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ يَحيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ، عَنْ أَبي محَمَّدٍ مَوْلَى أَبي قَتادَةَ، عَنْ أَبي قَتادَةَ قالَ: خَرَجْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في عامِ حُنيْنٍ فَلَمّا التَقيْنا كانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَة قالَ: فَرَأيْت رَجُلاً مِنَ المُشْرِكِينَ قَدْ عَلا رَجُلًا مِنَ المُسلِمِينَ قالَ: فاستَدَرتُ لَهُ حَتَّى أَتيتُهُ مِنْ وَرائِهِ فَضَرَبْتُهُ بِالسّيْفِ عَلَى حَبْلِ عاتِقِهِ فَأَقْبَلَ عَليَّ فَضَمَّني ضَمَّة وَجَدْتُ مِنْها رِيحَ المَوْتِ ثُمَّ أَدْرَكَهُ المَوْتُ فَأَرْسَلَني فَلَحِقْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ فَقُلْتُ: ما بالُ النّاسِ قالَ: أَمْرُ اللهِ. ثُمَّ إِنَّ النّاسَ رَجَعُوا وَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وقالَ: "مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَليْهِ بينةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ". قالَ: فَقُمْتُ ثمَّ قُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لي ثُمَّ جَلَسْتُ، تُمَّ قالَ ذَلِكَ الثّانِيَةَ: "مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَليْهِ بيِّنةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ". قالَ: فَقُمْتُ ثُمَّ قُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لي ثُمَّ جَلَسْتُ ثُمَّ قالَ ذَلِكَ الثّالثَةَ فَقُمْتُ فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ما لَكَ يا أَبا قَتادَةَ". قالَ: فاقْتَصَصْتُ عَليْهِ القِصَّةَ فَقالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: صدَقَ يا رَسُولَ اللْهِ وَسَلَبُ ذَلِكَ القَتِيلِ عِنْدي فَأَرْضِهِ مِنْه فَقالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدّيقُ: لاها اللهِ إِذًا يَعْمِدُ إِلى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللهِ يُقاتِلُ عَنِ اللهِ وَعَنْ رَسُولِهِ فيعْطِيكَ سَلَبَهُ فَقالَ رَسُولُ اللْهِ - صلى الله عليه وسلم -: "صَدَقَ فَأَعْطِهِ إِيّاهُ". فَقالَ أَبُو قَتادَةَ: فَأَعطْانِيهِ فَبِعْتُ الدِّرْعَ فابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا في بَني سَلِمَةَ فَإنَّهُ لأوَّلُ مالٍ تَأثَّلْتُهُ في الإِسْلامِ (¬1). 2718 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ قالَ: حَدَّثَنا حَمّادٌ عَنْ إِسْحاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: قالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يومَئِذٍ يَعْني يومَ حُنيْنٍ: "مَنْ قتَلَ كافِرًا فَلَهُ سَلَبُهُ". فَقَتَلَ أَبُو طَلْحَةَ يومَئِذٍ عِشْرِين رَجُلًا وَأَخَذَ أَسلابَهُم وَلَقيَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُليْمٍ وَمَعَها خِنْجَرٌ فَقالَ يا أُمَّ سُليْمٍ ما هذا مَعَكِ قالَتْ: أَرَدْتُ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3142)، ومسلم (1751).

والله إِنْ دَنا مِنّي بَعْضُهمْ أَبْعَجُ بِهِ بَطْنَهُ. فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ أَبُو طَلْحَةَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قالَ أَبُو داوُدَ: هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ. قالَ أَبُو داوُدَ: أَرَدْنا بهذا الِخنْجَرَ وَكانَ سِلاحَ العَجَمِ يومَئِذٍ الخِنْجَرُ (¬1). * * * باب في السلب يعطى القاتل [2717] (حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، عن مالك، عن يحيى بن سعيد) الأنصاري. (عن عمر بن كثير بن أفلح، عن أبي محمد) نافع بن عياش (مولى أبي قتادة) الحارث بن ربعي الأنصاري. (عن أبي قتادة قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عام حنين، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة) أي: اختلاطًا وانكشافًا وزوالًا عن مقامهم (قال: فرأيت رجلًا من المشركين قد علا رجلًا من المسلمين) قيل: أشرف عليه، وقيل: صرعه وجلس عليه ليقتله. (قال: فاستدرت) وفي رواية في البخاري (¬2): فاستدبرت. بزيادة الباء (له حتى أتيته من ورائه فضربته بالسيف على حبل عاتقه) وهو ما بين العنق والكتف (فأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت) قال النووي (¬3): يحتمل أنه أراد شدة كشدة الموت، ويحتمل: قاربت الموت. (ثم أدركه الموت فأرسلني) أي: أطلقني (فلحقت عمر بن الخطاب ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1809). (¬2) "صحيح البخاري" (3142). (¬3) "شرح مسلم" 12/ 58.

فقلت له: ما بال الناس؟ قال: أمر الله) رواية مسلم (¬1): فقال: ما للناس؟ فقلت: أمر الله. (ثم إن الناس رجعوا) من القتال (وجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: من قتل قتيلًا له عليه بينة) فيه أنه لا يعطى أحد بدعواه ولو كان عدلًا مأمونًا إلا ببينة، فناهيك بالصحابة وعدالتهم لاسيما أكابرهم، ومع ذلك لا تقبل دعواهم إلا ببينة. (فله سلبه) وهو ما وجد معه من لباس وآلة حرب. قال النووي: فيه تصريح بالدلالة لمذهب الشافعي ومن وافقه من المالكية وغيرهم: أن السلب لا يعطى إلا لمن له بينة بأنه قتله، ولا يقبل قوله بغير بينة. وقال مالك والأوزاعي: يعطى بقوله بلا بينة (¬2). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (من قتل قتيلًا فله سلبه) هذِه فتوى من النبي - صلى الله عليه وسلم - وإخبار عن حكم الشرع بأن سلب القتيل يستحقه القاتل في جميع الحروب سواء قال أمير الجيش قبل ذلك: من قتل قتيلًا فله سلبه. أم لم يقل، هذا مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما. وقال مالك وأبو حنيفة ومن تابعهما: لا يستحق القاتل بمجرد القتل، بل هو لجميع الغانمين كسائر الغنيمة، إلا أن يقول الأمير قبل القتال: من قتل قتيلًا فله سلبه. وحملوا الحديث على هذا، وجعلوا هذا إذنًا من النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3). ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1751). (¬2) "شرح مسلم" 12/ 59. (¬3) انظر "شرح مسلم" 12/ 58 - 59.

وضعف النووي هذا بأنه قد (¬1) صرح في هذا الحديث بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال هذا بعد الفراغ من القتال واجتماع الغنائم، واشترط الشافعي في استحقاقه أن يغرر بنفسه في قتل الكافر فيمتنع في حال القتال كما وقع لأبي قتادة، والصحيح عنده أنه لا يخمس كما هو ظاهر الحديث (¬2). (قال: فقمت) قائمًا ليكون أبلغ في إسماع كلامه (ثم قلت: من يشهد لي) بأني قتلته؟ (ثم جلست) إذ لم يشهد لي أحد (ثم قال) مثل (ذلك [الثانية (¬3)]: من قتل قتيلًا له عليه بينة فله سلبه. قال: فقمت ثم قلت: من يشهد لي؟ ثم جلست، [ثم قال مثل ذلك] (¬4) الثالثة فقمت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما لك يا أبا قتادة؟ ) فيه نداء الرجل بكنيته؛ لأن فيه نوع إكرام. (قال: فاقتصصت عليه القصة) أي: قصة قتل المشرك (فقال رجل من القوم: صدق) فيما قاله (يا رسول الله، وسلب ذلك القتيل عندي فأَرْضِهِ) بقطع الهمزة المفتوحة، يقال: أرضيته عني، ورضّيته بالتشديد بمعنى. (منه) أي: من حقه من الغنيمة. قال بعضهم: هذا إقرار ممن هو في يده استحق به أبو قتادة السلب، ولم يحتج إلى شاهد ولا إلى تحليفٍ مع الشاهد، وضعفه النووي بأن الإقرار إنما يقع (¬5) إذا كان منسوبًا إلى من هو في يده، والمال منسوب ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل). (¬2) شرح النووي على مسلم" 12/ 59. (¬3) من "السنن". (¬4) مكررة في (ل). (¬5) مكررة في (ل).

إلى جميع الجيش، ولا يقبل إقرار بعضهم على الباقين (¬1). وفيه دليل على أنه لا يشترط في الشهادة التلفظ بلفظة: أشهد. على الأصح عن أحمد (¬2). قيل: لا يعرف عن أحد من الصحابة والتابعين اشتراط لفظ الشهادة. قال ابن عباس: شهد عندي رجال مَرْضِيُّونَ (¬3). وتقدم أنهم] (¬4) لم يتلفظوا بلفظ الشهادة (فقال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه -: لاها الله إذن) يروى (ها) مقصورًا وممدودًا، وهو قسم، قال بعضهم: الهاء بدل من الهمزة التي تبدل من الواو في القسم كأنه يقول: لا والله لا يكون ذا قال القرطبي: الرواية المشهورة هاء بالمد والهمز (¬5). قال ابن مالك: في (لاها الله) شاهد على جواز الاستغناء عن واو القسم بحرف التنبيه، ولا يكون هذا [الاستغناء إلا مع الله (¬6)، (إذا) بالألف قبل الذال، وأنكر الخطابي وأهل العربية هذا] (¬7) وقالوا: صوابه (لاها الله ذا) بغير ألف في أوله، وهذا تغيير (¬8) من الرواة، ¬

_ (¬1) انظر: "شرح النووي على مسلم" 12/ 60. (¬2) قال ابن قدامة في "الكافي" 4/ 286: ويعتبر في أداء الشهادة الإتيان بلفظها فيقول: أشهد بكذا. (¬3) أخرجه البخاري (581). (¬4) نهاية السقط من (ر). (¬5) "المفهم" 4/ 322. (¬6) أي مع لفظ الجلالة فقط، فلا يقال: لاها الرحمن. مثلًا. (¬7) ساقطة من (د). (¬8) في الأصول: تغييرًا. والجادة ما أثبتناه.

و (ذا) هي التي للإشارة فصل بينها وبين ها التنبيه باسم الله تعالى (¬1). قال المازني: تقديره: لاها الله هذا يميني أو هذا قسمي. وقال أبو زيد: (ذا) زائدة (¬2). وفي هذا الحديث دليل على أن هذِه اللفظة تكون يمينًا، قال أصحابنا: إن نوى بها اليمين كانت يمينًا وإلا فلا؛ لأنها ليست متعارفة في الأيمان (¬3). (يعمد) ضبطوه بالياء والنون مع فتح الميم فيهما، وكذا قوله بعده: (فيعطيك) بالياء والنون، وكلاهما ظاهر. (إلى أسد من أُسْد) بسكون السين (الله يقاتل عن الله) أي: عن دين الله (وعن) شريعة (رسوله فيعطيك) بالنون والياء كما تقدم. (سلبه) فيه أن السلب للقاتل؛ لأنه أضافه إليه، فقال: يعطيك سلبه وإن كان في يد غيره، وفيه منقبة ظاهرة لأبي قتادة بأنه سماه أسدًا يقاتل عن الله وصدقه النبي - صلى الله عليه وسلم -. وفيه جواز كلام الوزير بين يدي الإمام، وفيه فضيلة ظاهرة لأبي بكر في إفتائه بحضرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي عصره (¬4) أولى بالجواز، وفي استدلاله بحضرته. (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: صدق) وفي تصديقه لما أفتاه بحضرته فضيلة أخرى. ¬

_ (¬1) "معالم السنن" للخطابي 2/ 301. (¬2) انظر: "تنوير الحوالك" 1/ 303. (¬3) "شرح النووي على مسلم" 12/ 60. (¬4) أي: عصر أبي بكر.

(فأعطه إياه) استدل به مالك والأوزاعي على أن السلب يعطى للقاتل بلا بينة؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - أمره بالعطاء بقول واحد ولم يحلفه. وأجاب الشافعية بأنه محمول على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم أنه القاتل بطريق من الطرق (¬1) الشرعية، وقد يقول المالكي: هذا مفهوم وليس بحجة عنده. قال القرطبي: سمعت شيخنا المنذري الشافعي يقول: إنما أعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - السلب بشهادة الأسود بن خزاعي وعبد الله بن أنيس؛ فيندفع التنازع ويزول الإشكال (¬2). (قال أبو قتادة: فأعطانيه) فيه شاهد للنحاة في أن الفعل المتعدي لاثنين إذا كان مفعولاه ضميرين أولهما أخص فالاتصال أولى وأحسن، كقوله تعالى: {أَنُلْزِمُكُمُوهَا} (¬3)، ويجوز أعطاني إياه، لكن الاتصال أكثر كما في الحديث، ولو كان الضمير الأول غير أخص وجب في الثاني (¬4) الانفصال كما في الحديث قيل هنا: "فأعطه إياه". لتساويهما في الغيبة. (فبعت الدرع) من الحديد وهو مؤنث (فابتعت) أي: اشتريت (به) أي: بثمنه (مَخرَفًا) بفتح الميم والراء. قال القاضي (¬5): ورويناه بفتح ¬

_ (¬1) في (ل): الطريق. (¬2) "الجامع لأحكام القرآن" 8/ 9. (¬3) هود: 28. (¬4) في (ر): النفي. (¬5) "إكمال المعلم شرح صحيح مسلم" 6/ 63.

الميم وكسر الراء بعدها فاء كالمسجد، والمراد بالمخرف هنا: البستان، وقيل: السكة (¬1) من النخل. قال أبو حنيفة الدينوري: إذا اشترى الرجلان (¬2) نخلتين أو ثلاثًا إلى العشرة يأكلهن قيل: قد اشترى مخرفًا جيدًا (¬3). وفيه جواز بيع أسلحة الجهاد إذا كان فاضلًا عن كفايته وشراء الأشجار به (في بني سلمة) من الأنصار وهو بكسر اللام (فإنه لأول مال تأثَّلْتُه) بالثاء المثلثة بعد الألف أي: اقتنيته وتأصلته من مالي وأثلت الشيء: أصلته (في الإسلام) فيه إشارة إلى أنه حصل له بعده مال كثير هو أوله. [2718] (حدثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (حدثنا حماد) بن سلمة (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه -[قال: ] (¬4) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذٍ يعني: يوم) غزوة (حنين) سنة تسع (من قتل كافرًا فله سلبه) لكن هل يستحقه بحق الشرع أو بالشرط؟ وجهان: الأول: قول الشافعي -رضي الله عنه - (¬5). والثاني: لا يستحقه إلا بشرط الإمام، كما تقدم. (فقتل أبو طلحة) زيد بن سهل الأنصاري (عشرين رجلًا وأخذ ¬

_ (¬1) في (ر): المسبلة. (¬2) في الأصول: الرجلين. والجادة ما أثبتناه. (¬3) انظر: "المخصص" لابن سيده 3/ 223. (¬4) من "السنن". (¬5) "الأم" 5/ 309.

أسلابهم) فيه دلالة على أن القاتل يستحق سلب جميع من قتله وإن كثروا. (ولقي أبو طلحة) زوجته (أم سليم) الرميصاء (ومعها خنجر) بفتح الخاء والجيم، ويقال: بكسر الخاء. وهي السكين الكبيرة ذات حدين. (فقال: يا أم سليم) فيه نداء الرجل زوجته بكنيتها (ما هذا معك؟ قالت: أردت والله) فيه جواز الحلف من غير ضرورة (إن دنا مني بعضهم أبعج) بفتح العين وهو مجزوم جواب إن الشرطية، أي: أشق (به بطنه، فأخبر بذلك أبو طلحة رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -) وفيه دليل على جواز الغزو بالنساء وهو مجمع عليه (¬1) ورواية مسلم: قالت: أخذته (¬2) إن دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه قال: فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضحك (¬3). أي: تعجبًا من علو همتها. (قال أبو داود: أردنا بهذا الخنجر، وكان سلاح العجم) لا سلاح العرب (يومئذٍ الخنجر) فيه أن الخنجر من جملة السلاح وأن العرب لم يكونوا ذلك اليوم (¬4) يقاتلون به، ثم إن العرب استعملته بعد ذلك. ¬

_ (¬1) ذكره النووي في "شرح مسلم" 12/ 188. (¬2) في "صحيح مسلم": اتخذته. (¬3) "صحيح مسلم" (1809). (¬4) ساقطة من (ر).

146 - باب النَّهْي عَنِ السَّتْرِ عَلَى مَنْ غلَّ 2716 - حَدَّثَنا محَمَّد بْنُ داوُدَ بْنِ سُفْيانَ، قالَ: حَدَّثَنا يَحيَى بْن حَسّانَ قالَ: حَدَّثَنا سُليْمان بْنُ مُوسَى أَبُو داوُدَ، قالَ: حَدَّثَنا جَعْفَرُ بْن سَعْدِ بْنِ سَمرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، حَدَّثَني خُبيْبُ بْنُ سُليْمانَ، عَنْ أَبِيهِ سُليْمانَ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قالَ: أَمّا بَعْدُ وَكانَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقول: "مَنْ كَتَمَ غالّا فَإنَّهُ مِثْلُهُ" (¬1). * * * باب النهي عن الستر على من غَلَّ هذا الباب تقدم بسنده في آخر باب: الغلول إذا كان يسيرًا. [2716] (حدثنا محمد بن داود بن سفيان، حدثنا يحيى بن حسان) التنيسي (حدثنا سليمان بن موسى أبو داود) الكوفي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2). (حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب، حدثني خبيب) بضم المعجمة مصغر (ابن سليمان) بن سمرة (عن أبيه سليمان بن سمرة) بن جندب (عن سمرة بن جندب: أما بعد) لعله حمد الله ثم قال: أما بعد (فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من كتم غالاًّ) أي: ستر على من غل من الغنيمة (فإنه مثله) أي: في الإثم في أحكام الآخرة، أما أحكام الدنيا فلا يحرق عند من يقول به ولا يجب عليه ردها كما يجب على ¬

_ (¬1) رواه الطبراني 7/ 251 (7023)، (7024). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (472). (¬2) "الثقات" لابن حبان 6/ 379.

الغال، ويجب على من رأى المتلبس بالغلول المصر عليه أن يبادر إلى الإنكار عليه ويمنعه من الغلول إذا قدر على ذلك، ولا يحل له أن يتأخر عن ذلك، فإن عجز عن إزالته رفع أمره إلى ولي الأمر إذا لم يترتب على ذلك مفسدة بأن يأخذ منه الحاكم مالًا ولا يزيل المنكر كما هو مشاهد في هذا الزمان، فنسأل الله تعالى العافية والسلامة من هذا في الدنيا والآخرة، فإن رآه وتستر عليه ولم يفعل شيئًا من هذا كان شريكًا في الإثم. ولا يدخل في هذا الأحاديث الواردة في ستر المسلم؛ فإن المراد بالستر المندوب إليه الستر على ذوي الهيئات ونحوهم ممن ليس معروفًا بالفساد وانتهاك المحرمات، وقد وقعت معصيته وانقضت، فهذا ستر معصية مندوب إليها كما قاله النووي وغيره (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: "شرح النووي على مسلم" 16/ 135.

148 - باب في الإمام يمنع القاتل السلب إن رأى والفرس والسلاح من السلب

148 - باب في الإمامِ يَمْنَعُ القاتِلَ السَّلب إِنْ رَأى والفَرَسُ والسِّلاحُ مِنَ السَّلَبِ 2719 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن محَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ قالَ: حَدَّثَنا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قالَ: حَدَّثَني صَفْوان بْن عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبيْرِ نُفيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مالِكٍ الأشجَعيِّ قالَ: خَرَجْت مَعَ زيْدِ بْنِ حارِثَةَ في غَزْوَةِ مُؤْتَةَ فَرافَقَني مَدَديٌّ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ ليْسَ مَعَهُ غيْرُ سيْفِهِ فَنَحَرَ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ جَزورًا فَسَأَلة المَدَديُّ طائِفَةً مِنْ جِلْدِهِ فَأَعطْاهُ إِيّاهُ فاتَّخَذَهُ كَهيْئَةِ الدَّرَقِ وَمَضيْنا فَلَقِينا جُمُوعَ الرُّومِ وَفِيهِمْ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ لَهُ أَشْقَرَ عَليْهِ سَرجٌ فذْهَبٌ وَسِلاحٌ مُذْهَبٌ فَجَعَلَ الرُّوميُّ يُغْري بِالُمسْلِمِينَ فَقَعَدَ لَهُ المَدَديُّ خَلْفَ صَخْرَةٍ فَمَرَّ بِهِ الرُّوميّ فَعَرقَبَ فَرَسَهُ فَخَرَّ وَعَلاهُ فَقَتَلَهُ وَحازَ فَرَسَهُ وَسِلاحَهُ فَلَمّا فَتَحَ اللهُ - عز وجل - لِلْمُسْلِمِينَ بَعَثَ إِليْهِ خالِدُ بْنُ الوَلِيدِ فَأَخَذَ مِنَ السَّلَبِ. قالَ عَوفٌ: فَأَتيْتهُ فَقُلْتُ: يا خالِدُ أَما عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقاتِلِ قالَ بَلَى وَلَكِنّي اسْتَكْثَرْتُهُ. قلْتُ: لَتَرُدَّنَّه عَليْهِ أَوْ لأعَرِّفَنَّكها عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَبَى أَنْ يَرُدَّ عَليْهِ قالَ عَوْفٌ فاجْتَمَعْنا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَصَصْتُ عَليْهِ قِصَّةَ المَدَديِّ وَما فَعَلَ خالِدٌ فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يا خالِدُ ما حَمَلَكَ عَلَى ما صَنَعْتَ" قالَ: يا رَسُولَ اللهِ اسْتَكْثَرتُهُ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يا خالِدُ رُدَّ عَليْهِ ما أَخَذْتَ مِنْهُ". قالَ عَوْفٌ: فَقُلْتُ لَهُ: دُونَكَ يا خالِدُ أَلمْ أَفِ لَكَ؟ فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَما ذَلِكَ" فَأَخْبَرْتُهُ قالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ: "يا خالِدُ لا تَرُدَّ عَليْهِ هَلْ أَنْتُمْ تارِكُونَ لي أُمَرائي لَكُمْ صِفْوَةُ أَمْرِهِمْ وَعَليْهِمْ كَدَرُهُ" (¬1). 2720 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلِ قالَ: حَدَّثَنا الوَلِيدُ قالَ سَألتُ ثَوْرًا عَنْ هذا الحَدِيثِ فَحَدَّثَني عَنْ خالِدِ بْنِ مَعْدانَ، عَنْ جُبيْرِ بْنِ نُفيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1753).

ابْنِ مالِكٍ الأشجَعيِّ نَحْوَهُ (¬1). * * * باب في الإمام يمنع القاتل السلب إن رأى ذلك، والفرس والسلاح من السلب [2719] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا الوليد بن مسلم) الدمشقي (حدثني صفوان بن عمرو) السكسكي. (عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه) جبير بن نفير الحضرمي، ثقة (¬2)، مات سنة خمس وتسعين. (عن عوف بن مالك الأشجعي قال: خرجت مع زيد بن حارثة) في سنة ثمان، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - استعمله على الجيش. (في غزوة مؤتة ورافقني مَدَدي) بفتح الميم والدال الأولى. أي: رجل من المدد الذي أمد به الجيش وقوي عند استشعارهم الضعف عن ملاقاة العدو. قال الفراء، والجبائي (¬3): يقال: مددت فيما كانت زيادته من مثله يقال: مد النهر. وفي التنزيل: {وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} (¬4)، وأمددت فيما كانت زيادته من غيره كقولك: أمددت ¬

_ (¬1) انظر الحديث السابق. (¬2) انظر: "الكاشف" للذهبي 1/ 180. (¬3) انظر: "شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم" لنشوان بن سعيد الحميري اليمني 9/ 6196، "الصحاح في اللغة" للجوهري 2/ 99. (¬4) لقمان: 28.

الجيش. قال الله تعالى: {يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ} (¬1). (من أهل اليمن ليس معه) سلاح (غيرُ سيفه) فيه أن السيف سلاح، وسياق اللفظ يدل على أنه لم يكن معه درقة ولا ترس، وقد نقل الرافعي عن ابن كج أن الترس والدرع ليسا بسلاح. قال الأذرعي في "التوسط": وفيه نظر؛ فإن البندنيجي والماوردي عدا من السلاح الجوشن (¬2). وفي "البيان" (¬3): السلاح أقسام: سلاح يكره حمله في الصلاة، وهو الثقيل الذي يشغله عنها، مثل: الدرع، والعرف قاضٍ بأن (¬4) كل ما يدفع عن نفسه أو يتقي به من الآلات يسمى سلاحًا. (فنحر رجل من المسلمين جزورًا) قال الجوهري: الجزور من الإبل يقع على الذكر والأنثى، وهي تؤنث، والجمع جزر (¬5) أي: بضم الجيم والزاي. وفيه دليل على أن الأفضل في الإبل النحر، ويجوز الذبح. (فسأله المددي) الذي رافقني (طائفة من جلده) قال الجوهري (¬6): الطائفة من الشيء القطعة منه. وفيه دليل على جواز استيهاب الرفيق من رفيقه، وغير الرفيق ما يحتاج إليه إذا علم أنه لا يشق عليه (فأعطاه إياه) فيه مثال لوجوب انفصال الضمير الثاني إذا اتحدت رتبتهما كما ¬

_ (¬1) آل عمران: 126. (¬2) انظر: "المجموع شرح المهذب" 4/ 424. (¬3) "البيان في مذهب الإمام الشافعي" للعمراني 2/ 526. (¬4) ساقطة من (ر). (¬5) "الصحاح" للجوهري 2/ 612. (¬6) "الصحاح" 4/ 1397.

قال ابن مالك (¬1): وفي اتحاد الرتبة (¬2) الزم فصلًا (فاتخذه) يعني: الجلد، والمفعول الثاني محذوف [والكاف في (كهيئة الدرق) صفة للمفعول المحذوف] (¬3) والتقدير: فاتخذه هيئة كهيئة، وتكون هيئة مصدرًا في معنى المفعول، أي: مثالًا منهما، والمراد بالهيئة الشكل والصورة، وأصله مصدر، ويجوز كسر الهاء وياء مشددة بعدها، وبها قرأ الزهري في قوله تعالى: {كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ} (¬4). (فمضينا) مع زيد إلى الغزو (فلقينا جموع الروم) يجوز سكون الياء من (لقينا) ونصب العين من جموع، ويجوز نصب الياء مع ضم العين؛ لأن كلاهما يجوز أن يكون فاعلًا ومفعولًا؛ مَنْ لقيته فقد لقيك، وكانت هذِه الجموع جموع هرقل، والالتقاء في قرية من قرى البلقاء يقال لها: مشارف (¬5). (وفيهم رجل) راكب (على فرس له أشقر) تقدم في باب ما يستحب من أبواب الخيل فضيلة الأشقر، وأنه السابق من الخيل غالبًا (عليه سرج مُذهب) بضم الميم وفتح الهاء. أي: مموه بالذهب، كما قال الجوهري (¬6). وفي "مختصر (¬7) العين" أنه المطلي بالذهب، وهو ¬

_ (¬1) "ألفية ابن مالك" باب النكرة والمعرفة. (¬2) مكررة في (ل). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (د). (¬4) آل عمران: 49، وانظر: "الكشف والبيان" للثعلبي 3/ 71. (¬5) انظر: "معجم البلدان" 5/ 131. (¬6) "الصحاح" 1/ 146. (¬7) من (ل).

الظاهر (وسلاح مذهب) رواية الشافعي (¬1): سرج مذهب، ومنطقة ملطخة بذهب، وسيف محلى بذهب (فجعل الرومي يُغْري) بضم أوله وإسكان المعجمة، قال ابن الرفعة: معناه مولع بهم مستضعفًا لهم، أي: ومضعفًا بعضهم ببعض، يقال: أغرى به القتل. ولا يقال: أغرى بي. إلا في مثل هذا، وهو مبني لما (¬2) لم يسم فاعله (بالمسلمين، فقعد له المددي) قال النووي: يعني: رجلًا من المدد الذين (¬3) جاؤوا يمدون جيش مؤتة وجاؤوا يساعدونهم (¬4) (خلف صخرة) مرتفعة ([فمر به الرومي] (¬5) فَعَرْقَبَ فرسه) أي: قطع عرقوبها. قال الجوهري: عرقوب الدابة في رجلها بمنزلة الركبة في يدها. قال الأصمعي: كل ذي أربع عرقوباه في رجليه وركبتاه في يديه (¬6). (فخرَّ) أي: وقع كما في رواية الشافعي -رضي الله عنه - (¬7)، يعني: عن فرسه، ولفظه (وعلاه) بالسيف (فقتله، وحاز) أي: أخذ (فرسه) وسلاحه. وفيه دليل على أن الفرس من السلاح بلا خلاف، وكذا إذا كان الفرس ¬

_ (¬1) لم أقف عليها من رواية الشافعي، ورواها سعيد بن منصور في "سننه" (2697)، وأحمد 6/ 26، وهي في "معرفة السنن والآثار" للبيهقي 9/ 225 من طريق الوليد بن مسلم عن صفوان بن عروبة. (¬2) في (ر): بما، وفي (ل): فيما. (¬3) في النسخ: الذي. والمثبت من "شرح مسلم". (¬4) "شرح مسلم" 12/ 65 - 66. (¬5) من "السنن". (¬6) "الصحاح" للجوهري 1/ 199. (¬7) زيادة من (ر).

مركوبًا، وكذا لو كان ممسكا بعنان المركوب وهو يقاتل راجلًا (¬1)، وللإمام احتمال فيه، أما الفرس المنفصل عنه أو مع غيره فلا يدخل فيه (وسلاحه) فيه أن السلاح أيضًا من السلب كما بوب عليه المصنف [رحمه الله] (¬2)، ويدخل فيه الذي يحمله الفارس والذي يحمله الفرس (فلما فتح الله - عز وجل - للمسلمين) أي: يسر الله لهم النصرة على عدوهم (بعث إليه خالد بن الوليد) وكان واليًا عليهم كما في مسلم (فأخذ من السلب) رواية الشافعي: وحبس منه. فيه دليل لمن يقول [إن السلب] (¬3) إلى رأي الإمام إن رأى المصلحة في الأخذ منه لمصلحة الكثرة على الآخذ أو لغيرها فعل وإلا فلا، وهو الذي بوب عليه أبو داود، لكنه لا يوافق مذهب الشافعي -رضي الله عنه - (¬4) للشيخ أتقي الدين] (¬5) السبكي. (قال عوف) بن مالك: (فأتيته فقلت) له: (يا خالد) أعطه كله. كذا في رواية الشافعي -رضي الله عنه - (¬6) (أما علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بالسَّلَب) بفتح السين واللام، سمي بذلك؛ لأن المقتول سلبه القاتل ما معه فهو مسلوب. قاله الأزهري (¬7). ¬

_ (¬1) في (ر): رجلًا. (¬2) زيادة من (ر). (¬3) ساقط من (ر). (¬4) زيادة من (ر). (¬5) زيادة من (ل). (¬6) زيادة من (ر). (¬7) "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" (ص 189).

قال البيهقي بعد ذكره: فيه دليل على أن هذا كان مشهورًا قبل غزوة حنين فيما بين الصحابة، وأنه كان لا يخمس (¬1). قال الماوردي: اختلف أصحاب الشافعي فيه هل (¬2) هو ابتداء عطية من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو بيان لمجمل الآية وهي قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} (¬3) على قولين، أظهرهما: ليظهر أثرهما من بعد (¬4). كما سيأتي. وكذلك اختلف الفقهاء هل هذا السلب مستحق بالشرع أو بالشرط على قولين: أحدهما: أنه له بالشرع شرطه الإمام أم لم يشرطه، وهو قول الشافعي [رضي الله تعالى عنه] (¬5). والثاني: لا يستحق إلا بشرط الإمام، وهو قول أبي حنيفة [رحمه الله] (¬6). وقال مالك: لا يستحق إلا بشرط الإمام بعد القتال، فلو نص قبله لم يجز (¬7). ومأخذ النزاع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان هو الإمام والحاكم والمفتي، وهو ¬

_ (¬1) "معرفة السنن والآثار" 9/ 214. (¬2) ساقط من (ر). (¬3) الأنفال: 41. (¬4) "الحاوي" 8/ 398، وفيه الجملة الأخيرة هكذا: ولهذين القولين بيان نذكره من بعد، والله أعلم. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من (ر)، وانظر: "الأم" 5/ 309. (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من (ر)، وانظر: "السير الكبير" 2/ 594. (¬7) "المدونة" 1/ 517.

الرسول، فقد يقول الحكم بمنصب الرسالة فيكون شرعًا إلى يوم القيامة كقوله: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد" (¬1)، وقضى بالشاهد واليمين (¬2) وبالشفعة فيما لم يقسم (¬3)، وقد يقوله بمنصب الفتوى كقوله لهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان وقد شكت إليه شح زوجها وأنه لا يعطيها ما يكفيها فقال: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" (¬4). فهذِه فتيا لا حكم؛ إذ لم يدع بأبي سفيان ولم يسأله عن جواب الدعوى ولا سألها البينة. وقد يقوله بمنصب الإمامة فيكون بمصلحة للأمة في ذلك الوقت وذلك المكان وعلى تلك الحال فيلزم من بعده من الأمة مراعاة ذلك على سبيل المصلحة التي رآها النبي - صلى الله عليه وسلم - باعتبار الزمان والمكان والحال. ومن هنا يختلف الأئمة في كثير من المواضع التي وردت عنه (¬5). (للقاتل) ولو عبدًا أو امرأة وصبيًّا لا ذميًّا، ولا شك أن السلب يعطى لمن قتل مشركًا يقاتل مقبلًا من أي جهة قتله مبارزًا أو غير مبارز، وليس من شرطه أن يكون الكافر يبارزه، وشرط بعض أصحابنا في استحقاق السلب أن يغرر بنفسه، فلو رمى الكافر بسهم فقتله قال: لم يستحق سلبه لأنه ما خاطر بنفسه، ومقتضى الحديث استحقاقه (¬6). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2697)، ومسلم (1718) من حديث عائشة. (¬2) رواه مسلم (1712) من حديث ابن عباس. (¬3) رواه البخاري (2213)، ومسلم (1608). (¬4) رواه البخاري (5364). (¬5) انظر: "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن القيم 3/ 490. (¬6) انظر: "شرح النووي على مسلم" 12/ 63.

(قال: بلى) أي: علمت ذلك (ولكن استكثرته) عليه، فيه دليل لقول إسحاق ومن تابعه: إن الإمام إن استكثر السلب خمسه، وإن استقله لم يخمسه، وفعله عمر بن الخطاب (¬1)، ويدل عليه ما روى سعيد في "سننه" عن ابن سيرين أن البراء بن مالك بارز مُرزبان الزَّأْرة (¬2) بالبحرين فطعنه فدق صلبه، وأخذ سواريه وسلبه، فلما صلى عمر الظهر أتى أبا طلحة (¬3) في داره، فقال: إنا كنا لا نخمس السلب، وإن سلب البراء قد بلغ مالًا كثيرًا، وأنا خامسه، فكان أول سلب خمس في الإسلام، وبلغ سلب البراء ثلاثين ألفًا (¬4)، لكن الصحيح أن السلب كله للقاتل وإن كان كثيرًا، وأنه لا يخمس للحديث الآتي (¬5): أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يخمس السلب. (قلت) والله (لتردنه) أي: لتردن ما أخذته من السلب (إليه) فيه دليل على فضيلة الصحابة وقيامهم في الله ونصرة من ظهر لهم أنه مظلوم وإن لم يتظلم إليه ولا استنصر به، وأنهم لا يخافون في الله لومة لائم (أو لأعَرِّفَنَّكها) بضم الهمزة وفتح العين وتشديد الراء والنون التي بعد الفاء. قال الخطابي: يريد لأجازينك بها حتى تعرف صنيعك به (¬6). ويجوز فتح الهمزة وسكون العين وتخفيف الراء من قوله تعالى: {عَرَّفَ بَعْضَهُ ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" لابن قدامة 13/ 69. (¬2) الزأرة: الأجمة، والمرزبان: رئيس القوم من العجم. (¬3) في النسخ الخطية: البراء. خطأ، والمثبت من "سنن سعيد بن منصور". (¬4) "السنن" (2708 - 2709). (¬5) (2721). (¬6) "معالم السنن" للخطابي 2/ 304.

وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ} (¬1) على قراءة السلمي والحسن وقتادة وطلحة والكسائي في رواية هارون عنه بتخفيف الراء: أي جازى عليه، ولم يجز أن يكون في الآية ولا في الحديث بمعنى العلم، أما في الآية فلأن الله أظهر نبيه - صلى الله عليه وسلم - على ما كانت أفشته وعلم جميع ذلك، وأما في الحديث فلما تقدم في قوله: (أعلمت) وإذا لم يجز حملهما على العلم حمل على المجازاة، وهكذا كما تقول لمن أساء إليك أو أحسن: أنا أعرفن ذلك لك. أي: أجازيك على ما صنعت بي، فلا يخفى علي. ومنه الحديث: "تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة" (¬2). أي: أطعه في حالة الرخاء يجازك عليه في حال شدتك واحتياجك إلى الإحسان، وقال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} (¬3) أي: يجازيهم عليه (عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فيه تعظيم للحضرة النبوية، وما أحسن قوله في قصيدة بانت سعاد: لقد أقوم مقامًا لو يقوم به ... أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل لظل يرعد إلا أن يكون له ... من الرسول بإذن الله تنويل أي: لظل الفيل يرعد من هيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (فأبى) خالد (أن يرد عليه) ما أخذ من السلب لما ظهر له من ¬

_ (¬1) التحريم: 3، وانظر: "السبعة" لابن مجاهد ص 640. (¬2) أخرجه أحمد 1/ 307، وعبد بن حميد (636)، الحاكم 3/ 623، وغيرهم. (¬3) النساء: 63.

المصلحة على ما أدى إليه اجتهاده؛ إذ للإمام أن يجتهد ويعمل بما ظهر له بعد استشارة أهل العلم ومراجعتهم، فرأى الحديث محمولًا على غير حالة الكثرة، وهذا الحديث قد يستشكل من حيث أن القاتل قد استحق السلب فكيف منعه إياه؟ قال النووي (¬1): ويجاب عنه بوجهين: أحدهما: لعله أعطاه بعد ذلك للقاتل، وإنما أخره تعزيرًا له ولعوف ابن مالك لكونهما أطلقا ألسنتهما في خالد وانتهكا حرمة الوالي ومن ولَّاه. الوجه الثاني: لعله استطاب قلب صاحبه فتركه صاحبه اختيارًا منه وجعله للمسلمين. (قال عوف: فاجتمعنا) نحن وخالد (عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: في حضرته الشريفة المبجلة العظيمة المنزلة. (فقصصت عليه - صلى الله عليه وسلم - قصة المددي) الذي من حمير (وما فعل خالد) معه. فيه دليل على جواز إخبار الكبير بما حصل في غيبته من الأمور والمسائل التي أشكلت عليه، وكذلك إذا اجتمع الإنسان بالمفتي يسأله عما حصل له ليزيل عنه بجوابه ما أشكل عليه، وليس في ذكر ذلك غيبة، وأن هذا مستثنىً من الغيبة المحرمة إن كان المسئول عنه غائبًا، وإن كان حاضرًا كما هو الواقع هنا فيقصد بالسؤال إظهار الحق والبحث عنه، وليس هذا من قبيل الدعوى على خالد. (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا خالد) فيه استعمال (يا) التي ينادى به الغائب ¬

_ (¬1) "شرح مسلم" 12/ 64.

للقريب الحاضر. (ما حملك على ما صنعت) أي: على الذي صنعته مع المددي، فيه دليل على العمل بإخبار الواحد؛ إذ لم يقل هل صنعت أم لا؟ بل سأله عن السبب الذي حمله على أخذ السلب مع علمه بأنه للقاتل ليعلم حجته في ذلك، وكذلك الحاكم إذا ادعى عنده شخص على أحد بدعوى وظهر له صدقه لا يحكم على المدعى عليه حتى يسأله ليسمع جوابه فيقول: ما حملك على ما صنعت؟ أو لأي شيء فعلت هذا؟ ونحو ذلك. (قال: يا رسول الله، استكثرته) عليه، يجوز تقديم الاسم على الجواب، ويجوز تأخيره عنه كما في رواية مسلم (¬1): استكثرته يا رسول الله. (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا خالد، رد) [(¬2) فيه شاهد على لغة تميم فيما إذا اجتمع المثلان في كلمة واحدة وسكن الثاني في آخر الكلمة بناءً أو جزمًا؛ فإن لغتهم الإدغام، ولغة الحجاز الإظهار نحو: رد وارْدُد، وعلى لغة الحجاز: {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} (¬3)، {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} (¬4)، وقاعدة تميم؛ غض من صوتك، ومن يرتد منكم. واعلم أنك إذا أدغمت وحركت الثاني لالتقاء الساكنين فجوز سيبويه (¬5) ثلاثة أوجه: ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1753). (¬2) يبدأ من هنا سقط ورقة كاملة من مصورتنا من (ر) سنشير إليه في نهايته. (¬3) لقمان: 19. (¬4) البقرة: 217. (¬5) انظر: "الكتاب" 3/ 532، 533.

تحريك الآخر بأقرب الحركات إليه [الضم] (¬1) في رد، والكسر في فر، والفتح في عض ما لم يتصل به ضمير. والثانية: فتح آخره؛ لأنه أخف الحركات. الثالثة: الكسر على أصل التقاء الساكنين. (عليه ما أخذت منه) من السلب، أمره بالرد عليه ولم ير اعتذاره بالاستكثار عذرًا في التخميس. (قال عوف) بن مالك (فقلت له: دونك يا خالد) أي: خذ الفرس وما معها، فردها (¬2) لما منعه منه النبي - صلى الله عليه وسلم - كما بوب عليه المصنف (أَلَمْ أَفِ) بكسر الفاء المخففة من الوفاء (لك) أي: بما وعدتك به من المجازاة على صنيعك. ورواية مسلم: فمر خالد بعوف فجر بردائه وقال: هل أنجزت لك ما ذكرت لك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسمعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3) (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وما ذلك؟ ) ذكروا في أمثاله وجهين: أحدهما: أن تكون (ما) استفهامًا في موضع رفع بالابتداء و (ذا) بمعنى الذي خبر عن ما، وصلته محذوفة تقديره: ما الذي جرى لك؟ ونحوه. والثاني: أن تكون (ما) اسمًا واحدًا معناه الاستفهام، أي: أيّ شيء جرى (فأخبرته) الخبر (قال: فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) لله؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان لا يغضب لنفسه (فقال: يا خالد، لا ترد عليه) هذا النهي فيه ردع لعوف ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل. (¬2) غير واضحة في المخطوط. ولعل المثبت الصواب، والله أعلم. (¬3) "صحيح مسلم" (1753).

وزجر له ولأمثاله لئلا يتجرأ الناس على الأمراء بالوقيعة فيهم، وفيه تأديب لهم بالمنع من الرد إليه، وكان له أن يفعل ذلك. ثم يجوز أن يعطيه إياه بعد ذلك أو يستطيب خاطره بعد ذلك ليتركه اختيارًا منه للمسلمين؛ لأنه مستحق له. قال ابن الرفعة: وقد قضى بالسلب بعد ذلك للقاتل في غزوة حنين ولم يخمسه، وكان هذا حين كانت العقوبات بالأموال، ثم صار ذلك منسوخًا. وفيه أيضًا دليل على جواز القضاء في حال الغضب ونفوذه، وأن النهي عنه للتنزيه لا للتحريم، فلو قضى في حال الغضب نفذ. قال الغزالي والبغوي وغيرهما: الكراهة في الحكم في حال الغضب هي فيما كان الغضب لغير الله تعالى، فأما إذا [كان] (¬1) الغضب لله وهو ممن يملك نفسه فيما يتعلق بحظه ولم يمنعه ذلك من استيفاء الحق لم يكره لحديث اللذين تخاصما في شراج الحرة فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: "اسق ثم احبس الماء" (¬2)، فقضى في حال غضبه ولم يكن غضبه لنفسه، ووجهه أن الغضب لله يؤمن معه التعدي بخلاف الغضب لحظ النفس. قال الرافعي: احتج جماعة بهذا الحديث على أن القاضي لو قضى في حال غضبه نفذ وإن كان مكروهًا. (هل أنتم تاركوا لي أمرائي؟ ) بالمد والهمزة قبل الياء. قال النووي: هكذا هو في معظم النسخ (تاركوا) بغير نون، وفي بعضها: (تاركون) بالنون، وهذا هو الأصل في قاعدة النحو، لكن حذفت تخفيفًا كما ¬

_ (¬1) زيادة يقتضيها السياق. (¬2) سيأتي برقم (3637).

حذفت في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا .. " الحديث (¬1) (لكم صفوةُ أمرهم) خطاب منه (¬2) للرعية بأن لهم الصافي من الأمور، فتصلهم أعطياتهم التي يستحقونها بغير نكد ولا مشقة. وقال أهل اللغة (¬3): الصفو هنا بفتح الصاد لا غير، وهو الخالص؛ فإذا ألحقوا هاءً قالوا: صفوه. كانت الصاد مضمومة ومفتوحة ومكسورة ثلاث لغات (وعليهم كدره) أي: على الأمراء مقاساة الناس وجمع الأموال على وجوهها وصرفها في وجوهها وحفظ الرعية والشفقة عليهم والذب عنهم ابتلاءً لهم وامتحانًا، وعليهم إنصاف بعضهم من بعض، فمتى وقع بينهم شيء أو ظلم بعضهم بعضًا فعليهم إنصاف بعضهم من بعض، والله أعلم. [2720] (حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل قال: حدثنا الوليد) بن مسلم (قال: سألت ثورًا) يعني: ثور بن يزيد الحمصي (عن هذا الحديث، فحدثني عن خالد بن معدان) الكلاعي، كان يسبح في اليوم أربعين ألف تسبيحة (عن جبير بن نفير) الحضرمي ([عن أبيه] (¬4) عن عوف بن مالك الأشجعي نحوه). ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (54). (¬2) في (ل): من. (¬3) انظر: "الصحاح" 6/ 251. (¬4) مستدركة من "سنن أبي داود".

149 - باب في السلب لا يخمس

149 - باب في السَّلَبِ لا يُخمَّسُ 2721 - حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصورٍ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بْن عيّاشٍ، عَنْ صَفْوانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبيْرِ بْنِ نُفيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مالِكٍ الأشجَعيِّ وَخالِدِ بْنِ الوَلِيدِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وقَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقاتِلِ وَلَمْ يُخَمِّسِ السَّلَبَ (¬1). * * * باب في السلب لا يخمس [2721] (حدثنا سعيد بن منصور) الخراساني صاحب "السنن" (حدثنا إسماعيل بن عياش) العنسي أعلم أهل الشام في عصره (عن صفوان بن عمرو) السكسكي (عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن عوف بن مالك الأشجعي وخالد بن الوليد) -رضي الله عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بالسلب) أي: يخرج جميعه من أصل الغنيمة يختص به (للقاتل) علم بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من قتل قتيلًا فله سلبه". ولو خمس لم يكن له إلا أربعة أخماسه (ولم يخمس -عليه السلام- السلب) الذي أخذه أبو قتادة؛ بل أعطاه جميعه، ولكن في "الصحيح" أنه قال في سلمة بن الأكوع وقد قَتَل كافرًا: "له سلبه أجمع" (¬2)، وللحديث المتقدم، ثم قال: ذكره فيه محب الدين الطبري في "عمدته"، وذكر أن ما فيها مخرج من الصحيحين، ومذهب مالك أنه يخمس إذا كان كثيرًا، واستدلوا بما روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: لا نخمس ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 90، 6/ 26، وانظر الحديث رقم (2719). وصححه الألباني في "الإرواء" (1223). (¬2) "صحيح مسلم" (1754)، وقد سلف برقم (2654).

السلب، وإن سلب البراء قد بلغ شيئًا كثيرًا ولا أراني إلا خامسه فخمسه (¬1). وعن ابن عباس أنه قال: السلب من الغنيمة وفيه الخمس (¬2). وأجاب الشافعي والأصحاب عن ذلك بأنه مخالف لفعله -عليه السلام- وقوله فلا يرجع إليه، وأن الرواية عن عمر لم تثبت. وقد روي عن شَبَر (¬3) بن علقمة أنه قال: بارزت رجلًا يوم القادسية فقتلته، فبلغ سلبه اثني عشر ألفًا فنفلنيه سعد بن أبي وقاص. قال الشافعي: واثنا عشر ألفًا كثير، وهذا في زمن عمر، وهو مخالف لما رووه عنه (¬4). وعلى كلا الوجهين هل يستحق مستحق السلب سهمًا من الغنيمة مع السلب؟ فيه وجهان ذكرهما الماوردي، والمشهور: نعم، وعلى الوجه الآخر: إن كان السلب قدر السهم] (¬5) فظاهر وإن كان أكثر من السهم فلا شيء له، وإن كان أقل منه تمم له. ذكره في كتاب السير (¬6). ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق (9468)، وسعيد بن منصور (2708)، وابن أبي شيبة (33760). (¬2) رواه مالك في "الموطأ" 2/ 455، وابن أبي شيبة (33768)، وابن زنجويه في "الأموال" (1129)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (5205). (¬3) في (ر): بشير، والمثبت من "التاريخ الكبير" للبخاري 4/ 267، "الثقات" 4/ 371. (¬4) "الأم" 5/ 311. (¬5) نهاية سقط ورقة كاملة من مصورتنا من (ر). (¬6) "الحاوي الكبير" 14/ 156.

150 - باب من أجاز على جريح مثخن ينفل من سلبه

150 - باب مَنْ أَجازَ عَلَى جريحٍ مُثخنٍ يُنَفَّلُ مِنْ سَلَبِه 2722 - حَدَّثَنا هارُون بْنُ عَبّادٍ الأَزديُّ، قالَ: حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنْ أَبي عُبيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قالَ: نَفَّلني رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ بَدْرٍ سيْفَ أَبي جَهْلٍ كانَ قَتَلَهُ (¬1). * * * [باب مَن أَجازَ عَلَى جَرِيحٍ مُثخَنٍ يُنَفَّلُ مِن سَلَبِهِ] (باب من أجاز على جريح) أي: تمم قتله (مثخن) بإسكان المثلثة وفتح الخاء المعجمة، يقال: أثخنته الجراحة، أي: أوهنته. (ينفل من سلبه) أي: أعطاه منه، والنفل بفتح الفاء وإسكانها هو الزيادة على السهم، والنفل في كلام العرب الزيادة (¬2) على الواجب، قال الشاعر وهو لبيد: إن تقوى ربنا خير نفل [2722] (حدثنا هارون بن عباد الأزدي، حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي أحد الأعلام (عن أبيه) الجراح بن مليح بن عدي الرؤاسي. (عن أبي إسحاق) (¬3) عمرو بن عبد الله السبيعي. (عن أبي عبيدة) مصغر هو ابن عبد الله بن مسعود كما هو منسوب في ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 444، وأبو يعلى (5231). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (473). (¬2) ساقطة من (د). (¬3) بعدها في (ل): لعله إبراهيم بن ميمون.

"مسند الإمام أحمد" (¬1) واسمه عامر (عن) أبيه كما هو في "مسند أحمد" (¬2). (عبد الله بن مسعود قال: تَفَّلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ورواية أحمد في "مسنده" (¬3) عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه أنه وجد أبا جهل يوم بدر وقد ضربت رجله، وهو صريع، وهو يذب الناس عنه بسيف له، فأخذته، فقتلته به، فنفلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[سيفه] (¬4). فإن قلت: قد جاء في الصحيحين (¬5) أنهما ابنا عفراء ابن الجموح (¬6) يعني: معاذًا ومعوذًا، وهو مخالف لما هو هنا. ويمكن الجمع بينهما بأن الفتيان هما أثخناه فقضى النبي - صلى الله عليه وسلم - بسلبه لهما إلا سيفه، ونفل ابن مسعود سيفه الذي تمم قتله به فقط دون بقية السلب. (يوم) وقعة (بدر) الأولى (سيف أبي جهل) عمرو بن هشام، وكان يكنى بأبي الحكم فكناه النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا جهل فغلبت عليه هذِه الكنية. وأصل النفل زيادة يشرطها الإمام أو الأمير لمن يفعل ما فيه نكاية للكفار كالتقدم على طليعة أو الهجوم على قلعه، وإنما يفعل ذلك إذا ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 1/ 403. (¬2) السابق. (¬3) "مسند أحمد" 1/ 444. (¬4) زيادة من "المسند". (¬5) البخاري (3141)، ومسلم (1752). (¬6) خلط المصنف هنا بين ثلاثة تشاركوا في قتل أبي جهل: معاذ ابن عفراء، وأخيه معوذ. انظر: "الإصابة" 10/ 208، 213، 293.

مست الحاجة إليه لكثرة العدو وقلتنا والعياذ بالله، أو لدفع شر مَنْ جرِحَ ولم يمت ونحو ذلك، ولهذا نفل عليه الصلاة والسلام في بعض الغزوات دون بعض (كان قتله) أي: تمم قتله حين أثخنه ابنا عفراء، وبهذا يجمع بين هذا الحديث ورواية الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لابني عفراء حين نظر إلى سيفيهما: "كلاكما قتله"، وقضى بسلبه لمعاذ (¬1)؛ لأن الإثخان إنما وجد منه، وإنما قال - صلى الله عليه وسلم -: "كلاكما قتله" تطييبًا لقلب معوذ من حيث أن له مشاركة في قتله. ¬

_ (¬1) إنما قضى به النبي لمعاذ بن عمرو بن الجموح، وليس لمعاذ ابن عفراء.

151 - باب فيمن جاء بعد الغنيمة لا سهم له

151 - باب فيمنْ جاءَ بعْدَ الغَنِيمةِ لا سَهْمَ لَهُ 2723 - حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصورٍ، قالَ: حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بْنُ عيّاشٍ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الوَلِيدِ الزّبيْديِّ، عَنِ الزُّهْريِّ أَنَّ عَنْبَسَةَ بْنَ سَعِيدٍ أَخْبَرَهُ أنَّهُ سَمِعَ أَبا هُريْرَةَ يُحدِّثُ سَعِيدَ بْنَ العاصِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ أَبانَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ العاصِ عَلَى سَرِيَّةٍ مِنَ المَدِينَةِ قِبَلَ نَجْدٍ فَقَدِمَ أَبانُ بْن سَعِيدٍ وَأَصْحابُهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِخيْبَرَ بَعْدَ أَنْ فَتَحَها وِإنَّ حُزُمَ خيْلِهِمْ لِيفٌ فَقالَ أَبان: اقْسِم لَنا يا رَسُولَ اللهِ. قالَ أَبُو هُريْرَةَ: فَقُلْتُ: لا تَقْسِمْ لَهُم يا رَسُولَ اللهِ. فَقالَ أَبان: أَنْتَ بِها يا وَبْرُ تَحَدَّرُ عَلينا مِنْ رَأْسِ ضالٍ. فَقالَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "اجْلِسْ يا أَبانُ". وَلَمْ يَقْسِمْ لَهُمْ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). 2724 - حَدَّثَنا حامِدُ بْنُ يَحيَى البَلْخيُّ، قالَ: حَدَّثَنا سُفْيانُ قالَ: حَدَّثَنا الزُّهْريُّ وَسَأَلهُ إِسْماعِيلُ بْنُ أُميَّةَ فَحَدَّثَناهُ الزُّهْريُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَنْبَسَةَ بْنَ سَعِيدٍ القرَشيَّ يُحدِّثُ عَنْ أَبي هُريْرَةَ قالَ: قَدِمْتُ المَدِينَةَ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِخيْبَرَ حِينَ افْتَتَحَها فَسَألتُهُ أَنْ يُسهِمَ لي فَتَكَلَّمَ بَعْضُ وُلْدِ سَعِيدِ بْنِ العاصِ فَقالَ: لا تُسْهِمْ لَهُ يا رَسُولَ اللهِ. قالَ: فَقُلْتُ: هذا قاتِلُ ابن قَوْقَلٍ فَقالَ سَعِيدُ بْنُ العاصِ: يا عَجَبًا لِوَبْرٍ قَدْ تَدَلَّى عَلينا مِنْ قَدُومِ ضالٍ يُعيِّرني بِقَتْلِ امْرِئ مُسْلِمٍ أكرَمَهُ اللهُ عَلَى يَدى وَلَمْ يُهنّي عَلَى يَديْهِ. قالَ أَبُو داوُدَ: هؤلاء كانُوا نَحْوَ عَشَرَةٍ فَقُتِلَ مِنْهُمْ سِتَّة وَرَجَعَ مَنْ بَقيَ (¬2). 2725 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، قالَ: حَدَّثَنا أَبُو أُسامَةَ، حَدَّثَنا بُريْدٌ، عَنْ أَبي بُرْدَةَ، عَنْ أَبي مُوسَى قالَ: قَدِمْنا فَوافَقْنا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ افْتَتَحَ خيْبَرَ فَأَسْهَمَ لَنا أَوْ قالَ: فَأَعطْانا مِنْها وَما قَسَمَ لأحَدٍ غابَ، عَنْ فَتْحِ خيْبَرَ مِنْها شيْئًا إِلاَّ لِمَنْ شَهِدَ ¬

_ (¬1) علقه البخاري (4238) بصيغة التمريض، ورواه سعيد بن منصور (2793) ط الأعظمي، وابن الجارود (1088)، وابن حبان (4814). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2434). (¬2) رواه البخاري (2827).

مَعَهُ إِلا أَصْحابَ سَفِينَتِنا جَعْفَرٌ وَأَصْحابُهُ فَأَسْهَمَ لَهُمْ مَعَهُمْ (¬1). 2726 - حَدَّثَنا مَحْبُوبُ بْن مُوسَى أَبُو صالِحٍ، أَخْبَرَنا أَبُو إِسْحاقَ الفَزاريُّ، عَنْ كُليْبِ بْنِ وائِلٍ، عَنْ هانِئِ بْنِ قيْسٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبي مُليْكَةَ، عَنِ ابن عُمَرَ قالَ إِنَّ رَسُولَ اللْهِ - صلى الله عليه وسلم - قامَ يَعْني: يَوْمَ بَدْرٍ فَقالَ: "إِنَّ عُثْمانَ انْطَلَقَ في حاجَةِ اللهِ وَحاجَةِ رَسُولِ اللهِ وَإِنّي أُبايعُ لَهُ". فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِسَهْمٍ وَلَمْ يَضْرِبْ لأحًدٍ غابَ غيْرهُ (¬2). * * * باب من جاء بعد القسمة لا سهم له من الغنيمة [2723] (حدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة الخراساني الجوزجاني نزيل مكة (قال: حدثنا إسماعيل بن عياش) العنْسي بإسكان النون، عالم أهل الشام في عصره، مات ولم يخلف مثله (¬3). (عن محمد بن الوليد الزبيدي) بضم الزاي مصغر أبو الهذيل الحمصي القاضي، ثقة حجة متقن توفي سنة (149) (¬4). (عن) محمد بن شهاب (الزهري: أن عنبسة بن سعيد) بن العاص الأموي أخو الأشدق (¬5) (أخبره، أنه سمع أبا هريرة يحدث سعيد [بن ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3136)، ومسلم (2502). (¬2) رواه ابن حبان (6909)، والحاكم 3/ 98. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2437). (¬3) انظر: "ميزان الاعتدال" 1/ 240. (¬4) انظر: "تقريب التهذيب" (7418). (¬5) في (ر): الأسدي، والمثبت من (ل).

العاص]) (¬1) أبي العاص بن سعيد بن العاص القرشي. (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث أبان) بفتح الهمزة وتخفيف الباء الموحدة وبالنون في آخره (ابن سعيد بن العاص) القرشي (على سرية من المدينة) المشرفة (قِبَل نجد، فقدم أبان بن سعيد وأصحابه) من الغزو (على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وهو (بخيبر بعد أن فتحها) عنوة (وإن) بكسر الهمزة؛ لأن إن ومعموليها (¬2) حلت في محل الحال فوجب كسر همزتها؛ لأنها ومعموليها جملة لا تسد مسد المصدر فبقيت على المصدر وهو الأصل (حُزُمَ) بضم الحاء والزاي جمع حزام ككتاب، جمعه: كتب، ويجوز إسكان الضمة (¬3) الثانية منهما. (خيلهم) أي: في حال قدومهم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ليف) أي: من ليف النخل. فيه ما كانت الصحابة من خشونة العيش من مأكلهم وملبسهم وآلات دوابهم بخلاف ما عليه الملوك في زماننا ومن يجاهد من أمرائهم من التوسع والترفه لهم ولدوابهم من السروج المغرقة بالذهب والفضة ونحو ذلك. (فقال أبان: اقسم لنا) من الغنيمة (يا رسول الله) ظن أن من حضر بعد النصرة وأخذ الغنيمة (¬4) قبل القسمة أن يستحق منها أو أن من كان فيما فيه نفع عام للمسلمين يستحق وإن لم يحضر. (قال أبو هريرة -رضي الله عنه - (¬5): فقلت: لا تَقسم) بفتح التاء أوله (لهم يا رسول ¬

_ (¬1) من (ل). (¬2) في النسخ: ومعمولاها. (¬3) في النسخ الخطية: الهمزة. ولا وجه له. (¬4) في (ر): القسمة، والمثبت من (ل). (¬5) زيادة من (ر).

الله) لأن الغنيمة إنما يستحقها من حضر الوقعة بنية القتال فلا يستحق منها التاجر ولا المحترف، وأما إذا حضر بعد حيازة المال فلا شيء له قطعًا. (فقال أبان) بن سعيد -رضي الله عنه - حين سمع كلام أبي هريرة -رضي الله عنه - (¬1) في حقه ما قال: (أنت بها) أي: بهذا الشأن قيل: وكان ابن عمر إذا رمى فأصاب قال: أنا بها أنا بها (¬2). أي: أنا الفائز بالإصابة، رواية البخاري: أنت بهذا (¬3). أي: أنت (¬4) بهذا المكان والمنزلة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع كونك لست من أهله ولا من قومه ولا بلاده. (يا وَبْرُ) بإسكان الباء الموحدة، أراد تحقيره، وتشبيهه بدويبة صغيرة أصغر من السنور لا ذنب لها ترجن في البيوت طحلاء اللون. تَرْجُنُ بإسكان الراء وضم الجيم وبالنون. أي: تقيم بها (¬5) وأراد أبان احتقار أبي هريرة وأنه ليس فيه قدر من يشير بعطاء ولا منع، وأنه قليل القدرة على القتال (تحدر) أي نزل (علينا من رأس ضالٍ) بالضاد المعجمة واللام المخففة جبل أو موضع بعينه في أرض دوس وهي بلاد أبي هريرة ويقال بالنون بدل اللام وهي رواية البخاري (¬6)، وقيل: الضأن هي الغنم، أي: نزل علينا من رأس الغنم وبرة، لكن أصل الوبَر بفتح الباء للبعير. ¬

_ (¬1) زيادة من (ر). (¬2) رواه سعيد بن منصور في "سننه" (2460). (¬3) "صحيح البخاري" (4237). (¬4) ساقطة من (ر). (¬5) انظر: "الصحاح في اللغة" 2/ 405. (¬6) "صحيح البخاري" (4238).

(فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اجلس يا أبان) يدل على أنه حين سأله كان قائمًا، فيؤخذ منه أن الأدب في مخاطبة الأكابر وأهل العلم القيام. (ولم يقسم لهم) أي: لأبان وأصحابه (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فيه دليل لمذهب الشافعي ومن تابعه أن من لحقهم في دار الحرب بعد انقضاء القتال لم يشاركهم في الاستحقاق. قال الشافعي رحمه الله: ووجه عدم الاستحقاق أن الله تعالى جعل الغنيمة لمن غنمها، ومن لم يحضرها لم يغنم فلا يستحق (¬1). وهذا الحديث وإن دل على المدعي، لكن قد وقع فيه اختلاف، فلهذا لم يستدل به الشافعي -رضي الله عنه - (¬2) واستدل بالآية. [2724] (حدثنا حامد بن يحيى البلخي قال: حدثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدثنا) محمد بن شهاب (الزهري وسأله إسماعيل بن أمية) بن عمرو ابن سعيد الأموي وكان ثقة، له نحو ستين (¬3) حديثًا. (فحدثناه الزهري، أنه سمع عنبسة بن سعيد القرشي) الأموي -رضي الله عنه - (يحدث عن أبي هريرة قال: قدمت المدينة ورسول الله) الواو للحال، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقيم (بخيبر [حين افتتحها]) (¬4) جملة اسمية في موضع النصب على الحال. وقد اختلف الناس في شهود أبي هريرة -رضي الله عنه - فتح خيبر، منهم من قال: ¬

_ (¬1) "الأم" 5/ 323 - 325، 9/ 204. (¬2) زيادة من (ر). (¬3) في (ر): مائتين، والمثبت من (ل)، و"الكاشف" للذهبي 1/ 120. (¬4) من المطبوع.

حضرها، ومنهم من قال: لم يحضر إلا بعد الفتح، ذكر البخاري في كتاب المغازي (¬1) ما يدل لحضوره إياها قال فيه: عن ثور بن زيد أن سالم بن مطيع سمع أبا هريرة يقول: افتتحنا خيبر فلم نغنم ذهبًا ولا فضة .. الحديث، وفي طريق أخرى قول أبي هريرة: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى (¬2) خيبر، وكذا ذكره البخاري أيضًا في الأيمان والنذور (¬3). قال موسى بن هارون: وهم ثور بن يزيد؛ لأن أبا هريرة لم يخرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى خيبر، إنما قدم بعد خروجه (¬4). وروى عنبسة (¬5) بن سعيد عن أبي هريرة -رضي الله عنه - قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بخيبر بعدما افتتحها (¬6). قال السبكي: هذِه ثلاثة أقوال، أصحها: أن أبا هريرة -رضي الله عنه - قدمها بعد خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - وقبل الفتح، ولذلك أسهم له منها. والصحيح المقطوع به أنه شهدها، وإنما المنكر كونه خرج إليها من المدينة. وذكر ابن بطال (¬7) وغيره: أن أبا هريرة -رضي الله عنه - قدم المدينة هو ونفر ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (4234) باب غزوة خيبر. (¬2) في "صحيح البخاري": يوم. (¬3) رواه البخاري (6707) باب هل يدخل في الأيمان والنذور الأرض والغنم. (¬4) ذكره المزي في "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف" 9/ 459 وعزاه للدارقطني عن موسى بن هارون. (¬5) في النسخ: عنه. (¬6) رواه البخاري (2827). (¬7) ساقطة من (ل).

من قومه فوجدوا النبي - صلى الله عليه وسلم - قد خرج إلى خيبر، قال (¬1): فقدمنا عليه وقد فتح خيبر. (فسألته أن يسهم لي) أي: يعطيني سهمًا من الغنيمة (فتكلم بعض ولد سعيد بن العاص) قال الشيخ زكي الدين: أخرجه البخاري، فقال: وقال ابن سعيد بن العاص، وهو الصحيح (¬2). قال أبو بكر ابن الخطيب (¬3): وهو البعض المبهم في هذا الحديث وهو أبان بن سعيد (¬4). (فقال: لا تسهم له يا رسول الله) قال ابن الخطيب: هكذا وقع في الحديث رواية أبي داود عن حامد بن يحيى، [وأن أبان هو] (¬5) القائل: لا تسهم له، ووقع في هذا الحديث أن أبان هو القائل: لا تسهم له، وفي الحديث الذي قبله أن أبا هريرة - رضي الله تعالى عنه - هو القائل: لا تقسم لهم، وهذا هو الاختلاف الذي وقع في الحديث كما تقدم. احتج أبان على أبي هريرة -رضي الله عنه - بأنه ليس له في الحرب يد يستحق بها النفل. ¬

_ (¬1) "شرح صحيح البخاري" 5/ 300. (¬2) "مختصر سنن أبي داود" للمنذري 3/ 47. (¬3) في النسخ: ابن الخطيب. والمثبت الصواب. (¬4) "الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة" للخطيب البغدادي 1/ 17. (¬5) كذا بالنسخ، وفي "الأسماء المبهمة": وقال فيه: فقال سعيد بن العاص، وإنما هو ابن سعيد بن العاص.

وقال الخطيب: الصحيح أن أبان هو القائل: لا تسهم له، وأن أبا هريرة -رضي الله عنه - هو سائل الغنيمة (¬1). وقال الشيخ زكي الدين إن أبا هريرة هو القائل: لا تقسم له. قال الكرماني: والتوفيق بينهما أن يكون أبو هريرة سأل تارة فقال أبان: لا تعطه، وتارة كان بالعكس أي كان أبان هو السائل، وقال أبو هريرة: لا تقسم له. وعلى هذا فلا امتناع ولا اختلاف بين الحديثين (¬2). (قال) أبو هريرة -رضي الله عنه -: (فقلت: هذا قاتل) النعمان (بن قَوقَل) بفتح القافين، وبهذا يعرف، وإنما هو النعمان بن مالك بن ثعلبة، وثعلبة يسمى قوقل الأنصاري، شهد بدرًا، قتله أبان بن سعيد يوم أحد شهيدًا. وقال الواقدي: قاتل ابن قوقل هو صفوان بن أمية (¬3)، وفيه (فقال سعيد بن العاص) (¬4) والد أبان: (يا عجبا) يا للنداء، والمنادى محذوف تقديره: يا نفسي، وعجبا بلا تنوين اسم فعل بمعنى أعجبني، فأبدلت الكسرة فتحة والياء ألفًا كما فعل في يا أسفا، ويا حسرتا (لوَبْرٍ) لوبر بإسكان الباء دويبة تشبه السنور، والجمع وبار بكسر الواو، وروي بفتح الباء من وبر الإبل تحقيرًا له، فعلى الأول شبهه في قدومه بتدلي الوبر من موضعه، وعلى الثاني شبهه بما يعلق ¬

_ (¬1) في (ر): القسمة، والمثبت من (ل)، وانظر "الأسماء المبهمة" 1/ 18. (¬2) "شرح البخاري" للكرماني 16/ 110. (¬3) ساقطة من (ل). (¬4) "مغازي الواقدي" 1/ 258.

بوبر شاة، أي: هو ملصق في قريش وليس منهم (تدلى علينا) أي: تَحَدَّر كما في الرواية المتقدمة وهما بمعنى. (من قَدُومٍ) بفتح القاف وضم الدال المهملة وهو مخفف. وهو ثنية في الجبل، وضبطه الأصيلي بضم القاف وقال: هكذا ضبطه أبو زيد في كتابه. قال الأصيلي: ومعناه على هذا من القدوم. أي: جاء من هذا الموضع، ويرد هذا رواية من روى: رأس ضال. قال القاضي: وهو وهم، وقيل: يحتمل أن يكون جمع قادم كراكع وركوع (¬1). (ضال) باللام المخففة، ورواه البخاري في الجهاد (¬2): من قدوم ضأن. بالنون كأنها بدل من اللام كما قالوا: فرس رفل ورفن بكسر الراء وفتح الفاء وتشديد النون أي: طويل اليدين. قال الخطابي: أكثر الروايات باللام (¬3). وفي رواية المستملي: الضال السدر. قال ابن دقيق العيد في "شرح الإلمام": رواه الناس عن البخاري بالنون إلا رواية الهمداني، فرواه باللام، والضال السدر البري (¬4). وأما إضافة هذِه النسبة إلى الضال فلا أعلم لها معنى إلا أن الثنية كان بها سدر، وهذا كله تحقير من أبان لأبي هريرة ونسبة إلى قلة مقدرته على القتال لما قال: لا تقسم له، فهو كالسنور مع السباع. ¬

_ (¬1) سبق تعليق الخطيب على هذا، وأن الصواب: أبان بن سعيد، لا والده. (¬2) "مشارق الأنوار" 2/ 63، 198. (¬3) "صحيح البخاري" (2827)، (4239). (¬4) "أعلام الحديث" 2/ 1371.

قال ابن بطال: معناه: أنه شبه أبا هريرة بالوبر الذي لا خطب له ولا مقدار؛ لأنه لم يكن لأبي هريرة عشيرة ولا قوم يمتنع بهم، ولا يغني في قتال ولا لقاء عدو، وذكر الطبري: أن أبا هريرة وأبانًا قدما على النبي - صلى الله عليه وسلم - بخيبر (¬1). وإنما سكت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإنكار على ابن سعيد لأنه لم يرم أبا هريرة بحد ولا تَنَقَّصه في دين، إنما نقصه في قلة العشيرة والعدد. (يُعيِّرني) بتشديد الياء أي: يعيب علي، ويوبخني. قال الجوهري: العار السبة والعيب، يقال: عاره إذا عابه، والمعاير: المعايب (¬2). (بقتل امرئ مسلم أكرمه الله تعالى على يديّ) بتشديد الياء آخره على النسبة بأن قتلته بيدي، فمات شهيدًا في سبيل الله وحصل له الإكرام من الله تعالى (ولم يُهِنّي) أصله: يهنني، فأدغم. أي: لم يقدر الله موتي (على يديه) بقتله إياي كافرًا سبيل الإهانة والخزي في الدارين؛ لأن أبان لما قتل النعمان يوم أحد لم يكن أبان أسلم. وبوب البخاري على هذا الحديث وعلى حديث: "يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة". باب الكافر يقتل المسلم ثم يسلم فيسدد بعد (¬3) ويقتل (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر 6/ 41. (¬2) "الصحاح في اللغة" 2/ 328. (¬3) في (ر)، (ل): أو. (¬4) "صحيح البخاري" 4/ 23.

وهذِه الترجمة صحيحة؛ لأن القاتل الأول كان كافرًا وتوبته إسلامه. وفيه دليل على أن التوبة تمحو ما سلف قبلها من الذنوب سواء كان قتلًا أو غيره؛ لقوله: أكرمه الله على يدي ولم يهني على يديه؛ لأن ابن (¬1) قوقل وجبت له الجنة بقتل ابن سعيد ولم تجب لابن سعيد النار؛ لأنه تاب وأسلم، ويصحح ذلك سكوت النبي - صلى الله عليه وسلم - على قوله. (قال أبو داود: هؤلاء) يحتمل أن هؤلاء جماعة سرية أبان بن سعيد (كانوا نحو عشرة) أنفس. (قتل منهم ستة) أنفس (ورجع من بقي) من العشرة وهم أربعة. [2725] (حدثنا محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني. (قال-: حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي الحافظ. (قال: حدثنا بُريد) بضم الموحدة ابن عبد الله. (عن أبي بُردة) عامر بن قيس الأشعري. [(عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري] (¬2). (قال: قدمنا فوافقْنا) بإسكان القاف أي: صادفنا (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) رواه البخاري بزيادة (¬3) فإنه قال: عن أبي موسى قال: بلغنا مخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهم، أحدهما: أبو بردة، والآخر: أبو رهم -واسمه مجدي- إما قال: في بضع، وإما قال: في ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلًا من ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) ساقط من (ر). (¬3) "صحيح البخاري" (3136)، (4230).

قومي، فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، ووافقنا جعفر ابن أبي طالب وأصحابه عنده، فقال جعفر: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثنا هاهنا وأمرنا بالإقامة فأقيموا معنا، فأقمنا معه حتى قدمنا جميعًا فوافقنا النبي - صلى الله عليه وسلم -. (حين افتتح خيبر، فأسهم لنا) أي أعطانا من سهامها (أو قال: فأعطانا منها) شك من الراوي، وقد ذكر العلماء في معناه وجهين: أحدهما: ما ذكر موسى بن عقبة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما أعطاهم عن رضى ممن شهد الوقعة حين استطاب نفوسهم عن تلك السهام لحاجتهم إليها كما فعل بسبي هوازن. والثاني: أنه أعطاهم من الخمس الذي هو حقه يضعه باجتهاده حيث شاء يصرفه في نوائبه (¬1). وميل البخاري إلى الثاني بدليل أنه ترجم عليه: باب ومن الدليل على أن الخمس (¬2) لنوائب المسلمين ولم ينقل إلينا أنه أستأذن الغانمين ولا استطاب نفوسهم. (وما قَسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئًا، إلا لمن شهد معه) الوقعة، هذا يؤيد حديث أبي بكر، وعمر: الغنيمة لمن شهد الوقعة. رواه الشافعي بسند صحيح كما قال شيخنا ابن حجر (¬3)، لكنه رواه ¬

_ (¬1) انظر: "معالم السنن" 2/ 306، و"فتح الباري" لابن حجر 6/ 241. (¬2) في (ر): التخميس. (¬3) "التلخيص الحبير" 3/ 237، و"فتح الباري" 6/ 224.

موقوفًا فإنه رواه عن (¬1) يزيد بن عبد الله بن قسيط: أن أبا بكر بعث عكرمة ابن أبي جهل في خمسمائة من المسلمين مددًا لزياد بن لبيد، وذكر قصة، فكتب أبو بكر: إنما الغنيمة لمن شهد الوقعة (¬2). ولصحة هذا الحديث عند الشافعي -رضي الله عنه - استدل به وبالآية ولم يستدل بالحديث المتقدم للاختلاف الذي فيه، وهو الموافق للقياس. (إلا أصحاب سفينتنا [جعفر وأصحابه]) (¬3) فيه دخول الاستثناء على الاستثناء، فالاستثناء الأول منقطع، والثاني متصل، والتقدير: ما قسم لأحد من الغانمين لكن لمن حضر الوقعة كلهم إلا أصحاب السفينة فغابوا وقسم لهم. وقوله (إلا أصحاب) منصوب على الاستثناء المتصل. وليس المراد بأصحاب السفينة ملاكها، بل الذين ركبوا فيها، ورواية البخاري: إلا أصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابنا (¬4)، وهي مبينة لرواية أبي داود. قال ابن سيد الناس في "عيون الأثر" (¬5): المشهور الذي ذكره ابن إسحاق أن أصحاب السفينتين (¬6) كانوا ستة عشر رجلًا. ¬

_ (¬1) في (ر)، (ل): (من)، والمثبت الملائم للسياق. (¬2) "الأم" 7/ 344. (¬3) زيادة من (ر). (¬4) "صحيح البخاري" (3136). (¬5) "عيون الأثر" 2/ 183. (¬6) في (ر): السفينة.

(أسهم لهم معهم) رواية البخاري: قسم لهم معهم (¬1). [2726] (حدثنا محبوب بن موسى أبو صالح) الأنطاكي الفراء قال: (أخبرنا أبو إسحاق) إبراهيم بن محمد بن الحارث بن أسماء بن خارجة (الفَزَاري) بفتح الفاء وتخفيف الزاي. (عن كُليب بن وائل) التيمي (¬2) البكري (عن هانئ) بهمزة آخره (بن قيس) قال الذهبي: وثق (¬3). (عن حبيب) بفتح الحاء المهملة (بن أبي مليكة) النهدي (¬4) (عن) عبد الله (بن عمر قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام) فيه استحباب القيام إذا أراد الأمير أن يحدث قومه بما رأى فيه المصلحة؛ ليكون أبلغ في إسماعهم وتبليغهم، وأن يحمد الله ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل كلامه. (يعني يوم بدر، فقال: إن عثمان انطلق في حاجة الله وحاجة رسوله) وذلك أنه كان يمرض رقية زوجته ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأراد بذلك حاجة عثمان في حق الله وحق رسوله. قال الخطابي: وهذا كقوله تعالى: {قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} (¬5)، وإنما هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم (¬6). ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (3136). (¬2) في (ر)، (ل): السهمي والمثبت الصواب. انظر "تهذيب الكمال" 24/ 214. (¬3) "الكاشف" 3/ 218. (¬4) بعدها في (ر)، (ل): (عن عبد الله بن عبيد بن أبي). والصواب حذفها. (¬5) الشعراء: 27. (¬6) "معالم السنن" 2/ 306.

(وإني أبايع له، فضرب له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسهم) أي: أخرج له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهمًا، أصله من الضريب وهو الذي يضرب بالقداح، وهذا العطاء مختص بعثمان -رضي الله عنه -، قاله الخطابي (¬1). أما لو كان في مصلحة الجيش وخاطر بنفسه لأجلهم فالأشبه كما قال الداركي أنه يشاركهم. (ولم يضرب لأحد غاب) عن الوقعة (غيره) وفي رواية ابن ماجه: بايع لعثمان وضرب بشماله على يمينه لعثمان [رضي الله تعالى عنه (¬2). ¬

_ (¬1) "معالم السنن" 2/ 306. (¬2) لم أقف عليه عند ابن ماجه، وإنما رواه الترمذي (3706).

152 - باب في المرأة والعبد يحذيان من الغنيمة

152 - باب في المرْأَةِ والعبْد يُحْذيان مِنَ الغنِيمَةِ 2727 - حَدَّثَنا مَحْبُوبُ بْن مُوسَى أَبُو صالِحٍ، حَدَّثَنا أَبُو إِسْحاقَ الفَزاريُّ، عَنْ زائِدَةَ، عَنِ الأعمَشِ، عَنِ المُخْتارِ بْنِ صيْفي، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ قالَ: كَتَبَ نَجْدَةُ إِلى ابن عَبّاسٍ يَسْألُهُ، عَنْ كَذا وَكَذا وَذَكَرَ أَشْياءَ وَعَنِ المَمْلُوكِ ألَهُ في الفَيء شَيء وَعَنِ النِّساءِ هَلْ كنَّ يَخْرُجْنَ مَعَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وَهَلْ لَهُنَّ نَصِيبٌ فَقالَ ابن عَبّاسٍ لَوْلا أَنْ يَأْتي أُحْمُوقَةً ما كَتَبْتُ إِليْهِ أَمّا المَمْلُوكُ فَكانَ يُحذى وَأَمّا النِّساءُ فَقَدْ كُنَّ يُداوِينَ الجَرْحَى ويَسْقِينَ الماءَ (¬1). 2728 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحيَى بْنِ فارِسٍ، قالَ: حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ خالِدٍ -يَعْني: الوَهْبي- حَدَّثَنا ابن إِسْحاقَ، عَنْ أَبي جَعْفَرٍ والزُّهْريُّ، عَنْ يَزيدَ بْنِ هُرْمُزَ قالَ: كَتَبَ نَجْدَةُ الحَرُوريُّ إِلى ابن عَبّاسٍ يَسْألهُ عَنِ النِّساءِ هَلْ كُنَّ يَشْهَدْنَ الحَرْبَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهَلْ كانَ يُضْرَبُ لَهُنَّ بِسَهْمٍ؟ قالَ: فَأَنا كَتَبْتُ كِتابَ ابن عَبّاسٍ إِلى نَجْدَةَ: قَدْ كنَّ يحضُرنَ الحَربَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فأَمّا أَنْ يُضْرَبَ لَهُنَّ بِسَهْمٍ فَلا، وَقَدْ كانَ يُرضَخُ لَهُنَّ (¬2). 2729 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ وَغيْرُهُ، أَخْبَرَنا زيْدُ بْن الحُبابِ، قالَ: حَدَّثَنا رافِعُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ زِيادٍ، حَدَّثَني حَشْرَجُ بْنُ زِيادٍ، عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ أَبِيهِ أَنَّها خَرَجَتْ مَعَ رَسُولِ اللْهِ - صلى الله عليه وسلم - في غَزْوَة خيْبَرَ سادِسَ سِتِّ نِسْوَةٍ فَبَلَغَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَبَعَثَ إِليْنا فَجِئْنا فَرَأيْنا فِيهِ الغَضَبَ فَقالَ: "مَعَ مَنْ خَرَجْتُنَّ وَبِإِذْن مَنْ خَرَجْتُنَّ". فَقُلْنا يا رَسُولَ اللهِ خَرَجْنا نَغْزِلُ الشَّعَرَ وَنُعِينُ بِهِ في سَبِيلِ اللهِ وَمَعَنا دَواء الجَرحَى وَنُناوِلُ السِّهامَ وَنَسْقي السَّوِيق فَقالَ: "قُمْنَ" حَتَّى إِذا فَتَحَ الله عَليْهِ خيْبَرَ أَسْهَمَ لَنا كَما أَسْهَمَ لِلرِّجالِ. قالَ: فَقُلْتُ لَها: يا جَدَّةُ وَما كانَ ذَلِكَ قالَتْ: تَمْرًا (¬3). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1812). (¬2) انظر الحديث السابق. (¬3) رواه أحمد 5/ 271، والنسائي في "الكبرى" (8879).

2730 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا بِشْرٌ -يَعْني: ابن المفَضَّلِ- عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ زيْدٍ، قالَ: حَدَّثَني عُميْرٌ مَوْلَى آبي اللَّحْمِ قالَ: شَهِدْتُ خيْبَرَ مَعَ سادَتي فَكَلَّمُوا في رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَمَرَ بِي فَقُلِّدْت سيْفًا فَإِذا أَنا أَجُرُّهُ فَأُخْبِرَ أنِّي مَمْلُوكٌ فَأَمَرَ لي بِشَيء مِنْ خُرْثيِّ المَتاعِ. قالَ أَبُو داوُدَ: مَعْناهُ أَنَّهُ لَمْ يُسْهِمْ لَهُ. قالَ أَبُو داوُدَ: وقالَ أَبُو عُبيْدٍ كانَ حَرَّمَ اللَّحْمَ عَلَى نَفْسِهِ فَسُميَ آبي اللَّحْمِ (¬1). 2731 - حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أَبي سُفْيانَ، عَنْ جابِرٍ قالَ: كُنْتُ أَمِيحُ أَصْحابي الماءَ يَوْمَ بَدْرٍ (¬2). * * * [(¬3) باب العبد والمرأة يحذيان من الغنيمة قوله: يحذيان هو بإسكان الحاء المهملة وفتح الذال المعجمة أي: يعطيان منها. [2727] (حدثنا محبوب بن موسى أبو صالح) الأنطاكي (حدثنا أبو إسحاق) إبراهيم (الفزاري) كان يلزم ثغور الشام للعبادة والجهاد (عن زائدة) بن قدامة الثقفي ثقة (عن الأعمش، عن المختار بن صيفي) رأس الموالي يوم الحرة (عن يزيد بن هُرمُز قال: كتب نجدة) الحروري- ¬

_ =وضعفه الألباني في "الإرواء" (1238). (¬1) رواه الترمذي (1557)، وابن ماجه (2855)، وأحمد 5/ 223. وصححه الألباني في "الإرواء" (1234). (¬2) رواه سعيد بن منصور (2466) ط الأعظمي، وأبو يعلى (2315). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2441). (¬3) يبدأ من هنا سقط ورقة كاملة من مصورتنا من (ر)، سنشير إلى نهايته.

بفتح النون وإسكان الجيم -ابن عامر الحروري الحنفي، والحروري نسبة إلى مذهب الحرورية، نسبوا بذلك لأنهم اجتمعوا بحروراء موضع على ميلين من الكوفة وهو يمد ويقصر. (إلى ابن عباس يسأله) حين حج في فتنة ابن الزبير. (عن كذا وكذا) اعلم أن لفظة كذا مركبة من كاف التشبيه واسم الإشارة، ثم غلب استعماله فصار يكنى بها عن عدد وغير عدد، فإذا كانت من غير عدد تكون معددة ومعطوفة تقول: مررت بكذا وكذا. قال الفقهاء: فإذا قال له: علي كذا فليس كناية عن عدد، بل هو كقوله: له علي شيء. (وذكر أشياء) يعني غيره، وفي مسلم: يسأله عن خمس خلال (¬1). رواية النسائي: يسأله عن سهم ذي القربى لمن هو؟ (¬2) فيه دليل على أن الحاكم أو غيره إذا اشتبه عليه شيء وليس في البلد من يعلمه أن يكتب بذلك إلى من يعلمه في بلد آخر وإن بعدت. (وعن المملوك) أي: العبيد إذا حضروا الوقعة (أله في الفيء) الحاصل من الكفار (شيء) صح له أم لا (وعن النساء: هل كلن يخرجن مع النبي - صلى الله عليه وسلم -) رواية مسلم، والترمذي: هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغزو بالنساء؟ (¬3) (وهل لهن نصيب) من المغنم. (فقال ابن عباس) ليزيد بن هرمز: اكتب إليه: (لولا أن يأتي) إليّ ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1812). (¬2) "سنن النسائي" (4133). (¬3) "سنن الترمذي" (1556).

(أُحموقة) بالنصب على الحال المفعول مع ضم الهمزة والميم أفعولة من الحمق وهو قلة العقل، وقيل: هو وضع الشيء في غير موضعه مع العلم بقبحه، ورواية مسلم: لولا أن يقع في أحموقة. قال النووي: يعني يفعل فعلًا من أفعال الحمقى ويرى رأيهم (¬1). (ما كتبت إليه) جوابه، ثم قال ليزيد: اكتب إليه: إنك كتبت إلى تسألني (أما المملوك فكان يُحْذى) بضم الياء وإسكان الحاء المهملة وفتح الذال المعجمة. أي: يعطى. والحُذيا على وزن حبلى ما يعطاه الرجل من غنيمة أو جائزة، يقال: حذوته حذوًا وأحذيته إحذاءً، هكذا رواية سيبويه، وحكى غيره الحُذيّا بالتشديد على وزن الثريا. قال المهلبي: وهما لغتان معروفتان، استدل به على أن العبيد يرضخ لهم كما سيأتي. (وأما النساء فقد كنَّ يداوين الجرحى) فيه حضور النساء الغزو ومداواتهن الجرحى عند الحاجة (ويسقين الماء) وفيه دليل على ما قاله أصحابنا وغيره أنه يجوز نظر المرأة إلى بدن الرجل الأجنبي، لكن نظر الوجه والكفين لحاجة وبقية الأعضاء لتأكُّد الحاجة كمن يبيح التيمم (¬2)، كما يجوز عكسه وهو نظر الرجل إلى بدن المرأة، ويشترط لمعالجتها الرجلَ عدم مسلم يعالج. والحديث محمول على هذا. [2728] (حدثنا محمد بن يحيى) بن عبد الله بن خالد (بن فارس) الذهلي النيسابوري أمير المؤمنين في الحديث (قال: حدثنا أحمد بن ¬

_ (¬1) "شرح النووي على مسلم" 12/ 193. (¬2) انظر: "أسنى المطالب" 3/ 115.

خالد يعني الوهبي) بالباء الموحدة بعد الهاء، الحمصي أبو سعيد (حدثنا ابن إسحاق) محمد بن إسحاق القرشي (عن أبي جعفر) محمد بن علي بن الحسين المعروف بالباقر؛ لأنه بقر في العلم، أي: توسع (والزهري، عن يزيد بن هرمز) رأس الموالي يوم الحرة (قال: كتب نجدة) بن عامر (الحروري) قال ابن الأثير: هو بضم (¬1) الحاء المهملة وضم الراء الأولى (¬2). (إلى ابن عباس يسأله عن النساء، هل كن يشهدن الحرب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهل كان يضرب لهن بسهم) من المغنم؟ (قال: فأنا) يزيد (كتبت كتاب ابن عباس -رضي الله عنهما - إلى نجدة) الحروري (قد كن يحضرن الحرب) خلف الرج (ل) مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فيداوين الجرحى ويسقين الماء كما تقدم (فأما أن يضرب لهن بسهم) من المغنم (فلا، وقد كان يرضخ لهن) فيه أن النساء لا يسهم لهن على قدر سهم الرجال، بل يرضخ لهن من الغنيمة. قال السبكي: ويروى أنه أسهم للنساء كما أسهم للرجال، لكنه منقطع (¬3)، وفي مرسلات الزهري: الإسهام لهن إذا غزوا. قال: ولو صح لحمل على الرضخ لهن، وللعبيد إذا كان فيهم نفع. وهل ذلك يستحق أو يستحب؟ وجهان، أصحهما أنه مستحق؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يتركه، ولنا فيه أسوة، ويجتهد الإمام في قدره ويفضل بعضهم على بعض على حسب ما يرى من قتالهم ونفعهم، فالمرأة التي ¬

_ (¬1) هكذا في الأصل، والصواب بفتح الحاء كما ذكر ابن الأثير في "جامعه". (¬2) "جامع الأصول في أحاديث الرسول" 12/ 337. (¬3) رواه البيهقي عن مكحول، وخالد بن معدان في "الكبرى" 9/ 53 ثم قال: وهو منقطع لا تقوم به حجة.

تداوي الجرحى وتسقي الماء يزيدها على التي تحفظ الغنيمة، بخلاف القسمة حين يسوي فيها بين المقاتل وغيره؛ لأن القسمة منصوص عليها والرضخ مجتهد فيه. وأصل الرضخ في اللغة العطاء القليل، وكذا هو في الشرع (¬1). [2729] (حدثنا إبراهيم بن سعيد) أبو إسحاق البغدادي الجوهري (وغيره، أخبرنا زيد بن الحباب) بضم الحاء المهملة وتكرير الباء أبو الحسين العكلي الخراساني (قال: حدثنا رافع بن سلمة) بفتح اللام (بن زياد) النخعي. (حدثني حشرج بن زياد، عن جدته أم أبيه) أم زياد الأشجعية صحابية شهدت خيبر (أنها خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة خيبر سادس ست) (¬2) أي: واحدة من ست (نسوةً) وهو منصوب على الحال، أي: خرجت حال كونها واحدة من ست، أي: بعضهن. وست مجرور على الإضافة ليس إلا ولا يجوز نصبه وهو من سادسة؛ لأن المراد بها أحد الستة، ولا يعمل الشيء في نفسه، وفيه حضور النساء الغزو كما تقدم إذا كن مسلمات. (فبلغ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فبعث إلينا فجئنا) فيه تفقد الأمير أمراء الجيش وإرساله إلى من رأى فيه ما ينكر عليه ليحضر ليشافهه بالأمر؛ فإنه أبلغ من أن يرسل إليه من يخبره بما وقع منه إلا إذا كانت امرأة محرمة. ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" 2/ 556، و"تهذيب اللغة" 2/ 427، و"شرح أبي داود" للعيني 2/ 109. (¬2) ورد بعدها في الأصل: نسخة: ستة.

(فرأينا) ظاهره يدل على أن الست نسوة جئن كلهن إليه (فيه الغضب) أي: في وجهه (فقال: مع) اسم لمكان الاجتماع معرب إلا في لغة ربيعة وغنم فتبنى على السكون (¬1) (من خرجتن) فيه أدن المرأة] (¬2) لا تخرج في سفر الجهاد ولا غيره إلا مع زوج أو محرم (وبإذن من خرجتن) فيه أن المرأة لا تخرج من بيتها إلا بإذن زوجها، أو وليها الشرعي. (فقلنا) يحتمل أن يكون إحداهن قالت وسكت باقيهن، فنسب الفعل إليهن مجازًا، وإطلاق لفظ الجمع على المفرد سائغ (يا رسول الله خرجنا) يحتمل أن يكون فيه حذف تقديره: خرجنا مع محارمنا، وبإذن أزواجنا لنخلفكم في رحالكم، و (نغزل الشعر) فيه دليل على جواز غزل النساء في بيوتهن الصوف، والوبر، والقطن، والكتان، وغير ذلك من الصنائع إذا فرغن من حقوق أزواجهن ليرتفقن به (ونعين به) المجاهدين في سبيل الله) ودوابهن حتى قيل: أن امرأة (¬3) غزلت من شعر رأسها عدة أشكال لخيول المجاهدين في سبيل الله. (ومعنا دواء للجرحى) نسخة: الجرحى. فيه استصحاب المجاهدين أدوية الجرحى من الآدميين والدواب واستحباب التداوي، وأنه لا ينافي التوكل. وفيه دليل على جواز مداواة النساء الرجال، ويباح النظر بعلاج وفصد وحجامة، بشرط حضور محرم أو زوج أو سيد أو امرأة ثقة، ويشترط في معاطاة الأجنبي ذلك عدم امرأة تتعاطاه، وكذا في العكس ¬

_ (¬1) انظر: "أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك" 3/ 126. (¬2) نهاية سقط ورقة كاملة من مصورتنا من (ر). (¬3) في (ل): المرأة.

على الأصح، ولا يجوز كافرة أجنبية مع وجود مسلمة على الأصح كما في "الكافي". (ونناول السهام) مناولة النساء الرجال السهام عند القتال داخل في عموم المنبل (¬1) أحد الثلاثة الذين يدخلون الجنة بالسهم الواحد، كما تقدم في الرمي (¬2)، ونصنع لهم الطعام. (ونسقي السويق) فيه استحباب استصحاب الزاد في السفر من سويق أو غيره، وأن السويق والدقيق من أفضل الزاد (فقال: قمن) لعل فيه حذف تقديره، أي: بالأمر الذي خرجن له (¬3)، من قولك: قام بأمر كذا (¬4) (حتى إذا فتح الله عليه) وعلى المسلمين (خيبر) بالنصرة لهم، وذلك في المحرم من السنة السابعة من الهجرة. (أسهم لنا) أي: للنساء (كما أسهم للرجال) استدل به الأوزاعي أن المرأة إن قاتلت أسهم لها. قال القرطبي: وقد مال إليه ابن حبيب من أصحابنا (¬5). زاد الماوردي في الحكاية عنه (¬6): وللعبيد، والصبيان، والمجانين، وأهل الذمة؛ لكنه قال: إنه استدل بقوله عليه السلام: "الغنيمة لمن شهد الوقعة" ¬

_ (¬1) في (ر): النبل، والمثبت من (ل). (¬2) سبق برقم (2513). (¬3) ساقط من (ر). (¬4) ورد بعدها من حاشية الأصل: وفي نسخة: قَمِن بفتح القاف وكسر القاف أي: حقيق، وجدير، فلينظر: (¬5) "المفهم" 3/ 687. (¬6) "الحاوي" 8/ 413.

وبالقياس على غيرهم. واحتج الجمهور بأن الحديث إسناده ضعيف؛ قيل: إن رافع بن سلمة مجهول لا تقوم به الحجة (¬1). وقال عبد الحق (¬2): إن حشرج لا أعلم روى عنه إلا رافع بن زياد، وصح غزو النساء معه يوم خيبر ولم يسهم لهن فيه، وحنين كانت بعد خيبر. ولو سلم من هذا الضعف لحمل على أصل العطاء فيكون قد عبرت بالسهم عن الرضخ؛ إذ لو كان المراد حقيقة السهم لأعطاهن من التمر، وبعضهم حمل فعله عليه السلام على استطابة قلوب الغانمين، كما أعطى أبا موسى وأصحابه بإذن أهل الحديبية، أو على أنه أعطاهم (¬3) من الخمس الذي هو حقه. (قال: فقلت لها: يا جدة) فيه لغات، أفصحهن حذف ياء الإضافة والاكتفاء بالكسرة ثم ثبوتها ساكنة بأخرى، ومنهم من يكتفي من الإضافة بنيتها، وبضم الاسم كما تضم المفردات. (وما كان ذاك) السهم؟ (قالت: ) كان (تمرًا) استدل به على أن السهم ليس المراد به حقيقته؛ إذ لو كان حقيقة لأعطاهن من غير التمر، وقد صح أنه أسهم للرجال من غير التمر يوم خيبر. [2730] (حدثنا أحمد بن) محمد بن (حنبل قال: حدثنا بشر بن المفضل) بن لاحق، وكان يصلي كل يوم أربعمائة ركعة (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب التهذيب" 3/ 200. (¬2) "الأحكام الوسطى" 3/ 84. (¬3) في (ر): فعل وكذا. (¬4) انظر: "سير أعلام النبلاء" 9/ 36 - 37.

(عن محمد بن زيد) بن المهاجر بن قنفذ الجُدعاني بضم الجيم. (قال: حدثني عمير) الغفاري الحجازي، شهد فتح خيبر مع مولاه آبي اللحم، وابن الحمام خلافه (¬1). (مولى آبي اللحم) بفتح الهمزة وبعدها ألف ساكنة وباء موحدة مكسورة (قال: شهدت خيبر مع سادتي) من غفار، كان آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين عبيدة بن الحارث فقتل معه يوم بدر (فكلموا فيَّ) أي: في أمري (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) زاد الترمذي: وكلموه أني مملوك (¬2) (فأمر بي) بالباء الموحدة بعد أمر (فقُلدت سيفًا) ورواية البيهقي (¬3) - على شرط مسلم كما قال السبكي (¬4) - قال: شهدت خيبر وأنا عبد مملوك فقلت: يا رسول الله أسهم لي، فأعطاني سيفًا وقال: تقلد به. (فإذا أنا أجُرُّه) على الأرض (فأُخبر أني مملوك) لموالي آل آبي اللحم (فأمر لي بشيء) ورواية البيهقي: فأعطاني (من خُرْثِي) بضم الخاء المعجمة وإسكان الراء ثم ثاء مثلثة. قال الجوهري: الخرثي أثاث البيت وأسقاطه (¬5). وزاد البيهقي: ولم يسهم لي. وهذا صريح في أنه لا يسهم للعبيد سواء قاتلوا أم لم يقاتلوا، وذهب ¬

_ (¬1) يقصد: عمير بن الحمام بن الجموح، الذي شهد بدرًا، وقتل فيها. انظر: "أسد الغابة" 3/ 787. (¬2) "سنن الترمذي" (1557). (¬3) "سنن البيهقي الكبرى" 6/ 332. (¬4) وهو قول البيهقي أيضًا في تعليقه على الرواية. (¬5) "الصحاح في اللغة" 1/ 304.

الحكم وابن سيرين والحسن وإبراهيم إلى أنه إن (¬1) قاتل يسهم له وإلا فلا. قال الأزهري عن الليث: الخرثي من المتاع أَرْدَؤُها (¬2). زاد البيهقي: ولم يسهم لي. وهذا يدل على أن الذي أعطاه كان من الرضخ. [2731] (حدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة أبو عبد الرحمن الخراساني قال: (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم السعدي (عن) سليمان (الأعمش، عن أبي سفيان) طلحة بن نافع القرشي المكي (عن جابر) -رضي الله عنه -. (قال: كنت أَمِيحُ) بسكون المثناة تحت (أصحابي الماء) أي: أعطي، كذا قاله ابن الأثير (¬3)، والمايح بالياء المثناة من تحت: هو الذي ينزل البئر فيملأ الدلو، ومحت الرجل أعطيته، واستمحته سألته العطاء، قال: والماتح -يعني: بالمثناة فوق- هو المستقي، والمانح بالنون: المعطي، ولعل المراد: كنت أخدمهم في سقي الماء. (يوم بدر. قال أبو داود: معناه أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يسهم له) وكذا قال أبو عبيد (¬4): معناه لم آخذ سهمًا مع خدمته للمجاهدين. وترك الإسهام لا يلزم منه عدم الرضخ فلا منافاة. * * * ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) "تهذيب اللغة" 7/ 144، وتمام قوله: من المتاع، والغنيمة: أَرْدَؤُها. (¬3) جامع الأصول في أحاديث الرسول 2/ 675 و"النهاية في غريب الحديث" 4/ 291. (¬4) "غريب الحديث" 3/ 471.

153 - باب في المشرك يسهم له

153 - باب في المُشْركِ يُسْهَمُ لَهُ 2732 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ ويَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، قالا: حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ مالِكٍ، عَنِ الفُضيْلِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ نِيارٍ، عَنْ عُرُوَةَ، عَنْ عائِشَةَ قالَ يَحْيَى: إَنَّ رَجُلًا مِنَ المُشْرِكِينَ لِحَقَ بِالنَّبي - صلى الله عليه وسلم - لِيُقاتِلَ مَعَهُ فَقالَ: "ارْجِعْ". ثُمَّ اتَّفَقا فَقالَ: "إِنّا لا نَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ" (¬1). * * * باب المشرك يسهم له [2732] (حدثنا مسدد) بن مسرهد (ويحيى بن معين) بفتح الميم، ابن عون بن زياد بن بسطام البغدادي الحافظ مولى الجنيد بن عبد الرحمن (قالا: حدثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن مالك، عن الفضيل) بن أبي عبد الله مولى المهدي، يعد في أهل المدينة (عن عبد الله بن نِيَار) المدني، مات سنة 137 (عن عروة) بن الزبير. (عن عائشة، قال يحيى) بن معين (إن رجلاً من المشركين) هو خبيب ابن يساف، وقد أسلم وحسن إسلامه، ذكره الواقدي، والبخاري في "تاريخه الكبير" (¬2) كما نقله أبو زرعة في "المبهمات"، وعن خبيب بن عبد الرحمن بن خبيب، عن أبيه، عن جده خبيب بن يساف قال: أقبلت أنا ورجل من قومي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يريد غزوًا فقال: "أسلمتما؟ " فقلنا: لا. فقال: "فإنا لا نستعين بالمشركين" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1817). (¬2) "التاريخ الكبير" 2/ 327. (¬3) أخرجه أحمد 3/ 454، ومن طريقه البيهقي في "الكبرى" 9/ 37.

ويجمع بينه وبين هذا الحديث بما ذكره البيهقي عن نص الشافعي -رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تفرس فيه الرغبة في الإسلام فرده رجاء أن يسلم فصدق ظنه. وفيه نظر من جهة التنكير في سياق النفي، ومنها أن الأمر فيه إلى رأي الإمام، وفيه نظر بعينه، ومنها أن الاستعانة كانت ممنوعة ثم رخص فيها، وهذا أقربها، وعليه نص الشافعي -رضي الله عنه - (¬1). (لحق بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ليقاتل معه، قال: ارجع) ورواية مسلم (¬2) عن عائشة [رضي الله عنها] (¬3): خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل بدر، فلما كان بحدة الوبرة- بفتح الباء- موضع بقرب المدينة أدركه رجل قد كان يذكر منه جُرْأة ونَجْدة، ففرح أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين رأوه، فلما أدركه قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: جئت لأتبعك ولأصيب معك. فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " مؤمن بالله ورسوله؟ " قال: لا. قال: "ارجع فلن أستعين بمشرك". (ثم اتفقا) يعني: يحيى ومسدد (فقالا: إنا لا نستعين بمشرك) يعارضه ما جاء في الحديث الصحيح: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعان بصفوان بن أمية قبل إسلامه، فأخذ طائفة من العلماء بعدم الاستعانة بالمشركين للحديث، ولقوله تعالى: {وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} (¬4)، وبقوله تعالى: {لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ} (¬5). وأخذ طائفة بالاستعانة لحديث ويؤيده: أن اليهود الذي غزا بهم ¬

_ (¬1) "الأم" 4/ 261. (¬2) "صحيح مسلم" (1817). (¬3) ساقطة من (ل). (¬4) الكهف: 51. (¬5) المائدة: 51.

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هم يهود بني قينقاع، وكان ذلك بعد (¬1) بدر، كذا ذكره الشافعي في "سير الواقدي" من "الأم" (¬2). قال: إن ذلك كان بعد بدر بسنتين في غزوة حنين (¬3). قال: وكانوا أشداء وكانت حنين كما قال في سنة ثمان، وعضده بأن صفوان شهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حنينًا بعد الفتح، وصفوان مشرك، وفي هذِه الغزوة استعار النبي - صلى الله عليه وسلم - من صفوان سبعين درعًا. وإذا كان كذلك فهو متأخر عن الحديث الأول، والمتأخر رافع لحكم الأول. وبعضهم أعرض عن ذلك لاقتضائه النسخ، ولا حاجة إليه؛ لإمكان الجمع بينهما كما سيأتي، فالاستعانة ليست متجهة إذا جوزناها، فيفعل في بعض الغزوات، ويترك في بعض. وقدر الإمام في قوله: لن (¬4) أستعين بمشرك الآن. يعني في هذِه الغزوة. واستدل الماوردي (¬5) لذلك من جهة القياس بأنهم خول (¬6) كالعبيد فجازت الاستعانة بهم والاستخدام، ولأنهم إن قتلوا فعلى شرك وإن قتلوا المشرك فلم يكن (¬7) للمنع وجه، قال: ولم نتخذهم ¬

_ (¬1) في (ر): يوم، والمثبت من (ل). (¬2) "الأم" 4/ 261. (¬3) كذا بالنسخ، وفي "الأم" خيبر. وهو المناسب للسياق. (¬4) زيادة من (ل). (¬5) "الحاوي" 14/ 131. (¬6) سقط من (ر). (¬7) زيادة من (ر).

عضدًا فيمنع بالآية، وإنما اتخذناهم خدمًا ولم نتخذهم أولياء، وأما ترك استعانته بهم في بدر فلأنه لم يأمنهم، وهكذا حكم من لم يؤمن. نعم، قد تعرض البيهقي لمناقشة الشافعي -رضي الله عنه - في ذلك، وإن كان ناصر مذهبه بالحديث فقال: أما غزوه بيهود بني قينقاع فإني لم أجده إلا في حديث الحسن بن عمارة وهو ضعيف (¬1). وروى بإسناد أصح منه أنهم خرجوا يعينونه، فقال: "ارجعوا فإنا لا نستعين بالمشركين" وعبد الحق يقول في "الأحكام" (¬2): إن أبا داود ذكر في "المراسيل" (¬3) عن يزيد ابن يزيد بن جابر، عن الزهري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعان بناس من اليهود في غزوة فأسهم لهم. وقال الشافعي وآخرون: إن كان (¬4) الكافر حسن الرأي في المسلمين، ودعت الحاجة إلى الاستعانة به وإلا فيكره، وحمل الحديثين على هذين الحالين، وإذا حضر الكافر بالإذن رضخ له ولا يسهم له، هذا مذهب مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، والجمهور، وقال الزهري والأوزاعي: يسهم له (¬5). * * * ¬

_ (¬1) "سنن البيهقي الكبرى" 9/ 36. (¬2) "الأحكام الوسطى " 3/ 80. (¬3) "المراسيل" (281). (¬4) زيادة من (ل). (¬5) انظر: "شرح مسلم" 12/ 199.

154 - باب في سهمان الخيل

154 - باب في سُهْمانِ الخيْلِ 2733 - حدثنا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، حدثنا أَبُو مُعاوِيَةَ، حدثنا عُبيْدُ اللهِ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أسهَمَ لِرَجُلٍ وَلفَرَسِهِ ثَلاثَةَ أَسْهُمٍ سَهْمًا لَة وَسَهْميْنِ لِفَرَسِهِ (¬1). 2734 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حدثنا أَبُو مُعاوِيَةَ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْن يَزِيدَ، حَدَّثَني المَسْعُوديُّ، حَدَّثَني أَبُو عَمْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قال: أَتيْنا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَمَعَنا فَرَسٌ فَأَعْطى كلَّ إِنْسانٍ مِنّا سَهْمًا وَأَعْطَى لِلْفَرَسِ سَهْميْنِ (¬2). 2735 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا أُميَّةُ بْن خالِدٍ، حدثنا المَسْعُوديُّ، عَن رَجُلٍ مِنْ آلِ أَبي عَمْرَةَ، عَنْ أَبي عَمْرَةَ بِمَعْناهُ إِلا أَنَّهُ قال: ثَلاثَةَ نَفَرٍ. زادَ: فَكانَ لِلْفارِسِ ثَلاثَةُ أَسْهُمٍ (¬3). * * * باب في سهمان الخيل السُّهمان بضم السين جمع سهم. [2733] (حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثنا أبو معاوية) عباد بن عباد ابن حبيب بن المهلب المهلبي قال: (حدثنا عبيد الله) مصغر ابن عبد الله (عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسهم لرجل ولفرسه ثلاثة أسهم) من قواعد الغنيمة وجوب التسوية بين الغانمين في الأخماس ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2863)، ومسلم (1762). (¬2) رواه أحمد 4/ 138، وأبو يعلى (922)، والبيهقي 6/ 326. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2444). (¬3) رواه البيهقي 6/ 326، وانظر الحديث السابق.

الأربعة التي لهم، فلا يفضل أحد منهم على أحد إلا في شيئين: أحدهما: الرضخ كما تقدم إذا قلنا: إنه من الأخماس الأربعة. والثاني: هنا وهو تفضيل الفارس على الراجل، وهو بالنص والإجماع، ولكن اختلفوا في كيفيته: فمذهب الشافعي (¬1) وجمهور العلماء (¬2): للفارس ثلاثة أسهم: سهم له، وسهمان لفرسه، وللراجل سهم واحد، وعند أبي حنيفة: للفارس سهمان: سهم له، وسهم لفرسه، وللراجل سهم واحد (¬3)، وسبقه إليه أبو موسى الأشعري (¬4). وقوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث (سهمًا) بدل من ثلاثة؛ فلهذا نصب. اله، وسهمين لفرسه) حجة لقول الجمهور دافع للاحتمال المذكور في رواية: للفرس سهمين وللراجل سهمًا. بالألف في الراجل. ووجه هذا الاحتمال والوهم فيه ما رواه عبد الله بن عمر المكبر، وهو كثير الوهم، أخو المصغر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قسم يوم خيبر: للفارس سهمين وللراجل سهم (¬5) ثم إن عبد الله بن عمر مع كثير وهمه شك فيه فقال: للفارس أو للفرس. قال الشافعي (¬6) -رضي الله عنه -: كأنه سمع نافعًا يقول: للفارس سهمين، ¬

_ (¬1) "الأم" 4/ 144. (¬2) انظر "شرح النووي على مسلم" 12/ 83. (¬3) "الأصل" 2/ 178. (¬4) "مصنف ابن أبي شيبة" (33857). (¬5) أخرجه البيهقي في "سننه" 6/ 325. (¬6) وهذا في القديم كما ذكر البيهقي.

وللراجل سهمًا (¬1). وعند أبي حنيفة ومالك رحمهما الله تعالى: يجوز تفضيل بعض الفرسان على بعض، وتفضيل بعض الرجالة على بعض، ولا خلاف أن عندنا لا يجوز ذلك. قال القرطبي: والمعنى في أن (للفارس سهمين ولفرسه سهمًا) (¬2) أن مؤن الفارس أكثر، وغناؤه أعظم، فمن المناسب أن يكون سهمه أكثر من سهم الراجل، قال: وقول أبي حنيفة رحمه الله تعالى: يقسم للفرس كما يقسم للرجل. شاذ لا أثر له يعضده، ولا قياس يعتمده؛ ولذلك خالفه في ذلك كبراء أصحابه كأبي يوسف، ومحمد بن الحسن، وغيرهما (¬3). [2734] (حدثنا أحمد بن حنبل (¬4) قال: حدثنا عبد الله بن يزيد) المقرئ القصير قال (حدثنا المسعودي) وهو عبد الرحمن بن عبد الله ابن عتبة بن مسعود قال (حدثني أبو عمرة) اسمه عبد الرحمن، والده. قال ابن الأثير (¬5): أبو عمرة الصحابي هو عمرو بن محصن بكسر الميم وفتح الصاد المهملة وبالنون، ابن عتيك بفتح العين وكسر التاء، فوقها نقطتان، وبالكاف النجاري، وقيل: اسمه بشير. وقيل: ثعلبة. قتل مع علي بصفين. ¬

_ (¬1) انظر: "سنن البيهقي الكبرى" 6/ 325. (¬2) كذا العبارة، وفي "المفهم": للفرس سهمين ولصاحبه سهمًا. (¬3) "المفهم" 4/ 559. (¬4) فوقها في (ل): ع. (¬5) "جامع الأصول" 12/ 617، 741.

(عن أبيه) أبي عمرة (قال: أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعةُ) بالرفع بدل من ضميرنا؛ لأن فيه إحاطة، هو أحدهم (نفر، ومعنا فرس) نجاهد عليها (فأعطى كلَّ إنسان منا سهمًا) لنفسه (وأعطى) صاحب (الفرس سهمين) لمؤنة فرسه غير السهم الذي له، ويدل على هذا التقدير الرواية التي بعدها والتي قبلها. [2735] (حدثنا مسدد قال: حدثنا أمية بن خالد) أخو هدبة (قال: حدثنا المسعودي) هو عبد الرحمن بن عبد الله (عن رجل من آل أبي عمرة) لعله ابنه كما في الرواية قبله (عن أبي عمرة) ذكره ابن إسحاق في البدريين (بمعناه إلا أنه قال: ثلاثة نفر) يحتمل أنه يريد غيره، فلا يعارض ما قبله (زاد: وكان للفارس ثلاثة أسهم) هذِه الرواية تبين الرواية التي قبلها كما تقدم. * * *

155 - باب فيمن أسهم له سهما

155 - باب فِيمَنْ أَسْهَمَ لَهُ سَهْمًا 2736 - حدثنا محَمَّد بْنُ عِيسَى، حدثنا مُجَمِّعُ بْن يَعْقُوبَ بْنِ مُجَمِّعِ بْنِ يَزِيدَ الأَنْصاريُّ، قالَ: سَمِعْتُ أَبي يَعْقوبَ بْنَ مجَمِّع يَذْكُرُ، عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ الأَنْصاريِّ، عَنْ عَمّهِ مُجَمِّعِ بْنِ جارِيَةَ الأَنْصاريِّ وَكانَ أَحَدَ القُرّاءِ الذِينَ قَرَأوا القُرْآنَ قال: شَهِدْنا الحُديْبِيَةَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمّا انْصَرَفْنا عَنْها إِذا النّاسُ يَهُزُّونَ الأبَاعِرَ فَقالَ بَعْضُ النّاسِ لِبَعْضٍ: ما لِلنّاسِ قالُوا أُوحيَ إِلى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَخَرَجْنا مَعَ النّاسِ نُوجِفُ فَوَجَدْنا النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - واقِفا عَلَى راحِلَتِهِ عِنْدَ كُراعِ الغَمِيمِ، فَلَمّا اجْتَمَعَ عَليْهِ النّاسُ قَرَأَ عَليْهِمْ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)} فَقالَ رَجُلٌ: يا رَسُولَ اللهِ أَفتْخ هُوَ قالَ: "نَعَمْ والَّذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّهُ لَفَتْحٌ" .. فَقُسِّمَتْ خيْبَرُ عَلَى أَهْلِ الحُديْبِيَةِ فَقَسَّمَها رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ثَمانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَكانَ الجيْش أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فِيهِمْ ثَلاثُمِائَةِ فارِسٍ فَأَعْطَى الفارِسَ سَهْميْنِ وَأَعْطَى الرّاجِلَ سَهْمًا. قالَ أَبُو داوُدَ: حَدِيثُ أَبي مُعاوِيَةَ أَصَحُّ والعَمَلُ عَليْهِ، وَأَرى الوَهَمَ في حَدِيثِ مُجَمِّع أَنَّهُ قال: ثَلاثُمِائَةِ فارِسٍ وَكانوا مِائَتَى فارِسٍ (¬1). * * * باب من أسهم له سهم (¬2) [2736] (حدثنا محمد بن عيسى) بن نجيح، أبو جعفر بن الطباع البغدادي (قال: حدثنا مُجمِّع) بتشديد الميم المكسورة (بن يعقوب بن مُجمِّع بن يزيد الأنصاري قال: سمعت أبي يعقوبَ) بالنصب بدل من ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 420، والحاكم 2/ 131. وضعفه الألباني في " ضعيف أبي داود" (475). (¬2) ورد بعدها في الأصل: نسخة: سهمًا.

أبي (بن مجمع يذكر عن عمه) أي: عن أخي أبيه (عبد الرحمن بن يزيد الأنصاري، عن عمه مجمع بن جارية) بالجيم (الأنصاري -رضي الله عنه - وكان أحدَ القراء الذين قرؤوا القرآن) أي: أحد من جمع القرآن إلا يسيرًا منه، قيل: جمعه إلا سورة أو سورتين على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان أبوه جارية بن عامر ممن اتخذ مسجد الضرار (¬1). (قال: شهدنا الحديبية) بتخفيف الياء الثانية (مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما انصرفنا عنها) أي: رجعنا من الحديبية (إذا الناس يَهُزّون الأباعر) بضم الهاء وتشديد الزاي، أي: يحركون رواحلهم، قال الله تعالى: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} (¬2) أي: حركي، ورواية أحمد (¬3): يُنْفِرُونَ الأباعر. قال المنذري (¬4): يهزون مخفف، أي: يحثونها ويدفعونها بشدة (¬5). من وهز يهز بتخفيف الزاي ذكره في "ديوان الأدب". (فقال بعض الناس لبعض: ما للناس؟ ) رواية أحمد: فقال الناس بعضهم لبعض: ما للناس؟ (فقالوا: أوحى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) هذِه قراءة الجمهور وقرئ في الشواذ: (قل وحي إلى) يقال: أوحي ووحي ثلاثي ورباعي (فخرجنا مع الناس نُوجِفُ) بضم النون، وكسر الجيم أي: نسرع في السير إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) "أسد الغابة" 4/ 290. (¬2) مريم: 25. (¬3) "مسند أحمد" 3/ 420. (¬4) هكذا في الأصل، والصواب الفارابي؛ لأنه صاحب كتاب "ديوان الأدب" الذي عزا له الشارح. انظر: "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون" 1/ 774. (¬5) انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 5/ 232.

(فوجدنا النبي - صلى الله عليه وسلم - واقفًا على راحلته) فيه جواز الوقوف على الدابة لحاجة، ويكون قوله - صلى الله عليه وسلم -: " لا تتخذوا ظهورهم منابر " (¬1) محمولًا على الوقوف على ظهورها لغير حاجة (عند كُرَاعِ الغَميم) بضم الكاف وتخفيف الراء وآخره عين مهملة، والغميم بفتح الغين المعجمة وكسر الميم وادٍ أمام عسفان بثمانية أميال، وكراع كل شيء طرفه. (فلما أجتمع عليه الناس قرأ عليهم: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ}) قال ابن عباس في رواية الكلبي: كان فتحًا بغير قتال، والصلح من الفتح، واختاره الفراء (¬2) وقال: الفتح قد يكون صلحًا. وهذا ما يدل عليه الحديث أن المراد بهذا (¬3) الفتح صلح الحديبية؛ لأن معنى الفتح في اللغة فتح المغلق، والصلح الذي حصل بينه وبين المشركين في ذلك اليوم كان مسدودًا عليه متعذرًا حتى فتحه الله عليه ذلك. قال الزهري: ما كان في الإسلام فتح أعظم من صلح الحديبية (¬4). وأضاف تعالى الفتح إلى نفسه إشعارًا بأنه من عند الله لا بكثرة العَدَد ولا العُدَد. وقال موسى بن عقبة: قال رجل منصرفهم من (¬5) الحديبية: ما هذا الفتح! لقد صدونا عن البيت. فقال عليه الصلاة والسلام: " بل هو أعظم ¬

_ (¬1) سلف برقم (2567). (¬2) "معاني القرآن" 5/ 17. (¬3) بعدها في الأصلين: الحديث. وعليها في (ل) ما يشبه التضبيب. (¬4) انظر: "تفسير البغوي" 7/ 296، "زاد المسير" لابن الجوزي 7/ 419. (¬5) في (ر): إلى. والمثبت من (ل).

الفتوح " (¬1). ({فَتْحًا مُبِينًا}) بإظهار دينك، والنصرة على عدوك، والهداية إلى الإسلام (فقال رجل) هو عمر بن الخطاب كما ذكره الواحدي في "البسيط" (¬2) (يا رسول الله، أفتح هو؟ ) وليس فيه قتال. (قال: نعم) رواية الإمام أحمد (¬3): "إي والذي نفس محمد بيده إنه لفتح " (فقسمت خيبر) أي: غنائمها والأرض التي بها، وكان فيها أربعون ألف عذق قسمن (على أهل الحديبية) الذين شهدوها (فقسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ثمانية عشر سهمًا) الرواية الصحيحة رواية سليمان بن بلال عن يحيى عن (¬4) بشير المرسلة: أنه عليه السلام قسمها ستة وثلاثين سهمًا، فعزل للمسلمين الشطر ثمانية عشر سهمًا، يجمع كل سهم مائة سهم، وعزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمانية عشر سهمًا وهو الشطر لنوائبه وما ينزل به من أمور المسلمين (¬5). (وكان الجيش ألفًا وخمسمائة) قال البيهقي (¬6): الروايات في قسم خيبر متعارضة. يعني في عدد المقسوم لهم. قال: والصحيح أنهم لم يصلوا إلى ألف وخمسمائة، بل ألف (¬7) ¬

_ (¬1) أخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" 4/ 235. (¬2) "التفسير البسيط " 20/ 379، وكذا ذكره الطبري في "التفسير" 22/ 201. (¬3) "مسند أحمد" 3/ 420. (¬4) في النسخ: عن. وهو خطأ، والمثبت كما في "سنن أبي داود". (¬5) سيأتي برقم (3014). (¬6) "السنن الكبرى" 6/ 325. (¬7) زيادة من (ل).

وأربعمائة، وهم أهل الحديبية فيهم ثلاثمائة فارس) قال: والصحيح أن الخيل مائتان، والقسمة على ثمانية عشر سهمًا. (فأعطى الفارس سهمين، وأعطى الراجل سهمًا، قال أبو داود: وحديث أبي معاوية أصح والعمل عليه) كما تقدم (أي: الوهم في حديث مجمع من قال: ثلاثمائة فارس، وإنما كانوا مائتي فارس) وكذا قال الشافعي (¬1): مجمع بن يعقوب لا يعرف، وهو في سنده، فأخذنا بحديث عبيد الله -يعني: المصغر- ولم نر له خبرًا (¬2) مثله يعارضه. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "سنن البيهقي الكبرى" 6/ 325. (¬2) في (ر): خبر.

156 - باب في النفل

156 - باب في النَّفَلِ 2737 - حدثنا وَهْبُ بْن بَقِيَّةَ، قالَ: أَخْبَرَنا خالِدٌ، عَنْ داوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قال: قالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ بَدْرٍ: " مَنْ فَعَلَ كَذا وَكَذا فَلَة مِنَ النَّفْل كذا وَكَذا ". قال: فَتَقَدَّمَ الفِتْيان وَلَزِمَ المَشْيَخَةُ الرّاياتِ فَلَمْ يَبْرَحُوها فَلَمّا فَتَحَ الله عَليْهِمْ قالَتِ المَشْيَخَة كنّا رِدْءًا لَكُمْ لَوِ انْهَزَمْتُمْ لَفِئْتمْ إِليْنا فَلأ تَذْهَبُوا بِالَمغْنَمِ وَنَبْقَى فَأَبَى الفِتْيانُ وَقالوا جَعَلَه رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَنا فَأَنْزَلَ الله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ} إِلى قَوْلِهِ: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} يَقول: فَكانَ ذَلِكَ خيْرًا لَهُمْ فَكَذَلِكَ أيْضًا فَأَطِيعُوني فَإِنِّي أَعْلَمُ بِعاقِبَةِ هذا مِنْكُمْ (¬1). 2738 - حدثنا زِيادُ بْن أيّوبَ، حدثنا هُشيْمٌ، أَخْبَرَنا داوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ يَوْمَ بَدْرٍ: " مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً فَلَهُ كذا وَكذا وَمَنْ أَسَرَ أَسِيرًا فَلَهُ كذا وَكذا ". ثمَّ ساقَ نَحْوَهُ وَحَدِيث خالِدٍ أَتَمُّ (¬2). 2739 - حدثنا هارُونُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بَكّارِ بْنِ بِلالٍ، حدثنا يَزِيدُ بْن خالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ الهَمْدانيُّ، قالَ: حدثنا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيّا بْنِ أَبِي زائِدَةَ قال: أَخْبَرَني داوُدُ بهذا الحَدِيثِ بِإِسِنادِهِ قال: فَقَسَّمَها رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالسَّواءِ. وَحَدِيثُ خالِدٍ أَتَمُّ (¬3). 2740 - حَدَّثَني هَنّادُ بْن السَّريِّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عاصِمٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قال: جِئْتُ إِلى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ بَدْرٍ بِسيْفٍ فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ اللهَ قَدْ شَفَى صَدْري اليَوْمَ مِنَ العَدُوِّ فَهَبْ لي هذا السّيْفَ. قالَ: " إِنَّ هذا السّيْفَ ¬

_ (¬1) رواه النسائي في "الكبرى" (11197)، والحاكم 2/ 131 - 132. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2445). (¬2) رواه الحاكم 2/ 221، وانظر الحديث السابق. (¬3) انظر الحديث السابق.

ليْسَ لي وَلا لَكَ ". فَذَهَبْتُ وَأَنا أقولُ يُعْطاهُ اليَوْمَ مَنْ لَمْ يُبْلِ بَلائي. فَبيْنا أَنا إِذْ جاءَني الرَّسُولُ فَقال: أَجِبْ. فَظَنَنْتُ أَنَّهُ نَزَلَ فيَّ شَيء بِكَلامي فَجِئْتُ فَقالَ لي النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّكَ سَأَلْتَني هذا السّيْفَ وَليْسَ هُوَ لي وَلا لَكَ وَإِنَّ اللهَ قَدْ جَعَلَهُ لي فَهُوَ لَكَ " ثمَّ قَرَأَ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} وإِلى آخِرِ الآيَةِ .. قالَ أَبُو داوُدَ: قِراءَةُ ابن مَسْعُودٍ يَسْأَلُونَكَ النَّفْلَ (¬1). * * * باب في النَّفَل بفتح الفاء كما تقدم. [2737] (حدثنا وهب بن بَقِية) بفتح الباء الموحدة، وكسر القاف، بن عبيد الله بن سابور الواسطي، يعرف بوهبان (قال: حدثنا خالد) بن عبد الله الواسطي (عن داود) بن أبي هند، واسم أبي هند دينار مولى امرأة من قشير (عن عكرمة، عن) مولاه عبد الله (بن عباس) أصله (¬2) من البربر. (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم) وقعة (بدر) قبل القتال) من فعل كذا وكذا) بصيغة الشرط. أي: حرضهم على القتال بقوله: من قتل قتيلًا فله كذا، ومن أسر أسيرًا فله كذا (فله من النَّفَل) بفتح الفاء، ويجوز إسكانها، وأصله في اللغة: الزيادة، قال الله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} (¬3) [قال الحسن، وغيره: ليس لأحد نافلة إلا للنبي - صلى الله عليه وسلم -] (¬4) ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1748). (¬2) الضمير فيها يعود على عكرمة. (¬3) الإسراء: 79. (¬4) ساقطة من (ر).

كاملة، وأما غيره فلا تخلو فرائضه من نقص فنوافله تكمل منها فرائضه (¬1). وقوله تعالى: {وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} (¬2) هو ولد الولد؛ لأنه زيادة على الولد الذي سأله (كذا وكذا) قال العلماء: يجوز للإمام أو الأمير أن يشترط للغانمين زيادة على قدر الاستحقاق إن فعل ما فيه نكاية للكفار زائدة على ما يفعله بقية الجيش كما يتقدم على طليعة العسكر، أو يهجم على قلعة لهم، أو يحفظ مكمنًا، أو يتجسس حال العدو، وهذا الشرط يكون قبل الإقدام على الفعل الذي يستحق به الزيادة، وهذِه الزيادة التي شرطها الإمام هي نظير الجعالة يستحقها الفاعل بعد الفراغ من العمل المشروط، ويتعين للإمام أو الأمير الوفاء بهذا الشرط على الأصح. (قال: فتقدم الفِتيان) بكسر الفاء جمع فتى، ويجمع على فتية كعصبة وفُتُوٌّ (¬3) على فُعُول وفُتِيُّ مثل عُصِيُّ، وفي رواية ابن مردويه: فتنازع (¬4) في ذلك شبان الرجال (¬5) (ولزم المَشْيخة) بفتح الميم وإسكان الشين. وقال المنذري: قيدها بعضهم بكسر الشين المعجمة، والمعروف في ¬

_ (¬1) ذكره ابن الملقن في "غاية السول في خصائص الرسول - صلى الله عليه وسلم - " (ص 7). (¬2) الأنبياء: 72. (¬3) كتبت في النسخ: فتوا. بإثبات ألف في آخره، والمثبت من "مختار الصحاح". (¬4) كذا في النسخ الخطية، وفي المصادر: فتسارع. (¬5) ذكره ابن حجر في "تغليق التعليق" 4/ 215 وساق إسناد ابن مردويه، واللفظة رواها أيضًا ابن أبي شيبة في "مصنفه" (37816)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (5208)، (5368) من طرق عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما به.

اللغة سكونها وفتح الياء جمع شيخ، وهو من جاوز أربعين سنة كما قاله النووي في "تحريره" (¬1) وقيل: من خمسين إلى آخر عمره، ورواية ابن مردويه (¬2): وبقي الشيوخ تحت (الرايات) جمع راية. فيه استحباب الألوية والرايات في الجهاد. (فلم يَبْرحوها) بفتح أوله وثالثه وإسكان الموحدة من قولك: برح مكانه. أي: زالوا عنه، والاسم البراح بالفتح أي: لم يزولوا من تحت الرايات حتى فتح الله عليهم. (فلما فتح الله عليهم) وحصلت المغانم جاؤوا يطلبون الذي جعل لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما في رواية ابن مردويه. (قال المشيخة) لا تستأثروا علينا فإنا (كنا ردءًا) بكسر الراء وإسكان الدال (لكم) أي: عونًا، قال الله تعالى: {فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي} (¬3) (لو انهزمتم) أي: انكشفتم عن القتال (لَفِئْتم) بكسر الفاء وإسكان الهمزة أي: رجعتم إلينا، يقال: فاء يفيء إذا رجع، وفلان سريع الفيء من غضبه، وإنه لحسن الفِيئة بكسر الفاء: أي حسن الرجوع. (فلا تذهبوا بالمغنم) أي: الغنائم دوننا (ونبقى) نحن (فأبى الفتيان، وقالوا) نحن أحق به منكم، فإنا طلبنا العدو وقاتلناه وقد (جعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنا) وسبب هذا التنافر ما يقع في نفوس البشر من إرادة الأثرة والاختصاص (فأنزل الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} أي: عن حكم ¬

_ (¬1) "تحرير ألفاظ التنبيه" (ص 90). (¬2) كذا رواية ابن أبي شيبة، والطحاوي. (¬3) القصص: 34.

الأنفال. فيه دليل على ما ذهب إليه الجمهور من أن المراد بالأنفال المسئول عنها الغنائم التي حصلت يوم بدر وحصل فيها التنازع. وهذا الحديث صحيح رواه النسائي (¬1) وابن جرير (¬2) وابن مردويه (¬3)، وابن حبان في "صحيحه" (¬4) والحاكم في "المستدرك" (¬5). ولما نزلت الآية رضي المسلمون وسلموا، وأصلح الله ذات بينهم. وضمير الفاعل في {يَسْأَلُونَكَ} ليس عائدًا (¬6) على مذكور قبله، إنما يفسره وقعة بدر فهو عائد على من حضرها من الصحابة، وكان السائل معلوم معين ذلك اليوم، فعاد الضمير عليه والخطاب للرسول - صلى الله عليه وسلم -، والسؤال قد يكون لاقتضاء معنى في نفس المسئول عنه فيتعدى إذ ذاك بلفظة (عن) كما قال الشاعر: سَلِي إِنْ جَهِلْتِ النَّاسَ عَنَّا وَعَنْهُمُ ... فَليْسَ يسَوَاءً عَالِمُ (¬7) وَجَهُولُ (¬8) ¬

_ (¬1) في "الكبرى" (11133). (¬2) "تفسير الطبري" (15651). (¬3) كما في "الدر المنثور" 4/ 6. (¬4) "صحيح ابن حبان" (5093). (¬5) "المستدرك" 2/ 131 - 132. (¬6) في الأصلين: عائد. والجادة ما أثبتناه. (¬7) زيادة من (ل). (¬8) ذكره ابن عاشور في "التحرير والتنوير" 5/ 39 وعزاه للسموأل أو الحارثي.

وقال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ} (¬1)، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ} (¬2) وكذلك هنا: يسألونك عن حكم الأنفال، ولمن تكون، وكذلك جاء الجواب: {قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} (¬3) وقد يكون السؤال لاقتضاء مال ونحوه، فيتعدى إذ ذاك إلى مفعولين تقول: سألت زيدًا مالًا (¬4) وقد جعل بعض المفسرين السؤال هنا بهذا المعنى وادعى زيادة لفظة عن، وأن التقدير: يسألونك الأنفال، [وهذا التقدير] (¬5) لا ضرورة تدعو إليه، وينبغي أن تحمل قراءة من قرأ بإسقاط عن علي إرادتها؛ لأن حذف الحرف وهو مراد معنى أسهل من زيادته لغير معنى التأكيد، وهي قراءة سعد بن أبي وقاص، وابن مسعود، وعلي بن الحسين، وولديه جعفر ومحمد الباقر، وولده جعفر الصادق، وعكرمة راوي الحديث، وعطاء، والضحاك (¬6). وقيل: عن بمعنى من، أي: يسألونك من الأنفال. أو لا ضرورة إلى تضمين الحرف معنى الحرف (¬7). ({قُلِ الْأَنْفَالُ}) ليس الحكم فيها لأحد من المهاجرين ولا من الأنصار ولا فوض إلى أحد، وكل ذلك مفوض ({لِلَّهِ}) على ما يريده ({وَالرَّسُولِ}) حيث هو مبلغ عن الله الأحكام (إلى قوله تعالى) ¬

_ (¬1) الأعراف: 187، النازعات: 42. (¬2) البقرة: 217. (¬3) الأنفال: 1. (¬4) في (ر): قتالًا. والمثبت من (ل). (¬5) سقط من (ر). (¬6) انظر: "المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات" 1/ 272. (¬7) انظر: "تفسير الطبري" 13/ 377 - 378، و"المحرر الوجيز" لابن عطية 2/ 568، و"الدر المصون في علم الكتاب المكنون" 1/ 2065.

{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ} اضطرب أهل التفسير بالمراد بهذِه الآية على خمسة عشر قولًا: أحدها: أن الكاف بمعنى واو القسم، وما بمعنى الذي واقعة على ذي العلم وهو الله كما وقعت في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} (¬1)، وجواب القسم {يُجَادِلُونَكَ} والتقدير: والله الذي أخرجك من بيتك يجادلونك في الحق، قاله أبو عبيدة (¬2)، وهو ضعيف في علم النحو؛ لأن الكاف ليست من حروف القسم كما قاله ابن الأنباري، وفيه أيضًا أن جواب القسم المضارع المثبت جاء بغير لام ولا نون تأكيد ولابد منهما في مثل هذا على مذهب (¬3) البصريين أو من معاقبة أحدهما الآخر على مذهب (¬4) الكوفيين، أما خلوه عنهما أو عن أحدهما فهو قول مخالف لما أجمع عليه البصريون والكوفيون (¬5). القول الثاني: أنه شبه كراهية أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخروجه من المدينة حين تحققوا خروج قريش للدفع عن أبي سفيان وحفظ عيره بكراهتهم (¬6) نزع المغانم من أيديهم وجعلها للرسول أو التنفيل منها، وهذا القول أخذه الزمخشري واستحسنه فقال: يرتفع محل الكاف على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: هذِه الحال كحال إخراجك. يعني: أن حالهم في كراهة ما اقتضى رأيك من قسمة الأنفال مثل ¬

_ (¬1) الليل: 3. (¬2) "مجاز القرآن" (ص 240). (¬3) في (ر): ما ذهب. (¬4) في (ر): ما ذهب. (¬5) ذكره أبو حيان في "البحر المحيط" 4/ 456. (¬6) في النسخ: بكرهتهم. والمثبت المناسب للسياق.

حالهم في كراهة خروجهم للقتال (¬1). قال القطب في "حواشي الكشاف": ويجوز أن يكون المقدر جملة فعلية أي: حكم الله بأن الأنفال لله كما أخرجك، وإنما قدر الكراهة في المشبه المقدر لاعتبارها في المشبه به في قوله: {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ}. ({مِنْ بَيْتِكَ}) قال أبو حيان (¬2): الظاهر أن المراد بالبيت مقام (¬3) سكناه، وقيل: المدينة لأنها مهاجره ومختصة به. وقيل: مكة. وفيه بعد؛ لأن الظاهر من هذا الحديث أن هذا إخبار عن خروجه إلى بدر، فصرف البيت إلى مكة ليس بظاهر. ({بِالْحَقِّ}) أي: بالوحي الحق حين أوحي إليه، وأمره بالخروج لأبي جهل، وعن ابن عباس: المراد به الهجرة من مكة إلى المدينة. ({وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ}) الخروج معك لتركهم مكة وديارهم وأموالهم وأقاربهم فيها وكراهتهم لذلك، إما لنفرة الطبع أو لأنهم لم يستعدوا له (يقول) لما اختلف المؤمنون في المغانم وتشاححوا فيها وانتزعها الله منهم وجعلها إلى قسمه وقسم رسوله - صلى الله عليه وسلم - فقسمها على العدل والتسوية (فكان ذلك) أي: هذِه القسمة (خيرًا لهم) أي للمؤمنين لما فيه من المصلحة التامة العائد نفعها عليهم (فكذلك أيضًا فأطيعوني) فيما آمركم به من قتال وغيره (فإني أعلم بعاقبة هذا) الأمر (منكم) والله أعلم مني بعاقبة الأمور مني ومنكم. ¬

_ (¬1) "الكشاف" 2/ 236. (¬2) تفسير "البحر المحيط" 4/ 458. (¬3) في (ر): مكان. والمثبت من (ل).

[2738] (حدثنا زياد بن أيوب) بن زياد أبو هاشم الطوسي، معروف بدلويه (قال: حدثنا هشيم) بن بشير أبو معاوية السلمي الواسطي، حافظ بغداد، عاش ثمانين سنة، [توفي سنة] (¬1) 183 (قال: أنبأنا داود بن أبي هند) واسمه دينار كما تقدم. (عن عكرمة، عن ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم بدر) لما رأى كثرة المشركين وقلة المسلمين (من قتل قتيلًا فله كذا وكذا) من الغنائم (ومن أسر أسيرًا) من العدو المخذول (فله كذا وكذا) أو فهو له ليرغبهم في القتال ويحرضهم على الاجتهاد فيه (ثم ساق نحوه) أي: نحو الحديث المتقدم. (وحديث خالد) الذي قبله (أتم) مما قبله، وأكثر فوائد، ولكن في هذا بيان لما أبهم في الحديث قبله: " من فعل كذا "، بيّنه هنا بقوله: "من قتل قتيلًا ... من أسر أسيرًا ". [2739] (حدثنا هارون بن محمد بن بكار بن بلال) العاملي الدمشقي، وهو ثقة (¬2) (حدثنا يزيد بن خالد) بن يزيد بن عبد الله (بن مَوهَب) بفتح الميم والهاء (الهمداني) الرملي، أبو خالد الزاهد الثقة. (قال: أنبأنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة) الوادعي أبو سعيد الحافظ (قال: أخبرني داود) بن أبي هند (بهذا الحديث) المتقدم (بإسناده) المذكور (قال: فقسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: غنائم وقعة بدر بينهم (بالسواء) بفتح ¬

_ (¬1) زيادة من (ل). (¬2) انظر: "الكاشف" للذهبي (5916).

السين والمد أي: بالعدل بينهم من غير حيف، قال الله تعالى: {فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} (¬1) أي: إذا علمت من قوم خيانة فألق إليهم عهدهم على اعتدال في أمرهم. وفيه دليل على أن الإمام لا يفضل بعض الفرسان على بعض، ولا بعض الرجالة على بعض، وهو مذهب الشافعي (¬2) بلا خلاف، ومذهب الجمهور، وعند أبي حنيفة، ومالك رحمهما الله تعالى: يجوز التفضيل بينهم في القسمة إذا رآه الإمام بالاجتهاد فيه. (وحديث خالد أتم) وإن كان في هذا زيادة عليه. [2740] (حدثنا هناد بن السري) بن مصعب التميمي الدارمي الوراق (عن أبي بكر) شعبة بن عياش أحد راوي عاصم في قراءة عنه، والأصح أن اسمه كنيته؛ لأنه روي عنه: ما لي اسم غير أبي بكر (عن عاصم) بن أبي النَّجُود بفتح النون وضم الجيم واسمه بهدلة بفتح الباء الموحدة وإسكان الهاء كما صرح به الترمذي في روايته في التفسير (¬3)، وعاصم هو أحد القراء السبعة الذين تواترت قراءتهم. (عن مصعب) أبو زُرَارة بضم الزاي وتخفيف الراءين (ابن سعد) بن أبي وقاص (عن أبيه) -رضي الله عنه -. (قال: جئت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -) لما كان. كما في الترمذي (¬4) (يوم بدر ¬

_ (¬1) الأنفال: 58. (¬2) "الأم" 3/ 195. (¬3) "سنن الترمذي" (3079). (¬4) "سنن الترمذي" (1714).

بسيف) سعيد بن العاص حين قتلته به، وكان يسمى ذات الكتيبة (فقلت: يا رسول الله، إن الله قد شفى صدري اليوم) نصب على الظرفية [(من العدو) رواية أحمد (¬1) والترمذي: من المشركين (فهب لي هذا السيف) وفي رواية للطبري (¬2): فأعطينيه] (¬3). (قال: إن) عطية (هذا السيف ليس لي) وفي رواية: ليس إلي (ولا لك) " فاطرحه في القبض " (¬4) [بفتح القاف] (¬5) هو المال المقبوض من أموال المشركين أو غيرهم (فذهبت) وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي عمير وأخذ سلبي (وأنا أقول: ) عسى (يعطاه اليوم من لم يُبْلِ) بضم أوله وكسر اللام، رواية الترمذي (¬6): من لا يبلي (بلائي) قال المنذري: أي: يعطى لمن لا يعمل مثل عملي في الحرب ولا يغني غناي. ومنه: ما أبلى منا أحد أي: ما أغنى قال الله تعالى: {وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا} (¬7) قال أبو القاسم: البلاء يكون حسنًا، ويكون سيئًا، وأصله: المحنة والاختبار. (فبينا أنا) رواية الطبري (¬8): فما جاوزت إلا قريبًا (إذ جاءني الرسول) ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 1/ 178. (¬2) "تفسير الطبري " (15656). (¬3) زيادة من (ل). (¬4) "سنن سعيد بن منصور" (2689)، وأحمد 1/ 80. (¬5) سقط من (ر). (¬6) 5/ 119 (3079). (¬7) الأنفال: 17. (¬8) "تفسير الطبري" (15659).

رواية الإمام أحمد (¬1): إذا رجل يدعوني من ورائي (فقال: أجب) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فظننت أنه نزل في) أي: في أمري (شيء بكلامي) نسخة: من كلامي. يعني الذي ذكره من قبل (فجئت) إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - (فقال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: إنك سألتني هذا السيف) آنفًا (وليس هو) حين سألتني (لي ولا لك، وإن الله قد جعله لي) رواية أحمد: وإن الله قد وهبه لي (فهو لك) زاد الطبري: "فاذهب فخذ سيفك". فيه دليل على أن قول المالك: جعلته لك. أو: هو لك فخذه. تحصل به الهبة ويكون هذا من صرائح الإيجاب. (ثم قرأ {يَسْأَلُونَكَ}) فكبر الناس عند سماعها ({قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ}) لاشك في ذلك ({وَالرَّسُولِ}) يضعها حيث يشاء من غير مشاركة فيها ولا مشاجرة فيما يراه. (إلى آخر الآية) مؤمنين. (قال أبو داود: هي قراءة عبد الله) بن مسعود (يسألونك عن النَّفَل) بفتح الفاء، هذا نقل بالآحاد ولم أره في الشواذ فلا يعد قرآنًا، والثابت في المصاحف التي بعث بها عثمان إلى الأمصار وتواترت {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ}، وفي الشواذ: (يسألونك الأنفال) (¬2) بإسقاط عن. * * * ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 1/ 178. (¬2) سبق تخريجها قريبًا.

157 - باب في نفل السرية تخرج من العسكر

157 - باب في نَفْل السَّرِيَّةِ تَخْرُجُ مِنَ العَسْكَرِ 2741 - حدثنا عَبْدُ الوَهّابِ بْنُ نَجْدَةَ، حدثنا الوَلِيدُ بْن مُسْلِمٍ، ح وَحَدَّثَنا مُوسَى بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْطاكيُّ، قالَ: حدثنا مُبَشِّرٌ، ح وَحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن عَوْفٍ الطّائيُّ أَنَّ الحَكَمَ بْنَ نافِعٍ حَدَّثَهُمْ المَعْنَى كلُّهُمْ عَنْ شعيْبِ بْنِ أَبي حَمْزَةَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قال: بَعَثَنا رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في جيْشٍ قِبَلَ نَجْدٍ وانْبَعَثَتْ سَرِيَّةٌ مِنَ الجيْشِ فَكانَ سُهْمانُ الجيْشِ اثْنَى عَشَرَ بَعِيرًا اثْنَى عَشَرَ بَعِيرًا وَنَفَّلَ أَهْلَ السَّرِيَّةِ بَعِيرًا بَعِيرًا فَكانَتْ سُهْمانُهُمْ ثَلاثَةَ عَشَرَ ثَلاثَةَ عَشَرَ (¬1). 2742 - حدثنا الوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ الدِّمَشْقيُّ، قال: قالَ الوَلِيدُ -يَعْني ابن مُسْلِمٍ- حَدَّثْتُ ابن المُبارَكِ بهذا الحَدِيثِ قُلْتُ: وَكَذا حدثنا ابن أَبي فَرْوَةَ، عَنْ نافِعٍ قال: لا تَعْدِلْ مَنْ سَمّيْتَ بِمالِكٍ هَكَذا أَوْ نَحْوَهُ يَعْني مالِكَ بْنَ أَنَسٍ (¬2). 2743 - حدثنا هَنّادٌ، قالَ: حدثنا عَبْدَةُ -يَعْني ابن سُليْمانَ الكِلابيَّ- عَنْ محَمَّدِ ابْنِ إِسْحاقَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَرِيَّةً إِلى نَجْدٍ فَخَرَجْتُ مَعَها فَأَصَبْنا نَعَمًا كَثِيرًا فَنَفَّلَنا أَمِيرُنا بَعِيرًا بَعِيرًا لِكلِّ إِنْسانٍ ثمَّ قَدِمْنا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَسَّمَ بيْنَنا غَنِيمَتَنا فَأَصابَ كُلُّ رَجُلٍ مِنّا اثْنَى عَشَرَ بَعِيرًا بَعْدَ الخُمُسِ وَما حاسَبَنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالَّذي أَعْطانا صاحِبُنا وَلا عابَ عَليْهِ بَعْدَ ما صَنَعَ فَكانَ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنّا ثَلاثَةَ عَشَرَ بَعِيرًا بِنَفْلِهِ (¬3). 3744 - حدثنا عَبْدُ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، ح وَحَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ ويَزِيدُ بْنُ خالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ قالا: حدثنا اللّيْث المَعْنَى، عَنْ نافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ¬

_ (¬1) رواه ابن الجارود (1074)، وأبو عوانة (6620). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2448). (¬2) انظر الحديث السابق. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2449). (¬3) رواه البيهقي 6/ 312، وانظر الحديث رقم (2741). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (476).

ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ سَرِيَّةً فِيها عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ قِبَلَ نَجْدٍ فَغَنِمُوا إِبِلاً كَثِيرَة فَكانَتْ سُهْمانُهُمُ اثْنَى عَشَرَ بَعِيرًا وَنُفِّلوا بَعِيرًا بَعِيرًا. زادَ ابن مَوْهَبٍ فَلَمْ يُغيِّرْهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). 2745 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا يَحْيَى، عَنْ عُبيْدِ اللهِ، قالَ: حَدَّثَني نافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قال: بَعَثَنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في سَرِيَّةٍ فَبَلَغَتْ سُهْمانُنا اثْنَى عَشَرَ بَعِيرًا وَنَفَّلَنا رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعِيرًا بَعِيرًا. قالَ أَبُو داوُدَ: رَواة بُرْدُ بْن سِنانٍ، عَنْ نافِعٍ مِثْلَ حَدِيثِ عُبيْدِ اللهِ وَرَواهُ أيُّوبُ عَنْ نافِعٍ مِثْلَهُ إِلاَّ أَنَّهُ قال: وَنُفِّلْنا بَعِيرًا بَعِيرًا. لَمْ يَذْكُرِ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - (¬2). 2746 - حدثنا عَبْدُ المَلِكِ بْن شعيْبِ بْنِ اللّيْثِ، قالَ: حَدَّثَني أَبي، عَنْ جَدّي، ح وَحَدَّثَنا حَجّاجُ بْنُ أَبي يَعْقوبَ، قالَ: حَدَّثَني حُجيْنٌ قالَ: حدثنا اللّيْثُ، عَنْ عُقيْلٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ سالِمٍ، عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ كانَ يُنَفِّل بَعْضَ مَنْ يَبْعَث مِنَ السَّرايا لأَنْفسِهِمْ خاصَّةً النَّفْلَ سِوى قَسْم عامَّةِ الجيْشِ والخُمُسُ في ذَلِكَ واجِبٌ كُلُّهُ (¬3). 2747 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْن وَهْبٍ، حدثنا حُيَي، عَنْ أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُليِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ يَوْمَ بَدْرٍ في ثَلاثِمِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ حُفاةٌ فاحْمِلْهُمُ اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ عُراةٌ فاكْسُهُمُ اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ جِياعٌ فَأَشْبِعْهُمْ " .. فَفَتَحَ اللهُ لَهُ يَوْمَ بَدْرٍ فانْقَلَبُوا حِينَ انْقَلَبُوا وَما مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلاَّ وَقَدْ رَجَعَ بِجَمَلٍ أَوْ جَمَليْنِ واكْتَسَوْا وَشَبِعُوا (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3134)، ومسلم (1749). (¬2) رواه مسلم (1749). (¬3) رواه البخاري (3135)، ومسلم (1750). (¬4) رواه ابن سعد في "الطبقات" 2/ 20، والحاكم 2/ 132 - 133. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (2454).

باب في نَفَل السرية تخرج من العسكر السرية .. [2741] (حدثنا عبد الوهاب بن نجدة) بفتح النون وإسكان الجيم أبو محمد الشامي الحنظلي (¬1)، قال: (حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي الشامي فيما أظن (¬2). (وحدثنا موسى بن عبد الرحمن) بن زياد أبو سعيد (الأنطاكي) ثم الحلبي (قال: حدثنا مبشر) بن إسماعيل الحلبي (وحدثنا محمد بن عوف) الحافظ الحمصي (أن الحكم بن نافع) أبو اليمان مولى بَهران بفتح الباء الموحدة. (حدثهم المعنى) أي: بما تقارب معناه وإن اختلف لفظهم (كلهم) حدث (عن شعيب بن أبي حمزة) بفتح الحاء المهملة وبعد الميم زاي، واسم أبي حمزة: دينار القرشي الحمصي، مولى بني أمية. قال البخاري (¬3): أرى أن كنيته أبو بِشْر. يعني: بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة (عن نافع، عن) عبد الله (بن عمر) -رضي الله عنه -. (قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جيش قِبَل) بكسر القاف وفتح الباء. أي: إلى جهة (نجد، فانْبَعثت) بإسكان النون وفتح الباء الموحدة (سرية من الجيش) أي: خرجت إلى الجهاد بنشاط وحرص حين بعثها أمير العسكر، قال الله: {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا} (¬4)، قال الجوهري (¬5): ¬

_ (¬1) هكذا في (ر، ل) والصواب: الجبلي الحوطي، انظر: "تهذيب الكمال" 18/ 519. (¬2) وهو كما قال: انظر: "تهذيب الكمال" (6737). (¬3) "التاريخ الكبير" 4/ 222. (¬4) الشمس: 12. (¬5) "الصحاح في اللغة" 1/ 273.

بعثه وابتعثه، بمعنًى، أي: أرسله، فانبعث. فيه دليل على استحباب خروج السرية من العسكر كما بوب عليه المصنف، وما غنمت تشترك فيه هي والجيش إن انفردت عن الجيش في بعض الطريق. قال النووي: وأما إذا خرجت من البلد وأقام الجيش في البلد فتختص هي بالغنيمة ولا يشاركها الجيش (¬1). (فكان سهمان) بضم السين، جمع سهم (الجيش) التي قسمت بينهم (اثني عشر) بإسكان الياء علامة النصب إعراب المثنى، ونصب لأنه اسم كان (بعيرًا) يطلق على الذكر والأنثى فيقال للجمل: بعير، وللناقة: بعير. (اثني عشر بعيرًا) كرر بحسب تكرر الآحاد، أي: حصل لكل واحد من العسكر اثني عشر بعيرًا (ونفَّل) بتشديد الفاء (أهل السرية) الذين بعثهم أي: زادهم على ما خصهم على قيامهم على الجهاد وحماية الحوزة (بعيرًا بعيرًا) أي: بعيرًا لكل إنسان كما سيأتي، ظاهره أنه نفل أهل السرية فقط ولم ينفل غير الغانمين من الغنيمة التي تختص بهم، قال في "المختصر" (¬2) بعد الكلام في السلب والنفل: قال سعيد بن المسيب: كانوا يعطون النفل من الخمس (¬3). قال الشافعي (¬4): نفلهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، يعني: بعيرًا بعيرًا، كما كان ينفل من سائر ماله فيما فيه صلاح المسلمين. ¬

_ (¬1) "شرح النووي على مسلم" 12/ 56. (¬2) "مختصر المزني" (ص 149). (¬3) رواه مالك في "الموطأ" (1658) عن أبي الزناد، عن سعيد بن المسيب. (¬4) "الأم" 4/ 143، و"مختصر المزني" (ص 149).

ودل هذا الخبر على أن النفل كان بعد القسمة، وإذا كان بعدها لم يكن من أصلها وتعين أن يكون من الخمس، قاله ابن الرفعة، وسيأتي ما يدل عليه. (فكانت سهمانهم) أي: صارت بالنفل (ثلاثة عشر) بفتح الشين لا غير أي: لكل إنسان (ثلاثة عشر) بالنفل المذكور. [2742] (حدثنا الوليد بن عتبة) بإسكان المثناة بعد العين أبو العباس الأشجعي (الدمشقي) مات سنة أربعين ومائتين بصور (قال: قال الوليد يعني: ابن مسلم) الحافظ قال: (حَدثْت) بإسكان الثاء المثلثة عبد الله (ابن المبارك بهذا الحديث) المذكور (قلت) أيضا (وكذا حدثنا) إسحاق ابن عبد الله (ابن أبي فروة) مولى آل عثمان (عن نافع قال: لا تعدل) بضم أوله (من سميت بمالك) بن أنس -رضي الله عنه - (هكذا) قال (أو نحوه) أو قريب من هذا اللفظ. [2743] (حدثنا هناد) بن السري بن مصعب التميمي الدارمي الوراق (قال: حدثنا عبْدة) بإسكان الباء الموحدة (بن سليمان) أبو محمد (الكُلاَّبي) بضم الكاف وتشديد اللام وباء موحدة قبل ياء النسب المقرئ (عن محمد) يعني: (ابن إسحاق) بن يسار القرشي المديني مولى قيس بن محرمة. (عن نافع، عن) عبد الله (بن عمر قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية إلى نجد) هذِه الرواية تبين التي قبلها: قبل نجد (فخرجت معها) فيه فضيلة المبادرة إلى الجهاد. (فأصبنا نَعَمًا) بفتح النون والعين (كثيرًا) يُذَكّر النعم ويؤنث، سمي بذلك لنعومة بطنه كما نبه عليه شارح "التعجيز" (¬1)، قال ابن دريد في ¬

_ (¬1) "التعجيز في مختصر الوجيز" في الفروع الشافعية للشيخ الإمام تاج الدين أبي=

"الجمهرة": النعم اسم يلزم الإبل خاصة (¬1). كما سيأتي مصرحًا في الرواية التي بعدها (فنفَّلَنا) أي: لأهل السرية خاصة سوى بقية الجيش الذين لم يخرجوا معهم (أميرنا) القسمة والتنفيل مختصان بالأمير أو من يقوم مقامه. قال أبو محمد الجويني: لو غزت طائفة وغنمت وليس معهم أمير من جهة السلطان يقسم غنيمتهم فَحَكَّموا رجلًا منهم أو من غيرهم حتى قسمها بينهم، فإن قلنا بالأصح وهو جواز التحكيم صحت هذِه القسمة بشرط كون المحكم أهلًا للحكم وإلا فلا (¬2). (بعيرًا بعيرًا لكل إنسان) فنفل كل واحد نصف خمس قسمه الذي خصه، قال (ثم قدمنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقسم بيننا) أي: بين من شهد الوقعة (غنيمتنا) قال النووي في تصنيف له في قسمة الغنائم صنفه حين دعت الضرورة إليه في أول سنة أربع وسبعين وستمائة أن التخميس والقسمة واجبان بإجماع المسلمين وإن اختلفوا في كيفية صرف الخمس ومستحقه وكيفية الصرف بين الفرسان والرجالة وغير ذلك، وذلك غير قادح في أصل إجماعهم على وجوب التخميس والقسمة، قال: وقد تظاهرت على ما ذكرته دلائل الكتاب والسنة المستفيضة وإجماع الأمة. (فأصاب كلَّ) بالنصب مفعول مقدم (رجل منا) فيه أن النساء لا يسهم لهن كما تقدم (اثنا عشر) علامة رفع الألف لأنه فاعل أصاب (بعيرًا) لا ¬

_ =القاسم: عبد الرحيم بن محمد المعروف: بابن يونس الموصلي الشافعي، المتوفى: سنة إحدى وسبعين وستمائة، وهو مختصر عجيب مشهور بين الشافعية، ثم شرحه، ولم يكمله. انظر: "كشف الظنون" 1/ 417. (¬1) "جمهرة اللغة" 2/ 953. (¬2) نقله أيضًا ابن حجر الهيثمي في "تحفة المحتاج" 7/ 149 عن أبي محمد.

يلزم أن تكون الغنيمة إبلًا، فقد قال ابن الرفعة: يحتمل أن الغنيمة كانت إبلًا وغير إبل، وإنما كان السهم من الإبل اثني عشر بعيرًا (بعد الخمس) أي: بعد إخراج الخمس، وذلك أن الأمير إذا أخرج من الغنيمة الكلف والمؤن كالأجرة والحفظ وغيرها قسم الباقي خمسة أقسام وضرب عليها القرعة وأخرج سهم الخمس، فإذا أخرجه أوقفه حتى يقسم بين الغانمين؛ لأنهم الأصل في التحصل وهم حضور، فيقدم قسمة الأخماس الأربعة على الغانمين على قسمة هذا الخمس على أهله. قال السبكي: لأن الغانمين حاضرون محصورون. يعني بخلاف أهل الخمس، والعقار كالمنقول في القسمة عند الشافعي (¬1). (وما حاسبنا) بفتح الباء (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالذي أعطانا صاحبنا) أي: الأمير بالذي نفلهم (ولا عاب عليه ما صنع) في غيبته من التنفيل، بل أقره على ذلك، وإقراره - صلى الله عليه وسلم - دليل على إقراره بل على استحبابه إذا اجتهد في ذلك ورأى المصلحة في ذلك (فكان) جملة (¬2) على ما حصل (لكل رجل منا ثلاثة عشر) ثلاثة وعشر مبنيان على الفتح طلبًا للتخفيف، وإنما بنيت لتضمنها واو العطف، فإذا قلت ثلاثة عشر، فالأصل ثلاثة وعشر (بعيرًا بنفله) أي: مع نفله فالباء بمعنى مع كقوله تعالى: {اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا} (¬3). [2744] (حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، عن مالك) بن أنس (وحدثنا) القعنبي (ويزيد بن خالد) بن يزيد بن عبد الله (بن موهب) ¬

_ (¬1) "الأم" 5/ 574. (¬2) بعدها في (ر): على. ولا وجه لها. (¬3) هود: 48.

بفتح الميم والهاء، الرملي الزاهد (قال: حدثنا الليث) بن سعد (المعنى) أي بألفاظ متقاربة، والمعنى واحد. (عن نافع، عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث سرية) أي: طائفة من الجيش تبعث في خفية، سميت بذلك كما قال الأزهري (¬1) لأنها تخفى في مصيرها وسيرها ليلًا، يقال: سرى في الليل، ولا يكون السرى إلا بالليل (¬2) فيها عبد الله بن عمر قبل نجد، فغنموا إبلاً كثيرة، فكانت سُهمانهم) التي حصلت لهم (اثني عشر) بإسكان الياء علامة النصب (بعيرًا ونُفِّلوا) أي: كل واحد منهم (بعيرًا بعيرًا) على سهمهم (زاد) يزيد بن خالد (بن موهب: فلم يغيره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: لم يعتريه ما يعتري الآدمي من الصفات البشرية والتغير لغير ما (¬3) يفعل بغير علمه وإذنه، ولكن سيأتي أنه نفل بإذنه. [2745] (حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى) بن سعيد القطان التميمي (عن عبيد الله) بالتصغير (عن نافع، عن عبد الله) بن عمر رضي الله عنهما. (قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سرية فبلغت سُهمانُنا) يعني: الذين حضروا الوقعة (اثني عشر بعيرًا ونفلنا) بتشديد الفاء إذا كان متعديًّا إلى اثنين كما هو هنا وبالتخفيف إذا عديته إلى واحد، وبالتخفيف ضبط النووي قوله في "المنهاج" عن النفل: والأصح أنه يكون من خمس الخمس المرصد للمصالح إن نفل مما سيغنم (¬4) فكتب على (نفل) ¬

_ (¬1) "تهذيب اللغة" 13/ 39. (¬2) في النسخ: الثلث، والمثبت من "تهذيب اللغة". (¬3) كذا بالنسخ، ولعل الصواب: (لما) بدل: (لغير ما). (¬4) "منهاج الطالبين" 1/ 199.

بخطه خف؛ لأن معناه جعل النفل. قال في "المحكم": نَفَّلَهُ نَفْلاً، وَأَنْفَلَهُ إِيَّاهُ، أَوْ نَفَلَهُ بالتخفيفِ (¬1) (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعيرًا بعيرًا) قال السبكي: يجوز أن يكون من يجعل له النفل واحدًا أو جماعة، واستدل بهذا الحديث. (ورواه بُرْد) بضم الباء الموحدة وإسكان الراء (بن سنان) أبو العلاء الدمشقي وثقه جماعة (¬2) توفي سنة 135. (عن نافع مثل حديث عبيد الله) بالتصغير (ورواه أيوب) بن موسى بن عمرو بن سعيد بن العاص (عن نافع مثله) وكذا رواه الشافعي فإنه قال: حدثنا سفيان، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثنا في سرية إلى نجد فأصاب سهم كل واحد منها اثني عشر بعيرًا ونفلنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعيرًا (¬3). قال أبو داود: (إلا أنه قال: ونفلنا بعيرًا بعيرًا لم يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -) ورواية الشافعي المتقدمة عن أيوب وفيها ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -. فإن قيل: الرواية المتقدمة: ونفلنا أميرنا. وهو مصرح بأن الأمير هو الذي نفلهم، وهذِه الرواية: ونفلنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. يدل على أنه هو المنفل؟ فالجواب: أن يجمع بينهما بأن الأمير لما نفل بإذن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ¬

_ (¬1) "المحكم والمحيط الأعظم" 10/ 380 وفيه: وَنَفَلَهُ بالتخفيف. (¬2) انظر: "الكاشف" 1/ 150. (¬3) رواه البيهقي في "معرفة السنن والآثار" 9/ 229 من طريق المزني عن الشافعي به، وهو في "مسند أحمد" 2/ 10 عن سفيان عن أيوب عن نافع به أيضًا، ورواه الحميدي أيضًا في "مسنده" (711) عن سفيان به كذلك.

النبي - صلى الله عليه وسلم - المنفل فأسند الفعل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مجازًا، ويحتمل أن يكون ذلك في قضيتين والله أعلم. [2746] (حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث) بن سعد أبو عبد الله المصري الفهمي مولاه، توفي سنة 248. (قال: حدثنا أبي) شعيب بن الليث بن سعد، وكان مفتيًا متقنًا توفي سنة 199 (عن جدي) الليث بن سعد عالم أهل مصر كان نظير مالك في العلم، قيل: كان دخله في السنة ثمانين ألف دينارًا، فما وجبت عليه زكاة. (وحدثنا حجاج) بن يوسف بن حجاج أبو محمد (بن أبي يعقوب) الثقفي، كان أبوه شاعرًا. (قال: حدثني حُجين) بضم الحاء المهملة وفتح الجيم آخره نون مصغرا [ابن المثنى اليمامي، ثقة، رئيس، قاضٍ. (حدثنا الليث) بن سعد (عن عقيل) بضم العين مصغر] (¬1) ابن خالد مولى عثمان بن عفان القرشي، مات بمصر سنة 141. (عن) محمد (بن شهاب) الزهري (عن سالم) بن عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهم - (عن) أبيه (عبد الله بن عمر) بن الخطاب -رضي الله عنهم - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد كان يُنَفِّل بعض من كان يبعث من السرايا) أي دون بعض. اعلم أن التنفيل تارة يكون لمن يصدر منه ما يقتضي زيادة من غير تقدم شرط وهو جائز، لكن لا يكون من الغنيمة، بل من سهم المصالح؛ لأن هذا إنعام وجزاء على فعل ماض (¬2) شكرًا بما حصل من نفعه وهو الظاهر هنا، وتارة يشرطه الإمام أو الأمير قبل الإقدام ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) زيادة من (ل).

على ما يستحق به النفل مما سيغنم وهو من باب الجعالة كما تقدم، وقيده ابن الرفعة بالمنقول احترازًا من الأراضي وغيرها. (لأنفسهم خاصة) جزاءً لما اختصوا بفعله دون غيرهم وتنشيطًا لمن لم يفعل (النفل) يعني: الزيادة التي يعطيها لهم (سوى) بضم السين وكسرها، والكسر أفصح، أي: غير (قَسْمِ) بفتح القاف. وفي بعض النسخ: (سوى قسمة) بكسر القاف وزيادة التاء آخره (عامَّة) بتشديد الميم (الجيش) فيه دليل على أن النفل يكون من جملة مال الغنيمة لا من خمس الخمس والمصالح، وهذا هو القديم من مذهب الشافعي كما حكاه في "البسيط" (¬1). قال ابن الرفعة في "المطلب" (¬2): وإذا فرعنا على القول القديم لا يختص النفل بخمس الخمس والمصالح، بل يؤخذ من أصل المال والباقي يكون غنيمة مشتركة، فهل يخمس ما اختصوا به من النفل؟ فيه قولان كما في الرضخ. قال: والشاهد للتخميس ما رواه البيهقي (¬3) بسنده إلى سالم بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش. (والخمس في ذلك [واجب كله]) (¬4) أي: في أربعة أخماس الغنيمة ¬

_ (¬1) انظر: "الوسيط" للغزالي 4/ 533 الذي اختصره من كتابه "البسيط". (¬2) "المطلب العالي في شرح وسيط الغزالي"، والكتاب لا يزال مخطوطًا. (¬3) "سنن البيهقي الكبرى" 6/ 313، والحديث رواه البخاري (3135)، ومسلم (1750). (¬4) ساقط من (ر)، وأثبت من المطبوع.

الذي لعامة الجيش. ثم قال ابن الرفعة: ورواه البخاري في "الصحيح" عن يحيى بن بكير، عن الليث (¬1). والله أعلم. وقال القمولي: مقتضى ما تقدم أن ينقص نصيب الجيش عما يخصهم، وليس كذلك. [2747] (حدثنا أحمد بن صالح) أبو جعفر المصري المعروف بابن الطبري الحافظ، كتب عن ابن وهب خمسين ألف حديث، يعرف الفقه، والنحو والحديث، مات سنة 248. (قال: حدثنا عبد الله بن وهب) أبو محمد الفهري مولاهم المصري، أحد الأعلام قال (حدثنا حيي) بالتصغير ابن عبد الله المعافري، قال ابن معين: ليس به بأس (¬2). (عن أبي عبد الرحمن) عبد الله بن يزيد (الحبلي) بضم الحاء المهملة (عن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج) يوم السبت لثنتي عشرة ليلة خلت من رمضان سنة اثنين (يوم بدر) الكبرى، وهي الثانية، وهي: بئر سميت ببدر بن الحارث حافرها. (على ثلاثمئة وخمسة عشر) هذا يبين ما رواه البخاري عن البراء قال: كنا أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - نتحدث أن عدة أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر ولم يجاوز معه إلا مؤمن بضعة عشر وثلاثمئة (¬3). فتبين أن البضعة عشر: خمسة عشر. ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (3135). (¬2) "تاريخ ابن معين" برواية الدارمي (239). (¬3) "صحيح البخاري" (3958).

قال علاء الدين ابن مغلطاي في "سيرته": عدتهم ثلاثمئة وخمس، وثمانية لم يحضروها إنما ضرب لهم بسهم وأخرهم فكانوا كمن حضروها (¬1). (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اللهم إنهم حفاة) قال الجوهري: الحافي الذي يمشي بلا خف ولا نعل. قال: فأما الذي حفي من كثرة المشي فإنه من حَفٍ بيِّن الحفى مقصور (¬2). ولعل هذا الثاني هو المراد هنا (¬3)، ويدل عليه قوله: (فاحملهم) أي: على دابة فإنهم قد عيوا من كثرة المشي. وفيه دليل على استحباب الدعاء من الأمير وأهل الصلاح للغزاة والحجاج والمسافرين سفر طاعة. (اللهم إنهم عراة فاكسهم) بضم السين وكسرها (اللهم إنهم جياع فأشبعهم) بقطع الهمزة (ففتح الله له) يوم الجمعة (يوم بدر) صبيحة سبعة عشر من شهر رمضان. (فانقلبوا) أي: رجعوا من بدر (حين انقلبوا) حين رجعوا مصحوبين بنعمة الله تعالى ورِبْح، وفرّق (¬4) بعضهم بين الانقلاب والرجوع؛ فإن الانقلاب صيرورة الشيء إلى خلاف ما كان عليه من ربح أو غيره، والرجوع صيرورته إلى ما كان عليه، ويوضح هذا أنك تقول: انقلبت الخمر خلًّا. ولا تقول: رجعت الخمر خلًّا. (وما منهم رجل) هذِه الجملة المنفية اسمية في موضع نصب على ¬

_ (¬1) انظر: "المغازي" للواقدي 1/ 152. (¬2) "الصحاح في اللغة" 6/ 166. (¬3) زيادة من (ل). (¬4) زيادة من (ل).

الحال، وهذِه الواو الداخلة عليها واو الحال، ويجوز حذف هذِه الواو كقوله تعالى: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا} (¬1) (إلا وقد رجع) يدل على أنّ (انقلب) بمعنى (رجع) خلافًا لما تقدم (بجمل) بفتح الجيم (أو) للتقسيم (جملين) من العير التي كانت لقريش مع أبي سفيان، وذلك تحسر وندامة لمن تخلف عن الخروج إلى بدر حيث حرموا أنفسهم ما ظفر به هؤلاء من الثواب في الآخرة، والثناء الجميل في الدنيا من الله ومن خلقه، ومن الجِمال التي رجعوا بها، فاستجاب الله تعالى دعاء نبيه فحملهم على البعير (واكتَسَوا) بعد عريهم (وشبعوا) بعد جوعهم، فلله المنة والفضل. * * * ¬

_ (¬1) الأحزاب: 25.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

شَرْحُ سُنَنِ أَبِي دَاوُد لِابْنِ رَسْلَان [12]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ جميعُ الحقوقِ مَحْفوظَة لِدَارِ الفَلَاحِ وَلَا يجوز نشر هَذَا الْكتاب بِأَيّ صِيغَة أَو تَصْوِيره PDF إِلَّا بِإِذن خطي من صَاحب الدَّار الْأُسْتَاذ/ خَالِد الرَّباط الطَّبْعَةُ الأُولَى 1437 هـ - 2016 م رَقم الْإِيدَاع بدَارِ الكتُب 17164/ 2015 دَارُ الفَلَاحِ لِلبحثِ العِلمي وتَحْقِيق التُّرَاثِ 18 شَارِع أحمس - حَيّ الجامعة - الفيوم ت: 01000059200 [email protected] تطلب منشوراتنا من: • دَار الْعلم - بلبيس - الشرقية - مصر • دَار الأفهام - الرياض • دَار كنوز إشبيليا - الرياض • مكتبة وتسجيلات ابْن الْقيم الإسلامية - أَبُو ظَبْي • دَار ابْن حزم - بيروت • دَار المحسن - الجزائر • دَار الْإِرْشَاد - استانبول • دَارُ الفَلَاحِ - الفيوم

158 - باب فيمن قال: الخمس قبل النفل

158 - باب فِيمَنْ قال: الخُمُسُ قَبلَ النَّفلِ 2748 - حدثنا محَمَّدُ بْن كَثِيرٍ، قالَ: أَخْبَرَنا سفْيان، عَنْ يَزِيدَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جابِرٍ الشّاميِّ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ زِيادِ بْنِ جارِيَةَ التَّمِيميِّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ الفِهْريِّ أَنَّهُ قال: كانَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُنَفِّلُ الثُّلُثَ بَعْدَ الخُمُسِ (¬1). 2741 - حدثنا عُبيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ ميْسَرَةَ الجُشَميُّ، قالَ: حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْن مَهْديٍّ، عَنْ مُعاوِيَةَ بْنِ صالِح، عَنِ العَلاءِ بْنِ الحارِثِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنِ ابن جارَيةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُنَفِّلُ الرُّبُعَ بَعْدَ الخُمُسِ والثُّلُثَ بَعْدَ الخُمُسِ إِذا قَفَلَ (¬2). 2750 - حدثنا عَبْدُ اللهِ بْن أَحْمَدَ بْنِ بَشِيرِ بْنِ ذَكْوانَ وَمَحْمُودُ بْنُ خالِدٍ الدِّمَشْقِيّانِ المَعْنَى، قالا: حدثنا مَرْوانُ بْنُ محَمَّدٍ، قالَ: حدثنا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ قالَ: سَمِعْتُ أَبا وَهْبٍ يَقُول: سَمِعْت مَكْحُولاً يَقولُ: كنْتُ عَبْدًا بِمِصْرَ لامرَأَةٍ مِنْ بَني هُذيْلٍ فَأَعْتَقَتْني فَما خَرَجْتُ مِنْ مِصْرَ وَبِها عِلْمٌ إِلا حَويْث عَليْهِ فِيما أرى ثمَّ أَتيْتُ الِحجازَ فَما خَرَجْتُ مِنْها وَبِها عِلْمٌ إِلا حَويْتُ عَليْهِ فِيما أرى ثمَّ أَتيْتُ العِراقَ فَما خَرَجْتُ مِنْها وَبِها عِلْمٌ إِلا حَويْتُ عَليْهِ فِيما أُرى، ثُمَّ أَتيْتُ الشّامَ فَغَرْبَلْتُها كُلُّ ذَلِكَ أَسْأَل، عَنِ النَّفْلِ فَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا يُخْبِرُني فِيهِ بِشَيء حَتَّى أَتيْتُ شيْخًا يُقالُ لَهُ: زِيادُ ابْن جارِيَةَ التَّمِيميّ فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ سَمِعْتَ في النَّفْلِ شَيْئًا؟ قال: نَعَمْ، سَمِعْتُ حَبِيبَ بْنَ مَسْلَمَةَ الفِهْريَّ يَقُولُ: شَهِدْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَفَّلَ الرّبُعَ في البَدْأَةِ والثُّلُثَ في الرَّجْعَةِ (¬3). ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (2851)، وأحمد 4/ 159. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2455). (¬2) انظر الحديث السابق. (¬3) انظر الحديث السابق برقم (2748). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2456).

باب من قال: الخمس قبل النفل [2748] (حدثنا محمد بن كثير) أبو عبد الله العبدي البصري، أخو سليمان بن كثير (قال: أخبرنا سفيان) بن سعيد الثوري. (عن يزيد بن يزيد بن جابر) الأزدي (الشامي) كان ثقة صالحًا بكاء، خلف مكحولًا بدمشق، لكنه خرج معهم على الوليد. (عن مكحول) أبو عبد الله الهذلي وكان نوبيًّا، وكان من فقهاء الشام. (عن زياد بن جارية) بالجيم. أنكر تأخير الجمعة إلى العصر فأدخل الخضراء (¬1) وذبح وذلك في زمن الوليد (¬2) (التميمي) التميمي من تابعي الشاميين، سماه بعضهم زيدًا، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3)، والصواب ما ذكره المصنف زياد بكسر الزاي وتخفيف الياء، قاله ابن الأثير (¬4). (عن حبيب) بفتح الحاء المهملة (ابن مسلمة) بفتح الميمين، ابن مالك بن وهب (الفِهري) بكسر الفاء القرشي، كان يقال له: حبيب الروم. لكثرة مجاهدته لهم، ولاه عمر ابن الخطاب أعمال الجزيرة، إذ عزل عنها عياض بن غنم وضم إلى حبيب أرمينية وأذربيجان، كان فاضلاً مجاب الدعوة، مات بالشام سنة اثنين وأربعين. (أنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينفل الثلث) من مال الغنيمة. ¬

_ (¬1) زيادة من (ل). (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 9/ 440، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر 19/ 136. (¬3) "الثقات" 4/ 252، قال فيه: من قال: يزيد بن جارية. فقد وهم. (¬4) "جامع الأصول" 12/ 416.

فيه دليل على أنه يجوز أن يكون النفل الذي يشرطه الإمام مما يتوقع أخذه من مال المشركين مجهول القدر وإن كان معلوم الجزئية كالثلث والربع، لكن لا يجوز للإمام فعل ذلك إلا إذا دعت إليه حاجة، ويجوز أن يكون النفل الذي يشرطه أكثر من الربع، وتكون الزيادة مأخوذة من الحديث بإلحاق المسكوت عنه بالمنصوص عليه لكونه في معناه كإلحاق الأمة بالعبد، وإذا وقع التنفيل في مقدار النصف فهو مقطوع به جوازًا، وإن وقع في معظم ما يصيبه المبعوثون فيحتمل تخريجه على الخلاف في ما لو خصصهم في جميع ما يصيبه. واختلفوا في المراد بقوله: (بعد الخمس) فعلى الأصح: أن النفل من خمس الخمس أن الإمام أو الأمير إذا أخرج بالقرعة الخمس الذي [لله - الذي] (¬1) أداؤه (¬2) من الإيمان - يفرد الخمس ثم يقسم الأربعة الأخماس على الغانمين قبل قسمة الخمس على أهله قبل قسمة الخمس وتخميسه [ثم يقسم] (¬3) الخمس فيخرج النفل منه، فإن كان النفل بالثلث فيعطي أهل النفل ثلث الخمس. فعلى هذا يكون التقدير أنه - صلى الله عليه وسلم - كان ينفل الثلث بعد إفراد الخمس. والشاهد على أن النفل من الخمس الحديث المتقدم: فكانت سهامنا أثني عشر بعيرًا، [ونفلنا بعيرًا] (¬4) وأما على القول المرجوح من مذهب الشافعي أن النفل من الأربعة الأخماس بعد الخمس الذي للمصالح (¬5). ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) في (ل): أداه، والمثبت الأنسب. (¬3) سقط من (ر). (¬4) زيادة من (ل). (¬5) انظر: "روضة الطالبين" 6/ 369.

فالتقدير (¬1): كان ينفل الثلث من الأربعة الأخماس بعد خمس المصالح فيخرج بعد الخمس الثلث أو الربع من الأربعة الأخماس، ثم يقسم الباقي بعد النفل بين أصحاب النفل وسائر الغانمين. [2749] (حدثنا عبيد الله) مصغر (بن عمرو) بفتح العين (بن ميسرة الجُشَمي) القواريري البصري، روى له الشيخان (قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان أبو سعيد البصري مولى الأزد أحد الأعلام. قال ابن المديني: كان أعلم الناس بالحديث (¬2). توفي سنة 198. (عن معاوية بن صالح) الحضرمي قاضي الأندلس، صدوق (عن العلاء بن الحارث) الحضرمي الدمشقي الفقيه، قال الذهبي: وثقوه مع قوله بالقدر (¬3). قال أبو داود: ثقة تغير عقله (¬4)، مات سنة 136. (عن مكحول، عن زياد بن جارية) بالجيم والياء بعد الراء (عن حبيب ابن مسلمة) -رضي الله عنه -[قال البخاري: كان له صحبة] (¬5) (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ينفل الربع بعد الخمس) قال الخطابي: فيه أنه أعطاهم ذلك بعد أن خمسوا الغنيمة، فيشبه أن يكون والله أعلم أن الأمرين جائزان (¬6). أي: التنفيل بعد تخميس الغنيمة وقبل ذلك. وهذا الحديث شاهد للأول. وقد اختلفوا في المراد من الجزء في الربع والثلث بحسب اختلافهم في محل النفل. ¬

_ (¬1) في (ل): والتقدير. (¬2) تاريخ بغداد 10/ 245. (¬3) "الكاشف" 2/ 359. (¬4) انظر: "الكاشف" للذهبي 2/ 359. (¬5) زيادة من (ل)، وانظر. "التاريخ الكبير" (2583). (¬6) "معالم السنن" للخطابي 4/ 57.

فقيل: ثلث (¬1) أربعة أخماسها أو ربعها، وقيل: المراد ثلث الجميع أو ربعه، وقيل: المراد ثلث خمس الخمس أو ربعه، ويجوز الزيادة عن الثلث والنقصان عن الربع بالاجتهاد على مذهب الجمهور، وقال مكحول - أحد رواة الحديث - والأوزاعي: لا يجاوز بالنفل الثلث (¬2). (والثلُث بعد الخمُس إذا قَفَل) أي: رجع، والقفول الرجوع من السفر. وقد ذكر البيهقي له سندًا (¬3) فقال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا مخلد بن جعفر الدقاق، قال: حدثنا جعفر بن محمد الفريابي، أخبرنا محمد بن عائذ قال: حدثنا [القاسم بن جميل] (¬4) قال: حدثنا العلاء ابن الحارث [أبو] (¬5) وهب، عن مكحول، عن زياد بن جارية، عن حبيب بن مسلمة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ونفل الربع مما يأتي به القوم في البداءة، وفي الرجعة الثلث بعد الخمس. وكان معاوية بن أبي سفيان (¬6) يُؤَمّر حبيب بن مسلمة على الدروب، وكان إذا قدّم السرية أمامه ينفلها الربع بعد الخمس، وكان إذا ردها خلفه وهو منصرف ينفلها الثلث بعد الخمس (¬7). ورواه الشافعي في رواية أبي عبد الرحمن البغدادي، عنه، عن سفيان [بن عيينة] (¬8)، عن يزيد بن يزيد بن جارية (¬9)، عن مكحول دون ¬

_ (¬1) في (ر): إن. (¬2) انظر "شرح السنة" للبغوي 11/ 115. (¬3) "معرفة السنن والآثار" (12965). (¬4) في (ر): القاسم بن حميد، وفي "معرفة السنن والآثار": الهيثم بن حميل. (¬5) في (ر): ابن. (¬6) زيادة من (ل). (¬7) "معرفة السنن والآثار" (12966). (¬8) زيادة من (ل). (¬9) في "معرفة السنن والآثار": جابر، وهو الصحيح فلم أقف على يزيد بن يزيد بن=

قصة معاوية (¬1). [2750] (حدثنا عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان) الدمشقي المقرئ إمام جامع دمشق (ومحمود بن خالد) بن أبي خالد يزيد (الدمشقيان) بكسر الدال وفتح الميم، ثقة مأمون، مات سنة 249. (المعنى) أي: بالمعنى دون اللفظ (قالا: حدثنا مروان بن محمد) الدمشقي الطاطري، ثقة إمام قانت (¬2) لله (قال: حدثنا يحيى بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي الحضرمي قاضي دمشق السلمي (قال: سمعت أبا وهب) عبد الله بن عبيد الله الكلاعي (يقول: سمعت مكحولاً يقول: كنت عبدًا بمصر) أي: مولى لامرأة) من قيس، وكان سنديًا لا يفصح. وقال الواقدي: كان مولى لامرأة (من بني (¬3) هذيل) وقيل: هو مولى سعيد بن العاص، وقيل: هو مولى لبني ليث، وكان معلم الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز. قال الزهري: العلماء أربعة: ابن (¬4) المسيب بالمدينة، والشعبي بالكوفة، والحسن البصري بالبصرة، ومكحول بالشام، ولم يكن في زمان (¬5) مكحول أبصر بالفتيا منه، وكان لا يفتي حتى يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، هذا رأي، والرأي يخطئ ويصيب. مات سنة ثماني عشرة ومائة (¬6). (فأعتقتني) لما توسمت فيّ الخير وعلمت رغبتي في طلب العلم (فما ¬

_ =جارية، وانظر ترجمته في "سير أعلام النبلاء" 1576 (72). (¬1) ذكره البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (12967). (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) في النسخ: قانتا. والجادة المثبت. (¬4) ساقطة من (ر). (¬5) في (ر): زمن، والمثبت من (ل). (¬6) انظر: "شذرات الذهب" لابن العماد 1/ 140، و"وفيات الأعيان" 5/ 281.

خرجت من مصر وبها علم) أي: من العلوم الشرعية (إلا حويت عليه) أي: حويت أحكامه الظاهرة التي لا يستغني طالب ذلك العلم عنه، وحويت الشيء أي: جمعته (فيما أُرى) بضم الهمزة أي: أظن (ثم) خرجت من مصر و (أتيت الحجاز) لطلب العلم (فما خرجت منها وبها علم إلا حويت عليه فيما أُرى) بضم الهمزة أي: فيما يغلب على ظني (ثم أتيت العراق) سمي عراقًا لاستواء أرضه وخلوها عن جبال تعلو وأودية تنخفض (¬1)، والعراق في كلام العرب الاستواء، قاله الماوردي (¬2). وقال الأزهري في "تهذيبه" عن أبي عمرو: سميت عراقًا لقربها من البحر، وهي على شاطئ دجلة (¬3). والعراقان: الكوفة والبصرة. (فما خرجت منها وبها علم إلا حويت عليه فيما أُرى) وهذا يدل على فضله وذكائه واجتهاده على العلم، ويدل [على] (¬4) استحباب كثرة المشايخ للأخذ عنهم والاجتماع بأهل العلم والسؤال عنهم. (ثم أتيت الشام فغربلتها) أي: نقيت علماءها، وسألت عنهم حتى عرفتهم، وهو مأخوذ من الغربال أي: يأخذ الجيد ويرمي الرديء، وفي الحديث: "كيف أنتم إذا كنتم في زمان يغربل الناس" (¬5) أي: يأخذ أخيارهم. (كل ذلك أسأل عن النفَل) وعن قسمته (فلم أجد أحدًا يخبرني فيه) أي: عنه، كقوله تعالى: {أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ} (¬6) (بشيء، حتى ¬

_ (¬1) في النسخ: تخفض، والمثبت من "الحاوي". (¬2) "الحاوي" 14/ 257. (¬3) "تهذيب اللغة" 1/ 58. (¬4) ساقطة من الأصلين، يقتضيها السياق. (¬5) سيأتي برقم (4342). (¬6) الأعراف: (71).

لقيت شيخًا يقال له: زياد بن جارية) بالجيم الدمشقي (التميمي) من تابعي الشاميين (فقلت له: هل سمعت في النفل شيئًا) من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - (قال: نعم، سمعت حبيب بن مسلمة) بفتح الميم واللام كما تقدم (الفِهري) بكسر الفاء (يقول: شهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: حضرته وقد (نفل الربع في البَدْأَة) بفتح الباء الموحدة، وإسكان الدال المهملة، وبعدها همزة (والثلث في الرَّجعة) بفتح الراء. واختلف الأصحاب في معنى البدأة والرجعة، فقال الأكثرون، وهو الذي أورده الإمام (¬1)، وقال الرافعي أنه المشهور؛ المراد بالبدأة أن ينفذ إليهم سرية في ابتداء دخوله دار الحرب، وبالرجعة أن ينفذ إليهم سرية ثانية بعد رجوعه عن دار الحرب. والثاني: المراد بالبدأة أن يبتدئ بالقول فيقول: من يفتح هذا الحصن وله الثلث إما من غنائمه أو بمثل ربع سهمه من الغنيمة. فلا يجيبه أحد، والرجعة أن يقول: ثانيًا من يفتحه فله الثلث. فيجاب إليه فيكون القول الأول بدأة والثاني رجعة. والثالث: أن يبتدئ بإنفاذ سرية إلى دار الحرب، وبالرجعة أن ينفذ بعدها سرية أخرى بعد رجوعه عنها (¬2). ويشهد للأول الرواية التي ذكرها الشافعي عن أبي عبد الرحمن البغدادي. ¬

_ (¬1) "نهاية المطلب في دراية المذهب" 11/ 461. (¬2) انظر: "الحاوي" 8/ 401.

159 - باب في السرية ترد على أهل العسكر

159 - باب في السَّرِيَّةِ تَرُدُّ علَى أَهْل العَسْكَرِ 2751 - حدثنا قُتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا ابن أَبي عَديٍّ, عَنِ ابن إِسْحاقَ - هُوَ محَمَّد - بِبَعْضِ هذا ح، وَحَدَّثَنا عُبيْدُ اللهِ بْن عُمَرَ بْنِ ميْسَرَةَ، حَدَّثَني هُشيْمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ جَمِيعَا، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعيْبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قال: قالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "المُسْلِمُونَ تتكافَأُ دِماؤُهُمْ يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْناهُمْ ويُجِيرُ عَليْهِمْ أَقْصاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِواهُمْ يَرُدُّ مُشِدُّهُمْ عَلَى مُضْعِفِهِمْ وَمُتَسَرِّيهمْ عَلَى قاعِدِهِمْ لا يُقْتَلُ مُؤمِن بِكافِرٍ وَلا ذُو عَهْدٍ في عَهْدِهِ" .. وَلَمْ يَذْكُرِ ابن إِسْحاقَ القَوَدَ والتَّكافُؤ (¬1). 2752 - حدثنا هارُون بْن عَبْدِ اللهِ، حدثنا هاشِمُ بْن القاسِمِ، حدثنا عِكْرِمَةُ، حَدَّثَني إِياسُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ قال: أَغارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُييْنَةَ عَلَى إِبِلِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَتَلَ راعِيَها وَخَرَجَ يَطْرُدُها هُوَ وَأناسٌ مَعَهُ في خيْل فَجَعَلْتُ وَجْهي قِبَلَ الَمدِينَةِ ثُمَّ ناديْتُ ثَلاثَ مَرّاتِ يا صَباحاهُ. ثُمَّ اتَّبَعْتُ القَوْمَ فَجَعَلْتُ أَرْمي وَأَعْقِرُهُمْ فَإِذا رَجَعَ إِلى فارِس جَلَسْتُ في أَصْلِ شَجَرَةِ حَتَّى ما خَلَقَ اللْهُ شيْئًا مِنْ ظَهْرِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلا جَعَلْتُهُ وَراءَ ظَهْري وَحَتَّى أَلْقَوْا أَكْثَرَ مِنْ ثَلاثِينَ رُمْحَا وَثَلاثِينَ بُرْدَةً يَسْتَخِفُّونَ مِنْها ثُمَّ أَتاهُمْ عُييْنَةُ مَدَدًا فَقال: لِيَقُمْ إِليْهِ نَفَرٌ مِنْكمْ. فَقامَ إِلى أَرْبَعَة مِنْهُمْ فَصَعِدُوا الَجبَلَ فَلَمّا أَسْمَعْتُهُمْ قُلْتُ: أَتَعْرِفُوني؟ قالُوا: وَمَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: أَنا ابن الأَكْوَعِ، والَّذي كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - لا يَطْلُبُني رَجُلٌ مِنْكُمْ فيدْرِكُني وَلا أَطْلُبُهُ فيفُوتُني. فَما بَرِحْتُ حَتَّى نَظَرْتُ إِلى فَوارِسِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَخَلَّلونَ الشَّجَرَ، أَوَّلُهُمُ الأَخْرَمُ الأَسَديُّ فيلْحَق بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُييْنَةَ ويَعْطِفُ عَليْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فاخْتَلَفا طَعْنَتيْنِ فَعَقَرَ الأخرَمُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَطَعَنَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَتَلَهُ فَتَحَوَّلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى فَرَسِ ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (2659) , (2685)، وأحمد 2/ 180. وصححه الألباني في "الإرواء" (2208).

الأخرَمِ فيلْحَقُ أَبُو قَتادَةَ بِعَبْدِ الرَّحْمَنٍ فاخْتَلَفا طَعْنَتيْنِ فَعَقَرَ بِأَبي قَتادَةَ وَقَتَلَهُ أَبُو قَتادَةَ فَتَحَوَّلَ أَبُو قَتادَةَ عَلَى فَرَسِ الأخْرَمِ ثُمَّ جِئْتُ إِلى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وهُوَ عَلَى الماءِ الذي جَلّيْتُهُمْ عَنْهُ ذُو قَرَدِ فَإِذا نَبيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في خمسِمِائَةٍ فَأَعْطاني سَهْمَ الفارِسِ والرَّاجِلِ (¬1). * * * باب في السرية [تردُّ على أهل العسكر] (¬2) [2751] (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل -بفتح الجيم- بن طريف ابن عبد الله الثقفي البلخي البغلاني، مولى الحجاج بن يوسف، قال: (حدثنا) محمد (بن أبي عدي) واسمه إبراهيم مولى بني سليم البصري (عن) محمد (بن إسحاق) صاحب "المغازي " (ببعض هذا) الحديث المتقدم (¬3) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: يرد المسلمون قويهم على ضعيفهم. قال رجاء (¬4): فسمعت سليمان بن موسى يقول له (¬5): حدثني مكحول، عن حبيب بن مسلمة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، نفل في البدأة الربع، وحين قفل الثلث. فقال: أحدثك عن (¬6) أبي عن جديِّ، وتحدثني عن مكحول؟ هكذا رواية ابن ماجه (¬7) وذكر له في ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1807). (¬2) ليست في النسخ، وأثبتت من المطبوع من "السنن". (¬3) كذا" والصواب: الآتي؛ إذ إنه سيذكره ولم يسبق قبل. (¬4) أي الراوي عن عمرو بن شعيب، وهو رجاء بن أبي سلمة. (¬5) أي: يقول لعمرو بن شعيب بعدما سمع منه حديثه. (¬6) زيادة من (ل). (¬7) "سنن ابن ماجه" (2853).

"الأطراف" عدة طرق. (وحدثنا عبيد الله) بالتصغير (ابن عمر بن ميسرة) أبو سعيد البصري قال: (حدثنا هشيم) بن بشير أبو معاوية السلمي الواسطي الحافظ ببغداد، قال يحيى ابن القطان: أحفظ من رأيت سفيان، ثم شعبة، ثم هشيم (¬1). (عن يحيى بن سعيد جميعًا عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده (شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، فيحتمل أن يريد جده الأدنى الحقيقي وهو محمد، فيكون حديثه مرسلًا؛ فإن محمدًا تابعي، ويحتمل أن يريد جده الأعلى المجازي، وهو عبد الله فيكون متصلًا، ولهذا اختلف العلماء في الاحتجاج به، فالأكثرون على الاحتجاج به حملًا على جده الأعلى. (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: المسلمون (¬2) تتكافأ) بهمز آخره (دماؤهم) أي: تتساوى في الديات والقصاص، ومنه قوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} أي: مساويًا له ولا مماثلًا، والمراد أن القاتل إذا كان مساويًا للمقتول في الإسلام وجب القصاص على القاتل، وفهم منه أن اختلافهما في كل شيء غير الإيمان لا يؤثر إجماعًا، فيقتل الكبير بالصغير، والشريف بالوضيع، والصحيح بالمريض، والطويل السمين بالقصير النحيف؛ فان اختلفا في الإسلام فلا قصاص، خلافًا لأبي حنيفة (¬3)، كما سيأتي في آخر الحديث: "لا ¬

_ (¬1) "المجروحين" 1/ 49. (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) "الأصل" 4/ 488.

يقتل مؤمن (¬1) بكافر". واحتج الشافعي في "الأم" (¬2) بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} (¬3) فخص المؤمن بالذكر، وأراد: إذا كان القتل بين المؤمنين، وأيضا إذ قال: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ}؛ لأنه جعل الأخوة بين المؤمنين فقال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}، ومفهوم قوله: "المسلمون تتكافأ دماؤهم". يمنع من حمل الكافر في آخر الحديث على الحربي. وأيضا فقد استدل له من القياس، بأنه لا يقتل بالمستأمن بلا خلاف، مع أنه في تحريم القتل كالذمي، فإذا لم يقتل بأحد الكافرين لا يقتل بالآخر (يسعى بذمتهم) قيل: يأخذ بالضمان منهم (أدناهم) أي: عبيدهم، ومن ذلك سميت أهل الذمة؛ لدخولهم في ضمان المسلمين كما قال أبو عبيد: لأنهم أدنى من الأحرار. وقد استدل النخعي وداود بهذا الحديث على أن القصاص يجب على قاتل عبده؛ لعموم قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (¬4)، وبهذين (¬5) استدل الحنفية على [أنَّ] (¬6) القصاص يجب في النفس ولا يجب في الأطراف إذا كان المقتول عبد غيره، ولا ¬

_ (¬1) في الأصلين: مؤمنًا، والجادة ما أثبتناه. (¬2) "الأم" 6/ 56. (¬3) البقرة: 178. (¬4) المائدة: 45. (¬5) في (ر): وبهذا. (¬6) زيادة يقتضيها السياق.

يجب فيما إذا قتل عبد نفسه (¬1). وأجاب الماوردي عن الآية بأنها تضمنت نفسًا وأطرافًا، فلما خرج العبد من حكم الأطراف، خرج من حكم النفوس (¬2). وهذا يحسن أن يجاب به الحنفية. وأجيب عن الحديث بأنه عليه الصلاة والسلام جعل العبد أدناهم، ومن كان أدنى لم يجز أن يؤخذ بالأعلى. فإن قيل في جواب الحنفية بالفرق بين النفس والطرف: أن الطرف يعتبر فيه المماثلة؛ إذ لا تؤخذ السليمة بالشلاء المريضة، ولا تؤخذ الأيدي بيد واحدة، والمماثلة غير معتبرة في النفوس، إذ (¬3) يقتل الصحيح بالمريض، والجماعة بالواحد، فلذلك فرق بين النفس والأطراف. قلنا: جوابه أنهما عندنا سواء؛ لأنا نقطع الجماعة بالواحد، ونقتل الصحيح بالمريض، وإنما لم تقطع غير الشلاء بالشلاء؛ لأنها عندنا كالميتة، ونحن لا نقتل الحي بالميت. وقال أبو عبيد (¬4): المراد بالذمة في الحديث الأمان ها هنا، والمراد: أن الرجل إذا أعطى العدو أمانا جاز ذلك على جميع المسلمين، وليس لهم أن يخفروه كما أجاز عمر -رضي الله عنه - أمان عبد على ¬

_ (¬1) انظر: "تبيين الحقائق وحاشية الشلبي" 6/ 172. (¬2) "الحاوي" في فقه الشافعي 18/ 12. (¬3) بعدها في (ر): لا. خطأ. (¬4) "غريب الحديث" 4/ 55.

جميع العسكر (¬1)، وسمي المعاهد ذميًّا لأنه أعطي الأمان على ذمته (¬2). (ويجير) بالراء (¬3). أي: يؤمن المؤمن من الكفار (عليهم) أي: على المسلمين وإن كان (أقصاهم) أي: أبعدهم، وليس لأحد من المؤمنين إخافته. قال الله تعالى: {وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ} (¬4) أي: يُؤَمِّن من أخافه غيره (¬5) ولا يؤمن غيره (¬6) إذا أخافه. قال البغوي وغيره: حد القرب الذي يرد عليه ما يتصور فيه الإمداد عند الحاجة. وقال القفال: حد القرب بالاجتماع في دار القرب والأقصى ما فوق ذلك (¬7). (وهم يد) أي: جماعة مجتمعون (على من سواهم) من الكفار، ويتعاونون على أعدائهم من أهل الملل، لا يخذل بعضهم بعضًا، وقيل: اليد القوة أي: هم قوة على من سواهم؛ قال الله تعالى: {أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ} (¬8) أي: أولي القوة والبصائر، وهو بمعنى القول الأول؛ فإنهم إذا اجتمعوا على الأعداء وتآلفت قلوبهم على قتالهم، صارتْ لهم قوة وقدرة على من سواهم (يرد مُشِدُّهم) بضم الميم وكسر الشين المعجمة وتشديد الدال. أي: من له دواب ¬

_ (¬1) في (ر): المسلمين. (¬2) في النسخ: دمه. والمثبت من "غريب الحديث". (¬3) في الأصلين: بالزاي. (¬4) المؤمنون: 88. (¬5) في النسخ: عليه. والمثبت من "شرح السنة" 11/ 90. (¬6) ساقطة من (ر). (¬7) انظر: "الوسيط" 4/ 545. (¬8) سورة ص: 45.

شديدة قوية. (على مُضْعِفهم) أي: من دوابه ضعيفة، ورواية ابن ماجه المتقدمة: لا نفل بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرد المسلمون قويهم على ضعيفهم (¬1). مما يكتسبه من الغنيمة، وقال عمر -رضي الله عنه -: المضعف أمير على أصحابه (¬2). قال في "النهاية": يريد في الحديث أن القوي من الغزاة يساهم الضعيف فيما يكتسبه من الغنيمة (¬3). يقال (¬4): أضعف الرجل فهو مضعف إذا ضعفت دابته، ومن حديث عمر: المضعف أمير أصحابه. يعني: أنهم يسيرون بسيره في السفر. (ومتسريهم) المتسري (¬5) الذي يخرج في السرية بإذن الإمام، يروى في بعض النسخ: متسرعهم (¬6) بالعين، بل أكثر النسخ، والمراد به من يستحق العشر من الغنيمة، يرد ما أخذه على القاعد، وخرج بالمعشر من لا يستحق العشر كالعبد والمرأة والصبيان، والمعنى أن الإمام إذا ميز الجيش بنفسه (¬7) وهو خارج إلى أرض العدو، فإذا غنموا شيئًا كان بينهم وبين بقية الجيش عامة؛ لأنهم أولهم، فإن كان خروج السرية من ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (2853). (¬2) ذكره ابن قتيبة في "غريب الحديث" 1/ 429. (¬3) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 451. (¬4) انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/ 88. (¬5) في النسخ: ومتسيرهم والمتيسر. كذا. والصواب ما أثبتناه كما في مطبوع "السنن" وما يقتضيه المعنى. (¬6) كذا: وشرحه لها يخالف هجاءها هنا، فكأنه أراد: معشرهم. (¬7) بعدها في (ل) بياض بمقدار كلمة.

البلد، فإنهم لا يردون على الجيش شيئًا. قاله المنذري. (على قاعدهم) أي: على القاعدين الذين كانوا عونًا له على الخروج في السرية وهو في العسكر الذين ظهرت منهم العسكر مما حصل له من الغنائم، وعليه بوب المصنف: باب (¬1) في السرية ترد على أهل العسكر. وقال أحمد بن حنبل في رواية أبي طالب (¬2): قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "السرية ترد على العسكر، والعسكر يرد على السرية" (¬3). (لا يقتل مؤمن بكافر) سواء كان له عهد وذمة أو لا. وخالف أبو حنيفة في الذمي فقال: المسلم يقتل بالذمي دون المعاهد. ومعنى الخبر عنده: لا يقتل مؤمن بكافر حربي (ولا ذو عهدة في عهده) بكافر حربي، إذ هو يقتل بالمعاهد، وقال الشافعي: الكافر يعم الذمي وغيره، فما الفرق؟ واعترض أبو داود على ذلك فقال: ليس هذا الجواب بقوي (¬4)، إذ عموم حديث لا يمنع من تخصيص آخر، ولكن الأقوى أن يقال: أمرنا بقتال أهل الحرب، فلا يظن أحذ (¬5) أنه يجب علينا فيهم القود فيحتاج إلى تقييد. قال ابن الرفعة: وما ذكره من الجواب صحيح دون الاعتراض. ¬

_ (¬1) في (ر): كانا. والمثبت المناسب للسياق. (¬2) بعدها في (ل): بياض بمقدار كلمة، انظر: "شرح الزركشي" 6/ 516. (¬3) بعدها في (ل): بياض بمقدار كلمتين. (¬4) في (ر): يقوى. (¬5) في الأصلين: أحدًا، والجادة ما أثبتناه.

فإن (¬1) الشافعي: لم يذكره إلا لأجل الاستنطاق بالعلة المقتضية للتعميم الموجود في محل النزاع، ومفهوم قوله في ابتداء الحديث: "المسلمون تتكافأ دماؤهم" يمنع من حمل باقي عجزه على الحربي. (ولا ذو عهدٍ في عهده) هذا كلام تام بنفسه، وقوله (¬2): ولا ذو عهدة أي: لا يقتل معاهد ما دام في عهده، وعلى قول أصحاب أبي حنيفة، فيه تقديم وتأخير تقديره: لا يقتل مؤمن ولا ذو عهدة [في عهده] (¬3) بكافر، وعلى الأول يدل قوله (¬4) في أول الحديث: "المسلمون تتكافأ دماؤهم". ويستدل له من القياس بأنه لا يقتل بالمستأمن بلا خلاف مع أنه في تحريم القتل كالذمي، فإذا لم يقتل في عهده بأحد الكافرين لا يقتل بالآخر (ولم يذكر) محمد (بن إسحاق القَوَد) بفتح القاف والواو هو القصاص (والتكافؤ) بهمزة آخره وهو المساواة في القصاص والديات، ومنه المكافأة في النكاح. [2752] (حدثنا هارون بن عبد الله) بن مروان أبو موسى البغدادي البزار، قال (حدثنا هاشم بن القاسم) أبو النضر الحافظ قيصر ثقة، يفتخر به أهل بغداد، قال (حدثنا عكرمة قال: حدثني إياس) بكسر الهمزة وتخفيف المثناة تحت (ابن سلمة) الأكوع (عن أبيه) سلمة بن الأكوع، ويقال: سلمة بن عمرو بن الأكوع [واسم الأكوع] (¬5) سنان ¬

_ (¬1) في (ر): قال: (¬2) زيادة من (ل). (¬3) زيادة من (ل). (¬4) بعدها في (ر): تعالى. (¬5) ساقطة من (ر).

ابن عبد الله بن قُشير بضم القاف وتخفيف الشين المعجمة مصغر. (قال: أغار عبد الرحمن بن عُيينة) بضم العين مصغر بن حصن (على إبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) التي بالغابة، وكانت عشرين لقحة (فقتل راعيها) قال ابن سعد (¬1): قتلوا ابن أبي ذر (وخرج يطردها هو وأناس معه في خيل) أي: على خيل. كقوله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ} أي؛ على جذوع. وذكر ابن سعد (¬2) أن الخيل كانت أربعين فارسًا. (فجعلت وجهي قِبَل المدينة) بكسر القاف. أي: مقابلها (ثم ناديت ثلاث مرات: يا صباحاه) قال القرطبي (¬3): هاؤه ساكنة، وهو يشبه المنادى المندوب، وليس به. ومعناه هنا: الإعلام بهذا الأمر المهم الذي قد دهمهم في الصباح. قال النووي (¬4): فيه جواز مثل هذا للإنذار بالعدو ونحوه (ثم أتبعت) بفتح الهمزة وسكون المثناة (القوم) على وجهي حتى أدركتهم، وقد أخذوا بذي قَرد بفتح القاف وهم يستقون الماء والزاد، هو ماء على نحو يوم من (¬5) المدينة مما يلي بلاد غطفان (فجعلت أرمي) القوم بنبلي، وكنت راميًا (وأعقرهم) قال النووي (¬6): أي: أعقر خيلهم. وفيه ¬

_ (¬1) "الطبقات الكبرى" 2/ 80. (¬2) "الطبقات الكبرى" 2/ 80. (¬3) "المفهم" 3/ 673. (¬4) "شرح مسلم" 12/ 173. (¬5) ساقطة من (ر). (¬6) "شرح مسلم" 12/ 179.

جواز عقر خيل العدو في القتال (¬1) قال المنذري: عقر فلان بفلان إذا قتل دابته من تحته وجعله راجلًا. (فإذا رجع إلى فارس) أي: منهم (جلست) مستترًا منه (في أصل شجرة) يحتمل أن يستتر بالجلوس خلفها. (حتى ما خلق الله شيئًا) أي: بعيرًا، كما في رواية البيهقي (¬2) (من ظَهْر) أي: من ظهور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي يركب عليها هو وأصحابه (النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا خلفته) (¬3) بتشديد اللام، قال الجوهري (¬4): تقول: خلفت فلانًا ورائي فتخلف عني. أي: تأخر. انتهى، قال: وخليا القوم بيني وبين الظهر واتبَعْتُهُم أرميهم (وراء ظهري وحتى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحًا وثلاثين بُردة) بضم الباء الموحدة وإسكان الراء، قال الجوهري (¬5): كساء أسود مربع فيه صور تلبسه الأعراب. (يستخِفّون منها) أي: من حملها. رواية مسلم في "صحيحه" (¬6): ولا يطرحون شيئًا إلا جعلت عليه آرامًا من الحجارة يعرفها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه (¬7) حتى أتوا متضايقًا من ثنية و (ثم أتاهم عيينة) بن حصين ¬

_ (¬1) بعدها في (ل) بياض، وفي (ر): عقرتهم. (¬2) "سنن البيهقي الكبرى" 9/ 88. (¬3) ورد بعدها في الأصل: نسخة: جعلته. (¬4) "الصحاح في اللغة" 4/ 44. (¬5) "الصحاح في اللغة" 2/ 9. (¬6) "صحيح مسلم" (1708). (¬7) زيادة من (ل).

الفزاري (مددًا) أي: زيادة لهم في القوة على عدوهم، فجلسوا يتضحون. أي: يتغدون وجلست على رأس قرن بفتح القاف وإسكان الراء وهو الجبل الصغير، قال الفزاري: ما هذا الذي أرى قالوا: لقينا من هذا البرح، والله ما فارقنا منذ غلس يرمينا حتى انتزع كل شيء في أيدينا (¬1). (فقال: ليقم إليه نفر منكم، فقام إليه منهم أربعة) نفر (قال: فصعِدوا) بكسر العين، رواية مسلم: فصعد إلى أربعة منهم (الجبل فلما أسمعتهم) رواية مسلم: فلما أمكنوني من الكلام (قلت: أتعرفونني؟ قالوا: لا، ومن أنت؟ قال: قلت: أنا) سلمة (ابن الأكوع) فيه تسمية الرجل نفسه للعدو ليعرفوه إذا كان مشهورًا عندهم بالنجدة والشجاعة. (والذي كرَّم) بتشديد الراء (وجه محمد - صلى الله عليه وسلم -) على وجوه بني آدم (لا يطلبني رجل منكم فيدركني) برفع المضارعين؛ إذ لا طلب فيهما. (ولا أطلبه فيفوتني) رواية مسلم: إلا أدركته. فيه مدح الإنسان نفسه عند العدو، ووصفه (¬2) بالشجاعة ليرهب خصمه ويوقع الرعب في قلوبهم كقول علي: أنا الذي سمتني أمي حيدرة ... أكيلهم بالسيف كيل السندرة (¬3) ¬

_ (¬1) كما عند مسلم (1807). (¬2) في (ل) , (ر): وصفه. والمثبت هو الصواب. (¬3) هو عند مسلم أيضًا. وقول علي: (أنا الذي سمتني أمي حيدرة)؛ حيدره: من أسماء الأسد، وله أسماء كثيرة. وكان علي سماه أبوه عليًّا، وسمته أمه أسدًا باسم أبيها، فغلب عليه ما سماه به أبوه. انظر: "المفهم" 3/ 682 - 683، و"إكمال المعلم" 6/ 197.

زاد مسلم: أنا أظن، قال: فرجعوا (فما بَرِحت) بكسر الراء. أي: من مكاني. (حتى نظرت إلى فوارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخللون) بالخاء المعجمة (الشجر) قال النووي (¬1): أي: يدخلون من خلالها. أي: بينها، ومنه {يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ} (¬2)، ومنه: "أرى الفتن خلال بيوتكم" (¬3). (أولهم الأخرم) بالخاء المعجمة والراء، قال ابن الأثير (¬4): اسمه محرز بضم الميم وسكون الحاء المهملة وكسر الراء بعدها زاي ابن نضلة بفتح النون وسكون الضاد المعجمة (الأسدي) بفتح السين، من أسد بني خزيمة. زاد مسلم: وعلى أثره أبو قتادة الأنصاري، وعلى أثره المقداد بن الأسود، قال: فأخذت بعنان الأخرم قال: فولوا مدبرين، قلت: يا أخرم آحذرهم لا يقتطعونك حتى تلحق برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، قال يا (¬5) سلمة: إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فلا تحل (¬6) بيني وبين الشهادة. قال: فخليته (فيلحق) بالياء قبل اللام (بعبد الرحمن بن عيينة) بن حصن، قال ابن إسحاق: إنما هو حبيب ابن عيينة، ولم تعرف العرب عبد الرحمن، ولا تسمي به، فانظره. ورواية مسلم موافقة لأبي داود، والعمل على قولهما أولى من ابن ¬

_ (¬1) "شرح مسلم" 12/ 179. (¬2) النور: 43. (¬3) رواه البخاري (1878)، ومسلم (2885) من حديث أسامة. (¬4) جامع الأصول في أحاديث الرسول 12/ 196. (¬5) ساقطة من (ر). (¬6) في (ل) , (ر): تحول. والصواب ما أثبتناه.

إسحاق (¬1). (ويعطف عليه عبد الرحمن) بن عيينة (فاختلفا طعنتين) رواية مسلم: فالتقى هو وعبد الرحمن (فعقر) بفتح العين (الأخرم عبد الرحمن) أي: جرحه (وطعنه عبد الرحمن فقتله) فمات شهيدًا. فيه جواز المبارزة بغير إذن الإمام، وهو حجة على من كرهها مطلقًا وهو الحسن، وعلى من اشترط في جوازها إذن الإمام (¬2). (وتحول عبد الرحمن على فرس الأخرم) المقتول (فيلحق) بالياء بعد الفاء، ورواية مسلم: ولحق. بحذف الياء (أبو قتادة) فارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (بعبد الرحمن) بن عيينة [(فاختلفا طعنتين) بينهما (فعقر بأبي قتادة) طعنه (وقتله أبو قتادة) قال ابن إسحاق (¬3): ولما تلاحقت الخيل قتل أبو قتادة حبيب بن عيينة] (¬4) بن حصن، وغشاه بُرْدَهُ ثم لحق بالناس، وأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسلمين. قال ابن هشام (¬5): فإذا حبيب مسجى ببرد أبي قتادة، فاسترجع الناس، وقالوا: قتل أبو قتادة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس بأبي قتادة، ولكنه قتيل لأبي قتادة"، ووضع عليه برده؛ ليعرفوا أنه صاحبه. (فتحول أبو قتادة) الحارث بن ربعي الأنصاري (على فرس الأخرم) ¬

_ (¬1) انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض 6/ 194، و"فتح الباري" لابن حجر 7/ 462. (¬2) انظر: "المفهم" للقرطبي 3/ 683. (¬3) انظر: "سيرة ابن هشام" 2/ 284. (¬4) ساقطة من (ر). (¬5) "سيرة ابن هشام" 2/ 284.

فوالذي كرم وجه محمد لتبعتهم على رجلي حتى ما أرى ورائي من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ولا غبارهم شيئًا، حتى يعدلوا قبل غروب الشمس إلى شعب فيه ماء يقال له: ذو قرد ليشربوا منه وهم عطاش. قال: فنظروا [إليّ] (¬1) أعدو وراءهم فحليتهم عنه، فما ذاقوا منه قطرة (¬2). (ثم جئت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على الماء الذي حَلّيتهم) بفتح الحاء المهملة واللام المشددة بلا همز (عنه) أي: طردتهم عنه، وقد فسره مسلم في الحديث بقوله: يعني: أجليتهم عنه بالجيم. قال القاضي: وروايتنا فيه هنا بغير همز، وأصله الهمز فسهله (¬3). والرواية المشهورة التي وقع: جليتهم. بالجيم والياء آخر الحروف. قال المنذري: جلا عن الوطن يجلو جلاءً، وأجلى يجلي إجلاء إذا خرج مفارقًا، والرواية الأخرى: حلأتهم بفتح الحاء المهملة وتشديد اللام مهموز. أي: طردتهم، وأصله الهمز فسهله هنا، والذي وقع جليتهم بالجيم والياء آخر الحروف فيه نظر. يقال له (¬4) (ذو قَرَد) بفتح القاف، المشهور فتح القاف والراء، وقد قيل فيه بضمها: ماء على نحو يوم من المدينة، كما تقدم، والقَرَد في اللغة هو: الصوف الرديء. قاله السهيلي (¬5). ¬

_ (¬1) ليست في (ل) , (ر) والسياق يقتضيها. (¬2) وهذا من رواية مسلم. (¬3) "إكمال المعلم" 6/ 199. (¬4) زيادة من (ل). (¬5) "الروض الأنف" 4/ 3.

(فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خمسمائة، فأعطاني) قال الخطابي (¬1): يشبه أن يكون أعطاه من الغنيمة (سهم الراجل) حسب؛ لأن سلمة كان راجلًا في ذلك اليوم (و) أعطاه سهم (الفارس) زيادة له نفلًا لما كان من حسن بلائه. قال ابن المنذر (¬2): قد صح أن سلمة كان أجيرًا لطلحة حين أدرك عبد الرحمن بن عيينة لما أغار على سرح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - سهم الفارس والراجل. وهذا المعنى لأحمد بن حنبل، ومسلم في حديث طويل (¬3). قال (¬4): ويحمل هذا على أجير يقصد مع الخدمة الجهاد (¬5). وحديث يعلي بن منبه المتقدم يحمل على من لا يقصد الجهاد أصلًا. وروى البيهقي (¬6) خبرًا مسندًا عن عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة، عن أبيه قال: كنت خادمًا لطلحة بن عبيد الله، أسقي فرسه، وأحسه، وآكل من طعامه، وتركت أهلي ومالي مهاجرًا إلى الله ورسوله. وذكر قصة إغارة ابن عيينة الفزاري على ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فلما أصبحنا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خير فرساننا اليوم أبو قتادة، ¬

_ (¬1) معالم السنن" للخطابي 2/ 315. (¬2) ينظر: "الأوسط" 6/ 174 - 175. (¬3) "المسند" 4/ 48، ومسلم (1807). (¬4) هكذا في الأصل، وفي "المغني" 13/ 166: قال القاضي. (¬5) انظر: "المغني" لابن قدامة 13/ 166. (¬6) "معرفة السنن والآثار" (13064).

وخير رجالنا سلمة"، قال: ثم أعطاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: سهم الفارس، وسهم الراجل. وذكر البيهقي تلو ذلك سندًا متصلًا، وقال: إنه رواية مسلم (¬1). وللشافعي في الأجير على سياسة الدواب ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا يستحق؛ لأنه لم يخرج لقصد النصرة، ويشهد له رواية يعلي بن أمية المتقدمة (¬2). والثاني: يستحق إن قاتل، وإن لم يقاتل فلا، ويشهد له هذا الحديث. والثالث: أنه يخير بين إسقاط الأجرة وطلبها، فإن أعرض عن الأجر استحق السهم وإلا فلا (¬3). ولقائل أن يقول: ليس في الحديث المتقدم أن سلمة كان مستأجرًا، وعلى تقدير ذلك فليس في الخبر ما يدل على أنه -عليه السلام- قضى له بالسهم مع الأجرة، وذلك هو المدعى. ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1807). (¬2) في (ل) , (ر): المتقدم. والصواب ما أثبتناه. (¬3) "الأم" 5/ 321.

160 - باب في النفل من الذهب والفضة ومن أول مغنم

160 - باب في النَّفْلِ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ ومِنْ أَوَّلِ مَغْنَمٍ 2753 - حدثنا أَبُو صالِحٍ مَحْبُوبُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنا أَبُو إِسْحاقَ الفَزاريُّ، عَنْ عاصِمِ بْنِ كُليْبٍ، عَنْ أَبي الجُويْرِيَةِ الجَرْميِّ قال: أَصَبْتُ بِأَرْضِ الرُّومِ جَرَّةً حَمْراءَ فِيها دَنانِيرُ في إِمْرَةِ مُعاوِيَةَ وَعَليْنا رَجُلٌ مِنْ أَصْحابِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ بَني سُليْم يُقالُ لَهُ: مَعْنُ بْنُ يَزِيدَ، فَأَتيْتُهُ بِها فَقَسَمَها بيْنَ الُمسْلِمِينَ وَأَعْطْاني مِنْها مِثْلَ ما أَعْطى رَجُلاً مِنْهُمْ، ثُمَّ قالَ: لَوْلا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لا نَفْلَ إِلَّا بَعْدَ الخُمُسِ" .. لأَعْطيْتُكَ. ثمَّ أَخَذَ يَعْرِضُ عَليَّ مِنْ نَصِيبِهِ فَأَبيْتُ (¬1). 2754 - حدثنا هَنّادٌ، عَنِ ابن الُمبارَكِ، عَنْ أَبِي عَوانَةَ، عَنْ عاصِمِ بْنِ كُليْبٍ بإِسْنادِهِ وَمَعْناهُ (¬2). * * * باب النفل (¬3) من الذهب والفضة ومن أول مغنم [2753] (حدثنا أبو صالح محبوب) بالحاء المهملة (بن موسى) أبو صالح الأنطاكي (قال: أخبرنا أبو إسحاق) إبراهيم بن محمد بن الحارث (الفزاري) قال أبو حاتم: ثقة مأمون وله تصانيف (¬4). (عن عاصم بن كليب) بن شهاب الجرمي (عن أبي الجويرية) بضم الجيم والتصغير، التابعي حطان - بكسر الحاء المهملة وتشديد الطاء ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 470، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/ 242. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2459). (¬2) انظر الحديث السابق. (¬3) ساقطة من (ر). (¬4) "الجرح والتعديل" 1/ 282.

المهملة وبالنون - بن خفاف، بضم الخاء المعجمة وتخفيف الفاء (¬1) الأولى (الجَرْمي قال: أصبت بأرض الروم جرَّةً) بفتح الجيم والراء. وفي بعض النسخ: صرة. بضم الصاد المهملة. والجرة: الإناء من الفخار (حمراء) بفتح الحاء المهملة والمد. (فيها دنانير في إمرة) بإسكان الميم وحذف الهمزة. أي: إمارته، قال الجوهري (¬2): [ومن الأمر] (¬3) لا تقل: إمرة بالكسر، إنما الإمرة من الولاية (معاوية) بن أبي سفيان، الناصر لحق الله، وكانت أيام إمارته تسع عشرة سنة (¬4) وثمانية أشهر، ودفن بدمشق وكان عنده من شعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وظفره فقال: احشوا منخري وشدقي من شعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأظفاره، وخلوا بيني وبين أرحم الراحمين. (وعلينا رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من بني سُليم) بضم السين وفتح اللام ابن منصور (يقال له: ) أبو يزيد (معن بن يزيد) بن الأخنس، بفتح الهمزة وسكون الخاء المعجمة وفتح النون وبالسين المهملة، من بني بهثة - بضم الباء الموحدة وإسكان الهاء ثم ثاء مثلثة - ابن سليم بن خصفة، شهد بدرًا فيما قيل، ولا يعرف من شهد هو وأبوه وجده بدرًا غيرهم، وقيل: لا يصح شهوده بدرًا، يعد في الكوفيين (فأتيته بها) فيه دليل ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) "الصحاح في اللغة" 2/ 142. (¬3) كذا في (ل، ر)، وفي "الصحاح": وقولهم: لك علي أمرةٌ مطاعةٌ. معناه: لك علي أمرة أطيعك فيها، وهي المرة الواحدة من الأمر. (¬4) ساقطة من (ر).

على ما قاله الجمهور أن المال الذي يؤخذ في دار الكفار على هيئة اللقطة أنه غنيمة يحضره الآخذ إلى أمير الجيش، ولا يختص به الآخذ، وهذا إذا علم أنه للكفار، فإن كان هثاك مسلمون أو أمكن أن يكون ضالة لبعض الجيش وجب تعريفه. وقال الإمام والغزالي (¬1): المأخوذ على هيئة اللقطة هو من أخذه بناء على أن المسروق من أخذه. هكذا قاله الرافعي والنووي (¬2)، وتعقبه ابن الصلاح، وقال: هذا موقع الغلط، وحقه أن يقول: لقطة دار الحرب تنقسم إلى الأقسام الثلاثة، وهي أنه إن وصل إليها الآخذ بقتال المسلمين لهم فهو غنيمة، وإن وصل إليها بانجلاء الكفار خوفًا من غير قتال فهي فيء، وإلا فغنيمة. (فقسمها) أي: قسم الدنانير (بين المسلمين) كما يقسم الغنيمة، وأما الصرة وهي الخرقة المصرور فيها الدنانير فلم يذكر قسمتها؛ إذ لا قيمة لها، وما ذكرته من الصرة هو الظاهر في الرواية، وأما الجرة من الجرار الخزف فبعيد؛ لأن غالب الناس لا يقدر على حملها لثقل الذهب، إلا أن يحمل قوله: فيها دنانير. على أن فيها بعض دنانير، وهذا خلاف الظاهر، وظاهر قوله: فقسمها بفاء التعقيب يدل على استحباب مبادرة الأمير إلى قسمة الغنيمة في بلاد الكفار إذا لم يكن عذر، كما إذا خافوا كرة العدو، ولا يؤخرها إلى أن يقسمها الإمام الذي ولاه في بلاد الإسلام، كما اتفق فيما غنمه المسلمون في غزوهم في سنة تسع وعشرين وثمانمائة، حيث ¬

_ (¬1) "نهاية المطلب" 3/ 363 - 364، "الوسيط" 7/ 32. (¬2) "الشرح الكبير" 11/ 425، "روضة الطالبين" 10/ 260.

أخروا القسم إلى أن رجعوا إلى مصر بالأسرى والأعيان التي غنموها. (وأعطاني منها مثلَ) بالنصب مثل (¬1) (ما أعطى رجلاً منهم) أي: من غير زيادة على سهمه ولا نقصان (ثم) اعتذر إليه؛ لكونه لم يزده شيئًا في مقابلة إتيانه بها (قال: لولا أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول)، فيه دليل على أنه يستحب للإمام أو الأمير إذا فعل أحد من الرعية فعلًا وترك مجازاته عليه؛ لتعلق حق الغير به، أن يعتذر إليه من ذلك فيقول: ما تركت إعطاءك انتقاصًا بك، بل لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا نَفَل) أي: لا يعطى النفل (إلا بعد) إخراج (الخمس) المعد للمصالح (لأعطيتك) زيادة على سهمك، فيه دليل على جواز التنفل من الذهب والفضة كما بوب عليه المصنف (ثم أخذ يَعرِض) بفتح أوله وكسر ثالثه (عليَّ من نصيبه) أي: سألني أن آخذ من نصيبه. فيه أن من فعل شيئًا لا يستحق به شيئًا (¬2) يلاطفه (فأبيت) أن آخذ شيئًا منه. [2754] (حدثنا هناد) بفتح الهاء والنون المشددة (بن السري) بن مصعب التميمي (عن) عبد الله (بن المبارك) الإمام (عن أبي عوانة) اسمه الوضاح مولى يزيد بن عطاء، الحافظ، المشهور (عن عاصم بن كليب) الجرمي (بإسناده) عن أبي الجويرية (ومعناه) في الحديث قبله. ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) في (ر): أشياء.

161 - باب في الإمام يستأثر بشيء من الفيء لنفسه

161 - باب في الإِمام يَسْتَأْثِرُ بِشَيء مِنَ الفَيء لِنفْسِهِ 2755 - حدثنا الوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ، حدثنا الوَلِيدُ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ العَلاءِ أنَّهُ سَمِعَ أَبا سَلامٍّ الأسوَدَ قالَ: سَمِعْت عَمْرَو بْنَ عَبَسَةَ قال: صَلَّى بِنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلى بَعِيرٍ مِنَ المغْنَم فَلَمّا سَلَّمَ أَخَذَ وَبَرَةً مِنْ جَنْبِ البَعِيرِ، ثمَّ قالَ: "وَلا يَحِلُّ لي مِنْ غَنائِمِكُمْ مِثْل هذا إِلَّا الخُمُسَ، والخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ" (¬1). * * * باب في الإمام يستأثر بشيء من الفيء لنفسه [2755] (حدثنا الوليد بن عتبة) بإسكان التاء المثناة فوق، أبو العباس الأشجعي (قال: حدثنا الوليد) بن مسلم عالم الشام، قال: (حدشما عبد الله بن العلاء) بن زَبْر، بفتح الزاي وإسكان الموحدة الربعي بفتح الراء والباء الموحدة، الدمشقي. (أنه سمع أبا سلَّام) بتشديد اللام ممطور (الأسود) الحبشي الدمشقي (قال: سمعت عمرو بن عَبَسة) بفتح الباء الموحدة، بن عامر بن خالد بن غاضرة، بالغين والضاد المعجمتين، ابن عتاب بن امرئ القيس بن بهثة ابن سليم السلمي. (قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بعير) فيه جواز الصلاة إلى الدابة ليس بينه وبينها حائل (من المغنم، فلما سلَّم) من صلاته (أخذ وَبَرَةً) بفتح الباء الموحدة، من وبر البعير (من جنب البعير) هذِه الرواية تبين رواية ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في "مسند الشاميين" (805)، والحاكم 3/ 616 - 617. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2460).

الشافعي في القديم (¬1): عن أبي سلام، عن أبي أمامة، عن عبادة بن الصامت: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ وبرة من بعير، وفي رواية: أخذ وبرة من الأرض. وذكره في "البسيط" وزاد فيه: أن ذلك حين انصرافه من خيبر. وفي "الوسيط" (¬2): أخذ وبرة البعير أو من غيره، وأخرج البيهقي (¬3) بسنده عن أم حبيبة بنت العرباض عن أبيها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ وبرة من الفيء (ثم قال: ولا يحل لي من غنائمكم) ورواية الشافعي في القديم: "ما لي مما أفاء الله عليكم"، ورواية المصنف تدل على أن المراد بما أفاء الله الغنيمة نسخة، قال: "ولا مثل هذا"، وفي رواية (مثل هذه إلا الخمس) وأخرج البيهقي بسنده عن أم حبيبة بنت العرباض، عن أبيها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ وبرة من الفيء، فقال: "ما لي من هذِه إلا ما لأحدكم إلا الخمس" (¬4). ومعلوم أن أحدهم ليس له شيء إلا من الخمس، فإن أربعة أخماسه للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك قال البيهقي لما ذكره (¬5): وفي هذا دلالة على أنه كان يستحق من الغنيمة سهمًا لأجل قوله: "إلا ما لأحدكم" (¬6) وهو سهم فارس إن كان فارسًا، وسهم راجل إن كان راجلًا. ¬

_ (¬1) ومن هذا الطريق أخرجه أيضًا أحمد في "المسند" 5/ 319، والنسائي في 7/ 131. (¬2) "الوسيط" للغزالي 4/ 522. (¬3) "معرفة السنن والآثار" 9/ 218 (12927). (¬4) "معرفة السنن والآثار" 9/ 218 (12927)، ورواه أحمد 4/ 127. (¬5) "معرفة السنن والآثار" 9/ 207. (¬6) في الأصول: لأحدهم.

قال ابن الرفعة: وقد يقال: إن المراد بالغنيمة في رواية عمرو بن عبسة (¬1): الفيء؛ لأن للنبي - صلى الله عليه وسلم - من الغنيمة وراء الخمس الصفي، لكن حكى الإمام عن بعض الأصحاب أن الصفي يكون محسوبًا من خمس النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). ولعل المأخذ في هذا الوجه الحديث؛ فإنه شاهد له. (والخمس مردود فيكم) أو "عليكم" كما ذكره غيره (¬3)، المراد به بعد موته، والمخاطب بذلك المؤمنين، فيتعين أن يكون هو المراد بالمصالح كسد الثغور، وعمارة القناطر، وأرزاق القضاة، وعمال الصدقة، والقسام. ¬

_ (¬1) في الأصول: عنبسة. (¬2) انظر: "نهاية المطلب في دراية المذهب" 12/ 16. (¬3) سبق برقم (2694) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

162 - باب في الوفاء بالعهد

162 - باب في الوَفاء بِالعَهْدِ 2756 - حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينارٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إِنَّ الغادِرَ يُنْصَبُ لَهُ لِواءٌ يَوْمَ القِيامَةِ فيقال: هذِه غَدْرَةُ فُلانٍ بْنِ فُلانٍ" (¬1). * * * باب الوفاء بالعهد [2756] (حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، عن) الإمام (مالك) بن أنس (عن عبد الله بن دينار) مولى عبد الله بن عمر، من تابعي المدينة وثقاتهم (عن ابن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن الغادر) وهو الذي يواعد على أمر ولا يفي، يقال: غدر يغدر، بكسر الدال في المضارع. (يُنصَبُ له لواء) قال أهل (¬2) اللغة (¬3): اللواء هو الراية العظيمة لا يمسكها إلا صاحب جيش الحرب أو صاحب دعوة الجيش، ويكون الناس تبعًا (¬4) له، قالوا: ومعنى "لكل غادر لواء" أي: علامة يشتهر بها في الناس؛ لأن موضوع اللواء الشهرة مكان الرئيس، وهو علامة لمكانه، وكانت العرب تنصب الألوية في الأسواق لغدرة الغادر لتشهره بذلك، فتنصب للوفاء راية بيضاء وللغدر راية سوداء؛ ليشتهر ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6178)، ومسلم (1735). (¬2) ساقطة من (ل). (¬3) انظر: "النهاية في غريب الأثر" 4/ 571. (¬4) في الأصول: تبع. والمثبت هو الصواب.

بها الوفاء فيعظمونه به، والغادر فيذمونه ويلومونه بغدره (¬1). قال القرطبي: وقد شاهدنا هذا عادة مستمرة فيهم إلى اليوم، فمقتضى هذا الحديث: أن الغادر يفعل به مثل ذلك (¬2). (يوم القيامة) ليشتهر بالخيانة والغدر فيذمه أهل الموقف، قال: ولا يتعدى أن يكون للوفي بالعهد يرفع له يوم القيامة لواء يعرف به وفاؤه بالعهد فيمدحه أهل الموقف، كما يرفع لنبينا محمد (¬3) - صلى الله عليه وسلم - لواء الحمد فيحمده كل من في الموقف. (فيقال: هذِه غدرة) بفتح الغين (فلان بن فلان) لما يعرفه أهل الموقف، وفي هذا بيان عظيم تحريم الغدر، لاسيما من صاحب الولاية العامة؛ لأن غدره يتعدى ضرره إلى خلق كثيرين، ولكونه غير مضطر إلى الغدر لقدرته على الوفاء، كما جاء في الحديث الصحيح في تعظيم كذبة الملك (¬4)، وذكر القاضي عياض (¬5) احتمال أن يكون المراد نهي الرعية في الغدر بالإمام فلا يشقوا عليه العصا. قال النووي: والصحيح الأول (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: "شرح النووي على مسلم" 12/ 43. (¬2) "المفهم" 3/ 520. (¬3) ساقطة من (ر). (¬4) وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم"، وذكر منها ... " ملك كذاب". رواه مسلم (107). (¬5) "إكمال المعلم" 6/ 19. (¬6) "شرح النووي على مسلم" 12/ 44.

163 - باب في الإمام يستجن به في العهود

163 - باب في الإِمام يسْتَجَنُّ بِهِ في العُهُودِ 2757 - حدثنا محَمَّدُ بْنُ الصَّبّاحِ البَزّازُ، قالَ: حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن أَبي الزِّنادِ عَنْ أَبي الزِّنادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُريْرَةَ قال: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّما الإِمامُ جُنَّةٌ يُقاتَلُ بِهِ" (¬1). 2758 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْن وَهْبٍ، أَخْبَرَني عَمْرٌو، عَنْ ئكيْرِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ عَليِّ بْنِ أَبي رافِعِ أَنَّ أَبا رافِعٍ أَخْبَرَهُ قال: بَعَثَتْني قُريْشٌ إِلى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمّا رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أُلْقيَ في قَلْبيَ الإسْلامُ، فَقلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ، إِنّي والله لا أَرْجِعُ إليْهِمْ أَبَدًا. فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنّي لا أَخِيسُ بِالعَهْدِ وَلا أَحْبِسُ البُرُدَ، ولكن ارْجِعْ فَإِنْ كانَ في نَفْسِكَ الذي في نَفْسِكَ الآنَ فارْجِعْ" قال: فَذَهَبْتُ ثُمَّ أَتيْت النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَسْلَمْتُ. قالَ بُكيْرٌ: وَأَخْبَرَني أَنَّ أَبا رافِعٍ كانَ قِبْطِيّا. قالَ أَبُو داوُدَ: هذا كانَ في ذَلِكَ الزَّمانِ، فَأَمّا اليَوْمَ فَلا يَصْلُحُ (¬2). * * * باب يُستجنُّ بالإمام في العهود أي: يستتر بالإمام في آرائه وفي نظره بالعهود الصادرة منه. [2757] (حدثنا محمد بن الصباح) أبو جعفر البغدادي (البزاز) بزاءين يعني: التاجر، ولا يختص ببائع القماش (قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد) عبد الله (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2957). (¬2) رواه أحمد 6/ 8، والنسائي في "الكبرى" (8674). وصححه الألباني في "الصحيحة" (702).

ابن هرمز (عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنما الإمام جُنَّةٌ) أي: كالساتر؛ لأنه يمنع العدو من أذى المسلمين، ويمنع الناس بعضهم من بعض، ويحمي بيضة الإسلام، ويتقيه الناس ويخافون سطوته. والمجن والجنة والجان والجنة، بكسر الجيم، والجنة بفتحها، كلها راجع إلى معنى التستر والتوقي، يعني: أنه يتقي بنظره ورأيه وعهوده في الآراء العظام، ولا يتقدم على رأيه، ولا ينفرد دونه بأمر حتى يكون هو الذي يشرع فيه. (يُقاتَلُ به) أي: يقاتل برأيه وإذنه فيكونون بين يديه، ولا يترك يباشر القتال بنفسه لما فيه [من تعرضه] (¬1) للهلاك، فيهلك كل من معه، كما قاتل النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر وغيره؛ فإنه كان في القلب والمقاتلة أمامه. [2758] (حدثنا أحمد بن صالح) أبو جعفر المصري (قال: حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني عمرو) بن الحارث بن يعقوب (عن بكير) بن عبد الله (بن الأشج) ثقة مأمون (¬2) (عن الحسن بن علي بن أبي رافع) هو ثقة (¬3). (أن) جده (أبا رافع أخبره قال: بعثتني قريش إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: جماعة من قريش رسولًا (فلما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أدخل الله في قلبي برؤيته النور، وانشرح صدري للإسلام، وانشرح في قلبي وبتكملته هداية الله، وهي أشبه شيء بالضوء إذا حصل للبصر و (ألقي في قلبي) حب (الإسلام) والإيمان لله ورسوله وكتابه، وكرهت الرجوع إلى كفار ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) انظر: "الجرح والتعديل" 2/ 403. (¬3) انظر: "تقريب التهذيب" (1269).

قريش (فقلت: يا رسول الله، إني والله لا أرجع إليهم أبدًا) عنى بالأبد: أبد حياته، كما قال تعالى: {مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا} (¬1). ويحتمل أن يكون المراد: لا أحب أن أرجع إليهم؛ فإن الإنسان إذا كره خصلة كره أهلها العاملين بها، وكره مخالطتهم، وعلامة صحة التوبة من المعصية أن يهجر من كان يعاشره في تلك المعصية. (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إني لا أَخِيس) بفتح الهمزة وكسر الخاء المعجمة وإسكان المثناة تحت ثم سين مهملة (بالعهد) أي: لا أنقضه ولا أنكثه، أصله من قولك: خاس الشيء في الإناء إذا فسد. قال في "النهاية": خاس بعهده يخيس، وخاس بوعده أخلفه، خاس بعهده إذا نقضه. وأصله من خاس الشيء في الوعاء إذا فسد، ويقال: خاس بوعده إذا أخلفه (¬2). قال الجوهري: خاس به يخيس ويخوس، أي: غدر به، وخاس الطعام إذا فسد (¬3). وفيه دليل على وجوب الوفاء بالشرط الصحيح مع المسلمين والكفار، وقوله -عليه السلام-: "المؤمنون عند شروطهم" كما أخرجه أبو داود (¬4) والترمذي (¬5)، زاد الترمذي: إلا "شرطًا حرم حلالًا أو أحل حرامًا". والمعتاد في الشرط أن يقول": صالحناكم على أن (¬6) من جاءكم من ¬

_ (¬1) الكهف: 35. (¬2) "النهاية في غريب الأثر" 2/ 190. (¬3) "الصحاح في اللغة" 3/ 64. (¬4) سيأتي في كتاب الأقضية (3594). (¬5) "سنن الترمذي" (1352)، وقال: حديث حسن صحيح. (¬6) ساقطة من (ر).

المسلمين رددتموه، ومن جاءنا منكم مسلمًا رددناه. ونقل الروياني عن النص أنه يفسد العقد بهذا الشرط (¬1). (ولا أحبِس) بكسر الباء الموحدة (البُرُد) بضم الباء الموحدة والراء، جمع (¬2) بريد، ويجوز إسكانها، تقول: لا أحبس الرسل الواردين علي من الملوك وأطراف البلاد. واحدها بريد وهو الرسول، قال الرافعي: لا يقتل رسولهم، وقد جرت السنة أن لا تقتل الرسل أي: ولا تحبس عن الرجوع، ولا تمنع من دخول [دار الإسلام] (¬3) لا دار الرسالة. قال المنذري: يشبه أن يكون المعنى: إن الرسالة تقتضي جوابًا، والجواب لا يصل إلى المرسل إلا على لسان الرسول فصار كأنه عقد له العقد مدة مجيئه ورجوعه (¬4). (ولكن ارجع) إليهم، فإن قيل: كيف أمره بالرجوع إليهم مع أنه أقسم أن لا يرجع إليهم؟ والجواب: يحتمل أنه لم يأمره بالكفارة؛ لأنها لا تجب عليه إلا بالرجوع وهو لم يرجع الآن، ويجوز تأخير البيان إلى وقت الحاجة (¬5)، وقد يستدل به من يقول: إن الكافر إذا أسلم وقد لزمته كفارة يمين أنها ¬

_ (¬1) انظر: "روضة الطالبين" للنووي 10/ 346. (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) في (ر): المسلمين، والمثبت من (ل). (¬4) هذا كلام الخطابي، وليس كلام المنذري، انظر: "معالم السنن" بهامش "مختصر المنذري" 4/ 63. (¬5) انظر: "البرهان" للجويني 1/ 42، "التلخيص" له أيضًا، 2/ 209، واستدل الإمام ابن العربي في "المحصول" 1/ 50 بأدلة أقواها: أن الله -عَزَّ وَجَلَّ- فرض الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة الإسراء ثم لم يبينها إلا في صلاة الظهر عند الحاجة إليها. .

تسقط بالإسلام؛ لأن الإسلام يجب ما قبله، والصحيح لا تسقط (¬1). (فإن كان في نفسك) يحتمل أن تكون كان هنا تامة، وهي التي يكتفى بمرفوعها، وهي تفيد التقدير للشيء، وتقدر بثبت، أي (¬2): فإن ثبت في نفسك بعد الرجوع (الذي) ثبت (في نفسك الآن) من الإسلام (فارجع) إلينا، فإنه خير. (قال: فذهبت) إليهم فبلغتهم الجواب (ثم أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأسلمت) يحتمل أن المراد: أظهرت الإسلام وتلفظت به؛ فإن مجرد التصديق بالقلب لا يكفي، بل لابد من الإقرار باللسان؛ لأن القول مأمور به كالعقد؛ لقوله تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} (¬3)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله" (¬4). فلابد من العقد والقول، وعلى هذا فالتلفظ شرط، لا ركن. (قال بكير) بن الأشج: (فأخبرني) الحسن (أن أبا رافع كان قبطيًّا) القبط، بكسر القاف، نصارى مصر. (قال أبو داود: هذا) يعني: رد من جاء من الكفار إلى دار الإسلام وأسلم أو أراد الإسلام إليهم (كان في ذلك الزمان) أي: زمن مهادنة النبي - صلى الله عليه وسلم - قريشًا عام الحديبية (فأما اليوم) فقد أظهر الله دين الإسلام على الدين كله وأعزه (فلا يصلح) رد المسلم بعد أن شرطت إن أزد في المدة التي ماددتهم عليها أن أرد من جاءني منهم مسلمًا. ¬

_ (¬1) انظر: "الوسيط" للغزالي 7/ 46، "روضة الطالبين" 10/ 293. (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) البقرة: 136. (¬4) البخاري (25)، ومسلم (20).

164 - باب في الإمام يكون بينه وبين العدو عهد فيسير إليه

164 - باب في الإِمامِ يَكونُ بيْنَهُ وَبينَ العَدُوِّ عهْدٌ فيسِيرُ إليْهِ 2751 - حدثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمَريُّ، قالَ: حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي الفيضِ، عَنْ سُليْمِ بْنِ عامِرٍ - رَجُلٍ مِنْ حِمْيَرَ - قال: كانَ بيْنَ مُعاوِيَةَ وَبيْنَ الرّومِ عَهْدٌ وَكانَ يَسِيرُ نَحْوَ بِلادِهِمْ حَتَّى إِذا انْقَضَى العَهْدُ غَزاهُمْ فَجاءَ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ أَوْ بِرْذَوْنٍ وَهُوَ يَقول: الله أَكْبَرُ اللهُ فيَ وَفاءٌ لا غَدْرٌ. فَنَظَرُوا فَإِذا عَمْرُو بْن عَبَسَةَ، فَأَرْسَلَ إِليْهِ مُعاوِيَةُ فَسَأَله، فَقالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ كانَ بيْنَهُ وَبيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَلا يَشُدُّ عُقْدَةً وَلا يَحُلُّها حَتَّى يَنْقَضيَ أَمَدُها أَوْ يَنْبِذَ إِليْهِمْ عَلَى سَواءٍ" .. فَرَجَعَ مُعاوِيَةُ (¬1). * * * باب في الإمام يكون بينه وبين العدو عهد فيسير إليه أي: نحو عدوه ليقرب منهم فيغير بعد المدة عليهم. [2759] (حدثنا حفص بن عمر) بن الحارث بن سخبرة (النمري) بفتح النون والميم الحوضي. (قال: حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي (عن أبي الفيض) اسمه موسى بن أيوب (عن سليم) بضم السين وفتح اللام (بن عامر) الخبائري بفتح الخاء المعجمة وتخفيف الباء الموحدة وكسر الياء تحتها نقطتان وبالراء، الكلاعي بفتح الكاف من تابعي الشام، كثير الحديث (رجل) بالجر على البدل مما قبله (من حمير) بكسر الحاء المهملة وإسكان الميم. (قال: كان) معاوية يسير في أرض الروم، وكان (بين معاوية وبين) أهل (الروم عهد) مؤقت إلى مدة ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1580)، وأحمد 4/ 111. وصححه الألباني في "الصحيحة" (2357).

بأمانهم وترك القتال معهم إلى أن تنقضي المدة (وكان يسير نحو بلادهم) رواية الترمذي: وكان يسير في بلادهم (¬1). ورواية (¬2) أحمد بن حنبل: فأراد أن يدنو منهم (¬3) (حتى إذا أنقضى العهد) يعني: انقضت مدة عهدهم (غزاهم) رواية الترمذي: أغار عليهم. وهو الذي بوب عليه المصنف رحمه الله. (فجاء رجل) رواية أحمد: فإذا شيخ (على فرس أو بِرْذَونٍ) بكسر الباء وفتح الذال المعجمة: الدابة الثقيلة المشي (وهو يقول: الله أكبر الله أكبر) فيه التكبير عند ظهور عز الإسلام. (وفاءً) بالنصب والتنوين منصوب بفعل محذوف؛ لأن المصدر المؤكد يتصدره بقوة عامله، وتقدير معناه عند السامع تقديره أوف لهم وفاء (لا غدر) فيه بالنصب [كقوله شكرًا لا كفرًا، والغدر نقض العهد (¬4) (فنظروا فإذا) هو (عمرو] (¬5) بن عَبَسة) بن عامر كما تقدم (فأرسل إليه معاوية) رواية الترمذي: فسأله معاوية. فيحتمل أنه لما سئل بإذنه كان كمن سأله فأطلق عليه مجازًا (فسأله فقال: ) عمرو (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من كان بينه وبين قوم عهد) أي: إلى مدة أو مطلقًا (فلا يشُدَّ عقدةً) بالنصب والتنوين، ورواية الترمذي: "فلا يخلف عهدًا". أي: العهد الذي بينهم، ويجوز وفاء لا غدر - بالرفع - وكذا في بعض النسخ (ولا يحُلَّها) رواية الترمذي: "ولا يشدنه" (حتى ينقضي) رواية الترمذي: حتى يمضي (أمدُها) قال العلماء: إذا هادنهم ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (1580). (¬2) في (ل): ورواه. (¬3) "مسند أحمد" 4/ 111. (¬4) ورد بعدها في الأصول: نسخة: بلا غدر. (¬5) ساقطة من (ر).

الإمام بعقد صحيح فيجب الكف عنهم إلى انقضاء المدة، أو إلى خيانة تصدر منهم تناقض العهد فيغتالهم إن علموا أنها خيانة، فإن لم يعلموا ففي اغتيالهم من غير إنذار وجهان لأصحابنا (¬1). قال الخطابي (¬2): إنما كره عمرو مسير معاوية إلى ما يتاخم بلاد العدو والإقامة بقرب دارهم من أجل أنه إذا هادنهم إلى مدة وهو مقيم في وطنه فقد صارت مدة مسيره (¬3) بعد انقضاء المدة كالمشروط مع المدة المضروبة في أن لا يغزوهم فيها فيأمنوه على أنفسهم، فإذا كان مسيره (¬4) إليهم في أيام الهدنة حتى ينيخ بقرب دارهم، كان إيقاعه بهم قبل الوقت الذي يتوقعونه فكان ذلك داخلًا عند عمرو في معنى الغدر المنهي عنه. وفيه فضيلة الوفاء بالعهد وذم النقض بالعهد ولو مع الكفار، لاسيما إذا كان العهد بالله. (أو يَنبِذَ) بفتح أوله (إليهم) عهدهم، أي: يعلمهم بأنه قد نقض عهدهم حتى يبقى علمه وعلم العدو بأنه محارب لهم وهم حرب له، وأنه لم يبق عهد بينه وبينهم على السواء، أي: يستوي هو وهم في العلم. وعن الوليد بن مسلم: على سواء، أي: على مهل (¬5). قال أبو داود: في الآية إضمار تقديره: فانبذ إليهم على سواء حتى تكون أنت وهم (على سواء) في العلم بأنك نبذت إليهم عهدهم. (فرجع معاوية) من مسيره. ¬

_ (¬1) انظر: "الوسيط" للغزالي 7/ 91، "الحاوي" للماوردي 14/ 275. (¬2) "معالم السنن" 4/ 64. (¬3) في (ر): سيره، والمثبت من (ل). (¬4) في (ل): سيره. (¬5) رواه الطبري في "التفسير" 14/ 26.

165 - باب في الوفاء للمعاهد وحرمة ذمته

165 - باب في الوَفاء لِلْمُعاهِدِ وَحُرْمَةِ ذِمَّتِهِ 2760 - حدثنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شيْبَةَ، حدثنا وَكِيعٌ، عَنْ عُييْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي بَكْرَةَ قال؛ قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَتَلَ مُعاهِدًا في غيْرِ كُنْهِهِ حَرَّمَ اللهُ عَليْهِ الجَنَّةَ" (¬1). * * * باب الوفاء للمعاهد وحرمة ذمته قوله: للمعاهد. بكسر الهاء. [2760] (حدثنا عثمان) بن محمد بن إبراهيم (بن أبي شيبة) العنسي الكوفي، قال (حدثنا وكيع، عن عيينة بن عبد الرحمن) بن جوشن بفتح الجيم وإسكان الواو وفتح الشين المعجمة (عن أبيه) عبد الرحمن بن جوشن الغطفاني (عن أبي بكرة) نفيع (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من قتل معاهدًا) بفتح الهاء اسم مفعول، وهو الذي عوهد بعهد، أي: صولح، ويجوز كسر الهاء على الفاعل؛ لأن من عاهدته فقد عاهدك، لكن الفتح أكثر. وفي رواية للنسائي: "من قتل رجلًا من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة" (¬2) ورواية الترمذي (¬3): "من قتل نفسًا معاهدة له ذمة الله وذمة رسوله" (في غير كُنهِهِ) بضم الكاف. قال ابن الأثير: كنه الأمر وقته ¬

_ (¬1) رواه النسائي 8/ 24، وأحمد 5/ 36. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2465). (¬2) "سنن النسائي" 8/ 25. (¬3) "سنن الترمذي" (1403).

وحقيقته (¬1). والمراد به هاهنا: الوقت المعاهد الذي بينك وبينه فيه عهد وأمان، فإذا قتلته قبل وقته كان قتلك ظلمًا بغير ذنب، ولهذا بوب عليه البخاري: من ظلم معاهدًا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته (¬2) (حرَّم الله عليه الجنة) فإن قيل: كيف تحرم عليه الجنة (¬3) والمؤمنون مقطوع لهم بدخول الجنة؟ فالجواب: أن المراد أنه لا يدخلها مع أول من يدخلها من المسلمين الذين لم يقترفوا الكبائر. ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الأثر" 4/ 377. (¬2) هكذا ذكر الشارح هذا التبويب، والذي وقفت عليه عند البخاري: باب إثم من قتل معاهدا بغير جرم. (¬3) زيادة من (ل).

166 - باب في الرسل

166 - باب في الرُّسُلِ 2761 - حدثنا مُحَمَّدُ بْن عَمْرٍو الرّازيُّ، حدثنا سَلَمَةُ - يَعْني ابن الفَضْلِ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ قال: كانَ مُسيْلِمَةُ كَتَبَ إِلى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قال: وَقَدْ حَدَّثَني محَمَّد بْن إِسْحاقَ، عَنْ شيْخٍ مِنْ أَشْجَعَ يُقالُ لَهُ: سَعْدُ بْن طارِقٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُعيْمِ ابْنِ مَسْعُودٍ الأشجَعيِّ، عَنْ أَبِيهِ نُعيْم قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ لَهُما حِينَ قَرَأ كِتابَ مُسيْلِمَةَ: "ما تَقُولانِ أَنْتُما". قالا: نَقُولُ كَما قالَ. قالَ: "أَما والله لَوْلا أَنَّ الرُّسُلَ لا تُقْتَلُ لَضَرَبْتُ أَعْناقَكُما" (¬1). 2762 - حدثنا محَمَّد بْن كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيان، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنْ حارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ أَنَّهُ أَتَى عَبْدَ اللهِ فَقالَ: ما بيْني وَبيْنَ أَحَدٍ مِنَ العَرَبِ حِنَةٌ وَإِنّي مَرَرْتُ بِمَسْجِدٍ لِبَني حَنِيفَةَ فَإِذا هُمْ يُؤْمِنُونَ بِمُسيْلِمَةَ. فَأَرْسَلَ إِليْهِمْ عَبْدُ اللهِ فَجيءَ بِهِمْ فاسْتَتابَهُمْ غيْرَ ابن النَّوّاحَةِ قالَ لَهُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَوْلا أَنَّكَ رَسُولٌ لَضَرَبْتُ عُنُقَكَ" فَأَنْتَ اليَوْمَ لَسْتَ بِرَسُولٍ فَأَمَرَ قَرَظَةَ بنَ كَعْبٍ فَضَرَبَ عُنُقَهُ في السُّوقِ، ثُمَّ قال: مَنْ أَرادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلى ابن النَّوّاحَةِ قَتِيلاً بِالسُّوقِ (¬2). * * * باب في الرُّسل بضم السين ويجوز إسكانها. [2761] (حدثنا محمد بن عمرو) بن بكر بن سالم (الرازي) المعروف بزنيج، مات سنة أربعين ومائتين (قال: حدثنا سلمة) بفتح اللام (يعني: ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 487، والحاكم 2/ 142 - 143. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2466). (¬2) رواه أحمد 1/ 384، والنسائي في "الكبرى" (8675). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2467).

ابن الفضل) الأبرش الأزرق قاضي الري، قال أبو حاتم: محله الصدق (¬1) (عن محمد بن إسحاق) صاحب المغازي. (عن شيخ من أشجع يقال له: سعد بن طارق) بن أشيم، أبو مالك الأشجعي الكوفي (عن سلمة بن نعيم بن مسعود الأشجعي) له ولأبيه صحبة. (عن أبيه نعيم) بن مسعود بن عامر الأشجعي، أسلم بالخندق. (قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لهما) رواية أحمد (¬2) والحاكم (¬3): أن رجلين أتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رسولين لمسيلمة (حين قرأ كتاب مسيلمة) بن حبيب الكذاب، وكان المسلمون يذكرونه بتصغير الاسم على الاحتقار له، وقوم يأبون ذلك، وكان صاحب نارنجيات (¬4)، وبذلك اغتر قوم، فقتله وحشي بن حرب قاتل حمزة بن عبد المطلب في خلافة أبي بكر الصديق (¬5)، وفي رواية لأحمد: قال: جاء ابن النواحة، وابن أثال رسولا مسيلمة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬6). (ما تقولان أنتما) في مسيلمة؟ (قالا: نقول كما قال) رواية أحمد والحاكم: فقال لهما: "أتشهدان أني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" فقالا: نشهد أن مسيلمة رسول الله (قال: أمَا) بفتح الهمزة أصله أما ثم حذفت الهمزة تخفيفًا، ومعناها تحقيق الكلام الذي يتلوه تقول: أما إن زيدًا عاقل. ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 4/ 168. (¬2) "مسند أحمد" 1/ 395. (¬3) "المستدرك" 3/ 52. (¬4) هو تشبيه وتلبيس يشبه السحر، وليس هو. انظر: "تاج العروس" 6/ 236. (¬5) روى ذلك البخاري في "صحيحه" (4072). (¬6) "المسند" 1/ 396.

يعني: أنه عاقل على الحقيقة لا على المجاز. (والله لولا إن) بكسر الهمزة (الرسل لا تقتل) رواية أحمد والحاكم: لو كنت قاتلًا رسولًا (لضربت أعناقكما) فجرت السنة أن لا تقتل الرسل، والرسولان ابن النواحة، وابن أثال رسولا مسيلمة، كما صرح به أحمد في روايته، وفي هذا الحديث حجة على من شرط لصحة الأمان أن يكون مع مدعي الرسالة كتاب، والصحيح أن هذا شرط لصحة صدق الرسول لا لأمنه (¬1)، وقد استدل بالحديث من يقول: إن الصيغة في الأمان لا تشاطر. [2762] (حدثنا محمد بن كثير) أبو عبد الله العبدي البصري، قال: (أخبرنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي، بفتح السين، الهمداني التابعي. (عن حارثة) بفتح الحاء المهملة، وبعد الراء ثاء مثلثة (بن مُضرِّب) بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وتشديد الراء المكسورة وبالباء الموحدة (أنه أتى عبد الله) بن مسعود (فقال: ما بيني وبين أحد من العرب حِنَةٌ) بكسر الحاء المهملة وتخفيف النون المفتوحة، ثم هاء، هذِه الرواية المشهورة، واللغة الفصحى في اللغة: إحنة، بكسر الهمزة وإسكان الحاء المهملة. قال الجوهري: يقال: في صدره عليّ إحنة. ولا تقل: حنة، والجمع إحَن، وقد أحنت عليه بالك، قال الشاعر: إذا كان في صدر ابن عمك إحنة ... فلا تستثرها سوف يبدو دفينها (¬2) ¬

_ (¬1) انظر: "نهاية المطلب" 18/ 58. (¬2) "الصحاح في اللغة" 5/ 346.

قوله: فلا تستثرها، هو بعد السين مثناة فوق ثم مثلثة، والإحنة: الحقد وإضمار العداوة. وفيه فضيلة ابن مسعود وسلامة صدره للخلق كلهم، وهذا كالتمهيد لروايته الآتية حتى لا يتهم فيها. (وإني مررت بمسجد لبني حنيفة) بن لجيم، بضم اللام وفتح الجيم وسكون الياء، وكان هذا المسجد بالكوفة يتردد إليه بنو حنيفة، وهم قبيلة كبيرة (فإذا هم يؤمنون بمسيلمة) الكذاب، أي: يصدقونه فيما ادعى وافتراه. (فأرسل إليهم عبد الله) بن عباس (¬1) (فجيء بهم) وذكر أبو نعيم في ترجمة وَبَر بن مُشَهَّرٍ الحَنَفِيَّ أن مسيلمة بعثه هو وابن شَغَاف الحَنَفِي وابن النواحة، فأما وَبَر فأسلم، وأما الآخران فشهدا أنه رسول الله، وأن مسيلمة من بعده فقال: خذوهما (¬2). (فاستتابهم غيرَ) عباد بن الحارث وشهرته (ابن النَّوَّاحة) بفتح النون وتشديد الواو وبالحاء المهملة، فإنه (قال له: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لولا أنك رسول لضربت عنقك) أي: لولا علة الرسالة لضربت عنقك، أي: لأمرت بضربه (فأنت اليوم لست برسول، فأمر قَرَظَة) بفتح القاف والراء والظاء المعجمة (بن كعب) بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي، شهد أحدًا، وفتح الري في زمن عمر سنة ثلاث وعشرين، وشهد مع علي مشاهده كلها، وتوفي في خلافته بالكوفة (فضرب عنقه) لأن علة الرسالة قد زالت، ولم يستأنف له حكم سائر المرتدين في ¬

_ (¬1) هو ابن مسعود، وليس كما قال المصنف، كما جاءت بذلك باقي الروايات. (¬2) "معرفة الصحابة" لأبي نعيم (6515).

وجوب استتابته كما قال مالك (¬1)، والشافعي (¬2)، وأحمد في إحدى الروايتين (¬3). وقال أبو حنيفة: لا يجب استتابة المرتد عن الإسلام، ويقتل في الحال إلا أن يطلب أن يؤجل فيؤجل ثلاثًا، وهذا لم يطلب التأجيل (¬4). قال الخطابي: ومعلوم أن هؤلاء أسروا بالكفر، ولم يمكنهم إظهاره بالكوفة في مسجدهم وهي دار الإسلام فرفع أمرهم إلى ابن مسعود فاستتاب قومًا منهم، بخلاف ابن (¬5) النواحة فإنه كان داعية إلى مذهب مسيلمة الكذاب، فلم يعرض عليه التوبة ورأى الصلاح في قتله، وإلى نحو هذا ذهب أكثر العلماء في أمر هؤلاء القرامطة الذين يلقبون بالباطنية (¬6) (بالسوق) ليظهر أمره ويشهر أمره بين المسلمين؛ فإنه قد استحق إراقة دمه. (ثم قال: من أراد أن ينظر إلى) عباد (بن النواحة قتيلاً) أي مقتولًا (بالسوق) فيه حذف جواب الشرط أي: فلينظر إليه. وفيه إشهار قتل من تعين قتله بالأسواق والطرق المسلوكة كثيرًا ونحوها؛ ليظهر أمره ويرتدع برؤيته أمثاله وينزجروا عن فسادهم. ¬

_ (¬1) "مختصر المزني" 8/ 304، وانظر: "الحاوي" 13/ 158، "نهاية المطلب" 17/ 164. (¬2) انظر: "البيان والتحصيل" 16/ 392، "الذخيرة" 12/ 15. (¬3) "مسائل أحمد" برواية ابنه صالح (1191)، وانظر: "الكافي" 5/ 321. (¬4) انظر "النتف" 2/ 689، و"المبسوط" 10/ 99. (¬5) ساقطة من (ر). (¬6) "معالم السنن" 2/ 276.

167 - باب في أمان المرأة

167 - باب في أَمانِ المَرْأَةِ 2763 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ صالِح، حدثنا ابن وَهْب، قال: أَخْبَرَني عِياضُ بْن عَبْدِ اللهِ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُليْمانَ، عَنْ كريْب، عَنِ ابن عَبّاس قال: حَدَّثَتْني أُمّ هانِئِ بِنْت أَبِي طالِبِ أنَها أَجارَتْ رَجُلاً مِنَ المُشْرِكِينَ يَوْمَ الفَتْحِ، فَأَتَتِ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَتْ لَهُ ذَلِكَ فَقالَ: "قَدْ أَجَرْنا مَنْ أَجَرْتِ وَأَمَّنّا مَنْ أَمَّنْتِ" (¬1). 2764 - حدثنا عُثْمانُ بْن أَبِي شيْبَةَ، حدثنا سُفْيانُ بْنُ عُييْنَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنِ الأسوَدِ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: إِنْ كانَتِ الَمرْأَةُ لَتُجِيرُ عَلَى المُؤْمِنِينَ فيجُوزُ (¬2). * * * باب أمان المرأة [2763] (حدثنا أحمد بن صالح) المعروف بابن الطبري الحافظ (¬3). قال (¬4): (حدثنا) عبد الله (ابن وهب قال: أخبرني عياض) بكسر العين المهملة وتخفيف المثناة تحت (بن عبد الله) الفهري، قال الذهبي: وثق (¬5). (عن مخرمة) بالخاء المعجمة (بن سليمان) الأسدي الوالبي بالباء الموحدة بعد اللام، وقتل بقديد (¬6) (عن كريب، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن أم هانئ) بهمز آخره فاختة، بالخاء المعجمة، صرح ¬

_ (¬1) رواه البخاري (357)، ومسلم (336) بعد حديث (719). (¬2) رواه النسائي في "الكبرى" (8683)، والطيالسي (1499). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2469). (¬3) انظر: "تقريب التهذيب" (48). (¬4) ساقطة من (ل). (¬5) "الكاشف" 2/ 107. (¬6) "الجرح والتعديل" 8/ 363.

باسمها الطبراني (¬1) أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لها: "مرحبًا بفاختة أم هانئ"، وادعى الحاكم تواتره (¬2)، وقيل: اسمها هند. قاله الشافعي، وقيل: عاتكة، وحكاه ابن حبان (¬3)، وقيل: حمامة. حكاه الزبير بن بكار، وقيل: إن حمامة أختها (¬4) (بنت أبي طالب) بن عبد المطلب زوجة هبيرة، خطبها النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: والله، إني كنت أختك في الجاهلية فكيف في الإسلام؟ ! ولكني امرأة مصبية. فسكت عنها (أنها أجارت رجلًا من المشركين) رواه في "الموطأ" (¬5) والصحيحين (¬6)، وفيه: قاتل رجلًا أجرته فلان بن هبيرة. واسمه جعدة. وقال أبو عبيدة بن سلام: إنما أجارت هبيرة أو أبو هبيرة شك. وفي الترمذي من حديث أم هانئ: أجرت رجلين من أحمائي. يعني: الحارث ابن هشام وعبد الله بن أبي ربيعة المخزوميين، كذا ساقه الحاكم في ترجمة الحارث بن هشام بسند فيه الواقدي، وكذا رواه الأزرقي، عن الواقدي عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة عن أم هانئ فذكر الحديث وفي آخره: فكان الذي أجارت عبد الله بن ربيعة والحارث بن هشام (يوم الفتح) أي: فتح مكة، فأراد علي -رضي الله عنه - قتلهما، فدخلت أم هانئ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي الضحى (فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له) فأمضى جوارها (فقال: قد أجرنا من أجرت وآمَنَّا ¬

_ (¬1) "المعجم الكبير" (1013). (¬2) "المستدرك" 4/ 52. (¬3) "الثقات" لابن حبان (1442). (¬4) انظر: "تهذيب الأسماء واللغات" للنووي 2/ 366. (¬5) "الموطأ" 1/ 152 (28). (¬6) البخاري (357، 3171، 6158)، ومسلم (336).

من آمَنْتِ) بمد الهمزة فيهما. استدل به على أن مكة فتحت عنوة؛ إذ لو فتحت صلحًا لما احتيج إلى جوارها، بل استحقا الأمان بالصلح، ولما أراد علي قتلهما، وهو قول أبي حنيفة، وبه قال مالك والأوزاعي (¬1). قال الماوردي (¬2): وأكثر الفقهاء وأصحاب (¬3) المغازي أنه - صلى الله عليه وسلم - منَّ على أهلها فَلَمْ يَسْب وَلَمْ يَغْنَمْ لِعَفْوهِ، واستدلوا بآيات منها قوله تعالى: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} يعني: والله أعلم أهل مكة، فدل على أنهم لم يقاتلوا، ولو قاتلوا لم ينصروا. فإن قيل: فما فائدة قوله: "أجرنا من أجرت وآمنا من آمنت" على قول الشافعي (¬4) ومن تابعه أنها فتحت صلحًا؟ قلت: لعل فائدته عقد أمان يأتي من دخلها بعد القتال؛ فإن الأمان الأول لا يشمله، ولفظه: "قد أجرنا" يشعر بأن المراد تقرير الحكم وتبيينه. [2764] (حدثنا عثمان) بن محمد بن إبراهيم (بن (¬5) أبي شيبة) الكوفي قال: (حدثنا سفيان بن عيينة) الهلالي الكوفي أحد الأعلام (عن منصور) بن عبد الرحمن بن صفية (عن إبراهيم) بن يزيد النخعي [الكوفي ثقة، إلا أنه يرسل كثيرًا. ¬

_ (¬1) انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر 14/ 332. (¬2) "الحاوي في فقه الشافعي" 14/ 224. (¬3) في (ر): وأكثر. (¬4) "الأم" 9/ 258 - 259. (¬5) ساقطة من (ر).

(عن الأسود)] (¬1) بن يزيد [بن قيس النخعي الكوفي خال إبراهيم بن يزيد] (¬2) وأخو عبد الرحمن وابن أخي علقمة بن قيس، وكلهم من بني بكر ابن النخع. (عن عائشة قالت: إن كانت المرأة لتجير) بالراء في آخره (على المؤمنين) ورواية الترمذي (¬3): "إن المرأة لتأخذ للقوم". يعني: تجير على المسلمين. وقال: حديث حسن. (فيجوز) بالزاي آخره. يعني: أمانها عليهم. وفي هذا والذي قبله دليل على صحة أمان المرأة، وهو مما أجمع عليه عوام أهل العلم (¬4) (¬5) كما يجوز من كل مكلف، ولا يشترط وجود المصلحة مهما انتفى الضرر كما أورده الرافعي؛ لأنا لو أنطناه بالمصلحة اختص بأولي الأمر لأنهم الذين لهم النظر في المصالح العامة، وفي "الوافي في تتمة التتمة"؛ أن شرط الأمان أن يكون على جهة المصلحة، وهو أن يكون المؤمن لا يخاف شره (¬6). ¬

_ (¬1) و (¬2) زيادة من (ل). (¬3) "سنن الترمذي" (1579). (¬4) في (ر): الشام. والمثبت من (ل). (¬5) انظر: "الأوسط" لابن المنذر 6/ 276. (¬6) انظر: "أسنى المطالب" لزكريا الأنصاري 4/ 204، و"مغني المحتاج" للخطيب الشربيني 4/ 238.

168 - باب في صلح العدو

168 - باب في صُلْح العَدُوِّ 2765 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبيْدٍ أَنَّ محَمَّدَ بْنَ ثَوْرٍ حَدَّثَهُمْ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبيْرِ، عَنِ الِمسْوَرِ بْنِ مخْرَمَةَ قال: خَرَجَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - زَمَنَ الحُديْبِيَةِ في بِضْعَ عَشَرَةَ مِائَةٍ مِنْ أَصْحابِهِ حَتَّى إِذا كانُوا بِذي الحُليْفَةِ قَلَّدَ الهَدى وَأَشْعَرَهُ وَأَحْرَمَ بِالعُمْرَةِ. وَساؤَا الَحدِيثَ قال: وَسارَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى إِذا كانَ بِالثَّنِيَّةِ التي يُهْبَطُ عَليْهِمْ مِنْها بَرَكَتْ بِهِ راحِلَتُهُ، فَقالَ النّاسُ: حَلْ حَلْ خَلأتَ القَصْواءُ. مَرَّتيْنِ، فَقالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ما خَلأتْ وَما ذَلِكَ لَها بِخُلُقٍ، ولكن حَبَسَها حابِسُ الفِيلِ". ثمَّ قالَ: "والَّذي نَفْسي بِيَدِهِ لا يَسْأَلُوني اليَوْمَ خُطَّةً يُعَظِّمُونَ بِها حُرُماتِ اللهِ إِلَّا أَعْطيْتُهُمْ إِيَّاها". ثُمَّ زَجَرَها فَوَثَبَتْ فَعَدَلَ عَنْهُمْ حَتَّى نَزَلَ بِأَقْصَى الُحديْبِيَةِ عَلَى ثَمَدٍ قَلِيلِ الماءِ، فَجاءَهُ بُديْلُ بْنُ وَرْقاءَ الخُزاعيُّ، ثُمَّ أَتاهُ - يَعْني عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ - فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَكُلَّما كَلَّمَهُ أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ والمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قائِمٌ عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَهُ السّيْفُ وَعَليْهِ الِمغْفَرُ فَضَرَبَ يَدَهُ بِنَعْلِ السّيْفِ وقالَ: أَخِّرْ يَدَكَ عَنْ لِحْيَتِهِ. فَرَفَعَ عُرْوَةُ رَأْسَهُ فَقال: مَنْ هذا؟ قالُوا: المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ. فَقال: أي غدَرُ أَوَلَسْتُ أَسْعَى في غَدْرَتِكَ. وَكانَ المُغِيرَةُ صَحِبَ قَوْمًا في الجاهِلِيَّةِ فَقَتَلَهُمْ وَأَخَذَ أَمْوالَهُمْ ثمَّ جاءَ فَأَسْلَمَ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمّا الإِسْلامُ فَقَدْ قَبِلْنا، وَأَمّا المالُ فَإِنَّهُ مالُ غَدْرٍ لا حاجَةَ لَنا فِيهِ". فَذَكَرَ الَحدِيثَ، فَقالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اكتُبْ: هذا ما قاضَى عَليْهِ مُحَمَّدٌ رَسولُ اللهِ". وَقَصَّ الَخبَرَ فَقالَ سُهيلٌ: وَعَلَى أَنَّهُ لا يَأْتِيكَ مِنّا رَجُلٌ وِإنْ كانَ عَلَى دِينِكَ إِلا رَدَدْتَه إِليْنا. فَلَمّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الكِتابِ قالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأصحابِهِ: "قُومُوا فانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا". ثُمَّ جاءَ نِسْوَة مُؤْمِناتٌ مُهاجِراتٌ الآيَةَ فَنَهاهُمُ اللهُ أَنْ يَرُدُّوهُنَّ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرُدُّوا الصَّداقَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلى الَمدِينَةِ فَجاءَه أَبُو بَصِيرٍ رَجُلٌ مِنْ قُريْشٍ - يَعْني فَأَرْسَلُوا في طَلَبِهِ - فَدَفَعَهُ إِلى الرَّجُليْنِ فَخَرَجا بِهِ، حَتَّى إِذا بَلَغا ذا الحُليْفَةِ نَزَلُوا

يَأْكُلُونَ مِنْ تَمْرٍ لَهُمْ، فَقالَ أَبُو بَصِيرٍ لأَحَدِ الرَّجُليْنِ: والله إِنّي لأرَى سيْفَكَ هذا يا فُلانُ جيِّدَا. فاسْتَلَّهُ الآخَرُ فَقالَ: أَجَلْ قَدْ جَرَّبْتُ بِهِ، فَقالَ أَبُو بَصِيرِ: أَرِني أنْظُرْ إِليْهِ. فَأَمْكَنَهُ مِنْهُ فَضَرَبَهُ حَتَّى بَرَدَ، وَفَرَّ الآخَرُ حَتَّى أَتَى الَمدِينَةَ فَدَخَلَ المَسْجِدَ يَعْدُو فَقالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَقَدْ رَأى هذا ذُعْرًا". فَقالَ: قَدْ قُتِلَ والله صاحِبي وَإنِّي لَمَقْتُولٌ. فَجاءَ أَبُو بَصِيرٍ فَقال: قَدْ أَوْفَى الله ذِمَّتَكَ فَقَدْ رَدَدْتَني إِليْهِمْ ثمَّ نَجّاني الله مِنْهُمْ. فَقالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ويْلَ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ لَوْ كانَ لَهُ أَحَدٌ". فَلَمّا سَمِعَ ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُ سيَرُدُّهُ إِليْهِمْ فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى سِيفَ البَحْرِ، ويَنْفَلِت أَبُو جَنْدَلٍ فَلَحِقَ بِأَبي بَصِيرٍ حَتَّى اجْتَمَعَتْ مِنْهُمْ عِصابَةٌ (¬1). 2766 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حدثنا ابن إِدْرِيسَ، قالَ: سَمِعْتُ ابن إِسْحاقَ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبيْرِ، عَنِ الِمسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوانَ بْنِ الحَكَمِ أَنَّهُمُ اصْطَلَحُوا عَلَى وَضْعِ الحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ يَأْمَن فِيهِنَّ النّاسُ وَعَلَى أَنَّ بيْنَنا عيْبَةً مَكْفُوفَةَ وَأَنَّه لا إِسْلالَ وَلا إِغْلالَ (¬2). 2767 - حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفيليُّ، حدثنا عِيسَى بْن يُونُسَ، حدثنا الأوزاعيُّ، عَنْ حَسّانَ بْنِ عَطَيَّةَ قال: مالَ مَكْحُولٌ وابْن أَبي زَكَرِّياءَ إِلى خالِدِ بْنِ مَعْدانَ وَمِلْتُ مَعَهُما فَحَدَّثَنا عَنْ جُبيْرِ بْنِ نُفيرٍ قال: قال جُبيْرٌ: انْطَلِقْ بِنا إِلى ذي مِخْبَرٍ - رَجُلٌ مِنْ أَصْحابِ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَتيْناهُ فَسَأَلَهُ جُبيْرٌ، عَنِ الهُدْنَةِ فَقالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقُولُ: "سَتُصالِحُونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا وَتَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوّا مِنْ وَرائِكُمْ" (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2731، 2732). (¬2) رواه أحمد 4/ 323، والبيهقي 9/ 221. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (2471). (¬3) رواه ابن ماجه (4089)، وأحمد 4/ 91. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2472).

باب صلح العدو [2765] (حدثنا محمد بن عبيد) بضم العين مصغر، ابن حساب الغبري (أن محمد بن ثور) الصنعاني العابد (حدثهم عن الزهري، عن عروة بن الزبير) الفقيه صائم الدهر، ومات وهو صائم (عن المسور بن مخرمة) -رضي الله عنه - ومروان، يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه. (قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زمن الحُديبية) بتخفيف الياء الثانية (في بِضعَ عشْرةَ مائة) قال ابن مغلطاي وغيره (¬1): كان خروجه في هلال ذي القعدة، وكانوا في ألف وأربعمائة (من أصحابه) الذين يقاتلون (حتى إذا كانوا بذي الحليفة) وهي ميقات أهل المدينة (قلد الهدي) التي معه في أعناقها. والهدي: ما يهدى إلى الحرم من حيوان وغيره، والمراد هنا ما يجزئ في الأضحية (وأشعَر) بعلامة يعرف بها [(وأحرم بالعمرة)] (¬2) هذا معارض لحديث عائشة المذكور في الحج وأهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحج، وموافق لحديث ابن عباس في الحج أيضًا، وساق معه الهدي من ذي الحليفة، وبدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج (وساق الحديث) المذكور كما تقدم، والله أعلم. (قال: وسار النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كان بالثنية) وهي الطريق في الجبل (التي يُهبط) بضم أوله وفتح ثالثه (عليهم منها بَرَكت) بفتح الباء والراء (به راحلته) القصوى (فقال الناس: حَل حَلْ) بفتح الحاء المهملة ¬

_ (¬1) انظر: "عيون الأثر" 2/ 113. (¬2) ساقط من (ل).

وسكون اللام فيهما، وهو زجر للناقة إذا حملها على السير، يقال لها: (حل) ساكنة اللام فإذا كررت وقلت: (حل حل) كسرت اللام الأولى منونًا، وسكنت اللام الثانية كقولك: بخ بخ، وصه صه (¬1). (خَلأتِ) بفتح الخاء المعجمة وهمزة قبل التاء (¬2). والخلأ في الإبل كالحران في الخيل (القصواء) الناقة التي قطع طرف أذنها، ولم تكن ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم - كذلك، وإنما كان لقبًا لها، وقيل كذلك. (مرتين، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما خلأت وما ذاك لها بخُلُق) بضم الخاء واللام، أي: عادة سبقت. (ولكن حَبَسَها حابس الفيل) أي: الذي حبس الفيل عن دخول مكة، قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} (¬3). ووجهه أنه لو دخل - صلى الله عليه وسلم - عامئذٍ لم يؤمن وقوع قتال كبير، وقد سبق في العلم القديم إسلام جماعة منهم؛ فحبس عن ذلك كما حبس الفيل؛ إذ لو دخل أصحاب الفيل مكة قتلوا خلقًا كثيرًا، وقد سبق العلم بإيمان قوم، فلم يكن للفيل عليهم سبيل فمنع سببه، كذا قالوا (¬4). ويمكن أن يقال أنه - صلى الله عليه وسلم - كان خرج إليهم على أنهم إن صدوه عن البيت قاتلهم فصدوه وبركت الناقة، فعلم أنه أمر من الله، فقاضاهم على اعتمار العام القابل. ¬

_ (¬1) زيادة من (ل). (¬2) زيادة من (ل). (¬3) الفيل: 1. (¬4) انظر: "كشف المشكل" لابن الجوزي 4/ 52.

وقصته أن أبرهة جاء على الفيل بعسكره يقصد هدم الكعبة واستباحة الحرم، فلما وصل إلى ذي المجاز امتنع الفيل من التوجه إلى مكة، ولم يمتنع من غيرها، ولعل القصواء كانت كذلك. (ثم قال: والذي نفسي بيده (¬1) لا يسألوني اليوم خطة) بضم الخاء المعجمة، الخصلة الجميلة أو الأمر العظيم كأنه يستحق أن يخط في الدفاتر. (يُعظمون) بضم المثناة تحت (¬2) (فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها) وإن كان في ذلك احتمال مشقة، فيه إشارة للجنوح إلى المصالحة وترك القتال في الحرم ومهادنتهم دون مال يؤخذ منهم إذا رأى لذلك الإمام وجهًا. (ثم زجرها فوثبت) به (فعدل عنهم) أي: عن طريقهم (حتى نزل بأقصى الحديبية على ثَمَد) بفتح المثلثة والميم، هو الماء القليل الذي لا مادة له، وما بعده على سبيل التفسير له (قليلِ الماء) أزاد البخاري] (¬3): "يتبرضه الناس تبرضًا" (¬4) بالضاد المعجمة، أي: يأخذون منه قليلًا قليلًا، وفيه (فلم يلبثه الناس حتى نزحوه، وشُكي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العطش، فانتزع سهمًا من كنانته، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه فجاءه). ¬

_ (¬1) ورد بعدها في الأصول: نسخة: والذي نفس محمد بيده. (¬2) بعدها في (ر): يعظمون. (¬3) ساقطة من (ر). (¬4) "صحيح البخاري" (2732).

رواية البخاري: فبينما هم كذلك إذ جاء (¬1) (بُديل) بضم الباء الموحدة وفتح المهملة وسكون التحتية (¬2) (ابن ورقاء) مؤنث الأورق (الخزاعي) في نفر من قومه من خزاعة، فقال: إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا على أعداد مياه الحديبية ومعهم العُوذُ المطَافِيل وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنا لم نجئ لقتال أحد، ولكنا شجئنا معتمرين وإن قريشًا قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم، فإن شاؤوا ماددتهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس، وإن أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم حتى تنفرد سالفتي" فقال بديل: سأبلغهم ما تقول. فانطلق حتى أتى قريشًا وقال: إنا قد جئناكم من عند هذا الرجل، وسمعناه يقول كذا وكذا، فحدثهم بما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقام عروة بن مسعود: فقال: ألستم بالوالد؟ قالوا: بلى. قال: ألست بالولد؟ قالوا: بلى. قال: فهل تتهموني؟ قالوا: لا. قال: هذا قد عرض لكم خطة رشد اقبلوها ودعوني آتيه. قالوا: ائته، فأتاه (¬3). (ثم أتاه عروة، يعني: ابن مسعود) الثقفي، وقد أسلم بعد ذلك ورجع إلى قومه ودعاهم إلى الإسلام، فقتلوه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مثل ياسين في قومه" (¬4). (فجعل يكلم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكلما كلمه) كلمة (أخذ بلحيته) أي: بلحية ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (2731 - 2732). (¬2) في (ل): التحتانية. (¬3) هذا من رواية البخاري (2731 - 2732). (¬4) رواه أبو يعلى في "مسنده" 3/ 173 (1598).

النبي - صلى الله عليه وسلم -[عادة للعرب يستعملونها. (والمغيرة بن شعبة قائم على) رأس (النبي - صلى الله عليه وسلم -] (¬1) ومعه السيف وعليه المِغْفر) بكسر الميم، وهو: زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة، وفي قيام المغيرة على رأسه بالسيف استحباب الفخر والخيلاء في الحرب لإرهاب العدو، وليس بداخل في ذمه من أحب أن يمثل له الناس قيامًا. رواية البخاري: فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي - صلى الله عليه وسلم - (فضرب يده بنعل السيف) قال الجوهري: هو ما يكون في أسفل جفن السيف من حديدة أو فضة (¬2). (وقال: أخر يدك عن لحيته) ووضع اليد على اللحية كان عادة للعرب يستعملونها كثيرًا، وأكثر من يستعملها أهل اليمن، ويقصدون بذلك الملاطفة، وإنما منعه من ذلك المغيرة تعظيمًا للنبي - صلى الله عليه وسلم - إذ كان إنما يفعل ذلك الرجل بنظيره، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يمنعه من ذلك تألفًا له واستمالة لقلبه (فرفع عروة رأسه فقال: من هذا؟ ) وما رفع رأسه إلا أنه كان جالسًا، وفيه تألف الرسول بالجلوس مع الأمير (فقالوا) أي قال بعضهم هو (المغيرة بن شعبة) ولم يقولوا: عز الدين، ولا بدر الدين (فقال: أي) يا (غُدَرُ) بضم الغين المعجمة وفتح الدال وبالراء بلا تنوين، ووزنه فعل وهو من أبنية المبالغة، فوصفه بالغدر منقول من غادر مثل عمر منقول من عامر (أوَ لستُ أسعى في غدرتك) في غدرتك ببذل المال وغيره لأرفع عني شر جنايتك وأتبرأ منها؛ لأن ¬

_ (¬1) زيادة من (ل). (¬2) "الصحاح في اللغة" 5/ 110.

بينهما قرابة، واستمر أقاربه بعده في دار الكفر، والغدرة بالفتح الفعلة وبالكسر أسم لما فعل من الغدر (وكان المغيرة صحب قومًا في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم) عام الخندق وقدم مهاجرًا، وقيل: أول مشاهده الحديبية. (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أما الإسلام فقد قبلنا) منك ومن كل من جاء مسلمًا (وأما المال فإنه مال غَدر) فإن كان الإنسان مصاحبًا لقوم وقد أمن كل واحد منهم صاحبه فسفك الدماء وأخذ الأموال عند ذلك غدر، والغدر بالكفار وغيرهم محظور، وإذا كانت أموالهم ثم (¬1) مغنومة عند القهر فلا يحل أخذها عند الأمن (لا حاجة لنا فيه) أي: في أخذه؛ لأنه علم أن أصله غصب، وفيه دليل على أن الحربي إذا أتلف مال الحربي ثم أسلم ضمنه ولزمه أن يرد إليه المثل إن كان مثليًّا وإلا قيمته، وهو أحد الوجهين لأصحابنا (¬2) (¬3). (فذكر الحديث) الذي رواه البخاري وغيره، ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب محمد بعينيه، فوالله ما تنخم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر تعظيمًا له، فرجع عروة إلى أصحابه فقال: إنه قد (¬4) ¬

_ (¬1) أقحم بعدها في (ر): ثم. (¬2) ساقط من (ر). (¬3) انظر: "نهاية المطلب" 17/ 528، "الوسيط" 7/ 29، "الروضة" 10/ 257. (¬4) ساقط من (ر).

عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها. ثم جاء سهيل فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لقد سهل لكم من أمركم"، فجاء سهيل بن عمرو فقال: هات (¬1) اكتب بيننا وبينكم كتابًا. فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - الكاتب (فقال: اكتب) "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"، ثم قال: (هذا ما قاضى عليه رسول الله) فقال سهيل: والله، لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولكن اكتب: محمد بن عبد الله. فقال: "اكتب محمد بن عبد الله"، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به"، فقال سهيل: لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة، ولكن ذاك من العام المقبل. (فقال سهيل: وعلى أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا) وفي رواية: علينا. قوله: (رجل) يدل على أن المقاضاة إنما انعقدت على الرجال دون النساء، وليس فيها نسخ حكم النساء على هذِه الرواية، وأن النساء يردهن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما رد الرجال، إلا من أجل أن الشرط إنما وقع على الرجال خاصة، ثم نزلت الآية في أمر النساء حين هاجرن إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - متممة لما تقدم من حكم برد ذلك (¬2). (فلما فرغ من قضية الكتاب) بفتح القاف وكسر الضاد المعجمة ثم مثناة تحت، أي: من كتابته وما وقع في أثنائه (قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: قوموا فانحروا) يدل على قيام من ينحر هديًا أو غيره، وأن نحر الإبل أفضل من ذبحها (ثم احلقوا) شعر رؤوسكم أو قصروا ¬

_ (¬1) ساقط من (ر). (¬2) انظر: "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 8/ 130، و"فتح الباري" 9/ 419.

منها، زاد البخاري: فوالله ما قام رجل منهم حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك؟ اخرج إليهم (¬1) ثم لا تكلم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك. فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتى (¬2) فعل ذلك نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضًا. (ثم جاء نسوة مؤمنات مهاجرات) من أهل مكة، فأول امرأة هاجرت بعد هجرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هدنة بالحديبية أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط (الآية) إلى آخرها (فنهاهم الله) تعالى بقوله: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ} (¬3) (أن يردوهن) إلى الكفار (فأمرهم) بقوله: {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} (¬4) (أن يردوا) أي: يعطوا الكافر (الصداق) وهو ما أنفق على زوجته إذا أسلمت، فلا يجمع على زوجها خسران الزوجية والمالية، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا امتحنهن أعطى أزواجهن مهورهن، قال قتادة: الحكم في رد الصداق إنما كان في نساء أهل العهد، فأما من لا عهد بينه وبين المسلمين فلا يرد عليه الصداق، والأمر كما قال قتادة (¬5). (ثم رجع إلى المدينة فجاءه أبو بصير) بفتح الباء الموحدة، عبيد، ¬

_ (¬1) زيادة من (ل). (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) الممتحنة: 10. (¬4) الممتحنة: 10. (¬5) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" 18/ 65.

بضم العين، وقيل: عتبة بن أَسِيد بفتح الهمزة وكسر السين المهملة القرشي (رجل) بالرفع بدل مما قبله (من قريش) زاد البخاري: وهو مسلم (يعني) نقله من كلام أبي داود مبين أنه لم يسمعه من راوي الحديث (فأرسلوا في طلبه) رجلين فقالوا: العهد الذي جعلت لنا (فدفعه إلى الرجلين) أي: رجلًا من بني عامر بن لؤي، ومعه مولى لهم (فخرجا به حتى إذ بلغا ذا الحليفة) جلس أبو بصير إلى جدار وجلس معه صاحباه (نزلوا يأكلون من تمر لهم) كان معهم. (فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى) بضم الهمزة وفتحها (سيفك هذا يا فلان) أي: يا أخي بني عامر (جيدًا؟ ) قال: نعم، قال: أأنظر إليه؟ قال: إن شئت. (فاستله الآخر) لعله المولى (فقال: أجل) بإسكان اللام، أي: نعم، والقائل صاحب السيف (قد جربت به) ثم جربت به كثيرًا (¬1) (فقال أبو بصير: أرني انظر إليه، فأمكنه منه) أي: من أخذه، فأخذه فعلاه (فضربه) به (حتى بَرَد) بفتح الراء، أي: مات وهو كناية؛ لأن البرودة لازمة للموت. وقَتْل أبي بصير لأحد الرسولين بعد أن أسلمه إليهما النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس عليه حراسة المشركين ممن يدفعه إليهم؛ لأن هذا لم يكن من شرطهم ولا طالب أولياء القتيل النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقود من أبي بصير؛ لأن الحراسة ليست في الشرط. (وفر الآخر) يعني: المولى سريعًا (حتى أتى المدينة) والنبي - صلى الله عليه وسلم - في ¬

_ (¬1) في (ل) , (ر): كثير. والصواب ما أثبتناه.

المسجد (فدخل المسجد يعدو، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لقد رأى هذا ذُعرًا) بضم الذال المعجمة وسكون العين المهملة، أي: فزعًا وخوفًا، فلما انتهى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ويحك ما لك؟ " (فقال: قتل) بضم القاف وكسر التاء، أي: قتل (والله) صاحبكم (صاحبي وإني لمقتول) قال: فوالله فما برح (فجاء أبو بصير فقال) يا نبي الله، والله (قد أوفى الله ذمتك) يعني: أنك قد رددتني إليهم كما شرطت لهم فلا تردني الثانية (وقد رددتني إليهم) وأوفيت بشرطك (ثم نجاني الله منهم) وقد امتنعت بعون الله أن أفتن في ديني. (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ويل) قال في "التنقيح": بضم اللام وكسرها (أمه) بضم الهمزة وكسرها قراءتان في السبع دعاء عليه وليس بمقصود، قال ابن مالك: أصله: ويل لأمه، فحذفت اللام فسقط التنوين للإضافة، وفي بعضها: ويلمه. بحذف الهمزة تخفيفًا وهو مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: ويل لأمه، وويل من أسماء الأفعال بمعنى العجب، واللام المحذوفة متعلقة به، واستعمال التعجب هاهنا عبارة عن إقامة الحرب وسرعة النهوض لإنفاذها والمبالغة في مدحه، وليس المراد بالدعاء وقوعه في الهلكة، لكنه جرى مجرى عادة العرب واستعمالها نقل الألفاظ الموضوعة في بابها إلى [غير ذلك] (¬1)، وأراد بهذا المدح له ولأمه لولادتها مثل في شجاعته دون الدعاء عليه بالويل الذي هو الهلكة، كما يقال: ثكلتك أمك، وتربت يداك، ونحوهما. (مسعر) بكسر الميم بلفظ الآلة، وبضمها بصفة اسم الفاعل من ¬

_ (¬1) في (ل): غيره، والمثبت من (ر).

الإسعار، أي: هو مسعر (حرب) يعني: موقدها في الحرب والنجدة، والمسعر عود تحرك به النار من خشب ونحوه، ويقال: مسعار مشتق من سعرت النار والحرب إذا أوقدتهما، يريد وصفه بالمبالغة. قال القاضي: وهذا اللفظ من النبي - صلى الله عليه وسلم - تعريضًا له بأن يرتصد لقطع الطريق عليهم، فعرف ذلك وفعل ما فعل، وعدم إنكاره - صلى الله عليه وسلم - على أبي بصير حين بلغه ما فعل دليل على عدم وجوب الرد عليه، على أنه يجوز أن يقال: ما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - أولًا حصل وفاء العهد به؛ لأن رده على رسوله رد عليهم فليس في اللفظ ما يوجب التكرار، والله أعلم. (لو كان له أحد) جواب (لو) محذوف يدل عليه السياق، أي: لو فرض له أحد ينصره وعلم منه أنه سيرده إليهم؛ إذ لا ناصر له (فلما سمع ذلك عرف) يعني (¬1) (أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى) الغيض من ناحية ذي المروة على (سيف) بكسر السين المهملة (البحر) أي: ساحله بطريق قريش التي كانوا يأخذون عليها إلى الشام، الإضافة للبيان لا للتمييز، وجعل يطلب غرة أهل مكة ويغتال من يطلبه منهم؛ لأن طالبه ناقض للأمان لكونه بغير حق، وهو لا يجوز له الرجوع إليهم، وقد صرح الأصحاب بأن الرجوع ليس بواجب عليه؛ فإن المراد بالرد المشروط تمكنهم منه كما صرح الماوردي (¬2) والقاضي حسين، وكذلك يفعل إذا شرطنا لهم رد من جاءنا منهم؛ لأنا (¬3) نرسله ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل). (¬2) "الحاوي" 14/ 271. (¬3) في (ل): لا أنا.

إليهم، ولا يبعد تسمية التخلية أبينه وبينهم ردًّا كما في رد الوديعة إلى صاحبها فإن المراد التخلية] (¬1) بين الوديعة وبين مالكها. (وينفلت) بإسكان النون وفتح الفاء، أي: يتخلص (أبو جندل) اسمه العاص، وغلط جماعة فيه فقالوا: عبد الله. قال ابن الصلاح: إنما عبد الله أخوه. بفتح الجيم، ابن سهيل بن عمرو بن عبد شمس القرشي العامري، أسلم بمكة ومات في خلافة عمر بن الخطاب (فلحق بأبي بصير) [زاد البخاري: فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير] (¬2) (حتى اجتمعت منهم) أي: من المسلمين (عصابة) وزاد: فوالله ما يسمعون بعير خرجت من قريش إلى الشام إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم. قال في "عيون الأثر": انفلت أبو جندل بن سهيل في سبعين راكبًا أسلموا وهاجروا فلحقوا بأبي بصير، وكرهوا أن يقدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هدنة، وكان أبو بصير يصلي لأصحابه، فلما قدم عليه أبو جندل كان يؤمهم (¬3) انتهى. ولما لحق أبو جندل بما معه من الجماعة بأبي بصير وآذوا المشركين رضي المشركون بحل هذا الشرط، وأن يكفيهم النبي - صلى الله عليه وسلم - نكايته ويكف عنهم أذاه. [2766] (حدثنا محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي، قال: (أخبرنا) عبد الله (ابن إدريس) الكوفي أحد الأعلام (قال: سمعت) محمد ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) ساقطة من (ل). (¬3) "عيون الأثر" لابن سيد الناس 2/ 179.

(ابن إسحاق) بن يسار صاحب "المغازي" (عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم) بن أبي العاص بن أمية ولد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قيل: سنة اثنتين من الهجرة، ولم ير النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن النبي نفى أباه إلى الطائف، فلم يزل بها حتى ولي عثمان، فرده إلى المدينة وقدمها هو وابنه. (أنهم اصطلحوا) توضحه (¬1) رواية الإمام أحمد (¬2): هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله، وسهيل بن عمرو (على وضع الحرب) أي: على ترك القتال بينهم (عشر سنين يأمن فيهم) رواية أحمد: يأمن فيها (الناس) وأصله في الصحيحين في قصة الحديبية من غير ذكر المدة، قال البيهقي: المحفوظ أن المدة كانت عشر سنين كما رواه ابن إسحاق (¬3)، وروى في "الدلائل" (¬4) عن موسى بن عقبة وعروة في آخر الحديبية، وكان الصلح بينه وبين قريش سنتين، وقال: هو محمول على أن المدة قبل النقض وقعت هذا العدد، وهو صحيح، وأما أصل الصلح فكان على عشر سنين. قال: ورواه عاصم العمري عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر: أنها كانت أربع سنين، وعاصم ضعفه البخاري (¬5) وغيره، لكن صححه من طريق الحاكم، كما حكاه شيخنا ابن حجر (¬6). وقد استدل بهذا على أنه إذا كان بالمسلمين ضعف وخوف جازت المهادنة عشر سنين. ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) "مسند أحمد" 4/ 323. (¬3) "دلائل النبوة" 4/ 162. (¬4) انظر السابق. (¬5) "التاريخ الكبير" 6/ 478 (3042). (¬6) "التلخيص الحبير" 4/ 237.

ووجه الدليل أنها كانت ولم يقوَ الإسلام بعد، ولا يجوز الزيادة عليها، ولكن أن النقض والحاجة باقية فيستأنف العقد، وعن صاحب "التقريب" وجه أنه يجوز الزيادة [بحسب الحاجة والمصلحة في ذلك الوقت، وروى البيهقي (¬1) أن النبي - صلى الله عليه وسلم -] (¬2) لما هادن قريشًا عام الحديبية دخل بنو خزاعة في عهده وبنو بكر في عهد قريش، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك نقضا للعهد، وسار إلى مكة وفتحها قبل تمام العشر، وهذا أحد الوجهين الذين ذكرهما الأصحاب أن هذا كان سبب إبطال العهد المذكور، وهو الأصح؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقام على الهدنة (¬3) سنتين ثم أبطله لهذا. والوجه الثاني: الإبطال لا لسبب، بل هو فسخ للزائد على الأشهر الأربعة، وعلى هذا فلا تجوز الزيادة على أربعة أشهر لا لحاجة ولا ضرورة. (وعلى أن بيننا عيبةً) بالنصب، وهو بعين مهملة مفتوحة ثم ياء مثناة تحت (¬4) ثم باء موحدة، والعيبة هاهنا مثل ضربه لكل من سمعه. قال ابن الأعرابي في تفسيره: على أن بيننا وبينهم صدرًا نقيًّا من الغل والخداع والدغل مطويًّا على الوفاء بالصلح (¬5). ومعنى (مكفوفة) المسرجة المشدودة، والعرب تكني عن القلوب والصدور بالعياب التي يضع الإنسان فيها متاعه، ومنه: "الأنصار كرشي وعيبتي" (¬6) أي: موضع ¬

_ (¬1) "معرفة السنن والآثار" (18675). (¬2) زيادة من (ل). (¬3) في (ل): المدينة. (¬4) زيادة من (ل). (¬5) انظر: "تهذيب اللغة" 3/ 150، "لسان العرب" 1/ 634. (¬6) رواه البخاري (3799، 3801)، ومسلم (2510) من أنس بن مالك.

سري وأمانتي، وإذا كان هذا مع الكفار المعاهدين فبالأولى والأحرى أن تكون قلوب المسلمين بينهم على الصفاء المودة والتآلف ليشد بعضهم بعضًا. (وأنه لا إسْلال) بإسكان السينِ المهملة من السَّلة بفتح السين، وهي: السرقة الخفية، ويقال: الخلة تورث السلة، والخَّلة بفتح الخاء المعجمة الحاجة. قال الجوهري: وهذا الحديث يحتمل الرشوة والسرقة جميعًا (¬1). يقال: سل البعير وغيره في جوف الليل. إذا انتزعه من بين الإبل، وقيل: الإسلال الغارة الظاهرة. وقيل: سل السيوف. (ولا إغلال) بكسر الهمزة وسكون الغين المعجمة، أي: لا خيانة، قال شريح: ليس على المستعير غير المغل ضمان (¬2). قال أبو عبيد (¬3): يقال من الخيانة: أغل يغل، ومن الحقد: غل يغِل بكسر الغين في المضارع. وقيل: الإغلال لبس الدروع. [2767] (حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي قال: حدثنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق، أحد الأعلام في الحفظ والعبادة، كان يحج سنة ويغزو سنة (قال: أنبأنا) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي) أحد الأعلام (عن حسان بن عطية) المحاربي، قال الذهبي: ثقة عابد نبيل، لكنه قدري (¬4). (قال: مال مكحول) أبو عبد الله الشامي (و) يحيى (ابن أبي زكريا) ¬

_ (¬1) "الصحاح في اللغة" 5/ 9. (¬2) انظر: "شرح صحيح البخاري" 7/ 146. (¬3) "غريب الحديث" 1/ 200. (¬4) "الكاشف" 1/ 217.

الغساني، روى عن التابعين (إلى) أبي عبد الله (خالد بن معدان) بفتح الميم، الكلاعي بفتح الكاف، الحمصي، لقي سبعين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - (وملت معهما) إليه (فحدثنا عن) أبي عبد الرحمن (جبير بن نفير) بضم النون وفتح الفاء، ابن مالك الحضرمي تابعي مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام، من ثقات الشاميين. (قال: قال جبير بن نفير: انطلق بنا إلى ذي مِخْبر) بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة، ويقال: هو ذو مخمر بميم ثانية بدل الباء ابن أخي النجاشي على الصحيح، ويقال: ابن أخيه أحد خدام النبي - صلى الله عليه وسلم -، يعد في الشاميين (رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -) وخدامه. (فأتيناه فسأله جبير) بن نفير (عن الهدنة) هو الاسم من المهادنة، وهي: الموادعة والمصالحة على ترك القتال، وأصله من الهدون وهو السكون (¬1). (فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ستصالحون الروم صلحًا آمنًا) ضبطه بعضهم بمد الهمزة وكسر الميم كما سيأتي [ويجوز بقصر الهمزة وسكون الميم مصدر (وتغزون أنتم وهم عدوًا من ورائكم) سيأتي] (¬2) هذا الحديث في كتاب الملاحم، وترجم عليه المصنف: باب ما يذكر من ملاحم الروم (¬3)، ويأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى. ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب اللغة" 2/ 305. (¬2) زيادة من (ل). (¬3) حديث رقم (4292).

169 - باب في العدو يؤتى على غرة ويتشبه بهم

169 - باب في العَدُوِّ يؤْتَى عَلَى غرَّةٍ ويُتَشَبَّه بِهِمْ 2768 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ صالِح، حدثنا سُفْيانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ، عَنْ جابِرٍ قال: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ فَإِنَّهُ قَدْ آذى اللهَ وَرَسُولَهُ". فَقامَ مُحَمَّدُ بْن مَسْلَمَةَ فَقال: أَنا يا رَسُولَ اللهِ أتحِبُّ أَنْ أَقْتلَهُ؟ قالَ: "نَعَمْ". قال: فَأْذَنْ لي أَنْ أقولَ شيْئًا. قالَ: "نَعَمْ قُلْ". فَأَتاهُ فَقال: إِنَّ هذا الرَّجُلَ قَدْ سَأَلنا الصَّدَقَةَ وَقَدْ عَنّانا. قال: وَأيْضًا لَتَمَلُّنَّهُ. قال: اتَّبَعْناهُ فَنَحْنُ نَكْرَهُ أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلى أيِّ شَيء يَصِيرُ أَمْرُهُ، وَقَدْ أَرَدْنا أَنْ تُسْلِفَنا وَسْقًا أَوْ وَسْقيْنِ. قالَ: كَعْبٌ: أي شَيء تَرْهَنُوني؟ قال: وَما تُرِيدُ مِنّا؟ قال: نِساءَكُمْ. قالُوا: سُبْحانَ اللهِ! أَنْتَ أَجْمَلُ العَرَبِ، نَرْهَنُكَ نِساءَنا فيكونُ ذَلِكَ عارًا عَليْنا؟ ! قالَ: فَتَرْهَنُوني أَوْلادَكمْ. قالُوا: سُبْحانَ اللهِ يُسَبُّ ابن أَحَدِنا فيقالُ: رُهِنْتَ بِوَسْقٍ أَوْ وَسْقيْنِ. قالُوا: نَرْهَنُكَ اللأْمَةَ، يُرِيدُ السِّلاحَ. قالَ: نَعَمْ. فَلَمّا أَتاهُ ناداهُ فَخَرَجَ إِليْهِ وَهُوَ مُتَطيِّبٌ يَنْضَخُ رَأْسُهُ، فَلَمّا أَنْ جَلَسَ إِليْهِ وَقَدْ كانَ جاءَ مَعَهُ بِنَفَرٍ ثَلاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ فَذَكَرُوا لَهُ، قالَ: عِنْدي فلانَة وَهيَ أَعْطرُ نِساءِ النّاسِ. قالَ: تَأْذَنُ لي فَأَشُمَّ؟ قالَ: نَعَمْ. فَأَدْخَلَ يَدَهُ في رَأْسِهِ فَشَمَّهُ، قالَ: أَعُودُ، قالَ: نَعَمْ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ في رَأْسِهِ فَلَمّا اسْتَمْكَنَ مِنْهُ قالَ: دُونَكُمْ. فَضَرَبُوهُ حَتَّى قَتَلُوهُ (¬1). 2769 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ حُزابَةَ، حدتنا إِسْحاق -يَعْني: ابن مَنْصُورٍ- حدثنا أَسْباطُ الهَمْدانيُّ، عَنِ السُّدّيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُريْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "الإِيمانُ قيَّدَ الفَتْكَ لا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ" (¬2). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2510)، ومسلم (1801). (¬2) رواه ابن أبي شيبة (38590)، والحاكم 4/ 352. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2474).

باب العدو يؤتى على غرة ويُتَشبه بهم حتى ينال فرصة [2768] (حدثنا أحمد بن صالح) المصري، قال (¬1): (حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار) المكي الأثرم، بسكون الثاء المثلثة. (عن جابر -رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من لكعب بن الأشرف؟ ) وهو رجل من بني نبهان من طيء، وأمه من بني النضير، وكان شاعرًا، وكان عاهده النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لا يعين عليه أحدا، ثم جاءه مع أهل الحديبية معينًا عليه ونقض عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وهجاه، وكان يسمى طاغوت اليهود. (فإنه قد آذى الله ورسوله) والمؤمنين وتعرض لهم بالهجو، والتعيب، والتنقص، والطعن في دينهم، وأغرى قريشًا حتى اجتمعوا لأحد، فحينئذٍ قال ذلك (¬2) إغراءً بقتله، ونبه على علة ذلك، وأنه مستحق للقتل. ولا يظن أحد أنه قتل غدرًا، فمن قال ذلك قتل (¬3)، كما فعله علي بن أبي طالب، وذلك أن رجلًا قال ذلك في مجلسه، فأمر علي بضرب عنقه، وقاله آخر في مجلس معاوية وأنكر ذلك عليه محمد بن مسلمة، وأنكر على معاوية سكوته وحلف أن لا يظله وإياه سقف أبدًا، ولا يخلو بقائلها إلا قتله. قال القرطبي (¬4): ويظهر لي أنه يقتل ولا يستتاب؛ لأن ذلك زندقة إن ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل). (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) قال ابن بطال في "شرح البخاري" 5/ 191: ومن قال: إنه قتل غدرًا فهو كافر ويقتل بغير استتابة؛ لأنه تنقص النبي - صلى الله عليه وسلم - ورماه بكبيرة وهو الغدر. (¬4) الكلام السابق، واللاحق للقرطبي، كما في "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" 3/ 660.

نسب الغدر للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وأما لو نسبه للمباشرين لقتله، بحيث يقول: إنهم أمنوه ثم غدروه لكانت هذِه النسبة كذبًا محضًا؛ لأنه ليس في كلامهم أنهم أمنوه. (فقام محمد بن مسلمة) بن خالد الأوسي البدري (فقال: أنا يا رسول الله، أتحب أن أقتله؟ ) محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - معه للفعل كالأمر به، بل هو أبلغ وأصرح (قال: نعم، قال: فأذن لي أن أقول شيئًا) يعني أن أقول عني وعنك ما رأيته مصلحة من التعريض وغيره (قال: نعم) قال النووي (¬1): وفيه دليل على جواز التعريض وهو أن يأتي بكلام باطنه صحيح ويفهم منه المخاطب غير ذلك، وهذا جائز في الحرب والإصلاح بين الناس وغير ذلك ما لم يضيع به حقًّا شرعيًّا. (فأتاه فقال: إن هذا الرجل) ولم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم - لما يترتب عليه من المصلحة (قد سألنا الصدقة) يعني: الصدقة الواجبة (وقد عنَّانا) بتشديد النون الأولى، أي: ألزمنا العناء وكلفنا ما يشق علينا ونتكلف له، وهذا من التعريض الجائز، بل المستحب؛ لأن معناه في الباطن أنه أدبنا بآداب الشرع التي فيها تعب، لكنه تعب في مرضاة الله تعالى، فهو محبوب لنا، والذي فهمه المخاطب فهم العناء ليس بمحبوب، وأنه ليس محققًا ولا مخلصًا في اتباع النبي، وليس فيه أمان له (قال) كعب: (وأيضَا لَتَمَلُّنَّه) بفتح التاء والميم [وضم اللام] (¬2) أي: لتضجرن منه أكثر من هذا الضجر، أي: بعد ذلك، قال ذلك لما فهم من ¬

_ (¬1) "شرح النووي على مسلم" 12/ 161. (¬2) ساقطة من (ر).

عنانا، أي: الضجر والملل. قال القرطبي: وإذا تأملت كلام محمد بن مسلمة [علمت أنه] (¬1) من أقدر الناس على البلاغة واستعمال المعاريض، وعلى إعمال الحيلة، وأنه من أكمل الناس عقلًا ورأيًا (¬2). (قال) محمد بن مسلمة: (فاتبعناه، فنحن نكره أن نَدَعه) أي: نترك اتباعه (حتى ننظر إلى أي شيء يصير أمره، وقد أردنا أن تُسْلِفنا) قرضًا (وَسْقًا أو وسقين) بفتح الواو، والوسق ستون صاعًا، ظاهره الذي يفهمه كعب هل يستمر ما هو فيه أم ينقطع؟ وباطنه في الحقيقة: حتى يظهر الله دينه على كل الأديان كلها، ويدخل الناس في دين الله أفواجًا. (قال) كعب: (أي شيء ترهنوني) توضحه رواية الصحيحين (¬3): وقد أردت أن تسلفني سلفًا (قال: ) فما ترهنون عندي. قال الجوهري: رهنت الشيء عند فلان، ورهنته الشيء، وأرهنته الشيء بمعنى (¬4). قالوا (¬5): (وما تريد منا) أن نرهن عندك؟ (قال: نساءكم) بالنصب، أي: ترهنون نساءكم عندي، لعل المراد بالرهن هنا أن تكون نساؤهم حتى يدفعوا إليه نظير ما أسلفهم (قالوا: سبحان الله) كلمة تقال عند التعجب، وفيه أنها تقال بحضرة الحربي كما تقال بحضرة المسلم (أنت أجمل العرب ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل). (¬2) "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" 3/ 660. (¬3) البخاري (4037)، ومسلم (1801) وهي في مسلم فقط. (¬4) "الصحاح في اللغة" 5/ 406. (¬5) ساقطة من (ل).

نَرْهَنُك) رواية مسلم: أنرهنك (¬1) (نساءنا) بزيادة همزة الاستفهام (فيكونُ ذلك عارًا علينا) بين العرب؛ [لأن النساء] (¬2) إذا رأين جمالك ربما افتتن بك، فيقع علينا العار بسببهن. (قال: ترهنوني أولادكم) تشمل البنين والبنات (قالوا: سبحان الله) يراد بها التعجب، وكذا لا إله إلا الله، والله أكبر، كما تقدم. (يُسبُّ ابن أحدنا) عند المخاصمة (فيقال) له: (رُهِنت) عند كعب بن الأشرف (بوَسق) بفتح الواو، وهو ستون صاعًا (¬3). قال ابن دريد: وسقت البعير، حملت عليه وسقًا (¬4). قوله: (يُسَب) بضم الياء وفتح السين المهملة، هكذا الرواية المعروفة، وفي مسلم وغيره، وحكى القاضي: يَشِبُ بفتح الياء وكسر الشين المعجمة من الشباب، والصواب الأول قاله النووي (¬5)، والأول قيده الطبراني. (أو وَسقين) ورواية مسلم: رهين بوسقين. فقط دون شك، فيكون ذلك عارًا عليهم (قالوا: نرهنك اللأْمَة) بالهمزة الساكنة قبل الميم وهي الدرع التي (¬6) للحرب، جمعها لام بحذف الهمزة وتجمع على لؤم مثال نُغَر على غير قياس (¬7). وفسر في مسلم اللأمة بالسلاح، كما ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1801). (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) "إكمال المعلم شرح صحيح مسلم" 6/ 177. (¬4) "جمهرة اللغة" 2/ 853. (¬5) "شرح النووي على مسلم" 12/ 162. (¬6) ساقطة من (ر). (¬7) انظر: "الصحاح في اللغة" 5/ 304.

فسره أبو داود بقوله: (يريد السلاح) وإنما اختاروا تعيين (¬1) السلاح للرهن لئلا ينكرها إذا جاؤوا إليه بها (قال: نعم) زاد مسلم: وواعده أن يأتيه بالحارث، وأبي عبس بن جبر، وعباد بن بشر، قال: فجاؤوا إليه ليلًا فدعوه (¬2). (فلما أتاه ناداه فخرج إليه) زاد مسلم: وهو متوشح بثوب جعلها على أحد منكبيه، وأخرج الآخر (ينضخ) بالضاد والخاء المعجمتين، وهو أكثر من النضح، بالحاء المهملة، وفرق بعضهم بأن النضح بالحاء المهملة ما كان رقيقًا كالماء، وبالمعجمة ما كان ثخينًا كالطيب، وهو المراد هنا (رأسه) يعني: بالطيب. (فلما أن جلس إليه، وقد كان جاء معه بثلاثة نفر) يعني: الذي واعده أن يأتيه بهم وهم الثلاثة المذكورون: الحارث، وأبي عبس، وعباد (أو أربعة) بزيادة عمرو (فذكروا له) رواية مسلم: فقالوا: نجد منك ريح الطيب. قال: نعم، تجيء (عندي فلانة وهي أعطر نساء الناس) رواية مسلم: نساء العرب. (فقال: تأذن لي فأشَمَّ) بفتح الشين على اللغة الفصحى وضمها لغة، والمشموم المسك (قال: نعم، فأدخل يده في رأسه فشمه) بفتح الشين على اللغة الفصحى، زاد البخاري: ثم أشم أصحابه (فقال: أعود) إلى الشم؟ (قال: نعم، فأدخل يده في رأسه) أي: في شعر رأسه (فلما استمكن منه قال) من معه: (دونكم) منصوب على الإغراء، أي: ¬

_ (¬1) في (ر): نفس. والمثبت من (ل). (¬2) "صحيح مسلم" (1801).

بادروا إلى قتله ولازموه (فضربوه حتى قتلوه) زاد البخاري: ثم أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبروه. [2769] (حدثنا محمد بن حُزَابة) بضم الحاء المهملة وتخفيف الزاي وبعد الألف باء موحدة، المروزي الخياط العابد، ببغداد، وثقه الخطيب (¬1). قال: (حدثنا إسحاق، يعني ابن منصور) السَّلولي بفتح المهملة مولاهم، صدوق، تكلم فيه للتشيع (¬2) (قال: حدثنا أَسباط) بفتح الهمزة بن نصر (الهَمْداني) بسكون الميم، صدوق لكنه كثير الخطأ (¬3). (عن) إسماعيل بن عبد الرحمن، أخرج له مسلم (السُّدي، عن أبيه) عبد الرحمن بن أبي كريمة (عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: الإيمان قيَّدَ) [بفتح القاف وتشديد المثناة تحت] (¬4) (الفَتْكَ) بفتح الفاء، وهو قتل من له أمان على غرة وغفلة، وكان كعب بن الأشرف ممن خلع الأمان ونقض العهد ولهج بسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهجائه، فاستحق القتل. قال المنذري: الإيمان يمنع من الفتك كما يمنع القيد من التصرف، كأنه جعل الفتك مقيدًا، ومنه في صفة الفرس: قيد الأوابد يريد أن تلحقها بسرعة، فكأنها مقيدة لا تعدوا الفتك (¬5). أن تأتي الرجل خلسة وهو غافل فتقتله، ولا يفتك، يجوز في الكاف الرفع والجزم، فيكون ¬

_ (¬1) "تاريخ بغداد" 2/ 295. (¬2) انظر: "تقريب التهذيب" (389). (¬3) انظر: "تقريب التهذيب" (323). (¬4) ساقط من (ر). (¬5) في (ل) , (ر): خبر. والمثبت هو الصواب.

خبرًا (¬1) معناه النهي؛ لأنه متضمن المكر والخديعة، ويجوز الجزم يعني للمفعول. يعني: أن الإيمان يمنع صاحبه من الفتك كما يمنع العبد المقيد من التصرف [في قتله] (¬2)، وقد بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - محمد بن مسلمة في نفر لقتل كعب بن الأشرف فقتلوه، فكيف التوفيق؛ فيحمل على النهي بعد هذِه الوقائع، [الأن إسلام أبي هريرة عام خيبر، وهذِه الوقائع قبلها، وهذا مخصوص به -عليه السلام-] (¬3). (لا يَفتك) بفتح أوله (مؤمن) أي: لا يفتك مؤمن بمسلم ولا كافر، فإن قتل من له أمان حرام حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) "مختصر سنن أبي داود" 4/ 83. (¬2) زيادة من (ل). (¬3) ساقطة من (ر).

170 - باب في التكبير على كل شرف في المسير

170 - باب في التَّكْبِيرِ عَلَى كلِّ شَرَفٍ في المَسِير 2770 - حَدَّثَني القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إِذا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يُكَبِّرُ عَلَى كُل شَرَفٍ مِنَ الأرضِ ثَلاثَ تَكْبِيراتٍ ويَقُولُ: "لا إله إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيء قَدِيرٌ آيِبُونَ تائِبُونَ عابِدُونَ ساجدُونَ لِرَبِّنا حامِدُونَ صَدَقَ اللهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأَحْزابَ وَحْدَهُ" (¬1). * * * باب في التكبير على كل شرف في السير [2770] (حدثنا) عبد الله (القعنبي، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قَفَل) واقتفل، أي: رجع (من غزو أو حج أو عمرة) أو صلة رحم، يدل على أن الحج والعمرة في سبيل الله [كما أن الغزو في سبيل الله تعالى] (¬2) (يكبر) الله تعالى (على كل شَرَف) وهو المرتفع (من الأرض ثلاث تكبيرات) وهذا التكبير لا يختص بالرجوع؛ لما رواه أبو داود أيضًا من رواية ابن عمر: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا علوا الثنايا كبروا، وإذا هبطوا سبحوا (¬3). ووجه تخصيص التكبير بالارتفاع من الأرض أن الله أعلى من هذا ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1797)، ومسلم (1344). (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) سبق في هذا الكتاب: باب ما يقول الرجل إذا سافر (2599).

العلو، ووجه التسبيح في الهبوط أن الله منزه عن الانخفاض والسفل، وروى الإمام أحمد (¬1) [وأبو يعلى] (¬2) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا علا نشزًا من الأرض قال: "اللهم لك الشَّرَفُ على كل شَرَفٍ، ولك الحمد على كل حال". (ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك) كله (¬3) (وله الحمد) كله (وهو على كل شيء قدير، آيبون) [أي: راجعون] (¬4) والأواب: الكثير الرجوع إلى الله تعالى (تائبون) إلى الله تعالى مما وقع في غزونا أو حجنا (عابدون) الله تعالى، متذللون له (ساجدون لربنا) شكرًا لنعمته علينا سجدة الشكر (حامدون) الله على ما أعان على العبادة (صدق الله وعده) أي: صدق وعده في إظهار الدين وكون العاقبة للمتقين وغير ذلك من وعده سبحانه، إن الله لا يخلف الميعاد (ونصر عبده) أي: نصر نبيه ورسوله بتأييده وإعانته على أعدائه (وهزم الأحزاب وحده) أي: من غير قتال من الآدميين. قال النووي (¬5): المراد الأحزاب الذين اجتمعوا يوم الخندق وتحزبوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأرسل الله عليهم ريحًا وجنودًا لم تروها، قال: وهذا يرتبط بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "صدق الله" تكذيبًا لقول ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 3/ 239. (¬2) في (ر): أبو داود، والمثبت من (ل)، وهو الصواب برقم (13528). (¬3) من (ل). (¬4) ساقطة من (ر). (¬5) "شرح النووي على مسلم" 9/ 113.

المنافقين والذين في قلوبهم مرض {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} (¬1). هذا هو المشهور أن المراد أحزاب يوم الخندق. وقال القاضي (¬2): وقيل يحتمل أن المراد أحزاب الكفر في جميع الأيام والمواطن. وروى المحاملي في كتاب "الدعاء" (¬3) هذا الحديث، وزاد بعد قوله: وهزم الأحزاب وحده، وكل شيء هالك إلا وجهه، له الحكم وإليه ترجعون. ¬

_ (¬1) الأحزاب: 12. (¬2) "إكمال المعلم شرح صحيح مسلم" 4/ 454. (¬3) الدعاء (72).

171 - باب في الإذن في القفول بعد النهى

171 - باب في الإِذْنِ في القُفُولِ بَعْدَ النَّهْى 2771 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ ثابِتٍ المَرْوَزيُّ، حَدَّثَني عَليُّ بْنُ حُسيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْويِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قال: {لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} الآيَةَ، نَسَخَتْها التي في النُّورِ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} إِلى قَوْلِهِ: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} (¬1). * * * باب الإذن في القفول بعد النهي والتسرع بعد النهي، أي باب الإذن في القفول بعد النهي عنه. [2771] (حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت) بن عثمان بن مسعود (المروزي) المعروف بابن شبويه بمعجمة بعدها موحدة ثقيلة، قال: أحدثني علي بن الحسين) بالتصغير (عن أبيه) الحسين بن واقد، قاضي مرو (عن يزيد) بن أبي سعيد (النحوي) المروزي، متقن عابد، قتله أبو مسلم (¬2). (عن عكرمة، عن ابن عباس قال) في قوله تعالى {لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (¬3) نفى الله عن المؤمنين أن يستأذنوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في التخلف دون عذر يحصل لهم، كما فعل المنافقون الذين قالوا: نستأذنه، ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في "مسند الشاميين" (2414)، والبيهقي 9/ 173. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (2476). (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" (7720). (¬3) التوبة: 44.

فإن أذن في القعود قعدنا وإن لم يأذن قعدنا، فنزلت الآية هذِه (الآية) إلى المتقين، والآية التي بعدها، وهي {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ} إلى آخرها. (نسختها) أي: والتي بعدها الآية (التي في) سورة (النور) التي أولها: ({إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ}) (¬1) الكاملون ({الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}) والناسخ منها: {فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ} (إلى قوله: {غَفُورٌ رَحِيمٌ}) قال ابن عطية: ليست آية النور بعد آية التوبة؛ لأن آية النور نزلت سنة أربع من الهجرة في غزوة الخندق في استئذان بعض المؤمنين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض شأنهم في بيوتهم في بعض الأوقات، فأباح الله له أن يأذن لهم فتباينت الآيتان في الوقت والمعنى، قال [الطبري] (¬2): وكان جماعة من أهل العلم يرون أن هاتين الآيتين منسوختان (¬3) بالآيتين التي في النور، وأسند عن الحسن، وعكرمة أنهما قالا في قوله: {لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} إلى قوله: {فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} نسختها الآية التي في النور: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ} إلى قوله (¬4): {غَفُورٌ رَحِيمٌ} (¬5). قال: وهذا غلط. يعني لما تقدم، انتهى (¬6). ¬

_ (¬1) النور: 62. (¬2) سقط من الأصول، والمثبت من "المحرر الوجيز". (¬3) في (ل) , (ر): منسوختين. والمثبت هو الصواب. (¬4) ساقطة من (ل). (¬5) "تفسير الطبري" 14/ 276. (¬6) "المحرر الوجيز" 3/ 43 - 44.

وعن ابن عباس: {لَا يَسْتَأْذِنُكَ} أي: بعد غزوة تبوك (¬1). وقال الجمهور: ليس كذلك؛ لأن ما قبل هذِه الآية والتي بعدها ورد في قصة تبوك قبل التقدير في آية الاستئذان: لا يستأذنك المؤمنون في الخروج ولا القعود، بل إذا أمرت بشيء من الجهاد أو غيره ابتدروا إليه دون إذن، وكان الاستئذان في ذلك الوقت علامة على النفاق. ¬

_ (¬1) انظر "تفسير الرازي" 16/ 59.

172 - باب في بعثة البشراء

172 - باب في بَعْثةِ البُشَراءِ 2772 - حدثنا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نافِعٍ، حدثنا عِيسَى، عَنْ إِسْماعِيلَ، عَنْ قيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ قال: قال لي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلا تُرِيحُني مِنْ ذي الخَلَصَةِ" .. فَأَتاها فَحَرَّقَها، ثمَّ بَعَثَ رَجُلاً مِنْ أَحْمَسَ إِلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يُبَشِّرُهُ، يُكْنَى أَبا أَرْطاةَ (¬1). * * * باب في بعثة السرايا (¬2) [2772] (حدثنا أبو توبة) بفتح المثناة وبعد الواو باء موحدة (الربيع ابن نافع) الحلبي، نزيل طرسوس، قال (¬3) (حدثنا عيسى) بن يونس الهمداني (عن إسماعيل) بن أبي خالد، الأحمسي مولاهم، ثقة ثبت (¬4). (عن قيس) بن أبي حازم، أبو عبد الله البجلي، تابعي كبير، هاجر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ففاته الصحبة (عن جرير) بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه - (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألا تُريحني) وفي رواية: "هل تريحني" (من ذي الخَلَصة؟ ) بفتح الخاء المعجمة واللام، هذا هو المشهور، وحكى القاضي أيضًا ضم الخاء. يقال له: الكعبة اليمانية والكعبة الشامية. وكان لخثعم، فنفر في خمسمائة فارس (¬5). (فأتاها فحرَّقها) بتشديد الراء، بالنار، وكسر الأصنام التي فيها، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3020)، ومسلم (2476). (¬2) في "السنن": البشراء. (¬3) ساقطة من (ل). (¬4) انظر: "تقريب التهذيب" (442). (¬5) "إكمال المعلم شرح "صحيح مسلم" 8/ 512.

وقتل من وجد عندها (ثم بعث رجلًا من أحمس) قبيلة جرير الحمس، قريش، ومن ولدت سموا بذلك لتحمسهم في دينهم، أي: تشددهم (إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يبشره] (¬1) يكنى أبا أرطاة) حصين بن ربيعة بن عامر، بضم الحاء المهملة، ويقال: حسين. بالسين المهملة، والصواب الصاد. ¬

_ (¬1) زيادة من (ل).

173 - باب في إعطاء البشير

173 - باب في إِعْطاءِ البَشيرِ 2773 - حدثنا ابن السَّرْحِ، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَني يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ قال: أَخْبَرَني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ كَعْبٍ قالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مالِكٍ قال: كانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالمَسْجِدِ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتيْنِ، ثمَّ جَلَسَ لِلنّاسِ. وَقَصَّ ابن السَّرْحِ الَحدِيثَ، قال: وَنَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - المُسْلِمِينَ، عَنْ كَلامِنا أيُّها الثَّلاثَةُ، حَتَّى إِذا طالَ عَليَّ تَسَوَّرْتُ جِدارَ حائِطِ أَبي قَتادَةَ وَهُوَ ابن عَمّي، فَسَلَّمْتُ عَليْهِ فَواللَّهِ ما رَدَّ عَليَّ السَّلامَ، ثُمَّ صَلّيْت الصُّبْحَ صَباحَ خَمْسِينَ ليْلَةً عَلَى ظَهْرِ بيْتٍ مِنْ بُيُوتِنا، فَسَمِعْتُ صارِخًا: يا كَعْبَ بْنَ مالِكٍ أَبْشِرْ. فَلَمّا جاءَني الذي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُني نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَى فَكَسَوْتُهُما إِيّاهُ، فانْطَلَقْت حَتَّى إِذا دَخَلْتُ المَسْجِدَ فَإِذا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جالِسٌ، فَقامَ إِليَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبيْدِ اللهِ يُهَرْوِل حَتَّى صافَحَني وَهَنَّأَني (¬1). * * * باب في إعطاء البشير [2773] (حدثنا) أحمد بن عمرو (ابن السرح) مولى (¬2) بني أمية قال: (أنبأنا) عبد الله (ابن وهب) المصري، أحد الأعلام، قال: (أخبرني يونس) بن يزيد بن أبي النجاد، مولى معاوية بن أبي سفيان (عن) محمد (بن شهاب) الزهري (قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، أن عبد الله بن كعب) بن مالك. (قال: سمعت كعب بن مالك) الأنصاري الخزرجي، كان أحد شعراء ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4418)، ومسلم (2769). (¬2) ساقطة من (ر).

النبي - صلى الله عليه وسلم -. (قال: كان النبي إذا قدم من سفر) حج، أو غزو، أو عمرة، أو غيرها (بدأ بالمسجد) لأنه بيت الله، فالبدأة به أولى من بيت نفسه (فركع فيه ركعتين) فيه استحباب صلاة القادم من سفره ركعتين في مسجد محلته أول قدومه قبل كل شيء (ثم جلس للناس) فيه أنه يستحب للقادم من سفر إذا كان مشهورًا يقصده الناس للسلام عليه أن يقعد لهم في مجلس بارز هين الوصول إليه، وكذا القاضي إذا ولي بلدة وقدم إليها. (وقص) أحمد (ابن السرح) قصة (الحديث) التي في توبة كعب بكمالها. (قال: ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كلامنا أيها الثلاثة) قال القاضي: هو بالرفع وموضعه نصب على الاختصاص (¬1). يعني: كعبًا، ومرارة بن الربيع العامري وهلال بن أمية الرافعي -رضي الله عنه - من بين من تخلف عن الغزو، فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت لي نفسي والأرض، فما هي الأرض التي أعرف. ويجمع أسماء الثلاثة: همك إرم، فالأول لأسمائهم، والثاني لأسماء آبائهم. وفيه دليل على استحباب هجران أهل البدع والمعاصي الظاهرة، وأن للإمام أن يؤدب بعض أصحابه بإمساك الكلام عنه. (حتى إذا طال) ذلك (عليَّ) من جفوة المسلمين (تسورت جدار حائط) أي: علوت عليه، وصعدت سوره. وهو أعلاه. وفيه دليل على جواز دخول الإنسان بستان صديقه وقريبه الذي نزل عليه، ويعرف أنه لا يكره ذلك بغير إذنه بشرط أن يعلم أن ليس هناك زوجة مكشوفة ونحو ذلك. (أبي قتادة) الحارث بن ربعي الخزرجي ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم شرح صحيح مسلم" 8/ 280.

(وهو ابن عمي) ليس هو ابن عمه لحًا، بل هو ابن عم جد خديجة. (فسلمت عليه) فيه السلام على الهاجر وإن لم يرد عليه (فوالله ما رد علي السلام) إنما لم يرد -عليه السلام- لعموم النهي عن كلامهم، وفيه أن لا يسلم على المبتدعة ولا يرد عليهم، وفيه أن السلام كلام، وأن من حلف أن لا يكلم إنسانًا فرد عليه سلامه أو ابتدأه بالسلام حنث. (ثم صليت الصبح صباح) بالنصب على البدل (خمسين ليلة) فيه ما جرت العادة من عد أيام الضيق وانتظار الفرج فيها (على ظهر بيت من بيوتنا) فيه صحة الصلاة على البيت كما تصح في باطنه، ولعله كان منفردًا. (فسمعت صارخا) صعد على سلع، وهو الجبل المعروف بالمدينة ونادى (¬1) عليه: (يا كعب) يجوز فيه الضم والفتح، والمختار عند البصريين غير المبرد الفتح (ابن) بالنصب (مالك) والضم والفتح المذكورين جائزان في كل علم مفرد موصوف بابن متصل به مضاف إلى علم، كما تقدم، فإن فقد شرط تعين ضم كعب ونحوه. (أبشر) بفتح الهمزة. فيه دليل على استحباب التبشير وتهنئة من تجددت عليه نعمة ظاهرة أو اندفعت عنه نقمة ظاهرة، وهذا الاستحباب عام في كل نعمة حصلت أو كربة انكشفت، سواء كانت من أمور الدين أو الدنيا. (فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت) فيه جواز نزع (¬2) الثوب بحضرة الغير، وليس فيه إسقاط مروءة ولا غيرها (له) أي: ¬

_ (¬1) بعدها في (ل): كعب. (¬2) في (ل): نزعت.

لأجل بشارته (ثوبي) بتشديد الياء آخره على التثنية (فكسوتهما إياه) ببشارته. فيه استحباب إجازة البشير بخلعة وغيرها من الملبوس أو الفرش أو الآلات أو الفضة، والخلعة من الثياب أحسن لاسيما التي يلبسها وهي المعتادة. وفيه التصدق بشيء عند ارتفاع الضيق والحزن وإبقاء بعض ما يحتاجه، فإنه لما خلع ثوبيه لم يبق عاريًا مكشوف العورة، بل لابد أُبقي عليه شيء يستره، وزاد في الصحيحين (¬1): واستعرت ثوبين فلبستهما، ووالله ما أملك غيرهما يومئذٍ. (فانطلقت) أتأمم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتلقاني الناس فوجًا فوجًا، يهنئوني بالتوبة، ويقولون: لتهنئك توبة الله عليك. (حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس) في المسجد حوله الناس (فقام إلى طلحة بن عبيد الله) التميمي القرشي أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وفيه استحباب القيام للقادم إكرامًا له إذا قدم من سفر أو كان معتكفًا مدة أو مهجورًا. (يهرول) فيه استحباب الهرولة إلى لقاء القادم بشاشة به وفرحًا (حتى صافحني) فيه مصافحة القادم ومن تجددت عليه نعمة ظاهرة كحفظ القرآن أو توبة الله عليه ونحو ذلك (وهنأني) فيه تهنئة من أنعم الله عليه أو رد الله عنه نقمة ظاهرة. ¬

_ (¬1) البخاري (4418)، ومسلم (2769).

174 - باب في سجود الشكر

174 - باب في سُجُود الشُّكْرِ 2774 - حدثنا مَخْلَدُ بْن خالِدٍ، حدثنا أَبُو عاصِمٍ، عَنْ أَبي بَكْرَةَ بَكّارِ بْنِ عَئدِ العَزِيزِ، أَخْبَرَني أَبي عَبْدُ العَزِيزِ، عَنْ أَبي بَكرَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كانَ إِذا جاءَهُ أَمْرٌ سُرُورٍ أَوْ بُشِّرَ بِهِ خَرَّ ساجِدًا شاكِرًا لله (¬1). 2775 - حدثنا أَحْمَدُ بْن صالِحٍ، حدتنا ابن أَبي فديْكٍ، حَدَّثَني مُوسَى بْن يَعْقُوبَ، عَنِ ابن عُثْمانَ. قالَ أَبُو داوُدَ: وَهُوَ يَحْيَى بْنُ الحَسَنِ بْنِ عُثْمانَ، عَنِ الأشعَثِ بْنِ إِسْحاقَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قال: خَرَجْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ مَكَّةَ نُرِيدُ الَمدِينَةَ، فَلَمّا كُنّا قَرِيبًا مِنْ عَزْوَرا، نَزَلَ ثُمَّ رَفَعَ يَديْهِ فَدَعا اللهَ ساعَةً ثمَّ خَرَّ ساجِدًا فَمَكَثَ طَوِيلاً، ثُمَّ قامَ فَرَفَعَ يَديْهِ فَدَعا الله ساعَةً، ثُمَّ خَرَّ ساجِدًا فَمَكَثَ طَوِيلاً، ثمَّ قامَ فَرَفَعَ يَديْهِ ساعَةً، ثُمَّ خَرَّ ساجِدًا ذَكَرَهُ أَحْمَدُ ثَلاثًا، قالَ: "إِنّي سَأَلْتُ رَبّي وَشَفَعْتُ لأُمَّتي فَأَعْطاني ثُلُثَ أُمَّتي فَخَرَرْتُ ساجِدًا شُكْرًا لِرَبّي، ثُمَّ رَفَعْتُ رَأْسي فَسَأَلْتُ رَبّي لأُمَّتي فَأَعْطاني ثُلُثَ أُمَّتي فَخَرَرْتُ ساجِدًا لِرَبّي شُكْرًا، ثُمَّ رَفَعْتُ رَأْسي فَسَأَلْتُ رَبّي لأُمَّتي فَأَعْطاني الثُّلُثَ الآخَرَ فَخَرَرْتُ ساجِدًا لِرَبي" .. قالَ أَبُو داوُدَ: أَشْعَثُ بْنُ إِسْحاقَ أَسْقَطَهُ أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ حِينَ حدثنا بِهِ فَحَدَّثَني بِهِ عَنْهُ مُوسَى بْن سَهْلٍ الرَّمْليُّ (¬2). * * * ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1578)، وابن ماجه (1394). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2479). (¬2) رواه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (234). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (477).

باب سجدة الشكر [2774] (حدثنا مخلد بن خالد) بن يزيد الشقيري البغدادي، قال: (حدثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل (عن أبي بكرة بكار بن عبد العزيز) بن أبي بكرة. قال الذهبي: فيه لين (¬1). قال (أخبرني أبي) بكسر الباء (عبد) بالرفع بدل من أبي (العزيز، عن أبي بكرة) نفيع -رضي الله عنه - (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه كان إذا جاءه أمر سرور) واحد الأمور (أو بُشِّر به) وفي رواية لغيره: أمر يسر به أو بشر به. ورواية أحمد (¬2): عن أبي بكرة، أنه شهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أتاه بشير يبشره بظفر جند له على عدوهم. خر ساجدًا. قال النووي: في إسناده ضعف (¬3). لكن قال الترمذي: حديث حسن (¬4). ورواه النسائي أيضًا (¬5). وفيه دليل على أن الإنسان إذا فاجأه نعمة ظاهرة يسجد لله تعالى. قال أصحابنا: ولا فرق بين أن تخصه النعمة أو تعم المسلمين (¬6)، بل هي أولى وقوله (إذا جاءه أمر خر) أي: سواء كان يتوقع حصوله أو لا. ¬

_ (¬1) "الكاشف" 1/ 160. (¬2) "مسند أحمد" 5/ 45. (¬3) "المجموع شرح المهذب" 4/ 68. (¬4) "سنن الترمذي" (1578). (¬5) كذا في الأصول، ولم أجده في كتب النسائي، ولم يعزه إليه المزي في "تحفة الأشراف" 9/ 55 (11698). (¬6) "المجموع" 4/ 68.

وقال القاضي حسين والبغوي وغيرهما أن المراد كان يتوقعه، والمشهور أنه يسجد له وإن لم يتوقعه كما هو ظاهر إطلاق الحديث وكلام الجمهور (¬1). وقوله (خر ساجدًا) يفهم منه أنه إذا كان قاعدًا لا يقوم، لكن رواية أحمد: فقام فخر ساجدًا وهذِه الرواية تشهد من قال من أصحابنا أنه يستحب في سجود التلاوة أن يقوم فيسجد، وحكى ابن الرفعة عن القاضي: لو قرأ آية السجدة وهو قاعد فالمستحب عندي أن يقوم ثم يكبر للافتتاح ليحوز فضيلة القيام؛ لأن في القيام من الفضيلة ما ليس في القعود، قال -عليه السلام-: "صلاة القاعد على النصف (¬2) من صلاة القائم" (¬3). قال: وعلى هذا جرى في "التتمة" و"التهذيب"، وفي "النهاية" (¬4): إن شيخي كان يقوم ويكبر ويهوي عن قيام. (شاكرًا) بالتنوين (لله) تعالى على هذِه النعمة، قال البغوي في "التهذيب" (¬5): ولو تصدق صاحب هذِه النعمة أو صلى شكرًا فحسن، قال السبكي: يعني: مع فعله سجدة الشكر ومع تركها أيضًا، لكن قال صاحب "الكافي": لو أقام التصدق وصلاة ركعتين مقام سجود الشكر ¬

_ (¬1) "التهذيب" 2/ 199. (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) قد صح هذا الحديث عن جمع من الصحابة في الصحيحين والسنن وغيرها. انظر: "السلسلة الصحيحة" (3033). (¬4) "نهاية المطلب" 2/ 282. (¬5) "التهذيب" 2/ 199.

كان حسنًا (¬1). [2775] (حدثنا أحمد بن صالح) المعروف بابن الطبري، قال (¬2): (حدثنا) محمد بن إسماعيل (بن أبي فديك) الديلمي مولاهم صدوق (حدثنا موسى [بن] (¬3) يعقوب) الزمعي، فيه لين. (عن ابن عثمان، قال أبو داود: هو يحيى بن الحسن بن عثمان) الزهري (عن أشعث بن إسحاق بن سعد) بن أبي وقاص (عن) عمه (عامر بن سعد، عن أبيه) سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه -. (قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة نريد المدينة) شرفها الله تعالى (قال: فلما كنا قريبًا من عَزُورا) بفتح العين وضم الزاي وسكون اِلواو وبالزاي الثانية مثل وزن دنوفا اسم للمعذرة، قال الشاعر: لولا دنوفا اسمه لم تنطع بنطع (¬4) بإسكان النون وعين آخره أي: لم يتسمح بشيء. وفي بعض النسخ عزوراء بسكون الزاي وفتح الواو والمد، وهو أقرب، ولابن دقيق العيد عزوزه بالهاء بدل الهمزة، قال البكري: هو بضم الزاي وواو وزاي أخرى، موضع بين مكة والمدينة، فأنا أظنه تصحيفًا، وإنه فلما كان قريبًا من عزوزا -بفتح المهملة وسكون الزاي وفتح الواو وراء مهملة- موضع قريب من مكة (نزل) أي: عن راحلته (ثم رفع يديه فدعا الله) تعالى. فيه استحباب رفع اليدين في كل دعاء، وإذا رفع يديه ¬

_ (¬1) انظر: "مغني المحتاج" 1/ 219، و "أسنى المطالب" 1/ 199. (¬2) ساقطة من (ل). (¬3) ساقطة من (ل، ر)، والمثبت من المطبوع. (¬4) هكذا في النسخ، ولم أجده عند غير المصنف.

لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه لما روى الترمذي (¬1) عن عمر -رضي الله عنه -، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما (¬2) وجهه. (ساعة ثم خر) أي: سقط بسرعة (ساجدًا) منصوب على الحال والسجود هو وضع الجبهة على الأرض، وهو غاية الخرور ونهاية الخضوع. (فمكث) بضم الكاف، وهي قراءة الجمهور (¬3) في قوله تعالى: {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ}، وقرأ عاصم وحده {فَمَكَثَ} بفتحها (¬4)، ومعناه على القراءتين: أقام. قال ابن عطية (¬5): والفتح في الكاف أحسن؛ لأنها لغة القرآن في قوله: {مَاكِثِينَ} إذ هو من مكث [بفتح الكاف ولو كان من مكث بضم الكاف كان جمع مكيث. (طويلاً) فيه فضيلة] (¬6) تطويل سجدة الشكر، والسهو، والتلاوة، وغير ذلك، ويوضح هذا التطويل ما رواه البيهقي (¬7) من حديث عبد الرحمن بن عوف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل نخلًا فاستقبل القبلة فسجد ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (3386). (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) انظر: "معاني القرآن" للفراء 2/ 289. (¬4) انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص 480. (¬5) "المحرر الوجيز" 4/ 304. (¬6) ساقط من (ر). (¬7) "سنن البيهقي الكبرى" 2/ 370.

فأطال السجود وأنا أراه، حتى ظننت أن الله توفاه، وفيه: فقال: "لما رأيتني دخلت النخل لقيت جبريل فقال: أيسرك أن الله يقول: من سلم عليك سلمت عليه ... " الحديث. (ثم) رفع رأسه أي: وسلم ثم (قام فرفع يديه) أي: للدعاء (ساعة) فيه الدعاء قائمًا وفضيلته إلا أن يحمل القيام هنا على رفع رأسه من السجود (ثم خر) ثانيًا (ساجدًا) لله تعالى. (ذكره أحمد) بن صالح، وقال: يعني أنه فعل ذلك (ثلاثًا، وقال: إني سألت ربي -عَزَّ وَجَلَّ- وشفعت) بفتح الفاء إلى ربي (لأمتي) ظاهره حصول الشفاعة منه لكن يعارضه رواية الصحيحين (¬1): "لكل نبي دعوة مستجابة، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة". [والله أعلم] (¬2) وكلا الحديثين يدلان على كمال (¬3) شفقة النبي - صلى الله عليه وسلم - على أمته، ورأفته بهم، واعتنائه بالنظر في مصالحهم المهمة. (فأعطاني ثلث أمتي) أن يدخلهم الجنة كما في حديث أبي سعيد في البخاري (¬4): "والذي نفسي بيده إني لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة" (فخررت ساجدًا لربي -عَزَّ وَجَلَّ- شكرًا) نصب على المصدرية. أي: خررت أشكر الله شكرًا. وفيه قول آخر أنه نصب لأنه مفعول له. وفيه دليل على سجود الشكر عند تجدد النعمة، ولما استجاب الله دعوته في أمته ¬

_ (¬1) البخاري (6304)، ومسلم (198). (¬2) ساقط من (ر). (¬3) ساقط من (ر). (¬4) "صحيح البخاري" (3348).

وكان ذلك من أعظم النعمة عنده وأتمها. وظاهر الحديث يدلّ على أن خروره ساجدًا كان خارج الصلاة وهو كذلك؛ لأنها لا تفعل في الصلاة بخلاف سجدة التلاوة، فإنها متعلقة بما هو مشروع في الصلاة وهي القراءة، ولا كذلك سجدة الشكر، وإذا لم تكن مشروعة في الصلاة ففعلت فيها إن كان عمدًا بطلت، وإن كان سهوًا أو جاهلًا فلا تبطل أو يسجد للسهو، وهذا في سجدات التلاوة غير {ص}؛ فإن سجدتها سجدة شكر على المذهب (¬1)، فلو قرأها في غير الصلاة استحب أن يسجد اقتداءً بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، ولو قرأها في الصلاة فسجد، هل تبطل صلاته؟ فيه (¬2) وجهان مشهوران. قال ابن الرفعة: أصحهما في "الحاوي": لا تبطل لتعلقها بالقراءة (¬3) والرافعي (¬4) والنووي (¬5) صححا البطلان، وإذا قلنا: لا يسجد. وكان المصلي مقتديًا بمن يرى السجود فيها فلا يسجد معه، ولكن ينتظره حتى يرفع أو ينوي مفارقته (ثمَّ رفعت رأسي) من السجود (فسألت ربي) ودعوت الله ساعة (لأمتي) وشفعت لهم ثانيًا. فيه تكرار الدعاء والشفاعة إن لم تقبل أو قبلت، ولكن شفع في الزيادة على ما حصل في المرّة الأولى (فأعطاني ثلث أمتي) أي: الثلث الثاني (¬6) تكملة ¬

_ (¬1) انظر: "مختصر المزني" 8/ 109. (¬2) في (ل)، (ر): في. (¬3) انظر: "الحاوي" 2/ 203. (¬4) "العزيز شرح الوجيز" 4/ 186. (¬5) "المجموع شرح المهذب" 4/ 68. (¬6) في (ر): الباقي.

الثلثين منهم أن يدخلوا الجنة. (فخررت ساجدًا لربي شكرًا) فيه تكرر سجدة الشكر إذا تكرر السبب الموجب لها أو حصلت زيادة عليه، كما تتكرر سجدة التلاوة إذا كرر القارئ آية السجدة خارج الصلاة في مجلسين، وكذا في مجلس لتجدد السبب بعد توفية حكم الأوّل على الأصح (ثمَّ رفعت رأسي) من السجدة الثالثة (فسألت ربي) وشفعت (لأمتي) أي: في الثلث الباقي (¬1) منهم (فأعطاني الثلث الآخر) بكسر الخاء من أمتي (فخررت) بفتح الراء الأولى آخر بكسر الخاء (ساجدًا لربي) سجدة ثالثة شكرًا له سبحانه. (قال أبو داود -رضي الله عنه -: أشعث بن إسحاق) بن سعد (أسقطه) في روايته (أحمد بن صالح) المصري (حين حدثنا به، فحدثني) يعني: حديث أبي داود (به) أي: بهذا الحديث (عنه) أي: عن أشعث بن إسحاق بن سعد (موسى بن سهل الرملي) أخو علي، وهو نسائي الأصل، وهو ثقة، توفي سنة 262. ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر).

175 - باب في الطروق

175 - باب في الطُّرُوقِ 2776 - حدثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ وَمُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، قالا: حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ مُحارِبِ بْنِ دِثارٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قال: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَكْرَهُ أَنْ يَأْتَي الرَّجُلُ أَهْلَهُ طُرُوقًا (¬1). 2777 - حدثنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شيْبَةَ، حدثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبيِّ، عَنْ جابِرٍ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ أَحْسَنَ ما دَخَلَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ إِذا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ أَوَّلَ اللّيْلِ" (¬2). 2778 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حدثنا هُشيْمٌ، أَخْبَرَنا سيّارٌ، عَنِ الشَّعْبيِّ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قال: كُنّا مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في سَفَرٍ فَلَمّا ذَهَبْنا لِنَدْخُلَ قَالَ: "أَمْهِلُوا حَتَّى نَدْخُلَ ليْلًا لِكَي تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ المُغِيبَةُ". قَالَ أَبُو داوُدَ: قَالَ الزُّهْريُّ: الطُّرُوقُ بَعْدَ العِشاءِ. قَالَ أَبُو داوُدَ: وَبَعْدَ المَغْرِبِ لا بَأْسَ بِهِ (¬3). * * * باب في الطُّرُوق [2776] (حدثنا حفص بن عمر) بن الحارث بن سخبرة الأزدي (ومسلم بن إبراهيم) الأزدي الفراهيدي مولاهم، القصاب. (قالا: حدثنا شعبة، عن محارب بن دثار) بكسر الدال المهملة وتخفيف الثاء المثلثة، أبو كُردُوس - بضم الكاف والدال، وبالسين ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1801)، ومسلم (715/ 185) بعد حديث (1928). (¬2) رواه بنحوه البخاري (5244)، ومسلم (715) بعد حديث (1928). (¬3) رواه البخاري (5079)، ومسلم (715/ 181) بعد حديث (1928).

المهملة السدوسي قاضي الكوفة (عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكره أن يأتي الرجل) المسافر (أهله) إذا قدم ليلًا (طُروقًا) بضم الطاء، وهو أن يأتيهم في الليل، وكل آتٍ في الليل فهو طارق، ومنه قوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} (¬1). قال النووي (¬2): معناه أنَّه يكره لمن طال سفره أن يقدم على امرأته ليلًا بغتة (¬3). [2777] (حدثنا عثمان) بن محمَّد بن إبراهيم (بن أبي شيبة) العبسي الكوفي قال (¬4): (حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن جرير الضبي الرازي (عن مغيرة) بن مقسم، أبو هشام الضبي مولاهم، الفقيه الأعمى، روى عنه جرير قال: ما وقع في مسامعي منه شيء فنسيته، توفي 133. (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن جابر) بن عبد الله -رضي الله عنه - (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن أحسن ما دخل الرجل) الغائب غيبة طويلة (على أهله) زوجته أو أم ولده المملوكة، وربما دخل فيه أقاربه (إذا قدم من سفر) طويل أو قصير، فليدخل (أولَ الليل) أي قبل وقت العشاء، وقبل المغرب أولى لتلحق إصلاح شأنها قبل النوم معه، أخرج الشيخان نحو هذا الحديث في النكاح (¬5). والنسائيُّ في عشرة النساء من حديث جابر (¬6). ¬

_ (¬1) الطارق: 1. (¬2) "شرح النووي على مسلم" 13/ 71. (¬3) في الأصول زيادة: والنهي عن طروق الرجل أهله مراد به النزول عليهم، وما هنا مصدرية على تقدير مضاف، أي: إنَّ أحسَنَ دخول الرجل على امرأته أول الليل. ولعله سبق نظر فستأتي بتمامها في الحديث التالي. (¬4) ساقطة من (ل). (¬5) "صحيح البخاري" (5244)، ومسلم (715). (¬6) "السنن الكبرى" (9141).

ووجه الجمع بين هذا الحديث وبين حديث النهي عن طروق الأهل ليلًا أن هذا الحديث محمول على الخلوة وقضاء الوطر. أي: أحسن خلوته بأهله أول الليل. والنهي عن طروق أهله مراد به النزول عليهم، وما هنا مصدرية على تقدير مضاف. أي: إنَّ أحسن دخول الرجل على امرأته أول الليل. [2778] (حدثنا أحمد) بن محمَّد (بن حنبل قال: حدثنا هشيم) بالتصغير، ابن بشير بن القاسم بن دينار السلمي مولاهم، قال: (أنبأنا سيَّار) بفتح السين المهملة بن أبي سيار، واسمه وردان أبو الحكم الواسطي ([عن الشعبي] (¬1) عن جابر بن عبد الله قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر) رواية مسلم: في غزوة. (فلما ذهبنا لندخل) في النهار (قال: أمهلوا) بفتح الهمزة، قال الله تعالى: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ} (¬2) لما كرر اللفظة خالف بين اللفظين وهما مهل وأمهل (حتى ندخل ليلًا) فسره في "صحيح مسلم" (¬3) فقال: أي: عشاء. يعني: أول الليل كما في (¬4) الحديث. ثمَّ بين العلة (لكي تمتشط الشعثة) بكسر العين، قال القرطبي (¬5): هي التي علاها الشعث. وهو: الغبار والوسخ في الشَّعر. يعني بذلك أن المرأة في حال غيبة زوجها متبذلة، لا تمتشط، ولا تدهن، ولا تتنظف. (وتستحد) أي: تستعمل الحديدة وهي الموسى وغيره في حلق ¬

_ (¬1) ليست في (ر): ومستدركة من المطبوع. (¬2) الطارق: 17. (¬3) "صحيح مسلم" (715). (¬4) في (ر): بين. (¬5) "المفهم" 12/ 64.

الشعر، وهو دليل على جواز حلق عانتها وإبطها بالموسى وإن كان النتف أفضل (المُغِيبة) بضم الميم وكسر الغين المعجمة. التي غاب عنها زوجها وهو من أغابت تغيب فهي مغيبة، فالمراد بها من طالت غيبة زوجها، فأما من كان سفره قريبًا تتوقع امرأته حضوره فلا، ويؤيده في رواية مسلم: "إذا أطال الرجل الغيبة" (¬1). وفيه: من الفقه أن المرأة ينبغي لها أن تتحسن، وتتزين، وتتطيب، وتتصنع للزوج بما أمكنها. وتجتهد في أن لا يرى منها الزوج ما تنفر نفسه منها (¬2) بسببه من الشعث والوسخ وغير ذلك. والظاهر أن الزوج كذلك، ويدل عليه قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ} (¬3). حكى المنذري عن بعضهم هذا، وإن كان يشير إلى أنَّه سنة فلا أصل له ولا هو من الحديث، وإنما أشار في الحديث إلى ما جرت به عادتهن غالبًا. (قال الزهري: والطرق) بإسكان الراء (بعد العشاء) أي: بعد غروب الشمس، وأصل الطرق الضرب، وسمي الآتي بالليل طارقًا؛ لأنه يطرق الباب، ومنه المطرقة، وأما قوله: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} (¬4) فقال ابن عطية (¬5): معنى الآية: والسماء وجميع ما يطرق فيه من الأمور والمخلوقات. (قال أبو داود) وأما إتيان المسافر (وبعد المغرب فلا بأس به). ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (715/ 183). (¬2) زيادة من (ل). (¬3) البقرة: 228. (¬4) الطارق: 1. (¬5) "المحرر الوجيز" 5/ 436.

176 - باب في التلقي

176 - باب في التَّلَقّي 2779 - حدثنا ابن السَّرْحِ، حدثنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنِ السّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قال: لمَّا قَدِمَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - المَدِينَةَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ تَلَقّاهُ النّاسُ فَلَقِيتُهُ مَعَ الصِّبْيانِ عَلَى ثَنِيَّةِ الوَداعِ (¬1). * * * باب في التلقي [2779] (حدثنا) أحمد بن عمرو (ابن السرح) المصري شيخ مسلم، قال (¬2): (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن) ابن شهاب (الزهري، عن السائب ابن يزيد) بن سعيد بن ثُمامة بضم الثاء المثلثة، الكندي، حضر حجة الوداع مع أبيه وهو ابن سبع سنين، مات سنة ثمانين. (قال: لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة) شرفها الله تعالى (من غزوة تبوك تلقاه الناس) فيه دليل على استحباب تلقي الغائب والاجتماع لملاقاته؛ لا سيما إن كان في غزو أو حج وطالت غيبته (فلقيته مع الصبيان) فيه: استحباب تلقي الصبيان مع الرجال. وفيه: تمرين الصبيان على مكارم الأخلاق واستجلاب الدعاء لهم (على ثنية الوداع) بفتح الواو. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3083). (¬2) من (ر).

177 - باب فيما يستحب من إنفاذ الزاد في الغزو إذا قفل

177 - باب فِيما يُسْتَحَبُّ مِنْ إِنْفاذِ الزّادِ في الغَزْوِ إِذا قَفَلَ 2780 - حدثنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حدثنا حَمّادٌ، أَخْبَرَنا ثابِتٌ البُنانيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ فَتًى مِنْ أَسْلَمَ قال: يا رَسُولَ اللهِ إِنّي أُرِيدُ الجِهادَ وَليْسَ لي مالٌ أَتَجَهَّزُ بِهِ. قَالَ: "اذْهَبْ إِلى فُلانٍ الأَنْصاريِّ فَإِنَّهُ كانَ قَدْ تَجَهَّزَ فَمَرِضَ فَقُلْ لَهُ إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُقْرِئُكَ السَّلامَ وَقُلْ لَهُ: ادْفَعْ إِلى ما تَجَهَّزْتَ بِهِ" .. فَأَتاهُ فَقالَ لَهُ ذَلِكَ. فَقالَ لاِمْرَأَتِهِ: يا فُلانَةُ ادْفَعي لَهُ ما جَهَّزْتِني بِهِ وَلا تَحْبِسي مِنْهُ شيْئًا فَواللهِ لا تَحْبِسِينَ مِنْهُ شيْئًا فيبارِكَ اللهُ فِيهِ (¬1). * * * باب فيما يستحب من إنفاذ الزاد في الغزو إذا قفل [2780] (حدثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة المقرئ البصري المعروف بالتبوذكي قال (¬2): (حدثنا حماد) بن سلمة بن دينار الربعي، مولى ربيعة بن مالك قال: (أنبأنا ثابت البُنَاني) بضم الباء الموحدة، وتخفيف النون الأولى، تابعي من أعلام أهل البصرة (عن أنس بن مالك أن فتى من أسلم قال: يا رسول الله، إني أريد الجهاد وليس [لي مال] (¬3) أتجهز به) رواية [مسلم (¬4): وليس معي ما أتجهز به] (¬5). (قال: اذهب إلى فلان الأنصاري -رضي الله عنه - فإنَّه كان قد تجهز فمرض) فيه ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1894). (¬2) من (ر)، ومكررة فيها. (¬3) في (ر): معي ما. (¬4) "صحيح مسلم" (1894). (¬5) ساقط من (ر).

التجهز للجهاد والحج، والتزود لهما، وإعداد الراحلة، وما يحتاج إليه (فقل له: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرئك) بفتح أوله، وحكى ابن القطاع ضم الياء (السلام) فيه إرسال السلام إلى الغائب عن البلد والمقيم فيها إذا أرسل إليه أحد برسالة فتقول له: اقرأ على فلان السلام، أو سلم عليه، أو أبلغه السلام، ويجب على الرسول تبليغ السلام إذا أمكن. وفيه رد على ما قال الأصمعي أن تعديته بنفسه خطأ، فلا يقال: اقرأه السلام؛ لأنه بمعنى اتل عليه السلام (وقيل له: ادفع إلى ما تجهزت به، فأتاه فقال له ذلك) في رواية مسلم: فأتاه فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرئك السلام ويقول: "أعطني الذي تجهزت به" (فقال لامرأته: يا فلانة ادفعي له ما جهزتني به ولا تحبسي منه) رواية مسلم: عنه (شيئًا) فيه فضيلة الصحابة ومبادرتهم إلى فعل الخير، والاحتراص على أفضل الأعمال وأكمل الأحوال (فوالله لا تحبسي منه شيئًا فيبارك) بالنصب؛ لأنه بعد جواب النفي كقوله تعالى: {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} (¬1) (لنا فيه) (¬2). وفيه دلالة على فعل الخير وفضله، وأن له مثل أجر فاعله المنفق، وقد ورد هذا كثيرًا. وفيه: أن ما نوى الإنسان صرفه في جهة بر فتعذرت عليه تلك الجهة يستحب له بذله في تلك الجهة أو في جهة أخرى، ولا يلزمه ذلك ما لم يلتزمه بالنذر، بل هو مستحب، فمن خرج إلى السائل بطعام أو غيره ليعطه فوجده قد ذهب، فيدفع ذلك الطعام إلى فقير غيره، أو يتيم، أو ¬

_ (¬1) فاطر: 36. (¬2) ورد بعدها في الأصل: نسخة: ذلك.

مستحق، ولا يرده إلى طعامه، وكذا من أخرج فلسًا ليدفعه إلى فقير فلم يأخذه لا يرده على ماله، بل يدفعه إلى غيره، لكن من دلّ على خير هل يكون أجره مساويًا لمن فعل؟ فذهب بعض الأئمة إلى (¬1) أن أجر الدال بغير تضعيف وللفاعل بتضعيف (¬2). وفيه أن من عزم على فعل خير فعجز عنه فيستحب للعازم إخراجه، فإن أمسكه أو بعضه لا يجد فيه بركة، بل تنزع البركة منه. ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض 6/ 318.

178 - باب في الصلاة عند القدوم من السفر

178 - باب في الصَّلاةِ عِنْدَ القُدُومِ مِنَ السَّفَرِ 2781 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُتَوَكِّلِ العَسْقَلانيُّ والحَسَنُ بْنُ عَليٍّ، قالا: حدثنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَني ابن جُريْجٍ، قال: أَخْبَرَني ابن شِهابٍ، قال: أَخْبَرَني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبٍ وَعَمِّهِ عُبيْدِ اللهِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِما كَعْبِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ لا يَقْدِمُ مِنْ سَفَرٍ إِلَّا نَهارًا. قَالَ الحَسَنُ في الضُّحَى: فَإِذا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ أَتَى المَسْجِدَ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتيْنِ ثُمَّ جَلَسَ فِيهِ (¬1). 2782 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الطُّوسيُّ، حدثنا يَعْقُوبُ، حدثنا أَبي، عَنِ ابن إِسْحاقَ، حَدَّثَني نافِعٌ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ أَقْبَلَ مِنْ حَجَّتِهِ دَخَلَ المَدِينَةَ فَأَناخَ عَلَى بابِ مَسْجِدِهِ ثُمَّ دَخَلَهُ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلى بيْتِهِ. قَالَ نافِعٌ: فَكانَ ابن عُمَرَ كَذَلِكَ يَصْنَعُ (¬2). * * * باب الصلاة عند القدوم من السفر [2782] (حدثنا محمَّد بن منصور) بن داود (الطوسي) قال (حدثنا يعقوب) بن إبراهيم من العراق، قال: (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم الزهري القرشي (عن) محمَّد (بن إسحاق) صاحب "المغازي" قال (أخبرني نافع، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أقبل من حجته) أي: حجة الوداع (دخل المدينة) شرفها الله تعالى (فأناخ) راحلته (على ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3088)، ومسلم (716). (¬2) رواه أحمد 2/ 129. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (2485): إسناده حسن صحيح.

باب المسجد) فبدأ به قبل الدخول على نسائه (ثمَّ دخله) فيه أنَّه يستحب للمسافر إذا قدم من سفر أو حج ودخل البلد أن يبدأ ببيت الله تعالى إكرامًا له، كما تقدم (فركع فيه ركعتين) تحية المسجد قبل أن يجلس، ثمَّ جلس للسلام عليه (ثمَّ انصرف) منه (إلى بيته) ليسلم عليهم. (قال نافع) راوي الحديث: (وكان) شيخه (ابن عمر كذلك يصنع) فيه أنَّه يتعين على كل من روى حديثًا أو تعلم علمًا نافعًا أن يعمل به جميعه وإن شق عليه ذلك فليعمل بالعشر منه كما في الزكاة؛ فإن نتيجة العلم العمل مع الإخلاص، وفقنا الله لذلك.

179 - باب في كراء المقاسم

179 - باب في كِراءِ المَقاسِمِ 2783 - حدثنا جَعْفَرُ بْنُ مُسافِرٍ التِّنِّيسيُّ، حدثنا ابن أَبي فُديْكٍ، حدثنا الزَّمْعيُّ، عَنِ الزُّبيْرِ بْنِ عُثْمانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سُراقَةَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبانَ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبا سَعِيدٍ الخُدْريَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِيّاكُمْ والقُسامَةَ" .. قال: فَقُلْنا: وَما القُسامَةُ؟ قَالَ: "الشَّيء يَكُونُ بيْنَ النّاسِ فيجيءُ فينْتَقِصُ مِنْهُ" (¬1). 2784 - حدثنا عَبْدُ اللهِ القَعْنَبيُّ، حدثنا عَبْدُ العَزِيزِ -يَعْني ابن مُحَمَّدٍ- عَنْ شَرِيكٍ -يَعْني: ابن أَبي نَمِرٍ- عَنْ عَطاءِ بْنِ يَسارٍ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَهُ. قَالَ: "الرَّجُلُ يَكُونُ عَلَى الفِئامِ مِنَ النّاسِ فيأْخُذُ مِنْ حَظِّ هذا وَحَظِّ هذا" (¬2). * * * باب كراء المقاسم [2783] (حدثنا جعفر بن مسافر) بن إبراهيم بن راشد (التِّنِّيسي) الهذلي. قال النسائي (¬3): هو صالح (قال: حدثنا) محمَّد بن إسماعيل (ابن أبي فديك) الديلمي مولاهم قال (¬4): (أنبأنا) موسى بن يعقوب (الزمعي) بفتح الزاي وسكون الميم، نسبة إلى جده زمعة (عن الزبير ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في "الأوسط" (8281)، والبيهقي 6/ 356. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (478). (¬2) رواه البيهقي 6/ 356، والبغوي في "شرح السنة" (2495). وضعفه الألباني في "الضعيفة" (2478). (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 5/ 110. (¬4) من (ر).

ابن عثمان، عن عبد الله بن سراقة) قال في "الميزان" (¬1): ابن عثمان هذا لا يعرف له إلا هذا الخبر. (أن محمَّد بن عبد الرحمن بن ثوبان) القرشي العامري (أخبره أن أبا سعيد الخدري) -رضي الله عنه - مرفوعًا (أخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إياكم) منصوب بفعل محذوف تقديره: اتقوا واحذروا (والقسامةَ) بالنصب. بضم القاف. اسم لما يأخذه القسام، كالسماسرة. يعني ما يأخذه القسام لأجرة نفسه يعزل من رأس المال شيئًا لنفسه مثل ما يأخذه السماسرة رسمًا مرسومًا لا أجرًا معلومًا. (قال: فقلنا: وما القسامة) يا رسول الله؟ (قال) هي (الشيء يكون بين الناس) ملكًا لهم (فيجيء) القسام (فينتقص منه) شيئًا يأخذه لنفسه يستأثر به عنهم ولم يستأجره على القسمة، ولا كان الحاكم أقامه، وليس في هذا الحديث تحريم أجرة القسام إذا قسم بإذنهم. قال العلماء: وليس لواحد أن ينفرد بالاستئجار للقسمة لحق نفسه دون إذن شريكه أو الشركاء؛ لأنَّ تصرفه في الملك المشترك دون الإذن فيكون العمل ممنوعًا والإجارة فاسدة، بل يعقد كل واحد بإذن الآخرين أو الوكيل بإذن جميعهم، وأما إذا كان القسام من جهة السلطان فتوزع أجرته لا محالة على الجماعة، فلينتبه لهذِه الدقيقة في التصوير (¬2). [2784] (حدثنا) عبد الله بن مسلمة (القعنبي قال: حدثنا عبد العزيز. ¬

_ (¬1) "ميزان الاعتدال" 2/ 68. (¬2) انظر: "الوسيط" للغزالي 7/ 335.

يعني: ابن محمَّد) بن أبي عبيد الدراوردي (عن شريك) بن عبد الله (يعني: ابن أبي نَمِر) قال المدني: تابعي صدوق. (عن عطاء بن يسار) مولى ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - من التابعين المشهورين بالمدينة (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه) أي: نحو الرواية المتقدمة. (قال: الرجل يكون على الفئام) بكسر الفاء، وفتح الهمزة بعدها المرسومة بالياء، قال الجوهري: الفئام: الجماعة من الناس، لا واحد له من لفظه، قال: والعامة تقول: قيام بلا همز (¬1) (¬2). والحديث مرسل؛ لأنَّ عطاء تابعي. (فيأخذ من حظ (¬3) هذا وحظ هذا) أجرة قسمته. ¬

_ (¬1) "الصحاح في اللغة" 5/ 278. (¬2) ورد بعدها في الأصل: وفي نسخة: الغنائم. (¬3) من (ر).

180 - باب في التجارة في الغزو

180 - باب في التِّجارَةِ في الغَزْوِ 3785 - حدثنا الرَّبِيعُ بْنُ نافِعٍ، حدثنا مُعاوِيَةُ -يَعْني: ابن سَلَّامٍ-، عَنْ زيْدٍ -يَعْني: ابن سَلَّامٍ - أَنَّهُ سَمِعَ أَبا سَلَّامٍ يقول: حدثَني عُبيْدُ اللهِ بْنُ سَلْمانَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحابِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَدَّثَهُ قال: لمَّا فَتَحْنا خيْبَرَ أَخْرَجُوا غَنائِمَهُمْ مِنَ المَتاعِ والسَّبْي فَجَعَلَ النّاسُ يَتَبايَعُونَ غَنائِمَهُمْ فَجاءَ رَجُلٌ حِينَ صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: يا رَسُولَ اللهِ لَقَدْ رَبِحْتُ رِبْحًا ما رَبِحَ اليَوْمَ مِثْلَهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ هذا الوادي قَالَ: "ويْحَكَ وَما رَبِحْتَ" .. قال: ما زِلْتُ أَبِيعُ وَأَبْتاعُ حَتَّى رَبِحْتُ ثَلاثَمِائَةِ أُوقِيَّةٍ فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنا أُنَبِّئُكَ بِخيْرِ رَجُلٍ رَبِحَ" .. قال: ما هُوَ يا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "رَكْعَتيْنِ بَعْدَ الصَّلاةِ" (¬1). * * * باب التجارة في الغزو [2785] (حدثنا الربيع بن نافع) أبو توبة الحلبي نزيل طرسوس قال (حدثنا معاوية يعني: ابن سلام) بتشديد اللام (عن) أخيه (زيد -يعني: ابن سلام- أنَّه سمع أبا سلَّام) ممطور الأسود الحبشي الدمشقي (يقول: حدثني عبيد الله) بالتصغير (ابن سلمان) هو مجهول (¬2). (أن رجلًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - حدثه قال: لما فتحت خيبر أخرجوا غنائمهم) التي اقتسموها (من المتاع والسبي) يعني: الأسر، وقد سبيت العدو إذا أسرته (فجعل الناس يتبايعون) مما حصل لهم من (غنائمهم) ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 6/ 332. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (480). (¬2) انظر: "تقريب التهذيب" (4327).

بعد القسمة وحيازة المال إليهم. (فجاء رجل حين صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، لقد ربحتُ ربحًا ما ربحه أحد) (¬1) في هذا اليوم (من أهل هذا الوادي) لعله في أرض خيبر (قال: ويحك) كلمة تقال عند الزجر (وما ربحت) في هذا اليوم؟ (قال: ما زلت أبيع وأبتاع) أي: أبيع وأشتري في هذِه المغانم. (حتى ربحت ثلاثمائة أوقية) بضم الهمزة وتشديد الياء، اسم لأربعين درهمًا. فيه التحدث بنعمة الله، والسؤال عما يشتبه عليه حكمه من البيوعات، والخوف على دينه من انتقاص أجر الغزو؛ لأجل الأرباح التي ربحوها بسبب التجارة، ويصير خوفهم على نقص أجر غزوهم خوفهم على نقصان أجر الحج. كما روى أبو داود (¬2) وغيره، عن ابن عباس: كانوا يتقون التجارة والبيوع في الموسم والحج ويقولون: أيام ذكر. فأنزل الله: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} (¬3)، قال ابن عباس في الآية: لا حرج عليكم من الشراء والبيع قبل الإحرام وبعده (¬4). (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أفلا أنبئك) أي: أخبرك (بخير من ربحك) وفي بعض النسخ: "بخير رجل ربح". ورواية ابن الأعرابي: "بخير ربحًا". يعني: شريف ربح ونصب ربحًا على التمييز، وكلمة خير تدل على أن ¬

_ (¬1) ورد بعدها في الأصول: نسخة: ما ربح مثله أحد. (¬2) سبق في كتاب المناسك مختصرًا. (¬3) البقرة: 198. (¬4) أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (1847)، والطبري في "التفسير" (3761).

في كل من الربحين خير، لكن الصلاة أكثر خيرًا (¬1) من ربح المال، وقد سمى الله المال خيرًا، بل قال عكرمة: الخير حيث وقع في القرآن هو المال (¬2). ومنه قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} (¬3) قيل: اللام في {لِحُبِّ} لام العلة، أي: وإنه لأجل حب المال والسعي فيه قوي على تحصيله، ومفهومه: إنه لحب العبادة لله تعالى وتحصيلها ضعيف متقاعس، وفي رواية اللؤلؤي: "أفلا أنبئك بخير رجل ربح" بفتح الراء وكسر الباء فعل ماضٍ. (قال: ما هو يا رسول الله؟ قال: ركعتين) أي: صلاة ركعتين (بعد الصلاة) لعل المراد بالركعتين اللتين يركعهما من جلس في مصلاه بعد صلاة الصبح، ويدل على ذلك ما رواه الترمذي في الدعوات من "جامعه" (¬4): أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث بعثًا قبل نجد فغنموا غنائم كثيرة وأسرعوا الرجعة، فقال رجل منا لم يخرج: ما رأينا بعثًا أسرع رجعة ولا أفضل غنيمة من هذا البعث، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ألا أدلكم على قوم أكثر غنيمة وأسرع رجعة؟ قوم شهدوا صلاة الصبح ثمَّ جلسوا يذكرون الله حتى تطلع الشمس، أولئك أسرع رجعة وأفضل غنيمة". ورواه البزار (¬5) وذكر فيه أن القائل: ما رأينا. هو أبو بكر -رضي الله عنه -. وهذا الجلوس لذكر الله تعالى مقيد بمن صلى ركعتين، ويدل عليه رواية ¬

_ (¬1) في (ر): ربحًا. (¬2) ذكره ابن عطية في "تفسيره" 5/ 486. (¬3) العاديات: 8. (¬4) "سنن الترمذي" (3561). (¬5) "مسند البزار" (9314).

الطبراني (¬1) بإسناد جيد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صلى الغداة في جماعة ثمَّ جلس يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس، ثمَّ قام فصلى ركعتين انقلب بأجر حجة وعمرة". انتهى. والحج والعمرة في معنى الغزو في سبيل الله، فيحصل من الحديث أن المراد بالركعتين بعد صلاة الصبح؛ فإنها الصلاة الوسطى عند الشافعي، وجماعة (¬2). ¬

_ (¬1) "المعجم "الكبير" (7741). (¬2) انظر: "اختلاف الحديث" 1/ 522.

181 - باب في حمل السلاح إلى أرض العدو

181 - باب في حَمْلِ السِّلاحِ إِلى أَرْضِ العَدُوِّ 2786 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، أَخْبَرَني أَبي، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنْ ذي الجَوْشَنِ - رَجُلٍ مِنَ الضِّبابِ - قال: أَتيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ أَنْ فَرَغَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ بِابْنِ فَرَسٍ لي يُقالُ لَها: القَرْحاءُ فَقُلْتُ: يا مُحَمَّدُ إِنّي قَدْ جِئْتُكَ بِابْنِ القَرْحاءِ لِتَتَّخِذَهُ قَالَ: "لا حاجَةَ لي فِيهِ وَإِنْ شِئْتَ أَنْ أُقِيضَكَ بِهِ المُخْتارَةَ مِنْ دُرُوعِ بَدْرٍ فَعَلْتُ" .. قُلْتُ: ما كُنْتُ أُقِيضُهُ اليَوْمَ بِغُرَّةٍ. قَالَ: "فَلا حاجَةَ لي فِيهِ" (¬1). * * * باب حمل السلاح إلى أرض العدو إذا أخذ منه عوض كراع. الكراع بضم الكاف، قال الجوهري: هو اسم لجميع الخيل (¬2). [2786] (حدثنا مسدد) بن مسرهد قال (¬3): (حدثنا عيسى بن يونس) عن أبيه قال: (حدثنا أبي) يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن أبي إسحاق) السبيعي واسمه عمرو بن عبد الله الهمداني (عن ذي الجوشن) قال ابن الأثير: اختلف في اسمه فقيل: هو أبو شمر شُرَحْبيل بن الأعور بن عمرو بن معاوية بن عمرو الضِّبَابي بكسر الضاد المعجمة وتخفيف الباء الموحدة من بني كلاب، ويقال: إنه أوس بن الأعور، ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 67، وابن أبي شيبة (37856). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (481). (¬2) "الصحاح في اللغة" 3/ 411. (¬3) من (ر).

والأول أكثر، وإنما لقب بذي الجوشن من أجل أن صدره كان ناتئًا وهو صحابي معروف، وكان شاعرًا محسنًا، وهو والد شمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين بن علي -رضي الله عنه -، سكن الكوفة، قال: وروى عنه أبو إسحاق مرسلًا (¬1). وهكذا قال أبو محمَّد بن أبي حاتم (¬2) وشمر لم يذكره أبو محمَّد بن أبي حاتم ولا البخاري في تاريخيهما. قال عبد الحق (¬3): ويقال: سمعه أبو إسحاق من ابنه شمر بن ذي الجوشن، ذكره ابن عبد البر (¬4)، وشِمْر بكسر الشين المعجمة وسكون الميم. (رجل من الضباب) بالكسر على البدل، ويجوز الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي: هو رجل من الضباب، بكسر الضاد المعجمة وتخفيف الباء الموحدة. (قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن فرغ من أهل بدر بابن فرس لي يقال له: القَرْحاءُ) بفتح القاف، لعلها سميت بذلك للغرة التي كانت في وجهها، وأن الفرس الأقرح هو ما في وجهه بياض دون الغرة، ومنه يقال: روضة قرحاء. أي: فيها نوارة بيضاء (فقلت: يا محمَّد) لعل خطابه هذا قبل أن يسلم ذو الجوشن، أو قبل نزول الآية؛ فإن الضحاك روى عن ابن عباس: كانوا يقولون: يا محمَّد، يا أبا القاسم، فنهاهم عن ذلك إعظامًا لنبيه ¬

_ (¬1) "جامع الأصول في أحاديث الرسول" 12/ 376. (¬2) "المراسيل" لابن أبي حاتم (527)، و"الجرح والتعديل" 3/ 447. (¬3) في الأصول: ابن عبد الحق، وانظر: "الأحكام الوسطى" 3/ 121. (¬4) "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" 2/ 468.

صلوات الله وسلامه عليه. قال: فقالوا: يا نبي الله، يا رسول الله، وهكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير. قال مقاتل بن حيان: في الآية يقول: لا تسموه إذا دعوتموه يا محمَّد، ولكن شرفوه فقولوا: يا رسول الله (إني قد جئتك بابن القرحاء) فيه تسمية الدواب، وكان النبي يسمي دوابه، والآلة التي للجهاد (لتتخذه) عندك لجهاد العدو ولغيره (قال: لا حاجة لي فيه) بلا عوض. فإن قلنا: إن هذا قبل أن يسلم، ففيه دليل على عدم قبول الهبة من المشركين. (وإن شئت أن أَقِيْضك) بفتح الهمزة، وكسر القاف، وإسكان المثناة تحت (به) أي: بدله. أي: أقايضك، يقال: قاض يقيض قيضًا، وقايضه يقايضه مقايضة في البيع إذا أعطاه سلعة وأخذ عوضها سلعة، والمقايضة في البيوع تشبه المبادلة، مأخوذ من القيض أبدلك وأعوضك، وهو العوض يقال: هما قيضان، أي: متساويان، وفي بعض النسخ: أقبضك بفتح القاف وتشديد الباء. فيه دليل على جواز حمل السلاح إلى أرض العدو إذا تعرض به الخيل التي للعدو، ووجه الدليل أن هذا قبل أن يسلم وإن كان قد أسلم فيحمل على أنَّه كان نازلًا في بلاد الكفر. والذي عليه العمل أن حمل السلاح إلى أرض العدو لا يجوز، ولهذا قال عبد الحق في آخر الحديث (¬1): وكان هذا قبل أن ينزل قول ¬

_ (¬1) "الأحكام الوسطى" 3/ 121.

الله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} مع أن الحديث كما تقدم، وكما أنَّه لا يجوز حمل السلاح إلى أرض العدو لا يجوز أن يباع العدو شيئًا مما يستعينون به في حروبهم من كراع أو سلاح، ولا شيئًا مما يرهبون به على المسلمين في قتالهم مثل الرايات، وما يلبسون في حروبهم. قال ابن رشد المالكي (¬1): وكذلك النحاس؛ لأنهم يعملون منه الطبول فيرهبون بها المسلمين. قال: وجائز أن يعطوا ذلك في فداء المسلمين باتفاق، وكذلك الخيل والسلاح إذا لم يقبلوا في الفداء غير ذلك. (المختارة) فيه استحباب تسمية الدواب (من دروع بدر) أي: من دروع غنائم بدر (فعلت، قلت: ما كنت لأقيضه) بضم الهمزة، كما تقدم (اليوم بغرة) بضم الغين وتشديد الراء، فيه أنَّه يسمى الفرس غرة، والمشهور عند أئمة اللغة والغريب والفقهاء أنها القسمة من الرقيق، ذكرًا كان أو أنثى، سميت بذلك لأنَّ الإنسان من أحسن الصور، أي: أفضله وخياره، وغزة كل شيء خياره، وإنما سمى هذِه الفرس بغرة؛ لأنها أنفس أمواله (قال: فلا حاجة لي فيه) أي: على غير الوجه المتقدم. ¬

_ (¬1) "المقدمات المهمات" 2/ 154 - 155.

182 - باب في الإقامة بأرض الشرك

182 - باب في الإِقامَةِ بِأَرْضِ الشِّرْكِ 2787 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ داوُدَ بْنِ سُفْيانَ، حدثنا يَحْيَى بْنُ حَسّانَ، أَخْبَرَنا سُليْمانُ بْنُ مُوسَى أَبُو داوُدَ، حدثنا جَعْفَرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، حَدَّثَني خُبيْبُ بْنُ سُليْمانَ، عَنْ أَبِيهِ سُليْمانَ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَمّا بَعْدُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ جامَعَ المُشْرِكَ وَسَكَنَ مَعَهُ فَإِنَّهُ مِثْلُهُ" (¬1). * * * باب الإقامة بأرض الشرك [2787] (حدثنا محمَّد بن داود بن سفيان) تفرد به أبو داود بالرواية عنه دون الستة، قال (¬2): (حدثني يحيى بن حسان) التنيسي، ثقة إمام رئيس، مات 208. قال (¬3): (أنبأنا سليمان بن موسى أبو داود) الزهري الكوفي، قال (¬4): (حدثنا جعفر بن سعد) بإسكان العين (ابن سمرة بن جندب قال: حدثني) ابن عمي (خبيب) بضم الخاء المعجمة (بن سليمان) بن سمرة بن جندب (عن أبيه سليمان بن سمرة) بن جندب بن هلال الفزاري، كان من الحفاظ المكثرين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال (عن سمرة بن جندب: أما بعد، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من جامع المشرك) أي: اجتمع معه (وسكن معه) في مكان (فإنَّه مثله) تقدم في حديث جرير بن عبد الله في آخر السادس عشر، كذا من وقف معه في ¬

_ (¬1) رواه الطبراني 7/ 251 (7023). وصححه الألباني في "الصحيحة" (2330). (¬2) من (ر). (¬3) من (ر). (¬4) من (ر).

صف قتال المشرك، فإنَّه إذا قتله من لم يعلم بحاله فلا دية له، كما لا دية في قتل الكافر، فإنَّه قتل مأمور به، بخلاف ما إذا رمى إلى صيد فقتل مسلمًا. وفيه وجوب الهجرة على من قدر عليها ولم يقدر على إظهار الدين، أسيرًا كان أو حربيًّا؛ فإن المسلم مقهور مهان بينهم وإن انكفوا عنه، فإنَّه لا يأمن بعد ذلك أن يؤذونه أو يفتنونه عن دينه، وحق على المسلم أن يكون مستظهرًا بأهل دينه. وروى الطبراني موصولًا: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أنا بريء من كل مسلم مع مشرك" (¬1). وفي معناه روايات كثيرة. وهذا آخر كتاب الجهاد من التعليقة على "سنن أبي داود". ¬

_ (¬1) "المعجم الكبير" 2/ 303 (2265) من حديث جرير، ورواه البيهقي 8/ 131.

كتاب الضحايا

كِتَابُ الضَّحَايَا

1 - باب ما جاء في إيجاب الأضاحي

16 - كِتَاب الضَّحَايَا 1 - باب ما جاءَ في إِيجابِ الأَضاحي 2788 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حدثنا يَزِيدُ، ح وَحَدَّثَنا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، حدَّثَنَا بِشْرٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْنٍ، عَنْ عامِرٍ أَبي رَمْلَةَ قَالَ: أَخْبَرَنا مِخْنَفُ بْنُ سُلَيْمٍ قال: وَنَحْنُ وُقُوفٌ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَفاتٍ قَالَ: "يا أَيُّها النّاسُ إِنَّ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ في كُلِّ عامٍ أُضْحِيَةً وَعَتِيرَةً أَتَدْرُونَ ما العَتِيرَةُ هذِه؟ التي يَقُولُ النّاسُ: الرَّجَبِيَّةُ". قَالَ أَبُو داوُدَ: العَتِيرَةُ مَنْسُوخَةٌ، هذا خَبَرٌ مَنْسُوخٌ (¬1). 2789 - حدثنا هارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَني سَعِيدُ بْنُ أَبي أَيُّوبَ، حَدَّثَني عَيَّاشُ بْنُ عَبَّاسٍ القِتْبانيُّ، عَنْ عِيسَى بْنِ هِلالٍ الصَّدَفيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ، أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أُمِرْتُ بِيَوْمِ الأَضْحَى عِيدًا جَعَلَهُ اللهُ - عز وجل - لهذِه الأُمَّةِ" قَالَ الرَّجُلُ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَجِدْ إِلَّا أُضْحِيَةً أُنْثَى أَفَأُضَحّي ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1518)، والنسائيُّ 7/ 167، وابن ماجه (3125)، وأحمد 5/ 76. وحسنه الألباني.

بِها؟ قَالَ: "لا، ولكن تَأْخُذُ مِنْ شَعْرِكَ وَأَظْفارِكَ وَتَقُصُّ شارِبَكَ وَتَحْلِقُ عانَتَكَ، فَتِلْكَ تَمامُ أُضْحِيَتِكَ عِنْدَ اللهِ - عز وجل -" (¬1). * * * {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} أول كتاب الأضاحي * * * باب ما جاء في إيجاب الأضاحي [2788] (حدثنا مسدد، حدثنا يزيد) بن زريع العيشي (¬2) (ح، وحدثنا حميد بن مسعدة) الباهلي، شيخ مسلم (¬3)، قال (حدثنا بشر) - بكسر الموحدة - ابن المفضل (¬4) بن لاحق، الإمام (عن عبد الله بن عون) بن أرطبان (¬5) مولى عبد الله بن مغفل (عن عامر) المكي (أبي رملة) بفتح الراء وسكون الميم (قال: أنبأنا مخنف) بكسر الميم وسكون الخاء ¬

_ (¬1) رواه النسائي 7/ 212، وأحمد 2/ 169. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (1265). (¬2) في (ل) طمس، وفي (ر) بالسين المهملة، والمثبت من مصادر الترجمة. انظر: "تهذيب الكمال" 32/ 124، "تهذيب التهذيب" 11/ 284، "التاريخ الصغير" (2411). (¬3) "تهذيب الكمال" 7/ 395. (¬4) في الأصل: (فضل)، والتصويب من كتب التراجم، راجع "تهذيب الكمال" 5/ 13. (¬5) في (ر): أرطان. وفي (ل) غير واضح، والتصويب من كتب التراجم. وانظر: "جامع الأصول" لابن الأثير 12/ 673، "الطبقات الكبرى" لابن سعد 7/ 122.

المعجمة، وفتح النون (ابن سليم، قال) قال النمري: لا أحفظ لمخنف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا حديث الأضحى والعتيرة (¬1). مصغرا (¬2)، ابن الحارث الأزدي الغامدي، شهد مع علي صفين، وولي أصبهان (¬3) (ونحن وقوف مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرفات) [لفظ الترمذي: كنا وقوفًا مع النبي بعرفات (¬4)] (¬5) فسمعته يقول: أيها الناس. قال مخنف (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا أيها الناس، إن على كل أهل (¬6) بيت في كل عام أضحية) استدل به أبو حنيفة (¬7) على أن الأضحية واجبة على المقيمين. وأجاب البيهقي عنه بجوابين: أحدهما: أنَّه إن صح، فالمراد به الاستحباب، يعني كما في حديث: "غسل الجمعة واجب على كل محتلم" (¬8). والثاني: أنَّه قد جمع بينها (¬9) وبين العتيرة، والعتيرة غير واجبة بالإجماع، [وهكذا الأضحية غير واجبة] (¬10) لأنها قرينتها (¬11)، وقد ¬

_ (¬1) "الاستيعاب" 4/ 1467. (¬2) يعني: سليم. (¬3) "الاستيعاب" 4/ 1467. (¬4) "سنن الترمذي" (1518). (¬5) من (ل). (¬6) ساقطة من الأصول، والمثبت من مطبوع "السنن". (¬7) انظر: "المبسوط" 12/ 13، "تحفة الفقهاء" 3/ 81، "بدائع الصنائع" 6/ 264، 266. (¬8) أخرجه البخاري (858)، ومسلم (846). (¬9) في الأصل: بينهما. والمثبت الصواب. (¬10) من (ل). (¬11) "معرفة السنن والآثار" 14/ 17.

روي عن أحمد في اليتيم يضحي عنه وليه إذا كان موسرًا، وهذا أيضًا على سبيل التوسعة في يوم العيد لا على سبيل الإيجاب (¬1). قال الشيخ أبو إسحاق صاحب "التنبيه": وحمله على الاستحباب أولى؛ لأنا نعم به المحاضر (¬2) والمسافر والموسر والمعسر. انتهى. وقد قيل: إن حديث مخنف منسوخ بحديث: "لا فرع ولا عتيرة". أخرجه مسلم. قال: وزاد ابن رافع في روايته: والفرع أول النتاج كان ينتج لهم فيذبحونه (¬3). (وعتيرة) بعين مهملة مفتوحة ثمَّ تاء مثناة من فوق، قال القاضي عياض: جماهير العلماء على نسخ الأمر بالفرع والعتيرة (¬4). والصحيح عند أصحابنا وهو نص الشافعي استحباب الفرع والعتيرة، ونص في حرملة على أنها إن تيسرت كل شهر كان حسنًا، قيل: الحديث منسوخ بقوله: "لا فرع ولا عتيرة"، وقيل: لا فرع واجبًا ولا عتيرة واجبة. (أتدرون ما العتيرة؟ ) هي (هذِه التي يقول عنها الناس الرجبية) بفتح الجيم، وكانوا يذبحونها في العشر الأوّل من رجب. وقوله -عليه السلام- في العتيرة: "اذبحوا لله في أي شهر كان" (¬5). أي: اذبحوا إن شئتم واجعلوا الذبح لله في أي شهر كان، لا أنها في رجب ¬

_ (¬1) "المغني" لابن قدامة 13/ 131. (¬2) هكذا في الأصل، ولعلها الحاضر. (¬3) أخرجه مسلم (1976). (¬4) "إكمال المعلم" 6/ 221، "شرح مسلم" للنووي 13/ 137. (¬5) أخرجه أبو داود باب: في العتيرة (2832) وسيأتي.

بعينه. وروى البيهقي (¬1) بإسناده عن الحارث بن عمرو قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرفات - أو قال: بمنىً - وسأله رجل عن العتيرة قال: "من شاء عتر ومن شاء لم يعتر". وكانت الجاهلية إذا عترت تذبح للأصنام وتصب دمها على رأسها. [2789] (حدثنا هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي شيخ مسلم (حدثنا عبد الله بن يزيد، حدثني سعيد (¬2) بن أبي أيوب) مقلاص الخزاعي (حدثني عياش) بالمثناة والشين المعجمة (ابن عباس) بالموحدة والمهملة (¬3) (القتباني) بكسر القاف وسكون المثناة فوق وفتح الموحدة المخففة، نسبة إلى قتبان، وهو بطن من رعين (¬4) نزلوا مصر، وعياش أخرج له مسلم في النكاح والجهاد (¬5) (عن عيسى بن هلال) ذكره ابن حبَّان في "الثقات" (¬6) (الصدفي) بفتح الصاد والدال بعدها، فالنسبة الصدف بكسر الدال وهي قبيلة من حمير نزلت مصر، وهو الصدف بن عمرو بن قيس (¬7) (عن عبد الله بن عمرو بن العاص) -رضي الله عنهما - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال) لرجل (أمرت) بضم الهمزة وكسر الميم ¬

_ (¬1) في "السنن الكبرى" 9/ 312. (¬2) في الأصل: (يزيد) وهو خطأ. والمثبت من "سنن أبي داود" (2782) ومن مصادر الترجمة. انظر: التقريب (2274). ومقلاص بكسر الميم وسكون القاف وآخره مهملة. انظر: "فتح الباري" 13/ 268. (¬3) من (ل). (¬4) رعين بطن من حمير. "اللباب في تهذيب الأنساب" 1/ 344. (¬5) "صحيح مسلم" (1443، 1886). (¬6) "الثقات" 5/ 213. (¬7) "الأنساب" للسمعاني 3/ 528، "اللباب" 2/ 236.

(بيوم الأضحى عيدًا) بالجر والتنوين بدل مما قبله (جعله الله - عز وجل - لهذِه الأمة) استدل به أيضًا على وجوب الأضحية يوم العيد. ووجه الدلالة من قوله: "أُمرت"، والأمر يقتضي الوجوب. والجواب: أن المراد بالأمر أمر استحباب، كما في حديث علي في التوجه: "وبذلك أمرت وأنا من المسلمين". رواه المصنف وغيره (¬1). ويؤخذ من دلالة الاقتضاء أن في الكلام حذفًا، تقديره: أمرت بالأضحية في يوم عيد الأضحى. فإن الكلام لا يصح إلا به؛ لأنَّ أمرت يتعلق الأمر فيه بالأضحية لا باليوم، وفهم التقدير من إضافة يوم إليه. وفي الحديث أن اختصاص هذا اليوم بالعيد من خصائص هذِه الأمة كما في عيد الفطر، ويدل على ذلك الحديث المتقدم (¬2): أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة كان لهم يومان يلعبون فيهما، فقال: "إن الله قد بدلكم يومين خيرًا منهما: الفطر والأضحى". فأبدل الله هذِه الأمة بيومي اللعب واللهو يومي الذكر والشكر، [والعفو، وهذان العيدان يتكرران كل واحد منهما في العام مرة عقب إكمال العبادة ليجتمع] (¬3) فيهما السرور بكمال العبادة؛ فعيد الفطر عقب إكمال صيام رمضان وهو الركن الثالث من أركان الإِسلام، وعيد الأضحى عقب إكمال الحج وهو الركن الرابع من أركان الإِسلام (¬4). ¬

_ (¬1) راجع (760). ورواه مسلم (771). (¬2) أخرجه أبو داود باب صلاة العيدين (1134). (¬3) من (ل). (¬4) هكذا في الأصل ولعل المصنف يقصد عد الأركان بعد الشهادة ولذلك قال في الصوم: الركن الثالث وفي الحج الركن الرابع.

وفي الحديث خصوصية ذبح الأضحية بالنهار، وفي البيهقي عن الحسن: نهي عن جداد الليل، وحصاد الليل، والأضحى بالليل (¬1). ولما فهم الرجل أن المأمور به الأضحية (قال الرجل: أرأيت إن لم أجد) ما أضحي به (إلا منيحة) اللبن، ومنيحة اللبن أن يعطي غيره ناقة أو شاة ينتفع بلبنها مع بقائها على ملكه، وكذلك أن يعطيه لينتفع بوبرها وصوفها زمانًا مع بقاء ملكه، وقد تقع المنيحة على الهبة مطلقًا لا قرضًا ولا عارية، ومن العارية (أنثى) احترازًا من الذكر؛ فإنَّه مما يمنح أيضًا للنزو والحراثة عليه ونحو ذلك (أفأضحي بها؟ ) وأنزعها ممن ينتفع بها (قال: لا) فيه دليل على عظم فضيلة المنيحة، وأن استمرارها في المنيحة يوم الأضحى أفضل من ذبحها للأضحية لتعلق حق الغير بها، ولأن فيه إبطال أجر أجراه قبل ذلك، قال الله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (¬2). ويحتمل أن يراد: أرأيت إن لم أجد إلا منيحة منحنيها بعض إخواني لأنتفع بها أفأضحي بها؟ والأول أظهر (ولكن تأخذ) بالرفع خبر في معنى الأمر، والمعنى: لتأخذ (من شعرك) عام (¬3) يدخل فيه شعر الرأس والإبط ونحوهما، ويدخل في قوله: تأخذ الأخذ بالحلق والنتف والجذ ونحو ذلك، وسياق الكلام يدلّ على استحباب ذلك وما بعده في يوم العيد ¬

_ (¬1) البيهقي في "الكبرى" 9/ 290 ثمَّ قال: وإنما كان ذلك من شدة حال الناس كان الرجل يفعله ليلًا، فنهى عنه، ثمَّ رخص في ذلك. (¬2) محمَّد 33. (¬3) من (ل).

كان عبد الله بن عمر إذا ضحى يوم العيد حلق رأسه (¬1). قال ابن رجب: ونص أحمد على ذلك (¬2). (و) تقلم (أظفارك) (¬3) أي: كما في النسائي (¬4)، قال ابن الرفعة: والأولى في قص الأظفار أن يكون مخالفًا؛ فإنَّه قد ورد في حديث: "من قص أظفاره مخالفًا لم ير في عينيه رمدًا" (¬5)، وفسره ابن بطة بأن يبتدئ بخنصر اليمنى ثمَّ بالوسطى ثمَّ بالإبهام وهو بالبنصر ثمَّ بالبنصر. (وتقص من شاربك) ويسن فيه أن يبدأ بالجانب الأيمن، وهو مخير بين أن يقص بنفسه إن تيسر وبين أن يولي ذلك غيره، وظاهر الحديث أن قصه بنفسه أولى إن أمكن، وأما حدّ ما يقصه فالمختار أنَّه يقص حتى يبدو طرف الشفة، ولا يحفه من أصله ولا يستأصل، فقد حكى القرطبي: أن عمر بن الخطّاب كان إذا حزبه أمر فتل شاربه (¬6). ¬

_ (¬1) أخرجه الإمام مالك في "الموطأ" (1026) عن نافع عن ابن عمر مطولًا، ومن طريقه أخرجه البيهقي 9/ 288، وهو إسناد صحيح. (¬2) "لطائف المعارف" ص 172. (¬3) في (ر): أظفاري. (¬4) 7/ 212. (¬5) قال ابن دقيق العيد: لا أصل له. انظر: "فتح الباري" 10/ 345. وقال العراقي في "طرح التثريب" 2/ 40: لا أصل له البتة. (¬6) أخرجه الطبراني في "الكبير" 1/ 66 من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا إسحاق بن عيسى الطباع قال: رأيت مالك بن أنس وافر الشارب فسألته عن ذلك؟ فقال: حدثني زيد بن أسلم، عن عامر بن عبد الله بن الزبير أن عمر بن الخطاب ... وذكره. وقال الهيثمي: ورجال الطبراني رجال الصحيح خلا عبد الله بن أحمد وهو ثقة مأمون إلا أن عامر بن عبد الله بن الزبير لم يدرك عمر. اهـ "مجمع الزوائد" 5/ 299.

(وتحلق) شعر (عانتك) وهذا من ذكر الخاص بعد العام؛ فإن الأخذ من الشعر يعمه، قال ابن الرفعة: وفي وصية علي -رضي الله عنه - حلق العانة في كل عشرين يومّا (¬1) (فتلك) أي: هذِه الخصال، نظيره قوله تعالى: {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ} (¬2)، أي: هذِه، لكنها لما انقضت صارت كأنها بعدت فقيل: تلك (تمام) فضل (أضحيتك عند الله) أخرجه النسائي (¬3). ¬

_ =هكذا قال الهيثمي، والصحيح أن الحديث من رواية عامر بن عبد الله عن أبيه أن عمر ... كما في "العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله بن الإمام أحمد عن أبيه 2/ 73 قال: حدثنا إسحاق بن عيسى الطباع قال: رأيت مالك بن أنس وافر الشارب، لشاربه ذنبتان فسألته عن ذلك فقال: حدثني زيد بن أسلم عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه .. به. وأخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (78)، من طريقه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" 1/ 222 (137): حدثنا محمَّد بن فضيل، حدثنا معن، حدثنا مالك، عن زيد بن أسلم، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه ... به قال ابن أبي حاتم: أثبت أصحاب مالك وأوثقهم معن بن عيسى. انظر: "الجرح والتعديل" 8/ 277، "تهذيب الكمال" 28/ 339، "التمهيد" 16/ 150. وإسحاق ابن عيسى صدوق. انظر: التقريب (375). (¬1) أثر علي في تحديد مدة حلق العانة بعشرين يوما لم أجده مسندا وفي "الحاوي" للماوردي 9/ 228: قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: السنة أن يستحد الأعزب كل أربعين يوما والمتأهل كل عشرين يوما فإن قاله نقلا مأثورا عمل به وإن قاله اجتهادا فليس لهذا التقدير في الاجتهاد أصل مع اختلاف الخلق في سرعة نبات الشعر في قوم وإبطائه في آخرين واعتباره بالعرف أولى وهذا الأثر في كتاب "غاية البيان شرح زبد ابن رسلان" للرملي ص 37 بدون إسناد ولا تخريج وهو مصدر بقوله: روي. اهـ. (¬2) البقرة: 252. (¬3) 7/ 212.

وفي الحديث دلالة على فضيلة حلق الشعر وتقليم الأظفار وقص الشارب وحلق العانة، وفي معناها نتف الإبط، وكذا نتف الأنف في يوم العيد كما جاءت الفضيلة فيهما في يوم الجمعة، بل يوم العيد أولى، ويكون ذلك قبل الذهاب إلى صلاة العيد وقبل غسل العيد، ولم أجد من صرح بذلك، وإذا وردت السنة بشيء وهو متروك العمل، فينبغي إشاعته بعد العمل به. وظاهر الحديث أن هذِه تقوم مقام الأضحية الكاملة، لكن لمن لم يجدها، وبوب عليه النسائي: باب من لم يجد الأضحية (¬1). ¬

_ (¬1) "المجتبى" 7/ 212.

2 - باب الأضحية عن الميت

2 - باب الأُضْحِيَةِ عَنِ المَيِّتِ 2790 - حدثنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حدثنا شَرِيكٌ، عَنْ أَبي الحَسْناءِ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ حَنَشٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيا يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ، فَقُلْتُ: ما هذا؟ فَقالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَوْصاني أَنْ أُضَحِّيَ عَنْهُ فَأَنا أُضَحِّي عَنْهُ (¬1). * * * باب الأضحية عن الميت [2790] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا شريك) بن عبد الله النخعي القاضي، أدرك زمان عمر بن عبد العزيز، استشهد به البخاري في "الجامع" (¬2)، وروى له في رفع اليدين في الصلاة (¬3)، ومسلم في المتابعات (عن أبي الحسناء) بفتح الحاء وسكون السين المهملتين وتخفيف النون مع المد، واسمه الحسن الكوفي، وقيل: اسمه الحسين، مجهول (¬4) (عن الحكم) بن عتيبة الكندي (عن حنش) (¬5) بفتح الحاء المهملة، والنون ثمَّ شين معجمة، أبي المعتمر الكناني الكوفي، ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1495)، وأحمد 1/ 107، 149، 150. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (483). (¬2) (1250). (¬3) (44، 114). (¬4) انظر: "تقريب التهذيب" (8112). (¬5) وقع في هذا الموضع زيادة في (ر) وهي: تفرد عن علي بأشياء لا تشبه حديث الثقات. قلت: والصواب عدم إثباتها؛ لأنَّ الشارح تحدث بعد ذلك عن الراوي ونقل توثيق أبي داود له، ومع ذلك فلم أقف على هذا القول في ترجمة حنش هذا فلعلها من الناسخ ولذلك جعلتها في الحاشية.

وثقه المصنف (¬1) (قال: رأيت عليًّا -رضي الله عنه - يضحي بكبشين) زاد الترمذي (¬2): أحدهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، والآخر عن نفسه، فقيل له (¬3)، فقال، انتهى. فيه فضيلة الأضحية بالغنم، وأن الأفضل منها الكبش؛ لأنه أفضل أجناس الغنم وأطيبها لحمًا، ولأنه أضحية النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي رواية الترمذي دلالة على أن من اجتمع عليه حقان: حق عن نفسه وحق عن شيخه، فيقدم إخراج حق شيخه على غيره (فقلت له: ما هذا؟ ) فيه أن من رأى من يقتدي به ولم يعرف معناه يسأله عنه ليفهم معنى ما يقتدي به فيه (¬4) (فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوصاني أن أضحي) فيه أن الوالد والمعلم يوصي لابنه ومن يقرأ عليه ويتعلم منه أن يدعو له من بعده ويتصدق عنه، وأن يقرأ ويهدي له ويضحي عنه (فأنا أضحي عنه) لفظ الترمذي: فلا أدعه أبدًا. وقد استدل به على جواز الأضحية عن الميت إذا أوصى به لهذا الحديث الذي صححه الحاكم (¬5) وغيره، فإن أوصى بذلك من ماله ¬

_ (¬1) "سؤالات الآجري" لأبي داود (130). (¬2) "سنن الترمذي" (1495). (¬3) هكذا في الأصلين وتمام الحديث: فقيل له، فقال: أمرني به. يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا أدعه أبدا. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك. وراجع "سنن الترمذي" (1495). (¬4) من (ل). (¬5) "المستدرك" 4/ 255، وقال الترمذي (1495): حسن غريب. وقال البيهقي في "الكبرى" 9/ 288: وهو إن ثبت يدلّ على جواز التضحية عمن خرج من الدنيا من المسلمين.

صح بطريق الأولى. وأشار الرافعي في باب الوصية إلى أنَّه ينبغي الصحة وإن لم يوص بها؛ فإنها ضرب من الصدقة، وقال: إنه قياس ما ذكره في العدة، وأيده بإطلاق العبادي القول بجواز التضحية عن الغير، وروى حديثًا، قال النووي في "شرح المهذب" (¬1): الذي احتج به هو حديث علي يعني هذا، وحكى العبادي في "أماليه" عن الإمام محمَّد بن إسحاق السراج شيخ البخاري، أنَّه ختم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر من عشرة آلاف ختمة، وضحى عنه مثل ذلك. وحكى القفال في "فتاويه" وجهًا أن الضحية عن الأجنبي لا تجوز قطعًا، ونبه عن أمر مهم وهو وجوب التصدق بجميعها وامتناع أكل شيء منها؛ لأنه لا يجوز الأكل منها إلا بإذن من هي عنه، وإذن الميت متعذر، وسكت عما لو (¬2) أوصى أن يؤكل منها. ¬

_ (¬1) "المجموع" 8/ 407. (¬2) سقط من (ر).

3 - باب الرجل يأخذ من شعره في العشر وهو يريد أن يضحي

3 - باب الرَّجُلُ يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِهِ في العَشْرِ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُضَحّي 2791 - حدثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعاذٍ، حدثنا أَبي، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، حدثنا عَمْرُو بْنُ مُسْلمٍ اللَّيْثيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ المُسَيَّبِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ تَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ فَإِذا أَهَلَّ هِلالُ ذي الحِجَّةِ فَلا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلا مِنْ أَظْفارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحّيَ". قَالَ أَبُو داوُدَ: اخْتَلَفُوا عَلَى مالِكٍ وَعَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو في عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ بَعْضُهُمْ: عُمَرُ. وَأَكْثَرُهُمْ قَالَ: عَمْرٌو. قَالَ أَبُو داوُدَ: وَهُوَ عَمْرُو بْنُ مُسْلِمِ بْنِ أكَيْمَةَ اللَّيْثيُّ الجُنْدَعيُّ (¬1). * * * باب الرجل يأخذ من شعره في العشر وهو يريد أن يضحي [2791] (حدثنا عبيد الله بن معاذ قال: حدثنا أبي) معاذ بن معاذ التميمي العنبري قاضي البصرة (حدثنا محمَّد بن عمرو) بن (¬2) علقمة الليثي قال: (حدثنا عمرو بن مسلم) بن أكيمة، أخرج له مسلم هنا (¬3) قال (سمعت سعيد بن المسيّب يقول: سمعت أم سلمة) هند بنت أبي أمية زوج النبي ([تقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬4): من كان له ذبح) بكسر ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1977). (¬2) في (ر): أبو. (¬3) "صحيح مسلم" (1977). (¬4) ساقطة من الأصول، والمثبت من مطبوع "السنن".

الذال المعجمة، أي: حيوان يريد (يذبحه) فهو فِعْل بمعنى مفعول مثل حِمْل بمعنى محمول (¬1)، كقوله تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} (¬2) (فإذا أهل) عليه (هلال) أهل الهلال بالبناء للمفعول واستهل بالبناء للفاعل (¬3) خلافًا لبعضهم (ذي الحجة) بكسر الحاء المهملة وبعضهم يفتح، ولفظ النسائي (¬4): من رأى هلال ذي الحجة فأراد أن يضحي، ولمسلم نحوه (¬5). فيه دلالة على أن أصل هذِه القربة للحاج، وغيره تبع له كالتكبير أيام التشريق، قاله القفال في "محاسن الشريعة"، وضعفوه بأنّه لا يعتزل النساء، ولا يترك الطيب واللباس وغيرهما مما يتركه المحرم، وعلله الجمهور بأنّه يبقى كامل الأجزاء ليشمل التكفير بالأضحية جميع أجزاء البدن. ومقتضى هذا التعليل كراهة ذلك لمن عزم على إعتاق رقيق مستحب أو واجب، فلا يأخذ من شعره وبشره شيئًا، وفي رواية: "أراد أن يضحي". دلالة على أن الأضحية سنة؛ لأنَّ الواجب لا يتعلق بالإرادة ولا بالمحبة (¬6) (فلا يأخذن من شعره) يشمل الشارب والعانة والإبط ¬

_ (¬1) انظر "شرح مسلم" للنووي 13/ 139. (¬2) الصافات: 107. (¬3) في (ل) زيادة على. (¬4) "السنن الكبرى" (4435). (¬5) (1977). (¬6) انظر: "اختلاف الحديث" للشافعي ص 521، "الحاوي" للماوردي 15/ 72، "المجموع" للنووي 8/ 386.

والرأس (ولا من أظفاره شيئًا) وفي رواية للنسائي (¬1): "ولا من بدنه". ولمسلم (¬2): "فلا يمس من شعره وبشره شيئًا". فيه دلالة لما حكاه النووي عن إبراهيم المروروذي أن حكم أجزاء البدن حكم الشعر والظفر (¬3)، وعلى هذا فرواية النسائي ومسلم أعم من رواية المصنف، ومذهب الشافعي أن ذلك مكروه وتركه سنة، وهذِه الكراهة كراهة تنزيه، وقيل (¬4): تحريم؛ لظاهر النهي. واستدل الشافعي رحمه الله على الجواز بحديث عائشة -رضي الله عنها -: كنت أفتل قلائد هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمَّ يقلده ويبعث به ولا يحرم عليه شيء أحله الله حتى ينحر هديه. متفق عليه (¬5). وقيل: يحرم؛ لظاهر النهي، فإن مقتضاه التحريم، ورجح بأن هذا حديث خاص، وحديث عائشة عام، والخاص مقدم بتنزيل العام على ما عدا (¬6) ما يتناوله الحديث الخاص (¬7)، ولأنه يجب حمل حديث عائشة على غير محلّ النزاع لوجوه (¬8) منها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن ليفعل ¬

_ (¬1) لم أجد هذِه اللفظة في طبعات "سنن النسائي" التي بين يدي الآن. (¬2) (1977). (¬3) "المجموع" 8/ 392، "الروضة" 3/ 210. (¬4) هكذا في (ل)، وفي (ر): وفيه. (¬5) أخرجه البخاري (1698، 1703، 5566)، ومسلم (1321). (¬6) في (ل): عدل. (¬7) من (ل). (¬8) سقط من الأصلين، والمثبت من "المغني" لابن قدامة 11/ 96. والعبرة فيه كما هنا، وراجع "نيل الأوطار" 5/ 172.

ما نهى عنه وإن كان مكروهًا؛ لقوله تعالى إخبارًا عن قول شعيب: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} (¬1)، ولأن أقل أحوال النهي الكراهة، ولم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم - ليفعله فيتعين حمل ما فعله في حديث عائشة على غيره، ولأن عائشة إنما تعلم ظاهر ما رأته يباشرها به من المباشرة، أو ما يفعله دائمًا كاللباس والطيب، وأما ما يفعله نادرًا كقص الشعر مما لا يفعله في الأيام إلا مرة فالظاهر أنها لم ترده بخبرها، وإن احتمل إرادتها فاحتمال بعيد؛ ولأن عائشة تخبر عن فعله وأم سلمة عن قوله، والقول مقدم على الفعل؛ لاحتمال أن يكون فعله خاصًّا له، فإذا ثبت هذا فيترك قطع الشعر وتقليم الأظفار؛ فإن فعل استغفر الله، ولا فدية فيه إجماعًا (¬2) سواء فعله عمدًا أو نسيانًا (حتى يضحي) قضيته أنَّه أراد التضحية بأعداد من الغنم فتزول الكراهة بذبح الأوّل، ويحتمل بقاء النهي إلى آخرها. ¬

_ (¬1) هود: 88. (¬2) نقل هذا الإجماع ابن قدامة في "المغني" 11/ 96.

4 - باب ما يستحب من الضحايا

4 - باب ما يُسْتَحَبُّ مِنَ الضَّحايا 2792 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَني حَيْوَةُ، حَدَّثَني أَبُو صَخْرٍ، عَنِ ابن قُسَيْطٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ في سَوادٍ وَيَنْظُرُ في سَوادٍ وَيَبْرُكُ في سَوادٍ، فَأُتَي بِهِ فَضَحَّى بِهِ فَقالَ: "يا عائِشَةُ هَلُمّي المُدْيَةَ" .. ثُمَّ قَالَ: "اشْحَذِيها بِحَجَرٍ" .. فَفَعَلَتْ فَأَخَذَها وَأَخَذَ الكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ وَذَبَحَهُ وقالَ: "بِسْمِ اللهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ" .. ثُمَّ ضَحَّى بِهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). 2793 - حدثنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حدثنا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَحَرَ سَبْعَ بَدَناتٍ بِيَدِهِ قِيامًا وَضَحَّى بِالمَدِينَةِ بِكَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ (¬2). 2794 - حدثنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حدثنا هِشامٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ يَذْبَحُ وَيُكَبِّرُ وَيُسَمّي وَيَضَعُ رِجْلَهُ عَلَى صَفْحَتِهِما (¬3). 2795 - حدثنا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى الرّازيُّ، حدثنا عِيسَى، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبي حَبِيبٍ، عَنْ أَبي عَيّاشٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قال: ذَبَحَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الذَّبْحِ كَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مُوجَأَيْنِ، فَلَمّا وَجَّهَهُما قَالَ: "إِنّي وَجَّهْتُ وَجْهيَ لِلَّذي فَطَرَ السَّمَواتِ والأَرْضَ عَلَى مِلَّةِ إِبْراهِيمَ حَنِيفًا وَما أَنا مِنَ المُشْرِكِينَ إِنَّ صَلاتي وَنُسُكي وَمَحْياى وَمَماتي لله رَبِّ العالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنا مِنَ المُسْلِمِينَ اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ، عَنْ مُحَمَّدٍ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1967). (¬2) رواه البخاري (1551، 1712، 1714). (¬3) رواه البخاري (5558، 5564، 5565)، ومسلم (1966).

وَأُمَّتِهِ بِاسْمِ اللهِ والله أَكْبَرُ" .. ثُمَّ ذَبَحَ (¬1). 2796 - حدثنا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حدثنا حَفْصٌ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ قال: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُضَحّي بِكَبْشٍ أَقْرَنَ فَحِيلٍ يَنْظُرُ في سَوادٍ وَيَأْكُلُ في سَوادٍ وَيَمْشي في سَوادٍ (¬2). * * * باب ما يستحب من الضحايا [2792] (حدثنا أحمد بن صالح) المصري الطبري، شيخ البخاري (¬3) (حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني حيوة بن شريح، حدثني أبو صخر) حميد بن زياد الخراط المديني (¬4)، أخرج له مسلم (عن) يزيد بن عبد الله (ابن قسيط) الليثي (عن عروة بن الزبير، عن عائشة -رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر) بفتح الهمزة والميم، أمر (بكبش أقرن) أي: طويل القرن، والتقدير: أمران ينتخب له كبش (¬5) على هذا الشبه، ففيه ما يدلّ على أن المضحي ينبغي له أن يختار الأفضل نوعًا والأحسن خلقًا والأحسن شيبة، وفيه دلالة على أن طويل القرن أفضل، ولا خلاف في جواز الأجم. (يطأ في سواد) أي أنَّه أسود القوائم (وينظر في سواد) ما حول عينيه ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (3121). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (485). (¬2) رواه الترمذي (1496)، والنسائيُّ 7/ 220، وابن ماجه (3128). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2492). (¬3) انظر: "تهذيب التهذيب" 1/ 34. (¬4) "التاريخ الكبير" (2712). (¬5) في (ر) ليس.

أسود (ويبرك في سواد) أي: في بطنه سواد (فأتي به) على هذِه الصفات، زاد مسلم: ليضحي به (¬1) (فضحى به) وللنسائي (¬2): ضحى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكبش أقرن فحل (¬3) يمشي في سواد ويأكل في سواد. وفيه دليل على فضيلة الأضحية بالأبلق الذي فيه سواد وبياض والأبيض أكثر. قال ابن الأعرابي: القول ما فسر به الأصمعي الأملح الذي فيه سواد وبياض، كما سيأتي في تفسير الأملح (فقال: يا عائشة هلمي) بضم اللام اسم فعل بمعنى الأمر، أي: هاتي (المدينة) بضم الميم يعني: السكين، جمعها مدىً كغرفة وغرف، وبنو قشير تقول: مدية. بكسر الميم سميت بذلك؛ لأنها تقطع مدة (¬4) الحياة (¬5) (ثمَّ قال: اشحذيها) بوصل الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح الحاء المهملة وبالذال المعجمة، وفيه رواية أخرى: "اشحثيها" بالثاء المثلثة بدل الذال، قال في "النهاية": معناهما: حديها وسنيها (¬6). والذال والثاء من مخرج واحد، أي: حددتها، والشحذ: الحد، ومنه قول الشاعر: فيا حجر الشحذ حتى متى ... تسن الحديد ولا تقطع ومنه الأمر بحد آلة الذبح، كما في الحديث الآخر: "وليحد أحدكم ¬

_ (¬1) (1967). (¬2) 7/ 220. (¬3) هكذا في (ر) وفي (ل) غير واضحة، وفي "سنن النسائي": فحيل. (¬4) في (ر): منه. (¬5) "المصباح المنير" 2/ 567. (¬6) "النهاية" 2/ 448.

شفرته" (¬1). وهو من باب الرفق بالبهيمة وترك التعذيب لها (بحجر) وما في (¬2) معناه (ففعلت) بفتح اللام وسكون تاء التأنيث ما أمرها به، فيه خدمة المرأة زوجها كما تقدم (فأخذها وأخذ الكبش) الأقرن (فأضجعه) فيه استحباب إضجاع البقرة والشاة والخيل والصيد لجنبها الأيسر؛ لأنه أسهل على الذابح في أخذ السكين باليمين وإمساك رأسها باليسار، ويترك رجلها اليمنى لتستريح بتحريكها وتشد باقي قوائمها لئلا تضطرب حالة الذابح فيترك الذابح (¬3) (وذبحه) فيه أن السنة في ذبح الأضحية أن يتولى الرجل ذبحها بنفسه؛ فإن لم يحسن أو كان له عذر فيستنيب في الذبح لا في النية، كما في تفرقة الزكاة (وقال: باسم) بإثبات الألف (الله) وفي الكلام تقديم وتأخير، وتقديره: فأضجعه ثمَّ أخذ في ذبحه قائلًا باسم الله، وفيه أن التسمية عند الذبح سنة كما تسن عند رمي الصيد وإرسال الكلب، ونقل الروياني عن النص استحبابها عند صيد السمك والجراد، ولا تجب، فلو تركها عمدًا أو سهوًا حل (¬4). وقال أبو حنيفة: إن تعمد لم يحل، وحيث قلنا يستحب فيكره تعمد الترك لعالم بالنهي، كما في سائر المناهي (¬5). (اللهم تقبل من محمَّد وآل محمَّد) هذا دليل الجمهور على جواز قول ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1955). (¬2) من (ل). (¬3) في (ر): الذبح. (¬4) انظر "مغني المحتاج" 4/ 272. (¬5) "اللباب شرح الكتاب" 1/ 346، "البحر الرائق" 8/ 192، "بداية المبتدئ" (ص 218).

المضحي: اللهم تقبل مني، وعلى أبي حنيفة حين كره أن يقول شيئًا من ذلك (¬1)، واستحب بعضهم أن يقول ذلك بنص الآية: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (¬2)، وكره مالك (¬3) قولهم: اللهم منك وإليك وقال: هذِه بدعة. وأجاز ذلك ابن حبيب (¬4) من المالكية، والحسن، واستحسنه (¬5) الشافعية (¬6) (ومن أمة محمَّد) وفيه من الفقه ما يدلّ على جواز تشريك الرجل أهل بيته في أضحيته، وأن ذلك يجزئ عنهم ويحصل لهم الثواب، هذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وكرهه (¬7) النووي وأبو حنيفة وأصحابه، وزعم الطحاوي أن هذا الحديث منسوخ أو مخصوص، وغلطه العلماء في ذلك، فإن النسخ والتخصيص لا يثبتان بمجرد الدعوى. وممن قال بالمنع: عبد الله بن المبارك (¬8) (ثمَّ ضحى به - صلى الله عليه وسلم -) يحتمل أنَّه يراد بضحى أكمل التضحية بسلخ جلدها وتقطيع لحمها ونحو ذلك. وقال النووي: فيه تقديم وتأخير، تقديره: ثمَّ ذبحه قائلًا: باسم الله، ¬

_ (¬1) انظر: "الشرح الكبير" لابن قدامة 3/ 550، "البحر الرائق شرح كنز الدقائق" 8/ 192، "المبسوط" 4/ 262. (¬2) البقرة: 127. (¬3) "المدونة" 1/ 544، "التاج والإكليل شرح مختصر خليل" 3/ 222، "الخلاصة الفقهية على مذهب السادة المالكية" ص 272. (¬4) "التاج والإكليل" 3/ 222، "البيان والتحصيل" لابن رشد 17/ 618. (¬5) في (ل): استحبه. (¬6) "الأم" 2/ 240، "الحاوي" للماوردي 15/ 97، "المجموع" 8/ 412. (¬7) في (ر): كره .. (¬8) انظر: "فيض القدير" 5/ 290، "شرح معاني الآثار" 4/ 178، 180.

اللهم تقبل من محمَّد وآل محمَّد مضحيًّا، وثم هنا متأولة (¬1). [2793] (حدثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي (حدثنا وهيب) بن خالد الباهلي. (عن أيوب، عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي. (عن أنس) بن مالك -رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحر) فيه أن السنة في الإبل النحر في اللبة وهو أن يضربها بحربة أو نحوها في الوهدة التي بين أصل عنقها وصدرها (¬2). (سبع) فيه استحباب تعدد الأضحية ما لم يقصد المباهاة (بدنات) جمع بدنة سميت بذلك؛ لعظم بدنها (بيده) الكريمة. قال الشافعي في البويطي: أحب أن يذبح الرجل ضحيته بيده تواضعًا لله (قيامًا) لقوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} (¬3) قال ابن عباس: قيامًا على ثلاث معقولة ركبته اليسرى (¬4). (وضحى) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (بالمدينة) أي في المدينة فالباء بمعنى في، كقوله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ} (¬5) أي: في بدر (بكبشين أقرنين) أي: لكل واحد منهما قرنان حسنان، وفيه استحباب الأضحية بالأقرن، واختلفوا في مكسور القرن فجوزه الشافعي وأبو حنيفة والجمهور سواء ¬

_ (¬1) انظر: "شرح مسلم" للنووي 13/ 122. (¬2) انظر: "كشف المشكل من حديث الصحيحين" لابن الجوزي 1/ 661. (¬3) الحج: 36. (¬4) "تفسير الطبري" 9/ 152. (¬5) آل عمران: 123.

كان يدمي أو لا، وكرهه مالك إذا كان يدمي وجعله عيبًا (¬1) (أملحين) اختلفوا في الأملح، فقال الأصمعي: هو الأبيض لون الملح، قال ابن الأعرابي: هو النقي البياض، وقال غيرهما: الملحة من الألوان بياض يخالطه سواد (¬2). وفي الحديث: لم يكن له إلا نمرة ملحاء، أي: بردة فيها خطوط سود وبيض (¬3). [2794] (حدثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي الفراهيدي (حدثنا هشام) ابن أبي عبد الله سنبر الدستوائي (عن قتادة، عن أنس: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ضحى بكبشين أقرنين أملحين يذبح) فعل مضارع مرفوع، وهو كالتفسير لقوله قبله: ضحى وأنه (يكبر ويسمي) فيه تقديم وتأخير؛ بدليل رواية البخاري (¬4): يسمي ويكبر. لكن قال الماوردي: في الأضحية خاصة أن يكبر قبل التسمية؛ لأنها أيام التكبير (¬5)، ويصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- قياسًا على سائر المواضع، وكرهها مالك وأبو حنيفة وابن المنذر، نقله عياض عن مالك وسائر العلماء فإنهم قالوا: لا يذكر عند الذبح إلا الله تعالى وحده (¬6). ¬

_ (¬1) "التمهيد" 20/ 171، "المبسوط" 4/ 255، 12/ 18، "نيل الأوطار" 5/ 177. (¬2) "النهاية" لابن الأثير 4/ 781، "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" 1/ 404. (¬3) أخرجه أحمد 5/ 111، ومن طريقه أبو نعيم في "الحلية" 1/ 145، وإسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير حارثة بن مضرب؛ وهو ثقة من الثانية كما في "التقريب" (1063). (¬4) (5565). (¬5) "الحاوي" 15/ 95. (¬6) "إكمال المعلم" 6/ 413، وانظر: "الحاوي" للماوردي 15/ 95، 96، "الهداية شرح البداية" 4/ 64، "شرح منتهى الإرادات" 3/ 421.

(ويضع رجله على صفحتهما) لفظ البخاري (¬1): واضعًا قدمه على صفاحهما. وفيه استحباب وضع الرجل على جانب عنق الذبيحة، وهو المعبر عنه في الصحيحين بالصفاح (¬2)، وصفحة كل شيء جانبه. وإنما يستحب ذلك لئلا تضطرب الذبيحة فتزل يد الذابح عند الذبح. [2795] (حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي) شيخ الشيخين (حدثنا عيسى) بن يونس بن أبي إسحاق عمرو الهمداني (حدثنا محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب) المصري (عن أبي عياش) بالمثناة والشين المعجمة، ذكره ابن عبد البر فيمن لم يذكر له اسم سوى كنيته. وهو المعافري (عن جابر بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ذبح النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الذبح) الذي يذبح الناس فيه ضحاياهم، ولفظ ابن ماجه (¬3): ضحى النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم عيد (كبشين أقرنين أملحين) فيه فضيلة الذبح بكبش أقرن؛ لرواية ابن ماجه عن أبي أمامة الباهلي: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "خير الكفن الحلة، وخير الضحايا الكبش الأقرن" (¬4) (موجأين) بضم الميم وفتح الجيم مع الهمزة على وزن مكرمين، قال في "النهاية" (¬5): موجوأين أي: خصيين ومنهم من يرويه موجئين بوزن مكرمين، قال: وهو خطأ. قال المنذري: الصحيح: موجوءين أي: منزوعي الأنثيين، ¬

_ (¬1) (5558). (¬2) في الأصل: الفصاح. وما في "الصحيح" هو الصحيح. ويبدو أن الكلمة انقلبت على الناسخ بدليل أنها جاءت بعد ذلك على الصواب. (¬3) (3121). (¬4) ابن ماجه (3130). (¬5) "النهاية" 5/ 330.

قاله الجوهري (¬1). قال: ومنهم من يرويه: موجيين، بغير همزة على التخفيف، ويكون من وجيته وجيًا فهو موجى (¬2). قال الخطابي: موجأين: منزوعي الأنثيين، والوجأ الخصاء، يقال: وجأت الدابة فهي موجوءة إذا خصيتها. انتهى (¬3) ومما يدل على أنه بمعنى الخصاء ما رواه الطبراني في "معجمه الكبير" من رواية أبي الدرداء أنه -صلى الله عليه وسلم- ضحى بخصيين (¬4) - والذي رأيته في النسخ المعتمدة: موجأين بضم الميم، وفتح الجيم والهمزة أو الجيم والياء على الإبدال، كما نقله ابن الأثير، والذي رأيته في رواية ابن ماجه (¬5) المعتمدة: الموجوأين. بضم الميم وسكون الواو الثانية، ورواية المصنف هي الظاهرة بدليل رواية الطبراني كما تقدم. وأما رواية ابن ماجه فالمراد به رض الخصيتين، وكلاهما متقاربان، فإن كل ما قطعت خصيتاه أو سلتا فهو كالموجوء الذي رضت خصيتاه؛ لأنه في معناه. والدليل على جواز الأضحية بالخصي أن الخصاء إذهاب غير مستطاب (¬6) وبذهابه يطيب اللحم ويكثر ويسمن. قال الشعبي: ما زاد ¬

_ (¬1) "الصحاح" 1/ 92. (¬2) "النهاية في غريب الحديث" 5/ 152. (¬3) "إصلاح غلط المحدثين" 1/ 41. (¬4) لم أجده في "المعجم الكبير"، وهو في "مسند أحمد" 36/ 45. (¬5) "سنن ابن ماجه" (3122). (¬6) جاء هنا عبارة زائدة وزيادتها خلل في السياق والمعنى وهي: (ويكره الخصاء؛ لأنه تغيير الطبيعة المنهي عنها). وانظر: "المغني" لابن قدامة 11/ 101، "شرح الزركشي على مختصر الخرقي" 3/ 279، "مرعاة المفاتيح" 109/ 348.

في لحمه وشحمه أكثر مما ذهب منه. وبهذا. قال العلماء: لا نعلم فيه خلافًا. (فلما وجههما) إلى القبلة، فيه استحباب توجيه الذبيحة إلى القبلة؛ لأنها أفضل الجهات، ولا يقال يكره كالبول إلى القبلة؛ لأنها حالة يستحب فيها ذكر الله بخلاف تلك، قال القفال: وفي ذلك إشارة إلى أن الذبح واقع على موافقة أمر الله تعالى (¬1). وفي كيفية التوجه أوجه: أصحها: يوجه مذبحها للقبلة لا وجهها ليمكنه أيضًا الاستقبال (¬2)، وكره ابن عمر وابن سيرين أكل ما ذبح لغير القبلة، وقال سائرهم: ليس ذلك مكروها كان؛ لأن أهل الكتاب يذبحون لغير القبلة وقد أحل الله ذبائحهم (¬3). (قال: إني وجهت وجهي) قال بعضهم: وجه الشيء ذاته وحقيقته، أي: نصبت ذاتي قائمة لذبح ما أمرتني به، وأضاف العبد الذبح إلى نفسه أدبًا مع الله، حيث قال: بيني وبين عبدي فأثبت نفسه (للذي فطر السموات والأرض) [وهو قوله: {فَفَتَقْنَاهُمَا} (¬4) إذا ... من ... ] (¬5) كما فصل السماوات بعضهم عن بعض (على ملة إبراهيم -عليه السلام- حنيفًا) أي: مائلًا- والحنف الميل- تقول: [مال إلى جناب الحق من المكان إلى ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع" للنووي 8/ 408، "كفاية الأخيار" (ص 532). (¬2) انظر: "المجموع" للنووي 8/ 408، "البيان" للعمراني 4/ 450. (¬3) انظر "المغني" لابن قدامة 11/ 46، "الشرح الكبير" 11/ 60. (¬4) الأنبياء: 30. (¬5) هذِه الفقرة غير واضحة في (ل)، وهي ساقطة من (ر).

وجوب وجودي مع ... ] (¬1) وأبقى في الحب المحض. (وما أنا) في هذا الميل (من المشركين) تقول: ما ملت بأمري. كما قال العبد الصالح: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} (¬2) وإنما الحق علمني كيف أوجه الذبيحة وأتوجه إليه. (إن صلاتي ونسكي) أي: عبادتي (ومحياي ومماتي) أي: حياتي وموتي، فأضاف الكل إلى نفسه؛ فإنه ما ظهرت هذِه الأفعال ولا يصح أن تظهر إلا بوجه هذا العبد ويستحيل على الحق إضافة هذِه الأشياء إليه بغير حكم الإيجاد فتضاف إلى الحق من جنب إيجاد أعيانها كما تضاف إلى العبد من كونه محلًّا لظهور أعيانها فيه، تقول: دعني حالة حياتي وحالة مماتي (لله) أي إيجاد ذلك كله لله لا لي، أي: من ظهور ذلك في من أجل الله لا من أجل ما يعود علي في ذلك من الخير، والعالم (¬3) يعبد الله، وغير العالم يعبده لما يرجوه من حظوظ نفسه في تلك العبادة، فلهذا شرع لنا أن نقول: (لله رب العالمين) أي: سيد العالم ومالكهم ومصلحهم بما شرع لهم وبين حتى لا يتركهم في حيرة (لا شريك له) أي: لا إله في هذا الموضع مقصود بهذِه العبادة إلا الله تعالى الذي خلقني لأجلها، أي: لا أشرك فيها نفسي بما يحظو من الثواب الذي وعده الله تعالى (وبذلك أمرت) يعود على الجملة كلها، وعلى كل جزء منها (وأنا من المسلمين) أي: ¬

_ (¬1) هذِه الفقرة غير واضحة في (ل)، وهي ساقطة من (ر). (¬2) الكهف: 82. (¬3) في (ر): والله.

من المنقادين لأوامره، في قوله: وبذلك أمرت، وفيه استحباب هذا الذكر عند الأضحية، فإن هذا نص لا يعرج على خلافه (اللهم) هذا (منك) أي: من تفضلك الذي مننت به علي (ولك) يرجع أمره وأمر كل مخلوق، اللهم هذا (عن محمد وأمته) استدل به على أن الأضحية سنة على الكفاية، وبه صرح الماوردي وغيره فقال: إذا أتى بها واحدًا من أهل البيت تأدى عن الكل حق السنة، ولو تركها أهل بيت كره لهم ذلك (¬1). وروى ابن ماجه عن أبي أيوب الأنصاري: كان الرجل في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- يضحي بالشاة عنه وعن [أهل بيته] (¬2) فيأكلون ويطعمون، ثم تباهى الناس فصار كما ترى (¬3). وروي عن أبي هريرة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوأين، فذبح أحدهما عن أمته لمن شهد لله بالتوحيد وشهد له بالبلاغ، وذبح الآخر عن محمد وآل محمد (¬4). وحكي عن أبي هريرة أنه كان يضحي بالشاة فتجيء ابنته فتقول: عني، فيقول: وعنك. وكره ذلك الثوري وأبو حنيفة (¬5)، [و] في تعليق ¬

_ (¬1) "المجموع" 8/ 384، "مغني المحتاج" 4/ 283، "الحاوي" للماوردي 15/ 75. (¬2) في (ر): أهله. (¬3) "سنن ابن ماجه" (3147). (¬4) أخرجه ابن ماجه (3122) عن عائشة وأبي هريرة. (¬5) انظر: "المغني" لابن قدامة 11/ 98، والأثر في "مسائل أحمد" رواية ابنه عبد الله برقم (971).

إبراهيم المروزي (¬1) من أصحابنا: لو ذبح شاة عن نفسه وأهل بيته لم يجز؛ لأن الشاة الواحدة لا تجزئ إلا عن واحد. وأجاب عن هذا الحديث أن المراد الإشراك في الثواب لا في الأضحية (¬2). وجاء في الحديث: "اللهم هي عني، وعن من لم يضح من أمتي" (¬3) (باسم الله) يكتب بالألف، فإن أضيف إليه الرحمن الرحيم حذفها، حكاه النووي في "شرح مسلم" (¬4). (والله أكبر، ثم ذبح) كما تقدم. [2796] (حدثنا يحيى بن معين) المري البغدادي شيخ الشيخين (حدثنا حفص) بن غياث النخعي قاضي الكوفة، قال الترمذي: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث حفص بن غياث (¬5). (عن جعفر) بن محمد الصادق أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر؛ فلهذا كان يقول: ولدني الصديق مرتين (¬6) (عن أبيه) محمد بن الصادق. ¬

_ (¬1) في الأصل: المردي. والصحيح ما أثبتناه. (¬2) انظر: "روضة الطالبين" 3/ 198. (¬3) أخرجه الترمذي (1521) من حديث جابر، والحاكم في "المستدرك" 4/ 254، من حديث أبي سعيد. (¬4) "شرح مسلم" للنووي 13/ 110. (¬5) "سنن الترمذي" (1496)، وفي طبعة الشيخ أحمد شاكر، قال: حسن صحيح غريب. (¬6) انظر: "سير أعلام النبلاء" 6/ 255، "تهذيب الكمال" 5/ 75.

(عن أبي سعيد) الخدري -رضي الله عنه- (قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يضحي بكبش أقرن، فحيل) بفتح الفاء وكسر المهملة، وكان ابن عمر إذا بعث رجلًا يشتري له أضحية، قال: اشتره كبشًا فحيلًا (¬1). قال أبو عبيد: هو الذي يشبه الفحولة في نبله وعظم خلقه (¬2). قال في "النهاية": الفحيل: المنجب في ضرابه (¬3). واختار الفحل على الخصي، والنعجة طلَبَ نبله وعظمه (¬4). فيه أن الذكر أفضل من الأنثى على الأصح المنصوص؛ لأن لحمه أطيب وأفضل (¬5). ونقل النووي في باب الهدي عن الشافعي أن الأنثى أحسن من الذكر؛ لأنها أطيب (¬6) لحمًا، ومن أصحابنا من قال: الأنثى التي لم تلد أفضل من الذكر الكثير النزو، فإن كان هناك ذكر لم ينز فهو أفضل منها (¬7). * * * ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في "الموطأ" (1026) ومن طريقه البيهقي في "الكبرى" 9/ 288. (¬2) "غريب الحديث" لأبي عبيد 4/ 266، وقد نقله أبو عبيد عن الأصمعي. (¬3) "النهاية" 3/ 792. (¬4) "غريب الحديث" لأبي عبيد 4/ 266. (¬5) انظر: "فتح الباري" 10/ 11. (¬6) في (ل): أرطب. (¬7) "المجموع" 8/ 361، 8/ 397.

5 - باب ما يجوز من السن في الضحايا

5 - باب ما يَجُوز مِنَ السّنِّ في الضَّحايا 2717 - حدثنا أَحْمَدُ بْن أَبي شعَيْبٍ الحَرّانيُّ، حدثنا زُهَيْرُ بْنُ مُعاوِيَةَ، حدثنا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ قال: قال رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لا تَذْبَحُوا إِلاَّ مُسِنَّةً إِلاَّ أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ" (¬1). 2718 - حدثنا مُحَمَّدُ بْن صُدْرانَ، حدثنا عَبْد الأعلَى بْن عَبْدِ الأعلَى، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحاقَ، حَدَّثَني عُمارَة بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ طُعْمَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خالِدٍ الجُهَنيِّ قال: قَسَمَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- في أَصْحابِهِ ضَحايا فَأَعْطْاني عَتُودًا جَذَعًا قالَ: فَرَجَعْتُ بِهِ إِلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُ جَذَعٌ. قالَ: "ضَحِّ بِهِ" فَضَحَّيْتُ بِهِ (¬2). 2799 - حدثنا الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، حدثنا الثَّوْريُّ، عَنْ عاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ قال: كُنّا مَعَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحابِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- يُقالُ لَهُ: مُجاشِعٌ مِنْ بَني سُلَيْمٍ، فَعَزَّتِ الغَنَمُ فَأَمَرَ مُنادِيًا فَنادى أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كانَ يَقُولُ: "إِنَّ الجَذَعَ يُوَفّي مِمّا يُوَفّي مِنْهُ الثَّنيُّ". قالَ أَبُو داوُدَ: وَهُوَ مُجاشِعُ بْنُ مَسْعُودٍ (¬3). 2800 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا أَبُو الأحْوَصِ، حدثنا مَنْصُورٌ، عَنِ الشَّعْبيِّ، عَنِ البَراءِ قال: خَطَبَنا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ الصَّلاةِ فَقالَ: "مَنْ صَلَّى صَلاتَنا وَنَسَكَ نُسُكَنا فَقَدْ أَصابَ النُّسُكَ وَمَنْ نَسَكَ قَبْلَ الصَّلاةِ فَتِلْكَ شاةُ لَحْمٍ". ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1963). (¬2) رواه أحمد 5/ 194، وابن حبان 13/ 220 (5899)، والطبراني في "الكبير" 5/ 242 - 243 (5217 - 5220)، وفي "الأوسط" 1/ 75 (210)، والبيهقي 9/ 270. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2493). (¬3) رواه النسائي 7/ 219، وابن ماجه (3140). قال ابن حزم في "المحلى" 7/ 367: حديث في غاية الصحة. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2494)، وفي "الإرواء" (1146).

فَقامَ أَبو بُرْدَةَ بْن نِيارٍ فَقال: يا رَسُولَ اللهِ والله لَقَدْ نَسَكْتُ قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ إِلَى الصَّلاةِ وَعَرَفْتُ أَنَّ اليَوْمَ يَوْمُ أَكْلٍ وَشرْبٍ فَتَعَجَّلْتُ فَأكَلْتُ وَأَطْعَمْت أَهْلي وَجِيراني. فَقالَ رَسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "تِلْكَ شاةُ لَحْم". فَقالَ: إِنَّ عِنْدي عَناقًا جَذَعَةً وَهيَ خَيْرٌ مِنْ شاتَيْ لْحَمٍ، فَهَلْ تُجْزِئ عَنّي؟ قالَ: "نعَمْ، وَلَنْ تُجْزِئَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ" (¬1). 2801 - حدثنا مُسَدَّد، حدثنا خالِدٌ، عَنْ مطَرِّفٍ، عَنْ عامِرٍ، عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ قال: ضَحَّى خالٌ لي -يُقال لَهُ: أَبو بُرْدَةَ- قَبْلَ الصَّلاةِ فَقالَ لَهُ رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "شاتُكَ شاةُ لَحْم". فَقال: يا رَسولَ اللهِ إِنَّ عِنْدي داجِنًا جَذَعَةً مِنَ المَعْزِ، فَقالَ: "اذْبَحْها وَلا تَصْلحُ لِغَيْرِكَ" (¬2). * * * باب ما يجوز من السن في الضحايا [2797] (حدثنا أحمد) بن عبد الله (بن أبي شعيب الحراني) شيخ البخاري (حدثنا زهير بن معاوية) بن خديج الحافظ شيخ الجزيرة (حدثنا أبو الزبير) محمد بن مسلم المكي (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما (قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا تذبحوا) عن ضحاياكم من البقر والغنم وغيرهما (إلا مسنة) وهي ما استكملت سنتين، ودخلت في الثالثة؛ لأنها بلغت سن التمييز (إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا) قال الجمهور: هذا الحديث محمول على الاستحباب والأفضل، وتقديره: يستحب لكم ألا تذبحوا إلا مسنة فإن عجزتم عنها فاذبحوا (جذعة من الضأن) وليس فيه تصريح بمنع جذعة الضأن وأنها لا تجزئ بحال، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (955، 983)، ومسلم (1961). (¬2) رواه البخاري (5556)، ومسلم (1961).

وقد أجمعت الأمة (¬1) أنه ليس على ظاهره، ولأن الجمهور يجوزون الجذع من الضأن مع وجود غيره وعدمه. وقال ابن عمر والزهري: لا يجزئ. ومعناه: مع وجود غيره وعدمه، فيتعين تأويل الحديث على الاستحباب (¬2)، ويدل على جواز الجذع من الضأن ما رواه أحمد (¬3) وابن جرير الطبري والبيهقي (¬4) من حديث أم بلال قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ضحوا بالجذع من الضأن" (¬5). [2798] (حدثنا محمد بن صدران) بضم الصاد المهملة وسكون الدال، هو محمد بن إبراهيم بن صدران البصري المؤذن، صدوق (¬6) (حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى) الشامي القرشي، أحد المحدثين الكبار (عن محمد بن إسحاق، حدثني عمارة (¬7) بن عبد الله بن طعمة) ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬8) (عن سعيد بن المسيب، عن زيد بن خالد الجهني -رضي الله عنه- قال: قسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أصحابه ضحايا) من الغنائم أو من بيت مال المسلمين (فأعطاني عتودًا) بفتح العين وضم المثناة، وهو الصغير من أولاد المعز إذا قوي على السفاد ورعى وأتى ¬

_ (¬1) في (ر): الآية. (¬2) انظر: "شرح مسلم" للنووي 13/ 117، "فتح الباري" 10/ 15. (¬3) "مسند أحمد" 6/ 368. (¬4) "السنن الكبرى" 9/ 271، وأخرجه الطبراني في "الكبير" 25/ 164. ولم أقف عليه عند الطبري في "التفسير". (¬5) والحديث رواه ابن ماجه (3139)، وضعفه الألباني في "الضعيفة" (65). (¬6) انظر: "تقريب التهذيب" (5731). (¬7) في الأصل: عمار. وفي "السنن" ومصادر الترجمة: عمارة. وهو الصواب. (¬8) 7/ 260.

عليه حول، والجمع أعتدة وعتدان بكسر العين (جذعًا) بفتح الذال المعجمة، وهو من المعز من تمت له سنة ودخل في الثانية (قال: فرجعت به إليه، فقلت: إنه جذع) قال أبو القاسم (¬1): سمعت أبي يقول: سألت بعض أهل البادية: كيف يعرفون الضأن إذا أجذع؟ قالوا: لا تزال الصوفة قائمة على ظهره ما دام حملًا، فإذا نامت الصوفة على ظهره علم أنه أجذع (¬2) (قال: ضح به) قيل: هو منسوخ بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ولن يجزئ عن أحد بعدك". قاله لأبي بردة (¬3). قال القرطبي: ودل على هذا ما حكي من الإجماع على عدم إجزاء الجذع من المعز. ثم قال: ويمكن في حديث عقبة تأويلان ولا يصار فيه إلى النسخ (¬4): أحدهما: أن الجذع المذكور فيه هو من الضأن، وأطلق عليه العتود؛ لأنه في سنه وقوته، ولا يستنكر هذا؛ فإن العرب تسمي الشيء باسم الشيء إذا جاوره أو كان به شبه. وثانيهما: أن العتود وإن كان من المعز فقد يقال على ما خرج من السنة الأولى ودخل في الثانية لتقارب ما بينهما، ودل على صحة هذا ما حكاه القاضي عن أهل اللغة: أن العتود: الجدي الذي بلغ السفاد، قال ابن الأعرابي: المعز والإبل والبقر لا يضرب فحولها إلا بعد أن ¬

_ (¬1) يعني: الخرقي الحنبلي. (¬2) انظر: "المغني" 11/ 100. (¬3) أخرجه البخاري (955)، ومسلم (1961). (¬4) "المفهم" 5/ 360.

تثني، قال: وإذا صح هذا لا يقع التعارض مع إمكان الجمع بين الحديثين، والنسخ لا يصح مع إمكان الجمع. وفي حديث عقبة دليل على تأكد أمر الأضحية، وأن الإمام ينبغي له أن تفرق الضحايا على من لا يقدر عليها من بيت مال المسلمين. (فضحيت به) فيه أن من أعطي شيئًا ليصرفه في شيء [لا يبعد إما عين له] (¬1) كما أن زيد بن خالد لما أعطي العتود ليضحي لم يبعه ولا صرفه في غير الأضحية، لكن إن دلت القرينة على أن ما ذكر ليصرفه في غير مقصود كما إذا دفع إليه عشرين درهمًا وقال: ادخل بها الحمام، فإن من المعلوم من هذا القدر أنه لا يدفع في الحمام ولا ثمنه. [2799] (حدثنا الحسن بن علي) الخلال الحلواني (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري. (حدثنا) سفيان بن سعيد (الثوري، عن عاصم بن كليب) الجرمي، أخرج له البخاري في كتاب "رفع اليدين" واستشهد به في "الصحيح" (عن أبيه) كليب بن شهاب الجرمي الكوفي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2). (قال: كنا مع رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يقال له: مجاشع) بن مسعود بن ثعلبة (من بني سليم) مصغر، نزل البصرة، وقتل يوم الجمل مع عائشة، وهو أخو مجالد (فعزت) بفتح العين والزاي المشددة (الغنم) أي: لم يقدر عليها لقلتها وارتفاع ثمنها (فأمر مناديًا فنادى) في الناس (إن) بكسر الهمزة؛ لأن المناداة في معنى القول ¬

_ (¬1) هكذا في الأصلين، ولعلها: لا يبعد عما عين له. (¬2) 3/ 356.

(رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إن الجذع) وللنسائي (¬1): "إن الجذعة" كما سيأتي (يوفي) بضم المثناة تحت وتخفيف الفاء المكسورة (مما يوفي منه الثني) أي: يقوم ويجزئ عما يجزئ منه الثني؛ بدليل رواية النسائي (¬2): "إن الجذعة تجزئ ما تجزئ منه الثنية". وأوله: كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل الأضحية بيومين يعطي الجذعتين بالثنية .. الحديث. وفي رواية له: كنا في سفر، فحضر الأضحى فجعل الرجل منا يشتري المسنة بالجذعتين والثلاثة .. الحديث (¬3). واستدل بهذا الحديث عطاء والأوزاعي أن الجذع يجزئ من جميع الأجناس، وأما إجزاؤه من الضأن فمذهب الجمهور (¬4). [2800] (حدثنا مسدد، حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي الكوفي (حدثنا منصور) بن المعتمر (عن) عامر بن شراحيل (الشعبي، عن البراء) بن عازب رضي الله عنهما (قال: خطبنا النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم) عيد (النحر بعد الصلاة) أي: بعد صلاة العيد (فقال: من صلى صلاتنا) أي: مثل صلاتنا (ونسك نسكنا) أي ضحى مثل ضحيتنا، وهو في الأصل العبادة. قيل لثعلب: هل يسمى الصوم نسكًا؟ فقال: كل حق لله فهو نسك (¬5). ¬

_ (¬1) "المجتبى" 7/ 219. (¬2) "المجتبى" 7/ 219. (¬3) "المجتبى" 7/ 219. (¬4) "الحاوي" للماوردي 15/ 16. (¬5) انظر: "المحكم والمحيط الأعظم" لابن سيده 6/ 724، "لسان العرب" 10/ 498.

وللبخاري (¬1): "واستقبل قبلتنا" (فقد أصاب النسك) المشروع أو الصحيح أو نحو ذلك (ومن نسك قبل الصلاة) ظاهره قبل فعل الصلاة، ومذهب الشافعي وجمع أن المعتبر في النسك مضي مقدار صلاة ركعتين وخطبتين خفيفتان، فالتقدير عندهم: ومن نسك قبل مضي وقت الصلاة. وإنما لم يذكر الخطبتين في الحديث؛ لأن الخطبتين مقصورتان في هذِه العبادة فاكتفى عن ذكرهما بذكر الصلاة، وقيل: العبرة بصلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- وخطبته وقد كان يقرأ بقاف واقتربت ورجحه ابن الرفعة في "الكفاية"؛ لأنه ظاهر لفظ هذا الحديث (¬2). (فتلك شاة لحم) أي: ليست أضحية ولا ثواب لها، ولهذا جاء في رواية: "إنما هو لحم قدمته لأهلك" (¬3). قال الفاكهي: لا يصح أن تكون هذِه الإضافة لفظية، [لأن اللفظية] (¬4) إنما هي في صفة مضاف لمعمولها كضارب زيد، ولا معنوية بمعنى من كخاتم حديد، أو للأمر كغلام زيد، أو في كصوم يوم كما هذِه الإضافة. قال: ويظهر لي أنه محمول على المعنى؛ لأنها إذا لم تقع أضحية فهي مجرد لحم لا نسك فيه ولا قربة، فكأنه قال: فشاتك شاة غير نسك (¬5). (فقام أبو بردة) هانئ بالنون وبالهمز (ابن نيار) بكسر النون وتخفيف التحتانية، الأنصاري المدني، شهد بدرًا، روى له البخاري ¬

_ (¬1) (391، 393، 389، 5563). (¬2) "كفاية النبيه" 8/ 63 - 64. (¬3) البخاري (965، 968، 5545، 5560). (¬4) من (ل). (¬5) انظر: "عمدة القاري" 31/ 110، "فتح الباري" 10/ 13.

حديثًا واحدًا (¬1). (فقال: يا رسول الله والله (¬2) لقد نسكت) أي: ذبحت، والنسك جمع نسيكة وهي الذبيحة، وقيل لها: نسيكة بالياء، مع أن فعيلاء بمعنى مفعول للمذكر والمؤنث كجريح؛ لأنهم أجروها مجرى النطيحة إذا قلنا أنها بمعنى منطوحة لغلبة الاسمية عليها. قال الثعلبي: أصل المنسك في كلامهم الموضع المعتاد لعمل خير أو شر (¬3) (قبل أن أخرج إلى الصلاة، وعرفت) بفتح الراء (أن اليوم يوم) با لرفع (أكل وشرب) قال ابن بطال: أما يوم النحر فهو يوم أكل كما قال أبو بردة، إلا أنه لا يستحب فيه الأكل قبل الغدو إلى الصلاة، ولا ينهى عنه، ألا ترى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يحسن أكله ولا عنفه عليه، وإنما أجابه عما به الحاجة إليه من سنة الذبح، وعذره في الذبح لما قصده من إطعام جيرانه منه لحاجتهم إليه، فلم يرد -عليه السلام- أن يخيب فعلته الكريمة (¬4). [فتعجلت فأكلت) لفظ البخاري: فذبحت شاتي وتغديت قبل أن آتي الصلاة] (¬5) (وأطعمت أهلي وجيراني) بكسر الجيم، جمع جار. (فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: تلك شاة لحم) لا ثواب فيها، بل هي لحم لك تنتفع به، قيل: هو كقولهم: خاتم فضة؛ فإن الشاة شاتان: شاة تذبح ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (6849، 6850). (¬2) ساقطة من الأصول، والمثبت من مطبوع "السنن". (¬3) "الكشف والبيان " 7/ 33 تفسير سورة الفتح. (¬4) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 2/ 553. (¬5) من (ل). وانظر "صحيح البخاري" (955).

لأجل اللحم، وشاة تذبح لأجل التقرب إلى الله تعالى (¬1). قال ابن دقيق العيد: فيه دليل على أن المأمورات إذا وقعت على خلاف مقتضى الأمر لم يعذر فيها فاعلها بالجهل، وقد فرقوا في ذلك بين المأمورات والمنهيات فعذروا في المنهيات بالنسيان والجهل، كما في حديث معاوية بن الكم حين تكلم في الصلاة (¬2)، وفرق بينهما من (¬3) المقصود من المأمورات إقامة مصالحها، وذلك لا يحصل إلا بفعلها، والمنهيات مزجور عنها بسبب مفاسدها (¬4) امتحانًا بالمكلف بالانكفاف عنها، وذلك إنما يكون بالتعمد لارتكابها، ومع النسيان والجهل لم يقصد المكلف ارتكاب المنهي، فعذر بالجهل فيه. (فقال) أبو بردة: (إن عندي عناقًا) بفتح العين، وهو الأنثى من المعز ما (¬5) لم يتم له سنة (¬6)، فإذا تمت قيل له: عتودًا. وقيل: العناق ما دامت ترضع (¬7)، وإنما تسمى عناقًا قبل أن تستكمل سنة، وأما حديث أبي بكر: لو (¬8) منعوني عناقًا مما كانوا يؤدونه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم (¬9). ¬

_ (¬1) انظرت "هداية القاري" 10/ 275، و"شرح المشكاة" للتبريزي 5/ 86. (¬2) أخرجه مسلم (537). (¬3) هكذا في الأصل والذي في "عمدة الأحكام": فرق بينهما بأن. وهو أصوب. وانظر "عمدة الأحكام" 1/ 230. (¬4) في الأصلين: تواعدها. والتصويب من "إحكام الأحكام". (¬5) من (ل). (¬6) "النهاية" لابن الأثير 3/ 592. (¬7) انظر: "إكمال المعلم" 6/ 207 "شرح مسلم" للنووي 13/ 113. (¬8) من (ل). (¬9) أخرجه البخاري (1400).

فمحمول على أن السخلة تؤخذ من السخال المنتجة في أثناء السنة ووجبت زكاتها بحول الأصل، ولا يكلف مسنة على مذهب الشافعي (جذعة) قال وكيع: الجذع من الضأن أن يكون له سبعة أو ستة أشهر (¬1) (وهو خير من شاتي لحم) من جهة طيب لحمها وكثرة قيمتها وسمنها (فهل تجزي) قال النووي: بفتح التاء، هكذا الرواية في جميع الكتب، ومعناه: تكفي (¬2) (عني؟ قال: نعم) تكفي عنك (ولن تجزي) بفتح التاء بلا همز، قال الجوهري: وبنو تميم يقولون: أجزأت عنك شاة (¬3)، وعلى هذِه اللغة فيجوز في الحديث ضم التاء والهمز. وقد جوزها ابن الأثير (¬4) وابن بري وغيرهما. قال الزمخشري في "أساس البلاغة": تقول بنو تميم: البدنة تجزئ عن سبعة، وأهل الحجاز: تجزي، وبها قرئ: {لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ} (¬5) (عن أحد بعدك) أي غيرك؛ لأنه لابد في تضحية المعز من الثني، وهذا من خصائص أبي بردة، كما أن قيام شهادة خزيمة مقام الشهادتين من خصائص خزيمة، ومثله كثير في الصحابة (¬6). قال البرماوي: ليس من خصائص أبي بردة، فقد جاء في غيره أيضًا، فإن المرخص لهم في ذلك ثلاثة: أبو بردة في هذا الحديث، وعقبة بن ¬

_ (¬1) نقله الترمذي عن وكيع تحت حديث (1500). (¬2) "شرح النووي على مسلم" 13/ 112 (¬3) "الصحاح" للجوهري 6/ 152. (¬4) "النهاية" لابن الأثير 1/ 748. (¬5) البقرة: 48. "أساس البلاغة" ص 92. (¬6) انظر: "عمدة القاري" 10/ 276، وحديث خزيمة أخرجه البخاري (4784).

عامر كما تقدم، ولفظه أنه أعطاه عتودًا جذعًا، وقال: "ضح به". والثالث: زيد بن خالد الجهني وأعطاه عتودًا جذعًا فرجعت إليه، فقلت: إنه جذع، فقال: "ضح به" فضحيت (¬1). ورواه البيهقي من حديث ابن بكير عن الليث، وفيه: "ولا رخصة لأحد فيها بعدك". وقال البيهقي: فهذِه الزيادة إذا كانت محفوظة كانت رخصة لأبي بردة ابن نيار (¬2). قال الفاكهي: والحكمة في اختصاص أبي بردة بذلك والسر فيه ولم يرد على ذلك (¬3)، وقد أفاده الماوردي فقال: فيه وجهان: أحدهما: أنه كان قبل استقرار الشرع فاستثناه. والثاني: أنه علم من طاعته وخلوص نيته ما ميزه عمن سواه. قال: واختلفوا هل كان ذلك بوحي أو اجتهاد؟ على قولين (¬4). [2801] (حدثنا مسدد، حدثنا خالد) بن عبد الله بن عبد الرحمن المزني الواسطي. (عن مطرف) بن طريف الحارثي (عن عامر) الشعبي (عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: ضحى خال لي يقال له: أبو بردة) بن نيار (قبل) فعل (الصلاة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: شاتك شاة لحم) تنتفع بها لا أضحية ¬

_ (¬1) انظر: "حياة الحيوان الكبرى" 1/ 478، "الكوكب المنير شرح مختصر التحرير" 1/ 337. (¬2) "السنن الكبرى" 9/ 270. (¬3) نص عبارة الفاكهي في نقل ابن حجر أنسب من هذا، هو: قال الفاكهي ينبغي النظر في اختصاص أبي بردة بهذا الحكم وكشف السر فيه. انظر: "الفتح" 10/ 15. (¬4) "الحاوي" 15/ 77.

[لها ثواب] (¬1) (فقال: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إن عندي داجنًا) وهي التي ألفت البيوت واستأنست، وحذفت التاء لأنه صار اسمًا للإلف للبيت فاضمحل معنى الوصفية عنه فاستوى فيه المذكر والمؤنث [(جذعة من المعز) صرح هنا بكونها ليست من الضأن بل من المعز] (¬2) (فقال: اذبحها ولا تصلح لغيرك) قال عياض: أجمع العلماء على الأخذ به، وأنه لا يجزئ الجذع من المعز (¬3). قال القرطبي: فإن لم يتمكن إلا من الجذع من الضأن كان نعم الأضحية كما قال -صلى الله عليه وسلم- (¬4). * * * ¬

_ (¬1) من (ل). (¬2) من (ل). وانظر: "فتح الباري" 10/ 13. (¬3) "إكمال المعلم" 6/ 209. (¬4) "المفهم" 17/ 61.

6 - باب ما يكره من الضحايا

6 - باب ما يُكْرَهُ مِنَ الضَّحايا 2802 - حدثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمَريُّ، حدثنا شعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ فَيْزوزَ قالَ: سَألت البَراءَ بْنَ عازِبٍ: ما لا يَجُوزُ في الأضَاحي؟ فَقالَ: قامَ فِينا رَسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَصابعي أَقْصَرُ مِنْ أَصابِعِهِ وَأَنامِلي أَقْصَرُ مِنْ أَنامِلِهِ فَقالَ: "أَرْبَعٌ لا تَجُوزُ في الأَضَاحِي: العَوْراءُ بَيِّنٌ عَوَرُها، والمَرِيضَةُ بَيّنٌ مَرَضُها، والعَرْجاءُ بَيِّن ظَلْعُها، والكَسِيرُ التي لا تَنْقَي". قال: قُلْتُ: فَإِنّي أَكْرَهُ أَنْ يَكونَ في السِّنِّ نَقْصٌ. قالَ: "ما كَرِهْتَ فَدَعْهُ وَلا تُحَرِّمْهُ عَلَى أَحَدٍ". قالَ أَبُو داوُدَ: لَيْسَ لَها مُخٌّ (¬1). 2803 - حدثنا إِبْراهِيم بْنُ مُوسَى الرّازيّ قالَ: أَخْبَرَنا ح وَحَدَّثَنا عَليّ بْن بَحْرِ ابْنِ بَرّيِّ، حدثنا عِيسَى -الَمعْنَى- عَنْ ثَوْرٍ، حَدَّثَني أَبو حميْدٍ الرّعَيْنيّ، أَخْبَرَني يَزِيدُ ذو مِصْرٍ قال: أَتَيْث عُتْبَةَ بْنَ عَبْدٍ السّلَميَّ فَقُلْتُ: يا أَبا الوَلِيدِ إِنّي خَرَجْتُ ألتَمِسُ الضَّحايا فَلَمْ أَجِدْ شَيئًا يُعْجِبني غَيْرَ ثَرْماءَ فَكَرِهْتُها فَما تَقُول؟ قال: أَفلا جِئْتَني بِها. قلْتُ: سُبْحانَ اللهِ تَجُوز عَنْكَ وَلا تَجُوز عَنّي! قال: نَعَمْ إِنَّكَ تَشُكّ وَلا أَشكُّ، إِنَّما نَهَى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ المُصْفَرَّةِ والُمسْتَأْصَلَةِ والبَخْقاءِ والُمشَيَّعَةِ والكَسْراءِ، فالُمصْفَرَّة التي ئسْتَأْصَل أذُنُها حَتَّى يَبْدُوَ سِماخُها، والُمسْتَأْصَلَةُ التي اسْتؤْصِلَ قَرْنُهَا مِنْ أَصْلِهِ، والبَخْقاءُ التي تَبْخَقُ عَيْنُهَا، والمشَيَّعَة التي لا تَتْبَعُ الغَنَمَ عَجْفًا وَضَعْفًا، والكَسْراءُ الكَسِيرَة (¬2). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1497)، والنسائي 7/ 215، وابن ماجه (3144)، وأحمد 4/ 284، 289، 300. وصححه ابن الملقن في "البدر المنير" 9/ 285 - 286، والألباني في "صحيح أبي داود" (2497)، وفي "الإرواء" (1148). (¬2) رواه أحمد 4/ 185، والطبراني 17/ 128 (314)، والحاكم 1/ 468، والبيهقي 9/ 275. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (486).

2804 - حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النّفَيْليّ، حدثنا زهَيْرٌ، حدثنا أَبُو إِسْحاق، عَنْ شُرَيحِ بْنِ النُّعْمانِ -وَكانَ رَجُلَ صِدْقٍ- عَنْ عَليٍّ قال: أَمَرَنا رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ نَسْتَشْرِفَ العَيْنَ والأذنَيْنِ وَلا نُضَحّيَ بِعَوْراءَ وَلا مُقابَلَةٍ وَلا مُدابَرَةٍ وَلا خَرْقاءَ وَلا شَرْقاءَ. قالَ زُهَيْرٌ: فَقُلْتُ لأبَي إِسْحاقَ: أَذَكَرَ عَضْباءَ؟ قال: لا. قُلْتُ: فَما المقابَلَةُ؟ قال: يُقْطَعُ طَرَفُ الأذنِ. قُلْتُ: فَما المدابَرَةُ؟ قال: يُقْطَعُ مِنْ مُؤَخَّرِ الأذنِ. قُلْتُ: فَما الشَّرْقاء؟ قال: تشَقّ الأذنُ. قُلْتُ: فَما الخَرْقاءُ؟ قال: تُخْرَق أذنُهَا لِلسِّمَةِ (¬1). 2805 - حدثنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حدثنا هِشام بْنُ أَبي عَبْدِ اللهِ الدَّسْتَوائي -وَيُقال لَهُ: هِشامُ بن سَنْبَرٍ- عَنْ قَتادَةَ، عَنْ جُرى بْنِ كُلَيْب، عَنْ عَليٍّ أَنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى أَنْ يُضَحَّى بِعَضْباءِ الأذنِ والقَرْنِ. قالَ أَبو دَاوُدَ: جُرى سَدُوسيٌّ بَصْريٌّ لَمْ يُحَدِّثْ عَنْة إِلا قَتادَةُ (¬2). 2806 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا يَحْيَى، حدثنا هِشامٌ، عَنْ قَتادَةَ قال: قُلْتُ لِسَعِيدِ ابْنِ المُسَيَّبِ: ما الأغضَبُ؟ قال: النِّصْفُ فَما فَوْقَهُ (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1498)، والنسائي 7/ 216 - 217، وابن ماجه (3142)، وأحمد 1/ 80، 108، 128، 149. وصححه ابن الملقن في "البدر المنير" 9/ 291. لكن ضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (487). (¬2) رواه الترمذي (1504)، والنسائي 7/ 217، وابن ماجه (3145)، وأحمد 1/ 83، 101، 127، 129، 137. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (488). (¬3) رواه الترمذي (1581). وقال الألباني في "ضعيف أبي داود" 10/ 381 (489): إسناد رجاله ثقات رجال البخاري؛ ولكنه مقطوع موقوف على سعيد.

باب ما يكره من الضحايا [2802] (حدثنا حفص بن عمر) بن الحارث (النمري) بفتح النون والميم، نسبة إلى النمر بن قاسط بن هنب، والنمر بكسر النون والنسبة إليه بفتح الميم، شيخ البخاري (حدثنا شعبة) بن الحجاج (عن سليمان ابن عبد الرحمن) بن عيسى الدمشقي، قال إسحاق بن منصور وأبو حاتم والنسائي: ثقة (¬1) (عن عبيد بن فيروز) مولى بني شيبان، وثقه أبو حاتم (¬2) (قال: سألت البراء بن عازب) رضي الله عنهما قال: (ما لا يجوز في الأضاحي؟ ) لفظ النسائي (¬3): قلت للبراء: حدثني عما نهى عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. (فقال: قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصابعي أقصر من أصابعه) لفظ ابن ماجه: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هكذا بيده ويدي أقصر من يده (¬4) (وأناملي أقصر من أنامله) الأنامل جمع أنملة بفتح الهمزة، وفتح الميم أكثر من ضمها، وابن قتيبة جعل المضموم من لحن العوام، وبعض المتأخرين حكى بتثليث الهمزة مع تثليث الميم، والأنملة: العقدة من الأصابع، وقيل: الأنامل: رؤوس الأصابع، وعطف الأنامل على الأصابع من عطف البعض على الكل (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: "الجرح والتعديل" 4/ 128، "تهذيب الكمال" 12/ 33. (¬2) "الجرح والتعديل" 5/ 411. (¬3) "المجتبى" 7/ 214، 215. (¬4) "سنن ابن ماجه" (3144). (¬5) انظر: "المصباح المنير" 2/ 626، "تاج العروس" 31/ 40.

(فقال: أربع لا تجوز) وللنسائي (¬1) وابن ماجه (¬2): أربع لا تجزئ (¬3) (في الأضاحي) احتج السبكي بقوله: "أربع لا تجزئ في الأضاحي" على ما صححه هو وجماعة أن الإجزاء يعم الواجب والمندوب؛ لأن الأضحية سنة، وقد استعملت بلفظ الإجزاء، ورجح القرافي والأصبهاني "شارح المحصول" أن الإجزاء يختص بالواجب ولا يستعمل في المسنون، لكن يعكر على استدلال أصحابنا احتجاجهم على إيجاب الاستنجاء بحديث: "إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار؛ فإنها تجزئ عنه". قالوا (¬4): والإجزاء لا يكون إلا عن واجب (¬5) (العوراء) بالمد (بين) بالتنوين (عورها) لفظ النسائي وابن ماجه: "البين عورها" (¬6)، وهي التي قد انخسفت عينها وذهبت؛ فإنها لا تجزئ؛ لأن العين قد ذهبت وهي عضو مستطاب. قال الروياني تبعًا للماوردي: إن غطى ناظر العين بياض فذهب أكثره منع الإجزاء، وأقله لم يمنع على الأصح؛ لأن عورها ليس ببين، ولا ينقص (¬7) ذلك لحمها. قال الشافعي: أقل العور البياض الذي يغطي الناظر، والمعنى فيه الخلل الحاصل في النظر المانع كمال الرعي ¬

_ (¬1) النسائي 7/ 214 - 215. (¬2) ابن ماجه (3144). (¬3) ورد بعدها في الأصل: نسخة: لا يجزئن. (¬4) في (ل) قال: (¬5) انظر: "البحر المحيط" 1/ 256. (¬6) "سنن النسائي" 7/ 215، "سنن ابن ماجه" (3144). (¬7) من (ل)، وفي (ر): يتغطى.

وأفهم منع العمياء بطريق الأولى (¬1) (والمريضة بيّن مرضها) بالتنوين بالرفع، كذا للترمذي (¬2)، وللنسائي وابن ماجه (¬3): "البين مرضها". وهي التي تبين أثر المرض عليها، وضابطه ما يظهر بسببه هزال الدابة وفساد لحمها ونقصه، وذكر القاضي أن المراد بالمريضة الجرباء؛ لأن الجرب يفسد اللحم ويهزله إذا كثر، وهذا تقييد للمطلق وتخصيص للعموم بلا دليل، والمعنى يقتضي عموم اللفظ؛ فإن كل المرض يفسد اللحم وينقصه فلا معنى للتخصيص مع عموم اللفظ والمعنى (¬4). قال الإمام (¬5): ولو هجم عليها مرض وهي كأسمن ما يكون أمثالها فابتدر وضحى بها فلا وجه للحكم بإجزائها وإن كانت سمينة؛ لأن التغير غالب في هذِه الصفات، وفيه وجه حكاه بعد ذلك، ومدار الخلاف التمسك بلفظ الخبر أو الرجوع إلى المعنى وهو سلامة اللحم كالتردد في بيع اللحم بالحيوان غير مأكول مع النهي عن بيع اللحم بالحيوان مطلقًا. (والعرجاء بين) بالتنوين (ظلعها) بفتح الظاء المعجمة واللام، قال المنذري: بتسكين اللام هو العرج، والظالع: العاثر في مشيه، وقد جاء في رواية النسائي: "البين عرجها". وهو تفسير الظلع، قال [في "النهاية"] (¬6): في الحديث: فإنه لا يربع على ظلعك من ليس ¬

_ (¬1) انظر: "الحاوي" للماوردي 15/ 81. (¬2) (1497). (¬3) النسائي 7/ 214، ابن ماجه (3144). (¬4) انظر: "المغني" 11/ 101. (¬5) هو الإمام الجويني، وكلامه هذا في "نهاية المطلب" 18/ 166. (¬6) من (ل).

يحزنه أمرك (¬1). الظلع بالسكون العرج، وقد ظلع يظلع ظلعًا فهو ظالع، ومعنى الحديث: لا يقيم عليك في حال ضعفك وعرجك إلا من يهتم لأمرك وشأنك ويحزنه أمرك. وربع بالمكان أقام به، قال (¬2): ومنه حديث الأضاحي: "ولا العرجاء البين ظلعها" (¬3) والبينة العرج هي التي عرجها فاحش بحيث يمنعها من اللحاق بالغنم فتسبقها المواشي إلى الكلأ الطيب فترعاه ولا تدركه معهن فينقص لحمها، فإن كان عرجًا يسيرًا لا يفضي بها إلى ذلك أجزأت، ولا فرق بين أن تطول مدة العرج أو تقصر فتذبح عقب حصوله وهي سمينة كما تقدم عن الإمام في المرض، وكذا لو عرجت عند الاضطجاع للتضحية بسبب الاضطراب على الأصح. قال الرافعي: فإذا منع العرج من إجزائها فالمقطوعة الأذن (¬4) بعدم الإجزاء أولى. ونازعه ابن الرفعة وقال: لا نسلم المساواة فضلًا عن الأولوية؛ لأن العرجاء تكسل (¬5) عن رعيها، والمقطوعة تعلف (¬6) ويقدم لها ما يكفيها (والكسير) وهي (التي) كسر رجلها فلا تقدر على المشي، فعيل بمعنى مفعول (لا تنقي) بضم المثناة فوق وسكون النون ¬

_ (¬1) لم أجد من خرجه وذكره من الأمثال الزمخشري في "المستقصى" 2/ 269، والفيروز آبادي في "القاموس" (745). (¬2) من (ل). (¬3) راجع في معنى الظلع "تاج العروس" 21/ 470، "المعجم الوسيط" 2/ 576، "النهاية" لابن الأثير 3/ 354. (¬4) هكذا في الأصلين، والصواب: الرجل. لأن السياق يدل عليه. (¬5) في (ر): يكل. (¬6) في (ر): تعلق.

وكسر القاف، وهي التي لا مخ في عظامها لكثرة هزالها، والنقي بكسر النون وسكون القاف هو المخ الذي (¬1) في داخل العظم، يقال: نقيت العظم ونقوته وأنقيته، وفي حديث أم زرع: لا سمين فينتقى (¬2). أي: ليس له نقي فتستخرج منه للأكل (¬3)، فالناقة التي لا تنقى لا تصح الأضحية بها؛ لأنها لا لحم فيها إنما هي عظام مجتمعة، فأما إذا كان بها بعض الهزال ولم يذهب مخها أجزأت، كذا أطلقه الأكثرون. وقال الماوردي: إن كان خلقيا فالحكم كذلك في (¬4) جوازها، وإن كان لمرض منع الإجزاء؛ لأنه داء (¬5). قال إمام الحرمين: كما لا يعتبر السمن البالغ للإجزاء لا يعتبر العجف البالغ للمنع (¬6). (قال) عبيد بن فيروز: (قلت) للبراء: (فإني أكره أن يكون في السن نقص) أي ذهب بعض أسنانها، ويقال: هو سقوط الثنية، ويقال: إنه قلع السن من أصله. وهو قول ابن يونس. زاد النسائي: وأن يكون في القرن نقص (¬7). وزاد ابن ماجه (¬8): وإني أكره أن يكون في الأذن نقص. ¬

_ (¬1) من (ل). (¬2) ذكر هذه الرواية أبو عبيد في "الغريب" 2/ 286، والبغوي في "شرح السنة" 9/ 172، عزاها الحميدي في "الجمع بين الصحيحين" 4/ 89. للبخاري، وليست فيه. (¬3) "شرح النووي على مسلم" 15/ 13، وانظر: "جامع الأصول" 6/ 507. (¬4) من (ل). (¬5) الحاوي" 15/ 82. (¬6) "نهاية المطلب" 18/ 164. (¬7) "سنن النسائي" 7/ 214 - 215. (¬8) (3144).

(قال: ما كرهت فدعه ولا تحرمه على أحد) لفظ النسائي: ما كرهته (¬1). لفظ ابن ماجه: ما كرهت منه (¬2). وفي رواية لغير المصنف: فإني أكره النقص من القرن ومن الذنب. فقال: اكره لنفسك ما شئت وإياك أن تضيق على الناس (¬3). وفيه حجة على أن ذهاب بعض الأسنان يكره الأضحية بها مع الصحة. قال النووي في "شرح المهذب": تجزئ ذاهبة بعض الأسنان، فإن تكسرت جميع أسنانها أو تناثرت فقد أطلق البغوي وآخرون أنها تجزئ، وقال بعض أصحابنا: إن كان ذلك لمرض يؤثر (¬4) في الاعتلاف وينقص اللحم منع، وإلا فلا. قال الرافعي: وهو حسن، ولكنه يؤثر بلا شك، فرجع الكلام إلى المنع المطلق، انتهى (¬5). والصحيح عند الشافعي المنع مطلقًا، وهو الأظهر في "الشرح الصغير". ثم الظاهر من كلام الرافعي والنووي أن ذهاب البعض وانكساره لا يؤثر في الصحة، وهو مقتضى الحديث، وكما سيأتي. [2803] (حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي) الفراء الحافظ (قال: ح، وحدثنا علي بن بحر) بفتح الموحدة وسكون المهملة (بن بري) القطان، وثقوه (¬6) (حدثنا عيسى) بن يونس الهمداني (المعنى، عن) أبي حميد ¬

_ (¬1) 7/ 214. (¬2) (3144). (¬3) "السنن الكبرى" للبيهقي 9/ 274 بنحوه دون ذكر (الذنب). (¬4) في الأصل: لم يؤثر. (¬5) "المجموع" 8/ 401، وانظر: "الشرح الكبير" 12/ 69. (¬6) انظر: "الكاشف" 2/ 279.

(ثور) بن يزيد الكلاعي الحمصي، أخرج له البخاري (حدثني أبو حميد الرعيني) الشامي، ذكره ابن عبد البر فيمن لم يذكر له اسم سوى كنيته (¬1) قال: (أخبرني يزيد ذو مصر) بكسر الميم وسكون الصاد المهملة، كذا صحح عليه الذهبي بخطه في "الكاشف" (¬2)، وفي "جامع ابن الأثير" (¬3)، كذا قال في "الكمال": له حديث واحد في الأضاحي، وكذا ذكره الأمير في ضبطه (¬4)، وكذا ضبطه في "المنتقى"، وضبطه المنذري في حواشيه بضم الميم وبالضاد المعجمة، والصواب الأول (¬5)، وهو حمصي ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬6). (قال: أتيت عتبة بن عبد السلمي) بضم السين، نزل حمص، شهد خيبر، وهو آخر من مات بالشام من الصحابة، قاله الواقدي، وكان اسمه عتلة (¬7) بفتح المهملة والمثناة فوق، وهي في الأصل هراوة غليظة تكسر بها الحجارة، وسماه: عتلة؛ لأن عتلة من الشدة والغلظة، ومنه قولهم: رجل عتل. أي: شديد غليظ، وليست هذِه صفة المؤمن، بل صفته اللين والسهولة. (فقلت) له: (يا أبا الوليد) فيه استحباب نداء أهل الفضل ومخاطبتهم ¬

_ (¬1) "الاستغناء في أسماء المشهورين من حملة العلم بالكني" 2/ 1142. (¬2) 3/ 289. (¬3) "جامع الأصول" لابن الأثير (1652، 2985). (¬4) "الإكمال" 7/ 199. (¬5) انظر: "البدر المنير" 9/ 269. (¬6) "الثقات" 5/ 538. (¬7) في (ر): عتبة. وفي (ل): علبة. والصواب ما أثبتناه انظر: "الإكمال" 6/ 308.

بالكنية (إني خرجت ألتمس) أي: أطلب شراء (¬1) شيء من (الضحايا، فلم أجد) في سوقه (شيئًا يعجبني) فيه فضيلة استحسان الأضحية واستسمانها والاحتراص على تحصيل الأجود والأجود منها؛ لأن ذلك أعظم لأجرها، وقد قال الله تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (¬2) (غير ثرماء) بفتح المثلثة والمد وهي التي سقط بعض أسنانها، وقيل: هي التي سقط منها الثنية والرباعية، وقيل: هي أن ينقلع السن من أصلها مطلقًا، ومنه الحديث في صفة فرعون أنه كان أثرم (¬3). (فكرهتها) أي: كرهت التضحية بها (فما تقول؟ ) يا أبا الوليد (قال: أفلا) كنت (جئتني بها) زاد أحمد (¬4): أضحي بها. (قلت: سبحان الله) فيه استحباب التعجب بسبحان الله ولا إله إلا الله، كما روى أحمد عن أنس: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- سائل فأمر له بتمرة فقال: سبحان الله تمرة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال للجارية: "اذهبي إلى أم سليم فأعطيه الأربعين درهمًا التي عندها" (¬5). (تجوز عنك ولا تجوز عني قال: نعم، إنك تشك) في جوازها (ولا أشك) أنا، وقد نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-[عما يشك فيه من الأضاحي] (¬6) والأشربة وغيرها فقال: "دع ما يريبك إلى ما لا ¬

_ (¬1) من (ل). (¬2) الحج: 32. (¬3) "النهاية" لابن الأثير 1/ 598، وانظر: "لسان العرب" 12/ 76 والحديث أخرجه الطبراني في "الأوسط" 6/ 73 (5830). (¬4) "مسند أحمد" 4/ 185. (¬5) "مسند أحمد" 3/ 154. (¬6) من (ل).

يريبك" (¬1). أي: اترك ما تشك في جوازه إلى ما لا تشك فيه، وهذا هو العمدة في الورع، والأمر فيه للاستحباب. (إنما نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن المصفرة) بضم الميم وإسكان الصاد المهملة وفتح الفاء المخففة وتخفيف الراء (¬2)، وفي رواية لغير المصنف: المصفورة (¬3). وإن رويت: المصفَرَّة بتشديد الراء فهو للتكثير وهي المهزولة لخلوها من السمن، وقيل: هي المستأصلة الأذن؛ سميت بذلك لأن صماخيها صفرًا من الأذن، أي: خلوا، يقال: صفر الإناء إذا خلا، وأصفرته إذا أخليته. قال الأزهري: رواه شمر بالغين وفسره على ما في الحديث. قال الزمخشري: هي من أصفره إذا أخلاه الصفار (¬4) وفي الحديث: أصفر البيوت من الخير الصفر من كتاب الله (¬5). (والمستأصلة) وهي التي أخذ قرنها من أصله، وقيل: هو من الأصيلة بمعنى الهلاك (¬6). فيه النهي عن الأضحية بمقطوعة الأذن، وبه قال مالك وعطاء (¬7)، أن القرن إذا ذهب كله لم تجز إذا أدمي القرن. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2518)، والنسائي 8/ 230 و 8/ 327. (¬2) أقحم هنا في الأصلين: وهي. ولا مفهوم لها. (¬3) في (ر): الصفرة. (¬4) "الفائق" 2/ 303. (¬5) أخرجه الدارمي (3494)، وعبد الرزاق 3/ 368 موقوفًا، على ابن مسعود. (¬6) "النهاية" لابن الأثير 1/ 121. (¬7) انظر: "المفهم" للقرطبي 17/ 69.

قال الماوردي (¬1): العجب أن مالكًا منع مكسور القرن، وجوز مقطوع الأذن وهو غير مأكول و [الأذن مأكولة] (¬2). وقال القفال: إن أثر مكسور القرن في اللحم لم تجز؛ لأنه كالجرب وفهم من عدم جواز المأخوذ قرنها أن الجماء التي لم يخلق لها قرن تجوز، فإن الأجم حسن الخلقة، وليس بمرض ولا عيب، إلا أن الأفضل ما كان له قرن فقد تقدم تضحية النبي -صلى الله عليه وسلم- بكبش أقرن (¬3) (والبخقاء) بفتح الباء الموحدة وإسكان الخاء المعجمة وتخفيف القاف مع المد، وسيأتي في كلام المصنف تفسيرها (والمشيعة) بضم الميم وفتح الشين المعجمة وكسر المثناة تحت، وسيأتي تفسيرها (والكسراء) بفتح الكاف والمد (والمصفرة) بتخفيف الراء كما تقدم، وهي (التي تستأصل) أي يؤخذ جميع (أذنها حتى يبدو) بفتح الواو بلا همز، أي: يظهر (صماخها) والصماخ هو الجوف الذي يفضي إلى الرأس، وهو السمع، وتبدل السين صادًا (والمستأصلة التي أخذ قرنها من أصله) كما تقدم (والبخقاء التي تبخق عينها) وبخق العين فقؤها، وفي الحديث: في العين القائمة إذا بخقت مائة دينار (¬4). أراد: إذا كانت العين صحيحة الصورة قائمة في موضعها إلا أن صاحبها لا يبصر بها ثم بخقت بعد ففيها مائة دينار، وقيل: البخق أن يذهب البصر وتبقى ¬

_ (¬1) "الحاوي" للماوردي 15/ 189. (¬2) في (ر) الآن مأكول. (¬3) انظر: "المجموع" للنووي 8/ 402. (¬4) رواه البيهقي في "السنن الكبرى" 8/ 98 ... . عن سليمان بن يسار أن زيد بن ثابت قضى في العين القائمة ...

العين قائمة منفتحة، ومنه حديث عبد الملك بن عمير يصف الأحنف (¬1): كان ناتئ الوجنة باخق العين (¬2). (والمشيعة) بتشديد الياء المثناة تحت، وهي (التي لا تتبع الغنم عجفًا) بفتح العين وسكون الجيم مفعول لأجله، أي: لأجل عجفها لا تلحق الغنم، فهي أبدًا تشيعها، أي تمشي وراءها، قال في "النهاية": كذا إن كسرت الياء وإن فتحتها فلأنها تحتاج إلى من يشيعها، أي: يسوقها لتأخرها عن الغنم (¬3) (وضعفا) بفتح الضاد، ويجوز الضم (والكسراء) بفتح الكاف كما تقدم، هي (الكسيرة) يعني المكسورة الرجل كما تقدم. [2804] (حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي) [ينسب إلى جده] (¬4)، فقيل: والد علي وعبد الله شيخ البخاري (حدثنا زهير) بن معاوية بن خديج (حدثنا أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن شريح) مصغر بمهملة آخره (بن النعمان) الصائدي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬5) (وكان رجل صدق) بالإضافة أضيف إلى الصدق لحسن حاله، مثل: {مَقْعَدِ صِدْقٍ} (¬6) (عن علي -رضي الله عنه- قال: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نستشرف (¬7) العين والأذن) أي: نطلب ونتأمل سلامتهما من الآفة ¬

_ (¬1) في (ر): الأخرى. (¬2) انظر: "النهاية" لابن الأثير 1/ 259. (¬3) "النهاية" لابن الأثير 2/ 1269. (¬4) في (ر): نسب لجده. (¬5) "الثقات" 4/ 353. (¬6) القمر: 55. (¬7) في (ر): نسترق.

التي تكون فيهما، وقيل: هو من الشرفة وهي خيار المال، أي: أمرنا أن نطلب خيارها، والأول أصوب، وهو أن ينظر في الأذن والعين اللتين هما محل العيب أن لا يكون فيهما نقص ولا عيب، وقيل: هو أن يضحي بواسع العينين طويل الأذنين، ومن الأول حديث أبي عبيدة قال لعمر لما قدم الشام وخرج أهله يستقبلونه: ما يسرني أن أهل البلد استشرفوني (¬1). أي: خرجوا للقاء يتأملوني. (و) أن (لا نضحي) منصوب بأن المقدرة (بعوراء) بين عورها (ولا مقابلة) بفتح الباء الموحدة، وسيأتي تفسيرها (ولا مدابرة) بفتح الباء أيضًا (ولا خرقاء) بفتح الخاء المعجمة والقاف مع المد كما سيأتي (ولا شرقاء) بفتح الشين المعجمة والقاف مع المد. (قال زهير) بن معاوية أحد الرواة: (فقلت لأبي إسحاق) السبيعي: (أذكر) علي -رضي الله عنه- فيها (عضباء؟ ) بفتح المهملة وسكون الضاد المعجمة، وهو شق الأذن، وقد يكون كسر بعض القرن، وسيأتي تفسيره (قال: لا. قلت: فما المقابلة؟ قال: ) هو أن (يقطع) من (طرف) بفتح الراء (الأذن) شيء ثم يترك معلقًا بها كأنه زنمة في الشاة، واسم تلك السمة القبلة والإقبالة، ومنه في صفة الغيث: أرض مقبلة وأرض مدبرة. أي: قطع المطر فيها خططًا ولم يكن عامًا. (قلت: فما المدابرة؟ قال) هو أن (يقطع من مؤخر الأذن) من الشاة شيء ثم يترك معلقًا كأنه زنمة (قلت: فما الشرقاء) بفتح الشين والقاف (قال: تشق الأذن) باثنتين ¬

_ (¬1) رواه الحاكم في "المستدرك" 1/ 62.

يقال: شرق أذنها شرقا إذا شقها، وتتعدى بالحركة فيقال: شرقها شرقًا من باب قتل، قال الشيخ أبو إسحاق في المكروهات: الشرقاء التي نتقت من الكي أذنها. قال النووي: وغلطوه فيه، بل الصواب أنها المشقوقة الأذن، ثم قال: إن لم يذهب من الأذن بالشق شيء، بل شق طرفها وبقي متدليًّا لم تمنع في الأصح (¬1). وقال القفال: يمنع (¬2) (قلت: فما الخرقاء؟ قال) هي أن (تخرق) بفتح التاء وكسر الراء (أذنها للسمة) بكسر المهملة يعني الكي، والسمة في اللغة العلامة ومعنى تخرق يثقب الكي في أذنها ثقبًا مستديرًا، قال الشيخ أبو إسحاق في "المهذب" (¬3): الخرقاء التي شق أذنها [بالطول، قال النووي: والصواب أن الخرقاء بالمد هي التي في أذنها ثقب مستدير] (¬4)، وقد استدل بهذا الحديث على أحد الوجهين الشافعي أن الشرقاء والخرقاء لا يضحى بهما؛ لأنها إذا خرقت أو شقت تصلب الموضع فلا تقدر على أكله بعد أن كان مأكولًا ومال إليه في "المطلب"؛ لأن القياس لا يقاوم الخبر الصحيح الصريح، قال: ولهذا لم يذكر الغزالي في "الخلاصة" سواه وكذا صاحب "الكافي"، وقصة كلام "البحر" أنه قول قديم للشافعي، وادعى الإمام أن هذا الحديث موقوف على علي (¬5)، وذكره الدارقطني في "العلل الكبير"، ¬

_ (¬1) "المجموع" للنووي 8/ 400. (¬2) "حلية العلماء" للقفال 3/ 323. (¬3) "المهذب" ص 239. (¬4) من (ل). (¬5) "نهاية المطلب" 18/ 168، "الخلاصة" للغزالي (ص 642).

وقال: إنه الصواب (¬1). [2805] (حدثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي الفراهيدي (حدثنا هشام ابن أبي عبد الله الدستوائي [ويقال له: هشام بن سنبر] (¬2)، عن قتادة، عن جري) بضم الجيم وفتح الراء وتشديد الياء، تصغير جرو (بن كليب) السدوسي البصري، مقبول (¬3)، وسيأتي (عن علي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يضحى بعضباء) بفتح العين وسكون الضاد المعجمة وتخفيف الموحدة مع المد، أي: مشقوقة (الأذن و) مكسورة (القرن) قال في "النهاية": والعضب في القرن الكسر (¬4). والعضباء علم على ناقة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم تكن مشقوقة الأذن. وقال بعضهم: كانت مشقوقة الأذن والأول أكثر، قال الزمخشري: هو منقول من قولهم: ناقة عضباء وهي القصيرة اليد (¬5). وقال الشيخ أبو إسحاق: العضباء التي انكسر قرنها (¬6). قال النووي: تجزئ التي لا قرن لها، وكذا مكسورة القرن سواء؛ أدمي قرنها أو لا (¬7). ¬

_ (¬1) "العلل" للدارقطني 3/ 237 س (380)، ونص كلام الدارقطني بعد ذكر الخلاف في الرفع والوقف: ويشبه أن يكون القول قول الثوري (يعني الوقف) وانظر: "العلل" لابن أبي حاتم 1/ 573 (1606). (¬2) ساقطة من الأصول، والمثبت من مطبوع "السنن". (¬3) "تقريب التهذيب" (927). (¬4) "النهاية" لابن الأثير 3/ 492. (¬5) "الفائق" للزمخشري 2/ 173. (¬6) "المهذب" ص 239. (¬7) "المجموع" 8/ 402.

قال القفال: إلا أن يؤثر ألم الانكسار في اللحم فيكون كالجرب، وذوات القرن أفضل (¬1). (قال المصنف: وجري) بن كليب (بصري) بفتح الباء على الأصح (دوسي) (¬2) بفتح الدال نسبة إلى دوس بن عدنان بن عبد الله، بطن كبير من الأزد (لم يحدث عنه إلا قتادة) ابن دعامة، وناهيك بقتادة حافظًا عالمًا بالكتاب والسنة والرواة. [2806] (حدثنا مسدد، حدثنا يحيى) بن سعيد القطان (حدثنا هشام) الدستوائي (عن قتادة قال: قلت لسعيد بن المسيب -رضي الله عنه-: ما) حد (الأعضب؟ قال: ) هي التي ذهب من قرنها (النصف فما فوقه) لفظ النسائي (¬3): النصف وأكثر من ذلك. وأوله: سمعت عليًّا يقول: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نضحي بأعضب القرن. ومذهب الشافعي: لا يضر فقد القرون خلقه أو لعارض؛ إذ لا يتعلق به كثير غرض، ويجزئ مكسور القرن ولو أدمي (¬4). وحديث العضباء محمول على أنه يستحب أن لا تكون عضباء ولا مكسورة القرن. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع" 8/ 402. (¬2) هكذا في الأصلين الدوسي، وعليه شرح هذِه النسبة، وإنما هو سدوسي، والسين المهملة قبل الدال المهملة ثم الواو الياء آخر الحروف. (¬3) "سنن النسائي" 7/ 217. (¬4) "الأم" 2/ 223.

7 - باب في البقر والجزور، عن كم تجزئ

7 - باب في البقَر والجَزورِ، عنْ كَمْ تجْزِئ 2807 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حدثنا هُشَيْمُ، حدثنا عَبْدُ المَلِكِ، عَنْ عَطاءٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قال: كنّا نَتَمَتَّعُ في عَهْدِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- نَذْبَحُ البَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، والجَزُورَ عَنْ سَبْعَةٍ نَشْتَرِكُ فِيها (¬1). 2808 - حدثنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حدثنا حَمّادُ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ عَطاءٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ النَّبيَ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "البَقَرَةً عَنْ سَبْعَةٍ، والجَزُورُ عَنْ سَبْعَةٍ" (¬2). 2809 - حدثنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبى الزّبَيْرِ المَكّيِّ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أنَّهُ قال: نَحَرْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِالحدَيْبِيَةِ البَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، والبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ (¬3). * * * باب في البقرة والجزور عن كم تجزئ [2807] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا هشيم) بن بشير السلمي (حدثنا عبد الملك) بن عبد العزيز بن جريج. (عن عطاء، عن جابر [بن عبد الله]) (¬4) رضي الله عنهما قال: (كنا نتمتع في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) لفظ النسائي (¬5): كنا نتمتع مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. ولفظ مسلم (¬6): كنا نتمتع مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالعمرة فنذبح البقرة ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1318). (¬2) السابق. (¬3) السابق. (¬4) ساقطة من الأصول، والمثبت من مطبوع "السنن". (¬5) (4405). (¬6) (1318/ 355).

عن سبعة. قال النووي: فيه دليل للمذهب الصحيح عند الأصوليين أن لفظة كان لا تقتضي التكرار؛ لأن إحرامهم بالتمتع بالعمرة إلى الحج مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما وجد مرة واحدة وهي حجة الوداع (¬1)، وفي رواية المصنف سلامة من الحذف المقدر في رواية مسلم؛ فإن مع فيها متعلق (¬2) بمحذوف تقديره كائنين مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا يصح أن يكون متعلقا (¬3) باشتركنا؛ لأنه كان يلزم منه أن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- واحدًا من سبعة يشتركون في بدنة، وأنهم شاركوه في هديه، والنقل الصحيح بخلاف ذلك في حديث جابر وغيره، وإنما أمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يجتمع السبعة في الهدي في بدنتهم، وأحاديث جابر مصرحة بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرهم بذلك في الحديبية، وفي حجة الوداع. وبهذه (¬4) الأحاديث تمسك الجمهور من السلف وغيرهم على جواز الاشتراك في الهدي، وممن قال بهذا: ابن عمر وأنس وعطاء والحسن وطاوس والثوري والأوزاعي والشافعي ومالك وأحمد وأبو ثور وأصحاب الرأي، حكاه ابن المنذر، قال: روينا عن ابن عباس أنه قال: البدنة عن سبعة (¬5). وإن تمتعوا (نذبح) بفتح النون والموحدة (البقرة عن سبعة نشترك فيها) أخرجه النسائي (¬6). ¬

_ (¬1) "شرح مسلم" للنووي 9/ 69. (¬2) من (ل). (¬3) في الأصول: متعلق. والمثبت الصواب. (¬4) في الأصلين: هذا. والتصويب من "المفهم" 10/ 134. (¬5) انظر: "المفهم" للقرطبي 10/ 134. (¬6) "السنن الكبرى" (4405).

فيه دليل لجواز الاشتراك في الهدي [وفي معناه الأضحية كما سيأتي، وفي المسألة خلاف بين العلماء فمذهب الشافعي جواز الاشتراك في الهدي] (¬1)، سواء كان تطوعًا أو واجبًا، وسواء كانوا كلهم متقربين أو بعضهم يريد القربة وبعضهم يريد اللحم لهذِه الأحاديث، وبهذا قال أحمد وجمهور العلماء. وقال داود وبعض المالكية: يجوز الاشتراك في هدي التطوع دون الواجب. وقال مالك: لا يجوز مطلقًا. قال القرطبي: ومستند مالك قول الله تعالى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}، وأقل ما ينطلق عليه الاسم: شاة، ولم يقل فيه أحد: هو جزء مسمى من اللحم، وقوله تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (¬2)، وفسر النبي -صلى الله عليه وسلم- النسك بشاة في حديث كعب بن عجرة، فكان ذلك أقل ما ينطلق عليه الاسم، فكان هو المتعين، ولأنهم اتفقوا على أنه لا يجوز في الهدايا المريض البين المرض، ولا المعيب بنقص عضو، وإذا كان ذلك مع صدق الاسم عليه فأحرى وأولى لا يجوز جزء من اللحم، واعتذر عن حديث جابر أن ذلك كان في التطوع وهو مستند أحد القولين، وليس بالمشهور عن مالك، وبأن تلك الأحاديث ليس فيها تصريح بالاشتراك بالثمن، فلعله قصد التشريك في الثواب أو التشريك في قسمة البقرة (¬3). [2808] (حدثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (حدثنا حماد) بن ¬

_ (¬1) من (ل). (¬2) البقرة: 196. (¬3) "المفهم" 10/ 135.

سلمة. (عن قيس) بن سعد المكي، أخرج له مسلم. (عن عطاء، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال) تجزئ (البقرة عن سبعة، والجزور) مشتق من الجزر وهو القطع، وسمي مقطعه جزارًا، والجزور من الإبل خاصة يطلق على الذكر والأنثى (¬1). (عن سبعة) فيه دليل على أنه يجوز أن يشترك السبعة في التضحية بالجزور والبقرة واجبًا كان أو تطوعًا سواء كانوا كلهم متقربين أو بعضهم يريد القربة وبعضهم يريد اللحم، وبهذا قال الشافعي ومالك (¬2) وأحمد. وقال أبو حنيفة: يجوز للمتقربين ولا يجوز إذا كان بعضهم غير متقرب فلا يجوز أن يحيل نية القربة فيه (¬3). ودليلنا على أبي حنيفة أن الجزء المجزئ لا ينقص بإرادة الشريك غير القربة فجاز، كما لو اختلفت جهات القرب فأراد بعضهم المتعة وبعضهم القرآن. [2809] (حدثنا) عبد الله بن مسلمة (القعنبي، عن مالك، عن أبي الزبير) محمد بن مسلم (المكي، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" 3/ 534، "عمدة القاري" 3/ 172، "النهاية" 1/ 742. (¬2) ما نقله عن مالك هنا هو أحد الروايتين عنه. وهذا الكلام منفول عن "المغني" تحت المسألة رقم (1768). (¬3) انظر: "تحفة الفقهاء" 3/ 85.

قال: نحرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحديبية) بتخفيف الياء الثانية، قيل: من الحرم. وقيل: بعضها من الحل. بينها وبين المدينة تسع مراحل، سميت ببئر عند مسجد الشجرة (¬1)، قال عياض: هذِه الهدايا التي بالحديبية كانت معهم قبل الحصر مشعرة مقلدة، وتلك لا تجزئ عن هدي يجب (¬2). وتأول بعضهم أن هذِه الهدايا دفعها لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وشركهم فيها، كما ضحى عن أمته (البدنة) مأخوذة من البدانة وهي عظم الجسم (عن سبعة، والبقرة عن سبعة) قال عياض: هو محمول على أنه هدي تطوع؛ لأن المحصر بعدُوٍّ إذا حل هل عليه هدي أم لا؟ فيه قولان. قال: والمشهور أن لا هدي عليه (¬3). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "معجم البلدان" 2/ 229. (¬2) "إكمال المعلم" 4/ 208. (¬3) "إكمال المعلم " 4/ 207.

8 - باب في الشاة يضحى بها عن جماعة

8 - باب في الشّاةِ يضَحَّى بِها عَنْ جَماعَة 2810 - حدثنا قتَيْبَة بْن سَعِيدٍ، حدثنا يَعْقُوب -يَعْني الإِسْكَنْدَرانَّي- عَنْ عَمْرٍو، عَنِ المُطَّلِبِ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قال: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الأضحَى بِالمصَلَّى فَلَمّا قَضَى خطْبَتَهُ نَزَلَ مِنْ مِنْبَرِه، وَأتَى بِكَبْشٍ فَذَبَحَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِيَدِهِ وقالَ: "بِسْمِ اللهِ والله أَكْبَرُ هذا عَنّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتي" (¬1). * * * باب في الشاة يضحى بها عن جماعة [2801] (حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا يعقوب) بن عبد الرحمن القاري (يعني: الإسكندراني) بكسر الهمزة وفتح الكاف، نسب إلى الإسكندرية؛ لأنه نزل بها، وهي بلدة على طرف بلد المغرب من آخر ديار مصر بناها ذو القرنين الإسكندر (¬2)، وهو مدني، أخرج ليعقوب الشيخان (عن عمرو) بن أبي عمرو مولى المطلب (عن المطلب) بن عبد الله بن حنطب المخزومي، قال أبو زرعة: ثقة لم يسمع من جابر ابن عبد الله (¬3) (عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الأضحى بالمصلى) أي: في المصلى، فيه أن السنة في صلاة العيد أن يفعل في المصلى؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يخرج ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1521)، وأحمد 3/ 356، 362. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2501). (¬2) انظر: "الأنساب" للسمعاني 1/ 150. (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 28/ 83، "تهذيب التهذيب" 10/ 161.

إلى المصلى ويدع مسجده، وكذلك الخلفاء بعده ولا يترك [النبي -صلى الله عليه وسلم- الأفضل مع قربه ويتكلف فعل الناقص مع بعده ويترك] (¬1) شرف مسجده ويصلي في المصلى، والصحيح عند الشافعي أن فعلها في المسجد أفضل عند اتساعه، وإنما خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الصحراء لضيق المسجد (¬2). (فلما قضى خطبته) بعد الصلاة (نزل من منبره) بكسر الميم، فيه أن السنة أن يخطب على منبر أو مرتفع يقوم مقامه (وأتي بكبش فذبحه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده) فيه فضيلة [ذبح] الأضحية بنفسه ولا يوكل إلا لحاجة (وقال: باسم الله والله أكبر) فضيلة التكبير عند الذبح ويكون بعد التسمية كما تقدم، اللهم (هذا عني وعمن لم يضح من أمتي) وفي رواية: ... (¬3). عمن وحدك من أمتي (¬4). قال الرافعي: الشاة الواحدة لا يضحى بها إلا عن واحد، فإذا ضحى بها واحد من أهل البيت تأدى الشعار والسنة لجميعهم (¬5)، وحمل جماعة هذا الحديث على حصول الإشراك في الثواب لا في الأضحية. * * * ¬

_ (¬1) من (ل). (¬2) انظر: "فتح الباري" 2/ 450. (¬3) هنا بياض في (ل)، و (ر)، ولعلها جملة من الحديث قبل هذِه وهي: بسم الله اللهم منك ولك. (¬4) أخرجه الطبراني في "الأوسط" 3/ 319 وأبو يعلى في "مسنده" (3118). (¬5) "الشرح الكبير" 8/ 384.

9 - باب الإمام يذبح بالمصلى

9 - باب الإِمامِ يَذْبَحُ بِالمُصَلَّى 2811 - حدثنا عُثْمان بْن أَبي شَيْبَةَ، أَنَّ أَبا أسامَةَ حَدَّثَهُمْ، عَنْ أُسامَةَ، عَنْ نافِع، عَنِ ابن عُمَرَ، أَنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم-! كانَ يَذْبَحُ أضْحِيَتَهُ بِالمصَلَّى، وَكانَ ابن عُمَرَ يَفْعَلُهُ (¬1). * * * باب الإمام يذبح بالمصلى [2811] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، أن أبا أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (حدثهم، عن أسامة) بن زيد الليثي مولاهم (عن نافع، عن ابن عمر) رضي الله عنهما: (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يذبح أضحيته بالمصلى) فيه دلالة على ما قال أصحابنا: أن الماوردي ذكر أنه يختار للإمام أن يضحي للمسلمين كافة من بيت المال بيديه في المصلى، فإن لم يتيسر فبشاة، وأن ينحرها بيده، وإن ضحى من ماله ضحى حيث شاء (¬2)، ولفظ البخاري: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يذبح وينحر بالمصلى (¬3). قال المهلب: إنما يذبح الإمام في المصلى ليراه الناس فيذبحون على يقين بعد ذبحه ويشاهدون صفة ذبحه فإنه مما يحتاج فيه إلى العيان، وليبادر الذبح بعد الصلاة، كما قال في الخطبة: "أول ما نبدأ به أن نصلي ثم ننصرف فننحر" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (982، 5552). (¬2) "الحاوي" للماوردي 15/ 286. (¬3) "صحيح البخاري" (5552). (¬4) رواه البخاري (951، 965، 968)، ومسلم (1961) من حديث البراء بن عازب.

قال مالك: إنما يذبح الإمام في المصلى لئلا يذبح أحد قبله (¬1). (وكان ابن عمر يفعله) لفظ البخاري: كان عبد الله ينحر في المنحر، قال عبيد الله: يعني منحر النبي -صلى الله عليه وسلم- (¬2) انتهى. وعبيد الله هذا هو الراوي عن نافع. قال ابن بطال: وعلى ذلك جرى العمل في أمصار المسلمين، ولم ير ذلك مالك لغير الإمام (¬3). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 6/ 17، "فتح الباري" 10/ 9. (¬2) البخاري (1710). (¬3) "شرح صحيح البخاري" 6/ 17.

10 - باب في حبس لحوم الأضاحي

10 - باب في حَبْسِ لُحُومِ الأَضاحي 2812 - حدثنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِك، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي بَكْرِ، عَنْ عَمْرَةِ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قالَتْ: سَمِعْت عائِشَةَ تَقُول: دَفَّ ناسٌ مِنْ أَهْلِ البادِيَةِ حَضْرَةَ الأضْحَى في زَمانِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقالَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "ادَّخِرُوا الثّلثَ وَتَصَدَّقُوا بِما بَقيَ". قالَتْ: فَلَمّا كانَ بَعْدَ ذَلِكَ قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: يا رَسُوِلَ اللهِ لَقَدْ كانَ النّاسُ يَنْتَفِعُونَ مِنْ ضَحاياهُمْ وَيَجمُلُونَ مِنْها الوَدْكَ وَيتَّخِذُونَ مِنْها الأسْقِيَةَ. فَقالَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "وَما ذاكَ" أَوْ كَما قالَ. قالوا: يا رَسُولَ اللهِ نَهَيْتَ عَنْ إِمْساكِ لحُومِ الضَّحايا بَعْدَ ثَلاثٍ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّما نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدّافَّةِ التي دَفَّتْ عَلَيْكُمْ فَكُلُوا وَتَصَدَّقُوا وادَّخِرُوا" (¬1). 2813 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعِ، حدثنا خالِدٌ الحَذّاءُ، عَنْ أَبي المَلِيحِ، عَنْ نُبَيْشَةَ قال: قال رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنّا كُنّا نَهَيْناكُمْ عَنْ لُحُومِها أَنْ تَأْكُلُوها فَوْقَ ثَلاثٍ لِكَي تَسَعَكُمْ فَقَدْ جاءَ اللهُ بِالسَّعَةِ فَكُلُوا وادَّخِرُوا واتَّجِرُوا، أَلا وَإِنَّ هذِه الأيّامَ أَيّامُ اَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللهِ -عز وجل- " (¬2). * * * باب في حبس لحوم الأضاحي [2812] (حدثنا) عبد الله بن مسلمة (القعنبي، عن مالك، عن عبد الله ابن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم. (عن عمرة بنت عبد الرحمن) بن سعد بن زرارة، من فقهاء التابعين ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1971). (¬2) رواه الترمذي (1501)، والنسائي 7/ 170، وابن ماجه (3160)، وأحمد 5/ 75، 76. وحسنه ابن الملقن في "البدر المنير" 9/ 325، وصححه الألباني في "صحيح أبي دا ود" (2504)، وفي "الصحيحة" (1713).

(قالت: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: دف) بفتح الدال المهملة وتشديد الفاء، الدفيف هو السير الخفي اللين، والدافة: القوم يسيرون جماعة سيرًا ليس بالشديد، يقال: هم يدفون دفيفًا (ناس) لفظ مسلم: دف أهل أبيات (¬1) (من أهل البادية) هم على (¬2) خلاف أهل الحاضرة (حضرة) قال (¬3) القرطبي: الرواية المعروفة بسكون الضاد، وهو منصوب على الظرفية، أي: زمن حضور الأضحى (¬4). قال المنذري: بفتح الحاء المهملة وسكون المعجمة، هكذا رواه الأكثر (الأضحى) ومشاهدته، قال: وقيده بعضهم (¬5) حضرَه بفتح الضاد، والمعنى واحد (¬6)، وفي "الصحاح" (¬7): يقال: كلمته بحضرة فلان وبمحضرته، أي: بمشهده، وحكي يعقوب: كلمته بحضر (¬8) فلان بالتحريك من غير هاء، وكلمته بحضرة فلان (في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ادخروا لثلاث أيام) من لحوم الأضاحي، وأصله ثلاثة أيام كما تقدم في رواية أبي سعيد (¬9) (وتصدقوا بما بقي) منها. ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1971). (¬2) زيادة من (ر). (¬3) ساقطة من الأصول، والسياق يقتضيها. (¬4) هكذا في (ل)، وفي (ر): المضحى. (¬5) هو: أبو علي حسين بن محمد الغساني الجياني -بفتح الجيم، وتشديد الياء- (ت 498 هـ). انظر: "مشارق الأنوار على صحاح الآثار" للقاضي عياض 1/ 207. (¬6) قال النووي: وهو ضعيف. انظر: "شرح النووي على مسلم" 13/ 130. (¬7) "الصحاح" للجوهري 2/ 195. (¬8) في (ر): بحضرة فلان. وهو خطأ. (¬9) رواية أبي سعيد المشار إليها أخرجها مسلم (1973).

قال المنذري: ذهب قوم إلى تحريم إمساك لحوم الأضاحي والأكل منها بعد ثلاثة أيام ليتسع أهل الأبيات الذين نزلوا عليهم بذلك، ويحتمل أن يكون النهي نهي تنزيه لأجل مواساة إخوانهم القادمين. (قالت: فلما كان بعد ذلك) يعني بعد الأيام الثلاثة (قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله، لقد كان الناس ينتفعون من ضحاياهم) أي: بضحاياهم من الأكل وغيره (ويجملون) بفتح الياء مع كسر الميم وضمها. قال النووي: ويقال بضم الياء مع كسر الميم، يقال: جملت الذهب أجمله بكسر الميم (¬1) وأجمله بضمها جملًا، وأجملته إجمالًا أي أذبته، وهو بالجيم (¬2). قال القرطبي: أجملته قليل (¬3) (منها) كذا الرواية للمصنف والنسائي (¬4)، وروا ية مسلم: فيها (الودك) وهو الشحم، وفي "النهاية" (¬5): هو دسم اللحم ودهنه الذي يستخرج منه، و (¬6) يؤخذ منه جواز إذابة الألية مع اللحم ووضعها في البيت ليؤكل في بسط السنة، ويدل قوله: (ادخروا) لهذا (¬7) (ويتخذون منها الأسقية) جمع سقاء ¬

_ (¬1) من (ل). (¬2) "شرح مسلم" للنووي 13/ 131. (¬3) "المفهم" 5/ 378. (¬4) "سنن النسائي" (4431). (¬5) "النهاية" 5/ 368. (¬6) في (ل): وقد. (¬7) في (ر): ادخروا له هذا.

كأخبية جمع خباء وهو ظرف الماء من الجلد، ومنه حديث عمر أنه قال لمحرم قتل ظبيًا: خذ شاة من العنز فتصدق بلحمها واسق إهابها (¬1). أي: أعط إهابها لمن يتخذه سقاء (فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: وما ذاك؟ أو كما قال) فيه تحرز الراوي في نقل ألفاظ الحديث دون المعنى، فإن شك في مخالفة شيء من ألفاظه فليقل بعده: أو كما قال: وليست هذِه في مسلم. (قالوا: يا رسول الله نهيت عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث) ولمسلم: نهيت أن تؤكل لحوم الضحايا بعد ثلاث (¬2). وفي رواية لمسلم: "من ضحى منكم فلا يصبحن في بيته بعد ثالثة شيء"، فلما كان في العام المقبل قالوا: يا رسول الله نفعل كما فعلنا عام أول؟ قال: "لا، إن ذاك كان عام جهد فأردت [أن يفشو فيهم"] (¬3) (فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنما نهيتكم من أجل) هذا تصريح بعلة النهي (الدافة) بتشديد الفاء، أي: لأجل أهل البادية الذين هجروا بلادهم لضعفهم وجاؤوا إليكم من الحاجة والجوع (¬4) (التي دفت) أي: دفتهم وألجأتهم إلى أن يسيروا (¬5) إليكم سيرًا ضعيفًا، يريد أنهم قوم من الأعراب ¬

_ (¬1) أخرجه عبد الرزاق 4/ 407، (824)، والبيهقي 5/ 181. (¬2) "صحيح مسلم" (1971). (¬3) في (ر): مستوفيهم. وفي (ل): يفشو فيهم. بدون: أن. والذي أثبته من "صحيح مسلم" فعنه نقل المصنف، قال النووي 13/ 133: فأردت أن يفشو فيهم. هكذا هو في جميع نسخ مسلم: يفشو بالفاء والشين، أي: يشيع لحم الأضاحي في الناس وينتفع به المحتاجون. (¬4) انظر: "إكمال المعلم" 6/ 217، "النهاية" 2/ 291، "شرح مسلم" 13/ 130، "عمدة القاري" 10/ 57، 21/ 160. (¬5) في الأصول: يسيرون. والجادة المثبت.

قدموا المدينة في عيد الأضحى من الجهد الذي حصل لهم في بلادهم لعلمهم أن عيد الأضحى يكثر فيه اللحم (فكلوا) من أضحيتكم البعض (وتصدقوا) على هؤلاء المحاويج الذين جاؤوا إليكم (وادخروا) لما ارتفعت العلة من الادخار ارتفع المنع المتقدم لارتفاع موجبه، لا لأنه منسوخ. قال القرطبي: وهذا يبطل قول من قال: إن ذلك المنع إنما ارتفع بالنسخ، ولا يقال: إنه قوله: (ادخروا) رفع لحكم الخطاب الأول، وهذا هو حقيقة النسخ؛ لأنا نقول: لعمر الله هذا ظاهر هذا الحديث مع أنه يحتمل أن يكون ارتفاعه بأمر آخر غير النسخ، فلو لم يرد لنا نص بأن المنع من الادخار ارتفع لارتفاع علته لما عدلنا عن ذلك الظاهر وقلنا هو نسخ، كما قلناه في زيارة القبور وفي الانتباذ (¬1) في الحنتم المذكورين معه في حديث بريدة (¬2)، لكن الذي في حديث عائشة هذا ثبَّت في التعليل: أن ذلك الرفع ليس للنسخ، بل لعدم العلة، فيؤثر ترك ذلك الظاهر والآخر لذلك الاحتمال لقصد النص. والفرق بين رفع الحكم بالنسخ ورفعه لارتفاع علته [أن المرفوع بالنسخ لا يحكم به أبدًا، والمرفوع لارتفاع علته] (¬3) يعود الحكم لعود العلة، فلو قدم على أهل بلد ناس محتاجون في زمان الأضحى ولم يكن عند أهل ذلك البلد سعة يسدون بها فاقتهم إلا الضحايا لتعين ¬

_ (¬1) في الأصول: الانقياد. والمثبت من "المفهم" 5/ 378. (¬2) أخرجه مسلم (977). (¬3) سقط من (ر).

عليهم أن لا يدخروا فوق ثلاث، كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- (¬1). [2813] (حدثنا مسدد، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا خالد الحذاء) ولم يكن حذاءً، لكنه لما كان يجلس نسب إليه (¬2) (عن أبي المليح) بفتح الميم، عامر بن أسامة. (عن نبيشة) بضم النون وفتح الموحدة والشين مصغر، ويعرف بنبيشة الخير، وهو ابن عمرو بن عوف الهذلي أبو طريف، نزل البصرة (قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنا كنا نهيناكم) في الأضاحي. (عن لحومها) وشحومها (أن تأكلوها) أي: تأكلوا منها (فوق ثلاث) لفظ ابن ماجه: "عن لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام" (¬3) (لكي يسعكم) لكي: [اللام للتعليل، وكي بمعنى أن الناصبة للفعل؛ فإن كي لو كانت للتعليل لم يدخل عليها حرف تعليل أقوى منها] (¬4) (يسعكم) بفتح التحتانية والمهملة وإياهم الضحايا، وفي الحديث: "إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم" (¬5). يعني: إن لم تتسع أموالكم لعطائهم فوسعوا أخلاقكم لصحبتهم، وفي رواية النسائي: أصاب ¬

_ (¬1) "المفهم" 5/ 378 - 379. (¬2) هكذا في الأصلين، والذي في "الثقات" لابن حبان 6/ 253: كان يجلس إلى الحذائين فنسب إليهم ولم يكن بحذاء. ونحوه في سائر كتب التراجم وهو الظاهر صوابه. انظر: "الطبقات الكبرى" 7/ 259، "تهذيب التهذيب" 3/ 104. (¬3) زيادة من (ل)، "سنن ابن ماجه" (3160). (¬4) سقط من (ل). (¬5) أخرجه أبو يعلى (6550)، والحاكم في "المستدرك"1/ 124، والبيهقي في "شعب الإيمان" 6/ 253 (8054) من حديث أبي هريرة. وانظر: "الضعيفة" (634).

الناس شدة، فأحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يطعم الغني الفقير (¬1). (فقد (¬2) جاء الله) تعالى، فيه حذف قبله، والتقدير: نهيناكم عن الأكل لتتسعوا، والحال أن الاتساع حصل ومن مجيء حذف واو الحال قولهم: نصف النهار الماء غامر، أي: انتصفنا النهار والحال أن الماء غامر لمن يغوص فيه إذا أراد (بالسعة) من الرزق، قال تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} (¬3)، {وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ} (¬4)، وإذا وسع الله فوسعوا على المحتاجين (فكلوا) الآن منها (وادخروا) وروى النسائي عن عائشة قالت: كنا نخبئ الكراع لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- شهرًا ثم يأكله (¬5) (واتجروا) كذا رواية أحمد (¬6). قال الرافعي: ائتجروا، أي: اطلبوا الأجر بالصدقة (¬7)، فجعله (¬8) بالهمز؛ لأنه من الأجر (¬9) مثل ائتمروا من الأمر. وقال ابن الصلاح: بوزن اتخِذوا الأجر وهو بمعنى ائتجروا بالهمز، كقولك في الإزار: ائتزر واتزر، وأنكر ابن الأثير أن يكون من التجارة، وقال: ائتجروا، أي: تصدقوا طالبين الأجر بذلك، قال: ولا يجوز فيه ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" (4432). (¬2) ساقطة من الأصول، والمثبت من مطبوع "السنن". (¬3) الطلاق: 7. (¬4) البقرة: 247. (¬5) "سنن النسائي" (4433). (¬6) "مسند أحمد" 5/ 75. (¬7) "الشرح الكبير" 12/ 112. (¬8) في (ر): فجعل. (¬9) في (ر): الأمر.

اتجروا بالإدغام؛ لأن الهمزة لا تدغم في التاء، وإنما هو من الأجر لا التجارة، وقد أجازه الهروي في كتابه، واستشهد عليه بقوله في الحديث الآخر أن رجلًا دخل المسجد والنبي قضى صلاته فقال: "من يتجر فيقوم فيصلي معه" (¬1). ثم قال ابن الأثير: والرواية إنما هي: يأتجر (¬2)، وإن صح فيها (¬3): يتجر، فتكون من التجارة لا الأجر، كأنه بصلاته معه قد حصل لنفسه تجارة، أي: مكسبًا (¬4). ويحكي الرافعي عن الإمام: أن من قال بالتثليث، يعني تثليث الأضحية يتصدق بالثلث ويأكل الثلث ويدخر الثلث، احتج بحديث الدافة: "فكلوا وادخروا وأتجروا" فذكر ثلاث جهات، ثم قال: ولك أن تمنع كونها ثلاث جهات وتجعل الأكل والادخار جهة واحدة وتقول: إنما تعرَّض للادخار لأنهم راجعوه فيه فقال: كلوا في الحال إن شئتم وادخروا إن شئتم (¬5). (ألا وإن هذِه الأيام) بالنصب يعني: أيام العيد (أيام أكل) فيه تحريم الصوم في هذِه الأيام، والمراد بالأكل أكل لحوم الأضاحي (وشرب) يروى بضم الشين وفتحها وهما بمعنى، والفتح أقل اللغتين (¬6)، ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 5، والترمذي (220). وقد سبق برقم (574)، وصححه ابن خزيمة (1632)، وابن حبان (2397 - 2399)، والحاكم 1/ 209. (¬2) في (ر): تاجر. (¬3) في (ر): منها. (¬4) "النهاية" لابن الأثير 1/ 41، وانظر: "الغريبين" ص 48 - 49. (¬5) "الشرح الكبير" للرافعي 12/ 112، وانظر: "نهاية المطلب" 18/ 199. (¬6) في (ر) كلمة غير واضحة، والمثبت من (ل).

وبالضم قرأ عاصم وحمزة ونافع في قوله تعالى: {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} (¬1) يريد أنها أيام لا يجوز صومها (وذكر الله) بالجر (تعالى) فيه إشارة إلى أن الأكل في أيام الأعياد والشرب التابع له إنما يستعين به على ذكر الله تعالى وطاعته، وذلك من تمام شكر النعمة أن يستعان بها على الطاعة. وإنما نهى الله عن صيام أيام التشريق مع يوم النحر فلا تصام بمنىً ولا غيرها عند جمهور العلماء، خلافًا لعطاء في قوله: إن النهي مختص بأهل منىً. يعني نهيه حين بعث في أيام منىً مناديًا ينادي: "لا تصوموا هذِه الأيام فإنها أيام أكل وشرب وذكر الله" (¬2). وفي رواية للنسائي: أيام أكل وشرب وصلاة (¬3). وفي رواية للدارقطني: "أيام أكل وشرب وبعال" (¬4). والبعال: النكاح وملاعبة الرجل أهله (¬5). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "حجة القراءات" ص 696. (¬2) راجع "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 4/ 138، "عمدة القاري" 17/ 128. (¬3) "السنن الكبرى" للنسائي 2/ 191 (2914). (¬4) "سنن الدارقطني" 2/ 212. (¬5) "غريب الحديث" لأبي عبيد 1/ 182.

12 - باب في النهي أن تصبر البهائم والرفق بالذبيحة

12 - باب في النَّهْي أنْ تُصْبَرَ البهائِم والرِّفْق بِالذَّبِيحَةِ 2815 - حدثنا مُسْلِم بْن إِبْراهِيمَ، حدثنا شعْبَةُ، عَنْ خالِدٍ الحَذّاءِ، عَنْ أَبي قِلابَةَ، عَنْ أَبي الأشعَثِ، عَنْ شَدّادِ بْنِ أَوْسٍ قال: خَصْلَتانِ سَمِعْتهُما مِنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللهَ كتَبَ الإِحْسانَ عَلَى كُلِّ شَيء فَإِذا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا -قال: غَير مُسلِمٍ يَقولُ: - فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ، وِإذا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِح ذَبِيحَتَهُ" (¬1). 2816 - حدثنا أَبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسيُّ، حدثنا شعْبَةُ، عَنْ هِشامِ بْنِ زَيْدٍ قال: دَخَلْت مَعَ أَنَسٍ عَلَى الحَكَمِ بْنِ أَيّوبَ فَرَأى فِتْيانًا أَوْ غِلْمانًا قَدْ نَصَبُوا دَجاجَةً يَرمونَها، فَقالَ أَنَسٌ: نَهَى رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ تُصْبَرَ البَهائِم (¬2). * * * باب في الرفق بالذبيحة [2815] (حدثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي (حدثنا شعبة، عن خالد الحذاء (¬3) عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي (عن أبي الأشعث) شراحيل بن آده (¬4) الصنعاني. (عن شداد بن أوس) بن ثابت الأنصاري النجاري بن أخي حسان بن ثابت خطيب الأقصى -رضي الله عنه-. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1955). (¬2) رواه البخاري (5513)، ومسلم (1956). (¬3) ساقطة من الأصول، والمثبت من مطبوع "السنن". (¬4) شراحيل بن آده بالمد وتخفيف الدال، أبو الأشعث الصنعاني، ويقال: آده جد أبيه وهو ابن شرحبيل بن كليب، ثقة. "التقريب" (2761).

(قال: خصلتان) لفظ مسلم: ثنتان حفظتهما بكسر الفاء، كما قال تعالى {وَحَفِظْنَاهَا} (¬1) (سمعتهما من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن الله تعالى كتب الإحسان على) فعل (كل شيء) إنما أمر به وعلى بمعنى في، والإحسان هنا بمعنى الإكمال، فحق على من شرع في شيء أن يأتي على غاية كماله وآدابه المصححة والمكملة، فإذا فعل ذلك قبل عمله وكثر ثوابه (فإذا قتلتم فأحسنوا، [قال] (¬2) غير) بالرفع (مسلم) بن إبراهيم الأزدي (يقول: ) فإذا قتلتم (فأحسنوا القتلة) بكسر القاف، وهي الحالة والهيئة من القتل، يقال: قتله قتلة سوء، يعني: على هيئة قبيحة (وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح) بفتح الذال بغير هاء، وفي رواية للنسائي: "فأحسنوا الذبحة" (¬3). بكسر الذال وبالهاء، كالقبلة وهي الهيئة والحالة أيضًا. وهذا الحديث عام في كل ذبح [من الذبائح] (¬4)، وقتيل ساغ قتله من قصاص أو حد ونحو ذلك، وهو من الأحاديث الجامعة للقواعد والفوائد الكثيرة، فمن جملة الإحسان الذي كتبه الله إحسان الذبح والقتل والضرب ونحو ذلك، ومنه: (وليحد) بضم الياء، يقال: أحد السكين وحددها واستحدها بمعنىً (أحدكم) أي: كل واحد من الذابحين (شفرته) بفتح الشين، وسكون الفاء، هي السكينة العريضة، أن أنسًا كان شفرة القوم ¬

_ (¬1) الحجر: 17. (¬2) سقطت هذِه الكلمة من الأصل، وأثبتها من نسخ "السنن". (¬3) "سنن النسائي" (4405). (¬4) سقط من (ر).

في سفرهم (¬1). أي: أنه كان خادمهم الذي يخدمهم ويكفيهم مهنتهم، شبه بالشفرة؛ لأنها تمتهن في قطع اللحم وغيره (¬2) فيه استحباب تحديد السكين التي للذبح والسيف الذي يضرب به الرقاب ونصل السهام التي يرمى الصيد بها، ويدخل فيه رمي العدو بها؛ لأن الله كتب الإحسان على كل شيء، ولو من كافر وحيوان غير محترم، ومحل استحباب تحديد الشفرة إذا كانت تقطع بلا حديد، أما لو كانت تقطع إلا بشدة تحامل الذابح عليها فيحرم الذبح بها، ولا يحل المذبوح، قاله الأذرعي، والذي قاله النووي وغيره أنه لو ذبح بسكين كآلة، كره وحلت الذبيحة، ويستحب إمرار السكين بقوة وتحامل ذهابًا وإيابًا، ورأى (¬3) عمر رجلًا قد وضع رجله على شاة وهو يحد السكين فضربه حتى أفلت الشاة (¬4). (وليرح ذبيحته) بإحداد السكين وتعجيل إمرارها بقوة ليسرع موتها فتستريح من ألمه. [2816] (حدثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك (الطيالسي) نسبة إلى ¬

_ (¬1) ذكره ابن قتيبة في "غريب الحديث" 2/ 398، وابن الجوزي في "غريب الحديث" 1/ 549، وابن الأثير في "النهاية" 2/ 484. (¬2) انظر: "النهاية" لابن الأثير 3/ 370. (¬3) من (ل). (¬4) "المجموع" 9/ 81، وأخرج عبد الرزاق برقم (8605) عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين قال: رأى عمر بن الخطاب رجلًا يسحب شاة برجلها؛ ليذبحها، فقال له: "ويلك قدها إلى الموت قودا جميلا". وبرقم (8610) عن الأسلمي، عن صفوان ابن سليم قال: كان عمر بن الخطاب ينهى أن تذبح الشاة عند الشاة.

الطيالسة التي تجعل على العمائم (¬1)، أصله من فارس، وسكن البصرة (حدثنا شعبة، عن هشام بن زيد) بن أنس بن مالك (قال: دخلت مع) جدي (أنس) بن مالك -رضي الله عنه- (على الحكم بن أيوب) أمير البصرة من جهة الحجاج بن يوسف (¬2) الثقفي (فرأى فتيانًا) بكسر الفاء جمع لفتىً كأخ وإخوان (أو غلمانًا) شك من الراوي (قد نصبوا) أي رفعوا، كما تقدم في الصلاة: لا ينصب رأسه. أي: لا يرفعه (دجاجة) بفتح الدال أرجح من كسرها (يرمونها) بالنبل، ولمسلم في رواية: يترامونها (¬3). (فقال: أنس) بن مالك (نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تصبر) أي: تحبس حية لتقتل بالرمي، وأصل الصبر الحبس، وكل من حبس شيئًا عن الحركة فقد صبره، ومنه قيل للرجل يقدم فيضرب عنقه: قتل صبرًا. أي: أمسك للموت (البهائم) سميت بذلك لأنها لا تتكلم، وفي معناها الطير، قال ابن المنذر: قال أحمد وإسحاق: لا تؤكل المصبورة والمجثمة. قال غيره: لا أعلم أحدًا من العلماء أجاز أكل المصبورة، وكلهم يحرمها؛ لأنه لا ذكاة في المقدور عليه إلا في الحلق واللبة. قال المهلب: هذا إنما هو نهي عن العبث في الحيوان وتعذيبه في غير مشروع، وإنما كره العبث لحديث شداد المذكور قبله: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء". * * * ¬

_ (¬1) انظر: "الأنساب" 4/ 91. (¬2) في (ر): يونس. (¬3) "صحيح مسلم" (1958/ 59).

11 - باب في المسافر يضحي

11 - باب في المُسافِرِ يُضحِّي 2814 - حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ النُّفَيْليُّ، حدثنا حَمّادُ بْنُ خالِدٍ الخَيّاطُ قالَ: حدثنا مُعاوِيَةُ بْنُ صالِحٍ، عَنْ أَبى الزّاهِرِيَّةِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ ثَوْبانَ قال: ضَحَّى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ قالَ: "يا ثَوْبانُ أَصْلِحْ لَنا لَحْمَ هذِه الشّاةِ" قال: فَما زِلْتُ أطْعِمُهُ مِنْها حَتَّى قَدِمْنا المَدِينَةَ (¬1). * * * باب في المسافر يضحي [2814] ثنا عبد الله بن محمد النفيلي، حدثنا حماد بن خالد) البصري (الخياط) ببغداد، كان يحدث وهو يخيط، وأخرج له مسلم (حدثنا معاوية بن صالح) بن حدير (¬2) قاضي الأندلس، أخرج له مسلم [(عن أبي الزاهرية) حدير بن كريب الحمصي، أخرج له مسلم] (¬3) (عن جبير بن نفير) الحضرمي (عن ثوبان) بن بجدد (¬4) مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، نزل دمشق (قال: ضحى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زاد مسلم: في حجة الوداع (ثم قال: يا ثوبان أصلح لنا لحم هذِه الشاة) يعني: بالملح ونحوه (قال: فما زلت أطعمه) بضم الهمزة، وكسر (¬5) العين والميم ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1975). (¬2) حدير بالمهملة مصغر. "التقريب" (6762). (¬3) من (ل). وانظر: "صحيح مسلم" (1975). (¬4) ويقال: ابن جحدر. انظر: "إكمال الكمال" 1/ 210. (¬5) في (ر): وسكون.

مرفوعة (منها حتى قدمنا المدينة) (¬1). قال النووي: فيه التصريح بجواز ادخار لحم الأضحية فوق ثلاث، وجواز التزود منه، وحمله في السفر، وفيه أن الادخار والتزود لا ينافي التوكل ولا يقدح فيه في سفر ولا إقامة، ولا يخرج صاحبه عن التوكل. وفيه أن التضحية مشروعة للمسافر كما هي مشروعة للمقيم، وهذا مذهبنا، وبه قال جماهير العلماء، وقال النخعي وأبو حنيفة: لا ضحية على المسافر. وروي هذا عن علي -رضي الله عنه-، واستثنى مالك من المسافرين الحاج بمكة ومنىً فلم ير عليه أضحية (¬2). وبه قال النخعي (¬3) ويروى ذلك عن الخليفتين أبي بكر وعمر، وابن عمر (¬4) وجماعة من السلف؛ لأن الحاج إنما هو مخاطب في الأصل بالهدي، فإذا أراد أن يضحي جعله هديًا، والناس غير الحاج إنما أمروا بالأضحية ليتشبهوا بأهل منىً فيحصل لهم حظ من أجورهم. * * * ¬

_ (¬1) ورد بعدها في الأصل: وفي نسخة: حتى قدمنا المدينة. (¬2) "شرح مسلم" للنووي 13/ 134. (¬3) "التمهيد" 23/ 189. (¬4) ذكر ابن بطال خلاف هذا في "شرح صحيح البخاري" 6/ 9 فقال: ومذهب ابن عمر أن الضحية تلزم المسافر.

13 - باب في ذبائح أهل الكتاب

13 - باب في ذَبائِحِ أَهْلِ الكِتابِ 2817 - حدثنا أَحْمَدُ بْن محَمَّدِ بْنِ ثابِتٍ المَرْوَزيُّ، حَدَّثَني عَليّ بْنُ حُسَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْويِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قال: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} فَنُسِخَ واسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ فَقال: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} (¬1). 2818 - حدثنا مُحَمَّدُ بْن كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا إِسْرائِيلُ، حدثنا سِماكٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ} يَقولُونَ: ما ذَبَحَ اللهُ فَلا تَأكُلُوا وَما ذَبَحْتُمْ أَنْتُمْ فَكُلُوا. فَأَنْزَلَ اللهُ -عز وجل-: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} (¬2). 2819 - حدثنا عُثْمانُ بْن أبي شَيْبَةَ، حدثنا عِمْرانُ بْن عُيَيْنَةَ، عَنْ عطَاءِ بْنِ السّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قال: جاءَتِ اليَهُودُ إِلَى النَّبي -صلى الله عليه وسلم- فَقالُوا نَأْكل مِمّا قَتَلْنا وَلا نَأْكُل مِمّا قَتَلَ اللهُ؟ فَأَنْزَلَ الله: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ (¬3). * * * باب في ذبائح أهل الكتاب [2817] (حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت) بن شبويه (المروزي) قال ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 9/ 282. وحسن إسناده الألباني في "صحيح أبي داود" (2508). (¬2) رواه ابن ماجه (3173). وصححه الحافظ في "الفتح" 9/ 264، والألباني في "صحيح أبي داود" (2509). (¬3) رواه الترمذي (3069). قال الألباني في "صحيح أبي داود" (2510): حديث صحيح، لكن ذكر اليهود فيه منكر، والمحفوظ أنهم المشركون.

في "الكمال": قال الدارقطني: روى عنه البخاري. وكان من كبار الأئمة (¬1). (حدثني علي بن حسين) بن واقد الهروي (عن أبيه) الحسين ابن واقد المروزي (عن يزيد) من الزيادة بن أبي سعيد (النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس) رضي الله عنهما قال: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} (¬2) يعني: كلوا مما ذكي على اسم الله، وهذا جواب لقول المشركين: تأكلون مما قتلتم أنتم ولا تأكلون مما قتل الله. يعني الميتة، وما قتل الله أحق أن تأكلوه على زعمكم أنكم تعبدون الله، كما سيأتي {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} قال ابن عباس: يريد به الميتة والمنخنقة [إلى قوله: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ}، وقال الكلبي: يعني ما لم يذك أو يذبح لغير الله. ومذهب الشافعي] (¬3) أن التسمية في الذبح مستحبة. والمراد بقوله: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} الميتة كما تقدم عن ابن عباس، وهو رواية عن أحمد رحمه الله تعالى (¬4). واستدل (¬5) برواية البخاري عن عائشة: أن قومًا قالوا: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إن قومًا يأتوننا (¬6) باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 1/ 436. (¬2) الأنعام: 118. (¬3) من (ل)، وراجع الحاوي" 15/ 95. (¬4) انظر: "الإنصاف" 10/ 300. (¬5) زاد هنا في (ل): البخاري. (¬6) في (ر) يأتون باللحم.

"سموا عليه وكلوا" (¬1) (فنسخ) (¬2) الله تعالى (واستثنى من ذلك) فقال تعالى (فقال) ابن عباس: (وطعام) هو اسم لما يؤكل، مبني للمفعول، ويجوز للفاعل، والذبائح منه، وهو هنا خاص بالذبائح عند كثير من أهل العلم بالتأويل (أهل الكتاب) يعني: اليهود والنصارى. قال القرطبي: أما ما حرم علينا من طعامهم فليس بداخل تحت الخطاب في قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} يعني: ذبيحة اليهود والنصارى، وإن [كان] (¬3) النصراني يقول عند الذبح: باسم المسيح، واليهود تقول: باسم العزير. قال عطاء: كل من ذبيحة النصراني وإن قال: باسم المسيح؛ لأن الله قد أباح ذبائحهم وقد علم ما يقولون. وقال القاسم بن محمد: كل من ذبيحته وإن قال: باسم سرجس -اسم كنيسة لهم- وهو قول الزهري وربيعة والشعبي ومكحول. وروي عن صحابيين: عن أبي الدرداء وعبادة بن الصامت. وقالت طائفة: إذا سمعت الكتابي يسمي غير الله فلا تأكل. وقال بهذا من الصحابة: علي وعائشة وابن عمر، وهو قول طاوس والحسن، متمسكين بقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}. وقال مالك: أكره ذلك ولا أحرمه. ¬

_ (¬1) البخاري (2057). (¬2) في الأصل: فسبح. والصواب ما أثبتناه، والتصحيح من "سنن أبي داود" ومن "تفسير الطبري" 12/ 87، "فتح القدير" للشوكاني 2/ 228. (¬3) سقطت من الأصلين، وأثبتها من "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي ليستقيم الكلام.

وحكى المحب الطبري الاتفاق على جواز أكل ذبيحة أهل الكتاب، واستدل على أن التسمية على الذبيحة ليست بشرط؛ لأنهم لا يسمون على الذبيحة إلا الإله الذي ليس معبودًا حقيقة مثل المسيح والعزير، ولو سموا الآلهة حقيقة لم تكن تسميتهم عبادة، فالتسمية وعدمها من الكافة سواء إذا لم تتصور منه العبادة، وقد حكم الله بحل ذبائحهم مطلقًا فدل ذلك على أن التسمية لا تشترط أصلًا، كما يقوله الشافعي رحمه الله (¬1). {وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} فيه دليل على أنهم مخاطبون بتفاصيل شرعنا، أي: إذا اشتروا منا اللحم يحل لهم اللحم ويحل لنا الثمن المأخوذ منهم. [2818] (حدثنا محمد بن كثير) العبدي (أنبأنا إسرائيل، حدثنا سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ} شياطين الجن، عن ابن عباس، وعنه: أنهم اليهود، عكرمة: هم المجوس كتبوا إلى قريش: أتأكلون ما تذبحون بأيديكم دون ما ذبحه الله بسكين من ذهب {لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ} أي: يوسوس الشيطان إلى وليه من الإنس فيلقي في قلبه الجدال بالباطل، كانوا (يقولون) هذا تفسير لما يوحوه إليهم [بذبحه. رواية ابن ماجه (¬2): كانوا يقولون ما ذكر عليه اسم الله] (¬3): (ما ذبح الله فلا تأكلون، وما ذبحتم أنتم) توضحه رواية ابن ماجه: وما لم يذكر اسم الله عليه (فكلوه) إذا ذكرتم ¬

_ (¬1) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 6/ 76. (¬2) حديث (3173). (¬3) من (ل).

اسم الصنم عليه (فأنزل الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} المراد بالآية عند الشافعية: لا تأكلوا مما ذكر عليه اسم غير الله، ولهذا قال: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}، والحالة التي يكون فيها فسقًا هو الإهلال لغير الله، كما قال تعالى: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ}، والإجماع على أن من أكل ذبيحة مسلم لم يسم عليها ليس بفاسق (¬1)، وحينئذٍ فمفهوم الآية يدل على إباحة متروك التسمية، وهذا المسلك قاله الشافعي، وهو أحسن الأجوبة. [2819] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا عمران بن عيينة) الهلالي أخو سفيان صدوق (¬2) (عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاءت اليهود إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: كل مما قتلنا ولا نأكل مما قتل الله) أي: نأكل مما مات بالضرب بأيدينا، ولا نأكل ما أماته الله بلا ضرب. قال الضحاك: كانوا يضربون الأنعام بالخشب لآلهتهم حتى يقتلوها ويأكلوها (¬3). وقال قتادة: كان أهل الجاهلية يفعلون ذلك ويأكلونه (¬4) (فأنزل الله) ¬

_ (¬1) في (ر) ليس بفسق. ونقل هذا الإجماع في "المجموع" للنووي 8/ 412، "تحفة الحبيب على شرح الخطيب" 5/ 194، "حاشية الجمل على المنهج" لزكريا الأنصاري 10/ 338. (¬2) انظر: "الثقات" للعجلي (1428). وقال ابن حجر في "التقريب" (5164): صدوق له أوهام. (¬3) انظر: "تفسير الطبري" 9/ 497. (¬4) انظر: "تفسير الطبري" 9/ 496، "المحرر الوجيز" 2/ 175.

عز وجل-، زاد الترمذي: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ} {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} هو محمول عند أبي حنيفة ومالك وأحمد في أشهر الروايتين عنه (¬1) على ما تركت التسمية عليه عمدًا؛ بدليل قوله: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}، قالوا: والأكل مما نسيت التسمية عليه ليس بفسق؛ فإن عندهم: إن تركت التسمية على الذبيحة عمدًا (¬2) وإن تركت عمدًا لم تؤكل (إلى آخر الآية) يعني: إلى قوله تعالى: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" لابن قدامة 11/ 33، "التمهيد" لابن عبد البر 22/ 301، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 6/ 68، "المغني" لابن قدامة 11/ 33، "اختلاف العلماء" لابن هبيرة 2/ 343. (¬2) من (ل).

14 - باب ما جاء في أكل معاقرة الأعراب

14 - باب ما جاءَ في أكْلِ معاقَرَةِ الأَعْرابِ 2820 - حدثنا هارون بْن عَبْدِ اللهِ، حدثنا حَمّاد بْنُ مَسْعَدَةَ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ أَبى رَيْحانَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قال: نَهَى رَسُول اللهِ عَنْ أكلِ مُعاقَرَةِ الأعرابِ. قالَ أَبُو داودَ: أسْمُ أَبى رَيْحانَةَ عَبْدُ اللهِ بْن مَطَرٍ وَغنْدَرٌ أَوْقَفَهُ عَلَى ابن عَبّاسٍ (¬1). * * * باب ما جاء في أكل معاقرة الأعراب [2820] (حدثنا هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي الحافظ الحمال، شيخ مسلم (¬2) (حدثنا حماد بن مسعدة) البصري (حدثنا عوف) ابن أبي جميلة بندويه الأعرابي، وليس بأعرابي الأصل (عن أبي ريحانة) عبد الله، كما سيأتي (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن معاقرة) بفتح العين المهملة والقاف (الأعراب) قال ابن عباس في رواية غير المصنف: فإني لأخشى أن يكون مما أهل به لغير الله (¬3). قال في "النهاية": هو عقرهم الإبل، كان يتبارى الرجلان في الجود والسخاء، أي: يتعارضا ويفعل كل واحد منهما فعل الآخر فيعقر هذا إبلًا وهذا إبلًا مثله حتى يعجز أحدهما الآخر، فأيهما كان أكثر غلب صاحبه، وكانوا يفعلونه رياء وسمعة وتفاخرًا، ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 9/ 313، والضياء في "المختارة" 11/ 131 (124). قال الألباني في "صحيح أبي داود" (2511): إسناده حسن صحيح على شرط مسلم. (¬2) "الجرح والتعديل" 9/ 92. (¬3) أخرجه البيهقي في "الكبرى" 9/ 314 بنحوه.

ولا يقصدون به وجه الله تعالى، فكره أكل لحومها لئلا تكون مما أهل به لغير الله تعالى (¬1). (قال المصنف: أسم أبي ريحانة: عبد الله بن مطر) البصري مولى بني ثعلبة بن يربوع، أخرج له مسلم في الوضوء (وغندر أوقفه) يعني: محمد ابن جعفر أوقف الحديث (على ابن عباس) رضي الله عنهما. * * * ¬

_ (¬1) "النهاية": 3/ 529.

15 - باب في الذبيحة بالمروة

15 - باب في الذَّبِيحَةِ بِالمَرْوَةِ 2821 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا أَبو الأحوَصِ، حدثنا سَعِيدُ بْن مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبايَةَ ابْنِ رِفاعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قال: أَتَيْتُ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ إِنّا نَلْقَى العَدُوَّ غَدًا وَلَيْسَ مَعَنا مُدىً أَفنَذْبَحُ بِالمَروَة وَشِقَّةِ العَصا؟ فَقالَ رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَرِنْ أَوْ أَعْجلْ ما أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا ما لَمْ يَكُنْ سِنّا أَوْ ظُفْرًا، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ، أَمّا السِّنُّ فَعَظْمٌ وَأَمّا الظُّفْرُ فَمُدى الحَبَشَةِ" وَتَقَدَّمَ بِهِ سَرَعان مِنَ النّاسِ فَتَعَجَّلُوا، فَأَصابُوا مِنَ الغَنائِمِ وَرَسُولُ اللهِ في آخِرِ النّاسِ فَنَصَبُوا قُدُورًا، فَمَرَّ رَسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِالقُدُورِ فَأَمَرَ بِها فَأُكفِئَتْ وَقَسَمَ بَيْنَهُمْ فَعَدَلَ بَعِيرًا بعَشْرِ شِياهٍ وَنَدَّ بَعِيرٌ مِنْ إِبِلِ القَوْمِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ خَيْلٌ، فَرَماهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ اللهَ، فَقالَ النَّبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ لهذِه البَهائِمِ أَوابِدَ كأَوابِدِ الوَحْشِ، فَما فَعَلَ مِنْها هذا فافْعَلُوا بِهِ مِثْلَ هذا" (¬1). 2822 - حدثنا مُسَدَّد، أَنَّ عَبْدَ الواحِدِ بْنَ زِيادٍ وَحَمّادًا حَدَّثاهمْ -المَعْنَى واحِدٌ - عَنْ عاصم، عَنِ الشَّعْبيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَفْوانَ أَوْ صَفْوانَ بْنِ مُحَمَّدٍ قال: اصَّدْتُ أَرْنَبَيْنِ فَذَبَحْتُهُما بِمَرْوة، فَسَألتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْهُما، فَأَمَرَني بِأكْلِهِما (¬2). 2823 - حدثنا قُتَيْبَة بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا يَعْقُوبُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطاءِ بْنِ يَسارٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَني حارِثَةَ أَنَّهُ كانَ يَرْعَى لِقْحَةً بِشِعْبٍ مِنْ شِعابِ أُحُدٍ، فَأَخَذَها المَوْتُ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا يَنْحَرُها بِهِ، فَأَخَذَ وَتَدًا فَوَجَأَ بِهِ في لَبَّتِها حَتَّى أُهْريق دمُها، ثمَّ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2488، 2507، 3075، 5498، 5506، 5509، 5543)، ومسلم (1968). (¬2) رواه النسائي 7/ 197، 225، وابن ماجه (3244)، وأحمد 3/ 471. وصححه ابن الملقن في "البدر المنير" 9/ 371، والألباني في "صحيح أبي داود" (2513)، وفي "الإرواء" (2496).

جاءَ إِلَى النَّبي -صلى الله عليه وسلم- فَأَخْبَرَه بِذَلِكَ فَأَمَرَهُ بِأكلِها (¬1). 2824 - حدثنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حدثنا حَمّادٌ، عَنْ سِماكِ بْنِ حَربٍ، عَنْ مُريِّ بْنِ قَطَريّ، عَنْ عَديِّ بْنِ حاتِمٍ، قال: قُلْتُ: يا رَسولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إِنْ أَحَدُنا أَصابَ صَيْدًا وَلَيْسَ مَعَه سِكِّين أَيَذْبَحُ بِالَمروَة وَشِقَّةِ العَصا؟ فَقالَ: "أَمْرِرِ الدَّمَ بِما شِئْتَ واذكر اسم اللهِ -عز وجل- " (¬2). * * * باب في الذبيحة بالمروة المروة ستأتي. [2821] (حدثنا مسدد، حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي (حدثنا سعيد بن مسروق) الثوري، الكوفي (عن عباية) بفتح العين (ابن رفاعة) بن رافع بن خديج (عن أبيه، عن جده رافع بن خَدِيج (¬3) بن رافع، بن (¬4) عدي، استصغر يوم بدر، وشهد أحدًا، وأصابه يومئذٍ سهم (قال: أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله، إنا نلقى العدو غدًا وليس معنا) فيه ما يشعر باستشعارهم النصر والظفر، وأخذ الغنيمة التي يذبحون منها، إما بإخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- إياهم بذلك، أو بما أوقع الله ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 430، والبيهقي 9/ 250، 281. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2514). (¬2) رواه النسائي 7/ 225، وابن ماجه (3177)، وأحمد 4/ 256، 258. وصححه ابن الملقن في "البدر المنير" 9/ 251، والألباني في "صحيح أبي داود" (2515). (¬3) خديج بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة. "تهذيب الأسماء واللغات" ص 261. (¬4) في (ر): عن. وهو خطأ.

في قلوبهم من نصرة المسلمين على أعدائهم (مدىً) بضم الميم وفتح الدال المهملة، مقصورة منون، جمع مدية، ونظيره في الصحيح: قُربة وقُرب، والمدية الشفرة، وقد تكسر ميمها وقد تفتح أيضًا، قيل: سميت بذلك؛ لأنها تقطع مدة حياة الحيوان، وزاد في رواية الصحيحين: "أفنذبح بالقصب؟ " (¬1) (فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أرن) قال القرطبي: اختلف الرواة في تقييده على أربعة أوجه، وقيد في أبي داود بإسكان الراء، فقيل: هو بمعنى أدم الحز ولا تفتر، من رنوت إذا أدمت النظر إلى الشيء، قال: ويلزم على هذا أن يكون مضموم النون يعني: والهمزة أوله؛ لأنه أمر من رنا يرنو ولم يحقق ضبطه كذلك. قال الخطابي: هذا حرف طال ما استثبت فيه الرواة، وسألت عنه أهل العلم باللغة فلم أجد عند أحد منهم شيئًا يقطع بصحته، وطلبت له مخرجًا فرأيته يتجه بأن يكون مأخوذًا من قولهم: أران (¬2) القوم فهم مرينون، إذا هلكت مواشيهم، فيكون المعنى: أهلكها ذبحًا، وأزهق نفسها بكل ما أنهر الدم غير السن والظفر، وقيده بعض رواة البخاري: أرن (¬3) بكسر الراء وسكون النون، مثل: أقم، الثاني قيده الأصيلي: أرني (¬4) بكسر النون بعدها ياء المتكلم، الثالث: قيده بعض رواة مسلم كذلك إلا أنه سكن الراء، الرابع: بكسر الراء وسكون ¬

_ (¬1) البخاري (2488، 3075، 5498)، ومسلم (1968/ 22). (¬2) في النسخ: أراني، انظر: "غريب الحديث" للخطابي 1/ 385 - 386، و"المفهم" 5/ 370 - 371. (¬3) من (ل). (¬4) من (ر): الواو.

النون كما تقدم. قال بعض علمائنا: بمعنى أنشط وأسرع وأعجل، كأنه يشير إلى أنه شك من الراوي، ثم قال: وهذِه غفلة؛ إذ لو كان بمعنى النشاط لزم أن يكون مفتوح الراء؛ لأن ماضيه: أرن بكسر النون يأرن بالفتح فهو أرن، أي: نشط، وقياس الأمر من هذا أن تجتلب له همزة وصل مكسورة، وأما تقييد الأصيلي فمعناه: أرني سيلان الدم. قال: وعلى هذا يبعد أن تكون أو للشك، بل للجمع بمعنى الواو، أي: أرن وأعجل (أو أعجل) كأنه طلب منه الاستعجال، وأن يريه دم ما ذبح، وسكون الراء (¬1) في رواية مسلم هو تخفيف المكسورة، لغة معروفة، قرأ بها ابن كثير في: {أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} (¬2). (ما أنهر الدم) أي: أسأله وصبه بكثرة، وهو مشبه بجري الماء في النهر، يقال: نهر الدم وأنهرته أنا. قال عياض: وذكره الخشني: أنهز بالزاي بمعنى دفع، والنهز الدفع، وهو غريب، وما في ما أنهر موصولة مبتدأ (¬3) (وذكر اسم الله عليه) وجوابه: (فكلوا) والفاء فيه مثلها في: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53] (¬4)، ويجوز أن تكون (ما) شرطية فالفاء حينئذٍ في جواب الشرط، ولابد في هذِه الجملة من ضمير يعود على ما، والتقدير: فكلوا من مذبوحه. ¬

_ (¬1) من (ل). (¬2) الأعراف: 143. (¬3) "إكمال المعلم " 6/ 212. (¬4) النحل: 53.

واعلم أنهم لما سألوه: أفنذبح؟ بالقصب، وفي رواية في الصحيح: أفنذبح بالليط (¬1) وهو قشور القصب، وفي الرواية الآتية: بالمروة. وأجابهم بجواب جامع لهذِه الثلاثة وغيرها، فكل ما أسال الدم يصح الذبح به، أو كان محدد الأسفل (ما لم يكن سنّا) فيه حذف تقديره: ما لم يكن المذبوح به سنًّا (أو ظفرًا) وقول ابن القطان (¬2): ما لم يكن سنًّا أو ظفرًا مدرج من كلام رافع (¬3) مردود، وقد بين خطأه في ذلك تلميذه ابن المواق في كتاب "بغية النقاد". (وسأحدثكم عن ذلك) عن علة ذلك (أما السن فعظم) قال ابن الصلاح في "مشكل الوسيط": في ذلك أدلة واضحة على أنه كان مقررا كون الذكاة لا تحصل بالعظم. قال: ولم أجد بعد البحث أحدًا ذكر ذلك (¬4) وكأنه عندهم تعبدي. وكذا نقل عنه ابن عبد السلام أنه قال: للشرع علل [تعبدنا بها] (¬5) كما أن له أحكامًا تعبدنا بها، أي: وهذا من ذلك، وفي "مشكل الصحيحين" لابن الجوزي: إن ترك الذبح بالعظم كان معهودًا عند العرب فأشار -عليه السلام- بذلك (¬6). وعلل ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1968). (¬2) في الأصلين: العطار. والمثبت الصواب، انظر: "بيان الوهم والإيهام" 2/ 290 - 291، "فتح الباري" 9/ 672. (¬3) "بغية النقاد النقلة" 2/ 258 - 259. (¬4) هكذا في الأصول، وأما ما جزم به ابن القطان أنه مدرج هو قوله بعده: وسأحدثكم عن ذلك، أما السن فعظم .. . انظر المرجعين السابقين. (¬5) انظر: "الفتح" 9/ 629 (¬6) "كشف المشكل من حديث الصحيحين" 2/ 184.

النووي وغيره بأنه ينجس بالدم وهي طعام الجن؛ ولهذا نهى عن الاستنجاء بها (¬1). (وأما الظفر) الألف واللام فيه للجنس ولذلك وصفها بالجمع، وهذا نظير قول العرب: أهلك الناس الدرهم البيض (فمدىً) جمع مدية (الحبشة) تقدير هذا التعليل أن الحبشة كفار وقد نهيتم عن التشبه بهم. قاله ابن الصلاح، ثم النووي، وقيل: نهى عن السن والظفر؛ لأنه تعذيب وخنق على صورة الذبح، والحبشة والحبش جنس من السودان. (وتقدم به سرعان) بفتح السين والراء (من الناس) أي: أخفاؤهم والمستعجلون منهم، وضبطه بعضهم بسكون الراء، وضبطه الأصيلي بضم السين وسكون الراء، جمع سريع كقفيز وقفزان، والصواب الذي قاله الجمهور الأول فتعجلوا، فأصابوا من الغنائم) إبلًا وغنمًا (ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- في آخر الناس، فنصبوا) أي: رفعوا (قدورًا) للطبخ، وفيه حذف كلام تقديره: فذبحوا ونهبوا لحمًا وضعوه في القدور ونصبوا تلك القدور (فمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالقدور، فأمر بها (¬2) فأكفئت) فيه حذف أيضًا تقديره: فأمر بالقدور أن تكفأ فأكفئت، أي: قلبت وأريق ما فيها. واختلف في سبب الأمر بذلك، فالصحيح أنهم كانوا قد انتهوا إلى دار الإسلام وأعجل الذين لا يجوز لهم الأكل من طعام الغنيمة والتبسط فيها، وإنما يباح لهم ذلك في دار الحرب. وقيل: إن ذلك عقوبة؛ لاستعجالهم في السير وتركهم النبي -صلى الله عليه وسلم- في ¬

_ (¬1) "شرح مسلم" للنووي 13/ 125. (¬2) جاءت في النسخ بعد قوله: فأكفئت. ولعل الصواب ما أثبتناه.

أخريات القوم معرضًا لمن يقصده من عدو ونحوه، قاله ابن أبي صفرة. وهو بعيد جدًّا. وقيل: لأنهم قد انتهبوا ذلك، ولم يأخذوه باعتدال وعلى قدر الحاجة، قاله القاضي (¬1)، ولهذا جاء في رواية: فأمر بإكفاء القدور، وقال: "لا تحل النهبة" (¬2). قال النووي: واعلم أن المأمور به في إراقة القدر إنما هو إتلاف لنفس المرق عقوبة لهم، وأما اللحم فلم يلقوه، بل يجمع على أنه جمع ورد إلى الغنيمة، ولا تظن أنه -عليه السلام- أمر بإتلافه؛ لأنه مال الغانمين وقد نهى عن إضاعة المال، وهذا بخلاف إلقاء لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر فإنه أتلف ما فيهما من لحم ومرق لأنها صارت نجسة، ولهذا قال -عليه السلام-: "إنها رجس" أو "نجس" وأما هذِه اللحوم فكانت ظاهرة منتفعًا بها بلا شك، وسيأتي له تتمة (¬3). (وقسم بينهم) الغنائم (فعدل) كضرب إذا جعلته مثله قائمًا مقامه، قال الله تعالى: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} (¬4)، لكن الرواية هنا (¬5): عدل بضم العين وكسر الدال (بعيرًا بعشر شياه) لفظ البخاري: فعدل ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" 6/ 421. (¬2) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (22759)، والطبراني في "الكبير" 2/ 83 (1374). (¬3) "شرح مسلم" للنووي 13/ 127. (¬4) الأنعام: 1. (¬5) من (ل).

عشرة من الغنم ببعير (¬1). ومعنى التعديل في هذِه القسمة أن ذلك كان باعتبار القيمة، فكانت الإبل نفيسة بحيث تكون قيمة كل بعير منها عشرة من الغنم، وقد علم من ذلك أنه لا تعادل بينه وبين قاعدة الشرع في الأضاحي في إقامة البعير مقام سبع شياه؛ لأن هذا هو الغالب في قيمة الشاة والإبل المعتدلة (وند) بفتح النون وتشديد الدال أي: هرب. قال الجوهري: ند البعير يند ندًّا نفر وذهب على وجهه شاردًا (¬2)، ومنه قراءة الضحاك وأبي العالية (يوم التنادّ) بالمد وتشديد الدال، وهي قراءة ابن زياد عن حمزة (بعير من إبل القوم، فأعياهم) إمساكه، أي: أتعبهم (ولم يكن معهم خيل) ظاهره لو تيسر لحوقه بفرس فمقدور عليه. (فرماه رجل) منهم (بسهم، فحبسه الله) أي: بذلك السهم حين جعله سببًا لحبسه، فالله تعالى فاعل الأسباب وخالق المسببات. (فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إن لهذِه البهائم أوابد) بفتح الهمزة والواو وكسر الباء الموحدة، قال ابن دقيق العيد: جمع آبدة، وهي تأبدت أي نفرت وتوحشت (¬3) من الإنس، ومعنى الحديث: إن في البهائم ما فيه نفار كنفار الوحش، ويقال: جاء فلان ما بآبدة، أي: بكلمة غريبة أو خصلة منفرة للنفوس، ويجوز أن تكون فاعلة بمعنى مفعولة (كأوابد الوحش) وفي بعض الروايات: "كأوابد الخيل"، وهو صحيح؛ فإن ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (2488). (¬2) "الصحاح" 2/ 105. (¬3) "إحكام الأحكام" لابن دقيق العيد (480).

النفرة تكون في الخيل كنفرة الوحوش. (فما فعل منها هذا) أي إذا ند منها واحد (فافعلوا به مثل هذا) وفيه دليل لإباحة عقر الحيوان حين يند ويعجز عن ذبحه ونحره، وأنه يكفي في الناد والمتردي في البئر ونحوه جرح يفضي إلى الزهوق فهو كالصيد (¬1)؛ لما روى ابن عدي من حديث إسماعيل، عن عياش، عن حرام بن عثمان، عن أبي عتيق، عن جابر -رضي الله عنه-: كل إنسية توحشت فذكاتها ذكاة الوحشية (¬2). ومشهور مذهب مالك أنه لا يؤكل إلا بذكاة، وحمل أصحابه حديث الباب على أن الناد ذكي بعد حبسه بالسهم (¬3). [2822] (حدثنا مسدد، أن عبد الواحد بن زياد) العبدي مولاهم البصري (وحمادًا) بن زيد (حدثاهم، المعنى واحد، عن عاصم) بن سليمان الأحول (عن) عامر بن شراحيل (الشعبي، عن محمد بن صفوان) الأنصاري (أو صفوان بن محمد) وقيل: عبد الله بن صفوان، له في "مسند أحمد" أيضًا، وقيل: هو محمد بن صيفي، والأول أصح (¬4) (قال: اضَدت) بصاد مشددة وسكون الدال، هكذا الرواية، وأصله: اصطدت كما في رواية النسائي (¬5)، فقلبت الطاء صادًا وأدغمت، مثل اصبر بتشديد الصاد وأصله اصطبر، وأصل الطاء مبدلة ¬

_ (¬1) "شرح مسلم" للنووي 13/ 126. (¬2) أخرجه ابن عدي في "الكامل" 2/ 447. وراجع "البدر المنير" 9/ 249، "تلخيص الحبير" 4/ 135. (¬3) انظر: "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 5/ 418. (¬4) انظر: "الاستيعاب" 2/ 724. (¬5) النسائي (4411).

من تاء افتعل (¬1) (أرنبين) ولابن ماجه: أرنبتين (¬2) بزيادة تاء التأنيث، والأرنب: حيوان قصير اليدين طويل الرجلين عكس الزرافة، ويكون عاما [ذكرا وعاما أنثى] (¬3) كما في الضبع (فذبحتهما) لفظ النسائي: عن محمد بن صفوان أنه أصاب أرنبين ولم يجد حديدة فذكاهما (بمروة) (¬4) وهي حجر أبيض براق، وقيل: هي التي يقدح منها النار، ومروة السعي التي ذكر مع الصفا هي أحد رأسيه اللذين ينتهي السعي إليهما، سميت بذلك، والمراد في الحديث جنس الأحجار لا المروة نفسها، قاله في "النهاية" (¬5). (فسألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنهما، فأمرني بأكلهما) أي: رخص لي في أكل اللحم منهما. ولفظ ابن ماجه في رواية زيد بن ثابت: أن ذئبًا نيب لي (¬6) شاة فذبحوها بمروة، فرخص لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أكلها (¬7). وفيه دليل على جواز الذبح بكل حجر محدد أنهر الدم، وفي معناه كل محدد من خشب أو قصب أو زجاج (¬8). ¬

_ (¬1) "النهاية" لابن الأثير 3/ 138. (¬2) أخرجه ابن ماجه (3175)، وليس في النسخة التي بين يدي لفظة: أرنبتين. ولم أقف عليها في الشروح. (¬3) من (ل). (¬4) "سنن النسائي" (4411). (¬5) "النهاية" 4/ 684. (¬6) كذا في الأصل، وفي "السنن": نيب في. (¬7) ابن ماجه (3176). (¬8) انظر: "شرح مسلم" للنووي 13/ 123.

وفيه دليل على جواز أكل الأرنب؛ لأنها حيوان مستطاب ليس بذي ناب، فأشبه الظبي (¬1)، قال ابن قدامة لا نعلم فيه خلافًا إلا شيئًا روي عن عمرو بن العاص (¬2). [2823] (حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا يعقوب) بن عبد الرحمن القاري من القارة. (عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن رجل من بني حارثة) بالحاء المهملة والمثلثة، ابن الخزرج وهم بطن من الأنصار (أنه كان يرعى لقحة) بكسر اللام والفتح لغة، وهي الناقة ذات اللبن لقرب عهدها بالنتاج، والجمع لِقَح كسدرة وسدر، ولقح كقصعة وقصع، وناقة لقوح إذا كانت غزيرة اللبن، وسئل ابن عباس عن رجل له امرأتان أرضعت إحداهما غلامًا والأخرى جارية فهل يتزوج الغلام الجارية؟ فقال: لا؛ لأن اللقاح واحد (بشعب) بكسر الشين وهو الطريق، وقيل: الطريق في الجبل (من شعاب أحد) بضم الهمزة والحاء جبل بالمدينة معروف. (فأخذها) سبب (الموت) من مرض ونحوه، فالتمس سنًّا ينحرها به (فلم يجد شيئًا ينحرها به) مما له حد (فأخذ وتدًا) بكسر التاء في لغة الحجاز الفصحى وفتح التاء لغة (فوجأ به) أي: ضرب به وطعن (في لبتها) بفتح اللام وهي الوهدة التي بين أصل العنق والصدر، فيه دليل ¬

_ (¬1) في الأصلين: الضبي، وفي "المغني" 11/ 6: الظبي، وفي "الشرح الكبير": 11/ 83 الضب. (¬2) "المغني" 11/ 66.

على أن السنة في الإبل النحر وهو قطع اللبة التي أسفل العنق، فلو خالف وذبح الإبل في قطع الحلق الذي على العنق جاز، والمعتبر في الموضعين قطع الحلقوم والمريء. وفيه دليل على أنه يجوز الذبح بالخشب الذي له حد يقطع به كما ذكر. (حتى أهريق) بضم الهمزة وسكون الهاء تشبيها بأسطيع بحذف التاء التي قبل الطاء كان الهاء جعلت زائدة عوضًا عن حركة التاء في الأصل (دمها) بالرفع في أهريق جمع بين البدل والمبدل، فإن الهاء في هراق الماء بدل من الهمزة. (ثم جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره بذلك) فيه الذهاب إلى أهل العلم ليسألهم عما حدث له عند اشتباه الحكم عليه، والظاهر أن هذا الذهاب كان قبل أن يأكل [من لحمها ولا أحد من جهته] (¬1). [2824] (حدثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (حدثنا حماد) بن سلمة (عن سماك بن حرب، عن مري) بضم الميم وكسر الراء وتشديد الياء المثناة تحت (بن قطري) بفتح القاف والطاء وكسر الراء الكوفي (عن عدي بن حاتم) بن عبد الله الطائي ولد حاتم الموصوف بالجود، كان شريفا في قومه خطيبًا، قال لعمر إذ قدم عليه، قال: [ما أظنك تعرفني وإني أول .. . صدقة .. . بيضت وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صدقة طيء، فقال: أعرفك؛ آمنت إذ كفروا، وأقبلت إذ أدبروا، وأوفيت إذ غدروا] (¬2). ¬

_ (¬1) من (ل). (¬2) هكذا في الأصلين وفيه اختصار وسقط وخلل وهذا نصه كما في "الاستيعاب" 3/ 1058 عن الشعبي، أن عدي بن حاتم قال لعمر بن الخطاب إذ قدم عليه: ما أظنك تعرفني فقال: كيف لا أعرفك وأول صدقة بيضت وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صدقة=

(قال: قلت: يا رسول الله، أرأيت) معنى أخبرني (إن) بكسر الهمزة وتخفيف النون شرطية (أحدنا) فاعل لفعل محذوف تقديره: إن أصاب أحدنا؛ لأن إن هي أحد حروف الشرط، فهي مختصة بأن يليها الفعل أولى. (أصاب صيدًا وليس معه سكين) رواية أحمد: أرأيت أحدنا إذا صاد صيدًا وليس معه سكين (أيذبح بالمروة) يعني: الصوان، لفظ ابن ماجه: فلا يجد سكينًا إلا الظرارة (¬1). يعني: بكسر الظاء المعجمة وتخفيف الراء المكررة جمع ظرر، وهو حجر صلب محدد (¬2) (وشقة) بكسر المعجمة (العصا) ما شق منها ويكون محدودًا. قال ابن مالك: الشقة بالفتح المرة، وبالكسر القطعة من الشيء، ولفظ النسائي: فأذبحه بالمروة وبالعصا؟ (¬3). (فقال: أمرر) بفتح الهمزة وسكون الميم وراءين مهملتين الأولى مشددة. (الدم بما شئت) قال في "النهاية": جاء في "سنن أبي داود" و"النسائي": "أمرر". براءين مظهرتين، ومعناه: اجعل الدم يمر أي: يذهب، فعلى هذا من رواه مشددًا يكون قد أدغم، وليس بغلط كما قال الخطابي. بل أدغم الإظهار المذكور، ويروى بتخفيف الراء ¬

_ =طي أعرفك آمنت إذ كفروا وأقبلت إذ أدبروا ووفيت إذ غدروا.؟ وانظر: "تاريخ دمشق" 40/ 84. (¬1) "سنن ابن ماجه" (3177). (¬2) راجع "النهاية" لابن الأثير 3/ 347، "الفائق" 2/ 375. (¬3) "سنن النسائي" (4413)

الواحدة المكسورة، أي: استخرجه وأجره بما شئت من مرى [الزرع] (¬1) يمْر به، ويروى: أمر الدم. من مار يمور إذا جرى وأماره: غيره (واذكر اسم الله تعالى) والمراد منه التسمية كما تقدم. * * * ¬

_ (¬1) هكذا في الأصلين، والصواب: الضرع. فهكذا يصح المعنى وهكذا هي في كتب اللغة والغريب ومنها "النهاية" 4/ 684، وفيه [إمْرِ الدَّمَ بما شئتَ] أي اسْتَخْرجْهُ وأجْرِه بما شئتَ. يريد الذّبْحَ. وهو من مَرى الضَّرْعَ يَمرِيهِ. وانظر: "إصلاح غلط المحدثين" للخطابي 1/ 37.

16 - باب ما جاء في ذبيحة المتردية

16 - باب ما جاءَ في ذَبِيحةِ المُتَرَدِّيَةِ 2825 - حدثنا أَحْمَدُ بْن يونُسَ، حدثنا حَمّادٌ بْن سَلَمَةَ، عَنْ أَبي العُشَراءِ، عَنْ أَبِيهِ أنَّة قال: يا رَسُولَ اللهِ أَما تَكُونُ الذَّكاةُ إِلا مِنَ اللَّبَّةِ أَوِ الحَلْقِ؟ قال: فَقالَ رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَوْ طَعَنْتَ في فَخِذِها لأجْزَأَ عَنْكَ". قال أَبُو داوُدَ: وهذا لا يَصْلُحُ إِلا في المُتَرَدِّيَةِ والمُتَوَحِّشِ (¬1). * * * باب ما جاء في ذبيحة المتردية [2825] (حدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) اليربوعي. (حدثنا حماد بن سلمة، عن أبي العشراء) بضم العين وفتح الشين والمد، قيل: اسمه أسامة بن مالك، وقيل: عطارد بن بزر (¬2). قال البخاري: [لا نعرف أحدًا روى عنه غير حماد بن سلمة، وهو دارمي بصري، لينه البخاري] (¬3). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1481)، والنسائي 7/ 228، وابن ماجه (3184)، وأحمد 4/ 334. وضعفه ابن الملقن في "البدر المنير" 9/ 245، والألباني في "ضعيف أبي داود" (495)، وفي " الإرواء" (2535). (¬2) انظر: "الإصابة" (517). (¬3) من (ل). والذي قاله البخاري في "التاريخ الكبير" 2/ 21 هو أنه في حديثه واسمه وسماعه من أبيه نظر. اهـ. وانظر: "تهذيب الكمال" 34/ 85. وقوله: ولا يعرف روى عنه إلا حماد بن سلمة. من كلام ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" 3/ 583. وانظر: "البدر المنير" 6/ 246. "الكاشف" للذهبي (6741).

(عن أبيه) قال أحمد: أبو العشراء ليس بمعروف (¬1)، رضي الله عنهما (أنه قال: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أما) بتخفيف الميم (تكون الذكاة إلا من) بمعنى في، كما في رواية الترمذي (¬2)، والنسائي (¬3) (اللبة) بفتح اللام، كما تقدم (أو الحلق) فيه أن ذكاة المقدور عليه لا تكون إلا في الحلق أو اللبة بالإجماع كما قال ابن الصباغ وغيره (¬4)، وروى الدارقطني في "سننه" أنه -عليه السَّلام- بعث بديل ابن ورقاء في فجاج منى: ألا إن الذكاة في الحلق واللبة (¬5). ورواه الشافعي موقوفًا على عمر وابن عباس (¬6)، ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة (¬7). (فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لو طعنت في فخذها) بكسر الخاء على الأفصح (لأجزأ عنك) قال الترمذي بعده: يزيد هذا في الضرورة (¬8)، يعني: المتردي في البئر وأشباهه. وكذا (قال المصنف) رحمه الله (وهذا) الحكم (لا يصلح) بضم اللام ¬

_ (¬1) انظر: "بحر الدم " (1232)، "تاريخ بغداد" 1/ 413، "تاريخ دمشق" 22/ 193، "سير أعلام النبلاء" 13/ 218، "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 19/ 619. (¬2) الترمذي (1481). (¬3) النسائي (4408). (¬4) نقل هذا الإجماع النووي في "شرح مسلم" 13/ 126، وفي "المجموع " 9/ 123، وابن حجر في "الفتح" 9/ 629، وابن قدامة في "المغني" 11/ 43. (¬5) "سنن الدارقطني" 4/ 283 (45). (¬6) "معرفة السنن والآثار" 14/ 38. (¬7) انظر: "المحلى" 7/ 445. (¬8) في (ر): في الصورة. والمثبت من (ل) ومن "سنن الترمذي".

(إلا في المتردية) في البئر، وروى الحافظ أبو موسى في مسند أبي العشراء له بلفظ: "لو طعنت في فخذها أو شاكلتها وذكرت اسم الله لأجزأ عنك". وروى ابن الجارود (¬1) وابن خزيمة من حديث رافع بن خديج في حديث المسور وقال: ثم إن ناضحًا تردى في بئر بالمدينة فذكي من قبل شاكلته، فأخذ منه ابن عمر عشيرا (¬2) (¬3) بدرهم (¬4)، والشاكلة: الخاصرة. (و) الناقة (المتوحش) تستوحش من الناس وتنفر منهم، والوحش ما لا يستأنس من دواب البر (¬5)، واحترز به عن الصيد المستأنس؛ فإنه كالمقدور عليه في اعتبار ذبحه. وفي هذا الحديث حجة على أن البعير إذا نفر فرماه بسهم، مما يسيل به دمه أو تردى في بئر فلم يقدر عليه أن يذكيه فجرحه في أي موضع قدر عليه فقتله أكل، وهو قول الشافعي وأبي حنيفة والجمهور (¬6). ¬

_ (¬1) "المنتقى" (895). (¬2) في الأصلين: عشرا. والمثبت من كتب الحديث واللغة. (¬3) العشير عُشْرُ القفيز. "المصباح المنير" 2/ 411. وقال المطرزي في "المغرب" 2/ 63: عَشِيْراً بدرهمين. أي نصيباً، والجمع (أعْشِراء) كأنْصِباءِ يعني اشترى منه هذا القدْر مع زُهده فدلّ على حِلّهِ ومن رَوى (عُشَيْراً) بالضم على التصغير فقد أخطأ. (¬4) "التلخيص الحبير" لابن حجر 4/ 332. (¬5) في الأصل البحر والصواب البر كما أثبتناه، قال الخليل بن أحمد في "العين" 3/ 262: الوَحْشُ كل ما لا يُستأنس من دواب البَرِ فهو وحشيّ، تقول: هذا حمار وحثى. وحمارٌ وحشيّ وكل شيء يستوحش عن النّاس فهو وحشيّ. (¬6) انظر: "المجموع " 9/ 126، "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 12/ 515.

وقال مالك: لا يجوز أكله إلا أن يذكى، ولعله لم تبلغه هذِه الأدلة أو لم تصح عنده، واحتج بأن الحيوان الإنسي إذا توحش لم يثبت له حكم الوحشي، بدليل أنه لا يجب على المحرم الجزاء بقتله ولا الحمار الأهلي مباحًا إذا توحش (¬1). * * * ¬

_ (¬1) "المدونة"1/ 539، وانظر: "إكمال المعلم" 6/ 214، "الاستذكار" 5/ 269.

17 - باب في المبالغة في الذبح

17 - باب في المُبالَغة في الذَّبْحِ 2826 - حدثنا هَنّاد بْن السَّريِّ والحَسَن بْن عِيسَى مَوْلَى ابن المُبارَكِ، عَنِ ابن المُبارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ -زادَ ابن عِيسَى- وَأَبي هُرَيْرَةَ قالا: نَهَى رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ شَرِيطَةِ الشَّيْطانِ. زادَ ابن عِيسَى في حَدِيثِهِ وَهيَ التي تُذْبَحُ فَيُقْطَعُ الجِلْدُ وَلا تُفْرى الأوداجُ ثمَّ تُتْرَك حَتَّى تَموتَ (¬1). * * * باب المبالغة في الذبح [2826] حدثنا هناد بن السري والحسن بن عيسى) بن ماسرجس النيسابوري شيخ مسلم (¬2) (مولى) عبد الله (ابن المبارك) أسلم شابًّا على يد ابن المبارك (¬3) (عن ابن المبارك) التميمي (عن معمر، عن عمرو بن عبد الله) بن الأسوار الشيباني (عن عكرمة، عن ابن عباس، زاد) الحسن (ابن عيسى) في روايته: فقال عن ابن عباس (وأبي هريرة) رضي الله عنهما (قالا: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن شريطة) بفتح الشين وكسر الراء، فعيلة بمعنى مفعولة، كنطيحة بمعنى منطوحة، وحق فعيل أن تحذف منه الهاء، مثل كف خصيب ولحية دهين، لكن ذكر الهاء ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 289، وابن حبان 13/ 205 (5888)، والبيهقي 9/ 278. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (491)، وفي "الإرواء" (2531). (¬2) "التقريب" (1275). (¬3) "تهذيب الكمال" 6/ 296.

هنا وفي نطيحة؛ لأن الهاء إنما تحذف من الفعيلة إذا كانت صفة لموصوف منطوق به شاة نطيح وامرأة قتيل؛ فإن حذف الموصوف أثبت الهاء، فتقول: رأيت قتيلة بني فلان [وهذِه ذبيحة بني فلان؛ لأنك لو لم تذكر الهاء فتقول قتيل بني فلان] (¬1) لم تعرف أرجل هو أم امرأة، والشريطة هنا مأخوذة من شرط الحجام حيث لم يتم القطع، وأضافها إلى (الشيطان) لأنه هو الذي حمل الشارط على ذلك وحسن هذا الفعل لديه وزينه في قلبه وسوله له، وهي التي تذبح فيقطع الجلد منها. ([زاد ابن عيسى في حديثه: وهي التي تذبح فيقطع الجلد] (¬2) ولا تفرى) بضم (¬3) المثناة فوق وفتح الراء، أي: لا تقطع (الأوداج) ولا يستقصى ذبحها، وكانوا في الجاهلية يقطعون بعض حلق الذبيحة دون أوداجها (ثم تترك) على حالها (حتى تموت) والأوداج جمع ودج بفتح الواو والدال وكسرها لغة، كأسباب جمع سبب، وليس للحيوان غير ودجين وهما عرقان غليظان يكتنفان ثغرة النحر يمينًا ويسارًا (¬4)، وقطعهما مستحب وليس بواجب (¬5). ¬

_ (¬1) من (ل). (¬2) ساقطة من الأصول، والمثبت من مطبوع "السنن". (¬3) في (ر) بفتح. (¬4) "جامع الأصول" لابن الأثير 4/ 482، "فتح الباري" 9/ 640، "عمدة القاري" 21/ 122. (¬5) انظر: "المجموع" للنووي 9/ 86، "شرح السنة" للبغوي 11/ 221، "إعانة الطالبين" 2/ 345.

قال البغوي: لأنهما يسيلان ويعيش الحيوان. وأوجب قطعهما مالك وأبو يوسف، وهي رواية أحمد؛ مستدلين بهذا الحديث. وقال أبو حنيفة: يعتبر قطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين، ولا خلاف في أن الأكمل قطع الأربعة: الحلقوم والمريء والودجين يسرع خروج روح الحيوان فيخف عليه (¬1). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" لابن قدامة 11/ 43، "الشرح الكبير" لابن قدامة 11/ 51، "شرح النووي على مسلم " 13/ 134، "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 5/ 423، "عمدة القاري" 19/ 381، "فتح الباري" 9/ 641، "المفهم" 17/ 72.

18 - باب ما جاء في ذكاة الجنين

18 - باب ما جاءَ في ذَكاةِ الجَنِينِ 2827 - حدثنا القَعْنَبيّ، حدثنا ابن المُبارَكِ، ح وَحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حدثنا هُشَيْمٌ، عَنْ مُجالِدٍ، عَنْ أَبي الوَدّاكِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ قالَ: سَألتُ رَسولَ اللهِ، عَنِ الجَنِينِ فَقالَ: "كُلُوهُ إِنْ شِئْتُمْ" وقالَ مُسَدَّد: قلْنا: يا رَسُولَ اللهِ نَنْحَرُ النّاقَةَ وَنَذْبَحُ البَقَرَةَ والشّاةَ فَنَجِدُ في بَطْنِها الجَنِينَ أنلْقِيهِ أَمْ نَأْكُلُهُ قالَ: "كُلُوهُ إِنْ شِئْتُمْ فَإِنَّ ذَكاتَهُ ذَكاةُ أُمِّهِ" (¬1). 2828 - حدثنا مُحَمَّدُ بْن يحيى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَني إِسْحاقُ بْنُ إِبْراهِيمَ بْنِ راهَوَيْهِ، حدثنا عَتّابُ بْن بَشِيرٍ، حدثنا عُبَيْدُ اللهِ بْن أَبي زِيادٍ القَدّاحُ المَكّيُّ، عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "ذَكاةُ الجَنِينِ ذَكاةُ أُمِّهِ " (¬2). * * * باب ما جاء في ذكاة الجنين [2827] (حدثنا) عبد الله بن مسلمة (القعنبي، حدثنا) عبد الله (ابن المبارك ح وحدثنا مسدد، حدثنا هشيم) كلا ابن المبارك وهشيم (عن مجالد) بتخفيف الجيم بن سعيد الهمداني الكوفي، أخرج له مسلم (عن أبي الودَّاك) بتشديد الدال وهو جَبر بفتح الجيم (¬3) بن نوف ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1476)، وابن ماجه (3199)، وأحمد 3/ 31، 39، 53. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2516). (¬2) رواه الدارمي 2/ 1260 (2022)، وأبو يعلى 3/ 343 (1858)، والحاكم 4/ 114، والبيهقي 9/ 334. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2517)، وفي "الإرواء" (2539). (¬3) في (ر) الميم.

البكالي، أخرج له مسلم أيضًا (عن أبي سعيد) سعد بن مالك الخدري -رضي الله عنه- (قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن) أكل (الجنين) وهو وصف للولد ما دام في بطن أمه مستورًا؛ فإنه سمي بذلك لاستتاره جمع أجنة مثل دليل وأدلة (فقال: كلوه إن شئتم) أكله. (وقال مسدد) في روايته (قلنا: يا رسول الله) إنا (ننحر الناقة ونذبح البقرة) فيه أن نحر الإبل وذبح البقر كان من الأشياء المعلومة عندهم في الشرع (والشاة) تذبح (فنجد في بطنها الجنين) ميتًا، الجنين منصوب بفعل محذوف تقديره: ونجد في بطنها الجنين ويكثر حذف الفعل في جواب الاستفهام نحو {لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}: ليقولون خلقهم الله {مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا}. (أنلقيه أم نأكله. قال: كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه) ورواه في "الموطأ" موقوفًا. وقال ابن عدي: اختلف في وقفه، ورفعه عن نافع ثم قال: ورواه أيوب وعدد جماعة، عن نافع، عن ابن عمر موقوفًا، وهو الصحيح ولفظ الموطأ عن ابن عمر أنه كان يقول: إذا ذبحت الناقة فذكاة ما في بطنها ذكاتها إذا كان قد تم خلقه ونبت شعره فإذا خرج من بطن أمه ذبح حتى يخرج الدم من جوفه (¬1)، وروى الحاكم (¬2) والطبراني في "الأوسط" (¬3) عن ابن عمر مرفوعًا: "إذا أشعر الجنين ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في "الموطأ" برواية الشيباني (650) وبرواية يحيى الليثي (1045) موقوفا. (¬2) "المستدرك" 4/ 128. (¬3) "الأوسط" 8/ 26 (7856).

فذكاته ذكاة أمه". (ذكاة أمه) بالرفع ويجوز النصب (¬1) كما سيأتي في الحديث بعده، وفي هذا الحديث حجة للشافعي ومالك وأحمد والجمهور على أن من ذبح شاة أو بقرة أو نحر ناقة فوجد في بطنها جنينًا ميتًا فإنه يحل أكله ولم يحرم. ووجه الدليل منه أنه حلل جواز الأكل الذي سئل عنه بأن ذكاة الأم تتنزل منزلة ذكاة الجنين في كل أكلة حكمًا لا جنسا ويقوم مقامه فلا يحتاج إلى ذبحه؛ لأن الجنين متصل بها في حالة الذبح لأنه داخل جوفها، واتصاله بها اتصال خلقة يتغذى بغذائها فتكون ذكاته ذكاتها؛ لأنه تابع لها كما تتبعها أعضاؤها (¬2). ¬

_ (¬1) قال الزرقاني في شرحه على "الموطأ" 3/ 111: وهو برفع ذكاة في الموضعين مبتدأ وخبر أي ذكاة أمه ذكاة له وروي بالنصب على الظرفية كجئت طلوع الشمس أي: وقت طلوعها أي ذكاته حاصلة وقت ذكاة أمه قال الخطابي وغيره: ورواية الرفع هي المحفوظة. وقال ابن الأثير في "النهاية" 2/ 411: ويُرْوى هذا الحديث بالرفعِ والنصبِ فمن رَفَعَه جَعَلَه خَبَرَ المبتدأ الذي هو ذكاةُ الجَنينِ فتكونُ ذكاةُ الأم هي ذكاةُ الجَنين فلا يحتاجُ إلى ذبْحِ مُسْتَأنَفِ ومن نَصَبَ كان التقديرُ ذكاةُ الجنين كذكاةِ أُمِّه فلما حُذِفَ الجازُ نُصِبَ أو على تقدير يُذكَّى تَذْكِيَة مِثل ذكاةِ أمه فحذَفَ المصدر وصفَتَه وأقامَ المضاف إليه مُقامه. ومنهم مَن يَرْوِيه بنصب الذَّكاتَين: أي ذكُّوا الجنين ذكاةَ أُمّه. لكن قال ابن "القيم في حاشيته على "السنن": وقوله في بعض ألفاظه فإن ذكاته ذكاة أمه مما يبطل تأويل من رواه بالنصب وقال ذكاة الجنين كذكاة أمه. انتهى. لكن قدره ابن مالك في رواية النصب ذكاة الجنين في ذكاة أمه وهو الموافق لرواية الرفع المشهورة. (¬2) انظر: "شرح السنة" 11/ 229 واختلاف العلماء لابن هبيرة 2/ 353، "الإجماع" لابن المنذر (12).

قال الشيخ أبو إسحاق بعدما ذكر عن الحنفية في استدلالهم بالحديث على ما ذهبوا إليه أن الجنين لا يحل أن يؤكل (¬1) فإن قيل: إن المراد مثل ذكاة أمه كقوله تعالى {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} أراد مثل عرضها فقال هذا الحديث يسقط ما ذكروه؛ ولأن ما جاز أن يتبع الآدمية في العتق جاز أن يتبع البهيمة في الذكاة حكم الأعضاء، وما جاز أن يتبع الأصل في البيع جاز أن يدخل معه في الذبح كالأعضاء. قال علماؤنا: الجنين يجري من الأم مجرى الأطراف، ولا خلاف أن الأطراف لا تفرد بالذكاة، والدليل على أنه يجري مجرى الأطراف أنه يتبع الأم في الرق والحرية والبيع والوصية، ولا يجوز إفراده بالبيع كسائر الأطراف (¬2). [2828] (حدثنا محمد بن يحيى) بن عبد الله بن خالد الذهلي؛ شيخ البخاري (ابن فارس، حدثني إسحاق بن إبراهيم بن راهويه) بن مخلد، أخرج له البخاري (حدثنا عتاب) بتشديد المثناة فوق (بن بشير) بفتح الموحدة وكسر الشين المعجمة يقال: مولى بني أمية الحراني، أخرج له البخاري تعليقا (حدثنا عبيد الله) بالتصغير (بن أبي زياد القداح) بفتح القاف وتشديد الدال المهملة، قال ابن عدي: لم أر له شيئًا منكرًا (¬3) (المكي، عن أبي الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس (عن جابر بن عبد ¬

_ (¬1) هذِه الكلمة مطموسة في الأصل وهي تشبه أن تكون كذلك فأثبتها والله أعلم بالصواب. وانظر: "اللباب" 2/ 624. (¬2) "الأشباه والنظائر" للسبكي 2/ 166. (¬3) "الكامل" 5/ 528.

الله رضي الله عنهما عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ذكاة الجنين ذكاة أمه) قال في "النهاية": يروى هذا الحديث بالرفع بالرفعِ والنصبِ فمن رَفَعَه جَعَلَه خَبَرَ المبتدأ الذي هو ذكاة الجنين فتكون ذكاة الأم هي ذكاة الجنين فلا يحتاج إلى ذبح مستأنف، انتهى (¬1). ومن نصب وهم الحنفية كان التقدير: كذكاة أمه أو مثل ذكاة أمه فهو على التشبيه والتمثيل فلما حذف الجار نصب، أو لما حذف المضاف أقيم المضاف مقامه (¬2). قالوا: وهذا غير بعيد؛ فإن القائل يقول: أبو يوسف أبو حنيفة، أي: كأبي حنيفة أو مثل أبي حنيفة، وقد قال الشاعر: فعيناك عيناها وجيدك جيدها (¬3) [أي مثل عينيها ومثل جيدها (¬4) وأجيب هذا بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما يعد حل الميت بخلاف الحي وإنما تصدى لبيان حكم الميت بقوله: ذكاة الجنين ذكاة أمة فلابد له من فائدة عظيمة. قال ابن الأثير: ومنهم من يرويه بنصب الذكاتين أي: ذكوا الجنين ذكاة أمه (¬5)، انتهى. فتكون ذكاة الأول بدل من فعل الأمر كقول الشاعر: فَنَدْلاً زُرَيْقُ المالَ نَدْلَ الثَّعالب (¬6) ¬

_ (¬1) "النهاية" 2/ 411. (¬2) السابق. (¬3) "ديوان مجنون ليلي" (ص 84). (¬4) انظر: "المبسوط" 12/ 11. (¬5) "النهاية" لابن الأثير 2/ 411. (¬6) البيت أنشده سيبويه في "الكتاب" (ص 24). وتمامه: =

(¬1) الفعل لئلا يجمع بين البدل والمبدل منه وهو ممتنع في مواضع] (¬2). * * * ¬

_ =على حين ألهى الناس جل أمورهم ... فندلاً زريق المال ندل الثعالب وأما معناه: فزريق قبيلة. وقوله: (ندلًا) مصدر، يقول: اندلي ندلاً يا زريق المال، والندل: أن تجذبه جذباً، يقال: ندل الرجل الدلو ندلاً إذا كان يجذبها مملوءة من البئر، فنصب (ندلاً) بفعل مضمر وهو (أندلي) وهذا في الأمر، تقول: ضرباً زيداً، وشتما عبد الله؛ لأن الأمر لا يكون إلا بفعل، فكان الفعل فيه أقوى، فلذلك أضمرته، ودل المصدر على الفعل المضمر وقوله: (ندل الثعالب) يريد سرعة الثعالب، يقال في المثل: (أكسب من ثعلب). انظر: "الكامل" للمبرد 1/ 150. (¬1) في الأصل كلام غير واضح ويصلح لهذا المعني أن يكون: تعريفا لقوله: ندلا على نحو ما ذكرنا في الفقرة السابقة، ثم قال: بحذف الفعل. (¬2) هذِه الفقرة غير واضحة في (ل) وهي ساقطة من (ر).

19 - باب ما جاء في أكل اللحم لا يدرى أذكر اسم الله عليه أم لا؟

19 - باب ما جاءَ في أكلِ اللَّحْمِ لا يُدْرى أَذُكِرَ اسمُ اللِه عَلَيْهِ أَمْ لا؟ 2829 - حدثنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حدثنا حَمّادٌ، ح وَحَدَّثَنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ ح وَحَدَّثَنا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حدثنا سُلَيْمان بْنُ حَيّانَ وَمُحاضِرٌ -المَعْنَى- عَنْ هِشامِ ابْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ وَلَمْ يَذْكُرا، عَنْ حَمّادٍ وَمالِكٍ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّهمْ قالوا: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ قَوْمًا حَدِيثو عهدٍ بِالجاهِلِيَّةِ يَأْتُونَنا بِلُحْمانٍ لا نَدْري أَذكَرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها أَمْ لَمْ يَذْكُرُوا أفَنَأكلُ مِنْها؟ فَقالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "سَمُّوا اللهَ وَكلُوا" (¬1). باب ما جاء في أحل اللحم لا يدرى أذكر عليه اسم الله أم لا؟ [2829] (حدثنا موسى بن إسماعيل) الأزدي (حدثنا حماد) بن سلمة (ح وحدثنا) عبد الله (القعنبي، عن مالك. ح وحدثنا يوسف بن موسى) بن راشد القطان شيخ البخاري (حدثنا سليمان بن حيان) بفتح المهملة وتشديد المثناة تحت أبو خالد الأحمر (ومحاضر) بن المورع (¬2) الهمداني (¬3) [روى له] (¬4) مسلم. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2057، 7398). (¬2) قال ابن حجر في "التقريب" (6493): محاضر بضاد معجمة بن المورع بضم الميم وفتح الواو وتشديد الراء المكسورة بعدها مهملة الكوفي صدوق له أوهام من التاسعة مات سنة ست ومائتين. (¬3) الهمداني: بفتح الهاء وسكون الميم والدال المهملة، هي منسوبة إلى همدان، وهي قبيلة من اليمن، نزلت الكوفة. "الأنساب" للسمعاني 5/ 647. (¬4) هنا كلمة غير واضحة وكأنها وقد روى له مسلم. وراجع "تهذيب التهذيب" 10/ 46.

(المعنى، عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة. ولم يذكرا) يعني: يوسف بن موسى ومحاضر (عن حماد ومالك) وكلهم (عن عائشة رضي الله عنها: أنهم) لفظ البخاري (¬1): أن قومًا (قالوا: يا رسول الله) هؤلاء القوم جاؤوا مستفتين لأمر قد وقع لهم ويقع من غيرهم (إن قومًا) قومنا (¬2) (حديثو) فعيل بمعنى فعل وأراد قرب (عهد) هم (بالجاهلية) والخروج منه والدخول في الإسلام وإنهم لم يتفقهوا بعد في الدين ولم يتمكن من قلوبهم، وفي البخاري بصيغة جمع الصحيح (¬3) ولفظه: كانوا حديثي عهد بالكفر .. . أصلها بنونين فحذفت إحداهما تخفيفًا (يأتون بلحمان) بضم اللام جمع لحم (لا ندري أذكروا اسم الله) تعالى (عليها أم لم يذكروا) اسم الله عليه عند الذبح (أفنأكل) نحن (منها؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: سموا الله) يحتمل أن يراد به: سموا ¬

_ (¬1) (2057). (¬2) هكذا في الأصل ودلالة الحديث عليه بعيدة فإنهم لو كانوا قومهم لعرفوا ولسألوهم وعلموهم. وقال البدر العيني في "عمدة القاري 17/ 258: المراد منهم الأعراب الذين يأتون إليهم من البادية. وقال ابن حجر في "الفتح" 9/ 635: قوله أن قوما قالوا للنبي -صلى الله عليه وسلم- لم أقف على تعيينهم ووقع في رواية مالك سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .. . وللطحاوي في "المشكل" سأل ناس من الصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: أعاريب يأتوننا بلحمان وجبن وسمن ما ندري ما كنه إسلامهم قال: "انظروا ما حرم الله عليكم فأمسكوا عنه وما سكت عنه فقد عفا لكم عنه وما كان ربك نسيا اذكروا اسم الله عليه". (¬3) هكذا في الأصل ولعلها (التصحيح) .. وهو ما يقابل جمع التكسير. قال أبو البقاء العكبري في "اللباب" 1/ 112: الجمع الذي هو نظير التثنية يسمَّى: (جمع السلامة) و (جمع التصحيح) لأنَّه صحَّ فيه لفظ الواحد بعينه و (جمعاً على حدَّ التثنية) و (جمعاً على هجائين وحدَّه ما سلم فيه نظمُ الواحد وبناؤه).

الله عند الأكل منه؛ لأن ذلك مما بقي عليهم من التكلف، وأما التسمية على الذبح فلا تكليف عليهم فيه؛ لعدم قدرتهم عليها؛ لأن غيرهم تولاها، وإنما تحمل الأحكام على الصحة حتى يتبين خلافها. ويحتمل أن يراد: إن تسميتكم الآن على الأكل لتستبيحون بها أكل ما لم تعلموا أذكر اسم الله عليه أم لا إذا كان (¬1) الذابح ممن تصح ذبيحته، كما أن المقتدي بالإمام تحمل صلاته على الصحة إذا لم يعلم أجتمع في الإمام شروط الصحة وأتى بها في جميع صلاته أم لا؟ فيحمل الأمر أنه متطهر، وأن ثيابه طاهرة، وأنه أتى بأحكام الصلاة كاملة؛ لأن الأحكام تحمل على الصحة إذا علم إسلامه أو ظنه (¬2) (وكلوا) وفيه دلالة ممن قال: لا تجب التسمية عند الذبح، وأن ذبيحة التارك لها حلال. وفيه أن ما يوجد في أيدي الناس من اللحوم والأطعمة ونحوهما في أسواق بلاد المسلمين ظاهره الإباحة، ولما نابت التسمية على الأكل مناب التسمية على الذبح دل على أنها سنة؛ لأنها لا تنوب عن فرض. وهذا الحديث يدل على أن حديث عدي بن ثابت (¬3) وأبي ثعلبة (¬4) محمولان على التنزه لأجل أنهما صائدين (¬5) على مذهب الجاهلية ¬

_ (¬1) إلى هنا انتهى سقط من (ر). (¬2) انظر: "فتح الباري" 9/ 635. (¬3) أخرجه البخاري (175، 2054، 5475 - 5476، 5477، 5483 - 5486، 5487، 7397). (¬4) في (ل): ثلعبة وفي (ر): ممسوحة. والتصويب من "فتح الباري". والحديث أخرجه البخاري (5478، 5488، 5496). (¬5) في (ل) و (ر): صائرين. وفي "فتح الباري": يصيدان.

فعلمهم أمر الصيد دقيقه وجليله لئلا يواقعا شبهة (¬1). * * * ¬

_ (¬1) انظر "فتح الباري " (9/ 635). وهذِه بقية كلامه في الفقرة الأخيرة التي نقلها الشارح: .. من ذلك وليأخذا بأكمل الأمور فيما يستقبلان وأما الذين سألوا عن هذِه الذبائح فإنهم سألوا عن أمر قد وقع ويقع لغيرهم ليس فيه قدرة على الأخذ بالأكمل فعرفهم بأصل الحل فيه.

20 - باب في العتيرة

20 - باب في العَتيرَةِ 2830 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ح وَحَدَّثَنا نَصْرُ بْن عَليٍّ، عَنْ بِشْرِ بْنِ المُفَضَّلِ -المَعْنَى- حَدَّثَنَا خالِدُ الحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي المَلِيحِ قال: قال نُبَيْشَة: نادى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِنَّا كُنَّا نَعْتِرُ عَتِيرَةً في الجاهِلِيَّةِ في رَجَبٍ فَما تَأْمُرُنا قالَ: "اذْبَحُوا لله في أَيِّ شَهْرٍ كانَ وَبَرُّوا اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - وَأَطْعِمُوا" .. قال: إِنّا كُنّا نُفْرِعُ فَرَعًا في الجاهِلِيَّةِ فَما تَأمُرُنَا قالَ: "فِي كُلِّ سَائِمَةٍ فَرَعٌ تَغْذُوهُ ماشِيَتُكَ حَتَّى إِذا اسْتَحْمَلَ" .. قالَ نَصْرٌ: "اسْتَحْمَلَ لِلْحَجِيجِ ذَبَحْتَهُ فَتَصَدَّقْتَ بِلَحْمِهِ" .. قالَ خالِدٌ: أَحْسَبُهُ قالَ: "عَلَى ابن السَّبِيلِ فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ" .. قالَ خالِدٌ: قُلْتُ لأبَي قِلابَةَ: كَمِ السّائِمَةُ؟ قالَ: مِائَةٌ (¬1). 2831 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لَا فَرَعَ وَلا عَتِيرَةَ" (¬2). 2832 - حَدَّثَنَا الحَسَن بْن عَليٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ سَعِيدٍ قالَ: الفَرَعُ أَوَّل النِّتَاجِ كانَ يُنْتَجُ لَهُمْ فَيَذْبَحُونَهُ (¬3). 2833 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمّادٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُثْمانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ ماهَكَ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: مِنْ كلِّ خَمْسِينَ شاةً شاةٌ. قالَ أَبُو داوُدَ: قالَ بَعْضُهُمُ: الفَرَعُ أَوَّلُ ما تُنْتَجُ الإِبِلُ كانُوا يَذْبَحُونَهُ لِطَواغِيتِهِمْ ¬

_ (¬1) رواه النسائي 7/ 169 - 171، وابن ماجة (3167)، وأحمد 5/ 75 - 76. قال ابن الملقن في "البدر المنير" 9/ 349: إسناده صحيح. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2519). (¬2) رواه البخاري (5473)، ومسلم (1976). (¬3) راجع السابق، وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (2521): إسناده صحيح مقطوع.

ثُمَّ يَأكُلُونَهُ وَيُلْقَى جِلْدُهُ عَلَى الشَّجَرِ والعَتِيرَة في العَشْرِ الأَوُلِ مِنْ رَجَبٍ (¬1). * * * باب في العتيرة [2830] (حَدَّثَنَا مسدد ح، وحَدَّثَنَا نصر بن علي) الجهضمي (¬2) (عن بشر بن المفضل) بن لاحق الإمام (المعنى، قال: حَدَّثَنَا خالد الحذاء، عن أبي قلابة) عبد الله بن يخلد الجرمي. (عن أبي المليح) عامر بن أسامة الهذلي (قال: قال نبيشة) بضم النون وكسر الشين المعجمة مصغر يعرف بنبيشة الخير، وهو ابن عمرو بن عوف الهذلي، نزل البصرة (¬3) (نادى رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) زاد النسائي (¬4): وهو بمنى، فقال: يا رسول الله (إنا كنا نعتر) بضم النون وكسر المثناة فوق (عتيرة في الجاهلية) كان الرجل من العرب ينذر المنذر يقول: إذا كان كذا وكذا، أو بلغ بناؤه كذا فعليه أن يذبح في كل عشرة منها (في رجب) كذا، وكانوا يسمونها العتائر، وكان هذا في صدر الإسلام وأوله ثم نسخ (¬5) (فما تأمرنا؟ ) فيها، وأما العتيرة التي كانت تذبح للأصنام فيصب [دمها على] (¬6) رأسها (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اذبحوا ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في "الأوسط" 2/ 149 (1536)، والبيهقي 9/ 312. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2522). (¬2) في (ر) الجهني. (¬3) "الإصابة" 6/ 421 (8687). (¬4) 7/ 169. (¬5) انظر: "النهاية" لابن الأثير 3/ 386. (¬6) مكررة في (ر).

لله) تعالى (في أي شهر كان) رجب أو غيره، وفي أي وقت كان (وبروا) بفتح الموحدة (الله) أي: تعبدوا له، وفي يعض النسخ وفي النسائي (¬1): "وبروا الله" أي: أطيعوه. وفيه الأمر بإخلاص الأعمال لله تعالى في الذبح وما يتعبد به ويتقرب إلى الله تعالى بأن يكون مراده له ومفرده له بالقصد كما في جميع الأعمال. وقد قال الجنيد -رضي الله عنه -: الإخلاص ما أريد به الله من أي عمل كان، وأراد أن الإخلاص هو محله ومتعلقه الأعمال. وقيل لأبي العباس بن عطاء: ما الخالص من الأعمال؛ قال: هو ما خلص من الآفات، يريد بالآفات مفسدات الأعمال كالعجب والرياء والمن والأذى، ومنها الطمع في العوض مطلقًا على رأي المحققين. (وأطعموا) منه لله تعالى، ثم (قال) الرجل: (إنا كنا نفرع) بضم النون وتشديد الراء (فرعًا) الفرع بفتح الفاء والراء أول ما تلده الناقة كانوا يذبحونه لآلهتهم، وقيل: كان الرجل (¬2) (في الجاهلية) إذا تمت إبله مائة قدم بكرًا، فينحره لصنمه (¬3) ولا يملكونه (¬4) رجاء البركة في المواشي وكثرة نمائها، ومنه الحديث: "فَرِّعُوا إنْ شِئتم ولكنْ لا تَذْبَحوه غَرَاةً حتى يَكْبَر" أي: صغيرًا لحمه كالغراة وهي القطعة من الغراء. (فما تأمرنا) فيها؟ (قال: في سائمة) يعني: من الإبل والبقر والغنم، والسائمة الراعية ومنه قوله تعالى: {فِيهِ تُسِيمُونَ} (¬5) أي: ترعون ¬

_ (¬1) (4239، 4240، 4241، 4242، 4243). (¬2) من (ل). (¬3) في (ر): لضيفه. (¬4) في الأصلين كلمة غير واضحة، والمثبت من "شرح مسلم" للنووي 13/ 136. (¬5) النحل آية (10).

مواشيكم، وفي الحديث أنه نهى عن السوم قبل طلوع الشمس (¬1)، قيل: يجوز أن يكون من رعي الإبل؛ لأنها إذا رعت قبل طلوع الشمس والمرعى ندٍ أصابها منه الوباء وربما قتلها. قال في "النهاية": وذلك معروف عند أرباب الأموال (¬2). (فرع) بفتح الراء كما تقدم (تغذوه) بفتح المثناة فوق وإسكان الغين وضم الذال المعجمتين (ماشيتك) [بالرفع أي] (¬3): تغذوه ماشيتك بلبنها حتى يكون ابن مخاض (حتى إذا استحمل) [بسكون الحاء المهملة بعد المفتوحة. قال في "النهاية": أي: قَوِيَ على الحمْل وأطاقَه وهو اسْتَفعل من الحَمْل (¬4) وروي: استجمل (¬5) بالجيم. أي: صار جملا (¬6). (قال نصر) أي: في روايته: (استحمل للحجيج)] (¬7) لحمل الحجيج أو لركوب الحجيج، والحجيج جمع حاج كالحجاج (¬8) (ذبحته فتصدقت بلحمه) فيه دليل على الأمر بذبح الجمل القوي القادر على الأحمال ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجة 2/ 22، والحاكم 4/ 234، وابن عدي 2/ 133، والخطابي في "غريب الحديث" 1/ 135، والضياء في "المختارة" 1/ 225 عن الربيع بن حبيب - أخي عائذ بن حبيب - عن نوفل بن عبد الملك، عن أبيه، عن علي مرفوعًا. وقال الألباني في "الضعيفة" (4719): ضعيف. (¬2) "النهاية" لابن الأثير 2/ 2039. (¬3) من (ل). (¬4) "النهاية" لابن الأثير 1/ 1051. (¬5) "السنن الكبرى" للبيهقي 9/ 312، "معرفة السنن والآثار" (19158). (¬6) انظر: "القاموس المحيط" (1265). (¬7) و (¬8) من (ل).

الثقيلة والسفر الطويل في الحج وغيره. (قال خالد) الحذاء: (أحسبه قال: ) فتصدقت (¬1) بلحمه (على ابن السبيل) قال مجاهد: هو الذي يجتاز بك مارا (¬2) أو يسير معك، والسبيل الطريق فنسب إليه المسافر لمروره عليه (¬3) من باب تسمية الشيء باسم ما يجاوره كحري التراب، ويجوز أن يكون المراد بالمفرد هنا الجمع أي: تصدق به على أبناء السبيل فإنهم مظنة الحاجة، وفي إطعامهم إحسان إليهم لإعانتهم على الطاعة إن كان سفر طاعة كحج أو جهاد أو نحوه. (فإن ذلك خير) أي: نفع، وأجر كبير لفاعله، ويحتمل أن يكون خير هنا أفعل التفضيل أي: إطعامهم ابن السبيل خير من إطعام غيره؛ لأنه أكثر احتياجًا إليه في الغالب. (قال خالد) الحذاء (قلت: لأبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي (كم السائمة) التي يخرج منها الفرع. (قال: مئة) ويحتمل أن يكون هذا في أول الإسلام ثم نسخ بأحاديث الزكاة. [2831] (حَدَّثَنَا أحمد بن عبدة) الضبي المصري شيخ مسلم وابن خزيمة (أنا سفيان) بن عيينة (¬4). ¬

_ (¬1) في (ر): فتصدق. (¬2) انظر: "تفسير الطبري" 3/ 346 (2535) بنحوه. (¬3) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 5/ 189. (¬4) ذكر البدر العيني في "عمدة القاري" 30/ 475: أنه اختلف في سفيان هذا؛ ففي مسلم هو ابن عيينة، وفي النسائي: هو ابن حسن وصوب الأول.

(عن الزهري، عن سعيد) بن المسيب (عن أبي هريرة -رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا فرع) بالفاء والراء المفتوحتين، ولابن ماجة: لا فرعة (¬1) (ولا عتيرة) بفتح المهملة. قال ابن فارس: كان الصنم المذبوح له عترًا (¬2) يريد: فلذلك سميت عتيرة؛ لأنها تعتر أي: تذبح فهي فعيلة بمعنى مفعولة، وكان هذا من فعل الجاهلية فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه. وتأويل الحديث: أن المراد: ولا عتيرة واجبة، أو بأن المراد: ما كانوا يذبحونه لأصنامهم. قال النووي؛ وقد صح الأمر بالفرع والعتيرة (¬3). [2832] (حَدَّثَنَا الحسن بن علي) الخلال الحُلْواني. (حَدَّثَنَا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن الزهري، عن سعيد) بن المسيب (قال: الفرع أول النتاج) أي: أول نتاج البهيمة (كان ينتج لهم) بضم أول (ينتج) وفتح ثالثه، أي: يولد (فيذبحوه) لطواغيتهم ثم يأكلونه ويلقون جلده على الشجر كما سيأتي، وقيل: هو أول النتاج لمن بلغت إبله مائة (¬4). واعلم أن الأصل في القاعدة في قوله: فتذبحوه أن يقال: فتذبحونه، وهو محمول على حذف نون الرفع في النثر كما في الحديث: "لا تدخلوا ¬

_ (¬1) أخرجه ابن ماجة (3168 - 3169). (¬2) "مجمل اللغة" ص 645. (¬3) "المجموع" 8/ 445. (¬4) "فتح الباري" 9/ 596، 597.

الجَنَّة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا" (¬1)، أي: لا تدخلون (¬2) ولا تؤمنون؛ لأن لا للنفي لا للنهي، ومن حذفها نظما قول الشاعر: أبيت أسري وتبيتي تدلكي ... وجهك بالعنبر والمسك الذكي (¬3) [2833] (حَدَّثَنَا موسى بن إسماعيل) الأزدي (¬4). (حَدَّثَنَا حماد) بن سلمة (عن عبد الله بن عثمان بن خثيم) القاري المكي حليف بني زهرة، أخرج له مسلم. (عن يوسف بن ماهك) بفتح الهاء والكاف غير منصرف (¬5). (عن حفصة بنت عبد الرحمن) بن أبي بكر، أخرج لها مسلم. (عن) عمتها (عائشة) رضي الله عنها (قالت: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) زاد رزين: أن نذبح (من كل خمسين شاة شاة) منسوخ بـ: لا فرع ولا عتيرة من رواية أبي هريرة؛ لتأخر إسلامه (¬6). (قال المصنف: قال بعضهم) يعني: سعيد بن المسيب (الفرع) بفتح الراء وهو (أول ما تنتج الإبل) بعد كمال المائة (كانوا يذبحونه ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (54). (¬2) من هنا بدأ سقط في (ر). (¬3) البيت في "خزانة الأدب" لعبد القادر بن عمر البغدادي 8/ 340 حيث استشهد به على حذف نون الرفع في الأفعال الخمسة نادرًا في النظم كما استشهد بها المصنف. (¬4) هكذا في الأصل ولعله التبوذكي، فلم أجد في شيوخ أبي داود: موسى بن إسماعيل الأزدي. (¬5) ماهك بفتح الهاء غير منصرف لأنه اسم أعجمي علم. وفي رواية الأصيلي منصرف. انظر: "عمدة القاري" 2/ 388، "فتح الباري" 1/ 143. (¬6) انظر: "إكمال المعلم" 6/ 222، "حاشية ابن القيم على سنن أبي داود" 7/ 341.

لطواغيتهم) الطواغيت جمع طاغوت وهو الشيطان وما يزينه الشيطان لهم أن يعبدوه من الأصنام والطاغوت بناء مبالغة من طغى يطغى، وحكى الطبري: طغا يطغو إذا جاوز الحد (¬1) ومذهب أبي علي أنه مصدر كرهبوت، جبروت ومذهب سيبويه أنه مفرد جُمع على طواغيت (¬2) كما في الحديث (ثم يأكلونه) أي: يأكلونه الجاهلية (¬3) يجوز أن تحمل اللفظة على الجمع والمفرد (ويلقى جلده) ليجف في الشمس والريح (على الشجر، والعتيرة) هي التي تذبح (في العشر الأول من رجب) قال الترمذي: العتيرة: ذبيحة كانوا يذبحونها في رجب يعظمون شهر رجب؛ لأنه أول شهر من أشهر الحرم (¬4). وروى مبارك بن فضالة، عن الحسن قال: ليس في الإسلام عتيرة، إنما كانت العتيرة في الجاهلية كان أحدهم يصوم رجب ويعتر فيه (¬5)، ويشبه الذبح في رجب اتخاذه عيدًا (¬6) أو موسمًا لأكل الحلوى ونحوها. * * * ¬

_ (¬1) "تفسير الطبري" سورة البقرة - آية (256). (¬2) انظر "لسان العرب" 1/ 352، 15/ 7، "الصحاح" 6/ 263. (¬3) هكذا في الأصل ولعلها: في الجاهلية. (¬4) "سنن الترمذي" تحت حديث (1512). (¬5) "مسند ابن الجعد" (3237) بنحوه. واعلم أنه من الأمور المبتدعة في شهر رجب: تخصيصه بالصيام أو القيام، والمخصصين له استندوا إلى أحاديث بعضها ضعيف، وكثير منها موضوع. انظر: "مجموع فتاوى شيخ الإسلام" ابن تيمية رحمه الله 25/ 290 - 291، "لطائف المعارف" ص 123 - 124. (¬6) وهذا أيضًا من البدع وراجع في ذلك كتاب "البدع الحولية" للتويجري ففيه بحث هام ص 262 - 274.

21 - باب في العقيقة

21 - باب في العَقِيقَةِ 2834 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا سُفْيانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ، عَنْ عَطَاء عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ مَيْسَرَةَ، عَنْ أُمِّ كُرْزٍ الكَعْبِيَّةِ قالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "عَنِ الغُلامِ شاتانِ مُكافِئَتان وَعَنِ الجارِيَةِ شاةٌ". قالَ أَبُو داوُدَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ قال: مُكافِئَتَانِ أي: فسْتَوِيَتانِ أَوْ مُقارِبَتانِ (¬1). 2835 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا سُفْيانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سِباعِ بْنِ ثابِتٍ، عَنْ أُمِّ كرْزٍ قالَتْ: سَمِعْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "أَقِرُّوا الطَّيْرَ عَلَى مَكِناتِها" .. قالَتْ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "عَنِ الغُلامِ شاتَانِ وَعَنِ الجارِيَةِ شاةٌ، لا يَضُرُّكُمْ أَذُكْرانًا كُنَّ أَمْ إِناثًا" (¬2). 2836 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ سِباعِ بْنِ ثابِتٍ، عَنْ أُمِّ كُرْزٍ قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "عَنِ الغُلامِ شاتانِ مِثْلانِ وَعَنِ الجارِيَةِ شاةٌ". قالَ أَبُو داوُدَ: هذا هُوَ الحَدِيثُ وَحَدِيثُ سُفْيانَ وَهَمٌ (¬3). 2837 - حَدَّثَنَا حَفْصٌ بْن عُمَرَ النَّمَريُّ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "كُلُّ غُلامٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُدَمَّى" .. فَكانَ قَتادَةُ إِذا سُئِلَ عَنِ الدَّمِ كَيْفَ يُصْنَعُ بِهِ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1516)، والنسائي 7/ 164، 165، وابن ماجة (3162)، وأحمد 6/ 381، 422. وصححه ابن الملقن في "البدر المنير" 9/ 277، والألباني في "صحيح أبي داود" (2523). (¬2) رواه ابن ماجة (3896)، وأحمد 6/ 381. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (5862). (¬3) رواه أحمد 6/ 381، والدارمي 2/ 1251 (2011)، والبيهقي 9/ 301. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2526).

قال: إِذا ذَبَحْتَ العَقِيقَةَ أَخَذْتَ مِنْها صُوفَةً واسْتَقْبَلْتَ بِهِ أَوْداجَهَا ثُمَّ تُوضَعُ عَلَى يافُوخِ الصَّبيِّ حَتَّى يَسِيلَ عَلَى رَأْسِهِ مِثْلُ الخَيْطِ ثُمَّ يُغْسَل رَأْسُهُ بَعْدُ وَيُحلَق. قالَ أَبُو داوُدَ: وهذا وَهَمٌ مِنْ هَمَّامٍ: "وَيُدَمَّى". قالَ أَبُو داوُدَ: خُولِفَ هَمَّامٌ في هَذَا الكَلامِ، وَهُوَ وَهَمٌ مِنْ هَمَّامٍ وَإِنَّمَا قالُوا: "يُسَمَّى" .. فَقالَ هَمّامٌ: "يُدَمَّى" .. قالَ أَبُو داوُدَ: وَلَيْسَ يُؤْخَذُ بهذَا (¬1). 2838 - حَدَّثَنَا ابن المُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابن أَبِي عَديٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدبٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "كُلُّ غُلامٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سابِعِهِ وَيُحْلَقُ وَيُسَمَّى". قالَ أَبُو داوُدَ: وَيُسَمَّى أَصَحُّ، كَذا قالَ سَلَّامُ بْن أَبي مُطِيعٍ، عَنْ قَتادَةَ وَإِياسُ بْنُ دَغْفَلٍ وَأَشْعَثُ، عَنِ الحَسَنِ. قالَ: "وَيُسَمَّى" .. وَرَواة أَشْعَثُ، عَنِ الحَسَنِ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "وَيُسَمَّى" (¬2). 2839 - حَدَّثَنَا الحَسَن بْن عَليٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزّاقِ، حَدَّثَنَا هِشامٌ بْن حَسّانَ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنِ الرَّبَابِ، عَنْ سَلْمانَ بْنِ عامِرٍ الضَّبِّيِّ قال: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَعَ الغُلامِ عَقِيقَتُهُ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا وَأَمِيطُوا عَنْهُ الأَذَى" (¬3). 2840 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن خَلَفٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا هِشامٌ، عَنِ الحَسَنِ أَنَّهُ كانَ يَقولُ إِماطَة الأذَى حَلْق الرَّأْسِ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه النسائي 7/ 166. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2527). (¬2) رواه الترمذي (1522)، والنسائي 7/ 166، وابن ماجة (3165). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2528). (¬3) علقه البخاري بعد حديث (5471)، ورواه الترمذي (1512)، والنسائي 7/ 164، وابن ماجة (3164)، وأحمد 4/ 18، 214. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2529)، وفي "الإرواء" (1171). (¬4) رواه البيهقي 9/ 299. قال الألباني في "صحيح أبي داود" (2530): مقطوع موقوف صحيح الإسناد.

2841 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللهِ بْن عَمْرٍو، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوارِثِ، حَدَّثَنَا أَيّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَقَّ، عَنِ الحَسَنِ والحسَيْنِ كَبْشًا كَبْشًا (¬1). 2842 - حَدَّثَنَا القَعْنَبِيُّ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شعَيْب أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، ح وَحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن سُلَيْمانَ الأَنْبَارىِّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ - يَعْنِي ابن عَمْرٍو - عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَمرِو بْنِ شُعَيبٍ، عَنْ أَبِيهِ أُراهُ عَنْ جَدِّهِ قال: سُئِلَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، عَنِ العَقِيقَةِ فَقالَ: "لا يُحِبُّ اللهُ العُقُوقَ" .. كَأَنَّهُ كَرِهَ الاسْمَ وقالَ: "مَنْ وُلدَ لَهُ وَلَه فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْهُ فَلْيَنْسُكْ، عَنِ الغُلامِ شاتان مُكافِئَتَانِ وَعَنِ الجَارِيَةِ شاةٌ" .. وَسْئِلَ، عَنِ الفَرَعِ قالَ: "والفَرَعُ حَقٌّ وَأنْ تَتْرُكُوهُ حَتَّى يَكُونَ بَكْرًا شُغْزُبًّا ابن مَخاضٍ أَوِ ابن لَبُونٍ فَتُعْطِيَهُ أَرْمَلَةً أَوْ تَحْمِلَ عَلَيهِ في سَبِيلِ الله خَيرٌ مِنْ أَنْ تَذْبَحَهُ فَيَلْزَقَ لَحْمُهُ بِوَبَرِهِ وَتُكْفِئَ إِناءَكَ وَتُوَلِّهَ نَاقَتَكَ" (¬2). 2843 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْن محَمَّدِ بْنِ ثابِتٍ، حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ الحُسَيْنِ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْن بُرَيْدَةَ قالَ: سَمِعْتُ أَبي، بُرَيْدَةَ يَقُولُ: كُنَّا في الجَاهِلِيَّةِ إِذَا وُلدَ لأَحَدِنَا غُلَامٌ ذَبَحَ شَاةً وَلَطَخَ رَأْسَهُ بِدَمِها فَلَمَّا جاءَ الله بِالإسْلامِ كُنَّا نَذْبَحُ شَاةً وَنَحْلِقُ رَأْسَهُ وَنَلْطَخُه بِزَعْفَرَانٍ (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه ابن الجارود (911، 912)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 3/ 66 (1039)، والطبراني 11/ 316 (11856)، والبيهقي 9/ 299، 302. قال ابن عبد الهادي في "المحرر" (743): إسناده على شرط البخاري. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2531). (¬2) رواه النسائي 7/ 162، وأحمد 2/ 182. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2532). (¬3) رواه البيهقي 9/ 302، وابن عبد البر في "التمهيد" 4/ 319. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2533).

باب في العقيقة [2834] (حَدَّثَنَا مسدد، حَدَّثَنَا سفيان) بن عيينة (عن عمرو بن دينار، عن عطاء) بن أبي رباح (عن حبيبة) بفتح المهملة وكسر الباء الأولى مولاته (بنت ميسرة) الفهرية، مقبولة (¬1) (عن أم كرز) بضم الكاف، الخزاعية (الكعبية) مكية أسلمت بالمدينة، لم أجد اسمها (قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: عن الغلام) وللنسائي (¬2): "في الغلام" وفي رواية: "على الغلام" (¬3) (شاتان مكافئتان) بضم الميم، قال النووي: وهو بكسر الفاء وبهمزة بعدها، هكذا صوابه عن أهل اللغة، قال: وممن صرح به الجوهري في "صحاحه" قال: ويقوله المحدثون بفتح الفاء، والصحيح كسرها. قال: ومعناه: متساويتان (¬4)، يعني: في السن، قال في "النهاية": أي لا يعق عنه إلا بمسنة، وأقله أن تكون جذعة، كما في الضحايا (¬5). قال الزمخشري: لا فرق بين (المكافئتين) و (المكافأتان)؛ لأن كل واحدة إذا كافأت أختها فقد كوفئت، فهي مكافئة ومكافأة، أو يكون معناه: معادلتان كما يجب في الزكاة والأضحية في الأسنان. ¬

_ (¬1) انظر: "التقريب" (8559). وترجمة حبيبة جاءت في الأصل فيها تقديم وتأخير حيث جاءت هكذا عن حبيبة مولاته بنت ميسرة بفتح المهملة وكسر الباء الأولى عن أم كرز الفهرية مقبولة. وما أثبتناه هو الصواب، والله أعلم. (¬2) (4226). (¬3) "سنن النسائي" (4217). و"مصنف عبد الرزاق" 4/ 327. (¬4) "المجموع" للنووي 8/ 429. وانظر "الصحاح" 1/ 77. (¬5) "النهاية" لابن الأثير 4/ 181.

ويحتمل أن يراد مع الفتح (¬1) ومذبوحتان، من كافأ الرجل بين البعيرين إذا نحر هذا ثم هذا، معًا من غير تفريق كأنه يريد شاتين يذبحهما في وقت واحد (¬2). (وعن الجارية شاة) وإنما كانت الأنثى فيها على النصف من الذكر؛ لأن الغرض منها استبقاء النفس فأشبهت الدية؛ لأن كلًّا منهما فداء عن النفس (¬3). (قال المصنف: سمعت أحمد) بن حنبل -رضي الله عنه - (قال) معنى (مكافئتان، أي مستويتان) فيه دلالة على أنه يستحب أن تكون الشاتان متساويتين (¬4) في السن والذكورة وغيرهما؛ لأن النفس قد تريد الأجود لها فيختلف ما يأكله وما يتصدق به. قال المنذري: مكافأتان بفتح الفاء يريد شاتين قد سوي بينهما، ويقال: بكسر الفاء، وأصحاب الرأي يختارون الأول. (أو مقاربتان) إن لم يتيسر وجود المتساويتين، فإن المتماثلتين أوفى لظاهر الحديث. [2835] (حَدَّثَنَا مسدد، حَدَّثَنَا سفيان) بن عيينة (عن عبيد الله) بالتصغير (ابن أبي يزيد) المكي، من الموالي. (عن أبيه) أبي يزيد، مولى آل قارظ حلفاء بني زهرة، المكي، ذكره ¬

_ (¬1) يعني: مع الرواية بفتح الفاء، ونص عبارة الزمخشري: ويحتمل في رواية مَنْ روى: مكَافأتان. أن يُرَاد مَذبوحتان .. . إلخ. (¬2) "الفائق" 3/ 267. (¬3) انظر: "فتح الباري" 9/ 592. (¬4) في النسخ الأصلية: متساويتان. والجادة ما أثبتناه.

ابن عبد البر فيمن لم يذكر له اسم سوى كنيته (¬1). يقال: له صحبة، وثقه ابن حبان (¬2). (عن سباع) بكسر المهملة وتخفيف الموحدة (ابن ثابت) ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3). (عن أم كرز) تقدمت (قالت: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: أقروا) بكسر القاف، وضم الراء المشددة (الطير) أي: اتركوها على حالها ولا تزجروها، ومنه قولهم: أقررت العامل على عمله، أي: تركته (على مكناتها) بفتح الميم، وكسر الكاف، وتخفيف النون. قال المنذري: واحد المكنات: مكنة بكسر الكاف، وقد تفتح. قال الشافعي: كانت العرب تولع بالعيافة وزجر الطير (¬4). قال في "النهاية"؛ الأصل في المكنات بيض الضباب، واحدها مكنة بكسر الكاف، وقد تفتح، يقال: مكنت الضبة وأمكنت إذا جلست على بيضها (¬5). قال الجوهري: ويقال: مكناتها بالضم، ثم حكي عن أبي زياد الكلابي وغيره من الأعراب أنا لا نعرف للطير مكنات، وإنما هي وكنات، لكن يجعل للطير تشبيهًا بالضباب يعني: النوع المعروف من ¬

_ (¬1) "الاستيعاب" 4/ 1775. (¬2) "الثقات" 7/ 657. (¬3) "الثقات" 4/ 348. (¬4) "شرح السنة" للبغوي 11/ 266. (¬5) "النهاية" لابن الأثير 4/ 777.

الحشرات بالجراد (¬1)، كما قالوا: مشافر الحبشي الفرس، الحبشي للفرس، وإنما المشافر للإبل، ثم قال: يجوز أن يراد به على أمكنتها، أي: على مواضعها التي جعلها الله تعالى لها، بقول: لا تزجروها ولا تنفروها فإنها لا تضر ولا تنفع (¬2). قال في "النهاية": وقيل: أمكنة التمكن كالطلبة والبيعة من التطلب والتبيع، يقال: إن فلانًا ذو مكنة من السلطان، أي: ذو تمكن، فتصبح أقروها على كل مكنة ترونها عليها ودعوا التطير (¬3). قال الزمخشري: ويروى: مكناتها، يعني: بضم الميم جمع مكن، ومكن جمع مكان كصعدات جمع صُعُد، وحمران جمع حمر (¬4). (قالت: وسمعته يقول: عن الغلام شاتان) ظاهره أن الغنم أفضل من الإبل والبقر، وهذا هو المختار من جهة الدليل؛ فليس في الأحاديث تعرض لسواه، وكلام الشافعي والأصحاب مقتصر على الشاتين والشاة. لكن في "الحاوي" و"البحر" أن الإبل والبقر أفضل والعقيقة بهما أفضل من الصدقة بقيمتهما، نص عليه أحمد (¬5). قال ابن المنذر: صدق أحمد؛ لأن إحياء السنن واتباعها أفضل من غيرها، وقد ورد فيها التأكيد أكثر من غيرها (¬6). ¬

_ (¬1) في الأصل: بالجردو. والمثبت من كتب اللغة. (¬2) "الصحاح" للجوهري 6/ 56. (¬3) "النهاية" 4/ 777. (¬4) "الفائق" للزمخشري 3/ 381. (¬5) "الحاوي" 15/ 127، 128، وانظر: "الشرح الكبير" لابن قدامة 3/ 586. (¬6) "المغني" 11/ 120.

(وعن الجارية شاة) فيه حجة على ما ذهب إليه الحسن وقتادة؛ فإنهما (¬1) لا يريان على الجارية عقيقة؛ لأن العقيقة شكر للنعمة الحاصلة بالولد، والجارية لا يحصل بها سرور فلا يشرع لها العقيقة (لا يضركم أذكرانًا) بضم الذال جمع ذكر (كنَّ أم إناثًا) فيه دلالة على جواز المذكور والإناث في العقيقة، والذكر أفضل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - عق عن الحسن والحسين بكبش كبش (¬2). وضحى بكبشين أقرنين (¬3)، والعقيقة تجري مجرى الأضحية، والأفضل في لونها الأبيض كالأضحية بالأملح. [2836] (حَدَّثَنَا مسدد، حَدَّثَنَا حماد بن زيد، عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن سباع بن ثابت) وتقدم في الحديث قبله: عبيد الله بن أبي يزيد (¬4)، عن أبيه، عن سباع. (عن أم كرز رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: عن الغلام شاتان مثلان) أي: في السن والذكورة وغيرهما كما تقدم. (وعن الجارية شاة) يؤخذ منه أن الغنم أفضل من البقر والإبل، لكن الصحيح خلافه. قال في "شرح المهذب": لو ذبح بقرة أو بدنة عن سبعة أولاد جاز، ¬

_ (¬1) هنا انتهى السقط من (ر). (¬2) أخرجه أبو داود (2841). (¬3) البخاري (1626). (¬4) في الأصلين: زياد. والصواب ما أثبتناه، وعليه سبق شرح الشارح.

سواء أراد كلهم العقيقة أو بعضهم العقيقة وبعضهم اللحم (¬1). (قال المصنف: هذا الحديث) المعتمد (وحديث سفيان) بن عيينة (وهم) فيه (¬2). [2837] (حَدَّثَنَا حفص بن عمر) بن الحارث بن سخبرة الحوضي (النمري) بفتح النون والميم. (حَدَّثَنَا همام، حَدَّثَنَا قتادة، عن الحسن) بن أبي الحسن البصري، وفي البخاري (¬3): عن حبيب بن الشهيد قال: أمرني ابن سيرين أن أسال الحسن ممن سمع حديث العقيقة؛ فسألته فقال: سمعته (¬4) من سمرة بن جندب. قال الحافظ ابن حجر متع الله بحياته: كأنه عنى به هذا الحديث (¬5). (عن سمرة بن جندب، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: كل غلام رهينة) بتاء التأنيث المنونة، وللنسائي (¬6): "رهين"، وهو فعيل بمعنى مفعول، أي: مرتهن كما في رواية ابن ماجة (¬7) (بعقيقته) (¬8). قال في "النهاية": الرهينة الرهن، والهاء للمبالغة [كالشَّتِيمة ¬

_ (¬1) "المجموع" 8/ 429 - 430. (¬2) أي: حديث حماد بحذف (عن أبيه) هو الصحيح، وحديث سفيان الذي فيه واسطة عن أبيه وهم مخالف للجماعة، والله أعلم. انظر: "عون المعبود" 5/ 260. (¬3) حديث (5472). (¬4) من (ل). (¬5) "فتح الباري" 9/ 593. (¬6) (4231). (¬7) (3165). (¬8) ورد بعدها في الأصل: نسخة: بعقيقة.

والشتْم] (¬1)، ثم استعمل في معنى المرهون فقيل: هو رهن بكذا، قال: ومعنى قوله: "رهينة بعقيقته" أن العقيقة لازمة له لا بد منها، فشبهه في لزومه أو عدم انفكاكه عنها بالرهن في يد المرتهن (¬2). قال الخطابي: تكلم الناس في هذا، وأجود ما قيل فيه ما ذهب إليه أحمد بن حنبل قال: هذا في الشفاعة يريد أنه (¬3) إذا لم يعق عنه فمات طفلًا لم يشفع في والديه، وقيل: إنه مرهون بأذى شعره. واستدلوا بقوله: "وأميطوا عنه الأذى" (¬4). وهو ما علق منه بدم الرحم، وسيأتي أن الناس يعرضون على العقيقة كما يعرضون على الصلوات الخمس. (تذبح عنه) عقيقته (يوم السابع) من ولادته، وهل يحسب يوم الولادة من السبعة؟ أصحهما نعم، وظاهر الحديث يدل عليه. قاله النووي في "شرح مسلم" في باب خصال الفطرة (¬5)، وكذا صحح الحسبان في "شرح المهذب" (¬6) وأصل "الروضة" (¬7) وخالف ذلك في موجبات الضمان فصحح في الختان بأنه لا يحسب، وحكاه عن الأكثرين (¬8)، ¬

_ (¬1) في الأصل: كالنسمة والنسم. والمثبت من "النهاية" لابن الأثير. (¬2) "النهاية" لابن الأثير 2/ 681. (¬3) من (ل). (¬4) "غريب الحديث" للخطابي 1/ 267. (¬5) "شرح مسلم" 3/ 148. (¬6) "شرح المهذب" 8/ 431. (¬7) "الروضة" 3/ 229. (¬8) "الروضة" 10/ 181.

وكذا ذكره في السواك في "شرح المهذب" (¬1) والختان نظير العقيقة. قال النووي: والفتوى على عدم الحسبان فإنه المنصوص عن الشافعي في البويطي (¬2). (ويحلق رأسه) أي: بعد الذبح كما هو ظاهر العطف في الحديث. قاله (¬3) البغوي (¬4): كما يفعل الحاج يذبح (¬5) أولًا ثم يحلق، يعني: وكما قالوا في الذي يريد أن يضحي إذا دخل عليه عشر ذي الحجة أن لا يحلق شعره ولا يقلم ظفره حتى يذبح أضحيته. ولا فرق في حلق رأس المولود بين الذكر والأنثى. قال الماوردي: ومن الناس من كرهه في الإناث؛ لأن حلق رؤوسهن مكروه (¬6). وقد يؤخذ من الحديث تخصيصه بالذكر؛ لأنه أتى بضمير الذكر في قوله: رأسه. وهو عائد على الغلام. (ويدمى) بفتح الدال، وتشديد الميم المفتوحة، أي: يلطخ رأسه بالدم. واستدل به الحسن (¬7) وقتادة أعلى أنه يستحب أن يلطخ رأس المولود بدم العقيقة. ¬

_ (¬1) "المجموع" 1/ 303. (¬2) "المجموع" للنووي 8/ 431، "الروضة" 3/ 229. (¬3) في الأصول: قال: والمثبت المناسب للسياق. (¬4) "التهذيب" 8/ 49. (¬5) في (ر): فذبح. (¬6) "الحاوي" للماوردي 15/ 130. (¬7) بل عند ابن أبي شيبة 5/ 61 (23699) بسند صحيح عن الحسن أنه كره التدمية. قاله ابن حجر في "الفتح" 9/ 594.

قال ابن عبد البر: ولا أعلم أحدا قال هذا إلا الحسن وقتادة] (¬1). وأنكره سائر أهل العلم، وكرهوه بحديث سلمان الآتي، ومنه: "مع الغلام عقيقة وأميطوا عنه الأذى". ولأن هذا تنجيس للولد فلا يشرع، كلطخه بغيره من النجاسات، وحديث بريدة الآتي يدل على أن التلطيخ منسوخ (¬2). (فكان قتادة) أحد الرواة (إذا سئل عن الدم كيف يصنع به؟ قال: ) معناه أنك (إذا ذبحت العقيقة أخذت منها) أي: من ظهر جلد الشاة (صوفة واستقبلت به أوداجها) أي: ليعلق بها الدم (ثم توضع) الدم الذي عليها (على يافوخ الصبي) ويافوخ الرأس هو الذي يتحرك من رأس الطفل (¬3) (حتى يسيل على رأسه مثل) بالرفع وصف لعامل (¬4) محذوف، تقديره: يسيل على رأسه دم مثل، ومن حذف المرفوع مع بقاء صفته الدالة عليه قوله تعالى: {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} (¬5) أي: حور قاصرات (الخيط، ثم يغسل رأسه بعد) بضم الدال، أي: بعد التلطخ (ويحلق) رأسه بعد ذلك. (قال المصنف: وهذا وهم من همام) بن يحيى العوذي، يعني: قوله: (ويدمى) ثم (قال: وليس يؤخذ بهذا) قال عبد الحق: وقال غيره: همام ¬

_ (¬1) من (ل)، وانظر: "التمهيد" 4/ 318. (¬2) "التمهيد" 4/ 318. (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 5/ 688. (¬4) في (ر): كفا على. (¬5) الصافات: 48، ص: 52.

ثبت، وقد ثبت أنهم سألوا قتادة عن صفة التدمية فوصفها (¬1). قال ابن حجر: ويدل على أنه (¬2) ضبطها أن في رواية بهز عنه ذكر الأمرين من التدمية والتسمية (¬3). [2838] (حَدَّثَنَا) أبو موسى محمد (ابن المثنى) العنزيز (حَدَّثَنَا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي، عن سعيد) بن أبي عروبة. (عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب -رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: كل غلام رهينة بعقيقته) قيل: معناه: لا يحلق رأسه حتى يذبح عقيقته، تقدم. (تذبح عنه يوم سابعه) هذا هو الأفضل، فإن فات ففي أربع عشرة، فإن فات ففي إحدى وعشرين، يروى هذا عن عائشة رضي الله عنها (¬4)، والظاهر أنها لا تقوله إلا توقيفًا، وبه قال أحمد وإسحاق بن راهويه (¬5). (ويحلق) جميع رأسه لمفهوم الرواية قبله، ولا يكفي حلق بعضه، بل هو مكروه للنهي عن القزع (¬6) وتنصيصه على الحلق يفهم أنه لا يكفي التقصير، وبه صرح الحليمي (ويسمى) يوم سابعه، ولا بأس أن يسمى قبله. ¬

_ (¬1) "الأحكام الوسطى" 4/ 141. (¬2) من (ل). (¬3) "التلخيص الحبير" 4/ 362. (¬4) رواه الحاكم 4/ 266 وصححه. وهو موقوف عليها. (¬5) "مسائل أحمد وإسحاق" برواية الكوسج 2/ 356. (¬6) رواه البخاري (5920، 5921)، ومسلم (2120) من حديث ابن عمر.

قال البيهقي: تسمية المولود حين يولد أصح من تسميته يوم السابع، واحتج بحديث أبي موسى: ولد لي غلام فأتيت به النبي - صلى الله عليه وسلم - فسماه إبراهيم وحنكه بتمرة. وأخرجه البخاري (¬1) ومسلم (¬2)، قال (¬3) في "شعب الإيمان": يشبه أن يكون الثابت (¬4) في حديث سمرة العقيقة والحلق دون التسمية؛ لهذا الحديث، وهذا هو المختار (¬5). (قال المصنف: و) حديث (يسمى أصح) من حديث يدمى (كذا قال سلام) بتشديد اللام (ابن أبي مطيع، عن قتادة وإياس بن دغفل) بفتح الدال والفاء بينهما معجمة، وهو ثبت (وأشعث) بن سوار الكندي (عن الحسن) كما تقدم. [2839] (حَدَّثَنَا الحسن بن علي، حَدَّثَنَا عبد الرزاق، حَدَّثَنَا هشام بن حسان) الأزدي مولاهم الحافظ. (عن حفصة بنت سيرين، عن الرباب [عَنْ سَلْمَانَ] (¬6) بن عامر) بن أوس بن حجر (الضبي) بفتح الضاد المعجمة، قال مسلم؛ لم يكن في ¬

_ (¬1) (5467، 6198). (¬2) (2145). (¬3) من (ل). (¬4) هكذا في الأصلين، وفي "الشعب" للبيهقي: التاريخ. (¬5) "شعب الإيمان" للبيهقي 6/ 392. (¬6) سقط من الأصلين، والمثبت من "السنن" ومن كتب التراجم، وهي الرباب بنت صليع بنت أخي سلمان بن عامر وهي ممن روى عنه. انظر "الإصابة" 3/ 140.

الصحابة ضبي غيره (¬1)، نزل البصرة، وله بها دار قريب من الجامع. قال ابن أبي خيثمة: وقد روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -[من بني ضبة] (¬2) عتاب ابن شمير (¬3). (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مع الغلام عقيقة) لفظ البخاري: "عقيقته" بزيادة التاء (¬4)، وفيه حجة لقول مالك أنه لا يعق عن الكبير. قال ابن بطال: وعلى هذا أئمة الفتوى بالأمصار (¬5). قال الماوردي: يختار أن لا يتجاوزها مدة النفاس؛ فإن تجاوز ذلك فيختار أن لا يتجاوزها الحصام (¬6)، وهي استكمال سبع سنين، فإن أخرها فيختار أن لا يتجاوزها مدة البلوغ، فإن أخرها حتى بلغ سقط حكمها في حق غيره، وكان الولد مخيرًا (¬7) في العقيقة عن نفسه، ولا يمتنع أن يعق عن نفسه؛ لما رواه الشافعي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عق عن نفسه بعد ¬

_ (¬1) قال ابن حجر في "الإصابة" 3/ 140: كذا نقله ابن الأثير وأقره هو ومن تبعه، وقد وجد في الصحابة جماعة ممن لهم صحبة، واختلف في صحبتهم من بني ضبة. وقال في "التهذيب" 4/ 120: فينظر في قول مسلم. (¬2) سقط من الأصلين، والمثبت من "الاستيعاب" لابن عبد البر 2/ 633؛ لأن فائدة ذكر عتاب هنا لا تظهر إلا بإثبات هذِه الكلمة. (¬3) قبلها في الأصلين: أبي، وانظر: "الاستيعاب" 2/ 633 و 3/ 1024، وانظر: "التاريخ الكبير" للبخاري 7/ 54، "الإصابة" 4/ 431. (¬4) سقط من (ر). (¬5) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 5/ 375. (¬6) في "الحاوي": مدة الرضاع. (¬7) في "الحاوي": مُجْزِئًا .. وهو أقرب.

النبوة (¬1)، وقد رواه أحمد لكنه قال: حديث منكر (¬2). (فأهريقوا) بفتح الهمزة وسكون الهاء، يقال: أراق يريق وهراق يهريق بإبدال الهمزة هاء، وقد يجمع بينهما كما في هذا الحديث جمعًا بين البدل والمبدل منه. قال صاحب"الفائق": يقال: هراق بقلب الهمزة هاء، وأهراق بزيادتها كما زيدت سين استطاع، فهي (¬3) في مضارع الأول محركة، وفي مضارع الثاني مسكنة كما في الحديث (عنه دمًا) قد يؤخذ منه أنه لا يشترط أن يكون من الأنعام، ففي "الموطأ" عن إبراهيم التيمي: يستحب العقيقة، ولو بعصفور (¬4). قال ابن حبيب: ليس يريد أن العصفور يجزئ، وإنما يريد تحقيق استحبابها (¬5) (وأميطوا عنه) أي: أزيلوا عنه. قال الأصمعي: مطته أنا وأمطت عن غيري ألقيته عنه (¬6) (الأذى) قيل: أن يحلق شعره يوم سابعه. وقيل: هو الختان. وقيل؛ لا تقربوه الدم كما كانت الجاهلية تفعله، ¬

_ (¬1) "الحاوي" للماوردي 15/ 129. (¬2) يقصد أحمد بن الحسين البيهقي، فالحديث في "السنن الكبرى " للبيهقي 9/ 300 وقال عنه: منكر. (¬3) سقط من الأصلين، والمثبت من "الفائق" 2/ 161. (¬4) "الموطأ" برقم (1070). (¬5) انظر: "المنتقى شرح الموطأ" 3/ 102. (¬6) انظر: "الصحاح" للجوهري 3/ 299، "المخصص" لابن سيده 3/ 347، "لسان العرب" 7/ 409.

والظاهر أنه عام في كل نجس ومستقذر لصق [به من] (¬1) دم الرحم وغيره (¬2). [2840] (حَدَّثَنَا يحيى بن خلف) الباهلي، أخرج له مسلم. (عن عبد الأعلى) في النذور (¬3) والطب (¬4). (حَدَّثَنَا هشام) بن حسان القردوسي (عن الحسن) البصري (أنه كان يقول: إماطة الأذى) عن المولود، وهو (حلق الرأس) وكذا قال ابن شعبان: معنى إماطة الأذى هو حلق شعر الصبي يوم سابعه (¬5). [2841] (حَدَّثَنَا أبو معمر عبد الله بن عمرو) بن أبي الحجاج ميسرة المقعد (¬6)، شيخ البخاري. (حَدَّثَنَا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان التميمي. (حَدَّثَنَا أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عق عن الحسن والحسين رضي الله عنهما) قال الأصحاب: هذا الحديث مؤول على أن المراد [بعقيقته عنهما] (¬7): أنه أمر والدهما علي ابن أبي طالب بالعقيقة، أو أنه أعطاه ما عق به عنهما، أو أن أبويهما كانا ¬

_ (¬1) في (ر): بذي. (¬2) انظر: "فتح الباري" 9/ 593 و 594. (¬3) (4387). (¬4) (5868). (¬5) انظر: "طرح التثريب" 5/ 182. (¬6) المقعد: بضم الميم، وسكون القاف، وفتح العين، وضم الدال المهملتين، هذا لمن أقعد وعجز عن الخروج. "الأنساب" 5/ 368. (¬7) في (ر): تعيينه عليهما.

معسرين فيكونان في نفقة جدهما - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن المذهب الذي عليه الجمهور أن المولود (¬1) إنما يعق عنه من تلزمه نفقته من أصوله المذكور أو الإناث، وليس للولي أن يعق عنه من ماله؛ فإن فعل ضمن (¬2). وسئل أحمد عن العقيقة فقال: ذلك على الوالد. يعني: لا يعق عن نفسه؛ لأن السنة في حق غيره، ولأنها مشروعة في حق الوالد فلا يفعله غيره من أجنبي وغيره كصدقة الفطر (¬3). (كبشًا كبشًا) فيه فضيلة العقيقة بالكبش من الغنم كما في الأضحية. ورواه ابن حبان (¬4) والبيهقي (¬5) والحاكم (¬6) من حديث عائشة بزيادة: يوم السابع، وسماهما يعني: سماهما بالحسن والحسين. وصححه ابن السكن بأتم من هذا، وفيه: وكان أهل الجاهلية يجعلون قطنة في دم العقيقة ويجعلونها على رأس المولود، فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجعلوا مكان الدم خلوقًا (¬7) كما سيأتي. وفي الحديث حجة لابن عمر في قوله: إن عن الغلام شاة. واستدل الجمهور بالأحاديث الكثيرة مما سبق، وسيأتي أن على ¬

_ (¬1) في (ر): المراد. (¬2) انظر: "الروضة" 4/ 28، "المجموع" للنووي 8/ 432، "فتح الباري" 9/ 595. (¬3) انظر: "المغني" لابن قدامة 11/ 120، "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 8/ 353. (¬4) "صحيح ابن حبان" 12/ 127 (5311). (¬5) "السنن الكبرى" 9/ 299. (¬6) "المستدرك" 4/ 264. (¬7) في الأصول: شاتان. والجادة ما أثبتناه.

الغلام شاتين (¬1) (¬2). وأما هذا الحديث فقد رواه النسائي من طريق قتادة، عن عكرمة، عنه: عق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكبشين كبشين (¬3). [2842] (حَدَّثَنَا) عبد الله بن مسلمة (القعنبي، حَدَّثَنَا داود بن قيس) المدني الفراء (¬4) الدباغ، أخرج له مسلم. (عن عمرو بن شعيب) عن أبيه، عن جده. (ح، وحَدَّثَنَا محمد بن سليمان الأنباري) أبو هارون، وثقه الخطيب (¬5) (حَدَّثَنَا عبد الملك بن عمرو) أبو (¬6) عامر العقدي. (عن داود) بن قيس (عن عمرو بن شعيب، عن أبيه أراه) بضم الهمزة أي: أظنه. (عن جده -رضي الله عنه - قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن العقيقة فقال: لا يحب الله تعالى العقوق) بضم العين. قال في "النهاية": ليس فيه توهين لأمر العقيقة، ولا إسقاط لها، لكن (كأنه كره الاسم) وأحب أن يسمى بأحسن منه كالنسيكة التي بمعنى ¬

_ (¬1) أخرجه ابن حبان (5308). (¬2) انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر 5/ 319، "التمهيد" 4/ 314. (¬3) "سنن النسائي" (4230). (¬4) في الأصل: النزال. والمثبت من كتب التراجم، وانظر: "التاريخ الكبير" 3/ 240، "تهذيب الكمال" 8/ 439. (¬5) "تاريخ بغداد" 5/ 292. (¬6) في الأصلين: أبي عامر. وهو خطأ.

العبادة في الذبيحة جريا في تغيير الاسم القبيح إلى الحسن (¬1). ويقال للشعر الذي يخرج على رأس المولود من بطن أمه: عقيقة. ولهذا أمر بحلقه؛ لأنها تحلق، وجعل الزمخشري الشعر أصلًا والشاة المذبوحة مشتقة منه، ومنه الحديث في صفة شعره - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إن انفرقت عقيقته فرق (¬2). أي: شعره، سمي عقيقة تشبيهًا بشعر المولود، وأنكر أحمد التسمية بالعقيقة، وقال: إنما العقيقة الذبح نفسه. ووجهه أن أصل العق: القطع، ومنه عق والديه إذا قطعهما بعدم الصلة وكثرة الخلاف (¬3). (ومن ولد له ولد فأحب أن) قال الشيخ أبو إسحاق: تعليق النسك على المحبة يدل على أنها لا تجب؛ لأن الواجب حتم أحبه الآدمي أم لم يحب (¬4)، وكذا قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} (¬5)، فيه دلالة على أن النكاح غير واجب لتعلقه بالطيب والواجب حتم، طاب للآدمي أم لم يطب. (ينسك) قال النووي: هو بضم السين وكسرها (¬6) (عنه) أي: يذبح عن المولود حقيقة. (فلينسك؛ عن الغلام شاتان مكافئتان) تقدم. (وعن الجارية شاة) زاد النسائي بعد هذا: قال داود يعني: ابن قيس: سألت زيد بن أسلم عن ¬

_ (¬1) "النهاية" لابن الأثير 3/ 533. (¬2) رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 2/ 438. (¬3) "الفائق" للزمخشري 2/ 228. (¬4) "المهذب" ص 441. (¬5) النساء: 3. (¬6) "المجموع" 8/ 429.

(المكافأتان) قال: الشاتان المُشَبَّهَتَانِ تُذْبَحَانِ جَمِيعًا (¬1). (وسئل) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (عن الفرع) بفتح الراء كما تقدم. (قال: والفرع حق) وهذا قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - تقرير لما كان في الجاهلية ثم نسخ بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "لا فرع ولا عتيرة" (¬2) فإن هذا الحديث متأخر عن قوله: "الفرع حق"، فيكون ناسخًا، ودليل تأخره أمران: أحدهما: أن راويه أبا (¬3) هريرة متأخر الإسلام؛ فإن إسلامه في سنة خيبر وهي السنة السابعة من الهجرة. والثاني: أن الفرع والعتيرة كان فعلهما أمرًا متقدمًا على الإسلام، فالظاهر بقاؤهما عليه إلى حين نسخه. وقوله: (لا فرع) معناه: نفي كونهما سنة لا تحريم فعلهما، ولا كراهة، فلو ذبح إنسان ذبيحة في رجب أو ذبح أول ما ينتج من إبله لحاجته لذلك أو للصدقة به شكر لله تعالى وأطمع لم يكن مكروهًا (¬4). (وأن تتركوه) في موضع مبتدأ؛ لأن أن مصدرية تقدر هي وما بعدها بالمصدر وخير الآتي بعده خبر له، والتقدير: وترككم إياه حتى يكثر خير لكم من ذبحه. (حتى يكون) الفرع (بكرًا) بفتح الموحدة هو من الإبل بمنزلة الغلام من الناس (شغزبًا) بضم الشين المعجمة، وسكون الغين المعجمة، ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 7/ 183. (¬2) رواه البخاري (5473)، ومسلم (1976) من حديث أبي هريرة. (¬3) في الأصول: أبو. والجادة ما أثبتناه. (¬4) "شرح مسلم" للنووي 13/ 137، "المجموع" للنووي 8/ 445.

وتشديد الباء الموحدة، هكذا رواه أبو داود في "السنن" (¬1)، وأنكر الخطابي هذِه الرواية وقال: صوابه: زَخزَبا. يعني: بفتح الزاءين، بينهما خاء معجمة ساكنة (¬2)، وكذا قال الحموي أن يكون أصله: زخربا، وهو ما اشتد لحمه، وغلظ جسمه، ومنه يقال: ابن لبون زخرب فأبدل بالسين الزاي، والخاء بالغين لقرب مخرجهما، وهو تصحيف من بعض الرواة، انتهى (¬3). ولا ينبغي نسبة الغلط والتصحيف إلى ما تداولته أئمة الحديث، ونقدته الذين أقامهم الله لحفظ السنة المحمدية مع جواز كثرة المحامل له. ولو قلنا: إنه تصحيف لجاز أن يكون أصله: شغزيا. بفتح الشين والياء المثناة تحت، والمراد به البكر الذي طال شعره وقوي على الحمل في سبيل الله تعالى، ومنه الحديث: دخل رجل أشعر (¬4). أي: طويل الشعر كثيره فهو في قوة شبابه لم يؤخذ شعره بعد، ولا يرى (ابن) بدل بالنصب مما قبله (مخاض) وهو من الإبل ما دخل في السنة الثانية؛ سمي بذلك لأن أمه مخاض، أي: حامل. (أو ابن لبون) بالنصب لبون، وهو من الإبل ما دخل في السنة الثالثة، سمي بذلك لأن أمه ذات لبن، ذكر (¬5) كذا في بعض النسخ (فتعطيه) ¬

_ (¬1) (شُغْزُبا) في هامش طبعة الشيخ عوامة: اتفقت الأصول التي ضبطت هذِه الكلمة على الحركات الثلاث وفي بعضها زيادة، وعنده الحديث رقم (2835). (¬2) انظر: "إكمال المعلم" 6/ 221، "النهاية" لابن الأثير 2/ 1178. (¬3) انظر: "لسان العرب" 1/ 447، 505، "طرح التثريب" 5/ 192. (¬4) أخرجه البيهقي في "الكبرى" 8/ 212 وابن حبان في "صحيحه" 10/ 281. (¬5) وصف الذكر مع قوله ابن لبون قال عنه الشارح كذا في بعض النسخ. ولعله في =

بالنصب، التقدير: فأن تعطيه (أرملة) وهي التي لا زوج لها، والأرمل الفقير سميت المرأة بذلك لافتقارها إلى من ينفق عليها. قال الأزهري: لا يقال لها: أرملة. إلا إذا كانت قعيدة (¬1). قال ابن السكيت: الأراميل (¬2): المساكين. وفيه فضيلة الصدقة على الأرملة والإحسان إليها (أو تحمل عليه في سبيل الله) وهو الجهاد والحج ونحوهما (خير) هذا خبر المبتدأ (من أن تذبحه) أول ما يولد (فيلزق) لفظ النسائي (¬3): فلصق، والصاد بدل من الزاي مثل بزق وبصق (لحمه بوبره) أي: يلصق لحمه بالجلد الذي عليه الوبر من شدة الهزال؛ لأنه لم يصر عليه حتى رعى وكبر واشتد (وتكفأ) بفتح التاء (إناءك) بتخفيف النون والمد. قال الخطابي: يريد بالإناء المحلب الذي تحلب فيه الناقة، تقول إذا ذبحت حوارها -يعني: ولدها الصغير الذي يتبعها- انقطعت مادة اللبن عنك فتترك الإناء مكفأ لا حلب فيه (¬4)، وهو من كفأت الإناء إذا قلبته، وأكفأته لغة فيه (¬5). ¬

_ = حديث الزكاة كما في "سنن أبي داود" (1567). وليس في هذا الموضع فإن فائدة هذا القيد هناك وكدا في المطبوع من "السنن" على اختلاف الطبعات، ولم أقف على نسخة فيها هذِه الكلمة في الموضع ولم يشر إليها الشيخ عوامة في طبعته. (¬1) "تهذيب اللغة" 15/ 148، وفيه فقيرة. (¬2) "تهذيب اللغة" للأزهري 15/ 148: الأرامل. (¬3) (4225). (¬4) انظر: "سنن أبي داود" مع "معالم السنن" 3/ 178 دار ابن حزم. (¬5) انظر: "إحكام الأحكام" لابن دقيق العيد 1/ 69، "شرح السنة" 11/ 392.

(وتوله) بفتح التاء وتشديد اللام المكسورة (ناقتك) أي: تجعلها والها بذبحك ولدها، وقد أولهتها وولهتها توليهًا إذا فرقت بينها وبين ولدها فكل أنثى فارقها ولدها فهي وآله، والوله ذهاب العقل من فقدت الألف. [وفي الحديث: لا توله والدة بولدها] (¬1). [2843] ([حَدَّثَنَا أحمد بن محمد بن ثابت) بن شبويه المروزي من كبار الأئمة، قال الدارقطني: روى عنه البخاري] (¬2). (حَدَّثَنَا علي بن الحسين) بن واقد المروزي، ضعفه أبو حاتم (¬3)، وقواه غيره (¬4). (حدثني أبي) الحسين بن واقد قاضي مرو، أخرج له مسلم (¬5). (حَدَّثَنَا عبد الله بن بريدة) أبي سهل، قاضي مرو وعالمها. (قال: سمعت أبي بريدة) بن الحصيب بن عبد الله الأسلمي، أسلم حين مر به النبي - صلى الله عليه وسلم - مهاجرًا، ثم قدم المدينة قبل الخندق ثم نزل البصرة ثم مرو (يقول: كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح) في عقيقته (شاة، ولطخ رأسه بدمها) تقدم قبله الحديث الذي صححه ابن السكن، وفيه: كان أهل الجاهلية يجعلون قطنة في دم العقيقة ويجعلونها على رأس المولود [فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن يجعلوا مكان الدم خلوقا (¬6). ¬

_ (¬1) سقط من (ر)، والحديث أخرجه البيهقي في "الكبرى" 8/ 5 عن أبي بكر، وأخرجه الديلمي 5/ 131 (7718) عن أنس. وأخرجه أيضًا ابن عدي 8/ 416 (1900) 1/ 296، (127) وانظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض 6/ 222. (¬2) من (ل). وراجع "تهذيب التهذيب" 1/ 62. (¬3) "الجرح والتعديل" 6/ 179. (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 20/ 406، "الكاشف" 2/ 282. (¬5) "التقريب" (1358). (¬6) سبق قريبًا.

وفيه دليل على كراهية لطخ رأس المولود] (¬1) بالدم، وبه قال الشافعي والزهري ومالك وأحمد وابن المنذر؛ لأن هذا تنجيس للولد فلا يجوز كما لا يجوز لطخه بغيره (¬2) من النجاسات (¬3). وروى يزيد بن عبد المزني، عن أبيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يعق عن الغلام ولا يمس رأسه بدم" (¬4)، قال مهنا: ذكرت هذا الحديث لأحمد، فقال: ما أطرفه. ورواه ابن ماجة (¬5) ولم يقل: عن أبيه. (فلما جاء الله بالإسلام كنا نذبح شاة ونحلق رأسه) يوم سابعه (ونلطخه) بفتح الطاء المخففة والتشديد مبالغة فيه (بزعفران) بدل الدم. قال الأصحاب: يلطخ رأس المولود بزعفران ونحوها. هذِه عبارة أكثرهم، وقيل: يستحب ذلك، وبه جزم في "المهذب" (¬6)، وصححه السبكي، وصححه جماعة من المتأخرين؛ لهذا الحديث، قال السبكي: ورواه البيهقي بإسنادٍ صحيح. * * * ¬

_ (¬1) و (¬2) من (ل). (¬3) "المغني" 8/ 647، وانظر "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 8/ 367 (1342)، "البدر المنير" 9/ 341، "التلخيص الحبير" 5/ 380. (¬4) أخرجه الطبراني في "الأوسط" (333)، والطحاوي في "مشكل الآثار" 3/ 170، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1108) والبيهقي في "الكبرى" 9/ 302. (¬5) أخرجه ابن ماجة (3166)، وقال البوصيري في "الزوائد": إسناده حسن. لأن يعقوب بن حميد مختلف فيه. وباقي رجال الإسناد على شرط الشيخين. قال: وليس ليزيد هذا عند ابن ماجة سوى هذا الحديث. وليس له شيء في بقية الكتب. (¬6) "المهذب" 1/ 241.

[كتاب الصيد]

[كِتَابُ الصَّيْدِ]

1 - باب في اتخاذ الكلب للصيد وغيره

1 - باب في اتِّخَاذِ الكَلْبِ لِلْصَّيْدِ وَغَيْرِهِ 2844 - حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَليِّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "مَنِ اتَّخَذَ كَلْبًا إِلَّا كَلْبَ ماشِيَةٍ أَوْ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ انْتَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيراطٌ" (¬1). 2845 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قال: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْلا أَنَّ الكِلابَ أُمَّةٌ مِنَ الأُمَمِ لأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا فاقْتُلُوا مِنْها الأَسْوَدَ البَهِيمَ" (¬2). 2846 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عاصِمٍ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ قال: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ قال: أَمَرَ نَبيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِقَتْلِ الكِلَابِ حَتَّى إِنْ كَانَتِ المَرْأَةُ تَقْدَمُ مِنَ البَادِيَةِ - يَعْنِي: بِالكَلْبِ - فَنَقْتُلُهُ ثُمَّ نَهَانَا عَنْ قَتْلِها، وقالَ: "عَلَيْكُمْ بِالأَسْوَدِ" (¬3). * * * باب في اتخاذ الكلب لصيدٍ وغيره [2844] (حَدَّثَنَا الحسن بن علي) الخلال (حَدَّثَنَا عبد الرزاق، حَدَّثَنَا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة -رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من اتخذ كلبًا) اتخذ واقتنى بمعنى واحد ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2322)، ومسلم (1575). (¬2) رواه الترمذي (1486، 1489)، والنسائي 7/ 185، وابن ماجة (3205)، وأحمد 4/ 85، 5/ 54، 56. قال الترمذي والبغوي في "شرح السنة" 11/ 211: حديث حسن صحيح. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2535). (¬3) رواه مسلم (1572).

(إلا) بمعنى غير صفة لكلب لتعذر الاستثناء من المفرد، ويجوز أن ينزل النكرة منزلة المعرفة التي للجنس فيكون استثناء (¬1) (كلب ماشية) من الإبل والغنم. قاله ابن السكيت وجماعة، وبعضهم يجعل البقر من الماشية (¬2) فيه أن النكرة في سياق النفي تعم وهو الصحيح (¬3). قال القرطبي: كلب الماشية المباح اتخاذه عند مالك هو الذي يسرح معها لا الذي يحفظها في الدار من السراق (¬4). (أو صيد) يعني الذي يتخذ للاصطياد به (أو زرع) يحفظه من الوحوش بالليل والنهار، ويدخل في معنى الزرع: الكرم والثمار وغير ذلك (¬5) من منافع البادية كلها من الطارق وغيره (¬6) (انتقص من أجره) وفي رواية للبخاري (¬7): من عمله (كل يوم قيراط) والقيراط في الأصل: نصف دانق، وفي العرف: جزء من أربعة وعشرين جزءًا (¬8)، وفي البخاري وغيره (¬9): "قيراطان"، فيحتمل أن يكون ذلك في نوعين من الكلاب ¬

_ (¬1) "عمدة القاري" 30/ 487، وانظر: "فتح الباري" 5/ 6، 10/ 381. (¬2) "المصباح المنير" 2/ 574. (¬3) "نهاية السول شرح منهاج الوصول" 1/ 381. (¬4) "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 10/ 371. (¬5) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 5/ 390. (¬6) "الاستذكار" 8/ 494. (¬7) "صحيح البخاري" (2322، 2323، 2324، 2325، 5480، 5482). (¬8) القيراط قال ابن منظور: القراط، والقيراط من الوزن، معروف، وهو نصف دانق، وجمعه قراريط .. . والقيراط جزء من أجزاء الدينار وهو نصف عشره في أكثر البلاد، وأهل الشام يجعلونه جزءا من أربعة وعشرين. اهـ "لسان العرب" 7/ 375. (¬9) "صحيح مسلم" (1574)، والترمذي (1487)، والنسائي (4284).

أحدهما أشد أذى من الآخر، ويختلف باختلاف المواضع، فيكون القيراطان في المدائن والقيراط في البوادي، أو كان باعتبار الزمانين فذكر القيراط أولًا ثم زاد التغليظ فذكر القيراطين (¬1). [واختلف في معنى نقص من أجره كل يوم قيراط، وأقرب ما قيل في ذلك قولان: أحدهما (¬2) أن جميع ما عمله من عمل ينقص لمن اتخذ ما نهي عنه من الكلاب مارًّا كل يوم يمسكه فيه من أجر ذلك العمل، وقيل: من عمل ذلك اليوم الذي يمسكه فيه، وذلك لترويع المسلم والتشويش عليه بنباحه والمنع من دخول الملائكة بيته أو لنجاسته على ما يراه الشافعي، ولم يكن القيراط يستعمل في العرب، ولذلك تفتح عليكم [أرض] (¬3) يذكر فيها القيراط يعني: مصر المحروسة] (¬4). [2845] (حَدَّثَنَا مسدد، حَدَّثَنَا يزيد) بن زريع (حَدَّثَنَا يونس) بن عبيد بالتصغير أحد أئمة البصرة. (عن الحسن، عن عبد الله بن مغفل -رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لولا أن الكلاب) ذكر قبله الترمذي عن ابن مغفل: إني لممن يرفع أغصان الشجرة عن وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب، فقال: "لولا أن الكلاب" (¬5) (أمة من الأمم) تسبح، ويقال: لكل جيل من الناس والحيوان أمة (لأمرت بقتلها) لكنها تسبح بلسانها بخلاف النامي من النبات والشجر (فاقتلوا منها ¬

_ (¬1) انظر: "شرح مسلم" للنووي 10/ 239. (¬2) من (ل). (¬3) ساقطة من النسخ. (¬4) انظر: "المفهم" 14/ 80. (¬5) "سنن الترمذي" (1489).

الأسود) لفظ الترمذي (¬1): "كل أسود"، ولفظ مسلم: "عليكم بالأسود" (¬2) (البهيم) "ذي النقطتين فإنه شيطان" يعني: والشياطين تقتل لكثرة فسادها، واحتج به أحمد بن حنبل وبعض أصحابنا على أنه لا يجوز صيد الكلب الأسود ولا يحل أكله إذا قتله؛ لأنه شيطان، وإنما أحل صيد الكلب (¬3)، وممن كره صيده الحسن (¬4) والنخعي (¬5) وقتادة (¬6). قال أحمد: ما أعرف أحدًا يرخص فيه (¬7) يعني: من السلف. وقال (¬8): يحرم اقتناؤه ويجب قتله، فلم يبح صيده كغير المعلم. ودليل تحريم اقتنائه قوله في الحديث: "فاقتلوا منها الأسود". وما وجب قتله حرم اقتناؤه وتعليمه، فلم يبح صيده. ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سماه شيطانًا ولا يجوز اقتناء الشيطان (¬9). وقال الشافعي وأحمد (¬10) وجماهير العلماء منهم أبو حنيفة: يحل ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (1489). (¬2) "صحيح مسلم" (1572). (¬3) "شرح مسلم" للنووي 10/ 237، "المجموع" 9/ 93. (¬4) أخرجه ابن أبي شيبة 5/ 385 (20140). (¬5) ابن أبي شيبة (20141). (¬6) أخرجه ابن أبي شيبة 5/ 385 (20142)، وعبد الرزاق 4/ 472 (8508). (¬7) "مسائل الكوسج" بتحقيقنا (2815)، وانظر: "الجامع لعلوم الإمام أحمد" (من تصنيفنا) 12/ 513 (2824). (¬8) هكذا قال الشارح فأوهم أن هذا من تمام كلام الإمام أحمد رحمه الله تعالى وليس كذلك وإنما هو من استدلال ابن قدامة في "المغني" على ما ذهب إليه الحنابلة. (¬9) انظر: "المغني" 10/ 2، "الشرح الكبير" 11/ 24. (¬10) هكذا في الأصل والصواب حذفها لأن مذهب أحمد سبق الحديث عنه وهو خلاف هذا.

صيد الكلب الأسود كغيره (¬1) لعموم الآية والحديث والقياس على غير الأسود؛ لأن السواد ليس بعلة مؤثرة، وليس المراد بالحديث إخراجه عن جنس الكلاب، ولهذا لو ولغ في إناء وغيره وجب غسله كما يغسل من ولوغ الكلب الأبيض (¬2) (البهيم) الخالص السواد. وقال أحمد: هو الذي ليس فيه بياض. وقال ثعلب وإبراهيم الحربي: كل لون لم يخالطه لون آخر فهو بهيم، قيل لهما: من كل لون؟ قالا: نعم (¬3). [2861] (¬4) (حَدَّثَنَا يحيى بن معين) المدني (¬5) إمام المحدثين. (حَدَّثَنَا حماد بن خالد الخياط) البصري ببغداد، أخرج له مسلم، وقال ¬

_ (¬1) انظر: "شرح مسلم" للنووي 10/ 237، 13/ 74، "المغني" لابن قدامة 2/ 11. (¬2) قال البغوي في "شرح السنة" 11/ 212: قيل جعل الأسود منها شيطانا لخبثها؛ لأن الأسود البهيم أضرها وأعقرها، والكلب أسرع إليه منه إلى جميعها وهي مع هذا أقلها نفعا، وأسوؤها حراسة، وأبعدها من الصيد، وأكثرها نعاسا. وقيل في تخصيص كلاب المدينة بالقتل من حيث إن المدينة كانت مهبط الملائكة بالوحي، وهم لا يدخلون بيتا فيه كلب. انتهى. (¬3) "المغني" لابن قدامة 11/ 2. (¬4) هذا الحديث أثبت في أصول أبي داود كلها في هذا الموضع إلا (ك، ب) فإنه تأخر إلى آخر أبواب الصيد وعليه ف ص رمز في أوله وآخره؛ أنه ليس في رواية ابن داسة. انظر: حاشية الشيخ محمد عوامة على "سنن أبي داود" 3/ 383. (¬5) في الأصل المدني والمثبت في كتب التراجم: المري بالراء المهملة والياء آخر الحروف ونسبته إلى المدينة صحيحة لأنه مات بها. انظر: "تهذيب الكمال" 31/ 544، "تهذيب التهذيب" 11/ 246، "تقريب التهذيب" (7651).

ابن معين: ثقة (¬1) أمي (¬2)، عن (معاوية بن صالح) بن حدير الحضرمي الحمصي قاضي الأندلس، أخرج له مسلم في مواضع. (عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير) الحضرمي، أخرج له مسلم. (عن أبيه) جبير بن نفير الحضرمي، أخرج له مسلم أيضًا. (عن أبي ثعلبة [الخشني]) (¬3) قيل: اسمه جرثوم وقيل: جرثومة، وقيل: جرهم (¬4)، لم يختلفوا في صحبته ولا نسبته إلى خشين وهو وائل بن النمر، بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيعة الرضوان، وضرب له بسهم يوم خيبر، وأرسله إلى قومه فأسلموا. (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا رميت الصيد) زاد مسلم: "بسهمك فغاب عنك " (فأدركته) أي: أدركت ذكاته، كما في رواية لمسلم (¬5). (بعد ثلاث ليالٍ وسهمك) مرفوع مبتدأ وخبره فيه، والجملة حالية؛ لأنها بعد واو الحال، ويجوز أن ينصب على حذف فعل تقديره: ووجدت سهمك (فيه) والأول أولى لسلامته من التغيير (فكله) أما ما أدركت ذكاته بأن وجدت فيه حياة مستقرة فالإجماع على أنه لا يحل إلا بذكاة فإذا أدرك ذكاته حل له (¬6) أكله وأما إذا كان حياته كحياة ¬

_ (¬1) "تاريخ الدوري عن ابن معين" (666). (¬2) "تاريخ الدوري عن ابن معين" (3854). (¬3) ساقطة من الأصول، والمثبت من مطبوع "السنن". (¬4) "الإصابة" 7/ 58. (¬5) "صحيح مسلم" (1935). (¬6) من (ل).

المذبوح فهذا يباح من غير ذبح؛ فإن الذكاة في مثل هذا لا تفيد شيئًا كما أنه لو ذبحه مجوسي وبقيت فيه حياة المذبوح ثم أعاد ذبحه مسلم (¬1) لم يحل (¬2) (ما) زمانية أي يأكله في مدة الزمان الذي (لم ينتن) بضم التاء ويجوز كسرها مع فتح النون وكسرها. قال البيهقي: حمل أصحابنا هذا النهي على التنزيه (¬3) أي: يكره أكل لحم الصيد إذا أنتن كسائر اللحوم والأطعمة المنتنة، وفي قوله فأدركته بعد ثلاث وسهمك فيه فكله دليل على أنه إذا رمى الصيد فغاب عنه فوجد سهمه فيه ولا أثر به غيره حل له أكله (¬4)، وكذا لو أرسل كلبه على صيد فغاب عن عينه ثم وجده ميتا ومعه كلبه حل؛ لظاهر الحديث، يصححه جماعة من أصحابنا منهم البغوي والغزالي في "الإحياء" (¬5) والفارقي، وقال في "الروضة" (¬6): هو الأصح دليلًا، ولم يثبت في التحريم شيء، وعلق الشافعي (¬7) على صحة الحديث. ¬

_ (¬1) من (ل). (¬2) "المغني" 11/ 13. (¬3) نقل البيهقي نحو هذا عن الخطابي. انظر: "السنن الكبرى" 9/ 243. وقال النووي في "شرح مسلم" 13/ 81: هذا النهي عن أكله للنتن محمول على التنزيه لا على التحريم وكذا سائر اللحوم والأطعمة المنتنة يكره أكلها ولا يحرم إلا أن يخاف منها الضرر خوفا معتمدا وقال بعض أصحابنا يحرم اللحم المنتن وهو ضعيف والله أعلم. انظر "المجموع" 9/ 114. (¬4) انظر: "عمدة القاري" للبدر العيني 30/ 493، "فتح الباري" 9/ 601. (¬5) "شرح السنة" 11/ 197، "إحياء علوم الدين" 2/ 95 - 101. (¬6) "الروضة" 3/ 253. (¬7) انظر: "الروضة" 3/ 253.

والثاني: يحرم على الأظهر عند الجمهور، ونسبه الرافعي إلى ترجيح الأكثرين (¬1)؛ لاحتمال موته بسبب آخر، والتحريم يحتاط له. وفي "مراسيل أبي داود" (¬2) عن زياد ابن أبي مريم: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني رميت صيدًا ثم تبعته فوجدته ميتًا فقال: "هوام الأرض كثير"، فلم يأمره بأكله، ذكره في "المهذب" وقال النووي: غريب (¬3). * * * ¬

_ (¬1) "الشرح الكبير" 12/ 35. (¬2) هذا الحديث لم أجده في "المراسيل" وإنما هو في "مصنف عبد الرزاق" (8456). (¬3) "المهذب" 1/ 254.

2 - باب في الصيد

2 - باب في الصَّيْدِ 2847 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن عِيسَى، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ هَمَّامِ، عَنْ عَديِّ بْنِ حاتِمٍ، قَالَ: سَأَلتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قُلْتُ: إِنِّي أُرْسِلُ الكِلابَ المُعَلَّمَةَ فَتُمْسِكُ عَلَيَّ أَفَآكُلُ؟ قالَ: "إِذا أَرْسَلْتَ الكِلابَ المُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ فَكُلْ مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ" .. قُلْتُ: وَإِنْ قَتَلْنَ؟ قالَ: "وَإِنْ قَتَلْنَ ما لَمْ يَشْرَكها كلْبٌ لَيْسَ مِنْها" .. قُلْتُ: أَرْمي بِالِمعْراضِ فَأُصِيبُ أَفَآكُلُ؟ قالَ: "إِذا رَمَيْتَ بِالمِعْراضِ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ فَأَصابَ فَخَزَقَ فَكُلْ وَإِنْ أَصابَ بِعَرْضِهِ فَلا تَأْكُلْ" (¬1). 2848 - حَدَّثَنَا هَنّادُ بْنُ السَّريِّ، حَدَّثَنَا ابن فُضَيْلِ، عَنْ بَيانٍ، عَنْ عامِرٍ، عَنْ عَديِّ بْنِ حاتِمٍ، قالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قُلْتُ: إِنَّا نَصِيدُ بِهَذِهِ الكِلَابِ فَقالَ لي: "إِذا أَرْسَلْتَ كِلابَكَ المُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ عَلَيْها فَكُلْ مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ، وَإِنْ قَتَلَ إِلَّا أَنْ يَأْكُلَ الكَلْبُ فَإِنْ أَكَلَ الكَلْبُ فَلَا تَأكُلْ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنَّما أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ". 2849 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمّادٌ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنِ الشَّعْبيِّ، عَنْ عَدىِّ بْنِ حاتِمٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إِذَا رَمَيْتَ بِسَهْمِكَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ فَوَجَدْتَهُ مِنَ الغَدِ وَلَمْ تَجِدْهُ في ماءٍ وَلا فِيهِ أَثَرٌ غَيْرَ سَهْمِكَ فَكُلْ وَإِذَا اخْتَلَطَ بكِلابِكَ كلْبٌ مِنْ غَيْرِها فَلا تَأكُلْ لا تَدْري لَعَلَّهُ قَتَلَهُ الذي لَيْسَ مِنْها" (¬2). 2850 - حَدَّثَنَا محَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فارِسِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ زَكَرِيّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، أَخْبَرَنِي عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، عَنِ الشَّعْبيِّ، عَنْ عَديِّ بْنِ حاتِمٍ أَنَّ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5477، 7397)، ومسلم (1929). (¬2) رواه البخاري (5484)، ومسلم (1929) بنحوه.

النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إِذَا وَقَعَتْ رَمِيَّتُكَ في ماءٍ فَغَرِقَ فَماتَ فَلَا تَأْكُلْ" (¬1). 2851 - حَدَّثَنَا عُثْمان بْن أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْر، حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبيِّ، عَنْ عَديِّ بْنِ حاتِمٍ، أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "ما عَلَّمْتَ مِنْ كَلْبٍ أَوْ بازٍ، ثُمَّ أَرْسَلْتَهُ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ فَكُلْ مِمّا أَمْسَكَ عَلَيْكَ" .. قُلْتُ: وَإِنْ قَتَلَ؟ قالَ: "إِذا قتلَهُ وَلَمْ يَأكُلْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَيْكَ" .. قالَ أَبُو داوُدَ: البازُ إِذَا أَكَلَ فَلا بَأْسَ بِهِ، والكَلْبُ إِذا أَكَلَ كُرِهَ، وَإِنْ شَرِبَ الدَّمَ فَلا بَأسَ بِهِ (¬2). 3853 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن عِيسَى، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا داوُدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ بُسْرِ ابْنِ عُبَيدِ اللهِ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الخَوْلَانِيُّ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الخُشَنيِّ قال: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في صَيْدِ الكَلْبِ: "إِذا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ فَكُلْ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ، وَكُلْ ما رَدَّتْ عَلَيْكَ يَداكَ" (¬3). 2853 - حَدَّثَنَا الحُسَين بْنُ مُعاذِ بْنِ خُلَيْفٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأعلَى، حَدَّثَنَا داوُدُ، عَنْ عامِرٍ، عَنْ عَديِّ بْنِ حاتِمٍ، أَنَّهُ قال: يا رَسُولَ اللهِ أَحَدُنا يَرْمي الصَّيْدَ فَيَقْتَفِي أَثرَهُ اليَوْمَيْنِ والثَّلاثَةَ، ثُمَّ يَجِدُهُ مَيِّتًا وَفِيهِ سَهْمُهُ أَيَأْكُلُ؟ قالَ: "نَعَمْ إِنْ شَاءَ" .. أَوْ قالَ: "يَأْكُلُ إِنْ شاءَ" (¬4). 2854 - حَدَّثَنَا محَمَّدُ بْن كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا شعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبيِّ، قال: قال عَديُّ بْن حاتِمٍ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، عَنِ المِعْراضِ فَقالَ: "إِذَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْ، وَإِذَا أَصابَ بعَرْضِهِ فَلا تَأْكُلْ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ" .. قُلْتُ: أُرْسِلُ كَلْبي. قالَ: "إِذا سَمَّيْتَ فَكُلْ وَإِلَّا فَلَا تَأْكُلْ، وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ فَلا تَأكُلْ فَإنَّما أَمْسَكَ لِنَفْسِهِ" .. فَقال: أرسِلُ كَلْبي فَأَجِدُ عَلَيْهِ كَلْبًا آخَرَ؟ فَقالَ: "لا تَأكُلْ لأَنَّكَ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1929) بنحوه. (¬2) سلف برقم (2849). (¬3) رواه مسلم (1931). (¬4) رواه البخاري (5484) ضمن حديث طويل.

إِنَّما سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ" (¬1). 2855 - حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْن السَّريِّ، عَنِ ابن المُبَارَكِ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، قالَ: سَمِعْتُ رَبِيعَةَ بْنَ يَزِيدَ الدِّمَشْقيَّ يَقُول أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الخَوْلَانِيُّ عائِذُ اللهِ، قالَ: سَمِعْتُ أَبا ثَعْلَبَةَ الخُشَنيَّ، يَقُولُ: فلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ إِنّي أَصِيدُ بِكَلْبي المُعَلَّمِ وَبِكَلْبِي الذي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ قالَ: "ما صِدْتَ بِكَلْبِكَ المُعَلَّمِ فاذْكُرِ اسْمَ اللهِ وَكُلْ، وَما اصَّدْتَ بِكَلْبِكَ الذي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ" (¬2). 2856 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن المُصَفَّى، حَدَّثَنَا محَمَّد بْنُ حَرْبٍ، ح وَحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن المُصَفَّى، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، عَنِ الزُّبَيْديِّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ سَيْفٍ، حَدَّثَنَا أَبُو إِدْرِيسَ الخَوْلانِيُّ، حَدَّثَني أَبُو ثَعْلَبَةَ الخُشَنيُّ، قال: قال لي رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يا أَبا ثَعْلَبَةَ كُلْ ما رَدَّتْ عَلَيْكَ قَوْسُكَ وَكَلْبُكَ" .. زادَ عَنِ ابن حَرْبٍ: "المُعَلَّمُ وَيَدُكَ فَكُلْ ذَكِيًّا وَغَيْرَ ذَكيٍّ" (¬3). 2857 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الِمنْهَالِ الضَّرِيرِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْن زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا حَبِيبٌ المُعَلِّمُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ أَعْرابِيًّا يُقالُ لَهُ: أَبُو ثَعْلَبَةَ قال: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لي كِلَابًا مُكَلَّبَةً فَأَفْتِني في صَيْدِها. فَقالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنْ كَانَ لَكَ كِلَابٌ مُكَلَّبَةٌ فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ" .. قال: ذَكِيّا أَوْ غَيْرَ ذَكيٍّ؛ قالَ: "نَعَمْ" .. قال: فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ؟ قالَ: "وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ" .. فَقال: يا رَسُولَ اللهِ أَفْتِنِي فِي قَوْسِي. قالَ: "كُلْ ما رَدَّتْ عَلَيْكَ قَوْسُكَ" .. قالَ: "ذَكِيّا أَوْ غَيْرَ ذَكيٍّ" .. قال: وَإِنْ تَغَيَّبَ عَنِّي؟ قالَ: "وَإِنْ تَغَيَّبَ عَنْكَ ما لَمْ يَصِلَّ أَوْ تجِدَ فِيهِ أَثَرًا غَيْرَ سَهْمِكَ" .. قال: أَفْتِنِي في آنِيَةِ المَجُوسِ إِنِ اضْطُرِرْنا إِلَيْها. قالَ: "اغْسِلْها وَكُلْ فِيها" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (175، 5476)، ومسلم (1929). (¬2) رواه البخاري (5487)، ومسلم (1930). (¬3) راجع ما سلف برقم (2852). (¬4) رواه النسائي 7/ 191، وأحمد 2/ 184. وانظر: "ضعيف أبي داود" (493).

باب في الصيد [2847] (حَدَّثَنَا محمد بن عيسى) بن الطباع، نزل أذنة، كان يحفظ نحوًا من أربعين ألف حديث، قال أبو حاتم: ثقة مأمون ما رأيت أحفظ منه للأبواب (¬1) (حَدَّثَنَا جرير، عن منصور، عن إبراهيم) النخعي (عن همام) بن الحارث (عن عدي بن حاتم -رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت: يا رسول الله، إني أرسل الكلاب المعلمة) فيه التصريح بأن غير المعلم لا يحل ما قتله بلا خلاف (¬2) لقوله تعالى {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} (¬3)، وللتعليم شروط في كتب الفقه (¬4) (فتمسك) فيه دليل على جواز اتخاذ الكلاب واقتنائها للصيد (¬5) (علي) يحتمل أن تكون علي بمعنى اللام، أي: لأجلي كقوله تعالى: {لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} (¬6) أي: لأجل هدايته ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 8/ 39. (¬2) انظر: "شرح مسلم" للنووي 13/ 74. (¬3) المائدة آية (4). (¬4) ذكر العلماء هذِه الشروط على هذا النحو: والمراد بالمعلمة التي إذا أغراها صاحبها على الصيد طلبته، وإذا زجرها انزجرت، وإذا أخذت الصيد حبسته على صاحبها، وهذا الثالث مختلف في اشتراطه واختلف متى يعلم ذلك منها، فقال البغوي في "التهذيب": أقله ثلاث مرات، وعن أبي حنيفة وأحمد يكفي مرتين، وقال الرافعي: لم يقدره المعظم لاضطراب العرف واختلاف طباع الجوارح فصار المرجع إلى العرف. انتهى من "فتح الباري" 9/ 600. (¬5) "فتح الباري" 9/ 602. (¬6) البقرة: 185.

إياكم، ويؤخذ منه اشتراط امتثال الكلب لمرسله فإن أمسك لنفسه لم يحل (أفآكل) منه؟ (قال: إذا أرسلت الكلاب المعلمة) فيه دليل على أن العالم له من الفضيلة ما ليس للجاهل؛ لأن الكلب إذا علم تكون له فضيلة على سائر الكلاب، فالإنسان إذا كان له علم أولى أن يكون له فضل على سائر الناس لاسيما إن عمل بما علم كما روي عن علي: قيمة كل امرئ ما يحسنه (¬1) (وذكرت اسم الله) تعالى عليه هو عند الجمهور للندب بدليل قوله تعالى: {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} (¬2)، ولم يقل: وسميتم عليه، وهذِه التسمية قيل: هي التي عند الإرسال على الصيد (¬3)، وقيل: المراد بالتسمية عند الأكل. قال القرطبي: وهو الأظهر كما في الصحيح من قوله لعمر بن سلمة: "سم الله وكل مما يليك" (¬4). وأما قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} (¬5)، ففيه أجوبة تقدم بعضها (فكل مما أمسكن) النون في آخره ضمير على الكلاب وإن كانت لا تعقل، وهذا على القليل وإلا فالأكثر أن يقال في جمع الكثرة لمن لم يعقل فغلب، وفي جمع القلة فغلب، فيقال: الجذوع انكسرت [والأجزع انكسرت] (¬6) ويحتمل أن يكون الكلاب ¬

_ (¬1) أورده ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" 1/ 198. (¬2) المائدة: 3. (¬3) قال ابن كثير في تفسير سورة المائدة آية 4: وهذا القول هو المشهور عن الجمهور. (¬4) "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 6/ 74. والحديث أخرجه البخاري (5061). (¬5) الأنعام: 121. (¬6) من (ل).

مما بان فيه جمع الكثرة عن جمع القلة كقوله تعالى: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (¬1)، والعلة هنا باعتبار المرسل؛ فإن الغالب أن (¬2) لا يكون عنده منها عدد كثير. (عليك) كلابك، ومعناه: ما أمسكن على قصد أنها لك؛ لأنك علمتها كذلك (قلت) آكل (وإن) كن (قتلن) الصيد، وفي النون ما تقدم في أمسكن، وإنما أعاد النبي - صلى الله عليه وسلم - الكلاب في الجواب، وإن كان قد علم من كلام السائل لأنه أدرج فيه زيادة قيود مع القيود الواقعة في السؤال وتأكيدًا لاعتبارها، وكذا أعاد. (قال: وإن قتلن) فيه أن الكلب أو الجارح إذا مات الصيد بإمساكه فإنه يحل أكله إن كان قد جرحه، ثم تحامل عليه فقتله حل قطعًا، فإن قتله من غير جرح بل بمجرد التحامل والثقل، فيحمل أيضًا على الأظهر لعموم القتل فإنه يعم الجرح وعدمه. والثاني: لا يحل، وصححه صاحب "المرشد" لأن الجرح آلة فلم يحل بثقله كالسلاح (¬3) (ما لم يشركها) بفتح الياء والراء وماضيه بكسر الراء. (كلب) آخر (ليس منها) أي: من الكلاب المعلمة ويبعد أن يراد: ليس من كلابك بل من كلاب غيرك؛ لأنه لو أرسل رجلين كلبين على صيد فقتلاه جميعًا أكل، وكان الصيد بينهما إلا أن يبعد الأول بقاتله فلا شيء للثاني، والمراد منه أنه لا يحل إذا شارك كلبه كلب آخر قد ¬

_ (¬1) البقرة آية 228. (¬2) من (ل). (¬3) راجع "تفسير ابن كثير" لسورة المائدة آية (3).

استرسل بنفسه أو أرسله من ليس من أهل الزكاة أو شككنا في ذلك (¬1). (قلت: إني أرمي بالمعراض) بكسر الميم وسكون العين المهملة وتخفيف الراء بعد الألف ضاد معجمة، قال ابن دقيق العيد: هو عصا رأسها محدد (¬2)، وقيل: هو السهم الذي لا ريش له (¬3). قال النووي: الصحيح أنه خشبة ثقيلة أو عصا في طرفها حديدة، وقد تكون بغير حديد (¬4) (فأصيب) الصيد (أفآكل) منه (قال: إذا رميت بالمعراض وذكرت اسم الله) عليه. قال ابن جرير في "تفسيره": من ظن أن في الآية يعني: أو الحديث على أنه لا يحل من صيدهن إلا ما أرسل وسمى الله عليه فقد أعظم الخطأ؛ لأن دلالة القرآن والحديث إنما هي على التسمية على ما أمسكن عند أكله دون التسمية في حال الإرسال، ولو أراد - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - ذلك لقال: واذكروا اسم الله عليها أو عليهن كما قال: فكلوا مما أمسكن عليكم، ولم يقل عليه، والتقدير على هذا: واذكروا اسم الله على أكله (¬5). (فأصاب) الصيد (فخزق) بفتح الخاء والزاي المعجمتين ومعناه: نفذ، وعبارة القرطبي: خزق معناه خرق (¬6) يعني: بإهمال الراء، يقال: ¬

_ (¬1) انظر: "شرح مسلم" للنووي 13/ 74. (¬2) "إحكام الأحكام" 2/ 288. (¬3) انظر: "فتح الباري" 9/ 600. (¬4) شرح مسلم" للنووي 13/ 75. (¬5) لم أقف على هذا الكلام في التفسير في موضع المائدة. وقال القرطبي عند هذِه الآية: وقيل: المراد بالتسمية هنا التسمية عند الأكل، وهو الأظهر. انتهى. (¬6) "المفهم" 16/ 118.

سهم خازق، وفيه لغة خاسق بالسين المهملة (¬1)، قال: الزاي تقلب سينًا كبزق وبسق (¬2). (فكل) يعني: إن أصابته الحديدة في إحدى الطرفين فقتلته وأراقت دمه، فهذا يجوز أكله (¬3)؛ لأنه حينئذٍ كالسيف والرمح (وإن أصاب) الصيد (بعرضه) فرضه دون جرح (فلا تأكل) لأنه وقيذه، وإنما لم يؤكل ما قتل بالعرض؛ لأنه في معنى الحجر (¬4) لا معنى السهم. [2848] (حَدَّثَنَا هناد بن السري) بفتح السين وكسر الراء التميمي الكوفي شيخ مسلم (حَدَّثَنَا) محمد (ابن فضيل) بن غزوان (¬5) الضبي (عن بيان) بن بشر المؤدب (عن عامر) بن شراحيل الشعبي. (عن عدي بن حاتم، قال: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - قلت: إنا) قوم (نصيد بهذِه الكلاب، فقال: إذا أرسلت كلابك) إرسال الجارحة بمنزلة الذبح، ولهذا اعتبرت التسمية معه؛ فإن استرسل بنفسه فسمى صاحبه وأغراه فزاد في عدوه أبيح صيده، وبه قال أبو حنيفة (¬6)، وهو وجه عند الشافعي (¬7)؛ لأنه قد ظهر أثر الإغراء فصار كما لو أرسله؛ لأن فعل الإنسان متى انضاف إلى فعل غيره فالاعتبار بفعل الإنسان كما لو صال كلب على ¬

_ (¬1) "النهاية" لابن الأثير 2/ 76. (¬2) "شرح مسلم" للنووي 13/ 2179 وقال النووي: ولكنها لغة قليلة. (¬3) من (ل). (¬4) في (ر): الحجرة. (¬5) غزوان بفتح المعجمة وسكون الزاي. التقريب 6227. (¬6) انظر: "الحاوي" 18/ 121. (¬7) انظر: "تحفة الملوك " ص 204.

إنسان فأغراه إنسان، فالضمان على من أغراه، والوجه الأقوى عند الشافعي؛ لا يحل؛ لأنه اجتمع الإرسال المحرم للأكل والإغراء المبيح فيغلب التحريم على القاعدة المستقرة. وعن مالك روايتان كالوجهين (¬1) (المعلمة) لقوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} (¬2)، وهو بأن (¬3) تنزجر جارحة السباع بزجر صاحبه، ويقف ويسترسل بإرساله إذا أغراه وهيجه على الصيد. (وذكرت اسم الله عليها) ولا يتعين لفظ الله، وإن كان هو الأكمل، فلو قال: بسم الله الرحمن أو الرحيم كان حسنًا، فلو جمع بين الله الرحمن الرحيم كان أحسن. قال الشافعي: فإن زاد شيئًا من ذكر الله تعالى فالزيادة خير (¬4). (فكل مما أمسكن) أي: حبسن (عليك) تقييد الحل بالإمساك يدل على أن الكلب إذا استرسل بنفسه وقتل صيدًا فهو حرام معلمًا كان أو لم يكن؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم -حم قيد تجويز الأكل من الصيد بوصف الإرسال فكان ذلك شرطًا لحل الأكل (¬5) (وإن) كان قد (قتل) الصيد سواء جرحه أو قتله بتثاقله عليه كما تقدم قريبا. (إلا أن يأكل الكلب) منه (فإن أكل) منه (فلا تأكل) فيه حجة للجديد ¬

_ (¬1) "المغني" 11/ 4 , "المجموع" للنووي 9/ 103، و"المدونة" 1/ 535. (¬2) المائدة: 4. (¬3) في (ر): باق. (¬4) "الأم" 2/ 239. (¬5) "الحاوي" 15/ 6، "المجموع" 9/ 99.

وهو الأصح من مذهب الشافعي، وبه قال أبو حنيفة وأحمد: أن الكلب إذا ظهر كونه معلمًا ثم أكل من لحم الصيد (¬1) قبل أن قتله أو بعده أنه يحرم أكل لحم الصيد (فإني أخاف أن يكون إنما أمسكه على نفسه) وهذا الحديث يقدم على حديث أبي ثعلبة [الدال على الحل كما سيأتي فهو أولى بالعمل منه لأنه أصح من حديث أبي ثعلبة] (¬2) فإنه متفق عليه بخلاف حديث أبي ثعلبة، ولأنه متضمن للزيادة وهو ذكر الحكم معللًا. والثاني وهو القديم أنه يحل الأكل منه وإن أكل؛ لحديث أبي ثعلبة: وإن أكل، ولأن الأصل (¬3) بقاؤه على التأدب، والأكل يحتمل أن يكون لشدة جوع أو غيظ على الصيد (¬4). وسيأتي. [2849] (حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد) بن سلمة (عن عاصم الأحول، عن الشعبي، عن عدي بن حاتم - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا رميت بسهمك) ويقال: بسهم القدح والنشاب (وذكرت اسم الله) تعالى عليه (فوجدته من الغد) وللبخاري: فوجدته بعد يوم أو ¬

_ (¬1) قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" 13/ 75: واختلف العلماء فيه فقال الشافعي في أصح قوليه: إذا قتلته الجارحة المعلمة من الكلاب والسباع وأكلت منه فهو حرام وبه قال أكثر العلماء منهم ابن عباس وأبو هريرة وعطاء وسعيد بن جبير والحسن والشعبي والنخعي وعكرمة وقتادة وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر وداود وقال سعد بن أبي وقاص وسلمان الفارسي وابن عمر ومالك: يحل. وهو قول ضعيف للشافعي. (¬2) من (ل). (¬3) في (ر) الصيد. (¬4) "المغني" 11/ 4.

يومين (¬1) (ولم تجده) غريقًا (في ماء فيه أثر غير سهمك فكل) فإن الظاهر أنه مات بسهمك، والأصل عدم حدوث غيره، وهذا إذا كان أثر الجراحة ظاهرة فيه، فإن وجده ميتًا ولا أثر به من سهمك فوجهان كما تقدم، ولم يذكر نتن اللحم هنا، فدل على أنه غير شرط. (وإذا اختلط بكلابك كلب) آخر (من غيرها) زاد البخاري: ولفظه: "وإذا خالط كلابًا لم يذكر أسم الله عليها فأمسكن وقتلن" (¬2) (فلا تأكل) ثم ذكر العلة وهي: فإنك (لا تدري لعله قتله) الكلب (الذي ليس منها) فيه دلالة لما هو مذهبنا ومذهب الجمهور أن من أرسل كلبه المعلم على صيد فاختلط به كلاب أخر ووجد الصيد قتيلًا ولا يعلم القاتل منهما، أو علم أنها اشتركت في قتله أنه حرام، وممن قال به مالك وأبو حنيفة وأحمد لهذا الحديث (¬3). وحكى ابن المنذر عن الأوزاعي أنها إذا (¬4) اشتركت في قتله وكانت الكلاب الأخر معلمة (¬5) والصحيح عدم الحل؛ لأنه شك في الاصطياد المبيح فوجب إبقاء حكم التحريم، فإن علم أن الذي خالطه مما يباح صيده بدلالة تعليل تحريمه، ولأنه لم يشك، والتحريم في الحديث ¬

_ (¬1) البخاري (5484). (¬2) السابق. (¬3) انظر: "شرح مسلم" للنووي 13/ 78. (¬4) من (ل). (¬5) هكذا في الأصل وفي "شرح البخاري" لابن بطال 5/ 396: كان الأوزاعي يقول: إذا أرسل كلبه المعلم فعرض له كلب آخر فقتلاه فهو حلال، وإن كان غير معلم فقتلاه لم يؤكل .. . فالظاهر أن ها هنا كلمة ساقطة وهي (كان حلالا).

إنما هو مع الشك (¬1). [2850] (حدثنا محمد بن يحيى بن فارس) الذهلي (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة) أبو سعيد الوادعي الحافظ قال (أخبرني عاصم (¬2) الأحول، عن الشعبي، عن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا وقعت رميتك) بفتح الراء وكسر الميم وتشديد المثناة تحت، قال ابن الأثير: الرمية الشيء الذي يرميه من صيد وغيره (¬3). قال الأصمعي: هي الطريدة التي يرميها الصائد، وهي كل دابة مرمية (¬4) (في ماء فغرق) بكسر الراء. (فمات، فلا تأكل) هذا متفق على تحريمه إذا كانت الجارحة (¬5) غير موجبة، وإن كانت موجبة (¬6) مثل أن ذبحه، أو أبان حشوتة لم يضر وقوعه في الماء؛ لأن هذا صار في حكم الميت بالذبح فلا أثر لوقوعه في الماء (¬7). ¬

_ (¬1) "شرح البخاري" لابن بطال 5/ 396، "المجموع" 9/ 103، "الشرح الكبير" لابن قدامة 11/ 11. (¬2) بعدها في الأصول: ابن. (¬3) "جامع الأصول" 7/ 24. (¬4) انظر: "تهذيب اللغة" 15/ 201. (¬5) هكذا في الأصل والذي في كتب الفقه كـ "المغني"، "الشرح الكبير"، "كشف المشكل" لابن الجوزي: "الجراحة" وهو الصواب. (¬6) يعني وقعت في مقتل راجع "كشف المشكل" 2/ 285. (¬7) "المغني" 11/ 23، "الشرح الكبير" 11/ 16، "كشف المشكل" 1/ 285، "اختلاف العلماء" لابن هبيرة 2/ 345.

[2851] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي. (حدثنا مجالد) بتخفيف الميم ابن سعيد الهمداني الكوفي، أخرج له مسلم (عن الشعبي، عن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ما علمت من كلب أو باز) بتخفيف الزاي المنونة المكسورة، وفي البازي ثلاث لغات أفصحها (¬1) بتخفيف الياء كالقاضي جمعه قضاة، والثانية باز مثل بأن فيرفع بالضم وينصب بالفتح ويجر بالكسر، والثالثة بازي بتشديد الياء آخره، ويقال للبزاة والشواهين ونحوهما مما يصيد صقور، وأحسن أجناسه ما قل ريشه واحمرت (¬2). وفيه دليل على أنه يجوز الاصطياد بالكلب وما في معناه من جوارح السباع كالكلب والفهد والنمر وغيرها، وبجوارح الطير كالبازي وفي معناه الشواهين والصقر؛ لقوله تعالى {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} (¬3). قال القرطبي: على أن كل (¬4) ما يصطاد بعد التعليم جارح أي: كاسب، قال الله تعالى: {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ} أي: اكتسبتم (¬5). (ثم أرسلته) إلى الصيد (وذكرت أسم الله) عليه (فكل) أمر للإباحة (مما أمسك) قال الأخفش: من هنا زائدة كقوله تعالى {كُلُوا مِنْ ¬

_ (¬1) في (ر) أرجحها. (¬2) انظر: "حياة الحيوان" للدميري 1/ 105 وتمام الوصف فيه: "عيناه مع حدة فيهما". (¬3) المائدة: 4. (¬4) في (ر): يأكل. (¬5) "الجامع لأحكام القرآن" 6/ 66.

ثَمَرِهِ}، وخطأه البصريون فقالوا: من لا تزاد في الإثبات، ومن في مما أمسك و {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ} للتبعيض، ووجهه أنه إنما يحصل (¬1) من الصيد دون الفرث والدم. قال القرطبي: وهذا ليس بمعهود في الأكل، ويحتمل أن يراد: مما أبقته الجوارح لكم، وهذا على قول من قال: لو أكل الكلب أو البازي من الصيد لم يضر، وسبب لهذا الاحتمال اختلف العلماء في جواز أكل الصيد إذا أكل الجارح منه على ما تقدم (¬2). (عليك) أي: لأجلك كما تقدم (قلت: وإن قتل) الصيد؟ (قال: إذا قتله ولم يأكل منه شيئًا) فقد دل على أنه (فإنما أمسكه عليك) وهذا فيه تبيين لما أبهم في رواية الترمذي عن عدي: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صيد البازي فقال: "ما أمسك عليك فكل" (¬3). [2852] (حدثنا محمد بن عيسى) بن نجيح أبو جعفر بن الطباع، روى تعليقًا عنه البخاري (حدثنا هشيم) مصغرًا (أنبأنا داود بن عمرو) الدمشقي. قال أبو زرعة: لا بأس به، ومرة قال فيه ابن معين: مشهور، ومرة قال: ثقة (¬4) (عن بسر) بضم الموحدة وسكون المهملة (ابن عبيد الله) بالتصغير الحضرمي الشامي. ¬

_ (¬1) في "الجامع لأحكام القرآن": يحل. (¬2) "الجامع لأحكام القرآن" 6/ 73. (¬3) انظر: "جامع الترمذي" (1467). (¬4) "الجرح والتعديل" 3/ 420.

(عن أبي إدريس) عائذ الله بن عبد الله (الخولاني، عن أبي ثعلبة) جرثوم (الخشني - رضي الله عنه -، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صيد الكلب) المعلم (إذا أرسلت كلبك) على الصيد (وذكرت اسم الله تعالى) عليه (فكل، وإن أكل منه) فكل إن شئت منه، وفيه إباحة الأكل مما أمسك الكلب وإن أكل من الصيد. فيه معارضة للحديث المتقدم من رواية عدي في رواية مسلم: "فإن أكل منه فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه". فيحمل حديث عدي (¬1) على التنزيه والاستحباب، وحديث أبي ثعلبة هذا على الإباحة حتى لا تتعارض الأحاديث. وقال بعضهم: ربما علل حديث عدي بأنه كان من المياسير فاختير له الحمل على الأولى، وأن أبا ثعلبة كان على العكس من ذلك فأخذ له بالرخصة واستضعف لكونه - عليه السلام - علل عدم الأكل بخوف الإمساك على نفسه. قال ابن دقيق العيد: اللهم إلا أن يقال إنه علل بخوف الإمساك لا بتحقيقه. فيجاب عن هذا بأنا إذا شككنا في السبب المبيح رجعنا إلى الأصل وهو التحريم (¬2). (وكل من ما ردت) بتشديد الدال وسكون تاء التأنيث (عليك) يحتمل أن يكون ردت بمعنى أعطت أي: كل من كل شيء أعطته لك (يدك) بفعل فعلته أو سبب كما في حديث: "ردوا السائل ولو بظلف". أي: أعطوه ولو ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) "إحكام الأحكام" 1/ 479.

ظلفًا محروقًا. واستدل به أحمد على أن من نصب منجلًا للصيد وسمى عليها فعقرت صيدًا، وقتلته حل (¬1)، فإن بان منه عضو فحكمه حكم البائن بضربه الصائل (¬2)، وروي نحو ذلك عن ابن عمر، وهو قول الحسن وقتادة، واستدل بأنه قتل الصيد بنصب المنجل وهو له حد، وجرت العادة بالصيد به، والسبب أجري مجرى المباشرة في الضمان فكذا في إباحة الصيد. وقال الشافعي: لا يباح بحال؛ لأنه لم يذكه أحد، وإنما قتلت المناجل بنفسها ولم يوجد من الصائد إلا السبب، وكذا من نصب أحبولة فيها حديدة فوقع فيها صيد فقتلته الحديدة لم يحل؛ لأنه لم يذكه أحد، فلم يوجد من الصائد إلا السبب كمن نصب سكينًا فوقعت عليها شاة فذبحت حلقها. وفرق الحنابلة بين السكين والمنجل؛ لأن العادة لم تجر بالصيد بالسكين (¬3). [2853] (حدثنا الحسين بن معاذ بن خليف) البصري ثقة (¬4) (حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي بالمهملة البصري. (حدثنا داود) بن أبي هند القشيري، واسم أبي هند دينار (عن عامر) الشعبي. ¬

_ (¬1) انظر: "كشف المشكل" 1/ 284، "شرح منتهى الإرادات" 3/ 428. (¬2) في (ر): الصائد. (¬3) "الشرح الكبير" 11/ 15، "روضة الطالبين" 3/ 249، "الوسيط" للغزالي 7/ 114، "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" 30/ 479. (¬4) "الكاشف" 1/ 234.

(عن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - أنه قال: يا رسول الله) إن (أحدنا يرمي الصيد فيقتفي) أي يتبع (أثره) يقال: اقتفوت أثره وقفوت أثره إذا تبعته (اليومين) أو (الثلاثة ثم يجده) بعد ذلك (ميتًا وفيه) أثر (سهمه) أو وجد فيه سهمه بعينه (أيأكل) من لحمه (قال: نعم إن شاء أو قال يأكل إن شاء) كذا لفظ البخاري في "الصحيح" بلفظ: هذِه الثانية من غير شك من الراوي (¬1). وفيه دليل لأبي حنيفة أنه إن لم يتبعه ولا قفا أثره تابعًا له إلى أن وجده مقتولًا بعدما غاب عنه لم يحل أكله (¬2)، قال البيهقي قاله استحسانًا بخلاف ما إذا قفا أثره فإنه يحل أكله عنده. واستدل أبو حنيفة بأنه إنما أباح أكله لأجل اقتفائه أثره؛ لأنه إذا لم يتبعه ووجده مقتولًا يخشى أن يكون مقدورًا عليه فلا يؤكل إلا بذكاة (¬3). [2854] (حدثنا محمد بن كثير) البصري (حدثنا شعبة، عن عبد الله ابن أبي السفر) سعيد بن محمد الهمداني الكوفي، أخرج له الشيخان. (عن الشعبي قال: قال عدي بن حاتم - رضي الله عنه -: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المعراض) عود يجعل في رأسه حديدة. قال أحمد: المعراض شيء يشبه السهم يحذف به الصيد (¬4) (فقال: إذا) رميت به (وأصاب) الصيد (بحده فكل، وإذا أصاب بعرضه فلا تأكل) ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (5484). (¬2) انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 3/ 195. (¬3) انظر: "التمهيد" لابن عبد البر 346/ 23، "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 5/ 394. (¬4) "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 12/ 517 - 518 (2834).

منه (فإنه وقيذ) بمعنى الموقوذة، فهو فعيل بمعنى مفعول، والموقوذة هي التي ترمى أو تضرب بالخشب حتى تموت من غير تذكية كما كانت الجاهلية تفعله، وهي حرام على قول الأئمة الأربعة (¬1). وقال الأوزاعي وأهل الشام: يباح ما قتله بحده وعرضه (¬2). وحكم آلات الصيد حكم المعراض في أنها إذا قتل بعرضها ولم تجرح لم يبح الصيد كالسهم يصيب الطائر بعرضه فيقتله، والرمح والحربة والسيف يضرب به صفحًا فيقتل فكل ذلك حرام (¬3). (قلت: إني أرسل كلبي وأجد كلبًا آخر فقال: لا تأكل فإنما سميت على كلبك) معناه: أن من أرسل كلبه على صيد فوجد الصيد ميتًا ووجد مع كلبه كلبًا آخر لا يعرف حاله فإنه لا يباح إلا أن يدركه حيًّا فيذكيه، ولا أعلم فيه هذا مخالفًا (¬4). [2855] (حدثنا هناد بن السري، عن) عبد الله (ابن المبارك، عن حيوة بن شريح قال: سمعت ربيعة بن يزيد) القصير (الدمشقي) بفتح الميم (يقول: أخبرني أبو إدريس الخولاني عائذ الله قال: سمعت أبا ثعلبة الخشني - رضي الله عنه - يقول: قلت: يا رسول الله إني أصيد بكلبي المعلم) بأن ينزجر بزجر صاحبه ويسترسل بإرساله ويعتبر تكرار هذا التعليم من ¬

_ (¬1) انظر "النتف" 1/ 232، "المنتقى شرح الموطأ" 3/ 114، "الإقناع" 1/ 184، "المغني" 26/ 11. (¬2) انظر: "شرح مسلم" للنووي 13/ 75، "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 5/ 385، "سبل السلام" 4/ 84. (¬3) "المغني" 11/ 26، "الشرح الكبير" 11/ 14. (¬4) "المغني" 11/ 15.

غير عدد معين، بل المرجع فيه إلى أهل الخبرة (وبكلبي الذي ليس بمعلم. قال: ما صدت) بصاد مشددة. قال في "النهاية": كذا روي، وأصله اصطدت كما تقدم (¬1) (بكلبك المعلم فاذكر أسم الله) تعالى عليه (وكل، وما أصدت بكلبك الذي ليس بمعلم فأدركت ذكاته فكل) وإن لم تدرك فيه حياة مستقرة فتذكيه فلا تأكل منه. [2856] (حدثنا محمد بن المصفى) بن بهلول القرشي الحمصي الحافظ، قال أبو حاتم: صدوق (¬2). (حدثنا محمد بن حرب، وحدثنا محمد بن مصفى، حدثنا بقية) بقية ابن الوليد، أخرج له مسلم (عن الزبيري) واسمه محمد بن عبد الله بن الزبيري الكوفي الحبال (حدثنا يونس بن سيف) الكلاعي، ثقة (¬3). (حدثنا أبو إدريس) عائذ (الخولاني، حدثني أبو ثعلبة الخشني - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا أبا ثعلبة كل ما ردت) بتشديد الدال أي: أعطاك الله تعالى به من الصيد كما تقدم. (عليك قوسك) القسي أنواع وكلها محتملة أن تدخل في الحديث، فمنها قوس الرجل وقوس اليد وهي ثلاثة أقسام: عربية حجازية، وعربية مصنوعة، وفارسية وهي: التركية، والعربية تنقسم إلى أنواع كثيرة، وأما قوس الرجل فنوعان: تركية: وبها رمت الأكاسرة من الفرس، ولها قفل ¬

_ (¬1) "النهاية" لابن الأثير 3/ 138. (¬2) "الجرح والتعديل" 8/ 104. (¬3) "الكاشف" 3/ 104.

ومفتاح. وأندلسية: وبها رمت الأندلس (¬1). (وكلبك. زاد عن) محمد (ابن حرب: المعلم. و) كل ما ردت عليك (يدك ذكيًّا) أي سواء كان ذكيًّا (أو غير ذكي) فكله. قال في "النهاية": أراد بالذكي ما أمسك عليه فأدركه قبل زهوق روحه، فذكاه في الحلق أو اللبة، وأراد بقوله: غير ذكي ما زهقت نفسه قبل أن تدركه فتذكيه مما جرحه الكلب بسنه أو ظفره، انتهى (¬2). وعلى هذا فذكي فعيل بمعنى مفعول مذكى. وهذا الحديث عام يدخل في عمومه مسائل كثيرة: منها: أن من أرسل كلبًا أو رمى بسهمه صيدًا فأصابه وغيره حلا جميعًا، وهذا قول أبي حنيفة (¬3) وأحمد، وكذا الشافعي، إلا أنه فصل فقال: إذا أرسل الكلب على صيد فأخذ آخر في طريقه حل؛ لأنه رده عليه كلبه المعلم وإن عدل عن طريقه إليه ففيه وجهان (¬4). وقال مالك: إذا أرسل كلبه على صيد بعينه فأخذ غيره لم يبح؛ لأنه لم يقصد صيده إلا أن يرسله على صيود (¬5)، فأما إذا أرسل سهمه أو الجارح ولا يرى صيدًا ولا يعلمه فصاد لم يحل صيده؛ لأنه لم يقصد صيدًا، وبهذا قال الشافعي وأحمد. ¬

_ (¬1) "صبح الأعشى" 2/ 150. (¬2) "النهاية" 2/ 411. (¬3) انظر: "المبسوط" 14/ 94، "الهداية شرح البداية" 4/ 119. (¬4) انظر: "الشرح الكبير" 11/ 36 "الأم" للشافعي 2/ 228. (¬5) انظر: "المدونة" 1/ 534.

وقال الحسن ومعاوية بن قرة: يحل أكله لعموم الحديث (¬1). [2857] (حدثنا محمد بن المنهال الضرير) شيخ الشيخين أبو عبد الله التميمي المجامعي البصري. (حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا حبيب) بن أبي قريبة أبو محمد (المعلم) مولى معقل بن يسار. (عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده) كما تقدم - رضي الله عنهم - (أن أعرابيّا يقال له أبو ثعلبة) الخشني (قال: يا رسول الله، إن لي كلابًا مكلبة) أي: مسلطة على الصيد معودة بالاصطياد التي قد ضَرِيَتْ (¬2) عليه، والمكلِّب بكسر اللام صاحبها (¬3) وكان لعدي كلاب خمسة قد سماها بأسماء أعلام فأسماء أكلبه سهلب (¬4) وغلاب (¬5) والمختلس والمتناعس وخامس (¬6). قال السهيلي (¬7): فيهما أخطب أو قال: وثاب (¬8). (فأفتني) بفتح الهمزة (في صيدها فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن كان لك كلاب مكلبة) فأرسلتها على الصيد وذكرت اسم الله تعالى عليها (فكل مما ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" 11/ 18. (¬2) ضرِي: اعتاد وجرئ. انظر: "المصباح المنير" 2/ 361. (¬3) النهاية" لابن الأثير 4/ 348. (¬4) في الأصل سليب. والمثبت من "الجامع لأحكام القرآن". (¬5) في الأصل علاب بالمهملة والمثبت من "الجامع لأحكام القرآن". (¬6) في الأصل: وخامس. وليس كذلك؛ وإنما قال السهيلي: وخامس أي وكلب خامس .. الخ. (¬7) في (ر) التسهيل. (¬8) "الجامع لأحكام القرآن" 6/ 66.

أمسكن) ولأحمد: "أمسكت" (عليك) فقال: يا رسول الله ذكي وغير ذكي؟ (فقال: ) سواء كان (ذكيّا أو غير ذكي) تقدم تفسير الذكي قبله، وفيه دلالة للصحيح من مذهب الشافعي أن الكلب إذا أمسك ولم يجرحه بل قتله بثقله وصدمته فإنه يحل (¬1) وإن لم يجرحه الكلب ولا أمسكه حتى أدرك ذكاته لقوله أو غير ذكي أي مذكى، ولأن الكلب لا يمكن تعليمه الجرح وإنهار الدم حتى يشترط تعليمه ذلك. (قال: وإن أكل) الكلب (منه، قال: وإن أكل منه) أي: يحل وإن أكل (¬2) الكلب المعلم منه، ولا يشترط ترك الأكل منه سواء الكلب وغيره، وهذا حجة الشافعي (¬3). وقال أحمد: إن أكل الكلب من الصيد لم يحل، فاستدل بحديث عدي المتقدم: "فإن أكل فلا تأكل فإني أخاف أن يكون إنما (¬4) أمسكه على نفسه"، قال: وهذا أولى من حديث أبي ثعلبة؛ لأنه أصح؛ فإنه متفق عليه كما تقدم (¬5). (قال: يا رسول الله أفتني في قوسي) الذي أرمي به (قال: كل) كلَّ (ما ردت عليك قوسك) توضحه رواية أحمد ولفظه: "كل ما أمسكت ¬

_ (¬1) في المسألة قولان الحل وعدمه، انظر "المجموع" 9/ 102. (¬2) من (ل). (¬3) يعني في أحد قوليه والقول الثاني لا يحل وقال البغوي والنووي: هو الأصح. انظر "شرح السنة" للبغوي 11/ 195، "شرح مسلم" للنووي 13/ 75. (¬4) في (ر): مما. (¬5) انظر: "المغني" 11/ 4.

قوسك" (¬1) يعني: كل ما حبسته من الصيد برمي قوسك، قال: ذكي وغير ذكي قال (قال: ذكليا) كان (أو غير ذكي) أي: وإن لم تدرك ذكاته كما في الكلب (قال: وإن تغيب) المرمي (عني قال: وإن تغيب عنك) يعني ووجدت فيه سهمك كما تقدم (ما لم يصل) بفتح الياء وكسر الصاد المهملة وتشديد اللام أي: ما لم يتغير اللحم وتنتن رائحته مطبوخًا كان أو غير مطبوخ (¬2). قال في "النهاية": يقال: صل اللحم وأصل، قال: وهذا على الاستحباب فإنه يجوز أكل اللحم المتغير الريح إذا كان ذكيًّا (¬3) كما تقدم. ولنا وجه: أن اللحم الطري إذا أنتن يحرم أكله. قال العمراني: وليس بشيء (¬4)، ولعل مراد صاحب هذا الوجه بالنتن النتن الشديد القريب من الاستحالة والفساد لا مطلق النتن ويرجع ذلك إلى أهل الخبرة؛ فإن حكموا بضرره (¬5) حرم تناوله وإلا فلا، كما لو كمر الشتوي وغطي حين خروجه من التنور. قال بعض أصحابنا: حرم أكله، لأنه سم قاتل (أو تجد فيه) الصيد (أثرًا غير سهمك) (¬6) فيه دلالة على أنه إذا وجد في الصيد أثر غير سهمه ¬

_ (¬1) " المسند" 2/ 184. (¬2) "المفهم" للقرطبي 16/ 121. (¬3) "النهاية" 3/ 48. (¬4) "البيان" 4/ 552. (¬5) في (ر): بصورة. (¬6) وفي بعض نسخ "السنن": أثرَ غيرِ سهمك.

أو أثر سبع. أو يحتمل أن يكون مات بسبب آخر من صدمة أو غيرها لم يحل، فإن التحريم يحتاط له، ولأنه شرط في حديث عدي (¬1) العلم بأن سهمه قتله. (قال: أفتني في آنية المجوس) أمة من الناس وهي كلمة فارسية (¬2). وفي الحديث: "القدرية مجوس هذِه الأمة" (¬3). قيل: جعلهم مجوسًا لمضاهاة مذهبهم في قولهم بالأصلين وهما: النور والظلمة يزعمون أن الخير من فعل النور والشر من فعل الظلمة، وكذا القدرية يضيفون الخير إلى الله والشر إلى الإنسان والشيطان (¬4) (إذا اضطررنا إليها، قال: اغسلها) ولم تعد ذكر الاضطرار في الجواب لكونه غير متغير في الحكم ولا شرط، والظاهر أن هذا الغسل ثلاثًا، لأنه لتوهم النجاسة كما في حديث: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه ثلاثًا قبل أن يدخلهما في الإناء فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده". وفيه دلالة لما ذهب إليه أحمد أنه لا يؤكل من طعام المجوس ولا في آنيتهم، لأن الظاهر نجاسة آنيتهم المستعملة في أطعمتهم، وكذا قال القاضي: لا يستعمل ما استعملوه من آنيتهم وكذا آنية عبدة الأوثان ونحوهم؛ لأن ذبائحهم ميتة وأوانيهم لا تخلو من أطعمتهم غالبًا، ومن يأكل الخنزير من النصارى أو الميتة (¬5) أو يذبح بالسن والظفر نحوهم، لاتفاقهم في ¬

_ (¬1) في (ر): على. (¬2) "المصباح المنير" 2/ 564. (¬3) أخرجه أبو داود (4691). (¬4) انظر: "شرح مسلم" للنووي (1/ 154 و 155). (¬5) من (ل).

نجاسة أطعمتهم (¬1). ومذهب الشافعي: حكم آنية أهل الكتاب في الكراهة وإباحة الاستعمال؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه توضئوا من مزادة مشركة من الصابئين، ولأن الأصل (¬2) الطهارة فلا تزول بالشك (¬3) (وكل فيها) واشرب وانتفع بها. ¬

_ (¬1) انظر: "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 5/ 374 - 375 (224). (¬2) في (ر): في الطهارة. (¬3) انظر: "الحاوي" للماوردي 1/ 81، "المجموع" (1/ 261 - 265).

3 - باب في صيد قطع منه قطعة

3 - باب في صَيدِ قُطِعَ منْهُ قِطْعةٌ 2858 - حدثنا عُثْمان بْن أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا هاشِمُ بْنُ القاسِمِ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينارٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطاءِ بْنِ يَسارٍ، عَنْ أَبي واقِدٍ قال: قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ما قُطِعَ مِنَ البَهِيمَةِ وَهيَ حَيَّةٌ فَهو مَيْتَةٌ" (¬1). * * * باب في صيد قطع منه قطعة [2858] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا هاشم بن القاسم) أبو النضر الحافظ (حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار) المدني مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب، أخرج له البخاري في الوضوء والجهاد (عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي واقد) قيل: اسمه الحارث بن الأعور الليثي - رضي الله عنه - (قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -) وفي رواية أحمد (¬2) زيادة قبله ولفظه: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وبها ناس يعمدون إلى أليات الغنم وأسنمة الإبل، فقال: ورواه ابن ماجه (¬3) والطبراني (¬4) وابن عدي (¬5) بلفظ: قيل: يا رسول الله إن ناسًا يجبون أليات الغنم ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1480)، وأحمد 5/ 218. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2546). (¬2) "مسند أحمد" 5/ 218. (¬3) ابن ماجه (3217) ولفظه: يكون في آخر الزمان قوم يجبون أسنمة الإبل ويقطعون أذناب الغنم .. الحديث. (¬4) الطبراني في "الكبير" 3/ 248. (¬5) "الكامل في الضعفاء" 3/ 325، 4/ 299.

وهي أحياء، فقال (ما قطع من البهيمة) بنفسه أو قطع منه (وهي حية) كقطع ألية الشاة أو عضو منها (فهو (¬1) ميتة) (¬2) إن كان طاهرًا فطاهر، أو نجسًا فنجس. وفي العضو المبان من الآدمي كيده، ومن السمك والجراد خلاف، والأصح طهارته كميتاتها، ويستثنى من ذلك الشعر والصوف والوبر والريش والمسك وفأرته فإنه طاهر مع أن ميتته نجسة، واستثني لعموم المنفعة إليه (¬3). ¬

_ (¬1) هكذا في الأصل وفي مطبوع "السنن": (فهي) وقال د/ محمد عوامة: في (ح، س) فوق فهي ضبة. إشارة إلى أن الأصل (فهو) ويمكن إعادة (هي) على القطعة المقطوعة. انظر (2852). (¬2) في (ر): كميته. (¬3) انظر: "المجموع" 9/ 306، "روضة الطالبين" 1/ 17.

4 - باب في اتباع الصيد

4 - باب في اتِّباعِ الصَّيْدِ 2851 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا يَحْيَى، عَنْ سُفْيانَ، حَدَّثَني أَبُو مُوسَى، عَنْ وَهْبِ ابْنِ مُنَبِّهٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وقالَ مَرَّةً سُفْيانُ وَلا أَعْلَفهُ إِلا عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وقالَ: "مَنْ سَكَنَ البادِيَةَ جَفا وَمَنِ اتَّبَعَ الصَّيْدَ غَفَلَ وَمَنْ أَتَى السُّلْطانَ افْتُتِنَ" (¬1). 2860 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حدثنا مُحَمَّدُ بْن عُبَيْدٍ، حدثنا الحَسَن بْنُ الحَكَمِ النَّخَعيُّ، عَنْ عَديِّ بْنِ ثابِتٍ، عَنْ شَيْخٍ مِنَ الأنصارِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَعْنَى مُسَدَّدٍ قالَ: "وَمَنْ لَزِمَ السُّلْطانَ افْتُتِنَ" .. زادَ: "وَما ازْدادَ عَبْدٌ مِنَ السُّلْطانِ دُنُوّا إِلا ازْدادَ مِنَ اللهِ بُعْدًا" (¬2). 2861 - حدثنا يَحْيَى بْن مَعِينٍ، حدثنا حَمّادٌ بْن خالِدٍ الخَيّاطُ، عَنْ مُعاوِيَةَ بْنِ صالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الخُشَنيِّ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قالَ: "إِذا رَمَيْتَ الصَّيْدَ فَأَدْرَكْتَهُ بَعْدَ ثَلاثِ لَيالي وَسَهْمُكَ فِيهِ فَكُلْهُ ما لَمْ يُنْتِنْ" (¬3). * * * باب في اتباع الصيد [2859] (حدثنا مسدد، حدثنا يحيى) بن سعيد القطان قال: (حدثني ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2256)، والنسائي 7/ 195، وأحمد 1/ 357. قال الشيخ أحمد شاكر في "شرح المسند" 5/ 123 (3362): إسناده صحيح. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2547). (¬2) رواه أحمد 2/ 440. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (493/ م). (¬3) رواه مسلم (1931).

سفيان) بن سعيد الثوري (حدثني أبو موسى) إسرائيل بن موسى البصري، أخرج له البخاري في مناقب الحسن والإصلاح والفتن (¬1) (عن وهب بن منبه، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: وقال مرة: سفيان) الثوري (ولا أعلمه إلا) قال (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: من سكن البادية) البادية من البدو وهو خلاف الحضر (جفا) أي غلظ طبعه وكثرت فضاضته (¬2) وقساوة قلبه لبعده من مشاهد العلماء وحضور مجالس العلم وحلق الذكر ومعرفة الكتاب والسنة كما أخبر تعالى بقوله: {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا ¬

_ (¬1) انظر: "هدي الساري" 1/ 389، "فتح الباري" 7/ 95، 13/ 62، 66. وقد ذهب الشارح إلى أن أبا موسى هنا هو إسرائيل بن موسى البصري وانظر: "تهذيب الكمال" 2/ 514، 34/ 331. والأرجح التفرقة بينهما فإسرائيل بن موسى الذي روى له البخاري بصري ولم يدرك وهب بن منبه وهو ثقة خلافا للأزدي. والذي روى عن وهب بن منبه يماني وهو مجهول. قال عبد الله ابن أحمد عن أبيه في "العلل" 2/ 201: قال أبي: وليس هو إسرائيل أبو موسى هذا يماني يحدث عن وهب بن منبه. اهـ وقال ابن حجر في "تهذيب التهذيب" 1/ 229 في ترجمة إسرائيل ابن موسى: وليس هو الذي روى عن وهب بن منبه وروى عنه الثوري ذاك شيخ يماني وقد فرق بينهما غير واحد كما سيأتي في الكنى .. اهـ ثم قال في الكنى 12/ 276: أبو موسى شيخ يماني روى عن وهب بن منبه عن ابن عباس حديث من أتبع الصيد غفل وعنه سفيان الثوري مجهول قاله ابن القطان ذكر المزي في ترجمة أبي موسى إسرائيل بن موسى البصري أنه روى عن ابن منبه وعنه الثوري ولم يلحق البصري وهب بن مه وإنما هذا آخر وقد فرق بينهما ابن حبان في "الثقات" وابن الجارود في الكنى وجماعة اهـ وفي "لسان الميزان" 7/ 286. وانظر: "الثقات" لابن حبان 7/ 664 و "الجرح والتعديل" 9/ 438، "ميزان الاعتدال" 4/ 578. قلت: وبهذا يعلم أن أبا موسى الرواي هذا الحديث ليس هو البصري الذي روى عنه البخاري، وإنما هو اليماني المجهول والله أعلم. (¬2) هكذا في الأصلين بالضاد المعجمة، ولعلها فظاظته بالظاء المشالة والله أعلم.

وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} (¬1)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "الجفا والقسوة في الفدادين أهل الوبر" (¬2) (ومن اتبع الصيد غفل) بفتح الفاء، قال في "النهاية": أي يشتغل به قلبه ويستولي عليه حبه حتى يصير فيه غفلة (¬3) - يعني: عن الجهاد والرباط بالخيل التي يصطاد بها - ويدخل في عموم الصيد: الصيد من البحر بالشبك (¬4) ونحوها (ومن أتى) إلى (السلطان) وتردد إليه وأكثر من مجالسته ورأى ملابسه وأطعمته وكلمته النافذة (افتتن) وقد يخرج به من أتى السلطان إليه لالتماس بركته ودعائه، لكن قد يفتتن الضعيف أكثر ممن يأتي إلى السلطان. ¬

_ (¬1) التوبة آية (97). (¬2) البخاري (3498). (¬3) "النهاية" 3/ 705. (¬4) في (ر): بالشك. والمثبت من (ل).

كتاب الوصايا

كتاب الوصايا

1 - باب ما جاء فيما يؤمر به من الوصية

كِتَاب الوَصَايَا 1 - باب ما جاء فِيما يؤْمرُ بِهِ مِنَ الوَصِيَّةِ 2862 - حدثنا مُسَدَّدٌ بْن مُسَرْهَدٍ، حدثنا يَحْيَى بْن سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَني نافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - يَعْني: ابن عُمَرَ - عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "ما حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَئ يُوصي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلا وَوَصِيَّته مَكْتُوبَة عِنْدَهُ" (¬1). 2863 - حدثنا مُسَدَّدٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ قالا: حدثنا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: ما تَرَكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دِينارًا وَلا دِرْهَمًا وَلا بَعِيرًا وَلا شاةً وَلا أَوْصَى بِشَئ (¬2). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2738)، ومسلم (1627). (¬2) رواه مسلم (1635).

كتاب الوصايا (¬1) * * * باب ما يؤمر به من الوصية [2862] (حدثنا مسدد بن مسرهد، حدثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن عبيد الله) بالتصغير، وهو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر ابن الخطاب القرشي (حدثني نافع، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ما حق) مبتدأ محصور في خبره المقدر بعد إلا، أي: ما حقه إلا ليبيت ووصيته مكتوبة عنده، ويدل على هذا التقدير قوله في صفة (امرئ مسلم): يبيت؛ لأنه امرء (¬2) بثلاث صفات: مسلم، والجملة من قوله: شيء يوصي فيه، وجملة يبيت. ويحتمل إعرابًا آخر، وهو أن يكون يبيت هو خبر المبتدأ بتأويله بمصدر كما في قوله تعالى: {يُرِيكُمُ الْبَرْقَ} (¬3) ويكون الحصر متوجهًا إلى الحال فقط مسلم جرى على الغالب وإلا فوصية الذمي صحيحه والكفار مخاطبون بالفروع، أو يكون ذلك من الخطاب المسمى عند البيانيين (¬4) بالتهييج، أي: الذي يمتثل أوامر الله، ويجتنب نواهيه إنما هو المسلم كما في نظائره (¬5)، وهذا اللفظ وإن ¬

_ (¬1) من هنا بدأ الأصل (ع). (¬2) في (ر) أمر. (¬3) الرعد: 12، وانظر: "فتح الباري" 5/ 357. (¬4) في (ر) التباشر. (¬5) "فتح الباري" 5/ 357.

كان ظاهره الوجوب، وبه أخذ داود (¬1)، لكنه صرفه عن ذلك عند الجمهور أدلة أخرى نحو قوله: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (¬2)، فإنه نكَّر الوصية كما نكَّر الدين، ولو كانت الوصية واجبة [لأخرج بشيء من المال عن القسمة] (¬3) نعم روى ابن عون عن نافع عن ابن عمر الحديث (¬4) بلفظ: "لا يحل لامرئ مسلم" (¬5). [وقال المنذري: إنها تؤيد القائل بالوجوب لكن لم يتابع ابن عون على هذِه الرواية] (¬6) وقد قال المنذري: إنها شاذة. وفي رواية لابن عبد البر: "لا ينبغي لأحد عنده مال يوصي فيه أن يأتي عليه ليلتان"، وقد أجمع العلماء على أن من لم يكن عنده إلا اليسير التافه من المال أنه لا يندب له الوصية (¬7) ولا (بشيء) والشيء يصدق على أقل ¬

_ (¬1) انظر: "الأوسط" لابن المنذر 8/ 11. (¬2) النساء: 78. (¬3) عبارة ابن حجر في "الفتح" 5/ 358 تدل على هذا المعنى وهي: واستدل لعدم الوجوب من حيث المعنى؛ لأنه لو لم يوص لقسم جميع ماله بين ورثته بالإجماع، فلو كانت الوصية واجة لأخرج من ماله سهم ينوب عن الوصية اهـ. (¬4) من (ل). (¬5) "التمهيد" لابن عبد البر 14/ 291. (¬6) من (ل). والذي يبدو لي والله أعلم أن القائل: لم يتابع .. . هو ابن عبد البر. انظر "التمهيد" 14/ 291. وقال ابن حجر في "الفتح" 5/ 357: وأخرجه الطحاوي أيضا وقد أخرجه النسائي من هذا الوجه ولم يسق لفظه، قال أبو عمر: لم يتابع ابن عون على هذِه اللفظة قلت: إن عنى عن نافع بلفظها فمُسَّلم ولكن المعنى يمكن أن يكون متحدا كما سيأتي، وإنّ عنى عن ابن عمر فمردود لما سيأتي قريبا ذكر من رواه عن ابن عمر أيضا بهذا اللفظ. (¬7) "التمهيد" لابن عبد البر 14/ 291.

متمول. قال الشافعي: معنى الحديث (¬1) ما الحزم والاحتياط للمسلم إلا أن تكون وصيته أعنده (¬2) وما ينبغي أن يغفل المؤمن عن الموت والاستعداد له. ويحتمل أن معناه: ما المعروف في مكارم الأخلاق] (¬3) (يوصي فيه) ويدل على هذا التقدير وأن الوصية غير واجبة. رواية مسلم (¬4): "له شيء يريد أن يوصي فيه"، فصرف ذلك إلى إرادته دليل على عدم الإيجاب إلا من عليه تباعات من حقوق الله تعالى أو حقوق الآدميين، فهذا يجب عليه الإشهاد. قال بعضهم: يشق على الإنسان أن يأتي كل يوم مع كثرة تكرره (¬5) كتابة محقرات المعاملات وجزئيات الأمور المكررة، وهذِه المشقة قرينة تدل على أن المراد به حالة المرض المخوف التي يغلب على ظنه قرب موته وقلة أيامه البواقي، فهذا لا يحصل المشقة في كتابة وصيته، وعلى هذا فيكون من تخصيص الحديث (¬6). (يبيت ليلتين) وفي رواية: ليلة (¬7)، وفي رواية: ثلاث (¬8)، وفي رواية بالإطلاق (¬9) والقصد بالكل المبادرة والسرعة إلى كتابتها أول وقت ¬

_ (¬1) في (ر) الحرم والمثبت من (ل). (¬2) انظر: "المجموع" 15/ 386. (¬3) من (ل). (¬4) (1627). (¬5) من (ل). (¬6) "شرح مسلم" للنووي 11/ 75، "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 8/ 142. (¬7) "السنن الكبرى" للبيهقي 6/ 272. ورواها الطبراني في "الكبير" 12/ 305. (¬8) "صحيح مسلم" برقم (1627). (¬9) أخرجه الطحاوي في شرح "مشكل الآثار" 9/ 260 ولفظه: "يَبِيتُ وَعِنْدَهُ مَالٌ" وأخرجه الطيالسي (1841)، ولفظه: يبيت فوق ليلتين .. الخ الحديث.

الإمكان لاحتمال بغتة الموت التي لا يأمنها عاقل [ساعة فضلا] (¬1) عن ليلة، ويحتمل أن يكون إنما خص الليلتين بالذكر فسحة من يحتاج أن ينظر في ماله وما عليه فيتحقق بذلك (¬2) (إلا ووصيته) مبتدأ وما بعده خبر وواوه واو الحال، والجملة في موضع نصب على الحال (مكتوبة عنده) أي مشهود بها؛ فإن الغالب إنما يكتب العدول؛ لأن أكثر الناس لا يحسن الكتابة ولهذا قال تعالى: {وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ} (¬3)، المراد به الشهادة، وحينئذٍ فلا دلالة فيه على اعتماد الخط إذا عرف كما يقوله المالكية (¬4). [2863] (حدثنا مسدد ومحمد بن العلاء قالا: حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (عن الأعمش، عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي (عن مسروق، عن عائشة قالت: ما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دينارًا) واحدا (ولا درهمًا) بفتح الهاء (ولا بعيرًا ولا شاة) وللبخاري (¬5): "ولا عبدًا ولا أمه ولا شيئًا، إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها وسلاحه، وأرضًا جعلها صدقة لابن السبيل". (ولا أوصى بشيء) قال القرطبي: أرادت عائشة: ما أوصى بشيء من أمر الخلافة بدليل الحديث الصحيح في مسلم وغيره أنهم لما ذكروا أن ¬

_ (¬1) في (ر): فضلة. والمثبت من (ل). (¬2) انظر "فتح الباري" 5/ 358. (¬3) البقرة: 282. (¬4) انظر: "إحكام الأحكام" 1/ 383، "دليل الفالحين" 4/ 499. (¬5) "صحيح البخاري" (2739) , (2873) من حديث عمرو بن الحارث - رضي الله عنه -.

عليًّا كان وصيًّا قالت: ومتى أوصى إليه وذكرت الحديث (¬1). وقد أكثرت الشيعة والروافض من الأحاديث الكاذبة واخترعوا نصوصًا على استخلاف النبي - صلى الله عليه وسلم - عليًّا وادعوا أنها تواترت عندهم ولو كان شيء من ذلك معروفًا [عند الصحابة] (¬2) لذكروه يوم السقيفة ولذكره علي محتجًّا لنفسه (¬3). ¬

_ (¬1) قال البغوي في "شرح السنة" 5/ 279: قولها: (ولا أوصى بشيء) تريد به وصية المال، لأن الإنسان إنما يوصي في مال يورث منه، وهو (لمجيد) لم يترك شيئًا يورث منه، فيوصي فيه. وانظر: "شرح مسلم" للنووي 11/ 87، "فتح الباري" 5/ 361. (¬2) من (ل). (¬3) أول ص (4) من الأصل (ع) وفي آخر ص (3) من هذا الأصل جاء هذا النقل: يريد وصيته بالمال خاصة؛ لأنه لم يترك ما لا يوصي فيه وقد أوصى بأمور في الدين كقوله: أخرجوا اليهود من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم. وقوله عليه الصلاة والسلام: وما ملكت أيمانكم. سيوطي.

2 - باب ما جاء فيما لا يجوز للموصي في ماله

2 - باب ما جاءَ فِيما لا يَجُوز للْمُوصي في مالِهِ 2864 - حدثنا عُثْمان بْن أَبي شَيْبَةَ وابْن أَبي خَلَفٍ، قالا: حدثنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ عامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قال: مَرِضَ مَرَضًا - قالَ ابن أَبِي خَلَفٍ - بِمَكَّةَ - ثُمَّ اتَّفَقا - أَشْفَى فِيهِ فَعادَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لي مالاً كَثِيرًا وَلَيْسَ يَرِثني إِلا ابنتي أفَأَتَصَدَّق بِالثّلثَيْنِ؟ قالَ: "لا" .. قال: فَبِالشَّطْرِ؟ قالَ: "لا" .. قال: فَبِالثُّلُثِ؟ قالَ: "الثُّلُثُ والثُّلُثُ كثِيرٌ إِنَّكَ أَنْ تَتْرُكَ وَرَثَتَكَ أَغْنِياءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عالَةً يَتَكَفَّفُونَ النّاسَ وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً إِلَّا أُجِرْتَ بِها حَتَّى اللُّقْمَةَ تَرْفَعُها إِلَى في امْرَأَتِكَ" .. قلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ أَتَخَلَّفُ، عَنْ هِجْرَتي قالَ: "إِنَّكَ إِنْ تُخَلَّفْ بَعْدي فَتَعْمَلْ عَمَلاً صالِحًا تُرِيدُ بِهِ وَجْهَ اللهِ لا تَزْدادُ بِهِ إِلَّا رِفْعَةً وَدَرَجَةً لَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ" .. ثمَّ قالَ: "اللَّهُمَّ أَمْضِ لأصْحابي هِجْرَتَهُمْ وَلا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقابِهِمْ لكن البائِسُ سَعْدُ ابن خَوْلَةَ يَرْثي لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ ماتَ بِمَكَّةَ" (¬1). * * * باب ما لا يجوز للموصي في ماله [2864] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، [وابن أبي خلف، قالا] (¬2): حدثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري، عن عامر بن سعد عن أبيه، سعد ابن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: مرض أبي مرضا أشفى) أي: قارب وأشرف (فيه) على الموت يقال: أشفى على كذا وأشاف عليه، قالوا: ولا ¬

_ (¬1) رواه البخاري (56، 1295، 2742، 2744، 3936، 4409، 5354)، ومسلم (1628). (¬2) ساقطة من الأصول، والمثبت من مطبوع "السنن".

يقال: أشفى إلا في الشر بخلاف أشرف وقارب، وفيه جواز ذكر الرجل شدة وجع قريبه في المرض وجواز ذكر المريض شدة وجعه لا على سبيل التسخط بل للمداواة ولدعاء رجل صالح أو وصيته أو استفتاء عن (¬1) حاله (فعاده رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: زاره، وهذا على الأكثر في الاستعمال أن يقال في المريض: عاده، وفي الصحيح: زاره (فقال: يا رسول الله إن لي مالاً كثيرًا) فيه دليل على إباحة جمع المال الكثير. (وليس يرثني إلا ابنتي) بكسر تاء التأنيث التي قبل ياء النسب على الإفراد، ولفظ الصحيحين: ولا يرثني إلا ابنة لي (¬2) انتهى، وكان اسمها عائشة، والمراد بالحصر هنا الحصر الخاص؛ فإنه كان له ورثة بالتعصيب من بني عمه فيكون التقدير: لا يرثني بالفرض إلا ابنتي وإن كان له زوجة فيقدر، وليس يرثني من الأولاد إلا ابنتي وولد له بعد ذلك أولاد كما سيأتي. (أفأتصدق) يحتمل أن يريد الصدقة المنجزة في الحياة لكونها في مرض الموت كالوصية، ويحتمل أن يريد بالصدقة الوصية بالإعطاء بعد الموت، ويؤيده ما في رواية البخاري (¬3) في الوصية: أفأوصي بثلثي مالي (بالثلثين؟ ) من مالي (قال: لا) فيه أنه لا يجوز الوصية بجميع المال من باب الأولى. قال عياض: أجمع العلماء على أن من مات وله ورثة فليس له أن ¬

_ (¬1) في (ر): على. (¬2) البخاري (1295)، ومسلم (1628). (¬3) "صحيح البخاري" 7/ 118 برواية الكشميهني (5659).

يوصي بجميع ماله إلا شيئًا روي عن بعض السلف أجمع الناس بعده على خلافه (¬1). (قال: فبالشطر؟ ) أوصي؟ والمراد بالشطر هنا النصف بدليل التصريح في رواية البخاري بلفظ: أفأوصي بالنصف (¬2)؛ (قال: لا) فلا تصح الوصية به أيضًا لأنه أكثر من الثلث (قال: فالثلث) قيده الزمخشري في "الفائق" بالنصب بفعل مضمر أي: أوجب (¬3) الثلث (¬4). وقال السهيلي في أماليه: الخفض أظهر من النصب؛ لأن النصب بإضمار فعل والخفض مردود على الشطر والثلثين المجرورين قبله (قال: الثلث) بالنصب على الإغراء أو بفعل مضمر غير فعل الإغراء أي: هب الثلث وعليه اقتصر الزمخشري بالرفع على أن فاعل بفعل مقدر أي: يكفيك الثلث، أو خبر مبتدأ محذوف أي: المشروع الثلث أو مبتدأ حذف خبره أي: الثلث مشروع وضعف القرطبي تقدير الفعل في الرفع والنصب؛ لأن الفعل لا يحذف "إلا" (¬5) إذا دل عليه دليل (¬6)، (والثلث كثير) الرواية المشهورة بالمثلثة (¬7). قال عبد الحق: وفي بعض الطرق كبير بالموحدة، وكلاهما صحيح، ولما استكثر النبي - صلى الله عليه وسلم - الثلث ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" 5/ 189. (¬2) "صحيح البخاري" (6959). (¬3) هكذا في الأصل والذي في الفائق: أهب. (¬4) "الفائق" 2/ 244. (¬5) زيادة يقتضيها السياق. (¬6) راجع "فتح الباري" 5/ 365، "شرح الزرقاني على الموطأ" 4/ 79. (¬7) في (ر): بالثلث. والمثبت من (ل).

قال ابن عباس: لو أدن الناس غضوا من الثلث (¬1) إلى الربع حضًّا على ذلك. ويحتمل أن يكون التقدير: والثلث كثير أو كثيرًا أخذه. وقال الشافعي: يحتمل أن يكودن معناه كثيرًا (¬2) أي: غير قليل، وهذا أولى معانيه. قال القرطبي: وكل ذلك رفق بالورثة وترجيح لجانبهم على الصدقة للأجانب. قال: وعلى هذا فمن حسنت نيته فيما يبقيه لورثته كان أجره أعظم من الصدقة به لاسيما إذا كانوا ضعافًا (¬3). (إنك) يجوز فتح الهمزة على تقدير حرف الخفض، أي: لأنك والأحسن كسرها على الاستئناف والجملة معلل بها كما في قوله تعالى: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} (¬4)، ونظيره الوجهان في التلبية في: إن الحمد لك والملك. (إن تذر) قال عياض: رويناه بفتح الهمزة وكسرها وكلاهما صحيح (¬5)، وتبعه النووي عليهما (¬6) فالفتح على أنها مصدرية والكسر على الشرط، ورجح القرطبي الفتح وقال: الكسر لا معنى له (¬7)، ثم على الفتح يكون محل "أن تذر" رفع بالابتداء وخير بعده هو الخبر ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1629). (¬2) "الأم" 4/ 101. (¬3) راجع "المفهم" 4/ 547. (¬4) يوسف: 53. (¬5) "إكمال المعلم" 5/ 189، "مشارق الأنوار" 1/ 42. (¬6) "شرح مسلم" على النووي 11/ 77. (¬7) "المفهم" 4/ 545.

والجملة خبر "إن" (¬1) من قولك: "إنك"، وعلى رواية الكسر يكون "خير" خبرًا لمبتدأٍ محذوف مقرونًا بفاء الجواب قال ابن مالك على حد قراءة ابن طاوس عن أبيه: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} (¬2)، قال: فهذا وإن لم يصرح فيه بأداة الشرط فإن الأمر يتضمن معناه: أي: إن يصلح لهم فذلك خير (ورثتك) قال الفاكهي: إنما ذكر الورثة الأغنياء بلفظ الجمع اطلاعًا منه -عليه السلام- على أنه سيكون له في المستقبل أولاد غير الابنة المذكورة فكان كما قال: قيل: إنه ولد له بعد ذلك أربع بنين ولم يحضرني الآن أسماؤهم، ولم يكن لسعد حين جاؤوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وعاده إلا ابنة واحدة كما تقدم (¬3). (أغنياء) ظاهره أغنياء بالمال الذي يتركه لهم، ويحتمل أن يراد بالأغنياء أغنياء النفوس بتأديبهم وتربيتهم على القناعة باليسير مما ¬

_ (¬1) انظر: "المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات" 1/ 122 [البقرة: 220]. (¬2) من (ل). (¬3) انظر: "فتح الباري" لابن حجر 5/ 366 وقد قال بعد هذا الكلام: وأما قول الفاكهي أنه ولد له بعد ذلك أربعة بنين وأنه لا يعرف أسماءهم ففيه قصور شديد فإن أسماءهم في رواية هذا الحديث بعينه عند مسلم من طريق عامر ومصعب ومحمد ثلاثتهم عن سعد ووقع ذكر عمر بن سعد فيه في موضع آخر ولما وقع ذكر هؤلاء في هذا الحديث عند مسلم اقتصر القرطبي على ذكر الثلاثة ووقع في كلام بعض شيوخنا تعقب عليه بأن له أربعة من الذكور غير الثلاثة وهم عمر وإبراهيم ويحيى وإسحاق وعزا ذكرهم لابن المديني وغيره وفاته أن سعدا ذكر له من الذكور غير السبعة أكثر من عشرة وهم عبد الله وعبد الرحمن وعمرو وعمران وصالح وعثمان وإسحاق الأصغر وعمر الأصغر وعمير مصغرا وغيرهم وذكر له من البنات ثنتي عشرة بنتا وكان ابن المديني اقتصر على ذكر من روى الحديث منهم والله أعلم اهـ.

عندهم؛ فإن الولد إذا كبر يعيش على ما نشأ عليه واعتاده، وبالدعاء لهم على أن يرزقهم الله غنى النفس الذي مدحه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "ليس الغنى عن كثرة العرض، لكن الغنى غنى النفس" (¬1)، وحمل الاسم على المعنى الممدوح شرعًا أولى من حمله على العرف المعتاد وإن عضده سياق ما تقدم (¬2) (خير من أن تذرهم عالة) جمع عائل وهو الفقير من المال أو فقير النفس (¬3) (يتكففون الناس) من الكف وهو كف اليد أي: يبسطون أكفهم للسؤال، وقيل: يسألون الناس إعطاء ما في أكفهم، وقيل: يسألون الناس كفافًا من القوت، ويدل على الأول رواية مسلم (¬4): "يتكففون الناس". (وإنك لن تنفق (¬5) نفقة) [يجوز في همزة أن الوجهان السابقان في أنك أن تذر وزاد مسلم بعد "من نفقة": "تبتغي بها وجه الله تعالى"] (¬6) (إلا أجرت بها) (¬7) أي: أعطاك الله بها أجرًا، ورواية مسلم تدل على أن الأجر في الصدقات لا يحصل إلا بقصد القربة إلى الله تعالى وإن ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6446) ومسلم (1051). (¬2) وهذا الذي جعله الشارح أولى فيه من التكلف ما لا يخفى وخصوصا مع مخالفة السياق .. وراجع الفتح 11/ 274. (¬3) تعريف الفقر هنا بفقر النفس مبني على الكلام السابق ولم أقف على أحد من أهل العلم فسرها في هذا السياق بهذا التفسير لا في كتب الشروح ولا في كتب الغريب ومعاجم اللغة. (¬4) (1628). (¬5) زاد هنا في (ر): من و (ع). (¬6) هذِه الزيادة من (ع). (¬7) ورد بعدها في الأصل: نسخة: فيها.

كانت واجبة ولمفهومه إن لم يقصد القربة لم يؤجر عليها ولا على شيء منها، والمعنيان صحيحان، يبقى (¬1) أن يقال: فهل إذا أنفق نفقة واجبة على الزوجة أو الولد الفقير وإن لم يقصد القربة هل تبرأ ذمته أم لا؟ والجواب: أن ذمته تبرأ من المطالبة؛ لأن وجوب النفقة من العبادات المعقولة المعنى، فتجزئ (¬2) بغير نية كالديون وإن لم ينو لم يحصل له أجر، ويفهم منه بحكم عمومه أن من أنفق نفقة مباحة وصحت نية التقرب أثيب عليها كمن يطعم ولده وزوجته لذيذ الأطعمة ولطيفها ليرد شهوتهما ويمنع من [التشوق إلى] (¬3) ما في أيدي الناس وليرق طبعه فيحسن فهمه ويقوى حفظه إلى غير ذلك مما يقصده الفضلاء بأولادهم (¬4) (حتى اللقمة) يجوز النصب بإضمار فعل من جنس ما بعدها؛ لأن فعل (ترفعها) قد اشتغل عنها بضميره المتصل به، وهذا كقول العرب: أكلت السمكة حتى رأسها أكلته، ويجوز جر اللقمة على لفظ نفقة، والنصب على المعنى؛ فإن من الداخلة على نفقة زائدة؛ لأنها نكرة بعد نفي. قال القرطبي: وأوضح هذِه الأوجه النصب وأبعدها الخفض. قال: والذي قرأت به هذا الحرف النصب فقط (¬5) (إلى في امرأتك) ¬

_ (¬1) في (ر): ينبغي. والمثبت من (ل) ومن "المفهم" للقرطبي والنقل منه 15/ 7. (¬2) في (ر): فيجري. (¬3) في (ل) من التشوف على والمثبت من (ر). (¬4) "المفهم" للقرطبي 15/ 7، وانظر: "فتح الباري" 5/ 432. (¬5) انظر: "المفهم" 4/ 545.

أي: إلى فمها، وخص الزوجة بالذكر دون سائر من ينفق عليه لعود نفقتها الدائمة إليه التي هي سبب إنفاقه فالغالب من الناس ينفق على زوجته لقضاء وطره وتحصيل شهوته، وليس كذلك النفقة على الأبوين، وإنما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - لسعد هذا الكلام في مرضه تنبيهًا على الفوائد التي تحصل بالمال الذي يخلفه لهم؛ إذ فيه صلة رحمه من بعده وإعانتهم بماله على طاعة الله فهو خير من أن يذرهم فقراء يتكففون الناس، وهذا يدل على فضل تكسب المال لهذِه الوجوه، ولكن كل هذا إذا كان الكسب حلالًا خاليًا عن الشبهة التي تعذر الوصول إليها في هذِه الأوقات (¬1) (قلت: يا رسول الله أتخلف) حذف منه همزة الاستفهام أي: أأتخلف (عن هجرتي؟ ) خشي أن يقدح موته بمكة في هجرته التي هاجرها من مكة وعاد إليها أو في ثوابها هل يسقط بموته في مكة؟ وقد كانوا يكرهون الرجوع (¬2) فيما تركوه لله تعالى، ويدل للأول رواية الصحيحين: وكان يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها وزعم عبد الحق أنها من أفراد مسلم، بل هي في البخاري في الوصايا (¬3). (قال: إنك إن) بفتح الهمزة وكسرها (تخلف بعدي فتعمل عملاً) صالحًا (تريد به وجه الله) تعالى (لا تزداد به) عند الله (إلا رفعة ودرجة لعلك أن تخلف) المراد بالتخلف هنا: طول العمر والبقاء (¬4) ففيه التنبيه ¬

_ (¬1) "المفهم" للقرطبي 4/ 546. (¬2) في (ر) الركوع. (¬3) "صحيح البخاري" (2742). (¬4) انظر: "عمدة القاري" 12/ 326.

على فضل طول العمر الذي فيه ازدياد من أفعال الخير (حتى ينتفع بك أقوام) في أمر دينهم ودنياهم (ويضر بك آخرون) من الكفار في دينهم ودنياهم فإنهم قتلوا وسبيت نساؤهم وأولادهم وغنمت أموالهم ودماؤهم في فتح العراق وغيره من أعلام النبوة حيث عاش سعد بعد ذلك نيفًا وأربعين سنة حتى حصل منه ما حصل وفي ذلك تسلية لسعد عن كراهة ما خشيه من الموت (¬1) وفي كتاب "الطب" [لابن القيم] (¬2) أنه عليه الصلاة والسلام لما عاد سعدًا قال: "ادعوا لي طبيبًا" فدعي له الحارث بن كلدة فوصف له تمر (¬3) عجوة وحبلة (¬4) يطبخان ويحسوهما (¬5)، وفي رواية له أنه دعا الحارث وقال له: "عالج سعدًا مما به"، فقال: هل معكم من هذِه الثمرة العجوة شيء؟ قالوا: نعم. قال: فصنع به نخيلة (¬6) ثم أوسعها سمنًا فحساها (¬7) فكأنما نشط من عقال (¬8). ¬

_ (¬1) "عمدة القاري" 12/ 326. (¬2) في (ر): لأبي نعيم. (¬3) في (ر): بمد. (¬4) هكذا في الأصل. وفي "الطب" لابن القيم: حلبة. ولعله الصواب. والله أعلم. (¬5) "زاد المعاد" 4/ 302. (¬6) في (ر): فصنع له نخيلة. وفي (ل): فصنع بالحلبة. والأولى خطأ والثانية فيها سقط وتمام الرواية عند أبي نعيم في "معرفة الصحابة" ترجمة الحارث بن كلدة: فصنع له الفريقة، خلط له التمر بالحلبة ثم أوسعها سمنا ثم أحساها إياه فكأنما نشط من عقال .. وفي "القانون في الطب" لابن سينا 6/ 263: فتحساهما فبرئ. (¬7) في (ر): فحشاهما. والمثبت من (ل، ع). وهي هكذا في "أسد الغابة" 1/ 492. (¬8) من هنا بدا طمس وسقط في (ل).

(ثم قال: اللهم أمض لأصحابي هجرتهم) مقبولة خالصة لك غير ناقص من أجرها شيئًا (ولا تردهم) بفتح الدال ويجوز الضم لاتباع ضمة الهاء على أعقابهم أي: [لا تترك هجرتهم وحالهم المرضية] (¬1) يقال: رجع فلان على عقبه إذا رجع خائبًا. قيل: وفيه دليل على أن بقاء المهاجر بمكة قادح فيه. قال القاضي: ولا دليل فيه؛ لأنه يحتمل: أنه دعا لهم دعاء عامًّا (¬2). (لكن البائس) بالمد والهمز اسم فاعل من البؤس وهو أثر الفقر وسوء الحال (¬3)، وقيل: البائس هو المرحوم (سعد بن خولة) من بني عامر بن لؤي العامري من السابقين بدري توفي سنة عشر بمكة، وزوجته سبيعة الأسلمية توفي عنها في حجة الوداع (¬4) وولدت بعد وفاته بليالٍ فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قد حللت فانكحي من شئت" (¬5) (يرثي له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن مات بمكة) وهذا من قول سعد بن أبي وقاص، وقد جاء مفسرًا في بعض الروايات. قال القاضي: وأكثر ما جاء أنه من قول الزهري (¬6). ¬

_ (¬1) هكذا في (ر) وفي (ل) سقط، وفي (ع): لا تتركهم وحالهم المرضية، والعبارة في شرح النووي هكذا: ومعنى امض لأصحابي هجرتهم، أي: أتممها ولا تبطلها ولا تردهم على أعقابهم بترك هجرتهم ورجوعهم عن مستقيم حالهم المرضية. (¬2) "إكمال المعلم" 5/ 191، "مشارق الأنوار" 2/ 98. (¬3) "شرح مسلم" للنووي 11/ 79. (¬4) "الإصابة" 3/ 53، 7/ 690. (¬5) أخرجه البخاري (3990). ومسلم (1484). (¬6) "شرح مسلم" للنووي 11/ 79. وقال القاضي في "المشارق" 2/ 367: والأول أصح اهـ. قال ابن حجر "فتح الباري" 5/ 365: وقع عند المصنف في الدعوات عن=

وهمزة أن مات مفتوحة، ولا يجوز الكسر (¬1)؛ لأنه أمر انقضى (¬2) وجوزه السفاقسي (¬3) بناء على القول أنه مات بعد ذلك فرثاه خوفًا عليه من ذلك. قال القاضي: فيحتمل أن يكون قوله: أن مات بمكة. مرفوعًا، و"يرثي له" من كلام غيره تفسيرًا لمعنى البائس (¬4)، والله أعلم. ¬

_ =موسى بن إسماعيل عن إبراهيم بن سعد في آخره لكن البائس سعد بن خولة، قال سعد: رثى له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخ فهذا صريح في وصله فلا ينبغي الجزم بإدراجه. (¬1) "مشارق الأنوار" 1/ 42، وانظر: "فتح الباري" 7/ 275. (¬2) في الأصل: يفضي. والتصويب من "المشارق" للقاضي عياض. (¬3) قال السيوطي في "لب اللباب" باب السين والفاء: السفاقسي: بفتح أوله والفاء وضم القاف ومهملة إلى سفاقس مدينة بنواحي إفريقية انتهى. والسفاقسي هنا هو: عبد الواحد بن عمر بن عبد الواحد السفاقسي، المشهور بابن التين. له: "المخبر الفصيح الجامع لفوائد مسند البخاري الصحيح". توفي عام 611 هـ. ترجمته في: "شجرة النور الزكية" (168)، "كشف الظنون" 1/ 546. (¬4) "إكمال المعلم" 5/ 367.

3 - باب ما جاء في كراهية الإضرار في الوصية

3 - باب ما جاءَ في كَراهِيَةِ الإِضْرارِ في الوصِيَّةِ 2865 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا عَبْدُ الواحِدِ بْن زِيادٍ، حدثنا عُمارَةُ بْنُ القَعْقاعِ، عَنْ أَبي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قال: قال رَجُلٌ لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: يا رَسُولَ اللهِ أي الصَّدَقَةِ أَفْضَل قالَ: "أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ حَرِيصٌ تَأْمُلُ البَقاءَ وَتَخْشَى الفَقْرَ وَلا تُمْهِلْ حَتَّى إِذا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ قُلْتَ لِفُلانٍ كَذا وَلِفُلانٍ كَذا وَقَدْ كَانَ لِفُلانٍ" (¬1). 2866 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حدثنا ابن أَبي فدَيْكٍ، أَخْبَرَني ابن أَبي ذِئْب، عَنْ شرَحْبِيلَ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخدْريِّ أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لأَنْ يَتَصَدَّقَ المَرْءُ في حَياتِهِ بِدِرْهَمٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمِائَةٍ عِنْدَ مَوْتهِ" (¬2). 2867 - حدثنا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنا عَبْدُ الصَّمَدِ، حدثنا نَصْرُ بْنُ عَليٍّ الحدّانيُّ، حدثنا الأشعَثُ بْنُ جابِرٍ، حَدَّثَني شَهْرُ بْنُ حَوْشَب أَنَّ أَبا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ والمَرْأَةَ بِطاعَةِ اللهِ سِتّينَ سَنَةً ثُمَّ يَحْضُرُهُما المَوْتُ فَيُضارّانِ في الوَصِيَّةِ فَتَجِبُ لَهُما النّارُ" .. قال: وَقَرَأَ عَلَيَّ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ ها هنا: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ} حَتَّى بَلَغَ: {وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}. قالَ أَبُو داوُدَ: هذا -يَعْني: الأشعَثَ بْنَ جابِرٍ- جَدّ نَصْرِ بْنِ عَليٍّ (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1419)، ومسلم (1532). (¬2) رواه ابن عبد البر في "التمهيد" 14/ 304. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (494). (¬3) رواه الترمذي (2117)، وابن ماجه (2704). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (495).

باب في كراهية الإضرار في الوصية [2865] (حدثنا مسدد، حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا عمارة بن القعقاع) بن شبرمة الضبي (عن أبي زرعة) تقدم (ابن عمرو بن جرير) بن عبد الله البجلي (عن أبي هريرة -رضي الله عنه - قال: قال رجل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله أي الصدقة أفضل؟ ) خبر المبتدأ: أي أنواع الصدقة أفضل وأكثر أجرًا (قال: أن تصدق) قال الكرماني: بتخفيف الصاد وحذف إحدى التاءين، وفي بعض النسخ بتشديد الصاد وإدغام التاء فيها (¬1) (وأنت صحيح) الجسم (حريص) على جمع المال، وللبخاري (¬2) رواية أخرى: "صحيح شحيح" أي: يجد له وقعًا في قلبه لما يؤمله من طول العمر ومخافة من حدوث الفقر (¬3) (تأمل) بضم الميم المخففة أي: تطمع في الغنى لطول (البقاء) في الذنيا (وتخشى) من (الفقر) وضيقه والداعي لخوف الفقر الشيطان أو النفس الأمارة بالسوء. (ولا تمهل) بنصب اللام عطف على ما قبلها وفي بعض النسخ على النهي (حتى إذا بلغت الحلقوم) وهو الحلق، والمراد منه حتى إذا قاربت الروح الخروج من الحلقوم؛ إذ لو بلغته حقيقة لم يصح منه وصية ولا صدقة ولا شيء من تصرفاته بالاتفاق (¬4) (قلت: لفلان كذا ولفلان كذا) أي: أوصيت لفلان بكذا وفلان بكذا (وقد كان لفلان) يعني: ¬

_ (¬1) راجع "الفتح" 3/ 285. (¬2) (1419). (¬3) انظر: "فتح الباري" 3/ 285. (¬4) انظر: "فتح الباري" 3/ 285، 5/ 374، "عمدة القاري" 13/ 298.

الوارث؛ لأنه إن شاء أبطله ولم يحرم، وخالف بعضهم فقال: بل هو الموصى له ممن تقدمت وصيته له على تلك الحالة. ومعنى الحديث -والله أعلم- أن الحرص على المال غالب في حال الصحة؛ فإذا شح وتصدق (¬1) مع ذلك كان أعظم لأجره بخلاف من أشرف على الموت وأيس من الحياة ورأى مصير المال لغيره (¬2). [2866] (حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا) محمد بن إسماعيل (بن أبي فديك) دينار الديلي (¬3) (أخبرني) محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث (بن أبي ذئب) العامري (¬4) (عن شرحبيل) بن سعد الأنصاري، روى له البخاري في "الأدب" (¬5) وذكره ابن حبان في "الثقات" (¬6) (عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ) والله (لأن) بفتح اللام جواب القسم (يتصدق المرء في حياته) زاد ابن حبان في "صحيحه" (¬7): "وصحته". (بدرهم) واحد (خير) هو خبر للمبتدأ المقدر وتقديره: والله لصدقته بدرهم خير (له من أن يتصدق بمائة ¬

_ (¬1) في المخطوط: وسمع. والمثبت من "شرح النووي". (¬2) في الأصل, (ر): بصبر قال غيره. وفي الأصل ل: طمس وسقط في هذِه الورقة. والمثبت من "شرح مسلم" للنووي 7/ 123 وقد نقل هذا الكلام عن الخطابي. وتمام كلامه: فان صدقته حينئذ ناقصة بالنسبة إلى حالة الصحة والشح رجاء البقاء وخوف الفقر. اهـ. (¬3) "تهذيب الكمال" 24/ 485. (¬4) "تقريب التهذيب" (6082). (¬5) "الأدب المفرد" (1235). (¬6) "الثقات" 4/ 365 (3370). (¬7) (3334).

درهم عند موته) صححه ابن حبان (¬1). لعل هذا مقيد لما أطلق في الحديث قبله فلهذا ذكره المصنف عقبه. والمراد والله أعلم: لأن يتصدق الصحيح الحريص الذي يأمل البقاء ويخشى الفقر بدرهم واحد خير له من أن يتصدق بمائة درهم إذا بلغت الحلقوم كما تقدم. وفي الحديث دلالة على أن تعدد الأوصاف الدالة على صدق المتصدق وشدة اعتنائه وحرصه عليها وقوة الباعث معتبر في الشرع أكثر من تعدد المتصدق به من قلبه حين دفعه إلا بعد شدة اجتهاده واعتنائه بالصدقة كما روى الإمام أحمد (¬2) والبزار (¬3) عن بريدة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يخرج رجل شيئًا من الصدقة حتى يفك عنها لحي سبعين شيطانًا". وزاد البيهقي: "كلهم ينهى عنها" (¬4). وهذا بخلاف الذي يتصدق عند الموت كما روى النسائي (¬5) قال: أوصى رجل بدنانير في سبيل الله فسئل أبو الدرداء فحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مثل الذي يعتق وبتصدق عند موته مثل الذي يهدي بعدما شبع" (¬6). ومن هذا حديث: "أفضل الصدقة جهد المقل". رواه المصنف (¬7) وابن خزيمة (¬8). ¬

_ (¬1) (3334)، وانظر: "فتح الباري" 5/ 374. (¬2) "مسند أحمد" 5/ 350. (¬3) "البحر الزخار" (4456). (¬4) "شعب الإيمان" 5/ 138. (¬5) أخرجه النسائي 6/ 548، وفي "السنن الكبرى" (4873). (¬6) رواه النسائي 6/ 238، وأحمد 5/ 196، والدارمي (3269). (¬7) سبق برقم (1449). (¬8) "صحيح ابن خزيمة" (2444).

وروى النسائي (¬1) وابن خزيمة (¬2) عن أبي هريرة قال - صلى الله عليه وسلم -: "سبق درهم مائة ألف درهم". قال رجل: وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال: "رجل له مال كثير أخذ من أعرض، ماله مائة ألف درهم تصدق بها، ورجل ليس له إلا درهمان فأخذ أحدهما فتصدق به". [2867] (حدثنا عبدة بن عبد الله) بن عبدة الخزاعي الصفار شيخ البخاري في العلم وبدء الخلق وتفسير المرسلات (أنا [عبد الصمد]) (¬3) ابن عبد الوارث (حدثنا نصر بن علي) الجهضمي الكبير (الحداني) بضم الحاء المهملة وتشديد الدال وبعد الألف نون نسبة إلى حدان بن شمس وهم بطن من الأزد (¬4) (قال: حدثنا) جدي لأمي (¬5) (الأشعث ابن) عبد الله بن (جابر) الحداني (¬6)، أخرج له البخاري تعليقًا. صدوق (¬7) (حدثني شهر بن حوشب) بفتح الحاء المهملة والشين المعجمة (أن أبا هريرة حدثه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن الرجل ليعمل أو) إن (المرأة) لتعمل (بطاعة الله ستين سنة) ولابن ماجه: "إن الرجل ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 5/ 59 (2527). (¬2) "صحيح ابن خزيمة" 4/ 99 (2443). (¬3) في الأصل عبد الرحمن والمثبت من "السنن" انظر (2859) ط عوامة. (¬4) "الأنساب" 2/ 184. (¬5) قال الشيخ محمد عوامة: زاد في آخره في (ك، ب، س): قال أبو داود: هذا - يعني: الأشعث بن جابر - جد نصر بن علي، وعلى حاشية س: إن هذِه الزيادة سقطت من أصل التستري. (¬6) في الأصل: الخدري والمثبت من كتب التراجم وانظر: "التاريخ الصغير" للبخاري ت (1652)، "الجرح والتعديل" 2/ 273، "تهذيب الكمال" 3/ 272. (¬7) "تقريب التهذيب" (527).

ليعمل بعمل الجنة سبعين سنة" (¬1). (ثم يحضرهما الموت فيضاران) بضم الياء وتشديد الراء قبل ألف التثنية أصلها فيضارران بكسر الراء الأولى (في الوصية) قال في "النهاية": هو أن لا يمضي أو ينقص بعضها أو يوصي لغير أهلها ونحو ذلك مما يخالف السنة (¬2) (فتجب لهما) أي يستحق بالمضارة في الوصية دخول (النار) إلا أن يعفو الله تعالى عنه أو يغفر له. وروى النسائي (¬3) عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الإضرار في الوصية من الكبائر"، ثم تلا {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} (¬4). ولفظ ابن ماجه (¬5): "إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة فإذا أوصى حاف في وصيته فيختم له بشر عمله فيدخل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة فيعدل في وصيته فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة". وله عن أنس: قال - صلى الله عليه وسلم -: "من فر بميراث وارثه قطع الله ميراثه من الجنة يوم القيامة" (¬6). (قال) شهر بن حوشب: (ثم قرأ علي أبو هريرة) وأنا أسمع (من ها هنا) أي: قرأ من عند قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا} قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم بفتح الصاد والباقون بالكسر (¬7). ¬

_ (¬1) (2704) وفيه: "بعمل أهل الخير". (¬2) "النهاية" 3/ 172. (¬3) في "السنن الكبرى" 6/ 320 (11026). (¬4) البقرة: 230، والمجادلة: 4، والطلاق: 1. (¬5) (2704). (¬6) "سنن ابن ماجه" (2703). (¬7) انظر: "الكشف والبيان" للثعلبي 3/ 286، "التفسير الوسيط" للواحدي 2/ 22.

({أَوْ دَيْنٍ})، والحكمة في تقديم ذكر الوصية على الدين والدين مقدم عليها بالإجماع (¬1) وبرواية الدارقطني (¬2): "الدين قبل الوصية" من أوجه: أحدها: إنما قصد تقديم هذين الفصلين على الميراث ولم يقصد ترتيبهما في أنفسهما [فلذلك تقدمت الوصية في اللفظ] (غير) نصب على الحال والعامل يوصي أي: يوصي بها ({غَيْرَ مُضَارّ}) يدخل الضرر على الورثة أي: لا ينبغي أن يوصي بدين ليس يجب عليه ليضر بالورثة ولا يقر بدين ليس عليه، فالإضرار راجع إلى الوصية والدين أما رجوعه إلى الوصية فبأن يزيد في وصيته على الثلث أو يوصي لوارث فإنه يرد إلا أن تجيزه الورثة؛ لأن المنع لحقوقهم لا لحق الله تعالى، وأما رجوعه على الدين فبالإقرار في حالة المرض بما لا يجوز، كما لو أقر لملاطف له، وروي عن الحسن أنه قرأ (غير مضار وصية) على الإضافة (¬3)، قال النحاس: زعم بعض أهل اللغة أن هذا لحن (¬4)؛ لأن اسم الفاعل لا يضاف إلى المصدر. والقراءة حسنة على حذف. والمعنى: غير مضار ذي وصية. (حتى بلغ) قوله تعالى: ({وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}) (¬5) من عمل بذلك. ¬

_ (¬1) حكاه الترمذي في "السنن" بعد رواية هذا الحديث برقم (2122) فقال: والعمل على هذا عند عامة أهل العلم. (¬2) "سنن الدارقطني" 4/ 86. (¬3) "تفسير ابن عطية" 2/ 20. (¬4) في الأصل (ر): يجب. وفي ل: غير واضحة. والتصويب من "معاني القرآن" للنحاس 2/ 38 ومن "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 5/ 62. (¬5) الآيتان من سورة النساء 11 و 12.

4 - باب ما جاء في الدخول في الوصايا

4 - باب ما جاء في الدُّخُول في الوَصايا 2868 - حدثنا الحَسَنُ بْن عَليٍّ، حدثنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئ، حدثنا سَعِيدُ بْن أَبي أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبي جَعْفَرٍ، عَنْ سالِمِ بْنِ أَبي سالِمٍ الجَيْشانيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي ذَرٍّ قال: قال لي رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يا أَبا ذَرٍّ إِنّي أَراكَ ضَعِيفًا وَإِنّي أُحِبُّ لَكَ ما أُحِبُّ لِنَفْسي فَلا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ وَلا تَوَلَّيَنَّ مالَ يَتِيمٍ". قالَ أَبُو داوُدَ: تَفَرَّدَ بِهِ أَهْلُ مِصْرَ (¬1). * * * باب ما جاء في الدخول في الوصايا [2868] (حدثنا الحسن بن علي) الخلال, (حدثنا أبو عبد الرحمن) عبد الله بن يزيد (المقرئ) مولى آل عمر بن الخطاب البصري سكن مكة، (حدثنا سعيد بن أبي أيوب) مقلاص (¬2) المصري (عن عبيد الله) بالتصغير (بن أبي جعفر) المصري الفقيه، أحد الأعلام (عن سالم بن أبي سالم) البصري (الجيشاني) أخرج له مسلم في الجهاد، وجيشان قبيلة من اليمن (¬3) (عن أبيه) أبي سالم سفيان بن هانئ الجيشاني (عن أبي ذر) جندب بن جنادة (قال: قال [لي] (¬4) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا أبا ذر إني أراك ضعيفًا) يعني: عن القيام بما يتعين على الأمير من مراعاة مصالح رعيته الدينية والدنيوية، ووجه ضعف أبي ذر عن ذلك أن الغالب عليه ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1826). (¬2) مقلاص بكسر الميم وسكون القاف وبالصاد المهملة اسم أبي أيوب وأما سعيد فكنيته أبو يحيى. انظر: "تهذيب الكمال" 10/ 342، "فتح الباري" 13/ 268. (¬3) الجَيْشاني: هذِه النسبة إلى جيشان وهي من اليمن. "الأنساب" 2/ 144. (¬4) سقطت من الأصل وأدرجتها من المتن.

كان الزهد واحتقار الدنيا وترك الاحتفال بها، ومن كان هذا حاله لم يعتن بمصالح الدنيا ولا بأموالها اللذين بمراعاتهما تنتظم مصالح الدين ويتم أمره، وقد كان أبو ذر أفرط في الزهد في الدنيا حتى انتهى به، الحال إلى أن قضى بتحريم جمع المال وإن أخرجت ذكاته، وكان يرى أنه الكنز الذي توعد الله عليه بكوي الوجوه والجنوب والظهور، فلما علم النبي - صلى الله عليه وسلم - منه هذِه الحال نصحه كما سيأتي (وإني أحب لك) من أمور الدنيا والآخرة (ما أحب لنفسي) وهذا فيه تأكيد لعظم بذل النصيحة له كما في بذل نصيحة نفسه (فلا تأمرن) بفتح التاء والهمزة والميم المشددة والنون المشددة أصله تتأمرن فحذفت إحدى التاءين تخفيفًا. وفيه النهي الشديد عن الإمارة (على اثنين) فأكثر، وَغَلَّظَ الوَعِيدَ بقوله في رواية مسلم في الإمارة: "فإنها خزي وندامة" (¬1) أي: فضيحة قبيحة على من لم يؤد الأمانة حقها ولم يقم لرعيته برعايتها وهي ندامة يوم القيامة على من تقلدها وفرط فيها، أما من عدل فيها وأتى بالواجب وما يتعين عليه منها {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} (¬2) (ولا تولين) بفتح التاء والواو المخففة واللام المشددة أصلها بنونين ثم حذفت إحدى النونين (مال يتيم) فيه النهي عن الولاية على أموال الأيتام لعظم خطرها وكثرة إثم وزرها إذا قصر؛ ولذلك امتنع كثير من العلماء من الدخول فيها (¬3). ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1825). (¬2) النساء: (69). (¬3) انظر "شرح مسلم" للنووي 12/ 210، "فتح الباري" 3/ 373.

5 - باب ما جاء في نسخ الوصية للوالدين والأقربين

5 - باب ما جاءَ في نسْخِ الوصِيّةِ لِلْوالِدَيْنِ والأَقْربِينَ 2869 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ محَمَّدٍ المَرْوَزيُّ، حَدَّثَني عَليُّ بْنُ حُسَيْنِ بْنِ واقِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْويِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ: (إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ والأقرَبِينَ) فَكانَتِ الوَصِيَّة كَذَلِكَ حَتَّى نَسَخَتْها آيَةُ الِميراثِ (¬1). * * * باب في نسخ الوصية للوالدين والأقربين [2869] (حدثنا أحمد بن محمد) بن ثابت بن شبويه (المروزي) بفتح الواو من كبار الأئمة (حدثني علي بن حسين بن واقد) المروزي ضعفه أبو حاتم وقواه غيره (¬2) (عن أبيه) حسين بن واقد قاضي مرو، أخرج له مسلم (عن يزيد) بن أبي سعيد (النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس) في قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} (¬3) ({إِنْ تَرَكَ خَيْرًا}) الخير هنا المال بلا خلاف، واختلفوا في مقداره فقيل؛ المال الكثير روي ذلك عن علي (¬4) وعائشة (¬5) وابن عباس (¬6) -رضي الله عنهما -، وقالوا في تسعمائة دينار أنه قليل. ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 6/ 265، وابن عبد البر في "التمهيد" 14/ 297. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2553). (¬2) "الجرح والتعديل" 6/ 179، "الكاشف" 2/ 282. (¬3) البقرة: 180. (¬4) أخرجه عبد الرزاق (16351) و (16352) وفيه أنه عد السبعمائة قليل. (¬5) أخرجه عبد الرزاق (16354) وفيه أنها عدت الأربعمائة قليل. وأخرجه ابن أبي شيبة (31591) وفيه أنها عدت ثلاثة آلاف على أربعة عيال: قليل. (¬6) أخرجه عبد الرزاق (16353) وفيه أنه عد الثمنمئة قليل. وأخرجه ابن أبي شيبة (31588) وفيه عدد السبعمئة قليل.

وقال قتادة عن الحسن (¬1): الخير ألف دينار فما فوقها (¬2). ({الْوَصِيَّةُ}) هذا خبر إن الشرطية أصله: فالوصية ثم حذفت الفاء كقول الشاعر: من يفعل الحسنات الله يشكرها (¬3) وروى ابن أبي شيبة من حديث ابن أبي مليكة عن عائشة قال لها رجل: إني أريد أن أوصي؟ قالت: كم مالك؛ قال: ثلاثة آلاف. قالت: فكم عيالك؟ قال: أربعة. قالت: إن الله يقول: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} وهذا شيء يسير فدعه لعيالك (¬4). ({لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}) جمع أقرب، قال قوم: الوصية للأقربين أولى من الأجانب لنص الله تعالى عليهم حتى قال الضحاك من أوصى لغير قرابته: فقد ختم عمله بمعصية (¬5). وأوصت عائشة لمولاة لها بأثاث البيت (¬6). وقال الناس حين مات أبو العالية: عجبًا له أعتقته امرأة (¬7) [من بني ¬

_ (¬1) أخرجه ابن أبي شيبة (31589) وابن أبي حاتم في "التفسير" 1/ 299 ولكن عن قتادة ولم يروه عن الحسن. (¬2) انظر: "فتح الباري" 5/ 366، "عمدة القاري" 21/ 40 (¬3) البيت لحسان بن ثابت أنشده سيبويه ونسبه إليه مستشهدا به على حذف الفاء من جواب الشرط في ضرورة الشعر. انظر: "الكتاب" لسيبويه 3/ 65. (¬4) أخرجه ابن أبي شيبة برقم (31591). (¬5) "الهداية إلى بلوغ النهاية" لمكي بن طالب 1/ 575. (¬6) "التمهيد" لابن عبد البر 14/ 300. (¬7) في (ل) طمس وسقط، وفي (ر): امرأته. وما أثبتناه من كتب التراجم. انظر: "تاريخ دمشق" 18/ 159، "الكامل" لابن عدي 3/ 162، "طبقات ابن خياط" 1/ 202.

رياح] (¬1) وأوصى بماله لبني هاشم. قال الشعبي: لم يكن له ذلك (¬2) ولا كرامة (¬3). (فكانت الوصية كذلك) أي واجبة، قال ابن عباس والحسن وطاوس وقتادة (¬4) وغيرهم: كان حكمها فائقًا للوالدين والأقربين حق واجب (حتى نسختها آية الميراث) نسخت الوصية للوالدين وكل وارث وثبتت للأقربين الذين لا يرثون وهو مذهب الشافعي وأكثر المالكية (¬5). وقال ابن عمر وابن زيد (¬6): الآية كلها منسوخة وبقيت الوصية ندبًا وهو قول مالك وذكره النحاس عن الشعبي والنخعي (¬7). ¬

_ (¬1) في الأصل: (من رباح) وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه من "تفسير الطبري" 3/ 386. "الطبقات الكبرى" لابن سعد 7/ 112. (¬2) "تفسير الطبري" 3/ 386 وقد علق الشيخ أحمد شاكر رحمه الله على هذِه الكلمة فقال: في المطبوعة: (لم يكن له حال ولا كرامة). وهو خطأ بلا شك عندي. فإن هذا الخبر تعليق على الخبر السالف الذي تعجب فيه المغيرة من فعل أبي العالية: أعتقته امرأة من بني رياح، وأوصى بماله لبني هاشم! فرد الشعبي تعجب المغيرة فقال: إن أبا العالية لا موالي له، ولا كرامة لأحد. (¬3) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 2/ 264. (¬4) "تفسير الطبري" 3/ 388. (¬5) "التمهيد" 14/ 293. (¬6) الأثران في "تفسير الطبري" (3/ 390 و 391). (¬7) "الناسخ والمنسوخ" ص 81.

6 - باب ما جاء في الوصية للوارث

6 - باب ما جاء في الوَصِيَّةِ لِلْوارثِ 2870 - حدثنا عَبْدُ الوَهّابِ بْنُ نَجْدَةَ، حدثنا ابن عَيّاشٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ سَمِعْتُ أَبا أُمامَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقولُ: "إِنَّ اللهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذي حَق حَقَّهُ فَلا وَصِيَّةَ لِوارِثٍ" (¬1). * * * باب ما جاء في الوصية للوارث [2870] (حدثنا عبد الوهاب بن نجدة) الحَوْطِي (¬2) من جبلة الساحل وثقه يعقوب بن شيبة (حدثنا) إسماعيل (ابن عياش) العنسي بالنون، روايته عن أهل الشام أصح من روايته عن أهل العراق، وهذا الحديث من روايته عن أهل الشام (¬3). وقد أخرج هذا الحديث الترمذي (¬4) والنسائي (¬5) وابن ماجه (¬6). وقال الترمذي: حسن صحيح. صرح الترمذي بالتحدث عن شرحبيل بن حسنة (¬7)، وجنح الشافعي في "الأم" إلى أن هذا الحديث متواتر فقال: وجدنا أهل الفتيا ومن حفظنا عنهم من أهل العلم من قريش وغيرهم لا يختلفون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال عام الفتح: "لا وصية ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2120)، وابن ماجه (2713). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2554). (¬2) في الأصل: الحوضي والمثبت من مصادر الترجمة. وانظر: "تهذيب الكمال" 18/ 519، "تهذيب التهذيب" 6/ 401. (¬3) "البدر المنير" 7/ 267، "الكاشف" ت 400، "فتح الباري" 5/ 372. (¬4) (2120). (¬5) (3643). (¬6) (2713). (¬7) هكذا في (ر)، وانظر: "عمدة القاري" 21/ 65، "فتح الباري" 5/ 372.

لوارث" ويأثرونه عمن حفظوه عنه فكان: نقل الكافة عن الكافة] (¬1) (عن شرحبيل بن مسلم) بن حامد الخولاني الشامي. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه: من ثقات الشاميين (¬2). وقال أبو عبيد الآجري: سألت أبا داود عنه فقال: سمعت أحمد يرضاه. وقال العجلي: ثقة (¬3). قال: (سمعت أبا أمامة) صدي بن عجلان الباهلي رضي الله تعالى عنه قال: (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه) من المواريث في ثلاثة آيات فلم يكل قسمتها إلى غيره، وهذا يدل على فضيلة علم الفرائض مع ما ورد فيه من الأحاديث الآتية (فلا وصية لوارث) وإنما بطلت الوصية للوارث في قول أكثر أهل العلم مراعاة لحقوق الورثة فإذا أجازوها جازت. وذهب بعضهم (¬4) إلى أن الوصية للوارث لا تجوز بحال وإن أجازها سائر الورثة؛ لأن المنع منها إنما هو لحق الشرع، فلو جوزناها لكنا استعملنا الحكم المنسوخ وذلك غير جائز، وقد قال أهل الظاهر: إن الوصية بأكثر من الثلث لا تجوز أجازها الورثة أم لم يجيزها (¬5). قال ابن عبد البر: وهو قول عبد الرحمن بن كيسان، وإلى هذا ذهب المزني (¬6). ¬

_ (¬1) "الرسالة" ص 137. (¬2) انظر: "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 17/ 293. (¬3) انظر: "الثقات" للعجلي (722)، "تهذيب الكمال" 12/ 430. (¬4) وهم أهل الظاهر. انظر "التمهيد" 8/ 381. (¬5) "المحلى" 8/ 15. (¬6) "التمهيد" 8/ 381.

7 - باب مخالطة اليتيم في الطعام

7 - باب مُخالَطَة اليَتِيمِ في الطَّعامِ 2871 - حدثنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حدثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قال: لَمّا أَنْزَلَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} وَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} الآيَةَ انْطَلَقَ مَنْ كانَ عِنْدَهُ يَتِيمٌ فَعَزَلَ طَعامَهُ مِنْ طَعامِهِ وَشَرابَهُ مِنْ شَرابِهِ فَجَعَلَ يَفْضُلُ مِنْ طَعامِهِ فَيُحْبَسُ لَهُ حَتَّى يَأْكُلَهُ أَوْ يَفْسُدَ فاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَذَكَروا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَنْزَلَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} فَخَلَطُوا طَعامَهُمْ بِطَعامِهِ وَشَرابَهُمْ بِشَرابِهِ (¬1). * * * باب مخالطة اليتيم في الطعام [2871] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الرازي القاضي (عن عطاء) بن السائب (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال: لما أنزل الله تعالى) هذِه الآية ({وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ}) أصل اليتم الانفراد، وقيل: الغفلة؛ لأن اليتيم يغفل عنه، وقد يتم الصبي بكسر التاء (¬2) ({إِلَّا بِالَّتِي}) أي: بالفعلة أو بالطريقة التي (¬3) ({هِيَ أَحْسَنُ}) أي: أصوب وأسرع إلى ¬

_ (¬1) رواه النسائي 6/ 256، وأحمد 1/ 325. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2555). (¬2) "النهاية" لابن الأثير 5/ 689 وتمام العبارة: يَتِمَ الصَّبيُّ بالكسر يَيْتَم فَهُو يَتِيمٌ والأنثَى يَتيمة وجَمْعُها: أيْتَام ويَتَامَى. (¬3) المثبت من (ع) وفي غيره إلا.

إصلاح ماله (و) قوله تعالى: ({إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ}) سمي أخذ المال على جميع وجوهه أكل؛ لأن المقصود الأعظم من الأخذ هو الأكل، وبه أكثر إتلاف الأشياء ({أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا}) بغير حق (الآية) (¬1) إلى آخرها (انطلق) كل (من كان عنده يتيم) من الأوصياء وغيرهم] (فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه فجعل) أي: صار (يفضل) بفتح الضاد ويجوز ضمها لليتيم (من طعامه) وشرابه (فيحبس) مبني للمفعول (حتى يأكله أو يفسد) بضم السين ويلقيه (فاشتد) لفظ النسائي (¬2): فشق ذلك على الناس (عليهم) لما فيه من الحرج والتضييق] (فذكروا) وللنسائي: فشكوا (ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ-) هذِه الآية: ({وَيَسْأَلُونَكَ}) يعني: أولياء الأيتام، وقيل: كانت العرب تتشاءم بملابسة أموال اليتامى ومؤاكلتهم فسألوا النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: إن السائل هو عبد الله بن رواحة (¬3) ({عَنِ}) مخالطة ({الْيَتَامَى}) ومؤاكلتهم ({قُلْ إِصْلَاحٌ}) مبتدأ و ({لَهُمْ}) نعت له ({خَيْرٌ}) خبره فيجوز أن يكون التقدير: خير لهم، ويجوز أن يكون خير لكم، أي: إصلاحهم نافع لكم [وتقدم قراءة طاوس (قل أصلح لهم خير) (¬4)] أي: أصلح لهم فهو خير فالفاء جواب الشرط وإن لم يصرح بأداة الشرط فإن الأمر يتضمن معناه، أي: أن تصلح لهم فذلك خير، واستدل بالآية ¬

_ (¬1) سورة النساء آية (10). (¬2) (3671، 3672). (¬3) "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 3/ 62. (¬4) "المحتسب" لابن جني 1/ 122. وانظر: "تبيين الحقائق" 6/ 221.

أبو حنيفة على أن للولي أن يشتري مال الطفل اليتيم لنفسه بأكثر من ثمن المثل؛ لأنه إصلاح له دل عليه ظاهر القرآن. وقال الشافعي: لا يجوز ذلك في البيع (¬1)؛ لأنه لم يذكر في الآية التصرف، بل قال: {إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} من غير (¬2) أن يذكر فيه الذي يجوز له النظر (¬3) ({وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ}) هذِه المخالطة كخلط المثل بالمثل كالتمر بالتمر. قال أبو عبيد: مخالطة اليتامى أن يكون لأحدهم المال ويشق على كافله أن يفرد طعامه عنه كما تقدم ولا يجد بدًا من خلطه لعياله فيأخذ من مال اليتيم ما يرى أنه يكفيه بالتحري فيجعله مع نفقة أهله (¬4). ({فَإِخْوَانُكُمْ}) فيه أن الصغير وإن كان رضيعًا يقال له أخي كما في الكبير. قال أبو عبيد: وهذا (¬5) عندي أصل لما يفعله الرفقاء في الأسفار؛ فإنهم يتخارجون (¬6) النفقات بينهم بالسوية، وقد يتفاوتون في قلة المطعم وكثرته (¬7)، وليس كل من قل مطعمه تطيب نفسه ¬

_ (¬1) "الأم" 5/ 261. (¬2) سقطت من الأصل (ر) والمثبت من (ع). (¬3) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 3/ 65. وانظر: "تبيين الحقائق" 6/ 221. (¬4) "تفسير القرطبي" 3/ 65. (¬5) في (ر): لهذا. والمثبت من (ع). (¬6) في الأصل: يحتاجون. والمثبت من "الناسخ والمنسوخ" لأبي عبيد ص 240، وانظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي. (¬7) في الأصل: وقلبه. والمثبت من "الناسخ والمنسوخ" لأبي عبيد، وانظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي.

بالتفضل (¬1) على رفيقه - في قلة المطعم -، ولما كان هذا في أموال اليتامى واسعًا كان في غيرهم أوسع، ولولا ذلك لخفت أن يضيق فيه الأمر على الناس (¬2) (فخلطوا طعامهم بطعامه وشرابهم بشرابه) ولما أذن الله في مخالطة الأيتام مع قصد الإصلاح بالنظر إليهم وفيهم كان ذلك دليلًا على جواز التصرف في مال (¬3) اليتيم تصرف الولي في البيع والشراء والقسمة وغير ذلك على الإطلاق لهذِه الآية، فإذا كفل الرجل اليتيم وحازه إليه جاز عليه فعله وإن لم يقدمه والٍ عليه لأن الآية مطلقة، والكفالة (¬4) ولاية عامة. ¬

_ (¬1) في (ر): بالتفصيل. وفي (ع) بالتفضيل. والمثبت من "الناسخ والمنسوخ" لأبي عبيد. (¬2) انظر: "الناسخ والمنسوخ" لأبي عبيد باب ذكر اليتامى وما نسخ من شأنهم، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي، "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 8/ 186 و 187. (¬3) من أول هنا سقط في (ر)، واستمرار السقط في الأصل، وهذا السقط استمر في الشرح حتى حديثين بعد هذا وجزء من أول الثالث. وانظر؛ "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 3/ 65 وتمام كلامه ولاية عامة لم يؤثر عن أحد من الخلفاء أنه قدم أحدا على يتيم مع وجودهم في أزمنتهم وإنما كانوا يقتصرون على كونهم عندهما. اهـ. وانظر: "أحكام القرآن" لابن العربي سورة البقرة المسألة الرابعة في قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى} .. (¬4) في الأصل: وإطلاقه. والمثبت من "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي.

8 - باب ما جاء فيما يولي اليتيم أن ينال من مال اليتيم

8 - باب ما جاءَ فِيما يوَليِّ اليَتيم أَنْ يَنالَ مِنْ مالِ اليَتِيمِ 2872 - حدثنا حُمَيْدُ بْن مَسْعَدَةَ أَنَّ خالِدَ بْنَ الحارِثِ حَدَّثَهُمْ، حدثنا حُسَينٌ - يَعْني المُعَلِّمَ - عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: إِلى فَقِيرٌ لَيْسَ لي شَيء وَلي يَتِيمٌ. قال: فَقالَ: "كُلْ مِنْ مالِ يَتِيمِكَ غَيْرَ مُسْرِفٍ وَلا مُبادِرٍ وَلا مُتَأَثِّلٍ" (¬1). * * * باب ما لولي اليتيم أن ينال من مال اليتيم [2872] (حدثنا حميد (¬2) بن مسعدة) الباهلي شيح مسلم (أن خالد بن الحارث) الهجيمي البصري (حدثهم: حدثنا حُسَينٌ المُعَلِّم عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ -رضي الله عنه - أَنَّ رَجُلاً أَتَى النبي - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنّى فَقِيرٌ) ثم فسره بقوله (لَيسَ لِي شَيء) قد يحتج به لقول الشافعي (¬3) وأحمد (¬4) وغيرهما أن الفقير هو الذي لا يملك شيئًا، ولأن الله تعالى بدأ به وإنما يبدأ بالأهم فالأهم، ولأن الفقير من فقر الظهر فعيل بمعنى مفعول أي: مفقور وهو الذي انتزعت فقرة ظهره فانقطع صلبه (¬5) (وَلِي يَتِيمٌ) زاد ابن ماجه (¬6): له مال. ¬

_ (¬1) رواه النسائي 6/ 256، وابن ماجه (2718)، وأحمد 2/ 186، 215. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2556)، وحسنه في "الإرواء" (1456). (¬2) في (ع): أحمد. والمثبت من المطبوع ومن كتب التراجم. (¬3) "الأم" 2/ 92. (¬4) انظر: "كشف المشكل" لابن الجوزي 1/ 930، "المغني" 7/ 313. (¬5) انظر: "شرح سنن أبي داود" للعيني 6/ 371 و 372. (¬6) "سنن ابن ماجه" (2718).

(قَالَ فَقَالَ: كُلْ مِنْ مَالِ يَتِيمِكَ) بالمعروف وهو أن يأخذ من ماله بقدر قيامه وأجرة عمله والغني يستعفف كما أمره الله تعالى (¬1). وإذا أكل (¬2) فيقضي ضمان البدل، والمعروف: أن قدر أجر عمله لا قضاء عليه (غَيرَ) منصوب على الحال ويجوز أن يكون وصفا لمصدر محذوف أي أكلا غير (مسرف) والإسراف في اللغة: الإفراط ومجاوزة الحد (¬3). قال النضر بن شميل: السرف: التبذير (¬4). (وَلاَ مُبَادِرٍ) أي: مبادر كبر اليتيم ولا مستغنم مال اليتيم بأن يأكله ويقول: أبادره بالكل قبل أن يرشد ويأخذ ماله (وَلاَ مُتَأَثِّلٍ) بتشديد الثاء المثلثة المكسورة أي: جامع منه مالا. يقال: مال مؤثل أي: مجموع ذو أصل، وأثلة الشيء بضم الهمزة: أصله (¬5) ومنه حديث أبي قتادة: إنه لأول مال تأثلته في الإسلام (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي، "تفسير ابن كثير" سورة النساء آية (6). (¬2) يعني الفقير؛ فإن القرطبي نقل في تفسير هذِه الآية: نفي الخلاف في الغني فقال: اعلم أن أحدا من السلف لم يجوز للوصي أن يأخذ من مال الصبي مع غني. (¬3) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 4/ 226. (¬4) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 7/ 86 ولكن نقل الشارح عن النضر يوهم أن السرف عند النضر هو الإسراف والذي نقله عنه القرطبي هو التفريق فقال: وقال النضر بن شميل: الإسراف التبذير والإفراط والسرف الغفلة والجهل. ثم استدل على ذلك بكلام وشعر العرب. وانظر "لسان العرب" 9/ 148 و "مختار الصحاح" ص (326)، "مشارق الأنوار" 2/ 213. (¬5) "النهاية" لابن الأثير 1/ 32. (¬6) أخرجه البخاري (2100)، ومسلم (1751).

9 - باب ما جاء متى ينقطع اليتم

9 - باب ما جاء مَتَى يَنْقَطِعُ اليُتْمُ 2873 - حدثنا أَحْمَدُ بْن صالِحٍ، حدثنا يَحْيَى بْن محَمَّدٍ المَدِينيُّ، حدثنا عَبْدُ اللهِ ابْنُ خالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبي مَزيَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُقَيْشٍ أَنَّهُ سَمِعَ شُيُوخًا مِنْ بَني عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَمِنْ خالِهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي أَحْمَدَ قال: قال عَليُّ بْنُ أَبي طالِبٍ: حَفِظْتُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلامٍ وَلا صُماتَ يَوْمٍ إِلَى اللَّيْلِ" (¬1). * * * باب مَتَى يَنْقَطِعُ اليُتْمُ [2873] (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ) بن عبد الله ابن مهران الجاري (المديني) والجاري نسبة إلى الجار بالجيم والراء بليدة على الساحل قريبة من مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ابن حبان: يجب التنكب عما انفرد به من الروايات (¬2) (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِى مَرْيَمَ) التيمي مولاهم المدني مولى ابن جدعان، أبو شاكر (¬3) (عَنْ ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في "الأوسط" 1/ 95 (290)، وفي "الصغير" 1/ 169 (266)، والبيهقي 6/ 57. وقد أعله العقيلي في "الضعفاء الكبير" 4/ 428، وابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" 2/ 31، 3/ 536، والمنذري في "مختصر سنن أبي داود" 4/ 152. وحسن إسناده الألباني في "الأذكار" (1237)، وصححه في "صحيح أبي داود" (2557). (¬2) "الأنساب" 2/ 9، 10، وكلام ابن حبان في "المجروحين" 3/ 130. (¬3) في الأصل سالم. والمثبت من مصادر الترجمة. انظر: "تهذيب الكمال" 14/ 445، "تهذيب التهذيب" 5/ 171 والضعفاء للعقيلي 4/ 128 "تاريخ دمشق" 29/ 357=

أَبِيهِ) خالد بن سعيد التيمي وهو: ثقة (¬1) (عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُقَيشٍ) بالشين المعجمة الأسدي (¬2). قال الأصمعي: رقيش تصغير الرقش وهو: تنقيط الخط والكتابة (¬3). وهو: ثقة (¬4) (أَنَّهُ سَمِعَ شُيُوخًا مِنْ بَنِى عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَمِنْ خَالِهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى أَحْمَدَ) بن جحش الأسدي ولد في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو والد بكير (¬5) قال أحمد بن صالح المصري لقي عمر بن الخطاب (¬6) (قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ) -رضي الله عنه - ورواه الطبراني في "الصغير" (¬7) بسند آخر عن علي، ورواه أبو داود الطيالسي في "مسنده" (¬8) وحسنه النووي بسكوت المصنف عليه (¬9) (حَفِظْتُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: لاَ يُتْمَ) اليتم في الناس فقد ¬

_ =والحديث أخرجه الطبراني في الصغير ح 266 وقال فيه حدثنا أبو شاكر. (¬1) انظر: "الكاشف" ت 1326 وانظر: "تهذيب الكمال" 8/ 83، "تهذيب التهذيب" 3/ 83 و 5/ 171. (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 10/ 536. (¬3) انظر: "لسان العرب" 6/ 305. (¬4) انظر: "تقريب التهذيب" (2355). (¬5) هو بكير بن عبد الله ابن أبي أحمد. قال ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" 3/ 537: وليس بوالد بكير بن عبد الله بن الأشج، كما ظنه ابن أبي حاتم حين جمع بينهما. والبخاري قد فصل بينهما، فجعل الذي يروي عن علي في ترجمة، والذي يروي عن ابن عباس (وهو والد بكير) في ترجمة أخرى. وانظر؛ "البدر المنير" 7/ 321. (¬6) "الجرح والتعديل" 5/ 5، "تهذيب التهذيب" 5/ 125. (¬7) (266). (¬8) "مسند الطيالسي" (1767) من حديث جابر. (¬9) "المجموع" 6/ 376، وفي "رياض الصالحين" باب النهي عن صمت يوم إلى الليل.

الصبي أباه قبل البلوغ (¬1) وأصل اليتم بالضم (¬2) الانفراد (بَعْدَ احْتِلاَمٍ) أي: إذا بلغ اليتيم واليتيمة زمن البلوغ الذي يحتلم فيه غالب الناس زال عنهما اسم اليتم حقيقة وجرى عليه حكم الرجال سواء احتلم أو لم يحتلم وقد يطلق عليه مجازا بعد البلوغ كما كانوا يسمون النبي - صلى الله عليه وسلم -وهو كبير: يتيم أبي طالب لأنه رباه مع (¬3) موت أبيه (¬4). وقد استدل به على أن (¬5) اليتيم واليتيمة يستحقان من خمس الثالث من الفيء ما لم يبلغ الحلم، وإن بلغوا الحلم سقط استحقاقهم، لكن لا يستحقان على الصحيح من مذهب الشافعي إلا مع الفقر لأن المال أنفع من وجود الأب، ولأن اليتم لا يطلق في العرف إلا للرحمة بخلاف ذي القربى فإنهم استحقوا لقربهم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تكرمة والغني والفقير في الإكرام سواء، وللشافعي قول أنه للغني وللفقير منهم لعموم الآية (¬6). زاد في رواية: "لا رضاع بعد فطام " (¬7). (وَلاَ صُمَاتَ) بضم الصاد (يَوْمٍ) وهو السكوت (¬8) ومنه حديث: ¬

_ (¬1) في الأصل: الدواب. والمثبت من "النهاية" لابن الأثير 5/ 689، وتمام العبارة منه: اليُتْم في الناس: فَقْدُ الصَّبيِّ أباه قَبْل البُلُوغِ وفي الدَّوابِّ: فَقْدُ الأم. (¬2) في "النهاية" لابن الأثير: بالضم والفتح. انظر: الموضع السابق. (¬3) هكذا في الأصل وفي "النهاية": بعد. (¬4) "النهاية" لابن الأثير 5/ 689. (¬5) سقطت من الأصل. (¬6) انظر: "فتح الباري" 6/ 246، "الحاوي" 8/ 432. (¬7) أخرجه الطبراني في "الأوسط" 6/ 336 و 337. (¬8) "شرح مسلم" للنووي 9/ 203

"إذنها صماتها" (¬1) (إِلَى اللَّيلِ) وفيه النهي عما كان من أفعال الجاهلية، وهو الصمت عن الكلام في الاعتكاف، وغيره (¬2) وروى البخاري (¬3) عن قيس بن [أبي حازم قال] (¬4): دخل أبو بكر على امرأة من أحمس يقال لها زينب، فرآها لا تتكلم فقال: ما لها لا تتكلم؟ فقالوا: حجت مصمته. فقال لها: تكلمي؛ فإن هذا لا يحل، هذا من عمل الجاهلية، فتكلمت. وروي أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صوم الصمت (¬5) وظاهر نهي الأحاديث تحريمه؛ لأن ظاهر النهي التحريم، وقول أبي بكر: إن هذا لا يحل. صريح في التحريم ولم يخالفه أحد من الصحابة فيما علمناه، ولو نذر ذلك في اعتكافه أو غيره لم يلزمه الوفاء به وبهذا قال الشافعي وأحمد وأصحاب الرأي لا نعلم فيه خلافا لحديث أبي إسرائيل لما نذر أن يقوم في الشمس ولا يقعد ولا يستظل فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مروه فليتكلم" (¬6). ولأنه نذر منهي عنه كنذر صوم يوم العيد (¬7). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (6971) ومسلم (1421). (¬2) "معالم السنن" للخطابي 3/ 198، "فتح الباري" 7/ 150. (¬3) (3834). (¬4) في الأصل بياض والمثبت من "صحيح البخاري". (¬5) أخرجه الطحاوي في "أحكام القرآن" 1/ 477 من حديث أبي هريرة والحديث في "مسند أبي حنيفة" ص 169. وانظر: "تخريج أحاديث الكشاف" 2/ 232. (¬6) أخرجه البخاري (6704)، ومسلم (1468). (¬7) انظر: "المغني" 3/ 148

10 - باب ما جاء في التشديد في أكل مال اليتيم

10 - باب ما جاءَ في التَّشْدِيد في أَكْل مال اليتِيمِ 2874 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الهَمْدانيُّ، حدثنا ابن وَهْبٍ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ بِلالٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبي الغَيْثِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقاتِ" قِيلَ يا رَسُولَ اللهِ وَما هنَّ قالَ: "الشِّرْكُ باللهِ والسّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ التي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالحَقّ وَأَكْلُ الرّبا وَأَكْلُ مالِ اليَتِيمِ والتَّوَلّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ المُحْصَناتِ الغافِلاتِ المُؤْمِناتِ". قالَ أَبُو داوُدَ: أَبُو الغَيْثِ سالِمٌ مَوْلَى ابن مُطِيعٍ (¬1). 2875 - حدثنا إِبْراهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ الجُوزَجانيّ، حدثنا مُعاذ بْنُ هانِئٍ، حدثنا حَرْبُ بْنُ شَدّادٍ، حدثنا يَحْيَى بْن أَبي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ سِنانٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ - وَكانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ - أَنَّ رَجلاً سَأَلهُ فَقال: يا رَسُولَ اللهِ ما الكَبائِرُ فَقالَ: "هُنَّ تِسْعٌ" .. فَذَكَرَ مَعْناهُ زادَ: "وَعُقُوقُ الوالِدَيْنِ المُسْلِمَيْنِ واسْتِحْلالُ البَيْتِ الحَرامِ قِبْلَتِكُمْ أَحْياءً وَأَمْواتًا" (¬2). * * * باب التَّشْدِيدِ فِى أَكْلِ مَالِ اليَتِيمِ [2874] (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الهَمْدَانِى) بسكون الميم أبو جعفر المصري قال ابن حجر: صدوق (¬3) (حَدَّثَنَا) عبد الله (ابْنُ وَهْبٍ) بن مسلم القرشي (¬4) (عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ بِلاَلٍ) القرشي التيمي (عَنْ ثَوْرِ بْنِ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2766)، ومسلم (89). (¬2) رواه النسائي 7/ 89. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (2559). (¬3) "التقريب" (38). (¬4) "التقريب" (3694).

زَيْدٍ) الديلي أخرج له الشيخان (¬1) (عَنْ أَبِى الغَيْثِ) سالم مولى أبي مطيع (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ) -رضي الله عنه - (أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ) أي: المهلكات جمع موبقة، وسميت هذِه الكبائر الآتية موبقات لأنها تهلك صاحبها في الدنيا بما يترتب عليها من العقوبات وفي الآخرة من العذاب ولا شك في أن الكبائر أكثر من هذِه السبع، ولذلك قال ابن عباس حين سئل عن الكبائر: هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع (¬2) وفي رواية عنه: هي إلى سبعمائة أقرب (¬3) وعلى هذا فاقتصاره -عليه السلام- على هذِه السبع في هذا الحديث يحتمل أنها هي التي أعلم بها في ذلك الوقت بالوحي ثم بعد ذلك أعلم بغيرها، ويحتمل أن تكون هذِه السبع هي التي دعت الحاجة إليها] (¬4) في ذلك الوقت، أو التي سئل عنها في ذلك الوقت (قيل: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله) وهو أعظم الكبائر، ففي "الصحيح" (¬5): سئل أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك" (والسحر) لأن الساحر لابد أن يكفر كما قال تعالى: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ ¬

_ (¬1) "التقريب" (859). (¬2) "مصنف عبد الرزاق" 10/ 460. (¬3) "تفسير الطبري" 8/ 245 (9207)، "تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 934، "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" 1919. (¬4) إلى هنا انتهى السقط الحاصل في الأصلين (ر، ل)، والمثبت من نسخة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. (¬5) "صحيح البخاري" (4477، 6001، 6811، 7520)، "صحيح مسلم" (86) عن عبد الله بن مسعود.

السِّحْرَ} (¬1) (وقتل النفس التي حرم الله تعالى إلا بالحق) والمراد به قتل العمد بغير حق، وكذا شبه العمد دون الخطأ، وأنه ليس من الكبائر، وجعله الحليمي مراتب وقال: إن قتل أبا أو ذا رحم أو أجنبيًّا محرمًا أو بالحرم أو في الأشهر الحرم، فهي فاحشة فوق الكبيرة (وأكل الربا) لقوله تعالى: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (¬2). قال ابن عبد السلام: ولم أقف على المفسدة المقتضية لجعله من الكبائر؛ فإن كونه مطعومًا وكونه قيمة الأشياء لا يقتضي كونه كبيرة (¬3). قال السهيلي: من تأمل أبواب الربا لاح له سر التحريم من جهة الجشع (¬4) المانع من حسن المعاشرة والذريعة إلى ترك القرض وما في التوسعة من مكارم الأخلاق، ولذلك قال تعالى: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ} غضبًا على أهله، ولهذا قالت عائشة من تعاطى ما يشبه أنه ربا بطل جهاده مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬5) ولم تقل صلاته ولا صيامه؛ لأن السيئات لا تحبط الحسنات ولكن خصمتا الجهاد بالإبطال؛ لأنه حرب لأعداء الله، وأكل الربا قد أذن بحرب الله؛ فهو ضده ولا يجتمع الضدان (¬6) (وأكل مال اليتيم) لقوله تعالى: {إِنَّ ¬

_ (¬1) سورة البقرة (102). (¬2) سورة البقرة آية (279). (¬3) إ قواعد الأحكام" 1/ 164. (¬4) في (ر) و (ل): التخشع، والمثبت من "الروض الأنف" للسهيلي. (¬5) رواه عبد الرزاق في "مصنفه" (14812)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 546. (¬6) "الروض الأنف" 2/ 215، وانظر: "حاشية ابن القيم على سنن أبي داود" 9/ 246، "إعانة الطالبين" للدمياطي 3/ 16.

الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} (¬1) الآية، وقيل: [إنه مجرب لسوء الخاتمة أعاذنا الله تعالى منها] (¬2). قال ابن عبد السلام: إن وقع أكل مال اليتيم في مال حقير كزبيبة أو تمرة فعده من الكبائر مشكل، فيجوز أن يجعل من الكبائر فِطاما عن هذِه المفاسد كشرب قطرة من الخمر، ويجوز أن نضبط الكثرة منه بنصاب السرقة (¬3). (والتولي) من وجوه الكفار (يوم الزحف) وأصل الزحف المشي المتثاقل كالصبي يزحف قبل أن يمشي، ويسمى الجيش بالزحف لأنه يزحف فيه، وإنما يصير التولي كبيرة إذا لم يزد عدد الكفار على مثلي المسلمين {إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ} (¬4) وقد يجب التولي إذا علم أنه يقتل من غير نكاية في الكفار؛ لأن التغرير بالنفوس إنما جاز لمصلحة إعزاز الدين، وفي الثبوت ضد هذا المعنى (¬5) (وقذف المحصنات) أي: رميهن بالزنا والإحصان هنا العفة عن الفواحش (¬6) (والغافلات) عما رمين به من الفاحشات؛ إذ عن سليمات الصدور بريئات مما قيل فيهن، ولا خبر عندهن منه. ¬

_ (¬1) سورة النساء آية 10. (¬2) قاله ابن دقيق العيد، ونقله عنه المناوي في "فيض القدير" 1/ 199 وجعلها عنه في أكل الربا. ونقلها عنه الهيتمي في "الزواجر" 2/ 161 في أكل مال اليتيم. (¬3) "قواعد الأحكام" 1/ 20، وانظر: "شرح النووي على مسلم" 2/ 87. (¬4) الأنفال: 16. (¬5) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي سورة الأنفال (15، 16). (¬6) "فتح الباري" 12/ 181.

قال ابن عبد السلام: من قذف محصنة في خلوة بحيث لا يسمعه إلا الله والحفظة فليس ذلك بكبيرة موجبة للحد (¬1). وقال الحليمي: قذف الصغيرة التي لا تحتمل الوقاع بحيث يقطع كونه كاذبًا من الصغائر (¬2). (المؤمنات) بالله تعالى (¬3). [2875] (حدثنا إبراهيم بن يعقوب) بن إسحاق (الجوزجاني) بضم الجيم الأولى وفتح الزاي والجيم المخففتين وبعد الألف نون نسبة إلى مدينة بخراسان مما يلي بلخ (¬4) يقال لها جوزجان، وبها قتل يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن أبي طالب (¬5). قال ابن حجر: هو نزيل دمشق حافظ ثقة (¬6). (حدثنا معاذ بن هانئ) القيسي البصري، أخرج له البخاري (¬7) في الصلاة (¬8) (حدثنا حرب بن شداد) اليشكري، أخرج له الشيخان (حدثنا يحيى بن أبي كثير، عن عبد الحميد بن سنان) ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬9). ¬

_ (¬1) "قواعد الأحكام" 1/ 21. (¬2) "شعب الإيمان" 1/ 265. (¬3) على حاشية (ك): زيادة في آخره وهي: قال أبو داود: أبو الغيث سالم مولى ابن أبي مطيع. (¬4) في (ر): الثلج وفي مخطوطة الجامعة الإسلامية: البلخ. والمثبت من "الأنساب" 2/ 116، "معجم البلدان" لياقوت الحموي 2/ 182. (¬5) "الأنساب" 2/ 116. (¬6) "التقريب" (273). (¬7) "التقريب" (6741). (¬8) الذي وقفت عليه أن له عند البخاري حديث في اللباس برقم (5908). (¬9) 7/ 122.

(عن عبيد بن عمير، عن أبيه) قيل: لم يرو عنه غير ابنه عبيد (¬1) وهو عمير بن عامر بن مالك بن الخنساء أبو داود الأنصاري المازني النجاري شهد بدرًا وأحدًا، وهو الذي قتل أبا البختري العاص بن هشام وأخذ سيفه (¬2) (أنه حدثه وكانت له صحبة) مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أن رجلاً سأله) أي: سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يتقدم له ذكر، لكن لفظة الصحبة دلت عليه (فقال: يا رسول الله ما الكبائر؟ فقال: عن تسع) وفي الرواية السابقة أنها سبع، واختلاف الروايات يعلم منه عدم الحصر فيما ذكروا أن هذين العددين بحسب المقام باعتبار السائل (¬3) (فذكر معناه) ورواية التسع ذكرها أبو القاسم البغوي وابن عبد البر في "التمهيد" (¬4) بسنده من طريقه عن طيلسة بن علي قال: أتيت ابن عمر عشية عرفة وهو تحت ظل أراك وهو يصب الماء على رأسه، فسألته عن الكبائر فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "عن تسع". قلت: وما عن؟ قال: "الإشراك بالله وقذف المحصنة وقتل النفس المؤمنة والفرار من الزحف والسحر وأكل الربا وأكل مال اليتيم وعقوق الوالدين والإلحاد بالبيت الحرام قبلتكم". وأخرجه البخاري في كتاب "الأدب" (¬5) عن طيلسة بن علي، عن ابن ¬

_ (¬1) وقيل غير ذلك؛ قال ابن منده في "فتح الباب في الكنى والألقاب" (2658): روى عنه: ابنه حمزة بن أبي داود، ورجال من بني مازن. (¬2) "الطبقات" لابن سعد 3/ 518، "الإصابة" 7/ 118، "تعجيل المنفعة" (1270). (¬3) انظر: "فتح الباري" 12/ 182. (¬4) "التمهيد" 5/ 69. (¬5) "الأدب المفرد" 1/ 17.

عمر موقوفًا قال الحافظ المزي (¬1): طيلسة، وثقه ابن حبان (¬2) (وزاد عثمان: عقوق الوالدين) العقوق ضد البر من العق وهو الشق والقطع كأنه قطع بره حين آذاه وعصاه، وفي معنى الوالدة عقوق الخالة لما صححه الترمذي (¬3): "الخالة بمنزلة الأم". وفي معنى الأب العم لما في "الصحيح" (¬4): "عم الرجل صنو أبيه" (المسلمين) احترازًا من الكافرين، ويدخل فيه الوالدان (¬5) من باب التعليم فقيل: عقوقهما أشد من عقوق والدي النسب، حكاه السبكي في "الطبقات" (¬6). (واستحلال البيت الحرام) أي: استحلال فعل الحرام في البيت الحرام بعمد أو الاحتكار فيه من الكبائر (قبلتكم) بالجر، بدل من البيت الحرام؛ لأنه قبلتهم التي يصلون إليها (أحياء) يعني: في حياتكم (وأمواتًا) أي: في مماتكم. ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 13/ 468. (¬2) "الثقات" 4/ 399، وانظر: "تحفة الطالب" لابن كثير 1/ 206. (¬3) "سنن الترمذي" (1904)، وأخرجه البخاري (2699، 4251). (¬4) "صحيح مسلم" (983). (¬5) في الأصل: الوالدين. والجادة ما أثبتناه. (¬6) "طبقات الشافعية الكبرى" 10/ 315 ولفظه: عن أبي سهل قال لي يوما: عقوق الوالدين يمحوها الاستغفار، وعقوق الأستاذين لا يمحوها شيء. قلت: وهذا من الغلو. ويكفي في الرد عليه أنه مخالف لظواهر القرآن في أن عقوق الوالدين بعد الشرك. هذا من جهة، ومن جهة أخرى نقد قال الله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)} [الزمر: 53]. وغيرها من الآيات والأحاديث التي تدل على أن التوبة تجب ما كان قبلها.

وفيه دليل على أن المحتضر الذي حضره الموت ولم يمت يضجع على جنبه للقبلة، وكذا بعد موته، وعلى أن الميت إذا أنزل القبر يوضع في اللحد على جنبه الأيمن للقبلة ولم أجد من استدل به على هذا (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: "العزيز شرح الوجيز" 5/ 216، "المجموع" 5/ 299.

11 - باب ما جاء في الدليل على أن الكفن من جميع المال

11 - باب ما جاءَ في الدَّلِيل علَى أنَّ الكَفَنَ مِنْ جَمِيعِ المالِ 2876 - حدثنا مُحَمَّدُ بْن كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ أَبي وائِلٍ، عَنْ خَبّابٍ قالَ مُصْعَبُ بْن عُمَيْرٍ: قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ إِلا نَمِرَة كُنّا إِذا غَطَّيْنا بِها رَأْسَة خَرَجَتْ رِجْلاهُ وَإِذا غَطَّيْنا رِجْلَيهِ خَرَجَ رَأْسَهُ فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "غَطُّوا بِها رَأْسَهُ واجْعَلُوا عَلَى رِجْلَيْهِ مِنَ الإِذْخِرِ" (¬1). * * * باب الدليل على أن الكفن من رأس المال [2876] (حدثنا محمد بن كثير) العبدي (حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن) سليمان (الأعمش، عن أبي وائل) شقيق بن سلمة. (عن خباب) بن الأرت (قال: قتل مصعب بن عمير) بن هاشم بن عبد مناف ابن عبد الدار بن قصي أحد السابقين في الإسلام (¬2) (قتل يوم) وقعة (أحد، ولم تكن له) شيء (إلا نمرة) لفظ مسلم: فلم يوجد له شيء يكفن فيه إلا نمرة (¬3) وهي كساء ملمع فلذلك شبهت بالنمر (¬4) (كنا إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه وإذا غطينا) بها (رجليه خرج رأسه) وفيه ما كان فيه صدر (¬5) هذِه الأمة من التقلل من الدنيا، وفيه ذكر سنن السابقين ومناقب الصالحين في زهدهم في الدنيا وتقللهم منها ليعتبر بها السامعون وتقل ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1276)، ومسلم (940). (¬2) "الإصابة" 6/ 123. (¬3) (940). (¬4) "شرح مسلم" للنووي 3/ 89. (¬5) في (ر): بياض. والمثبت من (ع).

رغبتهم في الدنيا. (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: غطوا بها رأسه) وفيه دليل على أن الكفن إذا ضاق فتغطية رأس الميت أولى من رجليه؛ لأنه أفضل، وكذلك في لبس الحي، وفيه أن الموجود من مال الميت يكفن فيه وإن كان غيره أولى منه في صفته؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرهم أن يكفنوه فيها وهي ملمعة من صوف، ولم يأمرهم أن يبيعوها أو يرهنوها عند من تؤخذ منه الثياب القطن الأبيض إلى أن يدفن ثم تباع وتعطى له كما يفعل في ذا الزمان كثيرًا، وقيل: إنما كفن فيها لأنه استشهد فيها يوم أحد فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يكفن فيها ليبعث بها يوم القيامة كما ورد وقد استدل به المحدثون على أن الكفن من رأس المال، وأنه مقدم على الديون؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بتكفينه في نمرة ولم يسأل هل عليه دين أم لا؟ واستثنى أصحابنا من الديون الدين المتعلق بعين المال فيقدم على الكفن كالثوب المرتهن، وقد يستدل به على أن الواجب في الكفن ستر العورة فقط، ولا يجب استيعاب البدن عند التمكن. فإن قيل: لم يكونوا متمكنين (¬1) من جميع البدن عند التمكن فجوابه أن معناه: لم يوجد مما يملك الميت إلا نمرة. ولو كان ستر جميع البدن واجبًا لوجب على الحاضرين من المسلمين تتميمه إن لم يكن له قريب تلزمه نفقته فإن كان وجب عليه (¬2). ¬

_ (¬1) في الأصل (ع): متوكلين. والمثبت من (ر) ومن "شرح مسلم" للنووي (¬2) "شرح مسلم" على النووي (7/ 6 و 7).

(واجعلوا على رجليه) شيئًا (¬1) (من الإذخر) بكسر الهمزة وسكون الذال المعجمة، وهي حشيشة معروفة طيبة الريح يسقف بها البيوت فوق الخشب وهمزتها زائدة (¬2). وفيه أن الكفن إذا ضاق وجعل على رأس الميت وظهرت رجلاه أي: لا تترك مكشوفة بل يستر ما لم يكن عليه كفن بشيء من العشب أو الهشيم أو أوراق الأشجار العريضة ونحوها (¬3). ¬

_ (¬1) في الأصل: شيء. (¬2) "شرح أبي داود" للعيني 6/ 84. (¬3) انظر: "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 3/ 266، "عمدة القاري" 12/ 255.

12 - باب ما جاء في الرجل يهب ثم يوصى له بها أو يرثها

12 - باب ما جاءَ في الرَّجُلِ يَهَبُ ثُمَّ يوصَى لَهُ بِها أوْ يَرِثُها 2877 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حدثنا زُهَيْرٌ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ بُرَيْدَةَ أَنَّ امْرَأَة أَتَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَتْ كُنْتُ تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمّي بِوَلِيدَةٍ وَإِنَّها ماتَتْ وَتَرَكَتْ تِلْكَ الوَلِيدَةَ. قالَ: "قَدْ وَجَبَ أَجْرُكِ وَرَجَعَتْ إِلَيْكِ في المِيراثِ". قالَتْ: وَإنَّها ماتَتْ وَعَلَيْها صَوْمُ شَهْرٍ أَفيُجْزِئُ - أَوْ يَقْضي - عَنْها أَنْ أَصُومَ عَنْها؟ قالَ: "نَعَمْ" قالَتْ: وَإِنَّها لَمْ تَحُجَّ أَفيُجْزِئُ - أَوْ يَقْضي - عَنْها أَنْ أَحُجَّ عَنْها؟ قالَ: "نَعَمْ" (¬1). * * * باب الرجل يهب الهبة ثم يوصى له به أو يرثه [2877] (حدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) اليربوعي (¬2) , (حدثنا زهير، حدثنا عبد الله بن عطاء) الطائفي المكي، أخرج له ولما قبله وبعده مسلم (¬3). (عن عبد الله بن بريدة [عن أبيه]) (¬4) قاضي مرو ابن الحصيب -رضي الله عنه -، وهو ابن (¬5) عبد الله بن الحارث بن الأعرج الأسلمي نزل مرو (أن امرأة أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: ) إني (كنت تصدقت على أمي بوليدة) بفتح الواو وكسر اللام، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1149). (¬2) روى له الجماعة. انظر: "تقريب التهذيب". (63). (¬3) انظر "الكاشف" (2865)، و"التقريب" (3469). وكذلك ما بعده روى له الجماعة. انظر: "تقريب التهذيب" (3227)، "الكاشف" (2644). (¬4) ساقطة من الأصول، والمثبت من مطبوع "السنن". (¬5) في (ر) أبو. والمثبت من (ع) ومن "الاستيعاب" 1/ 185.

ولفظ مسلم (¬1): بجارية. وهي: الأمة وإن كانت كبيرة (¬2). وقيل: الوليدة كناية عما ولد من الإماء التي يملكها وهي في ملكه (¬3). (وإنها ماتت وتركت تلك الوليدة) فانتقلت إلى ملكي بالإرث (فقال: قد وجب) أي ثبت (أجرك) على الله تعالى (ورجعت إليك في) لفظ مسلم (¬4): "وردها عليك" (الميراث) أي: أستقر أجرك عند الله في الصدقة حين تصدقت وردها إلى ملكك الميراث الشرعي. وقد يؤخذ منه: أن الولد إذا انفرد استغرق جميع إرث أمه، وفيه: أن من تصدق بشيء لله ثم ورثه أو أوصي له به أو وهب له لم يكره له أخذه والتصرف فيه، بخلاف إذا ما أراد شراءه بنفسه أو وكيله فإنه يكره؛ لحديث فرس عمر -رضي الله عنه - (¬5) (قالت: وإنها) أي: أمها بدليل رواية مسلم (¬6): (ماتت وعليها صوم شهر أفيجزي) بفتح الياء قبل الجيم أفيكفي (أو: يقضي عنها أن أصوم عنها؟ ) زاد مسلم: "أرأيت لو كان عليها دين أكنت تقتضينه"؟ قالت: نعم. قال: "فدين الله أحق بالقضاء" (¬7). (قال: نعم) قال: "فصومي عن أمك" (¬8). ¬

_ (¬1) (1149). (¬2) انظر: "النهاية" لابن الأثير 5/ 503. (¬3) "شرح أبي داود" للعيني 6/ 409. (¬4) (1149). (¬5) أخرجه البخاري (1490)، ومسلم (1620). (¬6) "صحيح مسلم" حديث (1148). (¬7) "صحيح مسلم" (1148). (¬8) هذا لفظ مسلم رحمه الله من حديث ابن عباس رضي الله عنهما (1148).

اختلف العلماء فيمن مات وعليه صوم واجب من رمضان، أو قضاء، أو نذر: هل يقضى عنه؟ . وللشافعي فيه قولان مشهوران، أشهرهما؛ لا يصام عنه، ولا يصح عن ميت صوم أصلًا. والثاني: يستحب لوليه أن يصوم عنه ويصح صومه عنه وتبرأ به ذمة الميت ولا يحتاج إلى إطعام عنه. (¬1) قال النووي: وهذا القول هو الصحيح المختار الذي نعتمده، وهو الذي صححه محققو أصحابنا الجامعون بين الفقه والحديث لصحة هذِه الأحاديث الصحيحة الصريحة، والمراد بالولي القريب سواء كان عصبة أو وارثًا ولو صام عنه أجنبي إن كان بإذن صح وإلا فلا (¬2) هذا مذهبنا وبه قال أحمد (¬3). وذهب الجمهور أنه لا يصام عن ميت لا نذر ولا غيره، وبه قال مالك (¬4). وأجابوا عن هذا بأنه رواه البزار، وقال في آخره: "من شاء" (¬5). وهذا يرفع الوجوب. وفي الحديث جواز صوم (¬6) البنت [عن الميت] (¬7)، وجواز سماع ¬

_ (¬1) انظر: "نهاية المطلب" 4/ 61. (¬2) في (ر، ع) بياض والمثبت من شرح مسلم" للنووي. (¬3) "المغني" 4/ 398. (¬4) "شرح مسلم" للنووي 8/ 25، 26. وانظر: "الذخيرة" للقرافي 2/ 4. (¬5) الحديث المذكور ذكره الهيثمي في الزوائد (5069) وعزاه للبزار عن عائشة بهذِه الزيادة، وانظر: "البدر المنير" 5/ 732، والتلخيص لابن حجر 2/ 454. (¬6) سقط من (ر). (¬7) سقط من (ع).

كلام المرأة الأجنبية في الاستفتاء ونحوه من مواضع الحاجة (¬1) (قالت: وإنها لم تحج) بضم الحاء (أفيجزئ أو يقضي أن أحج عنها قال: نعم) فيه حجة لمذهب الشافعي وغيره: أن من مات وفي ذمته حجة الإسلام أو حجة نذر أو قضاء أو في ذمته عمرة واجبة وجب الإحجاج من تركته لهذا الحديث وغيره، وفي "الإبانة" وتعليق القاضي حسين حكاية قول أنه لا يقضى عن الميت إلا إذا أوصى به (¬2). ¬

_ (¬1) "شرح مسلم" للنووي 8/ 26. (¬2) انظر: "المجموع" 7/ 109، 110، 7/ 135، 8/ 494.

13 - باب ما جاء في الرجل يوقف الوقف

13 - باب ما جاءَ في الرَّجُلِ يُوقِفُ الوَقْفَ 2878 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ زرَيْعٍ، ح وَحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حدثنا بِشْرُ بْنُ الفَضَّلِ، ح وَحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حدثنا يَحْيَى، عَنِ ابن عَوْنٍ، عَنْ نافِع، عَنِ ابن عُمَرَ قال: أَصابَ عُمَرُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ فَأَتَى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: أَصَبْتُ أَرْضًا لَمْ أصِبْ مالاً قَطُّ أَنْفَسَ عِنْدي مِنْه فَكَيْفَ تَأْمُرُني بِهِ قالَ: "إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَها وَتَصَدَّقْتَ بِها" فَتَصَدَّقَ بِها عُمَرُ أَنَّهُ لا يُباعُ أَصْلها وَلا يُوهَبُ وَلا يُورَثُ لِلْفقَراءِ والقُرْبَى والرِّقابِ وَفي سَبِيلِ اللهِ وابْنِ السَّبِيلِ - وَزادَ، عَنْ بِشْرٍ - والضَّيْفِ - ثُمَّ اتَّفَقوا - لا جُناحَ عَلَى مَنْ وَليَها أَنْ يَأْكْلَ مِنْها بِالمَعْرُوفِ وَيُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ. زادَ: عَنْ بِشْرٍ قال: وقالَ مُحَمَّد: غَيْرَ مُتَأَثّلٍ مالاً (¬1). 2879 - حدثنا سُلَيْمان بْنُ داوُدَ المَهْريُّ، حدثنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَني اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ صَدَقَةِ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ -رضي الله عنه - قالَ: نَسَخَها لي عَبْدُ الحَمِيدِ بْن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم هذا ما كتَبَ عَبْدُ اللهِ عُمَرُ في ثَمْغٍ فَقَصَّ مِنْ خَبَرِهِ نَحْوَ حَدِيثِ نافِعٍ قال: غَيْرَ مُتَأَثَّلٍ مالاً فَما عَفا عَنْهُ مِنْ ثَمَرِهِ فَهوَ لِلسّائِلِ والمَحْرُومِ - قال: وَساقَ القِصَّةَ - قال: وَإِنْ شاءَ وَليُّ ثَمْغٍ اشْتَرى مِنْ ثَمَرِهِ رَقِيقًا لِعَمَلِهِ وَكتَبَ مُعَيْقِيبٌ وَشَهِدَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الأَرْقَمِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هذا ما أَوْصَى بِهِ عَبْدُ اللهِ عُمَرُ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ إِنْ حَدَثَ بِهِ حَدَث أَنَّ ثَمْغًا وَصِرْمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ والعَبْدَ الذي فِيهِ والمِائَةَ سَهْمٍ التي بِخَيْبَرَ وَرَقِيقَهُ الذي فِيهِ والِمائَةَ التي أَطْعَمَه محَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - بِالوادي تَلِيهِ حَفْصَة ما عاشَتْ ثمَّ يَلِيهِ ذو الرَّأى مِنْ أَهْلِها أَنْ لا يُباعَ وَلا يُشْتَرى يُنْفِقُهُ حَيْثُ رَأى مِنَ السّائِلِ والمَحْرُومِ وَذي القُرْبَى وَلا حَرَجَ عَلَى مَنْ وَليَهُ إِنْ أَكَلَ أَوْ أَكَلَ أَوِ اشْتَرى رَقِيقًا مِنْهُ (¬2). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2737، 2772، 2773)، ومسلم (1632). (¬2) رواه البيهقي 6/ 106. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2563).

باب في الرجل يوقف الوقف [2878] (حدثنا مسدد، حدثنا بشر بن المفضل. وحدثنا مسدد، حدثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن) عبد الله (بن عون) بن أرطبان مولى عبد الله ابن مغفل المزني (عن نافع، عن ابن عمر قال: أصاب عمر أرضًا بخيبر) اسم (¬1) هذِه الأرض ثَمْغٌ (¬2) كما سيأتي بعده، وكانت حصلت لعمر في قسمة خيبر حين فتحت في جمادى الأول سنة سبع, (فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ) إني (أصبت أرضًا) بخيبر (لم أصب مالًا قط أنفس عندي منه) أي: أجود، يقال منه: نفس بضم الفاء (¬3) وأصله من التنافس؛ لأن الجيد يتنافس فيه ويرغب (فكيف تأمرني به؟ ) وفي قوله: أصاب عمر. جواز تسمية الولد أباه باسمه من غير كنية (¬4). قال الفاكهي: وفيه سر لطيف؛ وذلك أن الاسم العلم إذا جيء به على أصل وصفه فكأنك ذكرت معه ما اشتمل من جميع صفاته المعروفة، وإلى هذا أشار سيبويه (¬5) بقوله: الأعلام مختصرات (¬6) الصفات فيعرف هذا الأصل ويثبت هذا (¬7). ¬

_ (¬1) بياض في (ر). (¬2) بياض في (ر). (¬3) في الأصلين (ر) و (ع): الميم. والمثبت من "شرح مسلم" 11/ 86. (¬4) "فتح الباري" 5/ 473. (¬5) بياض في (ر). (¬6) بياض في (ر). (¬7) انظر: "الخصائص" لابن جني 3/ 270.

وفيه استشارة الأكابر وأخذ رأيهم والائتمار برأيهم (¬1). وفيه دليل لما كان عليه أكابر السلف الصالح من إخراج أنفس أموالهم عندهم امتثالًا لما رغب عليه قوله تعالى {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} (¬2) وفقنا الله لذلك. (قال: إن شئت حبست) بتشديد الباء الموحدة للمبالغة في حبس الشيء (¬3)؛ فلهذا كان صريحًا في الوقف لاقتضائه بحسب الغلبة استعمال الحبس على الدوام (أصلها) أي حقيقة الأرض التي تقدم ذكرها (وتصدقت بها) أي: أعيد الضمير على الأرض التي حبسها فيكون ذلك من ألفاظ الوقف التي تكلم الفقهاء في كونه صريحًا بنفسه، وإذا قيد بقرينة أو أعيد على ثمرته وعليه كانت الصدقة على بابها لا على معنى التحبيس، ولكن يكون على حذف مضاف تقديره: وتصدقت بثمرتها كما قال ابن دقيق العيد (¬4) أو تصدقت بمنفعتها أو بِغَلَّتِها، وبهذا جزم القرطبي (¬5) (فتصدق بها عمر) -رضي الله عنه - (على ألا يباع أصلها ولا يوهب) كما أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال الماوردي (¬6): وهذِه أول صدقة مؤبدة تصدق بها في الإسلام. (ولا يورث) عن الواقف ¬

_ (¬1) "شرح مسلم" للنووي 11/ 86، "فتح الباري" 5/ 473. (¬2) انظر: "إحكام الأحكام" 1/ 376، "فتح الباري" 5/ 473. (¬3) "إعراب ما أشكل من ألفاظ الحديث" للعكبري (216). (¬4) "إحكام الأحكام" 1/ 377. (¬5) "المفهم" 4/ 599، والذي فيه يدل على قول ابن دقيق العيد. (¬6) لم أقف على هذا القول للماوردي فيما بين يدي من كتب له وإنما هو بمعناه من قول ابن عمر -رضي الله عنه - أخرجه أحمد في "المسند" 2/ 156، وانظر: "فتح الباري" 5/ 402.

بعده ولا سبيل إلى ملك أحد من الناس، وهو محمول عند جماعة منهم الشافعي على أن ذلك حكم شرعي ثابت في كل وقف من حيث وقف، ويحتمل من حيث اللفظ أن يكون ثبوت هذِه الأشياء بهذا الشرط لا بأصل الشرع (¬1) (للفقراء) هو متعلق بمحذوف، أي: تصرف من غلتها للفقراء، وفي الصحيحين (¬2): في الفقراء، ويدخل المساكين في الوقف والوصية للفقراء، ويشمل لفظ الفقر المكفي بنفقة غيره اللازمة؛ فإنه فقير في نفسه، لكن الأصح عدم دخوله في الوقف على الفقراء والوصية عليهم، وإنما يصرف للفقراء المسلمين كما قاله ابن سراقة كالزكاة (¬3) (والقربى) أي: الأقارب، وهو في الأصل مصدر قرب بضم الراء يستعمل بمعنى الأقارب على معنى ذي كذا أو بالتأويل باسم الفاعل على قاعدة الوصف بالمصادر كعدل والمراد بالقربى هنا قربى الواقف؛ لأنه الأحق بنفقة قريبه، ويحتمل على بعد أن يكون المراد قربى النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في آية الغنيمة (¬4). وفيه فضيلة صلة الأرحام والوقف عليهم (والرقاب) أي: في عتق الرقاب أو في فك الرقاب، والمعنى أنه يُشترى من غلتها (¬5) رقاب فيعتقون. فإن قيل: هلا حمل ذلك عنه الشافعي ومن قال بقوله في قوله تعالى: ¬

_ (¬1) "إحكام الأحكام" 1/ 377. (¬2) البخاري (2737) ومسلم (1632). (¬3) "شرح البهجة الوردية" باب: الوصايا. (¬4) "فتح الباري" 5/ 451. (¬5) في (ر) عليها والمثبت من (ع).

{وَفِي الرِّقَابِ} أن المراد به المكاتبون يعانون في كتابتهم في ذلك رقابهم؛ لأنه تحمل شرعي وينبغي أن يحمل عليه لفظ الوقف والوصية وغيرهما. قيل: لأن الله تعالى لما قال: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} وعطف عليه الباقي روعي التمليك المستفاد من اللام وشراء الرقاب لا تمليك فيه بخلاف تمليك المكاتب ما يخلص به رقبته فافترقا (¬1) (وفي سبيل الله) أي: في الجهاد. عند الأكثرين (¬2)، ومنهم (¬3) من عزاه إلى الحج (¬4). وقولنا في الجهاد أعم من الغزاة ومن شراء آلات الحرب وغير ذلك (¬5) بخلاف المذكور {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} لما تقدم (وابن السبيل) هو المسافر، ومريد السفر أطلق عليهما ابن السبيل لشدة ملازمتهما السبيل وهي الطريق ولو بالقصد. (زاد) مسدد (عن بشر) بن المفضل: (والضيف) وهو من نزل بقوم، ولذلك قال الجوهري: الضيف يكون واحدًا وجمعًا والمرأة ضيف وضيفة (¬6). (ثم اتفقوا) في لفظ ما بعده، فقالوا: (لا جناح) أي: لا ¬

_ (¬1) راجع هذِه المسألة في "الأم" للشافعي 4/ 93، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (8/ 182 و 183)، "المحرر الوجيز" 3/ 55، "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 3/ 495، "فتح الباري" 3/ 332، "المغني" 7/ 321. (¬2) "المغني" لابن قدامهَ 7/ 326. (¬3) سقط من (ر). (¬4) يروى هذا عن ابن عباس، وعن ابن عمر، وهو قول إسحاق، وهو رواية عن أحمد. "المغني" 7/ 327، وانظر: "فتح الباري" 3/ 321. (¬5) "المغني" لابن قدامة 7/ 326. (¬6) "الصحاح" 4/ 78.

إثم. (بأمر وليها) أي: وفي النظر على هذِه الأرض (أن يأكل منها بالمعروف) أي بالأمر الذي يتعارفه الناس [ولا ينسبون] (¬1) فاعله لا إفراط (¬2) ولا تفريط (¬3) واستدل به أحمد على ما ذهب إليه أن الواقف إذا اشترط في الوقف أن ينفق منه على نفسه صح الوقف والشرط كما نص عليه أحمد (¬4). وفيه دليل على المسامحة في بعضها حيث علق الأكل على المعروف وهو غير منضبط. (ويطعم) بضم الياء وكسر العين (صديقًا) فعيلًا من الصداقة وهي صدق الصحبة (غير) بالنصب. (متمول فيه) أي: جاعل منه مالًا يتخذه له. (وزاد) في روايته (عن بشر) بن المفضل (قال) فيها: (وقال محمد) بن عدي السلمي مولاهم البصري، وزاد الترمذي (¬5): قال إسماعيل: أنا قرأتها عند (¬6) ابن عبيد الله بن عمر: فكان فيه: "غير متأثل مالًا". قال: وقال ابن عون: فحدثني رجل آخر أنه قرأها في قطعة أديم أحمر (غير) بالنصب (متأثل) بتشديد الثاء المثلثة، قال في "الصحاح" (¬7): ¬

_ (¬1) في (ر): مسئول، وفي (ع): ينسبون فقط وهي في أول السطر فيحتمل أن تكون لا النافية مطموسة في آخر السطر الذي قبله وقد أثبتها من "عون المعبود شرح سنن أبي داود" 8/ 58. (¬2) في (ر): فراط. (¬3) في (ر): تفريق. (¬4) "المغني" 6/ 215. (¬5) انظر "سنن الترمذي" (1375). (¬6) في (ر) عبد. (¬7) "الصحاح" للجوهري 4/ 306.

التأثل اتخاذ أصل، قال: أي: من التأثيل وهو التأصيل، ومنه: المجد المؤثل. ومعناه هنا أنه لا يكون جامعًا (مالاً) متأصلًا له، بل يأكل منه بالمعروف. [2879] (حدثنا سليمان بن داود) بن حماد بن سعد (المهري) بفتح الميم وسكون الهاء نسبة إلى مهرة بن حيدان قبيلة معروفة كبيرة (¬1)، وكان سليمان فقيهًا على مذهب مالك زاهدًا في الدنيا، وثقه النسائي وغيره (¬2) (أن) عبد الله (ابن وهب قال: أخبرني الليث، عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن صدقة عمر بن الخطاب قال: نسخها لي عبد الحميد بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب) العدوي المدني -رضي الله عنه - (: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فيه استحباب ابتداء (¬3) كتب الأوقاف والوصايا والبيوعات والإجارات والصدقة وغير ذلك: ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كاملة، ولا يقتصر على بعضها. (هذا ما كتب عبد الله عمر) بن الخطاب (في ثمغ) بفتح الثاء المثلثة وسكون الميم، وقيدها بعضهم بالفتح وغين معجمة وهو مال معروف بالمدينة من النخل كان لعمر بن الخطاب فوقفه، وكذا صرمة بن الأكوع جعله وقفًا (¬4) (فقص من خبره) القصة المذكورة (نحو حديث نافع) عن عمر ¬

_ (¬1) "اللباب" 3/ 275. (¬2) "تهذيب الكمال" 11/ 409. (¬3) سقطت من (ع). (¬4) ثمغ، وصرمةُ ابن الأكوع مالان معروفان لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه - جعلهما وقفا. انظر "النهاية" لابن الأثير 1/ 642، و 3/ 48، وصرمة مضاف إلى ابن الأكوع. قال ابن الأثير في "النهاية": الصَّرْمَةُ ها هنا القِطْعَةُ الخَفيفَةُ من النخل. وقيل من الإبلِ. وانظر: "غريب الحديث" لابن قتيبة 1/ 608، "الفائق" 2/ 295.

(وقال فيه: غير متأثل مالاً) كما تقدم (فما عفا) أي كثر (عنه) وفضل عن المذكورين من قوله تعالى: {حَتَّى عَفَوْا} (¬1) أي: كثر أو كثرت أموالهم (من ثمره) أي: ثمر النخل المذكور (فهو للسائل والمحروم) وهو الذي ليس له في الغنيمة سهم ولا يجري عليه من الفيء شيء ومعناه في اللغة: الذي منع الخير والعطاء. وقيل: الذي لا يسأل كما فسر في الحديث بأنه الذي [لا يجد كنا يغنيه] (¬2) ولا يفطن بحاجته فيتصدق" (¬3)، وقيل: هو المتعفف الذي يظن غنيًا فيحرم الصدقة (¬4). (قال) يحيى بن سعيد: (وساق) وقص عبد الحميد (القصة وقال) فيها: (وإن شاء ولي) بكسر اللام وتشديد الياء، أي: الذي يلي مال (ثمغ اشترى من ثمره) أي: من ثمن تمر النخل الموقوف (رقيقا) وهو يطلق على الذكر والأنثى، وقد يطلق على الجميع فيقال: عبيد رقيق، وفي الحديث: "ليس في الرقيق صدقة" (¬5) أي: في عبيد الخدمة (لعمله) أي: للخدمة، يحتمل أن يراد به للخدمة على النخل الموقوف، ويحتمل أن يراد بخدمة الولي عليه في تصرفاته والأول أظهر. (وكتب) بذلك (معيقيب) بن أبي فاطمة الدوسي وكان ولي بيت المال لعمر، وكان قبل ذلك على خاتم النبي - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) الأعراف: 95. (¬2) في (ر): لا يجري ... ثم كلمة غير واضحة. والمثبت من (ع). (¬3) سبق برقم (1632). (¬4) "عمدة القاري" 14/ 6، "فتح الباري" 3/ 337. (¬5) أخرجه الترمذي (628)، والدارقطني 2/ 127 عن أبي هريرة، وأخرجه أبو داود (1574)، وابن ماجه (1790، 1813) عن علي، وقال الترمذي حسن صحيح.

قال ابن عبد البر (¬1): أصابه جذام فعولج بأمر عمر بالحنظل فوقف أمره، وحكى ابن إسحاق (¬2) عن عبد الله بن جعفر [أن عمر كان (¬3)] يؤتى بالإناء فيعطيه معيقيبًا وكان رجلًا قد أسرع فيه ذلك الوجع يعني الجذام فيشرب منه ثم يضع عمر فمه موضع فمه ويشرب وكان يطلب له الطب (¬4) حتى قدم رجلان من اليمن فطلبا حنظلًا كثيرًا، ثم شقا الحنظلة نصفين وأقبلا يدلكان بذلك بطون أقدام معيقيب حتى رأوه (¬5) يتنخمه أخضر مرا فقالا لعمر: لا يزيد وجعه (¬6) بعد هذا فتماسك أمره. (وشهد) فيه (عبد الله بن الأرقم) بن عبد يغوث القرشي الزهري كتب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولأبي بكر وعمر وولي بيت المال لعمر ثم لعثمان ثم تركه (¬7) (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هذا ما أوصى به عبد الله) تعالى وهو (عمر) ابن الخطاب بدل من عبد الله (أمير المؤمنين) فيه دليل على أنه يجوز أن يقتصر في كتابة الأوقاف والبيوعات ونحوها على اسم الواقف أو البائع فقط دون ذكر أبيه وجده، ولا رفع نسبه، لكن إذا عرف بدون ارتفاع النسب، فإنه لم يكن في ذلك الزمان أمير المؤمنين غيره، وكذا ¬

_ (¬1) "الاستيعاب" 4/ 1478. (¬2) "الطبقات الكبرى" 4/ 117 من طريق ابن إسحاق. (¬3) في الأصل عبد الله ابن جعفر وابن عمر يؤتي .. الخ. والمثبت من "طبقات ابن سعد". وانظر: "التمهيد" 1/ 53، و"الرياض النضرة" 1/ 184. (¬4) في (ر) ذلك. (¬5) في (ع) رآه. (¬6) في (ر) وحق. (¬7) "الاستيعاب" (865، 866)، "تهذيب الكمال" 14/ 303، "الإصابة" 4/ 4 (4528).

إذا شهد عليه عند الحاكم. (إنه إن حدث به حدث) بفتح الدال أي: حادث الموت الذي كتبه الله على خلقه (أن) يكون (ثمغًا، وصرمة) بالمدينة كانا لعمر بن الخطاب معروفان وقفهما، وفي رواية لغير المصنف (¬1): إن توفيت وفي يدي صرمة فسنتها (¬2) سنة ثمغ. والصرمة - بكسر الصاد، وسكون الراء - سميت بذلك لأنها تصرم أي تقطع ثمرتها ويجتنى من نخلها (ابن الأكوع) (¬3) سميت نخل خيبر بذلك لأن عمر بن الخطاب بعث ابنه (¬4) عمر إلى خيبر ليقاسم ثمرة نخلها فسحروه يهود خيبر (¬5) فتكوعت (¬6) أصابعه (¬7). والكَوَع بالتحريك هو أن تعوج (¬8) اليد من قبل الكوع وهو رأس اليد مما يلي الإبهام، والكرسوع مما يلي الخنصر (¬9). (والعبد) بضم العين والباء جمع عبد، ويحتمل أن يكون مفرد؛ لأنه ¬

_ (¬1) ذكرها ابن الأثير في "النهاية" 3/ 48، وابن الجوزي في "الغريب" 1/ 587، والزمخشري في "الفائق" 2/ 295، ولم أقف عليها بهذا اللفظ مسندة. (¬2) في (ر): فسنتهما. (¬3) على حاشية س: لعلها أضافها إلى ابن الأكوع لكونه مما اشتراها منه. عوامه. (¬4) هكذا في الأصل والصواب: بعث ابنه [عبد الله بن] انظر: عمر من "مسند أحمد" (4852). (¬5) في (ر): حنين. (¬6) في (ر) فكف عن. والمثبت من (ع). (¬7) "مسند أحمد" 8/ 462 (4852). (¬8) في الأصل تعود، والمثبت من "النهاية" لابن الأثير 4/ 388. (¬9) "النهاية" لابن الأثير 4/ 388.

وصفه بالمفرد (الذي فيه والمائة سهم (¬1) التي) من أرض (بخيبر) [وظاهر العطف المغايرة فيدل على أن ثمغا غير المائة سهم (¬2) (ورقيقه الذي فيه)] (¬3) في أرض خيبر يحتمل أن يكون المراد به الإناث من الرقيق والعبيد المتقدمة من الذكور (والمائة) الوسق كما في رواية البيهقي (¬4) (التي أطعمه محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالوادي) وفي حديث أبي بكر (¬5): "إن الله إذا أطعم نبيًّا طُعمة (¬6) ثم قبضه جعلها للذي يقوم بعده". والطُّعمة بضم الطاء شبه الرزق (¬7) يريد به ما كان له من الفيء وغيره. (تليه) أي تلي النظر فيه بعده (حفصة) ابنته مدة (ما عاشت ثم يليه) بعدها (ذو الرأي) (¬8) أي العقل والتدبير، ورجل ذو رأي وبصيرة وحذق في الأمور. وفيه دليل على أنه يشترط في الوصي أن يكون ذا تدبير وهداية إلى التصرف في الموصى به، فمن لا رأي له يهتدى به إلى ذلك لا تصح وصيته لفوات المقصود من الوصية، وهذا هو الصحيح عند الشافعي. قال الرافعي: وربما دل كلام الأصحاب على عدم اعتبار الهداية، قال: والظاهر اعتباره. ¬

_ (¬1) ورد بعدها في الأصل: نسخة: السهم. (¬2) بعدها في الأصل: إلا أن يولي. ولا معنى لها. (¬3) سقط من (ر). (¬4) "السنن الكبرى" 6/ 160. (¬5) أخرجه أبو داود: كتاب الخراج والفيء والإمارة. باب: في صفايا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأموال. (2973). (¬6) سقط من (ر). (¬7) في (ر) الدَّرَق. (¬8) ورد بعدها في الأصل: نسخة: القربى.

وقد استدل بإسناده الولاية إلى حفصة بصحة الوصية إلى المرأة، وهو قول أكثر أهل العلم، وبه قال الأئمة الأربعة (¬1)، ولم يجزه عطاء (¬2)؛ لأنها لا تكون قاضية فلا تكون وصية كالمجنون، والحديث حجة عليه. (من أهلها) فيه أن أقارب الواقف أولى بالنظر في الوقف لعظم شفقتهم ونصيحتهم واحتراصهم على حفظ المال وشرط (أن لا يباع) الوقف ولا شيء منه (ولا يشترى) شيء منه، فكما يحرم بيع شيء من الموقوف يحرم شراء شيء منه، لكن الأصح جواز بيع حصر المسجد وجذوعه الموقوفة عليه إذا انكسرت ولم تصلح إلا للإحراق؛ لأن في تركه تضييعًا له (ينفقه) الناظر ويصرفه (حيث رأى) بالاجتهاد في ذلك على ما يظهر له لا بالتشهي وهوى النفس دون دليل يغلب على الظن أنه الأولى (من) ذلك إعطاء (السائل والمحروم) كما تقدم إعطاء (وذوي القربى) والرقاب وفي سبيل الله. (ولا جناح (¬3) على) كل (من وليه) الناظر فيه (إن أكل) منه، ولفظ البخاري: ليس (¬4) على الوالي جناح أن يأكل منها بالمعروف. يعني: كما تقدم (أو آكل) بفتح الهمزة الممدودة والكاف، أي: أطعم منه ¬

_ (¬1) انظر: "الكافي" لابن عبد البر 2/ 1032، "الحاوي الكبير" 8/ 331، "المغني" 8/ 552. (¬2) "مصنف ابن أبي شيبة" 11/ 631 (31417). (¬3) ورد بعدها في الأصل: نسخة: ولا حرج. (¬4) من (ع).

بالمعروف يقال: آكله إيكالًا أي: أطعمه فهو موكله، ومنه حديث الربا: "لعن الله آكل الربا وموكله" (¬1). أي: من يأكل منه ويطعم غيره منه، والمراد البائع بالربا والمشتري به (أو اشترى رقيقًا منه) فيه صحة الوصية بأن يشتري من ريع الوقف رقابهم يعتقهم منه. وفيه فضيلة ذلك، ولا يجوز له صرف ذلك للمكاتبين لأنه أوصى أن يشتري؛ لأنه أوصى بالدفع إليهم. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (5962)، ومسلم (1597).

14 - باب ما جاء في الصدقة، عن الميت

14 - باب ما جاءَ في الصَّدَقَةِ، عنِ المَيِّتِ 2880 - حدثنا الرَّبِيعُ بْن سُلَيْمانَ المُؤَذِّن، حدتنا ابن وَهْبٍ، عَنْ سُلَيْمانَ - يَعْني ابن بِلالٍ - عَنِ العَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أُراهُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إِذا ماتَ الإِنْسانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلاثَةِ أَشْياءَ مِنْ صَدَقَةٍ جارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صالِحٍ يدْعُو لَهُ" (¬1). * * * باب في الصدقة عن الميت [2880] (حدثنا الربيع بن سليمان) المرادي المصري (المؤذن) بجامع مصر الفقيه الحافظ (¬2) (حدثنا) عبد الله (ابن وهب، عن سليمان ابن بلال، عن العلاء بن عبد الرحمن أراه) بضم الهمزة، حدث (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني مولى الحرقة قد أخرج له مسلم. (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا مات ابن آدم (¬3) انقطع عمله) أي: أجر عمله (إلا من ثلاثة أشياء) وهذِه الثلاثة خصال إنما جرى عملها بعد الموت على من نسبت إليه؛ لأنه تسبب في ذلك وحرص عليه ونواه، ثم إن فوائدها متجددة بعده دائمة فصار كأنه باشرها بالفعل، وكذلك في كل ما [سنه الإنسان من الخير فيكرر بعده بدليل قوله -عليه السلام-: "من من في الإسلام] (¬4) سنة حسنة كان له أجرها وأجر من ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1631). (¬2) "الكاشف" 1/ 340. (¬3) ورد بعدها في الأصل: نسخة: الإنسان. (¬4) سقط من (ر).

عمل بها إلى يوم القيامة" (¬1) (من صدقة جارية) أي: يجري عليه أجره بعد موته، وهي: الوقف. وفيه دليل على صحة أصله وعظم ثوابه المستمر، وفيه حجة على من أنكر الوقف من الكوفيين؛ لأن الصدقة الجارية إنما تكون بعد الموت بالوقف (¬2). (أو علم ينتفع به) مبني للمفعول من تعليم علمه، أو تصنيف صنفه، أو جمعه، أو مصحف كتبه وأوقفه، أو كتب علم وقفها، ونحو ذلك. (أو ولد صالح) الصالح هو القائم بحقوق الله وحقوق عباده (يدعو له) وفيه فضيلة الزواج لرجاء ولد صالح. وفيه أن الدعاء يصل ثوابه إلى الميت وكذلك الصدقة، وهما مجمع عليهما (¬3). وفيه الاجتهاد على حمل الأولاد على طرق الخير والصلاح ووصيتهم بالدعاء له عند موته. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1017). (¬2) "شرح النووي على مسلم" 11/ 85، "المغني" 6/ 206. (¬3) انظر: شرح مسلم" للنووي 11/ 85.

15 - باب ما جاء فيمن مات، عن غير وصية يتصدق عنه

15 - باب ما جاءَ فيمَنْ ماتَ، عَنْ غيْرِ وَصيَّةٍ يتَصَدَّقُ عَنْهُ 2881 - حدثنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حدثنا حَمّادٌ، عَنْ هِشامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّ أمْرَأة قالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أُمّيَ افْتلِتَتْ نَفْسُها وَلَوْلا ذَلِكَ لَتَصَدَّقَتْ وَأَعْطَتْ أفَيُجْزِئُ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْها؟ فَقالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "نَعَمْ فَتَصَدَّقي عَنْها" (¬1). 2882 - حدثنا أَحْمَدُ بْن مَنِيعٍ، حدثنا رَوْحُ بْنُ عُبادَةَ، حدثنا زَكَرِيّا بْنُ إِسْحاقَ، أَخْبَرَنا عَمْرُو بْن دِينارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ رَجُلاً قال: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أُمّي تُوُفِّيَتْ أَفيَنْفَعُها إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْها؟ فَقالَ: "نَعَمْ" .. قال: فَإِنَّ لي مَخْرَفًا وَإِنّي أُشْهِدُكَ أَنّي قَدْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْها (¬2). * * * باب فيمن مات عن غير وصية يتصدق عنه [2881] (حدثنا موسى بن إسماعيل) الأزدي, (حدثنا حماد) بن سلمة, (عن هشام (¬3) بن عروة [(عن عروة)] (¬4) بن الزبير بن العوام، (عن عائشة) رضي الله عنها (أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن أمي افتلتت) بضم التاء الأولى بلفظ المجهول من الافتلات بالفاء وهو ما كان بغتة وعن عجلة (¬5)، قال المنذري: بروي وبغير روية (نفسها) أي: ماتت نفسها بغتة. قال القاضي: ضبطناه بفتح السين على أنه ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1388، 2760)، ومسلم (1004). (¬2) رواه البخاري (2756). (¬3) في (ر): سهام. وهو خطأ. (¬4) من (ر)، وفي المطبوع: عن أبيه. (¬5) في (ر) عجلان.

مفعول (¬1). قال ابن الأثير: إنما افتلتها (¬2) الله نفسها كما تقول: اختلسه الشيء وأسكنه إياه. ثم بنى الفعل لما لم يسم فاعله فتحول المفعول الأول مضمرًا وبقي الثاني منصوبًا. قال: وتكون التاء الآخرة [ضميرًا للأم] (¬3) أي: افتلتت هي نفسها، وروي بضم السين على أنه متعدٍّ لمفعول واحد أقيم مقام الفاعل وتكون التاء لتأنيث النفس أي: أخذت نفسها فلتة، وأكثر الروايات فتح السين، وذكره [ابن قتيبة] (¬4) أنه: اقتتلت (¬5) نفسها. وهي كلمة تقال من قتله الحب. والنفس هنا مؤنثة، وهي بمعنى الروح. (ولولا ذلك) موجود (لتصدقت وأعطت) الفقراء والمحتاجين من مالها (أفيجزي) بفتح الياء الأولى (أن أتصدق عنها؟ قال: نعم) قال بعضهم: أذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصدقة عنها؛ فدل على جواز ذلك والفضيلة فيه، ولا خلاف في جواز صدقة الحي عن الميت نذرًا كان أو غيره (¬6) (فتصدقي عنها) قوله: نعم. دليل على الجواز، وقوله بعد ذلك: تصدقي عنها دليل على استحبابه والفضيلة فيه. ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" 3/ 278، وتمام عبارته: روايتنا فيه بفتح السين على المفعول الثاني، ويصح الرفع على ما لم يسم فاعله. وانظر: "المشارق" 2/ 22. (¬2) في (ر) قتلها. (¬3) في (ر) ضم اللام والمثبت من (ع). (¬4) في الأصلين كلمة غير واضحة وأثبت هذِه الكلمة من كتب الشروح ومنها: "مشارق الأنوار" 2/ 157, "شرح مسلم" للنووي 7/ 95، "فتح الباري" 3/ 255 فقال: وذكره ابن قتيبة بالقاف وتقديم المثناة. (¬5) في (ع): افتلتت، والمثبت من (ر). (¬6) "التمهيد" لابن عبد البر 12/ 93، "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 6/ 161.

قال أبو الفضل اليحصبي: ولا خلاف في استحبابه للوارث. [2882] (حدثنا أحمد بن منيع) البغوي الحافظ صاحب "المسند"، (حدثنا روح بن عبادة، حدثنا زكريا بن إسحاق) المكي, (حدثنا عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس -رضي الله عنهما - أن رجلًا) وهو سعد بن عبادة (قال: يا رسول الله، إن أمي) عمرة (¬1) بفتح العين المهملة وهي بنت مسعود بن قيس وكانت من [المبايعات (توفيت) سنة خمس من الهجرة توفيت - زاد البخاري (¬2) -وهو غائب عنها (أفينفعها) الصدقة (إن تصدقت عنها) وفي رواية: وأظنها لو تكلمت تصدقت (¬3). يعني لما علمه من حرصها على الخير أينفعها شيء إن تصدقت به عنها. وفي الحديث دليل على فضيلة السؤال للعالم عند الجهل وترك الحكم بالرأي؛ لأن هذا الصحابي لما لم يكن له علم هل تنفع صدقته بتلك النية أم لا؟ فسأل قبل أن يعلم فلما علم الحكم عمل به. (قال: نعم) فيه دليل على أن بر الوالدين مطلوب بعد موتهما؛ لأن الصدقة عنها من هذا، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في غير هذا الحديث حين سأله بعض الصحابة عن ذلك فقال: "أن ينفذ وصيتهما (¬4) ويبر صديقهما" فقد ¬

_ (¬1) انظر ترجمتها في "الطبقات الكبرى" 3/ 439، "الإصابة" 8/ 33 برقم (11508). (¬2) (2756 و 2762). (¬3) البخاري (1388)، ومسلم (1004) من حديث عائشة. (¬4) هكذا في (ر) وفي (ع) صدقتهما ولم أقف على هذِه اللفظة في روايات الحديث وإنما هي: إنفاذ عهدهما. أخرجه أبو داود كتاب الأدب باب بر الوالدين (5144). ولفظه: وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا. وقال ابن الأثير في جامع الأصول 1/ 407: إنفاذ عهدهما: إمضاء وصيتهما، وما عهدا به قبل موتهما.

يكون المرء عاقًّا في حياة الأبوين بارًّا بعد موتهما. (قال: فإن لي مخرفًا) بفتح الميم والراء وهو البستان (¬1) من النخل؛ لأنه يخرف منه الرطب، أي: يجتنى (¬2)، ومنه حديث أبي قتادة: فابتعت به مخرفًا (¬3) (فأشهدك) فيه دليل على مشروعية الإشهاد بالصدقة وغيرها من الموقوفات والبيوعات ونحوها؛ لأن الله تعالى أمر بالإشهاد في مواضع، ولأنه تحصل له وفاة بغتة فيكون الإشهاد شاهدًا بذلك وليأمن من غائلة النفس ومكر العدو إبليس؛ لأنه قد تحدثه نفسه بالرجوع عن الصدقة. وفيه أن إظهار الصدقة في هذا الموضع أفضل من إخفائها لاغتنام صدق النية. (أني قد تصدقت (¬4) به عليها) قال المهلب: لم يسم سعد على من تصدق بالحائط ولم ينكر ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو لم تجز الصدقة والوقف على غير مسميين لم يترك النبي - صلى الله عليه وسلم - بيان ذلك (¬5). وكلام الرافعي في الوقف يقتضي أنه لا يشترط فإنه قال: واحتجوا لهذا القول بأنه لو قال: أوصيت بثلث مالي. واقتصر عليه صحت الوصية وصرفت إلى الفقراء والمساكين وتابعه في "الروضة" (¬6). ¬

_ (¬1) في (ر) اللسان. (¬2) "النهاية" لابن الأثير 2/ 66، و"جامع الأصول" 6/ 482 و 8/ 400، وراجع "فتح الباري" 5/ 386. (¬3) أخرجه البخاري (2100) ومسلم (1751). (¬4) في (ر) صدقت. (¬5) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 8/ 174. (¬6) "روضة الطالبين" 5/ 319، 6/ 186.

قال ابن أبي جمرة: فيه دليل لقول مالك أن الصدقة تجب بالقول؛ لأنه قال: أشهدك أني تصدقت به. وأقره النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك ولم يطلب منه زيادة في الوجوب. قال: وفيه دليل على أن للرجل بعد إشهاده على الصدقة أن يتصرف، أي: في تفريقها؛ لأنه أشهد النبي - صلى الله عليه وسلم - على صدقته لم يقل: أعط من فلان وامنع من فلان (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" 5/ 398.

16 - باب ما جاء في وصية الحربي يسلم وليه أيلزمه أن ينفذها

16 - باب ما جاء في وَصِيَّةِ الحَرْبيِّ يسْلِمُ وَلِيُّهُ أَيلْزَمُهُ أَنْ يُنْفِذَها 2883 - حدثنا العَبّاسُ بْنُ الوَلِيدِ بْنِ مَزْيَدٍ، أَخْبَرَني أَبي، حدثنا الأوزاعيُّ، حَدَّثَني حَسّانُ بْنُ عَطِيَّةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْب، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ العاصَ بْنَ وائِلٍ أَوْصَى أَنْ يُعْتَقَ عَنْهُ مِائَةُ رَقَبَةٍ فَأَعْتَقَ ابنهُ هِشامٌ خَمْسِينَ رَقَبَة فَأَرادَ ابنهُ عَمْرٌو أَنْ يَعْتِقَ عَنْهُ الخَمْسِينَ الباقِيَةَ فَقال: حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَتَى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبي أَوْصَى بِعِتْقِ مِائَةِ رَقَبَةٍ وِإِنَّ هِشامًا أَعْتَقَ عَنْهُ خمسِينَ وَبَقِيَتْ عَلَيهِ خَمْسُونَ رَقَبَةً أَفَأعْتِقُ عَنْهُ فَقالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّهُ لَوْ كانَ مُسْلِمًا فَأَعْتَقْتُمْ عَنْهُ أَوْ تَصَدَّقْتُمْ عَنْهُ أَو حجَجتمْ عَنهُ بَلَغَهُ ذَلِكَ" (¬1). * * * باب وصية الحربي إن يسلم وليه أيلزمه أن ينفذها؟ [2883] (حدثنا العباس بن الوليد بن مزيد) العذري، قرأ القرآن على عبد الحميد بن بكار، قال أبو حاتم: صدوق، وقال النسائي: ليس به بأس، مات سنة سبعين ومائتين ببيروت (¬2). قال: (أخبرني أبي) الوليد ابن مزيد العذري، عالم ثقة (¬3). (حدثنا) عبد الرحمن (الأوزاعي، حدثني حسان بن عطية) أبو بكر المحاربي، (عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده) - رضي الله عنه -: (أن العاص) يكتب بالياء وحذفها كما هنا (بن وائل) بن هاشم بن سعيد بن سهم السهمي القرشي (أوصى بأن يعتق ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 6/ 279. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (2567). (¬2) "تهذيب الكمال" 14/ 258. (¬3) "تقريب التهذيب" (7454).

عنه مائة رقبة) بعد موته، ومات قبل الإسلام (فأعتق ابنه هشام) أخو عمرو ابن العاص، وكان هشام قديم الإسلام بمكة وهاجر إلى أرض الحبشة وكان فاضلًا خيرًا أصغر سنًّا، وأفضل من أخيه عمرو بن العاص (خمسين رقبة) وبقي عليه خمسون رقبة (فأراد ابنه) الآخر (عمرو) بن العاص أخو هشام (أن يعتق) بضم أوله وكسر ثالثه (عنه الخمسين الباقية) من المائة (فقال: ) لا أفعل (حتى أسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إن أبي أوصى) عند موته (بعتق مائة رقبة، وإن) أخي (هشاما أعتق) بعد موته (خمسين) رقبة (و) قد (بقيت عليه خمسون رقبة أفأعتق) بضم الهمزة وكسر التاء (عنه؟ ) الثاني قد يؤخذ من إقرارهم النبي - صلى الله عليه وسلم - على عتق الخمسين رقبة أن وصية الكافر ولو كان حربيًّا صحيحة وعتقه يصح به وصية المسلم كالوصية بعتق الرقاب، والظاهر أنه يلزم ولده المسلم أن يعتق عنه وينفذ وصيته، لكن هل يصل ثواب العتق إلى الكافر وقد ذكره (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ) إنه (لو كان) أبوكم (مسلمًا) حين موته (فأعتقتم عنه) الرقاب (أو تصدقتم عنه) بصدقة (أو حججتم عنه بلغه) جميع (ذلك) أي: ونفقة أجره وثوابه بوصوله إليه. وفيه دليل على أن الميت المسلم إذا أوصى بأن يعتق عنه أو يتصدق أو يحج عنه أو يعتمر عليه أن ذلك صحيح، وأن الوارث إذا فعل ذلك أو بعضه وصل ثوابه إلى الميت كما لو فعله؛ لأنه من وصيته وهو المسبب لفعله. قال أصحابنا: وينفع الميت صدقه ودعاء من وارث وأجنبي بالإجماع، والمراد بانتفاعه بالصدقة أنه يصير كأنه تصدق بها، هذا هو

المشهور، واستبعد الإمام وقوع الصدقة عنه لأنه لم يعمله (¬1). وقال ابن عبد السلام أنه ذكره الأصحاب وقوعها عن الميت وللمتصدق ثواب بره للميت. ¬

_ (¬1) شرح النووي على مسلم" 11/ 84.

17 - باب ما جاء في الرجل يموت وعليه دين وله وفاء يستنظر غرماؤه ويرفق بالوارث

17 - باب ما جاءَ في الرَّجُلِ يَمُوتُ وَعَلَيْهِ دَيْن وَلَهُ وَفاءٌ يُسْتَنْظَرُ غُرَماؤُهُ وَيُرْفَقُ بِالوارثِ 2884 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، أَنَّ شُعَيْبَ بْنَ إِسْحاقَ حَدَّثَهُمْ عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسانَ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَباهُ تُوُفّيَ وَتَرَكَ عَلَيْهِ ثَلاثِينَ وَسْقًا لِرَجُلٍ مِنْ يَهُودَ فاسْتَنْظَرَهُ جابِرٌ فَأَبَى فَكَلَّمَ جابِرٌ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَشْفَعَ لَهُ إِلَيْهِ فَجاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَلَّمَ اليَهُوديَّ لِيَأْخُذَ ثَمَرَ نَخْلِهِ بِالَّذي لَهُ عَلَيْهِ فَأَبَى عَلَيْهِ وَكَلَّمَهُ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُنْظِرَهُ فَأَبَى. وَساقَ الحَدِيثَ (¬1). * * * باب الرجل يموتُ وعليه دَين (¬2) وَلَهُ وَفَاءَّ يُسْتَنْظَرُ غُرَمَاؤُهُ وَيُرْفَقُ بِالْوَارِثِ [2884] (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاَءِ) بن كريب الهمداني الكوفي (أَنَّ شُعَيْبَ بْنَ إِسْحَاقَ) بن عبد الرحمن الأموي الدمشقي أخرج له الشيخان (¬3) (حَدَّثَهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ) بن الزبير بن العوام (عَنْ وَهْبِ ابْنِ كَيْسَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَن أَبَاهُ) عبد الله بن حرام السلمي (تُوُفيَ) وللبخاري (¬4) في الوقف عن جابر: أن أباه استشهد يوم أحد، وترك ست بنات (وَتَرَكَ عَلَيهِ) دينا (ثَلاَثَينَ وَسْقَا) ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2396). (¬2) من (ع). (¬3) "تهذيب الكمال" 12/ 501. (¬4) البخاري (2781).

بفتح الواو وهو ستون صاعا والصاع أربعة أمداد والمد رطل وثلث بغدادي وأصل الوسق حمل البعير (¬1) (لِرَجُلٍ مِنْ يَهُودَ) غير منصرف للعلمية ووزن الفعل أو لأنه جمع قبيلة كما قيل: هذِه مجوسُ. غير منصرف لأنهم أرادوا بها القبيلة، ويجوز دخول الألف واللام عليه فيقال: من اليهود (¬2). (فَاسْتَنْظَرَهُ جَابِرٌ) أي: سأله أن ينظره، أي: يؤخر الطلب عنه إلى تيسيره (فَأَبَى) أن ينظره، وللبخاري في الصلح: فعرضت على غرمائه أن يأخذوا التمر بما عليه فأبوا ولم يرو أن فيه وفاء (¬3). وفيه دليل على جواز معاملة اليهود وأهل الكتاب والمستأمنين (فَكَلَّمَ جَابِرٌ النَّبِى - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَشْفَعَ لَهُ إِلَيْهِ) فيه طلب صاحب الحاجة الشفاعة من الإمام عند الغرماء ولو كفار. (فَجَاءَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -) إلى اليَهُودي، فيه فضيلة مشي المشفوع إليه إلى من يشفع عنده ولو كافرا، وفيه كثرة تواضعه - صلى الله عليه وسلم - ومشيه في الشفاعة إلى اليهودي، وهذا التواضع العظيم لا يكاد يوجد اليوم من أهل العلم والصلاح، بل إن سمح بالشفاعة لا يمشي إلى اليهودي ليأتي إليه فيشفع عنده، وهذا الحديث حجة علينا وعلى أمثالنا فنسأل الله العافية من مخالفة السنة، والهداية إلى سلوك سبيلها ونستغفره من سيئات أعمالنا. (فكلم اليهودي) مشافهة من غير إرسال من يتكلم معه من جهته ¬

_ (¬1) "شرح مسلم" للنووي 7/ 49، "شرح سنن أبي داود" للعيني 6/ 210، "عمدة القاري" 13/ 245، "فتح الباري" 3/ 311. (¬2) "المصباح المنير" 2/ 642، "فتح الباري" 3/ 241. (¬3) "صحيح البخاري" (2709).

على لسانه (لِيَأْخذَ ثَمَرَ نَخْلِهِ) المخلف عن والده (بِالَّذى لَهُ عَلَيهِ) فيه دليل على جواز أخذ العوض عن الدين والعرض وقيمة الشيء المتلف ولا يشترط قبض العوض في المجلس ما لا يوافق في علة الربا كتمر عن دراهم (فَأَبَى عَلَيْهِ وَكلَّمَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُنْظِرَهُ) بالدين الذي على أبيه (فَأَبَى) أن ينظره، فيه فضيلة الشفاعة [ ... ] (¬1) التأخير من وفاء دينه إلى الصدقة عليه (وَسَاقَ الحَدِيثَ) إلى آخره من مجيء النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المربد وجلوسه عليه، ودعائه بالبركة، على آخره، وهو علم من أعلام النبوة، وهو ظهور البركة في التمر حتى قضى ما عليه وفضلت له فضلة كثيرة ثلاثة عشر وسقا أو أكثر من ذلك (¬2). ¬

_ (¬1) في الأصل كلمة غير واضحة. (¬2) راجع "فتح الباري" 6/ 593 وما بعدها.

كتاب الفرائض

كتَابُ الفرَائضِ

1 - باب ما جاء في تعليم الفرائض

كِتَاب الفَرَائِضِ 1 - باب ما جاءَ في تَعْلِيمِ الفَرائِضِ 2885 - حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ، حَدَّثَني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رافِعٍ التَّنُوخيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "العِلْمُ ثَلاثَةٌ وَما سِوى ذَلِكَ فَهُوَ فَضْلٌ آيَةٌ مُحْكَمَةٌ أَوْ سُنَّةٌ قائِمَةٌ أَوْ فَرِيضَةٌ عادِلَةٌ" (¬1). ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (54). وأعله عبد الحق الإشبيلي في "الأحكام الوسطى" 3/ 339، وابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" 3/ 136، وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (496).

كتاب الفرائض باب ما جاء في تعظيم (¬1) الفرائض [2885] (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ) قال: (أَنَا) عبد الله (ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ) بن أنعم (¬2) الشعباني (¬3) التنوخي (¬4) الإفريقي. قال ابن سعيد القطان: ثقة كما سمعه إسحاق بن راهويه منه (¬5) [أول مولود ولد له بإفريقية في الإسلام] (¬6) (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ التنوخي) (¬7) المقري قاضي إفريقية، ذكره ¬

_ (¬1) في المطبوع: تعليم. وكذا في "معالم السنن" 3/ 207، وفي "عون المعبود" 5/ 298. (¬2) بفتح أوله وسكون النون وضم المهملة. انظر "تقريب التهذيب" (3862). (¬3) الشعباني: بفتح الشين المعجمة، وسكون العين المهملة، وفتح الباء الموحدة، وفي آخرها النون. هذِه النسبة إلى (شعبان) وهم اسم لقبيلة من قيس. "الأنساب" 3/ 430. (¬4) التنوخي: بفتح التاء المنقوطة من فوقها باثنتين وضم النون المخففة وفي آخرها الخاء المعجمة، هذِه النسبة إلى تنوخ وهو اسم لعدة قبائل اجتمعوا قديما بالبحرين وتحالفوا على التوارز والتناصر وأقاموا هناك فسموا تنوخا، والتنوخ الإقامة. "الأنساب" 1/ 484. (¬5) "تهذيب التهذيب" 6/ 158. (¬6) جاءت هذِه العبارة في الأصل في ترجمة عبد الرحمن بن رافع، وصوابها هذا الموضع. انظر: "تاريخ بغداد" 10/ 214، "تهذيب الكمال 17/ 204، "الكامل في الضعفاء" 4/ 280. (¬7) سقطت من الأصل وأثبتها من مطبوع "السنن".

ابن حبان في "الثقات" (¬1). (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: العِلْمُ ثَلاَثَةٌ) أي: العلم النافع المحتاج إليه في الأمور الشرعية ثلاثة (وَمَا سِوى ذَلِكَ فَهُوَ فَضْلٌ) بفتح الفاء وسكون الضاد أي: زيادة على الحاجة ومنه حديث: "لا يمنع فضل الماء ليسقى به الكلأ" (¬2). أي: لا يمنع من الماء الزائد على قدر حاجته ليسقي به غيره الكلأ (آيَةٌ) بالرفع بدل من ثلاثة (مُحْكَمَةٌ) لا اشتباه فيها ولا اختلاف ولا اضطراب بل أحكم بيانه بنفسه، ولم يفتقر إلى بيانه من غيره يبينه، وقيل: المحكم الذي لم ينسخ منه شيء، ومنه حديث ابن عباس (¬3): قرأت المحكم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬4). يريد المفصل من القرآن لأنه لم ينسخ منه شيء (¬5) (أَوْ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ) الأصل. أي: ثابتة بالنقل عن الرواة بالأسانيد الصحيحة والحسنة ومنه [حديث] (¬6) حكيم بن حزام: بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا أخر إلا قائما (¬7). أي: لا أموت إلا ثابتا على الإسلام والتمسك به يقال: قام فلان على الشيء إذا ثبت عليه وتمسك به ¬

_ (¬1) وقال: لا يحتج بخبره إذا كان من رواية عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي، وإنما وقع المناكير في حديثه من أجله. "الثقات" 5/ 95، وانظر: "تهذيب الكمال" 17/ 84. (¬2) رواه البخاري (2353، 2962)، ومسلم (1566) بمعناه. (¬3) في الأصل: عياض. والمثبت من "صحيح البخاري". (¬4) "صحيح البخاري" (5535). (¬5) "عمدة القاري" 29/ 141، "فتح الباري" 9/ 84. (¬6) زيادة يقتضيها السياق. (¬7) أخرجه النسائي 2/ 205، وأحمد 3/ 402.

ومنه: يقيمون الصلاة أي: يداومون ويثبتون على التمسك بها (¬1). (أَوْ فَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ) قال في "النهاية": أراد العدل في القسمة، أي: معدلة على السهام المذكورة في الكتاب والسنة من غير عدل عنها، ويحتمل أن يريد أنها مستنبطة من الكتاب والسنة فتكون هذِه الفريضة تعدل بما أخذ عنهما (¬2). فكانت في خير مما أخذ أحد عنهما. ¬

_ (¬1) "شرح السنة" للبغوي 1/ 106. (¬2) "النهاية" لابن الأثير 3/ 418.

2 - باب في الكلالة

2 - باب في الكَلالَة 2886 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ قالَ: سَمِعْتُ ابن المُنْكَدِرِ أَنَّهُ سَمِعَ جابِرًا يَقُول: مَرِضْتُ فَأَتاني النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُني هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ ماشِيَيْنِ وَقَدْ أُغْميَ عَلَيَّ فَلَمْ أُكُلِّمْهُ فَتَوَضَّأَ وَصَبَّهُ عَلَيَّ فَأَفَقْت فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ أَصْنَعُ في مالي وَلي أَخَواتٌ؟ قال: فَنَزَلَتْ آيَةُ المَوارِيثِ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} (¬1). * * * باب مَنْ كَانَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أَخَوَاتٌ 2887 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ، حدثنا كَثِيرُ بْنُ هِشامٍ، حَدَّثَنا هِشامٌ - يَعْني: الدَّسْتَوائيَّ - عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ قال: اشْتَكَيْتُ وَعِنْدي سَبْعُ أَخَواتٍ فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فنَفَخَ في وَجْهي فَأَفَقْت فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ أَلا أُوصي لأَخَواتي بِالثُّلُثِ قالَ: "أَحْسِنْ" .. قُلْتُ: الشَّطْرَ قالَ: "أَحْسِنْ" .. ثُمَّ خَرَجَ وَتَرَكَني فَقالَ: "يا جابِرُ لا أُراكَ مَيِّتًا مِنْ وَجَعِكَ هذا وَإِنَّ اللهَ قَدْ أَنْزَلَ فَبَيَّنَ الذي لأَخَواتِكَ فَجَعَلَ لَهُنَّ الثُّلُثَيْنِ" .. قال: فَكانَ جابِرٌ يَقُولُ أُنْزِلَتْ هذِه الآيَةُ فيَّ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} (¬2). 2888 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ قال: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ في الكَلالَةِ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5651)، ومسلم (1616). (¬2) رواه أحمد 3/ 372. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2569). (¬3) رواه البخاري (4364، 4605)، ومسلم (1618).

2889 - حَدَّثَنا مَنْصُورُ بْنُ أَبي مُزاحِمٍ، حَدَّثَنا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ قال: جاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: يا رَسُولَ اللهِ يَسْتَفْتونَكَ في الكَلالَةِ فَما الكَلالَةُ قالَ: "تُجْزِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ" .. فَقُلْتُ لأبَي إِسْحاقَ: هُوَ مَنْ ماتَ وَلَمْ يَدَعْ وَلَدًا وَلا والِدًا. قال: كَذَلِكَ ظَنّوا أَنَّهُ كَذَلِكَ (¬1). * * * باب فِى الكَلاَلَةِ [2886] (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) بن عيينة (قَالَ: سَمِعْتُ) محمد (بْنَ المُنْكَدِرِ أَنهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: مَرِضْتُ فَأَتَانِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُنِي هُوَ وَأَبُو بَكْرِ) فيه استحباب عيادة المريض وأنها مستحبة للإمام كاستحبابها لآحاد الناس، وفيه أن الإمام أو الشيخ إذا عزم على عيادة مريض أو زيارة أخ صالح أو ميت أن يستصحب من كان عنده وقت ذلك فيحصل له الفضيلة تبعا للإمام (مَاشِيَيْنِ) وفضيلته على الركوب (¬2) (وَقَدْ أُغْمِيَ عَليَّ) حين جاءني (فَلَمْ أُكلِّمْهُ) للغيبة من الإغماء (فَتَوَضَّأَ وَصَبَّهُ عَلَيَّ) فيه دليل على الوضوء لغير صلاة، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي عان سهلًا أن يتوضأ فيغسل داخلة إزاره ويصبه عليه (¬3). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3042)، وأحمد 4/ 293، 295، 301. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2570). (¬2) "شرح مسلم" للنووي 11/ 55. (¬3) أخرجه مالك في "الموطأ" 2/ 939، ومن طريقه ابن حبان في "صحيحه" 13/ 469، وأخرجه ابن ماجه (3509)، وأحمد 3/ 486.

قال المهلب: وفيه دليل على طهورية الماء الذي يتوضأ به (¬1). يعني: أو يغتسل؛ لأنه لو كان نجسا لما صبه عليه. وفيه التبرك بفضل ماء الفضل كما ورد عن علي أنه كان يشرب عقب الوضوء من فضل ماء وضوئه للتبرك (¬2). وفيه التبرك بآثار الصالحين من فضل طهور وأكل ولبس وغير ذلك مما ترتجى به البركة؛ ولأنه مما يتداوى به (¬3). (فَأَفَقْتُ) من الإغماء ببركة الماء الذي صبه علي (فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، كَيفَ أَصْنَعُ فِى مَالِي وَلِي أَخَوَاتٌ؟ ) وللترمذي (¬4): كان لي تسع أخوات (قَالَ: فَنَزَلَتْ آيَةُ المَوارِيثِ) (¬5) وهي: ({يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ الله يُفْتِيكُمْ فِى الكَلاَلَةِ}) أنزل الله تعالى في الكلالة آيتين إحداهما في الشتاء وهي التي في أوائل النساء والأخرى في الصيف وهي هذِه الآية (¬6). ومعنى {يَسْتَفْتُونَكَ}: يطلبون منك الفتوى وهي تبيين المشكل من الأحكام {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ} أي: يبين لكم الحكم في توريث الكلالة، قال القرطبي] (¬7) الصواب أن الكلالة هم الذين يرثون من غير ولده ووالده لصحة حديث جابر (¬8). ¬

_ (¬1) "عمدة القاري" 4/ 418. (¬2) أخرجه أحمد 2/ 256 (943)، وابن خزيمة 1/ 11 (16)، وابن حبان 4/ 171، وعبد الرزاق 1/ 34. (¬3) أخرجه ابن ماجه (3509) من حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف. (¬4) "سنن الترمذي" (2097). (¬5) ورد بعدها في الأصل: نسخة: الميراث. (¬6) "شرح السنة" 8/ 339. (¬7) إلى هنا انتهى السقط الحاصل المشار إليه سابقا. (¬8) "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 5/ 62.

وفي رواية في الصحيح (¬1): فقلت: يا رسول الله إنما يرثني كلالة. والكلالة من تكلله النسب، أي: أحاط. وبه سمي الإكليل وهي التاج والعصابة التي تحيط بالرأس، فإذا مات الرجل وليس له ولد ولا والد فورثته كلالة، هذا قول أبي بكر وعمر وعلي وجمهور أهل العلم، فالأب والابن طرفان للرجل فإذا ذهبا تكلله النسب، ومنه قيل: روضة مكللة، إذا حفت بالنور، فالكلالة أجمعوا على أنه (¬2) (من كان ليس له ولد) ولا والد (وله أخوات) اثنتين فأكثر من أبيه وأمه أو أبيه فقط؛ لأن أولاد الأم تقدموا في أول السورة (¬3). [2887] (¬4) (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا كثير بن هشام) الرقي ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (194)، "صحيح مسلم" (1616). (¬2) في (ع) جاء هنا كلمة (باب). والصواب عدم إثباتها لأن هذا الكلام مستمر في سياق واحد، وهو منقول عن القرطبي وقد دمجه الشارح في متن الحديث كعادته. (¬3) "الجامع لأحكام القرآن" 5/ 75. (¬4) وقع هنا في مطبوع "السنن" وفي "معالم السنن" 3/ 208، "عون المعبود" 5/ 300: ترجمة بعنوان: من كان ليس له ولد ولا والد وله أخوات وهذا شبيه بما وقع هنا في النسخة (ع). ولم يثبت هذِه الترجمة الدكتور عوامة. وسبب هذا الاختلاف: أن بعض نسخ "السنن" ختمت الحديث بهذِه الجملة التي جاءت في هذِه الترجمة إلا واحدة رمز لها الدكتور عوامة بـ (ك) فإنها ختمت الحديث بكلمة الكلالة ثم جاء بعدها باب من كان ليس له ولد وله أخوات وفي (ظ) ضبة بين كلمة الكلالة وكلمة: من كان وفي ح ضبة كذلك ولكن مع كتابة كلمة باب على الحاشية، وانه كذلك في نسخة. قال: ورجحت ما أثبت لأن الحديث رواية ثانية للحديث الذي قبله. قلت وهو كما قال والله أعلم. انظر حاشية الدكتور عوامة على "السنن" تحت هذا الحديث برقم (2879). ومما يرجح أن إثبات هذِه الترجمة وهم: أنها تفسير للترجمة السابقة عليها فالمناسب أن تكون تحتها وليست ترجمة أخرى.

الكلابي، أخرج له مسلم في الحج، (حدثنا هشام الدستوائي، عن أبي الزبير) محمد بن مسلم المكي، (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما (قال: اشتكيت) من وجع في مرض (وعندي سبع أخوات) وتقدمت رواية: تسع أخوات، وجاء في رواية الطبري الجمع بينهما (¬1) في حديث واحد فقال: عندي تسع أخوات أو سبع (¬2) (فدخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فيه احتساب الخطا في العيادة (فنفخ في وجهي) [يشبه أن يكون النفخ ليصل إليه من بركة ما يخرج من جوفه من النفخ] (¬3) وربما خرج مع نفخ شيء من ريقه - صلى الله عليه وسلم - فتحصل له البركة الشاملة؛ فإن ريق النبي - صلى الله عليه وسلم - شفاء وأي شفاء، وفي رواية: "بسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا يشفى سقيمنا" (¬4). وفي حديث عائشة السعوط مكان النفخ؛ لأنهم كانوا إذا اشتكى أحدهم حلقه نفخوا فيه فجعلوا السعوط مكانه (¬5). وفي الرواية التي ¬

_ =وأيضا فالحديث عند غير أبي داود وهذِه الجملة من تمامه ومن ذلك رواية البيهقي في "الكبرى" 6/ 224 وفيها: قَالَ فَنَزَلَتْ آيَةُ المِيرَاثِ {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِى الكَلاَلَةِ} مَنْ كَانَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أَخَوَاتٌ. وَفِى رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنِ ابن المُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ فِى هذا الحَدِيثِ قَالَ: إِنَّمَا تَرِثُنِى كَلاَلَةٌ فَسَمَّى مَنْ يَرِثُهُ كَلاَلَةً وَقَدْ مَضَى ذِكْرُهُ. قَالَ الشَّيْخُ: وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الذى نَزَلَتْ فِيهِ آيَةُ الكَلاَلَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَلاَ وَالِدٌ لأَنَ أَبَاهُ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وهذِه الآيَةُ نَزَلَتْ بَعْدَهُ. (¬1) في (ر) عنهما. (¬2) في البخاري: سبع بنات أو تسع. (¬3) سقط من (ر). (¬4) "صحيح البخاري" (5745) ومسلم (2194). (¬5) أخرجه أحمد 22/ 229.

قبله أنه صب عليه من وضوئه، فيحمل على أنه جمع بين النفخ والصب؛ لأن القضية واحدة (فأفقت فقلت: يا رسول الله ألا) بتخفيف اللام ومعناها العرض (¬1) (أوصي) بضم الهمزة أولها (لأخواتي) السبع (بالثلثين) وهذا قبل نزول آية المواريث (قال: أحسن) بفتح الهمزة وكسر السين، أي: أحسن في الوصية ولا تضارر (قلت) أوجب (الشطر) بالنصب بالفعل المقدر، أي: أوجب لهن النصف من مالي (قال) له ثانيًا (أحسن) في الوصية (ثم خرج) من عندي (وتركني) ثم رجع إلي. كذا للطبري (¬2) (فقال: يا جابر) إني (لا أراك) بضم الهمزة بمعنى لا أظنك (ميتًا من وجعك هذا) قال: هذا بوحى أوحي (¬3) إليه (وإن الله) تعالى (قد أنزل) في حقك (فبين الذي) يجب (لأخواتك) اللواتي من أبيك وأمك (فجعل لهن الثلثين) في قوله تعالى: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ}. وفيه دليل على أن الأختين الشقيقتين أو التي لأب أو ما زاد عليهن فرضهن الثلثان (¬4) إذا تمحضوا إناثا. قال ابن المنكدر (وكان جابر - رضي الله عنه - يقول: أنزلت هذِه الآية فيَّ) بتشديد الياء، يعني: في حق ميراثه نزلت هذِه الآية ({يَسْتَفْتُونَكَ} .. ) إلى آخر الآية ({قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ}) أي: يبين لكم أحكام دينكم، وقد تقدم. ¬

_ (¬1) في (ر): العوض. والمثبت من (ل) و (ع). (¬2) "تفسير الطبري" 4/ 378. (¬3) سقط من (ر)، والمثبت من (ل) و (ع). (¬4) في (ر) الثلث.

[2888] (حدثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي (حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق) السبيعي (عن البراء بن عازب) رضي الله عنهما (قال: آخر آية نزلت في الكلالة: ) يعني: من الآيتين اللتين نزلتا في الكلالة ({يَسْتَفْتُونَكَ}) أي: يسألونك يا محمد أن تفتيهم في الكلالة ({قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ}) قال الجوهري (¬1): مصدر تكلله النسب. وهذِه الآية مخصصة ومقيدة لرواية البخاري (¬2) عن شعبة عن أبي إسحاق: سمعت البراء يقول آخر سورة أنزلت براءة، وآخر آية نزلت، يعني: في آيتي الكلالة أو في أحكام المواريث {يَسْتَفْتُونَكَ}. وروى البخاري (¬3) أيضا في سورة البقرة عن الشعبي، عن ابن عباس قال: آخر آية نزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - آية الربا، وقيل (¬4): إن آية الربا قول ابن عباس، وآية {يَسْتَفْتُونَكَ} من قول البراء. [2889] (حدثنا منصور بن أبي مزاحم) بشير التركي البغدادي، شيخ مسلم في مواضع (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن عياش الكوفي راوية (¬5) عاصم في القراءة السبع وغيرها (عن أبي إسحاق) السبيعي (عن البراء بن عازب قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، يستفتونك) زاد الترمذي (¬6): {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ} (في الكلالة ما) هي ¬

_ (¬1) سقط من (ر)، وفي (ل) بياض، وفي (ع): خط. والمثبت يقتضيه السياق. (¬2) (4364). (¬3) (4544). (¬4) انظر: "عمدة القاري" 27/ 229. (¬5) في (ر) رواية. (¬6) (3042).

(الكلالة؟ قال: تجزيك) بفتح أوله، أي: تكفيك (آية الصيف) أي: التي نزلت في الصيف، والتي في أولها نزلت في الشتاء (فقلت لأبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي في ذلك، يقال بضم أوله الكلالة (هو من مات ولم يدع) أي: يترك (ولدًا ولا والدًا. فقال) نعم (كذا (¬1) ظنوا) يشبه [أن] يكون معناه: قالوا، على لغة بني سليم في استعمالهم الظن بمعنى القول (أنه كذلك) فقد تقدم أن جمهور العلماء قالوا بذلك، وقيل: معناه أنهم ظنوا أنها نزلت في الصيف. ¬

_ (¬1) ورد بعدها في الأصل: نسخة: كذلك.

4 - باب ما جاء في الصلب

4 - باب ما جاءَ في الصُّلْبِ 2890 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن عامِرِ بْنِ زُرارَةَ، حَدَّثَنا عَليُّ بْن مُسْهِرٍ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ أَبي قَيْسٍ الأوْديِّ، عَنْ هُزَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ الأَوْديِّ قال: جاءَ رَجُلٌ إِلَى أَبي مُوسَى الأشعَريِّ وَسَلْمانَ بْنِ رَبِيعَةَ فَسَأَلهُما، عَنِ ابنةٍ وابْنَةِ ابن وَأُخْتٍ لأبٍ وَأُمٍّ فَقالا لابْنَتِهِ النِّصْفُ وَللأخْتِ مِنَ الأبِ والأُمَّ النِّصْفُ وَلَمْ يُوَرِّثا ابنةَ الابْنِ شَيْئًا وَأْتِ ابن مَسْعُودٍ فَإنَّهُ سَيُتابِعُنا فَأَتاهُ الرَّجُلُ فَسَأَلهُ وَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِهِما فَقال: لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَما أَنا مِنَ المُهْتَدِينَ وَلَكِنّي سَأَقْضي فِيها بِقَضاءِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لابِنَتِهِ النِّصْفُ وَلابِنَةِ الابْنِ سَهْمٌ تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ وَما بَقيَ فَلِلأخْتِ مِنَ الأبِ والأمُّ (¬1). 3891 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حدثنا بِشْرُ بْنُ المفَضَّلِ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قال: خَرَجْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى جِئْنا امْرَأةً مِنَ الأنْصارِ في الأسواقِ فَجاءَتِ الَمرْأَةُ بِابْنَتَيْنِ لَها فَقالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ هاتانِ بِنْتا ثابِتِ بْنِ قَيْسٍ قُتِلَ مَعَكَ يَوْمَ أُحُدٍ وَقَدِ اسْتَفاءَ عَمُّهُما مالَهُما وَمِيراثَهُما كُلَّهُ فَلَمْ يَدَعْ لَهُما مالاً إِلا أَخَذَهُ فَما تَرى يا رَسُولَ اللهِ فَواللَّهِ لا تُنْكَحانِ أَبَدًا إِلا وَلَهُما مالٌ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَقْضي اللهُ في ذَلِكَ " .. قال: وَنَزَلَتْ سُورَةُ النِّساءِ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} الآيَةَ. فَقالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ادْعُوا ليَ المَرْأَةَ وَصاحِبَها" .. فَقالَ لِعَمِّهِما: "أَعْطِهِما الثُّلثَيْنِ وَأَعْطِ أُمَّهُما الثُّمُنَ وَما بَقيَ فَلَكَ". قالَ أَبُو داوُدَ: أَخْطَأَ بِشْرٌ فِيهِ إِنَّما هُما ابنتا سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ وَثابِتُ بْن قَيْسٍ قُتِلَ يَوْمَ اليَمامَةِ (¬2). 3892 - حَدَّثَنا ابن السَّرْحِ، حدثنا ابن وَهْبٍ أَخْبَرَني داوُدُ بْن قَيْسٍ وَغَيْرُهُ مِنْ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6736). (¬2) رواه الترمذي (2092)، وابن ماجه (2720)، وأحمد 3/ 352. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2573).

أَهْلِ العِلْمِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ محَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ امْرَأَةَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ قالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ سَعْدًا هَلَكَ وَتَرَكَ ابنتَيْنِ. وَساقَ نَحْوَهُ قالَ أَبُو داوُدَ: وهذا هُوَ الصَّوابُ (¬1). 2893 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا أَبانُ، حدثنا قَتادَة، حَدَّثَني أَبُو حَسّانَ، عَنِ الأسوَدِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ مُعاذَ بْنَ جَبَلٍ وَرَّثَ أُخْتًا وابْنَةً فَجَعَلَ لِكُلِّ واحِدَةٍ مِنْهُما النِّصْفَ وَهُوَ بِاليَمَنِ وَنَبيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَئِذٍ حَي (¬2). * * * باب ما جاء في الصُّلب [2890] (حدثنا عبد الله (¬3) بن عامر بن زرارة) الحضرمي مولاهم الكوفي. (حدثنا علي بن مسهر) الكوفي (عن) سليمان (الأعمش، عن أبي قيس) عبد الرحمن بن مروان (الأودي) بفتح الهمزة ودال مهملة نسبة إلى أود بن صعب بن شعب بن سعد العشيرة من مذحج (¬4). (عن هزيل) بضم الهاء وفتح الزاي مصغر (ابن شرحبيل) الكوفي (الأودي) الأعمى، أخرج له البخاري في الفرائض (¬5) (قال: جاء رجل إلى أبي موسى الأشعري) عبد الله بن قيس (وسلمان (¬6) بن ربيعة) ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 6/ 229. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2574). (¬2) رواه البخاري (6741). (¬3) في (ر): عثمان. (¬4) "الأنساب" 1/ 226. (¬5) "صحيح البخاري" (6736). (¬6) في (ر) سليمان.

الباهلي يقال: إن له صحبة. والأصح: لا صحبة له، وهو أول قضاة الكوفة، قال ابن منده: ذكره البخاري في الصحابة، ولا يصح. وقال ابن عبد البر: ذكره أبو حاتم في الصحابة (¬1) وقال: هو عندي كما قال (¬2). (فسألهما عن ابنة وابنة ابن وأخت لأب وأم) ما يخص كل واحدة منهن (فقال: لابنته النصف) لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} (وللأخت من الأب والأم النصف) هكذا قالاه ثم رجعا إلى قول ابن مسعود كما سيأتي. وقد اختلف العلماء في حكم الأخوات مع البنات؛ فمذهب عامة الفقهاء الفرضيون (¬3) وغيرهم إلى أن الأخوات مع البنات عصبة فيأخذن ما فضل عن ذوي الفروض، وخالف في ذلك ابن عباس ومن تابعه، فروي عنه أنه لا يجعل الأخوات مع البنات عصبة، وقال في بنت وأخت للبنت النصف ولا شيء للأخت. فقيل له: إن عمر قضى بخلاف ذلك جعل للأخت النصف. فقال ابن عباس: أنتم أعلم أم الله؟ يريد قول الله تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} فإنما جعل لها الميراث شرط عدم الولد والحق مذهب ابن مسعود الآتي وهو قول الجمهور (¬4). ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 4/ 297 (1290). (¬2) "الاستيعاب" 2/ 193. (¬3) في (ر) الكوفيون. (¬4) انظر: "الشرح الكبير" 7/ 53، "المغني" لابن قدامة 7/ 7.

(ولم يورثا ابنة الابن شيئًا) لأن البنت والأخت استغرقا المال، وهذا قد رجعا عنه ووقع الاتفاق عليه بعد ذلك على نحو هذا المعنى (وأْتِ) (¬1) عبد الله (ابن مسعود) فاسأله عن ذلك (فإنه سيتابعنا) على هذا، فيه أن من أفتى بما أدى إليه اجتهاده وتوقف فيما أفتى به أو شك فيه فيستحب أن يدل المستفتي على إتيان مَنُ علم فضيلته التامة ليسأله هل يتابعه أو يخالفه (فأتاه فأخبره بقولهما) في مسألته. (فقال) ابن مسعود: والله لئن أفتيته بحرمان بنت الابن مع بنت الصلب القد ضللت) بفتح اللام الأولى كما في الآية (إذًا) التنوين عوض عن الجملة، التقدير: إذا اتبعتهما في فتواهما فأنا ضال أيضًا (وما أنا من المهتدين) إلى الصواب في هذِه المسألة ولا هما (ولكن أقضي فيها) أي: في هذِه المسألة. (بقضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فيه: أن السنة قاضية بقضاء الله تعالى؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. ويتعين على كل عالم يتبعها في الأحكام الشرعية فإذا ظفر بشيء منها على مسألته نظر واجتهد هل فيها عام له مخصص أو مطلق له مقيد أو منسوخ حكمها ونحو ذلك مما هو معلوم مشهور بين أئمة العلم فيفتي به وينقاد لذلك (¬2) (لابنته) المفردة (النصف) كما تقدم (ولابنة الابن) أو بنات الابن وإن كثرن السدس من المال، وهو (سهم) مما صحت منه ¬

_ (¬1) في (ر): ابن، والمثبت من ل ومن المطبوع. وفي (ع) وائت وهي كذلك في المطبوع من "سنن ابن ماجه". (¬2) انظر: "فتح الباري" 12/ 18.

المسألة وهو ستة (تكملة الثلثين) الذي فرض الله تعالى للبنات في قوله تعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} وهذا مجمع عليه بين العلماء؛ لأن الله تعالى فرض للبنات كلهن الثلثين وبنات الصلب وبنات الابن كلهن يسمين أولادًا فكان لهن الثلثان لا يزدن عليه، واختصت بنت الصلب بالنصف لأنه مفروض لها، واسم الولد متناول لها حقيقة فبقي للبقية من بنت الابن أو بنات الابن تمام الثلثين فإنهن يسمين أولادا مجازا، وقال الله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ} فخاطب بذلك أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقال تعالى: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ} مخاطب بذلك من في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال الشاعر: بنونا بنو أبنائنا وبناتنا ... بنوهن أبناء الرجال الأجانب (¬1) (وما بقي) من الميراث (فللأخت من الأب والأم) أخرجه البخاري (¬2) والترمذي (¬3) والنسائي (¬4) وابن ماجه (¬5) وكذا الأخوات من الأب والأم أو الأب فقط لهن مع البنت وبنت الابن تكملة المال وهو الباقي عن فرضهما؛ لأن الأخوات مع البنات عصبة كما أن الإخوة مع البنات عصبة، وأما احتجاج ابن عباس فلا يدل على ما ذهب إليه، بل يدل ¬

_ (¬1) "الاستذكار" 5/ 325. (¬2) البخاري (6736). (¬3) الترمذي (2093). (¬4) النسائي في "الكبرى" (6294). (¬5) ابن ماجه (2721).

على أن الأخت لا يفرض لها النصف مع الولد ونحن نقول به، فإنما تأخذه مع البنت ليس بفرض، وإنما هو بالتعصيب كميراث الأخ، وقد وافق ابن عباس على ثبوت ميراث الأخ مع الولد مع قول الله تعالى {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ}، وعلى قياس قوله: ينبغي أن يسقط الأخ لاشتراطه في توريثه منها عدم ولدها وهو خلاف الإجماع (¬1). [2891] (حدثنا مسدد، حدثنا بشر بن المفضل) بن لاحق الإمام (¬2)، (حدثنا [عبد الله بن عقيل]) (¬3) بن أبي طالب الهاشمي المديني، قال الترمذي: صدوق تكلم فيه من قبل حفظه، سمعت محمد بن إسماعيل يقول: كان أحمد بن حنبل وإسحاق والحميدي يحتجون بحديثه (¬4). (عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. (قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) نمشي (حتى جئنا امرأة من الأنصار في الأسواف) (¬5) بفتح الهمزة وسكون السين المهملة وآخره فاء، وهو اسم لحرم المدينة الذي حرمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬6). وفي الحديث: اصطدت نهسًا ¬

_ (¬1) "المغني" 7/ 7. (¬2) "تهذيب الكمال" 4/ 148. (¬3) هكذا في (ر)، وفي (ع) محمد بن عقيل. وفي مطبوع "السنن": عبد الله بن محمد بن عقيل وكذا في "معالم السنن" للخطابي 3/ 212. (¬4) "سنن الترمذي" تحت حديث رقم (3). (¬5) في (ر): الأسواق. والمثبت من (ع) ومن ضبط المصنف لها. وهي بعض النسخ بالفاء كما ذكر ذلك عوامة تحت هذا الحديث برقم (2883). وهي كذلك محرفة إلى الأسواق في "عون المعبود" وضبطها الشارح بالفاء وقال: وفي بعض النسخ بالفاء مكان القاف. وقال في "العرف الشذي": وهو خطأ. انظر: "عون المعبود" 5/ 302، "العرف الشذي" 1/ 136. (¬6) "معالم السنن" 3/ 212، "النهاية" لابن الأثير 2/ 1035. وقال الدكتور عوامة: وهو=

بالأسواف (¬1)، والنهس بضم النون وفتح الهاء ثم سين مهملة طائر يشبه الصرد يديم تحريك (¬2) رأسه وذنبه (¬3). (فجاءت المرأة بابنتين) من أولادها (فقالت: يا رسول الله هاتان بنتا ثابت بن قيس) (¬4) الأنصاري (قتل معك يوم) غزوة (أحد) زاد الترمذي (¬5): شهيدًا. الظاهر أنه قتل باليمامة كما سيأتي، (وقد استفاء) بالسين المهملة وفتح التاء والفاء والمد، أي: استرد واسترجع حقهما من الميراث (عمهما) وجعله فيئًا له وهو استفعل من الفيء الذي يؤخذ من أموال الكفار (مالهما) جميعه (وميراثهما كله) ولفظ ابن ماجه (¬6): أخذ جميع ما ترك أبوهما. وللترمذي (¬7) نحوه (فلم يدع لهما مالاً إلا أخذه) واستولى عليه (فما) ذا (ترى يا رسول الله؟ ) ثم قالت (فوالله لا ينكحان) (¬8) بضم المثناة تحت، مبني للمفعول، فيه دليل على أن رغبة الأزواج فيما مضى وإلى الآن في مال الزوجة الكثير من ملبوس ¬

_ =الشارع المعروف اليوم بشارع أبي ذر في المدينة المنورة. (¬1) أخرجه أحمد 5/ 192، ومالك في "الموطأ" 2/ 890. (¬2) سقط من (ر). (¬3) "النهاية" 5/ 285. (¬4) قال الخطابي في "معالم السنن" 3/ 212: وهذا غلط من بعض الرواة وإنما هي امرأة سعد بن الربيع وابنتاه؛ قتل سعد يوم أحد وبقي ثابت بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى شهد اليمامة. وانظر: "البدر المنير" 7/ 214. (¬5) (2092). (¬6) (2720). (¬7) (2092). (¬8) هكذا في الأصل، وفي مطبوع "السنن": تنكحان. بضم المثناة فوق.

وحلي وفرش ونحو ذلك. وفي الحديث دلالة على الأخوات مع البنات عصبة خلافًا لابن عباس (¬1) (أبدًا إلا ولهما مال) أخبرت المرأة عما هو موجود يقصده الرجال من النساء غالبًا ويرغبون فيه فهو إخبار عن الموجود لا أمر شرعي، وظاهره إباحة تجهيز البنت بالحلي والأمتعة والأواني التي ينتفع بها الزوج ويستمتع به ما لم يؤد إلى السرف الظاهر كما للمفاخرة والمباهاة كما هو موجود الآن، ويدل على الإباحة المذكورة قوله - عليه السلام -: "تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها" الحديث، رواه مسلم (¬2). وإقرارها على ذلك دليل على جوازه (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يقضي الله) تعالى، أي: سيحكم الله في ذلك ما يشاء (في ذلك قال: ونزلت) لفظ الترمذي (¬3): فنزلت آية الميراث، ولابن ماجه (¬4) نحوه، ورواية الترمذي دالة على أن هذا سبب نزول آية الوصية؛ فإن فاء السببية مبينة لسبب النزول (سورة النساء) يعني: آية الميراث التي في سورة النساء. ويعارض سبب نزول هذه الآية رواية الصحيحين المتقدمة من حديث جابر: عادني النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: كيف أصنع في مالي؟ فنزلت: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} ولفظ الترمذي: فقلت: كيف أقسم مالي؟ فلم يرد علي ¬

_ (¬1) مذهب ابن عباس رضي الله عنهما أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 6/ 233. وانظر: "الروضة" 6/ 8. (¬2) (1466) والحديث في البخاري برقم (5090). (¬3) الترمذي (2092). (¬4) (2720).

شيئًا، فنزلت: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ} (¬1). ({يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ}) قالت الشافعية: أولادكم حقيقة في أولاد الصلب، فأما أولاد الابن فإنما (¬2) يدخل فيه بطريق المجاز كما تقدم، فإذا حلف أن لا ولد له وله ولد ابن، لم يحنث (¬3). قال ابن المنذر: لما قال الله يوصيكم في أولادكم كان الذي يجب على ظاهر الآية أن يكون الميراث لجميع الأولاد المؤمن والكافر، فلما بين قوله - عليه السلام -: "لا يرث المسلم الكافر" علم أنه أراد بعض الأولاد (¬4). قال القرطبي: ودخل في أولادكم الأسير في أيدي الكفار إذا علمت حياته وإسلامه، وبه قال كافة أهل العلم إلا النخعي، فإنه قال: لا يرث الأسير (¬5). (الآية) إلى آخرها. (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) لما نزلت آية الميراث: (ادعوا) أي: ابعثوا؛ بدليل رواية الترمذي: فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عمهما (¬6) (لي المرأة وصاحبها) أي: وخصمها وهو العم، فلما جاء (فقال لعمهما: أعطهما الثلثين) لفظ الترمذي: "أعط ابنتي سعد الثلثين" يعني: ثلثي مال أبيهما، يشبه أن يكون التقدير: أعط وليهما؛ فإن الصغير لا يدفع إليه المال ولا تبرأ الذمة بالدفع إليه، ويحتمل أن ¬

_ (¬1) ويجمع بين مثل هذا بتعدد سبب النزول. راجع "لباب النقول في أسباب النزول" ص (15). (¬2) سقط من (ر). (¬3) "الجامع لأحكام القرآن" 5/ 59. (¬4) السابق. (¬5) السابق. (¬6) "سنن الترمذي" (2092).

تكونا بالغتين (¬1) رشيدتين. (وأعط أمهما الثمن) المفروض لها مع الولد، وذكر الآية والحديث كما قال أبو بكر ابن العربي على نكتة بديعة وهو أن ما كانت الجاهلية تفعله أن الصبي ما كان يعطي الميراث حتى يقاتل على الفرس ويذب عن الحريم لم يكن في صدر الإسلام شرعًا لنا مستقرًّا ثابتًا إلى أن نزلت آية الميراث هذِه، ولو كان شرعًا ثابتًا لنا لما استرجع ميراث الابنتين الصغيرتين من العم ولما حكم على عم الصبيتين برد ما أخذ من مالهما؛ لأن الأحكام إذا مضت وجاء النسخ بعدها إنما تؤثر في المستقبل ولا تنقض ما تقدم، وإنما كانت ظلامة وقعت. قاله ابن العربي (¬2). قال ابن عبد البر: بهذا الحديث علم أن الله أراد بقوله {فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} يعني: اثنين فما فوقهما وقياسًا على الأختين [أن للابنتين] (¬3) الثلثان (¬4). (وما بقي) بكسر القاف على لغة القرآن وهو الثمن ونصف السدس، وإن شئت قلت: هو السدس وثلث الثمن وهو خمسة أسهم من أربعة وعشرين سهمًا (فلك) أي: فهو مستحقك بالتعصيب وهو الباقي بعد ذوي الفروض. (قال المصنف: أخطأ (¬5) فيه بشر) أحد الرواة، ولعل الخطأ من عبد الله بن محمد بن عقيل؛ فإنه تكلم فيه من سوء حفظه (¬6). وتكلم ¬

_ (¬1) في (ر) غير. (¬2) "أحكام القرآن" لابن العربي 1/ 433. (¬3) في (ر): اثنتين. وقبلها بياض. (¬4) "التمهيد" لابن عبد البر 24/ 96. (¬5) هذِه الكلمة سقطت من الأصل وهي على الهامش في (ع). (¬6) "سنن الترمذي" 1/ 8.

الأئمة في الاحتجاج به (¬1). وقال الترمذي: لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل (¬2). والابنتان (هما ابنتا سعد بن الربيع) ابن عمرو بن أبي زهير الأنصاري الخزرجي عقبي بدري، استشهد يوم أحد (و) أما (ثابت بن قيس) بن شماس الأنصاري فإنه (قتل يوم) وقعة جو (¬3) بفتح الجيم وتشديد الواو وسماها الحميري (اليمامة) لما قتل المرأة التي سميت بالزرقاء؛ فإن اسمها كان اليمامة. [2892] (حدثنا) أحمد بن عمرو (ابن السرح، حدثنا) عبد الله (ابن وهب، أخبرني داود بن قيس) المدني، أخرج له مسلم في غير موضع (وغيره من أهل العلم) بالحديث (عن عبد الله بن محمد ابن عقيل، عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما (أن امرأة سعد ابن الربيع) قيل: هي عمرة بنت حرام الأنصارية، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يزورها، (قالت: يا رسول الله، إن سعدًا هلك وترك ابنتين) وإن عمهما أخذ مالهما (¬4) (وساق) الحديث (نحوه) إلى نحو ما تقدم. (قال المصنف: هذا هو أصح) (¬5) من الرواية التي قبلها. ¬

_ (¬1) من (ل). (¬2) "سنن الترمذي" 4/ 414. (¬3) هكذا في (ر) وفي "معجم البكري" 2/ 376: جر بفتح أوله وتشديد ثانيه: قصر في جانب صنعاء الأيسر. وقال الحازمي في "الأماكن": (ص 209)، وأيضا موضع بالحجاز في ديار أشجع كانت فيه وقعة بينهم وبين سليم. قلت: لكن التي سميت باليمامة فاسمها: (جو) بالواو قال البكري في "معجمه" 2/ 407 جو: اسم اليمامة في الجاهلية حتى سماها الحميري لما قتل المرأة التي تسمى اليمامة باسمها. (¬4) في (ر) مكان هذِه الكلمة بياض. والمثبت من (ل) و (ع). (¬5) ورد بعدها في الأصل: نسخة: الأصح.

[2893] (حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبان) الأرجح فيه الصرف، وهو ابن يزيد (حدثنا قتادة، حدثني أبو حسان) واسمه مسلم ابن عبد الله الأعرج، ويقال: الأحرد البصري (¬1). (عن الأسود بن يزيد) النخعي، له ثمانون حجة وعمرة (¬2) (أن معاذ ابن جبل - رضي الله عنه - ورث) بفتح الواو والراء المشددة، ولفظ رواية البخاري (¬3) عن الأسود بن يزيد: قضى فينا معاذ بن جبل النصف للابنة والنصف للأخت (أختا وبنتًا جعل لكل واحدة منهما النصف) لفظ البخاري: النصف [للابنة والنصف] (¬4) للأخت. فيه دلالة على الأخت من الأبوين أو من الأب مع البنت أو البنات عصبة بمنزلة الأخ، فإذا خلَّف الميت بنتًا وأختًا لأبوين أو لأب فللبنت النصف والنصف الباقي للأخت كما لو كان مع البنت أخ. وتقدم قول (¬5) ابن عباس رضي الله عنهما في بنت وأخت: للبنت النصف ولا شيء للأخت. فقيل له: إن عمر قضى بخلاف ذلك جعل للأخت النصف. فقال ابن عباس: أنتم أعلم أم الله؟ يريد قوله تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا}، فإنما جعل لها الميراث بشرط عدم الولد، واحتجاجه لا يدل على ما ذهب ¬

_ (¬1) "تقريب التهذيب" (8046). (¬2) "تهذيب الكمال" 3/ 235. (¬3) (6741). (¬4) سقط من (ر). (¬5) سقط من (ر).

إليه، بل يدل على أن الأخت لا يفرض لها النصف مع الولد، ونحن نقول: فإن ما تأخذه مع البنت ليس بفرض بل بالتعصيب كأخ، كما تقدم. (وهو) قاضٍ (باليمن، ونبي الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذٍ) يعني: يوم قضى بهذا القضاء (حي) ولفظ البخاري: قضى فينا معاذ بن جبل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النصف للابنة (¬1). ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (6741).

5 - باب في الجدة

5 - باب في الجَدَّةِ 2894 - حدَّثنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُثْمانَ بْنِ إِسْحاقَ بْنِ خَرَشَةَ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّهُ قال: جاءَتِ الجَدَّةُ إِلَى أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ تَسْألُهُ مِيراثَها فَقال: ما لَكِ في كِتابِ اللهِ تَعالَى شَئ وَما عَلِمْتُ لَكِ في سُنَّةِ نَبيِّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَيْئًا فارْجِعي حَتَّى أَسْأَلَ النّاسَ. فَسَأَلَ النّاسَ فَقالَ المُغِيرَةُ بْنُ شعْبَةَ: حَضَرْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَعْطْاها السُّدُسَ. فَقالَ أَبُو بَكْرٍ: هَلْ مَعَكَ غَيْرُكَ فَقامَ مُحَمَّد بْنُ مَسْلَمَةَ فَقالَ مِثْلَ ما قالَ المُغِيرَة بْنُ شُعْبَةَ، فَأَنْفَذَهُ لَها أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ جاءَتِ الجَدَّةُ الأُخْرى إِلَى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ - رضي الله عنه - تَسْأَلُهُ مِيراثَها فَقال: ما لَكِ في كِتابِ اللهِ تَعالَى شَئ وَما كانَ القَضاءُ الذي قُضيَ بِهِ إِلا لِغَيْرِكِ وَما أَنا بِزائِدٍ في الفَرائِضِ ولكن هُوَ ذَلِكَ السّدُسُ فَإِنِ اجْتَمَعْتُما فِيهِ فَهُوَ بَيْنَكُما وَأَيَّتُكُما خَلَتْ بِهِ فَهُوَ لَها (¬1). 2895 - حدثنا مُحَمَّدُ بْن عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ أَبي رِزْمَةَ أَخْبَرَني أَبي، حدثنا عُبَيْدُ اللهِ أَبُو المُنِيبِ العَتَكيُّ، عَنِ ابن بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - جَعَلَ لِلْجَدَّةِ السُّدُسَ إِذا لَمْ تَكُنْ دُونَها أُمٌّ (¬2). * * * ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2101)، وابن ماجه (2724)، وأحمد 4/ 225. وصححه الحاكم 4/ 338، وابن الملقن في "البدر المنير" 7/ 206 - 207، وقال الحافظ في "التلخيص الحبير" 3/ 82: إسناده صحيح. لكن ضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (497)، وفي "الإرواء" (1680). (¬2) رواه النسائي في "الكبرى" 4/ 73 (6338)، وابن الجارود في "المنتقى" (960)، والروياني في "المسند" 1/ 92 (61)، والدارقطني 4/ 91، والبيهقي 6/ 226، 235. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (498).

باب في الجدة [2894] (حدثنا) عبد الله بن مسلمة (القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عثمان بن إسحاق بن خرشة) بفتح الخاء والشين المعجمتين لم يرو عنه غير الزهري وحده (¬1) (عن قبيصة بن ذؤيب) وفي سماعه من أبي بكر الصديق نظر؛ فإن مولده عام الفتح، وقد قيل إنه ولد في أول (¬2) سنة من الهجرة، والأول حكاه غير واحد، وعلى القول الثاني يرتفع الإشكال. قال ابن عبد البر: لا يمكن شهوده قضية أبي بكر (¬3) (أنه قال: جاءت الجدة) وفي لفظ الترمذي (¬4): جاءت الجدة أم الأم أو أم الأب. (إلى أبي بكر الصديق تسأله) أن (¬5) يقضي لها في (ميراثها) وذكر القاضي حسين أن التي جاءت إلى الصديق أم الأم، والتي جاءت إلى عمر أم الأب، والصحيح أنهما معًا أتيا إلى عمر (¬6). قال شيخنا ابن حجر: ولفظ الترمذي: فقالت: إن ابن ابني أو إن ابني مات وقد أخبرت أن لي في الكتاب حقًّا، وللنسائي (¬7) أن الجدة أم الأم (فقال) ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 19/ 337. (¬2) سقط من (ر) والمثبت من (ل) و (ع). (¬3) "التلخيص الحبير" 3/ 187. وانظر: "الاستيعاب" 3/ 1273. (¬4) "سنن الترمذي" (2100). (¬5) في (ر): أي. (¬6) هكذا في الأصول والذي في الروايات: والظاهر أنه أبو بكر. راجع "التلخيص الحبير" 3/ 187. (¬7) في الكبرى (6308).

أبو بكر (ما) أجد (لك في كتاب الله تعالى شيء، وما علمت) أن (لك في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا) لفظ الترمذي: وما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى لك بشيء، انتهى. فلما كان كتاب الله محصورًا أوله آخره وجملته أخبرها بالبت، ولما كانت السنة غير محصورة أخبر فيها بنفي العلم، كما أن في اليمين إذا توجهت على شخص إن كان يحلف عن فعل نفسه فيحلف بالبت (¬1) وإن كان يحلف عن فعل غيره كمورثه ونحوه فيحلف على نفي العلم. (فارجعي حتى أسأل الناس. فسأل الناس) عن مسألتها، فيه أن الحاكم أو القاضي إذا سئل عن مسألة أو تداعى الخصمان في مسألة لا يجد فيها نصًّا في كتاب الله ولا سنة، ولا يعلم فيها نقلًا عن العلماء أن يؤخر السائل أو الخصمين إلى أن يسأل عما وقع له، وهذا لا يكاد يوجد في زماننا، بل يحكمون فيها، وإذا سئلوا عن النقل فيها قالوا: أصلحنا بينهم (¬2) ولم نحكم ولو علم الخصمان أو أحدهما أنه ليس حكم الله وأنه لا يعلم الحكم فيها لم يعد لحكمه (¬3). (فقال) لفظ الترمذي: فشهد (المغيرة بن شعبة: حضرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطاها السدس) فيه حجة لما اجتمع عليه أهل العلم (¬4) أن للجدة أم الأم أو أم الأب السدس إذا لم يكن للميت أم، وحكيت رواية شاذة عن ¬

_ (¬1) في (ر) على البت. (¬2) في (ر) سهم. (¬3) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 1/ 285. (¬4) ذكر هذا الإجماع ابن قدامة في "الشرح الكبير" 7/ 37 نقلا عن ابن المنذر وذكره القرطبي في "التفسير" 5/ 62.

ابن عباس أنها بمنزلة الأم؛ لأنها تدلي بها فقامت مقامها كالجد يقوم مقام الأب. وهذا الحديث حجة عليه (¬1). وهو حديث صحيح رواه ابن حبان (¬2) والحاكم (¬3) وإسناده صحيح لثقة رجاله إلا أن صورته مرسل، فإن قبيصة لا يصح له سماع من الصديق كما تقدم؛ فإن الصحيح أنه ولد عام الفتح فيبعد شهوده (¬4) القصة. وأعله عبد الحق تبعًا لابن حزم بالانقطاع (¬5). وقال الدارقطني في "العلل": يشبه أن يكون الصواب قول مالك (¬6). يعني: في "الموطأ" في روايته (¬7) (فقال أبو بكر: هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة) بن خالد بن عدي الأوسي البدري (¬8) (فقال مثل ما قال المغيرة بن شعبة) احتج الجبائي ومن تابعه بهذا الحديث وبحديث عمر حيث لم يقبل حديث المغيرة حتى روى عنه محمد بن مسلمة وحديث ذي اليدين وغير ذلك على أنه يشترط في العمل بالحديث أن يخبر به اثنان؛ فإن لم يوجد فلا بد أن يعتضد بظاهر أو عمل بعض الصحابة أوان انتشاره. ¬

_ (¬1) "الشرح الكبير" لابن قدامة 7/ 37 وانظر: "الحاوي" للماوردي 8/ 110 (¬2) "صحيح ابن حبان" 13/ 390 (6031). (¬3) "مستدرك" الحاكم 4/ 338 برقم (7978). (¬4) في (ر) بشهود، والمثبت من (ل) و (ع). (¬5) "التلخيص الحبير" 3/ 186، وانظر: "البدر المنير" 7/ 208. (¬6) "العلل" 1/ 249. (¬7) "الموطأ" (1067). (¬8) "الإصابة" 6/ 33.

وأجيب عن هذِه الأحاديث بأن توقفهم لم يكن للشك في إخبارهم، بل لمعنى آخر وهو تقوية الخبر وتأكيده احتياطًا حتى لو لم يظهر مقوٍّ لأخبارهم يعمل به (¬1). (فأنفذه لها أبو بكر) أي: أمضى ونفذ السدس لها فرضًا. (ثم جاءت الجدة الأخرى) وهي أم الأب (إلى عمر بن الخطاب فسألته (¬2) ميراثها من ابنها فقال: ما) وجدت (لك في كتاب الله شيء، وما كان القضاء الذي قُضِيَ به) أبو بكر - رضي الله عنه - (إلا لغيرك) وروى مالك في "الموطأ" (¬3) عن يحيى بن أبي سعيد عن القاسم بن محمد أنه قال: أتت الجدتان إلى أبي بكر الصديق؛ فأراد أن يجعل السدس للتي من قبل الأم. يعني لأم الأم دون أم الأب، فقال له رجل من الأنصار: أما إنك تترك التي لو ماتت وهو حي كان إياها يرث. فجعل أبو بكر السدس لهما. وفي رواية لغيره: فقال الأنصاري: يا خليفة رسول الله أعطيت التي إن ماتت لم يرثها ومنعت التي لو ماتت ورثها (¬4). وحديث "الموطأ" منقطع، وبين الدارقطني الأنصاري بأنه عبد الرحمن بن سهل بن حارثة الأنصاري النجاري. قال ابن عبد البر: ¬

_ (¬1) "البحر المحيط" 3/ 375. وانظر: "إكمال المعلم" 1/ 96، و "أصول الفقه" لابن العربي 1/ 57. (¬2) ورد بعدها في الأصل: نسخة: تسأله. (¬3) (1077). (¬4) أخرجه عبد الرزاق 10/ 275، والدارقطني في "السنن" 4/ 90، 91، والبيهقى 6/ 235.

شهد بدرًا (¬1). (وما أنا بزائد في الفرائض) التي فرضها الله تعالى ولم يزدن الجدات على السدس فرضًا، لكن قد يزدن بالرد فإنهن يأخذن بالرد زيادة على السدس على ما هو مقرر في علم الفرائض في الرد على ذوي الفروض غير الزوجين (ولكن هو ذاك) بكسر الكاف (السدس) المفروض للجدات (فإن اجتمعتما فيه فهو بينكما، وأيكما) (¬2) خلت من الجدات (خلت به فهو لها) بمفردها؛ لأنهن ذوات عدد لا يشركهن ذكرهن فاستوى كثيرهن وواحدتهن كالزوجات. [2895] (حدثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة) بكسر الراء وسكون الزاي، واسمه غزوان اليشكري، أخرج له البخاري في تفسير سورة اقرأ باسم ربك (¬3). (قال: أخبرني) عبد العزيز بن (أبي) رزمة غزوان اليشكري المروزي وهو ثقة (¬4). (حدثنا عبيد الله) بالتصغير ابن عبد الله المروزي، وثقه ابن معين وغيره (¬5). (العتكي) بفتح المهملة والتاء المثناة فوق، نسبة إلى العتيك بن النضر بن الأزد (¬6). (عن) عبد الله (بن بريدة، عن أبيه) بريدة بن الحصيب - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل للجدة) أم الأم (السدس إذا لم يكن دونها أم) أخرجه النسائي (¬7). ¬

_ (¬1) "سنن الدراقطني" 4/ 90، 91، "الاستذكار" 15/ 448. (¬2) ورد بعدها في الأصل: نسخة: وأيتكما، نسخة: وأيما. (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 8، "صحيح البخاري" (4953). (¬4) "الكاشف" 2/ 198. (¬5) "الكاشف" 2/ 229. (¬6) "الأنساب" 4/ 153. (¬7) في "السنن الكبرى" 4/ 73 (6338).

هذا يدل على أن الجدة أم الأب لا ترث مع الأم شيئًا، وهذا مما أجمع عليه أهل العلم أن الأم تحجب الجدات مطلقًا، أما أم الأم فلأنها تدلي بالأم، فسقطت بها كسقوط الأب بالجد وابن الابن به، فأما أم الأب فإنها أيضًا إنما ترث ميراث أم؛ لأنها أم في المعنى، ولذلك ترث وابنها حي، ولو كان ميراثها من جهته ما ورثت مع وجوده (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: "الحاوي" 8/ 94، "التنبيه" ص (153).

6 - باب ما جاء في ميراث الجد

6 - باب ما جاءَ في مِيراث الجَدِّ 2896 - حدثنا محَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا هَمّامٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عِمْرانَ بْنِ خصَيْنٍ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: إِنَّ ابن ابني ماتَ فَما لي مِنْ مِيراثِهِ؟ فَقالَ: "لَكَ السُّدُسُ" .. فَلَمّا أَدْبَرَ دَعاهُ فَقالَ: "لَكَ سُدُسٌ آخَرُ" .. فَلَمّا أَدْبَرَ دَعاهُ فَقالَ: "إِنَّ السُّدُسَ الآخَرَ طُعْمَةٌ" .. قالَ قَتادَةُ: فَلا يَدْرُونَ مَعَ أَيِّ شَيء وَرَّثَهُ. قالَ قَتادَة: أَقَلُّ شَيء وَرِثَ الجَدُّ السُّدُسَ (¬1). 2817 - حدثنا وَهْبُ بْن بَقِيَّةَ، عَنْ خالِدٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الَحسَنِ أَنَّ عُمَرَ قال: أَيُّكمْ يَعْلَمُ ما وَرَّثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الجَدَّ؟ فَقالَ مَعْقِلُ بْن يَسارٍ: أَنا، وَرَّثَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - السُّدُسَ. قال: مَعَ مَنْ؟ قال: لا أَدْري. قال: لا دَرَيْتَ فَما تُغْني إِذًا (¬2). * * * باب في ميراث الجد [2896] (حدثنا محمد بن كثير) العبدي (أنبأنا همام) بن يحيى (¬3) (عن قتادة، عن الحسن) البصري (عن عمران بن حصين) قيل: إن الحسن لم يسمع من عمران (¬4) (أن رجلًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ابن ابني مات، ما لي من ميراثه؟ قال: لك السدس) إن مات ابن ابنك وابنك ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2099). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (500). (¬2) رواه ابن ماجه (2722)، وأحمد 5/ 27. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2576). (¬3) في الأصل كلمة غير واضحة. والمثبت من "تهذيب الكمال" 26/ 335، 23/ 505. (¬4) "تهذيب التهذيب" 2/ 234.

باقٍ فلك السدس من مال ابن ابنك (فلما أدبر) وللترمذي (¬1): ولى. (دعاه فقال: لك سدس آخر) صورة المسألة والله أعلم: أن الميت مات عن بنت وأبويه يعني: الجد والأم أو الجدة فللجد السائل السدس وللأم أو الجدة عند فقدها السدس لقوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ}، فلما ولى السائل وأدبر أوحى الله إليه أن ما أبقت الفروض لأولى رجل ذكر، فدعاه وأخبره أن له سدسًا آخر، لأنه أولى أي: أقرب رجل ذكر، وهذا السدس الآخر ورثه بالتعصب لا بالفرضية، فاجتمع له الاستحقاق بالتعصيب والفرضية وهما جهتان، وليس في الفرائض من يرث بالتعصيب والفرض لجهة واحدة إلا الجد والأب، وأما الأخ للأم إذا كان ابن عم ورث بهما فإنه بجهتين (¬2). (فلما أدبر) الرجل السائل (دعاه) أيضًا (فقال: إن السدس الآخر) الذي ذكرته لك ثانيًا (طعمة) بضم الطاء، أي: أنه زيادة على الفرض الذي فرضه الله لك، والظاهر إنما دعاه مرة أخرى وذكر أنه طعمة لينبهه على أن السدس الثاني ليس بفرض؛ لئلا يعتقد أن فرضه الثلث مع البنت، ومن هذا حديث أبي بكر: "إن الله إذا أطعم نبيًّا طعمة ثم قبضه جعلها للذي يقوم بعده" (¬3). فالطعمة هنا شبه الرزق يريد به ما كان له من الفيء وغيره فإنه من الزيادة. وجمع الطعمة طعم، كلقمة ولقم. ¬

_ (¬1) (2099). (¬2) من هنا بدأ سقط في (ر). (¬3) سيأتي برقم (2973).

قال ابن العربي: والمعنى في تفضيل الأب والجد في سدسِ التعصيبِ: الذكوريةُ والنصرة ووجوبُ المؤنةِ عليه، وتثبت الأم على السدس لمشاركتها له في القرابة (¬1). (قال قتادة: فلا يدرون مع أي شيء ورثه) بتشديد الراء، يورث السدس الثاني، والصورة المتقدمة محتملة لهذا الشيء فالله تعالى أعلم بحقيقته، والظاهر أن ابن ابنه كان له بنتان أو بنت وبنت ابن فورث الباقي. (قال قتادة) بن دعامة أو (أقل شيء ورث الجد) في أحواله الثلاث (السدس) وليس بحمد الله في هذا اختلاف فيما نعلمه. [2897] (حدثنا وهب بن بقية) الواسطي شيخ مسلم (عن خالد) بن عبد الله المزني الواسطي (¬2) (عن يونس) بن عبيد، أحد أئمة البصرة (¬3) (عن الحسن) البصري: (أن عمر) بن الخطاب - رضي الله عنه - (قال: أيكم يعلم ما ورَّث) بتشديد الراء (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجد؟ ) في جميع أحواله (فقال معقل) بفتح الميم وكسر القاف (بن يسار: ) يا أمير المؤمنين (أنا) أعلم (ورثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السدس) بضم الدال (قال: مع من) ورثه السدس؟ (قال: لا أدري. قال: لا دريت) أي: لا علمت، ومعناه والله أعلم التعجب منه؛ حيث لم يحقق ما نقله ولا عرف ¬

_ (¬1) "أحكام القرآن" لابن العربي، سورة النساء آية: 11 المسألة التاسعة، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 5/ 71. (¬2) "تهذيب الكمال" 8/ 99. (¬3) "تهذيب الكمال" 32/ 517.

أقسامه وليس معناه الدعاء. (فما تغني) كلامك (إذًا؟ ! ) أي: إذا كنت لا تدري أقسامه، ولفظ ابن ماجه (¬1): قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جد كان فينا بالسدس، ولم يبين أيضًّا أنه يأخذ السدس في أي أحواله الثلاث. وفي الحديث التعجب والإنكار على من سمع حكمًا شرعيًّا أو شيئًا فيه فائدة ولا يفقهه ولا يحرر أقسامه الضابطة لأحواله. ¬

_ (¬1) (2723).

7 - باب في ميراث العصبة

7 - باب في مِيراثِ العَصَبةِ 2818 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ وَمَخْلَدُ بْنُ خالِدٍ - وهذا حَدِيثُ مَخْلَدٍ وَهُوَ الأَشبَعُ - قالَ: حدثنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، حدثنا مَعْمَرٌ، عَنِ ابن طاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اقْسِم المالَ بَيْنَ أَهْلِ الفَرائِضِ عَلَى كِتابِ اللهِ فَما تَرَكَتِ الفَرائِضُ فَلأَوْلَى ذَكَرٍ" (¬1). * * * باب في ميراث العصبة [2898] (حدثنا أحمد بن صالح) المصري (ومخلد بن خالد) الشعيري (¬2) العسقلاني، شيخ مسلم (وهذا حديث مخلد) بن خالد (وهو الأشبع) (¬3) من حديث أحمد (قالا: حدثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن) عبد الله (ابن طاوس) اليماني (عن أبيه) طاوس بن كيسان (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اقسم) (¬4) بكسر الهمزة والسين (المال) الموروث (بين أهل الفرائض على كتاب الله) وهو بمعنى الرواية الأخرى في مسلم (¬5): "ألحقوا الفرائض بأهلها". ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6732)، ومسلم (1615). (¬2) بفتح الشين المعجمة وكسر العين المهملة، وبعدها الياء المنقوطة باثنتين من تحتها، وفي آخرها الراء. هذِه النسبة إلى بيع الشعير. "الأنساب" 3/ 473. (¬3) يعني أن حديث مخلد أتم من حديث أحمد. انظر: "عون المعبود" 6/ 252. (¬4) وفي بعض نسخ "السنن": أقسم المال. راجع حديث (2890). عوامة. (¬5) (1615).

أي: أعطوا كل ذي فرض فرضه المقدر له في كتاب الله أو في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كفرض الجدات (فما تركت الفرائض) أي: مما بقي بعد الفرائض (فلأولى) بفتح الهمزة وسكون الواو وفتح اللام (¬1) ثم ياء (¬2) تحت وهو ما يلي الميت، وقد رواها ابن الحذاء عن ابن ماهان: لأدنى، وهو تفسير لأولى، ويعني به الأقرب للميت (¬3) (¬4). وفي غير أبي داود: فلأولى عصبة (ذكر) [يريد أقرب العصبة للميت كالأخ مع العم والعم مع ابن العم، ولو كان أولى بمعنى أحق يبقى الكلام مبهما لا يستفاد منه بيان الحكم، أو كان لا يدرى من الأحق ممن ليس بأحق فعلم أن معناه قرب النسب] (¬5). واختلفوا في وصف الرجل بالذكورية هل به فائدة أو لا؟ فقال بعضهم: لا فائدة له غير التأكيد اللفظي؛ فإن العرب قد تعيد اللفظ الأول بحاله وقد تأتي في كلامها متبعة على جهة التأكيد نحو حسن بسَنٌ وكذا قالوا هنا: رجل ذكر وابن لبون ذكر. وقيل: أراد بقوله هنا: ذكر التحرز من الخناثى فلا تؤخذ الخنثى في ¬

_ (¬1) هكذا في الأصل، والظاهر أن في هذا الموضع سقط أو خلل؛ لأن ياء الأولى ليست تحتية كما هو واضح وإنما تمام الكلام أن يكون هكذا: أفعل تفضيل من الولي بسكون اللام ثم ياء تحت وهو ما يلي الميت. اهـ وهذا الكلام بنحوه في "فتح الباري" 12/ 11. (¬2) سقط من (ل) والمثبت من (ع). (¬3) جاء في الأصل هنا كلمة ذكر ولكنه ضرب عليها. (¬4) "إكمال المعلم" 5/ 169، "المفهم" 15/ 23. (¬5) هذِه زيادة كتبت على هامش النسخة (ع) وكتب بعدها: سيوطي. وراجع "شرح مسلم" للنووي 11/ 53.

فريضة الزكاة، ولا يحوز المال إذا انفرد وإنما له نصف الميراث. ووصف الرجل بالذكورية مشعر بأن الذي استحق به التعصيب كمال الذكورة التي بها كمال الأمور وقوامها ومقاومة الأعداء (¬1). ¬

_ (¬1) "المفهم" للقرطبي 15/ 24.

8 - باب في ميراث ذوي الأرحام

8 - باب في مِيراث ذَوي الأَرْحامِ 2891 - حدثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ بُدَيْلٍ، عَنْ عَليِّ بْنِ أَبي طَلْحَةَ، عَنْ راشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبي عامِرٍ الهَوْزَنِّي عَبْدِ اللهِ بْنِ لَحُي، عَنِ الِمقْدامِ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ تَرَكَ كَلاّ فَإِلَى" .. وَرُبَّما قالَ: "إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ" .. "وَمَنْ تَرَكَ مالاً فَلِوَرَثَتِهِ وَأَنا وارِثُ مَنْ لا وارِثَ لَهُ أَعْقِلُ لَهُ وَأَرِثُهُ والخالُ وارِثُ مَنْ لا وارِثَ لَهُ يَعْقِلُ عَنْهُ وَيَرِثُهُ" (¬1). 2900 - حدثنا سُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ - في آخَرِينَ - قالُوا: حدثنا حَمّادٌ، عَنْ بُدَيْلٍ - يَعْني ابن مَيْسَرَةَ - عَنْ عَليِّ بْنِ أَبي طَلْحَةَ، عَنْ راشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبي عامِرٍ الهَوْزَنِّي عَنِ الِمقْدام الكنْديِّ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ فَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيْعَةً فَإِلَي وَمَنْ تَرَكَ مالاً فَلِوَرَثَتِهِ وَأَنا مَوْلَى مَنْ لا مَوْلَى لَهُ أَرِثُ مالَهُ وَأَفُكُّ عانَهُ والخالُ مَوْلَى مَنْ لا مَوْلَى لَهُ يَرِثُ مالَهُ وَيَفُكُّ عانَهُ" .. قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ الزُّبَيْديُّ، عَنْ راشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ ابن عائِذٍ، عَنِ الِمقْدامِ وَرَواهُ مُعاوِيَةُ بْن صالِحٍ، عَنْ راشِدٍ قالَ: سَمِعْتُ الِمقْدامَ. قالَ أَبُو داوُدَ: يَقُولُ الضَّيْعَةُ مَعْناهُ عِيالٌ (¬2). 2901 - حدثنا عَبْدُ السَّلامِ بْن عَتِيقٍ الدِّمَشْقيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْن المُبارَكِ، حدثنا إِسْماعِيلُ بْن عَيّاشٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ حُجْرٍ، عَنْ صالِحِ بْنِ يَحْيَى بْنِ الِمقْدامِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "أَنا وارِثُ مَنْ لا وارِثَ لَهُ أَفُكُّ عانِيَهُ وَأَرِثُ مالَهُ والخالُ وارِثُ مَنْ لا وارِثَ لَهُ يَفُكُّ عانِيَهُ وَيَرِثُ مالَهُ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (2740)، وأحمد 4/ 131، 133. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2578). (¬2) رواه البيهقي 6/ 214. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2579). (¬3) رواه البيهقي 6/ 214. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2580).

2102 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا يَحْيَى، حدثنا شُعْبَةُ ح وَحَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حدثنا وَكِيعُ بْنُ الَجرّاحِ، عَنْ سُفْيانَ جَمِيعًا، عَنِ ابن الأصبَهانِّي عَنْ مُجاهِدِ بْنِ وَرْدانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ مَوْلَى لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ماتَ وَتَرَكَ شَيْئًا وَلَمْ يَدَعْ وَلَدًا وَلا حَمِيمًا فَقالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَعْطُوا مِيراثَهُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ قَرْيَتِهِ" .. قالَ أَبُو داوُدَ: وَحَدِيثُ سُفْيانَ أَتَمُّ وقالَ مُسَدَّدٌ: قالَ: فَقالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ها هُنا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ أَرْضِهِ؟ " .. قالُوا: نَعَمْ. قالَ: "فَأَعْطُوهُ مِيراثَهُ" (¬1). 2903 - حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ الكِنْديُّ، حدثنا المُحارِبيُّ، عَنْ جِبْرِيلَ بْنِ أَحْمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قال: أَتَى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ فَقالَ: إِنَّ عِنْدي مِيراثَ رَجُلٍ مِنَ الأَزْدِ وَلَسْتُ أَجِدُ أَزْدِيّا أَدْفَعُهُ إِلَيْهِ. قالَ: "اذْهَبْ فالتَمِسْ أَزْدِيّا حَوْلاً" .. قال: فَأَتاهُ بَعْدَ الحَوْلِ فَقال: يا رَسُولَ اللهِ لَمْ أَجِدْ أَزْدِيّا أَدْفَعُهُ إِلَيْهِ. قالَ: "فانْطَلِقْ فانْظُرْ أَوَّلَ خُزاعيٍّ تَلْقاهُ فادْفَعْهُ إِلَيْهِ" .. فَلَمّا وَلَّى قالَ: "عَلَيَّ الرَّجُلَ" .. فَلَمّا جاءَ قالَ: "انْظُرْ كُبْرَ خُزاعَةَ فادْفَعْهُ إِلَيْهِ" (¬2). 2904 - حدثنا الحُسَيْنُ بْنُ أَسْوَدَ العِجْليُّ، حدثنا يَحْيَى بْن آدَمَ، حدثنا شَرِيكٌ، عَنْ جِبْرِيلَ بْنِ أَحْمَرَ أَبي بَكْرٍ، عَنِ ابن بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قال: ماتَ رَجُلٌ مِنْ خُزاعَةَ فَأُتَي النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِمِيراثِهِ فَقالَ: "التَمِسُوا لَهُ وارِثًا أَوْ ذا رَحِمِ" .. فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ وارِثًا وَلا ذا رَحِم فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَعْطُوهُ الكُبْرَ مِنْ خُزاعَةَ" .. قالَ يَحْيَى: قَدْ سَمِعْتُهُ مَرَّةً يَقُولُ في هذا الحَدِيثِ: "انْظُرُوا أَكْبَرَ رَجُلٍ مِنْ خُزاعَةَ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2105)، وابن ماجه (2733)، وأحمد 6/ 137. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2581). (¬2) رواه أحمد 5/ 347، والبيهقي 6/ 343. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (501). (¬3) رواه أحمد 5/ 347، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 404، والبيهقي 6/ 243. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (502).

2905 - حدثنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حدثنا حَمّادٌ، أَخْبَرَنا عَمْرُو بْن دِينارٍ، عَنْ عَوْسَجَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ رَجُلاً ماتَ وَلَمْ يَدَعْ وارِثًا إِلاَّ غُلامًا لَهُ كانَ أَعْتَقَهُ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ لَهُ أَحَدٌ" .. قالُوا: لا إِلا غُلامًا لَهُ كانَ أَعْتَقَهُ. فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِيراثَهُ لَهُ (¬1). * * * باب في ميراث ذوي الأرحام [2899] (حدثنا حفص بن عمر) الحوضي (حدثنا شعبة، عن بديل) بضم الموحدة مصغر وهو ابن ميسرة العقيلي، أخرج له مسلم (عن علي بن أبي طلحة) مولى آل العباس، أخرج له مسلم (عن راشد بن سعد) الحمصي ثقة (¬2). (عن أبي عامر) عبد الله بن لحي (¬3) الهوزني (¬4) وهوزن من حمير (¬5)، وثقه أحمد العجلي وغيره، وقال: هو شامي يعد من كبار التابعين (¬6). (عن المقدام) بن معدي كرب الكندي - رضي الله عنه - (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من ترك كلاًّ) بفتح الكاف وتشديد اللام، ومعناه: الثقل ومن لا يقدر على شيء كاليتيم والعيال وكل من تتكلف بمؤنته، ومنه حديث خديجة: ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2106)، وابن ماجه (2741)، وأحمد 1/ 221. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (503). (¬2) "التقريب" (1498). (¬3) بلام ومهملة مصغرا. "التقريب" (3100). (¬4) بفتح الهاء وسكون الواو وفتح الزاي. "التقريب" (3100). (¬5) "الأنساب" 5/ 656. (¬6) "الثقات" للعجلي (957)، "تهذيب الكمال" 15/ 496.

وإنك لتحمل الكَلَّ (¬1). (فإليَّ) أي عليّ مؤنته وكلفة نفقته والقيام بأمره (¬2). ولفظ ابن ماجه: عن المقدام بن كريمة رجل من أهل الشام من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من ترك مالاً فلورثته، ومن ترك كلاًّ فإلينا" (¬3). (وربما قال: إلى الله) تعالى (وإلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - ومن ترك مالاً فلورثته) يرثونه بالفرض أو التعصيب (وأنا وارث من لا وارث له) أي: من لا وارث له بنكاح ولا قرابة ولا ولاء فأنا وارثه. والنبي - صلى الله عليه وسلم - لا يرث لنفسه، وإنما يصرفه في مصالح المسلمين وانتقاله إليهم على سبيل الإرث على المشهور، وفي قول على جهة المصلحة؛ إذ لا يخلو عن ابن عم وإن بعد. (أعقل له) أي: أغرم عنه ما لزمه من دية وجناية والعقل الدية، وأصله أن القاتل كان إذا قتل قتيلًا جمع الدية من الإبل يعقلها بفناء أولياء المقتول، أي: شدها في عقلها ليسلمها إليهم. (وأرثه) أي: كما تحمل عنه المسلمون الدية والجناية فكذا يرثونه بالعصوبة. (والخال) أخو الأم (وارث من لا وارث له) فيه حجة للقائلين بتوريث ذوي الأرحام إذا لم يكن ذو فرض ولا عصبة، وبه قال عمر (¬4) وعلي (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في عدة مواضع أولها: (3) ومسلم (160). (¬2) انظر: "فتح الباري" 9/ 516، "النهاية" 3/ 237. (¬3) (2738). (¬4) في إحدى الروايتين عنه، انظر: "الحاوي" للماوردي 8/ 73، "البيان" للعمراني 9/ 13. (¬5) "مصنف ابن أبي شيبة" 11/ 272 (31806، 31807)، وعبد الرزاق (16196).

وأبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل (¬1) وأبو الدرداء (¬2) والحنفية والحنابلة (¬3). والشافعية (¬4). وكان زيد لا يورثهم ويجعل الباقي لبيت المال (¬5)، وبه قال مالك (¬6). وحملوا الحديث على أن المراد به أن من ليس له وارث إلا خاله فلا وارث، كما يقال: الجوع زاد من لا زاد له، والماء طيب من لا طيب له، والصبر حيلة من لا حيلة له. أو أنه أراد بالخال السلطان فإنه يسمى خالًا. وأجابوا عن هذا بوجوه ثلاثة: أحدها: أنه قال بعده: (يعقل عنه ويرثه) أي: يحمل عنه الدية ويرثه كما يعقل عنه. والثاني: أن الصحابة فهموا ذلك فكتب عمر بهذا جوابًا لأبي عبيدة حين سأله عن ميراث الخال وهم أحق بالفهم والصواب من غيرهم. والثالث: أنه سماه وارثًا والأصل الحقيقة، وقولهم: إن هذا يستعمل للنفي كما تقدم. قلنا: ويستعمل للإثبات أيضًا، كقولهم: يا عماد من لا عماد له. يا ¬

_ (¬1) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 8/ 364. (¬2) "مصنف ابن أبي شيبة" (31808). (¬3) "شرح مسلم" للنووي 7/ 152. (¬4) راجع "الأم" 4/ 80، "البيان" للعمراني 9/ 13، 14، "روضة الطالبين" 6/ 7. (¬5) "مصنف عبد الرزاق" 9/ 220 (16209). (¬6) "الاستذكار" لابن عبد البر 5/ 359، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 8/ 59، "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 8/ 363.

سند من لا سند له، يا ذخر من لا ذخر له (¬1). [2900] (حدثنا سليمان بن حرب) بن بجيل الأزدي (¬2) (في) جماعة (آخرين قالوا: حدثنا حماد) بن زيد (عن بديل بن ميسرة) تقدم قبله وما بعده (عن علي بن أبي طلحة، عن راشد بن سعد، عن أبي عامر) عبد الله بن لُحَيٍّ (الهوزني) بفتح الهاء والزاي نسبة إلى هوزن بن عوف بن عبد شمس، بطن من ذي الكلاع من حمير جمهورهم بالشام (¬3) (عن المقدام) بن معدي كرب (الكندي - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنا أولى بكل مؤمن) في إمضاء الأحكام وإقامة الحدود، وقيل: أولى بهم في الحمل على الجهاد وبذل النفس دونه (من نفسه) لأن أنفسهم تدعوهم إلى ما فيه هلاكهم، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يدعوهم إلى ما فيه نجاتهم، وقيل: لأنه يدعوهم إلى الفضل وأنفسهم تدعوهم إلى الهوى (فمن) مات و (ترك) عليه (دينًا أو ضيعة) وفي رواية (¬4): "أو ضياعًا" وسيأتي معناه (فإليَّ) [فيه حذف تقديره: فليأت (¬5) إلي أدفع عنه؛ فأنا مولاه (ومن ترك مالا فلورثته)] (¬6) فيه حذف تقديره: فليدفع لورثته (وأنا مولى) أي ولي (من لا مولى له) أي من لا ولي له ولا وارث له بالأسباب الثلاثة ¬

_ (¬1) "الشرح الكبير" لابن قدامة 15/ 84، "المغني" 7/ 83، وانظر: "الاستذكار" لابن عبد البر 5/ 364 وما بعدها، "الحاوي" للماوردي 8/ 74 و 8/ 174. (¬2) "تهذيب التهذيب" 4/ 157. (¬3) "الأنساب" 5/ 656. (¬4) البخاري (2399). (¬5) في النسخ: فليأتوا. والجادة ما أُثبت. (¬6) سقط من (ر)، والمثبت من (ل)، (ع).

(أرث ماله) لأ صرفه في مصالح المسلمين كما تقدم (وأفك عانه) بفتح النون يريد عانيه فحذفت الياء، والعاني الأسير (¬1)، وفي رواية لغير أبي داود (¬2): "يفك عنيته" بضم العين وكسر النون وتشديد الياء، وكل من ذل واستكان وخضع فهو عانٍ، يقال: عنا يعنو فهو عانٍ، ومعنى الأسر الذي يفك في هذا الحديث ما يلزمه ويتعلق به بسبب الجنايات التي سبيلها أن تحملها العاقلة (¬3)، هذا عند من يورث الخال عملًا بهذا الحديث، ومن لا يورث معناه أنه طعمة أطعمها الخال أن يكون وارثًا (والخال مولى من لا (¬4) مولى له) من بعده (يرث ماله ويفك عانه) أي: عانيه، كما تقدم. (قال المصنف: رواه) محمد بن الوليد بن عامر (الزبيدي) بضم الزاي مصغر (¬5)، القاضي الحمصي (عن راشد) بن سعد [شهد صفين وآخر أصحابه حريز - رضي الله عنه - (¬6) (عَنِ) عبد الرحمن (بْنِ عَائِذٍ) الأزدي، وثقه النسائي وغيره (¬7) (عَنِ المِقْدَامِ) بن معدي كرب. ¬

_ (¬1) "شرح السنة" للبغوي 8/ 358. (¬2) أخرجه أبو عوانة 3/ 446 (5636)، والبيهقي في "السنن الكبرى" 6/ 214. (¬3) في (ر) القافلة. (¬4) في (ر) لي. (¬5) "الأنساب" 3/ 135 وهذِه النسبة إلى زبيد وهي قبيلة قديمة من مذحج أصلهم من اليمن نزلوا الكوفة، وأما الزبيدي بفتح الزاي وكسر الباء فهي إلى زبيد بلدة من بلاد اليمن. راجع "الأنساب" 3/ 135. (¬6) "الكاشف" (1498). (¬7) "تهذيب الكمال" 17/ 198، "الكاشف" (3232).

(وَرَوَاهُ) أيضا (مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ) بن حدير الحمصي قاضي الأندلس (عَنْ رَاشِدٍ) بن سعد (قال: سمعت المقدام) بن معدي كرب] (¬1). (قال المصنف: الضيعة معناه عيال) سموا بذلك؛ لأنهم يضيعون إذا لم يجدوا من يقوم بأمرهم، وأصله مصدر ضاع يضيع ضيعة وضياعًا فسمي العيال بالمصدر، كما تقول لمن مات: ترك فقرًا. أي: فقراء جمع فقير (¬2). [2901] (حدثنا عبد السلام بن عتيق الدمشقي) بفتح الميم (¬3) صدوق (حدثنا محمد بن المبارك) بن يعلى القرشي الصوري (حدثنا إسماعيل بن عياش) بالمثناة تحت والشين المعجمة العبسي عالم الشاميين في وقته. قال يزيد بن هارون: ما رأيت أحفظ منه (¬4). وقال دحيم: هو في الشاميين غاية (¬5). وقال البخاري: إذا حدث عن أهل حمص فصحيح (¬6) (عن يزيد بن حجر) الشامي الحمصي (عن صالح بن يحيى ابن المقدام) ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬7) (عن أبيه) يحيى ¬

_ (¬1) سقط من (ر) والمثبت من (ع) و (ل). (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" 2/ 62. (¬3) هكذا في الأصول وليس لضبط الميم هنا وجه، والظاهر: أنها بفتح العين. انظر: "الإكمال" 6/ 112، "تاريخ دمشق" 36/ 215. (¬4) "تهذيب الكمال" 3/ 172. (¬5) "تهذيب الكمال" 3/ 176 وتمام كلامه: وخلط عن المدنيين. (¬6) "التاريخ الكبير" 1/ 369 (1169)، "الكاشف" للذهبي (400). وهذِه عبارة "الكاشف": وعبارة البخاري: ما روى عن الشاميين فهو أصح. (¬7) "الثقات" 6/ 459 (8578). وقال: وكان يخطئ.

ابن المقدام، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬1). (عن جده) المقدام بن معدي كرب - رضي الله عنه - (قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: أنا وارث [من لا وارث] له) تقدم (أفك عانيه) ومنه فك العاني يعني الأسير (وأرث ماله) للمسلمين إذا لم يكن له وارث (والخال وارث من لا وارث له يفك عانيه) بكسر النون ونصب الياء، أي: يطلق أسيره، ويجوز أن يريد به العتق، فإن (¬2) عتق النسمة أن ينفرد بعتقها وفك الرقبة أن يعين في عتقها وأصل الفك الفصل بين الشيئين وتخليص بعضها من بعض (ويرث ماله) إذا لم يكن له وارث، كما تقدم. [2902] (حدثنا مسدد، حدثنا يحيى) بن سعيد القطان (¬3) (حدثنا شعبة. ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا وكيع بن الجراح، عن سفيان) بن عيينة، قالوا (جميعًا: عن) عبد الرحمن (ابن) عبد الله الأنصاري (الإصبهاني) بكسر الهمزة (¬4) وفتح الباء الكوفي، كان يتجر إلى أصبهان فنسب إليها (عن مجاهد بن (¬5) وردان) (¬6) المدني، حسن الترمذي حديثه (¬7) (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة رضي الله عنها: أن ¬

_ (¬1) "الثقات" 5/ 524 (6045). (¬2) في (ر): فإذا. والمثبت من (ع) و (ل). (¬3) في (ر): سعيد بن القطان. (¬4) ويجوز فتحها. راجع "الأنساب" للسمعاني 1/ 175. (¬5) سقط من (ر)، والمثبت من (ل) و (ع). (¬6) في الأصل: (ع)، (ر): ودان، وسقطت من الأصل (ل)، والمثبت من "السنن" ومن مصادر الترجمة. انظر: "تهذيب الكمال" 27/ 238. (¬7) "سنن الترمذي" 4/ 422 (2105).

مولًى للنبي - صلى الله عليه وسلم - مات) وللترمذي (¬1) وابن ماجه (¬2): وقع من نخلة فمات (¬3) (وترك شيئًا) ولابن ماجه: ترك مالًا (ولم يدع ولدًا ولا حميمًا) بفتح الحاء المهملة قرابة الإنسان ومن يهمه أمره ويحرقه ويحزنه مأخوذ من الماء الحميم وهو الحار، ومنه توضأ بالحميم والحميم أيضًا الماء البارد وهو من الأضداد. وقال الهروي: حميم الرجل وحامَّته خاصته ومن يقرب منه نسبه (¬4). (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أعطوا ميراثه رجلاً من أهل قريته) (¬5) ذهب أكثر العلماء إلى أنه على خلاف ظاهره، وحملوه على رعي الذمام والصلة ونحو ذلك، والأصح أنه يصرف إلى بعض أهل (¬6) تلك القرية (¬7) أو أكثرهم صلاحًا ليصرفه في بعض مصالح المسلمين لا ليأخذه لنفسه، وهذا إذا كان في بلد لا يصرف فيه أموال بيت المال على وجهها، وكذا (¬8) يعمل في الباقي بعد ذوي الفروض إذا لم يكن عصبة كما أفتى به ابن الصلاح فيمن خلف أختًا لأب وأختًا لأم لا غير. ثم قال: وإن كان ذلك عند فساد بيت المال في حالة لا يتمكن أحد من ثقات ¬

_ (¬1) (2105). (¬2) (2733). (¬3) في (ر): لما مات. (¬4) "مشارق الأنوار" 1/ 201. (¬5) ورد بعدها في الأصل: نسخة: أرضه. (¬6) من (ع). (¬7) في (ل) و (ر): القدرية والمثبت من (ع). (¬8) زاد هنا في (ل) من حديث شعبة.

تلك القرية من صرفه إلى شيء من وجوه المصالح لتقع الفتوى بالرد وتوريث ذوي الأرحام وإن لم يكن هناك صفة تستحق بها في بيت المال جريًا على ما استقرت عليه فتوى أكابر المتأخرين من الأئمة الشافعية، وحكى الفتوى عن أكثر أصحابنا في مثل زماننا غير واحد من الأئمة، منهم أبو المعالي ووالده الشيخ أبو محمد الجويني وأبو حكيم [الخبري الفرضي] (¬1) وغيرهم. انتهى (¬2). وهذا الذي قال هو الواقع في زماننا لا يتمكن الثقة في صرفه إلى وجوه المصالح لكون بيت المال في بلادنا صار المتولي لقبضه حكام الظلمة ليستعينوا به غالبًا على المحرمات الفواحش فلا يجسر أحد أن يقبضه ويصرفه في المصالح خوفًا على نفسه وأهله، فنسأل الله حسن الحال. (قال المصنف: حديث سفيان أتم) من حديث شعبة (وقال مسدد: ) في روايته (قال: ) الراوي (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: هاهنا أحد من أهل أرضه؟ قالوا: نعم. قال: أعطوه ميراثه) يصرفه في مصالح المسلمين. وهذِه الرواية أعم من الرواية التي قبلها؛ فإن أهل الأرض هم من كان في البلد وفي معاملتها وضواحيها (¬3) وعربان فيافيها إذا كان ثقة، والله أعلم. ¬

_ (¬1) بياض في (ر). (¬2) "فتاوى ابن الصلاح" 2/ 404. وانظر: "نهاية المطلب" 9/ 201 و "الخلاصة" ص (389)، "البيان" للعمراني (9/ 13 و 14). (¬3) في (ر): صواحبها.

[2903] (حدثنا عبد الله بن سعيد) بن حصين (الكندي) الكوفي أبو [سعيد الأشج] (¬1) (حدثنا) عبد الرحمن بن محمد (المحاربي) بحاء مهملة وراء وباء موحدة مكسورتين، نسبة إلى محارب بن محمد من ولد محارب بن دثار (¬2). (عن جبريل) من أسماء الملائكة (بن أحمر) وثقه ابن معين وقال: هو كوفي (¬3) (عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه) بريدة ابن الحصيب (قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل فقال: إن عندي ميراث رجل من الأزد) بفتح الهمزة نسبة إلى أزد شنوءة، وهو أزد بن الغوث ابن نبت بن [بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ] (¬4) (ولست أجد) رجلًا (أزديًّا أدفعه إليه. قال: فاذهب فالتمس) رجلًا (أزديَّا حولاً) كاملًا متواليًا يسأل (¬5) أحدا من أهل أزدٍ (¬6) ليوصله إليه؛ لأن السنة لا تتأخر عنها القوافل ويمضي فيها الزمان الذي يُقصد فيه البلاد من الحر والبرد والاعتدال كمدة السؤال بتعريف اللقطة؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر زيد ابن خالد الجهني (¬7) (¬8) أن يعرفها سنة (¬9)؛ ليعرف صاحبها فيوصلها ¬

_ (¬1) في (ر): أبو معبد الأشج. والمثبت من (ل، ع) وانظر: "تهذيب الكمال" 15/ 27. (¬2) انظر: "الأنساب" 5/ 207. (¬3) "تهذيب الكمال" 4/ 496. (¬4) في الأصول [ملكان بن سبأ] والمثبت من "الإكمال" 1/ 51 وانظر: "اللباب في تهذيب الأنساب" 1/ 46 و "الأنساب" 1/ 120. (¬5) في (ر): يسأله. (¬6) في (ر): الأزد. (¬7) في النسخ: الجهيني. والمثبت هو الصواب. (¬8) سقط من (ر). (¬9) "صحيح البخاري" (91).

إليه، وهذا محمول على من لم يجد له وارثًا ولا أحدًا من ذوي رحمه، بدليل رواية أحمد في "مسنده" (¬1) الآتية بعد هذا من طريق شريك عن جبريل، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: توفي رجل من الأزد فلم يدع وارثًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "التمسوا له ذا رحم". فلم يوجد، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ادفعوه إلى أكبر خزاعة". (قال: فأتاه بعد الحول فقال: يا رسول الله لم أجد أزديًّا أدفعه إليه) في مدة الحول (قال: فانطلق فانظر أول خزاعي) حي، سموا بذلك لأن الأزد لما أخرجوا (¬2) في البلاد تخلفت خزاعة فلذلك سموا (تلقاه) فيه فضيلة من عنده صدقة أو زكاة أن يدفعها لأول مستحق يلقاه؛ لأن ذلك أبعد عن التهمة وأسلم في غوائل الشيطان ودسائسه في تحسينه دفعها لمن يمدحه أو يثني عليه أو يرجو نفعه في قضاء حاجة ونحوها (فادفعه إليه. فلما ولى) أوحي (¬3) إليه بها (فقال: عَلَيَّ الرَّجُلَ) بالنصب على حذف حرف الجر، أي: علي بالرجل، فدعي له (فلما جاء) الرجل (قال: انظر كبر) بضم الكاف وسكون الموحدة جمع أكبر مثل حمر جمع أحمر، أي: انظر أكبر أهل (خزاعة فأودعه (¬4) إليه) ليصرفه في ¬

_ (¬1) 38/ 30 (22944). (¬2) هنا في (ع، ل) بياض وليس موجودا في (ر). ولعل مكانه كلمة: من اليمن. وفي "عمدة القاري" 3/ 308: من مكة. وهو وهم أو سبق قلم؛ لأنهم لم يخرجوا من مكة وإنما خرجوا من اليمن إلى مكة أيام سيل العرم. وبهذا قال العيني في "العمدة" 24/ 61 وانظر: "وفيات الأعيان" 4/ 107، "اللباب في تهذيب الأنساب" 1/ 439. (¬3) سقط من (ر). (¬4) كذا في النسخ، وفي المطبوع من "السنن": فادفعه.

مصالح المسلمين. وفيه فضيلة كبر السن في الإسلام وتقدمه على غيره في تفرقة الميراث والصدقات والوصايا ونحو ذلك من كونه أولى جماعته بالكلام بين يدي الأمراء والحكام؛ لأن السن أحق بالتوقير والتقديم؛ ولذلك قال - عليه السلام - لعبد الرحمن بن سهل لما تكلم في أخيه: "كبر كبر" (¬1). أي: دع الأكبر منك يتكلم؛ فإنه أولى منك. [2904] (حدثنا الحسين بن أسود العجلي) بكسر العين، نسبة إلى عجل بن لجيم (¬2) بن نزار (¬3)، والحسين كوفي. قال أبو حاتم (¬4): صدوق (حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا شريك، عن جبريل بن أحمر) يكنى بـ (أبي بكر) الكوفي (عن) عبد الله (ابن بريدة، عن أبيه) بريدة ابن الحصيب (قال: مات رجل من خزاعة فأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بميراثه) ولم يدع وارثًا، كما تقدم في رواية أحمد. (فقال: التمسوا له وارثًا أو ذا رحم) لفظ أحمد (¬5): "التمسوا له وارثًا، التمسوا له ذا رحم". (فلم يجدوا له وارثًا ولا ذا رحم) فيه حجة لمن ذهب إلى توريث ذي الرحم وهو شامل لكل قرابة من الذكور والإناث. قال الرافعي: إن شئت قلت: ذوو الأرحام هم كل قريب ليس بذي ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (3173)، "صحيح مسلم" (1669). (¬2) في (ر): نجيم. والمثبت من (ل) و (ع). (¬3) في (ع) زياد، وهو خطأ والمثبت من (ل) و (ر) ومن "الأنساب" للسمعاني 4/ 160. (¬4) "الجرح والتعديل" 3/ 56، و "الأنساب" 4/ 160. (¬5) 38/ 30 (22944).

فرض ولا عصبة، وهم عشرة أصناف: [أب الأم] (¬1)، وكل جد وجدة ساقطين، وأولاد البنات، وبنات الإخوة، وأولاد الأخوات، والعم للأب، وبنات العمات. (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أعطوه الكبر) بضم الكاف كما تقدم (من) رجال (خزاعة) فيه التوريث لمن كان من القبيلة إذا عدم المستحق بالفرض والتعصيب والرحم عند عدم انتظام بيت المال وفساده، كما تقدم. (قال يحيى) بن آدم بن سليمان الأموي الكوفي (قد سمعته مرة يقول في هذا الحديث: انظروا أكبر رجل من خزاعة) وهو بيان (¬2) للرواية المتقدمة. وفيه دليل على رواية الحديث بالمعنى المعارف (¬3) بمعاني الألفاظ. [2905] (حدثنا موسى بن إسماعيل) الأزدي (حدثنا حماد) بن سلمة (أنا عمرو بن دينار، عن عوسجة) قال البخاري: عوسجة مولى ابن عباس الهاشمي (¬4). قال أبو زرعة الرازي: مكي ثقة (¬5). قال النسائي: لا نعلم أحدًا روى عنه غير عمرو (¬6) (عن ابن عباس) ¬

_ (¬1) في (ر) "الأم" وهو خطأ لأن "الأم" صاحبة فرض وفي (ع) [أبو الأب]، وهو خطأ؛ لأن أبا الأب من العصبات، والمثبت من (ل). وانظر: "كفاية الأخيار" ص (331)، "عمدة القاري" 34/ 136، 5/ 218. (¬2) في (ر) بنات والمثبت من (ع) و (ل). (¬3) هكذا في الأصول ولعلها: للعارف. انظر: "التقريب" (15)، "توجيه النظر إلى أصول الأثر" 5/ 671. (¬4) "التاريخ الكبير" 7/ 76، وتمام كلامه: روى عنه عمرو بن دينار ولم يصح. (¬5) "الجرح والتعديل" 7/ 24. (¬6) "السنن الكبرى" للنسائي 4/ 88، وانظر: "تهذيب الكمال" 22/ 434.

رضي الله عنهما (أن رجلًا مات) زاد الترمذي: على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ولم يدع) له (وارثًا إلا غلامًا له) وللترمذي وابن ماجه (¬1): إلا عبدًا هو (كان أعتقه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل له أحد؟ فقالوا: لا، إلا غلامًا له كان أعتقه فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميراثه له) فيه حجة لما اجتمعوا عليه (¬2) أن الرقيق إذا مات يرث معتقه جميع ماله إذا اتفق ديناهما ولم يخلف وارثًا سواه؛ لما روى البيهقي (¬3) وعبد الرزاق (¬4) واللفظ له: أن رجلًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني اشتريته وأعتقته فما أمر ميراثه؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن ترك عصبة فالعصبة أحق، وإلا فالولاء لك". وروى سعيد بن منصور (¬5): إن لم يكن له عصبة [فهو لك] (¬6). وكذا حكم الفاضل بعد مستحقي إرثه للمعتق. ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (2106)، "سنن ابن ماجه" (2741). (¬2) انظر: "المغني" لابن قدامة 7/ 63. (¬3) 6/ 240. (¬4) "المصنف" 9/ 22، (16214). (¬5) "سنن سعيد ابن منصور" (281) وانظر: "التلخيص الحبير" 4/ 58. (¬6) في (ر): فالعصبة.

9 - باب ميراث ابن الملاعنة

9 - باب مِيراثِ ابن المُلاعِنَةِ 2906 - حدثنا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى الرّازيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَني عُمَرُ ابْنُ رُؤْبَةَ التَّغْلِبيُّ، عَنْ عَبْدِ الواحِدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ النَّصْريِّ، عَنْ واثِلَةَ بْنِ الأسقَعِ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "المَرْأَةُ تُحْرِزُ ثَلاثَةَ مَوارِيثَ عَتِيقَها وَلَقِيطَها وَوَلَدَها الذي لاعَنَتْ عَنْهُ" (¬1). 2907 - حدثنا مَحْمُودُ بْنُ خالِدٍ وَمُوسَى بْنُ عامِرٍ قالا: حدثنا الوَلِيدُ، أَخْبَرَنا ابن جابِرٍ، حدثنا مَكْحُولٌ قال: جَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِيراثَ ابن المُلاعِنَةِ لأُمِّهِ وَلوَرَثَتِها مِنْ بَعْدِها (¬2). 2908 - حدثنا مُوسَى بْنُ عامِرٍ، حدثنا الوَلِيدُ، أَخْبَرَني عِيسَى أَبُو محَمَّدٍ، عَنِ العَلاءِ بْنِ الحارِثِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَهُ (¬3). * * * باب ميراث [ابن] الملاعنة [2906] (حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي) الحافظ (حدثنا محمد ابن حرب، حدثني [عمر بن رؤبة]) (¬4) بضم الراء المهملة وسكون الهمزة بعدها (التغلبي) بفتح المثناة فوق وسكون العين المعجمة وكسر ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2115)، وابن ماجه (2742)، وأحمد 3/ 490. قال الخطابي في "معالم السنن" 4/ 91 - 92: هذا الحديث غير ثابت عند أهل النقل. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (504)، وفي "الإرواء" (1576). (¬2) رواه البيهقي 6/ 259. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2582). (¬3) رواه البيهقي 6/ 259. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2583). (¬4) في (ر)، (ع): عمرو. وانظر: "تهذيب الكمال" 21/ 343.

اللام والباء الموحدة، كذا ضبطه السمعاني (¬1) وقال: نسبة إلى تغلب قبيلة كبيرة وهي تغلب بن وائل، قال ابن الأثير: الصحيح فتح اللام وإن كانت تغلب بكسر اللام، يعني كما نسبوا إلى نمرة استيحاشا لتوالي الكسرتين مع ياء النسب (¬2). وسئل أبو حاتم عن عمرو (¬3) بن رؤبة؛ فقال: صالح الحديث (¬4) (عن عبد الواحد بن عبد الله) بن بشر (النصري) بفتح النون وسكون المهملة نسبه إلى نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن قبيلة، وعبد الواحد ولي حمص ثم المدينة (¬5). ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬6). (عن واثلة بن الأسقع، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: المرأة تحرز) كذا لابن ماجه (¬7) بضم التاء وكسر الراء، يقال, أحرزت الشيء إذا جعلته في حرزي، وفي بعض النسخ (¬8): تحوز. بالواو بدل الراء وهو الأكثر، وكذا للترمذي (¬9): [تحوز (ثلاثة] (¬10) مواريث) تحوز ميراث ¬

_ (¬1) "الأنساب" 1/ 489. (¬2) قال الصاحب ابن عباد في "المحيط في اللغة" غلب: والنسبةُ إلى تَغْلِبَ: بالكَسْر والفَتْح. وانظر "تاج العروس" 3/ 492، "حاشية الخضري على ابن عقيل" 2/ 115، "درة الغواص في أوهام الخواص" 1/ 112، "الصحاح" 1/ 215. (¬3) هكذا في الأصول. والذي في "الجرح والتعديل" والتهذيب: عمر. (¬4) "الجرح والتعديل" 6/ 108، "تهذيب الكمال" 21/ 344، وتمام كلام عبد الرحمن عن أبيه: قلت: تقوم به الحجة قال لا ولكن صالح. (¬5) "الأنساب" 5/ 494. (¬6) 5/ 127 برقم (4183). (¬7) (2742) بلفظ: تحوز. (¬8) يعني نسخ أبي داود، انظر: حاشية عوامة على "السنن" تحت حديث رقم (2898). (¬9) (2115). (¬10) في (ر): تجوزنا له ثلاث.

(عتيقها) (¬1) أي: تأخذ ميراث من أعتقته إذا لم يكن له عصبة، فإن كان له عصبة قدم عليها وإن كان صاحب فرض أخذ فرضه، والباقي (¬2) لها. لما روى سعيد (¬3)، عن عبيد الله بن شداد قال: كان لبنت حمزة مولى أعتقته فمات وترك ابنته ومولاته فأعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - ابنته النصف، وأعطى مولاته بنت حمزة النصف. (و) تأخذ ميراث (لقيطها) أخذ بهذا الحديث إسحاق بن راهويه فذهب إلى (¬4) أن ولاء اللقيط للملتقط. وقال عامة الفقهاء: اللقيط حر، وإذا كان حرًّا فلا ولاء عليه [لأحد وليس بين اللقيط وملتقطه شيء يستحق به ميراثه، وقال بعضهم: إن كان حرا فلا ولاء عليه] (¬5) وإن كان ابن أمة قوم فليس لملتقطه أن يسترقه (¬6). (و) تأخذ ميراث (ولدها الذي لاعنت به) وللترمذي وابن ماجه: الذي لاعنت عليه (¬7). لا خلاف بين أهل العلم أن الرجل إذا لاعن امرأته وبقي ولدها وفرق الحاكم بينهما انتفى ولدها عنه، وانقطع تعصيبه من جهة الملاعن فلم يرثه ولا أحد من عصبته وترث أمه وذوو الفروض فروضهم منه، فإذا خلف الولد الميت أمًّا وخالًا فلأمه الثلث، وما بقي للخال عند ¬

_ (¬1) في (ر): عتيقهما. والمثبت من (ع). (¬2) في (ر): والثاني. والمثبت من (ل) و (ع). (¬3) هو ابن منصور. والحديث في "السنن" (173، 174). (¬4) سقط من (ر). (¬5) من (ل)، (ع). (¬6) "معالم السنن" 8/ 213، "المغني" 6/ 411، "شرح السنة" 8/ 362. (¬7) "سنن الترمذي" (2115)، "سنن ابن ماجه" (2742).

القائلين بتوريث ذوي الرحم، وإنما الخلاف فيما إذا مات أحدهم قبل تمام اللعان (¬1). [2907] (حدثنا محمود بن خالد) بن يزيد السلمي الدمشقي، قال أبو حاتم: كان ثقة رضى (¬2) (وموسى بن عامر) بن عمارة الدمشقي، ذكره ابن حبان في الثقات (¬3). ذكر له المصنف هذا الحديث فقط أو حديثا آخر معه. (قالا: حدثنا الوليد) بن مسلم (أنبأنا) عبد الرحمن بن يزيد (ابن جابر) الأزدي (حدثنا مكحول) الشامي. (قال: جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميراث ابن الملاعنة لأمه) أجمع العلماء على وقوع التوارث بينه وبين أمه ويرثها وترث منه، لكن مذهب الشافعي: ترث منه ما فرض الله للأم وهو الثلث إن لم تحجب، والسدس إن حجبت، وبه قال مالك (¬4). وقال أحمد: إن انفردت الأم أخذت جميع ماله بالعصوبة، ولفظ الحديث يدل عليه (¬5). وقال أبو حنيفة: إن انفردت أخذت الجميع، لكن الثلث بالفرض ¬

_ (¬1) انظر: "التمهيد" لابن عبد البر 15/ 47، "شرح السنة" 8/ 363، "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 7/ 478. (¬2) "الجرح والتعديل" 8/ 292 (1342). (¬3) "الثقات" 9/ 162 وقال: يغرب. (¬4) "الحاوي" 8/ 160. (¬5) "المغني" لابن قدامة 7/ 122

والباقي بالرد على قاعدة مذهبه في إثبات الرد (و) بعد موتها (¬1) (لورثتها من بعدها) أي: ولعصبتها كما في إرث النسب. [2908] (حدثنا موسى بن عامر) بن عمارة الخريمي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2). (حدثنا الوليد) بن مسلم قال (أخبرني عيسى) بن موسى القرشي الدمشقي (أبو محمد) وثقه دحيم (¬3). (عن العلاء بن الحارث، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله) كما تقدم. ¬

_ (¬1) "الحجة على أهل المدينة" 4/ 230. (¬2) 9/ 162. (¬3) "الكاشف" 2/ 272.

10 - باب هل يرث المسلم الكافر

10 - باب هَلْ يَرِثُ المُسْلِمُ الكافِرَ 2909 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ عَليِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمانَ، عَنْ أُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لا يَرِثُ المُسْلِمُ الكافِرَ وَلا الكافِرُ المُسْلِمَ" (¬1). 2910 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حدثنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ عَليِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمانَ، عَنْ أُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ قال: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ أَيْنَ تَنْزِل غَدًا؟ في حَجَّتِهِ. قالَ: "وَهَلْ تَرَكَ لَنا عَقِيلٌ مَنْزِلاً" .. ثُمَّ قالَ: "نَحْنُ نازِلُونَ بِخَيْفِ بَني كنانَةَ حَيْثُ تَقاسَمَتْ قُرَيْشٌ عَلَى الكُفْرِ" .. يَعْني المحُصَّبَ وَذاكَ أَنَّ بَني كِنانَةَ حالَفَتْ قُرَيْشًا عَلَى بَني هاشِمٍ أَنْ لا يُناكِحُوهُمْ وَلا يُبايِعُوهُمْ وَلا يُئْوُوهُمْ. قالَ الزُّهْريُّ: والَخيْفُ: الوادي (¬2). 2911 - حدثنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حدثنا حَمّادٌ، عَنْ حَبِيبٍ المُعَلِّمِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قال: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَتَوارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى" (¬3). 2112 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا عَبْدُ الوارِثِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبي حَكِيمٍ الواسِطيِّ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ أَنَّ أَخَويْنِ اخْتَصَما إِلَى يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ يَهُوديٌّ وَمُسْلِمٌ فَوَرَّثَ المُسْلِمَ مِنْهُما وقالَ: حَدَّثَني أَبُو الأَسْوَدِ أَنَّ رَجُلاً حَدَّثَهُ أَنَّ مُعاذَا حَدَّثَهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الإِسْلامُ يَزِيدُ وَلا يَنْقُصُ" .. فَوَرَّثَ المُسْلِمَ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4283، 6764)، ومسلم (1614). (¬2) راجع السابق. (¬3) رواه ابن ماجه (2731)، وأحمد 2/ 178، 195. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2586). (¬4) رواه الطيالسي 1/ 462 (569)، وأحمد 5/ 230، 236، وابن أبي عاصم في "السنة" (954)، والبيهقي 6/ 254، 255.

2113 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا يَحْيَى بْن سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبي حَكِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ أَبي الأَسوَدِ الدِّيليِّ، أَنَّ مُعاذًا أُتَي بِمِيراثِ يَهُوديٍّ وارِثُهُ مُسْلِمٌ بِمَعْناهُ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). * * * باب هل يرث المسلم الكافر [2909] (حدثنا مسدد، حدثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري، عن علي بن حسين) بن علي بن أبي طالب (عن عمرو بن عثمان) بن عفان القرشي الأموي (عن أسامة بن زيد) بن حارثة رضي الله عنهما (عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يرث المسلم الكافر) اتفق المسلمون على معناه أنه لا يرثه ميراث أهل الإسلام بعضهم من بعض (¬2)، أما لو مات عبد المسلم الكافر لكان ماله لسيده المسلم لا بالميراث، بل لأنه ماله؛ لأن مال عبده ماله (¬3). قال الفاكهي: وكذا لو أعتقه ثم مات على كفره لم يرثه؛ لأن ميراثه لجماعة المسلمين (¬4). قال: ولا خلاف في هذا إلا ما أجازه بعض السلف من ميراث المسلم الكافر بخلاف العكس، وكأن هذا الحديث لم يبلغهم. ¬

_ =وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (505). (¬1) راجع السابق، وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (506). (¬2) "التمهيد" لابن عبد البر 2/ 59 و 9/ 164، "المفهم" 15/ 25. (¬3) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 8/ 381. (¬4) راجع "مصنف ابن أبي شيبة" 11/ 375 باب فِي الرّجلِ يعتِق العبد ثمّ يموت، من يرِثه؟ .

وممن قال بتوارث المسلم من الكافر: معاذ (¬1) ومعاوية (¬2) وابن المسيب ومسروق وغيرهم (¬3)، وروي عن أبي الدرداء والشعبي والزهري نحوه (¬4). قال الإمام: الصحيح عن هؤلاء خلافه وحجة (¬5) هؤلاء أن أخوين اختصما إلى يحيى بن يعمر، مسلمًا ويهوديًّا في ميراث أخ لهما يهودي فورث المسلم، وقال معاذ بن جبل: قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الإسلام يزيد ولا ينقص" (¬6). وبقوله - عليه السلام -: "الإسلام يعلو ولا يعلى عليه" (¬7). وهذا لا حجة فيه؛ لأن المراد فضل الإسلام على غيره، ولم يصرح في هذا بإثبات التوريث، فلا يصح أن يرد النص الصريح. قال السهيلي: ومن جهة المعنى إن الكافر قطع ما بينه وبين الله تعالى فقطع ما بينه وبين أوليائه المؤمنين ويدخل في عموم قوله: "لا يرث المسلم الكافر": الكافر الأصلي والمرتد، وهو قول مالك. وقال الشافعي: ميراث المرتد لجماعة المسلمين (¬8). ¬

_ (¬1) "مصنف ابن أبي شيبة" (32101)، "السنن الكبرى" 6/ 264. (¬2) "مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 373 (32099)، "السنن الكبرى" 6/ 264. (¬3) انظر: "فتح الباري" 12/ 50. (¬4) "شرح مسلم" للنووي 11/ 52، "المفهم" 15/ 25 .. (¬5) في (ر) رجحه. (¬6) أخرجه أبو داود في هذا الباب باب لا يرث المسلم الكافر. (¬7) "شرح معاني الآثار" 3/ 257. (¬8) "مختصر المزني" ص (140).

(ولا الكافر المسلم) هذا بلا خلاف، بخلاف عكسه كما تقدم (¬1). [2910] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، عن علي بن حسين) بن علي بن أبي طالب (عن عمرو بن عثمان، عن أسامة بن زيد قال: قلت: يا رسول الله، أين تنزل) بفتح تاء الخطاب قبل النون (غدًا؟ ) في دارك بمكة. كذا في الصحيحين (¬2) والظاهر أن هذا الكلام قاله أسامة قبل أن يدخل مكة بيوم؛ فلهذا قال: أين تنزل غدًا؟ ، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - نزل أولًا بمر الظهران حتى أصبح، فدخل منه (¬3) (في حجته) وورد في الصحيح: أين تنزل غدًا؟ وذلك زمن الفتح (¬4)، وقد يجمع بينهما بأن السؤال والجواب وقع مرتين في الفتح وفي حجة الوداع (¬5). (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (وهل ترك لنا عقيل) بن أبي طالب (منزلاً؟ ) وهذا الاستفهام في معنى الإنكار، أي: ما ترك عقيل لنا منزلًا؛ لأنه لما ورثها باعها، فلذلك قال: هل ترك لنا عقيل منزلا بسبب ميراثه أنه كان كافرًا فورث أبا طالب ولم يرثه علي ولا جعفر لكونهما مسلمين والمسلم لا يرث الكافر كما بوب عليه المصنف، وإنما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك؛ لأن أبا طالب لما مات لم يرثه علي ولا جعفر، وورثه (¬6) عقيل ¬

_ (¬1) انظر: "شرح مسلم" للنووي 11/ 52، "شرح صحيح البخاري" لابن يطال 8/ 378، "المفهم" 25/ 26، "عمدة القاري" 34/ 164. (¬2) البخاري (1588)، ومسلم (1351). (¬3) في (ر): مكة. (¬4) البخاري (4282)، ومسلم (1351). (¬5) "فتح الباري" 3/ 452. (¬6) في (ر): وذكر.

وطالب؛ لأن عليًّا وجعفر كانا مسلمين حينئذٍ فلم يرثا أبا طالب كما جاء مصرحًا به في رواية البخاري (¬1)، وإنما اقتصر على ذكر عقيل؛ لأن طالبًا لم يكن ذلك الوقت موجودًا. قال السهيلي: ذكروا أنه اختطفته الجن فذهب، قال: ولم يذكر أنه أسلم (¬2). انتهى. وأما عقيل فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - مسلمًا قبل الحديبية وشهد غزوة مؤتة (¬3). واعلم أن إضافته - صلى الله عليه وسلم - الدار إليه بقوله: لنا. إضافة سكنى؛ لأنه كان يسكنها مع عمه أبي طالب، وقيل: إضافة ملك؛ لأنه كان له فيها جزء، وقيل أنه - عليه السلام - إنما لم ينزل فيها؛ لأنه لما هاجر تركها لله تعالى فكره أن يرجع فيما تركه لله، وقيل غير ذلك (ثم قال: نحن نازلون بخيف) هو الوادي كما سيأتي بخيف (بني كنانة) بكسر الكاف وتخفيف النون، وخيفهم هو الذي بمنى، وفيه المسجد المعروف بمسجد الخيف إلى الآن (حيث قاسمت) أي: تقاسمت كما في الصحيحين (¬4): تقاسموا. أي: تحالفت (قريش) فيما بينهم. ويحتمل أن يكون التقدير: حين (¬5) قاسمت قريش كنانة (على الكفر) أي على ما فيه الكفر؛ فإنهم تحالفوا فيما بينهم أن لا يكلموا بني هاشم حتى يسلموا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهم (¬6) (يعني: ) بالخيف (المحصب) قال ¬

_ (¬1) (4282). (¬2) "الروض الأنف" (1/ 132 و 426). (¬3) "أسد الغابة" 4/ 70. (¬4) البخاري (4284)، ومسلم (1314). (¬5) من هنا بدأ سقط في (ر). (¬6) "صحيح مسلم" (1314).

النووي: معنى تقاسمهم على الكفر: تحالفهم على إخراج النبي - صلى الله عليه وسلم - وبني هاشم والمطلب من مكة إلى هذا الشعب وهو خيف بني كنانة، وكتبوا بينهم الصحيفة المشهورة (¬1). كما سيأتي. (وذلك أن) الذي تحالفوا عليه (بني كنانة حالفت قريشا) وقريش وكنانة قبيلتان والأصح أن قريشا هم أولاد النضر - بسكون الضاد المعجمة - بن كنانة. كنانة متناولة لقريش (على بني هاشم) زاد البخاري (¬2): وبني عبد المطلب. والمطلب هو أخو هاشم فهما ابنان لعبد مناف، والمقصود أنهم تحالفوا على بني عبد مناف. قال ابن الأثير: قريش تضافروا على بني هاشم والمطلب حتى حصروهم في الشعب بعد المبعث بست سنين، فمكثوا في ذلك الحصار ثلاث سنين (¬3). (أن لا يناكحوهم) أي لا يتزوجوا منهم أحدًا ولا يزوجوا بناتهم لأحدٍ منهم (ولا يبايعوهم، ولا يؤووهم) أي: ولا يضموا إليهم أحدًا منهم ولا يحوطوه بينهم، ومنه حديث: "لا يأوي الضالة إلا ضال" (¬4). فهو من أوى يأوي، يقال: أويت إلى المنزل وآويت غيري إليه (¬5). وفي الحديث: "الحمد لله الذي كفانا وآوانا" (¬6). أي ردنا إلى مأوى نجتمع فيه وننضم ¬

_ (¬1) "شرح مسلم" للنووي 9/ 61. (¬2) (1590). (¬3) "جامع الأصول" 12/ 91. (¬4) "سنن أبي داود" كتاب اللقطة (1722). (¬5) انظر: "جامع الأصول" 10/ 758، "شرح مسلم" للنووي 17/ 34. (¬6) "صحيح مسلم" (2715).

إليه ولم يجعلنا منتشرين كالبهائم (¬1). ولفظ البخاري (¬2): أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم النبي - صلى الله عليه وسلم -. وبوب عليه: باب نزول النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة (¬3) وذكره في الحج. وكان في هذِه الصحيفة التي كتبوها حين تحالفوا أنواعًا (¬4) من الباطل وقطيعة الرحم والكفر، فأرسل الله عليها الأرضة فأكلت ما فيها من الكفر وتركت ما فيها من ذكر الله، فأخبر جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبر به عمه أبا طالب، فأخبرهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بما قال فوجدوه كما قال، والقصة مشهورة (¬5). (قال الزهري) أحد الرواة (والخيف) هو (الوادي) وهو ما انحدر من غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء الذي في الوادي. [2911] (حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد) بن سلمة (عن حبيب المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده) الأعلى (عبد الله ابن عمرو) بن العاص، وارتفع بالتصريح بالأعلى الخلاف لاحتمال أن يكون روى عن جده الأسفل الحقيقي وهو محمد فيكون حديثه مرسلا؛ فإن محمدًا (¬6) تابعي فلما صرح بالأعلى اتصل السند (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يتوارث أهل ملتين شتى) أي: مفترقين، يقال: بينهم أمور ¬

_ (¬1) "مشارق الأنوار" 1/ 52، وانظر: "شرح مسلم" الموضع السابق. (¬2) (1590). (¬3) في الأصل: ذكره. والمثبت من "صحيح البخاري" 2/ 148. (¬4) في النسخ: أنواع. والمثبت أصح لغة. (¬5) "شرح مسلم" للنووي 9/ 61. (¬6) في النسخ: محمد. والمثبت أصح لغة.

شتى، أي: مختلفة، من شتت الأمر شتًّا وشتاتًا، أي: تفرق. وقد اختلف العلماء في ملل أهل الكفر. فقال الشافعي (¬1) وأبو حنيفة (¬2) وأحمد (¬3): الكفر كله ملة واحدة، والكفار يتوارثون؛ فالكافر يرث الكافر على أي كفر كان. وذهب مالك إلى أن أهل الكفر أصحاب ملل مختلفة فلا يرث عنده اليهودي من النصراني ولا بالعكس، وكذا المجوسي لا يرث هذين ولا يرثانه (¬4). ومنشأ هذا الخلاف قوله في هذا الحديث: "لا يتوارث أهل ملتين". فلما اعتقد مالك أن ملل الكفر مختلفة منع التوارث بين اليهودي والنصراني لقوله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (¬5) وحجة الشافعي قوله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} (¬6)، فوحد الملة وقال: "لا يتوارث أهل ملتين" هو كقوله: "لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم" (¬7). [2912] (حدثنا مسدد، حدثنا عبد الوارث، عن عمرو) بن أبي حكيم كردي (الواسطي) ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬8) (حدثنا عبد الله بن بريدة) ¬

_ (¬1) "الأم" 4/ 260، 7/ 192، "التمهيد" 9/ 170. (¬2) "اللباب في شرح الكتاب" ص (423). (¬3) في أحد الروايتين عنه، انظر: "مسائل أحمد" 8/ 4160، "المغني" 7/ 168. (¬4) "التمهيد" 9/ 170، وانظر: "شرح السنة" 8/ 364، "الحاوي" 8/ 79. (¬5) المائدة: 48. (¬6) البقرة: 120. (¬7) انظر: "بداية المجتهد" 2/ 354، "التمهيد" 9/ 169 و 170 و 171 و 172. (¬8) "الثقات" 7/ 87 (9763) "تهذيب الكمال" 21/ 590.

ابن الحصيب الأسلمي قاضي مرو وعالمها (أن أخوين اختصما إلى يحيى بن يعمر) المصري، قاضي مرو التابعي المشهور، أحدهما (يهودي و) الآخر (مسلم) ويجوز نصبهما على أن يكونا بدلين من أخوين (¬1)، وزاد بعضهم في رواية: في ميراث من اليهودي (¬2) أخ لهما يهودي، (فورث) بتشديد الراء المفتوحة (المسلم منهما) دون اليهودي (¬3)، (وقال: حدثني أبو الأسود) الدؤلي - رضي الله عنه - (أن رجلاً حدثه أن معاذًا قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن الإسلام يزيد ولا ينقص فورث المسلم) يريد فضل الإسلام وعزته وقوته يزيد أبدًا ولا ينقص فضله، وقد استدل به يحيى بن يعمر ومعاذ بن جبل ومعاوية (¬4) وابن المسيب ومسروق (¬5) وغيرهم على أن المسلمين يرثون الكفار دون العكس كما أننا ننكح نساءهم ولا ينكحون نساءنا. وروي عن أبي الدرداء والشعبي والزهري والنخعي (¬6). ¬

_ (¬1) وعلى حاشية طبعة عوامة كتب: يهودي ومسلم: فوق كل منهما في (ح) ضبة؛ يريد التنبيه على أن كلا منهما بدل من المنصوب فكان ينبغي أن تكتب: يهوديا ومسلما. "السنن" 3/ 415 عوامة. (¬2) في (ع) من اليهود. (¬3) توريث اليهودي من اليهودي لا خلاف فيه عند أهل العلم كما سبق في هذا الفصل وإنما يستدل بمثل هذا الحديث على توريث المسلم من اليهودي لا على منع اليهودي من الميراث وإنما نص على أنه ورث المسلم لأن الإشكال فيه، أما اليهودي فلا إشكال فيه ولا خلاف في توريثه من مثله. والله أعلم. (¬4) "مصنف ابن أبي شيبة" 11/ 374 (32101)، (32102). (¬5) "فتح الباري" 12/ 50. (¬6) "المفهم" 15/ 25، "الحاوي" 8/ 78، "المغني" لابن قدامة 7/ 166.

قال الإمام: والصحيح عن هؤلاء خلافه، وليس في هذا الحديث حجة لما ادعوه؛ فإنه لم يصرح في هذا الحديث بإثبات توريث المسلم من الكافر فلا يصح أن يرد نص حديث "لا يرث المسلم الكافر" بمثل هذا الاحتمال (¬1). وحديث معاذ هذا في سنده مجهول لا يعادل بحديث الصحيحين ولما تقدم عن السهيلي من جهة المعنى، ولأن الميراث اسمه المعاضدة والمناصرة، ولا مناصرة بين الكفار والمسلمين، بل هم أشد الأعداء لهم لاسيما اليهود الذين قال الله في حقهم: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ} (¬2). [2913] (حدثنا مسدد، حدثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن شعبة، عن عمرو بن أبي حكيم) الواسطي، وثقه ابن حبان كما تقدم (عن عبد الله بن بريدة) بن الحصيب (عن [يحيى بن يعمر، عن] (¬3) أبي الأسود) ظالم بن عمرو (الديلي) ويقال: الدؤلي البصري قاضيها (¬4) (أن معاذا أتي) بضم الهمزة وكسر التاء، يعني: جيء إليه (بميراث يهودي، وارثه) مبتدأ (مسلم) خبره، والمبتدأ وخبره جملة في موضع جر صفة ليهودي (بمعناه) المذكور (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) وفي سماع أبي الأسود من معاذ بن جبل نظر (¬5). ¬

_ (¬1) لم أقف عليه في "نهاية المطلب"، وراجع "الأم" 4/ 183، "الاستذكار" 5/ 368. (¬2) المائدة: 82. (¬3) ليست في النسخ، أثبتناها من مطبوع "السنن". (¬4) في (ر): قاضيهما. (¬5) انظر: "جامع التحصيل" ص 203 (316).

11 - باب فيمن أسلم على ميراث

11 - باب فِيمَنْ أسْلمَ عَلَى مِيراثٍ 2914 - حدثنا حَجّاجُ بْنُ أَبي يَعْقُوبَ، حدثنا مُوسَى بْن داوُدَ، حدثنا مُحَمَّد بْنُ مُسْلِم، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ، عَنْ أَبي الشَّعْثاءِ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قال: قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ قَسْمٍ قُسِمَ في الجاهِلِيَّةِ فَهُوَ عَلَى ما قُسِمَ لَهُ وَكُلُّ قَسْمٍ أَدْرَكَهُ الإِسْلامُ فَهُوَ عَلَى قَسْمِ الإِسْلامِ" (¬1). * * * باب فيمن أسلم على ميراث أي أسلم بعدما قسم الميراث. [2914] (حدثنا حجاج بن أبي يعقوب) يوسف الثقفي، شيخ مسلم (حدثنا موسى بن داود) الضبي الطرسوسي الخلقاني [كوفي، نزل بغداد ثم ولي طرسوس] (¬2)، أخرج له مسلم (¬3) (حدثنا محمد بن مسلمة) بن سوس الطائفي المكي، له في "صحيح مسلم" حديث واحد (¬4) (عن عمرو ابن دينار، عن أبي الشعثاء) جابر بن زيد (الأزدي البصري، عن ابن عباس، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كل (¬5) قسم) بفتح القاف مصدر كالقسمة (قسم) بين الوارث أو نسب لحق بشخص أو نكاح أو بَيعٍ بِيعَ ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (2485). قال ابن عبد الهادي في "تنقيح التحقيق" 4/ 264: إسناده جيد. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2587). (¬2) سقط من (ع) والمثبت من (ر) و (ل). (¬3) "تهذيب الكمال" 29/ 57. (¬4) "تهذيب الكمال" 26/ 412. وهذا الحديث برقم (374). (¬5) من هنا بدأ سقط في (ر).

(في) زمن (الجاهلية) يعني في الكفر قبل أن يأتي الله بالإسلام (فهو) مستمر ثابت (على ما قسم له) أو ألحق أو عقد أو بيع لا يغير ولا ينقض وإن كان قد أسلم مستحقوه أو أحدهم (وكل قسم) لم يقسم حتى (أدركه الإسلام) بإسلام مستحقي الميراث (فإنه) يجرى ويحكم به (على قسم) أي: قسمة ميراث (الإسلام). والمراد بهذا الحديث أن فيه بيانا أن أحكام الأموال والإنسان والأنكحة والعقود التي كانت في الجاهلية ماضية على ما وقع الحكم بينهم [فيها أيام الجاهلية لا يرد منها شيء ولا ينقض حكمه في الإسلام وإن كان به فقد بعض شروطه، وإنما أخذت] (¬1) من هذِه الأحكام في الإسلام يستأنف فيه حكم الإسلام ويمضي على شروطه وأحكامه (¬2). ¬

_ (¬1) سقط من (ع). (¬2) "معالم السنن" للخطابي 3/ 222، "التمهيد" لابن عبد البر 2/ 49، و "المنتقى" 4/ 95.

12 - باب في الولاء

12 - باب في الوَلاءِ 2915 - حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قال: قُرِئَ عَلَى مالِكٍ وَأَنا حاضِرٌ: قالَ مالِكٌ: عَرَضَ عَلَيَّ نافِعٌ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ عائِشَةَ رضي الله عنها أُمَّ المُؤْمِنِينَ أَرادَتْ أَنْ تَشْتَريَ جارِيَةً تَعْتِقُها، فَقالَ أَهْلُها: نَبِيعُكِها عَلَى أَنَّ وَلاءَها لَنا. فَذَكَرَتْ عائِشَةُ ذاكَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ: "لا يَمْنَعُكِ ذَلِكَ فَإِنَّ الوَلاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ" (¬1). 2116 - حدثنا عُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ، حدثنا وَكِيعُ بْنُ الَجرّاحِ، عَنْ سُفْيانَ الثَّوْريِّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنِ الأسوَدِ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الوَلاءُ لِمَنْ أَعْطَى الثَّمَنَ وَوَليَ النِّعْمَةَ" (¬2). 2117 - حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبي الَحجّاجِ أَبُو مَعْمَرٍ، حدثنا عَبْدُ الوارِثِ، عَنْ حُسَيْنٍ الُمعَلِّمِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رِئابَ بْنَ حُذَيْفَةَ تَزَوَّجَ امْرَأة فَوَلَدَتْ لَهُ ثَلاثَةَ غِلْمَةٍ، فَماتَتْ أُمُّهمْ فَوَرِثُوها، رِباعَها وَوَلاءَ مَوالِيها وَكانَ عَمْرُو بْنُ العاصِ عَصَبَةَ بَنِيها فَأَخْرَجَهُمْ إِلَى الشّامِ فَماتُوا، فَقَدِمَ عَمْرُو بْنُ العاصِ وَماتَ مَوْلًى لَها وَتَرَكَ مالاً لَة فَخاصَمَة إِخْوَتُها إِلَى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ فَقالَ عُمَرُ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ما أَحْرَزَ الوَلَدُ أَوِ الوالِدُ فَهُوَ لِعَصَبَتِهِ مَنْ كانَ " .. قال: فَكَتَبَ لَة كِتابًا فِيهِ شَهادَة عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَزَيْدِ بْنِ ثابِتٍ وَرَجُلٍ آخَرَ فَلَمّا اسْتُخْلِفَ عَبْدُ الَملِكِ اخْتَصَمُوا إِلَى هِشامِ بْنِ إِسْماعِيلَ أَوْ إِلَى إِسْماعِيلَ بْنِ هِشامٍ فَرَفَعَهُمْ إِلَى عَبْدِ الَملِكِ، فَقال: هذا مِنَ القَضاءِ الذي ما كنْتُ أَراهُ. قال: فَقَضَى لَنا بِكِتابِ عُمَرَ بْنِ الَخطّابِ فَنَحْن فِيهِ إِلَى السّاعَةِ (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2156، 6759)، ومسلم (1504). (¬2) رواه البخاري (1493، 2536)، ومسلم (1504). (¬3) رواه ابن ماجه (2732). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2590).

باب في الولاء [2915] (حدثنا قتيبة بن سعيد [قال: قرئ على مالك وأنا حاضر] (¬1) قال مالك) (¬2) بن أنس إمام دار الهجرة (عرض) أي: قرأ (علي نافع (¬3) عن ابن عمر أن عائشة -رضي الله عنها- أم المؤمنين أرادت أن تشتري جارية) وهي بريرة، وكانت مولاة لبعض بني هلال فكاتبوها وأرادت أن تشتري جارية (تعتقها) بضم أوله وكسر ثالثه، ليعتق الله بكل عضو منها عضوًا من النار (¬4). (فقال أهلها: نبيعكها) بكسر كاف خطاب المؤنث (على) شرط (أن ولاءها) بالمد يكون (لنا) يعني كما كان الحكم عندهم في الجاهلية وكانوا ينقلون الولاء من شخص آخر بالبيع والهبة ونحوها فجاء الشرع بدفع ذلك والنهي عنه (فذكرت عائشة) ذلك (لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: لا يمنعك ذلك) بكسر الكاف فيهما من شراء الجارية (فإن) ما (الولاء) مأخوذ من الولي بسكون اللام مع فتح الواو وهو القرب وهو نسب يورث به ولا يورث، ولا ينتقل عن مستحقه؛ لأنه لحمة كلحمة النسب (¬5) (لمن ¬

_ (¬1) ليست في النسخ، والمثبت من مطبوع "السنن". (¬2) في نسخة "معالم السنن"، "عون المعبود" ومطبوع "السنن" طبعة المكنز: قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: قُرِئَ عَلَى مَالِكٍ وَأَنَا حَاضِرٌ قَالَ مَالِكٌ: عَرَضَ عَلَى نَافِعٌ ... الخ. وعلى هامش نسخة عوامة إثبات الخلاف بين نسخ أبي داود في هذا السند فليراجع. (¬3) في بعض نسخ "السنن" عَرْضٌ عن نافع. وفي حاشيتها: على. وفي بعضها: عرض عليَّ. والأقرب للصواب أن تكون عرض عن نافع. راجع نسخة عوامة (2907). (¬4) هذا معنى حديث أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة برقم (6715). (¬5) هذا معنى حديث أخرجه الدارمي (3159)، وابن حبان 11/ 325، "المستدرك" 4/ 341 من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

أعتق) فمن أعتق عبدًا تطوعًا أو نذرًا نذره أو حلف أن يعتقه، أو أعتقه في كفارة وجبت عليه أو كتابة فأدى، أو أعتق عليه بحكم لزمه، أو على جعل جعله، أو أعتقه عنه غيره، أو عتق عليه لقرابة بينه وبينه، فالولاء في ذلك كله للمعتق (¬1). [2916] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا وكيع بن الجراح، عن سفيان) بن سعيد (الثوري، عن منصور) بن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد النخعي. (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) إنما يثبت (الولاء لمن أعطى الثمن) أي: لا تحصل ولاية النعمة التي يستحق بها ميراثه إلا لمن أعطى الثمن من ماله، وفي رواية للبخاري (¬2): "فإن الولاء لمن أعطى الورق" يعني: من ماله. وفيه دليل على أن الموكل إذا دفع الثمن لوكيله وقال: اشتري عبدًا أو اعتقه فاشتراه ودفع الثمن للذي دفعه له الموكل وأعتقه عنه أن الولاء يكون لمن وكل ودفع الثمن (وولي النعمة) في إعتاقه؛ قال الله تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} (¬3) التقدير: للذي أنعم الله عليه بالإسلام وأنعمت عليه بالإعتاق وهو زيد ابن حارثة. وفيه أن من أسلم على يد رجل لا يرثه إلا معتقه. [2917] (حدثنا عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج، أبو معمر) ميسرة المنقري مولاهم البصري المقعد شيخ البخاري (¬4) (حدثنا عبد الوارث) ¬

_ (¬1) انظر: "إحكام الأحكام" 1/ 366، "شرح السنة" 8/ 348، "عمدة القاري" 7/ 83، "فتح الباري" 12/ 40. (¬2) (2436). (¬3) الأحزاب: 37. (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 15/ 353.

ابن سعيد (عن حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده -رضي الله عنهم - أن رياب) بكسر الراء المهملة ثم مثناة تحت مخففة وبعد الألف باء موحدة (بن حذيفة) زاد ابن ماجه (¬1) فقال: رياب (¬2) بن حذيفة بن سعيد بن سهم (تزوج امرأة) بينها ابن ماجه فقال: أم وائل بنت معمر الجمحية (فولدت له ثلاثة غلمة) بكسر الغين جمع غلام، ولابن أبي شيبة: ثلاثة أولاد (¬3) (فماتت أمهم فورثوها) بكسر الراء المخففة والواو في ورثوها واو ضمير الأولاد أي: ورثها بنوها كما لابن ماجه (¬4)، يقال لمن ورث جميع المال: ورث مال أبيه، فإن ورث البعض قيل: ورث من مال أبيه (رباعها) بالنصب الرباع بكسر الراء جمع ربع وهو الدار بعينها حيث كانت؛ لأنهم يربعون فيها، أي: يقيمون، ويجمع على ربوع وهو منصوب، أي: يورثوها (وولاء مواليها) قد يستدل به شريح على ما ذهب إليه أن ولاء الموالي يورث كما يورث المال، والذي عليه الجمهور أن الولاء لا يورث، وإنما يورث به. وأما هذا الحديث فمعناه والله أعلم: أنهم ورثوا مال مواليها بسبب الولاء، وإنما أسند الإرث إلى الولاء لأنه سببه فأضيف إليه؛ فإن الشيء يضاف إلى سببه كما يقال: دية الخطأ ودية العمد، ولأن الولاء إنما يحصل بإنعام المعتق على مولاه بالعتق، وهذا المعنى لا ينفك عن المعتق، فكذلك الولاء. ¬

_ (¬1) (2732). (¬2) في مطبوع ابن ماجه (2732): رباب، وهو خطأ؛ قال ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 62/ 398: وأما رياب بكسر الراء وبعدها ياء معجمة باثنتين من تحتها فهو رياب بن حذيفة بن مهشم بن سعيد بن سهم. (¬3) (32171) وفيه فولدت له ثلاثة. وليس فيه أولاد. (¬4) (2732).

(وكان عمرو بن العاص عصبة بنيها) أي وارثًا لهم بالتعصيب (فأخرجهم) أي خرج بهم عمرو بن العاص معه (إلى الشام) كذا لابن ماجه، والظاهر أنه خرج بهم لمتجر ونحوه، وفيه أن للولي أن يسافر باليتيم إلى البلاد البعيدة إذا لم يكن له من يحفظه في الإقامة وخاف ضياعه (فماتوا) في الطريق، وزاد ابن ماجه: فماتوا في طاعون عمواس (¬1) انتهى. وعمواس بفتح العين والميم قرية معروفة بأرض فلسطين من الشام (¬2). ولابن ماجه: فورثهم عمرو وكان عصبتهم، فلما رجع عمرو جاء بنو معمر يخاصمونه في ولاء أختهم (فقدم عمرو بن العاص) من الشام (و) قد (مات مولى لها) يعني لأم وائل (وترك مالاً) له كثيرًا وهو ألف دينار (فخاصمه إخوتها إلى عمر بن الخطاب، فقال عمر) -رضي الله عنه -، زاد ابن ماجه: أقضي بينكما بما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما أحرز) أي جمعه وضمه إلى حرزه يقال: أحرزت الشيء أحرزه إحرازًا إذا حفظته وضممته إليك وصنته عن الأخذ منه (الولد) أحرز (أو الوالد فهو لعصبته) من بعده كائنًا (من كان) وقد احتج بهذا الحديث أصحاب أحمد لما ورد عنه في رواية: أن المعتقة إذا ماتت وخلفت ابنها وأخاها أو ابن أخيها ثم مات مولاها وترك أخا مولاته أو إخوة مولاته وعصبة ابنها أن ميراثه لعصبة الابن، ويروى ذلك عن ¬

_ (¬1) "السنن" (2732). (¬2) قال الحموي في "معجم البلدان" 4/ 157: عمواس رواه الزمخشري بكسر أوله وسكون الثاني ورواه غيره بفتح أوله وثانيه وآخره سين مهملة وهي كورة من فلسطين بالقرب من بيت المقدس.

علي، وروي نحوه عن عمر وابن عباس (¬1) وسعيد بن المسيب (¬2)، وبه قال شريح، والصحيح عند جمهور العلماء. وعند أحمد: أن ميراثه لأخي مولاته؛ لأنه أقرب عصبة المعتق؛ فإن المرأة لو كانت هي الميتة لورثها أخوها وعصبتها، فإن انقرض عصبتها كان بيت المال أحق به من عصبة ابنها (¬3). (قال) الرواي (فكتب) عمر بن الخطاب (له) أي لعمرو بن العاص بما قضى به (له كتابًا) أي: سجلًّا شاهدًا بما قضى به و (فيه) أي في آخره (شهادة عبد الرحمن بن عوف و) شهادة (زيد بن ثابت ورجل آخر) معهما، وفيه دلالة على أن الحاكم إذا رفعت إليه دعوى وحكم فيها بشيء وسأله الخصم كتاب سجل يشهد له كتب للشاهد بين يدي الحاكم صورة ما حكم به وأنه أنفذ ذلك بسؤال المحكوم له، ويشهد بذلك على الحاكم شاهدان أو أكثر. قال أصحابنا: وينبغي أن تكون المحاضر والسجلات نسختين إحداهما تدفع لصاحب الحق غير مختومة والأخرى توضع وتحفظ في ديوان الحكم مختومة ويكتب على رأسها أسم الشخصين (¬4). (فلما استخلف عبد الملك) بن مروان بن الحكم بن أبي العاص (¬5) بن أمية الأموي، رأى عثمان، وروى عن أبي هريرة. (اختصموا) في المال الذي تركه المولى وكان ألف دينار، كذا ¬

_ (¬1) "السنن الكبرى" للبيهقي 10/ 302، 303. (¬2) "موطأ مالك" برقم (1492). (¬3) "المغني" 7/ 269. (¬4) "الحاوي" 16/ 35، 205، "المجموع" 20/ 166. (¬5) في الأصل بياض والمثبت من كتب التراجم. انظر: "تهذيب الكمال" 27/ 327.

لابن أبي شيبة (¬1)، وفي ابن ماجه: حتى إذا استخلف عبد الملك ابن مروان توفي مولى لها وترك ألف دينار، فبلغني أن ذلك القضاء قد غير (إلى هشام بن إسماعيل) كذا لابن ماجه من غير شك، وهو الصحيح هو إسماعيل بن هشام (أو إلى [إسماعيل بن هشام]) (¬2) الحنفي، روى عن مجاعة بن مرارة بضم الميم فيهما (فرفعهم) لما أشكل عليه أمرهم (إلى عبد الملك) بن مروان، زاد ابن ماجه: فأتيناه بكتاب عمر (فقال: هذا) الذي قضى به عمر (من القضاء الذي ما كنت أراه) ولا أحكم به. انتهى. وكذا قال حميد: كان الناس يغلطون عمرو بن شعيب في هذا الحديث، لكن قال ابن عبد البر: هذا حديث حسن صحيح، وذكر توثيق الناس لعمرو بن شعيب (¬3). قال عبد الحق: وحديث ابن أبي شيبة أتم. (قال: فقضى لنا بكتاب) أي بمقتضى كتاب (عمر بن الخطاب فنحن فيه) أي فيما قضى لنا به (إلى الساعة) فيه أن القاضي إذا رفع إليه حكم قاضٍ قبله أعلم منه وأجل وكان مخالفًا لما يعتقده في ذلك الحكم أنه لا ينقضه ولا يخالفه، بل يمضيه وينفذه. ¬

_ (¬1) "المصنف" برقم (32171). (¬2) في النسخ: هشام بن إسماعيل. والمثبت من مطبوع "السنن"، وهو الصواب. (¬3) "التمهيد" 3/ 62.

13 - باب في الرجل يسلم على يدي الرجل

13 - باب في الرَّجُلِ يُسْلِمُ عَلَى يَدي الرَّجُل 2918 - حدثنا يَزِيدُ بْنُ خالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ الرَّمْليُّ وَهِشامُ بْنُ عَمّارٍ قالا: حدثنا يَحْيَى. قالَ أَبُو داوُدَ: وَهُوَ ابن حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ عُمَرَ قالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَوْهَبٍ يُحدِّثُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذؤَيْبٍ، قالَ هِشامٌ: عَنْ تَمِيمٍ الدّاريِّ أَنَّهُ قال: يا رَسُولَ اللهِ. وقالَ يَزِيدُ: إِنَّ تَمِيمًا قال: يا رَسُولَ اللهِ ما السُّنَّةُ في الرَّجُلِ يُسْلِمُ عَلَى يَدى الرَّجُلِ مِنَ المُسْلِمِينَ؟ قالَ: "هُوَ أَوْلَى النّاسِ بِمَحْياهُ وَمَماتِهِ" (¬1). * * * باب في الرجل يسلم على يدي الرجل [2981] (حدثنا يزيد بن خالد) بن يزيد بن عبد الله (بن موهب) بفتح الميم والهاء (الرملي) الثقة الزاهد (¬2) (وهشام بن عمار (¬3) قالا: حدثنا يحيى) [بن حمزة الحضرمي قاضي دمشق] (¬4). ([قال أبو داود: وهو ابن حمزة] (¬5) [عن عبد العزيز بن عمر) بن عبد ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2112)، وابن ماجه (2752)، وأحمد 4/ 102، 103. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2591). (¬2) "تهذيب الكمال" 32/ 115. (¬3) جاء هنا في (ل): [الحضرمي قاضي دمشق، وسقط من (ع) وهو الصواب لأن هذا وصف يحيى بن حمزة. وانظر: "تاريخ دمشق" 64/ 125؛ ، "تهذيب التهذيب" 11/ 46. (¬4) في (ل) يحيى بن عبد العزيز والمثبت من (ع) وهو الصواب. (¬5) سقط من (ع) والمثبت من (ل) ومن "السنن".

العزيز (قال: سمعت عبد الله بن موهب]) (¬1) قال الترمذي: لا نعرفه - يعني هذا الحديث - إلا من حديث عبد الله بن موهب، ويقال: ابن موهب عن تميم الداري قال: وقد أدخل بعضهم [بين عبد الله بن موهب وبين تميم قبيصة بن ذؤيب (¬2) قال: ورواه يحيى بن حمزة، عن عبد العزيز بن عمر، وزاد فيه: ] (¬3) عن قبيصة بن ذؤيب، وهو عندي ليس بمتصل (¬4). لأن قبيصة لم يلق تميمًا (¬5). (يحدث عمر بن عبد العزيز، عن قبيصة بن ذؤيب. قال هشام: ) ابن عمار في روايته (عن تميم الداري أنه قال: يا رسول الله وقال يزيد) ابن خالد في روايته (إن تميمًا) هو: ابن أوس بن خارجة بن يزيد (الداري) نسبة إلى الدار بن هانئ بن حبيب بن عمار بن لخم (¬6). (قال: يا رسول الله، ما السنة) قال في "النهاية": إذا أطلقت السنة في الشرع فإنما يراد بها ما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - ونهى عنه وندب إليه قولًا وفعلًا مما لم ينطق به الكتاب العزيز، ولهذا يقال في الشرع: الكتاب والسنة، أي القرآن والحديث (¬7) (في الرجل) زاد الترمذي: من أهل الشرك (يسلم على يدي الرجل) وللترمذي: على يد بالإفراد (من المسلمين؟ قال: هو ¬

_ (¬1) هذِه العبارة في (ل) جاءت بعد كلام الترمذي الآتي، والمثبت من (ع). (¬2) جاء هنا في نسخة "تحفة الأحوذي" قول الترمذي: [ولا يصح]. (¬3) سقط من (ع) والمثبت من (ل)، وانظر: "تحفة الأحوذي" 5/ 533. (¬4) "سنن الترمذي" تحت حديث (2212). (¬5) "جامع التحصيل" (631)، وانظر: "عمدة القاري" 34/ 158. (¬6) "الإصابة" (838)، و "الأنساب" 2/ 442. (¬7) "النهاية" 2/ 1022.

أولى الناس) أي أحق، قال بعضهم: لو صح الحديث لكان تأويله أنه أحق به يواليه وينصره ويبره ويصله ويرعى ذمامه ويغسله ويصلي عليه ويدفنه ويؤدي عنه ديته إن كان بعد موته (¬1). (بمحياه) بفتح الميم، يحتمل أن يكون الباء بمعنى في، أي: في محياه، أي: ينصره ويعضده ويعقل عنه في حياته ما يجب عليه (و) في (مماته) يغسله ويكفنه ويدفنه بعد موته ويرث عنه ماله. وقد استدل به للرواية الواردة عن أحمد: أن الرجل إذا أسلم على يدي الرجل أنه يرثه، وهو قول إسحاق بن راهويه (¬2)، وحكي عن إبراهيم أن له ولاءه ويعقل عنه (¬3). وعن ابن المسيب: إن عقل عنه ورثه، وإن لم يعقل عنه لم يرثه (¬4). وهذا الحديث يعضده. وعن عمر بن الخطاب (¬5) وعمر بن عبد العزيز (¬6) أنه يرثه وإن لم يواله، لما روى راشد بن سعيد: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أسلم على يديه رجل فهو مولاه ويرثه ويدي عنه". رواه سعيد (¬7). وقال أيضًا: ثنا عيسى بن يونس، ثنا معاوية بن يحيى الصدفي، عن ¬

_ (¬1) "معالم السنن" 3/ 224، "شرح السنة" 8/ 351. (¬2) "مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه" 8/ 4240. (¬3) "مصنف ابن أبي شيبة" 11/ 409 (32233)، "سنن الدارمي" (3094). (¬4) "شرح مشكل الآثار" 7/ 282. (¬5) "مصنف ابن أبي شيبة" 11/ 401 (32231، 32232). (¬6) "مصنف ابن أبي شيبة" 11/ 409 (32234). (¬7) "سنن سعيد بن منصور" (201).

القاسم الشامي، عن أبي أمامة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أسلم على يديه رجل فله ولاؤه" (¬1). والصحيح عند الشافعي والجمهور أنه لا يرثه؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الولاء لمن أعتق" (¬2). ولأن أسباب التوارث غير موجودة فيه، وحديث راشد المذكور مرسل، وحديث أبي أمامة فيه معاوية بن يحيى الصدفي، وهو ضعيف (¬3). ¬

_ (¬1) "سنن ابن منصور" (200). (¬2) البخاري (1493)، ومسلم (1405). (¬3) هذا النقل كله من "المغني" 7/ 287 مع تصرف يسير.

14 - باب في بيع الولاء

14 - باب في بَيْعِ الوَلاءِ 2919 - حدثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ, حدثنا شُعْبَةُ, عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينارٍ، عَنِ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - , عَنْ بَيْعِ الوَلاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ (¬1). * * * باب في بيع الولاء [2919] (حدثنا حفص بن عمر) الحوضي (حدثنا شعبة، عن عبد الله ابن دينار، عن) عبد الله (ابن عمر) رضي الله عنهما (قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الولاء) يعني: ولاء المعتق، وهو إذا مات المعتَق ورثه معتقه أو ورثةُ معتقهِ (وعن هبته) كانت العرب تبيعه وتهبه فنهى عنه؛ لأن الولاء كالنسب، فكما أن النسب لا يزول عن قريبه ولا ينتقل عنه بالإزالة والنقل لا يزول الولاء ولا ينتقل بسبب بيعه ولا غيره (¬2)، ولأن الولاء إنما يحصل بإنعام السيد على عبده بالعتق، وهذا المعنى لا ينتقل عن المعتق فكذلك الولاء، وإذا لم يصح بيعه فأخذ المال في مقابلته حرام من باب أكل المال بالباطل، والإجماع على هذا. وأما ما روي (¬3) أن ميمونة وهبت ولاء مواليها العباس أو ابن للعباس، وولاؤهم اليوم لهم فقيل: إن الذي وهبته من الولاء كان ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2535)، ومسلم (1506). (¬2) "النهاية" 5/ 510، "عمدة القاري" 19/ 496. (¬3) رواه سعيد بن منصور في "سننه" 1/ 117 (280)، وابن أبي شيبة (20849، 32274)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 12/ 527.

ولاء السائبة، وولاء السائبة قد اختلف فيه أهل العلم (¬1). وعن عمرو بن دينار أن ميمونة وهبت ولاء سليمان بن يسار لابن عباس وكان مكاتبًا، وأن عروة ابتاع ولاء طهمان لورثة مصعب ابن الزبير (¬2). وقال ابن جريج: قلت لعطاء: أذنت لمولاي أن يوالي من شاء فيجوز؟ قال: نعم (¬3). فهذا كله شاذ ومخالف لقول الجمهور، وهذا الحديث الصحيح يرد ذلك كله (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: شرح "مشكل الآثار" 12/ 527، "معرفة السنن والآثار" 14/ 404. (¬2) "مصنف ابن أبي شيبة" 6/ 123 برقم (20849). (¬3) "مصنف عبد الرزاق" 9/ 6. (¬4) "النهاية" لابن الأثير 5/ 510، "المغني" 7/ 243، "الشرح الكبير" لابن قدامة 7/ 262، "فتح الباري" 12/ 43 - 45.

15 - باب في المولود يستهل ثم يموت

15 - باب في المَوْلُودِ يَسْتَهلُّ ثمَّ يَمُوتُ 2920 - حدثنا حُسَيْنُ بْنُ مُعاذٍ، حدثنا عَبْدُ الأَعلَى، حدثنا مُحَمَّدٌ - يَعْني ابن إِسْحاقَ - عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إِذا اسْتَهَلَّ المَوْلُودُ وُرِّثَ" (¬1). * * * باب في المولود يستهل ثم يموت [2920] (حدثنا حسين بن معاذ) البصري الفقيه (¬2). (حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي (¬3) القرشي البصري، أحد المحدثين الكبار (¬4) (حدثنا محمد بن إسحاق، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط) الليثي (عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا استهل المولود) يعني: رفع صوته بالصراخ أو البكاء وكل من رفع صوته بشيء فقد استهل ومعنى الاستهلال أن يوجد مع المولود أمارة الحياة المستقرة بأن صرخ أو بكى أو عطس أو تثاءب أو امتص الثدي (¬5). قال الإمام (¬6): ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 6/ 257. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2593). (¬2) "الكاشف" (1111). (¬3) هذِه النسبة إلى سامة بن لؤي بن غالب. "الأنساب" 3/ 203. (¬4) "تهذيب الكمال" 16/ 359. (¬5) انظر: "غريب الحديث" لابن سلام 1/ 286. (¬6) هو الجويني وكلامه في "نهاية المطلب" 9/ 229 وضبطها الدكتور عبد العظيم محمود الديب: بدا بالباء الموحدة والدال على معنى العضو المفرق يقبضه أي يضم بعضه إلى بعض، فليراجع كلامه.

أو قبض اليد أو بسطها (ورث) بضم الواو وتشديد الراء المكسورة ثبت له أحكام المستهل. وبهذا قال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابه، وهو رواية عن أحمد (¬1)، ولفظ رواية الترمذي (¬2): الطفل لا يصلى عليه ولا يرث ولا يورث حتى يستهل. ولفظ البزار في "مسنده" (¬3): استهلال الصبي الصراخ. ¬

_ (¬1) "المغني" 7/ 198. (¬2) (1032). (¬3) (5904) ولفظه: العطاس.

16 - باب نسخ ميراث العقد بميراث الرحم

16 - باب نَسْخِ مِيراث العقْدِ بِمِيراثِ الرَّحِمِ 2921 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ ثابِتٍ، حَدَّثَني عَليّ بْنُ حُسَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْويِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ رضي الله عنهما قال: (والَّذِينَ عاقَدَتْ أَيْمانُكمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) كانَ الرَّجُلُ يُحالِفُ الرَّجُلَ لَيْسَ بَيْنَهُما نَسَبٌ فَيَرِثُ أَحَدُهُما الآخَرَ فَنَسَخَ ذَلِكَ الأنفالُ فَقالَ تَعالَى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} (¬1). 2922 - حدثنا هارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حدثنا أَبُو أُسامَةَ، حَدَّثَني إِدْرِيسُ بْن يَزِيدَ، حدثنا طَلْحَةُ بْن مصَرِّفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: {والَّذِينَ عاقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتوهُمْ نَصِيبَهُمْ} قالَ: كانَ المُهاجِرُونَ حِينَ قَدِمُوا المَدِينَةَ تُوَرِّثُ الأنصارَ دُونَ ذَوي رَحِمِهِ لِلأُخُوَّةِ التي آخَى رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَهُمْ فَلَمّا نَزَلَتْ هذِه الآيَة: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ} قالَ: نَسَخَتْها: {والَّذِينَ عاقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} مِنَ النُّصْرَةِ والنَّصِيحَةِ والرِّفادَةِ وَيُوصي لَهُ وَقَدْ ذَهَبَ المِيراثُ (¬2). 2923 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَعَبْدُ العَزِيزِ بْن يَحْيَى المَعْنَى - قالَ أَحْمَدُ - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ ابن إِسْحاقَ، عَنْ داوُدَ بْنِ الحُصَيْنِ قالَ: كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَى أُمِّ سَعْدٍ بِنْتِ الرَّبِيعِ وَكانَتْ يَتِيمَةً في حِجْرِ أَبي بَكْرٍ فَقَرَأْتُ: {والَّذِينَ عاقَدَتْ أَيْمانُكُمْ} فَقالَتْ: لا تَقْرَأْ: {والَّذِينَ عاقَدَتْ أَيْمانُكُمْ} ولكن: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} إِنَّما نَزَلَتْ في أَبي بَكْرٍ وابْنِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حِينَ أَبَى الإِسْلامَ فَحَلَفَ أَبُو بَكْرٍ أَلا يُوَرِّثَهُ فَلَمّا أَسْلَمَ أَمَرَ الله تَعالَى نَبِيَّهُ عليه السلام أَنْ يُؤْتِيَهُ نَصِيبَهُ. زادَ عَبْدُ العَزِيزِ فَما أَسْلَمَ حَتَّى حُمِلَ عَلَى الإِسْلامِ بِالسَّيْفِ. قالَ أَبُو داوُدَ: مَنْ قال: (عَقَدَتْ) جَعَلَهُ حِلْفًا وَمَنْ قال: (عاقَدَتْ) جَعَلَهُ حالِفًا ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 6/ 257. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2594). (¬2) رواه البخاري (2292).

والصَّوابُ حَدِيثُ طَلْحَةَ: (عاقَدَتْ) (¬1). 2124 - حدثنا أَحْمَدُ بْن مُحَمَّدٍ، حدثنا عَليُّ بْنُ حُسَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْويِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ والَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا والَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِروا فَكانَ الأَعْرابيُّ لا يَرِثُ المُهاجِرَ وَلا يَرِثُهُ المُهاجِرُ فَنَسَخَتْها فَقال: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} (¬2). * * * باب نسخ ميراث العقد بميراث الرحم [2921] (حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت) أبو الحسن بن شبويه المروزي، ثقة من كبار الأئمة (¬3) (حدثني علي بن حسين) المروزي، ضعفه أبو حاتم (¬4) وقواه غيره (¬5) (عن أبيه) حسين بن واقد القرشي قاضي مرو، أخرج له مسلم (¬6) (عن يزيد) بن أبي سعيد (النحوي (¬7) عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال) في قوله تعالى: ({والذين عاقدت أيمانكم}) وقرأ حمزة والكسائي: عقدت بتخفيف القاف، وهي على غموض من العربية، وهي على تقدير: عقدتهم أيمانكم وتقديره: عقدت لهم أيمانكم الحلف ثم حذف اللام مثل: ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 6/ 204. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (507). (¬2) رواه البيهقي 6/ 262. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2596). (¬3) "التقريب" (94). (¬4) "الجرح والتعديل" (978). (¬5) "الكاشف" (3902)، "تهذيب الكمال" 20/ 407. (¬6) "تهذيب الكمال" 6/ 491، "تهذيب التهذيب" 2/ 321. (¬7) "تهذيب الكمال" 32/ 143.

{وَإِذَا كَالُوهُمْ} (¬1)، أي: كالوا لهم ({فآتوهم نصيبهم}) قالت طائفة: الآية محكمة ليست منسوخة، وإنما أمر الله المؤمنين أن يعطوا من خالفوهم نصيبهم من النصرة والنصيحة والرفادة والوصية وشبه ذلك، وهو قول مجاهد والسدي، واختاره النحاس، ورواه سعيد بن جبير. قال القرطبي: ولا يصح النسخ؛ فإن الجمع ممكن كما بينه ابن عباس [فيما ذكره الطبري (¬2). ورواه عن البخاري (¬3) في كتاب التفسير عن ابن عباس] (¬4) كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجري الأنصاري دون ذوي رحمه للأخوة التي آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهم، فلما نزلت: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} (¬5) نسخت ثم قال: {والذين عاقدت أيمانكم} من النصر والرفادة والنصيحة. لكن روى البخاري (¬6) أيضًا في كتاب الفرائض: كان المهاجرون حين قدموا المدينة يرث الأنصاري المهاجري دون ذوي رحمه للأخوة التي آخى رسول الله بينهم، فلما نزلت: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} نسختها: {والذين عاقدت أيمانكم}. قال ابن بطال: وقع في جميع النسخ (¬7): {ولكل جعلنا موالى} نسختها: {والذين عاقدت ¬

_ (¬1) "الجامع لأحكام القرآن" 5/ 158، وانظر: "تفسير الطبري" 4/ 52، و"الناسخ والمنسوخ" للنحاس 1/ 333، و"أحكام القرآن" للجصاص 3/ 33، 145. (¬2) (2292). (¬3) سقط من (ع). (¬4) المطففين: 3. (¬5) النساء: 33. (¬6) (6747). (¬7) هكذا في الأصلين وقد نقلها عن ابن بطال بواسطة القرطبي في "التفسير" وفي هذا الموضع عند ابن بطال: [فلما نزلت] وهي كذلك في "صحيح البخاري" (6747).

أيمانكم} والصواب: أن الآية الناسخة: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ}، والمنسوخة: {والذين عاقدت أيمانكم} كذا رواه الطبري (¬1) (كان الرجل) منهم (يحالف) بالحاء المهملة (الرجل) أي يتحالفان على النصرة والموالاة على أعدائهم والمناصحة وأنهم صاروا يدًا واحدة (ليس بينهما نسب) ولا قرابة (فيرث أحدهما) أي كل واحد منهما (الآخر) بسبب التحالف ثم نسخ (فنسخ) بفتح النون والسين أي: نسخ (ذلك) الميراث بالمحالفة آية سورة (الأنفال فقال تعالى) فيها ({وَأُولُو الْأَرْحَامِ}) أي: أولوا القرابات وذوو الرحم أولى بالتوارث ({بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ}) أي بعض ذوي المحارم أحق بالميراث لبعض ذي الرحم. وعن ابن عباس: آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أصحابه، فكانوا يتوارثون بذلك حتى نزلت: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} فتوارثوا بالنسب (¬2). [2922] (حدثنا هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي البزار شيخ مسلم (¬3). (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (¬4). (حدثني إدريس ابن يزيد) الأودي (¬5). (حدثنا طلحة بن مصرف (¬6) عن سعيد بن جبير، ¬

_ =انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 5/ 165. (¬1) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 8/ 362. (¬2) أخرجه الطبري في تفسير سورة الأنفال آية (72)، والبيهقي في "السنن الكبرى" 10/ 296. (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 30/ 96. (¬4) "تقريب التهذيب" (1487). (¬5) "التقريب" (296). (¬6) "التقريب" (3034).

عن ابن عباس في قوله تعالى) ({وَالَّذِينَ عَقَدَتْ}) (¬1) تقدمت قراءة حمزة بفتح القاف المخففة، روى علي بن كبشة عن حمزة: عقدت بتشديد القاف على التكثير، والمشهور عن حمزة التخفيف (¬2). ومعنى عقدت: أحكمت (أيمانكم) جمع يمين من اليد، ويحتمل أن يكون من القسم، وذلك بأنهم كانوا يضربون صفقة البيعة بأيمانهم ويأخذ بعضهم بيد بعض على الوفاء والتمسك بالعهد ({فَآتُوهُمْ}) أعطوهم ({نَصِيبَهُمْ}) من النصرة والنصيحة على ما تقدم. (قال: كان المهاجرون) من مكة الذين هجروا ديارهم وأموالهم (حين قدموا المدينة تورث) أي: يورثون ماله (الأنصار) وكان الميراث يستحق في الإسلام بأسباب منها الهجرة والمعاقد (¬3) والحلف ثم نسخ ذلك (دون ذوي رحمه) وقد تقدم ذكرهم قريبًا ودون أقاربه (للأخوة التي آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهم) قال أنس بن مالك: حالف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين المهاجرين والأنصار (¬4). أي: حالف بينهم في دارنا مرتين كانت المحالفة قبل الفتح (فلما نزلت هذِه الآية: {وَلِكُلٍّ}) أي لكل إنسان ({جَعَلْنَا مَوَالِيَ}) أي: ورثة وموالي يعني عصبة يأخذون ({مِمَّا ¬

_ (¬1) ورد بعدها في الأصل: نسخة: عاقدت. (¬2) "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 5/ 167. (¬3) هكذا في الأصل ولعلها المعاقدة؛ انظر: "أحكام القرآن" للجصاص 6/ 461، "أحكام القرآن" للكيا الهراسي، وهذا نصه: واعلم أن الميراث كان يستحق في أول الإسلام بأسباب، منها: الحلف والتبني والمعاقدة: ومنه قوله: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ}. (¬4) "صحيح مسلم" (2529).

تَرَكَ}) فلينتفع كل أحد بما قسم الله تعالى له من الميراث ولا يتمنى مال غيره (قال: نسختها: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ}) من الميراث بالمعاقدة وهو السدس من ميراث الحليف ثم نسخ. وقالت طائفة: آتوهم نصيبهم (من النصر) على أعدائهم (والنصيحة) لهم ببذل الجهد في قصد إصلاحهم بإخلاص وصدق مودة (والرفادة) بكسر الراء في الإعانة والإعطاء، والرفادة هو شيء كانت قريش تترافد به في الجاهلية، أي: تتعاون فيخرج كل إنسان بقدر طاقته فيجمعون مالًا عظيمًا يشترون به الطعام والزبيب للنبيذ الذي كانوا يصنعونه للشرب فيطعمون الناس ويسقونهم منه أيام موسم الحاج حتى ينقضي (¬1) (ويوصي له) بشيء من ماله. (وقد ذهب الميراث) الذي كانوا يتوارثون به ونسخه الله بآية المواريث، وقد تقدمت رواية البخاري وكلام ابن بطال قبل هذا الحديث (¬2). [2923] (حدثنا أحمد) بن محمد (بن حنبل، وعبد العزيز بن يحيى) الحراني ثقة (المعنى قال أحمد) بن حنبل (حدثنا محمد بن سلمة) ابن عبد الله الباهلي، أخرج له مسلم (حدثنا) محمد (ابن إسحاق، عن داود بن الحصين) القرشي مولى عثمان بن عفان (¬3) (قال: كنت أقرأ على أم سعد) الخزرجية (بنت الربيع وكانت يتيمة في حجر) بفتح ¬

_ (¬1) "النهاية" لابن الأثير 2/ 595. (¬2) انظر: "شرح صحيح البخاري" 8/ 363. (¬3) "تهذيب الكمال" 8/ 379 وفيه: داود بن الحصين القرشي الأموي أبو سليمان المدني مولى عمرو بن عثمان بن عفان.

الحاء (أبي بكر) الصديق، قتل أبوها سعد بن الربيع بن عمرو الأنصاري يوم أحد شهيدًا، وكان كاتبًا في الجاهلية، وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد أن يلتمس في القتلى وقال: "من يأتيني بخبر سعد بن الربيع"، فقال رجل: أنا، فذهب يطوف بين القتلى فوجده وبه رمق، فقال له سعد: اذهب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره أني طعنت اثنتي عشرة طعنة وأخبر قومك أنهم لا عذر لهم عند الله إن قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وواحد منهم حي (¬1). (فقرأت) عليها: ({وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ}) الآية. (فقالت: لا تقرأ: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ}) [لأنها (إنما نزلت في أبي بكر) الصديق] (¬2) وقيل: (عاقدت أيمانكم) أي: عاقدت أيديكم بالزواج ويذكر الزوج والزوجة بعد الوالدين والأقربين [فقالت لا تقرأ عاقدت بالألف من المعاقدة المعاهدين] (¬3) وكان للحليف في صدر الإسلام السدس [من الميراث] قاله الماوردي (¬4) وغيره (¬5)، فمنعت أم سعد داود بن الحصين أن يقرأ عاقدت؛ لأنها تدل على التوارث بالمحالفة. والأيمان جميع يمين، ومن عاقد رجلًا قال له: دمي دمك ترثني وأرثك بالمعاقدة (¬6). ومنعها من القراءة بالألف يدل على جواز القراءة ¬

_ (¬1) "الطبقات الكبرى" 3/ 524. (¬2) سقط من (ع). (¬3) من (ع). (¬4) "الحاوي" 8/ 68. (¬5) انظر: "الفجر الساطع على الصحيح الجامع" 5/ 56، "عمدة القاري" 32/ 274، "فتح الباري" 10/ 502، و"الوجيز" للواحدي 1/ 262، "تفسير الطبري" 8/ 262. (¬6) تفسير الرازي 10/ 64 والطبري 4/ 52 وابن كثير 1/ 650 والقرطبي 5/ 158.

ب (عقدت أيمانكم) بحذفها مع التخفيف أو التشديد، وبهذه القراءة نطقت الدلالة على التوارث بالحلف؛ لأنها من عقد اليمين بالله تعالى وهو القسم، ومفعول عقدت محذوف تقديره: عقدت حلفهم أيمانكم؛ لأنها إنما أنزلت في أبي بكر الصديق -رضي الله عنه -. (و) في (ابنه) أبي محمد (عبد الرحمن) ابن أبي بكر، وكان حضر بدرًا مع المشركين (حين أبي) أن يدخل في (الإسلام فحلف أبو بكر ألا يورثه) من ماله شيئًا بعد موته؛ لأن الكافر لا يرث المسلم (فلما أسلم) وهاجر قبل الفتح مع معاوية فيما قيل، وكان من أشجع قريش وأرماهم. ولم يجرب له كذبة قط (أمره الله أن يؤتيه نصيبه) من ميراثه بعد موته (زاد عبد العزيز) بن يحيى في روايته (فما أسلم) عبد الرحمن (حتى حمل على الإسلام) وقاتلهم (بالسيف) مع قومه الكفار في غزوة أحد، ثم أسلم وحسن إسلامه، وصحب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحضر وقعة اليمامة مع خالد بن الوليد فقتل سبعة من كبارهم، وشهد له بذلك جماعة عند خالد بن الوليد، وهو الذي قتل محكم اليمامة بن الطفيل، رماه بسهم في نحره فقتله، وكان عبد الرحمن أسن ولد أبي بكر، وكان امرأً صالحًا وكان فيه دعابة (¬1). [2924] (حدثنا أحمد بن محمد) بن ثابت بن شبويه الثقة (¬2). (حدثنا علي بن حسين، عن أبيه) حسين بن واقد، قاضي مرو (عن يزيد) بن أبي ¬

_ (¬1) انظر: ترجمة عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما في "الإصابة" 4/ 325، "تهذيب الكمال" 17/ 227، "تاريخ دمشق" 35/ 24. (¬2) "التقريب" (94).

سعيد (النحوي (¬1) عن عكرمة، عن ابن عباس) رضي الله عنهما في قوله تعالى: ({إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا}) أي: هجروا أوطانهم وأوطارهم وأموالهم وقومهم في نصرة الله حبًّا لله ولرسوله {وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا} يعني الأنصار أسكنوا المهاجرين ديارهم ونصروهم على أعدائهم أولياء بعضهم أولياء بعض في الميراث يتوارثون فيما بينهم بالهجرة والنصرة (و) كان ({وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا}) أوطانهم ولا أموالهم (فكان الأعرابي) منهم (لا يرث) قريبه (المهاجر) إذا مات (ولا يرثه) الأعرابي إذا مات (المهاجر) لمخالفته له في الهجرة، بل يباعدونهم ويحرمونهم وإن كانوا أقارب (فنسختها: ) قوله تعالى: ({وَأُولُو الْأَرْحَامِ}) وهم الأقارب ذوو الرحم. قال ابن الأنباري: كان الله تعبدهم في أول الهجرة بأن لا يرث المسلمين المهاجرين إخوانهم الذين لم يهاجروا ولا يرثون هم إخوانهم، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ}. * * * ¬

_ (¬1) هذِه النسبة إلى بطن من الأزد يقال لهم: بنو نحوة، ليسوا من نحو العربية. انظر: "الأنساب" للسمعاني 5/ 469، "اللباب" 3/ 301.

17 - باب في الحلف

17 - باب في الحِلْفِ 2925 - حدثنا عُثْمان بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا محَمَّدُ بْنُ بِشْبر وابْنُ نُمَيْر وَأَبُو أُسامَةَ، عَنْ زَكَرِيّا، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْراهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا حِلْفَ في الإِسْلامِ وَأَيُّما حِلْفٍ كانَ في الجاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الإِسْلامُ إِلاَّ شِدَّةً" (¬1). 2926 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا سُفْيان، عَنْ عاصِمٍ الأحوَلِ قالَ: سَمِعْت أَنَسَ ابْنَ مالِكٍ يَقُولُ: حالَفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ المُهاجِرِينَ والأَنْصارِ في دارِنا. فَقِيلَ لَهُ: أَلَيْسَ قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " لا حِلْفَ في الإِسْلام؟ ". فَقال: حالَفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ المُهاجِرِينَ والأنصارِ في دارِنا. مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا (¬2). * * * باب في الحلف الحلف بكسر الحاء وسكون اللام هو الذي يفعل في الجاهلية (¬3). [2925] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن بشر و) عبد الله (ابن نمير) الهمداني (¬4). (وأبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي. (عن زكريا) بن أبي زائدة الهمداني الأعمى. (عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه) إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2530). (¬2) رواه البخاري (2294)، ومسلم (2529). (¬3) انظر: "فتح الباري" 4/ 473، "النهاية" لابن الأثير 1/ 1033. (¬4) الهمداني: بفتح الهاء وسكون الميم والدال المهملة، هي منسوبة إلى همدان، وهي قبيلة من اليمن، نزلت الكوفة. "الأنساب" 5/ 647.

الزهري. (عن جبير بن مطعم -رضي الله عنه- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا حلف) بكسر المهملة وسكون اللام. في الإسلام) وإنما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا حلف في الإسلام بعد نسخ التوارث" أي: لا يتحالف أهل الإسلام كما كان أهل الجاهلية يتحالفون، وذلك أن المتحالفين كانا يتناصران في كل شيء، فيمنع الرجل حليفه وإن كان ظالمًا، ويقوم دونه، ويدفع عنه بكل ممكن، فيمنع الحقوق وينتصر به على الظلم والبغي والفساد، ولما جاء الشرع بالانتصاف من الظالم وأنه يؤخذ منه ما عليه من الحق ولا يمنعه أحد من ذلك، وحدَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحدود وبين الأحكام، وأبطل ما كانت الجاهلية عليه من ذلك ونفى التعاقد والتحالف على نصرة الحق والقيام، وأوجب ذلك بأصل الشريعة إيجابًا عامًّا على من قدر عليه من المكلفين. قاله القرطبي (¬1). (وأيما حلف) مجرور بالإضافة تقديره: وأي حلف (كان) أي حدث ووجد فهي كان التامة. في الجاهلية) يعني: أي حلف وقع في أيام الجاهلية بالقيام بنصرة الحق والمواساة وصدق المحبة في الله تعالى ودخل الإسلام عليه (لم يزده الإسلام إلا شدة) تأكيد وتقوية، وهذا كنحو حلف الفضول الذي ذكره ابن إسحاق (¬2) وغيره (¬3)، قال: اجتمعت قبائل من قريش في دار ¬

_ (¬1) "المفهم" 21/ 40، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 10/ 151. (¬2) "سيرة ابن هشام" 1/ 133. (¬3) انظر: "عيون الأثر" 1/ 67، و"الروض الأنف" 1/ 241.

عبد الله ابن جدعان لشرفه ونسبه فتعاقدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلومًا إلا قاموا معه حتى يرد عليه مظلمته سواء كان من مكة أو غيرها فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول أي: حلف الفضائل، والفضول هنا جمع فضل للكثرة كفلس وفلوس. وروى ابن إسحاق عن ابن شهاب: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفًا ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو ادعي به في الإسلام لأجبت" (¬1). [2926] (حدثنا مسدد، حدثنا سفيان) بن عيينة (عن عاصم الأحول قال: سمعت أنس بن مالك يقول: حالف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين المهاجرين والأنصار) لفظ مسلم (¬2): بين قريش والأنصار. أي: آخى بينهم. والمؤاخاة: مفاعلة من الأخوة، ومعناها: أن يتعاقد الرجلان على التناصر والمواساة والتوارث حتى يصير كالأخوين نسبًا، وكان ذلك أمرًا معروفًا في الجاهلية معمولًا به عندهم، ولم يكونوا يسمونه إلا حلفًا (¬3). قال القرطبي: ولما جاء الإسلام عمل النبي - صلى الله عليه وسلم - به وورثه على ما حكاه أهل السير، وذلك أنهم قالوا: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخى بين أصحابه مرتين بمكة قبل الهجرة وبعد الهجرة (¬4). قال ابن عبد البر: والصحيح عند أهل السير والعلم بالآثار والخبر ¬

_ (¬1) "السيرة النبوية" لابن هشام 1/ 133. (¬2) (2529). (¬3) و (¬4) "المفهم" للقرطبي 21/ 38.

في المؤاخاة التي عقدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين المهاجرين والأنصار حين قدومه إلى المدينة بعد بنائه المسجد على المواساة والمساعدة على سائر الحق، فكانوا يتوارثون بذلك دون القرابات، كما تقدم (¬1). في دارنا) وفي رواية مسلم (¬2): في داري التي بالمدينة، وفي رواية: في داره. وهكذا قال البخاري (¬3) في داري، ولم يقل: في داره. (فقيل له: أليس قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا حلف في الإسلام؟ ! ) الحلف الذي ورد النهي عنه في الإسلام ما كان منه في الجاهلية على التعاضد في الفتن والشرور والقتال بين القبائل والغارات، كما يقع في هذا الزمان كما بين العربان والفلاحين على محاربة الأعداء من المسلمين المؤمنين وعلى سفك دمائهم وأخذ أموالهم، وربما يقع ذلك في الأشهر الحرم وغيرها (¬4). (فقال) أنس (حالف) أي: آخى (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين المهاجرين والأنصار في دارنا) التي بالمدينة. (مرتين أو ثلاثًا) شك من الراوي، وهذِه الزيادة ليست في الصحيحين. * * * ¬

_ (¬1) "المفهم" للقرطبي 21/ 38. (¬2) الحديث في "صحيح مسلم" (2529 و 2530) وليس فيه هذِه اللفظة، وإنما الذي فيه: في داره. (¬3) (2294، 6083، 7340). (¬4) انظر: "شرح مسلم" للنووي 16/ 82، "النهاية" 1/ 1031، "عمدة القاري" 35/ 452.

18 - باب في المرأة ترث من دية زوجها

18 - باب في المرْأَةِ تَرِثُ مِنْ دِيَة زَوْجِها 2927 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حدثنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ سَعِيدٍ قال: كانَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ يَقُول الدِّيَة لِلْعاقِلَةِ وَلا تَرِث المَرْأَةُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِها شَيْئًا حَتَّى قال لَهُ الضَّحّاكُ بْنُ سُفْيانَ: كَتَبَ إِلَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضِّبابيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِها. فَرَجَعَ عُمَرُ. قالَ أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ: حدثنا عَبْدُ الرَّزّاقِ بهذا الحَدِيثِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ سَعِيدٍ وقالَ فِيهِ: وَكانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الأعرابِ (¬1). * * * باب في المرأة ترث من دية زوجها [2927] (حدثنا أحمد بن صالح) المصري الحافظ شيخ البخاري. (حدثنا سفيان، عن الزهري، عن سعيد) بن المسيب. (قال: كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه - يقول: الدية) يعني دية المقتول (للعاقلة) يعني لعصباته الذين يعقلون أي يعطون دية قتل الخطأ عن الجاني وهم الأقارب من جهة الأب، وكان عمر يقول بهذا ويذهب إليه في أول الأمر لظاهر القياس، وذلك أن المقتول لا تجب ديته ولا يستحقها إلا إذا مات وبالموت تزول أملاك الميت الثابتة له، ويخرج عن أن يكون أهلًا للملك، وهي إحدى الروايتين عن علي -رضي الله عنه - (¬2)، ثم ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2112)، وابن ماجه (2752)، وأحمد 4/ 102، 103. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2599). (¬2) رواية توريثه لها أخرجها ابن أبي شيبة في "المصنف" 9/ 314 (28129)، ورواية المنع أخرجها الدرامي (3042).

رجع عمر لما بلغه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبطل قياسه بالنص كما سيأتي. (ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئًا) لأنها لا ترث عنه إلا ما كان يملكه قبل موته، ودية المقتول لا ترثها إلا بعد موته، كما تقدم. (حتى قال لي الضحاك بن سفيان) بن عوف العامري الكلابي، ولاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قومه الذين أسلموا، وكان أحد الأبطال، وكان يعد بمائة فارس، ولما سار رسول الله إلى مكة أمَّره علي بني سليم (¬1). (كتب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أورث امرأة أشيم) بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح المثناة تحت (الضبابي) بكسر الضاد المعجمة وفتح الموحدة الأولى وكذا الثانية المكسورة، نسبة إلى معاوية بن كلاب بطن من مضر، وقيده بعضهم بفتح الضاد وهو وهم (¬2). (من دية زوجها) الذي قتل في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - مسلمًا (¬3). [وفيه من الفقه] (¬4) أن القتيل إذا عفا عن الدية كان عفوه جائزًا في ثلث ماله؛ لأنه قد ملكه، وإنما يجوز في قتل الخطأ؛ لأن الوصية فيه إنما تقع للقاتل بالدية أنها تقع للعاقلة الذين يغرمون الدية دون قتل العمد ولا وصية للقاتل كالميراث. قاله الخطابي، وفيه أنه لو أوصى لرجل بشيء من ديته دون الثلث جازت وصيته على هذا. وفي هذا الحديث من الفقه: أن من أوصى بثلث ماله لرجل فقتل ¬

_ (¬1) الإصابة" 3/ 477. (¬2) "الأنساب" 4/ 6. (¬3) "الإصابة" 1/ 90 (207). وما بين المعقوفين سقط من (ع)، . (¬4) في (ل) طمس، والمثبت من (ع).

الموصي ولم يخلف إلا ديته وأخذت فللموصى له بالثلث تلك الدية؛ لأن ظاهر الحديث أن الدية ملك للمقتول تورث عنه للزوجة وغيرها، وكذا تخرج منها وصيته. والدليل على أن الدية ملك للمقتول أنها بدل نفسه فيكون بدلها له كدية أطرافه المقطوعة منه في الحياة؛ ولأنه لو أسقطها عن القاتل بعد جرحه إياه كان صحيحًا، وليس له إسقاط حق الورثة، ولأنها مال موروث فأشبهت سائر أمواله. (فرجع عمر) عما كان قال به حين بلغه النص الصريح، وهذا الحديث صححه الترمذي (¬1)، إلا أن لفظه: الدية على العاقلة، ولا ترث امرأة من دية زوجها شيئًا. وعند ابن ماجه (¬2): أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام يوم فتح مكة فقال: "المرأة ترث من دية زوجها وماله وهو يرث من ديتها ومالها ما لم يقتل أحدهما صاحبه، فإذا قتل أحدهما صاحبه خطأ ورث من ماله ولم يرث عمدًا". ورواه أبو القاسم البغوي من طريق الزهري أن عمر قال: أيكم سمع رسول الله ورث امرأة من عقل زوجها فقام الضحاك فقال: كتبت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسأله: هل لامرأته من عقله شيء؟ فكتب إلى أن ورثها. وروى أبو يعلى عن المغيرة بن شعبة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى الضحاك أن يورث امرأة أشيم من دية زوجها (¬3). ¬

_ (¬1) "السنن" (1415). (¬2) (2736). (¬3) رواه الطبراني في "مسند الشاميين" 2/ 321، والدارقطني 4/ 76.

ورواه ابن شاهين عن المغيرة أنه قال: حدث عمر بن الخطاب بقصة أشيم فقال: لتأتيني على هذا بما أعرف. فنشدت الناس في الموسم، فأقبل رجل يقال له زرارة بن جزء فحدثه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك (¬1). والحمد لله وحده وصلى الله على من لا نبي بعده. * * * ¬

_ (¬1) "المعجم الكبير" للطبراني 5/ 276. وراجع "نصب الراية" 4/ 352.

كتاب الخراج والإمارة والفيء

كتاب الخراج والإمارة والفيء

1 - باب ما يلزم الإمام من حق الرعية

كِتَاب الخَرَاجِ وَالْإمِارَةِ وَالْفَيْءِ 1 - باب ما يلْزَمُ الإمامَ منْ حَقِّ الرَّعِيَّةِ 2928 - حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "أَلا كلُّكُمْ راعٍ وَكلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فالأَمِيرُ الذي عَلَى النّاسِ راعٍ عَلَيْهِمْ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ والرَّجُلُ راعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ والمَرْأَةُ راعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِها وَوَلَدِهِ وَهيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ وَالعَبْدُ راعٍ عَلَى مالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ فَكُلُّكُمْ راعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" (¬1). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (893، 2409، 2554)، ومسلم (1829).

{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كتاب الخراج والإمارة [والفيء باب ما يلزم الإمام من حق الرعية] (¬1) [2928] (حدثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك، عن عبد الله ابن دينار، عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ألا) بتخفيف اللام، حرف استفتاح (كلكم) رواية: "إن كلكم" (راعٍ) قال النووي: الأصل في الراعي القيام على إصلاح ما يتولى عليه الراعي أي: حافظ مؤتمن مستلزم صلاح ما قام عليه والاجتهاد في النصيحة له وإلى ما استند إليه أمر رعيته. وفيه أن كل من تحت نظره شيء مطالب بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دينه ودنياه، وأن لا يفرط في شيء من أمره، فإن وفى بما عليه من الرعاية حصل له الحظ الأوفر والأجر الأكبر (¬2) (وكلكم مسؤول) ومطالب (عن) كل واحد من (رعيته) فإن لم يف بحسن الرعاية بحقوقهم كثر مطالبوه وناقشه محاسبوه. ومن جملة الرعية المسؤول عنها أعضاؤه وجوارحه هل استعملها في طاعة الله أو معصيته؟ وهي شاهدة عليه (فالأمير الذي) يحكم (على الناس) هو (راعٍ) قائم بمصالحهم وحافظ (عليهم) مصالحهم (وهو مسؤول عنهم) عن كل ¬

_ (¬1) سقط من (ع). (¬2) انظر: "شرح مسلم" للنووي 12/ 212، "عمدة القاري" 10/ 60، "فتح الباري" 13/ 112.

واحد من رعيته، وفيه حث عظيم على وجوب النصيحة على كل من ولي أمر المسلمين، وبذل الاجتهاد في مصالحهم الدينية والدنيوية. وروى الطبراني في "الأوسط" (¬1) عن معقل بن يسار: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ولي أمة من أمتي قلَّت أو كثرت فلم يعدل فيهم كبه الله على وجهه في النار". (والرجل راعٍ على أهل بيته) من زوجة وخادم وولد وغير ذلك (وهو مسؤول عنهم) أي: عن كل واحد منهم صغيرًا كان أو كبيرًا وكذا تعليم الأولاد القراءة والكتابة والصنعة والحرفة الذي هو مسلم إليه هو راعٍ عليهم ومسؤول عنهم، هل ينصح لهم في التعليم؟ والرجل مسؤول عن نفقة زوجته وخادمه وأولاده وكسوتهم وما يحتاجون إليه، وعن تعليمهم ما يحتاجون إليه في صلاتهم ووضوئهم، وما يحتاجون إليه في أمر دينهم وهو أهم من الكسوة والنفقة، فإنها تسقط عنه إذا كان معسرا وعاجزًا عن التكسب، وأما تعليم دينهم فإن لم يعرف فيتعلم ويعلمهم، أو يسأل، أو يسلمهم إلى من يعلمهم عليه (¬2) إن ساغ ذلك لقوله تعالى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} (¬3)، وقوله: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ} (¬4) (والمرأة راعية) الرعاية: الحفظ والأمانة من قولهم: رعاك الله، أي: حفظك الله، وراعي الغنم: حافظها والمؤتمن عليها (على) ما في (بيت بعلها) البعل: الزوج، جمعه: بعول، كقوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ} (¬5)، ومنه حديث ¬

_ (¬1) (6629). (¬2) سقط من (ع). (¬3) التحريم: 6. (¬4) طه: 132. (¬5) البقرة: 228.

التشريق: "إنها أيام أكل وشرب وبعال" (¬1). أي: نكاح وملاعبة الرجل لأهله (¬2) (وولده) الولد بفتح الواو واللام يطلق على الذكر والأنثى والمفرد والمثنى والمجموع (وهي مسؤولة عنهم) عن عمل مصالحهم، وتدبير أمر البيت وما فيه (والعبد راعٍ على مال سيده) الذي استخلفه عليه (وهو مسؤول عنه) يوم القيامة (فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته) وأعاد هذِه الجملة تأكيدًا للأمر وتهويلا (¬3) له، وفيه رد لما يتوهم كثير من الناس أن الراعي هو الخليفة، وأن غيره ممن ذكر في معناه، فلا يقول الابن: مال أبي ما علي منه بل هو الحاكم [ .. ] (¬4) ولا تقول الزوجة والخادم كذا فتضيع من حقوق الآدميين [في التنبيه] (¬5) على ذلك من باب توفية نصح كل منهم وهو عليه الصلاة والسلام أكثر الرعاة، وبوب عليه البخاري (¬6) باب الجمعة في القرى والمدن. وفي النكاح (¬7): أن المرأة راعية في بيت زوجها (¬8). * * * ¬

_ (¬1) رواه بهذا اللفظ ابن أبي شيبة 8/ 663 (15500)، وعبد بن حميد (1562)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 6/ 147 وغيرهم. (¬2) "النهاية" لابن الأثير 1/ 368. (¬3) بياض في الأصل. (ع) وفي (ل) بياض ثم كلمة: والخادم. فوق السطر. (¬4) كذا في الأصل (ل، ر) وفي (ع) فما التنبيه ... (¬5) قبل حديث (892). (¬6) فبل حديث (5200). (¬7) في الأصول: تأكيد تهويل، والصحيح ما أثبت. (¬8) "صحيح البخاري" (5188) من حديث ابن عمر.

2 - باب ما جاء في طلب الإمارة

2 - باب ما جاءَ في طَلَب الإِمارَةِ 2929 - حدثنا محَمَّد بْن الصَّبّاحِ البَزّازُ، حدتنا هُشَيْم، أَخْبَرَنا يُونُسُ وَمَنْصُورٌ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قال: قال ليَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ لا تَسْأَلِ الإِمارَةَ، فَإِنَّكَ إِذا أُعْطِيتَها عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ فِيها إِلَى نَفْسِكَ، وَإِنْ أُعْطِيتَها عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْها" (¬1). 3930 - حدثنا وَهْبٌ بْن بَقِيَّةَ، حدثنا خالِدٌ، عَنْ إِسْماعِيلَ بْنِ أَبِي خالِدٍ، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ بِشْرِ بْنِ قُرَّةَ الكَلْبيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قال: انْطَلَقْتُ مَعَ رَجْلَيْنِ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فتَشَهَّدَ أَحَدُهُما ثُمَّ قال: جِئْنا لِتَسْتَعِينَ بِنا عَلَى عَمَلِكَ. وقالَ الآخَرُ مِثْلَ قَوْلِ صاحِبِهِ. فَقالَ: "إِنَّ أَخْوَنَكُمْ عِنْدَنا مَنْ طَلَبَهُ" .. فاعْتَذَرَ أَبُو مُوسَى إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَقال: لَمْ أَعْلَمْ لمِا جاءا لَه. فَلَمْ يَسْتَعِنْ بِهِما عَلَى شَيء حَتَّى ماتَ (¬2). * * * باب ما جاء في طلب الإمارة [2929] (حدثنا محمد بن الصباح البزاز) بزايين وهو التاجر البغدادي (¬3) (حدثنا هشيم) بن بشير الواسطي (أخبرنا يونس ومنصور، عن الحسن) بن أبي الحسن البصري (عن عبد الرحمن بن سمرة) بن حبيب [العبشمي القرشي] (¬4)، أسلم يوم فتح مكة، وغزا خراسان في ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6622)، ومسلم (1652). (¬2) رواه أحمد 4/ 393. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (558). (¬3) "تهذيب الكمال" 25/ 388. (¬4) في (ع): القرشي القيسي.

زمن عثمان، وهو الذي افتتح سجستان وكابل، وكان الحسن معه في غزوة سجستان (¬1) (قال: قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: يا عبد الرحمن بن سمرة: لا تسألِ) بكسر اللام في الوصل (الإمارة) ظاهر النهي عن مجرد طلب الإمارة لا لهوى نفسه (¬2) ولا غيرها لما فيها من الخطر والافتتان ولغيره (¬3) (فإنك إذا أعطيتها) وهذا محمول على ما إذا كان هناك جماعة ممن يصلح أن يقوم بها، فأما إذا لم يكن هناك ممن يصلح لها (¬4) إلا واحدا تعين عليه ووجب عليه أن يتولاها، ويخبر الإمام بصفاته المجتمعة فيه مما يستحق الإمارة من العلم والكفاية كما قال يوسف عليه السلام: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} (¬5) ثم بيَّن وجه علة النهي عنها: فإنك إن أعطيتها (عن مسألة) منك (وكلت فيها إلى نفسك) لأنك إذا سألتها واحترصت عليها مع العلم بكثرة آفاتها وصعوبة التخلف عنها دل على أنك طلبتها لغرض نفسك الأمارة بالسوء. (وإن أعطيتها عن غير مسألة) منك ولا استشراف نفسك إليها وكراهتك الولاية لعلمك بآفاتها وخوفًا على نفسك من التقصير عن القيام بحقوقها (أعنت عليها) وعلى القيام بلوازمها. وفي الحديث دليل على أن من تعاطى أمرًا وسولت له نفسه أنه قائم بذلك الأمر أنه يخذل فيه في غالب الأحوال؛ لأن من سأل الإمارة لم يسألها إلا وهو يرى نفسه أهلًا لها فيوكل إلى نفسه، ولم يعن على ¬

_ (¬1) "الإصابة" 4/ 310. (¬2) في (ع): يفسح. (¬3) في (ع): وكثرة. وبعدها بياض. (¬4) سقط من (ع). (¬5) يوسف: 55.

القيام بها، وأن من دعي إلى عمل أو إمامة في الدين، فرأى أنه لا يصلح لذلك العمل ولا يقدر على القيام بحقه لما يعلم من تقصيره وهاب تعاطي ذلك رزقه الله تعالى المعونة على ذلك ووفقه في جميع أموره فيها (¬1). [2930] (حدثنا وهب بن بقية) الواسطي شيخ مسلم (حدثنا خالد) بن عبد الله الطحان الواسطي، اشترى نفسه من الله ثلاث مرات (¬2) (عن إسماعيل بن أبي خالد) سعد الكوفي، وكان طحانًا (عن أخيه) كذا ورواه البخاري في "التاريخ الكبير" (¬3) عن أخيه، انتهى. وله جماعة إخوة عدتهم أربعة: أشعث بالثاء المثلثة آخره، وسعيد وخالد ونعمان، وذكر أن بعضهم رواه عن إسماعيل عن أبيه، وقال: لا يصح فيه عن أبيه (¬4). (عن بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة (بن قرة) وقيل: قرة بن بشر (¬5) (الكلبي) الكوفي، صدوق حكاه شيخنا (¬6). (عن أبي بردة) عامر بن أبي موسى الأشعري (عن) أبيه (أبي موسى) الأشعري -رضي الله عنه - (قال: انطلقت مع رجلين إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -) ولمسلم (¬7): من ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" 13/ 124، "شرح النووي على مسلم" 11/ 116. (¬2) "الكاشف" (1333) وتمام كلامه: بوزنه فضة. وانظر: "تاريخ بغداد" 8/ 294. (¬3) 7/ 184 (822). (¬4) "التاريخ الكبير" 2/ 82. (¬5) "تهذيب الكمال" 4/ 140. (¬6) قال ابن حجر: مجهول. انظر: "التقريب" (5538). وقال ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" 4/ 361: غير معروف. وقال الذهبي في "الميزان" 1/ 324: لا يدرى من ذا. حديثه في ذم طلب العمالة. وقال في 3/ 387: قرة بن بشر، عن أبي بردة. لا يعرف. (¬7) (1733).

بني عمي من الأشعريين، أحدهما عن يميني والآخر عن يساري، وكلاهما يسأل العمل، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يستاك، وكأني أنظر إلى سواكه تحت شفته وقد قلصت. (فتشهد) تشهد وهو تفعل من الشهادة، سمي تشهدًا؛ لأن فيه: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وهذا إنما يؤتى به بعد الحمد لله (أحدهما (¬1) ثم قال: جئنا) إليك (لتستعين بنا على) بعض (عملك) أي: بأن تولينا وتجعل كل واحد منا عاملًا لك على الجهات التي تحت نظرك وولايتك ثم تشهد الآخر (وقال الآخر مثل قول صاحبه) الذي تكلم قبله. (فقال: ) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إن أخونكم) أي: أكثركم خيانةً (عندنا من) سأل العمل و (طلبه) ومما جرى من الكلام في هذا المعنى مجرى المثل قولهم: الحرص على الأمانة دليل الخيانة (¬2). (فاعتذر أبو موسى) الأشعري، يعني حين استفهم واستعلم ما عنده من إرادتهما للعمل بقوله: ما تقول يا أبا موسى؟ (وقال: لم أعلم لما جاءا له) وأخبر: أنه لم يكن عنده خبر من إرادتهما العمل، فلما تحقق النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك ولاه العمل؛ إذ لم يسأله ولا حرص عليه، وأما اللذان سألاه (فلم يستعن بهما على شيء) من أعماله (حتى مات) لحرصهما على العمل لما تقدم أن الحارص على الإمارة مخذول، والكاره لها معان، ومن خذله الله لا يكون كفؤًا، وغير الكفؤ لا يولى لوجود التهمة. * * * ¬

_ (¬1) سقط من (ع). (¬2) انظر: "المفهم" 4/ 17.

3 - باب في الضرير يولى

3 - باب في الضَّرِيرِ يوَلَّى 2931 - حدثنا مُحَمَّدُ بْن عَبْدِ اللهِ المُخَرِّميُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْديٍّ، حدثنا عِمْران القَطّانُ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَخْلَفَ ابن أُمِّ مَكْتُومٍ عَلَى المَدِينَةِ مَرَّتَيْنِ (¬1). * * * باب في الضرير يولى [2931] (حدثنا محمد بن عبد الله) بن المبارك القرشي، شيخ البخاري، وهو (المخرمي) بضم الميم وفتح الخاء المعجمة والراء المشددة نسبة إلى المخرم، وهي محلة ببغداد، قيل لها: المخرم؛ لأن بعض ولد يزيد بن المخرم نزلها فسميت به (¬2). (حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا عمران) بن داود (القطان) وثقه عفان بن مسلم، واستشهد به البخاري، وأخرج له تعليقًا في باب: وجوب الصلاة في الثياب (¬3). (عن قتادة، عن أنس -رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أستخلف ابن أم مكتوم) الأعمى. قال ابن عبد البر: كان ممن قدم المدينة مع مصعب بن عمير قبل ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 192، وأبو يعلى 5/ 422، 1438 (3110، 3138)، وابن الجارود (310)، والضياء في "المختارة" 7/ 91، 92 (2502، 2504). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2602)، وفي "الإرواء" (530). (¬2) "الأنساب " 5/ 223. (¬3) "صحيح البخاري" بعد حديث (351).

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). قال بعضهم: إنما ولاه الصلاة بالمدينة دون القضاء والأحكام؛ فإن الضرير لا يجوز له أن يقضي بين الناس؛ لأنه لا يدرك الأشخاص ولا يثبت الأعيان، ولا يدري لمن حَكم وعلى من حكم، وهو مقلد في كل ما يليه من هذِه الأمور والحكم بالتقليد غير جائز (¬2). وللشافعية قول حكاه في "البحر" ونحوه أنه يصح تولية الأعمى. وحكى الجرجاني أنه قول قديم للشافعي، ووجهه أن شعيبًا كان أعمى، والجمهور: لا يصح، وأما شعيب فلا نسلمه فيه، فإنه لم يثبت أنه كان أعمى، ولو ثبت ذلك لم يلزم هاهنا ولا يكون دليلا هنا؛ لأن شعيبًا كان من آمن به من الناس قليل، وربما لا يحتاجون إلى الحكم لقلتهم وتناصحهم فيما بينهم فلا يكون حجة في مسألتنا (¬3). وقيل: إنه عليه السلام إنما ولاه الإمامة بالمدينة إكراما له حين عاتبه الله في أمره في قوله: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} (¬4)؛ فإن الآية نزلت فيه. وفيه دليل على أن إمامة الأعمى غير مكروهة ([على المدينة] (¬5) مرتين) قال المنذري: استخلفه مرات (¬6). ¬

_ (¬1) "الاستيعاب" 3/ 997، 1198. (¬2) هذا كلام الخطابي في "معالم السنن" 3/ 233. (¬3) "المغني" 11/ 381، "الشرح الكبير" 11/ 387. (¬4) عبس: 1، 2. (¬5) ساقطة من الأصول، والمثبت من "سنن أبي داود". (¬6) انظر: "إعانة الطالبين" 4/ 212، "البدر المنير" 4/ 453.

وفي "الاستيعاب" (¬1): كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة يستخلفه عليها في أكثر غزواته (¬2). * * * ¬

_ (¬1) 3/ 997. (¬2) جاء على حاشية (ع) هنا: ويجاب بعد تسليم صحة ورود العموم الذي فيه باحتمال أنه أستخلفه للتكلم في أمور العامة، منها: الحراسة وما يتعلق بها في معرض الحكم الذي الكلام فيه حجة.

4 - باب في اتخاذ الوزير

4 - باب في اتِّخاذِ الوَزِيرِ 2932 - حدثنا مُوسَى بْنُ عامِر المُرِّيُّ، حدثنا الوَلِيدُ، حدثنا زهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَن عَائِشَةَ قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا أَرادَ اللهُ بِالأَمِيرِ خَيْرًا جَعَلَ لَهُ وَزِيرَ صِدْقٍ إِنْ نَسيَ ذَكَّرَهُ وَإِنْ ذَكَرَ أَعانَهُ وَاِذا أَرادَ اللهُ بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ جَعَلَ لَهُ وَزِيرَ سُوءٍ إِنْ نَسيَ لَمْ يُذَكرْهُ وَإِنْ ذَكرَ لَمْ يُعِنْهُ" (¬1). * * * باب في اتخاذ الوزير [2932] (حدثنا موسى بن عامر) بن عمارة (المري) بضم الميم وكسر الراء المشددة الدمشقي و (حدثنا الوليد) بن مسلم (حدثنا زهير بن محمد) التميمي المروزي نزل الشام (عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد التميمي الفقيه (عن أبيه) القاسم بن أبي بكر التيمي الفقيه. (عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا أراد الله تعالى بالأمير) الذي له ولاية على قوم من خليفة أو قاضٍ ونحوهما. (خيرًا) يحتمل أن يراد به عموم خير الدنيا والآخرة؛ لأنه نكرة في معرض الشرط، ويحتمل أن يكون معناه الخصوص؛ لأن ذلك سائغ في ألسنة العرب، كما قال بعض العلماء: إن المراد بالخير المطلق الجنة، وهذا ليس بقوي، والأول أولى. (جعل له وزير) هو مشتق من الوزر وهو الثقل والإثم؛ لأنه يتحمل ¬

_ (¬1) رواه النسائي 7/ 159، وأحمد 6/ 70، والبيهقي 10/ 111. قال النووي في "رياض الصالحين" (679): رواه أبو داود بإسناد جيد على شرط مسلم. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2603).

عن الملك ثقل التدبير ومؤنة ما يحتاج إلى فعله ويسمى السلاح وزرًا؛ لثقله على لابسه، وقيل: مشتق من الوزر وهو اللجأ، قال الله تعالى: {لَا وَزَرَ} (¬1) أي: لا ملجأ منه إلا إليه، ويسمى الوزير بذلك لأن الملك يعتصم برأيه ويلجئ إليه أموره، وقيل: الوزير مشتق من المؤازرة وهي المعاونة عن الأصمعي قال: وكان القياس أن يقال: أزير فقلبت الهمزة إلى الواو، ووجه قلبها أن فعيلا جاء في معنى مُفاعل محبًّا صالحا، كقولهم: عشير وجليس ونديم، فلما قلبت في أخيه قلبت فيه (¬2). (صدق) أي: صادقًا في النصح له، والأظهر أن المراد به وزيرًا صالحًا؛ لرواية النسائي (¬3) ولفظه: قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من ولي منكم عملًا فأراد الله به خيرًا جعل له وزيرًا صالحًا". ثم بيَّن وزير الصدق (إن نسي) شيئًا من أحكام الشريعة وآدابها أو نسي قضية منه في مظلوم رفعت إليه، أو نسي مصلحة من مصالح الرعية ونحو ذلك (ذكره) ما نسيه ونبهه عليه. (وإن) لم ينس شيئًا ولكن (ذكر) ذلك واحتاج إلى مساعدة بالرأي أو اللسان أو البدن (أعانه) أعانه على ذلك وساعده. ومن أهم ما ينبغي أن يكون في الوزير: أن يكون حريصًا على أفعال الخير راغبًا فيه وفي تحصيله للملك ولرعيته وجنوده، كارهًا للشر وأهله، ¬

_ (¬1) القيامة: 11. (¬2) "النهاية" 5/ 392، "تاج العروس" 14/ 360، "فيض القدير" 10/ 340. (¬3) (4215).

وينبغي له أن يحترص على أن تكون مملكة الملك جميعها عامرة آمنة، والرعية داعية والهدايا إلى الملك جارية، وجنوده ورعاياه راضية. (وإذا أراد الله به غير ذلك جعل) الله (له وزير سوء، إن نسي) شيئًا مما يتعلق بمصالحه ومصالح الرعية (لم يذكره) ذلك (وإن ذكر) واحتاج إلى إعانة (لم يعنه) ولا يألوه إلا خبالًا أي: فسادًا. * * *

5 - باب في العرافة

5 - باب في العِرافةِ 2933 - حدثنا عَمْرٌو بْنُ عُثْمانَ، حدثنا محَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ سُلَيْمانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جابِرٍ، عَنْ صالِحِ بْنِ يَحْيَى بْنِ الِمقْدامِ، عَنْ جَدِّهِ الِمقْدامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ضَرَبَ عَلَى مَنْكِبِهِ، ثمَّ قالَ لَهُ: " أَفْلَحْتَ يا قُدَيْمُ إِنْ مُتَّ وَلَمْ يمُنْ أَمِيرًا وَلا كاتِبًا وَلا عَرِيفًا" (¬1). 2934 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا بِشْرُ بْن المفَضَّلِ، حدثنا غالِبٌ القَطّان، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أنَهُمْ كانُوا عَلَى مَنْهَلٍ مِنَ المَناهِلِ فَلَمّا بَلَغَهُمُ الإِسْلامُ جَعَلَ صاحِبُ الماءِ لِقَوْمِهِ مِائَة مِنَ الإِبِلِ عَلَى أَنْ يُسْلِمُوا فَأَسْلَمُوا، وَقَسَمَ الإِبِلَ بَيْنَهُمْ وَبَدا لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَها مِنْهُمْ فَأَرْسَلَ ابنهُ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ لَهُ: ائْتِ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْ لَهُ: إِنَّ أَبي يُقْرِئكَ السَّلامَ وَإِنَّهُ جَعَلَ لِقَوْمِهِ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ عَلَى أَنْ يُسْلِمُوا فَأَسْلَمُوا وَقَسَمَ الإِبِلَ بَيْنَهُمْ وَبَدا لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَها مِنْهُمْ، أَفهُوَ أَحَقُّ بِها أَمْ هُمْ فَإِنْ قالَ لَكَ: نَعَمْ أَوْ لا فَقُلْ لَهُ: إِنَّ أَبي شَيْخٌ كَبِيرٌ وَهُوَ عَرِيفُ الماءِ، وَإِنَّهُ يَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ ليَ العِرافَةَ بَعْدَة. فَأَتاهُ فَقالَ: إِنَّ أَبي يُقْرِئُكَ السَّلامَ. فَقالَ: "وَعَلَيْكَ وَعَلَى أَبِيكَ السَّلامُ"، فَقالَ: إِنَّ أَنْ جَعَلَ لِقَوْمِهِ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ عَلَى أَنْ يُسْلِمُوا فَأَسْلَمُوا وَحَسُنَ إِسْلامُهُمْ ثمَّ بَدا لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَها مِنْهُمْ أَفَهُوَ أَحَقُّ بِها أَمْ هُمْ فَقالَ: "إِنْ بَدا لَهُ أَنْ يُسْلِمَها لَهُمْ فَلْيُسْلِمْها وَإِنْ بَدا لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَها فَهُوَ أَحَقُّ بِها مِنْهُمْ، فَإِنْ هُمْ أَسْلَمُوا فَلَهُمْ إِسْلامُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يُسْلِمُوا قُوتِلُوا عَلَى الإِسْلامِ " .. فَقالَ: إِنَّ أَبي شَيْخٌ كَبِيرٌ وَهُوَ عَرِيفُ الماءِ وَإِنَّهُ يَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ ليَ العِرافَةَ بَعْدَهُ. فَقالَ: "إِنَّ العِرافَةَ حَقٌّ وَلا بُدَّ لِلنّاسِ مِنَ العُرَفاءِ، ، ولكن العُرَفاءَ في النّارِ" (¬2). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 133، والطبراني في "مسند الشاميين" 2/ 297، 300، والبيهقي 6/ 361. وأعله الحافظ الذهبي في "المهذب" 5/ 2541 (10443)، وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (509). (¬2) رواه البيهقي 6/ 361. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (510).

باب في العرافة [2933] (حدثنا عمرو بن عثمان) بن سعيد الحمصي، حافظ صدوق (¬1) (حدثنا محمد بن حرب) الأبرش الحمصي كاتب الزبيدي (¬2) (عن أبي سلمة سليمان بن سليم) الكناني الكلبي مولاهم الشامي، قال أبو عبيد الآجري: سألت أبا داود عن أبي سلمة الحمصي فقال: ثقة (¬3) (عن يحيى بن جابر) القاضي وكان كاتبه، يعني: كان يحيى قاضي حمص وهو: طائي صدوق (¬4). (عن صالح بن يحيى بن المقدام) الكندي الشامي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬5). قال المنذري: فيه كلام قريب لا يقدح (¬6)، وقال البخاري: فيه نظر (¬7). قال موسى بن هارون: لا يعرف صالح وأبوه إلا بجده (¬8). [وقال: يخطئ] (¬9) وروى له النسائي وابن ماجه. ¬

_ (¬1) "التقريب" (5073). (¬2) "التقريب" (5805). (¬3) "تهذيب الكمال" 11/ 441، "تعجيل المنفعة" 1/ 611. (¬4) "الكاشف" 2/ 363 (6143). (¬5) "الثقات" 6/ 459: ثم قال: يخطئ. (¬6) الذي في "مختصر سنن أبي داود" للمنذري 4/ 195: صالح بن يحيى قال البخاري فيه نظر وقال موسى بن هارون الحافظ: لا يعرف صالح ولا أبوه إلا بجده. (¬7) "التاريخ الكبير" 4/ 293 (2870). (¬8) "سنن الدارقطني" 4/ 287، و"معرفة السنن" 14/ 95. (¬9) هذِه الجملة فيها خلل واضح؛ لأن سياقها هكذا يوهم أنها من كلام موسى بن هارون بينما هي من كلام ابن حبان حيث أورده في "الثقات" 6/ 459 ثم قال: يخطئ. وانظر: "تهذيب الكمال" 13/ 105، "تهذيب التهذيب" 4/ 357، =

(عن جده المقدام بن معدي كرب) بن عمرو الكندي أبي كريمة -رضي الله عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضرب على منكبه) ليكون أبلغ في وعيه لما أمره به من الموعظة وأجمع لفهمه، والمنكب مجتمع رأس العضد والكتف، وهو مما يعتمد عليه (ثم قال له: أفلحت يا قديم) بضم القاف وفتح الدال مصغر مقدام، وهذا تصغير ترخيم، وهو تصغير الاسم بتجريده من الزوائد، كما في تصغير محمود: حميد، وفيه دليل على جواز تصغير وترخيم الاسم في النداء إذا لم يكره ذلك المنادى ولم يتأذ بذلك، ومنه ما رواه الإمام أحمد (¬1) عن عائشة قالت: لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مسند فخذه إلى عثمان، وإني لأمسح العرق عن جبينه، وإن الوحي ينزل عليه وهو يقول: " اكتب عثيم .. " الحديث. (إن مت ولم تكن أميرًا) وهو أصل عظيم في اجتناب الولايات لمن يخاف عليه عدم القيام بحقوقها، وأما من كان أهلًا للإمارة وعدل فيها فله فضل عظيم تظاهرت به الأحاديث الصحيحة كحديث: "إن المقسطين على منابر من نور" (¬2). (ولا كاتبًا) فيه تحذير من الكتابة لما فيها، والكاتب إما أن يكتب على الجزية أو المواريث أو الأوقاف، أو على خراج المسلمين، أو على بياع من التجار ونحو ذلك، وهذا فيمن لا يقدر على الخلاص فيها. ¬

_ ="الضعفاء والمتروكين" لابن الجوزي 2/ 51، "الجوهر النقي" لابن التركماني 9/ 329. (¬1) في "المسند" 23/ 228 (26130). (¬2) أخرجه مسلم (1728).

(ولا عريفًا) العريف هو القيم بأمور القبيلة أو الجماعة من الناس يلي أمورهم ويتعرف الأمير منه أحوالهم، وهو فعيل بمعنى فاعل، ويسمى العريف نقيبًا، وهو دون الرئيس، والعرافة عمله (¬1)، ومنه حديث: "العرافة حق" (¬2) أي: فيها مصلحة ورفق. [2934] (حدثنا مسدد، حدثنا بشر بن المفضل، حدثنا غالب) بن أبي غيلان خطافا (¬3) (القطان) البصري (عن رجل، عن أبيه، عن جده: أنهم كانوا على منهل) بفتح الميم والهاء، كل ماءٍ يرده عابر الطريق وما كان على غير الطريق لا يدعى منهلًا ولكن يضاف إلى موضعه، أو إلى أمرٍ هو مختص به، فيقال: منهل بني فلان أي: شربهم أو موضع نهلهم (¬4). قال الجوهري: المنهل: المورد، وهو عين ماءٍ ترده الإبل في المراعي، وتسمى المنازل التي في المفاوز على طريق المسافرين (من المناهل) لأن فيها ماء (¬5). (فلما بلغهم الإسلام جعل صاحب الماء) المنهل، لعل المراد بصاحب الماء حافظه الذي يلي حبسه وإرساله ومصالح أمره، ومن ورود الصحبة بمعنى الحفظ حديث: "اللهم اصحبنا بصحبة" (¬6)، ¬

_ (¬1) انظر: "شرح السنة" للبغوي 10/ 60، "مشارق الأنوار" 2/ 23، "شرح أبي داود" للعيني 6/ 269. (¬2) هو الحديث الذي يأتي بعد هذا. (¬3) بضم المعجمة وقيل بفتحها. "التقريب" (5346). (¬4) "النهاية" 5/ 289. (¬5) "الصحاح" 5/ 115. (¬6) أخرجه الحاكم 2/ 109، بلفظه، وأحمد 15/ 111، والترمذي (3438) بنحوه.

ومعناه: احفظنا بحفظك في سفرنا. (لقومه مائة من الإبل) من ماله (على أن يسلموا) أي: يدخلوا في الإسلام (فأسلموا) جميعًا، فيه أنه يستحب لأمير القوم وكبيرهم ترغيبهم في الإسلام ويعدهم بإعطاء الأموال الجزيلة والصلات السنية من ماله أو من بيت مال المسلمين. (وقسم الإبل) المائة (بينهم) على السوية بعد ذلك (وبدا) بسكون الألف دون همز أي: ظهر (له) رأى (أن) يأخذ الإبل و (يرتجعها) جميعها (منهم، فأرسل ابنه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له: ائت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقل له: إن أبي يقرئك) بضم أوله (السلام) يقول لك (وإنه) بكسر الهمزة قد (جعل لقومه مائة من الإبل) فيه: أن من كان له حاجة عند إنسان لسؤاله غير مسألة أو غيرها من الحوائج الأخروية والدنيوية، وأرسل إليه رسولًا أو كتب إليه رسالة يذكر حاجته فيها أن يبدأ للرسول وفي الكتابة بالسلام عليه، ثم يذكر بعدها ما أراد؛ فإن السلام قبل الكلام كما في الحديث (¬1). (على أن يسلموا) فأعطاهم (فأسلموا، وقسم الإبل بينهم) فيه أن من أعطى جماعة مالا له أن يقسمه عليهم بل هو أولى كما في دافع الزكاة. (وبدا له أن يرتجعها) منهم (أفهو أحق بها أم هم؟ ) أحق (فإن قال لك: نعم أو) قال لك (لا، فقل له: ) كلا الجوابين (إن أبي شيخ كبير) السن أو كبير القدر، وكلاهما فيه استعطاف وتحنن (وهو عريف الماء) أي: نقيب على الجماعة الذين يتصرفون في ماء المنهل الذي هم عليه، ويشبه أن ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2699) من حديث جابر.

يكون هذا القول كالعذر له المانع من الوقوف عليه أنه ضعيف الحركة لكبره وهو مشغول بعرافة الماء ولا يقوم غيره مقامه. (وإنه يسألك أن تجعل) فيه الانتقال من الخطاب إلى الخطاب، وهو المسمى عند أهل المعاني بالالتفات (لي العرافة) بكسر العين، وهي عمل الطريق كما تقدم (بعده، فأتاه فقال: إن أبي يقرئك السلام) ورحمته وبركاته (فقال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (وعليك وعلى أبيك السلام) وإتيانه بفاء التعقيب في قوله: فقال يدل على أن جواب السلام يكون عقب سماع كلام الرسول، فإنه يجب اتصال الرد بالسلام على الفور، كاتصال القبول بالإيجاب، فإن أخره بطول سكوت أو فصل بكلام كثير لم يقض بعد ذلك؛ لأن له سببًا فلا يقضى. قال أصحابنا: إذا بعث إنسان مع ابنه أو غيره سلامًا مشافهةً، أو في ورقة وجب الرد على الفور. وبعث السلام إلى من غاب سنة، ويلزم الرسول تبليغه، ويجب الرد على المُسَلِّمِ (¬1)، ويستحب الرد على الرسول أيضًا فيقول: وعليك وعليه السلام، كما في هذا الحديث: "وعليك وعلى أبيك السلام" كما في رواية النسائي (¬2) عن عائشة: جاء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن الله يقرئ خديجة السلام. فقالت: إن الله هو السلام وعلى جبريل السلام وعليك السلام ورحمة الله. (فقال: إن أبي جعل لقومه) عليه (مائة من الإبل على أن يسلموا، فأسلموا وحسن إسلامهم) أراد بحسن إسلامهم الإخلاص في الإسلام؛ ¬

_ (¬1) انظر: "تحفة الحبيب على شرح الخطيب" 2/ 71. (¬2) في "الكبرى" 5/ 94 (8301).

لأنهم لما دخلوا فيه لأجل الإبل التي جعلت لهم لم يكن إسلامهم حسنا؛ لأنه كان للرغبة في الإبل التي هي أنفس أموالهم، فلما دخلوا فيه وذاقوا طعمه وجدوا حلاوته، فطاب وقتهم ورغبوا فيه، وأخلصوا العمل. والإخلاص شرط في الإيمان والإسلام معا، وذلك أن من تلفظ بكلمة الإسلام وجاء بالعمل من غير نية لم يكن إسلامه حسنًا. قال ابن الأثير (¬1): ولا كان إسلامهم صحيحًا. (ثم بدا له أن يرتجعها منهم، أفهو أحق بها أم هم؟ ) أحق لأنهم لم يسلموا إلا على أخذها (فقال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إن بدا له) أي: أراد (أن يسلمها لهم فليسلمها) لعله كان قسمها بينهم ولم يسلمها لهم، بل تركها عنده، أو ائتمن الراعي عليها أو غيره (وإن بدا له أن يرتجعها) فخيره بين الأمرين، لكن قدم تسليمها إليهم؛ لأنه الأفضل لمن خرج عن شيء لله تعالى لا يعود فيه. (فهو أحق بها منهم) وفيه من الفقه أن من أعطى رجلًا مالًا على أن يفعل أمرًا هو لازم للآخذ مفروضًا عليه فعله ففعله فإن للمعطي ارتجاعه منه؛ لأن الإسلام كان فرضًا واجبًا عليهم فلم يجز لهم أن يأخذوا عليه جعلًا، وكذا فعل كل ما لا يتعدى نفعه فاعله من العبادات المختصة كالصيام وصلاة الإنسان لنفسه، وحجه عن نفسه، وأداء زكاة نفسه، فلا يجوز أخذ الجعالة والأجرة على شيء من هذا بلا خلاف؛ لأن المال المأخوذ عوضًا هو للانتفاع الحاصل للباذل، ولم يحصل لغير الفاعل هاهنا انتفاع، فأشبه إجارة الأعيان التي لا نفع فيها. ¬

_ (¬1) سقط من (ع).

وأما تزوج أبي طلحة أم سليم على إسلامه ونقل عنه جوازه، فيحتمل أنه زوجها له على غير صداق إكرامًا له لشرفه بصدق الإسلام، ولأن المهر ليس بعوض محض ولهذا جاز خلو العقد عن تسميته. (فإن هم أسلموا) أي: استمروا على إسلامهم (فلهم) نفع (إسلامهم) ولهم الأمان على أموالهم وذراريهم (وإن لم يسلموا قوتلوا) أي: قاتلهم الإمام كما قاتل أبو بكر أهل الردة بجماعة الصحابة، وقتل من قدر عليه منهم، وتبع مدبرهم، وأجاز على جريحهم، وصاروا دار حرب في اغتنام أموالهم وسبي ذراريهم (على) الرجوع إلى (الإسلام) أو يؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون. (فقال: إن أبي شيخ كبير، وهو عريف الماء، وإنه يسألك أن تجعل لي العرافة بعده) على الماء. ثم (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إن) عمل (العرافة حق) ليس بالباطل؛ لأن فيها مصلحة للناس ورفق بهم في أحوالهم وأمورهم لكثرة احتياجهم إليها ولمن يكون عارفًا بها وناصحًا فيها (ولا بد للناس) في انتظام أمورهم واجتماع كلمتهم (من العرفاء) عليهم (ولكن العرفاء في النار) قال في "النهاية": قاله تحذيرًا من التعرض للرياسة والحرص عليها لما في ذلك من الفتنة، وأنه إذا لم يقم بحقها أثم واستحق العقوبة (¬1). العاجلة والآجلة. * * * ¬

_ (¬1) "النهاية" 3/ 442.

6 - باب في اتخاذ الكاتب

6 - باب في اتِّخاذِ الكاتِبِ 2935 - حدثنا قُتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ، حدثنا نُوحُ بْن قَيْسٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مالِكٍ، عَنْ أَبي الجَوْزاءِ، عَنِ ابن عَبّاسٍ، قال: السِّجِلُّ كاتِبٌ كانَ لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). * * * باب (¬2) في اتخاذ الكاتب [2935] (حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا نوح بن قيس) الحداني، أخرج له مسلم (عن يزيد بن كعب) العوذي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3) (عن عمرو بن مالك) النكري بضم النون، ذكره ابن حبان في "الثقات" أيضًا (¬4). (عن أبي الجوزاء) أوس بن عبد الله الربعي البصري، حديثه رواه النسائي في التفسير عن قتيبة (¬5) (عن ابن عباس قال: السجل) المذكور في قوله: {كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} (¬6) اسم (كاتب كان للنبي - صلى الله عليه وسلم -) قال الثعلبي: وهذا غير قوي؛ لأن كُتَّاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا معروفين ¬

_ (¬1) رواه النسائي في "الكبرى" 6/ 408 (11335)، والبيهقي 10/ 126. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (510). (¬2) إلى هنا انتهى السقط الحاصل في (ر). (¬3) 9/ 271. (¬4) 7/ 228. (¬5) 2/ 453 (869). (¬6) الأنبياء: 104.

وليس هذا منهم (¬1). ورواه النسائي (¬2) عن قتيبة، عن نوح بن قيس، عن عمرو بن مالك -أعني: لم يذكر بينهما زيد بن كعب- أنه كان يقول في هذِه الآية: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ} قال: السجل هو الرجل. قال المزي: من زياداته، ورواه مسلم بن إبراهيم، عن يحيى، عن عمرو بن مالك، عن أبيه قال: وحديث النسائي ليس في الرواية (¬3). وجعله المنذري من أفراد المصنف، وأقره. وقال السدي (¬4) وابن عمر (¬5): السجل ملك يكتب أعمال العباد، فإذا صعد بالاستغفار قال الله تعالى: اكتبها نورًا (¬6). * * * ¬

_ (¬1) "الكشف والبيان" 6/ 311. (¬2) في "الكبرى" 6/ 408 (11273). (¬3) "تحفة الأشراف" 4/ 366. (¬4) "تفسير الطبري" 18/ 543، "تفسير ابن أبي حاتم" (14606). (¬5) "تفسير الطبري" 18/ 543، "تفسير ابن كثير" 5/ 382. (¬6) "الكشف والبيان" 6/ 311.

7 - باب في السعاية على الصدقة

7 - باب في السِّعايَةِ علَى الصَّدَقَةِ 2936 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْراهِيمَ الأَسباطيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ عاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنْ رافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "العامِلُ عَلَى الصَّدَقَةِ بِالحَقِّ كالغازي في سَبِيلِ اللهِ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى بَيْتِهِ" (¬1). 2937 - حدثنا عَبْدُ اللهِ بْن مُحَمَّدٍ النُّفَيْليُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبي حَبِيبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِماسَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ صاحِبُ مَكْسٍ" (¬2). 2938 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ القَطّان، عَنِ ابن مَغْراءَ، عَنِ ابن إِسْحاقَ قال: الذي يَعْشُرُ النّاسَ، يَعْني: صاحِبَ المَكْسِ (¬3). * * * باب في السعاية على الصدقة [2936] (حدثنا محمد بن إبراهيم) بن سليمان أبو جعفر الكوفي صدوق (¬4). (الأسباطي) بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة نسبة إلى الأسباط، وهو ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (645)، وابن ماجه (1809)، وأحمد 3/ 465، 4/ 143. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2604). (¬2) رواه أحمد 4/ 143، 150، والدارمي 2/ 1036 (1708)، وأبو يعلى 3/ 293 (1756)، وابن الجارود (339)، وابن خزيمة 4/ 51 (2333)، والحاكم 1/ 403، والبيهقي 7/ 16. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (512). (¬3) راجع السابق، وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (513). (¬4) "التقريب" (5694).

اسم لبعض أجداد المنتسب إليه (¬1). (حدثنا عبد الرحيم بن سليمان) المروزي بالكوفة. (عن محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة) الأنصاري الظفري، ثقة عالم وفد على عمر بن عبد العزيز في دين لزمه فقضاه عنه، وأمره أن يجلس في مسجد دمشق يحدث الناس بمغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومناقب أصحابه، وروى له الجماعة (¬2). (عن محمود بن لبيد) بن عقبة الأنصاري الأشهلي المدني، ولد في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخرج له مسلم (¬3). (عن رافع بن خديج) بن رافع الأوسي الحارثي، استصغر يوم بدر وشهد أحدًا (¬4). (قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: العامل) جَمْعُهُ عاملون (على الصدقة) وهي: الزكاة وهم السعاة الذين يبعثهم الإمام؛ لأخذها من أربابها، وجمعها ونقلها، ومن يعينهم ممن يسوقها، وكذلك الكاتب والحاسب والكيال والوزان والعداد. (بالحق) أي: مما يلزمه من حقوقها كحفظ الأموال من المتلفات وضبطها بالكتابة والحساب وغير ذلك مما يتعلق بمصالحها. (كالغازي) أي: أجره كأجر المجاهد (في سبيل الله) لأن العامل يشابه ¬

_ (¬1) "الأنساب" 1/ 127. (¬2) "تهذيب الكمال" 13/ 578. (¬3) "تهذيب الكمال" 27/ 309. (¬4) "الإصابة" 2/ 496، "تهذيب الكمال" 9/ 22.

الغازي في احتياج الناس إليه وفي سفره ومفارقته وطنه وأقاربه لمنافع المسلمين. (حتى يرجع) من سفره (إلى) أهله (بيته) فيه الترغيب في فعلها وإظهار فضيلتها لئلا يتخوف من مباشرتها لما فيها من الأمانة التي هي محل الخوف من التقصير في حفظها. [2937] (حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي، حدثنا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب) واسمه سويد، أبو رجاء. (عن عبد الرحمن بن شماسة) بضم الشين المعجمة وتخفيف الميم وبعد الألف مهملة، المصري المهري، أخرج له مسلم في الأيمان وغيره (¬1). (عن عقبة بن عامر) الجهني (قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لا يدخل) برفع اللام (الجنة صاحب مكس) وسيأتي تفسيره بفتح اللام. [2938] (حدثنا محمد بن عبد الله) بن أبي حماد الطرسوسي (القطان) أخرج له النسائي في الكنى (عن) عبد الرحمن (ابن مغراء) بفتح الميم وسكون الغين المعجمة وتخفيف الراء مع المد، وهو أبو زهير الدوسي الكوفي، وثقه أبو زرعة وغيره. (عن) محمد (ابن إسحاق) صاحب "المغازي" وهو أحد رواة الحديث قبله (قال) صاحب المكس هو (الذي يعشر الناس) ويعشر بفتح الياء وضم الشين المعجمة، ويجوز ضم الياء وكسر الشين المشددة يقال: عشرت مال فلان أعشره عشرًا، فأنا عاشر وعشرته ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1414، 1645، 1828، 1919، 1924، 2543، 2543).

بالتشديد، فأنا معشر وعشار إذا أخذت عشره. (يعني) به (صاحب المكس) وهو من يأخذ العشر على ما كان يأخذه أهل الجاهلية، مقيمًا على دينه لا يدخل الجنة لكفره، أو لاستحلاله لذلك إن كان مسلمًا وأخذه مستحلًّا وتاركًا فرض الله وهو ربع العشر، وأما من لم يستحل أخذ الحرام فهو محمول على أنه لم يدخل الجنة مع السابقين إليها، أو لا يدخلها حتى يعاقب إلا أن يغفر الله له. وأصل المكس: النقصان مكس وبخس. قال الأصمعي: الماكس العشار، وأصله الجباية (¬1). وصاحب المكس هو الذي يأخذ من التجار إذا مروا به مكسًا باسم العشر، أما من يعشرهم على ما فرض الله سبحانه فحسن جميل، وقد عشر جماعة من الصحابة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وللخلفاء بعده، وهو من يأخذ عشر ما سقته السماء، وعشر أموال أهل الذمة في التجارات. * * * ¬

_ (¬1) "تهذيب اللغة" 10/ 90.

8 - باب في الخليفة يستخلف

8 - باب في الخَلِيفةِ يَسْتَخْلِفُ 2931 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ داوُدَ بْنِ سُفْيانَ وَسَلَمَةُ قالا: حدثنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ سالِمٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قال: قال عُمَرُ: إِنّي إِنْ لا أَسْتَخْلِفْ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَسْتَخْلِفْ فَإِنْ أَسْتَخْلِفْ فَإِنَّ أَبا بَكْرٍ قَدِ اسْتَخْلَفَ. قال: فَواللَّهِ ما هُوَ إِلا أَنْ ذَكَرَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبا بَكْرٍ فَعَلِمْتُ أَنَّهُ لا يَعْدِلُ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحَدًا وَأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ (¬1). * * * باب في الخليفة يستخلف [2939] (حدثنا محمد بن داود بن سفيان) وهو مقبول (وسلمة) بن شبيب بفتح الشين المعجمة النيسابوري الحجري، أخرج له مسلم. [(قالا: حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني] (¬2) (أنبأنا معمر، عن الزهري، عن سالم) مولى ابن عمر (عن ابن عمر، قال عمر: ) زاد مسلم (¬3) أول الحديث عن ابن عمر قال: دخلت على حفصة فقالت: أعلمت أن أباك غير مستخلف؟ قال: قلت: ما كان ليفعل. قالت: إنه فاعل. قال: فحلفت أني أكلمه في ذلك، فسكت حتى غدوت ولم أكلمه، قال: فكنت كأنما أحمل جبلًا حتى رجعت فدخلت عليه فسألني عن حال الناس وأنا أخبره، قال: ثم قلت له: إني سمعت ¬

_ (¬1) رواه البخاري (7218)، ومسلم (1823). (¬2) سقط من (ر). (¬3) (1823).

الناس يقولون مقالة فآليت أن أقولها لك: زعموا أنك غير مستخلف، وأنه لو كان لك راعي إبل [أو راعي] (¬1) غنم ثم جاءك (¬2) وتركها، رأيت أن قد ضيع، فرعاية الله أشد (¬3)، قال: فوافقه قولي. فوضع رأسه ساعة ثم رفعه إليَّ فقال: إن الله عز وجل يحفظ دينه و (إني) والله (إن) شرطية (لا) [يعني: إن لم (أستخلف) بالجزم خليفة من بعدي (فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬4) لم يستخلف) أي: لم ينص على خليفة من بعده لا على أبي بكر ولا على علي ولا على غيره، وهذا هو مذهب جماعة أهل السنة من الصحابة ومن غيرهم، وقد ذهب بكر ابن أخت عبد الواحد إلى أن تقديم أبي بكر كان بالنص من النبي - صلى الله عليه وسلم -. وذهب ابن الراوندي إلى أنه نص على العباس، وذهبت الشيعة والرافضة إلى أنه نص على علي -رضي الله عنه -، وكل ذلك أقوال باطلة قطعًا، إذ لو كان ذلك لكان المهاجرون والأنصار أعرف بذلك فإنهم اختلفوا في ذلك يوم السقيفة، وقال كل واحد منهم ما عنده في ذلك من النظر، ولم ينقل أحد منهم نصًّا على رجل بعينه ولو كان عندهم نصٌّ لاستحال السكوت عليه في مثل ذلك الوقت العظيم والخطب المهم الجسيم، والتواطؤ من ذلك الجمع على الكتمان ومدعي النص في ذلك كاذب والمسألة إجماعية قطعية (¬5). ¬

_ (¬1) في (ر): ثم. (¬2) في (ر) حال. (¬3) من هنا بدأ سقط في (ر) مقدار ورقتين من المخطوط. (¬4) سقط من (ع). (¬5) انظر: "شرح مسلم" للنووي 12/ 206.

(وإن أستخلف) بعدي (فإن أبا بكر قد استخلف) ونص عليه وعينه، ولا خلاف في أن الأمر وقع كذلك، ثم إن عمر -رضي الله عنه - سلك طريقًا بين طريقين جمعت له الاقتداء بهما، فاقتدى برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أنه لم ينص على واحد بعينه فصدق عليه أنه غير مستخلف، واقتدى بأبي بكر من حيث أنه لم يترك أمر المسلمين مهملًا فإنه جعل الأمر شورى في ستة ممن يصلح للخلافة، وفوض التعيين إلى اختيارهم. (قال) ابن عمر (فوالله ما هو إلا أن ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر فعلمت أنه) كائن (لا يعدل برسول الله) - صلى الله عليه وسلم - في الاقتداء به في عدم الاستخلاف (أحدًا) بعده (وأنه غير مستخلف) عنه بالنص على أحد بعينه، وقد أجمع المسلمون على أن الخليفة إذا حضره مقدمات الموت يجوز له الاستخلاف، ويجوز له تركه (¬1). * * * ¬

_ (¬1) "شرح مسلم" للنووي 12/ 205.

9 - باب ما جاء في البيعة

9 - باب ما جاءَ في البَيْعَةِ 2940 - حدثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حدثنا شعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينارٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قالَ: كُنّا نُبايعُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى السَّمْعِ والطّاعَةِ وَيُلَقِّنُنا فِيما اسْتَطَعْتَ (¬1). 2941 - حدثنا أَحْمَدُ بْن صالِحٍ، حدثنا ابن وَهْب، حَدَّثَني مالِك، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُزوَةَ أَنَّ عائِشَةَ رضي الله عنها أَخْبَرَتْهُ عَنْ بَيْعَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - النِّساءَ قالَتْ: ما مَسَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ إِلا أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْها، فَإِذا أَخَذَ عَلَيْها فَأَعْطَتْهُ قالَ: "اذْهَبي فَقَدْ بايَعْتُكِ" (¬2). 2942 - حدثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ أَبي أَيُّوبَ، حَدَّثَني أَبُو عَقِيلٍ زُهْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ هِشامٍ قال: وَكانَ قَدْ أَدْرَكَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَذَهَبَتْ بِهِ أُمُّهُ زَيْنَبُ بِنْتُ حميْدٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ بايِعْهُ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هُوَ صَغِيرٌ" .. فَمَسَحَ رَأْسَهُ (¬3). * * * باب ما جاء في البيعة [2940] (حدثنا حفص بن عمر) الحوضي (حدثنا شعبة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا نبايع النبي - صلى الله عليه وسلم -) مأخوذ من البيع، وذلك أن المبايع للإمام يلتزم أن يقيه بنفسه وماله فكأنه قد بذل نفسه وماله لله تعالى، وقد وعده الله على ذلك بالجنة فكانت المعاوضة حصلت فصدق على ذلك اسم المبايعة كما قال تعالى: ¬

_ (¬1) رواه البخاري (7202)، ومسلم (1867). (¬2) رواه البخاري (2713)، ومسلم (1866). (¬3) رواه البخاري (2501).

{فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ} (¬1). قال القرطبي: وهي واجبة على كل مسلم لقوله عليه السلام: "من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية" (¬2). غير أنه من كان من أهل الحل والعقد والشهرة فبيعته بالقول والمباشرة باليد إن كان حاضرًا، أو بالقول والإشهاد عليه إن كان غائبًا، ويكفي من لا يؤبه له ولا يعرف أن يعتقد دخوله تحت طاعة الإمام ويسمع له ويطيع في السر والجهر، ولا يعتقد خلاف ذلك، فإن أضمره مات ميتة جاهلية؛ لأنه لم يجعل في عنقه بيعة (¬3). (على السمع والطاعة) وهذِه البيعة تسمى بيعة الأمراء، وسميت بذلك؛ لأن المقصود بها تأكيد السمع لما يقوله الأمير والطاعة لأمره، وليس المراد به مجرد السماع بل القبول والإجابة، وقدم السمع على الطاعة؛ لأن التكليف طريقه السمع والطاعة بعده، ويكون للمؤمن أن يكون قائلًا هذا دهره بالسمع والطاعة لله ولرسوله ولأئمة الأمر (¬4). (ويلقننا) التلقين هو أخذ القول من الفم مشافهة. وقال الفارابي: تلقن الكلام أخذه وتمكَّن منه (¬5). ولفظ مسلم (¬6): ويقول لنا. أي: يقول للآخذ عنه: قل (فيما استطعت) (¬7) وفيه رفع لما يخاف من التحرج بسبب مخالفة ¬

_ (¬1) التوبة: 111، وانظر: "المفهم" 12/ 93. (¬2) "صحيح مسلم" (1851). (¬3) "المفهم" 12/ 93. (¬4) "المفهم" 12/ 94. (¬5) "المصباح المنير" 2/ 558. (¬6) (1867). (¬7) في (ع) زيادة: نسخة: استطعتم.

تقع غلطًا أو سهوًا أو غلبة، فإن ذلك كله غير مؤاخذ به (¬1). وفيه أنه إذا رأى الإنسان يلتزم ما لا يطيقه ينبغي أن يعرفه ويقول له: لا تلتزم ما لا تطيق فيترك بعضه وهو نحو قوله عليه السلام: "عليكم من الأعمال بما تطيقون" (¬2). [2941] (حدثنا أحمد بن صالح) المصري (ثنا) عبد الله (ابن وهب، حدثني مالك، عن) محمد (ابن شهاب، عن عروة) بن الزبير (أن عائشة رضي الله عنها أخبرته عن بيعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النساء) وقد كان عبادة بايع رسول الله بيعة النساء (¬3). سميت بذلك لأنه لم يكن فيها ذكر خوف ولا قتال؛ لأن النساء لا قتال عليهن (¬4). (قالت: ما مس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يد) كذا الرواية، ولمسلم (¬5): ما مس رسول الله بيده (امرأة قط) وله في رواية (¬6): ولا والله ما مست يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يد امرأة قط غير أنه يبايعهن بالكلام، ووالله ما أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على النساء قط إلا بما أمره الله، وما مست كف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كف امرأة قط، وكان يقول لهن إذا أخذ عليهن: " قد بايعتكن " كلامًا. وفيه دليل على أن الرجل لا يلمس بيده امرأة أجنبية من غير ضرورة، فإن كان لضرورة كفصد وحجامة وقلع سن وكحل جاز إذا لم تجد امرأة ¬

_ (¬1) "المفهم" للقرطبي 12/ 95. (¬2) "شرح مسلم" للنووي 13/ 11. والحديث أخرجه البخاري (43) ومسلم (215). (¬3) أخرجه البخاري (7055) ومسلم (1709). (¬4) "التمهيد" 12/ 225، "المفهم" 12/ 94. (¬5) (1866/ 89). (¬6) (1866/ 88).

تفعله (¬1) (إلا أن يأخذ) يجوز الرفع وأن الخفيفة من الثقيلة وهذا الاستثناء منقطع، وتقدير الكلام: ما مس امرأة قط، لكن يأخذ (عليها) البيعة (فإذا أخذ عليها) وهذا التقدير مصرح به في رواية ولابد منه (¬2). فإذا أخذ عليها البيعة بالكلام (فأعطته) جواب ما أخذ عليها وبايعته على ذلك. وفيه: أن سماع كلام الأجنبية يباح سماعه عند الحاجة، وأن صوتها ليس بعورة (¬3) (قال: أذهبي) فيه أن المرأة إذا حضرت عند الإمام أو عند القاضي فلا تقيم إلا وقت الحاجة ثم تذهب، فإن لم تذهب قال لها الإمام أو القاضي: اذهبي (فقد بايعتك) ولا تحضر إلا وقت الحاجة فقط، ويدل عليه فقد بايعتك، يعني: لم تحضري إلا للمبايعة وقد حصلت فاذهبي عقبها. [2942] (حدثنا عبيد الله) بالتصغير (بن عمر بن ميسرة) القواريري الحافظ، روى مائة ألف حديث، شيخ الشيخين. (حدثنا عبد الله بن يزيد) المعافري، أخرج له البخاري في تفسير الأنفال. (حدثنا سعيد بن أبي أيوب) مقلاص الخزاعي مولاهم المصري (حدثني أبو عقيل زهرة بن معبد) بن عبد الله بن هشام القرشي، أخرج له البخاري في مناقب عمر والشركة والدعوات. (عن جده عبد الله بن هشام) بن عثمان التيمي القرشي، ولد سنة أربع ¬

_ (¬1) "شرح النووي على مسلم" 13/ 10. (¬2) "شرح مسلم" للنووي 13/ 11. (¬3) "شرح مسلم" للنووي 13/ 10، "فتح الباري" 13/ 204.

وله رؤية (¬1) (وكان قد أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذهبت به أمه زينب بنت حميد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله بايعه) كما بايعت أصحابك. (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هو صغير) عن أحكام المبايعة، فيه دليل على أن المبايعة لا تكون إلا للمكلف (¬2)، ولما كان - صلى الله عليه وسلم - لا يرد سائلًا ولا يواجه أحدًا بقوله: لاستغنى (¬3) عن ذلك بذكر العلة المانعة عن مبايعته وهو الصغر ولما منعها من مبايعته عوضها عن ذلك بما هو أنفع للصبي من ذلك. (فمسح رأسه) لتشمله بركة راحة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولابد أن يكون مع ذلك أن يكون دعا له بالبركة فيه كما كان من عادته - صلى الله عليه وسلم - إذا أتى بصبي أن يمسح رأسه ويدعو له بالبركة، وقد صرح بذلك البخاري في روايته (¬4) فقال: فمسح رأسه ودعا له، يعني: بالبركة، ثم قال: وكان يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله. * * * ¬

_ (¬1) "تقريب التهذيب" (3680). (¬2) انظر: "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 8/ 278. (¬3) في (ع): استغنى. (¬4) (7210).

10 - باب في أرزاق العمال

10 - باب في أَرْزاقِ العُمّالِ 2943 - حدثنا زَيْدُ بْنُ أَخْزَمَ أَبُو طالِب، حدثنا أَبُو عاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ الوارِثِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "مَنِ اسْتَعْمَلْناهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْناهُ رِزْقًا فَما أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ" (¬1). 2944 - حدثنا أَبُو الوَليدِ الطَّيالِسيُّ، حدثنا لَيْثٌ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابن السّاعِديِّ قال: اسْتَعْمَلَني عُمَرُ عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَمّا فَرَغْتُ أَمَرَ لي بِعُمالَةٍ فَقلْتُ: إِنَّما عَمِلْتُ لله. قال: خذْ ما أُعْطِيتَ فَإِنّي قَدْ عَمِلْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَعَمَّلَني (¬2). 2945 - حدثنا مُوسَى بْن مَرْوانَ الرَّقّيُّ، حدثنا المُعافَى، حدثنا الأوزاعيُّ، عَنِ الحارِثِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ خبَر بْنِ نُفَيْرٍ، عَنِ المُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدّادٍ قالَ: سَمِعْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ كانَ لَنا عامِلاً فَلْيَكْتَسِبْ زَوْجَةً فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خادِمٌ فَلْيَكْتَسِبْ خادِمًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْكَنٌ فَلْيَكْتَسِبْ مَسْكَنًا" .. قال: قال أَبُو بَكْرٍ: أُخْبرْتُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "مَنِ اتَّخَذَ غَيْرَ ذَلِكَ فَهُوَ غالٌّ أَوْ سارِقٌ" (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه البزار في "المسند" 10/ 307 (4427)، وأبو يعلى في "معجم الشيوخ" (244)، وابن خزيمة 4/ 70 (2369)، والحاكم 1/ 405، والبيهقي 6/ 355. وصححه ابن الملقن في "البدر المنير" 9/ 564، والألباني في "صحيح أبي داود" (2609). (¬2) رواه مسلم (1045). (¬3) رواه ابن خزيمة 4/ 70 (2370)، والطبراني 20/ 305، والحاكم 1/ 405، والبيهقي 6/ 355. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2611).

باب في أرزاق العمال [2943] (حدثنا زيد بن أخزم) بالخاء والزاي المعجمتين (¬1) (أبو طالب) الطائي البصري شيخ البخاري في ذكر بني إسرائيل وفي إسلام أبي ذر (حدثنا أبو عاصم) خشيش بن أصرم النسائي حافظ ثبت (¬2) (عن عبد الوارث بن سعيد) بن ذكوان التميمي البصري (عن حسين المعلم، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه) بريدة بن الحصيب -رضي الله عنه -. (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من استعملناه على عمل) من أعمال الجهاد أو الصدقة أو غيرهما مما يستحق عليه أجرة (فرزقناه رزقًا) على ذلك فليأخذه، قال إبراهيم: لا بأس بجائزة العمال أن للعامل مؤنة ورزقًا، حكاه الغزالي (¬3) قال: وقال العلاء بن زهير الأزدي: أتى إبراهيم أبي وهو عامل على حلوان فأجازه (¬4). فقيل: (فما أخذ بعد ذلك) أي: فوق ذلك من أموال بيت المال (فهو غلول) بضم الغين واللام وهو: الخيانة، وأصله السرقة من مال الغنيمة قبل القسمة، يقال: غل في المغنم، يغل غلولا فهو غال وكل من خان في شيء خفية فقد غل وسميت غلولا؛ لأن الأيدي فيها مغلولة أي: مجموعة مجعول فيهما غل، وهي الحديدة التي تجمع يد الأسير إلى عنقه (¬5). ¬

_ (¬1) "التقريب" (2114). (¬2) "الكاشف" 1/ 372 (1388). (¬3) "إحياء علوم الدين" 2/ 137، وأخرجه ابن أبي شيبة 6/ 93 (20720). (¬4) "إحياء علوم الدين" 2/ 137، وانظر: "مصنف ابن أبي شيبة" (20713). (¬5) "النهاية" 3/ 717.

[2944] (حدثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك (الطيالسي، حدثنا ليث، عن بكير) بضم الموحدة مصغر (ابن عبد الله بن الأشج) الأشجعي مولاهم (عن بسر) بضم الموحدة وسكون المهملة (بن سعيد) المدني الزاهد. (عن) عبد الله بن عمرو بن واقدان (بن) السعد (الساعدي) -رضي الله عنه - قال النووي (¬1): أنكرو الساعدي، وقالوا: صوابه السعدي؛ لأن أباه استرضع في بني سعد بن بكر. (قال: استعملني عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه - (على الصدقة) يعني: صدقة الزكاة (فلما فرغت) من عملي (أمر لي بعمالة) بضم العين، وهو الذي يأخذه العامل على أجرته في استخراج الزكاة، ونحوها. (فقلت: إنما عملت) عملي هذا (لله) تعالى (قال: خذ ما أعطيت) من غير مسألة، فيه أن الأخذ من غير مسألة ولا استشراف نفس لا ينافي العمل الخالص لله ولا يفسده، فإنه عمل لله وأخذ لله، فإنه في الحقيقة هو المعطي (فإني قد عملت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعملني) بتشديد الميم أي: أعطاني أجرة عملي وقد يقال: عملته بمعنى: وليته وجعلته عاملًا على الصدقة ونحوها. وهذا الحديث أصل في أن كل من عمل للمسلمين عملا من أعمالهم العامة فيجوز أخذ العوض عليه من بيت مال المسلمين، وأنهم يعطون ذلك على حسب مقدار عملهم كالولاية والقضاء والحسبة والإمامة ¬

_ (¬1) "شرح مسلم" للنووي 7/ 137، وراجع "الاستيعاب" 3/ 920، "شرح أبي داود" للعيني 6/ 398.

والأذان والشهادات ونحو ذلك (¬1). [2945] (حدثنا موسى بن مروان) البغدادي التمار (¬2) (الرقي) بفتح الراء وتشديد القاف، كذا ضبطه السمعاني (¬3) قال: نسبة إلى مدينة على طرف الفرات قال: والرقة الأولى خربت والذي (¬4) تسمى اليوم الرقة كانت تسمى أولًا الرافقة ولها تاريخ ينسب إليها كثير من العلماء من كل فن. (حدثنا المعافى) بن عمران بن محمد الأزدي الفهمي الموصلي، أخرج له البخاري في الاستسقاء والمناقب (حدثنا الأوزاعي، عن الحارث بن يزيد) الحضرمي، أخرج له مسلم في الجهاد (عن جبير بن نفير) الحضرمي، أخرج له مسلم في مواضع (عن المستورد بن شداد) بن عمرو القرشي الفهري، نزل الكوفة (¬5). (قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: من كان لنا عاملًا) بتقديم الجار والمجرور على عامله، يفهم منه الحصر يعني: من كان عاملًا لنا دون غيرنا (فليكتسب زوجة) أي: صداق زوجة يتزوجها (فإن لم يكن له خادم) يخدمه ويخدم زوجته وأولاده (فليكتسب خادمًا، فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكنًا) وهذا الحديث محمول على وجهين: أحدهما: أنه أباح اكتساب الصداق والخادم والمسكن من عمالته ¬

_ (¬1) "المفهم" 9/ 58. (¬2) "التقريب" (7009). (¬3) "الأنساب" 3/ 84. (¬4) هكذا في الأصل والذي في "الأنساب" والتي. (¬5) "الإصابة" 6/ 90.

التي هي أجرة مثله. (قال: فقال أبو بكر) الصديق حين بلغه الحديث (أخبرت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من اتخذ غير ذلك) أي: غير أجرة عمالته فليس له ذلك. والوجه الآخر: أن معناه أن للعامل التزويج والسكنى والخدمة، فمن لم يكن له زوجة ولا مسكن ولا خادم زوج واستؤجر له خادم يكفيه خدمة مسكنه ويُكترى له مسكن يسكنه مدة مقامه في عمله إن لم يكن له مسكن ملك أو عارية (فهو غال) بتشديد اللام أي: خائن كما تقدم (أو) هو (سارق) من المال الذي تحت يده أخذه خفية. * * *

11 - باب في هدايا العمال

11 - باب في هَدايا العُمّالِ 2946 - حدثنا ابن السَّرْحِ وابْنُ أَبِي خَلَفٍ - لَفْظُهُ - قالا: حدثنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السّاعِديِّ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنَ الأَزْدِ يُقال لَهُ: ابن اللُّتْبِيَّةِ -قالَ ابن السَّرْحِ: ابن الأُتْبِيَّةِ- عَلَى الصَّدَقَةِ فَجاءَ فَقال: هذا لَكُمْ وهذا أُهْديَ لي. فَقامَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الِمنْبَرِ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وقالَ: "ما بالُ العامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَجيءُ فَيَقُولُ: فذا لَكُمْ وفذا أُهْديَ لي. أَلاَّ جَلَسَ في بَيْتِ أُمِّهِ أَوْ أَبِيهِ فَيَنْظُرَ أَيُهْدى لَهُ أَمْ لا؟ لا يَأْتي أَحَد مِنْكُمْ بِشَيء مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ جاءَ بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ إِنْ كانَ بَعِيرًا فَلَهُ رُغاءٌ أَوْ بَقَرَةً فَلَها خُوارٌ أَوْ شاةً تَيْعَرُ" .. ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ ثُمَّ قالَ: "اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ" (¬1). * * * باب في هدايا العمال [2946] (حدثنا) أحمد بن عمرو (ابن السرح و) محمد بن أحمد (ابن أبي خلف) القطيعي، شيخ مسلم (لفظه قالا: حدثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري، عن عروة) بن الزبير (عن أبي حميد) عبد الرحمن بن سعد بن المنذر، وقيل: اسمه المنذر (الساعدي (الأنصاري المدني -رضي الله عنه- (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعمل رجلاً من الأزد) يعني: من أزد شنوءة، ورواية لمسلم (¬2): (من الأسد) بسكون السين بدل الزاي (يقال له) عبد الله (ابن اللتبية) بضم اللام وسكون التاء، هذا هو الصواب نسبة إلى بني لتب قبيلة معروفة (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1505، 2597)، ومسلم (1832). (¬2) (1832). (¬3) "شرح مسلم" للنووي 12/ 219.

(قال) أحمد ([ابن السرح] (¬1): ابن الأتبية) قال عياض: صوابه: الأتبية. بسكون التاء باثنتين من فوقها يعني: مع ضم الهمزة (¬2) (على الصدقة) وفي رواية لمسلم: على صدقات بني سليم. (فجاء) ولمسلم: فلما جاء حاسبه (فقال: هذا لكم وهذا) الشيء (أهدي لي)، كذا الرواية، ورواية الصحيح (¬3): أهدي إليَّ وهو الأصل، ولمسلم (¬4): وهذِه هدية (فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر) فيه القيام في الخطبة والوعظ (فحمد الله تعالى وأثنى عليه) بما هو أهله، فيه افتتاح الخطبة وكل أمر مهم بحمد الله تعالى والثناء عليه، وفي البخاري: إن هذِه الخطبة كانت عشية بعد الصلاة. (وقال: ما بال العامل) أي: ما حاله، والبال من الألفاظ المشتركة ¬

_ (¬1) سقط من (ع). (¬2) هذا الكلام منقول عن القاضي عياض بواسطة القرطبي في "المفهم" 12/ 84، والذي في "المشارق" للقاضي عياض خلاف هذا وهذا نصه: اللتبية بضم اللام بغير همزة وبفتح التاء وكذا جاء في البخاري في آخر الزكاة في باب من لم يقبل الهدية لابن السكن وصوابه كذلك إلا أنه مسكن التاء وبنو لتب: بطن من العرب قاله ابن دريد وعلى هذا الوجه الصواب ضبطه الأصيلي مرة في باب محاسبة العمال وابن السكن وفي باب الهبة. انظر: "المشارق" 1/ 70 وأصرح من هذا قول القاضي عياض: وكذلك الليثي غير مسمى وفي الصرف في كتاب مسلم منسوبون إلى بني ليث ويشتبه بنسبه اللتبي ممن ينتسب إلى لتب بضم اللام وسكون التاء باثنتين فوقها وآخرها باء منهم فيها ابن اللتبيه ويقال: الأتبية وهو وهم ذكرناه في الهمزة. انظر: "المشارق" 1/ 370. وكذا هو في "إكمال المعلم" 1/ 103 اللتبية وتوهيم الأتبية. وعليه فالذي يبدو أن هذا النقل عن القاضي عياض فيه وهم والله أعلم. (¬3) "صحيح مسلم" (1832). (¬4) (1832).

تفسر في كل موضع بما يليق به (نبعثه) ولمسلم: "أما بعد، فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله" فيجيء فيقول: هذا لكم وهذا أهدي لي) ولمسلم: " هذا مالكم، وهذِه هدية ". وفيه دليل على كثرة حياء النبي - صلى الله عليه وسلم - وحسن ملاطفته أصحابه، وذلك أنه كان لا يواجه أحدًا بمكروه بل إن وقع منه ما لا يليق قام خطيبًا فحمد الله ثم قال: "ما بال أقوام يفعلون كذا". في هذا الحديث دلالة واضحة على أن هدايا العمال والقضاة والأمراء وكل من ولي أمرًا من أمور المسلمين العامة لا يجوز وهو حرام قبوله وأكله سحت ورشوة، بل لا يدخل في ملكه ويجب رده على صاحبه ويجب عليه عند موته أن يوصي به (¬1) لصاحبه (¬2). (ألاّ) بالتشديد (جلس في بيت) يحتمل أن يكون همزة ألا مبدلة من همزة التقدير هلا جلس (¬3) في بيت (أمه أو أبيه) ورواية الصحيح (¬4): "أفلا قعد في بيت أمه وأبيه" (¬5). فينظر) بالنصب بأن المقدرة؛ لأنه بعد استفهام، ولفظ مسلم: "حتى يبصر" (أيهدى إليه) شيء (أم لا؟ ! ) فيه بيان السبب في تحريم الهدية وهو الولاية فإن الذي يهدي للأمير إنما يهدي رهبة منه فيداريه، أو رغبة في أن يحتاج إلى حكومة عنده فيراعيه فيها، ويحمله إحسانه ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) انظر: "شرح السنة" للبغوي 5/ 498، "شرح مسلم" للنووي 12/ 219. (¬3) في (ر) جلست. (¬4) البخاري (6260)، ومسلم (1832). (¬5) زاد بعدها في (ع)، (ل): بواو الجمع.

إليه بالهدية على الحكم له ويحسن ذلك له وإن كان دينًا؛ لأن حبك للشيء يعمي ويصم عن معايبه فيحرم قبولها ويجب ردها على صاحبها وإن تعذر كانت لبيت المال، زاد البخاري: " والذي نفسي بيده " (لا يأتي أحد منكم بشيء من ذلك) كثير أو قليل؛ لأنه في موضع النهي (إلا جاء به يوم القيامة) زاد البخاري: "يحمله يوم القيامة". (إن كان) الذي أخذه (بعيرًا) جاء يحمل يوم القيامة بعيرًا كاملًا لا ينقص منه شيء (فله رغاء) بضم الراء وتخفيف الغين المعجمة مع المد، وهو (¬1) صفة للبعير. والرغاء صوت ذوات الخف، يقال: رغا البعير إذا صاح عند التحميل. فإن قيل: أين جواب الشرط؟ قيل: محذوف كما تقدم؛ فإن المذكور يدل عليه، والتقدير: إن كان بعيرًا يحمله على رقبته، وكذا في البقرة بعده. (وإن كانت) الذي أخذها (بقرة) جاء يوم القيامة يحملها على رقبته (لها خوار) بضم الخاء المعجمة وتخفيف الواو، وروي: جؤار بضم الجيم بعدها همزة ومعناها: الصوت. وفي حديث موسى: " له خوار " أي: صوت عال. (أو) كانت (شاة تيعر) بفتح المثناة فوق وسكون المثناة تحت وفتح العين المهملة، ويجوز الكسر يعني: تصيح، واليعار صوت الشاة، وفيه تعظيم قبول هدايا العمال والقضاة والأمراء وتغليظ إثم فاعله، وليس لأحد أن يترخص في هدايا الأمراء بما روي أن معاذًا أباح له ¬

_ (¬1) في (ر): له.

النبي - صلى الله عليه وسلم - الهدية حين وجهه إلى اليمن؛ لأن هذا لم يجيء في الصحيح، ولو صح لكان مخصوصًا بمعاذ لما علم من حاله في زهده وورعه ما يمنعه من الوقوع في محذور (¬1). (ثم رفع يديه حتى رأينا عفرة) ولمسلم: عفرتي بالتثنية بضم العين المهملة وهو أصح من الفتح (إبطيه) قال الأصمعي وآخرون: عفرة الإبط، وتقدم بياض إبطه - صلى الله عليه وسلم - هي البياض ليس بالناصع، بل فيه شيء كلون الأرض مأخوذ من عفر الأرض بفتح العين والفاء وهو وجهها (¬2) (ثم قال: اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت) وللبخاري (¬3): "ألا هل بلغت". ثلاثًا و (هل) هنا بمعنى قد كقوله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} (¬4)، أو هو استفهام تقريري. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "المفهم" 12/ 84، 85. (¬2) انظر: "النهاية" لابن الأثير 3/ 516، "الفائق" 3/ 6، "تاج العروس" 1/ 3213. (¬3) (2597). (¬4) الإنسان: 1.

12 - باب في غلول الصدقة

12 - باب في غُلُول الصَّدَقَةِ 2947 - حدثنا عُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ، حدثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبي الجَهْمِ، عَنْ أَبي مَسْعُودِ الأَنْصاريِّ قال: بَعَثَني النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ساعِيًا ثُمَّ قالَ: " انْطَلِقْ أَبا مَسْعُودٍ وَلا أُلْفِيَنَّكَ يَوْمَ القِيامَةِ تَجيءُ عَلَى ظَهْرِكَ بَعِيرٌ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ لَهُ رُغاءٌ قَدْ غَلَلْتَهُ ". قال: إِذًا لا أَنْطَلِقُ. قالَ: " إِذًا لا أُكْرِهُكَ " (¬1). * * * باب غلول الصدقة [2947] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن مطرف) بن جرير (عن أبي الجهم) سليمان بن الجهم مولى البراء بن عازب، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2) (عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو البدري (الأنصاري قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساعيًا) فيه استعمال السعاة بأجر (ثم قال: انطلق) يا (أبا مسعود) واحرص على أن (لا ألفينك) بضم الهمزة وبالفاء المكسورة وفتح الياء والنون المشددة أي؟ لا أجدنك من قوله تعالى: {قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} أي: وجدنا (¬3). قال النووي: ووقع في رواية العبدري: لا ألقينك بفتح الهمزة والقاف، قال: وله وجه ولكن المشهور الفاء (يوم القيامة تجيء وعلى ¬

_ (¬1) رواه الطبراني 17/ 247 (688 - 689). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2613). (¬2) "الثقات" 4/ 310 (3052). (¬3) انظر: "عمدة القاري" 33/ 88، "فتح الباري" 11/ 189.

ظهرك) أو رقبتك (بعيرًا من إبل الصدقة له رغاء قد غللته) بفتح الغين واللام الأولى أصل الغلول: الخيانة مطلقا ثم غلب اختصاصه في الاستعمال بالخيانة في الغنيمة. فيه أنه لا يجوز له أخذ شيء من الذي استعمل في أخذه لا أجرة ولا غيرها إلا أن يأذن له فيه الإمام، وأن ما أهدي إليه يجب أن يجعل في بيت المال الذي يجمعه. (قال: إذًا) بالتنوين عوض عن الجملة، أي: إذا كان الأمر على هذا (لا أنطلق) ثم حذفت الجملة وعوض التنوين عنها (قال: ) إني (إذًا) بالتنوين يعني: إذا لم ترض بالذهاب (لا أكرهك) بضم الهمزة وكسر الراء أي: لا أكرهك على السعي على الصدقة، ولعله علم ضعفه على الولاية. * * *

13 - باب فيما يلزم الإمام من أمر الرعية والحجبة عنه

13 - باب فِيما يَلْزمُ الإِمامَ منْ أَمْرَ الرَّعِيَّةِ والحَجَبَةِ عَنْهُ 2948 - حدثنا سُلَيْمان بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقيُّ، حدثنا يَحْيَى بْن حَمْزَةَ، حَدَّثَني ابن أَبي مَرْيَمَ أَنَّ القاسِمَ بْنَ مُخَيْمِرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبا مَرْيَمَ الأَزْديَّ أَخْبَرَهُ قال: دَخَلْتُ عَلَى مُعاوِيَةَ فَقال: ما أَنْعَمَنا بِكَ أَبا فُلانٍ - وَهيَ كَلِمَةٌ تَقُولُها العَرَبُ- فَقُلْتُ: حَدِيثًا سَمِعْتهُ أخبِرُكَ بِهِ سَمِعْت رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " مَنْ وَلاَّهُ اللهُ عز وجل شَيْئًا مِنْ أَمْرِ المُسْلِمِينَ فاحْتَجَبَ دُونَ حاجَتِهِمْ وَخَلَّتِهِمْ وَفَقْرِهِمُ احْتَجَبَ اللهُ عَنْهُ دُونَ حاجَتِهِ وَخَلَّتِهِ وَفَقْرِهِ " .. قال: فَجَعَلَ رَجُلًا عَلَى حَوائِجِ النّاسِ (¬1). 2949 - حدثنا سَلَمَة بْن شَبِيبٍ، حدثنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قال: هذا ما حدثنا بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ما أُوتِيكُمْ مِنْ شَيء وَما أَمْنَعُكُمُوهُ إِنْ أَنا إِلاَّ خازِنٌ أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ " (¬2). 2950 - حدثنا النُّفَيْليُّ، حدثنا محَمَّدُ بْن سَلَمَةَ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطاءٍ، عَنْ مالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الحَدَثانِ قال: ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ يَوْمًا الفَيء فَقال: ما أَنا بِأَحَقَّ بهذا الفَيء مِنْكُمْ وَما أَحَدٌ مِنّا بِأَحَقَّ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا أَنّا عَلَى مَنازِلِنا مِنْ كِتابِ اللهِ عز وجل وَقَسْمِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فالرَّجُلُ وَقدَمُهُ والرَّجُلُ وَبَلاؤُهُ والرَّجُلُ وَعِيالُهُ والرَّجُلُ وَحاجَتُهُ (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1333). قال ابن الملقن في "البدر المنير" 9/ 568: رجال إسناده كلهم ثقات. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2614). (¬2) رواه أحمد 1/ 42، والبيهقي 6/ 346، والضياء في "المختارة" 1/ 395 (277). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2614). (¬3) رواه ابن الجارود في "المنتقى" (1114)، والضياء في "المختارة" 13/ 186 (295).

باب ما يلزم (¬1) الإمام من أمر الرعية والحجبة عنهم [2948] (حدثنا سليمان بن عبد الرحمن) بن عيسى بن ميمون التميمي (الدمشقي) روى عنه البخاري في الأدب ومواضع (¬2) (حدثنا يحيى بن حمزة) الحضرمي قاضي دمشق (¬3) (حدثني) يزيد (بن أبي مريم) الدمشقي إمام الجامع زمن الوليد، أخرج له البخاري (أن القاسم ابن مخيمرة) بضم الميم الأولى وفتح الخاء المعجمة مصغر، أبا عروة (¬4) (أخبره أن أبا مريم) عمرو بن مرة الجهني (الأزدي أخبره قال: دخلت على معاوية فقال: ما أنعمنا) بفتح الهمزة وسكون النون بعدها عين مهملة مفتوحة وميم مفتوحة أي: ما حل (بك) يا (أبا فلان) وما الذي أعملك إلينا وأقدمك علينا. هذِه الكلمة (¬5) إنما (هي كلمة تقولها العرب) لمن يفرح بلقائه كأنه يقول: ما الذي أسرنا بك وأفرحنا وأقر أعيننا وأنعمنا بلقائك ورؤيتك، وقيل: ما الذي حركك بالإتيان إلينا والمشي على نعامة رجلك، ومنه {بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ} (¬6)؛ لأنها تمشي على نعامتها. (فقلت: حديثًا) بالتنوين وهو منصوب بفعل مضمر يفسره ما بعده ¬

_ (¬1) في (ع): ما يكره. (¬2) انظر: "التقريب" (2588). (¬3) انظر: "التقريب" (7536). (¬4) انظر: "التقريب" (5495). (¬5) في (ر) الجملة. (¬6) المائدة: 1.

لاشتغال الذي بعده عن نصبه، والتقدير: سمعت حديثًا أو حفظت حديثًا (سمعته أخبرك به) لتنتفع به وتعمل به؛ لأنك صاحب إمارة وإمام رعية المسلمين (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من ولاه الله تعالى شيئًا من أمر المسلمين) أي: من الإمارة عليهم فيجوز أن لا يكون مصدرًا من أمرته على كذا إمارة أي: جعلته أميرًا وهو بالتخفيف كفيل ثم حذف حرف الجر، ويحتمل أن يكون بمعنى الحال أي: على حالة من أحوالهم العامة. (فاحتجب) عنهم وأغلق بابه أو جعل على بابه من يحجبه عن رفع حوائج المسلمين إليه (دون حاجتهم) أي: احتياجهم إليه برفع الدعاوى إليه وفصل الخصومات ورفع الظلامات (وخلتهم) بفتح الخاء المعجمة واللام المشددة وهي الفقر والحاجة، ومنه حديث الدعاء: " اللهم ساد الخلة " (¬1). بالفتح أي: جابر الفقر والحاجة. ومنه حديث الدعاء: " اللهم أسدد خلته " وأخلها من الخلل (¬2) بين الشيئين وهي الفرجة والثلمة التي تركها بعده من الخلل الذي أبقاه في أموره. ومنه قول ابن مسعود: عليكم بالعلم (¬3) فإن أحدكم لا يدري متى يختل إليه. أي: متى يحتاج إليه (وفقرهم) أي: افتقارهم إليه (احتجب الله تعالى عنه دون حاجته وخلته وفقره) ولفظ رواية الترمذي (¬4): " ما ¬

_ (¬1) انظر: "المعجم الكبير" للطبراني 24/ 259. (¬2) في (ر): التخلل. (¬3) سقط من (ر). (¬4) (1332).

من إمام [يغلق بابه دون] (¬1) ذوي الحاجة والخلة والمسكنة إلا أغلق الله أبواب السماء دون خلته وحاجته ومسكنته ". قال المنذري: ورواه الحاكم (¬2) بنحو لفظ أبي داود وقال: صحيح الإسناد. ورواية أحمد (¬3) عن أبي الشماخ الأزدي عن ابن عم له (¬4) من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه أتى معاوية فدخل عليه، فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من ولي أمر المسلمين، ثم أغلق بابه دون المسكين والمظلوم وذي الحاجة، أغلق الله أبواب رحمته دون حاجته، وفقره أفقر ما يكون إليها ". ورواه أبو يعلى (¬5)، لكن إسناد أحمد حسن. (قال: فجعل) معاوية (رجلاً على) بابه لقضاء (حوائج المسلمين) والحكم بينهم. [2949] (حدثنا سلمة بن شبيب) النيسابوري شيخ مسلم والأربعة (¬6) (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني، أخرج له مسلم (أخبرنا معمر، عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما أوتيكم) أي: أعطيكم (من شيء) من مال أو ولاية أو غيرهما (وما أمنعكموه) برفع العين مضارع فمن الله فهو المعطي والمانع. ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) "المستدرك" 4/ 105. (¬3) "المسند" 24/ 408 (15651). (¬4) سقط من (ر). (¬5) (7378). (¬6) "التقريب" (2494).

(إن أنا) في الحقيقة (إلا خازن) للمال الذي تحت يده (أضع) المال وأصرفه ويحتج به من لم ير الفيء ملكًا له - صلى الله عليه وسلم - قاله ابن تيمية (¬1) (حيث أمرت) رواه البخاري (¬2) عن أبي هريرة أيضًا به فهو نظير قوله عليه السلام: "ما أعطيكم ولا أمنعكم أنا قاسم". وفيه إشارة إلى التحذير من رؤية الوساطة أصلا في العطاء والمنع، فكما أن من وضع على ماله خازنًا ينفذ ما يأمره من عطاء من ماله أو منع، فإذا أمر الخازن بإعطاء شيء فدفعه امتثالًا لمالكه فلا يشكر حينئذٍ ولا يلام على عطاء ولا منع، بل الشكر المستحق للمالك الآمر فيه. وأشار إلى أن الواهب والمهدي والمتصدق لا يرى أن له فضلًا على أحد فيرفع نفسه ويعظمها ويضع الآخر ويحتقره لكونه أعطاه، بل الفضل في الحقيقة للآخذ على المعطي، فإن المعطي منفذ لما أوقعه الله في قلبه من الإعطاء، وأن المعطي وإن كان نافعًا للآخذ في دنياه فالآخذ نافع للمعطي في إجزائه ونفع الآخرة أعظم من نفع الدنيا، لكن على الآخذ مع هذا أن يشكر المعطي ويدعو له ويثني عليه ويكون شكره ودعاؤه بحيث لا يخرجه عن كونه واسطة، لكنه الطريق في وصول النعمة إليه والطريق حق من حيث جعله الله طريقًا وواسطة، وذلك لا ينافي رؤية النعمة من الله لما روى الترمذي عن أبي سعيد: "من لم يشكر الناس لم يشكر الله". وقد أثنى الله على عباده في مواضع على أعمالهم وهو خالقها وفاطر القدرة عليها، كقوله تعالى: {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} (¬3). ¬

_ (¬1) "مجموع الفتاوى" 28/ 268. (¬2) (3117). (¬3) ص: 30.

[2950] (حدثنا) عبد الله بن محمد (النفيلي، حدثنا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن عمرو بن عطاء) بن عباس بن علقمة القرشي العامري (¬1) (عن مالك بن أوس بن الحدثان) بفتح الحاء والدال المهملتين والمثلثة البصري من بني نصر بن معاوية، أدرك زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). وقال أنس بن عياض: عن سلمة بن وردان عنه أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من ترك الكذب بني له في ربض الجنة " (¬3). صحح أحمد بن صالح المصري هذا الحديث. وقال ابن خزيمة: في القلب من سلمة بن وردان (قال: ذكر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه - يومًا الفيء) وهو ما أخذ من مال الشرك مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب (فقال: ما أنا) يعني: الأمير (بأحق بهذا الفيء) الحاصل (منكم) يعني: من آحاد الرعية (وما أحد منا) أي: من المسلمين (بأحقَّ به من أحد) من المسلمين، وفيه التسوية بين المسلمين في قسمة الفيء وهو مذهب أبي بكر الصديق والمشهور عن علي (¬4) كما سيأتي. وفيه دليل على أن الخليفة يكون كآحاد الرعية لا يتميز عنهم بشيء إلا إذا تعطل عن الكسب فيرزق من الخمس؛ لأنه تعطل بتدبير الخلافة عن التكسب خلافًا لما نقله في "الوسيط" وجهًا أن الخمس يصرف جميعه للخليفة القائم بأمر المسلمين كما كان مصروفًا للنبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته، ¬

_ (¬1) "تهذيب التهذيب" 9/ 332. (¬2) "التقريب" (6426). (¬3) أخرجه ابن أبي الدنيا في "الصمت" (140)، وفي "الغيبة والنميمة" (2). (¬4) "الاستذكار" لابن عبد البر 3/ 247، "المغني" 7/ 309.

وحكاه إمامه (¬1) قولًا لبعض العلماء (¬2). (إلا أنا) فيه (على منازلنا من كتاب الله) يشبه أن المراد نحن على قسم الله تعالى في كتابه العزيز في آي المواريث الثلاثة (و) على (قسم) بفتح القاف (رسوله) يعني: وعلى القسمة التي قسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما لم يرد في كتاب الله، وكذا على (¬3) ما وقع عليه إجماع الأمة (الرجل) مرفوع بفعل محذوف تقديره: يعتبر الرجل، فالرجل مفعول نائب عن الفاعل، ومن حذف الفعل وإبقاء فاعله كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} (¬4) تقديره: واعتقدوا الإيمان من قبل هجرتهم (وقدمه) قال المنذري: هو بكسر القاف وبعدها دال مهملة يعني: مفتوحة وميم مضمومة وهاء أي: تقدمه في الإسلام وسبقه، وفي حديث سعد بن أبي وقاص: وكان ذا قدم في الإسلام (¬5). روي بالكسر والفتح، وقيل: الفتح أوجه. وظاهر كلامه في "النهاية" (¬6) أنه بفتح القاف، ويجوز رفع (الرجل) على الابتداء و (قدمه) معطوف عليه، والخبر محذوف تقديره: الرجل وتقدمه في الإسلام مقرونان أو معتبران، وهذِه الواو وإن كانت واو مع (¬7) فلا يجوز أن ينصب على أنه مفعول معه. قال ابن مالك: ¬

_ (¬1) في (ع، ر): عنه. (¬2) "نهاية المطلب" 115025، "الوسيط" للغزالي 4/ 198. (¬3) سقط من (ر). (¬4) الحشر: 9. (¬5) أخرجه البخاري (3807). ولكن فيه سعد بن عبادة. (¬6) 4/ 44. (¬7) في (ل) زيادة: معطوف عليه والخبر محذوف تقديره. وليست في (ع) و (ر).

يجب العطف ويمتنع النصب على المعية فيما كان واو مع واقعة بعد مبتدأ لم يذكر خبره مثل: أنت ورأيك، والرجل وضيعته، وإنما امتنع النصب لعدم تقدم فعل ونحوه، ويجيء مثل هذا فيما بعده. (والرجل وبلاؤه) بفتح الباء والمد أي: فعله (¬1) وغناؤه ونفعه في الإسلام، وفي حديث سعد يوم بدر: عسى أن يعطي هذا من لا يبلي بلائي (¬2). أي: من لا يفعل في الحرب مثل عملي كأنه يقول: أفعل فعلًا أختبر فيه وتظهر مزية اختباري ويعتبر. (والرجل وعياله) أي: فيزداد من له عيال من زوجة وأولاد على قدر كفايتهم وذو الفرس يزاد بقدر مؤنة فرسه (و) يعتبر (الرجل وحاجته) فيزداد الرجل على قدر حاجته وكفايته، ويزاد من له عبد لمصالح الحرب حسب مؤنتهم في كفايتهم، وإن كانوا العبيد لزينة أو تجارة لم يدخلوا في مؤنته، ويفضل أهل السوابق في الإسلام، وأهل العناء والنفع على غيرهم بحسب ما يراه الإمام. وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يعطي الأنفال فيفضل قومًا على قوم على قدر عنائهم، والمشهور عن عمر أنه حين كثر عنده المال فرض للمسلمين أعطياتهم، ففرض للمهاجرين من أهل بدر خمسة آلاف خمسة آلاف، ولأهل بدر من الأنصار أربعة آلاف، وفرض لأهل الحديبية ثلاثة آلاف، ولأهل الفتح ألفين ألفين (¬3). * * * ¬

_ (¬1) من هنا بدأ سقط في (ر). (¬2) أخرجه الترمذي (3079). وهو بنحوه عند مسلم (4654). وليست فيه هذِه اللفظة. (¬3) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 5/ 340.

14 - باب في قسم الفيء

14 - باب في قَسْمِ الفَيء 2951 - حدثنا هارُون بْن زَيْدِ بْنِ أَبي الزَّرْقاءِ، حدثنا أَبي، حدثنا هِشامُ بْن سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ دَخَلَ عَلَى مُعاوِيةَ فَقال: حاجَتكَ يا أَبا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقال: طَاءُ المحَرَّرِينَ فَإِنّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَوَّلَ ما جاءَهُ شَيء بَدَأَ بِالُمحَرَّرِينَ (¬1). 2952 - حدثنا إِبْراهِيمُ بْن مُوسَى الرّازيُّ، أَخْبَرَنا عِيسَى، حدثنا ابن أَبي ذِئْبٍ، عَنِ القاسِمِ بْنِ عَبّاسِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ نِيارٍ، عَنْ عُروَةَ، عَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أتيَ بِظَبْيَةٍ فِيها خَرَزٌ فَقَسَمَها لِلْحرَّةِ والأَمَةِ. قالَتْ عائِشَةُ: كانَ أَبي -رضي الله عنه - يَقْسِمُ لِلْحُرِّ والعَبْدِ (¬2). 2953 - حدثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبارَكِ ح وَحَدَّثَنا ابن المُصَفَّى قالَ: حدثنا أَبُو المُغِيرة جَمِيعًا، عَنْ صَفْوانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إِذا أَتاهُ الفَيء قَسَمَهُ في يَوْمِهِ فَأَعْطَى الآهِلَ حَظَّيْنِ وَأَعْطَى العَزَبَ حَظًا. زادَ ابن المصَفَّى: فَدُعِينا وَكنْت أُدْعَى قَبْلَ عَمّارٍ فَدُعِيت فَأَعْطاني حَظَّيْنِ وَكانَ لي أَهْل ثُمَّ دُعيَ بَعْدي عَمّارُ بْنُ ياسِرٍ فَأَعْطَى لَهُ حَظًّا واحِدًا (¬3). * * * ¬

_ (¬1) راجع السابق، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2615). (¬2) رواه أحمد 6/ 159، 238، وأبو يعلى 8/ 320 (4923)، والحاكم 2/ 138. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2616). (¬3) رواه أحمد 6/ 25، 29، والبزار في "المسند" 7/ 181 (2748)، وابن الجارود (1112)، وابن حبان 11/ 145 (4816)، والطبراني 18/ 45 (80، 81)، والحاكم 2/ 140 - 141، والبيهقي 6/ 346. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2617).

باب في قسم الفيء [2951] (حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء) بفتح الزاي والفاء والمد الموصلي نزيل الرملة ثقة (¬1) (حدثنا أبي) زيد بن أبي الزرقاء أبو محمد المحدث الموصلي الزاهد، صدوق (¬2) (حدثنا هشام بن سعد) القرشي المدني مولى لآل أبي لهب بن عبد المطلب، أخرج له مسلم في مواضع (عن زيد بن أسلم، أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما دخل على معاوية فقال) له: ما (حاجتك يا أبا عبد الرحمن؟ ) فيه نداء الرجل بكنيته؛ لأن فيه إكرامًا له. (فقال: ) حاجتي (عطاء المحررين) المحررين: المعتقين لا ديوان لهم، فيدخلون تبعًا في جملة مواليهم، جمع محرر، وهو الذي جعل من العبيد حرا بالعتق يعني: تبدأ بهم في العطاء (فإني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أول ما) وفي رواية لغير المصنف (¬3): رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا (جاءه شيء) من المال (بدأ) بهمز آخره أي: ابتدأ في إخراج أول ما يأتيه بدأ (بالمحررين) يعني: الموالي، وذلك أنهم قوم لا ديوان لهم، وإنما يدخلون في جملة مواليهم. والديوان إنما كان موضوعًا على تقديم بني هاشم، ثم الذين يلونهم في القرابة والسابقة والإيمان، وكان هؤلاء مؤخرين في الذكر فذكرهم ابن عمر وشفع في تقديم أعطياتهم ¬

_ (¬1) "الكاشف" 2/ 329 (5907). (¬2) "تهذيب الكمال" 10/ 70. (¬3) "المنتقى" لابن الجارود (1112) بمعناه.

لما علم من ضعفهم وحاجتهم وتألفهم على الإسلام وسيأتي له مزيد (¬1). [2952] (حدثنا إبراهيم بن موسى) الفراء الحافظ (الرازي، أخبرنا عيسى) بن يونس (حدثنا) محمد بن عبد الرحمن (ابن أبي ذئب، عن القاسم بن عباس) بالموحدة والمهملة الهاشمي الفهمي، أخرج له مسلم (عن عبد الله بن نيار) بكسر النون بن مكرم الأسلمي، أخرج له مسلم (عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى بظبية) جراب صغير من جلد ظبي عليه شعر قاله الأصمعي. وقيل: هي شبه الخريطة والكيس ويصغر فيقال: ظُبَيَّة (¬2). فيها خرز) جمع خرزة مثل قصب وقصبة (فقسمها) أي: قسم ما في الظبية من الخرز، وفي رواية: فقسمه بينهم (للحرة) منهم (والأمة) سواء (قالت عائشة: كان أبي يقسم للحر والعبد) قال ابن قدامة في "المغني": روي أن أبا بكر -رضي الله عنه - سوى بين الناس في العطاء وأدخل فيه العبيد فقال له عمر: يا خليفة رسول الله، أتجعل الذين جاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم وهجروا ديارهم له كمن أدخل (¬3) في الإسلام كرها؟ فقال أبو بكر: إنما عملوا لله وإنما أجورهم على الله فلما ولي عمر فاضل بينهم وأخرج العبيد، فلما ولي علي سوى بينهم وأخرج العبيد، وذكر عن عثمان أنه فضل بينهم في القسمة (¬4). ¬

_ (¬1) هكذا انتهت الجملة في الأصول، ولعله سقط كلمة: شرح أو توضيح. (¬2) انظر: "الفائق" للزمخشري 2/ 374، "النهاية" لابن الأثير 3/ 344. (¬3) هكذا في الأصل. وفي "المغني": إنما دخلوا. (¬4) انظر: "معرفة السنن والآثار" 9/ 266.

قال: فعلى هذا يكون مذهب اثنين منهم: أبي بكر وعلي التسوية، ومذهب اثنين: عمر وعثمان التفضيل، وروي عن أحمد أنه أجاز الأمرين جميعًا، على ما يراه الإمام ويؤدي اجتهاده إليه، وقال أبو بكر: اختيار أبي عبد الله أن لا يفضلوا. وهذا اختيار الشافعي -رضي الله عنه - (¬1). [2953] (حدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة الخراساني الطالقاني (¬2) (حدثنا عبد الله بن المبارك، ح وحدثنا) أبو عبد الله محمد (ابن المصفى) ابن بهلول القرشي قال أبو حاتم: صدوق (¬3) (حدثنا أبو المغيرة) عبد القدوس بن حجاج الخولاني (¬4) كلاهما (جميعا عن صفوان بن عمرو) ابن هرم السكسكي الحمصي روى له البخاري في الأدب، والباقون (¬5) (عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه) جبير بن نفير الحضرمي، أخرج له مسلم (عن عوف بن مالك) بن أبي عوف الأشجعي، كانت معه راية أشجع يوم الفتح (¬6). (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أتاه الفيء) من فاء إذا رجع، أي: رجع من الكفار إلى المسلمين (قسمه) بينهم (في يومه) فيه مبادرة الإمام إلى القسمة ليصل كل أحد إلى مستحقه فينتفع به، ولا يجوز التأخير إلا لعذر (فأعطى الآهل) بمد الهمزة وبكسر الهاء، وهو الذي له زوجة وعيال (حظين) لأنه ¬

_ (¬1) "المغني" لابن قدامة 7/ 309. وانظر: "معرفة السنن والآثار" للبيهقي 9/ 266. (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 11/ 77، "تهذيب التهذيب" 4/ 78. (¬3) "الجرح والتعديل " 8/ 104 (446). (¬4) انظر: "التقريب" (4145). (¬5) انظر: "تهذيب الكمال" 13/ 201. (¬6) انظر: "الاستيعاب" 3/ 1226، "الإصابة" 4/ 742.

أكثر احتياجا من الأعزب فيعطي المتزوج منه نصيبًا له ونصيبًا لزوجته، ولكل زوجة نصيب وإن كان متزوجًا أربعًا. (وأعطى الأعزب) (¬1) العزب: الذي لا زوجة له (حظًّا) واحدًا. (زاد) محمد (بن المصفى) في روايته (فدعينا) إلى الأخذ (وكنت أدعى قبل عمار) بن ياسر (فدعيت) إليه (فأعطاني حظين، وكان لي أهل) أي: زوجة (ثم دعي بعدي) بضم الدال، يعني: بعدي (عمار بن ياسر فأعطي) له (حظًّا واحدًا)؛ لكونه أعزب، والمراد بالحظ: النصيب من الشيء، والأعزب: لغة رديئة واللغة الفصحى: عزب (¬2). * * * ¬

_ (¬1) ورد بعدها في الأصل: نسخة: العزب. (¬2) انظر: "النهاية" 1/ 199.

15 - باب في أرزاق الذرية

15 - باب في أرْزاقِ الذُّرِّيَّةِ 2954 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قال: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "أَنا أَوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ مَنْ تَرَكَ مالاً فَلأَهْلِهِ وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَياعًا فَإِلَيّ وَعَلَيّ" (¬1). 2955 - حدثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ عَديِّ بْنِ ثابِتٍ، عَنْ أَبِي حازِمٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ تَرَكَ مالاً فَلِوَرَثَتِهِ وَمَنْ تَرَكَ كَلاّ فَإِلَيْنا" (¬2). 2956 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حدثنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَقولُ: " أَنا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ فَأَيُّما رَجُلٍ ماتَ وَتَرَكَ دَيْنًا فَإِلَي وَمَنْ تَرَكَ مالاً فَلِوَرَثَتِهِ " (¬3). * * * باب في أرزاق الذرية [2954] (حدثنا محمد بن كثير) العبدي (أخبرنا سفيان) الثوري (عن جعفر) بن محمد الصادق (عن أبيه) محمد الصادق، وهو ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. (عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: أنا أولى بالمؤمنين) أي: بأمور المؤمنين (من أنفسهم) أي: من بعضهم لبعض (من ترك مالاً فلأهله) يرثونه عنه (ومن ترك دينًا أو ضياعًا) بفتح ¬

_ (¬1) رواه مسلم (867). (¬2) رواه البخاري (2398، 6763)، ومسلم (1619). (¬3) رواه البخاري (5371، 6731).

الضاد المعجمة، وأصله مصدر، وهو هنا (¬1) اسم لكل ما هو بصدد أن يضيع إن لم يعاهد كالذرية الصغار والأطفال والمجانين، وروي ضياعًا بكسر الضاد جمع ضائع كجياع جمع جائع، والأول أصح (¬2). (فإلي) أي: الضياع، فأنا وليه أقوم بكفايته، ولمسلم (¬3): "وأيكم ما ترك ضياعا فأنا مولاه". يعني: أتولى مصالحه وإعانته على الخير وسد فاقته ودفع حاجته (وعلي) دينه أقضيه عنه، يحتمل أن يكون ذلك واجبًا عليه؛ لأنه مفهوم عليَّ، فإنها للوجوب، ويحتمل أن يكون تبرع بالتزام ذلك على مقتضى كرم أخلاقه لا أنه واجب عليه، ومن هذا قال بعضهم: يجب على الإمام أن يقضي دين الميت المعسر من بيت المال اقتداءً به - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الميت الذي عليه الدين يخاف أن يعذب في قبره على ذلك الدين. [2955] (حدثنا حفص بن عمر) الحوضي (حدثنا شعبة، عن عدي بن ثابت) الأنصاري. (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي الكوفي مولى عزة الأشجعية، روى (عن أبي هريرة) وقاعده خمس سنين. (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من ترك مالاً فلورثته) أي: لعصبته كائنًا من كان إذا لم يكن معهم ذو فرض أو فضل عنهم شيء (ومن ترك كلًّا) بفتح الكاف وتشديد اللام العيال والدين ونحوهما مما يتحمله الإنسان مما ¬

_ (¬1) سقط من (ع). (¬2) انظر: "النهاية" لابن الأثير 3/ 237. (¬3) (1916).

يشق عليه ويثقله (¬1) فكأنه قد كل تحته كلالًا (¬2) (فإلينا) يرجع القيام بمصالحه وما يحتاج إليه، وأتى بضمير الجمع؛ لأن من يلي الخلافة بعده يفعل ذلك. [2956] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف (عن جابر بن عبد الله، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول: أنا أولى بكل مؤمن) في أموره وتصرفات أحكامه الواقعة له (من نفسه) التي يجب عليه مخالفتها (فأيما رجل) بالجر على الإضافة، والتقدير: أي: رجل مؤمن (ترك دينًا) عليه (فإلي، ومن ترك مالاً فلورثته). * * * ¬

_ (¬1) في (ر): يفعله. (¬2) انظر: "النهاية" 4/ 353، "غريب الحديث" لابن الجوزي 2/ 298.

16 - باب متى يفرض للرجل في المقاتلة

16 - باب مَتَى يُفْرَضُ للرَّجُلِ في المُقاتِلَةِ 2957 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حدثنا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ أَخْبَرَني نافِعٌ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عُرِضَة يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ ابن أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَلَمْ يُجِزْه وَعُرِضَهُ يَوْمَ الخَنْدَقِ وَهُوَ ابن خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجازَهُ (¬1). * * * باب متى يفرض للرجل في المقاتلة وينفل من القتال [2957] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بالتصغير وهو: ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب (أخبرني نافع، عن ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرضه) فيمن عرض من جيش المسلمين، وهو يصلح للقتال، فيأذن (¬2) له، أو لا يصلح فيمنعه (يوم) غزوة (أحد وهو) جبل بالمدينة على أقل من فرسخ منها به قبر هارون عليه السلام (¬3)، ويقال له: ذو عينين، وكانت هذِه الغزاة سنة ثلاث من الهجرة يوم السبت لسبع ليالٍ خلون من شوال، وأنا (ابن) بالنصب (أربع عشرة) بفتح عين أربع وسكون الشين (سنة، فلم يجزه) أي: لم يأذن له في الخروج معه للقتال. (وعرضه يوم) غزوة (الخندق) وتسمى غزوة الأحزاب، وكانت في ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2664، 4097)، ومسلم (1868). (¬2) في (ر) فبادرت. (¬3) انظر: "الفجر الساطع على الصحيح الجامع" 3/ 68، "عمدة القاري" 2/ 225، 25/ 341، وذكر ذلك علي الحلبي في "السيرة الحلبية" 2/ 487، "الروض الأنف" 3/ 239.

ذي القعدة سنة خمس على الأصح، وسميت الخندق؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما حزبوا الأحزاب عليه حفر حول المدينة خندقًا في ستة أيام، والخندق لفظ فارسي معرب وأصله كندة، وقد رد النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد جماعة. (وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه) وإنما قال ذلك مع قوله أنه كان في أحد ابن أربع عشرة سنة وهي قبلها بسنة واحدة؛ لأنه لم يعتد كمال الأربعة عشر بل اكتفى بالطعن فيها. ومما استدل بهذا الحديث عليه: أن البلوغ بالسن محدود بخمس عشرة سنة، ولكن تحديده أن الإجازة وعدم الإجازة إنما هي بالنسبة إلى إطاقة القتال وعدمها لا إلى البلوغ وعدمه بدليل ما لو رآه الإمام بالغًا عاجزًا حرًّا فإنه لا يجيزه، وقيل: إن عمر بن عبد العزيز لما بلغه هذا الحديث جعله حدًّا، فكان يجعل من دون خمس عشرة سنة في الذرية، والمشهور عن مالك أن حد البلوغ سبع عشرة سنة. واعتذر هو ومن وافقه عن هذا الحديث بأن الإجازة في القتال منوط بإطاقته والقدرة عليه، وأن إجازة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الخمس عشرة؛ لأنه رآه مطيقًا للقتال، لا لأنه أدار الحكم على البلوغ وعدمه (¬1). * * * ¬

_ (¬1) سقط من (ر). وانظر: "عمدة القاري" 20/ 331.

17 - باب في كراهية الافتراض في آخر الزمان

17 - باب في كَراهِيَةِ الافتِراضِ في آخِرِ الزَّمانِ 2958 - حدثنا أَحْمَدُ بْن أَبي الحَواريِّ، حدثنا سُلَيْمُ بْنُ مُطَيْرٍ - شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ وادي القُرى- قالَ: حَدَّثَني أَبي مُطَيْرٌ أَنَّهُ خَرَجَ حاجّا حَتَّى إِذا كانَ بِالسّوَيْداءِ إِذا أَنا بِرَجُلٍ قَدْ جاءَ كَأَنَّهُ يَطْلُبُ دَواء وَخضُضًا فَقال: أَخْبَرَني مَنْ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في حَجَّةِ الوَداعِ وَهُوَ يَعِظُ النّاسَ وَيَأْمُرُهُمْ وَيَنْهاهُمْ فَقالَ: "يا أَيُّها النّاسُ خُذُوا العَطاءَ ما كانَ عَطاءً، فَإِذا تَجاحَفَتْ قُرَيْشٌ عَلَى المُلْكِ وَكانَ عَنْ دِينِ أَحَدِكُمْ فَدَعُوهُ". قالَ أَبُو داوُدَ: وَرَواهُ ابن المُبارَكِ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ يَسارٍ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ مُطَيْرٍ (¬1). 2959 - حدثنا هِشامُ بْنُ عَمّارٍ، حدثنا سُلَيْمُ بْنُ مُطَيْرٍ - مِنْ أَهْلِ وادي القُرى- عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ قالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في حَجَّةِ الوَداعِ فَأَمَرَ النّاسَ وَنَهاهُمْ ثُمَّ قالَ: " اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ " .. قالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. ثُمَّ قالَ: " إِذا تَجاحَفَتْ قُرَيْشٌ عَلَى المُلْكِ فِيما بَيْنَها وَعادَ العَطاءُ أَوْ كانَ رُشًا فَدَعُوهُ " .. فَقِيلَ: مَنْ هذا؟ قالُوا: هذا ذو الزَّوائِدِ صاحِبُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬2). * * * باب كراهية الافتراض بالفاء من الفرض، وهو العطاء الذي يقع من السلطان. [2958] (حدثنا أحمد بن أبي الحواري) بفتح الحاء المهملة، وتخفيف الواو، وفتح الراء وكسرها من الحور وهو التبيض، ومن ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 6/ 359. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (514). (¬2) راجع السابق، وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (515).

الحوارى العين وهو نقاء بياض العين وصفاء سوادها، وهذا مما يشبه النسبة، واسمه عبد الله بن ميمون زاهد دمشق، رحل وسمع أبا معاوية والكبار (حدثنا سليم بن مطير) بالتصغير فيهما، وهو الواديُّ (شيخ من أهل وادي القرى) موضع بين المدينة والشام. قال أبو حاتم: هو أعرابي محله الصدق (¬1). روى له المصنف هذا الحديث فقط، وهو أخو محمد بن مطير (¬2). (حدثني أبي مطيرٌ) بن سليم الوادي من وادي القرى: (أنه خرج) مع الحجاج (حاجًّا، حتى إذا كان بالسويداء) بضم السين المهملة على لفظ تصغير سوداء (¬3)، وهو موضع على ليلتين من المدينة نحو الشام (إذا أنا برجل) هو ذو الزوائد كما سيأتي. (كأنه يطلب دواء و) يطلب (حضضًا) بضم الحاء المهملة، وأما الضاد الأولى المعجمة فيروى بضمها وفتحها، وقيل: هو بضادين معجمتين، وقيل: بضاد ثم ظاء معجمتين وهو دواء معروف، قيل: إنه يعقد من أبوال الإبل (¬4)، وقيل: هو عقار منه مكي ومنه هندي، وهو عصارة شجر معروف له ثمرة كالفلفل وتسمى ثمرته الحضض (¬5). ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 4/ 214. (¬2) ترجم له البخاري في "التاريخ الكبير" 1/ 235 (743)، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 8/ 99، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا وذكره ابن حبان في "الثقات" 9/ 56. (¬3) في (ر): سود. (¬4) في (ر): الغنم. (¬5) انظر: "النهاية" 1/ 990.

وفي حديث طاوس: لا بأس بالحضض (¬1)، وقيل: هو صمغ نحو الشبرق المر (فقال) الرجل: (أخبرني من سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) يقول وهو في حجة الوداع) بفتح الواو (وهو يعظ الناس) وهو على ناقته القصواء وهو بعرفة (ويأمرهم) بأوامر الله (وينهاهم) عما حرم الله. (فقال) من جملة خطبته: (يا أيها الناس، خذوا العطاء) من السلطان (ما كان) أي: في الزمان الذي يكون (عطاء) الملوك فيه عطاء الله تعالى ليس فيه غرض من الأغراض الدنيوية التي فيها فساد دين الآخذ ومن هذا الحديث قول أبي ذر -رضي الله عنه - للأحنف بن قيس: خذ العطاء ما كان نحلة، فإذا كان أثمان دينكم فدعوه (¬2). (فإذا تجاحفت) بفتح الجيم والحاء والفاء المخففات كما سيأتي (قريش على الملك) من قولهم: تجاحفت القوم في القتال إذا تناول بعضهم بعضًا بالسيوف، يريد: إذا رأيت قريشًا تقاتلوا على الملك وتخاصموا على الملك وهو أن يقول كل واحد منهم: أنا أحق بالملك أو بالخلافة منك وتنازعوا في ذلك. ومنه حديث علي رضي الله تعالى عنه (¬3): إذا بلغ النساء نص الحقاق فالعصبة أولى (¬4). فإن الحقاق هنا المخاصمة، وهو أن يقول كل واحد من الخصمين: أنا أحق به منك. ¬

_ (¬1) أخرجه ابن أبي شيبة 3/ 48 عن الحسن والأوزاعي وابن سيرين. (¬2) رواه مسلم (992) بنحوه. (¬3) من هنا بدأ سقط في (ر). (¬4) "السنن الكبرى" للبيهقي 7/ 121.

(وكان عن دين) الذي يعطيه الملك عوضًا (أحدكم) بأن يعطيه العطاء ويحمله على فعل ما لا يحل له فعله في الشرع من قتال من لا يحل قتاله، وفعل ما لا يجوز فعله في دين الله تعالى (فدعوه) وعن الشعبي، عن أبي مسروق: لا يزال القضاء بأهل العطاء حتى يدخلهم النار. أي: يحملهم إعطاء الملك وإحسانه إليهم على ارتكاب الحرام، لا أن العطاء في نفسه حرام. قال الغزالي: وقد اختلفوا في أخذ العطاء من مال السلطان فقال قوم: كل ما لا يتيقن أنه حرام فله أن يأخذه، وقال آخرون: لا يحل له أن يأخذ ما لم يتحقق أنه حلال. وقد احتج من جوز الأخذ منه إذا كان فيه حرام وحلال إذا لم يتحقق أن غير المأخوذ حرام بما روي عن جماعة من الصحابة أنهم أدركوا الظلمة وأخذوا من أموالهم، وأخذ كثير من التابعين، وأخذ الشافعي من هارون الرشيد ألف دينار في دفعة واحدة، وأخذ مالك من الخلفاء أموالًا جمة، وإنما ترك من ترك العطاء منهم تورعًا مخافة على دينه، قال: وأغلب أموال السلاطين حرام في هذِه الأعصار، والحلال في أيديهم معدوم أو عزيز. انتهى (¬1). وهذا في زمانه -رضي الله عنه-، فكيف بمالهم اليوم، وكان السلاطين في العصر الأول لقرب عهدهم بزمان الخلفاء الراشدين يستميلون قلوب العلماء حريصين على قبولهم عطاياهم، ويبعثون إليهم من غير سؤال ولا إذلال، بل كانوا يتقلدون المنة بقبولهم ويفرحون به، وكانوا يأخذون ¬

_ (¬1) "إحياء علوم الدين" 2/ 136.

منهم ويفرقونه ولا يطيعونهم في أغراضهم، ولا يغشون في مجالسهم. (قال المصنف: ورواه) عبد الله (ابن المبارك، عن محمد بن يسار) بالمثناة تحت والسين المهملة وهو أبو عبد الله البصري، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬1) (عن سليم بن مطير) كما تقدم. [2959] (حدثنا هشام بن عمار) الدمشقي شيخ البخاري (حدثنا سليم بن مطير) بتصغيرهما كما تقدم (من أهل وادي القرى) بضم القاف (عن أبيه، أنه حدثه قال: سمعت رجلاً يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع) تقدم أنه (فأمر الناس) في خطبته (ونهاهم ثم قال: اللهم هل بلغت؟ قالوا: اللهم نعم) وفي حديث جابر الطويل: " فما أنتم قائلون؟ " قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: " اللهم أشهد اللهم أشهد " ثلاث مرات (¬2). (ثم قال: إذا تجاحفت) بفتح التاء وتخفيف الجيم وتخفيف الحاء المهملة بعد الألف مع الفاء (قريش على الملك) يقال: تجاحف القوم في القتال إذا تناول بعضهم بعضًا بالسيوف يريد: إذا تقاتلوا على الملك، ومنه حديث عمار أنه دخل على أم سلمة وكان أخاها من الرضاعة فاجتحف ابنتها زينب من حجرها (¬3). أي: تناولها واستلها. فيما بينها وعاد العطاء أو كان رشا) بضم الراء وتخفيف الشين مع ¬

_ (¬1) "الثقات" 7/ 429. (¬2) أخرجه مسلم (1218). (¬3) انظر: "النهاية" 1/ 688.

القصر، وقيل: يجوز كسر الراء وهو جمع رشوة، وهي العطية لغرض دنيوي وأكثره في الحكم. قال الخطابي (عاد العطاء رشا) هو أن يصرف عن المستحقين ويعطاه من له الجاه والمنزلة (¬1). وفي "النهاية": الرشوة الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة، وأصله من الرشاء الذي يتوصل منه إلى الماء (¬2). (فدعوه) لهم ولا تقبلوه منهم (فقيل: من هذا؟ ) الرجل الراوي (قالوا: هذا ذو الزوائد، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وهو جهني سكن المدينة، وعن أبي أمامة بن سهل قال: هو أول من صلى الضحى. والله أعلم، له صحبة ولا يعرف اسمه (¬3). * * * ¬

_ (¬1) "معالم السنن" 3/ 244. (¬2) "النهاية" 2/ 546. (¬3) انظر: "الإصابة" 2/ 413.

18 - باب في تدوين العطاء

18 - باب في تَدْوِينِ العَطاءِ 2960 - حدثنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حدثنا إِبْراهِيمُ -يَعْني: ابن سَعْدٍ- حدثنا ابن شِهابٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مالِكٍ الأَنْصاريِّ أَنَّ جَيْشًا مِنَ الأَنْصارِ كانُوا بِأَرْضِ فارِسَ مَعَ أَمِيرِهِمْ، وَكانَ عُمَرُ يُعْقِبُ الجُيُوشَ في كُلِّ عامٍ فَشُغِلَ عَنْهُمْ عُمَرُ، فَلَمّا مَرَّ الأَجَلُ قَفَلَ أَهْلُ ذَلِكَ الثَّغْرِ، فاشْتَدَّ عَلَيْهِمْ وَتَواعَدَهُمْ -وَهُمْ أَصْحابُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقالُوا يا عُمَرُ إِنَّكَ غَفَلْتَ عَنّا وَتَرَكْتَ فِينا الذي أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ إِعْقابِ بَعْضِ الغَزِيَّةِ بَعْضًا (¬1). 2961 - حدثنا مَحْمُودُ بْن خالِدٍ، حدثنا محَمَّد بْنُ عائِذٍ، حدثنا الوَلِيدُ، حدثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَني فِيما حَدَّثَهُ ابن لِعَديِّ بْنِ عَديٍّ الكِنْديِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ كَتَبَ إِنَّ مَنْ سَأَلَ عَنْ مَواضِعِ الفَيء فَهُوَ ما حَكَمَ فِيهِ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ -رضي الله عنه - فَرَآهُ المُؤْمِنُونَ عَدْلاً مُوافِقًا لِقَوْلِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "جَعَلَ اللهُ الحَقَّ عَلَى لِسانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ". فَرَضَ الأَعْطِيَةَ وَعَقَدَ لأهلِ الأَدْيانِ ذِمَّةً بِما فُرِضَ عَلَيْهِمْ مِنَ الجِزْيَةِ لَمْ يَضْرِبْ فِيها بِخُمُسٍ وَلا مَغْنَمٍ (¬2). 2962 - حدثنا أَحْمَدُ بْن يُونُسَ، حدثنا زهَيْرٌ، حدثنا مُحَمَّد بْنُ إِسْحاقَ، عَنْ مَكْحُولِ، عَنْ غُضَيْفِ بْنِ الحارِثِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " إِنَّ اللهَ وَضَعَ الحَقَّ عَلَى لِسانِ عُمَرَ يَقُولُ بِهِ " (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه ابن الجارود في "المنتقى" (1095)، والبيهقي 9/ 29. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2622). (¬2) رواه البيهقي 6/ 259 وأعله بالانقطاع. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (516). (¬3) رواه ابن ماجه (108).

باب في تدوين العطاء [2960] (حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا إبراهيم بن سعد) الزهري العوفي المدني (ثنا) محمد (ابن شهاب) الزهري (عن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري) السلمي المدني، أخرج له مسلم (أن جيشًا من الأنصار كانوا بأرض فارس) وهي مملكة تشتمل على عدة من المدن ودار مملكتها شيراز، سميت فارس بذلك؛ لأنه سكنها فارس بن عابور بن يافث بن نوح عليه السلام، ذكره علي بن كيسان (¬1). (مع أميرهم، وكان عمر -رضي الله عنه - يعقب) بضم أوله ويجوز إسكان العين مع تخفيف القاف وفتح العين مع تشديد القاف، والتعقيب والإعقاب كما قال في "النهاية": هو أن يكون الغزو بينهم نوبًا، فإذا خرجت طائفة ثم عادت لم تكلف أن تعود ثانيةً، بل تبعث طائفة أخرى غيرها يقيمون مكانهم وينصرف أولئك إلى أهاليهم؛ لئلا يطول عليهم وعلى أهلهم الغربة فيتضرروا بذلك (¬2). قال الهروي: يقال: عقب الغزاة وأعقبوا إذا وجه مكانهم غيرهم ليردوا إلى أهلهم قريبًا، ومنه الحديث: فإن كل غازية غزت يعقب بعضهم بعضًا (¬3) (الجيوش في كل عام) مرة (فشغل) بضم الشين وكسر الغين (عنهم عمر) فلم يبعث لهم من ينوب عنهم إلى أن يعودوا إلى أهليهم. ¬

_ (¬1) انظر: "معجم البلدان" 4/ 226. (¬2) "النهاية" 3/ 526. (¬3) انظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد 1/ 243، "الفائق" للزمخشري 2/ 26.

(فلما مر الأجل) ولم يحضر إليهم أحد (قفل) أي: رجع (أهل ذلك الثغر) الذي بأرض فارس (فاشتد عليهم) أي: تغيظ عمر (وتواعدهم) بالعقوبة، يقال: وعد في الخير، وأوعد وتوعد في الشر (¬1)، كما قال الشاعر: وإني وإن أوعدته أو وعدته ... لمخلف العادي ومنجز موعدي (¬2) (وهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ولهم حق الصحبة وحرمة قدرها (فقالوا: يا عمر، إنك غفلت) بفتح الفاء (عنا وتركت فينا) جار ومجرور متعلق بالمحذوف المقدر بعده وهو مفعول تركت، والتقدير: تركت العمل فينا (الذي أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ومن حذف المفعول قوله تعالى: {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ} (¬3) أي: سفههم، ومن: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85)} (¬4). (من إعقاب) بكسر الهمز مصدر أعقب كما تقدم (بعض الغزية) بفتح الغين المعجمة جمع غازية كما يقال في المذكر الصحيح: حجيج حاج، والغازية تأنيث الغازي وهي هاهنا صفة لجماعة غازية، ويجوز أن تكون الغزية جمع غازٍ فإن الغازي يجمع على غُزَاة وغُزَّي وغَزِيٌّ وغُزَّاءٌ كقُضَاة ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية" 5/ 449. (¬2) انظر: "الزاهر في معاني كلمات الناس" (105)، "إسفار الفصيح" للهروي باب: فعلت وأفعلت، والبيت من الطويل وهو لأبي عمرو بن العلاء. وانظر: "البصائر والذخائر" 1/ 39. (¬3) البقرة: 13. (¬4) الواقعة: 85.

وسُبَّق وحَجِيج وفُسَّاق (¬1). (بعضًا) فيه دلالة على أن الإمام يبعث الجيش لقتال العدو وللإغارة عليهم في بلادهم وأقل مدة ما يفعل في كل سنة، وأنه يبعث إلى الثغور طائفة يقيمون عليها للرباط وعليهم أمير يرجعون إلى قوله. ويستحب أن لا تغيب الطائفة المبعوثة أكثر من سنة عن أهلها، وإذا مضت السنة تحضر تلك الطائفة ويرسل طائفة أخرى عوضهم. وقد رتب الملوك المتقدمة في ثغور الشام أمراء لكل ثغر أمير وله أتباع يقيم كل أمير في الثغر شهرًا، فإذا انتهى الشهر يستمر مقيمًا إلى أن يأتي الأمير الذي في الشهر بعده مع أتباعه، فإذا رآهم سلم عليهم ثم رجع إلى أهله، وجعلوا على الأمير أن يركب في الليل هو وجماعته، ويمشون على الساحل بالخيل والسلاح إلى الفجر، وجعلوا لهم رزقًا من بيت المال على ذلك. وقد لحقنا بعض هذا، ولكن انقطع أثر ذلك وفسد النظام الذي تقدم، فنسأل الله العافية. [2961] (حدثنا محمود بن خالد) بن يزيد (¬2) السلمي الدمشقي، وثقه النسائي، وقال أبو حاتم: ثقة رضى (¬3) (حدثنا محمد بن عايذ) بالمثناة تحت قبل الذال القرشي الدمشقي، صاحب كتاب "الفتوح ¬

_ (¬1) "النهاية" لابن الأثير 3/ 677. (¬2) في الأصول: زيد والمثبت من كتب التراجم انظر: "تهذيب الكمال" 27/ 295، "تهذيب التهذيب" 10/ 55. (¬3) "الجرح والتعديل" 8/ 292.

والمغازي"، عن ابن معين: ثقة، وقال دحيم: صدوق (¬1) (حدثنا الوليد) بن مسلم (حدثنا عيسى بن يونس) ابن أبي إسحاق أحد الأعلام (¬2) (حدثني فيما حدثه ابن لعدي بن عدي) بن عميرة أبو فروة (الكندي) سيد أهل الجزيرة الفقيه الثقة الناسك (¬3) (أن عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- كتب: ) إلى عماله (إن من سأل عن مواضع) أي: عن مصارف (الفيء) التي يصرف فيها إلى المستحقين (فهو ما حكم فيه عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- فإنه أول من دون الدواوين في العرب ورتب الجرائد والدفاتر التي فيها أسماء المستحقين، وقدر استحقاقاتهم للعمال المنتصبين لحساب ذلك والقيام به (¬4). ولهذا بوب عليه المصنف: باب تدوين العطاء (فرآه) أي: ورآه (المؤمنون عدلاً) يعني: في القسمة لا يميل به الهوى فيعدل عن الحق، ويحتمل أن يراد به (موافقًا) للكتاب والسنة لا يعدل عنهما ولا يخالفهما، وهذا موافق لقول عبد الله بن مسعود: ما راَه المسلمون حسنًا فهو عبد الله حسن (¬5). قال العلائي: ولم أجده مرفوعًا في شيء من كتب الحديث ولا بسندٍ ضعيف بعد طول البحث عنه، وإنما هو من قول ابن مسعود موقوفًا عليه، ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب التهذيب" 9/ 214. (¬2) انظر: "الكاشف" 2/ 114 (4409). (¬3) "تقريب التهذيب" (5443)، "الكاشف" للذهبي (3762). (¬4) انظر: "الطبقات الكبرى" لابن سعد 3/ 282. (¬5) أخرجه أحمد في "مسنده" 6/ 84، وأبو نعيم في "الإمامة والرد على الرافضة" (201)، و"الاعتقاد" للبيهقي 1/ 322، والطبراني في "الكبير" 9/ 112.

ولكن تعضده رواية مسلم (¬1): " من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد "، فإنه دليل على اعتبار ما استحسنه المسلمون وما هم عليه إما من جهة الأمر الشرعي، أو من جهة العادة المستقرة، فإن عموم قوله: " ليس عليه أمرنا " يشمله؛ لأن المراد: عليه أمر الإسلام. (لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: جعل الله) ولفظ الترمذي: إن الله جعل (الحق على لسان عمر وقلبه) أي: جعل الله الحق موافقًا لما يقوله عمر بلسانه كما في رواية الترمذي (¬2) عن ابن عمر: ما نزل بالناس أمرٌ قط فقالوا فيه وقال فيه عمر إلا نزل فيه القرآن على نحو ما قال: وموافقات عمر مشهورة، فكما أن الله تعالى جعل الصواب يجري على لسان عمر، كذلك يلهم الله قلبه الصواب في الظن، فإذا حدثه قلبه بشيء وغلب على ظنه كان صوابًا؛ لأن الله الذي أوقعه في قلبه. وروى مسلم (¬3) والترمذي (¬4): " قد كان في الأمم محدثون، فإن يكن في أمتي أحد فعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ". قال ابن وهب: تفسير محدثون: ملهمون (¬5). (فرض) عمر -رضي الله عنه- (الأعطية) بضم الهمزة وكسر الطاء وتشديد الياء يعني: العطية وأصلها أعطوية وزن أفعولة اجتمعت الواو والياء، ¬

_ (¬1) (1718). (¬2) (3682). (¬3) (2398). (¬4) (3693)، وهو في البخاري (3469). (¬5) "صحيح مسلم" (2398/ 23).

وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء، وأدغمت في الياء بعدها وانكسرت الطاء لمناسبة الياء، فإن عمر -رضي الله عنه- فرض لكل المسلمين حقًّا في الفيء؛ لما روى عكرمة عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: قرأ عمر بن الخطاب {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} (¬1) الآية، وقرأ الآية التي في سورة الحشر حتى بلغ {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} .. {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ} .. {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} (¬2) قال: استوعبت هذِه الآية المسلمين عامة، فليس أحدٌ إلا وله فيها حق. وظاهر هذا الخبر يدل على أن لجميع المسلمين في الفيء حقًّا ثابتا. قال العلماء: ينبغي أن يتخذ الإمام ديوانًا وهو دفتر فيه أسماء أهل الديوان وأعطياتهم (¬3) (وعقد) عمر -رضي الله عنه- (لأهل الأديان) ممن له كتاب أو شبهة كتاب (ذمة) أي: عهدًا وأمانًا وحرمة، وسمي أهل الذمة لدخولهم في عهد المسلمين وأمانهم (بما) أي: بسبب ما (فرض عليهم من الجزية) فمن بذل الجزية في آخر كل حول لزم قبولها وحرم قتالهم؛ لقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} إلى قوله: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ} (¬4)، فجعل إعطاء الجزية غاية لقتالهم، فمتى بذلوها لم يجز قتالهم (لم يضرب فيها) أي: في الجزية يعني: لمن يتحرك في أخذها من ضربان عرق الرأس وهو التحرك بقوة (بخمس) ¬

_ (¬1) التوبة: 60. (¬2) الحشر: 8 - 10. (¬3) في (ر): أعطائهم. (¬4) التوبة: 29.

أي: لا يصرف من الجزية والفيء خمس (ولا مغنم) جمعه مغانم، وهو ما حصل بقتال. [2962] (حدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) اليربوعي (حدثنا زهير، حدثنا محمد بن إسحاق، عن مكحول، عن غضيف) بضم الغين المعجمة وفتح الضاد المعجمة مصغر، ويقال: غطيف (بن الحارث) الحمصي الكندي، وهو آخر صحابي (عن أبي ذر) جندب بن جنادة -رضي الله عنه- (قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن الله تعالى وضع الحق على لسان عمر) بن الخطاب (يقول به) كما تقدم. * * *

19 - باب في صفايا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأموال

19 - باب في صَفايا رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الأَمْوالِ 2963 - حدثنا الحَسَنُ بْن عَليٍّ وَمحَمَّد بْن يَحْيَى بْنِ فارِس المَعْنَى قالا: حدثنا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ الزَّهْرانيُّ، حَدَّثَني مالِك بْنُ أَنَسٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ مالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الحَدَثانِ قال: أَرْسَلَ إِلَيَّ عُمَرُ حِينَ تَعالَى النَّهارُ فَجِئْتُهُ فَوَجَدْتُهُ جالِسًا عَلَى سَرِيرٍ مُفْضِيًا إِلَى رِمالِهِ فَقالَ حِينَ دَخَلْتُ عَلَيْهِ: يا مال إِنَّهُ قَدْ دَفَّ أَهْلُ أَبْياتٍ مِنْ قَوْمِكَ وَإِنّي قَدْ أَمَرْتُ فِيهِمْ بِشَيء فاقْسِمْ فِيهِمْ. قُلْتُ: لَوْ أَمَرْتَ غَيْري بِذَلِكَ. فَقال: خذْهُ. فَجاءَه يَرْفَأ فَقال: يا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ هَلْ لَكَ في عُثْمانَ بْنِ عَفّانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ والزُّبَيْرِ بْنِ العَوّامِ وَسَعْدِ بْنِ أَبي وَقّاصٍ؟ قال: نَعَمْ. فَأَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا، ثُمَّ جاءَهُ يَرْفَأُ فَقال: يا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ هَلْ لَكَ في العَبّاسِ وَعَليٍّ؟ قال: نَعَمْ. فَأَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا، فَقالَ العَبّاسُ: يا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْني وَبَيْنَ هذا -يَعْني: عَلِيّا- فَقالَ بَعْضُهُمْ: أَجَلْ يا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنَهُما وارْحَمْهُما. قالَ مالِك بْن أَوْسٍ: خُيِّلَ إِلَي أَنَّهُمَا قَدَّما أُولَئِكَ النَّفَرَ لِذَلِكَ. فَقالَ عُمَرُ رَحِمَه الله: اتَّئِدا. ثمَّ أَقْبَلَ عَلَى أُولَئِكَ الرَّهْطِ فَقالَ: أَنْشُدُكُمْ باللهِ الذي بإِذْنِهِ تَقُومُ السَّماء والأرْضُ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: " لا نُورَثُ ما تَرَكْنا صَدَقَةٌ؟ ". قالُوا: نَعَمْ. ثمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَليٍّ والعَبّاسِ رضي الله عنهما فَقالَ: أَنْشُدُكُما باللهِ الذي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّماء والأَرْضُ هَلْ تَعْلَمانِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: " لا نُورَثُ ما تَرَكْنا صَدَقَةٌ؟ " فَقالا: نَعَمْ. قال: فَإِنَّ اللهَ خَصَّ رَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم - بِخاصَّةٍ لَمْ يَخُصَّ بِها أَحَدًا مِنَ النّاسِ فَقالَ الله تَعالَى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} وَكانَ الله أَفاءَ عَلَى رَسُولِهِ بَني النَّضِيرِ فَواللَّهِ ما اسْتَأْثَرَ بِها عَلَيْكُمْ وَلا أَخَذَها دُونَكمْ، فَكانَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْخُذ مِنْها نَفَقَةَ سَنَةٍ، أَوْ نَفَقَتَهُ وَنَفَقَةَ أَهْلِهِ سَنَةً وَيَجْعَلُ ما بَقيَ أُسْوَةَ المالِ. ثمَّ أَقْبَلَ عَلَى أُولَئِكَ الرَّهْطِ فَقال: أَنْشُدُكمْ باللهِ الذي بإِذْنِهِ تَقُومُ السَّماء والأَرْضُ هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ؟ قالُوا: نَعَمْ. ثمَّ أَقْبَلَ عَلَى العَبّاسِ وَعَليٍّ رضي الله عنهما فَقال: أَنْشدُكُما باللهِ الذي بِإِذْنِهِ

تَقُومُ السَّماءُ والأرضُ هَلْ تَعْلَمانِ ذَلِكَ؟ قالا: نَعَمْ. فَلَمّا تُوُفّيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ أَبُو بَكْر: أَنا وَلىُّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فجِئْتَ أَنْتَ وهذا إِلَى أَبي بَكْرٍ تَطْلُبُ أَنْتَ مِيراثَكَ مِنِ ابن أَخِيكَ وَيَطْلُبُ هذا مِيراثَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيها، فَقالَ أَبُو بَكْرٍ رَحِمَه الله: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " لا نُورَثُ ما تَرَكْنا صَدَقَةٌ؟ " والله يَعْلَمُ إِنَّهُ لصادِقٌ بارٌّ راشِدٌ تابعٌ لِلْحَقِّ فَوَلِيَها أَبُو بَكْرٍ فَلَمّا تُوُفّيَ أَبُو بَكْرٍ قُلْتُ: أَنا وَليُّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ووَليُّ أَبي بَكْرٍ فَوَلِيتُها ما شاءَ اللهُ أَنْ أَلِيَها فَجِئْتَ أَنْتَ وهذا وَأَنْتُما جَمِيعٌ وَأَمْرُكما واحِدٌ فَسَأَلْتُمانِيها فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتُما أَنْ أَدْفَعَها إِلَيْكُما عَلَى أَنَّ عَلَيْكُما عَهْدَ اللهِ أَنْ تَلِياها بِالَّذي كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَلِيها فَأَخَذْتُماها مِنّي عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ جِئْتُماني لأَقْضيَ بَيْنَكُما بِغَيْرِ ذَلِكَ والله لا أَقْضي بَيْنَكُما بِغَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السّاعَة فَإِنْ عَجَزْتُما عَنْها فَرُدّاها إِلَيَّ. قالَ أَبُو داوُدَ: إِنَّما سَأَلاه أَنْ يَكُونَ يُصَيِّرُه بَيْنَهُما نِصْفَيْنِ لا أنَّهُما جَهِلا أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: " لا نُورَثُ ما تَرَكْنا صَدَقَةٌ " فَإِنَّهُما كانا لا يَطْلُبانِ إِلا الصَّوابَ. فَقالَ عُمَرُ: لا أُوقِعُ عَلَيْهِ اسْمَ القَسْمِ أَدَعُهُ عَلَى ما هُوَ عَلَيْهِ (¬1). 2964 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ مالِكِ بْنِ أَوْسٍ بهذِه القِصَّةِ قال: وَهُما -يَعْني: عَلِيا والعَبّاسَ رضي الله عنهما- يَخْتَصِمانِ فِيما أَفاءَ اللهُ عَلَى رَسُولهِ مِنْ أَمْوالِ بَني النَّضِيرِ. قالَ أَبُو داوُدَ: أَرادَ أَنْ لا يُوقِعَ عَلَيْهِ اسْمَ قَسْمٍ (¬2). 2965 - حدثنا عُثْمان بْنُ أَبي شَيْبَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ -المَعْنَى- أَنَّ سُفْيانَ بْنَ عُيَيْنَةَ أَخْبَرَهُمْ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ مالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الحَدَثانِ، عَنْ عُمَرَ قال: كانَتْ أَمْوالُ بَني النَّضِيرِ مِمّا أَفاءَ اللهُ عَلَى رَسُولهِ مِمّا لَمْ يُوجِفِ المُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلا رِكابٍ، كانَتْ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خالِصًا يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ- قالَ ابن عَبْدَةَ: يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ قُوتَ سَنَةٍ - فَما بَقيَ جُعِلَ في الكُراعِ وَعُدَّة في سَبِيلِ اللهِ عز وجل ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3094)، ومسلم (1757). (¬2) رواه البخاري (5357)، ومسلم (1757).

قالَ ابن عَبْدَةَ: في الكُراعِ والسِّلاحِ (¬1). 2966 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا إِسْماعِيل بْن إِبْراهِيمَ، أَخْبَرَنا أَيُّوبُ، عَنِ الزُّهْريِّ قال: قال عُمَرُ: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ}. قالَ الزُّهْريُّ: قالَ عُمَرُ: هذِه لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خاصَّةً قُرى عُرَيْنَةَ فَدَكَ وَكَذا وَكَذا: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} وم {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ}، {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} فاسْتَوْعَبَتْ هذِه الآيَةُ النّاسَ فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنَ المُسْلِمِينَ إِلاَّ لَهُ فِيها حَقٌّ -قالَ أَيُّوبُ: أَوْ قالَ: حَظٌّ- إِلا بَعْضَ مَنْ تَمْلِكُونَ مِنْ أَرِقّائِكمْ (¬2). 2967 - حدثنا هِشامُ بْن عَمّارٍ، حدثنا حاتِمُ بْن إِسْماعِيلَ ح وَحَدَّثَنا سُلَيْمانُ ابْنُ داوُدَ المَهْريُّ، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَني عَبْدُ العَزِيزِ بْبنُ محَمَّدٍ ح وَحَدَّثَنا نَصْرُ بْن عَليٍّ، حدثنا صَفْوان بْنُ عِيسَى -وهذا لَفْظُ حَدِيثِهِ- كُلُّهُمْ عَنْ أسامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ مالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الحَدَثانِ قال: كانَ فِيما احْتَجَّ بِهِ عُمَرُ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قال: كانَتْ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاثُ صَفايا بَنُو النَّضِيرِ وَخَيْبَرُ وَفَدَكُ، فَأَمّا بَنُو النَّضِيرِ فَكانَتْ حُبْسًا لِنَوائِبِهِ، وَأَمّا فَدَك فَكانَتْ حُبْسًا لأبناءِ السَّبِيلِ، وَأَمّا خَيْبَرُ فَجَزَّأَها رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاثَةَ أَجْزاءٍ جُزْءَيْنِ بَيْنَ المُسْلِمِينَ وَجُزْءًا نَفَقَةً لأَهْلِهِ، فَما فَضَلَ عَنْ نَفَقَةِ أَهْلِهِ جَعَلَه بَيْنَ فقَراءِ المُهاجِرِينَ (¬3). 2968 - حدثنا يَزِيدُ بْن خالِدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوْهَبٍ الهَمْدانيُّ، حدثنا اللَّيْثُ بْنُ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2904، 4885)، ومسلم (1757). (¬2) رواه البيهقي 6/ 296. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2627). (¬3) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/ 302، والبيهقي 6/ 296، 7/ 59، وابن عبد البر في "التمهيد" 6/ 450. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2628).

سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خالِدٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عائِشَةَ زَوْجِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّها أَخْبَرَتْهُ أَنَّ فاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَرْسَلَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رضي الله عنه- تَسْأَلُهُ مِيراثَها مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِمّا أَفاءَ اللهُ عَلَيْهِ بِالَمدِينَةِ وَفَدَكَ وَما بَقيَ مِنْ خمسِ خَيْبَرَ. فَقالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: " لا نُورَثُ ما تَرَكنا صَدَقَةٌ إِنَّما يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ هذا المالِ ". وَإنِّي والله لا أُغَيِّرُ شَيئًا مِنْ صَدَقَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ حالِها التي كانَتْ عَلَيْهِ في عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلأعمَلَنَّ فِيها بِما عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- أَنْ يَدْفَعَ إِلَى فاطِمَةَ عَلَيها السَّلامُ مِنْها شَيئًا (¬1). 2969 - حدثنا عَمْرُو بْنُ عُثْمانَ الِحمْصيُّ، حدثنا أَبِي، حدثنا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْريِّ، حَدَّثَني عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عائِشَةَ زَوْجَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرَتْهُ بهذا الحَدِيثِ قال: وَفاطِمَة عَلَيْها السَّلامُ حِينَئِذٍ تَطْلُبُ صَدَقَةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - التي بِالمَدِينَةِ وَفَدَكَ وَما بَقيَ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ. قالَتْ عائِشَةُ رضي الله عنها: فَقالَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه-: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: " لا نُورَثُ ما تَرَكنا صَدَقَةٌ وَإِنَّما يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ في هذا المالِ ". يَعْني: مالَ اللهِ، لَيسَ لَهُمْ أَنْ يَزِيدُوا عَلَى المَأْكَلِ (¬2). 2970 - حدثنا حَجّاجُ بْن أَبِي يَعْقُوبَ، حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْراهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حدثنا أَبي، عَنْ صالِحٍ، عَنِ ابن شِهابٍ قال: أَخْبَرَني عُرْوَةُ أَنَّ عائِشَةَ رضي الله عنها أَخْبَرَتْهُ بهذا الحَدِيثِ قالَ فِيهِ: فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- عَلَيْها ذَلِكَ وَقال: لَسْتُ تارِكًا شَيْئًا كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعْمَلُ بِهِ إِلا عَمِلْتُ بِهِ، إِنّي أَخْشَى إِنْ تَرَكْتُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ أَنْ أَزِيغَ، فَأَمّا صَدَقَتهُ بِالَمدِينَةِ فَدَفَعَها عُمَرُ إِلَى عَليِّ وَعَبّاسٍ -رضي الله عنهم - فَغَلَبَهُ عَليٌّ عَلَيْها، وَأَمّا خَيْبَرُ وَفَدَك فَأَمْسَكَهُما عُمَرُ وَقال: هُما صَدَقَةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَتا لِحُقُوقِهِ التي تَعْرُوهُ وَنَوائِبِهِ وَأَمْرُهُما إِلَى مَنْ وَليَ الأَمْرَ. قال: فَهُما عَلَى ذَلِكَ إِلَى اليَوْمِ (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4240، 4241)، ومسلم (1759). (¬2) رواه البخاري (3711، 3712). (¬3) رواه البخاري (3092، 3903)، ومسلم (1759).

2971 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حدثنا ابن ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْريِّ في قَوْلِهِ: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} قال: صالَحَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَهْلَ فَدَكَ وَقُرى قَدْ سَمّاها لا أَحْفَظها وَهُوَ مُحاصِرٌ قَوْمًا آخَرِينَ فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ بِالصُّلْحِ قالَ: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} يَقُول: بِغَيْرِ قِتالٍ. قالَ الزُّهْريُّ: وَكانَتْ بَنُو النَّضِيرِ لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - خالِصًا لَمْ يَفْتَحُوها عَنْوَةً، افْتَتَحُوها عَلَى صُلْحٍ، فَقَسَمَها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ المُهاجِرِينَ، لَمْ يُعْطِ الأَنْصارَ مِنْها شَيْئًا، إِلا رَجُلَيْنِ كانَتْ بِهِما حاجَةٌ (¬1). 2972 - حدثنا عَبْدُ اللهِ بْن الجَرّاحِ، حدثنا جَرِيرٌ، عَنِ المُغِيرة قال: جَمَعَ عُمَرُ بْن عَبْدِ العَزِيزِ بَني مَرْوانَ حِينَ اسْتُخْلِفَ فَقالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَتْ لَهُ فَدَكُ، فَكانَ يُنْفِق مِنْها وَيَعُودُ مِنْها عَلَى صَغِيرِ بَني هاشِمٍ، وَيُزَوِّجُ مِنْها أَيِّمَهُمْ، وَإِنَّ فاطِمَةَ سَأَلَتْهُ أَنْ يَجْعَلَها لَها فَأَبَى فَكانَتْ كَذَلِكَ في حَياةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ فَلَمّا أَنْ وَليَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- عَمِلَ فِيها بِما عَمِلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في حَياتِهِ حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ فَلَمّا أَنْ وَليَ عُمَرُ عَمِلَ فِيها بِمِثْلِ ما عَمِلا حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ، ثُمَّ أَقْطَعَها مَرْوانُ ثُمَّ صارَتْ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ قالَ -يَعْني: عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ- فَرَأَيْت أَمْرًا مَنَعَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فاطِمَةَ عَلَيْها السَّلامُ لَيْسَ لي بِحَقٍّ وَأَنا أُشْهِدُكُمْ أَنّي قَدْ رَدَدْتُها عَلَى ما كانَتْ، يَعْني: عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قالَ أَبُو داوُدَ: وَليَ عُمَرُ بْنُ عَبدِ العَزِيزِ الِخلافَةَ وَغَلَّته أَرْبَعُونَ ألفَ دِينارٍ وَتوُفّيَ وَغَلَّتُهُ أَرْبَعْمِائَةِ دِينارٍ وَلَوْ بَقيَ لَكانَ أَقَلَّ (¬2). 2973 - حدثنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حدثنا مُحَمَّد بْن الفُضَيْلِ، عَنِ الوَليدِ بْنِ جُمَيْعٍ، عَنْ أَبي الطُّفَيْلِ قال: جاءَتْ فاطِمَة رضي الله عنها إِلَى أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنه- تَطْلُبُ مِيراثَها مِنَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: فَقالَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه-: سَمِعْت رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 6/ 296. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (517). (¬2) رواه البيهقي 6/ 296. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (518).

اللهَ - عز وجل - إِذا أَطْعَمَ نَبِيّا طُعْمَةً فَهيَ لِلَّذي يَقُومُ مِنْ بَعْدِهِ" (¬1). 2974 - حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبي الزِّنادِ، عَنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لا تَقْتَسِمُ وَرَثَتي دِينارًا ما تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسائي وَمُوْنَةِ عامِلي فَهُوَ صَدَقَهٌ". قالَ أَبُو داوُدَ: "مُوْنَةِ عامِلي" يَعْني: أكَرَةَ الأرضِ (¬2). 2975 - حدثنا عَمْرُو بْنُ مَرْزوقٍ، أَخْبَرَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبي البَخْتَريِّ قالَ: سَمِعْت حَدِيثًا مِنْ رَجُلٍ فَأَعْجَبَني فَقُلْتُ: اكْتُبْهُ لي فَأَتَى بِهِ مَكْتُوبًا مُذَبَّرًا: دَخَلَ العَبّاسُ وَعَليٌّ عَلَى عُمَرَ وَعِنْدَهُ طَلْحَةُ والزُّبَيْرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَسَعْدٌ وَهُما يَخْتَصِمانِ، فَقالَ عُمَرُ لِطَلْحَةَ والزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعْدٍ: أَلمْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "كُلُّ مالِ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - صدَقَةٌ إِلاَّ ما أَطْعَمَهُ أَهْلَهُ وَكساهُمْ إِنّا لا نُورَثُ"؟ قالُوا: بَلَى. قال: فَكانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُنْفِقُ مِنْ مالِهِ عَلَى أَهْلِهِ وَيَتَصَدَّقُ بِفَضْلِهِ ثُمَّ تُوُفّيَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَوَلِيَها أَبُو بَكْرٍ سَنَتَيْنِ فَكانَ يَصْنَعُ الذي كانَ يَصْنَعُ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. ثُمَّ ذَكَرَ شَيْئًا مِنْ حَدِيثِ مالِكِ بْنِ أَوْسٍ (¬3). 2176 - حدثنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكِ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُروَةَ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّها قالَتْ: إِنَّ أَزْواج النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ تُوُفّيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَرَدْنَ أَنْ يَبْعَثْنَ عُثْمانَ بْنَ عَفّانَ إِلَى أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَيَسْألنَهُ ثُمُنَهنَّ مِنَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَتْ لَهُنَّ عائِشَةُ: أَليْسَ قَدْ قالَ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 4، والبزار في "المسند" 1/ 124 (54)، وأبو يعلى 1/ 40 (37)، 12/ 119 (6752)، والبيهقي 6/ 303، والضياء في "المختارة" 1/ 129/ 130 (42، 43). قال الشيخ أحمد شاكر في "شرح المسند" 1/ 160 (14): إسناده صحيح. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (2632)، وفي "الإرواء" (1241). (¬2) رواه البخاري (2776)، ومسلم (1760). (¬3) رواه البيهقي 6/ 299 - 300. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2634).

رَسُولُ اللْهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا نُورَثُ ما تَرَكنا فَهُوَ صَدَقَةٌ" (¬1). 2977 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحيَى بْنِ فارِسٍ، حدثنا إِبْراهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حدثنا حاتِمُ بْن إِسْماعِيلَ، عَنْ أُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابن شِهابٍ بإسْنادِهِ نَحْوَهُ قُلْتُ: أَلا تَتَّقِينَ اللهَ أَلم تَسمَعْنَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لا نُورَثُ ما تَرَكنا فَهُوَ صَدَقَه وَإِنَّما هذا المالُ لآلِ مُحَمَّدٍ لِنائِبَتِهِمْ وَلِضَيْفِهِمْ فَإذا مِتُّ فَهُوَ إِلَى مَنْ وَليَ الأمْرَ مِنْ بَعْدي" (¬2). * * * باب في صفايا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [2963] (حدثنا الحسن بن علي ومحمد بن يحيى) بن عبد الله (بن فارس) لا ينصرف، الذهلي النيسابوري شيخ البخاري (¬3) (قالا: حدثنا بشر بن عمر الزهراني) بفتح الزاي وكسر النون، نسبة إلى زهران بن كعب بطن من الأزد، وبشر بصري (¬4). (حدثني مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن مالك بن أوس بن الحدثان) تقدم (قال: أرسل إلى عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (حين تعالى) بفتح التاء واللام المخففة (النهار) أي: أرتفع، وهو بمعنى رواية البخاري (¬5): متع النهار. (فجئته، فوجدته جالسًا على سرير مفضيًا) بسكون الفاء وكسر الضاد المعجمة بوركه (إلى رماله) بضم الراء وكسرها. اقتصر المنذري على ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6730)، ومسلم (1758). (¬2) السابق. (¬3) "التقريب" (6387). (¬4) "التقريب" (698). (¬5) (3094).

الكسر، أي: لم يكن بينه وبين السرير حائل يقيه آثار المنسوج في أعلى السرير، فإن أعلى السرير ينسج من شريط وحبال وسعف ونحوه، يريد: ليس عليه شيء (¬1) يدفع آثار ذلك من جسمه. (فقال حين دخلت عليه: يا مال) وقرئ يا مال بوجهين: ترخيم مالك في النداء كما يقال: يا حار بترخيم حارث (إنه قد دف) بتشديد الفاء بعد الدال المهملة، أي: أسرع إليَّ (أهل أبيات من قومك) أي: نزلوا بي مسرعين محتاجين للضر الذي نزل بهم، وأصله من الدفيف وهو السير السريع، وكان الذي ينزل به فاقة يسرع المشي في حاجته؛ لينجلي عنه ضرره، كأنهم جاؤوا مسرعين لضر أصابهم. (وقد أمرت فيهم بشيء) أي: أمرت لهم بشيء من العطاء (فاقسم) هذا العطاء (فيهم. قلت) يا أمير المؤمنين (لو) للعرض أو للنهي كما تقدم (أمرت غيري بذلك، فقال: خذه) زاد في الصحيحين (¬2): فاقسمه بينهم، زاد البخاري (¬3): أيها المرء (¬4) فبينا أنا جالس عنده (فجاءه) حاجبه (يرفأ) بفتح المثناة تحت وسكون الراء وتخفيف الفاء مقصور، ويقال: مولى عمر وصاحب إذنه وحاجبه منصرف. (فقال: يا أمير المؤمنين هل لك) رغبة (في) دخول (عثمان بن عفان ¬

_ (¬1) من (ع). (¬2) البخاري (3094)، وسلم (1757). (¬3) (3094). (¬4) انظر: "شرح مسلم" للنووي 12/ 71، "فتح الباري" 6/ 205، "عمدة القاري" 22/ 217.

وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص؟ ) عليك يستأذنون؟ (قال: نعم، فأذن لهم) في الدخول عليه (فدخلوا) زاد البخاري (¬1): فسلموا فجلسوا، ثم جلس يرفأ يسيرًا (ثم) خرج، و (جاء يرفأ فقال: يا أمير المؤمنين، هل لك في) دخول (العباس) بن عبد المطلب (وعلي؟ ) بن أبي طالب عليك فإنهم يستأذنون. (قال: نعم فأذن لهم فدخلوا) رواية: فدخلا، وللبخاري: فأذن لهما فدخلا فسلما فجلسا (فقال العباس: اقض بيني وبين هذا، يعني: عليًّا) زاد البخاري: وهما يختصمان فيما أفاء الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - من بني النضير (فقال بعضهم) أي: بعض الرهط الحاضرين وهو عثمان -رضي الله عنه- (أجل) بسكون اللام المخففة بمعنى نعم. (يا أمير المؤمنين، اقض بينهما وأرحهما) لفظ البخاري: وأرح أحدهما من الآخر (قال مالك بن أوس) بن الحدثان (خيل) بضم الخاء المعجمة مبني للمجهول، ولمسلم (¬2): يخيل بزيادة الياء أوله (إلى أنهما) يعني: العباس وعلي (قدما) مجيء (أولئك النفر) يعني: عثمان ومن معه الذلك) يعني: لأجل أن يشفعوا عند عمر في الفصل بينهما. (فقال عمر) رحمه الله: (اتئدا) بتشديد التاء (¬3) المفتوحة أي: اصبرا وأمهلا (ثم أقبل على أولئك الرهط) يعني: عثمان ومن معه (فقال: أنشدكم) بفتح الهمزة وضم الشين أي: أسألكم بالله تعالى، نشدتك ¬

_ (¬1) البخاري (3094، 5358). (¬2) (1757). (¬3) في الأصول: الدال.

الله و (بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض) أي: بأمره تدوم وتبقى السماوات السبع والأرض السبع إلى يوم القيامة إن نزلت عن حالهن ولم يتغيرن (هل تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: نحن معاشر الأنبياء لا نورث؟ ) القرطبي: جميع الرواة لهذِه اللفظة في الصحيحين وفي غيرهما يقولون: "نحن لا نورث" بالنون، وهي نون جماعة الأنبياء عليهم السلام كما قال قبله: "نحن معاشر الأنبياء" (ما تركنا) في موضع رفع بالابتداء (صدقة) مرفوع على أنه خبر المبتدأ والكلام جملتان: الأولى: فعلية، والثانية: اسمية، وحذفت الواو العاطفة بينهما، وقد صحف بعض الشيعة فقال: لا يورث بالياء وما تركنا صدقةً بالنصب، وجعل الكلام جملة واحدة على أن لا يجعل (ما) مفعولا (¬1) لم يسم فاعله، وصدقة نصب على الحال، ويكون معنى الكلام: إنما نتركه صدقة لله تعالى لا يورث عنا (¬2). وإنما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدم الميراث نفسه؛ لأنه لا يرثه أحد (فقالوا: نعم) قد قال ذلك، واعتراف العباس وعلي بصحة قوله -عليه السلام-: "لا نورث (¬3) ما تركناه صدقة" بعد سؤالهما عن علم ذلك إذعانًا للحق وتسليمًا له، ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يعتقد أن قولهما: نعم. اتقاء وخوفًا على أنفسهما. ووجه بطلان هذا ما علم من صلابتهما في الدين وقوتهما، ولما علم ¬

_ (¬1) في (ر): منعوا. (¬2) "المفهم" 11/ 86. (¬3) من هنا بدأ سقط في (ر).

من عدل عمر؛ ولأن المحل محل مناظرة ومباحثة عن حكم مال، وليس فيه ما يقوله أهل الضلال من الشيعة (ثم أقبل) عمر (على على) بن أبي طالب (والعباس) -رضي الله عنهما - (فقال: أنشدكما بالله) مأخوذ من النشيد وهو رفع الصوت (الذي بإذنه) بأمره (تقوم) تمسك وتدوم (السماء والأرض) أن تزولا (هل تعلمان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ) نحن معاشر الأنبياء (لا نورث ما تركنا صدقة؟ ) توضحه رواية المصنف الآتية: "ما تركناه فهو صدقة" يعني: لا تورث عني، بل يصرف في مصالح المسلمين، وقيل: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد تصدق به (فقالا: نعم) هذا نص منهما على صحة ما سألهما عنه وتصديقهما على ذلك (قال: فإن الله - عز وجل - خص رسوله - صلى الله عليه وسلم -) في مال النضير (بخاصة لم يخص بها أحدًا من الناس) ممن كان معه في ذلك الجيش، ولفظ البخاري (¬1): قال عمر: فإني أحدثكم عن هذا الأمر، إن الله قد خص رسوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحدًا غيره، يعني: بل خص به الفيء كله، وهذا مذهب الجمهور. وقيل: ما خصه به هو حيث حلل الغنيمة له، ولم تحل لسائر الأنبياء قبله. (فقال الله تعالى) لفظ البخاري: ثم قرأ ({وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ}) أي: رد عليه من أموال الكفار، من فاء يفيء إذا رجع وآتاه الله ({مِنْهُمْ}) من يهود بني النضير ({فَمَا أَوْجَفْتُمْ}) من وجف الفرس إذا أسرع سيره، وأوجفه صاحبه إذا حمله على السير السريع ({عَلَيْهِ}) أي: على ما أفاء الله ({مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ}) وهي الإبل التي تحمل ¬

_ (¬1) (3093).

القوم، واحدتها راحلة ({وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ}) دون أن يقطع المسلمون إليها مسافة ولا فارقوا أوطانهم في تحصيله، بل أوقع الله في قلوب بني النضير ما أوقع حين خرجوا من أوطانهم ورباعهم وتركوها ({وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}) (¬1) فكان الله) تعالى هو الذي (أفاء) أي: رد (على رسوله) - صلى الله عليه وسلم - أموال (بني النضير فوالله ما أستأثر بها) أي: اختص (عليكم ولا أخذها دونكم) لنفسه خاصة. (فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأخذ منها) من أموال بني النضير (نفقة سنة أو نفقته ونفقة أهله سنة) أي: يعزل نفقة السنة لهم، ولكنه كان ينفقه قبل انقضاء السنة في وجوه الخير ولا تتم عليه السنة، ولهذا توفي - صلى الله عليه وسلم - ودرعه مرهونة على شعير (¬2) استدانه لأهله، ولم يشبع ثلاثة أيام تباعًا (¬3)، وفيه جواز ادخار قوت سنة، وجواز الادخار للعيال وأن ذلك لا يقدح في التوكل (ويجعل ما بقي) من ذلك كله (أسوة) أمثاله من (المال) يصرفه في ثمن السلاح والكراع، يعني: الخيل المعدة لسبيل الله وفي مصالح المسلمين. (ثم أقبل) عمر -رضي الله عنه- (على أولئك الرهط) يعني: عثمان ومن معه (قال: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون ذلك؟ ) لجميعه (قالوا: نعم) فيه استشارة الإمام من حضره من أهل العلم والفتيا والقضاء على ما يقوله بحضرة الخصمين؛ لتقوى حجته في إقامة الحق ¬

_ (¬1) الحشر: 6. (¬2) أخرجه البخاري (2916). (¬3) البخاري (5423).

وقمع الخصم ودفع التهمة (ثم أقبل على العباس) بن عبد المطلب (وعلي فقال: أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، هل تعلمان ذلك؟ ) وتحفظانه (قالا: نعم) فيه استعلام الخصمين بما حكم به، فإنهما إذا صدّقا كان أبين وأبعد عن التهمة. (فلما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال أبو بكر -رضي الله عنه- أنا ولي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) من بعده في أمور المسلمين (فجئت أنت وهذا إلى أبي بكر تطلب ميراثك من) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه (ابن أخيك) عبد الله بن عبد المطلب (ويطلب هذا ميراث امرأته) فاطمة (من أبيها) - صلى الله عليه وسلم - ولم يطلبا الخمس من الفيء، وإنما طالبا بميراثهما مما كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصا به مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب، وتركه النبي - صلى الله عليه وسلم - صدقة من بعد وفاته]. (فقال أبو بكر -رضي الله عنه-: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا نورث ما تركنا صدقة) على سبيل البر والصلة (والله يعلم أنه) بفتح الهمزة لأن اللام ليس في خبرها (صادق) فيما قاله (بار) بتشديد الراء، أي: طائع لربه (راشد) يعني في أموره، واقف على سنن السداد (تابع للحق) فيما قاله وقصده، فلما سمعاه أذعنا وسلما وسكتا. (فوليها أبو بكر) بفتح الواو وكسر اللام المخففة، أي: ولي النظر في أموال بني النضير والعمل بها، وأخذها من وجهها وصرفها في مواضعها. (فلما توفي) أبو بكر (قلت) يعني: قال عمر: (أنا ولي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وولي أبي بكر) من بعده (فوليتها ما شاء الله) تعالى (أن أليها) وهو سنتان؛ لما رواه البخاري ولفظه: فقبضتها سنتين (¬1) من إمارتي، أعمل فيها بما ¬

_ (¬1) سقط من (ع).

عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما عمل فيها أبو بكر، والله يعلم أني فيها لصادق بار راشد تابع للحق. (فجئت أنت وهذا) يعني: العباس وعلي (وأنتما جميع) أي: متفقين غير مختلفين، ولفظ البخاري: ثم جئتماني تكلماني وكلمتكما واحدة (وأمر كما واحد) قال القرطبي وغيره (¬1): وعنده لم يطلبا بحكم الميراث، ولا طلبا أن يتملكا ما ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - من أموال بني النضير، بل سألاه أن يقسمها بينهما حتى يشتغل كل واحد منهما بالنظر فيما يكون في يده منها، فخاف أن يظن طلب ذلك ميراثًا فيكون موافقًا لقسمة المواريث، فإن من ترك بنتًا وعضًا كان المال بينهما نصفين، للبنت النصف بالفرض، وللعم النصف بالتعصيب، فأراد عمر حسم الذريعة (¬2). (فسألتمانيها (¬3) فقلت: إن شئتما أن أدفعها إليكما على أن عليكما) أي: بشرط أن يكون عليكما (عهد الله أن) بنصب الدال اسم (أن) وزاد البخاري: وميثاقه أن (تلياها) وتعملا فيها (بالذي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) حيث (يليها) [يعمل فيها، وبالذي كان أبو بكر حيث وليها يعمل فيها] (¬4) (فأخذتماها مني على ذلك) زاد مسلم (¬5): قال: أكذلك؟ قالا: نعم. يعني: أخذاها على العمل بأحكامهما، فدفعها إليهما على ذلك، ¬

_ (¬1) سقط من (ع). (¬2) "المفهم" 11/ 87. (¬3) سقط من (ع) والمثبت من مطبوع "السنن". (¬4) سقط من (ع). (¬5) (1757).

وعلى أن لا ينفرد أحدهما عن الآخر بعمل حتى يستشير ويكون معه فيه، فعملا كذلك إلى أن شق عليهما العمل فيها مجتمعين، فإنهما كانا بحيث لا يقدر أحدهما أن يشتغل بأدنى عمل حتى يحضر الآخر ويساعده، فلما شق عليهما ذلك جاءا عمر مرة ثانية. (ثم جئتماني لأقضيَ بينكما بغير ذلك) القضاء (والله لا أقضي بينكما بغير ذلك) القضاء (حتى تقوم الساعة) فيه أن القاضي إذا قضى بحكم لا ينقضه إلا إذا خالف نصًا صريحًا أو قياسًا جليًّا (فإن عجزتما عنها فرداها إلى) يعني: لما جاءا إليه مرة ثانية يطلبان منه أن يقضي بغير ذلك القضاء، فإنهما طلبا أن يقسمها بينهما حتى يستقل كل واحد منهما بالنظر والعمل فيما يكون في يده، فأبى عمر من ذلك وخاف إن فعل ذلك أن يظن ظانٌّ أن ذلك قسمة ميراث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما تقدم، فيعتقد بطلان قوله: "لا نورث". كما تقدم. (قال المصنف: إنما سألاه أن يكون يصيره) بتشديد التحتانية (بينهما نصفين) حتى يستقل كل منهما بالنظر فيما يكون في يده منها (لا أنهما جهلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا نورث ما تركنا صدقة) فإن ذلك مما اشتهر بين الصحابة واتضح أمره، وحاشاهما أن يعدلا عما ورد النهي عنه؛ (فإنهما كانا لا يطلبان إلا الصواب). قال الطبري: لا يخلو طلبهما من أحد وجهين: إما أن يطلب كل واحد منهما أن ينفرد بالعمل كله، أو ينفرد بنصيبه (¬1) وفرا من الإشاعة لما يقع بين العمال من التنازع والاختلاف. ¬

_ (¬1) في (ر): بنفسه.

(فقال عمر -رضي الله عنه-: لا أوقع عليه اسم القسم) بفتح القاف، يعني: القسمة؛ لأن سنة الأوقاف أن لا تقسم بين أهلها، وإنما تقسم غلاتها، فلذلك حلف أن لا أقسمها بنسبة المواريث، بل (أدعه على ما هو عليه) قبل ذلك من الإجمال. [2964] (حدثنا محمد بن عبيد) بن حساب الغبري البصري شيخ مسلم (حدثنا محمد بن ثور) الصنعاني العابد، سئل عنه أبو حاتم فقال: الفضل والعبادة والصدق (¬1) (عن معمر، عن الزهري، عن مالك ابن أوس) بن الحدثان (بهذِه القصة) المذكورة (قال) هنا: (وهما -يعني: عليا والعباس رضي الله عنهما- يختصمان فيما أفاء الله على رسول الله) - صلى الله عليه وسلم - (من أموال بني النضير) لفظ البخاري (¬2): من بني النضير، ولم يذكر الأموال. والظاهر أن الذي تنازعا فيه هو الأرض التي بالمدينة، فإنه كان أجلاهم عنها وكف عن دمائهم، وجعل لهم ما حملته الإبل من أموالهم إلا الحلقة -يعني: السلاح- وخلصت له أرضهم إلا ما كان اثنين أسلما قبل الظفر فأحرز الإسلام جميع أموالهما، وقسم عليه السلام ما سوى الأرضين من أموالهم على المهاجرين الأولين دون الأنصار إلا سهل بن حنيف وأبا دجانة ذكرا فقرًا فأعطاهما، وحبس الأرض على نفسه فكانت من صدقاته يضعها حيث يشاء، ثم سلمها عمر لعلي والعباس ليقوما بمصرفها كما ذكره الماوردي في "الأحكام ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 7/ 217. (¬2) (3094).

السلطانية" (¬1) وغيره. وليس رواية البخاري مخالفة لرواية المصنف ولا لما تقدم فإن الأرض مال أيضًا. (قال أبو داود: أراد أن لا يوقع عليه اسم قسم). [2965] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة وأحمد بن عبدة) الآمُلي (¬2) صدوق (المعنى، أن سفيان بن عيينة أخبرهم، عن عمرو بن دينار، عن) محمد بن شهاب (الزهري، عن مالك بن أوس بن الحدثان، عن عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله) أي: رد (على رسوله) - صلى الله عليه وسلم - من أموال الكفار، وهذا يدل على أن الأموال إنما كانت للمسلمين بالأصالة ثم صارت للكفار بغير الوجوه الشرعية، وكأنهم لم يملكوا ملكًا صحيحًا لكن لهم شبهة ملك إذ قد أضاف الله إليهم أموالًا كما أضاف إليهم أولادًا فقال: {فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ} (¬3)، وأجمع المسلمون على أن الكافر إذا أسلم وبيده مال لا ينتزع منه كما سيأتي (مما لم يوجف) أي: يسرع (المسلمون عليه بخيل ولا ركاب) وهي الإبل (وكانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالصًا) أي: خاصة به، وفيه حجة لمالك في أن الفيء لا يقسم، وإنما جميعه موكول لاجتهاد الإمام يصرفه في المصالح (¬4). ¬

_ (¬1) "الأحكام السلطانية" فصل في تعريف الحجاز وأحكامه الخاصة 1/ 345. وانظر: "الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله والثلاثة الخلفاء" لأبي الربيع سليمان بن موسى الكلاعي الأندلسي 2/ 94. و"زاد المعاد" 3/ 221. (¬2) بالمد وضم الميم. انظر: "التقريب" (75). (¬3) التوبة: 55. (¬4) "المفهم" للقرطبي 11/ 82.

وله خلاف في الخمس، فمالك لا يقسمه، وأبو حنيفة يقسمه أثلاثًا، والشافعي يقسمه أخماسًا (¬1). (ينفقه على أهل بيته) ثم بينه (قال) أبو عبد الله أحمد (بن عبدة) في روايته: (ينفق على أهله قوت سنة) (¬2) أي: يعطيهم قوت سنتهم كما في البخاري (¬3) أنه -عليه السلام- كان يبيع نخل بني النضير ويحبس لأهله قوت سنته، والتقدير: يبيع ثمر نخل، وقد تقدم (فما بقي) بكسر القاف، كما في قوله تعالى: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ} (¬4) (جُعِل) بضم الجيم وكسر العين (في الكراع) بضم الكاف اسم لجميع الخيل، والسلاح ما عددته للحرب من آلة مما يقاتل به، والسيف وحده يسمى سلاحًا (و) جعله (عدة) يدخل فيه الزاد وما يحمله عليه (في سبيل الله) كما تقدم [قال ابن عبدة: في الكراع والسلاح] (¬5). [2966] (حدثنا مسدد، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) ابن علية الإمام (حدثنا أيوب، عن الزهري قال: قال عمر) هذا الحديث منقطع الإسناد، فإن الزهري لم يدرك عمر (¬6) {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ} من أموال الكفار {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} وقال الزهري: قال عمر: هذِه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة) أي: خصه بالفيء ليأكله أو بعضه؛ لأن ¬

_ (¬1) "المفهم" للقرطبي 11/ 82. وانظر: "عمدة القاري" 28/ 349. (¬2) ورد بعدها في الأصل: نسخة: نفقة سنة. (¬3) (5357). (¬4) البقرة: 278. (¬5) من المطبوع. (¬6) "جامع التحصيل" ص (269) (712).

عمر استشهد بالآية (قرى عرينة) بضم العين وفتح الراء مصغر عرنة، وتشديد الياء (¬1) منسوب إلى العرب (¬2)، كذا قال البكري في "معجم البلدان" (¬3)، قال: وهو على الإضافة لا ينصرف، قال: كتب أبو عبيد الله كاتب المهدي: قرى عرنية فنَوّنَ ولم يضف، فقال شبيب بن شيبة: إنما هي قرى عرنية غير منونة، فقال أبو عبد الله لقتيبة الجعفي الكوفي: ما تقول؟ فقال: إن كنت أردت القرى التي بالحجاز يقال لها: قرى عرنية، فإنها لا تنصرف، وإن كنت أردت قرى من قرى السواد فهي تنصرف، فقال: إنما أردت التي بالحجاز، قال: هو كما قال شبيب. وذكر البخاري في "تاريخه": حدثنا أحمد بن سليمان، حدثنا حسين بن إسماعيل، حدثني درباس وعمرو ابنا دجاجة عن أبيهما: أنه خرج فأتى عثمان فقال عثمان: لا يسكن قرى عرنية دينان (¬4). (فدك) بفتح الفاء والدال قرية معروفة بينها وبين المدينة يومان، وحصنها يقال له: الشمروخ، وأكثر أهلها أشجع (¬5) (و) قرية (كذا وكذا) يعني ينبع وخيبر، ثم استشهد بالآية: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} يعني: من أموال كفار أهل القرى، قال ابن عباس: ¬

_ (¬1) في (ر): الراء. (¬2) هكذا في الأصول الثلاثة. (¬3) "معجم ما استعجم" 3/ 929 - 930، وانظر: "معجم البلدان" 4/ 115 وهذا الضبط ليس عن البكري وغنما هو عن ياقوت وليس في هذا المكان وإنما هو في ذكر عرينة. وأما هذِه فعربية كما سيأتي. (¬4) "التاريخ الكبير" 3/ 260. (¬5) "الروض المعطار" ص (437).

هي قريظة والنضير (¬1) {فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}) (¬2) وقوله تعالى: (و {لِلْفُقَرَاءِ}) هذا بيان للمساكين الذين لهم حق المهاجرين من مكة إلى المدينة {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ}) (¬3) يعني: أن كفار أهل مكة أخرجوهم من مكة، وقوله تعالى: ({وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ}) يعني المدينة دار الهجرة بوأها (¬4) الأنصار قبل المهاجرين ({وَالْإِيمَانَ}) عطف الإيمان على الدار في الظاهر لا في المعنى؛ لأن الإيمان ليس بمكان تبوأ، والتقدير: وآثروا الإيمان أو اعتقدوا الإيمان ({مِنْ قَبْلِهِمْ}) (¬5) من قبل الأنصار. وقوله تعالى: ({وَالَّذِينَ جَاءُوا}) أي: والتابعين الذين يجيئون ({مِنْ بَعْدِهِمْ})) (¬6) إلى يوم القيامة أي: من بعد المهاجرين والأنصار (فاستوعبت هذِه الآية) يعني: الذين جاؤوا من بعدهم جميع (الناس) يعني: كل من يجيء من بعدهم من المؤمنين، ففهم عمر -رضي الله عنه-، وناهيك من لفظة الذين عموم كل من يأتي من بعد المهاجرين والأنصار، وفي هذا دلالة على ما قاله جمهور الأصوليين: أن اللفظة الواحدة تدل على عموم المعاني حقيقة، خلافًا لمن منع عموم صيغ الألفاظ المفردة، وعزي للأشعري (¬7) (فلم يبق أحدٌ من المسلمين إلا وله فيها حق) وظاهر كلام عمر في هذا يدل على أن لجميع المسلمين في ¬

_ (¬1) "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 18/ 12. (¬2) الحشر: 7. (¬3) الحشر: 8. (¬4) في (ع) يتولاها وفي (ل) يتبوأها. والمثبت من (ر). (¬5) الحشر: 9. (¬6) الحشر: 10. (¬7) انظر: قواطع الأدلة للسمعاني 1/ 279، "البحر المحيط" 1/ 505.

الفيء حقًّا، وقال أيضًا: ما أحد إلا وله في هذا المال حق (¬1). (قال أيوب) بن أبي تميمة كيسان السختياني في روايته (أو قال) عمر: إلا وله فيها (حظ) أي نصيب (إلا بعض من تملكون) فيه حذف تقديره تملكونهم (من أرقائكم) بتشديد القاف جمع رقيق. هذا مذهب عمر بن الخطاب، فإنه لما ولي الخلافة فاضل بين الناس في العطاء من الفيء، وأخرج العبيد من الأخذ من الفيء، وكذا ذكر عن عثمان -رضي الله عنه- أنه فاضل في القسمة. وأما مذهب أبي بكر وعلي فسووا بين الناس في العطاء، وأعطوا العبيد حتى قال عمر لأبي بكر: يا خليفة رسول الله، أتجعل الذين جاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم كمن دخل في الإسلام كرهًا؟ فقال: يا عمر، إنما عملوا لله وأجورهم على الله، وإنما الدنيا بلاغ (¬2). [2967] (حدثنا هشام بن عمار قال: أنبأنا حاتم بن إسماعيل) الكوفي، سكن المدينة (¬3) (وحدثنا سليمان بن داود) بن حماد الفقيه على مذهب مالك، قال النسائي: ثقة (¬4) (المهري) بفتح الميم نسبة إلى مهرة بن حيدان، قبيلة كبيرة من قضاعة (¬5) (أخبرنا) عبد الله (بن وهب، أخبرني عبد العزيز بن محمد) الدراوردي. ¬

_ (¬1) "مسند الشافعي" (1516)، "معرفة السنن" 9/ 267، و"الأموال" لابن زنجويه (580). (¬2) "الأم" 4/ 155، "معرفة السنن والآثار" 9/ 266، "شرح السنة" للبغوي 11/ 141. (¬3) "التقريب" (994). (¬4) "تهذيب الكمال" 11/ 409، "التقريب" (2551). (¬5) "اللباب" 3/ 275.

(وحدثنا نصر بن علي) الجهضمي (أنبأنا صفوان بن عيسى) القرشي الزهري، قال محمد بن سعد: كان ثقةً صالحًا (¬1). وذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2). واستشهد به البخاري (¬3)، وروى له في الأدب (¬4) (وهذا لفظ حديثه) والثلاثة (كلهم عن أسامة بن زيد) الليثي، أخرج له مسلم (عن الزهري، عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: كان فيما احتج به عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه-) على علي بن أبي طالب والعباس حين اختصما في الصفايا التي أفاء الله على رسوله (أنه قال: كانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث صفايا) جمع صفية، مثل عطايا جمع عطية، وهي ما يصطفيه المرء لنفسه من المغنم قبل القسمة أي: يختاره (¬5). قال الشاعر: لك المرباع منها والصفايا ... وحكمك والنشيطة والفضول (¬6) والنشيطة: ما يغنمه الغزاة في الطريق وقبل البلوغ إلى الموضع الذي قصده (¬7)، والمرباع: ربع الغنيمة (¬8)، والفضول: بقايا تفضل من الغنيمة ولا تستقيم قسمته على الجيش لقلته (¬9). ¬

_ (¬1) "الطبقات الكبرى" 7/ 294. (¬2) الثقات 8/ 321. (¬3) (6412). (¬4) انظر: (124، 1007، 1190، 1237) من "الأدب المفرد" للبخاري رحمه الله. (¬5) "النهاية" لابن الأثير 3/ 73. (¬6) البيت لعبد الله بن عنمة الضبي، وأورده أبو علي القالي في "الأمالي" 1/ 144. (¬7) المصباح المنير 1/ 344. (¬8) "غريب الحديث" لابن سلام 3/ 87. (¬9) "غريب الحديث" لابن سلام 3/ 88.

(بني النضير) (¬1) أي: أرضه من أموال بني النضير بالمدينة، وهي أول أرض أفاء الله على رسوله (وخيبر) وهي ثلاث حصون من خيبر: أحدها: يسمى الكتيبة بضم الكاف وفتح المثناة فوق مصغر (¬2)، والثاني: الوطيح بفتح الواو وكسر الطاء وبالمهملة (¬3)، والثالث: السلالم بضم السين وقيل بفتحها، حكاهما في "النهاية" (¬4)، قال: ويقال فيه أيضًا: السلاليم (وفدك) يعني ونصف أرض فدك بفتح الدال كما تقدم، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما افتتح خيبر خافوه فصالحوه على أن النصف من أرضهم ونخيلهم يعاملهم عليه، والنصف الآخر له، فصار النصف من صدقاته التي تركها إلى أن أجلاهم عمر، فقوم مالك بن التيهان وزيد بن ثابت وسهل بن أبي حثمة (¬5) النصف من فدك، فبلغ ذلك (¬6) ستين ألف درهم، ودفع لهم فصارت نصفها من صدقاته -عليه السلام- ونصفها الآخر لكافة المسلمين، ومصرف النصفين الآن سواء. قاله الماوردي في "الأحكام السلطانية" (¬7). (فأما) أرض (بنو النضير فكانت حبسًا) بضم الحاء المهملة وسكون الموحدة أي: وقفًا على نفسه يضعها حيث يشاء ويصرفها (لنوائبه) النوائب جمع نائبة، وهي ما ينوب الإنسان أي ينزل به من المهمات والحاجات والحوادث، وقد نابه الشيء ينوبه نوبةً وإنابة إذا قصده مرة ¬

_ (¬1) ورد بعدها في الأصل: نسخة: بنو النضير. (¬2) "النهاية" 4/ 253. (¬3) "النهاية" 5/ 437. (¬4) "النهاية" 2/ 985. (¬5) في (ر) خيثمة. (¬6) سقط من (ر). (¬7) فصل في تعريف الحجاز وأحكامه الخاصة.

بعد أخرى. وكان ينفق منها على أزواجه ثم سلمها عمر لعلي والعباس كما تقدم. (وأما) نصف أرض (فدك فكانت حبسًا) بضم الحاء كما تقدم الأبناء السبيل) فكان يدخره لمن نزل به من الوفود وأبناء السبيل. (وأما) أرض (خيبر فجزأها رسول الله) - صلى الله عليه وسلم - (ثلاثة أجزاء) وقال ابن سعد: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبغنائم خيبر فجمعت واستعمل فيها فروة (¬1) ابن عمرو البياضي، ثم أمر بذلك فجزأ خمسة أجزاء وكتب في سهم منها لله، وسائر السهام أغفال (¬2) (¬3). قال ابن سيد الناس: وليس لقول أبي عمر أنه قسم جميع أرضها بين الغانمين وجه؛ لمعارضته لنص الخبر (¬4). (جزءين) منها يصرف (للمسلمين) (¬5) في مصالحهم (وجزءًا) يرصده (نفقة لأهله) قوت كل سنة كما تقدم (فما فضل) بفتح الضاد (عن نفقة أهله جعله بين فقراء المهاجرين) الذين هجروا ديارهم وأموالهم ابتغاء فضل الله ورضوانه وارتحلوا إلى المدينة الشريفة التي هي دار الهجرة، وفيه تقديم الزوجات على الفقراء والمساكين؛ لأن نفقتهم واجبة في مقابلة عوض، وفيه تقديم من سبق إسلامه على غيره، فإن المهاجرين سبقوا الأنصار في ¬

_ (¬1) في الأصول عروة بن عمرو البياضي والصواب: فروة بن عمرو البياضي. انظر: "الإصابة" 5/ 364، "الطبقات الكبرى" 2/ 107. (¬2) في (ر) أعقال: (¬3) "الطبقات الكبرى" لابن سعد 2/ 107. (¬4) هذا حاصل كلام ابن سيد الناس في "عيون الأثر" 2/ 140 - 147. (¬5) ورد بعدها في الأصل: نسخة: بين المسلمين.

الإسلام. [2968] (حدثنا يزيد بن خالد) بن يزيد (بن عبد الله بن موهب) بفتح الميم والهاء الرملي الفقيه الزاهد (الهمداني) بسكون الميم (¬1) (حدثنا الليث بن سعد، عن عقيل) بضم العين (¬2) مصغر (ابن خالد) الأيلي الحافظ (¬3) (عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها أخبرته: أن فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسلت إلى أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- تسأله ميراثها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما أفاء الله) تعالى (عليه بالمدينة) من أموال بني النضير وغيرها على ما تقدم، ومما أفاء الله تعالى عليه من أرض (فدك) كما تقدم (و) من (ما بقي من خمس خيبر) أي ما بقي من سهمه - صلى الله عليه وسلم - من خمس خيبر. ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 32/ 114، "تقريب التهذيب" (7708). (¬2) في (ر): الميم. (¬3) "تهذيب التهذيب" 7/ 228. لا يظن بفاطمة -رضي الله عنها- أنها اتهمت أبا بكر فيما ذكره عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لكنها عظم عليها ترك العمل بالقاعدة الكلية، المقررة بالميراث، المنصوصة في القرآن، وجوّزت السهو والغلط على أبي بكر، ثم إنها لم تلتق بأبي بكر لشغلها بمصيبتها برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولملازمتها بيتها، فعبَّر الراوي عن ذلك بالهجران، وإلا فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث" وهي أعلم الناس بما يحل من ذلك ويحرم، وأبعد الناس عن مخالفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كيف لا يكون كذلك وهي بضعة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسيدة نساء أهل الجنة. ودفْنُ علي لفاطمة ليلًا، يحتمل أن يكون ذلك مبالغة في صيانتها، وكونه لم يؤذن أبا بكر بها؛ لعله إنما لم يفعل ذلك لأن غيرَه قد كفاه ذلك، أو خاف أن يكون ذلك من باب النعي المنهي عنه، وليس في الخبر ما يدل على أن أبا بكر لم يعلم بموتها، ولا صلَّى عليها ولا شاهد جنازتها، بل اللائق بهم المناسب لأحوالهم حضور جنازتها واغتنام بركتها، ولا تسمع أكاذيب الرَّافضة المبطلين الضالين، المضلين. انتهى.

قال عياض: تأول قومٌ طلب فاطمة ميراثها من أبيها على أنها تأولت الحديث إن كان بلغها قوله: "لا نورث" على الأموال التي لها بال فهي التي لا تورث لا ما يتركون من طعام وأثاث وسلاح، وهذا التأويل خلاف ما ذهب إليه أبو بكر وعمر وسائر الصحابة - رضي الله تعالى عنهم -، ويحتمل أن تكون جوزت السهو والغلط على أبي بكر وعظم عليها ترك العمل بالقاعدة الكلية المقررة في الميراث المنصوصة في القرآن (¬1). قالت عائشة -رضي الله عنها- (فقال أبو بكر -رضي الله عنه- إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا نورث ما تركنا صدقة) فيه ما تقدم. قال العلماء: والحكمة في أن (¬2) الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أنهم (¬3) لا يورثون لا يؤمن أن يكون في الورثة من يتمنى موته فيهلك، ولئلا يظن بهم الرغبة في الدنيا لوراثهم فيهلك الظان وينفر الناس عنهم (¬4). (إنما يأكل آل محمد) يعني هنا بآل محمد نساءه كما في الحديث الآخر: "ما تركت بعد نفقة نسائي" (¬5) (من هذا المال وإني والله لا أغير شيئًا من صدقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) بل أجراها على حالها التي كانت عليه وهي أن تصرف ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" 6/ 80. (¬2) هذِه زيادة أثبتها من "شرح مسلم" للنووي فهذا النقل منه 12/ 74. (¬3) هكذا في الأصول والأولى حذفها ولا وجود لها في "شرح مسلم" للنووي. (¬4) "شرح مسلم" للنووي 12/ 74. (¬5) رواه البخاري (2776) ومسلم (1760).

لأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -[ ... ] (¬1) حاجتهم ويصرف الباقي في مصالح المسلمين وحاجة عياله ومصالح المسلمين على سبيل الصدقة لا الوراثة، ولما قال أبو بكر ذلك لم تنازعه ولا طلبت منه بعد ذلك شيئًا (فلأعملن فيها بما عمل به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وكذلك عمر بعد وفاته عمل بما عمل به النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم عثمان غير أنه يروى أن عثمان أقطع مروان فدك وهو مما نقم على عثمان -رضي الله عنه- (¬2) (فأبى أبو بكر -رضي الله عنه- أن يدفع إلى فاطمة منها) يعني من فدك وما معها (شيئًا) زائدًا عما كانت تأخذه في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - من النفقة وما يحتاج إليه. [2969] (حدثنا عمرو بن عثمان) بن سعيد (الحمصي) صدوق حافظ (¬3) (حدثنا أبي) عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي مولى بني أمية وكان ثقة من العابدين (¬4) (حدثنا شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، حدثني عروة بن الزبير: أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرته بهذا الحديث) المذكور (قال: وفاطمة [عليها السلام] حينئذ تطلب صدقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي بالمدينة) التي من أرض خيبر (وفدك، وما بقي من خمس ¬

_ (¬1) في الأصول كلمة غير واضحة. ولعلها: لسد. (¬2) "المفهم" للقرطبي 11/ 90 وتمام كلامه: قال الخطابي: لعل عثمان تأوّل قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أطعم الله نبيًا طُعمة فهي للذي يقوم من بعده"، فلما استغنى عثمان عنها بماله، جعلها لأقربائه. قلت - القرطبي-: وأولى من هذا: أن يقال: لعل عثمان دفعها له على جهة المساقاة، وخفي وجه ذلك على الراوي، فقال: أقطع. والله تعالى أعلم. انتهى. (¬3) "الكاشف" 2/ 83 (4192). (¬4) "الكاشف" 2/ 79 (3700).

خيبر) قال الماوردي في "الأحكام السلطانية": صدقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محصورة؛ لأنه قبض عنها فتعينت؛ أحدها: أول أرض ملكها بوصية مخيريق اليهودي وكان حبرًا من بني النضير آمن يوم أحد، وكان له سبع حوائط، أسلم ثم وصى بها، وقاتل معه حتى قتل. الثانية: أرضه من أموال بني النضير بالمدينة كما تقدم. الثالثة والرابعة والخامسة: ثلاثة حصون من أرض خيبر كما تقدم. السادسة: النصف من فدك لما فتح خيبر كما تقدم. السابعة: الثلث من أرض وادي القرى العرينية (¬1) كما تقدم. الثامنة: موضع سوق بالمدينة يقال له: مهزور (¬2)، أستقطعه مروان (¬3) من عمر فنقم الناس لأجله عليه، فاحتمل أن يكون إقطاع تضمين لا تمليك ليكون له في الجواز وجه. (قالت عائشة -رضي الله عنها-: فقال أبو بكر - صلى الله عليه وسلم -: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا نورث ما تركنا صدقة) لا إرث؛ لأن الأنبياء لا تورث (وإنما يأكل آل محمد في هذا المال -يعني: مال الله) الذي تركه رسول الله ¬

_ (¬1) في الأصل (ع) القريضة وفي (ل) من غير نقط فهي محتملة لكل الوجوه السابقة وقد سبق أن بينا أن الراجح فيها: العربية. (¬2) في الأصلين (ل) و (ع) من غير نقط فاحتملت ومَهْزُوْرٍ ومَهْرُوْب. قال الحميري في "الروض المعطار" 1/ 560: الأولى منه زاي معجمة وآخره راء مهملة. وانظر: "معجم البلدان" 5/ 234. (¬3) في "الروض المعطار" الموضع السابق: فأقطعه عثمان -رضي الله عنه- الحارث بن الحكم أخا مروان بن الحكم، وأقطع مروان فدك. وانظر: ما اتفق لفظه وافترق مسماه من الأمكنة للحازمي بَابُ: مَهْزُوْلٍ، ومَهْزُوْرٍ ومَهْرُوْذٍ.

- صلى الله عليه وسلم - صدقة (ليس لهم أن يزيدوا على المأكل) بفتح الميم والكاف وفي معناه: المشروب والملبوس وما يحتاجون إليه كما كان لهن في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. [2970] (حدثنا حجاج بن أبي يعقوب) [واسمه يوسف الثقفي] (¬1) الظالم (¬2). [قال الأعمش] (¬3): أخرج له البخاري (¬4) سمعته يقول: السورة التي يذكر فيها البقرة (¬5) (¬6). (حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد) الزهري [أبو يوسف حجة ورع قال: (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد الزهري] (¬7) العوفي أبو إسحاق المدني (عن صالح) بن كيسان (عن ابن شهاب) الزهري (قال: أخبرني ¬

_ (¬1) هذا وهم والصواب أن اسم أبي يعقوب يوسف بن حجاج الثقفي البغدادي الشاعر. (¬2) ليس هذا بالحجاج الظالم كما سيأتي. (¬3) هكذا في الأصل وسياق الكلام أن تتأخر بعد قوله: أخرج له البخاري. (¬4) اعتمد المؤلف على هذا القول في الحجاج على الذهبي في "الكاشف" (946) وقال ابن حجر في "التهذيب" 2/ 186: لم يقصد الشيخان وغيرهما الرواية عن الحجاج. وقال في "التقريب" (1141): حجاج بن يوسف بن أبي عقيل الثقفي الأمير الشهير الظالم المبير وقع ذكره وكلامه في الصحيحين وغيرهما وليس بأهل أن يروى عنه. (¬5) انظر: "صحيح البخاري" برقم 1750. (¬6) هكذا جعل الشارح هنا حجاج بن أبي يعقوب هو الحجاج بن يوسف الظالم وهذا وهم بين، وكلاهما اسمه حجاج بن يوسف ويلقب بالثقفي. ولكن الثقفي الظالم هو ابن أبي عقيل ولد سنة 45 ومات سنة 95. وأما شيخ أبي داود فهو ابن أبي يعقوب مات سنة 259، فكيف يقول أبو داود في المبير: حدثنا وهو المولود سنة 202 والمتوفي سنة 275. راجع "تهذيب التهذيب" 2/ 184 (387 و 388)، "التقريب" (1140 و 1141)، "الكاشف" (945 و 946). (¬7) سقط من (ر).

عروة) بن الزبير (أن عائشة أخبرته بهذا الحديث) المذكور. (قال فيه: فأبى (¬1) أبو بكر) الصديق (-رضي الله عنه- عليها ذلك) الذي سألته (وقال: لست تاركًا شيئًا) مما (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعمل به إلا عملت به) كما عمل، والله (إني أخشى إن تركت شيئًا من أمره) وفعله - صلى الله عليه وسلم - (أن أزيغ) قال في "النهاية": أي (¬2) أجور وأعدل عن الحق وأميل عنه (فأما صدقته) - صلى الله عليه وسلم - التي (بالمدينة فدفعها عمر إلى علي والعباس -رضي الله عنه-) ليليا النظر فيها والعمل بأحكامها وأخذها ووجهها وصرفها في مواضعها، وعلى أن لا ينفرد أحدهما على الآخر بعمل (¬3) كما تقدم (فغلبه علي) أي: غلب علي العباس (عليها) أي: على أموال بني النضير والقيام على الولاية عليها والقيام بها، وكان العباس رأى عليًّا أقوى عليها وأصلح (¬4) بها فلم يعرض (¬5) له قسمتها فعبر الراوي عن تولية أمرها بالغلبة. قال القرطبي: وفي هذا بعد (¬6). (وأما) أرض (خيبر وفدك فأمسكها) (¬7) كذا الرواية بالإفراد وهما شيئان كما في رواية مسلم (¬8): فأمسكهما، ويجوز أن يكون رد الضمير ¬

_ (¬1) في (ر): وأنبأنا. (¬2) سقط من (ر). (¬3) سقط من (ر). (¬4) في (ر): أضلع. (¬5) في (ع): يعرف. (¬6) "المفهم" 3/ 571. (¬7) ورد بعدها في الأصل: نسخة: فأمسكهما. (¬8) (1759).

إلى كل واحد منهما وحذف أحدهما اختصارًا؛ لأنهما صارا كالشيء الواحد حين اختصا به، كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً} ولم يقل آيتين ([عمر] وقال: هما صدقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانتا) معدتين (لحقوقه (¬1) التي تعروه) أي: تنزل به من الحقوق الواجبة والمندوبة، يقال: عروته واعتروته وعروته واعتروته إذا أتيته تطلب منه حاجة (¬2) (ونوائبه) جمع نائبة وهي الحوادث المهمات (وأمرهما) أي أمر القيام بهما يرجع (إلى من ولي الأمر) أي: أمر الخلافة من بعده. (قال) الراوي: (فهما على ذلك إلى اليوم) يعني إلى يوم حدث الراوي بهذا الحديث؛ لأن عليًّا لما ولي الخلافة لم يغيرها عما عمل عليه فيها في عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي لم يتعرض لتملكها ولا لقسمة شيء منها، ثم كانت بيد حسن بن علي، ثم بيد حسين بن علي، ثم بيد علي بن حسين، ثم بيد الحسين بن الحسن، ثم بيد زيد ابن الحسين، ثم بيد عبد الله بن الحسن، ثم تولاها بنو العباس على ما ذكره البرقاني في "صحيحه". وهؤلاء كبراء أهل البيت لم يرو عن واحد منهما أنه تملكها ولا ورثها (¬3). [2971] (حدثنا محمد بن عبيد) بن حسان العنبري شيخ مسلم (حدثنا) محمد (بن ثور [الصنعاني العابد قال عنه أبو حاتم: الفضل ¬

_ (¬1) في (ر) لحوقه. (¬2) سقط من (ر). (¬3) "عمدة القاري" 22/ 212 نقلا عن القرطبي ثم قال: فلو كان ما يقوله الشيعة حقا لأخذها علي - رضي الله تعالى - عنه أو أحد من أهل بيته لما ولوها. انتهى. وانظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض 2/ 404.

والعبادة والصدق (¬1) (عن معمر عن الزهري في قوله)، (¬2): {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} تقدم. (قال) الزهري: (صالح النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل فدك) وهي على ثلاثة أميال من المدينة [كما تقدم] (¬3)، وكان قد صالح أهلها على نصف أرضها (و) صالح أهل (قرًى) منون أخر غيرها، فيه جواز صلح الإمام مع الكفار، وكان (قد سماها) من حدثه عنها: أسماءها و (لا أحفظها) الآن (وهو محاصر قومًا آخرين) يعني: أهل خيبر، فخافوه وصالحوه (فأرسلوا إليه بالصلح) على أن يحقن دماءهم ويحلوا له الأموال، فصالحهم على ذلك (فقال) الزهري: فذلك قوله تعالى: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} أي: أفاء الله على رسوله من غير أن يوجفوا بخيل ولا ركاب (¬4). (قال الزهري: يقول) الله في ذلك: يعني حصل هذا الفيء (بغير قتال) منهم، ولا قطعوا في تحصيله مسافة (وكانت بنو النضير للنبي - صلى الله عليه وسلم - خالصةٌ) أي: خاصة به دونهم يفعل فيها ما يشاء (ولم يفتحوها عنوة) بفتح العين أي: قهرًا وغلبة، وهو من عنا يعنو إذا ذل وخضع، والعنوة المرة منه كان المأخوذ بها يخضع ويذل للآخذ، ومنه العاني الأسير كقوله -عليه السلام-: "فكوا العاني". بل (افتتحوها على صُلح) ولكن الصلح أنتقض للنكث الذي نكثوه ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 7/ 217، "الكاشف" (3760). (¬2) سقط من (ر). (¬3) سقط من (ر). (¬4) راجع "فتح الباري" 16/ 129 و 130).

فصارت عنوة (فقسمها النبي - صلى الله عليه وسلم -) وخمسها كذلك الذي نكثوه، وذلك أنهم صالحوه على أن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصفراء والبيضاء والحلقة -بسكون اللام- وهي السلاح عامًا، وقيل: هي الدرع خاصة وعلى أن يكون لهم ما يحملوه منه ما حملت ركابهم، وعلى أن لا يكتموا ولا يغيبوا (¬1) شيئًا، فإن فعلوا فلا ذمة لهم فغيبوا (¬2) مسكًا لحيي بن أخطب كان فيه حليهم (¬3)، وكان قوم بعشرة آلاف دينار وهو ذخيرة من صامت كانت أو، في مسك حمل ثم في مسك ثور، والمسك الجلد وقسمها النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬4) (بين المهاجرين) الذين هاجروا إلى المدينة، و (لم يعط الأنصار منها شيئًا إلا رجلين) وهما سهيل بن حنيف الأوسي، وأبو دجانة سماك بن خرشة الخزرجي (كانت بهما حاجة) وفقر [ذكراهما فأعطاهما، وذكر الواحدي وغيره ثالثا وهو الحارث بن الصمة، أعطي معهما] (¬5) (¬6). [2972] (حدثنا عبد الله بن [الجراح) بن سعيد التميمي حافظ نيسابور وثقه النسائي وغيره وقال أبو زرعة: صدوق (¬7) (ثنا، (¬8) جرير) بفتح الجيم ¬

_ (¬1) في (ر): يعينوا. (¬2) في (ع): فتغيبوا. وفي (ر): فيبغوا. (¬3) في (ر) خيلهم. (¬4) "سنن أبي داود" كتاب الخراج، باب مَا جَاءَ فِى حُكْمِ أَرْضِ خَيْبَرَ. (¬5) سقط من (ر). (¬6) انظر: "السنن الكبرى" للبيهقي 6/ 297، و"الروض الأنف" 3/ 386، "تفسير السمعاني" 5/ 400 و"الجامع لأحكام القرآن" 18/ 11. (¬7) "تهذيب الكمال" 14/ 362. (¬8) من (ع).

وهو ابن حازم (¬1) (عن المغيرة) بن مقسم الضبي (قال: جمع عمر بن عبد العزيز بني مروان) بن الحكم [وهم عبد الملك بن مروان] (¬2) (حين أستخلف) في سنة تسع وتسعين (فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت له) نصف أرض (فدك، فكان ينفق منها) أي من غلتها على أهله (ويعود فيها) (¬3) أي: فيما يحصل منها (على صغير بني هاشم) بن عبد مناف؛ لأنهم أقاربه وبني عبد المطلب، فكيف بكبيرهم ومن هو أقرب منهم؟ (ويزوج منها) (¬4) أي فيما يحصل منه ما يحتاج إليه (أيمهم) بتشديد الياء هي في الأصل التي لا زوج لها بكرًا كانت أو ثيبًا مطلقة كانت أو متوفى عنها (وإن فاطمة) رضي الله عنها (سألته) أي: إياها (أن يجعله لها) منه شيء يختص بها (فأبى) امتنع من ذلك -رواية أن يجعله لها- (فكانت) الأرض من فدك (كذلك في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى مضى لسبيله) أي توفي، وأصل السبيل الطريق، فلما كان الميت إذا خرجت منه روحه وفارقته يذهب إلى لقاء الله سميت بذلك، فكأن الروح سافرت في طريق إلى الله فالموت سبيل الله (فلما أن ولي أبو بكر -رضي الله عنه-) الصديق الخلافة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (عمل فيها بما عمل النبي - صلى الله عليه وسلم - (بها (في حياته حتى مضى لسبيله) -رضي الله عنه- (فلما أن ولي عمر) بن الخطاب الخلافة بعد أبي بكر (عمل فيها بمثل ما عملا) في أرض فدك ¬

_ (¬1) "التقريب" (911) "الكاشف" (768). (¬2) هذا وهم أو فيه سقط؛ لأن عبد الملك بن مروان مات سنة ست وثمانين وعمر أستخلف سنة تسع وتسعين فكيف يجمعه عمر عند استخلافه. (¬3) ورد بعدها في الأصل: نسخة: منها. (¬4) ورد بعدها في الأصل: نسخة: فيه.

(حتى مضى لسبيله ثم أقطعها) مبني للمجهول (مروان) بن الحكم. قال الخطابي وغيره: إنما أقطعها مروان في زمن عثمان بن عفان -رضي الله عنهما -، وكان ذلك مما عابوه وتعلقوا عليه به، وكان تأويله في ذلك -والله أعلم- ما بلغه من قوله -عليه السلام- في الحديث بعده في الباب: "إذا أطعم الله نبيّا طعمة فهي للذي يقوم من بعده" فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأكل منها وينفق على عياله قوت سنته، فإن ذلك من أهم المصالح ويصرف الباقي مصرف الفيء أسوة المال، فاستغنى عنها بماله فجعله لأقربائه ووصل بها أرحامهم (¬1). وهو مذهب الحسن وقتادة أن هذِه الأموال جعلها الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - طعمة، ثم هي لمن ولي من بعده. قال القرطبي: أولى من هذا أن يقال لعل عثمان دفعها له على جهة المساقاة وخفي ذلك على الراوي فقال: أقطعه (¬2). قال وفيه حجة لمن ذهب أن أربعة أخماس الفيء بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأئمة بعده (¬3) (ثم صارت لعمر بن عبد العزيز) في أيام ولايته، ثم (قال: يعني عمر بن عبد العزيز فرأيت أمرًا) أي: شيئًا (منعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ابنته (فاطمة) التي هي أحب الناس في رواية الترمذي وعنده أيضًا هي سيدة نساء أهل الجنة، وإذا منعها مع هذِه الفضيلة فإنه (ليس لي بحق) ولا يحل ¬

_ (¬1) "معالم السنن" 3/ 253. (¬2) "المفهم" للقرطبي 11/ 90. (¬3) راجع "شرح السنة" 11/ 136، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (8/ 2 و 18/ 15 ونواسخ القرآن لابن الجوزي 2/ 18.

لي أن أتناول حقًّا لغيري (وإني أشهدكم أني) بفتح الهمزة (قد رددتها) أي: رددت حكم التصرف فيها والعمل بمصالحها (على ما كانت، يعني: على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وأبي بكر وعمر. وفيه دليل على أن الحاكم إذا تغير اجتهاده عمل بالباقي إذا كان أحوط وإن كان أسهل عليه وأوسع فالصحيح امتناعه. (قال [أبو داود]) المصنف (ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة) سنة تسع وتسعين وأمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، فاجتنب أعمال أهل بيته وترك لعن أبي تراب (¬1) (وغلته) الغلة بفتح الغين المعجمة: الدخل الذي يحصل له من الزرع والتمر واللبن الإجارة والنتاج ونحو ذلك فقال (¬2) أغلت الضَّيعة بالألف إذا صارت ذا غلة (أربعون ألف دينار) وما زال ينفق منها في مصالح المسلمين وعلى الفقراء والمحتاجين ويتورع عن أموال بيت المال وهي تنقص إلى أن (توفي) سنة إحدى ومائة وكانت (¬3) خلافته ثلاثين (¬4) شهرًا (وغلته) التي تدخل إليه في كل سنة (أربعمائة دينار ولو بقي) في الخلافة أكثر من ذلك (لكان) غلة دخله (أقل) من ذلك، هكذا كانت الخلفاء الراشدين وأهل العلم المجتهدين، كما قيل: أنفذ الرشيد إلى مالك بن أنس خمسمائة دينار، فبلغ ذلك الليث بن سعد فأنفذ إليه ألف دينار فغضب الرشيد، ¬

_ (¬1) انظر: "الكامل" لابن الأثير (2/ 363 و 364). (¬2) في (ر): فقد. (¬3) سقط من (ر). (¬4) في (ر): ثلاثون.

وقال: أعطه خمسمائة وتعطه ألف دينار وأنت من رعيتي فقال أمير المؤمنين إن لي كل يوم من غلتي ألف دينار، فاستحييت أن أعطي مثله أقل دخل يوم، وحكي أنه لم تجب عليه الزكاة مع أن دخله كل يوم ألف دينار فكان الخلفاء والحكام والقضاة إذا أعطوا الولاية وهم أغنياء لم يخرجوا منها إلا وهم فقراء، بعكس الحال في هذا الزمان فصاروا يتولون الولاية وهم فقراء، فلا يخرجون منها عن قليل إلا وهم أغنياء. [2973] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن [الفضيل]) (¬1) ابن غزوان الضبي (عن الوليد) بن عبد الله (بن جُمَيع) بالتصغير الزهري، أخرج له مسلم في الجهاد والنفاق (¬2) (عن أبي الطفيل) عامر بن واثلة الليثي آخر من مات من الصحابة عام مائة (¬3) (قال: جاءت فاطمة إلى أبي بكر) الصديق -رضي الله عنهما- (تطلب ميراثها من النبي - صلى الله عليه وسلم -) قيل: سبب طلبها الميراث أنها تأولت الحديث إن كان بلغها على ماله فهو الذي لا يورث عنه لا ما يتركون من طعام ودابة وثياب وسلاح، وقيل: لم يكن الأمر كذلك؛ لأن نفقة نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - أوجبها لهن مما ترك لا على سبيل الميراث، بل لحق كونهن محبوسات عن الأزواج بسببه، وكذلك اختصاصهن (¬4) بمساكنهن. ¬

_ (¬1) في الأصل: الفصل. والتصويب من "السنن" ومن كتب التراجم، وانظر: "الكاشف" (5115)، "التقريب" (6227). (¬2) "تهذيب الكمال" 31/ 35، "التقريب" (7432). (¬3) "الإصابة" 7/ 230. (¬4) في (ر): اختصاص.

(فقال أبو بكر -رضي الله عنه-: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن الله - عز وجل - إذا أطعم نبيًّا) من الأنبياء (طعمة) (¬1) بضم الطاء وهي شبه الرزق ما كان له من الفيء وغيره جمعها (طعم) كما في الحديث المتقدم في الفرائض أن "السدس الآخر طعمة" أي: أنه زيادة على حقه (فهي) إذا مات (للذي يقوم) في الأمر (من بعده) لم يقل بهذا إلا أبو ثور؛ فإنه قال: كان الصفي وهو شيء يختار من المغنم قبل القسمة كالجارية والثوب والسيف ونحوهما، فكان ثابتًا للنبي - صلى الله عليه وسلم -[في حياته، وهو من بعده يأخذه الإمام الذي يقوم من بعده نحو ما كان يأخذه النبي - صلى الله عليه وسلم -] (¬2). قال ابن المنذر: لا أعلم أحدًا سبق أبا ثور إلى هذا القول (¬3). وقال أكثر العلماء: إن ذلك انقطع بموت النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬4). [2974] (حدثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب القعنبي (عن مالك، عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (¬5) (عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تقتسم ورثتي دينارًا ولا درهمًا) والدينار منصوب على التمييز. قال العلماء: هذا التقييد بالدينار والدرهم هو من باب التنبيه (¬6) به على ما سواه كما قال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} (¬7) قالوا: وليس المراد بهذا اللفظ النهي؛ لأنه إنما ¬

_ (¬1) في الأصل: طعمة. والمثبت الصواب. (¬2) سقط من (ر). (¬3) "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 8/ 13. (¬4) انظر: "الحاوي" للماوردي 8/ 391، "المغني" 7/ 303. (¬5) "التقريب" (3302). (¬6) في (ر) التشبيه. (¬7) آل عمران: 75.

ينهى عما يمكن وقوعه وإرثه - صلى الله عليه وسلم - غير (¬1) ممكن، وإنما هو بمعنى الإخبار، ومعناه: لا يقسمون شيئًا لأني لا أورث. هذا هو الصحيح المشهور من مذاهب العلماء في معنى الحديث، وبه قال جماهيرهم. وحكى القاضي عن ابن علية وبعض أهل البصرة أنهم قالوا: إنما لم يورث لأن الله تعالى خصه أن جعل ماله كله صدقة. والصواب الأول. قال النووي: وهذا الذي يقتضيه سياق الحديث (¬2) (ما تركت) حذف منه العائد على الموصول وهو الهاء تقديره: الذي تركته (بعد) بضم الدال لا لأنه مقطوع عن الإضافة تقديره: ما تركته من بعدي هو (نفقة نسائي) يعني: يعزل منه مؤنة نسائي وما يحتاجون إليه كل سنة بسنتها (ومؤنة عاملي) يعني بالعامل: القائم على هذِه الصدقات والنظر فيها، وقيل: هو عامل المسلمين من خليفة وغيره؛ لأنه عامل للنبي - صلى الله عليه وسلم - ونائب عنه في أمته (فهو صدقة) عليهم لا إرث لهم كما تقدم. (قال [أبو داود] المصنف: العامل: الأكار) (¬3) بتشديد الكاف، وهو الزراع، ومن حديث أبي جهل (¬4): لو غير أكار قتلني. من أكرت الأرض، أي: حفرتها، والأكرة الحفرة (¬5). [2975] (حدثنا عمرو بن مرزوق) الباهلي شيخ البخاري (¬6) (حدثنا ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) "شرح مسلم" للنووي 12/ 81. (¬3) في المطبوع: مؤنة عاملي يعني: أكرة الأرض. (¬4) يعني حديث قتل أبي جهل. (¬5) "النهاية" 1/ 143. (¬6) "التقريب" (5110)، "الكاشف" للذهبي (4228).

شعبة، عن عمرو بن مرة) الجملي بفتح الجيم [الميم] (¬1) أحد الأعلام. (عن أبي البختري) (¬2) بفتح الموحدة وسكون الخاء المعجمة، اسمه سعيد بن فيروز الديلمي. (قال: سمعت حديثًا من رجل فأعجبني، فقلت: اكتبه لي) قال (فأتى) بفتح الهمزة والتاء يعني: جاء (به مكتوبًا مذبرًا) بضم الميم وفتح الذال المعجمة والموحدة المشددة والراء. قال في "النهاية" (¬3) ما معناه: أي متقنًا، والذابر المتقن، ويروى بالدال المهملة، وفي الحديث: أنا سمعته من معاذ يذبره عن رسول الله (¬4) - صلى الله عليه وسلم -، أي: يحدث به عنه. وقال ثعلب: إنما هو بالذال المعجمة (يتقنه مثل الزبر بالزاي كتبه) (¬5) يقال: زبرت (¬6) الكتاب أزبره إذا أتقنت كتابته. قال المنذري: والذبر بالذال المعجمة: الكتابة مثل الزبر بالزاي (¬7). والمزبر بكسر الميم: القلم (¬8). وكان الذي كتبه وذبره أنه (دخل العباس وعلي) -رضي الله عنهما - (على عمر) بن الخطاب وهو ¬

_ (¬1) في الأصول: اللام. والمثبت كما في "الأنساب" للسمعاني 2/ 87. (¬2) هذا أسم يشبه النسبة. وانظر: "الأنساب" 1/ 294. (¬3) 2/ 384. (¬4) "مسند أحمد" 36/ 323 (21998). (¬5) من (ل): الكتابة. (¬6) في (ع) زبر. (¬7) "تهذيب اللغة" مادة: ذبر 5/ 59. (¬8) "النهاية" لابن الأثير 2/ 406 وتمام العبارة: يقال زَبَرت الكتاب أزْبُره إذا أتْقَنت كتابَته.

الخليفة (وعنده طلحة) بن عبيد الله أحد العشرة المشهود لهم بالجنة (والزبير) بن العوام (وعبد الرحمن) بن عوف (وسعد) بن أبي وقاص (وهما يختصمان) في حال دخولهما فيما أفاء الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - من بني النضير. (فقال عمر لطلحة والزبير وعبد الرحمن وسعد) -رضي الله عنهم - (: ألم تعلموا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) هو (قال: كل مال) لله تعالى يصرف في مصالح المسلمين؛ لما روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رفع وبرة من بعيره فقال: "ما يحل لي مما أفاء الله عليكم ولا مثل هذِه إلا الخمس، وهو مردود عليكم". رواه سعيد (¬1) (النبي صدقة، إلا ما أطعمه أهله وكساهم) بالمعروف (إنا لا نورث) ما تركنا صدقة (قالوا: بلى) يا أمير المؤمنين. (قال) الرجل: (فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينفق من ماله) الحاصل من أرض بني النضير (على أهله) ما يطعمهم به ويكسوهم (ويتصدق بفضله) بفضله أي بالفاضل عن أهله على من يرد عليه من الوفود ويجعله في الكراع والسلاح كما تقدم. (ثم توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوليها أبو بكر) أي ولي الخلافة من بعده وإن لم يتقدم للخلافة ذكر؛ لأنه من المعلوم (سنتين) ونصفًا، وقيل: وأربعة أشهر (فكان يصنع) في أرض بني النضير (الذي كان يصنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم ذكر شيئًا من حديث مالك بن أوس) بن الحدثان المتقدم. [2976] (حدثنا) عبد الله بن مسلمة (القعنبي، عن مالك، عن) محمد ¬

_ (¬1) (2754).

ابن مسلم (بن شهاب، عن عروة) بن الزبير (عن عائشة أنها قالت: إن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - حين توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) عنهن تسع نسوة (أردن أن يبعثن عثمان بن عفان إلى أبي بكر الصديق فيسألنه) أن يعطيهن (ثمنهن) الذي فرضه الله لهن (من) ميراث (النبي - صلى الله عليه وسلم -) إذ لم يبلغهن الحديث (فقالت لهن عائشة) -رضي الله عنهن -: (أليس قد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) "نحن معاشر الأنبياء" (لا نورث) وجمهور العلماء على [أن] (¬1) جميع الأنبياء لا يورثون، وحكى القاضي عن الحسن البصري أنه قال: عدم الإرث مختص بنبينا - صلى الله عليه وسلم -؛ لقوله تعالى عن زكريا: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} وزعم أن المراد وراثة المال. قال: ولو أراد وراثة النبوة لم يقل: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي} إذ لا يخاف الموالي على النبوة. ولقوله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ}. والصواب قول الجمهور، والمراد بقصة زكريا وداود [وراثة] (¬2) النبوة [وليس المراد حقيقة الإرث بل قيامه مقامه وحلوله محله (ما تركنا فهو صدقة)] (¬3) وهذِه الرواية مبينة للرواية المتقدمة (¬4). [2977] (حدثنا محمد بن يحيى) بن عبد الله بن خالد (بن فارس) الذهلي (¬5) (حدثنا إبراهيم بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي الزبيري ¬

_ (¬1) سقط من الأصول وأثبتها من "شرح مسلم" للنووي 12/ 81. (¬2) سقط من الأصول وأثبتها من "شرح مسلم" للنووي 12/ 81. (¬3) سقط من (ر). (¬4) "شرح مسلم" للنووي 12/ 81. (¬5) "التقريب" (6387).

المدني (¬1) (¬2). (حدثنا حاتم بن إسماعيل) الكوفي سكن المدينة (¬3). (عن أسامة بن زيد) الليثي، أخرج له مسلم (¬4). (عن ابن شهاب) الزهري (بإسناده) المذكور (نحوه) وزاد (قلت ألا تتقين الله) تعالى؟ (ألم تسمعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لا نورث ما تركنا فهو صدقة؟ ) فيه ما تقدم (وإنما هذا المال) المخلف من بعدي (لآل محمد) الأكثر على أنهم أهل بيته. قال الشافعي: آل محمد هم الذين حرمت عليهم الصدقة وعوضوا منها الخمس (¬5). يعني: وكذا أزواجه (لنائبتهم) يعني لما ينوبهم وينزل بهم من المهمات والحوادث من نابه الشيء إذا قصده مرة بعد أخرى (ولضيفهم) الذي ينزل بهم ويستحق القرى (فإذا مت فهو لمن ولي الأمر من بعدي) فيه ما تقدم. ¬

_ (¬1) "التقريب" (168). (¬2) زاد بعدها هنا: عن ابن شهاب الزهري. ويأتي بعد. (¬3) "التقريب" (994). (¬4) "الكاشف" (263) وقال: قال الحاكم: روى مسلم نسخة لابن وهب عن أسامة أكثرها شواهد أو يقرنه بآخر قال النسائي وغيره: ليس بالقوي. (¬5) "الأم" 2/ 81، "الحاوي" 8/ 538.

20 - باب في بيان مواضع قسم الخمس وسهم ذي القربى

20 - باب في بَيانِ مَواضِعِ قَسْمِ الخُمُسِ وسَهْمِ ذي القُرْبى 2978 - حدثنا عُبَيْدُ اللهِ بْن عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن مَهْديٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبارَكِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْريِّ، أَخْبَرَني سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ، أَخْبَرَني جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ أنَّهُ جاءَ هُوَ وَعُثْمان بْن عَفّانَ يُكَلِّمانِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيما قَسَمَ مِنَ الخُمُسِ بَيْنَ بَني هاشِمٍ وَبَني الطَّلِبِ فَقُلْت: يا رَسُولَ اللهِ قَسَمْتَ لإِخْوانِنا بَني المطَّلِبِ وَلَمْ تُعْطِنا شَيْئًا وَقَرابَتُنا وَقَرابَتهُمْ مِنْكَ واحِدَة. فَقالَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّما بَنُو هاشِمٍ وَبَنُو المُطَّلِبِ شَيء واحِدٌ". قالَ جُبَيْرٌ: وَلم يَقْسِمْ لِبَني عَبْدِ شَمسٍ وَلا لِبَني نَوْفَلٍ مِنْ ذَلِكَ الخُمُسِ كَما قَسَمَ لِبَني هاشِمٍ وَبَني المُطَّلِبِ. قالَ: وَكانَ أَبُو بَكْرٍ يَقْسِمُ الخُمُسَ نَحوَ قَسمِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - غَيْرَ أنَّهُ لم يَكنْ يُعْطي قُربَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ما "كانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعْطِيهِمْ. قال: وَكانَ عُمَرُ بْن الخطّابِ يُعْطِيهِمْ مِنهُ وَعُثْمانُ بَعْدَهُ (¬1). 2979 - حدثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، حدثنا عُثْمانُ بْن عُمَرَ أَخْبَرَني يُونُسُ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، حدثنا جُبَيْرُ بْن مُطْعِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَقْسِمْ لِبَني عَبْدِ شَمسٍ وَلا لِبَني نَوْفَلٍ مِنَ الخُمُسِ شَيْئًا كَما قَسَمَ لِبَني هاشِمٍ وَبَني المُطَّلِبِ. قال: وَكانَ أَبُو بَكْرٍ يَقْسِمُ الخُمُسَ نَحْوَ قَسمِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُعْطي قُرْبَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَما كانَ يُعْطِيهِمْ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكانَ عُمَرُ يُعْطِيهِم وَمَنْ كانَ بَعْدَة مِنْهُمْ (¬2). 2980 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا هُشَيْمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، أَخْبَرَني جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِم قال: لّمَا كانَ يَوْمُ خَيْبَرَ وَضَعَ رَسُولُ اللْهِ - صلى الله عليه وسلم - سَهْمَ ذي القُرْبَى في بَني هاشِمٍ وَبَني المطَّلِبِ وَتَرَكَ بَني نَوْفَلٍ وَبَني عَبْدِ شَمْسٍ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3140، 3502). (¬2) رواه أحمد 4/ 83. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2635).

فانْطَلَقْتُ أَنا وَعُثْمان بْن عَفّانَ حَتَّى أَتَيْنا النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقُلْنا: يا رَسُولَ اللْهِ هؤلاء بَنُو هاشِمٍ لا نُنْكِرُ فَضْلَهُمْ لِلْمَوْضِعِ الذي وَضَعَكَ الله بِهِ مِنْهُمْ فَما بالُ إِخْوانِنا بَني المُطَّلِبِ؟ أَعْطَيْتَهُمْ وَتَرَكْتَنا وَقَرابَتُنا واحِدَةٌ. فَقالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنا وَبَنُو المُطَّلِبِ لا نَفْتَرِقُ في جاهِلِيَّةٍ وَلا إِسْلامٍ وَإِنَّما نَحْنُ وَهُمْ شَيء واحِدٌ". وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصابِعِهِ (¬1). 2981 - حدثنا حُسَين بْن عَليٍّ العِجْليُّ، حدثنا وَكِيعٌ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ صالِحِ، عَنِ السّدّيّ في ذي القُرْبَى قال: هُمْ بَنُو عَبْدِ المطَّلِبِ (¬2). 2982 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حدثنا عَنْبَسَةُ، حدثنا يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ أَخْبَرَني يَزِيدُ بْنُ هُرمُزَ أَنَّ نَجْدَةَ الحَرُوريَّ حِينَ حَجَّ في فِتْنَةِ ابن الزُّبَيْرِ أَرْسَلَ إِلَى ابن عَبّاسٍ يَسْألهُ عَنْ سَهْمِ ذي القُرْبَى وَيَقولُ: لَمِنْ تَراهُ؟ قالَ ابن عَبّاسٍ: لِقُربَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قسَمَهُ لَهُمْ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ كانَ عُمَرُ عَرَضَ عَلَيْنا مِنْ ذَلِكَ عَرضًا رَأَيْناهُ دُونَ حَقِّنا فَرَدَدْناهُ عَلَيْهِ وَأَبَيْنا أَنْ نَقْبَلَهُ (¬3). 2983 - حدثنا عَبّاسُ بْن عَبْدِ العَظِيمِ، حدثنا يَحيَى بْن أَبي بُكَيْرٍ، حدثنا أَبُو جَعْفَرٍ الرّازيّ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي لَيْلَى قالَ: سَمِعْتُ عَلِيّا يَقولُ وَلَّاني رسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خُمُسَ الخُمُسِ فَوَضَعْتُهُ مَواضِعَهُ حَياةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَحَياةَ أَبي بَكْرٍ وَحَياةَ عُمَرَ فَأُتي بِمالٍ فَدَعاني فَقالَ خُذْهُ. فَقُلْتُ: لا أُرِيدُهُ. قالَ: خُذْهُ فَأَنْتمْ أَحَقُّ بِهِ. قُلْتُ: قَدِ اسْتَغْنَيْنا عَنْهُ فَجَعَلَهُ في بَيْتِ المالِ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه النسائي 7/ 130. وصححه ابن الملقن في "البدر المنير" 7/ 317، والألباني في "صحيح أبي داود" (2638). (¬2) رواه ابن أبي شيبة 18/ 133 (34138). قال الألباني في "صحيح أبي داود" (2640): حديث صحيح مقطوع. (¬3) رواه مسلم (1812) بنحوه. (¬4) رواه الحاكم 2/ 128، 3/ 40، والبيهقي 6/ 343. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (519).

2184 - حدثنا عُثْمان بْن أَبي شَيْبَةَ، حدثنا ابن نُمَيْرٍ، حدثنا هاشِمُ بْنُ البَرِيدِ، حدثنا حُسَيْنُ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قالَ: سَمِعْتُ عَلِيّا -عليه السلام- يَقُولُ: اجْتَمَعْتُ أَنا والعَبّاسُ وَفاطِمَة وَزَيْدُ بْنُ حارِثَةَ عِنْدَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُوَلِّيَني حَقَّنا مِنْ هذا الخُمُسِ في كِتابِ اللهِ فَأَقْسِمَهُ حَياتَكَ كَى لا يُنازِعَني أَحَدٌ بَعْدَكَ فافْعَلْ. قال: فَفَعَلَ ذَلِكَ، قالَ: فَقَسَمْتُهُ حَياةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثمَّ وَلاَّنيهِ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- حَتَّى إِذا كانَتْ آخِرُ سَنَةٍ مِنْ سِني عُمَرَ -رضي الله عنه- فَإِنَّهُ أَتاهُ مالٌ كَثِيرٌ، فَعَزَلَ حَقَّنا ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَي فَقُلْتُ: بِنا عَنْهُ العامَ غِنًى وَبِالمُسْلِمِينَ إِلَيْهِ حاجَةٌ فارْدُدْهُ عَلَيْهِمْ، فَرَدَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ لم يَدْعُني إِلَيْهِ أَحَدٌ بَعْدَ عُمَرَ فَلَقِيتُ العَبّاسَ بَعْدَ ما خَرَجْت مِنْ عِنْدِ عُمَرَ فَقال: يا عَليّ حَرَمْتَنا الغَداةَ شَيْئًا لا يُرَدُّ عَلَينا أَبَدًا وَكانَ رَجُلًا داهِيًا (¬1). 2985 - حدثنا أَحْمَدُ بْن صالِحٍ، حدثنا عَنْبَسَةُ، حدثنا يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ أَخْبَرَني عَبْدُ اللهِ بْنُ الحارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ الهاشِميُّ أَنَّ عَبْدَ المُطَّلِبِ بْنَ رَبِيعَةَ بْنِ الحارِثِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَباهُ رَبِيعَةَ بْنَ الحارِثِ وَعَبّاسَ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ قالا لِعَبْدِ المُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ وَللْفَضْلِ بْنِ عَبّاسٍ: ائْتِيا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقولا لَهُ: يا رَسُولَ اللهِ قَدْ بَلَغْنا مِنَ السِّنّ ما تَرى وَأَحْبَبْنا أَنْ نَتَزَوَّجَ وَأَنْتَ يا رَسُولَ اللهِ أَبَرُّ النّاسِ وَأَوْصَلُهُمْ، وَلَيْسَ عِنْدَ أَبَوَيْنا ما يُصْدِقانِ عَنّا فاسْتَعْمِلْنا يا رَسُولَ اللهِ عَلَى الصَّدَقاتِ فَلْنُؤَدِّ إِلَيْكَ ما يُؤَدّي العُمّالُ وَلْنُصِبْ ما كانَ فِيها مِنْ مِرْفَقٍ. قال: فَأَتَى إِلَيْنا عَليُّ بْن أَبي طالِبٍ وَنَحْنُ عَلَى تِلْكَ الحالِ، فَقال لَنا: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لا والله لا نَسْتَعْمِلُ مِنْكُمْ أَحَدًا عَلَى الصَّدَقَةِ". فَقالَ لَهُ رَبِيعَةُ: هذا مِنْ أَمْرِكَ قَدْ نِلْتَ صِهْرَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ نَحْسُدْكَ عَلَيْهِ. فَألقَى عَليٌّ رِداءَهُ ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَيْهِ فَقال: أَنا أَبُو حَسَنٍ القَرمُ والله لا أَرِيمُ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْكما ابناكُما بِجَوابِ ما بَعَثْتما بِهِ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. قالَ عَبْدُ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 84 - 85، والبيهقي 6/ 343 - 344. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (520).

الُمطَّلِبِ: فانْطَلَقْتُ أَنا والفَضْل إِلَى بابِ حُجْرَةِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى نُوافِقَ صَلاةَ الظُّهْرِ قَدْ قامت فَصَلَّينا مَعَ النّاسِ ثُمَّ أَسْرَعْتُ أَنا والفَضْل إِلَى بابِ حُجْرَةِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يوْمَئِذٍ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشِ فَقُمْنا بِالبابِ حَتَّى أَتَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فأَخَذَ بِأُذُني وَأُذُنِ الفَضْلِ ثمَّ قال: أَخْرِجا ما تُصَرِّرانِ ثُمَّ دَخَلَ فَأَذِنَ لي وَللْفَضْلِ فَدَخَلْنا فَتَواكَلْنا الكَلامَ قَلِيلًا ثُمَّ كَلَّمْتهُ أَوْ كَلَّمَهُ الفَضْل -قَدْ شَكَّ في ذَلِكَ عَبْدُ اللهِ- قال: كَلَّمَهُ بِالأمرِ الذي أَمَرَنا بِهِ أَبَوانا. فَسَكَتَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ساعَةً وَرَفَعَ بَصَرَهُ قِبَلَ سَقْفِ البَيْتِ حَتَّى طالَ عَلَيْنا أَنَّهُ لا يَرْجِعُ إِلَيْنا شَيْئًا حَتَّى رَأَيْنا زَيْنَبَ تَلْمَعُ مِنْ وَراءِ الِحجابِ بِيَدِها تُرِيدُ أَنْ لا تَعجَلا وَإنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في أَمْرِنا ثُمَّ خَفَّضَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأْسَهُ فَقالَ لَنا: "إِنَّ هذِه الصَّدَقَةَ إِنَّما هيَ أَوْساخُ النّاسِ وَإِنَّها لا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلا لآلِ مُحَمَّدٍ ادْعُوا لي نَوْفَلَ بْنَ الحارِثِ" .. فَدُعيَ لَهُ نَوْفَل بْن الحارِثِ فَقالَ: "يا نَوْفَلُ أَنْكِحْ عَبْدَ المُطَّلِبِ". فَأَنْكَحَني نَوْفَلٌ ثمَّ قالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ادْعُوا لي مَحْمِيَةَ بْنَ جَزْءٍ". وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَني زُبَيْدٍ كانَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الأَخماسِ فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمِحْمِيَةَ: "أَنْكِحِ الفَضْلَ". فَأَنْكَحَهُ ثمَّ قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قُمْ فَأَصْدِقْ عَنْهُما مِنَ الخُمُسِ كَذا وَكَذا". لَمْ يُسَمِّهِ لي عَبْدُ اللهِ بْنُ الحارِثِ (¬1). 2986 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حدثنا عَنْبَسَةُ بْن خالِدِ، حدثنا يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ، أَخْبَرَني عَليُّ بْن حُسَينٍ أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَليٍّ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَليَّ بْنَ أَبي طالِبٍ قال: كانَتْ لي شارِفٌ مِنْ نَصِيبي مِنَ المَغْنَمِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكانَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَعطْاني شارِفًا مِنَ الخُمُسِ يَوْمَئِذٍ فَلَمّا أَرَدْتُ أَنْ أَبْنيَ بِفاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - واعَدْتُ رَجُلًا صَوّاغًا مِنْ بَني قَيْنُقاعَ أَنْ يَرتَحِلَ مَعي فَنَأْتيَ بإذْخِرٍ أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَهُ مِنَ الصَّوّاغِينَ فَأَسْتَعِينَ بِهِ في وَليمَةِ عُرْسي فَبَيْنا أَنا أَجْمَعُ لِشارِفَى مَتاعًا مِنَ الأقتابِ والغَرائِرِ والِحبالِ -وَشارِفاي مُناخانِ إِلَى جَنْبِ حُجْرَةِ رَجُلٍ مِنَ الأنصارِ- أَقْبَلْتُ حِينَ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1072).

جَمَعْتُ ما جَمَعْتُ فَإذا بِشارِفَي قَدِ اجْتبَّتْ أَسْنِمَتُهُما وَبُقِرَتْ خَواصِرُهُما وَأُخذَ مِنْ أكبادِهِما فَلَمْ أَمْلِك عَيْنَي حِينَ رَأَيْتُ ذَلِك المَنْظَرَ، فَقُلْتُ: مَنْ فَعَلَ هذا؟ قالُوا: فَعَلَهُ حَمْزَةُ بْن عَبْدِ المُطَّلِبِ وَهُوَ في هذا البَيْتِ في شَربٍ مِنَ الأنصارِ غَنَّتْهُ قَيْنَةٌ وَأَصْحابَهُ، فَقالَتْ في غِنائِها: أَلا يا حَمْزُ لِلشُّرُفِ النِّواءِ فَوَثَبَ إِلَى السَّيْفِ فاجْتَبَّ أَسْنِمَتَهُما وَبَقَرَ خَواصِرَهُما وَأَخَذَ مِنْ أكبادِهِما. قالَ عَليٌّ: فانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْن حارِثَةَ قال: فَعَرَفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الذي لَقِيتُ فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ما لَكَ؟ " قال: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ ما رَأَيْتُ كاليَوْمِ عَدا حَمْزَةُ عَلَى ناقَتَي فاجْتَبَّ أَسْنِمَتَهُما وَبَقَرَ خَواصِرَهُما وَها هُوَ ذا في بَيْتٍ مَعَهُ شَربٌ فَدَعا رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِرِدائِهِ فارْتَداهُ ثمَّ انْطَلَقَ يَمْشي واتَّبَعْتُهُ أَنا وَزَيْدُ بْنُ حارِثَةَ حَتَّى جاءَ البَيْتَ الذي فِيهِ حَمْزَة فاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ فَإِذا هُمْ شَربٌ فَطَفِقَ رَسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَلُومُ حَمْزَةَ فِيما فَعَلَ فَإذا حَمْزَة ثَمِل مُحْمَرَّةٌ عَيْناهُ، فَنَظَرَ حَمْزَة إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى رُكبَتَيْهِ، ثمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى سُرَّتِهِ، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى وَجْهِهِ، ثمَّ قال حَمْزَة: وَهَلْ أَنْتُمْ إِلا عَبِيدٌ لأبي فَعَرَفَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ ثملٌ فَنَكَصَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - علَى عَقِبَيهِ القَهْقَرى فَخَرَجَ وَخَرَجْنا مَعَهُ (¬1). 2987 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَني عَيّاشُ بْنُ عُقْبَةَ الحَضْرَميُّ، عَنِ الفَضْلِ بْنِ الحَسَنِ الضَّمْريِّ أَنَّ أُمَّ الحَكَمِ أَوْ ضُباعَةَ ابنتَى الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ حَدَّثَتْهُ، عَنْ إِحْداهُما أنَها قالَتْ: أَصابَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَبْيًا فَذَهَبْتُ أَنا وَأُخْتي وَفاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فشَكَوْنا إِلَيْهِ ما نَحْن فِيهِ وَسَألناهُ أَنْ يَأْمُرَ لَنا بِشَيء مِنَ السَّبْي. فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "سَبَقَكُنَّ يَتامَى بَدْرٍ لكن سَأَدُلُّكُنَّ عَلَى ما هُوَ خَيْرٌ لكن مِنْ ذَلِكَ تُكبِّرْنَ اللهَ عَلَى أَثَرِ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ تَكبِيرَةً وَثَلاثًا وَثَلاثِينَ تَسْبِيحَةً وَثَلاثًا وَثَلاثِينَ تَحْمِيدَةً وَلا إله إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2089، 3091)، ومسلم (1979).

شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُل شيء قَدِيرٌ" قالَ عَيّاشٌ: وَهُما ابنتا عَمِّ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). 2988 - حدثنا يحيَى بْن خَلَفٍ، حدثنا عَبْدُ الأعلَى، عَنْ سَعِيدٍ -يَعْني: الجُرَيْريَّ- عَنْ أَبي الوَرْدِ، عَنِ ابن أَعْبُدَ قال: قال لي عَليٌّ -رضي الله عنه-: أَلا أُحَدِّثُكَ عَنّي وَعَنْ فاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللْهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكانَتْ مِنْ أَحَبِّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ قُلْتُ: بَلَى. قال: إِنَّها جَرَّتْ بِالرَّحَى حَتَّى أثَّرَ في يَدِها، واسْتَقَتْ بِالقِربَةِ حَتَّى أثَّرَ في نَحْرِها، وَكنَسَتِ البَيْتَ حَتَّى اغْبَرَّتْ ثِيابُها فَأَتَى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَدَمٌ فَقُلْتُ: لَوْ أَتَيْتِ أَباكِ فَسَألتِيهِ خادِمًا فَأَتَتْهُ فَوَجَدَتْ عِنْدَهُ حُدّاثًا فَرَجَعَتْ فَأَتاها مِنَ الغَدِ فَقالَ: "ما كانَ حاجَتُكِ". فَسَكَتَتْ فَقُلْت: أَنا أُحَدِّثُكَ يا رَسُولَ اللهِ جَرَّتْ بِالرَّحَى حَتَّى أثَرَتْ في يَدِها وَحَمَلَتْ بِالقِرْبَةِ حَتَّى أثَرَتْ في نَحْرِها فَلَمّا أَنْ جاءَكَ الَخدَمُ أَمَرتُها أَنْ تَأْتِيَكَ فَتَسْتَخْدِمَكَ خادِمًا يَقِيها حَرَّ ما هيَ فِيهِ. قالَ: "اتَّقي اللهَ يا فاطِمَةُ وَأَدّي فَرِيضَةَ رَبّكِ واعْمَلي عَمَلَ أَهْلِكِ فَإذا أَخَذْتِ مَضْجَعَكِ فَسَبِّحي ثَلاثًا وَثَلاثِينَ واحْمَدي ثَلاثًا وَثَلاثِينَ وَكَبِّري أَرْبَعًا وَثَلاثِينَ فَتِلْكَ مِائَةٌ فَهيَ خَيْرٌ لَكِ مِنْ خادِمٍ" .. قالَتْ: رَضِيتُ عَنِ اللهِ - عز وجل - وَعَنْ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬2). 2181 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ محَمَّدٍ المَرْوَزيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ عَليِّ بْنِ حُسَيْنٍ بهذِه القِصَّةِ قال: وَلم يُخْدِمْها (¬3). 2990 - حدثنا مُحَمَّد بْن عِيسَى، حدثنا عَنْبَسَة بْنُ عَبْدِ الواحِدِ القُرَشيّ قالَ أَبُو ¬

_ (¬1) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/ 299، والطبراني 25 (333). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (520/ م). (¬2) رواه عبد الله بن أحمد في زوائد "المسند" 1/ 153، وأبو نعيم في "الحلية" 1/ 70، 2/ 41. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (521). (¬3) رواه إسحاق بن راهويه في "المسند" 5/ 11 (2107). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (522).

جَعْفَرِ -يَعْني: ابن عِيسَى- كُنّا نَقُولُ إِنَّهُ مِنَ الأبدالِ قَبْلَ أَنْ نَسْمَعَ أَنَّ الأبدالَ مِنَ المَوالي قالَ: حَدَّثَني الدَّخِيلُ بْن إِياسِ بْنِ نُوحِ بْنِ مُجّاعَةَ، عَنْ هِلالِ بْنِ سِراجِ بْنِ مُجّاعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ مُجّاعَةَ أنَّهُ أَتَى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَطْلُبُ دِيَةَ أَخِيهِ قَتَلَتْهُ بَنُو سَدُوسِ مِنْ بَني ذهْلٍ. فَقالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ كُنْتُ جاعِلًا لِمُشْرِكٍ دِيَةً جَعَلْتُ لأخِيكَ ولكن سَأُعْطِيكَ مِنْهُ عُقْبَى". فَكَتَبَ لَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِمِائَةِ مِنَ الإِبِلِ مِنْ أَوَّلِ خُمسٍ يَخْرُجُ مِنْ مُشْرِكي بَني ذُهْلٍ فَأَخَذَ طائِفَةَ مِنْها وَأَسْلَمَتْ بَنُو ذُهْلٍ فَطَلَبَها بَعْدُ مُجّاعَة إِلَى أَبي بَكْرِ وَأَتاهُ بِكتابِ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَكَتَبَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ بِاثْنَي عَشَرَ ألفَ صاعٍ مِنْ صَدَقَةِ اليَمامَةِ، أَرْبَعَةِ آلافٍ بُرّا، وَأَرْبَعَةِ آلافٍ شَعِيرًا، وَأَرْبَعَةِ آلافٍ تَمرًا، وَكانَ في كِتابِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِمُجّاعَةَ: "بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هذا كِتابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبيِّ لِمُجّاعَةَ بْنِ مُرارَةَ مِنْ بَني سُلْمَى إِنّي أَعْطَيْتُهُ مِائَةً مِنَ الإبِلِ مِنْ أَوَّلِ خُمُسٍ يَخْرُجُ مِنْ مُشْرِكي بَني ذُهْلٍ عُقْبَةً مِنْ أَخِيهِ" (¬1). * * * باب بيان مواضع قسم الخمس وسهم ذي القربى [2978] (حدثنا عبيد الله) بالتصغير وهو (ابن عمر بن ميسرة) القواريري البصري الحافظ، روي عنه مائة ألف حديث (¬2) (حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الحافظ البصري اللؤلؤي (عن عبد الله ابن المبارك، عن يونس بن يزيد (¬3)، عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب، أخبرني جبير بن مطعم: أنه جاء هو وعثمان بن عفان يكلمان ¬

_ (¬1) رواه ابن قانع في "معجم الصحابة" 3/ 112 - 113، وابن الأثير في "أسد الغابة" 5/ 62. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (523). (¬2) "التقريب" (4325). (¬3) في (ر): زيد. والمثبت من (ع) ومن "السنن".

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما قسم من الخمس) من سهم ذوي القربى من غنائم خيبر (¬1) (بين بني هاشم) رواية: في بني هاشم (وبني المطلب، فقلت: في رسول الله) إخواننا بنو هاشم لا ينكر فضلهم لمكانك منهم الذي وضعك (¬2) الله به منهم، فما بالك (قسمت لإخواننا) (¬3) سرف (¬4) من (بني المطلب) هكذا لأحمد بهذِه الزيادة (ولم تعطنا شيئًا وقرابتنا وقرابتهم منك واحدة) ولفظ أحمد: أعطيتهم وتركتنا، وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة قال: إنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام (¬5)، انتهى، ورواية البخاري (¬6) باختصار. ووجه كون قرابة جبير بن مطعم وعثمان مع بني المطلب واحدة أن جبير هو ابن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي، وعثمان هو ابن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، فعثمان -رضي الله عنه- هو من بني عبد شمس، وجبير من بني نوفل، وكان لعبد مناف ابن قصي أربعة نفر: هاشم بن عبد مناف، وعبد شمس بن عبد مناف، والمطلب بن عبد مناف وأمهم واحدة وهي عاتكة بنت مرة، والرابع ¬

_ (¬1) في "مسند أحمد" برقم (16782) حنين. (¬2) هذِه اللفظة عند أحمد في "المسند" 27/ 305 ح وقد أثبتها الشيخ شعيب: وصفك وقال في الحاشية رقم (2): في (ظ 12) و (ق): وضعك. انتهى. وفي "سنن النسائي" برقم (4137): جعلك. (¬3) ورد بعدها في الأصل: نسخة: لإخوتنا. (¬4) هكذا رسمت ولعلها الشرف. (¬5) "مسند أحمد" 27/ 305 (16741). (¬6) (3140) و (3502)، و (4229).

نوفل بن عبد مناف وأمه واقدة (¬1): بنت عمرو المازنية (¬2). (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الرافعي: وأشار النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "بنو المطلب لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام" إلى شأن الصحيفة القاطعة التي كتبتها (¬3) قريش وتبايعوا على أن لا يجالسوا بني هاشم ولا يبايعوهم ولا يناكحوهم، وبقوا على ذلك سنة (¬4) لم يدخل في بيعهم بنو المطلب، بل خرجوا مع بني هاشم في الشعاب، وهذا مشهور في السير والمغازي، ورواه البيهقي في "الدلائل" (¬5) و"السنن" (¬6). (إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء) بفتح الشين المعجمة (واحد) (¬7) قال في "النهاية" (¬8): وهذِه الرواية المشهورة. ورواه يحيى بن معين: سِيٌّ بكسر السين المهملة وتشديد الياء، أي: مثل وسواء، كما يقال: هما سيان، أي: مثلان (¬9). ¬

_ (¬1) في (ع) واحدة والمثبت من (ل) ومن "الروض الأنف" 1/ 206، و"السيرة النبوية" لابن هشام 1/ 234، و"المعرفة والتاريخ" 1/ 159. (¬2) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 5/ 307. (¬3) في (ر) كيفيتها. (¬4) هكذا هي في الأصول وفي "التلخيص الحبير" وفي "البدر المنير" وأما "السنن الكبرى" ففيها: سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا. (¬5) 2/ 191. (¬6) "السنن الكبرى" 6/ 365، وانظر: "التلخيص الحبير" 3/ 220 وانظر: "البدر المنير" 9/ 317، "شرح السنة" للبغوي 11/ 127. (¬7) في (ر): واحدة. (¬8) 2/ 1036. (¬9) انظر: "عمدة القاري" 22/ 311، "فتح الباري" 6/ 245.

وقد احتج بهذا على أن المستحقين سهم ذي القربى المذكور في الآية لقرابة النبي - صلى الله عليه وسلم - هم بنو هاشم وبنو المطلب ابني عبد مناف دون غيرهم، فدعى لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - نصرتهم وموافقتهم بني هاشم يشترك في أخذه الذكر والأنثى؛ لدخولهم في اسم القرابة. (قال جبير) بن مطعم: (ولم يقسم) من سهم ذي القربى (لبني عبد شمس) ابن عبد مناف (ولا لبني نوفل [من ذلك الخمس كما قسم لبني هاشم وبني المطلب]) (¬1) ابن عبد مناف. (قال) جبير: (وكان أبو بكر) الصديق (يقسم الخمس) المذكور (نحو قسم) بفتح القاف بمعنى القسمة (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعطيهم) لعل المراد به ما روي عن الحسن بن محمد بن الحنفية أنه قال: اختلفوا في سهم ذي القربى فأجمعوا رأيهم أن يجعلوه في الخيل والعدة في سبيل الله، فكان في خلافة أبي بكر وعمر في الخيل والعدة في سبيل الله (¬2). قال البيهقي بعد أن حكى ما رواه البخاري عن جبير بن مطعم قال: مشيت (¬3) أنا وعثمان بن عفان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلنا: يا رسول الله أعطيت بني المطلب وتركتنا وإنما نحن وهم بمنزلة واحدة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد" ولم يقسم النبي - صلى الله عليه وسلم - لبني عبد شمس ولا لبني نوفل (¬4) إلى هنا. ثم قال: وروى ¬

_ (¬1) من المطبوع. (¬2) "السنن الكبرى" للبيهقي 6/ 342. (¬3) في (ر): نسبت. (¬4) في (ر): عبد مناف.

بعضهم هذا الخبر فأدرج فيه: إن أبا بكر لم يكن يعطي قربى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعطيهم، وكان عمر يعطيهم منه وعثمان بعده. قال: ورواه غيره فميز ذلك عن الحديث وجعله من قول الزهري، فصارت الرواية لهم بذلك منقطعة، قال: ونحن نروي عنهما موصولًا غير منقطع مثل مذهبنا إن شاء الله تعالى، وسيأتي له مزيد في الباب بعده (¬1). (قال: وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يعطيهم (¬2) منه وعثمان بعده) كان يعطيهم من سهم القربى من الخمس. وقد اختلف العلماء في ذلك، فقال الشافعي (¬3): حقهم ثابت، وكذا قال مالك بن أنس (¬4). [2979] (حدثنا عبيد الله) بالتصغير (بن عمر) بن ميسرة القواريري شيخ الشيخين (حدثنا عثمان بن عمر) بن فارس العبدي (أخبرني يونس، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، حدثنا جبير بن مطعم -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقسم لبني عبد شمس) بن عبد مناف (ولا لبني نوفل) بن عبد مناف (من الخمس شيئًا كما قسم لبني هاشم وبني المطلب) قد يحتج به من لم ير سهم ذوي القربى من الخمس، بل يقسم الخمس على ثلاثة أسهم وهم: اليتامى، والمساكين، وابن ¬

_ (¬1) "مختصر الخلافيات" 4/ 65. (¬2) ورد بعدها في الأصل: نسخة: يعطى. (¬3) "الأم" 4/ 153 وانظر: "الأوسط" 11/ 95. (¬4) انظر: "التمهيد" 20/ 46.

السبيل، وهو قول أبي حنيفة (¬1)، وهو مروي عن ابن عباس أنه قال: إن أبا بكر وعمر قسما الخمس على ثلاثة أسهم (¬2)، ونحوه حكي عن الحسن ابن محمد ابن الحنفية. وأجيب بأن قول أبي حنيفة مخالف لظاهر الآية فإن الله سمى لرسوله وقرابته شيئًا وجعل لهما في الخمس حقًّا كما سمى الثلاثة الأصناف الباقية، فمن خالف ذلك فقد خالف ظاهر لفظ الكتاب (¬3). (قال: وكان أبو بكر -رضي الله عنه- يقسم) يعطي (الخمس) المذكور (نحو قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما كان يعطيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وكان عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (يعطيهم ومن كان بعده منهم) كعثمان بن عفان ومن بعده كما تقدم. [2980] (حدثنا مسدد، حدثنا هشيم) بن بشير السلمي (عن محمد بن إسحاق) صاحب المغازي (عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، أخبرني جبير بن مطعم قال) جبير: (فلما) رواية: لما (كان) هي التامة، أي: فلما وجد (يوم خيبر) رواية: حنين (وضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهم ذي القربى) يعني: قربى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (في بني هاشم وبني المطلب) ابني عبد مناف (وترك بني نوفل وبني عبد شمس) قال البخاري: وقال ابن إسحاق: عبد شمس وهاشم والمطلب إخوة؛ لأن أمهم عاتكة بنت ¬

_ (¬1) انظر: "المبسوط" 3/ 18. (¬2) ذكره ابن المنذر في "الأوسط" 6/ 104 (6491) وضعفه لضعف محمد بن مروان الكلبي، وهو كذاب. (¬3) انظر: "شرح السنة" 11/ 127، "معالم السنن" 3/ 255، "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 5/ 271، "التمهيد" 14/ 68، "المغني" 7/ 299.

مرة، وكان نوفل أخاهم لأبيهم (¬1) (¬2)، انتهى. قال ابن بطال: هذا الحديث حجة على أن ذا القربى الذي يسهم لهم الخمس هم بنو هاشم وبنو المطلب خاصة دون سائر قرابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبه قال أبو ثور (¬3). وقال ابن الحنفية: سهم ذي القربى لنا أهل البيت. وروي عن عمر بن عبد العزيز أنهم بنو هاشم خاصة، وقال أصبغ بن الفرج: اختلف في ذلك، فقيل: هم قرابة الرسول عليه السلام خاصةً، وقيل: قريش كلها، قال: ووجدت في "معاني الآثار" أنهم آل محمد (¬4). وسيأتي له مزيد. (فانطلقت أنا وعثمان بن عفان) رضي الله عنهما (حتى أتينا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله هؤلاء بنو هاشم) بن عبد مناف (لا ننكر فضلهم) على غيرهم (للموضع) رواية أحمد (¬5): لمكانك (الذي وضعك الله) تعالى (به منهم) من القرب حازوا به الشرف والفضيلة العظمى لهم ولكل من جاء من بعدهم من نسلهم وعقبهم إلى يوم القيامة (فما بال إخواننا) الذين هم (بنو المطلب) بن عبد مناف (أعطيتهم وتركتنا) وقرابتهم (وقرابتنا) منك (واحدة. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنا) بكسر الهمزة وتشديد النون أصلها إننا نحن (وبنو المطلب) (¬6) قيل: لا يجوز غير هذا الذي رواه ¬

_ (¬1) في (ل) لأمهم. والمثبت من (ع) ومن "صحيح البخاري". (¬2) "صحيح البخاري" 4/ 91. (¬3) "شرح صحيح البخاري" 5/ 271. (¬4) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 5/ 309. (¬5) "مسند أحمد" 4/ 81. (¬6) ورد بعدها في الأصل: نسخة: وبني المطلب.

الأنصاري ([لا نفترق في جاهلية ولا) في (إسلام) ورواه الشافعي (¬1) وأحمد (¬2) وقال البرقاني] (¬3): هو على شرط مسلم (¬4). ونبه - صلى الله عليه وسلم - على أن سبب استحقاق بني المطلب للنصرة في القرابة فرعى لهم حقهم نصرتهم وموافقتهم بني هاشم كما في شأن الصحيفة حين كتبتها قريش على أن لا يجالسوا بني هاشم ولا يبايعوهم ولا يناكحوهم، وبقوا على ذلك سنة، ولم يدخل في بيعتهم بنو المطلب، بل خرجوا مع بني هاشم في بعض الشعاب (وإنما نحن وهم شيء) تقدم أن فيها لغتان بالسين المهملة والمعجمة (واحد) يعني: في النسب (وشبك بين أصابعه) إشارة إلى أن أنسابهم دخل بعضها في بعض واتصل به كما دخل أصابع اليدين بعضها في بعض بالتشبيك كما تدخل لحمة الثوب في سداته وتصير كالشيء الواحد؛ لما بينهما من المداخلة الشديدة (¬5). [2981] (حدثنا الحسين (¬6) بن علي) بن الأسود، قال أبو حاتم: صدوق (¬7) (العجلي) بكسر العين وسكون الجيم، نسبة إلى بني عجل ¬

_ (¬1) (411). (¬2) (16741). (¬3) سقط من (ر). (¬4) انظر "البدر المنير" 7/ 318، و"التلخيص الحبير" 3/ 219. وانظر: "الجمع بين الصحيحين" للحميدي 3/ 280. (¬5) انظر: "عمدة القاري" 22/ 311، "فتح الباري" 6/ 245. (¬6) في الأصل الحسن والمثبت من "السنن" ومن "الجرح والتعديل" 3/ 56، "تهذيب الكمال" 6/ 391. (¬7) "الجرح والتعديل" 3/ 56.

بن لجيم بن صعب، بطن من نذار (حدثنا وكيع، عن الحسن بن صالح) الهمداني، أخرج له مسلم (عن السدي) وهو إسماعيل بن عبد الرحمن الكوفي، أنه سئل (في ذي القربى) الذي يسهم لهم في الخمس (قال: هم بنو عبد المطلب) قال بعضهم: إنما خصهم للنصرة في القرابة، يعني: كما تقدم: "إنا لم نختلف في جاهلية ولا إسلام"، وقيل: لو كان ذلك بحسب النصرة فقط لكان بنو هاشم أولى الناس (¬1). [2982] (حدثنا أحمد بن صالح) أبو جعفر المصري شيخ البخاري (حدثنا عنبسة، حدثنا يونس، عن ابن شهاب، أخبرني يزيد بن هرمز) بضم الهاء والميم وهو منصرف وإن كان لفظه أعجميًّا لسدس (¬2)، وكان يزيد هذا غفاريًّا؛ لأنه مولى أبي ذياب وأبو ذياب من غفار، وكان رأس الموالي يوم الحرة، وهو والد عبد الله بن يزيد بن هرمز من معلم مالك بن أنس، ويزيد أخرج له مسلم هذا الحديث (¬3). (أن نجدة) بفتح النون، ابن عامر (الحروري) بفتح الحاء المهملة، نسبة إلى حروراء موضع أو قرية بظاهر الكوفة. قال السمعاني (¬4): على ميلين من الكوفة كان اجتماع أول الخوارج فيها، يعني: حين تعاقدوا على مذهبهم (حين حج) سنة اثنين وسبعين (في) السنة التي كان فيها (فتنة) عبد الله (ابن الزبير) بن العوام (¬5) حين ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" 6/ 246. (¬2) هكذا في الأصول. (¬3) انظر: "تهذيب الأسماء واللغات" 1/ 726. (¬4) "الأنساب" 2/ 207. (¬5) سقط من (ر).

افتتن فيها، أي: امتحن وابتلي بالحصار في الكعبة والقتال، وكان الحجاج وفد لحصاره من أول ليلة من ذي الحجة سنة اثنين وسبعين وحج بالناس الحجاج في ذلك العام ووقف بعرفة، ولم يطوفوا بالبيت في تلك الحجة فحاصره ستة أشهر وسبعة عشر يومًا إلى أن قتل نصف جمادى الآخرة (أرسل إلى) عبد الله (بن عباس يسأله عن سهم ذي القربى) أي: قربى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المذكور في الآية (ويقول) له فيما كتب إليه (لمن تراه) أي: لمن ترى الخمس مستحقًّا، ورواية مسلم: عن الخمس لمن هو، وفيها: أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله عن خمس خلال (¬1). قال ابن عباس: لولا أن أكتم علمًا ما كتبت إليه، كتب إليه نجدة: أما بعد فأخبرني هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغزو بالنساء؟ وهل كان يضرب لهن بسهم؟ وهل كان يقتل الصبيان؟ ومتى ينقضي يتم اليتيم؟ وعن الخمس لمن هو؟ . الحديث بطوله. قال النووي: قول ابن عباس: لولا أن أكتم علمًا ما كتبت إليه، معناه: أن ابن عباس كان كره نجدة لبدعته وهي كونه مع الخوارج الذين يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، ولكن لما سأله عن العلم لم يمكنه كتمه فاضطر إلى جوابه (¬2). (قال ابن عباس) هو (لقربى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسمه لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1812). (¬2) "شرح النووي على مسلم" 12/ 190 وتمام كلامه: أي لولا أني إذا تركت الكتابة أصير كاتما للعلم مستحقا لوعيد كاتمه لما كتبت إليه.

في حياته، ولفظ مسلم: وإنا كنا نرى أن قرابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هم، ولفظ النسائي: هو لنا أهل البيت (¬1). قال النووي: سأله عن خمس خمس الغنيمة الذي جعله الله لذي القربى (¬2). قال الشافعي مثل قول ابن عباس وهو أن خمس الخمس من الفيء والغنيمة يكون لذي القربى، وهم عند الشافعي والأكثرين بنو هاشم وبنو المطلب (¬3). قال القرطبي: الخمس المسؤول عنه هو خمس الخمس لا خمس الغنيمة، ولا يقول ابن عباس ولا غيره أن خمس الغنيمة يصرف في القرابة وإنما يصرف إليهم خمس الخمس على قول من يصرف خمس الغنيمة خمسة أخماس على مذهب الشافعي، وهو الذي أشار إليه ابن عباس وهو مذهب ابن حنبل (¬4). (وقد كان عمر) بن الخطاب (عرض علينا من ذلك) الخمس (عرضًا رأيناه دون حقنا فرددناه عليه وأبينا أن نقبله) منه. زاد النسائي (¬5): وكان الذي عرض الخمس أن يعين ناكحهم ويقضي عن غارمهم ويعطي فقيرهم، وأبى أن يزيدهم على ذلك. وفي رواية له (¬6): وقد كان عمر ¬

_ (¬1) "المجتبى" 7/ 147. (¬2) في شرح النووي هنا عبارة: وقد اختلف العلماء فيه فقال الشافعي مثل قول ابن عباس .. الخ. (¬3) "شرح مسلم" للنووي 12/ 191. (¬4) "المفهم" 12/ 14. (¬5) "سنن النسائي" 7/ 146 (4144). (¬6) "سنن النسائي" 7/ 147.

دعانا إلى أن ننكح منه أيمنا ويحذي منه عائلنا ونقضي منه عن غارمنا، فأبينا إلا أن يسلمه لنا وأبى ذلك فتركناه عليه، انتهى. يعني: أنه أبي أن يصرف ذلك جميعه إليهم، بل يصرف ما يحتاجون إليه والباقي يصرفه في المصالح للمسلمين. [2983] (حدثنا عباس) بالموحدة والسين المهملة (بن عبد العظيم) العنبري من حفاظ البصرة شيخ مسلم، وروى عنه البخاري تعليقًا (¬1) (حدثنا يحيى بن أبي بكير) العبدي قاضي كرمان (¬2) (حدثنا أبو جعفر) عيسى بن أبي عيسى ماهان (الرازي) أخرج له البخاري في كتاب "الأدب" (¬3) (عن مطرف، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: سمعت عليًّا -رضي الله عنه- يقول: ولاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمس الخمس) قال ابن تيمية (¬4) في "المنتقى": فيه دليل على أن (¬5) مصارف الخمس خمسة. خلافًا لأبي حنيفة ومن وافقه أن الخمس يثلث يعني: يعطى لثلاثة وهم: اليتامى، والمساكين، وابن السبيل (¬6). وخلافًا لمن قال: يقسم الخمس على ستة أسهم: سهم لله تعالى، وسهم لرسوله؛ لظاهر قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} فعد ستة، وجعل الله تعالى لنفسه ¬

_ (¬1) "التقريب" (3176)، "الكاشف" (2601). (¬2) "الكاشف" (6142). (¬3) "التقريب" (8019). (¬4) في (ل): التيمية. والمثبت من (ع). (¬5) سقط من الأصل والمثبت من "المنتقى"، مع "نيل الأوطار" 8/ 148. (¬6) انظر: "اللباب في شرح الكتاب" 1/ 401، و"الهداية شرح البداية" 2/ 148، وانظر: "المغني" 7/ 299.

سهمًا سادسًا وهو مردود على عباد الله أهل الحاجة (¬1) (فوضعته مواضعه) في (حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) في زمن (حياة أبي بكر و) في (حياة عمر) رضي الله عنهما (فأتي بمال) من خمس الخمس (فدعاني فقال: خذه) تصرف (فقلت) والله (لا أريده. قال: خذه فأنتم) أهل البيت (أحق به) من غيركم (قلت: قد استغنينا عنه) أي: عن أخذه بغيره فأخذه (فجعله في بيت المال) أي: في بيت مال المسلمين يصرف في مصالحهم على ما يراه الإمام. [2984] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا) عبد الله (ابن نمير) الهمداني (حدثنا هاشم بن البريد) بفتح الباء الموحدة وكسر الراء الكوفي ثقة، وهو والد علي البزار (¬2) (حدثنا حسين (¬3) بن ميمون) الخندفي بكسر الخاء المعجمة والدال، والفاء الكوفي، توفي سنة 118 (عن عبد الله بن عبد الله) الرازي، قاضي الري، وثقه ابن حنبل وغيره (¬4) (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: سمعت عليًّا) -رضي الله عنه- (يقول: اجتمعت أنا والعباس وفاطمة وزيد بن حارثة) بن شراحيل القضاعي حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومولاه (عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله، إن رأيت أن توليني حقنا من هذا الخمس) الذي لنا (في كتاب الله) تعالى (فأقسمه) بفتح الميم نصب عطفًا على توليني في أيام (حياتك) لـ (كي لا ينازعني أحد بعدك) في حقي ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" 7/ 299، "المفهم" 11/ 81. (¬2) انظر: "التقريب" (7252). (¬3) في (ر): الحسن. (¬4) "العلل ومعرفة الرجال" (653 و 1394)، "الجرح والتعديل" 5/ 92، "الكاشف" (2809).

منه (فافعل) ذلك (قال: ففعل ذلك) وأعطاني ولايته (فقسمته) في مصارفه (حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم ولانيه) بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- واستمر في ولايتي (حتى كانت آخر) بالرفع (سنة من سنين (¬1) عمر) هذِه لغة في سنين، وهي أن لا تسقط نونها للإضافة؛ لأنها حرف إعراب فهي كنون غسلين، ومنه قول الشاعر: [دعاني من نجد فإن سنينه ... لعبن بنا شيبا وشيبننا مردا] (¬2) والياء على هذِه اللغة لامة واللغة المشهورة أن تعرب إعراب جمع المذكر السالم، وبالوجهين جاء قوله عليه السلام: "اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف" (¬3) بحذف النون للإضافة كما يحذف في بني زيد، وبالوجهين ورد هنا من سني عمر (فإنه أتاه مال كثير) من الخمس (فعزل حقنا) منه (ثم أرسل إلى) فقال: خذ حقكم (فقلت) إن (بنا عنه) أي: عن هذا المال في هذا (العام غنى) عنه (و) إن (بالمسلمين إليه) في هذا العام (إليه حاجة) شديدة (فاردده عليهم فرده) عمر (عليهم) فيه: أن الأفضل لمن له حق تعين من حقوقه إذا رأى من هو محتاج إليه أن يتركه له (ثم لم يدعني) بسكون الدال (إليه) أي (¬4): لم يطلبني إلى أخذه (أحد بعد عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (فلقيت العباس بعدما ¬

_ (¬1) هكذا في الأصل وعليها شرح الشارح والذي في مطبوع "السنن" طبعة عوامة والمكنز: سني عمر. (¬2) سقط من (ر). (¬3) "صحيح البخاري" (804) وح (1006). (¬4) في (ر): ثم.

خرجت من عند عمر -رضي الله عنه- فقال: يا علي حرمتنا) في هذِه (الغداة) وفيما بعدها من الخمس (شيئًا لا يرد علينا) بعده (أبدًا وكان) العباس (رجلًا داهيًا) أي خبيرًا بدواهي الدهر ونوازله وهي الأمور العظيمة التي تنزل بالناس وتحدث لهم، وكانوا في الجاهلية يقدمونه في الأمور المعضلة ويشاورونه ويأخذون برأيه. [2985] (حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا عنبسة، حدثنا يونس، عن ابن شهاب) قال (أخبرني عبد الله بن الحارث بن نوفل) بن الحارث ابن عبد المطلب (الهاشمي) المدني، لقبه ببه (¬1)، حنَّكه النبي - صلى الله عليه وسلم - (أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب) الصحابي، توفي بدمشق، وكان ابن عم عبد الله الراوي عنه لأبيه (أخبره: أن أباه ربيعة ابن الحارث) بن عبد المطلب وكان أسن من عمه (¬2) العباس بسنتين، وهو الذي قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح: "وإن أول دم أضعه دم ربيعة بن الحارث" (وعباس بن عبد المطلب قالا لعبد المطلب بن ربيعة) بن الحارث (وللفضل بن عباس) ولفظ مسلم (¬3): اجتمع ربيعة ابن الحارث والعباس بن عبد المطلب فقالا: لو بعثنا هذين الغلامين ¬

_ (¬1) "تهذيب التهذيب" 5/ 157 وفي "الإكمال" لابن ماكولا 1/ 182: ببه بباء معجمة بواحدة مكررة الأولى منهما مفتوحة والثانية مشددة. وكذا هو في "الإصابة" ترجمة (1502). وأما معنى هذا اللقب فصوت لا عبرة به كان يصوت له به في طفوليته فلقب به. وكانت أمه تقول في ترقيصه ... لأُنْكِحَنَّ بَبَّهْ جاريةً خِدَبَّه ... انتهى من "الفائق" 1/ 71، 72 وقال ابن الأثير في "النهاية" 1/ 223: يقال للشابّ الممتلئ البدن نَعمةً: بَبَّة. وانظر: "المحكم" لابن سيدة 10/ 806. (¬2) من هنا سقط في (ر). (¬3) (1072).

- قالا لي وللفضل بن عباس - إلى رسول الله فكلماه، فأمرهما على هذِه الصدقات فأديا ما يؤدي الناس وأصابا ما يصيب الناس، قال: فبينما هما في ذلك جاء علي بن أبي طالب فوقف عليهما فذكرا له ذلك. (ائتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقولا له: يا رسول الله قد بلغنا من السن) أي: من العمر (ما ترى، وأحببنا أن نتزوج) لشدة غلبة الشباب (وأنت يا رسول الله أبر الناس) بالرفع أي أكثرهم برًّا (وأوصلهم) بالرحم (وليس) عندنا ولا (عند أبوينا ما يصدقان) بضم الياء وسكون الصاد، أي: يعطيان (عنا) من الصدقة (فاستعملنا يا رسول الله على الصدقات) أي: اجعلنا عاملين عليها، يعني: نسعى في جمعها (فلنؤد إليك ما يؤدي العمال) إليك على عادتهم (ولنصب) منها (ما كان فيها من مرفق) بكسر الميم وفتح الفاء، وهو ما يرتفق به وينتفع من مال وغيره، ويجوز فتح الميم وكسر الفاء كما في مرفق الإنسان، وقد قرئ في السبع باللغتين في قوله تعالى: {وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا} (¬1). (قال: فأتى علي بن أبي طالب ونحن على تلك الحال) زاد مسلم: فوقف عليهما فذكرا له ذلك، قال علي: لا تفعلا فوالله ما هو بفاعل (فقال لنا: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا نستعمل منكم (¬2) والله) فيه جواز الحلف على غلبة الظن (فقال له ربيعة) بن الحارث والله (هذا من أمرك) أي من قبل نفسك (قد نلت صهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي حصلت ¬

_ (¬1) قرأ نافع وابن عامر بالفتح، وقرأ الباقون بالكسر. انظر: "حجة القراءات" لابن زنجلة (ص 421). (¬2) ورد بعدها في الأصل: نسخة: لا يستعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

حرمة التزويج منه. قال في "النهاية": الصهر حرمة التزويج، والفرق بينه وبين النسب أن النسب ما رجع إلى ولادة قريبة من جهة الآباء، والصهر ما كان من خلطة تشبه القرابة يحدثها التزويج (¬1). (فلم نحسدك عليه) أي على ما نالك منه من الشرف وعظم الرتبة (فألقى علي) بن أبي طالب (رداءه) على الأرض (ثم اضطجع عليه) ليستريح (فقال: أنا أبو حسن) (¬2) قال ذلك لأجل الذي كان عنده من علم ذلك كان -رضي الله عنه- يقول هذِه الكلمة عند الأخذ في قضية تشكل على غيره وهو يعرفها، ولذلك جرى كلامه مجرى المثل حتى قالوا: قضية ولا أبا حسن، أي: هذه قضية مشكلة وليس هناك من يبينها كما كان يفعل أبو حسن الذي هو علي بن أبي طالب (¬3) (القرم) أكثر الروايات بالواو ولا معنى لها (¬4)، وإنما هو بالراء والرفع وتنوين حسن وهو السيد، هو الفحل من الإبل ويستعار للرجل الكبير المجرب للأمور، ورواية القاضي الشهيد (¬5) بالراء والرفع على النعت لأبي حسن. ¬

_ (¬1) "النهاية" 3/ 130. (¬2) ورد بعدها في الأصل: نسخة: الحسين. (¬3) هذا النقل من "المفهم" للقرطبي 9/ 97 وتمامه: وأتوا بـ (أبي حسن) بعد (لا) النافية للنكرة على إرادة التنكير. أي: ليس هناك واحد ممن يسمى أبا حسن، كما قالوا: أرى الحاجات عند أبي خُبَيب ... نُكِدْنَ ولا أمية في البلاد أي: ولا واحدٌ ممن يُسمى أمية. (¬4) بل ذكر لها القرطبي في "المفهم" معنى فقال في 9/ 97: وقد روي: بالواو مكان الراء بإضافة حسن إليه، وهي رواية ابن أبي جعفر، ووجهها: كأنه قال: أنا عالم القوم وذو رأيهم. (¬5) هكذا في (ل) وفي ع: الشهير. والصواب الشهيد، انظر: "إكمال المعلم" 3/ 330.

قال النووي: هذا أوضح الأوجه في ضبطه. والثاني حكاه القاضي: أبو حسن القوم بالواو وبإضافة الحسن إلى القوم (¬1) ومعناه: عالم القوم وذو رأيهم. والثالث: مروي عن أبي بحر: أبو حسن بالتنوين، والقوم بالرفع، أي: أنا من علمتم أيها القوم رأيه السديد، وهذا ضعيف؛ لأن حرف النداء لا يحذف في نداء القوم. (والله لا أريم) بفتح الهمزة وكسر الراء، أي: لا أزول ولا أبرح من مكاني هذا (حتى يرجع إليكما ابناكما) بألف التنوين المقصورة (¬2). قال القرطبي: وهو الصحيح، [قال ووقع لبعض الشيوخ: أبناؤكما بالمد جمع ابن وهو وهم فإنه] (¬3) قد نص على أنهما اثنان (¬4). قال النووي: وقد يصح على مذهب من جمع الاثنين (¬5) (بحور) (¬6) بكسر باء الجر وفتح حاء حور وسكون واوها (ما بعثتما به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -) أي: بجوابه يقال: كلمته فما رد حورًا ولا حويرا أي: جوابًا، وأصل الحور: الرجوع، ومنه قوله تعالى: {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14)}، وقيل: أراد بالحور الخيبة والإخفاق، أي: يرجع خائبًا مما يطلب (¬7). ¬

_ (¬1) إلى هنا انتهى السقط من (ر). (¬2) انظر: "شرح مسلم" للنووي 7/ 180. (¬3) سقط من (ر). (¬4) "المفهم" 9/ 97. (¬5) "شرح مسلم" للنووي 7/ 181. (¬6) ورد بعدها في الأصل: نسخة: بجواب. (¬7) راجع "شرح مسلم" للنووي 7/ 181.

(قال عبد المطلب) (¬1) بن ربيعة (فانطلقت أنا والفضل) بن عباس. لفظ النسائي: حتى أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2) (حتى نوافق) بضم النون، أي: أسرعنا في المشي حتى ندرك (صلاة الظهر) مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوافقنا (قد قامت) أي: أقيمت الصلاة (فصلينا) صلاة الظهر جماعة (مع الناس، ثم أسرعت أنا والفضل إلى باب حجرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) والحجرة للبيت، وأصله حظيرة الإبل؛ لأن لها حائط يحجر، أي: يمنع من الدخول، ولفظ مسلم: فلما - صلى الله عليه وسلم - سبقناه إلى الحجرة فقمنا عندها (وهو يومئذ عند زينب بنت جحش) أي: في بيتها ونوبتها (فقمنا) واقفين (بالباب حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ بأذني وأذن الفضل) فيه التأديب بإمساك الأذن وتركها (ثم قال) لنا: (أخرجا) بفتح الهمزة (ما تصرران) بضم التاء وفتح الصاد وكسر الراء الأولى. قال النووي: هكذا هو في معظم الأصول ببلادنا، ومعناه: أخرجا ما تجمعانه في صدوركما من الكلام، وكل شيء جمعته فقد صررته، قال: ووقع في بعض النسخ: - تسرران بالسين - من السر، أي: ما يقولانه لي سرًّا، وذكر القاضي عياض أربع لغات: هاتين الثنتين، والثالثة: تصدران بإسكان الصاد وبعدها دال مهملة، أي: ماذا ترفعان إلى. والرابعة: تصوران بفتح الصاد وبواو مكسورة مشددة، قال: وهكذا ضبطه الحميدي (¬3). ¬

_ (¬1) في (ر): عبد الملك. (¬2) "السنن الكبرى" (2391). (¬3) "شرح مسلم" 7/ 178.

قال صاحب "المطالع": والصواب تصرران بالصاد والراءين (¬1). (ثم دخل) إلى الحجرة، فيه أن الأدب في دخول الدار أن يدخل صاحب المنزل قبل المأذون له (فأذن لي وللفضل، فدخلنا) فيه استحباب الإذن في الدخول وإن كان قرابة أو صديقًا (فتواكلنا الكلام قليلًا) معناه: إن كلًّا منا قد وكل الكلام إلى صاحبه يريد أن يبتدئ الكلام صاحبه دونه. قال الزمخشري: التواكل أن يتكل كل واحد منهما على صاحبه في الكلام (¬2). قال القرطبي: كأنهما توقفا قليلًا إلى أن بدر أحدهما بالكلام فتكلم (¬3). (ثم كلمته أو كلمه الفضل قد شك في ذلك عبد الله) بن الحارث (¬4)، لفظ مسلم: ثم تكلم أحدنا من غير شك (فقال: كلمه) بسكون الميم على الأمر، أي: قل له (بالأمر (¬5) الذي أمرنا به أبوانا) بيَّن ذلك في رواية مسلم ولفظه: فقال: يا رسول الله أنت أبر الناس وأوصل الناس وقد بلغنا النكاح، فجئنا لتؤمِّرنا على بعض هذِه الصدقات فنؤدي إليك كما يؤدي الناس ونصيب كما يصيبون. قال (فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساعة ورفع بصره قبل) بكسر القاف وفتح ¬

_ (¬1) "مطالع الأنوار" 4/ 270. (¬2) "الفائق" 4/ 78. (¬3) "المفهم" 9/ 97. (¬4) في (ر) عبد الحارث والمثبت من (ل) و (ع). (¬5) من المطبوع.

الموحدة، أي: جهة، رواية: نحو (سقف البيت) يحتمل -والله أعلم- أنه رفع بصره نحو السقف وهو جهة السماء ليدعو لهما أن يغنيهما بفضله عمن سواه، فإن السماء قبلة الداعين كما أن الكعبة قبلة المصلين، وفيه إشارة إلى تنبيههما على (¬1) أن يسألا الله تعالى ويرغبا إليه في جميع أمورهما دون أحد من الآدميين لقوله عليه السلام: "إذا سألت فاسأل الله" (¬2) (حتى طال علينا) سكوته وحسبنا (أنه لا يرجع) أي: لا يرد (إلينا شيئًا) من ما سألناه، ولفظ مسلم: فسكت طويلًا حتى أردنا أن نكلمه ثانيًا (حتى رأينا زينب تلمع) قال النووي: هو بضم التاء وإسكان اللام وكسر الميم، قال: ويجوز فتح التاء والميم، يقال: ألمع ولمع إذا أشار بثوبه (¬3). ومنه حديث ابن مسعود: رأى رجلًا شاخصًا بصره إلى السماء فقال: ما تدري هذا لعل بصره سيلمع قبل أن يرجع إليه. ويقال: لمع الطائر بجناحيه إذ خفق بهما (من وراء الحجاب) وهو الستر الذي استترت به من أعين الداخلين إليه (بيدها) يدل على أن اليد ليس بعورة كما في الوجه (تريد) بإشارتها (أن لا تعجلا) أيها المتكلم (وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ينظر (في أمركما) (¬4) ولفظ مسلم: أن لا تكلماه. فيه أن الأولى في حق المرأة إذا احتجبت من أحد أن لا تتكلم في ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) أخرجه الترمذي (2516) وقال: هذا حديث حسن صحيح. (¬3) "شرح مسلم" للنووي 7/ 179، "المفهم" 9/ 97. (¬4) هكذا في الأصل (ع) وفي مطبوع "السنن": أمرنا.

حضرته، بل تشير بيدها أو تحرك شيئًا أو تضربه ليفهم منه ما تريد دون لفظها (ثم خفض) بمفتوحات ([رسول الله] (¬1) رأسه) الخفض ضد الرفع (فقال لنا) ووجه خفض رأسه عند كلامهما أنه - صلى الله عليه وسلم - كان لا يحب أن يواجه أحدًا بما يكرهه حياء منه، فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان أشد حياء من العذراء في خدرها (¬2). في الخطاب وغيره. (إن هذِه الصدقة) تشمل الواجب والتطوع (إنما هي أوساخ الناس) هذا تنبيه على العلة في التحريم الآتي في الصدقة على محمد وعلى آل محمد، وفيه تقديم العلة على معلولها، ومعنى أوساخ الناس: أنها تطهير لأموالهم مما يحدث فيها من الشبه، وتطهير لنفوسهم مما يحدث فيها من البخل والشح وغير ذلك، فهو كما قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} فهي كغسالة الأوساخ، وغسلين غسالة جروح أهل النار وفروجهم (وإنها لا تحل لمحمد) - صلى الله عليه وسلم - (ولا لآل محمد) لأن يد الآخذ سفلى، ويد المعطي عليا، ولا يد أعلى من يد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أيدي آله، فقد أكرمهم الله وأعلا مقدارهم عن أخذ أوساخ الناس وأغناهم بما أوجب لهم من سهم ذي القربى الواجب أيضًا لهم إليهم على كل من ولي شيئًا من أمور المسلمين إلى يوم القيامة، فلو منعوهم وجب سد خلالهم والقيام بحاجاتهم على أهل القدرة من المسلمين لا على وجه الصدقة بل على جهة القيام بالحقوق الواجبة في الأموال، ويكون حكمهم كحكم الحقوق المرتبة ¬

_ (¬1) من المطبوع. (¬2) هو حديث أخرجه البخاري (3562).

على بيت مال المسلمين. واختلفوا في آل محمد، والصحيح أنهم بنو هاشم وبنو المطلب (¬1). وقال مالك وأصحابه: هم بنو هاشم خاصة (¬2)، ومثله عند أبي حنيفة، واستثنى آل أبي لهب (¬3). (ادعوا لي نوفل بن الحارث) الهاشمي ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان [أسن بني هاشم الصحابة] (¬4) (فدعي له نوفل بن الحارث) بن عبد المطلب (فقال: يا نوفل، أنكح) بفتح الهمزة وكسر الكاف (عبد المطلب) بن ربيعة (فأنكحني نوفل) ابنته، ودفع النبي - صلى الله عليه وسلم - الصداق عني من سهمه من الخمس كما سيأتي أنه أمر بذلك محمية بن جزء (ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ادعوا إلى محمية) بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وكسر الميم وفتح المثناة تحت (بن جزء) بفتح الجيم وسكون الزاي بعدها همزة على وزن كلب، هكذا نقله أهل الحفظ والإتقان (¬5). وقال الدارقطني: بكسر الجيم يقوله أصحاب الحديث (¬6) (وهو رجل) عم عبد الله بن الحارث بن جزء من مهاجرة الحبشة وهو حليف بني جمح وهو (من بني زبيد) بضم الزاي وفتح الموحدة مصغر، وزبيد ¬

_ (¬1) "الأم" 3/ 202. (¬2) انظر: "بداية المجتهد" 2/ 153. (¬3) انظر: "المبسوط" 10/ 9، "تبيين الحقائق" 1/ 303. (¬4) هكذا في الأصل ومعناها كما في "الإصابة" 6/ 479: كان أسن من أسلم من بني هاشم حتى من عميه حمزة والعباس. وانظر: "الطبقات الكبرى" 4/ 46. (¬5) انظر: "الإصابة" 6/ 44، "تهذيب الأسماء" 1/ 612. (¬6) "المؤتلف والمختلف" 1/ 491.

قبيلة من مذْحج (¬1)، واسم زبيد منبه بن صعب بن سعد العشيرة بن مالك ابن أدد، وإنما قيل له زبيد؛ لأنه قال: من يزيدنى رفده فأجابه أعمامه كلهم بنو زبيد الأكبر فقيل لهم جميعًا: زبيد وإليهم ينسب عمرو بن معدي كرب الزبيدي (¬2) (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمله على الأخماس) يجمعها ويتصرف فيها، وأما ما ورد في "صحيح مسلم" أن محمية من بني أسد، فقال القاضي عياض: كذا وقع، قال: والمحفوظ أنه من بني زبيد (¬3). وذكره ابن الكلبي والسمعاني (¬4) أنه زبيدي كما تقدم. (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمحمية) بن جزء (أنكح) بفتح الهمزة (الفضل) ابن عباس أي: زوجه (فأنكحه) أي: زوجه امرأة، وولدت له بنتًا تزوجها الحسن بن علي ثم فارقها فتزوجها أبو موسى الأشعري (¬5). (ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) لمحمية (قم فأصدق) بفتح الهمزة وسكون الصاد وكسر الدال (عنهما) أي عن عبد المطلب والفضل (من الخمس [كذا وكذا]) (¬6) قال المنذري: أي: من حصته - صلى الله عليه وسلم - من الخمس الذي هو سهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان يأخذ لطعامه ونفقة أهله منه قدر الكفاية ويرد الباقي منه على يتامى بني هاشم وأيامهم ويضعه حيث أراه الله تعالى ¬

_ (¬1) "وفيات الأعيان" 4/ 374، "عمدة القاري" 3/ 60. (¬2) "مغاني الأخيار" باب الزاي المعجمة الزبيدي. (¬3) "مشارق الأنوار" 1/ 63. (¬4) "الأنساب" 3/ 136. (¬5) انظر: "جمهرة أنساب العرب" لابن حزم 2/ 412. و"نسب قريش" لمصعب الزبيري (ص 26). (¬6) من المطبوع.

من وجوه المصلحة. وقد يحتمل إنما أمره أن يسوق المهر عنهما من سهم ذي القربى، وهو من جملة الخمس (¬1). وذكر هذين الاحتمالين النووي (¬2). وفي الحديث دليل على أن الصدقة لا تحل لهم بوجه من الوجوه وإن كانوا عاملين عليها كما لا يحل لهم إذا كانوا محتاجين إليها إكرامًا لهم عنها؛ إذ هي أوساخ الناس كما تقدم (¬3). [2986] (حدثنا أحمد بن [صالح، حدثنا] (¬4) عنبسة بن خالد، حدثنا يونس، عن ابن شهاب قال: أخبرني علي بن حسين) بن علي (أن) أباه (حسين بن علي أخبره، أن علي بن أبي طالب قال: كانت لي شارف) وهي المسنة من النوق والجمع شرف مثل نازل ونزل (¬5)، والمعروف في ذلك أنه من النوق خاصة دون الذكور (¬6)، وعن الأصمعي أن الشارف للذكر والأنثى (¬7) (من نصيبي من المغنم) الحاصل من جهاد الكفار (يوم) وقعة (بدر، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) قد (أعطاني شارفًا) أخرى، كذا في الصحيحين (من الخمس يومئذٍ) قال التيمي: فيه دليل على أن الغانم قد يعطى من الغنيمة بوجهين من الخمس ومن الأربعة ¬

_ (¬1) "مختصر السنن" وبهامشه "معالم السنن" 4/ 223. ولعله من كلام الخطابي. (¬2) "شرح النووي على مسلم" 7/ 180. (¬3) انتهى السقط الحاصل في (ر). (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، والمثبت من "سنن أبي داود". (¬5) "النهاية" 2/ 1142. (¬6) "غريب الحديث" لابن قتيبة 1/ 486. (¬7) "فتح الباري" 6/ 199 وقال البدر العيني في "عمدة القاري" 17/ 388: وعن الأصمعي أنه يقال للذكر شارف وللأنثى شارفة.

الأخماس (¬1). (فلما أردت أن أبتني (¬2) بفاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: أردت أن أدخل بزوجتي فاطمة -رضي الله عنها-، والأصل أن الرجل كان إذا تزوج امرأة بنى عليها قبة ليدخل بها فيها فيقال: بنى الرجل على أهله. قال الجوهري: ولا يقال: بنى بأهله (¬3). وهذا الذي قاله فيه نظر لهذا الحديث الثابت في الصحيحين، ثم عاد الجوهري فاستعمله في كتابه (¬4) (واعدت رجلًا صواغًا (¬5) أي: صائغًا، وهو الذي يصوغ الذهب والفضة (¬6)، وصواغ من أبنية المبالغة مثل أكال وشراب (¬7) (من بني قينقاع) مثلث النون والضم أشهر، وهم طائفة من يهود المدينة، قال النووي: يجوز صرفه على إرادة الحي، وترك صرفه على إرادة القبيلة والطائفة (¬8) (أن يرتحل معي) إلى ظاهر المدينة (فنأتي) بالنصب (بإذخر) بكسر الهمزة وإسكان الذال المعجمة وكسر الخاء المعجمة وهي حشيشة طيبة الرائحة تسقف بها البيوت فوق الخشب (¬9)، ويستعمله الصياغ وغيرهم من الكفار المعاهدين في إيقاد اليابس منه، ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" 6/ 201. (¬2) ورد بعدها في الأصل: نسخة: أن أبني. (¬3) "الصحاح" 6/ 136. (¬4) انظر: "الصحاح" 3/ 86. (¬5) بفتح الصاد المهملة والتشديد. وانظر: "فتح الباري" 6/ 199. (¬6) "النهاية" لابن الأثير 3/ 124. (¬7) انظر: "المفهم" 16/ 143. (¬8) "شرح مسلم" للنووي 13/ 143. (¬9) "النهاية" 1/ 65.

وفيه جواز الاستعانة في الاحتشاش وغيره من الأعمال والاكتساب باليهود وغيرهم من الكفار المعاهدين وأهل الذمة، وجواز مرافقتهم في السفر والأكل معهم، وفيه جواز الاحتشاش والاحتطاب للتكسب به، وفيه جواز [بيع الوقود] (¬1) للصواغين ومعاملتهم (أردت أن أبيعه من الصواغين) فيه أن بيع الحشيش والحطب ونحوهما جائز، وأنه لا ينقص المروءة، وفيه اقتناء الدواب ليحمل عليها ما يأتي به للبيع، رواية: (فأستعين) فيستعين بالنصب (به في وليمة عرسي) وفيه اتخاذ سنه الوليمة للعرس سواء في ذلك من له مال كثير ومن دونه، وأن ليس من عنده مال يحترف في تحصيلها بالاحتطاب والاحتشاش والصناعة التي يحسنها (فبينا [أنا أجمع] (¬2) لشارفي) بتشديد الياء آخره تثنية شارف (متاعًا من الأقتاب) جمع قتب وهو أداة الرحل الذي يوضع على ظهر البعير، والقتب للجمل كالإكاف لغيره، ومنه حديث عائشة: "لا تمنع المرأة زوجها وإن كانت على ظهر قتب" (¬3) (والغرائر) جمع غرارة بكسر العين وهي شبه العدل (¬4) (والحبال) الذي يشد بها ¬

_ (¬1) في (ر): الموقود. (¬2) في (ر): لأجمع. (¬3) أخرجه أحمد (19422)، والطيالسي (1193 و 2036)، وعبد بن حميد (813). قال في "الصحاح" 1/ 218: هو رحل صغير على قدر السنام. وقال أبو عُبيد: كُنَّا نَرى أنْ المعنى أن يكون ذلك وهي تسير على ظَهْر البَعير فجاء التفسير في بعض الحديث: إن المرأة كانت إذا حَضَر نِفَاسُها أُجْلِسَتْ على قَتَبٍ ليكونَ أسْلَس لولادتها. انتهى من "الفائق" 3/ 158. (¬4) انظر: "المصباح المنير" 2/ 445. والعدل هنا نصف الحمل على أحد شقي الدابة. والغرارة ما يوضع فوق العدلين. انظر: "عمدة القاري" 8/ 100.

(وشارفاي مناخان) رواية: مناختان (¬1) بضم الميم وتخفيف النون وتاء التأنيث (إلى جنب حجرة) أي بيت (رجل من الأنصار) فيه جواز إناخة الناقة على باب غيره، وإن توقع منها البول (¬2) وغيره إذا لم يتضرر به أساس الدار ونحوه (¬3) (وأقبلت حين جمعت ما جمعت) من الأمتعة المذكورة (فإذا) أنا (بشارفي (¬4) قد اجتبت) بضم الهمزة وكسر الجيم وتشديد الموحدة، والصحيح: اجتبيت (¬5) بزيادة التحتانية وسكون الجيم، أي: قطعت (أسنمتهما) بالرفع نائب عن الفاعل، وهو جمع سنام، والسنام للبعير كالألية للغنم (وبقرت) بضم الباء وكسر القاف، أي: شقت (خواصرهما) جمع خاصرة (وأخذ من أكبادهما) قطعًا (فلم أملك عيني حين رأيت ذلك) فيه أن البكاء الذي يجلبه الحزن وشدة الغيظ غير مذموم وسبب هذا الحزن خوفه من تقصيره في حق فاطمة وجهازها، ولم يكن من حيث هما متاع الدنيا (¬6) (المنظر) بفتح الميم والظاء (فقلت: من فعل هذا؟ فقالوا: فعله حمزة بن عبد المطلب) فيه أن إخبار المظلوم بمن ظلمه ليس من الغيبة (وهو في هذا البيت في ¬

_ (¬1) في (ح) و (س). عوامة. قال النووي 13/ 146: وهما صحيحان فأنث باعتبار المعنى وذكر باعتبار اللفظ. (¬2) في (ر): القول. (¬3) "فتح الباري" 6/ 201. (¬4) ورد بعدها في الأصل: نسخة: شارفاي: بحذف باء الجر. (¬5) هكذا في الأصل والصواب اجتبت. من غير ياء والمقصود بالتحتانية الموحدة. والله أعلم وراجع الفقرة السابقة. (¬6) انظر: "فتح الباري" (6/ 200 و 201).

شرب) بفتح الشين وإسكان الراء وهم الجماعة الشاربون واحدهم شارب كتاجر وتجر (من الأنصار) فيه جواز الاجتماع على شرب المباح، وأن المأكول والمشروب إذا قدم إلى الجماعة جاز أن يتناول كل واحد منهم بقدر الحاجة من غير تقدير (¬1) (¬2) (غنته قينة) بفتح القاف، هي الجارية المغنية (و) غنت (أصحابه) بنصب الباء، وفيه دليل على جواز الغناء بالمباح من القول وإنشاد الشعر، وإباحة استماعه من الأَمَة. (فقالت في غنائها) بكسر الغين والمد وهو رفع الصوت بالشعر وما قال به من الزجر (ألا) بالتخفيف (يا حمز) مرخم أصله يا حمزة، ويجوز فتح الزاي على الأصل وضمها على النداء (للشرف) قال القرطبي: الرواية المشهورة في هذا اللفظ: للشرف باللام وضم الشين، والراء جمع شارف شرف واللام متعلقة بفعل محذوف دل عليه الحال، أي: انهض للشرف أو قم لها، فلذلك قام حمزة فنحرها وجوفها وإن كانتا شارفتين دليل (¬3) على إطلاق الجمع على الاثنين، ويروى بفتح الشين والراء، أي: ذو الشرف والرفعة (النواء) بكسر النون وتخفيف الواو والمد، جمع ناوية وهي السمينة يقال: نوت الناقة سمنت فهي ناوية والجمع نواء على غير قياس، ووقع عند الأصيلي والقابسي بفتح النون والقصر (¬4) وهو البعد، وفيها بعد، ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" 6/ 201. (¬2) زاد هنا في (ر): قال القرطبي. (¬3) في (ر): قليل. (¬4) سقط من (ر).

والصواب رواية الجماعة. وبقية البيت: وهن معقلات بالفناء وبعده: ضع السكين في اللبات منها ... وضرجهن حمزة بالدماء وعجل من أطايبها لشرب ... قديدًا من طبيخ أو شواء (¬1) (فوثب) حمزة حين سمع قولها (إلى السيف فاجتب) ولمسلم: فجب (¬2)، وللبخاري: فأجب (¬3)، وهذه غريبة في اللغة (¬4) (أسنمتهما وبقر) أي: شق، ومنه سميت البقرة؛ لأنها تشق الأرض بالحراثة (خواصرهما) قال القرطبي: شق عنها الجلد (¬5) وأخرج الذي فيها، قال: وإنما فعل ذلك بعد أن نحرها على عاداتهم، وعلى هذا يدل الشعر المذكور. قال: ويحتمل أن يكون فعل ذلك بها من غير نحر استعجالًا لإجابة الإغراء الذي أغرته به (¬6) المغنية، لاسيما وقد كانت الخمر أخذت منه (¬7). ¬

_ (¬1) "شرح مسلم" للنووي 13/ 144. (¬2) "صحيح البخاري" (1979). (¬3) "صحيح مسلم" (2375). (¬4) "شرح مسلم" للنووي 13/ 144. (¬5) سقط من (ر). (¬6) في (ر): بعد. (¬7) "المفهم" 5/ 247.

قال النووي: وهذا الفعل الذي (¬1) جرى من حمزة من شربه وقطع أسنمة الناقتين وبقر خواصرهما وأكل لحمهما لا إثم عليه في شيء من ذلك، أما أصل الشرب والسكر فكان مباحًا؛ لأنه قبل تحريم الخمر، وأما من يقوله من بعض من لا تحصيل له أن السكر لم يزل محرمًا فباطل لا أصل له وأما ما في الأمور فجرت منه في حال عدم التكليف فلا إثم فيها كمن شرب دواءً لحاجة فزال به عقله، أو شرب شيئًا يظنه خلًّا فكان خمرًا، أو أكره على شرب الخمر فشربها وسكر فهو في حال السكر غير مكلف ولا إثم عليه فيما يقع منه في ذلك الحال بلا خلاف، وأما غرامة ما أتلفه فتجب في ماله فلعل عليًّا أبرأه من ذلك بعد معرفته بقيمة ما أتلفه، أو أنه أداه إليه حمزة بعد ذلك، أو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أداه عنه (¬2) لحرمته عنده وكمال حقه عليه ومحبته إياه. وقد أجمع العلماء على أن ما أتلفه السكران من الأموال يلزمه ضمانه كالمجنون، فإن الضمان لا يشترط فيه التكليف، ولهذا أوجب الله تعالى في قتل الخطأ الدية والكفارة، وأما هذا السنام المقطوع فإن لم يكن تقدم نحرهما فهو حرام بإجماع المسلمين؛ لأن ما أبين من حي فهو ميت، ويحتمل أنه ذكاهما، ويدل عليه الشعر وإن كان ذكاهما فلحمها حلال باتفاق العلماء إلا ما حكي عن عكرمة وإسحاق وداود: لا يحل ما ذبحه سارق أو غاصب أو متعد، والصواب الذي عليه الجمهور حله وإن لم يكن ذكاهما وثبت أنه أكل منهما فهو أكل في حالة السكر ¬

_ (¬1) سقطت من الأصل وأثبتها من "شرح مسلم" للنووي 13/ 144 لحاجة السياق إليها. (¬2) في (ر): ثمنه.

المباح ولا إثم فيه (¬1). (وأخذ من أكبادهما) والأخذ لا يلزم منه أن يكون أكل. (قال علي) بن أبي طالب لا علي بن حسين، وذكره ابن شهاب تعليقًا (فانطلقت حتى أدخل) (¬2) بالرفع؛ لأن حتى لا تعمل هنا؛ لأن بعدها جملة، والتقدير: فانطلقت فدخلت، أي هذا الدخول حالي؛ لأن الانطلاق إنما كان لدخوله، ومنه قراءة نافع: {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} (¬3) بالرفع، أي: زلزلوا فقال الرسول، والرسول هنا شعيب في قول مقاتل (على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده زيد بن حارثة) حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (قال: فعرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي لقيت) من رؤية وجهي وحالي، أو علمه بوحي. (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما لك؟ ) فيه السؤال عن أمر من يراه متغير الحال (قال: فقلت: يا رسول الله، ما رأيت كاليوم) قط. قال القرطبي: هذا كلام كثر عندهم حتى صار كالمثل، والكاف فيه نعت ليوم محذوف، تقديره: ما رأيت [يومًا مثل اليوم. يهوله لما لقي فيه. ويحتمل أن يكون نعتًا لمصدر محذوف، تقديره: ما رأيت] (¬4) كربًا مثل ¬

_ (¬1) "شرح مسلم" 13/ 144، 145. (¬2) قال ابن حجر في "الفتح" 6/ 204: قوله "فانطلقت حتى أدخل" كذا فيه بصيغة المضارعة في موضع الماضي في الموضعين وهي مبالغة لإرادة استحضار صورة الحال ويجوز ضم أدخل على أن حتى عاطفة أي انطلقت فدخلت والفتح على أن حتى بمعنى إلى أن. (¬3) البقرة: 214. وانظر: "السبعة في القراءات" (ص 181). (¬4) سقط من (ر).

كرب اليوم، أو: ما رأيت منظرًا مثل منظر اليوم. قال: وعلى هذا ففيه حجة على إباحة أكل ما ذبحه غير المالك تعديًّا، كالغاصب والسارق؛ لأن الزكاة وقعت من المتعدي على شروطها الخاصة بها، وقيمة الذبيحة قد تعلقت [بذمة المتعدي] (¬1) (عدا) بالعين المهملة، أي: اعتدى عمك، وغدا - بالغين المعجمة - من الغدو (حمزة) بن عبد المطلب (على ناقتي) بفتح التاء والياء المشددة (فاجتب) أي قطع (أسنمتهما، وبقر خواصرهما، وها هو ذا في بيت معه شرب) بفتح الشين كما تقدم، وفيه أن ما ذكر على قصد [التظلم والاستغاثة بمن يعينه على من استعدى على ماله إذ لا يمكنه الخلاص] (¬2) إلا بذكر ما فعل به وبماله؛ لقوله عليه السلام: "لصاحب الحق مقال" (¬3). قال [الكرماني: وفي الحديث دلالة على جواز النحر بالسيف وفي حالة بروك المنحور والتخيير] (¬4) فيما نأكله كاختيار الكبد دون بقية المنحور، قال: وذلك ليس بإسراف، وأكل الكبد وإن كان دمًا، وأن من دل إنسانًا على مال قريبه ليس بظالم. قال: (فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بردائه فارتدى به) ولمسلم: فارتداه، وفيه جواز لباس الرداء، وترجم له البخاري بابًا (¬5). ¬

_ (¬1) في الأصل بقيمة الذبيحة. والمثبت من "المفهم" للقرطبي 16/ 144. (¬2) سقط من (ر) وكتب مكانه كلمة الخاص. (¬3) البخاري (2306). (¬4) سقط من (ر). (¬5) لعله يقصد به ما ذكره البخاري في كتاب اللباس، وهو باب: الأردية. 7/ 139.

وفيه أن الكبير إذا خرج من منزله تجمل بثيابه ولا يقتصر على ما يكون عليه في بيته وخلواته، وهذا من المروءات والآداب المحبوبة وليس هو من التصنع للمخلوقين. (ثم انطلق يمشي واتبعته) بفتح الهمزة وبسكون التاء، ويجوز وصل الهمزة وتشديد التاء (أنا) يعني: علي بن أبي طالب (وزيد بن حارثة) فيه أن الكبير إذا مشى يمشي خلفه أتباعه وتلاميذه ولا يمشون أمامه. وفيه أن الأتباع والتلاميذ إذا كانوا عند الإمام وذهب في أمر مهم من نصرة مظلوم أو إغاثة لهفان ونحوه أن يذهبوا معه، [ليكونوا عونا له على ما يريده ولا يتخلفوا عنه وإن لم يأمرهم بالذهاب معه] (¬1) (حتى جاء البيت الذي فيه) عمه (حمزة، فاستأذن) في الدخول (فأذن له) وفيه سنة الاستئذان في الدخول وان كان المستأذن له قريبًا أو صديقًا (فإذا هم شرب) بفتح الشين وسكون الراء، يعني: فوجدهم جماعة يشربون (فطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلوم حمزة فيما فعل) فيه أن السكران يلام إن كان يعقل، وإن كان لا يعقل فلا يلام، كما أن السكران لا يحد في حال السكر؛ لأن الحد للردع والتنكيل، وهو (¬2) لا يحصل مع السكر، كذا قال أصحابنا. وقد يؤخذ من هذا الحديث أن السكران يلام كما في البخاري: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى بسكران فأمر بضربه (¬3). إلا أن يحمل الحديث على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعلم بأن حمزة ثمل، ولا بأنه باق على سكره (فإذا حمزة ثمل) ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) في (ر): أن. (¬3) "صحيح البخاري" (6781)

بفتح المثلثة وكسر الميم، أي: سكران أخذ منه الشراب (محمرة عيناه) وهي دلالة على غلبة السكر على عقله. وهذا الحديث يدل على أن شرب الخمر كان إذ ذاك مباحًا معمولًا عندهم بحيث لا ينكر ولا يغير وأنه - صلى الله عليه وسلم -[أقرّ عليهم] (¬1)، وعليه يدل قوله تعالى {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}، وقوله تعالى: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} (فنظر حمزة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم صعد) بتشديد العين (النظر) إليه أي: نظر إليه يتأمل وحده نظر (فنظر إلى ركبته (¬2) ثم صعد النظر) إليه (فنظر إلى سرته) ظاهرا (¬3) في أنه - صلى الله عليه وسلم - كانت سرته مكشوفة. وفيه دلالة على أن السرة ليست من عورة الرجل (¬4)، وبه قال الأئمة الأربعة، ولم يخالف أبو حنيفة الثلاثة إلا في الركبة إلا في قوله: الركبة من العورة؛ لحديث: "الركبة من العورة" (¬5). ويرده رواية أحمد والبخاري عن أبي الدرداء قال: كنت جالسًا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أبو بكر آخذ بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبتيه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أما صاحبكم فقد غامر" (¬6). ومما يدل على أن السرة ليست بعورة رواية أحمد (¬7) عن عمير بن ¬

_ (¬1) من "المفهم" لإتمام الكلام. انظر "المفهم" 5/ 249. (¬2) ورد بعدها في الأصل: نسخة: ركبتيه بالتثنية. (¬3) سقط من (ر). (¬4) "المغني" 1/ 651 وانظر: "الأوسط" لابن المنذر 5/ 67، "شرح النووي على مسلم" 4/ 31، "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 2/ 32. (¬5) أخرجه الدارقطني 1/ 231 من طريق أبي الجنوب ... ثم قال: أبو الجنوب ضعيف. (¬6) أخرجه البخاري (3661). (¬7) "المسند" 2/ 255.

إسحاق (¬1) قال: كنت مع عليّ فلقينا أبو هريرة، فقال: أرني أقبل منك حيث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبل فقال بقميصه فقبل سرته. (ثم صعد النظر فنظر إلى وجهه، ثم قال حمزة -رضي الله عنه-: وهل أنتم إلا عبيد لأبي) وللبخاري: لآبائي. فيه جواز إطلاق الكلام على التشبيه كما قال: هل أنتم إلا عبيد أبي؛ أي: كالعبيد، فحذف منه حرف التشبيه، وفيه إشارة إلى شرف أبيه عبد المطلب، وأن عبد الله وأبا طالب كانا كأنهما عبدان لعبد المطلب في الخضوع لحرمته وجواز تصرفه في مالهما، وأن الكلام يختلف باختلاف المتكلمين فيصدر الكلمة التي يخاطب بها في الاستحقاق على سبيل الإدلال. (فعرف) بفتح الراء (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه) قد (ثمل) بكسر الميم، فيه أنه لما لامه لم يكن يعرف أنه أخذ منه السكر، [ثم عرف] (¬2) فلما عرف لم يلمه بعد ذلك ولا أنكر عليه ولا عنفه. قال القرطبي: لا في حال سكره ولا بعد ذلك، فكان ذلك على إباحة ما يسكر عندهم؛ قال: وهذا خلاف ما قاله الأصوليون وحكوه: أن السكر حرام في كل شريعة قطعًا؛ لأن الشرائع لمصالح العباد لا لمفاسدهم، وأصل المصالح العقل كما أن أصل المفاسد ذهابه، فيجب المنع من كل ما يذهبه أو يشوش فيه، وما ذكروه واضح، ويمكن أن ينفصل عن حديث حمزة بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك الإنكار عليه في حال سكره لكونه لا يعقل وعلى إثر ذلك نزل تحريم الخمر، وأن ¬

_ (¬1) قال ابن حجر: مقبول. "التقريب" (5179). (¬2) سقط من (ر).

حمزة لم يقصد بشربه السكر ولكنه شرع فيه فغلبه (¬1). (فنكص) بتخفيف الكاف (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عقبيه) رواية الصحيحين: فرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. تقهقر، أي: تأخر إلى جهة عقبيه (القهقرى) مقصور، وهو الرجوع إلى وراء ووجهه إليك. وظاهر هذا أنه - صلى الله عليه وسلم - رجع إلى خلفه ووجهه إلى حمزة مخافة أن يصدر من حمزة شيئًا يكرهه، أو رجع عنه لكونه مغلوبًا على عقله من السكر. وفيه أن من كان عند من يخشى أن تصدر منه في حقه ما يكرهه فليخرج من عنده مسرعًا ولا يلبث عنده ما أمكنه، كما إذا كان عند مجنون أو ظالم لا يستطيع منعه مما يصدر في حقه (فخرج وخرجنا معه) من عنده (¬2). [2987] (حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا عبد الله بن وهب، حدثني عياش) بالمثناة والشين المعجمة (بن عقبة الحضرمي) ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3) (عن الفضل بن الحسن الضمري) بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم، نسبة إلى ضمرة رهط عمرو بن أمية الضمري صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبني ضمرة رهط أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- (¬4) (أن أم الحكم) ويقال: [أم حكيم] صفية، ويقال: عاتكة (أو ضباعة ابنتي الزبير بن عبد المطلب) بن هاشم القرشيتان ابنتي عم النبي - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) "المفهم" 5/ 249. (¬2) انظر في فوائد هذا الحديث: "فتح الباري" 6/ 200، 201 وقد ذكر هذِه الفوائد ثم قال: وفي كثير من هذِه الانتزاعات نظر ا. هـ. وانظر: "عمدة القاري" 19/ 79. (¬3) 5/ 272. (¬4) "الأنساب " 4/ 25، "اللباب" 2/ 264.

قال محمد بن سعد (¬1): هي أم الحكم. وقال محمد بن خياط (¬2): حدثني غير واحد من بني هاشم أنهم لا يعرفون للزبير ابنة غير ضباعة، وقال: ضباعة هي أم حكيم. وقال الحافظ أبو القاسم: هذا وهم؛ فقد ذكر الزبير بن بكار أن للزبير ابنتين: ضباعة وأم حكيم، وذكر أن أم حكيم كانت تحت ربيعة ابن الحارث بن عبد المطلب وولده منها، وأن ضباعة كانت تحت المقداد (¬3)، وقتل ابنها عبد الله يوم الجمل مع عائشة (¬4). (حدثه عن إحداهما أنها قالت: أصاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبيًا فذهبت أنا وأختي) ضباعة أو أم الحكم (وفاطمة بنت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فشكونا إليه ما نحن ¬

_ (¬1) هذا منقول عن "تهذيب الكمال" 35/ 347، وقال ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 8/ 46 تحت عنوان ذكر بنات عمومة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أربع بنات للزبير: وهن ضباعة وأم الحكم وصفية وأم الزبير. وقال ابن حجر في "الإصابة" 8/ 194: أم حكيم بنت الزبير بن عبد المطلب بن هاشم قيل اسمها صفية ويقال: هي أم الحكم التي تقدمت قريبا وقيل ضباعة التي تقدمت في الأسماء. قال خليفة: حدثني غير واحد من بني هاشم أنهم لا يعرفون للزبير بن عبد المطلب بنتا غير ضباعة. ثم قال في آخر الترجمة: وأخرج إسحاق بن راهويه في "مسنده" هذا الحديث من رواية داود بن أبي هند أن أم حكيم بنت الزبير وهي ضباعة، كانت تصنع للنبي - صلى الله عليه وسلم - الطعام الحديث في أكله من كتف الشاة وصلى ولم يتوضأ فهذا يوضح بأن أم حكيم كنية ضباعة والله أعلم. وانظر: "تاريخ دمشق" 8/ 240، "الاستيعاب" 4/ 1933، "البدر المنير" 6/ 416. (¬2) في "طبقاته" ص (331). وتمام كلامه: وقال أبو عبيدة: ضباعة وأم حكيم ابنتا الزبير ابن عبد المطلب. (¬3) "تاريخ دمشق" 28/ 138. وانظر "جمهرة نسب قريش" للزبير بن بكار (ص 510). (¬4) انظر: "أسد الغابة" لابن الأثير 7/ 168.

فيه) من العمل بالرحى في الطحن وبالقربة والكنس وغير ذلك (وسألناه أن يأمر لنا بشيء من السبي) الذي أصابه (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: سبقكن) بأخذ ذلك (يتامى) شهداء أهل (بدر) ولم يواجهن أو إحداهن بالمنع لحسن أدبه - صلى الله عليه وسلم - وتلطفه في الكلام، لا سيما مع ابنته وبنتي عمه. وفيه الاعتذار لمن طلب منه شيئًا ولم يعطه. و(لكن سأدلكن على ما هو خير لكن من ذلك) بكسر الكاف، ولا شك أن ما ينفع في الآخرة خير مما ينفع في الدنيا (تكبرن الله على إثر) بكسر الهمزة وسكون المثلثة وبفتحهما لغتان مشهورتان كسنة وسنة ومثل ومثل (ممل صلاة) مطلق الصلاة هنا مقيد بما في مسلم: دبر كل صلاة مكتوبة (ثلاثًا [وثلاثين تكبيرة) وثلاثًا منصوب بمحذوف، تقديره: تكبرن حتى يكون القول منهن ثلاثًا وثلاثين (وثلاثًا وثلاثين تسبيحة وثلاثا وثلاثين تحميده) ظاهره كما قال النووي: يكبر ثلاثا وثلاثين] (¬1) مستقلة، وتسبيح ثلاثًا وثلاثين مستقلة، وكذلك التحميد (¬2). وفي هذا الحديث وما في معناه دلالة على أن أدبار الصلوات أوقات فاضلة للأذكار والدعاء يرتجى فيها القبول ويبلغ بها المصلي إذا قالها إلى كل ما يؤول ولا يضر قائلهن بأيهن بدأ، وليس الترتيب المذكور بشرط في الثواب والعمل على الترتيب الذي في الحديث بعده. (ولا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) فبها تمام المائة [وسيأتي في الرواية بعدها أن تمام المائة ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) انظر: "شرح مسلم" للنووي (5/ 93 و 94).

التكبير] (¬1) أربعًا وثلاثين كما سيأتي. (قال عياش) بن عقبة الحضرمي أحد الرواة (و) أم الحكم وضباعة (هما ابنتا (¬2) عم النبي - صلى الله عليه وسلم -) كما تقدم. [2988] (حدثنا يحيى بن خلف) أبو سلمة الباهلي، أخرج له مسلم (¬3) (حدثنا عبد الأعلى) (¬4) في النذور والطب، وعن المعتمر في الأيمان (عن سعيد) بن إياس (الجريري) بضم الجيم وفتح الراء الأولى نسبة إلى جرير بن عباد أخي الحارث بن عباد بن بكر بن وائل (¬5) (عن أبي الورد) بن ثمامة بن حرب القشيري البصري، شيخ، أخرج له البخاري في "الأدب"، قال الدارقطني: لم يحدث عنه غير الجريري (¬6) (عن) علي (بن أعبد) (¬7) بفتح الهمزة والباء الموحدة [وبضم الموحدة] (¬8) أيضًا (¬9)، قال المنذري (¬10): وابن أعبد وإن كان كما قال علي بن المديني ليس بمعروف، فقد أخرج البخاري (¬11) ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) في (ع) بنت. وفي (ر) هما بنت ابنا. والمثبت من مطبوع "السنن". (¬3) "التقريب" (7539). (¬4) بياض في الأصل. (¬5) "الأنساب" 2/ 53. (¬6) "تهذيب الكمال" 34/ 389، "الكاشف" (6887). (¬7) علي بن أعبد أبو الحسن وقد لا يسمى في الإسناد مجهول. "التقريب" (9689). وانظر: "تهذيب الكمال" 20/ 321. (¬8) سقط من (ر). (¬9) "جامع الأصول" 12/ 195، "عون المعبود" 8/ 150. (¬10) "مختصر المنذري" 4/ 228. (¬11) (3113).

ومسلم (¬1) والنسائي (¬2) من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الحديث بنحوه، وسيجيء في كتاب الأدب إن شاء الله مزيد (¬3). (قال: قال لي علي) بن أبي طالب (-رضي الله عنه-: ألا أحدثك عني وعن) زوجتي (فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت من أحب أهله إليه، قلت: بلى) يا أمير المؤمنين (قال: إنها جرّت) بتشديد الراء (بالرحى) مقصور وهي الطاحون الصغيرة (حتى أثّر) بتشديد المثلثة عصا الرحا (في يدها، واستقت بالقربة حتى أثرت) حمائل القربة (في نحرها) أي رقبتها (وكنست البيت حتى اغبرت ثيابها) فيه دليل على خدمة المرأة زوجها. قال القرطبي: وقد جرى عرف المسلمين في بلدانهم في قديم الأمر وحديثه بذلك، ألا ترى أن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وبناته كانوا يتكلفون الطحن بالرحى والسقي بالقربة وكنس البيت [والطبيخ والخبيز] (¬4) وفرش الفراش، وتقديم الطعام وإحضار الماء للشرب، ولا نعلم امرأة امتنعت من ذلك. قال القرطبي: ولا يسوغ لها الامتناع، بل كانوا يضربون نساءهم إذا قصرن في ذلك ويأخذونهن بالخدمة، ولولا أنها مستحقة لما طالبوهن ¬

_ (¬1) (2727). من حديث ابن أبي ليلى عن علي -رضي الله عنه-. (¬2) "السنن الكبرى" 6/ 203 (10650). من طريق ابن أبي ليلى عن علي -رضي الله عنه- وهو فيها أيضا من طريق عبيدة عن علي -رضي الله عنه-. 5/ 373 (9172). وبرقم (10652) عن شبث بن ربعي عن علي -رضي الله عنه-. (¬3) انظر: "الضعفاء والمتروكين" لابن الجوزي (4013). (¬4) في (ع) والخبز والطبيخ. وسقط الطبيخ من (ر).

بذلك (¬1). وقد بوب البخاري (¬2) على هذا الحديث: باب عمل المرأة في بيت زوجها. (فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم -) بالنصب (خدم) وللبخاري (¬3): سبي، وفي رواية (¬4): فبلغها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى بسبي وبوب عليه: باب الدليل على أن الخمس لنوائب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمساكين (¬5). (فقلت) لها: (لو أتيت أباك فسألتيه) (¬6) أن يعطيك (خادمًا، فأتته فوجدت عنده حُدَّاثًا) بضم الحاء المهملة وتشديد الدال وبعد الألف ثاء مثلثة، قال في "النهاية": أي جماعة يتحدثون، قال: وهو جمع على غير قياس حملًا على نظيره نحو: سمار جمع سامر؛ فإن السمار جماعة يتحدثون (¬7). (فرجعت) إلى بيتها (فأتاها) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (من الغد فقال: ما كان حاجتك؟ ) ولفظ مسلم (¬8): فلما جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرته عائشة بمجيء فاطمة إليها، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - إلينا (¬9) وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا ¬

_ (¬1) "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي سورة البقرة آية (230). (¬2) "صحيح البخاري" 7/ 65. (¬3) (3705). (¬4) "صحيح البخاري" (3113). (¬5) 4/ 83. (¬6) في (ع): (فسألتيا) وعلى حاشية (ل): (فسألتيه لنا). والمثبت من (ر) ومن مطبوع "السنن" (2981). (¬7) "النهاية" 1/ 907. (¬8) (2727). (¬9) في (ر): إليها.

نقوم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مكانكما"، فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري، ثم قال (فسكتت) فاطمة حياء من والدها - صلى الله عليه وسلم - (فقلت: أنا أحدثك يا رسول الله) بحاجتها أنها (جرت بالرحى) مقصور كما تقدم (حتى أثرت في يدها، وحملت) تستقي (بالقربة [حتى أثرت) يعني الحبل] (¬1) (في نحرها، فلما أن جاءك الخدم) من السبي (أمرتها أن تأتيك فتستخدمَك) بنصب الميم أي: تطلب منك أن تعطيها (خادمًا يقيها) أي يصونها عن الخدمة ويستر عنها (حر ما هي فيه) من العمل وفي رواية لغيره (¬2): يقيها حار (¬3) ما هي فيه. يعني من التعب والمشقة من خدمة البيت؛ لأن الحرارة مقرونة بهما كما أن البرد مقرون بالراحة والسكون، والحار الشاق المتعب، ومنه حديث عيينة بن حصن لما أمره بجلد الوليد بن عقبة: ولِّ حارها من تولى قارها (¬4). وفيه أن المرأة عليها خدمة بيتها إن لم تكن خادمًا، وإن كانت شريفة أو دنية، حكاه ابن خويز منداد عن بعض المالكية، وهو خلاف مذهب الشافعي، وحملوا هذا الحديث على أن فاطمة تبرعت بذلك، ولا خلاف في استحباب ذلك وفضيلته لمن تبرع به؛ لأنه معونة للزوج (¬5). وفيه ما كان عليه ذلك الصدر الصالح من شظف العيش وشدة ¬

_ (¬1) في (ع): حتى أثر يعني: الحبل أثرت. (¬2) لم أقف عليه مسندا وقد ذكره ابن الأثير في "النهاية" 1/ 931 وابن الجوزي في "غريب الحديث" 1/ 201، والزمخشري 1/ 276. (¬3) في (ر): حر. والمثبت من (ع) و (ل)، "النهاية". (¬4) "النهاية" لابن الأثير 1/ 931. (¬5) انظر: "فتح الباري" 9/ 324، "المفهم" 18/ 19، "الذخيرة" 4/ 467.

الحال، وأن الله تعالى حماهم عن الدنيا مع أنها ملكهم، وهذِه سنة الله في الأنبياء والأولياء كما قال: "أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأولياء" (¬1). (قال: اتقي الله) تعالى (يا فاطمة) أي: دومي على ملازمة التقوى (وأدي فريضة ربك) يدخل فيه الصلاة والصوم والواجبات والغسل من الجنابة والوضوء وغير ذلك من الواجبات -يعني: حق الزوج-، وهذا من عطف الخاص على العام؛ لأن أداء الفرائض (¬2) من جملة عموم التقوى الجامعة للأوامر والنواهي (واعملي عمل أهلك) الأهل: أهل البيت، ولعل المراد هنا بأهل البيت الزوج، والأصل فيه القرابة، وقد أطلق على الأتباع. وفي حديث أم سلمة: "ليس بك على أهلك هوان" (¬3). أراد بالأهل نفسه - صلى الله عليه وسلم -، ويحتمل أن المراد: واعملي مثل عمل أهلك، يعني: أقاربك، أي: اسلكي طريقهم. ¬

_ (¬1) لم أجده بهذا اللفظ. وقد أخرجه الترمذي (2398) وقال حسن صحيح، وابن ماجه (4023) والنسائي في "الكبرى" (7439) والحاكم 1/ 41 وقال: صحيح على شرط الشيخين. ولكن بدون ذكر الأولياء، وقد أورده السبكي في أحاديث "الإحياء" التي ليس لها أصل ص 6/ 357، ثم قال: المعروف في لفظه: "أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل". وقال العراقي في "تخريج الإحياء" 4/ 28: أخرجه الترمذي وصححه والنسائي في "الكبرى" وابن ماجه من حديث سعد ابن أبي وقاص وقال: قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ فذكره دون ذكر الأولياء. وللطبراني من حديث فاطمة: "أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون" الحديث. (¬2) في (ر): الفرض. (¬3) أخرجه مسلم (1460).

وفيه توصية الوالد ابنته المزوجة على أداء فرائض الله تعالى ولا يمنعها الاشتغال بحقوق الزوج عن حق الله تعالى؛ فإن حق الله تعالى مقدم على حق (¬1) زوجها وحقوق الآدميين. (فإذا أخذت مضجعك) أي أردت النوم في مضجعك، والمضجع بفتح الميم جمعه مضاجع، قال الله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} (فسبحي) الله تعالى (ثلاثًا وثلاثين [واحمدي) الله تعالى (ثلاثا وثلاثين] (¬2) وكبري) الله تعالى (أربعا (¬3) وثلاثين فتلكِ) بكسر الكاف تمام (مائة هي خير لك من خادم) (¬4) قال البخاري في "صحيحه": آثر النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل الصفة والأرامل ووكل ابنته فاطمة إلى الله تعالى (¬5). وقال الطبري: لو كان في الخمس قسمًا مفروضًا لذوي القربى لأخدم ابنته [فاطمة رضي الله تعالى عنها] (¬6)، ثم لم تدع هي فيه رضي الله عنها حقًّا لقرابة حين وكلها إلى التسبيح (¬7) ولو كان حقًّا لبينه (¬8) ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) سقط من (ر). (¬3) في (ر) ثلاثا. وفي الأصل، (ع): ثلاثا وعلى الهامش: في (ظ): أربعا. وفي مطبوع "السنن": أربعا. (¬4) في (ر) مائة. (¬5) 4/ 83 وهذا معنى كلامه. (¬6) سقط من (ع) و (ل) المثبت من (ر). (¬7) في (ر): الشيخ. (¬8) في (ر): لنبيه.

تعالى كما في الفرائض (¬1). قال المهلب: الأثرة بينة في هذا الحديث، وذلك أن ابنة النبي - صلى الله عليه وسلم - لما استخدمته خادمًا فعلمها من تحميده وتسبيحه وتكبيره ما هو أنفع لها وأدوم للنفع، وآثر بذلك الفقراء الذين كانوا في المسجد قد أوقفوا أنفسهم لسماع العلم وضبط السنن مع شبع (¬2) بطونهم لا يرغبون في كسب مال ولا راحة عيال فكأنهم استأجروا أنفسهم من الله بالقوت، فكان إيثار النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم وحرمان ابنته دليلًا واضحًا على أن الخمس موقوف للآكد فالآكد، وليس على (¬3) من ذكر الله تعالى بالسوية (¬4) كما زعم الشافعي، انتهى (¬5). ورواية مسلم في قوله لها: "ما ألفيتيه عندنا" (¬6). أي: ما وجدتيه عندنا يدل على أنه لم يؤثر أحدًا عليها بعد طلبها إلا أنها لما طلبت لم يكن بقي عنده منه شيئًا، وهذا لا يلزم منه الإيثار كما تقدم. (قالت) فاطمة -رضي الله عنها-: (رضيت عن الله تعالى وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم -) وهذا يدل على كمال عقلها وتعاظم فضلها؛ إذ رضيت عن الله تعالى وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم - حيث علمت أن ما عند الله خير وأبقى؛ فإن ¬

_ (¬1) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 5/ 271. (¬2) في (ر): تشبع. (¬3) سقط من الأصول وأثبتها من "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 5/ 272؛ لحاجة السياق إليها. (¬4) في (ر): ما سوته. (¬5) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 5/ 272. (¬6) (2728).

التسبيحات والتحميدات والتكبيرات من الباقيات الصالحات، والخادم من المال، والمال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير، وبهذا يظهر السر في تعليمه التسبيحات والتحميدات والتكبيرات حين سألت الخادم دون غيرها، والله أعلم. [2989] (حدثنا أحمد بن محمد) بن ثابت بن شبويه (المروزي) (¬1) بفتح الميم والواو وهو من كبار الأئمة (¬2). (حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن الزهري عن علي بن حسين) بن علي -رضي الله عنه- (بهذِه القصة، وقال: ولم يخدمها) بضم أوله، يقال: أخدمه إذا أعطاه خادمًا. [2990] (حدثنا محمد بن عيسى) بن نجيح بن الطباع البغدادي، أخرج له البخاري تعليقًا (¬3) (حدثنا عنبسة بن عبد الواحد) أبو خالد الأموي (القرشي) ثقة (¬4). (قال أبو جعفر يعني) محمد (بن عيسى) شيخ المصنف (كنا نقول إنه من الأبدال قبل أن نسمع أن الأبدال) تكون (من الموالي (¬5) قال: حدثني الدخيل) بضم الدال وفتح الخاء المعجمة مصغر (¬6) (بن إياس بن نوح ابن مجاعة) بضم الميم وتشديد الجيم المفتوحة، وخففها بعضهم، ¬

_ (¬1) "الأنساب" 5/ 265. (¬2) "الكاشف" (76). (¬3) "الكاشف" (5104). (¬4) " التقريب" (5207). (¬5) "تهذيب الكمال" 22/ 421. (¬6) "التقريب" (1822).

وبعد الألف عين مهملة وتاء تأنيث، اليمامي (¬1)، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2). (عن هلال بن سراج) بكسر السين المهملة وبعد الألف جيم (¬3) (بن مجاعة) اليمامي وثق (¬4). (عن أبيه) سراج وثق) (¬5) (عن جده مجاعة) بضم الميم كما تقدم ابن مرارة (¬6) بن سلمى - بضم السين - الحنفي اليمامي، له ولأبيه وفادة، وليس له غير هذا الحديث، قيل: إن مجاعة هذا لم يرو عنه غير ابنه سراج بن مجاعة (¬7). (أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يطلب دية أخيه قتلته بنو سدوس) بفتح السين وضم الدال المهملتين، وسدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب ابن علي بن بكر بن وائل. وسدوس بالفتح أيضا: سدوس بن دارم في بني تميم (¬8). قال ابن حبيب: كل سدوس في العرب فهو مفتوح السين إلا سدوس ابن أصمع (¬9) (من بني ذهل) بضم الذال المعجمة وهو ذهل بن ثعلبة. ¬

_ (¬1) "التقريب" (6477) "الخلاصة" 1/ 395. (¬2) "الثقات" 6/ 294. (¬3) "التقريب" (7339). (¬4) "الكاشف" (5999). (¬5) "الكاشف" (1805). (¬6) بفتحات. "الخلاصة" 1/ 395. (¬7) "أسد الغابة" 5/ 53، "الإصابة" 6/ 353. (¬8) "الأنساب" 3/ 235. (¬9) "المؤتلف والمختلف" للدارقطني 2/ 52، "توضيح المشتبه" 5/ 69، "الأنساب"=

(فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لو كنت جاعلًا لمشرك) ذكر المعنى [المشتق في] (¬1) المنع دليل على أن الإشراك بالله تعالى هو العلة في منع إعطائه الدية عن أخيه، كما أن المعنى المشتق في قوله عليه السلام: "ليس للقاتل ميراث" (¬2). هو العلة في منع الإرث، والمراد بالمشرك هنا الحربي إذا استمر على المقاتلة قبل أن يستأسر، وكذا إذا قدر على قتله دون إمساكه للأسر فلا دية في قتله ولا كفارة (دية جعلت لأخيك) دية كأمثاله، وهذا من حسن مخاطبته وملاطفته - صلى الله عليه وسلم - إذ لم يصرح له بأن المشرك الحربي لا دية له، بل علق له الإعطاء بالممتنع وقوعه، والمعلق على المعدوم معدوم، وهذا منه - صلى الله عليه وسلم - فيه نوع تألف ولهذا وعده بإعطاء ما سيأتي (ولكن سأعطيك منه) أي: بما طلبت من الدية (عقبى) بضم العين وسكون القاف مع القصر، أي: عوضًا. وفي "النهاية": أي: بدلًا عن الإبقاء (¬3) والإطلاق (¬4)، ثم بين العوض (فكتب له النبي - صلى الله عليه وسلم -) أن يعطي (بمائة من الإبل) بدلًا من (¬5) قبله (من أول خمس) بضم الخاء وفتحها (يخرج) أي يحصل (من) مال (مشركي بني ذهل) بضم الذال وسكون الهاء، كما تقدم. ¬

_ =3/ 238. وهذِه الكلمة نقلت في "عون المعبود" 8/ 152: إلا سدوس ابن أصبغ. (¬1) في (ل) و (ر): المستوفي. (¬2) رواه الترمذي (1032)، وابن ماجه (2750) و (2751)، وابن حبان (1223) من حديث أبي هريرة ولفظه: "ليس للقاتل من الميراث شيء". (¬3) في (ر): الإيفاء. (¬4) "النهاية" 3/ 526. (¬5) زاد هنا في (ر) ما.

قال الخطابي: يشبه أن يكون أعطاه ذلك تألفا له أو لمن وراءه من قومه (¬1). وفيه دليل على أن للإمام أن يعطي المؤلفة قلوبهم من الخمس من سهم المصالح إذا رأى ذلك، كما له أن يصرف في الثغور وعمارة الحصون، ويدل على هذا ذكر المصنف هذا الحديث في باب بيان مواضع قسم الخمس، وإنما خص (¬2) النبي - صلى الله عليه وسلم - إعطاء هذِه المؤلفة من بني ذهل؛ لأن قاتل أخيه منهم فكان مالهم أولى بالإعطاء (فأخذ) مجاعة (طائفة منها) يعني: من المائة الإبل التي كتب له بها النبي - صلى الله عليه وسلم - (وأسلمت بنو ذهل) بن ثعلبة بن سعد بن ذبيان سقط الخمس المأخوذ من أموالهم. (فطلبها) يحتمل أنه طلب ما بقي من المائة (بعد) بضم الدال بحذف المضاف إليه، وتقديره: بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - (مجاعة) بالرفع؛ لأنه الفاعل، فإنه عاش بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن صالح خالد بن الوليد يوم اليمامة وله مع خالد أخبار في الردة (إلى أبي بكر) الصديق (وأتاه بكتاب النبي - صلى الله عليه وسلم -) شاهدًا له لما أعطاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فكتب أبو بكر) -رضي الله عنه- حين قرأ الكتاب كما سيأتي. وفيه حجة لما ذهب إليه مالك من الاعتماد على الخط والعمل به إذا عرف كاتبه أو شهد عنده من يعرفه مشيرًا إليه (¬3). ¬

_ (¬1) "معالم السنن" 3/ 263. (¬2) في (ر): حض. (¬3) انظر: "البيان والتحصيل" 9/ 459.

ووجه الدليل أنه لم يطلب من مجاعة من يشهد له أن هذا كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلافًا للشافعي وغيره. وقد يجاب عن هذا الحديث بأنه محمول على أن أبا بكر كان عنده من علم القضية وأخبره بها (¬1). (باثني) بجزم الياء المخففة بياء التثنية (عشر) بفتح الشين والراء (ألف) بالنصب على التمييز (صاع من صدقة اليمامة) أي من زكاة قرية اليمامة وهي باليمن. قال الأزهري: هي القرية التي قصبتها حجر، يقال: إن اسمها فيما خلا جو [بفتح الجيم وتشديد الواو] (¬2) فسميت يمامة باسم المرأة التي سكنتها وهي زرقاء اليمامة، سماها بذلك الحميري حتى قتل المرأة بها قال الملك الحميري: وقلنا: فسموها اليمامة باسمها وسرنا وقلنا لا نريد إقامة (¬3). (أربعة) بالنصب بدل (آلاف) بالتنوين، أي: أربعة آلاف صاع (برًّا) أي من البر وهو القمح (وأربعة آلاف) بالتنوين (شعيرًا، وأربعة آلاف) صاع (تمرًا، وكان في كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم -) وفي إضافة الكتاب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن لم يكن كتبه دليل على أن من أمر بشيء أو كان (¬4) السبب في فعله أنه يطلق فعله عليه مجازًا (لمجاعة) بن مرارة (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ ¬

_ (¬1) راجع "الذخيرة" 10/ 160، "أسنى المطالب" 3/ 119. (¬2) "تهذيب اللغة" 15/ 460. (¬3) انظر: "معجم ما استعجم" 1/ 407. (¬4) في (ع) و (ر): كتاب.

الرَّحِيمِ) هذا موافق لحديث أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه باسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع" (¬1)، فقد اجتمع في الابتداء بالبسملة أمره - صلى الله عليه وسلم - وفعله، وهذا الحديث في رواية "ببسم الله" يعضد هذِه الرواية على رواية: "بالحمد لله" (¬2). (هذا كتاب) فيه أن السنة في كتب المبايعات والأوقاف ونحوها أن يؤتى بعد البسملة باسم الإشارة فيقال بعد البسملة: هذا كتاب وقف أو كتاب صداق أو نحو ذلك (من محمد النبي - صلى الله عليه وسلم - لمجاعة بن مرارة) بضم الميم (من بني سلمى) بضم السين سلمى كما تقدم (إني أعطيته) أي وعدته بعطية (مائة من الإبل من أول خمس يخرج من مشركي بني ذهل) تقدم (عقبة) بضم العين أي: بدلًا (من) دية (أخيه). * * * ¬

_ (¬1) "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (1210)، "أدب الإملاء" للسمعاني ص 51، "طبقات الشافعية الكبرى" 1/ 6. (¬2) "صحيح ابن حبان" (1) و (2) والدارقطني في "السنن" كتاب الصلاة (1) و (2).

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

شَرْحُ سُنَنِ أَبِي دَاوُد لِابْنِ رَسْلَان [13]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ جميعُ الحقوقِ مَحْفوظَة لِدَارِ الفَلَاحِ وَلَا يجوز نشر هَذَا الْكتاب بِأَيّ صِيغَة أَو تَصْوِيره PDF إِلَّا بِإِذن خطي من صَاحب الدَّار الْأُسْتَاذ/ خَالِد الرَّباط الطَّبْعَةُ الأُولَى 1437 هـ - 2016 م رَقم الْإِيدَاع بدَارِ الكتُب 17164/ 2015 دَارُ الفَلَاحِ لِلبحثِ العِلمي وتَحْقِيق التُّرَاثِ 18 شَارِع أحمس - حَيّ الجامعة - الفيوم ت: 01000059200 [email protected] تطلب منشوراتنا من: • دَار الْعلم - بلبيس - الشرقية - مصر • دَار الأفهام - الرياض • دَار كنوز إشبيليا - الرياض • مكتبة وتسجيلات ابْن الْقيم الإسلامية - أَبُو ظَبْي • دَار ابْن حزم - بيروت • دَار المحسن - الجزائر • دَار الْإِرْشَاد - استانبول • دَارُ الفَلَاحِ - الفيوم

21 - باب ما جاء في سهم الصفي

21 - باب ما جاء في سَهم الصَّفيّ 2991 - حدثنا مُحَمَّد بْن كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عامِرٍ الشَّعْبيِّ قال: كانَ لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - سَهم يُدْعَى الصَّفيَّ إِنْ شاءَ عَبْدًا وَإنْ شاءَ أَمَةً وِإنْ شاءَ فَرَسًا يَخْتارُهُ قَبْلَ الُخمُسِ (¬1). 2992 - حدثنا مُحَمَّد بْنُ بَشّارٍ، حدثنا أَبُو عاصِمٍ وَأَزْهَرُ قالا: حدثنا ابن عَوْنِ قالَ: سَألتُ محَمَّدا، عَنْ سَهْمِ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - والصَّفيِّ قال: كانَ يُضْربُ لَهُ بِسَهْم مَعَ المسلِمِينَ وِإنْ لَم يَشْهَدْ، والصَّفيُّ يُؤْخَذ لَهُ رَأْس مِنَ الُخمُسِ قَبْلَ كُلِّ شَيء (¬2). 2993 - حدثنا مَحْمُودُ بْن خالِدِ السُّلَميُّ، حدثنا عُمَرُ -يَعْني: ابن عَبْدِ الواحِدِ- عَنْ سَعِيدٍ -يَعْني: ابن بَشِيرٍ - عَنْ قَتادَةَ قال: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا غَزا كانَ لَهُ سَهْم صافٍ يَأْخُذُهُ مِنْ حَيْثُ شاءَهُ، فَكانَتْ صَفِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ السَّهْم، وَكانَ إِذا لَمْ يَغْزُ بِنَفْسِهِ ضُرِبَ لَه بِسَهْمِهِ وَلَمْ يُخَيَّر (¬3). 2994 - حدثنا نَصْرُ بْنُ عَليٍّ، حدثنا أَبُو أَحْمَدَ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُروَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: كانَتْ صَفِيَّةُ مِنَ الصَّفيِّ (¬4). 2995 - حدثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حدثنا يَعْقُوبُ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزّهْريِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبي عَمْرٍو، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قال: قَدِمْنا خَيْبَرَ، فَلَمّا فَتَحَ الله تَعالَى الِحصْنَ ¬

_ (¬1) رواه الطحاوي في"شرح معاني الآثار" 3/ 302، والبيهقي 6/ 304، وابن عبد البر في "التمهيد" 20/ 44. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2645). (¬2) رواه البيهقي 6/ 304، وابن عبد البر في "التمهيد" 20/ 44. وصححه الألباني في"صحيح أبي داود" (2646). (¬3) رواه البيهقي 6/ 304. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2647). (¬4) رواه الطبراني 24 (175)، والحاكم 2/ 128، 3/ 39، والبيهقي 6/ 304. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2647).

ذُكِرَ لَهُ جَمال صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَي وَقَدْ قُتِلَ زَوْجُها وَكانَتْ عَرُوسًا فاصْطَفاها رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِنَفْسِهِ فَخَرَجَ بِها حَتَّى بَلَغْنا سُدَّ الصَّهْباءِ حَلَّتْ فَبَنَى بِها (¬1). 2996 - حدثنا مُسَدّد، حدثنا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالك قال: صارَتْ صَفِيَّةُ لِدِحْيَةَ الكَلْبيِّ ثمَّ صارَتْ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). 2997 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَّادٍ الباهِليُّ، حدثنا بَهْزُ بنُ أَسَدٍ، حدثنا حَمّاد، أَخْبَرَنا ثابِت، عَنْ أَنَسٍ قال: وَقَعَ في سَهْمِ دِحْيَةَ جارِيَة جَمِيلَة، فاشْتَراها رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ ثمَّ دَفَعَها إِلَي أُمِّ سُلَيْم تَصْنَعُها وَتُهَيِّئُها، قالَ حَمّاد: وَأَحْسِبُهُ قالَ: وَتَعْتَدُّ في بَيْتِها صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَي (¬3). 3998 - حدثنا داوُدُ بْن مُعاذٍ، حدثنا عَبْدُ الوارِثِ ح وَحَدَّثَنا يَعقُوبُ بْن إِبْراهِيمَ -المَعْنى- قالَ: حدثنا ابن عُلَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنسٍ قال: جُمعَ السَّبْي -يَعْني: بِخَيْبَرَ- فَجاءَ دِحْيَةُ فَقال: يا رَسُولَ اللهِ أَعطِني جارِيَةً مِنَ السَّبْي. قالَ: "اذْهَبْ فَخُذْ جارِيَةً" .. فَأَخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَي فَجاءَ رَجُل إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: يا نَبيَّ اللهِ أعَطيتَ دِحْيَةَ، قالَ يَعْقُوب: صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَي سَيِّدَةَ قُرَيْظَةَ والنَّضِيرِ -ثُمَّ اتَّفَقا- ما تَصْلُحُ إِلا لكُ. قالَ: "ادْعُوهُ بِها" .. فَلَمّا نَظَرَ إِلَيْها النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قالَ لَهُ: "خُذْ جارِيَةً مِنَ السَّبْي غَيْرَها" .. وَإِنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أعْتَقَها وَتَزَوَّجَها (¬4). 3999 - حدثنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حدثنا قُرَّةُ، قالَ: سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ قالَ: كُنّا بِالِمربَدِ فَجاءَ رَجُل أَشْعَثُ الرَّأْسِ بِيَدِهِ قِطْعَةُ الأَدِيمِ أَحْمَرَ فَقُلْنا: كَأَنَّكَ مِنْ أَهْلِ البادِيَةِ. فَقال: أَجَلْ. قُلْنا: ناوِلْنا هذِه القِطْعَةَ الأَدِيمَ التي في يَدِكَ، فَناوَلَناها فَقَرَأْناها فَإِذا فِيها: "مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ إِلى بَني زُهَيْرِ بْنِ أُقَيْشٍ: إِنَّكُمْ إِنْ شَهِدْتُمْ أَنْ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2235، 2893). (¬2) رواه البخاري (947، 2228، 4200)، ومسلم بعد حديث (1427). (¬3) رواه مسلم بعد حديث (1427). (¬4) رواه البخاري (371)، ومسلم بعد حديث (1427).

لا إله إلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ وَأَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتيْتُمُ الزَّكاةَ وَأَدَّيْتُمُ الخُمُسَ مِنَ المَغْنَمِ وَسهْمَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَسهْمَ الصَّفيِّ، أَنْتُمْ آمِنُونَ بِأَمان اللهِ وَرَسُولهِ" .. فَقلْنا: مَنْ كَتَبَ لَكَ هذا الكِتابَ؟ قالَ: رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). * * * باب ما جاء في سهم الصفي [2991] (حدثنا محمد بن كثير) العبدي شيخ البخاري (أنبأنا سفيان) ابن سعيد الثوري (عن مطرف) بن طريف (عن عامر) بن شراحيل (الشعبي) الكوفي التابعي، ولد لست سنين خلت من خلافة عمر بن الخطاب (¬2). (قال: كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - سهم) من الغنيمة (يدعى الصفي) بفتح الصاد وكسر الفاء وتشديد الياء جمعه صفايا، وهو ما كان يأخذه رئيس الجيش ويختاره قبل القسمة دون أصحابه مثل الفرس وما لا يستقيم قسمته على الجيش لقلته وكثرة الجيش (¬3). قال المنذري: حديث مرسل (¬4). وهذِه الزيادة لبعض العلماء (إن شاء) كان (عبدًا، وإن شاء) كان (أمةً، وإن شاء) كان (فرسًا) ونحو ذلك مما يصطفيه لنفسه (يختاره قبل) أن يقسم الغنيمة وبقدر (الخمس) عن الأربعة أخماس. ¬

_ (¬1) رواه النسائي 7/ 134. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2653). (¬2) "تاريخ بغداد" 12/ 227. (¬3) "التمهيد" لابن عبد البر 20/ 43، "النهاية" لابن الأثير 3/ 73، "شرح السنة" 11/ 137. (¬4) "مختصر سنن أبي داود" 4/ 229، وانظر: "عون المعبود" 8/ 153.

[2992] (حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو عاصم) الضحاك النبيل، (وأزهر) بن القاسم الراسبي، أخرج له النسائي (¬1). وسكت عليه المنذري، (قالا: حدثنا) عبد الله (بن عون قال: سألت محمدًا) ابن سيرين التابعي (عن سهم النبي - صلى الله عليه وسلم - والصفي) أي: وسألته عن الصفي الذي كان يختاره لنفسه (قال: كان يضرب) بضم أوله وفتح الراء (له بسهم مع المسلمين) من الغنيمة (وإن لم يشهد) - رواية: يشهدوا ذلك-، وهذا السهم كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - من الغنيمة حضر أو لم يحضر، كما أن سهام بقية أصحاب الخمس لهم حضروا أو لم يحضروا، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع به ما شاء، فلما توفي وليه أبو بكر ولم يسقط بموته، وزعم قومٌ (¬2) أنه يسقط بموته (¬3) ويرد على أنصباء الباقين من أهل الخمس؛ لأنهم شركاؤه. (والصفي) كان (يؤخذ له رأس) عبد أو أمة أو فرس أو بعير ونحو ذلك (من الخمس) الحاصل من الغنيمة يأخذه (قبل كل شيء) هذا قول جمهور أهل العلم، وقد أنكر قوم كون الصفي للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ¬

_ (¬1) "التقريب" (311)، "الكاشف" (258). (¬2) في (ع): قوله. (¬3) في (ع)، و (ر): لموته. وهذا الذي نسبه الشارح إلى زعم البعض نسبه ابن قدامة في "المغني" 7/ 303 إلى أكثر أهل العلم، وقال: ولا نعلم مخالفا لهذا إلا أبا ثور. وحكاه ابن عبد البر في "الاستذكار" 5/ 83: إجماعا باستثناء أبي ثور. وقال البيهقي في "الصغرى" 3/ 161: وقد سقط سهمه وسهم الصفي بوفاته، وقال الشافعي في "الأم" 4/ 147: الأمر الذي لا يختلف فيه أحد من أهل العلم عندنا ولم يزل يحفظ من قولهم: أنه ليس لأحد ما كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - صفي الغنيمة. وانظر: "شرح معاني الآثار" 3/ 235، "الحاوي" للماوردي 8/ 391.

واحتجوا برواية المصنف (¬1) وغيره (¬2) عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: رفع وبرة من ظهر بعيره فقال: "ما يحل لي مما أفاء الله عليكم ولا مثل هذِه إلا الخمس، وهو مردود عليكم". ورواه المصنف (¬3) عن أبي أمامة، ولأن الله تعالى قال: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} فمفهومه (¬4) أن باقيها للغانمين (¬5). [2993] (حدثنا محمود (¬6) بن خالد) بن يزيد (¬7) (السلمي) بضم السين الدمشقي، وثقه النسائي، وقال أبو حاتم: ثقة رضا (حدثنا عمر بن عبد الواحد) السلمي الدمشقي وهو ثقة (¬8). (عن سعيد بن بشير) البصري الشامي حمله أبوه إلى البصرة فسمع بها، ورد إلى دمشق، وثقه دحيم، وقال: كان مشيختنا يوثقونه (¬9) (عن قتادة) مرسلًا (قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا غزا كان له سهم) بالتنوين (صافٍ) أي خالص من أن يشاركه أحد فيه، فكان يصطفيه لنفسه ¬

_ (¬1) سبق برقم (2694). (¬2) أخرجه النسائي 6/ 262، 7/ 131، وفي "الكبرى" 3/ 45 (4440). (¬3) لم أجده عند أبي داود من حديث أبي أمامة، وأخرجه النسائي 7/ 131، وأحمد 5/ 319، والبيهقي 6/ 336، من طريق أبي أمامة عن عبادة بن الصامت. (¬4) في (ر): فمفهوم. (¬5) "المغني" 7/ 303. وانظر: "التمهيد" 20/ 42. (¬6) في (ر) و (ع) محمد والمثبت من مطبوع "السنن" طـ عوامة (2986) ومن كتب التراجم. انظر: "تهذيب الكمال" 27/ 295، "تهذيب التهذيب" 10/ 55. (¬7) في (ر) و (ع): زيد والمثبت من (ل) ومن مصادر الترجمة السابق ذكرها. (¬8) "تهذيب التهذيب" 7/ 421، "تقريب التهذيب" (4943). (¬9) انظر: "الجرح والتعديل" 4/ 6، "تهذيب الكمال" 10/ 352.

بحسب اختياره (يأخذه من حيث شاءه) من الغنيمة (فكانت صفية) بنت حيي (من ذلك السهم) قال ابن عبد البر: سهم الصفي مشهور في صحيح الآثار معروف عند أهل العلم، ولا يختلف أهل السير في أن صفية منه، وأجمعوا أنه خاص به (¬1). (وكان إذا لم يغز (¬2) بنفسه ضرب له بسهمه) (¬3) في غيبته (ولم يختر) بفتح المثناة تحت والمثناة فوق، يعني أنه كان إذا لم يحضر الغزو ضرب له بسهم، ولا يختار لنفسه منه ما يختاره كما يختار إذا حضرو وأكثر النسخ المعتمدة: يخير بضم التحتانية وتشديد التحتانية الثانية. [2994] (حدثنا نصر بن علي) الجهضمي (حدثنا أبو أحمد) الزبيري واسمه محمد بن عبد الله بن الزبير، وليس هو من ولد الزبير بن العوام وهو من آل الزبير من بني أسد بن عبد العزى قدم بغداد وسكنها (¬4). (حدثنا سفيان) الثوري (عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير، (عن عائشة قالت: كانت صفية) بنت حيي بن أخطب أم المؤمنين من ولد هارون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخي موسى عليهما السلام (¬5). (من الصفي) اصطفاها النبي - صلى الله عليه وسلم - من سبي خيبر وجعل عتقها صداقها وقسم لها، وكانت من أعقل الناس لها شرف في قومها. ¬

_ (¬1) "التمهيد" 20/ 43، "الاستذكار" 5/ 83. (¬2) في الأصل يغزو بالواو والمثبت من مطبوع "السنن" وهو الصواب. (¬3) ورد بعدها في الأصل: نسخة: بسهم. (¬4) "تهذيب التهذيب" 9/ 227، "تقريب التهذيب" (6017). (¬5) "الاستيعاب" 1/ 46، "تهذيب الأسماء" للنووي (1175)، "أنساب الأشراف" 1/ 195.

[2995] (حدثنا سعيد بن منصور) الخراساني المروزي (حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن) القاريّ (الزهري) المدني، نزل الإسكندرية، روى له الشيخان (¬1). (عن عمرو بن أبي عمرو) مولى المطلب (¬2). (عن أنس بن مالك قال: قدمنا) مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جمادى الأولى سنة سبع قرية (خيبر) وبينها وبين المدينة ثمانية برد (¬3) (فلما فتح الله الحصن) أي: كل حصن بها (ذكر له جمال صفية بنت) بالجر (حيي) ابن أخطب (وكان قتل زوجها) كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، [التي كانت في السبي] (¬4) (وكانت) حين سبيت (عروسًا) أي حديثة عهد بالعرس لم تبلغ سنها تسعة عشر سنة، وكانت رأت قبل أن القمر سقط في حجرها (واصطفاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه) فتأول (¬5) منامها بذلك (فخرج بها حتى بلغنا سد) بضم السين المهملة وفتحها، قيل: هي كالظلة على الباب لتقي الباب من المطر، وقيل: هي الباب نفسه، وقيل: الساحة بين يديه (الصهباء) بفتح الصاد المهملة والمد موضع على روحة من خيبر (حلت) بكمال الاستبراء (فبنى) أي دخل (بها) وأولم عليها بتمر وسويق وقسم لها (¬6). [2996] (حدثنا مسدد، حدثنا حماد بن زيد، عن عبد العزيز بن ¬

_ (¬1) "تهذيب التهذيب" 11/ 343. (¬2) "التقريب" (5083). (¬3) "الروض المعطار" 1/ 228. (¬4) من (ل). (¬5) من (ل). (¬6) انظر: "الإصابة" 7/ 738.

صهيب، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: صارت صفية) بنت حيي حين كانت في السبي (لدحية) بن خليفة بن فروة (الكلبي) نسبة إلى قبيلة باليمن منها أسامة حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ثم صارت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فيه أن الإمام إذا نفل ما لم يعلم مقداره أن له استرجاعه والتعويض. [2997] (حدثنا محمد بن خلاد) بن كثير (الباهلي) شيخ مسلم (¬1). (حدثنا بهز بن أسد) [أخو معلي بن أسد] (¬2) العمي البصري، أخرج له البخاري في المناقب (¬3) مفردًا، وفي الأدب (¬4) والصلاة (¬5) مقرونًا (¬6). (حدثنا حماد) بن سلمة (أنبأنا ثابت) البناني (عن أنس) بن مالك -رضي الله عنه- (قال: وقع في سهم دحية) بكسر الدال وفتحها ولمسلم: في مقسمه. قال النووي: يحتمل أن المراد بقوله: وقعت في سهمه أي حصلت بالإذن في أخذ جارية ليوافق باقي الروايات (¬7). وسيأتي له مزيد. (جارية جميلة) وكانت صفية بديعة الجمال (فاشتراها رسول الله) - صلى الله عليه وسلم -. منه (¬8) (بسبعة أرؤس) رواية: أرؤس بسكون الراء وضم الهمزة بعدها، ¬

_ (¬1) "التقريب" (5865). (¬2) سقط من (ر). (¬3) باب قَوْلُ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - لِلأَنْصَارِ "أَنْتُمْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيّ". (3786). (¬4) باب فضل صلة الرحم (5983). (¬5) (663). (¬6) قال ابن حجر في "هدي الساري" (391): أحد الأثبات في الرواية قال أحمد: إليه المنتهى في التثبت ووثقه ابن معين وأبو حاتم وابن سعد والعجلي. (¬7) "شرح مسلم" للنووي 9/ 220. (¬8) سقط من (ر).

فإن أفعل جمع قلة. استشكل بعضهم شراءها منه بعد أن وهبها له؛ لأن الواهب منهي عن شراء هبته، يحتمل أن ذلك كان يرضي دحية فتكون معاوضة جارية، وأجاب بعضهم بأنه لم يهبه من مال نفسه فينهى عن الارتجاع، وإنما أعطاه من مال الله على جهة النفل كما يعطي الإمام النفل لأحد أهل الجيش نظرًا فيكون خارجًا عن ارتجاع الهبة وشرائها. قال القرطبي (¬1): وهذا كله ليس بصحيح، وأن صفية إنما وقعت في مقسمه، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشتراها، وهذا رافع لما يتوهم من الإشكال (ثم دفعها إلى أم سليم) سهيلة، وقيل: رميلة، وقيل: العميصاء، كانت تحت مالك بن النضر أبي أنس بن مالك في الجاهلية فولدت له أنس بن مالك (تصنعها) بكسر النون المشددة (وتهيئها) له أي: دفعها لأم سليم لتزينها وتحسنها له على عادة العروس بما ليس بمنهي عنه من وشم ووصل شعر وتنمص وغير ذلك من المنهي عنه. (قال حماد) بن سلمة الراوي: (وأحسبه قال: وتعتد) قال النووي: معناه تستبرئ؛ لأنها كانت مسبية يجب استبراؤها وجعلها في مدة الاستبراء (في بيتها) أي في بيت أم سليم، فيه اعتداد المرأة واستبراؤها عند النساء (¬2). وهي (صفية بنت حيي) هذا هو (¬3) الصحيح أن صفية (¬4) كان اسمها قبل السبي، وقيل: كان اسمها زينب، فسميت ¬

_ (¬1) "المفهم" 13/ 9. (¬2) "شرح مسلم" للنووي 9/ 222. (¬3) من (ل). (¬4) بعدها في (ر): بنت حيي.

بعد السبي والاصطفاء صفية (¬1). [2998] (حدثنا داود بن معاذ) العتكي، نزل المصيصة قانت (¬2) لله تعالى (¬3). (حدثنا عبد الوارث) قال المصنف (وحدثنا يعقوب بن إبراهيم) بن كثير الدورقي والدورق: القلنسوة (¬4) (المعني قالا: حدثنا) إسماعيل (ابن علية، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس) بن مالك -رضي الله عنه- (قال: جمع) بضم الجيم وكسر (¬5) الميم مبني للمفعول (السبي) وهو النهب وأخذ الناس عبيدًا وإماء، والسبية المنهوبة جمعها سبايا (¬6). (يعني) الذي كان (بخيبر) بينها وبين المدينة مشي ثلاثة أيام من على طريق الغابة العليا (¬7). (فجاء دحية) الكلبي (فقال: يا رسول الله، أعطني جارية من السبي. قال: اذهب فخذ جارية) منه. قال القرطبي: يقع إشكال بين قوله: خذ جارية من السبي وبين قوله: إنها صارت إليه في مقسمه، يزيله: تقدير أنه إنما أراد خذ بطريق القسمة وفهم ذلك دحية بقرائن أو تصريح لم ينقله الراوي، فلم يأخذ دحية شيئًا إلا بالقسمة (¬8). ¬

_ (¬1) "شرح مسلم" للنووي 9/ 220. (¬2) في (ر): كانت. (¬3) "الكاشف" (1463). (¬4) "التقريب" (7812) و"الكاشف" (6385). (¬5) في (ع) تشديد. (¬6) "النهاية" لابن الأثير 2/ 8851. (¬7) "معجم ما استعجم" 2/ 521. (¬8) "المفهم" 13/ 9.

قال المنذري: والأولى أن يقال: كانت صفية فيئًا؛ لأنها كانت زوجة كنانة بن الربيع، وكانوا صالحوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشرط عليهم أن لا يكتموا كنزا فإن كتموه [فلا ذمة] (¬1) لهم ثم غار عليهم واستباحهم. قال [أبو عبيدة] (¬2): وصفية فيمن سبي من نسائهم بلا شك، وممن دخل أولًا في صلحهم، وقد صارت فيئًا فلا تخمس (¬3). (فأخذ صفية بنت حيي) وكانت جميلة (فجاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا نبي الله، أعطيت دحية) الكلبي (قال يعقوب) بن إبراهيم الدورقي: في روايته (صفية بنت حيي سيدة) بني (قريظة والنضير -ثم اتفقا-) يعني: من بيت الرياسة فإنها بنت سيد قريظة والنضير، والله (ما تصلح) لأحد (إلا لك. قال: ادعو) كذا الرواية، ولمسلم قال: ادعوه (بها، قال) فدعوه فجاء بها. (فلما نظر إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: خذ جارية من السبي غيرها) قال القرطبي: لما نظر النبي - صلى الله عليه وسلم - حصل عنده أنها لا تصلح إلا له من حيث أنها من بيت النبوة (¬4)، فإنها من ولد هارون، فإنها من بيت الرياسة كما تقدم، مع ما كانت عليه من الجمال المراد لكمال اللذة الباعثة على كثرة النكاح المؤدية إلى كثرة النسل وإلى جمال الولد الحاصل منها، وهذا من فعله كما قد نبه عليه بقوله: "تخيروا ¬

_ (¬1) في الأصول: فدماؤهم. والمثبت من "التلخيص الحبير" 3/ 284، و"إكمال المعلم" 4/ 305، و"شرح مسلم" للنووي 9/ 221 وهو الصواب. (¬2) هكذا في الأصل وفي "التلخيص": أبو عبيد. (¬3) المصادر السابقة، ثم قال النووي بعدها: وهذا تفريع منه على مذهبه أن الفيء لا يخمس ومذهبنا أنه يخمس كالغنيمة والله أعلم. (¬4) سقط من (ر).

لنطفكم" (¬1)، وأيضًا فمثل هذِه تصلح أن تكون أم المؤمنين، وحذارِ من أن يظن جاهل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الذي حمله على ذلك غلبة الشهوة النفسانية عند رؤية جمالها؛ فإن ذلك اعتقاد نحوه جهل فإنه معصوم؛ إذ قد أعانه الله على شيطانه فأسلم فلا يأمره إلا بخير (¬2). (وإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعتقها وتزوجها) قال القرطبي: ظاهره أنه كان قد (¬3) أعتقها ثم تزوجها، ولا يؤخذ منه أن الواو للترتيب، بل يبدأ بالعتق ثم بالزواج كما قال عليه السلام: "ابدؤوا بما بدأ الله"، فبدأ بالصفا (¬4). [2999] (حدثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي الفراهيدي شيخ البخاري (¬5). (حدثنا قرة) بن خالد السدوسي (قال: سمعت يزيد بن عبد الله) بن الشخير (قال: كنا بالمربد) قال الحازمي في كتاب "ما اتفق لفظه وافترق مسماه من الأمكنة": هو بكسر الميم وسكون الراء وفتح الباء وبالدال، محلة بالبصرة من أشهر محالها وأطيبها. قال أبو عبيدة: وهو دار كان يحبس فيها إبل الصدقة، وفي الحديث: ¬

_ (¬1) أخرجه ابن ماجه (1968) والحاكم 2/ 176 "والبيهقي" 3/ 299 عن عائشة -رضي الله عنها-. (¬2) "المفهم" 13/ 9 - 10 وتمام كلامه: وقد نزع الله من قلبه حظَّ الشيطان، حيث شقَّ قلبه، فأخرجه منه، وطهَّره، وملأه حكمة وإيمانًا، كما تقدَّم في الإسراء. وإنما الباعث له على اختيار ما اختاره من أزواجه ما ذكرت لك، وما في معناه، والله أعلم. (¬3) سقط من (ر). (¬4) "المفهم" 13/ 11. والحديث رواه مسلم (1218) من حديث جابر بن عبد الله. (¬5) "الكاشف" (5405).

حتى إذا كنا بمربد النعم (¬1)، والمرابد كلها محابس وهو بالمدينة (¬2). (فجاء رجل أشعث الرأس) قال المنذري (¬3): رواه بعضهم عن يزيد بن عبد الله، وسمى الرجل النمر بن تولب الشاعر صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويقال: إنه ما مدح أحدًا ولا هجا أحدًا، وكان جوادًا، ولا يكاد يمسك شيئًا، وأدرك الإسلام وهو كبير (¬4). (بيده قطعة أديم) بفتح الهمزة وكسر الدال وهو الجلد المدبوغ، جمعه أدم بفتحتين وأدم بضمتين، وهو القياس (¬5) كبريد وبرد (أحمر، فقلنا: كأنك من أهل البادية) وهي خلاف الحضر (فقال: أجل) بفتح الجيم وسكون اللام المخففتين أي: نعم (قلنا: ناولنا هذِه القطعة) بالنصب يعني: من (الأديم) الأحمر (الذي في يدك) اليمنى (فناولناها) بفتح اللام (فقرأنا ما فيها) (¬6) من الكتابة (فإذا فيها) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (من محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بني زهير بن أقيش) رواية: وقيش بضم الهمزة وفتح القاف وسكون المثناة تحت ثم شين معجمة قبيلة من عكل، وهو بطن من تميم، قاله السمعاني (¬7)، ورده ابن الأثير بأنه ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" 1/ 74 بَاب: التَّيَمُّمِ فِي الحَضَرِ إِذَا لَمْ يَجِد المَاءَ وَخَافَ فَوْتَ الصَّلَاةِ. (¬2) "ما اتفق لفظه" (ص 838). (¬3) انظر: "عون المعبود" 8/ 156. (¬4) "الإصابة" 6/ 470. (¬5) في (ر): اللباس. (¬6) في المطبوع: فقرأناها. (¬7) "الأنساب" 4/ 223.

ليس بصحيح، وإنما عكل اسم أمة (¬1) لامرأة من حمير (¬2) (أنكم) (¬3) أنكم بفتح الهمزة (إن شهدتم أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وأقمتم الصلاة) أي: داومتم على أدائها (وآتيتم) أعطيتم (الزكاة) المفروضة إلى مستحقها (وأديتم) بتشديد الدال أعطيتم (الخمس من المغنم و) أعطيتم (سهم النبي - صلى الله عليه وسلم -) فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان يسهم له كسهم رجل ممن شهد الوقعة حضرها أو غاب عنها (وسهم الصفي) بكسر الفاء، وهو ما كان لرسول الله من عرض الغنيمة قبل أن تخمس عبدًا أو أمة كما تقدم، وكان - صلى الله عليه وسلم - مخصوصًا بذلك مع الخمس الذي له خاصة. (إنكم آمنون) إذا فعلتم ذلك (بأمان الله وأمان رسوله) من القتل والإيذاء وتذهبون حيث شئتم لا تخافون (فقلنا) له (من كتب لك هذا الكتاب؟ ) الذي معك (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: كتبه أحد كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بإذنه وأمره فنسب إليه. * * * ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) "اللباب" 2/ 352. (¬3) سقط من (ع).

22 - باب كيف كان إخراج اليهود من المدينة

22 - باب كَيْفَ كانَ إِخْراج اليَهُودِ من المَدِينَة 3000 - حدثنا مُحَمَّد بْنُ يحيى بْنِ فارِسٍ أَنَّ الحَكَمَ بْنَ نافِعٍ حَدَّثَهُمْ قالَ، أَخْبَرَنا شعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ -وَكانَ أَحَدَ الثَّلاثَةِ الذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ- وَكانَ كَعْبُ بْن الأشرَفِ يهجُو النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَيُحَرِّض عَلَيهِ كُفّارَ قرَيْشٍ وَكانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قَدِمَ المَدِينَةَ وَأَهْلها أَخْلاطٌ مِنْهُم المُسلِمونَ والمُشْرِكُونَ يَعْبدُونَ الأوثانَ واليَهودُ وَكانُوا يُؤْذُونَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحابَهُ فَأَمَرَ الله عز وجل نَبِيَّه بِالصَّبْرِ والعَفْوِ فَفِيهِم أَنْزَلَ الله: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} الآيَةَ فَلَمّا أَبَى كَعبُ بْنُ الأشْرَفِ أَنْ يَنْزِعَ عَنْ أَذى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَعْدَ بْنَ مُعاذٍ أَنْ يَبْعَثَ رَهْطًا يَقْتُلُونَهُ فَبَعَثَ مُحَمَّدَ بْنَ مسلَمَةَ، وَذَكَرَ قِصَّةَ قَتْلِهِ. فَلَمّا قَتَلُوهُ فَزِعَتِ اليَهودُ والمشْرِكُونَ فَغَدَوْا عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقالُوا طُرِقَ صاحِبُنا فَقُتِلَ. فَذَكَرَ لَهُمُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الذي كانَ يَقُولُ وَدَعاهُمُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى أَنْ يَكْتُبَ بَيْنَة وَبَيْنَهُمْ كِتابًا يَنْتَهُونَ إِلَى ما فِيهِ، فَكَتَبَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ المُسْلِمِينَ عامَّةً صَحِيفَةً (¬1). 3001 - حدثنا مُصَرِّفُ بْنُ عَمْرٍو الأيَاميُّ، حدثنا يُونُسُ -يَعْني ابن بُكَيْرٍ- قالَ: حدثنا مُحَمَّد بْن إِسْحاقَ، حَدَّثَني مُحَمَّدُ بْنُ أَبي محَمدٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قال: لمَّا أَصابَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قُرَيْشًا يَوْمَ بَدْرٍ وَقَدِمَ المَدِينَةَ جَمَعَ اليَهُودَ في سُوقِ بَني قَيْنُقاعَ فَقالَ: "يا مَعْشَرَ يَهُودَ أَسْلِمُوا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قُرَيْشًا" .. قالُوا: يا مُحَمَّد لا يَغُرَّنَّكَ مِنْ نَفْسِكَ أنَّكَ قَتَلْتَ نَفَرًا مِنْ قُرَيْشٍ كانُوا أَعمارًا لا يَعْرِفُونَ القِتالَ إِنَّكَ لَوْ قاتَلْتَنا لَعَرَفْتَ أنا نَحْنُ النّاسُ وَأنَّكَ لَمْ تَلْقَ مِثْلَنا. فَأَنْزَلَ الله عز وجل في ذَلِكَ: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ} قَرَأَ ¬

_ (¬1) رواه البيهقي في "دلائل النبوة" 3/ 198. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2654).

مُصَرِّف إِلَي قَوْلِهِ: {فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} بِبَدْرٍ: {وَأُخْرَى كَافِرَةٌ} (¬1). 3002 - حدثنا مُصَرِّفُ بْنُ عَمْرو، حدثنا يُونُسُ قالَ ابن إِسْحاقَ: حَدَّثَني مَوْلًى لِزَيْدِ بْنِ ثابِتٍ حَدَّثَتْني ابنةُ مُحَيِّصَةَ، عَنْ أَبِيها مُحَيِّصَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "مَنْ ظَفِرْتُمْ بِهِ مِنْ رِجالِ يَهُودَ فاقْتُلُوهُ" .. فَوَثَبَ مُحَيِّصَةُ عَلَى شَبِيبَةَ رَجُلٍ مِنْ تُجّارِ يَهُودَ كانَ يُلابِسُهُمْ فَقَتَلَهُ وَكانَ حُوَيِّصَةُ إِذْ ذاكَ لَمْ يُسْلِمْ وَكانَ أَسَنَّ مِنْ مُحَيِّصَةَ فَلَمّا قَتَلَهُ جَعَلَ حُوَيِّصَةُ يَضْرِبُه وَيَقُولُ: يا عَدُوَّ اللهِ أَما والله لرُبَّ شَحْمٍ في بَطْنِكَ مِنْ مالِهِ (¬2). 3003 - حدثنا قُتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ، أَخْبَرَنا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قال: بَيْنا نَحْنُ في المَسْجِدِ إِذْ خَرَجَ إِلَيْنا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ: "انْطَلِقُوا إِلى يَهُودَ" .. فَخَرَجْنا مَعَهُ حَتَّى جِئْناهُمْ فَقامَ رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَناداهُمْ فَقال: "يا مَعْشَرَ يَهُودَ أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا" .. فَقالُوا: قَدْ بَلَّغْتَ يا أَبا القاسِمِ. فَقالَ لهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا" .. فَقالُوا: قَدْ بَلَّغْتَ يا أَبا القاسِمِ. فَقالَ لَهُمْ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ذَلِكَ أُرِيدُ" .. ثمَّ قالَها الثّالِثَةَ: "اعْلَمُوا أَنَّما الأَرْضُ لله وَرَسُولِهِ وإِنّي أُرِيدُ أَنْ أُجْلِيَكُمْ مِنْ هذِه الأَرْضِ فَمَنْ وَجَدَ مِنْكُمْ بِمالِهِ شَيْئًا فَلْيَبِعْهُ وَإِلَّا فاعْلَمُوا أَنَّما الأرْضُ لله وَرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -" (¬3). * * * باب كيف إخراج اليهود من المدينة [3000] (حدثنا محمد بن يحيى بن فارس) بن ذؤيب الذهلي (أن ¬

_ (¬1) رواه البيهقي في "السنن الكبرى" 9/ 183، وفي "دلائل النبوة" 3/ 173 - 174. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (524/ 1). (¬2) رواه البيهقي في "دلائل النبوة" 3/ 200. (¬3) رواه البخاري (3467)، ومسلم (1765).

الحكم بن نافع [حدثهم قال]) أبو اليمان البهراني الحمصي (¬1). (أنبأنا شعيب) بن أبي حمزة دينار (¬2) القرشي (¬3). (عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه) قال المنذري: قوله: (عن أبيه) فيه نظر؛ فإن أباه عبد الله بن كعب ليس له صحبة، ولا هو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم، ويكون الحديث على هذا مرسلًا، ويحتمل أن يكون أراد بأبيه جده وهو كعب بن مالك قال: وقد سمع عبد الرحمن من جده فيكون الحديث على هذا مسندا. (وكان) كعب ابن مالك (¬4) (أحد الثلاثة) والآخران: مرارة بن الربيع وهلال بن أمية الواقفي (¬5) (الذين تيب) أي: تاب الله (عليهم) وأنزل فيهم: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} (وكان كعب بن الأشرف) من طيء وأمه من بني النضير اليهودي (يهجو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وأصحابه في أشعاره التي ينشدها ويبكي أصحاب القليب الذين أصيبوا ببدر من قريش، (ويحرض عليه كفار قريش) وغيرهم أي: يحثهم على قتاله ومحاربته (¬6). (وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قدم المدينة) لثلاث عشرة من ربيع (وأهلها) مبتدأ (أخلاط) بفتح الهمزة جمع خلط وأصله تداخل الأشياء بعضها ¬

_ (¬1) "التقريب" (1464). (¬2) في (ر): ذبيان. (¬3) "تهذيب الكمال" 12/ 516. (¬4) "عون المعبود" 8/ 160. (¬5) في (ر): الرافعي، وانظر: "صحيح البخاري" (4418). (¬6) "المفهم" 11/ 148، و"تاريخ الطبري" 2/ 52.

في بعض أي: كانوا مختلطين (منهم المسلمون) والمشركون (و) كان (المشركون) هم الذين (يعبدون الأوثان) و (من) في قوله للتبعيض أي: بعض قليل [من أهل] (¬1) المدينة مسلمون والباقي وهم الأكثرون مشركون ويهود، والأوثان جمع وثن وهو (¬2) كل ما له جثة معمولة من جواهر الأرض ومنذ الخشب والحجارة كصورة الآدمي يعمل فينصب ويعبد بخلاف الصنم فإنه صورة بلا جثة، وفي حديث عدي بن حاتم (¬3): قدمت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي عنقي صليب من ذهب, فقال لي: ألق (¬4) هذا الوثن عنك (¬5). (و) منهم (اليهود) والنصارى (وكانوا) يعني: اليهود الذين (يؤذون النبي - صلى الله عليه سلم -و) يؤذون (أصحابه) أشد الأذي ويعادونهم أشد عداوة كما قال تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} (فأمر الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالصبر) على ذلك الأذى (والعفو) عنهم فيما له في خاصة نفسه عليهم من تبعة وفيما يحصل لك منهم (ففيهم أنزل الله) تعالى: ({وَلَتَسْمَعُنَّ}) وحذفت الواو التي قبل نون التوكيد؛ لأن ضمة العين التي قبلها تدل عليها (مِنَ) اليهود {الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} قيل: المراد بهذا الجمع واحد وهو كعب بن الأشرف اليهودي الشاعر، وكان يهجو النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ويشبب نساءهم حتى أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتله (¬6). كما ¬

_ (¬1) و (¬2) سقط من (ر). (¬3) أخرجه الترمذي (3095). (¬4) جاء هنا في (ع): عنك. (¬5) وهذا من إطلاق الوثن على غير الصورة. راجع: "النهاية" لابن الأثير 5/ 328. (¬6) "تفسير السمعاني" 1/ 486، و"تفسير الطبري" 7/ 456.

سيأتي. (الآية) إلى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)}. (فلما أبي كعب بن الأشرف أن ينزع) بكسر الزاي أي: يقلع (عن أذى النبي - صلى الله عليه وسلم -) يقال: عزل السلطان عامله إذا عزله وأخرجه من الولاية، (أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - سعد بن معاذ) بن النعمان بن امرئ القيس الأنصاري (أن يبعث) إليه (رهطًا يقتلونه) (¬1) وفي الصحيحين (¬2) قال: "من لكعب بن الأشرف فقد آذى الله ورسوله"، (فبعث محمد بن مسلمة) بن خالد الأوسي بقتله، (وذكر قصة قتله) المشهورة في الصحيحين وغيرهما، وسببه إن كان قد استحق قتله، قال القرطبي: الذي يظهر لي أنه يقتل ولا يستتاب؛ لأن ذلك زندقة (¬3). (فلما قتلوه فزعت اليهود والمشركون) على أنفسهم وأهليهم وأصحابهم حين سمعوا قتله (فغدوا) انطلقوا وأصله ما بين الصبح ¬

_ (¬1) في (ر): يقتلوه. (¬2) البخاري (2510)، ومسلم (1801). (¬3) القرطبي قال هذا الكلام فيمن زعم أن كعب بن الأشرف قتل غدرا وسياق الكلام في الشرح غير ذلك، ولعل في الكلام سقطا وهذا هو سياق كلام القرطبي في "المفهم" 11/ 148: ولا يظن أحد: أنه قتل غدرًا. فمن قال ذلك قتل، كما فعله علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وذلك أن رجلًا قال ذلك في مجلسه، فأمر علي بضرب عنقه. وقال آخر في مجلس معاوية، فأنكر ذلك محمد بن مسلمة، وأنكر على معاوية سكوته، وحلف أن لا يظله وإيَّاه سقف أبدًا، ولا يخلو بقائلها إلا قتله. قلت: ويظهر لي: أنه يقتل، ولا يستتاب؛ لأن ذلك زندقة إن نسب الغدر للنبي - صلى الله عليه وسلم -. فأما لو نسبه للمباشرين لقتله بحيث يقول: إنهم أمنوه، ثم غدروه. لكانت هذِه النسبة كذبًا محضًا؛ لأنه ليس في كلامهم معه ما يدل على أنهم أمنوه، ولا صرحوا له بذلك، ولو فعلوا ذلك لما كان أمانًا؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما وجههم لقتله لا لتأمينه، ولا يجار على الله، ولا على رسوله. انتهى كلام القرطبي أبي العباس.

وطلوع الشمس، ثم كثر حتى استعمل في الذهاب والانطلاق (¬1) ومنه: "واغد يا أنيس" (¬2)، أي: انطلق. (على النبي - صلى الله عليه وسلم -) أي: إليه، لكن لما كان قصدوا عليه بقول أو فعل استعمل بلفظة إلى (فقالوا: طرق) بضم الطاء وكسر الراء (صاحبنا) أي: أُتي إليه بالليل (فقتل) ولا يكون الطروق إلا بالليل، ولا يستعمل بالنهار إلا مجازا، وأصل الطروق من الطرق وهو الدق، وسمي الآتي بالليل طارقًا لحاجته إلى دق الباب (¬3). (فذكر لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ما كان يقول) كعب بن الأشرف في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فيه الاعتذار للكفار والأعداء تطييبًا لقلوبهم ودفعًا لشرورهم، ولا يكون هذا من المداهنة المنهي عنها. قال القرطبي: في قولهم: إن الآيات الواردة في الأمر بالعفو والصفح ولين الخطاب أنه منسوخ بآية السيف المأمور فيها بالقتال حين وجدهم، الأظهر أن ذلك ليس بمنسوخ، فإن الجدال بالأحسن والمداراة أبدًا مندوب إليها، وإنه كان عليه السلام مع الأمر بالقتال يوادع اليهود ويداريهم ويصفح عن المنافقين، قال: وهذا بين (¬4). (ودعاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن يكتب بينه [وبينهم] كتابًا) شاهدًا عليهم وعليه، وإنهم (ينتهون إلى ما) يكون (فيه) عند الاختلاف (وكتب) رواية: فكتب (النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبينهم وبين) سائر (المسلمين عامة) تأكيد ¬

_ (¬1) "النهاية" لابن الأثير 3/ 649. (¬2) رواه البخاري (2314) ومسلم (1697). (¬3) "النهاية" 3/ 270. (¬4) "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي سورة آل عمران آية (186).

للمسلمين في (صحيفة) وهي قطعة جلد أو قرطاس يكتب فيها. [3001] (حدثنا مصرف بن عمرو) الهمداني الكوفي، وثقه أبو زرعة (¬1). (الإيامي) بكسر الهمزة وتخفيف المثناة تحت. قال السمعاني: نسبة إلى إيام ويقال: يام بغير ألف أيضًا (¬2). ولم يذكر يام من أي القبائل فبقي كأنه مجهول. قال ابن الأثير: وهو بطن من همدان، وهو [يام بن أصبى بن رافع] (¬3) (¬4) (حدثنا يونس بن بكير) الشيباني الحافظ، قال ابن معين: صدوق (¬5). (قال: قال محمد بن إسحاق) بن يسار صاحب المغازي، (حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت) ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬6) (عن سعيد بن جبير وعكرمة) -رواية: عن عكرمة- (عن ابن عباس قال: لما أصاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قريشًا) أي: نالهم من القتل (¬7) (يوم بدر) والأسر ([وقدم المدينة] جمع) قبيلة (يهود) (¬8) غير منصرف (في سوق (¬9) بني قينقاع) بفتح القاف، وفي النون ثلاث لغات ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 8/ 420. (¬2) "الأنساب" 1/ 233. (¬3) في (ر): تام بن أجنبي بن دافع. (¬4) "اللباب" 1/ 96. (¬5) "تهذيب التهذيب" 11/ 382. (¬6) "الثقات" 7/ 392. (¬7) في (ر): الليل. (¬8) في "السنن": اليهود. (¬9) في (ر): بيوت.

أشهرها الضم، وهم بطن من بطون يهود المدينة أضيفت السوق المعروفة بهم لإقامتهم فيها، وكانوا أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1) (فقال: يا معشر يهود أسلموا) أي: ادخلوا في الإسلام بلفظ الشهادتين (قبل أن يصيبكم) من القتل والعذاب الآجل (مثل ما أصاب قريشًا) في وقعة بدر (قالوا: يا محمد لا يغرنك) بتشديد النون ويجوز تخفيفها بالسكون (من نفسك أنك) أصبت فرصة، و (قتلت نفرًا من قريش كانوا أغمارًا) جمع غمر بضم المعجمة وسكون الميم بعدها راء مهملة وهو الجاهل الغر الذي لم يجرب الأمور (¬2). يعني: أن هؤلاء الذين قتلوا لا علم لهم (¬3) بالحروب ولا بملاقاة الرجال، و (لا يعرفون) أحوال (القتال) والله (إنك لو) حاربتنا و (قاتلتنا) مرة واحدة (لعرفت أنا نحن الناس) الشجعان العارفون بالحروب (وأنك لم تلق) أبطالًا (مثلنا) قال سعيد بن جبير وعكرمة، عن ابن عباس (¬4) (فأنزل الله) تعالى (في ذلك) الحكم ({قُل}) يا محمد {لِلَّذِينَ كَفَرُوا}) من بني قينقاع، فيه دلالة على أن هذِه الآية في بني قينقاع خلافًا لأقاويل أخر منها: أن قريشًا لما غلبها المسلمون في وقعة بدر، وقالت اليهود: هو النبي المبعوث الذي في كتابنا، لا تهزم له راية، فقالت لهم شياطينهم: لا تعجلوا حتى نرى أمره في وقعة أخرى، فلما كان ¬

_ (¬1) "شرح مسلم" للنووي 12/ 91. (¬2) "النهاية" لابن الأثير 3/ 722. (¬3) سقط من (ر). (¬4) "تفسير الطبري" 3/ 191.

أحد كفروا جميعهم، ({سَتُغْلَبُونَ}) أي ستصيرون مغلوبين بنصرة الله المؤمنين عليكم {وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ}، قرأ حمزة والكسائي بالياء على الغيبة، وقرأ باقي السبعة بالتاء خطابًا، فتكون الجملة معمولة للقول، ومن قرأ بالغيبة فالظاهر أن الضمير للذين كفروا، وتكون الجملة إذ ذاك ليست محكية. (قرأ مصرف) بن عمرو الأيامي الآية وهي: {إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا} أي أصحاب بدر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقريش (إلى قوله) تعالى ({فئة}) في الآية حذفان تقديره فئة مؤمنة تقاتل في سبيل الله، وفئة أخرى كافرة تقاتل في سبيل الشيطان، فحذف من الأولى ما أثبت مقابله في الثانية بلزوم القتال في سبيل الشيطان وهو الكفر، وقرأ الجمهور برفع فئة على القطع، التقدير: إحداهما، فتكون فئة على هذا خبر مبتدأ محذوف، وقيل: الرفع على البدل من الضمير وهو الألف في التقتا، وقرأ مجاهد والحسن والزهري بالجر على البدل التفصيلي، وهو بدل كل من كل كما قال كُثَيّر عزة: وكنت كذي رجلين رجل صحيحة ... ورجل رمى (¬1) فيها الزمان فشلت (¬2) ¬

_ (¬1) في (ر): يرمي. (¬2) هذا البيت استشهد به سيبويه في "الكتاب" 1/ 433 وجاء في كتاب "طيب المذاق من ثمرات الأوراق" لتقي الدين الحموي المعروف بابن حجة 1/ 388: نادرة للعز ابن عبد السلام، وحكي أن شخصا جاء إلى الشيخ عز الدين ابن عبد السلام الشافعي رحمه الله تعالى سلطان العلماء فقال: رأيتك في المنام تنشد: وكنت كذي=

ومنهم من خفض كافرة على العطف وعلى هذِه القراءة تكون فئة الأولى بدل بعض من كل، فتحتاج إلى تقدير ضمير أي: فئة منهما كافرة ({تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}) تعالى (¬1) وأجاز الزمخشري النصب في فئة على الاختصاص (¬2). قال أبو حيان: وليس بجيد؛ لأن المنصوب الاختصاص (¬3) لا يكون نكرة ولا مبهمًا (¬4) (ببدر) أي: في غزوة بدر ({و}) ترتفع ({أُخْرَى}) على وجهي القطع إما على الابتداء وإما على الخبر {كَافِرَةٌ} وهم طائفة المشركين. [3002] (حدثنا مصرف بن عمرو) الإيامي (حدثنا يونس) بن بكير (عن) (¬5) محمد (بن إسحاق، حدثني مولى) محمد (لزيد بن ثابت) قال (حدثتني بنت محيصة، عن أبيها محيصة) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد المثناة تحت المكسورة، ومنهم من سكنها وهو ابن مسعود بن كعب بن عامر (¬6): (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال) بعد قتل كعب بن ¬

_ =رجلين رجلٍ صحيحةٍ ... ورجلٍ رمى فيها الزمان فشلت، فسكت، ثم قال: أعيش ثلاثا وثمانين سنة فإن هذا الشعر لكثير عزة وقد نظرت فلم أجد بيني وبينه نسبة فإني سنّي وهو شيعي وأنا طويل وهو قصير وهو شاعر ولست بشاعر وأنا سلمي وهو خزاعي وأنا شامي وهو حجازي فلم يبق إلا السن فأعيش مثله فكان كذلك. وانظر: "ديوان كثير عزة" ص 33. (¬1) انظر: "شرح الطيبة" للنويري 2/ 96 و"الجامع لأحكام القرآن" آل عمران 12، 13. (¬2) "الكشاف" 1/ 370. (¬3) في (ر): الاختصار. (¬4) "البحر المحيط" 2/ 411. (¬5) في "السنن": قال: (¬6) "الإصابة" 2/ 143 و 6/ 45.

الأشرف (من ظفرتم به من رجال يهود) احترازًا من نسائهم وصغارهم؛ فإنهم لا يقتلون (فاقتلوه، فوثب محيصة) بن مسعود الأنصاري الأوسي (على سنينة) (¬1) بضم السين المهملة وفتح النون الأولى، قال السهيلي (¬2): كأنه تصغير سن. وقال ابن هشام (¬3) في اسمه: سبينةُ بالباءِ بدل النون الأولى كأنه مصغر تصغير الترخيم من سبنية قال صاحب "العين" السبنية ضرب من الثياب (¬4). وسنينة (رجل من تجار) بضم التاء مع تشديد الجيم وتكسيرها مع التخفيف (يهود) المأمور بقتلهم و (كان يلابسهم) -رواية: رئيسهم -أي: يخالطهم ويتابعهم ويشاربهم (فقتله) محيصة غيلة (وكان) أخوه (حويصة) بضم الحاء المهملة وفتح الواو وتشديد المثناة تحت، ويقال بسكونها تصغير حوصة، قال السهيلي: من حصت الثوب إذا خيطه (¬5) (إذ ذاك لم يسلم) بعد (وكان أسن من محيصة) لكن سبقه إلى الإسلام، وكان شهد أحدًا والخندق وأرسله النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل فدك يدعوهم إلى الإسلام وهو الذي استفتى رسول ¬

_ (¬1) اختلفت نسخ أبي داود في ضبط هذِه الكلمة على ثلاثة أوجه أحدها سُنَيْنَةَ وهو من (ص، ك) الثاني: شُبَيْبَة. من (ح)، والثالث: شُيَيْبَةَ. من (ع) أما في (ظ) فرسمت الكلمة رسما شبببة. انظر: حاشية الشيخ عوامة على "السنن" (2995). (¬2) "الروض الأنف" 5/ 295. (¬3) هكذا في "الروض الأنف" والذي في "سيرة ابن هشام" الجزء الحادي عشر ص (723) عَلَى ابن سُنَيْنَة، قَالَ ابن هِشَامٍ: وَيُقَالُ سُبَيْنَة. (¬4) في (ر، ع): النبات والمثبت من "النهاية" لابن الأثير 2/ 847، و"المحكم" 8/ 528 و"المحيط في اللغة" 2/ 268، و"لسان العرب" 13/ 203. (¬5) "الروض الأنف" 5/ 295.

الله - صلى الله عليه وسلم - في أجرة الحجام فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدما ألح عليه في المسألة: "اعلفه ناضحك واجعله في كرشك"، وذلك أن أبا طيبة الحجام كان له عبدًا له وقد تقدم ذكر اسمه. (فلما قتله جعل حويصة يضربه ويقول) له (أي) بسكون الياء حرف نداء أي: يا (عدو الله) قال ذلك لأنه كان كافرًا (أم) حذفت ألفها والأصل: أما، وهي التي يستفتح بها الكلام (والله) وهي تكثر قبل القسم (¬1) كقول الشاعر: أما والذي أبكى وأضحك والذي ... أمات وأحيا والذي أمره الأمر وروى ابن إسحاق في "السيرة": فقال حويصة - وكان كافرًا - لأخيه محيصة: أقتلت كعب بن يهوذا؟ قال: نعم، قال حويصة: أم والله (لرب شحم) قد نبت (في بطنك من ماله) زاد ابن إسحاق (¬2): إنك للئيم، فقال له محيصة: لقد أمرني بقتله من لو أمرني بقتلك لقتلتك، فعجب من قوله، ثم ذهب عنه متعجبًا، فذكروا أنه جعل يستيقظ من الليل، فتعجب من قول أخيه محيصة حتى أصبح وهو يقول: والله إن هذا الدين، ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأسلم (¬3). [3003] (حدثنا قتيبة، حدثنا الليث، عن سعيد بن أبي سعيد) المقبري (عن أبيه) سعيد بن كيسان المدني، كان جارًا للمقبرة، (عن ¬

_ (¬1) في (ر): المقسم. (¬2) "الروض الأنف" 5/ 294. (¬3) سقط من (ع).

أبي هريرة قال: بينا) وفي رواية: بينما بزيادة الميم (نحن) معشر الصحابة (في المسجد) فيه فضيلة الجلوس في المسجد للاعتكاف (إذ خرج إلينا) لفظ مسلم: إذ خرج علينا (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: انطلقوا إلى يهود) أي: انطلقوا بنا إلى معشر يهود، قال (فخرجنا معه حتى جئناهم) (¬1) لفظ البخاري (¬2): حتى جئنا بيت المدراس، يعني: البيت الذي يدرسون فيه كتبهم ومفعال من أبنية المبالغة، وهو غريب في المكان (فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فيهم (فناداهم، فقال: يا معشر يهود أسلموا تسلموا) أي: ادخلوا في دين الإسلام طائعين تسلموا من القتل والسبي مأجورين، وفيه دليل على استعمال الجناس وهو من أنواع البلاغة والفصاحة، قال النووي: معنى أسلموا أريد أن تعترفوا بأني قد بلغت ما أوحي إلي (¬3). (فقالوا) لفظ مسلم (¬4): قالوا: (قد بلغت) ما أوحي إليك (يا أبا القاسم) قال القرطبي: هي كلمة مكر ومداجاة ليدافعوه بما توهموه (¬5) ظاهرها، وذلك أن ظاهرها يقتضي أنه قد بلغ رسالة ربه تعالى، ولذلك قال (فقال [لهم] رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أسلموا تسلموا، فقالوا: قد بلغت يا أبا القاسم، فقال: ذلك أريد) أي: التبليغ، فقالوا ذلك وقلوبهم منكرة مكذبة، قال: ويحتمل أن يكونوا قالوا ذلك خوفًا منه ¬

_ (¬1) في (ر): جئنا بهم. (¬2) (3167). (¬3) "شرح مسلم" للنووي 12/ 90. (¬4) (1765) وفيه: فقالوا. (¬5) هكذا في الأصول وفي "المفهم" للقرطبي يوهمه. وهو الصواب.

وطيبة لقلبه عليهم (¬1). (ثم قال) المرة (الثالثة) زاد مسلم: فقال: (اعلموا أنما الأرض) الرفع أرجح أي: ملكها (لله) لفظ البخاري: إن الأرض لله (ورسوله) وفي رواية: ولرسوله يعني ملكًا وحكمًا، ويعني بها أرضهم التي كانوا فيها أعلمهم بهذِه اللفظة أنه يجليهم منها ولا يتركهم فيها، وأن ذلك حكم الله تعالى فيهم (وإني أريد أن أجليكم) بضم الهمزة وسكون الجيم (من هذِه الأرض) التي أنتم بها (فمن وجد منكم بماله [شيئا فليبعه]) (¬2) يحتمل أن يكون كان لهم عهد على نفوسهم وأموالهم التي يتبعونها لا على المقام في أرضهم، ولذلك أجلاهم منها وهؤلاء هم يهود بني قينقاع وبنو حارثة ويهود المدينة المذكورون في الحديث. وأخذ بعضهم من هذا الحديث أن بيع المكره في حق وجب عليه ماضٍ لا رجوع فيه كما لو توجه على إنسان دين وله مال، وامتنع من البيع والوفاء منه؛ فإن للحاكم أن يبيع ماله ويوفي دينه وله أن يكره على البيع بما يراه (وإلا فاعلموا أنما الأرض لله ورسوله) ملكًا وحكمًا يجليهم عنها إذا شاء، وإنما قال لهم ذلك لأنهم حاربوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وفيه دليل على أن من نقض العهد بالمحاربة جاز قتله وإخراجه من أرض الإسلام، وكذا إذا عاونوا أهل الحرب (¬3). * * * ¬

_ (¬1) "المفهم" للقرطبي 11/ 104. (¬2) من "السنن". (¬3) "المفهم" 11/ 105.

23 - باب في خبر النضير

23 - باب في خبَرِ النَّضيرِ 3004 - حدثنا محَمَّد بْنُ داوُدَ بْنِ سفْيانَ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مالِكٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحابِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ كفّارَ قُرَيْشٍ كَتَبوا إِلَى ابن أبيٍّ وَمَنْ كانَ يَعْبُد مَعَهُ الأوْثانَ مِنَ الأوسِ والخَزْرَجِ وَرَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يومَئِذٍ بِالَمدِينَةِ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ: إِنَّكُمْ آوَيْتُمْ صاحِبَنا وِإنَّا نُقْسِمُ باللهِ لَتُقاتِلُنَّهُ أَوْ لَتُخْرِجنَّة أَوْ لَنَسِيرَنَّ إِلَيْكمْ بِأَجْمَعِنا حَتَّى نَقْتُلَ مُقاتِلَتَكمْ وَنَسْتَبِيحَ نِساءَكمْ. فَلَمّا بَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أبيٍّ وَمَنْ كانَ مَعَه مِنْ عَبَدَةِ الأوثانِ اجْتَمَعوا لِقِتالِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ النبي - صلى الله عليه وسلم - لَقِيَهمْ فَقالَ: "لَقَدْ بَلَغَ وَعِيد قُرَيْشٍ مِنْكم المَبالِغَ، ما كانَتْ تَكِيدُكُمْ بِأَكْثَرَ مِمّا تُرِيدُونَ أَنْ تَكِيدُوا بِهِ أَنْفُسَكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُقاتِلوا أَبْناءَكمْ وإخْوانَكُمْ". فَلَمَّا سَمِعوا ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - تَفَرَّقوا فَبَلَغَ ذَلِكَ كفّارَ قرَيْشٍ فَكَتَبَتْ كفّار قُرَيْشٍ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ إِلَى اليَهودِ إِنَّكمْ أَهْل الحَلْقَةِ والحصُونِ وَإنَّكُمْ لَتُقاتِلُنَّ صاحِبَنا أَوْ لَنَفْعَلَنَّ كَذا وَكَذا، وَلا يحُول بَينَنا وَبَينَ خَدَمِ نِسائِكُم شَيْءٌ -وَهيَ الخَلاخِيل- فَلَمّا بَلَغَ كِتابهم النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَجْمَعَتْ بَنو النَّضِيرِ بِالغَدْرِ فَأَرْسَلوا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: اخرجْ إِلَينا في ثَلاثِينَ رَجلًا مِنْ أَصْحابِكَ وَلْيَخْرجْ مِنَّا ثَلاثونَ حَبْرًا حَتَّى نَلْتَقيَ بِمَكانِ المَنْصَفِ فَيَسْمَعوا مِنْكَ. فَإنْ صَدَّقوكَ وَآمَنوا بِكَ آمَنّا بِكَ فَقَصَّ خَبَرَهمْ فَلَمّا كانَ الغَدُ غَدَا عَلَيْهِمْ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالكَتائِبِ فَحَصَرَهمْ فَقالَ لَهُمْ: "إنَّكُمْ والله لا تَأْمَنُونَ عِنْدي إلَّا بِعَهْدِ تُعاهِدُوني عَلَيهِ" .. فَأَبَوْا أَنْ يُعْطوهُ عَهْدًا فَقاتَلَهمْ يَوْمَهُمْ ذَلِكَ ثُمَّ غَدَا الغَدُ عَلَى بَني قُرَيْظَةَ بِالكَتائِبِ وَتَرَكَ بَني النَّضِيرِ وَدَعاهمْ إِلَى أَنْ يُعاهِدُوهُ فَعاهَدُوهُ فانْصَرَفَ عَنْهُمْ وَغَدا عَلَى بَني النَّضِيرِ بِالكَتائِبِ فَقاتَلَهمْ حَتَّى نَزَلوا عَلَى الجَلاءِ فَجَلَتْ بَنو النَّضِيرِ واحْتَمَلوا ما أَقَلَّتِ الإِبِلُ مِنْ أَمْتِعَتِهِمْ وَأَبْوابِ بيُوتِهِمْ وَخَشَبِها فَكانَ نَخْلُ بَني النَّضِيرِ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خاصَّةً أَعْطاهُ الله إِيَّاها وَخَصَّهُ بِها فَقالَ: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} يقول بِغَيْرِ

قِتالٍ فَأَعْطَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أكثَرَها لِلْمُهاجِرِينَ وَقَسَمَها بَيْنَهُمْ وَقَسَمَ مِنْها لِرَجلَيْنِ مِنَ الأنصارِ وَكانا ذَوي حاجَةٍ لَم يَقْسِم لأحدٍ مِنَ الأنصارِ غَيْرَهُما، وَبَقيَ مِنْها صَدَقَة رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - التي في أَيْدي بَني فاطِمَةَ رضي الله عنها (¬1). 3005 - حدثنا محَمَّدُ بْن يحْيَى بْنِ فارِسٍ، حدثنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا ابن جُرَيْجٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ يهُودَ بَني النَّضِيرِ وَقُرَيْظَةَ حارَبُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَنجلَى رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَني النَّضِيرِ وَأَقَرَّ قُرَيْظَةَ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ حَتَّى حارَبَتْ قُرَيْظَةُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَتَلَ رِجالَهُمْ وَقَسَمَ نِساءَهُمْ وَأَوْلادَهمْ وَأَمْوالَهمْ بَيْنَ المُسْلِمِينَ إِلا بَعْضَهُمْ لِحَقُوا بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَمَّنَهُمْ وَأَسْلَموا وَأَجْلَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يهُودَ المَدِينَةِ كُلَّهُمْ: بَني قَيْنُقاعَ وَهُمْ قَوْمُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلامٍ هودَ بَني حارِثَةَ وَكُلَّ يهُوديٍّ كانَ بِالَمدِينَةِ (¬2). * * * باب في خبر النضير [3004] (حدثنا محمد بن داود بن سفيان) مقبول (¬3) (حدثنا عبد الرزاق) بن همام (أنبأنا معمر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -) ولا تضر جهالة الصحابي؛ فإن الصحابة كلهم عدول مرضيون عند ربهم (¬4) (أن كفار قريش) الذين بمكة (كتبوا إلى) عبد الله (ابن أبي) بن سلول [اسم ¬

_ (¬1) رواه البيهقي في "السنن الكبرى" 9/ 232، وفي "دلائل النبوة" 3/ 178 - 179. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2656). (¬2) رواه البخاري (4028)، ومسلم (1766). (¬3) "التقريب" (5868). (¬4) "التمهيد" 22/ 47.

أمه] (¬1) وقيل: جدته. (ومن كان معه) رواية: يعبد معه (يعبد الأوثان من الأوس والخزرج) وهما قبيلتان من الأنصار وجميع الأنصار الأوس والخزرج، والخزرج في اللغة الريح الباردة (¬2). (ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذٍ) أي: يوم كتبوا إلى ابن أبي ابن (¬3) سلول (بالمدينة قبل وقعة بدر: إنكم) بكسر الهمزة؛ لأنها بعد [كتب وكتب] (¬4) وبالفتح، قال: ويجوز فتح الهمزة على حذف حرف الجر أي: بأنكم قد (آويتم) بمد الهمزة (صاحبنا) الذي من قريش [ ... ] (¬5) أي: ضممتموه إليكم وحطتموه بينكم، وسموه صاحبهم لأن كل من جالس شخصًا أو خالطه سمي صاحبه صديقًا أو عدوًّا (وإنا) بتشديد النون الأصل إننا بنونين (نقسم) بضم النون (بالله) تعالى (لتقاتلنه) بفتح لام جواب القسم وضم تاء المضارعة بعدها وضم اللام قبل نون التوكيد المشددة (أو لتخرجنه) بضم تاء المخاطبين والجيم الدالة على الواو المحذوفة بعدها، والتقدير: فتخرجونه (¬6) من المدينة (أو لنسيرن) بفتح النون والراء التي قبل نون التوكيد، والمراد أنهم كتبوا إليه إن لم ¬

_ (¬1) في الأصول: اسمه. والمثبت من "شرح مسلم" للنووي 15/ 167، و"أسد الغابة" 3/ 274 (3039). (¬2) "المحكم والمحيط الأعظم" 5/ 322. (¬3) سقط من (ر). (¬4) في (ع)، (ر): كيت وكيت. (¬5) في الأصول كلمة غير واضحة. (¬6) في (ر): لتخرجونه.

نقاتله أو نخرجه وإلا سرنا (إليكم بأجمعنا) بفتح الميم تأكيد لرفع توهم مجيء بعضهم دون بعض، فلما أكد بأجمع انتفي (¬1) هذا التوهم وتعين مسيرهم جميعهم (حتى نقتل مقاتلتكم) أي: نقتل (¬2) كل من يقاتل منكم (ونستبيح نساءكم) قال في "النهاية": أي نسبيهن وننهبهن ونجعلهن وذراريهن مباحًا لهم فلا تبعة عليهم في ذلك، يقال: أباحه يبيحه، واستباحه يستبيحه إذا جعله حلالًا (¬3). (فلما بلغ ذلك) الكتاب الذي من قريش إلى (عبد الله بن أبي) بالتنوين؛ لأن سلول ليست أمه كما تقدم. (ومن كان معه من عبدة الأوثان) الذين على موافقته (أجمعوا) رأيهم وعزمهم (لقتال النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما بلغ) أمر (ذلك) الكتاب (النبي) بالنصب أي: فلما وصل خبر ذلك الكتاب إلى النبي (- صلى الله عليه وسلم - لقيهم) بكسر القاف، (فقال) لهم: (لقد بلغ وعيد قريش) الكفار (منكم) كل (المبالغ) المهولة، وجمعه مؤذن بأن الخبر المهول من الخطوب الشديدة النكاية عند من لا شدة عنده ولا ثبات بمنزلة هجوم الرجال الدواهي عليه، وهي بلغت منه كل مبلغ ولقيت منه البرحا (¬4) يعني: الدواهي (¬5). فوالله (ما كانت) كفار قريش (تكيدكم) أي: تمكر بكم وتحاربكم (¬6) (بأكثر ¬

_ (¬1) في (ر): النفي. (¬2) في (ر): يقاتل. (¬3) "النهاية" 1/ 421. (¬4) وفي "النهاية": البرحين بتثليث الباء. (¬5) "النهاية" 1/ 403. (¬6) في (ر): تجازيكم.

مما تريدون أن تكيدوا) بفتح التاء أي: تخدعوها، والكيد الاحتيال، ولهذا سميت الحرب كيدًا لاحتيال الرجال فيها ([به أنفسكم] (¬1) أتريدون) هكذا أصله بهمزة الاستفهام (أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم؟ ) الذين أسلموا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن فيهم (¬2) من أبنائهم وإخوانهم (فلما سمعوا ذلك) القول (من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تفرقوا) عما كان اجتمعوا عليه (فبلغ ذلك كفار) بالنصب (قريش فكتبت كفار قريش بعد وقعة بدر إلى اليهود: إنكم أهل الحلقة) بفتح الحاء وسكون اللام هي السلاح تمامًا (¬3). وقيل: أراد بها الدروع خاصة؛ لأنها حلق مستديرة ومنه الحديث: "وإن لنا أغفال الأرض، والحلقة" (¬4). وأغفال الأرض هي المجهولة التي ليس فيها أثر تعرف به (¬5) (والحصون) جمع حصن وهو المكان الذي لا يقدر عليه؛ لارتفاعه (وإنكم لتقاتلن صاحبنا) كما تقدم (أو) والله (لنفعلن) بكم (كذا وكذا، ولا يحول بيننا وبين خدم) بفتح الخاء المعجمة والذال جمع خدمة كقصب جمع قصبة، والخدمة الخلخال (¬6). قال أبو عبيد: أصل الخدمة الحلقة المستديرة ومنه سمي الخلخال بفتح الخاء (¬7). ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، وأثبتناه من المطبوعة. (¬2) سقط من (ر). (¬3) هكذا في الأصول وفي "النهاية": عاما. (¬4) "غريب الحديث" لأبي عبيد 3/ 199، و"النهاية" 1/ 427. (¬5) "النهاية" 3/ 705. (¬6) "النهاية" 2/ 38. (¬7) "غريب الحديث" لأبي عبيد 4/ 31.

(نسائكم شيء وهي الخلاخيل) جمع خلخال كما تقدم (فلما بلغ كتابهم) بالرفع (النبي - صلى الله عليه وسلم - أجمعت) رواية: اجتمعت قبيلة (بنو النضير) من اليهود (بالغدر) برسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فأرسلوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أن (اخرج إلينا في ثلاثين رجلًا من أصحابك وليخرج منا) أيضًا (ثلاثون حبرًا) بفتح المهملة [وسكون الموحدة هو: العالم ومنه قوله تعالى: {وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ} (¬1). (حتى نلتقي بمكان المنصف) بفتح الميم] (¬2) وسكون النون وفتح الصاد المهملة بعدها فاء أي: نصف المسافة. وفي "النهاية": هو الموضع الوسط بين الموضعين (¬3). وفي رواية لغير المصنف: حتى نلتقي بمكان نصف بيننا وبينكم (¬4). (فيسمعوا منك) كلامك (فإن صدقوك) فيما جئت به (وآمنوا بك آمنا بك) رواية (فقص خبرهم، فلما كان الغد) بضم الدال وهو اليوم الذي يأتي بعد يومك إثره وأصله الغدو مثل فلس ولكن حذفت اللام وجعلت الدال حرف إعرابه، ومما جاء على الأصل قول عبد المطلب في القتل: لا يغلبن صليبهم ومحالهم غدوا محالك، والمحال بكسر الميم هو الكيد والقوة (¬5). (غدا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالكتائب) جمع كتيبة وهي القطعة العظيمة من الجيش، وتقع الكتيبة على نحو مائة إلى ألف ومنه الكتاب لاجتماع ¬

_ (¬1) المائدة: 44. (¬2) سقط من (ر). (¬3) "النهاية" 5/ 146. (¬4) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" 5/ 358. (¬5) "غريب الحديث" للخطابي 3/ 152.

الحروف المجموعة بعضها إلى بعض (¬1). قال الثعلبي (¬2) وغيره (¬3): فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثين من أصحابه وخرج إليه ثلاثون حبرًا من اليهود حتى إذا كانوا في براز من الأرض. قال بعض اليهود: كيف تخلصون إليه ومعه ثلاثون رجلًا من أصحابه كلهم يحب أن يموت قبله، فأرسلوا إليه كيف نفهم منك ونحن ستون رجلًا؟ اخرج إلينا في ثلاثة من أصحابك ونخرج إليك في ثلاثة من علمائنا فيسمعوا منك، فإن آمنوا بك آمنا كلنا وصدقناك، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثة من أصحابه وخرج ثلاثة من اليهود واشتملوا على الخناجر وأرادوا الفتك برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأرسلت امرأة ناصحة من بني النضير إلى أخيها وهو رجل مسلم من الأنصار فأخبرته بما أرادوا (¬4) بنو النضير من الغدر برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأقبل أخوها سريعًا حتى أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - فساره بخبرهم قبل أن يصل النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم، فرجع النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما كان من الغد غدا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالكتائب (فحصرهم) بفتح الحاء والصاد المهملتين أي: حاصرهم إحدى وعشرين ليلة. (فقال لهم) وهو في حصارهم: ([إنكم والله] (¬5) لا تأمنون عندي) أنتم وذراريكم من هذا الحصار (إلا بعهد) من الله ورسوله وميثاق ¬

_ (¬1) "النهاية" 4/ 253. (¬2) "الكشف والبيان" 9/ 268. (¬3) انظر: "تفسير الخازن" 7/ 56، و"تفسير البغوي" 8/ 68. (¬4) هكذا في الأصل، وفي "الكشف والبيان": أراد. (¬5) سقط من الأصل، والمثبت من المطبوعة.

(تعاهدوني (¬1) عليه، فأبوا أن يعطوه عهدًا) ولا ميثاقًا (فقاتلهم يومهم ذلك) أجمع فيه أن الأمر إذا اشتد في المحاصر من قاتلوه قاتلهم جميع النهار، ولا يقتصر على أوله وآخره. (ثم غدا) مَنْ في (الغد) بالنصب في باقي اليوم (علي بني قريظة) من اليهود (بالكتائب) التي كانت معه (وترك) حصار (بني النضير) وقتالهم لما رأى في ذلك من المصلحة حين رآهم أقرب إلى العهد والميثاق من بني قريظة (¬2) (ودعاهم إلى أن يعاهدوه فعاهدوه) على ما أرادوا منهم (¬3) (فانصرف عنهم وغدا) أيضًا (علي بني النضير بالكتائب) التي معه (فقاتلهم) وحاصرهم (حتى نزلوا على الجلاء) بفتح الجيم والمد، وهو الخروج من البلد حين خرب وحرق حتى ألقى الله الرعب في قلوبهم حتى خرجوا (فجلت) بفتح الجيم واللام المخففة (بنو النضير) يقال: جلا عن الوطن إذا خرج منه مفارقًا له (واحتملوا) فكان جلاؤهم أول حشر من المدينة (ما أقلت الإبل) أقلت بتشديد اللام أي: ما أطاقت الإبل التي لهم حمله (من أمتعتهم) وأموالهم (وأبواب بيوتهم وخشبها) بفتح الخاء والشين جمع خشب كقصب وقصبة والخشب بضمتين، وإسكان الثاني تخفيف (¬4)، قرأه أبو عمرو والكسائي (¬5)، وقيل: ¬

_ (¬1) ورد بعدها في الأصل: نسخة: تعاهدونني. (¬2) في الأصل: النضير. والمثبت الصواب. (¬3) في (ر): منها. (¬4) قال ابن الأثير في "النهاية" 2/ 86: وتُضَمُّ الشّين وتُسَكَّن تخفيفا. (¬5) قال القرطبي في "الجامع" 18/ 125: وقرأ قنبل وأبو عمرو والكسائي (خشْب) بإسكان الشين. وهي قراءة البراء بن عازب واختيار أبي عبيد؛ لأن واحدتها خشبة.

المضموم جمع المفتوح كالأسد بضمتين جمع أسد، ويحتمل أن يراد بالخشب غير الأبواب كالرفوف والصناديق ونحوها، واستثنى مما كان لهم أن يحملوه على إبلهم الحلقة وهي السلاح كما تقدم. قال ابن عباس: صالحهم على أن يحمل كل أهل ثلاثة أبيات على بعير ما شاؤوا من متاعهم ولنبي الله - صلى الله عليه وسلم - ما بقي من أموالهم فكانوا ينظرون إلى الخشبة يستحسنونها (¬1) أو العمود أو السقف فيهدمون بيوتهم حتى ينتزعوها حتى الأوتاد (¬2). (فكان نخل بني النضير) التي في أرضهم (لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة أعطاه الله) تعالى (إياها وخصه) الله تعالى (بها) يضعها حيث يشاء (فقال) تعالى: ({وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ}) أي: من أموال بني النضير ({فَمَا أَوْجَفْتُمْ}) أوضعتم وهو سرعة السير (¬3) ({عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ}) يعني: الإبل التي تحمل القوم وذلك أن بني النضير لما تركوا رباعهم وضياعهم طلب المسلمون من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقسمها بينهم كما فعل بغنائم خيبر فبين الله في هذِه الآية أنها مما لم يوجف عليه من خيل ولا ركاب. (يقول) أخذتموه (بغير قتال) منكم ولا قطعتم إليها شقة ولا نلتم في تحصيله مشقة، ولم يلقوا حربًا، وإنما كان بنو النضير على ميلين من المدينة فمشوا إليها مشيًا، ولم يركب إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان على جمل. ¬

_ (¬1) في (ر) بياض. (¬2) انظر: "تفسير الطبري" 23/ 268، "تفسير الخازن" 7/ 57، "تفسير البغوي" 5/ 53. (¬3) "النهاية" لابن الأثير 5/ 339، 431.

(فأعطى النبي - صلى الله عليه وسلم -) أي: قسم (أكثرها للمهاجرين وقسمها بينهم) أي قسمها بين المهاجرين؛ لأنهم لما قدموا المدينة شاطرتهم الأنصار ثمارهم فردوا المهاجرين على الأنصار ثمارهم ولم يعط الأنصار إلا ثلاثة نفر كانت بهم حاجة (وقسم منها لرجلين من الأنصار، وكانا ذوي) بفتح الذال والواو (حاجة) وهما سهل بن حنيف بن واهب الأوسي شهد بدرًا وثبت يوم أحد (¬1). وأبا دجانة سماك بن خرشة بفتح المعجمة والراء والشين، وقيل: سماك بن أوس بن خرشة الخزرجي [الساعدي وزادوا ثالثا وهو الحارث بن الصمة بن عمرو بن عتيك الخزرجي] (¬2) النجاري (¬3) وأعطى سعد بن معاذ بن النعمان الأشهلي سيد الأوس الذي اهتز لموته عرش الرحمن سيف ابن أبي الحقيق، وكان سيفًا له ذكر عندهم (¬4). (لم يقسم لأحد من الأنصار غيرهما) شيئًا (وبقي منها صدقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي في أيدي بني فاطمة) بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولدتها خديجة، وقريش بنت البيت قبل النبوة بخمس سنين، وهي أصغر (¬5) بناته وأولاد فاطمة الحسين والحسن ومحسن وأم كلثوم. [3005] (حدثنا محمد بن يحيى بن فارس) الذهلي (حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا) عبد الملك (بن جريج، عن موسى بن عقبة) مولى آل ¬

_ (¬1) انظر: "الإصابة" 3/ 198. (¬2) سقط من (ر). (¬3) انظر: "الإصابة" 7/ 119. (¬4) انظر: "الإصابة" 3/ 43. (¬5) سقط من (ر).

الزبير. (عن نافع، عن ابن عمر) رضي الله عنهما (أن يهود بني النضير) بفتح النون قبيلة كبيرة (وقريظة) في "الأنواء" (¬1): كانوا يزعمون أنهم من ذرية شعيب عليه السلام، [وهو يحتمل] (¬2)، فإنه كان من بني جذام (¬3) (حاربوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وكان سبب المحاربة الواقعة بينهم وبينه نقضهم العهد، أما بنو النضير فإنهم كانوا (¬4) دسوا إلى قريش وحضوهم على قتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودلوهم على العورة فأرسل إليهم محمد بن مسلمة أن اخرجوا من بلدي فلا تساكنوني بعد أن هممتم بما هممتم به من الغدر وقد أجلتم عشرًا، وأما قريظة فبمظاهرتهم الأحزاب على النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزاة الخندق، وكانت الكفار بعد الهجرة مع النبي على ثلاثة أقسام قسم وادعوهم على أن لا يحاربوه ولا يساعدوا عليه عدوًا وهم الطوائف اليهود الثلاثة: قريظة، والنضير، وقينقاع، وقسم حاربوه، ونصبوا له العداوة كقريش (¬5)، وقسم تركوه وانتظروا ما يؤول إليه أمره كطوائف من العرب. (فأجلى) أي: أخرج (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني النضير) وكان رئيسهم حيي ابن أخطب لما نقضوا العهد إلى الشام وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء ¬

_ (¬1) "الأنواء" كتاب لعبد الملك بن يوسف. (¬2) هكذا في الأصول و"الفتح" 7/ 471، ولعلها: وما هو بمحتمل؛ لأن سياق الكلام عند ابن حجر يدل على ذلك وها هو: وذكر عبد الملك بن يوسف في كتاب "الأنواء" له أنهم كانوا يزعمون أنهم من ذرية شعيب نبي الله عليه السلام وهو بمحتمل وأن شعيبا كان من بني جذام القبيلة المشهورة وهو بعيد جدا. انتهى. وقوله وهو بعيد جدا يدل على زيادة ما النافية في كلام ابن حجر والله أعلم. وانظر: "قلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب الزمان" تحت عنوان: القبيلة الثانية من قبائل بني سبأ. (¬3) في الأصول: حرام. والتصويب من "فتح الباري" 7/ 471. (¬4) و (¬5) سقط من (ر).

فيما خلا، وكان الله كتب عليهم الجلاء وكان جلاؤهم أول حشر حشر في الدنيا إلى الشام (وأقر (¬1) قريظة) في بلادهم حتى لم يحاربوه، ولم يعينوا بني النضير (ومن عليهم) بترك القتال (حتى حاربت قريظة) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (بعد ذلك) فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحاصرهم في سبع بقين من ذي القعدة في ثلاثة آلاف، وذكر ابن سعد أنه كان مع المسلمين ستة وثلاثين فرسًا (فقتل رجالهم) الذين قاتلوا. (وقسم نساءهم وأولادهم) الصغار حيث لم يقاتلوا ولا خرجوا للقتال، وفي قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - بني قريظة حين حاربوا دليل على أن من نقض العهد من العدو جاز قتله ولا خلاف فيه إذا حاربوا وعاونوا أهل الحرب. قال الأوزاعي: وكذا لو اطلع أهل الحرب على عورة المسلمين أو آووا عيونهم، وليس هذا نقضًا عند الشافعي (¬2)، وذكر ابن إسحاق عن عطية القرظي: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أمر أن يقتل من بني قريظة كل من أنبت، قال: وكنت غلامًا لم أنبت فخلوا سبيلي (¬3). وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - اصطفى من نسائهم ريحانة بنت عمرو بن خنافة (¬4)، وكانت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى توفي عنها، ولم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة واسمها ثباتة بفتح المثلثة ثم موحدة امرأة الحكم القرظي. ¬

_ (¬1) ورد بعدها في الأصل: نسخة معتمدة: (وأمن) بتشديد الميم. (¬2) "المفهم" 11/ 105، وانظر: "الأم" 4/ 186. (¬3) "الروض الأنف" 3/ 444. (¬4) في الأصول: خنافر. والمثبت من "الإصابة" 7/ 658؛ قال ابن حجر: ريحانة بنت شمعون بن زيد وقيل: زيد بن عمرو بن قنافة بالقاف أو خنافة بالخاء المعجمة وانظر: "الطبقات الكبرى" 8/ 129.

قال السهيلي: وفي قتلها دليل لمن قال: تقتل المرتدة من النساء أخذًا بعموم قوله عليه السلام: "من بدل دينه فاقتلوه"، ولا حجة لمن زعم من أهل العراق أن لا يقتل المرتدة لنهيه عليه السلام عن قتل النساء والولدان (¬1). (و) قسم (أموالهم بين المسلمين) القسمة الشرعية فخمس غنائمهم وقسمت للفارس ثلاثة أسهم: سهمان للفرس وسهم له، وهو أول فيء وقعت فيه السهمان وخمس (إلا بعضهم) بالنصب يعني: ثلاثة نفر من بني عمهم من هذيل، ثَعْلَبةَ بْنِ سَعْيةَ وَأُسَيدِ بْنِ سَعيةَ وأَسدِ بنِ عُبيد (¬2) (لحقوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فآمنهم) (¬3) بمد الهمزة أي جعلهم آمنين (وأسلموا) على يد النبي - صلى الله عليه وسلم -. (وأجلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهود المدينة كلهم بني) منصوب على البدلية (قينقاع) بفتح القاف وتسكين النون والأشهر فيها الضم، وكان بنو قينقاع أول من أخرج من المدينة وذكر الواقدي أن (¬4) إجلاءهم كان في شوال سنة اثنين يعني: بعد بدر بشهر ويؤيده ما روى ابن إسحاق بإسناد حسن عن ابن عباس قال: لما أصاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قريشًا يوم بدر جمع يهود بني قينقاع، فقال: يا معشر اليهود أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشًا، فقال: إنهم كانوا لا يعرفون القتال ولو قاتلتنا عرفت أنا الرجال، فأنزل الله {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ ¬

_ (¬1) "الروض الأنف" 3/ 444، وانظر: "السيرة الحلبية" 2/ 668. (¬2) "الروض الأنف" 1/ 369، "الإصابة" 1/ 52، 1/ 403، و"تاريخ دمشق" 29/ 115. وفي كتب السيرة: بني هدل. (¬3) ورد بعدها في الأصل: نسخة: فأمنهم. (¬4) سقط من (ر).

وَتُحْشَرُونَ} (¬1). وأغرب الحاكم فقال: إن إجلاء بني قينقاع وإجلاء بني النضير كان في زمن واحد. قال شيخنا ابن حجر: ولم يوافق على ذلك؛ لأن إجلاء بني النضير كان بعد بدر بستة أشهر على قول عروة أو بعد ذلك بمدة طويلة على قول ابن إسحاق (¬2). (وهم قوم عبد الله بن سلام) بتخفيف اللام، ولفظ البخاري (¬3): هم رهط عبد الله بن سلام، ولكونهم كانوا رهطه وقومه لما أسلم يوم قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة قبل ذلك استعمل يومئذٍ عليهم عبد الله وجمع أمتعتهم وما وجد في حصونهم من الحلقة والسلاح (¬4) والأثاث والثياب، فوجد فيها ألفًا وخمسمائة سيف وثلاثمائة درع وألفي رمح وخمسمائة ترس وجحفة (¬5). وفيه دليل على استحباب أنه من (¬6) كان كبير قوم في الجاهلية ثم أسلم وحسن إسلامه (¬7) أن يستعمل عليهم؛ لكونه أعرف بحالهم وأخبر بمصالحهم. (و) أجلا (يهود بني حارثة) بن الخزرج وهم بطن من الأنصار منهم رافع بن خديج (و) أجلا (كل يهودي كان) مقيمًا (بالمدينة) ويدخل في عموم (كل) المقيم والغريب والموافق لهم. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "سيرة ابن هشام" 1/ 555، "الروض الأنف" 2/ 411. (¬2) "فتح الباري" 7/ 332. (¬3) (4028). (¬4) سقط من (ر). (¬5) انظر: "عيون الأثر" 2/ 55. (¬6) سقط من (ر). (¬7) زاد هنا في (ر): على.

24 - باب ما جاء في حكم أرض خيبر

24 - باب ما جاءَ في حُكْم أَرْضِ خَيْبَرَ 3006 - حدثنا هارونُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبي الزَّرْقاءِ، حدثنا أَبي، حدثنا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عبَيدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قال: -أَحْسِبُه- عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قاتَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ فَغَلَبَ عَلَى النَّخْلِ والأرضِ وَأَلْجَأَهُمْ إِلَى قَصْرِهِمْ فَصالحَوهُ عَلَى أَنَّ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الصَّفْراءَ والبَيْضاءَ والَحلْقَةَ وَلَهُمْ ما حَمَلَتْ رِكابُهُمْ عَلَى أَنْ لا يَكْتُمُوا وَلا يغَيّبُوا شَيْئًا فَإِنْ فَعَلوا فَلا ذِمَّةَ لَهُمْ وَلا عَهْدَ فَغَيَّبُوا مَسْكًا لُحِيَى بْنِ أَخْطَبَ وَقَدْ كانَ قُتِلَ قَبْلَ خَيْبَرَ كانَ احْتَمَلَهُ مَعَهُ يَوْمَ بَني النَّضِيرِ حِينَ أجلِيَتِ النَّضِيرُ فِيهِ حلِيُّهُمْ قال: فَقالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِسَعْيَةَ: "أَيْنَ مَسْكُ حُيَى بْنِ أَخْطَبَ" .. قال: أَذْهَبَتْهُ الحروب والنَّفَقات. فَوَجَدُوا المَسْكَ فَقَتَلَ ابن أَبي الحقَيْقٍ وَسَبَى نِساءَهمْ وَذَرارِيهمْ وَأَرادَ أَنْ يجلِيَهُمْ فَقالُوا: يا مُحَمَّدُ دَعْنا نَعْمَلْ في هذِه الأرْضِ وَلَنا الشَّطْر ما بَدا لَكَ وَلَكمُ الشَّطْر. وَكانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعْطي كُلَّ امْرَأَةٍ مِنْ نِسائِهِ ثَمانِينَ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ وَعِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ شَعِير (¬1). 3007 - حدثنا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، حدثنا يَعْقوبُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حدثنا أَبي، عَنِ ابن إِسْحاقَ، حَدَّثَني نافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عمَرَ قال: أَيها - النّاس إِنَّ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ عامَلَ يهودَ خَيْبَرَ عَلَى أنا نخْرِجُهُمْ إِذا شِئْنا فَمَنْ كانَ لَهُ مال فَلْيَلْحَقْ بِهِ فَإنّي مخْرِجٌ يهودَ. فَأَخْرَجَهُمْ (¬2). 3008 - حدثنا سُلَيْمان بْنُ داودَ المَهْريُّ أَخْبَرَني ابن وَهْب أَخْبَرَني أُسامَة بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثيُّ، عَنْ نافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عمَرَ قال: لّمَا افْتُتِحَتْ خَيْبَرُ سَأَلتْ يهودُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يقِرَهُم عَلَى أَنْ يَعْمَلُوا عَلَى النِّصْفِ مِمّا خَرَجَ مِنْها فَقالَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ¬

_ (¬1) رواه البيهقي في "السنن الكبرى" 6/ 114، 9/ 137، وفي "دلائل النبوة" 4/ 229 - 231. وحسن إسناده الألباني في "صحيح أبي داود" (2658). (¬2) رواه البخاري (2730) بنحوه.

"أُقِرُّكُمْ فِيها عَلَى ذَلِكَ ما شِئْنا". فَكائوا عَلَى ذَلِكَ وَكانَ التَّمْرُ يُقْسَمُ عَلَى السّهْمانِ مِنْ نِصْفِ خَيْبَرَ وَيَأْخُذُ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الخُمُسَ وَكانَ رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَطْعَمَ كُلَّ امْرَأَةٍ مِنْ أَزْواجِهِ مِنَ الخُمُسِ مِائَةَ وَسْقٍ تَمرًا وَعِشْرِينَ وَسْقًا شَعِيرًا، فَلَمّا أَرادَ عُمَرُ إِخْراجَ اليَهُودِ أَرْسَلَ إِلَى أَزْواجِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ لَهُنَّ: مَنْ أَحَبَّ مِنْكُنَّ أَنْ أَقْسِمَ لَها نَخْلًا بِخَرصِها مِائَةَ وَسْقٍ فَيَكُونَ لَها أَصْلها وَأَرْضها وَماؤها، وَمِنَ الزَّرْعِ مَزْرَعَة خَرْصٍ عِشْرِينَ وَسْقًا فَعَلْنا، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ نَعْزِلَ الذي لَها في الخُمُسِ كَما هوَ فَعَلْنا (¬1). 3009 - حدثنا داوُدُ بْن مُعاذٍ، حدثنا عَبْدُ الوارِثِ ح وَحَدَّثَنا يَعْقُوب بْنُ إِبْراهِيمَ وَزِياد بْن أَيّوبَ أَنَّ إِسْماعِيلَ بْنَ إِبْراهِيمَ حَدَّثَهُمْ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - غَزا خَيْبَرَ فَأَصَبْناها عَنْوَة فَجَمَعَ السَّبْي (¬2). 3010 - حدثنا الرَّبِيع بْنُ سُلَيْمانَ المُؤَذِّنُ، حدثنا أَسَد بْنُ مُوسَى، حدثنا يحيى بْن زَكَرِيّا، حَدَّثَني سُفْيانُ، عَنْ يحيى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بشَيْرِ بْنِ يَسارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أبي حَثْمَةَ قال: قَسَمَ رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ نِصْفَيْنِ نِصْفًا لِنَوائِبِهِ وَحاجَتِهِ وَنصْفًا بَيْنَ المُسلِمِينَ قَسَمَها بَيْنَهُمْ عَلَى ثَمانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا (¬3). 3011 - حدثنا حُسَين بْنُ عَليِّ بْنِ الأسوَدِ أَنَّ يحيى بْنَ آدَمَ حَدَّثَهمْ، عَنْ أبي شِهابٍ، عَنْ يحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسار أَنَّه سَمِعَ نَفَرًا مِنْ أَصْحابِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قالُوا فَذَكَرَ هذا الحَدِيثَ قال: فَكانَ النِّصْفُ سِهامَ المُسْلِمِينَ وَسَهْمَ رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1551). (¬2) رواه البخاري (371) ضمن حديث طويل، ومسلم بعد حديث (1801). (¬3) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/ 251، والطبراني 6/ 152 (5634)، والبيهقي 6/ 317، وابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 352 (1909). قال ابن عبد الهادي في "تنقيح التحقيق" 4/ 613: إسناده جيد. وقال الحافظ في "الفتح" 6/ 203: إسناده صحيح. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2662).

وَعَزَلَ النِّصْفَ لِلْمُسْلِمِينَ لمِا يَنُوبُهُ مِنَ الأمُورِ والنَّوائِبِ (¬1). 3012 - حدثنا حُسَين بْنُ عَليٍّ، حدثنا محَمَّد بْنُ فضَيْلٍ، عَنْ يحيى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسارٍ مَوْلَى الأنصارِ، عَنْ رِجالٍ مِنْ أَصْحابِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ قَسَمَها عَلَى سِتَّةٍ وَثَلاثِينَ سَهْمًا، جَمَعَ كلّ سَهْمٍ مِائَةَ سَهْمٍ فَكانَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَللْمُسلِمِينَ النِّصْف مِنْ ذَلِكَ، وَعَزَلَ النِّصْفَ الباقيَ لَمِنْ نَزَلَ بِهِ مِنَ الوفُودِ والأمُورِ وَنَوائِبِ النّاسِ (¬2). 3013 - حدثنا عَبْدُ اللهِ بْن سَعِيدٍ الكِنْديُّ، حدثنا أَبُو خالِدٍ -يَعْني: سُلَيْمانَ- عَنْ يحيى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْن يَسارٍ قال: لّمَا أَفاءَ الله عَلَى نَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ قَسَمَها عَلَى سِتَّةٍ وَثَلاثِينَ سَهْمًا جَمَعَ كُلُّ سَهْمٍ مِائَةَ سَهْم فَعَزَلَ نِصْفَها لِنَوائِبِهِ وَما يَنْزِلُ بِهِ الوَطِيحَةَ والكُتَيْبَةَ وَما أُحِيزَ مَعَهما وَعَزَلَ النِّصْفَ الآخَرَ فَقَسَمَهُ بَيْنَ المُسْلِمِينَ الشَّقَّ والنَّطاةَ وَما أُحِيزَ مَعَهما، وَكانَ سَهْم رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيما أحِيزَ مَعَهُما (¬3). 3014 - حدثنا محَمَّد بْن مِسْكِينٍ اليَماميُّ، حدثنا يحيى بْنُ حَسّانَ، حدثنا سُلَيْمانُ -يَعْني: ابن بِلالٍ - عَنْ يحيى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بشَيْرِ بْنِ يَسارٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لّمَا أَفاءَ الله عَلَيْهِ خَيْبَرَ قَسَمَها سِتَّةً وَثَلاثِينَ سَهْمًا جَمْعًا فَعَزَلَ لِلْمُسْلِمِينَ الشَّطْرَ ثَمانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا يجمَع كلُّ سَهْمٍ مِائَةً النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَهمْ لَه سَهْمٌ كَسَهْمِ أَحَدِهِمْ وَعَزَلَ رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَمانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَهُوَ الشَّطْرُ لِنَوائِبِهِ وَما يَنْزِل بِهِ مِنْ أَمْرِ المُسْلِمِينَ فَكانَ ذَلِكَ الوَطِيحَ والكتَيْبَةَ والسُّلالِمَ وَتَوابِعَها، فَلَمّا صارَتِ الأموالُ بِيَدِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - والمسْلِمِينَ لَمْ يَكنْ لَهمْ عمّالٌ يَكْفُونَهُمْ عَمَلَها، فَدَعا رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اليَهودَ فَعامَلَهُمْ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 9/ 138. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2663). (¬2) رواه أحمد 4/ 37، والبيهقي 6/ 317، 10/ 132، وابن عبد البر في "التمهيد" 6/ 452. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2664). (¬3) رواه البيهقي 6/ 317. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2665). (¬4) رواه ابن عبد البر في "التمهيد" 6/ 452. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2666).

3015 - حدثنا محَمَّد بْنُ عِيسَى، حدثنا مجَمِّعُ بْن يَعْقوبَ بْنِ مُجَمِّعِ بْنِ يَزِيدَ الأنصاريُّ قالَ: سَمِعْتُ أبي يَعْقوبَ بْنَ مجَمِّع يَذْكُرُ لي، عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ الأنصاريِّ، عَنْ عَمِّهِ مُجَمِّعِ بْنِ جارِيَةَ الأنْصاريِّ -وَكانَ أَحَدَ القرّاءِ الذِينَ قَرَؤوا القُرآنَ- قال: قسِمَتْ خَيْبر عَلَى أَهْلِ الحدَيْبِيَةِ فَقَسَمَها رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ثَمانِيَة عَشَرَ سَهْمًا وَكانَ الجَيْشُ ألفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فِيهِمْ ثَلاثُمِائَةِ فارِسٍ، فَأَعطى الفارِسَ سَهْمَيْنِ وَأَعْطَى الرّاجِلَ سَهْمًا (¬1). 3016 - حدثنا حُسَيْنُ بْنُ عَليٍّ العِجْليُّ، حدثنا يحيى -يَعْني: ابن آدَمَ- حدثنا ابن أَبي زائِدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنِ الزّهْريِّ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ أبي بَكْرٍ وَبَعْضِ وَلَدِ محَمَّدِ بْنِ مَسلَمَةَ قالُوا بَقِيَتْ بَقِيَّة مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ تحصّنُوا فَسَألوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَحْقِنَ دِماءَهُمْ وَيسَيِّرَهْم، فَفَعَلَ فَسَمِعَ بِذَلِكَ أَهْل فَدَكَ فَنَزَلُوا عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَكانَتْ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خاصَّة؛ لأنَّهُ لَمْ يُوجِفْ عَلَيْها بِخَيْل وَلا رِكابٍ (¬2). 3017 - حدثنا محَمَّد بْن يحيى بْنِ فارِسٍ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ محَمَّدٍ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ الزّهْريِّ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ المُسَيَّبِ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - افْتَتَحَ بَعْضَ خَيْبَرَ عَنْوَةً. قالَ أَبُو داوُدَ: وَقُرِئَ عَلَى الحارِثِ بْنِ مِسْكِينٍ وَأَنا شاهِد أَخْبَرَكمُ ابن وَهْب قالَ: حَدَّثَني مالِك، عَنِ ابن شِهابٍ أَنَّ خَيْبَرَ كانَ بَعْضها عَنْوَةً وَبَعْضُها صُلْحًا والكتَيْبَةُ أكثَرُها عَنْوَةً وَفيها صلْحٌ. قُلْت لمِالِك: وَما الكُتَيْبَة؟ قال: أَرْض خَيْبَرَ وَهيَ أَرْبَعونَ ألفَ عَذْقٍ (¬3). 3018 - حدثنا ابن السَّرْحِ، حدثنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَني يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابن شِهابٍ قال: بَلَغَني أَنَّ رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - افْتَتَحَ خَيْبَرَ عَنْوَة بًعْدَ القِتالِ وَنَزَلَ مَنْ نَزَلَ مِنْ ¬

_ (¬1) راجع السابق، وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (525). (¬2) رواه البيهقي 6/ 317. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (526). (¬3) رواه البيهقي 6/ 317، 9/ 138. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (527).

أَهْلِها عَلَى الَجلاءِ بَعدَ القِتالِ (¬1). 3019 - حدثنا ابن السَّرحِ، حدثنا ابن وَهْبٍ أَخْبَرَني يونس بْن يَزِيدَ، عَنِ ابن شِهابٍ قال: خمسَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ ثُمَّ قَسَّمَ سائِرَها عَلَى مَنْ شَهِدَها وَمَنْ غابَ عَنْها مِنْ أَهْلِ الحدَيْبِيَةِ (¬2). 3020 - حدثنا أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ قال: لَوْلا آخِر المُسْلِمِينَ ما فَتَحْتُ قَرَية إِلا قَسَمْتُها كَما قَسَمَ رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خيْبر (¬3). * * * باب في حكم أرض خيبر [3006] (حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء) الموصلي نزيل الرملة، ثقة (¬4). (حدثنا أبي) زيد بن أبي الزرقاء بالقاف الزاهد صدوق (¬5) (حدثنا حماد بن سلمة، عن عبيد الله بن عمر) بن حفص بن عاصم بن عمر ابن الخطاب (قال: أحسبه) قال (عن نافع، عن ابن عمر) رضي الله عنهما (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاتل أهل خيبر) قال البكري: سميت خيبر باسم رجل من العماليق نزلها (¬6) وهو خيبر بن قاينة بن داسة بن مهلائيل ¬

_ (¬1) رواه يحيى بن آدم في "الخراج" (18). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2667). (¬2) رواه أحمد 2/ 535. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2668). (¬3) رواه البخاري (2334). (¬4) "الكاشف" (5907). (¬5) "الكاشف" (1738). (¬6) سقط من (ر).

وبين خيبر والمدينة ثمانية برد (¬1). قال ابن سعد: غزوة خيبر في جمادى الأول سنة سبع من مهاجره ولما قاتل أهل خيبر قاتلوه أشد القتال قتلوا (¬2) من أصحابه، وقتل منهم جماعة كثيرة (¬3). (فغلب) بفتح الغين المعجمة واللام أهل خيبر، واستولى بالهزمة (على) شجر (النخل و) على (الأرض) التي لهم، (وألجأهم) بهمزة بعد الجيم (إلى قصرهم) أي اضطرهم قهرًا إليه وهو حصن منيع في رأس قُلَّةٍ لا يقدر عليه الخيل (¬4) (فصالحوه) ذكر المصالحة هنا بعد قوله: فغلب على النخل والأرض يدل على أن بعضها فتح عنوة وبعضها صلحًا (¬5). ¬

_ (¬1) "معجم ما استعجم" 2/ 521. (¬2) في (ر): قاتلوا. (¬3) "الطبقات الكبرى" 2/ 106. (¬4) في (ر): الجند. (¬5) انظر: "فتح الباري" 7/ 478. وقال ابن القيم في "الهدي" باب غزوة خيبر 3/ 291: ومن تأمل السير والمغازي حق التأمل تبين له أن خيبر إنما فتحت عنوة، وإن رسول الله استولى على أرضها كلها بالسيف عنوة ولو شيء منها فتح صلحا لم يجلهم رسول الله منها، فإنه لما عزم على إخراجهم منها قالوا: نحن أعلم بالأرض منكم دعونا نكون فيها ونعمرها لكم بشطر ما يخرج منها. وهذا صريح جدا في أنها إنما فتحت عنوة وقد حصل بين اليهود والمسلمين من الحرب والمبارزة والقتل من الفريقين ما هو معلوم، ولكنهم لما ألجئوا إلى حصنهم نزلوا على الصلح الذي ذكر أن لرسول الله الصفراء والبيضاء والحلقة والسلاح، ولهم رقابهم وذريتهم ويجلوا من الأرض فهذا كان الصلح ولم يقع بينهم صلح أن شيئا من أرض خيبر لليهود، ولا جرى ذلك البتة ولو كان كذلك لم يقل نقركم ما شئنا، فكيف يقرهم على أرضهم ما شاء أولا؟ وكان عمر أجلاهم كلهم من الأرض ولم يصالحهم أيضا على أن الأرض للمسلمين وعليها خراج يؤخذ منهم، هذا لم يقع فإنه لم يضرب على=

قال المنذري: الصحيح أن بعضها فتح صلحًا وبعضها عنوة وبعضها جلا أهلها (¬1) عنه. قال: وعليه تدل السنن الواردة في ذلك ويدفع التضاد عن الأحاديث. وقال ابن عبد البر: الصحيح في أرض خيبر كلها أنها فتحت عنوة مغلوب عليها (¬2). (على أن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصفراء والبيضاء) بالمد فيهما أي على الذهب والفضة (والحلقة) بسكون اللام وهي الدروع؛ لأن فيها الحلق (و) على أن يكون (لهم ما حملت ركابهم) بكسر الراء هي (¬3) المطي الواحدة راحلة من غير لفظها، و (على أن لا يكتموا) عنه (ولا يغيبوا) بتشديد المثناة تحت المكسورة (¬4) (شيئًا) من أموالهم غير الذهب والفضة والدروع (فإن فعلوا) ذلك (فلا ذمة لهم) عنده (ولا عهد) يجوز فيه فتح الدال بلا تنوين والرفع مع التنوين (فغيبوا) عنه (مسكًا) بفتح الميم وسكون السين المهملة هو الجلد كان فيه ذخيرة من صامت وحلي قومت بعشرة آلاف دينار، وكانت أولًا في مسك جمل ثم في مسك ثور، وكانت لا تزف امرأة إلا استعاروا لها ذلك الحلي، وفي حديث علي: ما كان فراشي إلا مسك أي جلد أصابه، ¬

_ =خيبر خراجا البتة فالصواب الذي لا شك فيه أنها فتحت عنوة والإمام مخير في أرض العنوة بين قسمها ووقفها وقسم بعضها ووقف البعض، وقد فعل رسول الله الأنواع الثلاثة فقسم قريظة والنضير ولم يقسم مكة وقسم شطر خيبر وترك شطرها. انتهى. (¬1) سقط من (ر). (¬2) "الدرر في اختصار المغازي والسير" (ص 201). (¬3) سقط من (ر). (¬4) سقط من (ر).

وكان هذا (¬1) المسك (لحيي بن أخطب) بسكون الخاء المعجمة عدو الله (وقد كان قتل) مبني للمفعول مع كعب بن أسد رأس القوم (قبل) وقعة (خيبر) في وقعة قريظة، ولما أتى بحيي بن أخطب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجموعة يداه إلى عنقه بحبل، فلما نظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أما والله ما لمت نفسي في عداوتك، ولكنه يخذل الله من يخذل، ثم أقبل على الناس فقال: يا أيها الناس إنه لا بأس بأمر الله كتاب وقدر وملحمة كتبت (¬2) على بني إسرائيل، ثم جلس فضربت عنقه (¬3). و(كان) حيي بن أخطب (احتمله معه) في (يوم) وقعة (بني النضير) وهذا هو الظاهر خلافًا لما في بعض النسخ احتمله معه إلى بني النضير (حين أجليت) أجلينا بضم الهمزة وكسر اللام بنو (النضير) وأجلي معهم وكان المسك المذكور (فيه حليهم) بضم الحاء وكسر اللام وتشديد الياء على الأشهر، وهو مما يتحلى به النساء ويتزينون. (قال) ابن عمر: (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لسعية) بفتح العين وسكون السين المهملتين ثم مثناة تحت ثم تاء تأنيث مفتوحة؛ لأنه غير منصرف؛ ابن عمرو (أين) استفهام عن (مسك حيي بن أخطب؟ ) عدو الله (قال: أذهبته الحروب) الكثيرة الواقعة (والنفقات) فيها، زاد أبو بكر البلاذري في هذا الخبر: فدفع سعيةَ بن عمرو رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الزبير فمسه بعذاب فقال: رأيت حييا يطوف في خربة هاهنا، فذهبوا إلى الخربة ¬

_ (¬1) جاء هنا في الأصول زيادة: (مبني للمفعول) وهي مقحمة. (¬2) في (ع): فكتب. (¬3) "دلائل النبوة" للبيهقي 4/ 71، "الروض الأنف" 3/ 444.

(فوجدوا المسك) الذي لحيي فيها (¬1)، وفي هذِه الزيادة دليل على تقرير المتهم بالعقوبة ونحوها حتى يقر على ما أخفاه عن الأمير (فقتل) بفتح القاف والتاء، يعني: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال الشيخ قطب الدين في "المورد العذب" (¬2): فأمر به الزبير بن العوام فقال: عذبه حتى تستأصل من عنده الباقي، ثم دفعه إلى محمد ابن مسلمة فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة (¬3). كنانة بن الربيع (ابن أبي الحقيق) بضم الحاء وفتح القاف الأولى مصغر. وفي رواية البلاذري المتقدمة ابني (¬4) أبي الحقيق وأحدهما زوج صفية بنت حيي ابن أخطب (¬5) بن سعية من بني إسرائيل من سبط هارون عليه السلام، وكان ¬

_ (¬1) "فتوح البلدان" 1/ 26. (¬2) قال حاجي خليفة في "كشف الظنون" 2/ 1012: قطب الدين: عبد الكريم بن محمد (عبد الكريم بن عبد النور) الحنفي الحلبي المتوفى: سنة 735، خمس وثلاثين وسبعمائة وكتابه "المورد العذب الهني في الكلام على سيرة عبد الغني". (¬3) تمام هذا السياق: وَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بكِنَانَةَ بْنِ الرّبِيعِ وَكَانَ عِنْدَهُ كَنْزُ بَنِي النّضِيرِ فَسَأَلَهُ عَنْهُ فَجَحَدَ أَنْ يَكُونَ يَعْرِفُ مَكَانَهُ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رجُلٌ مِنْ يَهُودَ فَقَالَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: إنّي رَأَيْت كِنَانَةَ يُطِيفُ بهذِه الخَرِبَةِ كُلّ غَدَاةٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِكِنَانَةَ: "أَرَأَيْت إنْ وَجَدْنَاهُ عِنْدَك أَأَقْتُلُك؟ " قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بالْخَرِبَةِ فَحُفِرَتْ فَأَخْرَجَ مِنْهَا بَعْضَ كَنْزِهِمْ، ثُمّ سَأَلَهُ عَمّا بَقِيَ فَأَبَى أَنْ يُؤدِيَهُ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الزّبَيْرَ بْنَ العَوّامِ فَقَالَ: عَذّبْهُ حَتّى تَسْتَأْصِلَ مَا عِنْدَهُ، فَكَانَ الزُّبَيْرُ يَقْدَحُ بِزَنْدِ فِي صَدْرِهِ حَتّى أَشْرَفَ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمّ دَفَعَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَى مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَضَرَبَ عُنُقَهُ بِأَخِيهِ مَحْمُودِ بْنِ مَسْلَمَةَ. انتهى من "السيرة النبوية" لابن هشام 2/ 336، "تاريخ الطبري" 2/ 34. (¬4) في (ر): ابن. (¬5) "فتوح البلدان" 1/ 26.

زوجها كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق الشاعر النضري فقتل عنها يوم خيبر (¬1). (وسبى نساءهم وذراريهم) بالنهب، وجعلهم عبيدًا وإماء، والسبية: المرأة المنهوبة فعيلة بمعنى مفعولة، كما تقدم. زاد البلاذري: وذلك للنكث الذي نكثوه، وللطبراني (¬2) من رواية ابن عباس: فأتي بالربيع وكنانة ابني أبي الحقيق وأحدهما عروس بصفية. (وأراد أن يجليهم) بأن يخرجهم من بلدهم (فقالوا: يا محمد دعنا نعمل) بجزم اللام جواب الأمر أي: إن تدعنا نعمل، ويجوز الرفع على الصفة لمحذوف تقديره: دعنا مقيمين عاملين لك (في هذِه الأرض) التي ملكتها منها ونحن عارفون بها وبمضارها ومنافعها (ولنا) من ريع الأرض (الشطر) يعني: النصف (ما) زمانية (بدا لك) أي: دعنا فيها مدة ما تريده (ولك) منها (الشطر) أي: نصف ما يخرج منها (وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطي كل امرأة من نسائه) التسع مما يحصل من تلك الأرض في كل سنة (ثمانين وسقًا) بفتح الواو مثل فلس، والوسق حمل بعير وهو ستون صاعًا (من تمر) يحصل من نخلها (وعشرين وسقًا من شعير) يحصل من زرعها. [3007] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا يعقوب بن إبراهيم) قال: (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد الزهري العوفي المدني (عن) محمد (بن إسحاق، حدثني نافع مولى عبد الله بن عمر، عن) مولاه (عبد الله بن عمر: أن) أباه (عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (قال) يا (أيها الناس إن رسول ¬

_ (¬1) "الطبقات الكبرى" 8/ 120. (¬2) في "الكبير" 11/ 382 (12068).

الله - صلى الله عليه وسلم - كان عامل يهود خيبر) بسؤالهم أي جعلهم عاملين في الأرض بما يحتاج إليه من عمارة وزراعة وتلقيح أشجار وحراسة وغير ذلك ولهم نصف ما يخرج منها، وشارطهم (على أن يخرجهم) منها (إذا شاء) ورواية: أنا نخرجهم إذا شئنا (فمن كان له مال) عند أحد من أهلها (فليلحق به) أي: فليتبعه يأخذه منه قبل أن يرتحل (¬1)، وهذا من عظم الشفقة والنصيحة (فإني مخرج يهود) من خيبر (فأخرجهم) قال الطبري: فيه أن على الإمام إخراج كل (¬2) من دان بغير دين الإسلام من كل بلد غلب عليها المسلمون عنوة إذا لم يكن بالمسلمين إليهم ضرورة كعمل الأرضين ونحو ذلك (¬3). [3008] (حدثنا سليمان بن داود) بن سعد (المهري) بفتح الميم نسبة إلى مهر بن جندان قبيلة كبيرة من قضاعة، قال النسائي: ثقة (¬4). وقال أبو عبيد الآجري: ذكر لأبي داود فقال: قل ما رأيت في فضله (¬5). (أنبأنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي، قال (أخبرني أسامة بن زيد الليثي) أخرج له والأربعة (عن نافع، عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما (قال: لما أفتتحت خيبر سألت يهود (¬6) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[أن يقرهم] على أن يعملوا) في أرض خيبر من أموالهم (على) شرط أن يكون لهم ¬

_ (¬1) في (ل): يرحل. (¬2) سقط من (ر). (¬3) "فتح الباري" 6/ 271، "عمدة القاري" 22/ 371. (¬4) "الكاشف " (2083). (¬5) "تهذيب الكمال" 11/ 409. (¬6) ورد بعدها في الأصل: نسخة: سألت اليهود.

(النصف مما) من كل شيء (خرج منها) من تمر أو زرع (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أقركم فيها على ذلك) الذي ذكرتم (ما شئنا) ولـ"الموطأ" (¬1): "أقركم ما أقركم الله". قال العلماء: وهو عائد إلى مدة العهد، والمراد: إنما نمكنكم من المقام من خيبر ما شئنا ثم نخرجكم إذا شئنا؛ لأنه كان - صلى الله عليه وسلم - عازمًا على إخراج الكفار من جزيرة العرب كما أمر به في آخر عمره، وكما دل عليه هذا الحديث وغيره. وقد تمسك به بعض أهل الظاهر على جواز المساقاة (¬2) إلى أجل مجهول، وجمهور الفقهاء مالك والشافعي وأكثر علماء المدينة على أنها لا تجوز إلا لأمدٍ معلوم وشرط الشافعية في المدة أن تدرك فيها الثمار غالبًا لسنة، وأن يقدر بمدة لا يثمر فيها لم يصح لعدم العوض كالمساقاة على ما لا يثمر، ولهذا لا يستحق أجره على الأصح، وتأولوا هذا الحديث وأمثاله على جواز ذلك كان في أول الإسلام، وكان خاصًّا بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما قال: أقركم ما أقركم ما شئنا، فعقد لهم هذا لإمكان النسخ في زمانه، ولأن ذلك راجعًا إلى عقد الصلح وقولهم [له: إنا نكفيكم] (¬3) العمل إنما كان منهم على سبيل إظهار المصلحة الشرعية في إبقائهم في تلك البلاد، فكأنهم قالوا: بقاؤنا فيها أنفع لكم من إخراجنا، وإن أخرجنا منها بقيت الأرض أو غالبها ¬

_ (¬1) رواية محمد بن الحسن (829). (¬2) في (ر): المسافة. (¬3) في (ر): لهم أن يكفيكم.

لا عامر لها (¬1)، فلما فهم المصلحة أجابهم إلى سؤالهم ووقفهم على مشيئته، وبعد ذلك عاملهم على عقد المساقاة (¬2). (فكانوا على ذلك) مدة (وكان التمر) بفتح المثناة وسكون الميم (يقسم على) حكم (السهمان) بضم السين جمع سهم ويجمع على سهام وأسهم، وأصل السهم الذي يضرب به في الميسر، ثم سمي ما يفوز به الفالح سهمًا، ثم كثر حتى سمي كل (¬3) نصيب سهمًا. والمعنى: أن التمر كان يقسم بالأسهم (من نصف) كذا رواية المصنف، ولمسلم: في نصف (خيبر، ويأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخمس) هذا يدل على أن خيبر فتحت عنوة؛ لأن السهمان كانت للغانمين، وقوله: يأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخمس أي: يدفعه إلى مستحقه وهم خمسة، الأصناف المذكورة في قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} فيأخذ لنفسه خمسا واحدًا ويصرف الأخماس الأربعة الباقية من الخمس أي الأصناف الأربعة الباقين. قال النووي: واعلم أن هذِه المعاملة كانت مع أهل خيبر برضا الغانمين وأهل السهمان (¬4). (وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أطعم كل امرأة من أزواجه من الخمس) الذي كان مختصًّا به (مائة وسق) بفتح الواو كما تقدم (تمرًا) منصوب على ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) "شرح مسلم" للنووي 10/ 211. (¬3) سقط من (ع). (¬4) "شرح مسلم" للنووي 10/ 212.

التمييز، ويجوز جره كما سيأتي، وفيه دليل على أن القسم مختص بالزوجات، وأنه يجب عليه العدل بين الزوجات في النفقة فيساوي بينهن (¬1) كما في الحديث (وعشرين وسقًا شعيرًا) ويجوز حذف التنوين وجر الشعير والوسق بالإضافة فنقول: مائة وسق تمر، وعشرين وسق شعير، ويجوز إن (¬2) نوى فيه من (¬3) تمر كما في رواية مسلم (¬4): كل سنة مائة وسق ثمانين وسقًا من تمر وعشرين وسقًا من شعير. ولما كان في الروايتين الحاصل من التمر أكثر من الشعير دل على أن بياض الأرض التي بخيبر الذي هو موضع الزرع أقل من شجر النخل، ويؤخذ منه دليل اشتراط أن يكون البياض في المزارعة أقل من مواضع الشجر؛ لأنه متبوع لا تابع، لكن الأصح أن كثير البياض مع عسر الإفراد كقليله للحاجة (فلما أراد عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- في خلافته (إخراج اليهود) والنصارى من أرض الحجاز إلى تيماء وأريحا؛ لأنهم لم يكن عهد من النبي - صلى الله عليه وسلم - على بقائهم بالحجاز دائمًا، بل كان ذلك موقوفًا على مشيئته (أرسل إلى أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لهن: من أحب منكن أن أقسم) بكسر السين (لها (¬5) نخلًا بخرصها) جار ومجرور أي: يحصل منها بحساب خرصها (مائة وسق) من التمر (فيكون لها أصلها ¬

_ (¬1) في (ر): بينهما. (¬2) في (ع): أنه. (¬3) سقط من الأصول والمعنى يدل عليها كما في رواية مسلم التي ذكرها الشارح دليلا على هذا الوجه. (¬4) "صحيح مسلم" (1551). (¬5) ورد بعدها في الأصل: نسخة: لهم.

وأرضها) التي بين الشجر (وماؤها) المعروف بها (و) يكون لها (من الزرع مزرعة) بفتح الميم والراء وهي الأرض التي يزرع فيها (خرص) بالإضافة أي: يحصل لها بالخرص (عشرين وسقًا فعلنا) ذلك لها (ومن أحب) منكن (أن نعزل) بفتح النون يعني: حقها (الذي لها) هو مستقر من الخمس (في الخمس كما هو) لا يتغير (فعلنا) لها ذلك. والمراد أن عدد الأوساق المائة على عدد أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، فمن اختارت منهن الأوساق التي لها ضمنها لها، ومن اختارت النخل التي يخصها أقطعها قدر ذلك لتتصرف تصرف المستغل لها [لا تصرف] (¬1) المالك، والله أعلم. [3009] (حدثنا داود بن معاذ) العتكي قانت لله نزل المصيصة (¬2). (حدثنا عبد الوارث، ح، وحدثنا يعقوب بن إبراهيم) الدورقي (وزياد ابن أيوب) الطوسي شيخ البخاري (أن إسماعيل بن إبراهيم) المعروف بابن (¬3) علية وهي أمه (حدثهم عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزا) قرية (خيبر) في جمادى الأولى سنة سبع من الهجرة وغزونا معه (فأصبناها عنوة) بفتح العين أي: قهرًا، وهذا صريح في الفتح عنوة، وكان أهلها عبيدًا له - صلى الله عليه وسلم -، فما أخذه فهو له، وما تركه فهو له، وتقدم أن الأصح أن بعضها فتح صلحًا، وبعضها عنوة، وبعضها جلا عنها أهله؛ لأنها كانت قرى كثيرة ¬

_ (¬1) في (ر): لانصراف. (¬2) "الكاشف" (1463). (¬3) في (ر): بأبي.

(فجمع) بضم الجيم مبني للمجهول (السبي) الحاصل من وقعة خيبر، [وكان فيه] (¬1) صفية بنت حيي، وعند ابن إسحاق أنها كانت تحت كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وسبي معها بنت عم لها، وعند غيره بنت عم زوجها. [3010] (حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن) المرادي المصري، مؤذن بجامع مصر صاحب الشافعي (¬2). (حدثنا أسد بن موسى) بن إبراهيم الأموي ويقال له: أسد السنة، قال النسائي: ثقة لو لم يصنف كان خيرًا له (¬3). (حدثنا يحيى بن زكريا) بن أبي زائدة ومات قبل شيخه سفيان (عن سفيان) بن عيينة (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري. (عن بشير) بضم الموحدة وفتح الشين المعجمة مصغر (ابن يسار) بالمثناة تحت والمهملة الحارثي الأنصاري (¬4). (عن سهل بن أبي حثمة) عبد الله الأنصاري شهد (¬5) أحدًا والحديبية (قال: قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ما يحصل من (خيبر نصفين) منصوب على الحال (نصفًا) بدل بعض من كل (لنوائبه) جمع نائبة وهي ما ينوب الإنسان أي: ينزل به من المهمات والحوادث مرة بعد (¬6) أخرى ¬

_ (¬1) في (ر): كانت. (¬2) الكاشف" (1534). (¬3) "تهذيب الكمال" 2/ 513. (¬4) "تهذيب الكمال" 31/ 305. (¬5) في (ر): عن. (¬6) سقط من (ر).

(وحاجته) (¬1) التي تعرض له (ونصفًا بين) من حضر من (المسلمين قسمها) أي: قسم سهمانها (بينهم على ثمانية عشر سهمًا) لأنها جميعًا ستة وثلاثون سهمًا كما سيأتي مع مزيد. [3013] (حدثنا عبد الله بن سعيد) بن حصين (الكندي) الكوفي أبو سعيد الأشج (¬2). (حدثنا أبو خالد [يعني] سليمان) بن حيان الأحمر (¬3) (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري. (عن بشير) بضم الموحدة كما تقدم (ابن يسار) الحارثي، وحديثه مرسل (قال: لما أفاء الله) تعالى (على نبيه) محمد - صلى الله عليه وسلم -بفتح (خيبر قسمها على ستة وثلاثين سهمًا جمع) بفتح الجيم والميم (كل سهم) من ذلك (مئة سهم) ووجهه أن كل نصف منها مقسوم على ألف وثمنمئة سهم، وكان أهل الحديبية ألفًا وأربعمائة والخيل مائتي فرس بأربعمئة سهم. قال ابن إسحاق: وكانت المقاسم (¬4) على أموال خيبر على الشق ونطاة والكتيبة، وكانت الشق ونطاة في سهمان المسلمين، وكانت الكتيبة في خمس الله تعالى، ثم قال: وكانت نطاة والشق ثمانية عشر سهمًا نطاة من ذلك خمسة أسهم، والشق ثلاثة عشر سهمًا، وقسمت ¬

_ (¬1) ورد بعدها في الأصل: نسخة: ولحاجته. (¬2) "التقريب" (3354). (¬3) "الكاشف" (2080). (¬4) في (ر): المغانم.

الشق ونطاة على ألف وثمنمئة وكانت عدة الذين قسمت عليهم خيبر ألفًا وثمانية [برجالهم وخيلهم] (¬1) الرجال أربع عشرة مئة والخيل مائتان لكل فرس سهمان وهذا أشبه من غيره (¬2). (فعزل نصفها لنوائبه) أي: في نفقات أهله (وما ينزل به) ويطرأ عليه وهو (الوطيحة) بفتح الواو وكسر الطاء المهملة وبعد الياء جاء مهملة، سمي بالوطيح بن مازن رجل من ثمود (¬3) (والكتيبة) بضم الكاف وفتح المثناة فوق مصغر وبعد الياء باء موحدة وهما حصنان من حصون خيبر (وما أحيز) [بضم الهمزة وكسر الحاء وبعد الياء زاي معجمة (معهما) من حصن السلالم ونحوه (وعزل النصف الآخر) بفتح الخاء (فقسمه بين) من حضر من (المسلمين؛ الشق) قال السهيلي: فتح الشين أعرف عند أهل اللغة كذلك قيده البكري وهو واد بخيبر به حصون ذوات عدد (¬4). (والنطأة) بفتح النون وسكون الطاء المهملة وفتح الهمزة بعدها وهو علم على حصن بخيبر كما في الشق وإدخال اللام عليهما كإدخالها على حارث وعباس كانت النطأة وصف لها غلب عليها وأصلها من النطا وهو البعد وفي رواية النطاة بفتح النون والطاء معها. ¬

_ (¬1) في الأصل: (رجالهم وخيل). والمثبت من كتب السيرة. انظر: "الروض الأنف" 4/ 94، و"السيرة" لابن كثير 4/ 322، "دلائل النبوة" للبيهقي 4/ 142، "عيون الأثر" 2/ 145. (¬2) "الروض الأنف" 4/ 94. (¬3) "الروض الأنف" 4/ 64. (¬4) "الروض الأنف " 4/ 79.

(وما أحيز] (¬1) معهما) من التوابع (وكان سهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) داخلًا (فيما أحيز معهما) وللمسلمين المقسوم عليهم، وسيأتي زيادة. [3011] (حدثنا حسين بن علي بن الأسود) العجلي الكوفي، قال أبو حاتم: صدوق (¬2)، وذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3). (أن يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي أحد الأعلام (¬4) (حدثهم عن أبي شهاب) عبد ربه بن نافع الكوفي نزيل المدائن، أخرج له مسلم وغيره (¬5) (عن يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار) مرسل أيضا (أنه سمع نفرًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا فذكر هذا الحديث) المذكور. و(قال) في هذا (فكان النصف) الحاصل من أموال خيبر هو (سهام) بالنصب خبر كان (المسلمين) المقسوم عليهم (وسهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) معهم كسهم أحدهم (وعزل) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (النصف) وهو ثمانية عشر سهمًا (للمسلمين) أي (لما ينوبه) أي يقصده ويطرأ له (من الأمور) المهمة والحوادث (و) سائر (النوائب) التي تنزل به مرة بعد أخرى من أمور المسلمين من الوفود الواردة عليه ونحوهم، وكان ذلك الوطيح والكتيبة والسلالم وتوابعها. [3012] (حدثنا حسين بن علي) العجلي (حدثنا محمد بن فضيل، عن يحيى بن سعيد) تقدم وما بعده (عن بشير بن يسار مولى الأنصار، ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) "الجرح والتعديل" 3/ 56. (¬3) "الثقات" 8/ 190 وقال: ربما أخطأ. (¬4) التقريب (7496). (¬5) "الكاشف " (3128).

عن رجال من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -) قال الشيخ قطب الدين في "المورد": بشير ابن يسار: ثقة، لكن اختلف عليه فيه، فبعض أصحاب يحيى قال فيه: عن بشير، عن سهل بن أبي حثمة، وبعضهم قال: إنه سمع نفرًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبعضهم قال فيه: عن رجال من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما ظهر على خيبر) بالغلبة (قسمها على ستة وثلاثين سهمًا جمع كل سهم مائة سهم) تقدم (فكان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وللمسلمين النصف من ذلك) وهو ثمانية عشر سهمًا كما تقدم (وعزل النصف الباقي) وهو ثمانية عشر سهمًا (لمن نزل) (¬1) به (من الوفود [والأمور]) الواردين عليه (ونوائب) المسلمين من (الناس) التي يحتاجون إليها. [3014] (حدثنا محمد بن مسكين) بن نميلة (اليمامي) شيخ الشيخين. (حدثنا يحيى بن حسان) التنيسي (¬2) أخرج له الشيخان (حدثنا سليمان يعني: ابن بلال، عن يحيى بن سعيد) الأنصاري. (عن بشير بن يسار) التابعي (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أفاء الله) تعالى (عليه) وفتحت (خيبر قسمها) على (ستة وثلاثين سهفا) كما تقدم (جُمَعَ) (¬3) الظاهر والله أعلم أنه بضم الجيم وفتح الميم وفتح العين غير منصرف للعدل والصفة، وهو تأكيد لضمير المؤنث الذي في ¬

_ (¬1) ورد بعدها في الأصل: نسخة: لمن ينزل. (¬2) التنيسي بكسر المثناة والنون الثقيلة وسكون التحتانية ثم مهملة. "التقريب" (7529). (¬3) هكذا ضبطت في طبعة عوامة: وقال في الحاشية: الضبط من: (س)، و (ع)، وحاشية (ك) وفي (ك) جمعا دون ضبط هل جمعا أو جمعاء.

قسمها العائد على الأموال، أي: قسم أموال خيبر جمع كما يقال: قام النساء جمع وشرط التأكيد بجمع وكل وأخواتهما أن يكون الموصوف ذو أجزاء يصح افتراقها (¬1) حسًّا أو حكمًا نحو: أكرمت القوم كلهم واشتريت الجارية كلها، بخلاف جاء زيد كله، ومعنى العدل في جمع أنه عدل به عن طريقة الجمع واختلف فيما عدل عنه، والأصح أنه عدل به عن جمع بسكون الميم؛ لأن جمع الجمع جمعاء مؤنث وقياس فعلا أفعل أن يجمع على فعل بضم الفاء وسكون العين مثل حمراء وحمر وخضراء وخضر؛ [لا أنه] (¬2) يجمع على فعل بفتح العين، فلما جمعت على فعل بالتحريك دون الإسكان علم أنها معدولة عن التحريك تخفيفًا. (فعزل للمسلمين) من ذلك (الشطر) يعني النصف وهو ثمانية عشر سهمًا كما تقدم (يجمع) مضارع جمع (كل) بالرفع فاعل يجمع (سهم مائة) بالتنوين أي: مائة سهم، و (النبي) بالرفع مبتدأ (- صلى الله عليه وسلم - معهم) في هذا النصف واله سهم كسهم أحدهم) بلا زيادة (وعزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمانية عشر سهمًا وهو الشطر) يصرفه (لنوائبه) أي يدخر لمهماته التي تحدث له كالوفود ونحوها (و) كذا (ما ينزل به من أمر المسلمين) كما تقدم (فكان ذلك) المعزول بلا قسمة هو (الوطيح والكتيبة) تقدما (والسلالم) (¬3) يجوز رفع الثلاثة، بضم السين المهملة وتخفيف اللام الأولى وكسر اللام الثانية. قال المنذري: ويقال له السلالم بفتح ¬

_ (¬1) في (ر): اقترانها. (¬2) في (ر): لأنه. (¬3) في (ك): والسلاليم.

السين حصن من حصون خيبر (وتوابعها) بالنصب هو وما قبله، قال ابن سيد الناس: فقد تضمن هذا أن المدخر للنوائب التي لم تقسم بين الغانمين هو الوطيح والسلالم الذي لم يجر لها في العنوة ذكر صريح والكتيبة التي كان بعضها صلحًا وبعضها عنوة، قال: وقد يكون غلب عليها حكم الصلح فلذلك لم تقسم فيما قسم فلم يبق لما تأوله أبو عمر وجه، ونص الخبر يعارضه. (فلما صارت الأموال بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين) و (لم يكن لهم عمال) عليها (يكفونهم) بسكون الواو (عملها) في الزراعة وما يحتاج إليه من المؤن وغير ذلك (فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اليهود فعاملهم) على الأرض ببعض ما يخرج منها. [3015] (حدثنا محمد بن عيسى) بن نجيح بن الطباع، روى له البخاري تعليقًا (¬1) (حدثنا مجمع) بضم الميم وفتح الجيم وتشديد الميم وكسرها (¬2)، قاله المنذري (ابن يعقوب بن مجمع بن يزيد الأنصاري) وثقه ابن سعد (¬3) (قال: سمعت أبي يعقوب بن مجمع) بن يزيد الأنصاري، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4) (يذكر عن عمه عبد الرحمن بن يزيد الأنصاري) قال (عن عمه مجمع بن جارية [الأنصاري]) بجيم ومثناة (¬5) تحت ابن عامر، أحد بني مالك بن ¬

_ (¬1) "التقريب" (6210)، "الكاشف" (5104). (¬2) انظر: "التقريب" (6487، 6490)، و"مغاني الأخيار" (580). (¬3) "الطبقات الكبرى" الجزء المتمم لتابعي أهل المدينة ومن بعدهم 1/ 468. (¬4) 7/ 642. (¬5) "فتح الباري" 3/ 189.

عوف، كان أبوه ممن اتخذ مسجد الضرار (وكان) مجمع غلامًا (¬1). وهو (أحد القراء الذين قرؤوا القرآن) على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا سورة أو سورتين (قال: قسمت خيبر على أهل الحديبية) بالتخفيف، وهذا هو المعروف أن غنائم خيبر كانت لأهل الحديبية من حضر الوقعة بخيبر ومن لم يحضرها، وكذا أهل السفينتين لم يشهدوا الحديبية ولا خيبر، وكانوا ممن قسم له من غنائم خيبر، وكذلك الدوسيون والأشعريون (فقسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ثمانية عشر سهمًا) كما تقدم (وكان الجيش ألفًا وخمسمائة فيهم ثلاثمائة فارس) والمشهور ما تقدم (فأعطى الفارس سهمين وأعطى الراجل سهمًا) واحدًا. زاد البخاري (¬2): فسره نافع فقال: إذا كان مع الرجل فرس فله ثلاثة أسهم، وإن لم يكن له فرس فله سهم، انتهى. وهذا مذهب الشافعي (¬3) -رضي الله عنه- ومن تابعه (¬4). [3016] (حدثنا الحسين بن علي العجلي، حدثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي (حدثنا) يحيى (بن أبي زائدة، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري وعبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري (وبعض ولد محمد بن مسلمة قالوا: بقيت بقية من أهل خيبر) كانوا قد (¬5) (تحصنوا) (¬6) في حصن فشدد عليهم الحصار (فسألوا ¬

_ (¬1) "الإصابة" 5/ 776. (¬2) (4228). (¬3) "الأم" 4/ 144. (¬4) "الحاوي" للماوردي 8/ 415، و"روضة الطالبين" 6/ 383. (¬5) سقط من (ر). (¬6) ورد بعدها في الأصل: نسخة: فتحصنوا منه.

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يحقن دماءهم) بأن يمنع الجيش من قتلهم وإراقة دمائهم (ويسيرهم) بتشديد المثناة تحت بعد السين أي: يمكنهم من السير والخروج من الحصن حيث شاؤوا (ففعل) ذلك لهم (فسمع بذلك أهل فدك) بفتح الفاء والدال المهملة بينهما وبين المدينة يومان، وحصنها يقال له: الشمروخ، وأكثر أهلها أشجع (¬1). (فنزلوا على مثل ذلك) بغير قتال (فكانت) أموال فدك وهي (¬2) على ثلاثة أميال من المدينة وأموال قريظة والنضير وهما من المدينة وقرى عربية (¬3) وينبع (¬4) (فكانت (¬5) لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة) وبيّن الله أن هذا المال الذي خصه بالرسول سهمانا لغير الرسول (¬6) (لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب) ولكن الله يسلط رسله على من يشاء. [3017] (حدثنا محمد بن يحيى بن فارس) (¬7) [الذهلي (أخبرنا عبد الله ابن محمد) بن أسماء بن عبيد الضبعي (¬8) البصري، أخرج له [مسلم (¬9) ¬

_ (¬1) "معجم ما استعجم" 3/ 1015. (¬2) في (ر): هو. (¬3) في الأصل: عيينة. وقد سبق ضبط هذا الاسم وبينا فيه وجوه الاختلاف، وأن هذا هو الراجح وليس فيه: عيينة. (¬4) في (ع): (وينبيع). والمثبت من "نهاية الأرب" للنويري 17/ 103. (¬5) سقطت من الأصل والمثبت من المطبوع. (¬6) انظر "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي سورة الحشر آية (7) وتمام كلامه: نظرا منه لعباده. (¬7) من أول هنا بدأ سقط من (ر). (¬8) بضم المعجمة وفتح الموحدة. "التقريب" (3577). (¬9) هذا يوهم أن عبد الله بن محمد أخرج له مسلم فقط وليس كذلك فقد أخرج له الشيخان. انظر: "الكاشف" (2948).

(عن) عمه (جويرية) بن أسماء بن عبيد الضبعي البصري أخرج له] (¬1) الشيخان (¬2) (عن مالك، عن) محمد بن شهاب (الزهري، أن سعيد بن المسيب) -رضي الله عنه- الذي قال الشافعي: إن مراسيله صحيحة؛ لأنها فتشت فوجدت مسانيد (¬3) (أخبره، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - افتتح بعض خيبر عنوة) بفتح العين بالقهر والغلبة، وهو من عنا إذا ذلَّ وخضع، فكأن المأخوذ بها يذل لآخذه ويخضع (¬4). وفي هذا الحديث والذي بعده دليل لمن قال: فتح بعضها عنوة وبعضها صلحًا؛ لأن خيبر كانت ذا قرى كثيرة. (قال المصنف: وقرئ على الحارث بن مسكين) الأموي، مولى مروان، قال الخطيب: كان ثبتًا في الحديث، فقيهًا على مذهب مالك حمله المأمون أيام المحنة إلى بغداد وسجنه؛ لأنه لم يجب إلى القول بخلق القرآن فلم يزلى محبوسًا إلى أن ولي المتوكل فأطلقه، فحدث ببغداد ورجع إلى مصر (¬5). (وأنا شاهد) عنده، فقال القارئ: (أخبركم) -رضي الله عنه- عبد الله (ابن وهب قال: حدثني مالك، عن ابن شهاب) مرسلا ¬

_ (¬1) سقط من (ع). (¬2) "الكاشف" (827). (¬3) انظر: "الكفاية" للخطيب ص (404)، "جامع التحصيل" ص (38). (¬4) "النهاية" لابن الأثير 3/ 598، و"شرح مسلم" للنووي 9/ 220، 12/ 164، و"عمدة القاري" 4/ 85. (¬5) "تاريخ بغداد" 8/ 216.

(أن) قرى (خيبر كان بعضها) فتحها (عنوة، وبعضها صلحًا) قال الشيخ قطب الدين في "المورد": أما من قال: إن أرض خيبر كان بعضها صلحًا وبعضها عنوة فقد وهم وغلط، وإنما دخلت عليه الشبهة بالحصنين اللذين أسلمهما أهلهما حقنا لدمائهم فلما لم يكن أهل ذينك الحصنين من الرجال والنساء والذرية مغنومين ظن: أن ذلك صلح قال أبو عمر: ولعمري إن في الرجال والنساء والذرية لضرب من الصلح ولكنهم لم يتركوا أرضهم إلا بالحصار والقتال فكان حكم أرضها كحكم سائر أرض خيبر كلها عنوة غثيمة مقسومة بين أهلها (¬1). (والكتيبة) قال في "النهاية": مصغر اسم لبعض قرى خيبر (¬2). (أكثرها) فتح (عنوة) بفتح العين، (وفيها) بعض (صلح) وفي "النهاية": يعني أنه فتحها قهرًا لا عن صلح (¬3). قال ابن وهب: (قلت لمالك: وما الكتيبة؟ قال: ) هي (أرض خيبر، وهي أربعون ألف عذق). بفتح العين المهملة وسكون الذال المعجمة، هي النخلة، وبكسر العين هي العرجون بما عليه من شماريخ، وتجمع على عذاق (¬4). [3018] (حدثنا) أحمد بن عمرو (بن السرح) شيخ مسلم (حدثنا) عبد الله (بن وهب، أخبرني يونس بن يزيد، عن) محمد (بن شهاب) ¬

_ (¬1) "الدرر في اختصار المغازي والسير" 1/ 215. (¬2) "النهاية" 4/ 253. (¬3) السابق. (¬4) "غريب الحديث" للخطابي 2/ 355، "عمدة القاري" 27/ 204.

الزهري. (قال: بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - افتتح) قرى (خيبر) جميعها (عنوة بعد) كثرة (القتال) وكذا رواه ابن إسحاق: أنه سأل ابن شهاب فأخبره (ونزل من نزل من أهلها على الجلاء) يعني: على الخروج منها إنما كان (بعد) وقوع (القتال) قال أبو عمر بعد ذكره: هذا هو الصحيح في أرض خيبر أنها كانت عنوة كلها مغلوبًا عليها، بخلاف فدك، انتهى. وعندنا أن الصحيح خلافه. [3019] (حدثنا [ابن السرح ثنا] (¬1) عبد الله (ابن وهب، أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب قال: [خمس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر]) (¬2) وكتب في سهم منها لله، وسائر السهمان أغفال وكان أول ما خرج سهم النبي - صلى الله عليه وسلم - (ثم قسم سائرها) أي: باقيها (على من شهدها) أي: شهد وقعتها (و) على (من غاب عنها من أهل الحديبية) وأصحاب السفينتين أخذوا من غنائم خيبر ولم يبين كيف أخذوا. [3020] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي، (عن مالك) بن أنس. (عن زيد بن أسلم) الفقيه العدوي (¬3) (عن أبيه) أسلم مولى عمر بن الخطاب، اشتراه عمر من سبي عين التمر (¬4). ¬

_ (¬1) سقط من الأصل والمثبت من مطبوع "السنن". (¬2) سقط من (ع). (¬3) في الأصل: الغمري والمثبت من مصادر الترجمة. انظر: "التقريب" (2117). (¬4) "تهذيب الكمال" 2/ 529 و"تهذيب التهذيب" 1/ 233، "تاريخ دمشق" 8/ 347.

قال ابن إسحاق: سنة إحدى عشرة (¬1) (عن عمر -رضي الله عنه- قال: لولا) زاد البخاري (¬2): أن أترك (آخر المسلمين) ببانًا [ليس لهم شيء] (¬3) وبَبَّانًا بموحدتين مفتوحتين الثانية منهما ثقيلة وبعد الألف نون، كذا للأكثر (¬4). قال الطبري: معناه: لولا أن أتركهم فقراء معدمين لا شيء لهم، أي: على طريقة واحدة متساويين في الفقر (¬5). وروى الدارقطني في "غرائب مالك". عن عمر قال: لئن بقيت إلى آخر الحول لألحقن أسفل الناس بأعلاها (¬6). (ما فتحت قرية إلا قسمتها) بينهم (كما قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر) وزاد البخاري (¬7) في إحدى الروايتين: لكني أتركها خزانة لهم يقتسمونها، أي: يقتسمون خراجها كل سنة ينتفعون به مع بقاء الأصل. ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 2/ 530. (¬2) (4235). (¬3) في الأصل كلمة غير واضحة، والمثبت من "صحيح البخاري" (4235). (¬4) "النهاية" 1/ 222، "الفائق" للزمخشري 1/ 71. (¬5) "عمدة القاري" 26/ 90، و"فتح الباري" 1/ 84. (¬6) "فتح الباري" 7/ 490. (¬7) (4235).

25 - باب ما جاء في خبر مكة

25 - باب ما جاء في خَبرِ مكَّةَ 3021 - حدثنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حدثنا يَحْيَى بْن آدَمَ، حدثنا ابن إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عامَ الفَتْحِ جاءَهُ العَبّاسُ بْن عَبْدِ المُطَّلِبِ بِأَبي سُفْيانَ بْنِ حَرْبِ فَأَسْلَمَ بِمَرِّ الظَّهْرانِ فَقالَ لَهُ العَبّاسُ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبا سُفْيانَ رَجُلٌ يُحِبُّ هذا الفَخْرَ فَلَوْ جَعَلْتَ لَهُ شَيْئًا. قالَ: "نَعَمْ مَنْ دَخَلَ دارَ أَبي سُفْيانَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بابَهُ فَهُوَ آمِنٌ" (¬1). 3022 - حدثنا مُحَمَّد بْن عَمْرِو الرّازيُّ، حدثنا سَلَمَةُ -يَعْني: ابن الفَضْلِ- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنِ العَبّاسِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قال: لمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ الظَّهْرانِ قالَ العَبّاسُ: قلْتُ: والله لَئِنْ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ عَنْوَةً قَبْلَ أَنْ يَأتُوهُ فَيَسْتَأْمِنُوهُ إِنَّهُ لَهَلاكُ قُرَيْشٍ فَجَلَسْتُ عَلَى بَغْلَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ لَعَليّ: أَجِدُ ذا حاجَةٍ يَأتي أَهْلَ مَكَّةَ فَيُخْبِرُهُمْ بِمَكانِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِيَخْرُجُوا إِلَيْهِ فَيَسْتَأمِنُوهُ فَإِنّي لأسِيرُ إِذْ سَمِعْتُ كَلامَ أَبي سُفْيانَ وَبُدَيْلِ بْنِ وَرْقاءَ، فَقُلْتُ: يا أَبا حَنْظَلَةَ فَعَرَفَ صَوْتي فَقالَ أَبُو الفَضْلِ: قُلْتُ: نَعَمْ. قال: ما لَكَ فِداكَ أبي وَأُمّي قُلْتُ: هذا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - والنّاسُ. قال: فَما الحِيلَةُ، قال: فَرَكِبَ خَلْفي وَرَجَعَ صاحِبهُ فَلَمّا أَصْبَحَ غَدَوْتُ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَسْلَمَ قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبا سُفْيانَ رَجُلٌ يُحِبُّ هذا الفَخْرَ فاجْعَلْ لَهُ شَيْئًا. قالَ: "نَعَمْ، مَنْ دَخَلَ دارَ أَبي سُفْيانَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ دارَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ دَخَلَ المَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ" .. قال: فَتَفَرَّقَ النّاسُ إِلَى ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة 20/ 482 (38078)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 1/ 364 (486)، والطبراني في "الكبير" 8/ 9 (7264)، والبيهقي 9/ 118، والضياء في "المختارة" 11/ 151 (140). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2670).

دُورِهِمْ وَإِلَى المَسْجِدِ (¬1). 3023 - حدثنا الحَسَنُ بْنُ الصَّبّاحِ، حدثنا إِسْماعِيلُ -يَعْني: ابن عَبْدِ الكَرِيمِ- حَدَّثَني إِبْراهِيمُ بْنُ عَقِيلِ بْنِ مَعْقِلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قالَ: سَأَلْتُ جابِرًا هَلْ غَنِمُوا يَوْمَ الفَتْحِ شَيْئًا؟ قال: لا (¬2). 3024 - حدثنا مُسْلِمُ بْن إِبْراهِيمَ، حدثنا سَلَّامُ بْنُ مِسْكِينٍ، حدثنا ثابِتٌ البُنانيُّ، ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَباحٍ الأنْصاريِّ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لّمَا دَخَلَ مَكَّةَ سَرَّحَ الزُّبَيْرَ بْنَ العَوّامِ وَأَبا عُبَيْدَةَ بْنَ الجَرّاحِ وَخالِدَ بْنَ الوَلِيدِ عَلَى الخَيْلِ وقالَ: "يا أَبا هُرَيْرَةَ اهْتِفْ بِالأَنْصارِ" .. قال: اسْلُكوا هذا الطَّرِيقَ فَلا يُشْرِفَنَّ لَكمْ أَحَدٌ إِلَّا أَنَمْتُمُوهُ. فَنادى مُنادٍ: لا قُرَيْشَ بَعْدَ اليَوْمِ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ دَخَلَ دارًا فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَلْقَى السِّلاحَ فَهُوَ آمِنٌ" .. وَعَمَدَ صَنادِيدُ قُرَيْشٍ فَدَخَلُوا الكَعْبَةَ فَغَصَّ بِهِمْ وَطافَ النَّبىُّ - صلى الله عليه وسلم - وَصَلَّى خَلْفَ المَقامِ ثُمَّ أَخَذَ بِجَنْبَتَى البابِ فَخَرَجُوا فَبايَعُوا النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الإِسْلامِ. قالَ أَبُو داوُدَ: سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَل سَأَلهُ رَجُلٌ قال: مَكَّةَ عَنْوَةً هيَ؟ قال: أَيْشٍ يَضُرُّكَ ما كانَتْ؟ قال: فَصُلْحٌ؟ قال: لا (¬3). باب ما جاء في خبر مكة [3021] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا) عبد الله (بن إدريس) الأودي الكوفي (¬4) (عن محمد بن إسحاق، عن ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 9/ 118. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2671). (¬2) رواه البيهقي 9/ 121. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2672). (¬3) رواه مسلم (1780) مطولا. (¬4) "التقريب" (3207).

الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بن مسعود الفقيه الأعمى. (عن ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) زاد البزار (¬1): لما نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمر الظهران وقد عميت الأخبار على قريش، فلم يأتهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبر قال العباس: وا صباح قريش! والله لئن دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة عنوة قبل أن يستأمنوه إنه لهلاك قريش آخر الدهر، فخرجت على بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: لعلي أجد بعض الحطابة أو صاحب لبن أو ذا حاجة يأتي مكة فيخبرهم بمكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيستأمنوه قبل أن يدخلها عنوة، قال: فوالله إني لأسير عليها إذ سمعت كلام أبي سفيان، فعرفت صوته، فقلت: يا أبا حنظلة. فعرف صوتي فقال: ما لك فداك أبي وأمي؟ فقلت: ويحك يا أبا سفيان، هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الناس، واصباح قريش. قال: فما الحيلة؟ قلت: لئن ظفر بك ليضربن عنقك، فاركب معي هذِه البغلة حتى آتي بك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأستأمنه لك، فركب خلفي، فحركت به، فدخلت على رسول الله ودخل عمر، فقال: يا رسول الله هذا أبو سفيان عدو الله قد أمكن الله منه من غير عقد ولا عهد، فدعني فلأضرب عنقه. فقلت: يا رسول الله، إني أجرته. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اذهب به إلى رحلك، فإذا أصبح فائتني به"، فذهبت به إلى رحلي، فبات عندي، فلما أصبح غدوت به على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟ ! " فقال: بأبي وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك، ¬

_ (¬1) لم أجده عند البزار في "المسند".

لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى عني شيئًا. فقال العباس: ويحك يا أبا سفيان! أسلم قبل أن تضرب عنقك، قال: فشهد شهادة الحق وأسلم. (عام الفتح) سنة ثمان من الهجرة (جاءه) عمه (العباس بن عبد المطلب بأبي سفيان) صخر (بن حرب) بن أمية، والد معاوية ويزيد وعتبة، من أشراف قريش، (فأسلم) وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله (بمر) بفتح الميم وتشديد الراء ويجوز ضمها (الظهران) بفتح الظاء المعجمة، بينه وبين مروة البيت ستة عشر ميلًا. قال سعيد (¬1) بن المسيب: كانت منازل عك بمر الظهران، وقال كثير عزة: سميت مرًّا لمرارتها (¬2). (فقال له العباس: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل يحب [هذا] الفخر، فلو جعلت له شيئا) فيه فخر. (قال: نعم) كل (من دخل دار أبي سفيان) بن حرب (فهو آمن) وهي بأعلى مكة، وروى الطبراني (¬3) من رواية أبي ليلى فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وبحك يا أبا سفيان قد جئتكم بالدنيا والآخرة فأسلموا"، وكان العباس صديقًا له فقال له العباس: يا رسول الله، إن أبا سفيان يحب الصوت فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مناديًا ينادي بمكة (ومن أغلق عليه بابه فهو آمن) ومن ألقى سلاحه فهو آمن. ¬

_ (¬1) إلى هنا انتهى السقط من (ر). (¬2) "معجم ما استعجم" 4/ 1212، و"الروض المعطار" 1/ 531. (¬3) "المعجم الكبير" 7/ 76 (6419).

وذكر الطبراني (¬1) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجه حكيم بن حزام مع أبي سفيان بعد إسلامهما إلى مكة وقال: "من دخل دار حكيم فهو آمن"، وهي من أسفل مكة، وسيأتي له مزيد. [3022] (حدثنا محمد بن عمرو) بن بكر التميمي العدوي (الرازي) شيخ مسلم (حدثنا سلمة بن الفضل) الأنصاري الأبرش بالموحدة والشين المعجمة مثل الأبرص وزنًا ومعنى، قال محمد بن سعد: كان ثقة صدوقًا وهو صاحب مغازي محمد بن إسحاق، روى عنه "المبتدأ والمغازي" (¬2) (عن محمد بن إسحاق) صاحب "المغازي"، (عن العباس بن عبد الله بن معبد) بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي المدني، وثقه ابن معين، وقال أحمد: ليس به بأس (¬3) (عن بعض أهله) كان هو يروي عن أخيه إبراهيم فلعله هو؛ فإنه روى عن ابن عباس أيضًا، وأخرج لإبراهيم النسائي وابن ماجه (¬4). (عن ابن عباس قال: لما نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر الظهران) بسكون الهاء والراء في مر الظهران يتغير بوجوه الإعراب، وقال بعضهم: هي بفتح الراء على كل حال مثل حضرموت. وقال أبو بكر الهمداني: ظهران وادٍ قرب مكة، وعنده قرية يقال لها: مر، ينسب إلى هذا الوادي، وبمر الظهران عيون (¬5) كثيرة ونخيل لأسلم وهذيل. ¬

_ (¬1) في "المعجم الكبير" 8/ 6 (7263). (¬2) "الطبقات الكبرى" 7/ 381. (¬3) "تهذيب التهذيب" 5/ 106. (¬4) "تهذيب الكمال" 2/ 130. (¬5) في (ر): عنوة.

(قال العباس) بن عبد المطلب (قلت: والله لئن دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة عنوة) بفتح العين، أي: قهرًا وغلبة (قبل أن [يأتوه] فيستأمنوه إنه لهلاك) بفتح اللام والهاء (قريش) زاد الطبراني: [آخر الدهر (فجلست على بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) زاد الطبراني، (¬1): البيضاء فخرجت عليها حتى جئت الأراك (فقلت: لعلي أجد) زاد الطبراني: بعض الحطابة أو صاحب لبن أو (ذا حاجة يأتي أهل مكة فيخبرهم بمكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليخرجوا إليه فيستأمنوه) (¬2) زاد الطبراني قبل أن يدخلها عنوة، قال: فوالله (فإني لأسير) زاد الطبراني: عليها وألتمس ما خرجت له سيرًا (إذ سمعت كلام أبي سفيان) صخر بن حرب (وبديل) بضم الباء الموحدة وفتح الدال مصغر (ابن ورقاء) بفتح الواو وسكون الراء وتخفيف القاف وبالمد ابن عمر بن عبد العزى الخزاعي، وكان من كبار مسلمة الفتح، وتوفي قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3). زاد الطبراني: وهما يتراجعان وأبو سفيان يقول: ما رأيت كاليوم قط نيرانًا ولا عسكرًا، قال: يقول بديل: هذِه والله نيران خزاعة حسها الحرب، قال: يقول أبو سفيان: واللهِ خزاعة أذل وألأم من أن تكون هذِه نيرانها وعسكرها، قال: فعرفت صوته (فقلت) لأبي سفيان (يا أبا حنظلة، فعرف صوتي، فقال: أبو الفضل؟ قلت) له (نعم، فقال: ما لك فداك) بكسر الفاء والمد وبفتحها مع القصر (أبي وأمي) يراد به الإكثار ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) ورد بعدها في الأصل: نسخة: فيخرجوا. (¬3) "الإصابة" 1/ 275.

والتعظيم؛ لأن الإنسان لا يفدي إلا من يعظمه فيبذل نفسه له، وأصله فكاك الأسير. (قلت: ) زاد الطبراني: ويحك يا أبا سفيان (هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس) زاد الطبراني: وا صباح قريش والله (قال: فما الحيلة) فداك أبي، زاد الطبراني: قلت: لئن ظفر بك ليضربن عنقك فاركب معي هذِه البغلة حتى آتي بك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأستأذنه لك (قال: فركب) أبو سفيان (خلفي ورجع صاحبه) وللطبراني: رجع صاحباه فحركت به كلما مررت بنار من نار المسلمين. قالوا: من هذا؟ فإذا رأوا بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا: عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته، حتى مررت بنار عمر بن الخطاب فقال: من هذا وقام إلي، فلما رأى أبا سفيان على عجز البغلة قال: أبو سفيان عدو الله، والحمد لله الذي أمكن الله منك بغير عقد ولا عهد، ثم خرج [أيشتد نحو] (¬1) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وركضت البغلة فسبقته بما تسبق الدابة الرجل البطيء، فاقتحمت عن البغلة فدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودخل عمر فقال: يا رسول الله هذا أبو سفيان عدو الله قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد، فدعني فلأضرب عنقه. فقلت: يا رسول الله إني أجرته، ثم جلست إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: لا والله لا يناجيه الليلة أحد دوني. قال: فلما أكثر عمر في شأنه قلت: مهلًا يا عمر، أما والله لو كان من رجال بني عدي بن كعب ما قلت هذا، ولكنك عرفت أنه من رجال بني عبد مناف. قال: مهلًا يا عباس فوالله لإسلامك يوم أسلمت أحب إليه من إسلام ¬

_ (¬1) في (ر): ينشد.

الخطاب، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله من إسلام الخطاب، فقال رسول الله: "اذهب به إلى رحلك يا عباس فإذا أصبح فائتني به"، فذهبت به إلى رحلي فبات عندي. (فلما أصبح غدوت به على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) زاد الطبراني: فلما رآه رسول الله قال: "ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تشهد أن لا إله إلا الله؟ " قال: بأبي أنت وأمي ما أكرمك وأحلمك (¬1) وأوصلك، [لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى عني شيئا قال: "ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟ " قال: بأبي أنت وأمي ما أكرمك وأحلمك وأوصلك] (¬2) هذِه والله كان في النفس منها شيء حتى الآن. قال العباس: ويحك يا أبا سفيان أسلم واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله قبل أن يضرب عنقك، قال: فشهد شهادة الحق (فأسلم قلت: يا رسول الله، إن أبا سفيان يحب هذا الفخر فاجعل له شيئًا) يفتخر به بين قومه، (قال: نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق) بفتح الهمزة واللام (عليه داره فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن) فلما ذهب لينصرف ثم ذكر الطبراني الحديث بطوله (¬3) ورجاله رجال الصحيح (¬4). قال ابن عبد البر: فكان هذا أمانًا منه - صلى الله عليه وسلم - لكل من لم يقاتل من أهل ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) سقط من (ر). (¬3) "المعجم الكبير" 8/ 9 (7264). (¬4) "مجمع الزوائد" 6/ 242.

مكة، ولهذا قال جماعة من أهل العلم منهم الشافعي رحمه الله: إن مكة مُؤَمَّنَةٌ ليست عنوة والأمان كالصلح، ورأى أن أهلها مالكون رباعهم فلذلك كان يجيز كراءها لأربابها؛ لأن من آمن فقد حرم ماله ودمه وذريته وعياله، فمكة مُؤَمَّنَةٌ عند من قال هذا القول إلا الذين استثناهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر بقتلهم وإن وجدوا متعلقين بأستار الكعبة، قال: وأكثر أهل العلم يرون أن مكة فتحت عنوة؛ لأنها أخذت بغلبة الخيل والركاب، إلا أنها مخصوصة بأن لا يجري فيها قسم غنيمة ولا يسبى من أهلها أحد لعظم شرف حرمتها (¬1). (قال: فتفرق الناس) حين سمعوا كلامه (إلى دورهم وإلى المسجد) الحرام آمنين إن شاء الله. [3023] (حدثنا الحسن بن الصباح) البزار (¬2) (حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم) بن معقل بن منبه الصنعاني، أخرج له ابن ماجه في التفسير، قال أحمد بن سعد عن ابن معين: ثقة رجل صدق (¬3) (حدثني إبراهيم بن عقيل) بفتح العين (ابن معقل) بفتح الميم وكسر القاف (ابن منبه) بفتح النون وتشديد الموحدة اليماني (¬4) وثقه العجلي (¬5). (عن أبيه) عقيل بكسر القاف بن معقل وثقه أحمد، وقال: كان قد قرأ ¬

_ (¬1) "الدرر في اختصار المغازي والسير" ص (230). (¬2) "التقريب" (1251). (¬3) في (ر): قال: وانظر: ترجمته في "تهذيب الكمال" 3/ 138. (¬4) في (ر)، (ع): اليمامي. والمثبت من (ل) و"تهذيب الكمال" 20/ 240. (¬5) في "الثقات" ص 202 (30).

التوراة والإنجيل والقرآن (¬1). (عن) عمه (وهب بن منبه) الصنعاني أخو همام (قال: سألت جابرًا -رضي الله عنه-: هل غنموا يوم الفتح) بمكة (شيئًا؟ قال: لا) لم يغنموا مالًا فهو نكرة في معرض النفي، فيعم كل مال قليلًا كان أو كثيرًا، عقارًا كان أو غيره، وذكر الحاكم في "الإكليل" عن عبيد بن عمير قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة: "لم تحل لنا غنائم مكة". ثم قال: قال الواقدي: فذكرت ذلك لمحمد بن يعقوب بن عتبة فقال: إني سمعت أبي يقول: لم يغنم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة شيئًا، وكان يبعث بالسرايا من الحرم وعرفة والحل فيغنمون ويرجعون إليه. واستقرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح من ثلاثة نفر من قريش: من صفوان بن أمية خمسين ألف درهم، ومن عبد الله بن أبي ربيعة (¬2) أربعين ألف درهم، ومن حويطب بن عبد العزى أربعين ألف درهم، فكانت مائة وثلاثين ألفًا فقسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أصحابه من الضعف فيصيب الرجل الخمسين درهم أو أقل من ذلك أو أكثر، ومن ذلك المال (¬3) بعث إلى جذيمة ذكره الحاكم (¬4). [3024] (حدثنا مسلم بن إبراهيم) قال (حدثنا سلام) بتشديد اللام، ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال " 20/ 240. (¬2) في (ل) و (ع): زمعة والمثبت من (ر) ومن كتب السيرة. (¬3) سقط من (ر). (¬4) "مغازي الواقدي" 2/ 863، وأخرجه من طريقه البيهقي في "الدلائل" 4/ 58 وانظر: "السيرة الحلبية" 3/ 58.

قال المصنف: هو لقب، واسمه سليمان (بن مسكين) بن ربيعة الأزدي المري، روى له الجماعة سوى الترمذي (¬1). (حدثنا ثابت (¬2) البناني) بضم الموحدة (عن عبد الله بن رباح) بفتح الراء والموحدة (الأنصاري، عن أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما دخل مكة) أدام الله شرفها في شهر رمضان (سرح) بفتح المهملات وتشديد الراء أي: أرسل، قال المنذري: يقال: سرحت فلانًا بالتخفيف (¬3) إلى موضع كذا وكذا إذا أرسله (الزبير بن العوام) [ولمسلم (¬4): بعث الزبير] (¬5) على أحد المجنبتين وهما الميمنة والميسرة، ويكون القلب بينهما (وأبا عبيدة) عامر بن عبد الله (بن الجراح) أمين الأمة أحد المشهود لهم بالجنة، وفي مسلم: وبعث أبا عبيدة على الحسر بضم الحاء وتشديد السين المهملتين أي: الذين لا دروع لهم وهو جمع حاسر (¬6). (وخالد بن الوليد) وللطبراني مرسلًا (¬7): قسم النبي - صلى الله عليه وسلم - الخيل شطرين، فبعث الزبير وردفه خالد بالجيش من أسلم وغفار وقضاعة، وبعث سعد بن عبادة بين يديه في كتيبة الأنصار (على الخيل) أي على كتيبة الخيل. (وقال: يا أبا هريرة اهتف) بوصل الهمزة وكسر التاء (بالأنصار) أي: ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 12/ 294. (¬2) في (ر): سالم، والمثبت من (ع). (¬3) هكذا في الأصل ولعلها بالتشديد. (¬4) (1780). (¬5) سقط من (ر). (¬6) "النهاية" 1/ 957. (¬7) "المعجم الكبير" 8/ 6 (7263).

نادهم وادعهم يقال: هتف به هتافًا إذا صاح به ودَعَاه (¬1). ودعاؤه (¬2) للأنصار دون غيرهم؛ لأن المهاجرين كانوا حوله حاضرين معه لم يحتج إلى دعائهم، هاما ليظهر لهم شدة اعتنائه بهم وتعويله عليهم. (قال: اسلكوا هذا الطريق) رواية: املكوا هذِه، ولمسلم (¬3): فأخذوا بطن الوادي أي: جعلوا طريقهم في بطن الوادي، قال: (فلا يشرفن) بضم الياء وكسر الراء وتشديد نون التوكيد (لكم أحد) من مشركي مكة (إلا أنمتموه) بفتح النون، قال الفراء: النائمة الميتة، ويقال: نامت الريح سكنت كما قالوا: ضربه حتى سكت أي: مات (¬4). زاد مسلم: فما أشرف لهم يومئذٍ أحد إلا أناموه أي: قتلوه، فوقع على الأرض وصيروه كالنائم. قال النووي: وهذا محمول على من أشرف لهم مظهرًا للقتال (¬5). (فنادى منادٍ) ولمسلم: قال أبو سفيان: أبيحت خضراء قريش (لا قريش بعد اليوم) ومعنى أبيحت: استؤصلت بالقتل فلا وجود لقريش بعد هذِه الوقعة، وذلك لما رأى أبو سفيان من هول الأمر والغلبة والقهر والاستيلاء عليهم (¬6). قال القرطبي: وهذا الحديث نص لمالك على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخلها ¬

_ (¬1) "النهاية" 5/ 552. (¬2) سقط من (ر). (¬3) (1780). (¬4) "شرح مسلم" للنووي 12/ 133، وانظر: "النهاية" 5/ 273. (¬5) "شرح مسلم" للنووي 12/ 131. (¬6) "المفهم" 11/ 131.

عنوة وقهرًا، قال: وهو الذي صار إليه جمهور العلماء والفقهاء ما عدا الشافعي؛ فإنه قال: فتحت صلحًا، واعتذر عنه بعض أصحابه في ذلك بأن قال: أراد الشافعي بقوله: إنه (¬1) - صلى الله عليه وسلم -: دخل مكة صلحًا أي: فعل فيها فعل من صالح فملكهم أنفسهم وأموالهم وأراضيهم (¬2). (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من دخل دارًا فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن) اتفق العلماء على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما دخل مكة أمن أهلها ولم يغنمهم وترك أموالهم وذراريهم ولم (¬3) يجر (¬4) عليها حكم الغنيمة ولا حكم الفيء، وكان ذلك خاصًّا بمكة لشرفها وحرمتها دون غيرها من البلاد (¬5). (وعمد) بفتح الميم أي: قصد يعمد بكسرها (صناديد) جمع صنديد (قريش) أي: أشرافهم وشجعانهم وكل عظيم غالب فهو صنديد بكسر الصاد المهملة ونونه أصلية (فدخلوا الكعبة) منهزمين. قال ابن سعد: قتل أربعة وعشرون رجلًا من قريش وأربعة من هذيل (¬6). وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد عهد إلى أمرائه من المسلمين لا يقتلوا إلا من قاتلهم، إلا أنه عهد في نفر سماهم بقتلهم (¬7). (فغص) رواية: فغصت بفتح الغين المعجمة وتشديد الصاد المهملة ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) "المفهم" 11/ 131. (¬3) في (ر): لا. (¬4) في (ع): يجب. (¬5) زاد هنا في (ر): فعمد. (¬6) "الطبقات الكبرى" 2/ 136. (¬7) "تفسير البغوي" 8/ 573.

(بهم) أي: امتلأ بهم البيت (وطاف النبي - صلى الله عليه وسلم -) بالبيت على راحلته يستلم الحجر بمحجنه خلف المقام. قال الشيخ قطب الدين في "المورد": فلما قضى طوافه نزل وأخرجت الراحلة فانصرف إلى زمزم وأخر المقام عن مكانه هذا وكان لاصقًا بالبيت، وأتي بسجل من ماء فشرب منه، انتهى. والظاهر أن الماء من زمزم ثم جاء المقام (وصلى خلف المقام) أي: مقام إبراهيم عليه السلام ركعتين، والمقام في اللغة موضع القدمين. واختلفوا في تعيين المقام على أقوال: قال القرطبي: أصحها أنه الحجر الذي يعرفه الناس اليوم (¬1) يصلون عنده ركعتي طواف القدوم. وفي البخاري: أنه الحجر الذي ارتفع عليه إبراهيم عليه السلام حين ضعف عن رفع الحجارة التي كان إسماعيل يناولها إياه في بناء البيت وغرقت قدماه فيه. قال أنس: رأيت في المقام أثر أصابعه وعقبه وأخمص قدميه غير أنه أذهبه مسح الناس بأيديهم، حكاه القشيري. وفي "صحيح مسلم" (¬2) من حديث جابر الطويل: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رأى البيت (¬3) استلم الركن فرمل ثلاثًا ومشى أربعًا ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} فصلى ركعتين قرأ فيها: قل هو الله أحد، وقل يا أيها الكافرون (¬4). ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) (1218). (¬3) في (ر) أنس. (¬4) "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي سورة البقرة آية (125).

(ثم أخذ بجنبتي الباب) بفتح الجيم والنون والموحدة أي: جانباه وناحيتاه، وجنبة الوادي جانبه وناحيته، وفي الحديث: على جنبتي الصراط كلاليب. ففتح لهم (فخرجوا) فقال: "يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيرًا، أخٌ كريم وابن أخٍ كريم، ثم قال: "اذهبوا فأنتم الطلقاء" (فبايعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - على الإسلام) ودخل الناس في دين الله أفواجًا بعد أن كانوا يدخلون واحدًا واحدًا واثنين اثنين. (قال المصنف: سمعت أحمد بن حنبل -رضي الله عنه- وسأله رجل قال: مكة عنوة هي؟ قال (¬1): أيش) أصله: أي شيء (يضرك ما كانت) فتحت عليه (قال: فصلح) فتحت؟ (قال: لا) واعلم أن أكثر النسخ ليس فيها هذا السؤال. ¬

_ (¬1) زاد هنا في (ر): ليس.

26 - باب ما جاء في خبر الطائف

26 - باب ما جَاءَ في خَبَرِ الطّائِفِ 3025 - حدثنا الحَسَنُ بْنُ الصَّبّاحِ، حدثنا إِسْماعِيلُ -يَعْني: ابن عَبْدِ الكَرِيمِ- حَدَّثَني إِبْراهِيمُ -يَعْني: ابن عَقِيلِ بْنِ مُنَبِّهٍ - عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وَهْبٍ قالَ: سَأَلْتُ جابِرًا، عَنْ شَأْنِ ثَقِيفٍ إِذْ بايَعَتْ قال: اشْتَرَطَتْ عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ لا صَدَقَةَ عَلَيْها وَلا جِهادَ وَأَنَّه سَمِعَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ ذَلِكَ يَقُول: "سَيَتَصَدَّقُونَ ويُجاهِدُونَ إِذا أَسْلَمُوا " (¬1). 3026 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَليِّ بْنِ سُوَيْدٍ -يَعْني: ابن مَنْجُوفٍ- حدثنا أَبُو داوُدَ، عَنْ حَمّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عُثْمانَ بْنِ أبِي العاصِ أَنَّ وَفْدَ ثَقِيفٍ لّمَا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْزَلَهُمُ المَسْجِدَ لِيَكُونَ أَرَقَّ لِقلُوبِهِمْ فاشْتَرَطُوا عَلَيْهِ أَنْ لا يُحْشَرُوا وَلا يُعْشَرُوا وَلا يُجَبُّوا فَقالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَكُمْ أَنْ لا تُحْشَرُوا وَلا تُعْشَرُوا وَلا خَيْرَ في دِينٍ لَيْسَ فِيهِ رُكُوعٌ (¬2). * * * باب في خبر الطائف وكانت الطائف لثقيف وسميت بالحائط الذي بني حولها وأطافوه به تحصينًا لها. قال أمية بن أبي الصلت: نحن بنينا طائفًا حصينًا يقارع الأبطال عن ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 341، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 3/ 188 (1524، 1525)، والبيهقي في "دلائل النبوة" 5/ 306. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2674). (¬2) رواه الطيالسي 2/ 249 (981)، وأحمد 4/ 218، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 3/ 186 (1520)، وابن الجارود (373)، والطبراني 9/ 54 (8372)، والبيهقي 2/ 444. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (529).

بنينا (¬1). وقيل: سمي الطائف؛ لأنه اقتطع من الشام وطيف به البيت سبع مرات ثم وضع مكانه (¬2). [3025] (حدثنا الحسن بن الصباح) البزار (حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم) قال: (حدثني (¬3) إبراهيم بن عقيل بن منبه، عن أبيه) [عقيل (¬4) ابن منبه] (¬5) كما تقدم وما قبله في المسند قبله (عن وهب) بن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس عيلان. (قال: سألت جابرًا عن شأن ثقيف) قيل: إن اسم ثقيف قسي نزلوا الطائف وانتشروا في البلاد في الإسلام (¬6) (إذ بايعت) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما سيأتي في الحديث بعده (قال: اشترطت (¬7) وفد ثقيف (على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) إذ بايعته (أنه) رواية: أن (لا) أن الشأن والقصة التي بايعوا عليها لا (صدقة) يعني: لا زكاة (عليها ولا جهاد) والمراد بالصدقة أن لا يؤخذ منهم عشور أموالهم كما سيأتي بعده، قيل: يشبه أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما سمح لهم بترك الزكاة والجهاد؛ لأنهما لم يكونا واجبين في العاجل؛ لأن الصدقة إنما تجب إذا حال الحول والجهاد إنما يجب بحضور العدو ودخولهم (¬8) بلاد الإسلام، فأما ¬

_ (¬1) "معجم ما استعجم" 3/ 886. وانظر: "العين" 7/ 458. (¬2) "معجم البلدان " 4/ 9. (¬3) في (ع) هنا زيادة كلمة: ابن. (¬4) سقطت "عقيل" من (ر). (¬5) سقط من (ع). (¬6) "اللباب" 1/ 240. (¬7) ورد بعدها في الأصل: نسخة: اشرطت. (¬8) زاد هنا في (ر): في.

الصلاة فإنها واجبة في كل يوم وليلة، فلم يجز أن يشترطوا تركها (وأنه) بفتح الهمزة (سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك يقول) إنهم (سيتصدقون) بإخراج العشر (ويجاهدون) في سبيل الله (إذا أسلموا) ووقر الإسلام في قلوبهم. [3026] (حدثنا أحمد بن) عبد الله بن (علي بن سويد بن منجوف) السدوسي البصري شيخ البخاري في الإيمان (¬1). (حدثنا أبو داود) سليمان بن داود بن (¬2) الجارود الطيالسي استشهد به البخاري في "الجامع"، وروى له في "القراءة خلف الإمام"، (عن حماد بن سلمة، عن حميد) الطويل (عن الحسن) البصري، وقيل: إنه لم يسمع من عثمان بن أبي العاص (عن عثمان بن أبي العاص) الثقفي أبي عبد الله وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - استعمله على الطائف (أن وفد ثقيف لما وفدوا (¬3) على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -). قال ابن الأثير في ترجمة سعيد بن ربيعة وسفيان بن عطية أن قدومهم كان في النصف من شهر رمضان، فأمرهم أن يصوموا ما استقبلوا منه ولم يأمرهم أن يقضوا ما فاتهم، وكان بلال يأتيهم بفطورهم وسحورهم (¬4). وكان سبب وفودهم أنه لما جرى من ثقيف [في الحصار ما] (¬5) جرى قدم مالك بن عوف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[فأعطاه أهله وماله ومائة من ¬

_ (¬1) "التقريب" (58). (¬2) سقط من الأصول وأثبتها من مصادر الترجمة؛ راجع "طبقات المحدثين بأصبهان" (93)، و"تهذيب الكمال" 11/ 401. (¬3) في المطبوعة: قدموا. (¬4) "أسد الغابة" 2/ 454. (¬5) في (ر): فيما.

الإبل كان قد وعده رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬1) إياها إن أسلم، فلما أسلم قال: يا رسول الله أنا أكفيك ثقيفا حتى يأتوك مسلمين، فاستعمله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على من أسلم من قومه، فكان يغير على سرح ثقيف ويقاتلهم، فلما رأت ثقيف ذلك (¬2) مشوا إلى عبد ياليل وائتمروا بينهم أن يبعثوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفرا منهم وفدًا فخرج عبد ياليل وابناه كنانة وربيع في سبعين رجلًا، وقال بعضهم: كانوا بضعة عشر رجلًا. قال ابن سعد: وهو أثبت (¬3). (أنزلهم المسجد) قيل: فيه دليل على دخول الكافر لحاجة له فيه إذا أذن له مسلم (ليكون) ذلك (أرق لقلوبهم) إلى الدخول في الإسلام ويمكنه من قلوبهم إذا خالطوا المسلمين وحضروا جماعات المسلمين في الصلوات (فاشترطوا عليه) عند إسلامهم (أن لا يحشروا) بضم الياء وسكون الحاء المهملة وفتح الشين المعجمة مبني للمفعول، قال في "النهاية": أن لا يضرب (¬4) عليهم البعوث، ومعناه الحشر في الجهاد والنصر له، وقيل: لا يحشرون إلى عامل الزكاة ليأخذ صدقة أموالهم، بل يأخذها في أماكنهم (¬5) (ولا يعشروا) بضم الياء وفتح العين وتشديد الشين المكسورة، ويجوز سكون العين مع تخفيف الشين، أي: لا يؤخذ عشر أموالهم، وقيل: أراد به كل الصدقة الواجبة، وأجيب عنه بما تقدم (ولا يُجَبُّوا) بضم المثناة فوق وفتح ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) سقط من (ر). (¬3) "الطبقات الكبرى" 1/ 313. (¬4) في (ر): يضربوا. (¬5) "النهاية" 1/ 967.

الجيم وتشديد الموحدة. قال في "النهاية": أصل التجبية أن يقوم الإنسان قيام الراكع، وقيل: هو أن يضع يديه على ركبتيه وهو قائم، وقيل: هو السجود، والمراد بقولهم في الشرط: لا يجبوا: أنهم لا يصلون، ولفظ الحديث يدل على الركوع لقوله في جوابهم ([فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لكم ألا تحشروا ولا تعشروا] (¬1) ولا خير في دين ليس فيه ركوع) فسمى الصلاة ركوعًا؛ لأنه بعضها انتهى (¬2). كما سمى الصلاة قراءةً في قوله تعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} (¬3)، وإنما خص الركوع بالذكر لأن بني إسرائيل لم يكن في صلاتهم ركوع، ألا ترى أن المشاهد من صلاة اليهود والنصارى خلوها من الركوع؟ قال أبو حيان: ويحتمل أن يكون ترك الركوع مما غيرته اليهود والنصارى (¬4). وقال القرطبي: إن الركوع كان يثقل على القوم في الجاهلية حتى لقد قال بعض من أسلم للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أشترط أن لا أخر إلا قائمًا، فمن تأوله على أن لا أركع فوافقه على ذلك، فلما تمكن الإسلام في قلبه ووجد حلاوة الإيمان اطمأنت بذلك نفسه وامتثل ما أمر به من الركوع المشروع وإخراج الزكاة والخروج في الجهاد كما تقدم (¬5). ¬

_ (¬1) سقط من الأصل. (¬2) "النهاية" 1/ 675. (¬3) الإسراء: 78. (¬4) "البحر المحيط" 3/ 241. (¬5) "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي سورة البقرة آية (43).

27 - باب ما جاء في حكم أرض اليمن

27 - باب ما جاءَ في حُكْم أرْضِ اليَمَنِ 3037 - حدثنا هَنّادُ بْنُ السَّريِّ، عَنْ أبِي أُسَامَةَ، عَنْ مُجالِدٍ، عَنِ الشَّعْبيِّ، عَنْ عامِرِ بْنِ شَهْرٍ قال: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَتْ لي هَمْدان: هَلْ أَنْتَ آتٍ هذا الرَّجُلَ وَمُرْتادٌ لَنا، فَإِنْ رَضِيتَ لَنا شَيْئًا قَبِلْناهُ وَإِنْ كَرِهْتَ شَيْئًا كَرِهْناهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَجِئْتُ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فرَضِيتُ أَمْرَهُ وَأَسْلَمَ قَوْمي؟ وَكَتَبَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هذا الكتابَ إِلَى عُمَيْرٍ ذي مَرّانَ قال: وَبَعَثَ مالِكَ بْنَ مِرارَةَ الرَّهاويَّ إِلَى اليَمَنِ جَمِيعًا فَأَسْلَمَ عَكٌّ ذو خَيْوانَ. قال: فَقِيلَ لِعَكٍّ انْطَلِقْ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَخذْ مِنْهُ الأمَانَ عَلَى قَرْيَتِكَ وَمالِكَ. فَقَدِمَ وَكَتَبَ لَهُ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ لِعَكٍّ ذي خَيْوانَ إِنْ كانَ صادِقًا في أَرْضِهِ وَمالِهِ وَرَقِيقِهِ فَلَهُ الأَمانُ وَذِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ" .. وَكَتَبَ خالِدُ بْن سَعِيدِ بْنِ العاصِ (¬1). 3038 - حدثنا محَمَّد بْنُ أَحْمَدَ القُرَشيُّ وَهارُون بْن عَبْدِ اللهِ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُمْ، حدثنا فَرَجُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَني عَمّي ثابِتُ بْن سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ سَعِيدٍ -يَعْني: ابن أَبْيَضَ- عَنْ جَدِّهِ أَبْيَضَ بْنِ حَمّالٍ أَنَّهُ كَلَّمَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في الصَّدَقَةِ حِينَ وَفَدَ عَلَيْهِ فَقالَ: "يا أَخا سَبَإٍ لا بُدَّ مِنْ صَدَقَةٍ" .. فَقال: إِنَّما زَرْعُنا القطْن يا رَسُولَ اللهِ وَقَدْ تَبَدَّدَتْ سَبَأ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلا قَلِيلٌ بِمَأْرِبٍ. فَصالَحَ نَبيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى سَبْعِينَ حُلَّةِ بَزٍّ مِنْ قِيمَةِ وَفاءِ بَزِّ المَعافِرِ كُلَّ سَنَةٍ عَمَّنْ بَقيَ مِنْ سَبَإٍ بِمَأْرِبَ، فَلَمْ يَزالُوا يُؤَدُّونَها حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وإِنَّ العمّالَ انْتَقَضُوا عَلَيْهِمْ بَعْدَ قَبْضِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فيما صالَحَ أَبْيَضُ بْن حَمّالٍ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في الحلَلِ السَّبْعِينَ فَرَدَّ ذَلِكَ أبُو بَكْرٍ ¬

_ (¬1) رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 6/ 28، وأبو يعلى في "المسند" 12/ 275 - 277، وابن الأثير في "أسد الغابة" 3/ 126. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (530).

عَلَى ما وَضَعَة رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى ماتَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمّا ماتَ أبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- انْتَقَضَ ذَلِكَ وَصارَتْ عَلَى الصَّدَقَةِ (¬1). * * * باب في حكم أرض اليمن [3027] (حدثنا هناد بن السري) التميمي الكوفي شيخ مسلم (¬2) (عن أبي أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (عن مجالد) بن سعد الهمداني الكوفي، أخرج له مسلم (عن الشعبي) واسمه عامر بن شراحيل الكوفي من شعب همدان (عن عامر بن شهر) بفتح الشين المعجمة وسكون الهاء (¬3) بعدها راء مهملة البكيلي الهمداني عداده في أهل الكوفة، لم يرو عنه غير الشعبي، كنيته أبو شهر، وقيل: أبو الكنود، وهو ممن قام على الأسود، وقد وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم - كما سيأتي، ولم يخرج له من الستة غير المصنف هذا الحديث وحديث في السُّنة: كنت عند النجاشي فقرأ ابن له آية فضحكتُ (¬4) فقال: أتضحك (¬5) من كلام الله؟ (¬6). (قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: ظهر أمره (فقالت لي همدان) بسكون الميم قبيلة كبيرة، وهمدان اسمه أوسلة بن مالك بن زيد بن ربيعة بن ¬

_ (¬1) رواه الطبراني 1/ 277 (806، 807)، والضياء في "المختارة" 4/ 61 (1288). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (531). (¬2) "التقريب" (7320). (¬3) سقط من (ر). (¬4) في (ر): فضحك. (¬5) في (ل): آلضحك؟ . (¬6) "تهذيب التهذيب" 5/ 61 والحديث سيأتي برقم (4736).

أوسلة بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان (¬1) (هل أنت آتٍ) أي جاءٍ إلى (هذا الرجل) الذي ظهر أمره (ومرتاد) (¬2) أبي طالب وملتمس، وأصله الذي يتقدم القوم يبصر لهم الكلأ (¬3) ومساقط الغيث (لنا) أمره (فإن رضيت لنا شيئًا) من أمره (قبلناه) منك وبايعناك عليه (وإن كرهت شيئًا) منه (كرهناه) معك (قلت: نعم) قال: (فجئت حتى قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرضيت أمره) وأسلمت (وأسلم قومي) بإسلامي (وكتب) لي (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا الكتاب إلى عمير) بضم العين المهملة وفتح الميم مصغر (ذي مران) رواية: ذي مران -بضم الميم وتشديد الراء المهملة وبعد الألف نون- القيل بن أفلح بن شراحيل الهمداني جد مجالد بن سعيد الصحابي من ملوك حمير. وقال عبد الغني: هو عمير بن ذي مران (¬4). (قال) عامر بن شهر: (وبعث) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (مالك بن مرارة) بضم الميم، قال عبد الغني: مالك مذكور في الصحابة وعمير بن ذي مران. وقال النمري: ليس مالك مشهور في الصحابة (¬5) (الرهاوي) قال ابن السمعاني: هو بفتح الراء والهاء وبعد الألف واو نسبة إلى رها وهو بطن من مذحج ينسب إليه مالك بن مرارة الرهاوي الصحابي (¬6). ¬

_ (¬1) "الأنساب" 5/ 647. (¬2) في حاشية (ل): رواية ومرتادا. (¬3) في (ر): الكلام. (¬4) "الإكمال" لابن ماكولا 7/ 240، "أسد الغابة" 4/ 317. (¬5) "الاستيعاب" 3/ 1359. (¬6) "الأنساب" 3/ 108.

قال ابن دريد: ورهاء ممدود؛ بطن، وهو فعال من قولهم: عيش راه أي: ناعم ساكن (¬1). وقال عبد الغني بن سعيد: الرها بالفتح قبيلة، وبالضم بلد. قال ابن سيد الناس: قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتاب ملوك حمير ورسولهم إليه بإسلامهم، فكتب إليهم، فكتب إلى همدان: أما بعد، فإن محمدًا يشهد أن لا إلا الله وأنه عبده ورسوله، ثم إن مالك بن مرارة الرهاوي قد حدثني أنك قد أسلمت من أول حمير وقتلت المشركين، فأبشر بخير، وآمرك بحمير خيرًا، ولا تخونوا، ولا تجادلوا، فإن رسول الله هو مولى غنيكم وفقيركم، وإن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لأهل بيته، إنما هي زكاة تزكى بها على فقراء المسلمين وابن السبيل، وإن مالكًا قد بلغ الخبر وحفظ الغيب، وآمركم به خيرًا والسلام عليكم ورحمة الله (¬2). (إلى اليمن) الذي كان لسبأ سمي بذلك؛ لأنه عن يمين الكعبة كما سمي الشام شامًا لأنه عن شمال الكعبة (¬3). وقيل: سيت اليمن بذلك قبل أن تعرف الكعبة؛ لأنها عن يمين الشمس، وقيل: سميت بيمن بن قحطان (¬4). (جميعًا) أي: إلى (¬5) أهل اليمن جميعها، (فأسلم عك) بفتح العين المهملة وتشديد الكاف (ذو خيوان) بفتح الخاء المعجمة ¬

_ (¬1) "المخصص" 3/ 323. (¬2) "الروض الأنف" 4/ 367، "السيرة الحلبية" 3/ 263، "سيرة ابن هشام" 5/ 288. (¬3) "صحيح البخاري" 4/ 179. (¬4) "فتح الباري" 6/ 532، "عمدة القاري" 16/ 191، 24/ 19. (¬5) سقط من (ل).

وسكون المثناة تحت وتخفيف الواو، وبعد الألف نون الهمداني، ولم يذكره النمري في الصحابة، وذكره البزار (¬1). (قال) عامر: (فقيل لعك) الهمداني: (انطلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخذ منه الأمان على) أهل (قريتك) وعلى أهلك (ومالك، فقدم) على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سنة تسع (فكتب له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) هذا الكتاب (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قال الشعبي: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكتب كما تكتب قريش: باسمك اللهم، حتى نزل عليه: {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} (¬2) فكتب: بسم الله، حتى نزلت: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} (¬3) فكتب: بسم الله الرحمن، حتى نزل عليه: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" فكتب: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬4). (من محمد رسول الله لعك ذي خيوان) تقدم فيه أن السنة في المكاتبة أن يبدأ الكتاب باسمه قبل المكتوب إليه كما هنا (إن كان صادقًا في) إسلامه وحقوق (أرضه وماله ورقيقه) بقافين الذي يملكه (فله الأمان) على ذلك (وذمة الله) لكل أحد من الله عهد بالحفظ والكلأة، وإذا خالف ما أمر به خذلته ذمة الله تعالى (وذمة محمد رسول الله) - صلى الله عليه وسلم -، أي: يدخل في عهده وأمانته هو وأرضه وماله ورقيقه، (وكتب) هذا الكتاب (خالد بن سعيد بن العاص) بن أمية بن عبد شمس. ¬

_ (¬1) "الإصابة" 2/ 412، وانظر: "جامع الأصول" 12/ 606. (¬2) هود: 41. (¬3) الإسراء: 110. (¬4) "تفسير السمعاني" 4/ 93، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 1/ 92.

قالت بنته أم خالد: كان أبي خامسًا في الإسلام، وكان قرشيًا أمويًّا. وقال عبد الملك بن محمد بن النيسابوري في "شرف المصطفى" (¬1): أول من كتب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالد بن سعيد بن العاص، وقيل: إنه أول من كتب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وقيل: إنه أول من أسلم بعد أبي بكر، وسبب إسلامه أنه رأى في المنام أنه وقف على شفير جهنم، وكان أباه يدفعه فيها ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخذ بحقويه لا يقع فيها ففزع وقال: أحلف بالله إنها لرؤيا حق، فلقي أبا بكر فذكر له ذلك فقال له أبو بكر: أريد بك الخير، فلقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأجياد فأسلم، فعلم والده بذلك فضربه وقال: والله لأمنعنك القوت. فقال خالد: الله يرزقني. وهو الذي كتب هذا الكتاب إلى ذي حمير يدعوهم إلى الإسلام، وهاجر إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية، وولد له بها ابنه سعيد، وأقام بها بضع عشرة سنة، وبعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على صدقات اليمن، وتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. [وهو باليمن] (¬2). [3028] (حدثنا محمد بن أحمد القرشي) لعله الجمحي أبو يوسف، ويحتمل أن يكون النيسابوري، ويحتمل أن يكون ابن مدَّويه قاله ابن حجر (¬3). ¬

_ (¬1) هو عبد الملك بن محمد بن إبراهيم النيسابوري الخركوشي، أبو سعد: واعظ، من فقهاء الشافعية بنيسابور. ت (407 هـ) "الأعلام" 4/ 163. (¬2) سقط من (ر) انظر: "الاستيعاب" لابن عبد البر 2/ 420، "الإصابة" 2/ 236، "الطبقات الكبرى" 4/ 94. (¬3) انظر "التقريب" ص 466 - 467، "تهذيب التهذيب" 9/ 20. وقال المزي في "التهذيب" 24/ 355: فالظاهر أن محمد بن أحمد القرشي الذي روى عنه أبو داود=

(وهارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي شيخ مسلم (أن عبد الله بن الزبير) القرشي الحميدي نسبة إلى الحميدان قبيلة، أخرج له البخاري (¬1). (حدثهم) قال: (حدثنا فرج بن سعيد) بن علقمة المازني صدوق (¬2). قال: (حدثني عمي ثابت بن سعيد) وثابت وأبوه سعيد ذكرهما ابن حبان في "الثقات" (¬3) ابن أبيض (عن أبيه سعيد بن أبيض، عن جده أبيض بن حمال) بفتح الحاء المهملة وتشديد الميم المازني الشيباني، أقطعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ملح (¬4) مأرب (¬5) (أنه كلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصدقة) الواجبة وهي الزكاة أن لا تؤخذ منهم (حين وفد عليه) مع قومه. (فقال) له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يا أخا سبأ) بهمزة مفتوحة بعد الباء؛ لأنه غير منصرف (¬6)، يحتمل أنه يكون ناداه بهذا اللفظ قبل أن يعرف اسمه كما قال: "يا صاحب السبتيتين" ويحتمل أن يكون ناداه بذلك لما في الأخوة من الملاطفة، ويحتمل غير ذلك. ¬

_ =أحد هؤلاء الثلاثة والأشبه أنه المدني، وزعم بعض علماء المغرب أنه النيسابوري ويحتمل أن يكون الترمذي فإن ابنه أبا بكر بن أبي داود قد سمع منه وكانت رحلته مع أبيه أبي داود والله أعلم. (¬1) "اللباب" 1/ 392. (¬2) "الكاشف" (4445). (¬3) "الثقات" لابن حبان 6/ 125، 4/ 280. (¬4) في (ر)، (ع): صلح. (¬5) "الإصابة" 1/ 23، "التقريب" (284). (¬6) المنع من الصرف على أنه اسم لحي سموا باسم أبيهم الأكبر وهو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان وفيها وجه آخر بالصرف على أنه اسم للقبيلة أو للمدينة. وبكلا الوجهين قرئ في القرآن. راجع "تفسير أبي السعود" 6/ 280، المصباح المنير" 1/ 322، "معجم البلدان" 3/ 181.

(لا بد من) أخذ (صدقة) وهي الزكاة الواجبة عليكم (فقال: ) يا رسول الله (إنما زرعنا القطن يا رسول الله) ولم نزرع غيره (وقد تبددت) أهل (سبأ) بفتح الهمزة غير منصرف على الأشهر أي: تفرقوا في كل وجه من البلاد كما قال الله تعالى {وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} (¬1). وقد روى فروة بن مسيك المرادي (¬2) قال رجل: يا رسول الله ما سبأ؟ قال: "رجل ولد له عشرة ولد من العرب فتيامن منهم ستة وتشاءم منهم أربعة، فأما الذين تشاءموا فلخم وجذام وغسان وعاملة، وأما الذين تيامنوا فالأزد والأشعريون (¬3) وحمير وكندة ومذحج وأنمار". فقال: يا رسول الله: وما أنمار؟ قال: "الذين منهم خثعم وبجيلة". أخرجه الترمذي (¬4). فلما ظلموا أنفسهم وفرقهم الله تعالى فأما غسان فلحقوا بالشام، وأما الأزد فإلى عثمان، وخزاعة إلى تهامة، ومر الأوس والخزرج إلى يثرب، وكان الذي قدم منهم المدينة عمرو بن عامر جد الأوس والخزرج. (ولم يبق منهم إلا القليل بمأرب) بفتح الميم وبعد الألف راء مهملة مكسورة وباء موحدة، وقيدها بعضهم بالهمز وهي مدينة باليمن، كان بها دار بلقيس، وكان لنهرهم سد بنته بلقيس بالصخر والقار بين الجبلين وجعلت به ثلاثة أبواب بعضها فوق بعض، وبنت دونه بركة عظيمة، ¬

_ (¬1) سبأ: 19. (¬2) "الإصابة" 5/ 368. (¬3) في (ر): الأشعرون. وفي (ل): الأشقرون. والمثبت من (ع) ومن "سنن الترمذي". (¬4) (3222) وقال الترمذي: حسن غريب.

وجعلت فيها اثني عشر مخرجًا على عدة أنهارهم يفتحونها إذا احتاجوا إلى الماء، فإذا استغنوا عنه سدوه، فإذا جاء المطر اجتمع إليه ماء أودية اليمن فاحتمل السيل من وراء السد، فأمرت بالباب الأعلى ففتح فجرى ماؤه إلى البركة، فكانوا يسقون من الباب الأعلى ثم من الثاني ثم من الثالث الأسفل فلا ينفذ الماء حتى يتولى الماء من السنة المقبلة، فاستمروا على ذلك إلى أن طغوا فسلط الله عليهم الخلد (¬1) فنقب السد من أسفله فغرقت جناتهم وبيوتهم فغرقوا وتفرقوا حتى صاروا مثلًا فيقال: تفرقوا أيادي سبأ (¬2). (فصالح نبي الله - صلى الله عليه وسلم -) والمفعول محذوف تقديره: صالحهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (على سبعين حلة) بضم الحاء المهملة وتشديد اللام تكون من ثوبين غير لفيفتين إزار ورداء سميا بذلك؛ لأن كل واحد منهما يحل على الآخر (من قيمة) مضاف إلى ما بعده، والمعنى: كل حلة منها تكون بقيمة (وفاء) بالإضافة أيضا (¬3)، أي: تمام (بز) بفتح الباء الموحدة وتشديد الزاي هي الأمتعة الحسنة والمراد سبعين حلة تامة غير ناقصة من أحسن حلل (معافر) بفتح الميم والعين المهملة غير منصرف وهي برود باليمن منسوبة إلى معافر وهي قبيلة باليمن من همدان والميم زائدة. وقال الزمخشري؛ موضع باليمن، والبرود المعافر منسوبة إليه. وفي الحديث أنه لما بعث معاذًا إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل حالم ¬

_ (¬1) والخلد هو الفأر الأعمى. انظر: "تاريخ مكة المشرفة" لابن الضياء 1/ 217. (¬2) انظر: المصدر السابق، "معجم البلدان" 3/ 131، "تفسير البغوي" 3/ 676. (¬3) سقط من (ر).

دينارًا أو عدله من المعافري (¬1). وهذا الحديث إسناده حسن وهو حجة لأبي حنيفة على أخذ القيمة عما يجب من الزكاة مكان الواجب مع القدرة خلافًا للشافعي محتجًّا برواية الصحيحين (¬2) عن ابن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرض زكاة الفطر صاعًا من طعام أو صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على كل حر أو عبد. وعندهما كنا نخرج زكاة الفطر صاعًا من طعام أو صاعًا من شعير أو صاعًا من تمر أو صاعًا من زبيب (¬3). وعند المصنف (¬4) في هذا الحديث من رواية سفيان بن عيينة وقال: أو صاعًا من دقيق. فأنكروا عليه فتركه سفيان. قال المصنف: هذِه الزيادة وهم من ابن عيينة. وأجابوا عن هذا الحديث بأن في رواتة ثابت وأبوه (¬5) سعيد وهما كما قال الحافظ مجهولان، وأن حديثه صحيفة (¬6). (كل) منصوب على الظرفية، وليس بظرف، لكن لما أضيف إلى ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود في كتاب الزكاة باب في زكاة السائمة. (¬2) البخاري (1053)، ومسلم (984). (¬3) البخاري (1506)، ومسلم (985). (¬4) في كتاب الزكاة باب كم يؤدي في صدقة الفطر؟ (¬5) في (ر): أبي سعيد. وفي (ع) و (ل): أبوه والصواب أبوه فإن المراد بهما: ثابت بن سعيد بن أبيض وأبوه سعيد بن أبيض. (¬6) قال الحافظ في "التقريب" (815) في ثابت بن سعيد: مقبول. وقال في ترجمة أبيه برقم (2271): مقبول من الثالثة. فالصواب مقبولان بدل مجهولان. ويؤيد هذا قوله بعد ذلك: أن حديثه صحيفة.

(سنة) وهي ظرف أعطي حكمه (عمن بقي من) أهل (سبأ) بن يشجب بن يعرب بن قحطان (بمأرب) قال البكري في "معجم البلدان": هو بفتح أوله وثانيه بعده ألف ثم راء مهملة مكسورة، وهو الأكثر، ويقال: مأرب بإسكان ثانيه وهي بلاد الأزد باليمن، وهناك سيل العرم الذي ذكره الله في كتابه (¬1). (فلم يزالوا يؤدونها) كاملة (حتى قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن العمال انتقضوا) أي: نقضوا ذلك (عليهم بعد) ما (قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما صالح أبيض بن حمال) المأربي بكسر الراء والموحدة عليه (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحلل السبعين) وأبوا إلا أخذ ما وجب عليهم من الزكاة (فرد ذلك) عليهم (أبو بكر) -رضي الله عنه- في خلافته وجعله (على ما وضعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى مات أبو بكر) وصالحهم عليه (فلما مات أبو بكر انتقض ذلك وصارت) الزكاة (على الصدقة) المعروفة على أمثالهم. ¬

_ (¬1) "معجم ما استعجم" 4/ 1170.

28 - باب في إخراج اليهود من جزيرة العرب

28 - باب في إخْراج اليَهُودِ مِنْ جَزِيرَة العَرب 3029 - حدثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حدثنا سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ سُلَيْمانَ الأحوَلِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَوْصَى بِثَلاثَةٍ فَقالَ: "أَخْرِجُوا المُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ العَرَبِ وَأَجِيزُوا الوَفْدَ بِنَحْوٍ مِمّا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ" .. قالَ ابن عَبّاسٍ: وَسَكَتَ عَنِ الثّالِثَةِ، أَوْ قالَ: فَأُنْسِيتها. وقالَ الحُمَيْديُّ: عَنْ سُفْيانَ قالَ سُلَيْمان: لا أَدْري أذَكَرَ سَعِيدٌ الثّالِثَةَ فَنَسِيتُها أَوْ سَكَتَ عَنْها (¬1). 3030 - حدثنا الحَسَن بْنُ عَليٍّ، حدثنا أَبُو عاصِم وَعَبْدُ الرَّزّاق قالا: أَخْبَرَنا ابن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُوَل: أَخْبَرَني عُمَرُ بْن الخَطّابِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لأُخْرِجَنَّ اليَهُودَ والنَّصارى مِنْ جَزِيرَةِ العَرَبِ فَلا أَتْرُكُ فِيها إِلَّا مُسْلِمًا" (¬2). 3031 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حدثنا أَبُو أَحْمَدَ محَمَّدُ بْن عَبْدِ اللهِ، حدثنا سُفْيانُ، عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ، عَنْ عُمَرَ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بمَعْناهُ والأوَّلُ أَتَمُّ (¬3). 3032 - حدثنا سُلَيْمان بْنُ داوُدَ العَتَكيُّ، حدثنا جَرِيرٌ، عَنْ قابُوسَ بْنِ أَبي ظَبْيانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قال: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَكُونُ قِبْلَتانِ في بَلَدٍ واحِدٍ" (¬4). 3032 - حدثنا مَحْمُودُ بْنُ خالِدٍ، حدثنا عُمَرُ -يَعْني: ابن عَبْدِ الواحِدِ- قال: قال سَعِيدٌ: -يَعْني: ابن عَبْدِ العَزِيزِ- جَزيرَةُ العَرَبِ ما بَيْنَ الوادي إِلَى أَقْصَى اليَمَنِ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3053، 3168، 4431)، ومسلم (1637). (¬2) رواه مسلم (1767). (¬3) السابق. (¬4) رواه الترمذي (633)، وأحمد 1/ 223. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (532).

إِلَى تُخُومِ العِراقِ إِلَى البَحْرِ (¬1). 3033 - قالَ أبُو داوُدَ: قُرِئَ عَلَى الحارِثِ بْنِ مِسْكِينٍ وَأَنا شاهِدٌ أَخْبَرَكَ أَشْهَبُ بْن عَبْدِ العَزِيزِ قال: قال مالِكٌ: عُمَرُ أَجْلَى أَهْلَ نَجْرانَ وَلَمْ يُجْلَوْا مِنْ تَيْماءَ؛ لأنَّها لَيْسَتْ مِنْ بِلادِ العَرَبِ فَأَمّا الوادي فَإِنّي أَرى إِنَّما لَمْ يُجْلَ مَنْ فِيها مِنَ اليَهودِ أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْها مِنْ أَرْضِ العَرَبِ (¬2). 3034 - حدثنا ابن السَّرْحِ، حدثنا ابن وَهْب قال: قال مالِك: قَدْ أَجْلَى عُمَرُ رَحِمَة الله يَهُودَ نَجْرانَ وَفَدَكَ (¬3). * * * باب إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب [3029] (ثنا سعيد بن منصور) الخراساني مصنف "السنن" بمكة، (أنبأنا سفيان بن عيينة، عن سليمان الأحول، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوصى) في حال مرضه، وهذا بعض حديث مطول في الصحيحين ذكره البخاري في الجهاد (¬4) والمغازي (¬5) والجزية (¬6)، ومسلم في الوصايا (¬7)، وقد عاش - صلى الله عليه وسلم - بعد هذا المرض ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 9/ 208. قال الألباني في "صحيح أبي داود" (2678): مقطوع صحيح الإسناد. (¬2) رواه البيهقي 9/ 209. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود (533). (¬3) ضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (534). (¬4) (3053). (¬5) (4431). (¬6) (3168). (¬7) (4319).

الذي ذكر فيه هذِه الوصية أيامًا وحفظوا عنه أشياء من لفظه فيحتمل أن يكون مجموعها ما أراد أن يكتبه لهم لم يضلوا بعده. (بثلاثة) (¬1) أشياء (فقال: أخرجوا المشركين) يعني: اليهود والنصارى وغيرهم (من جزيرة) سميت بذلك لإحاطة البحار بها. يعني: بحر الهند وبحر القلزم وبحر فارس والحبشة (¬2) (العرب) أضيف إلى العرب؛ لأنها كانت بأيديهم قبل الإسلام وبها أوطانهم ومنازلهم، لكن الذي يمنع المشركون من سكناه منها الحجاز خاصة، وهو مكة والمدينة واليمامة وما والاها لا فيما سوى ذلك مما يطلق عليه أسم العرب لاتفاق الجميع على أن اليمن لا يمنعون منها مع أنها من جزيرة العرب؛ هذا مذهب الجمهور، وعن الحنفية يجوز مطلقًا إلا المسجد، وعن مالك: يجوز دخولهم الحرم للتجارة (¬3). وقال الشافعي: لا يدخلون الحرم أصلًا إلا بإذن الإمام لمصلحة المسلمين خاصة. والصحيح عن مالك أن جزيرة العرب مكة والمدينة واليمامة واليمن، وقال (¬4) الأصمعي: هي ما بين أقصى عدن أبين إلى ريف العراق طولًا، ومن جدة وما والاها إلى أطراف الشام عرضًا، وخص الشافعي هذا الحكم ببعض جزيرة العرب وهو الحجاز لحديث مشهور (¬5). ¬

_ (¬1) ورد بعدها في الأصل: نسخة: بثلاث. (¬2) "الروض المعطار" 1/ 163، "معجم البلدان" 2/ 137. (¬3) في (ر): للنجاة. (¬4) في (ر): عن. (¬5) "شرح مسلم" للنووي 11/ 93، وبقية العبارة هكذا: في كتبه وكتب أصحابه. انتهى.

(وأجيزوا الوفد) أي: أحسنوا معاملتهم وأعطوهم [لأن الجائزة هي] (¬1) العطية، ويقال: إن أصله أن ناسًا وفدوا على بعض الملوك وهو قائم على قنطرة، فقال: أجيزوهم فصاروا يعطون الرجل ويطلقونه فيجوز على القنطرة متوجهًا، فسميت عطية من يفد على الكبير جائزة، ويستعمل أيضًا في إعطاء الشاعر على مدحه ونحو ذلك (¬2) (بنحو مما كنت أجيزهم) أي: بقريب منه، وكانت جائزة الواحدة على عهده - صلى الله عليه وسلم - أوقية من فضة وهي: أربعون درهمًا. (قال ابن عباس: وسكت عن الثالثة أو قال: فأنسيتها) يحتمل أن يكون القائل ذلك هو سعيد بن جبير. قال شيخنا ابن حجر: ووجدت عند الإسماعيلي التصريح بأن قائل ذلك هو ابن عيينة، وفي "مسند الحميدي": قال سفيان: قال سليمان -يعني: ابن أبي مسلم-: لا أدري أذكر سعيد بن جبير الثالثة فنسيتها أو سكت عنها، قال: وهذا هو الأرجح، قال الداودي: الثالثة الوصية بالقرآن، وبه جزم ابن التين. وقال المهلب: بل هي تجهيز جيش أسامة، وقال عياض: يحتمل أن يكون هي قوله: "لا تتخذوا قبري وثنا"؛ فإنها ثبتت في "الموطأ" مقرونة بالأمر بإخراج اليهود، ويحتمل أن يكون ما وقع في حديث أنس أنها قوله: "الصلاة وما ملكت أيمانكم" (¬3). ¬

_ =وانظر: "المغني" 10/ 603، "التمهيد" 1/ 170، "شرح السنة" للبغوي 11/ 180. (¬1) سقط من (ر). (¬2) "عمدة القاري" 26/ 348. (¬3) "فتح الباري" 8/ 135.

[3030] (حدثنا الحسن بن علي) الجهضمي (حدثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل (وعبد الرزاق قال: أنبأنا) عبد الملك (بن جريج، أنبأنا أبو الزبير) محمد بن مسلم (أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: أخبرني عمر بن الخطاب، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول) والله (لأخرجن اليهود والنصارى) وجميع الكفار بدليل ما بعده (من جزيرة العرب) تقدم (¬1) (فلا أترك) مقيمًا (فيها إلا مسلمًا) قال العلماء: ولا يمنع الكفار من تردد المسافرين في الحجاز، ولا يمكثون من الإقامة فيه أكثر من ثلاثة أيام. قال الشافعي وموافقوه: إلا مكة وحرمها فلا يجوز تمكين كافر من دخولها؛ فإن دخل في خفية وجب إخراجه، فإن مات ودفن بها نبش وأخرج ما لم يتغير. هذا مذهب الشافعي وجماهير الفقهاء، لقوله تعالى: {فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}. وجوز أبو حنيفة دخولهم الحرم كما تقدم (¬2). [3031] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله) ابن الزبير الأسدي الكوفي (حدثنا سفيان) الثوري (عن أبي الزبير) محمد ابن مسلم (عن جابر، عن عمر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمعناه) المذكور، (والأول أتم) من هذا. [3032] (حدثنا سليمان بن داود العتكي) البصري شيخ الشيخين (¬3)، ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) "شرح مسلم" للنووي 11/ 94. (¬3) "التقريب" (2556).

(حدثنا جرير) بن حازم الأزدي البصري، [عن قابوس بن أبي ظبيان -بفتح الظاء المعجمة وسكون الموحدة والمثناة تحت- الجنبي الكوفي] (¬1)، فيه لين (¬2) (عن [قابوس ابن أبي ظبيان عن] أبيه) أبي ظبيان حصين بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين الجنبي. الكوفي، وهو ابن جندب من مذحج (¬3) (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تكون) لفظ الترمذي: لا يصلح (قبلتان) فيه حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه تقديره: لا يصلح أن يجتمع أهل قبلتين، والمراد بالقبلتين الدينين، بدليل رواية مالك في "الموطأ" (¬4) مرسلًا: "لا يجتمع دينان (¬5) في جزيرة العرب". وقد تقدم تفسيرها وسيأتي (في بلد واحد) ولفظ الترمذي (¬6): "في أرض واحدة". ولفظ البلد والأرض في هاتين الروايتين مطلقين، وقيد إطلاقهما بجزيرة العرب بدليل رواية "الموطأ" المذكورة، فتكون رواية مالك مقيدة لرواية المصنف والترمذي، ويدل على هذا التقييد رواية الصحيحين: "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب"، وتبويب المصنف عليه: باب إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب. [3033] (حدثنا محمود بن خالد) بن يزيد السلمي الدمشقي، قال أبو حاتم: ثقة رضا، ووثقه النسائي (¬7) (حدثنا عمر بن عبد الواحد) السلمي ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) "التقريب" (5445). (¬3) "التقريب" (1366). (¬4) (1584) عن الزهري. (¬5) في (ر): دينين. (¬6) (633). (¬7) "الجرح والتعديل" 8/ 292، "التقريب" (6510).

الدمشقي (¬1)، قرأ على يحيى الذماري وقرأ عليه هشام، (قال: قال سعيد بن عبد العزيز) بن يحيى التنوخي الدمشقي، فقيه أهل الشام ومفتيهم بعد الأوزاعي، قرأ القرآن على عبد الله بن عامر. حد (جزيرة العرب) هو (ما بين الوادي) قال المنذري: يشبه أن يريد وادي القرى بضم القاف وتخفيف الراء المفتوحة بين المدينة والشام، نزل فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذكر البخاري في "تاريخه" (¬2) قال: حدثنا أحمد بن سليمان، حدثنا حسن بن إسماعيل، حدثني درماس وعمرو، أبنا دجاجة، عن أبيهما: أنه خرج فأتى عثمان، فقال عثمان: لا يسكن قرى عربية دينان. قال عبد الملك بن حبيب في مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة سبع: خرج رسول الله إلى خيبر فحاصرهم بضعة (¬3) [وعشرين يومًا ثم ارتحل منها إلى قرى عربية وانصرف ولم يلق كيدًا (¬4). قال البكري: قرى عربية على الإضافة لا ينصرف، وعربية بفتح العين والراء وتشديد ياء النسب منسوب إلى العرب ومنه حديث الزهري: قال عمر في قوله تعالى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} (¬5) هذِه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة قرى عربية وفدك وكدا وكداء وهي قرى بالحجاز معروفة وكتب (¬6) أبو عبيد الله كاتب المهدي: قرى ¬

_ (¬1) "التقريب" (4943). (¬2) 3/ 260. (¬3) من هنا سقط في (ر). (¬4) "المحبر" ص (115). (¬5) الحشر: 6. (¬6) في (ع): (وكان)، والمثبت من "معجم ما استعجم" 3/ 930.

عربيةً، فنون (¬1) ولم يضف فقال له شبيب بن شيبة: إنما هي قرى عربية غير منونة، فقال أبو عبد الله لقتيبة النحوي الكوفي: ما تقول؟ فقال: إن كنت أردت القرى التي بالحجاز يقال لها قرى عربية فإنها لا تنصرف، وإن أردت قرى من السواد فهي تنصرف. فقال: إنما أردت التي بالحجاز. قال: هو كما قال شبيب (¬2). (إلى أقصى اليمن) أي: إلى آخر اليمن أنها من جزيرة العرب ولا يمنعون منها، وحكى البخاري عن المغيرة: هي مكة والمدينة واليمامة واليمن، وحكاه إسماعيل القاضي عن مالك ويتصل (إلى تخوم) بفتح التاء وضمها (العراق) والتخوم: المعالم والحدود، واحدها تخم بفتح التاء وسكون الخاء المعجمة، ومنه حديث: "لعن الله من غيَّر تخوم الأرض" (¬3) أي: معالمها وحدودها، والمراد المعالم التي يهتدى بها في الطرق، ويروى: تخوم الأرض بفتح التاء على الإفراد (¬4) (إلى) ساحل (البحر) بحر دجلة والفرات. (قال [أبو داود]) المصنف (قرئ) بضم القاف وكسر الراء مبني للمفعول (على الحارث) جار ومجرور، أي: قرأ قارئ على الحارث (ابن مسكين) (¬5) [وأنا شاهد] (¬6) فقال له (أخبرك أشهب بن عبد العزيز) ¬

_ (¬1) في (ع): بنون. (¬2) "معجم ما استعجم" 3/ 930. (¬3) أخرجه أحمد في "مسنده" 2/ 214، وابن حبان 10/ 265 (4417)، والحاكم 4/ 356 من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. (¬4) "النهاية" 1/ 483. (¬5) "تذكرة الحفاظ" 2/ 514. (¬6) سقط من (ع). والمثبت من (ل) ومن "السنن".

بن داود العامري البصري الفقيه، أحد الأعلام (¬1). عن مالك (قال: قال مالك) بن أنس -رضي الله عنه- (عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (أجلى) النصارى، أي: أخرج (أهل نجران) بفتح النون وإسكان الجيم، مدينة بالحجاز من شق اليمن معروفة بين مكة واليمن، سميت بنجران بن يشجب بن يعرب وكان أول من نزلها، وأطيب البلاد نجران من الحجاز وصنعاء من اليمن ودمشق من الشام، والري من خراسان (¬2). أجلاهم عمر في خلافته، ولم يجلهم أبو بكر لاشتغاله عنهم. (ولم يجلوا) بضم الياء واللام (¬3) (من تيماء) بفتح المثناة فوق ومد آخره، وهي بلدة قديمة عند وادي القرى (لأنها ليست من بلاد العرب، فأما الوادي فإني أرى أنما) بفتح الهمزة ويجوز الكسر على تقدير: أرى أنه إنما (لم يجل) بنصب اللام أي: لم يخرج (من فيها) من القرى (من اليهود أنهم لم يروها من أرض العرب) والإجلاء لا يكون إلا من أرض العرب. [3034] ([أخبرنا ابن السرح قال: أخبرنا ابن وهب] (¬4) قال: قال مالك: قد أجلى عمر رحمه الله يهود نجران وفدك) بفتح الفاء والدال كما تقدم. ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 3/ 256. (¬2) "معجم ما استعجم" 4/ 1298، 1299. (¬3) ورد بعدها في الأصل: نسخة: ولم يجل. (¬4) من المطبوع وسقط من الأصل.

29 - باب في إيقاف أرض السواد وأرض العنوة

29 - باب في إِيقاف أرْضِ السَّواد وَأَرْضِ العَنْوَةِ 3035 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ، حدثنا زُهَيْرٌ، حدثنا سُهَيْل بْنُ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنَعَتِ العِراقُ قَفِيزَها وَدِرْهَمَها وَمَنَعَتِ الشّامُ مُدْيَها وَدِينارَها وَمَنَعَتْ مِصْرُ إِرْدَبَّها وَدِينارَها ثُمَّ عُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ" .. قالَها زهَيْرٌ ثَلاثَ مَرّاتٍ شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ لْحَمُ أَبي هُرَيْرَةَ وَدَمُهُ (¬1). 3036 - حدثنا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، حدثنا عَبْدُ الرَّزّاق، حدثنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قال: هذا ما حدثنا بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّما قَرْيَةٍ أَتَيْتُمُوها وَأَقَمْتُمْ فِيها فَسَهْمُكُمْ فِيها وَأَيُّما قَرْيَةٍ عَصَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ خُمُسَها لله وَللرَّسُولِ ثُمَّ هيَ لَكُمْ" (¬2). * * * باب (¬3) إيقاف أرض السواد وأرض العنوة [3035] (حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس) اليربوعي (¬4) (حدثنا زهير، حدثنا سهيل بن أبي صالح، عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان، (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ) إذا (منعت ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2896). (¬2) رواه مسلم (1756). (¬3) قال الشيخ عوامة عند هذا الباب في "السنن" 3/ 486: جاء قبل الباب في حاشية (ك): آخر كتاب الفيء، أول كتاب الخراج. (¬4) اليربوعي: بفتح الياء المنقوطة بنقطتين من تحتها وسكون الراء وضم الباء المنقوطة بنقطة وفي آخرها العين المهملة، هذِه النسبة إلى بني يربوع، وهو بطن من بني تميم. "الأنساب" 5/ 686.

العراق) هو ما بين هيت إلى المسند، والصين إلى الري وخراسان (¬1) وأصبهان سرة العراق، سمي عراقًا لأنه على شاطئ دجلة والفرات (¬2). (قفيزها) في رواية: فقيرها بفتح الفاء وكسر القاف وبعد الياء راء أي: منعت إعطاء الفقراء قفيزها وهو المكيال تواضع الناس عليه وهو عند أهل العراق ثمانية مكاكيك، والمكوك صاع ونصف وهو خمس كيلجات (ودرهمها ومنعت الشام مديها) بضم الميم وسكون الدال على وزن فعول، وهو مكيال معروف لأهل الشام يسع خمسة عشر مكوكًا، وفي رواية: مديها بكسر الدال وتشديد الياء المفتوحة كأنه جمع مدى، وقيل: المدى مائة واثنان وتسعون مدًّا بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ست ويبات بمصر، والويبة: أربعة أرباع. (ودينارها، ومنعت مصر إردبها) قال الأزهري وآخرون: يسع الأردب أربعة وعشرين صاعًا (¬3). وفي معنى منعت العراق وما بعده قولان مشهوران: أحدهما: لإسلامهم فتسقط عنهم الجزية وهذا قد وجد، والثاني وهو الأشهر أن معناه أن المعجم والروم يستولون على البلاد آخر الزمان فيمنعون حصول ذلك للمسلمين، وقد روى مسلم (¬4) عن جابر بعد هذا الحديث قال: يوشك أهل العراق أن لا يجيء إليهم قفيز ولا درهم، فلما [سئل] من أين ذلك؟ قال: من قبل المعجم؛ ¬

_ (¬1) في "المعجم": وخراسان [إلى الديلم والجبال]. وقد سقطت هذِه الزيادة من الأصول وينبغي إثباتها لتمام الكلام. (¬2) "معجم ما استعجم" 3/ 929، "الروض المعطار" 1/ 410. (¬3) "تهذيب اللغة" مادة: ردب. (¬4) (2913).

يمنعون ذلك. وقد وجد هذا في العراق، وقيل: لأنهم يرتدون في آخر الزمان فيمنعون ما لزمهم من الزكاة وغيرها، وقيل: إن الكفار الذين عليهم الجزية تقوى شوكتهم في آخر الزمان فيمتنعون مما كانوا يؤدونه (¬1) من الجزية والخراج وغير ذلك. (ودينارها (¬2) ثم عدتم من حيث بدأتم) (¬3) هذا بمعنى الحديث الآخر: "بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبًا كما بدأ" (¬4). وهذِه الأحاديث من أعلام النبوة في إخباره عما سيقع إلى غير ذلك من المعجزات الظاهرات. (قالها) أي: قال هذِه الكلمة (زهير) بن محمد التميمي (ثلاث مرات، شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه) وهو تأكيد وتقوية لتحقيق ما سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. [3036] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا به أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أيما) بالرفع (قرية) مجرور بالإضافة (أتيتموها) بقصر الهمزة أي: جئتموها بعد خروج الغزو منها فرارًا أو صولحتم عليها (وأقمتم) بعدهم (فيها، ¬

_ (¬1) جاء هنا في (ع): مما لزمهم من الزكاة وغيرها. وهي مقحمة ومكانها قبل ذلك. (¬2) ورد بعدها في الأصل: وفي نسخة: وتبرها. (¬3) على حاشية (ع): قال الخطابي: معنى هذا الحديث: أن ذلك كائن وأن هذِه البلاد تفتح للمسلمين ويوضع عليها الخراج ... مقدرا بالمكاييل والأوزان وأنه سيمنع في آخر الزمان. وعلق السيوطي على هامش هذِه النسخة عند هذا الموضع فقال: خرج الأمر على ما قاله - صلى الله عليه وسلم - في زمان عمر رضي الله تعالى عنه. (¬4) أخرجه مسلم (232).

فسهمكم (¬1) فيها) من العطاء حاصل لكم. قال القرطبي: وليس المراد بالسهم هنا أنها تخمس فيقسم سهمانًا؛ لأن هذا هو حكم القسم الذي يأتي بعده حيث قال: (وأيما قرية عصت الله) تعالى أي: عصى أهلها الله (ورسوله؛ فإن خمسها لله) تعالى (وللرسول - صلى الله عليه وسلم - ثم هي) أي: الباقي (لكم) والمراد أنها تقسم أخماسًا فيكون الخمس لله ولرسوله كما قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} (¬2) الآية، وأربعة أخماسها الباقية هي لكم تقسم بينكم يخاطب بها الغانمين (¬3). ¬

_ (¬1) ورد بعدها في الأصل: نسخة: فمسكم. (¬2) الأنفال: 41. (¬3) "المفهم" 10/ 80.

30 - باب في أخذ الجزية

30 - باب في أَخْذِ الجِزْيَةِ 3037 - حدثنا العَبّاسُ بْن عَبْدِ العَظِيمِ، حدثنا سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا يَحْيَى بْن أَبي زائِدَةَ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ عاصِمِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ وَعَنْ عُثْمانَ بْنِ أَبي سُلَيْمانَ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ خالِدَ بْنَ الوَلِيدِ إِلَى أُكُيْدِرِ دُومَةَ فَأُخِذَ فَأَتَوْهُ بِهِ فَحَقَنَ لَهُ دَمَهُ وَصالَحَة عَلَى الجِزْيَةِ (¬1). 3038 - حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ محَمَّدٍ النُّفَيْليُّ، حدثنا أبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أَبي وائِلٍ، عَنْ مُعاذٍ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لما وَجَّهَهُ إِلَى اليَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخذَ مِنْ كلِّ حالمٍ -يَعْني: مُحْتَلِمًا- دِينارًا أَوْ عِدْلَهُ مِنَ المَعافِريِّ ثِيابٌ تَكُون بِاليَمَنِ (¬2). 3039 - حدثنا النُّفَيْليُّ، حدثنا أبُو مُعاوِيَةَ، حدثنا الأعمَشُ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ مُعاذٍ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مثْلَهُ (¬3). 3040 - حدثنا العَبّاسُ بْنُ عَبْدِ العَظِيمِ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن هانِئٍ أبُو نُعَيْمٍ النَّخَعيُّ، أَخْبَرَنا شَرِيكٌ، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ مُهاجِرٍ، عَنْ زِيادِ بْنِ حُدَيْرٍ قال: قال عَليٌّ: لَئِنْ بَقِيتُ لِنَصارى بَني تَغْلِبَ لأقتلَنَّ المُقاتِلَةَ وَلأسْبِيَنَّ الذُّرِّيَّةَ فَإِنّي كَتَبْتُ الكِتابَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أَنْ لا يُنَصِّرُوا أَبْناءَهُمْ. قالَ أَبُو داوُدَ: هذا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ بَلَغَني، عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كانَ يُنْكِرُ هذا الحَدِيثَ إِنْكارًا شَدِيدًا وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ النّاسِ شِبْهُ المَتْرُوكِ وَأَنْكرُوا هذا الحَدِيثَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هانِئٍ قالَ أَبُو عَليٍّ: وَلَمْ يَقْرَأْهُ أَبُو داوُدَ في العَرْضَةِ الثّانِيَةِ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 9/ 186. وحسنه ابن الملقن في "البدر المنير" 9/ 185، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2681). (¬2) تقدم برقم (1576)، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2682). (¬3) تقدم برقم (1576). (¬4) رواه العقيلي في "الضعفاء الكبير" 2/ 349، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" 4/ 198، والبيهقي 9/ 217. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (535).

3041 - حدثنا مصَرِّفُ بْن عَمْرٍو الياميُّ، حدثنا يُونُسُ -يَعْني: ابن بُكَيْرٍ- حدثنا أَسْباطُ بْن نَصْرٍ الهَمْدانيُّ، عَنْ إِسْماعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القُرَشيِّ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قال: صالَحَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَهْلَ نَجْرانَ عَلَى أَلْفَى حُلَّةٍ النِّصْفُ في صَفَرٍ والبَقِيَّةُ في رَجَبٍ يُؤَدُّونَها إِلَى المُسْلِمِينَ وَعارِيَةِ ثَلاثِينَ دِرْعًا وَثَلاثِينَ فَرَسًا وَثَلاثِينَ بَعِيرًا وَثَلاثِينَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ أَصْنافِ السِّلاحِ يَغْزُونَ بِها والُمسْلِمُونَ ضامِنُونَ لَها حَتَّى يَرُدُّوها عَلَيْهِمْ إِنْ كانَ بِاليَمَنِ كَيْدٌ أَوْ غَدْرَةٌ عَلَى أَنْ لا تُهْدَمَ لَهُمْ بَيْعَة وَلا يُخْرَجُ لَهُمْ قَسٌّ وَلا يُفْتَنُوا، عَنْ دِينِهِمْ ما لَمْ يُحْدِثُوا حَدَثًا أَوْ يَأْكُلُوا الرِّبا. قالَ إِسْماعِيل: فَقَدْ أَكَلُوا الرِّبا. قالَ أَبُو داوُدَ: إِذا نَقَضُوا بَعْضَ ما اشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ فَقَدْ أَحْدَثُوا (¬1). * * * باب في أخذ الجزية [3037] (حدثنا العباس بن عبد العظيم) بن إسماعيل بن توبة العنبري شيخ مسلم (¬2) (حدثنا سهل بن محمد) بن الزبير العسكري، قال أبو حاتم: صدوق ثقة (¬3) (حدثنا يحيى) بن زكريا (بن أبي زائدة، عن محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر) بن قتادة الأنصاري (عن أنس بن مالك، وعن عثمان بن أبي سليمان) بن جبير بن مطعم، قاضي مكة، احتج به ¬

_ (¬1) رواه أبو الشيخ الأصبهاني في "طبقات المحدثين بأصبهان" 1/ 334، والبيهقي 9/ 187، 195، 202. وأعله المنذري في "المختصر" 4/ 251، وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (536). (¬2) "تهذيب التهذيب" 5/ 107. (¬3) "الجرح والتعديل" 4/ 204.

مسلم، الظاهر أن (وعن عثمان) معطوف على (محمد بن إسحاق) متابعة تامة. (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر) بضم الهمزة وفتح الكاف مصغر (¬1)، زاد البيهقي (¬2): ابن عبد الملك رجل من كندة، كان ملكًا على (دومة) بضم الدال وفتحها (¬3)، وقال له: يا خالد، إنك ستجده يصيد البقر، فأتاه خالد ليلًا وقرب من حصنه فأرسل الله بقر الوحش فكانت تحك حائط القصر بقرونها (¬4) فنشط أكيدر ليصيدها وخرج في الليل، وكانت ليلة مقمرة هو وأخوه حسان فشدت عليه خيل خالد وكانوا أربعمائة وعشرين فاستأسروا أكيدر وامتنع حسان وقاتل فقتل، وأجار خالد أكيدر من القتل حتى يأتي به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن يفتح له دومة الجندل، وكان أكيدر نصرانيًّا، فلما قاضاه خالد خلى سبيله ففتح الحصن ودخلها خالد وأخذ ما صالح عليه. (فأخذ فأتوه) أي: أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - (به) يعني: بأكيدر (فحقن له) النبي - صلى الله عليه وسلم - (دمه) ودم أخيه معاذ (وصالحه على) أخذ (الجزية) منه. قال ابن الأثير: بلغت جزيتهم ثلاثمائة دينار، وأهدى للنبي - صلى الله عليه وسلم - بغلة وخلى سبيله وسبيل أخيه وكتب لهما كتاب أمانهما وختمه يومئذٍ بظفره (¬5). قال شيخنا ابن حجر: فإن ثبت أن أكيدر كان كنديًّا ففيه دليل على أن ¬

_ (¬1) "تهذيب الأسماء" 1/ 170. (¬2) في "السنن الكبرى" 9/ 187. (¬3) "تهذيب الأسماء واللغات " ص (1108)، "المفهم" 20/ 116. (¬4) على حاشية (ع) ورمز لها: صح. (¬5) "أسد الغابة" 1/ 159، 6/ 311.

الجزية لا تختص بالعجم من أهل الكتاب لأن أكيدر كان عربيًّا (¬1). [3038] (حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي، حدثنا أبو معاوية) محمد ابن خازم الضرير (عن الأعمش، عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن معاذ) بن جبل -رضي الله عنه- (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما وجَّهه إلى اليمن) ووجَّه أبا موسى داعيين إلى الإسلام، وكان بعث معاذًا في شهر ربيع الأول سنة عشر، وفي البخاري (¬2) كان بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا موسى ومعاذًا إلى اليمن قبل حجة الوداع (أمره أن يأخذ من كل حالم، يعني: محتلفا، دينارًا) وهذا أقل الجزية في كل سنة، ويستحب للإمام مماكسته حتى يأخذ من متوسط دينارين، ومن غني أربعة دنانير (أو) يأخذ عدله، ولا يجوز عند الشافعي أن يؤخذ أقل من دينار كما قدَّره الشارع. وقال مالك: لا يتقدر أقلها ولا أكثرها، وهي موكولة إلى الإمام في الطرفين (¬3). قال الماوردي: وإذا اجتهد رأي الإمام في عقد الجزية معهم على مراضاة أولي الأمر منهم صارت لازمة لجميعهم، ولاعتبارهم (¬4) قرنًا بعد قرن، ولا يجوز لوالٍ بعده تغييره ولا نقص ولا زيادة. وظاهر الحديث في تقييده في المحتلم أنها لا تؤخذ من النساء والصبيان وإن أخذت الزكاة منهما. ¬

_ (¬1) "التلخيص الحبير" 4/ 123، وراجع "البدر المنير" 9/ 186. (¬2) بَاب بَعْثُ أَبِي مُوسَى وَمُعَاذٍ إِلَى اليَمَنِ قَبْلَ حَجَّةِ الوَدَاعِ 5/ 161. (¬3) "الحاوي" 14/ 299، "التمهيد" 2/ 199، "شرح السنة" 11/ 173، و"شرح صحيح البخاري" لابن بطال 5/ 322. (¬4) في (ل) كلمة غير واضحة.

(أو) أن يأخذ منهم (عدله) قال في "النهاية": العَدل والعِدل بالكسر والفتح في الحديث هما بمعنى المثل، وقيل: هو بالفتح: ما عادله من جنسه، وبالكسر: ما ليس من جنسه. وقيل بالعكس، والمشهور هنا فتح العين وإن كان من عين جنسه (¬1). (من المعافري) بفتح الميم والمهملة وهي برود من (ثياب تكون باليمن) منسوبة إلى معافر قبيلة باليمن والميم زائدة كما تقدم. [3039] (حدثنا النفيلي، حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم (حدثنا الأعمش، عن إبراهيم) التيمي (عن مسروق، عن معاذ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله) في المعنى. وهذا الحديث رواه الأربعة وأحمد، وقال الترمذي: حديثٌ حسنٌ. وذكر بعضهم رواه مرسلًا، وأنه أصح (¬2). وأعلَّه ابن حزم بالانقطاع (¬3)؛ لأن مسروقًا لم يسمع من معاذ، وفيه نظر؛ فقد قال ابن المديني: صلى مسروق خلف أبي بكر، ولقي عمر وعليّا وذكر جماعة من الصحابة؛ فقد أمكن لقيه على رأي مسلم وغيره، لا جرم أن الحاكم أخرجه في "مستدركه" وقال: صحيح على شرط الشيخين (¬4)، وكذا ابن حبان في "صحيحه" (¬5) (¬6). ¬

_ (¬1) "النهاية" لابن الأثير 3/ 418. (¬2) أخرجه النسائي (2407، 2408، 2409)، والترمذي (623)، وابن ماجه (1818)، وأحمد 36/ 338. (¬3) "المحلى" 6/ 12، 7/ 348. (¬4) 1/ 555. (¬5) 11/ 244 (4886). (¬6) "البدر المنير" 5/ 434.

[3040] (حدثنا العباس بن عبد العظيم) بن إسماعيل العنبري شيخ مسلم (حدثنا عبد الرحمن بن هانئ أبو نعيم النخعي) الكوفي مختلف في توثيقه (¬1) (أخبرنا شريك) بن عبد الله النخعي، روى له البخاري في "رفع اليدين في الصلاة" وغيره، وروى له مسلم في المتابعات (¬2). (عن إبراهيم بن مهاجر) أبي إسحاق البجلي الكوفي، احتج به مسلم (¬3) (عن زياد بن حدير) بضم الحاء المهملة مصغر الكوفي ثقة عابد (¬4) (قال: قال علي) بن أبي طالب -رضي الله عنه- في خلافته (لئن بقيت) بكسر القاف لغة القرآن أي: لئن بقيت مدة حياتي (لنصارى) بكسر لام الجر (بني تغلب) بفتح التاء المثناة وسكون الغين المعجمة وكسر اللام ثم باء موحدة وهي قبيلة معروفة وهي تغلب بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى (¬5). (لأقتلن المقاتلة) بكسر المثناة الفوقانية يعني: الرجال الذين يقاتلون (ولأسبين) بفتح الهمزة وتشديد نون التوكيد آخره (الذرية) منهم والسبي: النهب وأخذ الناس عبيدًا وإماءً، ثم ذكر سبب العزم على قتلهم وسبيهم (فإني كتبت الكتاب بينهم وبين النبي - صلى الله عليه وسلم -) واشترط فيه (على أن لا ينصِّروا أبناءهم) بتشديد الصاد المكسورة أي: لا يصبغوا أبناءهم الصغار كما ¬

_ (¬1) قال ابن حجر: صدوق له أوهام أفرط ابن معين فكذبه وقال البخاري: هو في الأصل صدوق. وانظر: "تهذيب التهذيب" 9/ 259، "التقريب" (4032). (¬2) "تهذيب التهذيب" 4/ 293. (¬3) " التقريب" (254). (¬4) "التقريب" (2064). (¬5) انظر: "الأنساب" للسمعاني 1/ 469.

[3040] (حدثنا العباس بن عبد العظيم) بن إسماعيل العنبري شيخ مسلم (حدثنا عبد الرحمن بن هانئ أبو نعيم النخعي) الكوفي مختلف في توثيقه (¬1) (أخبرنا شريك) بن عبد الله النخعي، روى له البخاري في "رفع اليدين في الصلاة" وغيره، وروى له مسلم في المتابعات (¬2). (عن إبراهيم بن مهاجر) أبي إسحاق البجلي الكوفي، احتج به مسلم (¬3) (عن زياد بن حدير) بضم الحاء المهملة مصغر الكوفي ثقة عابد (¬4) (قال: قال علي) بن أبي طالب -رضي الله عنه- في خلافته (لئن بقيت) بكسر القاف لغة القرآن أي: لئن بقيت مدة حياتي (لنصارى) بكسر لام الجر (بني تغلب) بفتح التاء المثناة وسكون الغين المعجمة وكسر اللام ثم باء موحدة وهي قبيلة معروفة وهي تغلب بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى (¬5). (لأقتلن المقاتلة) بكسر المثناة الفوقانية يعني: الرجال الذين يقاتلون (ولأسبين) بفتح الهمزة وتشديد نون التوكيد آخره (الذرية) منهم والسبي: النهب وأخذ الناس عبيدًا وإماءً، ثم ذكر سبب العزم على قتلهم وسبيهم (فإني كتبت الكتاب بينهم وبين النبي - صلى الله عليه وسلم -) واشترط فيه (على أن لا ينصِّروا أبناءهم) بتشديد الصاد المكسورة أي: لا يصبغوا أبناءهم الصغار كما ¬

_ (¬1) قال ابن حجر: صدوق له أوهام أفرط ابن معين فكذبه وقال البخاري: هو في الأصل صدوق. وانظر: "تهذيب التهذيب" 9/ 259، "التقريب" (4032). (¬2) "تهذيب التهذيب" 4/ 293. (¬3) " التقريب" (254). (¬4) "التقريب" (2064). (¬5) انظر: "الأنساب" للسمعاني 1/ 469.

وروى شيبان عن قتادة: أن اليهود تصبغ أبناءهم يهود، وأن النصارى تصبغ أبناءهم نصارى، وأن صبغة الله الإسلام (¬1). وعن قتادة: الصبغ الدين، وأصل ذلك أن النصارى كانوا يصبغون أولادهم في الماء وهو الذي يسمونه المعمودية. قال ابن عباس: هو أن النصارى كانوا إذا ولد لهم ولد فأتى عليه سبعة أيام غمسوه في ماء لهم يقال له: ماء المعمودية وصبغوه بذلك ليطهروه مكان الختان، فإذا فعلوا ذلك قالوا: صار الآن نصرانيًّا (¬2). قال ابن الأثير: وروي عن عمر أنه دعا قبائل من العرب انقلبت إلى (¬3) النصرانية وهم تنوخ وبهراء وبنو تغلب إلى إعطاء الجزية فقالوا: نحن عرب لا نؤدي الجزية فخذ منا الصدقة كما تأخذ من المسلمين، فأبى، فلحق بعضهم بالروم، فقال النعمان بن عروة: يا أمير المؤمنين، إن القوم لهم بأس وشدة فلا تعن عدوك بهم، فبعث عمر في طلبهم وردهم وضرب عليهم الصدقة فأخذ من كل خمس من الإبل شاتين، وأخذ مكان العشر: الخمس، ومكان نصف العشر: العشر، ولم يخالفه من الصحابة فليس لأحد بعد ذلك نقضه؛ لأن عقد الذمة يكون على التأبيد. قال: فأرى للإمام أن يأخذ منهم الجزية؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذها من النصارى من العرب، فأما ذبائحهم فلا أحب أكلها خبرًا عن عمر وعلي، وكذلك لا يحل لنا نكاح نسائهم؛ ¬

_ (¬1) أخرجه الطبري في "التفسير" 3/ 117، وانظر: "الجامع" للقرطبي 2/ 144. (¬2) "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 2/ 144. (¬3) في (ر): من.

لأن الله جل ثناؤه إنما أحل لنا من أهل الكتاب الذين عليهم نزل وجعلهم شبيهًا بالمجوس (¬1). (قال [أبو داود]) المصنف: (هذا الحديث منكر) وهو عند بعض الناس شبه المتروك لضعف بعض رجاله، وأُنكِر -بضم الهمزة وكسر الكاف- هذا الحديث على عبد الرحمن بن هانئ الكوفي. قال المصنف: و (بلغني عن أحمد) بن حنبل -رضي الله عنه- (أنه كان ينكر هذا الحديث إنكارًا شديدًا) وتكلم فيه، (قال أبو علي) اللؤلؤي: (ولم يقرأه [أبو داود]) المصنف (في العرضة الثانية) من هذا الكتاب المسند. [3041] (حدثنا مصرف بن عمرو الإيامي) (¬2) ويقال: اليامي (¬3) كما تقدم، وثقه أبو زرعة (¬4). (حدثنا يونس بن بكير) الشيباني الحافظ، قال ابن معين: صدوق (¬5)، (حدثنا أسباط بن نصر الهمداني) أبو يوسف، احتج به مسلم في المناقب (¬6)، (عن إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي) المعروف بالسدي (¬7) الكوفي، قال المنذري: في سماعه من ابن عباس نظر، وإنما قيل: إنه رآه ورأى ابن عمر وسمع من أنس، ولم يتعرض ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" 10/ 581 ولم أجد هذا الكلام لابن الأثير. (¬2) قال السمعاني في "الأنساب" 1/ 233: هذِه النسبة إلى إيام وقيل لهؤلاء البطن: يام. (¬3) في مواضع الترجمة اليامي؛ وانظر: "التقريب" (6685). وقال السمعاني في "الأنساب" 5/ 677: اليامي: هذِه النسبة إلى يام، وهو بطن من همدان. (¬4) "الجرح والتعديل" 8/ 420. (¬5) "الكاشف" (6464). (¬6) "التقريب" (321). وانظر: "صحيح مسلم" كتاب الفضائل (2329). (¬7) بضم السين وتشديد الدال وكان يقعد في سدة باب الجامع بالكوفة فسمي السدي وهو السدي الكبير. انظر: "التقريب" (463).

المزي لذلك في "أطرافه"، والحديث من أفراد المصنف (¬1). (عن ابن عباس قال: صالح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل نجران على ألفي حلة) تقدم أن الحلة لا تكون إلا من ثوبين غير لفيفين (النصف) منها، وهي ألف (¬2) يؤخذ منهم (في) شهر (صفر، و) النصف (البقية) تؤخذ منهم (في) شهر (رجب) الفرد (يؤدونها إلى المسلمين) في كل سنة، ويؤدون إلى المسلمين من غير تمليك، بل (وعارية) بتشديد الياء سميت بذلك؛ لأن طلبها عار (¬3) (ثلاثين درعًا) من حديد وهي (¬4) مؤنثة في الأكثر، (وثلاثين فرسا) بآلتها التي يركب بها من سرج وغيره، (وثلاثين بعيرًا) (¬5) بعدته (وثلاثين من كل صنف من أصناف السلاح) غير ما تقدم من درق وسيف ونحوهما لينتفع بها المسلمون و (يغزون) بفتح أوله (بها) في الجهاد. (والمسلمون ضامنون لها) أي: لهذِه العواري (حتى يردوها عليهم إن كان باليمن) أي: بأرض اليمن (كيد) أي حرب، وفي الحديث المتقدم أنه - صلى الله عليه وسلم - خرج في بعض مغازيه فلم يلق كيدًا أي: حربًا، قال في "النهاية": ولذلك أنثها فقال: كيد ذات غدر، وأصل الكيد الاحتيال والاجتهاد، وبه سميت الحرب كيدًا (¬6). (أو غدرة) قال الخطابي: [وقع في كتابي: ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 3/ 122، و"تهذيب التهذيب" 1/ 275. (¬2) في (ر): الذي. (¬3) "غريب الحديث" لابن الجوزي 2/ 91. (¬4) سقط من (ر). (¬5) على حاشية (ل) هنا: (في بعضها بالنصب) وفي (ر): (بالنصف). (¬6) "النهاية" 4/ 406.

كيد ذات غدر] (¬1). قال: وهو أصوب، وهو الذي ذكره في "النهاية" كما تقدم، والأكثر كيد أو غدرة، والغدرة: ترك الوفاء بما عاهد عليه. (على أن لا تهدم) بضم المثناة فوق مبني للمفعول (لهم بيعة) بكسر الباء للنصارى، وقيل: هي كنيسة أهل الكتاب، وقيل: البيعة لليهود والكنيسة للنصارى والصلوات للصابئين كما المساجد للمسلمين، (ولا يخرج) بضم المثناة مبني للمجهول (لهم قس) بفتح القاف وتشديد السين المهملة وهو رئيس النصارى في العلم والدين وجمع القس قسوس كفلس وفلوس، وهو القسيس بكسر القاف يجمع بالواو والياء والنون [بغلبة الحال] (¬2) الاسمية، (ولا يفتنوا عن دينهم) أي: لا يعذبون للخروج عن دينهم (لم يحدثوا) بضم أوله (حدثًا) بفتح الحاء والدال المهملتين وهو الأمر الحادث المنكر كبناء كنيسة أو صومعة ونحوها، (أو يأكلوا الربا) الذي حرمه الله تعالى. قال ابن أبي شيبة: حدثنا عفان، حدثنا عبد الواحد، حدثنا مجالد، عن الشعبي: كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل نجران وهم نصارى: أن من باع منكم بالربا فلا ذمة له (¬3). وقال أيضًا: حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش، عن سالم قال: إن أهل نجران قد بلغوا أربعين ألفًا (¬4). ¬

_ (¬1) هذا النقل خلاف ما في "معالم السنن" 3/ 284؛ لأن رواها: كيد أو غدرة ثم قال في الحاشية: هكذا وقع في كتابي وفي رواية غيرها: كيد ذات غدر. وهذا أصوب. (¬2) هكذا في (ع) وفي (ل) بغلبة الجانب. وفي "المصباح المنير" 2/ 503: تغليبا لجانب الاسمية. (¬3) "المصنف" 14/ 550 (38170). (¬4) "المصنف" 14/ 550 وتمامه: قال: وَكَانَ عُمَرُ يَخَافُهُمْ أَنْ يَمِيلُوا عَلَى المُسْلِمِينَ، =

(قال إسماعيل) بن عبد الرحمن السدي راويه عن ابن عباس (: فقد أكلوا الربا) ونقضوا العهد. (قال [أبو داود]) المصنف: (إذا نقضوا بعض ما اشترط عليهم) الإمام في العقد (فقد أحدثوا) حدثًا. قال الماوردي: المشروط عليهم إما مستحق أو مستحب، فالمستحق ستة أشياء: أن لا يذكروا كتاب الله بطعن ولا تعريض ولا يذكروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتكذيب ولا إزراء عليه، ولا يذكروا دين الإسلام بذم ولا قدح فيه، ولا يصيبوا مسلمة بزنا ولا باسم نكاح، ولا يفتنوا مسلمًا عن دينه، ولا يعينوا أهل الحرب، ولا يؤوا عينًا لهم. وإنما شرطت هذِه الستة عليهم تأكيدًا لتغليظ العهد عليهم، وليكون ارتكابها بعد الشرط نقضًا لعهدهم. وأما المستحب فستة: أحدها: تغيير هيئاتهم بلبس الغيار وشد الزنار (¬1)، وأن لا يعلوا المسلمين في الأبنية، وأن لا يسمعوهم أصوات نواقيسهم وتلاوة ¬

_ =فَتَحَاسَدُوا بَيْنَهُمْ، قَالَ: فَأَتَوْا عُمَرَ، فَقَالُوا: إِنَّا قَدْ تَحَاسَدْنَا بَيْنَنَا فَأَجِّلْنَا، قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ كَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا أَنْ لاَ يُجْلُوا، قَالَ: فَاغْتَنَمَهَا عُمَرُ فَأَجَلاَهُمْ، فَنَدِمُوا، فَأَتَوْهُ، فَقَالُوا: أَقِلْنَا، فَأَبَى أَنْ يُقِيلَهُمْ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلِى أَتَوْهُ، فَقَالُوا: إِنَّا نَسْأَلُك بِخَطِّ يَمِينِكَ، وَشَفَاعَتِكَ عِنْدَ نَبِيِّكَ إِلَّا أَقَلْتَنَا، فَأَبَى، وَقَالَ: وَيْحَكُمْ، إِنَّ عُمَرَ كَانَ رَشِيدَ الأَمْرِ. قَالَ سَالِمٌ: فَكَانُوا يَرَوْنَ، أَنَّ عَلِيًّا لَوْ كَانَ طَاعِنًا عَلَى عُمَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ؛ طعَنْ عَلَيْهِ فِي أهْلِ نَجْرَانَ. (¬1) لبس الغيار وهو تغير اللباس بأن يخيط الذمي على ثوبه شيئا يخالف لون ثوبه وشد الزنار وهو خيط غليظ يشد في الوسط فوق الثياب. انظر: "إعانة الطالبين" 4/ 208.

كتبهم، ولا يجاهروهم بشرب خمورهم، ولا إظهار صلبانهم، وأن يخفوا دفن موتاهم، وأن يمنعوا ركوب الخيل. وهذِه الستة لا تلزم لعقد الذمة، ولا يكون ارتكابها بعد الشرط نقضًا لعهدهم، لكن يؤخذون بها إجبارًا ويؤدبون عليها زجرًا (¬1). ¬

_ (¬1) "الحاوي" 14/ 318.

31 - باب في أخذ الجزية من المجوس

31 - باب في أَخْذ الجِزْيَةِ مِنَ المَجُوسِ 3042 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ سِنانٍ الواسِطيُّ، حدثنا مُحَمَّد بْنُ بِلالٍ، عَنْ عِمْرانَ القَطّانِ، عَنْ أَبي جَمْرَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: إِنَّ أَهْلَ فارِسَ لّمَا ماتَ نَبِيُّهُمْ كَتَبَ لَهُمْ إِبْلِيسُ المَجُوسِيَّةَ (¬1). 3043 - حدثنا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ، حدثنا سُفْيانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ سَمِعَ بَجالَةَ يُحَدِّثُ عَمْرَو بْنَ أَوْسٍ وَأَبا الشَّعْثاءِ قالَ: كنْتُ كاتِبًا لِجَزْءِ بْنِ مُعاوِيَةَ عَمِّ الأحنَفِ بْنِ قَيْسٍ إِذْ جاءَنا كِتابُ عُمَرَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ اقْتُلُوا كُلَّ ساحِرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذي مَحْرَمٍ مِنَ المَجُوسِ وانْهَوْهُمْ عَنِ الزَّمْزَمَةِ. فَقَتَلْنا في يَوْمٍ ثَلاثَةَ سَواحِرَ وَفَرَّقْنا بَيْنَ كُلِّ رَجُلٍ مِنَ المَجُوسِ وَحَرِيمِهِ في كِتابِ اللهِ وَصَنَعَ طَعامًا كَثِيرًا فَدَعاهُمْ فَعَرَضَ السَّيْفَ عَلَى فَخِذِهِ فَأَكَلُوا وَلَمْ يُزَمْزِمُوا وَألْقَوْا وِقْرَ بَغْلٍ أَوْ بَغْلَيْنِ مِنَ الوَرِقِ وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ أَخَذَ الجِزْيَةَ مِنَ المَجُوسِ حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَخَذَها مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ (¬2). 3044 - حدثنا مُحَمَّدُ بْن مِسْكِينٍ اليَماميُّ، حدثنا يَحْيَى بْنُ حَسّانَ، حدثنا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنا داوُدُ بْنُ أَبي هِنْدٍ، عَنْ قُشَيْرِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ بَجالَةَ بْنِ عَبْدَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قال: جاءَ رَجُلٌ مِنَ الأسبَذِيِّينَ مِنْ أَهْلِ البَحْرَيْنِ -وَهُمْ مَجُوسُ أَهْلِ هَجَرَ- إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَمَكَثَ عِنْدَهُ ثُمَّ خَرَجَ فَسَألْتُهُ ما قَضَى الله وَرَسُولُهُ فِيكُمْ؟ قال: شَرٌّ. قُلْتُ: مَهْ! قالَ: الإِسْلامُ أَوِ القَتْلُ. قال: وقالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: قَبِلَ مِنْهُمُ الِجزْيَةَ. قالَ ابن عَبّاسٍ: فَأَخَذَ النّاسُ بقَوْلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ وَتَرَكُوا ما سَمِعْتُ أَنا مِنَ الأسبَذيِّ (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 9/ 192، وابن الجوزي في "التحقيق في أحاديث الخلاف" 2/ 353 (1913). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2683). (¬2) رواه البخاري (3156، 3157). (¬3) رواه البيهقي 9/ 190، وابن عبد البر في "التمهيد" 2/ 125. وضعفه الألباني (537).

باب أخد الجزية من المجوس [3042] (حدثنا أحمد بن سنان) القطان (الواسطي) شيخ الشيخين (ثنا محمد بن بلال) الكندي البصري التمار، أخرج له البخاري في كتاب الأدب، وذكره ابن حبان في "الثقات" (¬1) (عن عمران) بن داود أبو العوام (القطان) البصري، أخرج له البخاري في باب وجوب الصلاة تعليقًا، وفي غزوة ذات الرقاع (¬2) (عن أبي جمرة) بفتح الجيم نصر بن عمران الضبعي البصري، احتج به الشيخان (¬3) (عن ابن عباس قال: إن أهل فارس) قال المسعودي: هم من ولد [هذرام بن أرفشخذ] (¬4) بن سام بن نوح عليه السلام، ولد بضعة عشر كلهم كان فارسًا فسموا الفرس بالفروسية، وكان الفرس على دين الصابئة ثم تمجسوا وبنوا بيوت النيران وعبدوها (¬5) (لما مات نبيهم) فيه التصريح بأن المجوس كان لهم نبي. وروى الشافعي (¬6) وعبد الرزاق (¬7) بإسناد حسن عن علي: كان المجوس لهم كتاب يدرسونه وعلم يقرؤونه (¬8). ¬

_ (¬1) 9/ 60. (¬2) "تهذيب التهذيب" 8/ 115. (¬3) "التقريب" (7122). (¬4) هكذا في الأصول. وفي "مروج الذهب" (إرم بن إرفخشذ). (¬5) "مروج الذهب" 1/ 102، و"أخبار الزمان" 1/ 101. (¬6) في "المسند" (817). (¬7) في "المصنف" 6/ 70. (¬8) في (ر): يعرفونه.

وفي الحديث تصريح بأنه كان لهم نبي. قال ابن عطية (¬1): كان النبي الذي بعث لهم اسمه زرادشت (كتب لهم إبليس المجوسية) أي: ما جعلوه دينًا لهم وتعبدوا به، وهو قولهم بالأصلين وهما النور والظلمة [يزعمون أن الخير من فعل النور وأن الشر من فعل الظلمة] (¬2) وغير ذلك مما أمرهم به إبليس فأطاعوه. [3043] (حدثنا مسدد، حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار سمع بجالة) بفتح الباء الموحدة والجيم المخففة بن عبدة العنبري ثم البصري (¬3)، (يحدث عمرو بن أوس) الثقفي (وأبا الشعثاء) جابر بن زيد الأزدي من أئمة التابعين. وفيه أن بجالة (¬4) لم يقصد عمرو بن دينار بالتحديث، وإنما حدث غيره فسمعه، وهذا من وجوه التحمل بالاتفاق، وإنما اختلفوا هل يجوز أن يقول: حدثنا؟ والجمهور الجواز. (قال: كنت كاتبًا لجزء) بفتح الجيم وسكون الزاي بعدها همزة (¬5) (ابن معاوية) بن حصن بن عبادة التميمي السعدي (عم الأحنف بن قيس) وهو معدود في الصحابة (¬6). قال ابن عبد البر: الأصح صحبته (¬7)، ¬

_ (¬1) في "المحرر الوجيز" 3/ 25. (¬2) سقط من (ر). وانظر: "المحرر الوجيز" 2/ 313. (¬3) "التقريب" (645). (¬4) في (ر) هنا زيادة: لما، وهي مقحمة. (¬5) "الإصابة" 1/ 339 (761)، وانظر: "التقريب" (287). (¬6) "الإصابة" 1/ 479 (1151). (¬7) الذي نقله ابن حجر عن ابن عبد البر في "الإصابة" 1/ 479 أنه قال: ولا تصح=

ووقع في رواية الترمذي (¬1) أنه كان على مناذر بفتح الميم والنون المخففة وبعد الألف معجمة مكسورة، كذا لليشكري، يعني: من قرى الأهواز، وذكر البلاذري أنه عاش إلى خلافة معاوية وولي لزياد بعض عمله (¬2). (إذ جاءنا كتاب عمر) بن الخطاب (قبل موته بسنة) وكان ذلك سنة اثنين وعشرين؛ لأن عمر قتل سنة ثلاث (اقتلوا كل ساحر) ووقع في رواية سعيد بن منصور (¬3) زيادة فقال: اقتلوا كل ساحر وكاهن. وقد اختلف في قتل الساحر، فقال ابن المنذر: [إذا أقر الساحر] (¬4) إنه سحر بكلام يكون كفرًا وجب قتله إن لم يتب، وكذلك لو ثبت عليه بينة ووصفت البينة كلامًا يكون كفرًا، وإن كان الكلام الذي ذكر أنه سحر به ليس بكفر لم يجز قتله، وقد يجوز أن يكون الساحر الذي أمر بقتله كان سحره كفرًا فيكون ذلك موافقًا للسنة. وأما قول ابن المنذر: روينا عن عائشة أنها باعت ساحرة كانت سحرتها وجعلت ثمنها في الرقاب فهو محمول على أن سحرها لم يكن كفرًا، فإن قال الساحر: الغالب على سحري السلامة فهذا عمد خطأ فيه الدية مغلظة في ماله؛ لأنه ثبت بإقراره والعاقلة لا تحمل الإقرار. ¬

_ =صحبته. وهذا نص كلامه: قال أبو عمر كان عامل عمر على الأهواز وقيل: له صحبة ولا يصح. قلت: وقد تقدم غير مرة أنهم كانوا لا يؤمرون في ذلك الزمان إلا الصحابة. اهـ. (¬1) (1586). (¬2) "الإصابة" 1/ 479 (1151). (¬3) (2181). (¬4) سقط من (ر).

وقال أبو حنيفة: لا يجب عليه القود؛ لأنه لم يقتل بحديده، فإن تكرر منه ذلك قيل لأنه من السعي في الأرض للفساد. فإن احتج بحديث جندب عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "حق الساحر ضربة بالسيف" فإن صح حمل (¬1) على أن الساحر الذي أمر بقتله يكون سحره كفرًا فيكون ذلك موافقًا للأخبار التي جاءت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث"؛ فإن هذا (¬2) الحديث صحيح (¬3)، ودماء المسلمين محظورة الاستباحة إلا بيقين، ولا يقين مع الاختلاف (¬4). (وفرقوا بين كل ذي (¬5) محرم من المجوس) قال الخطابي (¬6): أراد عمر بالتفرقة بين محارم المجوس منعهم من إظهار ذلك، وإذا ترافعوا إلينا في هذِه الأنكحة فرقنا بينهم وبين المحارم كما يفعل ذلك في المسلمين، ولم يحملهم عمر على هذِه الأحكام فيما بينهم وبين أنفسهم إذا خلوا. وعلى أهل الكتاب أن لا يكشفوا عن أمورهم التي يتدينون بها ويستعملونها فيما بينهم. وقد روى سعيد بن منصور (¬7) من وجه آخر عن بجالة ما يبين سبب ذلك ولفظه: أن فرقوا بين المجوس وبين محارمهم كيما نلحقهم (¬8) بأهل ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) سقط من (ر). (¬3) أخرجه البخاري (6878)، ومسلم (4468). (¬4) "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي، البقرة: 102 وانظر: "شرح السنة" 10/ 240. (¬5) سقط من الأصل والمثبت من "السنن". (¬6) انظر: "سنن أبي داود" مع "معالم السنن" 3/ 285. (¬7) (2181). (¬8) في الأصل بياض والمثبت من "سنن سعيد بن منصور".

الكتاب. فهذا يدل على أن ذلك عند عمر شرط في قبول الجزية منهم. (وانهوهم عن الزمزمة) بزاءين مفتوحتين بينهما ميم ساكنة هو كلام يقولونه عند أكلهم بصوت خفي لا يكاد يفهم (¬1) بالنطق (¬2) به، وما كانوا يدينون به، ومنه حديث [قباث بن أشيم] (¬3): والذي بعثك بالحق ما تحرك به لساني ولا تزمزمت به شفتاي. وروى الحافظ شجاع الدين شيرويه في كتابه المسمى بـ "الفردوس": أن إبليس أول من تغنى وزمزم، ثم حدا ثم ناح. فهذا وحديث الباب دالان على ذم الزمزمة المذكورة، وفي معناها الصوت الذي يزمه العمالون تحت يد المنشد المطرب حتى ينشد الأشعار ويمسكون عنه. (فقتلنا في يوم) واحد (ثلاثة سواحر) هو محمول على أن سحرهم كان كفرًا كما تقدم (وفرقنا بين كل رجل من المجوس و) بين (حريمه) أي محارمه بدليل الرواية المتقدمة، يعني: يفرق بينهم إذا أظهروا ذلك وترافعوا إلينا، كما أن النصارى إذا أظهروا صوت نواقيسهم أو صليبهم يؤاخذون بذلك ويؤدبوا على إظهاره. والمعتمد في المحرم الذي يفرق بينهم ما جاء (في كتاب الله) تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} (¬4) الآية، (وصنع) بجالة (طعامًا ¬

_ (¬1) "النهاية" لابن الأثير 2/ 779. (¬2) في (ر): بالنظر. (¬3) في (ع): قبان بن أسلم، وفي (ر): قباب بن مسلم، والمثبت من (ل) ومن "المستدرك" 3/ 724 و"المعجم الأوسط" للطبراني (4909). (¬4) النساء: 23.

كثيرًا ودعاهم) إليه، (فعرض) بتشديد الراء (السيف على فخذه) أي: عرضه عليه بالعرض تخويفًا لهم، (فأكلوا) من الطعام الذي صنعه لهم (ولم يزمزموا) عند الأكل خوفًا منه، وفي رواية الترمذي: (¬1) فأكلوا بغير زمزمة (¬2). (وألقوا) من الأخلة -وهو جمع خلال مثل عماد وأعمدة- والظاهر أن الخلال هو المستعمل لإخراج ما بين الأسنان من الطعام، وكانت من فضة وألقوا (وقر) بكسر الواو وسكون القاف هو الحمل، قال الجوهري: أكثر ما يستعمل الوقر في البغل والحمار، والوسق في حمل البعير (¬3). (بغل) من الخلة (أو) وقر (بغلين) من أخلة الورق يعني الفضة والنقرة (¬4) فكأنهم كانوا يأكلون بالأخل المتخذة من النقرة، وهذا يدل على كثرتهم، وأنهم لم يجسروا أن يستعملوا الفضة بحضرة أمير المؤمنين (من الورق، ولم يكن عمر -رضي الله عنه- أخذ الجزية من المجوس حتى شهد) عنده (عبد الرحمن بن عوف) فإن كان هذا من جملة كتاب عمر فيكون متصلا ويكون فيه رواية عمر عن عبد الرحمن بن عوف، وبذلك وقع التصريح في رواية الترمذي (¬5) ولفظه: فجاءنا كتاب عمر: ¬

_ (¬1) من هنا بدأ سقط في (ر). (¬2) أخرجه عبد الرزاق 6/ 49، 10/ 180، وأبو يعلى في "مسنده" 2/ 166 (860)، والبيهقي في الكبرى 8/ 247. ولم أجد هذا اللفظ عند الترمذي كما عزاه المصنف. ولم يعزها ابن حجر إلى الترمذي وهذا النقل عنه. انظر: "فتح الباري" 6/ 261. (¬3) "الصحاح" مادة: وقر. (¬4) القطعة المذابة من الذهب والفضة. انظر: "القاموس المحيط" 1/ 626. (¬5) في "السنن" (1512) وقال: حديث حسن.

انظر مجوس من قبلك فخذ منهم الجزية فإن عبد الرحمن بن عوف أخبرني .. فذكره. وروى أبو عبيد (¬1) بإسناد صحيح عن حذيفة: لولا أني رأيت أصحابي تأخذ الجزية من المجوس ما أخذتها. وفي "الموطأ" (¬2): عن جعفر بن محمد، عن أبيه: أن عمر قال: لا أدري ما أصنع بالمجوس. فقال عبد الرحمن بن عوف: أشهد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب". وهذا منقطع مع ثقة رجاله. قال أبو عمر: هذا من الكلام العام الذي أريد به الخاص؛ لأن المراد سنة أهل الكتاب في أخذ الجزية فقط، واستدل بقوله: "سنة أهل الكتاب" على أنهم ليسوا أهل كتاب (¬3). (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذها من مجوس) أهل (هجر) بفتح الهاء والجيم وهي مدينة البحرين. وهجر لا ينصرف ولا يدخلها الألف واللام. وروى الشافعي عن مالك، عن ابن شهاب (¬4): أنه بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ الجزية من مجوس البحرين. قال الشافعي: وكانت المجوس يدينون غير دين أهل الأوثان ويخالفون أهل الكتاب من اليهود والنصارى في بعض دينهم (¬5). ¬

_ (¬1) في "الأموال" برقم (92). (¬2) (616) رواية يحيى بن يحيى. (¬3) "التمهيد" 2/ 116. (¬4) في (ل) و (ع): حبان. والمثبت من "الأم" للشافعي 4/ 174. (¬5) "الأم" 4/ 173 وبقية كلامه: وكان أَهْلُ الكِتَابِ اليَهُودِ وَالنَّصَارى يَخْتَلِفُونَ في بَعْضِ=

وفي الحديث دليلٌ على قبول خبر الواحد؛ فإن عمر قبل خبر عبد الرحمن بن عوف بمفرده. وأن الصحابي الجليل قد يغيب عنه حكم ما اطلع عليه غيره من أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأحكامه، وأنه لا نقص عليه في ذلك. وفيه التمسك بالمفهوم فإن عمر فهم من قوله أهل الكتاب اختصاصهم بذلك حتى حدثه عبد الرحمن بن عوف بإلحاق المجوس بهم فرجع إليه. [3044] (حدثنا محمد بن مسكين اليمامي) ويقال: الأيامي كما تقدم، (حدثنا يحيى بن حسان) التنيسي احتج به الشيخان (¬1) (حدثنا هشيم، أخبرنا داود بن أبي هند) دينار البصري حافظا صواما دهره (¬2) (عن قشير بن عمرو) ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3) (عن بجالة) تقدم وهو (ابن عبدة) بفتح المهملة والموحدة، ويقال فيه: عبد بالسكون بلا هاء (¬4). (عن ابن عباس -رضي الله عنهما - قال: جاء رجل من الأسيذيين) قال المنذري: كذا وقع في النسخ المعتمدة المسموعة بضم الهمزة وفتح السين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وكسر الذال المهملة وياء ¬

_ =دِينِهِمْ وكان المَجُوسُ بِطَرَفٍ من الأَرْضِ لَا يَعْرِفُ السَّلَفُ من أَهْلِ الحِجَازِ من دِينِهِمْ ما يَعْرِفُونَ من دِينِ النَّصَارى وَالْيَهُودِ حتى عَرَفُوهُ وَكَانُوا والله تَعَالَى أَعْلَمُ أَهْلَ كِتَابٍ يَجْمَعُهُمْ اسْمٌ أَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ مع اليَهُودِ وَالنَّصَارى. (¬1) "التقريب" (7229). (¬2) "الكاشف" (1466). (¬3) "الثقات" 7/ 348. (¬4) "التقريب" (635) و"الثقات" لابن حبان 4/ 83.

النسب. قال: وصوابه الأسبذي بفتح الهمزة وسكون السين المهملة وبعدها باء موحدة وذال معجمة مكسورة وياء النسب، منسوب إلى مدينة يقال لها: أَسْبَذ، وكانوا ينزلونها. وقيل: إلى اسم فرسٍ كانوا يعبدونها في جاهليتهم. وقال ابن الجواليقي: أسبذ؛ قال أبو عبيد: اسم قائد من قواد كسرى على البحرين فارسي وقد تكلمت به العرب (¬1). (من أهل البحرين) البلد المشهور بالعراق (وهم مجوس أهل هجر) بفتح الهاء والجيم قصبة بلاد البحرين، وقيل: هجر اسم يشمل جميع نواحي البحرين كما يقال: الشام والعراق. وكان غالب أهلها إذ ذاك المجوس. (إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمكث عنده ثم خرج فسألت) ابن عباس لما خرج من عنده: (ما قضى الله) تعالى (ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فيكم؟ قال: شر) على أنه خبر مبتدأ محذوف، وفي (قضى) ضمير مفعول محذوف والتقدير: فسأله ما الذي قضاه الله فيكم؟ فقال يعني: الذي قضاه شر علينا، فهو نظير قوله تعالى: {مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} (¬2). (قلت: مه؟ ) أي: فماذا، فأبدلت ألف ما الاستفهامية هاء للتوقف والسكت كما في حديث طلاق ابن عمر: قلت فمه؟ قال: الذي قضاه فينا (قال: الإسلام أو القتل) يعني: ولا يقبل منهم الجزية؛ لأنهم مجوس ليسوا أهل كتاب. ¬

_ (¬1) انظر: "الأنساب" للسمعاني 1/ 128، و"اللباب" 1/ 50. (¬2) النحل: 24.

(قال: وقال عبد الرحمن بن عوف) بل (قبل منهم الجزية) وسنَّ بهم سنة أهل الكتاب لأنهم أهل كتاب لما روى الشافعي (¬1) وعبد الرزاق (¬2) وغيرهما (¬3) بإسنادٍ حسن (¬4)، عن علي: كان المجوس أهل كتاب يقرؤونه وعلم يدرسونه فشرب أميرهم الخمر فوقع على أخته، فلمَّا أصبح دعا أهل الطمع فأعطاهم وقال: إن آدم كان ينكح أولاده بناته، فأطاعوه، وقتل من خالفه فأسري على كتابهم وما في قلوبهم منه فلم يبق عندهم منه شيء. وروى عبد بن حميد (¬5) في تفسير سورة البروج بإسنادٍ صحيح عن ابن أبي مريم: لمَّا هزم المسلمون أهل فارس قال عمر: اجتمعوا. فقال: إن المجوس ليسوا أهل كتاب فنضع عليهم ولا من عبدة الأوثان فتجري عليهم أحكامهم. فقال علي: بل هم أهل كتاب. فذكر نحوه. لكن قال: وقع على ابنته. وقال في آخره: فوضع الأخدود لمن خالفه. فهذا حجة لمن قال: كان لهم كتاب. (قال ابن عباس: فأخذ الناس بقول عبد الرحمن) بن عوف (وتركوا ما سمعت أنا من الأسبذي) تقدم قال ابن حجر: وعلى هذا فبجالة يرويه عن ابن عباس سماعًا وعن عمر كتابةً، وكلاهما عن عبد الرحمن بن عوف (¬6). ¬

_ (¬1) "الأم" 4/ 173. (¬2) في "المصنف" 6/ 70. (¬3) أخرجه أبو يعلى الموصلي (301). (¬4) "فتح الباري" 6/ 261. (¬5) انظر: "الدر المنثور" 15/ 337. (¬6) انظر: "فتح الباري" 6/ 261.

32 - باب في التشديد في جباية الجزية

32 - باب في التَّشْدِيدِ في جِبايَةِ الجِزْيَةِ 3045 - حدثنا سُلَيْمانُ بْنُ داوُدَ المَهْريُّ، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ هِشامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزامٍ وَجَدَ رَجُلًا وَهُوَ عَلَى حِمْصَ يُشَمِّسُ ناسًا مِنَ النَّبَطِ في أَداءِ الجِزْيَةِ، فَقال: ما هذا؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ اللهَ يُعَذّبُ الذِينَ يُعَذِّبُونَ النّاسَ في الدُّنْيا" (¬1). * * * باب التشديد في جباية الجزية [3045] (حدثنا سليمان بن داود المهري، أخبرنا) عبد الله (ابن وهب، أخبرني يونس بن يزيد) الأيلي (عن) محمد (ابن شهاب، عن عروة بن الزبير: أن هشام بن حكيم بن حزام) أسلم يوم الفتح وكان من فضلاء الصحابة وخيارهم (¬2) (وجد رجلًا) وهو عمير بن سعد بن عبيد (¬3) القاري الأنصاري أحد من جمع القرآن (وهو) أميرٌ (على حمص) ولمسلم (¬4): وأميرهم يومئذٍ عمير بن سعد على فلسطين بولاية عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وفي "صحيح مسلم" (¬5): أن هشام بن حكيم دخل على عمير فحدثه -يعني: بهذا الحديث- فأمرهم فخلوا. قال المنذري: ويشبه أن يكون الفاعل بهم ذلك أحد نواب عمير بن سعد ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2613). (¬2) "الإصابة" 6/ 538. (¬3) في الأصول: عمير. والمثبت من مصادر الترجمة. انظر: "الثقات" لابن حبان 2/ 40، و"الطبقات الكبرى" 2/ 304، و 3/ 230، و"أسد الغابة" 4/ 312. (¬4) (2613) (118). (¬5) (2613).

(يشمس) بتشديد الميم (ناسًا) أي: يعذبهم بحر الشمس الشديدة، وفي لفظ مسلم عن هشام (¬1): مر بالشام على ناسٍ أقيموا في الشمس وصبَّ على رؤوسهم الزيت (من القبط) هم نصارى مصر. ولمسلم: ناس من الأنباط، وهم قومٌ ينزلون بالبطائح بين العراقين، سموا بذلك لأنهم ينبطون الماء أي: يخرجونه، ولعل كان فيهم من الأنباط وفيهم من القبط (في أداء الجزية) أي: في أخذ الجزية منهم. قال القرطبي: كأنهم امتنعوا من أداء الجزية مع التمكن فعوقبوا بذلك فأما مع تبين عجزهم فلا تحل عقوبتهم بذلك، ولا بغيره؛ لأن من عجز عن الجزية سقطت عنه (¬2). (فقال: ما هذا؟ ) إني (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن الله تعالى يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا) يعني: إذا عذبهم (¬3) ظالمين، وهو محمول على التعذيب بغير حق، ولا يدخل فيه التعذيب بحق في الحدود والقصاص (¬4). [قال المصنف: هو هشام بن حكيم بن طريف بن حزم] (¬5). ¬

_ (¬1) (2613) (117). (¬2) "المفهم" 6/ 599. (¬3) هكذا في الأصول. وفي "المفهم": عذبوهم. بواو بصيغة الجمع، وهو أحسن. (¬4) في الأصل: القياس. والمثبت من "شرح مسلم" للنووي 16/ 167. (¬5) هذِه الجملة ليست في "السنن"، ولم أقف عليها من كلام أبي داود خارج "السنن"، ولا في نسب هشام بن حكيم.

33 - باب في تعشير أهل الذمة إذا اختلفوا بالتجارات

33 - باب في تَعْشِير أَهْل الذِّمَّةِ إذا اخْتلَفُوا بالتِّجاراتِ 3046 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا أبُو الأحوَصِ، حدثنا عَطاء بْنُ السّائِبِ، عَنْ حَرْبِ ابن عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي أُمِّهِ، عَنْ أَبِيهِ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّما العُشُورُ عَلَى اليَهُودِ والنَّصارى وَلَيْسَ عَلَى المُسْلِمِينَ عُشُورٌ" (¬1). 3047 - حدثنا مُحَمَّد بْنُ عُبَيْدٍ المُحارِبيُّ، حدثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ عَطاءِ بْنِ السّائِبِ، عَنْ حَرْبِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَعْناهُ قالَ: "خَراجٌ". مَكانَ: "العُشُورُ" (¬2). 3048 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشّارٍ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حدثنا سُفْيان، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَكْرِ بْنِ وائِلٍ، عَنْ خالِهِ قال: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ، أُعَشِّرُ قَوْمي؟ قالَ: "إِنَّما العُشُورُ عَلَى اليَهُودِ والنَّصارى" (¬3). 3049 - حدثنا محَمَّدُ بْنُ إِبْراهِيمَ البَزّازُ، حدثنا أبُو نُعَيْمٍ، حدثنا عَبْدُ السَّلامِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السّائِبِ، عَنْ حَرْبِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَيْرٍ الثَّقَفيِّ، عَنْ جَدِّهِ -رَجُلٍ مِنْ بَني تَغْلِبَ- قال: أَتَيْتا النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَسْلَمْتُ وَعَلَّمَني الإِسْلامَ وَعَلَّمَني كَيْفَ آخُذُ الصَّدَقَةَ مِنْ قَوْمي مِمَّنْ أَسْلَمَ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقُلْت: يا رَسُولَ اللهِ، كُلُّ ما عَلَّمْتَني قَدْ حَفِظْتُهُ إِلا الصَّدَقَةَ، أَفأُعَشِّرُهُمْ؟ قالَ: "لا، إِنَّما العُشُورُ عَلَى النَّصارى واليَهُودِ" (¬4). 3050 - حدثنا مُحَمَّدُ بْن عِيسَى، حدثنا أَشْعَث بْن شُعْبَةَ، حدثنا أَرْطاةُ بْن ¬

_ (¬1) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 31، والبيهقي 9/ 199. وأعله ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" 3/ 493، وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (538). (¬2) راجع السابق، وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (539). (¬3) راجع السابق، وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (540). (¬4) راجع السابق، وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (541).

الُمنْذِرِ قالَ: سَمِعْتُ حَكِيمَ بْنَ عُمَيْرٍ أَبا الأحْوَصِ يُحَدِّثُ عَنِ العِرْباضِ بْنِ سارِيَةَ السُّلَميِّ قال: نَزَلْنا مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ وَمَعَهُ مَنْ مَعَهُ مِنْ أَصْحابِهِ، وَكانَ صاحِبُ خَيبَرَ رَجُلًا مارِدًا مُنْكَرًا، فَأَقْبَلَ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: يا مُحَمَّدُ، ألَكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا حُمُرَنا وَتَأْكُلُوا ثَمَرَنا وَتَضْرِبُوا نِساءَنا؟ فَغَضِبَ -يَعْني: النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "يا ابن عَوْفٍ، أرْكَبْ فَرَسَكَ ثُمَّ نادِ: أَلا إِنَّ الجَنَّةَ لا تَحِلُّ إِلَّا لِمُؤْمِنٍ، وَأَنِ اجْتَمِعُوا لِلصَّلاةِ". قال: فاجْتَمَعُوا ثُمَّ صَلَّى بِهِمُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قامَ فَقالَ: "أَيَحْسَبُ أَحَدُكُمْ مُتَكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ قَدْ يَظُنُّ أَنَّ اللهَ لَمْ يُحَرِّمْ شَيْئًا إِلَّا ما في هذا القُرْآنِ، أَلا وَإِنّي والله قَدْ وَعَظْتُ وَأَمَرْتُ وَنَهَيْتُ عَنْ أَشْياءَ إِنَّها لَمِثْلُ القُرْآنِ أَوْ أَكْثَرُ، وَأَنَّ اللهَ عز وجل لم يُحِلَّ لَكمْ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتَ أَهْلِ الكتابِ إِلَّا بإِذْنٍ وَلا ضَرْبَ نِسائِهِمْ وَلا أَكْلَ ثِمارِهِمْ إِذا أَعْطوْكُمُ الذي عَلَيْهِمْ" (¬1). 3051 - حدثنا مُسَدَّدٌ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قالا: حدثنا أبُو عَوانَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلالٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ جُهَيْنَةَ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَعَلَّكُمْ تُقاتِلُونَ قَوْمًا فَتَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ فَيَتَّقُونَكُمْ بِأَمْوالِهِمْ دُونَ أَنْفُسِهِمْ وَأَبْنائِهِمْ". قالَ سَعِيدُ في حَدِيثِهِ: "فَيُصالِحُونَكُمْ عَلَى صُلْحٍ" .. ثُمَّ اتَّفَقا: "فَلا تُصِيبُوا مِنْهُمْ شَيْئًا فَوْقَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لا يَصْلُحُ لَكُمْ" (¬2). 3052 - حدثنا سُلَيْمان بْنُ داوُدَ المَهْريُّ، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ، حَدَّثَني أبُو صَخْرٍ المَدِينيُّ أَنَّ صَفْوانَ بْنَ سُلَيمٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَبْناءِ أَصْحابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، عَنْ آبائِهِمْ دِنْيَةً، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "أَلا مَنْ ظَلَمَ مُعاهِدًا أَوِ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنا حَجِيجُهُ يَوْمَ القِيامَةِ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 9/ 204، وابن عبد البر في "التمهيد" 1/ 149. وحسن إسناده الألباني في "صحيح أبي داود" (2686). (¬2) رواه البيهقي 9/ 204. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (542). (¬3) رواه البيهقي 9/ 205. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2687).

باب في تعشير أهل الذمة إذا اختلفوا بالتجارات [3046] (حدثنا مسدد، حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي الكوفي (حدثنا عطاء بن السائب، عن حرب بن عبيد الله) بالتصغير، ابن عمير الثقفي (¬1) (عن جده أبي أمه، عن أبيه) الظاهر أنه عبيد الله بن عمير الثقفي، ذكره الذهبي في "التجريد في أسماء الصحابة" (¬2) وقال: كان في وفد ثقيف، يعني: الذين وفدوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال ابن الأثير (¬3): كان قدوم وفد ثقيف في نصف رمضان. (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنما العشور على اليهود والنصارى) أهل الكتاب (وليس على المسلمين عشور) يريد عشور التجارات والبياعات كما بوب عليه المصنف: تعشير أهل الذمة إذا اختلفوا -يعني: إذا ترددوا إلى بلادنا- بالتجارات والبياعات دون عشور الصدقات، والذي يلزم اليهود والنصارى هو ما صولحوا عليه وقت العقد، فإن لم يصالحوا عليه فلا عشور عليهم ولا يلزمهم شيء أكثر من الجزية، فأما عشور غلات أرضهم فلا تؤخذ منهم. وهذا كله على مذهب الشافعي (¬4). وقال الإمام أحمد: من يجز من أهل الذمة إلى غير بلده أخذ منه نصف العشر في السنة (¬5). واستدل بهذا الحديث وبما روى الإمام ¬

_ (¬1) انظر: "الكاشف" (971) والتقريب (1167). (¬2) (3879). (¬3) الكامل 2/ 154. (¬4) "معالم السنن" 3/ 286، "شرح السنة" 11/ 179. (¬5) انظر: "المغني" 10/ 588.

أحمد (¬1) بإسناده عن زياد بن حدير أن عمر بعثه مصدقًا فأمره أن يأخذ من نصارى بني تغلب العشر ومن نصارى أهل الكتاب نصف العشر رواه أبو عبيد في كتاب "الأموال" (¬2). وذهب أصحاب الرأي إلى أنهم إن أخذوا منا العشور في بلادهم إذا اختلف المسلمون إليهم في التجارات أخذنا منهم، وإلا فلا (¬3). [3047] (حدثنا محمد بن عبيد) بن محمد بن واقد (المحاربي) الكوفي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4)، وقال النسائي: لا بأس به (¬5). (حدثنا وكيع) بن الجراح (عن سفيان) بن سعيد الثوري (عن عطاء بن السائب، عن حرب بن عبيد الله [عن أبيه] (¬6) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمعناه قال: خراج مكان العشور). [3048] (حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي ([حدثنا سفيان] (¬7) عن عطاء) بن السائب (عن رجل من بكر بن وائل، عن خاله قال: قلت: يا رسول الله، أعشر قومي؟ ) تقديره: أأعشر قومي؟ (قال: إنما العشور على اليهود والنصارى) كما تقدم. [3049] (حدثنا محمد بن إبراهيم البزاز) بزاءين معجمتين (حدثنا أبو ¬

_ (¬1) في "العلل" برقم (1560). (¬2) (74). (¬3) "شرح السنة" 11/ 179، "معالم السنن" 3/ 286. (¬4) 9/ 108. (¬5) "تهذيب التهذيب" 9/ 295. (¬6) ليست في مطبوع "السنن". (¬7) سقط من (ع).

نعيم) الفضل بن دكين (حدثنا عبد السلام) بن حرب الكوفي المرادي (عن عطاء بن السائب، عن حرب بن عبيد الله بن عمير الثقفي، عن جده -رجل) بالجر بدل (من بني تغلب-) بفتح المثناة فوق وسكون الغين المعجمة ابن وائل من العرب من ربيعة بن نزار كانوا جاهلية وانتقلوا إلى النصرانية، وسيأتي. (قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأسلمت) على يديه (وعلَّمني) شرائع (الإسلام، وعلَّمني كيف آخذ الصدقة من قومي) فيه أن عامل الصدقة على قومٍ يستحب أن يكون منهم؛ لأنه أعرف بأموالهم وأحوالهم (ممن أسلم) منهم (ثم رجعت إليه فقلت: يا رسول الله، كل ما علمتني قد حفظته) بكسر الفاء (إلا الصدقة) بالنصب (أفأعشرهم؟ ) (¬1) بفتح الهمزة الثانية وسكون العين وضم الشين (¬2) أي: أفآخذ منهم عشر أموالهم؟ (قال: لا، إنما العشور على النصارى واليهود) قد يحتج به على ما ذهب إليه عمر بن عبد العزيز أنه ليس على نصارى بني تغلب إلا الجزية وإلا فقد آذنتكم بالحرب (¬3). وذهب أحمد بن حنبل وغيره أن الزكاة تؤخذ من أموالهم وثمارهم مثل ما تؤخذ من المسلمين (¬4). وقد فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشور فيما أخرجت الأرض في خمسة أوساق، وأن هذا الحديث رواه البخاري ¬

_ (¬1) ورد بعدها في الأصل: نسخة: أفأعشرهم. (¬2) الأولى بضم الشين وهذِه بكسرها. وانظر طبعة عوامة تحت (3045). (¬3) "المغني" 10/ 581. (¬4) السابق.

"التاريخ الكبير" (¬1) وساق اضطراب الرواة فيه (¬2) وقال: لا يتابع عليه. ¬

_ (¬1) 3/ 60. (¬2) وحاصل هذا الاضطراب أن الحديث مداره على عطاء بن السائب عن حرب بن عبيد الله، وقد روي على أوجه هذا حاصلها: الأول: عطاء عن حرب عن جده أبي أمه: أخرجه أبو داود (3046)، ومن طريقه البيهقي 9/ 199، والحربي في "غريب الحديث" 1/ 153. وأخرجه ابن أبي شيبة 3/ 87 من طريق أبي الأحوص. وأخرجه ابن سعد في "الطبقات" 6/ 59، والدقاق في "مجلس في رؤية الله تعالى" 1/ 221 (511)، والبيهقي 9/ 199 من طريق جرير، كلاهما -جرير وأبو الأحوص- عن عطاء بن السائب عن حرب بن عبيد الله عن جده أبي أمه عن رسول الله (. وقال البيهقي: لفظ حديث جرير عن أبي أمه رجل من بني تغلب. الثاني: عطاء عن حرب بن هلال الثقفي عن أبي أمية رجل من بني تغلب: أخرجه أحمد في "المسند" 3/ 474، 5/ 410، ومن طريقه ابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 354 (1917) عن جرير به، لكنه قال: حرب بن هلال الثقفي عن أبي أمية رجل من بني تغلب. الثالث: عطاء عن رجل من بكر بن وائل عن خاله: أخرجه أحمد 3/ 474، 4/ 322، والبيهقي 9/ 199 من طريق سفيان عن عطاء عن رجل من بكر بن وائل عن خاله ... وذكره. الرابع: عطاء عن حرب بن عبيد الله عن خاله: أخرجه أحمد 3/ 474، والطحاوي في "شرح المعاني" 2/ 32 من طريق سفيان عن عطاء عن حرب بن عبيد الله عن خاله. وقال الطحاوي: عن خال له من بكر بن وائل، والبيهقي 9/ 199، وقال: عن رجل من أخواله، وكذا هو في "تاريخ بغداد" 3/ 153. الخامس: عطاء عن حرب بن عبيد الله عن خالد بدل خاله: أخرجه ابن أبي شيبة 3/ 87 من طريق سفيان به، ولكنه قال: حرب بن عبيد الله عن خالد بدل خاله.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = السادس: عطاء عن رجل من بكر بن وائل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أخرجه أبو داود (3048) من طريق سفيان عن عطاء عن رجل من بكر بن وائل عن رسول الله. السابع: عطاء عن حرب عن جده رجل من بني تغلب: أخرجه أبو داود (3049)، والبيهقي 9/ 199 من طريق عبد السلام بن حرب عن عطاء عن حرب عن جده رجل من بني تغلب، وذكره. الثامن: عطاء بن السائب عن حرب بن عبيد الله عن أبيه عن أبي حمدة: أخرجه البيهقي 9/ 199 من طريق العباس بن محمد الدوري ثنا أحمد بن يونس، ثنا أبو بكر بن عياش، عن نصير، عن عطاء بن السائب، عن حرب بن عبيد الله، عن أبيه، عن أبي حمدة، عن رسول الله به، ثم قال: قال العباس: هكذا قال أحمد بن يونس: عن أبي حمدة. ورواه البخاري في "التاريخ" عن أحمد ابن يونس عن أبي بكر عن نصير عن عطاء عن حرب بن عبيد الله عن أبي حمدة عن النبي قال: وقال أبو حمزة: عن عطاء بن الحارث الثقفي أن أباه أخبره، وكان ممن وفد إلى النبي، وهذا إن صح فإنما أراد -والله أعلم- تعشير أموالهم إذا اختلفوا بالتجارة، فإذا أسلموا رفع ذلك عنهم. قلت: كذا نقل البيهقي عن البخاري، والذي في "التاريخ الكبير": قول البخاري: وقال أحمد بن يونس عن أبي بكر عن نصير عن عطاء عن حرب بن هلال الثقفى عن أبي أمامة من تغلب سمع النبي - صلى الله عليه وسلم -. اهـ "التاريخ الكبير" 3/ 60، وليس فيه أنه قال: عن أبي حمدة. فلعله نقله من مصدر آخر. والله أعلم. التاسع: عطاء عن حرب عن جده أبي أمامة عن أبيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أخرجه الطحاوي في شرح المعاني كتاب؛ الزكاة. باب: الزكاة هل يأخذها الإمام أم لا 2/ 31 (2821) من طريق أبي الأحوص عن عطاء عن حرب عن جده أبي أمامة عن أبيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. العاشر- عطاء بن السائب عن رجل من بكر بن وائل عن خاله: أخرجه الطحاوي 2/ 31 (2824) من طريق حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن رجل من بكر بن وائل عن خاله، وذكره.

وقد ذكر الترمذي هذا الحديث (¬1) في الزكاة بغير إسناد. [3050] (حدثنا محمد بن عيسى) بن نجيح بن الصباغ، روى عنه البخاري تعليقًا (¬2) (حدثنا أشعث بن شعبة) المصيصي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3) (حدثنا أرطاة بن المنذر) بن الأسود الألهاني، قال ابن حبان: ثقة حافظ فقيه (¬4). (قال: سمعت حكيم بن عمير أبا الأحوص) العنسي السلمي الحمصي، قال أبو حاتم: لا بأس به (¬5). (يحدث عن العرباض بن سارية السلمي) بضم السين المهملة وفتح اللام أبي نجيح، توفي سنة خمس وسبعين بدمشق (¬6). (قال: نزلنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم -) في (خيبر ومعه من) كان (معه من أصحابه، وكان صاحب خيبر رجلاً ماردًا) وهو العاتي الشديد، أصله من مردة الجن والشياطين، ومردة جمع مارد (منكرا) بسكون النون أي: منكر الاسم (فأقبل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد، أ) يحل (لكم أن تذبحوا حمرنا) بضم الحاء والميم جمع حمار وهو الحمر، وكانوا قد ذبحوا منها كثيرًا فنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ عن أكل لحوم الحمر الأهلية (¬7). ¬

_ =الحادي عشر- عطاء عن حرب بن عبيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا: أخرجه أبو داود 2/ 185 (3047)، والبيهقي 9/ 199 من طريق وكيع عن الثوري عن عطاء عن حرب بن عبيد عن النبي مرسلا. (¬1) تحت رقم (634). (¬2) "التقريب" (6210). (¬3) 8/ 129. (¬4) "تهذيب الكمال" 2/ 313، وانظر: "الثقات" لابن حبان 6/ 85. (¬5) "الجرح والتعديل " (895). (¬6) "الإصابة" 4/ 482. (¬7) أخرجه البخاري (4199)، ومسلم (1407).

وذكر أبو محمد المنذري عن بعضهم أنه كان يقول: نكاح المتعة نسخ مرتين، ونسخت القبلة مرتين، وتحريم الحمر الأهلية مرتين، قال: ولا أحفظ رابعًا (¬1). (وتأكلوا ثمرنا) بفتح المثلثة والميم، ويجوز ضمها، وقرئ بهما (وتضربوا نساءنا) فإنهم كانوا دخلوا بيوتهم وضربوا نساءهم وأولادهم (فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم -) من هذا الفعل حين سمع كلام المارد المنكر (وقال: ) لعبد الرحمن بن عوف (يا) عبد الرحمن (بن عوف، اركب فرسك) أمره بركوب الفرس إكرامًا له، فإن ركوبها عز وشرف، ولئلا يشق عليه المشي إلى جميع العسكر، وليكون أرفع وأبلغ في بلوغ صوته للسامعين، ولهذا شرع المنبر للخطيب (ثم ناد) في الناس (ألا) (¬2) بالتخفيف حرف استفتاح تكسر همزة إن بعدها (إن الجنة لا تحل) أن يدخلها (إلا لمؤمن) بالله ورسوله، هذا موافق لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} (¬3) (و) ناد فيهم أيضًا (أن) بفتح الهمزة وتخفيف النون: تفسيرية؛ نحو: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ} (¬4). (اجتمعوا للصلاة) يحتمل أن تكون هذِه الصلاة غير فريضة؛ فإن الفرائض نداؤها بالأذان فلا يؤذن لغير الفرض. ([قال] فاجتمعوا) للصلاة (ثم صلى بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) إذا قلنا أنها ¬

_ (¬1) انظر: "عمدة القاري" 26/ 73. (¬2) في بعض النسخ: إن الجنة بدون: ألا. راجع طبعة عوامة تحت (3045). (¬3) البقرة: 82. (¬4) الأعراف: 43.

غير فرض كما تقدم ففيه جواز صلاة النافلة جماعة، وهو الصحيح. (ثم قام) فيه القيام لخطبة الجمعة وغيرها من الخطب والقيام للوعظ (فقال: أيحسب أحدكم) فيه حذف تقديره: أيظن أحدكم إذا بلغه الحديث عني في حال كونه (متكئًا على أريكته) فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله. والأريكة: السرير في الحجلة من دونه ستر، ولا يسمى منفردًا أريكة، وقيل: هو كل ما اتكئ عليه من سرير أو فراش أو منصبة ومخدة ونحوها (¬1). ويترجح هذا هنا؛ فإنهم كانوا في غزوة خيبر. ولم تكن الحجلة موجودة عليه، وهي بفتح الحاء والجيم بيت كالقبة تستر بالثياب، ويكون له أزرار كبار (¬2)، ويدل عليه حديث الاستئذان: ليس لبيوتهم ستور ولا حجال (¬3). جمع حجلة. (قد يظن) يظن بقوله: بيننا وبينكم كتاب الله (أن الله تعالى لم يحرم شيئًا إلا ما) حرمه (في هذا القرآن) وقد يظن بظن أحدكم (ألا وإني والله قد أمرت) بفتح الهمزة والميم، ومبني للمفعول في بعضها بإسناد (ووعظت) بمواعظ (ونهيت) الناس (عن أشياء) كثيرة، وفي هذا المعنى ما رواه الترمذي (¬4) وحسنه عن المقدام بن معدي كرب قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكته فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه حلالًا استحللناه، وما ¬

_ (¬1) "النهاية" 1/ 84. (¬2) في (ر): كبالة. (¬3) سيأتي برقم (5192). (¬4) (2588).

وجدنا فيه حرامًا حرمناه. وأن ما حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما حرم الله" وهذا نظير قوله هنا: (إنها لمثل) بكسر الميم وسكون المثلثة، ويجوز فتحها كشبه وشبه] (القرآن) كما حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهو كما حرم الله لقوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} (¬1)، ويدل على ذلك ما رواه المصنف (¬2): قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع، ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن ثزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه". (أو) السنة (أكثر) من القرآن، وهذا ظاهر. ألا (وإن الله) تعالى أتاني بما ليس في القرآن (لم يحل) بضم الياء وكسر الحاء (لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب) من اليهود والنصارى (إلا بإذن) من مستحق منفعة المالك أو غيره، وفيه التصريح بأنه لا يجوز دخول بيت من بيوت أهل الذمة، وفي معناه كنائسهم [وبيعهم وتعبداتهم إلا بعد إذنهم؛ لما في الدخول عليهم دون إذن من الضرر، ولأنهم] (¬3) مأمورون أن لا يظهروا لنا أصنامهم ولا ما يتقربون به على زعمهم ولا خمورهم ولا غير ذلك مما أخذ عليهم في عقد الذمة، ¬

_ (¬1) النجم: 3 - 4. (¬2) سيأتي برقم (4604). (¬3) سقط من (ر).

وليس لهم أن يأذنوا حتى يرفعوا هذِه الأشياء التي أمروا بإخفائها. (ولا) يحل لكم (ضرب) امرأة من (نسائهم) يحتمل أن يراد به الضرب بالخشب لأخذ طعام أو غيره منهن قهرًا، ويحتمل أن يراد بالضرب المجامعة أي: لا يظنوا أن نساء أهل الذمة حلال كنساء أهل الحرب وأولادهم ولا خدمهم (ولا) دوابهم، ولم يحل الله لكم (أكل ثمارهم) ولا طعامهم ولا شرب مائهم المختص بهم، بل (إذا أعطوكم الذي) يجب (عليهم) من الجزية وغيرها. فإن امتنعوا من ذلك مع القدرة كان نقضًا لعهدهم وجاز أخذ أموالهم وأكل ثمارهم. [3051] (حَدَّثَنَا مسدد وسعيد بن منصور) بن شعبة الخراساني (¬1) (قالا: حَدَّثَنَا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري (عن منصور) بن زاذان (عن هلال) بن يساف (¬2) الأشجعي، احتج به مسلم (عن رجل من) بني (ثقيف، عن رجل من) بني (جهينة) غير منصرف؛ لأنها قبيلة معروفة من قضاعة. (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لعلكم) لعل على أنها للتوقع، وهو ترجي المحبوب والإشفاق من (¬3) المكروه، وهي هنا للأول، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - وإن أخبر عما شاهده عيانًا وتحقق وقوعه فإنه أظهره بصيغة الترجي للوقوع (تقاتلون قومًا) ليسوا بأهل كتاب ولا شبهته (فتظهرون) هذِه الفاء ¬

_ (¬1) "التقريب" (2359). (¬2) بكسر التحتانية ثم مهملة ثم فاء ويقال: ابن إساف. "التقريب" (7352). (¬3) سقط من (ر).

عاطفة على تقاتلون دالة على الظهور (عليهم) عقب القتال عليهم بالغلبة والقهر (فيتقونكم بأموالهم) أي: يتقون ما يصلح لهم بالقتال من إتلاف النفس والمال بدفع أموالهم إليكم (دون) بذل (أنفسهم) ونسائهم (وأبنائهم) وبناتهم. (قال سعيد) بن منصور (في حديثه) دون مسدد (فيصالحونكم على صلح) بينكم وبينهم. قال المصنف: (ثم اتفقا) يعني: سعيدًا ومسددًا فيما يأتي بعده (فلا) هذِه الفاء جواب العل) المتقدمة، و (لا) المتصلة بها ناهية، ولهذا: حذفت النون من قوله (فتصيبوا) علامة للجزم، ولا يجوز أن تكون منصوبة بجواب العل (فإن عامل النهي أقوى من عامل مقدر وهو: أن التي تقدر في جواب العل) كما في قوله تعالى {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ} (¬1) على قراءة النصب، ومعنى فلا تصيبوا (منهم فوق ذلك) الذي صالحتم عليه أي: لا تأخذوا منهم غيره، يقال: أصاب الإنسان من المال وغيره. أي: أخذ وتناول، ومنه الحديث: "من يرد الله به خيرًا يصب منه" (¬2) أي: يأخذ منه بما يناله من المصائب ليثيبه عليها. (فإنه لا يصلح لكم) أن تطلبوا منهم أكثر مما صالحتموهم عليه، ففي الحديث دليل على جواز صلح أهل الذمة على مال من عشور ونصف عشور وأقل وأكثر، فإذا صالحتموهم على العشور من أموالهم فلا يجوز لكم أن تأخذوا منهم أكثر ما وقع الصلح عليه، ويدخل في ¬

_ (¬1) غافر: 36 - 37، وانظر: "السبعة في القراءات". (¬2) البخاري (5645) من حديث أبي هريرة مرفوعًا.

العشور عشور البياعات والتجارات إذا دخلوا بلاد الإسلام للاتجار، وهذا وجه مناسبة التبويب على هذا الحديث بأن تعشير أهل الذمة إذا اختلفوا في التجارات. [3052] (حَدَّثَنَا سليمان بن داود المهري) بفتح الميم، تقدم (أنبأنا) عبد الله (ابن وهب، حدثني أبو صخر) [حمد بن زياد] (¬1) (المدني) بنون بعد الدال، وفي بعضها: مديني بزيادة الياء (¬2)، أخرج له مسلم (¬3) (أن صفوان بن سليم) بالتصغير المدني (أخبره، عن عدة من أبناء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، عن آبائهم دنية) بكسر الدال وإسكان النون وهو مصدر على فعلة من دنا يدنو كما أن سدة مصدر سد يسد، وهذا المصدر يراد به الحال كما وقع نعته مصدرًا في معنى الحال، والتقدير: أخبره عدة لاصقي النسب بآبائهم غير بعيدين كما تقول: هو ابن عمي دنيا ودنية. أي: لاصق من قولهم: لححت عينه إذا ألصقت بالرمص، يريد آباءه الأقربين ابن عمه لحّا (¬4). (عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ألا) يا قوم (من ظلم معاهدًا) قال في "النهاية": يجوز أن تكون بكسر الهاء وفتحها على البناء للفاعل ¬

_ (¬1) في الأصل: أحمد. والمثبت من مصادر الترجمة. انظر: الآتي. (¬2) في النسخ الخطية: النون. والمثبت هو الجادة. (¬3) انظر: "العلل ومعرفة الرجال" 3/ 320، و"تهذيب الكمال" 7/ 366، و"التقريب" (1546) والثقات للعجلي (ت 362). (¬4) قال ابن قتيبة في أدب الكاتب ص 12: ويقولون: هو ابن عمّي لَحًّا. أي: لاصق النسب من قولهم: لَحِحَتْ عينُه. إذا لصقت، ويقولون في النكرة: هو ابن عم لَحّ. وانظر: "القاموس المحيط" 1/ 306، "الصحاح" 1/ 423.

والمفعول. قال: وهو في الحديث بالفتح أشهر وأكثر، والمعاهد من كان بينك وبينه عهد، وأكثر ما يستعمل [في الحديث] (¬1) على أهل الذمة، وقد يطلق على غيرهم من الكفار إذا صولحوا على ترك الحرب مدة ما (¬2). (أو انتقصه) بالصاد المهملة أي: نقصه من شيء من حقه مما عوهدوا عليه شيئًا (أو كلفه) فعل شيء (فوق طاقته، أو أخذ منه شيئًا) قليلًا أو كثيرًا (بغير طيب نفس) أي: من غير أن تسمح له به نفسه من غير كراهة ولا غصب (فأنا حجيجه) أي: محاججه ومغالبه بإقامة الحجة عليه، تقول: حاججته فأنا محاجه وحجيجه (يوم القيامة) وفيه الوعيد الشديد والزجر الأكيد عن ظلم الذمي والمعاهد، فإذا كان هذا الوعيد في ظلم الكافر بالله فما ظنك بظلم المؤمن المودعد ما يكون حال ظالمه يوم القيامة؟ ! * * * ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) "النهاية" لابن الأثير 3/ 613.

34 - باب في الذمي يسلم في بعض السنة هل عليه جزية؟

34 - باب في الذِّمِّيِّ يُسْلِمُ في بَعْضِ السَّنَةِ هَلْ عَلَيْهِ جِزْيةٌ؟ 3053 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الجَرّاحِ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ قابُوسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ عَلَى المُسْلِمِ جِزْيَةٌ" (¬1). 3054 - حَدَّثَنَا محَمَّد بْنُ كَثِيرِ قال: سُئِلَ سُفْيانُ عَنْ تَفْسِيرِ هذا فَقال: إِذا أَسْلَمَ فَلا جِزْيَةَ عَلَيهِ (¬2). * * * باب الذمي يسِلم في بعض السنة أعليه (¬3) جزية [3053] (حَدَّثَنَا عبد الله بن الجراح) بن سعيد التميمي القهساني بضم القاف والهاء نسبة إلى قوهسان ناحية بخراسان بين هراة ونيسابور، وثقه النسائي وغيره. وقال أبو زرعة: صدوق (¬4). (عن جرير) بفتح الجيم، وهو ابن عبد الحميد الضبي (¬5) (عن قابوس) بن أبي ظبيان (¬6) (عن أبيه) أبي ظبيان حصين بن حيدر الخشني (¬7) (عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ليس على المسلم جزية) سيأتي. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (633، 634). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (543). (¬2) قال الألباني في "ضعيف أبي داود" (544): إسناده مقطوع صحيح. (¬3) ورد بعدها في الأصل: نسخة: هل عليه. (¬4) "التقريب" (4248)، والأنساب 4/ 564. (¬5) "التقريب" (916). (¬6) بفتح المعجمة وسكون الموحدة بعدها تحتانية، الجنبي بفتح الجيم وسكون النون بعدها موحدة. "التقريب" (5445). (¬7) "التقريب" (1366).

[3054] (حَدَّثَنَا محمد بن كثير) العبدي (قال: سئل سفيان) بن سعيد الثوري (عن تفسير هذا) الحديث (فقال: ) معناه (إذا أسلم) الذمي في أثناء الحول (فلا جزية عليه) ويسقط قسط بعض السنة المتقدمة، وهذا أظهر قولي الشافعي، والثاني: عليه من الجزية القسط كمن أفاق بعد الحول (¬1). ورواه الطبراني (¬2) عن ابن عمر: من أسلم فلا جزية عليه. وقد اختلفوا فيمن أسلم بعد مضي جميع الحول فقال مالك وأحمد ابن حنبل وسفيان الثوري وأهل الرأي: سقطت عنه. واحتجوا بهذا الحديث. وقال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر: إذا أسلم بعد الحول لم يسقط عنه؛ لأنه دين استحقه صاحبه واستحق المطالبة به في حال الكفر فلم يسقط بالإسلام كالخراج وسائر الديون. وقال أحمد: قد روي عن عمر أنه قال: إن أخذها في كفه ثم أسلم ردها عليه. وروي أن ذميًّا (¬3) أسلم فطولب بالجزية، وقيل: إنما أسلمت تعوذًا فقال: إن في الإسلام معاذًا. فرفع إلى عمر، فقال عمر: إن في الإسلام معاذًا وكتب أن لا يؤخذ منه الجزية (¬4). وقال البغوي في هذا الحديث: يتأول معناه على أن معنى الجزية ¬

_ (¬1) "الأم" للشافعي 4/ 286، وانظر: "التمهيد" 2/ 132. (¬2) في "الأوسط" 7/ 377 (7772). (¬3) في النسخ الخطية: ذمي. والجادة ما أثبتناه. (¬4) "مصنف عبد الرزاق" 6/ 94 (15111) وانظر: "المغني" 10/ 578 و"الحاوي" 13/ 178.

الخراج، وذلك أن الإمام إذا فتح بلدًا صلحًا على أن تكون الأراضي لأهلها وضرب عليها خراجًا معلومًا فهو جزية، فإذا أسلم أهلها سقط عنهم ذلك كما تسقط جزية رؤوسهم، ويجوز لهم بيع تلك الأراضي، فأما إذا صالحهم على أن تكون الأراضي لأهل الإسلام وهم يسكنونها بخراج معلوم وضع عليهم فذلك أجرة الأرض لا تسقط بالإسلام، ولا يجوز لهم بيع شيء من الأراضي؛ لأنها ملك الإسلام (¬1). * * * ¬

_ (¬1) "شرح السنة" للبغوي 11/ 177 وانظر: "التنبيه" ص (238).

35 - باب في الإمام يقبل هدايا المشركين

35 - باب فِي الإِمَامِ يَقْبَلُ هَدَايَا المُشْرِكِينَ 3055 - حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْن نَافِعٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوَية -يَعْني: ابن سَلَّامٍ - عَنْ زَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ قالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ الهَوْزَنيُّ قال: لَقِيتُ بِلالًا مُؤَذِّنَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِحَلَبَ فَقلْتُ: يا بِلالُ، حَدِّثْنِي كَيفَ كانَتْ نَفَقَةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قال: ما كانَ لَهُ شَيء كُنْتُ أَنا الذي أَلي ذَلِكَ مِنْة مُنْذُ بَعَثَهُ اللهُ إِلَى أَنْ توُفّيَ، وَكانَ إِذا أَتَاهُ الإِنْسانُ مُسْلِمًا فَرَآهُ عَارِيًا يَأْمُرُني فَأَنْطَلِقُ فَأَسْتَقْرِضُ فَأَشْتَري لَهُ البُرْدَةَ فَأَكْسُوهُ وَأُطْعِمُهُ، حَتَّى اعْتَرَضَنِي رَجُلٌ مِنَ المُشْرِكِينَ فَقال: يا بِلالُ، إِنَّ عِنْدي سَعَةً فَلا تَسْتَقْرِضْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا مِنِّي. فَفَعَلْتُ، فَلَمّا أَنْ كانَ ذاتَ يَوْمٍ تَوَضَّأْتُ ثُمَّ قمْتُ لأُؤَذِّنَ بِالصَّلاةِ فَكذا المُشْرِكُ قَدْ أَقْبَلَ في عِصابَةٍ مِنَ التُّجّارِ فَلَمّا أَنْ رَآني قال: يا حَبَشِيُّ. قلْتُ: يا لَبّاهُ. فَتَجَهَّمَنِي وقالَ لي قَوْلًا غَلِيظًا، وقالَ لي: أَتَدْري كَمْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الشَّهْرِ؟ قال: قُلْتُ: قَرِيبٌ. قال: إِنَّما بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ أَرْبَعٌ فَآخُذُكَ بِالَّذي عَلَيْكَ فَأَرُدُّكَ تَرْعَى الغَنَمَ كَما كُنْتَ قَبْلَ ذَلِكَ. فَأَخَذَ في نَفْسي ما يَأْخُذُ في أَنْفُسِ النّاسِ. حَتَّى إِذَا صَلَّيْتُ العَتَمَةَ رَجَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى أَهْلِهِ فاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ فَأَذِنَ لِي، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، إِنَّ المُشْرِكَ الذي كُنْتُ أَتَدَيَّن مِنْهُ قال لي كَذا وَكَذا، وَلَيْسَ عِنْدَكَ ما تَقْضِي عَنِّي وَلَا عِنْدي وَهُوَ فاضِحي، فَأْذَنْ لِي أَنْ آبِقَ إِلَى بَعْضِ هَؤُلَاءِ الأَحياءِ الذِينَ قَدْ أَسْلَمُوا حَتَّى يَرْزُقَ اللهُ رَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم - ما يَقْضي عَنِّي. فَخَرَجْتُ حَتَّى إِذَا أَتَيْتُ مَنْزِلي فَجَعَلْتُ سَيْفي وَجِرابِي وَنَعْلي وَمِجَنِّي عِنْدَ رَأْسِي، حَتَّى إِذَا انْشَقَّ عَمُودُ الصُّبْحِ الأَوَّلِ أَرَدْتُ أَنْ أَنْطَلِقَ فَإِذا إِنْسانٌ يَسْعَى يَدْعُو: يا بِلالُ، أَجِبْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فانْطَلَقْتُ حَتَّى أَتَيْتُهُ فَإِذا أَرْبَعُ رَكائِبَ مُناخَاتٍ عَلَيْهِنَّ أَحْمالُهُنَّ، فاسْتَأْذَنْتُ، فَقالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَبْشِرْ فَقَدْ جاءَكَ اللهُ بِقَضائِكَ" .. ثمَّ قالَ: "أَلَمْ تَرَ الرَّكائِبَ المُناخاتِ الأرْبَعَ" .. فَقُلْتُ: بَلَى. فَقالَ: "إِنَّ لَكَ رِقابَهُنَّ وَما عَلَيْهِنَّ، فَإِنَّ عَلَيْهِنَّ كسْوَةً وَطَعامًا أَهْداهُنَّ إِلَي عَظِيمُ فَدَكَ

فاقْبِضْهُنَّ واقْضِ دَيْنَكَ" .. فَفَعَلْتُ، فَذَكَرَ الحَدِيثَ. ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى المَسْجِدِ فَإِذا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قاعِدٌ في المَسْجِدِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقالَ: "ما فَعَلَ ما قِبَلَكَ؟ " .. قُلْتُ: قَدْ قَضَى اللهُ كُلَّ شَيءٍ كانَ عَلَى رَسُولِ اللهِ فَلَمْ يَبْقَ شَيء. قالَ: أَفَضَلَ شَيء؟ " .. قُلْتُ: نَعَمْ قالَ: "انْظُرْ أَنْ تُرِيحَني مِنْهُ، فَإِنّي لَسْتُ بِداخِلٍ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلي حَتَّى تُرِيحَنِي مِنْهُ" .. فَلَمّا صَلَّى رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - العَتَمَةَ دَعانِي فَقالَ: "ما فَعَلَ الذي قِبَلَكَ؟ " .. قال: قُلْتُ: هُوَ مَعي لَمْ يَأْتِنا أَحَدٌ. فَباتَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في المَسْجِدِ وَقَصَّ الحَدِيثَ. حَتَّى إِذا صَلَّى العَتَمَةَ - يَعْني مِنَ الغَدِ - دَعاني قالَ: "ما فَعَلَ الذي قِبَلَكَ" .. قال: قُلْتُ: قَدْ أَراحَكَ الله مِنْهُ يا رَسُولَ اللهِ. فَكَبَّرَ وَحَمِدَ اللهَ شَفَقًا مِنْ أَنْ يُدْرِكَهُ المَوْتُ وَعِنْدَهُ ذَلِكَ ثُمَّ اتَّبَعْتُهُ، حَتَّى إِذا جاءَ أَزْواجَه فَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ امْرَأَةٍ حَتَّى أَتَى مَبيتَةُ. فهذا الذي سَأَلْتَنِي عَنْهُ (¬1). 3056 - حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنَا مَرْوانُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بِمَعْنَى إِسْنادِ أَبي تَوْبَةَ وَحَدِيثِهِ قالَ عِنْدَ قَوْلِهِ: "مَا يَقْضِي عَنِّي" .. فَسَكَتَ عَنِّي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فاغْتَمَزْتُهَا (¬2). 3057 - حَدَّثَنَا هارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا أَبُو داوُدَ، حدتنا عِمْرانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ عِياضِ بْنِ حِمارٍ قال: أَهْدَيْتُ لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَاقَةً فَقالَ: "أَسْلَمْتَ" .. فَقُلْتُ: لا. فَقالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي نُهِيتُ عَنْ زَبْدِ المُشْرِكينَ" (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه البزار في "المسند" 4/ 218 (1382)، وابن حبان 14/ 261 - 263 (6351)، والطبراني 1/ 363 (1119)، والبيهقي 6/ 80. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2688). (¬2) صححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2689). (¬3) رواه الترمذي (1577). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2690).

باب في الإمام يقبل هدايا المشركين [3055] (حَدَّثَنَا أبو توبة الربيع بن نافع) الحلبي، أخرج له الشيخان (¬1). (حَدَّثَنَا معاوية بن سلام) بتشديد اللام ابن أبي سلام ممطور (¬2) الحبشي (¬3) (عن) أخيه (زيد) بن سلام (¬4) (أنه سمع) جده (أبا سلام) واسمه ممطور الحبشي الأسود، أخرج له مسلم (¬5). (قال: حدثني عبد الله). بن لحي بضم اللام وفتح الحاء المهملة مصغر، أبو عامر (الهوزني) بفتح الهمزة والزاي بينهما واو ساكنة منسوب إلى هوزن بن عوف بطن من ذي الكلاع بن حمير، وثقه أحمد العجلي وغيره، وهو من أصحاب أبي عبيدة بن الجراح (¬6). (قال: لقيت بلالًا مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحلب) غير منصرف، وكانت إقامته بدمشق، ومات بها ودفن بباب الصغير، هذا المشهور، وقيل: مات بحلب ودفن عند باب الأربعين. وقيل: الذي بحلب أخوه خالد (¬7). (فقلت: يا بلال، حدثني كيف كانت نفقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: ما كان ¬

_ (¬1) التقريب (1902). (¬2) في الأصل: محظور. والمثبت من كتب التراجم. (¬3) "التقريب" (6761). (¬4) "الكاشف" (1740). (¬5) "التقريب" (6879). (¬6) "معرفة الثقات" للعجلي (957)، "الأنساب" 5/ 656، "تهذيب الكمال" 15/ 485، "التقريب" (3562). (¬7) "الإصابة" 1/ 326 و"الطبقات الكبرى" 3/ 232، وطبقات ابن خياط ص (19) و"تهذيب التهذيب" 1/ 441.

له شيء) من المال مرصد للنفقة ولا كان يدخر شيئًا لها ولا لغيرها، و (كنت أنا الذي الي) بفتح الهمزة وكسر اللام وسكون الياء أي: أتولى (ذلك منه) أي: أتولى قبضها وصرفها له ولأهله (منذ بعثه الله تعالى حتى توفي) (¬1) أي: حتى توفاه الله تعالى، قال: (وكان) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إذا أتاه الإنسان مسلمًا ورآه عاريًا) ليس عليه ما يستر عورته، أو رأى عليه ما يسترها أو بعضها (يأمرني، فأنطلق فأستقرض) له على ذمة الله تعالى إلى أن ينعم بشيء (فأشتري له) بها (البردة) وهي الشملة المخططة، وقيل: كساء أسود مربع، وفيه صغر تلبسه الأعراب وبه كني أبو بردة (فأكسوه) بها (وأطعمه) مما استقرضه. فيه فضيلة الاستقراض في الذمة عند رؤية المصرور من جوع وعطش وحر وبرد ونحو ذلك، وهذا فيمن له عنده مال، وبهذا أخذ جماعة من الصوفية الاستقراض على ذمة الله ليكرم به الضيوف الواردين عليه ويطعمون منه التلامذة المنقطعون (¬2) عندهم للذكر والقراءة والعبادة، لكن لا أرى الاستقراض لهذا (¬3) إلا من تطيب نفسه بالقرض منه، وربما استبشر بذلك، ولقد كنت أرى فيمن تقدم من يقول للشيخ: إذا احتجت إلى شيء فخذ مني، فإن وجدت وفاء وإلا فأنت بريء منه. ولما لم أجد من يعطي بهذِه الصفة أمسكت عن ذلك، فإن حصل شيء واسيت ووسعت على الفقراء وإلا فلا. (حتى اعترض لي) ¬

_ (¬1) في المطبوع: إلى أن توفي. (¬2) هكذا في الأصل، ولعلها: المنقطعين. (¬3) سقط من (ع).

رواية: اعترضني في بعض الأيام (رجل من المشركين) له مال" (فقال: ) لي (يا بلال، إن عندي سعة) فتحت سينه في المصدر؛ لأنها مفتوحة في المستقبل؛ إذ هو محمول عليه وقياسها الكسر؛ لأن أصل الماضي وسع يسع (¬1) بكسر السين فيهما كوثق يثق، وإنما فتح في المضارع لكون لامه حرف حلق، فهذِه فتحتها كلها كسرة، ولذلك حذفت الواو في المضارع لوقوعها (¬2) في يسع بين ياء وكسرة، لكن فتح لما ذكرناه (¬3)، ولو كان أصلها الفتح لم يجز حذف الواو، ألا ترى ثبوتها في يؤخر لأنها لم تقع بين كسرة وياء، فالمصدر والأمر في الحذف محمولان على المضارع كما حملوا عدة وعد على يعد. (فلا تستقرض من أحد) شيئًا (إلا مني. ففعلت) يحتمل أنه فعل ذلك (¬4) فاستقرض منه من غير أن يستأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - اكتفاء بإطلاقه في الإذن، فعم المسلم والكافر. (فلما أن كان) أي: وجد (ذات) لما كان اليوم يحدث فيه الأحوال كما يحدث في العين سمي ذاتًا (يوم) من الأيام (توضأت) فيه الوضوء قبل الأذان، ليكون حال الأذان على طهارة كاملة (ثم قمت لأؤذن) فيه استحباب القيام للأذان (بالصلاة) المفروضة (فإذا المشرك) فاجأني ¬

_ (¬1) في الأصل: يسق. انظر: "تاج العروس" 22/ 324. وعلى هامش (ح): كذا والظاهر: يسع. (¬2) في الأصل كلمة غير واضحة. والمثبت من المصباح المنير (مادة وس ع). (¬3) قال الفيومي في "المصباح المنير" مادة وسع: ثُمَّ فُتِحَتْ بَعْدَ الحَذْفِ لِمَكَانِ حَرْفِ الحَلْقِ، وَمِثْلُهُ يَهَبُ وَيَقَعُ وَيَدَعُ وَيَلَغُ وَيَطَأُ وَيَضَعُ وَيَلَعُ وَيَزَعُ الجَيْشَ أَيْ: يَحْبِسُهُ. (¬4) في (ر): شيئًا.

بالمجيء، و (قد أقبل) إلي وهو (في عصابة) أي: جماعة (من) الرجال (التجار) بضم التاء مع تشديد الجيم، وكسرها مع تخفيف الجيم لغتان (فلما رآني قال: يا حبشي) قال مكحول: أخبرني من رأى بلالًا أنه آدم شديد الأدمة نحيفًا طوالًا (¬1). وفي حديث أنس: بلال سابق الحبشة (¬2). يعني (¬3) إلى الجَنَّة. (قلت: يا لباه) بفتح اللام وتشديد الباء الموحدة، ويحتمل أن يكون من التلبية وهو الإجابة ومعناه: يا لبيك، وفيه استحباب إلانة الخطاب لصاحب الحق وإن كان كافرًا عنيدًا (فتجهمني) أي: لقيني بغلظة لفظ وجه كريه، يقال: جهمت الرجل وتجهمته. إذا كلحت في ووجه (وقال لي قولًا غليظًا) أي: بعنف وشدة وارتفاع صوت، ولم يأت في الحديث أنه جاوبه على ما سمع منه، للحديث المتفق عليه عن أبي هريرة أن رجلًا تقاضى (¬4) النبي - صلى الله عليه وسلم - دينًا فأغلظ له، فهم به أصحابه، فقال: "دعوه فإن لصاحب الحق مقالًا" (¬5). (وقال لي: أتدري كم بينك وبين) آخر (الشهر؟ ) من يوم (قلت) بيني وبينه زمن (قريب. قال: إنما بينك وبينه) أي: بين آخر الشهر (أربع) أي: أربعة أيام، لكن لما حذفت الأيام [حذفت الهاء] (¬6) كقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "وأتبعه بست من ¬

_ (¬1) "الطبقات الكبرى" 3/ 238. (¬2) "الكامل" لابن عدي 2/ 75، "تاريخ دمشق" 10/ 449. (¬3) سقط من (ر). (¬4) سقطت هذِه الكلمة من الأصول، وأثبتها من "صحيح البخاري" (2306). (¬5) "صحيح البخاري" (2306)، "صحيح مسلم" (1601). (¬6) سقط من (ر).

شوال" (¬1) (فآخذك) بمد الهمزة وضم الخاء المعجمة (بالذي عليك) من الدين، أي: أتملكك به (فأردك ترعى الغنم كما كنت) ترعى الغنم (قبل ذلك) يعني: لبعض بني (¬2) جمح. قال سعيد بن جبير: بلغني أن أمية بن خلف قال لأبي بكر حين قال له: أتبيعه؛ قال: نعم أبيعه بنَسطاس (¬3) عبد لأبي بكر، وكان نسطاس صاحب عشرة آلاف دينار وغلمان وجوارٍ ومواشٍ، وكان مشركًا حمله أبو بكر على الإسلام على أن يكون ماله له فأبى، فأبغضه أبو بكر، فلما قال له أمية: أبيعكه بغلامك نسطاس. فابتاعه منه أبو بكر وأعتقه، قال أبو بكر (فأخذ) بفتح الخاء والذال المعجمتين (في نفسي) من الحدة والغضب (ما يأخذ) بضم الخاء المعجمة (في أنفس) غيري من (الناس) عند سماع قوله القبيح. وهذِه الزيادة من عند قوله (وقال لي قولًا غليظًا) إلى هنا ليست في نسخ الخطيب بل في رواية اللؤلؤي. (حتى إذا صليت) صلاة (العتمة) فيه دليل على بيان جواز تسمية العشاء عتمة مع الكراهة، ودليل الكراهة ما رواه مسلم (¬4) عن ابن عمر: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم، ألا إنها العشاء وهم معتمون بالإبل" والعتمة في اللغة: شدة الظلمة ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1164) من حديث أبي أيوب الأنصاري. (¬2) في (ر) من. (¬3) انظر: "سبل الهدى والرشاد" 6/ 52. (¬4) (644).

(رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أهله) بعد العشاء (فاستأذنت عليه) فيه استحباب الاستئذان وإن كان من أخصاء المستأذن (¬1) وأهله لاسيما وهو بعد العشاء وهو الثلاث التي يستأذن فيها الذين ملكت أيمانهم والذين لم يبلغوا الحلم (فأذن لي) فدخلت عليه (فقلت: يا رسول الله) أفديك (بأبي أنت وأمي، إن (الرجل (المشرك الذي كنت أتدين) أي: أستدين (منه، قال لي كذا وكذا) ووجدت منه في نفسي ما يجد غيري عند سماع ما يكره (وليس عندك ما تقضي عني) دينه (ولا عندي) ما يقضي في ديني. وفي الحديث دليل على صحة الوكالة في الاستقراض عنه، وأن للوكيل في القرض القبض والدفع إلى من وكله في الدفع إليه، وأن له دفع المقبوض في ثمن ما اشتراه، وأن المقرض له مطالبة المقترض إن قبض منه. (وهو) يعني: المشرك المقرض (فاضحي) بين الملأ، يقال: فضح زيد عمرًا. إذا كشف عن عيوبه بين القوم (فأذن) بسكون الهمزة وفتح الذال (لي) طلب منه الإذن (أن آبق) - رواية: فآبق فآتي - بمد الهمزة وفتح الباء وهو منصوب بأن المقدرة في جواب الأمر التقدير: فأذن لي بأن آبق أي: أذهب [وفي بعضها: فأذن لي أن آبق] (¬2) (إلى بعض هؤلاء الأحياء) جمع حي، وهي القبيلة من العرب (الذين قد أسلموا حتى يرزق الله) تعالى، يجوز أن تكون حتى هنا بمعنى كي التعليلية كقوله تعالى: {لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} (¬3)، ¬

_ (¬1) في (ر): المساجد. (¬2) جاءت في (ر) بعد قوله: وقولك. (¬3) المنافقون: 7.

وقولك: أسلم حتى تدخل الجَنَّة. والتقدير: ائذن لي أن أذهب إلى بعض هؤلاء الذين أسلموا، لكي يرزق الله تعالى رسوله من هؤلاء المسلمين (ما يقضي عني) ديني، زاد المصنف: فسكت عني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما سيأتي. وسكوته - صلى الله عليه وسلم - دليل على جواز ذهابه إليهم، ولما علم ذلك بلال جهز سيفه وجرابه ونعله للسفر، ويحتمل أن يكون هذا الرزق الذي يأخذه هبة منهم له لكونه خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويجوز له أن يقضي دينه من الزكاة من سهم الغارمين، فإنه استدانه لكسوة المحتاجين المضرورين للكسوة والإطعام، ومن استدان لمثل هذا يجوز أن يقضيه سهم الغارمين كمن استدان لإصلاح ذات البين؛ فإنه يعطى ما يوفي به دينه ذلك وإن كان غنيًّا من جهة غيره. (فخرجت حتى أتيت منزلي، فجعلت سيفي وجرابي) بكسر الجيم (ونعلي) النعل مؤنثة وهي الحذاء، ويطلق على التاسومة (ومجني) المجن بكسر الميم وفتح الجيم وتشديد النون هو: الترس، جمعه: مجان بفتح الميم سمي مجنًّا؛ لأنه يستجن به، أي: يستتر. فيه: استحباب تجهيز الة السفر قبل وقته، والأولى أن يعدها (عند رأسي) عند النوم كما فعل بلال -رضي الله عنه-، وفيه أنه يستحب للمسافر أن لا يسافر إلا بعدة السلاح جهادًا كان السفر أو غيره من حج ونحوه، ولا فرق في استحباب عدة السلاح بين أن يكون السفر مخوفًا أو غيره؛ فإن الظاهر أن سفر بلال هذا لم يكن مخوفًا. وفي الحديث أن المقيم يكون له آلة السلاح لاحتمال طرآن جهاد ونحوه، واحتمال عدو يفجؤه في الليل. (حتى إذا انشق عمود الصبح) أي: طلع الفجر (الأول) كأن نور الفجر

شق موضع طلوعه وخرج منه مستطيلًا مثل العمود (أردت أن أنطلق) للسفر، فيه أن من سافر قبل طلوع الفجر الثاني يؤخر الصلاة ليصليها في الطريق إذا اتضح الفجر بأذان وإقامة. (فإذا إنسان) جاء وهو (يسعى) و (يدعو: يا بلال، أجب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فانطلقت) إليه (حتى أتيته، فإذا) عند باب بيته (أربع ركائب) جمع ركوبة بفتح الراء وهي الناقة التي تركب (مناخات) بضم الميم وجر آخره (عليهن أحمالهن) عند باب بيته (فاستأذنت) في الدخول عليه فدخلت (فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أبشر) بفتح الهمزة وكسر الشين (فقد جاءك الله) أي: جاءك إنعام الله تعالى عليك (بقضائك) أي: بقضاء دينك كما في بعض النسخ، فيه استحباب البشارة بالفرج عمن كان في ضيق ونحوه، ومثله استحباب التهنئة بالمولود ونحوه، ومنه حديث كعب: فذهب الناس يبشرونني ويقولون: لتهنك توبة الله عليك (¬1). (ثم قال: الم تر إلى الركائب المناخات الأربع؟ فقلت: بلى) يا رسول الله (فقال: إن لك رقابهن) الرقاب جمع الرقبة، وهي في الأصل العنق فجعلت كناية [ .. .. ] (¬2) ذات الناقة تسمية الشيء ببعضه، فكأنه قال: إن لك المطي (وما عليهن) فيه جواز إناخة الناقة بحملها واستمرارها باركة عليها حملها؛ فإنها لا تجد به من المشقة ما تجد من وقوفها بالأحمال (فإن عليهن كسوة وطعامًا) وكان أهل (¬3) فدك لما سمعوا ما ¬

_ (¬1) البخاري (4418) ومسلم (2769). (¬2) في الأصل بياض، ولعلها: عن. (¬3) سقط من (ر).

صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر بعثوا إليه على أن يحقن لهم دماءهم ويخلوا له الأموال، فكانت خالصة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما يأتي منها من الأموال من كسوة وطعام وغير ذلك (أهداهن إلى عظيم) فدك، أي: أهداهن الذي يعظمه أهل فدك وتقدمه للرياسة عليها، وفيه نوع إكرام بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "أمرت أن أنزل الناس منازلهم"، و (فدك) بفتح الفاء والدال المهملة اسم قرية بخيبر بينها وبين المدينة يومان. وفي الحديث دليل على جواز قبول الإمام هدايا أهل الكتاب، وقد قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - هدية المقوقس مارية والبغلة، وأهدى له أكيدر دومة فقبل منه (¬1). (فاقبضهن) فيه: أن الهبة لا تصح إلا بالقبض ممن يصح قبضه (واقض دينك) منهن وما عليهن من الأحمال (ففعلت، وذكر الحديث) بطوله (قال: ثم انطلقت إلى المسجد) للصلاة فيه (فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعد في المسجد، فسلمت عليه) بعدما صليت تحية المسجد؛ فإن تحية المسجد مقدمة على السلام على من فيه، بدليل حديث الأعرابي: فصليت ركعتين ثم جئت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - (فقال: ما فعل ما قبلك؟ ) بكسر القاف وفتح الموحدة أي: ما هو في جهتك. فيه السؤال عن حال الإنسان وما يعتريه من دين وهم وعيال ونحو ذلك. (قلت: قد قضى الله تعالى كل شيء كان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) من الدين (فلم يبق) عليه (شيء) منه. ¬

_ (¬1) الطبراني 4/ 12، وانظر: "النهاية" 2/ 705.

وفي هذا الحديث من الفصاحة تنويع الخطاب؛ فإن في بعضه: كان الدين على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى بلال، فحيث جاء أنه على بلال فإنه كان المباشر لقبضه، وحيث جاء أنه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه كان بأمره وإذنه فنسب إليه. (قال: أفضل) بفتح الضاد وكسرها (شيء؟ ) يعني من الركائب الأربع وما عليهن (قلت: نعم) يا رسول الله (قال: انظر) في أمره فعساك (أن تريحني منه) فأقام - صلى الله عليه وسلم - بقاء المال المنسوب إليه ودوامه بغير احتياج مقام ما يحمله عليه ويجد ثقله كما يجد للشيء الحامل له ثقلًا وتكلفًا (فإني لست بداخل على أحد من أهلي حتى تريحني منه، فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) صلاة (العتمة) بفتح التاء، وقد تقدم ذكر الكراهة في هذِه التسمية (دعاني فقال: ما فعل الذي) هو (قبلك؟ قال: قلت: ) الذي بقي منه (هو معي) لأنه (لم يأتنا أحد) مستحق له يأخذه (فبات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) تلك الليلة (في المسجد) فيه جواز مبيت من له زوجة ومسكن في المسجد إذا حدث له مانع من المبيت في بيته (وقص الحديث) أي تتبع ألفاظه فذكرها. (حتى إذا صلى العتمة يعني من الغد) يعني بعد مضي اليوم الثاني ودخول وقت العشاء (دعاني) ثم (قال) لي: (ما فعل الذي قبلك؟ ) بكسر القاف وفتح الباء كما تقدم (قال: قلت: قد أراحك الله) تعالى (منه) فيه نسبة الأفعال إلى الله تعالى؛ فإنه هو الفاعل حقيقة وإن كان العبد هو المباشر للفعل، وهذا من آداب المخاطبة للأكابر إذا لم يقل: أرحتك منه (يا رسول الله، فكبر) أي: قال: الله أكبر. وفيه تكبير الله

تعالى وتعظيمه شكرًا لما أنعم به عليه من إراحته من هذا المال وتيسير إخراجه عنه (وحمد الله) بكسر الميم بعد التكبير على ما أنعم به عليه، زاد بعضهم: وإنما فعل ذلك (شفقًا) مفعول له، أي: كبر وحمد الله لأجل خوفه (من أن يدركه الموت) والشفق والإشفاق الخوف، يقال: أشفقت (¬1) أشفق إشفاقًا. وهي اللغة الغالبة، وحكى ابن دريد: شفقت أشفق شفقًا كما في الحديث (وعنده) شيء من (ذلك) المال، ففيه وحقيق على كل ذي عقل ولب أن يقتدي برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عدم ادخار المال وكثرة الخوف من أن يبيت وعنده شيء منه لنفسه. (ثم اتبعته) بتشديد التاء مع الوصل وسكونها مخففة مع فتح الهمزة (حتى جاء أزواجه) جميعهن (فسلم على) كل امرأة منهن (امرأة امرأة) فيه أن من لم يبت عند أهله ونسائه أو غاب عنهن ليلة فأكثر أن يدور عليهن في بيوتهن ويسلم على كل واحدة منهن ويلاطفهن بالسؤال عن حالهن، وهذا من حسن المعاشرة المأمور به في قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (¬2). وفيه أن الغائب عنهن إذا دار عليهن بالسلام لا يدخل عليهن بل يسلم دون دخول، ولا يدخل نهارًا إلا لحاجة كوضع متاع ونحوه، وإذا دخل فينبغي أن لا يطول مكثه (حتى أتى مبيته) حتى أتيت مبيت امرأته التي يستحق المبيت عندها أدخل عندها] (¬3) وجلس. ¬

_ (¬1) في (ر): أشفق. (¬2) النساء: 19. (¬3) سقط من (ر).

ثم قال بلال لعبد الله بن لحي الهوزني: (فهذا الذي سألتني عنه) (¬1) من حال النبي - صلى الله عليه وسلم -. [3056] (حَدَّثَنَا محمود بن خالد) بن يزيد السلمي الدمشقي، قال أبو حاتم: ثقة رضا (¬2) (حَدَّثَنَا مروان بن محمد) بن حسان الدمشقي الطاطري (¬3) (حَدَّثَنَا معاوية) بن سلام المذكور في الحديث قبله (¬4) (بمعنى إسناد أبي توبة) الربيع بن نافع شيخ المصنف (و) بمعنى (حديثه) و (قال عند قوله) حتى يرزق الله رسوله (ما يقضي عني؛ ) ديني (فسكت عني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فلم يرد لي جوابًا، تقدم سبب سكوته (فاغتمزتها) بالغين والزاي المعجمتين، قال المنذري: يحتمل أنه لما ذكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه ليس عندك ما يقضي عني ولا عندي سكت عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يجبه ولحقه خوف من اليهودي فأكنه في نفسه، ولم يتلفظ به، ولعله مأخوذ من غمز الشعر وهو كبسه باليد، انتهى. فالظاهر أن الضمير في (فاغتمزتها) عائد على مقالة المشرك اليهودي أنه جمعها وكبس عليها في باطنه وذهب ليتجهز للسفر. ويحتمل أن يكون المراد: فاغتمزت سكتة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعدم جوابه لي. [3057] (حَدَّثَنَا هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي الحمال شيخ مسلم (¬5) (حَدَّثَنَا أبو داود) سليمان بن داود بن الجارود الطيالسي (¬6) (حَدَّثَنَا ¬

_ (¬1) زاد هنا في (ر) و (ح): عنك. (¬2) "الجرح والتعديل" 8/ 292. (¬3) "التقريب" (6573). (¬4) "التقريب" (6761). (¬5) "تهذيب التهذيب" 9/ 11. (¬6) "تهذيب التهذيب" 4/ 160.

عمران) بن داود القطان، أخرج له البخاري في غزوة ذات الرقاع (¬1) (عن قتادة، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير) العامري (¬2) (عن عياض) بكسر العين المهملة ثم مثناة تحت وبعد الألف ضاد معجمة (بن حمار) بكسر الحاء المهملة وتخفيف الميم المجاشعي الصحابي، عداده في البصريين، أخرج له مسلم في صفة الجَنَّة والنار حديثًا واحدًا (¬3) (قال: أهديت للنبي - صلى الله عليه وسلم - ناقة) لفظ رواية الترمذي (¬4): عن عياض بن حمار أنه أهدى للنبي - صلى الله عليه وسلم - هدية (¬5) أو ناقة (¬6) ... الحديث. (فقال) لي: (أسلمت؟ فقلت: لا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إني نهيت عن) قبول (زبد) بفتح الزاي المعجمة وسكون الباء الموحدة (المشركين) أي: رفدهم (¬7). قال الترمذي: حديث حسن صحيح. قال: ولقوله: "إني نهيت عن زبد المشركين" أي: هداياهم. قال: وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقبل من المشركين هداياهم، قال: وذكر في هذا الحديث الكراهة، واحتمل أن يكون هذا بعدما كان يقبل ثم نهي عن هداياهم (¬8). ¬

_ (¬1) (4125). (¬2) "تهذيب الكمال" 32/ 175. (¬3) التقريب (5274)، والحديث في "صحيح مسلم" برقم (2865). (¬4). (¬5) في (ر): هداية. (¬6) "سنن الترمذي" (1577). (¬7) في (ر) وفدهم. (¬8) "سنن الترمذي" عقب حديث (1577).

وقال الجوهري: زبدت (¬1) الرجل أزبدة بالكسر إذا رضخت له من مال، وزبدته أزبده بالضم أطعمته الزبد (¬2). وقال بعضهم: يشبه أن يكون هذا الحديث منسوخًا، وفي هذا نظر؛ فإن الجمع ممكن. وقيل: أراد أن يغيظه (¬3) برد هديته فيغتاظ فيسلم (¬4). * * * ¬

_ (¬1) في الأصل: زبد. والمثبت من "الصحاح" للجوهري. (¬2) "الصحاح" 2/ 42. (¬3) في (ل): يغيضه. والمثبت من (ح). وفي "معالم السنن": يغيظه. (¬4) انظر: "معالم السنن" 3/ 291، "عمدة القاري" 20/ 158.

كتاب القطائع

كِتاب القطائع 36 - باب في إِقْطاعِ الأَرَضِيْنَ 3058 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْن مَرْزوقٍ، أَخْبَرَنا شُعْبَةُ، عَنْ سِماكٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَقْطَعَهُ أَرْضًا بِحَضْرَمَوْتَ (¬1). 3059 - حَدَّثَنَا حَفْصٌ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا جامِعُ بْنُ مَطَرٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وائِلٍ بإسْنادِهِ مِثْلَهُ (¬2). 3060 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ داوُدَ، عَنْ فِطْرِ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ قال: خَطَّ لي رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دارًا بِالمَدِينَةِ بِقَوْسٍ وقالَ: "أَزِيدُكَ أَزِيدُكَ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1381)، وأحمد 6/ 399. وصححه ابن الملقن في "البدر المنير" 7/ 69، والألباني في "صحيح أبي داود" (2691). (¬2) رواه الطبراني 22/ 9 (4). (¬3) رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 2/ 37 (714، 715)، وأبو يعلى 3/ 45 (1464)، والبيهقي 6/ 145. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (545).

3061 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ غَيْرِ واحِدٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَقْطَعَ بِلالَ بْنَ الحارِثِ المُزَنيَّ مَعادِنَ القَبَلِيَّةِ وَهيَ مِنْ ناحِيَةِ الفرْعِ فَتِلْكَ المَعادِنُ لا يُؤْخَذُ مِنْها إِلَّا الزَّكاةُ إِلَى اليَوْمِ (¬1). 3062 - حَدَّثَنَا العَبّاسُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حاتِمٍ وَغَيْرُهُ قالَ العَبّاسُ: حَدَّثَنَا الحُسَين ابْن محَمَّدٍ، أَخْبَرَنا أَبُو أُوَيْسٍ، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ المُزَنيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَقْطَعَ بِلالَ بْنَ الحارِثِ المُزَنيَّ مَعادِنَ القَبَلِيَّةِ جَلْسِيَّها وَغَوْرِيَّهَا - وقالَ غَيْرُ العَبّاسِ: جَلْسَها وَغَوْرَهَا - وَحَيثُ يَصْلُحُ الزَّرْعُ مِنْ قُدْسٍ وَلَمْ يُعْطِهِ حَقَّ مُسْلِمٍ وَكَتَبَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هذا ما أَعْطَى مُحَمَّد رَسُولُ اللهِ بِلالَ بْنَ الحارِثِ المُزَنيَّ أَعْطاهُ مَعادِنَ القَبَلِيَّةِ جَلْسِيَّها وَغَوْرِيَّهَا". وقالَ غَيْرُ العَبَّاسِ: "جَلْسَها وَغَوْرَها وَحَيْثُ يَصلُحُ الزَّرْعُ مِنْ قُدْسٍ وَلَمْ يُعْطِهِ حَقَّ مُسْلِمٍ". قالَ أَبُو أُوَيْس: وَحَدَّثَني ثَوْرُ بْن زَيْدٍ مَوْلَى بَني الدِّيلِ ابْنِ بَكْرِ بْنِ كِنانَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ مِثْلَهُ (¬2). 3063 - حَدَّثَنَا محمَّد بْنِ النضْر، سَمِعْت الحُنَيِنِيَّ قالَ: قَرأتُه غَيْرَ مَرِةٍ - يعْنِي: كتابَ قَطِيعَة النبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. قَال أبو دَاوُد: وحَدَّثَنَا غير واحد عن حسين بن محمد، أخبرنا أبو أويس، حدثني كثير بن عبد الله، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَقْطَعَ بِلالَ بْنَ الحارِثِ المُزَنِيَّ مَعادِنَ ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 4/ 152، 6/ 151، والبغوي في "شرح السنة" 6/ 60 - 61 (1588). والحديث ضعفه الشافعي فيما نقله عنه البيهقي 4/ 152، وضعفه ابن عبد البر في "التمهيد" 7/ 33، والألباني في "ضعيف أبي داود" (546). (¬2) رواه أحمد 1/ 306، والبيهقي 6/ 145. وصحح إسناده الشيخ أحمد شاكر في "شرح المسند" 3/ 237 (2786)، وحسن إسناده الألباني في "صحيح أبي داود" (2692).

القَبَلِيَّةِ جَلْسِيَّها وَغَوْرِيَّهَا - قالَ ابنُ النَّضْر: وجَرسَها وَذَاتِ النُّصُبِ، ثم اتفقا - وَحَيْثُ يَصْلُحُ الزَّرْعُ مِنْ قُدْسٍ، وَلَمْ يُعْط بلالَ بن الحارث حَقَّ مُسْلِمٍ، وَكَتَبَ لَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "هَذا ما أَعْطَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ بِلالَ بْنَ الحارِثِ المُزَنيَّ أَعْطاهُ مَعادِنَ القَبَلِيَّةِ جَلسَها وَغَوْرَها، وَحَيْثُ يَصْلُحُ الزَّرْعُ مِنْ قُدْسٍ وَلَمْ يُعْطِهِ حَقَّ مُسْلِمٍ". قالَ أَبُو أُوَيْسٍ: وَحَدَّثَني ثَوْرُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ مِثْلَهُ (¬1). زَادَ ابن النضْر: وَكَتَبَ أُبيُّ بن كَعْب. 3064 - حَدَّثَنَا قتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ الثَّقَفِيُّ وَمُحَمَّد بْن المُتَوَكِّلِ العَسْقَلَانِيُّ - المَعْنَى واحِدٌ - أَنَّ محَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنِ قَيْسٍ المَأْرِبِيَّ حَدَّثَهُمْ أَخْبَرَني أَبِي، عَنْ ثُمامَةَ بْنِ شُراحِيلَ، عَنْ سُمَيّ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ شُمَيْرٍ - قال: ابن المُتَوَكِّلِ ابن عَبْدِ المَدانِ - عَنْ أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالٍ أَنَّهُ وَفَدَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فاسْتَقْطَعَهُ الِملْحَ - قالَ ابن المُتَوَكِّلِ: الذي بِمَأْرِبَ - فَقَطَعَهُ لَهُ فَلَمَّا أَنْ وَلَّى قالَ رَجُلٌ مِنَ المَجْلِسِ: أَتَدْري ما قَطَعْتَ لَهُ إِنَّما قَطَعْتَ لَهُ المَاءَ العِدَّ. قال: فانْتَزَعَ مِنْهُ. قال: وَسَأَلَهُ عَمَّا يُحْمَى مِنَ الأَرَاكِ قالَ: "مَا لَمْ تَنَلْهُ خِفافٌ". وقالَ ابن المُتَوَكِّلِ: "أَخْفافُ الإِبِلِ" (¬2). 3065 - حَدَّثَنَا هارُون بْن عَبْدِ اللهِ، قال: قال مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ المَخْزُوميُّ: "ما لَمْ تَنَلْهُ أَخْفافُ الإِبِلِ". يَعْني: أَنَّ الإِبِلَ تَأْكُلُ مُنْتَهَى رُؤوسِها وَيُحْمَى ما فَوْقَهُ (¬3). 3066 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ القرَشيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، حَدَّثَنَا فَرَجُ ابْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَني عَمِّي ثابِتُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالٍ أَنَّهُ سَأَلَ ¬

_ (¬1) رواه البزار في "المسند" 8/ 322 (3395). وحسن إسناده الألباني في "صحيح أبي داود" (2693). (¬2) رواه الترمذي (1380)، وابن ماجة (2475). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (2694). (¬3) قال الألباني في "ضعيف أبي داود" (2/ 547): ضعيف جدا مقطوع.

رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، عَنْ حِمَى الأرَاكِ فَقالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا حِمَى في الأَراكِ". فَقال: أَراكَةً في حِظِاري. فَقالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "لَا حِمَى فِي الأَرَاكِ". قالَ فَرَجٌ: يَعْني: بِحِظاري الأَرْضَ التي فِيها الزَّرْعُ المُحاطُ عَلَيْها (¬1). 3067 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ أَبُو حَفْصٍ، حَدَّثَنَا الفِرْيابيُّ، حَدَّثَنَا أَبانُ قالَ عُمَرَ - وَهُوَ ابن عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي حازِمٍ - قالَ: حَدَّثَني عُثْمانُ بْن أَبي حازِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ صَخْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - غَزَا ثَقِيفًا، فَلَمّا أَنْ سَمِعَ ذَلِكَ صَخْرٌ رَكِبَ فِي خَيْلٍ يُمِدّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَوَجَدَ نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدِ انْصَرَفَ وَلَمْ يَفْتَحْ، فَجَعَلَ صَخْرٌ يَوْمَئِذٍ عَهْدَ اللهِ وَذِمَّتَهُ أَنْ لا يُفارِقَ هذا القَصْرَ حَتَّى يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يُفَارِقْهُمْ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَكَتَبَ إِلَيْهِ صَخْرٌ أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ ثَقِيفًا قَدْ نَزَلَتْ عَلَى حُكْمِكَ يا رَسُولَ اللهِ وَأَنَا مُقْبِلٌ إِلَيْهِمْ وَهُمْ في خَيْلٍ. فَأَمَرَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالصَّلاةِ جامِعَةً فَدَعا لأحمَسَ عَشْرَ دَعَواتٍ: "اللَّهُمَّ بارِكْ لأَحْمَسَ فِي خَيْلِها وَرِجالِهَا". وَأَتاهُ القَوْمُ فَتَكَلَّمَ المُغِيرَة بْن شُعْبَةَ فَقال: يا نَبِيَّ اللهِ إِنَّ صَخْرًا أَخَذَ عَمَّتي وَدَخَلَتْ فِيما دَخَلَ فِيهِ المُسْلِمُونَ. فَدَعاهُ فَقالَ: "يا صَخْرُ إِنَّ القَوْمَ إِذَا أَسْلَمُوا أَحْرَزُوا دِماءَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ فادْفَعْ إِلَى المُغِيرَةِ عَمَّتَهُ". فَدَفَعَها إِلَيْهِ وَسَأَلَ نَبيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ماءَ لِبَنِي سُلَيْمٍ قَدْ هَرَبُوا عَنِ الإِسْلامِ وَتَرَكُوا ذَلِكَ الماءَ. فَقال: يا نَبيَّ اللهِ أَنْزِلْنِيهِ أَنا وَقَوْمي. قالَ: "نَعَمْ". فَأَنْزَلَهُ وَأَسْلَمَ -يَعْني: السُّلَمِيِّينَ - فَأَتَوْا صَخْرًا فَسَأَلُوهُ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِمُ المَاءَ فَأَبَى فَأَتَوُا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا يا نَبِيَّ اللهِ أَسْلَمْنَا وَأَتَيْنَا صَخْرًا لِيَدْفَعَ إِلَيْنَا ماءَنَا فَأَبَى عَلَيْنا. فَأَتَاهُ فَقالَ: "يا صَخْرُ إِنَّ القَوْمَ إِذا أَسْلَمُوا أَحْرَزُوا أَمْوالَهُمْ وَدِماءَهُمْ فادْفَعْ إِلَى القَوْمِ ماءَهُمْ". قال: نَعَمْ يَا نَبِيَّ اللهِ. فَرَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَغَيّر عِنْدَ ذَلِكَ حُمْرَةً حَيَاءً مِنْ أَخْذِهِ الجارِيَةَ وَأَخْذِهِ ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 4/ 420 (2472)، والطبراني 1/ 278 (808)، والضياء في "المختارة" 4/ 56 - 57 (1283). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (2695).

الماءَ (¬1). 3068 - حَدَّثَنَا سُلَيْمانُ بْنُ داوُدَ المَهْريُّ، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ، حَدَّثَنِي سَبْرَة بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ الرَّبِيعِ الجُهَنِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَزَلَ في مَوْضِعِ المَسْجِدِ تَحْتَ دَوْمَةٍ فَأَقامَ ثَلاثًا ثمَّ خَرَجَ إِلَى تَبُوكَ وَإِنَّ جُهَيْنَةَ لِحَقُوهُ بِالرَّحْبَةِ فَقالَ لَهُمْ: "مَنْ أَهْلُ ذي المَرْوَةِ". فَقالُوا: بَنُو رِفاعَةَ مِنْ جُهَيْنَةَ. فَقالَ: "قَدْ أَقْطَعْتُهَا لِبَني رِفاعَةَ". فاقْتَسَمُوها فَمِنْهُمْ مَنْ بَاعَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَمْسَكَ فَعَمِلَ ثُمَّ سَأَلْتُ أَبَاهُ عَبْدَ العَزِيزِ عَنْ هذا الحَدِيثِ فَحَدَّثَني بِبَعْضِهِ وَلَمْ يُحَدِّثْنِي بِهِ كلِّهِ (¬2). 3069 - حَدَّثَنَا حُسَين بْن عَليٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى -يَعْني: ابن آدَمَ- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ ابُن عَيَّاشٍ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْماءَ بِنْتِ أَبي بَكْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَقْطَعَ الزُّبَيْرَ نَخْلًا (¬3). 3070 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْن عُمَرَ وَمُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ - المَعْنَى واحِدٌ - قالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْن حَسّانَ العَنْبَريُّ حَدَّثَتْنِي جَدَّتاي صَفِيَّةُ وَدُحَيْبَةُ ابنتا عُلَيْبَةَ وَكانَتَا رَبِيبَتَي قَيْلَةَ بِنْتِ مَخْرَمَةَ وَكانَتْ جَدَّةَ أَبِيهِمُا أنَها أَخْبَرَتْهُمَا قالَتْ: قَدِمْنا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَتْ: تَقَدَّمَ صاحِبي - تَعْني: حُرَيْثَ بْنَ حَسَّانَ وافِدَ بَكْرِ بْنِ وائِلٍ - فَبايَعَهُ عَلَى الإِسْلَامِ عَلَيْهِ وَعَلَى قَوْمِهِ ثُمَّ قال: يَا رَسُولَ اللهِ اكْتُبْ بَيْنَنا وَبَيْنَ بَني تَمِيمٍ بِالدَّهْناءِ أَنْ لا يُجَاوِزَها إِلَيْنَا مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا مُسافِرٌ أَوْ مُجَاوِرٌ. فَقالَ: "اكْتُبْ لَهُ يا غُلامُ بِالدَّهْناءِ". فَلَمّا رَأَيْتهُ قَدْ أَمَرَ لَهُ بِها شُخِصَ بي وَهيَ وَطَني وَداري فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ لَمْ يَسْأَلُكَ السَّوِيَّةَ مِنَ الأرضِ إِذْ سَأَلَكَ إِنَّما هيَ هذِه الدَّهْناء عِنْدَكَ مُقَيَّدُ الجَمَلِ وَمَرْعَى الغَنَمِ وَنِساءُ بَنِي تَمِيمٍ وَأَبْناؤُهَا وَراءَ ذَلِكَ. فَقالَ: "أَمْسِكْ يا غُلامُ ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 9/ 114. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (3/ 547). (¬2) رواه البيهقي 6/ 149. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (548). (¬3) رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 3/ 103، والترمذي في "العلل الكبير" 1/ 574، والطبراني 24 (215). وروى البخاري (3151)، ومسلم (2182) نحوه.

صَدَقَتِ المِسْكِينَةُ، المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ يَسَعُهُما الماءُ والشَّجَرُ وَيَتَعاوَنَانِ عَلَى الفُتَّانِ" (¬1). 3071 - حَدَّثَنَا محَمَّد بْن بَشَّارِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الحَمِيدِ بْن عَبْدِ الواحِدِ حَدَّثَتْنِي أُمُّ جَنُوب بِنْتُ نُمَيْلَةَ، عَنْ أُمِّها سُوَيْدَةَ بِنْتِ جابِرٍ، عَنْ أُمِّها عَقِيلَةَ بِنْتِ أَسْمَرَ بْنِ مضَرِّسٍ، عَنْ أَبِيها أَسْمَرَ بْنِ مضَرِّسٍ قال: أَتَيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَبايَعْتُهُ فَقالَ: "مَنْ سَبَقَ إِلَى ماءٍ لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ". قال: فَخَرَجَ النّامق يَتَعادَوْنَ يَتَخَاطُّونَ (¬2). 3072 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ خالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أقطَعَ الزُّبَيْرَ حُضْرَ فَرَسِهِ فَأَجْرى فَرَسَهُ حَتَّى قَامَ ثُمَّ رَمَى بِسَوْطِهِ فَقالَ: "أَعْطُوهُ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ السَّوْطُ" (¬3). * * * باب في إقطاع الأرضين [3058] (حَدَّثَنَا عمرو بن مرزوق) الباهلي، روى له البخاري (¬4) مقرونًا (حَدَّثَنَا شعبة، عن سماك) بن حرب. (عن علقمة بن وائل) بن حُجْر (¬5) (عن أبيه) وائل بن حجر الكندي ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2814). وحسنه ابن عبد البر في "الاستيعاب" 4/ 459، وأقره الحافظ في "الإصابة" 4/ 391، وحسن إسناده الألباني في "صحيح أبي داود" (2697). (¬2) رواه ابن سعد 7/ 73، والبخاري في "التاريخ الكبير" 2/ 61، والبيهقي 6/ 142. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (549). (¬3) رواه أحمد 2/ 156، والبيهقي 6/ 144. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (550). (¬4) (291). (¬5) انظر: "تهذيب الكمال" 20/ 312، و"تهذيب التهذيب" 7/ 247.

وكان قيلًا (¬1) من أقيال حضرموت وكان أبوه من ملوكهم، ووفد على رسول الله فأسلم (¬2) ويقال أنه بشر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه قبل قدومه، فلما دخل عليه رحب به وقرب مجلسه وبسط له رداءه فأجلسه عليه مع نفسه وقال: "اللهم بارك في وائل وولده وولد ولده"، واستعمله على الأقيال من حضرموت وكتب معه ثلاثة كتب منها كتاب إلى المهاجر بن أبي أمية، وكتاب إلى الأقيال والعباهلة (¬3). (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقطعه أرضًا) قال الشيخ قطب الدين في "المورد الهني": كتب له كتابًا: أن له ما في يديه من الأرضين والحصون، وأن يؤخذ منه من كل عشرة واحد أي: مما يخرج من الأرض (بحضرموت) بفتح الميم من اليمن، قال اليشكري: لغة هذيل حضرموت بضم الميم (¬4). قال أبو الفتح: لما رأى من لغته ضم الميم أنه اسم علم، وأن الاسمين قد ركبا معًا تمم الشبه بضم الميم؛ ليكون على وزن عضرفوط قال: فإذا اعتقدت هذا ذهبت في ترك صرفه إلى التعريف وتأنيث البلد (¬5) (¬6). ¬

_ (¬1) قال ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 62/ 388: وأما قيل بقاف مفتوحة فهو اسم للملك من ملوك حمير. (¬2) سقط من (ر). (¬3) "غريب الحديث" للخطابي 1/ 285. (¬4) انظر: "معجم ما استعجم" 2/ 455 و"المحكم والمحيط الأعظم" 3/ 124. (¬5) في (ر): البلاد. وفي "المعجم": البلدة. (¬6) "معجم ما استعجم" 2/ 455 و"المحكم والمحيط الأعظم" 3/ 124.

[3059] (حَدَّثَنَا حفص بن عمر) قال (حَدَّثَنَا جامع بن مطر) الحَبَطي البصري، وثقه ابن معين (¬1). (عن علقمة بن وائل) بن حجر (بإسناده) المتقدم و (مثله) في معناه. [3060] (حَدَّثَنَا مسدد، حَدَّثَنَا عبد الله بن داود) بن عامر الهمداني الكوفي، أخرج له البخاري والأربعة. (عن فطر) بكسر الفاء وسكون الطاء المهملة وهو ابن خليفة، وثقه أحمد وابن معين (¬2) (حدثني أبي) خليفة: وثق (¬3) (¬4). (عن) مولاه (عمرو بن حريث) بضم الحاء وفتح الراء المهملتين مصغر، ابن عمرو بن عثمان بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، عمر دهرًا كثيرًا (¬5). (قال: خط لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دارًا بالمدينة بقوس) كان في يده (وقال) لي: (أزيدك) عليه شيئًا، وذكر أزيدك (أزيدك) مرتين هو (¬6) من التأكيد بإعادة اللفظ، لا أنه يزيده مرتين. وللمصنف في أول الحديث: انطلق بي أبي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا غلامٌ شاب فدعا لي بالبركة ومسح رأسي وخط لي دارًا بالمدينة ... الحديث. ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 2/ 535. (¬2) "تهذيب التهذيب" 8/ 2. (¬3) في (ر) و (ح): ووثق. (¬4) "الكاشف" (1411). (¬5) "الإصابة" 4/ 619. (¬6) سقط من (ر).

والظاهر أن المدينة هنا ليست مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال البكري: أهل المدينة أسلموا راغبين غير مكرهين، ومن أسلم على شيء فهو له، وقيل: لأنه من أرض المدينة (¬1)، ولم يكن من المدينة النبوية (¬2). [3061] (حَدَّثَنَا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) واسم أبي عبد الرحمن فروخ مولى المنكدر بن عبد الله المزني (¬3). (عن غير واحد) هكذا رواه مالك في "الموطأ" (¬4) عن جميع الرواة مرسلًا، ولم يختلف فيه عن مالك، وذكر أبو عمر: أن الدراوردي عن ربيعة، عن الحارث بن بلال بن الحارث المزني، عن أبيه، ثم قال: وإسناد ربيعة فيه صالح حسن (¬5). ولفظ مالك في "الموطأ" عن غير واحد من علمائهم (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقطع بلال بن الحارث) بن عصيم (المزني) لما قدم عليه سنة خمس في وفد مزينة وكان ينزل الأشعر والآخر وراء المدينة، فأقطعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العقيق (معادن القبلية) بفتح القاف والباء منسوب إلى قبل بفتح القاف والباء الموحدة وهي ناحية من ساحل البحر بينها وبين المدينة خمسة أيام. قال المنذري: وهذا هو المحفوظ في الحديث، وفي كتاب الأمكنة: ¬

_ (¬1) هكذا في الأصل والذي في "المعجم" للبكري 3/ 953: مزينة. (¬2) "معجم ما استعجم" 3/ 953. (¬3) "التقريب" (1550). (¬4) (584). (¬5) "التمهيد" 3/ 237، 238.

معادن القِلَبة بكسر القاف وفتح اللام ثم باء يعني: موحدة (¬1) (وهي من ناحية الفرع) بضم الفاء والراء ثم عين مهملة وبعضهم يسكن الراء وهو موضع بأعلى المدينة واسع على طريق مكة، وفيه مساجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنابره وقرى كثيرة (¬2). قال ابن حازم: وهي لقريش والأنصار ومزينة، وقيل غير ذلك. الفرع قرية من ناحية الربذة عن يسار السقيا (¬3) بينها وبين المدينة ثمانية برد (¬4) (فتلك المعادن) يعني: التي بها (لا يؤخذ منها إلا الزكاة) فإذا أقطع الإمام أحد الرعية ممن فيه نفع للمسلمين شيئًا من المعادن الباطنة، وهي ما كان جوهره مستكنًّا لا يوصل إليه إلا بالعمل كمعادن الذهب والفضة والنحاس والحديد جاز إقطاعه سواء احتاج المأخوذ منها إلى سبك وتخليص أم لا. وهذا الحديث حجة في جواز ذلك. وإذا جاز الإقطاع صار المقطع أحق بها، وله منع الناس منها ويؤخذ من عده - صلى الله عليه وسلم - وأن فيها الزكاة أن مصرف المعادن في مستحقها مصرف سائر الزكوات (¬5)، وهذا هو المذهب عند الشافعية، وفيه وجه: أن مصرف المعادن مصرف الفيء، وعلى هذا لا يصلح عده من الزكوات. وفي هذا الحديث حجة لمذهب الشافعي: أن واجب المعدن ربع ¬

_ (¬1) "النهاية" لابن الأثير 14/ 4، و"معجم ما استعجم" 3/ 1047 و"لسان العرب" 11/ 534. (¬2) "الروض المعطار" ص (438). (¬3) في الأصول بياض والمثبت من "معجم البلدان" 4/ 252. (¬4) "معجم البلدان" 4/ 252. (¬5) في (ر): الزكاة

العشر من الفضة كغيره من الزكوات، وبه قال أحمد، ويدل عليه أيضًا إطلاق قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: في الرقة ربع العشر، خلافًا لأبي حنيفة حيث قال: إن الواجب الخمس (¬1). قال الراوي: واستمر هذا الحكم معمولًا به (إلى اليوم) يعني: زمن الراوي، وكذا استمر الحكم بعد الراوي إلى زماننا. [3062] (حَدَّثَنَا العباس بن محمد بن حاتم) بن واقد الدوري، وثقه النسائي (¬2)، وقال أبو حاتم (¬3): صدوق (وغيره، قال العباس: حَدَّثَنَا الحسين بن محمد) بن بهرام المروزي المؤذن نزيل بغداد (¬4) قال: (أنبأنا أبو أويس) عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك الأصبحي المدني، أخرج له مسلم (¬5) قال (حَدَّثَنَا كثير بن عبد الله بن عمرو بن أعوف بن، زيد المزني (¬6) عن أبيه) عبد الله بن عمرو (¬7). (عن جده) عمرو بن عوف بن زيد المزني، مهاجري أحد البكائين، شهد الخندق -رضي الله عنه- (¬8) (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقطع بلال بن الحارث المزني -رضي الله عنه- معادن القبلية) تقدم. ¬

_ (¬1) "المجموع" 6/ 90، وانظر: "الحاوي" للماوردي 7/ 481 و"المجموع" 15/ 231. (¬2) "تهذيب التهذيب" 5/ 113. (¬3) في "الجرح والتعديل" 6/ 212. (¬4) "التقريب" (1345). (¬5) "تهذيب الكمال" 15/ 166. (¬6) "تهذيب الكمال" 24/ 136. (¬7) "التقريب" (3503). (¬8) "الإصابة" 4/ 666.

قال المنذري: هكذا وقع هاهنا جرسها بجيم مكسورة وراء مهملة، والمحفوظ باللام وفتح الجيم (¬1) (جلسيها) (¬2) بفتح الجيم وسكون اللام وكسر السين المهملة وتشديد ياء النسب. قال الأصمعي: وكل مرتفع من الأرض جلس (¬3) (وغوريها) بفتح الغين المعجمة وكسر الراء وتشديد ياء النسب، فكما أن ما ارتفع من الأرض نجد، وكذا ما انخفض منها غور، والمراد بهذا الحديث أنه أقطعه [من هذِه الأرض] (¬4) جميع مهادها ووهادها فيقول من الأول: جلس يجلس فهو جالس إذا أتى نجدًا، ومن الثاني غار إذا أتى الغور وأغار أيضًا، وهي لغة قليلة. (قال غيره: جلسها وغورها) كما تقدم، إلا أنه بنصب السين والراء وحذف ياء النسب فيهما (وحيث يصلح الزرع من قدس) بضم القاف ¬

_ (¬1) وقال ابن الملقن في "البدر المنير" 5/ 604: وَوَقع فِي أبي دَاوُد: (جِرسها) بِكَسْر الجِيم ثمَّ رَاء مُهْملَة، وَالْمَحْفُوظ بِاللَّامِ وَفتح الجِيم. (¬2) قال الشيخ عوامة في طبعته. الجيم مفتوحة ومضمومة في (ص) ومفتوحة في (ك) و (ظ) و (س). ومكسورة في (ح) وعلى حاشية (س): جلس الرجل إذا أتى جلسا بفتح الجيم يعني نجدا. وقال غيره جِلسها. في (ك): وقال غير العباس: وعلى الجيم فتحة وكسرة في (ح) وفتحة فقط في (ص، ك، س، ظ). فاقتصار (ح) على كسر الجيم في حالة النسبة لابد له من مأخذ واعتار لما عرفته من دقة ضبطها ولهذه المغايرة في حين أن كتب اللغة لم تذكر إلا فتح الجيم من جلس بمعنى نجد دون الضم أو الكسر. (¬3) "شرح السنة" للبغوي 8/ 280 و"غريب الحديث" لابن قتيبة 1/ 265، و"البدر المنير" 5/ 603، وانظر: "النهاية" 1/ 792. (¬4) سقط من (ر).

وسكون الدال، كذا ضبطه في "النهاية" (¬1) والمنذري قالا: وهو جبل معروف، وقيل فيه: قديس، والأول المشهور (¬2). قال المنذري: ولا ينصرف على معنى الجبلة، وقيل: هو الموضع المرتفع الذي يصلح للزراعة. قال أبو عبيد: الجلسي بلاد نجد، والغور بلاد تهامة فعلى قول جواز الإقطاع يكون المقطع أحق بها، وله منع الناس منها. قال الماوردي (¬3) والبغوي (¬4) وغيرهما: وهل تملك هذِه المعادن بالإحياء؟ للشافعي فيه قولان: أحدهما: تملك رقبة المعدن (¬5) ويجوز له بيعه، وينقل إلى ورثته، فعلى هذا إذا وصل إلى النيل ملك، كما لو حفر بئرًا في موات، فالملك لا يحصل حتى يصل إلى الماء. والقول الثاني: إقطاعه إقطاع (¬6) إرفاق فلا يملك الرقبة، بخلاف الأرض فإنها إذا أحييت ثبت إحياؤها، والمعدن يحتاج أن يعمل فيه كل يوم حتى يرتفق منه، فتملك الارتفاق بالعمل مدة مقامه، وإذا تركه زال حكم الإقطاع عنه وعاد إلى الإحياء. ¬

_ (¬1) 4/ 42. (¬2) "البدر المنير" 5/ 604. (¬3) "الحا وي" 7/ 500. (¬4) "شرح السنة" 8/ 280. (¬5) في (ر): المقدر. (¬6) سقط من (ر).

قال الماوردي في "الأحكام السلطانية": ومن أحيى مواتًا بإقطاعٍ أو غيره فظهر فيه بالإحياء معدن ظاهر وباطن ملكه المحيي على التأبيد كما يملك ما استنبطه من العيون واحتفره من الأنهار (¬1). (ولم يعطه حق مسلم) معين، لكن قد يقطع ما فيه حقوق المسلمين من غير تعيين، وهذا نوعٌ من الإقطاع ارتفاقًا من غير تمليك كالمقاعد من الأسواق يرتفق للرجل، فيكون أولى به وبما حواليه قدر ما يضع عليه متاعه للبيع ويقف فيه المشتري. قال البغوي: فيجوز للسلطان إقطاعه من غير تمليك (¬2). (وكتب له النبي - صلى الله عليه وسلم -) أي: كتب له بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فيه الابتداء بالبسملة في المكاتبة إلى الملوك وغيرهم، وفي كتب الأوقاف والصدقات ونحوها: (هذا ما أعطى محمد رسول الله بلال بن الحارث) بن عاصم (المزني أعطاه معادن القبلية جلسيها وغوريها) أي: كل نجد ووهدة من أرض المعادن القبلية. ([وقال غيره]) رواية: (جلسها وغورها أوحيث يصلح الزرع من قدس، ولم يعطه) بلال بن الحارث (حق مسلم) تعين له. (قال أبو أويس: ) عبد الله بن [عبد الله] (¬3) المذكور (وحدثني ثور) بفتح المثلثة (بن زيد مولى بني الديل بن بكر بن كنانة) الديلي مولاهم ¬

_ (¬1) الباب: السابع عشر فصل: في بيان إقطاع المعادن. (¬2) "شرح السنة" 8/ 281. (¬3) سقط من (ع).

المدني، وثقه ابن معين، وقال أحمد وغيره: صالح الحديث (¬1) (عن عكرمة، عن ابن عباس مثله) كما تقدم. [3063] (حَدَّثَنَا محمد بن النضر) بسكون الضاد المعجمة بن مساور المروزي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2) (قال: سمعت) إسحاق بن إبراهيم (الحنيني) (¬3) بضم الحاء المهملة وفتح النون الأولى ثم ياء التصغير نسبة إلى جده الأعلى حثين مولى عبد الله بن عباس (¬4)، والحنيني مدني كان مالك يعظم الحنيني ويكرمه لدينه وعبادته (قال) عن هذا الحديث (قرأته غير مرّة يعني) هذا الكتاب (كتاب قطيعة) أي: كتاب إقطاع (النبي - صلى الله عليه وسلم -) بلالا. (قال [أبو داود]) المصنف: (وحَدَّثَنَا غير واحد، عن حسين بن محمد) قال: (حَدَّثَنَا أبو أويس) عبد الله بن عبد الله، قال: (حدثني كثير بن عبد الله) بن عمرو بن عوف (عن أبيه، عن جده -رضي الله عنه-: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقطع [بلال] بن الحارث المزني [معادن القبليةِ] جلسيها وغوريها) كما تقدم، (قال) محمد (بن النضر) في روايته: (وجرسها) بكسر الجيم وسكون الراء، قال المنذري: المحفوظ فتح الجيم وسكون الراء وزاد (وذات) بالنصب (النُّصُبِ) بضم النون والصاد المهملة بعدها باء موحدة، قال مالك: بينها وبين المدينة أربع برد (¬5). قال البكري: كانت فيه أنصابٌ ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 4/ 416. (¬2) 9/ 97. (¬3) انظر: "الأنساب" 2/ 282. (¬4) "تهذيب الكمال" 14/ 439. (¬5) "مشارق الأنوار" 1/ 276، و"معجم البلدان" 5/ 287، و"فتح الباري" 2/ 566.

في الجاهلية. قال: وروى مالك من طريق سالم بن عبد الله أن أباه ركب إلى ذات النصب فقصر الصلاة في مسيره ذلك (¬1)، وكانت الجاهلية تنصب أصنامًا وتعبدها وتذبح لها، ومنه قول الأعشى: وذا النصب المنصوب لا تعبدَنَّه ... ولا تعبد الشيطان والله فاعبدوا (¬2) (ثم اتفقا) في الرواية (و) أقطعه (حيث يصلح الزرع) بخلاف ما لا يصلح للزراعة فلا يدخل في الإقطاع (من) أرض (قدس، ولم يعط بلال بن الحارث) المزني أرضًا فيها (حق مسلم، وكتب له) أُبي بن كعب بأمر (النبي - صلى الله عليه وسلم -: هذا ما أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلال بن الحارث المزني أعطاه معادن) الأراضي (القبلية، جلسها وغورها) بحذف ياء النسب منهما كما تقدم (وحيث يصلح الزرع من قدس) فما لا يصلح للزرع ولا للغراس مما لا ينتفع به فلا يدخل في الإقطاع، (ولم يعطه) ما يتعلق به (حق مسلم) ولو حريم بئره أو داره. وفي "شرح السنة" (¬3): عن عبد الله بن مغفل، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من احتفر بئرًا فليس لأحد أن يحفر حوله أربعين ذراعًا". (زاد) محمد (ابن النضر) في روايته (وكتب) كتاب الإقطاع (أبي بن كعب) -رضي الله عنه-. [3046] (حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد الثقفي) البلخي، (ومحمد بن المتوكل العسقلاني) نسبة إلى عسقلان مدينة بساحل الشام من أرض (¬4) فلسطين، ¬

_ (¬1) "معجم ما استعجم" 4/ 1309. (¬2) "النهاية" 5/ 140. (¬3) 8/ 281. (¬4) ليست في (ل).

ينسب إليها جماعة، وإلى عسقلان بلخ ملحمة منها. قال السمعاني: مضيت إليها وسمعت بها الحديث من جماعة (¬1). واشتقاق عسقلان من العساقيل وهو من السراب (¬2)، أو من العسقيل وهي الحجارة الضخمة (¬3). (المعنى واحد: أن محمد بن يحيى بن قيس) السبائي (¬4) بفتح السين المهملة والباء المخففة بعدها همزة (المأربي) بفتح الميم وسكون الألف وكسر الراء بعدها باء موحدة نسبة إلى مأرب من صنعاء اليمن على ثلاثة أيام، ذكر المسعودي أن مأرب اسم الملك الذي كان يملك البلدة. ومحمد بن يحيى هذا كنيته أبو عمر اليماني، وثقه الدارقطني وغيره (¬5) (حدثهم) قال (أخبرني أبي) (¬6) يحيى بن قيس وهو صدوق (¬7) (عن ثمامة) بضم المثلثة (ابن شراحيل) اليماني صدوق. ¬

_ (¬1) "الأنساب" 4/ 190، 191. (¬2) في الأصول (التراب)، والمثبت من كتب اللغة والبلدان؛ انظر: "معجم ما استعجم" 3/ 943 و"النهاية" 3/ 469 و"الجيم" للشيباني باب: العين و"القاموس المحيط" 1/ 1334. (¬3) "معجم ما أستعجم" 3/ 943. (¬4) هكذا في الأصول وفي مصادر الترجمة بعضها بالمد وبعضها بغير مد وانظر: "تهذيب الكمال" 5/ 27 وضبطها ابن حجر في التقريب (6393): بفتح المهملة والموحدة والهمزة المكسورة بغير مد. وقال الزبيدي في "تاج العروس" 1/ 265 كلاهما صحيح. يعني: المد وعدمه. (¬5) "تهذيب الكمال" 6/ 27. (¬6) سقط من (ع، ر) والمثبت من "السنن". (¬7) "الكاشف" (6231).

قال الدارقطني: لا بأس به (¬1). (عن سمي بن قيس) اليماني ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2)، ولم يرو عنه المصنف والترمذي غير هذا الحديث. (عن شمير) بضم الشين المعجمة وفتح الميم مصغر، وهو ابن عبد المدان (¬3) (قال) محمد (ابن المتوكل) شمير (بن عبد المدان) [بفتح الميم والدال المهملة. قال ابن ماكولا ويقال فيه: شمير بن حمل (¬4). وشمير ذكره ابن حبان في "الثقات"] (¬5). (عن أبيض بن حمال) بفتح الحاء المهملة والميم المشددة الحميري المأربي بكسر الراء والباء الموحدة (¬6) (أنه وفد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستقطعه) أي: ساله أن يقطعه من الجواهر الظاهرة التي أودعها الله بعض بقاع الأرض (الملح، قال) محمد (ابن المتوكل) في روايته (الذي بمأرب) بكسر الراء كما تقدم (فقطعه له) قال ابن سيده: يقال: قطع السلطان لفلان كذا وأقطعه كذا وكذا والأشهر أقطعه، انتهى. وقد جاءت السنة باللغتين. ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 4/ 403. (¬2) "تهذيب الكمال" 12/ 140. (¬3) "التقريب" (2823). (¬4) "الإكمال" 4/ 373. (¬5) سقط من (ر). وانظر: "الثقات" 4/ 370. (¬6) "الإصابة" 1/ 23.

(فلما أن ولى قال) له (رجل من المجلس) وهو الأقرع بن حابس التميمي (¬1) كما جاء مصرحًا به في رواية الدارقطني (¬2) من رواية ثابت وسعيد (أتدري) يا رسول الله (ما قطعت له؟ إنما قطعت له الماء العد) بكسر العين وتشديد الدال المهملتين وهو الماء الدائم الذي لا ارتفاع لمادته، جمعه له بمداد كحمل وأحمال، وقيل: هو ما يجمع ويعد للورود، ورده الأزهري ورجح الأول (¬3)، ومنه الحديث: نزلوا أعداد مياه الحديبية (¬4). أي: ذوات المادة كالعيون والآبار الذي ينبع، وإنما قال الأقرع بن حابس ذلك؛ لأنه كان ورد عليه في الجاهلية وعرفه. (قال) أبيض: (فانتزع) بضم التاء وكسر الزاي، وفي بعضها بفتحهما، (منه) وفي رواية الشافعي (¬5): قال: فلا إذًا. وفي الحديث دليل على أن الحاكم إذا حكم بشيء ثم تبين له أن الحق في خلافه نقضه وعليه رده، لكن قال في رواية الشافعي: فأراد أن يقطعه. قال الماوردي وغيره: إذا أقطعت المعادن الظاهرة كالكحل والملح والقار والنفط فهو كالماء الذي لا يجوز إقطاعه بل يأخذه من ورد إليه، فإن أقطع كان المقطع هو وغيره فيها سواء، وإن منعهم المقطع كان بالمنع ¬

_ (¬1) ترجمته في "الإصابة" 1/ 101. (¬2) في "السنن" 3/ 76 برقم (286). (¬3) "النهاية" 3/ 415، و"الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" 1/ 259، و"تاج العروس" 8/ 354. (¬4) "صحيح البخاري" (2731). (¬5) في "الأم" 4/ 42.

متعديًا، ومن أخذه كان مالكًا له (¬1). (قال) أبيض: (وسأله عما يحيى) بضم الياء وفتح الميم (من الأراك) شجر معروف له حمل كعناقيد العنب واسمه الكَبَاث (¬2) بفتح [(¬3) الكاف، وإذا نضج سمي المرد. وفي حديث الزهري عن بني إسرائيل: وكأن عنبهم الأراك (¬4). (قال: ما لم تنله خفاف) كذا الرواية بكسر الخاء ويشبه أن تحمل هذِه الرواية على ما فسره الأصمعي فإنه قال: الخف: الجمل المسن (¬5) أي: ما قرب من المرعى لا يحيى بل يترك لمسان الإبل وما في معناها من الضعاف التي لا تقوى على الإمعان في طلب المرعى (¬6). (وقال ابن المتوكل: أخفاف) ما لم تنله (الإبل) وهذِه الرواية المشهورة أي: ما لم تبلغه أفواه الإبل بمشيها إليه. قال البغوي: أراد بهذا الحديث أن يحمي من الأراك ما بعد عن حضرة العمارة فلا تبلغه الإبل الرائحة إذا أرسلت في المرعى (¬7). ¬

_ (¬1) "الحاوي" 7/ 491 و"الأحكام السلطانية": فصل في إقطاع المعادن. (¬2) في (ح) الكتاب والمثبت من (ل) ومن كتب الغريب والشروح؛ انظر: "عمدة القاري" 30/ 425 و"النهاية في غريب الحديث" 1/ 84، وأما ضبطه فقال ابن حجر في "الفتح" 1/ 177: الكباث بفتحتين مخففا هو ثمر الأراك. وقال في 6/ 439: والكباث بفتح الكاف والموحدة الخفيفة وآخره مثلثة هو ثمر الأراك. (¬3) من هنا بدأ سقط في (ر) بمقدار ورقة. (¬4) "النهاية" لابن الأثير 1/ 84. (¬5) "غريب الحديث" للخطابي 1/ 478. (¬6) "النهاية في غريب الحديث " 2/ 130. (¬7) "شرح السنة" للبغوي 8/ 278.

قال: وفيه دليل على أن الكلأ والمرعى في غير الملك لا يمنع من السارحة وليس لأحد أن يستأثر به دون سائر الناس، فأما ما كان في ملك الرجل من الكلأ والأراك فمملوك له وله منعه من (¬1) غيره كسائر الأشجار (¬2). [3065] (حدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي شيخ مسلم (¬3) (قال: قال محمد بن الحسن) بن زبالة القرشي (¬4) (المخزومي) المدني أحد المكثرين، قال: قوله (ما لم تنله أخفاف الإبل يعني: أن الإبل تأكل) من المرعى (منتهى) ما تصل إليه (رؤوسها، ويحمى) منه (ما فوقه) أي: ما فوق ذلك مما لم تصله رؤوسها. [3066] (حَدَّثَنَا محمد بن أحمد القرشي، حَدَّثَنَا عبد الله بن الزبير) الحميدي شيخ البخاري. (حَدَّثَنَا فرج بن سعيد) بن علقمة المأربي صدوق (¬5) (حدثني عمي ثابت بن سعيد (¬6) عن أبيه) سعيد بن أبيض (¬7). (عن جده عن أبيض بن حمال) الحميري (¬8). ¬

_ (¬1) في "شرح السنة": عن. (¬2) "شرح السنة" للبغوي 8/ 278. (¬3) "تهذيب التهذيب" 11/ 9. (¬4) "تهذيب التهذيب" 9/ 101. (¬5) "التقريب" (5382)، و"الكاشف" (4445). (¬6) "تهذيب التهذيب" 2/ 6. (¬7) "التقريب" (2271). (¬8) "تهذيب التهذيب" 1/ 165.

[قال العلائي: يقال: ثابت سمع من أنس ومعين] (¬1) وأبوه سعيد يعد في أهل اليمن تابعي (¬2)، ذكرهما ابن حبان في "الثقات" (¬3) عن أبيض بن حمال -رضي الله عنه- (أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن حمى الأراك) قال في "النهاية": يشبه أن تكون هذِه الأراكة التي سأل عنها يوم إحياء الأرض وحظر عليها قائمةً فيها فملك الأرض بالإحياء ولم يملك الأراكة، فأما الأراك إذا نبت في ملك رجل فإنه يحميه ويمنع غيره منه (¬4). (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا حمى) أي: لا يجوز أن يحيى (في الأراك) ثمرها ولا فروعها ولا شيء منها (فقال) أريد بالأراك الذي سألتك عنه (أراكة) واحدة هي (في حظاري) بكسر الحاء المهملة وفتحها حائط الحظيرة المتخذ من خشب أو قش يعمل للإبل يقيها من البرد والريح أي: أراكة ثابتة في أرضي التي فيها زرعي المحاط عليها بالحظيرة التي جعلتها عليها (¬5) (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا حمى في الأراك) جميعه. (قال فرج) بن سعيد (يعني) الأراكة الثابتة (بحظاري) قال في "النهاية": بفتح الحاء وبكسرها. انتهى (¬6). والظاهر أن الياء التي في آخر حظاري مشددة وهي ياء النسب أضيفت ¬

_ (¬1) هكذا في الأصل، ويبدو أن هذِه الجملة مقحمة هنا. (¬2) "التاريخ الكبير" 3/ 459، و"تهذيب الأسماء واللغات" 1/ 302. (¬3) "الثقات" 4/ 280، 6/ 125 وانظر: "الجرح والتعديل" 4/ 3. (¬4) "النهاية" 1/ 1055. (¬5) "النهاية" 1/ 1055. (¬6) "النهاية" 1/ 997.

إلى الأرض، وفي "النهاية" (¬1): كانت تلك الأراكة التي ذكرها في الأرض التي أحياها قبل أن يحييها فيه بملكها بالإحياء وملك الأرض دونها؛ إذ كانت مرعى للسارحة، وفي حديث المرأة التي دفنت ثلاثة فقال: "لقد احتظرت بحظاري النار " (¬2). والاحتظار فعل الحظار، أراد: لقد احتميت بحمى عظيم من النار يقيك حرها ويؤمنك دخولها (¬3) (الأرض التي فيها الزرع المحاط) بالحظار (عليها). [3067] (حَدَّثَنَا عمر بن الخطاب) السجستاني (¬4) الحافظ نزيل الأهواز (أبو حفه) مات سنة 264 (¬5). (حَدَّثَنَا) محمد بن يوسف (الفريابي) بكسر الفاء وسكون الراء وتخفيف المثناة تحت وبعد الألف موحدة الضبي. (حَدَّثَنَا أبان) الأفصح: عدم الصرف وهو ابن عبد الله (قال عمر) بن الخطاب شيخ المصنف: أبان هذا (وهو) أبان (ابن عبد الله بن أبي حازم) البجلي الأحمسي وثقه ابن معين وقال أحمد: صدوق (¬6). (قال: حدثني عثمان بن أبي حازم (¬7) عن أبيه) أبي حازم، ولا يعرف اسمه فإن المزي لم يتعرض له (عن جده صخر) ابن العيلة بفتح العين ¬

_ (¬1) زاد هنا في (ل): بفتح الحاء. وليست في (ح)، وهو الصواب. (¬2) أخرجه مسلم (2636). (¬3) "النهاية" 1/ 997. (¬4) بكسر المهملة والجيم وسكون المهملة بعدها مثناة. "التقريب" (4889). (¬5) "تهذيب الكمال" 21/ 326، و"تهذيب التهذيب" 7/ 387. (¬6) "تهذيب الكمال" 2/ 14. (¬7) "تهذيب الكمال" 19/ 349.

المهملة وسكون المثناة تحت بن عبد الله بن ربيعة بن عمرو بن عامر بن علي بن أسلم بن أحمس بن الغوث بن أنمار أبي حازم الأحمسي البجلي ليس له في السنة غير هذا الحديث، وهو من أفراد المصنف (¬1). وقد اختلف في هذا الحديث رواه أبو نعيم الفضل بن دكين، عن أبان كرواية الفريابي هذِه. ورواه أبو أحمد الزبيري، عن أبان بن عبد الله، عن صخر. كذا ذكره في "الأطراف" للمزي. ورواه معمر وغير واحد عن أبان، عن عثمان بن أبي حازم، عن صخر بن العيلة. ومحمد بن أبي الحسن الأسدي، عن أبان، عن عثمان بن أبي حازم وكثير بن أبي حازم، عن صخر. ورواه وكيع عن أبان، عن عمومته، عن جده صخر. وحكم المزي تبعًا لابن عساكر بعد أن زاد رواية محمد بن الحسن وما بعدها أن رواية الباب وهي رواية الفريابي ومتابعة أبي نعيم له أصح (¬2). (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزا ثقيفًا) قبيلة نزلوا الطائف وانتشروا في البلاد (فلمَّا أن سمع ذلك صخر) بن العيلة (ركب في خيل) من عشيرته (يُمِد) بضم الياء وكسر الميم (النبي - صلى الله عليه وسلم -) فيه يمد أي يمده بالخيل التي معه فينصره على عدوه، وفي هذا منقبة عظيمة لصخر - رضي الله عنه - (فوجد نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قد انصرف) عن ثقيف (ولم يفتح) بفتح أوله وثالثه يعني: القصر ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 13/ 124. (¬2) "تحفة الأشراف" 4/ 160.

الذي لثقيف (فجعل صخر يومئذٍ) عليه (عهد الله وذمته) أي: حقه وخدمته عليه في وفاء ما التزمه (أن لا يفارق) ولا يترك قتال أهل (هذا القصر حتى ينزلوا (¬1) على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وأنفذ الله تعالى عهده وذمته لما علم من صدق نيته واستمر محاصرًا للقصر (فلم يفارقهم حتى نزلوا على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فيحكم فيهم بما أراه الله تعالى ويقضي فيهم بحكم الله تعالى. (فكتب إليه صخر) بن العيلة (أما بعد) بضم الدال؛ لأنه قطع عن الإضافة وتقدير ذلك: أما بعد حمد الله والصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فإن ثقيفًا قد نزلت) من القصر (على حكمك يا رسول الله) وفيه دليل على جواز مصالحة أهل قرية أو حصن على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو على حكم مسلم عدل صالح للحكم (وأنا مقبل إليهم) للاجتماع بهم (وهم في خيل) أي: في عدد كبير وقوة. (فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة جامعة) منصوب على الإغراء، أي: الزموها ولا تأثير لحرف الجر في الصلاة؛ لأنها جاءت على لفظ الحكاية (فدعا) نصب على الحال. وقال بعض الفقهاء: يرفعان على المبتدأ والخبر، ويرفع الأول وينصب الثاني وبالعكس. والمراد بالحديث أنه أمر مناديًا أن يقول: الصلاة جامعة. وليست هذِه الصلاة فرضًا؛ فإن الفرائض يؤذن لها، فدعا بعد الصلاة ¬

_ (¬1) ورد بعدها في الأصل: نسخة: حتى نزلوا.

(لأحمس)] (¬1) بمهملات بوزن أحمر، وهو أخو بجيلة بفتح الموحدة وكسر الجيم، ينسبون إلى أحمس بن الغوث (¬2) ابن أنمار، وبجيلة امرأة قبله (¬3). تنسب إليها القبيلة المشهورة (¬4) (عشر دعوات) ورواية الصحيحين: فبارك في خيل أحمس ورجالها خمس مرات (¬5)، وفي رواية: فدعا لأحمس بالبركة. وفيه استمالة النفوس بالدعاء لهم. وفيه: إذا فعل رجل من قبيلة معروفًا يدعا له ولأهل قبيلته إكرامًا له (¬6) وفيه منقبة لصخر ولقومه. وفيه تخصيص أنه كان يدعو وترا فيه تخصيص لعموم حديث أنس: كان إذا دعا دعا ثلاثًا (¬7)، فتحمل رواية أنس على الغالب، وكان الزيادة على الثلاث لمعنى اقتضى ذلك، وهو ظاهر في فعل صخر وما حصل بفعله محاصرة ثقيف وإنزالهم على حكمه - صلى الله عليه وسلم -، ودحض الكفرة ونصرة الإسلام بنفسه وبما معه من عشيرته. (اللهم بارك لأحمس في خيلها) فيه الدعاء لخيول المجاهدين وفرسانهم (ورجالها) (¬8) بفتح الراء جمع راجل كصحب جمع صاحب، ¬

_ (¬1) إلى هنا انتهى سقط (ر). (¬2) في (ع): الغور. (¬3) هذه الكلمة هنا هكذا في الأصول الثلاثة ولعلها زائدة. (¬4) "توضيح المشتبه" 9/ 31. (¬5) البخاري (3020) ومسلم (2476). (¬6) سقط من (ر). (¬7) "صحيح مسلم" (1794). (¬8) ورد بعدها في الأصل: نسخة: ورجلها.

ولفظ الصحيحين: ورجالها، وكذا هنا في أكثر النسخ. (وأتاه القوم) أي: من ثقيف مسلمين (فتكلم المغيرة بن شعبة) الثقفي (فقال: يا رسول الله، إن صخرًا أخذ عمتي و) قد (دخلت) بإسكان تاء التأنيث هي (فيما دخل فيه المسلمون) وشاركتهم فيه، فصارت من المسلمين، لها ما لهم وعليها ما عليهم (فدعاه) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فقال: يا صخر، إن القوم) من الكفار (إذا أسلموا) بعد أن وقعوا في الأسر وقبل أن يحكم الحاكم عليهم بشيء (أحرزوا دماءهم وأموالهم) أي: عصموها ومنعوها من الإتلاف كأنهم جعلوها في حرز وحصن حصين بإسلامهم؛ لأنهم أسلموا وهم أحرار وأموالهم لهم، فلا يجوز أخذها منهم ولا استرقاقهم. وأخرج الإمام الحافظ أبو يعلى (¬1) من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "من أسلم على شيء فهو له"، لكن ضعفه ابن عدي (¬2) بياسين الزيات راوده عن الزهري. قال البيهقي (¬3): وإنما يروى عن ابن أبي مليكة وعن عروة مرسلًا، ومرسل عروة أخرجه سعيد بن منصور برجال ثقات. (فادفع إلى المغيرة) بن شعبة (عمته) فإنها قد أسلمت وأحرزت دمها ومالها (فدفعها إليه) وكذا لو أسلموا بعد الحكم عليهم بالقتل؛ فإنه يسقط؛ لأن من أسلم عصم دمه ولم يجز استرقاقهم إن أسلموا قبل أن ¬

_ (¬1) (5847). (¬2) في "الكامل" 7/ 184. (¬3) في "السنن الكبرى" 9/ 113.

يسترقهم (وسأل) صخر (نبي الله - صلى الله عليه وسلم -: ما لبني سليم) بضم السين وفتح اللام مصغر، وهو سليم بن منصور بن عكرمة قبيلة كبيرة من قيس عيلان؛ فإنهم (قد هربوا عن الإسلام وتركوا ذلك الماء) الذي كان لهم (فقال: يا نبي الله أنزلنيه) بفتح (¬1) الهمزة (أنا وقومي) (¬2) أحمس وبجيلة (قال: نعم، فأنزله) هو وقومه على ذلك الماء لينتفع به هو وقومه، لكن لا يصيروا أحق من غيرهم؛ لأن الماء لا يجوز إقطاعه والناس فيه سواء من ورد إليه (وأسلم) بعد ذلك (يعني) القوم من (السلميين) (¬3) جمع سُلَمِي بضم السين وفتح اللام وكسر الميم نسبة إلى سليم المذكورين (فأتوا صخرًا -رضي الله عنه- فسألوه أن يدفع إليهم الماء) الذي لهم وهو نازل عليه هو وقومه (فأبى) أي: أن يدفع إليهم مياههم التي نزل عليها لينتفعوا به في المستقبل، وأما الماء الذي انتفع به في مدة إقامته عليه فمضى حكمه على الجواز دون رجوع بشيء. (فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا نبي الله) تعالى إنا قد (أسلمنا وأتينا صخرًا) وسألناه (ليدفع إلينا ماءنا) وفي بعض النسخ: الماء، يعني: الذي لنا، (فأبى) أي: امتنع (علينا، [فدعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬4) فقال) له (يا صخر إن القوم إذا أسلموا) فقد (أحرزوا أموالهم ودماءهم) وإن الماء الذي نزلت عليه من جملة أموالهم التي يستحقون الانتفاع بها (فادفع إلى ¬

_ (¬1) في (ر): بهمزة. (¬2) في (ر): قوس. (¬3) في (ر): المسلمين. (¬4) في المطبوع: فأتاه.

القوم ماءهم) يعني: الماء الذي لهم (قال: نعم يا نبي الله) وارتحل عن مياههم. والظاهر أن المراد بالماء الأراضي التي هي على مسرعة الماء التي كانوا نازلين بها لا نفس الماء كما تقدم، فلما ارتحلوا عنها صارت كالفيء يتصرف فيها الإمام بالإقطاع وغيره، وهذا الماء الذي نزلوا عليه إما أن يكون نهرًا أو بئرًا، فما احتفره الآدميون من الأنهار لما أحيوه من الأرضين، فيكون النهر بينهم ملكًا لهم مشتركًا، وأما الآبار فما يحتفر ليرتفق لما مر كالبادية إذا انتجعوا أرضًا وحفروا فيها بئرًا لشربهم وشرب مواشيهم كانوا أحق بمائها ما أقاموا عليها وعليهم بدل الفضل من مائها للشاربة دون غيرهم، فإذا ارتحلوا صارت سابلة، فإن عادوا إليها بعد الارتحال كانوا هم وغيرهم سواء، ويكون السابق إليها أحق، وإن احتفروا لأنفسهم ملكًا فإذا استنبطوا ماءها استقر الملك عليها بكمال الإحياء [ثم يصير] (¬1) مالكًا لها ولحريمها. واختلف في حريمها (¬2)، فعند الشافعي: يعتبر بالعرف في مثلها (¬3). وقال أبو حنيفة: حريم البئر الناضح خمسون ذراعًا، وإذا استقر ملكه على البئر وحريمها فهو أحق بمائها، قاله جميعه الماوردي في "الأحكام السلطانية" (¬4). ¬

_ (¬1) في (ر): فيصير. (¬2) في (ر): تحريمها. (¬3) في (ر): أمثلها. (¬4) الباب الخامس عشر في إحياء الموات واستخراج المياه. فصل: في بيان أن لحافر الآبار ثلاثة أحوال.

(فرأيت وجه (¬1) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتغير عند ذلك حمرة) يجوز أن يكون منصوبًا بحذف الحرف أي: يتغير بحمرته، ويجوز أن يكون تمييزًا لإبهام يتغير كقولهم: طاب زيد نفسًا: أي: طابت نفسه (حياءً) منصوب على المفعول له، أي: تغير وجهه حياء به منه (من أخذه الجارية) وهي عمة المغيرة بن شعبة منه، ووجه حيائه أن الأمر برد الماء إنما كان استطابة النفس عنه؛ لأن الكافر إذا هرب عن ماله كان فيئًا فملكه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثم جعله لصخر، فلا ينتقل ملكه عنه إليهم بإسلامهم، لكنه استطاب قلب صخر ترغيبًا لهم في الدين، وكذا الجارية. ويحتمل أنهم لما نزلوا على حكمه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان السبي والمال موقوفًا على رأيه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فرأى أن ترد المرأة ولا تسبى (¬2). (وأخذه) منه (الماء) الذي كان نزل عليه لبني سليم كما تقدم. [3068] (حَدَّثَنَا سليمان بن داود المهري) بفتح الميم كما تقدم، (أنبأنا) عبد الله (ابن وهب، حدثني سبرة) بفتح السين المهملة وسكون الموحدة (¬3) (ابن عبد العزيز بن الربيع الجهني) أخو حرملة، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4). (عن أبيه) عبد العزيز بن الربيع الجهني بن سبرة، أخرج له مسلم (¬5) ¬

_ (¬1) سقط من (ع). (¬2) "معالم السنن" 3/ 295. (¬3) "التقريب" (6207). (¬4) "الثقات" 8/ 351. (¬5) "تهذيب التهذيب" 6/ 299.

(عن جده) الأعلى سبرة بن معبد بن عوسجة الجهني، توفي في زمن معاوية (¬1) (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نزل في موضع) بين المدينة وتبوك [(¬2) وصار هذا الموضع الذي نزله في طريقه هو (المسجد) المعروف بذي المروة، وعد في "المورد الهني" المساجد التي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين تبوك والمدينة وعد الرابع عشر منها مسجد بذي المروة من أعمال المدينة بينها وبين المدينة ثمانية برد (¬3) (تحت دومة) بفتح الدال المهملة والميم واحدة الدوم دومة غير منصرف. قال في "النهاية": هي ضخام الشجر، وقيل: هو شجر المقل والمعروف في بلادنا بشجر النبق (فأقام) تحتها (ثلاثًا) وفيه استحباب نزول المسافر في ظل شجرة إن وجد وإلا فظل غيرها؛ لأن أماكن الظل أرفق بالمسافر وغيره، ولهذا تولى موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلى الظل أي إلى ظل شجرة سمرة فجلس في ظلها من شدة الحر وهو جائع. (ثم خرج إلى تبوك) وهي أقصى أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي من أدنى أرض الشام، وذكر القتيبي من رواية موسى بن شيبة عن محمد بن كليب: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء في غزوة تبوك وهم في حسبها بقدح والحسب مستنقع الماء فقال: "ما زلتم تبكونها بعد؟ " فسميت تبوك ومعنى "تبكونها" تدخلون فيها السهم وتحركونه ليخرج ماؤها (وإِن) بنو (جهينة لحقوه) وهو (بالرحبة) بفتح الراء والحاء المهملتين ¬

_ (¬1) "الإصابة" 3/ 31. (¬2) من هنا بدأ سقط في (ر). (¬3) انظر: "جوامع السيرة" لابن حزم ص (255)، و"خلاصة الوفا" للسمهودي: الفصل الثالث في بقية المساجد المتعلقة بغزواته - صلى الله عليه وسلم - وعمره.

والموحدة، والأصل في الرحبة الفضاء الواسع ثم سمي بها مواضع. (فقال لهم: من أهل ذي المروة؟ ) التي أقمنا بها، والمروة بفتح الميم وسكون الراء قرية بوادي القرى على ليلة من أعمال المدينة (فقالوا) هم (بنو رفاعة من جهينة. فقال: قد أقطعتها) يعني قرية المروة البني رفاعة) الجهنيين (فاقتسموها) بينهم (فمنهم من باع) قسمه منها وهذا يدل على أن ما أقطعه النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إقطاع تمليك؛ فإن ما جاز للإمام التصرف فيه ونفذت فيه أوامره ضربان: ضرب إقطاع تمليك يصح بيعه والتصرف فيه بأنواع التمليك وضرب إقطاع استغلال. (ومنهم من أمسك) قسمه (فعمل) فيه بالاستغلال ونحوه. قال ابن وهب أحد الرواة (ثم سألت أباه) يعني (عبد العزيز عن هذا الحديث) الذي رواه ابنه عنه (فحدثني ببعضه ولم يحدثني به كله) وفيه دليل على جواز اقتصار المحدث على بعض الحديث الذي رواه. [3069] (حَدَّثَنَا حسين بن علي) بن الأسود العجلي الكوفي، قال أبو حاتم: صدوق (¬1) (حَدَّثَنَا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي الكوفي (¬2) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن عياش (¬3) عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير. (عن أسماء بنت أبي بكر) الصديق رضي الله عنهما (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقطع الزبير نخلًا) بالخاء المعجمة. قال الخطابي: والنخل مال ظاهر يتعين كالمعادن الظاهرة فيشبه أن ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 3/ 56. (¬2) "تهذيب الكمال" 31/ 188. (¬3) "تهذيب التهذيب" 12/ 140.

يكون إنما أعطاه ذلك من الخمس الذي هو سهمه وكان أبو إسحاق المروزي يتأول قطع النبي - صلى الله عليه وسلم - الدور على معنى العارية (¬1). فعلى هذا لا يجري فيه مجرى الإرث ولا التصرف الذي يزيل الملك كالبيع والهبة ونحوهما. [3070] (حَدَّثَنَا حفص بن عمر، وموسى بن إسماعيل) التبوذكي (المعنى واحد قالا: حَدَّثَنَا عبد الله بن حسان العنبري) التميمي أخرج له البخاري في كتاب"الأدب" (¬2). (حدثتني جدتاي صفية) بنت عليبة (¬3) (و) أختها (دحيبة) بضم الدال وفتح الحاء المهملتين وبسكون المثناة تحت ثم باء موحدة العنبرية (¬4) ذكرهما ابن حبان في "الثقات" وهما (ابنتا عليبة) بضم العين المهملة وفتح اللام وسكون المثناة تحت ثم باء موحدة بعدها هاء. وعليبة هو ابن حرملة بن إياس العنبري، المعنى وجده حرملة، صحابي (¬5) له حديث في "مسند أبي داود الطيالسي" (¬6) وكانت صفية ودحيبة جدتا عبد الله أم أبيه وأم أمه (وكانتا ربيبتي قيلة) بفتح القاف وسكون المثناة تحت (بنت مخرمة) العنبرية الصحابية (¬7) وفي ¬

_ (¬1) "معالم السنن" 3/ 296. (¬2) "التقريب" (3273) وانظر: "الأدب المفرد" (222) و (1178). (¬3) "الثقات" لابن حبان 6/ 480، و"تهذيب الكمال" 35/ 217. (¬4) "الثقات" لابن حبان 6/ 295، و"تهذيب الكمال" 35/ 178. (¬5) "تعجيل المنفعة" (756). (¬6) (1206). (¬7) "الإصابة" 8/ 83.

"الاستيعاب" أن قيلة روت عنها صفية ودحيبة ابنتا عليبة وهي ربيبتهما (¬1). والصحيح هما ربيبتاها وهي جدة أبيهما؛ وهذا من التربية والحضانة أي: ربتهما. وحديث قيلة هذا ساقه مطولًا الطبراني في "معجمه الكبير" (¬2) برجال ثقات (¬3) وأخرجه الترمذي مختصرًا وقال: لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن حسان (¬4). (وكانت جدة أبيهما) عليبة بن حرملة (أنها أخبرتهما قالت: قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قالت: تقدم صاحبي تعني) به (حريث) بضم الحاء وفتح المهملتين وسكون المثناة تحت ثم ثاء مثلثة (ابن حسان) الشيباني (¬5) (وافد بكر بن وائل) قبيلة كبيرة (فبايعه على الإسلام عليه وعلى قومه، ثم قال: يا رسول الله اكتب بيننا وبين بني تميم بالدهناء) بفتح الدال والنون يمد ويقصر وهو موضع معروف ببلاد بني تميم (¬6) أي: اكتب بيننا كتابًا نرجع إليه عند التنازع ونعمل بما فيه (¬7). ثم فسر ما يكتب بينهم بقوله (أن لا يجاوزها) أي: لا يتعداها (إلينا) من هو (منهم أحد إلا [مسافر أو مجاور]) (¬8) بالراء في آخره غير مقيم وهو أن يجاور فيها ¬

_ (¬1) "الاستيعاب" 4/ 1906. (¬2) "المعجم الكبير" 25/ 7. (¬3) "مجمع الزوائد" 5/ 630. (¬4) "سنن الترمذي" (2814). (¬5) "الإصابة" 1/ 569. (¬6) انظر: "معجم ما استعجم" 2/ 559، و"معجم البلدان" 2/ 493. (¬7) هنا في (ل) محو وطمس وبعض الحروف غير الواضحة وهي ساقطة من (ر) وهذِه الحروف والطمس ليست في (ع) والكلام فيها تام على ما أثبتناه. (¬8) في بعض نسخ "السنن": إلا مجتازا أو مسافرا وفي بعضها إلا مسافر أو مجاور، =

قدر حاجته ثم يرتحل (فقال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (اكتب له يا غلام) لعله زيد بن ثابت فإنه أحد كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه كان عمره حين قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة إحدى عشرة سنة (¬1) (بالدهناء) بأن تكون إقطاعا له يستعملها وأن لا يجاوزها إلا مسافر أو مجاور قالت قيلة (فلما رأيته) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (قد أمر له بها شخص) بضم الشين وكسر الخاء المعجمتين يقال للرجل إذا أتاه ما يقلقه قد شخص به كأنه رفع من الأرض لشدة قلقه وانزعاجه، ومنه شخوص المسافر لخروجه من منزله لحاجة تعروه، ومنه حديث عثمان: إنما يقصر الصلاة من كان شاخصًا أي: مسافرًا أو بحضرة عدو (بي وهي وطني) الذي ألفته (وداري) التي نشأت بها، فلم أستطع السكوت. (فقلت) له (يا رسول الله، إنه لم يسألك السوية) أي المتوسطة (من) معالي (الأرض) وأسا فلها في الشرف والعلو والشدة والسهولة (إذ سألك) ما سأل، و (إنما هي هذِه الدهناء) التي هي عندك في الأراضي (عندك مقيد) بضم الميم وفتح القاف وتشديد المثناة تحت رواية بكسر القاف تقيد (الجمل) بفتح الجيم والميم أرادت أنها مخصبة ممرعة فالجمل إذا وقف في مكان منها لا يتعدى موضعه ولا يبرح منه إلى مكان آخر غيره لما يستغنى به من كثرة المرعى في المكان الذي وقف فيه فصار المكان الواقف فيه كأنه مقيد فيه بقيد في رجله أي: هي كما يمنع ¬

_ = وعلى الراء علامة الإهمال، وفي بعضها أو مجاوز بالزاي المعجمة. انظر طبعة الشيخ عوامة (3065). (¬1) "تهذيب الكمال" 10/ 27.

القيد عن التصرف ومنه حديث عائشة قالت لها امرأة: أقيد جملي. أرادت أنها تعمل لزوجها شيئًا يمنعه من غيرها من النساء فكأنها تربطه وتقيده عن إتيان غيرها (ومرعى) هي أرض (الغنم) أي: أكثر الأراضي مرعى للغنم وأخصبها (و) أن (نساء بني تميم وأبناؤها) من (وراء ذلك) الموضع التي هي فيه (فقال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين سمع مدحها لأرض الدهناء (أمسك) بفتح الهمزة وكسر السين (يا غلام) عن الكتابة له (صدقت) المرأة (المسكينة) قيلة، لعله سماها مسكينة؛ لأنها كانت أرملة لا زوج لها لما ورد: "مسكين من لا زوجة له مسكينة امرأة لا زوج لها" (¬1). وقال في "النهاية": أراد بتسميتها المسكينة الضعف ولم يرد الفقر (¬2). (المسلم أخو المسلم) هو كالتعليل لما بعده، فإذا كانوا إخوة فينبغي أن يواسيه في عيشه (يسعهما الماء والشجر) يتساويان فيه، فأمرهما - صلى الله عليه وسلم - بحسن المجاورة، ونهاهما عن سوء المشاركة وإن لم يتسع لهما الماء والشجر فيوسعوا أخلاقهما لما في الحديث: "إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم" (¬3) أي: لا تتسع أموالكم لعطائهم فوسعوا أخلاقكم لصحبتهم ومعاشرتهم بالمواددة وملاطفة الكلام لتحصل الألفة واجتماع القلوب (ويتعاونان) رواية: يتعاونون بمساعدة أحدهما (¬4) الآخر (على الفتان) قال في "النهاية": يروى بضم الفاء ¬

_ (¬1) أخرجه البيهقي في "الشعب" 4/ 382 وأبو نعيم في "المعرفة" 1/ 121 (6411). (¬2) "النهاية" لابن الأثير 2/ 961. (¬3) "مسند أبي يعلى" 11/ 228 و"مصنف ابن أبي شيبة" 8/ 331 (25842). (¬4) سقط من (ر).

وفتحها، فالضم على أنه جمع فاتن أي: يعاون أحدهما الآخر على الذين يضلون الناس عن اتباع الحق ويفتنونهم، وبالفتح هو الشيطان؛ لأنه يفتن الناس عن دينهم، وفتان من أبنية المبالغة (¬1) انتهى. كما أن أكال: الكثير الأكل من أبنية المبالغة، فحذر الله ابن آدم وأمره بالاحتراز عن الشيطان ووسوسته وغروره وتزيينه القبائح، وتحسينه الأفعال الردية في قلوب بني آدم. وقد نهى الله تعالى عن الافتتان به في قوله تعالى: {لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} (¬2)، فحذر الله أولاد آدم منه؛ لأن من قدر على إخراج أبويكم من الجَنَّة بوسوسته مع قدرة الله تعالى، فبأن يقدر على فتنتكم بطريق الأولى. وسئل المصنف رحمه الله عن الفتان في هذا الحديث، فقال: هو الشيطان، وهذا يدل على أن الرواية المشهورة عنده فتح الفاء من الفتان. [3071] (حَدَّثَنَا محمد بن بشار) بفتح الموحدة وتشديد (¬3) المعجمة وهو بندار شيخ البخاري (حدثني عبد الحميد بن عبد الواحد) الغنوي البصري، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4) (حدثتني أم جنوب) بفتح الجيم وضم النون المخففة وبعد الواو باء موحدة، لم يذكر لها في ¬

_ (¬1) "النهاية" 3/ 777. (¬2) الأعراف: 27. (¬3) في الأصل: (وتخفيف)، والمثبت هو الصواب. والصواب تشديد. قال ابن حجر في "هدي الساري" 1/ 209: بشار بالباء الموحدة وتشديد الشين المعجمة والد بندار محمد بن بشار. (¬4) "الثقات" 8/ 400 وانظر: "تهذيب الكمال" 16/ 455.

"التهذيب" اسم (¬1) (¬2) (بنت نميلة) [بضم النون مصغر] (¬3) لا يعرف حالها (¬4) (عن أمها سويدة) بالتصغير (بنت جابر (¬5) عن أمها عقيلة) بفتح العين وكسر القاف (بنت أسمر) بفتح الهمزة وسكون المهملة (¬6) (ابن مضرس) بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وكسر الراء المهملة المشددة وبعد الراء سين مهملة (عن أبيها أسمر بن مضرس) الطائي (¬7). قال البغوي: لا أعلم بهذا الإسناد حديثًا غير هذا، وهو حديث غريب، وهو كما قال؛ فليس في الكتب الستة سوى هذا، وهو من أفراد المصنف. لكن صححه الضياء وهو أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي صاحب "المختارة" (¬8). وفيه أن المياه الظاهرة كالأنهار والعيون التي أنبعها الله تعالى ولم يستنبطها الآدميون لا يجوز للإمام إقطاعها. (قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فبايعته) على الإسلام فذكرت عنده المياه (فقال: من سبق إلى ماء) يحتمل أن يكون المراد بماء هنا واحد المياه، ويحتمل أن تكون لفظة ماء نكرة موصوفة بمعنى شيء كما قال ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 35/ 336، "تهذيب التهذيب" 12/ 488. (¬2) ذكر في (ر) هنا: (نميلة بضم المثناة الفوقية). وهي زائدة ولا معنى لها هنا. (¬3) في (ر): مصغر بضم النون وياء التصغير. (¬4) "التقريب" (8712). (¬5) "التقريب" (8613). (¬6) "التقريب" (8641). (¬7) "التقريب" (498). (¬8) انظر: "البدر المنير " 7/ 61، و"التلخيص الحبير" 3/ 150.

سيبويه في قوله تعالى: {وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} (¬1) المراد: شيء لدي عتيد (¬2). أي: معد (¬3) لجهنم بإغوائي إياه أو حاضر (¬4) وحمل (ما) على أنها بمعنى شيء أولى؛ لأنها أعم، وحمل اللفظة الدالة على العموم أولى (¬5) من حملها على الخصوص؛ لأن العام أكثر فائدة، وإذا قلنا بالعموم في (ماء) فيدخل فيه مياه العيون والآبار، وكل ما كان جوهرًا بارزًّا كمعادن الكحل والملح والقار والنفط؛ فإنه كالماء الذي لا يجوز إقطاعه والناس فيه سواء، فكل من سبق إلى شيء منها فهو أحق حتى ينتقل عنه بعد الاكتفاء ويدخل في عموم (ما) (¬6) من سبق إلى بقعة من المسجد أو الشارع أو غيرهما مما يأتي، وعلى هذا فجملة (لم يسبقه) وما بعده فعلية (¬7) في محل جر صفة لما سواء قلنا المراد: ما من المياه أو شيء لم يسبق (¬8). (إليه مسلم) احتراز من الكافر الأصلي ذميًّا كان صاحب كتاب أو غيره، أو كان مرتدًّا فإنه لا حق له (فهو له) أي: فهو أحق بما (¬9) سبق ¬

_ (¬1) ق: 23. (¬2) "الكتاب" 2/ 106. (¬3) في (ر): متعد. (¬4) "تفسير البيضاوي" 1/ 228. (¬5) سقط من (ع). (¬6) سقط من (ر). (¬7) في (ل) و (ع): فعيلة. وفي (ر): عليه. والمثبت بدلالة السياق. وانظر: "فيض القدير" 6/ 192. (¬8) في (ل): يستبق. (¬9) في (ر): مما.

إليه من غيره يأخذ منه قدر كفايته، فإن طلب زيادة على كفايته فالأصح إزعاجه والثاني لا يزعج لحق سبْقِه، وعلى الأصح فهذا الحديث محمول على ما لم يضر الغير، فإن لم يسبق أحد غيره بأن جاؤوا معًا تحاصوا فيه إما بقسمة الماء إن لم يفضل عنهم أو بالمهايأة عليه. (قال) أسمر (فخرج الناس) حين سمعوا الأسبق (يتعادون) بفتح الدال من العدو أي: يتجارون على أرجلهم إلى الذي جعله للأسبق (يتخاطون) بضم الطاء المشددة وسكون الواو (¬1) أصله: يتخاططون بفتح الطاء الأولى وضم الثانية، فأدغمت الطاء الأولى في الثانية فسكنت واستمرت الثانية على ضمها كما في قوله تعالى {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ} (¬2) أصلها: شاققوا بفتح الأولى وضم الثانية ثم أدغما؛ ووزنها: يتفاعلون. من الخط، والمراد: أنهم جعلوا يتعادون إلى الأرض التي أقطعها لهم كما بوب عليه المصنف: باب إقطاع الأرضين، ليختط (¬3) كل إنسان منهم في الأرض لنفسه (¬4) مكانًا يصير أحق به، وذلك بأن يعلم عليها علامة ويخط عليها خطًّا؛ ليعلم أنه قد سبق إلى هذا المكان الذي علمه كما فعل في الكوفة والبصرة، وكان سبب تخطيطهم في الكوفة أن سعد بن أبي وقاص لما افتتح القادسية نزل المسلمون الأنبار فآذاهم البق، فخرج فارتاد لهم موضع الكوفة وقال: ¬

_ (¬1) في (ر): الراء. (¬2) الأنفال: 13. (¬3) في (ر): ليحفظ. (¬4) سقط من (ر).

تكوفوا في هذا الموضع أي: اجتمعوا فيه للإقامة فتعادوا إلى الاختطاط في ذلك الموضع أيهم يسبق إلى الأحسن (¬1). كما فعلوا في هذا الحديث. ومن هذا المعنى حديث: أنه - صلى الله عليه وسلم - ورث النساء خططهن دون الرجال (¬2). والخطط بكسر الخاء جمع خطة، وهي الأرض التي يختطها الإنسان لنفسه بأن يعلم عليها علامة كما تقدم ويخط عليها بمسيرته حدود ما اختطه ليعلم أنه سبق إليه وحازه دون غيره. قال في "النهاية": ومعنى الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى نساء منهن أم عبد خططًا يسكُنَّها بالمدينة شبه القطائع ولا حظ للرجال فيها (¬3). [3072] (حَدَّثَنَا أحمد بن حنبل، حَدَّثَنَا حماد بن خالد) الخياط القرشي نزيل بغداد، أخرج له مسلم في الصيد (¬4). (عن عبد الله بن عمر) بن حفص بن (¬5) عاصم بن عمر بن الخطاب، أخرج له مسلم (¬6). (عن نافع، عن ابن عمر) رضي الله عنهما (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقطع الزبير) ¬

_ (¬1) "النهاية" 4/ 389، و"غريب الحديث" 2/ 189، و"معجم ما أستعجم" 4/ 1142. (¬2) أخرجه أحمد 44/ 600. والطبراني في "الكبير" 24/ 56، والبيهقي في "الكبرى" 6/ 156 من حديث زينب امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما. (¬3) "النهاية" لابن الأثير 2/ 117. (¬4) "التقريب" (1496). (¬5) في (ر): عن. (¬6) في (ر) هنا: في الصيد. وهي زيادة ليست في (ل) و (ع). وقد روى له مسلم مقرونا. انظر: "الكاشف" للذهبي (2870).

ابن العوام من أرض المدينة قدر (حضر) بضم الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة ثم راء هو عدو (فرسه) يقال: أحضر يحضر فهو محضر إذا عدا بنفسه أو بفرسه، ومنه حديث ورود النار: "ثم يصدرون عنها بأعمالهم كلمح البرق ثم كالريح ثم كحضر الفرس" (¬1). فيه دليل على أنه لا (¬2) يشترط في الإقطاع أن يكون ما أقطعه معلومًا حالة الإقطاع، بل يجوز أن ما يعلم لقطع في المستقبل كما أنه يجوز أن يقدر (¬3) ما يصل إليه سهمه إذًا، وقدر ما ينتهي إليه فرسه [في عدوها ونحو ذلك. (فأجرى) الزبير (فرسه) في أرض المدينة (حتى قام) فرسه أي وقف ومنه حديث: حين قام قائم الظهيرة أي: حين وقفت الشمس في وقت الظهيرة] (¬4) وهذِه الأرض التي أقطعها للزبير من أموال بني النضير؛ [لما روت أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقطع الزبير أرضا من أموال بني النضير] (¬5). (ثم) لما وقف فرسه (رمى بسوطه) فيه دليل على [حمل] (¬6) الراكب السوط والعصا للفرس والحمار والجمل، وفيه جواز ضرب الراكب دابته إذا احتاج إليه. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (3159) والدارمي (2810) من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-. (¬2) سقط من (ر). (¬3) في (ر): قدر. (¬4) سقط من (ر). (¬5) سقط من (ر). (¬6) زيادة يقتضيها السياق.

(فقال) النبي - صلى الله عليه وسلم - (أعطوه من) الأرض إلى (حيث بلغ السوط) الذي رمى به. وهذا القدر الذي هو بلوغ سوطه في الرمي لا يدخل في إقطاعه حضر فرسه، فإن هذا ليس من عدو الفرس، بل هو من رمية (¬1) راكبها، فلعله لما رمى سوطه علم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يريد زيادة على حضر فرسه منتهى رميته فطابت نفس النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذِه الزيادة تألفًا لقلب الزبير حواري رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. * * * ¬

_ (¬1) في الأصل (رميته)، والمثبت الملائم للسياق.

37 - باب في إحياء الموات

37 - باب في إِحْيَاءِ المَواتِ 3073 - حَدَّثَنَا محَمَّدُ بْن المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ هِشامِ ابْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "مَنْ أَحْيا أَرْضًا مَيْتَةً فَهيَ لَهُ وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظالِمٍ حَقٌّ" (¬1). 3074 - حَدَّثَنَا هَنَّادٌ بْن السَّريِّ، حَدَّثَنَا عَبْدَةٌ، عَنْ محَمَّدٍ - يَعْنِي: ابن إِسْحاقَ - عَنْ يَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "مَنْ أَحْيا أَرْضًا مَيْتَةً فَهيَ لَهُ". وَذَكَرَ مِثْلَهُ قال: فَلَقَدْ خَبَّرَنِي الذي حَدَّثَنِي هذا الحَدِيثَ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - غرَسَ أَحَدُهُمَا نَخْلًا في أَرْضِ الآخَرَ فَقَضَى لِصاحِبِ الأرضِ بِأَرْضِهِ وَأَمَرَ صاحِبَ النَّخْلِ أَنْ يُخْرِجَ نَخْلَهُ مِنْها. قال: فَلَقَدْ رَأَيْتُهَا وَإِنَّهَا لَتُضْرَبُ أُصُولُها بِالفُئوسِ وَإِنَّهَا لَنَخْلٌ عمٌّ حَتَّى أُخْرِجَتْ مِنْها (¬2). 3075 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْن سَعِيدٍ الدَّارِميُّ، حَدَّثَنَا وَهْبٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابن إِسْحاقَ بإسْنادِهِ وَمَعْنَاهُ، إِلَّا أَنَّهُ قالَ عِنْدَ قَوْلِهِ مَكانَ الذي حَدَّثَنِي هذَا فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحابِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: وَأَكْثَرُ ظَنِّي أَنَّهُ أَبُو سَعِيدٍ الخُدْريّ، فَأَنا رَأَيْنَا الرَّجُلَ يَضْرِبُ في أُصُولِ النَّخْلِ (¬3). 3076 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْن عَبْدَةَ الآمُليُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْن عُثْمانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْن المُبَارَكِ، أَخْبَرَنا نافِعُ بْن عُمَرَ، عَنِ ابن أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُرْوَةَ قال: أَشْهَدُ أَنَّ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1378). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2698). (¬2) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 118، والدارقطني 3/ 35، والبيهقي 6/ 99، 142، وابن عبد البر في "التمهيد" 22/ 282، وابن. الجوزي في "التحقيق" 2/ 213 (1560). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2699). (¬3) رواه البيهقي 6/ 99، وابن عبد البر في "التمهيد" 22/ 283. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2699).

رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى أَنَّ الأَرْضَ أَرْضُ اللهِ والعِبادَ عِبادُ اللهِ، وَمَنْ أَحْيا مَواتًا فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ جاءَنا بهذا عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الذِينَ جاؤوا بِالصَّلَواتِ عَنْهُ (¬1). 3077 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا محَمَّد بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "مَنْ أَحاطَ حائِطًا عَلَى أَرْضٍ فَهيَ لَهُ" (¬2). 3078 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي مالِك، قالَ هِشامٌ: العِرْقُ الظَّالِمُ أَنْ يَغْرِسَ الرَّجُلُ في أَرْضِ غَيْرِهِ فَيَسْتَحِقَّها بِذَلِكَ. قالَ مالِكٌ: والعِرْقُ الظَّالِمُ كُلُّ ما أُخِذَ واحْتُفِرَ وَغُرِسَ بِغَيْرِ حَقٍّ (¬3). 3079 - حَدَّثَنَا سَهْلُ بْن بَكّارٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبُ بْنُ خالِدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنِ العَبَّاسِ السّاعِديِّ -يَعْني: ابن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ- عَنْ أَبي حُمَيْدٍ السَّاعِديِّ قال: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَبُوكَ فَلَمَّا أَتَى واديَ القُرى إِذا امْرَأَةٌ في حَدِيقَةٍ لَها فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأصحابِهِ: "اخْرُصُوا". فَخَرَصَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَشَرَةَ أَوْسُقٍ فَقالَ لِلْمَرْأَةِ: "أَحْصي ما يَخْرُجُ مِنْها". فَأَتَيْنَا تَبُوكَ فَأَهْدى مَلِك أَيْلَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَغْلَة بَيْضاءَ وَكَساهُ بُرْدَةً وَكَتَبَ لَهُ يَعْنِي: بِبَحْرِهِ. قال: فَلَمَّا أَتَيْنَا واديَ القُرى قالَ لِلْمَرْأَةِ: "كَمْ كانَ في حَدِيقَتِكِ؟ ". قالَتْ: عَشَرَةَ أَوْسُقٍ خَرْصَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّي مُتَعَجِّلٌ إِلَى المَدِينَةِ فَمَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَعَجَّلَ مَعي ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 6/ 142، وابن عبد البر في "التمهيد" 22/ 283. قال الحافظ في "الدراية" 2/ 244: رجال إسناده ثقات. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2700). (¬2) رواه أحمد 5/ 12، 21، والبزار في "المسند" 10/ 409 (4552)، وابن الجارود في "المنتقى" (1015)، والبيهقي 6/ 148. وضعفه الألباني (551). (¬3) رواه ابن عبد البر في "التمهيد" 22/ 284. قال الألباني في "صحيح أبي داود" (2701): إسناده صحيح مقطوع.

فَلْيَتَعَجَّلْ" (¬1). 3080 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الواحِدِ بْن غِياثٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الواحِدِ بْن زِيادٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَش، عَنْ جامِعِ بْنِ شَدّادٍ، عَنْ كُلْثُومٍ، عَنْ زَيْنَبَ أَنَّها كانَتْ تَفْلي رَأْسَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعِنْدَهُ امْرَأَةُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَنِسَاءُ مِنَ المُهاجِراتِ وَهُنَّ يَشْتَكِينَ مَنازِلَهنَّ أَنَّها تَضِيقُ عَلَيْهِنَّ وَيُخْرَجْنَ مِنْها فَأَمَرَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُوَرَّثَ دُورَ المُهَاجِرِينَ النِّساءُ فَماتَ عَبْدُ اللهِ بْن مَسْعُودٍ فَوَرِثَتْهُ امْرَأَتُهُ دَارًا بِالمَدِينَةِ (¬2). * * * باب إحياء الموات قال الماوردي والروياني: حد الموات عند الشافعي ما (¬3) لم يكن عامرًا ولا حريمًا لعامر قرب من العامر أو بعد. وعند أبي حنيفة: هو ما بعد من العامر ولم يبلغه الماء. قال ابن الرفعة: هو قسمان: أصلي: وهو ما لم يعمر قط. وطارئ: وهو ما خرب بعد عمارته. واعلم أن بقاع الأرض إما مملوكة أو محبوسة على الحقوق العامة أو الخاصة، وإما منفكة عن الحقوق الخاصة والعامة وهي الموات (¬4). [3073] (حَدَّثَنَا محمد بن المثنى، حَدَّثَنَا عبد الوهاب) بن عبد المجيد ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1481)، ومسلم (1392). (¬2) رواه أحمد 6/ 363، والبيهقي 6/ 156. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2703). (¬3) سقط من (ر). (¬4) "الأم" 4/ 41، و"الحاوي" 7/ 480 و"مغني المحتاج" 2/ 361 و"العناية شرح الهداية" 14/ 306.

الثقفي البصري (حَدَّثَنَا أيوب) بن أبي تميمة السختياني (عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير (عن سعيد بن زيد) بن عمرو بن نفيل العدوي أحد العشرة السابقين الأولين (¬1) (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من أحيا) وصفة الإحياء عند الشافعي معتبرة بالعرف فيما يراد به الإحياء (¬2). (أرضَا ميتةَ) الميتة والموات والموتان بفتح الميم والواو (¬3) هي الأرض التي لم تعمر قط. وقال الأزهري وغيره: كل شيء من متاع الأرض لا روح فيه (¬4) فيقال له: موتان (¬5). (فهي له) أي: تملك بإحياء الأرض، وفي رواية: " فهو أحق" (¬6)، وذلك إنما يكون بحفره أو بحجره أو إجراء الماء ونحو ذلك من الإحياء، فمن فعل ذلك فقد ملك الأرض سواء أذن السلطان أم لا، وإلى هذا ذهب الشافعي وأكثر العلماء. وقال أبو حنيفة: لا يملكها بالإحياء إلا بإذن السلطان (¬7). ومحل الخلاف أن هذا الحديث حكم أو فتوى، فمن قال بالأول قال: لابد من الإذن، ومن قال بالثاني قال: لا يحتاج إليه، وهذا ¬

_ (¬1) "الإصابة" 3/ 103. (¬2) "الأم" 4/ 41، و"الحاوي" 7/ 486. (¬3) قال ابن الأثير في "النهاية" 4/ 809: وفيه لغتان: سكون الواوِ وفَتحها مع فتح الميم. (¬4) في (ر): فيها. (¬5) "تحرير ألفاظ التنبيه" 1/ 231. (¬6) أخرجها البخاري (2335). (¬7) "الأم" 4/ 41، و"شرح السنة" للبغوي 8/ 271، و"شرح النووي على مسلم" 14/ 165 و"عمدة القاري" 18/ 474، و"البحر الرائق شرح كنز الدقائق" 8/ 239.

نظير حديث: "من قتل قتيلًا فله سلبه" (¬1). (وليس لعرق) فروي بالتنوين (ظالم) نعت راجع لصاحب العرق أي: لذي عرق ظالم، وقد يرجع إلى العرق أي: عرق ذي ظلمة، ويروى بغير تنوين على الإضافة فيكون الظالم صاحب العرق أحد عروق الشجر (¬2)، والمراد به: ما غرس بغير (حق). وفيه دليل على أن الغاصب إذا أحدث فعلًا زادت به (¬3) قيمة المغصوب أنه لا يستحق شيئًا على ذلك؛ لأنه ظالم في فعله وأن من بنى في أرض الغير أو غرس أو زرع أو أجرى ماء أو غير ذلك من التصرفات فإنه ينقض (¬4). [3074] (حَدَّثَنَا هناد بن السري حَدَّثَنَا عبدة) - بسكون الموحدة - بن سليمان الكلابي المقرئ (عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عروة عن أبيه) عروة [بن الزبير] (¬5) -رضي الله عنه- مرسلًا (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من أحيا أرضًا) يعني (ميتة) كما قبله (فهي له. وذكر مثله) أي: مثل الحديث قبله. وللنسائي (¬6): "من أحيا أرضًا ميتة فله (¬7) فيها أجر وما أكلت العوافي ¬

_ (¬1) "الفروق" للقرافي 1/ 359، و"قواعد الأحكام في مصالح الأنام" 2/ 121. والحديث أخرجه البخاري (3142) ومسلم (1751). (¬2) "مشارق الأنوار" 1/ 328 وانظر: "شرح السنة" للبغوي (8/ 230، 8/ 271، و"شرح صحيح البخاري" لابن بطال 6/ 474. (¬3) سقط من (ر). (¬4) انظر: "الأم" 3/ 246 - 249، "التمهيد" 22/ 285، "العزيز شرح الوجيز" 11/ 313. (¬5) سقط من (ر). (¬6) في "السنن الكبرى" 3/ 404 (5725، 5726). (¬7) في (ر): كله.

منها فهو صدقة". (قال) عروة بن الزبير (ولقد أخبرني الذي حدثني هذا الحديث) المذكور (أن رجلين اختصما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وكان قد (غرس أحدهما نخلًا في أرض الآخر) يعني بغير إذن المالك [ولهذا بوب عليه كثير من المحدثين باب الغصب ويدل عليه تتمة الحديث ولهذا روى ابن أيمن (¬1) في "مصنفه" بلفظة: أن رجلا غصب رجلا أرضا فزرع فيها] (¬2) فارتفعوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فقضى لصاحب الأرض بالزرع، وقضى للغاصب بالنفقة (¬3). (فقضى لصاحب الأرض بأرضه) التي يملكها (وأمر صاحب النخل) المرزوعة بغير إذن المالك (أن يخرج نخله منها) بلا أرش نقص؛ لأنه متعدٍ. قال البغوي: من غصب أرضًا فزرعها أو غرسها اقتلع زرعه وغراسه، ولا شيء له، وعليه مثل أجر الأرض من يوم أخذها واستعملها، وضمان نقصان دخل الأرض بالغرس أو القلع، وإن أدرك الزرع فهو لمن كان البذر له؛ لأنه تولد من عين ماله على قول عامة أهل العلم. واعلم أن الصحيح (¬4) في مذهب الشافعي أن لمالك الأرض أن يكلفه القلع، وله الأرش إن نقص به (¬5). ¬

_ (¬1) في الأصل بياض. والمثبت من "التلخيص الحبير" 3/ 133. (¬2) سقط من (ر). (¬3) ذكره ابن حجر في "التلخيص الحبير" 3/ 133. (¬4) في (ل): المصحح. (¬5) "الحاوي" 7/ 170، و"المجموع" 14/ 260.

(قال) المحدث: (فلقد رأيتها) يعني: النخل (وإنها لتضرب أصولها بالفؤوس) بضم الفاء والهمزة الممدودة جمع فأس كفلس وفلوس، والفأس مهموز مؤنث، ويجوز قلب همزته ألفًا (¬1). (وإنها لنخل عم) بضم العين المهملة وتشديد الميم أصله عمم بضم العين والميم الأولى فسكنت الميم الأولى وأدغمت في الثانية، واحدتها عميمة كسرر جمع سرير، قال أبو عبيد؛ نخل عم هي التامة في طولها والتفافها واعتدالها (¬2)، ومنه قيل للمرأة: عميمة، إذا كانت كذلك (¬3) في خلقها واعتدالها ويقال للبيت إذا طال: قد أعتم (¬4) (حتى أخرجت منها) تلك الأصول المغصوبة. [3075] (حَدَّثَنَا أحمد بن سعيد) بن صخر (الدارمي) شيخ الشيخين وغيرهما (¬5) (حَدَّثَنَا وهب) بن جرير بن حازم الأزدي (¬6) (عن أبيه) جرير ابن حازم الأزدي، رأى جنازة أبي الطفيل (¬7) (عن) محمد (ابن إسحاق بإسناده) المتقدم (ومعناه، إلا أنه قال عند قوله) ولقد أخبرني (مكان الذي حدثني هذا (¬8) فقال) فيه: حدثني (رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -) ¬

_ (¬1) "النهاية" 3/ 765. (¬2) سقط (ر). (¬3) سقط من (ر). (¬4) "غريب الحديث" لأبي عبيد 1/ 296. (¬5) انظر: "تهذيب التهذيب" 1/ 128، و"الكاشف" (32). (¬6) "تهذيب التهذيب" 11/ 141. (¬7) "الكاشف" (768). (¬8) سقط من الأصل، واستدركناه من المطبوع.

قال (وأكثر) بالثاء المثلثة، وفي بعضها بالموحدة (ظني) أي: الغالب على ظني في الرجل (أنه أبو سعيد الخدري) -رضي الله عنه-، وقال (فأنا رأيت الرجل يضرب) بيده (في أصول النخل) الذي غرست بغير إذن المالك. [3076] (حَدَّثَنَا أحمد بن عبدة الآملي) ص دوق، وهو بمد الهمزة المفتوحة وضم الميم وتخفيف اللام (¬1) نسبة إلى آمل طبرستان (¬2) (حَدَّثَنَا عبد الله بن عثمان) بن جبلة العتكي عبدان، كتب كُتُب ابن المبارك بقلم واحد، شيخ البخاري (¬3) (¬4) [(حَدَّثَنَا عبد الله بن المبارك أخبرنا نافع بن عمر) الجمحي المكي (¬5). (عن) عبد الله بن عبيد الله (بن أبي مليكة) زهير المكي (عن عروة) بن الزبير -رضي الله عنهما - (قال: أشهد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى أن) بفتح الهمزة (الأرض) جميعها (أرض الله) إضافة تكريم، وكذا (والعباد عباد الله) وعباد الله مشتركون في أرض الله ويتساوون في الانتفاع بها (و) كل (من أحيا) أرضًا (مواتًا فهو أحق به) أي: أولى بملك ما أحياه والانتفاع به من غيره كما تقدم. قال عروة: وقد (جاءنا بهذا) الحديث (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) الرجال الثقات المرضيون (الذين جاؤوا بالصلوات) الخمس (عنه) وهذا تأكيد لما أخبر به عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الذين حدثوه به أكابر الصحابة. ¬

_ (¬1) في (ر): الميم. (¬2) "التقريب" (75)، و"الأنساب" 1/ 67. (¬3) قال ابن حجر: جبلة؛ بفتح الجيم والموحدة ابن أبي رواد بفتح الراء وتشديد الواو العتكي بفتح المهملة والمثناة. "التقريب" (3465). و"تهذيب التهذيب" 5/ 274. (¬4) من هنا بدأ سقط في (ر). (¬5) "التقريب" (7080).

[3077] (حَدَّثَنَا أحمد بن حنبل، حَدَّثَنَا محمد بن بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة العبدي الكوفي (حَدَّثَنَا سعيد) بن أبي عروبة. (عن قتادة) بن دعامة (عن الحسن) بن أبي الحسن البصري (عن سمرة) بن جندب -رضي الله عنه- (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من أحاط) أي: جعل (حائطًا على أرض) جواز الحوطة من جميع جوانبه (فهي له) فيه حجة لأحمد ابن حنبل أن من حوط جدارًا على موات فإنه يملكه. وقال الشافعي: إن قصد زراعتها فلا يملكها حتى يستخرج لها ماء ويزرعها وإن قصد سكناها فحتى يقطعها ويسقفها، وهذا الحديث حمله الشافعية على من لم يقصد دارًا وإنما قصد حوشًا أو نحوه، ولهذا قال البغوي وغيره: الإحياء يختلف باختلاف قصد المحيي من الأرض ويعتبر في جميع مقاصده عرف الناس (¬1). [3078] (حَدَّثَنَا أحمد بن عمرو بن السرح) شيخ مسلم (¬2) (أخبرنا) عبد الله (ابن وهب أخبرني مالك قال هشام) بن عروة القرشي أحد الأعلام: المراد بقوله (العرق الظالم: أن يغرس الرجل في أرض غيره) زرعًا أو غراسًا (فيستحقها) أي: يستحق العروق المزروعة أو المغروسة في أرضه على سبيل العقوبة والحرمان (بذلك) الذي ظلم به المالك واغتصبه بالزرع في أرضه. (قال مالك: والعرق الظالم) هو (كل ما أخذ) من أرض الغير ظلمًا (واحتفر) فيه (وغرس بغير حق) فيأخذه ويعمل به. ¬

_ (¬1) "شرح السنة" 8/ 271. (¬2) "التقريب" (85).

[3079] (حَدَّثَنَا سهل بن بكار) بن بشر الدارمي روى عنه البخاري في مواضع (¬1) (حَدَّثَنَا وهيب بن خالد) الباهلي (عن عمرو بن يحيى) ابن عمارة المازني. (عن العباس) بالموحدة والسين المهملة (الساعدي يعني) العباس (ابن سهل بن سعد) الساعدي أخرج له البخاري. (عن أبي حميد) المنذر، وقيل: عبد الرحمن بن سعد (¬2) بن المنذر (الساعدي) منسوب إلى ساعدة بن كعب بن الخزرج بطن من الأنصار (¬3). (قال: غزوت) وللبخاري (¬4): غزونا (مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) غزوة (تبوك فلما أتى وادي القرى) بضم القاف مدينة قديمة بين المدينة والشام وأغرب ابن قرقول (¬5) فقال أنها من أعمال المدينة (¬6). (إذا امرأة في حديقة) قال الخليل: كل أرض ذات شجر أحدق بها حاجز فهي حديقة ويقال للقطيعة من النخل حديقة. قال شيخنا ابن ¬

_ (¬1) "التقريب" (2651). (¬2) في الأصل سعيد والمثبت من مصادر الترجمة؛ انظر: "الإصابة" 7/ 94، و"تهذيب الكمال" 33/ 264. (¬3) "التقريب" (8065). (¬4) (1481). (¬5) هو الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن يوسف بن قرقول الوهراني الحمزي وحمزة من قرى بجاية ومولده المرية إحدى مدائن الأندلس. وكان رحالًا في العلم نقالًا فقيهًا، نظارًا أديبًا نحويًا، عارفا بالحديث ورجاله، بديع الكتابة. وله كتاب "مطالع الأنوار على صحائح الآثار" طُبع بتحقيقنا، توفي سنة (569 هـ) وله أربع وستون سنة. وانظر: "تبصير المنتبه" 1/ 351 و"سير أعلام النبلاء" 20/ 520. (¬6) "مطالع الأنوار" 6/ 268.

حجر: لم أقف على اسم هذِه المرأة في شيء من الطرق (¬1). وقد استدل بقوله: (فإذا امرأة) على جواز الابتداء بالنكرة بشرط الإفادة. قال ابن مالك: لا يمتنع الابتداء بالنكرة المحضة على الإطلاق بل إذا لم تحصل فائدة فلو اقترن بالنكرة المحضة قرينة تحصل بها الفائدة جاز بها (¬2) الابتداء بها نحو: انطلقت فإذا سبع في الطريق (¬3). والظاهر أن المتبوع في الابتداء في قوله: (فإذا امرأة) في الحديث وإذا سبع في المثال هو كونه بعد إذا الفجائية إذا برحت (¬4) العادة أن لا يخلو الحال من أن بها جسد امرأة أو أسد والخبر في الحديث والمثال محذوف تقديره: فإذا امرأة واقفة في حديقة وإذا سبع واقف في الطريق والجار والمجرور متعلق بالخبر. (لها) وفي رواية سليمان بن بلال عن عمرو بن يحيى عند مسلم (¬5): فأتينا على حديقة امرأة (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: اخرصوا) بضم الراء، زاد سليمان: فخرصنا (¬6). قال ابن حجر: ولم أقف على اسم من خرص منهم (¬7) وأمره - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) "فتح الباري" 3/ 345. (¬2) سقط من (ل). (¬3) "فتح الباري" 3/ 345. (¬4) هكذا في الأصول. (¬5) (1392). (¬6) "فتح الباري" 3/ 345. (¬7) السابق.

بالخرص ليس المراد به حقيقة الخرص ومعرفة ما يخرج من حمل تلك النخيل من التمر كما يفعله الخارص بل أمرهم بذلك؛ ليمتحنهم قال النووي في كتاب معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - من "شرح مسلم": فيه استحباب امتحان العالم أصحابه بمثل هذا للتمرين، انتهى (¬1). ويدل على هذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرصه كما سيأتي. (فخرص رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) نخل تلك الحديقة وجمع ما يحصل من تمرها فكان (عشرة أوسق) وفيه من الفقه أن الإمام إذا رأى حديقةً لإنسان فيها نخل كثيرة، أو بستان فيه عنب، أو زرع يجيء منه من المغل ما تجب فيه الزكاة، أو علم ذلك ولم يره أنه يرسل إلى ذلك الموضع من يخرصه، أو يقدر ما يخرج منه، ليؤخذ منه الزكاة عند وجوبها وإن لم يطلب المالك ولا اختاره، فإن السكوت عند ذلك سبب لتضييع حق الفقراء خصوصًا في زماننا هذا الذي كثر فيه ترك أداء الزكاة حتى بلغني من بعض الملائمَ أنه لا يعلم بوجوب الزكاة في ذلك ولو علمه ما تركه، وقد اندرس الخرص حتى لم نر أحدًا فعله في بلادنا مع كثرة ما فيها من أشجار العنب في بيت المقدس والرملة وغزة وغيرها، ولا أعلم أحدًا أخرج منه زكاة، فنسأل الله العافية والسلامة في الدين. وفيه من الفقه أن الإمام لا يكفيه خرص الخارص بل له أن يغير خرص غيره إن تيسر ذلك كما في الحديث فلعلهم أخطؤوا، وكذا إن ¬

_ (¬1) "شرح مسلم" للنووي 15/ 42.

أمكن للإمام أن يعتبر ما شك فيه بالقيمة فلعلهم أخطؤوا في ذلك، ولا يتساهل في قبول شهادة البنائين في قيمة الأملاك فقد وجدتهم يترخصون ويشيدون بالقيمة بذلك المكان مع أنها أكثر من ذلك لما يأخذوه من الأجرة على شهادتهم ممن يشتري الملك. (فقال للمرأة: أحصي) (¬1) بفتح الهمزة (ما يخرج منها) أي: احفظي قدر كيلها ولفظ مسلم (¬2): "أحصيها حتى نرجع إليك إن شاء الله تعالى". وأصل الإحصاء العد بالحصى؛ لأنهم كانوا لا يحسنون الكتابة، فكانوا يضبطون العد بالحصى (فأتينا) لفظ مسلم: وانطلقنا حتى قدمنا (تبوك) زاد في الصحيحين واللفظ للبخاري (¬3) قال: "أما إنها ستهب الليلة (¬4) ريح شديدة فلا يقومن أحد ومن كان معه بعير فليعقله"، فعقلناها، وهبت ريح شديدة فقام رجل فألقته بجبل طيء (فأهدى ملك أيلة) بفتح الهمزة وسكون التحتانية بعدها لام مفتوحة بلدة قديمة بساحل البحر وهي: آخر الحجاز وأول الشام (إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -]) (¬5) وزاد مسلم: فقال: وجاء رسول ابن العلما صاحب أيلة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكتاب. وفي "مغازي ابن إسحاق": فلما انتهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى تبوك أتاه ¬

_ (¬1) سقط من (ع). (¬2) (1392). (¬3) (1481). (¬4) سقط من (ع) والمثبت من "الصحيح". (¬5) إلى هنا انتهى سقط (ر).

يُحَنَّةُ بن رؤبة صاحب أيلة فصالح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأعطاه الجزية (¬1). وكذا رواه إبراهيم الحربي في الهدايا (¬2) من حديث علي. فاستفيد من ذلك اسمه واسم أبيه. ولعل العلماء - المذكورة في مسلم - اسم أمه، ويحنا بضم التحتانية المهملة وتشديد النون، ورؤبة بضم الراء وسكون الواو وبعدها موحدة (¬3). (بغلة بيضاء) اسمها دلدل، قال النووي: ظاهر لفظه هنا أنه أهداها للنبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك، وكانت غزوة تبوك سنة تسع من الهجرة، وقد كانت هذِه البغلة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل ذلك، وحضر عليها غزوة حنين كما هو مشهور في الأحاديث الصحيحة، وكانت حنين عقب فتح مكة سنة ثمانٍ. قال القاضي: ولم يرو أنه كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - بغلةً غيرها، فيحمل قوله على أنه أهداها له قبل ذلك، وقد عطف الإهداء على المجيء، وهي تقتضي الترتيب عند بعضهم (¬4). (وكساه بردة) [لفظ مسلم: فكتب إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهدى له بردا ¬

_ (¬1) "سيرة ابن هشام" 2/ 525. (¬2) في (ر): الحدايا. (¬3) "فتح الباري" 3/ 345. (¬4) "شرح مسلم" للنووي 13/ 112، 114، وقال ابن حجر في "الفتح" 3/ 346: وتعقب بأن الحاكم أخرج في "المستدرك" عن ابن عباس أن كسرى أهدى للنبي - صلى الله عليه وسلم - بغلة فركبها بحبل من شعر، ثم أردفني خلفه الحديث. وهذِه غير دلدل، ويقال: أن النجاشي أهدى له بغلة وأن صاحب دومة الجندل أهدى له بغلة وأن دلدل إنما أهداها له المقوقس، وذكر السهيلي أن التي كانت تحته يوم حنين تسمى فضة وكانت شهباء، ووقع عند مسلم في هذِه البغلة أن فروة أهداها له.

وكتب له] (¬1) ذكر ابن إسحاق الكتاب وهو بعد البسملة: هذِه أمنة من الله ومحمد النبي رسول الله ليحنا بن رؤبة وأهل أيلة سفنهم وسيارتهم في البر والبحر، لهم ذمة الله ومحمد النبي ... وساق بقية الكتاب (¬2). (يعني: ببحره) لفظ الصحيحين (¬3): وكتب له ببحرهم أي: ببلدهم، فإن البحار القرى (¬4) {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} (¬5) قيل: في المدن والقرى، أو المراد: وكتب له بأهل بحرهم؛ لأنهم كانوا سكانًا بساحل البحر، أي أنه أمَّره عليهم بما التزموه من الجزية، وفي بعض الروايات: ببحرتهم أي: ببلدتهم، وقيل: البحرة الأرض (¬6). ([قال]: فلما أتينا وادي) بنصب الياء (القرى) لفظ مسلم: ثم قدمنا حتى أتينا وادي القرى (قال للمرأة: كم كان في حديقتك؟ ) أي: كم جاء في حديقتك؟ كما في البخاري: كم جاء ثمر حديقتك؟ وفي رواية مسلم: فسأل المرأة عن حديقتها كم بلغ ثمرها؟ (قالت: عشرة) بالنصب تقديره: بلغ ثمرها عشرة (أوسق) ويجوز النصب على حذف مضاف تقديره: جاء قدر عشرة أوسق، وقيل: على حذف حرف الجر، أو هو منصوب على الحال (خرص) بالنصب إما بدل أو بيان، ويجوز الرفع فيهما تقديره: الحاصل عشرة أوسق، وهو خرص (رسول ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) انظر: "سيرة ابن هشام" 2/ 525، و"الروض الأنف" للسهيلي 4/ 300. (¬3) البخاري (1481) ومسلم (1392). (¬4) "النهاية" 1/ 247 و"شرح النووي لمسلم" 15/ 41. (¬5) الروم: 41. (¬6) "فتح الباري" 3/ 346.

الله - صلى الله عليه وسلم -) وذكر مسلم هذا الحديث في كتاب المناقب، وبوب عليه: باب إصابة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الخرص. (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إني متعجل إلى المدينة) قال ذلك لما سلك عراب؛ لأنها أقرب إلى المدينة (فمن أحب (¬1) منكم أن يتعجل معي) إلى المدينة (فليتعجل) أي: إني سألك طريق المدينة فمن أراد منكم فليأت معي، يعني: ممن له اقتدار على ذلك دون بقية الجيش. وفي هذا الحديث مشروعية الخرص، واختلف القائلون: هل هو واجب أو مستحب؛ فحكى الصيمري من الشافعية وجها بوجوبه؛ لقوله في الحديث: "اخرصوا". وصيغة الأمر للوجوب. وقال الجمهور: هو مستحب، إلا إن تعلق به حق لمحجور مثلًا. وهل يمضي قول الخارص أو يرجع إلى ما آل إليه الحال بعد الجفاف الأول قول مالك، والثاني قول الشافعي ومن تبعه (¬2). وقوله في الحديث: خرصنا لأحد وجهي الشافعي أنه لابد في الخرص من اثنين، وفيه مشروعية الهدية ومجازاتها، وقبول هدايا المشركين (¬3). [3080] (حَدَّثَنَا عبد الواحد بن غياث) المربدي (¬4) البصري، صدوق، صاحب حديث (¬5). (حدثنا عبد الواحد بن زياد) العبدي، ¬

_ (¬1) في المطبوع: أراد. (¬2) "فتح الباري" 3/ 346. (¬3) انظر: شرح صحيح البخاري" فيبن بطال 3/ 528، 7/ 130. (¬4) بكسر الميم، وسكون الراء، وفتح الباء المنقوطة بواحدة وكسر الدال المهملة، هذِه النسبة إلى المربد، وهو موضع بالبصرة. "الأنساب" 5/ 251. (¬5) "تهذيب الكمال" 18/ 466 و"الكاشف" للذهبي (3506).

مولاهم البصري (حَدَّثَنَا) سليمان بن مهران (الأعمش، عن جامع بن شداد) أبي صخرة الحازمي (عن كلثوم (¬1) عن زينب) قال المنذري: لم تنسب، ويظن أنها امرأة عبد الله بن مسعود، انتهى (¬2). وامرأة ابن (¬3) مسعود هي أنصارية، قيل: هي زينب بنت عبد الله الثقفية، وقيل: بنت معاوية (¬4) (أنها كانت تفلي) بفتح التاء الفوقية وسكون الفاء (رأس) أي: شعر رأس (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) لتأخذ القمل منه، فلعل كان بينهما ¬

_ (¬1) في الأصل بياض. وكلثوم هو كلثوم بن علقمة بن ناجية بن المصطلق روى عن زينب بنت جحش عند أبي داود وأم سلمة أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهما. انظر: "تهذيب الكمال" 24/ 205. (¬2) هذا وهم والصواب: أنها زينب بنت جحش زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس لكلثوم بن علقمة رواية عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود عند أبي داود. وقال البوصيري في "الإتحاف" (3562): وَقَالَ أَبُو بَكْرِ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثنَا شَرِيكٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ كُلْثُومٍ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ ... وذكره. ففيه بيان المبهم. وقد أورده المزي في "تحفة الأشراف" 11/ 330 تحت ترجمة ابن عساكر التي قال فيها: ومن مسند زينب، ولم تنسب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال أبو القاسم: وأظنها امرأة ابن مسعود. ثم قال معلقا على هذا الكلام لابن عساكر: وأما قوله: وأظنها امرأة عبد الله بن مسعود، فهو بعيد جدًّا؛ لأنه ليس بينها وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - محرمية فكيف تفلي رأسه؟ والأشبه أنها زينب بنت جحش زوج النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، انتهى. ومع هذا فلم يورد في ترجمة كلثوم أنه روى عن زينب الثقفية ولا في ترجمتها أنه روى عنها بينما صرح في شيوخ كلثوم أنه روى عن زينب بنت جحش زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬3) في الأصول: أبي. وهو خطأ. ويدل عليه ما جاء بعده فالكلام على امرأة عبد الله بن مسعود وليس على امرأة أبي مسعود. (¬4) "تهذيب الكمال" 35/ 188.

محرمية (¬1). (وعنده امرأة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- (¬2) ونساء من المهاجرات) التي هاجرن (¬3) مع أزواجهن من مكة إلى المدينة (وهن يشتكين) من (منازلهن أنها تضيق) بفتح أوله وكسر ثانيه (عليهن) أي تضيق عليهن سكناها فلا يسعن إلا بضيق (ويخرجن) بضم الأول وفتح الثالث (منها) أي: من المنازل (فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تورث) بضم أوله وفتح الواو والراء المشددة (دور) مفعول مقدم (المهاجرين) إلى المدينة، يعني: الدور التي أقطعها النبي - صلى الله عليه وسلم - للمهاجرين بالمدينة إقطاع تمليك يتصرفوا فيه بالبيع ونحوه. (النساء) بالرفع نائب عن الفاعل المحذوف، قال في "النهاية": تخصيص النساء بتوريث الدور يعني: عن أزواجهن المهاجرين دون بقية الوارث، يشبه أن يكون على معنى القسمة بين الورثة، وخصَّهن بها؛ لأنهن بالمدينة غرائب لا عشيرة لهن، فاختار لهن المنازل ¬

_ (¬1) هذا الكلام لا حاجة إليه لما سبق بيانه أن زينب هي: بنت جحش زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -. وإنما جاء ذكر امرأة عبد الله، ولكن ليس في هذا الموضع، وإنما في موضع السائلة كما أخرج الطبراني في "الكبير" 23/ 321 (733): حَدَّثَنَا علي بن عبد العزيز ثنا عاصم بن علي ثنا قيس بن الربيع، عن جامع بن شداد، عن كلثوم الخزاعي، عن أم سلمة: أنها كانت تفلي رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءت زينب امرأة عبد الله بن مسعود فجعلت تكلمني وأكلمها .. الحديث. وهذا إسناد فيه: قيس بن الربيع الأسدي أبو محمد الكوفي صدوق تغير لما كبر وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به. كما في "التقريب" (5573). (¬2) في الأصول بياض. (¬3) في (ر): جاهدن.

للسكنى، قال: ويجوز أن تكون الدور في أيديهن على سبيل الرفق بهن لا التمليك كما كانت حجر النبي - صلى الله عليه وسلم - في أيدي نسائه بعده (¬1). (فمات عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- فورثته) بفتح الواو وكسر الراء المخففة أي: ورثت منه (امرأته) برفع التاء فاعل، والتقدير: ورثت منه امرأته، وحذف حرف الجر كثير (دارًا بالمدينة) ويحكى عن سفيان بن عيينة أنه قال: كان نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - في معنى المعتدات؛ لأنهن لا ينكحن، وللمعتدة السكنى، فجعل لهن سكنى البيوت ما عشن، ولا يتملكن رقابها (¬2)، انتهى. ويحتمل أن يكون نساء المهاجرين لما كنَّ غرباء في المدينة ليس لهن فيها أهل ولا عشيرة ينتقلن إليهن عند موت أزواجهن جعلن على حكمهن لا أنه ميراث حقيقي، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) "النهاية" 5/ 380. (¬2) "شرح السنة" للبغوي 8/ 283.

38 - باب ما جاء في الدخول في أرض الخراج

38 - باب مَا جاءَ في الدُّخُولِ فِي أَرْضِ الخَرَاجِ 3081 - حَدَّثَنَا هارُونُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بَكَّارِ بْنِ بِلالٍ، أَخْبَرَنَا محَمَّدُ بْنُ عِيسَى -يَعْني: ابن سُمَيْعٍ - حَدَّثَنَا زَيْدُ بْن واقِدٍ، حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ، عَنْ مُعاذٍ أَنَّهُ قال: مَنْ عَقَدَ الجِزيةَ في عُنُقِهِ فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). 3082 - حَدَّثَنَا حَيْوَة بْن شُرَيْحٍ الحَضْرَميُّ، حَدَّثَنَا بَقِيَّة، حَدَّثَنِي عُمَارَة بْنُ أَبِي الشَّعْثاءِ، حَدَّثَنِي سِنَانُ بْنُ قَيْسٍ، حَدَّثَنِي شَبِيبُ بْن نُعَيْمٍ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ خُمَيْرٍ، حَدَّثَنِي أَبو الدَّرْداءِ قال: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَخَذَ أَرْضًا بِجِزْيَتِها فَقَدِ اسْتَقَالَ هِجْرَتَهُ، وَمَنْ نَزَعَ صَغارَ كافِرٍ مِنْ عُنُقِهِ فَجَعَلَهُ في عُنُقِهِ فَقَدْ وَلَّى الإِسْلامَ ظَهْرَهُ". قال: فَسَمِعَ مِنِّي خالِدُ بْنُ مَعْدانَ هذا الحَدِيثَ فَقالَ لي: أَشَبِيبٌ حَدَّثَكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قال: فَإِذا قَدِمْتَ فَسَلْهُ فَلْيَكْتُبْ إِلَي بِالَحدِيثِ. قال: فَكَتَبَهُ لَهُ فَلَمَّا قَدِمْتُ سَأَلنِي خالِدُ بْن مَعْدانَ القِرْطَاسَ فَأَعْطَيْتُهُ، فَلَمَّا قَرَأَهُ تَرَكَ مَا فِي يَدَيْهِ مِنَ الأَرَضِينَ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ. قالَ أَبُو داوُدَ: هذا يَزِيدُ بْنُ خُمَيْرٍ اليَزَنِيُّ لَيْسَ هُوَ صاحِبَ شُعْبَةَ (¬2). * * * باب ما جاء في الدخول في أرض الخراج يعني: هل يسقط عن المسلم ما كان خراجًا على الكافر أم لا؟ [3081] (حَدَّثَنَا هارون بن محمد بن بكار) بفتح الموحدة والكاف المشددة (ابن بلال [أخبرنا محمد بن عيسى، يعني: ابن سميع]) (¬3) الدمشقي، مولى معاوية بن أبي سفيان، قال المصنف: ليس به بأس، ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 9/ 139. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (552). (¬2) رواه البيهقي 9/ 139. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (553). (¬3) سقط من الأصل واستدركناه من المطبوع.

وقال ابن حبان: مستقيم الحال إذا بين السماع، يعني: كما هو (¬1)، (حَدَّثَنَا زيد بن واقد) بالقاف القرشي الدمشقي، أخرج له البخاري في مناقب أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- (¬2) (حدثني أبو عبد الله) هذا لم ينسب. قيل: معنى الجزية [(¬3) هاهنا الخراج قاله المنذري (¬4) وذكر له الحديث: إن الرجل إذا اشترى أرضًا خراجية من كافر لم يسقط الخراج عنه ذهب إليه أصحاب الرأي (¬5). (عن معاذ) بن جبل -رضي الله عنه- (أنه قال: من عقد الجزية) قال في "النهاية": عقد الجزية كناية عن تقريرها (¬6) (في عنقه) على نفسه كما تُعقد الذمة للكتابي عليها (فقد برئ) أي: تبرأ (مما عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) من الحق والهدى الذي هو شريعة الإسلام، ويدخل في هذا الزجر والوعيد الشديد من له عبد نصراني ويهودي واشتراه على ما ورد عن عمر بن الخطاب، وهو رواية عن أحمد واحتمله كلام الخرقي (¬7) أنه يجب على سيد العبد جزية عبده يؤديها عنه ويصير ملتزما لأدائها كما يلتزمه أهل الذمة، ولهذا ورد النهي عن عمر ل في ذلك بقوله: لا تشتروا رقيق أهل الذمة ولا مما في أيديهم؛ لأنهم أهل خراج يتبع بعضهم ¬

_ (¬1) "الثقات" 9/ 43، وانظر "تهذيب الكمال" 26/ 254. (¬2) (3661). (¬3) من هنا بدأ سقط في (ر) قدر ورقتين. (¬4) وكذا قاله الخطابي؛ انظر: "معالم السنن" 3/ 300. (¬5) "بدائع الصنائع" 2/ 160. (¬6) "النهاية" 3/ 528. (¬7) انظر: "المغني" 2/ 580.

بعضًا ولا يقرن أحدكم بالصغار بعد إذ أنقذه الله منه (¬1)، ولأنه روي عن علي مثل قول عمر، وعلى هذا فلا يشتري من أهل الذمة أيضًا أرض عليها خراج (¬2)، فإن الخراج يجب أداؤه كل سنة كما تؤدى الجزية فهو يشبه بالجزية فمن اشتراها فكأنه قد عقد جزية عليه وجزية المال كجزية الرؤوس، ويدل على هذا تبويب المصنف على هذا الحديث: باب الدخول في أرض الخراج، يعني بالشراء وغيره. [3082] (حَدَّثَنَا حيوة بن شريح) بن يزيد (الحضرمي) بالحاء والميم نسبة إلى حضرموت بفتح الميم في أقصى بلاد اليمن من سبأ الحمصي شيخ البخاري في صلاة الخوف (¬3). (حَدَّثَنَا بقية) بن الوليد الحميري (حَدَّثَنَا عمارة بن أبي الشعثاء) لم يرو عنه غير بقية (¬4). (حدثني سنان بن قيس) الشامي لم يرو عنه المصنف غير هذا الحديث قال ابن حبان في كتاب "الثقات" (¬5): هو سيار بن قيس. (حدثني شبيب) بفتح المعجمة (ابن نعيم) الشامي الحمصي روى له المصنف هذا الحديث فقط (¬6) (حدثني يزيد بن خمير) بضم الخاء ¬

_ (¬1) أخرجه ابن أبي شيبة 6/ 211، وعبد الرزاق 6/ 47 و 10/ 330 والبيهقي في "السنن الكبرى" 9/ 140. (¬2) أخرجه ابن أبي شيبة 6/ 211، والبيهقي في "الكبرى" 9/ 140. (¬3) (944). (¬4) "ميزان الاعتدال" 3/ 177 (6027)، وانظر: "تهذيب الكمال" 21/ 248. (¬5) 6/ 421. (¬6) "التقريب" (2744).

المعجمة وفتح الميم وسكون ياء التصغير المسكنة (¬1) ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2) وسيأتي (حدثني أبو الدرداء) عويمر -رضي الله عنه- (¬3). (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أخذ أرضًا) أي اشتراها أو دخلت في ملكه بنوع ما من كافر أو مسلم (بجزيتها) الجزية هنا هي الخراج (فقد استقال) طلب الإقالة في (هجرته) من أرض الكفر إلى أرض الإسلام، فكأنه لما اشترى الأرض من الكافر بعد أن صار مسلمًا رجع فلما خرج عنه ويدخل في قوله تعالى: {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} (¬4) ولهذا قال - عَلَيْهِ السَّلَامْ - في الصحيحين (¬5): "اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم" ولقول عمر المتقدم قبله: لا تشتروا مما في أيديهم؛ لأنهم أهل خراج يتبع بعضهم بعضًا. وفي هذا الحديث حجة لأصحاب أبي حنيفة أن المسلم إذا اشترى من الكافر أرضًا خراجية لم يسقط الخراج عنه؛ لأنه لو سقط عنه لم يكن آخذًا لها بجزيتها كما في الحديث لكنهم لم يروا فيما أخرجت هذِه الأرض من الحب عشورًا وقالوا: لا يجتمع الخراج والعشر واستدلوا بالحديث المتقدم: "منعت العراق قفيزها ودرهمها، ومنعت الشام مدها ودينارها" (¬6). قالوا: أراد بمنع القفيز والدينار الخراج فكأنه ذم ¬

_ (¬1) "التقريب" (7709). (¬2) 5/ 535. (¬3) "الإصابة" 4/ 747. (¬4) إبراهيم: 45. (¬5) البخاري (1295) ومسلم (1628). (¬6) سبق برقم (3035)، وأخرجه مسلم (2896).

امتناعهم من أداء الخراج بعدما أسلموا عليه، ففي ذلك دلالة على أن المسلم إذا أسلم على خراج لا يسقط عنه خراج بإسلامه. قال البيهقي: ولا حجة لهم، فإن قوله: "منعت" أي: ستمنع خراجهم بإسلامهم. ففي هذا الحديث حجة لنا عليهم في سقوط الخراج عن أهل الذمة إذا أسلموا انتهى (¬1). وهذا هو المسمى عند الأصوليين بقلب الدليل، والله أعلم. (ومن نزع صغار) بفتح الصاد (كافر) يهودي أو نصراني أو غيرهما من أهل الكتاب (من عنقه) من باب التعبير بالجزء عن الكل تجوزًا، والصغار هو الذل والهوان (فجعله في عنقه) كأنه ما اشترى من الكفار الأرض التي عليها جزية نزع الجزية من رقبة الكافر ووضعها في رقبته يلتزم بأدائها عنه، ولو سقطت الجزية التي على الأرض بالإسلام لما حصل صغار للمسلم، بل كان رفعةً للإسلام بارتفاعه عنه لا بإسلامه. (فقد ولى الإسلام ظهره) أي: تركه وألقاه وراء ظهره وهذا مثل يضرب لمن يستخف بالشيء لا يعمل به تقول العرب: اجعل هذا وراء ظهرك ودبر أذنك وتحت قدمك، إذا أرادوا نزعه والإعراض عنه. والمعنى في هذا الحديث: أنه من تشرف بالإسلام فقد عز قدره بعد الذلة، فإن الإسلام يعلو فإذا ملك الأرض من الكافر فقد تعرض لما يذله وأعرض عن العزة (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: "السنن الكبرى" 9/ 137 و"شرح السنة" 11/ 178، و"شرح مسلم" للنووي 18/ 20. (¬2) من هنا بدأ سقط في (ع) ويمتد حتى حديث رقم (3086).

(قال: فسمع مني خالد بن معدان هذا الحديث فقال لي: أشبيب حدثك؟ قلت: نعم. قال: فإذا قدمت فسله فليكتب إلى بالحديث) أي: بهذا الحديث الذي حدثنيه (قال) سنان: فذهبت إليه وسألته عن الحديث وقلت له: يكتبه إليه (فكتبه له فلما قدمت) من عنده (سألني خالد بن معدان) عن الحديث وعن (القرطاس) الذي كتب به (فأعطيته فلما قرأه) وتدبره عمل بما فيه و (ترك) جميع (ما) كان (في يده من الأرضين) التي عليها الخراج وانقلب عن الكفار (حين سمع ذلك). فيه العمل بالكتابة وقبول خبر الواحد وما كان عليه السلف الصالح من العمل بما يسمعوه من الأحاديث، وإن أدى ذلك إلى نقص كثير من أموالهم وإن كان مالًا ممدودًا. (قال [أبو داود]) المصنف: (هذا) الراوي المذكور (يزيد بن خمير) بضم الخاء المعجمة كما تقدم (اليزني) بفتح التحتانية والزاي بعدها نون نسبة إلى يزن وهو بطن من حمير. قال ابن السمعاني (¬1): بطن من الكلاع و (ليس هو) يزيد بن خمير الرحبي الهمداني (¬2) (صاحب شعبة! يعني: شيخ شعبة وأبي عوانة. * * * ¬

_ (¬1) في "الأنساب" 5/ 671. (¬2) "التقريب" (7709).

39 - باب في الأرض يحميها الإمام أو الرجل

39 - باب في الأَرْضِ يَحْمِيهَا الإِمامُ أَوِ الرَّجُلُ 3083 - حَدَّثَنَا ابن السَّرْحِ، أَخْبَرَنَا ابن وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ، عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثّامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لا حِمَى إِلَّا لله وَلِرَسُولِهِ". قالَ ابن شِهابٍ: وَبَلَغَني أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَمَى النَّقِيعَ (¬1). 3084 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْن مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْن محَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ الحارِثِ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثّامَةَ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - حَمَى النَّقِيعَ وقالَ: "لا حِمَى إِلَّا لله - عَزَّ وَجَلَّ -" (¬2). * * * باب في الأرض يحميها الإمام أو الرجل [3083] (حَدَّثَنَا) أحمد بن عمرو (ابن السرح) أبو الطاهر المصري شيخ مسلم (أخبرنا) عبد الله (بن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب) الزهري (عن عبيد الله) بالتصغير (بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود الفقيه الأعمى (عن) عبد الله (بن عباس) رضي الله عنهما (عن الصعب بن جثامة) واسمه يزيد بن قيس الكناني الليثي وكان ينزل ودان (¬3). (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا حمى) أصل الحمى في اللغة المنع أي: لا منع لما لا مالك له من أرض وكلأ (إلا لله ولرسوله) قال بعضهم: ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2370). (¬2) رواه الحاكم 2/ 61، والبيهقي 6/ 146. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2705). (¬3) "الإصابة" 3/ 426.

يريد: لا حمى يباح إلا على معنى ما أباحه النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى الوجه الذي حماه وفيه إبطال ما كان أهل الجاهلية يفعلونه من ذلك، فكان الرجل العزيز منهم إذا انتجع بلدا مخصبًا أوفى بكلب على جبل، أو نشز من الأرض ثم استعوى الكلب ووقف له من يسمع منتهى ما يعوي، فحيث انتهى صوته حماه، من كل ناحية لنفسه ومنع الناس منه، وهذا معنى كلام الشافعي في "مختصره" (¬1). قال بعضهم: ليس للأئمة بعده أن يفعلوا ذلك لقوله: "لا حمى إلا لله ولرسوله" والصحيح الأول، ولأن عمر حمى السرف (¬2) والربذة، وفي "النهاية" معناه: لا حمى إلا ما يحيى للخيل التي ترصد للجهاد، والإبل التي يحمل عليها في سبيل الله وإبل الزكاة وغيرها، كما حمى عمر النقيع لإبل الصدقة والخيل المعدة في سبيل الله (¬3). وذكر ابن وهب أن قدر الحمى ميل في ثمانية أميال، وأن أبا بكر حمى خمسة أميال في مثلها لما يحمل عليها في سبيل الله وكذلك عمر، وزاد عثمان في الحمى لما كثرت الإبل والبقر في أيامه في الصدقات. قال: فمعنى الحديث: لا حمى لأحد يخص نفسه ويرعى فيه ماشيته ¬

_ (¬1) انظر: "معالم السنن" 3/ 300 - 301 و"الأم" 4/ 47، و"تفسير غريب ما في الصحيحين" للحميدي ص (193)، و"شرح السنة" 8/ 275. (¬2) ذكره البخاري بلاغًا من بلاغات الزهري تحت (2370) وقال ابن حجر في "هدي الساري" ص 131: وأما قوله: وحمى عمر السرف، قيل: الصواب بالشين المعجمة. وقال البكري: وهو ماء لبني باهلة أو بني كلاب، قال: وأما سرف الذي بقرب مكة فلا تدخله الألف واللام. وانظر: "الفتح" 5/ 45. (¬3) "النهاية" 1/ 447.

دون سائر الناس وإنما هو لله ولرسوله ولمن ورث ذلك عنه من الخلفاء بعده إذا احتاج إلى ذلك لمصلحة المسلمين، وقد عاتب رجل عمرَ فقال له: بلاد الله حميت لمال الله (¬1). (قال ابن شهاب) الزهري زيادة على ما تقدم: (وبلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمى النقيع) وأخرجه أحمد (¬2) وابن حبان (¬3) من حديث ابن عمر وزاد: ولخيل المسلمين. وأدرج في حديث حمى النقيع: زيادة وهي: لإبل الصدقة ونعم الجزية (¬4). وقد وضح المصنف ما استعجم في "صحيح البخاري" حين قال: بلغنا ولم يصرح بالزهري فجعله عبد الحق ومن معه أنه معلق وليس كذلك فقد بين المصنف هنا أنه يسنده للزهري، وهذا الحديث من أفراد البخاري (¬5) وزعم الحاكم أنه متفق عليه وتبعه على ذلك آخرهم أبو الفتح القشيري في "الإلمام" فزعموا أنه متفق عليه (¬6). والنقيع بفتح النون جزم به الحازمي وغيره وهو من ديار مزينة، وهو في صدر وادي العقيق ويشتبه بالبقيع بالباء الموحدة، وزعم البكري أنهما سواء والمشهور الأول (¬7). ¬

_ (¬1) أخرجه ابن زنجويه في "الأموال" باب: حمى الأرضين ذات الكلأ والماء، وانظر: "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 6/ 505 - 506. (¬2) في "المسند" 2/ 91، 155. (¬3) في "صحيحه" (4683). (¬4) "التلخيص الحبير" 2/ 593. (¬5) (2370، 3512). (¬6) انظر: "الإلمام" 2/ 561 (1097) و"البدر المنير" 6/ 374 و"التلخيص الحبير" 2/ 592. (¬7) "التلخيص الحبير" 2/ 593 وانظر: "البدر المنير" 6/ 375.

[3084] (حَدَّثَنَا سعيد بن منصور) المروزي ويقال: الطالقاني (حَدَّثَنَا عبد العزيز بن محمد) الدراوردي (عن عبد الرحمن بن الحارث) بن عبد الله ابن عياش المخزومي قال أبو حاتم: شيخ (¬1). قال ابن سعد: [كان ثقة] (¬2) (عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود (عن عبد الله ابن عباس عن الصعب بن جثامة -رضي الله عنه-: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حمى النقيع) بالنون كما تقدم والرواية المتقدمة بأن حمى النقيع مصرحة من كلام الزهري هي الصحيحة والإدراج للدراوردي في هذِه الرواية، وقد حكم البخاري بأن من أدرجه وهم، ورواه النسائي (¬3) عن مالك عن الزهري فذكر الموصول وقد تابع أحمد والحاكم الدراوردي في الإدراج (¬4). (وقال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لا حمى إلا لله عَزَّ وَجَلَّ) مفهوم الحصر فيه حجة لأحد قولي الشافعي أن الإمام لا يحمي ورجحه [ ... ] (¬5) ولأن الإمام ليس له أن يحمي لنفسه فلا يحمي لغيره واحترز بالإمام عن آحاد الناس فإنه لا يحمي قطعًا، وأظهر قولي الشافعي أن الإمام الأعظم يحمي وكذا ولاة النواحي على الأصح، وحكى النووي عن ابن كج في حمى العامل لماشية الصدقة إذا كان يجمعها في بلد خلاف (¬6). * * * ¬

_ (¬1) في الأصل كلمة غير واضحة، والمثبت من "الجرح والتعديل" 5/ 224. (¬2) ممسوحة من الأصل، والمثبت من "تهذيب التهذيب" 6/ 141. (¬3) في "الكبرى" 3/ 408 (5743). (¬4) "التلخيص الحبير" 2/ 592. (¬5) كلمة غير واضحة بالأصل. (¬6) "روضة الطالبين" 5/ 293 - 294، انظر: "الأم" 4/ 50، "شرح السنة" للبغوي 8/ 273، و"نهاية المطلب" 8/ 288 و"الحاوي" للماوردي 7/ 483 - 484.

40 - باب ما جاء في الركاز وما فيه

40 - باب ما جاء في الرِّكازِ وَما فِيهِ 3085 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المسَيَّب وَأَبِي سَلَمَةَ سَمِعا أَبا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "في الرِّكَازِ الخُمُسُ" (¬1). 3086 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْن العَوَّامِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الحَسَنِ قال: الرِّكاز الكَنْزُ العاديُّ (¬2). 3087 - حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُسافِرٍ، حَدَّثَنَا ابن أَبِي فدَيْكٍ، حَدَّثَنَا الزَّمْعيُّ، عَنْ عَمَّتِهِ قُرَيْبَةَ بِنْتِ عَبْدِ اللهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أُمِّها كَرِيمَةَ بِنْتِ الِمقْدادِ، عَنْ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بْنِ هاشِمٍ أَنَّها أَخْبَرَتْهَا قالَتْ: ذَهَبَ الِمقْدادُ لحِاجَتِهِ بِبَقِيعِ الخَبْخَبَةِ فَكذا جُرَذٌ يُخْرِجُ مِنْ جُحْرٍ دِينارًا، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يُخْرِجُ دِينارًا دِينارًا حَتَّى أَخْرَجَ سَبْعَةَ عَشَرَ دِينارًا، ثُمَّ أَخْرَجَ خِرْقَةً حَمْراءَ -يَعْني: فِيها دِينارٌ - فَكانَتْ ثَمانِيَةَ عَشَرَ دِينارًا فَذَهَبَ بِها إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرَهُ وقالَ لَهُ: خذْ صَدَقَتَها. فَقالَ لَهُ - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ هَوَيْتَ إِلَى الجُحْرِ؟ ". قالَ: لا. فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "بارَكَ اللهُ لَكَ فِيهَا" (¬3). * * * باب ما جاء في الركاز [3085] (حَدَّثَنَا مسدد حَدَّثَنَا سفيان) بن عيينة (عن الزهري عن سعيد ابن المسيب وأبي سلمة) بن [عبد الرحمن] (¬4) أنهما (سمعا أبا هريرة ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1499، 6912)، ومسلم (1710). (¬2) رواه ابن أبي شيبة 23/ 417 (33374). قال الألباني في "صحيح أبي داود" (2707): إسناده صحيح مقطوع. (¬3) رواه ابن ماج" (2508). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (554). (¬4) في الأصل: (ابن أبي عبد الرحمن) والصواب أنه أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف. انظر: "تهذيب الكمال" 33/ 370.

يحدث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: في الركاز) وهو دفين الجاهلية سمي بذلك؛ لأنه ركز في الأرض أي: غرز من قولهم: ركزت الرمح أي: غرزته، وقيل: سمي بذلك لخفائه في الأرض، ومنه قوله تعالى: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا} (¬1) أي: صوتًا خفيًّا (¬2). (الخمس) زاد البيهقي (¬3) من طريق عبد الله بن سعيد (¬4) بن أبي سعيد، عن أبيه، عن جده، عن أبي هريرة مرفوعًا: قيل: يا رسول الله وما الركاز قال: "الذهب والفضة التي خلقت في الأرض يوم خلقت". وتابعه حبان بن علي عن عبد الله ابن سعيد وقال: أصله في الصحيح (¬5). وإنما وجب فيه الخمس بخلاف المعدن فالواجب فيه ربع العشر؛ لما في الركاز من عدم المؤنة في تحصيله أو خفته بخلاف الركاز. [3086] (حَدَّثَنَا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي العابد (حَدَّثَنَا ¬

_ (¬1) مريم: 98. (¬2) "تحرير ألفاظ التنبيه" 1/ 115 و"مختار الصحاح" (267). (¬3) في "السنن الكبرى" 4/ 152. (¬4) قال البيهقي في "السنن" 4/ 152: وهو ضعيف جدًّا جرحه أحمد بن حنبل ويحيى ابن معين وجماعة من أئمة الحديث، وقال الشافعي في رواية أبي عبد الرحمن الشافعي البغدادي عنه: قد روى أبو سلمة وسعيد وابن سيرين ومحمد بن زياد وغيرهم عن أبي هريرة حديثه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الركاز الخمس لم يذكر أحد منهم شيئًا من الذي ذكر المقبري في حديثه، والذي روى ذلك شيخ ضعيف إنما رواه عبد الله بن سعيد المقبري، وعبد الله قد اتقى الناس حديثه، فلا يجعل خبر رجل قد اتقى الناس حديثه حجة. (¬5) هذا كلام الحافظ مع تصرف في بعض كلماته، ها هو بتمامه كما في "التلخيص الحبير" 2/ 396: وَتَابَعَهُ حِبَّانُ بْنُ عَلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعِيدٍ وَعَبْدُ اللهِ مَتْرُوكُ الحَدِيثِ وَحِبَّانُ ضَعِيفٌ، وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحِ كَمَا قَدَّمْنَا.

عباد بن العوام) بن عمر بن عبد الله بن المنكدر الكلابي (عن هشام عن الحسن -رضي الله عنه- قال: الركاز الكنز العادي) أي: القديم كأنه نسب إلى عاد وهم قوم هود عَلَيْهِ السَّلَامْ - وكل قديم منسوب إلى عاد وإن لم يدركهم وفي حديث قس: " شجرة عادية" أي: قديمة (¬1). وهذا الأثر لم يوجد في أكثر النسخ فلذلك أضربت (¬2) عن بسط معناه (¬3). [3087] (حَدَّثَنَا جعفر بن مسافر) الليثي الهذلي مولاهم قال النسائي: صالح (¬4). وقال ابن حبان في "الثقات": كتب عن ابن عيينة ربما أخطأ (¬5) (حَدَّثَنَا) محمد بن إسماعيل (ابن أبي فديك حَدَّثَنَا) موسى بن يعقوب (الزمعي) قال أبو المظفر السمعاني: بفتح الزاي وسكون الميم وفي آخرها عين مهملة هذِه النسبة إلى الجد والمشهور بها: موسى بن يعقوب بن عبيد الله بن وهب بن زمعة القرشي وكان ثقة، انتهى. ووثقه يحيى بن معين (¬6). (عن عمته قريبة) بفتح القاف وكسر الراء وبعد التحتانية باء موحدة (¬7) (بنت عبد الله بن وهب) بن زمعة (عن أمها كريمة) بفتح الكاف (بنت ¬

_ (¬1) "النهاية" لابن الأثير 3/ 421. (¬2) هنا انتهى السقط من (ع). (¬3) وهو موجود في نسخة "معالم السنن" برقم (3086). وقال المزي في "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف" 13/ 172 (18555): حديث عن الحسن، قال: الركاز الكنز العادي. (د) في الخراج والإمارة عن يحيى عن عباد بن العوام، عن هشام بن حسان به. في رواية ابن داسة. (¬4) "تهذيب الكمال" 5/ 110. (¬5) "الثقات" 8/ 161. (¬6) "الأنساب" للسمعاني 3/ 164. (¬7) "التقريب" (8664) و"التوضيح" لابن ناصر 7/ 207.

المقداد) بن عمرو (¬1) (عن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب بن هاشم) زوجة المقداد بن عمرو البهراني حليف بني زهرة، يعرف بالمقداد بن الأسود؛ لتبنيه له وولدت له عبد الله وكريمة، وقتل ابنها عبد الله يوم الجمل مع عائشة (¬2). (أنها أخبرتها قالت: ذهب) في ذات يوم (المقداد) بن الأسود يعني: زوجها الحاجته) أي: لحاجة الإنسان في خربة (ببقيع) بفتح الموحدة الثانية (الخبخبة) (¬3) قال البكري في "معجم البلدان": بقيع الخبجبة بخاء معجمة وجيم وباءين كل واحدة منهما معجمة بنقطة واحدة بالمدينة بناحية بئر أبي أيوب قال: والخبجبة شجرة كانت تنبت هناك. وقال السكوني عن العرب: البقيع قاع ينبت الذرق. وقال الخليل: البقيع من الأرض موضع فيه أروم شجر وبه سمي بقيع الغرقد. قال الأصمعي: قطعت غرقدات في هذا الموضع حين دفن فيه عثمان بن مظعون فسمي بقيع الغرقد. انتهى كلام البكري (¬4). وقال غيره: يقال: بجيمين مفتوحتين (¬5). والظاهر أن الخاء والجيم في كلام البكري مفتوحتين وفي بعض النسخ بضم الخاء وفتح الجيم] (¬6). قال السهيلي: هو بفتح الخاء المعجمة وباء موحدة ساكنة وجيم ¬

_ (¬1) ذكرها ابن حبان في "الثقات" 5/ 343. (¬2) "الإصابة" 8/ 3، و 6/ 202. (¬3) قال الشيخ عوامة: تحت هذا الحديث برقم (3081) (الخبخبة) من الأصول كلها إلا (ظ) ففيها الخبجبة. (¬4) "معجم ما استعجم" 1/ 265، 266. (¬5) "القاموس المحيط" 1/ 100. (¬6) انتهى السقط الحاصل في (ر).

مفتوحة وباء أخرى (¬1). وغيره يقول: بخاءين معجمتين مفتوحتين وباءين موحدتين (¬2). (فإذا) رواه ابن ماجة (¬3) بأوضح من هذا ولفظه عن المقداد بن عمرو (¬4): أنه خرج ذات يومٍ إلى البقيع - وهو المقبرة - لحاجته، وكان الناس لا يذهب أحدهم في حاجة إلا في اليومين والثلاثة، وإنما يبعر كما تبعر الإبل، ثم دخل خربة، فبينما هو جالس لحاجته إذ رأى (جرذ) بضم الجيم وفتح الراء المهملة بعدها ذال معجمة، ضرب من الفأر، والجمع جرذان بكسر الجيم كصرد وصردان، وقيل: الجرذ: الذكر الكبير من الفأر (¬5). قال ابن سيده: وهو أكدر في ذنبه سواد (¬6). (يخرج من جحر) بضم الجيم وإسكان المهملة هو الثقب المستدير النازل، جمعه جحر بكسر الجيم وفتح الحاء (دينارًا) زاد ابن ماجة: ثم دخل فأخرج آخر، (ثم لم يزل يخرج) من ذلك الجحر (دينارًا دينارًا) رواية: يعني (حتى أخرج سبعة عشر دينارًا، ثم أخرج خرقة) لفظ ابن ماجة: أخرج بعض خرقة (حمراء، يعني: فيها دينار، فكانت ثمانية عشر دينارًا). هذا الحديث له ذكر في عجائب مخلوقات الله تعالى، فإن منها صنف الفأر، وما خلق الله فيه من الحذق وأودعه من إدراك المعاني، وساقوا ¬

_ (¬1) "الروض الأنف" 2/ 253. (¬2) انظر: "النهاية" لابن الأثير 2/ 9. (¬3) في "السنن" (2508). (¬4) في (ر): عمر. (¬5) "شرح النووي على مسلم" 1/ 192. (¬6) "المحكم والمحيط الأعظم" 7/ 358.

غرائب كثيرة في تحيله في التوصل إلى استخراج المطعوم مما يستطيع فيه ليأكل من ضيقه بأن يضع فيه ذنبه حتى يصل به إلى المطعوم من سمن ونحوه، ثم يخرجه ويلحسه، فإذا نفد أدخله مرّة أخرى، وكذا إذا أراد أخذ جوزة ونحوها مما لا يقدر على حمله إلى بيته فيلتف عليها، ثم يجيء الآخر ويجذبه بذنبه إلى بيته، وكذا هنا، قيل: إن سبب إخراج هذا الذهب أن هذا الصحابي أو غيره ممن اتفق له أنه رأى فأرًا فأخذه ليقتله، فخرجت فأرة أخرى فأخرجت دينارًا، ثم انتظرته ليطلقه، فلم يطلقه، فأخرجت دينارًا آخر، وهكذا وهو لا يطلق الممسوك حتى أخرجت الخرقة الحمراء ليعلم أنه لم يبق شيء، وأن هذِه الخرقة هي الوعاء التي كانت فيه، فأطلق الفأر الممسوك، والله أعلم بصحة ذلك، والقدرة صالحة لأعظم من ذلك. (فذهب بها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأخبره) زاد ابن ماجة: خبرها (وقال له: خذ صدقتها) الواجبة فيها يا رسول الله (فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -) زاد ابن ماجة: ارجع بها لا صدقة (هل هويت) بفتح الهاء والواو وتاء الخطاب (إلى الجحر؟ ) فيه حذف تقديره: هل أهويت يدك في الجحر؟ [ويدل على هذا الحذف رواية ابن ماجة ولفظه: ثم قال: "لعلك أتبعت يدك في الجحر"] (¬1) قلت: لا. ولعل هذِه لغة في أهوى يده وبيده إلى الشيء ليأخذه بمعنى مدها نحوه وأمالها إليه، حكاه في "النهاية" (¬2). أو: هو من هوى بفتح الواو إذا سقط أي: أهبط يده إلى الجحر ليأخذه (¬3). ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) "النهاية" 5/ 665. (¬3) انظر: "مختار الصحاح" (ص 705).

(قال: لا) وسؤاله - صلى الله عليه وسلم - للمقداد عن إدخال يده في الجحر عقب استفتائه عن حكم صدقة الذهب يدل بالالتزام على أن إدخال اليد علة لوجوب الصدقة، فإن كان أدخل يده في الجحر وجبت الزكاة، وإن لم يكن أدخلها لم تجب، فلما أخبره أنه لم يدخل يده، قال له: "ارجع بها لا صدقة فيها" كما في رواية ابن ماجة، والمعنى: لا صدقة فيها؛ لأنك لم تدخل يدك في الجحر لإخراجه، وهذا آخر مسالك العلة المسمى بالإيماء والتنبيه (¬1) ونظيره: "أينقص الرطب إذا جف؟ " قال: نعم. قال: "فلا إذًا" (¬2). فإن قيل: ذهب القاضي أبو حامد المروزي والإمام الرازي وغيره كما قال الشيخ أبو إسحاق في "التبصرة" إلى أنه لا يجوز تعليل الحكم الوجودي بالعدمي، وقولكم هنا: سقط وجوب صدقة الذهب لعدم إدخال اليد وعدم إدخال: عدم، فلا يكون علة لحكم السقوط. فالجواب: أن هذا ليس من هذا الباب، بل هذا من تعليل الحكم العدمي بالوصف العدمي، وهو جائز بلا خلاف، وتقديره عدم الصدقة في الدنانير (¬3) عدم إدخال اليد. مع أن الذي عليه أكثر المتقدمين منهم القاضي أبو بكر الطيب والشيخ أبو إسحاق وأبو الوليد الباجي إلى جواز تعليل الوجودي بالعدمي؛ لأنه لا معنى للعلة إلا المُعَرِّف، وهو غير منافٍ للعدم، ومثاله علة تحريم متروك التسمية عدم ذكر اسم الله (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: "الإحكام" للآمدي 3/ 72. (¬2) سيأتي برقم (3359). (¬3) في الأصل: (الدنيا). ولعل المثبت هو الصواب. (¬4) انظر: "البحر المحيط" للزركشي 4/ 134، و"الإبهاج" 3/ 148، و"الإحكام" 3/ 229، و"المحصول" للرازي 5/ 438 و"نهاية السول" 2/ 297.

ويؤخذ من ذكر هذِه العلة التي جعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - علة أنه لو أدخل يده في الجحر وأخرج الدنانير منه لكان ركازًا يجب فيه الخمس، ولكان فيه دليل على أن الركاز لا يشترط فيه النصاب؛ لأن الثمانية عشر دينارًا دون النصاب. (فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: بارك الله) تعالى (لك فيها) قال الخطابي: هو محمول على بيان الأمر في اللقطة إذا عُرِّفَتْ سنة، فلم تُعْرَفْ كانت لآخذها (¬1). قلت: وهذا الاحتمال بعيد، وأقرب منه أن يحمل على صحة الاكتفاء بأصل التعريف مرّة واحدة في هذِه الصورة، فإنه لما سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن حكمها بحضرة الصحابة وعلى رؤوس أشهادهم، وعرفوا أنه التقطها كما قال: من الخربة، ولم يعرفها أحد ولا عرف صاحبها، وما وقع بمحضر الصحابة لذكره لها لا يخفى أمره [عن الغائبين] (¬2) فإن هذا الحكم ينقل إلى من يحضر لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامْ -: "ليبلغ الشاهد منكم الغائب" (¬3). فلما لم يعرفها الحاضرون والغائبون كان ذلك كافيًا في التعريف، إذ هو أبلغ من تعريفه إياها عند الخربة سنة. وقد أشار إمام الحرمين إلى الاكتفاء بمثل هذا، فإنه ذكر هذا عقب قوله: لم يصر أحد من الأصحاب إلى إسقاط التعريف، وقد يحمل على أن هذا الموجود في خربة عادته ليست ملكًا لمسلم، فيكون ركازًا، والثمانية عشر دينارًا دون النصاب، فلا صدقة. ويدلى على هذا قول ¬

_ (¬1) "معالم السنن" 3/ 303. (¬2) سقط من (ر). (¬3) أخرجه البخاري (105).

البغوي في "شرح السنة" في الحديث الذي رواه المصنف والنسائي وغيرهما من رواية عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن رجلًا من مزينة قال: يا رسول الله، ما نجد في السبيل العامر من اللقطة؟ قال: "عرفها حولًا". قال: يا رسول الله، ما نجد في الخراب العادي؟ قال: "فيه وفي الركاز الخمس". ثم قال البغوي: إن وجد في الأرض العادية التي لم يجر عليها ملك في الإسلام أنه ركاز يجب فيه الخمس، والباقي للواجد (¬1). وما ذكرناه من الركاز الذي هو دون النصاب لا خمس، وهو على مذهب الشافعي. وله قول بوجوب الخمس فيما دودن النصاب؛ لعموم قوله - عَلَيْهِ السَّلَامْ -: "وفي الركاز الخمس" (¬2). وفي هذا الحديث دليل على أنه يستحب للإمام ونحوه إذا رأى من فعل شيئًا فيه نفعٌ للمسلمين أو لبعضهم أن يدعو له. ووجهه أن المقداد لم يأخذ المال ويأكله على محمل يحمله، بل أتى بالمال إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: خذ منه الصدقة. فلما رأى احتراصه على دينه واهتمامه به دعا له بالبركة وفيه علم من أعلام النبوة، فإنه لما دعا له فيه بالبركة لم يزل ينفق منه في حياته إلى أن مات لما رأى فيه من كثرة البركة. * * * ¬

_ (¬1) "شرح السنة" 8/ 320. (¬2) انظر: "التنبيه" (60) و"الحاوي" 3/ 337 و"المجموع" 6/ 101.

41 - باب نبش القبور العادية يكون فيها المال

41 - باب نَبْشِ القُبُورِ العادِيَّةِ يَكُونُ فِيْهَا المالُ 3088 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِير، حَدَّثَنَا أَبِي سَمِعْتُ مُحَمَّدَ ابْنَ إِسْحاقَ يُحَدِّثُ، عَنْ إِسْماعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ بُجَيْرِ بْنِ أَبي بُجَيْرٍ قالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُول: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ حِينَ خَرَجْنَا مَعَهُ إِلَى الطَّائِفِ فَمَرَرْنا بِقَبْرٍ فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هذا قَبْرُ أَبي رِغالٍ وَكانَ بهَذا الحَرَمِ يَدْفَعُ عَنْهُ، فَلَمَّا خَرَجَ أَصابَتْهُ النِّقْمَةُ التي أَصَابَتْ قَوْمَهُ بهَذَا المَكَان فَدُفِنَ فِيهِ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ دُفِنَ مَعَهُ غُصْنٌ مِنْ ذَهَبٍ، إِنْ أَنْتُمْ نبشْتُمْ عَنْهُ أَصَبْتُمُوهُ مَعَهُ". فابْتَدَرَهُ النَّاسُ فاسْتَخْرَجُوا الغُصْنَ (¬1). * * * باب نبش القبور العادية يكون فيها المال [3088] (حَدَّثَنَا) أبو زكريا (يحيى بن معين) بن عون المري البغدادي إمام المحدثين أصله من قرية من قرى الأنبار شيخ الشيخين (حَدَّثَنَا) عبد الله بن (وهب بن جرير) بن حازم الأزدي (حدثنا أبي) جرير بن حازم رأى جنازة أبي الطفيل (سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن إسماعيل بن أمية) ابن عمرو بن سعيد بن العاص (عن بجير) بضم الموحدة وفتح الجيم (بن أبي بجير) الحجازي سكت عليه المصنف والمنذري ولم يحدث عنه غير إسماعيل (¬2) (قال: سمعت عبد الله بن عمرو) بن العاص وهذا الحديث لم ¬

_ (¬1) رواه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 9/ 371 - 372 (3753 - 3754)، والبيهقي 4/ 156، وابن عبد البر في "التمهيد" 13/ 145 - 146. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (555). (¬2) "تهذيب الكمال" 4/ 9.

يروه من الستة غير المصنف. (يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول حين خرجنا معه إلى) غزوة (الطائف) قال البيهقي؛ ذكر بعض أهل السير أن الدمون بن الصدف (¬1) أصاب دماء بقومه فلحق بثقيف فأقام فيهم وقال لهم: ألا أبني لكم حائطًا تطيف ببلادكم، فبناه فسمي به الطائف، وذكر بعض المفسرين في قوله تعالى: {فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19)} (¬2) قال: كان الطائف جبريل اقتلعها من موقعها فأصبحت كالصريم، ثم سار بها إلى مكة فطاف بها حول البيت، ثم أنزلها حيث الطائف اليوم فسميت بذلك. وكانت تلك الجَنَّة بصوران على فراسخ من صنعاء، ومن ثم كان الماء والشجر بالطائف دون ما حولها. وكانت قصة أصحاب الجَنَّة بعد عيسى عَلَيْهِ السَّلَامْ - بيسير (¬3). وغزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "الطائف بعد منصرفه بحنين في شوال سنة ثمان من الهجرة وقاتل في هذِه الغزوة بنفسه. (فمررنا بقبر فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هذا قبر أبي رغال) بكسر الراء المهملة بعدها غين معجمة مخففة وقيل: هو أبو ثقيف القبيلة المعروفة. قال السهيلي: روي في "الجامع" أن أبا رغال من ثمود وأنه كان بالحرم حين أصابت قومه الصيحة، فلما خرج أصابه من الهلاك ما ¬

_ (¬1) قال السهيلي في "الروض الأنف" 4/ 248: وَاسْمُ الصَّدَفِ: مَلَكُ بْنُ مَالِكِ بْنِ مُرَتّعِ ابْنِ كِنْدَةَ مِنْ حَضْرَمَوْتَ أَصَابَ دَمًا مِنْ قَوْمِهِ فَلَحِقَ بِثَقِيفٍ فَأَقَامَ فِيهِمْ، وَقَالَ لَهُمْ: أَلَا أَبْنِي لَكُمْ حَائِطًا يُطِيفُ بِبَلَدِكُمْ فَبَنَاهُ فَسُمِّيَ بِهِ الطّائِفُ، ذَكَرَهُ البَكْرِيّ هَكَذَا قَالَ: وَإِنّمَا هُوَ الدّمُونُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ دَهْقَلٍ وَهُوَ مِنْ الصّدَفِ. (¬2) القلم: 19. (¬3) "البحر المحيط" لأبي حيان 8/ 306.

أصاب قومه فدفن هناك معه غصنان من ذهب (¬1). وقال القرطبي وغيره من المفسرين: أن أبرهة لما مر بالطائف خرج إليه مسعود بن معتب [فقال: ] (¬2) نحن نبعث معك من يدلك على الحرم فبعث معه أبا رغال حتى أنزله المغمس، فلما أنزله بها مات أبو رغال هناك فرجمت العرب قبره، فهو القبر الذي يرجم الناس بالمغمس، وفيه يقول جرير أو غيره: وأرجم قبره في كل عام ... كرجم الناس قبر أبي رغال (¬3) كذا أنشده القرطبي، وأنشده السهيلي بلفظ: إذا مات الفرزدق فارجموه ... كرجمكم لقبر أبي رغال (¬4) (وكان بهذا الحرم) أي: حرم الله، يعني: في طرفه وهو الموضع الذي ربض فيه فيل أبرهة (يدفع) حرم الله (عنه) العذاب الذي أنزله الله على ثمود أو على أبرهة (فلما خرج) من الحرم (أصابته النقمة) أي الصيحة كما تقدم كذا للسهيلي وغيره (التي أصابت قومه) قوم ثمود (بهذا المكان) يعني المغمس بكسر الميم (¬5) (فدفن فيه وآية ذلك أنه ¬

_ (¬1) "الروض الأنف" 1/ 116، وانظر: "التمهيد" 13/ 146، و"شرح أبي داود" للعيني 2/ 354، و"شرح السنة" للبغوي 5/ 392. (¬2) زيادة يقتضيها السياق. (¬3) "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 20/ 188. (¬4) الروض الأنف" 1/ 116، "ديوان جرير" 342. (¬5) قال البكري في "معجم ما استعجم" 4/ 1248: المغمس بضم وفتح ثانيه بعده ميم =

دفن معه غصن) لعله على هيئة غصن الشجر وهو أحد أطراف الشجرة (¬1) (من ذهب) وتقدم عن السهيلي أنه دفن معه غصنان وأراهم النبي - صلى الله عليه وسلم - قبره وقال لهم: (إن أنتم نبشتم عنه) قبره (أصبتموه معه) في قبره (فابتدره الناس) بأسيافهم وحفروا عنه، وروي [ ... .] (¬2) لفظ عبد الرزاق (¬3) عن معمر مرسلًا: فبحثوا عنه بأسيافهم. (فاستخرجوا) منه (الغصن) الذي ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم. قال الخطابي: هذا سبيله سبيل الركاز؛ لأنه مال من دفين الجاهلية، يعني: ثمود أو غيرهم، فلا يعلم مالكه وكان أبو رغال من بقية قوم أهلكهم الله تعالى فلم يبق منهم نسل ولا عقب، فصار حكم ذلك حكم الركاز، انتهى (¬4). ولم يأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بإخراج الخمس منه؛ لأنه على أحد قولي الشافعي يصرف إلى أهل الخمس المذكورين في آية الفيء وهم في جهاد يتصرف فيه الإمام؛ لأنه مال جاهل حصل الظفر به بإعلام النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير إيجاف خيل ولا ركاب. ¬

_ = أخرى مشددة مكسورة وسين مهملة موضع في طرف الحرم، وهو الموضع الذي ربض فيه الفيل حين جاء به أبرهة فجعلوا ينخسونه بالحراب فلا ينبعث حتى بعث الله عليهم طيرًا أبابيل فأهلكتهم. (¬1) انظر: "النهاية" 3/ 688. (¬2) كلمة غير واضحة بالأصل. (¬3) "مصنف عبد الرزاق" 11/ 454 ولفظه: فابتدره القوم فبحثوا عنه حتى استخرجوا الغصن. (¬4) "معالم السنن" 3/ 304.

وفي الحديث دليل على جواز نبش قبور المشركين العادية إذا كان فيها المال كما بوب عليه المصنف بعدم حرمته، ولأن في تركه إضاعة المال [وكذا ينبش الميت إذا دفن مع الميت المسلم مال] (¬1) ويقتضي إطلاق أصحابنا أنه لا فرق بين أن يطلب المال صاحبه أم لا أما لو بلع الميت مالا لنفسه فإنه لا ينبش على الأصح (¬2). * * * وهذا آخر كتاب الخراج والإمارة والحمد لله وصلى الله على محمد الذي اصطفاه من البرية واجتباه * * * ¬

_ (¬1) من (ل). (¬2) انظر: "شرح أبي داود" للعيني 2/ 355، و"فتح الباري" لابن رجب 2/ 414.

كتاب الجنائز

كِتَابُ الجَنَائِزِ

1 - باب الأمراض المكفرة للذنوب

كِتَابُ الجَنَائِزِ 1 - باب الأَمْراضِ المُكَفِّرِةُ لِلذُّنُوبِ 3089 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ محَمَّدٍ النُّفَيْليُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ قالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشّامِ يُقالُ لَهُ: أَبُو مَنْظُورٍ، عَنْ عَمِّهِ قالَ: حَدَّثَنِي عَمّي، عَنْ عامِرٍ الرّامِ أَخي الخُضْرِ - قالَ أَبُو داوُدَ: قالَ النُّفَيْليُّ: هُوَ الخُضْرُ ولكن كَذا قالَ - قال: إِنِّي لَبِبِلادِنا إِذْ رُفِعَتْ لَنَا رَاياتٌ وَأَلْوِيةٌ فَقُلْتُ: ما هذا؟ قالُوا: هذا لِواءُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ تَحْتَ شَجَرَةٍ قَدْ بُسِطَ لَهُ كِسَاءٌ وَهُوَ جالِسٌ عَلَيْهِ وَقَدِ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَصْحابُهُ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِمْ فَذَكَرَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - "الأسقامَ فَقالَ: "إِنَّ المُؤْمِنَ إِذا أَصابَهُ السَّقَمُ ثُمَّ أَعْفَاهُ اللهُ مِنْهُ كانَ كَفَّارَةً لِمَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِ وَمَوْعِظَةً لَهُ فِيما يَسْتَقْبِلُ وَإِنَّ المُنَافِقَ إِذا مَرِضَ ثُمَّ أُعْفِيَ كَانَ كَالبَعِيرِ عَقَلَهُ أَهْلُهُ ثُمَّ أَرْسَلُوهُ فَلَمْ يَدْرِ لِمَ عَقَلُوهُ وَلَمْ يَدْرِ لِمَ أَرْسَلُوهُ" .. فَقالَ رَجُلٌ مِمَّنْ حَوْلَهُ: يا رَسُولَ اللهِ وَما الأسقامُ والله ما مَرِضْتُ قَطُّ. فَقالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قُمْ عَنَّا فَلَسْتَ مِنَّا" .. فَبَيْنا نَحْنُ عِنْدَهُ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ عَلَيْهِ كِساءٌ وَفي يَدِهِ شَيْءٌ قَدِ التَفَّ عَلَيْهِ فَقال: يا رَسُولَ اللهِ إِنِّي لَمَّا رَأَيْتكَ أَقْبَلْتُ إِلَيْكَ فَمَرَرْت بِغَيْضَةِ شَجَرٍ فَسَمِعْت فِيهَا أَصْواتَ فِراخِ طائِرٍ فَأَخَذْتُهُنَّ فَوَضَعْتُهنَّ في كِسَائِي فَجاءَتْ أُمُّهُنَّ فاسْتَدارَتْ عَلَى رَأْسي فَكَشَفْتُ لَهَا عَنْهُنَّ فَوَقَعَتْ عَلَيْهِنَّ مَعَهُنَّ فَلَفَفْتهنَّ بِكِسَائي فَهُنَّ أُولاءِ مَعي. قالَ: "ضَعْهُنَّ عَنْكَ" .. فَوَضَعْتهُنَّ وَأَبَتْ أفُّهُنَّ إِلَّا لُزُومَهُنَّ فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَصْحَابِهِ:

"أَتَعْجَبُونَ لِرُحْمِ أُمِّ الأَفْراخِ فِراخَها" .. قالُوا: نَعَمْ يا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قالَ: "فَوالَّذي بَعَثَنِي بِالحَقِّ لله أَرْحَمُ بِعِبادِهِ مِنْ أُمِّ الأفْراخِ بِفِراخِها ارْجِعْ بِهِنَّ حَتَّى تَضَعَهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَذْتَهُنَّ وَأُمُّهُنَّ مَعَهُنَّ" .. فَرَجَعَ بِهِنَّ (¬1). 3090 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْليُّ وِابْراهِيمُ بْن مَهْديٍّ الِمصِّيصيُّ - المَعْنَى - قالا: حَدَّثَنَا أَبُو المَلِيحِ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ خالِدٍ - قالَ أَبُو داوُدَ: قالَ إِبْراهِيمُ بْنُ مَهْديٍّ: السُّلَميُّ - عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ وَكانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُول: "إِنَّ العَبْدَ إِذا سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللهِ مَنْزِلَة لَمْ يَبْلُغْها بعَمَلِهِ ابْتَلاهُ اللهُ في جَسَدِهِ أَوْ في مالِهِ أَوْ في وَلَدِهِ" .. قالَ أَبُو داوُدَ: زادَ ابن نُفَيْلٍ: "ثُمَّ صَبَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ" .. ثمَّ اتَّفَقَا: "حَتَّى يُبْلِغَهُ المَنْزِلَةَ التي سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللهِ تَعالَى" (¬2). * * * كِتَابُ الجَنَائِزِ باب الأمراض المكفرة للذنوب [3089] (حَدَّثَنَا عبد الله بن محمد النفيلي، حَدَّثَنَا محمد بن سلمة) بن عبد الله الباهلي، روى له مسلم، وثقه النسائي وله فضل ورواية وفتوى (¬3) (عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني رجل من أهل الشام يقال له: أبو ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي الدنيا في "المرض والكفارات" (196)، والبيهقي في "الشعب" (6728). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (556). (¬2) رواه أحمد 5/ 272، وابن سعد 7/ 477، وأبو يعلى (923)، والدولابي في "الكنى والأسماء" 1/ 27، والطبراني 22/ 318 (801)، والبيهقي 3/ 374. صححه لغيره الألباني في "صحيح الترغيب" (3409). (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 290 - 291.

منظور، عن عمه، قال: حدثني عمي، عن عامر) أبي رميلة (الرامي) بياء بعد الميم، ويقال بحذف الياء وهو الأكثر (أخي الخُضْر) بضم الخاء وإسكان الضاد المعجمتين (قال أبو داود: قال النفيلي: هو الخُضر [ولكن كذا قال]) (¬1) والخضر، -يعني: بضم الخاء وسكون الضاد المعجمتين ثم راء- هو مالك بن طريف بن خلف بن محارب (¬2)، وكان آدم فسمى ولده الخضر. حيٌ من بني محارب بن خصفة - بالخاء المعجمة - ابن قيس عيلان، له صحبة وحديث، قاله ابن إسحاق. وكان عامرٌ من أرمى العرب (¬3). (قال: إني لَبِبِلادنا) بكسر الباء الأولى يعني: إني لفي بلادنا، أي: في بلاد محارب (إذ رفعت لنا راياتٌ وألوية) وهي دون الأعلام والبنود (فقلتُ: ما هذا؟ قالوا: هذا لواء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتيته وهو تحت شجرة قد بُسِطَ له كساء) تحته (وهو جالسٌ عليه) فيه [إكرام] (¬4) العالم والأمير ونحوهما بأن يفرش تحته ما يجلس عليه من بساط أو ثوب أو رداء ونحو ذلك ليَقيه من الأرض وليتبرك بجلوسه عليه. (وقد اجتمع إليه أصحابه، فجلست إليهم، فذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأسقام) والأمراض (فقال: إن المؤمن إذا أصابه السُّقم) السُّقْمُ والسَّقَمُ بفتحهما، لغتان كالحزن والحزن، يعني: المرض وما في معناه (ثم ¬

_ (¬1) سقط من الأصل واستدركناه من المطبوع. (¬2) بياض با لأصل، والمثبت من "المؤتلف والمختلف" 2/ 833. (¬3) "أسد الغابة" 3/ 118، "الإصابة" 3/ 491. (¬4) ساقطة من الأصول، وبها يستقيم المعنى.

أعفاه) وعافاه (الله) تعالى (منه كان كفارةً) بالنصب الما مضى من ذنوبه، وموعظةً) أي: واعظا اله فيما يستقبل) من الزمان؛ لأنه يحصل له تنبيه واعتبار بخلاف المنافق فإنه لا يتوب فلا يفيده مرضه في الماضي ولا في المستقبل (وإن المنافق إذا مرض ثم أُعفِيَ) بضم الهمزة وكسر الفاء أي: عافاه الله تعالى منه (كان كالبعير عَقَلَهُ أهلُه) بعقالٍ (ثم أرسلوه) أي: أطلقوه من عقاله (فلم يدر لم) أي: لأي شيء (عقلوه ولم يدر لم أرسلوه) منه، فهو لا يتذكر الموت ولا يتعظ مما حصل له ولا يستيقظ من غفلته؛ لأن قلبه بحب الدنيا مشغول وبشهواتها ولذاتها مشغوف فلا ينجع فيه سبب الموت ولا يذكره حسرة الفوت. (فقال رجل ممن حوله: يا رسول الله، وما الأسقام؟ والله ما مرضتُ قط فقال) له (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قم عنا فلست منا) أي: لست على طريقتنا وعادتنا، فإن المؤمنين يصابون ويبتلون ويمرضون ويعافون. (فبينا نحن عنده إذ أقبل رجل عليه كساء، وفي يده شيء قد التف عليه) يعني: بعض الكساء الذي هو لابسه (فقال: يا رسول الله إني لما رأيتك أقبلتُ) بضم تاء المخاطب، يعني: إليك (فمررت بغيضة) بغين وضاد معجمتين (شجر) (¬1) وهي الأجمة وهي بعض ما يجتمع فيه الماء فينبت فيه الشجر، والجمع غياض (¬2) من قوله تعالى: {وَغِيضَ المَاءُ} (¬3). (فسمعت فيها أصوات فراخ طائر فأخذتهن فوضعتهن في كسائي ¬

_ (¬1) بياض في الأصل والمثبت من المطبوع. (¬2) "الصحاح" غيض 3/ 1097. (¬3) هود: 44.

فجاءت أُمُّهُنَّ فاستدارت على رأسي، فكشفت لها عنهن (¬1) فوقعت عليهن معهن، فَلَفَفْتُهُن) بفتح الفاء الأولى المخففة وتُشَدد للمبالغة (بكسائي وَهُنَّ أُولاء) بالمد وهو لغة أهل الحجاز، والقصرُ لغة تميم، ووزن المقصور والممدود عند أبي إسحاق فُعَل (¬2) بضم الهمزة كأنه يرى أن المقصورَ أصلٌ والممدود إشباع، وهو اسم إشارة للجمع مطلقًا، سواء كان مذكرًا أو مؤنثًا لمن يعقل ولمن لا يعقل. ويجوز أن يكون اسم موصول والتقدير: هن اللائي (معي فقال: ضعهن عنك فوضعتهن، وأبت أمهن إلا لزومَهن) بالنصب. (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: أتعجبون لرُحم) بضم الراء بمعنى الرحمة، ومنه: مكة أم رحم (¬3) (أم الفراخ بولدها؟ (¬4) فقالوا) له: (نعم يا رسول الله، قال: فوالذي بعثني بالحق لله) هذا هو المشهور، أعني: مساواة لام الجر بلام الابتداء في رسم هذِه الكلمة، ورجح بعضهم (لا الله) (¬5) لسقوط همزة الوصل أيضًا (¬6) مع لام الابتداء كما هنا فرقا بينها وبين لام الجر (أرحم بعباده من أم الأفراخ بفراخها) (¬7) فيه بشارة عظيمة لعظم رحمة الله بعباده ولا سيما مع الرحماء (¬8) (ارجع بهن ¬

_ (¬1) سقط من الأصل والمثبت من المطبوع. (¬2) قال في "همع الهوامع" 1/ 296: وعند أبي إسحاق فعل كهدى. (¬3) انظر: "صحيح البخاري" قبل حديث (4727). (¬4) في المطبوع: فراخها. (¬5) كذا رسمت في الأصل، وغير واضحة في غيرها. (¬6) كذا تقرأ بالأصل، وغير واضحة في (ل)، وساقطة من (ر). (¬7) ورد بعدها في الأصل: نسخة: أفراخها. (¬8) في الأصل: بالرحماء.

حتى تضعهن من حيث أخذتهن وأمهن) بالنصب عطفا على ما قبلها (معهن [فرجع بهن]) (¬1) فيه الترغيب في الشفقة على خلق الله تعالى من الرعية والأولاد والعبيد والدواب والطيور وغيرهم. وقد يؤخذ من هذا الحديث عموم قوله عَلَيْهِ السَّلَامْ -: "من فَرَّقَ بين الوالدة وولدها" (¬2) وأنه لا يختص بالآدميين. وفيه أن من تعدى بأخذ ما لا يجوز أخذه فعليه مؤنة رده ونقله إلى مكانه بنفسه أو بأجرة وغيرها. وفيه أن الأفضل أن يرد بنفسه حيث لا عذر، فإن حصل عذر يستنيب في رده إلى موضعه. [3090] (حَدَّثَنَا عبد الله بن محمد النفيلي، وإبراهيم بن مهدي المصيصي) وثقه أبو حاتم (¬3) (المعنى قالا: حَدَّثَنَا أبو المليح) (¬4) الحسن ابن عمرو، الرقي (عن محمد بن خالد) السلمي. (قال أبو داود: قال إبراهيم بن مهدي: ) رواه محمد بن خالد (اللمي) بضم السين (عن أبيه) خالد (عن جده) وهو مجهول (وكانت له صحبة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) قال المنذري (¬5): هذا الحديث رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في "الكبير" و"الأوسط" (¬6). ومحمد بن خالد لم يرو عنه غير أبي المليح الرقي، ولم يرو عن خالد إلا ابنه محمد (قال: سمعت ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، واستدركناه من المطبوع. (¬2) رواه الترمذي (1283) من حديث أبي أيوب. (¬3) "الجرح والتعديل" 2/ 138 - 139. (¬4) في (ع): الشيخ. والمثبت من المطبوع. (¬5) انظر: "الترغيب والترهيب" (4/ 143/ ح 5167). (¬6) "مسند أحمد" 5/ 272، "مسند أبي يعلى" 2/ 224 (923)، "المعجم الكبير" 22/ 318 (801)، "المعجم الأوسط" 2/ 17 (1085).

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن العبد إذا سبقت له من الله منزلةٌ) يعني: في الجَنَّة (لم يبلغها بعمله ابتلاه الله تعالى في جسده، أو في ماله، أو في ولده) أو ولد ولده. (قال أبو داود: زاد) عبد الله بن محمد (ابن نفيل: ثم صبَّره على ذلك ثم اتفقا) يعني: النفيلي وابن مهدي فيما بعد (حتى يُبَلِّغَهُ) بتشديد اللام (المنزل) الرفيعة (التي سبقت له من الله - عَزَّ وَجَلَّ -) على تبليغه الله المنازل العالية في الجَنَّة التي سبقت له في علم الله تعالى من السعادة. * * *

2 - باب إذا كان الرجل يعمل عملا صالحا فشغله عنه مرض أو سفر

2 - باب إذا كانَ الرَّجُلُ يَعْمَلُ عَمَلًا صالِحًا فَشَغَلَهُ عَنْهُ مَرَضٌ أَوْ سَفَرٌ 3091 - حَدَّثَنَا محَمَّدُ بْنُ عِيسَى وَمُسَدَّدٌ - المَعْنَى - قالا: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ العَوّامِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّكْسَكيِّ، عَنْ أَبي بُرْدَةَ، عَنْ أَبي مُوسَى قالَ: سَمِعْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - غَيْرَ مَرَّة وَلا مَرَّتَينِ يَقول: "إِذا كانَ العَبْدُ يَعْمَلُ عَمَلًا صالِحًا فَشَغَلَهُ عَنْهُ مَرَضٌ أَوْ سَفَرٌ كُتِبَ لَهُ كَصالِحِ ما كَانَ يَعْمَلُ وَهُوَ صَحِيحٌ مُقِيمٌ" (¬1). * * * باب إذا كان الرجل يعمل عملا صالحا فشغله عنه مرض أو سفر [3091] (حَدَّثَنَا محمد بن عيسى) بن نجيح البغدادي، روى عنه البخاري تعليقا (¬2) (ومسدد، المعنى، قالا: حَدَّثَنَا هشيم) بن بشير الواسطي الحافظ (عن العوام بن حوشب) بفتح المهملة والمعجمة الواسطي أحد الأعلام (عن إبراهيم بن عبد الرحمن السُّكسُكي) بضم السينين (عن أبي بردة) عامر [بن عبد الله] (¬3) بن قيس الأشعري الصحابي [ابن] (¬4) أبي موسى (عن أبي موسى) الأشعري -رضي الله عنه-. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2996). (¬2) انظر: "صحيح البخاري" (1769، 6072). (¬3) ساقطة من النسخ، ولعله وهم من المصنف لاتفاقهما في الاسم والكنية، والمثبت من مصادر الترجمة. (¬4) في النسخ: (أخو) والمثبت هو الصواب، وانظر: "تهذيب الكمال" 33/ 66.

(قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول) قولًا (غير) بالنصب صفة لمحذوف (مرّة ولا مرتين: إذا كان العبد يعمل عملًا صالحًا) قال ابن عباس: أي: عمل عملا الطاعة فيما بينه وبين الله تعالى (فشغله عن ذلك مرض أو سفر) ينبغي أن يقيد بأن يكون السفر غير معصية، ويقيد المرض فيما إذا صبر فيه واحتسب. وفي معناهما ما إذا حبسه عذر من الأعذار المسقطة للجمعة والجماعة وصلى الصلاة في بيته كتب عنه أجر صلاة الجماعة. (كتب له كصالح ما كان يعمل وهو صحيح مقيم) رواية البخاري: "إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا" (¬1). رواية الإمام أحمد: "قيل للملك الموكل به: أكتب له مثل عمله" (¬2). وفي رواية له: "قال للملك: اكتب صالح عمله الذي كان يعمل" (¬3). * * * ¬

_ (¬1) البخاري (2996). (¬2) "مسند أحمد" 2/ 203 من حديث ابن عمرو. (¬3) "مسند أحمد" 3/ 148 من حديث أنس.

3 - باب عيادة النساء

3 - باب عِيادَةِ النِّساءِ 3092 - حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ، عَنْ أَبِي عَوانَةَ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أُمِّ العَلاءِ قالَتْ: عادَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا مَرِيضَةٌ فَقَالَ: "أَبْشِري يَا أُمَّ العَلَاءِ فَإِنَّ مَرَضَ المُسْلِمِ يُذْهِبُ اللهُ بِهِ خَطاياهُ كَما تُذْهِبُ النَّارُ خَبَثَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ" (¬1). 3093 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى ح وَحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عُثْمانُ ابْنُ عُمَرَ - قالَ أَبُو داوُدَ: وهذا لَفْظُ ابن بَشَّارٍ - عَنْ أَبِي عامِرٍ الَخزَّازِ، عَنِ ابن أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ إِنِّي لأَعْلَمُ أَشَدَّ آيَةٍ في القُرْآنِ قالَ: "أَيَّةُ آيَةٍ يا عائِشَةُ" .. قالَتْ: قَوْلُ اللهِ تَعالَى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} قالَ: "أَمَا عَلِمْتِ يا عائِشَةُ أَنَّ المُؤْمِنَ تُصِيبُهُ النَّكْبَةُ أَوِ الشَّوْكَةُ فَيُكَافَأُ بِأَسْوَإِ عَمَلِهِ وَمَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ" .. قالَتْ: أَلَيْسَ اللهُ يَقُولُ: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8)} قالَ: "ذَاكُمُ العَرْضُ يا عائِشَةُ مَنْ نُوقِشَ الحِسابَ عُذِّبَ". قالَ أَبُو داوُدَ: وهذا لَفْظُ ابن بَشَّارٍ قالَ: أَخْبَرَنَا ابن أَبِي مُلَيْكَةَ (¬2). * * * باب عيادة النساء [3092] (حَدَّثَنَا سهل بن بكار) الدارمي شيخ البخاري (عن أبي عَوَانة) لعله الوضاح اليشكري (¬3) (عن عبد الملك بن عُمير) بالتصغير الكوفي (عن أم العلاء) الأنصارية أم خارجة بن زيد، وعبد الملك بن ¬

_ (¬1) رواه عبد بن حميد (1564)، والطبراني 25/ 141 (340)، وأبو نعيم في "المعرفة" (7995). صححه الألباني في "الصحيحة" "714". (¬2) رواه مختصرا البخاري (103)، ومسلم (2876). وشطره الأول ليس فيهما. (¬3) بل هو جزمًا.

زيد، وهي من المبايعات، وهي عمة [حزام بن] (¬1) حكيم بن حزام (¬2). (قالت: عادني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا مريضة) فيه عيادة الرجال للنساء حيث يجوز اجتماعهم بهن (فقال: أبشري) بفتح الهمزة (يا أم العلاء، فإنَّ مَرَضَ المسلم) فيه أن الكافر إذا مرض أو أصيب بمصيبة لا يثاب عليها ولا يكفر عنه به شيء (يُذهِبُ) بضم أوله وكسر ثالثه (الله) عنه (به خطاياه كما تُذهِبُ النارُ خَبَثَ الذهب والفضة) أي: إذا صبر عليه واحتسبه عند الله تعالى. ووجهه والله أعلم أن العبد يمتحن بما يصيبه من الأمراض وغيرها كما يمتحن الذهب والفضة بالنار، فإن صبر كما يصبر الذهب والفضة على النار خرجت عنه خطاياه كما يخرج الخبث منهما بالنار. [3093] (حَدَّثَنَا مسدد، حَدَّثَنَا يحيى) بن سعيد (ح وحَدَّثَنَا محمد بن بشار، وهذا لفظ ابن بشار، قال: حَدَّثَنَا عثمان بن عمر) ابن فارس العبدي (قال أبو داود) سليمان بن داود الطيالسي (¬3) (عن أبي عامر) صالح بن رستم (الخزاز) بخاء معجمة وزاي مكررة. قال (أبو داود الطيالسي) (¬4) وأبو داود السجستاني (¬5): ثقة. ¬

_ (¬1) من "تهذيب الكمال" 35/ 376. (¬2) قال الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب" 12/ 423: لكن سياق الحديث عن عبد الملك بن عمير عن امرأة منهم يقال لها: أم العلاء وعبد الملك لخمي فالظاهر أن صاحبة الترجمة لخمية وهي غير عمة حزام بن حكيم فالله تعالى أعلم. (¬3) الصواب أنه أبو داود السجستاني. (¬4) تكررت في (ل). (¬5) في النسخ: السختياني. وهو خطأ.

قال ابن عدي: لم أر له حديثًا منكرًا جدًّا (¬1) (عن) عبد الله بن عبيد الله (بن أبي مليكة، عن عائشة) رضي الله عنها (قالت: قلت: يا رسول الله، إني لأعلم أشدَّ آيةِ في كتاب الله) وقد روي أن هذِه الآية لما نزلت شق ذلك على كثير من الصحابة (قال: أيةُ آية يا عائشة؟ قالت) هي (قول الله عز وجل: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}) روى أبو بكر ابن مردويه بسنده عن أبي بكر الصديق قال: كنت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فنزلت هذِه الآية {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا أبا بكر هل أقرئك آية نزلت عليَّ؟ ". قلت: بلى يا رسول الله. فأقرأنيها، فلا أعلم إلا أني وجدت انقصاما في ظهري حتى تمطأت لها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما لك يا أبا بكر؟ " قلت: بأبي أنت (¬2) وأمي يا رسول الله، وأينا لم يعمل السوء، وإنا لمجزيُّون بكل سوء عملناه؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أما أنت وأصحابك يا أبا بكر المؤمنون فتجزون (¬3) بذلك في الدنيا، حتى تلقوا الله وليس لكم ذنوب، وأما الآخرون فيجمع لهم ذلك حتى يجزوا به يوم القيامة" (¬4). وِرواه الترمذي أيضًا لكن في سند ابن مردويه موسى بن عبيدة وهو يضعف ومولى ابن سباع مجهول (¬5). (قال: أما علمت يا عائشة أن المؤمن تصيبه النَّكْبة) بفتح النون هي مثل العثرة تدمى منها الرجل (أو الشوكة) فيحاسب أي: على جميع ما عمل ¬

_ (¬1) "الكامل" 5/ 111. (¬2) سقط من الأصل والمثبت من "تفسير ابن كثير". (¬3) في الأصل: فتجزوا. والمثبت من التفسير. (¬4) رواه ابن مردويه في "تفسيره" كما في "تفسير ابن كثير" 2/ 418 - 419. (¬5) هما في "سنن الترمذي" أيضًا بل هذا كلامه فيهما في "السنن" (3039).

في الدنيا (فيكافأ) بهمزة آخره أي: يجازى (بأسوأ عمله) فيه أن الآية نزلت في المسلمين وأنها عامة في الحسنات والسيئات كما قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} (¬1) وإذا حوسب كفر عنه من سيئاته بكل ما يصيب المسلم من بلية أو شوكة كما في الحديث، وبالمرض والحزن واللأواء كما رواه أحمد (¬2) وابن حبان في "صحيحه" (¬3) وبالحمى، والبضاعة يضعها في كمه [فيفقدها] (¬4) فيفزع لها فيجدها في ضبنه (¬5) كما رواه أبو داود الطيالسي (¬6) وبالصداع بالرأس كما في رواية أحمد (¬7). (ومن حوسب عذب) رواية مسلم (¬8): "من نوقش الحساب" أي: من استقصي عليه عذب. قال النووي: له معنيان: أحدهما: أن نفس المناقشة وعرض الذنوب والتوقيف عليها هو التعذيب لما فيه من التوبيخ. والثاني: أنه مفض إلى العذاب بالنار، ويؤيده قوله في الرواية الأخرى: "هلك" مكان "عذب" وهذا الثاني هو الصحيح، ومعناه: أن التقصير غالب في العباد، فمن استقصي عليه ولم يسامح هلك ودخل النار، ولكن الله تعالى يعفو ويغفر ما دون الشرك لمن يشاء (¬9). ¬

_ (¬1) الزلزلة: 7 - 8. (¬2) "المسند" 1/ 11. (¬3) (2910). (¬4) ليست بالأصل، والمثبت من "مسند الطيالسي". (¬5) في النسخ تشبه: جيبه، والمثبت من "مسند أحمد". (¬6) "مسند أبي داود الطيالسي" 3/ 160 (1689). (¬7) "المسند" 5/ 198. (¬8) "صحيح مسلم (2876). (¬9) "شرح مسلم" للنووي 17/ 208 - 209.

(قالت: أليس يقول الله تعالى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8)}) قالت عائشة: يقرر بذنوبه ثم يتجاوز عنه. وقال الحسن: يجازى بالحسنة ويتجاوز عن السيئة. وعن أنس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يه: "يخرج لابن آدم يوم القيامة ثلاثة دواوين: ديوان فيه العمل الصالح، وديوان فيه ذنوبه، وديوان فيه النعم من الله عليه، فيقول الله لأصغر نعمة: خذي ثمنك من عمله الصالح فيستوعب عمله الصالح، ثم تنحى وتقول: وعزتك ما استوفيت وتبقى الذنوب والنعم وقد ذهب العمل الصالح، فإذا أراد الله أن يرحم عبدا قال: يا عبدي قد ضاعفت لك حسناتك وتجاوزت عن سيئاتك، أحسبه قال: ووهبت لك نعمتي" رواه البزار (¬1). (قال: ذاكم العرض [يا عائشة]) رواية البخاري في تفسير {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} قال: "ذاكِ العرضُ يُعرضون" (¬2) و (من نوقشَ الحساب) هلك، وفي رواية (عذب) وعن عائشة قالت: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اللهم حاسبني حسابا يسيرا" (¬3). وعن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حاسب نفسه في الدنيا هون الله عليه حسابه يوم القيامة" (¬4). المناقشة: الاستقصاء في الحساب، انتقشت منه جميع حقي، ومنه: نقش الشوك من الرِّجل وهو استخراجه (¬5). * * * ¬

_ (¬1) "البحر الزخار" 13/ 99 (6462). (¬2) البخاري (4939). (¬3) رواه أحمد 40/ 260. (¬4) انظر: "المحرر الوجيز" لابن عطية 5/ 429 فلم أقف على الحديث إلا عنده. (¬5) انظر: "شرح السنة" للبغوي 15/ 132.

4 - باب في العيادة

4 - باب في العِيادَةِ 3014 - حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْن يَحْيَى، حَدَّثَنَا محَمَّد بْن سَلَمَةَ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قال: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أبَيٍّ فِي مَرَضِهِ الذي مَاتَ فِيهِ فَلَمّا دَخَلَ عَلَيْهِ عَرَفَ فِيهِ المَوْتَ قالَ: "قَدْ كُنْتُ أَنْهاكَ، عَنْ حُبِّ يَهُودَ" .. قال: فَقَدْ أَبْغَضَهُمْ أَسْعَدُ بْن زُرارَةَ فَمَهْ؟ فَلَمّا ماتَ أَتَاهُ ابنهُ فَقال: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبِي قَدْ ماتَ فَأَعْطِني قَمِيصَكَ أُكَفِّنْهُ فِيهِ. فَنَزَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَمِيصَهُ فَأَعْطْاهُ إِيَّاهُ (¬1). * * * باب في العيادة [3094] (حَدَّثَنَا عبد العزيز بن يحيى) أبو الأصبغ الحراني، ثقة، توفي سنة 235 (حَدَّثَنَا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما - قال: خرج) علينا (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعود عبد الله بن أُبَيّ) ابن سلول رأس المنافقين (في مرضه الذي مات فيه) وفيه عيادة من ارتكب كبيرة ليذكره بالتوبة وهو حب اليهود. (فلما دخل عليه عرف فيه الموت) بالدلالات والأمارات على أنه لا ترجى حياته (قال) له: (قد كنتُ أنهاك عن حب يهود) أي: عن طائفة اليهود ومواددتهم، وفيه دليل على زيارة العدو والمنافق والفاسق وتذكيره لما وقع منه في حال صحته ليتوب إلى الله منها قبل الموت ويختم له بالسعادة. ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 201، والبزار (2571)، والطبراني 1/ 163 (390) والحاكم 1/ 340. وانظر "الضعيفة" (6598).

(فقال: فقد أبغضهم أسعد بن زرارة) بضم الزاي ابن عُدَس - بضم العين المهملة وفتح الدال وبالسين المهملة - الأنصاري الخزرجي شهد العقبة الأولى والثانية ومات (¬1) فيما قيل على رأس ستة أشهر من الهجرة، ظن أنه قال: حب اليهود أنزل بك الموت. فقال: أبغضهم أولُ أصحابك إسلاما ولم يدفع عنه الموت (فمه؟ فلما مات أتاه) أي: أتى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - (ابنُهُ) عبدُ الله من فضلاء الصحابة وخيارهم، شهد بدرا والمشاهد بعدها واستشهد يوم اليمامة (فقال: يا رسول الله، إن عبد الله بن أُبيّ) ولم يقل: أبي ولا والدي (قد مات فأعطني قميصك أُكفِّنه) بالجزم جواب الأمر (فيه) فيه أن من كان والده أو قريبه أو صديقه فاسقًا أو ظالمًا ونحو ذلك ومات أن يسعى له في شيء من آثار الصالحين ليكفن فيه أو يوضع في كفنه ليخفف عنه به العذاب في قبره (فنزع رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قميصه) الذي كان عليه (فأعطاه إياه) وفي البخاري: أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن أبي بعدما أدخل حفرته، فأمر به فأخرج، فوضعه على ركبتيه ونفث عليه من ريقه وألبسه قميصه، وكان كسا عباسا قميصا فيرون أنه ألبسه قميصه مكافأة لما صنع (¬2). * * * ¬

_ (¬1) في النسخ: بايع. والمثبت الصواب كما في "الاستيعاب" 1/ 80. (¬2) "صحيح البخاري (1350).

5 - باب في عيادة الذمي

5 - باب في عيادَةِ الذِّمِّيِّ 3095 - حَدَّثَنَا سُلَيْمانُ بْن حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ -يَعْني: ابن زَيْدٍ- عَنْ ثابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ غُلامًا مِنَ اليَهُودِ كَانَ مَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ: "أَسْلِمْ " .. فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقالَ لَهُ أَبُوهُ: أَطِعْ أَبا القاسِمِ. فَأَسْلَمَ فَقامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَقُولُ: "الحَمْدُ لله الذي أَنْقَذَهُ بِي مِنَ النّارِ" (¬1). * * * باب عيادة الذمي [3095] (حَدَّثَنَا سليمان بن حرب، حَدَّثَنَا حماد بن زيد) الأزدي الأزرق أحد الأعلام أضر وكان يحفظ حديثه كالماء. (عن ثابت) بن أسلم البناني (عن أنس) بن مالك -رضي الله عنه- (أن غلامًا من اليهود كان مرض) وكان يخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في البخاري وبوب عليه في الطب باب عيادة المشرك (¬2)، وبوب عليه في السير (¬3). (فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوده) فيه أن عيادة الذمي المريض جائزة ولا تستحب إلا إذا اقترنت بنوع حرمةٍ للمُعاد من جوارٍ أو قرابة ونحوها، وأشار ابن الصباغ إلى أن عيادة الكافر لا تستحب مطلقًا ولم يتابع عليه (¬4) (فقعد عند رأسه) فيه أنه يستحب لمن عاد مريضًا أن يجلس عند رأسه ويضع يده على رأسه أو على الذي يألمه (¬5) من جسده. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1356). (¬2) (5657). (¬3) لم أجده في الجهاد والسير وإنما في الجنائز (1356). (¬4) انظر: "المجموع شرح المهذب" للنووي 5/ 112. (¬5) هكذا بالأصل ولعل الصواب (يؤلمه).

(فعرض عليه الإسلام) فيه عرض الإسلام على الصبي المميز كما يعرض على البالغ إذا رجي إسلامه (فقال له: أسلم) أي: تسلم، كما قال - صلى الله عليه وسلم - لهرقل في كتابه (¬1). (فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه) وقد عرض النبي - صلى الله عليه وسلم - على ابن صياد الإسلام وهو صبي فقال له: "أتشهد أني رسول الله؟ " (¬2) كما عرض على هذا اليهودي الإسلام؛ لأنه كان يخدمه. وإنما دعاه إلى الإسلام بحضرة أبيه؛ لأن الله تعالى أخذ عليه فرض التبليغ ولا يخاف في الله لومة لائم. وحكى ابن بطال عن ابن القاسم وأشهب: إذا أسلم الصبي الصغير وقد عقل الإسلام فله حكم المسلمين في الصلاة عليه، ويباع على (¬3) النصراني إن ملكه؛ لأن مالكًا قال: لو أسلم من عقل الإسلام ثم بلغ فرجع عنه أجبر عليه (¬4). (فقال له أبوه: أطع أبا القاسم، فأسلم) فيه حجة لمن قال: يصح إسلام الصبي (فقام النبي - صلى الله عليه وسلم -) فيه أنه يستحب لمن عاد مريضًا أن لا يطيل الجلوس عنده لما فيه من إضجاره والتضييق عليه (¬5) ([وهو يقول: ] (¬6) الحمد لله الذي أنقذه بي من النار) قال ابن التين: فيه تعذيب ¬

_ (¬1) رواه البخاري (7). (¬2) رواه البخاري (1354) ومسلم (2924). (¬3) سقط من (ل) والمثبت من (ع) و"شرح ابن بطال". (¬4) انظر: "شرح البخاري" لابن بطال 3/ 341. (¬5) انظر: "المجموع" 5/ 112. (¬6) سقط من (ر).

الصبي إذا لم يسلم إذا عقل (¬1) الكفر (¬2)؛ لقوله: "الحمد لله الذي أنقذه بي (¬3) من النار" انتهى. وقد يستدل به من يقول: إن أولاد المشركين لا يدخلون الجَنَّة، وأنهم معذبون (¬4) في النار على ما عقلوه [من الكفر] (¬5). * * * ¬

_ (¬1) في (ر): عقد. (¬2) انظر: "فتح الباري" 3/ 221. (¬3) ليست في (ع). (¬4) في (ر): يعذبون. (¬5) سقط من (ر).

6 - باب المشي في العيادة

6 - باب المَشْي في العِيادةِ 3096 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْديٍّ، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جابِرٍ قال: كانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُنِي لَيْسَ بِراكِبِ بَغْلٍ وَلا بِزذَوْنٍ (¬1). * * * باب المشي في العيادة [3096] (حَدَّثَنَا أحمد بن حنبل قال: حَدَّثَنَا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان) بن سعيد الثوري (عن محمد بن المنكدر، عن جابر -رضي الله عنه- قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعودني ليس براكبِ بغلٍ ولا برذون) رواية: راكب بغلًا ولا برذونًا (¬2)، هو من الخيل ما ليس بعربي. فيه أن المستحب في عيادة المريض أن يكون ماشيًا؛ لأنه عبادة فأشبه المشي إلى الصلاة، بخلاف الرجوع. * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5664)، ومسلم (1616). (¬2) رواه أحمد 3/ 373.

7 - باب في فضل العيادة على وضوء

7 - باب في فَضْلِ العِيَادَةِ عَلَى وُضُوء 3097 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الطَّائيُّ، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ رَوْحِ بْنِ خُلَيْدٍ، حَدَّثَنَا محَمَّدُ بْن خالِدٍ، حَدَّثَنَا الفَضْلُ بْنُ دَلْهَمٍ الواسِطيُّ، عَنْ ثابِتٍ البُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قال: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ وَعادَ أَخاهُ المُسْلِمَ مُحْتَسِبًا بُوعِدَ مِنْ جَهَنَّمَ مَسِيرَةَ سَبْعِينَ خَرِيفًا" .. قُلْتُ: يا أَبا حَمْزَةَ وَما الخَرِيفُ؟ قال: العامُ. قالَ أَبُو داوُدَ: والَّذي تَفَرَّدَ بِهِ البَصْرِيُّونَ مِنْهُ العِيادَةُ وَهُوَ مُتَوَضِّئُ (¬1). 3098 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا شعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ نافِعٍ، عَنْ عَليٍّ قال: ما مِنْ رَجُلٍ يَعُودُ مَرِيضًا مُمْسِيًا إِلَّا خَرَجَ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ حَتَّى يُصْبِحَ وَكانَ لَهُ خَرِيفًا فِي الجَنَّةِ وَمَنْ أَتَاهُ مُصْبِحًا خَرَجَ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ حَتَّى يُمْسيَ وَكانَ لَهُ خَرِيفًا في الجَنَّةِ (¬2). 3099 - حَدَّثَنَا عُثْمان بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي لَيْلَى، عَنْ عَليٍّ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَعْناهُ لَمْ يَذْكُرِ الَخرِيفَ. قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ مَنْصُورٌ، عَنِ الحَكَمِ أَبي حَفْصٍ كَما رَواهُ شعْبَةُ (¬3). 3100 - حَدَّثَنَا عُثْمان بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ أَبي جَعْفَرٍ عَبْدِ اللهِ بْنِ نافِعٍ قالَ - وَكَانَ نافِعٌ غُلامَ الحَسَنِ بْنِ عَليٍّ - قال: جاءَ أَبُو مُوسَى إِلَى الحَسَنِ بْنِ عَليٍّ يَعُودُهُ. قالَ أَبُو دَاوُدَ: وَساقَ مَعْنَى حَدِيثِ شُعْبَةَ. قالَ أَبُو داوُدَ: أُسْنِدَ هذا، عَن عَليٍّ، عِنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ صَحِيحٍ (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في "الأوسط" (9441). وضعفه الألباني في "الضعيفة" (558). (¬2) رواه الترمذي (969)، وابن ماجة (1442)، وأحمد 1/ 91، مرفوعًا. وصححه الألباني في "الصحيحة" (1367). (¬3) انظر الحديث السابق. (¬4) انظر الحديث السابق.

باب فضل العيادة [3097] (حَدَّثَنَا محمد بن عوف) بن سفيان (الطائي) الحمصي، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: ما (¬1) كان بالشام منذ أربعين سنة مثله، قال ابن عدي: هو عالم (¬2) بحديث الشام صحيحًا وضعيفًا (¬3) (قال: حَدَّثَنَا الربيع بن روح بن خُليد) مصغر اللاحوني الحمصي، ثقة نبيل، قال: (حَدَّثَنَا محمد بن خالد) الوهبي، قال: (حَدَّثَنَا الفضل بن دلهم) بسكون اللام وفتح الهاء القصاب، ليس بالقوي (الواسطي، عن ثابت البناني) بضم الباء. (عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من توضأ فأحسن الوضوء) أي: أسبغه (¬4) وأتمه، أو أتى بآدابه وسننه، وفيه استحباب العيادة على وضوء (وعاد أخاه المسلم محتسبًا) أي: طالبًا الثواب من الله تعالى (بُوعِدَ من جهنم مسيرة سبعين) رواية: ستين (¬5) (خريفًا قلت) لأنس: (يا أبا حمزة) بالحاء المهملة والزاي، لقب بذلك لبقلة فيها حموزة كان يأكلها (¬6) (ما الخريف؟ قال: ) هو (العام) وأصل الخريف الفصل من فصول السنة، وهو وقت إخراج الثمار والحبوب التي بها ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) سقط من الأصل، والمثبت من "تهذيب الكمال" 26/ 240. (¬3) "الكامل" 1/ 231. (¬4) في النسخ الخطية: (أصبغه) وهو تحريف. (¬5) رواها الطبراني في "الأوسط" 9/ 169 (9441). (¬6) انظر: "تهذيب الأسماء واللغات" للنووي 1/ 127.

عيش الآدمي والحيوان، فهو من تسمية البعض باسم الكل تجوزًا. (قال أبو داود: والذي تفرد به البصريون منه (¬1) العيادة وهو متوضئ). [3098] (حَدَّثَنَا محمد بن كثير قال: أنبأنا شعبة، عن الحكم) بن عتيبة. (عن عبد الله بن نافع) أبي جعفر الكوفي مولى بني هاشم. قال ابن حبان: صدوق (¬2) (عن علي) -رضي الله عنه- هكذا رواه في هذِه الرواية موقوفًا على عليٍّ -رضي الله عنه- (ما من رجل يعود مريضا ممسيًا) بضم الميم الأولى وسكون الثانية، أي: في وقت المساء (إلا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يصبح) فيه استحباب عيادة المريض أول الليل كما يستحب العيادة أول النهار (وكان له خَريف) بفتح الخاء المعجمة وكسر [الراء، أي: مخروف] (¬3) من ثمر الجَنَّة فعيل بمعنى مفعول، تقول منه: خرفت الثمار، أي: جنيتها، والثمر خريف ومخروف، فشبه ما يحوزه عائد المريض من الثواب بما يحوزه المخترفُ من الثمر (¬4). (في الجَنَّة، ومن أتاه مُصْبِحًا) بضم الميم وسكون الصاد (خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يمسي) فيه استحباب العيادة أول النهار، كما يستحب أول الليل، وفصَّل بعضهم فقال: إن كان الليل أطول فالعيادة في أول الليل أفضل، وإن كان النهار أطول كانت ¬

_ (¬1) في (ر): فيه والمثبت من المطبوع. (¬2) انظر: "الثقات" 7/ 54. (¬3) وقعت هذِه العبارة في (ر) هكذا (الزاي محذوف). (¬4) انظر: "فتح الباري" 10/ 213.

العيادة أول النهار أفضل، كما فضل في ختم القرآن أول الليل إن كان أطول، وأول النهار إن كان أطول (وكان له خريف في الجَنَّة) (¬1) ورواية الترمذي: "ما من مسلم يعود مسلمًا غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاده عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك (¬2) حتى يصبح، وكان له خريف في الجَنَّة" (¬3). ورواه أحمد وابن ماجة مرفوعًا [وزادا في أوله (¬4): "إذا عاد المسلم أخاه مشى في خرافة الجَنَّة حتى يجلس، فإذا جلس غمرته الرحمة"] (¬5). وخِرافة الجَنَّة بكسر الخاء المعجمة، أي: في اجتناء ثمر الجَنَّة. [3099] (حَدَّثَنَا عثمان بن أبي شيبة قال: حَدَّثَنَا أبو معاوية) محمد الضرير (قال: حَدَّثَنَا الأعمش، عن الحكم) بن عتيبة الكندي مولاهم، فقيه الكوفة وعابدها (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن علي، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه، [لم يذكر الخريف]) (¬6) أي: مسندًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. ورواه الحاكم موقوفًا، وقال: صحيح على شرطهما (¬7). ([قال أبو داود] (¬8): رواه منصور عن الحكم، كما رواه شعبة) عن ¬

_ (¬1) بعدها في الأصل: نسخة: من الجَنَّة. (¬2) سقط من (ر). (¬3) (969). (¬4) انظر: "المسند" 2/ 47، "سنن ابن ماجة" (1442). (¬5) سقط من (ر). (¬6) من المطبوع. (¬7) انظر: "المستدرك" 1/ 492. (¬8) من المطبوع.

الحكم بن عتيبة. [3100] (وحَدَّثَنَا عثمان بن أبي شيبة (¬1) قال: حَدَّثَنَا جرير، عن منصور، [عن الحكم] (¬2) عن أبي جعفر عبد الله بن نافع قال: وكان نافع غلام الحسن بن علي قال: جاء أبو موسى إلى الحسن بن علي يعوده. قال أبو داود: وساق معنى حديث (¬3) شعبة. أسند هذا عن علي من غير وجه صحيح (¬4) عن النبي - صلى الله عليه وسلم -). * * * ¬

_ (¬1) من المطبوع. (¬2) من المطبوع. (¬3) من المطبوع. (¬4) من المطبوع.

8 - باب في العيادة مرارا

8 - باب في العِيَادَةِ مِرارًا 3101 - حَدَّثَنَا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: لَمَّا أُصَيبَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ يَوْمَ الخَنْدَقِ رَماهُ رَجُلٌ فِي الأَكْحَلِ فَضَرَبَ عَلَيْهِ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَيْمَةً في المَسْجِدِ فَيَعُودُهُ مِنْ قَرِيبٍ (¬1). * * * باب في العيادة مرارًا [3101] (حَدَّثَنَا عثمان بن أبي شيبة قال: حَدَّثَنَا عبد الله بن نمير) الهمداني، حجة (عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير، (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت: لما أصيب سعد بن معاذ) سيد الأوس، بدري (يوم الخندق) في سنة خمس من الهجرة (رماه رجل) اسمه خباب ابن العرقة بسهم، وقال: خذها وأنا ابن العرقة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عَرَّقَ اللهُ وجهه في النار". والعرقة أمه، يقال لها: العرقة؛ لطيب ريحها (في الأكحل) قال الخليل: هو عرق الحياة في كل عضو منه شعبة له اسم على حدة (¬2) إذا قطع من اليد لم يرقأ الدم، قال أبو حاتم: هو في اليد، وأما في الفخذ والظهر فهو الأبهر (¬3). (فضرب عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيمة في المسجد ليعوده من) مكان (قريب) فكان يعوده في كل يوم حتى توفي، وكان عاش بعد السهم شهرا (¬4) ثم انتفض جرحه فمات منه، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "اهتز عرش الرحمن ¬

_ (¬1) رواه البخاري (463)، ومسلم (1769). (¬2) "العين" 3/ 62) كحل). (¬3) "مشارف الأنوار" 1/ 337. (¬4) في الأصل: (شهيدًا) والمثبت من "الاستيعاب" لابن عبد البر.

لموت سعد بن معاذ" (¬1)، قال سعد -رضي الله عنه-: ثلاثًا -يعني: أنا فيهن كما ينبغي - (¬2)، وما سواهن فأنا رجل من الناس: ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثًا قط إلا علمت أنه حق من الله تعالى، ولا كنت في صلاة قط فشغلت نفسي بغيرها حتى أقضيها، ولا كنت في جنازة قط فحدثت نفسي في غير ما تقول وما (¬3) يقال لها حتى أنصرف عنها. قال سعيد بن المسيب: هذِه الخصال ما كنت أحسبها إلا في نبي (¬4). وفيه دليل على استحباب تكرار العيادة، لكن لا يواصل العيادة، بل يجعلها غبًّا؛ لحديث: "زوروا غبًّا واكتحلوا وترًا" (¬5). وقال القاضي الماوردي: ينبغي العيادة كل يوم إلا أن يكون المريض مغلوبًا (¬6). قال النووي: وهذا للأجانب، أما الأقارب والأصدقاء ومن يأتنس بهم أو يتبرك بهم (¬7) أو يشق (¬8) عليه عدم زيارته فيواصلها ما لم ينه أو ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3803)، ومسلم (2466). (¬2) كذا بالنسخ الخطية، وفي "جامع بيان العلم": ثلاث أنا فيهن رجل، يعني: كما ينبغي. (¬3) في (ل): لا. (¬4) رواه ابن عدي في "الكامل" 4/ 206، والخطيب في "جامع بيان العلم" 2/ 1197 (2358)، وابن عبد البر في "الاستيعاب" 2/ 605. (¬5) انظر: "تاريخ بغداد" 13/ 271، قال ابن الملقن في "البدر المنير" 1/ 722: قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين ابن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى "الْمُهَذّب": هذا الحَدِيث بحثت عَنهُ فَلم أجد لَهُ أصلًا وَلَا ذكرًا فِي كتب الحَدِيث. (¬6) انظر: "الحاوي الكبير" 3/ 4. (¬7) سقط من الأصل والمثبت من "المجموع". (¬8) في (ر): شق.

يعلم كراهية المريض لذلك (¬1). [3100] (حَدَّثَنَا عثمان بن أبي شيبة قال: حَدَّثَنَا جرير، عن منصور، عن الحكم، عن أبي جعفر عبد الله بن نافع) الكوفي مولى بني هاشم قال: (وكان (¬2) نافع غلامًا) أي: مولى (للحسن بن علي، قال: جاء أبو موسى) لعله الأشعري (إلى الحسن بن علي يعوده، وساق معنى حديث شعبة، قال أبو داود: وأُسنِد) بضم الهمزة وكسر النون. (هذا) الحديث (عن علي، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير وجه صحيح) (¬3) من الوجوه. [3105] (حَدَّثَنَا) (¬4) محمد (بن كثير قال: أنبأنا سفيان، عن منصور، عن أبي وائل) شقيق (عن أبي موسى الأشعري، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أطعموا الجائع) من فروض الكفاية إطعام الجائع قدر ما يتمكن معه من التصرف في أموره (وعودوا المريض) يستدل بمفهوم الأمر من يقول بوجوب العيادة إذا كان المريض ضائعًا لا متعهد له وإلا فهي فضيلة، (وفكوا العاني) (¬5) ثم فسره (قال سفيان) الثوري (¬6): (العاني: الأسير) ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع شرح المهذب" 5/ 112. (¬2) بعدها في النسخ الخطية: محمد بن. (¬3) من المطبوع. وقال شعيب في نشرته 5/ 18: أثبتناها من "مختصر المنذري" وليست في أصولنا الخطية. (¬4) هذا الحديث مكانه في النسخ المطبوعة من "السنن" يأتي في باب: الدعاء للمريض بالشفاء، ولما أثبته شعيب في نشرته هناك 5/ 21 قال: أثبتناه من (هـ)، وهي رواية ابن داسة وذكر المزي في "الأطراف" (9001) أنه في رواية ابن العبد أيضًا. (¬5) في (ر): المعاني. (¬6) كذا في النسخ لكن قال العيني في "عمدة القاري" 21/ 40: وسفيان هو ابن عيينة.

ومنه الحديث: "اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم". أي: كالأسارى، وكل من ذل واستكان فقد عنا، ومنه قوله تعالى: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} (¬1) أي: خضعت وذلَّت، ويقال: أخذت البلاد عنوة إذا أخذت بخضوع أهلها وذلتهم (¬2). وفيه وجوب فك الأسير المسلم من أيدي الكفار. * * * ¬

_ (¬1) طه: 111. (¬2) انظر: "شرح السنة" للبغوي 5/ 212 - 215.

9 - باب في العيادة من الرمد

9 - باب في العِيَادَة مِنَ الرَّمَدِ 3102 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْن محَمَّدٍ النُّفَيْليُّ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْن محَمَّدٍ، عَنْ يُونُسَ ابْنِ أَبِي إِسْحاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قال: عادَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ وَجَعٍ كَانَ بِعَيْنَي (¬1). * * * باب في العيادة من الرمد [3102] (حَدَّثَنَا عبد الله بن محمد النفيلي قال: حَدَّثَنَا حجاج بن محمد) المصيصي الحافظ (عن يونس بن أبي إسحاق، [عن أبيه) أبي إسحاق] (¬2) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن زيد بن أرقم -رضي الله عنه- قال: عادني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من وجع كان بعينيَّ) بتشديد الياء على التثنية. فيه دليل على استحباب العيادة من الرمد كما نصَّ عليه القاضي أبو الطيب للحديث، وصححه الحاكم (¬3)، وأما ما رواه أبو (¬4) أحمد (¬5) والقضاعي في كتابه"دقائق الأخبار"، وأشار إلى أنه رواه الدارقطني في كتاب "العلل" (¬6) أنه - عَلَيْهِ السَّلَامْ - قال: " ثلاث لا يعادون: صاحب الرمد، وصاحب الضرس، وصاحب الدمل". فلم يثبت. قال الحافظ عبد ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 375، وعبد بن حميد (270)، والبخاري في "الأدب المفرد" (532)، والبزار (4341). قال النووي في "الخلاصة" (3218): رواه أبو داود بإسناد صحيح. (¬2) سقط من (ر). (¬3) "المستدرك" 1/ 341. (¬4) في (ر): ابن. (¬5) يعني ابن عدي في "الكامل" 8/ 12. (¬6) 1/ 232.

10 - باب الخروج من الطاعون

الحق: هذا يرويه مسلمة (¬1) بن علي الخشني، وهو ضعيف. * * * 10 - باب الخُرُوج مِنَ الطَّاعُونِ 3103 - حَدَّثَنَا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الخَطَّابِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الحارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبّاسٍ قال: قال عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِذا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ وَاِذا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِها فَلا تَخْرُجُوا فِرارًا مِنْهُ" .. يَعْني: الطّاعُونَ (¬2). * * * باب الخروج من الطاعون [3103] (حَدَّثَنَا القعنبي، عن مالك، عن) محمد (بن شهاب، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب) أبي عمر العدوي الأعرج، عامل عمر بن عبد العزيز على الكوفة (عن عبد الله بن عبد الله ابن الحارث بن نوفل) بن الحارث بن عبد المطلب المدني وثقه النسائي، وقتلته السَّمُومُ (¬3) بالأبواء وهو مع سليمان بن عبد الملك (¬4). ¬

_ (¬1) في الأصل (سلمة). والصواب ما أثبتناه، كما في "المعجم الأوسط" للطبراني 1/ 55 (152) و"شعب الإيمان" للبيهقي 11/ 414 (8755) و"العلل" للدارقطني 11/ 232 (2254). (¬2) رواه البخاري (5729)، ومسلم (2219). (¬3) السَّمُومُ: الريح الحارة تؤنث وجمعها سَمَائِمُ قال أبو عبيدة: السَّمُومُ بالنهار وقد تكون بالليل. انظر: "مختار الصحاح" (ص 326). (¬4) انظر: "سير أعلام النبلاء" 1/ 202.

(عن عبد الله بن عباس، أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- خرج إلى الشام) وكان هذا الخروج من عمر بعدما فتح بيت المقدس، وكان يتفقد أحوال رعيته وأمرائه، وكان قد خرج قبل ذلك إلى الشام لما حاصر أبو عبيدة إيلياء وهي بيت المقدس، عندما سأل أهلها أن يكون صلحهم على يد عمر، فتقدم وصالحهم ثم رجع، وذلك سنة ست عشرة من الهجرة. (حتى إذا كان بسَرْغٍ) بفتح السين المهملة وسكون الراء على المشهور ثم غين معجمة. قال القرطبي: رويناه بفتح الراء وسكونها، وهي قرية بتبوك. قال ابن وضاح: بينها وبين المدينة [ثلاث عشرة] (¬1) مرحلة، وهي من طرف الشام مما يلي الحجاز، ويجوز فيها الصرف وتركه، وترك الصرف أرجح؛ لأنه أعجمي ثلاثي ساكن الوسط (¬2). (لقيه أمراء الأجناد) الأمراء جمع أمير، والأجناد هنا: مدن الشام الخمس، وهي: فلسطين والأردن ودمشق وحمص وقنسرين. هكذا فسروا، واتفقوا عليه، ومعلوم أن فلسطين اسم لناحية بيت المقدس، والأردن اسم لناحية بيسان وطبرية وما يتعلق بهما، ولا يضر إطلاق اسم المدينة عليه (¬3)، وكان عمر قسم الشام على أربعة أمراء لكل واحدٍ منهم جند وناحية (أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه) شرحبيل ابن حسنة، ¬

_ (¬1) في الأصل: (ثلاثة عشر) والصواب ما أثبتناه. (¬2) انظر: "المفهم" 5/ 615 - 616. (¬3) انظر: "شرح النووي على مسلم" 14/ 208.

ويزيد بن أبي سفيان، ومعاذ بن جبل، ثم لم يمت عمر حتى جمع الشام لمعاوية. وفيه دليل على إباحة العمل والولاية لمن له أهلية لذلك من العلم والإصلاح، فإذا عملوا بذلك حصل لهم أجر أئمة العدل (¬1). (فأخبروه أن الوباء) مهموز مقصور وممدود والقصر أفصح وأشهر، وهو المرض العام في جهة، المفضي إلى الموت غالبًا، يقال: وبئت الأرض إذا حصل فيها المرض (¬2). (قد وقع بأرض الشام) زاد مسلم (¬3) وغيره: قال ابن عباس: قال عمر: ادع لي المهاجرين الأولين، فدعوتهم، فاستشارهم، وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام، فاختلفوا عليه، فقال بعضهم: قد خرجت لأمر ولا نرى [أن] نرجع عنه، وقال بعضهم: معك بقية من الناس وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء. قال: ارتفعوا عني. ثم قال: ادع لي الأنصار، فدعوتهم له، فاستشارهم، فسلكوا سبيل المهاجرين، ثم اختلفوا كاختلافهم، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي من هاهنا (¬4) من مشيخة قريش ومن مهاجرة الفتح، فدعوتهم فلم يختلف عليه رجلان، فقالوا: نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء، فنادى بالناس: إني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه. فقال أبو عبيدة بن الجراح: أفرارًا من قدر الله! [فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة - وكان عمر يكره خلافه - نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله] (¬5)، ¬

_ (¬1) انظر: "المفهم" 5/ 616. (¬2) انظر: شرح مسلم" للنووي 13/ 187. (¬3) (2219). (¬4) سقط من (ر). (¬5) سقط من (ر).

أرأيت لو كان لك إبل فهبطت (¬1) بها واديًا له عدوتان، إحداهما خصبة والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت (¬2) الجدبة رعيتها بأمر الله. إلى هنا ليس للخطيب (¬3). (قال) فجاء (عبد الرحمن بن عوف) وكان متغيبًا في بعض حاجته، فقال: إن عندي من هذا علمًا، قال عبد الرحمن -رضي الله عنه- (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إذا سمعتم به بأرضٍ فلا تَقدَموا) بفتح التاء والدال المخففة (عليه) فيه منع القدوم على الطاعون والأرض التي فيها الفساد، وفيه اجتناب أسباب الهلاك كيفما أمكن (وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها فرارًا منه) أي: فإذا خرج لحاجةٍ يريدها أو سفر يقصده فلا بأس. قال أبو داود: (يعني) من (الطاعون) فيه المنع من الفرار منه إذا وقع وهم بها، وعمل بظاهر هذا الحديث عمر والصحابة معه، فلما رجعوا من سرغ حين أخبرهم عبد الرحمن بن عوف بهذا الحديث. قالت (¬4) عائشة: الفرار من الوباء كالفرار من الزحف (¬5). وإنما نُهي ¬

_ (¬1) في الأصل: (فهبط) والمثبت من "صحيح مسلم". (¬2) في (ر): رعيتها. (¬3) أي: أن قصة عمر ووباء الشام لم ترد في رواية الخطيب. وقال شعيب في نشرته للسنن 5/ 2: تنبيه: هذا الحديث جاء في (ب، هـ) مختصرا بالمرفوع منه فقط ليس فيه قصة عمر. وأشار الحافظ في نسخة المرموز لهاب (أ) ومنه أثبتنا الحديث بتمامه إلى أنه كذلك في رواية ابن الأعرابي وابن داسة مختصر بالمرفوع منه وحسب. (¬4) في (ر): قال: (¬5) رواه إسحاق بن راهويه في "المسند" (1709)، وابن الأعرابي في "معجمه" (2391) ورواه بنحوه أحمد 6/ 145، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (4282).

عن القدوم عليه تحرزًا (¬1) من مواضع (¬2) الضرر، ويكفي في الخروج موعظةً قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ} (¬3) (¬4)، والطاعون وزنه فاعول من الطعن، غير أنه لما عدل عن أصله وضع دالًّا على الموت العام بالوباء. قاله الجوهري (¬5). - رضي الله عنه - وقال غيره: أصل الطاعون القروح الخارجة في الجسد. والوباء: عموم الأمراض. وطاعون عمواس إنما كان طاعونًا وقروحًا (¬6)، ويشهد لهذا قوله عَلَيْهِ السَّلَامْ - لما سئل حين سئل عن الطاعون - قال: "غدة كغدة البعير تخرج في المرافق والآباط" (¬7). قال معاذ (¬8) في طاعون الشام: إنه شهادةٌ ورحمةٌ لكم، ودعوةُ نبيكم (¬9). وفيه: التوكل والتسليم لأمر الله (¬10). * * * ¬

_ (¬1) في الأصل: سحرا والمثبت موافق لما في "المفهم". (¬2) في (ر): موانع. (¬3) البقرة: 243. (¬4) انظر: "المفهم" 5/ 612 - 613. (¬5) "الصحاح" 6/ 2158 بمعناه. (¬6) في الأصل قروعا والمثبت من "المفهم". (¬7) رواه أحمد 6/ 145، وابن الأعرابي (2391). (¬8) في الأصل حماد والمثبت من "المفهم". (¬9) رواه أحمد 5/ 248، والداني في "الفتن" 1/ 193 (9). (¬10) انظر: "المفهم" للقرطبي 5/ 611 - 612.

11 - باب الدعاء للمريض بالشفاء عند العيادة

11 - باب الدُّعاء لِلْمَرِيضِ بِالشِّفاء عِنْدَ العِيادَةِ 3104 - حَدَّثَنَا هارُون بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنَا الجُعَيْدُ، عَنْ عائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ أَنَّ أَبَاهَا قال: اشْتَكَيْتُ بِمَكَّةَ فَجَاءَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُنِي وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتي ثمَّ مَسَحَ صَدْري وَبَطْني ثُمَّ قالَ: "اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا وَأَتْمِمْ لَهُ هِجْرَتَهُ" (¬1). 3105 - حَدَّثَنَا ابن كَثِيرٍ قالَ: حَدَّثَنَا سُفْيانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وائِلٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعَريِّ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَطْعِمُوا الجَائِعَ وَعُودُوا المَرِيضَ وَفُكُّوا العانيَ" .. قالَ سُفْيانُ: والعاني الأَسِيرُ (¬2). * * * باب الدعاء للمريض بالشفاء عند العيادة [3104] (حَدَّثَنَا هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي الحافظ، ثقة مات بطريق مكة، قال: (حَدَّثَنَا مكي بن إبراهيم) البلخي الحافظ، حجَّ ستين حجة، وتزوج ستين امرأة، وكتب عن سبعة عشر تابعيًّا، مات ببلخ (¬3). قال: (حَدَّثَنَا الجُعَيد) - بضم الجيم وفتح العين المهملة - بن عبد الرحمن بن أوس الكندي المدني، تابعي ثقة (عن عائشة بنت سعد) بن أبي وقاص (أن أباها) سعدًا (قال: اشتكيتُ) أي: من عضو من أعضائي (بمكة، فجاءني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعودني، ووضع يده على ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5659)، ومسلم (1628). (¬2) رواه البخاري (3046). (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 28/ 480.

جبهتي، ثم مسح (¬1) صدري وبطني) من تمام عيادة المريض أن يضع من يعوده أو من يرجى بركته إن كانوا جماعة يده على ما يشتكي منه (ثم قال: اللهم اشف) بفتح الهمزة (¬2) (سعدًا، وأتمم له هجرته) أي: لا تنقصها لإقامته في مكة شرفها الله تعالى. * * * ¬

_ (¬1) من المطبوع. (¬2) قوله: بفتح الهمزة. خطأ، ولعله بوصل الهمزة.

12 - باب الدعاء للمريض عند العيادة

12 - باب الدُّعاءِ لِلْمَرِيضِ عِنْدَ العِيَادَةِ 3106 - حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ أَبُو خالِدٍ، عَنِ الِمنْهالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ عادَ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ فَقَال عِنْدَهُ سَبْعَ مِرارٍ: أَسْأَلُ اللهَ العَظِيمَ رَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ؛ إِلَّا عَافَاهُ اللهُ مِنْ ذَلِكَ المَرَضِ" (¬1). 3107 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْن خَالِدٍ الرَّمْليّ، حَدَّثَنَا ابن وَهْبٍ، عَنْ حُيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُليِّ، عَنِ ابن عَمْرٍو قال: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا جَاءَ الرَّجُلُ يَعُودُ مَرِيضًا فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ اشْفِ عَبْدَكَ يَنْكَأُ لَكَ عَدُوّا أَوْ يَمْشي لَكَ إِلَى جَنَازَةٍ". قالَ أَبُو داوُدَ: وقالَ ابن السَّرْحِ: "إِلَى صَلاةٍ" (¬2). * * * باب الدعاء للمريض عند العيادة [3106] (حَدَّثَنَا الربيع بن يحيى) الأشناني، قال أبو حاتم: ثقة، قال: (حَدَّثَنَا شعبة قال: حَدَّثَنَا يزيد أبو خالد) بن عبد الرحمن الدالاني، وثقه أبو حاتم الرازي (عن المنهال بن عمرو) الأسدي الكوفي. (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من عاد ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2215)، وأحمد 1/ 239، والبخاري في "الأدب" (536)، والبزار (5130)، والنسائي في "الكبرى" (10883). صححه الألباني في "صحيح الجامع" (6388). (¬2) رواه أحمد 2/ 172، وعبد بن حميد (344)، وابن حبان (2974)، والطبراني 13/ 44 (107)، وابن السني (547). صححه الألباني في "الصحيحة" (1304).

مريضا لم يحضر (¬1) أجلُه) زاد النسائي (¬2): "وَجَلَسَ عند رأسه". (فقال عنده سبع مرار: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يَشفيك) بفتح أوله شفاءً لا يغادر سقمًا (إلا عافاه الله) تعالى (من ذلك المرض) الذي هو به، لكن لا يلزم أن يعافى في وقت الدعاء، بل يعافى فيه أو بعده. [3107] (حدثنا يزيد بن خالد) بن يزيد بن عبد الله بن مَوهَب بفتح الميم والهاء (الرملي) الزاهد الفقيه (قال: حدثنا) عبد الله (بن وهب، عن حُيَيّ) بضم الحاء المهملة وفتح الياء الأولى (بن عبد الله) المعافري، قال ابن معين: ليس به بأس (عن أبي عبد الرحمن) عبد الله بن يزيد (الحُبْلي) بضم الحاء المهملة وإسكان الباء الموحدة (¬3). (عن) عبد الله (بن عمرو) بن العاصي -رضي الله عنه- (قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا جاء الرجل يعود مريضًا فليقل: اللهم اشف عبدك ينكأ) قال في "النهاية": قد يهمز لغة فيه (¬4). هكذا وجدته مرسومًا بالألف بعد الكاف، والذي ذكره في "الصحاح" و"ديوان الأدب" وغيرهما: ينكِي العدو بكسر الكاف وياء ساكنة بعدها، قال الجوهري: نكيت في العدو نكاية إذا قتلت فيهم وجرحت، وأنشد قول أبي النجم: ينكي العدا ويكرم الضيفانا (¬5) ¬

_ (¬1) في (ل): يحضره. (¬2) انظر: "السنن الكبرى" 6/ 258 (10882). (¬3) قال الحافظ في "التقريب" (3712): بضم المهملة والموحدة. (¬4) انظر: "النهاية" لابن الأثير 5/ 247. (¬5) انظر: "الصحاح" 6/ 365.

وقال في باب الهمز: يعني في الآخر قولهم: هُنِّئْتَ ولا تُنكأُ أي: هنَّأك الله بما نلت ولا أصابك بوجع (¬1)، فيحتمل أن يكون الحديث من هذا. (لك عدوًّا) فعلى هذا يكون المعنى: يجرح (¬2) لأجلك الأعداء في سبيلك (و (¬3) يمشي لك) أي: لوجهك الكريم (إلى جنازة) ولا يمشي رياء المخلوقين الأغنياء وأرباب الجاه دون الفقراء المحمولين، والغرباء الذين لا يعرفهم، ولا يمشي مع الفقراء للسمعة ليقال: فلان كثير المشي في الجنائز. (قال أبو داود: قال) أحمد بن عمرو (بن السرح) يمشي لك (إلى صلاة) وكذا رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم (¬4). ولم يذكر الجنازة بل أقتصر على الصلاة. ¬

_ (¬1) انظر: "الصحاح" 1/ 78. (¬2) في (ر): يخرج. (¬3) في المطبوع: أو. (¬4) "المستدرك" 1/ 495.

13 - باب في كراهية تمني الموت

13 - باب في كراهِيَةِ تمَنّي المَوْتِ 3108 - حدثنا بِشْرُ بْن هِلالِ، حدثنا عَبْدُ الوارِثِ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قال: قال رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لا يَدْعُوَنَّ أَحَدُكُمْ بِالمَوْتِ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ ولكن لِيَقُلِ اللَّهُمَّ أَحْيِني ما كانَتِ الحَياةُ خَيْرًا لي وَتَوَفَّني إِذا كانَتِ الوَفاةُ خَيْرًا لي" (¬1). 3109 - حدثنا مُحَمَّدُ بْن بَشّارٍ، حدثنا أَبُو داوُدَ، حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكِ أَنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "لا يَتَمَنَينَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ" .. فَذَكَرَ مِثْلَهُ (¬2). * * * باب كراهية تمني الموت [3108] (حدثنا بِشْر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة (ابن هلال) الصواف (¬3) شيخ مسلم، قال: (حدثنا عبد الوارث، عن عبد العزيز بن صُهيب، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا يَدْعُوَنَّ) بتشديد نون التوكيد (أَحَدُكُم بالموت) أي: على نفسه ولا على أهله وأولاده ورقيقه (لضرٍّ نزل به) من قبل أن يأتيه، وفي رواية في "الصحيح": "لمرض أصابه" (¬4). قال النووي: فيه التصريح بكراهة تمني الموت لضر نزل به من مرض ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5671)، ومسلم (2680). (¬2) السابق. (¬3) في الأصل: الصوان. والمثبت من "تهذيب الكمال" 4/ 159 (711). (¬4) لم أقف عليها بهذا اللفظ ولكن بلفظ: "مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ" رواه البخاري (5671) ومسلم (2680).

أو فاقة أو محنة من عدوٍ ونحو ذلك من مشاق الدنيا، فأما إذا خاف ضررًا في دينه أو فتنة فيه فلا يكره لمفهوم هذا (¬1) الحديث ونحوه، انتهى (¬2). ويحمل ما روي عن عمر بن الخطاب وعلي وعمر بن عبد العزيز: تمنوا الموت على أنهم خشوا الفتنة والعجز عن القيام بما تولوه رضي الله تعالى عنهم، وأجاب الله دعاء عمر قبل انسلاخ الشهر، وعليه يحمل ما ورد أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه" (¬3)، أي: لفسادِ الدين (ولكن ليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياةُ خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاةُ خيرًا لي) ورواية الإمام في "الموطأ" (¬4): "وإذا أردت بقومٍ فتنة فاقبضني إليك غير مفتون" (¬5). [3109] (حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا أبو داود) سليمان بن داود الطيالسي (عن شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لا يتمنين أحدكم الموت) لضر نزل به (فذكر مثله) كما في الصحيحين. ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) انظر: "شرح مسلم" 17/ 7 - 8. (¬3) رواه البخاري (7115) ومسلم (157). (¬4) هكذا في الأصل ولعله سقط كلمة (مالك). (¬5) انظر: "الموطأ" (508).

14 - باب موت الفجأة

14 - باب مَوْتِ الفَجْأَةِ 3110 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ أَوْ سَعْدِ بْنِ عُبَيدَةَ، عَنْ عُبَيدِ بْنِ خالِدٍ السُّلَميِّ -رَجُلٍ مِنْ أَصْحابِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قالَ مَرَّةً: عَنِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ثمَّ قالَ مَرَّةً: عَن عُبَيْدٍ- قالَ "مَوْتُ الفَجْأَةِ أَخْذَةُ أَسَفٍ" (¬1). * * * باب موت الفجأة [3110] (حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن شعبة، عن منصور، عن تميم بن سلمة) السلمي الكوفي من رجال مسلم (أو سعد بن عبيدة) (¬2) الكوفي زوج بنت أبي عبد الرحمن السلمي، وثقه ابن معين والنسائي (¬3) (عن عبيد بن خالد السُّلَمي) البهزي مهاجري سكن الكوفة وله صحبة (¬4) (رجلٍ من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- قال مرة: عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم قال) بعد ذلك (مرة) أخرى: (عن عبيد) موقوفًا، ووقفه لا يفيد. (قال: موت الفجأة) بفاء مضمومة وفتح الجيم مع المد وفتح الفاء وسكون الجيم مع القصر (أخذة أَسف) بفتح الهمزة وكسر السين، الشديد الغضب. ويجوز فتح السين. والأسف: الغضب، وروي بوزن ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 424، والبيهقي 3/ 378. صححه الألباني في "صحيح الجامع" (6631). (¬2) قال في "عون المعبود" 8/ 260: هذا شك من شعبة أي روى منصور عن تميم أو سعد. (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 10/ 291. (¬4) انظر: "معرفة الصحابة" لأبي نعيم 4/ 1899، "الإصابة" 4/ 409 (5336).

فاعل أي: غضبان، قال الله تعالى: {فَلَمَّا آسَفُونَا} (¬1) يقال: أسفني فأسفت أي: أغضبني فغضبت، ومنه قوله تعالى: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ}، وقال تعالى: {غَضْبَانَ أَسِفًا} (¬2)، ويقال: أسيف بزيادة ياء بعد السين. والأسف: الغضب والحزن، وفرق بينهما الواحدي فقال: إذا جاءك ما تكره ممن هو دونك غضبت، وإذا جاءك ممن هو فوقك حزنت. والمراد بالغضب انتقام الله ممن عصاه، كما أن الرضا منه ظهور رحمته ولطفه لمن أطاعه؛ لأن الله تعالى يستحيل في حقه التغير بالرضا والغضب (¬3)، ونظير الحديث قوله تعالى: {كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ} (¬4). وروى البيهقي عن ابن مسعود وعائشة: إن موت الفجأة راحة المؤمن، وأخذة أسف للفاجر. ورواه مرفوعًا أيضًا. وذكر المدائني أن إبراهيم عليه السلام وجماعة أنبياء ماتوا فجأة (¬5). ¬

_ (¬1) الزخرف: 55. (¬2) الأعراف: 150. (¬3) انظر: "شرح مسلم" للنووي 3/ 68 - 69، وهذا تأويل لصفتين من صفات الله تعالى، ومذهب أهل السنة هو إثبات الصفات كما جاءت عن الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- بدون تأويل، فنقول: يرضى ويغضب كما يليق به سبحانه فهو (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير). (¬4) القمر: 42. (¬5) انظر: "المجموع شرح المهذب" للنووي 5/ 321.

15 - باب في فضل من مات في الطاعون

15 - باب في فضْلِ مَنْ ماتَ في الطّاعُونِ 3111 - حدثنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جابِرِ بْنِ عَتِيكٍ، عَنْ عَتِيكِ بْنِ الحارِثِ بْنِ عَتِيكٍ -وَهُوَ جَدُّ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَبُو أُمِّهِ- أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَمَّهُ جابِرَ بْنَ عَتِيكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- جاءَ يَعُودُ عَبْدَ اللهِ بْنَ ثابِتٍ فَوَجَدَهُ قَدْ غُلِبَ فَصاحَ بِهِ رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمْ يُجِبْهُ فاسْتَرْجَعَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وقالَ: "غُلِبْنا عَلَيْكَ يا أَبا الرَّبِيعِ" .. فَصاحَ النِّسْوَة وَبَكَيْنَ فَجَعَلَ ابن عَتِيكٍ يُسْكِتُهُنَّ فَقالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "دَعْهُنَّ فَإِذا وَجَبَ فَلا تَبْكِيَنَّ باكِيَةٌ" .. قالُوا وَما الوُجُوبُ يا رَسُولَ اللهِ قالَ: "المَوْتُ" .. قالَتِ ابنتُهُ: والله إِنْ كُنْتُ لأَرْجُو أَنْ تَكُونَ شَهِيدًا فَإِنَّكَ كُنْتَ قَدْ قَضَيْتَ جِهازَكَ. قالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: " إِنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قَدْ أَوْقَعَ أَجْرَهُ عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ، وَما تَعُدُّونَ الشَّهادَةَ؟ " .. قالُوا: القَتْلَ في سَبِيلِ اللهِ. قالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "الشَّهادَةُ سَبْعٌ سِوى القَتْلِ في سَبِيلِ اللهِ: المَطْعُونُ شَهِيدٌ والغَرِقُ شَهِيدٌ وَصاحِبُ ذاتِ الجَنْبِ شَهِيدٌ والمَبْطُونُ شَهِيدٌ وَصاحِبُ الحَرِيقِ شَهِيدٌ والَّذي يَمُوتُ تَحْتَ الهَدْمِ شَهِيدٌ والمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ" (¬1). * * * باب ما جاء في فضل من مات بالطاعون [3111] (حدثنا القعنبي، عن مالك، عن عبد الله [بن عبد الله] (¬2) بن جابر (¬3) بن عتيك) الأنصاري المدني، وثقه ابن معين وغيره (عن عتيك بن ¬

_ (¬1) رواه النسائي 4/ 13، وابن ماجه (2803)، وأحمد 5/ 446، ومالك 1/ 233. صححه الألباني في "صحيح الجامع" (3739). (¬2) من المطبوع. (¬3) سقط من (ر).

الحارث بن عتيك) مدني تابعي. قال أبو داود (و) عتيك (هو جد عبد الله بن عبد الله) بن جابر (أبو أمه - أنه أخبره، أن (¬1) عمه جابر) قال ابن منجويه: أهل العراق يقولون في جده: جبر، ولا يصح؛ إنما هو جابر (¬2) (ابن عَتِيك) -بفتح المهملة وكسر المثناة فوق- ابن قيس بن الأسود الأنصاري، ويقال: من بني النجار، مدني شهد بدرًا وجميع المشاهد بعدها (¬3). ([أخبره، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-] (¬4) جاء يعود عبد الله بن ثابت) الظَفَري -بفتح الظاء المعجمة والفاء- الأنصاري (فوجده قد غُلِب) -بضم الغين وكسر اللام -أي: غلب عليه من شدة المرض (فصاح به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلم يجبه، فاسترجع رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-) أي: قال: إنا لله وإنا إليه راجعون؛ لقوله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156)} (¬5). (وقال: غُلبنا) بضم الغين وكسر اللام (عليك يا أبا الربيع، فصاح النسوة) لم تلحق تاء التأنيث في فصاحت، مع أنه فعل متصل به ظاهر حقيقي التأنيث؛ لأنه جمع تكسير المؤنث، ويجوز فيه الوجهان. والنسوة كما ذكرنا جمع قلة على ما نقله أبو حيان في قوله تعالى: ¬

_ (¬1) سقط من (ل) والمثبت من (ر). (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 15/ 172. (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 4/ 454 (872). (¬4) سقط من (ل). (¬5) البقرة: 156.

{وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ} (¬1) (وَبَكَينَ) بفتح الكاف (فجعل) جابر (بن عتيك يسكتهن، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: دعهن، فإذا وجب) أي: له على الله تعالى ما وعده به من الجنة أو النار بموته، ويحتمل أن يراد: فإذا وجب أي: لزمه الموت الذي كتبه الله على خلقه؛ فإنَّ الواجبَ هو اللازم (فلا تبكين باكية) أي: بعد موته. استدل به من فرَّق في جواز البكائين ما قبل الموت فيجوز، وأما بعده فلا يجوز. وحكى النووي أن الجمهور على أنه بعد الموت خلاف الأولى. قال: ومنهم من قال إنه مكروه. وفي كلام الشيخ أبي حامد من أصحابنا ما يقتضي أنه حرام؛ فإنه قال: إذا قلت إنه مباح من غير ندب ولا تعديد فوقته ما لم يمت الميت، فإذا مات خرج وقت البكاء وكان ممنوعًا منه فيما بعد. واستدل بهذا الحديث (¬2). قال المحاملي في "التجريد": قال الشافعي: ووقت البكاء إلى أن يموت الميت، فإذا مات قطع. وفرق الشيخ أبو حامد بين ما قبل الموت وما بعده بأن قبل الموت يرجى فيكون البكاء حذرًا عليه، وبعده لا معنى له. قال السبكي: والصواب أنه لا يحرم؛ لما في البخاري: شهدنا بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان (¬3). وفي "صحيح مسلم" (¬4): أن النبي -صلى الله عليه وسلم- زار قبر أمه، فبكى وأبكى من ¬

_ (¬1) "البحر المحيط" 5/ 299 والآية من سورة يوسف: 30. (¬2) "المجموع " 5/ 307. (¬3) انظر: "أسنى المطالب" 1/ 335. (¬4) (976).

حوله، وتظاهرت الأحاديث من السلف والخلف بالبكاء بعد الموت. ولا ينبغي أن يكون في ذلك خلاف، ويتأول هذا الحديث على الكراهة، أو أنه خلاف الأولى كما تقدم. (قالوا: وما الوجوب يا رسول الله؟ قال: الموت) سمي بذلك لأن الله أوجبه على العباد وكتبه عليهم كما ألزمهم الصلوات وكتبها عليهم. وقال بعضهم: لأنه وجب له الجنة أو النار كما سبق في المكتوب. (قالت ابنته: والله إنْ) بكسر الهمزة وسكون النون، وهي المخففة من الثقيلة، والتقدير: إني (كنت لأرجو) هذِه اللام التي في "لأرجو" هي التي تأتي بعد أن الخفيفة لتخلصها (¬1) من أن النافية (أن تكون) بمثناة فوق وهي تاء الخطاب (شهيدًا) أي: في حرب الكفار (فإنَّك) بتشديد النون قد (كنتَ قضيتَ جَهازَك) بفتح الجيم ومنهم من كسرها، وهو ما يعد ويهيأ مما يصلح للسفر من زادٍ وغيره من غزو أو حج أو تجارة، والمراد به هنا: ما أعد للغزو في سبيل الله، (فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن الله تبارك وتعالى قد أوقع أَجْرَهُ) بالنصب (على قدر نيته) أي: فيزيد الأجر بزيادة ما عزم على فعله، وينقص بنقصانه {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} (¬2). (وما تعدون الشهادة؟ قالوا: القتل) بالنصب والرفع (في سبيل الله تعالى. قال [رسول الله -صلى الله عليه وسلم-]: الشهادةُ سبعٌ) رواه مالك في "الموطأ" (¬3) ¬

_ (¬1) في (ر): لتحصلها. (¬2) النساء: 40. (¬3) 1/ 233 (554).

قال: "الشهداء [(¬1) سبعة" وما تقدم إلى هنا موافق لرواية المصنف. (سوى القتل في سبيل الله) تعالى: (المطعون) وهو من مات بالطاعون (شهيد) كما في رواية: "الطاعون شهادة لكل مسلم" (¬2) (والغَرِق) بكسر الراء وهو الذي يموت غريقًا بالماء. رواية: الغريق (شهيد، وصاحب ذات الجنب) وهي قرحة تكون في الجنب باطنًا بوجع شديد ثم تنتفخ في الجوف ويسكن الوجع، وذلك وقت الهلاك، وكذلك وجع الخاصرة وكذا القروح التي تحدث في الصدر والرئة. قاله الرافعي. والمشهور عند أهل هذِه الصناعة أنها ورم حار في الغشاء المستبطن للأضلاع، ومتى كان الورم ظاهرًا لا يسمى ذات الجنب، وذات الجنب مؤذية جدًّا لإفراطها تسخين القلب ولبعد مكانها عن الدواء، ومن علاماتها الحمى المتلازمة والوجع الفاحش تحت الأضلاع وضيق النفس وتواتره والسعال (¬3). (شهيد، والمبطون) وهو صاحب داء البطن وهو الإسهال سواء كان من الدماغ أو من المعدة أو غيرهما كالأمعاء، وقيل: هو الذي به الاستسقاء وهو انتفاخ البطن، وقيل: الذي يشتكي بطنه، وقيل: الذي يموت بداء بطنه مطلقًا (¬4). (شهيد، وصاحب الحريق) هذا من إضافة الموصوف إلى صفة وهو ¬

_ (¬1) من أول هنا سقط في (ر). (¬2) رواه البخاري (2830) ومسلم (1916). (¬3) انظر: "مغني المحتاج" 3/ 51. (¬4) انظر: "شرح النووي على مسلم" 13/ 63.

عند البصريين فيه حذف تقديره: صاحب الجسم الحريق أي: المحروق بالنار، فعيل بمعنى مفعول مثل كف خضيب، أي: مخضوب (شهيد، والذي يموت تحت الهدْم) بسكون الدال (شهيد) أي: سواء مات قبل أن يخرج من تحت الهدم أو أخرج حيًّا ومات من ذلك الهدم (والمرأة تموت بجمع) بضم الجيم وفتحها وكسر مع سكون الميم، وضم الجيم أشهر. قيل: هي التي تموت حاملًا جامعة ولدها في بطنها أي: أسقم ولدها، وقيل: هي التي تموت بكرًا، والأول هو الصحيح. (شهيد) وإنما قال: شهيد، ولم يقل: شهيدة؛ لأنه فعيل بمعنى مفعول، أي: مشهود له بالجنة شهد الله بها والملائكة، وقيل: سمي الشهيد شهيدًا؛ لأنه عهد عند خروج روحه ما له من الثواب عند الله تعالى. قال العلماء: وإنما كانت هذِه الموتات شهادة بتفضل الله تعالى بسبب شدتها وكثرة ألمها، وقد جاء في حديث آخر: "من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد". والمراد بهذِه الشهداء أنهم شهداء في الآخرة دون الدنيا بمعنى أن لهم ثوابًا في الآخرة ولا يلزم أن يكون المقتول في سبيل الله وهؤلاء، يغسلون ويصلى عليهم ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- من هذا القسم فإنه مات بأكلة الخيبرية التي فيها السم وكانت تعاوده إلى أن مات. والثالث: شهيد في الدنيا دون الآخرة كالمقاتل رياء وسمعة والمقتول مدبرا والمقتول وقد غل من الغنيمة فلا يغسل ولا يصلى عليه والفارُّ ليس بشهيد فإن الفرار من الكبائر.

16 - باب المريض يؤخذ من أظفاره وعانته

16 - باب المَريضِ يُؤْخَذُ مِنْ أَظْفارهِ وَعانَتِهِ 3112 - حدثنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حدثنا إِبْراهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنا ابن شِهابٍ، أَخْبَرَني عُمَرُ بْن جارِيَةَ الثَّقَفيُّ حَلِيفُ بَني زهْرَةَ -وَكانَ مِنْ أَصْحابِ أَبي هُرَيْرَةَ- عَنْ أَبي هُريرَةَ قال: ابْتاعَ بَنُو الحارِثِ بْنِ عامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ خُبَيْبًا -وَكانَ خُبَيْبٌ هُوَ قَتَلَ الحارِثَ بْنَ عامِرٍ يَوْمَ بَدْرٍ- فَلَبِثَ خبَيْبٌ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا حَتَّى أَجْمَعُوا لِقَتْلِهِ فاسْتَعارَ مِنَ ابنةِ الحارِثِ مُوسَى يَسْتَحِدُّ بِها فَأَعارَتْهُ فَدَرَجَ بُنَى لَها وَهيَ غافِلَةٌ حَتَّى أَتَتْهُ فَوَجَدَتْهُ مُخْلِيًا وَهُوَ عَلَى فَخِذِهِ والمُوسَى بِيَدِهِ فَفَزِعَتْ فَزْعَةً عَرَفَها فِيها فَقال: أتخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ ما كُنْتُ لأَفْعَلَ ذَلِكَ. قالَ أَبُو داوُدَ: رَوى هذِه القِصَّةَ شُعَيْبُ بْنُ أَبي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْريِّ قال: أَخْبَرَني عُبَيْدُ اللهِ بْن عِياضٍ أَنَّ ابنةَ الحارِثِ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا -يَعْني: لِقَتْلِهِ- اسْتَعارَ مِنْها مُوسَى يَسْتَحِدُّ بِها فَأَعارَتْهُ (¬1). * * * باب المريض يتعاهد من أظفاره وعانته [3112] (حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا إبراهيم بن سعد) الزهري العوفي المدني أحد الأعلام الثقات (أخبرنا ابن شهاب، أخبرني عمر) بن أسيد بفتح الهمزة (ابن جارية) بالجيم والمثناة تحت (الثقفيُّ حليفُ بني زهرة) أسلم يوم الفتح (¬2) (وكان من أصحاب أبي هريرة، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: ابتاع) اشترى (بنو الحارث بن عامر بن نوفل خُبَيبًا) بضم الخاء المعجمة وفتح الباء الأولى مصغر، وهو ابن عدي من بني ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3045). (¬2) يعني جده: أسيد بن جارية.

عمرو بن عوف الأنصاري، شهد بدرا، وأُسِرَ في غزوة الرجيع سنة ثلاثٍ فانطلق به إلى مكة فاشتراه بنو الحارث (وكان خبيبٌ هو قتل الحارث بن عامر) بن نوفل بن عبد مناف القرشي والد عقبة بن الحارث (يوم بدر) كافراً. وقال بعضهم: لم يكن خبيب قتله، كما قيل أيضا: إن السرية المتعرضين لم يكونوا بني لحيان، والصحيح ما ذكره المصنف والبخاري في "صحيحه" (¬1). (فلبث [خبيب] عندهم أسيرًا، حتى أجمعوا لقتله) في بعض نسخ البخاري: أجمعوا. هكذا، وفي بعضها: اجتمعوا أي: على قتله. وعلى هذا فيكون (قتله) منصوبًا على حذف حرف الجر (فاستعار من بعض بنات الحارث)، أكثر النسخ (¬2): ابنة (موسى) جاز صرفه لأنه مُفعل من أوسيت، ومنع صرفه؛ لأن وزنه فعلى على اختلاف التصريفين (¬3) (يَستحِدُّ بها) فيه الاستعارة من الكفار، وفيه استنان (¬4) الاستحداد بأخذ شعر العانة والإبط وغيرها من قص الشارب والظفر ونحو ذلك لمن أسره الكفار ولمن يقتل وللمريض قبل الموت استعدادًا للقاء ربه على أكمل الحالات. وفيه التنظف لمن يخاف أن يُضَيَّعَ بعد القتل وتكشف عورته؛ لئلا يطلع منه على قبح عورته. ¬

_ (¬1) (3045). (¬2) ليس في الأصل، والسياق يقتضيها. (¬3) انظر: "الصحاح" للجوهري 6/ 2534، "لسان العرب" 6/ 223. (¬4) في الأصل: (استسنان).

(فأعارته) الموسى (فدرج) أي: ذهب إليه (بنيٌّ لها) صغير (وهي غافلة) عنه حتى أتاه فوضعه على فخذه ففزعت على ولدها منه فجاءت (حتى أتته، فوجدته مُخْليًا) بضم الميم وإسكان الخاء، أي: خلى سبيله من الرباط الذي كان مربوطًا به ومن غيره قال الشاعر: مالي أراك مُخَلِّيًا ... أين السلاسل والقيود؟ أغلا الحديد بأرضكم ... أم ليس يَضْبِطُكَ الحديدُ؟ (¬1) ورواية البخاري في المغازي: فوجدته مجلسه على فخذه (¬2) (وهو على فخذه والموسى بيده! ففزعت فزعةً عرفَها) خبيب -رضي الله عنه-. فيه التلطف بأولاد المشركين لأنهم على الفطرة، وأداء الأمانة إلى المشرك وغيره، وفيه التورع من قتل أولاد المشركين رجاء أن يكونوا مؤمنين. (فيها، فقال: أتخشين) وتخشي بحذف النون لغير ناصب وجازم لغة فصيحة، رواية: أتحسبين (أن أقتله؟ ) والله (ما كنت لأفعل ذلكِ! ) بكسر الكاف. (قال أبو داود: روى هذِه اللفظة) نسخة: القصة (شعيبُ بن أبي حمزة) دينار الحمصي مولى بني أمية أحد الثقات المشاهير، كان عنده عن الزهري نحو ألف وسبعمائة حديث (فقال الزهري: أخبرني عبيد الله) ¬

_ (¬1) انظر: "الصحاح" 6/ 2332، و"لسان العرب" 14/ 237. (¬2) رواه مسلم (2877).

بالتصغير (بن عياض) من رجال البخاري (أن ابنة الحارث أخبرته، أنهم حين أجمعوا) وفي رواية: اجتمعوا (-يعني: لقتله- استعار منها موسى) فيه جواز الاستعارة من الكفار وجواز استعمال أوانيهم وآلاتهم وماعونهم والانتفاع بها من غير غسل. (يستحدُّ بها) سمي استحدادًا لأن آلته حديد، وفي معناه: استعان إذا حلق عانته (فأعارته) فيه الإعارة من النساء الأجانب ومحادثتهم إن احتاج إلى ذلك.

17 - باب ما يستحب من حسن الظن بالله عند الموت

17 - باب ما يُسْتحَبُّ منْ حُسْنِ الظَّنِّ بالله عِنْدَ المَوْتِ 3113 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حدثنا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبي سُفْيانَ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلاثٍ قالَ: "لا يَمُوتُ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ باللهِ" (¬1). * * * باب ما يستحب من حسن الظن [بالله] (¬2) عند الموت [3113] (حدثنا مسدد، حدثنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق أحد الأعلام في الحفظ والعبادة (حدثنا الأعمش، عن أبي سفيان) طلحة بن نافع القرشي مولاهم الواسطي تابعي مشهور، قال: جاورت جابر بن عبد الله ستة أشهر بمكة (¬3). (عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول قبل موته بثلاث: لا يموتن) نسخة: لا يموت (أحدكم إلا وهو يحسن الظن) لا يستقيم هذا النهي على ظاهره؛ لأنهم نهوا عن الموت، والموت مما لا ينهى عنه فرجع حاصله إلى أن ينهى الإنسان عن أن يؤخذ على حالة يدركه الموت وهو على غير حسن الظن بالله، (¬4) تعالى؛ فالنهي في الحقيقة نهى عن كونه يكون على خلاف حسن الظن إذا مات، وهذا على سعة الكلام والتفنن (¬5) فيه، كقولك: لا تُصَلِّ إلا وأنت ¬

_ (¬1) (3989). (¬2) من المطبوع. (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 13/ 440. (¬4) إلى هنا انتهى السقط من (ر). (¬5) اضطرب رسمها في النسخ وتعذر قراءتها. والمثبت أقرب معنى ولفظًا للمرسوم.

خاشع، نهي في الظاهر عن فعل الصلاة، ومطلق الصلاة لا ينهى عنها، لكن معناه: لا تكن صلاتك إلا على الخشوع، فرجع معناه إلى أن يكون النهي عن حالة هي غير حالة الخشوع. فهي (¬1) في الحديث كناية تلويحية؛ فإن قلت: فأي نكتة في إدخال حرف النهي على الموت؟ والنهي (¬2) عن إساءة الظن وترك الخشوع؟ فالجواب كما أشار إليه الزمخشري: أن الصلاة أو الموت إذا قصد بالنهي عنهما النهي عن حالة يقعان فيها إرادة للفضيلة (¬3) والخيرية كان أبلغ مما إذا قصد نفي الفضيلة والخيرية ابتداءً (¬4). فإن قلتَ: هذا يناقض ما قالوه في قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا} (¬5) الآية في معنى النهي عن حال الكفر، لا عن ذاته؛ لأنَّ كيف سؤالٌ عن الحال، وهو استفهام إنكار في معنى النهي، وعليه سؤال مشهور وهو: لم لا أنكر عليهم ذات الكفر؛ فإنه منكر لا حاله؟ وجوابه: أن إنكار الذات مستتبع لإنكار الحال؛ لأن حال الشيء تابعة لذات الشيء، فلو أنكر الذات وهو المنكر هنا، إلا أنه لم يكن في المبالغة، كما إذا أنكر الحال فيتبعها إنكار الذات؛ لأن مقتضى الظاهر إنكار الذات؛ فإذا أنكر لم يكن من الكناية في شيء، فأما إذا ¬

_ (¬1) في (ر)، (ع): فيه. (¬2) في (ر): بتفضيله. (¬3) في (ر، ل): ولم نهى. والمثبت من (ع). (¬4) انظر: "الكشاف" 1/ 329. (¬5) البقرة: 28.

أنكر الحال لينتفي الذات كان كناية، وكان أبلغ لما يلزم من نفيها نفيه بطريق برهاني؛ لأنه إذا أنكر أن يكون لكفرهم حال يوجد عليها، وقد علم أن كل موجود لا ينفك عن حال، فإذا نفى اللازم ينتفي (¬1) الملزوم. والجواب عن المناقضة بين الحديث والآية أن الأبلغية وعدمها باعتبار العدول عن مقتضى الظاهر فيهما؛ فإن المقتضى في الآية إنكار ذات الكفر، فعدل إلى إنكار الحال ليلزم منه إنكار الذات على سبيل الكناية [وها هنا المقتضى] (¬2) نفي الفضيلة، فعدل إلى نفي الذات ليلزم منه نفي الفضيلة على سبيل الكناية. والحاصل أن في العدول عن الظاهر مبالغة ليست في ارتكاب الظاهر، ولهذا قال صاحب "المفتاح": [ولأمر ما تجد] (¬3) أرباب البلاغة وفرسان الطراد يستكثرون من هذا الفن، وأنه في علم البيان يسمى: بالكناية (¬4). (بالله) عند الموت، وفيه النهي عن سوء الظن بالله تعالى، وهو أن يظن عند الموت أنه يعذبه، بل الأمر بأن يحسن بالله تعالى بأن الله تعالى سيرحمه، وأما في حال الصحة (¬5) ففيه وجهان: أحدهما: أن الأرجح أن يكون خوفه أرجح ليكون مرتدعًا عن ¬

_ (¬1) في (ر): لينتفي. (¬2) في (ر): لا مقتضى. (¬3) في (ر): ولا من ما يجد. (¬4) انظر: "مفتاح العلوم" للسكاكي (174). (¬5) في (ر): الضجر.

المعصية، حكاهما القاضي والمتولي وغيرهما. والثاني: يستوي خوفه ورجاؤه؛ لأن الخوف رادع عن المعصية، والرجاء حاثٌّ على طلب الثواب (¬1) من الله، وصححه النووي بأن الغالب في القرآن اقتران الترغيب والترهيب، كقوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14)} (¬2). قال: وقد تتبعت الأحاديث الواردة في الرجاء والخوف وجمعتها في "رياض الصالحين"، وكانت أحاديث الرجاء أضعاف أحاديث الخوف، انتهى (¬3). ويشهد له ثناء الله على خواص عباده بالجمع بين الخوف والرجاء {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} (¬4)، وقوله تعالى: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} (¬5). وقال الغزالي: الرجاء والخوف دواءان تداوى بهما القلوب ففضلهما بحسب الداء الموجود، فإن غلب على القلب داء الأمن من مكر الله والاغترار به فالخوف أفضل، وإن غلب القنوط فالرجاء أفضل (¬6). ¬

_ (¬1) في (ل) و (ر): الصواب، والمثبت من (ع). (¬2) الانفطار: 13 - 14. (¬3) انظر: "المجموع" 5/ 108 - 109. (¬4) الإسراء: 57. (¬5) الأنبياء: 90. (¬6) "إحياء علوم الدين" 4/ 164 ط دار المعرفة.

18 - باب ما يستحب من تطهير ثياب الميت عند الموت

18 - باب ما يُسْتَحَبُّ منْ تَطْهيرِ ثِيابِ المَيِّتِ عِنْدَ المَوْتِ 3114 - حدثنا الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ، حدثنا ابن أَبي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنِ ابن الهادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْراهِيمَ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْريِّ أَنَّهُ لَمّا حَضَرَهُ المَوْتُ دَعا بِثِيابٍ جُدُدٍ فَلَبِسَها ثُمَّ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُول: "إِنَّ المَيِّتَ يُبْعَثُ في ثِيابِهِ التي يَمُوتُ فِيها" (¬1). * * * باب تطهير ثياب الميت عند الموت [3114] (حدثنا الحسن بن علي) بن راشد الواسطي، وثقه بحشل -بالباء الموحدة والحاء المهملة- وهو أحمد بن عبد الرحمن بن أبي عبد الله، ابن أخي عبد الله بن وهب، يروي عن عمه. قال: (حدثنا) بُريد -بالباء الموحدة والتصغير- (ابنُ أبي مريم) السلولي، وثقوه، كذا في "الميزان" (¬2)، قال (أنبأنا يحيى بن أيوب، عن) يزيد (ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-: أنه لما حضره الموت دعا بثياب) له (جُدُدٍ) بضم الجيم الأولى (¬3) كقضيب وقضب (فلبسها) فيه تنظيف الثياب والبدن للقدوم على الله تعالى. (ثم قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إنَّ الميتَ يُبْعَثُ) أي: من قبره ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق في "المصنف" (6203)، وابن حبان (7316)، والحاكم 1/ 339، والبيهقي 3/ 384. وصححه الألباني في "الصحيحة" (1671). (¬2) 1/ 306 (1155). (¬3) كذا بالنسخ، ولعل الصواب: الدال. إذ لا مفهوم لتقييد الجيم بـ (الأولى).

كما قال الله تعالى حكايةً عن الأموات: {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا} (¬1). (في ثيابه التي يموت فيها) إذا كان البعث من القبور غير الحشر في أرض المحشر؛ فيجوز أن يكون البعث في الثياب التي مات فيها، ويحشر الخلائق حفاة عراةً غرلًا، حتى قالت سودة وعائشة: وا سوأتاه! ينظر بعضنا إلى عورة بعض .. (¬2) الحديث. رواه ابن حبان بدون القصة، وقال: أراد [به: في أعماله] (¬3) كقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)} (¬4) يريد: وعملك فأصلح (¬5). ¬

_ (¬1) يس: 52. (¬2) رواه البخاري (6527)، ومسلم (2859). (¬3) في النسخ: بذلك. والمثبت من "صحيح ابن حبان". (¬4) المدثر: 4. (¬5) انظر: "صحيح ابن حبان" 16/ 307 (7316).

19 - باب ما يستحب أن يقال عند الميت من الكلام

19 - باب ما يُسْتَحَبُّ أنْ يُقالَ عِنْدَ المَيِّتِ مِنَ الكَلامِ 3115 - حدثنا محَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي وائِلٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذا حَضَرْتُمُ المَيِّتَ فَقُولُوا خَيْرًا فَإِنَّ المَلائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى ما تَقُولُونَ" .. فَلَمّا ماتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ ما أقولُ قالَ: "قُولي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَأَعْقِبْنا عُقْبَى صالِحَةً" .. قالَتْ: فَأَعْقَبَني الله تَعالَى بِهِ مُحَمَّدًا -صلى الله عليه وسلم- (¬1). * * * باب ما يستحب أن يقال عند الميت من الكلام [3115] (حدثنا محمد بن كثير) قال ابن حبان في "الثقات" (¬2): كان تقيًّا (¬3) فاضلًا يخضب عاش تسعين سنة، (قال: أنبأنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل) شقيق، (عن أم سلمة) رضي الله عنها (قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا حضرتم الميت فقولوا خيرًا) من أحسن ما يقال قراءة الفاتحة لتؤمِّن معه الملائكة (¬4). المراد بالميت المريض كما في رواية مسلم (¬5): "المريض أو الميت" على الشك، وهذا الأمر أمر ندب وتعليم لما يُقالُ عند المريض من الدعاء أو الاستغفار له أو طلب اللطف به أو التخفيف عنه، (فإنَّ الملائكةَ يُؤَمِّنُونَ على ما ¬

_ (¬1) رواه مسلم (919). (¬2) 9/ 78. (¬3) في النسخ الخطية: (ثبتا). والمثبت من "الثقات". (¬4) يقرؤها على سبيل الرقية للمريض، أما في غير ذلك فلا نعلم دليلا عليه والله أعلم. (¬5) (919).

تقولون) فيه حضور الملائكة، ولعلهم غير الكتبة وتأمينهم على دعاء من حضر عنده، ولهذا استحب أن يحضر الميت الصالحون وأهل الخير حالة نزعه؛ ليذكِّروه بما فيه نفعه، ويعلموه ما جهل، ويدعوا له ولمن يخلفه؛ فينتفع بذلك (¬1) الميت ومن يخلفه، ويعتبرون برؤيته، ويسبب حضور الملائكة المحتضر (¬2). قال صاحب "الرونق" و"اللباب": لا يجوز للحائض أن تحضر المحتضر، وكذا النفساء والجنب؛ لأن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه حائض ولا جنب (¬3). (فلما مات أبو سلمة) عبد الله بن عبد الأسد المخزومي القرشي زوج أم سلمة قبل النبي -صلى الله عليه وسلم-، ابن عمة النبي -صلى الله عليه وسلم-، أسلم بعد عشرة فكان هو الحادي عشر من المسلمين، وهو أول من هاجر هو وزوجته أم سلمة إلى الحبشة، شهد بدرًا (¬4). (قلت: يا رسول الله، ما أقول؟ قال: قولي: اللهم أغفر له، وأعقبنا) بكسر القاف يقال: عقب فلان مكان أبيه، أي: خلفه، والمعنى هنا: عوضني عنه (عقبى صالحة) أي: حسنة (قالت) فقلته (فأعقبني الله تعالى) رواية مسلم: فأخلف الله لي خيرًا منه (رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) فيه استحباب الدعاء للميت عند موته ولأهله وذريته وآبائه. ¬

_ (¬1) في (ر): بذكر. (¬2) انظر: "المفهم" للقرطبي 2/ 571 - 572. (¬3) نقله عنه الشربيني في "مغني المحتاج" 1/ 492. (¬4) انظر: "أسد الغابة" 3/ 295.

20 - باب في التلقين

20 - باب في التَّلْقِينِ 3116 - حدثنا مالِكُ بْنُ عَبْدِ الواحِدِ الِمسْمَعيُّ، حدثنا الضَّحّاك بْنُ مَخْلَدٍ، حدثنا عَبْدُ الحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَني صالِحُ بْنُ أَبي عَرِيبٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ قال: قال رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ كانَ آخِرُ كَلامِهِ لا إله إِلاَّ اللهُ دَخَلَ الجَنَّةَ" (¬1). 3117 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا بِشْرٌ، حدثنا عُمارَةُ بْنُ غَزِيَّةَ، حدثنا يَحْيَى بْنُ عُمارَةَ قالَ: سَمِعْتُ أَبا سَعِيدٍ الخُدْريَّ يقولُ: قال رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَقِّنُوا مَوْتاكُمْ قَوْلَ لا إله إِلَّا اللهُ" (¬2). * * * باب في التلقين [3116] (حدثنا مالك بن عبد الواحد) أبو غسان (المِسْمَعِيُّ) بكسر الميم الأولى شيخ مسلم، قال: (حدثنا الضحاك بن مخلد) بن الضحاك الشيباني الحافظ النبيل، قيل: سمي بذلك لكبر أنفه، تزوج امرأةً فلما دنا ليقبلها قالت: نحِّ ركبتك عن وجهي! فقال: إنما هو أنفي. قال البخاري عنه: سمعته يقول: منذ عقلت أن الغيبة حرام ما اغتبت أحدًا قط (¬3). (قال: حدثنا عبد الحميد بن جعفر) بن عبد الله الأنصاري، قال ابن ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 233، والبزار (2626)، والشاشي (1372)، والطبراني 20/ 112 (221). وحسنه الألباني في "الإرواء" (687). (¬2) رواه مسلم (916). (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 13/ 287

معين وغيره: ثقة. قال (حدثني صالح بن أبي عَرِيب) بفتح العين المهملة وكسر الراء، واسمه قليب بن حرمل الحضرمي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬1). (عن كثير بن مرة) أبي شجَرة بفتح الشين والجيم، الحضرمي الرَّهاوي بفتح الراء، أدرك سبعين بدريًّا (عن معاذ بن جبل) -رضي الله عنه-. (قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من كان آخرُ كلامِهِ لا إله إلا الله) ومن أحسن ما جاء في هذا ما روي عن أبي عبد الله محمد بن مسلم الرازي أنه قال: حضرت مع أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي [عند أبي زرعة الرازي] (¬2) وهو في النزع، فقلت لأبي حاتم: تعال نلقنه الشهادة. فقال: إني لأستحي من أبي زرعة أن ألقنه الشهادة، ولكن نذكر الحديث فلعله إذا سمعه يقول، فبدأت فقلت: حدثنا أبو عاصم النبيل، حدثنا عبد الحميد بن جعفر .. . فارتج عليّ الحديث حتى كأني ما سمعته ولا قرأته، فقال أبو حاتم: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم النبيل، عن عبد الحميد بن جعفر .. . [فارتج عليه كأنه ما قرأه، فبدأ أبو زرعة فقال: حدثنا محمد بن بشار، أخبرنا أبو عاصم النبيل، عن عبد الحميد بن جعفر] (¬3) عن صالح بن أبي عَريب، عن كثير بن مرة، عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من كان آخرُ كلامه: لا إله إلا الله" وخرجت روحه مع الهاء قبل أن ¬

_ (¬1) 6/ 457. (¬2) سقط من (ر). (¬3) سقط من النسخ والمثبت من "البدر المنير" لابن الملقن 5/ 190.

يقول: (دخل الجنة) ومعنى ذلك أنه لابد من دخول الجنة، فإن كان عاصيًا غير تائب فهو في أول أمره في خطر المشيئة يحتمل أن يغفر له، ويحتمل أن يعاقبه ويدخل الجنة بعد العقاب، ويحتمل أن يكون من وفق (¬1) لأن يكون كلامه لا إله إلا الله يكون ذلك علامة على أن الله تعالى يعفو عنه فلا يكون في خطر المشيئة تشريفًا له على غيره ممن لم يوفق أن يكون آخر كلامه؛ فإن غفل المحتضر أن يقولها فيذكره من يحضره (¬2). [3117] (حدثنا مسدد قال: حدثنا بشر قال: حدثنا عُمارة بن غَزِيَّة) -بفتح الغين المعجمة وكسر الزاي- قال: (حدثنا يحيى بن عُمارة) بن أبي حسن المازني، ثقة (قال: سمعت أبا سعيد الخدري -رضي الله عنه-[يقول: ] قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لَقِّنُوا) أي: ذكِّروا موتاكم ليتمكن التوحيد من قلوبهم (موتاكم) أي: من حضره الموت، سماه ميتًا مجازًا؛ لإشرافه عليه من باب تسمية الشيء بما يؤول إليه (قولَ لا إله إلا الله) زاد ابن أبي الدنيا: "ما من عبد يختم له بها عند موته إلا كانت زاده إلى الجنة" (¬3). وروي أيضًا في كتاب "المحتضرين" من طريق عروة بن مسعود، عن أبيه، عن حذيفة بلفظ: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله؛ فإنها تهدم ما قبلها من الخطايا" (¬4). ¬

_ (¬1) في (ر): وقف. (¬2) انظر: "شرح النووي على مسلم" 1/ 220. (¬3) "المحتضرين" لابن أبي الدنيا ص 18. (¬4) ص 20.

وروى أبو القاسم القشيري في "أماليه" من طريق ابن سيرين، عن أبي هريرة مرفوعًا: "إذا ثقلت موتاكم فلا تَملوهم قول لا إله إلا الله، ولكن لقنوهم؛ فإنه لم يختم به لمنافق". وقال: غريب، لكن في سنده محمد بن الفضل بن عطية، وهو متروك (¬1). ورواه النسائي بلفظ المصنف، لكن قال: "هلكاكم" (¬2) بدل: "موتاكم". ويستحب لمن يلقنه إذا قال له: لا إله إلا الله، لا تعاد عليه إلا أن يتكلم بغيرها. قال صاحب "العدة" والمحاملي: يلقنه ثلاث مرات من غير زيادة عليه. ولا يواجهه به بأن يقول: قل: لا إله إلا الله؛ خشية أن يضجره فيقول: لا؛ فيكفر، لكن يذكر الكلمة بين يديه ليذكرها. أو يقول: ذكر الله مبارك، أو يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: "التلخيص الحبير" 2/ 240 - 242، ورواه أبو القاسم تمام في "فوائده" 2/ 98 من هذه الطريق مختصرًا. (¬2) "المجتبى" 4/ 5. (¬3) انظر: "حاشية الجمل على المنهج" 3/ 630.

21 - باب تغميض الميت

21 - باب تَغْمِيضِ المَيِّتِ 3118 - حدثنا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ أَبُو مَرْوانَ، حدثنا أَبُو إِسْحاقَ -يَعْني الفَزاريَّ- عَنْ خالِدٍ الحَذّاءِ، عَنْ أَبي قِلابَةَ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذؤَيْبٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى أَبي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ فَصَيَّحَ ناسٌ مِنْ أَهْلِهِ فَقالَ: "لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ بِخَيْرٍ فَإِنَّ المَلائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى ما تَقُولُونَ" .. ثُمَّ قالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَبي سَلَمَةَ وارْفَعْ دَرَجَتَهُ في المَهْدِيِّينَ واخْلُفْهُ في عَقِبِهِ في الغابِرِينَ واغْفِرْ لَنا وَلَهُ رَبَّ العالَمِينَ اللَّهُمَّ أفْسَحْ لَهُ في قَبْرِهِ وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ" (¬1). قالَ أَبُو داوُدَ: وَتَغْمِيضُ المَيِّتِ بَعْدَ خرُوجِ الرُّوحِ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمانِ المُقْرِئَ قالَ: سَمعْتُ أَبا مَيسَرَةَ رَجُلًا عابِدًا يَقُول: غَمَّضْتُ جَعْفَرًا المُعَلِّمَ -وَكانَ رَجُلًا عابِدًا- في حالَةِ المَوْتِ فَرَأَيْتُهُ في مَنامي لَيْلَةَ ماتَ يَقُولُ: أَعْظَمُ ما كانَ عَلَيَّ تَغْمِيضُكَ لي قَبْلَ أَنْ أَمُوتَ. * * * باب في تغميض الميت [3118] (حدثنا عبد الملك بن حبيب أبو مروان) المصيصي البزاز، قال: (حدثنا الفزاريُّ، يعني: أبا إسحاق) إبراهيم بن محمد، أحد الأعلام (عن خالد الحذاء، عن أبي قِلابة) عبد الله بن زيد الجرمي (عن قَبيصة بن ذؤيب، عن أم سلمة) زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- (قالت: دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أبي سلمة) عبد الله بن عبد الأسد المخزومي (وقد شَقَّ) صوابه بفتح الشين مبنيًّا للفاعل، ورفع (بصره) أي: انفتح بصره وشق الميت بصره: إذا ¬

_ (¬1) رواه مسلم (920).

شخَص بصره بفتح الخاء أيضًا. قاله (¬1) صاحب "الأفعال" (¬2). (فأغمضه) أي: شد أجفانه بعد موته، وهو سنة عمل بها المسلمون كافة، ومقصوده: تحسين وجه الميت وستر تغير بصره. قال النووي: يستحب أن يقول مغمضه ما رواه البيهقي (¬3) عن بكر بن عبد الله المزني التابعي وهو (¬4): بسم الله، وعلى ملة رسول الله (¬5). (فصيَّحَ) بفتح الفاء والمهملة وتشديد التحتانية (¬6) (ناسٌ من أهله) أي: صاحوا وجزعوا ودعوا بالويل والثبور على أنفسهم. (فقال: لا تَدْعوا على أنفسكم إلا بخير) رواية ابن ماجه (¬7): عن شداد ابن أوس مرفوعًا: "إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر، فإنّ البصر يتبع الروح، وقولوا خيرًا". ولعل النهي سببه حضور الملائكة وتأمينهم على الدعاء كما تقدم، ولهذا قال (فإن الملائكة يؤمِّنون على ما تقولون) أي: من خير أو شر، ومعنى (يؤمنون) أي: يقولون آمين، ومعناه: اللهم استجب (ثم قال: اللهم أغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين) [بفتح الميم] (¬8) أي: الذين هدوا إلى الصراط المستقيم صراط الله ¬

_ (¬1) في (ر): قال. (¬2) "الأفعال" 2/ 168، انظر: "شرح النووي على مسلم" 6/ 222. (¬3) "السنن الكبرى" 3/ 385. (¬4) زاد هنا في (ر): أن يقول. (¬5) "المجموع" 5/ 126. (¬6) بعدها في الأصل: نسخة: فضج. (¬7) (1455). (¬8) من (ل).

(واخلُفْهُ) بضم اللام (في عَقِبه) أي: كن خليفته على من يتركه من عقبه ويبقى بعده (في الغابرين) أي: الباقين كما قال تعالى: {إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} (¬1) أي: من الباقين في العذاب، و (غبر) من الأضداد، يقال بمعنى بقي، وبمعنى ذهب. (واغفر لنا وله ربَّ) بالنصب منادى مضاف أي: يا رب (العالمين، اللهم افسحْ له في قبره) افسح بفتح السين أي: وسع له في منزله الذي نزل به، وأنت خير منزول به (ونوِّرْ له فيه) من نورك الذي نَوَّرت به السماوات والأرض. ([قال أبو داود (¬2): ولم يسند هذا إلا أبو إسحاق] (¬3) قال أبو داود: وتغميض الميت بعد خروج الروح، سمعت محمد بن محمد بن النعمان [المقري] (¬4)، قال: سمعت أبا ميسرة -رجلاً عابدًا- يقول: غمضت جعفرًا المعلم -وكان رجلاً عابدًا- في حالة الموت، فرأيته في منامي ليلةَ مات يقول: أعظم ما كان عليَّ تغميضُك لي قبل أن أموت) إما لشدة ألمه، أو لمنعه رؤية ما كان يشاهد عند خروج روحه. ¬

_ (¬1) الأعراف: 83. (¬2) من (ل). (¬3) ليست في المطبوع وكتب في حاشية نشرة الحوت لـ "السنن" 2/ 208: زيادة في (د). وفي الهامش: لأبي عيسى. قلت: لعله أبو عيسى الرملي إسحاق بن موسى وراق أبي داود روى عن أبي داود، وكان عنده عنه كتاب "السنن". انظر: "تاريخ بغداد" 7/ 433. (¬4) من المطبوع.

22 - باب في الاسترجاع

22 - باب في الاسْتِرْجاعِ 3111 - حدثنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حدثنا حَمّادٌ، أَخْبَرَنا ثابِتٌ، عَنِ ابن عُمَرَ ابْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذا أَصابَتْ أَحَدَكُمْ مُصِيبَةٌ فَلْيَقُلْ: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} اللَّهُمَّ عِنْدَكَ أَحْتَسِبُ مُصِيبَتي فَآجِرْني فِيها وَأَبْدِلْ لي خَيرًا مِنْها" (¬1). * * * باب في الاسترجاع الاسترجاع مثال لما ورد من استفعل بمعنى فَعَّلَ بالتشديد؛ فإن استرجع بمعنى رجع. ومعنى رجَّع قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، مثل أمَّن إذا قال: آمين. [3119] (حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد قال: أخبرنا ثابت، عن (ابن عمر) (¬2) بن أبي سلمة، عن أبيه) [أبو سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري] (¬3) (عن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا أصابت أحدَكم مصيبةٌ) وهي التي تصيبُ الإنسانَ بالنكبة ونحوها. قال الواحدي: لا يقال فيما يصيب بخير مصيبة. (فليَقُل: إنا لله) أي: نحن وأهلونا وأموالنا نحن عبيد لله يصنع فينا ما ¬

_ (¬1) رواه مسلم (918). (¬2) في النسخ: (عمرو)، والمثبت من المطبوع. (¬3) هكذا في النسخ وهو خطأ، والصواب عمر بن أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن أم سلمة يروي هنا عن أمه وابنه اسمه: محمد بن عمر بن أبي سلمة بن عبد الأسد. انظر: "تحفة الأشراف" 13/ 27.

يشاء، (وإنا إليه) أي: إلى انفراده بالحكم كما كان أول مرة (راجعون) وفي "إنا لله" إقرارٌ له بالعبودية، "وإنا إليه راجعون" إقرارٌ بالبعث والنشور. قال أبو بكر الوراق: "إنا لله" إقرارا له بالملك، "وإنا إليه راجعون" إقرار على أنفسنا بالهلاك (¬1). (اللهم عندك أحتسب مصيبتي) أي: أدخر ثواب مصيبتي في صحائف حسناتي. قال الحسن: الحمد لله الذي أجرنا على ما لا بد لنا منه (¬2). (فَأْجُرني) بسكون الهمزة وضم الجيم وكسرها أي: أثبني، والأجر: الثواب (فيها، وأَبدِلني) بفتح الهمزة وكسر الدال (بها خيرًا منها). ¬

_ (¬1) انظر: "تفسير الرازي" 1/ 673. (¬2) انظر: "شرح البخاري" لابن بطال 3/ 249.

23 - باب في الميت يسجى

23 - باب في المَيِّتِ يُسَجَّى 3120 - حدثنا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، حدثنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، حدثنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- سُجّيَ في ثَوْبٍ حِبَرَةٍ (¬1). * * * باب في الميت يسجى [3120] (حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أبنا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سُجِّي) بضم السين وتشديد الجيم المكسورة أي: غطي جميع بدنه، ومنه قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2)} (¬2) أي: غطى النهار بظلمته. قال أصحابنا: تكون التسجية بعد نزع ثيابه التي توفي فيها. وفيه استحباب تسجية الميت إذا مات، وهو مجمع عليه، وحكمته صيانته من الانكشاف، وستر عورته المتغيرة بالموت عن الأعين. وإذا سجي فيلف طرف الثوب المسجى به تحت رأسه وطرفه الآخر تحت رجليه لئلا ينكشف عنه، ويكون الثوب صفيقا (¬3) ساترًا لجميع البدن. (في ثوب حِبَرة) بكسر الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة، وهو نوع من برود اليمن (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1241)، ومسلم (942). (¬2) الضحى: 2. (¬3) في (ر): خفيفا. (¬4) انظر: "شرح النووي على مسلم" 7/ 10.

24 - باب القراءة عند الميت

24 - باب القِراءَةِ عِنْدَ المَيِّتِ 3121 - حدثنا مُحَمَّدُ بْن العَلاءِ وَمحَمَّدُ بْن مَكّيٍّ المَزوَزيُّ -المَعْنَى- قالا: حدثنا ابن المُبارَكِ، عَنْ سُلَيْمانَ التَّيْميِّ، عَنْ أَبِي عُثْمانَ -وَلَيْسَ بِالنَّهْديِّ- عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسارِ قال: قال النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "اقْرَؤوا: {يس} عَلَى مَوْتاكُمْ" .. وهذا لَفْظُ ابن العَلاءِ (¬1). * * * باب القراءة عند الميت [3121] (حدثنا محمد بن العلاء ومحمد بن مكي المَروزي) بفتح الميم (المعنى، قالا: أخبرنا) عبد الله (بن المبارك، عن سليمان) بن طرخان (التيمي، عن أبي عثمان) قيل: اسمه سعد، قال علي بن المديني: لم يرو عنه غير التيمي، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وليس له عند المصنف وابن ماجه سوى هذا الحديث، وله عند النسائي حديث آخر عن أنس، هذا جميع ما له عندهم (¬2)، وروى أبو عثمان هذا (ليس بالنهدي عن أبيه) هكذا رواه ابن حبان والحاكم عن أبي عثمان، عن أبيه. ورواه النسائي وابن ماجه لكن لم (¬3) يقولا: عن أبيه. وأعله ابن القطان بالاضطراب والوقف، وبجهالة حال أبي عثمان ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (1448) أحمد 5/ 26، والطيالسي (973)، والنسائي في "الكبرى" (1074)، وابن حبان (3002) ضعفه الألباني في "الضعيفة" (5861). (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 34/ 75 - 76. (¬3) زاد هنا في (ر): لا.

وأبيه (¬1). (عن معقل بن يسار -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أقرؤوا يس) قد يستدل به على استحباب قراءة القرآن جماعة، وهو مذهب الشافعي والجمهور، ويدل عليه قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتاب الله" (¬2). وقال مالك: يكره (¬3). وتأول الحديث بعض أصحابه. ولا فرق في تحصيل هذِه الفضيلة بين أن يكون الاجتماع على القراءة في مسجد أو رباط أو مدرسة أو عند الميت أو غيره. وإذا قلنا بفضيلة قراءة السورة أو الجزء من القرآن، فهل يثاب كل منهم على قراءة السورة أو الجزء كاملًا أم لا؟ وقد أفتى شيخنا الشيخ سراج الدين البلقيني بأنه لا يحصل لكل منهما قراءة السورة كاملةً، أفتى بذلك حين سئل عن قراءة سورة الكهف جماعةً ووجهه لما يحصل من السكوت (¬4) لقطع النفس فيفوته بالسكوت بعض القراءة. (على موتاكم وهذا لفظ (¬5) ابن العلاء) قال ابن حبان في "صحيحه" عقب حديث معقل المذكور: أراد به القراءة على من حضرته المنية، لا أن الميت يقرأ عليه (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: "التلخيص الحبير" 2/ 244 - 245. (¬2) رواه مسلم (2699). (¬3) فعله النووي في "التبيان" ص 102 وابن الحاج في "المدخل" 1/ 91 عن ابن وهب عنه. (¬4) في (ر): السلف، وسقط من (ع). (¬5) في (ر): لغة. (¬6) "صحيح ابن حبان" 7/ 271.

قال: وكذلك: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله" (¬1). ورده المحب الطبري في "الأحكام" وغيره في القراءة، وسلم له ذلك في التلقين، ولفظ رواية أحمد: "يس قلب القرآن (¬2) لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غفر له، واقرؤوها على موتاكم". وقال أحمد في "مسنده": حدثنا أبو المغيرة، حدثنا صفوان قال: كانت المشيخة يقولون: إذا قرئت -يعني: يس- عند الميت خفف عنه بها (¬3). وأسنده صاحب "الفردوس" من طريق مروان بن سالم، عن صفوان ابن عمرو، عن شريح، عن أبي الدرداء وأبي ذر قالا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال (¬4): "ما من ميت يموت فيقرأ عنده يس إلا هون الله عليه" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (916). (¬2) زاد هنا في (ر): أن. (¬3) "مسند أحمد" 4/ 105. (¬4) هكذا في النسخ مكررة مرتين. (¬5) "الفردوس بمأثور الخطاب" 4/ 32 (6099)، وانظر: "التلخيص الحبير" 2/ 245.

25 - باب الجلوس عند المصيبة

25 - باب الجُلُوسِ عِنْدَ المُصِيبَةِ 3122 - حدثنا محَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حدثنا سُلَيْمانُ بْن كَثِيرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: لَمّا فتِلَ زَيْدُ بْنُ حارِثَةَ وَجَعْفَرٌ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَواحَةَ جَلَسَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- في المَسْجِدِ يُعْرَفُ في وَجْهِهِ الحُزْنُ وَذَكَرَ القِصَّةَ (¬1). * * * باب الجلوس عند المصيبة (نسخة: باب الجلوس في المسجد وقت التعزية (¬2) [3122] (حدثنا محمد بن كثير) العبدي، عن أخيه قال: (أخبرنا سليمان بن كثير) وكان سليمان أكبر من أخيه محمد بن كثير المدني، روى عنه بخمسين سنة (¬3). (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن عَمْرة) بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، أخذت (عن عائشة) وكانت في حجرها وربتها (قالت: لما قتل زيد بن حارثة) بن شراحيل سماه الله في القرآن [ولم يصرح باسم غيره] (¬4)، قتل في غزوة مؤتة وهو أمير الجيش في جمادى الأولى سنة ثمانٍ وهو ابن خمس وخمسين سنة (¬5) (وجعفر) بن أبي ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1299)، ومسلم (935). (¬2) كذا في جميع النسخ، وفي حاشية نشرة الحوت للـ "سنن" 2/ 209: كذا في (د). (¬3) وردت هذِه العبارة في "تهذيب الكمال" هكذا (وكان أكبر من أخيه محمد بخمسين سنة) 56/ 12. (¬4) من (ل). (¬5) انظر: "تهذيب الكمال" 10/ 38، "جامع الأصول" 12/ 408.

طالب قتل في غزوة مؤتة أيضًا (وعبد الله بن رواحة) بن ثعلبة الخزرجي، أحد النقباء، قتل بمؤتة أيضًا سنة ثمان. (جلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسجد يعرف (¬1) في وجهه الحزن) أي: جلس للاعتكاف ونحوه لا ليأتي إليه من يعزيه. قال أصحابنا: يكره لأهل الميت الجلوس للتعزية، وهو أن يجلس في بيت ونحوه ليأتي إليه من يعزيه. نص عليه الشافعي في "الأم" (¬2) قال: أكره المآتم (¬3)، وهي الجماعة وإن لم يكن بكاء؛ فإن ذلك يجدد الحزن، بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم وأول من جلس للتعزية عبد الله بن المبارك لمَّا مات أخوه (¬4) فدخل عليه يهودي وقال: حقٌّ على العاقل أن يفعل في أول يومه ما يفعله الجاهل بعد ثلاث (¬5). ¬

_ (¬1) في (ر): فعرف. (¬2) 1/ 279. (¬3) في (ر): الإلمام. (¬4) بعدها في الأصل: نسخة: أخته. (¬5) أورده أبو الليث السمرقندي في "تنبيه الغافلين" ص 262 بنحوه.

26 - باب في التعزية

26 - باب في التَّعْزِيَةِ 3123 - حدثنا يَزِيدُ بْنُ خالِدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوْهَبٍ الهَمْدانيُّ، حدثنا المُفَضَّلُ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ سَيْفٍ المَعافِريِّ، عَنْ أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُليِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ قال: قَبَرْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-يَغني مَيِّتًا- فَلَمّا فَرَغْنا انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وانْصَرَفْنا مَعَهُ فَلَمّا حاذى بابَهُ وَقَفَ فَإِذا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ مُقْبِلَةٍ -قال: أَظنُّهُ عَرَفَها- فَلَمّا ذَهَبَتْ إِذا هيَ فاطِمَةُ عَلَيْها السَّلامُ فَقالَ لَها رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "ما أَخْرَجَكِ يا فاطِمَةُ مِنْ بَيْتِكِ؟ " .. فَقالَتْ: أَتَيْتُ يا رَسُولَ اللهِ أَهْلَ هذا البَيتِ فَرَحَّمْتُ إِلَيهِمْ مَيِّتَهُمْ أَوْ عَزَّيْتُهُمْ بِهِ. فَقالَ لَها رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "فَلَعَلَّكِ بَلَغْتِ مَعَهُمُ الكُدى" .. قالَتْ: مَعاذَ اللهِ وَقَدْ سَمِعْتكَ تَذْكُرُ فِيها ما تَذْكُرُ. قالَ: "لَوْ بَلَغْتِ مَعَهُمُ الكُدى" .. فَذَكَرَ تَشْدِيدًا في ذَلِكَ فَسَأْلُتُ رَبِيعَةَ عَنِ الكُدى فَقال: القُبُورُ فِيما أَحْسِبُ (¬1). * * * باب في التعزية [3123] (حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن مَوْهَب) بفتح الميم والهاء الرملي الزاهد الثقة، قال: (حدثنا المفضل) بن فضالة الرعيني، كان قاضيا مجاب الدعوة، فدعا الله أن يذهب عنه الأمل فأذهبه الله عنه، فكاد أن يختلس عقله ولم يهنأه شيء من الدنيا، فدعا الله أن يرد عليه (¬2) الأمل، فرده، فرجع إلى حاله (¬3) (عن ربيعة بن سيف المَعَافِري) ومَعافر -بفتح الميم- حي من همدان، قال الدارقطني: ¬

_ (¬1) رواه النسائي 4/ 27، وأحمد 2/ 168، وأبو يعلى (6746)، وابن حبان (3177). ضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (560). (¬2) في (ر): إليه. (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 28/ 418.

صالح (¬1). (عن أبي عبد الرحمن) عبد الله بن يزيد (¬2) المعافري (الحُبُلي) - بضم الحاء المهملة والباء الموحدة - المصري، يعد في تابعي المصريين، (عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- قال: قَبَرْنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) أي: دفناه بأيدينا صيانةً لجسد الميت أن تأكله الطير والسباع، يقال: قبره دفنه، وأقبره: جعل له قبرًا. قال الأعشى: لو أسندت ميتًا إلى نحرها ... عاش ولم ينقل إلى قابر (¬3) (يعني ميتًا، فلما فرغنا) منه (انصرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وانصرفنا معه، فلما حاذى بابه) أي: باب الميت (وقف) بوسط الطريق، ورواية النسائي (¬4): فلما توسط الطريق وقف (فإذا نحن بامرأة مقبلة) أي: من جهة بيت الميت (فلما ذهبت إذا هي فاطمة) بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما أخرجك يا فاطمة من بيتك؟ ) رواية: البيت. فيه إنكار الرجل على ابنته وأخته وزوجته إذا خرجت بغير إذنه. (قالت: أتيت يا رسول الله أهلَ هذا البيت فرحَّمت) بتشديد الحاء. أي: ترحمت كما في رواية النسائي (¬5) (إليهم ميتهم) أي: دعوت لميتهم بالرحمة (وعزيتهم به) بحذف الألف قبل الواو. ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 9/ 114. (¬2) في الأصل (زيد) والمثبت من "تهذيب الكمال" 16/ 316. (¬3) انظر: "معجم مقاييس اللغة" لابن فارس 5/ 47. (¬4) انظر: "السنن" 4/ 27. (¬5) "المجتبى" 4/ 27.

والتعزية: التصبير، وذكر ما يسلي صاحب الميت ويخفف حزنه ويهون مصيبته، يقال: عزيته: أمرته بالصبر (¬1). فيه استحباب التعزية، والمقصود من التعزية الحمل على الصبر وذكر ما فيه من الأجر إذا صبر، والتحذير من الوزر بإفراط الجزع وعدم الرضا (¬2). (فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فلعلك بلغتِ معهم الكُدى) -بضم الكاف وبالدال المهملة- مقصور جمع كدية، وهي القطعة الصلبة من الأرض، والقبور تحفر في الأرض الصلبة لئلا تنهار، هو المقابر. (فقالت: معاذ الله! ! وقد سمعتك تذكر فيها) أي في زيارة النساء القبور (ما تذكر) من اللعنة كما سيأتي (فقال: لو بلغتِ معهم) فيه التحذير من حضور النساء إلى المقابر (فذكر التشديد في ذلك) قال المفضل (فسألت ربيعة) بن سيف (عن الكدى) ما هو؟ (فقال: القبور فيما أحسب) فيه التورع عن الجزم بالتفسير في الحديث. زاد النسائي في آخره: قال: "لو [بَلَغْتِها معهم] (¬3) ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك" (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: "الأذكار" للنووي (ص 124). (¬2) انظر: "نهاية المطلب" للجويني 3/ 70. (¬3) سقط من (ر). (¬4) "المجتبى" 4/ 27.

27 - باب الصبر عند الصدمة

27 - باب الصَّبْرِ عِنْدَ الصَّدْمَةِ 3124 - حدثنا محَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حدثنا عُثْمانُ بْن عُمَرَ، حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ ثابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قال: أَتَى نَبيُّ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- علَى امْرَأَةٍ تَبْكي عَلَى صَبيٍّ لَها فَقالَ لَها: "اتَّقي اللهَ واصْبِري" .. فَقالَتْ: وَما تُبالي أَنْتَ بِمصِيبَتي؟ فَقِيلَ لَها: هذا النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-. فَأَتَتْهُ فَلَمْ تَجِدْ عَلَى بابِهِ بَوّابِينَ فَقالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ لَمْ أَعْرِفْكَ فَقالَ: "إِنَّما الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى" .. أَوْ: "عِنْدَ أَوَّلِ صَدْمَةٍ" (¬1). * * * باب الصبر على (¬2) المصيبة [3124] (حدثنا ابن (¬3) المثنى قال: حدثنا عثمان بن عمر) بن فارس العبدي، من الصالحين الثقات، قال: (حدثنا شعبة، عن ثابت، عن أنس) ابن مالك -رضي الله عنه- (قال: أتى (¬4) نبيُّ الله -صلى الله عليه وسلم- على امرأةٍ تبكي) لفظ عبد الرزاق (¬5): أصيبت بولدها (على صبي لها، فقال لها: اتقي الله واصبري) فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع المرأة (¬6) الأجنبية وغيرها. (فقالت: وما تبالي أنت بمصيبتي؟ فقيل لها: هذا النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-! ) لما صادمته هذِه المرأة بقولها: إليك عني. كما في البخاري (¬7)، وبقولها: ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1283)، ومسلم (926). (¬2) في (ل) عند. وهو نسخة. (¬3) سقط من (ر). (¬4) في (ر): رأيت. (¬5) "المصنف" 3/ 551 (6668). (¬6) في (ل): الامرأة. (¬7) (1283).

ما تبالي بمصيبتي، وهو سوء أدب منها يتأذى به الإنسان، عذرها واحتملها، (فأتته، فلم تجد على بابه بوابين) لأن ذلك كان عادته لتواضعه -صلى الله عليه وسلم- ومجانبته أحوال المترفين والمتكبرين؛ لأنه كان نبيًّا عبدًا ولم يكن نبيًّا ملكًا (فقالت: يا رسول الله، لم أعرفك) فيه الاعتذار لمن وقع منه سوء أدب، (فقال: إنما الصبرُ) الكامل الشاق على النفس الذي يعظم فيه الثواب عليه (عند الصدمة (¬1) الأولى) أصل الصدمة: الضرب في شيء صلب، ثم استعمل مجازًا في كل مكروه حصل بغتة (أو) قال (عند أول صدمة) أي: عند هجوم المصيبة وحرارتها؛ فإنه يدل على قوة النفس وتثبتها، وأما [بعد أن بردت] (¬2) حرارة المصيبة (¬3) فكل أحد يصبر إذ ذاك كما تقدم في كلام المجوسي (¬4) لابن المبارك (¬5). ¬

_ (¬1) في (ر): الصدم. (¬2) سقط من (ر). (¬3) في الأصل (الصبر). (¬4) في (ر): المجوس. (¬5) انظر: "المفهم" 2/ 579 - 580.

28 - باب في البكاء على الميت

28 - باب في البُكاءِ عَلى الميِّتِ 3125 - حدثنا أَبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسيُّ، حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ عاصِمٍ الأَحْوَلِ قالَ: سَمِعْتُ أَبا عُثْمانَ، عَنْ أُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ ابنةً لِرَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ وَأَنا مَعَهُ وَسَعْدٌ وَأَحْسِبُ أُبَيّا أَنَّ ابني أَوْ بِنْتي قَدْ حُضِرَ فاشْهَدْنا. فَأَرْسَلَ يُقْرِئُ السَّلامَ فَقالَ: "قُلْ لله ما أَخَذَ وَما أَعْطَى وَكُلُّ شَيء عِنْدَهُ إِلَى أَجَلٍ" .. فَأَرْسَلَتْ تُقْسِمُ عَلَيْهِ فَأَتاها فَوُضِعَ الصَّبيُّ في حِجْرِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ فَفاضَتْ عَيْنا رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقالَ لَهُ سَعْدٌ: ما هذا قالَ: "إِنَّها رَحْمَةٌ وَضَعَها اللهُ في قُلُوبِ مَنْ يَشاءُ وَإِنَّما يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبادِهِ الرُّحَماءَ" (¬1). 3126 - حدثنا شَيْبانُ بْنُ فَرُّوخَ، حدثنا سُلَيْمان بْنُ المُغِيرَةِ، عَنْ ثابِتٍ البُنانيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قال: قال رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "وُلِدَ ليَ اللَّيْلَةَ غُلامٌ فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبي إِبْراهِيمَ" .. فَذَكَرَ الحَدِيثَ قالَ أَنَسٌ: لَقَدْ رَأَيْتُهُ يَكِيدُ بِنَفْسِهِ بَيْنَ يَدى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَدَمَعَتْ عَيْنا رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقالَ: "تَدْمَعُ العَيْنُ وَبَحْزَنُ القَلْبُ وَلا نَقُولُ إِلَّا ما يَرْضَى رَبُّنا إِنّا بِكَ يا إِبْراهِيمُ لَمَحْزُونُونَ" (¬2). * * * باب في البكاء على الميت [3125] (حدثنا أبو الوليد) هشام (الطيالسي) بن عبد الملك، قال أحمد: هو اليوم شيخ الإسلام (¬3) (حدثنا شعبة، عن عاصم الأحول قال: سمعت أبا عثمان) عبد الرحمن بن ملّ -بفتح الميم- النهدي، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1284)، ومسلم (923). (¬2) رواه البخاري (1303)، ومسلم (2315). (¬3) انظر: "الكاشف" 2/ 337.

(عن أسامة بن زيد -رضي الله عنه- أن بنتًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-) وهي زينب، رضي الله عنها (أرسلت إليه وأنا معه وسعد) بن عبادة، زاد مسلم (¬1): ومعاذ بن جبل. (وأحسب أُبيًّا) أي: أبي بن كعب معنا، أنها قالت (أن ابني أو بنتي قد حُضِر) -بضم الحاء المهملة وكسر الضاد-، رواية البخاري في الأيمان (¬2): احتضر، رواية مسلم: في الموت (فاشهدنا) (¬3) أي: احضرها، رواية الصحيح: إن ابنا (¬4)، ورواية ابن ماجه: ابنتي أميمة (¬5). (فأرسل يُقرئ) عليها (السلام، قال: قل) لها: إن (لله ما أخذ) أي: ما أخذه كان له لا لكم، فلم يأخذ إلا ما هو له، فينبغي أن لا تجزعوا (¬6) كما لا يجزع من استردت منه وديعة أو عارية (و) له (ما أعطى) أي: ما وهبه لكم ليس خارجًا عن ملكه، بل هو سبحانه (¬7) يفعل فيه ما يشاء (وكل شيء عنده إلى أجل) مسمىً (¬8) معناه: اصبروا ولا تجزعوا؛ فإن كل من مات قد انقضى أجله المسمى، فمحال تقدمه أو تأخره عنه. إذا علمتم هذا كله فاصبروا واحتسبوا ما نزل بكم. (فأرسلت) إليه (تقسم عليه) بالحضور (فأتاها) هو وسعد بن عبادة ¬

_ (¬1) (923). (¬2) (6655). (¬3) في (ر): فاشهدها. (¬4) رواه البخاري (1284). (¬5) لم أجدها عند ابن ماجه، وعزاها الحافظ في "مقدمة الفتح" (ص 269) لابن الأعرابي في "معجمه". وانظر: "مسند أحمد" 5/ 204، 206. (¬6) في (ر): يجزع. (¬7) سقط من (ر). (¬8) سقط من (ر).

ومعاذ بن جبل، فرفع إليه الصبي (فوُضِعَ) بضم الواو وكسر الضاد (في حَجْر) بفتح الحاء (رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) وفي الكلام حذف تقديره: فمشوا إلى بيتها، فاستأذنوا فأذن لهم، فدخلوا فجلس فوضع في حجره (ونفسه تَقَعْقَعُ) بفتح التاء والقافين أي: تضطرب، زاد مسلم: كأنها في شنة، يقال: إنه ليتقعقع لَحياهُ من الكِبَر. والمراد بالقعقعة هنا: صوت النفس وحشرجة الصدر، ومنه قعقعة الجلود والأسلحة وهي أصواتها، والشنة: القربة البالية، شبه صوت نفسه وقلقلته في صدره بما ألقي في القربة البالية اليابسة وحرك فيها (¬1). (ففاضتْ عينا رسولِ الله [(¬2) -صلى الله عليه وسلم-) حين رآه (فقال له سعدٌ: ما هذا يا رسولَ الله؟ فقال: إنها رحمةٌ، يضعها) رواية: ويضعها (الله في قلب من يشاء) من عباده، والرحمة رقة يجدها الإنسان في قلبه تبعثه على البكاء من خشية الله تعالى وعلى أفعال البر والخير وعلى الشفقة على المبتلى والمصاب ومن كان كذلك جازاه الله برحمته وهو المعني بقوله (وإنما يرحم الله تعالى من عباده الرحماء) يجوز في الرحماء النصب على أن (ما) كافة كقوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ} (¬3)، وزيدت (ما) بعد (إن) لتهيئتها لولايتها الجملة الفعلية والرحماء مفعول، ويجوز الرفع على تقدير أن (ما) موصولة والتقدير: إن الذي يرحمه الله الرحماء فيكون الرحماء خبر (إن) وضد الرحمة القسوة في القلوب ¬

_ (¬1) انظر: "المفهم" للقرطبي 2/ 575. (¬2) بدأ من هنا سقط في (ر). (¬3) البقرة: 173.

الباعثة على الإعراض عن الله تعالى وعن أفعال الخير ومن كان كذلك قيل له: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} (¬1). [3126] (حدثنا شيبان بن فروخَ) غير منصرف (حدثنا سليمان بن المغيرة) القيسي مولى بني قيس سيد أهل البصرة. قال: قدم الثوري البصرة فأرسل إليَّ: بلغني عنك أحاديثُ فأتني فإني على ما ترى من الحال، فأتيته فسمع مني (¬2). (عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: وُلِدَ لي الليلةَ كُلامٌ فسميتُه باسم أبي إبراهيم عليه السلام) فيه تسمية المولود باسم جده، وفيه تسمية المولود ليلة مولده على الصحيح، وكانت أمه مارية بنت شمعون القبطية، وكانت قابلتها مولاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكانت الولادة في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة. (فذكر الحديث) رواية مسلم: ثم دفعه إلى أم سيف امرأة رجل يقال له أبو سيف فانطلق يأتيه فاتبعته، فانتهينا إلى أبي سيف ينفخ كيره قد امتلأ البيت دخانًا، فأسرعت المشي بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقلت: يا أبا سيف أمسك جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأمسك. فدعا النبي -صلى الله عليه وسلم- بابنه وضمه إليه وقال ما شاء الله أن يقول (¬3). (قال أنس: لقد رأيته يَكيدُ بنفسه) يكيد: بفتح الياء أوله أي: يجود بها يعني: وهو من كاد إذا بلغ الموت وهو في النزع (بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ¬

_ (¬1) الزمر: 22. وانظر: "المفهم" 2/ 575 - 576. (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 12/ 71. (¬3) "صحيح مسلم" (2315).

فدمَعت) بفتح الميم والكسر لغة حكاها أبو عبيدة (عينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) فيه جواز البكاء والحزن بالقلب وأن ذلك لا يخالف الرضا بالقدر، وهو رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما المذموم الندب والنياحة والدعاء بالويل والثبور ونحو ذلك بالقول بالباطل (¬1). (فقال: تدمع العين، ويحزن القلب) هذا تفسير البكاء المباح والحزن الجائز، وذلك ما كان بدمع العين ورقة النفس، ولم يكن تسخطا لحكم الله، إذ الفطر مجبولة على الحزن والفرح لأسبابهما (¬2) (ولا نقول إلا ما يُرضى ربنا، وإنا بك) أي: بفراقك، كما في البخاري (يا إبراهيم لمحزونون) أي: أصابنا الحزن القهري من الله تعالى، لا أنا حزنا اختيارًا. ¬

_ (¬1) انظر: "شرح النووي على مسلم" 15/ 75. (¬2) انظر: "شرح البخاري" لابن بطال 3/ 287.

29 - باب في النوح

29 - باب في النَّوْحِ 3127 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا عَبْدُ الوارِثِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- نَهانا عَنِ النِّياحَةِ (¬1). 3128 - حدثنا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنا محَمَّدُ بْن رَبِيعَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ ابْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْريِّ قال: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- النّائِحَةَ والمُسْتَمِعَةَ (¬2). 3129 - حدثنا هَنّادُ بْنُ السَّريِّ، عَنْ عَبْدَةَ وَأَبي مُعاوِيَةَ -المَعْنَى- عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابن عُمَرَ قال: قال رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ المَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ" .. فَذُكِرَ ذَلِكَ لِعائِشَةَ فَقالَتْ وَهِلَ -تَعْني ابن عُمَرَ- إِنَّما مَرَّ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى قَبْرٍ فَقالَ: "إِنَّ صاحِبَ هذا لَيُعَذَّبُ وَأَهْلُهُ يَبْكُونَ عَلَيْهِ" .. ثُمَّ قَرَأَتْ: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} قالَ عَنْ أَبي مُعاوِيَةَ: عَلَى قَبْرِ يَهُوديٍّ (¬3). 3130 - حدثنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حدثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَوْسٍ قال: دَخَلْتُ عَلَى أَبي مُوسَى وَهُوَ ثَقِيلٌ فَذَهَبَتِ امْرَأَتُهُ لِتَبْكي أَوْ تَهُمَّ بِهِ، فَقالَ لَها أَبُو مُوسَى: أَما سَمِعْتِ ما قالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قالَتْ: بَلَى. قال: فَسَكَتَتْ فَلَمّا ماتَ أَبُو مُوسَى قالَ يَزيدُ: لَقِيتُ المَرْأَةَ فَقلْتُ لَها: ما قَوْلُ أَبي مُوسَى لَكِ أَما سَمِعْتِ ما قالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ سَكَتِّ قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَيْسَ مِنّا مَنْ حَلَقَ وَمَنْ سَلَقَ وَمَنْ خَرَقَ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1306)، (4892)، ومسلم (936). (¬2) رواه أحمد 3/ 65، والبيهقي 4/ 63. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (561). (¬3) رواه البخاري (3978)، ومسلم (932). (¬4) رواه النسائي 4/ 20، وأحمد 4/ 396، وابن أبي عاصم (3287)، والبزار (3045)، وابن حبان (3151).

3131 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حميْدُ بْن الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا الحَجَّاجُ - عامِلٌ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ عَلَى الرَّبَذَةِ، حَدَّثَنِي أَسِيدُ بْنُ أَبِي أَسِيدٍ، عَنِ امْرَأَةٍ مِنَ المُبَايِعَاتِ قالَتْ: كانَ فِيما أَخَذَ عَلَيْنا رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صلى الله عليه وسلم - المَعْرُوفِ الذي أَخَذَ عَلَيْنا أَنْ لا نَعْصِيَهُ فِيهِ أَنْ لا نَخْمِشَ وَجْهًا وَلا نَدْعُوَ وَيْلًا وَلَا نَشُقَّ جَيْبًا وَأَنْ لَا نَنْشرَ شَعْرًا (¬1). * * * باب في النوح النوح والنياحة رفع من محزونين الصوت بالندب. [3127] (حَدَّثَنَا مسدد، قال: حَدَّثَنَا عبد الوارث، عن أيوب، عن حفصة) بنت سيرين أم الهذيل الفقيهة (عن أم عطية) نسيبة بنت الحارث الأنصارية من كبار نساء الصحابة (قالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن النياحة) وهي رفع الصوت بالبكاء والندب، وقيل: هي كلمات منظومة تشبه الشعر. [3128] (حَدَّثَنَا إبراهيم بن موسى، أخبرنا محمد بن ربيعة) الكلابي وثقه أبو داود والدارقطني (عن محمد بن الحسن بن عطية، عن أبيه) الحسن (عن جده) عطية بن سعد العوفي أبي الحسن الكوفي التابعي، قال ابن معين: صالح. لكن قال أحمد: بلغني أن عطية كان يأتي الكلبي فيأخذ عنه التفسير وكان يكنيه بأبي سعيد يوهم أنه الخدري. ¬

_ = وانظر: "صحيح البخاري" (1296)، و"صحيح مسلم" (104). وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (5438). (¬1) رواه ابن سعد في "الطبقات" 8/ 7، والطبراني 25/ 184 (451)، والبيهقي 4/ 64. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3535).

وقال النسائي وغيره: ضعيف (¬1). (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) (¬2) وفي نسخة: لعن الله (النائحة والمستمعة) زاد البزار (¬3) والطبراني (¬4): "ليس للنساء في الجنازة نصيب". وهي التي تصغي إلى سماع النياحة فإنها آثمة أيضًا بإصغائها كما أن مستمع القراءة إذا أصغى إليها أجر. وروى الإمام أحمد (¬5) بسنده إلى أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من استمع إلى آية من كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة ومن تلاها كانت له نورًا يوم القيامة" تفرد به أحمد له. [3129] (حَدَّثَنَا هناد بن السري، عن عبدة) بن سليمان الكلابي المقرئ (وأبي معاوية) محمد بن خازم الضرير (المعنى، عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير (عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الميت ليعذب ببكاء) وفي رواية للبخاري (¬6): "ببعض بكاء" (أهله عليه) فقيل: إن ذلك محمول على ما إذا أوصى بالبكاء كما كانت العرب تفعل فتحرم الوصية به وهذا تأويل المزني (¬7) وهو تأويل الأصحاب وجمهور العلماء. ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 20/ 147. (¬2) بعدها في الأصل: وفي نسخة: لعن الله. (¬3) "كشف الأستار عن زوائد البزار" 1/ 376 (793). (¬4) انظر: "المعجم الكبير" 11/ 145 (11309). (¬5) انظر: "المسند" 14/ 191. (¬6) (1287). (¬7) "مختصر المزني" ص 134.

وقيل: على ما إذا أوصى به أو لم يوص بتركه فتجب الوصية بتركه. وقيل: إن الميت يسمع بكاء أهله فيرق عليهم ويشتاق إليهم وهو تأويل محمد بن جرير (¬1). (فذكر ذلك لعائشة فقالت: وَهِلَ) بفتح الواو وكسر الهاء وفتحها، أي: نسي وغلط (تعني ابن عمر) قال أبو زيد: وهلت في الشيء، ووهلت عنه أيهل، وهَلا؛ نسيت وغلطت (¬2) (إنما مرَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على قبرٍ) رواية مسلم (¬3): فقالت عائشة: غفر الله لأبي عبد الرحمن أما إنه لم يكذب ولكنه نسي أو أخطأ، إنما مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على يهودية يُبكى عليها. (فقال: إن صاحب هذا القبر ليعذب وأهله يبكون عليه) وأولته عائشة على أن الكافر وغيره من أصحاب الذنوب يعذب بكفره وبذنبه في حال بكاء أهله. قالت: إنما مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قبر يهودية وهم يبكون عليها فقال: "إنهم يبكون وإنها لتعذب في قبرها". وقال الشيخ أبو حامد: إنه الأصح. (ثم قرأت: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} أي: لا تؤاخذ نفس بذنب نفس أخرى، والمعنى: لا يؤاخذ المرء بغير وزره. (قال) أبو داود (عن أبي معاوية: على قبر يهودي) هذِه الرواية تدل على أن الميت الذي يعذب ببكاء أهله عليه هو الكافر كما أولته عائشة. [3130] (حَدَّثَنَا عثمان بن أبي شيبة، حَدَّثَنَا جرير، عن منصور) بن ¬

_ (¬1) انظر: "شرح النووي على مسلم" 6/ 229. (¬2) انظر: "مجمل اللغة" ص 939، "المفهم" (2/ 584 - 585). (¬3) (932).

المعتمر بن عبد الله (عن إبراهيم) بن يزيد النخعي (عن يزيد بن أوس) وثق (قال: دخلت على أبي موسى (الأشعري (وهو ثقيل) في مرضه، رواية النسائي] (¬1): عن يزيد بن أوس، عن أبي موسى: أنه أغمي عليه (¬2) (فذهبت امرأته لتبكي) رواية النسائي: فبكت أم ولد له (أو تَهُم) بضم الهاء (به) يقال: همَمْتُ بالشيء بفتح الميم أهمُّ به بضمها همًّا إذ أردته (فقال لها (¬3) أبو موسى أما سمعت ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ [قالت: بلى) [فيه تذكير المريض أهله بما ورد في الكتاب والسنة من الزجر عما يفعلنه] (¬4) (قال: فسكتت) [مثل ( .. .) (¬5) أولاهما مشددة] (¬6). (قال فلما مات أبو موسى قال يزيد: لقيتُ المرأةَ فقلت لها: [ما] (¬7) قول أبي موسى لك أما سمعت) [رواية النسائي: أما بلغك. وفي (¬8) رواية: أما علمت] (¬9) (ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬10) ثم سكتِّ) بتشديد التاء المكسورة (قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ليس منا من سلق) (¬11) ¬

_ (¬1) إلى هنا انتهى السقط من (ر). (¬2) "السنن" 4/ 21. (¬3) سقط من (ر). (¬4) من (ل). (¬5) كلمة غير مقروءة في (ل)، وهي النسخة المستدرك منها السقط. (¬6) من (ل). (¬7) من المطبوع. (¬8) من (ل). (¬9) من (ل). (¬10) من قوله: (قالت بلى) إلى هنا سقط من (ر). (¬11) في (ر): سبق.

بفتح السين المهملة وتخفيف اللام، أي: رفع صوته عند المصيبة بالندب والنياحة. وقيل معناه: من خمش الوجه وصكه، ويقال: صلق بالصاد، ومنه قوله تعالى: {سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} قيل: أصواتهم فيكم بالمعايب كذبًا وزورًا، أو بطلب الغنيمة (ومن حلق) الواو بمعنى أو، أي: أو حلقت، وكذا ما بعده حلق أي: حلقت رأسها عند المصيبة. (ومن خرّق) -بتشديد الراء بعد الخاء المعجمة- أي: خرق ثوبه وشقه عند المصيبة، ورواية ابن خزيمة (¬1) وابن حبان (¬2) في "صحيحه": "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخامشة وجهها، والداعية بالويل والثبور". [3131] (حَدَّثَنَا مسدد، حَدَّثَنَا حميد بن الأسود) الكرابيسي البصري، ثقة، قال: (حَدَّثَنَا حجاج) بن صفوان هذا نسبه ابن أبي حاتم (عامل العمر] (¬3) بن عبد العزيز على الربذة قال: حدثني أَسيد) -بفتح الهمزة وكسر السين (ابن أبي أَسِيد) بفتح الهمزة وكسر السين أيضًا، واسم أبي أسيد: - يزيد، من أهل المدينة (عن امرأة) (¬4) وكانت (من المبايعات) التي بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين نزل قوله: {إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} الآية (قالت: كان فيما أخذ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المعروف الذي أخذ (¬5) علينا أن لا (¬6) نعصيه فيه) يعني: لا يعصيك فيما ¬

_ (¬1) لم أجده. (¬2) 7/ 127 (3156). (¬3) في النسخ الخطية: (ابن عمر)، والمثبت من المطبوع. (¬4) في النسخ: (المرأة)، والمثبت من المطبوع. (¬5) بعدها في الأصل: نسخة: نعصيه. (¬6) سقط من (ر).

أمرتهن به ونهيتهن عنه من منكر، وعن ابن عباس: إنما هو شرط شرطه الله للنساء. رواه البخاري (¬1). وعن الحسن: كان فيما أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لا يحدثن الرجال إلا أن يكون محرمًا (¬2). (أن لا نخمْش) بكسر الميم وضمها (وجهًا، ولا ندعوَ) بفتح الواو (ويلًا) أي: حزنًا، وإنما يدعى بالويل عند الحزن والمكروه، (ولا نشق جيبًا) وهو الطوق الذي يخرج منه الرأس عند نزعه أو لبسه، وهو من جبت الشيء إذا قطعته (ولا ننشر شعَرًا) بفتح العين. وكان من أفعال الجاهلية عند المصيبة الولولة وحلق الرأس وشق الثياب وخمش الوجه ولطم الخد والدعاء بالويل والثبور. وقد نسخ هذا كله بشريعة الإسلام، وأمر بالاقتصار في الحزن والفرح وترك الغلو في ذلك، وحض على الصبر عند المصائب واحتساب الأجر عند الله، وتفويض الأمر كله لله تعالى (¬3). * * * ¬

_ (¬1) (4893). (¬2) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" كما في "تفسير ابن كثير" 8/ 127. (¬3) انظر: "شرح البخاري" لابن بطال 3/ 277.

30 - باب صنعة الطعام لأهل الميت

30 - باب صَنْعَةِ الطَّعَام لأَهْلِ المَيِّتِ 3132 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا سُفْيانُ، حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ خالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اصْنَعُوا لآِلِ جَعْفَرٍ طَعامًا فَإِنَّهُ قَدْ أَتَاهُمْ أَمْرٌ شَغَلَهُمْ" (¬1). * * * باب صنعة (¬2) الطعام لأهل الميت [3132] (حَدَّثَنَا مسدد قال: حَدَّثَنَا سفيان) بن عيينة (عن جعفر بن خالد) المخزومي، ثقة (عن أبيه) سارة المخزومي المكي وثق (عن عبد الله بن جعفر قال) لما (قال (¬3) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اصنعوا لآل جعفر) لأهل بيته، أي: أهله وأقاربه لما جاء نعي جعفر الصادق (¬4)، وفي قوله: "اصنعوا لآل جعفر" إشارة إلى أن المخاطب بذلك جيران أهل الميت وأقاربه لا جيران الميت، حتى لو كان الميت في بلد وأهله في بلد استحب أن يصنع ذلك لأهله؛ لأنهم المصابون المشغولون لا جيران الميت كما اتفق لجعفر -رضي الله عنه- حين مات في غزوة مؤتة. وفي بعض طرق هذا الحديث عن أسماء بنت عميس - وهي والدة عبد الله بن جعفر - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها وقد عجنت عجين بني ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1019)، وابن ماجة (1610)، وأحمد 1/ 205. حسنه الألباني في "صحيح الجامع" (1015). (¬2) في (ر): صفة. (¬3) مكررة في (ل). (¬4) هكذا في النسخ الخطية.

جعفر، فدعى بني جعفر في اليوم الذي قتل فيه جعفر وأصحابه. قالت: فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يشمهم وتذرف (¬1) عيناه. فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، أبلغك عن جعفر شيء؟ قال: "نعم، قتل اليوم هو وأصحابه". قالت: فقمت أبكي فاجتمع إلينا النساء. قالت: ورجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أهله فقال: "اصنعوا لآل جعفر طعامًا") (¬2) فيه أنه يستحب لأقرباء الميت وجيران أهله الذين لا يشتغلون بالمصيبة أن يهيئوا طعامًا. وفي قوله: "يصنعوا طعامًا" إشارة إلى أن يكون مصنوعًا بالطبخ وغيره، ومما يستحب منه الخزيرة لما في الحديث: "إنها تذهب ببعض الحزن" (¬3) إذ هي من أسرع ما يطبخ وأقل كلفة وأنفعه للمحزونين. قال أصحابنا وغيرهم: ويستحب أن يكون الطعام يشبعهم يومهم وليلتهم، وهذا من البر (¬4) والمعروف الذي أمر الله تعالى به. وأما إصلاح أهل الميت طعامًا وجمع الناس عليه فبدعة غير مستحبة. روى جرير بن عبد الله قال: كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة. رواه أحمد وابن ماجة بإسنادٍ صحيح (¬5). ونص على ذلك صاحب "الشامل" (¬6) والشافعي (¬7) قال: وأكره ¬

_ (¬1) في النسخ: تدور. والمثبت من "المخلصيات" 3/ 58. (¬2) رواه أبو طاهر المخلص "المخلصيات" 3/ 58. (¬3) رواه البخاري (5417). (¬4) سقط من (ر). (¬5) "المسند" 2/ 204، "سنن ابن ماجة" (1612). (¬6) انظر: "البيان" للعمراني 3/ 126، "المجموع" 5/ 320. (¬7) "الأم" 2/ 638.

المأتم، وهي الجماعة وإن لم يكن لهم بكاء فإن ذلك يكلف الجزيل ويجدد المؤنة والكلفة لأهل الميت مع اشتغالهم بحزنهم. قال: وأكره الأكل من طعام المأتم. قال: وأما الذبح والعقر عنه فمذموم. قال أبو البختري: بيتوتة الناس عند أهل الميت ليست إلا من فعل الجاهلية. قال القرطبي في "التذكرة": وهذِه الأمور قد صارت عند الناس اليوم سنة الان، وتركها بدعة، فانقلب الحال وتغيرت الأحوال. قال ابن عباس: لا يأتي على الناس زمان إلا أماتوا سنة وأحيوا بدعة (¬1). (فإنهم قد أتاهم) أي: فاجأهم (أمر يشغلهم) رواية: شغلهم، بفتح الياء والغين وضم الغين لغة شاذة، أي: يشغلهم، أي: عن تهيئة الطعام [والسعي فيه، وفيه إشارة إلى استحباب أكل أهل الميت من الطعام] (¬2) ما يستعينون به على حزنهم، ولا يجمعوا بين الحزن والهم والجوع. وكان قتل جعفر في جمادى سنة ثمانٍ من الهجرة في غزوة مؤتة وهو موضع معروف عند الكرك (¬3). * * * ¬

_ (¬1) "التذكرة" ص 338. (¬2) سقط من (ر). (¬3) انظر: "المجموع" 5/ 319.

31 - باب في الشهيد يغسل

31 - باب في الشَّهِيد يُغَسَّلُ 3133 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، ح، وَحَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ ابْن عُمَرَ الجُشَميُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن مَهْديٍّ، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ، عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ قال: رُميَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ في صَدْرِهِ أَوْ في حَلْقِهِ فَماتَ فَأُدْرِجَ في ثِيابِهِ كَما هُوَ، قالَ: وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). 3134 - حَدَّثَنَا زِيادُ بْن أَيُّوبَ وَعِيسَى بْنُ يُونُسَ قالَا: حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ عاصِمٍ، عَنْ عَطاءِ بْنِ السّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قال: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُمُ الحَدِيدُ والجُفُونِ وَأَنْ يُدْفَنُوا بِدِمائِهِمْ وَثِيابِهِم" (¬2). 3135 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنَا ابن وَهْبٍ، ح، وَحَدَّثَنا سُلَيْمان بْن داوُدَ المَهْريّ، أَخْبَرَنَا ابن وَهْبٍ - وهذا لَفْظُهُ - أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ أَنَّ ابْنِ شِهابٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مالِكٍ حَدَّثَهُمْ أَنَّ شُهَداءَ أُحُدٍ لَمْ يغَسَّلُوا وَدُفِنُوا بِدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيهِمْ (¬3). 3136 - حَدَّثَنَا عُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا زَيْدٌ -يَعْني: ابن الحُبَابِ- ح، وَحَدَّثَنا قُتَيْبَة بْن سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو صَفْوانَ - يَعْنِي: المَرْوانِيُّ - عَنْ أُسَامَةَ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ - المَعْنَى - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ عَلَى حَمْزَةَ وَقَدْ مُثِّلَ بِهِ فَقالَ: "لَوْلا أَنْ تجِدَ صَفِيَّةُ في نَفْسِها لَتَرَكْتُهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ العَافِيَةُ حَتَّى يُحْشَرَ مِنْ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 367، والبيهقي 4/ 14. قال النووي في "الخلاصة" (3355): رواه أبو داود بإسناد على شرط مسلم. (¬2) رواه ابن ماجة (1515)، وأحمد 1/ 247، والبزار (5102). وضعفه الألباني في "الإرواء" (710). (¬3) رواه الطحاوي "المشكل" (4050)، والدارقطني 4/ 117، والحاكم 1/ 365 - 366، والبيهقي 4/ 10. وحسنه الألباني في "أحكام الجنائز" (ص 82).

بُطُونِهَا" .. وَقَلَّتِ الثِّيابُ وَكَثرَتِ القَتْلَى فَكَانَ الرَّجُلُ والرَّجُلانِ والثَّلاثَة يُكَفَّنُونَ فِي الثَّوْبِ الواحِدِ - زادَ قُتَيْبَةُ - ثمَّ يُدْفَنُونَ في قَبْرٍ واحِدٍ فَكانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْأَل: "أَيهُمْ أَكْثَرُهُمْ قُرْآنًا" .. فَيُقَدِّمُهُ إِلَى القِبْلَةِ (¬1). 3137 - حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ العَنْبَريُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَاُن بْن عُمَرَ، حَدَّثَنَا أُسَامَة، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِحَمْزَةَ وَقَدْ مُثِّلَ بِهِ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الشُّهَداءِ غَيْرِهِ (¬2). 3138 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَة بْن سَعِيدٍ وَيَزِيدُ بْنُ خالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ أَنَّ اللَّيْثَ حَدَّثَهُمْ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ جابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ وَيَقُولُ: "أَيُّهُمَا أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ" .. فَإِذا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِما قَدَّمَهُ في اللَّحْدِ وقالَ: "أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلاء يَوْمَ القِيامَةِ" .. وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ وَلَمْ يغَسَّلُوا (¬3). 3139 - حَدَّثَنَا سُلَيْمان بْنُ داوُدَ المَهْريُّ، حَدَّثَنَا ابن وَهْبٍ، عَنِ اللَّيْثِ بِهَذَا الحَدِيثِ بِمَعْناهُ قال: يُجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ في ثَوْبٍ واحِدٍ (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1016)، وأحمد 3/ 128، وابن سعد 3/ 10، وعبد بن حميد (1164)، والبزار (6347)، وأبو يعلى (3568). حسنه الألباني في "صحيح الجامع" (5324). (¬2) رواه الطحاوي في "المشكل" (4913)، والدارقطني 4/ 116، والحاكم 1/ 364، والبيهقي 4/ 10. قال الدارقطني: لم يقل هذا اللفظ غير عثمان بن عمر: ولم يُصل على أحد من الشهداء غيره. وليست بمحفوظة. وحسنه الألباني في "أحكام الجنائز" (ص 82). (¬3) رواه البخاري (1343). (¬4) رواه البخاري (1343).

باب الشهيد يغسل [3133] (حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد) بن حميد قال: (حَدَّثَنَا معن بن عيسى) ابن يحيى بن دينار الأشجعي، قال أبو حاتم: هو أثبت أصحاب مالك وأوثقهم، وكان يعالج القز بالمدينة يشتريه، وله غلمان حاكة. روى عن إبراهيم بن طهمان (¬1). (وحَدَّثَنَا عبيد الله بن عمر) لعله القواريري الحافظ، قال: (حَدَّثَنَا عبد الرحمن بن مهدي، عن إبراهيم بن (¬2) طهمان، عن أبي الزبير) محمد بن مسلم المكي التابعي (عن جابر -رضي الله عنه- قال: رُمي رجلٌ بسهم في صدره، أو في حلقه، فمات) منه، وفاء التعقيب تدل على أنه مات عقب الإصابة في المعترك (فأُدرج في ثيابه) أي: لُفَّت عليه ثيابه التي مات فيها بما عليها من الدماء، وفاء السببية تدل على أن سبب موته السهم الذي أصابه في مكان يقطع بأن موته منه. وقد استُدِلَّ بهذا الحديث على أن الميت يكفن في ثيابه الملطخة بالدم، وهذا هو الأولى، وليس بواجب إذ لو أراد الورثة نزع هذِه الثياب وتكفينه في غيرها لم يمنعوا؛ لأنه لا يفوتُ بنزع ثيابه تعظيم حصل له بالشهادة، ولا يزولُ أثرُ الشهادة بخلاف الغسل والصلاة عليه. وظاهر هذا الحديث أنه لم يكن عليه شيء من الدروع ولا الجلود والفراء والخفاف وما ليس لبسه معتادًا. ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 28/ 239. (¬2) مكررة في (ل).

(كما هو) أي: كهيئته التي مات عليها. ففيه دليل على أن الشهيد لا يغسل ولا يزال دمه الشاهد له بالشهادة يوم القيامة (¬1)، وهذا لا نعلم فيه خلافًا إلا عن الحسن وسعيد بن المسيب؛ فإنهما قالا: يغسل الشهيد، فما مات ميت إلا جنب (¬2). وهذا مخالف لظاهر الحديث. (قال: ونحن) في غزوة (مع النبي - صلى الله عليه وسلم -) وإذا كانوا معه فلا يخفى عنه هذا، بل يكون علم به وأقرهم على فعله والاقتداء بما فعله الصحابة وأقرهم عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى من قول من قال: يغسل. [3134] (حَدَّثَنَا زياد بن أيوب) الطوسي شيخ البخاري وحافظ بغداد. (وعيسى بن يونس) الطَرَسوسي بفتح الطاء والراء (قالا: حَدَّثَنَا علي بن عاصم) بن صهيب الواسطي، كان عنده مائة ألف حديث، ودفع إليه أبوه مائة ألف درهم، وقال: اذهب فلا أرى لك وجهًا إلا بمائة ألف حديث. يقال: ربما حضر مجلسه ثلاثون ألفًا. قال يعقوب بن شيبة: كان من أهل الدين والصلاح. قال أحمد: أما أنا فأحدث عنه (¬3) (عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتلى أحد أن يُنزعَ عنهم الحديدُ والجلودُ) بالرفع فيهما لبنائهما على الفاعل المحذوف، وهذا هو المشهور، ويجوز نصبهما عند الكوفيين على أن يكون الجار والمجرور وهو (عنهم) ناب عن الفاعل، ووافق الأخفش الكوفيين هنا في نيابة الجار ¬

_ (¬1) زاد هنا في (ر): رهن، ولا وجه لها. (¬2) انظر: "الأوسط" لابن المنذر 5/ 370 بتحقيقنا. (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 20/ 508 - 509.

والمجرور عن الفاعل؛ لتقدمه على المفعول به وهو: الحديد وما عطف عليه، كما قال الشاعر: لم يُعْنَ بالعلياءِ إلا سيِّدا ... ولا شفى ذا الغي إلا ذو هدى فأقام بالعلياء مقام الفاعل؛ لتقدمه على سيد المفعول وخالف في مثل قراءة أبي جعفر {لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (¬1) لتأخر {بِمَا كَانُوا} عن المفعول" (¬2). وفيه دليل على أن الشهيد ينزع عنه ما كان عليه من السلاح والجلود وتدفن ثيابه كما تقدم. (وأن يدفنوا بدمائهم) الحاصلة من جراحاتهم، فلا تغسل؛ لأنها تشهد لهم يوم القيامة، ويكون لونها لون الدم وريحها ريح المسك، خلافًا لما تقدم عن الحسن وسعيد بن المسيب. (وثيابهم) استدل به مالك على أن الشهيد يدفن بجميع ثيابه التي كانت عليه؛ لأن اللفظ عام في الكل؛ إذ الإضافة تفيد العموم. وقال الشافعي وأحمد ومالك (¬3): لا يترك عليه خف ولا فرو ولا جلد ولا محشو قياسًا على الجلود المذكورة؛ فإنَ ما في معناه يقاس عليه ويكون الجلود مخصصة لعموم قوله: "في ثيابهم". والأخذ بالخاص أولى (¬4). ¬

_ (¬1) الجاثية: 14. (¬2) انظر: "شرح ابن عقيل" 2/ 121 - 123. (¬3) هكذا في الأصل والصواب: (أبو حنيفة) كما في "المغني". (¬4) انظر: "المغني" 2/ 400.

[3135] (حَدَّثَنَا أحمد بن صالح قال: حَدَّثَنَا ابن وهب وحَدَّثَنَا سليمان ابن (¬1) داود المَهري) بفتح الميم (قال ابن وهب: وهذا لفظه قال: أخبرنا أسامة بن زيد الليثي) قال ابن معين: ثقة صالح. وقال ابن عدي: ليس به بأس (أن ابن شهاب) الزهري (أخبره، أن أنس بن مالك حدثه) أعله (¬2) البخاري، وقال: إنه غلط فيه أسامة بن زيد، فقال: عن الزهري، عن أنس. كما حكاه الترمذي (¬3). ورجح رواية الليث عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب، عن جابر الآتية بعد. وقد روى أبو داود في "المراسيل" (¬4) والحاكم من حديث أنس أيضًا: مَرَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على حمزة وقد مُثِّلَ به، ولم يصل على أحد من الشهداء غيره. وهذا الذي أنكره البخاري على أسامة بن زيد. (أن شهداء أحد لم يغسلوا، ودفنوا بدمائهم) كما تقدم (ولم يُصلَّ) بفتح اللام (عليهم) وعليه المعنى. قاله النووي. ويجوز أن يكون بكسرها ولا يفسد المعنى، لكنه لا يبقى فيه دليل على ترك الصلاة عليهم مطلقًا؛ لأنه لا يلزم من كونه لم يصل هو عليهم أن لا يأمر غيره بالصلاة عليهم (¬5). قال الشافعي في "الأم": لعل ترك الغسل والصلاة ليلقوا الله تعالى ¬

_ (¬1) ليست في (ر). (¬2) في (ر): أئمة. (¬3) "العلل الكبير" ص 145 (252). (¬4) خطأ، بل رواه في "السنن" (3137). (¬5) انظر: "التلخيص الحبير" (2/ 271 - 272).

بكلومهم لما جاء: أن ريح دمهم ريح المسك، واستغنوا بإكرام الله لهم عن الصلاة عليهم مع التخفيف على المسلمين (¬1). فإن قيل: الصبي يصلى عليه مع استغنائه عن الصلاة، إذ لا ذنب له، لكن طلبًا لرفع الدرجات فهلا كان الشهيد كذلك؟ فالجوابُ: أنهم لو صُلِّيَ عليهم كغيرهم لما بانَ للنَّاس منزلتُهم، وإظهارُ ذلك مطلوبٌ ترغيبًا في الشهادة. [3136] (حَدَّثَنَا عثمان بن أبي شيبة قال: حَدَّثَنَا زيد بن الحُباب) بضم الحاء المهملة، أبو الحسين العكلي الخراساني، ثم الكوفي الحافظ، رحل في الحديث إلى الأندلس مع فقره، وهو العابد الثقة الصادق الجوال، وثقه ابن معين مرّة، وقال أبو حاتم: صدوق (¬2). (وحَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد قال: حَدَّثَنَا أبو صفوان) عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان (المرواني) (¬3) الأموي الدمشقي، هربت به أمه حين قتل أبوه بنهر أبي فطرس صبرًا. قال أبو زرعة: صدوق (¬4) (عن أسامة) بن زيد الليثي (عن الزهري، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- المعنى: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ على حمزة وقد مُثِّلَ به) قال في "الاستيعاب": لم يمثل بأحد مثل ما مُثِّل بحمزة بن عبد المطلب، قطعت هند عيبة كبده وجدعت أنفه وقطعت أذنيه وبقرت بطنه، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لئن ظفرت بقريش لأمثلن ¬

_ (¬1) "الأم" (2/ 597 - 598). (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" (10/ 45 - 46). (¬3) بعدها في الأصل: نسخة: المروزي. (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 15/ 35.

بثلاثين منهم". فأنزل الله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} (¬1) (فقال: لولا أن تجِد) بكسر الجيم، أي: تحزن عند رؤيته (صفيةُ) أخته عمة النبي - صلى الله عليه وسلم - (في نفسها لتركتُهُ حتى تأكله العافية) وهي الوحش والسباع والطير (¬2) مأخوذ من قولك: عفوت فلانًا، إذا أتيته تطلب معروفه، يقال: فلان كثير الغاشية والعافية أي: يغشاه السؤال والطالبون معروفه (حتى يحشر) أي: في يوم القيامة إلى أرض المحشر (من بطونها) وللمحب الطبري: "لولا أن تجزع النساء منه لتركته حتى يبعثه الله من بطون السباع والطير، لأمثلن مكانه سبعين قتيلًا" (¬3) ثم كفنه ببرده وصلى عليه، ثم جعل يجاء بالرجل وحمزة حتى صلى عليه سبعين صلاة، وكانت القتلى سبعين، فلما فرغ منهم [أنزلت هذِه الآية] (¬4) {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ} الآية (وقلَّتِ الثيابُ) التي يكفن فيها. (وكثرت القتلى، فكان الرجل والرجلان والثلاثة يكفنون في الثوب الواحد) فيه دليل على أن الأكفان إذا ضاقت عن القتلى لكثرتهم جاز أن يكفن الجماعة في ثوب واحد، ولا يزاد على الثلاثة إلا لشدة الحاجة (زاد قتيبة) بن سعيد (ثم يدفنون في قبر واحد) روى الإمام أحمد من رواية عبد الله بن ثعلبة: فجعل يدفن في القبر الرهط (¬5). وفي ¬

_ (¬1) النحل: 126، وانظر: "الاستيعاب" 1/ 373. (¬2) في (ر): الطباع. (¬3) انظر: "المخلصيات" 3/ 42. (¬4) سقط من الأصل وأثبتها من سنن الدراقطني 4/ 118 (47). (¬5) "مسند أحمد" 5/ 431.

رواية: "اجعلوا الاثنين والثلاثة في القبر الواحد" (¬1). قال السرخسي وغيره: لا يجوزُ دفن اثنين (¬2) في قبرٍ، أي: إلا لضرورة (¬3)؛ فإن عسر إفراد (¬4) كل ميت بقبر بأن كثر الموتى كمقتلة وحرب، أو كثر الموت لطاعون ونحوه وكان الناس ضعفاء أو مشتغلين بحرب، دفن الاثنان والثلاثة في قبر واحد بحسب ما يقتضيه الحال، ولا يجمع بين الرجال والنساء إلا عند تأكد الضرورة أو يكون بينهما زوجية أو محرمية ويجعل بين النساء والرجال حاجزًا من تراب، وكذا بين الرجلين والمرأتين على الصحيح (¬5). (فكان [رسول الله] (¬6) - صلى الله عليه وسلم - يسأل: أيهم) بالرفع؛ لأنه مبتدأ (أكثر قرآنا) (¬7) فيقربه (¬8) (فيقدمه إلى القبلة) فيه تقديم الأفضل فالأفضل، فيقدم إلى جدار اللحد مما يلي القبلة أكثر قرآنًا وعلمًا وصلاحًا، لكن يقدم الأب على الابن وإن كان الابن أكثر قرآنًا أو حديثًا أو فضيلة؛ لحرمة الأبوة. ويقدم الرجل على المرأة وإن كان الرجل عبدًا لمكان الذكورة؛ ولأنه اللائق في هذا الموضع (¬9). ¬

_ (¬1) رواه النسائي في "الكبرى" (2145) بنحوه. (¬2) في (ر): الاثنين. (¬3) "المبسوط" 2/ 65. (¬4) في (ر): أفرد. (¬5) انظر: "العزيز شرح الوجيز" 2/ 454. (¬6) سقط من (ر). (¬7) في (ر): ثوابا. (¬8) عليها في (ع) علامة نسخة. (¬9) انظر: "العزيز شرح الوجيز" 2/ 455.

[3137] (حَدَّثَنَا عباس) بالموحدة ابن عبد العظيم بن إسماعيل (العنبري) الحافظ شيخ مسلم، قال النسائي: ثقة مأمون (¬1) (قال: حَدَّثَنَا عثمان بن عمر) العبدي من الصالحين الثقات قال: (حَدَّثَنَا أسامة، عن الزهري، عن أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر على حمزة وقد مُثِّل به، ولم يُصَلِّ على أحد من الشهداء غيره) قال الطبري: أمر حمزة على التخصيص، ومن صلى عليه غيره على أنه جرح حال الحرب، ولم يمت حتى انقضى الحرب. وأما ما رواه أبو داود في "المراسيل" (¬2): أنه صلى على قتلى أحد عشرة عشرة وفي كل عشرة حمزة حتى صلى عليه سبعين صلاة. فهو حديث ضعيف أو خطأ؛ لأن شهداء أحد كانوا اثنين وسبعين، فلا تزيد الصلوات على حمزة على هذا بسبع أو ثمان. قال الشافعي: ينبغي لمن روى هذا الحديث أن يستحيي على نفسه (¬3). [3138] (حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد، ويزيد بن خالد بن موهب، أن الليث حدثهم، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، أن جابر بن عبد الله أخبره) هذِه هي الرواية المتقدمة التي رجحها الترمذي (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد، ويقول: أيهما أكثر أخذًا للقرآن) كما في حديث الإمامة: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله" (¬4)؛ ¬

_ (¬1) "مشيخة النسائي" ص 65 (125). (¬2) (427). (¬3) "الأم" 2/ 597. (¬4) رواه مسلم (673).

لأنه أكرم على الله. وظاهره: أن من زاد حفظه على غيره يقدم عليه وإن كان الغير أفقه أو أكثر حديثًا (فإذا أشير له إلى أحدهما قدَّمه في اللحد) أي: من جهة اللحد إلى القبلة كما تقدم (وقال: أنا شهيدٌ) من أبنية المبالغة (على هؤلاء) يشبه أن يكون على بمعنى اللام، والتقدير: أنا شاهد لكم يوم القيامة بالقتل في سبيل الله تعالى (يوم القيامة، وأمر بدفنهم بدمائهم) التي من الجراحات، (ولم يغسلوا) لما يتضمنه غسلهم من إزالة أثر العبادة المستحسنة شرعًا كما لا ينشف أثر الوضوء (¬1). [3139] (حَدَّثَنَا سليمان بن داود المهري، قال: أنبأنا) عبد الله (¬2) (ابن وهب، عن الليث، بهذا الحديث) المتقدم (بمعناه) المذكور (قال: فجمع بين الرجلين من قتلى أحد) فيه أنه لا يجمع بين الرجل والمرأة، ويجمع بين المرأتين كما يجمع بين الرجلين؛ لأن الجنس الواحد أولى أن يجمع بينهما كما في الحياة (في ثوب واحد) كما يجمع بين المرأتين في ثوب واحد كالصبيين. * * * ¬

_ (¬1) هذا ليس عليه دليل صحيح والله أعلم. (¬2) زاد هنا في (ر): رواية ولم يغسله رواية.

32 - باب في ستر الميت عند غسله

32 - باب في سَتْر المَيِّتِ عنْدَ غَسْلهِ 3140 - حَدَّثَنَا عَليُّ بْن سَهْلٍ الرَّمْليُّ، حَدَّثَنَا حَجّاجٌ، عَنِ ابن خرَيْجٍ قال: أخبِرْت، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبي ثابتٍ، عَنْ عاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَليٍّ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لا تُبرِزْ فَخِذَكَ وَلا تَنْظُرَنَّ إِلَى فَخِذِ حَى وَلا مَيِّتٍ" (¬1). 3141 - حَدَّثَنَا النُّفَيْليُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ سَلَمَهً، عَنْ محَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن عَبَّادٍ، عَنْ أَبِيهِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قالَ: سَمِعْت عائِشَةَ تَقُول لَمَّا أَرادُوا غَسْلَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالُوا والله ما نَدْري أَنُجَرِّدُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ ثِيابِهِ كَمَا نجَرِّدُ مَوْتَانَا أَمْ نغَسِّلهُ وَعَلَيْهِ ثِيابُهُ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا أَلْقَى اللهُ عَلَيْهِمُ النَّوْمَ حَتَّى مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا وَذَقْنُهُ فِي صَدْرِهِ ثمَّ كَلَّمَهُمْ مُكَلِّمٌ مِنْ نَاحِيَةِ البَيْتِ لَا يَدْرُونَ مَنْ هُوَ أَنِ اغْسِلُوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وعَلَيْهِ ثِيَابُهُ فَقامُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَغَسَلُوهُ وَعَلَيْهِ قَمِيصُهُ يَصبُّونَ المَاءَ فَوْقَ القَمِيصِ وَيُدَلِّكُونَهُ بِالقَمِيصِ دُونَ أَيْدِيْهِمْ وَكَانَتْ عائِشَةُ تَقُولُ لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي ما اسْتَدْبَرْتُ مَا غَسَّلَهُ إِلَّا نِساؤُهُ (¬2). * * * باب الميت يستر عند غسله (¬3) [3140] (حَدَّثَنَا علي بن سهل) بن قادم (الرملي) قال النسائي: ثقة نسائي، سكن الرملة، مات 261. قال (أنبأنا حجاج) بن محمد ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجة (1460)، وأحمد 1/ 146، والبزار (694)، وأبو يعلى (331). وضعفه الألباني في "الإرواء" (269). (¬2) رواه ابن ماجة (1464)، وأحمد 6/ 267، والطيالسي (1634)، وإسحاق بن راهويه (914)، وابن الجارود (517)، وأبو يعلى (4494)، وابن حبان (6627). وحسنه الألباني في "الإرواء" (702). (¬3) كتب على هامش (ل): في سترة الميت عند غسله.

المصيصي الأعور الحافظ، قال أبو داود: بلغني أن ابن معين كتب عنه نحوًا من خمسين ألف حديث (عن) عبد الملك (بن جريجٍ قال: أُخْبِرْتُ) بضم الهمزة وكسر الباء وإسكان الراء (عن حَبيب) بفتح المهملة وتكرير الموحدة بينهما مثناة (ابن أبي ثابت) الأسدي ثقة مفتيًا مجتهدًا (عن عاصم بن ضَمْرة) بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم السَّلولي، بفتح السين المهملة. قال ابن معين: إن حبيبًا لم يسمع من عاصم، وأن بينهما رجلًا، بيَّن البزارُ الواسطة بينهما، وهو: عمرو بن خالد الواسطي، ووقع (¬1) في زيادات (¬2) (عن علي -رضي الله عنه-: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [لا تُبرز) بضم أوله (فخذك) وفي رواية: "لا تكشف فخذك" رواية] (¬3): "لا تبرزن" (¬4) فيه دليل على أن الفخذ عورة، ويدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم - لجرهد: "غط فخذيك، فإن الفخذ عورة". حسَّنه الترمذي (¬5). وأما انحسار [الإزار عن] (¬6) فخذِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في زقاق خيبر فهو محمولٌ على أنه انكشف لإجراء الفرس من غير قصد. وما في مسلم من كونه - صلى الله عليه وسلم - كان مضطجعًا في بيته كاشفًا عن فخذيه أو ¬

_ (¬1) في النسخ الخطية: وثقه. والمثبت من "التلخيص الحبير". (¬2) كذا في النسخ ولم يتم الكلام وسياقه كما في "التلخيص الحبير" 1/ 664 ووقع في زيادات: "المسند" وَفِي الدَّارَقُطْنِيُّ و"مُسْنَدِ الهَيْثَمِ بْنِ كلَيْبٍ" تَصْرِيحُ ابن جُرَيْجٍ بِإِخْبَارِ حَبِيبٍ لَهُ. اه. وقال ابن حجر بعده: وهو وهم في نقدي. (¬3) سقط من (ر). (¬4) في (ر): تبرزون. (¬5) "السنن" (2798). (¬6) في (ر): الأوزاعي.

ساقيه (¬1) لا حجة فيه؛ لأجل الشك (¬2). وفيه دليل على وجوب ستر الفخذ وغيره مما هو عورة. [(¬3) وهذا في غير الزوجة لما في مسند أحمد وغيره من السنن (¬4): "احفظ عورتك إلا من زوجتك وما ملكت يمينك". (ولا تَنْظُرْ إلى فخذِ حيٍ) (¬5) فيه تحريم النظر إلى ما لا يباح له النظر إليه من زوجة ورقيق ونحوهما، فإن وقع بصره على محرم من غير قصد فليصرف وجهه عنه سريعًا، لما في "صحيح مسلم" (¬6) عن جرير بن عبد الله قال: سألت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عن نظرةِ الفجأةِ؛ فأمرني أن أصرفَ بَصري (¬7). وكذا رواه الإمام أحمد (¬8) وأبو داود (¬9) والترمذي وصححه (¬10). وفي رواية لبعضهم: "أطرق بصرك" (¬11) يعني: انظر إلى الأرض. (ولا ميت) فيه دليل على سترِ الميت عند الغسل، بأن ينقل الميت إلى موضع خالٍ مستور فيغسل فيه، ولا يدخل فيه غير الغاسل ومن يعينه على غسله؛ لأنه كان يستر عند اغتساله في حياته فكذا يفعل به بعد موته، وإذا ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2401). (¬2) انظر: "المجموع" 3/ 170. (¬3) من هنا بدأ سقط من (ر). (¬4) "المسند" 5/ 3، 4، "سنن أبي داود" (4017)، "سنن الترمذي" (2769)، "سنن ابن ماجة" (1920). (¬5) بعدها في الأصل: نسخة: ولا تنظرنَّ. (¬6) سقط من الأصل. (¬7) (2159). (¬8) "المسند" 31/ 498. (¬9) (2148). (¬10) (2776). (¬11) انظر: "معالم السنن" 3/ 222.

لم يغسل في قميص فليستر جميع بدنه وإلا فما بين السرة والركبة للحديث. وقال أبو حنيفة: يجتنب فيه الفرج خاصة، ويكره للغاسل ولغيره النظر إلا لحاجة، وهذا فيما عدا بين السرة والركبة أما ما بينهما فحرام (¬1). [3141] (حَدَّثَنَا النفيلي، حَدَّثَنَا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، حدثني يحيى بن عبّاد) ثقة، لم يتكهل (عن أبيه عبّاد بن عبد الله ابن الزبير) بن العوام، أصدق الناس لهجة، كان على قضائه بمكة، وكان الناس يظنون إن حدث بعبد الله بن الزبير حدث أن يعهد إليه بالإمرة (¬2) (قال: سمعت عائشة) رضي الله عنها (تقول: لما أرادوا غَسلَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا: والله ما ندري أَنُجَرِّدُ) بضم النون وكسر الراء المشددة (رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - من ثيابه كما نُجِرِّدُ موتانا، أم نغسِّلُه وعليه ثيابه؟ ) فيه دليل على أنه كانَ معلومًا عندهم أن من ماتَ غيرَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - تنزع عنه ثيابه التي مات فيها، وبه استدل أبو حنيفة ومالك في رواية: أن غسل الميت مجردا أولى، وهو وجه في مذهب الشافعي، والصحيح عند الشافعي أن يلبس الميت قميصا يغسل فيه (¬3). قال الروياني: ومن الأصحاب من قال: الغسل في القميص للأشراف وذوي المروءات دون غيرهم، والمشهور التغسيل في قميص كما فعل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - والأصل عدم التخصيص كما هو مقرر (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: "بدائع الصنائع" 5/ 123. (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 14/ 137. (¬3) انظر: "اللباب" للضبي 1/ 316، "التمهيد" 2/ 159، "المجموع" 5/ 162. (¬4) انظر: "مغني المحتاج" 1/ 495.

(فلما اختلفوا ألقى الله تبارك وتعالى عليهم النوم) جميعهم (حتى ما منهم رجل إلا وذَقَنه) بفتح الذال المعجمة والقاف، وهو مجتمع اللحيين (في صدره) من غلبة النوم (ثم كلمهم مكلمٌ من ناحية البيت) لم يروا شخصه والا يدرون من هو) قيل: إنه الخضر (أنِ اغسلوا رسولَ - صلى الله عليه وسلم - وعليه ثيابه) أي قميصه الذي مات فيه. وفي رواية ابن حبان (¬1): فكان الذي أجلسه في حجره علي بن أبي طالب. وروى الحاكم عن عبد الله بن الحارث قالَ: غَسَلَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عليٌ وعلى يدِ عليٍ خرقةٌ فغسله، يدخل يده تحت القميص يغسله، والقميص عليه (¬2). (فقاموا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فغسلوه) أي: غسله عليٌ كما تقدم (وعليه قميصه) فيه دليل على أن المستحب أن يغسل الميت في قميص للحديث؛ لأن ما ثبت أنه سنة في حقه - صلى الله عليه وسلم - فهو سنة في حقنا حتى يثبت التخصيص، وما فعل به - عَلَيْهِ السَّلَامْ - هو الأكمل ولأن ذلك أستر في حق الميت وليكن القميصُ باليًا سخيفًا. وقال المزني: إن ذلك خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - لجلالته وعظم قدره وقال: إنه لا يعرف أحدًا قال: يغسل في قميص غير الشافعي -رضي الله عنه- (¬3) (يصبون الماء فوق القميص، ويدلكونه) الأصح (بالقميص دون أيديهم) (¬4) فعلى هذا يستحب أن يكون القميص رقيقا؛ لنزول الماء منه إلى البدن ولا يكون ¬

_ (¬1) انظر: "صحيح ابن حبان" 14/ 596 (6628). (¬2) عزاه إليه ابن حجر في "التلخيص الحبير" 2/ 250، ورواه البيهقي 3/ 388. (¬3) انظر: "مغني المحتاج" 1/ 495. (¬4) بعدها في (ع، ل) بأيديهم، وعليها علامة نسخة.

صفيقا يمنع وصول الماء إلى بدنه (وكانت عائشة تقول: لو استقبلتُ من أمري ما استدبرت) أي: لو كنت في أول أمري في غسله - صلى الله عليه وسلم - (ما غسله إلا نساؤه) قال القاضي: كانت تظن أن أبا بكر يغسله فلما غسله علي والعباس والفضل وأسامة قالت ذلك. وفيه دليل على أن المرأة تغسل زوجها. قالَ أصحابنا: وهو إجماع لم يخالف فيه إلا أحمد في رواية، ونقل الإجماع عليه ابن المنذر وغيره (¬1). وأخرج البيهقي عن عائشة قالت: توفي أبو بكر ليلة الثلاثاء لثلاث بقين من جمادى الأولى لثلاث عشرة وأوصى أن تغسله أسماء بنت عميس وضعفت فاستعانت بعبد الرحمن. وقال: رواية محمد الواقدي وإن كانت ضعيفة فله شواهد مراسيل (¬2)، وفي "الموطأ" (¬3) عن أسماء بنت عميس أنها غسلت أبا بكر. لكن إسناده منقطع. * * * ¬

_ (¬1) "الأوسط" 5/ 354. (¬2) "السنن الكبرى" 3/ 397. (¬3) 1/ 223.

33 - باب كيف غسل الميت

33 - باب كَيْفَ غُسْلُ المَيِّتِ 3142 - حَدَّثَنَا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ ح، وَحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمّادُ بْن زَيْدٍ - المَعْنَى - عَنْ أَيّوبَ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قالَتْ: دَخَلَ عَلَيْنا رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حينَ توُفِّيَتِ ابنتُهُ فَقالَ: "اغْسِلْنَهَا ثَلاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ - إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ - بِماءٍ وَسِدْرٍ واجْعَلْنَ في الآخِرَةِ كافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كافُورٍ فَإِذا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي" .. فَلَمّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فَأعَطْانَا حَقْوَهُ فَقالَ: "أَشْعِرْنَها إِيَّاهُ" .. قالَ: عَنْ مالِكٍ يَعْني: إِزارَهُ، وَلَمْ يَقلْ مُسَدَّدٌ: دَخَلَ عَلَيْنا (¬1). 3143 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ وَأَبُو كَامِلٍ - بِمَعْنَى الإِسْنادِ - أَنَّ يَزِيدَ بْنَ زُرَيْعٍ حَدَّثَهُمْ، حَدَّثَنَا أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ حَفْصَةَ أُخْتِهِ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قالَتْ: مَشَطْنَاها ثَلَاثَةَ قرُونٍ (¬2). 3144 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا هِشامٌ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قالَتْ: وَضَفَّرْنَا رَأْسَها ثَلَاثَةَ قُرُونٍ ثُمَّ أَلْقَيْنَاهَا خَلْفَهَا مُقَدَّمَ رَأْسِها وَقَرْنَيْها (¬3). 3145 - حَدَّثَنَا أَبُو كامِلٍ وَحَدَّثَنَا إِسْماعِيلُ، حَدَّثَنَا خالِدٌ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ لَهُنَّ فِي غُسْلِ ابْنَتِهِ: "ابْدَأْنَ بِمَيامِنِهَا وَمَواضِعِ الوُضُوءِ مِنْهَا" (¬4). 3146 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ بِمَعْنَى حَدِيثِ مالِكٍ زادَ في حَدِيثِ حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ عَطَيَّةَ بِنَحْوِ هَذَا ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1253)، ومسلم (939). (¬2) رواه البخاري (1253)، ومسلم (939). (¬3) رواه البخاري (1254). (¬4) رواه البخاري (167)، ومسلم (939/ 43).

وَزادَتْ فِيهِ: "أَوْ سَبْعًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّهُ" (¬1). 3147 - حَدَّثَنَا هُدْبَة بْن خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ الغُسْلَ، عَنْ أُمِّ عَطَيَّةَ يَغْسِلُ بِالسِّدْرِ مَرَّتَيْنِ والثّالِثَةَ بِالمَاءِ والكافُورِ (¬2). * * * باب كيف غسل الميت [3142] (حَدَّثَنَا القعنبي، عن مالك، وحَدَّثَنَا مسدد، قال: حَدَّثَنَا حماد، المعنى، عن أيوب) بن أبي تميمة السختياني، سمي بذلك؛ لأنه كانَ يبيعُ الجلود (¬3). قالَ ابنُ سيرينَ (¬4): لقيتُ ستةً وثمانينَ تابعيًّا ما لقيتُ منهم مثل أيوب. (عن محمد بن سيرين، عن أم عطية) نسيبة الأنصارية بنت كعب وكانت مغسلة للميتات (قالت: دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ونحن نغسل ابنته زينب بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - زوجة أبي العاص، وقيل: هي أم كلثوم لما سيأتي في أبي داود، والصحيح الأول؛ لأن أم كلثوم توفيت والنبي - صلى الله عليه وسلم - غائب ببدر (¬5)، وفيه دليل على تغسيل المرأة للمرأة (حين توفيت ابنتُه، فقال: اغسلنها ثلاثًا، أو خمسًا، أو أكثر من ذلك، إن رأيتُن ذلكِ) بكسر الكاف، فيه استحباب الأوتار في غسل الميت، وأن ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1259)، ومسلم (939/ 39). (¬2) رواه البيهقي 3/ 389 من طريق المصنف. (¬3) انظر: "التمهيد" لابن عبد البر 1/ 339. (¬4) هكذا في الأصل، وفي "تهذيب الكمال" 3/ 461 وغيره من المصادر: ابن عيينة. (¬5) انظر: "عمدة القاري" 8/ 58.

أقل ذلك ثلاث مرات، وليس لذلك حد يوقف عنده وأنه يرجح قول مالك والشافعي أو سبعًا أو أكثر من ذلك. قال ابن عبد البر: لا نعلم أحدًا من العلماء قال بمجاوزة سبع غسلات في غسل الميت (¬1). وقد قال بعض المالكية: إن قوله: "إن رأيتن" يقتضي إخراج ظاهر الأمر بالغسل عن الوجوب؛ لأنه فوضه إلى نظرهن. وهذا فيه بعد، بل السابق للفهم عود هذا الشرط إلى الأقرب به وهو قوله: "أكثر من ذلك". أو إلى التخيير في الأعداد السابقة. والظاهر أن هذا الأمر أمر تعليم قاله القرطبي. (بماءٍ وسدرٍ) احتج به من يجيز غسل الميت بماء الورد وماء القرنفل، قالوا: وإنما يكره الغسل بهما من ناحية السرف، وإلا فهو جائز إذا لم يغسل ليطهر، بل هو إكرام للقاء الملكين. والجمهور على أن غسله بذلك لا يجوز، وأن ذلك لا يفهم من الحديث؛ لأنه محمول عندهم على أن يغتسل أولًا بالماء القَراح فتتم الطهارة، وفي الثانية بالماء والسدر للتنظيف، وفي الثالثة بالماء والكافور للتطييب. قال القاضي عياض: وهذا حقيقة مذهب مالك (¬2) وكذا مذهب الشافعي فيستعان في الغسلة الأولى بسدر أو خطمي؛ لأنه يقوم مقامه ثم يصب عليه الماء لإزالة السدر، ثم يصب عليه الماء القراح. والغسلة الأولى التي بالماء والسدر لا تحسب خلافًا لأبي إسحاق. وظاهر الحديث أن الماء والسدر في الجميع ويتكرر الماء والسدر ¬

_ (¬1) "التمهيد" 1/ 373. (¬2) انظر: "إكمال المعلم" 3/ 384.

إلى الإنقاء، وإذا حصل الإنقاء وجب غسله بالماء القراح، ويستحب بعده ثانية وثالثة كما في غسل الحي (واجعلن في) الغسلة (الآخرة كافورًا، أو شيئًا من كافور) لئلا يتفاحش فيتغير الماء به؛ فإن كان صلبًا وتفاحش التغير به لم يضر، ويوضع الكافور في الماء (¬1)، قال به جماعة العلماء إلا أبا حنيفة والأوزاعي فإنهما رأيا ذلك في الحنوط لا في الغسل. وفائدة تخصيص الكافور: تبريده، ويصلب البدن، ومنعه من سرعة التغير، فإن عدمه قام غيره مقامه من الطيب، [وروى ابن أبي شيبة والحاكم من طريق أبي وائل عن علي أنه كان عنده مسك وأوصى به أن يحنط به، وقال: هو فضل حنوط النبي - صلى الله عليه وسلم -] (¬2) (¬3)، وهذا فيه إكرام للميت وإعداد له للقاء الملائكة الكرام. (فإذا فرغتن) من غسلها (فآذِنَّنِي، فلما فرغنا آذناه) أي: أعلمناه، (فأعطانا حَقْوَهُ) بفتح الحاء المهملة، هذا هو المعروف من كلام العرب، وقالته هذيل بكسر الحاء، والمراد به هنا: الإزار وهو المئزر الذي يشد على الحقو وهو معقد الإزار، وجمعه أحقاء كدلو وأدلاء فسمي الإزار باسم الحقو الذي يشد عليه على التوسع (فقال: أَشْعِرْنَها) بفتح الهمزة وكسر العين (إياه) أي: اجعلنه مما يلي جسدها، والشعار هو الثوب الذي يلي الجسد، والدثار الذي يلي الشعار فوقه (¬4). ¬

_ (¬1) في النسخ الخطية: الماء في الكافور. ولعلها انقلبت على الشارح. (¬2) سقط من (ر). (¬3) انظر: "المفهم" 2/ 594. (¬4) "مصنف ابن أبي شيبة" 7/ 159 (11146)، "المستدرك" 1/ 460.

(قال عن مالك: يعني إزاره) الذي كان عليه (ولم يقل مسدد: دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) (¬1). [3143] (حَدَّثَنَا أحمد بن عبدة) الآملي صدوق (وأبو كامل) فضيل بن حسين الجحدري روى له البخاري المعنى (أن يزيد بن زريع حدثهم قال: حَدَّثَنَا أيوب) السختياني (عن محمد بن سيرين، عن حفصة) بنت سيرين (أخته) وأخت أنس بن سيرين (عن أم عطية قالت: مَشَطْنَاها) بتخفيف الشين (ثلاثة قرون) قال بهذا الشافعي وأحمد وإسحاق. وقال الأوزاعي: لا يجب، أي بل يستحب أن يسرح شعر المرأة والرجل بمشط واسع الأسنان برفق، ويرد المنتتف إليه، ويجعل شعر المرأة ثلاثة ذوائب. [3144] (حَدَّثَنَا محمد بن المثنى، قال: حَدَّثَنَا عبد الأعلى، قال: حَدَّثَنَا هشام، عن حفصة بنت سيرين، عن أم عطية، قالت: وَضَفَّرنا) شعر (رأسها ثلاثة قرون) ذوائب، تضفير شعرها بعد تسريحه خير من استرساله وانتشاره؛ لأن التضفير يضمه ويجمعه (ثم ألقيناها خلفها) يعني: الثلاثة (مُقَدَّمَ) بالنصب، شعر (رأسِها) وهو ناصيتها (وقرنيها) أي: جعلت ناصيتها ضفيرة وشعر جانبي رأسها ضفيرتين. قال الشافعي وأحمد: يضفر شعر رأس (¬2) المرأة ثلاث ضفائر: ناصيتها وقرناها، ثم يلقى خلفها كما في الحديث. وقال ابن القاسم في "العتبية": يلف شعر (¬3) المرأة، وأما الضفر فلا ¬

_ (¬1) جاء هنا في الأصل (باب كيف غسل الميت) وليس في المطبوع. (¬2) و (¬3) سقط من (ر).

أعرفه. وقال الكوفيون: يرسل من بين يديها من الجانبين عند يديها. وقال أبو حنيفة: يكره ذلك، ولكنه ترسله الغاسلة غير مضفور. وسبب هذا الخلاف أن الفعل الذي فعلته أم - صلى الله عليه وسلم - هل هي فيه مستندة إلى إذن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو شيء رأته ووافقتها النساء ولم يعلم بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ والأصل أن لا يفعل في الميت شيء من جنس القرب إلا بإذن من الشرع محقق (¬1). [3145] (حَدَّثَنَا أبو كامل قال: حَدَّثَنَا إسماعيل) ابن علية قال: (حَدَّثَنَا خالد) بن مهران الحذاء (عن حفصة بنت سيرين، عن أم عطية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لهن) أي: اللاتي غسلن ابنته، وفيه أن النساء أحق بغسل المرأة من الرجال حتى أنهن أحق من الزوج (ابدأن (¬2) بميامنها) الابتداء باليمنى على أصل الشريعة في استحباب ذلك في العبادات (ومواضع الوضوء منها) لفضل (¬3) أعضاء الوضوء؛ لأن الغرر والتحجيل يكون فيها، والمراد بمواضع الوضوء عند الشافعي ومالك الوضوء قبل غسل الجسد، ومنه المضمضة والاستنشاق فإنهما من مواضع الوضوء. وقال أبو حنيفة رحمه الله: لا يوضأ الميت، ولعله حمل مواضع الوضوء (¬4) على غسلها مع الجسد. [3146] (حَدَّثَنَا محمد بن عبيد) بن [حساب الغبري] (¬5)، قال أبو ¬

_ (¬1) انظر: "المفهم" 2/ 595. (¬2) بعدها في الأصل: نسخة: ابدين. (¬3) في (ر): لقصد. (¬4) سقط من الأصل. (¬5) في الأصل: (حسان العنبري). والمثبت من "تهذيب الكمال" 26/ 60 (5441).

داود: عندي حجة. قال: (حَدَّثَنَا حماد، عن أيوب، عن محمد) بن سيرين (عن أم عطية -رضي الله عنها- بمعنى) (¬1) بذلك (حديث مالك) المتقدم (زاد في حديث حفصة، عن أم عطية بنحو هذا، وزادت فيه) بعد قولها: اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا (أو سبعًا أو أكثر من ذلكِ) بكسر الكاف (إن رأيتنه) إلى آخره. [3147] (حَدَّثَنَا هدبة بن خالد، قال: حَدَّثَنَا همام، قال: حَدَّثَنَا قتادة، عن محمد بن سيرين: أنه كان يأخذ الغُسل) يعني: كيفية غسل الميت (عن أم عطية) قال (يغسل بالسدر مرتين) لعل هذِه الرواية مبينة للرواية المتقدمة وفيها: "اغسلنها ثلاثًا بماء وسدر، واجعلن في الأخيرة كافورًا". وعلى هذا فيكون الثلاث غسلات منها ثنتان بماء وسدر، والثالثة بالماء والكافور. قال في "البيان" (¬2): يجعل الكافور في الماء لمن لم يكن محرمًا، فيستثنى هذا من قوله (والثالثة بالماء والكافور) وأغرب الجرجاني حيث قال في "التحرير": يستحب أن يكون في الأول شيء من سدر، وفي الثانية شيء من كافور، والثالثة بالماء القراح. [(¬3) قال النووي: وهذا منابذ للحديث الصحيح (¬4). * * * ¬

_ (¬1) في النسخ الخطية: يعني. وعليه أجرى سياق الكلام. (¬2) "البيان" للعمراني 3/ 48. (¬3) من هنا بدأ سقط في (ر). (¬4) "المجموع" 5/ 175.

34 - باب في الكفن

34 - باب في الكَفَنِ 3148 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابن جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يُحَدِّثُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ خَطَبَ يَوْمًا فَذَكَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحابِهِ قُبِضَ فَكُفِّنَ فِي كَفَنٍ غَيْرِ طَائِلٍ وَقُبِرَ لَيلًا فَزَجَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُقْبَرَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إِنْسانٌ إِلَى ذَلِكَ وقالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ" (¬1). 3149 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا الزُّهْريُّ، عَنِ القاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: أُدْرِجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي ثَوْبٍ حِبَرَةٍ ثُمَّ أُخِّرَ عَنْهُ (¬2). 3150 - حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْن الصَّبَّاحِ البَزَّارُ، حَدَّثَنَا إِسْماعِيلُ - يَعْنِي: ابن عَبْدِ الكَرِيمِ - حَدَّثَنِي إِبْراهِيمُ بْنُ عَقِيلِ بْنِ مَعْقِلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وَهْبٍ - يَعْنِي: ابن مُنَبِّهٍ - عَنْ جابِرٍ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِذَا تُوُفِّيَ أَحَدُكُمْ فَوَجَدَ شَيْئًا فَلْيُكَفَّنْ في ثَوْبٍ حِبَرَةٍ" (¬3). 3151 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامٍ قال: أَخْبَرَنِي أَبِي أَخْبَرَتْني عَائِشَةُ قَالَتْ: كُفِّنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في ثَلَاثَةِ أَثْوابٍ يَمَانِيَةٍ بِيضٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلا عِمامَةٌ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (943). (¬2) "المسند" 6/ 161 (25319)، والنسائي في "الكبرى" (7118)، وأبو يعلى (4582)، وابن حبان (6626)، والبيهقي 3/ 562. ورواه مسلم (942) بلفظ: سُجِّي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ مَاتَ بِثَوْبِ حِبَرَةٍ. (¬3) رواه أحمد 3/ 335 (14641). وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (6585). (¬4) رواه البخاري (1264)، ومسلم (941).

3153 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَة بْن سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ مِثْلَهُ زَادَ مِنْ كُرْشفٍ. قال: فَذُكِرَ لِعائِشَةَ قَوْلُهُمْ فِي ثَوْبَيْنِ وَبُرْدِ حِبَرَةٍ فَقَالَتْ قَدْ أُتِي بِالبُرْدِ وَلَكِنَّهُمْ رَدُّوهُ وَلَمْ يُكَفِّنُوهُ فِيهِ (¬1). 3153 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَعْثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ قَالَا: حَدَّثَنَا ابن إِدْرِيسَ، عَنْ يَزِيدَ -يَعْني: ابن أَبي زِيادٍ- عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قال: كُفِّنَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في ثَلاثَةِ أَثْوابٍ نَجْرانِيَّةٍ الحُلَّة ثَوْبانِ وَقَمِيصُهُ الذي ماتَ فِيهِ. قالَ أَبُو دَاوُدَ: قالَ عُثْمانُ: في ثَلاثَةِ أَثْوابٍ حُلَّةٍ حَمْراءَ وَقَمِيصِهِ الذي ماتَ فِيهِ (¬2). * * * باب في الكفن [3148] (حَدَّثَنَا أحمد بن حنبل، قال: حَدَّثَنَا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن جريجٍ، عن أبي الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه خطب يومًا، فذكر) في خطبته (رجلًا من أصحابه قُبِضَ) رواية النسائي (¬3): مات (فَكُفِّنَ في كفَنٍ غيرِ) بالجر صفة (طائلٍ) أي: ليس بحسن، وهذا مما لا يُتكلم فيه إلا في الجحد (¬4) (وقُبِرَ ليلًا، فزجرَ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (941). (¬2) رواه ابن ماجة (1471)، وأحمد 1/ 222، أبو يعلي (2655). قال في "الخلاصة" (3375): رواه أبو داود وابن ماجة بإسناد ضعيف. وقال في "البدر المنير" 5/ 213: هو حديث ضعيف؛ لأجل يزيد بن أبي زياد المذكور في إسناده فإنه تفرد به، ولا يحتج به لضعفه، لا سيما وقد خالف رواية الثقات فيها. (¬3) (السنن) 4/ 33. (¬4) انظر: "شرح أبي داود" للعيني 6/ 77.

النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن يُقْبَرَ الرجل بالليل) لم يبين سبب الزجر عن الدفن ليلًا (حتى يُصلَّى) بفتح اللام (عليه) لا يكره الدفن ليلًا إلا إذا أدى إلى ترك الصلاة عليه أو قلة المصلين عليه، أو أدى ذلك إلى دناءة الكفن ونحو ذلك وإلا فلا يكره، لكن الدفن بالنهار أفضل وهو قول جمهور العلماء إلا الحسن البصري فقد كرهه ليلا لهذا الحديث، وهذا في المسلمين، أما أهل الذمة فلا يمكنون من إخراج جنائزهم نهارا، وعلى قول الجمهور فهو محمول على الصور المذكورة (¬1) (إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك) فيجوز الدفن للضرورة في الليل فإن الضرورة تبيح المكروه (وقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: إذا كفن أحدُكم أخاه فليُحَسِّن) ضبط بوجهين: فتح الحاء مع التشديد، وسكون الحاء مع التخفيف، والفتح أصوب. (كَفنه) ضبط بوجهين: سكون الفاء، يعني: التكفين، وبفتحها يعني الكفن نفسه وهو أولى، ورواية الترمذي: "إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه". ثم قال: حديث حسن. وقال ابن المبارك: قال سلام بن أبي مطيع في قوله: "وليحسن أحدكم كفن أخيه" قال: هو الصفاء وليس المرتفع (¬2). قال في "المطلب": المراد بحسنه: بياضه ونظافته وسبوغه وكثافته، وتكره المغالاة في الكفن (¬3) كما سيأتي. [3149] (ثنا أحمد بن حنبل، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا الأوزاعي، ¬

_ (¬1) انظر: "المفهم" (2/ 601 - 602). (¬2) "سنن الترمذي" (995). (¬3) انظر: "المجموع" للنووي 5/ 197.

قال: ثنا الزهري، عن القاسم بن محمد، عن عائشة قالت: أُدْرِج رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في ثوبِ حِبَرةٍ) بالإضافة - بكسر الحاء وفتح الباء الموحدة - على وزن عنبة، وهي من برود اليمن كما تقدم. (ثم أُخِّرَ عنه) وفي رواية لمسلم (¬1): أدرج رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في حلة يمنية كانت لعبد الله بن أبي بكر ثم نزعت عنه وكفن في ثلاثة أثواب. قال القرطبي: اختلف في القميص الذي غسل فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - ونزع عنه، فقال بعض العلماء: أنه نزع عنه حين كفن، وستر بالأكفان الثلاثة؛ لأنه كان مبلولًا وهذا هو الصواب الذي لا يتجه غيره؛ لأنه لو بقي بعد رطوبته لأفسد الأكفان (¬2). [3150] (ثنا الحسن) بن علي (¬3) (بن الصباح البزار) قال (ثنا إسماعيل ابن عبد الكريم) بن معقل، ليس به بأس. (حدثني إبراهيم بن عَقيل) بفتح العين اليماني وثق. (عن أبيه) عقيل ابن معقل، وثقه أحمد وقال: قرأ التوراة والإنجيل (عن) عمه (وهب بن منبه، عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إذا توفي أحدكم فوجد شيئًا) أي وجد الوارث في ماله (فليكفَّن في ثوب (¬4) حبرةٍ) مأخوذ من التحبير وهو التحسين وفي حديث أبي هريرة حين قال: ¬

_ (¬1) (941). (¬2) "المفهم" 2/ 601. (¬3) كذا في الأصول، والحسن بن علي رجل آخر غير ابن الصباح روى عنه أبو داود أيضًا. انظر ترجمتهما في "تهذيب الكمال" 6/ 191، 6/ 259. (¬4) سقط من الأصل والمثبت من المطبوع.

"لا آكل الخمير ولا ألبس الحبير" (¬1). وهو من البرود ما كان محسنًا مخططا قد يعارضه ما رواه المصنف وغيره: "خير ثيابكم البياض". في رواية النسائي (¬2) في تحسين الكفن "البسوا [من ثيابكم البياض] (¬3) فإنها أطيب وأطهر، وكفنوا فيها موتاكم" ورواية ابن ماجة (¬4): "إن أحسن ما زرتم الله في قبوركم ومساجدكم بالبياض" قال الغزالي: وليكن جنسه يعني: الكفن القطن والكتان (¬5). قال الرافعي: وما في معناهما (¬6). [3151] (حَدَّثَنَا أحمد بن حنبل، حَدَّثَنَا يحيى بن سعيد، عن هشام بن عروة، قال: أخبرني أبي) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كفِّنَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثة أثواب يمانية) بتخفيف الياء الثانية (بيضٍ) يدل على استحباب البياض لما تقدم في الحديث قبله، والكفن في غيره جائز لكن البياض أولى (ليس فيها قميصٌ ولا عمامة) حمله الشافعي على أن ذلك ليس بموجود في الكفن، وحمله مالك وأبو حنيفة: على أنه ليس بمعدود فيه وأن القميص والعمامة زائدان على الثلاثة الأثواب، وعلى هذا فيدرج في الثلاثة إدراجًا (¬7). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3708). (¬2) "سنن النسائي" 4/ 34. (¬3) سقط من الأصل والمثبت من "سنن النسائي". (¬4) (3568). (¬5) "الوسيط" 2/ 370. (¬6) "العزيز شرح الوجيز" للرافعي 2/ 409. (¬7) انظر: "المفهم" 2/ 599.

[3152] (حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد، قال حَدَّثَنَا حفص) بن غياث النخعي قاضي الكوفة (عن هشام بن عروة، عن أبيه) الزبير (¬1) (عن عائشة مثلَه، زاد: من كُرْسُفٍ) أي: قطن. وفيه دليل على استحباب كفن القطن. (قال: فذُكر لعائشة قولهُم: في ثوبين وبُرد حِبَرةٍ) رواية النسائي (¬2): وبرد من حبرة (قالت: قد أُتيَ بالبُرد) من الحبرة (ولكنهم) تعني: الصحابة (ردوه ولم يكفنوه فيه) رواية مسلم (¬3): أما الحلة فإنما شبه على الناس أنها اشتريت له ليكفن فيها فتركت. قال الخليل: الحبرة (¬4) ضرب من برود اليمن (¬5). قال أبو عبيد: هي برود اليمن (¬6). [3153] (حَدَّثَنَا أحمد بن حنبل وعثمان بن أبي شيبة، قالا: ثنا عبد الله ابن إدريس) بن يزيد الأودي (عن يزيد بن أبي زياد) قيل: كان قد تغير، (عن مِقسم) بكسر الميم بن بجرة (¬7) مولى عبد الله بن الحارث الهاشمي التابعي (عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كُفِّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثة أثواب نَجْرانية) بفتح النون وإسكان الجيم، نسبة إلى نجران اليمن وهجر (الحُلَّةُ ثوبان) إزار ورداء. قال أهل اللغة: لا تكون الحلةُ إلا ثوبين (¬8) (وقميصه الذي مات فيه) ¬

_ (¬1) هكذا بالنسخ والصواب: (عروة بن الزبير). (¬2) 4/ 35. (¬3) (941). (¬4) في الأصول: الحلة. والمثبت من "العين". (¬5) "العين" 3/ 218. (¬6) في "غريب الحديث" لأبي عبيد 1/ 228: وأما الحلل فإنها برود اليمن. (¬7) في الأصل (يحيى) والمثبت من "توضيح المشتبه" لابن حجر 1/ 367. (¬8) في الأصول: ثوبان. والجادة المثبت.

وهذا مخالف لحديث عائشة المتقدم، فقد نصت على أنه لم يكفن في الحلة، ونصت على أنها ليست فيها قميص ولا عمامة، وقد يستدل للتكفين في القميص بحديث جابر في قصة عبد الله بن أبي، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى ابنه القميص الذي كان على النبي - صلى الله عليه وسلم - فكفنه فيه، ويستثنى في القميص المحرم فلا يلبس المخيط، وقد يحمل الحديث على أن عائشة أرادت بالحلة اليمانية التي كانت لعبد الله بن أبي بكر فأدرج فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم نزعت عنه كما تقدم عن رواية مسلم، وأرادت بالقميص الذي غسل فيه ثم نزع عنه وعلى هذا فلا معارضة والله أعلم. (قال أبو داود: قال عثمان: في ثلاثة أثواب: وهي حلة حمراء وقميصه) بالجر (الذي مات فيه) يحتمل أن يراد بالحلة المتقدمة في الحديث قبله أن تكون حمراء أو مخططة بالأحمر أو طرفاها أحمرين (¬1). * * * ¬

_ (¬1) في الأصول: أحمران. والجادة المثبت.

35 - باب كراهية المغالاة في الكفن

35 - باب كَراهِيَةِ المُغَالَاةِ فِي الكَفَنِ 3154 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ المُحَارِبيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ هاشِمٍ أَبُو مالِكٍ الجَنْبيُّ، عَنْ إِسْماعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عامِرٍ، عَنْ عَليِّ بْنِ أَبِي طالِبٍ قال: لا تَغْالِ لي في كَفَنٍ فَإِنِي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُول: "لَا تَغَالَوْا فِي الكَفَنِ فَإِنَّهُ يُسْلَبُهُ سَلْبًا سَرِيعًا" (¬1). 3155 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي وائِلٍ، عَنْ خَبَّابٍ قَالَ: إِنَّ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا نَمِرَةٌ كُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَ رِجْلَاهُ كَذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "غَطُّوا بِهَا رَأْسَهُ واجْعَلُوا عَلَى رِجْلَيْهِ شَيْئًا مِنَ الإِذْخِرِ" (¬2). 3156 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْن صَالِحٍ، حَدَّثَنِي ابن وَهْبٍ، حَدَّثَنِي هِشَامُ بْن سَعْدٍ، عَنْ حاتِمِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "خَيْرُ الكَفَنِ الحُلَّةُ، وَخَيْرُ الأُضْحِيَةِ الكَبْشُ الأقْرَنُ" (¬3). * * * باب كراهية المغالاة في الكفن [3154] (حَدَّثَنَا محمد بن عبيد) بن محمد بن واقد (المُحَاربي) الكوفي، قال ابن حبان في "الثقات": مات سنة خمس وأربعين ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي الدنيا في "مقتل علي" (77)، وابن زبر الربعي في "وصايا العلماء عند حضور الموت" (ص 40). ورواه البيهقي 3/ 403 من طريق المصنف. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (6247). (¬2) رواه البخاري (1276)، ومسلم (940). (¬3) رواه وابن ماجة (1473)، والبزار (2711)، والشاشي (1310). وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (2881).

ومائتين (¬1). (قال: حَدَّثَنَا عمرو بن هاشم أبو مالك الجنْبي) بضم (¬2) الجيم وسكون النون بعدها موحدة، نسبة إلى جنبة (¬3) قرية باليمن، شيخ ابن معين، قال أحمد وغيره: صدوق (¬4). (عن إسماعيل بن أبي خالد) قيل: هو هرمز. وقيل: سعد. الحافظ الإمام، مات بالكوفة، كان طحانًا (عن عامر) الشعبي، قال الدارقطني: إنه لم يسمع (¬5) من عليٍ سوى حديثٍ واحدٍ. وقيل: إنه منقطع (عن علي بن أبي طالب ل -رضي الله عنه- قال: لا تُغالِي) (¬6) بضم وكسر، وبضم التحتانية وفتح اللام (في كفن؛ فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تُغالُوا) بضم التاء واللام، وبفتحهما أصله: تتغالوا (في الكفن) أي: لا تشتروه بثمن غالٍ. استدل به على كراهة المغالاة في الكفن، يعني: إذا اشتراه من ماله، فإذا اشتراه من تركة الميت وكان مديونًا أو الوارث صغيرًا أو مجنونًا أو غائبًا ونحو ذلك فإنَّ المغالاةَ فيه حرامٌ، والأصلُ في النهي التحريم. وروى ابن سعد (¬7) عن القاسم بن محمد بن أبي بكر قال: قال أبو ¬

_ (¬1) "الثقات" 9/ 108. (¬2) هكذا في الأصل وفي "التقريب" لابن حجر (5126): بفتح. (¬3) الذي في "الأنساب" 3/ 341: بفتح الجيم وسكون النون وفي آخرها الباء المنقوطة بواحدة وهذه النسبة إلى جنب قبيلة من اليمن. (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 22/ 274. (¬5) سقط من الأصل، والمثبت من "التلخيص الحبير" 2/ 256. (¬6) هكذا بالأصل، وفي المطبوع: لا تغال لي. (¬7) انظر: "الطبقات الكبرى" 3/ 205.

بكر: كفنوني في ثوبيّ اللذين كنت أصلي فيهما. يقصد التبرك بهما (فإنه يُسلبُ منه) نسخة: يسلبه (¬1) (سَلْبًا) بفتح السين وسكون اللام، أي: يختلس منه ويذهب عنه بالانمحاق (سريعًا) ومنه يقال: شجر سلب. إذا سقط عنه ورقه. قال أصحابنا: يعتبر في الأكفان المباحة حال الميت، فإن كان ماله كثيرًا كفن من خيار الثياب للحديث المتقدم"فليحسن كفنه" هذا على رواية فتح الفاء. وأما من سكّنها فالمراد التحسين في فعل التكفين من الإسباغ والعموم والكثرة في العدد المشروع ونحو ذلك، وإن كان الميت متوسطًا فمن وسط الأكفان، وإن كان فقيرًا فيكره المغالاة له (¬2). [3155] (حَدَّثَنَا محمد بن كثير قال: أنبأنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل) شقيق (عن خباب) بن الأرت -رضي الله عنه- (قال: إن مصعب بن عمير) بن هاشم القرشي، أول من جمع الجمعة بالمدينة قبل الهجرة (قتل (¬3) يوم أحد) شهيدًا وله أربعون سنة (¬4) (ولم يكن له إلا نَمِرَةٌ) بفتح النون وكسر الميم: كساء مخطط بسواد، سميت بذلك لشبهها بالنمر، وقيل: أسود. وفي رواية لمسلم (بردة) (¬5) بدل (نمرة) (كنا إذا غطينا بها رأسه خرجتا رجلاه) هكذا لغة أكلوني البراغيث (خرجتا): بزيادة ¬

_ (¬1) قلت: وهي المثبتة في النسخ المطبوعة. (¬2) في (ر): به. وانظر: "روضة الطالبين" 2/ 623. (¬3) سقط من (ر). (¬4) انظر: "جامع الأصول" لابن الأثير 12/ 851. (¬5) لم أقف على هذِه اللفظة من رواية مسلم، وإنما هي عند البخاري (1276)، وتبع الشارح في فعله هذا ابن حجر.

الألف علامة التثنية مع ظهور الفاعل وهو رجلاه، وهذِه لغة أكلوني البراغيث. وقد جاء في الحديث الصحيح: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار" (¬1). واللغة المشهورة أن يقال كما في الصحيح: خرجت رجلاه (¬2). والله تعالى أعلم. (وإذا غطينا رجليه خرج رأسه) فيه ما كانت أكابر الصحابة -رضي الله عنهم - من شدة العيش في المؤنة وكثرة الخشونة (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: غطوا بها رأسه) قد يستدل به على أن الكفن من رأس المال، وهو قول عامة علماء الأمة، إلا ما حكي عن طاوس أنه من الثلث [إن كان المال قليلا (¬3)، وإلا ما حُكيَ عن بعض السلف أنه من الثلث] (¬4) على الإطلاق (¬5)، ولم يتابعا على هاتين المقالتين. وفيه أن الكفن إذا ضاق عن ستر الميت كان تغطية رأسه ووجهه أولى إكرامًا للوجه وسترًا لما يظهر عليه من تغير محاسنه (¬6)، وإن ضاق عن الوجه والعورة بدئ بالعورة؛ لأن سترها واجب وستر غيرها ليس بواجب. وقد استدل به لما قاله الجمهور أنه يجزئ من الكفن ما يستر العورة كالحي (¬7). فإن قيل: لعل مصعبًا لم يكن له سوى النمرة، كما هو ظاهر الحديث ¬

_ (¬1) رواه البخاري (7429) ومسلم (632). (¬2) "صحيح البخاري" (1276)، "صحيح مسلم" (940). (¬3) رواه عبد الرزاق 3/ 435 (6226). (¬4) سقط من (ر). (¬5) رواه عبد الرزاق 3/ 435 (6225) من قول خلاس بن عمرو. (¬6) في (ر): نجاسته. (¬7) انظر: "إكمال المعلم" 2/ 391.

فجوابه من وجهين: أحدهما: أنه يبعد ممن خرج للقتال أن لا يكون له غيرها من سلاح وعدة يشترى بها كفن. والثاني: أنه لو لم يكن له غيرها وكان ستر جميعه واجبًا على أحد الوجهين عند الشافعي لوجب تتميمه من بيت المال، فإن لم يكن شيء في بيت المال فعلى أغنياء المسلمين (¬1). (واجعلوا على رجليه شيئًا من الإِذْخِر) بكسر الهمزة والخاء وسكون الذال المعجمة بينهما، وهو نبت طيب الرائحة. فيه ستر ما لا يغطى من الميت بشيء من الحشيش ونحوه ولا يترك مكشوفًا. [3156] (حَدَّثَنَا أحمد بن صالح قال: حدثني ابن وهب قال: حدثني هشام بن سعد) قال أحمد: لم يكن بالحافظ (¬2). (عن حاتم بن أبي نصر) لم يرو عنه إلا هشام بن سعد فلذا غمزه ابن القطان بالجهالة (¬3). (عن عبادة ابن نُسَيّ) بضم النون وفتح السين المهملة مصغر، الكندي، قاضي طبرية، ولاه عبد الملك قضاء الأردن، ثم لما استخلف عمر بن عبد العزيز ولاه جند الأردن. قال مسلمة بن عبد الملك: في كندة ثلاثة يسقى بهم الغيث وينصر بهم على الأعداء: ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع شرح المهذب" 5/ 193. (¬2) "الجرح والتعديل" 9/ 61 (241). (¬3) "بيان الوهم والإيهام" 3/ 413.

رجاء ابن حيوة، وعبادة بن نسي، وعدي بن عدي (¬1). أهدى له خصم قلة عسل فقضى عليه ثم قال: يا فلان ذهبت القلة (¬2). (عن أبيه) نُسَيّ الكندي (عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: خير الكفن الحلة) تقدم عن اللغة لا تكون الحلة إلا من ثوبين إزار ورداء. هذا مقيد بحديث ابن عباس المتقدم: كفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثة أثواب نجرانية: الحلة ثوبان، وقميصه (¬3). وخير الكفن ما كفن فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (وخير الأضحية الكبش الأقرن) وصفه بالأقرن لأنه أكمل وأحسن صورة، ولأن قرنه يشفع به. وفيه حجةٌ لمالك على أنَّ الأضحيةَ بالغنم أفضل من الإبل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضحى بكبشين (¬4). قال ابن عبد البر: والدليل على أن الكبش أفضل ما يضحى به ما رواه أبو هريرة قال: نزل جبريل على النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كيف رأيت نسكنا يا جبريل؟ " فقال: لقد تباهى (¬5) به أهل السماء، اعلم [يا محمد] (¬6) أن الجذع من الضأن خير من الثني من الإبل والبقر، ولو علم الله ذبحًا خيرًا منه لفدى به ابن إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامْ - (¬7). ¬

_ (¬1) رواه أبو زرعة الدمشقي في "تاريخه" ص 143 (662). (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 14/ 197. (¬3) سبق قريبًا برقم (3153). (¬4) رواه البخاري (5553)، ومسلم (1966) من حديث أنس -رضي الله عنه-. (¬5) في (ر): بصربناها. (¬6) سقط من (ر). (¬7) "الاستذكار" 5/ 220، ورواه البزار 15/ 256 (8724)، والحاكم 4/ 222، =

ومما يدل على الكبش ما رواه أصحاب السنن عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بكبش أقرن ينظر في سواد ويطأ في سواد، فأتي به ليضحي عليه ... الحديث (¬1). وزاد النسائي: ويأكل في سواد. وصححه الترمذي وابن حبان وهو على شرط مسلم (¬2). * * * ¬

_ = والبيهقي 9/ 271. قال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. وتعقبه الذهبي قائلًا: إسحاق - ابن إبراهيم الحنيني - هالك، وهشام ليس بمعتمد، قال ابن عدي: مع ضعفه يكتب حديثه. اهـ. وقال البيهقي: إسحاق ينفرد به، وفي حديثه ضعف. وضعفه الألباني في "الضعيفة" 1/ 156، وقال عن إسحاق: متفق على ضعفه. وانظر: "الاستذكار" 5/ 220. (¬1) بل هو في مسلم (1967)، وأما ما رواه أصحاب السنن فعن أبي سعيد. (¬2) بل بهذه الزيادة من حديث أبي سعيد رواه جميع أصحاب السنن. أبو داود (2796)، والترمذي (1496)، والنسائي 7/ 220، وابن ماجة (3128).

36 - باب في كفن المرأة

36 - باب في كَفِنِ المَرْأَةِ 3157 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابن إِسْحاقَ، حَدَّثَنِي نُوحٌ بْن حَكِيمٍ الثَّقَفيُّ - وَكانَ قارِئًا لِلْقُرْآنِ - عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عُرْوَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ يُقال لَهُ: داوُدُ. قَدْ وَلَّدَتْهُ أُمّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيانَ زَوْجُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، عَنْ لَيْلَى بِنْتِ قانِفٍ الثَّقَفِيَّةِ قالَتْ: كُنْتُ فِيمَنْ غَسَّلَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ وَفاتِها فَكانَ أَوَّل ما أَعْطْانا رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الِحقا، ثمَّ الدِّرْعَ ثمَّ الِخمَارَ ثمَّ الِملْحَفَةَ ثمَّ أُدْرِجَتْ بَعْدُ في الثَّوْب الآخِرِ. قالَتْ: وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جالِسٌ عِنْدَ البَابِ مَعَهُ كَفَنُهَا يُنَاوِلُناها ثَوْبًا ثَوْبًا (¬1). * * * باب في كفن المرأة [3157] (حَدَّثَنَا أحمد بن حنبل قال: حَدَّثَنَا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد [الزهري، حجة، ورع، قال (ثنا أبي) إبراهيم بن سعد] (¬2) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أحد الأعلام الثقات، وليَ قضاء المدينة، كان عنده عن ابن إسحاق نحو من سبعة عشر ألف حديث غير المغازي (¬3) (عن) محمد (ابن إسحاق) [قال (حدثني نوح بن حَكيم) بفتح الحاء (الثقفي) وثق، قال: ابن إسحاق] (¬4) (كان قارئًا للقرآن) كله (عن رجل من بني عروة بن مسعود، يقال له: داود) جزم ¬

_ (¬1) "المسند" 6/ 380، ورواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (3209)، والطبراني 25/ 29 (46). وضعفه الألباني في "الإرواء" (723). (¬2) سقط من (ر). (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 92. (¬4) سقط من (ر).

ابن حبان بأن داود هذا هو ابن عاصم بن عروة بن مسعود (¬1) (قد ولَّدتُه) بتشديد اللام (أم حبيبة) رملة (بنت أبي سفيان، زوجُ النبي - صلى الله عليه وسلم -) لكن يعكر (¬2) على أن داود بن عاصم ما قاله ابن السكن وغيره: أن أم حبيبة كانت زوجًا لداود بن عروة بن مسعود، فحينئذ (¬3) لا يكون داود ابن عاصم لأم حبيبة عليه ولادة، وبهذا أعل الحديث ابن القطان. ويجاب عما قاله ابن القطان: أن ولادة أم حبيبة يحتمل أن تكون مجازية إن تعين ما قاله ابن السكن. وقال بعض المتأخرين: إنما هو ولَّدته بتشديد اللام أي: قبلته (¬4) (عن ليلى بنت قانِفٍ) بنون مكسورة قبل الفاء وأوله قاف الصحابية، حديثها في المدنيين (الثقفية قالت: كنت فيمن غَسَّلَ أم كلثوم بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ولدتها خديجة قبل فاطمة، كانت تحت عتيبة بن أبي لهب (¬5) ففارقها لما نزلت {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} (¬6)، ولم يكن دخل بها، ثم تزوجها عثمان بعد موت أختها رقية بالمدينة سنة ثلاث وماتت سنة تسع (¬7). (عند وفاتها) ولم يظهر في الحديث حضور أم عطية الغسل، لكن وقع في ابن ماجة (¬8) عن أم عطية قالت: دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نغسل ابنته أم كلثوم. ¬

_ (¬1) "الثقات" 4/ 217، وفيه: داود بن أبي عاصم. قال: وهو الذي يقال له: داود بن عاصم أمه أم حبيبة بنت أمية بن زيد بن حلس. (¬2) في النسخ: ينكر. (¬3) في (ر): صح. (¬4) انظر: "التلخيص الحبير" 2/ 258. (¬5) سقط من (ر). (¬6) المسد: 1. (¬7) انظر: "سير أعلام النبلاء" 2/ 252. (¬8) (1458).

(وكان أولَ ما أعطانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "الحِقا) بكسر الحاء المهملة وتخفيف القاف مقصور، قيل: هو لغة في الحقو وهو الإزار الذي تؤتزر به العورة، سمي حقوًا مجازًا؛ لأنه يشد على الحقو، وهو معقد الإزار، والله أعلم (ثم) أعطانا (الدرع) يعني: القميص، وهو مذكر (ثم) أعطانا (الخمار) وهو ما يستر به الرأس، سمي بذلك لأنه يخمر الرأس أي: يغطيه (ثم) أعطانا (الملحفة) وهي التي يلتحف بها (ثم أدرجت) وفيه بيان استحباب التكفين وهو أن يوضع الإزار أولًا في وسطها ثم يلبس القميص، ثم يوضع الخمار على رأسها، ثم تلحف بالملحفة، ثم تدرج بعد ذلك في الثوب الخامس. ويستحب أن تكون الأثواب الخمسة واحدًا بعد واحد كما في الحديث، ويستحب أن يكون الثوب الخامس أوفر من الملحفة؛ لأن العمدة عليه كما أن الحي يجعل أسبغ ثيابه وأجملها فوقها. وهذا الحديث حجة للقديم من مذهب الشافعي: أن الخمسة التي تكفن فيها المرأة إزار يشد في وسطها وخمار يجعل على رأسها وقميص ولفافتان، وهو الأصح عند الأكثرين، وهذِه المسألة مما يفتى فيها على القديم (¬1). (قالت: ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس عند الباب معه كفنها) يعني الأثواب الخمسة نسخة: يناولناها (¬2) (ثوبًا ثوبًا) أي: واحدًا بعد واحد. فيه مساعدة الغاسل ولو من غير جنس الميت، وفيه أن الميت يلبس الكفن واحدًا بعد واحد كالحي. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع" 5/ 205. (¬2) قلت: هي المعتمدة في النسخ المطبوعة.

37 - باب في المسك للميت

37 - باب في المِسْكِ للْمَيِّتِ 3158 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنَا المُسْتَمِرُّ بْنُ الرَّيَّانِ، عَنْ أَبي نَضْرَةَ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْريِّ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - و: "أَطْيَبُ طِيبِكُمُ المِسْكُ" (¬1). * * * باب المسك للميت [3158] (حَدَّثَنَا مسلم بن إبراهيم) الأزدي شيخ البخاري، قال أبو داود: كتب عن ثمانمائة شيخ وما رحل إلى أحد، وروى عن سبعين امرأة، وكان ثقة، عمي بأخرة (¬2)، قال: (حَدَّثَنَا المستمرُّ بن الريان) الإيادي البصري، قال النسائي: ثقة من الأبدال (¬3). (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك العبدي (عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) إن (أطيب طيبكم) أي (¬4): في الحنوط للميت (المسك) ويدل عليه ما رواه الحافظ أبو بكر البيهقي بإسناده الصحيح عن الشافعي أنه قال: وقد سئل ابن عمر عن المسك أحنوط هو؟ فقال: أوليس من أطيب طيبكم (¬5). وروى البيهقي وإسناده عن نافع قال: مات سعيد بن زيد، فقالت أم سعيد لعبد الله بن عمر: أنحنطه بالمسك؟ قال: أيُّ طيبٍ أطيبُ من ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2252). (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 27/ 490 - 491. (¬3) انظر: المصدر السابق 27/ 434. (¬4) في (ر): يعني. (¬5) انظر: "معرفة السنن والآثار" 5/ 231 (2088).

المسك؟ هاتي مسكك. فناولته إياه (¬1). وروى ابن أبي شيبة والحاكم من طريق أبي وائل عن علي: أنه كان عنده مسك فأوصى أن يحنط به وقال: هو فضل حنوط النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). ورواه البيهقي أيضًا (¬3). وروى الروياني عن نصه في البيهقي: أنه لا بأس أن يحنط بالمسك والعنبر. قال الغزالي والإمام: التبخر بدخان العود أولى من تمسكه بالمسك (¬4). قال الإمام: رأى الشافعي تبخر الأكفان بالعود، واختاره على المسك لما صح عنده من كراهة ابن عمر (¬5). قال ابن الصلاح: وهذا عكس الثابت عن ابن عمر. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "السنن الكبرى" 3/ 406 (6955). (¬2) "مصنف ابن أبي شيبة" 7/ 169 (11146)، "المستدرك" 1/ 360. كلاهما من طريق هارون بن سعد، لكن ابن أبي شيبة أسقط أبا وائل فقال عن هارون بن سعد أن عليًّا، والحاكم: عن هارون بن سعد عن أبي وائل قال ... وساق الحديث. (¬3) "السنن الكبرى" 3/ 405. ولم يسقط أبا وائل. (¬4) "الوسيط" 2/ 273. (¬5) "نهاية المطلب" 3/ 42.

38 - باب التعجيل بالجنازة وكراهية حبسها

38 - باب التَّعْجِيلِ بِالجَنَازَةِ وَكَراهِيَةِ حَبْسِها 3159 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُطَرِّفٍ الرُّؤاسىُّ أَبُو سُفْيانَ وَأَحْمَدُ بْنُ جَنابٍ قالا: حَدَّثَنَا عِيسَى - قالَ أَبُو داوُدَ: هُوَ ابن يُونُسَ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُثْمَانَ البَلَويِّ، عَنْ عَزْرَةَ - وقالَ عَبْدُ الرَّحِيمِ: عُرْوَةُ بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصاريُّ - عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الحُصَيْنِ بْنِ وَحْوَحٍ أَنَّ طَلْحَةَ بْنَ البَرَاءِ مَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُهُ فَقالَ: "إِنِّي لا أَرى طَلْحَةَ إِلَّا قَدْ حَدَثَ فِيهِ المَوْتُ، فَآذِنُونِي بِهِ وَعَجِّلُوا، فَإِنَّهُ لا يَنْبَغي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرانَى أَهْلِهِ" (¬1). * * * باب التعجيل بالجنازة [3159] (حَدَّثَنَا عبد الرحيم بن مطرّف الرؤاسي) بضم الراء ثقة، مات 232 (أبو سفيان، وأحمد بن جَنَاب) بفتح الجيم والنون المخففة وبعد الألف باء موحدة شيخ مسلم المصيصي، وكان صدوقًا (قالا: حَدَّثَنَا عيسى) بن يونس بن أبي إسحاق أحد الأعلام (عن سعيد بن عثمان البَلَوي) بفتح الموحدة واللام، لم يرو عنه غير عيسى بن يونس فقط، ذكر في "ثقات ابن حبان" (¬2) (عن عَزْرَةَ) (¬3) بفتح العين وإسكان الزاي ابن سعيد. (وقال عبد الرحيم: ) بن مطرف (عن عروة بن سعيد الأنصاري، عن ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي الدنيا في "الأولياء" (74)، والطبراني 4/ 28 (3554)، وابن بطة في "الإبانة" 7/ 79. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (3232). (¬2) 6/ 361. (¬3) في (ر): عروة.

أبيه) سعيد الأنصاري، تفرد عنه أبو داود (عن الحُصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين مصغر آخره نون (ابن وَحْوَح) بفتح الواوين وتكرير الحاء المهملة الأوسي، وكانت له صحبة (¬1). (أن طلحة بن البراء) بفتح الباء الموحدة، ابن عمير الأنصاري، قال له النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يه لما مات: "اللهم الق طلحة وأنت تضحك إليه ويضحك إليك" (¬2). عداده في أهل الحجاز، قاله ابن الأثير (¬3). (مرض، فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوده، فقال: إني لا أُرى) بضم الهمزة أي: أظن، وروي: "لا أَرى" بفتحها، وروي: "ما أرى" (طلحة إلا قد حدث به الموت، أو فيه الموت) فيه إعلام الميت بأن علامة الموت ظهرت عليه ليكونوا على يقظة (¬4) من أمره (فآذنوني) بمد الهمزة، أي: أعلموني (به) أي: بموته. فيه جواز الإعلام بموت الميت للصلاة عليه وغيرها، وعلى ذلك يحمل نعيه (¬5) النجاشي للناس بخلاف نعي (¬6) الجاهلية فإنه مكروه، وهو المشتمل على ذكر المفاخر والمآثر (وعجلوا) أي: (بتجهيزه لأن) (¬7) تجهيزه عبادة، والمبادرة إلى العبادة أولى؛ ولأنه (¬8) يخشى عليه الفساد، ¬

_ (¬1) انظر: "معجم الصحابة" للبغوي (2/ 156/ رقم 518)، و"معرفة الصحابة" لأبي نعيم 2/ 840 (2203). (¬2) رواه الطبراني في "الكبير" 4/ 28 (3554)، وفي "الأوسط" 8/ 125 (8168)، وضعفه الألباني في "الضعيفة" (3232). (¬3) انظر: "جامع الأصول" 12/ 540 (1336). (¬4) في (ر، ل): بعضه. والمثبت من (ع). (¬5) في (ر): بعثة. (¬6) في (ر): نفي. (¬7) سقط من (ر). (¬8) في (ر): لا. وهو خطأ.

ولما روى الترمذي (¬1) وابن ماجة (¬2): "ثلاث لا تؤخروها: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت كفأً". وهذا إذا تيقن موته، فإن شك في موته لم يجز المبادرة. ويدخل في التعجيل الإسراع في حمل الجنائز كما سيأتي في بابه. (فإنه) هذا ضمير الشأن والقصة (لا ينبغي لجيفة مسلم) نسخة: جيفة مسلمة الجيفة: جثة الميت آدميًّا كان أو غيره، وأشار بالجيفة إلى علة تجهيزه وهو سرعة تغيره وظهور رائحته. قال عطية العوفي: لما قتل قابيل هابيل ندم فضمه إليه حتى أروح وعكفت عليه الطيور والسباع تنتظر متى يرمي به فتأكله. رواه ابن جرير (¬3). (أن تحبس بين ظهراني) (¬4) بفتح الظاء المعجمة والنون (أهله) أي: بينهم وبين ظهورهم. زاد الطبراني (¬5): فلم يبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - بني سالم بن عوف حتى توفي، وكان قال لأهله لما دخل الليل: إذا مت فادفنوني ولا تدعو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإني أخاف عليه يهود أن يصاب بسببي، فأُخبرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - حين أصبح فجاء حتى وقف على قبره وصف الناس معه. والعرب تضع الاثنين مكان الجمع. * * * ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (1075). (¬2) "سنن ابن ماجة" (1486) مختصرًا. (¬3) انظر: "تفسير الطبري" 10/ 226 (11759). (¬4) كتب في حاشية (ل): رواية: ظهري. (¬5) انظر: "المعجم الكبير" 4/ 28 (3554).

39 - باب في الغسل من غسل الميت

39 - باب في الغُسْلِ مِنْ غَسْلِ المَيِّتِ 3160 - حَدَّثَنَا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا محَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيّا، حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ شَيْبَةَ، عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ العَنَزيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّها حَدَّثَتْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْ أَرْبَعٍ: مِنَ الجَنَابَةِ وَيَوْمَ الجُمُعَةِ، وَمِنَ الِحجَامَةِ وَغُسْلِ المَيِّتِ (¬1). 3161 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْن صالِحٍ، حَدَّثَنَا ابن أَبي فدَيْكٍ، حَدَّثَنِي ابن أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ القاسِمِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُمَيْر، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "مَنْ غَسَّلَ المَيّتَ فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ" (¬2). 3162 - حَدَّثَنَا حامِدُ بْن يَحْيَى، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ إِسْحاقَ مَوْلَى زائِدَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَعْنَاهُ. قالَ أَبُو داوُدَ: هذا مَنْسُوخٌ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَل وَسُئِلَ عَنِ الغُسْلِ مِنْ غَسْلِ المَيِّتِ فَقال: يُجْزِيهِ الوُضُوءُ. قالَ أَبُو داوُدَ: أَدْخَلَ أَبُو صالِحٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبي هُرَيْرَةَ في هذا الحَدِيثِ - يَعْني: إِسْحاقَ مَوْلَى زائِدَةَ - قال: وَحَدِيثُ مُصْعَب ضَعِيفٌ فِيهِ خِصالٌ لَيْسَ العَمَل عَلَيْهِ (¬3). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 152، وابن أبي شيبة في "المصنف" (5032)، وإسحاق بن راهويه 2/ 81، وابن خزيمة (256). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (59). (¬2) رواه الترمذي (993)، وابن ماجة (1463)، وأحمد 2/ 272. وصححه الألباني في "الإرواء" (144). (¬3) رواه الترمذي (993)، وابن ماجة (1463)، وأحمد 2/ 272. وصححه الألباني في "الإرواء" (144).

باب الغُسْل من غَسل الميت [3160] (حَدَّثَنَا عثمان بن أبي شيبة، قال: حَدَّثَنَا محمد بن بشر) العبدي الكوفي، قال الآجري: سألت أبا (¬1) داود عن سماع محمد بن بشر من ابن أبي عروبة فقال: هو أحفظ من كان بالكوفة (¬2). ([حَدَّثَنَا زكريا] (¬3) حَدَّثَنَا مصعب بن شيبة) بن جبير الحجبي، قال ابن معين: ثقة (¬4) (عن طلق بن حبيب العَنَزِي) (¬5) كان ممن يخشى الله، سئل عن التقوى فقال: التقوى ترك معاصي الله على نورٍ من الله مخافة عذاب الله (¬6) (عن عبد الله بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها أنها حدثته: أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسل من أربع: من الجنابة) بدخول جميع الحشفة في فرج، وفي وجه: يجب غسل الجنابة بدخول بعض الحشفة وبخروج مني من طريقه المعتاد (ويوم الجمعة) فيه دليل على أن وقت الغسل أوله بعد الفجر؛ لأنه علقه باليوم، واليوم أوله من الفجر، وغسل الجمعة سنة، غير واجب؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من توضأ فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل". حسنه الترمذي (¬7). ¬

_ (¬1) في (ر): أبي. (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 24/ 523. (¬3) من المطبوع. (¬4) "الجرح والتعديل" 8/ 305 (1409). (¬5) زاد بعدها في (ل، ر) ما يشبه: العنبري. (¬6) انظر: "تهذيب الكمال" 13/ 453. (¬7) "سنن الترمذي" (497).

(ومن الحجامة) فيه حجة للقديم من مذهب الشافعي وهو استحباب الغسل من الحجامة (¬1)، حكي عن نص الشافعي: أحب الغسل من الحمام (¬2) والحجامة وكل أمر غَيَّرَ الجسد. فأشار الشافعي إلى حكمته أن ذلك يضعف الجسد والغسل يشده وينعشه. وأما قول أبي علي من أصحابنا: لا أعرف للغسل من الحجامة وجهًا ولم أسمع فيه شيئًا. فلعله أراد غسل موضع الحجامة لا غسل البدن، فيكون ذلك واجبًا. وقد جاء فيه عن ابن عباس: اغسل أثر المحاجم عنك وحسبك (¬3). وهذا الحديث حجة لذلك. قال البيهقي: وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو. ثم روى بإسنادٍ صحيح عنه: كنا نغتسل من خمس: الحجامة، ونتف الإبط (¬4). قال الشيخ أبو عمرو: قوله: ونتف الإبط يشهد لقول الشافعي: يغتسل لكل أمر يغير الجسد (¬5) (و) من (غُسلِ الميت) فيه حجة لما حكي عن القديم من إيجاب الغسل من غسل الميت. وقال الشافعي في كتاب البويطي: يجب الغسل إن صح الحديث. وقد حسَّن الترمذي حديث: "من غسل ميتًا فليغتسل". وصححه ابن ¬

_ (¬1) وقع في النسخ الخطية: الجنابة. ولا وجه له. والمثبت يقتضيه السياق. (¬2) في النسخ الخطية: الجنابة. والمثبت مقتضى ما في "الوسيط" 2/ 292، "المجموع" 2/ 203. (¬3) أورده البيهقي في "المعرفة" 1/ 419 قال: قال الشافعي: وأخبرنا رجل، عن ليث، عن طاوس، عن ابن عباس قال: فذكره. (¬4) انظر: "السنن الكبرى" للبيهقي 1/ 140. (¬5) انظر: "أسنى المطالب في شرح روض الطالب" لزكريا الأنصاري 1/ 265.

حبان (¬1) وابن السكن (¬2). وقال الماوردي: خرج بعض أصحاب الحديث لصحته مائة وعشرين (¬3) طريقًا. وقول النووي في جنائز "المهذب": حديث عائشة هذا ضعيف. فيه نظر، فقد صححه ابن خزيمة (¬4) والحاكم (¬5) على شرط الشيخين. وقال البيهقي في "خلافياته": رواته كلهم ثقات (¬6). وقال صاحب "المنتقى" (¬7): إسناده على شرط مسلم. [3161] (حَدَّثَنَا أحمد بن صالح قال: حَدَّثَنَا ابن أبي فُديك قال: حدثني) محمد بن عبد الرحمن (بن أبي ذئب، عن القاسم بن عباس) بالباء الموحدة والسين المهملة، الهاشمي اللهبي (¬8)، وثق (عن عمرو ابن عُمير) لم يرو عنه غير القاسم بن عباس. (عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من غَسَّلَ الميت فليغتسل) نص الشافعي في الجديد على أنه سنة. وقال في البويطي: إن صح الحديث قلت به، وإلا فهو سنة (¬9). وروي عن الترمذي عن البخاري أن (¬10) ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (993)، "صحيح ابن حبان" (1161). (¬2) انظر: "الحاوي الكبير" 1/ 377، "مغني المحتاج" 1/ 292. (¬3) في النسخ الخطية: عشرون. والجادة ما أثبتناه. (¬4) "صحيح ابن خزيمة" 1/ 126 (256). (¬5) "المستدرك" 1/ 267. (¬6) "مختصر خلافيات البيهقي" 1/ 408. (¬7) انظر: "نيل الأوطار" 1/ 299. (¬8) في (ر): الليثي. (¬9) في النسخ الخطية: و. والمثبت من "العلل الكبير". (¬10) انظر: "الأم" 2/ 38.

أحمد بن حنبل وعلي بن المديني قالا: لا يصح في الباب شيء (¬1). وأما قول الترمذي أنه حسن فقد أنكروه عليه (ولأنه طاهر) (¬2) ولا يجب من غسل الطاهر كما لو غسل جنبًا (¬3). وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أأنجاس موتاكم؟ ! . تريد الإنكار على من أوجبه. وبتقدير صحة هذِه الأحاديث فهو محمول على الاستحباب (¬4). (ومن حمله فليتوضأ) قال الخطابي: [لا أعلم] (¬5) أن أحدًا من الفقهاء يوجب الوضوء من حمله. وقيل: معناه: أي ليكن حامله على وضوء ليتهيأ للصلاة على الميت حين الوصول إلى المصلى؛ فربما صلي عليه أول وصوله فتفوته الصلاة (¬6). [3162] (حَدَّثَنَا حامد بن يحيى) البلخي، ثقة، من أعلم الناس بابن (¬7) عيينة (عن سفيان) بن عيينة (عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه) ذكوان أبي صالح السمان (عن إسحاق) أبي عبد الله المديني (مولى زائدة) من رجال مسلم، روى عنه في الوضوء (¬8) (عن أبي هريرة، عن ¬

_ (¬1) "العلل الكبير" للترمذي 1/ 142، وانظر: "التلخيص الحبير" 1/ 370. (¬2) في النسخ الخطية: ولأن الطاهر. وما أثبتناه ما يتناسب مع السياق. (¬3) في النسخ الخطية: ميتًا. والمثبت هو الأنسب للمعنى، وأثبتناه كما في "البيان في مذهب الشافعي" 3/ 36. (¬4) انظر: "البيان في مذهب الشافعي" للعمراني 3/ 37. (¬5) سقط من النسخ، وأثبتت من "معالم السنن". (¬6) انظر: "معالم السنن" للخطابي 1/ 307، "فيض القدير" للمناوي 6/ 240. (¬7) في (ر): كابن. (¬8) "صحيح مسلم" (233).

النبي - صلى الله عليه وسلم - بمعناه. قال أبو داود: هذا منسوخ، سمعت أحمد بن حنبل) يقول (وسئل عن الغُسل من غَسل الميت فقال: يجزئه الوضوء) حمله بعضهم على أن الوضوء من مس ذكره، أو من أجل غسله لأجل الصلاة عليه حتى لا تفوت الغاسل الصلاة عليه، وأكثر أصحاب أحمد على وجوب الوضوء من غسل الميت سواء كان المغسول صغيرًا أو كبيرًا، ذكرًا أو أنثى، مسلمًا أو كافرًا. وهو قول النخعي (¬1) وإسحاق. وروي عن ابن عمر (¬2) وابن عباس (¬3) وأبي هريرة. وعن أبي هريرة أقل ما فيه الوضوء، ولأن الغالب أنه لا يسلم الغاسل من مس فرجه فكان مظنة ذلك قائمًا مقام حقيقته كما أقيم النوم مقام الحدث. والذي عليه أكثر الفقهاء أنه لا وضوء فيه وهو الصحيح إن شاء الله تعالى وما نقل عن أحمد يحمل على الاستحباب (¬4). (قال أبو داود: ) و (أدخل أبو صالح) السمان (بينه وبين أبي هريرة في هذا الحديث إسحاق) المديني (مولى زائدة وحديث مصعب) رواية (ضعيف فيه خصال) من إسناده (ليس العمل عليها) قال أحمد: روى مصعب مناكير. وقال النسائي: منكر الحديث (¬5). * * * ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق 3/ 405 (6102). (¬2) رواه عبد الرزاق 3/ 406 (6107). (¬3) رواه عبد الرزاق 3/ 405 (6101). (¬4) انظر: "المغني" لابن قدامة 1/ 217. (¬5) "الجرح والتعديل" 8/ 305، "سنن النسائي" 8/ 128، وانظر: "تهذيب الكمال" 28/ 31 - 32.

40 - باب في تقبيل الميت

40 - باب في تَقْبِيلِ المَيِّتِ 3163 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيانُ، عَنْ عاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّلُ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ وَهُوَ مَيِّتٌ حَتَّى رَأَيْتُ الدُّمُوعَ تَسِيلُ (¬1). * * * باب في تقبيل الميت [3163] (حَدَّثَنَا محمد بن كثير قال: أنبأنا سفيان) الثوري (عن عاصم ابن (¬2) عبيد الله) بالتصغير، ابن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي المدني. قال الدارقطني: مدني يترك، وهو مغفل (¬3). (عن القاسم) بن محمد (عن) عمته (عائشة) رضي الله عنها. روى الحاكم هذا الحديث وصححه (¬4)، لكن أسقطه الذهبي في "تلخيصه". (قالت: رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبل عثمان بن مظعون) بالظاء المعجمة ابن حبيب بن وهب الجمحي، أسلم بعد ثلاثة عشر رجلًا، وكان حرم الخمر في الجاهلية (وهو ميت) ولما دفن قال: "نعم السلف هو لنا". ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (989)، وابن ماجة (1456)، وأحمد 6/ 43، وإسحاق ابن راهويه (921)، وعبد بن حميد (1526). وقواه الألباني في "أحكام الجنائز" (ص 21). (¬2) في (ر): عن. وهو خطأ. (¬3) "سؤالات البرقاني" للدارقطني ص 49. (¬4) "المستدرك 1/ 360.

ودفن بالبقيع (¬1) (حتى رأيت الدموع تسيل) من عينيه. وقالت عائشة: أقبل أبو بكر فتيمم النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وهو مسجىً ببرد حبرة، فكشف عن وجهه ثم أكب عليه فقبله، ثم بكى فقال: بأبي أنت يا نبي الله، لا يجمع الله عليك موتتين (¬2). فيه استحباب تقبيل وجه الرجل الصالح إذا مات، ويجوز لأهله زيارته وتوديعه. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "جامع الأصول" لابن الأثير 12/ 598، ورواه ابن شبة في "تاريخ المدينة" 1/ 99 - 100 من حديث قدامة بن موسى مرفوعًا. (¬2) رواه البخاري (1241).

41 - باب في الدفن بالليل

41 - باب في الدَّفْنِ بِاللَّيْلِ 3164 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ حاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ: أَخْبَرَنِي جابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ - أَوْ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - قال: رَأى ناسٌ نَارًا في المَقْبَرَةِ فَأَتَوْها فَإِذا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في القَبْرِ وَإذا هُوَ يَقُول: "نَاوِلُوني صاحِبَكُمْ" .. فَإِذا هُوَ الرَّجُل الذي كانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالذِّكْرِ (¬1). * * * باب في الدفن بالليل [3164] (حَدَّثَنَا محمد بن حاتم بن بَزِيع) بفتح الموحدة أوله وكسر الزاي، البصري، وثقه النسائي (¬2). قال: (حَدَّثَنَا [أبو نعيم] (¬3) عن محمد ابن مسلم) الطائفي المكي، قال البخاري: قال ابن مهدي: كتبه صحاح (¬4). (عن عمرو بن دينار قال: أخبرني جابر بن عبد الله، أو) قال (سمعت جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: رأى ناس نارًا في المقبُرة) بفتح الباء وضمها واحدة المقابر. فيه جواز إيقاد السرج ونحوها في المقبرة عند الدفن ليلًا، وليست هذِه النار على ما كان أهل الجاهلية يفعلونه في ¬

_ (¬1) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 513، والطبراني 2/ 182 (1743)، والحاكم 1/ 367، وأبو نعيم في "الحلية" 3/ 351. قال النووي في "الخلاصة" (3465): رواه أبو داود بإسناد على شرط الصحيحين. (¬2) "مشيخة النسائي" ص 96 (169). (¬3) في النسخ الخطية: إبراهيم بن أبي تميمة السختياني. خطأ. والمثبت من المطبوع. (¬4) "التاريخ الكبير" 1/ 224 (700).

جنائزهم، بل لأجل الضوء، بل يستحب إذا احتيج إليه للظلمة، وقيل هل يكتفى بضوء القمر. (فأتوها، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) حاضر (في المقبرة وإذا هو يقول: ناولوني) فيه استحباب العدد في دفن الميت، ومساعدة من يلحده (صاحبكم) فيه إشارة إلى طلب الدعاء للميت ممن حضر إلى المقبرة وذكر ما بينهم وبينه من الصحبة والمعاشرة، وأنهم صائرون إلى ما صار (¬1) إليه. (فإذا هو الرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر) فيه فضيلة رفع الصوت بذكر الله تعالى، وفيه جواز الدفن بالليل، ودفن عمر أبا بكر بعد صلاة العشاء، ودفنت عائشة وعثمان ليلًا (¬2)، وروى الطحاوي النهي عنه (¬3). * * * ¬

_ (¬1) في (ر): صاروا. وهو خطأ. (¬2) انظر: "شرح البخاري" لابن بطال 3/ 325، و"فتح الباري" 3/ 208. (¬3) "شرح معاني الآثار" 1/ 513.

42 - باب في الميت يحمل من أرض إلى أرض وكراهة ذلك

42 - باب في المَيِّتِ يُحْمَلُ مِنْ أَرْضٍ إِلَى أَرْضٍ وَكَرَاهَةِ ذَلِكَ 3165 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيانُ، عَنِ الأَسوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ نُبَيْحٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قالَ: كُنَّا حَمَلْنا القَتْلَى يَوْمَ أُحُدٍ لِنَدْفِنَهُمْ فَجاءَ مُنادي النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُكمْ أَنْ تَدْفِنُوا القَتْلَى فِي مَضَاجِعِهِمْ فَرَدَدْناهُم" (¬1). * * * باب في (¬2) الميت يحمل من أرض إلى أرض [3165] (حَدَّثَنَا محمد بن كثير، قال: أنبأنا سفيان) بن عيينة (عن الأسود بن قيس، عن نُبَيح) - بضم النون وفتح الباء الموحدة - مصغر ابن عبد الله العنزي الكوفي، ثقة (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري -رضي الله عنه- (قال: كنا حملنا القتلى يوم أحد لندفنهم) أي: في المقبرة. فيه أن الدفن بالمقبرة كان معلومًا عندهم، فذهبوا بالقتلى ليدفنوهم بها على العادة، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدفن أصحابه في المقابر (فجاء منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمركم أن تدفنوا القتلى في) مصارعهم في (مضاجعهم) الظاهر أنه روعي (¬3) دفن القتلى في مصارعهم لكونها مواضع الشهادة، فإن الأرض تشهد لمن قتل عليها وتحدث بما عمل عليها من خير وشر، فروعي دفنهم في الأرض التي استشهدوا فيها ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1717)، والنسائي 4/ 79، وابن ماجة (1516)، وأحمد 3/ 297. وصححه الألباني في "المشكاة" (1704). (¬2) سقط من (ر). (¬3) في الأصل (روي) والمثبت هو الموافق للمعنى.

ليبعثوا منها يوم القيامة على هيئتهم (فرددناهم) وكانوا نقلوا إلى المدينة. وقد يستدل (¬1) به على جواز نقل الميت إذا كان بقرب مكة أو المدينة أو بيت المقدس لفضل هذِه الأماكن؛ ففي الدارقطني (¬2): "من مات بأحد الحرمين بعث يوم القيامة من الآمنين". قال الشيخ محب الدين الطبري: إذا كان بقرب قرية (¬3) فيها صالحون فلا بأس بنقله إليها قياسًا، وفي غير هذِه الأماكن لا يجوز النقل؛ لأن تعجيل الدفن مأمور به، وفي نقله تعريض للتغيير وهتك حرمته. قيل: وفي الاستدلال بهذا الحديث نظر؛ لأن (¬4) قتلى أحد كانوا قريبين للمدينة. * * * ¬

_ (¬1) في (ر): يستدلوا. (¬2) انظر: "سنن الدراقطني" 2/ 278 (193). (¬3) في (ر): فيه. (¬4) في (ر): يطولان.

43 - باب في الصفوف على الجنازة

43 - باب في الصُّفُوف علَى الجَنَازَةِ 3166 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا حَمّادٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبي حَبِيبٍ، عَنْ مَرْثَدٍ اليَزَنيِّ، عَنْ مالِكِ بْنِ هُبَيْرَةَ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ما مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيُصَلّي عَلَيْهِ ثَلاثَةُ صُفُوفٍ مِنَ المُسْلِمِينَ إِلَّا أَوْجَبَ" .. قال: فَكانَ مالِكٌ إِذا اسْتَقَلَّ أَهْلَ الجَنازَةِ جَزَّأَهُمْ ثَلَاثَةَ صُفُوفٍ لِلْحَدِيثِ (¬1). * * * باب الصفوف على الجنازة [3166] (حَدَّثَنَا محمد بن عبيد) بن حساب الغبري البصري. قال أبو داود: عندي حجة. (قال: حَدَّثَنَا حماد) بن زيد الأزدي، أحد الأعلام، أضر، قال ابن مهدي: ما رأيت أحدًا لم يكن يكتب أحفظ منه، ولم أر بالسنة أعلم منه. (عن محمد بن إسحاق، عن (¬2) يزيد بن أبي حبيب) الأزدي، عالم مصر (عن) أبي الخير (مرثد) (¬3) بن عبد الله (اليزني) بالمثناة تحت ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1028)، وابن ماجة (1490)، وأحمد 3/ 297. ورواه الروياني (1537) عن ابن إسحاق مصرحا بالتحديث. قال الألباني في "أحكام الجنائز" (5220): الحاكم قال: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي! وقال الترمذي وتبعه النووي في "المجموع" 5/ 212: حديث حسن. وأقره الحافظ في "الفتح" 3/ 145. وفيه عندهم جميعا محمد بن إسحاق، وهو حسن الحديث إذا صرح بالتحديث، ولكنه هنا قد عنعن. فلا أدري وجه تحسينهم للحديث فكيف التصحيح! ؟ . (¬2) في (ر): بن. (¬3) في (ر): يزيد.

وبعد الزاي نون، ويزن بن حمير، المصري كان مفتي أهل مصر في زمانه. (عن مالك بن هبيرة) كان أميرًا لمعاوية على الجيوش، وغزا الروم. (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما من مسلم يموت فيصلِّيَ) منصوب بأن المقدرة؛ لأنها جاءت بعد فاء الجواب عن النفي المحض (عليه ثلاث) نسخة: ثلاثة (صفوف من المسلمين) فيه دليل على أنه يستحب أن يكون المصلون على الجنازة ثلاث صفوف. قال أحمد بن حنبل: أحب إذا كان فيهم قلة أن يجعلهم ثلاثة صفوف، قالوا: فإن كان وراءه أربعة كيف يجعلهم؟ قال: يجعلهم صفين في كل صف رجلين، وكره أن يكونوا ثلاث صفوف فيكون في صفٍّ رجل واحد. وعن عطاء بن أبي رباح: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على جنازة فكانوا ستة؛ فجعل الصف الأول ثلاثة والثاني اثنين والثالث واحد. وأحمد قد صار إلى خلافه، وكره أن يكون الواحد صفًّا، ولو علم في هذا حديثًا لم يعدل إلى غيره (¬1). (إلا أوجب) أي: غُفِرَ له كما صرح به في رواية الحاكم (¬2). (قال: فكان مالك) بن أبي هبيرة راوي الحديث (إذا استقل) رواية: استقبل (¬3) (أهل الجنازة) أي: رآهم قليلين، ورواية الترمذي (¬4): إذا قلَّ أهلُ الجنازة (جزأهم) رواية: جزأ منهم (ثلاثة صفوف، للحديث) أي: ¬

_ (¬1) "المغني" لابن قدامة 2/ 371، وعزا الحديث إلى ابن عقيل أنه ذكره ثم أعله. (¬2) "المستدرك" 1/ 361. (¬3) رواه أبو يعلى 12/ 215 (6831)، الطبراني 19/ 299 (665). (¬4) انظر: "السنن" (1028) بلفظ: فتقالَّ الناسَ عليها.

للعمل بالحديث الذي رواه. وفيه أن الإمام يأمر المصلين أن يكونوا ثلاثة صفوف أو أكثر من ذلك بالوتر؛ فإن الله وتر يحب الوتر (¬1). * * * ¬

_ (¬1) جزء من حديث رواه مسلم (2677).

44 - باب اتباع النساء الجنائز

44 - باب اتِّبَاعِ النِّسَاءِ الجَنَائِزَ 3167 - حَدَّثَنَا سُلَيْمان بْن حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ عَطَيَّةَ قالَتْ: نُهِينا أَنْ نَتَّبعَ الجَنَائِزَ وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا (¬1). * * * باب اتباع النساء الجنائز (¬2) [3167] (حَدَّثَنَا سليمان بن حرب قال: حَدَّثَنَا حماد) بن زيد (عن أيوب، عن حفصة) بنت سيرين (عن أم عطية) نسيبة (قالت: نهينا أن نَتْبَع) بفتح أوله (الجنائز) قال ابن المنذر: روينا عن ابن مسعود وابن عمر وأبي أمامة وعائشة: أنهم كرهوا للنساء اتباع الجنائز، وكره ذلك مسروق والحسن ومحمد والنخعي والأوزاعي وأحمد (¬3) وإسحاق (¬4). وأجاز ذلك ابن عباس والقاسم وسالم والزهري وأبو الزناد وربيعة. وروى ابن القاسم عن مالك في "العتبية": في النساء يخرجن في الجنائز، قال: قد خرجت قديمًا، وخرجت أسماء تقود فرس الزبير وهي حامل، وما أرى به بأسًا إلا في الأمر المستنكر. قال ابن المنذر: احتج من كره ذلك بالحديث، واحتج به أيضًا من أجاز ذلك (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (313)، ومسلم (938). (¬2) في (ر): الحرائر. وهو تصحيف. (¬3) في (ر): محمد. (¬4) "الأوسط" 5/ 420. (¬5) "الأوسط" 5/ 421.

(ولم يُعْزَم علينا) بضم الياء وفتح الزاي، أي: لم يجعل ذلك النهي عزيمة علينا، أي: لم يحرمه علينا ولم يشدد علينا فيه، وظاهره أنه نهي تنزيه. وإنما قالت: ولم يعزم علينا. لأنها فهمت من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن النهي إنما أراد به ترك ما كانت الجاهلية تقوله من الهجر وزور الكلام وقبيحه، ونسبة الأفعال إلى الدهر، فهي إذا تركت هذا المعنى ودعت للميت وترحمت عليه جاز. قال المهلب: وهذا الحديث يدل على أن النهي من النبي - صلى الله عليه وسلم - درجات: منه نهي تحريم ونهي كراهة ونهي تنزيه (¬1). وهذا يدل على أن الأوامر تحتاج إلى معرفة تلقي الصحابة لها وكيف تتقبل منه (¬2). * * * ¬

_ (¬1) عنه ابن بطال في "شرح البخاري" 3/ 268. (¬2) انظر: المصدر السابق 3/ 268.

45 - باب فضل الصلاة على الجنائز وتشييعها

45 - باب فَضْلِ الصَّلاةِ عَلَى الجَنَائِزِ وتشْيِيعِها 3168 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا سُفْيانُ، عَنْ سُمَيِّ، عَنْ أَبِي صالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَروِيهِ قال: مَنْ تَبعَ جَنازَةً فَصَلَّى عَلَيها فَلَهُ قِيراطٌ وَمَنْ تَبِعَها حَتَّى يُفْرَغَ مِنْها فَلَهُ قِيراطانِ أَصْغَرُهُما مِثْلُ أُحُدٍ أَوْ أَحَدُهُمَا مِثْل أُحُدٍ (¬1). 3169 - حَدَّثَنَا هارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حُسَيْنٍ الهَرَويُّ قالا: حَدَّثَنَا المُقْرِئُ، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ، حَدَّثَنِي أَبُو صَخْرٍ - وَهُوَ حُمَيْدُ بْنُ زِيادٍ - أَنَّ يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُسَيْط حَدَّثَهُ أَنَّ داوُدَ بْنَ عامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كانَ عِنْدَ ابن عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ إِذْ طَلَعَ خَبَّابٌ صاحِبُ المَقْصُورَةِ فَقال: يا عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ أَلا تَسْمَعُ ما يَقُولُ أَبُو هُريرَةَ، إِنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ خَرَجَ مَعَ جَنازَةٍ مِنْ بَيْتِها وَصَلَّى عَلَيْها" .. فَذَكَرَ مَعْنَى حَدِيثِ سُفْيانَ فَأَرْسَلَ ابن عُمَرَ إِلَى عائِشَةَ فَقالَتْ صَدَقَ أَبُو هُرَيْرَةَ (¬2). 3170 - حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بْنُ شُجاعٍ السَّكُونِيُّ، حَدَّثَنَا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَني أَبُو صَخْرٍ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ كُرَيْب، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قالَ: سَمِعْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قُولُ: "ما مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فيَقُومُ عَلَى جَنازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا لا يُشْرِكُونَ باللهِ شَيْئًا إِلَّا شُفِّعُوا فِيهِ" (¬3). * * * باب فضل الصلاة على الجنازة وتشييعها [3168] (حَدَّثَنَا مسدد قال: حَدَّثَنَا سفيان، عن سميِّ، عن أبي صالح) السمان (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- يرويه) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (قال: من تبع جنازة فصلى ¬

_ (¬1) رواه البخاري (47)، ومسلم (945). (¬2) رواه ومسلم (945/ 56. (¬3) رواه مسلم (948).

عليها فله قيراط) فيه الحض على اتباع الجنازة وتواصل المؤمنين وتوادهم ومؤالفة بعضهم بعضًا (ومن تبعها حتى يُفرغ) بضم الياء مبني للمفعول (منها) ظاهر قوله: (تبع) المشي وراء الجنازة، وهو مذهب أبي حنيفة، وأما الثلاثة الأخر من الأئمة فقالوا: قدامها أفضل. وحملوا الاتباع على المعنى العرفي وهو المشي معها، ورجحوا القدام بما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - والشيخين كانوا يمشون (¬1). وقوله: (منها) في موضع رفع؛ لأنه نائب عن الفاعل. فإن قلت: ليس في قوله: "حتى يفرغ منها" ذكر الصلاة، فلو تبعها حتى يفرغ منها ولم يصل عليها هل له قيراطان؟ قلت: لا؛ إذ المراد: حتى يصلى عليها ويفرغ منها حملًا للمطلق على المقيد. (فله قيراطان) القيراط لغةً: نصف دانق، والمقصود منه هاهنا النصيب والجهة، ولعل العرف كان في ذلك الزمان عليه. قال الطيبي: القيراط جزء من أجزاء الدينار وهو نصف عشره في أكثر البلاد، وأهل الشام يجعلونه جزءًا من أربعة وعشرين جزءًا، وقد يطلق ويراد به بعض الشيء أي: والمراد هنا تعظيم الأجر (¬2) وتفخيمه، حتى إن (أصغرهما) (¬3) أي: أصغر القيراطين اللذين حصلا له (مثل) جبل (أحد) وأحد منصرف، وهو الجبل الذي إلى جانب المدينة على نحو ¬

_ (¬1) كذا بالنسخ والعبارة غير تامة وتمامه كما رواه مالك 1/ 225 عن ابن شهاب: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبا وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة. والخلفاء هلم جرًا. انظر: "شرح مسلم" للنووي 7/ 14. (¬2) في (ر): الأمر. (¬3) في (ر): أصغرها.

ميلين منها (أو) قال (أحدهما مثل أحد) وهو تفسير للمقدار المراد (¬1) [3169] (حَدَّثَنَا هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي الحافظ الحمال (وعبد الرحمن بن حسين) الحنفي ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2) (الهروي، قالا: حَدَّثَنَا) أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد، ثقة (المقرئ) لقن القرآن سبعين سنة، قالا (حَدَّثَنَا حيوة) بن شريح الحضرمي (¬3) حافظ قال (حدثني أبو صخر وهو حميد بن زياد) المدني الخراط. قال ابن عدي: هو عندي صالح الحديث (¬4) (أن يزيد بن عبد الله بن قُسَيط) مصغر الليثي، وثقه النسائي (حدثه، أن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص حدثه) وثق (عن أبيه) عامر بن سعد بن أبي وقاص، وثق، وتوفي سنة ثلاث أو أربع ومائة (أنه كان عند) عبد الله (ابن عمر -رضي الله عنه- إذ طلع خبَّابٌ) بخاء معجمة، وتشديد الباء الموحدة الأولى، أبو السائب بن خباب، قال الدارقطني: مختلف في صحبته، يكنى أبا مسلم (¬5)، وهو (صاحب المقصورة) مولى فاطمة بنت عتبة بن ربيعة فقال (يا عبد الله بن عمر، ألا تسمع ما يقول أبو هريرة؟ إنه سمع ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" 3/ 194. (¬2) 8/ 382 (13991). (¬3) هكذا في الأصل وهو سهو من المؤلف رحمه الله وحيوة هنا المصري وهناك آخر حضرمي، وانظر: "المتفق والمفترق" للخطيب البغدادي 1/ 705 (363). (¬4) "المؤتلف والمختلف" 1/ 470، ونقل الشارح ملتبس الفهم وعبارة الدارقطني: خباب مولى عتبة بن ربيعة جاهلي - بنوه أصحاب المقصورة منهم السائب بن ضباب أبو مسلم صاحب المقصورة. مختلف في صحبته. اهـ. (¬5) "الكامل" 3/ 70.

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من خرج مع جنازة من بيتها) فيه فضيلة الحضور إلى بيت الميت؛ ليذهب مع الجنازة لا سيما إذا جلس عند الدار لينتظرها (وصلى عليها ... فذكر معنى حديث سفيان) المتقدم (فأرسل ابن عمر إلى عائشة) يسألها عما قال خباب (فقالت: صدق أبو هريرة) -رضي الله عنه-. [3170] (حَدَّثَنَا الوليد بن شجاع) بن الوليد (السَّكُوني) بفتح المهملة، حافظ يغرب (¬1) قال: (حَدَّثَنَا ابن وهب قال: أخبرني أبو صخر) حميد المدني (عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن كريب، عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ما من مسلم يموت، فيقومَ) منصوب بأن المقدرة كما تقدم (على جنازته) أي: للصلاة عليه، ولم يذكر من أفعال الصلاة على الجنازة وأقوالها إلا القيام؛ لكونه أعظم أركانها صرح به النووي آخر التيمم (أربعون رجلًا) ظاهره أن لا يكون فيهم امرأة، ورواية لمسلم (¬2): "صلى عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة"، وذكر أيضًا رواية الأربعين (¬3)، واقتصر المصنف رحمه الله على رواية الأربعين؛ لأن الشفاعة إذا حصلت بالأربعين حصلت بالمائة من باب الأولى، لكن ذكر الثلاثة الصفوف في الرواية المتقدمة يفهم أن الشفاعة تحصل بدون الأربعين، إذ يتصور الثلاثة صفوف بستة أنفس. قال النووي (¬4): تحصل الشفاعة بأقل الأمرين من ثلاثة صفوف وأربعين، هكذا قاله النووي، لكن قد يقال: إن شفاعة الأربعين مقيدة ¬

_ (¬1) في (ر): يعرف. (¬2) (947). (¬3) (948). (¬4) انظر: شرح "صحيح مسلم" 7/ 17.

بالثلاثة الصفوف، وعلى هذا فلا تحصل الشفاعة بالأربعين إلا إذا وجد شرطه وهو أن يكونوا ثلاثة صفوف فيكون فيه جمع بين الحديثين، ويحمل المطلق على المقيد، والله أعلم (لا يشركون بالله شيئًا) وهذا شرط في الأربعين أيضًا، وهو شرط صعب إذا قيل: إن معناه أن تكون أعمالهم خالصة لله تعالى من شوائب الرياء في صلاتهم لا يشركون في عملهم التودد إلى أقارب الميت وطلب ارتفاع المنزلة في قلوبهم؛ ولهذا قال بعض العلماء: من تطهر للتبرد والعبادة أو صام لتخف معدته من الطعام الكثير الذي أكله مع نية الصيام، وكذا من حضر الجنازة للصلاة مع غرض آخر من جهة أقارب الميت لم تصح صلاته؛ لأنه مزج مع نية التقرب نية دنياوية، وليس لله إلا العمل الصالح كما قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (¬1)، وإذا لم تصح صلاتهم انتفت الشفاعة، ويدل على ما ذكرته أن رواية المائة لم يذكر فيها هذا الشرط؛ [وتعد زيادة العدد في الصلاة تقوم مقام هذا الشرط] (¬2) لأن زيادة الستين إذا دعوا له وإن لم تقبل صلاتهم تحصل بها الشفاعة (إلا شُفِّعوا) بضم الشين وتشديد الفاء المكسورة (فيه) ورواية ابن ماجة (¬3): "ما من أربعين من مؤمن يستغفرون لمؤمن إلا شفعهم الله فيه"، فاقتصر في هذا الحديث على الاستغفار دون الصلاة، ولم يشترط فيه إلا الإيمان. * * * ¬

_ (¬1) البينة: 5. (¬2) من (ل). (¬3) (1489) بلفظ: يشفعون بدل: يستغفرون.

46 - باب في النار يتبع بها الميت

46 - باب في النّار يُتْبَعُ بها المَيِّتُ 3171 - حَدَّثَنَا هارُونُ بْن عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ ح، وَحَدَّثَنا ابن المُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو داوُدَ قالا: حَدَّثَنَا حَرْبٌ -يَعْني: ابن شَدّادٍ- حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنِي بابُ بْن عُمَيْر، حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لا تُتْبَعُ الجَنازَةُ بِصَوْتٍ وَلا نارٍ" .. زادَ هارُون: "وَلا يُمْشَى بَيْنَ يَدَيْها" (¬1). * * * باب النار يتبع بها الميت [3171] (حَدَّثَنَا هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي (¬2) الحافظ، الثقة، قال: (حَدَّثَنَا عبد الصمد) بن عبد الوارث التنوري الحافظ. (وحَدَّثَنَا ابن المثنى قال: حَدَّثَنَا أبو داود) الطيالسي (قالا: حَدَّثَنَا حرب يعني: ابن شداد) أبو الخطاب وثقه أحمد، قال: (حَدَّثَنَا يحيى) بن أبي كثير قال (حدثني بابُ) بالباء الموحدة المكررة بينهما ألف (ابن عُمير) الحنفي، تفرد عنه أبو داود قال (حدثني رجل من أهل المدينة، عن أبيه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تُتْبَعُ) بضم أوله، وفتح ثالثه، وهو خبر بمعنى النهي (الجنازة بصوتٍ) أي: مع صوت، فالباء بمعنى مع، وهو النياحة. وروى الإمام أحمد (¬3) وابن ماجة (¬4) عن ابن ¬

_ (¬1) رواه وأحمد 2/ 531، والبيهقي 3/ 394. وضعفه الألباني في "الإرواء" (742). وقال في "أحكام الجنائز" (ص 70): وفي سنده من لم يسم، لكنه يتقوى بشواهده المرفوعة، وبعض الآثار الموقوفة. (¬2) في (ل): العبدي. والمثبت من (ر) ومن مصادر الترجمة. (¬3) انظر: "المسند" 9/ 479. (¬4) (1583).

عمر: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تتبع جنازة معها رانة. وفيه النهي الصريح عن اتباع الجنازة التي معها محرم من صوت بنائحة أو ندب أو شق جيب أو لطم وجه، أو معها نساء مكشوفات العورة أو نشر شعر ونحو ذلك. وظاهر الحديث أن من صلى على الجنازة ولم يتبعها حتى يفرغ منها لا يحصل له قيراطان (ولا نار) يعني: محرمة. قال الشافعيُّ والأصحاب: يكره أن يتبع الجنازة بنار في مجمرة أو غيرها، وأن يكون عند القبر مجمرة. وروى البيهقي عن أبي موسى أنه أوصى حين حضره الموت؛ لا تتبعوني بمجمرة، ولا تجعلوا على قبري نارًا. قالوا: لقد سمع فيه شيئًا؟ قال: نعم، من النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1). وعن ابن عباس النهي عنه. ونقل ابن المنذر وغيره الإجماع عليه. وسبب الكراهة كونه من شعار الجاهلية. وقال ابن حبيب المالكي: سببه (¬2) التفاؤل بالنار. وقال بعض أصحابنا: يحرم، ونسبه النووي إلى الشيخ أبي نصر (¬3). (زاد هارون) بن عبد الله (ولا يُمشى بين يديها) أي: بنار ولا صوت، وقد يستدل بظاهره الحنفية على أن الماشي معها لا يمشي أمامها بل خلفها كما تقدم (¬4). * * * ¬

_ (¬1) "سنن البيهقي" 3/ 395، وليس فيه: ولا تجعلوا على قبري نارًا. (¬2) في (ر): شبيه، وانظر: "المنتقى شرح الموطأ" 2/ 10. (¬3) انظر: "المجموع" للنووي 5/ 281، "كشاف القناع" 2/ 129. (¬4) انظر: "فيض القدير" 6/ 502.

47 - باب القيام للجنازة

47 - باب القِيامِ لِلْجَنَازَةِ 3172 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا رَأَيْتُمُ الجَنَازَةَ فَقُومُوا لَها حَتَّى تُخَلِّفَكُمْ أَوْ تُوضَعَ" (¬1). 3173 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صالِحٍ، عَنِ ابن أَبَي سَعِيدٍ الخُدْريِّ، عَنْ أَبِيهِ قال: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا تَبِعْتُمُ الجَنَازَةَ فَلا تَجْلِسُوا حَتَّى تُوضَعَ" .. قالَ أَبُو داوُدَ: رَوي هذا الحَدِيثَ الثَّوْريُّ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قالَ فِيهِ: حَتَّى تُوضَعَ بِالأرْضِ وَرَواهُ أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنْ سُهَيْلٍ قال: حَتَّى تُوضَعَ في اللَّحْدِ. قالَ أَبُو داوُدَ: وَسُفْيان أَحْفَظُ مِنْ أَبِي مُعاوِيَةَ (¬2). 3174 - حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ الفَضْلِ الحَرَّانِي، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِقْسَمٍ، حَدَّثَنِي جابِرٌ قالَ: كُنّا مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إذْ مَرَّتْ بِنا جَنازَةٌ فَقامَ لَها فَلَمَّا ذَهَبْنَا لِنَحْمِلَ إِذا هيَ جَنازَةُ يَهُوديٍّ فَقُلْنَا: يا رَسُولَ اللهِ، إِنَّما هيَ جَنَازَة يَهُوديٍّ. فَقالَ: "إِنَّ المَوْتَ فَزَعٌ، فَإِذا رَأَيْتُمْ جَنازَةً فَقُومُوا" (¬3). 3175 - حَدَّثَنَا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ واقِدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعاذٍ الأنصاريِّ، عَنْ نافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ مَسْعُودِ بْنِ الحَكَمِ، عَنْ عَليِّ بْنِ أَبِي طالِب أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ فِي الجَنَائِزِ ثُمَّ قَعَدَ بَعْدُ (¬4). 3176 - حدَّثَنا هِشامُ بْنُ بَهْرامَ المَدائنِيُّ، أَخْبَرَنَا حاتِمٍ بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1307)، ومسلم (958). (¬2) رواه البخاري (1310)، ومسلم (959). (¬3) رواه البخاري (1311)، ومسلم (960). (¬4) رواه مسلم (962).

الأسباطِ الحارِثيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سُلَيْمانَ بْنِ جُنَادَةَ بْنِ أَبي أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عُبادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قال: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُومُ في الجَنَازَةِ حَتَّى تُوضَعَ في اللَّحْدِ فَمَرَّ بِهِ حَبْرٌ مِنَ اليَهُودِ فَقال: هَكَذا نَفْعَل. فَجَلَسَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وقالَ: "اجْلِسُوا خالِفُوهُمْ" (¬1). * * * باب القيام للجنازة [3172] (حَدَّثَنَا مسدد قال: حَدَّثَنَا سفيان، عن الزهري، عن سالم) ابن عبد الله (عن أبيه) عبد الله [بن عمر] (¬2) بن الخطاب. (عن عامر بن ربيعة) صاحب الهجرتين، وهذا من باب رواية الصحابي عن الصحابي (يبلغ به النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -: إذا رأيتم جنازة فقوموا) رواية: "لها" هذا الأمر إنما يكون متوجهًا لمن لم يكن متبعًا للجنازة بدليل ما جاء في حديث أبي سعيد: "إذا رأيتم الجنازة فقوموا، فمن تبعها فلا يجلس" (¬3). قال المهلب: يعني: القيام للجنازة -والله أعلم- على التعظيم لأمر الموت والإجلال لأمر الله؛ لأن الموت (¬4) فزع يجب استقباله بالقيام له (¬5). وروى ابن أبي الدنيا عن أبي سعيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1020)، وابن ماجة (1545)، والبزار (2685). وضعفه الألباني في "المشكاة" (1681). (¬2) سقط من (ر). (¬3) رواه البخاري (1310)، ومسلم (959). (¬4) في النسخ الخطية: الميت. والمثبت من شرح ابن بطال". (¬5) انظر: "شرح البخاري" لابن بطال 3/ 291.

"الموت فزع فإذا مرت بكم جنازة فقوموا" (¬1) (حتى تُخَلِّفَكُم) بضم التاء وكسر اللام المشددة، أي: يصيرون وراءها غائبين عنها. فيه دليل على أن من قام للجنازة (¬2) يستمر قائمًا حتى تغيب عن بصره، هذا إذا لم يتبعها (أو توضع) قال ابن المنذر: وممن رأى أن لا يجلس من الجنازة حتى توضع عن مناكب الرجال: أبو هريرة وابن الزبير وابن عمر والحسن بن علي والنخعي والشعبي والأوزاعي (¬3). [3173] (حَدَّثَنَا أحمد بن) عبد الله (بن يونس) اليربوعي الحافظ، قال أحمد لرجل: اخرج إلى أحمد بن يونس فإنه شيخ الإسلام. قال: (حَدَّثَنَا زهير) بن معاوية (قال: ثنا (¬4) سهيل بن أبي صالح، عن) عبد الرحمن (ابن أبي سعيد الخدري، عن أبيه) أبي سعيد ابن مالك الخدري (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا تبعتم) نسخة: اتبعتم (الجنازة فلا تجلسوا) أي: إذا وصلت إلى المقبرة (حتى توضع) يستحب للماشي مع الجنازة أن لا يتقدمها إلى المقبرة، بل يكون قريبًا منها بحيث لو التفت لرآها، فلو تقدم فاتته فضيلة الاتباع، فإذا حضرت الجنازة فقال أبو حنيفة وأحمد: يكره الجلوس حتى توضع؛ لهذا الحديث. ومذهب الشافعي؛ إن شاء استمر قائمًا، وإن شاء قعد لحديث علي الآتي. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (960/ 78) من حديث جابر بن عبد الله. ولم أقف عليه عند ابن أبي الدنيا في المطبوع من كتبه. (¬2) زاد هنا في (ر): حتى. (¬3) انظر: "الأوسط" 5/ 426، "شرح البخاري" لابن بطال 3/ 293. (¬4) في (ر): ابن. والمثبت من (ل).

(وروى هذا الحديثَ سفيان الثوريُّ، عن سهيل بن أبي صالح [عن أبيه) أبي صالح] (¬1) السمان الزيات، سمي بذلك؛ لأنه كان يجلب السمن والزيت إلى الكوفة (عن أبي هريرة وقال فيه) لا تجلسوا (حتى توضع بالأرض) وفي البخاري (¬2) عن أبي سعيد: كنا في جنازة فأخذ أبو هريرة بيد مروان فجلسا قبل أن توضع، فجاء أبو سعيد فأخذ بيد مروان فقال: قم، فوالله لقد علم (¬3) هذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ذلك فقال أبو هريرة: صدق. قال ابن بطال: أما أمر أبي سعيد لمروان بالقيام فلا أعلم من قال به (¬4). (ورواه أبو معاوية عن سهيل قال: حتى توضع في اللَّحْد) قال صاحب "التتمة": يستحب لمن يتبع جنازة أن لا يجلس حتى توضع في اللحد، قال النووي: وهو المختار (¬5). وسفيان الثوري أحفظ من أبي معاوية محمد بن خازم الضرير، وهذا لا شك فيه؛ فإن [سفيانَ مجمع] (¬6) على إمامته، ومن كلامه: كان المال مما يكره وهو اليوم يزين (¬7) المؤمن. [3174] (حَدَّثَنَا مُؤمَّل بن الفضل الحراني) ثقة، توفي 229 (قال: حَدَّثَنَا الوليد قال: حَدَّثَنَا أبو عمرو) عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) (1309). (¬3) في (ر): علمتم. (¬4) "شرح البخاري" 3/ 294. (¬5) "المجموع" 5/ 280. (¬6) في النسخ الخطية: سفيانًا مجمعًا. والجادة ما أثبتناه. (¬7) كذا في النسخ، وفي "سير السلف الصالحين" ص 1002، و"تهذيب الكمال" 11/ 168: ترس.

(عن يحيى بن أبي كثير، عن عبيد الله) بالتصغير (ابن مِقْسَم) بكسر الميم، قال (حدثني جابر -رضي الله عنه- قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ مرت بنا جنازة، فقام لها) وقمنا معه كما في مسلم (¬1) (فلما ذهبنا، لنحمل) يعني الجنازة (إذا هي جنازة يهوديّ، فقلنا: يا رسول الله، إنها جنازة يهودي! فقال: إن الموت فزَع) بفتح الزاء أي: ذعر، قيل: إنما قام النبي - صلى الله عليه وسلم - لجنازة اليهودي لأنه كره أن تعلو جنازة اليهودي رأسه، أي يفزع إليه ومنه، وهو تنبيه على استذكاره واستعظامه، وأنه من أهم ما يجعله الإنسان بين عينيه، وأنه صائر قريبًا إليه. والمقصود من هذا الحديث أن لا يستمر الإنسان على غفلته عند رؤية الميت؛ فإنه إذا رأى الميت ثم تمادى على ما كان عليه من الشغل [كان هذا دليلا على غفلته وتساهله بأمر الموت، وأمر الشارع أن يترك ما كان عليه من الشغل] (¬2) ويقوم؛ تعظيمًا لأمر الموت واستشعارًا به، وعلى هذا يستوي في ذلك المسلم والكافر، ولهذا قال في الذمي: "أليست نفسًا؟ " معناه: أليست هذِه الجنازة نفسًا جاءها الموت؟ (¬3). (فإذا رأيتم الجنازة فقوموا) أي: سواء كان الميت يهوديًّا أو غيره. [3175] (حَدَّثَنَا القعنبي، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن واقد ابن سعد بن معاذ الأنصاري) ثقة، مات 120 (عن نافع بن جبير بن مطعم) شريف مفتي (عن مسعود بن الحكم) الزرقي، مدني كبير القدر (¬4) (عن ¬

_ (¬1) (960). (¬2) سقط من (ر). (¬3) انظر: "المفهم" 2/ 620 - 621. (¬4) في (ر): العذر.

علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام في الجنازة) قيل: إنما قام النبي - صلى الله عليه وسلم - إجلالًا للملائكة الذين (مع الميت) (¬1) وقد يؤخذ من هذا جواز القيام لليهودي أو غيره من الكفار إذا كان حيًّا وأتى إليه يقوم له المسلم تعظيمًا للملكين لا له (ثم قعدَ بعدُ) بضم الدال، أي: قعد بعد ذلك، فلما قطع عن الإضافة بني على الضم ونوى المضاف إليه. زاد في رواية مسلم: وأمرهم بالقعود (¬2). كما سيأتي بعده: اجلسوا. [3176] (حَدَّثَنَا هشام بن بهرام) بكسر الباء الموحدة (المدائني) وثق، وبقي إلى سنة 22 قال (أخبرنا حاتم بن إسماعيل) المدائني ثقة صدوق، لكن كان فيه غفلة. قال (أنبأنا أبو الأسباط) بشر بن رافع (الحارثي) قواه ابن معين (¬3) (عن عبد الله بن سليمان بن جُنادة) بضم الجيم (ابن أبي أمية) (¬4) قيل: ذكره ابن حبان في "ثقاته" (¬5). (عن أبيه) سليمان بن جنادة بن أبي أمية الأزدي، اسم أبي أمية: مالك (عن جدِّه) جنادة مختلف في صحبته. قاله الذهبي (¬6). قال ابن الأثير (¬7): إنه من صغار الصحابة، وقد سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وروى عنه، شهد فتح مصر وولي البحر لمعاوية على غزو الروم، وقيل: إن ¬

_ (¬1) في النسخ: للميت. والمثبت من "المفهم". (¬2) لم أقف عليه بهذا اللفظ في مسلم. (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 4/ 119 (687). (¬4) زاد هنا في (ر): اسم أبي أمية. وهي زيادة مقحمة. (¬5) 8/ 337. (¬6) "الكاشف" (815). (¬7) انظر: "أسد الغابة" 5/ 557 (789).

جنادة بن أبي أمية غير جنادة بن مالك. (عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: كان - صلى الله عليه وسلم - يقوم في الجنازة) يحتمل أن يكون في بمعنى مع (حتى توضع في اللحد) يرده ما وقع في حديث البراء الطويل الذي صححه أبو عوانة وغيره: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة فانتهينا إلى القبر ولم يلحد بعد، فجلس وجلسنا حوله (¬1) (فمر به حَبرٌ) بفتح الحاء واحد الأحبار (من اليهود فقال: هكذا نفعل) أي: مع موتا نا (فجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: اجلسوا. ثم قال: خالفوهم) رواية: "وخالفوهم"، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحب مخالفة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء (¬2). * * * ¬

_ (¬1) سيأتي برقم (3212) وانظر: "التلخيص الحبير" 2/ 264. (¬2) رواه البخاري (3558).

48 - باب الركوب في الجنازة

48 - باب الرُّكُوبِ فِي الجَنَازَةِ 3177 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن مُوسَى البَلْخيّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبي كَثِيرٍ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ ثَوْبانَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِدابَّةٍ وَهُوَ مَعَ الجَنَازَةِ فَأَبَى أَنْ يَرْكَبَها، فَلَمَّا انْصَرَفَ أُتِيَ بِدابَّةٍ فَرَكِبَ فَقِيلَ لَهُ فَقالَ: "إِنَّ المَلائِكَةَ كانَتْ تَمْشي فَلَمْ أَكُنْ لَأَرْكَبَ وَهُمْ يَمْشُونَ، فَلَمَّا ذَهَبُوا رَكِبْتُ" (¬1). 3178 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِماكٍ سَمِعَ جابِرَ بْنَ سَمُرَةَ قال: صَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ابن الدَّحْداحِ وَنَحْنُ شُهُودٌ، ثُمَّ أُتِيَ بِفَرَسٍ فَعُقِلَ حَتَّى رَكِبَهُ فَجَعَلَ يَتَوَقَّصُ بِهِ وَنَحْنُ نَسْعَى حَوْلَهُ (¬2). * * * باب الركوب في الجنازة [7317] (حَدَّثَنَا يحيى بن موسى البلخي) السختياني، شيخ البخاري والحكيم الترمذي، قال: (حَدَّثَنَا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن يحيى ابن أبي كثير، عن أبي سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن بن عوف) الزهري (عن ثوبان) بن بُجْدُد بضم الباء الموحدة وسكون الجيم ثم دال مضمومة (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أُتيَ بدابةٍ) ليركبها (وهو) - ماشٍ (مع الجنازة، فأبى أن يركبها) فيه أن المستحب أن يكون المشيع للجنازة ماشيًا، ويكره الركوب إلا لعذر كمرض (فلما انصرف) فيه ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1012)، وابن ماجة (1480). وصححه الألباني في "أحكام الجنائز" (ص 75). (¬2) رواه مسلم (965).

دليل على جواز أن يقال: انصرف من الصلاة ونحوها خلافًا لمن كرهه لقوله تعالى: {ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} (¬1) (أُتِيَ بدابة فركب، فقيل له) في ذلك (فقال: إن الملائكة كانت تمشي، فلم أكن لأركب وهم يمشون) فيه جواز الركوب في الانصراف من الجنازة كما في الجمعة، وفيه إكرام الملائكة والتأدب معهم والقيام لهم إذا حضروا كما قيل في قيامه لجنازة اليهودي: إنما قام للملائكة. (فلما ذهبوا ركبتُ) رواية الترمذي (¬2): أنه عَلَيْهِ السَّلَامْ - رأى ناسًا ركبانًا مع الجنازة فقال: "ألا تستحيون؟ إن ملائكة الله على أقدامهم وأنتم على ظهور الدواب". [8317] (حَدَّثَنَا عبيد الله) بالتصغير (بن معاذ) كان يحفظ عشرة آلاف حديث، قال: (حَدَّثَنَا أبي) معاذ بن معاذ التميمي العنبري الحافظ، قاضي البصرة قال: (حَدَّثَنَا شعبة، عن سماك، أنه سمع جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - على) ثابت (بن أبي (¬3) الدحداح) قال ابن عبد البر: ابن الدحداح لا يعرف اسمه (¬4). ابن نعيم الأنصاري، شهد أحدًا، وقتل بها شهيدًا، طعنه خالد بن الوليد برمح فأنفذه (¬5). وقيل: إنه مات على فراشه (¬6) (ونحن شهود) أي: ونحن حاضرون معه (ثم أُتيَ) بعد ¬

_ (¬1) التوبة: 127. (¬2) (1012). (¬3) هكذا في النسخ. وفي المطبوع (ابن الدحداح). (¬4) انظر: "شرح النووي على مسلم" 7/ 33. (¬5) "الاستيعاب" 1/ 278. (¬6) انظر: "جامع الأصول" لابن الأثير 12/ 245.

الصلاة عليه (بفرس) زاد مسلم: مُعرَورًا (¬1). بضم الميم وفتح الراء، أي: عري (فَعُقِل) بضم العين. قال النووي (¬2): أمسكه رجل له وحبسه ليركبه، وفيه إباحة ذلك، وأنه لا بأس بخدمة التابع متبوعه برضاه (حتى ركبه) فيه إباحة الركوب في الرجوع عن الجنازة كما في الجمعة (فجعل يتوقَّصُ به) أي: يتوثب به (ونحن نسعى حوله) زاد مسلم (¬3): نمشي حوله. والسعي أقوى من المشي (¬4). قال القرطبي (¬5): هو إخبار عن صورة تلك الحالة؛ لأنه تقدمهم، وأتوا بعده، لا أن ذلك كانت عادتهم في مشيهم معه، بل المنقول من سيرتهم أنه كان يقدمهم ولا يتقدمهم، وينهى عن وطء العقب، ولا خلاف في جواز الركوب عند (¬6) الانصراف، وإنما الخلاف في الركوب لمتبعها؛ فكرهه كثير من العلماء، سواء كان معها أو سابقها أو خلفها. * * * ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (965). (¬2) انظر: "شرح مسلم" 7/ 33. (¬3) (965). (¬4) في حاشية (ع): فيه جواز مشي الجماعة مع كبيرهم الراكب وأنه لا كراهة فيه في حقه ولا في حقهم إذا لم يكن فيه مفسدة، وإنما كره ذلك إذا حصل فيه انتهاك للتابعين أو خيف إعجاب ونحوه في حق المتبرع، أو نحو ذلك من المفاسد - نووي. اهـ. قلت: هو في "شرح مسلم" 7/ 33. (¬5) انظر: "المفهم" 2/ 622. (¬6) في الأصل: عن. والمثبت من "المفهم".

49 - باب المشى أمام الجنازة

49 - باب المشْى أَمَامَ الجَنَازَةِ 3171 - حَدَّثَنَا القَعْنَبِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيانُ بْن عُيَيْنَةَ، عَنِ الزّهْريِّ، عَنْ سالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قال: رَأَيْت النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَمْشُونَ أَمَامَ الجَنَازَةِ (¬1). 3180 - حَدَّثَنَا وَهْبُ بْن بَقِيَّةَ، عَنْ خالِدٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ زِيادِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ المُغِيرَة بْنِ شُعْبَةَ - وَأَحْسَبُ أَنَّ أَهْلَ زِيادٍ أَخْبَرُونِي أَنَّهُ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "الرّاكبُ يَسِيرُ خَلْفَ الجَنَازَةِ، والماشي يَمْشي خَلْفَها وَأَمامَها وَعَنْ يَمِينِها وَعَنْ يَسارِها قَرِيبًا مِنْها، والسِّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْعَى لِوالِدَيْهِ بِالمَغْفِرَةِ والرَّحْمَةِ" (¬2). * * * باب المشي أمام الجنازة [3179] (حَدَّثَنَا القعنبي قال: حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه) عبد الله بن عمر (قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة) وأخرجه ابن حبان (¬3) في "صحيحه" من طريق شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، عن سالم: أن عبد الله بن عمر كان يمشي بين يديها وأبا بكر وعمر وعثمان (¬4). ¬

_ (¬1) رواه والترمذي (1007)، والنسائي 1/ 275، وابن ماجة (1482)، وأحمد 2/ 8. وصححه الألباني في "الإرواء" (736). (¬2) رواه الترمذي (1031)، والنسائي 4/ 55، وابن ماجة (1481)، وأحمد 4/ 247. وصححه الألباني في "الإرواء" (716). (¬3) في النسخ: ابن ماجة. وهو خطأ. (¬4) زاد هنا في (ر): وعلي.

قال الزهري: وكذلك السنة (¬1). فهذا أصح من حديث ابن عيينة (¬2). وأخرجه مالك عن الزهري مرسلًا (¬3). وإخبار البيهقي ترجيح الموصول؛ لأنه من رواية ابن عيينة وهو ثقة حافظ (¬4). وفي رواية: والخلفاء، هلم جرًّا (¬5). ولأنهم شفعاء الميت، ومن شأن الشفيع أن يكون أمام المشفوع فيه. وأمما مما روي (¬6) عن أبي هريرة أنه - عَلَيْهِ السَّلَامْ - قال: "امشوا خلف الجنازة" (¬7). فضعيف. قال الحافظ عبد الحق: [كنانة] (¬8) لا يحتج به (¬9). وتقدم الجواب عن اتباع الجنازة، وأن المراد به الاتباع العرفي وهو المشي معها سواء كان خلفها أو أمامها. [3180] (حَدَّثَنَا وهب بن بَقِيَّة) بفتح الموحدة وكسر القاف (عن خالد) بن عبد الله الواسطي (عن يونس) بن عبيد (عن زياد بن جبير) الثقفي ثقة (عن أبيه) جبير بن حيَّة - بالمثناة تحت - الثقفي، من رجال البخاري (عن المغيرة بن شعبة قال) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. كذا رواه ¬

_ (¬1) "صحيح ابن حبان" 320/ 7 (3048). (¬2) في (ر): علية. (¬3) "الموطأ" 1/ 225. (¬4) "تقريب التهذيب" (2451)، انظر: "التلخيص الحبير" 2/ 261 - 262. (¬5) رواه مالك 1/ 225. (¬6) سقط من (ر). (¬7) ذكره ابن عبد البر في "التمهيد" 12/ 99 - 100 وقال: منكر. (¬8) من "الأحكام الوسطى" 2/ 137. (¬9) "الأحكام الوسطى" 2/ 137.

النسائي (¬1) (وأحسب أن أهل زياد أخبروني أنه رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: الراكب يسير خلف الجنازة) يحتمل والله أعلم (¬2) أنه لا يكون شافعًا؛ فإن الشفيع يكون أمام المشفوع فيه، ومن حقه أن يكون ماشيًا تعظيمًا لمن يشفع عنده. (والماشي يمشي خلفها وأمامها، وعن يمينها وعن يسارها) أي: يحصل بذلك فضيلة المتابعة، لكن فاته كمالها إذا لم يمش أمامها، ورواية النسائي (¬3): "الراكب خلف الجنازة والماشي حيث شاء منها"، و (قريبًا) نسخة: وقريب (منها) أي؛ الأفضل أن (¬4) يكون قريبًا منها بحيث لو التفت إليه لرآها، ولا يتقدمها إلى المقبرة، فلو تقدم فاتته فضيلة الاتباع (والسّقط) فيه ثلاث لغات: كسر السين وفتحها وضمها، والكسر أشهر (يُصلَّى عليه) والسقط: الولد تضعه المرأة ميتًا، أو لغير تمام، فأما إن خرج حيًّا واستهل فإنه يغسل ويصلى عليه بغير خلاف للعلماء، وللشافعي (أصحها أنه يغسل؛ لأنه عرف بنفخ الروح فيه وخروجها منه) (¬5) والغسل أوسع بابًا من الصلاة؛ إذ الكافر يغسل ولا يصلى عليه، وإذا غسل السقط فلا يصلى عليه (¬6)؛ لما روى الترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي: "إذا استهل الصبي صلى ¬

_ (¬1) 4/ 55 (1942). (¬2) سقط من (ر). (¬3) سبق تخريجه. (¬4) في (ر): أي. (¬5) هكذا في النسخة الخطية، ولعل هناك سقط سبب هذا الإشكال. وانظر "المجموع" 5/ 256. (¬6) انظر: "المغني" 2/ 393، "شرح الوجيز" للرافعي 2/ 420.

عليه" (¬1). فإن مفهومه: إن لم يستهل لا يصلى عليه، ولأن أحكام الحي لا تثبت، فلا يرث ولا يورث. وروى البزار عن ابن عمر مرفوعًا: "استهلال الصبي العطاس". وإسناده ضعيف (¬2). (ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة) رواه الحاكم (¬3) بلفظ: "السقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالعافية والرحمة". وقال: صحيح على شرط البخاري، أي: إن كان أبواه مسلمين. والذي ذكره الشافعي في دعاء الطفل: اللهم اجعله فرطًا لأبويه، وسلفًا وذخرًا وعظة واعتبارًا وشفيعًا، وثَقِّل به موازينهما، وأفرغ الصبر على قلوبهما؛ لما روى البيهقي من حديث أبي هريرة: أنه كان يدعى على المنفوس: اللهم اجعله لنا فرطًا وسلفًا وأجرًا (¬4). وفي "جامع سفيان" عن الحسن في الصلاة على الصبي: اللهم اجعله لنا سلفًا [واجعله لنا فرطًا] (¬5) واجعله لنا أجرًا (¬6) (¬7). * * * ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (1032)، "سنن ابن ماجة" (1508)، "السنن الكبرى" للنسائي (6358)، "السنن الكبرى" للبيهقي 4/ 8. من حديث جابر مرفوعًا وأعله ابن عبد الهادي في "التنقيح" 2/ 632، 4/ 276، والحافظ الذهبي في "التنقيح" 2/ 164. (¬2) "مسند البزار" 12/ 32 (5409). (¬3) انظر: "المستدرك" 1/ 517 (1344). (¬4) "السنن الكبرى" 4/ 9. (¬5) سقط من (ر). (¬6) رواه عبد الرزاق 3/ 529 (6588). (¬7) انظر: "التلخيص الحبير" 2/ 290.

50 - باب الإسراع بالجنازة

50 - باب الإِسْرَاعِ بِالجَنَازَةِ 3181 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَسْرِعُوا بِالجَنَازَةِ، فَإِنْ تَكُ صالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَها إِلَيْهِ وَإِنْ تَكُ سِوى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقابِكُمْ" (¬1). 3182 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كانَ في جَنازَةِ عُثْمانَ بْنِ أَبِي العَاصِ وَكُنّا نَمْشِي مَشْيًّا خَفِيفًا فَلَحِقَنا أَبُو بَكْرَةَ فَرَفَعَ سَوْطَة فَقال: لَقَدْ رَأَيْتُنا وَنَحْن مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَزمُلُ رَمَلًا (¬2). 3183 - حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْن مَسْعَدَةَ، حَدَّثَنَا خالِدُ بْنُ الحارِثِ ح وَحَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْن مُوسَى، حَدَّثَنَا عِيسَى -يَعْني: ابن يُونُسَ - عَنْ عُيَيْنَةَ بهَذَا الحَدِيثِ قَالَا فِي جَنَازَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمْرَةَ وَقال: فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ بَغْلَتَهُ وَأَهْوى بِالسَّوْطِ (¬3). 3184 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ يَحْيَى المجَبِّرِ - قالَ أَبُو داوُدَ: وَهُوَ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ التَّيْميُّ - عَنْ أَبِي ماجِدَةَ، عَنِ ابن مَسْعُودٍ قال: سَأَلْنَا نَبِيَّنا - صلى الله عليه وسلم -، عَنِ المَشْى مَعَ الجَنَازَةِ فَقالَ: "ما دُونَ الخَبَبِ إِنْ يَكُنْ خَيْرًا تَعَجَّلْ إِلَيْهِ وَإِنْ يَكُنْ غَيْرَ ذَلِكَ فَبُعْدًا لأَهْلِ النَّارِ، والجَنَازَةُ مَتْبُوعَةٌ وَلا تُتْبَعُ لَيْسَ مَعَها مَنْ تَقَدَّمَها" .. قالَ أَبُو داوُدَ: وَهُوَ ضَعِيفٌ، هُوَ يَحْيَى بْن عَبْدِ اللهِ وَهُوَ يَحْيَى الجابِرُ. قالَ أَبُو داوُدَ: وهذا كوفيٌّ وَأَبُو ماجِدَةَ بَصْريٌّ. قالَ أَبُو داوُدَ: أَبُو ماجِدَةَ هذا لا يُعْرَفُ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1315)، ومسلم (944). (¬2) رواه النسائي 4/ 42، وأحمد 5/ 36. وصححه الألباني في "أحكام الجنائز" (ص 72). (¬3) رواه النسائي 4/ 42، وأحمد 5/ 36. وصححه الألباني في "أحكام الجنائز" (ص 72). (¬4) رواه الترمذي (1011)، وأحمد 1/ 394. وضعفه الألباني في "صحيح الجامع" (5066).

باب الإسراع بالجنازة [3181] (حَدَّثَنَا مسدد قال: حَدَّثَنَا سفيان، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- يَبْلُغُ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أسرعوا (¬1) بالجنازة) أي: أسرعوا بحملها إلى قبرها في مشيكم، يدل عليه قوله بعد: "فخيرٌ تقدمونها إليه، أو شرٌّ تضعونه عن رقابكم". وقيل: يعني به الإسراع بتجهيزها بعد موتها لئلا تتغير. قال القُرْطُبيُّ: والأول أظهر. ثم لا يبعد أن يكون كل منهما مطلوبًا؛ إذ مقتضاه مطلق الإسراع؛ فإنه لم يقيده بقيد (¬2). والمراد بالإسراع في المشي: فوق المشي ودون الخبب، بحيث لا يشق على من تبعها. قال الشافعي: لا أُحب لأحدٍ من أهل الجنازة الإبطاء في شيء من حالاتها من غسل ووقوف عند القبر (¬3). (فإن تكُ) الجنازة (صالحةً فخيرٌ) هو خبر مبتدأ محذوف، أي: فالإسراع خير (تقدمونها إليه) ويحتمل الرفع على أن يكون مبتدأ حذف خبره المقدم عليه، أي: ففي الإسراع خير تقدمونها إليه، ويجوز في العربية نصب "خير" والتقدير: فليكن الإسراع خيرًا تقدمونها إليه كما في قراءة من قرأ (¬4): {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (¬5) بالنصب على تقدير: ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) انظر: "المفهم" 2/ 602 - 603. (¬3) "الأم" 2/ 617. (¬4) انظر: "الدر المصون" 2/ 279، "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 285، "معجم القراءات" 1/ 250. (¬5) البقرة: 184.

فليصم عدة (وإن تكُ سوى ذلك فشرٌّ تضعونه عن رقابكم) ومعناه: إنها بعيدة عن الرحمة فلا مصلحة في مصاحبتها (¬1). ويؤخذ منه ترك مصاحبة أهل البطالة وغير الصالحين فلا تصحب إلا الصالحين، كما قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} (¬2) (¬3). [3182] (حَدَّثَنَا مسلم بن إبراهيم) الأزدي الفراهيدي، قال مسلم: كتبت (¬4) عن قريبٍ من (¬5) [ثمان مئة] (¬6) شيخ. (قال: حَدَّثَنَا شعبة، عن عيينة بن عبد الرحمن) وثقه النسائي، وآخر أصحابه المقرئ ومكي (عن أبيه) عبد الرحمن بن جَوشن -بفتح الجيم - الغطفاني، وثقه أبو زرعة (¬7)، وكانت تحته بنت أبي بكرة (أنه كان في جنازة عثمان بن أبي العاص) بن بشر بن عبد الله الثقفي، استعمله النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على الطائف، ولما مات النبي - صلى الله عليه وسلم - عزمت ثقيف على الردة، فقال لهم: يا معشر ثقيف، أنتم آخر الناس إسلامًا، فلا تكونوا أول الناس ردة. فامتنعوا من الردة (¬8). ¬

_ (¬1) في (ل): مصاحبها. والمثبت من (ر)، وهو الصواب. (¬2) الكهف: 28. (¬3) انظر: "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" 4/ 116. (¬4) في الأصل: كتب. (¬5) سقط من (ر). (¬6) في الأصل (مائة) والمثبت موافق لما في "تهذيب الكمال" 27/ 491. (¬7) "الجرح والتعديل" 5/ 220. (¬8) انظر: "جامع الأصول" 12/ 596.

(وكنا نمشي مشيًا خفيفًا، فلحقَنا أبو بكرةَ) نفيع بن الحارث (فرفع (¬1) صوته) رواية الخطيب: فوقع سوطه (فقال: لقد رأيتُنا (¬2) ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) زاد الحاكم (¬3): وإنا لنكاد أن (نَرمُلَ) بضم الميم بها (رَمَلًا) بفتح الميم، والرمل إسراع المشي مع تقارب الخطى. قال الشافعي في "المختصر": الرمل هو الخبب. قال الرافعي: وقد غلط من الأئمة من ظن أنه دون الخبب (¬4). وروى ابن ماجة وقاسم بن أصبغ من حديث أبي موسى: "عليكم بالقصدِ في جنائزكم إذا مشيتم" (¬5). وفي إسناده ضعف (¬6). [3183] (حَدَّثَنَا حميد (¬7) بن مسعدة) الباهلي صدوق (حَدَّثَنَا خالد بن الحارث) أبي عثمان الهجيمي البصري. قال أحمد: إليه المنتهى في التثبت (¬8). (وحَدَّثَنَا إبراهيم بن موسى) الرازي الفراء الحافظ شيخ الشيخين، قال: (حَدَّثَنَا عيسى بن يونس، عن (¬9) عيينة) بن عبد الرحمن (بهذا الحديث) المتقدم بإسناده (قالا: في جنازة عبد الرحمن بن (¬10) سمرة) ¬

_ (¬1) في (ر): فوقع. (¬2) في (ر): رأينا. (¬3) "المستدرك" 1/ 354. (¬4) "العزيز شرح الوجيز" للرافعي 3/ 401. (¬5) "سنن ابن ماجة" (1479) بنحوه. (¬6) انظر: "التلخيص الحبير" 2/ 265. (¬7) في (ر): أحمد. والمثبت من (ل) والمطبوع. (¬8) انظر: "الجرح والتعديل" 3/ 325 (1460)، "تهذيب الكمال" 8/ 37 (1598). (¬9) سقط من (ل)، وفي (ر): بن. والمثبت من (ع). (¬10) سقط من (ل) و (ر)، والمثبت من (ع).

بن جندب العبسي، كان اسمه عبد كلال فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الرحمن، وعلى يده فتحت سجستان وكابل (¬1) (وقال: فحمل عليهم بغلته) فيه جواز الركوب في الجنازة، وقد يكون لعذر من مرض ونحوه (وأهوى بالسوط) فيه جواز سوق الدابة بالسوط والعصا ونحو ذلك. [3184] (حَدَّثَنَا مسدد، قال: حَدَّثَنَا أبو عوانة) اسمه الوضاح (عن يحيى المُجَبِّر) (¬2) بفتح الجيم وتشديد الموحدة المكسورة وبالفتح (وهو يحيى بن عبد الله) الجابر (¬3) أبو الحارث (¬4) (التيمي) ويقال له: المجبِّر؛ لأنه كان يجبر الأعضاء. أدرك زمن الصحابة، روى عنه شعبة. قال أحمد: لا بأس به (¬5). (عن أبي ماجدة) ويقال: أبو ماجد الحنفي العجلي الكوفي، قال أبو حاتم: اسمه عائذ بن نضلة (¬6). قال علي بن المديني: لا نعلم روى عنه غير يحيى بن عبد الله الجابر (¬7). قيل: روى عنه أيوب السختياني (¬8) (عن ابن (¬9) مسعود -رضي الله عنه- قال: سألْنا نبيَّنا - صلى الله عليه وسلم - عن المشي مع الجنازة فقال: ما دون ¬

_ (¬1) انظر: "الإصابة في تمييز الصحابة" 4/ 311. (¬2) زاد هنا في الأصل: ابن. وهي زيادة مقحمة. (¬3) في (ع): بن جابر. (¬4) في (ل، ع: الجابر. وفي (ر): الفتح. والمثبت من "تهذيب الكمال" 31/ 404. (¬5) "العلل" 1/ 397. (¬6) "الجرح والتعديل" 7/ 16 (75). (¬7) في (ل، ر): الجابرة، والمثبت من (ع). (¬8) انظر: "تهذيب الكمال" 34/ 241. (¬9) في (ر): أبي. خطأ.

الخَبَبِ) وهو ضرب من العدو، وخَبَّ الفرس: إذا راوح بين يديه ورجليه (¬1). قال أصحابنا: المراد بالإسراع في الحديث المتقدم، ودون الخبب في هذا الحديث: أن يكون فوق المشي المعتاد ودون الخبب، فبهذا يجمع بين الحديثين (¬2). وقال أبو حنيفة: يبلغ بالإسراع الخبب، ودليلنا الحديث. (فإن يكن) يجوز حذف النون وإثباتها، فمن الإثبات {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا} (¬3)، ومن الحذف: {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} (¬4) (خيرًا تعجل إليه) (¬5) وفي بعض طرقه: مُرَّ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجنازة تمخض مخض الزق فقال: "عليكم بالقصد في مشي جنائزكم دون الهرولة، فإن كان خيرًا أعجلتم إليه" (¬6). (فإن يك) [نسخة: وإن يكن] (¬7) (غير ذلك فبعدًا لأهل النار) أي: هلاكًا لهم، يقال: بعد يبعد بُعْدًا وبَعَدًا: إذا هلك، وهو عبارة عن بلوغهم غاية أمرهم وهو النار. (والجنازة متبوعة ولا تَتْبع) بفتح التاء الأولى، استدل به الأوزاعي وأصحاب أبي حنيفة على أن المشي خلف الجنازة أفضل، ولقول علي ¬

_ (¬1) انظر: "الصحاح" للجوهري 1/ 117. (¬2) في النسخ الخطية: الحديث. والمثبت ما يقتضيه السياق. (¬3) النساء: 135. (¬4) النساء: 40. (¬5) زاد هنا في (ل): تعجل. (¬6) رواه الطبراني في "الأوسط" 6/ 137 (6020)، والمزي في "تهذيب الكمال" 34/ 244. (¬7) ساقطة من (ل).

-رضي الله عنه-: فضل الماشي خلف الجنازة على الماشي قدامها كفضل المكتوبة على التطوع. سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). ولأنها متبوعة فتقدم كالإمام في الصلاة، ولما في الحديث الصحيح: "من تبع جنازة" (¬2). وأجيب عن هذا الحديث بأنه ضعيف، في سنده أبو ماجدة، وقيل ليحيى: من أبو ماجد؟ قال: هذا طائر طار (¬3). (ليس معها) أي: ليس تابعًا لها ولا ماشيًا معها (من تَقَدَّمها) [بفتح الفوقانية وتشديد الدال والميم] (¬4) أي: تقدم عليها في المشي. (هذا) الحديث (إسناده ضعيف، وهو يحيى بن عبد الله و) يقال له (¬5): (هو يحيى الجابر، وهو كوفي) كما تقدم (وأبو ماجدة بصري) كما تقدم قبله. * * * ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق 3/ 447 (6267). (¬2) رواه البخاري (47)، ومسلم (945) من حديث أبي هريرة مرفوعًا. (¬3) انظر: "التاريخ الكبير" 8/ 286 (3023)، "المغني" 2/ 354. (¬4) سقط من (ر، ع)، والمثبت من حاشية (ل). (¬5) سقط من (ر).

51 - باب الإمام لا يصلي على من قتل نفسه

51 - باب الإِمامِ لا يُصَلّي عَلَى مَنْ قَتَلَ نَفْسهُ 3185 - حدثنا ابن نُفَيْلٍ، حدثنا زُهَيْرٌ، حدثنا سِماكٌ، حَدَّثَني جابِرُ بْنُ سَمُرَةَ قال: مَرِضَ رَجُلٌ فَصِيحَ عَلَيْهِ، فَجاءَ جارُهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ لَهُ: إِنَّهُ قَدْ ماتَ. قالَ: "وَما يُدْرِيكَ؟ " .. قال: أَنا رَأَيْتُهُ. قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّهُ لَمْ يَمُتْ". قال: فَرَجَعَ فَصِيحَ عَلَيهِ، فَجاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: إِنَّهُ قَدْ ماتَ. فَقالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّهُ لَمْ يَمُتْ" .. فَرَجَعَ فَصِيحَ عَلَيهِ، فَقالَتِ امْرَأَتُهُ: انْطَلِقْ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبِرْهُ. فَقالَ الرَّجُلُ: اللَّهُمَّ العَنْهُ. قال: ثمَّ انْطَلَقَ الرَّجُلُ فَرَآهُ قَدْ نَحَرَ نَفْسَهُ بِمِشْقَصٍ مَعَهُ، فانْطَلَقَ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَدْ ماتَ فَقالَ: "ما يُدْرِيكَ؟ " .. قال: رَأَيْتهُ يَنْحَرُ نَفْسَهُ بِمَشاقِصَ مَعَهُ. قالَ: "أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟ " .. قال: نَعَمْ. قالَ: "إِذًا لا أُصَلّي عَلَيْهِ" (¬1). * * * باب الإمام يصلي على من قتل نفسه [3185] (حدثنا ابن نُفَيل قال: حدثنا زهير قال: حدثنا سماك قال: حدثني جابر بن سمرة) بن جُنادة - بضم الجيم - العامري (قال: مرض رجل، فَصِيحَ عليه، فجاء جاره إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إنه قد مات) لعله اعتمد على الصياح الذي سمعه في بيته (قال: وما يدريك؟ ) أنه مات (قال: أنا رأيته) أي: ظننته؛ فإنَّ رأى تستعمل في الظن، كقوله: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6)} (¬2) أي: أنهم يظنون العذاب الذي وعدوا به غير كائن. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (978). (¬2) المعارج: 6.

(فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [إنه لم يمت) لعله علم ذلك بوحي، أو إلهام من الله تعالى؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم -] (¬1) لا ينطق عن الهوى (قال: فرجع) إلى داره (فصيح عليه) ثانيا (فجاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إنه قد مات) اعتمد أيضًا على الصياح الذي سمعه (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ) ثانيًا (إنه لم يمت) لعل امرأته أخبرته فاعتمد على إخبارها (قال: فرجع، فصيح عليه) ثالثًا (فقالت امرأته: انطلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره) بأنه قد مات (فقال الرجل: اللهم العنه) فيه جواز لعنة شخص بعينه إذا ارتكب كبيرة. (قال: فانطلق الرجل، فرآه قد نحر نفسه) لعله اشتد عليه ما به من المرض الذي كان فيه وتعاظم فلم يصبر على شدة الألم فنحر نفسه (بمِشْقَصٍ) بكسر الميم وفتح القاف، جمعه مشاقص، وهي سهام عراض، وقيل: الشقص: السكين العريض. وجدها (معه) وهو ميت. (فانطلق إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره) بموته (أنه (¬2) قد مات، قال: وما يدريك؟ قال: رأيته ينحر نفسه) رواية مسلم (¬3): قتل نفسه (بمشاقص معه) رواية الطبراني (¬4): بمشقاص. وليس بشيء. (فقال: أنت رأيته؟ قال: نعم. قال: إذًا) بالتنوين عوض عن الجملة التي هي علة لعدم الصلاة عليه، أي: لأنه قتل نفسه (لا أصلي عليه) فيه حجة من يقول: لا يصلى على قاتل نفسه لعصيانه. وهذا مذهب عمر بن عبد ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) من المطبوع. (¬3) (978). (¬4) "المعجم الكبير" 2/ 223 (1920)، 2/ 230 (1956) بلفظ: مشقص.

العزيز والأوزاعي، قالا: لا يصلى على قاتل نفسه متعمدًا بحال، كما لا يصلي عليه الإمام عند من قال به، فهو كشهيد المعركة. وفيه حجة للإمام أحمد حيث قال: لا يصلى على قاتل نفسه متعمدًا ولا على الغال، وهو الذي يكتم الغنيمة أو بعضها ليأخذه لنفسه. قال: ويصلي عليها سائر الناس غير الإمام. وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء: يصلى عليه. وأجابوا عن هذا الحديث بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصل عليه بنفسه زجرًا للناس عن مثل فعله، وصلت عليه الصحابة، وهذا كما ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - في أول الأمر الصلاة على من عليه دين زجرًا لهم عن التساهل في الاستدانة وعن إهمال وفائها، وأمر أصحابه بالصلاة عليه، فقال: "صلوا على صاحبكم" (¬1). ولعل هذا القاتل لنفسه كان مستحلًّا لقتل نفسه (¬2) فمات كافرًا فلم يصلِّ عليه لذلك، وأما المسلم القاتل لنفسه فيصلى عليه عند كافة العلماء، وكذلك المقتول في حد أو قصاص، ومرتكب الكبائر، وولد الزنا، غير أن أهل الفضل يجتنبون الصلاة على المبتدعة والبغاة وأصحاب الكبائر ردعًا لأمثالهم عند مالك (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2298)، ومسلم (1619) من حديث أبي هريرة. (¬2) سقط من (ر). (¬3) انظر: "شرح النووي على مسلم" 7/ 47.

52 - باب الصلاة على من قتلته الحدود

52 - باب الصَّلاةِ عَلَى مَنْ قَتَلَتْهُ الحُدُودُ 3186 - حدثنا أَبُو كامِلٍ، حدثنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ أَبي بِشْرٍ، حَدَّثَني نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ، عَنْ أَبي بَرْزَةَ الأَسْلَميِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يُصَلِّ عَلَى ماعِزِ بْنِ مالِكٍ وَلَمْ يَنْهَ عَنِ الصَّلاةِ عَلَيْهِ (¬1). * * * باب الصلاة على من قتلته الحدود [3186] (حدثنا أبو كامل قال: حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر) بيان ابن بشر (¬2) الأحمسي قال: (حدثني نفر من أهل البصرة) النفر: جماعة الرجال من ثلاثة إلى عشرة (عن أبي برزة) نضلة بن عبيد (الأسلمي لكنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصلِّ على ماعز بن مالك) الأسلمي الذي أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - برجمه لما اعترف بالزنا. وأخرج البخاري (¬3) أنه -عليه السلام- صلى على ماعز بعد أن رجمه. وفي مسلم (¬4) أنه -عليه السلام- رجم الغامدية وصلى عليها. وليس فيه أنه باشر الصلاة عليها (¬5) بنفسه، فيحمل على أنه أمر به جمعًا بين الأحاديث. ¬

_ (¬1) رواه ابن شاهين في "ناسخه" (359)، والبيهقي 4/ 19. قال ابن الجوزي في "التحقيق في أحاديث الخلاف" 2/ 18: هذا الحديث يرويه مجاهيل. (¬2) في الأصل بشير. وهو تحريف، والمثبت من مصادر الترجمة. (¬3) (6820). (¬4) (1695). (¬5) سقط من (ر).

وفيه دليل على أنه من قتل حدًّا أو قصاصًا فليس بشهيد؛ لأنه إذا كان في المقتول ظلمًا ليس بشهيد فالمقتول بحق أولى، بل يغسل ويصلى عليه. (ولم ينه عن الصلاة عليه) وترك الصلاة عليه ليحذر الناس من فعله.

53 - باب في الصلاة على الطفل

53 - باب في الصَّلاةِ عَلَى الطِّفْلِ 3187 - حدثنا مُحَمَّدُ بْن يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حدثنا يَعْقُوبُ بْن إِبْراهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حدثنا أَبي، عَنِ ابن إِسْحاقَ، حَدَّثَني عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبي بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: ماتَ إِبْراهِيمُ ابن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ ابن ثَمانِيَةَ عَشَرَ شَهْرَا فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). 3188 - حدثنا هَنّادُ بْنُ السَّريِّ، حدثنا محَمَّد بْن عُبَيْدٍ، عَنْ وائِلِ بْنِ داوُدَ قالَ: سَمِعْتُ البَهيَّ قال: لّمَا ماتَ إِبْراهِيمُ ابن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في المَقاعِدِ. قالَ أَبُو داوُدَ: قَرَأْتُ عَلَى سَعِيدِ بْنِ يَعْقوبَ الطّالقانيِّ قِيلَ لَهُ: حَدَّثَكُمُ ابن المُبارَكِ عَنْ يَعْقوبَ بْنِ القَعْقاعِ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى عَلَى ابنهِ إِبْراهِيمَ وَهُوَ ابن سَبْعِينَ لَيْلَةً (¬2). * * * باب الصلاة على الطفل [3187] (حدثنا محمد بن يحيى) بن عبد الله بن خالد (بن فارس) بن ذؤيب الذهلي الحافظ، أحد الأعلام، شيخ البخاري في مواضع، لكن لم ينسبه فتارة يقول: حدثنا محمد، وتارةً يقول: حدثنا محمد بن عبد الله، وتارةً يقول: محمد بن خالد. وعن أحمد: ما رأيت خراسانيَّا أصح حديثًا ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 267، البزار (293)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2893). حسنه الألباني في "أحكام الجنائز" ص 79. (¬2) رواه البيهقي 4/ 9 من طريق المصنف. قال الحافظ في "الدراية" 1/ 235: هذا مرسل.

منه (¬1). (قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد) الزهري، حجة ورع (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد، قاضي المدينة (عن) محمد (ابن إسحاق قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، قال النسائي: ثقة ثبت (¬2). (عن عمرة بنت عبد الرحمن) بن سعد بن زرارة خالة أبيه (¬3) (عن عائشة) وكانت في حجرها (قالت: مات إبراهيم ابن النبي - صلى الله عليه وسلم -) من مارية القبطية كما تقدم (وهو ابن ثمانية عشر شهرًا) وقيل: ابن ستة عشر شهرًا؛ فإن مولده في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة، ومات في ربيع الأول سنة عشر وقد بلغ ستة عشر شهرًا، مات في بني مازن عند ظئره أم بردة خولة بنت المنذر (فلم يصل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) احتج به على أن الصبي المسلم لا يصلى عليه، وبأن المقصود بالصلاة الاستغفار، والصبي لا ذنب له فلا يحتاج إلى الاستغفار له. [3188] (حدثنا هناد بن السري) قال: (حدثنا محمد بن عبيد) بن أبي أمية الطنافسي، كان حديثه أربعة آلاف حديث يحفظها (عن وائل بن داود) التيمي، صدوق (قال: سمعت) عبد الله (البَهيَّ) بفتح الموحدة، ليس نسبًا إلى أحد إنما هو لقب لعبد الله مولى مصعب بن الزبير بن العوام (¬4)، تابعي في الطبقة الثانية من تابعي الكوفيين، سمع عائشة (قال: لما ¬

_ (¬1) انظر: "تاريخ بغداد" 3/ 416 - 417، "تهذيب الكمال" 26/ 623 (5686). (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 14/ 351 (3190). (¬3) في (ر): ابنه. وهو خطأ، وهي خالة أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم. (¬4) انظر: "جامع الأصول" 12/ 234.

مات إبراهيم ابن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المقاعد) وهو عند باب المسجد المعروف بباب الجنائز، ويقال: باب المصاعد. وقيل: عند دار عثمان. وَكَبَّر عليه أربعًا، ودُفِنَ بالبقيع، ورش عليه الماء (¬1)، وقال: " [إن له ظئراً تتم رضاعه] (¬2) في الجنة" (¬3). وروى أبو يعلى (¬4) وابن سعد (¬5) عن أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على (¬6) ابنه إبراهيم وكبر عليه أربعًا. وللبزار عن أبي سعيد الخدري مثله (¬7). (وقال أبو داود: قرأت على سعيد بن يعقوب) أبي بكر (¬8) (الطالقاني) قال النسائي: ثقة (¬9). (حدثكم) عبد الله (ابن المبارك) بن واضح التميمي (عن يعقوب بن القعقاع) الأزدي قاضي مرو (عن عطاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على ابنه إبراهيم) حين حمل إليه على سرير صغير (وهو ابن سبعين ليلة). رواية الصلاة عليه أكثر من عدم الصلاة وأصح، وهي إثبات، ورواية ترك الصلاة عليه نفي، ورواية الإثبات تقدم على النفي. ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) في (ر): إنه ظئرا تتم بضاعة. (¬3) رواه مسلم (2316). (¬4) "مسند أبي يعلى" 6/ 335 (3660). (¬5) "الطبقات الكبرى" 1/ 140. (¬6) سقط من (ر). (¬7) رواه البزار كما في "كشف الأستار" (816). (¬8) سقط من (ر). (¬9) انظر: "تاريخ بغداد" 9/ 90 (4669)، "تهذيب الكمال" 11/ 123 (2386).

وحجة الجمهور رواية عموم النصوص الواردة بالصلاة على المسلمين، ورواية الترمذي وغيره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الطفل يصلى عليه". وقال: صحيح (¬1). ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (1031)، ورواه أيضًا أبو داود، سبق قريبًا برقم (3185)، والنسائي 4/ 505، وابن ماجه (1507)، وأحمد 4/ 247 من حديث المغيرة بن شعبة مرفوعًا، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3523).

54 - باب الصلاة على الجنازة في المسجد

54 - باب الصَّلاةِ على الجَنازَةِ في المَسْجِدِ 3189 - حدثنا سَعِيدُ بْن مَنْصُورٍ، حدثنا فُلَيْحُ بْن سُلَيْمانَ، عَنْ صالِحِ بْنِ عَجْلانَ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبّادٍ، عَنْ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: والله ما صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى سُهَيْلِ ابن البَيْضاءِ إِلا في المَسْجِدِ (¬1). 3190 - حدثنا هارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حدثنا ابن أَبي فُدَيْكٍ، عَنِ الضَّحّاكِ - يَعْني ابن عُثْمانَ - عَنْ أَبي النَّضْرِ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: والله لَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ابنى بَيْضاءَ في المَسْجِدِ سُهَيْلٍ وَأَخِيهِ (¬2). 3191 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا يَحْيَى، عَنِ ابن أَبي ذِئْبٍ، حَدَّثَني صالِحٌ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ صَلَّى عَلَى جِنازَةٍ في المَسْجِدِ فَلا شَيء عَلَيْهِ" (¬3). * * * باب الصلاة على الجنازة في المسجد [3189] (حدثنا سعيد بن منصور) بن منصور (¬4) الخراساني الحافظ، أحد الأعلام (حدثنا فليح بن سليمان، عن (¬5) صالح بن عجلان) ذكره ابن ¬

_ (¬1) رواه مسلم (973). (¬2) رواه مسلم (973/ 101). (¬3) رواه ابن ماجه (1517)، وأحمد 2/ 444. وحسنه الألباني في "الصحيحة" (2351). (¬4) هكذا في النسخ، والصواب: شعبة. ولعله سبق قلم من المؤلف، وانظر: "تهذيب الكمال" 11/ 77 (2361). (¬5) في الأصل (بن) والمثبت من المطبوع.

حبان في "الثقات" (¬1) (ومحمد بن عبد الله بن عباد، عن عباد بن عبد الله بن الزبير) بن العوام الأسدي (عن عائشة رضي الله عنها قالت: والله ما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وأوله في "صحيح مسلم" (¬2) أنها قالت: لما توفي سعد بن أبي وقاص أرسل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يمروا بجنازته في المسجد فيصلين (¬3) عليه، ففعلوا، فوقف به على حجرهن فصلين عليه، أخرج من باب الجنائز الذي كان إلى المقاعد، فبلغهن أن الناس عابوا ذلك وقالوا: ما كانت الجنائز تدخل المسجد. فبلغ ذلك عائشة فقالت: ما أسرع الناس (¬4) أن يعيبوا ما لا علم لهم به، عابوا علينا أن يمر عليهم في المسجد وما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (على سهيل ابن البيضاء) بيضاء، بالمد: لقب لأمه واسمها دعد (¬5)، وأبوه وهب بن ربيعة، وكانت وفاته سنة تسع بالتاء في أوله (¬6). (إلا في) جوف (المسجد) كذا رواية مسلم. تمسَّك به من أجاز إدخال الميت في المسجد للصلاة عليه كما تمسكت به عائشة -رضي الله عنها-، وممن قال به أحمد وإسحاق، ومن منع الصلاة فيه قال: إن العمل المستمر على خلاف ذلك، وأن الصلاة على سهيل وأخيه في المسجد إما منسوخ كما قاله الطحاوي (¬7)، وأن ¬

_ (¬1) 4/ 375. (¬2) (973). (¬3) في (ر): فيصلون. (¬4) سقط من (ر). (¬5) في (ر): وعد. وهو تصحيف. (¬6) انظر: "الطبقات الكبرى" 4/ 213، "سير أعلام النبلاء" 1/ 384 - 385. (¬7) في (ر): المحب الطبري. وهو خطأ، وانظر: "شرح معاني الآثار" 1/ 492.

ترك الصلاة آخر الفعلين، وإما أن يكون خاصًّا بهما واستدلوا على المنع بالحديث الآتي (¬1). [3190] (حدثنا هارون بن عبد الله) بن مروان، البغدادي الحافظ الحمال، سمي بذلك؛ لأنه (لما حج) (¬2) رأى رجلًا قد انقطع من الحجاج فحمله على ظهره. قال: (حدثنا ابن أبي فديك، عن الضحاك، يعني: ابن عثمان) بن عبد الله بن خالد الأسدي، روى له مسلم، وثقه ابن معين (¬3) وأبو داود (¬4) (عن أبي النضر) سالم بن أمية (عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، أحد الفقهاء السبعة المشهورين (عن عائشة رضي الله عنها قالت: والله لقد صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ابني بيضاءَ في المسجد: سهيلٍ وأخيه) قال العلماء: وبنو البيضاء: سهل، وسهيل، وصفوان، وكان سهل قديم الإسلام، هاجر إلى الحبشة ثم عاد إلى مكة، ثم هاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا وغيرها، توفي سنة تسع من الهجرة. فيه في ليل على استحباب الصلاة على الميت في المسجد. قال الماوردي (¬5): هو مستحب خلافًا لمالك وأبي حنيفة لقصة سهيل المذكورة. وكان سهيل هو وأبو بكر الصديق أسن الصحابة. ¬

_ (¬1) انظر: "المفهم" 2/ 629. (¬2) في (ر): رحج. (¬3) "تاريخ الدارمي" (442). (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 13/ 274 (2922). (¬5) انظر: "الحاوي الكبير" 3/ 50.

وأبو بكر وعمر صلِّيَ عليهما في المسجد (¬1). [3191] (حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى، عن ابن (¬2) أبي ذئب قال: حدثني صالح مولى التوأمة) وهو صالح بن نبهان، تابعي، صدوق، لكنه عمي واختلط في آخر عمره، وثقه يحيى بن معين (¬3)، وقال أحمد: صالح الحديث. وقال أبو حاتم: من سمع منه قديمًا فسماعه حسن (¬4). (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء عليه) أو (له)، شك أبو علي (¬5). تمسك به أبو حنيفة ومالك. قال النووي في المشهور عنه: محمول على أن معناه: لا شيء عليه، فاللام بمعنى على كما قال تعالى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} (¬6) أي: عليها، وكما قال الشاعر: [فخر صريعا] (¬7) لليدين وللفم قال في "المطلب" (¬8): إنه الموجود في رواية أبي داود المعتمدة ¬

_ (¬1) سقط من (ر)، وانظر: "المجموع" للنووي 5/ 212. (¬2) سقط من (ر). (¬3) "تاريخ الدارمي" (435). (¬4) "الجرح والتعديل" 4/ 417، وانظر: "تهذيب الكمال" 13/ 101 - 102. (¬5) كذا بالنسخ ولعله أبو علي محمد بن أحمد بن عمرو اللؤلؤي راوي "السنن" عن أبي داود، وقد اختلفت النسخ المطبوعة في أي اللفظتين رويت (عليه) أو (له). (¬6) الإسراء: 7. (¬7) في (ر): فحدثنا. (¬8) هكذا في النسخ الخطية، ولعل الصواب "شرح المهذب" فإن هذا كلام النووي رحمه الله فيه، وفي "شرح مسلم" له 7/ 40، ولم أجده في "نهاية المطلب" للجويني.

جمعًا بين الروايتين، وحمل أيضًا على نقصان أجره إذا لم يتبعها للدفن؛ فإن الغالب أن المصلي عليها في المسجد ينصرف إلى أهله، وأن المصلي عليها في الصحراء يحضر دفنها فينقص أجره عن الأول فيكون التقدير: فلا أجر له كامل. فإن قيل: لا حجة في حديث عائشة أيضًا؛ لاحتمال أنه -عليه السلام- إنما صلى على سهيل في المسجد لمطر أو غيره، أو أنه وضعه خارج المسجد وصلى هو في المسجد، أو أن المراد بالمسجد مصلى الأموات. فالجواب: إن قول عائشة وفعلها وفعل بقية أمهات المؤمنين يرد هذِه الاحتمالات، والظاهر أن باب المسجد لم يكن في صوب القبلة حتى يتهيأ من في المسجد الصلاة على الجنازة الخارجة عنه (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع شرح المهذب" 5/ 214.

55 - باب الدفن عند طلوع الشمس وعند غروبها

55 - باب الدَّفْنِ عنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِها 3112 - حدثنا عُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ، حدثنا وَكِيعٌ، حدثنا مُوسَى بْن عُلَيّ بْنِ رَباحٍ قالَ: سَمِعْت أَبي يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عامِرٍ قال: ثَلاثُ ساعاتٍ كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهانا أَنْ نُصَلّيَ فِيهِنَّ أَوْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتانا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ. أَوْ كَما قالَ (¬1). * * * باب الدفن عند طلوع الشمس وعند غروبها [3192] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا موسى بن عُلَيّ) قال الثوري: هو بضم العين على المشهور (بن رباح) اللخمي الأمير، ولي الديار المصرية للمنصور [سنة ستين] (¬2)، وثقه أحمد (¬3) وا بن معين (¬4) والعجلي (¬5) والنسائي (¬6). (قال: حدثنا (¬7) أبي) علي بن رباح بن قصير اللخمي، ولقبه عُلي بالتصغير، من رجال مسلم، كان في المكتب إذ قتل عثمان (يحدث أنه سمع عقبة بن عامر) ¬

_ (¬1) رواه مسلم (831). (¬2) هكذا في النسخ، ولكن في "تهذيب الكمال": ست سنين. انظر: 29/ 123، "سير أعلام النبلاء" 7/ 412. (¬3) "الجرح والتعديل" 8/ 153 (691). (¬4) "الجرح والتعديل" 8/ 153 - 154 (691). (¬5) "معرفة الثقات" (1821). (¬6) انظر: "تهذيب الكمال" 29/ 124 (6284). (¬7) في المطبوع: سمعت.

الجهني (قال: ثلاث ساعات كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهانا أن نصليَ فيهن، أو نقبُر) بضم الباء (فيهن موتانا) رواية مسلم (¬1): أو (¬2) أن نقبر فيها موتانا. والتي لأحد الشيئين. قال القرطبي (¬3): والأظهر بالواو كما هنا (¬4)، ومورد النهي هنا عن الصلاة على الجنازة (¬5) وعند الدفن (حين تطلع) بضم اللام (¬6) (الشمس بازغة) أي: طالعة (حتى ترتفع) أي: قدر رمح (وحين يقوم قائم الظهيرة) الظهيرة: شدة الحر، وقائمها: قائم الظل الذي لا يزيد ولا ينقص في رأي العين، وذلك يكون منتصف النهار حين استواء الشمس، ومعناه: حين لا يبقى في القائم في الظهيرة ظله في المشرق ولا في المغرب (حتى تميل) ظلها (وحين تضيَّف) بفتح التاء والضاد المعجمة وتشديد الياء، أي: تميل للغروب، وأصل الإضافة الإسناد والإمالة، ومنه: ضفت فلانًا: نزلت به، وأضفته: أنزلته علي (¬7) (الشمس للغروب (¬8) حتى تغرب. أو كما قال) فيه التثبت في الرواية والتحري من الخطأ. ¬

_ (¬1) (831). (¬2) في (ر): و. (¬3) انظر: "المفهم" 2/ 458. (¬4) كذا قال! والذي هنا في "السنن" أو. وعليه فإشارة الشارح ابن رسلان لا وجه لنا. (¬5) في (ر): الخناثى. وهو تصحيف قبيح. (¬6) في (ر): الواو. وهو خطأ. (¬7) انظر: "المفهم" 2/ 459. (¬8) من المطبوع.

والنهي في هذِه الثلاثة الأوقات متعلق بالزمان، فلا يزيد وقت الكراهة ولا ينقص، بخلاف ما تعلق النهي فيه بفعل الصلاة كقوله -عليه السلام-: "لا صلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس" (¬1)؛ فإن المصلي إذا عجل الصلاة في أول الوقت طال وقت الكراهة في حقه، وإن أخرهما قصر. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1197)، ومسلم (827) من حديث أبي سعيد الخدري.

56 - باب إذا حضر جنائز رجال ونساء، من يقدم؟

56 - باب إذا حَضَرَ جَنائِزَ رِجالٍ وَنِساءٍ، مَنْ يقَدِّمُ؟ 3193 - حدثنا يَزِيدُ بْنُ خالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ الرَّمْليُّ، حدثنا ابن وَهْبٍ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ صُبَيْحٍ، حَدَّثَني عَمّارٌ مَوْلَى الحارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ أَنَّهُ شَهِدَ جَنازَةَ أُمِّ كُلْثُومٍ وابْنِها فَجُعِلَ الغُلامُ مِمّا يَلي الإِمامَ فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ وَفي القَوْمِ ابن عَبّاسٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الخُدْريُّ وَأَبُو قَتادَةَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ فَقالُوا: هذِه السُّنَّةُ (¬1). * * * باب إذا حضر جنائز (¬2) رجال ونساء، من يقدم؟ [3193] (حدثنا يزيد بن خالد بن مَوهب) بفتح الميم (الرملي) الزاهد الثقة قال: (حدثنا) عبد الله (بن وهب، عن) عبد الملك (بن جريج، عن يحيى بن صَبيح) بكسر الموحدة، النيسابوري، المقرئ، ثقة (قال: حدثني عمار (¬3) بن أبي عمار (مولى الحارث بن نوفل) يعد في المكيين، التابعي، وثقوه (أنه شهد جنازة أم كلثوم) بنت علي [(وابنها) زيد بن عمر] (¬4) ليصلي عليهما أمير المدينة (فجُعل الغلام مما يلي الإمام) وللبيهقي (¬5): وكان في القوم الحسن والحسين ونحو من ثمانين صحابيًّا والقوم، ووضعت المرأة وراءه (فأنكرتُ ذلك، وفي القوم ابن ¬

_ (¬1) رواه النسائي 4/ 71. وصححه الألباني في "أحكام الجنائز" (ص 104). (¬2) سقط من (ر). (¬3) في النسخ الخطية (عامر) والمثبت موافق لما في المطبوع وترجمته في "تهذيب الكمال" 21/ 198. (¬4) في (ر): وأبوها زيد بن علي. (¬5) انظر: "السنن الكبرى" 4/ 33 (6711).

عباس، وأبو سعيد الخدري، وأبو قتادة (الحارث (وأبو هريرة) وثم الحسن والحسين وكثير من الصحابة. زاد النسائي (¬1): فسألتهم عن ذلك (فقالوا: هذِه السنة) فيه أنه إذا اجتمعت جنائز وصلي عليهم دفعة فالمذهب أنه يوضع الجميع بين يدي الإمام بعضها خلف بعض، ويجعل الأفضل فالأفضل مما يلي الإمام، والمفضول مما يلي القبلة، فيقدم الصبي على الخنثى والخنثى على المرأة (¬2). ¬

_ (¬1) "المجتبى" 4/ 71. (¬2) انظر: "شرح أبي داود" للعيني 6/ 132.

57 - باب أيي يقوم الإمام من الميت إذا صلى عليه

57 - باب أَيْيَ يَقومُ الإمامُ مِنَ المَيِّتِ إِذا صَلَّى عَلَيْهِ 3114 - حدثنا داوُدُ بْن مُعاذٍ، حدثنا عَبْدُ الوارِثِ، عَنْ نافِعٍ أَبي غالِبٍ قالَ: كُنْتُ في سِكَّةِ الِمرْبَدِ فَمَرَّتْ جَنازَة مَعَها ناسٌ كَثِيرٌ، قالُوا جَنازَةُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَيْرٍ فَتَبِعْتُها فَإِذا أَنا بِرَجُلٍ عَلَيْهِ كِساءٌ رَقِيقٌ عَلَى بُرَيْذِينَتِهِ وَعَلَى رَأْسِهِ خِرْقَةٌ تَقِيهِ مِنَ الشَّمْسِ فَقُلْتُ: مَنْ هذا الدِّهْقانُ؟ قالُوا: هذا أَنَسُ بْنُ مالِكٍ. فَلَمّا وُضِعَتِ الَجنازَةُ قامَ أَنَسٌ فَصَلَّى عَلَيْها وَأَنا خَلْفَهُ لا يَحُولُ بَيْني وَبَيْنَهُ شَيء فَقامَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيراتٍ لَمْ يُطِلْ وَلَمْ يُسْرِعْ ثمَّ ذَهَبَ يَقْعُدُ فَقالُوا يا أَبا حَمْزَةَ: المَرْأَة الأَنْصارِيَّة، فَقَرَّبُوها وَعَلَيْها نَعْشٌ أَخْضَرُ فَقامَ عِنْدَ عَجِيزَتِها فَصَلَّى عَلَيْها نَحْوَ صَلاتِهِ عَلَى الرَّجُلِ ثمَّ جَلَسَ فَقالَ العَلاء بْنُ زِياد: يا أَبا حَمْزَةَ هَكَذا كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلّي عَلَى الجَنازَةِ كَصَلاتِكَ يُكَبِّرُ عَلَيْها أَرْبَعًا وَيَقُومُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ وَعَجِيزَةِ المَرْأَةِ؟ قال: نَعَمْ. قال: يا أَبا حَمْزَةَ غَزَوْتَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نَعَمْ غَزَوْتُ مَعَهُ حُنَيْنًا فَخَرَجَ المُشْرِكونَ فَحَمَلُوا عَلَيْنا حَتَّى رَأَيْنا خَيْلَنا وَراءَ ظُهُورِنا وَفي القَوْمِ رَجُلٌ يَحْمِلُ عَلَيْنا فَيَدُقُّنا وَيَحْطِمُنا فَهَزَمَهُمُ الله وَجَعَلَ يُجاءُ بِهِمْ فَيُبايِعُونَهُ عَلَى الإِسْلامِ فَقالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحابِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ عَلَيَّ نَذْرًا إِنْ جاءَ اللهُ بِالرَّجُلِ الذي كانَ مُنْذُ اليَوْمِ يَحْطِمُنا لأَضْرِبَنَّ عُنُقَهُ. فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَجيءَ بِالرَّجُلِ فَلَمّا رَأى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: يا رَسولَ اللهِ تُبْتُ إِلَى اللهِ. فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لا يُبايِعُهُ لِيَفيَ الآخَر بِنَذْرِهِ. قال: فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَتَصَدى لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِيَأْمُرَهُ بِقَتْلِهِ وَجَعَلَ يَهابُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَقْتُلَهُ فَلَمّا رَأى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ لا يَصْنَعُ شَيْئًا بايَعَهُ فَقالَ الرَّجُلُ: يا رَسُولَ اللهِ نَذْري. فَقالَ: "إِنّي لَمْ أُمْسِكْ عَنْهُ مُنْذُ اليَوْمِ إِلَّا لِتُوفيَ بِنَذْرِكَ" .. فَقال: يا رَسُولَ اللهِ أَلا أَوْمَضْتَ إِلَيَّ فَقالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّهُ لَيْسَ لِنَبيٍّ أَنْ يُومِضَ" .. قالَ أَبُو غالِبٍ: فَسَأَلْتُ عَنْ صَنِيعِ أَنَسٍ في قِيامِهِ عَلَى المَرْأَةِ عِنْدَ عَجِيزَتِها فَحَدَّثُوني أَنَّهُ إِنَّما كانَ لأنَّهُ لَمْ تَكُنِ النُّعُوشُ فَكانَ الإِمامُ يَقومُ حِيالَ عَجِيزَتِها يَسْتُرُها مِنَ القَوْمِ. قالَ أَبُو داوُدَ: قَوْلُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أُمِرْتُ أَنْ أُقاتِلَ النّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لا إله

إِلَّا اللهُ" .. نَسَخَ مِنْ هذا الحَدِيثِ الوَفاءَ بِالنَّذْرِ في قَتْلِهِ بِقَوْلِهِ إِنِّي قَدْ تُبْتُ (¬1). 3195 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حدثنا حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْن بُرَيْدَةَ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قال: صَلَّيْت وَراءَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - علَى امْرَأَةٍ ماتَتْ في نِفاسِها فَقامَ عَلَيْها لِلصَّلاةِ وَسَطَها (¬2). * * * باب أين يقوم الإمام من الميت إذا صلى عليه [3194] (حدثنا داود بن معاذ) العتكي، ثقة قانت لله، قال: (حدثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان التميمي، كان ثبتا صالحًا، يضرب المثل بفصاحته (عن نافع أبي غالب) الخياط الباهلي، قال البخاري: سماه عبد الوارث نافعًا، قال: وقال أحمد ابن واقد: اسمه رافع، يعد في تابعي البصريين (¬3). (قال: كنت في سِكَّةِ) هي الطريق، وأصلها النخل المصطفة (المِرْبَد) بكسر الميم وفتح الموحدة: المكان الذي ييبس فيه التمر، والمراد هنا: مربد البصرة، وهي محلة من أشهر محالها (فمرت جنازة معها ناس كثير) (¬4) فسألت عنها (فقالوا: جنازةُ) بالرفع خبر مبتدأ محذوف، أي: هذِه جنازة (عبد الله بن عمير، فتبعتُها، فإذا أنا برجل عليه كساءٌ رقيق) ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1043)، وابن ماجه (1494)، وأحمد 3/ 118. صححه الألباني في "المشكاة" (1679). (¬2) رواه البخاري (332)، ومسلم (964). (¬3) انظر: "جامع الأصول" لابن الأثير 12/ 949. (¬4) بعدها في النسخ الخطية: ومعها، وعليها في (ل) علامة نسخة.

وهو راكب (على بُرَيذِينتِه) تصغير برذونة وهي من الخيل ما ليس أبواه عربيين (وعلى رأسه خرقة تَقيه) بفتح أوله وإسكان المثناة تحت، أي: تستره (من الشمس) فيه جواز التستر من الشمس الحارة بخرقة ونحوها. (فقلت: من هذا الدّهقَانُ؟ ) بكسر الدال وضمها، وهو رئيس القوم. (قالوا: هذا أنس بن مالك -رضي الله عنه- فلما وضعت الجنازة قام أنس) فيه: المبادرة بالصلاة على الميت إذا حضر، ولا تؤخر لزيادة مصلين، وفيه القيام للصلاة على الجنازة (فصلى عليها وأنا [خلفه لا يحول بيني وبينه شيء) فيه: فضيلة الدنو من الإمام في صلاة الجنازة وغيرها] (¬1) من الصلوات (فقام عند رأسه) رواية الترمذي (¬2): فقام حيال رأسه. فيه: دليل على أن الإمام يقف عند رأس الرجل وعجيزة المرأة، وهو الذي أورده العراقيون وصححه الشافعي. والثاني: وهو قول أبي علي الطبري، ونسبه الماوردي للنص. قال الصيدلاني: وهو اختيار أئمتنا أنه يقف عند صدره، وبه قال أبو حنيفة وأحمد (¬3) (فكبَّر أربع تكبيرات) فيه أن السنة أن يكبر على الميت أربع تكبيرات، وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد والجمهور، واختلف الصحابة في ذلك من ثلاث إلى تسع، وكان على يكبر على من كان بدرّيًّا ست تكبيرات، وعلى (¬4) غيره من الصحابة خمسًا، وعلى غيرهم أربعًا. قال ابن عبد البر: وقد انعقد الإجماع بعد ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) (1034). (¬3) انظر: "المجموع" للنووي 5/ 225. (¬4) في الأصل: وقال: والمثبت من "شرح مسلم".

ذلك على أربع كما في الأحاديث الصحيحة. قال: ولا نعلم أحدًا قال بخمس إلا ابن أبي ليلى (¬1) (لم يُطل) بضم أوله، يعني: في صلاته (ولم يُسرع) بضم أوله (ثم ذهب يقعد) أي: ليقعد (فقالوا: يا أبا حمزة) [بالحاء المهملة] (¬2) فيه مخاطبة الرجل بكنيته دون اسمه؛ لأن في الكنية نوع تعظيم وإكرام (المرأةُ) بالرفع (الأنصارية! ) رواية الترمذي (¬3): ثم جاؤوا بجنازة امرأة قرشية، فقالوا: يا أبا حمزة، صلِّ عليها. قال العلماء: لعلها كانت من إحدى الطائفتين (فقربوها) إلى جهته (ومعها) وفي أكثر النسخ: وعليها (¬4) (نعش) النعش، سماه بعضهم: القبة، وسماه صاحب "البيان": الخيمة التي توضع فوق المرأة على السرير (أخضر، فقام عند عَجِيزتها) بفتح العين وكسر الجيم ثم مثناة تحت، أي: أليتاها، ولا يقال في الرجل عجيزة، بل يقال له: عَجُز - بضم الجيم - وقد عجِزت المرأة - بكسر الجيم - تعجَز بفتحها عجَزًا بفتحها أيضًا، وعُجْزًا بضم العين وسكون الجيم أي: عظم عجيزتها، وامرأة عجزاء أي: عظيمة العجيزة. فيه: أن الإمام يقف عند عجز المرأة. وقال أبو حنيفة: يقف عند صدرها كالرجل (¬5). وقال مالك: يقف عند منكبيها والخنثى كالمرأة، ولو وقف في غير ¬

_ (¬1) "الاستذكار" 3/ 31، انظر: "شرح النووي على مسلم" 7/ 23، 24. (¬2) سقط من (ر). (¬3) (1034). (¬4) وهي المثبتة في النسخ المطبوعة من "السنن". (¬5) انظر: "الأصل": 1/ 426.

الموضعين صحَّت صلاته وفاتته الفضيلة (¬1). (فصلَّى عليها نحو صلاته على الرجل) في التكبيرات ورفع الأيدي لا فرق بين الرجل والمرأة (ثم جلس) بعد الفراغ من الصلاة عليها (فقال العلاء بن زياد) العلوي (يا أبا حمزة، هكذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي على الجنازة كصلاتك: يكبر عليها أربعًا، ويقوم عند رأس الرجل وعجيزة المرأة؟ ) عمومه [يبطل تأويل من قال: إن مقام النبي - صلى الله عليه وسلم - وسط جنازة أم كعب] (¬2) إنما كان من أجل جنينها الذي في بطنها ليكون واقفا أمامه، بل كان ذلك لأنه حُكْمٌ بمشروعية ذلك سواء كان في بطنها جنين أم لا (¬3). (قال: نعم. قال: (¬4) يا أبا حمزة، هل غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم غزوت معه) غزوة (حنينٍ، فخرج المشركون فحملوا علينا) زاد ابن ماجه (¬5): فأقبل علينا فقال: احفظوا (حتى رأينا خيلنا وراء ظهورنا) يشبه أن يكون الخيل بطل عزمها لكثرة الجراحات، فنزلوا عنها وتركوها وراء ظهورهم، ويحتمل أن يكون على حذف مضاف أي: رأينا فرسان خيلنا. (وفي القوم رجل يحمل علينا فيدُقُّنا) بضم الدال من الدَّقِّ (ويحطِمُنا) بكسر الطاء: أي: يكسرنا، وسميت النار: حطمة؛ ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع" 5/ 225. (¬2) سقط من (ر). (¬3) انظر: "المفهم" 2/ 616. (¬4) سقط من (ر). (¬5) (1494).

لأنها تحطم كل شيء وقع فيها، والحطم والدق متقاربان في المعنى، (فهزمهم الله) تعالى (وجعل يُجاء) بضم أوله من المجيء (بهم فيبايعونه على الإسلام، فقال (¬1) رجل من أصحاب النبي (¬2) - صلى الله عليه وسلم -) روى ابن سعد من طريق علي بن زيد عن سعيد بن المسيب فذكر القصة، قال: وكان رجل من الأنصار، وحكى سبط بن الجوزي في "مرآة الزمان" أن (¬3) الأنصاري: عباد بن بشير (¬4) (إنَّ عليَّ نذرًا إنْ جاء الله بالرجل الذي كان منذ اليومِ) بالجر، ومنذ بمعنى: في، أي: الرجل الذي كان في ذا اليوم (يحطِمُنا) وروى ابن [سعد من طريق] (¬5) علي بن زيد المذكورة: كان رجل من الأنصار نذر إن رأى ابن أبي سرح أن يقتله (¬6) (لأضربن عنقه) ثم ذكر ابن سعد استئمان عثمان له، وكان أخاه من الرضاعة (فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) إقراراً منه على صحة نذره، وفيه دليل على جواز قتل الأسير لغير الإمام (وجيء بالرجل) المذكور بالنصب (فلما رأى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يا رسول الله: تبت إلى الله! ) على يد رسوله (فأمسك رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -) عنه (لا يبايعه) فيه دليل على ترك مبايعة من رأى الإمام أن المصلحة في قتله (ليفيَ) بفتح الياء (الآخر بنذره) أي: ليفي الرجل بنذر قتله المتقدم، وفيه: دليل على ¬

_ (¬1) في (ر): فجاء. (¬2) في (ر): رسول الله. (¬3) من (ل). (¬4) انظر: "التلخيص الحبير" 3/ 278. (¬5) في (ر): سعيد مر. (¬6) "الطبقات" 2/ 141.

جواز قتله قبل أن يبايعه الإمام وإن كان هو بايع. (قال: فجعل الرجل يتصدى) بألف ساكنة دون همز أي: يقبل بوجهه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويتعرَّضُ (لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ويميل إليه، يقال: تصدى فلان لفلان يتصدى إذا [تعرَّض له] (¬1) وهو ما استقبلك وصار قبالتك، قال الله تعالى: {فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6)} (¬2) (ليأمره بقتله) أو يشير إليه (وجعل يَهَابُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقتلَه) بين يديه بغير إذنه ولا إشارته، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مهابًا عند كل من ينظره. وفي حديث سعد بن أبي وقاص في فتح مكة أنه فعل ذلك ثلاثًا وأبى أن (¬3) يبايعه (فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه) أي: أن الرجل الناذر (لا يصنع شيئًا) مما نذره (بايعه) كما بايع غيره (فقال الرجل: يا رسول الله نذري؟ ) الذي نذرته (¬4) بقتله أي: ما حكمه؟ (فقال: إني [لم أمسك]) (¬5) بضم الهمزة (عنه) أي: عن مبايعته (منذ اليوم) بالجر أي: في هذا اليوم (إلا لتوفيَ) بالنصب بأن المقدرة (بنذرك) الذي نذرته، وفيه الإرشاد إلى وفاء النذر وأنه واجب (قال: يا رسول الله ألا) بفتح الهمزة وتخفيف اللام بمعنى: هلا ويحتمل التشديد للتخفيض (أومضتَ إليَّ؟ ) الإيماض: الرمز بالعين والإيماء بها، وفي رواية للبيهقي والحاكم من حديث سعد يوم فتح مكة وفيه: بايعه ثم قال لأصحابه: "أما كان فيكم ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) عبس: 6. (¬3) سقط من (ر). (¬4) في (ر): نذره. (¬5) في (ر): لامسك.

رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يديَّ عنه فيقتله". فقالوا: وما يدرينا بما في نفسك يا رسول الله؟ هلاَّ أومأت إلينا بعينك؟ (¬1) والإيماض: من وميض البرق وهو لمعانه (¬2). وفي رواية سعد المتقدمة: قال: يا رسول الله انتظرتك فلم تومض لي (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنه ليس لنبيٍّ أن يومض) وفي رواية سعد المتقدمة: فقال: الإيماء خيانة، وليس لنبيٍ أن يومئ، يعني: بالعين إلى ما يظهر خلافه. قال الله تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)} (¬3). قال ابن عباس: يعلم تعالى من العين نظرها هل تريد الخيانة أم لا. فإن قيل: روى البخاريُّ من حديث كعب: لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد غزوة إلا ورَّى بغيرها (¬4). وقوله: " الحرب خدعة" (¬5). وإذا كان كذلك اقتضى تخصيص منعه -عليه السلام- من إظهار ما بطن خلافه بغير الحرب. وفي الحديث الصحيح المتفق عليه: لما قال: "ائذنوا له بئس أخو العشيرة" فلما جلس تَطَلَّقَ له النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وانبسط له (¬6). وفي رواية: فلما دخل ألان له الكلام (¬7). ويجاب عنه بأن يقال: الذي منع منه أن يظهر بلفظه من يخاطبه شيئًا ¬

_ (¬1) "السنن الكبرى" 7/ 63 (3277)، و"المستدرك" 3/ 47، وانظر: "التلخيص الحبير" 3/ 277. (¬2) انظر: "شرح أبي داود" للعيني 6/ 135. (¬3) غافر: 19. (¬4) "صحيح البخاري" (2947). (¬5) رواه البخاري (3029، 3030)، ومسلم (1739/ 17)] (1740/ 18). (¬6) رواه البخاري (6032)، مسلم (2591). (¬7) رواه البخاري (6054).

يريد خلافه، - وما قاله لعيينة: تنبيه على صفته ليحذر منه. (قال أبو غالب) نافع أو عامر (فسألت عن صنيع) بياء بعد النون، أي: فعل (أنس في قيامه على المرأة عند عَجيزتها، فحدثوني أنه إنما كان) ذلك (لأنه لم تكن النعوش) يومئذٍ (وكان يقوم الإمام حيال) [بكسر الحاء] (¬1)، أي: بإزاء، أي: أصله الواو (عجيزتها لكي يسترها من رؤية القوم) قال الطحاوي (¬2): زعم زاعم أن قيام المصلي عند وسط المرأة، إنما كان لعلة أنه لم تكن نعوش، والنعش للمرأة لا للرجل. والظاهر أن المراد بالنعش هنا: هو المرتفع الذي يصنع من جريد النخل ونحوه، ويغطى بثوب عليه كما هو معروف. قال ابن بطال بعد أن حكى ما تقدم عن الطحاوي (¬3): هذا محال؛ لأن النعوش قد اتخذت في خلافة أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، وكان أول من اتخذ له فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنها قالت لهم عند موتها: إني امرأة ضئيلة يراني الناس بعد وفاتي فأحب أن يستر نعشي بالثياب، فقالت أم سلمة أو أسماء بنت عميس أنها رأت في أرض الحبشة النعوش، وأنها للنساء مغطاة فاتخذ لها نعش، فجعلت فيه، وبقي الناس [على ذلك] (¬4) إلى يومنا هذا. (قال أبو داود) و (قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا ¬

_ (¬1) من (ل). (¬2) "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 387، وفيه قال أبو حنيفة: وزعم زاعم .. .. إلخ. (¬3) بل ما سيأتي هو تتمة كلام الطحاوي في "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 388 نقله بتمامه ابن بطال. (¬4) من "مختصر اختلاف العلماء".

إله إلا الله. نسخ من هذا الحديث الوفاء بالنذر في قوله: قد تبت"). [3195] (حدثنا مسدد قال: حدثنا يزيد بن زُرَيع قال: حدثنا حسينٌ المعلِّم قال: حدثنا عبد الله بن بُريدة) قاضي مرو (عن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- قال: صليت وراء النبي - صلى الله عليه وسلم - على امرأة ماتت في نفاسها) المرأة إذا ماتت في نفاسها شهيدة، ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - في عدة الشهداء في قوله: "والمرأة تموت بجمع" (¬1). وهي ومن في معناها من الهدم والحريق والغريق يغسلون ويصلى عليهم بخلاف المقتول بين الصفين؛ لأن ذلك أعظم حرمةً من هؤلاء. ففي هذا الحديث: دليل على أن هؤلاء وإن كانوا شهداء يغسلون ويصلى عليهم (فقام عليها للصلاة في وسْطها) بإسكان السين. قاله النووي (¬2) وغيره. يقال: فيما كان متفرق الأجزاء، غير متصل كالناس والدواب وغير ذلك: وسط بالسكون، فإذا كان متصل الأجزاء كالرأس والدار فهو بالفتح، وقيل: كل ما يصلح فيه بين فهو بالسكون، وما لا يصلح فيه فهو بالفتح (¬3). قيل: إنما وقف في وسطها؛ ليحول بين القوم وبين موضع العورة منها. قاله أبو هريرة ومن تبعه. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3111)، وابن ماجه (2803)، والنسائي في "الكبرى" (1985). (¬2) انظر: "شرح مسلم" 7/ 32. (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 5/ 399.

58 - باب التكبير على الجنازة

58 - باب التَّكْبير عَلَى الجَنازةِ 3196 - حدثنا مُحَمَّدُ بْن العَلاءِ قالَ، أَخْبَرَنا ابن إِدْرِيسَ قالَ: سَمِعْتُ أَبا إِسْحاقَ، عَنِ الشَّعْبيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِقَبْرٍ رَطْب فَصَفُّوا عَلَيْهِ وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا. فَقُلْت لِلشَّعْبيِّ: مَنْ حَدَّثَكَ؟ قال: الثِّقَة مَنْ شَهِدَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبّاسٍ (¬1). 3197 - حدثنا أَبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسيُّ، حدثنا شعْبَةُ ح، وَحَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ المُثَنَّى، حدثنا مُحَمَّدُ بْن جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنِ ابن أَبي لَيْلَى قال: كانَ زَيْدٌ - يَعْني ابن أَرْقَمَ - يُكَبِّرُ عَلَى جَنائِزِنا أَرْبَعًا وَإِنَّهُ كَبَّرَ عَلَى جَنازَةٍ خَمْسًا فَسَألْتُهُ فَقال: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُكَبِّرُها. قالَ أَبُو داوُدَ: وَأَنا لَحِدِيثِ ابن المُثَنَّى أَتْقَنُ (¬2). * * * باب التكبير على الجنازة (¬3) [3196] (حدثنا محمد بن العلاء، قال: حدثنا إدريس) (¬4) بن يزيد الأودي (قال: سمعت أبا إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن الشعبي: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بقبر رطب) أي: حديث الدفن لم يجف ترابه (فصفوا) خلفه وصلَّى (عليه، وكبر عليه أربعًا) أي: أربع تكبيرات. فيه دليل لما قاله جمهور العلماء: أن تكبير الجنائز أربعًا وما سوى ¬

_ (¬1) رواه البخاري (857)، ومسلم (954). (¬2) رواه مسلم (957). (¬3) في (ل): الجنائز وكذا في المطبوع. (¬4) هكذا في النسخ الخطية. وعليه بنى المؤلف اسمه واسم شيخه خطأ. والصواب: ابن إدريس عبد الله بن أبي إسحاق الشيباني سليمان بن أبي سليمان فيروز ويقال: خاقان ويقال: عمرو. انظر: "تهذيب الكمال" 11/ 444 (2525)، 14/ 293 (3159).

الأربع شذوذ لا معول عليه، والأربع هي الأولى؛ لاستقرار الأمر عليها. وقد روي أنهم كانوا يكبرون على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - سبعًا وستًّا وخمسًا وأربعًا، فجمع عمر الصحابة في خلافته وقال: انظروا أمرًا تجتمعون عليه. فاجتمع رأيهم على أربع تكبيرات (¬1). وعن ابن سريج (¬2) أن ذلك من جملة الاختلاف في المباح، وأن ذلك شائع. والثاني: يبطل كما لو زاد ركعة خامسة، وإن كان ساهيًا لم تبطل. ولا مدخل للسجود هنا. ولو خمَّس إمامُه لم يتابعه في الأصح، بل يسلم أو ينتظره ليسلم معه (¬3). (قلت للشعبي: من حدثك؟ ) بهذا (قال: الثقةُ مَنْ) موصولة أي (¬4): الذي (شَهِدَهُ) ثم فسره فقال (عبدُ الله بنُ عباس) رضي الله عنهما. [3197] (حدثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك (الطيالسي قال: حدثنا شعبة، وحدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر) غندر الحافظ، ربيب شعبة (عن شعبة) (¬5) وهذا لفظه (عن عمرو (¬6) ابن مرة، عن) عبد الرحمن (بن أبي ليلى قال: كان زيد بن أرقم -رضي الله عنه- يكبر على جنائزنا أربعًا، وإنه كبر على جنازة خمسًا) روى البيهقيُّ عن ابن ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق 3/ 479 (6395) عن أبي وائل. (¬2) في (ر): عمر. (¬3) انظر: "شرح البخاري" لابن بطال (3/ 314 - 315)، "مغني المحتاج" للشربيني 1/ 507. (¬4) سقط من (ر). (¬5) سقط من (ل). (¬6) في النسخ الخطية: (عروة)، والمثبت من مطبوع "السنن".

عباس: أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يكبر علي بني هاشم خمسًا، ثم كان آخرُ صلاتِه أربعَ تكبيراتٍ إلى أن مات (¬1). وروى الطحاويُّ والدارقطنيُّ عن علي أنه كبَّرَ على الصحابة خمسًا وعلى سائر الناس أربعًا (¬2). (فسألته فقال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكبرها) هو محمول على أن هذا كان قبل اجتماع الناس على أربع تكبيرات كما تقدم. ([قال أبو داود: وأنا لحديث ابن المثنى أتقن] (¬3) من حديث (¬4) أبي الوليد. ¬

_ (¬1) رواه البيهقي في "الكبرى" 4/ 59 (6941). (¬2) "شرح معاني الآثار" (2851)، والدارقطني (1823). (¬3) من (ر). (¬4) من هنا بدأ السقط في (ر).

59 - باب ما يقرأ على الجنازة

59 - باب ما يُقْرَأُ علَى الجَنازَةِ 3198 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْراهِيمَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْفٍ قال: صَلَّيْتُ مَعَ ابن عَبّاسٍ عَلَى جَنازَة فَقَرَأَ بِفاتِحَةِ الكِتابِ فَقال: إِنَّها مِنَ السُّنَّةِ (¬1). * * * باب: ما يقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب نسخة: القراءة على الجنازة (¬2). [3198] (حدثنا محمد بن كثير قال: أنا سفيان) بن عيينة (عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف. (عن طلحة بن عبد الله بن عوف) القرشي الزهري، أحد الطلحات الموصوفين بالجود، وطلحة بن عبد الله التيمي أحد العشرة، وطلحة بن عبد الله بن خلف وهو طلحة الطلحات (¬3). (قال: صليت مع ابن عباسٍ على جنازة، فقرأ بفاتحة الكتاب) فيه حجة على وجوب قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة، وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق. وقال مالك وأبو حنيفة: لا يقرأ فيها بشيء من القرآن؛ لأن ما لا ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1335). (¬2) كذا في (ل، ع)، وفي نشرة الحوت من "السنن" 2/ 228: باب ما يقرأ على الجنازة، وفي الحاشية: باب القراءة على الجنائز بفاتحة الكتاب: كذا في (د)، وفي نشرة شعيب 5/ 108: باب ما يقرأ على الجنازة. ولم يشر لاختلاف. (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 13/ 401.

ركوع فيه لا قراءة فيه كسجود التلاوة (¬1). (فقال) رواية البيهقي (¬2) عن شرحبيل أنه قال: حضرت عبد الله بن عباس صلَّى لنا على جنازة فكبر ثم قرأ بأم القرآن رافعًا صوته بها ثم صلَّى على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ... وذكر الحديث. ثم انصرف فقال: يا أيها الناس إني لم أقرأ عليها إلا لتعلموا (إنها من السنة) والصحابي إذا قال: سنة. فالمراد بها طريقته - صلى الله عليه وسلم - وعادته، وتخصيصها بالمندوب اصطلاح خاص متأخر فهو في معنى قولهم: من السنة كذا، وهو في معنى المرفوع على المذهب الصحيح عند الأصوليين وغيرهم قاله في "المطلب" (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" 2/ 366. (¬2) انظر: "السنن الكبرى" 4/ 42. (¬3) انظر: "المجموع" 5/ 232.

60 - باب الدعاء للميت

60 - باب الدُّعاءِ لِلْمَيِّتِ 3199 - حدتنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الحَرّانيُّ، حَدَّثَني مُحَمَّدٌ -يَعْني: ابن سَلَمَةَ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْراهِيمَ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِذا صَلَّيْتُمْ عَلَى المَيِّتِ فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعاءَ" (¬1). 3200 - حدثنا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، حدثنا عَبْدُ الوارِثِ، حدثنا أَبُو الجُلاسِ عُقْبَةُ بْن سَيّارٍ، حَدَّثَني عَليُّ بْن شَمّاخٍ قال: شَهِدْتُ مَرْوانَ سَأَلَ أَبا هُرَيْرَةَ: كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلّي عَلَى الجَنازَةِ؟ قال: أَمَعَ الذي قُلْتَ؟ قال: نَعَمْ. قال: كَلامٌ كانَ بَيْنَهُما قَبْلَ ذَلِكَ. قالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: "اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبُّها وَأَنْتَ خَلَقْتَها وَأَنْتَ هَدَيْتَها لِلإِسْلامِ وَأَنْتَ قَبَضْتَ رُوحَها وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِسِرِّها وَعَلانِيَتِها جِئْناكَ شُفَعاءَ فاغْفِرْ لَهُ" (¬2). قالَ أَبُو داوُدَ: أَخْطَأَ شُعْبَةُ في اسْمِ عَليِّ بْنِ شَمّاخٍ قالَ فِيهِ: عُثْمانُ بْنُ شَمّاسٍ. وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ إِبْراهِيمَ المَوْصِليَّ يُحَدِّث أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ قال: ما أَعْلَمُ أَنِّي جَلَسْتُ مِنْ حَمّادِ بْنِ زيْدٍ مَجْلِسًا إِلا نَهَى فِيهِ عَنْ عَبْدِ الوارِثِ وَجَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمانَ. 3201 - حدثنا مُوسَى بْن مَزوانَ الرَّقّيُّ، حدتنا شعَيْبٌ -يَعْني: ابن إِسْحاقَ - عَنِ الأوزاعيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبي كَثِيرٍ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى جَنازَةٍ فَقالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنا وَمَيِّتِنا وَصَغِيرِنا وَكَبِيرِنا وَذَكَرِنا ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (1497)، وابن حبان (3076). وحسنه الألباني في "الإرواء" (732). (¬2) رواه أحمد 2/ 256، وإسحاق ابن راهويه (287)، وعبد بن حميد (1450)، والبزار (9506)، والنسائي في "الكبرى" (10915). وضعفه الألباني في "المشكاة" (1688).

وَأُنْثانا وَشاهِدِنا وَغائِبِنا اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنّا فَأَحْيِهِ عَلَى الإِيمانِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الإِسْلامِ اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنا أَجْرَهُ وَلا تُضِلَّنا بَعْدَهُ" (¬1). 3202 - حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن إِبْراهِيمَ الدِّمَشْقيُّ، حدثنا الوَلِيدُ ح، وَحَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْن مُوسَى الرّازيُّ، أَخْبَرَنا الوَلِيدُ - وَحَدِيث عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَتَمُّ - حدثنا مَرْوانُ بْنُ جُناحٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ مَيْسَرَةَ بْنِ حَلْبَسٍ، عَنْ واثِلَةَ بْنِ الأسقَع قالَ صَلَّى بِنا رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ فَسَمِعْتُهُ يَقول: "اللَّهُمَّ إِنَّ فُلانَ بْنَ فُلانٍ في ذِمَّتِكَ فَقِهِ فِتْنَةَ القَبْرِ" .. قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: "في ذِمَّتِكَ وَحَبْلِ جِوارِكَ فَقِهِ مِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ وَعَذابِ النّارِ وَأَنْتَ أَهْلُ الوَفاءِ والحَمْدِ اللَّهُمَّ فاغْفِرْ لَهُ وارْحَمْهُ إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ" .. قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: عَنْ مَرْوانَ بْنِ جُناحٍ (¬2). * * * باب الدعاء للميت [3199] (حدثنا عبد العزيز بن يحيى) أبو الأصبغ (الحراني) ثقة، توفي سنة 235 قال (حدثني محمد بن سلمة) بن عبد الله الباهلي، قال ابن سعد: كان ثقة عالمًا له رواية وفتوى (¬3) (عن محمد بن إسحاق) الصاغاني، أخرجه ابن حبان من طريقٍ أخرى وصرَّحَ بالسماع (¬4) (عن ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1024)، وابن ماجه (1498)، وأحمد 2/ 368. وصححه الألباني في "أحكام الجنائز" (ص 124). (¬2) رواه ابن ماجه (1499)، وأحمد 3/ 491، وابن حبان (3074). وصححه الألباني في "أحكام الجنائز" (ص 125). (¬3) "الطبقات" 7/ 485، والذي فيه: وكان صدوقا ثقة إن شاء الله وكان له فضل ورواية وفتوى. (¬4) "صحيح ابن حبان" 7/ 346 (3077).

محمد بن إبراهيم) زاد ابن ماجه (¬1): ابن الحارث التيمي (عن أبي سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف (عن أبي هريرة لكنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء) قال الترمذي (¬2) في "شرح ابن ماجه": المراد بإخلاص الدعاء أن لا يخلط معه غيره. وفيه دليل على وجوب الدعاء للميت، وهذا يحصل بأدنى دعاء وهو ما يقع عليه الاسم؛ لأنه المقصود الأعظم من صلاته وإن كان الأفضل ما وردت به (¬3) السنة. [3200] (حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو) بن أبي الحجاج الحافظ المقعد، حجة قال (ثنا عبد الوارث قال: ثنا أبو الجلاس) بضم الجيم وفتحها وآخره سين مهملة. (عقبة بن سيَّار) بتقديم السين على الياء المثناة تحت، أو عقبة بن سنان بنون مكررة، وثق (¬4) قال (حدثني علي بن شَمَّاخ) بفتح الشين المعجمة والميم المشددة، تفرد عنه أبو داود (قال: شهدت مروان) لعله ابن الحكم (سأل أبا هريرة لكنه: كليف سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي على الجنازة؛ قال) أبو هريرة: صلاتنا (¬5) (أمع الذي قلت؟ قال: نعم. قال) عقبة: هو (كلامٌ) بالرفع، أي: هو كلام وقع بين مروان وأبي هريرة (كان بينهما قبل ذلك) بيَّنه البيهقي في "سننه" (¬6) عن عقبة ¬

_ (¬1) (1497). (¬2) هكذا في النسخ الخطية، ولعله الدميري. (¬3) سقط من الأصل وأثبتها ليستقيم المعنى. (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" (3976). (¬5) هكذا في النسخ ولعلها: تسألني. (¬6) "السنن الكبرى" 4/ 42 (6770).

بن سيار قال: كنا قعودًا مع أبي هريرة فقام عليه مروان فقال: يا أبا هريرة، ما تزال تحدثنا بأحاديث لا نعرفها. ثم انطلق، ثم رجع فقال: كيف الصلاة على الميت؟ قال: مع قولك آنفًا؟ قال: نعم. قال: كنا نقول: اللهم أنت ربها. (قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: اللهم أنت ربُّها) بالرفع خبر المبتدأ الذي قبله (وأنت خلقتها، وأنت هديتها إلى الإسلام) وفي بعض النسخ: أنت هديتها للإسلام (وأنت قبضت رُوحها) بضم الراء (وأنت أعلم بسرها وعلانيتها، جئناك شفعاء لها فاغفر لها) فيه استحباب الدعاء به على الجنازة، وهو بيان لما أطلق من الدعاء في الحديث قبله. (قال أبو داود: أخطأ شعبة في اسم علي بن شماخ وقال: هو عثمان بن شماس) (¬1). [3201] (حدثنا موسى بن مروان) (¬2) البغدادي (الرقي) نزل الرقة فنسب إليها ومات بها، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3) قال (ثنا شعيب ابن إسحاق) بن عبد الرحمن الدمشقي، كان يذهب مذهب أبي حنيفة، قال أحمد بن حنبل: ثقة، ما أصح حديثه وأوثقه (¬4). (عن) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير) ¬

_ (¬1) ورد بعد هذه المقالة لأبي داود مقالة أخرى في مطبوع "السنن" وفي حاشية طبعة الحوت أورد من نسخة خطية إسنادا ومقالة أخرى تركت نقلهما والتعليق عليهما لعدم الإطالة، فليعلم. (¬2) في النسخ: هارون. والمثبت من المطبوع ومن مصادر الترجمة. (¬3) 9/ 161 (15774). (¬4) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم 4/ 341.

اليمامي مولى طيء، أحد الأعلام. قال أيوب: ما بقي على وجه الأرض مثل يحيى بن أبي كثير (¬1). (عن أبي سلمة) عبد الله (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: صلَّى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - على جنازة) رواية الترمذي (¬2) وابن ماجه (¬3): كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صَلَّى على جنازة. وهو أبلغ من رواية المصنف؛ فإنَّ (كان) تدل على التكرار عند بعضهم (فقال: اللهم اغفر لحينا وميتنا وصغيرنا) فيه الدعاء للصغير بالمغفرة وإن لم يكن عليه ذنب. (وكبيرنا وذكرنا وأنثانا، وشاهدنا وغائبنا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان، ومن توفيته فتوفه على الإسلام) هكذا رواية أبي داود، قال القمولي وغيره: والمشهور والأكثر كما في رواية الترمذي وابن ماجه وغيرهما: "اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم لا تحرمنا) يقال بفتح التاء وضمها، يقال: حرمه وأحرمه، والأول أصح. أي: لا تحرمنا أجر الصلاة عليه، وقيل: أجر المصيبة فإن المسلمين كالشيء الواحد (ولا تضلنا بعده) أي: عن الهدى، رواية الحاكم: "ولا تَفْتِنَّا بعده" (¬4). وقال في "مستدركه": وهو صحيحٌ على شرط الشيخين، وبها أخذ الشافعي. ومعنى "لا تفتنَّا بعده" أي: بالامتحان بالمعاصي. [3202] (حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم) بن عمرو بن ميمون ¬

_ (¬1) "الطبقات الكبرى" 6/ 79. (¬2) (1024). (¬3) (1498). (¬4) بل هي رواية النسائي في "الكبرى" 5/ 288، أما رواية الحاكم: "ولا تضلنا بعده".

(الدمشقي) قاضي الأردن وفلسطين. قال أبو داود: لم يكن في دمشق في زمنه مثله، وهو شيخ البخاري. قال (ثنا الوليد) بن مسلم (وثنا إبراهيم بن موسى) الحافظ (الرازي) روى عنه الشيخان. قال (أنا الوليد) ابن مسلم قال (ثنا مروان بن جَناح) بفتح الجيم الدمشقي، أخو روح مولى الوليد بن عبد الملك، وثقه أبو داود (عن يونس بن ميسرة بن حَلْبَس) بفتح الحاء المهملة وإسكان اللام وفتح الموحدة ثم سين مهملة، ومعناه في اللغة: الشجاع (¬1)، وهو ثقة كبير القدر (عن واثلة بن الأسقع) خدم النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاث سنين وكان من أهل الصفة. (قال: صَلَّى بنا رسولُ اللهِ عليه وسلم - على رجل من المسلمين، فسمعته يقول) لا خلافَ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أسَرَّ به، وهو محمول على أن قوله: سمعته يقول، وفي رواية: سمعت من دعائه، وفي رواية: حفظت من دعائه، أي: علَّمَنِيه بعد (اللهم إنَّ فلان بن فلان) قال محمد بن السراج: فلان كناية عن اسم سمى به المحدَّث عنه، خاصٌّ غالبٌ (¬2). واختار الشافعي: اللهم عبدك وابن عبدك. قال الصيدلاني في "شرح المختصر": اللهم عبدك نصب على [الإيتاء والمسألة] (¬3) وفي خطاب المخلوقين يقال: نصب على الإغراء ¬

_ (¬1) انظر: "لسان العرب" 6/ 56. (¬2) "الأصول في النحو" 1/ 349. (¬3) كذا يشبه رسمها في النسخ الخطية. ولعلها الدعاء والمسألة. والله أعلم.

قال: وابن عبدك وأمتك غلب فيه التذكير. (في ذمتك) قال أبو عبيد: الذمة الأمان (¬1). (فقِه) يجوز أن يقرأ بثلاثة أوجه: بسكون الهاء وبالإشباع وبكسر الهاء من غير إشباع كسره (فتنة القبر) أي أحفظه منها. (قال عبد الرحمن: في ذمتك وحبل) الحبل يستعمل بمعنى العهد والأمان، قال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ} (¬2) (جوارك) أي جوار كرمك وفضلك. (فقه من فتنة القبر وعذاب النار) سؤال بالوقاية من النار وهي أن لا يدخلوها. قال القشيري: اللام في النار لام الجنس فيحصل الاستعاذة من نيران الحرقة، ونيران الفرقة. وفيه سؤال أنه لا يكون ممن يدخل النار بمعاصيه ويخرج منها بالشفاعة (وأنت أهل الوفاء والحق) وفي رواية لغيره: "وأنت أهل الوفاء والحمد على ما وعدتنا من الإجابة لدعائنا ". (اللهم فاغفر له) الفاء تأتي زائدة قبل الأمر كقوله تعالى: {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ} (¬3) (وارحمه إنك أنت الغفور الرحيم وقال عبد الرحمن) بن إبراهيم (عن مروان بن جناح) إلى آخره كما تقدم. ¬

_ (¬1) انظر: "غريب الحديث" لابن الجوزي 1/ 364. (¬2) آل عمران: 103. (¬3) الزمر: 66.

61 - باب الصلاة على القبر

61 - باب الصَّلاة على القَبْرِ 3203 - حدثنا سُلَيْمانُ بْن حَرْبٍ وَمُسَدَّدٌ قالا: حدثنا حَمّادٌ، عَنْ ثابِتٍ، عَنْ أَبي رافِعٍ، عَنْ أَبي هُرَيرَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَوْداءَ أَوْ رَجُلاً كانَ يَقُمُّ المَسْجدَ فَفَقَدَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلَ عَنْة فَقِيلَ ماتَ. فَقالَ: "أَلاَّ آذَنْتُمُوني بِهِ" .. قالَ: "دُلُّوني عَلَى قَبْرِهِ" .. فَدَلُّوهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ (¬1). * * * باب الصلاة على القبر [3203] (حدثنا سليمان بن حرب ومسدد قالا: ثنا حماد) بن زيد، (عن ثابت) الصائغ، بالغين المعجمة (عن أبي رافع) الصائغ، تابعي. (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن امرأة سوداء، أو) رجل. نسخة: رجلًا أسود (كان يقُم) بضم القاف أي: يكنس (المسجد) والقُمامة بضم القاف: الكناسة والقِمة بكسر القاف: المكنسة (ففقده النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فسأل عنه) وسؤاله عنه - صلى الله عليه وسلم - يدل على كمال تفضله وحسن تعهده ورحمته وشفقته على أصحابه، وتعظيم أمر كنس المسجد وخدمته وتنبيه على أدن لا يحتقر مسلم (فقيل) إنه (مات) وفي رواية للبخاري: البارحة، وفي رواية للدارقطني: بعدما دفن بثلاث، وفي أخرى للطبراني: بليلتين (¬2). (فقال: ألا) نسخة: أفلا (آذنتموني) بمد الهمزة أي: أعلمتموني بموته، وفيه استفهام إنكار؛ لأنه كان قال لهم: "لا يموت منكم ميت ¬

_ (¬1) رواه البخاري (458)، ومسلم (956). (¬2) "المعجم الأوسط" 1/ 245 (802) من حديث ابن عباس.

ما دمت بين أظهركم إلا آذنتموني بموته، فإن صلاتي عليه رحمة، وإن هذِه القبور مملوءة ظلمة، وإنَّ الله يُنَوِّرُها بصلاتي عليهم". وفي رواية للبخاري (¬1): فقالوا: "إنه كان كذا وكذا فحقروا شأنه"، وفي رواية: قالوا: "دفناه في ظلمة الليل فكرهنا أن نوقظك" (¬2). (قال: دُلُّوني) بضم الدال (على قبره. فدلُّوه) فأتى قبره (فصلَّى عليه) فيه حجة على المالكية في رواية أشهب وسحنون أنه لا يصلى عليه لفوات ذلك، هذا إذا لم يُصلَّ عليه. وأما من صُلِّيَ عليه فليس من فاتته الصلاةُ عليه أن يُصليَ عليه. قال القرطبي: هذا هو المشهور من مذهب مالك وأصحابه، وهو قول الليث وأبي حنيفة. قال: إلا أن يكون وليه فله الصلاة عليه. قال: وقد روي عن مالك: جواز الصلاة عليه، وهو شاذ من مذهبه وهو قول الشافعي والأوزاعي وأحمد وغيرهم. وأجاب القائلون بالمنع أن قبر السوداء أو الأسود كانت صلاته عليه خاصة؛ لأنه قال: "إن هذِه القبور مملوءة ظلمة، وإن الله ينورها بصلاتي عليهم" وغيره لا يحصل منه ذلك فكان مخصوصًا به. قال: وهذا ليس بشيء (¬3). ¬

_ (¬1) (1337). (¬2) رواه البخاري (1321). (¬3) انظر: "المفهم" (2/ 616 - 617).

62 - باب في الصلاة على المسلم يموت في بلاد الشرك

62 - باب في الصَّلاةِ عَلَى المُسْلِمِ يَمُوتُ في بِلادِ الشِّرْكِ 3204 - حدثنا القَعْنَبيُّ قال: قَرَأْتُ عَلَى مالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَعَى لِلنّاسِ النَّجاشيَّ في اليَوْمِ الذي ماتَ فِيهِ وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى المُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكبِيراتٍ (¬1). 3205 - حدثنا عَبّادُ بْن مُوسَى، حدثنا إِسْماعِيلُ -يَعْني: ابن جَعْفَرٍ- عَنْ إِسْرائِيلَ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنْ أَبي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قال: أَمَرَنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَنْطَلِقَ إِلَى أَرْضِ النَّجاشيِّ فَذَكَرَ حَدِيثَهُ، قالَ النَّجاشيُّ: أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَّهُ الذي بَشَّرَ بِهِ عِيسَى ابن مَريمَ وَلَوْلا ما أَنا فِيهِ مِنَ المُلْكِ لأَتَيْتُهُ حَتَّى أَحْمِلَ نَعْلَيْهِ (¬2). * * * باب الصلاة على المسلم يليه أهل الشرك في بلد آخر رواية: الصلاة على المسلم يموت (¬3) في بلاد الشرك. [3204] (حدثنا) عبد الله بن مسلمة (القعنبي قال: قرأت على مالك ابن أنس، عن ابن شهاب) الزهري (عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعى للناس) قال الجوهري (¬4): النعي خبر الموت، يقال: نعاه له نعيًا (النجاشيَّ) لقب ملك الحبشة، واسمه أَصْحَمة، بفتح الهمزة وسكون الصاد وفتح الحاء المهملتين، والمراد بالنعي هنا إعلام ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1245)، ومسلم (951). (¬2) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (37795)، وعبد بن حميد (550)، والروياني (502)، والحاكم 2/ 310. وصححه الألباني في "صحيح السيرة" ص 166. (¬3) انظر: "الصحاح" 6/ 2512. (¬4) سقط من (ع).

الناس بموته ليكثر المصلون عليه ويكثر الدعاء له والترحم عليه، وهذا بخلاف نعي الجاهلية فإنه مكروه وهو المشتمل على ذكر المفاخر والمآثر، وهو المراد بالنهي عن النعي وبهذا يجمع بين الأحاديث والله أعلم (في اليوم الذي مات فيه) قال أصحاب السير: كان ذلك في رجب سنة تسع من الهجرة، وفيه معجزة ظاهرة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لإعلامه بموت النجاشي وهو في الحبشة مع بعد ما بين أرض الحبشة والمدينة (¬1). واستنبط المصنف من الحديث ما أشار إليه في الترجمة أنه لا يصلى على الغائب إلا إذا وقع موته بأرض ليس فيها من يصلي عليه، وبه قال الخطابي شارح هذا "السنن" (¬2) واستحسنه الروياني من الشافعية (وخرج بهم) إلى المصلى، وكان لصلاة الجنائز موضع معروف ويدل عليه رواية البخاري: ورحنا قريبًا من موضع الجنائز. فيه فضيلةُ خروج الإمام ومن أراد الصلاة على الغائب (إلى المصلى) الذي هو خارج البلد وإن صليت في الجامع الذي تصلى فيه (¬3) الجمعة أو غيره جاز خلافا لمالك وأبي حنيفة (فصفَّ بهم) أي: صلى بهم وهم صفوف خلفه كما تقدم (وكبر) في الصلاة عليه (أربع تكبيرات) فيه: أن عدد التكبيرات في الصلاة على الغائب كالحاضر وشروط صلاة الغائب كسائر الصلوات لكن تتميز بأمور مذكورة في كتب الفقه، وفيه ¬

_ (¬1) انظر: "شرح النووي على مسلم" 7/ 21. (¬2) "معالم السنن" 1/ 310. (¬3) سقط من الأصل وأثبتها ليستقيم المعنى.

إثبات الصلاة على الميت وأجمعوا أنها فرض كفاية، وفيه دليل على فضيلة الصلاة على الغائب عن البلد، وهو قول الشافعي وأحمد سواء كان الميت في جهة القبلة أو لم يكن، وسواء كان بين البلدين مسافة القصر أو لم يكن. وقال مالك وأبو حنيفة: لا يجوز. وحكى ابن أبي موسى عن أحمد رواية أخرى كقولهما؛ لأنه لو كان مشروعًا للزم أن يفعل ذلك دائمًا، لكن روي أنه صلى بتبوك أيضًا على معاوية بن معاوية (¬1). واعتذر القائلون بأنه لا يصلى على الغائب بأمور: أحدها: أن ذلك مخصوص بالنجاشي ليعلم أصحابه بموته مسلمًا ليستغفروا له. وثانيها: أنه كان قد رفع له وأحضر له حتى رآه فصلى على حاضرٍ بين يديه، كما رفع للنبي - صلى الله عليه وسلم -] (¬2) بيت المقدس، أو (¬3) أن الأرض طويت فصار النجاشي بين يديه. قالوا: وروى العلاء بن زيد عن أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طويت له الأرض حتى دنت جنازة معاوية بن معاوية فصلى عليه ثم رجع، ونزل مع جبريل سبعون ألف ملك يصلون عليه (¬4). وثالثها: أنه كان لم يصل عليه أحد؛ لأنه مات بين قومٍ كفار، وكان يكتم إيمانه وينتظر التخلص منهم، فمات قبل ذلك ولم يصل عليه أحد. ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" 2/ 386. (¬2) انتهى السقط من (ر). (¬3) في (ر): و. (¬4) رواه ابن أب الدنيا في "الأولياء" (21)، وأبو يعلى 7/ 258 (4267) وغيرهم بنحوه.

وعلى هذا فيصلى على الغريق، وأكيل السبُع. قال القرطبي: وهذا قول ابن حبيب من أصحابنا، ولم ير ذلك مالك. قال: وهذا الوجه الثالث أقربها، وفي غيره نظر، انتهى (¬1). وهذا الثالث قال به بعض أصحاب الشافعي؛ قال أبو سليمان الخطابي من أصحابنا: إنَّ الغائب إنْ كان الحاضرون صلوا عليه لم يصل الغائب عليه، وإن لم يكونوا صلوا عليه صلى الغائب عليه. واستحسنه الروياني من أصحابنا (¬2). [3205] (حدثنا عباد بن موسى) الختلي شيخ مسلم (قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر) المدني (عن إسرائيل، عن أبي إسحق) سليمان (¬3) (عن أبي بردة) عامر بن أبي موسى الأشعري (عن أبيه) أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري (قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ننطلق إلى أرض) الحبشة التي ملكها (النجاشي) واسمه أصحمة، وفي "مسند ابن أبي شيبة" في هذا الحديث تسميته: صَحْمَة بحذف الهمزة على وزن: ركوة، ومعنى أصحمة بالعربية عطية، والنجاشي لقب كل من ملك الحبشة كما يقال لكل من ملك المسلمين أمير المؤمنين، ولكل من ملك الروم قيصر، واسمه هرقل (¬4). وتنازع ابنا عبد الحكم (¬5) في أنه ¬

_ (¬1) "المفهم" 2/ 611. (¬2) انظر: "فتح الباري" 3/ 188. (¬3) هكذا في النسخ الخطية، ولعل سببه أن الشارح ظنه أبا إسحاق الشيباني. وإنما هو أبو إسحاق السبيعي - جد إسرائيل - عمرو بن عبد الله. (¬4) انظر: "المفهم" 2/ 609. (¬5) في (ر): الملك.

يقال له هرقل أو قيصر، وترافعا إلى الشافعي فقال: هو هرقل وهو قيصر، هرقل اسم علم له وقيصر لقب (¬1). (فذكر حديثه) أي: حديث الهجرة (قال النجاشي: أشهد أنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ولهذا حكم بإسلامه. (فذكر حديثه) أي: حديث الهجرة (قال النجاشي: أشهد أنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ولهذا حكم بإسلامه. وأخرجه ابن منده وابن الأثير في جملة الصحابة وإن كان لم يصحب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا رآه, والأولى أن لا يعد في جملة الصحابة؛ لأن اسم الصحبة لا يطلق عليه بحال (¬2). (وأنه الذي بشر به عيسى ابن مريم) -عليه السلام- في قوله تعالى: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} (¬3) , وذكر الإمام أحمد (¬4) هذا الحديث بكماله عن عبد الله بن مسعود قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى النجاشي ونحن نحو (¬5) من ثمانين رجلًا منهم عبد الله بن مسعود وجعفر وعثمان بن مظعون وأبو موسى (¬6) , فلما دخلا عليه سجدا له ثم ابتدراه عن يمينه وشماله, ثم قالا له: إن نفرًا من بني عمنا نزلوا بأرضك, ورغبوا عنا وعن ملتنا. قال: وأين هم؟ قالا له: بأرضك فابعث إليهم. فبعث إليهم, فقال جعفر: أنا خطيبكم اليوم, فاتبعوه, فسلم عليه ولم يسجد, فقالوا له: ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الأسماء واللغات" للنووي 2/ 65. (¬2) انظر: "جامع الأصول" لابن الأثير 12/ 956. (¬3) الصف: 6. (¬4) "المسند" 7/ 408 (4400). (¬5) من (ل). (¬6) زاد هنا في (ر): له.

ما لك لا تسجد للملك؟ قال: إنا لا نسجد إلا لله. قال: وما ذاك؟ قال: إنه بعث إلينا رسوله فأمرنا أن لا نسجد لأحد إلا لله، وأمرنا بالصلاة والزكاة. قال عمرو: فإنهم يخالفونك في عيسى ابن مريم. قال: ما تقولون في عيسى ابن مريم؟ فقالوا: نقول كما قال الله -عَزَّ وَجَلَّ- هو كلمة الله وروحه ألقاها إلى العذراء البتول التي لم يمسها بشر ولم يفرضها ولد قال: فرفع عودًا من الأرض ثم قال: يا معشر الحبشة والقسيسين والرهبان، والله ما تزيدون على ما يقول فيه ما يساوي هذا، مرحبًا بكم وبمن جئتم من عنده، أشهد أنه رسول الله وأنه [الذي نجده في الإنجيل وأنه] (¬1) الذي بشر به عيسى ابن مريم، انزلوا حيث شئتم (والله لولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى) أكون أنا (أحمل نعليه) وأوضئه. وأمر بهدية الآخرين فردت إليهما (¬2) ثم تعجل عبد الله بن مسعود حتى أدرك بدرًا، وزعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استغفر له حين بلغه موته. قال: وقد رويت هذِه القصة عن جعفر وأم سلمة. ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) في (ر): إليها.

63 - باب في جمع الموتى في قبر والقبر يعلم

63 - باب في جَمْعِ المَوْتَى في قَبْرٍ والقَبْرُ يُعَلَّمُ 3206 - حدثنا عَبْدُ الوَهّابِ بْنُ نَجْدَةَ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ سالِمٍ ح، وَحَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ الفَضْلِ السِّجِسْتانيُّ، حدثنا حاتِمٌ -يَعْني: ابن إِسْماعِيلَ- بِمَعْناهُ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ المَدَنيِّ، عَنِ المُطَّلِبِ قال: لَمّا ماتَ عُثْمانُ بْنُ مَظْعُونٍ أُخْرِجَ بِجَنازَتِهِ فَدُفِنَ أَمَرَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَجلاً أَنْ يَأْتِيَهُ بِحَجَرٍ فَلَمْ يَسْتَطِعْ حَمْلَهُ فَقامَ إِلَيها رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَحَسَرَ، عَن ذِراعَيهِ، قالَ كَثِيرٌ: قالَ المُطَّلِبُ: قالَ الذي يُخْبِرُني ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: كَأَنّي أَنْظُرُ إِلَى بَياضِ ذِراعَي رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ حَسَرَ عَنْهُما ثُمَّ حَمَلَها فَوَضَعَها عِنْدَ رَأْسِهِ وقالَ: "أَتَعَلَّمُ بِها قَبْرَ أَخي، وَأَدْفِنُ إِلَيْهِ مَنْ ماتَ مِنْ أَهْلي" (¬1). * * * باب الرجل يجمع موتاه في مقبرة، والقبر يعلم نسخة: معلم (¬2). [3206] (حدثنا عبد الوهاب بن نجدة) الحوطي، من أهل جبلة الساحل، وثقه يعقوب بن (¬3) شيبة قال: (حدثنا سعيد بن سالم) القداح. قال أبو داود: يذهب إلى الإرجاء. (ح، وحدثنا يحيى بن الفضل السجستاني (¬4) قال: حدثنا [حاتم بن] (¬5) ¬

_ (¬1) رواه ابن شبة في "تاريخ المدينة" 1/ 102. ورواه البيهقي من طريق المصنف 3/ 412. وحسنه الألباني في "أحكام الجنائز" (ص 155). و"الصحيحة" (3060). (¬2) سقط من (ر). (¬3) زاد هنا في (ر): أبي. (¬4) سقط من (ر). (¬5) سقط في (ل، ع).

إسماعيل) المدني ثقة (بمعناه، عن كثير بن زيد المدني) قال أبو زرعة: صدوق فيه لين. (عن المطلب) (¬1) بن عبد الله بن حنطب، وليس صحابيًّا (قال: لما مات عثمان بن مظعون) بالظاء المعجمة ابن (¬2) حبيب بن وهب القرشي، أول من مات من المهاجرين بالمدينة في شعبان على رأس ثلاثين شهرًا من الهجرة، وقئله النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بعد موته (أُخرج بجنازته فدفن) بالبقيع. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نعم السلف هو لنا" (¬3) (فأمر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - رجلاً (¬4) أن يأتيه بحجر) وفي رواية: بحجرين. قالَ النوويُّ (¬5): المعروفُ في رواياتِ قبر ابن مظعون حجرًا واحدًا، ويدل عليه رواية ابن ماجه الآتية (¬6). (فلم يستطع حمله، فقام إليها رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وحسر) بالحاء والسين المهملتين أي: كشف (عن ذراعيه) فيه فضيلة تشمير اليدين عن الساعدين وكف الثوب عنه عند إرادة العمل كما إذا أراد أن يتوضأ أو يأكل أو يعمل عملًا غير ذلك ليكون الآدمي أنشط وأنظف لثوبه وغير ذلك، وقد كنت أطلب إخراج هذا الأدب عن السنة إلى أنْ مَنَّ اللهُ بها، فلله الحمد. ¬

_ (¬1) مكررة في (ل). (¬2) في (ر): أبو. (¬3) انظر: "الاستيعاب" 3/ 165. (¬4) سقط من (ر). (¬5) "المجموع" 5/ 298. (¬6) (1561).

(قال كثير) بن زيد (قال المطلب) (¬1) بن عبد الله (قال: الذي يخبرني ذلك (¬2) عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ولا يضر جهالة هذا الصحابي؛ لأن الصحابة كلهم عدول (كأني انظر إلى بياض ذراعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ظاهره أن التشمير يكون إلى آخر الذراعين لا إلى نصف الذراع أو بعضه (¬3). وفيه أن الذراعين ليسا من العورة (حين حسر عنهما ثم حمله) (¬4) الحجر الذي هو علامة (فوضعه عند رأسه) أي: رأس القبر. فيه دليل على أنه يستحب أن يوضع عند رأس القبر صخرة أو خشبة ونحوها ليعرف القبر بها إذا قصد للزيارة. قال الما وردي (¬5): يُستحبُّ علامتان، واحدة عند رأسه، وواحدة عند رجليه؛ لأنه -عليه السلام- جعل حجرين كذلك على قبر ابن مظعون. (وقال: أَتَعَلَّمُ) هكذا وجدته في النسخ: أَتَعلَّمُ -بفتح الهمزة والتاء وتشديد اللام -أي: أعرف بهما، وضبطه القمولي وابن الرفعة بضم النون وإسكان العين من أعلم الرباعي، ويدل عليه رواية ابن ماجه (¬6) عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلم قبر عثمان بن مظعون بصخرة وقال: أعلم (بها قبر أخي) سماه أخًا لقوله تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (¬7). ¬

_ (¬1) زاد هنا في (ر): ابن عبد المطلب. (¬2) من المطبوع وليست في الأصل. (¬3) في (ل): بضعه. وفي (ر): نصفه. والمثبت هو الصواب والله أعلم. (¬4) بعدها في الأصل: نسخة: حملها. (¬5) "الحاوي الكبير" 3/ 54. (¬6) (1561). (¬7) الحجرات: 10.

(وأدفن) بكسر الفاء (إليه من مات من أهلي) فيه دليل لما قاله الشافعي -رضي الله عنه-: رأيت عندنا يحبون أن يجمع الأهل والقرابة في الدفن في موضع واحد. وقال الأصحاب: يستحب ذلك للحديث. ويحرم أن يدفن في موضع فيه ميت حتى يبلى ولا يبقى عظم ولا غيره، ولو حُفِرَ قبرٌ فوُجِدَ فيه عظامُ ميتٍ أعاد القبر ولم يُتِمَّ الحفر. قال الشافعي: فلو فرغ من القبر فظهر شيء من العظام لم يضر أن يجعل في جانب القبر ويدفن الثاني معه (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: "البيان في مذهب الإمام الشافعي" (3/ 96 - 97).

64 - باب في الحفار يجدا لعظم هل يتنكب ذلك المكان

64 - باب في الحَفّارِ يجِدًا لعَظْمَ هَلْ يَتَنَكَّبُ ذَلِكَ المَكانَ 3207 - حدثنا القَعْنَبيُّ، حدثنا عَبْدُ العَزِيزِ بْن محَمَّدٍ، عَنْ سَعْدٍ -يَعْني: ابن سَعِيدِ - عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "كَسْرُ عَظْمِ المَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا" (¬1). * * * باب في الحفار يجد العظم، [هل يتنكب] (¬2) ذلك المكان؟ [3207] (حدثنا القعنبي قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد) الدراوردي (عن سعد يعني: ابن سعيد) (¬3) أخي يحيى بن سعيد الأنصاري (عن عمْرة بنت (¬4) عبد الرحمن) بن سعد بن زرارة، وكانت في حجر عائشة وربَّتها (عن عائشة) رضي الله عنها (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: كسرُ عظم الميتِ ككسرِهِ حيًّا) (¬5) بوَّب عليه في "الموطأ" (¬6): باب ما جاء في المختفي وهو النباش، ولفظه: "كسر عظم المسلم ميتًا ككسره وهو (¬7) حي". ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (1616)، وأحمد 6/ 100، والبزار (285)، وابن حبان (3167). وصححه الألباني في "الإرواء" (763). (¬2) سقط من (ر) وفي (ل، ع): يجنب. والمثبت من النسخ المطبوعة. (¬3) في (ر): سعد. (¬4) في (ر): بن. (¬5) في حاشية (ع): سبب هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جلس على شفير قبر يحفر فأحرج الحفار عظمًا ساقًا أو عضدًا فذهب ليكسره فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تكسرها فإن كسرك إياه ميتًا ككسرك إياه حيا ولكن دسه في جانب القبر" قال الحافظ البوطي بعد روايته الحديث مبسوطًا: فاستفدنا من هذا الحديث. انتهى والله أعلم. (¬6) 2/ 235. (¬7) كذا في (ع)، وفي (ل، ر): هي.

ثم قال: يعني: في الإثم، وكأنه يشير إلى أن كسر العظم غالبًا إنما يكون من نبش القبور، وذكر الأصمعي أن أهل المدينة (¬1) يسمون النباش: المختفي. ووقع في "الإلمام" عزو هذا الحديث إلى مسلم (¬2)، وهو سبق قلم. وقال ابن حزم في "محلاه": هذا الحديث لا يسند إلا من طريق سعد ابن سعيد وهو ضعيف جدا لا يحتج به، وأخوه يحيى إمام ثقة (¬3)، أخرجه البيهقيُّ من رواية (¬4) أخيه يحيى (¬5) وصححه ابن حبان (¬6) فبطل قوله: لا يُسند إلا من طريق سعد، والأكثر على توثيق سعد (¬7). وذكر الرافعي (¬8) هذا الحديث في كتاب الغصب فيما إذا غصب خيطًا فخاط به جرح إنسان وكان في نزعه خوف الهلاك لم ينزع. ¬

_ (¬1) في الأصل (الذمة) والمثبت من "عمدة القاري" 8/ 410. (¬2) "الإلمام بأحاديث الأحكام" 1/ 291 (561). (¬3) "المحلى" 11/ 40. (¬4) سقط من الأصل وأثبتها من "خلاصة البدر المنير". (¬5) "السنن الكبرى" 4/ 58. (¬6) 7/ 437 (3167). (¬7) انظر: "خلاصة البدر المنير" 2/ 99. (¬8) "فتح العزيز بشرح الوجيز" 11/ 327.

65 - باب في اللحد

65 - باب في اللَّحْدِ 3208 - حدثنا إِسْحاق بْن إِسْماعِيلَ، حدثنا حَكّامُ بْن سَلْمٍ، عَنْ عَليِّ بْنِ عَبْدِ الأعلَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّحْدُ لَنا والشَّقُّ لِغَيْرِنا" (¬1). * * * باب في اللحد [3208] (حدثنا إسحاق بن إسماعيل) الطالقاني قال: (حدثنا حكّام) بفتح الحاء المهملة (ابن سلْم) (¬2) -بفتح السين المهملة وإسكان اللام- الكناني الرازي، ثقة، حدث ببغداد قال (سمعت عليَّ بن عبد الأعلى) ابن عامر الثعلبي، صدوق. (عن أبيه) عبد الأعلي بن عامر الثعلبي بعين مهملة الكوفي، قال فيه يحيى مرة: ثقة، وقال أيضًا: تعرف وتنكر (¬3). (عن سعيد (¬4) بن جبير، عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اللحد) بفتح اللام، وحكي الضم، وهو أن يجعل الحائط الذي يلي القبلة مائلًا عن استوائه من أسفله بقدر ما يوضع الميت فيه، أو يحفر حفرةً فيه في أسفله مما يلي القبلة. (لنا) أي: للمسلمين (والشَقُّ) ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1045)، والنسائي 4/ 80، وابن ماجه (1554). وحسنه الألباني لشواهده في "أحكام الجنائز" (ص 145). (¬2) في (ر): أسلم. (¬3) "الكامل في ضعفاء الرجال" لابن عدي 6/ 546. (¬4) في (ر): سعد.

بفتح الشين وهو أن يحفر نقرة (¬1) كالنهر ويبني جانباه باللبن أو غيره ويوضع الميت فيه (¬2) (لغيرنا) زاد أحمد في رواية: "الشق لغيرنا أهل الكتاب" (¬3). ورواه الحافظ أبو نعيم في "حليته" (¬4)، وأحمد (¬5)، وله قصة ذكراها فقال أحمد: حدثنا إسحاق الأزرق قال: حدثنا أبو جناب (¬6)، عن زاذان، عن جرير بن عبد الله قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما دنا (¬7) من المدينة إذا راكب يوضِع نحونا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كأنَّ الراكب إياكم يريد". قال: فانتهى الرجل إلينا، فسلم، فرددنا عليه فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من أين أقبلت؟ ". قال: من أهلي وولدي وعشيرتي. قال: "ما تريد؟ " قال: أريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: "قد أصبته". قال: ثم إن بعيره دخلت رجله في سكة (¬8) جرذان فهوى بعيرُهُ وهوى الرجلُ فوقه على هامته، فمات، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عليَّ بالرجل". فقالا (¬9): يا رسول الله قبض الرجل. فأعرض عنهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال لهما: "أما رأيتما إعراضي عن الرجل بأن ¬

_ (¬1) هكذا في النسخ الخطية، وفي "روضة الطالبين": (وسطه). (¬2) انظر: "روضة الطالبين" 1/ 648. (¬3) "المسند" 4/ 362. (¬4) 4/ 203. (¬5) 4/ 359. (¬6) في (ر): حيان. (¬7) هكذا في النسخ الخطية وفي "المسند" (برزنا). (¬8) هكذا في النسخ الخطية وفي "المسند" (شبكة). (¬9) الضمير يعود على: عمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهما، والمصنف نقل الحديث مختصرا.

رأيت ملكين يدليان في حلقه (¬1) من ثمار الجنة، فعلمت أنه مات جائعًا"، ثم قال: "دونكم أخاكم (¬2) ". فاحتملناه إلى الماء فغسَّلناه، وحنَّطناه، وكفَّنَّاه، وحملناه إلى القبر، قال: فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى جلس على شفير القبر فقال: "ألحِدوا ولا تشقوا؛ فإن اللحد لنا والشقَّ لغيرنا". وفيه دليل على استحباب اللحد. وقال أصحابنا: إن كانت الأرض صلبة فاللحد أولى، وإن كانت رِخوة -بفتح الراء وكسرها - فالشق أولى. ونقل كثيرٌ من أصحابنا عن أبي حنيفة: أن الشق أولى مطلقًا. قال الرافعي: وفي "مختصر الكرخي" وغيره من كتب أصحابه كمذهبنا، وروي أن الصحابة اختلفوا لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال بعضهم: يلحد له. وقال بعضهم: يشق له، وكان بالمدينة حفاران أحدهما يلحد وهو أبو طلحة الأنصاري، وكانت عادة أهل المدينة، والآخر يشق وهو أبو عبيدة ابن الجراح، وكانت عادتهم بمكة. فوجَّه العباس إليهما رسولين وقال: أيهما جاء أولا عمل بعمله، وقال العباس: اللهم اختر لنبيك. فجاء أبو طلحة أولًا فلحد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3). وأسنده ابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما (¬4). ¬

_ (¬1) في (ر): حقه. (¬2) في (ر): أخاه. (¬3) "العزيز شرح الوجيز" 5/ 203 - 204. (¬4) (1628).

66 - باب كم يدخل القبر

66 - باب كَمْ يَدْخلُ القَبْرَ 3209 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حدثنا زُهَيْرٌ، حدثنا إِسْماعِيلُ بْن أَبي خالِدٍ، عَنْ عامِرٍ قال: غَسَّلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَليٌّ والفَضْلُ وَأُسامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَهُمْ أَدْخَلُوهُ قَبْرَهُ قال: وَحَدَّثَني مُرَحَّبٌ أَوِ ابن أَبي مُرَحَّب أنَّهُمْ أَدْخَلُوا مَعَهُمْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَلَمّا فَرَغَ عَليٌّ قال: إِنَّما يَلي الرَّجُلَ أَهْلُهُ (¬1). 3210 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبّاحِ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنِ ابن خالِدٍ، عَنِ الشَّعْبيِّ، عَنْ أَبي مُرَحَّبٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ نَزَلَ في قبرِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: كَأَنّي أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ أَرْبَعَةً (¬2). * * * باب كم يدخل القبر؟ [3209] (حدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) اليربوعي قال: (حدثنا زهير) بن حرب (¬3) قال: (حدثنا إسماعيل بن أبي خالد) حافظ إمام وكان طحانًا (عن عامر) بن شراحيل الشعبي الكوفي، سمع من ثمانية وأربعين من الصحابة، وقال: ما كتبت سوداء في بيضاء قط ولا حدثني رجل ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (11764)، وأبو يعلى (2367). واستشهد به الألباني في "أحكام الجنائز" (ص 147)، وقال: مرحب مختلف في صحبته. (¬2) رواه عبد الرزاق في "مصنفه" (6455)، ورواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2726)، وأبو يعلى (2367)، والدولابي في "الكنى" (314)، والطبراني 20/ 370 (863). وقال الهيثمي في "المجمع" (15950): إسناده حسن. (¬3) هكذا في النسخ الخطية، وهو خطأ وإنما هو زهير بن معاوية. انظر: "تهذيب الكمال" 9/ 420 (2019)، "سير أعلام النبلاء" 8/ 181.

بحديث فأحببت أن يعيده. ومرسله لا يكاد يوجد إلا صحيحًا. سئل: هل لإبليس زوجة؛ فذكر قوله تعالى: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي} (¬1) فعلمت أنه لا تكون ذرية إلا من زوجة. وعابه رجل في ملأ من الناس فقال: إن كنت كاذبًا فغفر (¬2) الله لك، وإن كنت صادقًا فغفر الله لي. (قال: غَسَّلَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عليٌ والفضلُ) بن العباس (وأسامةُ بن زيد) -رضي الله عنه- (وهم أدخلوه) في (قبره) وروى البيهقي عن علي قال: ولي دفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة: علي والعباس والفضل وصالح (¬3). وروى ابن حبان في "صحيحه" عن ابن عباس [(¬4) قال: دخل قبرَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - العباس وعلي والفضل وسوى لحده رجل من الأنصار وهو الذي سوى لحود الأنصار يوم أحد (¬5). وروى ابن ماجه (¬6) والبيهقي (¬7) من حديث ابن عباس قال: كان الذين نزلوا في قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العباس وعلي والفضل وقثمٌ وشقران، قال البيهقي: شقران هو صالح (قال) عامر الشعبي (وحدثني مَرْحَبُ) -بفتح الميم والحاء المهملة - الصحابي الغساني وقيل (أبو مرحب) أو ابن أبي مرحب، وقيل: ابن مرحب (أنهم أدخلوا معهم عبد الرحمن بن ¬

_ (¬1) الكهف: 55. (¬2) في (ر): يغفر. (¬3) من هنا بدأ سقط في (ر). (¬4) "السنن الكبرى" 4/ 53. (¬5) هكذا في النسخ والذي في "صحيح ابن حبان" 14/ 600 (6633): بدر. (¬6) (1628). (¬7) "السنن الكبرى" 4/ 53.

عوف) قال ابن الرفعة: هَمَّ عبد الرحمن بن عوف بالنزول ولم ينزل قال (فلما فُرِغ) بضم الفاء وكسر الراء، أي: من وضعه في القبر (قال عليٌّ -رضي الله عنه-: إنما يلي الرجلَ) بالنصب مفعول مقدم، أي: في إضجاعه وحل الشداد عنه (أهلُه) وأقاربه لأنهم أرفق به وهم مطلعون على حاله. [3210] (حدثنا محمد بن الصباح) الجرجرائي التاجر، مولى عمر بن عبد العزيز. وجرجرايا: بين واسط وبغداد وكان ينزل المخرم، قال أبو حاتم: صالح الحديث، قال (أخبرنا سفيان) بن عيينة. (عن) إسماعيل (بن أبي خالد) روى له الشيخان (عن) عامر (الشعبي، عن أبي مرَحب: أن عبد الرحمن بن عوف نزل في قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: كأني انظر إليهم أربعة) الجر بدل من الضمير والرفع خبر المبتدأ، والنصب حال (-) غير شقران، قال الماوردي (¬1): أدخله -عليه السلام- قبره خمسة: الثلاثة الذين غسلوه وعبد الرحمن بن عوف وشقران مولاه، ولهذا قال أصحابنا: يستحب أن يكون عدد الدافنين وترًا ثلاثة أو خمسة أو سبعة بحسب الحاجة كما في الغاسلين؛ فإن الله تعالى وتر يحب الوتر. ¬

_ (¬1) انظر: "الحاوي الكبير" 3/ 61.

67 - باب في الميت يدخل من قبل رجليه

67 - باب في المَيِّت يدْخَلُ منْ قِبَلِ رِجْلَيهِ 3211 - حدثنا عُبَيْدُ اللهِ بْن مُعاذٍ، حدثنا أَبي، حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ قال: أَوْصَى الحارِثُ أَنْ يُصَلّيَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بْن يَزِيدَ فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ أَدْخَلَهُ القَبْرَ مِنْ قِبَلِ رِجْلَى القَبْرِ وَقال: هذا مِنَ السُّنَّةِ (¬1). * * * باب في الميت يُدخَل من قبل رجليه القبر [3211] (حدثنا عبيد الله) بالتصغير (ابن معاذ) بن معاذ، قال (حدثني أبي) معاذ بن معاذ بن نصر التميمي قاضي البصرة قال (ثنا شعبة، عن أبي إسحاق) السبيعي (قال: أوصى الحارثُ) بن عبد الله الأعور (أن يُصَلِّيَ عليه عبدُ الله بن يزيد) الخطمي الأنصاري شهد الحديبية وهو ابن سبع عشرة سنة، وقال مصعب بن الزبير: ليس له صحبة (¬2) (فصلى عليه) يستدل به على أن أحق الناس بالصلاة على الميت من أوصى أن يصلي عليه وهو مذهب أحمد بن حنبل، وبه قال أنس وزيد بن أرقم وأم سلمة وابن سيرين. وقال الثوري وأبو حنيفة ومالك والشافعي: الولي أحق؛ لأنها ولاية تترتب بترتب العصبات (¬3) (ثم أدخله القبر من قِبَلِ) بكسر القاف وفتح الباء ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (11805)، وابن سعد في "الطبقات" 6/ 169. رواه البيهقي 4/ 54، من طريق المصنف وقال: هذا إسناد صحيح. وأقره الألباني في "أحكام الجنائز" (ص 150). (¬2) انظر: "تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل" (ص 190). (¬3) انظر: "المغني" 2/ 362.

(رجل) بالإفراد رواية: رجلي القبر بالتثنية (القبر) أي: آخره الذي فيه رجلي الميت فتكون رأس الميت عند الموضع الذي فيه رجلاه إذا دفن. وقال أبو حنيفة: توضع الجنازة عرضا مع القبر من جهة القبلة ثم تدخل القبر معترضة (¬1) والحديث حجة عليه، وروى الشافعيُّ عن الثقة عن عمر بن عطاء [عن عكرمة] (¬2) عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سُلَّ من قبل رأسه (¬3) الثقة هنا هو: مسلم بن خالد (وقال: هذا من السنة) وقول الصحابي: من السنة كذا مرفوعٌ. ¬

_ (¬1) "الأصل" 1/ 413، وانظر: "المبسوط" 2/ 61. (¬2) من "الأم". (¬3) "الأم" 2/ 618، و"مسند الشافعي" ترتيب السندي 1/ 215 (598).

68 - باب الجلوس عند القبر

68 - باب الجُلُوسِ عِنْدَ القَبْرِ 3212 - حدثنا عُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ، حدثنا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ الِمنْهالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ زاذانَ، عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ قال: خَرَجْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في جَنازَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصارِ فانْتَهَيْنا إِلَى القَبْرِ وَلَمْ يُلْحَدْ بَعْد فَجَلَسَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ وَجَلَسْنا مَعَهُ (¬1). * * * باب الجلوس عند القبر [3212] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: ثنا جرير، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو) الأسدي مولاهم قال ابن معين والنسائي: ثقة. ترك شعبة حديثه. قال ابن أبي حاتم: لأنه سمع من داره صوت قراءة بالتطريب. وكان حسن الصوت وصوته وزن سبعة (¬2) (عن زاذان) بالزاي والذال المعجمتين وآخره نون، الكندي من مشاهير التابعين (عن البراء ابن عازب -رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولم يلحد بعد، فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستقبل القبلة) فيه: فضيلة الجلوس مستقبل القبلة عند القبر وفي الوضوء والقراءة والذكر وغير ذلك من العبادات وغيرها (وجلسنا معه) رواية: حوله. رواية أحمد (¬3): وجلسنا حوله كأن على رؤوسنا الطير ¬

_ (¬1) رواه النسائي 4/ 78، وابن ماجه (1548)، وأحمد 4/ 287. وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (3558). (¬2) "تاريخ دمشق" 60/ 373، وانظر: "تهذيب الكمال" 28/ 571. (¬3) "المسند" 4/ 287.

وفي يده عود ينكت به الأرض فرفع رأسه وقال: "استعيذوا بالله من عذاب القبر" مرتين أو ثلاثًا ثم ذكر حديثا طويلا في نزول ملائكة الرحمة أو العذاب عليه. وقد يؤخذ منه أن من الأدب مع الكبير إذا كانوا مشاة معه أن لا يجلسوا إلا بعد جلوسه وهكذا في الأكل لا يأكلوا حتى يبدأ بالأكل وكذا في غيره من الأفعال. فيه: الجلوس عند القبر بالقرب منه إن أمكن، ويكون مستقبل القبلة، وأن يأخذ في يده عودًا ينكت به في الأرض كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

69 - باب في الدعاء للميت إذا وضع في قبره

69 - باب في الدُّعاءِ لِلْمَيِّتِ إذا وُضِعَ في قَبْرِهِ 3213 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ ح، وَحَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حدثنا هَمّامٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَبي الصِّدِّيقِ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إِذا وَضَعَ المَيِّتَ في القَبْرِ قالَ: "بِسْمِ اللهِ وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللِّهِ - صلى الله عليه وسلم -) .. هذا لَفْظُ مُسْلِمٍ (¬1). * * * باب في الدعاء للميت إذا وضع في قبره [3213] (حدثنا محمد بن كثير، وحدثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي مولاهم شيخ البخاري (حدثنا همام، عن قتادة، عن أبي الصدِّيق، عن ابن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا وَضع (¬2) الميت في قبره قال: باسم الله، وعلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا لفظ) رواية (مسلم) بن إبراهيم، ورواية ابن حبان والحاكم (¬3): "بسم الله وعلى ملة رسول الله". وورد [الأمر به] (¬4) من حديثه مرفوعًا عند النسائي والحاكم (¬5) وغيرهما، وفي الباب عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج عن أبيه قال: قال لي اللجلاج: يا بني أنا إذا متُّ فألحدني فإذا وضعتني في لحدي فقل: بسم الله وعلى سنة رسول الله، ثم سنَّ عليَّ الترابَ سناً، ثم اقرأ عند رأسي بفاتحة البقرة وخاتمتها ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1046)، وابن ماجه (1550)، وأحمد 2/ 27. وصححه الألباني في "الإرواء" (747). (¬2) بعدها في النسخ الخطية: نسخة: وُضع. (¬3) "صحيح ابن حبان" 7/ 376 (3109)، "المستدرك" 1/ 365. (¬4) في (ل، ع): الأمرين. والمثبت من "التلخيص الحبير". (¬5) "السنن الكبرى" للنسائي 6/ 168 (10927)، "المستدرك" 1/ 365.

فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ذلك. رواه الطبراني (¬1). وعن أبي حازم مولى (الغفاري رفعه) (¬2) الميتُ إذا وضع في قبره فليقل الذين يضعونه حين يوضع في اللحد: بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله. رواه الحاكم. وعن أبي أمامة رواه الحاكم أيضًا والبيهقي وسنده ضعيف ولفظه: لما وضعت أم كلثوم بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القبر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55)}، بسم الله وفي سبيل الله، وعلى ملة رسول الله (¬3). ¬

_ (¬1) "المعجم الكبير" 19/ 220 (491). (¬2) في "المستدرك" 1/ 365: الغفاريين. وبعدها: حدثني البياض عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (¬3) "المستدرك" 2/ 380، و"السنن الكبرى" 3/ 409 من طريق الحاكم.

70 - باب الرجل يموت له قرابة مشرك

70 - باب الرَّجُلِ يمُوتُ لَهُ قَرابَةُ مُشْرِكٍ 3214 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا يَحْيَى، عَنْ سُفْيانَ، حَدَّثَني أَبُو إِسْحاقَ، عَنْ ناجِيَةَ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ عَليٍّ -عليه السلام- قال: قُلْتُ لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ عَمَّكَ الشَّيْخَ الضّالَّ قَدْ ماتَ. قالَ: "اذْهَبْ فَوارِ أَباكَ ثمَّ لا تُحْدِثَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَني" .. فَذَهَبْتُ فَوارَيْتُهُ وَجِئْتُهُ فَأَمَرَني فاغْتَسَلْتُ وَدَعا لي (¬1). * * * باب الرجل يموت له القرابة المشركة - المشرك [3214] (حدثنا مسدد قال: ثنا يحيى) بن سعيد (عن سفيان) بن عيينة (عن أبي إسحاق) الشيباني (عن ناجِية) بكسر الجيم (بن كعب) الأسدي يُعدُّ في تابعي الكوفيين (عن عليٍّ -رضي الله عنه- قال: قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إن عمَّك) أبا طالب، لعله نسبه إلى العمومة لتدركه شفقة القرابة من النبي - صلى الله عليه وسلم - (الشيخ الضال) عن سبيل الهدى، رواية ابن أبي شيبة: إن عمك الشيخ الكافر (قد مات) فما تأمرني فيه؟ (قال: اذهب فوار أباك) ولفظ رواية ابن أبي شيبة: أرى أن تغسله وتجنه. ولابن سعد قال: أذهب فاغسله وكفنه وواره (¬2). فيه: دليل على وجوب دفن الذمي خصوصًا إذا كان قريبًا، وكذا تكفينه في الأصح؛ لأنه -عليه السلام- أمر بإلقاء قتلى بدر في القليب على هيئاتهم وأمر عليًّا ¬

_ (¬1) رواه النسائي 1/ 10، وأحمد 1/ 97، والطيالسي (122)، والبزار (592). وصححه الألباني في "الإرواء" (717). (¬2) "الطبقات" 1/ 123.

بمواراة أبيه، والثاني هو المذهب الذي قطع به الجمهور أنه لا يجب بل يجوز إغراء الكلاب عليه فإنْ دفنه لئلا يتأذى الناس برائحته فلا بأس (ثم لا تُحْدِثَنَّ) بفتح الثاء وتشديد النون (شيئًا حتى تأتيني) لعله أراد من أمر الصلاة عليه (فذهبت فواريته) في التراب (وجئته فأمرني فاغتسلت) روي أنه -عليه السلام- أمر عليا أن يغسل أباه (¬1) فلعل أمر علي بالاغتسال من غسله (¬2). ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق 6/ 39 (9935) قال: فاغسله ثم اغتسل. (¬2) بقية الكلام بياض في (ل) وكلمات غير مفهومة.

71 - باب في تعميق القبر

71 - باب في تَعْمِيقِ القَبْرِ 3215 - حدثنا عَبْدُ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ القَعْنَبيُّ أَنَّ سُلَيْمانَ بْنَ المُغِيرَةِ حَدَّثَهُمْ، عَنْ حُمَيْدٍ -يَعْني: ابن هِلالٍ - عَنْ هِشامِ بْنِ عامِرٍ قال: جاءَتِ الأَنْصارُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ أُحُدٍ فَقالوا أَصابَنا قَرْحٌ وَجَهْدٌ فَكَيْفَ تَأْمُرُنا قالَ: "احْفِرُوا وَأَوْسِعُوا واجْعَلُوا الرَّجُلَيْنِ والثَّلاثَةَ في القَبْرِ" .. قِيلَ: فَأَيُّهُمْ يُقَدَّمُ؟ قالَ: "أَكْثَرُهُمْ قُرْآنًا" .. قال: أُصِيبَ أَبي يَوْمَئِذٍ عامِرٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ قال: واحِدٌ (¬1). 3216 - حدثنا أَبُو صالِحٍ -يَعْني: الأَنْطاكيَّ- أَخْبَرَنا أَبُو إِسْحاقَ -يَعْني: الفَزاريَّ- عَنِ الثَّوْريِّ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ بإسْنادِهِ وَمَعْناهُ زادَ فِيهِ: "وَأَعْمِقُوا" (¬2). 3217 - حدثنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حدثنا جَرِيرٌ، حدثنا حُمَيْدٌ - يَعْني ابن هِلالٍ - عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشامِ بْنِ عامِرِ بهذا الحَدِيثِ (¬3). * * * باب في تعميق القبر [3215] (حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، أن سليمان بن المغيرة) القيسي البصري مولى بني قيس بن ثعلبة من حفاظ البصرة، قال أحمد: ثبت ثبت (¬4) (حدثهم عن حميد بن هلال) العدوي قال قتادة: ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1713)، والنسائي 4/ 80، وابن ماجه (1560)، وأحمد 4/ 19. وصححه الألباني في "الإرواء" (743). (¬2) رواه والنسائي 4/ 80، وأحمد 4/ 20. (¬3) رواه الترمذي (1713)، والنسائي 4/ 80، وابن ماجه (1560)، وأحمد 4/ 19. وصححه الألباني في "الإرواء" (743). (¬4) "الجرح والتعديل" 4/ 145.

ما كانوا يفضلون عليه أحدًا في العلم (¬1) (عن هشام بن عامر) -رضي الله عنه- بن أمية الأنصاري كان يسمى في الجاهلية: شهابا فسماه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: هشاما (قال: جاءت الأنصارُ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد) وكانت في شوال سنة ثلاث يوم السبت. (فقالوا: أصابنا قُرح) بضم القاف قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر، عن عاصم، والباقون بفتحها (¬2)، لغتان كالضُعف والضَّعف أي: جراح، وقيل: بالفتح الجراح وبالضم ألمها (¬3) (وجهد) بفتح الجيم وضمها أي: مشقة، زاد النسائي (¬4): فقلنا يا رسول الله: الحفر علينا لكل إنسان شديد (فكيف تأمرنا) أي: في دفنهم؟ ) قال: أحفِروا) لهم قبورًا (وأَوسِعوا) بفتح الهمزة يعني: لا تضيقوا في الحفر، ويوضحه ما رواه المصنف في باب اجتناب الشبهات من كتاب البيوع عن رجل من الأنصار قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوصي الحافر: "أوسع من قبل رجليه، أوسع من قبل رأسه" الحديث. ورواه البيهقي (¬5) وإسناده صحيح (¬6). وفيه؛ استحباب توسيع القبر من عند رأسه ومن عند رجليه ليصون ما يلي ظهره من الانقلاب ويمال رأسه قليلًا للقبلة ليكون كالراكع، وكذا تمال رجلاه قليلا إلى للقبلة. ¬

_ (¬1) "التاريخ الكبير" للبخاري 2/ 346. (¬2) "السبعة" 1/ 216. (¬3) انظر: "الكشاف" للزمخشري 1/ 446. (¬4) "المجتبى" 4/ 85. (¬5) "السنن الكبرى" 3/ 414. (¬6) انظر: "التلخيص الحبير" 2/ 296.

(واجعلوا الرجُلِينِ والثلاثةَ في القبر) في القبر الواحد. فيه أن الضرورة إذا دعت أن يدفن في القبر الواحد أكثر من ميت وهذا إذا كثر الموتى أو القتلى، وتقدم في ذلك تفصيل بين أن يكون من جنس واحد أولا، وأما عند الاختيار فلا يجوز، وفي "الموطأ" عن هشام بن عروة، عن أبيه: لا أحب أن أدفن بالبقيع؛ لأن أدفن في غيره أحب إليَّ من أن أدفن فيه إنما هو أحد رجلين: إما ظالم فلا أحب أن أدفن معه، وإما صالح فلا أحب أن تنبش لي عظامه (¬1). (قيل: فأيهم يُقَدَّم؟ قال: أكثرهم قرآنًا) فإن تساويا فأكثرهم صلاحا (قال) هشام بن عامر (أصيب أبي يومئذٍ) أي يوم غزوة أحد، وأبوه (عامر) بن أمية بن زيد الحَسحَاس -بفتح الحاءين المهملتين (¬2) - الأنصاري، شهد بدرًا وأحدًا، واستشهد يوم أحد (بين اثنين) رواية النسائي: فكان أبي ثالث ثلاثة في قبر واحد (¬3) (أو قال) مع (واحد) في قبر. [3216] (حدثنا أبو صالح الأنطاكي، قال: أنا أبو إسحاق الفزاري، عن الثوري، عن أيوب، عن حميد بن هلال، بإسناده) المتقدم (ومعناه، أزاد، فيه: وأعمقوا) بفتح الهمزة وسكون العين المهملة ويجوز إعجامها، قال الراغب في "مفرداته" (¬4): أصل العمق البعد سفلًا. وفي ¬

_ (¬1) "الموطأ" رواية يحيى (550). (¬2) انظر: "المؤتلف والمختلف" للدارقطني 2/ 918. (¬3) "المجنبى" 4/ 80. (¬4) "مفردات ألفاظ القرآن" 2/ 124.

الشواذ (من كل فج غميق) (¬1) وزعم قومٌ: أن ما كان منبسطًا على وجه الأرض منبسطًا قيل عنه: عميق كما في الآية، وما كان هاويًا إلى أسفل قيل فيه: غميق بالغين معجمة. ويوضح قدر العمق إلى أسفل ما رواه ابن أبي شيبة وابن المنذر عن عمر: أعمقوا لي قدر قامة وبسطة ولم ينكره أحد (¬2). قال النووي: المراد قامة رجل معتدل. والمراد أن يقوم ويبسط يده مرفوعة (¬3). [3217] (حدثنا موسى بن إسماعيل قال: ثنا جرير، قال: ثنا حميد ابن هلال، عن سعد بن هشام بن عامر، بهذا) فقد اختلف على حميد بن هلال راويه (¬4) عن هشام فمنهم من أدخل بينه وبينه ابنه سعد بن هشام، ومنهم من أدخل بينهما أبا الدهماء، ومنهم من لم يذكر بينهما أحدًا (¬5). ¬

_ (¬1) "اللباب في علوم الكتاب" 14/ 74، ولم ينسبه لأحد. (¬2) "مصنف ابن أبي شيبة" 4/ 327 (11784)، و"الأوسط" 5/ 454) (3200)، وانظر: "التلخيص الحبير" 2/ 296. (¬3) "روضة الطالبين" 2/ 132. (¬4) في الأصل (رواية) وهو خطأ والمثبت من "التلخيص". (¬5) انظر: "التلخيص الحبير" 2/ 295.

72 - باب في تسوية القبر

72 - باب في تَسْوِيةِ القَبْرِ 3218 - حدثنا محَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، حدثنا حَبِيبُ بْن أَبي ثابِتٍ، عَنْ أَبي وائِل، عَنْ أَبي هَيّاجٍ الأَسَديِّ قال: بَعَثَني عَليٌّ قال لي: أَبْعَثُكَ عَلَى ما بَعَثَني عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ لا أَدَعَ قبرًا مُشْرِفًا إِلا سَوَّيْتُهُ وَلا تِمْثالاً إِلا طَمَسْتُهُ (¬1). 3211 - حدثنا أَحْمَدُ بْن عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، حدثنا ابن وَهْبٍ، حَدَّثَني عَمْرُو بْنُ الحارِثِ أَنَّ أَبا عَليٍّ الهَمْدانيَّ حَدَّثَه قالَ: كنّا مَعَ فَضالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ بِرُودِسَ مِنْ أَرْضِ الرُّومِ فَتُوُفِّيَ صاحِبٌ لَنا فَأَمَرَ فَضالَةُ بِقَبْرِهِ فَسُوّيَ ثمَّ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُ بِتَسْوِيَتِها (¬2). قالَ أَبُو داوُدَ: رُودِسُ جَزِيرَةٌ في البَحْرِ. 3220 - حدثنا أَحْمَدُ بْن صالِحٍ، حدثنا ابن أَبي فدَيْكٍ أَخْبَرَني عَمْرُو بْن عُثْمانَ بْنِ هانِئٍ، عَنِ القاسِمِ قال: دَخَلْتُ عَلَى عائِشَةَ فَقلْث: يا أُمَّهْ اكْشِفي لي عَنْ قبرِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَصاحِبَيْهِ رضي الله عنهما فَكَشَفَتْ لي عَنْ ثَلاثَةِ قُبُورٍ لا مُشْرِفَةٍ وَلا لاطِئَةٍ مَبْطوحَةٍ بِبَطْحاءِ العَرْصَةِ الحَمْراءِ، قالَ أَبُو عَليٍّ: يُقال: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُقَدَّمٌ وَأَبُو بَكْرٍ عِنْدَ رَأْسِهِ وَعُمَرُ عِنْدَ رِجْلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬3). * * * باب في تسوية القبر نسخة: القبور. [3218] (ثنا محمد بن كثير قال: ثنا سفيان) بن سعيد الثوري (ثنا ¬

_ (¬1) رواه مسلم (969). (¬2) رواه مسلم (968). (¬3) رواه ابن شبة في "تاريخ المدينة" 3/ 944، وأبو يعلى (4571)، والحاكم 1/ 368، والبيهقي 4/ 3. وضعفه الألباني في "المشكاة" (1712).

حَبيب) بفتح الحاء المهملة (ابن أبي ثابت) الأسدي كان مفتيا مجتهدًا، (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن أبي هَيَّاج) بفتح الهاء والياء المثناة تحت واسمه حيان، بفتح الحاء المهملة وتشديد المثناة تحت، ابن حصين (الأسدي -رضي الله عنه- قال: بعثني علي -رضي الله عنه- قال) لي (أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا تدع قبرًا مشرفًا) أي: مرتفعًا، فيه أن السنة أن القبر لا يرفع عن الأرض رفعًا كثيرًا، ولا يسنم بل يرفع قدر شبر. (إلا سويتَه) فيه تسطيح القبر، وهو مذهب الشافعي، وروى الشافعي عن إبراهيم بن محمد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه مرسلا] (¬1) أنه رش قبر إبراهيم ووضع عليه حصباء. قال: والحصباء لا تثبت إلا على مسطح (¬2). وعن القاسم: رأيت قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر مسطحة. وذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد إلى أن تسنيم القبر أفضل من تسطيحه (¬3). (ولا تمثالاً) أي: مثل ما فيه صورة ما فيه الروح، وهو يعم ما كان متجسدًا وما كان مصورًا في رقم أو نقش لاسيما وقد روي صورة مكان تمثال. وحاصل هذا الحديث الأمر بتغيير الصور مطلقًا. قاله القرطبي. قال: وأنَّ إبقاءها كذلك منكر. (إلا طمسته) أي: غيرته، وذلك يكون بقطع رؤوسها، وتغيير وجوهها، وغير ذلك مما يذهبها (¬4). ¬

_ (¬1) انتهى السقط من (ر). (¬2) "الأم" 2/ 619. (¬3) "الأصل" 1/ 422، "الكافي" 1/ 283، "مسائل أحمد" رواية صالح 2/ 99 (655). (¬4) انظر: "المفهم" 2/ 625.

[3219] (حدثنا أحمد بن عمرو بن السَّرْح) مولى بني أمية شيخ مسلم قال: (حدثنا ابن وهب، قال: حدثني عمرو بن الحارث) من رجال مسلم، (أن أبا عليّ) ثمامة بن شُفَي، بضم الشين المعجمة وفتح الفاء (الهَمْداني) بإسكان المينم وبالدال المهملة (قال: كنا مع فَضالة) بفتح الفاء (ابن عبيد برُودِسَ) براء مضمومة ثم واو ساكنة ثم دال مهملة مكسورة ثم سين مهملة، كذا نقله القاضي عياض عن الأكثرين، ونقل عن بعضهم فتح الراء. قال: وفي "سنن أبي داود" بذال معجمة وسين مهملة. قال: وهي جزيرة (بأرض الروم) معروفة (¬1) (فتوفِّي صاحب لنا، فأمر فضالة) ابن عبيد (بقبره فَسُوِّيَ، ثم قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر بتسويتها قال أبو داود: رودس جزيرة في البحر) فيه دليل على أن الأفضل في شكل القبر التسطيح دون التسنيم خلافًا لمالك وأبي حنيفة قالوا: لأن التسطيح صار شعار الروافض فالأولى مخالفتهم (¬2). [3220] (حدثنا أحمد بن صالح قال: حدثنا) محمد بن إسماعيل (بن أبي فُدَيك قال: أخبرني عمرو بن عثمان بن هانئ) المدني مولى عثمان، (عن القاسم) بن محمد (قال: دخلت على عائشة -رضي الله عنها- فقلت: يا أُمَّه) بسكون هاء السكت (¬3) وهي أم المؤمنين (اكشِفي لي عن قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه) أبي بكر وعمر (فكشفت لي عن ثلاثة قبور، فرأيتها لا ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار على صحاح الآثار" 1/ 305، وعبارة القاضي فيه: وكلهم [أي: رواه مسلم] قالها بالسين والدل المهملتين إلا الصدفي عن العذري فإنها عنده بالشين المعجمة، وقيدناه في كتاب أبي داود جزيرة بأرض الروم. (¬2) انظر: "مغني المحتاج" 1/ 354. (¬3) في (ر، ع): التأنيث. خطأ، والمثبت من (ل).

مشرفة) أي: مرتفعة ارتفاعًا كثيرًا (ولا لاطئة) بهمز آخره، أي: ليست لاصقة بالأرض، يقال: لطِئ بكسر الطاء بعدها همزة أي: لصق. وروى أبو داود في "المراسيل" عن صالح بن أبي الأخضر (¬1) قال: رأيت قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - شبرًا أو (¬2) نحوًا من شبر (¬3). يعني: في الارتفاع، وإنما يرتفع ليعرف فيحترم ويزار. قال البيهقي: يمكن الجمع بين الحديثين بأنه كان أولًا مسطحًا كما قال القاسم ثم لما سقط الجدار في زمن الوليد بن عبد الملك أُصلح فجُعل مسنمًا، كما روى البخاري من حديث سفيان التمار: أنه رأى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - مسنمًا (¬4). ورواه ابن أبي شيبة (¬5) من طريقه وزاد: وقبر أبي بكر وقبر عمر كذلك. قال البيهقي: وحديث القاسم أولى وأصح (¬6). (مبطوحة) بالنصب أي: ليست القبور مبطوحة بالأرض. وفي الحديث: أن عمر أول من بطح المسجد، وقال: ابطحوه من الوادي المبارك (¬7). ومعنى بطح المسجد: ألقى فيه فتات الحصى الصغار (¬8) ¬

_ (¬1) في النسخ (و) والمثبت من "التلخيص". (¬2) في النسخ: صالح، والمثبت من "مراسيل أبي داود". (¬3) (1395). (¬4) "المراسيل" (241). (¬5) "المصنف" 3/ 334 (11856). (¬6) "السنن الكبرى" 4/ 3 - 4. (¬7) رواه ابن أبي شيبة 19/ 549 (37012)، و"الأوائل" لأبي عروبة 122 - 123، "السنن الكبرى" 2/ 441. (¬8) من (ل).

التي توجد (¬1) في بطن مسيل الوادي (ببطحاء) بالمد أي: مثل بطحاء (العرْصة) وهي الأرض المتسعة التي ليس فيها بناء (الحمراء) بالمد صفة للعرصة. فيه دليل لما قاله العلماء: يستحب أن يرش الماء على القبر، ويوضع عليها الحصباء بالباء والمد؛ لأنه إذا رش لصق عليه الحصا وغيره، والمعنى: أن القبور ليست مرتفعة ارتفاعًا كثيرًا كما يفعله الجاهلية للتعظيم، ولا مساوية للأرض بل مرتفعة كشبر أو نحوًا من شبر كما تقدم عن "المراسيل". واستثنى المتولي ما إذا مات مسلم في بلاد الكفار فقال: لا يرفع قبره، ويخفى لئلا يتعرضوا إليه إذا خرج المسلمون عنها (¬2). ¬

_ (¬1) في (ر): تؤخر. (¬2) انظر: "الشرح الكبير" 5/ 226، "روضة الطالبين" 2/ 136.

73 - باب الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف

73 - باب الاسْتِغْفار عِنْد القَبْرِ لِلْمَيِّتِ في وَقْتِ الانْصِرافِ 3221 - حدثنا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى الرّازيُّ، حدثنا هِشامٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بَحِيرٍ، عَنْ هانِئٍ مَوْلَى عُثْمانَ، عَنْ عُثْمانَ بْنِ عَفّانَ قال: كانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ المَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقالَ: "اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ التثبِيتَ فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ". قالَ أَبُو داوُدَ: بَحِيرُ بْنُ رَيْسانَ (¬1). * * * باب الاستغفار عند القبر للميت [3221] (حدثنا إبراهيم بن موسى) الفراء (الرازي) روى عنه الشيخان قال: (حدثنا هشام) بن يوسف قاضي أهل صنعاء. (عن عبد الله بن بَحير) بفتح الباء الموحدة وكسر الحاء المهملة وسكون المثناة تحت، ابن ريسان المرادي الصنعاني، وثقه ابن معين وغيره ([قال أبو داود: بحير بن رَيسان) بفتح الراء وسكون التحتانية ثم مهملة] (¬2) (عن هانئ) أبي سعيد (مولى عثمان) بن عفان، البَرْبَري، بفتح الباءين الموحدتين وسكون الراء الأولى (عن عثمان -رضي الله عنه- قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه) أي: عند رأسه، قال الشافعي -رضي الله عنه-: يستحب أن يقف بعد الدفن بقدر (¬3) ما ينحر جزورًا (¬4) ¬

_ (¬1) رواه أحمد في "فضائل الصحابة" (773)، والبزار (445)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (585)، والحاكم 1/ 369. وصححه الألباني في "أحكام الجنائز" (ص 156). (¬2) و (¬3) من (ل). (¬4) "الأم" 2/ 360.

أي: ويقسم لحمها؛ ليستأنس بهم الميت ويعلم [ماذا يراجع به] (¬1) رسل ربه (¬2). ورواه الحاكم (¬3) والبزار، قال البزار: لا يُروى عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إلا من هذا الوجه (¬4). (فقال: استغفروا لأخيكم) فيه إشارة إلى أن الميت له عليهم حق (¬5) الأخوة بعد موته (واسألوا) الله تعالى (له التثبيت) وهو إذا سئل عن معتقده لم يتلعثم في الجواب ولم يبهت ولم يتحير من هول السؤال. قال المسعودي: عن عبد الله بن مخارق، عن أبيه، عن عبد الله قال: إن المؤمن إذا مات أجلس في قبره فيقال له؛ من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيثبته الله فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد - صلى الله عليه وسلم -. وقرأ عبد الله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} (¬6). (فإنه الآن يسأل) أي: كما تقدم عن المسعودي. ¬

_ (¬1) في (ر): ما إذا يرجع بهم، وفي (ع): ماذا يرجع بهم، وفي (ل): ماذا يراجع بهم. (¬2) يشير لحديث عمرو بن العاص الذي رواه مسلم (121). (¬3) "المستدرك" 1/ 369. (¬4) "مسند البزار" 2/ 91 (445). (¬5) في (ر): أحق. (¬6) إبراهيم: 27، والحديث رواه عبد الله بن أحمد في "المسند" (1466) عن أبيه، والطبراني في "المعجم الكبير" 9/ 233 (9145).

74 - باب كراهية الذبح عند القبر

74 - باب كَراهِيَة الذَّبْحِ عِنْدَ القَبْرِ 3222 - حدثنا يَحْيَى بْن مُوسَى البَلْخيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنْ ثابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا عَقْرَ في الإِسْلامِ" .. قالَ عَبْدُ الرَّزّاقِ: كانُوا يَعْقِرُونَ عِنْدَ القَبْرِ بَقَرَةً أَوْ شاةً (¬1). * * * باب كراهية الذبح عند القبر [3222] (حدثنا يحيى بن موسى البلخي) السختياني شيخ البخاري والحكيم الترمذي، قال: (حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر) بن راشد (عن ثابت، عن أنس لكنه [قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬2) لا عَقْرَ) بفتح العين وإسكان القاف أصله الجرح، ومنه الكلب العقور (في الإسلام) أي: في دين الإسلام. (قال عبد الرزاق) أحد رواة الحديث (كانوا) يعني: الجاهلية (يعقرون) بكسر القاف أي: يجرحون الحيوان في غير موضع الذبح حتى يموت (عند القبر) أو عليه. قال الخطابي: كان الجاهلية يعقرون الإبل على قبر الرجل الجواد؛ لأنه كان يعقرها في حياته ليأكلها السبع والطير (¬3). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 197، وعبد الرزاق في "مصنفه" (6690)، وعبد بن حميد (1253)، وابن حبان (3146). صححه الألباني في "الصحيحة" (2436). (¬2) سقط من (ر، ل)، والمثبت من (ع). (¬3) "معالم السنن" 1/ 315.

ببقرة. نسخة (بقرة (¬1) أو شاة) أو بدنة أو بشيء غيرهما من الحيوانات المأكولة. وفيه النهي عن الذبح والعقر [عند القبر] (¬2)؛ لأنه من أفعال الجاهلية. ¬

_ (¬1) بعدها في الأصل: نسخة: بقرة. (¬2) سقط من (ر).

75 - باب الميت يصلى على قبره بعد حين

75 - باب المَيِّتِ يُصَلّى علَى قَبْرِهِ بَعْدَ حِينٍ 3223 - حدثنا قتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ، حدثنا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبي حَبِيبٍ، عَنْ أَبي الخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلاتَهُ عَلَى المَيِّتِ ثُمَّ انْصَرَفَ (¬1). 3224 - حدثنا الحَسَنُ بْن عَليٍّ، حدثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حدثنا ابن المُبارَكِ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شرَيْحٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبي حَبِيبٍ بهذا الحَدِيثِ قالَ: إِنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ بَعْدَ ثَمانِ سِنِينَ كالمُوَدِّعِ لِلأحياءِ والأمواتِ (¬2). * * * باب الميت يُصَلَّى على قبره بعد حين [3223] (حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا الليث) بن سعد (عن يزيد ابن أبي حبيب) الأزدي (عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله اليزني، ويزن من حمير كان مفتي أهل مصر في زمانه كان عبد العزيز بن مروان يحضره (عن عقبة بن عامر لكنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج يومًا فصلى على أهل أُحُدِ صلاَتهُ على الميت) احتج به أبو حنيفة (¬3) والثوريُّ والأوزاعيُّ على صحة الصلاة على الشهيد المقتول في سبيل الله، فأجيب عنه بأن معنى: "صلى عليهم" أي: دعا لهم بالمغفرة والرحمة كما كان يدعو للميت، كما قال تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} أي: أدع لهم، وأيضًا فلا يمكنهم الاحتجاج به؛ لأن من أصلهم أن ما تعم به البلوى لا يقبل فيه خبر ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1344)، ومسلم (2296). (¬2) رواه البخاري (4042)، ومسلم (2296). (¬3) "الأصل" 1/ 410.

الواحد، وصلاته على الشهداء مما تعم البلوى به، فيجب أن لا يثبت بهذا الخبر الأحادي. وأيضًا فإنا روينا أنهم لم يُغسلوا ولم يصل عليهم (¬1)، والخبران إذا تعارضا وأحدهما قد أجمع على استعمال شيء منه فإنه سقط به ما لم يجمع على استعمال شيء منه، وقد أجمعنا في خبرنا على استعمال ترك الغسل فسقط به خبرهم. قالوا: خبركم نافٍ وخبرنا مثبت، والمثبت أولى من النافي. قلنا: النفي إذا أصابه إثبات كان كالإثبات المجرد الذي لا نفي معه، وأيضًا ففي حديثنا الترجيح من وجهين: أحدهما: أنه غير ناقل، وذلك أن الأصل في الموتى أن يصلى عليهم فإذا ورد خبر بأنه لا يصلى عليهم فهو ناقل والناقل أولى بالنفي. والوجه الثاني: أن راوينا جابر شاهد الحال، وراويكم نعلم أنه لم يشاهد؛ لأن إثبات الصلاة على الشهداء لم يروه إلا ابن عباس، وكان سنه يوم أحد سنتين؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - توفي وله تسع سنين، وكانت قبل موته بسبع سنين (ثم انصرف) فيه دليل على جواز استعمال هذِه اللفظة خلافا من كرهها؛ لقوله تعالى: {ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} (¬2). [3224] (حدثنا الحسن بن علي) الهذلي الحافظ نزيل مكة شيخ الشيخين قال: (حدثنا يحيى بن آدم، قال: حدثنا) عبد (¬3) الله (بن المبارك، عن حَيوَة بن شُريح، عن يزيد بن أبي حبيب، بهذا الحديث، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1343). (¬2) التوبة: 127. (¬3) في (ر): عبيد.

قال: إنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى على قتلى أحد بعد ثماني سنين) احتج به الثوري وأصحاب الرأي على أن الشهيد يصلى عليه خلافًا للجمهور. وأجابوا بأن الصلاة بمعنى الدعاء ومخصوص بهم (كالمودع للأحياء والأموات) أي: كالمودع للاجتماع بالأحياء ولزيارة الأموات.

76 - باب في البناء على القبر

76 - باب في البِناءِ عَلى القَبْرِ 3225 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حدثنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا ابن جُرَيْجٍ، أَخْبَرَني أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جابِرًا يَقُول: سَمِعْت رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ يُقْعَدَ عَلَى القَبْرِ وَأَنْ يُقَصَّصَ وَيُبْنَى عَلَيْهِ (¬1). 3226 - حدثنا مُسَدَّدٌ وَعُثْمان بْن أَبي شَيْبَةَ قالا: حدثنا حَفْصُ بْن غِياثٍ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ مُوسَى وَعَنْ أَبي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ بهذا الحَدِيثِ. قالَ أَبُو داوُدَ: قالَ عُثْمانُ: أَوْ يُزادَ عَلَيْهِ. وَزادَ سُلَيْمانُ بْنُ مُوسَى أَوْ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُسَدَّدٌ في حَدِيثِهِ أَوْ يُزادَ عَلَيْهِ. قالَ أَبُو داوُدَ: خَفيَ عَلَيَّ مِنْ حَدِيثِ مُسَدَّدٍ حَرْفُ: وَأَنْ (¬2). 3227 - حدثنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المسَيَّبِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "قاتَلَ اللهُ اليَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيائِهِمْ مَساجِدَ" (¬3). * * * باب البناء على القبر [3225] (حدثنا أحمد بن حنبل، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريج (¬4) [(قال أخبرني أبو الزبير) محمد بن مسلم] (¬5) ¬

_ (¬1) رواه مسلم (970). (¬2) "سنن النسائي" 4/ 86. (¬3) رواه البخاري (437)، ومسلم (530). (¬4) بعدها في (ر): عن سليمان بن موسى. وفي (ل، ع): عن سليمان بن موسى الدمشقي الأسدي فقيه أهل الشام ومفتيهم. وكله خطأ. (¬5) سقط من (ر).

المكي التابعي (أنه سمع جابرًا يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يُقعد على القبر) فيه تحريم القعود على القبر وهو مذهب الشافعي وجمهور العلماء، وقال مالك في "الموطأ": المراد (¬1) بالقعود الحدث. قال النووي: وهذا تأويل ضعيف أو باطل، ومما توضحه الرواية الآتية (¬2). (أو يُقَصَّص عليه) التقصيص هو البناء بالقصة، والتجصيص: البناء بالجص، والجصاص والقصاص واحد. فيه النهي عن البناء بالقصة البيضاء وهي النورة والجير على القبر، وبه قال مالك والشافعي. وهذا الحديث حجة على من أجازه. ووجه النهي: أن البناء به مباهاة واستعمال زينة الدنيا في أول منازل الآخرة. وفيه تشبه بمن كان يعظم القبور ويعبدها، وبهذا يقال: إنه حرام كما قال بعضهم (¬3) (وأن يبني عليه) رواية: ويبني عليه، أو: يبني فيه، أو: ببناء. قال إسماعيل الحضرمي (¬4) في "شرح المهذب": يقولون: لا تبنى القبور، كأنهم يريدون: لا تبنى القبور في نفسها بآجر ولبن، فيكره ولا يحرم إلا أن يكون في مقبرة مسبلة بحيث تضيق فيحرم، وفي معنى هذا البناء ما يعتاده الناس اليوم من عقد القبر بالحجر ونحوه، فما حصل به التضييق حرم ويهدم، وما لم يحصل به التضييق يغتفر مع الكراهة؛ لأن فيه زينة الدنيا. وأما التطيين فليس فيه زينة وفيه حفظ ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) "شرح مسلم" 7/ 27. (¬3) انظر: "المفهم" للقرطبي 2/ 626. (¬4) هو إسماعيل بن محمد الحضرمي أبو الذبيح من فقهاء الشافعية شرح "المهذب" قبل النووي وهو من معاصريه. انظر: "طبقات الشافعية" للسبكي 8/ 130 (1117).

القبر من الاندراس فلا يكره، نص عليه الشافعي. [3226] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة ومسدد قالا: حدثنا حفص بن غياث، عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، وعن أبي الزبير) محمد ابن مسلم. وسليمان بن موسى، عن جابر منقطع (عن جابر، بهذا الحديث. قال أبو داود: قال عثمانُ: أو يُزادَ عليه) أي: على تراب قبره الذي خرج منه (وزاد سليمان بن موسى: أو أن يُكتب عليه) سواء كان المكتوب اسم صاحبه في لوح عند رأس صاحبه كما جرت العادة أو غيره. قال السبكي: وضع شيء يعرف به القبر مستحب فإن كانت الكتابة طريقًا في ذلك ينبغي أن لا يكره، ويستحب بقدر الحاجة إلى الإعلام فقط. (قال أبو داود: خفي علي من حديث مسدد حرف: وأن) هل هو بالواو أو بأو؟ . [3227] (حدثنا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قاتل اللهُ اليهودَ) كما قال تعالى: {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}، وحديث المغتسل: "قتلوه قاتلهم الله". (اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) فيه: النهي عن اتخاذ القبر مسجدًا يصلى فيه، وذم اليهود على هذا الفعل وكل ذلك لقطع الذريعة أن يعتقد الجهال في الصلاة إليها والصلاة عليها: الصلاة لها؛ فيؤدي إلى عبادة من فيها كما كان السبب في عبادة الأصنام (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: "المفهم" 2/ 628.

77 - باب في كراهية القعود على القبر

77 - باب في كَراهِيَةِ القُعُودِ على القَبْرِ 3228 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا خالِدٌ، حدثنا سُهَيْلُ بْن أَبِي صالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتَحْرِقَ ثِيابَهُ حَتَّى تَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ" (¬1). 3229 - حدثنا إِبْراهِيمُ بْن مُوسَى الرّازيُّ، أَخْبَرَنا عِيسَى، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ -يَعْني: ابن يَزِيدَ بْنِ جابِرٍ - عَنْ بُشرِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ قالَ: سَمِعْت واثِلَةَ بْنَ الأسقَعِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبا مَرْثَدٍ الغَنَويَّ يَقُولُ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَجْلِسُوا عَلَى القُبُورِ وَلا تُصَلُّوا إِلَيْها" (¬2). * * * باب كراهية القعود على القبر [3228] (حدثنا مسدد قال: حدثنا خالد) بن عبد الله الواسطي، اشترى نفسه من الله ثلاث مرات يتصدق بزنة نفسه فضة (عن سهيل (¬3) ابن أبي صالح، عن أبيه) أبي صالح ذكوان (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لأَن) بفتح الهمزة (يجلس أحدكم على جمرة فتحترق ثيابه) نسخة: فتحرق (حتى تخلُص) بضم اللام، النار (إلى جلده خيرٌ له من أن يجلس على قبر) هو الجلوس المعروف. فيه النهي عن الجلوس، وفي معناه الاتكاء عليه والاستناد إليه، والمشي عليه، وذكر لأحمد أن مالكًا يتأول الجلوس على القبر ¬

_ (¬1) رواه مسلم (971). (¬2) رواه مسلم (972). (¬3) في (ر): سهل.

بالجلوس للخلاء فقال: هذا ليس بشيء، ولم يعجبه رأي مالك (¬1). وروى ابن ماجه (¬2) عن عقبة بن عامر، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لأن أمشي على جمرة أو سيف أو أخصف نعلي برجلي أحب إليَّ أن أمشي على قبر مسلم، وما أبالي أوسط القبر قضيت حاجتي أو وسط السوق". ولا شك أن التخلي على القبور وبينها ممنوع إما بهذا الحديث، وإما بغيره لحديث (¬3) الملاعن الثلاث (¬4)، فإنه طريق الزائر، (لأن ذلك أذىً) (¬5) لأولياء (¬6) الله تعالى (¬7). [3229] (حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي، قال: حدثني عيسى، قال: حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر) الأزدي الداراني، ثقة. (عن بُسر) بضم الموحدة (ابن عبيد الله) مصغر. (قال: سمعت واثلة بن الأسقع يقول: سمعت أبا مرثد) كناز بن الحصين (الغنوي يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها) قال الشافعي: أكره أن يعظم مخلوق حتى يجعل قبره مسجدًا مخافة الفتنة عليه وعلى من بعده من الناس (¬8). ¬

_ (¬1) "المغني" 3/ 440. (¬2) (2) (1567). (¬3) ليس في النسخ، وأثبته من "المفهم" ليستقيم المعنى. (¬4) سلف عند المصنف برقم (26) من حديث معاذ بن جبل. (¬5) ليست في النسخ الخطية وأثبتها من "المفهم". (¬6) في (ر): أولياء. (¬7) انظر: "المفهم" للقرطبي 2/ 627. (¬8) "الأم" 2/ 633، وانظر: "المجموع" 5/ 314.

78 - باب المشى في النعل بين القبور

78 - باب المَشْى في النَّعْل بَيْنَ القُبُورِ 3230 - حدثنا سَهْل بْنُ بَكّارٍ، حدثنا الأسوَدُ بْن شَيْبانَ، عَنْ خالِدِ بْنِ سُمَيْرٍ السَّدُوسيِّ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ بَشِيرٍ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكانَ اسْمُهُ في الجاهِلِيَّةِ زَحْمُ بْنُ مَعْبَدٍ فَهاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ: "ما اسْمُكَ؟ " .. قال: زَحْمٌ. قالَ: " بَلْ أَنْتَ بَشِيرٌ" .. قال: بَيْنَما أَنا أُماشي رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِقبُورِ المُشْرِكِينَ فَقالَ: "لَقَدْ سَبَقَ هؤلاء خَيْرًا كَثِيرًا" .. ثَلاثًا ثمَّ مَرَّ بِقُبُورِ المُسْلِمِينَ فَقالَ: "لَقَدْ أَدْرَكَ هؤلاء خَيْرًا كَثِيرًا" .. وَحانَتْ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَظْرَةٌ فَإِذا رَجُلٌ يَمْشي في القُبُورِ عَلَيْهِ نَعْلانِ فَقالَ: "يا صاحِبَ السّبْتِيّتَيْنِ ويحَكَ أَلْقِ سِبْتِيَّتَيْكَ" .. فَنَظَرَ الرَّجُلُ فَلَمّا عَرَفَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَلَعَهُما فَرَمَى بِهِما (¬1). 3231 - حدثنا مُحَمَّدُ بْن سُلَيْمانَ الأنباريّ، حدثنا عَبْدُ الوَهّابِ -يَعْني: ابن عَطاءٍ - عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ قالَ: "إِنَّ العَبْدَ إِذا وُضِعَ في قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحابُهُ إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعالِهِمْ" (¬2). * * * باب المشي في الحذاء بين القبور [3230] (حدثنا سهل بن بكار) بن بشر الدارمي، قال أبو حاتم: ثقة، قال: (حدثنا الأسود بن شيبان) السدوسي من رجال مسلم (عن خالد بن سُمير) بضم السين المهملة، مصغر وثقه النسائي (السدوسي) بفتح السين. ¬

_ (¬1) رواه النسائي 4/ 96، وابن ماجه (1568)، وأحمد 5/ 83. صححه الألباني في "أحكام الجنائز" (ص 136). (¬2) رواه البخاري (1338)، ومسلم (2870).

(عن بَشير بن نَهيك، عن بَشير) بفتح الموحدة ابن معبد بن شراحيل السدوسي (مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان اسمه في الجاهلية زَحْم) بفتح الزاي وسكون الحاء المهملة (ابن مَعيَد) بفتح الميم والباء الموحدة، المعروف بابن الخصاصية وهي: أمه (فهاجر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له: ما اسمك؟ ) فيه معرفة اسم الصاحب والأخ، وفيه حديث (¬1). (فقال: زحم، فقال: بل أنت بشير قال: بينما أنا أماشي رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - إذ مَرَّ بقبور المشركين) رواية النسائي فيها زيادة قبل هذا لعله (¬2) قال: كنت أمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمرَّ على قبور [المسلمين فقال: "لقد سبق هؤلاء شراً كثيرا" (¬3)، ثم مَرَّ على قبور] (¬4) المشركين. (فقال: لقد سبق هؤلاء خيرًا كثيرًا) أي: سبقوا أفعال الخير الكثير التي تركوها في حياتهم وفاتوها وسارعوا إلى أفعالٍ لا خير فيها وأدركوها (ثلاثًا، ثم مَرَّ بقبور المسلمين فقال: لقد أدرك هؤلاء) أي: لحقوا (خيرًا كثيرًا) أي: لحقوا أفعال الخير فسارعوا إليه في حياتهم فلحقوها وحصلوها (وحانت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نظرةٌ، فإذا رجل يمشي في القبور) رواية النسائي: بين القبور في نعليه (عليه نعلان. فقال: يا صاحب السِّبْتِيَّتَينِ) فيه نداء من لا يعرف اسمه بعبارة لا يتأذى بها ولا ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2392) من حديث يزيد بن نعامة عن النبي: "إذا آخى الرجل الرجل فليسأله عن اسمه واسم أبيه وممن هو فإنه أوصل للمودة". (¬2) في (ر): العلة. (¬3) سقطت من النسخ، وأثبتها من "سنن النسائي" 4/ 96. (¬4) سقط من (ل).

يكون فيها كذب ولا ملق كيا صاحب الثوب الفلاني، أو الجمل أو السيف على حسب حال المنادي (¬1) (ويحك! (¬2) ألقِ) بفتح الهمزة (سِبتيتيكَ) بكسر السين وهي التي لا شعر عليها (فنظر الرجل، فلما عرف رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - خلعهما فرمى بهما (¬3) امتثالًا لأمره. [3231] (حدثنا محمد بن سليمان الأنباري قال: حدثنا عبد الوهاب ابن عطاء) الخفاف العجلي، قال ابن معين: ثقة. (عن سعيد) بن أبي عروبة مهران العدوي (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم - أنه قال: إن العبد إذا وُضع في قبره وتولَّى عنه أصحابُه إنه ليسمع قرع نعالهم) استدل به على المشي بالنعل بين المقابر. قاله الطحاوي (¬4)، ولما ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - صلَّى في نعليه عُلم أن دخوله المسجد بالنعل غير مكروه، فكان المشي بها بين المقابر أحرى بالجواز. ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع" 8/ 442. (¬2) في (ر، ل): ويك. والمثبت من (ع). (¬3) في (ر): بها. (¬4) "شرح معاني الآثار" 1/ 510.

79 - باب في تحويل الميت من موضعه للأمر يحدث

79 - باب في تَحْوِيلِ المَيِّتِ مِنْ موْضعِهِ لِلأَمْرِ يَحْدِّثُ 3232 - حدثنا سُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ، حدثنا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ أَبي مَسْلَمَةَ، عَنْ أَبي نَضْرَةَ، عَنْ جابِرٍ قال: دُفِنَ مَعَ أَبي رَجُلٌ فَكانَ في نَفْسي مِنْ ذَلِكَ حاِجَة فَأَخْرَجْتُهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَما أَنْكَرْتُ مِنْة شَيْئًا إِلا شُعَيْراتٍ كُنَّ في لِحْيَتِهِ مِمّا يَلي الأَرْضَ (¬1). * * * باب تحويل الميت من موضعه لأمرٍ (¬2) يحدث [3232] (حدثنا سليمان بن حرب، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن سعيد بن يزيد) يعني (أبي مسلمة) الأزدي ثقة. (عن أبي نضرة (¬3) المنذر ابن مالك العبدي. (عن جابر قال: دُفن مع أبي رجلٌ) بالمدينة (فكان في نفسي من ذلك حاجة) رواية البخاري (¬4): لم تطب نفسي أن أتركه مع آخر (فأخرجته بعد ستة أشهر) كما في البخاري، وإذا جاز إخراجه بعد ستة ففيما دونها أولى. قال الماوردي: ينبش الميت ما لم يتغير بالنتن (¬5)، وقيل: ما لم يتقطع. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1351). (¬2) في المطبوع: (للأمر). (¬3) زاد هنا في (ر): ابن. وهو تصحيف. (¬4) (1351). (¬5) "الحاوي الكبير" 3/ 62.

(فما أنكرت منه شيئًا إلا شعيراتٍ (¬1) كلن في لحيته مما يلي الأرض) تغيرت. وفيه: جواز إخراج الميت بعدما دفن إذا كان لمعنىً يحوج إلى ذلك. وفيه أن الشهداء لا تأكل الأرضُ لحومَهم، ويمكن أن يكون ذلك في قتلى أحد خاصة (¬2). ¬

_ (¬1) في (ر): شعرات. (¬2) انظر: "شرح البخاري" لابن بطال 3/ 337.

80 - باب في الثناء على الميت

80 - باب في الثَّناءِ عَلَى المَيِّتِ 3233 - حدثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ عامِرِ، عَنْ عامِرِ ابْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: مَرّوا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِجَنازَةِ فَأَثْنَوْا عَلَيْها خَيْرًا فَقالَ: "وَجَبَتْ" .. ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرى فَأَثْنَوْا عَلَيْها شَرّا فَقالَ: "وَجَبَتْ" .. ثُمَّ قالَ: "إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ شُهَداءُ" (¬1). * * * باب الثناء على الميت [3233] (حدثنا حفص بن عمر، قال: حدثنا شعبة، عن إبراهيم بن عامر) الجمحي، وثق (عن عامر بن سعد) [بن أبي وقاص] (¬2) (عن أبي هريرة قال: مَرُّوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجنازة، فأثنوا عليها خيرًا، فقال: وجبت. ثم مَرُّوا بأخرى فأثنوا عليها شرًّا) الثناء بتقديم الثاء والمد، لا يستعمل في الشر على المشهور، والنثاء - بتقديم النون - يستعمل في الشر خاصة (¬3)، واستعمل الممدود في الشر هنا مجازًا للتجانس؛ كقوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ} (¬4) (فقال: وجبت ثم قال: إن بعضكم على بعض شهداء) بالمد جمع شهيد، أي: في الخير والشر. ¬

_ (¬1) رواه النسائي 4/ 50، وابن ماجه (1492)، وأحمد 2/ 261. وصححه الألباني في "الصحيحة" (2600). (¬2) كذا قال، والصواب: البجلي الكوفي وليس هذا هو ابن سعد بن أبي وقاص، وانظر: "تحفة الأشراف" 10/ 124. (¬3) انظر: "الفروق اللغوية" لأبي هلال العسكري (ص 151). (¬4) الشورى: 40.

81 - باب في زيارة القبور

81 - باب في زِيارةِ القُبُورِ 3234 - حدثنا مُحَمَّدُ بْن سُلَيْمانَ الأنباريُّ، حدثنا محَمَّدُ بْن عُبَيْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيسانَ، عَنْ أَبي حازِمٍ، عَنْ أَبي هرَيرَةَ قال: أَتَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قبرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اسْتَأْذَنْتُ رَبّي تَعالَى عَلَى أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَها فَلَمْ يُؤْذَنْ لي فاسْتَأْذَنْتُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَها فَأُذِنَ لي فَزُورُوا القُبُورَ فَإِنَّها تُذَكِّرُ بِالمَوْتِ" (¬1). 3235 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حدثنا معَرِّفُ بْن واصِلٍ، عَنْ مُحارِبِ بْنِ دِثارٍ، عَنِ ابن بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيارَةِ القُبُورِ فَزُورُوها فَإِنَّ في زِيارَتِها تَذْكِرَةً" (¬2). * * * باب زيارة القبور [3234] (حدثنا محمد بن سليمان الأنباري قال: حدثنا محمد (¬3) بن عبيد، عن يزيد بن كيسان، عن أبي حازم) سلمان (¬4) (عن أبي هريرة قال: أتى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قبرَ أمه) آمنة بنت وهب (فبكى وأبكى مَن حوله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: استأذنت ربي على أن أستغفر لها، فلم يؤذن لي) زاد ابن أبي الدنيا: "فأدركني ما يدرك الولد من الرقة" (فاستأذنته) نسخة: فاستأذنت في أن [أزور قبرها] (¬5) فأذن لي، فزوروا القبور، فإن زيارتها تذكر ¬

_ (¬1) رواه مسلم (976). (¬2) رواه مسلم (977). (¬3) في (ر): موسى. (¬4) في (ر): سليمان. (¬5) في (ر): أزورها.

بالموت) فيه أن زيارة القبور سنة للرجل، لكن تذكرُ الموت يحتاج إليه النساء أيضًا. [3235] (حدثنا أحمد بن يونس قال: حدثنا مُعَرِّف) بتشديد الراء (بن واصل) السعدي الكوفي، وثقه أحمد والنسائي (¬1) وجماعة (عن محارب ابن دثار (¬2) عن) عبد الله ([بن بُريدة] (¬3) عن أبيه) بريدة بن الحصيب (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، فإن في زيارتها تذكرةً) من يخشى الله ويخافه. ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 8/ 410، "تهذيب الكمال" 28/ 261. (¬2) في (ر): زياد. (¬3) سقط من (ر).

82 - باب في زيارة النساء القبور

82 - باب في زِيارَةِ النِّساء القُبُورِ 3236 - حدثنا مُحَمَّدُ بْن كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحادَةَ قالَ: سَمِعْتُ أَبا صالِحٍ يُحَدِّث عَنِ ابن عَبّاسٍ قال: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زائِراتِ القُبورِ والمُتَّخِذِينَ عَلَيْها المَساجِدَ والسُّرُجَ (¬1). * * * باب زيارة النساء القبور [3236] (حدثنا محمد بن كثير قال: أنبأنا شعبة (¬2) عن محمد بن جُحَادة قال: سمعت أبا صالح) باذام بالباء الموحدة مولى أم هانئ، (عن ابن عباس قال: لعن رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجدَ والسُّرُج) وفي معناها الشمع الذي يوقد على القبر. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (320)، والنسائي 4/ 94، وابن ماجه (1575)، وأحمد 1/ 229. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (225). (¬2) في (ر): سعيد.

83 - باب ما يقول إذا زار القبور أو مر بها

83 - باب ما يَقُولُ إِذا زارَ القُبُورَ أوْ مَرَّ بِها 3237 - حدثنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ العَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ إِلَى المَقْبَرَة فَقالَ: "السَّلامُ عَلَيْكُمْ دارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنّا إِنْ شاءَ اللهُ بِكُمْ لاحِقُونَ" (¬1). * * * باب ما يقول إذا زار (¬2) المقابر أو مرَّ بها [3237] (حدثنا القعنبي، عن مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه) عبد الرحمن (عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى المقبرة، فقال: السلام عليكم دارَ) منصوب على الاختصاص (قومٍ مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) التعليق بالمشيئة على سبيل التبرك (¬3). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (249). (¬2) بعدها في (ل، ع): نسخة: إذا مر. وفي حاشية نشرة الحوت 2/ 238: باب ما يقول إذا مر بالقبور. وفي نشرة شعيب أثبت في الترجمة: إذا أتى. (¬3) في (ر): الترك.

84 - باب المحرم يموت كيف يصنع به

84 - باب المُحْرِمِ يَمُوتُ كيْف يُصْنَعُ بِهِ 3238 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، حَدَّثَني عَمْرُو بْنُ دِينارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قال: أُتيَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِرَجُلٍ وَقَصَتْه راحِلَتُهُ فَماتَ وَهوَ مُحْرِمٌ فَقالَ: "كَفِّنُوهُ في ثَوْبَيْهِ واغْسِلُوهُ بِماءٍ وَسِدْرٍ وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسهُ فَإنَّ الله يَبْعَثُهُ يَوْمَ القِيامَةِ يُلَبّي". قالَ أَبُو داوُدَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ في هذا الحَدِيثِ خَمْسُ سُنَنٍ: "كَفِّنُوهُ في ثَوْبَيْهِ" .. أي يُكَفَّنُ المَيِّتُ في ثَوْبَيْنِ: " واغْسِلُوهُ بِماءٍ وَسِدْرٍ" .. أي إِنَّ في الغَسَلاتِ كُلِّها سِدْرًا: " وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ" .. وَلا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا وَكانَ الكَفَنُ مِنْ جَمِيعِ المالِ (¬1). 3239 - حدثنا سُلَيْمانُ بْنُ حَرْب وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ - المَعْنَى- قالا: حدثنا حَمّادٌ، عَنْ عَمْرٍو وَأَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ نَحْوَهُ قالَ: "وَكَفِّنُوه في ثَوْبَيْنِ" .. قالَ أبو داوُدَ: قالَ سُلَيْمانُ: قالَ أَيُّوبُ: " ثَوْبَيْهِ" .. وقالَ عَمْروٌ: " ثَوْبَيْنِ" .. وقالَ ابن عُبَيدٍ: قالَ أَيُّوبُ: " في ثَوْبَيْنِ" .. وقالَ عَمْروٌ: " في ثَوْبَيْهِ" .. زادَ سُلَيْمانُ وَحْدَة: "وَلا تُحَنِّطُوهُ" (¬2). 3240 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا حَمّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ نَحْوَهُ بِمَعْنَى سُلَيْمانَ: " في ثَوْبَيْنِ" (¬3). 3241 - حدثنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حدثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قال: وَقَصَتْ بِرَجُلٍ مُحْرِمٍ ناقَتُهُ فَقَتَلَتْهُ فَأُتيَ بِهِ رَسُولُ اللْهِ - صلى الله عليه وسلم - فقالَ: "اغْسِلُوهُ وَكَفِّنُوهُ وَلا تُغَطُّوا رَأسهُ وَلا تُقَربُوهُ طِيبًا فَإِنَّهُ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1265)، ومسلم (1206). (¬2) رواه البخاري (1265)، ومسلم (1206/ 94). (¬3) رواه البخاري (1265)، ومسلم (1206).

يُبْعَثُ يُهِلُّ" (¬1) * * * باب المحرم يموت كيف يصنع به؟ [3238] (حدثنا محمد بن كثير العبدي قال: أنبأنا سفيان قال: حدثني عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أُتي النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - برجل وَقَصَتْه) الوقص: كسر العنق (راحلتُه، فمات وهو محرم، فقال: كفنوه في ثوبيه، واغسلوه بماء وسدر، ولا تُخَمّروا) أي: تغطوا (رأسه؛ فإن الله يبعثه يوم القيامة يُلَبي) أي: على هيئته التي مات عليها. (سمعت ابن حنبل يقول: في هذا الحديث خمس سنن: ) جمع سنة (كفنوه في ثوبيه) أي: يكفن الميت في ثوبين (واغسلوه بماء وسدر) أي: في الغسلات كلها بسدر (ولا تخمروا رأسه، ولا تقربوه طيبًا، وكان الكفن من جميع المال) أي: من جميع مال الميت. (زاد سليمان وحده: ولا تحنطوه) (¬2) أي: لا تمسوه حنوطًا، وهو أخلاط (¬3) من طيب يجمع للميت (فإنه يبعث) يوم القيامة (يُهلُّ) بضم (¬4) الياء، والإهلال رفع الصوت بالتلبية وغيرها. [3240] (حدثنا مسدد، حدثنا حماد، عن أيوب، عن سعيد بن جبير، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1839)، ومسلم (1206). (¬2) هذه التتمة لاحقة في النسخ المطبوعة بإسناد من طريق سليمان بن حرب أسقط الشارح فيه ذكر زيادة سليمان بن حرب هذه والخلاف بين أيوب وعمرو في إثبات (ثوبين أو ثوبيه). (¬3) في (ر): اختلاط. (¬4) في (ر): بفتح.

عن ابن عباس بمعنى سليمان في ثوبين) وبه قال: [3241] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا [جرير، عن] (¬1) منصور، عن الحكم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: وقصت برجلٍ محرم ناقتُهُ، فقتلته، فأُتي به رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: اغسلوه، وكفنوه، ولا تغطوا رأسه، ولا تقرِّبوه طيبًا، فإنه يُبعث يُهلُّ). * * * آخر كتاب الجنائز بحمد الله تعالى (¬2) ومنِّه، وصلى الله على سيدنا محمد وسلم يتلوه كتاب الأيمان والنذور * * * ¬

_ (¬1) سقط من النسخ الخطية، والمثبت من المطبوع. (¬2) سقط من (ر).

كتاب الأيمان والنذور

كِتَابُ الأَيْمَانُ وَالنُّذُور

2 - باب فيمن حلف يمينا ليقتطع بها مالا لأحد

كتاب الإيمان والنذور 2 - باب فِيمَنْ حَلف يَمِينًا لِيَقْتَطِعَ بها مالًا لأحَدٍ 3243 - حدثنا مُحَمَّدُ بْن عِيسَى وَهَنّادُ بْن السَّريِّ -المَعْنَى- قالا: حدثنا أَبُو مُعاوِيَةَ، حدثنا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ هُوَ فِيها فاجِرٌ لِيَقْتَطِعَ بِها مالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقيَ الله وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبانُ" .. فَقالَ الأشعَث: فيَّ والله كانَ ذَلِكَ، كانَ بَيْني وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنَ اليَهُودِ أَرْضٌ فَجَحَدَني فَقَدَّمْتُهُ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ ليَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلكَ بَيِّنَةٌ؟ " .. قُلْت: لا. قالَ لِلْيَهوديِّ: "احْلِفْ" .. قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ إِذًا يَحْلِفُ وَيذْهَبُ بِمالي فَأَنْزَلَ اللهُ تَعالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} إلى آخِرِ الآيَةِ (¬1). 3244 - حدثنا مَحْمُودُ بْنُ خالِدٍ، حدثنا الفِرْيابيُّ، حدثنا الحارِث بْنُ سُلَيْمانَ، حَدَّثَني كُرْدُوسٌ، عَنِ الأشعَثِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّ رَجُلاً مِنْ كِنْدَةَ وَرَجُلاً مِنْ حَضْرَمَوْتَ اخْتَصَما إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في أَرْضٍ مِنَ اليَمَنِ فَقالَ الحَضْرَميُ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَرْضي اغْتَصَبَنِيها أَبُو هذا وَهيَ في يَدِهِ. قالَ: "هَلْ لَكَ بَيِّنَةٌ؟ " .. قال: لا ولكن أُحَلِّفُهُ والله ما يَعْلَمُ أَنَّها أَرْضي اغْتَصَبَنِيها أَبُوهُ فَتَهَيَّأَ الكِنْديُّ لِلْيَمِينِ فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2356)، ومسلم (138).

يَقْتَطِعُ أَحَدٌ مالًا بِيَمِينٍ إِلاَّ لَقيَ الله وَهُوَ أَجْذَمُ" .. فَقالَ الكِنْديُّ: هيَ أَرْضُةُ (¬1). 3245 - حدثنا هَنّادُ بْنُ السَّريِّ، حدثنا أبو الأَحْوَصِ، عَنْ سِماكٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وائِلِ بْنِ حُجْرٍ الحَضْرَميِّ، عَنْ أَبِيهِ قال: جاءَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ إِلَي رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ الحَضْرَميُ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ هذا غَلَبَني عَلَى أَرْضٍ كانَتْ لأبي. فَقالَ الكِنْديُّ: هيَ أَرْضي في يَدي أَزْرَعُها لَيْسَ لَهُ فِيها حَقُّ. قال: فَقالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - للْحَضْرَميِّ: " أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ " .. قال: لا. قالَ: " فَلَكَ يَمِينُهُ" .. قال: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ فاجِرٌ لا يبالي ما حَلَفَ عَلَيهِ لَيسَ يَتَوَرَّعُ مِنْ شَيء. فَقالَ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إِلاَّ ذاكَ" .. فانْطَلَقَ لِيَحْلِفَ لَهُ فَلَمّا أَدْبَرَ قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَما لَئِنْ حَلَفَ عَلَى مالٍ لِيَأْكُلَهُ ظالِمًا لَيَلْقَيَنَّ الله عز وجل وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ" (¬2). * * * كتاب الأيمان والنذور باب التغليظ في اليمين الفاجرة (¬3) [3243] (حدثنا محمد بن عيسى) بن الطباع (وهنَّاد بن السَّريّ، ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 212، وابن حبان (5088)، والنسائي في "السنن الكبرى" (6002). وسيأتي برقم (3622). وضعف الألباني لفظ أبي داود في "ضعيف الترغيب والترهيب" (1154). والحديث صحيح بلفظ: "لقي الله وهو عليه غضبان"، رواه مسلم (138) (220). (¬2) رواه مسلم (139). (¬3) في النسخ المطبوعة من "السنن" وردت هذه الترجمة وتحتها حديث عمران بن حصين رقم (3242): من حلف على يمين .. إلخ ثم بعدها ترجمة باب: فيمن حلف يمينا ليقتطع بها مالا لأحد، وتحتها الأحاديث الواردة هنا بيد أن الشارح هنا أسقط حديث عمران الوارد تحت الترجمة الأولى ولم يأت به إلا آخر الباب وأسقط الترجمة الثانية ولم يأت بها مطلقًا وأورد الجميع تحت الترجمة الأولى فقط.

المعنى، قالا: حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (حدثنا) سليمان بن مهران (الأعمش، عن شقيق) بن سلمة أبي وائل الأسدي (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من حلف على يمين) صبر كما سيأتي (هو فيها فاجرٌ) أي: متعمد للكذب لا يبالي إلى ما حلف عليه لفجوره. وأصل الفجور الميل، ومنه حديث: "إياكم والكذب فإنه مع الفجور (¬1) وهما في النار" يريد عن الصدق وأعمال الخير (ليقتطع) (¬2) هي لام التعليل التي ينتصب الفعل بعدها (¬3) بأن المقدرة. والتقييد بكونه فاجرًا لا بد منه لحصول إثمه؛ لأنه لا يكون آثمًا إلا إذا كان متعمدًا عالمًا بأنه غير حق. واقتطع افتعل (¬4) من القطع وهو الأخذ هنا؛ لأن من أخذ شيئًا لنفسه فقد قطعه عن مالكه (بها مال امرئٍ) مال هنا لا مفهوم له؛ لأنه خرج مخرج الغالب، فعلى هذا يدخل في الحديث من حلف على غير مال كجلد الميتة والسرجين (¬5) ونحو ذلك من النجاسات التي ينتفع بها وليست بمال، وهي من الحقوق التي ليست بمال [كحد القذف] (¬6) ونصيب الزوجة في القسم وغير ذلك (مسلمٍ) تقييده بالإِسلام لا يدل على عدم تحريم حق الذمي، بل معناه أن هذا الوعيد الشديد لمن اقتطع حق المسلم، وأما الذمي فاقتطاع حقه أيضًا حرام، ¬

_ (¬1) في النسخ الخطية: الكذب، والمثبت الصواب كما في "سنن ابن ماجه" (3849). (¬2) في (ر): يقتطع. (¬3) في (ر): بها. (¬4) في النسخ: أفعل. والمثبت من "المفهم". (¬5) السرجين: الزبل. انظر: "المعجم الوسيط" 1/ 425. (¬6) في (ل): كحذف الفرق.

لكنه ليس (¬1) يلزم أن تكون فيه هذِه العقوبة العظيمة، وهذا على مذهب من يقول بالمفهوم، وأما من لا يقول به فلا يحتاج إلى تأويل (¬2). قال الفاكهي: ذكر (مسلم) هنا من باب التشنيع على الحالف والحالة هذِه كما يقال: قَتْلُ الرجل الصالح وسفكُ دم العالم حرام. وإن كان قتل غيرهما من المسلمين كذلك، لكن قتل هذين أشنع من قتل غيرهما من المسلمين ممن ليس بصالح ولا عالم (لقيَ الله) تعالى يوم القيامة (وهو عليه غضبانُ) وفي الرواية الآتية: "وهو عنه معرض". قال العلماء: الإعراض والغضب والسخط من الله تعالى هو إرادة إبعاد ذلك المغضوب عليه والمعرض عنه من رحمته وتعذيبه وإنكار فعله وذمه (¬3) (فقال) (¬4) أبو محمد معدي كرب (الأشعث) بن قيس، زاد في "صحيح .. . (¬5): "ماذا يحدث به أبو عبد الرحمن؟ "، وقد سنة عشر في قومه وكانوا ستين راكبًا فأسلموا (¬6) ثم ارتد فيمن ارتد وحوصر، وأُتيَ به إلى الصديق أسيراً فقال: استبقني لحربك وزوجني ¬

_ (¬1) سقط من النسخ الخطية. والمثبت من "شرح مسلم" للنووي 2/ 156. (¬2) انظر: "شرح مسلم" للنووي 2/ 161 - 162. (¬3) انظر: "شرح مسلم" للنووي 2/ 162. وهذا تأويل واضح لصفات الله عز وجل، والصواب إثباتها كما جاءت بلا تأويل ولا تحريف ولا تكييف ولا تمثيل، فنقول (الله يغضب) ولكن ليس كغضب المخلوق فهو سبحانه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}. (¬4) مكررة في (ل). (¬5) بعدها بياض في النسخ الخطية. وقد رواه البخاري (2356، 2357)، ومسلم (138) ولفظه: ما يحدثكم أبو عبد الرحمن. (¬6) سقط من (ر).

أختك (¬1). فزوجه أخته، فلما زوجه دخل سوق الإبل فاخترط سيفه فجعل لا يرى جملًا ولا ناقة إلا عرقبه (¬2) فصاح الناس: كفر الأشعث، فلما فرغ طرح سيفه وقال: إن هذا الرجل زوجني أخته ولو كنا ببلادنا لكانت لي وليمة غير هذِه، يا أهل المدينة انحروا وكلوا وأعطوا أصحاب الإبل أثمانها (¬3) (فيَّ والله كان ذلك) القول وفي خصمي الكندي (كان بيني وبين رجلٍ من اليهود) وفي رواية إسماعيل من الأحكام: كان بين رجلٍ منا ومن الحضرميين يقال له الجفشيش خصومة في أرض والجفشيش. قال الحافظ أبو زرعة: مضبوط في النسخة الصحيحة من "الاستيعاب" بكسر الجيم وسكون الفاء يعني وكسر الشين المعجمة الأولى، قال: ويقال فيه بالجيم وبالحاء وبالخاء يكنى أبا الخير، يقال: اسمه جرير ابن معدان، ثم حكي عن عمران بن موسى أنه قال: بضم الجيم (¬4) (أرضٌ) يعني من اليمن كما سيأتي (فجحدني) أرضي (¬5) سيأتي كيفية الجحد في الحديث بعده (فَقَدَّمْتُهُ) بفتح القاف والدال المشددة (إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -) لفظ البخاري: فاختصمنا (¬6) إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬7). ¬

_ (¬1) هي فروة بنت أبي قحافة، كما في "سير أعلام النبلاء" 3/ 28. (¬2) في النسخ: عاقبه. والمثبت من "المعجم الكبير" 1/ 237 (649) وفيه القصة. (¬3) "المعجم الكبير" 1/ 237 (649). (¬4) انظر: "الاستيعاب" لابن عبد البر 1/ 276 (369) ولم أقف على قول أبي زرعة. (¬5) في (ر): أرض. (¬6) في النسخ: فاختصما. والمثبت من "الصحيح". (¬7) "صحيح البخاري" (2670).

فيه أن المدعى عليه إذا طاوع المدعي في الحضور إلى الحاكم فليس (¬1) له أن يُرسل إليه رسولاً؛ إذ الرسول لا يكون إلا للممتنع من الحضور. وللمدعي تقديم المدعى عليه أمامه والمشي خلفه إلى الحاكم؛ لأنه مطالب (فقال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -) يعني بعد فراغي من الدعوى (ألك) عليه (بينة؟ ) تشهد بما تدعي. وفيه دليل على أن المدعي يلزمه للحكم له إقامة البينة بما ادعاه إذا جحد المدعى عليه. وإذا كان المدعي عارفًا بأنه موضع البينة فالحَاكم غير بين أن يقول: ألك بينة. وبين أن يسكت (¬2) (فقلت: لا) فيه قبول شهادة المسلمين على الكفار [(¬3) لا عكسه، وقوله "ألك بينة" يعني: من المسلمين. (فقال لليهودي: أحلف) فيه أن الكافر يطلب منه اليمين كما في المسلم. وفيه صحة اليمين من الكافر ويلزمه الكفارة بالحنث سواء حنث في كفره أو بعد إسلامه وبه قال الشافعي والجمهور. وقال الثوري وأصحاب الرأي: لا تنعقد يمينه؛ لأنه ليس بمكلف. ودليلنا عليه قوله تعالى {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} ولا نسلم أنه غير مكلف (¬4). وفيه دليل على أن يمين الفاجر الكافر المدعى عليه تقبل كيمين العدل وتسقط عنه المطالبة به. (قلت: يا رسول الله، إذًا يحلف) بنصب يحلف لوجود الشرائط ¬

_ (¬1) في النسخ (وليس) والمثبت هو الموافق لسياق الكلام. (¬2) انظر: "المغني" لابن قدامة 11/ 422. (¬3) من هنا بدأ سقط من (ر) وانتهى إلى قوله: (عليه دخول الجنة أول وهلة مع الفائزين حتى يدخل النار) وذلك في آخر الباب الثالث من الأيمان. (¬4) انظر: "المغني" لابن قدامة 11/ 161.

الثلاثة. قالَ النوويُّ: يجوزُ نصبُ الفاءِ ورفْعُها. وذكر أبو الحسن ابن (¬1) خروف في "شرح الجمل" أن الرواية فيه برفع الفاء. يعني: لا غير (¬2). ولعل ما ذكره ابن خروف في رواية البخاري وغيره: إنه إذن يحلف. فإنه يتعين فيه الرفع؛ لأن تصدر إذن قد زال بقوله قبله: إنه إذًا يحلف (ويذهبُ بمالي) فيه وجهان: النصب والرفع لأنه معطوف على ما قبله. وفيه دلالة على أن المدعى عليه إذا لم يكن عليه بينة وحلف بإذن الحاكم تسقط عنه الدعوى بالمال. وفيما إذا قامت عليه بينة بعد حلفه وجهان أصحهما عند الشافعي: تقبل (فأنزل الله) عز وجل فاء السببية ظاهرة في أن هذا سبب نزول هذِه الآية، وقيل غير ذلك. قال ابن دقيق العيد: ويرجح قول من ذهب إلى هذا المعني بهذا الحديث. وبيان سبب النزول: طريقٌ قويٌ في فهمِ معاني كتابِ اللهِ العزيزِ، وهو أمر يحصل للصحابة بقرائن تحف (¬3) بالقضايا {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ} أي: يعتاضون ({بِعَهْدِ اللَّهِ}) أي: ميثاقه وهو: إيجابه على المكلفين أن يقوموا بالحق ويعملون بالعدل فكأنهم تعوضوا عن ترك ما أوجب الله عليهم من رعاية العهود والأيمان بشيء حقير من عرض الأثمان. فالشراء هنا مستعار ({وَأَيْمَانِهِمْ}) جمع يمين وهو الحلف بالله تعالى (إلى آخر الآية) قال البخاري (¬4): إلى {عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬5). ¬

_ (¬1) سقط من الأصل والمثبت من "شرح مسلم" للنووي. (¬2) انظر: "شرح مسلم" 2/ 160. (¬3) في النسخ: (تخفف) والمثبت من "إحكام الأحكام" لابن دقيق العيد ص 643. (¬4) (2515). (¬5) انظر: "المفهم" للقرطبي 1/ 351.

[3244] (حدثنا محمود بن خالد) بن يزيد السلمي [الدمشقي. قال أبو حاتم: ثقةٌ رضا (حدثنا) محمد بن يوسف (الفِرْيابي) بكسر الفاء وسكون الراء (¬1) وتخفيف المثناة تحت وبعد الألف موحدة نسبة إلى فرياب مدينة بالترك (¬2). قال العجلي: قلت له: ما تقول: أبو بكر أفضل أو لقمان؟ فقال: ما سمعت بهذا إلا منك. أبو بكر أفضل (¬3) (حدثنا الحارث بن سليمان) الكندي الكوفي وثقه ابن معين] (¬4) (حدثني كُرْدُوسٌ) بضم الكاف والواو وبعد الواو مهملة الثعلبي بالمثلثة والمهملة، وقيل بالمثناة والمعجمة. قيل كردوس ثلاثة متعاصرون (¬5) (عن الأشعث بن قيس) بن معدي كرب كما تقدم. قيل شهد اليرموك ثم القادسية ثم جلولاء (¬6) (أن رجلًا من كِنْدَةَ) بكسر الكاف، اسمه ثور بن مرتع بن مالك بن سبأ (¬7)، وكندة قبيلة كبيرة (ورجلاً من حضرموتَ) بفتح الحاء والراء والميم من أقصى بلاد اليمن. وفي الصحيحين (خصومة في بئر). فلعل المخاصمة في المجموع فمن ذكر الأرض فلأن البئر فيها، ومن ذكر البئر فهي المقصودة لسقي الأرض (¬8). وروى البخاري رواية ¬

_ (¬1) في (ع): الباء. وهو تصحيف. (¬2) انظر: "معجم ما استعجم" 3/ 1024، "النهاية" لابن الأثير 3/ 844. (¬3) "الثقات" للعجلي ص 491. (¬4) ما بين المعقوفين غير واضح في (ل) والمثبت من (ع). (¬5) انظر: "تهذيب الكمال" 24/ 169. (¬6) انظر: "تهذيب الكمال" 3/ 289. (¬7) في "التاريخ الكبير" لابن أبي خيثمة 2/ 748: كندة هو ثور بن مرتع .. .. فذكر نسبه، ثم قال: كذا نسب ابن إسحاق كندة. وانظر: "وفيات الأعيان" 2/ 463. (¬8) انظر: "فتح الباري" 11/ 560.

تبين سبب الخصومة وهي كانت بئر في أرض عمي كما سيأتي (اختصما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في أرض من اليمن، فقال الحضرمي) نسبة إلى حضرموت المذكورة (يا رسول الله، إن أرضي) ورثتها من أبي (اغتصبنيها أبو هذا) الكندي مني في جاهليته (وهي في يده) باقية إلى الآن (قال: هل لك) عليه (بينة؟ ) شرعية (قال: لا، ولكن أَحْلِفه) بفتح الهمزة وكسر اللام. ولكنِّي أُحَلِّفْهُ يقال في التعدي: أحلفه إحلافًا، وحلفه تحليفًا، واستحلفه: مسألة أن يحلف له (والله) أقسم أنه (ما يعلم أنها أرضي) ولا أنها (اغتصبنيها أبوه) مني وهذا كالاعتذار عنه، فإنه قيل: إنه كان قريبه فحفظ له حق القرابة (فتهيأ الكنديُّ لليمين) المطلوبة منه. (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يقتطع أحدٌ مالًا بيمينٍ) فاجرة (لا لقي الله وهو أجذمُ) بالجيم والذال المعجمة. قال ابن الأعرابي: هو أن من أقدم على اليمين بالله كاذبا لقي الله خالي اليد من الخير صفرها من الثواب (¬1). فمن لقي الله وهو معرض عنه - كما في الرواية الآتية لا (¬2) يحصل له الخير والثواب لمن أعرض عنه أو غضب عليه كما تقدم. (فقال الكندي) عند ذلك (هي أرضه) يا رسول الله تحرجًا من اليمين حين سمع هذا الوعيد الشديد والزجر الأكيد، وأعطاه الأرض وزاده أرضًا أخرى من عنده جبرا لما سلف من أبيه من الغصب وأخذ الأرض بغير حق. [3245] (حدثنا هناد بن السري، حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم ¬

_ (¬1) انظر: "معالم السنن" للخطابي 1/ 292، "النهاية" لابن الأثير 1/ 251. (¬2) في النسخ: أي. ولعل المثبت المناسب للسياق.

الحنفي مولاهم (عن سماك) بن حرب بن أوس الذهلي روى له البخاري في "القراءة خلف الإِمام" (¬1) والباقون (عن علقمة بن وائل بن حُجْر) بضم المهملة وسكون الجيم (الحضرمي) الكندي أخرج له مسلم والأربعة (عن أبيه) وائل بن حجر بن ربيعة الحضرمي كان قيْلًا من أقيال حضرموت وكان أبوه من ملوكهم بشر به النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه قبل قدومه (¬2). (قال: جاء رجل من حضرموتَ ورجل من كندةَ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) اختلف في هذين الرجلين، ففي الحديث المتقدم أنه الأشعث بن قيس ورجل من اليهود. وفي الحديث أن المتخاصمين: امرؤ القيس بن عابس، وربيعة بن عبدان (¬3) (فقال الحضرمي: يا رسول الله إن هذا قد غلبني على أرضٍ) أي: استولى عليها، وفيه دليل لمذهب مالك أن المدعي لا يلزمه تحديد المدعى به إن كان مما يحد (¬4)، ولا أن يصفه بجميع أوصافه كما يوسف المسلم فيه، بل يكفي من ذلك أن يتميز المدعى به تمييزًا تنضبط به الدعوى؛ لأنه لم يكلف المدعي تحديد الأرض ولا تعيينها بل اكتفى بكونها متميزة خلاف ما ذهب إليه الشافعي ومن تابعه حين ألزموا المدعي أن يصف المدعى به بحدوده وأوصافه المعينة التامة كما يوصف المسلّم فيه، وقد يجيب الشافعي بأن هذِه الأرض كانت معلومة الحدود والصفات من السامعين ¬

_ (¬1) "القراءة خلف الإِمام" (185). قلت: وروى له في "الصحيح" بعد حديث (6722) استشهادًا. (¬2) انظر: "جامع الأصول" لابن الأثير 12/ 966. (¬3) رواه مسلم (139). (¬4) في الأصل: (لا يحد) والمثبت من "المفهم" للقرطبي.

فاستغنى عن ذكرها. وحجة الشافعي أن الحاكم يسأل المدعي عليه عما أدعاه فإن أعترف لزمه ولا يلزمه أن يكون مجهولًا (كانت لأبي) قال القرطبي: ظاهره أن والد المدعي قد كان توفي، والأرض صارت للمدعي بالميراث، ومع ذلك فلم يطالبه النبي - صلى الله عليه وسلم - بإثبات الموت ولا بحصر الورثة فيه، فيحتمل أن ذلك كان معلومًا عندهم، ويحتمل أن يقال: لا يلزمه شيء من ذلك ما لم ينكره خصمه. وفيه دليل على أن من نسب خصمه إلى الغصب أو أنه فجر عليه ونحو ذلك حالة المحاكمة لم ينكر الحاكم عليه إلا أن يكون المقول له ذلك لا يليق به. بأن يكون المقول له مشهورًا بالدين الكثير والعلم والصلاح. (فقال الكندي) بل (هي أرضي في يدي أزرعها) أي: أتصرف فيها بالزرع وغيره (ليس له فيها حق) فيه دليل على أن ما كانت الدعوى فيه لا ينتزع من يد صاحب اليد بمجرد الدعوى، وأنه لا يسأل عن سبب ملكه، ولا عن سبب وضع يده عليها لقوة اليد (¬1). (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للحضرمي: ألك بينة؟ قال: لا. قال: ذلك) عليه (يمينه) إن شئت فاطلبها وإن شئت أترك (قال: يا رسول الله، إنه فاجر) هو الكاذب الجريء على الكذب (لا يبالي) أي: لا يكترث، يقال: ما أباليه ويقال: لم أبل بحذف ألف (ما حلف عليه) و (ليس يتورع من شيء) أي: لا يكف عن محرم ولا مكروه، وظاهر هذا أن ما يجري بين المتخاصمين في مجلس الحكم من مثل هذا الذم والتقبيح جائز ولا شيء على قائله؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقره على ذلك ولم ينكر عليه، وإلى ¬

_ (¬1) انظر: "المفهم" للقرطبي 1/ 348.

هذا ذهب [بعض أهل العلم] (¬1). والجمهور لا يجوزون شيئًا من ذلك ويرون إنكار ذلك ويؤدبون عليه تمسكًا بأصل قاعدة التحريم. واعتذروا عن هذا الحديث بأنه يحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - علم أن المقول له ذلك القول كان كما قيل له، وكان القائل صادقًا ولم يقصد أذاه وإنما قصد منفعة يستخرجها، ويرجى أنه إذا شُنِّع عليه ينزجر بذلك ويرجع إلى الحق. ويحتمل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يزجره؛ لأن المقول له لم يطالب بحقه في ذلك والله أعلم (قال: ليس لك منه إلا ذلك) يعني: إلا اليمين وإن كان فاجرا لا يتورع، وكذا لو كان كافرا ليس له عليه إلا اليمين (فانطلق) الكندي (ليحلف له) فيه دليل على أن اليمين لا تبذل أمام الحاكم، بل لها موضع مخصوص، وإن كانت مغلظة ففي أعظم موضع في ذلك البلد كالبيت الحرام بمكة (فلما أدبر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما) بالتخفيف والله (لئن حلف له) فيه حذف تقديره: من حلف يمينًا (على مال ليأكله ظلمًا (¬2) ليلقين الله تعالى وهو عنه معرضٌ) تقدم معنى إعراض الله وغضبه. وفيه دليل على استحباب وعظ المقدم على اليمين بأن يقرأ عليه {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ} وكما في هذا الحديث (¬3). * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين بياض في (ل)، (ر) والمثبت من "المفهم". (¬2) في المطبوع (ظالما). (¬3) انظر: "المفهم" 1/ 349 - 350.

3 - باب التغليظ في اليمين الفاجرة

3 - باب التغْلِيظ فِي اليَمينَ الفَاجِرَة 3243 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبّاحِ البَزّازُ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ، أَخْبَرَنا هِشامُ بْنُ حَسّانَ، عَنْ مُحَمَّدُ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ قال: قال النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ مَصْبُورَةٍ كاذِباً فَلْيَتبوَّأْ بِوَجْهِهِ مَقْعَدَهُ مِنَ النّارِ" (¬1). * * * باب التغليظ في اليمين الفاجرة [3242] (¬2) (حدثنا محمد بن الصبّاح البزاز) بزاءين كما تقدم (ثنا يزيد ابن هارون) السلمي الواسطي (أخبرني هشام بن حسان) الأزدي مولاهم (عن محمد بن سيرين، عن عمران بن حصين) رضي الله عنهما (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من حلف على يمين مصبورةٍ) أي: أُصبر لها، بمعنى: ألزم بها وحبس عليها وكانت لازمة لصاحبها من جهة الحكم (¬3). قال عياض: يحتمل أن الصبر بمعنى الإكراه أي: أكره حتى حلف، ويحتمل أنه بمعنى الجرأة والإقدام كقوله تعالى: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} (¬4). وقيل لها؛ مصبورة. تجوزاً؛ لأنها وإن كان صاحبها في الحقيقة هو المصبور؛ لأنه إنما صبر من أجلها، أي: حبس من جهة الحاكم على اليمين حتى يحلف بها. ولو حلف من غير الحاكم. لم ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة 11/ 369 (22589)، وأحمد 4/ 436، 441، والحاكم 4/ 294. وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1837). (¬2) سبق أن هذا الحديث مكانه في النسخ المطبوعة أول الباب. وانظر تعليقنا هناك. (¬3) انظر: "النهاية" لابن الأثير 3/ 9. (¬4) انظر: "إكمال المعلم شرح صحيح مسلم" 1/ 392.

يكن صبرًا، لكن وصفت اليمين بالصبر وأصيغت إليه مجازا (¬1). وقوله: "يمين مصبورة" الأكثر تنوين يمين ونصب صفة (¬2). وقيل: هو على الإضافة وحذف التنوين مثل رواية "الصحيح": " يمين صبر" (¬3) هو أيضًا بإضافة اليمين إلى صبر. ويمين الصبر: هي التي يحبس الحالف نفسه عليها (¬4). وقيل: المراد الحالف هو الذي صبر نفسه، أي: حبسها وقهرها على اليمين (كاذبًا) أي: متعمدًا للكذب مثل حديث: من كذب عليه متعمدًا (¬5). ومن لم يتعمد لا إثم عليه (فليتبوأ بوجهه مقعده من النار) يعبر عن جملة البدن بالوجه والرأس والرقبة فكأنه قال: فلينزل ببدنه في مقعده من النار. ويجوز أن يكون التقدير: فلينزل مكبًّا بوجهه في مقعده من النار كما قال تعالى: {فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} (¬6). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية" لابن الأثير 3/ 9. (¬2) كذا بالنسخ الخطية. (¬3) البخاري (4549)، ومسلم (138). (¬4) "شرح النووي على مسلم" 2/ 160. (¬5) البخاري (110)، ومسلم (3) من حديث أبي هريرة. (¬6) النمل: 90.

4 - باب الحلف بالأنداد

4 - باب الحَلِفِ بِالأَنْدادِ 3247 - حدثنا الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ، حدثنا عبد الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَلَفَ فَقالَ في حَلِفِهِ: واللاَّتِ، فَلْيَقُلْ: لا إله إِلاَّ اللهُ، وَمَنْ قالَ لِصاحِبِه. تَعالَ أُقامِرْك، فَلْيَتَصَدَّقْ بِشَيء" (¬1). * * * باب الحلف بالأنداد [3247] (حدثنا الحسن بن علي) الحلواني (حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف الزهريّ (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من حلف) على فعل شيء (فقال في حلفه: واللات) زاد البخاري: "والعزى". اللات والعزى ومناة أصنام ثلاثة كانت في جوف الكعبة، وقيل: كانت اللات بالطائف والعزى بغطفان (¬2)، وهي التي هدمها خالد بن الوليد، ومناة بقديد، وقيل: بالمشلل، وأما اللات فقيل: إنهم أرادوا به تأنيث اسم الله فصرف الله ألسنتهم عن ذلك الاسم العظيم أن يسمى به غيره كما صرف ألسنتهم عن سب محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى مذمم، فكانوا إذا تكلموا باسمه في غير [السب قالوا (¬3)]: محمد، فإذا أرادوا أن يذموه، قالوا: مذممًا، حتى ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4860)، ومسلم (1647). (¬2) في (ر): يقطعان. (¬3) في (ر): السبب فقالوا.

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ألا تعجبون بما صرف الله عني من أذى قريش يسبون مذممًا وأنا محمد" (¬1)، ولمَّا نشأ القوم على تعظيم تلك الأصنام وعلى الحلف بها وأنعم الله عليهم بالإسلام (¬2) بقيت تلك الأسماء تجري على ألسنتهم بغير قصد للحلف بها، فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -" من سبق لسانه إلى شيءٍ من ذلك فليقل بعده: لا إله إلا الله" تكفيرًا (¬3) لتلك اللفظة وتذكيرًا له من الغفلة (¬4)، وإتمامًا لنعم الله تعالى بالهداية للإسلام، وخص اللات بالذكر في هذا الحديث لأنها أكثر ما كانت تجري على ألسنتهم، وحكم غيرها من أسماء آلهتهم حكمها؛ إذ لا فرق بينها (¬5). ولم يذكر في الحلف باللات كفارة، ولو وجبت لوجب تبيينها لتعين الحاجة لذلك، وليس ذلك بكفر وإن كان محرمًا، ألا ترى إلى قوله: "فليقل: لا إله إلا الله". ولم ينسبه إلى الكفر. (ومن قال لصاحبه: تعالَ) بفتح اللام (أُقَامِرْكَ) بالجزم جواب الأمر، والقمار حرام بالاتفاق، والمعنى: أن من قال ذلك جريًا على عادته الأولى (ف) ليتب و (ليتصدق) والحكمة في تخصيص الصدقة دون غيرها أنها تعويض عن أكل المال بالباطل، فأمروا بأكله بالمعروف والحق. قال القرطبي: والظاهر وجوب التهليل كما في ما قبله، وهذِه الصدقة ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3340) بنحوه. (¬2) سقط من (ر). (¬3) في (ر): تكبيرا. (¬4) في النسخ الخطية: العلقة، والمثبت من "المفهم". (¬5) انظر: "المفهم" للقرطبي 4/ 625 - 626.

غير مقدرة فيكفي ما يقع عليها الاسم كما في صدقة المناجاة. قال الخطابي: يتصدق بقدر ما أراد أن يقامر به (¬1). وقال بعض الحنفية: بقدر كفارة يمين. وهذا فاسد (¬2). قال النووي: والصواب الذي عليه المحققون وهو ظاهر الحديث أنه لا يختص بمقدار، بل يتصدق بما تيسر ويؤيده رواية المصنف ومسلم في رواية معمر: "فليتصدق بشيء". وفيه دليل لمذهب الجمهور أن العزم على المعصية إذا استقر في القلب (¬3) كان ذنبًا يكتب عليه فلهذا أمر فيه بالصدقة دون المخاطر كما تقدم (¬4). * * * ¬

_ (¬1) "معالم السنن" 4/ 45. (¬2) "المفهم" للقرطبي 4/ 626، وانظر: "معالم السنن" 4/ 45. (¬3) مطموسة في (ل). (¬4) "شرح مسلم" للنووي 11/ 107 - 108.

3 - باب ما جاءَ في تَعْظيمِ اليَمِينِ عِنْدَ مِنْبَرِ النَّبيِّ 3246 - حدثنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا ابن نُمَيْرٍ، حدثنا هاشِمُ بْن هاشِمٍ أَخْبَرَني عبد اللهِ بْنُ نِسْطاسٍ -مِنْ آلِ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ- أَنَّهُ سَمِعَ جابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَحْلِفُ أَحَدُ عِنْدَ مِنْبَري هذا عَلَى يَمِينٍ آثِمَةٍ وَلَوْ عَلَى سِواكٍ أَخْضَرَ إِلاَّ تبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنَ النّارِ". أَوْ: "وَجَبَتْ لَهُ النّارُ" (¬1). * * * في تعظيم اليمين على منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2) [3246] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا) عبد الله (بن نمير) الهمداني (حدثنا هاشم بن هاشم) الزهري الوقاصي (أخبرني عبد الله بن نَسطاس) بفتح النون وسكون المهملة الأولى، المدني (من آل كثير) بكسر المثلثة (ابن الصلت) بن معدي كرب الكندي. قيل: إنه كان اسمه قليلاً، فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - كثيرا، والأصح أن الذي سماه كثيرا عمر (¬3). وليس لعبد الله بن نسطاس في السنة غير هذا الحديث (أنه سمع جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يحلفُ أحدٌ عند منبري هذا) ولفظ رواية أحمد (¬4): " لا يحلف عند هذا المنبر عبد ولا أمة" وصحح الحاكم نحوه (¬5). ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (2325)، ومالك 2/ 727، وأحمد 3/ 344، والنسائي في "السنن الكبرى" (6018)، وابن حبان (4368). وصححه الألباني في "المشكاة" (3778). (¬2) سقط هذا الباب بأحاديثه وشرحها من (ر). (¬3) انظر: "الطبقات الكبرى" لابن سعد 5/ 14، "تهذيب الكمال" 24/ 128. (¬4) "المسند" 2/ 518. (¬5) "المستدرك" 4/ 296.

والمراد بقوله "عند المنبر" أي: مما يلي القبر الشريف لحديث: "ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة" (¬1) وصرح به قبل الباب الثالث في جوامع اللعان. وقد استدل أصحابنا بهذا الحديث على أن من غلظت عليه اليمين بالمكان فليحلف في أشرف مكان في تلك البلدة، فإن كان بالمدينة فعند المنبر؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لاعن العجلاني وامرأته عند المنبر، وفي كلام الشافعي في "الأم" و"المختصر" على المنبر (¬2). وفي كلام القاضي حسين فيمن يصعد ثلاثة أوجه: أحدها: المحلف وهما تحته. (على يمين آثمة) بمد الهمزة أي: يأثم فيها (ولو) كانت يمينه (على سواكٍ أخضرَ) رواية ابن ماجه (¬3) والحاكم (¬4) "سواك رطب" وفيه دليل على تغليظ اليمين المباحة في الشيء التافه وهو وجه ضعيف، والمشهور أنها لا تغلظ فيما دون النصاب. قال إبراهيم المروزي: لأنه تافه فلا تؤكد فيه اليمين (إلا تبوأ مقعده من النار) أي: ليستعد لليمين الذي يبوئه النار. يقال: بوأه الله منزلا. أي: أسكنه إياه، وتبوأت منزلا: اتخذته (¬5) (أو) قال (وجبت له النارُ) فيه جوابان مشهوران: أحدهما: أنه محمول على المستحل لذلك إذا مات على ذلك فإنه ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1196) ومسلم (1391) من حديث أبي هريرة. (¬2) "الأم" 6/ 726، و"مختصر المزني" المطبوع مع "الأم" ط. المعرفة 8/ 313. (¬3) (2326). (¬4) "المستدرك" 4/ 297. (¬5) انظر: "النهاية" لابن الأثير 1/ 159.

يكفر ويخلد في النار. والثاني: معناه أنه استحق النار، ويجوز عفو الله تعالى عنه، أو حرم عليه دخول الجنة أول وهلة مع الفائزين حتى يدخل النار (¬1). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "شرح مسلم" للنووي 1/ 161 - 162.

5 - باب في كراهية الحلف بالآباء

5 - باب في كَراهِيةِ الحَلِفِ بِالآباءِ 3248 - حدثنا عُبَيْدُ اللهِ بْن مُعاذٍ، حدثنا أَبي، حدثنا عَوْفٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَحْلِفُوا بِآبائِكُمْ وَلا بِأُمَّهاتِكُمْ وَلا بِالأنْدادِ وَلا تَحْلِفُوا إِلاَّ باللهِ وَلا تَحْلِفُوا باللهِ إِلاَّ وَأَنْتُمْ صادِقُونَ" (¬1). 3249 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حدثنا زُهَيْرٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَدْرَكَه وَهُوَ في رَكْبٍ وَهوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَقالَ: "إِنَّ الله يَنْهاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبائِكُمْ فَمَنْ كانَ حالِفًا فَلْيَحْلِفْ باللهِ أَوْ لِيَسْكُتْ" (¬2). 3250 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حدثنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، حدثنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ سالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ -رضي الله عنه- قال: سَمِعَني رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَ مَعْناهُ إِلَى: "بِآبائِكُمْ" .. زادَ قالَ عمر: فَواللهِ ما حَلَفْتُ بهذا ذاكِرًا وَلا آثِرًا (¬3). 3251 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حدثنا ابن إِدْرِيسَ قالَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ قال: سَمِعَ ابن عُمَرَ رَجُلاً يَحْلِفُ لا والكَعْبَةِ فَقالَ لَهُ ابن عُمَرَ: إِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللهِ فَقَدْ أَشْرَكَ" (¬4). 3252 - حدثنا سُلَيْمانُ بْنُ داوُدَ العَتَكيُّ، حدثنا إِسْماعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ المَدَنيُّ، عَنْ أَبي سُهَيْلٍ نافِعِ بْنِ مالِكِ بْنِ أَبي عامِرٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ يَعْني في حَدِيثِ قِصَّةِ الأَعْرابيِّ قالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ دَخَلَ ¬

_ (¬1) رواه النسائي 7/ 5، وابن حبان (4357). وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (7249). (¬2) رواه البخا ري (6108)، ومسلم (1646). (¬3) رواه البخاري (6647)، ومسلم (1646/ 3). (¬4) رواه الترمذي (1535)، وأحمد 2/ 125، وابن حبان (4358). وصححه الألباني في "الإرواء" (2561).

الجَنَّةَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ" (¬1). * * * باب في كراهية الحلف بالآباء [3249] (حدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) اليربوعي الكوفي (حدثنا زهير، عن عبيد الله) بالتصغير (ابن عمر) بن حفص بن عاصم ابن عمر بن الخطاب (عن نافع، عن) عبد الله (بن عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أدركه) يعني عمر بن الخطاب (وهو) زاد البخاري (¬2): يسير (في ركب) الركب: ركبان الإبل وهم العشرة فصاعدًا (وهو يحلف بأبيه) قال المهلب: كانت العرب في الجاهلية تحلف بآبائها وآلهتها، فأراد الله تعالى أن ينسخ من قلوبها وألسنتها ذكر كل شيء سواه ويبقى ذكره عز وجل؛ لأنه الحق المعبود (¬3). فالحلف بالآباء والأشراف ورؤوس السلاطين والأمراء والرؤساء وحياتهم ونعمهم ونحو ذلك -قال القرطبي-: لا ينبغي أن يختلف في تحريمه (¬4). (فقال: إن الله ينهاكم) عن (أن تحلفوا بآبائكم) والحكمة في النهي عن الحلف بالآباء ومن في معناهم من المخلوقين أن الحلف (¬5) به يقتضي تعظيم المحلوف به، وحقيقة (¬6) العظمة مختصة بالله تعالى فلا يضاهى ¬

_ (¬1) سبق برقم (391، 392). وهو صحيح. (¬2) (6270). (¬3) انظر: "فتح الباري" 11/ 535. (¬4) انظر: "المفهم" 4/ 621. (¬5) في النسخ الخطية: أن يحلف. والمثبت موافق لما في "شرح مسلم" للنووي. (¬6) في (ر): وهذِه.

به غيره (¬1) (فمن كان حالفًا) ولا محالة عنها (فليحلف بالله) تعالى أو بصفة من صفاته كقوله: والله رب العالمين، ومن نفسي بيده. قال الماوردي في الأقضية (¬2): لا يجوز الحلف بالطلاق ولو بلغ الإمام أن حاكمًا يحلف الناس بالطلاق والعتاق عزله. وذكر في "الأحكام السلطانية" أن للمحتسب التحليف بالطلاق بخلاف القاضي (¬3). وروى ابن عساكر (¬4) في "تاريخه": ما حلف بالطلاق مؤمن، ولا استحلف (¬5) به إلا منافق. (أو ليسكت) لفظ البخاري: "أو ليصمت". يعني: عن اليمين بغيره. زاد البخاري في رواية: قال عمر: فوالله ما حلفت بها منذ سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذاكرًا ولا آثرًا (¬6). يعني: ما حلفتُ بها قائلًا لها من قبل نفسي، ولا آثرًا يعني: ذاكزا لها عن غيري ناقلاً عنه، وهو بلفظ الفاعل من الأثر وهو الرواية ونقل كلام الغير. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "شرح مسلم" للنووي 11/ 105. (¬2) هذا كلام الإِمام الشافعي نقله عنه الماوردي في "الحاوي الكبير" 17/ 128. (¬3) لم أقف عليه في "الأحكام السلطانية" ونقله عن الماوردي ابن حجر الهيثمي في "تحفة المحتاج" 10/ 4. (¬4) في النسخ الخطية: البخاري. خطأ. والمثبت الصواب. انظر: "تاريخ دمشق" 57/ 393. وقال: غريب جدًا. (¬5) في (ل) و (ر): استمسك، والمثبت هو الموافق لما في "تاريخ دمشق" لابن عساكر. (¬6) (6271).

6 - باب في كراهية الحلف بالأمانة

6 - باب في كَراهِيَةِ الحَلِفِ بِالأَمانَةِ 3253 - حدثنا أَحْمَد بْنُ يُونُسَ، حدثنا زُهَيْرٌ، حدثنا الوَلِيدُ بْنُ ثَعْلَبَةَ الطّائيُّ، عَنِ ابن بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَلَفَ بِالأَمانَةِ فَلَيْسَ مِنّا" (¬1). * * * باب في كراهية الحلف بالأمانة [3253] (حدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) الخلال (¬2) شيخ الشيخين (حدثنا زهير، حدثنا الوليد بن ثعلبة) ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3) (الطائي) نسبة إلى طيء، واسمه جلهمة بن أدد بن قحطان (¬4) (عن) عبد الله (بن بريدة) قاضي مرو وعالمها (عن أبيه) بريدة بن الحصيب لأنَّه (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من حلف بالأمانة) وأراد بالأمانة الفرائض، أي: لا تحلفوا بالصلاة والحج والزكاة والصيام ونحو ذلك (فليس منا) أي: ليس من ذوي طريقتنا. كره النبي - صلى الله عليه وسلم - الحلف بالأمانة؛ لأنها ليست داخلة في أسماء الله تعالى ولا في صفاته، ولأنه كان عادة أهل الكتاب. قال في "النهاية" (¬5): يشبه أن تكون الكراهة فيه لأجل أنه أمر أن ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 352، وابن حبان (4363). وصححه الألباني في "الصحيحة" (94). (¬2) هكذا بالنسخ، ولم أقف على ذكر الخل الذي نسبه وانظر: "تهذيب الكمال" 1/ 375 (64)، و"سير أعلام النبلاء" 10/ 457. (¬3) 4/ 349. (¬4) انظر: "الأنساب" للسمعاني 4/ 35. (¬5) "النهاية" لابن الأثير 1/ 166.

يحلف بأسماء الله وصفاته، والأمانة أمرٌ من أموره فنهوا عنها من أجل التسوية بينها وبين أسماء الله تعالى كما نهوا أن يحلفوا بآبائهم، وإذا قال الحالف: وأمانة الله كانت (¬1) يمينًا عند أبي حنيفة (¬2) ولم يعدها الشافعي يمينًا (¬3). * * * ¬

_ (¬1) في (ر): كان. (¬2) "الأصل " 3/ 179. (¬3) "الأم" 8/ 152، وانظر: "الحاوي" 15/ 261.

7 - باب لغو اليمين

7 - باب لَغْوِ اليَمِينِ 3254 - حدثنا حُمَيْدُ بْن مَسْعَدَةَ السّاميُّ، حدثنا حَسّانُ -يَعْني: ابن إِبْراهِيمَ- حدثنا إِبْراهِيمُ -يَعْني: الصّائِغَ- عَنْ عَطَاءٍ في اللَّغْوِ في اليَمِينِ قال: قالَتْ عائِشَةُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "هُوَ كَلامُ الرَّجُلِ في بَيْتِهِ كَلاَّ والله وَبَلَى والله". قالَ أبو داودَ: كانَ إِبْراهِيمُ الصّائِغُ رَجُلاً صالًحِا قَتَلَةُ أَبُو مُسْلِمٍ بِعَرَنْدَسَ. قال: وَكانَ إِذا رَفَعَ المَطْرَقَةَ فَسَمِعَ النِّداءَ سَيَّبَها. قالَ أَبُو داوُدَ: رَوى هذا الحَدِيثَ داوُدُ بْنُ أَبي الفُراتِ، عَنْ إِبْراهِيمَ الصّائِغِ مَوْقُوفًا عَلَى عائِشَةَ وَكَذَلِكَ رَواهُ الزّهْريُّ وَعَبْدُ المَلِكِ بْنُ أَبي سُلَيْمانَ وَمالِك بْن مِغْوَلٍ وَكُلُّهُمْ، عَنْ عَطاءٍ، عَنْ عائِشَةَ مَوْقُوفًا (¬1). * * * باب لغو اليمين [3254] (حدثنا حميد بن مسعدة) بن مبارك (السامي) (¬2) الباهلي البصري شيخ مسلم والأربعة (حدثنا حسان بن إبراهيم) الكرماني قاضي كرمان، أخرج له الشيخان (حدثنا إبراهيم) بن ميمون (الصائغ) بالغين المعجمة أبو إسحاق (عن عطاء) بن أبي رباح -رضي الله عنه- أنه سئل (عن اللغو في اليمين) المذكور في قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} (¬3). (قال: قالت عائشة) رضي الله عنها (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال) ¬

_ (¬1) رواه الطبري في "تفسيره" 2/ 405، وابن حبان 10/ 176 (4333)، والبيهقي 10/ 49. وصححه الألباني في "الإرواء" (2567). ورواه موقوفًا البخاري (4613، 6663). (¬2) في (ر): الشامي. (¬3) البقرة: 225.

لغو اليمين (هو كلام الرجل في بيته) مع زوجته أو أهله أو غيرهم في أثناء الكلام (كلا والله) ما كان كذا، فهي في الغالب نفي ورح لإثباتٍ تقدم (وبلى والله) إثبات لنفي متقدم، ورواية البخاري بلفظ "أنزلت في لا والله وبلى والله" (¬1). والمراد بقوله: "كلا والله وبلى والله" أنها لغو لا كفارة فيها، يعني: على البدل لا على الجمع بينهما، فإنه لو قال في يمين واحدة: لا والله وبلى والله ما جرى كذا، قال الماوردي: إذا كانتا في وقتٍ واحد كانت الأولى لغوًا والثانية منعقدة؛ لأنها استدراك للفظ الأول فصارت مقصودة (¬2). وحد اللغو الذي لا ينعقد عندنا وعند الجمهور ما سبق لسانه إلى لفظ بلا قصد. وجعل منه صاحب "الكافي" ما إذا دخل على صاحبه فأراد أن يقوم له فقال: لا والله، وهذا مما تعم به البلوى. قال ابن الصباغ (¬3) وغيره: وهذا إذا لم يتعلق به حق آدمي، فإن تعلق به كما في الحلف على ترك وطء زوجته فينبغي أن لا يصدق عليه، والمنقول في "الحاوي" و"الشامل" وغيرهما أن اللغو في الطلاق والعتق لا يجري في الظاهر، وعلل الرافعي بتعلق حق الغير به (¬4). ¬

_ (¬1) (6286). (¬2) "الحاوي الكبير" 15/ 289. (¬3) هو الإِمام العلامة شيخ الشافعية، أبو نصر عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن جعفر البغدادي، الفقيه المعروف بابن الصباغ، مصنف كتب "الشامل"، "الكامل"، "تذكرة العالم والطريق السالم" توفي سنة (477). انظر: "سير أعلام النبلاء" 35/ 437. (¬4) "الشرح الكبير" 10/ 433.

(قال المصنف: إبراهيم) بن ميمون (الصائغ) من أهل مرو (قتله أبو مسلم) عبد الرحمن الخراساني سنة إحدى وثلاثين ومائة مظلومًا وكان قد أظهر الدعوة (¬1) للعباسيين في خلافة إبراهيم بن عبد الملك و (¬2) مروان الجعدي الملقب بالحمار لشجاعته، وقيل: لبلادته. (بقلندس) بفتح القاف والسلام وسكون النون وكسر الدال بعدها سين مهملة، وفي بعض النسخ: بفرندس بفتح (¬3) الفاء وسكون النون (¬4) من مدينة مرو (¬5). (قال: وكان) إبراهيم (إذا رفع المطرقة) بكسر الميم (فسمع (¬6) النداء) أي نداء المؤذن (سيبها) من يده، وذهب إلى الصلاة؛ ليدخل في قوله تعالى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} (¬7) فقد جاء في تفسير هذِه الآية أنهم كانوا حدادين وخرازين، فكان أحدهم إذا رفع المطرقة أو غرز الإشفى (¬8) فسمع الأذان لم يخرج الإشفى من المغرز ¬

_ (¬1) في (ر): الدعوى. (¬2) في (ل)، (ر) بياض. وفي النسخة الثالثة: ابن. والمثبت الصواب، إذ مروان بن محمد الحمار تولى الخلافة بعد إبراهيم وكان آخر خلفاء بني أمية. (¬3) بياض في النسخ الخطية ولعلها هكذا. (¬4) زاد هنا في (ل): اللام. (¬5) لم أقف عليها في كتب البلدان، وقد قال صاحب "عون المعبود" 9/ 113: (بعرندس) بالعين المهملة المفتوحة وبعدها راء مهملة مفتوحة كذا في النسخ، قال أهل اللغة العرندس الأسد العظيم، والنون والسين زائدتان انتهى. وفي بعض النسخ: الفرندس بالفاء قبل الراء ولم يظهر لي معناه. (¬6) في (ر): يسمع. (¬7) النور: 37. (¬8) في (ر): الأشقى والمثبت من (ل). قال في "مختار الصحاح" مادة أش ف: الإشْفَى للإسكاف، بكسر الهمزة مقصور، والجمع: الأَشَافي بوزن الأثافي وهو المخرز.

ولم يوقع المطرقة ورمى بها وقام إلى الصلاة، والخياطين والخواصين في معنى الخرازين، والدقاقين في معنى الحدادين، فينبغى لمريد الآخرة أن لا يمنعه متجر الدنيا بالأسواق عن متجر الآخرة في المساجد، فقد كان (¬1) صالحو السلف يكونون أول النهار وآخره في المساجد ووسط النهار في الأسواق فلم يكن يبيع الهريسة [أول النهار] (¬2) والرؤوس آخره إلا الصبيان وأهل الذمة (¬3). (قال المصنف: روى هذا الحديث داود بن أبي الفرات) الكندي المروزي، أخرج له البخاري وغيره (عن إبراهيم) بن ميمون (الصائغ) المروزي (موقوفًا على عائشة) رضي الله عنها (وكذلك رواه الزهري وعبد الملك بن أبي سليمان) الكوفي الحافظ أخرج له مسلم (ومالك ابن مغول) البجلي الكوفي، ورواه الشافعي (¬4) أيضًا (كلهم عن عطاء) ابن أبي رباح (عن عائشة موقوفًا) وكذلك رواه البخاري (¬5) والشافعي (¬6) ومالك (¬7)، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة موقوفًا وصحح الدارقطني -رضي الله عنه- الوقف (¬8). * * * ¬

_ (¬1) في (ر): كانوا. (¬2) في (ر): أولا والنهار. (¬3) انظر: "إحياء علوم الدين" 2/ 85. (¬4) "المسند" بترتيب السندي (245). (¬5) (ح 4613). (¬6) "المسند" بترتيب السندي (244). (¬7) "الموطأ" (1015). (¬8) "علل الدارقطني" 14/ 146.

8 - باب المعاريض في اليمين

8 - باب المَعارِيضِ في اليَمينِ 3255 - حدثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قال: أَنا هُشَيْمٌ ح، وَحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حدثنا هُشَيْمً، عَنْ عَبّادِ بْنِ أَبِي صالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَمِينُكَ عَلَى ما يُصَدِّقُكَ عَليْها صاحِبُكَ" .. قالَ مُسَدَّدٌ قالَ: أَخْبَرَني عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبي صالِحٍ. قالَ أَبُو داوُدَ: هُما واحِدٌ: عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبي صالِحٍ وَعَبّادُ بْنُ أَبي صالِحٍ (¬1). 3256 - حدثنا عَمْروٌ بْن مُحَمَّدٍ النّاقِدُ، حدثنا أبو أَحْمَدَ الزُّبَيْريُّ، حدثنا إِسْرائِيلُ، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ جَدَّتِهِ، عَنْ أَبِيها سُوَيْدِ بْنِ حَنْظَلَةَ قال: خَرَجْنا نُرِيدُ رَسُولَ اللهِ وَمَعَنا وائِلُ بْن حُجْرٍ فَأَخَذَهُ عَدُوٌّ لَهُ فَتَحَرَّجَ القَوْمُ أَنْ يَحْلِفُوا وَحَلَفْتُ أَنَّةُ أَخي فَخَلَّى سَبِيلَهُ فَأَتَيْنا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّ القَوْمَ تَحَرَّجُوا أَنْ يَحْلِفُوا وَحَلَفْتُ أَنَّهُ أَخي قالَ: "صَدَقْتَ المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ" (¬2). * * * باب المعاريض في اليمين يعني: وغيرها من الكلام، وفي حديث: أو عن بعض (¬3): إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب (¬4). المعاريض: جمع معراض، من ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1653/ 20). (¬2) رواه ابن ماجه (2119)، وأحمد 4/ 79. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3758). (¬3) وقع في حاشية (م): [قوله: في حديث أو عن بعض) قلت: رواه البخاري في "الأدب"عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن عمران بن حصين موقوفًا]. (¬4) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (885) موقوفًا على عمران بن حصين وقال الألباني: صحيح، انظر: "صحيح الأدب المفرد" 1/ 327.

التعريض وهو خلاف التصريح من القول. يقال: عرفت ذلك في معراض كلامه وفي معرض كلامه بحذف الألف. قال في "النهاية": أخرجه أبو عبيد وغيره في حديث عمران بن حصين، وهو حديث مرفوع (¬1). [3255] (حدثنا عمرو بن عون) الواسطي البزاز شيخ البخاري (¬2) (وحدثنا مسدد، أنا هشيم (¬3) عن عباد بن أبي صالح قال: أخبرني عبد الله بن أبي صالح) (¬4) السمان المدني، أخرج له مسلم، وليس له في الكتب الستة غير هذا الحديث، وأخرجه أحمد (¬5) أيضًا (ثم اتفقا (¬6) عن أبيه أبي صالح) ذكوان السمان. (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يمينك) التي يجوز لك أن تحلف عليها هي (ما يصدقك عليها صاحبك) بحيث لو أطلع عليها لعلم أنها حق وصدق في نفس حقيقتها، وهي صادقة، ظاهر الأمر فيها كباطنه ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية" لابن الأثير 5/ 295. (¬2) زاد هنا في (ر): السمان المدني. والصواب أنها ليست من نسب عمرو إنما هي من نسب أبي صالح الآتي بعده. (¬3) في (ر): هشام. (¬4) كذا بالنسخ وهو ملبس. والذي في نشرة شعيب 5/ 157: حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا هشيم، عن عباد بن أبي صالح، وحدثنا مسدد، حدثنا هيثم: أخبرني عبد الله بن أبي صالح. أي: أن عمرًا سماه عبادًا، ومسددًا سماه عبد الله. قال المزي في "تحفة الأشراف" 9/ 432: عمرو بن عون ومسدد، كلاهما عن هشيم- قال عمرو بن عون: عن عباد بن أبي صالح، وقال مسدد: عن عبد الله بن أبي صالح- به. قال د: هما واحد. (¬5) "المسند" 2/ 228. (¬6) من (ل).

وسره كعلنه فيصدقك على ما حلفت عليه إذا اطلع عليك، فهذا خطاب لمن أراد أن يقدم على يمين فحقه أن يعرض اليمين على نفسه فإن رآها كما ذكرنا حلف إن شاء وإلا أمسك فإنها لا تحل له، هذا فائدة هذا اللفظ كما قاله القرطبي (¬1). (قال مسدد: وقال: أخبرني عبد الله بن أبي صالح. قال) المصنف (هما واحد عباد بن أبي صالح وعبد الله) بن أبي صالح اسمان (¬2) لمسمى (¬3) (واحد) وهو ابن ذكوان السمان. [3256] (حدثنا عمرو بن محمد) بن بكير (الناقد) أبو (¬4) عثمان البغدادي شيخ الشيخين. (حدثنا أبو أحمد) محمد بن عبد الله بن الزبير ابن عمر بن درهم الأسدي مولاهم (الزبيري) بضم الزاي نسبة إلى جده الكوفي الحبال (حدثنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي. (عن إبراهيم بن عبد الأعلى) الجعفي (¬5) مولاهم الكوفي. (عن جدته، عن أبيها سويد (¬6) بن حنظلة) قال ابن عبد البر: لا أعرف له نسبًا، ولا أعلم له غير هذا الحديث (¬7)، وحكى المزي عن سفيان ¬

_ (¬1) "المفهم" 4/ 634. (¬2) سقط من (ر). (¬3) في (ر): المسمى. (¬4) في (ر): ابن (¬5) في (ر): الحنفي. (¬6) في (ر): سعيد. (¬7) "الاستيعاب" 2/ 676.

الثوري، عن [عياش العامري] (¬1) عن سويد بن حنظلة البكري أنه قال: مر بقومٍ يؤمهم رجل من المصحف في رمضان فكره ذلك ونحى (¬2) المصحف (¬3). (قال: خرجنا نريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعنا وائل بن حجر) الحضرمي (فأخذه عدو له) ليقتله (فتحرج (¬4) القوم) أي: امتنعوا من (أن يحلفوا) خوفًا من الوقوع في الحرج وهو الإثم والضيق، ويدل عليه رواية بعضهم: وأبى أصحابي أن يحلفوا. وفي حديث قتل الحيات: "فليحرج عليها" (¬5) هو أن يقول لها: أنت في ضيق إن عدت ظهرت لنا فلا تلومي إلا نفسك أن نضيق عليك بالتتبع (¬6) والطرد والقتل (وحلفت) لهم (أنه أخي) على نية أنه أخي في الإِسلام (فخلى سبيله فأتينا النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته) بعد السلام عليه (أن القوم تحرجوا أن يحلفوا) أنه أخوهم (وحلفت أنه أخي فقال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وزاد في رواية أحمد: "أنت كنت أبرّهم وأصدقهم" (¬7) (صدقت) في يمينك (المسلم أخو المسلم) كما قال الله تعالى: {إِنَّمَا ¬

_ (¬1) في النسخ: عباس. والعامري. والمثبت هو الموافق لما في "مصنف ابن أبي شيبة" 5/ 87 (7301)، و"المصاحف" لابن أبي داود ص 453 وقد روياه مسندًا. (¬2) في (ر): ونحو. (¬3) "تهذيب الكمال" 12/ 246 (2642). (¬4) في (ل): فحرج. وفي (ر): فخرج. والمثبت من المطبوع (3256). (¬5) سيأتي (5256). (¬6) بياض في (ر) والمثبت هو الموافق لما في (ل) ولما في "النهاية" لابن الأثير 1/ 828. (¬7) "المسند" 4/ 79.

الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (¬1)، وهذِه اليمين واجبة؛ لأن فيها إنجاء المعصوم، وكذا إذا كان فيها إنجاء نفسه كما إذا ادعى عليه القتل وتوجهت عليه أيمان القسامة في دعوى القتل عليه وهو بريء منه (¬2)، فمهما كان في الصدق سفك دم مسلم قد اختفى من ظالم فالكذب فيه واجب، لكن استعمال المعاريض أولى إن أمكن بأن يقول عن المختفي: ما رأيته بيته (¬3)، ما أصبت رئته (¬4)، ونحو ذلك. وإنما تستعمل (¬5) المعاريض إذا اضطر الإنسان إلى الكذب. فمنها ما إذا بلغ الرجل عنك شيء فكرهت أن تكذب فقل: إن الله يعلم ما قلت من ذلك شيء (¬6). فيكون قولك (ما) حرف نفي عند المستمع وعندك للإبهام، وكان معاذ عامل عمر فلمَّا رجع قالت امرأته: ما جئت به مما يأتي به العمال من الهدايا شيء؟ ولم يكن أتى معه بشيء، فقال: كان معي ضاغط. قالت: كنت أمينًا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعند أبي بكر فبعث [عمر] (¬7) معك ضاغطًا؟ فقامت بذلك في نسائها، فلمَّا بلغ ذلك عمر دعا معاذًا وقال: أبعثت (¬8) معك ضاغطًا؟ فقال: لم أجد ما أعتذر به إليها إلا ذلك، ¬

_ (¬1) الحجرات: 10. (¬2) انظر: "المغني" لابن قدامة 11/ 167. (¬3) هكذا في (ل) وسقطت من (ر). (¬4) انظر: "لسان العرب" 14/ 291. (¬5) في (ر): استعمل. (¬6) من كلام إبراهيم النخعي كما في "الإحياء". (¬7) من "الإحياء". (¬8) في (ل) و (ر): أبعث. والمثبت هو الموافق لما في "الإحياء".

فضحك عمر وأعطاه شيئًا وقال: أرضها به (¬1). وقوله: ضاغطًا. يعني ربه تعالى، وكان (¬2) إبراهيم النخعي لا يقول لابنته (¬3): أشتري لك سكرًا. بل يقول: أرأيت لو اشتريت لك. فإنه ربما لا يتفق له ذلك (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 96/ 365 وعنى بالضاغط أن الله رقيب عليه، قال في "تاج العروس" 19/ 450 (ومن المجاز: الضاغط مثل الرقيب والأمين على الشيء، يقال: أرسله ضاغطا على فلان سمي بذلك لتضييقه على العامل). (¬2) في (ر): فكان. (¬3) في (ر): لأتيته. والمثبت من (ل) و"الإحياء". (¬4) انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي 3/ 139.

9 - باب ما جاء في الحلف بالبراءة وبملة غير الإسلام

9 - باب ما جاءَ في الحَلِفِ باِلبَراءَةِ وبمِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلامِ 3257 - حدثنا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نافِعٍ، حدثنا مُعاوِيَة بْن سَلّامٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبي كَثِيرٍ، قال: أَخْبَرَني أَبُو قِلابَةَ أَنَّ ثابِتَ بْنَ الضَّحّاكِ أَخْبَرَهُ أَنَّةُ بايَعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَحْتَ الشَّجَرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ مِلَّةِ الإِسْلامِ كاذِبًا فَهُوَ كَما قال: وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيء عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ وَلَيْسَ عَلَى رَجُلٍ نَذْرٌ فِيما لا يَمْلِكُهُ" (¬1). 3258 - حَدَّثَني أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حدثنا زَيْدُ بْنُ الحُبابِ، حدثنا حُسَيْنٌ - يَعْني ابن واقِدٍ - حَدَّثَني عَبْدُ اللهِ بْنُ بُريدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَلَفَ فَقال: إِنّي بَريءٌ مِنَ الإِسْلامِ فَإنْ كانَ كاذِبًا فَهُوَ كَما قالَ، وَإِنْ كانَ صادِقًا فَلَنْ يَرْجِعَ إِلَى الإِسْلامِ سالِمًا" (¬2). * * * باب ما جاء في الحلف بالبراءة وبملة غير الإِسلام [3257] (حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع) الحلبي شيخ الشيخين (حدثنا معاوية بن سلاَّم) بتشديد اللام، ابن أبي سلام ممطور الدمشقي (عن يحيى ابن أبي كثير قال: أخبرني أبو قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي (أن ثابت بن الضحاك) بن خليفة بن ثعلبة بن عدي الأشهلي (أخبره: أنه بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة) وكانت سمرة (¬3)، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالسًا في أصل ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1363)، ومسلم (110). (¬2) رواه النسائي 7/ 6، وابن ماجه (2100)، وأحمد 5/ 355. وصححه الألباني في "الإرواء" "2576). (¬3) السمرة: ضرب من شجر الطلح. "المعجم الوسيط" 1/ 465.

الشجرة وعلى ظهره غصن من أغصانها، وهذِه بيعة الرضوان، وكانت سنة ست (¬1). (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من حلف بملة غير ملة الإسلام كاذبًا) متعمدًا. فيحتمل أن يراد به من كان معتقدًا لتعظيم تلك الملة المغايرة للإسلام، وحينئذٍ يكون كافرًا حقيقةً ويبقى اللفظ على ظاهره. و (كاذبًا) منصوب على الحال أي: حلف في حال تعظيم تلك الملة التي حلف بها فتكون هذِه الحال من الأحوال اللازمة كقوله تعالى (¬2): {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا} (¬3). لأن من عظَّم ملةً غير الإِسلام كان كاذبًا في تعظيمه ذلك دائمًا في كل حال وكل وقت لا ينتقل عن ذلك، ولا يصلح أن يقال: إنه يعني بكونه (كاذبًا) في المحلوف عليه. لأنه يستوي في ذمه كونه صادقًا أو كاذبًا إذا حلف بملة (¬4) غير الإِسلام؛ لأنه إنما ذمه الشرع من جهة أنه حلف بتلك الملة (¬5) الباطلة معظمًا لها على ما يعظم به ملة الإِسلام؛ فلا فرق بين أن يكون صادقًا أو كاذبًا في المحلوف عليه، وأما إن كان الحالف بذلك غير معتقد تعظيمه فهو آثم مرتكب كبيرة. (فهو كما قال) غلظ الوعيد على من عظم تلك الملة أو اعتقدها بأن صُيِّرَ كواحد من أهل تلك الملة مبالغة في الزجر والردع فهو كما قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: "الروض الأنف" للسهيلي 7/ 51. (¬2) في (ل) و (ر): عليه السلام. خطأ. (¬3) البقرة: 91. (¬4) في (ر): بمكة. (¬5) في (ل) و (ر): النعمة والمثبت من "المفهم". (¬6) المائدة: 51.

وقد اختلف العلماء في وجوب الكفارة على قائل ذلك: إن فعلت كذا فهو يهودي أو نصراني أو بريء من دين الإِسلام ففعل، فقالت الحنفية وجماعة: عليه كفارة يمين. وقال مالك والشافعي وجماعة: لا كفارة عليه. واستدلوا بحديث أبي هريرة المتقدم: "فليقل: لا إله إلا الله". فجعل ذلك كفارةً له ولكنه تلزمه التوبة. (ومن قتل نفسه [بشيء] (¬1) عُذِّب به) لفظ مسلم: "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم" (¬2)، ومعنى: يتوجأ: يطعن، وهو مهموز آخره من: وجأته بالسكين، إذا ضربته (يوم القيامة) ولمسلم: "خالدًا مخلدًا أبدًا" (¬3). وظاهره التخليد الذي لا انقطاع له بوجه، وهو محمول على من كان مستحلًّا، ومن كان معتقدًا لذلك كان كافرًا، وأما من قتل نفسه غير مستحل فليس بكافر، بل يجوز أن يعفو الله تعالى عنه ثم يكون خروجه من النار من آخر من يخرج من أهل التوحيد، ولما كان الجزاء من جنس العمل كان من قتل نفسه في الدنيا بحديدة عوقب في النار بحديدة، ومن قتل نفسه بسم عوقب في النار بسم من سموم جهنم، فيقول المعذب: هذا الذي وُعدنا به في الدنيا من العذاب، أو هذا (¬4) الذي عذبنا به هو عقوبة لما فعلناه في الدنيا، كما أن أهل الجنة يقولون عن الثمرة التي كانوا يأكلونها: {هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} (¬5). ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) (109). (¬3) مسلم (109). (¬4) في (ر): وهو. (¬5) البقرة: 25، وانظر: "المفهم" 1/ 310.

(وليس على رجل نذر فيما لا يملكه) وهذا صحيح فيما إذا باشر النذر بملك الغير كما لو قال: لله تعالى علي عتق عبد فلان، أو هدي بدنة فلان، ولم يعلق شيئًا من ذلك على ملكه، ولا خلاف أن ذلك لا يلزم به شيء، وإنما اختلفوا فيما إذا علق العتق أوالهدي أو الصدقة على الملك له، مثل أن يقول: إن تملكت عبد فلان فهو حر، فلم يلزمه الشافعي (¬1) شيئًا من ذلك -عمَّ أو خصّ- تمسكًا بهذا الحديث، وألزمه أبو حنيفة كل شيء من ذلك -عمَّ أو خصَّ- لأنه من باب العقود المأمور بوفائها، ووافق أبا حنيفة مالكٌ فيما إذا خصّ تمسكًا بمثل ما تمسك به أبو حنيفة وخالفه فيما إذا عم (¬2) رفعًا (¬3) للحرج الذي أدخله على نفسه. قال القرطبي: ولمالك قولٌ آخر مثل قول الشافعي (¬4). [3258] (حدثنا أحمد بن حنبل، أنبأنا زيد بن الحباب) بضم الحاء المهملة وتخفيف الباء الأولى، العكلي الخراساني، أخرج له مسلم [(ثنا حسين بن واقد) قاضي مرو، أخرج له مسلم، (¬5) ولمن بعده: (حدثني عبد الله بن بريدة، عن أبيه) بريدة بن الحصيب (¬6) (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (من حلف فقال) في حلفه (إني بريء من الإِسلام) أو من الله ¬

_ (¬1) في (ل): للشافعي. والمثبت من (ر). (¬2) في (ر): زعم. (¬3) في (ر): رفقا. (¬4) "المفهم" للقرطبي 1/ 313. (¬5) ما بين المعقوفتين سقط من (ر). (¬6) في (ل): الخطيب وفي (ر): الحصيف، والمثبت هو الموافق لما في مصادر ترجمته.

أو من رسوله أو من الكعبة إن فعلت كذا (فإن كان) يشبه أن يكون المراد: فإن كان الحالف قصده أن يكون (كاذبًا) في يمينه، وأن عزمه أن يفعل المحلوف عليه ويحنث في يمينه التي هي براءته من الإِسلام (فهو) بريء من الإِسلام (كما قال) إذا فعل ما حلف (¬1) عليه، بل قالوا: إنه يصير كافرًا في الحال وإن لم يفعل؛ لأن من عزم على أن يكفر في آخر الشهر فهو كافر في الحال. (وإن كان) قصده باليمين أن يكون (صادقا) فيها غير فاعل المحلوف (¬2) عليه بل قصد بيمينه التباعد من المحلوف وشدد على نفسه في ترك فعل المحلوف عليه بما لا يتصور (¬3) وقوعه منه وهو كالمستحيل في حقه (فلن يرجع إلى الإِسلام) الكامل (سالما) من نقص فيه، ويحتمل أن يكون التقدير: فإن كان الحالف مكذبًا لدين الإسلام غير مصدق له فهو كما قال بلسانه بريء منه وتجري عليه أحكام المرتدين. وإن كان صادقًا في إيمانه مصدقًا لشريعة الإسلام ولم يقصد بيمينه إلا التباعد عما حلف عنه، فإنه لم يصر (¬4) بعد حلفه سالمًا دينه من نقص، ولم أر من تكلم على معناه، بل قال الخطابي: إن فيه دليلًا على أن من حلف بالبراءة عن الإِسلام فإنه يأثم ولا يلزمه كفارة؛ لأنه عليه السلام إنما جعل عقوبته في دينه ولم يجعل في ماله شيئًا (¬5). ولم يجزم فيه بكراهة ولا تحريم، وقد جزم النووي (¬6) في "الأذكار" ¬

_ (¬1) في (ل): فعل. (¬2) في (ل): محلوف. (¬3) في (ر): يتضرر. (¬4) في (ر): يضر. (¬5) "معالم السنن" 4/ 46. (¬6) في (ل): الثوري.

بالتحريم فقال في آخره: يحرم أن يقول: إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني أو بريء من الإِسلام أو نحو ذلك. فإن قاله وأراد حقيقة فعله وخروجه عن الإسلام بذلك صار كافرًا في الحال وجرت (¬1) عليه أحكام المرتدين، وإن لم يرد ذلك لم يكفر ولكنه ارتكب محرمًا فيجب عليه التوبة (¬2). قال أصحابنا: وإذا لم يكن كافرًا فيأتي بالشهادتين ويتوب إلى الله تعالى ويستغفر من ذلك. قال الإسنوي: وسكتوا عن حالة الإطلاق يعني إذا مات عقب ذلك ولم يتبين كونه صادقًا أو كاذبًا أو غاب وتعذرت مراجعته فهل يحكم بالكفر أم لا؟ والقياس يقتضي التكفير إذا عري عن القرائن الحاملة (¬3) على غيره؛ لأن اللفظ بوصفه يقتضيه. قال: وكلام النووي السابق عن "الأذكار" يقتضي أنه لا يكفر بذلك والقياس خلافه، ورواية ابن ماجه أبلغ في التحريم ولفظه: "فإن كان كاذبًا فهو كما قال، وإن كان صادقًا لم يعد إليه الإِسلام سالمًا" (¬4). وظاهر هذا أنه يفارقه (¬5) الإِسلام وبالشهادتين لم يرجع إليه بلا نقص (¬6). * * * ¬

_ (¬1) في (ر): وحرف. (¬2) "الأذكار" (359). (¬3) في (ل) و (ر): الحامل. والمثبت من "طرح التثريب" 7/ 169. (¬4) (2100). (¬5) في (ل): لا يفارقه. (¬6) انظر: "طرح التثريب" للعراقي 7/ 158.

10 - باب الرجل يحلف أن لا يتأدم

10 - باب الرَّجُلِ يَحْلِفُ أَنْ لا يَتأَدَّمَ 3259 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حدثنا يَحْيَى بْنُ العَلاءِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبّانَ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَّامٍ قالَ: رَأَيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وضَعَ تَمْرَةً عَلَى كِسْرَةٍ فَقال: "هذِه إِدامُ هذِه" (¬1). 3260 - حدثنا هارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حدثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حدثنا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى، عَنْ يَزِيدَ الأَعْوَرِ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلامٍ مِثْلَهُ (¬2). * * * باب من حلف أن لا يتأدم أي: يأكل خبزًا بأدم. [3259] (حدثنا محمد بن عيسى) بن نجيح بن الطباع، روى عنه البخاري تعليقًا (حدثنا يحيى بن العلاء) الرازي، سكت عليه المصنف والمنذري (عن محمد بن يحيى) بن حبان بن منقذ المازني (عن يوسف ابن عبد الله بن سلاَم) بتحفيف اللام ونسب أبيه مشهور لا يختلفون أنه من بني إسرائيل من ولد يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم صلوات الله عليهم، أدرك يوسف هذا النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو صغير، وأجلسه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجره ومسح على رأسه وسماه يوسف (¬3) (قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وضع تمرة على كسرة) من شعير كما سيأتي، فيه دليل ¬

_ (¬1) رواه أبو يعلى (7494)، والطبراني 22/ 286 (732)، والبيهقي 10/ 63. وانظر ما بعده. وضعفه الألباني في "المشكاة" (4223). (¬2) السابق. (¬3) انظر: "أسد الغابة" 5/ 548.

على جواز وضع التمر على الخبز ولا استهانة له في ذلك، وفي معناه الملح واللحم؛ لما روى ابن ماجه "سيد أدمكم الملح" (¬1). وروى ابن قتيبة في "غريبه": "سيد إدام (¬2) الدنيا والآخرة اللحم" (¬3). (فقال: هذِه إدام هذِه) فيه أن الإدام لا يختص بالمائع، بل يعمه مع الجامد هذِه الكسرة. وفيه دلالة على أن التمرة آدم للقم كثيرة؛ فإن الكسرة تجمع لقمًا عديدة. وفيه دليل على أنه إذا حلف لا يأكل إداما حنث بأكل التمر. قال الرافعي: إذا حلف لا يأكل إداما حنث بكل ما يؤتدم به سواء كان مما يصطبغ (¬4) به كالخل والدبس والشيرج والسمن والمزي (¬5)، أو لا يصطبغ (¬6) به كاللحم والجبن والبقول والبصل والفجل والثمار، وفي التمر وجه والملح أدم أيضًا، وفيه وجه (¬7). وعند أبي حنيفة: لا يحنث إلا بما يصطبغ (¬8) به (¬9). وفي "هداية الحنفية": فلو حلف لا يأتدم فكل (¬10) شيء اصطبغ (¬11) به فهو إدام، ¬

_ (¬1) (3315). (¬2) في (ر): أدم. (¬3) 1/ 298. (¬4) في (ر): يصطنع. (¬5) في "الصحاح" مرر: والمزي الذي يؤتدم به. (¬6) في (ر): يصطنع. (¬7) "الشرح الكبير" 12/ 304. (¬8) في (ر): يصطنع. (¬9) انظر: "المبسوط" 8/ 313، "تحفة الفقهاء" للسمرقندي 3/ 322. (¬10) في (ر): فهو. (¬11) في (ر): اصطنع.

والشواء ليس بإدام والملح إدامٌ عند أبي حنيفة، ولهما: الإدام ما يؤكل تبعًا والتبع في الاختلاط حقيقة، وفي أن لا يؤكل على الانفراد حكمًا والملح لا يؤكل بانفراده عادةً، ولأنه يذوب فيكون تبعًا بخلاف اللحم وما يضاهيه؛ لأنه يؤكل وحده إلا أن ينويه، والعنب والبطيخ ليس بإدام، وهو الأصح. انتهى (¬1). [3260] (حدثنا هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي، شيخ مسلم (حدثنا عمر بن حفص) بن غياث النخعي (حدثنا أبي) حفص بن غياث قاضي الكوفة (عن محمد بن أبي يحيى) الأسلمي المدني، واسم أبي يحيى سمعان، وثقه المصنف وغيره (¬2). (عن يزيد) بن أبي أمية (الأعور، عن يوسف بن عبد الله بن سلام) بتخفيف اللام، وكذا أخوه محمد بن عبد الله بن سلام وابنه حمزة بن يوسف (قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر مثله) ورواه البخاري في "تاريخه" (¬3) بلفظ: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ كسرة من خبز شعير فوضع عليها تمرةً وقال: "هذِه إدام هذِه". * * * ¬

_ (¬1) "الهداية شرح بداية المبتدي" 2/ 327. (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 27/ 12. (¬3) "التاريخ الكبير" 8/ 371.

11 - باب الاستثناء في اليمين

11 - باب الاسْتثْناءِ في اليَمِينِ 3261 - حدثنا أَحْمَد بْن حَنْبَلٍ، حدثنا سُفْيانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقال: إِنْ شاءَ اللهُ؛ فَقَدِ اسْتَثْنَى" (¬1). 3262 - حدثنا مُحَمَّدُ بْن عِيسَى وَمُسَدَّدٌ -وهذا حَدِيثُهُ- قالا: حدثنا عبد الوارِثِ، عَنْ أَيّوبَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَلَفَ فاسْتَثْنَى فَإنْ شاءَ رَجَعَ، وَإِنْ شاءَ تَرَكَ غَيْرَ حِنْثٍ" (¬2). * * * باب الاستثناء (¬3) في اليمين [3261] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا سفيان) بن عيينة (حدثنا أيوب) (¬4) بن أبي تميمة السختياني (عن نافع، عن ابن عمر يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من حلف على يمين) فاستثنى (فقال: إن شاء الله: فقد استثنى) لفظ الترمذي: "فقال: إن شاء الله لم يحنث" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1531)، والنسائي 7/ 25، وابن ماجه (2106)، وأحمد 2/ 10، وابن حبان (4339). وانظر ما بعده. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (6209). (¬2) رواه الترمذي (1531)، والنسائي 7/ 12، وابن ماجه (2105)، وأحمد 2/ 6، وابن حبان (4342). وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (6206). (¬3) سقط من (ر)، وفي (ع): باب الاستثناء يستثنى في اليمين. (¬4) بعدها في النسخ: بن موسى. وليس هذا في نسب أيوب السختياني إنما في نسب أيوب بن موسى بن عمرو بن سعيد بن العاص. (¬5) 4/ 108 (1532) وقال: سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث خطأ، أخطأ فيه عبد الرزاق اختصره من حديث معمر عن ابن طاوس عن أبيه=

ورواه الحاكم من حديث ابن عمر بلفظ: "من حلف فاستثنى فإن شاء مضى وإن شاء ترك من غير حنث" (¬1). ورواه مالك في "الموطأ" موقوفًا (¬2). وقال البيهقي: لا يصح رفعه إلا عن أيوب (¬3). قال ابن كثير: إسناده صحيح لولا علة وقفه (¬4). وعن ابن عمر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من حلف واستثنى فهو بالخيار إن شاء مضى وإن شاء ترك غير حنث". ورواه ابن حبان (¬5). وفي بعض نسخ المصنف عن ابن عمر: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من حلف واستثنى فإن شاء رجع وإن شاء ترك (¬6) غير حنث" (¬7). ¬

_ =عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن سليمان بن داود قال: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة تلد كل امرأة غلاما، فطاف عليهن فلم تلد امرأة منهن إلا امرأة نصف غلام. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو قال إن شاء الله لكان كما قال". هكذا روي عن عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه هذا الحديث بطوله وقال: "سبعين امرأة". وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قال سليمان بن داود لأطوفن الليلة على مائة امرأة". (¬1) لم أجده في "المستدرك" بهذا اللفظ وإنما بلفظ: "من حلف على يمين ثم قال: إن شاء الله فإن له ثنياه" 4/ 303. (¬2) (1016). (¬3) "السنن الكبرى" 10/ 46. (¬4) لم أقف عليه. (¬5) في "صحيحه" (4342). (¬6) في (ر): رجع. (¬7) في "السنن" المطبوع برقم (3262). وكتب في حاشية نشرته 5/ 164: تنبيه: هذا الحديث أثبتناه من (أ، ب، هـ) وأشار في (أ) إلى أنه في رواية ابن العبد وليس في رواية اللؤلؤي، وذكره المزي في "الأطراف" (7517) وذكر أنه في رواية ابن داسة أيضًا.

وحنِث بكسر النون أي: غير حانث (¬1). وقد استدل بقوله (إن شاء الله) على جواز تعقيب الاستثناء لليمين. والعمل على هذا عند أهل العلم إذا كان الاستثناء متصلًا باليمين لا حنث عليه، ولا فرق بين الحلف بالله أو بالطلاق أو بالعتاق عند أكثرهم. وقال مالك والأوزاعي: إذا حلف بطلاق أو عتق فالاستثناء لا يغني عنه شيئًا. وقال المالكية: الاستثناء لا يعمل إلا في يمين يدخلها الكفارة حتى قال مالك: إذا حلف بالمشي إلى بيت الله واستثنى فاستثناؤه ساقط والحنث له لازم (¬2)، فلو لم ينو الاستثناء وجرى على لسانه متصلًا هل يعتبر ظاهر الحديث اعتباره لقوله: "فقال: " ولم يذكر النية، والمعروف خلافه؛ لأن الطلاق وجد ولم يقصد التعليق، وجاء في "معرفة الصحابة" (¬3) لأبي موسى الأصفهاني من رواية معدي كرب مرفوعًا: "من أعتق وطلق واستثنى فله ثنياه" (¬4). وتعليل ذلك أن المشيئة غير معلومة، وعدمها أيضًا كذلك، والوقوع بخلاف المشيئة محال، واحترزوا بقولهم: وقصد التعليق عما إذا قصد التبرك بذكر الله فإنه يقع، وكذا إذا لم يقصد شيئًا (¬5). ¬

_ (¬1) في (ر): حاديث. (¬2) انظر: "شرح السنة" للبغوي 10/ 20 (2439). (¬3) في (ر): الصحابي. (¬4) قال الحافظ في "التلخيص" 3/ 430: أبو موسى المديني في "ذيل الصحابة" من حديث معدي كرب: وساقه ابن كثير في "جامع المسانيد والسنن" 8/ 106 (10038) من طريق الحسن بن سفيان مسندًا. (¬5) انظر: "فيض القدير" 3/ 305.

وأما حديث الدارقطني في الفرق بين العتق والطلاق في ذلك فضعيف، ولفظه عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه-: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "والله ما خلق الله (¬1) شيئًا على وجه الأرض (¬2) أحب إليه من العتاق، وما خلق شيئًا على وجه الأرض أبغض إليه من الطلاق"، فعلى هذا إذا قال الرجل لمملوكه: أنت حر إن شاء الله فهو حر ولا استثناء له، وإذا قال لامرأته: أنت طالق إن شاء الله فله استثناؤه ولا طلاق عليه" (¬3). * * * ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) زاد هنا في (ر): من. (¬3) "سنن الدارقطني" 4/ 35 (94) بدون قوله (فعلى هذا).

12 - باب ما جاء في يمين النبي - صلى الله عليه وسلم - ما كانت

12 - باب ما جاءَ في يَمِينِ النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ما كانتْ 3263 - حدثنا عَبْدُ اللهِ بْن محَمَّدٍ, النُّفَيْليُّ، حدثنا ابن المُبارَكِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قال: أكثَرُ ما كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يحلفُ بهذِه اليَمِينِ: "لا، وَمُقَلِّبِ القُلُوبِ" (¬1). 3264 - حدثنا أَحْمَد بْن حَنْبَلٍ، حدثنا وَكِيعٌ، حدثنا عِكْرِمَة بْن عَمّارٍ، عَنْ عاصِمِ بْنِ شُمَيْخٍ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْريِّ قال: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا اجْتَهَدَ في اليَمِينِ قال: "والَّذي نَفْسُ أَبي القاسِمِ بِيَدِهِ" (¬2). 3265 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ أَبِي رِزْمَةَ، أَخْبَرَني زَيْدُ بْنُ حُبابٍ، أَخْبَرَني محَمَّدُ بْنُ هِلالٍ، حَدَّثَني أَبي أَنَّهُ سَمِعَ أَبا هُريرَةَ يَقُولُ: كانَتْ يَمِين رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا حَلَفَ يَقُولُ: "لا، وَأَسْتَغْفِرُ الله" (¬3). 3266 - حدثنا الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ، حدثنا إِبْراهِيم بْن حَمْزَةَ، حدثنا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ عَيّاشٍ السَّمَعيُّ الأنصاريُّ، عَنْ دَلْهَمِ بْنِ الأسوَدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حاجِبِ بْنِ عامِرِ بْنِ المُنْتَفِقِ العُقَيْليِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمِّهِ لَقِيطِ بْنِ عامِرٍ قال: دَلْهَمٌ وَحَدَّثَنِيهِ أَيْضًا الأسوَدُ بْن عَبْدِ اللهِ، عَنْ عاصِمِ بْنِ لَقِيطٍ أَنَّ لَقِيطَ بْنَ عامِرٍ خَرَجَ وافِدًا إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ لَقِيطٌ: فَقَدِمْنا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ حَدِيثًا فِيهِ: فَقالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَعَمْرُ إِلَهِكَ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6617). (¬2) رواه ابن أبي شيبة 7/ 597 (12615)، وأحمد 3/ 48، والبيهقي 10/ 26. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (4328). (¬3) رواه النسائي 8/ 33، وابن ماجه (2093)، وأحمد 2/ 288. وانظر ما سيأتي برقم (4775). وضعفه الألباني في "المشكاة" (3423). (¬4) رواه مطولاً عبد الله بن أحمد في زياداته على المسند 4/ 13 - 14، وابن أبي عاصم في "السنة" (636)، والطبراني 19/ 211 - 213 (477)، والحاكم 4/ 560 - 564. وضعفه الألباني في "ظلال الجنة" ص 289 (636).

13 - باب في القسم: هل يكون يمينا؟

13 - باب في القَسَمِ: هَلْ يَكُونُ يَمينًا؟ 3267 - حدثنا أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ، حدثنا سُفْيانُ، عَنِ الزّهْريِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابن عَبّاسٍ: أَنَّ أَبا بَكْر أَقْسَمَ عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ لَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُقْسِمْ" (¬1). 3268 - حدثنا محَمَّد بْن يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حدثنا عَبْدُ الرَّزّاقِ -قالَ ابن يَحْيَى: كَتَبْتُه مِنْ كِتابِهِ- أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قال: كانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحدِّثُ أَنَّ رَجلاً أَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: إِنّي أَرى اللَّيلَةَ فَذَكَرَ رُؤْيا فَعَبَرَها أبو بَكْرٍ، فَقالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا" .. فَقال: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ يا رَسُولَ اللهِ بِأَبي أَنْتَ لَتُحَدِّثَنّي ما الذي أَخْطَأْت. فَقالَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُقْسِمْ" (¬2). 3269 - حدثنا محَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، أَخْبَرَنا محَمَّد بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُلَيْمان ابْن كَثِيرٍ، عَنِ الزّهْريِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنِ ابن عَبّاس، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بهذا الحَدِيثِ لَمْ يَذْكُرِ القَسَمَ، زادَ فِيهِ وَلم يُخْبِرهُ (¬3). * * * باب في القسم هل تكون يمينًا؟ (¬4) ¬

_ (¬1) رواه البخاري (7046)، ومسلم (2269). (¬2) رواه مطولاً الترمذي (2293)، وابن ماجه (3918)، ومعمر في "جامعه" 11/ 214 (20360)، وابن أبي عاصم في "السنة" (1143). وسيأتي مطولاً برقم (4632)، وانظر ما قبله. وصححه الألباني في "ظلال الجنة" ص 527 (1143). (¬3) رواه البخاري (7046)، ومسلم (2269). وانظر ما سلف برقم (3267)، وسيتكرر برقم (4633). (¬4) في النسخ المطبوعة قبل هذا الباب باب: ما جاء في يمين النبي ما كانت. وفيه أربعة أحاديث لم يذكرها المصنف. وقد أشار الحوت في حاشية نشرته 2/ 245 إلى أنها=

[3267] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهريّ، عن عبيد الله) بن عبد الله (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (أن أبا بكر -رضي الله عنه- أقسم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: لا تقسم) قال المنذري: هذا طرف من الحديث الذي يأتي بعده كما سيأتي الكلام عليه (¬1). [3268] (حدثنا محمد بن يحيى) بن عبد الله بن خالد (بن فارس) بن ذؤيب الذهلي، شيخ البخاري (حدثنا عبد الرزاق، قال محمد بن يحيى) ابن فارس ([كتبته من كتابه] (¬2) قال: أنبأنا معمر، عن الزهريّ، عن عبيد الله) ابن عبد الله بن عتبة (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال: كان أبو هريرة يحدث أن رجلًا أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله: إني أرى) أي: رأيت كما لفظ البخاري: "إني رأيت" (الليلة) في المنام (فذكر رؤيا) ولفظ البخاري (¬3): رأيت الليلة في المنام ظلة تنطف السمن والعسل فأرى الناس يتكففون منها، فالمستكثر والمستقل وإذا سبب (¬4) واصل من الأرض إلى السماء فأراك أخذت به فعلوت، ثم أخذ به رجل آخر فعلا به، ثم أخذ به رجلٌ آخر فعلا به، ثم أخذ به رجل آخر فانقطع ثم وصل فقال أبو بكر: يا رسول الله بأبي أنت والله لَتَدَعنِّي فأعبرها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "اعبر". فقال: أما الظلة فالإِسلام، وأما الذي تنطف ¬

_ =من رواية ابن داسة وابن العبد. وانظر نشرة الرسالة أيضًا 5/ 164 ففيها تفصيل اختلاف النسخ. والروايات في هذا الموضع. (¬1) انظر: "عون المعبود" 9/ 72. (¬2) في (ر): كنيته من كنانة. (¬3) (7046). (¬4) في (ر): شئت.

من العسل والسمن فالقرآن حلاوته تنطف، فالمستكثر من القرآن والمستقل، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه تأخذ به فيعليك الله، ثم يأخذ به رجلٌ من بعدك فيعلو به، ثم يأخذه رجلٌ آخر فيعلو به، ثم يأخذه رجلٌ آخر فينقطع به، ثم يوصل له فيعلو به (¬1) (فعبَرها) بتخفيف الموحدة (أبو بكر) كما تقدم، ثم قال: فأخبرني يا رسول الله بأبي أنت أصبت أم أخطأت؟ . (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أصبت بعضًا وأخطأت بعضًا) اختلف العلماء في معناه، فقال ابن (¬2) قتيبة وآخرون: معناه: أصبت بيان تفسيرها وصادفت حقيقة تأويلها وأخطأت في مبادرتك تفسيرها من غير أن آمرك به، وتعقب بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أذن له في ذلك وقال له: اعبرها، وإنما أخطأ في ترك (¬3) (تفسير بعضها؛ فإن الرائي (¬4) قال: رأيت ظلة تنطف السمن والعسل، ففسره الصديق بالقرآن حلاوته ولينه، وهذا إنما هو تفسير العسل، وترك تفسير السمن، وتفسيره السنة فكان حقه أن يقول: القرآن والسنة، وإلى هذا أشار الطحاوي. وقال آخرون: الخطأ وقع في خلع (¬5) عثمان؛ لأنه ذكر أنه أخذ بالسبب فانقطع به، وذلك يدل على انخلاعه بنفسه. ¬

_ (¬1) في (ر): له. (¬2) في (ر): أبو. (¬3) في النسخ الخطية: بدل. والمثبت من "شرح مسلم" للنووي. (¬4) سقط من (ع): قال الراوي. والمثبت من (ل). (¬5) سقط من (ر).

وقال آخرون: الخطأ في (¬1) سؤاله ليعبرها. وفيه دليل على أن عابر الرؤيا قد يصيب وقد يخطئ، وأن الرؤيا ليست لأول عابر على الإطلاق، وإنما ذلك إذا أصاب وجهها (¬2). (فقال) أبو بكر (أقسمت عليك يا رسول الله بأبي أنت لتحدثَني) بفتح المثلثة (ما الذي أخطأت) فيه، وفيه أن من قال: أقسمت عليك لا ينعقد به اليمين ولا كفارة فيه، وكذا إن زاد: بأبي أنت وأمي لا كفارة أيضًا، لكن إن لم يكن في (أقسمت) يمينًا ففي رواية البخاري (¬3) وجميع نسخ مسلم (¬4) كما قال النووي: فوالله لتحدثني. فهذا صريح يمين وإن لم يكن فيها: أقسمت (¬5). وفيه من الفقه جواز الحلف على الغير، وفيه أن التلميذ إذا نقل شيئًا لشيخه أو عرض عليه ما ظهر له من فوائد العلوم وقال له: أخطأت فيها. أو في شيء منها أن يسأله عن بيان موضع الخطأ أو وجه الخطأ في كلامه (فقال) له (النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا تقسم) بضم أوله وكسر (¬6) ثالثه مع أنه قد أقسم في قوله: أقسمت عليك يا رسول الله. فيكون المعنى: لا تعد القسم على غيرك. وفيه دليل على أن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإبرار (¬7) القسم في الحديث ¬

_ (¬1) في (ر): الخطابي. (¬2) انظر: "شرح مسلم" للنووي 15/ 42. (¬3) (7046). (¬4) (2269). (¬5) "شرح مسلم" 15/ 30. (¬6) في (ر): وفتح. (¬7) في (ر): بإبراز.

الصحيح: أمرنا بسبع (¬1). وعدَّ منها: إبرار القسم. ليس هو بواجب، وإنما هو مندوب إليه إذا لم يعارضه ما هو أولى منه كما في هذا الحديث. [3269] (حدثنا محمد بن يحيى بن فارس، حدثنا محمد بن كثير) العبدي البصري قال (أخبرني سليمان بن كثير) العبدي البصري أخو محمد بن كثير وكان أكبر من أخيه محمد بخمسين سنة (عن الزهريّ، عن عبيد الله) بن عتبة (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا الحديث) المذكور و (لم يذكر القسم) فيه و (زاد فيه: ولم يخبره) النبي - صلى الله عليه وسلم - بما أخطأ ولا عينه له؛ لأنه ليس من الأحكام التي أمر بتبليغها ولا أرهقت إليه حاجة أكيدة، ولعله لو عين ما أخطأ فيه [لأفضى ذلك إلى] (¬2) الكلام في الخلافة ومن تتم له ومن لا تتم فتنفر (¬3) لذلك نفوس وتتألم قلوب وتطرأ من ذكر ذلك مفاسد، فسد النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك الباب على قاعدة سد الذريعة (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1182). (¬2) في (ر): لا يعني ذلك. (¬3) في (ل): فتسعد. وفي (ر): فتسمو. والمثبت من (ع). (¬4) "المفهم" 6/ 33.

14 - باب فيمن حلف على الطعام لا يأكله

14 - باب فِيمَنْ حَلَف عَلى الطَّعام لا يَأكلُهُ 3270 - حدثنا مُؤَمَّلُ بْن هِشامٍ، حدثنا إِسْماعِيلُ، عَنِ الحرَيْريِّ، عَنْ أَبِي عُثْمانَ أَوْ عَنْ أَبِي السَّلِيلِ عَنْهُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قال: نَزَلَ بِنا أَضْيافٌ لَنا قال: وَكانَ أبو بَكْرٍ يَتَحَدَّثُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِاللَّيْلِ فَقال: لا أَرْجِعَنَّ إِلَيْكَ حَتَّى تَفْرَغَ مِنْ ضِيافَةِ هؤلاء وَمِنْ قِراهُمْ فَأَتاهُمْ بِقِراهُمْ فَقالُوا: لا نَطْعَمُهُ حَتَّى يَأْتي أبو بَكْرٍ. فَجاءَ فَقال: ما فَعَلَ أَضْيافكُمْ أَفرَغْتُمْ مِنْ قِراهُمْ قالُوا: لا. قُلْت: قَدْ أَتَيْتُهُمْ بِقِراهُمْ فَأَبَوْا وَقالُوا: والله لا نَطْعَمُهُ حَتَّى يَجيءَ، فَقالُوا: صَدَقَ قَدْ أَتانا بِهِ فَأَبَيْنا حَتَّى تَجيءَ، قال: فَما مَنَعَكُمْ قالُوا: مَكانُكَ. قال: والله لا أَطْعَمهُ اللَّيْلَةَ، قال: فَقالُوا: وَنَحْن والله لا نَطْعَمُهُ حَتَّى تَطْعَمَهُ. قال: ما رَأَيْتُ في الشَّرِّ كاللَّيْلَةِ قَطُّ -قالَ- قَرِّبُوا طَعامَكُمْ. قال: فَقُرِّبَ طَعامُهُمْ فَقال: بِسْمِ اللهِ فَطَعِمَ وَطَعِمُوا فَأُخْبِرْتُ أَنَّهُ أَصْبَحَ فَغَدا عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرَهُ بِالَّذي صَنَعَ وَصَنَعُوا، قال: "بَلْ أَنْتَ أَبَرُّهُمْ وَأَصْدَقُهُمْ" (¬1). 3271 - حدثنا ابن المُثَنَّى، حدثنا سالِمُ بْنُ نُوحٍ وَعَبْدُ الأعلَى، عَنِ الجُريريِّ، عَنْ أَبِي عُثْمانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بهذا الحَدِيثِ نَحْوَهُ زادَ، عَنْ سالِمٍ في حَدِيثِهِ قال: وَلَمْ يَبْلُغْني كَفّارَةً (¬2). * * * باب فيمن حلف على طعام لا يأكله [3270] (حدثنا مؤمل بن هشام) اليشكري البصري شيخ البخاري (حدثنا إسماعيل) ابن علية (عن) سعيد بن إياس (الجُريري) بضم الجيم وفتح الراء الأولى (عن أبي عثمان) النهدي (أو عن أبي السليل) بفتح ¬

_ (¬1) رواه بنحوه البخاري (602)، ومسلم (2057) (176). وانظر ما بعده. (¬2) رواه البخاري (6140)، ومسلم (2057) (177). وانظر السابق.

المهملة واسمه ضريب (¬1) بن نقير القيسي من بني قيس بن ثعلبة، أخرج له مسلم والأربعة (عنه) يعني عن أبي عثمان النهدي (¬2)، ولفظ البخاري ومسلم (¬3): عن أبي عثمان (عن عبد الرحمن بن أبي بكر) ولم يذكرا: أبي السليل (قال: نزل بنا أضياف لنا) لفظ مسلم: نزل علينا أضياف لنا (¬4) (وكان) أبي (¬5) (أبو بكر) -رضي الله عنه- عادته قبل ذلك (يتحدث عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالليل) فيه فضيلة أبي بكر وما كان عليه أبو بكر من الحب للنبي وكثرة تردده والانقطاع إليه وإيثاره لرؤيته والاجتماع به على الأهل والأولاد في ليله ونهاره حتى على (¬6) أضيافه النازلين في (¬7) منزله (فقال: لا أرجعن إليك) من عند النبي - صلى الله عليه وسلم - (حتى تفرغ من ضيافة هؤلاء ومن قراهم) لفظ البخاري: فقال لعبد الرحمن: دونك أضيافك، فإني أنطلق إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فافرغ من قراهم قبل أن أجيء. فيه أن من ذهب لما هو أهم من مؤانسة الأضياف أن يوصي ولده (¬8) أو خادمه أو أهل بيته أن يكرموا الضيف ويقوموا بمصالحه وإن علم أنهم يقومون بكفايتهم لما في ذلك من الاهتمام بإكرام الضيف ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) سقط من (ل). (¬3) البخاري (577) ومسلم (2075). (¬4) "صحيح مسلم" (2057/ 177). (¬5) في (ر): أتى. (¬6) سقط من (ر). (¬7) سقط من (ر). (¬8) في (ر): له.

(فأتاهم) عبد الرحمن (بقراهم) أي: بما تيسر عنده من قراهم، زاد البخاري: فقال: اطعموا. فقالوا: أين رب منزلنا. قال: اطعموا. (قالوا: لا نَطعَمه) بفتح النون والعين أي: لا نذوقه، وطعم كل شيء ذوقه، والطعام يقع على الطعام والشراب، قال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ} (¬1) أي: يذقه. قال ابن عطية في قوله: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ} سد للذرائع فإن أدنى الذوق يدخل في لفظ الطعم (¬2). (حتى يأتي أبو بكر) أبو منزلنا. كذا لمسلم (¬3). قال النووي: هذا فعلوه أدبًا ورفقًا بأبي بكر فيما ظنوه؛ لأنهم ظنوا أنه لا يحصل له (¬4) عشاء من غير عشائهم (¬5)، ويرجح هذا رواية مسلم: حتى يجيء أبو منزلنا فيطعم معنا، فقلت لهم: إنه رجل حديد، وإنكم إن لم تفعلوا خفت أن يصيبني منه أذى. قال: فأبوا. فجاء أبو بكر فلم يبدأ بشيء أول منهم. (فقال: ما فعل أضيافكم أفرغتم من قراهم؟ ) قال (قالوا: لا) والله ما فرغنا، قال: ألم آمر عبد الرحمن. قال: وتنحيت، فقال: يا عبد الرحمن. فتنحيت. واختباؤه عنه (¬6) وتنحيه كان خوفًا من خصام أبيه إياه (¬7) وشتمه له. زاد مسلم: فقال: يا عبيد أقسمت عليك إن كنت تسمع صوتي إلا جئت. ¬

_ (¬1) البقرة: 249. (¬2) "المحرر الوجيز" 1/ 328. (¬3) في (ر): كل المسلم. وفي (ل) غير واضحة، والمثبت من (ع). (¬4) في (ر): لهم، والمثبت هو الموافق لما في "شرح النووي". (¬5) "شرح مسلم" 14/ 25. (¬6) سقط من (ر). (¬7) سقط من (ر).

قال: فجئت و (قلت) والله ما لي ذنب وهؤلاء أضيافك، فاسألهم (قد أتيتهم فأبوا) أن يطعموا (وقالوا) يعني: الأضياف (والله لا نطعمه) أي: لا نذوقه (حتى يجيء) زاد البخاري: سل (¬1) أضيافك (فقالوا: صدق قد أتانا به فأبينا) أن نطعمه (حتى تجيء) قال القرطبي: حملهم على ترك الأكل صدق رغبتهم في التبرك بمؤاكلته وحضوره معهم وأبو (¬2) حتى يجيء (¬3). (قال: فما منعكم) من أكل قراكم؟ (قالوا) كونك لم تكن في (مكانك) منصوب تقديره والله أعلم: فقدنا مكانك وغيبتك عنه (قال: فوالله) إني (لا أطعمه) بيده (الليلة) غضب لاقتصاره في حق أضيافه وتأخر أكلهم إلى هذا الوقت مع أن المسارعة إلى إكرام الضيف أولى (قال: فقالوا: ونحن والله لا نطعمه حتى تطعمه) ليحصل لهم بركة الأكل معه -رضي الله عنه- لفضيلته وقربه من الحضرة النبوية الشريفة، فقصدوا بذلك الخير، لكن تشوش (¬4) وقت أهل المنزل وتكدر صفوهم (¬5) فلذلك أدبهم بما ورد في رواية: كلوا لا هنيئًا، فعند ذلك (قال: ما رأيت في الشر كالليلة قط) يعني في يمينه في غضبه وانقطاع الوحشة على أضيافه، وعاد أبو بكر إلى مكارم الأخلاق وقمع الشيطان فصفا وقتهم وراق حين (قال: ¬

_ (¬1) في (ر): مثل. (¬2) في (ر)، (ل): وأبوه، والمثبت من "المفهم" للقرطبي. (¬3) "المفهم" للقرطبي 5/ 338. (¬4) في (ر): توسوس. (¬5) في (ر): صفوفهم.

قربوا طعامكم. قال: فقرب طعامهم) إليه (وقال: ) طردًا للشيطان وتبركًا (بسم الله) الرحمن، لفظ البخاري: فوضع يده فقال: بسم الله. ولفظ مسلم: فجيء بالطعام فسمى وأكل وأكلوا. فعاد ذلك النكد سرورًا وانقلب الشيطان مدحورًا وفعل ذلك أبو بكر استمالةً لقلوبهم وامتثالًا لقوله عليه الصلاة والسلام: "من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه" (¬1). وذكر في الصحيحين تتمة الحديث، وهذا لفظ البخاري قال: فجعلوا لا يأكلون لقمة إلا ربت من أسفلها أكبر منها. فقال: يا أخت بني فراس ما هذا؟ قالت: وقرة عيني إنها الآن لأكبر قبل أن تأكلوا. وبعث بها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر أنه أكل منها. قال عبد الرحمن ([فطعم وطعموا] (¬2) فأخبرت أنه) لما (أصبح فغدا) بالغين المعجمة (على النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بالذي صنع) مع أضيافه (وصنعوا) زاد مسلم: فقال: يا رسول الله بروا وحنثت. أي: بروا في أيمانهم وحنثت في يميني، فنفى - صلى الله عليه وسلم - حنثه و (قال: بل أنت أبرهم وأصدقهم) أي: بل أنت أكثرهم طاعة لله تعالى وأنت خير منهم؛ لأنك حنثت في يمينك حنثًا مندوبا إليه محثوثا (¬3) عليه فأنت أفضل منهم وفعلك أفضل من فعلهم. [3271] (حدثنا ابن المثنى) محمدُ ابن عبيد العنزي (حدثنا سالم بن ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6248) عن عبد الرحمن بن سمرة، ومسلم (1650) عن أبي هريرة رضي الله عنهما. (¬2) من المطبوع. (¬3) في (ر): مختوما، والمثبت من (ع) ومن "عون المعبود" 9/ 161.

نوح) العطار أبو سعيد البصري، أخرج له مسلم (وعبد الأعلى، عن) سعيد ابن إياس (الجُريري) بضم الجيم كما تقدم (عن أبي عثمان) النهدي (عن عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق (بهذا الحديث نحوه) أي: بنحو ما تقدم (وزاد عن سالم) بن نوح (في حديثه قال: ولم يبلغني) أنه أخرج (كفارة) بهذِه اليمين يعني قبل الحنث، وأما بعد الحنث فلا خلاف في إيجابها "فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه" وهذا نص في عين المسألة مع عموم قوله تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ} (¬1). * * * ¬

_ (¬1) سورة المائدة (آية 89).

15 - باب اليمين في قطيعة الرحم

15 - باب اليَمِينِ في قَطيعَةِ الرَّحِم 3272 - حدثنا مُحَمَّدُ بْن الِمنْهالِ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ زرَيْعٍ، حدثنا حَبِيبٌ المعَلِّمُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْب، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ: أَنَّ أَخَوَيْنِ مِنَ الأنصارِ كانَ بَيْنَهُما مِيراثٌ فَسَأَلَ أَحَدُهما صاحِبَهُ القِسْمَةَ فَقال: إِنْ عدْتَ تَسْألني عَنِ القِسْمَةِ فَكُلُّ مالٍ لي في رِتاجِ الكَعْبَةِ. فَقالَ لَهُ عُمَرُ: إِنَّ الكَعْبَةَ غَنِيَّةٌ عَنْ مالِكَ، كَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ وَكَلِّمْ أَخاكَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لا يَمِينَ عَلَيْكَ، وَلا نَذْرَ في مَعْصِيَةِ الرَّبِّ وَفي قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَفِيما لا تَمْلِكُ" (¬1). * 32 - حدثنا أَحْمَد بْن عَبْدَةَ الضَّبّيُّ، حدثنا المُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَني أَبي عَبد الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شعَيبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا نَذْرَ إِلاَّ فِيما يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللهِ، وَلا يَمِينَ في قَطِيعَهِ رَحِمٍ" (¬2). 3274 - حدثنا المنْذِرُ بْن الوَلِيِدِ، حدثنا عبد اللهِ بْن بَكْرٍ، حدثنا عُبَيْدُ اللهِ بْن الأخنَسِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شعَيبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قال: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا نَذْرَ وَلا يَمِينَ فِيما لا يَمْلِكُ ابن آدمَ وَلا في مَعْصِيَةِ اللهِ وَلا في قَطِيعَةِ رَحِمٍ، وَمَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأى غَيْرَها خَيْرًا مِنْها فَلْيَدَعْها وَلْيَأْتِ الذي هُوَ خيرٌ، فَإنَّ تَرْكها كَفّارَتُها". قالَ أبو داوُدَ: الأحَادِيثُ كُلُّها، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَلْيُكَفّرْ، عَنْ يَمِينِهِ" .. إِلا فِيما لا يُعْبَأُ بِهِ. قالَ أَبُو داوُدَ: قُلْتُ لأحمَدَ: رَوى يَحْيِى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ اللهِ فَقال: ¬

_ (¬1) رواه ابن حبان (4355)، والإسماعيلي في "المعجم في أسامي الشيوخ" 3/ 747 (364)، والحاكم 4/ 300، والبيهقي 10/ 33، 65 - 66. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود". (¬2) رواه أحمد 2/ 185. وسلف برقم (2191)، (2192)، وانظر التالي. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود".

تَرَكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَكانَ أَهْلاً لِذَلِكَ، قالَ أَحْمَد: أَحادِيثهُ مَناكِيرُ وَأَبُوهُ لا يُعْرَفُ (¬1) * * * باب اليمين في قطيعة الرحم [3272] (حدثنا محمد بن المنهال) الضرير، أخرج له الشيخان (حدثنا يزيد بن زُريع، حدثنا حبيب) بن أبي قريبة البصري (المعلّم، عن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيب -رضي الله عنه-: أن أخوينِ من الأنصار كان بينهما ميراث) من عقارٍ: دارٍ أو غيرها (فسأل أحدُهما صاحبَه القسمةَ) ليتمكن من كمال تصرفه ويتخلص من سوء المشاركة واختلاف الآراء في المال المشترك (¬2). (فقال) له المسئول حين غضب من قوله وشق عليه طلبُ القسمة (إن عُدتَ تسألُني) برفع اللام (القسمة) فيما بيني وبينك (فكل مال لي) نسخة: فكل مالي (في رِتاج) بكسر الراء (الكعبة) أي: يخرج من ملكي وينتقل إلى أموال الكعبة، ينفق فيما ينفق فيه مالها. والمراد أن ماله يكون لها. وأصل الرتاج الباب جمعه: رتج ككتاب وكتب، ويجمع على أرتجة في القلة كحمار وأحمرة. وليس المراد هنا الباب فقط، وإنما المراد جميع الكعبة فعبر بالبعض عن الكل، فينفق (¬3) المال في كسوتها والنفقة عليها ونحو ذلك من أمرها، وإنما استعمل الباب هنا لأن منه يدخل ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1181)، والنسائي 7/ 10، وابن ماجه (2111)، وأحمد 2/ 212. وانظر ما قبله. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (7549). (¬2) انظر: "مغني المحتاج" للخطيب الشربيني 4/ 418. (¬3) في (ر): فيبقى.

إليها، ومنه حديث مجاهد عن بني إسرائيل: كانت الجراد تأكل مسامير رتجهم (¬1). أي: أبوابهم. (فقال له عمر) قال المنذري: هذا الحديث منقطع؛ لأن سعيد بن المسيب لم يصح سماعه من عمر بن الخطاب (¬2). (إن الكعبة) أدام الله شرفها (غنيةٌ عن مالك) الذي يحتاجه لكثرة ما لها من الأموال والأعيان الموقوفة عليها. فقدم -رضي الله عنه- ذكر العلة على الحكم المعلول، وليس هذا المعنى هو العلة للحكم بمفرده، بل الظاهر أن العلة مركبة من ثلاثة معانٍ: أحدها هذا. والثاني: المعنى الذي أشار إليه عمر -رضي الله عنه- في استدلاله بالحديث الذي سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو أنه "لا نذر في معصية الرب"، ووجهه أن الصدقة بجميع المال معصية أو كالمعصية في حق من لا يصبر، أو لما يلحقه بصدقة جميع ماله من الضرر اللاحق به وبزوجته وأولاده وذوي (¬3) رحمه، ولنهيه كعب بن مالك حين قال: إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة (¬4). وأمره أن يمسك عليه بعض ماله. والثالث: أنه لم يرد بإخراج ماله للكعبة ابتغاء وجه الله كما سيأتي في الحديث بعده ولا أخرجه مخرج القربة والبر والطاعة لله، بل أخرجه مخرج اليمين، يمين اللجاج والغضب، ومقصوده الأعظم من ذلك منع ¬

_ (¬1) رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم" 3/ 94. (¬2) "عون المعبود" 9/ 164. (¬3) سقط من (ر). (¬4) رواه البخاري (4418) ومسلم (2769).

صاحبه من ذكر القسمة كما تقدم والحث على تركه ذلك، ولهذا أخرجه عمر مخرج اليمين وألزمه كفارة اليمين بقوله (كَفِّرْ عن يمينك) كفارة اليمين (وَكَلِّم أخاك) ولم يقل: صاحبك، كما تقدم، بل فيه إشارة إلى أن العلة في أمره بتكليمه صاحبه وشريكه كونه أخاه، والمؤمن أخو المؤمن لا يهجره ولا يخذله ولا يظلمه ... الحديث بمعناه (¬1). ثم قال (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لا) ينعقد (يمين عليك ولا) وفاء (نذر) يلزمك (في معصية الرب) ولا كفارة في يمينه إذا حنثت كما قال سعيد بن جبير؛ لأن هذا عنده من لغو اليمين؛ فإن مذهبه أن حلف اليمين في ما لا ينبغي له فعله لغو لا كفارة عليه في الحنث فكيف بالمعصية؟ وقال قوم: من حلف على فعل معصية فكفارتها تركها، واستدلوا بأن الحنث في ترك المعصية المحلوف عليها طاعة وفعل الطاعة لا كفارة فيه. والمشهور عند الجمهور أن عليه كفارة على كون اليمين غير طاعة فيلزمه الكفارة للمخالفة في اليمين على المعصية لا في ترك المعصية، ولتعظيم اسم الله تعالى إذ حلف به ولم يبر يمينه بما حلف به الاسم المعظم، واستدل الجمهور بقوله - صلى الله عليه وسلم - في البخاري: "من حلف على ¬

_ (¬1) رواه مسلم عن أبي هريرة (2564) بلفظ: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى ها هنا -ويشير إلى صدره ثلاث مرات- بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه".

يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليأت الذي هو خير وليكفِّر عن يمينه" (¬1). لكن الاستدلال بهذا لا يظهر؛ فإنه قال: "فرأى غيرها خيرًا منها فليأت الذي هو خير". فإن لفظة: خير (¬2) أفعل تفضيل يدل على أن المتروك فيه خير قليل، والذي يفعله أكثر خير منه، والمعصية (¬3) ليست من هذا؛ إذ لا خير فيها البتة. وعلى قول الجمهور يحمل الحديث على أن التقدير: لا إثم عليك في ترك معصية الرب. قال الصيمري (¬4) من أصحابنا: لو حلف بالطلاق أنه يصوم يوم الفطر لم يصمه وطلقت امرأته ولزمه الحنث. وأما قولنا: لا وفاء لنذر في معصية لأن هذا النذر غير صحيح، والباطل لا يلزم الوفاء به، ونذر المعصية كالقتل والزنا ونذر المرأة أن تصلي وتصوم في أيام حيضها أو في يومي العيد، ولا يلزمه فيه كفارة يمين. وعن الربيع (¬5): عليه الكفارة للحديث الآتي: "من نذر معصية ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" لابن قدامة 11/ 173 والحديث سبق تخريجه. (¬2) سقط من الأصل والسياق يقتضيه. (¬3) في (ر): الوصية. (¬4) في (ل): (الصميري) وهو: عبد الواحد بن الحسين بن محمد القاضي أبو القاسم الصيمري، نزيل البصرة، أحد أئمة المذهب، قال الشيخ أبو إسحاق: كان حافظاً للمذهب، حسن التصانيف، والصيمري بفتح الصاد المهملة وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها وفتح الميم وفي آخرها الراء أراه والله أعلم منسوبا إلى نهر من أنهار البصرة يقال له الصيمر عليه عدة قرى. انظر: "طبقات الشافعية الكبرى" لعبد الوهاب السبكي 3/ 339. (¬5) هو الربيع بن سليمان بن عبد الجبار بن كامل المرادى مولاهم الشيخ أبو محمد=

فكفارته كفارة يمين". وفي تعليق القاضي حسين: لو نذر أن يعتكف حينًا فالأصح انعقاد نذره. (و) لا (في قطيعة الرحم) هذا من عطف الخاص على العام؛ لأن قطيعة الرحم (¬1) من أعظم المعاصي كما في قوله تعالى: {وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} (¬2) [فكما أن جبريل وميكال] (¬3) ذكرا مع أنهما داخلان في الملائكة لكونهما أفضل الملائكة فكذلك قطيعة الرحم لما كانت أعظم المعاصي ذكرت بعد ذكر المعصية (¬4) وإن كانت داخلة فيها (و) لا (فيما لا يملك) إذا كان معينًا كان يقول: إن شفى الله مريضي فلله عليَّ أن أعتق عبد فلان، أو أتصدق بثوبه ونحو ذلك، فأما إذا التزم في الذمة شيئًا لا يملكه فيصح نذره مثاله: إن شفى الله مريضي فلله عليَّ أن أعتق رقبة، وهو في ذلك الحال لا يملك رقبة ولا قيمتها فيصح نذره، وإذا شفى الله (¬5) مريضه ثبت النذر في ذمته ويجب عليه إذا قدر عليه (¬6). ¬

_ =المؤذن صاحب الشافعي وراوية كتبه والثقة المثبت فيما يرويه، ولد الربيع سنة أربع وسبعين ومائة ومات يوم الاثنين ودفن يوم الثلاثاء لإحدى وعشرين ليلة خلت من شوال سنة سبعين ومائتين وصلى عليه الأمير خمارويه بن أحمد بن طولون. "طبقات الشافعية الكبرى" لعبد الوهاب السبكي. (¬1) سقط من (ل). (¬2) البقرة: 98. (¬3) سقط من (ر). (¬4) في (ل): المعيص. وفي (ر): القضية. (¬5) سقط من (ل، ع) والمثبت من (ر). (¬6) انظر: "شرح مسلم" للنووي 11/ 101.

[3274] (حدثنا المنذر بن الوليد) العبدي الجارودي البصري شيخ البخاري (حدثنا عبد الله بن بكر) بن حبيب السهمي (حدثنا عبيد الله) بالتصغير (ابن الأخنس) أبو مالك النخعي الخزاز (عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده) تقدم مرات (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا نذر) أي: لا ينعقد نذر (ولا يمين فيما لا يملكُ ابن آدم) ولفظ مسلم: "لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك العبد"، وفي رواية ابن حُجر (¬1): "لا نذر في معصية الله" (¬2). [3273] (حدثنا أحمد بن عبدة الضبي، حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن، حدثنا أبي: عبدُ الرحمن عن (¬3) عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا نذر إلا فيما يُبتغى به وجه الله، ولا يمين في قطيعة رحم) هذا وحديث المنذر كلاهما في أصل ثبت وزاد فقال (الأحاديث كلها: فليكفر عن يمينه إلا فيما [لا] (¬4) يعبأ به) وهذا في آخر حديث فيه ذكر سبب هذا القول، ومنه: أسرت امرأة من الأنصار وأصيبت العضباء فكانت المرأة في الوثاق، وكان القوم يريحون (¬5) نعمهم بين يدي بيوتهم فانفلتت ذات ليلة من الوثاق فأتت الإبل فجعلت إذا دنت من البعير رغا فتتركه حتى تنتهي إلى العضباء فلم ترغ قال: وناقة منوقة فقعدت في عجزها ثم زجرتها، فانطلقت ¬

_ (¬1) هو أحد رجال إسناده عند مسلم وهو علي بن حجر السعدي شيخ مسلم والبخاري. (¬2) رواه مسلم (1641) عن عمران بن حصين -رضي الله عنه-. (¬3) في (ر): ابن. (¬4) سقط حرف النفي (لا) من النسختين وأثبته من "السنن" المطبوع. (¬5) في (ر): يذبحون.

ونذروا بها فطلبوها فأعجزتهم. قال: ونذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحرنها، فلما قدمت المدينة رآها الناس فقالوا: العضباء ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقالت إنها نذرت إن نجاها الله عليها لتنحرنها، فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكروا ذلك له، فقال: "سبحان الله (¬1) بئس ما جزتها, لا وفاء لنذر في معصية الله (¬2) ولا فيما لا يملك" (¬3). انتهى. ووجه كون فعلها معصية أنها نذرت أنها تهلك (¬4) ملك الغير فتكون عاصية بهذا القصد. قال القرطبي: وهذا ليس بصحيح؛ لأن المرأة لم يتقدم لها بيان تحريم ذلك، ولم تقصد ذلك، وإنما معنى ذلك أن من أقدم على ذلك مع بيان أن ذلك محرم كان عاصيًا بذلك القصد، ولا يدخل في ذلك المعلق قال: كقوله: إن ملك هذا البعير فهو هدي أو صدقة؛ لأن ذلك الحكم معلق على ملكه لا ملك غيره، وليس ملكًا في الحال فلا نذر. قال: وقد تقدم الكلام على هذا في الطلاق والعتق المعلقين على الملك، وأن الصحيح لزوم المشروط عند وقوع الشرط (¬5). انتهى. وهذا على مذهبه، وتقدم نذر ما لا يملك قبله (ولا في معصية الله) فيه دليل على أن من نذر معصية حرم عليه الوفاء بها، وأنه لا يلزمه على ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) سقط من (ر). (¬3) رواه مسلم (ح 1641). (¬4) في (ر): تملك. (¬5) "المفهم" للقرطبي 4/ 614.

ذلك حكم بكفارة يمين ولا غيره؛ إذ لو كان هناك لبينه للمرأة التي نذرت نحرها (¬1) لأنه (¬2) لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وعليه جمهور العلماء (ولا) نذر (في قطيعة رحم) كما تقدم (ومن حلف على يمينٍ فرأى غيرها خيرًا منها فليدعها) أي: فليدع المحلوف عليه في اليمين، وقوله: "فرأى خيرًا منها" أي: لدنياه أو لأخراه أو موافقًا ورواه ما لم يكن إثمًا يستحب له الورع (وليأت الذي هو خير) في دينه أو دنياه كما تقدم، يعني: من الاستمرار على موجب اليمين والتمادي عليه؛ فإن الإتيان بالأفضل أفضل وتلزمه الكفارة، وهذا متفق عليه كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأشعريين في أنه تحلل عن يمينه وحملهم على الظهر؛ لأنه خير وأنفع لهم، والأنفع تارةً يكون من جهة الثواب وكثرته وهو (¬3) الذي أشار إليه في حديث عدي حيث قال: "فليأت التقوى". وقد يكون من حيث المصلحة الدنيوية التي تطرأ عليه (¬4) بسبب (¬5) تركها حرج كثير ومشقة، وهي التي أشار إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "لأن يَلَجَّ أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند الله من أن يكفر". يعني بذلك أن استمرارك على مقتضى يمينك إذا أفضى بك إلى الحرج وهو المشقة قد يفضي به إلى تأثيم، فالأولى به أن يفعل ما شرع الله له (¬6) من تحنيثه نفسه وفعل الكفارة (¬7) ¬

_ (¬1) في (ر): نحوها. (¬2) سقط من (ر). (¬3) في (ر): وهذا. (¬4) في النسخ الخطية: (عليها) والمثبت من "المفهم". (¬5) في (ر): ليسير. (¬6) في (ر): به. (¬7) "المفهم" للقرطبي 4/ 631 - 632.

(فإن) بتشديد النون (تركها كفارتها) أي: تركه ما حلف عليه في اليمين كفارةً ليمينه حين (¬1) حلف على المفضول وترك الأفضل، وذكر أبو بكر البيهقي أن حديث عمرو هذا لم يثبت، وقد نطقت الأخبار الثابتة (¬2) عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن الكفارة لازمة لمن حنث في يمينه. (قال [أبو داود]) المصنف (والأحاديث كلها عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: وليكفر عن يمينه إلا ما لا (¬3) يعبأ به) انتهى. وقال أيضًا (قلت لأحمد: روى يحيى بن سعيد، عن يحيى بن عبيد الله فقال: تركه بعد ذلك وكان أهلاً لذلك. وقال أحمد: أحاديثه مناكير، وأبوه لا يعرف) وقد روي عن بعضهم أنه رأى هذا من لغو اليمين وقال: لا كفارة فيه إذا كان معصية كما تقدم عن سعيد بن جبير ومسروق بن الأجدع (¬4). * * * ¬

_ (¬1) في (ر): حنث. (¬2) في (ر): الثانية. (¬3) سقط من (ر). (¬4) انظر: "معالم السنن" للخطابي 4/ 49.

16 - باب فيمن يحلف كاذبا متعمدا

16 - باب فِيمَنْ يحْلِف كاذِبًا متَعَمِّدًا 3275 - حدثنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حدثنا حَمّادٌ، أَخْبَرَنا عَطَاءُ بْن السّائِبِ، عَنْ أَبي يحيى، عَنِ ابن عَبّاسٍ: أَنَّ رَجُلَينِ اخْتَصَما إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلَ النَّبيُّ الطّالِبَ البَيِّنَةَ، فَلَمْ تَكُنْ لَه بَيِّنَةٌ فاسْتَحْلَفَ المَطْلُوبَ فَحَلَفَ باللهِ الذي لا إله إِلا هُوَ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "بَلَى قَدْ فَعَلْتَ، ولكن قَدْ غُفِرَ لَكَ بِإخلاصِ قَوْلِ لا إله إِلاَّ اللهُ". قالَ أبو داوُدَ: يُرادُ مِنْ هذا الحَدِيثِ أَنَّهُ, يَأْمُرْهُ بِالكَفّارَةِ (¬1). * * * باب فيمن يحلف كاذبًا متعمدًا هل يكفِّر عن يمينه [3275] (حدثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (حدثنا حماد) بن سلمة (حدثنا عطاء بن السائب) أخرج له البخاري مقرونًا بأبي بشر جعفر بن أبي وحشية (¬2)، وأبو وحشية اسمه إياس (عن أبي يحيى) زياد القرشي المكي مولى قيس بن مخرمة. (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (أن رجلين اختصما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأل رسول - صلى الله عليه وسلم - الطالب) لحقه أن يحضر (البينة) إن كانت له، ويحتمل أن يكون التقدير: سأل الطالب أله بينة؟ كما تقدم في حديث الكندي والحضرمي الذين (¬3) اختصما إليه [فقال للحضرمي] (¬4): ألك بينة؟ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 253، والنسائي في "السنن الكبرى" (6006). وصححه الألباني في "الصحيحة" (3064). (¬2) في (ر): وحشة. (¬3) في النسخ: الذي، والمثبت الصواب. (¬4) سقط من (ر).

وهذا هو المشهور، وأغرب الذهلي في "أدب القضاء" فقال: لا يقول ذلك؛ لأنه لو قال: لا بينة لي. ثم أقامها لم يقبل منه. أي: على أحد الوجهين (فلم تكن له عليه بينة فاستحلف المطلوب) منه الحق، وهذا محمول على أن المدعي طالب يمينه، فإن الحاكم ليس له أن يستحلفه قبل مسألة المدعي وطلبه؛ لأن اليمين حق له فلم يجز استيفاؤها من غير مطالبة مستحقها كنفس الحق. فإن استحلفه الحاكم من غير مسألة (¬1) المدعي أو بادر المنكر فحلف لم يعتد بيمينه لأنه (¬2) أتى بها في غير وقتها. وإذا سألها المدعي أعادها له؛ لأن الأولى لم تكن يمينه بكونها بغير طلبه. وظاهر الحديث في إطلاقه خلاف هذا (¬3). (فحلف) المطلوب منه اليمين (بالله الذي لا إله إلا هو) أنه ليس له عليه حق (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: بلى، قد فعلت) ذلك وأنت كاذب في يمينك متعمدًا للكذب (ولكن قد غفر) الله تعالى (لك) ما فعلت (بإخلاص) أخلصته في (قول لا إله إلا الله) يعني أنه لما استحلفه فسأله أن يحلف بالله كان له أن يقتصر في يمينه بالله فقط، ويكفيه ذلك في سقوط الدعوى عنه، فلما زاد في يمينه (لا إله إلا هو) من تلقاء نفسه دون طلب دلت شهادته هذِه لله بالوحدانية على إخلاصه في سره لله تعالى، فإن الإخلاص في التوحيد يضاده التشريك في الإلهية، فلما نفى هذا الحالف التشريك في الإلهية كان إخلاصًا في التوحيد، وكل ¬

_ (¬1) في (ر): مطالب والمثبت من "المغني". (¬2) سقط من النسخ الخطية، والمثبت من "المغني". (¬3) انظر: "المغني" لابن قدامة 11/ 442.

شيء صفي مما يشوبه فهو خالص كما قال تعالى: {لَبَنًا خَالِصًا} (¬1) يعني: مما يشوبه من الفرث (¬2) والدم. قال سهل: الإخلاص أن يكون سكون العبد وحركته لله خاصة. (قال أبو داود) المصنف (يراد من هذا الحديث أنه لم يأمره بالكفارة) مع أنه كاذب في يمينه متعمد فهو واجب عليه. ويحتمل أنه علم من حاله إعساره عنها فأخر أمره بها إلى وقت وجوبها عليه إذا أيسر، وليس في الحديث ما يدل على أنه أسقطها عنه. * * * ¬

_ (¬1) سورة النحل (آية 66). (¬2) في (ر): القرب.

17 - باب الرجل يكفر قبل أن يحنث

17 - باب الرَّجُلِ يُكَفّرُ قَبْلَ أَنْ يَحْنَثَ 3376 - حدثنا سُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ، حدثنا حَمّادٌ، حدثنا غَيْلانُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنّي والله إِنْ شاءَ اللهُ لا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرى غَيْرَها خَيْرًا مِنْها إِلاَّ كفَّرْتُ عَنْ يَمِيني وَأَتَيْتُ الذي هُوَ خير" .. أَوْ قال: "إِلاَّ أَتَيْتُ الذي هُوَ خير وَكفَّرْتُ يَمِيني" (¬1). 3277 - حدثنا مُحَمَّدُ بْن الصَّبّاحِ البَزّازُ، حدثنا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنا يُونُسُ وَمَنْصُورٌ -يَعْني: ابن زاذانَ- عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قال: قال ليَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ إِذا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَها خَيْرًا مِنْها، فَأْتِ الذي هُوَ خيرٌ وَكفِّرْ يَمِينَكَ". قالَ أبو داودَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يُرَخِّصُ فِيها الكَفّارَةَ قَبْلَ الِحنْثِ (¬2). 3378 - حدثنا يَحْيَى بْن خَلَفٍ، حدثنا عبد الأعلَى، حدثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ نَحْوَه قال: "فَكَفِّرْ، عَنْ يَمِينِكَ ثُمَّ ائْتِ الذي هُوَ خيرٌ". قالَ أبو داوُدَ: أَحادِيثُ أَبي مُوسَى الأشعَريِّ وَعَديِّ بْنِ حاتِمٍ وَأَبي هُرَيْرَةَ في هذا الحَدِيثِ رُويَ، عَنْ كُلِّ واحِدٍ مِنْهُمْ في بَعْضِ الرِّوايَةِ الِحنْثُ قَبْلَ الكَفّارَةِ وَفي بَعْضِ الرِّوايَةِ الكَفّارَة قَبْلَ الِحنْثِ (¬3). * * * باب الرجل يكفر قبل أن يحنث [3276] (حدثنا سليمان بن حرب) الأزدي (حدثنا حماد) بن زيد بن ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3133)، ومسلم (1649). (¬2) رواه البخاري (6622)، ومسلم (1652). وانظر التالي. (¬3) السابق.

درهم الأزدي الضرير (حدثنا غيلان بن جرير) الأزدي المعولي، أخرج له مسلم (¬1) (عن أبي بردة) قيل: اسمه الحارث، وقيل: عامر (عن أبيه) أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إني والله) فيه دليل على استحباب الحلف في تقرير الأمور المهمة وإن لم يُستحلف. وكان فائدة توكيده عليه السَلام هذا الحديث بهذِه اليمين الحث على الوفاء باليمين عند رؤية ما هو خير مما حلف عليه (إن شاء الله) فالظاهر أن التعليق بالمشيئة هنا للتبرك (لا أحلف على يمين) أي: محلوف يمين، فسماه يمينًا مجازًا لحصول الملابسة بينهما. والحديث ورد على سبب (¬2) وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - قدم عليه وفدٌ من الأشعريين فسألوه الحملان، ويحتمل أن تكون على بمعنى الباء نحو قوله تعالى: {حَقِيقٌ عَلَى} (¬3) واركب على اسم الله، ويؤيده رواية النسائي: "إذا حلفت بيمين" (¬4). ورجح الزمخشري في قوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} (¬5) حاجزا لما حلفتم عليه، وسمي المحلوف يمينًا لقوله عليه السَلام: "من حلف على يمين" (¬6). (فأرى غيرها خيرًا منها) فيما يعلم أو يغلب على ظنه، والمراد بقوله: "غيرها" إن كان فعلًا ترك ذلك الفعل، وإن كان ¬

_ (¬1) قلت: بل روى له الجماعة، وانظر: "تهذيب الكمال" للمزي 23/ 130 (4700). (¬2) في (ر): سبيل. (¬3) سورة الأعراف: 105. (¬4) لم أجدها في "سنن النسائي" الصغرى أو الكبرى وكلامه هذا منقول من كلام الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" بتصرف 11/ 613. (¬5) البقرة: 224. (¬6) "الكشاف" للزمخشري 1/ 295.

تركًا لشيء فالمراد فعل ذلك المتروك (إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير منه) وظاهر هذِه الرواية جواز التكفير قبل الإتيان بالمحلوف عليه. (أو قال) الراوي (لا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني) وقد أجمع العلماء على أن الكفارة إنما تجب بالحنث و (¬1) على أنه لا يجوز تقديمها على اليمين، واختلفوا في توسطها بين الحنث واليمين فقيل بالجواز والأحاديث الكثيرة على الأمرين، وكذا هذا الحديث الواحد، وقال (¬2) بجواز التقديم أربعة عشر صحابيًّا وجمعٌ من التابعين. وبه قال الشافعي ومالك والأوزاعي والثوري والجمهور، لكن قالوا: يستحب كونها بعد الحنث، واستثنى الشافعي التكفير بالصوم؛ لأنه عبادة بدنية فلا تقدم (¬3) قبل وقتها كالصلاة وصوم رمضان (¬4). وهو الصحيح عند أصحابه واستثنى بعض أصحابه الحنث بالمعصية كان حلف لا يزني لما في التقديم من الإعانة (على المعصية) (¬5) ومنع أبو حنيفة وأصحابه وأشهب المالكي التقديم، والأحاديث الصحيحة ترد عليهم (¬6). [3277] (حدثنا محمد بن الصباح البزاز، حدثنا هشيم، أنبأنا ¬

_ (¬1) في (ر): أو. (¬2) في (ر): وقيل. (¬3) في (ر): يقدم. (¬4) نقله من "شرح مسلم" للنووي 11/ 109. (¬5) سقط من (ر). (¬6) "شرح مسلم" للنووي. وانظر: "فتح الباري" 11/ 609.

يونس (¬1) ومنصور، عن الحسن، عن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا عبد الرحمن بن سمرة) زاد في الصحيحين: "لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها" (¬2). و (إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها) أي: رأى ما حلف عليه من فعل أو ترك خيرًا لدنياه أو أخراه أو موافقًا ورواه وشهوته (¬3) ما لم يكن إثمًا، كذا فسره العلماء. (فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك) نسخة: كفر يمينك. (قال أبو داود) المصنف (وسمعت أحمد) بن حنبل (يرخص فيها الكفارة قبل الحنث) قوله: يرخص، دليل على أن تأخير الكفارة بعد الحنث أفضل، وهذا موافق لمذهب الجمهور أن التقديم رخصة شرعها الله لحل ما عقد الحالف من يمينه فتجزئ (¬4) قبل وبعد، ولا إثم في الحالين خلافًا لمن قال (¬5): الكفارة لتكفير مأثمها بالحنث (¬6). [3278] (حدثنا يحيى بن خلف) الباهلي، أخرج له مسلم (حدثنا عبد الأعلى) بن [مسهر الغساني] (¬7) (حدثنا سعيد) بن [عبد العزيز ¬

_ (¬1) في (ر): أبو يونس. (¬2) رواه البخاري (6248) ومسلم (1652). (¬3) في (ر): وشهرته. (¬4) في (ر): فيجري. (¬5) في (ر): قالا. (¬6) في النسخ الخطية: بالحلف. والمثبت من "فتح الباري" 11/ 610. (¬7) كذا قال الشارح والصواب: ابن عبد الأعلى السامي. كما في "تحفة الأشراف" 7/ 198.

التنوخي] (¬1)، أخرج له مسلم (عن قتادة) بن دعامة (عن الحسن، عن عبد الرحمن بن سمرة -رضي الله عنه- نحوه) وقال في هذِه الرواية (وكفر عن يمينك ثم ائت (¬2) الذي هو خير ثم) في هذِه الرواية دلالتها على جواز تقديم الكفارة أقوى من الاستدلال بقوله: "وائت الذي هو خير" فإن (ثم) صريحة في الترتيب بخلاف الواو المختلف في دلالتها على الترتيب (الذي هو خير قال أبو داود) المصنف (وأحاديث أبي موسى الأشعري) المتقدم بعضها (وعدي بن (¬3) حاتم وأبي هريرة -رضي الله عنه- في هذا الحديث روي عن كل (¬4) واحد منهم) في الأحاديث الصحيحة (في بعض الرواية الحنث قبل الكفارة) وهو الأفضل للخروج من الخلاف (وفي بعض الرواية: الكفارة قبل الحنث) يعني في غير الصوم عند الشافعي؛ لأن الصوم مرتب على الإطعام فلا يجزئ إلا مع الأصل الذي هو الإطعام كالتيمم بالنسبة إلى الماء. * * * ¬

_ (¬1) كذا قال، والصواب: ابن أبي عروبة. كما في "تحفة الأشراف". (¬2) سقط من (ر). (¬3) في (ر): ابن أبي. (¬4) سقط (ر).

18 - باب كم الصاع في الكفارة

18 - باب كَمِ الصّاعُ في الكَفّارَةِ 3271 - حدثنا أَحْمَد بْنُ صالِحٍ قال: قَرَأْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ عِياضٍ، حَدَّثَني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَرْمَلَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبٍ بِنْتِ ذُؤَيْبِ بْنِ قَيْسٍ المُزَنِيَّةِ -وَكانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ منهمْ مِنْ أَسْلَمَ ثُمَّ كانَتْ تَحْتَ ابن أَخٍ لِصَفِيَّةَ زَوْجِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ ابن حَرْمَلَةَ: فَوَهَبَتْ لَنا أمّ حَبِيبٍ صاعًا- حَدَّثَتْنا، عَنِ ابن أَخي صَفِيَّةَ، عَنْ صَفِيَّةَ أنَّهُ صاعُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. قالَ أَنَسٌ: فَجَرَّبْتُهُ، أَوْ قال: فَحَزَرْتُهُ فَوَجَدْتُهُ مُدَّيْنِ وَنصْفًا بِمُدِّ هِشام (¬1). 3280 - حدثنا محَمَّدُ بْن مُحَمَّدِ بْنِ خَلَّادٍ أبو عُمَرَ قال: كانَ عِنْدَنا مَكُّوكٌ يُقالُ لَه: مَكُّوكُ خالِدٍ وَكانَ كَيْلَجَتَيْنِ بِكَيْلَجَةِ هارُونَ، قالَ مُحَمَّد: صاعُ خالِدٍ صاعُ هِشامٍ يَعْني ابن عَبْدِ المَلِكِ (¬2). 3281 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَلَّادٍ أبو عُمَرَ، حدثنا مُسَدَّدٌ، عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ خالِدٍ قال: لّمَا وُلّيَ خالِدٌ القَسْريُّ أَضْعَفَ الصّاعَ فَصارَ الصّاعُ سِتَّةَ عَشَرَ رَطْلا. قالَ أَبُو داوُدَ: محَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَلَّادٍ قَتَلَهُ الزِّنْجُ صَبْرًا، فَقالَ بِيَدِهِ هَكَذا وَمَدَّ أَبُو داودَ يَدَهُ وَجَعَلَ بُطونَ كَفَّيْهِ إِلَى الأرضِ، قال: وَرَأَيْتُهُ في النَّوْم فَقُلْت: ما فَعَلَ اللهُ بِكَ قال: أَدْخَلَني الجَنَّةَ. فَفلْتُ: فَلَمْ يَضُرَّكَ الوَقْفُ (¬3). * * * باب كم الصاع في الكفارة [3279] (حدثنا أحمد بن صالح) الطبري المصري، شيخ البخاري (قال: قرأت على أنس بن عياض) الليثي المدني (حدثني عبد الرحمن ¬

_ (¬1) رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 8/ 491، والمزي في "تهذيب الكمال" 35/ 337. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود". (¬2) قال الألباني في "صحيح أبي داود": صحيح مقطوع. (¬3) قال الألباني في "صحيح أبي داود": صحيح مقطوع.

ابن حرملة) الأسلمي المدني، أخرج له مسلم في الصلاة (¬1) (عن أم حبيب) وكذا قال فيه محمد بن سعد: أم حبيب بغير هاء (¬2)، والذي ذكره المزي وغيره: أم حبيبة (¬3) (بنت ذؤيب بن قيس المزنية، وكانت تحت رجل منهم) أي: من قبيلة عبد الرحمن بن حرملة (من أسلم) بن أقصى بن خزاعة من (¬4) الأزد (ثم كانت) بعده (تحت ابن أخٍ لصفية) بنت حيي (زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قال) عبد الرحمن (بن حرملة: فوهبت لنا أم حبيب) أو أم حبيبة كما تقدم (صاعًا) مما يكال به (وحدثتنا عن) زوجها (ابن أخي صفية) بنت حيي (عن) عمته (صفية) زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - (أنه صاع النبي - صلى الله عليه وسلم -) الذي كان يكال به في الفطرة وغيرها. (قال أنس) بن عياض نسخة: فحزيته (¬5) (فجربته) بالجيم والباء الموحدة من التجربة أي: حزرته وأحكمت أمره (فوجدته مدين ونصفًا بمد هشام) بن عبد الملك بن مروان بن الحكم وهو أزيد من مد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولما ولي خالد بن عبد الله القسري (¬6) الدمشقي أمير العراقيين لهشام فأضعف الصالح فصار الصالح ستة عشر رطلًا (¬7). وهذا حجة ¬

_ (¬1) (679). (¬2) "الطبقات الكبرى" 8/ 491. (¬3) في "تحفة الأشراف" 11/ 340: أم حبيبة. وفي "تهذيب الكمال" 35/ 335: قال: (ويقال: أم حبيب). (¬4) سقط من (ر). (¬5) كذا تشبه في النسخ الخطية. وفي المطبوعة: فحزرته. (¬6) في (ر): المري. (¬7) انظر: "معالم السنن" 3/ 64.

للإمام مالك فإنه ذهب إلى أن الاعتبار في كفارة الظهار بمد هشام بن عبد الملك فحمل الإطعام في الظهار على الإطعام في فدية الأذى للمحرم إذا حلق رأسه أو لبس أو تطيب. ومد هشام بن عبد الملك مدان بمد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا هو مشهور مذهب مالك كما في "رسالة ابن أبي زيد"، وهو الذي في كتاب ابن حبيب في "المدونة"، وقيل: مدان إلا ثلث، وقيل: مد ونصف، وقيل: مد وثلث (¬1). وقال ابن القصار: يطعم في الظهار بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قال الشافعي. ورد أصحابنا هذا كله بأن ذلك لم يكن في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما أحدث بعده، ولا يجوز أن يعتبر بمد لم يكن في عهده بل حدث بعده في خلافة هشام بن عبد الملك، وأخرج ابن خزيمة (¬2) والحاكم (¬3) من طريق عروة، عن أسماء بنت أبي بكر: أنهم كانوا يخرجون زكاة الفطر في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمد الذي يقتات به أهل المدينة. وللبخاري عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان يعطى زكاة رمضان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمد الأول (¬4). [3280] (قال أبو داود) المصنف (حدثنا محمد بن محمد بن خلاد أبو عمر قال: كان عندنا مكوك (¬5) يقال له: مكوك خالد، وكان كيلجتين ¬

_ (¬1) "المدونة الكبرى" 2/ 323. (¬2) "صحيح ابن خزيمة" 2401. (¬3) "المستدرك" 1/ 411. (¬4) "صحيح البخاري" (6335). (¬5) طاس يشرب به ومكيال لأهل العراق. "العين" باب الكاف والميم.

بكيلجة (¬1) هارون، قال محمد: صاع خالد صاع هشام بن عبد الملك). [3281] (ثم قال أبو داود) المصنف (محمد بن محمد بن خلاد قتله الزنج صبرًا قال: ورأيته في النوم فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: أدخلني الجنة. قلت: فلم يضرك الوقف (¬2) فقال بيده هكذا، ومد أبو داود يده وجعل بطون كفيه إلى الأرض). * * * ¬

_ (¬1) الكيلجة: قيل لأهل العراق يسع منا وسبعة أثمان منا. "الصحاح" (مكك). (¬2) قال في "عون المعبود" 14/ 93 - 94: يشبه أن يكون المعنى أي: فلم يضرك الوقف بين يدي الزنج صبرا ولم تنقص درجتك عن هذا العمل بل إنما ازداد رفعتك ومنزلتك عند الله تعالى، والله أعلم.

19 - باب في الرقبة المؤمنة

19 - باب في الرَّقبةِ المُؤْمِنَةِ 3282 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا يحيى، عَنِ الحَجّاجِ الصَّوّافِ، حَدَّثَني يَحْيَى بْنُ أَبي كَثِيرٍ، عَنْ هِلاَلِ بْنِ أَبِي مَيْمونَةَ، عَنْ طَاءِ بْنِ يَسارٍ، عَنْ مُعاوِيَةَ بْنِ الحَكَمِ السّلَميِّ قال: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ جارِيَةٌ لي صَكَكْتها صَكَّة. فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: أَفلا أُعْتِقها؟ قال: "ائْتِني بِها" .. قال: فَجِئْت بِها قال: "أَيْنَ اللهُ" .. قالَتْ: في السَّماءِ. قال: "مَنْ أَنا" .. قالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللهِ. قال: "أَعْتِقْها فَإنَّها مُؤْمِنَة" (¬1). 3283 - حدثنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حدثنا حَمّادٌ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنِ الشَّرِيدِ: أَنَّ أمَّهُ أَوْصَتْهُ أَنْ يُعْتِقَ عَنْها رَقَبَةً مؤْمِنَةَ فَأَتَى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أُمّي أَوْصَتْ أَنْ أُعْتِقَ عَنْها رَقَبَةً مؤْمِنَةً وَعِنْدي جارِيَةٌ سَوْداءُ نُوبِيَّةٌ فَذَكَرَ نَحْوَه. قالَ أبو داودَ: خالِدُ بْن عَبْدِ اللهِ أَرْسَلَهُ لَمْ يَذْكُرِ الشَّرِيدَ (¬2). 3284 - حدثنا إِبْراهِيم بْنُ يَعْقُوبَ الجوزَجانيّ، حدثنا يَزِيد بْنُ هارونَ قال: أَخْبَرَني المَسعُوديّ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبي هُريرَةَ: أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِجارِيَةٍ سَوْداءَ فَقال: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ عَلَيَّ رَقَبَةَ مؤْمِنَةً. فَقالَ لَها: "أَيْنَ اللهُ" .. فَأَشارَتْ إِلَى السَّماءِ بِأصْبُعِها. فَقالَ لَها: "فَمَنْ أَنا" .. فَأَشارَتْ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وإِلَى السَّماءِ، يَعْني أَنْتَ رَسُول اللهِ. فَقال: "أَعْتِقْها فَإِنَّها مُؤْمِنَةٌ" (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه مسلم (537). وسبق برقم (930). (¬2) رواه النسائي 6/ 252، وأحمد 4/ 222، 388، 389، والدارمي (2393). وصححه الألباني في "الصحيحة" (3161). (¬3) رواه أحمد 2/ 291، والطبراني في "المعجم الأوسط" (2598)، والبيهقي 7/ 388. وضعفه الألباني في "مختصر العلو" ص 81.

باب في الرقبة المؤمنة [3282] (حدثنا مسدد، حدثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن حجاج (¬1) (بن أبي عثمان (الصواف) الكندي مولاهم البصري أبو الصلت، وثقه أحمد وابن معين (¬2). (حدثنا يحيى بن أبي كثير، عن هلال بن أبي ميمونة) هو هلال بن علي، ويقال: ابن أسامة، نسب إلى جده. (عن عطاء بن يسار، عن معاوية بن (¬3) الحكم السُلمي) بضم السين نسبة إلى سليم بن منصور قبيلة من قيس غيلان بن مضر. (قال: قلت: يا رسول الله) هذا حديث (¬4) طويل ذكره مسلم (¬5) أوله: بينا أنا أصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله. فرماني القوم بأبصارهم. وهذا ذكره مسلم في الصلاة وبوب عليه: باب النهي عن الكلام في الصلاة (جارية لي) لمسلم زيادة ولفظه: كانت لي جارية ترعى غنمًا لي قِبَلَ أُحُدٍ والجوانية فاطلعت ذات يوم، فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها؛ وأنا رجلٌ من بني آدم آسف كما يأسفون، لكني (صكَكْتها) بفتح الكاف الأولى (صكة) (¬6) أي: ¬

_ (¬1) في (ر): الحجاج. (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 5/ 444. (¬3) في (ل، ع): بن أبي والمثبت من (ر). (¬4) سقط من (ر). (¬5) (537). (¬6) في (ر): مكة.

لطمتها، قال الله تعالى: {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} (¬1) أي: لطمت بأطراف الأصابع جبهتها لما وجدت حرارة دم الحيض. زاد مسلم: " فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم -" (فَعظم) بتشديد الظاء. (ذلك عليَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: عظَّم أمره في كثرة إثمه. (فقلت) يا رسول الله (أفلا أُعْتِقُها) (¬2) بضم الهمزة وكسر التاء. (قال: ائتني (¬3) بها) لننظر هل هي مؤمنة حتى أعتقها؟ . (قال: فجئت بها) إليه (قال) لها (أين الله؟ ) وهذا السؤال من النبي - صلى الله عليه وسلم -[تنزل مع الجارية على قدر فهمها] (¬4) إذ أراد أن يظهر منها ما يدل على أنها ليست ممن يعبد الأصنام ولا الحجارة التي في الأرض. و (أين) ظرف يسأل به عن المكان، كما أن (متى) ظرف يسأل به عن الزمان، وهو مبني لما تضمنه من حرف الاستفهام وحرك لالتقاء الساكنين، وخص بالفتح تخفيفًا، وهو خبر المبتدأ الواقع بعده وهو الله، وهو لا يصح إطلاقه على الله تعالى بالحقيقة؛ إذ الله تعالى منزّه عن المكان كما هو منزّه عن الزمان؛ لأنه خالق الزمان والمكان، ولم يزل موجودًا ولا زمان ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان، ولو كان قابلًا للمكان لكان مختصًّا به ويحتاج إلى مخصص، ولو كان فيه إما ¬

_ (¬1) سورة الذاريات (آية 29). (¬2) في (ر): أعتقتها. (¬3) في (ر): أتيتني. (¬4) وفي (ر، ع): تنزل منه معها على قدر فهم هذِه الجارية. وغير واضحة في (ل)، والمثبت من "المفهم" للقرطبي.

متحركًا أو ساكنًا، وهما أمران حادثان، وما يتصف بالحوادث حادث (¬1)، ولما صدق قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (¬2) إذ كانت تماثله الكائنات في أحكامها والممكنات في إمكانها، وإذا ثبت ذلك ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أطلقه على الله تعالى بالتوسع والمجاز لضرورة إفهام المخاطبة القاصرة الفهم الناشئة في قومٍ معبوداتهُم في بيوتهم، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - بطلبها أن يتعرف منها هل هي من يعتقد أن معبودها في بيت الأصنام أم لا؟ . فقال لها: أين الله؟ (قالت: في السماء) كأنها (¬3) قالت: إن الله ليس من جنس ما يعبد في الأرض. ثم اعلم أنه لا خلاف بين المسلمين قاطبةً محدثهم (¬4) وفقيههم (¬5) ¬

_ (¬1) هذا الكلام مبني على طرق المتكلمين الفاسدة، والتي تتيح لهم صرف معاني القرآن وكلام النبي - صلى الله عليه وسلم - عن حقيقتها، وهذه العقليات -التي قد تختلف في حكمها على الأشياء من شخص لآخر- لا يتوقف عليها صحة اعتقاد؛ بل الفيصل في ذلك الوحي، ثم فهم السلف لهذا الوحي، من دون إعمال لفلسفات جعلت شبهة التركيب والتجسيم والحوادث طريقا لنفي صفات الرب عَزَّ وَجَلَّ. ونحن ننزه الله سبحانه وتعالى عن صفات المخلوقين وأيضًا نثبت له سبحانه ما أثبته لنفسه ونؤمن بما أخبرنا به نبينا - صلى الله عليه وسلم - من صفاته دون تأويل أو تعطيل أو تشبيه أو تفويض أو تكييف، فالمعنى معلوم والكيف مجهول، ولو كانت مفاهيم التأويل صحيحة لسبقنا إليها الصحابة وسلف الأمة، ولما ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - بيانها، أما وقد انقطع الوحي فلا مجال إلا بالتمسك بالكتاب والسنة بفهم سلف الأمة عقيدة وفقها وعملاً، وعلى المسلم الثقة المطلقة في ذلك والابتعاد عن طرق أهل البدع. (¬2) سورة الشورى: 11. (¬3) في (ر): لأنها. (¬4) في (ل) و (ر): متحدثهم. والمثبت من (ع). (¬5) في (ر): وفقيهم.

ومتكلمهم ومقلدهم ونظارهم أن الظواهر الواردة بذكر الله تعالى في السماء، كقوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} (¬1) ليست على ظاهرها، وأنها متأولة عند جميعهم (¬2). أما من قال بالجهة فقد تأول وأشبه ما فيه أن (في) بمعنى (على) كما قال الله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ} (¬3) أي: على (¬4) جذوع النخل. وأما من يعتقد نفي الجهة (¬5) في حق الله تعالى فهو أحق بإزالة هذا الظاهر وإجلال الله تعالى عن ذلك، وقد حصل من هذا أن قول الجارية (في السماء) ليس على ظاهره باتفاق المسلمين وأن من (¬6) حمله على ظاهره [فهو] (¬7) من الضالين المضلين (¬8). (قال لها: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه دليل على أن الكافر لا يصير مسلمًا إلا بالإقرار بالله تعالى وبرسالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) الملك: 16. (¬2) ليس الأمر كما ذكر المصنف، فالعلماء حملوا الآية على معنيين: أنها بمعنى فوق السماء أو بمعنى على السماء، وهذان المعنيان ليسا من باب التأويل المعروف عند المتكلمين وإنما هو ما تقتضيه اللغة. (¬3) طه: 71. (¬4) سقط من (ر). (¬5) لفظ "الجهة" لم يأت في إثباتها أو نفيها نص كتاب أو سنة، وقد يستخدمها البعض في إثبات حق، وقد يستخدمه آخرون في إثبات بدعة، فالأولى ألا نتجاوز النصوص. (¬6) من "المفهم" لأن المعنى لا يصح بدونها. (¬7) السابق. (¬8) الموجود في "المفهم" 2/ 144 - 145: فهو ضال من الضالين.

(قال: أَعتِقها) بفتح الهمزة (فإنها مؤمنة) فيه دليل على أن عتق المؤمن أفضل من عتق الكافر. أجمع العلماء على جواز عتق الكافر في غير الكفارات، وأجمعوا على أنه لا يجزئ الكافر في كفارة القتل كما ورد في القرآن. واختلفوا في كفارة الظهار واليمين والجماع في رمضان: فقال الشافعي ومالك والجمهور: لا يجزئه إلا مؤمنة حملًا للمطلق على المقيد في كفارة القتل. وقال أبو حنيفة والكوفيون: تجزئه الكفارة للإطلاق؛ فإنها تسمى رقبة، ومن أهم فوائد هذا الحديث: أنه لا يشترط في الدخول في الإيمان التلفظ بألفاظ مخصوصة كالشهادتين، بل يكفي كل لفظ يدل على صحة الدخول في الدين، وأنه يكفي الاعتقاد الصحيح بلا برهان؛ "لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسألها عن برهان ذلك ولا الطريق إليه ولا كانت أيضًا ممن تصلح لفهم تلك البراهين والاستدلالات (¬1) التي يذكرها الأصوليون والمتكلمون (¬2). [3283] (حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد) بن سلمة (عن محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص الليثي المدني، أخرج له الشيخان. (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن الشَّريد) بفتح الشين المعجمة وكسر الراء وهو ابن سويد الثقفي، قيل: إنه من حضرموت. روى عمرو بن الشريد عن أبيه قال: استنشدني النبي - صلى الله عليه وسلم - من شعر أمية بن ¬

_ (¬1) في (ر): والاستدلال. (¬2) "المفهم" للقرطبي 2/ 145.

الصلت فأنشدته مائة قافية فقال: "كاد يسلم". يعني: أمية (¬1). (أن أمه أوصته (¬2) أن يعتق عنها رقبة مؤمنة) فيه (¬3) أن عتق المؤمنة (¬4) أفضل من الكافرة كما تقدم. (فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إن أمي أوصت أن أعتق عنها رقبة مؤمنة، و) إن (عندي جارية سوداء نوبيه) بضم النون نوع من السودان، قيل: الزنج والنوبة والفرات والدعاوة وأحباش السودان (¬5) كلها من ولد قوط بن حام. قال المسعودي: افترقت النوبة فرقتين من شرقي النيل وغربيه وأناخت على شطيه، فاتصلت بديار القبط من أرض مصر والصعيد من بلاد السودان (¬6) وغيرها وبنو دار مدينتهم مدينة تدعى دمقلة (¬7) والفريق الآخر من النوبة يقال لها: علوة (¬8). (فذكر نحوه) وصرح بهذا النحو المذكور في بعض نسخ رواية ابن داسة ولفظه: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ادعوا بها" [فدعوا بها] (¬9) فجاءت. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2255). (¬2) في (ر): أوصت. (¬3) في (ر): بعد. (¬4) في (ر): المدينة. (¬5) من (ل) وهي ساقطة من (ر). (¬6) هكذا في النسخ الخطية، وفي "مروج الذهب" للمسعودي (أسوان). (¬7) في النسخ الخطية، وفي "مروج الذهب": دملقة. (¬8) انظر: "مروج الذهب" 1/ 340. (¬9) سقط من (ر).

فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من ربك؟ " فقالت: الله. فقال: "فمن أنا؟ " قالت: رسول الله. قال: "أعتقها فإنها مؤمنة" (¬1). ولفظ النسائي (¬2): وإن عندي جارية نوبية أفتجزئ عني إن أعتقتها عنها؟ . قال: "ائتني بها"، فأتيته بها. فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من ربك؟ " قالت: الله. قال: "فمن أنا؟ " قالت: أنت رسول الله. قال: "أعتقها فإنها مؤمنة". (قال المصنف: خالد بن عبد الله أرسله ولم يذكر الشريد) (¬3). * * * ¬

_ (¬1) بعده في نشرة الرسالة 5/ 177: تنبيه: اختصر اللؤلؤي روايته لهذا الحديث إلى قوله: سوداء نوبية. ثم قال: فذكر نحوه. وجاء الحديث بتمامه في رواية ابن داسة وابن العبد. (¬2) (3655). (¬3) بعده في النسخ المطبوعة من "السنن" ح (3284) وهو رواية أخرى للقصة السابقة من حديث أبي هريرة. انظره في أحاديث المتن أول الباب.

20 - باب الاستثناء في اليمين بعد السكوت

20 - باب الاستثْناءِ في اليمِين بَعْدَ السّكُوت 3385 - حدثنا قُتَيْبَة بْن سَعِيدٍ، حدثنا شَرِيكٌ، عَنْ سِماكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللْهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "والله لأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا، والله لأغْزُوَنَّ قُرَيْشًا، والله لأغْزُوَنَّ قُرَيْشًا" .. ثُمَّ قال: "إِنْ شاءَ اللهُ". قالَ أَبُو داودَ: وَقَدْ أَسْنَدَ هذا الحَدِيثَ غَيْرُ واحِدٍ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سِماكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَسْنَدَه، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وقالَ الوَلِيدُ بْن مُسْلِمٍ: عَنْ شَرِيكٍ: ثُمَّ لم يَغْزُهمْ (¬1). 3386 - حدثنا محَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، أَخْبَرَنا ابن بِشْرٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ سِماكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ يَرْفَعهُ قال: "والله لأغْزُوَنَّ قُرَيْشًا" .. ثُمَّ قال: "إِنْ شاءَ اللهُ" .. ثمَّ قال: "والله لأغْزُوَنَّ قُرَيْشًا إِنْ شاءَ اللهُ" .. ثُمَّ قال: "والله لأغْزُوَنَّ قُرَيْشًا" .. ثمَّ سَكَتَ ثمَّ قال: "إِنْ شاءَ اللهُ". قالَ أبو داوُدَ: زادَ فِيهِ الوَلِيدُ بنُ مسلِمٍ: عَن شَرِيكٍ قال: ثمَّ لَمْ يَغْزُهمْ (¬2). * * * ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق 6/ 385 (11306)، وابن عدي في "الكامل" 3/ 180، والبيهقي 10/ 47. وانظر التالي. ورواه عن ابن عباس موصولا أبو يعلى (2674)، والطبراني 11/ 282 (11742)، وابن عدي في "الكامل" 3/ 179، والبيهقي 10/ 47. قال ابن عدي: الأصل في هذا الحديث مرسل. وقال عبد الحق الإشبيلي في "الأحكام الوسطى": الصحيح مرسل. ووافقه ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" 2/ 329. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". (¬2) السابق. وضعف هذا الإسناد الألباني في "ضعيف أبي داود".

باب في الاستثناء في اليمين بعد السكوت [3285] (حدثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي (حدثنا شريك، عن سماك، عن عكرمة) أرسله (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: والله لأغزون) فيه استحباب اليمين في الأمور المهمة تأكيدًا لأمرها باللفظ وتصميم الهمة، ووجهه أن البيعة على الغزو من أعظم فروض الكفايات، وقد أمر الله تعاني نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالحلف في ثلاثة (¬1) مواضع مهمة فقال: في {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ} يعني البعث والنشور {لَحَقٌّ} (¬2). وقال الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} (¬3)، والثالث: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} (¬4). (قريشَا) فيه أن من أقسم في بيعة الجهاد فيكون القسم على اسم جهة الجهاد وهو غزو قريش دون غيرها من القبائل. (والله لأغزون قريشا. ثم قال) في الثالثة (إن شاء الله) كذا رواية ابن حبان (¬5) من حديث مسعر، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس مثله إلا [أنه قال في آخره: ثم سكت فقال: "إن شاء الله"، وفي الحديث دلالة على صحة الاستثناء بالسكتة] (¬6). وقد أجمع العلماء ¬

_ (¬1) في (ر): ثلاث. (¬2) يونس: 53. (¬3) سبأ: 3. (¬4) التغابن: 7. (¬5) "صحيح ابن حبان" (4343). (¬6) ما بين المعقوفتين بياض في (ل) وساقط من (ر) والمثبت من (ع).

على تسمية (إن شاء الله) استثناء، وأنه متى استثنى بيمينه بشرطه لم يحنث فيها. ومن شرطه أن يكون الاستثناء بلسانه فلا ينفعه الاستثناء بالقلب في قول عامة أهل العلم، ولا نعلم (¬1) في ذلك خلافًا بين أهل العلم. ويدل على ذلك قوله في الحديث: ثم قال: "إن شاء الله". وفي الحديث المتقدم: "من حلف فقال إن شاء الله" (¬2). والقول هو النطق باللسان، ولأن اليمين لا ينعقد بالنية فكذلك الاستثناء، لكن روي عن أحمد: أنه إن كان مظلومًا فاستثنى في نفسه رجوت أن يجوز إذا خاف على نفسه، وهذا في حق الخائف (¬3) على نفسه؛ لأن يمينه غير منعقدة، أو لأنه بمنزلة المتأول، أما في حق غيره فلا (¬4). (قال المصنف: وقد أسند هذا الحديث غير واحد، عن شريك، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس) رضي الله عنهما، ورواه البيهقي موصولا ومرسلًا (¬5). قال ابن أبي حاتم في "العلل" عن أبيه: الأشبه إرساله. وقال ابن حبان في "الضعفاء": رواه مسعر وشريك عن سماك أرسلاه مرةً ووصلاه أخرى (¬6). [3286] (حدثنا محمد بن العلاء) بن غريب الهمداني (حدثنا) محمد ¬

_ (¬1) في (ر): نعلمه. والمثبت من "المغني". (¬2) سبق قريبًا برقم (3261). (¬3) في (ر): الحقائق. (¬4) انظر: "المغني" لابن قدامة 11/ 227. (¬5) "السنن الكبرى" 10/ 47. (¬6) "المجروحين" 2/ 308، انظر: "التلخيص الحبير" 4/ 403.

(ابن بِشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة وهو ابن الفرافصة ابن المختار العبدي الكوفي قال: كان عند مسعر ألف حديث أو أقل كتبتها إلا عشرة (¬1) (عن مسعر) بن كدام الهلالي الكوفي. (عن سماك، عن عكرمة يرفعه) إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - (قال: والله لأغزون قريشا) ثم قال (إن شاء الله) هو موافق لقوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (ثم قال؟ والله لأغزون قريشا) ولم يقيده بوقت فكان عامًّا في الأزمنة المستقبلة. (إن شاء الله) وعلى هذا فيجوز أن يكون (إن) بمعنى (إذ) الزمانية كما قيل في قوله: "وإنا إن شاء الله بكم لاحقون" (¬2). والأصل في (إذ) للماضي، وقد تقع للاستقبال كقوله تعالى: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ} (¬3) فإن (يعلمون) مستقبل لفظًا ومعنى لدخول حرف التنفيس عليه. (ثم قال) في الثالثة (والله لأغزون قريشا. ثم سكت، ثم قال) بعد سكوته (إن شاء الله) هذا مما استدل به لرواية عن أحمد أنه قال: يجوز الاستثناء بعد السكوت إذا لم يطل الفصل بينهما. ووجهه أن هذا الاستثناء كان بالقرب من غير أن يخلط كلامه بغيره. ونقل عنه إسماعيل بن سعيد مثل هذا وزاد قال: ولا أقول فيه يقول هؤلاء. يعني: من لم ير ذلك إلا متصلًا، ويحتملُ كلامُ الخرقي هذا؛ لأنه ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 465. (¬2) رواه مسلم (249) من حديث أبي هريرة مرفوعا. (¬3) غافر: 70 - 71.

قال (¬1): إذا لم يكن بين اليمين والاستثناء كلام. ولم يشترط اتصال الكلام وعدم السكوت. وهذا قول الأوزاعي، قال في رجل حلف قال: لا أفعل كذا وكذا. ثم سكت ساعة (¬2) لا يتكلم ولا يحدث نفسه بالاستثناء، فقال له إنسان: قل: إن شاء الله. فقال: إن شاء الله. أيكفر يمينه؟ قال: أراه قد استثنى. وقال قتادة: له أن يستثني قبل أن يقوم أو (¬3) يتكلم. وحجته هذا الحديث، واحتج به أحمد (¬4). (قال المصنف: زاد عليه الوليد بن مسلم) عالم أهل الشام في عصره (عن) القاضي (شريك) بن عبد الله النخعي، عن سماك بن حرب (ثم لم يغزهم) أي: ولم يكفر عن يمينه؛ لأنه استثنى وإن كان بعد السكوت. وقد يجاب عن هذِه الرواية على قول الجمهور والرواية المشهورة عن أحمد بأن هذا السكوت محمول على سكوت تنفس وانقطاع صوت ونحوه. * * * ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، والمثبت من "المغني". (¬2) سقط من الأصل، والمثبت من "المغني". (¬3) في (ر، ع): يقول و. والمثبت من (ل). (¬4) انظر: "المغني" لابن قدامة 11/ 227.

21 - باب النهى عن النذر

21 - باب النَّهْى عنِ النَّذْرِ 3287 - حدثنا عُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ، حدثنا جَرِيرُ بْن عَبْدِ الحَمِيدِ ح، وَحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حدثنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، قالَ عُثْمانُ الهَمْدانيُّ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قال: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَى عَنِ النَّذْرِ. ثمَّ اتَّفَقا، وَيَقول: "لا يَرُدُّ شَيْئًا، وَإِنَّما يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ البَخِيلِ" .. قالَ مُسَدَّدٌ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "النَّذْرُ لا يَرُدُّ شَيْئًا" (¬1). 3288 - حدثنا أَبُو داوُدَ قال: قُرِئَ عَلَى الحارِثِ بْنِ مِسْكِينٍ وَأَنا شاهِدٌ أَخْبَرَكُمُ ابن وَهْبٍ قال: أَخْبَرَني مالِكٌ، عَنْ أَبي الزِّنادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يَأْتي ابن آدَمَ النَّذْرُ القَدَرَ بِشَيء لَمْ أَكُنْ قَدَّرْتُهُ لَهُ، ولكن يُلْقِيهِ النَّذْرُ القَدَرَ قَدَّرْتُهُ يُسْتَخْرَجُ مِنَ البَخِيلِ يُؤْتَى عَلَيْهِ ما لَمْ يَكُنْ يُؤْتَى مِنْ قَبْلُ" (¬2). * * * باب النهي عن النذر [3287] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جَرير) بفتح الجيم وهو (ابن عبد الحميد) الضبي (عن منصور) بن المعتمر (عن عبد الله بن مرة) الهمداني بسكون الميم الكوفي، وثقه ابن معين وجماعة، قال الفلاس: مات سنة مائة (¬3) (عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6608)، ومسلم (1639). (¬2) رواه البخاري (6609)، ومسلم (1640). (¬3) انظر: "الجرح والتعديل" 5/ 165 - 166 (763)، "تهذيب الكمال" 16/ 114 - 115.

- صلى الله عليه وسلم - ينهى عن النذر) ولفظ البخاري (¬1): نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النذر. (ويقول) لفظ مسلم: "لا تنذروا؟ فإن النذر" إنه (¬2) (لا يردُّ) من قدر الله (شيئًا) ومحل هذا النهي عن النذر أن يقول: إن شفى الله مريضي أو قدم غائبي فعليَّ عتقُ رقبةٍ أو صدقة كذا أو صوم كذا ووجه هذا النهي أنه لما وقف فعل هذِه القربة على حصول غرض دنيوي عاجل ظهر أنه لم يتمحض له نية التقرب إلى الله تعالى بما علق عليه النذر، بل سلك به مسلك المعاوضة إن فعل له فعل وإن لم يفعل له لم يفعل شيئًا، وهذِه حال البخيل، فإنه لا يخرج من ماله شيئًا إلا بعوض عما يخرجه. ويضاف إلى هذا اعتقاد جاهل يظن أن النذر يوجب له حصول غرضه الدنيوي، وأن الله تعالى يفعل معه ذلك لأجل نذره الذي يخرج عنه بهذا العوض، وهذا خطأ صراح، والأول قريب من الكفر. (وإنما) هو سبب (يستخرج به من) مال (البخيل) ما لم يخرجه لمولاه إلا بمشيئة الله، ومعناه: أن من الناس من لا يسمح بالصدقة والصوم إلا إذا نذر شيئًا لخوف أو طمع فكأنه لولا ذلك الشيء الذي طمع فيه أو خافه لم يسمح بإخراج ما نذره لله تعالى (¬3)، وإذا تقرر هذا قيل: هذا النهي محمول على التحريم أو الكراهة، والمعروف من مذاهب العلماء ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (6608). (¬2) خلط الشارح هنا بين لفظي حديثين في "صحيح مسلم"، حديث ابن عمر (1639) ولفظه: عن عبد الله بن عمر قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا ينهانا عن النذر ويقول: "إنه لا يرد شيئًا" الحديث، وحديث أبي هريرة (1640) ولفظه: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تنذروا، فإن النذر لا يغني من القدر شيئًا" الحديث. (¬3) انظر: "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 6/ 155.

الكراهة. قال القرطبي: والذي يظهر حمله على التحريم في حق من لم يعتقد ذلك والله أعلم، وإذا وقع النهي على هذِه الصفة لزم الوفاء به من غير خلاف للحديث الآتي: "من نذر أن يطيع الله فليطعه". من غير تفريق بين النذر المعلق ولا غيره (¬1) (¬2). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "المفهم" للقرطبي 4/ 606 - 607. (¬2) سقط هنا (3288) لم يعرج عليه الشارح ولعله لأنه ليس في الرواية التي اعتمد عليها إذ إن الحديث من رواية ابن العبد وابن داسة وليس في رواية اللؤلؤي. وانظر نشرة الرسالة 5/ 181 - 182.

22 - باب ما جاء في النذر في المعصية

22 - باب ما جاءَ في النَّذْرِ في المَعْصِيَةِ 3281 - حدثنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ الأَيْليِّ، عَنِ القاسِمِ، عَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصيَ اللهَ فَلا يَعْصِهِ" (¬1). * * * باب ما جاء في النذر في المعصية [3289] (حدثنا) عبد الله بن مسلمة بن قعنب (القعنبي) شيخ الشيخين (عن مالك، عن طلحة بن عبد الملك الأيلي) بفتح الهمزة وسكون المثناة تحت، نسبةً إلى أيلة على ساحل بحر القلزم (عن القاسم) بن محمد (عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من نذر أن يطيع الله تعالى فليطعه) النذر في الطاعة يجب الوفاء به عند جماعة الفقهاء لمن قدر عليه، وإن كانت تلك الطاعة قبل النذر غير لازمة فبنذره لها وجبت (¬2) عليه، وهو نوعان: أحدهما: نذر تبرر وهو ما خرج مخرج المجازاة، وسمي تبررا لأنه (¬3) يطلب به البر والتقرب إلى الله، وهو بأن (¬4) يلتزم قربة إن حدثت له نعمة أو اندفعت عنه نقمة كإن إن شفى الله مريضي أو قدم ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6696). (¬2) في (ر): وجب. (¬3) في (ر): بنذر إلا أنه. (¬4) في (ر، ع): باب.

غائبي أو خلصت من عقوبة أو أمنت في هذِه السفرة، ونحو ذلك فعليَّ لله كذا وكذا من صلاة وصدقة وصوم وغير ذلك. [الثاني (¬1): أن يلتزم القربة] (¬2) لله تعالى ابتداء من غير سبب. ومن شرع في صوم نفل ثم نذر إتمامه لزمه على الصحيح كالواجب بأصل الشرع. والثاني: المنع؛ لأنه نذر صوم بعض يوم (¬3). (ومن نذر أن يعصي الله تعالى فلا يعصه) كمن نذر القتل بغير حق، والربا، ونذر المرأة الصيام والصلاة في الحيض، فلا ينعقد يمينه ولا يلزمه فيها كفارة يمين على المذهب، لكن ذكر البغوي: أنه لو نذر أن يصلي في أرض مغصوبة صح النذر ويصلي في موضع آخر. والتعبير بالمعصية يخرج المكروه كصوم الدهر، فإذا نذره انعقد نذره ولزمه الوفاء به بلا خلاف كما ذكره في "شرح المهذب" (¬4). قال الزركشي: وليس كذلك، بل كلام المتولي يفهم عدم الانعقاد، وأشار إليه الرافعي (¬5) تفقهًا؛ لأن النذر تقرب والمكروه لا يتقرب به. قال: وهذا هو المختار (¬6). * * * ¬

_ (¬1) ليس في النسخ الخطية، والمعنى يقتضيها. (¬2) سقط من (ع). (¬3) انظر: "روضة الطالبين" 3/ 313. (¬4) "المجموع" 6/ 444. (¬5) في "الشرح الكبير" 6/ 473: ولو نذر صوم الدهر لزم وكانت الأعياد وأيام التشريق مستثناة عنه وكذلك شهر رمضان وقضاؤه. (¬6) انظر: "مغني المحتاج" 4/ 357 - 358.

23 - باب من رأى عليه كفارة إذا كان في معصية

23 - باب مَنْ رَأى علَيْهِ كَفّارَةً إذا كانَ في معْصِيَةٍ 3210 - حدثنا إِسْماعِيلُ بْن إِبْراهِيمَ أَبُو مَعْمَرٍ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا نَذْرَ في مَعْصِيَةٍ، وَكفّارَتُهُ كفّارَةُ يَمِينٍ" (¬1). 3291 - حدثنا ابن السَّرْحِ قالَ: حدثنا ابن وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابن شِهابٍ بِمَعْناه وَإِسْنادِهِ. قالَ أَبُو داوُدَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ شَبُّويَةَ يقولُ: قال ابن المُبارَكِ -يَعْني: في هذا الحَدِيثِ- حَدَّثَ أَبُو سَلَمَةَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الزُّهْريَّ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبي سَلَمَةَ، وقالَ أَحْمَدُ بْن مُحَمَّدٍ: وَتَصْدِيق ذَلِكَ ما حدثنا أَيُّوبُ -يَعْني: ابن سُلَيْمانَ- قالَ أَبُو داوُدَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُول: أَفْسَدُوا عَلَيْنا هذا الحَدِيثَ. قِيلَ لَهُ: وَصَحَّ إِفْسادُهُ عِنْدَكَ وَهَلْ رَواهُ غَيْرُ ابن أَبي أُوَيْسٍ قال: أَيُّوبُ كانَ أَمْثَلَ مِنْهُ. يَعْني أَيُّوبَ بْنَ سُلَيْمانَ بْنِ بِلالٍ، وَقَدْ رَواهُ أَيُّوبُ (¬2). 3212 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ محَمَّدٍ المَرْوَزيُّ، حدثنا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمانَ، عَنْ أَبي بَكْرٍ ابن أَبي أُوَيْسٍ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ بِلالٍ، عَنِ ابن أَبي عَتِيقٍ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّ يَحْيَى بْنَ أَبي كَثِرٍ أَخْبَرَة، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ عائِشَةَ عَلَيْها السَّلامُ قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا نَذْرَ في مَعْصِيَةٍ، وَكَفّارَتُهُ كفّارَةُ يَمِينٍ". قالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزيُّ: إِنَّما الحَدِيث حَدِيثُ عَليِّ بْنِ المُبارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبي كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. أَرادَ أَنَّ سُلَيْمانَ بْنَ أَرْقَمَ وَهِمَ فِيهِ وَحَمَلَهُ عَنْهُ الزُّهْريُّ وَأَرْسَلَهُ عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ عائِشَةَ رَحِمَها ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1524، 1525)، والنسائي 7/ 26 - 27، وابن ماجه (2125)، وأحمد 6/ 247. وصححه الألباني في "الإرواء" (2590). (¬2) السابق.

اللهُ. قالَ أَبُو داوُدَ: رَوى بَقِيَّة، عَنِ الأَوْزاعيِّ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِإسْنادِ عَليِّ بْنِ المُبارَكِ مِثْلَهُ (¬1). 3293 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ القَطّانُ قالَ: أَخْبَرَني يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصاريُّ، أَخْبَرَني عُبَيْدُ اللهِ بْنُ زَحْرٍ أَنَّ أَبا سَعِيدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مالِكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ عامِرٍ أَخْبَرَهُ: أنَّهُ سَأَلَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، عَنْ أُخْتٍ لَهُ نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ حافِيَة غَيْرَ مُخْتَمِرَةٍ فَقال: "مُرُوها فَلْتَخْتَمِرْ وَلْتَرْكَبْ، وَلْتَصُمْ ثَلاثَةَ أَيّامٍ" (¬2). 3294 - حدثنا مَخْلَدُ بْنُ خالِدٍ، حدثنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، حدثنا ابن جُرَيْجٍ قال: كَتَبَ إِلَيَّ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: أَخْبَرَني عُبَيْدُ اللهِ بْنُ زَحْرٍ مَوْلَىً لِبَني ضَمْرَةَ -وَكانَ أَيَّما رَجُلٍ- أَنَّ أَبا سَعِيدٍ الرُّعَيْنيَّ أَخْبَرَهُ بِإسْنادِ يَحْيَى وَمَعْناهُ (¬3). 3295 - حدثنا حَجّاجُ بْنُ أَبي يَعْقُوبَ، حدثنا أَبُو النَّضْرِ، حدثنا شَرِيكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قال: جاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: يا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُخْتي نَذَرَتْ يَعْني: أَنْ تَحُجَّ ماشِيَةً. فَقالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ لا يَصْنَعُ بِشَقاءِ أُخْتِكَ شَيْئًا، فَلْتَحجَّ راكِبَةً وَلْتُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِها" (¬4). 3296 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حدثنا أَبُو الوَلِيدِ، حدثنا هَمّامٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ: أَنَّ أُخْتَ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ نَذَرَتْ أَنْ تَمْشيَ إِلَى البَيتِ، فَأَمَرَها ¬

_ (¬1) انظر الحديثين السابقين. (¬2) رواه الترمذي (1544)، والنسائي 7/ 20، وابن ماجه (2134)، وأحمد 4/ 145. وانظر التالي وما سيأتي برقم (3299). وضعفه الألباني في "الإرواء" (2592). والصحيح عن عقبة بن عامر في كفارة النذر ما رواه مسلم (1645) مرفوعا. (¬3) السابق. (¬4) رواه أحمد 1/ 310، 315، وأبو يعلى (2443)، وابن خزيمة (3046)، (3047)، وابن حبان (4384)، والحاكم 4/ 302، والبيهقي 10/ 80. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود".

النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تَرْكَبَ وَتُهْديَ هَدْيًا (¬1). 3297 - حدثنا مُسْلِمُ بْن إِبْراهِيمَ، حدثنا هِشامٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمّا بَلَغَهُ أَنَّ أُخْتَ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ نَذَرَتْ أَنْ تَحجَّ ماشِيَةً قال: "إِنَّ اللهَ لَغَنيٌّ عَنْ نَذْرِها، مُرْها فَلْتَرْكَبْ" .. قالَ أَبُو داوُدَ: رَواة سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرْوبَةَ نَحْوَهُ، وَخالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَهُ (¬2). 3218 - حدثنا مُحَمَّدُ بْن المثَنَّى، حدثنا ابن أَبِي عَديٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ أُخْتَ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ بِمَعْنَى هِشامٍ وَلَمْ يَذْكُرِ الهَدى، وقالَ فِيهِ: "مُرْ أُخْتَكَ فَلْتَرْكَبْ". قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ خالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ بِمَعْنَى هِشامٍ (¬3). 3299 - حدثنا مَخْلَدُ بْن خالِدٍ، حدثنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا ابن جُرَيْج، أَخْبَرَني سَعِيدُ بْن أَبِي أَيُّوبَ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبا الخَيْرِ حَدَّثَه، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ الجهَنيِّ قال: نَذَرَتْ أُخْتي أَنْ تَمْشيَ إِلَى بَيْتِ اللهِ، فَأَمَرَتْني أَنْ أَسْتَفْتيَ لَها رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فاسْتَفْتَيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: " لِتَمْشِ وَلْتَرْكَبْ " (¬4). 3300 - حدثنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حدثنا وُهَيْبٌ، حدثنا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قال: بَيْنَما النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذا هُوَ بِرَجُلٍ قائِمٍ في الشَّمْسِ فَسَأَلَ عَنْهُ قالُوا: هذا أَبُو إِسْرائِيلَ نَذَرَ أَنْ يَقومَ وَلا يَقْعُدَ، وَلا يَسْتَظِلَّ وَلا يَتَكَلَّمَ وَيَصُومَ. قال: " مُرُوهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ " (¬5). 3301 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا يَحْيَى، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ ثابِتٍ البُنانيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأى رَجُلاً يُهادى بَيْنَ ابنيْهِ فَسَأَلَ عَنْة فَقالُوا: نَذَرَ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 239. وانظر السابق. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". (¬2) انظر الحديثين السالفين قبله، وانظر تالييه. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". (¬3) رواه البيهقي 10/ 79. وانظر سابقيه. قال الألباني في "صحيح أبي داود": صحيح بما قبله. (¬4) رواه البخاري (1866)، ومسلم (1644). (¬5) رواه البخاري (6704).

أَنْ يَمْشيَ. فَقال: "إِنَّ اللهَ لَغَنيٌّ عَنْ تَعْذِيبِ هذا نَفْسَهُ" .. وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ. قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَهُ (¬1). 3302 - حدثنا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حدثنا حَجّاجٌ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ قالَ: أَخْبَرَني الأَحْوَلُ أَنَّ طاوُسًا أَخْبَرَهُ عَنِ ابن عَبّاسٍ: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مرَّ وَهُوَ يَطوفُ بِالكَعْبَةِ بِإنْسانٍ يَقُودُهُ بِخِزامَةٍ في أَنْفِهِ، فَقَطَعَها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَقودَهُ بِيَدِهِ (¬2). 3303 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللهِ السُّلَميُّ قالَ: حَدَّثَني أَبي قالَ: حَدَّثَني إِبْراهِيمُ -يَعْني: ابن طَهْمانَ- عَنْ مَطَرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ: أَنَّ أُخْتَ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ نَذَرَتْ أَنْ تَحجَّ ماشِيَةً وَأنَّها لا تُطِيقُ ذَلِكَ، فَقالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ لَغَنيٌّ عَنْ مَشْي أُخْتِكَ، فَلْتَرْكَبْ وَلْتُهْدِ بَدَنَةً" (¬3). 3304 - حدثنا شُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ، حدثنا مُعاوِيَةُ بْنُ هِشامٍ، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ الجُهَنيِّ أَنَّهُ قالَ لِلنَّبىِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ أُخْتي نَذَرَتْ أَنْ تَمْشيَ إِلَى البَيْتِ. فَقال: "إِنَّ اللهَ لا يَصْنَعُ بِمَشْي أُخْتِكَ إِلَى البَيْتِ شَيْئًا" (¬4). * * * [باب من رأى عليه كفارة إذا كان في معصية] (¬5) [3290] (حدثنا إسماعيل بن إبراهيم أبو معمر) الهذلي القطيعي، نزل ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1865)، ومسلم (1642). (¬2) رواه البخاري (1620)، (6703). (¬3) انظر ما سلف برقم (3295)، (3296) وما سيأتي بعده. (¬4) رواه البيهقي 10/ 79، وسلف برقم (3299)، وإسناده صحيح، وقال فيه: "لتمش ولتركب". (¬5) عنوان الباب ليس موجودا في النسخ الخطية، وكذا لم تثبته نشرة الرسالة مما يرجح ضعف ثبوته. والله أعلم، وأثبتناه من نشرة الحوت.

بغداد، شيخ الشيخين (حدثنا عبد الله بن المبارك، عن يونس، عن الزهري، عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا نذر في معصية الله تعالى وكفارته) أي: كفارة النذر مثل (كفارة اليمين) (¬1) [والرواية المشهورة رفع الكفارتين أي: كفارة النذر مثل كفارة اليمين] (¬2)، ويجوز نصب (¬3) الثانية على تقدير: كفارة النذر ككفارة اليمين، فلما حذف الجار نصب، وقد أجازوا الوجهين في حديث ذكاة الجنين ذكاة أمه. قال المنذري: والمحفوظ عند أهل هذا الشأن الرفع فيهما (¬4). ومن حذف حرف الجر ونصب المجرور قوله (¬5) تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} (¬6) أي: يخوفكم بأوليائه، فلما حذف باء الجر نصب، وقد أُعِلَّ هذا الحديث بالانقطاع؛ لأن الزهري لم يسمع من أبي سلمة (¬7)، لكن رواه ابن ماجه (¬8) أيضًا عن الزهري، عن سليمان بن أرقم، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن عائشة. ورواه عبد الرزاق (¬9) عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن رجل من ¬

_ (¬1) بعدها في (ل): نسخة: يمين. (¬2) ما بين المعقوفين سقط من (ر). (¬3) في (ر): النصب. (¬4) انظر: "عون المعبود" 8/ 21. (¬5) في (ر): كقوله. (¬6) آل عمران: 175. (¬7) قاله أبو داود، كما سيأتي في الحديث الآتي بعده، وانظر "البدر المنير" 9/ 498. (¬8) هكذا في (ر)، والصواب أبو داود وهو الحديث التالي. (¬9) "مصنف عبد الرزاق" 8/ 434 (15815).

بني حنيفة وأبي سلمة، كلاهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، والحنفي هو محمد بن الزبير، قاله الحاكم، يعني الحنظلي (¬1). وقال النووي في "الروضة" (¬2): هذا الحديث ضعيف باتفاق المحدثين. وتعقبه شيخنا ابن حجر بأنه صححه الطحاوي وأبو علي ابن السكن فأين الاتفاق؟ (¬3). وروى الترمذي عن عقبة بن عامر: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " كفارة النذر إذا لم يسم كفارة اليمين " (¬4). وقد استدل بهذا على صحة النذر المبهم، وهو أن يقول: لله عليه نذر فهذا يجب فيه الكفارة في قول أكثر أهل العلم، كذا قال ابن قدامة، وقال به جماعة من الصحابة. قال: ولا أعلم مخالفًا إلا الشافعي فقال: لا ينعقد نذره ولا كفارة فيه؛ لأن من النذور ما لا كفارة فيه (¬5). [3292] (حدثنا أحمد بن محمد) بن ثابت بن شبويه (المروزي) (¬6) بفتح الميم والواو، وفي "الكمال" قال الدارقطني: روى عنه البخاري (حدثنا أيوب بن سليمان) بن بلال شيخ البخاري (عن أبي بكر) عبد الحميد (بن أبي أويس) الأصبحي، أخرج له الشيخان (عن سليمان بن بلال) القرشي المدني (عن) محمد بن عبد الله (ابن أبي عتيق) التيمي، ¬

_ (¬1) "المستدرك" (7842). (¬2) "روضة الطالبين" 4/ 98. (¬3) "التلخيص الحبير" 4/ 429. (¬4) "سنن الترمذي" (1528). (¬5) "المغني" 13/ 623 - 624. (¬6) في (ر): المروي.

واسم أبي عتيق محمد بن [عبد الله] (¬1) بن أبي بكر الصديق، أخرج له البخاري في الاستقراض مفردًا (¬2)، وفي الجهاد (¬3) والتوحيد (¬4) والاعتكاف (¬5) وباب شهود الملائكة بدرًا (¬6) مقرونًا بأسانيد (و) عن (موسى بن عقبة، عن) محمد (ابن شهاب، عن سليمان بن أرقم) أبي معاذ البصري مولى الأنصار (¬7). قال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه (¬8). روى له المصنف في "المراسيل" (¬9)، والنسائي في الصدقات (¬10) والديات (¬11)، والترمذي (¬12) حديث عائشة: كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - خرقة ينشف بها بعد الوضوء. (أن يحيى بن أبي كثير أخبره، عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا نذر في معصية الله، وكفارته كفارة يمين) ورواه الدارقطني (¬13) من رواية غالب بن عبيد الله ¬

_ (¬1) هكذا في النسخ الخطية: والصواب: عبد الرحمن. وانظر: "تهذيب الكمال" 25/ 549 (5373). (¬2) (2267). (¬3) (2652). (¬4) (7027). (¬5) (1934). (¬6) (3780). (¬7) وفي (ر): الأنصاري. (¬8) "الكامل في ضعفاء الرجال" 4/ 238 (734). (¬9) ص 211 خ (258). (¬10) لم أجد له حديثا في الصدقات وإنما في الأيمان والنذور، باب كفارة النذر 7/ 27. (¬11) 8/ 58. (¬12) (53). (¬13) انظر: "السنن" 5/ 281.

الجزري، عن عطاء، عن عائشة مرفوعًا: "من جعل عليه نذرًا في معصية فكفارته كفارة يمين". (قال المصنف: سمعت أحمد بن حنبل يقول: أفسدوا علينا هذا الحديث. قيل له: وصح إفساده عندك (¬1) وهل رواه غير) أبي بكر عبد الحميد (¬2) (ابن أبي أويس؟ ) الأصبحي (قال: إن أيوب كان أمثل منه، يعني) به (أيوب بن سليمان بن بلال) أنبأنا يحيى المدني، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3)، مات سنة أربع وعشرين ومائتين (وقد رواه أيوب) بن سليمان المذكور. (قال المصنف: سمعت أحمد بن محمد) بن ثابت بن شبويه بفتح المعجمة وتشديد الموحدة (المروزي) يقول (قال (عبد الله (ابن المبارك) ابن واضح المروزي، يعني في هذا الحديث (حدث) به (أبو سلمة، فدل ذلك على أن الزهري لم يسمعه من أبي سلمة) بن عبد الرحمن، فهو منقطع معلول. (قال أحمد بن محمد بن) شبويه (المروزي: إنما الحديث) المذكور (حديث علي بن المبارك) الهنائي (عن يحيى بن أبي كثير، عن محمد ابن الزبير) الحنظلي من بني حنظلة البصري، قال أبو حاتم: ليس بالقوي (¬4) (عن أبيه) الزبير الحنظلي (عن عمران بن حصين) وقيل: ¬

_ (¬1) بعدها في (ل): نسخة: عندكم. (¬2) في (ع): بن عبد الحميد، وفي (ل، ر): بن عبد المجيد. والمثبت الصواب. وانظر: "تهذيب الكمال" 16/ 444 (3721). (¬3) 8/ 126. (¬4) "الجرح والتعديل" 7/ 259 (1417).

بينهما رجل، وتقدم أنه رواه أيضا عبد الرزاق عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن رجل من بني حنيفة وأبي سلمة، كلاهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا (¬1)، والذي من بني حنيفة هو محمد بن الزبير، قاله الحاكم، وقال: إن قوله (من بني حنيفة) تصحيف، وإنما هو من بني حنظلة (¬2). وله طريق أخرى عن عائشة رواها الدارقطني تقدمت (¬3). (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأراد) بهذا (أن سليمان بن أرقم) البصري (وهم فيه) قال أبو عبيد الآجري: سألت أبا داود -يعني: المصنف- عن سليمان بن أرقم قال: متروك الحديث (¬4). وعن يحيى بن معين: ليس يسوى فلسًا (¬5). (وحمله عنه (¬6) الزهري وأرسله عن أبي سلمة) عبد الله على الأصح (عن عائشة رضي الله عنها). [3293] (حدثنا مسدد، حدثنا يحيى بن سعيد القطان قال: أنبأنا يحيى بن سعيد) بن قيس بن عمرو (الأنصاري) قاضي السفاح قال (أخبرني عبيد الله) بالتصغير وهو (ابن زَحْر) بفتح الزاي وسكون الحاء المهملة الإفريقي العابد، قال النسائيُّ: لا بأس به (¬7). ¬

_ (¬1) "مصنف عبد الرزاق" 8/ 434 (15815). (¬2) "المستدرك" 4/ 305. (¬3) انظر: "التلخيص الحبير" 4/ 428. (¬4) "سؤالات أبي عبيد الآجري لأبي داود" (1578). (¬5) "تاريخ الدوري" 2/ 228 (2577). (¬6) في النسخ الخطية: غير. والمثبت هو الموافق للمطبوع من "السنن". (¬7) انظر: "تهذيب الكمال" 19/ 38.

(أن أبا سعيد) جعثل (¬1) بن هاعان الرعيني قاضي إفريقية، قال ابن يونس: أخرجه عمر بن عبد العزيز إلى المغرب ليقرئهم القرآن، وكان أحد القراء (¬2) الفقهاء، له وفادة على هشام بن عبد الملك (¬3). (أخبره أن عبد الله بن مالك) اليحصبي المصري، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4). (أخبره أن عقبة بن عامر) الجهني (أخبره) وكان من أحسن الناس صوتًا بالقرآن (أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أختٍ له) وهي أم حِبَّان -بكسر الحاء وبالباء الموحدة- بنت عامر الأنصارية، أفاده المنذري في حواشي "السنن" (¬5)، وهو مذكور في "الإكمال" لابن ماكولا (¬6)، لكن قال: إنها أخت عقبة بن عامر بن نابي بن زيد بن حرام بن كعب، أسلمت وبايعت. ثم قال ابن ماكولا: ذكر ذلك محمد بن سعد (¬7) (¬8). فعلى هذا من زعم أنها أخت عقبة بن عامر الجهني راوي هذا الحديث فقد وهم (¬9). ¬

_ (¬1) ضبط في (ل) بفتح الجيم وسكون العين. قال ابن ماكولا: بضم الجيم وسكون العين والثاء المعجمة بثلاث. انظر: "الإكمال" 2/ 107. (¬2) سقط من (ر). (¬3) "تاريخ ابن يونس" (234). (¬4) 5/ 51 (3806). (¬5) انظر: "عون المعبود" 6/ 185. (¬6) 2/ 311. (¬7) في النسخ الخطية: سعيد. وهو خطأ، وفي فوقها في (ع) كتب: صوابه. وقبالتها بالحاشية: صوابه سعد. وهو كما قال: (¬8) "الإكمال" 2/ 311. (¬9) قال الحافظ ابن حجر في "الإصابة في تمييز الصحابة" 8/ 186: ذكرها ابن سعد في المبايعات وقال: أمها فكيهة بنت السكن بن زيد السلمية، تزوجها حرام بن محيصة=

(نذرت أن تحُج) بضم الحاء البيت الحرام (حافية) صفة لمحذوف تقديره: ماشية حافية. أما المشي فسيأتي في الحديث بعده، وأما المشي حافية فلا يلزم الحفاء، بل لها لبس النعلين ولا شيء عليها. وقال في "شرح المهذب" (¬1): لا خلاف فيه، وعلله بكونه ليس بقربة، لكن قد جزم الرافعي في الحج في "الشرح" بأن الأولى دخول مكة حافيًا (¬2)، ونقله النوويُّ في "المناسك" و"الروضة" (¬3) تبعًا للرافعي عن بعضهم، وأقره عليه. فحينئذٍ فيتعين على مقتضى ذلك أن يجب عليها خلع النعلين في مسافة الحج الآتية كما يستحب فيها أن تكون حافية في غير صورة النذر، وكما قالوا في إطالة القيام في الصلاة، كذا قاله الإسنوي، وهذا فيما إذا كانت قادرة (¬4) كنساء أهل البوادي، أما نساء أهل المدن اللاتي لم يعتدن المشي حفاة فإذا مشت متنعلة لعدم القدرة أجزأها حجها وعليها دم في الأظهر، وكذا لو انتعلت بلا عذر أجزأها أيضًا على المشهور؛ لأنها أتت بالحج بالمنذور ولم تترك إلا هيئةً منه، وترك الصفة لا يمنع من الاحتساب كترك الميقات من الإحرام. ¬

_ =وقال: إنها التي استفتى لها أخوها عقبة بن عامر عن النذر وليس كذلك؛ لأن عقبة الذي استفتى هو ابن عامر الجهني، وهذا الأنصاري لا رواية له، وإنما أشتبه على من زعم ذلك باتفاق الاسم واسم الأب. (¬1) "المجموع" 8/ 493. (¬2) "الشرح الكبير" 3/ 387. (¬3) "روضة الطالبين" 3/ 75. (¬4) في (ر): قادة.

(غير مختمرة) أي: غير لابسة الخمار على رأسها، يقال: اختمرت المرأة وتخمرت إذا غطت رأسها بالخمار، ويوضح ذلك رواية الطحاوي (¬1): حافية ناشرة شعرها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فلتركب ولتختمر"، فاختمرت المرأة إذا لبست الخمار كاعتمّ الرجل إذا لبس العمامة. (فقال: - صلى الله عليه وسلم - مروها فلتختمر ولتركب) هذا من اللف والنشر المعكوس، إذ لو كان مرتبًا لقال: فلتركب ولتختمر. بإعادة الأول للأول والثاني للثاني. وفي قوله (ولتركب) إشارة إلى أن الحفاء المسئول عنه غير معتبر في الشرع كما تقدم عن النووي؛ إذ لو كان مقصودًا للشارع لذكره في الجواب. وعلى هذا ففي هذا دليل على أن (¬2) المستفتى (¬3) إذا ذُكر له في السؤال معنًى غير مقصود فله أن يقتصر على ذكر المقصود دون غيره كما في الحديث، لكن الأولى إذا كان يعلم أن المستفتي (¬4) لا يفهم ذلك أن يصرح به في الجواب فيقول: أما الحفاء فلا يعتبر، وأما المشي المقصود فحكمه كذا، ألا ترى إلى حديث أبي (¬5) إسرائيل لما قالوا: نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم. فأمره ¬

_ (¬1) انظر: "شرح معاني الآثار" 3/ 131 (4820). (¬2) سقط من الأصل، وأظن أن السياق يقتضيه. (¬3) في (ر): المستثنى. (¬4) في (ر): المستثني. (¬5) سقط من (ع).

بإتمام الصوم وترك ما سواه؛ لكونه غير طاعة (¬1). وأما الاختمار (¬2) فظاهر رواية الطحاوي أن المراد به: تغطية شعرها المكشوف في الحج، ولا شك في وجوبه، وأما إذا أريد وضع الخمار على ما يستر رأسها وشعرها من طاقية (¬3) ونحوها فحكمه حكم الحفاء في احتمال وجوبه لكونه مندوبًا إليه كما تقدم. (ولتصم ثلاثة أيام) كذا للنسائي (¬4) وابن ماجه (¬5)، ولعل هذا محمول على العجز عن التكفير بالمال، فلما علمَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عجزها عن الإطعام والكسوة والعتق أمرها بالصوم الذي هو بدل عن الثلاثة؛ فإن الواجب على من ترك المحلوف عنه الكفارة، وكفارة النذر كفارة اليمين كما تقدم. وستأتي الرواية المصرحة لوجوب الكفارة المبينة أن حكم الصوم هنا للعاجز، وأما رواية الهدي الآتية فيأتي الكلام عليها. [3295] (حدثنا حجاج بن أبي يعقوب) يوسف بن حجاج أبو محمد الثقفي البغدادي ابن الشاعر، كان أبوه شاعرًا يصحب أبا نواس. قال ابن أبي حاتم: ثقة من الحفاظ (¬6). قال: جمعت لي أمي مائة رغيف فجعلته في جراب فانحدرت إلى شبابة بالمدائن فأقمت ببابه أقرأ عليه مائة يوم، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6704) من حديث ابن عباس. (¬2) في (ر): الاحتمال. (¬3) هذه الكلمة عامية لم تذكر في معاجم اللغة، إلا أنها ذكرت في "المعجم الوسيط" وفيه: أنها محدثة. (¬4) "المجتبى" 7/ 20. (¬5) "سنن ابن ماجه" (2134). (¬6) "الجرح والتعديل" 3/ 168 (718).

فلما نفدت الأرغفة خرجت. وهو شيخ مسلم (¬1). (حدثنا أبو النضر) هاشم ابن القاسم التميمي، سكن بغداد. (حدثنا) القاضي (شريك، عن محمد بن عبد الرحمن) بن عبيد التيمي (مولى آل طلحة) من الكوفة، أخرج له مسلم (¬2). (عن كريب، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إن أختي) الظاهر أن هذا السائل هو عقبة بن عامر كما في الحديث، وأخته أم حبان كما تقدم (نذرت أن تحج ماشية) حافية كما تقدم. (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن الله تعالى لا يَصْنَعُ) بسكون الصاد المهملة وفتح النون بعدها، يشبه أن يكون المعنى: أي لغني كما في الرواية التي بعدها: لا ينتفع (بشقاء) لفظ النسائي (¬3): "لا يصنع بتعذيب هذا نفسه شيئًا" (¬4) (أختك) أي تعبها (شيئًا) وأصل الشقاء ضد السعادة، مرها (فلتحج) إلى بيت الله الحرام (راكبة) قال النووي: قد جاء حديث أخت عقبة في "سنن أبي داود" مبينًا أنها ركبت للعجز (¬5). قال: إن أختي نذرت أن تحج ماشية وإنها لا تطيق. ولم أره في هذا الباب بهذِه الزيادة في رواية الخطيب، لكن في رواية ابن داسة بهذا اللفظ ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 5/ 468. (¬2) (2261). (¬3) (3863). (¬4) "المجتبى" 7/ 30 من حديث أنس مرفوعًا. (¬5) "شرح مسلم" 3/ 111.

من طريق ابن طهمان عن مطر، عن عكرمة. (وتكفر) وفي بعض النسخ: ولتكفر (عن يمينها) لأن النذر كفارته كفارة يمين كما تقدم. [3296] (حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي. (حدثنا همام، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن) أم حبان (أخت عقبة بن عامر (¬1) نذرت أن تمشي إلى البيت) الحرام حافية (فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تركب) لأنه علم منها العجز عن المشي، وسيأتي في حديث أنس: "إن الله لغني عن تعذيب هذا نفسه" (¬2). وأمره أن يركب، فجعل علة الركوب غنى الله عن تعذيب نفسه، وهذا من كرم الله ولطفه بعباده سبحانه. وإذا قلنا بالمذهب وهو وجوب (¬3) مشيها وإتيانها البيت الحرام (¬4) لله بحج أو عمرة لإطلاقه على البيت الحرام فإنه السابق إلى الفهم عند الإطلاق، ولا قربةَ في مشيٍ إلا بنسكٍ، فيحملُ مطلقُ النذرِ عليه. والمراد بالمشي لمن قدر المشي من دويرة أهله في الأصح؛ لأن قضيته أن يخرج من بيته ماشيًا، والثاني من الميقات؛ لأن المقصود الإتيان بالنسك فيمشي من حيث يحرم (¬5). (وتهدي) بضم التاء وكسر الدال إلى البيت العتيق (هديًا) وهذا الهدي ¬

_ (¬1) سقط من (ل)، والمثبت من (ر). (¬2) سيأتي قريبًا برقم (3301). (¬3) انظر: "المجموع" 7/ 91. (¬4) سقط من (ر). (¬5) انظر: "نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج" للرملي 8/ 229.

الواجب (¬1) هو إراقة دماء، والأصح أنه شاة، وقيل: بدنة. لوروده في بعض طرق الحديث. ووجه الوجوب أنه لما سقط عنه وجوب المشي المنذور لعذره وجب عليه الدم. وفي الحديث إشارةٌ إلى أنَّ الناذِرَةَ إذا حجت راكبةً يجزئها حجها؛ لأنه أوجب الهدي ولم يوجب القضاء ولا غيره، فدل على جواز حجها وسقوطه عنها إذا وجدت بقية شروطه. [3297] (حدثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي الفراهيدي (حدثنا هشام) ابن أبي (¬2) عبد الله الدستوائي (عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس -رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما بلغه أن أخت عقبة بن عامر) الأنصاري -رضي الله عنه- (نذرت أن تحج ماشية) من نذر أن يحج ماشيًا وجب على القادر عليه المشي من حيث يحرم على الأصح سواء أحرم من الميقات أو قبله. ومنهم من قطع به؛ لأن ابتداء الحج من الإحرام، هذا إذا أطلق التزامه ماشيًا كما في الحديث، فإن صرح بمكان الابتداء من دويرة أهله فقيل: لا يجب (¬3) قبل إحرامه؛ إذ لا قربة فيه. والأصح وجوبه. (قال: إن الله تعالى لغني عن نذرها) أي: عن تعذيب نفسها في الإتيان بنذرها كما تقدم ويأتي. ثم قال له (مرها فلتركب) وتهدي هديًا كما هو مقيد في الحديث قبله، ¬

_ (¬1) في (ر): واجب. (¬2) سقط من (ر). (¬3) في (ر): يحرم.

فيحمل المطلق على المقيد على القاعدة الأصولية. (قال المصنف: رواه سعيد (¬1) بن أبي عروبة) واسمه مهران العدوي مولى بني عدي بن يشكر (نحوه، و) رواه (خالد) بن مهران الحذاء البصري (عن عكرمة) عن ابن عباس (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه) أي: بنحو ألفاظ الحديث المتقدم. [3299] (حدثنا مخلد بن خالد) الشعيري أبو محمد العسقلاني نزيل طرسوس، شيخ مسلم. (حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا) عبد الملك (ابن جريج قال: أخبرني سعيد ابن أبي أيوب، أن يزيد بن أبي حبيب) الأزدي أبو رجاء عالم أهل مصر (أخبره، أن أبا الخير) (¬2) مرثد (¬3) بن عبد الله اليزني المصري (حدثه، عن عقبة بن عامر الجهني -رضي الله عنه- قال: نذرت أختي) أم حبان كما تقدم (أن تمشي إلى بيت الله) الحرام حافية كما لمسلم (¬4) (فأمرتني أن أستفتي لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فيه جواز الاستنابة في الاستفتاء لزوجها أو محرمها إذا كانت مخدرة (¬5) لا تخرج، وكذا إن لم تكن مخدرة، وإن كان الأفضل سماع كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخذ (¬6) العلم بغير واسطة (فاستفتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ¬

_ (¬1) في (ر): شعبة. (¬2) في (ل) و (ر): زيادة كلمة (الخير). (¬3) في النسخ الخطية: يزيد. والمثبت من مصادر الترجمة. (¬4) في (ر): كالمسلم. (¬5) قال في "لسان العرب" 4/ 230: الخِدْرُ سِتْرٌ يُمَدُّ للجارية في ناحية البيت ... وجارية مخدرة إذا ألزمت الخدر. (¬6) في (ر): وأحل.

لتمش ولتركب) معناه: تمشي في وقت قدرتها على المشي، وتركب إذا عجزت عن المشي أو لحقتها مشقة ظاهرة فتركب وعليها دم على أرجح القولين للشافعي، والثاني: يستحب الدم (¬1). وإنما أفتاها بذلك لأنها كانت ممن تقدر على بعض المشي فأمرها أن تركب ما عجزت عنه وتمشي ما قدرت عليه، وهذا هو المناسب لقواعد الشريعة (¬2). [3300] (حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا وهيب) بن خالد الباهلي مولاهم الكرابيسي. (حدثنا أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب إذا هو برجل قائم في الشمس فسأل عنه) فيه جواز كلام الخطيب وهو في أثناء الخطبة، ولفظ ابن ماجه (¬3): أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر برجل بمكة وهو قائم في الشمس فقال: " ما هذا؟ " (قالوا: هذا أبو إسرائيل) اسمه: يسير، مصغر ضد العسر من الأنصار (¬4). قال المنذري: ذكر بعضهم أن اسمه: قيصر العامري وليس في الصحابة من شاركه في اسمه ولا في كنيته ولا له ذكر إلا في هذا الحديث، وسماه البغوي قشيرا (¬5). (نذر أن يقوم) في الشمس (ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم) زاد ابن ¬

_ (¬1) انظر: "شرح مسلم" للنووي 11/ 102. (¬2) انظر: "المفهم" 4/ 617. (¬3) (6704) وهذا اللفظ من جواب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا مكان له هنا. (¬4) في (ر): الأنصاري. (¬5) "مختصر سنن أبي داود" 4/ 379.

ماجه: إلى الليل (ويصوم) لفظ البخاري: "وليتم" (¬1). (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه) فيه أن من نذر ما ليس بطاعة لله تعالى ولا معصية كقوله: لله (¬2) تعالى عليَّ أن أدخل الدار (¬3) أو آكل أو أشرب. فلا شيء عليه؛ لأنه ليس في شيء من ذلك طاعة لهذا الحديث، لكن قال ابن الرفعة: إذا قصد بالأكل التقوي على العبادة، وبالنوم بالنهار ليكون إذا نشأ في جوف الليل يكون صافي القلب فيلزم بالنذر. وقد ادعى الإمام والغزالي في هاتين الصورتين ونظائرهما أنه لا خلاف في عدم لزومهما (¬4). قال الزركشي: وفيه نظر (¬5)؛ لقوله: إني أنام وأحتسب في نومتي (¬6) ما أحتسب في قومتي (¬7). والظاهر أنه إذا (¬8) نذر النوم لهذا المعنى ونحوه أنه ينعقد ويستثنى من المباح ما لو نذر الحلق. وقلنا: إنه استباحة محظور (¬9) لا ثواب فيه؛ ¬

_ (¬1) (6326). (¬2) سقط من (ر). (¬3) في (ر): النار. (¬4) في (ر): لزومها. (¬5) وانظر: "أسنى المطالب" 1/ 677. (¬6) في (ر): قومتي. (¬7) رواه البخاري (4086) عن معاذ بن جبل موقوفا في قصته مع أبي موسى الأشعري. (¬8) في (ر): أراد. (¬9) أي: في حق المحرم بالحج فيقال: الحلق نسك أم استباحة محظور عند التحلل من الإحرام.

فالأصح في "الروضة" (¬1) وجوبه، فهذا مباح لا ثواب فيه، ويجب بالنذر. قال ابن بطال: في هذا الحديث دليل على أن السكوت عن المباح أو عن ذكر الله ليس من طاعة الله، وكذلك الجلوس في الشمس (¬2)، وفي معناه كل ما يتأذى به الإنسان مما ليس بطاعة ولا قربة كالحفاء وغيره، وإنما الطاعة ما أمر الله ورسوله به (¬3). قال مالك: ولم أسمع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أبا إسرائيل بكفارة (¬4). لكن روى البيهقي من حديث محمد بن كريب عن أبيه، عن ابن عباس (¬5) وفيه الأمر بالكفارة، وقد أمره - صلى الله عليه وسلم -[أن يتم] (¬6) ما كان لله عز وجل طاعة ويترك ما خالف ذلك. [3301] (حدثنا مسدد، حدثنا يحيى) بن سعيد القطان. (عن حميد) ابن تير (¬7) (الطويل) البصري، مولى طلحة الطلحات. (عن ثابت) بن أسلم (البناني) بضم الموحدة، لم يكن في زمانه أعبد ¬

_ (¬1) 2/ 381. (¬2) في (ر): التلمس. (¬3) "شرح البخاري" 6/ 164 - 165. (¬4) "المفهم" 4/ 615. (¬5) "السنن الكبرى" 10/ 75. (¬6) في (ل) و (ر): اسم. (¬7) تبدو هكذا في (ل)، وفي (ر): زيد، وفي (ع): يزيد. وليسا في نسبه، واسمه حميد ابن أبي حميد الطويل، واسم أبي حميد: تير، ويقال: تيرويه. ويقال: زاذويه. ويقال: داور. ويقال: طرخان. ويقال: مهران. ويقال: عبد الرحمن. ويقال: مخلد. ويقال غير ذلك، وانظر: "تهذيب الكمال" 7/ 355 (1525).

(عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلًا يهادى) بفتح الدال [بين ابنيه] (¬1) ولمسلم (¬2): رأى شيخًا يهادى بين ابنيه. وفي رواية له (¬3): يمشي بين ابنيه متوكئًا عليهما. وهو بمعنى يهادى، وكان يفعل ذلك لضعفه بالكبر عن المشي (فسأل عنه فقالوا: نذر أن يمشي) لفظ مسلم: "فقال: مما شأن هذا؟ " قال ابناه: يا رسول الله، كان عليه نذر. (فقال: إن الله لغنيٌّ عن تعذيب هذا نفسه) يعني: عن تكلفه المشي الذي لا يستطيعه فلم يكلفه. وخرجت هذِه العبارة عما تعارفناه بيننا من أن من استغنى عن شيء لم يلتفت إليه ولم يعبأ به، وكيف لا والله تعالى هو الغني الحميد وكل الموجودات تفتقر إليه، وظاهر هذا الحديث أنه عجز عن المشي في الحال، وفيما بعد كما في عجز الكبر، ولذلك لم يقل له النبي - صلى الله عليه وسلم - ما قال لأخت عقبة: "مرها فلتمش ولتركب". (و) لهذا (أمره أن يركب) ولم يأمره بالمشي (¬4) (¬5). * * * ¬

_ (¬1) في (ر): أساسه. (¬2) (1642). (¬3) (1643). (¬4) "المفهم" 4/ 617. (¬5) بقي في الباب ثلاثة أحاديث أرقامها (3302، 3303، 3304) لم يعرج عليها المصنف ولم يشر إليها. وقد أشير في حاشية نشرة الرسالة للسنن 5/ 191 - 193 أن الثلاثة من رواية ابن العبد وابن داسة. وليست في رواية اللؤلؤي، فلعله سبب عدم إيراد المصنف لها، والله أعلم.

24 - باب من نذر أن يصلي في بيت المقدس

24 - باب منْ نَذَرَ أَنْ يُصَلّيَ في بَيْت المقْدِسِ 3305 - حدثنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ قالَ: حدثنا حَمّادٌ قالَ: أَخْبَرَنا حَبِيبٌ المُعَلِّمُ، عَنْ عَطاءِ بْنِ أَبي رَباحٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَندِ اللهِ: أَنَّ رَجُلًا قامَ يَوْمَ الفَتْحِ فَقال: يا رَسُولَ اللهِ إِنّي نَذَرْتُ لله إِنْ فَتَحَ اللهُ عَلَيْكَ مَكَّةَ أَنْ أُصَلّيَ في بَيْتِ المَقْدِسِ رَكْعَتَيْنِ. قال: "صَلِّ ها هُنا". ثُمَّ أَعادَ عَلَيْهِ فَقال: "صَلِّ ها هُنا". ثُمَّ أَعادَ عَلَيْهِ فَقال: "شَأْنَكَ إِذًا " .. قالَ أَبُو داوُدَ: رُويَ نَحْوُهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). 3306 - حدثنا مَخْلَدُ بْنُ خالِدٍ قالَ: حدثنا أَبُو عاصِمٍ ح وَحَدَّثَنا عَبّاسٌ العَنْبَريُّ -المَعْنَي- قالَ: حدثنا رَوْحٌ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ قالَ: أَخْبَرَني يُوسُفُ بْنُ الحَكَمِ بْنِ أَبي سُفْيانَ أَنَّهُ سَمِعَ حَفْصَ بْنَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَعَمْرًا. وقالَ عَبّاسٌ: ابن حَنَّةَ أَخْبَراهُ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ رِجالٍ مِنْ أَصْحابِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا الخَبرِ. زادَ فَقالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: " والَّذي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالحَقِّ لَوْ صَلَّيْتَ ها هُنا لأَجْزَأَ عَنْكَ صَلاةً في بَيْتِ المَقْدِسِ" (¬2). قالَ أَبُو داوُدَ: رَواة الأَنْصاريُّ، عَنِ ابن جُريجٍ فَقالَ جَعْفَرُ بْن عمْر، وقالَ عَمْرُو بْن حَيَّةَ وقالَ: أَخْبَراهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَعَنْ رِجالٍ مِنْ أَصْحابِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. * * * ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة 7/ 588 (12576)، وأحمد 3/ 363، والدارمي (2384)، والحاكم 4/ 304 - 305، والبيهقي 10/ 82 - 83. وصححه الألباني في "الإرواء" (972). (¬2) رواه عبد الرزاق 8/ 455 (15890)، وأحمد 5/ 373، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 45/ 121 - 122. وقال الألباني في "الإرواء" 4/ 147: فيه عمر بن عبد الرحمن بن عوف لم يوثقه غير ابن حبان، وقال الحافظ: مقبول.

باب من نذر أن يصلي في بيت المقدس [3305] (حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد) بن سلمة (أنبأنا حبيب) بن أبي قريبة، ويقال: حبيب بن أبي بقية وحبيب بن زائدة (¬1) (المعلِّم) البصري (عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رجلًا قام يوم الفتح) فتح مكة (فقال: يا رسول الله، إني نذرت إن فتح الله تعالى عليك مكة) أدام الله (¬2) شرفها (أن أصلي في بيت المقدس) سمي بذلك لأنه الموضع الذي يتقدس فيه من الذنوب، يقال: بيت المقدس، والبيت المقدس، وبيت القدس -بضم الدال وسكونها- وهو مشتق من التقديس وهو التطهير (¬3). (ركعتين) فيه فضيلة الصلاة في بيت المقدس، وأنه يصح نذر الصلاة فيه، وأن من نذر صلاة لزمه ركعتان. واختلفوا فيمن نذر صلاة ركعتين، هل له أن يصلي أربعًا بتشهد أو تشهدين؟ فمنهم من منع الزيادة، ومنهم من أجازها. (قال: صلِّ ها هنا) استُدِلَّ به على أن من نذر الصلاة في المسجد الأقصى أجزأته الصلاة في مسجد مكة لهذا الحديث والذي بعده: "والذي نفسي بيده لو صليت ها هنا لأجزأ عنك كل صلاة في بيت المقدس "، وكذا إن نذر الصلاة في المسجد الأقصى أجزأته الصلاة ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 5/ 412 (1108). (¬2) من (ع). (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير (4/ 23 - 24).

في مسجد المدينة؛ لأنه أفضل. (ثم أعاد) ثانيًا (قال (¬1): صل ها هنا. ثم أعاد عليه) ثالثًا (قال: صل هاهنا. ثم أعاد عليه) رابعًا. (قال: شأنَكَ) منصوب بفعل محذوف أي: افعل ما تختار إذا لم تقبل ما أمرتك به، وهو كالإغراء، ويجوز الرفع (إذًا) (¬2) أي: افعل ما بدا لك، وفيه نوع تهديد كقوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} (¬3). [3306] (حدثنا مخلد (¬4) بن خالد) الشعيري (حدثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل. (ح، وحدثنا عباسٌ) بالموحدة والسين المهملة، وهو ابن عبد العظيم ابن إسماعيل بن توبة (العنبريُّ) (¬5) شيخ مسلم والبخاري تعليقًا. (حدثنا روح) بن عبادة بن العلاء البصري، أخرج له الشيخان كلاهما، روى (عن) عبد الملك (ابن جريج، قال: أخبرني يوسف بن الحكم بن أبي سفيان) الطائفي (¬6) ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬7). (أنه سمع حفص بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف و) سمع (عَمرًا، ¬

_ (¬1) في (ل) و (ر): قل. (¬2) في "السنن" المطبوع بالنون. (¬3) فصلت: 40. (¬4) في (ر): محمد. (¬5) في (ر): العنزي. (¬6) في (ل): الطابقي. (¬7) 7/ 536.

قال عباس) بن عبد العظيم العنبري في روايته سمع عمرو (ابن حَنَّة) بفتح الحاء المهملة وتشديد النون، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬1)، وأنهما (أخبراه) يعني حفصا وعمرًا (عن عمر بن عبد الرحمن بن عوف، عن رجال من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (بهذا الخبر) المذكور (وزاد) في هذِه الرواية، وكذا في رواية أحمد بن حنبل في "مسنده" (¬2) (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: والذي بعث محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بالحق، لو صليت ها هنا) يعني في حرم مكة (لأجزأ عنك صلاة) نذرتها (في بيت المقدس) ولفظ رواية أحمد: "لو صليت ها هنا" يعني: في حرم مكة "لقضى عنك ذلك كل صلاة في بيت المقدس". (قال المصنف: رواه الأنصاري، عن) عبد الملك (ابن جريج فقال: جعفر بن عمر) نسخة: حفص بن عمر (وقال: عمرو بن حية، وقال) أيضًا (أخبراه عن عبد الرحمن بن عوف وعن رجال من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -). * * * ¬

_ (¬1) 6/ 68. وقال (حية) بدل (حنة)، وقد ورد الاختلاف في اسمه كما في "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (1261). (¬2) 5/ 373.

28 - باب في النذر فيما لا يملك

28 - باب في النَّذْرِ فِيما لا يمْلِكُ 3316 - حدثنا سُلَيْمان بْن حَرْبٍ وَمحَمَّدُ بْن عِيسَى قالا: حدثنا حَمّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي المُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ: قال: كانَتِ العَضْباءُ لِرَجُلٍ مِنْ بَني عَقِيل وَكانَتْ مِنْ سَوابِقِ الحاجِّ. قال: فَأُسِرَ فَأَتَى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ في وَثاقٍ والنَّبي - صلى الله عليه وسلم - عَلَى حِمارٍ عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ فَقال: يا مُحَمَّدُ، عَلامَ تَأْخذُني وَتَأْخذُ سابِقَةَ الحاجِّ؟ قال: " نَأْخُذُكَ بِجَرِيرَةِ حُلَفائِكَ ثَقِيفٍ " .. قال: وَكانَ ثَقِيفٌ قَدْ أَسَرُوا رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحابِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: وَقَدْ قالَ فِيما قال: وَأَنا مُسْلِمٌ. أَوْ قال: وَقَدْ أَسْلَمْت. فَلَمّا مَضَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، قالَ أَبُو داوُدَ: فَهِمْتُ هذا مِنْ محَمَّدِ بْنِ عِيسَى ناداهُ يا مُحَمَّد يا محَمَّد. قال: وَكانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - رحِيمًا رَفِيقًا فَرَجَعَ إِلَيْهِ قال: " ما شَأْنُكَ؟ " .. قال: إِنّي مُسْلِمٌ. قال: " لَوْ قُلْتَها وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَكَ أَفْلَحْتَ كُلَّ الفَلاحِ " .. قالَ أَبُو داوُدَ: ثمَّ رَجَعْتُ إِلَى حَدِيثِ سُلَيْمانَ قال: يا محَمَّدُ، إِلى جائِعٌ فَأَطْعِمْني، إِنّي ظَمْآنٌ فاسْقِني. قال: فَقالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: " هذِه حاجَتُكَ " .. أَوْ قال: " هذِه حاجَتُهُ " .. قال: فَفُوديَ الرَّجُلُ بَعْدُ بِالرَّجُلَيْنِ. قال: وَحَبَسَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - العَضْباءَ لِرَحْلِهِ، قالَ: فَأَغارَ المُشْرِكُونَ عَلَى سَرْحِ المَدِينَةِ فَذَهَبُوا بِالعَضْباءِ، قالَ: فَلَمّا ذَهَبُوا بِها وَأَسَرُوا امْرَأَةً مِنَ المُسْلِمِينَ، قالَ: فَكانُوا إِذا كانَ اللَّيْلُ يُرِيحُونَ إِبِلَهُمْ في أَفْنِيَتِهِمْ، قالَ: فَنُوِّمُوا لَيْلَةً وَقامَتِ المَرْأَةُ فَجَعَلَتْ لا تَضَعُ يَدَها عَلَى بَعِيرِ إِلا رَغا حَتَّى أَتَتْ عَلَى العَضْباءِ. قالَ: فَأَتَتْ عَلَى ناقَةٍ ذَلُولٍ مجَرَّسَةٍ، قالَ: فَرَكِبَتْها ثُمَّ جَعَلَتْ لله عَلَيْها إِنْ نَجّاها الله لَتَنْحَرَنَّها، قالَ: فَلَمّا قَدِمَتِ المَدِينَةَ عُرِفَتِ النّاقَةُ ناقَةُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأخْبِرَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِذَلِكَ فَأَرْسَلَ إِلَيْها، فَجيءَ بِها وَأُخْبِرَ بِنَذْرِها فَقال: "بِئْسَما جَزَيْتِيها " .. أَوْ: " جَزَتْها " .. "إِن اللهُ أَنْجاها عَلَيْها لَتَنْحَرَنَّها، لا وَفاءَ لِنَذْرٍ في مَعْصِيَةِ اللهِ وَلا فِيما لا يَمْلِكُ ابن آدَمَ".

قالَ أَبُو داوُدَ: والَمرْأَةُ هذِه أمْرَأَةُ أَبي ذَرٍّ (¬1). * * * باب النذر فيما لا يملك (¬2) [3316] (حدثنا سليمان (¬3) بن حرب) الواشحي البصري قاضي مكة. (ومحمد بن عيسى قالا: حدثنا حماد) بن سلمة (¬4) (عن أيوب، عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي. (عن أبي المهلب) عبد الرحمن بن عمرو، وقيل: معاوية بن عمرو الجرمي، عم أبي قلابة (¬5). قال ابن حبان في "صحيحه" (¬6): اسمه عمرو ابن معاوية بن زيد (¬7). وأخرج له مسلم. (عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: كانت) الناقة (العضباء) ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1641). (¬2) كذا قال! وإنما هو حماد بن زيد. ونسبه سليمان بن حرب عند الطبراني 18/ 191 (454) وسليمان بن حرب إنما يعرف بحماد بن زيد. (¬3) في (ر): شيبان. (¬4) هذا الباب مكانه في النسخ المطبوعة بعد ثلاثة أبواب. وقد وقع في ترتيبها وإثبات أحاديثها اختلاف لاختلاف الرواة عن أبي داود. وقد سقط خلال الثلاثة أبواب ستة أحاديث (3310، 3311، 3312، 3314، 3315) من الشرح كلها من رواية ابن العبد وابن داسة، وهي عادة الشارح إذ يبدو أنها لم تكن تحت يده فليحرر. (¬5) انظر: "تهذيب الكمال" 34/ 329 (7656). (¬6) 4/ 332 (1470). (¬7) في النسخ الخطية: يزيد والمثبت من "صحيح ابن حبان"، و"ثقاته".

وهو (¬1) اسم للناقة التي صارت للنبي - صلى الله عليه وسلم - إما بحكم سهمه الخاص من المغنم المسمى بالصفي، وإما بالمعاوضة الصحيحة، وهي المسماة بالجدعاء والقصواء والخرماء في روايات أخر. والعضب والجدع والخرم كلها بمعنى القطع. وسميت هذِه الناقة بتلك الأسماء لأنها كان في أذنها قطع، وسميت به فصدقت عليها تلك الأسماء كلها، وعلى هذا فأصول هذِه الأسماء تكون صفات لها ثم كثرت فاستعملت استعمال الأسماء (¬2). (لرجل من بني عُقَيل) بضم العين وفتح القاف مصغر وهو عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر (فكانت) هذِه الناقة (من سوابق الحاج) فلا تسبق، وكانت معروفة بذلك حتى جاء أعرابي بقعود له فسبقها، فعَظُمَ ذلك على أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقالوا: سُبقت العضباء. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن حقًّا على الله أن لا يرتفع شيء من هذِه الدنيا إلا وضعه" (¬3). (قال: فأُسر) صاحب العضباء، وتوضح ذلك رواية مسلم بلفظ: كانت ثقيف حلفًا لبني عقيل فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأسر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلًا من بني عقيل وأصابوا معه العضباء (¬4). (فأتى) بفتح الهمزة والتاء (النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في وثاق) وهو القيد والحبل ¬

_ (¬1) في (ر): وهم. (¬2) انظر: "المفهم" 4/ 609. (¬3) رواه البخاري (6136)، ومسلم (1807). (¬4) (1641).

ونحوهما يربط به فيقوي ربطه (فقال: يا محمد والنبي - صلى الله عليه وسلم -) راكب (على حمار) لعله الحمار المسمى عفير (عليه قطيفة) وهي التي فوق البرذعة لها خمل (¬1)، والجمع قطائف. (فقال: يا محمد، علام تأخذني وتأخذ) ناقتي (سابقة الحاج) لفظ مسلم: "بما أخذتني وبما أخذت (¬2) سابقة الحاج؟ " وهو استفهام عن السبب الذي أوجب أخذه وأخذ ناقته، وكأنه كان يعتقد أن له أو لقبيلته عهدًا من النبي - صلى الله عليه وسلم - (فقال) إعظامًا لذلك، كذا لمسلم (نأخذك بجريرة حلفائك ثقيف) أي: بما (¬3) فعلته ثقيف من الجناية التي نقضوا بها ما بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العهد، وكانت بنو عقيل دخلوا معهم في ذلك، فأما بحكم الشرط ففيه بُعد، والظاهر أنهم دخلوا معهم بحكم الحلف الذي كان بينهم؛ ولذلك ذكر حلفهم في رواية مسلم، ولما سمع الرجل ذلك لم يجد جوابًا فسكت (¬4). (قال: وكان ثقيف) بنو ثقيف بن منبه بن بكر بن هوازن، وكان اسم ثقيف قسي، نزلوا الطائف وانتشروا في البلاد في الإسلام (¬5) (قد أسروا رجلين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال) الراوي. (وقد قال) الأسير فيما قال: وأنا مسلم. أو قال) شك من الراوي (فقد ¬

_ (¬1) والخَمْلُ بالفتح: (هُدْبُ القَطِيفةِ ونَحوِها) ممَّا يُنْسَجُ ويَفْضُلُ له فُضُولٌ. انظر: "تاج العروس" 28/ 438. (¬2) في (ر): خذت. (¬3) في (ر): مما. (¬4) انظر: "المفهم" 4/ 610. (¬5) انظر: "الأنساب" للسمعاني 1/ 509.

أسلمت. فلما مضى النبي - صلى الله عليه وسلم -) عنه. (قال المصنف: فهمت هذا القول من لفظ محمد بن عيسى، ولا أدري) ذكره (سليمان أم لا) شيخ المصنف أحد الروايتين (وناداه) وقال (يا محمد يا محمد) تأكيدًا لإجابته. (قال) الراوي (وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - رحيمًا رفيقًا) بفاء وقاف، ولذلك رق له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين سمعه كرر نداه استعطافا واستلطافًا (فرجع (¬1) إليه، وقال له: ما شأنك؟ ) رحمة له ورفقًا به على مقتضى خلقه الكريم كما قال الراوي: رحيمًا رفيقًا. (قال (له (إني مسلم. قال: لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح) أي: لو قلت كلمة الإسلام قبل الأسر كنت مالك أمرك أفلحت كل الفلاح؛ لأنه لم يكن (¬2) يجز أسرك لو أسلمت قبل الأسر فكنت فزت بالإسلام وبالسلامة من الأسر من اغتنام مالك، فأما إذا أسلمت بعد الأسر فيسقط الخيار في قتلك ويبقى الخيار بين الاسترقاق والمن والفداء. (قال المصنف: ثم رجعت (¬3) إلى حديث سليمان) بن حرب شيخ المصنف أيضًا (قال: يا محمد، إني جائع فأطعمني، [إني ظمآن] (¬4) فاسقني) بوصل الهمزة، والظاهر من حلمه - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر له بطعام وشراب. (قال) الراوي (هذِه حاجتك. أو قال: هذِه حاجته) قال القرطبي: ليس ¬

_ (¬1) في (ر): يرجع. (¬2) سقط من (ر). (¬3) زاد في (ر) هنا: ثم. (¬4) في (ر): إلى صمان.

في قوله: هذِه حاجتك. ما يدل على أن إسلامه ليس بصحيح كما ظنه بعضهم، وإنما معنى ذلك: هذِه حاجتك يعني: الطعام والشراب حاضرة ميسرة (¬1) لك (ففودي الرجل) الكافر (بعدُ) بضم الدال أي: بعد ذلك (بالرجلين) اللذين أسرا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. استشكل بعضهم الفداء بعدما أسلم، ويُقَوِّي هذا الإشكال أن ظاهر اللفظ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقبل إسلامه؛ لأنه أسير مغلوب عليه لا يملك نفسه. وعلى هذا فلا يصح إسلام الأسير في حال كونه أسيراً. وهذا ليس بصحيح؛ فإن صحة إسلامه معلوم من الشريعة، ولا يختلف فيه، غير أن إسلامه لا يزيل (¬2) ملك مالكه بوجه، وهو أيضًا معلوم من الشرع (¬3)، فقال بعض العلماء: يمكن أن يكون علم النبي - صلى الله عليه وسلم - من حاله أنه لم يصدق في ذلك بالوحي ولذلك قال له في المرة الثالثة حين قال (إني جائع فأطعمني) "هذِه حاجتك". وأما إشكال المفاداة بالمسلم فيمكن أن يقال أنه فدي بالرجلين من الرق فأعتق منه بسبب ذلك وبقي بين (¬4) المسلمين حرًّا من الأحرار، وهذا أولى؛ لأنه لا نص في الحديث يرده ولا قاعدة شرعية تبطله (¬5). (قال: وحبس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) الناقة (العضباء لرحله) فيه وجهان: ¬

_ (¬1) في (ر): فسرة. وفي "المفهم" للقرطبي: متيسرة 4/ 611. (¬2) في (ر): يزال. (¬3) في النسخ: الشارع. والمثبت من "المفهم". (¬4) في النسخ الخطية: من. وفي "المفهم": مع. ولعل المثبت الصواب. (¬5) انظر: "المفهم" 4/ 611.

أحدهما بفتح الراء (¬1) وسكون المهملة أي: يحمل عليها (¬2) رحله. والثانية: رجله بكسر الراء وسكون الجيم أي: يركب عليها برجله. وفي حديث ابن مسعود: إنما هو رحل وسرج، فرحل إلى بيت الله، وسرج في سبيل الله (¬3). يريد أن الإبل تركت للحج والخيل في الجهاد؛ لكونها من المغنم، أو بمعاوضة شرعية. (قال: فأغار المشركون على سرح المدينة) والسرح اسم جمع وليس هو جمع سارح جمع تكسير، ويحتمل أن يكون من التسمية بالمصدر، والمراد هنا بالسرح الماشية التي تسرح بالغداة إلى المرعى للرعي منه، ومنه قوله: {وَحِينَ تَسْرَحُونَ} (¬4) (فذهبوا بالعضباء) التي كان حبسها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرحله. (قال: فلما ذهبوا بها) فيما ذهبوا به (وأسروا امرأة من المسلمين) من الأنصار -رضي الله عنه-. (قال أبو داود: المصنف) هي امرأة أبي ذر -رضي الله عنه-، قال (وكانوا إذا كان الليل) هذِه كان (¬5) التامة أي: إذا وجد الليل بظلامه أو حدث (يُريحون) بضم أوله (إبلهم) في المُراح بضم الميم وهو مأوى الإبل ليلًا. قال الله تعالى: {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} (¬6) قال قتادة: أحسن ما يكون ¬

_ (¬1) في (ر): الواو. وهو تصحيف. (¬2) في (ر): عليه. (¬3) رواه سعيد بن منصور في "سننه" (2349) موقوفًا على ابن مسعود. (¬4) النحل: 6. (¬5) في (ر): هي. (¬6) النحل: 6.

الإبل إذا راحت عظامًا ضروعها طوالًا أسنمتها (¬1) (في أفنيتهم) جمع فناء والتقدير: في أفنية دورهم، والفناء هو المتسع أمام الدار. قال في مسلم: فكان القوم يريحون نعمهم بين يدي بيوتهم. (قال: فنَوَّموا) بفتح النون والواو المشددة. قال في "النهاية": هو مبالغة في ناموا (¬2) (ليلة) من الليالي (وقامت نسخة: فقامت (المرأة) توضحه رواية مسلم بلفظ: فانطلقت ذات ليلة من الوثاق فأتت الإبل. (فجعلت لا تضع يدها على بعير إلا رغا) أي: صوَّت، والرغاء بوزن غراب: صوت البعير. (حتى أتت على العضباء. قال: فأتت) المرأة (على ناقة ذلول) وهي العضباء، وذَلول بفتح الذال من أبنية المبالغة أي: ذللها كثرة العمل، يقال: ناقة مذللة بينة الذل، ورجل ذليل: بيِّن الذل بضم الذال (مُجرَّسة) بضم الميم وفتح الجيم وتشديد الراء وتخفيف السين المهملة أي: مجربة مدربة بالركوب والسير، والمجرس من الناس الذي قد جرب الأمور وخبرها، وكان هذِه الناقة قد جربت على ما دربت عليه من الصغر أو لما شملها (¬3) من بركة ركوب النبي - صلى الله عليه وسلم - لها، قال: فركبتها. ولمسلم زيادة ولفظها: فقعدت في عجزها ثم زجرتها فانطلقت ونذروا بها فطلبوها فأعجزتهم، ونذرت لله. (ثم جعلت لله) تعالى (إن نجاها الله) تعالى عليها (لتنحرنها) ظنت ¬

_ (¬1) رواه ابن جرير في "تفسيره" 17/ 170، وانظر: "الدر المنثور" للسيوطي 7/ 463. (¬2) 5/ 202. (¬3) في (ر): ولما يشملها.

هذِه المرأة أن ذلك النذر يلزمها بناءً على أنها لما استنقذتها من أيدي العدو (¬1) ملكتها، أو جاز لها التصرف فيها بالنذر وغيره (¬2). وفي هذا الحديث دلالة لمذهب الشافعي وموافقيه أن الكفار إذا غنموا مالًا للمسلمين لا يملكونه. وقال أبو حنيفة وآخرون: يملكونه إذا حازوه إلى دار الحرب. وحجة الشافعي وموافقوه هذا الحديث (¬3). (فلما قدمت) عليها، في هذا (¬4) جواز سفر المرأة وحدها بلا زوج ولا محرم ولا غيره إذا كان سفرها ضرورة كالهجرة (¬5) من دار الحرب إلى دار الإسلام، وكالهرب ممن يريد قتلها (¬6) أو (¬7) فاحشة بها، والنهي عن سفرها وحدها محمول على غير الضرورة (¬8) (عرفت) الناس (الناقة) فقالوا: هذِه (ناقة) (¬9) بالرفع بدل أو عطف بيان (النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأرسل إليها فجيء بها) إليه (فأخبر) مبني للمفعول (بنذرها فقال) سبحان الله (بئس ما جزيتيها) إذ جعلت جزاء ما نجتك من أيدي الأعداء المشركين أن تنحريها (¬10) (أو) قال (بئس ما جزتها) بسكون تاء ¬

_ (¬1) في (ر): القوم والمثبت من (ل) و"المفهم". (¬2) انظر: "المفهم" 4/ 613. (¬3) انظر: "شرح مسلم" للنووي 11/ 102. (¬4) سقط من (ر). (¬5) في (ر): البحرة. (¬6) في (ر): فعلها. (¬7) في (ر): و. (¬8) انظر: "شرح مسلم" للنووي 11/ 102. (¬9) في (ر): الناقة. (¬10) في (ر): ننحرها.

التأنيث، وهذِه رواية مسلم أي: نذرت (إن الله تعالى) إن (نجاها عليها لتنحرنها لا وفاء لنذر في معصية الله) فيه دليل على أن: من نذر معصية كشرب الخمر ونحوه فنذره باطل لا ينعقد، ولا (¬1) يلزمه كفارة يمين، ولا غيرها. (ولا فيما لا يملك ابن آدم) هو محمول على ما إذا أضاف النذر إلى معين لا يملكه؛ بأن يقول: إن شفى الله مريضي فلله علي أن أعتق عبد فلان كما تقدم (¬2). (قال المصنف: هذِه المرأة) هي (امرأة أبي ذر) (¬3) (¬4) جندب بن جنادة الغفاري. * * * ¬

_ (¬1) مكررة في (ر). (¬2) انظر: "شرح مسلم" للنووي 11/ 101. (¬3) وقد جاء باسم المرأة مصرحًا به وهي امرأة أبي ذر حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، عند النسائي في "السنن الكبرى" 2/ 470، "سنن الدارقطني" 4/ 162، والبيهقي في "الكبرى" 10/ 75. (¬4) زاد هنا في (ر): بن وهو خطأ.

27 - باب ما يؤمر به من الوفاء بالنذر

27 - باب ما يُؤْمَرُ بِهِ مِن الوَفاء بِالنَّذْر 3312 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا الحارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ أَبُو قُدامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ الأَخْنَسِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شعَيبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ إِنّي نَذَرْتُ أَنْ أَضْرِبَ عَلَى رَأْسِكَ بِالدُّفِّ. قال: " أَوْفي بِنَذْرِكِ" قالَتْ: إِنّي نَذَرْت أَنْ أَذْبَحَ بِمَكانِ كَذا وَكَذا، مَكانٌ كانَ يَذْبَحُ فِيهِ أَهْل الجاهِلِيَّةِ. قال: "لِصَنَمٍ" قالَتْ: لا. قال: "لِوَثَنٍ" قالَتْ: لا. قال: "أَوْفي بِنَذْرِكِ" (¬1). 3313 - حدثنا داوُدُ بْنُ رَشَيْدٍ، حدثنا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحاقَ، عَنِ الأَوْزاعيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبي كَثِير قالَ: حَدَّثَني أَبُو قِلابَةَ قالَ: حَدَّثَني ثابِت بْنُ الضَّحّاكِ، قال: نَذَرَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَنْحَرَ إِبِلاً بِبُوانَةَ، فَأَتَى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: إِنّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ إِبِلاً بِبُوانَةَ، فَقالَ النَّبىُّ - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ كانَ فِيها وَثَنٌ مِنْ أَوْثانِ الجاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ" قالُوا: لا. قال: " هَلْ كانَ فِيها عِيدٌ مِنْ أَعْيادِهِمْ " .. قالُوا: لا. قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوْفِ بِنَذْرِكَ، فَإِنَّهُ لا وَفاءَ لِنَذْرٍ في مَعْصِيَةِ اللهِ، وَلا فِيما لا يَمْلِكُ ابن آدَمَ " (¬2). 3314 - حدثنا الحَسَن بْنُ عَليِّ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ ابْنِ مِقْسَمٍ الثَّقَفيُّ، مِنْ أَهْلِ الطّائِفِ، قال: حَدَّثَتْني سارَّةُ بِنْتُ مِقْسَمٍ الثَّقَفيِّ، أَنَّها سَمِعَتْ مَيْمُونَةَ بِنْتَ كَرْدَمٍ، قالَتْ: خَرَجْتُ مَعَ أَبي في حَجَّةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَسَمِعْتُ النّاسَ يَقُولُونَ: رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجَعَلْتُ أُبِدُّهُ بَصَري، فَدَنا إِلَيْهِ أَبي وَهُوَ عَلَى ناقَةِ لَهُ مَعَهُ دِرَّةٌ كَدِرَّةِ الكتّابِ، فَسَمِعْتُ الأعرابَ والنّاسَ يَقولُونَ: الطَّبْطَبِيَّةَ الطَّبْطَبِيَّةَ، فَدَنا إِلَيْهِ أَبي فَأَخَذَ بِقَدَمِهِ قالَتْ: فَأَقَرَّ لَهُ وَوَقَفَ فاسْتَمَعَ مِنْهُ، ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 10/ 77. وصححه الألباني في "الإرواء" (2588). (¬2) رواه الطبراني 2/ 75 (1341)، والبيهقي 10/ 83. وانظر ما بعده. وصححه الألباني في "المشكاة" (3437).

فَقال: يا رَسُولَ اللهِ إِنّي نَذَرْت إِنْ وُلدَ لي وَلَدٌ ذَكَرٌ أَنْ أَنْحَرَ عَلَى رَأْسِ بُوانَةَ في عَقَبَةٍ مِنَ الثَّنايا عِدَّةً مِنَ الغَنَمِ. قال: لا أَعْلَمُ إِلا أَنَّها قالَتْ: خَمْسِينَ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " هَلْ بِها مِنَ الأَوْثان شَيء " قال: لا. قال: " فَأَوْفِ بِما نَذَرْتَ بِهِ لله " قالَتْ: فَجَمَعَها فَجَعَلَ يَذْبَحُها فانْفَلَتَتْ مِنْها شاةٌ فطَلَبَها، وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَوْفِ عَنّي نَذْري. فَظَفِرَها فَذَبَحَها (¬1). 3315 - حدثنا مُحَمَّد بْنُ بَشّارٍ، حدثنا أَبُو بَكْرٍ الحَنَفيُّ، حدثنا عَبْدُ الحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ كَرْدَمِ بْنِ سُفْيانَ، عَنْ أَبِيها نَحْوَهُ مُخْتَصَرٌ مِنْهُ شَيء قال: " هَلْ بِها وَثَنٌ أَوْ عِيدٌ مِنْ أَعْيادِ الجاهِلِيَّةِ " قال: لا. قُلْت: إِنَّ أُمّي هذِه عَلَيْها نَذْرٌ وَمَشْى أَفَأَقْضِيهِ عَنْها، وَرُبَّما قالَ ابن بَشّارٍ: أَنَقْضِيهِ عَنْها؟ قال: "نَعَمْ" (¬2). * * * باب ما يؤمر بالوفاء بالنذر [3313] (حدثنا داود بن رشيد) أبو الفضل الخوارزمي، مولى بني هاشم، شيخ مسلم (حدثنا شعيب بن إسحاق) بن عبد الرحمن الأموي الدمشقي، أخرج له الشيخان (عن) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي) قال (حدثني يحيى بن أبي كثير قال: حدثني أبو قلابة) [عبد الله بن زيد الجرمي (قال: حدثني ثابت بن الضحاك) بن خليفة بن ثعلبة الأشهلي الأنصاري] (¬3) قال أبو قلابة: أخبرني أنه بايع تحت الشجرة، كما ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (2131)، وابن أبي شيبة 7/ 587 (12575)، وأحمد 6/ 366. وانظر ما سلف برقم (2103). وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" (1733). (¬2) رواه أحمد 4/ 64. وانظر ما قبله. (¬3) ما بين المعقوفين سقط من (ر).

أخرجه مسلم (¬1). قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في "الحلية" (¬2): حدثنا حبيب بن الحسن، حدثنا محمد بن يحيى المروزي، حدثنا داود بن عمرو، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد الطائفي، قال: حدثتني عمتي سارة بنت مقسم، أن ميمونة بنت كردم حدثتها: أنها حجت مع أبيها كردم بن سفيان، عام حج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إني حضرت جيش عثران" (¬3) بعض أعوام الجاهلية، فعرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك العام، قال: وأن طارق بن المرقع، قال: من يعطيني رمحًا بثوابه؟ قلت: ما ثوابه؟ قال: أزوجه أول ابنة تولد لي، فأعطيته رمحي، ثم مكثت ما شاء الله، فبلغني أنه ولدت له ابنة وأنها بلغت، فأتيته فقلت: أدخل على أهلي؟ فحلف أن لا يفعل حتى أصدق (¬4) صداقا [جديدا مؤتنفا] (¬5) غير الرمح، فحلفت أن لا أفعل، فماذا ترى يا رسول الله؟ قال: "أرى أن تدعها عنك". قال: فعرف الكراهة في وجهي قال: "لا تأثم ولا يأثم صاحبك". قالت: وسأله أبي. الحديث. (قال: نذر رجلٌ على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) هذا الرجل هو: كَرَدم بفتح ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4171)، مسلم (110). (¬2) 9/ 38 - 39. (¬3) هكذا في الحلية و (ل) وأما في (ر): غيران. (¬4) زاد هنا في (ر): له. (¬5) سقط من (ر).

الكاف والدال بن سفيان الثقفي، كما صرح باسمه الإمام أحمد فيما خرجه (¬1) (أن ينحر إبلاً ببُوانة) بُوانة -بضم الباء الموحدة وتخفيف الواو وبعد الألف نون ثم تاء تأنيث-، هضبة من وراء ينبع (¬2) قريبة من ساحل البحر، وقيل: بفتح الباء، كذا ذكره ابن الأثير (¬3). وقال الحافظ المنذري: إنها أسفل مكة دون يلملم (¬4). وقال البكري في "معجم البلدان" (¬5): هي على وزن فعالة موضع من الشام من ديار بني عامر، وأنشد للشماخ: نظرت وسهب من بوانة بيننا ... وأفيح من روض الرباب عميق وذكر هذا الحديث (فأتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني نذرت أن أنحر إبلاً) يعني: ثلاثة لرواية أحمد في "مسنده" (¬6): عن عمرو بن شعيب، عن ابنة كردم، عن أبيها أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني نذرت أن أنحر ثلاثة من إبلي، فقال: "إن كان على وثن من أوثان الجاهلية فلا" (ببُوانة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أكان فيها وثنٌ من أوثان الجاهلية يعبد؟ ) ورواية أحمد (¬7): عن ميمونة بنت كردم قالت: كنت ردف أبي فسمعته ¬

_ (¬1) "المسند" 3/ 419. (¬2) في (ر): الينبع. (¬3) "النهاية" 1/ 430. (¬4) انظر: "عون المعبود" 9/ 101. (¬5) "معجم ما استعجم" للبكري 2/ 24. (¬6) 4/ 64. (¬7) "المسند" 6/ 366.

يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إني كنت نذرت أن أنحر ببوانة. فقال: "أبها وثن أو طواغية" (¬1)؟ قال: لا. فقال له: "أوف بنذرك". وفي رواية له (¬2): عن كردم بن سفيان أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن نذر نذره في الجاهلية، فقال له: "ألوثن أو لنصب؟ " قال: لا، ولكن لله. قال: "فأوف الله ما جعلت له أنحر على بوانة وأوف بنذرك"، وفي لفظٍ له: إني نذرت أن أنحر عددًا من الغنم (¬3). وذكر (¬4) بمعناه رواية أبي نعيم في "الحلية" (¬5) نحوه وزاد: قالت: فجعل أبي يذبحهن، فانفلتت شاة، فجعل يتبعها ويقول: اللهم أوف عني (¬6) نذري. قالت: فأخذها (¬7) فذبحها (¬8). (قالوا: لا، قال: هل كان فيها عيدٌ من أعيادهم؟ فقالوا: لا. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أوفِ) بفتح الهمزة (بنذرك) وحمله الشافعية، ومن وافقهم على أنه: نذر الذبح بها مع تفرقة اللحم بها على أهلها، فحينئذٍ يتعين أهل البلد الذي نذر الذبح فيه؛ فإن لم ينو تفرقة اللحم بها لم يلزمه الذبح، ووجه الوجوب: أنه طاعة وقربة؛ لأن نذره يتضمن نفع فقراء ذلك البلد بإيصال اللحم إليهم، فهذِه قربة فيلزمه ¬

_ (¬1) هكذا في النسخ الخطية، وفي "مسند أحمد": أمطاغية. (¬2) 3/ 419. (¬3) 6/ 366. (¬4) في (ل): وذكره. (¬5) في النسخ: الجاهلية، وقد رواه أبو نعيم في "الحلية". (¬6) في (ل): علي والمثبت من (ع). (¬7) في (ر): فأخذتها. (¬8) "الحلية" 6/ 38.

الوفاء بها، كما لو نذر التصدق على أهل بلد، وهذا إذا لم يكن بذلك المكان ما لا يجوز النذر له والذبح فيه، ككنيسة أو وثن (¬1) أو صنم أو نحوه مما يعظمه الكفار أو غيرهم، مما لا يجوز تعظيمه، كشجرة أو عين ماء لم يرد فيه تعظيم من الشرع، فإن كان بها شيء من ذلك لم يجز النذر؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "هل فيها وثن من أوثان الجاهلية؟ " ولأن فيه تعظيم لغير ما عظم الله، فيشبه تعظيم الكفار للأصنام، وفي قوله: "هل فيها عيد من أعيادهم؟ " يعني من أعياد الكفار الجاهلية تحذير من تعظيم أعيادهم المختصة بهم بالذبح فيها أو الطبخ أو إيقاد الشمع والزيت فيها، أو التجمل فيها بأنواع الزينة، فإنَّ هذا كله تعظيمٌ لأعيادهم وتعظيم أعيادهم تعظيم لهم. وقد عمت هذِه المصيبة في بلادنا وغيرها في العيد المعروف (بخميس البيض) فإنه يحصل فيه سلق بيض كثير، وصبغه بالحمرة والصفرة وغير ذلك، ويحصل بذلك القمار به، وكذا خبز الفطير به حتى لا يكاد يستعملونه إلا في خميس البيض، وأفحش من ذلك إيقادهم النيران الكبيرة في الأزقة والطرقات، وخروج النساء مجتمعين بالرجال يضربون بالدفوف ويبيتون على النيران، وغير ذلك من المفاحش العظيمة والمناكر الذميمة، ومع ذلك فلا تكاد تجد من ينكر ذلك من الحكام والقضاة والمشايخ والصالحين، فإنا لله وإنا إليه راجعون. (فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم) فيه ما تقدم. [3312] (حدثنا مسدد، حدثنا الحارث بن عبيدٍ أبو قدامة) الإيادي ¬

_ (¬1) في (ر): دين.

البصري المؤذن، أخرج له مسلم في العلم (¬1) وصفة الجنة (¬2) (عن عبيد الله ابن الأخنس) النخعي الخزاز. (عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده) تقدم مرات، وفي "مسند أحمد" من حديث عمرو بن شعيب، عن ابنة كردم، عن أبيها أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إنى نذرت أن أنحر ببوانة. قال: "فيها من وثن؟ قال: أوف بنذرك" (¬3). (أن أمرأةً أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إني نذرتُ أني أضرب (¬4) على رأسك بالدف) بضم الدال وفتحها لغة، سمي بذلك؛ لأن الأصابع يدفونه، هو الذي يلعب به، وهذا له سبب بينه ابن حبان فيما أخرجه من حديث بريدة وقال: رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بعض مغازيه، فجاءت جارية سوداء فقالت: يا رسول الله، إني نذرت إن ردك الله سالمًا أن أضرب على رأسك بالدف. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن نذرت فافعلي وإلا فلا". فقالت: إني كنت نذرت. فقعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضربت بالدف يعني: على رأسه (¬5). وفي رواية أحمد (¬6): أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى. ¬

_ (¬1) (2667). (¬2) (5497) (2838). (¬3) 4/ 64. (¬4) في (ر): أجرب. (¬5) 10/ 232 (4386). (¬6) انظر: "المسند" 5/ 353 بدون لفظ (وأتغنى) إنما هو عند الترمذي في "سننه" (7) (3690).

(قال: أوفي) بإثبات ياء ضمير المخاطبة (بنذركِ) استدل به على (¬1) جواز الضرب بالدف في غير العرس والختان كقدوم الغائب وكل سرور وحادث من ولادة وشفاء مريض ونحو ذلك على الأصح، والثاني لا يجوز لأثر عمر، ولما روى البيهقي عن ابن عباس: الدف حرام (¬2). قال الأصحاب: إن صح حديث الناذرة دل على أنه لا يكره في جميع الأحوال. وقد صححه الترمذي وذكره ابن حبان في "صحيحه"، ورواه الفاكهي في "تاريخ مكة" بسند حسن (¬3). ويدخل في إطلاق الحديث ما فيه الجلاجل وما ليس فيه، وهو الصحيح. والمراد بالجلاجل الحلق الصغار التي تعمل على المزاهر، ولا يتخذون منه صنوجًا كاتخاذ العجم. وقال ابن أبي الدم: المراد بها الصنوج، وقيد الخوارزمي وابن أبي عصرون الإباحة بالضرب من غير زفن، فأما الذي يزفن به وينقر فلا يحل الضرب به (¬4). قال الزركشي: وهو كما قالا؛ فإن الضرب به من العارفات (¬5) بالصنعة يشتمل على ما لا يشتمل عليه الصوت. ¬

_ (¬1) سقط من (ل). (¬2) "سنن البيهقي الكبرى" 10/ 222 (20789). (¬3) انظر: "التلخيص الحبير" 4/ 487. (¬4) "الزواجر عن اقتراف الكبائر" 2/ 292. (¬5) في (ر): المفارقات.

(قالت: إني نذرت أن أذبح بمكان كذا وكذا مكان) بالجر بدل من مكان الأول (كان يذبحُ فيه أهلُ الجاهلية قال) الذبح (لصنم؟ قالت: لا. قال: لوثن؟ قالت: لا) قال في "النهاية" (¬1): الفرق بين الوثن والصنم أن الوثن كل ما (¬2) له جثة معمولة من جواهر الأرض أو من الخشب والحجارة كصورة الآدمي يُعمل ويُنصب فيُعبدُ من دون الله تعالى، والصنم الصورة بلا جثة. ومنهم من لم يفرق بينهما وأطلقهما على المعنيين. وقد يطلق الوثن على غير الصورة، كحديث عدي بن حاتم: قدمت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي عنقي صليب من ذهب فقال لي: " ألق هذا الوثن عنك (¬3) ". (قال: أوفي بنذركِ) بالمكان الذي ذكرتيه في نذرك إن كنتِ قلتِ مع نذرك الصدقة على فقراء ذلك المكان أو نويتيه بقلبك (¬4) وإلا فلا. قال الرافعي ما معناه: وإذا انعقد النذر لانضمام لفظ التصدق أو نيته فهل يجب التصدق باللحم على فقرائها؟ جعله الإمام: على قولين مأخوذين من الخلاف في نقل الصدقات (¬5) إن لم يجز النقل وهو الأصح وجب التصدق عليهم، وعلى الأصح إذا ذبح في المكان المنذور لا يجوز نقل لحمه من تلك البلد إلى بلدٍ ¬

_ (¬1) "النهاية" 5/ 328. (¬2) سقط من (ر). (¬3) الحديث رواه الترمذي في "السنن" (3095) وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد السلام بن حرب وغطيف بن أعين ليس بمعروف في الحديث. (¬4) في (ر): فعليك. (¬5) في (ر): التصدقات.

آخر، كما لا يجوز الذبح في غير ذلك المكان، وكذا من نذر تفرقة دراهم على فقراء القدس أو الخليل، أو لسرج زيت في قناديله، أو لطبخ الزيت في عدس الخليل أو حشيشته تعين ذلك، وأما من قال: هذِه البقرة نذر للخليل فالظاهر أنه لا يتعين ذبحها في الخليل، بل لو أبيعت وصرف ثمنها في سماط الخليل عليه السلام إذ لم يعهد في طبيخه لحم غير القيدين فينصرف النذر إلى ذلك المعهود. * * *

29 - باب فيمن نذر أن يتصدق بماله

29 - باب فِيمَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمالِهِ 3317 - حدثنا سُلَيْمان بْنُ داوُدَ وابْنُ السَّرْحِ قالا: حدثنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَني يُونُسُ قال: قال ابن شِهاب: فَأَخْبَرَني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن عَبْدِ اللهِ بْنِ كعْبِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ كَعْبٍ - وَكانَ قائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَميَ- عَنْ كَعْبِ بْنِ مالِكٍ قال: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ مِنْ تَوْبَتي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مالي صَدَقَةً إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ. قالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مالِكَ فَهُوَ خَيْر لَكَ" قال: فَقُلْتُ: إِنّي أُمْسِكُ سَهْميَ الذي بِخَيْبَرَ (¬1). 3318 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حدثنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَني يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ، أَخْبَرَني عَبْدُ اللهِ بْن كَعْبِ بْنِ مالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قالَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ تِيبَ عَلَيْهِ: إِنّي أَنْخَلِعُ مِنْ مالي. فَذَكَرَ نَحْوَهُ إِلَى: "خَيْرٌ لَكَ" (¬2). 3319 - حَدَّثَني عُبَيْدُ اللهِ بْن عُمَرَ، حدثنا سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنِ ابن كَعْبِ بْنِ مالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قالَ لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ أَبُو لُبابَةَ أَوْ مَنْ شاءَ الله: إِنَّ مِنْ تَوْبَتي أَنْ أَهْجُرَ دارَ قَوْمي التي أَصَبْتُ فِيها الذَّنْبَ، وَأَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مالي كلِّهِ صَدَقَةً. قال: "يُجْزِئُ عَنْكَ الثُّلُثُ" (¬3). 3320 - حدثنا محَمَّد بْن المُتَوَكِّلِ، حدثنا عَبْدُ الرَّزّاقِ قالَ: أَخْبَرَني مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْريِّ قالَ: أَخْبَرَني ابن كَعْبِ بْنِ مالِكٍ قال: كانَ أَبُو لُبابَةَ، فَذَكَرَ مَعْناهُ والقِصَّةُ لأبَى لُبابَةَ. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2757)، ومسلم (2769). وانظر ما سيأتي برقم (3318، 3319، 3320، 3321). (¬2) السابق. (¬3) قصة أبي لبابة التي فيها ذكر هجران الدار والتقدير بالثلث إنما أخذها الزهري عن الحسين بن السائب بن أبي لبابة كما رواه أحمد 3/ 502، 452، وانظر ما سلف برقم (3317). وصححه الألباني في "المشكاة" (3439).

قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ يُونُسُ، عَنِ ابن شِهاب، عَنْ بَعْضِ بَني السّائِبِ بْنِ أَبي لُبابَةَ، وَرَواهُ الزُّبَيْديُّ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ السّائِبِ بْنِ أَبي لُبابَةَ مِثْلَهُ (¬1). 3321 - حدثنا محَمَّد بْن يَحْيَى، حدثنا حَسَنُ بْن الرَّبِيعِ، حدثنا ابن إِدْرِيسَ قال: قال ابن إِسْحاقَ: حَدَّثَني الزُّهْريُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ في قِصَّتِهِ قال: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ مِنْ تَوْبَتي إِلَى اللهِ أَنْ أَخْرُجَ مِنْ مالي كُلِّهِ إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولهِ صَدَقَة. قال: "لا" قُلْتُ: فَنِصْفَهُ. قال: " لا " .. قُلْتُ: فَثُلُثَهُ. قال: "نَعَمْ" قُلْتُ: فَإِنّي سَأُمْسِكُ سَهْمي مِنْ خَيْبرَ (¬2). * * * باب فيمن ندر أن يتصدق بماله كذا نسخة الخطيب، وفي بعض النسخ هنا زيادة أربع أحاديث (¬3). [3317] (حدثنا سليمان بن داود) بن حماد المهري أبو الربيع المصري، قال النسائي وغيره: ثقة (¬4). (و) أحمد (ابن السرح قالا: حدثنا) عبد الله (ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب) الزهري (قال ابن شهاب: فأخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك وكان قائد كعب) بن مالك (من) بين ¬

_ (¬1) ضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود". وانظر ما سلف برقم (3317)، (3319). (¬2) انظر ما سلف برقم (3317)، (3319). (¬3) بل في النسخ المطبوعة خمسة أحاديث لم يأت الشارح منها إلا بحديثين (3317، 3321) والثلاثة التي أسقطها الشارح من رواية ابن العبد وابن داسة. وانظر نشرة الرسالة. (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 11/ 410.

سائر (بنيه) نسخ: بيته الآخرين (حين عمي، عن كعب بن مالك) -رضي الله عنه- في حديثه الطويل (قال: قلت: يا رسول الله، إن من توبتي) أي: من تمام توبتي (أن أنخلع (¬1) من مالي) يعني: من الأرض والعقار، ولهذا قال: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر، وقوله: "أنخلع من مالي" يدل على أن قوله للمبشر لما خلع له ثوبيه وألبسهما إياه واستعار ثوبين: " والله ما أملك غيرهما " مؤول بأن المراد: ما أملك غيرهما من اللباس، وإلا فكان له مال غير ذلك؛ فلذلك قال هنا: "أن أنخلع من مالي" يعني غير اللباس، وهذا يدل على أن استعمال ذلك في الأيمان ومخاطبة الناس (صدقة) بالنصب مصدر للتأكيد إن أولت الخلع بمعنى أتصدق بمالي صدقة، ويجوز أن ينصب مفعولًا له أي: لأجل الصدقة، وسميت صدقة لأنها دالة على صدق إيمان دافعها (إلى الله وإلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أَمسك) بفتح الهمزة (عليك بعضَ) بالنصب (مالك) فيه استحباب الصدقة للنعمة المتجددة لاسيما ما عظم منها كالتوبة والحج ونحوهما، قيل: فيه دليل على كراهية التصدق بجميع المال، بل يقتصر على الصدقة ببعضه خوفًا من تضرره وتضرر من يلزمه نفقته إن كان يتضرر (¬2) بالفقر وخوفًا أن لا يصبر على الإضاقة، وربما أداه ذلك إلى احتياجه وسؤاله للناس وإلى تعاطيه ما لا يليق به (فهو خير لك) إمساك هذا البعض الذي هو خير له هو أكثر ماله، والمتصَدَّقُ به هو الأقل، ويدل على ذلك حديث سعد: " الثلث ¬

_ (¬1) في (ر): أخلع. (¬2) بياض في النسخ الخطية، والمثبت موافق ما في "عمد القاري" 18/ 55.

والثلث كثير " (¬1). ولا يخالف هذا صدقة أبي بكر بجميع ماله؛ فإنه كان صابرًا على الإضاقة إذا حصلت راضيًا عن الله تعالى في السراء والضراء. (قال: قلت: إني أُمسك) بضم الهمزة (سهمي) فيه دليل على جواز تخصيص اليمين بالنية، فإذا حلف (¬2) لا مال له ونوى نوعًا منه لم يحنث بنوع آخر من المال أو لا يأكل تمرًا لم يحنث بأكل الخبز الذي يختبز (الذي بخيبر) ليصرف ما يخرج من ريعه في حوائجه (¬3). [3321] (حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا الحسن بن الربيع) القسري (¬4) البواري كان يبيع البواري والحصر، من أوثق أصحاب ابن إدريس (حدثنا) عبد الله (بن إدريس قال: قال محمد بن إسحاق) صاحب "المغازي" (حدثني الزهري، عن (¬5) عبد الرحمن بن عبد الله ابن كعب، عن أبيه) عبد الله بن كعب (عن جده) كعب بن مالك -رضي الله عنه- في قصته) أي قصة توبته الطويلة (قال: قلت: يا رسول الله، إن من) بيان صدق (توبتي) وكمالها (إلى الله) تعالى أن (أخرج من مالي كله) كما تقدم (إلى الله وإلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - صدقةً) لله تعالى (قال: لا. قلت: فنصفه) بالنصب بفعل مضمر أي: أخرج نصفه، وقيل: الخفض أولى؛ لأن النصب بإضمار فعل، والجر مردود على مالي بدل بعض ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2743) ومسلم (1628). (¬2) في (ر): حلت. (¬3) انظر "شرح مسلم" للنووي 17/ 97. (¬4) في النسخ الخطية: (القشيري) والمثبت من "سير أعلام النبلاء" 10/ 399 (112). (¬5) في (ل): عبد.

من كل (قال: لا. قلت: فثلثه) (¬1) بالنصب أو الجر كما تقدم (قال: نعم) تقدم أنه نظير حديث سعد في الوصية. قلت: فإني (سأُمسك) بضم الهمزة (سهمي) الظاهر أنه بمعنى: النصيب (¬2) (من) أرض (خيبر) وخيبر بينها وبين المدينة ثمانية برد مسيرة ثلاثة أيام، وسميت: بخيبر بن مهلاييل، وقيل غير ذلك. * * * ¬

_ (¬1) في (ر): قبلته. (¬2) في (ل) و (ر): النصب.

25 - باب في قضاء النذر عن الميت

25 - باب في قَضاءِ النَّذْرِ عنِ المَيِّتِ 3307 - حدثنا القَعْنَبيُّ قال: قَرَأْتُ عَلَى مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ ابنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبّاسٍ: أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبادَةَ اسْتَفْتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: إِنَّ أُمّي ماتَتْ وَعَلَيْها نَذْرٌ لَمْ تَقْضِهِ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " اقْضِهِ عَنْها " (¬1). 3308 - حدثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ: أَنَّ امْرَأَةً رَكِبَتِ البَحْرَ فَنَذَرَتْ إِنْ نَجّاها الله أَنْ تَصُومَ شَهْرًا، فَنَجّاها اللهُ فَلَمْ تَصُمْ حَتَّى ماتَتْ، فَجاءَتِ ابنتها أَوْ أختُها إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَمَرَها أَنْ تَصُومَ عَنْها (¬2). 3309 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حدثنا زُهَيْرٌ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَطاءٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ بُرَيْدَةَ: أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَتْ: كنْتُ تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمّى بِوَلِيدَةٍ، وَإِنَّها ماتَتْ وَتَرَكَتْ تِلْكَ الوَلِيدَةَ. قال: " قَدْ وَجَبَ أَجْرُكِ، وَرَجَعَتْ إِلَيْكِ في المِيراثِ " قالَتْ: وَأنَّها ماتَتْ وَعَلَيْها صَوْمُ شَهْرٍ. فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ عَمْرٍو (¬3). 26 - باب ما جاءَ فِيمَنْ ماتَ وَعَلَيْهِ صِيامٌ صامَ عَنْهُ وَليُّهُ 3310 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا يَحْيَى قالَ: سَمِعْتُ الأَعْمَشَ ح، وَحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن العَلاءِ، حدثنا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ -المَعْنَى- عَنْ مُسْلِمٍ البَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ: أَنَّ امْرَأةً جاءَتْ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَتْ: إِنَّهُ كانَ عَلَى أُمِّها ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2761)، ومسلم (1638). (¬2) رواه أحمد 1/ 216، والنسائي 7/ 20، وابن خزيمة (2054). وانظر ما سيأتي برقم (3310). وصححه الألباني في "أحكام الجنائز" ص 214. ورواه بنحوه مسلم (1148)، وعلقه البخاري (1953). (¬3) رواه مسلم (1149).

أن يتمكن من الفعل قبل أن يموت؛ كما هو ظاهر [الحديث حيث قال: فلم تصم حتى ماتت، فإن (حتى) غاية لمدة حياتها التي انتهت بالموت] (¬1) لكن نقل النووي في آخر كتاب النذر عن القفال من غير مخالفة له: أنه لا يشترط التمكن في الصوم المنذور كما هو هنا (¬2). [3309] (حدثنا أحمد بن) عبد الله (بن يونس) اليربوعي الكوفي (حدثنا زهير، حدثنا عبد الله بن عطاء) الطائفي المكي، أخرج له مسلم. (عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه) بريدة بن الحصيب -رضي الله عنهما - (أن امرأة أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت) يا رسول الله إني (كنت تصدقت على أمي بوليدة) أي: جارية كما في "صحيح مسلم" الآتي (وإنها ماتت وتركت تلك الوليدة) ولفظ مسلم: أتته امرأة فقالت: إني تصدقت على أمي بجارية وإنها ماتت. فقال (قد وجب أجرك ورجعت إليك في الميراث) لفظ مسلم: "وجب أجرك وردها عليك الميراث" (¬3). وفيه دليل على أن من تصدق بجارية أو بهيمة أو غيرهما ثم ورثه لم يكره له أخذه، وكذا لو أوصى له به، أو وصل إليه من غير سعيٍ فيه، وله التصرف فيه من غير كراهة بخلاف ما إذا أراد شراءه أو سأل اتهابه فإنه يكره لحديث فرس عمر -رضي الله عنه- (¬4) (قالت: وإنها ماتت وعليها صوم شهر) وفي ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفين سقط من (ر). (¬2) في المجموع" للنووي 8/ 502: (قلت) والصحيح أنه إذا مات قبل إمكان الصوم والحج المنذورين وكفارة اليمين المذكورة فلا شيء عليه ولا يطعم عنه ولا يصام عنه، والله أعلم. (¬3) (1149). (¬4) انظر: "شرح مسلم" للنووي 8/ 27 والحديث رواه البخاري (2480) ومسلم (ح=

صَوْمُ شَهْرٍ أَفأَقْضِيهِ عَنْها فَقال: " لَوْ كانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ كنْتِ قاضِيَتَهُ " قالَتْ: نَعَمْ. قال: "فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى " (¬1). 3311 - حدثنا أَحْمَدُ بْن صالِحٍ، حدثنا ابن وَهْب، أَخْبَرَني عَمْرُو بْن الحارِثِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبي جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ ماتَ وَعَلَيْهِ صِيامٌ صامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ " (¬2). * * * باب في قضاء النذر عن الميت [3307] (حدثنا) عبد الله بن مسلمة بن قعنب (القعنبي قال: قرأت على مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الفقيه) الأعمى (عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن سعد ابن عبادة -رضي الله عنه- استفتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فيه من الفقه استفتاء الأعلم ما أمكن، وقد اختلف الأصوليون في ذلك: هل يجب على العامي أن يبحث عن الأعلم؟ أو يكتفي بسؤال عالم، أي عالم كان؟ ورجح القرطبي وجوب البحث عن الأعلم؛ لأن الأعلم أرجح، والعمل بالراجح واجب (¬3). (فقال: إن أمي ماتت) وأمه: عمرة بنت مسعود بن قيس من بني النجار من المبايعات، توفيت سنة خمس من الهجرة (¬4). (وعليها نذر لم تقضه) ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1953)، ومسلم (1148). وانظر ما سلف برقم (3308). (¬2) رواه البخاري (1952)، ومسلم (1147). (¬3) "المفهم" للقرطبي 4/ 605. (¬4) انظر: "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" 4/ 1887 (4041).

دليل على مطلق (¬1) جواز ركوب البحر من غير تفصيل. (إن أنجاها الله) تعالى وسلمت من الغرق فيه (أن تصوم) إذا خرجت منه (شهرًا) كاملًا بالعدد أو الرؤية (فنجاها الله) تعالى منه (فلم تصم) الشهر ولا شيئًا منه (حتى ماتت، فجاءت بنتها أو أختها) شك من الراوي، وللنسائي (¬2): " فأتت أختها ". يعني: من غير شك (إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) زاد النسائي: " وذكرت له ذلك ". (فأمرها أن تصوم عنها) فيه دليل على أن [من مات] (¬3) وعليه صوم من رمضان أو عن نذر أو كفارة صام عنه، وجب على وليها الصوم عنها كما هو ظاهر الأمر، كما جزم بالوجوب القاضي أبو الطيب في "تعليقه"، وظن النووي: أن هذا النقل متفق عليه فجزم به في "الروضة"، ولم يعزه إلى أحد (¬4). وقال في "شرح المهذب": إنه لا خلاف فيه (¬5). وقد قال الرافعي: ليس المراد أنه يلزم الولي أدن يصوم، بل المراد أنه يجوز له ذلك أن أراد (¬6). وفي الحديث دلالة على أن الصوم لا يختص بالولي العصبة، بل يجوز من كل قريب، كما قال النووي: المراد بالولي القريب، سواء كان عصبة أو وارثًا أو غيرهما (¬7)، ووجهه: أنه أمر الأخت. بالصيام وليست عصبة ولا مستغرقة. واعلم أن شرط وجوب القضاء عن الميت ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) النسائي (3825). (¬3) من (ل)، وسقط من (ر)، وفي (ع): مطابق. (¬4) في "الروضة" 2/ 381: والقديم أنه يجوز لوليه أن يصوم عنه. (¬5) في "المجموع" 6/ 370 بعد نقل كلام البيهقي، قال: قلت: الصواب الجزم بجواز صوم الولي عن الميت سواء صوم رمضان والنذر وغيره من الصوم الواجب وانظر: "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" للعيني 21/ 144. (¬6) "الشرح الكبير" 6/ 459. (¬7) "شرح مسلم" 8/ 26.

أن يتمكن من الفعل قبل أن يموت؛ كما هو ظاهر [الحديث حيث قال: فلم تصم حتى ماتت، فإن (حتى) غاية لمدة حياتها التي انتهت بالموت] (¬1) لكن نقل النووي في آخر كتاب النذر عن القفال من غير مخالفة له: أنه لا يشترط التمكن في الصوم المنذور كما هو هنا (¬2). [3309] (حدثنا أحمد بن) عبد الله (بن يونس) اليربوعي الكوفي (حدثنا زهير، حدثنا عبد الله بن عطاء) الطائفي المكي، أخرج له مسلم. (عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه) بريدة بن الحصيب -رضي الله عنهما - (أن امرأة أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت) يا رسول الله إني (كنت تصدقت على أمي بوليدة) أي: جارية كما في "صحيح مسلم" الآتي (وإنها ماتت وتركت تلك الوليدة) ولفظ مسلم: أتته امرأة فقالت: إني تصدقت على أمي بجارية وإنها ماتت. فقال (قد وجب أجرك ورجعت إليك في الميراث) لفظ مسلم: "وجب أجرك وردها عليك الميراث" (¬3). وفيه دليل على أن من تصدق بجارية أو بهيمة أو غيرهما ثم ورثه لم يكره له أخذه، وكذا لو أوصى له به، أو وصل إليه من غير سعيٍ فيه، وله التصرف فيه من غير كراهة بخلاف ما إذا أراد شراءه أو سأل اتهابه فإنه يكره لحديث فرس عمر -رضي الله عنه- (¬4) (قالت: وإنها ماتت وعليها صوم شهر) وفي ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفين سقط من (ر). (¬2) في المجموع" للنووي 8/ 502: (قلت) والصحيح أنه إذا مات قبل إمكان الصوم والحج المنذورين وكفارة اليمين المذكورة فلا شيء عليه ولا يطعم عنه ولا يصام عنه، والله أعلم. (¬3) (1149). (¬4) انظر: "شرح مسلم" للنووي 8/ 27 والحديث رواه البخاري (2480) ومسلم (ح=

رواية لمسلم: صوم شهرين (¬1). (فذكر نحو حديث عمرو) بن عون. تتمة (¬2) حديث مسلم: قالت: يا رسول الله إنه كان عليها صوم شهر، أفأصوم عنها؟ " [قال: صومي عنها] " (¬3) قالت: إنها لم تحج قط، أفأحج عنها؟ قال: " حجي عنها ". واعلم: أن هذِه الأحاديث في ذكر الصوم عن الميت يعارضه ما روى النسائي في "الكبرى" بإسناب صحيح عن ابن عباس قال: "لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد" (¬4). وروى عبد الرزاق (¬5) مثله عن ابن عمر من قوله لكن في البخاري في باب النذر عنهما (¬6) تعليقًا الأمر بالصلاة (¬7). فاختلف قولهما، والحديث المتفق عليه في الصحيح أولى بالاتباع، وهو موافق لمذهب الشافعي والجمهور. * * * ¬

_ =1620) عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: حملت على فرس في سبيل الله فأضاعه الذي كان عنده فأردت أن أشتريه منه وظننت أنه بائعه برخص فسألت عن ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لا تشتره وان أعطاكه بدرهم واحد فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه" وهذا لفظ البخاري. (¬1) (1149). (¬2) في (ر): وفيه. (¬3) سقط من (ر). (¬4) (2918). (¬5) "مصنف عبد الرزاق" 9/ 61 (16346). (¬6) في (ر): عنها. (¬7) كتاب الأيمان والنذور، باب من مات وعليه نذر، قبل حديث (6698) قال: وأمر ابن عمر امرأة جعلت أمها على نفسها صلاة بقباء، فقال: صلى عنها، وقال ابن عباس نحوه.

30 - باب من نذرا نذرا لا يطيقه

30 - باب مَنْ نَذَرًا نَذْرًا لا يُطِيقُهُ 3322 - حدثنا جَعْفَرُ بْن مُسافِرٍ التِّنِّيسيُّ، عَنِ ابن أَبي فدَيْكٍ قالَ: حَدَّثَني طَلْحَةُ ابنُ يَحْيَى الأَنْصاريُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبي هِنْدِ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ كرَيْبٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: " مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُسَمِّهِ فَكَفّارَتُهُ كفّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا في مَعْصِيَةٍ فَكَفّارَتُهُ كفّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا لا يُطِيقُهُ فَكَفّارَتُهُ كَفّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا أَطاقَهُ فَلْيَفِ بِهِ ". قالَ أَبُو داوُدَ: رَوى هذا الحَدِيثَ وَكِيعٌ وَغَيْرُهُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبي الهِنْدِ أَوْقَفوهُ عَلَى ابن عَبّاسٍ (¬1). * * * باب النذر لا يسمَّى [3322] (حدثنا جعفر بن مسافر) أبو صالح الهذلي (التنيسي) بكسر التاء المثناة من فوقها وكسر النون المشددة والياء المثناة من تحت والسين المهملة -نسبة إلى مدينة بديار مصر سميت بتنيس بن حام بن نوح- قال النسائي: جعفر بن مسافر صالح (¬2) (عن) محمد بن إسماعيل (بن أبي فديك قال: حدثني طلحة بن يحيى) بن النعمان الزرقي (الأنصاري) المدني سكن بغداد، أخرج له الشيخان (عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند) الفزاري المدني (عن بكير) مصغر (¬3) (بن عبد الله بن الأشج) أبو ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (2128). وضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه" (463)، قال: ضعيف جدا. (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 5/ 110. (¬3) في النسخ الخطية: (بن مصعب) وهو خطأ.

يوسف المدني. (عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من نذر نذرًا لم يسمه) أي نذرًا مبهما لم يسم مخرجه ولم يقل فيه: إن فعلت، ولا إن لم أفعل، بل اقتصر على قوله: لله علي نذر فقط (فكفارته كفارة يمين) احتج به القائلون بوجوب الكفارة فيما لم يسم. وبرواية الترمذي: " كفارة النذر إذا لم يسم كفارة يمين ". وقال: حسن صحيح غريب (¬1). وبه قال مالك والثوري وأحمد ومحمد بن الحسن والحسن وعطاء وطاوس وغيرهم. قال ابن قدامة: وهو قول أكثر أهل العلم. قال: لا أعلم فيه مخالفًا إلا الشافعي؛ قال: لا ينعقد نذره ولا كفارة فيه؛ لأن من النذر ما لا كفارة فيه (¬2)، ولأن (¬3) النذر لا يكون [إلا لله] (¬4) وحمل الحديث على ما إذا قال: إن فعلت كذا فعليّ ولم يسمه، فعليه كفارة يمين (ومن نذر نذرًا في معصية) كمن نذر أن يشرب الخمر أو يقتل زيدًا (¬5) أو يهدم داره حجرًا حجرًا (فكفارته كفارة يمين) هذا يقوي النقل الذي نقله الربيع عن الشافعي كما حكاه البيهقي حيث قال: وقد حكى لي (¬6) الفقيه أبو الفتح أنه حكى هذِه المسألة عن الشافعي ثم قال: وفيه قول آخر أنه ¬

_ (¬1) (1528). (¬2) "المغني" 11/ 332. (¬3) في (ر): ولا فا. (¬4) بياض في (ر). (¬5) في الأصل: زيد. (¬6) سقط من (ل).

يلزمه كفارة يمين، وقد رضيه صاحب "التقريب" ثم قال البيهقي: والآثار تدل على ذلك (¬1)، وقواه ابن الصلاح، وروي نحو هذا عن ابن مسعود وابن عباس وجابر وعمران (¬2) بن حصين وسمرة بن جندب، وبه قال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وهو مشهور رواية أحمد، والذي ذهب إليه مالك والشافعي وروي عن مسروق والشعبي، وهو رواية عن أحمد: أنه لا كفارة عليه. قال البيهقي: وروى مالك، عن يحيى بن سعيد قال: سمعت القاسم ابن محمد يقول: أتت امرأة إلى عبد الله بن عباس فقالت: إني نذرت أن أنحر ابني، فقال ابن عباس: لا تنحري ابنك وكفري عن يمينك، فقال شيخ عند ابن عباس جالس: وكيف يكون في هذا كفارة؟ فقال ابن عباس: إن الله يقول: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} (¬3) ثم جعل فيه من الكفارة ما قد رأيت (¬4). (ومن نذر نذرًا لا يطيقه) أي: من نذر طاعة لله لا يطيقها، كنذر الشيخ الذي لا يطيق الصيام الصوم (¬5)، أو كان قادرًا عليه فعجز عنه (فكفارته كفارة يمين) أي: عليه كفارة يمين، ومفهومه ورد في رواية ابن ماجه: "ومن نذر نذرًا يطيقه فليف لله بما نذر" (¬6)، وأرجح القولين عند الشافعي ما تقدم في حديث أخت عقبة بن عامر حين عجزت عن ¬

_ (¬1) انظر: "مختصر خلافيات البيهقي" 5/ 111 (347). (¬2) في النسخ: وأبي عمران. وهو خطأ. (¬3) المجادلة: 3. (¬4) انظر: "مختصر خلافيات البيهقي" 5/ 112. (¬5) سقط من (ر). (¬6) (2128).

المشي الذي نذرته أنها تركب ويجب إراقة دم للعجز؛ لأنه ورد في رواية: " ولتهد هديًا " كما تقدم. والقول الثاني: لا دم على الناذر، بل يستحب الدم. وهذا الحديث حجة لأحمد ومن وافقه في إيجاب كفارة اليمين، ولعل الشافعي لم يصح هذا الحديث عنده، أو كان عنده حديث الهدي (¬1) أقوى. (قال المصنف: روى هذا الحديث وكيع) بن الجراح (وغيره عن عبد الله بن سعيد) بن أبي هند الفزاري (وقفوه على ابن عباس -رضي الله عنه-). * * * ¬

_ (¬1) بعدها في (ل): عن إسماعيل بن رافع.

31 - باب من نذر نذرا لم يسمه

31 - باب مَنْ نَذَر نَذْرًا لَمْ يسَمِّهِ 3323 - حدثنا هازون بْنُ عَبّادٍ الأَزْديُّ، حدثنا أَبُو بَكْير -يَعْني ابن عَيّاشٍ- عَنْ محَمَّدٍ مَوْلَى المُغِيرَةِ قالَ: حَدَّثَني كَعْبُ بْنُ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كَفّارَةُ النَّذْرِ كَفّارَةُ اليَمِينِ". قالَ أَبُو داوُدَ: وَرَواة عَمْرُو بْنُ الحارِثِ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابن شِماسَةَ، عَنْ عُقْبَةَ (¬1). 3324 - حدثنا محَمَّدُ بْن عَوْفٍ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الحَكَمِ حَدَّثَهُمْ، أَخْبَرَنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَني كَعْبُ بْن عَلْقَمَةَ أَنَّهُ سَمِعَ ابن شِماسَةَ، عَنْ أَبي الخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَهُ (¬2). * * * [3323] (حدثنا هارون بن عباد) بتشديد الموحدة، الأنطاكي (الأزدي، حدثنا أبو بكر) قيل: اسمه شعبة، والصحيح أن اسمه كنيته (ابن عياش) بالمثناة تحت ثم المعجمة بن سالم الكوفي، شيخ القراءات (عن محمد) هو: ابن يزيد (مولى المغيرة بن شعبة (¬3)، حدثني كعب بن علقمة) التنوخي المصري التابعي، أخرج له مسلم (عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله اليزني (عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كفارةُ النذر) (¬4) كفارةُ بالرفع، ويجوز النصب على ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1645). (¬2) السابق. (¬3) بياض في (ر). (¬4) في (ر): بالنذر.

حذف حرف الجر، تقديره ككفارة (¬1) (اليمين) اختلف العلماء في المراد به فحمله جمهور أصحابنا على نذر اللجاج، وهو أن يقول إنسان يريد الامتناع من كلام زيد مثلًا: إن كلمت زيدًا فلله عليَّ حجة أو غيرها، فكلمه فهو بالخيار بين كفارة يمين وبين ما التزم به. قال النووي: هذا هو الصحيح من مذهبنا. وحمله مالك وكثيرون أو الأكثرون على النذر المطلق كقوله: لله عليَّ نذر (¬2)، واستدلوا على هذا بدليلين: أحدهما: أن هذا الحديث قد رواه المصنف في حديث ابن عباس المتقدم: " من نذر نذرًا لم يسمه فكفارته كفارة يمين ". فقيد في هذا الحديث ما أطلقه في حديث عقبة. وثانيهما: أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر أبا إسرائيل بإتمام الصوم الذي نذره (¬3) وقال: " من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه " (¬4). فلا تتميز آحاد (¬5) النوعين إلا بالتعيين والتسمية. وحمله أحمد وبعض أصحابنا على نذر المعصية كمن نذر أن يشرب الخمر، وحمله جماعة من فقهاء أصحاب الحديث على جميع أنواع النذر تمسكًا بإطلاق من نذر نذرًا ولم يسمه (¬6). ¬

_ (¬1) في (ر): كفارة. (¬2) انظر: "شرح مسلم" 11/ 104. (¬3) سبق برقم (3350)، ورواه البخاري في "صحيحه" (6704). (¬4) رواه البخاري (6696، 6700). (¬5) في (ر، ع): أحد، والمثبت من (ل). (¬6) انظر: "المفهم" 4/ 620.

[3324] (حدثنا محمد بن عوف (¬1)) بن سفيان أبو جعفر الطائي الحمصي، عن أحمد: ما كان بالشام منذ أربعين سنة مثله. وقال ابن عدي: عالم بحديث الشام صحيحًا وضعيفًا (¬2) (أن سعيد بن الحكم) وهو سعيد ابن أبي مريم بن محمد الجمحي حدثهم (قال: أنبأنا يحيى بن أيوب) الغافقي المصري. (قال: حدثني كعب بن علقمة أنه سمع) عبد الرحمن (بن شُماسة) بضم (¬3) الشين المعجمة وتخفيف الميم وبعد الألف مهملة المهري، أخرج له مسلم في هذا الحديث (¬4) وفي الإيمان (¬5) وغيرهما (¬6) (عن أبي الخير) مرثد اليزني. (عن عقبة بن عامر) الجهني - رضي الله عنه - (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله) وهذِه طريقة مسلم كما تقدم. *** ¬

_ (¬1) في (ر): عون. (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 240. (¬3) هكذا في النسخ الخطية وفي "تقريب التهذيب" 1/ 574 (3909) قال: بكسر المعجمة وتخفيف الميم بعدها مهملة، وفي "مشارق الأنوار" 2/ 262: بشين مضمومة ومفتوحة أيضًا وبميم مخففة وآخره سين مهملة. (¬4) (1645). (¬5) (121). (¬6) كتاب النكاح (1414)، كتاب الإمارة (1828، 1919، 1924)، كتاب الفضائل (2543).

32 - باب من نذر في الجاهلية ثم أدرك الإسلام

32 - باب مَنْ نَذَرَ في الجاهِلِيَّةِ ثمّ أَدْرَكَ الإِسْلامَ 3325 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حدثنا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَني نافِعٌ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قال: يا رَسُولَ اللهِ إِنّي نَذَرْت في الجاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ في المَسْجِدِ الحَرامِ لَيْلَة. فَقالَ لَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: " أَوْفِ بِنَذْرِكَ " (¬1). * * * [3325] (حدثنا أحمد بن حنبل، قال: حدثنا يحيى) زاد مسلم وهو ابن سعيد القطان. (عن عبيد الله) بن [عبد الله] (¬2). (قال: حدثني نافع) عن عبد الله (بن عمر، عن) أبيه (عمر) بن الخطاب - صلى الله عليه وسلم - (أنه قال: يا رسول الله، إني نذرت في الجاهلية) سموا بذلك لكثرة جهالاتهم، فيحتمل أن مراد عمر بالجاهلية هنا العامة وهي ما قبل البعثة. ويحتمل الجاهلية الخاصة وهي ما قبل إسلامه. فعلى الاحتمالين معًا أخذ من ذلك صحة نذر الكافر، لكن من قال: بعدم جواز نذر الكافر وهو الصحيح عند الشافعي فيحمل الحديث على أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يأمره بالاعتكاف إلا تشبيها بما نذر لا عين ما نذر، فتسميته نذرًا إما من مجاز التشبيه أو من مجاز الحذف. وفي قوله: " في الجاهلية " احتمال ثالث، وهو أن يراد زمن استيلاء الجاهلية على المسجد الحرام وذلك قبل فتح مكة، فيكون النذر على هذا وقع بعد إسلامه في زمن لا يقدر أن يفي بنذره في الاعتكاف فيه، وعلى ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2032)، ومسلم (1656). وانظر ما سلف برقم (2474). (¬2) هكذا في (ر) والصواب: عمر بدل عبد الله، وقد تتبعت مواضع روايته في مسلم وأبي داود فوجدته هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وانظر: "تهذيب الكمال" 19/ 124 (3668).

هذا فلا حجة في هذا الحديث من عمر على صحة نذر الكافر، ولا يحتاج إلى تأويل. وأجاب ابن العربي في العين (¬1) عن قول الجمهور: لا يصح نذر الكافر بأن عمر نذره في الجاهلية، فلما أسلم أراد أن يكفر ذلك بمثله في الإسلام، فلما أراده ونواه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأعلمه أنه لزمه ذلك. (أن أعتكف في المسجد الحرام) المسجد الحرام المراد هنا ما حول الكعبة من فضاء الطائفين، ولم يكن في عهده - صلى الله عليه وسلم - ولا في عهد أبي بكر له جدار يحيط به، بل تحيط به الدور، وفيها أبواب يدخل منها الناس إلى أرض المسجد، فجاء عمر فوسعه بدور اشتراها وهدمها واتخذ للمسجد جدارًا (¬2) قصيرًا دون القامة، وكانت المصابيح توضع عليه، ثم تتابع الناس على عمارته وتوسعته كعثمان وابن الزبير، ثم عبد الملك بن مروان، ثم ابنه الوليد ثم المنصور أبو جعفر محمد أخو أبي العباس السفاح، ثم ابنه المهدي، وزاد فيه المأمون وأحسن بنيانه سنة اثنتين ومائتين، قال السهيلي: وهو على حاله إلى الآن، وأسقط النووي عبد الملك وأثبته ابن العطار (¬3) (ليلة) وفي رواية: " أن أعتكف يومًا في المسجد الحرام " (¬4) ولم يذكر بعض الرواة يومًا ولا ليلة، وزاد الدارقطني في رواية: " نذر أن يعتكف في الشرك ويصوم " (¬5). وقال ¬

_ (¬1) كذا بالنسخ! ولا أدري ما أصله ولم أقف عليه في كتبه. (¬2) في (ر): دارًا. (¬3) انظر: "تاريخ مكة المشرفة والمسجد الحرام" لابن الضياء ص 150، "تاريخ مكة" للأزرقي 2/ 450، "شرح الوقاية في الفقه الحنفي" لعلي القاري 1/ 369. (¬4) مسلم (1656). (¬5) "سنن الدراقطني" 2/ 201.

البيهقي: ذكر الصوم فيه غريب (¬1). (فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: أوف) (¬2) بفتح الهمزة (بنذرك) واحتج الشافعي بهذا الحديث على عدم اشتراط الصوم؛ لأنه أمره بوفاء النذر ولم يأمره بالصيام ولا ذكره (¬3). وأجاب عنه المالكية بأنه قال في الرواية الأخرى: " إني نذرت يومًا وليلة " (¬4). وجواب آخر وهو أن العرب تعبر بالليلة عن اليوم والليلة، ولذلك قالوا: " صمنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسعًا وعشرين أكثر مما صمنا معه ثلاثين " (¬5) فعبر بالليالي عن الأيام لقوله تسعًا بلا هاء وهو للمذكر، ولم يأت عنه عليه السلام أنه اعتكف إلا وهو صائم، ولأنه عمل أهل المدينة كما ذكره (¬6) مالك في موطأه (¬7)، والله تعالى أعلم بالصواب. * * * تم كتاب الأيمان والنذور وصلى الله على سيدنا محمد بدر البدور والحمد لله على تيسير الأمور. وكان ذلك في أول يوم رمضان وهو يوم الجمعة عام 832 يتلوه كتاب البيوع * * * ¬

_ (¬1) "السنن الكبرى" 4/ 317. (¬2) في (ر): أن. (¬3) انظر: "المجموع" للنووي 6/ 484، "الحاوي الكبير" للماوردي 3/ 1056. (¬4) انظر: "المدونة الكبرى" 1/ 297. (¬5) رواه أبو داود 2/ 297 (2322) والطبراني في "الأوسط" 5/ 325 (5445). (¬6) زاد في (ر): ابن. (¬7) "الموطأ" (688).

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

شَرْحُ سُنَنِ أَبِي دَاوُد لِابْنِ رَسْلَان [14]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ جميعُ الحقوقِ مَحْفوظَة لِدَارِ الفَلَاحِ وَلَا يجوز نشر هَذَا الْكتاب بِأَيّ صِيغَة أَو تَصْوِيره PDF إِلَّا بِإِذن خطي من صَاحب الدَّار الْأُسْتَاذ/ خَالِد الرَّباط الطَّبْعَةُ الأُولَى 1437 هـ - 2016 م رَقم الْإِيدَاع بدَارِ الكتُب 17164/ 2015 دَارُ الفَلَاحِ لِلبحثِ العِلمي وتَحْقِيق التُّرَاثِ 18 شَارِع أحمس - حَيّ الجامعة - الفيوم ت: 01000059200 [email protected] تطلب منشوراتنا من: • دَار الْعلم - بلبيس - الشرقية - مصر • دَار الأفهام - الرياض • دَار كنوز إشبيليا - الرياض • مكتبة وتسجيلات ابْن الْقيم الإسلامية - أَبُو ظَبْي • دَار ابْن حزم - بيروت • دَار المحسن - الجزائر • دَار الْإِرْشَاد - استانبول • دَارُ الفَلَاحِ - الفيوم

كتاب البيوع

كِتَاب البُيُوعِ

1 - باب في التجارة يخالطها الحلف واللغو

كِتَاب البُيُوعِ 1 - باب في التِّجارَةِ يُخالِطُها الحَلِفُ واللَّغْوُ 3326 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وائِلٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبي غَرَزَةَ قالَ: كنّا في عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نُسَمى السَّماسِرَةَ فَمَرَّ بِنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَمّانا بِاسْمٍ هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ فَقالَ: "يا مَعْشَرَ التُّجّارِ إِنَّ البَيْعَ يَحْضُرُهُ اللَّغْوُ والحَلِفُ فَشُوُبوهُ بِالصَّدَقَةِ" (¬1). 3327 - حدثنا الحُسَين بْن عِيسَى البِسْطاميُّ وَحامِدُ بْنُ يَحْيَى وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ الزُّهْريُّ، قالوا: حدثنا سُفْيانُ، عَنْ جامِعِ بْنِ أَبي راشِدٍ وَعَبْدِ المَلِكِ بْنِ أَعْيَنَ وَعاصِمٍ، عَنْ أَبِي وائِلٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ بِمَعْناهُ قالَ: "يَحْضُرُهُ الكَذِبُ والحَلِفُ". وقالَ عَبْدُ اللهِ الزُّهْريُّ: " اللَّغْوُ والكَذِبُ " (¬2). * * * ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1208)، والنسائي 7/ 14، وابن ماجه (2145)، وأحمد 4/ 6. وصححه الألباني في "المشكاة" (2798). (¬2) انظر السابق.

كتاب البيوع جمع بيع، جمعه باعتبار أنواعه، سميَ (¬1) بيعًا؛ لأن البائع يمد باعه إلى المشتري حالة البيع. * * * باب في التجارة يخالطها الحلف والكذب واللغو [3326] (حدثنا مسدد، حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم -بالخاء المعجمة- الضرير. (عن الأعمش، عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن قيس بن أبي غرزة) بفتح الغين المعجمة وفتح الراء وبالزاي، ابن عمير الغفاري عداده في أهل الكوفة. (قال: كنا في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نسمى) بفتح الميم المشددة مبني للمفعول (السماسرةَ) بالنصب جمع سمسار، وهو لفظ أعجمي، وكان الأعاجم كثيرًا يعالجون البيع والشراء فيهم، فلقبوا بهذا الاسم عندهم (فمر بنا النبي - صلى الله عليه وسلم -) فسمعهم يسمونا بهذا الاسم الأعجمي (¬2). (فسمانا باسم هو أحسن) بالرفع (منه. فقال: يا معشر) نسخة: يا معاشر (التِّجَار) بكسر التاء وتخفيف الجيم، ويقال بضم التاء وتشديد الجيم (¬3)، فيه تغيير الاسم إلى ما هو أحسن منه، فإنهم كانوا تسموا ¬

_ (¬1) سقطت من (ر). (¬2) انظر: "معالم السنن" للخطابي 3/ 46. (¬3) في (ر): الميم.

بالأعجمي وهو السماسرة فسماهم باسم عربي وهو التجار من التجارة، وقد غير النبي - صلى الله عليه وسلم - أسماء كثيرة إلى ما هو أحسن منها كما سيأتي في الأدب في باب تغيير الاسم القبيح. (إن البيع يحضره اللغو) وهو الكلام الرديء المطرح، وهو في الأصل من الغا) إذا قال هذرًا (¬1) (والحلف) فيه ذم الكلام الكثير في البيع لترويج السلعة وكثرة الحلف وإن كان صادقًا، ورواية الترمذي فيها: "إن الشيطان والإثم يحضران البيع" (¬2). ورواية النسائي: كنا نبيع الأوساق ونبتاعها ونسمي أنفسنا السماسرةَ فخرج إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسمانا (¬3) باسم هو خير من الذي سمينا به أنفسنا، فقال: "يا معشر التجار إنه يشهد بيعكم الحلف واللغو" (¬4) (فشوبوه) أي: اخلطوا بيعكم (بالصدقة) غير الزكاة ليكون كفارة لما يقع فيه من الإثم، الحديث رواه البغوي وقال: لا أعلم ابن أبي غرزة روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - غيره (¬5). [3327] (حدثنا الحسن بن علي) الخلال (والحسين بن عيسى البسطامي) بكسر الباء وضمها (وحامد (¬6) بن يحيى) البلخي (وعبد الله ¬

_ (¬1) "جامع الأصول" 1/ 432. (¬2) "سنن الترمذي" (1208). (¬3) في (ر): فسمى. (¬4) "سنن النسائي" 7/ 15. (¬5) "معجم الصحابة" 5/ 8. (¬6) في (ر): خالد.

ابن محمد الزهري قالوا: حدثنا سفيان) (¬1) بن عيينة الكوفي (عن جامع بن أبي راشد) الكاهلي (وعبد الملك بن أعين) الكوفي أحد الإخوة (وعاصم) ابن كليب. (عن أبي وائل، عن قيس بن أبي كرزة) بغين معجمة، ثم [راء ثم زاي] (¬2)، مفتوحات الصحابي (بمعناه وقال) فيه (يحضره الحلف والكذب). [(وقال عبد الله) بن جعفر بن عبد الرحمن (¬3) (الزهري: اللغو والكذب)] (¬4) وهو بمعنى الحلف والكذب؛ فإن الله تعالى سمى الحلف لغوًا فقال تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} (¬5). * * * ¬

_ (¬1) في (ر): شيبان. والمثبت من (ل). (¬2) في النسخ الخطية: زاي ثم راء. والمثبت الصواب كما في "جامع الأصول" 12/ 792 ومصادر ترجمته. (¬3) هكذا في النسخ الخطية، والصواب: عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن المسور ابن مخرمة الزهري المذكور أعلاه في الإسناد. (¬4) سقط من (ع). (¬5) البقرة: 225.

2 - باب في استخراج المعادن

2 - باب في اسْتِخْراجِ المَعادِنِ 3328 - حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبيُّ، حدثنا عَبْدُ العَزِيزِ -يَعْني: ابن محَمَّدٍ - عَنْ عَمْرٍو -يَعْني: ابن أَبي عَمْرٍو- عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ رَجُلاً لَزِمَ غَرِيمًا لَهُ بِعَشَرَةِ دَنانِيرَ فَقال: والله لا أُفارِقُكَ حَتَّى تَقْضِيَني أَوْ تَأْتِيَني بِحَمِيلٍ. فَتَحَمَّلَ بِها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَتَاهُ بِقَدْرِ ما وَعَدَهُ فَقالَ لَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: " مِنْ أَيْنَ أَصَبْتَ هذا الذَّهَبَ؟ ". قال: مِنْ مَعْدِنٍ. قالَ: " لا حاجَةَ لَنا فِيها وَلَيْسَ فِيها خَيْرٌ ". فَقَضاها عَنْهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). * * * باب في استخراج المعادن [3328] (حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، حدثنا عبد العزيز بن محمد) الدراوردي (عن عمرو بن أبي عمرو) مولى المطلب. (عن عكرمة، عن ابن عباس) رضي الله عنهما (أن رجلًا لزم غريما له) الغريم من عليه الدَّين، ويطلق لغة على صاحب الحق، أصله من الغرام وهو الدائم، ومنه: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} (¬2) (بعشرة دنانير. فقال له: والله ما أفارقك حتى تقضيني) حقي (أو تأتيني بحميل) بفتح الحاء المهملة. قال ابن حبان في "صحيحه": الزعيم لغة أهل المدينة، والحميل لغة أهل مصر، والكفيل لغة أهل العراق (¬3). ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (2406)، وعبد بن حميد (596). وصححه الألباني. (¬2) الفرقان: 65. (¬3) (13/ 428).

وقال الماوردي: العرف جارٍ بأن الضمين (¬1) في الأموال والحميل [في الديات] (¬2) والزعيم في (¬3) الأموال العظام، والكفيل في النفوس، والضمين (¬4) في الجميع. (قال: فتحمل بها النبي - صلى الله عليه وسلم -) فيه أن الضمان والكفالة في باب اصطناع المعروف وأفعال الخير (فأتاه) الأصل الذي عليه الحق (بقدر ما وعده) به. (فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: من أين أصبت هذا) نسخة: هذه (الذهب؟ ) فيه سؤال الإنسان عن مكسبه ليبين له العالم حكمه. (قال: من معدن) بكسر الدال وهو المكان الذي يستخرج منه جواهر الأرض كالذهب (¬5) والفضة والحديد والنحاس والرصاص وغير ذلك (¬6). قال الأزهري: سمي بذلك لعدون ما أثبته الله تعالى فيه أي: لإقامته، ومنه جنة عدن (¬7). (قال: لا حاجة لنا فيها) فيه دلالة على أن الذهب مؤنث، ويقال في تصغيره: ذهيبة، سمي ذهبًا لأنه يذهب ولا يبقى (ليس فيها (¬8) خير) أي: ¬

_ (¬1) في (ر): الضمير. (¬2) سقط من (ر). (¬3) زاد بعدها في (ر): في المديان. (¬4) هكذا في النسخ الخطية، والصواب: والصبير كما في "الحاوي الكبير" (6/ 431)، قال في "المعجم الوسيط" 1/ 506: (الصبير) السحاب الأبيض المتكاثف والجبل (ج) صبر وزعيم القوم (ج) صبراء. (¬5) سقطت من (ر). (¬6) انظر: "عمدة القاري" 18/ 347. (¬7) انظر: "تهذيب اللغة" 2/ 129. (¬8) في (ر): فيه.

ليس في إمساكه ولا رؤيته نفع ولا تحصيل خير، إنما النفع التام في إخراجه والزهد فيه وفي الفضة. قال الطبري في "خلاصة السيرة": كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبيت في بيته دينار ولا درهم؛ فإن فضل معه شيء ولم يجد من يعطيه وفجأه الليل لم يأو إلى بيته حتى يبرأ منه إلى من يحتاج إليه (¬1). وقوله: (ليس فيه خير) يشبه أن يكون المعنى: ليس في السعي في تحصيله من الأرض واستخراجه خير، والاستكثار منه خير؛ لأن ذلك يؤدي إلى كثرته في أيدي الناس، وكثرته تؤدي إلى كنزه تحت الأرض، والتفاخر بالمكاثرة به واستعماله في الآلات بالمحرمات مما يطول ذكره كما هو مشاهد في طغيان من استغنى به، وقد ذكر الخطابي رحمه الله تعالى توجيهات غير هذا (¬2)، والله أعلم. (فقضاها عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -). * * * ¬

_ (¬1) "خلاصة سيرة سيد البشر" لمحب الدين الطبري (ص 17). (¬2) انظر: "معالم السنن" 3/ 47 - 48.

3 - باب في اجتناب الشبهات

3 - باب في اجْتِنابِ الشُّبُهاتِ 3329 - حدثنا أَحْمَدُ بْن يُونُسَ قالَ: حدثنا أَبو شِهابٍ، حدثنا ابن عَوْنٍ، عَنِ الشَّعْبيِّ قالَ: سَمِعْتُ النُّعْمانَ بْنَ بَشِيرٍ -وَلا أَسْمَعُ أَحَدًا بَعْدَه- يَقُول: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الحَرامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُما أُمُورٌ مُشْتَبِهاتٌ". وَأَحْيانًا يَقُولُ: " مُشْتَبِهَةٌ ". " وَسَأَضْرِبُ لَكُمْ في ذَلِكَ مَثَلاً: إِنَّ اللهَ حَمَى حِمًى، وَإِن حِمَى اللهِ ما حَرَّمَ، وَإِنَّهُ مَنْ يَرْعَ حَوْلَ الحِمَى يُوشِكْ أَنْ يُخالِطَهُ، وَإِنَّهُ مَنْ يُخالِطِ الرِّيبَةَ يُوشِكْ أَنْ يَجْسُرَ " (¬1). 3330 - حدثنا إِبْراهِيمُ بْن مُوسَى الرّازيُّ، أَخْبَرَنا عِيسَى، حدثنا زَكَرِيَّا، عَنْ عامِبر الشَّعْبيِّ قالَ: سَمِعْتُ النُّعْمانَ بْنَ بَشِيرٍ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُول بهذا الحَدِيثِ قالَ: "وَبَيْنَهُما مُشَبَّهاتٌ لا يَعْلَمُها كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهاتِ اسْتَبْرَأَ عِرْضَهُ وَدِينَهُ وَمَنْ وَقَعَ في الشُّبُهاتِ وَقَعَ في الحَرامِ " (¬2). 3331 - حدثنا محَمَّدُ بْن عِيسَى، حدثنا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنا عَبّادُ بْنُ راشِدٍ قالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ أَبي خَيْرَةَ يَقُول: حدثنا الحَسَنُ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قال: قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ح، وَحَدَّثَنا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، أَخْبَرَنا خالِدٌ، عَنْ داوُدَ -يَعْني: ابن أَبي هِنْدٍ- وهذا لَفْظُهُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبي خَيْرَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: " لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النّاسِ زَمانٌ لا يَبْقَى أَحَدٌ إِلاَّ أَكَلَ الرِّبا فَإِنْ لَمْ يَأْكُلْهُ أَصابَهُ مِنْ بُخارِهِ ". قالَ ابن عِيسَى: " أَصابَهُ مِنْ غُبارِهِ " (¬3). 3332 - حدثنا مُحَمَّدُ بْن العَلاءِ، أَخْبَرَنا ابن إِدْرِيسَ، أَخْبَرَنا عاصِمُ بْنُ كلَيْبٍ، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2051)، ومسلم (1599). (¬2) رواه البخاري (52)، ومسلم (1599). (¬3) رواه النسائي 7/ 243، وابن ماجه (2278)، وأحمد 2/ 494. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (4864).

عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصارِ قال: خَرَجْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في جَنازَةٍ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ عَلَى القَبْرِ يُوصي الحافِرَ: " أَوْسِعْ مِنْ قِبَل رِجْلَيْهِ أَوْسِعْ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ ". فَلَمّا رَجَعَ اسْتَقْبَلَهُ داعي امْرَأَةٍ فَجاءَ وَجيءَ بِالطَّعامِ فَوَضَعَ يَدَهُ ثُمَّ وَضَعَ القَوْمُ فَأَكَلُوا فَنَظَرَ آباؤنا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَلُوكُ لُقْمَةً في فَمِهِ ثمَّ قالَ: "أَجِدُ لَحْمَ شاةٍ أُخِذَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ أَهْلِها". فَأَرْسَلَتِ المَرْأَةُ قالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ إِنّي أَرْسَلْتُ إِلَى البَقِيعِ يَشْتَري لي شاةً فَلَمْ أَجِدْ فَأَرْسَلْتُ إِلَى جارٍ لي قَدِ اشْتَرى شاةً أَنْ أَرْسِلْ إِلَى بِها بِثَمَنِها فَلَمْ يُوجَدْ فَأَرْسَلْتُ إِلَى امْرَأَتِهِ فَأَرْسَلَتْ إِليَّ بِها. فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " أَطْعِمِيهِ الأُسارى " (¬1). * * * باب في اجتناب الشبهات [3329] (حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا أبو (¬2) شهاب) عبد ربه بن نافع الحناط، متفق عليه (عن) عبد الله (ابن عون) مولى عبد الله بن مغفل المدني أحد الأعلام. وقال الأوزاعي: إذا مات ابن عون وسفيان استوى الناس (¬3). (عن الشعبي قال: سمعت النعمان بن بشير) رضي الله عنهما يقول (ولا أسمع أحدًا بعده يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن الحلال) هذا أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام، وقد اختلف في عددها، وجميعها في كتاب "الأربعين النواوية" (بين) أي: ما نص الله ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 293، وابن أبي شيبة في "المسند" (935). وصححه الألباني في "الصحيحة" (754). (¬2) في (ر): ابن. ومطموسة في (ل)، والمثبت من (ع). (¬3) انظر: "تذكرة الحفاظ" 1/ 156.

على تحليله فهو الحلال البين كقوله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} قيل: هي الذبائح؛ لأنها طابت بالتذكية {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} (¬1) الطعام اسم لكل ما يؤكل، والذبائح نوع منه فهو ذكر العام بعد الخاص (وإن الحرام) الذي نص الله على تحريمه (بين) حكمه كقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} (¬2) إلى آخر الآية، وقوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} (¬3) وكل ما جعل الله فيه حدًّا أو عقوبة أو وعيدًا فهو حرام كأكل أموال اليتامى وأموال الناس بالباطل، وهذا [باب يتسع] (¬4) القول فيه (وبينهما أمور) وسائط (مشتبهات) نسخة: مشبهات. نسخة: مشتبهة؛ لأنها يتجاذبها دليلان من الطرفين، فكل ما تنازعته (¬5) الأدلة من الكتاب والسنة والقواعد الشرعية وتجاذبه المعاني فوجه منه يعضده دليل الحرام، ووجه منه يعضده دليل الحلال، فهذا هو الأمر المشتبه الذي يخفى أمرها [على] (¬6) كثير من الناس. (وأحيانًا) جمع حين وهو الزمان وإن قل، ونصبه على الظرفية وعامله (يقول) بينهما أمور (مشتبهة) جمعه مشتبهات كما تقدم (وسأضرب لكم ¬

_ (¬1) المائدة: 5. (¬2) النساء: 23. (¬3) المائدة: 96. (¬4) في (ر): بأن يشبع، وغير واضحة في (ل)، وفي (ع): بأن يتسع. والمثبت من "شرح البخاري" لابن بطال 6/ 164. (¬5) في (ر): ينازعه. والمثبت من (ع). (¬6) سقطت من النسخ الخطية، والسياق يقتضيها.

في ذلك) أي: أبين (مثلاً) منصوب ب (أضرب) (¬1). قال الرازي (¬2): المقصود من ضرب الأمثال أنها تؤثر في القلوب ما لا يؤثره وصف الشيء في نفسه، وذلك لأن (¬3) الغرض من المثل تشبيه الخفي بالجلي والغائب بالشاهد، فيتأكد الوقوف على ماهيته ويصير الحس مطابقًا للعقل، وذلك هو الغاية في الإيضاح (¬4). انتهى. ألا وإن لكل ملك من ملوك الدنيا والآخرة حمى يحميه ويمنع من الدخول فيه، فمن دخله أوقع به العقوبة، ألا و (إن الله) تعالى قد (حمى) له (حمى) ومنع من ارتكابه (وإن حمى الله) تعالى (ما حرم) من المعاصي والذنوب كالقتل والسرقة والزنا وغير ذلك من المحرمات. (وإنه) الضمير فيه ضمير الشأن والقصة (من يرعى) يحتمل أن تكون (¬5) شرطية، وأن تكون موصولة، وتقدير الكلام: فهو كراعٍ يرعى العشب (¬6) الذي (حول الحمى يوشك) بضم الياء وكسر الشين. أي: يقارب، وهو من أفعال المقاربة، ويقال في ماضيه: أوشك وهو مثل كاد وعسى في الاستعمال (أن يخالطه) الضمير فيه يعود إلى الحرام أي: يقع فيه، وذلك مَنْ كَثُرَ تعاطيه الشبهات لا يسلم أن يقع في ¬

_ (¬1) في (ر): بأخبرت. (¬2) في (ر): الرواي. (¬3) في (ر): لا. والمثبت من (ع) و"تفسير الرازي". (¬4) "تفسير الرازي" 2/ 312. (¬5) في (ر) يكون. (¬6) في (ر) العيس.

الحرام وإن لم يقصده ويأثم بذلك إذا نسب إلى تقصير (¬1). (وإنه من يخالط الريبة) الذي يرتاب فيه ويشك في أنه حلال أم حرام، ومنه قول عمر -رضي الله عنه-: مكسبة فيها ريبة خير من المسألة (¬2). (يوشك أن يجسر) (¬3) بإسكان الجيم وضم السين (يخسر) بالخاء المعجمة والسين المهملة في نسخة، أي: يتجاسر على الوقوع فيه، ويقدم على الحرام الخالص. وقد اختلف العلماء في المشتبهات وما يشك فيه، فقال بعضهم: هي حلال، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " من يرعى حول الحمى يوشك أن يخالطه ". فجعل الشبهات ما حول الحمى، وما حول الحمى غير الحمى، فدل على أن ذلك حلال وتركه ورع، والورع عن (¬4) ابن عمر ومن ذهب مذهبه: ترك قطعة من الحلال خوفًا من مواقعة الحرام (¬5). [3330] (حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي، أنبأنا عيسى) بن يونس (¬6) (أنبأنا زكريا) بن أبي زائدة خالد بن ميمون الهمداني، صدوق مشهور حافظ (عن عامر) بن شراحيل (الشعبي) الهمداني (قال: سمعت النعمان بن بشير) أول مولود ولد في الأنصار بعد قدوم النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) انظر: "شرح مسلم" للنووي 11/ 29. (¬2) رواه ابن عبد البر في "التمهيد" 18/ 329. (¬3) في (ر) يجشر. (¬4) هكذا في (ل) و (ر)، وفي "شرح البخاري" لابن بطال (عند) وهو أحسن. (¬5) انظر: "شرح البخاري" لابن بطال 6/ 164 - 165. (¬6) في (ر): موسى. خطأ.

المدينة، أمه عمرة بنت رواحة أخت عبد الله بن رواحة (¬1) (يقول: هذا الحديث) وإنما أعاد المصنف في السند أن الشعبي قال: سمعت النعمان قال: ولا أسمع أحدًا بعده يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. أعاد السند؛ لأن يحيى بن معين قال: قال أهل المدينة إن النعمان بن بشير لا يصح له سماع من النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقال أهل العراق: سماعه منه صحيح (¬2). والذي يشهد لصحة سماعه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث أبي قلابة، عقل (¬3) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - محادثته لأبيه (¬4). (قال: وبينهما مشتبهات) (¬5) هكذا في بعض (¬6) النسخ جمع شبهة مشتبهات (لا يعلمها كثير من الناس) أي: تشتبه (¬7) على بعض الناس دون بعض لا أنها في نفسها مشتبهة على كل الناس لا بيان لها، بل ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 29/ 411. (¬2) انظر: المصدر السابق. (¬3) في (ر): عقد. (¬4) لعله يقصد الحديث الذي رواه البخاري (2650) ومسلم (ح 1623) عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهمَا قَالَ: سَأَلَتْ أُمِّي أَبِي بَعْضَ المَوْهِبَةِ لِي مِنْ مَالِهِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَوَهَبَهَا لِي فَقَالَتْ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -. فَأَخَذَ بِيَدِي وَأَنَا غُلَامٌ فَأَتَى بِي النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنَّ أُمَّهُ بِنْتَ رَوَاحَةَ سَأَلَتْنِي بَعْضَ المَوْهِبَةِ لهذا. قَالَ: " أَلَكَ وَلَدٌ سِوَاهُ؟ ". قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأُرَاهُ قَالَ: " لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ ". ولكن كما هو واضح ليس من رواية أبي قلابة عن النعمان، فلعله سهو من المصنف والله أعلم وانظر: "شرح البخاري" لابن بطال. (¬5) في (ر): يشتبه. (¬6) في النسخ المطبوعة: مشبهات. (¬7) من (ع).

العلماء يعرفونها؛ لأن الله تعالى جعل عليها دلائل يعرفها أهل العلم، ولهذا قال: لا يعلمها كثير من الناس، ولم يقل: لا يعلمها كل الناس أو واحد (¬1) منهم، وكل شيء أشبه الحلال من وجه والحرام من وجه فهو شبهة (¬2). (فمن اتقى) أي: تحذر من الوقوع في (الشبهات استبرأ) بهمز آخره أي: حصل له البراءة لدينه من الذم الشرعي وصان عرضه (¬3) (لدينه وعرضه) عن كلام الناس فيه، ودينه إشارة إلى ما يتعلق بالله تعالى، وعرضه إشارة إلى ما يتعلق بالناس، أو دينه إشارة إلى الشرع، وعرضه إلى المروءة (ومن وقع في الشبهات) وتجاسر على الوقوع فيها واعتاده أداه ذلك إلى الحرام (وقع في الحرام) رواية: الجرأة (¬4)، كما قيل: المعاصي تسوق إلى الكفر. استدل بعضهم على أن الشبهات حرام أو في حيز الحرام. وقال بعضهم: الشبهات لا نقول (¬5) إنها حلال ولا حرام؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل الشبهات غير الحلال والحرام فوجب أن يتوقف عندها، وهذا من باب الورع (¬6). ¬

_ (¬1) في النسخ الخطية: واحدا. والمثبت موافق لما في "عمدة القاري". (¬2) انظر: "عمدة القاري" 1/ 467، و"معالم السنن" 3/ 49. (¬3) في (ر، ع): عر. وانظر: "عمدة القاري" 1/ 468. (¬4) لم أقف عليها. (¬5) في (ر): تقول. والمثبت هو الموافق لما في "شرح البخاري" لابن بطال. (¬6) انظر: "شرح البخاري" لابن بطال 6/ 165.

[3331] (حدثنا محمد بن عيسى، حدثنا هشيم، أخبرنا عباد بن راشد) البزار، قواه أحمد (¬1). (قال: سمعت سعيد بن أبي خيرة) نسخة: خير بفتح الخاء المعجمة وإسكان المثناة تحت البصري، وثق في "ثقات ابن حبان" (¬2) له عندهم هذا الحديث وهو مرفوع. (قال: حدثنا الحسن منذ أربعين سنة عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال) لي (النبي - صلى الله عليه وسلم - وحدثنا وهب بن بقية) الواسطي، روى له مسلم (أنبأنا خالد) بن عبد الله (عن داود بن أبي هند) دينار مولى عبد الله بن عامر أحد الأعلام الثقات، استشهد به البخاري في كتاب الإيمان في باب: المسلم من سلم المسلمون (¬3). (وهذا لفظه عن سعيد بن أبي خيرة، [عن الحسن] (¬4) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ليأتين) اللام جواب قسم محذوف (على الناس زمان لا يبقى أحد) [من الناس] (¬5) (إلا أكل الربا، فإن لم يأكله) أي: يأكل شيئًا من خالصه (أصابه من بخاره) أصل البخار هو ما يرتفع من الماء عند الغليان كالدخان، والماء لا يغلي إلا بالنار التي توقد تحته، ولما كان المأكول من الربا يعتبر نارًا يوم القيامة يغلي منه دماغ آكله ويخرج منه بخار ناسب أن يحصل ¬

_ (¬1) انظر: "العلل" (2638)، "الجرح والتعديل" 6/ 406. (¬2) 6/ 360. (¬3) (10). (¬4) سقطت من (ر). (¬5) سقطت من (ل).

البخار من أهل الربا والبخار إذا ارتفع انتشر في الجو وأصاب [كل من كان (¬1) حاضرًا وإن لم يكن أكل منه شيئًا (¬2)؛ ولهذا (قال) محمد (بن عيسى) في تفسير البخار (أصابه من غباره) ووجه الشبه بينهما أن الغبار إذا ارتفع من الأرض أصاب كل من كان حاضرًا وإن لم يكن أثاره كما يصيب البخار إذا انتشر من كان حاضرًا وإن لم يتسبب فيه بل كان مارًّا في الطريق، وهذا من معجزاته - صلى الله عليه وسلم - وإخباره عن المغيبات فقل من يسلم في هذا الزمان من أكل الربا حقيقةً فضلًا عن البخار والغبار. وسبب كثرته في هذا الزمان قلة العلم وكثرة الجهل بأحكام الربا ومعرفة أقسامه، فنجد المتدين (¬3) في بيعه يأكل منه وإن لم يعرف أنه ربا ويأثم آكله إذا نسب إلى تقصير، فمن باع واشترى ولم يعرف أحكام الربا أكل الربا شاء أم أبي (¬4). [3332] (حدثنا محمد بن العلاء، أنبأنا) عبد الله (ابن إدريس) بن يزيد الكوفي أحد الأعلام، كان يسلك في كثير من فتياه ومذاهبه مسلك أهل المدينة، وكان بينه وبين مالك صداقة، وقد قيل: إن (¬5) جميع ما يرويه مالك في "الموطأ": بلغني عن علي أنه سمعها من ابن إدريس. ¬

_ (¬1) في (ل): من كل. (¬2) انظر: "فيض القدير" 5/ 346. (¬3) في (ر): المتعين. (¬4) انظر: "شرح مسلم" للنووي 11/ 29. (¬5) في (ر): إنه.

وعن بشر الحافي: ما شرب أحد ماء الفرات فسلم إلا ابن إدريس (¬1). وعن الكسائي (¬2): قال لي الرشيد: من أقرأ الناس؟ فقلت: عبد الله بن إدريس (¬3). (أنبأنا عاصم بن كليب) بن شهاب الكوفي قال أبو عبيد الآجري: قلت لأبي داود: ابن كليب ابن من؟ قال: ابن شهاب الجرمي كان من العباد، وذكر من فضله وأنه كان أفضل أهل الكوفة، استشهد به البخاري في "الصحيح" (¬4)، وروى له في رفع اليدين في الصلاة، وفي الأدب (¬5). (عن أبيه) كليب ابن شهاب (عن رجل من الأنصار) -رضي الله عنهم -، لا يضر جهالة الصحابي فكلهم عدول لا سيما كونه من الأنصار (قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة) فيه خروج الأكابر لتشييع الجنازة (فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على القبر) أي: على رأس حافر القبر (يوصي) بتشديد الصاد وتخفيفها (الحافر) قال شيخنا ابن حجر: رواه أحمد والبيهقي، وكذا وقع فيه: يوصي. بالواو والصاد، وذكر ابن المواق أن الصواب: يرمي. بالراء والميم، وأطال الكلام في ذلك (¬6). (أوسع من قبل رجليه) فيه أن حفر القبر مشروع، وأن الحافر يبدأ في ¬

_ (¬1) انظر: "تذكرة الحفاظ" 1/ 206، "غاية النهاية" 1/ 409. (¬2) في (ر): النسائي. والمثبت من (ل) و"تهذيب الكمال". (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 14/ 297. (¬4) (كتاب اللباس، باب: لبس القسي). (¬5) انظر: "تهذيب الكمال" 13/ 538. (¬6) "التلخيص الحبير" 2/ 296.

الحفر من موضع رجليه قبل موضع رأسه (أوسع من قبل رأسه) قال أصحابنا: يستحب أن يوسع القبر من قبل رأسه ورجليه لهذا الحديث، والمراد يوسعان أكثر من غيرهما (¬1) (فلما رجع) من دفن الميت (استقبله) رجل (داعي) أي: يدعو النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى (امرأةٍ) لوليمةٍ. (فجاء) النبي - صلى الله عليه وسلم - (وجيء بالطعام) يؤخذ منه أن المدعو إلى الوليمة إذا جلس واطمأن به المجلس جيء بالطعام ووضع بين يديه لا كما يفعل في بعض الولائم، بأن يوضح الطعام قبل أن يأتي الضيف (فوضع يده) النبي - صلى الله عليه وسلم - (ثم وضع القوم) أيديهم بعده، فيه أن من آداب الطعام أن لا يضع أحد من الحاضرين يده في الطعام إلا بعد كبير المجلس يده فيه، فأكلوا من الطعام. (فنظر) روي: ففطن (¬2) (آباؤنا) أي: أكابرنا إلى (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وهو (يلوك لقمة في فمه) (¬3) وفي بعض النسخ بالياء، وهو اللغة الفصحى، أي: يعلكها ولا يبتلعها، وفيه جواز نظر من يأكل معه على الطعام لحاجةٍ؛ فإن من آداب الأكل أن لا ينظر إلى من يأكل معه (ثم قال (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إني (أجد (¬4) لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها) وجد أن هذا إما بإخبار لحم الشاة له كما أخبره لحم الشاة المسمومة الذي أهدته له اليهودية [أن الشاة مسمومة] (¬5) فيكون هذا من المعجزات ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع" 5/ 287. (¬2) رواه أحمد 5/ 293 بلفظ: (ففطن له القوم). (¬3) في (ر): قميه. (¬4) في (ر): أخذ. (¬5) في (ر)، و (ل): إلى الشاة مضمومة، والمثبت من (ع) والخبر رواه أبو داود.

الظاهرة وإما بإلهام أو وحي من الله تعالى، فسمعت المرأة التي دعته إلى بيتها بذلك. (فأرسلت المرأة: يا رسول الله، إني أرسلت إلى النقيع) بالنون وهو المرعى، وفي بعضها بالباء الموحدة وأصله الموضع الذي فيه أروم (¬1) الشجر من ضروب شتى، ومنه سمي ببقيع الغرقد (¬2) (يُشترى) بضم أوله مبني للمفعول (لي) منه (شاة) بالرفع نائب عن الفاعل (فلم أجد، فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة) له (أن أرسل) بفتح الهمزة (بها إلى بثمنها) أي: بالثمن الذي اشتريتها به، وقد يستدل به على جواز بيع التولية وهو بيع جديد بالثمن الأول، لكن شرطه على الأصح أن يكونا عالمين بالثمن، فإن كانت الطالبة للمبيع عالمة بما اشتراها به فلا كلام، وإن كانت جاهلة (¬3) فيستدل به على القول المرجوح أنه يصح مع (¬4) الجهل؛ لأن الثمن فيه مبني على ثمن العقد الأول أو الرجوع إليه سهل فصار كطلب الشفيع الشفعة قبل العلم كذا علله الرافعي. (فلم يوجد الجار فأرسلت إلى امرأته فأرسلت بها إلى) فيه أن تصرف المرأة في مال زوجها بما لم تجر (¬5) العادة في التسامح بمثله باطل، وإنما لم يأمرها بالرد إلى مالكها؛ لأن الشاة من المتقومات، فلما تصرفت فيها ¬

_ (¬1) سقطت من (ر). (¬2) انظر: "معجم البلدان" 1/ 473. (¬3) في (ر): جاهلية. والمثبت من (ل). (¬4) في (ر): كبيع. (¬5) في النسخ الخطية: تجري، والجادة المثبت.

بالذبح والطبخ لم يبق للمالك إلا القيمة، وصار هذا الطعام من الشبهات كما بوب عليه المصنف؛ لأنها تصرفت في الشاة بغير إذن مالكها، ولهذا (قال - صلى الله عليه وسلم -: أطعميه الأسارى) بضم الهمزة جمع أسير، وفيه فضيلة الصدقة على الكافر الأسير، وقد مدح الله تعالى من أطعم الأسير في قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8)} (¬1)، وإنما أمرها بالكفار دون المسلمين تنزيهًا (¬2) للمسلمين عن الشبهات، وقد يراد بالأسارى المسجونين في حبس المظالم والجرائم، وفيه الصدقة بما دخل إليه من الشبهات من بيع اضطر إليه ونحوه، وكذا من الحرام إذا لم يعلم صاحبه ولا يدخل هذا في حديث: "حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" (¬3)؛ لأن الآخذ لا يعلم تحريمه وإن كان الأولى دفعه إلى الأسارى كما في الحديث. * * * ¬

_ (¬1) الإنسان: 8. (¬2) في (ر): تنزعها. (¬3) رواه البخاري (13) ومسلم (45) عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-.

4 - باب في آكل الربا وموكله

4 - باب في آكِلِ الرِّبا وَمُوكِلِهِ 3333 - حدثنا أَحْمَدُ بْن يُونُسَ، حدثنا زُهَيْرٌ، حدثنا سِماكٌ، حَدَّثَني عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ قال: لَعَنَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - آكِلَ الرِّبا وَمُوكِلَهُ وَشاهِدَهُ وَكاتِبَهُ (¬1). * * * باب في آكل الربا وموكله [3333] (حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا زهير) بن معاوية بن حديج الجعفي (حدثنا سماك) بن حرب الكوفي (حدثني عبد الرحمن بن عبد الله ابن مسعود، عن أبيه) عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- (قال: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آكل) بمد الهمزة (الربا ومؤكله) بسكون الهمزة بعد الميم، ويجوز إبدالها واوًا أي: ولعن مطعمه لغيره، وسمي آخذ المال آكلًا؛ لأن المقصود منه الأكل وبه أكثر إتلاف الأشياء (وشاهده) بالإفراد، كذا حكاه شيخنا ابن حجر قال: ورواية مسلم (¬2): "وشاهديه" بالتثنية، وللبيهقي (¬3): وشاهديه أو شاهده (¬4) (وكاتبه) هذا تصريح بتحريم كتابة المبايعة بين المترابيين إذا علم ذلك والشهادة عليهما، وفيه تحريم الإعانة على الباطل، زاد مسلم: وقال: "هم سواء" (¬5). ولفظ النسائي: "آكله ومؤكله وكاتبه إذا علموا ذلك ملعونون على لسان محمد - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة" (¬6). * * * ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1597). (¬2) (1597). (¬3) "السنن الكبرى" 5/ 275. (¬4) "التلخيص الحبير" لابن حجر (1133). (¬5) "صحيح مسلم" (1598). (¬6) (5117).

5 - باب في وضع الربا

5 - باب في وضْعِ الرِّبا 3334 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا أَبُو الأَحْوَصِ، حدثنا شَبِيبُ بْن غَرْقَدَةَ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيهِ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في حَجَّةِ الوَداعِ يَقُولُ: " أَلا إِنَّ كلَّ رِبًا مِنْ رِبا الجاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، لَكُمْ رُؤوسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ. أَلا وَإِنَّ كلَّ دَمٍ مِنْ دَمِ الجاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ دَمٍ أَضَعُ مِنْها دَمُ الحارِثِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ". كانَ مُسْتَرْضَعًا في بَني لَيْثٍ فَقَتَلتْهُ هُذَيْلٌ. قالَ: " اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ ". قالُوا نَعَمْ. ثَلاثَ مَرّاتٍ. قالَ: " اللَّهُمَّ اشْهَدْ ". ثَلاثَ مَراتٍ (¬1). * * * باب في وضع الربا [3334] (حدثنا مسدد، حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي مولاهم، روى له الجماعة وكان حديثه نحو أربعة آلاف حديث. (حدثنا شبيب بن غرقدة) بفتح الغين المعجمة والقاف السلمي، روى له الجماعة. (عن سليمان بن عمرو، عن أبيه) عمرو بن الأحوص الجشمي الصحابي (قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع) بفتح الواو (يقول) في خطبته في اليوم الثاني من الفتح (ألا إن (¬2) كل ربا) مقصور، من ربا يربو فيكتب بالألف [وأجاز الكوفيون (¬3) كتابته ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1218). (¬2) من "سنن أبي داود" (3334). (¬3) بعدها في (ع): من. ولا وجه له.

بالياء] (¬1) لسبب الكسرة (¬2) في أوله، وغلطهم البصريون (من ربا الجاهلية موضوع) أي: مردود حكمه على فاعله، فإن تبتم من معاملة الربا (لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون) الغريم بطلب الزيادة على رأس المال (ولا تظلمون) بنقصان رأس المال (ألا) بالتخفيف حرف تنبيه يبتدأ به الكلام ويدل على صحة ما بعده (وإنَّ) فإن قلت: علام عطف الواو؟ قلت: عطفت على مقدر أي: ألا إن الأمر كما تقدم في الربا وأن (كل دم من دم الجاهلية) أي: من دمائهم (موضوع) حكمه إذا لم يتصل به قبض دية ولا قصاص (وأول دم أضع) وهمزته المبدلة من الواو (منها دم الحارث بن عبد المطلب، منها دم) بالنصب مفعول أضع (ربيعة بن الحارث) (¬3) قال المحققون: المراد به: دم إياس بن ربيعة بن الحارث. قال النووي: الصواب (ابن ربيعة) لأن ربيعة عاش بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى زمن عمر. قالوا: وكان هذا الابن المقتول طفلًا صغيرًا يحبو (¬4) بين البيوت فأصابه حجر في حرب بين (¬5) بني سعد وبني ليث بن بكر (¬6). ¬

_ (¬1) في (ر): وأخبار الكوفيون كنيته بالباء. (¬2) في النسخ الخطية: الكثرة. والمثبت من "شرح مسلم" للنووي (11/ 8). (¬3) هكذا في النسخ الخطية. وضبب في (ع) على الحارث بن عبد المطلب)، وهي الرواية. والشارح أدخل مع رواية أبي داود هذه - وهي مشكلة - رواية أخرى دون تمييز. قال الخطابي في "معالم السنن" 3/ 59: وقوله: (دم الحارث بن عبد المطلب) فإن أبا داود هكذا روى، وإنما هو في سائر الروايات (دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب). (¬4) في (ر): عبر. (¬5) سقطت من (ر). (¬6) انظر: "شرح مسلم" 8/ 182 - 183.

وظاهر هذِه الرواية أن ربيعة هو المسترضع في بني سعد الذي قتلته هذيل، وعلى هذِه الرواية يكون جاهليًّا. قال ابن الأثير: والصحيح أنه صحابي، وأن المقتول كان ابنه إياس (¬1) كما تقدم (¬2). وفيه دليل على أنه من سنن الشريعة، أنَّ (¬3) على الإمام الحاكم أن يفيض (¬4) العدل على نفسه وخاصته قبل غيرهم (¬5)، ثمّ يُفيض (¬6) العدل بعد ذلك في الناس، وكذلك العالم الخطيب والواعظ إذا أراد أن يأمر الناس بأمر أن ينظر في أمر نفسه وخاصته فيفعل ذلك فيهم قبل أن يأمر به الناس ليكون ذلك أوقع في قلوب الناس وأنفع في الفضل (¬7)، وهكذا فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لما (¬8) أراد وضع الدماء الواقعة في الجاهلية أول ما بدأ فوضع دم ابن ابن عمه الحارث بن عبد المطلب بن هاشم ابن عبد مناف. (وكان مسترضعًا) [بفتح الضاد] (¬9) أي: رضيعًا (في بني ليث) بن بكر ¬

_ (¬1) هكذا بالأصل ولعل الصواب إياسًا. (¬2) انظر: "أسد الغابة" 2/ 249. (¬3) في (ر): أو. (¬4) في (ر): يقتص. (¬5) في (ر): لغيرهم. (¬6) في (ر): يقتص. (¬7) كذا (ع)، وفي (ر) و (ل): الوضع. (¬8) في (ل): ما. (¬9) سقطت من (ر).

(فقتلته هذيل) هو أبو قبيلة، وهو هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر، وهذا القتل وقع في حرب في الجاهلية كما تقدم. (اللهم هل) يحتمل أن يكون الاستفهام على حقيقته، وأن يكون هل بمعنى قد كقوله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} (¬1) (بلغت) بتشديد اللام أي: رسالتك (قالوا: نعم ثلاث مرات) عائد على الاستفهام وجوابهم (قال: اللهم اشهد) أي: عليهم أني بلغتهم رسالتك (ثلاث مرات) قال ابن بطال: كان يكرر الكلام ثلاثًا إذا خشي أن لا (¬2) يفهم عنه أو أراد الإبلاغ في التعليم أو الزجر في الموعظة، وفيه أن الثلاث (¬3) غاية ما يقع به البيان (¬4) والإعذار (¬5). * * * ¬

_ (¬1) الإنسان: 1. (¬2) سقطت من (ر). (¬3) في النسخ الخطية: الكلام. والمثبت من "شرح البخاري" لابن بطال. (¬4) في النسخ الخطية: الكلام. والمثبت من المصدر السابق. (¬5) انظر: "شرح البخاري" لابن بطال 1/ 173.

6 - باب في كراهية اليمين في البيع

6 - باب في كَراهِيَةِ اليَمِينِ في البَيْعِ 3335 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، حدثنا ابن وَهْبٍ ح وَحَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن صالِحٍ، حدثنا عَنْبَسَةُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابن شِهابٍ قال: قال ابن المُسَيَّبِ: إِنَّ أَبا هُرَيْرَةَ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الحَلِفُ مَنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ مَمْحَقَةٌ لِلْبَرَكةِ". قالَ ابن السَّرْحِ: "لِلْكَسْبِ". وقالَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). * * * باب في كراهية اليمين في البيع [3335] (حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح، حدثنا) عبد الله (ابن وهب. وحدثنا أحمد بن صالح، حدثنا عنبسة) بن خالد الأيلي، روى له البخاري مقرونًا بغيره (عن) عمه (يونس) بن يزيد الأيلي (عن) محمد بن مسلم (ابن شهاب) الزهري (قال: قال لي) سعيد (ابن المسيب: إن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: الحلف) رواية مسلم: "اليمين" (¬2). وفي "مسند أحمد": "اليمين الكاذبة" (¬3) وهي مقيدة لما أطلق في رواية المصنف، وأما اليمين الصادقة ووصف المبيع (¬4) بالصدق فهو المراد بالحديث المتقدم: "البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه (¬5) بالصدقة"، وأما اليمين الكاذبة فهي من خصال ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2087)، ومسلم (1606). (¬2) هكذا في النسخ الخطية، وفي مسلم (الحلف) (1606). (¬3) 2/ 235. (¬4) في (ر): البيع. (¬5) في (ر): فسو.

النفاق وهي تمحق الكسب، فويل للتاجر من: لا والله، وبلى والله، وويل للصانع من: غد وبعد (¬1) غد، وهذا كله لا يزيد في الرزق ولا ينقص منه، فينبغي للتاجر والصانع أن يحترزوا من ذلك ما أمكن (¬2) والله الموفق (منفقة للسلعة، ممحقة للبركة) [الرواية بفتح أولهما وإسكان ثانيهما، بوزن مفعلة، والتاء للمبالغة، فلهذا صح جعلهما] (¬3) خبرًا عن الحلف وهما في الأصل مصدران بمعنى [والمحق، ويروى: منفقة. بضم الميم وفتح النون، وهو ضد الكساد، أي الحلف مظنة للنفاق والمحقة] (¬4) ومحراة بهما اليمين الكاذبة، والمحق النقص، ومنه قوله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} (¬5) أي: ينقص هذا ويزيد هذا، ومنه المحاق في الهلال (¬6)، والمراد بالنفاق والمحاق في الدنيا، وأما في الآخرة فتبعته وعقوبته، فإذا كان الغني بالحلال يؤخر عن دخول الجنة الفقراء بخمسمائة عام، فما ظنك بالغني بالوجه الحرام! فكيف يكون حاله! فهذا هو النقص والمحق العظيمين (وقال) أحمد بن عمرو (ابن السرح) ممحقة (للكسب) الحاصل باليمين الكاذبة دون رأس المال. (وقال: عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) بمعناه. * * * ¬

_ (¬1) في (ر): ويغد. (¬2) في (ر): أمن. وغير واضحة في (ل)، والمثبت من (ع). (¬3) سقطت من (ر). (¬4) من (ع)، وفي (ل، ر): النفاق والمحق. (¬5) البقرة: 276. (¬6) في (ر): الهلاك.

7 - باب في الرجحان في الوزن والوزن بالأجر

7 - باب في الرُّجْحانِ في الوَزْنِ والوَزْن بِالأَجْرِ 3336 - حدثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعاذٍ، حدثنا أَبي، حدثنا سُفْيانُ، عَنْ سِماكِ بْنِ حَرْبٍ، حَدَّثَني سُوَيْدُ بْنُ قَيْسٍ قال: جَلَبْتُ أَنا وَمَخْرَمَةُ العَبْديُّ بَزّا مِنْ هَجَرَ فَأَتَيْنا بِهِ مَكَّةَ فَجاءَنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمْشي فَساوَمَنا بِسَراوِيلَ فَبِعْناهُ وَثَمَّ رَجُلٌ يَزِنُ بِالأجرِ فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "زِنْ وَأَرْجِحْ" (¬1). 3337 - حدثنا حَفْصُ بن عُمَرَ وَمُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ - المعْنَى قَرِيبٌ - قالا: حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ سِماكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ أَبي صَفْوانَ بْنِ عُمَيرَةَ قال: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُهاجِرَ بهذا الحدِيثِ وَلَمْ يَذْكُرْ يَزِنُ بِالأجْرِ. قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ قَيْسٌ كَما قالَ سُفْيانُ والقَوْل قَوْلُ سُفْيانَ (¬2). 3338 - حدثنا ابن أَبي رِزْمَةَ سَمِعْتُ أَبي يقولُ: قال رَجُلٌ لِشُعْبَةَ: خالفَكَ سُفْيانُ. قال: دَمَغْتَني. وَبَلَغَني، عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ قال: كُلُّ مَنْ خالَفَ سُفْيانَ فالقَوْلُ قَوْلُ سُفْيانَ (¬3). 3339 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حدثنا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ قال: كانَ سُفْيانُ أَحْفَظَ مِنّي (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1305)، والنسائي 7/ 284، وابن ماجه (2220)، وأحمد 4/ 352. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3574). (¬2) رواه النسائي 7/ 284، وابن ماجه (2221)، وأحمد 4/ 352. وصححه الألباني. (¬3) قال الألباني: صحيح مقطوع. (¬4) قال الألباني: صحيح مقطوع.

باب في الرجحان في الوزن والوزن بالأجرة نسخة: بالأجر. [3336] (حدثنا عبيد الله) (¬1) بالتصغير (بن معاذ، حدثنا أبي) (¬2) معاذ ابن معاذ العنبري (حدثنا سفيان، عن سماك بن حرب، حدثنا سويد بن قيس) الذهلي (¬3)، ويقال: اسمه مالك بن عميرة بفتح العين وكسر الميم، والأول أشهر، ويقال: هو عبدي من عبد قيس (¬4). (قال: جلبت (¬5) أنا ومخرفة) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء بعدها فاء (العبدي) حليف بني عبد شمس (بزا) (¬6) بفتح الباء، والبز من الثياب أمتعة البزاز (من (¬7) هجر) بفتح الهاء والجيم، قال البكري: الغالب عليها التذكير (¬8) فتنصرف، مدينة باليمن وهي قاعدة البحرين، بينها (¬9) وبين البحرين عشر مراحل (¬10) (فأتينا به (¬11) مكة) ويقال فيها: ¬

_ (¬1) لفظ الجلالة سقط من النسخ الخطية. (¬2) في (ل): عن أبيه. (¬3) لم أجد هذِه النسبة في الكتب التي ترجمت له. (¬4) انظر: "الإصابة" لابن حجر 3/ 228. (¬5) في (ر): حلفت. (¬6) في (ل): بز. (¬7) ساقطة من النسخ الخطية. (¬8) "معجم ما استعجم" 4/ 1406. (¬9) في (ر): بينهما. (¬10) انظر: "عمدة القاري" 15/ 175. (¬11) في (ر): فأتيناه.

بكة. بالباء لغتان والباء والميم يتعاقبان، يقال: سمد (¬1) رأسه وسبده، وضربة لازم ولازب (¬2). (فجاءنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشي) فيه كثرة تواضعه - صلى الله عليه وسلم - بمشيه إلى الأسواق وحده وشرائه حاجته منه (¬3) (فساومنا) بيع سراويل (بسراويل) معرب (¬4) جاء على لفظ الجمع وهو واحد أشبه ما لا ينصرف في معرفة، ولا نكرة (¬5)، وفي حديث أبي هريرة أنه كره السراويل [المخرفجة] (¬6) يعني: الواسعة الطويلة (فبعناه) إياه (¬7) (وثمَّ رجل يزن بالأجر) أي: بالأجرة، رواية الترمذي: وعندي وزان يزن بالأجرة (¬8)، وفيه: دليل على جواز الاستئجار على الوزن وعلى صحته، وفي معناه: الكيل والذرع (¬9) فيما بيع (¬10) تقديرًا وكذا وزن الثمن إن بيع بثمن معين في الذمة، فإن الوزن والكيل والذرع من شروط البيع فإن تراضيا على أن يفعله أحدهما وإلا احتيج إلى من يفعله بينهما بأجرة ¬

_ (¬1) في (ر): سمر. (¬2) انظر: "المطلع على أبواب المقنع" لمحمد بن أبي الفتح البعلي 1/ 241. (¬3) في (ر): منا، وكلمة سوق تذكر وتؤنث، انظر: "المعجم الوسيط" 1/ 465 مادة (سوف). (¬4) في (ر): مغرب. (¬5) في (ر): ولا يكره. وانظر: "الكتاب" لسيبويه 3/ 229. (¬6) انظر: "غريب الحديث" للقاسم بن سلام 4/ 196، "النهاية" لابن الأثير 2/ 67. (¬7) كتب في (ل) على الهامش كلام لم أفهمه. (¬8) "سنن الترمذي" (1305). (¬9) في (ر): الدرع. (¬10) في (ر)، (ل): أبيع والمثبت من (ع).

أو متبرعًا. قال أصحابنا: وأجرة وزان الثمن على المشتري كما أن أجرة وزان السلعة إذا احتيج إليه على البائع وأجرة الكيال على البائع (¬1). وفي أجرة النقاد وجهان: قال في "الروضة": ينبغي أن يكون الأصح أنها على البائع (¬2). قال في "المطلب": وهو الأشبه فيما نظنه. (فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: زن) يحتمل أن يكون الأمر للإباحة كقولك لمن طرق الدار (¬3): ادخل (وأرجح) بفتح الهمزة وكسر الجيم أي: أعطه راجحًا، يقال: رجحه وأرجحه بمعنىً، فيه دليل على استحباب ترجيح المشتري في الوزن (¬4) الثمن، وترجيح البائع في وزن المبيع أو كيله، وعلى جواز الاستنابة في ذلك. وقد استدل به بعض أصحابنا على جواز هبة المجهول. قال: وقد رأيت نص الشافعي في "الأم" مصرحًا بجوازها. ووجه الدليل أن الرجحان هبة وهو غير معلوم القدر، انتهى (¬5). ويدل أيضًا على جواز التوكيل في الهبة المجهولة ويحمل على ما يعتاد في ذلك أو يعلم أن نفس الواهب تطيب به، فإن شك فلا. وقد يجيب المانع (¬6) من الهبة المجهولة عن هذا الحديث بأنه هنا تابع (¬7) ¬

_ (¬1) انظر: "الحاوي الكبير" 5/ 283. (¬2) "روضة الطالبين" للنووي 5/ 178. (¬3) سقطت من (ل). (¬4) هكذا في النسخ، ولعل الصواب: وزن. وهو الموافق لما في "نيل الأوطار". (¬5) انظر: "فيض القدير" للمناوي 14/ 163. (¬6) في (ر): البائع. (¬7) في (ر): بايع.

لمعلوم وزن شيء يجوز تبعًا (¬1) ولا يجوز استقلالًا. [3337] (حدثنا حفص بن عمر ومسلم بن إبراهيم) الفراهيدي و (المعنى قريب قالا: حدثنا شعبة، عن سماك بن حرب، عن أبي صفوان) مالك (بن عميرة) بفتح العين وكسر الميم، وقيل: سويد بن قيس كما تقدم قبله. (قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة قبل أن يهاجر (¬2) بهذا الحديث) وذكر النسائي أن ذلك كان بمنى (¬3) (ولم يذكر) فيه (يزن بالأجر، رواه قيس كما قال سفيان، والقول كما قال سفيان) لأنه ثقة وزيادة الثقة (¬4) مقبولة. [3338] (حدثنا) محمد (ابن أبي رزمة) (¬5) بكسر الراء وسكون الزاي بعدها ميم قال (سمعت أبي) أبا رزمة واسمه عبد العزيز بن غزوان اليشكري ثقة. (يقول: قال رجل لشعبة: خالفك سفيان. قال: دمغتني) وإسكان الغين المعجمة أي: أبطل قولي وأصله من قولهم: رماه فدمغه أي: أصاب دماغه وأبطلت منفعته (وبلغني عن يحيى بن معين) بفتح الميم. (قال: كل من خالف سفيان) يعني: الثوري (فالقول قول سفيان) وفي ¬

_ (¬1) في (ر): بيعًا. (¬2) في (ر): تهاجر. (¬3) "سنن النسائي" (4606). (¬4) في (ر): البيعة. (¬5) كذا في الأصول، وهو خطأ، والصواب محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة، وترتب على هذا الخطأ في اسم أبيه أيضًا حيث قال: أبا رزمة. والصواب عبد بن العزيز بن أبي رزمة. واسم أبي رزمة غزوان. وانظر: "تهذيب الكمال" 18/ 132، 26/ 8.

رواية أخرى: ما خالف أحد سفيان في شيء إلا كان القول قول سفيان (¬1). [3339] (وحدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا وكيع، عن شعبة قال: كان سفيان أحفظ مني) وقال عبد الرحمن بن مهدي: كان وهب يقدم سفيان في الحفظ على مالك (¬2). وقال يحيى بن سعيد القطان: ليس أحد أحب إليّ من شعبة ولا يعدله (¬3) أحد عندي، وإذا خالفه سفيان أخذت بقول سفيان (¬4). قال سفيان بن عيينة: أصحاب الحديث ثلاثة: ابن عباس في زمانه، والشعبي في زمانه، والثوري في زمانه (¬5). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 11/ 166. (¬2) انظر: "تهذيب التهذيب" 4/ 113. (¬3) في (ر): يقدر له. (¬4) انظر: "التاريخ الكبير" للبخاري 4/ 93، "التاريخ الكبير" لابن أبي خيثمة 3/ 22، "الجرح والتعديل" 1/ 63. (¬5) انظر: "تهذيب التهذيب" 4/ 101.

8 - باب في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "المكيال مكيال المدينة"

8 - باب في قوْلِ النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "المِكْيالُ مِكْيالُ المَدِينَةِ" 3340 - حدثنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حدثنا ابن دُكَيْنٍ، حدثنا سُفْيانُ، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ طاوُسٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ والمِكْيالُ مِكْيالُ أَهْلِ المَدِينَةِ" (¬1). قالَ أَبُو داوُدَ: وَكَذا رَواهُ الفِرْيابيُّ وَأَبُو أَحْمَدَ، عَنْ سُفْيانَ وافَقَهُما في المَتْنِ وقالَ أَبُو أَحْمَدَ: عَنِ ابن عَبّاسٍ مَكانَ ابن عُمَرَ وَرَواهُ الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ قالَ: "وَزْنُ المَدِينَةِ وَمِكْيالُ مَكَّةَ". قالَ أَبُو داوُدَ: واخْتُلِفَ في المتْنِ في حَدِيثِ مالِكِ بْنِ دِينارٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في هذا. * * * باب في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: المكيال مكيال المدينة [3340] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا) الفضل (ابن دكين) واسم دكين عمرو بن حماد مولى آل طلحة (حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن حنظلة) بن أبي سفيان الجمحي، ثبت (عن طاوس، عن ابن عمر) رضي الله عنهما (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الوزن) الذي يتعلق به حق زكاة النقدين وغيرهما من الزكوات (وزن أهل مكة) وهي دار الإسلام. قال ابن حزم: بحثت عنه غاية البحث عند (¬2) كل من ¬

_ (¬1) رواه النسائي 4/ 54، وعبد بن حميد (803)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 3/ 288 (1252). وصححه الألباني في "الصحيحة" (165). (¬2) في النسخ الخطية: عن: والمثبت من "المحلى".

وثقت بتمييزه (¬1) وكل اتفق على أن دينار الذهب بمكة وزنه اثنان وثمانون حبة وثلاثة أعشار حبة بالحب من الشعير المطلق (¬2) والدرهم (¬3) سبعة أعشار المثقال فوزن الدرهم (¬4) سبع (¬5) وخمسون حبة وستة أعشار حبة وعشر (¬6) حبة، فالرطل مائة (¬7) وثمانية وعشرون درهمًا بالدرهم المذكور (¬8) (والمكيال) الذي يتعلق به حق زكاة المعشرات وزكاة الفطر (مكيال أهل المدينة) ليكون عند التنازع حكمًا بين الناس يرجع إليه. (وكذا رواه) محمد بن يوسف (الفريابي) بكسر [الفاء وسكون الراء] (¬9) ثم ياء مثناة تحت، وبعد الألف باء موحدة مولى بني ضبة (¬10) محدث قيسارية الشام، روى عنه البخاري (وأبو أحمد) محمد ابن عبد الله بن الزبير الأسدي الكوفي. (عن سفيان وافقهما في المتن، وقال أبو أحمد) محمد (عن ابن عباس مكان ابن عمر) -رضي الله عنهم -. (ورواه الوليد بن مسلم، عن حنظلة) عن طاوس (قال: وزن المدينة ¬

_ (¬1) في (ر): بتمييز لا. (¬2) في (ر): الطلق. (¬3) في (ر): الدراهم. (¬4) سقط من هنا كلمة (المكي) وهي في "المحلى". (¬5) هكذا في "المحلى"، وفي النسخ الخطية: سبعة. والمثبت هو الصواب، والله أعلم. (¬6) في النسخ الخطية زاد هنا كلمة: عشر. والصواب هو المثبت كما في "المحلى". (¬7) زاد هنا في "المحلى": درهم واحدة. (¬8) "المحلى" 5/ 274. (¬9) في (ل) و (ر): بكسر الراء وسكون الفاء، والمثبت من (ع)، وهو الصواب. (¬10) بياض في (ر).

ومكيال مكة) والأول أصح، وكذا رواه البزار واستغربه (¬1)، والنسائي من رواية طاوس (¬2)، عن ابن عمر وصححه ابن (¬3) حبان (¬4) والدارقطني (¬5). (قال أبو داود) المصنف (واختلف في المتن في حديث مالك بن دينار، عن عطاء، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا) قال ابن حجر متع الله ببقائه: قال أبو داود: رواه بعضهم من رواية ابن عباس وهو خطأ، ثم قال: ورواية أبي أحمد الزبيري، عن سفيان، عن حنظلة، عن طاوس، وذكرها الدارقطني في "العلل"، ورواه من طريق أبي نعيم، عن الثوري، عن حنظلة، عن سالم بدل طاوس، عن ابن عباس. قال الدارقطني: أخطأ أبو أحمد فيه (¬6). * * * ¬

_ (¬1) "مسند البزار 11/ 128 (4854) وفيه: "المكيال مكيال أهل مكة والميزان ميزان أهل المدينة. وله كلام طويل عليه فليراجع. (¬2) "سنن النسائي" 5/ 54، 7/ 284 وفيه: "المكيال على مكيال أهل المدينة والوزن على وزن أهل مكة". (¬3) في (ر): أبو. (¬4) "صحيح ابن حبان" 8/ 77 (3283)، وفيه كما عند النسائي. (¬5) "العلل" 13/ 126. (¬6) "التلخيص الحبير" 2/ 175 (852).

9 - باب في التشديد في الدين

9 - باب في التَّشْدِيد في الدَّيْنِ 3341 - حدثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حدثنا أَبُو الأحوَصِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنِ الشَّعْبيِّ، عَنْ سَمْعانَ، عَنْ سَمُرَةَ قال: خَطَبَنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ: "ها هُنا أَحَدٌ مِنْ بَني فُلانٍ؟ ". فَلَمْ يُجبْهُ أَحَدٌ ثمَّ قالَ: "ها هُنا أَحَدٌ مِنْ بَني فُلانٍ؟ ". فَلَمْ يُجبْهُ أَحَدٌ، ثُمَّ قالَ: "ها هُنا أَحَدٌ مِنْ بَني فُلانٍ؟ ". فَقامَ رَجُلٌ فَقال: أَنا يا رَسُولَ اللهِ. فَقالَ - صلى الله عليه وسلم -: "ما مَنَعَكَ أَنْ تُجِيبَني في المَرَّتَيْنِ الأُولَيَيْنِ؟ أَما إِنّي لَمْ أُنَوِّهْ بِكُمْ إِلاَّ خَيْرًا، إِنَّ صاحِبَكُمْ مَأْسُورٌ بِدَيْنِهِ". فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ أَدى عَنْهُ حَتَّى ما بَقيَ أَحَدٌ يَطْلُبُهُ بِشَيء. قالَ أَبُو داوُدَ: سَمْعانُ: ابن مُشَنَّجٍ (¬1). 3342 - حدثنا سُلَيْمانُ بْنُ داوُدَ المَهْريّ، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ، حَدَّثَني سَعِيدُ بْنُ أَبى أَيُّوبَ أنَّهُ سَمِعَ أَبا عَبْدِ اللهِ القُرَشىَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبا بُرْدَةَ بْنَ أَبى مُوسَى الأشعَريَّ يَقُولُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قالَ: "إِنَّ أَعْظَمَ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللهِ أَنْ يَلْقاهُ بِها عَبْدٌ - بَعْدَ الكَبائِرِ التي نَهَى اللهُ عَنْها - أَنْ يَمُوتَ رَجُلٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لا يَدَعُ لَهُ قَضاءً" (¬2). 3343 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُتَوَكِّلِ العَسْقَلانيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ أَبى سَلَمَةَ، عَنْ جابِرٍ قالَ: كانَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لا يُصَلِّي عَلَى رَجُلٍ ماتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَأُتى بِمَيِّتٍ فَقالَ: "أَعَلَيْهِ دَيْنٌ؟ ". قالُوا: نَعَمْ دِينارانِ. قالَ: ¬

_ (¬1) رواه النسائي 7/ 315، وأحمد 5/ 11. وحسنه الألباني. (¬2) رواه أحمد 4/ 392، والروياني في "مسنده" (496)، والبيهقي في "الشعب" 7/ 376. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (1392).

"صَلُّوا عَلَى صاحِبِكُمْ". فَقالَ أَبُو قَتادَةَ الأنصاريُّ: هُما عَلَيَّ يا رَسُولَ اللهِ. قال: فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمّا فَتَحَ الله عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "أَنا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ فَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ قَضاؤُهُ وَمَنْ تَرَكَ مالاً فَلِوَرَثَتِهِ" (¬1). 3344 - حدثنا عُثْمان بْنُ أَبى شَيْبَةَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سِماكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ رَفَعَهُ - قالَ عُثْمانُ: وَحَدَّثَنا وَكِيعٌ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سِماكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ - عَنِ ابن عَبّاسٍ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مثْلَهُ قال: اشْتَرى مِنْ عِيرٍ تَبِيعًا وَلَيْسَ عِنْدَهُ ثَمَنُهُ فَأُربِحَ فِيهِ فَباعَهُ فَتَصَدَّقَ بِالرِّبْحِ عَلَى أَرامِلِ بَني عَبْدِ المُطَّلِبِ وقالَ: لا أَشْتَري بَعْدَها شَيْئًا إِلا وَعِنْدي ثَمَنُهُ (¬2). * * * باب في التشديد في الدين [3341] (حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا أبو الأحوص، عن سعيد بن مسروق، عن الشعبي، عن سمعان) بن مُشَنَّج بضم الميم وكسرها، ويجوز فتحها، وفتح الشين المعجمة وتشديد النون، ثم [جيم، العمري] (¬3) الكوفي (عن سمرة) بن جندب -رضي الله عنه- (قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: هاهنا) فيه حذف همزة الاستفهام تقديره: أهاهنا (أحد من بني فلان؟ ) قال (¬4) المزي (¬5) في "التهذيب": وقع لنا بدلًا عاليًا عن سمعان بن ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5371)، ومسلم (1619). (¬2) رواه أحمد 1/ 235، وابن أبي شيبة 11/ 382، والطبراني في "الأوسط" 5/ 204، والحاكم 2/ 24، والبيهقي 5/ 356. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (4766). (¬3) في (ر): ختم العمرة. (¬4) في (ر): قاله. (¬5) في (ر، ع): المزني. والمثبت من (ل).

مُشَنَّج، عن سمرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى على جنازة، فلما انصرف قال: هاهنا أحد من آل فلان (¬1)؟ (فلم يجبه أحد. ثم قال: هاهنا أحد من بني فلان؟ ) رواية المزي (¬2): فلم يقم أحد حتى قالها ثلاثًا. (فلم يجبه أحد، ثم قال: هاهنا أحد من بني فلان؟ فقام رجل) من الحاضرين (فقال: أنا يا رسول الله. فقال) له (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما منعك أن تجيبني في المرتين) رواية "التهذيب": أن تقوم في المرتين (الأوليين؟ ) بمثناة من تحت مكررة (أما إني لم أُنَوِّهْ) بتشديد الواو المكسورة (بكم) أي: لم أرفع ذكركم (إلا خيرًا) إلا لخير كما في رواية المزي (¬3)، فلما حذف حرف الجر انتصب (خيرًا) يعني: إلا لخير يعود نفعه عليكم. (إن صاحبكم) الذي صليتم عليه (مأسور) أي: محبوس (بدينه) ورواية الحاكم: "حبس على باب الجنة بدين كان عليه" (¬4)، وزاد في رواية: "فإن شئتم فافدوه وإن شئتم فأسلموه إلى عذاب الله عزَّ وجلَّ" (¬5). (قال: فلقد رأيته أدى عنه) دينه الذي كان عليه (حتى ما بقي) بكسر القاف (أحد يطلبه بشيء) رواية المزي في "التهذيب": فلقد رأيت أهله ومن يحزن بأمره قاموا فقضوا ما عليه حتى ما بقي عليه شيء. ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 12/ 136 من طريق الطبراني في "المعجم الكبير" 7/ 178. (¬2) في (ر): الذهبي. (¬3) في (ر): الذهبي. (¬4) "المستدرك" 2/ 25. (¬5) السابق.

ورواية النسائي: عن محمود بن غيلان، عن عبد الرزاق، عن سفيان الثوري، عن أبيه (¬1). قال في "التهذيب": فوقع (¬2) لنا عاليًا بدرجتين (¬3). (قال أبو داود: هو سمعان بن مشنج) [بضم الميم وفتح الشين المعجمة كما تقدم. وقال بعضهم] (¬4): بفتح الميم وكسر الشين فآخره مهملة وهو قول وكيع، والصواب وهو الذي ذكره الذهبي (¬5). [3342] (حدثنا سليمان بن داود المَهري) بفتح الميم (أنبأنا ابن وهب قال: حدثني سعيد بن أبي أيوب) المصري (¬6) ثقة (أنه سمع أبا عبد الله) محمد بن سعيد (القرشي يقول: سمعت أبا بردة) عامر (بن أبي موسى الأشعري يقول: عن أبيه) أبي موسى عبد الله بن قيس -رضي الله عنه-. (عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: إن أعظم الذنوب عند الله) أي: من أعظمها فحذفت (من) وهي مرادة كما يقال: فلان أعقل الناس، ويراد أنه من أعقلهم (أن يلقاه بها عبد) من عبيده (بعد (¬7) الكبائر التي نهى ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" 7/ 315. (¬2) في (ر، ع): فرفع. وفي (ل) غير واضحة. والمثبت من "تهذيب الكمال". (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 12/ 137. (¬4) ما بين المعقوفين سقط من (ر). (¬5) لعله يقصد المزي، فقد ذكره الذهبي في "تذهيب التهذيب" وقال: سمعان بن مشنخ بفتح الشين وتشديد النون والخاء المعجمة 4/ 189 (2622). والله أعلم. (¬6) في (ر): المقرئ. وهو تحريف. (¬7) في (ر): نفذ.

الله) تعالى (عنها) (¬1) كالإشراك بالله تعالى والقتل وشهادة الزور وغيرها (أن يموت الرجل وعليه دين) جملة اسمية دخلت عليها واو الحال (لا يدع) أي: يترك (له قضاء). [3343] (حدثنا محمد بن المتوكل) بن عبد الرحمن (العسقلاني) قال إبراهيم بن الجنيد: عن ابن معين: ثقة، وكان من الحفاظ. (حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة) عبد الله ابن عبد الرحمن (عن جابر -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يصلي على رجل) وفي معناه المرأة (مات وعليه دين) وروي في بعض طرقه: ولم يترك له وفاء (¬2)، وكان هذا في أول الإسلام كما سيأتي، وفي رواية لغيره: فقيل: لم لا تصلي عليه؟ فقال: "ما تنفعه صلاتي وذمته (¬3) مرهونة" (¬4). وإن صلاته شفاعة موجبة للمغفرة، ولم يكن حينئذٍ في الأموال سعة. (فأتي بميت) ليصلي عليه (فقال: أعليه دين؟ قالوا: نعم، ديناران) هكذا رواية أحمد (¬5) والنسائي (¬6) وابن حبان (¬7) في ¬

_ (¬1) في (ر): عنه. (¬2) "مسند أبي عوانة" 3/ 442 (5620). (¬3) في (ر): دينه. (¬4) لم أجده بهذا اللفظ، إنما رواه الطبراني في "الأوسط" (5253) والبيهقي في "الكبرى" (11740) بلفظ: "فَمَا يَنْفَعُهُ أَنْ أصَلِّى عَلَى رَجُلٍ رُوحُهُ مُرْتَهنٌ فِى قَبْرِهِ لاَ تَصْعَدُ رُوحُهُ إِلَى اللهِ". (¬5) "المسند" 22/ 65. (¬6) "سنن النسائي" 4/ 65. (¬7) "صحيح ابن حبان" 7/ 334 (3064).

جميعها أن الدين كان (¬1) دينارين، وفي رواية للبخاري عن سلمة بن الأكوع قال: "فهل عليه دين؟ " قالوا: ثلاثة دنانير (¬2). فيحتمل أنهما قضيتان. وأما رواية الدارقطني والبيهقي: قالوا: نعم، درهمان (¬3). فأسانيدهما ضعيفة، ووقع في "المختصر" بغير إسنادٍ أيضًا: درهمان (¬4). (قال: صلوا على صاحبكم) فيه دليل على صحة صلاة من عليه دين إذا صلاها غيره؛ لأن شفاعة غيره لا توجب المغفرة. (فقال أبو قتادة) الحارث بن ربعي (الأنصاري: هما علي يا رسول الله) وفي رواية للبيهقي قال: "هما عليك حق الغريم؟ " قال: نعم (¬5). فيه دليل على أنه يصح الضمان عن الميت، ومعلوم أنه لا يتصور منه الرضى ففيه دلالة على أن الضمان لا يشترط فيه رضى المضمون لصحة الضمان، ولأنه يجوز أداء دين الغير بغير إذنه، فالتزامه في الذمة أولى بالجواز، ولا فرق بين أن يخلف وفاء أم لا؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يبحث عن ذلك، وهذا مذهب الشافعي، وبه قال مالك وأحمد، وعند أبي حنيفة: لا يصح [إلا إذ خَلَّفَ] (¬6) وفاء أو كان به ضامن وَساعدنا (¬7) ¬

_ (¬1) في (ر): كانوا، وفي (ل): بياض. (¬2) "صحيح البخاري" (2168). (¬3) "سنن الدارقطني" 3/ 79، "سنن البيهقي" 6/ 73. (¬4) "مختصر المزني" 8/ 306. (¬5) "السنن الصغرى" 1/ 532. (¬6) سقطت من (ر). (¬7) بياض في (ر).

فيما إذا ضمن عنه في حياته ثم مات وهو معسر أنه لا يبطل الضمان (¬1). (فصلى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وزاد أحمد (¬2) والدارقطني (¬3) والحاكم (¬4) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي قتادة لما ضمنه: "الآن بردت عليه جلده". وفي رواية: "قبره" (¬5). (فلما فتح الله) تعالى (على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أنا أولى بكل مؤمن) أي: بأمر كل مؤمن ومؤمنة (من نفسه) أي: من ولاية بعضهم لبعض (من ترك) روي "فمن ترك" (دينًا فعلي) (¬6) رواية البخاري من حديث أبي هريرة: "من ترك دينًا أو ضياعًا فليأتني فأنا مولاه" (¬7). والضياع: العيال. (ومن ترك مالاً فلورثته) رواية البخاري: "فأيما (¬8) مؤمن ترك مالاً فليرثه عصبته من كانوا" (¬9). وفي الطبراني "الكبير" من رواية زاذان عن سلمان قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نفدي سبايا المسلمين ونعطي سائلهم. ثم قال: "من ترك مالًا فلورثته، ومن ترك دينًا فعليّ وعلى الولاة من بعدي من بيت ¬

_ (¬1) انظر: "فتح العزيز شرح الوجيز" للرافعي 10/ 358. (¬2) "المسند" 3/ 330. (¬3) "السنن" 3/ 79. (¬4) "المستدرك" 2/ 58. (¬5) نقل المصنف هذا الكلام من "فتح العزيز شرح الوجيز" 2/ 358. (¬6) زاد هنا في المطبوع: قضاؤه. (¬7) "صحيح البخاري" (2269). (¬8) في (ر): فأما. (¬9) المصدر السابق.

المسلمين" (¬1). وفي سنده عبد الغفار (¬2) بن سعيد الأنصاري متروك. [3344] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة وقتيبة بن سعيد، عن شريك، عن سماك، عن عكرمة يرفعه. قال عثمان بن أبي شيبة: حدثنا وكيع، عن شريك، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس) رضي الله عنهما (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله) (¬3) وله شواهد أخر تدل على صحته. (قال: اشترى من عير) بكسر العين المهملة وسكون المثناة هي الإبل (¬4) والدواب تحمل الطعام (¬5) وغيره، توضحه رواية الطبراني في "الكبير": اشترى عيرًا قدمت (¬6). رجاله ثقات، يحتمل أن تكون من زائدة، يحتمل أن التقدير: اشترى شيئا (¬7) من عير (بيعًا) منصوب على المصدر من اشترى. (وليس عنده ثمنه فأُربِح) بضم الهمزة وكسر الباء أي: أعطي فيه ربحًا (فباعه) بذلك الربح، رواية الطبراني في "الكبير" (¬8): فربح منها أواقٍ (¬9) ¬

_ (¬1) في "المعجم الكبير" 6/ 240 (6103). (¬2) هكذا في النسخ الخطية، وفي "المعجم" الغفور. (¬3) في (ر): بمثله. (¬4) في (ر): إبل. (¬5) في (ر): الدواب. (¬6) "المعجم الكبير" 11/ 282 (11743). (¬7) سقطت من (ر). (¬8) إنما هو في "الأوسط" 5/ 204 (5089). (¬9) هكذا في الأصل (أواقٍ)، سبب ذلك أن الرواية في "المعجم الكبير": اشترى عيرًا قدمت فيها أواق من ذهب. كذا فيه! وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" 4/ 110: اشترى عيرًا فربح فيها أواقي من ذهب. فزاد (فربح) والله أعلم بالصواب.

من ذهب. قضاؤه (¬1). (فتصدق بالربح على أرامل) أصله المرأة التي لا زوج لها. قال يعقوب: الأرامل المساكين من رجال ونساء (¬2). وفيه فضيلة الصدقة على النساء الأرامل (بني عبد المطلب) فيه فضيلة الصدقة على الأقارب وذوي الرحم، وأن الصدقة إليهم أفضل من الأجانب؛ لأن فيه فضيلتي الصدقة والصلة (وقال: لا أشتري بعدها شيئًا (¬3) إلا وعندي ثمنه) لأن من اشترى شيئًا بثمن حال وليس عنده ثمنه احتاج إلى المطل المنهي عنه والتسويف بالثمن إلى (¬4) أن يبيع السلعة أو أن يقترض ثمنها، فإذا حصل ربح قبل دفع الثمن كان فيه شبهة لكونه نشأ من فعل لا يسوغ شرعًا ولهذا تصدق بربحه. وذكره (¬5) المصنف في باب التشديد في الدين وناسب أن يذكر بعده. * * * ¬

_ (¬1) هكذا في النسخ الخطية ولم يتبين لي وجهها. (¬2) "إصلاح المنطق" 1/ 232. (¬3) سقط من (ر). (¬4) سقط من (ر). (¬5) في (ر): وذكر.

10 - باب في المطل

10 - باب في المَطْلِ 3345 - حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبي الزِّنادِ، عَنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "مَطْلُ الغَنىِّ ظُلْمٌ وَإِذا أُتْبعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَليءٍ فَلْيَتْبَعْ" (¬1). * * * باب في المطل [3345] (حدثنا القعنبي، عن مالك، عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان. (عن الأعرج، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: مطل) المطل في اللغة المد، تقول: مطلت الحديدة إذا مددتها (¬2) (الغني) القادر على وفاء الدين (ظلم) الظلم: وضع الشيء في غير موضعه (وإذا) أحيل (أتبع) المراد بالإحالة بالدين الحال؛ لأن المطل والظلم إنما يصح فيما حل لا فيما لم يحل، وفيه حجة على أنه لا يكون ظالمًا إلا إذا كان غنيًّا، وأن تسميته ظالمًا توجب إسقاط شهادته [على ما ذهب إليه جماعة من العلماء. وقال بعضهم: لا ترد شهادته] (¬3) إلا أن يكون المطل له عادة (¬4). واختلف الشافعية: هل يجب الأداء مع القدرة من غير طلب صاحب الحق؟ على وجهين، وأما مع القدرة والطلب فلا خلاف (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2287)، ومسلم (1564). (¬2) انظر: "الصحاح" 2/ 1353. (¬3) سقطت من (ر). (¬4) انظر: "الذخيرة" للقرافي 9/ 241 - 242. (¬5) انظر: "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق العيد (ص 372).

ورواية المصنف فالواو في قوله "وإذا أحيل" وفي رواية مسلم وغيره، ورواية الفاء (¬1) صحيحة وهي لأحمد (¬2). وهذا الحديث أصل في الحوالة، وحقيقتها تحول الدين من ذمة إلى ذمة أخرى ويبرأ بها الأول. (أحدكم على مليء) والظاهر أن المراد بالمليء الغني، وهو القادر على الوفاء كما تقدم؛ لأن (¬3) إعادة اللفظ بلفظ (¬4) آخر أبلغ في الفصاحة. (فليتبع) قال الفاكهي: صوابه في التاء السكون، وبعض المحدثين والرواة يقولون بالتشديد. يقول (¬5): تبعت فلانًا بحقي فأنا أتبعه ساكنة التاء، ولا يقال: أتبعه بخفتها وتشديدها إلا من المشي خلفه واتباع أثره (¬6)، والأمر في قوله "فليتبع" محمول على الندب عند الأكثر، وحملها بعضهم على الإباحة، وحملها داود الظاهري على الوجوب؛ لأن الأمر ظاهر فيه (¬7)، ولكن صرفه عنه دليل آخر (¬8). * * * ¬

_ (¬1) في (ر): القاضي في. (¬2) قال ابن حجر في "التلخيص" 3/ 103، وفيه نقل المصنف. لكن قال ابن الملقن في "البدر المنير" 6/ 702: هي رواية البخاري لكنه قال: "فإذا أتبع" بدل: فإذا أحيل". ولكن في "السنن الصغير" للبيهقي 2/ 304 قال: ورواه معلي بن منصور عن أبي الزناد عن أبيه وقال: فإذا أحيل أحدكم على مليء فليحتل". (¬3) في (ل): لكن. (¬4) في النسخ الخطية: (لفظ) والمثبت هو الصواب. (¬5) في (ر): يقولون. (¬6) انظر: "الذخيرة" للقرافي 9/ 241. (¬7) سقطت من (ر). (¬8) انظر: "فتح الباري" 4/ 465.

11 - باب في حسن القضاء

11 - باب في حُسْنِ القضاءِ 3346 - حدثنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسارٍ، عَنْ أَبى رافِعٍ قال: اسْتَسْلَفَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَكْرًا فَجاءَتْهُ إِبِلٌ مِنَ الصَّدَقَةِ فَأَمَرَنى أَنْ أَقْضيَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ فَقُلْتُ: لَمْ أَجِدْ في الإِبِلِ إِلاَّ جَمَلًا خِيارًا رَباعِيًّا. فَقالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَعْطِهِ إيَّاهُ فَإِنَّ خِيارَ النّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضاءً" (¬1). 3347 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حدثنا يَحْيَى، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ مُحارِبِ بْنِ دِثارٍ قالَ: سَمِعْتُ جابِرَ بْنَ عَبدِ اللهِ قالَ: كانَ لي عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - دَيْنٌ فَقَضانى وَزادنى (¬2). * * * باب في حسن القضاء [3346] (حدثنا) عبد الله بن مسلمة (القعنبي، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي رافع) مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويقال: مولى العباس بن عبد المطلب، واسمه أسلم. (استسلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: طلب السلف وهو القرض، ولا يختلف العلماء في جواز سؤاله عند الحاجة ولا نقص على طالبه، ولو كان فيه شيء من ذلك لما استسلف النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنه كان أنزه الناس وأبعدهم عن ذلك. (بَكرًا) بفتح الباء وهو الفتي من الإبل وهو فيها كالغلام في الرجال، والقلوص فيها كالجارية في النساء. (فجاءته إبل من الصدقة) فإن قيل: كيف شغل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذمته بدين ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1600). (¬2) رواه البخاري (443)، ومسلم (715).

وقد قال: "إياكم والدين فإنه شينٌ، الدين هم بالليل وندمة بالنهار" (¬1). والجواب: أن أخذ الدين عند الحاجة وقصد الأداء عند الوجدان (¬2) لا يختلف في جوازه، وقد يجب في بعض الأوقات عند تذكر الضروريات المتعينة. (فأمرني أن أقضي الرجل بكره) فيه جواز التوكيل في قضاء الدين، وعلى جواز قرض الحيوان، وهو مذهب الجمهور، ومنع ذلك الكوفيون، وهذا الحديث الصحيح حجة عليهم واستثنى من الحيوان أكثر العلماء الجواري فمنعوا قرضهن؛ لأنه يؤدي إلى عارية الفروج وأجاز ذلك بعض المالكية بشرط أن يرد غيرها، وأجاز ذلك مطلقًا الطبري والمزني وداود الأصبهاني (¬3). (فقلت: لم أجد في الإبل) القاعدة في العربية أن النكرة إذا أعيدت معرفةً كانت هي عين الأولى؛ كقوله تعالى: {أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} (¬4) وعلى هذا (¬5) فالإبل هنا عائدة (¬6) على إبل النكرة من الصدقة فيكون قضاء الدين من الصدقة [وأجيب عن قضائه ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 2/ 155، والبيهقي في "شعب الإيمان" 7/ 384 بنحوه. (¬2) في (ر): الوجه أن. (¬3) انظر: "المفهم" للقرطبي 4/ 505 - 508. (¬4) المزمل: 15 - 16. (¬5) سقطت من (ر). (¬6) في (ر): عائد.

عنه - صلى الله عليه وسلم - من الصدقة] (¬1) بأن هذا كان قبل أن تحرم عليه الصدقة، وهذا فاسد؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم تزل الصدقة محرمة عليه منذ قدم المدينة، وكان ذلك من خصائصه ومن جملة علاماته في الكتب المتقدمة بدليل قصة سلمان الفارسي؛ فإنه عند قدوم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة جاءه سلمان بتمر وقال: كل. فقال: "ما هذا؟ " فقال: صدقة. فقال لأصحابه: "كلوا". ولم يأكل، وأتاه يومًا آخر بتمر وقال: هدية. فأكل، فقال سلمان: هذِه واحدة، ثم وجد خاتم النبوة فأسلم (¬2)، وقيل: كان استسلفه لغيره ممن كان يستحق أخذ الصدقة فلما جاءت إبل الصدقة دفع منها، وقد استبعد هذا بأنه (¬3) قضاه أَزْيَدَ من القرض من مال الصدقة فكيف يعطى زيادة من مال ليس له ويجعل ذلك من باب حسن القضاء؟ ! (إلا جملاً خيارًا) بكسر الخاء (رباعيا) بفتح الراء وتخفيف الياء، وهو الذي استكمل ست سنين ودخل في السابعة. (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أعطه) بفتح الهمزة (إياه) وفيه دليل على جواز الزيادة في القرض. وأحسن ما قيل عن السؤال المتقدم جوابًا إن شاء الله أن يكون استقرض البكر على ذمته فدفعه لمن أراد فكان عليه قضاؤه، فلما جاءت إبل الصدقة أخذ منها ما هو عليه يغرمه جملًا رباعيًّا ودفعه إلى الذي استقرض منه البكر فكان أداءً عما في ذمته ¬

_ (¬1) سقطت من (ر). (¬2) رواه الحارث بن أبي أسامة في "المسند" كما في "بغية الباحث" (929)، والطبراني 6/ 228 (6073)، والحاكم في "المستدرك" 3/ 602، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (4881). (¬3) في (ر) بأن.

وحسن قضاء بما يملكه مما أخذه على ذمته (¬1). وفيه أن من السنة رد أجود مما عليه. فإن قيل: روى البيهقي في "المعرفة" عن فَضالة بن عبيد موقوفًا بلفظ: كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا (¬2)، ورواه في (¬3) "السنن الكبرى" عن ابن مسعود (¬4) وأبي بن كعب (¬5) وابن عباس (¬6) موقوفًا (¬7) عليهم؛ فالجواب أن هذا محمول على ما إذا كان الزائد الذي فيه جر منفعة مشروطًا في العقد بأن يقول: أقرضتك ألفًا على أن ترد علي أكثر من مالي. وقيل: الزيادة في البدل إنما تحرم إذا كان المقروض مما يجري فيه الربا كالدراهم والدنانير والقمح والشعير وغير ذلك، أما ما لا ربا فيه كالحيوان فلا تضر الزيادة فيه، ولو شرط رد الأجود وهذا قول ابن أبي هريرة وأبي حامد المروزي، وأحسن ما قيل في الجواب إن شاء الله تعالى كما تقدم أن المستقرض إن بدأه بعطية ما هو أجود منه وزائد (¬8) عليه من غير شرط فهو جائز كما في الحديث رواية أبي رافع، وإن رد الزائد عما كان اشترطه عليه حالة ¬

_ (¬1) انظر: "المفهم" 4/ 506 - 507. (¬2) "معرفة السنن والآثار" 8/ 169 (11517). (¬3) في (ر): عن. (¬4) 5/ 350 (11251). (¬5) 5/ 349 (11247). (¬6) 5/ 349 (11249). (¬7) في (ر): مرفوعًا. (¬8) في (ر) و (ل): فايد.

القرض لم يجز، وعليه يحمل حديث فضالة، وفي هذا جمع بين الأحاديث. (فإن خيار الناس) أي من خيرهم كما في رواية الصحيحين (¬1) لما تقدم. (أحسنهم قضاء) هذا هو اللفظ الصحيح البليغ. وقد روي: "أحاسنكم" (¬2) وهو جمع أحسن ذهبوا به مذهب الأسماء كأحمد وأحامد، وقد وقع في "الأم" في بعض طرقه: "محاسنكم" (¬3) بالميم، وكأنه جمع (¬4) مَحْسن، كمَطلع ومطالع، وفيه بُعد، وأحسنها وأصحها الأول (¬5). [3347] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا يحيى) القطان (عن مسعر) بكسر الميم، ابن كدام (عن محارب بن دثار قال: سمعت جابر بن عبد الله قال: كان لي على النبي - صلى الله عليه وسلم - دين فقضاني دَيْني) (¬6) يحتمل أن يكون هذا الدين من الأعيان الربوية كالدراهم ونحوها فدفع إليه نظيره من غير زيادة (و) بعد أن برئت الذمة (¬7) من الدين (زادني) عليه هبة لئلا يشابه الربا في رد الزائد على المقبوض. * * * ¬

_ (¬1) البخاري (2262) ومسلم (1600). (¬2) رواه الترمذي (1316)، وابن ماجه (2423)، وأحمد 2/ 509 عن أبي هريرة. (¬3) رواه مسلم (1601) من حديث أبي هريرة. (¬4) سقطت من (ل) و (ر). والمثبت من "المفهم". (¬5) انظر: "المفهم" 4/ 510. (¬6) ليست في المطبوع. (¬7) في (ر): ذمته. والمثبت من (ل).

12 - باب في الصرف

12 - باب في الصّرْفِ 3348 - حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ مالِكِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عُمَرَ -رضي الله عنه- قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إِلاَّ هاءَ وَهاءَ والبُرُّ بِالبُرِّ رِبًا إِلاَّ هاءَ وَهاءَ والتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلاَّ هاءَ وَهاءَ والشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلاَّ هاءَ وَهاءَ" (¬1). 3349 - حدثنا الحسَن بْنُ عَليٍّ، حدثنا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ، حدثنا هَمّامٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَبي الخلِيلِ، عَنْ مُسْلِمٍ المَكّيِّ، عَنْ أَبى الأشعَثِ الصَّنْعانىِّ، عَنْ عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ تِبْرُها وَعَيْنُها والفِضَّةُ بِالفِضَّةِ تِبْرُها وَعَيْنُها والبُرُّ بِالبُرِّ مُدى بِمُدى والشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ مُدى بمُدى والتَّمْرُ بِالتَّمْرِ مُدى بِمُدى والمِلْحُ بِالمِلْحِ مُدى بِمُدى فَمَنْ زادَ أَو ازْدادَ فَقَدْ أَرْبَى وَلا بَأْسَ بِبَيْعِ الذَّهَبِ بالفِضَّةِ - والفِضَّةُ أكْثرُهُما يَدًا بِيَدٍ وَأَمّا نَسِيئَةً فَلا وَلا بَأْسَ بِبَيْعِ البُرِّ بِالشَّعِيرِ والشَّعِيرُ أكْثَرُهُما يَدًا بِيَدٍ وَأَمّا نَسِيئَةً فَلا". قالَ أَبُو داوُدَ: رَوى هذا الحَدِيثَ سَعِيدُ بْنُ أَبى عَرُوبَةَ وَهِشامٌ الدَّسْتَوائيُّ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسارٍ بإسْنادِهِ (¬2). 3350 - حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبى شَيْبَةَ، حدثنا وَكِيعٌ، حدثنا سُفْيانُ، عَنْ خالِدٍ، عَنْ أَبى قِلابَةَ، عَنْ أَبى الأشعَثِ الصَّنْعانيِّ، عَنْ عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بهذا الخَبَرِ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، وَزادَ قال: فَإذا اخْتَلَفَتْ هذِه الأصنافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذا كانَ يَدًا بِيَدٍ (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2134)، ومسلم (1586). (¬2) رواه مسلم (1587). (¬3) رواه مسلم (1587/ 81).

باب في الصرف [3348] (حدثنا عبد الله بن مَسْلَمَةَ) بن قعنب (القعنبي، عن مالك، عن) محمد (بن شهاب) الزهري (عن مالك بن أوس) بن الحدثان (عن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الذهب بالورق) فيه ثلاث لغات مثل كبد (¬1)، هي الدراهم المضروبة (ربا) أي إذا كان نسيئة وكذا عكسه وهو الورق بالذهب؛ لأن الباء إنما تدخل على الثمن إذا كان العوضان غير نقدين، أما إذا كانا (¬2) نقدين فلا تفاوت في أنهما دخل فيهما الباء فهما سواء في التقديم والتأخير (إلا هاء وهاء) بالمد فيهما وفتح الهمزة، وقيل: بالكسر، وحكي القصر بغير همز، وحكاها الخطابي (¬3) ورد عليه النووي وقال: هي صحيحة لكن قليلة (¬4)، والمعنى: خذ وهات. ويقال: هاءِ بكسر الهمزة بمعنى هات وبفتحها بمعنى خذ. قال الخليل: هاء كلمة تستعمل عند المناولة. والمقصود من قوله: "هاء وهاء" أن يقول كل من المتعاقدين لصاحبه: ها، يتقابضان في المجلس. قال ابن مالك: حقها أن لا تقع بعد إلا كما لا يقع بعدها خذ، قال: فالتقدير: الذهب بالذهب لا يباع إلا مقولًا من المتعاقدين هاء وهاء، واستدل به على اشتراط التقابض في المجلس وهو قول أبي حنيفة ¬

_ (¬1) هي: وَرِق، وَرْق، وِرْق مثل كَبِد، كَبْد، كِبْد. انظر: "لسان العرب" مادة: (ورق). (¬2) في (ر): كان. (¬3) "معالم السنن" 3/ 58، "غريب الحديث" 3/ 24. (¬4) "مسلم بشرح النووي" 11/ 12.

والشافعي، وعن مالك: لا يجوز الصرف إلا عند الإيجاب بالكلام، ولو انتقلا من ذلك الموضع إلى آخر لم يصح تقابضهما، ومذهبه أنه لا يجوز عنده تراخي القبض في الصرف عن الإيجاب والقبول سواء كانا في المجلس أو تفرقا (¬1). (والبر بالبر) بضم الموحدة ثم راء، من أسماء الحنطة (ربا إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء، والشعير) بفتح أوله، معروف، وحكي جواز كسره اتباعًا لما بعده، كما في نظائره (بالشعير ربا إلا هاء وهاء) وقد استدل به على أن التمر والشعير صنفان، وهو قول الجمهور، وخالف في ذلك مالك والليث والأوزاعي فقالوا: هما صنف واحد. وفيه أن الجنس بالجنس لا يجوز بيعه بالنسيئة إلا بالقبض في مجلس العقد (¬2). [3349] (حدثنا الحسن بن علي، حدثنا بشر بن عمر) الزهري (¬3) البصري (حدثنا همام، عن قتادة، عن أبي الخليل) صالح بن أبي مريم (عن مسلم) بن (¬4) يسار، باثنتين من تحت ثم مهملة (المكي) فقيه مكة (عن أبي الأشعث) شراحيل بن آدَةَ (الصنعاني) من صنعاء الشام وكانت قرية بالقرب من دمشق، وهي الآن أرض فيها بساتين غربي دمشق بينها وبين الربوة، وقيل: من صنعاء اليمن، ويحتمل أنه كان من صنعاء ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" 4/ 378. (¬2) انظر: "فتح الباري" 4/ 379. (¬3) هكذا في الأصلين، والصواب (الزهراني). (¬4) في (ر): عن.

اليمن ثم لما قدم الشام سكن صنعاء دمشق (¬1). (عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: الذهب) بالرفع، أي: بيع الذهب (بالذهب) فحذف المضاف للعلم به وأقيم المضاف إليه مقامه والمعنى: الذهب يباع بالذهب، ويجوز النصب، أي: بيعوا الذهب بالذهب (تبرها) بالرفع بدل مما قبله، ويجوز فيه النصب كما تقدم، وهو قطع الذهب قبل أن يضرب دنانير، قال الجوهري: التبر ما كان من الذهب غير مضروب، وإذا ضرب دنانير فهو (عينها) (¬2) ولا يقال تبر إلا للذهب (¬3). [وبعضهم: للفضة أيضًا: تبر (والفضة بالفضة تبرها) أي: ما كان غير مضروب من الفضة، وفيه رد لما تقدم عن الجوهري أن التبر لا يقال إلا للذهب] (¬4) وحكاه عن بعضهم. (وعينها) يعني المضروب من الفضة دراهم (والبر بالبر) يباع (مدى) بضم الميم مكيال معروف ببلاد الشام وغيرها تسع نيفًا وأربعين رطلًا وأكثر (بمدى (¬5)، والشعير بالشعير مدى بمدي والتمر) بفتح التاء المثناة (بالتمر مدى بمدي والملح بالملح) الظاهر أن المراد بالملح المنعقد من الماء وهو ملح العجين لا الملح الداراني، ويقال: داراني، وهو الطبرزد يجلب من قرية يقال لها: دارا وقيل: درا (¬6). فإنه يوزن ولا يكال (مدى بمدي) أي مثل بمثل (فمن زاد) غيره في البيع على المثل (أو ازداد) من غيره، والدال مبدلة من تاء افتعل (فقد أربى) قال ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 12/ 408. (¬2) في (ر): عقبها. (¬3) "الصحاح" 2/ 600. (¬4) سقطت من (ر). (¬5) في (ر): بمد. (¬6) في (ر): دارا.

النووي: معناه فقد فعل الربا المحرم فدافع الزيادة وآخذها عاصيان مربيان؛ لأنه إما آكل أو مؤكل (¬1). (ولا بأس ببيع الذهب بالفضة) والفضة بالذهب (والفضة) بالرفع مبتدأ (أكثرهما) خبر المبتدأ والجملة اسمية في محل نصب على الحال، أي: والفضة أكثر من الذهب بشرط أن للبيع بقاء (يدًا بيد) فيدًا منصوب على الحال، والقاعدة في الحال أن يكون مشتقًّا، وإنما جاز وقوعه جامدًا وهو يد لأن يدًا وإن كانت جامدة فهي مؤولة بالمشتق تأويلًا غير متكلف، والتقدير في نعته يدًا بيد أي مناجزة. (وأما نسيئة) بالنصب، والواو عاطفة على مقدر، أي: بيع الذهب بالفضة، أما في حال كونه يدًا بيد وهو المنجز فلا بأس به، وأما في حال كونه نسيئةً (فلا) يجوز، والمقصود أن بيع النقد بالنقد أو المطعوم بالمطعوم أن أبيع بجنسه كالفضة بالذهب والبر بالشعير اشترط التقابض في المجلس يدًا بيد، ولا يجوز نسيئة بل يشترط الحلول ويجوز الزيادة (ولا بأس ببيع البر بالشعير) والشعير بالبر (والشعيرُ أكثرُهما) أي: أكثر من القمح كما تقدم (يدًا بيد، وأما) بيعهما (نسيئة) (¬2) وهو التأخير في الأجل (فلا) يجوز، كما تقدم. (قال أبو داود: روى هذا الحديث سعيد بن أبي عروبة) واسمه مهران العدوي (وهشام الدستوائي، عن قتادة، عن مسلم بن يسار) بمثناة ثم مهملة [الهلالي، مولى ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، أخو عطاء بن يسار ¬

_ (¬1) انظر: "شرح مسلم" 11/ 13. (¬2) في (ر): بالنسبة. والمثبت من سنن أبي داود (3349).

وعبد الملك بن يسار وعبد الله بن يسار] (¬1) (بإسناده) المتقدم. [3350] (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن خالد، عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي. (عن أبي الأشعث) شراحيل بن أَدَّةَ -بفتح الهمزة وتشديد الدال المهملة- وآدَةَ بالمد وتخفيف الدال (¬2) (الصنعاني) فيه ما تقدم. (عن عبادة بن الصامت، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا الخبر) المتقدم (يزيد) فيه (وينقص و) مما (زاد) فيه و (قال: إذا اختلفت هذِه الأصناف فبيعوا) فيه دليل ظاهر على أن البر والشعير صنفان، وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة وفقهاء المحدثين. وقال مالك والليث والأوزاعي ومعظم علماء المدينة والشام من المتقدمين (¬3) أنها جنس واحد، وهو محكي (¬4) عن عمر وسعيد (¬5) وغيرهما من السلف (¬6) (كيف شئتم) يعني: الذهب والفضة والقمح مع الشعير كيف أردتم يعني سواءً ومتفاضلًا بشرط الحلول والتقابض في المجلس (إذا كان يدًا بيد) أي منجزًا في المجلس كما تقدم (¬7). * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفين ليس من نسب مسلم بن يسار إنما هو لعطاء بن يسار وليسا أخوين كما قال المصنف رحمه الله فلعله اشتبه عليه، وانظر: "تهذيب الكمال" ترجمة عطاء ابن يسار 20/ 125. (¬2) انظر: "جامع الأصول" 12/ 505. (¬3) في (ر): النقدين. (¬4) في (ر): يحكى. (¬5) في (ل): سعد. والمثبت من (ر) و"شرح مسلم". (¬6) "شرح مسلم" للنووي 11/ 13. (¬7) المصدر السابق 11/ 16.

13 - باب في حلية السيف تباع بالدراهم

13 - باب في حِلْيَةِ السَّيْفِ تُباعُ بِالدَّراهمِ 3351 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ قالُوا: حدثنا ابن المُبارَكِ، ح وَحَدَّثَنا ابن العَلاءِ، أَخْبَرَنا ابن المُبارَكِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ، حَدَّثَني خالِدُ بْن أَبى عِمْرانَ، عَنْ حَنَشٍ، عَنْ فَضالَةَ بْنِ عُبَيدٍ قال: أُتي النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عامَ خَيْبَرَ بِقِلادَةٍ فِيها ذَهَبٌ وَخَرَزٌ - قالَ أَبُو بَكْرٍ وابْنُ مَنِيعٍ: فِيها خَرَزٌ مُعَلَّقَةً بِذَهَبٍ - ابْتاعَها رَجُلٌ بِتِسْعَةِ دَنانِيرَ أَوْ بِسَبْعَةِ دَنانِيرَ فَقالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا حَتَّى تُمَيِّزَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ". فَقال: إِنَّما أَرَدْتُ الِحجارَةَ فَقالَ النَّبىُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا حَتَّى تُمَيِّزَ بَيْنَهُما". قال: فَرَدَّهُ حَتَّى مُيِّزَ بَيْنَهُما. وقالَ ابن عِيسَى: أَرَدْتُ التِّجارَةَ. قالَ أَبُو داوُدَ: وَكانَ في كِتابِهِ: الحِجارَةُ فَغيَّرَهُ فَقال: التِّجارَةَ (¬1). 3352 - حدثنا قُتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ، حدثنا اللَّيْثُ، عَنْ أَبي شُجاعٍ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ خالِدِ بْنِ أَبي عِمْرانَ، عَنْ حَنَشٍ الصَّنْعانيِّ، عَنْ فَضالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قال: اشْتَرَيْتُ يَوْمَ خَيْبَرَ قِلادَةً بِاثْنَى عَشَرَ دِينارًا فِيها ذَهَبٌ وَخَرَزٌ فَفَصَّلْتُها فَوَجَدْتُ فِيها أكثَرَ مِنَ اثْنَى عَشَرَ دِينارًا فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقالَ: "لا تُباعُ حَتَّى تُفَصَّلَ" (¬2). 3353 - حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا اللَّيْث، عَنِ ابن أَبي جَعْفَرٍ، عَنِ الجلاحِ أَبي كَثِيرٍ، حَدَّثَني حَنَشٌ الصَّنْعانيُّ، عَنْ فَضالَةَ بْنِ عُبَيدٍ قالَ: كُنّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ خَيْبَرَ نُبايعُ اليَهُودَ الأُوقيَّةَ مِنَ الذَّهَبِ بِالدِّينارِ. قالَ غَيْرُ قُتَيبَةَ: بِالدِّينارَيْن والثَّلاثَةِ. ثُمَّ اتَّفَقا فَقال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا ¬

_ (¬1) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 72 (5794)، والدارقطني في "سننه" 3/ 3 (1). وصححه الألباني في "الإرواء" (1356). (¬2) رواه مسلم (1591).

تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلاَّ وَزْنًا بِوَزْنٍ" (¬1). * * * باب في حلية السيف تباع بالدراهم [3351] (حدثنا محمد بن عيسى) بن نجيح (وأبو بكر بن أبي شيبة، وأحمد بن منيع قالوا: حدثنا) عبد الله (ابن المبارك، عن سعيد بن يزيد) الحميري، من رواة مسلم. (قال: حدثني خالد بن أبي عمران) التجيبي قاضي إفريقية. (عن حنش) بفتح الحاء المهملة والنون وشين معجمة، ابن عبد الله السبائي (¬2)، نزل إفريقية. (عن فَضالة بن عُبَيد) بضم العين مصغرًا ابن نافذ بالنون والفاء والذال المعجمة الأنصاري، أول مشاهده أحد ثم ما بعدها وحضر بيعة العقبة. (قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - عام خيبر) أي: يوم خيبر، كما سيأتي في الرواية الثانية، وفي رواية النسائي: بخيبر (¬3) (بقلادة فيها ذهب وخرز) وفي رواية مسلم: بقلائد فيها خرز وذهب من المغانم تباع، وفي رواية لمسلم أيضًا عن حنش: كنا مع فضالة بن عبيد في غزوة فصارت لي ولأصحابي قلادة فيها ذهب وورق وجوهر، فأردت أن أشتريها، قال: فسألت ابن عبيد (¬4) ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1591/ 89). (¬2) في (ل) و (ر): الشيباني، وهو خطأ. والمثبت من "تهذيب الكمال" 7/ 429. (¬3) سقطت من (ر)، وفي "سنن النسائي" اشتريت يوم خيبر (4587) والرواية التي فيها (بخيبر) عند مسلم (1591). (¬4) هكذا بالأصل، وفي مسلم (1591) فضالة بن عبيد.

فقال: انزع ذهبها فاجعله في كفة، واجعل ذهبًا (¬1) في كفة ثم لا تأخذن إلا مثلًا بمثل (¬2). (قال أبو بكر) بن أبي شيبة (و) أحمد (بن منيع) بقلادة (فيها خرز معلقة بذهب) بالعين المهملة المفتوحة والقاف، كذا ضبطه ابن النويك (¬3). وقال ابن معن (¬4): يروى بالقاف، ويروى: مغلفة بالغين المعجمة والفاء (¬5) (ابتاعها رجل بتسعة) بتقديم المثناة على السين (دنانير، أو بسبعة) بتقديم السين على الموحدة. (دنانير) الشك من الراوي، وفي الكلام حذف تقديره: فسئل عن جواز هذا البيع أو ما في معناه. (فقال: لا) أي لا يجوز أو لا يصح، ثم بين الكيفية التي يصح البيع فيها فقال (حتى تميز) بضم تاء المخاطب أوله وتشديد الياء المكسورة بعد الميم، ورواية مسلم: لا تباع حتى تُفَصَّل كما في الرواية الآتية. وهذا الحديث معتمَد أصحابنا في القاعدة المترجمة بمد عجوة ودرهم (¬6). ¬

_ (¬1) هكذا في الأصل وفي مسلم (ذهبك). (¬2) (1591). (¬3) هكذا في "المجموع"، وفي الأصل (الثوري) وهو خطأ. (¬4) في الأصل (معين). والمثبت من "المجموع". (¬5) انظر: "المجموع" للنووي 10/ 240. (¬6) انظر: "المجموع" 10/ 240.

قال الشافعي في باب الصرف من "الأم": وإذا كانت الفضة مقرونة بغيرها خاتمًا فيه فص أو (¬1) فضة أو حلية السيف أو مصحف أو سكين فلا يشترى بشيء من الفضة قل بحال أو كثر؛ لأنها حينئذٍ فضة بفضة مجهولة (¬2) القيمة والوزن، وهكذا الذهب. ولكن [إذا كان الفضة مع سيفٍ اشتري بذهب، وإن كان فيه ذهبٌ اشتري] (¬3) بفضة، وإن كان فيه ذهب وفضة لم يشتر بذهب ولا فضة، واشتري بالعرض (¬4). قال الربيع: وفيه قول آخر: أنه لا يجوز أن يشترى شيء (¬5) فيه (¬6) فضة مثل مصحف، أو سيف، وما أشبهه بذهب ولا ورق؛ لأن في هذِه البيعة صرفا وبيعا (¬7) لا يدرى كم حصة البيع من حصة الصرف، والله أعلم (¬8). قال السبكي: وأول (¬9) ما يعتنى (¬10) به في المسألة أصلان: أحدهما: أن الجهل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة، ويشهد له النهي ¬

_ (¬1) سقطت من الأصل وأثبتها من "الأم". (¬2) في الأصل: مجهول. والمثبت من "الأم". (¬3) ما بين المعكوفين سقط من (ر). (¬4) هكذا في "الأم" وفي (ر): بالعروض. (¬5) هكذا في "الأم" وفي (ر): بشيء. وهو تحريف. (¬6) سقطت من (ر). (¬7) هكذا في "الأم"، وفي الأصل: صرف وبيع. (¬8) انظر: "الأم" 4/ 61 - 62. (¬9) في الأصل: وأصل. والمثبت من "المجموع". (¬10) في (ر): نفسي. والمثبت من (ل)، وما أثبتناه من "المجموع" 10/ 327.

عن بيع الصبرة بالصبرة لا يعلمان كيلها، ومنع بيع التمر بالرطب خرصًا في غير العرايا. قال ابن السمعاني: وتخرج المسألة على أن الأصل عندنا في مسائل الربا (¬1)، وهي أن الأصل في بيع (¬2) هذِه الأموال بعضها ببعض الحظر (¬3) إلا أنه يتخلص عن الحظر بالبيع على وجه مخصوص، وإذا لم يوجد ذلك الأصل بقي محظورًا (¬4) تمسكًا بالأصل. والأصل الثاني: أنَّ (¬5) اختلاف العوضين من الجانبين أو أحدهما يوجب اعتبار القيمة وتوزيع الثمن عليهما بالقيمة (¬6) يوم العقد لدليلين: أحدهما: العرف، فإن التجار يقصدون بالشراء التثمين (¬7). والثاني: من حيث الحكم كما إذا باع عبدًا وثوبًا ثم خرج أحدهما مستحقًّا، فإنه (¬8) يرجع (¬9) بقيمة (¬10) المستحق من الثمن، لا بنصف الثمن (¬11) (بينه وبينه) أي: بين الذهب والخرز (فقال) المشتري (إنما ¬

_ (¬1) في (ر): الرويا. (¬2) سقطت من (ل). والمثبت من (ر). (¬3) هكذا في "المجموع" وفي الأصل (الحظرية). (¬4) هكذا في "المجموع" وفي (ل) و (ر): محظور. (¬5) هذِه الزيادة من "المجموع" 10/ 328. (¬6) سقطت من (ر). (¬7) سقطت من (ر). والمثبت من (ل). (¬8) في الأصل (فإن). والمثبت من "المجموع". (¬9) سقطت من الأصل. والمثبت من "المجموع". (¬10) في الأصل: بقية. والمثبت من "المجموع". (¬11) "المجموع" 10/ 244 - 245.

أردت) في [الشرى (الحجارة] (¬1) فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا) تشتر (حتى تميز بينهما) فيه إشارة إلى أن (¬2) القصد والإرادة لا تعتبر مع مخالفة العلل الشرعية، فإذا كانت (¬3) العلة المؤثرة في صحة البيع هي التمييز بين الرديء وغيره، فلا اعتبار لقصده وإرادته. (قال: فرده) أي رد حكم البيع وأبطله (حتى ميز (¬4) بينهما) واعلم أن العلة المؤثرة ليست هي التمييز فقط حتى إنه لو ميز الذهب عن الخرز وباعهما بذهب لم (¬5) يصح البيع عند الشافعية للقاعدة المتقدمة [أن الجهل بالمماثلة] (¬6) كحقيقة المفاضلة (¬7) فلابد إن ميز بينهما أن يبيع الذهب الذي مع الخرز بمثله (¬8) من الثمن، لقوله - صلى الله عليه وسلم - في آخر الرواية التي بعدها: "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزنًا بوزن" ولما تقدم. (وقال) محمد (ابن عيسى) إنما (أردت التجارة. قال أبو داود: وكان في [كتاب ابن عيسى] (¬9) الحجارة فغيره) حين بلغه خلاف ما في كتابه (فقال) إنما أردت (التجارة) قال البيهقي: هذا الاختلاف لا يوجب ¬

_ (¬1) في (ر): الشراء التجارة. (¬2) غير موجودة في الأصل والسياق يقتضيها. (¬3) في (ر): كان. (¬4) في (ر): يميز. والمثبت من (ل) والمطبوع (3351). (¬5) في (ر): لا. (¬6) في (ر): بالجهل المماثلة. (¬7) في (ر): الفاصلة. (¬8) في (ر): كيله. (¬9) في (ر): كتابنا كتاب عيسى.

ضعف الحديث (¬1). [3352] (حدثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي (حدثنا الليث، عن أبي شجاع) واسمه (سعيد بن يزيد) المصري ثقة (عن خالد بن أبي عمران) التجيبي. (عن حنش الصنعاني، عن فضالة) بفتح الفاء (بن عبيد) بالتصغير ابن [نافذ] (¬2) بن قيس بن صهيب بن جحجبا -بفتح الجيمين بينهما حاء مهملة ساكنة ثم باء موحدة - ابن كُلْفَةَ (¬3) بضم الكاف وإسكان اللام - بن عوف ابن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري العمري، بضم العين وسكون (¬4) الميم، وأمه (¬5) عمرة (¬6) بنت محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجُلَاح بن جحجبا المذكور، تولى فضالة القضاء بدمشق لما مات أبو الدرداء ومات بها في خلافة معاوية، وله عقب (¬7). (قال: اشتريت يوم خيبر قلادة باثني) بسكون الياء (¬8) المثناة تحت ¬

_ (¬1) انظر: "السنن الكبرى" للبيهقي 5/ 293. (¬2) في (ل) و (ر): نافع والمثبت موافق لما في "الإصابة" لابن حجر 5/ 371. (¬3) في (ل) و (ر): كلبة. والمثبت من "الإصابة". (¬4) في (ر): إسكان. (¬5) في (ل): فأمه. والمثبت من (ر). (¬6) هكذا في الأصل، وفي "الإصابة" (عقبة)، وفي "تاريخ دمشق" لابن عساكر 75/ 80 و"المجموع" للنووي 10/ 237 (عفرة)، وفي "طبقات خليفة" ص 153 (سحيمة)، والله أعلم بالصواب. (¬7) انظر: "الطبقات الكبرى" لابن سعد 10/ 398. (¬8) في (ر): التاء.

(عشر دينارًا) هكذا رواية مسلم (¬1) والترمذي (¬2) (فيها ذهب وخرز) وفي بعض طرقه: ذهب وجوهر (¬3) (ففصلتها) بتشديد الصاد، هكذا رواية النسائي (¬4) ولم يعين فيها الثمن. قال البيهقي في كتاب "السنن الكبير": سياق هذِه الأحاديث مع عدالة رواتها تدل على أنها كانت بيوعًا شهدها فضالة كلها والنبي - صلى الله عليه وسلم - ينهى عنها فأداها كلها، وحنش الصنعاني أداها متفرقًا (¬5). وقد رام الطحاوي دفع هذِه الروايات بما حصل فيها من الاختلاف قال: وقد اضطرب علينا حديث فضالة الذي ذكرنا، وقد يجوز أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصَّل الذهب لأن صلاح المسلمين كان في ذلك ففعل ما فيه صلاحهم لا لأن بيع الذهب قبل أن ينزع من غيره في صفقة (¬6) واحدة غير جائز (¬7). قال السبكي: وليس ذلك باضطراب (¬8) قادح، ولا ترد الأحاديث (¬9) الصحيحة بمثل هذِه الاحتمالات (¬10). انتهى. ¬

_ (¬1) (1591). (¬2) (1255). (¬3) رواها الطبراني 18/ 315 (814). (¬4) 7/ 279. (¬5) انظر: "السنن الكبرى" 5/ 293. (¬6) في (ر): صفته. (¬7) انظر: "المجموع" للنووي 10/ 239. (¬8) في الأصل (اضطراب). والمثبت من "المجموع". (¬9) زاد بعده في (ر): هذِه الأحاديث. (¬10) "المجموع" 10/ 239.

وهذا الاختلاف لا يوجب ضعفًا، بل المقصود من الاستدلال مضبوط لا اختلاف فيه (¬1)، وهو النهي عن البيع ما لم يفصل (¬2)، وأما جنسها وقدر ثمنها فلا يتعلق به في مثل هذِه الحالة (فوجدت فيها أكثر من اثني عشر دينارًا) اعتضدت الحنفية بهذِه الرواية أنه فصلها فوجد فيها اثني عشر دينارًا، على أن الذهب الذي وجد في القلادة أكثر من الذهب الذي هو الثمن، وهو سبعة دنانير أو تسعة دنانير، وأن هذا هو الموجب لرده، وقد تقدم الجواب بأنهما قضيتان (¬3)، وأيضا فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستفصل، وأناط المنع بوصف وهو عدم التمييز، فدل على أنه هو العلة لا غيرها (¬4). وحمله على أن الذهب فيها كان أكثر من الذهب الذي هو ثمن بعيد. ومذهب أبي حنيفة أن كل شيء محلى بفضة أو ذهب فجائز بيعه بنوع ما فيه من ذلك إذا كان الثمن أكثر مما في المبيع (¬5) من (¬6) الفضة أو الذهب، ولا يجوز بمثل ما فيه من ذلك ولا بأقل، ولابد من قبض بيع الذهب أو الفضة من الثمن قبل التفرق، ويجوز أن يباع مد عجوة ودرهم بمدي عجوة وشبهه. وقال: يكون المد في مقابلة المد، والمد الآخر في مقابلة الدرهم. ¬

_ (¬1) سقطت من (ر). (¬2) في (ر): يتصل. (¬3) هكذا في الأصل، وفي "المجموع" (قصتان). (¬4) هكذا في الأصل، وفي "المجموع" (غيره). (¬5) في (ل) و (ر): البيع، والمثبت موافق للمجموع. (¬6) في (ر): عن. والمثبت من (ل).

حتى قال: لو باع مائة دينار بدينار في خريطة مع الخريطة جاز، ويكون دينار من المائة في مقابلة الدينار، وبقيتها في مقابلة الخريطة (¬1). (فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: لا تباع حتى تفصل) وهو صريح في العلة في رد البيع عدم التفضيل، كما تقدم، واعتبر مالك الثلث على قاعدته في مسائل فقال: إن كانت فضة القلادة أو ذهبها يقع في الثلث من قيمتها مع الخرز وأقل، جاز بيع ذلك بنوعه بأكثر مما فيه، ومثله وأقل نقدًا، ولا يجوز نسيئة، وإن كان أكثر من الثلث لم يجز أصلا (¬2). [3353] (ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا (¬3) الليث، عن) عبيد الله بالتصغير (بن أبي جعفر) المصري (¬4) ثقة، عالم عابد زاهد (عن الجُلاح) بضم الجيم (أبي كثير) المصرى (¬5)، من رجال مسلم، قُبِضَ بالإسكندرية قال: (حدثني حنش الصنعاني، عن فضالة بن عبيد قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر نُبايع) بضم النون (اليهود الأوقية من الذهب) قال النووي: وقع هنا في النسخ: الوُقِيَّة الذهب، وهي لغة قليلة، والأشهر: الأوقية بضم الهمزة في أوله (¬6). (بالدينار، قال غير قتيبة) بن سعيد (بالدينارين والثلاثة) قال النووي: يحتمل أن مراده كانوا يتبايعون الأوقية من الذهب وخرز وغيره بدينارين ¬

_ (¬1) "المجموع" للنووي 10/ 257. (¬2) في (ر): إصلاحه، وانظر "المجموع" 10/ 256. (¬3) في (ر): بن. (¬4) في (ل) و (ر): البصري. والمثبت من "تهذيب الكمال" 19/ 18. (¬5) في (ل) و (ر): البصري. والمثبت من "تهذيب الكمال" 5/ 177. (¬6) انظر: "شرح مسلم" 11/ 19.

أو ثلاثة، (¬1) والأوقية وزن أربعين (¬2) درهمًا، ومعلوم أن أحدًا لا يبتاع (¬3) هذا القدر من ذهب خالص بدينارين أو ثلاثة، وهذا سبب مبايعة الصحابة على هذا الوجه ظنوا جوازه لاختلاط الذهب بغيره، فبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه حرام (¬4) (ثم اتفقا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تبيعوا الذهب بالذهب) حتى تميزوا الذهب من غيره، ولا تبيعوا الذهب بالذهب (إلا وزنًا بوزن) أي موزونًا بوزن مثله على التساوي. * * * ¬

_ (¬1) زاد هنا في "شرح مسلم" (وإلا فالأوقية). (¬2) في (ل) و (ر): أربعون. والمثبت من "شرح مسلم". (¬3) في الأصل (يبيع). والمثبت من شرح النووي. (¬4) "شرح مسلم" للنووي 11/ 19.

14 - باب في اقتضاء الذهب من الورق

14 - باب في اقتِضاء الذّهَبِ مِنَ الوَرِقِ 3354 - حدثنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ - المعْنَى واحِدٌ - قالا: حدثنا حَمّادٌ، عَنْ سِماكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قالَ: كُنْتُ أَبِيعُ الإِبِلَ بِالبَقِيعِ فَأَبِيعُ بِالدَّنانِيرِ، وَآخُذُ الدَّراهِمَ وَأَبِيعُ بِالدَّراهِمِ وَآخُذُ الدَّنانِيرَ آخُذُ هذِه مِنْ هذِه وَأُعْطْي هذِه مِنْ هذِه فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ في بَيْتِ حَفْصَةَ فَقلْت: يا رَسُولَ اللهِ رُوَيْدَكَ أَسْألُكَ إِنِّي أَبِيعُ الإِبِلَ بِالبَقِيع فَأَبِيعُ بِالدَّنانِيرِ وَآخُذُ الدَّراهِمَ وَأَبِيعُ بِالدَّراهِمِ وَآخُذُ الدَّنانِيرَ آخُذُ هذِه مِنْ هذِه وَأُعْطْي هذِه مِنْ هذِه. فَقالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَها بِسَعْرِ يَوْمِها ما لَمْ تَفْتَرِقا وَبَيْنَكُما شَيء" (¬1). 3355 - حدثنا حُسَينُ بْنُ الأسوَدِ، حدثنا عُبَيْدُ اللهِ، أَخْبَرَنا إِسْرائِيلُ، عَنْ سِماكٍ بإسْنادِهِ وَمَعْناهُ والأوَّل أَتَمُّ لَمْ يَذْكُر: "بِسِعْرِ يَوْمِها" (¬2). * * * باب في اقتضاء الذهب من الورق [3354] (حدثنا موسى بن إسماعيل، ومحمد بن محبوب، المعنى واحد، قالا: حدثنا حماد، عن سماك بن حرب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر) -رضي الله عنهما -. (قال: كنت أبيع الإبل بالبقيع) قال ابن حجر: هو بالباء الموحدة كما وقع عند البيهقي في بقيع الغرقد. قال النووي: ولم يكن إذ ذاك كثرت فيه القبور، قال ابن باطيش (¬3): لم أر من ضبطه والظاهر أنه بالنون (¬4). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1242)، والنسائي 7/ 281، وابن ماجه (2262)، وأحمد 2/ 139. وضعفه الألباني في "الإرواء" (1326). (¬2) انظر السابق. (¬3) "المغني" لابن باطيش 1/ 315 - 316. (¬4) انظر: "التلخيص الحبير" 3/ 70.

"فأبيع بالدنانير وآخذ) مكانها (الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ) مكانها (الدنانير) و (آخذ هذِه من هذِه) يحتمل أن يكون (من) هنا بمعنى بدل كما في قوله تعالى: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ} (¬1) {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ} (¬2) أي بدلكم (وأعطي هذِه من هذِه) أي: الدراهم بدلًا عن الدنانير، والدنانير بدلًا عن الدراهم (فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في بيت حفصة فقلت: يا رسول الله) رواية الترمذي: "فوجدته خارجًا من بيت حفصة" (¬3). والجامع بين الروايتين أن قوله: فأتيته وهو في بيت حفصة عازمًا على الخروج من باب تسمية الشيء بما يؤول الأمر إليه كما في قوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ} (¬4)، وقوله: فوجدته خارجًا أي: يريد أن يخرج فعبر عما سيحصل (¬5) بالحاصل كما في قوله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} (¬6)، ويدل على الرواية الأولى قوله بعده (رويدك) بمعنى أمهل؛ فإنها لا تستعمل لمن هو مقيم في البيت بل لمن هو خارج أو يريد الخروج، والكاف في رويدك للخطاب؛ لا موضع له من الإعراب؛ لأنها ليست باسم، ورويد غير متعد إليها، وحركت الدال من رويد لالتقاء الساكنين ونُصِب نَصب المصادر وهو مصغر مأمور به؛ لأنه تصغير ترخيم. (أسألك) التقدير والله أعلم: أمهل عن الخروج لأسألك ([إني] أبيع الإبل بالبقيع، إني (¬7) أبيع (¬8) بالدنانير وآخذ الدراهم) عوضًا عنها (وأبيع ¬

_ (¬1) التوبة: 38. (¬2) الزخرف: 60. (¬3) (1242). (¬4) الزمر: 30. (¬5) في (ر): يستحصل. (¬6) الأعراف: 44. (¬7) ليست في المطبوع. (¬8) في المطبوع: (فأبيع).

بالدراهم وآخذ الدنانير) عوضًا عنها (آخذ هذِه من هذِه وأعطي هذِه من هذِه. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا بأس) عليك (أن تأخذها بسعر) وفي لفظ لأحمد: "لا بأس به بالقيمة" (¬1)، أي: بسعر قيمة (يومها) وهو نص في الحجة للمذهب الصحيح الجديد (¬2) عند الشافعي وهو جواز الاستبدال عن الثمن الذي في الذمة بمعين، لكن كلام ابن عمر محتمل لأن يكون يعتاض عن الدنانير دراهم معينة، ويحتمل أن يعتاض عنها دراهم غير معينة لم يعينها في المجلس. ويترجح الأول بقوله: "أن تأخذها"؛ فإنه ظاهر في القبض، لا في مجرد المعاوضة، ويمكن ترجيح الثاني بقوله - صلى الله عليه وسلم -، ويفسده الجواب، ورفع البأس (¬3) بـ (ما) إذا (لم تفترقا (¬4) وبينكما شيء) ولفظ النسائي: "لا بأس أن تأخذ بسعر يومها ما لم تفترقا (¬5) وبينكما شيء" (¬6)، وفي لفظ له: "ما لم يفرق بينكما شيء" (¬7). ولو حصل التقابض في المجلس لم يبق بينهما شيء، وإن لم يتفرقا فلا يحتاج إلى تقييده بالشرط، وهذِه المسألة هي مسألة ما إذا صالح من دينٍ على عين وكانا من أموال الربا فإنه يشترط في المجلس جزمًا (¬8)، وهذا الصحيح المحكي (¬9) من مذهبنا حكي عن عمر وابنه عبد الله والحسن والحكم وحماد وطاوس والزهري، وهو مذهب مالك ¬

_ (¬1) "المسند" 2/ 83. (¬2) في (ر): الحديث. (¬3) انظر: "المجموع" 10/ 109. (¬4) في (ر): يفترقا. (¬5) في (ر): يفترقا. (¬6) 7/ 281. (¬7) "السنن الكبرى" 6/ 51. (¬8) في (ر): حر. (¬9) في (ر): الممكن.

والثوري والأوزاعي وأحمد. وروي كراهة ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن المسيب، وهو أحد قولي الشافعي، ثم اختلف الأولون فمنهم من قال: يشترط أن يكون بسعر يومها، وهو مذهب أحمد كما في الحديث، ولأنه لما تعذر التماثل في الرد من حيث الصورة (¬1) أعتبر من حيث القيمة، وذهب أبو حنيفة وهو مقتضى مذهبنا أنه يؤخذ بسعر يومها وأعلا وأرخص، والله أعلم (¬2). [3355] (حدثنا حسين) بن علي (بن الأسود) العجلي الكوفي، قال أبو حاتم: صدوق، وذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3) (حدثنا عبيد الله) بالتصغير (أنبأنا إسرائيل، عن سماك) بن حرب (بإسناده ومعناه) وهذا الحديث معروف بسماك، معدود من أفراده ولم يرفعه أحد غيره فيما ذكر جماعة من الحفاظ، لكن سماك روى له مسلم. وقال ابن عدي: لسماك [حديث مستقيم إن شاء الله، حدث عنه الأئمة، وهو من كبار تابعي الكوفيين، وقد روى شعبة عن سماك] (¬4) فمن جملتها (¬5) روى عنه حديث سعيد بن قيس قال: جلبت أنا ومخرفة العبدي بزًّا من (¬6) هجر. حديث السراويل المتقدم، رواه الحاكم في "المستدرك". [وحديثه يدخل في قسم الحسن كما اقتضاه ¬

_ (¬1) في الأصل (الضرورة). والمثبت من "المجموع". (¬2) انظر: "المجموع" 10/ 107. (¬3) 8/ 190. (¬4) سقطت من (ر). (¬5) في (ر): حملها. (¬6) تكررت في (ر).

كلام ابن عدي، وقد أخرجه الحاكم في "المستدرك"] (¬1) وقال: إنه صحيح على شرط مسلم، وسماك بن حرب رجل صالح، وقد أدرك ثمانين من الصحابة، وروي عنه قال: ذهب بصري فرأيت إبراهيم الخليل -عليه السلام- (¬2) فقلت: ذهب بصري. فقال: أنزل إلى الفرات فاغمس رأسك فيه وافتح عينيك فإن الله يرد عليك بصرك. قال: ففعلت ذلك فرد الله علي بصري (¬3) (والأول أتم) و (لم يذكر) فيه (بسعر يومها) أي يوم ترتبت في ذمته، وقد تقدم أنه من مذهب أحمد بن حنبل -رضي الله عنه-. وقد جعل قوم حديث ابن عمر معارضًا لحديث أبي سعيد وشبهه في قوله: "ولا تبيعوا منها (¬4) غائبًا بناجز". قال ابن عبد البر: وليس الحديثان متعارضين (¬5) عند أكثر (¬6) الفقهاء؛ لأنه يمكن استعمال كل واحد منها. وحديث ابن عمر مفسر، وحديث أبي سعيد مجمل، فصار معناه (¬7) ولا تبيعوا منها غائبًا ليس في ذمة (¬8) بناجز، وإذا حملا على هذا (¬9) لم يتعارضا (¬10)، انتهى. ¬

_ (¬1) سقطت من (ر). (¬2) زاد هنا في "المجموع" (في النوم). (¬3) انظر: "المجموع" 10/ 108 - 109. (¬4) في (ر): فيها. (¬5) في (ر): متعارضان. (¬6) سقطت من (ر). (¬7) في (ل، ر): بمعناه. والمثبت من "المجموع". (¬8) هذِه العبارة في (ل) هكذا (لليت رمم). (¬9) في الأصل: هذين. والمثبت من "المجموع". (¬10) في الأصل: يتعارض وانظر: "المجموع" 10/ 109.

15 - باب في الحيوان بالحيوان نسيئة

15 - باب في الحَيوانِ بِالحيَوانِ نَسِيئة 3356 - حدثنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حدثنا حَمّادٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ الَحيَوانِ بِالَحيَوانِ نَسِيئَةً (¬1). * * * باب في الحيوان بالحيوان نسيئة [3356] (حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة) بن جندب -رضي الله عنه- (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة) أحتج به أبو حنيفة على تحريم التأجيل (¬2) في بيع الجنس بعضه (¬3) ببعض من أي مال كان. واحتج أصحابنا والجمهور بالأحاديث الآتية في الباب بعده في بيع الإبل بالإبل مؤجلة، ولأنهما عوضان لا تجمعهما علة واحدة فلا يحرم فيهما النساء، كما لو باع ثوب قطن بثوب حرير إلى أجل، ولا ربا فيه (¬4) نقدًا فكذا في النسيئة، وأجابوا عن هذا الحديث من وجهين: أحدهما: جواب الشافعي: [أكثر حديث الحسن ضعيف] (¬5). قال ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1237)، والنسائي 7/ 292، وابن ماجه (2270)، وأحمد 5/ 12. وصححه الألباني في "الصحيحة" تحت حديث رقم (2416). (¬2) في الأصل (التفاضل). والمثبت من "المجموع" 9/ 403. (¬3) في الأصل (بجنسه). والمثبت من "المجموع" 9/ 403. (¬4) سقطت من الأصل وأثبتها من "المجموع" 9/ 403. (¬5) العبارة التي في "المجموع" هكذا (أنه حديث ضعيف).

البيهقي: أكثر الحفاظ لا يثبتون سماع الحسن من سمرة إلا حديث العقيقة (¬1). والثاني: أنه محمول على أن الأجل في العوضين، فيكون بيع دين بدين، وذلك فاسد (¬2). ¬

_ (¬1) في (ر): العقبة، وقاله البيهقي في "الكبرى" 5/ 288 بعد روايته الحديث. (¬2) انظر: "المجموع" 9/ 403.

16 - باب في الرخصة في ذلك

16 - باب في الرُّخْصَةِ في ذلكَ 3357 - حدثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حدثنا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنَ أَبي حَبِيبٍ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبي سُفْيانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حَرِيشٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍ وأَن رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَهُ أَنْ يُجهِّزَ جَيْشًا فَنَفِدَتِ الإِبِلُ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ في قِلاصِ الصَّدَقَةِ فَكانَ يَأْخُذ البَعِيرَ بِالبَعِيرَيْنِ إِلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ (¬1). * * * باب في الرخصة في ذلك [3357] (حدثنا حفص بن عمر) الضرير، ولد أعمى. قال أبو حاتم: صدوق، يحفظ عامة حديثه (حدثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن مسلم بن جبير) بضم الجيم مصغر، مجهول. (عن أبي سفيان) كذا الصواب خلافًا لما في رواية أحمد وغيره أنه أبو سفيان الحرشي، عن مسلم بن جبير مولى ثقيف (¬2)، وأبو سفيان الحرشي هو: نصر بن موسى (¬3). قال الدارمي (¬4): قلت لابن معين: ما حال أبي سفيان؟ قال: ثقة مشهور. قلت: عن مسلم؟ قال: هذا ¬

_ (¬1) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 60 (5736، 5737)، والطبراني في "الكبير" 63/ 13 (155)، والدارقطني في "سننه" 3/ 70 (263)، والحاكم 2/ 56 - 57. وضعفه الألباني. (¬2) "مسند أحمد" 2/ 216. (¬3) انظر: "فتح الباب في الكنى والألقاب" لابن منده (3585). (¬4) في (ل): الرازي وفي (ر): الراوي. والمثبت من "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم.

حديث مشهور (¬1). (عن عمرو بن حريش) بضم الحاء المهملة وفتح الراء المهملة مصغر وآخره شين معجمة، ويقال: حريش بفتح الحاء وكسر الراء ولم أجده مذكورًا في "المؤتلف والمختلف" في هذِه المادة، الزبيدي عداده في التابعين ما روى عنه غير أبي سفيان، قيل: لا يدرى من أبو سفيان أيضًا. قال النووي: وهذا الحديث وإن كان في إسناده نظر فقد قال البيهقي: له (¬2) شاهد صحيح فذكره بإسناده الصحيح، ورواه البيهقي أيضًا بإسناد صحيح (¬3). (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص -رضي الله عنه- (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يجهز جيشًا) للجهاد (فنفدت) بكسر الفاء وفتح الدال المهملة كما قال تعالى: {لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} (¬4) (الإبل) رواية البيهقي المذكورة: قال عبد الله: وليس عندنا ظهر (¬5). (فأمره أن يأخذ) (¬6) قال النووي: هكذا وقع في "المهذب": (من) والذي في "سنن أبي داود" والبيهقي وغيرهما. (في قلاص) جمع قلوص، وهي الناقة الشابة، قال ابن مالك في ¬

_ (¬1) انظر: "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم 8/ 193، "تاريخ ابن معين" رواية الدارمي (734 - 735). (¬2) سقطت من (ر). (¬3) انظر: "المجموع" 9/ 400. (¬4) الكهف: 109. (¬5) "السنن الكبرى" 5/ 287. (¬6) في (ر): يأخذني.

"التسهيل": ويحفظ، فقال (¬1) في فعول: ولا يقاس عليه؛ لأنه نادر و (¬2) من النادر قلاص جمع قلوص، وفي بعض نسخ أبي داود: أن يأخذ على قلائص (الصدقة) وهو الذي ذكره ابن الأثير وقال: قلائص جمع قلوص (¬3). (فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة) رواية البيهقي (¬4) والدارقطني (¬5): إلى أجل، والمعنى أنه أمره أن يستلف على إبل الصدقة إلى أن يحصل منها شيء إلى أجل معلوم. وقد استدل بهذا الحديث على أن ما سوى الذهب والفضة والمطعوم (¬6) لا يحرم فيه الربا فيجوز بيع بعير بأبعرة وشاة بشياة (¬7) وثوب بثياب (¬8)، وعلى أن بيع الحيوان بالحيوان (¬9) من جنسه وغير جنسه متفاضلًا حالًّا ومؤجلًا، سواء كان يصلح للحمل والركوب والأكل (¬10) والنتاج أم للأكل خاصة هذا مذهبنا وبه قال جماهير العلماء. ¬

_ (¬1) في (ر): يقال: (¬2) سقطت من (ر). (¬3) انظر: "النهاية" 4/ 100. (¬4) "السنن الكبرى" 5/ 287. (¬5) "السنن" 3/ 69. (¬6) في (ل): فالمطعوم. (¬7) في (ر): بشاة. (¬8) انظر: "المجموع" 9/ 400. (¬9) سقطت من (ر). (¬10) في (ل) و (ر): والأصل.

وقال مالك: لا يجوز بيع بعير ببعيرين ولا ببعير إذا كانا جميعًا أو أحدهما لا يصلح إلا للذبح كالكسير والحطيم (¬1) ونحوهما؛ لأنه لا (¬2) يقصد به إلا اللحم فهو كبيع (¬3) لحم بلحم جزافًا أو لحم بحيوان، ودليلنا الحديث المتقدم (¬4)، وما رواه مالك في "الموطأ" (¬5) والشافعي في مسنده في "الأم" (¬6) بإسنادٍ صحيح عن حسن بن محمد بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه باع جملًا يقال له: عصيفير، بعشرين بعيرًا إلى أجل، لكن في إسناده انقطاع. ¬

_ (¬1) في (ل) و (ر): الحطم. والمثبت من "المجموع". (¬2) سقطت من (ر). (¬3) في (ل) و (ر): بيع. والمثبت من "المجموع". (¬4) انظر: "المجموع" 9/ 402. (¬5) (1330). (¬6) 4/ 69.

17 - باب في ذلك إذا كان يدا بيد

17 - باب في ذَلِكَ إِذا كانَ يَدًا بِيَدِ 3358 - حدثنا يَزِيدُ بْنُ خالِدٍ الهَمْدانيُّ وَقُتَيْبَة بْنُ سَعِيدٍ الثَّقَفيُّ أَنَّ اللَّيْثَ حَدَّثَهُمْ، عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - اشْتَرى عَبْدًا بِعَبْدَيْنِ (¬1). * * * باب في ذلك إذا كان يدًا بيد [3358] (حدثنا يزيد بن خالد) بن يزيد الرملي (الهمداني) ثقة (وقتيبة ابن سعيد الثقفي، أن الليث حدثهما، عن أبي الزبير) محمد بن مسلم المكي التابعي (عن جابر -رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى عبدًا بعبدين) هذا مختصر من رواية مسلم عن قتيبة بن سعيد: حدثنا الليث، عن أبي الزبير، عن جابر قال: جاء عبد فبايع النبي - صلى الله عليه وسلم -[على الهجرة فلم يشعر أنه عبد، فجاء سيده فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -، (¬2): "بعنيه" (¬3) فاشتراه بعبدين أسودين، ثم لم يبايع أحدًا بعد حتى يسأله أعبد هو؟ (¬4) انتهى. وهذا العبد (¬5) إنما أشتراه النبي - صلى الله عليه وسلم - بعبدين؛ رغبة في تحصيل ثواب العتق، وكراهية أن يفسخ له عقد الهجرة؛ فحصل له العتق وثبت له الولاء فهذا مولى النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال القرطبي: لم يعرف اسمه (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1602). (¬2) ما بين المعقوفين سقط من (ر). (¬3) في (ر): بعينه. (¬4) (1602). (¬5) في (ر): بعيد. (¬6) "المفهم" 4/ 511.

وفيه دليل على جواز بيع الحيوان بالحيوان متفاضلًا نقدًا أي يدًا بيد كما تقدم. وهذا لا يختلف (¬1) فيه، وأما بيعه نسيئة ففيه الخلاف المتقدم قبله، وأن مذهب الشافعي الجواز للحديث المتقدم: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة. أخرجه البزار من حديث ابن عباس (¬2). قال القرطبي: ويلزمهم -أي: القائلين بمنع بيع الحيوان نسيئة- أن لا يجيزوا بيع الحيوان بمثله ولا بخلافه ولا يجيزون بيع شاة بشاة، وكل ذلك معلوم البطلان بالشرع، والله أعلم (¬3). ¬

_ (¬1) في (ر): يحلف. (¬2) قال ابن دقيق العيد في "الإلمام" 2/ 497: رواه البزار من حديث ابن عباس، وقال: ليس في البا أجل إسنادًا من هذا. قلت: ورواه مسندا موصولا عبد الرزاق 8/ 20 (14133)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار 4/ 60، وابن حبان (5028) وغيرهم عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس قال: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. (¬3) انظر: "المفهم" للقرطبي 4/ 511 - 512.

18 - باب في التمر بالتمر

18 - باب في التَّمْر بِالتَّمْرِ 3359 - حدثنا عَبْدُ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ زَيْدًا أَبا عَيّاشٍ أَخْبَرَهُ أنَّهُ سَأَلَ سَعْدَ بْنَ أَبي وَقّاصٍ عَنِ البَيْضاءِ بِالسُّلْتِ فَقالَ لَهُ سَعْدٌ: أَيُّهُما أَفْضَل قال: البَيْضاءُ. فَنَهاهُ عَنْ ذَلِكَ وقالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يسْأَل عَنْ شِراءِ التَّمْرِ بِالرّطَبِ فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذا يَبِسَ". قالُوا: نَعَمْ. فَنَهاهُ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، عَنْ ذَلِكَ. قالَ أَبُو داوُدَ: رَواة إِسْماعِيلُ بْن أُمَيَّةَ نَحْوَ مالِكٍ (¬1). 3360 - حدثنا الرَّبِيعُ بْن نافِعٍ أَبُو تَوْبَةَ، حدثنا مُعاوَية -يَعْني ابن سَلاَّمٍ- عَنْ يَحيَى بْنِ أَبي كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا عَبْدُ اللهِ أَنَّ أَبا عَيّاشٍ أَخْبَرَهُ أنَّهُ سَمِعَ سَعْدَ بْنَ أَبي وَقّاصٍ يَقُولُ نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ نَسِيئَةً. قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ عِمْرانُ بْنُ أَبي أَنَسٍ، عَنْ مَوْلى لِبَني مَخزُومٍ، عَنْ سَعْدٍ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَهُ (¬2). * * * باب في الثمر بالتمر الثمر بالمثلثة وسكون الميم، وأما بالتمر فبالمثناة فوق وسكون الميم. [3359] (حدثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك، عن عبد الله ابن يزيد) المخزومي المقرئ الأعور، وثقه أحمد وابن معين: (أن زيدًا) ¬

_ (¬1) رواه مالك 2/ 624 (22)، ومن طريقه الترمذي (1225)، والنسائي 7/ 268، وابن ماجه (2264)، وأحمد 1/ 179. وصححه الألباني في "الإرواء" (1352). (¬2) انظر السابق.

هو ابن عياش (أبا عياش) الزرقي (¬1) (أخبره: أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن البيضاء) قال في "الغريبين": البيضاء الحنطة وهي السمراء (¬2). وقال غيره: هو نوع من البر أبيض اللون. قال النووي في "المنهاج": السُّلْت (¬3) جنس مستقل (¬4)، وقيل فيه: رخاوة يكون ببلاد مصر (¬5) (بالسُّلْت) بضم السين المهملة وسكون اللام. قال ابن الأثير: ضرب من الشعير رقيق القشر صغار الحب (¬6)، وكذا قال صاحب "البيان"، وزاد أنه حامض (¬7). وقال صاحب "العين": هو شعير لا قشر له أجرد، يكون بالغور (¬8)، والحجاز يتبردون بِسَوِيقه في الصيف (¬9). ([فنهاه عن ذلك]) (¬10) قال في "الغريبين": لأنهما عنده جنس واحد (¬11)؛ أي: وبيع أحدهما بالآخر قد يؤدي إلى الربا (فقال له سعد: أيهما أفضل؟ ) يعني: أيهما أكثر في الكيل وليس يعني به في ¬

_ (¬1) في (ع): الرومي. (¬2) "الغريبين" 1/ 233. (¬3) سقطت من (ع). (¬4) "المنهاج" 1/ 92. (¬5) انظر: "المجموع" للنووي 10/ 80، "شرح السنة" للبغوي 8/ 78. (¬6) انظر: "النهاية" 2/ 975. (¬7) "البيان" للعمراني 3/ 257. (¬8) بياض في (ر). والمثبت من (ل) و"العين" للخليل. (¬9) أنظر "العين" للخليل بن أحمد 7/ 237. (¬10) ليست في المطبوع وهي مكررة في الأصول وستأتي في موضعها. (¬11) "الغريبين" 1/ 233.

الفضيلة والجودة فإنها (¬1) لا تعتبر في الربويات، وإنما تعتبر الزيادة في الكيل أو الوزن باعتبار عادة الحجاز. (قال: البيضاء) أي أكثر في الكيل (فنهاه عن ذلك) فيه ما تقدم (وقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأل عن شراء التمر) بفتح المثناة وإسكان الميم (بالرطب. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أينقص الرطب إذا يبس؟ ) وفي رواية لغير المصنف: "إذا جف" (¬2)، وهو بمعناه، والاستفهام بالهمزة هنا ليس المراد به حقيقة الاستفهام؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان عالمًا أنه ينقص إذا يبس، وإنما المراد به لينبه (¬3) السامع، والتقدير عنده: أن هذا الوصف الذي استفهم عنه، وهو النقص عند اليبس هو علة للحكم المنهي عنه بعده، والاستفهام بمعنى التقرير كثير، ومنه {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى (17)} (¬4)، و {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} (¬5). ولو لم يعد ذكر الوصف مع النهي؛ [لأن تقرير ذكر الوصف عليه قائم مقام إعادة الوصف مع النهي] (¬6)؛ لأن تقريراته من السنة كأقواله (¬7) وأفعاله، فلو لم يكن نقصان الرطب إذا يبس هو علة للنهي (¬8) الوارد ¬

_ (¬1) في (ر): بإنها. (¬2) "مستدرك الحاكم" 2/ 44. (¬3) في (ر): لسنة، وفي (ع): لييبنه. (¬4) طه: 17. (¬5) الشرح: 1. (¬6) سقطت من (ر). (¬7) في (ر): كأقرانه وهو تحريف. (¬8) في (ع): ينتهي.

بعده لم يكن للتقرير عليه فائدة، وذكرنا التعقيب مع النهي عقب سماع الوصف والتقرير عليه بعد السؤال تنبيه على العلة، ومثاله (¬1) التصريح بذكر الوصف إذا كان علة للحكم المذكور بعد فاء التعقيب: زنى (¬2) ماعز فرجم، وسها فسجد كما ذكره الأصوليون في الإيماء (¬3) من مسالك العلة. (قالوا: نعم) ينقص، فأقرهم على النقص المذكور ورتب الحكم على ذلك مقرونًا بفاء التعقيب في قوله (فنهاه عن ذلك) بالفاء للتعقيب، والنهي هو الحكم الذي النقصان علته (¬4). قال الشافعي في "الأم" في باب بيع الآجال: وكل شيء من الطعام يكون رطبًا ثم ييبس، فلا يصلح منه رطب بيابس؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الرطب بالتمر فقال: أينقص الرطب إذا جف؟ فقالوا: نعم. فنهى عنه. فنظر في المتعقب (¬5)، فكذلك يُنظر في المتَعَقب، فلا يجوز رطب برطب؛ لأنهما إذا يبسا اختلف نقصهما وكانت فيهما الزيادة في المتعقب، ومثل في باب الرطب بالتمر بالتفاح والتين والعنب والإجاص والكمثرى والفاكهة لا يباع شيء منها رطب بشيء رطب ولا رطب منها بيابس ولا جزاف منها بمكيل (¬6). انتهى. ¬

_ (¬1) في (ر): مثله. (¬2) في (ع): وفي. (¬3) في (ر): الإيمان وهو خطأ. (¬4) في (ر): علة، وفي (ع): علة له. (¬5) في (ل): التعقب وفي (ر): التعقيب. والمثبت من "الأم". (¬6) انظر: "الأم" 4/ 163، و"المجموع" 10/ 433.

وقد جمع الشافعي في ذلك بين ما يدخر يابسه وبين ما لا يدخر، ومقصوده منع بيع الرطب بالرطب واليابس مطلقًا. كذا قال السبكي وزاد: قد اتفق جمهور الأصحاب غير المزني من المتقدمين والروياني من المتأخرين على أنه لا (¬1) يجوز بيع بعضه ببعض في حال الرطوبة، ولم يحكوا فيه خلافًا، وقد خالف الشافعي في هذِه المسألة أكثر العلماء، فذهب مالك وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وأحمد بن حنبل في المشهور والمزني، واختاره الروياني من أصحابنا، فقال في "الحلية": وهو القياس والاختيار، حتى قال ابن المنذر: إن العلماء اتفقوا على أن بيع الرطب بالرطب جائز إلا الشافعي، وقد وافق الشافعي على ذلك عبد الملك بن الماجشون وأبو حفص العكبري من الحنابلة. قال الشيخ أبو حامد: أما (¬2) حجة الشافعي فظاهرة من القياس على بيع الرطب بالتمر، وإن لم يكن في الرطب بالرطب حقيقة المفاضلة ففيه الجهل بالمماثلة في الحالة المعتبرة (¬3) وهي حالة الجفاف؛ فإن في الإرطاب ما ينقص كثيرًا، وهو ما كان كثير الماء رقيق القشرة (¬4)، ومنه ما ينقص قليلا وهو ما كثر لحمه وقل ماؤه وغلظ قشره، وزاد الأصحاب فقالوا: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الرطب بالتمر؛ لأجل ¬

_ (¬1) سقطت من (ر). (¬2) في (ر) إن. (¬3) في (ع): العنبية. (¬4) في الأصل (البشرة). والمثبت من "المجموع".

النقصان في أحد الطرفين؛ فكان المنع إذا وجد النقصان في الطرفين أولى وأحرى. وروى أبو بكر الإسماعيلي في كتابه (¬1) "المستخرج على البخاري" حديث ابن عمر في بيع الرطب بالتمر بلفظ يدل على منع بيع الرطب بالرطب قال فيه: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع التمرة بالتمرة (¬2). فشمل الرطب وسائر أحواله، وهذِه الرواية أصرح من رواية البخاري نهى عن بيع التمر بالتمر؛ فإنه يحتمل أن يكونا جميعًا بالثاء المثلثة فتكون موافقة لها، ويحتمل أن يكون إحداهما (¬3) (¬4) بالمثناة، وكذلك ضبطه جماعة أن الأولى بالمثلثة والثانية بالمثناة، وأما رواية الإسماعيلي فصريحة فإنها (¬5) بزيادة الهاء في آخرها، ولما لم يتمسك الأصحاب بغير القياس أعترض المخالفون على القياس الذي ذكره الأصحاب بأن النقصان في أحد الطرفين فوجب التفاوت والنقصان في الطرفين غير موجب له. وأجابوا عن هذا الاعتراض بجوابين: أحدهما: ما تقدم من تفاوت النقص في الإرطاب. والثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يراع التفاوت في الثاني، وإنما راعى النقصان إذا يبس، وذلك موجود في الرطبتين (¬6). ¬

_ (¬1) في (ر): كتاب. (¬2) رواه عبد الرزاق 8/ 62 (14314) عن معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر. (¬3) في (ر): أحدهما. والمثبت من (ل) و"المجموع". (¬4) زاد في "المجموع" هنا (التمر). (¬5) في (ر): بأنها. والمثبت من (ل) و"المجموع". (¬6) هكذا في الأصل وفي "المجموع" (الرطبين).

واحتج المزني بأنهما يتفاوتان في حال الادخار في التفاوت فلم يمنع بيع بعضه ببعض كالتمر الحديث بالتمر العتيق (¬1)، وربما أورد المخالفون على جهة النقض على علتنا فقالوا: النقصان الذي ذكرتموه موجود في التمر الحديث بالتمر الحديث، ومع هذا فالبيع جائز فانتقضت العلة (¬2). (قال أبو داود: رواه إسماعيل بن أمية نحو) رواية (مالك) وذكر الدارقطني في "العلل": أن إسماعيل بن أمية و (¬3) داود بن الحصين والضحاك بن عثمان وأسامة بن زيد وافقوا مالكًا على إسناده (¬4). وذكر ابن المديني أن أباه حدث به عن مالك، عن داود بن الحصين عن (¬5) عبد الله بن يزيد، عن زيد أبي عياش قال: وسماع أبي عن مالك قديم. ثم قال: فكأن مالكًا كان قد علقه عن داود ثم لقي (¬6) شيخه فحدثه به مرة عن داود ثم استقر رأيه على التحديث (¬7) به عن شيخه. ورواه البيهقي من حديث ابن وهب عن سليمان بن بلال، عن يحيى ابن سعيد، عن عبد الله بن أبي سلمة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا وهو مرسل قوي (¬8). قال شيخنا ابن حجر: وقد أعلته جماعة منهم الطحاوي والطبري ¬

_ (¬1) هذِه العبارة فيها اختلاف عما في "المجموع". (¬2) "المجموع" 10/ 433 - 436. (¬3) تحرفت في (ل) و (ر) إلى (بن). والمثبت من "التلخيص الحبير". (¬4) "علل الدارقطني" 4/ 499. (¬5) في (ر): بن. والمثبت من (ل). (¬6) في (ر): أتو. والمثبت من (ل). (¬7) في (ل) و (ر): التحدث. والمثبت من "التلخيص". (¬8) "السنن الكبرى" للبيهقي 5/ 295.

وأبو محمد بن حزم وعبد الحق كلهم أعله بجهالة حال (¬1) زيد [أبي عياش] (¬2). والجواب أن الدارقطني قال: إنه ثقة ثبت. وقال المنذري: قد روى عنه اثنان ثقتان، وقد أعتمده مالك مع شدة نقده (¬3)، وصححه الحاكم والترمذي (¬4). [3360] (حدثنا الربيع بن نافع، أبو يزيد) (¬5) الحلبي، وهو ثقة حافظ من الأبدال، روى له البخاري عن الحسن بن الصباح (¬6). (حدثنا معاوية بن سلام) بالتشديد (عن يحيى بن أبي كثير، أنبأنا عبد الله أن) زيدًا (أبا (¬7) عياش أخبره أنه سمع سعد بن أبي وقاص يقول: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الرطب بالتمر نسيئة) وكذا رواه الطحاوي (¬8) والحاكم (¬9). قال الطحاوي: هذا هو أصل الحديث فيه ذكر النسيئة (¬10)، ورد ذلك الدارقطني وقال: خالف يحيى مالكًا وإسماعيل ابن أمية والضحاك بن عثمان وأسامة بن زيد فلم يذكروا النسيئة. ¬

_ (¬1) في (ر): خال. (¬2) في (ل) و (ر): ابن عباس. والمثبت من "التلخيص الحبير". (¬3) في (ر): نقله. (¬4) انظر: "التلخيص الحبير" لابن حجر 3/ 24. (¬5) كذا في الأصول، والصواب: أبو توبة. كما في "السنن" وانظر: "تهذيب الكمال" 9/ 103. (¬6) يقصد أن البخاري روى عن الحسن بن الصباح عن أبي توبة (4965). (¬7) في (ر): أبي. (¬8) "شرح معاني الآثار" 4/ 6. (¬9) "المستدرك" 2/ 45. (¬10) "شرح معاني الآثار" 4/ 6.

(قال أبو داود (¬1): وقد رواه عمران بن أبي أنس) العامري المصري، روى له مسلمٌ (¬2) في مواضع (عن مولى بني (¬3) مخزوم، عن سعد بن أبي وقاص، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه) قال البيهقي: رواه عمران عن زيد أبي عياش بدون الزيادة أيضًا (¬4)، ويقال إن (¬5) مولى بني مخزوم هو زيد أبو عياش. وقد أخذ من خالف الشافعي بهذا الحديث الذي فيه النسيئة، وحملوا النهي في الرواية المتقدمة على (¬6) شراء التمر [بالرطب] (¬7) على أن المراد بها إذا كانت نسيئة، واحتجوا بمفهوم النسيئة على جواز يدًا بيد قالوا: ويختص به عموم النهي عن بيع (¬8) الرطب بالتمر الوارد في حديث سعد، واحتجوا بعموم نهيه -عليه السلام- عن الطعام بالطعام إلا مثلًا بمثل سواءً بسواء. وأجاب الأصحاب بأن المعتبر التساوي حالة الادخار، وبأن (¬9) استدلالهم بمفهوم النسيئة وتخصيص العموم بها بأن هذِه العلة مستنبطة من مفهوم (¬10) الحديث، وعلة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الرواية المتقدمة منصوصة ¬

_ (¬1) في الأصول: البيهقي. (¬2) في (ل) و (ر): مسلما. (¬3) في المطبوع (لبني). (¬4) انظر: "التلخيص الحبير" 3/ 25 و"السنن الكبرى" للبيهقي 5/ 480. (¬5) سقطت من (ع). (¬6) في (ر): عن. (¬7) في (ل) و (ع) بالرطبة. (¬8) في (ع): ربيع. (¬9) في (ر): بأن. (¬10) في (ر): مذموم.

عليها فهي أولى من المستنبطة، وبأن الاحتجاج [بالمفهوم] (¬1) إنما يأتي على تقدير ثبوت رواية النسيئة، وبأن المحتجين بتخصيص عموم النهي عن الطعام بالطعام مفهوم النسيئة لا يقولون بالمفهوم وأيضًا فإن العام المذكور قارنه تعليل وهو "أينقص الرطب إذا جف" كما تقدم فصار عامًّا، مراد به الخصوص كأنه نهى عن بيع الرطب بالتمر بعد؛ لأن اعتبار [التساوي مع] (¬2) التعليل المذكور لا [وجه له] (¬3)، وإذا ثبت (¬4) أن اللفظ العام أريد به الخصوص؛ فالمفهوم المقابل له من أصحابنا من جعله كالقياس فيسقطه لرجحان المنطوق عليه. ومنهم من يقول: هو بمنزلة النطق (¬5) فيتقابلان، وعلى هذا يكون هذا النطق أولى؛ لأنه نطق خاص معه تعليل فيكون أولى من الذي لا تعليل معه، والله أعلم (¬6). ¬

_ (¬1) في (ل): التفهيم وسقطت من (ر)، والمثبت من "المجموع". (¬2) تحرفت هذِه العبارة في الأصل إلى (السامع). والمثبت من "المجموع". (¬3) في (ع): حاجة. (¬4) في (ع) قلت. (¬5) هكذا في الأصل وفي "المجموع": المنطوق. (¬6) انظر: "المجموع" 10/ 300 - 301.

19 - باب في المزابنة

19 - باب في المُزابَنَة 3361 - حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حدثنا ابن أَبي زائِدَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْع الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا وَعَنْ بَيْع العِنَبِ بِالزَّبِيبِ كَيْلًا وَعَنْ بَيْعِ الزَّرْعِ بِالِحنْطَةِ كَيْلًا (¬1). * * * باب في المزابنة وهي في اللغة المدافعة، وبهذا سميت الزبانية؛ لأنهم يدفعون إلى النار فسمي بيع الرطب بالتمر مزابنة؛ لأنه دفع التمر بالرطب وبيعه لا يجوز. قال الأزهري: إنما خصوا التمر في رؤوس النخل بالتمر على الأرض باسم (¬2) المزابنة؛ لأنه غرر لا يحصل بالكيل ولا بالوزن وخرصه حَدْسٌ وظنٌ (¬3) مع ما (¬4) لا يؤمن فيه من الربا المحرم، وهذا يقتضي أن المزابنة تختص ببيع التمر على رؤوس النخل (¬5). [3361] (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا) زكريا (ابن أبي زائدة، عن عبيد الله) بالتصغير ابن عبد الله (عن نافع، عن ابن عمر) رضي الله عنهما (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمر (¬6) بالتمر) قال السبكي: يحتمل ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2171)، ومسلم (1534). (¬2) سقطت من (ع). (¬3) في (ع) بياض. (¬4) في (ل) و (ر): معمى، وفي "المجموع" (معنى). والمثبت من "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" للأزهري (ص 205). (¬5) انظر: "المجموع" للنووي 10/ 366. (¬6) في المطبوع (التمر).

أن يكونا جميعًا بالثاء المثلثة، فتكون هذِه الرواية موافقة لما رواه أبو بكر الإسماعيلي في كتاب "المستخرج على البخاري" حديث ابن عمر في البخاري: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المزابنة، والمزابنة اشتراء الثمر بالتمر كيلًا، ورواه الإسماعيلي: عن بيع الثمرة بالثمرة. قال: والثمرة تشمل الرطب وسائر أحواله. قال: وهذِه الرواية أصرح من رواية البخاري وغيره: نهى عن بيع التمر بالتمر. فإنه يحتمل أن يكونا جميعًا بالمثلثة فتكون موافقة لرواية الإسماعيلي، ويحتمل أن تكون إحداهما: بالتمر بالمثناة، وكذلك (¬1) ضبطه جماعة أن الأولى بالمثلثة والثانية بالمثناة، يعني: بيع الرطب بالتمر. وأما رواية الإسماعيلي هذِه فصريحة، فإنها بزيادة الهاء في آخرها (¬2). قال ابن عبد البر: لا خلاف بين العلماء أن المزابنة ما ذُكِرَ تفسيره في الحديث عن ابن عمر من قوله أو مرفوعًا، وأقل (¬3) ذلك أن يكون من قوله، وهو راوي الحديث فنسلم (¬4) له، فكيف ولا مخالف له في ذلك؟ وكذلك ما كان في معناه من الجزاف بالكيل في الجنس الواحد المطعوم (¬5). ¬

_ (¬1) في (ع): وكذا. (¬2) "المجموع"10/ 308. (¬3) في (ر): ولعل. والمثبت من (ل) و"المجموع". (¬4) في (ل) و (ر): ومسلم، والمثبت من "المجموع". (¬5) "التمهيد" 13/ 309، وانظر: "المجموع" 10/ 366.

(كيلًا) منصوب على الحال من التمر، وإنما جاز وقوع الحال جامدة (¬1) لتأولها بالمشتق بلا تكلف (¬2)، والتقدير مقابضة كيل (¬3) بكيل. قال القاضي حسين في تعليقه: لا خلاف أن بيع الرطب بالتمر كيلًا على الأرض أو على الشجرة من غير اعتبار المآل لا يجوز وهي المزابنة (¬4). (وعن بيع العنب بالزبيب كيلًا) قال القرطبي: يعني أن أحدهما بالكيل والآخر بالجزاف؛ للجهل بالمقدار في الجنس، فيدخله الحظر، وإذا كان هذا ممنوعًا (¬5) للجهل من جهة واحدة، فالجهل من جهتين جزاف بجزاف أدخل في المنع والحديث الذي رواه مسلم يشهد للشافعي على تفسيره للمزابنة. قال: وأما مالك ففهم أن المنع فيها إنما (¬6) كان من حيث الغرر اللاحق في الجنس الواحد، فعداه (¬7) لكل جنس وجد فيه ذلك المعنى (¬8). (وعن بيع الزرع بالحنطة كيلًا) قال السبكي: قد علمت أن المزابنة ¬

_ (¬1) في (ع): جامدًا. (¬2) في (ر) و (ل): تكليف. (¬3) في الأصول: كيلا. والمثبت الصواب. (¬4) انظر: "المجموع" 10/ 363. (¬5) في (ع): ممنوع. (¬6) في (ل) و (ر): إذا. والمثبت من "المفهم". (¬7) في (ل) و (ر): تعداه. والمثبت من "المفهم". (¬8) انظر: "المفهم" للقرطبي 4/ 390 - 391.

بيع الرطب (¬1) بالتمر، والمحاقلة بيع الزرع بالحنطة، ثم إن سائر الثمار في شجرها بجنسها لا يجوز، وسائر الزروع في سنبله لا يجوز. واختلف أصحابنا على ما حكاه الماوردي: هل ذلك لدخولها في اسم المزابنة أو قياسًا عليها؟ فأحد الوجهين وهو ظاهر مذهب الشافعي: أن ذلك لدخول سائر الثمار في اسم المزابنة وسائر الزروع في اسم المحاقلة، وكان تحريمه نصًّا لا قياسًا. والوجه الثاني وهو مذهب أبي علي بن أبي هريرة أن النص في المحاقلة والمزابنة يختص بالحنطة والنخل، وسائر الزروع مقيسة على الحنطة في المحاقلة وسائر الثمار مقيسة على النخل في المزابنة فكان تحريمه قياسًا لا نصًّا. وقال القاضي حسين: المحاقلة بيع الحنطة المنقاة بالحنطة في السنابل، وذلك لا يجوز وهو مشتق من الحقل، وذلك اسم (¬2) الأرض البيضاء (¬3). ¬

_ (¬1) في (ل) و (ر): التمر. والمثبت من "المجموع". (¬2) سقط من (ل) و (ر). والمثبت من "المجموع". (¬3) "المجموع" 10/ 368.

20 - باب في بيع العرايا

20 - باب في بَيعِ العرايا 3362 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حدثنا ابن وَهْبٍ أَخْبَرَني يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ أَخْبَرَني خارِجَةُ بْن زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَخَّصَ في بَيْعِ العَرايا بِالتَّمْرِ والرُّطَبِ (¬1). 3363 - حدثنا عُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ، حدثنا ابن عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبي حَثْمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ وَرَخَّصَ في العَرايا أَنْ تُباعَ بِخَرصِها يَأْكُلُها أَهْلُها رُطَبًا (¬2). * * * باب في بيع العرايا [3362] حدثنا أحمد بن صالح) الطبري، كتب عن ابن وهب خمسين ألف حديث. (حدثنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه) زيد بن ثابت -رضي الله عنه- (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص) وسبب الرخصة ما رواه الشافعي في "اختلاف الحديث" (¬3) عن محمود بن لبيد قال: سألت زيد بن ثابت قلت: ما عراياكم هذِه التي تُحِلُّونَها؟ فقال: فلان وأصحابه شكوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الرطب يحضر (¬4) وليس ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2173)، ومسلم (1539). (¬2) رواه البخاري (2191)، ومسلم (1540). (¬3) "اختلاف الحديث" (ص 269). (¬4) في (ر): يخرص.

عندهم ذهب ولا وَرِق يشترون بها وعندهم فضل تمر من قوت (¬1) سنتهم، فأرخص لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يشتروا العرايا بخرصها من التمر يأكلونها رطبًا. وقال في كتاب البيوع من "الأم" (¬2): قيل لمحمود بن لبيد، أو قال محمود بن لبيد لرجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما عراياكم هذِه؟ قال: فلان وفلان، وسمّى رجالًا محتاجين من الأنصار، وذكر معنى ما تقدم. ونقله البيهقي في "المعرفة" عن الشافعي كذلك معلقًا لم يذكر له إسنادًا متصلًا (¬3). وذكر الترمذي هذا المعنى من غير تعيين رواية، فقال لما ذَكَرَ حديث العرايا في "جامعه": ومعنى هذا عند بعض أهل العلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد التوسعة عليهم في هذا؛ لأنهم شكوا إليه وقالوا: لا نجد ما نشتري من التمر إلا بالتمر، فرخص لهم فيما دون خمسة أوسق [أن يشتروها] (¬4) فيأكلوها رطبًا (¬5). ولكن يحتمل أن يكون مراد الترمذي ببعض العلماء الشافعي (¬6). (في بيع العراي) وسيأتي تفسير العرايا في الباب الذي عقده (¬7) له ¬

_ (¬1) في (ع): دون. (¬2) "الأم" 4/ 110. (¬3) "معرفة السنن والآثار" 8/ 100 - 101. (¬4) في (ع): ليشتروها. (¬5) "سنن الترمذي" عقب حديث (1302). (¬6) "المجموع" 10/ 333. (¬7) في (ر): عقد.

المصنف (¬1). والعرايا نوع من المزابنة المنهي عنها فيما تقدم، رُخص فيه للحاجة ولكونه نوعًا (¬2) من المزابنة ذكره المصنف -رحمه الله- بعدها، وهذا الذي يقتضيه لفظ الرخصة فإنها تكون بعد منع، وكذلك الأحاديث التي فيها استثناء العرايا بعد النهي عن بيع الرطب (¬3) بالتمر والمزابنة، وذلك منهي عنه، وخارجة منه منفردة، بخلاف حكمه، إما بأن لم يقصد بالنهي قصدها، وإما بأن أرخص فيها من جملة ما نهى عنه. وكأن الشافعي أشار بهذا التأويل (¬4) في كلامه إلى أن النهي عن بيع الرطب بالتمر، وعن المزابنة هل هو عامٌّ مخصوص؟ أو عامٌّ أريد به الخصوص؟ والله أعلم. والفرق بينهما أن الذي أريد به الخصوص يكون المراد به متقدمًا على اللفظ، ويكون أحدهما ليس بمراد، والعام المخصوص يكون المراد متأخرًا عن اللفظ أو مقارنا (¬5)، ويكون المراد باللفظ أكثر مما ليس بمراد، ذكر ذلك الماوردي (¬6)، وأطلق على العام المخصوص أنه أريد به العموم، ولا يرد عليه أنه متى أريد عمومه كان الإخراج بعد ذلك نسخًا؛ لأن المراد إرادة العموم باللفظ ثم الآخر أخرج منه كما يقول: له عليَّ عشرة (¬7) إلا ثلاثة؛ فإن العشرة مرادة، وليس هو ¬

_ (¬1) بعد بابين. (¬2) في الأصول: نوع. والمثبت الصواب. (¬3) في (ل) و (ر): التمر. والمثبت من "المجموع". (¬4) في (ل) و (ر): الترديد. والمثبت من "المجموع". (¬5) في (ر): ومقارنا. والمثبت من (ل). (¬6) "الحاوي" 5/ 8. (¬7) في (ر): غرة.

كقولك سبعة على المشهور، قاله السبكي (¬1). (بالتمر) بفتح المثناة وسكون الميم، ويجوز أن يقع العقد على الذمة، فيقول: بعتك ثمرة هذِه النخلة بكذا وكذا (¬2) من التمر في ذمتي (¬3) ويصفه بصفات السلم، ويجوز أن يقع (¬4) العقد على معين بمكيل من التمر معروف بقدر خرصها ثم يقول: بعتك هذا بهذا؛ فإن باعه بمعين فقبضه بالنقل من ذلك المكان إلى غيره، وإن باعه بموصوف فقبضه باكتياله، ولا يتفرقا قبل القبض، قاله المحاملي وهو مذهب أحمد أيضًا. قال الروياني والماوردي: ولا تجوز العرية إلا فيما بدا صلاحه بُسرًا كان أو رطبًا، فنبه بذلك على اشتراط بدوِّ الصلاح، وعلى أن حكم البسر حكم الرطب، وقل من نبه عليه من الأصحاب. وعلل الروياني الأول بأنه وقت الحاجة، وأما الثاني فلأن الحاجة إلى (¬5) البسر كالرطب والله أعلم (¬6). (والرطب) هكذا رواية أبي داود بالواو، ويرجحه رواية النسائي (¬7) من رواية سالم عن أبيه عن زيد، وقال فيه: بالرطب وبالتمر، هكذا ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع" 10/ 339. (¬2) في (ع): فكذ. (¬3) في (ر): ذمته. (¬4) في (ع): يعقد. (¬5) سقطت من (ر). (¬6) انظر: "المجموع" 10/ 347. (¬7) "سنن النسائي" 7/ 267.

بالواو وزيادة الباء، وكذا رواية الطبراني في "المعجم الكبير" (¬1) [روى] (¬2) رواية صالح بن كيسان كما رواها النسائي (¬3)، وزاد فروى أيضًا من رواية الأوزاعي عن الزهري وقال فيه: بالتمر (¬4) والرطب كما قال المصنف، وأما رواية البخاري ومسلم في بيع (¬5) العرية (¬6) بالرطب أو بالتمر، ولم يرخص في غير ذلك (¬7). هكذا ذكراه بـ (أو)، فليست روايتهما للشك بل للتخيير بدليل رواية المصنف والنسائي والطبراني كما تقدم، ويحمل اختلاف الرواة عن زيد على أنه لما فهم التخيير عبر عنه تارة بـ (أو) كما في الصحيحين وتارة بالواو كما ذكره المصنف والنسائي، وهذا أولى من أن يحكم على بعض الرواة بالوهم مع ثقته وجلالته، وعلى هذا يصح استدلال أبي (¬8) علي بن خيران أنه يجوز (¬9) مطلقًا أن يباع الرطب المخروص على رؤوس النخل بالرطب المخروص أيضًا على الأرض سواء كان نوعًا واحدًا أم نوعين لهذا الحديث. ¬

_ (¬1) 5/ 110 (4762). (¬2) سقطت من (ر). (¬3) في (ل) و (ر): الزهري وهو خطأ. والمثبت من "المجموع". (¬4) في (ل) و (ر): كالتمر. والمثبت من "المجموع". (¬5) في (ل) و (ر): منع. والمثبت من "المجموع". (¬6) في (ر): القربة. (¬7) "صحيح البخاري" (2184)، و"صحيح مسلم" (1539). (¬8) سقطت من (ع). (¬9) في (ر): لا يجوز وهو خطأ.

وقيل: لا يجوز مطلقًا وهو الصحيح من مذهب الشافعي، ولا يجوز إلا بالتمر. [وقال الماوردي: إنه مذهب الشافعي] (¬1) واستدل له بأن الأصل تحريم المزابنة إلا ما استثني منه (¬2)، والرخصة وردت مقيدة (¬3) بالتمر، فيبقى فيما عداه على مقتضى الأصل المقتضي التحريم، ولما روى البيهقي في "سننه الكبير" عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ["لا تبايعوا الثمر بالتمر ثمر النخل بثمر"] (¬4) الحديث، وحديث ابن عمر الثابت في الصحيحين: "لا تبيعوا التمر بالتمر". فإن ثبت أنه بالثاء المثلثة فيهما فهو هذا الحديث بدون (¬5) الزيادة التي فيه مبينة (¬6) بالنخل (¬7). وقيل: إن كانا نوعًا واحدًا لم يجز؛ لأنه لا حاجة به إليه؛ لأن مثل ما يبتاعه (¬8) عنده، وإن كانا نوعين جاز؛ لأنه قد يشتهي كل واحد منهما النوع الذي عند صاحبه، فيكون عنده تمر ولا رطب عنده، وهو قول أبي إسحاق المروزي (¬9). ¬

_ (¬1) سقطت من (ع). (¬2) زاد هنا في (ل) و (ر): بمعنى. (¬3) في (ر): معينة. (¬4) في (ر): التمر بالتمر تمر النخل، وفي (ع) التمر بالثمر تمر النخل، وفي "المجموع" (التمر بالتمر، تمر النخل بتمر النخل). والمثبت من "سنن البيهقي الكبير" 5/ 296. (¬5) في (ر): دون. والمثبت من (ل) و"المجموع". (¬6) في (ع) مثبتة. (¬7) انظر: "المجموع" 11/ 35. (¬8) في (ع): ابتاعه. (¬9) انظر: "المجموع" 11/ 33.

[3363] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا) سفيان (ابن عيينة، عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن بشير) بضم الموحدة وفتح المعجمة مصغر (بن يسار) بالتحتانية ثم المهملة مخففًا الأنصاري. (عن سهل بن أبي حثمة) رواية مسلم: أن رافع بن خديج وسهل بن أبي حثمة حدثاه (¬1). ولمسلم أيضًا عن بشير بن يسار، عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم سهل بن أبي حثمة. (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمر) بفتح المثلثة والميم (بالتمر) بالمثناة وسكون الميم كيلًا وهو المزابنة كما تقدم. (ورخص) عند الأكثر بالتشديد، وروي: أرخص (¬2) بألف قبل الراء (¬3) (في العرايا) رواية البخاري: في العرية (¬4). (أن تباع بخرصها) بفتح الخاء المعجمة، وأشار ابن التين إلى جواز كسرها، وجزم ابن العربي بالكسر وأنكر الفتح، وجوزهما النووي وقال: الفتح أشهر (¬5). قال: ومعناه بقدر ما فيها إذا صار تمرًا، فمن فتح قال: هو اسم الفعل (¬6) ومن كسر قال: هو اسم للشيء المخروص (¬7). انتهى. ¬

_ (¬1) (1540). (¬2) سقطت من (ع). (¬3) انظر: " الموطأ" (1285). (¬4) (2072). (¬5) انظر: "فتح الباري" 4/ 389. (¬6) في (ر) النقل. (¬7) انظر: "شرح مسلم" 10/ 184.

والخرص هو التخمين والحَدْسُ (¬1). (يأكلها) يحتمل أن يكون التقدير ليأكلها (أهلها) فحذفت اللام لدلالة الكلام عليها، والذي (¬2) يظهر أنه لبيان الواقع، أن البيع ليأكلوا (رطبًا) لا للتقييد، وجعله أبو عبيد شرطًا، وكذا قال بعض الحنابلة فاشترط أن يأخذها أهلها ليأكلوها رطبًا لظاهر الحديث. قالوا: فإن تركت حتى صارت تمرًا بطل العقد، ولا دليل لهم في ذلك؛ لأن المقصود بذكر الأكل ذكر الغاية المقصودة لا الاشتراط، ويلزمهم على ما استدلوا به على أنه متى لم يأكلها أهلها بطل العقد، وقد سلَّموا أنه لا يبطل بترك (¬3) الأخذ، ولا يبطل بترك الأكل بعد الأخذ، فلو أخذها رطبًا وتركها عنده أو شمسها حتى صارت تمرًا جاز عندهم، وبهذا يتبين ضعف ما اشترطوه. ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" 4/ 389. (¬2) في (ع) الذي. (¬3) في (ر) لا يترك.

21 - باب في مقدار العرية

21 - باب في مِقْدارِ العريَّة 3364 - حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حدثنا مالِكٌ، عَنْ داوُدَ بْنِ الحصَيْنِ، عَنْ مَوْلَى ابن أَبي أَحْمَدَ. قالَ أَبُو داوُدَ: وقالَ لَنا القَعْنَبيُّ: فِيما قَرَأَ عَلَى مالِكٍ، عَنْ أَبي سُفْيانَ واسْمُهُ قُزْمانُ مَوْلَى ابن أَبي أَحْمَدَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَخَّصَ في بَيْعِ العَرايا فِيما دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ في خَمْسَةِ أَوْسُقٍ شَكَّ داوُدُ بْنُ الحُصَيْنِ. قالَ أَبُو داوُدَ: حَدِيثُ جابِرٍ إِلَى أَرْبَعَةِ أَوْسُقٍ (¬1). * * * باب في مقدار العرية [3364] (حدثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (حدثنا مالك، عن داود بن الحصين) هو المدني، وكلهم مدنيون إلا شيخ البخاري، وليس لداود ولا لشيخه (¬2) في البخاري سوى هذا الحديث وآخر بعده. (عن) أبي سفيان قزمان (¬3) (مولى ابن أبي أحمد) وابن أبي أحمد (¬4) هو عبد الله ابن أبي أحمد بن جحش الأسدي ابن أخي زينب بنت جحش أم المؤمنين (¬5). (قال أبو داود: وقال لنا) شيخنا (القعنبي فيما قرأ على مالك عن أبي ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2190)، ومسلم (1541). (¬2) في (ر): شيخه. (¬3) في (ر): عن قزمان. (¬4) في (ر): حمد. (¬5) انظر: "تهذيب الكمال" 33/ 365.

سفيان) وهو المشهور بكنيته، حتى قال النووي تبعًا لغيره: لا يعرف اسمه، وسبقهم إلى ذلك أبو أحمد الحاكم في "الكنى" (¬1)، ولكن حكى المصنف عن شيخه أن (اسمه قزمان) بضم القاف وإسكان الزاي (مولى ابن أبي أحمد) وحكى الواقدي أن أبا سفيان كان مولى لبني عبد الأشهل، وكان يجالس (¬2) عبد الله بن [أبي] أحمد فنسب (¬3) إليه (¬4). (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -رضي الله عنه- رخص في بيع العرايا) أي في بيع تمر العرايا؛ لأن العرية هي النخلة، والعرايا جمع العرية فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه (فيما دون خمسة أوسق، أو في خمسة أوسق. شك) أي الشك فيه وقع من (داود بن الحصين) وذكر ابن التين تبعًا لغيره أن داود تفرد به بهذا الإسناد. قال: وما رواه عنه إلا مالك بن أنس. والوسق: ستون صاعًا كما تقدم في الزكاة، وقد اعتبر من قال بجواز بيع العرايا بمفهوم هذا العدد ومنعوا ما زاد عليه. واختلفوا في جواز الخمسة لأجل الشك المذكور، والخلاف عند المالكية والشافعية، والراجح عند المالكية الجواز في الخمسة فما (¬5) دونها، وعند الشافعية الجواز فيما دون الخمسة ولا يجوز في ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" 4/ 368. (¬2) في (ع): مجالس. (¬3) في (ع): نسب. (¬4) انظر: "طبقات ابن سعد" 5/ 307. (¬5) في (ر): فيما.

الخمسة، وهو قول الحنابلة وأهل الظاهر، ومأخذ المنع أن الأصل التحريم وبيع العرايا رخصة، فيؤخذ بما تحقق فيه الجواز ويلغى ما وقع فيه الشك، وسبب الخلاف أن النهي عن بيع المزابنة هل ورد متقدمًا ثم وقعت الرخصة في العرايا، أو النهي عن بيع المزابنة وقع مقرونًا بالرخصة في بيع العرايا؟ فعلى الأول: لا يجوز في الخمسة؛ للشك في رفع التحريم. وعلى الثاني يجوز للشك في قدر التحريم. واحتج بعض المالكية بأن لفظة دون صالحه لجميع ما تحت الخمسة، فلو عملنا بها لزم رفع هذِه الرخصة، وتعقب بأن العمل بها ممكن بأن يحمل على أقل ما يصدق عليه، وهو المفتى به في مذهب الشافعي. وروى الترمذي (¬1) حديث الباب من طريق زيد بن الحباب عن مالك بلفظ: "أرخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق"، ولم يتردد في ذلك. وزعم المازري (¬2) أن ابن المنذر ذهب إلى تحديد ذلك بأربعة (¬3) أوسق ولم يتردد في ذلك لوروده في حديث جابر من غير شك فيه، فتعين طرح الرواية التي وقع فيها الشك والأخذ بالرواية المتيقنة (¬4) وألزم المزني الشافعي القول به. قال شيخنا ابن حجر: وفيما قاله نظر، أما ابن المنذر فليس في شيء ¬

_ (¬1) سقطت من (ر). (¬2) في (ر): الماوردي. (¬3) في (ل) و (ر): أربعة. والمثبت من "فتح الباري". (¬4) في (ل) و (ر): المتفقة. والمثبت من "فتح الباري".

من كتبه ما نقله عنه، وإنما فيه ترجيح القول [الصائر إلى أن الخمسة لا تجوز، وإنما يجوز ما دونها، وحكى ابن عبد البر هذا القول] (¬1) عن قوم. قال: واحتجوا بحديث جابر ثم قال: ولا خلاف بين الشافعي ومالك ومن تبعهما في جواز العرايا في أكثر من أربعة أوسق ما لم يبلغ خمسة أوسق (¬2)، وترجم ابن حبان على حديث جابر الاحتياط أن لا يزيد على أربعة أوسق (¬3). (قال أبو داود: حديث جابر) أن الحد ينتهي (إلى أربعة أوسق) وحديث جابر صحيح أخرجه الشافعي وأحمد، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم أخرجوه كلهم عن طريق أبي إسحاق: حدثني محمد بن يحيى بن حبان، عن عمه واسع بن حبان، عن جابر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول حين أذن لأصحاب العرايا أن يبيعوها بخرصها، يقول: "الوسق والوسقين والثلاثة والأربع" (¬4). هذا لفظ أحمد، وهذِه المسألة لها تعلق بأصول الفقه؛ لأن النهي عن المزابنة ورد مستثنى منه العرايا، والعرايا قد (¬5) وقع الشك في مقدارها، فيكون ذلك كتخصيص العام بمجمل، فإنه يمنع الاحتجاج به، كذلك هنا يمنع الاحتجاج بعموم النهي عن المزابنة في الخمسة، وهذِه مسألة ¬

_ (¬1) سقطت من (ر). (¬2) "التمهيد" 2/ 336. (¬3) "صحيح ابن حبان" 11/ 381، وانظر: "فتح الباري" 4/ 388. (¬4) "مسند أحمد" 3/ 360، "صحيح ابن خزيمة" (2469)، "صحيح ابن حبان" (5008)، "المستدرك" 1/ 578. (¬5) في (ع): وقد.

مقررة في أصول الفقه. فالشك الذي في مقدار الرخصة يقتضي الشك في مقدار المنهي عنه، ويعدل إلى دليل آخر، وقد نبه الأصحاب على ذلك، ومثل ذلك ما قاله إمام الحرمين (¬1) فيما إذا قال: وقفت على أولادي وأولاد أولادي إلا من يفسق منهم، لما اعتقد أن ذلك متردد بين عود الاستثناء إلى الكل أو إلى الأخير (¬2) وحكمه مع ذلك بأنه لا يصرف إلى الأولاد لأجل التردد، ومثل ذلك بحث جرى بين السبكي وبين شيخه ابن الرفعة في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "المؤمنون عند شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا" (¬3). ورام (¬4) ابن الرفعة الاستدلال بذلك إلى أنه متى شك في شرط وجب إدراجه في العموم، والحكم بصحته حتى يقوم دليل على منعه، وليس بجيد لما هو مرجح عند الأصوليين (¬5). ¬

_ (¬1) "نهاية المطلب" 8/ 364. (¬2) في (ل) و (ر): الأخيرة. والمثبت من "المجموع". (¬3) رواه الترمذي (1352)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 90، والطبراني 17/ 22 (30)، والدارقطني 3/ 27، والحاكم في "المستدرك" 4/ 101، والبيهقي 6/ 79، 7/ 249. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. (¬4) في (ر): ورآه. (¬5) انظر: "المجموع" 10/ 378.

22 - باب تفسير العرايا

22 - باب تَفْسير العَرايا 3365 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الهَمْداني، حدثنا ابن وَهْبٍ، قالَ: أَخْبَرَني عَمْرُو بْن الحارِثِ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ الأنصاريِّ أَنَّهُ قال: العَرِيَّة الرَّجُلُ يُعْري الرَّجُلَ النَّخْلَةَ أَوِ الرَّجُلُ يَسْتَثْني مِنْ مالِهِ النَّخْلَةَ أَوْ الاثنَتَيْنِ يَأْكُلُها فَيَبِيعُها بِتَمْرٍ (¬1). 3366 - حدثنا هَنّادُ بْن السَّريِّ، عَنْ عَبْدَةَ، عَنِ ابن إِسْحاقَ قال: العَرايا أَنْ يَهَبَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ النَّخَلاتِ فَيَشُقَّ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ عَلَيْها فَيَبِيعَها بِمِثْلِ خَرْصِها (¬2). * * * باب في تفسير العرايا [3365] (حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني، حدثنا ابن (¬3) وهب، أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري أحد الأعلام. (عن عبد ربه بن سعيد الأنصاري) أخي يحيى وسعد (¬4)، حجة (أنه قال: العرية) وهي عنده فعيلة بمعنى فاعلة، ولام الكلمة [ياء كهدية] (¬5)، وجمعه فعائل كصحيفة وصحائف، وكذلك عرية وعرائي ¬

_ (¬1) رواه أبو عوانة في "مستخرجه" 3/ 296 (5048)، والبيهقي 5/ 310 كلاهما من طريق أبي داود. وقال الألباني: صحيح الإسناد مقطوع. (¬2) رواه أبو عوانة في "مستخرجه" 3/ 297 (5049)، والبيهقي 5/ 310 كلاهما من طريق أبي داود. وقال الألباني: صحيح الإسناد مقطوع. (¬3) سقطت من (ر). (¬4) في الأصول: سعيد، والمثبت هو الصواب، انظر: "تهذيب الكمال" 16/ 476. (¬5) في (ل) و (ر): فالهدية، والمثبت من "المجموع".

-بهمزة بعد المدة مكسورة وبعدها ياء- فتحت هذِه الهمزة العارضة في الجمع فصار (¬1): عرائى (¬2)، وتحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا فصارت عراءا (¬3)، ثم إنهم كرهوا اجتماع ألفين بينهما همزة مفتوحة؛ لأن الهمزة كأنها ألف فكأنه اجتمع ثلاث ألفات فأبدلوا من الهمزة ياء فقالوا: عرايا وليس وزنها فعالى؛ لأن هذِه الياء (¬4) ليست أصلية، وإنما وزنه (¬5) فعائل، وهذا الإبدال والعمل واجب، وكل هذِه القواعد محكمة (¬6) في علم التصريف. ومثل ذلك هدية وهدايا، وقد قالوا في جمعه أيضًا: هداوا، وأكثر النحويين جعلوا ذلك شاذًّا، والأخفش قاس عليه، وردوا عليه بأنه لم ينقل منه إلا هذِه اللفظة، أعني هداوا، فلم (¬7) يأت مثل (¬8) عداوى (¬9) وشبهه، وإنما كُسِرَ (¬10) بالياء كحنية (¬11) وحنايا ومنية ومنايا. قال أبو حيان محمد بن يوسف الأندلسي: ولو ذهب إلى أن وزن ¬

_ (¬1) سقط من الأصل، وأثبتها من "المجموع". (¬2) في الأصل (عراى). (¬3) في الأصل (عراا). (¬4) في الأصل (همزته). والمثبت من "المجموع". (¬5) في (ع): وزنها. (¬6) في (ر): بحكمة. (¬7) في (ع): ولم. (¬8) في الأصل (منه). والمثبت من "المجموع". (¬9) في الأصل (عداوى). والمثبت من "المجموع". (¬10) في "المجموع" (كتب). (¬11) في (ر): كخبية.

هذا المجمع كله فعالى (¬1) لكان مذهبًا حسنًا بعيدًا من التكلف (¬2). وهو أن (الرجل يعري) بضم الياء أوله وسكون العين (الرجل) الذي عراه أي أتاه وقصده أي يطعمه تمر (النخلة) التي له، كما يقال: طلب إلى فأطلبته، وأصله متعد إلى واحد، فلما دخلت عليه الهمزة تعدى إلى اثنين، وهذا قول أبي عبيد الهروي (¬3). قال الشافعي في باب العرايا: الصنف الثاني من العرايا أن يخص (¬4) رب الحائط القوم فيعطي الرجل ثمر (¬5) النخلة وثمر النخلتين وأكثر، هدية (¬6) يأكلها، وهذِه في معنى المنحة (¬7) من الغنم، يمنح الرجل الرجل الشاة أو الشاتين وأكثر ليشرب لبنها وينتفع به، وللمعرى (¬8) أن [يبيع ثمرها] (¬9) وبتمره (¬10) وبصنع فيه ما يصنع في ماله؛ لأنه قد ملكه (¬11) (أو) أن (الرجل يستثني من ماله النخلة أو) النخلتين (الاثنتين) ويخرجها من نخله كي (يأكلها) ليأكلها رطبًا فيبدو له (فيبيعها بتمر) ¬

_ (¬1) "غريب الحديث" 1/ 231. (¬2) في (ر): يقال: (¬3) انظر: "المجموع" 10/ 334 - 335. (¬4) في (ر): يحضر. (¬5) في (ر): تمر. والمثبت من "المجموع". (¬6) في (ر): عرية. والمثبت من "المجموع". (¬7) في (ر): المحنة. (¬8) في (ر): وللمعري وهو خطأ إنما اسم مفعول. والمثبت من "المجموع". (¬9) في (ر): ينقع تمرها. (¬10) في (ر): يثمره. والمثبت من "المجموع". (¬11) انظر: "المجموع" 10/ 335 - 336.

على الأرض رخص له ذلك للحاجة إليه. [3366] (حدثنا هناد بن السري، عن عبدة) بن سليمان الكلابي (عن) محمد (بن إسحاق) -رضي الله عنه- أنه (قال: العرايا أن يهب) بفتح الياء والهاء (الرجل للرجل) النخلة أو (النخلات) بفتح الخاء (فيشق عليه أن يقوم عليها) ويعجز عنها (فيبيعها) للواهب أو لغيره (بمثل خرصها) بخرصها كخرصها، أي: بقدر ما يخرص به تمرًا. وفي "معجم الطبراني" عن زيد بن ثابت: رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العرايا النخلة والنخلتين توهبان للرجل فيبيعهما بخرصهما تمرًا (¬1). ¬

_ (¬1) "المعجم الكبير" 5/ 100 (4770).

23 - باب في بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها

23 - باب في بَيع الثِّمارِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاحُها 3367 - حدثنا عَبْدُ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْع الثِّمارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُها، نَهَى البائِعَ والمُشْتَريَ (¬1). 3368 - حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْليُّ، حدثنا ابن علَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْع النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ وَعَنِ السُّنْبلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ العاهَةَ، نَهَى البائِعَ والمُشْتَريَ (¬2). 3369 - حدثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمَريُّ، حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيْر، عَنْ مَوْلى لِقُرَيْشٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قال: نَهَى رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، عَنْ بَيْعِ الغَنائِمِ حَتَّى تُقْسَمَ وَعَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى تُحْرَزَ مِنْ كلِّ عارِضٍ وَأَنْ يُصَلّيَ الرَّجُلُ بِغَيْرِ حِزامٍ (¬3). 3370 - حدثنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ خَلاَّدٍ الباهِليُّ، حدثنا يَحيَى بْن سَعِيدٍ، عَنْ سَلِيم بْنِ حَيّانَ، أَخْبَرَنا سَعِيدُ بْنُ مِيناءَ قالَ: سَمِعْتُ جابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقولُ: نَهَى رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُباعَ الثَّمَرَةُ حَتَّى تُشَقِّحَ. قِيلَ: وَما تُشَقِّحُ قال: تَحْمارُّ وَتَصْفارُّ وَيُؤْكَلُ مِنْها (¬4). 3371 - حدثنا الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ، حدثنا أَبُو الوَلِيدِ، عَنْ حَمّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَس أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْع العِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ؟ وَعَنْ بَيْع الحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2194)، ومسلم (1534). (¬2) رواه مسلم (1535). (¬3) رواه أحمد 2/ 387. وقال الألباني: ضعيف الإسناد. (¬4) رواه البخاري (2196)، ومسلم (1536/ 84). (¬5) رواه الترمذي (1228)، وابن ماجه (2217)، وأحمد 3/ 250. وصححه الألباني في "المشكاة" (2862).

3372 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حدثنا عَنْبَسَةُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَني يُونُسُ قالَ: سَألتُ أَبا الزِّنادِ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاحُهُ وَما ذُكِرَ في ذَلِكَ، فَقالَ: كانَ عُرْوَةُ بْن الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبي حَثْمَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ قالَ: كانَ النّاسُ يَتَبايَعُونَ الثِّمارَ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاحُها فَإذا جَدَّ النّاسُ وَحَضَرَ تَقاضِيهِمْ قال: المُبْتاعُ قَدْ أَصابَ الثَّمَرَ الدُّمانُ وَأَصابَهُ قُشامٌ وَأَصابَهُ مُراضٌ عاهات يَحْتَجُّونَ بِها، فَلَمّا كَثُرَتْ خصُومَتُهُمْ عِنْدَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كالمَشُورَةِ يُشِيرُ بِها: "فَإمّا لا فَلا تَتَبايَعُوا الثَّمَرَةَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُها". لِكَثْرَةِ خُصُومَتِهِمْ واخْتِلافِهِمْ (¬1). 3373 - حدثنا إِسْحاق بْنُ إِسْماعِيلَ الطّالقانيُّ، حدثنا سُفْيانُ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جابِرٍ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْع الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهُ وَلا يُباعُ إِلا بِالدِّينارِ أَوْ بِالدِّرْهَمِ إِلا العَرايا (¬2). * * * باب في بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها [3367] (حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر) - رضي الله عنهما -: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمار) بالمثلثة جمع ثمرة بالتحريك، وهي أعم من الرطب وغيره (حتى يبدو) بفتح الواو دون همز، أي: حتى يظهر (صلاحها) وفي رواية لمسلم: حتى يبدو صلاحه حمرته وصفرته (¬3). وفي رواية له قال: ما صلاحه؟ ¬

_ (¬1) رواه البخاري تعليقًا بإثر حديث (2193)، والدارقطني في "سننه" 3/ 13 (38)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 28، والبيهقي 5/ 301. وصححه الألباني. (¬2) رواه البخاري (2189)، ومسلم (1543). (¬3) "صحيح مسلم" (51/ 1534)، وهو من قول ابن عمر.

قال: تذهب عاهته (¬1)، ورواية جابر وأنس الاثنتين بمعنى ذلك، واشترط بدو الصلاح في البيع لأن الثمرة بعد الصلاح تأمن من العاهات (¬2) والجوائح غالبًا لكبرها، وغلظ نواها، وقبل (¬3) الصلاح تسرع إليها العاهات لضعفها، فإذا تلفت (¬4) لم يبق شيء في مقابلة الثمن، وكان ذلك من أكل المال بالباطل (¬5). واختلف السلف في قوله: "حتى يبدو صلاحها": هل المراد جنس الثمار حتى لو بدا الصلاح في بستان من البلد مثلًا جاز بيع ثمرة جميع البساتين، أو لابد من بدو الصلاح في كل بستان على حدة، أو لابد من بدو الصلاح في كل جنس على حدة، أو في كل (¬6) شجرة (¬7) على حدة (¬8)، على أقوال (والأول) قول الليث وهو عند المالكية بشرط أن يكون متلاحقًا. (والثاني) قول أحمد، وعنه رواية كالرابع. (والثالث) قول الشافعية، ويمكن أن يؤخذ ذلك من التعبير ببدو ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (52/ 1534). (¬2) زاد هنا في (ر): لضعفها وهو خطأ، وفي (ل): كلمة غير مفهومة. والمثبت من "المجموع". (¬3) في (ر): وقيل. (¬4) في (ر): بلغت. والمثبت من (ل) و"المجموع". (¬5) انظر: "المجموع" 11/ 119. (¬6) سقطت من (ر). (¬7) في (ر): شجر. (¬8) سقطت من (ع).

الصلاح؛ لأنه دال على الاكتفاء ببعضه من غير اشتراط تكامله (¬1)، فإذا بدا الصلاح في نخلة واحدة، بل في بسرة جاز، ولا خلاف أن غير النخل من الشجر حكمه حكم النخل. قال بعض (¬2) أصحابنا: وإذا بدا الصلاح في بعض الثمرة دون بعض، نظر إن اختلف الجنس لم يكن بدو الصلاح في أحد الجنسين صلاحًا في الجنس الآخر، حتى لو باع الرطب والعنب صفقة واحدة وبدا (¬3) الصلاح في أحدهما دون الآخر اشترط القطع في الجنس الذي لم يبد (¬4) فيه الصلاح، لا خلاف في ذلك عندنا (¬5). (نهى البائع والمشتري) أما البائع فلئلا (¬6) يأكل مال أخيه بالباطل، وأما المشتري فلئلا (¬7) يضيع (¬8) ماله ويساعد البائع على الباطل، وفيه أيضًا قطع التنازع والتخاصم (¬9)، وفي قوله: نهى البائع والمشتري. تأكيد للمنع لا أنه للاشتراط؛ فإن النهي عن بيع الثمار يعمهما. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على القول بجملة هذا ¬

_ (¬1) في (ع): مكاملة، وانظر: "فتح الباري" 4/ 396 بتصرف يسير. (¬2) سقطت من (ع). (¬3) في (ر): بدو. (¬4) في الأصل (يبدو). والمثبت من "المجموع". (¬5) انظر: "المجموع" 11/ 159. (¬6) في (ر): قليلا. (¬7) في (ر): قليلا. (¬8) في (ر): يصنع. (¬9) انظر: "فتح الباري" 4/ 396.

الحديث (¬1). وقال أبو الفتح القشيري: أكثر الأمة على أن هذا النهي نهي تحريم (¬2)، وعند أبي حنيفة [هو نهي] (¬3) كراهة (¬4). [3368] (حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي، حدثنا) إسماعيل بن إبراهيم (ابن علية) الإمام (عن أيوب) بن أبي تميمة السختياني. (عن نافع، عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع النخل حتى يزهي) (¬5) بضم الياء وكسر الهاء. قال الخطابي: هذِه الرواية هي الصواب (¬6). ولا يقال في النخل: تزهو إنما يقال: تزهي لا غير. قال شيخنا ابن حجر: وأثبت غيره ما نفاه (¬7) يقال: زها النخل إذا طال واكتمل، وأزهى إذا احمر واصفر، ويقال: زها النخل إذا ظهرت ثمرته وأزهى يزهي إذا أحمر أو أصفر (¬8). زاد النسائي: قيل: يا رسول الله، وما يزهي؟ قال: "حتى يحمر" (¬9) أي تبدو الحمرة في بعضها ¬

_ (¬1) "الأوسط" 10/ 55. (¬2) "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" 2/ 122. (¬3) في (ر): فهي. (¬4) انظر: "المجموع" 11/ 117. (¬5) في (ر): يزهر. (¬6) "معالم السنن" 3/ 71. (¬7) في (ر): يقال: والمثبت من (ل) والفتح. (¬8) انظر: "فتح الباري" 4/ 398. (¬9) "المجتبى 7/ 264.

ولو في نخلة (¬1) واحدة أو بسرة واحدة كما تقدم لا في جميعها؛ لأن الله تعالى أجرى العادة أن الثمار لا تحمر ولا تصفر ولا تطيب دفعة واحدة رفقًا بالعباد، فإنها لو طابت دفعة واحدة لم يكمل تفكههم بها دفعة، وإنما يتلون ويطيب شيئًا فشيئًا (¬2). (و) نهى (عن) بيع (السنبل حتى يبيض) هكذا رواية مسلم (¬3). قال النووي: معناه حتى يشتد حبه، وهو بدو صلاحه (¬4). فيه دليل لمذهب مالك، وأما مذهبنا ففيه تفصيل، فإن كان السنبل شعيرًا وذرة أو ما في (¬5) معناهما مما ترى حباته [جاز بيعه] (¬6)، وإن كان حنطة ونحوها مما [يستر] (¬7) حبه بالقشر، فالأصح الجديد عن (¬8) الشافعي: لا يصح، والقديم يصح (¬9). (ويأمن) (¬10) وينجو من (العاهة) وهي الآفة تصيب الزرع أو الثمر ونحوه فتفسده، وهذا بيان (¬11) أو تعليل لما تقدم من النهي عن بيع ¬

_ (¬1) في (ر): محله. (¬2) انظر: "المجموع" 11/ 158. (¬3) "صحيح مسلم" (1535). (¬4) انظر: "شرح مسلم" 10/ 179. (¬5) سقطت من (ر). (¬6) في (ر): بينه. (¬7) في (ر): يشتد. والمثبت من "شرح مسلم". (¬8) في (ر): عند. (¬9) انظر: "شرح مسلم" 10/ 182. (¬10) في (ع): ويأمن في. (¬11) سقطت من (ع).

الثمار حتى يبدو صلاحه بأن يحمر أو يصفر، والحب بأن يشتد حبه؛ فإنه إذا بيع قبل ذلك لا يؤمن عليه من العاهة فإذا حصلت له العاهة بقي أكل ثمنه من أكل أموال الناس بالباطل. ولهذا اشترط الشافعي إذا بيع قبل بدو الصلاح اشترط (¬1) القطع فيما ينتفع به قبل بدو الصلاح كالحصرم، وليس ذلك من باب تخصيص العموم بعلة (¬2) مستنبطة منه؛ فإن ذلك فيه خلاف، وأما هذِه العلة فمنصوصة. ولا شك أن استفادة التعليل من هذا الكلام ظاهرة، وهو من أقوى درجات الإيماء الذي هو أحد أدلة العلة (¬3)، وبيان كونه علة أن ذكر الشارع يأمن من العاهة وهو وصف مناسب لأن يكون علة للحكم الذي هو النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحه والنهي عن بيع السنبل حتى يبيض؛ لأن الثمار إذا بدا صلاحه والحب إذا أبيض أمن من (¬4) العاهة، وإذا أمن العاهة سلم البيع من أكل أموال الناس بالباطل، فلو لم يكن ذكر هذا الوصف المناسب علة للنهي عن البيع فيهما لم يكن لذكره فائدة، وكان ذكره عبثًا، وكلام الشارع منزه عن هذا، وهذا هو القسم الثاني من أقسام الإيماء ومثله الأصوليون بقوله - صلى الله عليه وسلم -[في النهي كما تقدم] (¬5): "إنها ليست بنجسة إنها من الطوافين ¬

_ (¬1) في (ل) و (ر): اشتراط. والمثبت من (ع). (¬2) في (ر): فعلة. (¬3) انظر: "المجموع" 11/ 119. (¬4) زيادة من (ر). (¬5) زيادة من (ل).

عليكم أو الطوافات" (¬1). (نهى البائع والمشتري) تأكيد للمنع في النهي، كما تقدم. [3369] (حدثنا حفص بن عمر) بن الحارث (النمري) بفتح النون، قال (حدثنا شعبة، عن يزيد بن خمير) بضم الخاء المعجمة وفتح الميم مصغر الرحبي الحمصي. (عن مولىً لقريش، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع) رواية الترمذي: عن شراء (¬2) (الغنائم حتى تقسم) مقتضى النهي عن بيع مال الغنيمة قبل أن يقسم؛ لأنه بيع ما لم يملك، وأكل المال في مقابلته من أكل المال بالباطل؛ فإن الأظهر من الأقوال الثلاثة للشافعي أنه (¬3) لا ملك للغانمين فيها قبل القسمة، وإنما يملكون إن تملكوا (¬4) بدليل صحة الإعراض عنها، فإن من أعرض عن الغنيمة قبل القسمة [قدر كأنه] (¬5) لم يحضر القوم وكأنه لم يكن، وقسم المال على الباقين. ولو ملكوا الغنيمة بالاستيلاء لما سقط ملكهم بالإعراض كملك من احتش أو احتطب، وأيضًا فللإمام أن يخص كل طائفة بنوع من المال. ولو ملكوا لم يجز إبطال حقهم عن بعض الأنواع بغير اختيارهم. ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (1563). (¬2) في (ع): لأنه. (¬3) سلف برقم (75 - 76). (¬4) زاد في (ر): القوم. وانظر: "نهاية المطلب" 3/ 334. (¬5) في (ر): كأنه قدر.

(وعن بيع النخل) أي ثمر النخل فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، ولهذا ذكره المصنف في باب بيع الثمار (حتى تحرز) رواية مسلم: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع النخل حتى يأكل منه أو يؤكل وحتى يوزن، قلت: ما يوزن؟ [فقال: ما يوزن] (¬1) فقال رجل عنده أي عند ابن عباس: حتى يحزر. قال النووي: حتى يأكل أو يؤكل، معناه: حتى يصلح لأن يؤكل (¬2) في الجملة. وأما تفسيره (يوزن) بـ (يحزر) فظاهر؛ لأن الحزر طريق إلى معرفة قدره، وكذا الوزن، وقوله: حتى يحزر هو بتقديم الزاي على الراء، أي: يخرص. قال: ووقع في بعض الأصول بتقديم الراء أي: تسلم وتأمن (من كل عارض) من العاهات كما في الحديث قبله، وهو تصحيف، وإن كان يمكن تأويله لو صح، وهذا التفسير المضاف إلى ابن عباس؛ لأنه أقر قائله عليه ولم ينكره، وتقريره كقوله والله أعلم (¬3). (وأن يصلي الرجل بغير حزام) قال ابن الأثير: هذا مثل الحديث الآخر: "لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء" (¬4)، وإنما أمر به؛ لأنهم كانوا قل ما يتسرولون ومن لم يكن ¬

_ (¬1) هكذا في الأصل، وليست موجودة في "صحيح مسلم". (¬2) في (ع): كل. (¬3) انظر: "شرح مسلم" 10/ 181. (¬4) رواه البخاري (359)، ومسلم (516) من حديث أبي هريرة.

عليه سروال وكان جيبه واسعًا ولم يَتَلَبَّبْ ربما وقع بصره أو بصر غيره على عورته، انتهى (¬1). وأصل الحزام ما يشد به فوق الإكاف الذي على البردعة، ويستعمل فيما يشد به؛ وسط الآدمي من سير ونحوه. قال ابن قدامة في "المغني": شد الوسط بمئزر أو حبل ونحوه مأمور به، وليس بمكروه، قال أحمد بن حنبل: لا بأس به؛ أليس قد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا يصل (¬2) أحدكم إلا وهو محتزم" (¬3) [وقال يحيى بن سعيد: سألت أحمد عن حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يصلي أحدكم إلا وهو محتزم"] (¬4) فقال: كأنه من شد (¬5) الوسط. قال: وروى الخلال بإسناده عن الشعبي قال: كان يقال: شد حقوك في الصلاة ولو بعقال، وعن يزيد بن الأصم مثله (¬6). [3370] (حدثنا أبو بكر محمد بن خلاد) بن كثير (الباهلي) البصري، روى له مسلم وكان يعد من العقلاء. (حدثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن سليم) بفتح المهملة وكسر اللام (ابن حيان) من الحيوة. (حدثنا سعيد بن ميناء) بكسر الميم وسكون التحتانية وبالنون ممدودًا ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 950. (¬2) في (ل) و (ر): يصلي. (¬3) رواه أحمد 2/ 458 من حديث أبي هريرة. (¬4) سقطت من (ع). (¬5) في (ر): شط. (¬6) "المغني" 1/ 658.

ومقصورًا. (قال: سمعت جابر بن عبد الله) -رضي الله عنهما - (يقول: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تباع الثمرة حتى تشقح) بضم أوله وسكون الشين المعجمة، ويروى بفتح الشين [المعجمة] (¬1) وتشديد القاف، يقال: أشقح وشقح (¬2) وبعد القاف حاء مهملة، كذا ضبطه السبكي، يقال: أشقح ثمر (¬3) النخل إشقاحًا إذا احمر أو اصفر (¬4)، والاسم الشقح (¬5) بضم الشين وسكون القاف بعدها حاء مهملة، وهو لون غير خالص في (¬6) الحمرة والصفرة، وذكره مسلم من وجه آخر عن جابر بلفظ: "حتى تشقه" (¬7) فأبدل من الحاء هاء لقرب مخرجها من مخرجها. (قيل: وما تشقح) هذا التفسير من قول سعيد بن ميناء راوي الحديث، بين ذلك أحمد في روايته لهذا الحديث عن بهز بن أسد عن سَلِيم بن حيان أنه هو الذي سأل سعيد بن ميناء عن ذلك فأجابه بذلك (¬8)، وقد أخرج مسلم الحديث من طريق زيد بن أبي أنيسة عن ¬

_ (¬1) سقطت من (ل) و (ع). (¬2) في (ع): يشقح. (¬3) في (ر): عن. (¬4) انظر: "المجموع" 11/ 116. (¬5) في الأصل: (الشقحة). والمثبت من "فتح الباري". (¬6) في (ع): إلى. (¬7) "صحيح مسلم" (1536). (¬8) "المسند" 3/ 361 (14884).

أبي الوليد مطولًا، وفيه: وأن تشترى النخل (¬1) حتى تشقه. والإشقاه أن يحمر أو يصفر أو يؤكل منه شيء، وفي آخره قال زيد: فقلت لعطاء: أسمعت جابرًا يذكر هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم (¬2). وهو يحتمل (¬3) أن يكون مراده بقوله [هذا جميع الحديث فيدخل فيه التفسير، ويحتمل أن يكون مراده أصل الحديث] (¬4) لا التفسير فيكون التفسير (¬5) من كلام الراوي. (قال: تحمار وتصفار) قال ابن التين: التشقيح (¬6): تغير لونها إلى الصفرة والحمرة، فأراد بقوله: تحمار وتصفار ظهور أوائل (¬7) الحمرة والصفرة قبل أن تشبع. قال: وإنما يقال تفعال في اللون الغير متمكن إذا كان ملونًا (¬8). قال في "شرح التسهيل" لابن مالك: وإفهام العروض (¬9) مع الألف كثير وبدونها قليل، أي: أن زيادة الألف في أفعل تدل غالبًا (¬10) على كون الصفة عارضة، وأن عدم زيادتها تدل على الثبوت واللزوم غالبًا، ¬

_ (¬1) في الأصول: التمر، والمثبت من "صحيح مسلم". (¬2) "صحيح مسلم" (1536). (¬3) في (ل): محتمل. والمثبت من (ر). (¬4) ما بين المعقوفين سقط من (ل) و (ر). والمثبت من "فتح الباري". (¬5) في (ر): كالتفسير. (¬6) في (ر): التشقح. (¬7) في (ع): أوئل. (¬8) انظر: "فتح الباري" (396 - 397). (¬9) في (ر): الفروض. (¬10) في (ع): غا.

فإذا قيل: احمار البسر علم أن الحمرة عارضة. وإذا قيل: احمر علم أنها لازمة، وقد يعكس الأمر فيكون الثبوت مع الألف كقوله تعالى: {مُدْهَامَّتَانِ (64)} (¬1) ويكون العروض مع عدم الزيادة نحو: اصفر وجهه وجلا واحمر خجلًا (¬2)، ومنه قوله تعالى: {تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ} (¬3). انتهى. ويحتمل أن يراد بيحمار ويصفار المبالغة في احمرارها واصفرارها (¬4) على القاعدة المستقرة أن زيادة الحروف تدل على كثرة المعاني (ويؤكل منها) أي تصلح لأن يؤكل منها في الجملة. وفي رواية النسائي في هذا الحديث: حتى يطعم (¬5). وفي رواية لمسلم: حتى يطيب (¬6). [3371] (حدثنا الحسن بن علي) الخلال (حدثنا أبو الوليد) هشام الطيالسي (عن حماد بن سلمة) بن دينار الربعي، مولى ربيعة بن مالك (عن حميد) بن أبي حميد الطويل، وهو ابن أخته (¬7)، واختلف في اسم أبي حميد فقيل: عبد الرحمن، وقيل: طرخان ويعرف بحميد ¬

_ (¬1) الرحمن: 64. (¬2) في (ر): حملا. (¬3) الكهف: 17. (¬4) في (ع): اسفرارها. (¬5) "سنن النسائي" 7/ 263 - 264. (¬6) "صحيح مسلم" (1536). (¬7) في (ع): أخيه.

الطويل، قيل: إنما قيل له الطويل لقصره، ولكن كان طويل اليدين، تابعي (¬1). (عن أنس) بن مالك -رضي الله عنه-: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع العنب حتى يسود) تبينه رواية الإمام مالك في "الموطأ": حتى تنجو من العاهة (¬2). فإن العنب إذا اسود ينجو من العاهة والآفة. وقد استدل الشافعي بهذِه العلة على أن بيع العنب قبل أن (¬3) يسود إذا كان حصرمًا يصح بيعه بشرط القطع؛ لأن الثمرة التي تقطع لا آفة تأتي عليها فهي تنجو من العاهة، وليست هذِه مستنبطة بل منصوصة كما تقدم. نقل ابن حزم في كتابه "المحلى" عن سفيان الثوري وابن أبي ليلى منع بيع الثمرة قبل بدو (¬4) الصلاح، وبيع العنب قبل أن يسود جملة لا بشرط القطع (¬5) ولا بغيره (¬6). فلو كانت الثمرة في البلاد الشديدة البرد بحيث لا تنتهي ثمارها إلى الاسوداد والحلاوة، واعتاد أهلها قطع الحصرم فلا أدري مذهب سفيان وابن أبي ليلى فيه، وأما على مذهب الشافعي والجمهور: لا يصح البيع إلا بشرط القطع كما في غيرها من البلاد. ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 7/ 355 (1525). (¬2) "الموطأ" 2/ 618. (¬3) سقطت من (ر). (¬4) في (ر): أن يبدو. (¬5) في (ل): بالقطع. والمثبت من (ر) و"المحلى". (¬6) انظر: "المحلى" 8/ 570.

وعن الشيخ أبي محمد الجويني أنه يصح البيع من غير شرط القطع، تنزيلًا لعادتهم الخاصة منزلة العادات العامة، ويكون المعهود كالمشروط، وامتنع الأكثرون من ذلك. ولم يروا تواطؤ قوم مخصوصين بمثابة العادات العامة، وهذا الخلاف يجري فيما إذا جرت عادة قوم بانتفاع المرتهن بالمرهون، والقَفَّال يرى اطراد العادة فيه كشرط عقد في عقد (¬1)، ومن نظائر ذلك ما إذا جرت عادة شخص برد أجود مما (¬2) استقرض فالمذهب جواز إقراضه. وفيه وجه. وهذِه مسائل متقاربة المأخذ والمخالف في بعضها لعله يخالف في الباقي. قال ابن الرفعة: وكلام الشيخ أبي (¬3) محمد مباين لكلام القَفَّال؛ لأن القَفَّال اعتبر العادة وحدها، وأبو محمد اعتبر العادة مع كون ذلك في بلاد لا ينتهي إلى الحلاوة، وقد يحمل الحصرم على ما بدا (¬4) صلاحه لقول الجوهري: إن الحصرم أول العنب (¬5). لكن العرف أن الحصرم لم يبد (¬6) صلاحه، وقول الجوهري معناه أول الثمرة التي نهايتها عنب. واعلم أن ها هنا أمورًا (¬7) أربعة يجب التمييز بينها: أحدها: العرف. ¬

_ (¬1) ينظر: "نهاية المطلب" 5/ 143. (¬2) في (ع): ما. (¬3) في الأصل (أبو). والمثبت من "المجموع". (¬4) في (ر): يذكر. (¬5) "الصحاح" 5/ 1900. (¬6) في (ر): يبدو. (¬7) في (ل) و (ر): أمور. والمثبت من "المجموع".

والثاني: العادة. وينقسم كل منهما إلى خاص وعام، والعرف غير العادة؛ فإن المراد بالعرف ما يكون سببًا لتبادر الذهن من لفظ إلى معنى المصطلح عليه بين المتكلمين، والمراد من العادة ما هو مألوف من الأفعال وما أشبهها. قاله السبكي تقي الدين (¬1). (وعن بيع الحب حتى يشتد) والحب الطعام كحب الحنطة ونحوها، واشتداده قوته وصلابته. وقد اتفق العلماء المشهورون (¬2) على جواز بيع القصيل بشرط القطع، وخالف سفيان الثوري وابن أبي ليلى فقالا: لا يصح بيعه بشرط القطع؛ لأنه لم يشتد، وقد اتفق الكل على أنه لا يصح بيع القصيل من غير شرط القطع. وخالف ابن حزم الظاهري فأجاز بيع القصيل بغير شرط القطع، تمسكًا بأن النهي إنما ورد على السنبل. قال: ولم يأت في منع بيع الزرع مذ نبت إلى أن يسنبل نص أصلًا، وروى عن (¬3) أبي إسحاق الشيباني قال: سألت عكرمة عن بيع القصيل، فقال: لا بأس به (¬4). فقلت: إنه سنبل فكرهه (¬5) (¬6). [3372] (حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا عنبسة بن خالد، حدثني ¬

_ (¬1) "المجموع" 11/ 122 - 124. (¬2) في (ل): المشهورين. وفي (ر): المشهور. والمثبت من "المجموع". (¬3) في (ع): عنه. (¬4) زيادة من (ع). (¬5) "المحلى" 8/ 404 - 405 بتصرف. (¬6) انظر: "المجموع" 11/ 133.

يونس) بن يزيد (¬1) (قال: سألت أبا الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن بيع الثمر) بفتح المثلثة والميم (قبل أن يبدو) بفتح الواو (صلاحه وما ذكر في ذلك) من الأحاديث. (فقال: كان (¬2) عروة بن الزبير) بن العوام (يحدث عن سهل بن أبي حثمة) من بني حارثة، كما في البخاري (¬3)، وفي هذا الإسناد رواية تابعي عن مثله عن صحابي عن مثله، والأربعة مدنيون. (عن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: كان الناس يتبايعون الثمار) زاد البخاري: على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (قبل أن يبدو صلاحها) يعني أنها بعد الصلاح تأمن (¬4) من العاهات والجوائح غالبًا لكبرها وغلظ نواها، وقبل الصلاح تسرع إليها العاهات لضعفها، وألفاظ هذِه الأحاديث المتقدمة مختلفة ومعانيها متفقة. قال العلماء: إما أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قالها في أوقات مختلفة ونقل كل واحد من الرواة ما سمعه، وإما أن يكون قال لفظًا في وقت ونقله الرواة بالمعنى (¬5). (فإذا جد) بتشديد الدال المهملة والمعجمة أيضًا لغتان (الناس) ¬

_ (¬1) في الأصول (يونس). والمثبت الصواب، ينظر "تهذيب الكمال" 32/ 551 (7188). (¬2) سقطت من (ع). (¬3) "صحيح البخاري" (2193). (¬4) سقطت من (ع). (¬5) انظر: "المجموع" 11/ 116 - 117.

والإعجام أشهر أي: قطعوا ثمر النخل أي: استحق الثمر القطع، وفي رواية للبخاري: أجذ (¬1) بزيادة الألف. قال ابن التين: ومعناه على هذِه الرواية: دخلوا في زمن الجذاذ كأظلم إذا دخل في الظلام، والجذاذ (¬2) صرام النخل، وهو قطع ثمرها وأخذها من الشجر (وحضر) (¬3) زمان (تقاضيهم) بالضاد المعجمة، أي: اقتضاء ثمارهم التي (¬4) ابتاعوها. (قال المبتاع) يعني المشتري: (قد أصاب الثمر) بفتح المثلثة والميم (الدمان) بفتح المهملة وتخفيف الميم، ضبطه أبو عبيد وضبطه الخطابي بضم أوله. قال القاضي عياض: هما صحيحان. قال: ورواها بعضهم بالكسر، وذكره أبو عبيد، عن [أبي الزناد] (¬5) بلفظ: الأدمان (¬6)، زاد في أوله الألف وفتحها وفتح الدال، وفسره أبو عبيد بأنه فساد الطلع، وتعفنه (¬7) وسواده. قال الأصمعي: الدمال - باللام - العفن (¬8). وقال القزاز: الدمان فساد النخل قبل إدراكه، وإنما (¬9) يقع ذلك في ¬

_ (¬1) في (ر): أخذ. والمثبت من "فتح الباري". (¬2) في (ع): وقت. (¬3) في (ع): حضر. (¬4) في (ع): والتي. (¬5) في (ل) و (ع): ابن أبي الزناد. (¬6) في (ر): الأدمار. والمثبت من "الفتح". (¬7) في (ر): تعقبه. (¬8) "مشارق الأنوار" 1/ 258. (¬9) تكررت في (ع).

الطلع يخرج قلب النخلة أسود معفونًا. ووقع في رواية يونس: الدمار بالراء بدل النون، وهو تصحيف كما قال عياض، ووجهه غيره بأنه أراد الهلاك كأنه قرأه بفتح أوله (¬1) (وأصابه قشام) بضم القاف بعدها شين معجمة خفيفة، زاد الطحاوي (¬2) في روايته: والقشام شيء يصيبه حتى لا يرطب (¬3). وقال الأصمعي: هو أن ينتقص ثمر النخل قبل أن يصير بلحًا (¬4). وقشام المائدة ما ينقص مما بقي على المائدة مما لا خير فيه (¬5). (وأصابه مراض) بكسر أوله للأكثر حكاه ابن حجر (¬6). وقال الخطابي: بضم أوله وهو اسم لجميع الأمراض بوزن سعال وصداع، وهو داء يقع في الثمرة فتهلك، يقال: أمرض (¬7) إذا وقع في ماله عاهة، وزاد الطحاوي في روايته: أصابه عفن. وهو بالمهملة والفاء المفتوحتين (¬8) (عاهات) جمع عاهة وهو بدل من المذكورات قبله أو خبر مبتدأ محذوف أي: هذِه الأمراض المذكورة عاهات، أي: آفات، والمراد بها هنا ما يصيب الثمر مما ذكر (يحتجون بها) ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" 4/ 394 - 395. (¬2) في (ع): الخطابي. والمثبت من (ر) والفتح. (¬3) "شرح معاني الآثار" 4/ 28. (¬4) ينظر: "معالم السنن" 3/ 85. (¬5) ينظر "غريب الحديث" للخطابي 3/ 199. (¬6) "فتح الباري" 4/ 395. (¬7) في (ع): مرض. (¬8) ينظر "فتح الباري" 4/ 395.

جمع لفظ يحتجون باعتبار لفظ المبتاع فإنه جنس صالح للقليل والكثير (¬1). (فلما كثرت خصومتهم) في ذلك (عند النبي - صلى الله عليه وسلم - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كالمشورة) بضم الشين وإسكان الواو (¬2) كالمعونة، وكان الأصل مَشْوُرَة بسكون (¬3) الشين، وضم الواو على وزن مفعلة فاستثقلت الضمة على الواو فنقلت حركتها إلى الساكن قبلها خلافًا لما قاله شيخنا ابن حجر أن (¬4) وزنها فعولة، وزعم الحريري أن سكون الشين وفتح الواو من الأوهام (¬5)، وليس كذلك فقد أثبتها "الجامع" و"الصحاح" (¬6) و"المحكم" (¬7) وغيرهم (¬8). واختلف في اشتقاق اسمها فقيل إنه من قولك: شرت العسل أشوره إذا جنيته فكأن المستشير يجني الرأي من المشير (¬9) (يشير بها) عليهم لكثرة خصومتهم، وقد يقال: إن حديث زيد يدل على أن (¬10) النهي في الأحاديث المتقدمة ليس على سبيل التحريم لقول الراوي: كالمشورة لهم؛ فإن ذلك يدل على أنه ليس بمتحتم وكذا قوله (فإما ¬

_ (¬1) انظر: "عمدة القاري" 12/ 5. (¬2) في (ر): الكاف. والمثبت من (ل) و"الفتح". (¬3) في الأصول: بكسر. والمثبت الموافق للسياق. (¬4) سقطت من (ر). والمثبت من (ل). (¬5) "درة الغواص" ص 29. (¬6) "الصحاح" 2/ 705. (¬7) "المحكم" 8/ 82. (¬8) انظر: "فتح الباري" 4/ 395. (¬9) "درة الغواص" ص 29، وانظر: "عمدة القاري" 12/ 5. (¬10) سقطت من (ر).

لا) وأكثر النسخ (¬1): فإما فلا تبتاعوا. أصله: فإن لا تتركوا هذِه المبايعة، فزيدت ما بعد إن للتأكيد ثم أدغمت النون في الميم وحذف الفعل الذي بعدها، وقد نطقت العرب بإمالة "لا" إمالة خفيفة، والعامة تشبع إمالتها وهو خطأ، ووجه إمالة "لا" لتضمنها الجملة المحذوفة وإلا فالقياس أن "لا" تمال الحروف. قال التيمي (¬2): وقد تكتب: لا، هذِه بلام وياء وتكون الإمالة فيمن كتب بالياء تبع للفظ الإمالة، ومنهم من كتب بالألف ويجعل عليها فتحة منحرفة علامة للإمالة، ومنهم من يكتبها بالألف اتبع أصل الكلمة (¬3). قال السبكي: والتمسك بقول الراوي (كالمشورة (¬4) يشير بها) (¬5) على أنه ليس بمتحتم ليس بالقوي؛ فإن كل أوامره - صلى الله عليه وسلم - ونواهيه لمصالحهم الأخروية والدنيوية، وأما (¬6) التمسك بقوله: لا، إما لا؛ فإنه يقتضي أن النهي معلق على شرط وهو الذي نقدره محذوفًا كما تقدم، والذي يليق بهذا الموضع أن لا ترجعوا عن الخصومة أو ما في معنى ذلك، فذلك وإن كانت صورته صورة التعليق (¬7) فليس المراد منه ¬

_ (¬1) سقطت من (ر). (¬2) في (ل) و (ر): التميمي. والمثبت من "عمدة القاري". (¬3) انظر: "عمدة القاري" 12/ 5. (¬4) سقط من (ل) و (ر). والمثبت من "المجموع". (¬5) سقط من (ر). والمثبت من (ل). (¬6) سقطت من (ع). (¬7) في (ر): التعلق. والمثبت من (ل) و"المجموع".

التعليق؛ فإن رجوعهم عن الخصومة في المستقبل في حق كل (¬1) أحد لا يعلم ولا يمكن أن يبقى الحكم موقوفًا على ذلك، فالمراد -والله أعلم- أنه أنشأ النهي لأجل ذلك، وكأنه (¬2) استعمل بمعنى إذ (¬3) التي تستعمل للتعليل، ومما يرشد إلى أن النهي حتم قوله: نهي البائع (¬4) والمشتري؛ فإنه لتأكيد المنع (¬5). (فلا تتبايعوا الثمر حتى يبدو صلاحه) قال ذلك (لكثرة خصومتهم واختلافهم) عند قبض الثمرة. وروى أحمد من طريق عثمان بن عبد الله بن سراقة: سألت ابن عمر عن بيع الثمار. فقال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الثمار حتى تذهب العاهة. قلت: ومتى ذاك؟ قال: مطلع الثريا (¬6). ووقع في رواية ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن خارجة، عن أبيه: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة (¬7) ونحن نتبايع الثمار قبل أن يبدو صلاحها فسمع خصومة فقال: "ما هذا" .. فذكر الحديث (¬8). [3373] (حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني، حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء، عن جابر -رضي الله عنه-: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمر ¬

_ (¬1) سقط من (ر): والمثبت من (ل) و"المجموع". (¬2) في (ر): فكله. والمثبت من (ل) و"المجموع". (¬3) في (ل) و (ر): إذا. والمثبت من "المجموع". (¬4) في (ل) و (ر): للبائع. (¬5) "المجموع" 11/ 117. (¬6) "المسند" 2/ 42 (5012). (¬7) سقطت من (ع). (¬8) "المسند" 5/ 190.

حتى يبدو صلاحه) فإنه يصير على الصفة التي تطلب (ولا يباع إلا بالدراهم والدنانير) قال ابن بطال: إنما اقتصر على الدراهم والدنانير؛ لأنهما جل ما يتعامل به الناس، وإلا فلا خلاف بين الأمة في جواز بيعه بالعروض (¬1) يعني: بشرطه (إلا العرايا) زاد يحيى بن أيوب في روايته: فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخص فيها (¬2)، أي: فيجوز بيع الرطب فيها بعد أن يخرص ويعرف قدره بقدر ذلك من الثمر (¬3). * * * ¬

_ (¬1) "شرح ابن بطال" 6/ 308. (¬2) رواها الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 29. (¬3) انظر: "فتح الباري" 4/ 387 - 388.

24 - باب في بيع السنين

24 - باب في بيْعِ السِّنِينَ 3374 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ قالا: حدثنا سُفْيانُ، عَنْ حُمَيْدٍ الأَعْرَجِ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ عَتِيقٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ السِّنِينَ وَوَضَعَ الجَوائِحَ. قالَ أَبُو داوُدَ: لَمْ يَصِحَّ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الثُّلُثِ شَيء وَهُوَ رَأى أَهْلِ المَدِينَةِ (¬1). 3375 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا حَمّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ وَسَعِيدِ بْنِ مِيناءَ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ المُعاوَمَةِ. وقالَ أَحَدُهُما: بَيْعِ السِّنِينَ (¬2). * * * باب في بيع السنين [3374] (حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين) بفتح الميم، المري البغدادي، إمام المحدثين (قالا: حدثنا سفيان) بن عيينة (عن حميد الأعرج، عن سليمان بن العتيق) الحجازي المكي، روى له مسلم في حديث: "هلك المتكبرون" (¬3). (عن جابر بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع السنين) وهو أن يبيع ثمر النخلة (¬4) لأكثر من سنة في عقد واحد، وهو بيع غرر؛ لأنه بيع ما لم يخلقه الله تعالى بعد، وذكر الرافعي وغيره له تفسيرًا (¬5) آخر، وهو أن يقول: بعتك هذا سنة على أنه (¬6) إذا انقضت السنة فلا بيع بيننا، وأرد أنا الثمن وترد أنت المبيع (¬7). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1543، 1555). (¬2) رواه مسلم (1536). (¬3) "صحيح مسلم" (2670) بلفظ: المتنطعون. (¬4) في (ر): النخل. والمثبت من (ل). (¬5) في (ل) و (ر): تفسير. والمثبت هو الصواب. (¬6) سقط من (ر). (¬7) "فتح العزيز شرح الوجيز" 8/ 229.

(ووضع) بفتح الضاد والعين، يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (الجوائح) يعني الآفات التي تصيب الثمار فتهلكها يقال: جاحهم الدهر واجتاحهم بتقديم الجيم على الحاء إذا أصابهم بمكروه عظيم (¬1)، وفي لفظ النسائي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وضع الجوائح (¬2). ولفظ مسلم من رواية جابر أيضًا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بوضع الجوائح (¬3). وفي لفظ له: "لو بعت من أخيك ثمرًا فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه [شيئا بم] (¬4) تأخذ مال أخيك بغير حق" (¬5). وقد اختلف العلماء في الثمرة إذا بيعت بعد بدو الصلاح وسلمها البائع إلى المشتري بالتخلية بينها وبينه ثم تلفت قبل أوان الجذاذ بآفة سماوية هل يكون من ضمان البائع أو المشتري؟ فقال الشافعي وأبو حنيفة والليث بن سعد (¬6) وآخرون: هي من ضمان المشتري بالشراء، ولا يجب وضع شيء بسببها عن المشتري، لكن يستحب (¬7). وقال الشافعي في القديم: هي (¬8) من ضمان البائع، ويجب وضع الجائحة قليلها وكثيرها، وبه قال أحمد وأبو عبيد القاسم بن سلام وغيرهم (¬9). قال القرطبي: وفي الأحاديث المتقدمة دليل واضح على وجوب إسقاط ما أجيح من الثمرة عن المشتري، ولا يلتفت إلى قول من قال: ¬

_ (¬1) انظر: "شرح السنة" للبغوي 8/ 99. (¬2) "سنن النسائي" 7/ 265. (¬3) "صحيح مسلم" (1554/ 17). (¬4) في (ر): شيء ثم. والمثبت من (ل). (¬5) "صحيح مسلم" (1554/ 17). (¬6) في (ع): سعيد. (¬7) ينظر: "الأوسط" 10/ 66. (¬8) سقطت من (ل). (¬9) انظر: "المغني" 4/ 244، "شرح مسلم" للنووي (10/ 216).

إن ذلك لم يثبت مرفوعًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن ذلك من قول أنس؛ بل الصحيح رفع ذلك من حديث جابر وأنس. وقال مالك: إن كان ذلك دون الثلث لم يجب وضعها وإن كانت الثلث فأكثر وجب وضعها عن المشتري (¬1)؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الثلث والثلث كثير" (¬2). ثم هل يعتبر ثلث مكيل الثمرة أو ثلث الثمن؟ قولان: الأول لابن القاسم، والثاني لأشهب (¬3). (قال أبو داود: لم يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الثلث شيء، وهو رأي أهل المدينة) يعني مذهب مالك كما تقدم. [3375] (حدثنا مسدد، حدثنا حماد) بن زيد (عن أيوب) السختياني (عن أبي الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس المكي، أحد أئمة التابعين (وسعيد بن ميناء) بالمد والقصر، كما تقدم (عن جابر بن عبد الله) -رضي الله عنهما- (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المعاومة) يعني: بيع ثمر الشجر سنين كثيرة، وهو مشتق من [العام كالمساهرة من السهر، وقيل: هو اكتراء الأرض سنتين فأكثر] (¬4)، وهو بيع ثمر الشجر سنتين فصاعدًا. (وقال أحدهما) يعني: أحد الراويين أبو الزبير أو سعيد بن ميناء: نهى عن (بيع السنين) كما تقدم. * * * ¬

_ (¬1) "المدونة" 3/ 581. (¬2) رواه البخاري (2592) ومسلم (1628) عن سعد -رضي الله عنه-. (¬3) انظر: "المفهم" للقرطبي (4/ 424 - 425). (¬4) سقط من (ع).

25 - باب في بيع الغرر

25 - باب في بَيْعِ الغَرَرِ 3376 - حدثنا أَبُو بَكْرٍ وَعُثْمانُ ابنا أَبي شَيْبَةَ قالا: حدثنا ابن إِدْرِيسَ، عَنْ عُبَيْدِ الله، عَنْ أَبي الزِّنادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ الغَرَرِ. زادَ عُثْمان والحَصاةِ (¬1). 3377 - حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَحْمَدُ بْن عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ -وهذا لَفْظُهُ- قالا: حدثنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ عَطاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثيِّ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْريِّ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ وَعَنْ لِبْسَتَيْنِ، أَمّا البَيْعَتانِ فالمُلامَسَةُ والمُنابَذَةُ وَأَمّا اللِّبْسَتانِ فاشْتِمالُ الصَّمّاءِ وَأَنْ يَحْتَبيَ الرَّجُلُ في ثَوْبٍ واحِدٍ كاشِفًا عَنْ فَرْجِهِ أَوْ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيء (¬2). 3378 - حدثنا الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزّهْريِّ، عَنْ عَطاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثيِّ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْريِّ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بهذا الحَدِيثِ، زادَ: واشْتِمالُ الصَّمّاءِ أَنْ يَشْتَمِلَ في ثَوْبٍ واحِدٍ يَضَعُ طَرَفَى الثَّوْبِ عَلَى عاتِقِهِ الأيْسَرِ وَيُبْرِزُ شِقَّهُ الأيْمَنَ والمُنابَذَةُ أَنْ يَقُولَ: إِذا نَبَذْتُ إِلَيْكَ هذا الثَّوْبَ فَقَدْ وَجَبَ البَيْعُ والمُلامَسَةُ أَنْ يَمَسَّه بِيَدِهِ وَلا يَنْشُرُهُ وَلا يُقَلِّبُهُ فَإِذا مَسَّهُ وَجَبَ البَيْعُ (¬3). 3379 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حدثنا عَنْبَسَةُ بْنُ خالِدٍ، حدثنا يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ قالَ: أَخْبَرَني عامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبي وَقّاصٍ أَنَّ أَبا سَعِيدٍ الخُدْريَّ قال: نَهَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، بِمَعْنَى حَدِيثِ سُفْيانَ وَعَبْدِ الرَّزّاقِ جَمِيعًا (¬4). 3380 - حدثنا عَبْدُ الله بْن مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1513). (¬2) رواه البخاري (5820)، ومسلم (1512). (¬3) رواه البخاري (2147)، وانظر السابق. (¬4) رواه البخاري (2144)، ومسلم (1512)، وانظر سابقيه.

أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الحَبَلَةِ (¬1). 3381 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حدثنا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَهُ وَقال: حَبَلُ الحَبَلَةِ أَنْ تُنْتَجَ النّاقَةُ بَطْنَها ثُمَّ تَحمِلُ التي نُتِجَتْ (¬2). * * * باب بيع الغرر [3376] (حدثنا أبو بكر) بن أبي شيبة (وعثمان ابنا) بوصل الهمزة أوله (¬3) تثنية ابن لا جمع ابن ([أبي شيبة] (¬4) قالا: حدثنا) عبد الله (بن إدريس، عن عبيد الله) (¬5) بالتصغير ابن أبي زياد (¬6) القداح (¬7) المكي، قال ابن أبي عدي: لم أر له شيئا منكرا (¬8) (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الغرر) قيل: المراد بالغرر (¬9) الخطر، وقيل: التردد (¬10) بين جانبين ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2143)، ومسلم (1514/ 5). (¬2) رواه البخاري (3843)، ومسلم (1514/ 6). (¬3) سقط من (ر). والمثبت من المطبوع. (¬4) في (ر): له. والمثبت من (ل). (¬5) الصواب أنه عبيد الله بن عمر العمري، وهو ثقة ثبت. انظر: "تهذيب الكمال" 19/ 124. (¬6) في (ر): الزناد. والمثبت من المطبوع. (¬7) في (ر): المقداح. والمثبت من (ل). (¬8) في (ل) و (ع): شيء منكر. وفي (ر): بشيء. والمثبت من "الكامل" 5/ 529. (¬9) سقط من (ع). (¬10) في (ر): المتردد. والمثبت من (ل).

الأغلب منهما أخوفهما، وقيل: الذي ينطوي عن الشخص غايته، وفي رواية لأحمد: "لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر" (¬1) وبيع الأجنة والطير في الهواء (¬2) وكل غرر مقصود، وأما الغرر اليسير الذي ليس بمقصود فلم يتناوله هذا النهي؛ فإن كل بيع لابد فيه من الغرر اليسير، وكذا ما دعت إليه الحاجة كالجهل بأساس جدار الدار؛ لأن الأساس تابع للظاهر، وكذا إذا باع الشاة الحامل والتي في ضرعها لبن؛ فإنه يصح البيع، فإنه لا يمكن رؤيته، وأجمعوا على صحته مع الجبة المحشوة وإن لم ير حشوها. (زاد عثمان) بن أبي شيبة: عن بيع (الحصاة) ورواية التمار من طريق حفص بن عاصم: نهى عن بيع الحصاة. يعني: إذا قذف الحصاة فقد وجب (¬3) البيع (¬4)، انتهى. وهو بأن يقول: بعتك من هذِه الأثواب ما تقع هذِه الحصاة عليه، فنهى عنه لجهالة المبيع، وفي (¬5) معناه: بعتك هذِه الأرض من هنا إلى ما انتهت (¬6) إليه هذِه الحصاة، أو يجعلا الرمي بيعًا؛ لعدوله عن صفة البيع، ويجيء فيه خلاف المعاطاة، أو يقول: بعتك ولك الخيار إلى رمي الحصاة للجهل بالخيار، وكذا لو ¬

_ (¬1) "المسند" 1/ 388 (3676) من حديث ابن مسعود. وصححه ابن اللقن في "البدر المنير" 6/ 463. (¬2) في (ر): الهوي. والمثبت من (ل). (¬3) في (ع): ذهب. (¬4) رواه البزار 15/ 18 (8196). (¬5) سقطت من (ع). (¬6) في (ل) و (ر): ينتهي. والمثبت من "شرح مسلم".

قال: لي الخيار (¬1). [3377] (حدثنا قتيبة بن سعيد وأحمد بن عمرو بن السرح، وهذا لفظه، قالا: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيعتين) اشتهر على الألسنة فتح الباء، والأحسن ضبطه [بكسرها؛ لأن المراد به الهيئة، قال في "الصحاح": يقال: إنه لحسن البيعة -يعني] (¬2) بكسر الباء- من البيع مثل الركبة والجلسة (¬3). (وعن لبستين) [قال الزركشي] (¬4): بكسر اللام، تثنية لبسة، وهي الهيئة (¬5)، ويعني هنا كهيئة (¬6) الاحتباء (أما البيعتان: فالملامسة) أي فهما الملامسة (والمنابذة) مفاعلة من نبذ الشيء إذا طرحه وألقاه، قال تعالى: {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} هو (¬7) وسيأتي تفسيرها (¬8) (واللبستان: فاشتمال الصماء) هي الأولى، قال ابن قتيبة: سميت صماء لأنه يسد المنافذ كلها كالصخرة الصماء (¬9) التي ليس فيها خرق وهي أن يلتف ¬

_ (¬1) انظر: "شرح مسلم" للنووي 10/ 156. (¬2) سقطت من (ر). والمثبت من (ل) و (ع). (¬3) "الصحاح" 3/ 1189. (¬4) سقطت من (ع). (¬5) في (ر): الهبة. (¬6) في (ر): هيئة. والمثبت من (ل). (¬7) آل عمران: 187. (¬8) في (ع): تفسير. (¬9) في (ر): السماء. والمثبت من (ل) و"الفتح".

في الثوب لا يدع لبدنه مخرجًا (¬1) (و) أما الثانية فهي: (أن يحتبي الرجل) والاحتباء هو أن يقعد الإنسان على أليتيه (¬2) وينصب ساقيه ويحتوي عليهما بثوب ونحوه أو بيده، وهذِه القعدة (¬3) يقال لها الحبوة بضم الحاء وكسرها، وكان هذا الاحتباء عادة العرب في مجالسهم (¬4)، ويشتمل (في ثوب واحد) ويحزم الثوب على حقويه وركبتيه (كاشفًا) حال (عن فرجه) فيظهر منه عورته، ولهذا ورد النهي عنه حيث (ليس على فرجه منه شيء) وقد كانت العرب ترتفق بهذِه القعدة في مجالستهم؛ لأنهم لم يكن لهم حيطان يستندون إليها، ولهذا يقال: "الاحتباء حيطان العرب" (¬5). [3378] (حدثنا الحسن بن علي، حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن الزهري، عن عطاء بن (¬6) يزيد الليثي، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا الحديث، وزاد) في هذِه الرواية (فاشتمال الصماء) هي (أن يشتمل) الرجل (في ثوب واحد) أي: يلتحف به (يضع طرفي الثوب على عاتقه) (¬7) والعاتق من الإنسان موضع الرداء من المنكب (الأيسر ¬

_ (¬1) انظر: "شرح مسلم" للنووي 14/ 76. (¬2) في (ر)، (ل): أليته. والمثبت من (ع) و"شرح مسلم" للنووي. (¬3) في (ع): القاعدة. (¬4) في (ر): مجالستهم. والمثبت من "شرح مسلم" للنووي، انظر: 14/ 76. (¬5) رواه الرامهرمزي في كتاب "أمثال الحديث" 1/ 151 (117) عن معاذ بن جبل مرفوعا وفيه ثلاثة متروكون. (¬6) في (ر): عن. والمثبت من (ل). (¬7) في (ع): عاتقيه.

ويبرز شقه) أي: يظهر شقه (الأيمن) فليس عليه شيء من الثوب، ويسمى التأبط والتوشح. (قال) في هذِه الرواية (والمنابذة: أن يقول) أي: يتفق كل من البائع والمشتري على أن النبذ بيعًا، فيقول البائع: (إذا نبذت) أي: طرحت (إليك هذا الثوب فقد وجب البيع) أي: ثبت ولزم، فيجعلان نفس النبذ بيعًا، ورواية البخاري في اللباس من طريق يونس، عن الزهري بلفظ: والملامسة لمس [الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار لا يقلبه إلا بذلك، والمنابذة أن ينبذ] (¬1) الرجل إلى الرجل ثوبه وينبذ الآخر ثوبه ويكون ذلك بيعهما من غير نظر ولا تراض (¬2)، وفي رواية ابن ماجه من طريق سفيان، عن الزهري: والمنابذة: أن يقول: ألق إلى ما معك وألقي إليك ما معي (¬3). (والملامسة: أن يمسه) بفتح الياء والميم، يعني: المشتري (بيده ولا ينشره ولا يقلبه) فيه اشتراط النشر والتقليب و (¬4) سيأتي (وإذا مسه) فقد (وجب البيع) ووجه فساد هذا البيع الجهالة بالمبيع؛ لأنه لم ينشره ولم (¬5) يقلبه (¬6) ولم تقع صيغة الإيجاب والقبول. ¬

_ (¬1) سقطت من (ر). (¬2) "صحيح البخاري" (5482). (¬3) "سنن ابن ماجه" (2170). (¬4) من (ع). (¬5) في (ر): لا. والمثبت من (ل). (¬6) سقطت من (ع).

[3379] (حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا عنبسة بن خالد، حدثنا يونس، عن ابن شهاب قال: أخبرني عامر بن سعد بن أبي وقاص، أن أبا سعيد) سعد بن مالك بن سنان (الخدري -رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) الحديث (بمعنى حديث سفيان) بن عيينة (وعبد الرزاق) بن همام أحد الأعلام (جميعًا) ويؤخذ من هذِه الروايات بطلان بيع المعاطاة واشتراط الصيغة، لكن من أجاز المعاطاة قيدها بالمحقرات كباقة نرجس، أو بما جرت به العادة في المعاطاة وعد بيعًا، واختاره جماعة منهم النووي (¬1) بخلاف الحيوان والعقار. قلت (¬2): نحو بيع المعاطاة أن يخص النهي في بعض صور الملامسة والمنابذة عما جرت العادة فيه بالمعاطاة، وعلى هذا يحمل قول الرافعي أن الأئمة [أجروا في بيع الملامسة والمنابذة الخلاف الذي في المعاطاة] (¬3) (¬4). وفي قوله: "ولا ينشره" حجة لما قاله أصحابنا أنه يشترط في الثوب المطوي نشره، هكذا أطلقه الأصحاب. قال إمام الحرمين (¬5): يحتمل عندي (¬6) أنه لا يشترط النشر في بيع ¬

_ (¬1) "روضة الطالبين" 3/ 339. (¬2) في (ع): فإن. (¬3) ما بين المعقوفين كتب في (ل) و (ر) هكذا (اجتروا عما جرت به العادة فيه بالمعاطاة). والمثبت من "فتح الباري" انظر 4/ 359 - 360. (¬4) "الشرح الكبير" 8/ 193. (¬5) "نهاية المطلب" 5/ 13. (¬6) سقطت من (ع).

الثياب [التي] (¬1) [لا تنشر] (¬2) أصلًا إلا عند العقد، لما في نشرها من النقص والضرر إذا نشرت الثياب (¬3) يعني (¬4) كالأنصاف الاسكندرية، والثياب البعلبكية المقصورة التي لا تنشر إلا عند التفصيل وإن نشرت عند التقليب (¬5) نقصت قيمتها نقصًا فاحشًا، وفي قوله: "ولا يقلبه". أي: لا ينظر إليه ولا يضع يده تحت أطرافه ليعلم أهو صفيق أم رقيق أم غليظ كما هو العرف المصطلح عليه، دليل على اشتراط الرؤية في كل شيء على حسب ما يليق به، ويشترط في شراء المصحف وكتب العلم والحديث وغيرها رؤية جميع الأوراق وتقليبها (¬6)، وفي الورق البياض رؤية جميع الطاقات، وممن صرح به البغوي والرافعي (¬7) تبعًا لغيرهم (¬8)، وكذا وضع يده في أوراقه ليعرف هل الورق غليظ عرق أو رقيق، والله أعلم. [3380] (حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر) -رضي الله عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع حبل الحبلة) بفتح الباء فيهما، وقيل في الأولى بسكون الموحدة، وهو مصدر حبلت تحبل ¬

_ (¬1) في الأصل (الذي) والمثبت هو الموافق للمعنى. (¬2) في (ر): المنتشر. (¬3) انظر: "المجموع" 9/ 292. (¬4) سقطت من (ر). (¬5) في (ع): التقلب. (¬6) في الأصل (وتقلبها). والمثبت من "المجموع". (¬7) "الشرح الكبير" 8/ 153. (¬8) انظر "المجموع" 9/ 292.

إذا (¬1) أريد به المفعول وهو المحمول، والحبلة جمع حابل مثل ظلمة وظالم وكتبة وكاتب والهاء فيه للمبالغة، وقيل: للإشعار بأنها أنثى، وقد ندر (¬2) فيه امرأة حابلة (¬3) فالهاء فيه للتأنيث، وعن الرماني في "أماليه": أن الصواب الحبلة بفتح الحاء وكسر الباء فإن الفتح فيهما جمع حابل (¬4)، ولا يعرف ذلك. قال أبو عبيد: لا يقال لشيء من الحيوان حبلت [إلا] (¬5) الآدميات إلا ما ورد في (¬6) هذا الحديث. وأثبته صاحب "المحكم" قولًا فقال: اختلف أهي للإناث (¬7) عامة أم للآدميات خاصة، وأنشد في التعميم (¬8) قول الشاعر: أو ذيخة حبلى مُحِجٍّ مقرب (¬9). وبذلك تعقب على نقل النووي (¬10) اتفاق أهل اللغة على التخصيص (¬11). ¬

_ (¬1) زيادة من (ع). (¬2) في (ر): ندرت. (¬3) في (ل) و (ر): حاملة. والمثبت من "فتح الباري". (¬4) في (ر): حامل. (¬5) من "الفتح" 4/ 357. (¬6) في (ر): وفي. (¬7) في (ر): الإناث. والمثبت من (ل). (¬8) في (ر): التعمم. والمثبت من (ل) و"الفتح". (¬9) "المحكم" 3/ 360. (¬10) "تهذيب الأسماء واللغات" 3/ 61. (¬11) انظر: "فتح الباري" 4/ 357.

[3381] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا يحيى، عن عبيد الله) بالتصغير (عن نافع، عن ابن عمر) -رضي الله عنهما - (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه) أي قريب مما تقدم. (قال أبو داود: و) تفسير (حبل الحبلة) وقد جزم ابن عبد البر بأن هذا التفسير من كلام ابن عمر (¬1)، وقد أخرجه المصنف ومسلم (¬2) والترمذي (¬3) والنسائي (¬4) وابن ماجه (¬5) بدون التفسير، زاد البخاري (¬6): وكان يعني: حبل (¬7) الحبلة بيعًا يتبايعه أهل الجاهلية كان الرجل يبتاع الجزور إلى (أن تنتج) بضم أوله وفتح ثالثه (الناقة) أي تلد ولدًا، والناقة فاعل تنتج لا نائبًا عن الفاعل، وهذا الفعل وقع في لغة العرب على صيغة الفعل المسند إلى المفعول وهو [حرف نادر] (¬8) (بطنها) أي حملها الذي في بطنها، من التجوز بتسمية الشيء بما يحتوي عليه ويجاوره، وهذا مما يظهر، ولم أجد من ذكره (ثم تحمل) بالنصب يعني: الأنثى (التي) تنتج كلاهما كانت مبني للمفعول في بطن الناقة، و (نتجت) أي: ولدت. ¬

_ (¬1) "التمهيد" 13/ 313. (¬2) "صحيح مسلم" (1514). (¬3) "سنن الترمذي" (1229). (¬4) "سنن النسائي" 7/ 293. (¬5) "سنن ابن ماجه" (2197). (¬6) "صحيح البخاري" (2036). (¬7) في (ل): حبلة. والمثبت من (ر). (¬8) في (ر): حر، والمثبت من (ل).

وحاصل معنى الحديث: أن حبل الحبلة هو أن تلد الناقة الحامل ولدها الأنثى ثم تحمل التي كانت في بطنها. هذِه الرواية رواية البخاري (¬1)؛ فإن حاصلها أن تلد الناقة ولدها الذي في بطنها الأنثى ثم يعيش المولود إلى أن يكبر ثم تلد، وهذا القدر زائد على الرواية التي ذكرها المصنف، ورواية جويرية أخصر منها، ولفظه: أن تنتج الناقة ما في بطنها (¬2). وبظاهر هذِه الرواية قال سعيد بن المسيب فيما رواه عنه مالك (¬3)، وقال به مالك والشافعي وجماعة، وهو أن يبيع بثمن إلى أن (¬4) يلد ولد الناقة. والوجه في بطلان (¬5) صحة هذا البيع في الصور الثلاثة: الجهالة في الأجل، ومن حقه على هذا التفسير أن يذكر في باب السلم. وقال أبو عبيدة (¬6) وأبو عبيد وأحمد وإسحاق (¬7) وابن حبيب المالكي (¬8) وأكثر أهل اللغة (¬9)، وبه جزم الترمذي (¬10): بيع حبل الحبلة هو بيع ولد (¬11) نتاج الدابة، والوجه في بطلان هذا البيع من ¬

_ (¬1) (2143). (¬2) "صحيح البخاري" (2256). (¬3) سقط من (ل، ر). والمثبت من "فتح الباري". (¬4) سقط من (ل، ر). (¬5) في (ع): البطلان. (¬6) "غريب الحديث" 1/ 208. (¬7) انظر: "مسائل الكوسج" (1900). (¬8) انظر: "جامع الأمهات" ص 348. (¬9) انظر: "جمهرة اللغة" 1/ 283، "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" ص 141، "الفائق في غريب الحديث" 1/ 251. (¬10) "سنن الترمذي" عقب حديث (1229). (¬11) سقط من (ل) و (ر). والمثبت من "الفتح".

جهة أنه بيع معدوم ومجهول وغير مقدور على تسليمه، فيدخل في بيع الغرر، لكن روى الإمام أحمد من طريق ابن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر ما يوافق الثاني، ولفظه: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الغرر قال: "إن أهل الجاهلية كانوا يتبايعون ذلك البيع يبتاع الرجل بالشارف حبل الحبلة" فنهوا عن ذلك (¬1). قال ابن التين: فمحصل (¬2) الخلاف هل المراد البيع إلى أجل أو بيع الجنين، واتفقت هذِه الأقوال مع اختلافها على أن المراد بالحبلة جمع حابل من الحيوان إلا ما حكاه صاحب "المحكم" (¬3) وغيره عن ابن كيسان أن المراد بالحبلة (¬4) الكرمة، يعني بيع العنب قبل أن يطيب، وأن النهي عن بيع حبلها أي: حملها قبل أن يبلغ، اشتق اسمها من الحبل؛ لأنها تحبل بالعنب التي تحمله كما نهى بيع ثمر النخل قبل أن يزهي، وعلى هذا فالحبلة بإسكان الموحدة وهو خلاف ما ثبتت به الروايات، لكن حكي في الكرمة فتح الباء، وادعى السهيلي انفراد ابن (¬5) كيسان (¬6) به، وليس كذلك، فقد وافقه ابن السكيت في كتاب "الألفاظ"، ونقله القرطبي في "المفهم" عن أبي العباس المبرد (¬7)، والهاء على هذا في الحبلة للمبالغة وجهًا واحدًا (¬8). * * * ¬

_ (¬1) "المسند" 2/ 144، 155. (¬2) في الأصل: فحصل. والمثبت من "فتح الباري". (¬3) 3/ 272 ولم يعزه لابن كيسان. (¬4) في (ر): الحبل. والمثبت من (ل). (¬5) سقطت من (ر). (¬6) في (ر): الكيسان. (¬7) "المفهم" 4/ 363. (¬8) انظر: "فتح الباري" (4/ 358).

26 - باب في بيع المضطر

26 - باب في بَيْعِ المُضْطَرِّ 3382 - حدثنا مُحَمَّد بْنُ عِيسَى، حدثنا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنا صالِحُ أَبُو عامِرٍ - قالَ أَبُو داوُدَ: كَذا قالَ مُحَمَّدٌ - حدثنا شَيْخٌ مِنْ بَني تَمِيمٍ قال: خَطَبَنا عَليُّ بْنُ أَبي طالِبٍ - أَوْ قال: قال عَليٌّ: قالَ ابن عِيسَى: هَكَذا حدثنا هُشَيْمٌ - قال: سَيَأْتي عَلَى النّاسِ زَمانٌ عَضُوضُ يَعَضُّ المُوسِرُ عَلَى ما في يَدَيْهِ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِذلِكَ، قال الله تَعالَى: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} وَيُبايَعُ المُضْطَرُّونَ وَقَدْ نَهَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ المُضْطَرِّ وَبَيْعِ الغَرَرِ وَبَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ أَنْ تُدْرِكَ (¬1). * * * باب في بيع المضطر [3382] (حدثنا محمد بن عيسى) بن نجيح بن (¬2) الطباع البغدادي الحافظ، روى عنه البخاري تعليقًا له بصفات عديدة (حدثنا هشيم) بن بشير، حافظ بغداد (أنبأنا صالح بن عامر، قال أبو داود: كذا قال محمد) بن عيسى بن الطباع، قال المزي (¬3) في "التهذيب": والصواب إن شاء الله تعالى عن صالح، عن عامر، وهو صالح بن صالح بن حي، واسمه حيان الكوفي، روى له الجماعة، أو هو صالح بن رستم المزني (¬4) مولاهم، استشهد به البخاري في "الصحيح" (¬5)، وروى له ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 116، والخرائطي في "مساوئ الأخلاق" (344)، والبيهقي 6/ 17. وضعفه الألباني في "الضعيفة" تحت حديث رقم (2076). (¬2) سقطت من (ر). والمثبت من (ل). (¬3) في (ل) و (ر): المزني. (¬4) في (ع): المدني. (¬5) بعد حديث (6536).

في "الأدب" (¬1) والباقون، وأما عامر فهو الشعبي (¬2). (قال: حدثنا شيخ من بني تميم) عن علي -رضي الله عنه-، هكذا رواه البيهقي وقال: قد روي [من أوجه] (¬3) عن علي وابن عمر، وكلها غير قوية (¬4). (قال: خطبنا علي بن أبي طالب أو قال: قال علي بن أبي طالب: قال) محمد (بن عيسى) بن نجيح (هكذا حدثنا هشيم) بن بشير، قال علي -رضي الله عنه-: (قال: سيأتي على الناس زمان عضوض) بفتح العين، وهذا البناء من أبنية المبالغة والكثرة كغفور وعضوض، قال ابن الأثير: العضوض [الكلب، ومنه ملك عضوض، أي: فيه عسف وظلم (¬5). انتهى. ويشبه أن يكون نسبة العضوض] (¬6) إلى الزمان مما تجوز به، والمراد أن (¬7) الزمان عضوض أهله على الدنيا ومكتلبون (¬8) عليها كما يعض الكلب على الجيفة، ولعل الشافعي أخذ من هذا ما أنشده في ذم الدنيا: وما هي إلا جيفة مستحيلة ... فإن تجتنبها (¬9) كنت سلمًا لأهلها ¬

_ (¬1) "الأدب المفرد" (1143). (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 13/ 61. (¬3) في (ل) و (ر): ابن ماجه. وهو خطأ. والمثبت من "السنن". (¬4) "السنن الكبرى" 6/ 17 (11405). (¬5) انظر: "النهاية" 3/ 494. (¬6) ما بين المعقوفين سقط من (ر). والمثبت من (ل). (¬7) سقطت من (ر). والمثبت من (ل). (¬8) في (ر): ومكتكبون. والمثبت من (ل). (¬9) في (ر): تجنبتها. والمثبت من (ل).

عليها كلاب همهن (¬1) اجتذابها ... وإن تجتذبها نازعتك كلابها (¬2) (يعض الموسر) من أهل ذلك الزمان (على ما في يديه) من المال ويكب عليه وعلى جمعه وادخاره خوفًا من الفقر وضنًا (¬3). كما يكب الكلب على فريسته (ولم يؤمر بذلك) بل أمر بالإنفاق (¬4)، بل ذم الله من جمع ومنع، وأخبر أن النار يوم القيامة تدعو من جمع فأوعى، وقال تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1)} (¬5)، وقال تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)} (¬6)، وقال: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} (¬7) وقال: {لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ} (¬8) و (قال تعالى: {وَلَا تَنْسَوُا}) قال الرازي: ليس المراد النهي عن النسيان؛ لأن ذلك ليس في الوسع، بل المراد منه الترك (¬9)، وقال تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا} (¬10) (الفضل) والإفضال فيما (بينكم) (¬11) قال ابن عطية: هو ندب إلى المجاملة (¬12) ¬

_ (¬1) في (ر): هل هن. والمثبت من (ل). (¬2) انظر: "حياة الحيوان الكبرى" 1/ 411. (¬3) غير واضحة في (ر)، وفي (ل): يقينًا. ولعل المثبت هو الصواب. (¬4) في (ر): بالاتفاق. (¬5) التكاثر: 1. (¬6) العلق: 6 - 7. (¬7) هود: 15. (¬8) المنافقون: 9. (¬9) انظر تفسير الرازي "مفاتيح الغيب" (6/ 124). (¬10) النور: 22. (¬11) حدث هنا تركيب بين الآيتين. (¬12) "المحرر الوجيز" 1/ 322.

يعني في الصيغة. انتهى. وقد يستدل بهذا الحديث على ما جزم به صاحب "التقريب" وقال به غيره: أن النهي أمر بضده (¬1). ووجهه أنه قال في الحديث: ولم يؤمر الموسر بذلك، يعني بالعض على المال، إنما أمر بالإفضال بالمال فيما بينهم وليس في الآية إلا نهي، ويدل على ذلك قول الرازي: ليس المراد به النهي. وقول ابن عطية: هو ندب. وبناه بعضهم على أن النهي طلب الفعل لا طلب الكف عنه. واعلم أن هذِه الآية وإن كان سياق ما قبلها يدل على أن الخطاب للزوجين لقوله تعالى في الآية: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} (¬2)، ووجه الأمر بالإفضال كما قاله المفسرون: أن الرجل إذا تزوج بالمرأة فقد تعلق قلبها به، فإذا طلقها قبل المسيس تأذت بذلك، وإذا كلف الرجل أن يدفع لها مهرًا من غير أن ينتفع بها البتة تأذى بذلك، فندب كل منهما أن يزيل هذا التأذي بالإفضال (¬3)، لكن ظاهر هذا الحديث يدل على أن الآية تعم كل موسر أن لا يترك الإفضال فيما آتاه الله من المال بين المسلمين، ويدل على ذلك كون الآية بواو الجمع وكم (¬4) التي هي لجمع المخاطبين، والله أعلم. وزاد البيهقي بعد قوله: {وَلَا ¬

_ (¬1) انظر: "الفصول في الأصول" 2/ 101. (¬2) البقرة: 237. (¬3) انظر: "تفسير الرازي" 6/ 481. (¬4) في (ر): ولم. والمثبت من (ل).

تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} (¬1) وَينْهَدُ الأَشْرَارُ وَيُسْتَذَلُّ الأَخْيَارُ (¬2)، وقوله: ينهد (¬3) هو بإسكان النون، أي: ينهض ويرتفع الأشرار ويذل الأخيار، وها قد صرنا إلى زمان من (¬4) استغنى فيه كرم على أهله، وعظم في أعين الناس، حتى أنشد بعضهم في هذا المعنى: احتل لنفسك أيها المحتال ... فمن المروءة أن يرى لك مال إني رأيت الموسرين أعزة ... والمعسرين عليهم الإذلال وروى الإمام أحمد عن حبيب (¬5) بن عبيد: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليأتين على الناس زمان لا ينفع فيه إلا الدينار (¬6) والدرهم" (¬7). وللمقدام في الطبراني "الكبير" (¬8) و"الصغير" (¬9) و"الأوسط" (¬10)، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يأتي على الناس زمان، من لم يكن معه أصفر ¬

_ (¬1) البقرة: 237. (¬2) في (ر): ويمنكي الأسرار ويستدل الأخبار، وانظر: "السنن الكبرى" 6/ 17 (11404). (¬3) في (ر): ينهك. (¬4) سقطت من (ر). والمثبت من (ل). (¬5) في (ع): جبير. (¬6) في (ر): الدينا. والمثبت من (ل). (¬7) "المسند" 28/ 433. (¬8) 20/ 278 (659). (¬9) 1/ 27 (7). (¬10) 2/ 374 (2269).

ولا أبيض لم يتهن بالعيش" [وفي "الكبير": سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا كان في آخر الزمان لابد] (¬1) للناس فيها من الدراهم والدنانير يقيم الرجل بها دينه ودنياه" (¬2). (ويبايع) بضم أوله وفتح خامسه، أي: يبايع فيه (المضطرون) رواية: المضطر (¬3). يعني الذين دعتهم الضرورة إلى البيع بإكراه ظالم أو لغيره من أنواع الضرورات، وقد ذهب أئمتنا في كتبهم الأصولية إلى أن المكره مكلف بالفعل الذي أكره عليه، ونقلوا الخلاف فيه عن (¬4) المعتزلة (¬5)، وفصل الرازي وأتباعه فقالوا: إن انتهى (¬6) الإكراه إلى حد الإلجاء فلا يتعلق به حكم البيع ولا غيره وإن لم ينته إلى ذلك فهو مكلف مختار (¬7)، ومثل الآمدي الإلجاء بأن يصير إلى حد الاضطرار ويصير لفظه بالبيع ونحوه تشبه (¬8) حركة المرتعش، ويكون ذلك لقوة الفعل المقتضي للإكراه من الضرب وغيره (¬9)، وظاهر الحديث أن المضطر ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفين سقط من (ر). والمثبت من (ل). (¬2) 20/ 279 (660). وقال الهيثمي في "المجمع" 4/ 65: ومدار طرقه كلها على أبي بكر بن أبي مريم وقد اختلط، واستغربه السخاوي في "المقاصد الحسنة" ص 348. (¬3) رواها البيهقي 6/ 17. (¬4) في (ر): على. (¬5) انظر: "البحر المحيط في أصول الفقه" للزركشي 1/ 288. (¬6) في (ر): النهي. والمثبت من (ل). (¬7) انظر: "الأشباه والنظائر" 1/ 338، "المحصول" 2/ 449. (¬8) في (ر): تشبيه. (¬9) انظر: "الإحكام" للآمدي 1/ 297، "الإبهاج في شرح المنهاج" لعلي السبكي 1/ 162.

في زمن علي وزمن النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا لا يبايعون بل تزال ضرورتهم المحوجة إلى البيع (وقد نهى - صلى الله عليه وسلم - عن بيع المضطر) وكذا رواه البيهقي عن شيخ من بني تميم عن علي (¬1)، وروى بإسناد ضعيف عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يركبن رجل (¬2) بحرًا إلا غازيًا أو معتمرًا أو حاجًّا، فإن تحت البحر نارًا وتحت النار بحرًا، ولا يشترى (¬3) مال امرئ مسلم في ضغطة" (¬4). وبيع المضطر على وجهين وشراؤه وإجارته ونكاحه على وجهين (¬5): أحدهما: أن يضطره الظالم بطريق الإكراه على التلفظ بالبيع والإجارة أو نحوهما من العقود، فإذا كان الإكراه بغير حق لم ينعقد البيع ونحوه، هذا مذهبنا (¬6) وبه قال مالك (¬7) وأحمد (¬8) والجمهور. وقال أبو حنيفة: يصح ويقف على إجازة المالك في حال اختياره، ¬

_ (¬1) "السنن الكبرى" 6/ 17. (¬2) في (ل) و (ر): رجلا. (¬3) في الأصل: يشتري. (¬4) "السنن الكبرى" 6/ 18 من طريق مطرف، عن بشير بن مسلم، عن عبد الله به وقال ابن عبد الهادي في "تنقيح التحقيق" 3/ 392. قال البخاري: لم يصح حديثه. يعني حديث بشير بن مسلم هذا. وروى أبو داود الشطر الأول منه (2489). وقال ابن حجر في "التلخيص" 2/ 424: قال أبو داود: رواه مجهولون. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (478)، وفي "ضعيف أبي داود" (429). (¬5) انظر: "معالم السنن" 3/ 87. (¬6) انظر: "الحاوي الكبير" 5/ 410 - 411، "روضة الطالبين" 3/ 420. (¬7) انظر: "الكافي في فقه أهل المدينة" 2/ 731. (¬8) انظر: "مسائل الكوسج" (1781).

فإن أجاز (¬1) نفذ (¬2) وإلا فلا (¬3). والوجه الآخر: أن يضطر إلى البيع لشدة جوع أو عطش أو ضعف عن المشي (¬4)، وينقطع به (¬5) عن الرفقة والمرض المخوف ونحو ذلك، فهذا على الوجه لا يبايع (¬6) لظاهر الحديث، بل يعان على إزالة ضرورته بقرض وهبة وإمهال بالبيع إلى ميسرة ولا يحوج إلى بيع ماله بوكس، كما في الحديث الآخر: "لا ضرر ولا إضرار" (¬7)، وأما بيع المصادر من جهة السلطان ممن يظلمه لطلب مال منه ويقهره على إحضاره فإذا سأل ماله ليدفعه إليه للضرورة التي لحقته والأذى الذي ناله، ففي صحة بيعه وجهان لأصحابنا: أحدهما: لا يصح كالمكره. وأصحهما: يصح؛ لأنه لم يكره على نفس البيع، ومقصود الظالم منه تحصيل المال من أي جهة كانت (¬8). وللرافعي احتمال في شراء المصادر على تحصيل شيء يطلب منه أنه ¬

_ (¬1) في (ع): أخذ. (¬2) في (ع): نقد. (¬3) انظر: "المبسوط" 11/ 64، "النتف في الفتاوى" 1/ 468. (¬4) في (ر): الشيء. (¬5) سقط من (ر). والمثبت من (ل). (¬6) في (ر): يباه. والمثبت من (ل). (¬7) رواه الشافعي في "المسند - سنجر" 3/ 224، والدارقطني في "السنن" 4/ 228 كلاهما من طرق عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد ولم يذكر الشافعي أبا سعيد، ورواه ابن ماجه (2340) عن عبادة، وفي (2341) عن ابن عباس بلفظ "لا ضرر ولا ضرار" وصححه الألباني في "الإرواء" (896). (¬8) انظر: "روضة الطالبين" 3/ 287.

يلتحق ببيعه، ذكره في الأطعمة (¬1). (وبيع الغرر) كما تقدم، فبيع ما جهل عينه أو قدره أو وصفه باطل، وقد يستثنى صور للمسامحة والضرورة كبيع الحمام المختلط (¬2) ببرج حمام آخر، والماء المستعمل في الحمام، إذا قلنا المدفوع (¬3) ثمنًا، ذكره بعض أصحابنا، ومثله الشرب من السقاء وشراء الفقاع (¬4) وما يقصد منه لبه (¬5) (وبيع الثمرة قبل أن تدرك) ورواية البيهقي: قبل أن تطعم (¬6) أي: تصلح للأكل، كما تقدم. * * * ¬

_ (¬1) "الشرح الكبير" 12/ 167. (¬2) في (ع): المختلطة. (¬3) في (ر): المدبوغ. (¬4) في (ر): القفار. والمثبت من (ل). (¬5) في (ع): لله. (¬6) انظر: "السنن الكبرى" 6/ 17.

27 - باب في الشركة

27 - باب في الشَّرِكَةِ 3383 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمانَ الِمصِّيصيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الزِّبْرِقانِ، عَنْ أَبي حَيّانَ التَّيْميِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ قالَ: "إِنَّ الله يَقُولُ أَنا ثالِثُ الشَّرِيكَيْنِ ما لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُما صاحِبَهُ فَإِذا خانَهُ خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِهِما" (¬1). * * * باب في (¬2) الشركة بكسر الشين وسكون الراء، وحكى ابن باطيش (¬3) فتح الشين وكسر الراء (¬4). وفي اللغة: عبارة عن الاختلاط، وفي الشرع: عبارة عن ثبوت الحق في الشيء الواحد لشخصين فصاعدًا على جهة الشيوع (¬5). [3383] (حدثنا محمد بن سليمان المصيصي) بكسر الميم (حدثنا محمد بن الزبرقان) [بكسر الزاي والراء، وأصله من أسماء القمر، وكنيته أبو همام الأهوازي، روى له الشيخان] (¬6) (عن أبي حيان) يحيى ابن سعيد (¬7) (التيمي) روى له الجماعة (عن أبيه) سعيد بن حيان (¬8) التيمي، ثقة. (عن أبي هريرة يرفعه) رفعه، قال ابن الصلاح: قول الصحابي يرفع (¬9) الحديث أو يبلغ به أو ينميه، حكم ذلك عند أهل ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني 3/ 35، والحاكم 2/ 52، والبيهقي 6/ 78. وضعفه الألباني في "الإرواء" (1468). (¬2) سقطت من (ع). (¬3) "المغني في الإنباء عن غريب المهذب والأسماء" 1/ 373. (¬4) في (ر): الباء. (¬5) في (ر): الشرع. وانظر: "المجموع" للنووي 14/ 62. (¬6) ما بين المعقوفين سقط من (ع). (¬7) في (ر): سعد. (¬8) في (ر): حبان. (¬9) في (ر): رفع.

العلم حكم المرفوع صريحًا (¬1). ورواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد (¬2). ولفظ الدارقطني (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يد الله على الشريكين" (¬3) (إن الله) تعالى (يقول: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه) تحصل الخيانة بما قل ولو فلسًا واحدًا، فليحرص الشريك على ذلك بأن يخوف على نفسه فيما يشك فيه (فإذا خانه خرجت من بينهما) (¬4). رواية الدارقطني: "فإذا خان أحدهما صاحبه رفعها عنهما" (¬5)، زاد رزين: "وجاء الشيطان" (¬6). قال الرافعي: معناه أن البركة تنزع من مالهما (¬7). وأعل (¬8) هذا الحديث ابن القطان بالجهل بحال [سعيد بن حيان والد] (¬9) أبي حيان (¬10) التيمي، وقد ذكره ابن حبان في "الثقات"، وذكر أنه روى عنه أيضًا الحارث بن يزيد (¬11). لكن أعله الدارقطني بالإرسال، ولم يذكر فيه أبا هريرة، وقال: إنه الصواب (¬12). * * * ¬

_ (¬1) "المقدمة في علوم الحديث" (ص 28). (¬2) "المستدرك" 2/ 60. (¬3) "السنن" 3/ 35. (¬4) في (ع): بينهم. (¬5) المصدر السابق. (¬6) انظر: "جامع الأصول" 5/ 161. (¬7) انظر: "فتح العزيز شرح الوجيز" 2/ 436. (¬8) في (ر): وأيمة. (¬9) سقط من الأصل. والمثبت من "التلخيص الحبير". (¬10) "بيان الوهم والإيهام" 4/ 490. (¬11) "الثقات" 4/ 280. وفيه: سويد. بدل: يزيد. (¬12) "سنن الدارقطني" 3/ 35، و"علل الدارقطني" 11/ 7.

28 - باب في المضارب يخالف

28 - باب في المُضاربِ يخالِفُ 3384 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا سُفْيانُ، عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ، حَدَّثَني الَحي، عَنْ عُرْوَةَ -يَعْني: ابن أَبي الجَعْدِ البارِقيِّ- قال: أَعْطْاهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - دِينارًا يَشْتَري بِهِ أُضْحِيَةً أَوْ شاةً فاشْتَرى شاتَيْنِ فَباعَ إِحْداهُما بِدِينارٍ فَأَتاهُ بِشاةٍ وَدِينارٍ فَدَعا لَهُ بِالبَرَكَةِ في بَيْعِهِ، فَكانَ لَوِ اشْتَرى تُرابًا لَرَبحَ فِيهِ (¬1). 3385 - حدثنا الحَسَنُ بْنُ الصَّبّاحِ، حدثنا أَبُو المُنْذِرِ، حدثنا سَعِيدُ بْن زَيْدٍ -هُوَ أَخُو حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ- حدثنا الزُّبَيْرُ بْنُ الِخرِّيتِ، عَنْ أَبي لَبِيدٍ، حَدَّثَني عُرْوَةُ البارِقيُّ بهذا الَخَبرِ وَلَفْظُهُ مُخْتَلِفٌ (¬2). 3386 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ العَبْديُّ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، حَدَّثَني أَبُو حُصَيْنٍ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزامٍ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بعَثَ مَعَهُ بِدِينارٍ يَشْتَري لَهُ أضحِيَةً فاشْتَراها بِدِينارٍ وَباعَها بِدِينارَيْنِ فَرَجَعَ فاشْتَرى لَهُ أُضْحِيَةً بِدِينارٍ وَجاءَ بِدِينارٍ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فتَصَدَّقَ بِهِ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ودَعا لَهُ أَنْ يُبارَكَ لَهُ في تِجارَتِهِ (¬3). * * * باب في المضارب يخالف أهل العراق يسمون المقارضة مضاربة، قيل: مأخوذ من الضرب في الأرض وهو السفر والمشي، والعامل مضارِب بكسر الراء، ولم يشتق للمالك منه اسم فاعل كما قاله الرافعي (¬4)؛ لأن العامل يختص ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3642). (¬2) انظر ما قبله. (¬3) رواه الترمذي (1257)، والطبراني في "الكبير" 3/ 205 (3133). وضعفه الألباني. (¬4) انظر: "شرح الوجيز" 6/ 4.

بالضرب في الأرض، فيكون من المفاعلة التي تكون من واحد، كسافرت وعاقبت اللص. [3384] (حدثنا مسدد، حدثنا سفيان) بن عيينة (عن شبيب بن غرقدة) السلمي، ويقال: البارقي، روى له الجماعة (حدثني الحي) يعني القبيلة، وفي البخاري: عن شبيب بن غرقدة: سمعت الحي يحدثون عن عروة (¬1). قال المزني: هذا الحديث عند الشافعي ليس بثابت (¬2). قال البيهقي (¬3): إنما ضعفه لأن الحي غير معروفين. وقال في موضع آخر: هو مرسل؛ لأن شبيب بن غرقدة لم يسمع من عروة، إنما سمعه من الحي (¬4). وقال الرافعي في "التذنيب" (¬5): هو مرسل (¬6) (عن عروة بن الجعد البارقي) بالباء والقاف أول من قضى بالكوفة (قال: أعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - دينارًا يشتري به أضحية أو شاة) شك من الراوي، فيه جواز التوكيل في شراء ما يقصد به العبادة كالهدي وزكاة الفطر والكفارة وإن كان الأفضل أن يباشر ذلك بنفسه (فاشترى) بالدينار (ثنتين) (¬7) أي: شاتين، فيه أنه لو قال لوكيله: اشتر بهذا الدينار شاة، ووصفها ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (3442). (¬2) انظر: "الأم" 5/ 62 - 63. (¬3) في الأصل: البخاري، وانظر: "معرفة السنن والآثار" 8/ 327. (¬4) "السنن الكبرى" 6/ 113. (¬5) في (ر): الترتيب. والمثبت من "التلخيص الحبير". (¬6) انظر "التخليص الحبير" 3/ 11. (¬7) في المطبوع: (شاتين).

فاشترى به شاتين بالصفة، وكل شاة منهما تساوي دينارًا صح الشراء لهذا الحديث، ويدل على هذا الشرط قوله بعده: "فباع إحداهما بدينار" ولأن مقصود الموكل قد حصل (¬1)، وزاد خيرًا. قال في "الأم": وهذا أشبه القولين (¬2). وأشبه هذا ما لو أمره أن يبيع شاة بدرهم، فباعها بدرهمين، أو بأن يشتريها بدرهم، فاشتراها بنصف درهم، وكذا يصح العقد، ويحصل الملك في الشاتين للموكل فيما إذا ساوت واحدة دينارًا والأخرى دونه، وهذا هو الصحيح عند الأصحاب، كما نقله النووي في زيادات "الروضة" (¬3)، ويدل عليه إطلاق الحديث؛ فإن فيه أنه باع إحداهما بدينار، وأطلق في الثانية هل يساوي دينارًا أو دونه. (فباع إحداهما) فيه حجة للقديم من مذهب الشافعي. قال النووي في "الروضة": وهو قوي الدليل؛ لأن الحديث صحيح عنده، وعند المنذري حسن (¬4)، إن الفضولي إذا باع مال الغير بغير إذن منه ولا ولاية أن البيع يصح ويكون موقوفًا على إجازة المالك، وكذا إذا اشترى بمال الغير، وهو مذهب مالك وإحدى الروايتين عن أحمد، وعن ¬

_ (¬1) زاد هنا في الأصل كلمة (المقصود) وأظن أنها مقحمة. (¬2) "الأم" 5/ 64. (¬3) "روضة الطالبين" 4/ 318. (¬4) إنما حسنه المنذري من رواية الترمذي (1258) وهذا كلامه في "مختصره" 5/ 51: وقد أخرج الترمذي حديث شراء الشاة من رواية أبي لبيد لُمازة بن زبّار عن عروة وهو من هذِه الطريق حسن. والله عز وجل أعلم.

أبي حنيفة: يجري قول الوقف في البيع دون الشراء (¬1). قال الرافعي: والمعتبر في إجازة المالك من يملك التصرف عند العقد حتى لو باع الولي مال الطفل، فبلغ وأجاز العقد لم ينفذ، وكذا لو باع مال الغير ثم ملكه (¬2). والجديد أن البيع والشراء باطل للحديث الذي رواه المصنف وحسنه الترمذي: "لا تبع (¬3) ما ليس عندك" (¬4). وأجاب الأصحاب عن هذا الحديث على تقدير صحته بأنه لعله كان وكيلًا في البيع بقرينة فهمها عنه - صلى الله عليه وسلم -، واحتج المصنف في الباب الذي بعده بحديث صاحب الغار. (بدينار) والشاة الثانية يحتمل أن يكون قيمتها دينارًا ويحتمل أن يكون دون ذلك، ففيه دليل على أن الوكيل في شراء ووصف الصفة إذا اشترى شاتين يجوز، سواء كانت قيمة كل واحدة منهما دينارًا وقيمة إحداهما دينارًا والأخرى دون ذلك كما تقدم، أما إذا كانت قيمة [كل] (¬5) واحدة منهما دون الدينار فلا يصح العقد؛ لأن مقصود الموكل لم يحصل سواء كان مجموع الشاتين يساوي دينارًا أو زائدًا، واحترزنا بقولنا: ووصف الشاة. عما إذا وكله في شراء شاة بدينار ولم صفها فإن التوكيل لا يصح، فيحمل الحديث على أنه - صلى الله عليه وسلم - لما أعطاه ¬

_ (¬1) لم أقف على هذا الكلام في "الروضة"، وراجع هذِه المسألة في "الروضة" 4/ 318 - 319. (¬2) في (ع): ويملكه. وانظر: "فتح العزيز شرح الوجيز" 4/ 32. (¬3) في (ع): بيع. (¬4) من "البيان" 6/ 441. (¬5) سيأتي برقم (3503)، وفي الترمذي (1232 - 1234).

الدينار يشتري به الشاة وصفها (فأتاه بشاة) واحدة (ودينار، فدعا له بالبركة في بيعه) وفي رواية ذكرها المستغفري وغيره: فقال: "بارك الله لك في صفقة يمينك" (¬1) فكان لو اشترى التراب ربح. فيه استحباب الدعاء لمن قضى للإنسان (¬2) حاجة أو فعل ما فيه نفع للمسلمين، وهذا من باب مكافأة الإحسان، ويكون الدعاء فيما يناسب ما فعله، كقوله لمن أعانه على الطهارة: طهرك الله من الذنوب. ولمن أزال عنه الأذى: أماط الله عنك الأذى. ونحو ذلك مما يكثر لمن تتبعه (¬3) في الأحاديث النبوية. (فكان لو اشترى ترابًا) فيه دليل على صحة بيع التراب وشرائه. وقد اختلف في جواز بيع التراب بالصحراء (¬4)، والماء على شط النهر، والأصح الصحة؛ لظاهر هذا الحديث - ولم أر من استدل به - ولوجود المنفعة به وإن ضعفت (¬5). والثاني: لا يصح؛ لأن بذل المال فيه مع وجدان مثله بلا تعب ولا مؤنة سفه (¬6) (لربح فيه) وفي الحديث حذف تقديره: لو اشترى ترابًا وباعه لربح فيه. ¬

_ (¬1) رواها الترمذي (1258)، والطحاوي في "شرح المشكل" 14/ 458. (¬2) في (ر) و (ع): الإنسان. والمثبت من (ل). (¬3) في (ر): يتبعه. (¬4) سقطت من (ع). (¬5) انظر: "الوسيط في المذهب" 3/ 20، "الروضة" 3/ 355. (¬6) انظر: "فتح العزيز شرح الوجيز" (4/ 30 - 31).

[3385] (حدثنا الحسن بن الصباح) البزار (حدثنا أبو المنذر) [عفان ابن مسلم الصفار] (¬1) من رواة البخاري. (حدثنا سعيد بن زيد) بن درهم الأزدي [مولاهم البصري، و (هو أخو حماد بن زيد) الأزدي] (¬2) الأزرق أحد الأعلام، كان يحفظ حديثه كاملا (¬3). قال ابن مهدي: لم أر أعلم بالسنة منه (¬4). روى له الجماعة. وثق ابن سعد أبا المنذر، وقال ابن معين: ثقة. وقال حرب: سمعت أحمد أثنى (¬5) عليه (¬6). وقال النووي والمنذري (¬7): إسناد هذا الحديث حسن لمجيئه من وجهين. (حدثنا الزبير بن الخِرِّيت) بكسر الخاء المعجمة، وتشديد الراء البصري، روى له البخاري في غير موضع، ومسلم في الدعوات (¬8). (عن أبي لبيد) لُمازة -بضم اللام وبعد الألف زاي- ابن زَبَّار، بفتح الزاي وتشديد الباء الموحدة وبعد الألف راء، الجهضمي، وثق، وثقه ¬

_ (¬1) هكذا في الأصل والصواب أن أبا المنذر اسمه: (إسماعيل بن عمر الواسطي) وانظر: "تهذيب الكمال" 3/ 154 (468). (¬2) ما بين المعقوفين سقط من (ر). (¬3) في (ل): كالما. وفي (ر): كأنما. والمثبت هو الصواب. (¬4) انظر: "سير السلف الصالحين" لقوام السنة 1/ 992، و"الكاشف" 1/ 349. (¬5) في (ر): يثني. والمثبت من (ل). (¬6) انظر: "تهذيب الكمال" 10/ 441 (2276) هذا على أنه عفان بن مسلم. وقد علمت الصواب وأنه إسماعيل بن عمر وأنظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 3/ 154 (468). (¬7) "مختصر السنن" 5/ 51. (¬8) لم أجد له حديثا في الدعوات إنما في كتاب صلاة المسافرين (705، 749).

محمد بن سعد (¬1) وأبو حاتم ابن حبان (¬2). وقال فيه أحمد: صالح الحديث (¬3). وهو بصري (حدثني عروة) بن الجعد (البارقي بهذا الخبر، ولفظه مختلف) ورواه المستغفري بهذا السند ولفظه، قال: عَرَض لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - جلب فدفع إليَّ دينارا (¬4)، فقال: "ائت (¬5) الجلب، فاشتر لي به شاةً" فذهبت فاشتريت شاتين بدينار، فجئت أقودهما أو أسوقهما، فعرض لي رجل، فاشترى مني إحدى الشاتين بدينار، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله، هذِه الشاةُ وهذا ديناركم. فقال: "وصنعت ماذا يا عروة؟ " فأخبرته فقال: "بارك الله لك في صفقة يمينك". فإن كنتُ لأقوم في سوق الكناسة فما أرجع إلى أهلي حتى أربح ثلاثين ألفًا. وفي رواية له: فلقد رأيتني أقف بكناسة الكوفة فأربح أربعين (¬6) دينارًا قبل أن أصل إلى أهلي. وفي رواية: فما أرجع إلى أهلي حتى أربح أربعين ألفًا (¬7). وفي رواية: فكان من أكثر أهل الكوفة مالًا (¬8). ¬

_ (¬1) "الطبقات الكبرى" 7/ 213. (¬2) "الثقات" 5/ 345. (¬3) انظر: "الجرح والتعديل" 7/ 182. (¬4) في (ر): دينار. والمثبت من (ل). (¬5) في (ر): أنت. (¬6) في (ع): فأربح أربح. والرواية هذِه رواها أبو نعيم في "الدلائل" 1/ 461. (¬7) رواها أحمد 4/ 376. (¬8) رواها الترمذي (1258).

والجلب والأجلاب: الذين يجلبون الإبل والغنم للبيع (¬1). والكناسة: أصلها القمامة، وهي اسم موضع بالكوفة. وقوله: "فلقد رأيتني". قالوا: لا (¬2) يجتمع (¬3) الفاعل والمفعول في لفظ واحد إلا في أفعال القلوب (¬4). [3386] (حدثنا محمد بن كثير العبدي) البصري، روى عنه البخاري في مواضع، وروى عنه مسلم في الرؤيا (¬5) (أنبأنا سفيان، حدثني أبو حَصين) بفتح الحاء المهملة، عثمان بن عاصم الأزدي صاحب سنة، روى له الجماعة. (عن شيخ من أهل المدينة) قال البيهقي: هذا الحديث ضعيف من أجل هذا الشيخ (¬6). (عن حكيم بن حزام -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث معه) ظاهره أنه بعث مع حكيم بن حزام المذكور، ويحتمل أن يعود الضمير على عروة بن الجعد البارقي، فيكون قصة واحدة (بدينار ليشتري به أضحية، فاشتراها بدينار، وباعها بدينارين) فيه دليل على أن الوكيل في الشراء له أن يسلم الثمن للبائع إذا كان مسلمًا إليه، وإن لم يعرف الوكيل عينه لكن لا يسلمه حتى يقبض المبيع لما في المبيع قبله من الخطر، وعلى أن الوكيل في شراء (¬7) شيء إذا رأى من يشتريه بغبطة ظاهرة إذا ¬

_ (¬1) في (ع): للإبل، وانظر: "لسان العرب" 1/ 268. (¬2) سقط من (ر). والمثبت من (ل). (¬3) في (ر): يجمع. (¬4) انظر: "عمدة القاري" 6/ 50. (¬5) حديث رقم (2269). (¬6) "السنن الكبرى" للبيهقي 6/ 113. (¬7) في (ر): الشراء. والمثبت من (ل).

علم رضى الموكل بذلك. (فرجع فاشترى له أضحية بدينار) منهما (وجاء بدينار) وشاة (إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فتصدق به النبي - صلى الله عليه وسلم -) هذا يدل على أن الوكالة ليست مطلقة؛ إذ لو كانت مطلقة لكانت الزيادة له، وقد جعل جماعة من أهل العلم هذا أصلًا في أن من وصل إليه مال من شبهة وهو لا يعرف له مستحقًّا فإنه يتصدق به، لكن ينبغي أن يتصدق به إذا كان فيه شبهة على تساوي المشركين (¬1)، ووجه الشبهة أنه لم يأذن لعروة (¬2) في بيع الأضحية، ويحتمل أن يكون تصدق [به] (¬3)؛ لأنه قد خرج عنه للقربة لله تعالى [في الأضحية] (¬4) فكره أكل ثمنها. وفيه دليل على أنه من خرج عن شيء ثم عاد إليه بعينه أو بدله أن يتصدق به؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - لعمر: "لا تعد في صدقتك ولو أعطاكه (¬5) بدرهم" (¬6). (ودعا له أن يبارك له في تجارته) فيه الدعاء بالبركة في المال، وفي العقود التي يتعاطاها (¬7). وأصل البركة: زيادة النفع وكثرة الخير. قاله الزجاج (¬8). * * * ¬

_ (¬1) كذا العبارة بالأصول. ولا يتبين لي وجهها. (¬2) في (ع): كونه. (¬3) سقط من الأصل وأثبتها من "نيل الأوطار" 6/ 6. (¬4) ساقط من (ر). (¬5) في (ر): أعطا له. (¬6) رواه البخاري (1419) ومسلم (1620). (¬7) في (ع): يتعاطاه. (¬8) "معاني القرآن وإعرابه" 4/ 57.

29 - باب في الرجل يتجر في مال الرجل بغير إذنه

29 - باب في الرَّجُلِ يَتَّجِرُ في مالِ الرَّجُلِ بغَيْرِ إذْنِهِ 3387 - حدثنا مُحَمَّدُ بْن العَلاءِ، حدثنا أَبُو أُسامَةَ، حدثنا عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ، أَخْبَرَنا سالمُ بْن عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنِ اسْتَطاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ صاحِبِ فَرقِ الأَرُزِّ فَلْيَكُنْ مِثْلَهُ". قالُوا: وَمَنْ صاحِبُ فَرْقِ الأرُزِّ يا رَسُولَ اللهِ؟ فَذَكَرَ حَدِيثَ الغارِ حِينَ سَقَطَ عَلَيْهِمُ الجَبَلُ فَقالَ كُلُّ واحِدٍ مِنْهُمُ: اذْكُرُوا أَحْسَنَ عَمَلِكُمْ. قالَ: "وقالَ الثّالِثُ اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنّي اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرْقِ أَرُزٍّ فَلَمّا أَمْسَيْتُ عَرَضْتُ عَلَيْهِ حَقَّهُ فَأَبى أَنْ يَأْخُذَهُ وَذَهَبَ فَثَمَّرْتُهُ لَهُ حَتَّى جَمَعْتُ لَهُ بَقَرًا وَرِعاءَها فَلَقِيَني فَقال: أَعْطِني حَقّي. فَقُلْتُ: اذْهَبْ إِلَى تِلْكَ البَقَرِ وَرِعائِها فَخُذْها فَذَهَبَ فاسْتاقَها" (¬1). * * * باب الرجل يتجر في مال الرجل بغير إذنه [3387] (حدثنا محمد بن العلاء، حدثنا أبو أسامة) حماد قال: (حدثنا عمر بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي، ابن عبد الله بن عمر العدوي العمري، روى له مسلم في المتابعة، وفي "الميزان" أن مسلمًا احتج به (¬2). قال: (أنبأنا سالم بن عبد الله، عن أبيه) عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- (قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من استطاع منكم أن يكون مثل ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 116، ورواه البخاري (2272)، ومسلم (2743) بدون زيادة "من استطاع .. ". وقال الألباني: منكر بهذِه الزياد التي في أوله وهو في الصحيحين دونها. (¬2) انظر: "ميزان الاعتدال" 3/ 192. قلت: بل قد روى له مسلم في الأصول، انظر حديث (1437/ 123 - 124، 1574/ 55، 2026، 2788/ 24، 2921/ 79).

صاحب فرق) بفتح الفاء والراء، وجوز سكون الراء، والفرق اثنا عشر مدًّا (الأرز) فيه ست لغات والأفصح فتح الهمزة وضم الراء. (فليكن مثله) فيه فضيلة التشبه بأهل الخير والصلاح والحث على ذلك لا سيما أن المحرض عليه ممن يعتقد بركته. (قالوا: ومن صاحب) وما صاحب (فرق الأرز يا رسول الله؟ فذكر حديث الغار) الصحيح المشهور، وحديث الثلاثة النفر الذين آواهم المبيت حين أخذهم المطر إلى غار تحت جبل (¬1) (حين سقط عليهم) حين دخلوه صخرة (¬2) من (الجبل، فقال كل واحد منهم (¬3): اذكروا أحسن) أعمالكم (عملكم) (¬4) الصالحة، يعني الخالصة لوجه الله تعالى، فادعوا الله بها، لعله يفرجها عنكم (قال (¬5): وقال الثالث) منهم (اللهم إنك تعلم أني استأجرت أجيرًا بفرق) من (¬6) (أرز) والفرق: ستة عشر رطلًا (¬7). فإن قلت: ورد في "صحيح البخاري" في باب: إذا اشترى شيئًا لغيره، أن الفرق كان من الذرة (¬8). فالجواب: أن ذلك إما باعتبار أنهما حبان متقاربان فأطلق أحدهما على الآخر، وإما أن بعضه من هذا وبعضه من ذاك، أو كانا أجيرين. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2102) ومسلم (2743) عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-. (¬2) في (ع): صخر. (¬3) في (ع): منكم. (¬4) كتب فوقها في (ل): نسخة. (¬5) في (ر): وقال: (¬6) في (ر): بين. والمثبت من (ل). (¬7) انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير 3/ 837. (¬8) "صحيح البخاري" (2215).

(فلما أمسيت عرضت (¬1) عليه حقه (¬2) فأبى أن يأخذه، وذهب، فثمرته) بفتح الثاء المثلثة والميم المشددة (له) أي: كثرته ونميته يعني بالزراعة، وفي رواية البخاري: فزرعته (¬3). وفي رواية له: فلم أزل أزرعه (¬4) (حتى) كثرت منه الأموال و (جمعت) واشتريت (له) منها إبلًا و (بقرًا) وغنمًا (ورعاءها) بكسر الراء والمد جمع راعي (¬5). قال الله تعالى: {حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ} (¬6)، ويجمع أيضًا على رعاة، كقاضي (¬7) وقضاة. وهذا الحديث ترجم عليه المصنف والبخاري على جواز بيع الفضولي ومالا في ذلك إلى الجواز، وأن البخاري بوب عليه باب: إذا اشترى شيئًا لغيره بغير إذنه (¬8). وهو قريب من تبويب المصنف، غير أن تبويب المصنف أعم. ووجه الدليل منه أن الرجل تصرف في مال الأجير بغير إذنه. قال شارح التراجم: ووجه (¬9) الدلالة على جوازه أن المستأجر عين للأجير أجره، فبعد إعراضه تصرف فيه، فلو لم يكن التصرف جائزًا لكان تصرف معصية، فلا يتوسل (¬10) بها إلى الله تعالى (¬11). وقد يجاب بأن التوسل إنما كان برد الحق إلى مستحقه بزيادته (¬12) ¬

_ (¬1) في (ر): أعرضت. (¬2) سقط من (ر). والمثبت من (ل). (¬3) (2102). (¬4) (5629). (¬5) كذا بالأصل والصواب: راع. (¬6) القصص: 23. (¬7) هكذا بالأصل، ولعل الصواب: قاض. (¬8) سبق تخريجه قريبًا. (¬9) في (ل): وجه. والمثبت من (ر). (¬10) في (ر): يتوصل. والمثبت من (ل) و"عمدة القاري". (¬11) انظر: "المتواري على تراجم أبواب البخاري" ص 261. (¬12) في (ر): بزيادة.

النامية (¬1)، لا بتصرفه. كما أن الجلوس مع المرأة كان معصية، والتوسل لم يكن إلا بترك الزنا والمسامحة بالجعل (¬2). وطريق الاستدلال بهذا الحديث ينبني (¬3) على أن شرع من قبلنا شرع لنا، والجمهور على خلافه (¬4). وتقرر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ساقه مساق المدح والثناء على فاعله (¬5) وأقره على ذلك، ولو كان لا يجوز لبينه فبهذا الطريق يصح الاستدلال به لا بمجرد كونه شرعًا (¬6) لمن قبلنا (¬7). والاستدلال بحديث عروة البارقي الذي في الباب قبله أولى وأصرح من هذا الحديث، وقد تقدم أن الصحيح من مذهب الشافعي أن بيع الفضولي باطل. وأجيب عن هذا الحديث بأنه يحتمل أنه استأجره بفرق في الذمة، ولما عرض عليه الفرق لم يعينه أو عينه ولم يقبضه واستمر في ذمة ¬

_ (¬1) في (ع): التامة. (¬2) انظر: "عمدة القاري" 12/ 241. (¬3) في (ع): مبني. (¬4) مذهب الأحناف والمالكية ورواية عن أحمد واختارها الأكثرون، وصححها القاضي أن شرع من قبلنا شرع لنا بالشروط التي ذكروها. ومذهب الشافعي، ورواية عن أحمد أنه ليس بشرع لنا. انظر: "العدة في أصول الفقه" 2/ 392، "اللمع في أصول الفقه" 1/ 63، "الإحكام" للآمدي 4/ 137، "الفروق" للقرافي 2/ 75، "إرشاد الفحول" 2/ 177. (¬5) في (ر): خلافه. (¬6) في الأصل: شرع. والصواب ما أثبتناه. (¬7) انظر: "فتح الباري" 4/ 409.

المستأجر؛ لأن الذي في الذمة لا يتعين إلا بالقبض الصحيح (¬1)، فإذا تصرف فيه المالك قبل القبض صح تصرفه سواء اعتقده لنفسه أو للأجير، ثم إنه تبرع بما اجتمع منه على الأجير (¬2). وظاهر قوله: "ثمرته له" أي: زرعه وحصاده وبيعه وشراءه الإبل والبقر والغنم والرعاء كالأجير، ولكن لا اعتبار بهذا القصد (¬3) لكن يثاب على نيته، وحينئذ فيكون ما أعطاه تبرعًا منه وتراضيا على ذلك. (فلقيني) الأجير (فقال: أعطني) بفتح الهمزة (حقي) أي: أجرتي (فقلت: اذهب إلى تلك) الإبل و (البقر) والغنم (ورعائها (¬4) فخذها) وزاد البخاري وغيره: فقال: اتق الله ولا تستهزئ بي. فقلت: إني لا أستهزئ بك، فخذه (¬5) (فذهب) إليها (فاستاقها) وقد استدل بهذا الحديث لأبي ثور في قوله: إن من غصب قمحًا فزرعه، أن كل ما أخرجت الأرض من القمح فهو لصاحب الحنطة (¬6). * * * ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) انظر المصدر السابق. (¬3) ساقطة من (ر). (¬4) بعدها في الأصل: وفي نسخة: ورعاياها. (¬5) في (ر): فخذ، وانظر: "صحيح البخاري" (2208). (¬6) انظر: "فتح الباري" 4/ 409.

30 - باب في الشركة على غير رأس مال

30 - باب في الشَّرِكةِ عَلى غَيْر رَأْسِ مالٍ 3388 - حدثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعاذٍ، حدثنا يَحْيَى، حدثنا سُفْيانُ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنْ أَبي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قال: اشْتَرَكْتُ أَنا وَعَمّارُ وَسَعْدٌ فِيما نُصِيبُ يَوْمَ بَدْرٍ، قال: فَجاءَ سَعْدٌ بِأَسِيرَيْنِ وَلَمْ أَجِئْ أَنا وَعَمّارٌ بِشَيء (¬1). * * * باب في الشركة على غير رأس مال [3388] (حدثنا عبيد الله) بالتصغير (ابن معاذ) العنبري (حدثنا يحيى) ابن زكريا (¬2) (أنبأنا سفيان) بن عيينة (¬3). (عن أبي (¬4) إسحاق) السبيعي (¬5). (عن أبي عبيدة) عامر بن عبد الله (عن) أبيه (¬6) (عبد الله) (¬7) بن مسعود، ولم يسمع منه. (قال: اشتركت أنا وعمار) بن ياسر (وسعد) بن أبي وقاص. (فيما نصيب يوم بدر) من المغانم، استدل بهذا الحديث على صحة ¬

_ (¬1) رواه النسائي 7/ 57، وابن ماجه (2288). وضعفه الألباني في "الضعيفة" (1474). (¬2) هكذا في الأصول، والصواب أنه يحيى بن سعيد القطان، كما في "تحفة الأشراف" 7/ 161. (¬3) الصواب أنه سفيان الثوري؛ فليس ليحيى رواية عن ابن عيينة في السنن. (¬4) سقطت من (ع). (¬5) في الأصل (الشيباني). والمثبت من "تحفة الأشراف". (¬6) سقطت من (ع). (¬7) في (ع): وعبد الله.

شركة الأبدان (¬1) [وهي أن يشترك الدلالان] (¬2) والحمالان، سواء اتفقت أو اختلفت (¬3). وحكى صاحب "التقريب" لبعض الأصحاب (¬4) وجهًا كمذهبه (¬5). وقال مالك: يصح بشرط اتحاد الصنعة (¬6). كما في هذا الحديث، وسلم أبو حنيفة (¬7) ومالك (¬8) أنه لا تجوز الشركة في اكتساب المباح كالاصطياد والاحتطاب؛ لأن مقتضاها الوكالة. (فجاء سعد) بن أبي وقاص (بأسيرين، ولم أجئ أنا وعمار) بن ياسر (بشيء). وقال الشافعي: شركة الأبدان كلها باطلة؛ لأن كل واحد منهما متميز ببدنه ومنافعه فيختص بفوائده، وهذا كما لو اشتركا في ماشيتهما وهي متميزة ليكون الدر والنسل بينهما فلا يصح (¬9). ¬

_ (¬1) زاد بعدها في (ر): والحمالان. وهو خطأ. (¬2) ما بين المعقوفين سقط من (ر). والمثبت من (ل). (¬3) هذِه العبارة وردت هكذا في الأصل مقتضبة، وأصل الكلام هو ما ورد في "شرح الوجيز" 5/ 191: شركة الأبدان وهي أن يشترك الدلالان أو الحمالان أو غيرهما من المحترفة على ما يكتسبان ليكون بينهما على تساو أو تفاوت وهى باطلة سواء اتفقا في الصنعة أو اختلفا. (¬4) في (ع): المذاهب. (¬5) في (ر): لمذهبه. والمثبت من (ل) وشرح الوجيز. (¬6) "المدونة" 3/ 593. (¬7) انظر: "المبسوط" 11/ 216. (¬8) انظر: "الذخيرة" 8/ 40. (¬9) انظر: "الحاوي" 6/ 479، "نهاية المطلب" 7/ 23، "الروضة" 4/ 279.

وأجاب الشافعية عن هذا الحديث بأن غنائم بدر (¬1) كانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدفعها لمن يشاء، وهذا الحديث حجة على أبي حنيفة، ولا نسلم أن الوكالة لا تصح في المباحات؛ فإنه (¬2) يصح أن يستنيب في تحصيلها بأجرة، فكذلك يصح بغير عوض (¬3). * * * ¬

_ (¬1) سقطت من (ر). (¬2) في (ر): كأنه. (¬3) انظر: "المغني" 5/ 111.

31 - باب في المزارعة

31 - باب في المُزارَعَةِ 3389 - حدثنا مُحَمَّدُ بْن كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ قالَ: سَمِعْتُ ابن عُمَرَ يَقُول: ما كُنّا نَرى بِالمُزارَعَةِ بَأْسًا حَتَّى سَمِعْتُ رافِعَ بْنَ خَدِيجٍ يَقُول إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْها. فَذَكَرْتُهُ لِطاوُسٍ فَقال: قال لي ابن عَبّاسٍ: إِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَنْهَ عَنْها ولكن قالَ: "لأَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَرْضَهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْها خَراجًا مَعْلُومًا" (¬1). 3390 - حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حدثنا ابن عُلَيَّةَ ح وَحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حدثنا بِشْرٌ -المَعْنَى- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ أَبي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمّارٍ، عَنِ الوَلِيدِ بْنِ أَبي الوَلِيدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قال: قال زَيْدُ بْن ثابِتٍ: يَغْفِرُ الله لِرافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنا والله أَعْلَمُ بِالحَدِيثِ مِنْهُ إِنَّما أَتاهُ رَجُلانِ - قالَ مُسَدَّدٌ: مِنَ الأنْصارِ ثُمَّ اتَّفَقا - قَدِ اقْتَتَلا فَقالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنْ كانَ هذا شَأْنَكُمْ فَلا تُكْرُوا المَزارعَ". زادَ مُسَدَّدٌ فَسَمِعَ قَوْلَه: "لا تُكْرُوا المَزارعَ" (¬2). 3391 - حدثنا عُثْمان بْن أَبي شَيْبَةَ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ، أَخْبَرَنا إِبْراهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحارِثِ بْنِ هِشامٍ، عَنْ محَمَّدٍ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي لَبِيبَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ سَعْدٍ قالَ: كُنّا نُكْري الأرْضَ بِما عَلَى السَّواقي مِنَ الزَّرْعِ وَما سَعِدَ بِالماءِ مِنْها، فَنَهانا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، عَنْ ذَلِكَ وَأَمَرَنا أَنْ نُكْرِيَها بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (¬3). 3392 - حدثنا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى الرّازيُّ، أَخْبَرَنا عِيسَى، حدثنا الأوزاعيُّ ح ¬

_ (¬1) روى حديث ابن عمر مسلم 1547. وروى حديث ابن عباس البخاري (2330)، ومسلم (1550). (¬2) رواه النسائي 7/ 50، وابن ماجه (2461)، وأحمد 5/ 182. وحسنه الألباني في "الصحيحة" تحت حديث رقم (3569). (¬3) رواه النسائي 7/ 41، وأحمد 1/ 178. وحسنه الألباني.

وَحَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا لَيْثٌ، كِلاهُما عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ - واللَّفْظُ لِلأِوْزاعيِّ - حَدَّثَني حَنْظَلَة بْنُ قَيْسٍ الأَنْصاريُّ قالَ: سَأَلْتُ رافِعَ بْنَ خَدِيجٍ عَنْ كِراءِ الأرْضِ بِالذَّهَبِ والوَرِقِ فَقال: لا بَأْسَ بِها إِنَّما كانَ النّاسُ يُؤاجِرُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بما عَلَى الماذِياناتِ وَأَقْبالِ الجَداوِلِ وَأَشْياءَ مِنَ الزَّرْعِ فَيَهْلِكُ هذا وَيَسْلَمُ هذا، وَيَسْلَمُ هذا وَيَهْلِكُ هذا وَلَمْ يَكنْ لِلنّاسِ كِراءٌ إِلَّا هذا فَلِذَلِكَ زَجَرَ عَنْهُ فَأَمّا شَيء مَضْمُونٌ مَعْلُومٌ فَلا بَأْسَ بِهِ. وَحَدِيثُ إِبْراهِيمَ أَتَمُّ، وقالَ قُتَيْبَةُ: عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ رافِعٍ. قالَ أَبُو داوُدَ: رِوايَةُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ نَحْوَهُ (¬1). 3393 - حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ أَنَّهُ سَأَلَ رافِعَ بْنَ خَدِيجٍ عَنْ كِراءِ الأَرْضِ فَقال: نَهَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عنْ كِراءِ الأرْضِ فَقُلْتُ: أَبِالذَّهَبِ والوَرِقِ؟ فَقال: أَمّا بِالذَّهَبِ والوَرِقِ فَلا بَأْسَ بِهِ (¬2). * * * باب في المزارعة [3389] (حدثنا محمد بن كثير) العبدي (أنبأنا سفيان، عن عمرو بن دينار قال: سمعت) عبد الله (ابن عمر) -رضي الله عنهما- (يقول: ما كنا نرى) بضم النون، أي: نظن (بالمزارعة) مفاعلة من الزراعة (¬3)، قاله المطرزي (¬4). وقال صاحب "الإقليد": من الزرع. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2327)، ومسلم (1547/ 116). (¬2) رواه مسلم (1547/ 115). (¬3) في (ر): المزارعة. (¬4) في "المغرب في ترتيب المعرب" ص 207.

قال الشافعي في "الأم" في باب المزارعة: وإذا دفع رجل إلى رجل أرضًا بيضاء على أن يزرعها المدفوع إليه فما خرج منها من شيء فله منه جزء من الأجزاء، فهذِه المحاقلة والمخابرة والمزارعة (¬1) التي نهى عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2)، هذا نصه بحروفه (بأسًا، حتى سمعت رافع بن خديج -رضي الله عنه- يقول: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنها، فذكرته لطاوس، فقال: قال) عبد الله (ابن عباس) -رضي الله عنهما- (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم ينه عنها، ولكن قال: ليمنح) (¬3) وفي بعض النسخ: ليمنح. بفتح لام الابتداء، ويمنح مقدرة بالمصدر، كقولهم: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. والتقدير: لمنح أحدكم أرضه خير. (ليمنح) مجزوم بلام الأمر والنون مفتوحة، ويجوز كسر النون مع ضم الياء فإنه يقال: منحته الشيء وأمنحه إياه إذا أعطيته (أحدكم) أخاه (أرضه خير له) أي: أنفع له وأرفق كما سيأتي مصرحًا به (من أن يأخذ عليها خراجًا) بفتح الخاء والراء قراءة حمزة والكسائي [وقرأه الباقون] (¬4): {خَرْجًا} وبفتح الخاء وسكون الراء في الكهف (¬5) والمؤمنون (¬6)، أي (¬7): أجرًا وجعلًا (معلومًا) وهما لغتان، ونظيرهما ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) انظر: "الأم" 7/ 118. (¬3) في المطبوع: لأن يمنح. (¬4) في (ع): وقراءة الباقين. (¬5) (آية: 94) وانظر: "معجم القراءات" 5/ 301. (¬6) (آية: 72) وانظر المصدر السابق 6/ 194. (¬7) ساقطة من (ع).

النوال والنول، ويحتمل أن يكون خير بمعنى أفضل عند الله من الأجرة التي يأخذها، وعلى هذا فيكون النهي المتقدم في (¬1) قوله (لم ينه) نهي تنزيه لا نهي تحريم. [3390] (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا) إسماعيل (ابن علية، وحدثنا مسدد، حدثنا بشر) بن المفضل (المعنى، عن عبد الرحمن بن إسحاق) بن عبد الله بن الحارث، القرشي العامري، قال أبو داود: قدري ثقة (¬2). (عن أبي عبيدة) بالتصغير (ابن محمد بن عمار) بن ياسر، وثق (عن الوليد بن أبي الوليد) المدني مولى عبد الله بن عمر، التابعي. (عن عروة بن الزبير -رضي الله عنه- قال: قال زيد بن ثابت -رضي الله عنه-: يغفر الله لرافع بن خديج) لما كان المقام مقام لوم وتعنيف أتى بالدعاء بصيغة الاستقبال، ولم يأت بصيغة الماضي الدالة على الثبوت والتحقيق كما قال يوسف عليه السلام لما كان حالهم حال تقصير قال: {يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} (¬3). فدعا لهم بمغفرة ما فرط منهم، وكذا العاطس لما كان عطاسه دال على الخيبة والطيش (¬4) المحوج إلى الدعاء بالسمت والوقار، أي بالدعاء بصيغة بها مستقبل مع قوله: يهديكم ويصلح بالكم. وكلاهما جائز، فيقال: غفر الله لك، ويغفر الله لك. لكن لكل مقام مقال، والله أعلم. ولا ¬

_ (¬1) في (ر): عن. والمثبت من (ل). (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 16/ 524. (¬3) يوسف: 92. (¬4) أقحم بعدها في (ر): الدعاء.

يدخل في هذا الدعاء ما قاله الغزالي وغيره: إن أخبث أنواع الغيبة ما يقع من المنسوبين إلى الصلاح الذين يظهرون من أنفسهم التعفف عن الغيبة بنقض المذكور بلفظ الدعاء فيقولون: فلان تاب الله عليه، وأصلح الله حاله وغفر له. فيظهرون الدعاء ومقصودهم خلافه، والله تعالى (¬1) مطلع على ضمائرهم ولا يدرون أنهم تعرضوا لمقت (¬2) أعظم مما يتعرض له الجهال إذا جهروا بالغيبة (¬3). فإن الصحابة أعظم. (أنا والله أعلم بالحديث منه) فيه جواز مدح الإنسان نفسه؛ للتمسك بقوله، والحث على العمل بما يقوله؛ لما في ذلك من المصلحة الشرعية، والرجوع عما يخالف ما يقوله، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "أنا سيد ولد آدم" (¬4). وقال يوسف عليه السلام: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} (¬5)، وقال ابن عباس لما سئل عن البدنة إذا أزحفت (¬6): على الخبير سقطت (¬7). (إنما أتاه رجلان. قال مسدد) هما (من الأنصار، ثم اتفقا) فقالا: رجلان (قد اقتتلا) يعني على المزارعة. (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن كان هذا) يعني الاقتتال عليها من (شأنكم فلا تكروا المزارع) جمع مزرعة وهي الموضع الذي يزرع فيه، أي: لا ¬

_ (¬1) ساقطة من (ع). (¬2) في (ع): المقت. (¬3) انظر: "إحياء علوم الدين" 3/ 145. (¬4) رواه مسلم (2278) من حديث أبي هريرة. (¬5) يوسف: 55. (¬6) بياض في (ر). (¬7) رواه مسلم (1325).

تكروا الأراضي لمن يتخذها مزارع بزرع يؤخذ منه أو بغيره إذا أدى ذلك إلى المنازعة والمقاتلة. (زاد مسدد) في روايته (فسمع) رافع بن خديج (قوله - صلى الله عليه وسلم -: لا تكروا) بضم أوله، وكذا ما قبله وهو قوله (فلا تكروا المزارع) وحتى لم يسمع رافع السبب الذي لأجله نهى عن المزارعة. والنهي إذا علق على سبب ولم يوجد السبب في بعض الصور زال النهي؛ لأن المعلول يبطل بزوال علته، والله أعلم. [3391] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن محمد بن عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام) [المخزومي المدني، لم يرو عنه غير إبراهيم بن سعد فقط، وذكره ابن حبان في "الثقات" (¬1)، وله حديث في أبي داود والنسائي (¬2) في المزارعة، وهو هذا الحديث. (عن محمد بن عبد الرحمن] (¬3) بن لبيبة) (¬4) بفتح اللام وتكرير الموحدة بينهما مثناة ساكنة، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬5) (عن سعيد ابن المسيب، عن سعد) بن أبي وقاص -رضي الله عنه-. (قال) (¬6) (كنا نكري) بضم أوله (الأرض) رواية النسائي: كان ¬

_ (¬1) 7/ 364. (¬2) "المجتبى" 7/ 41. (¬3) ما بين المعقوفين ساقط من (ر)، والمثبت من (ل). (¬4) بعدها في الأصول: وفي نسخة: أو عن ابن أبي لبيبة. (¬5) 5/ 362. (¬6) من المطبوع.

أصحاب المزارع في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يكرون مزارعهم (¬1) (بما) يكون (على السواقي) أي: بما ينبت على أطراف السواقي (من الزرع، وما سعد) بفتح السين وكسر العين المهملتين، قال شمر: قال بعضهم: معناه بما جاء من الماء سيحا لا يحتاج إلى ساقية. وقال غيره: معناه ما جاء من الماء من غير طلب. قال الأزهري: والسعيد: النهر مأخوذ من هذا (¬2). وسواعد النهر التي تنصب إليه مأخوذة من هذا (¬3)، وفي بعض النسخ: وما صعد (بالماء (¬4) [منها]) (¬5) بالصاد بدل السين، أي: ما ارتفع من النبت بالماء دون ما سفل منه (فنهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك) لأن هذا من المجهول الذي يحصل به الغرر المنهي عنه المؤدي إلى المخاصمة والمنازعة (¬6) (وأمرنا أن نكريها) [بذهب وفضة] (¬7) يعني: الأراضي التي تزرع فيها (بذهب أو فضة) استدل به ربيعة على أنه لا يجوز إجارتها إلا بالذهب والفضة فقط. واستدل به الشافعي وأبو حنيفة وكثيرون على أنه يجوز، بكل (¬8) ما ¬

_ (¬1) سبق تخريجه. (¬2) انظر: "تهذيب اللغة" 2/ 74. (¬3) انظر: "النهاية" لابن الأثير 2/ 928، "لسان العرب" 3/ 213. (¬4) ساقطة من (ع). (¬5) من المطبوع. (¬6) في (ر): المزارعة. (¬7) زيادة من (ل). (¬8) في (ر): فكل.

يجوز أن يكون ثمنًا في البياعات من الذهب والفضة، والعروض كالثياب (¬1) وبالطعام سواء كان من جنس ما يزرع في الأرض أو غيره (¬2)، أما أبو حنيفة فعلى أصله في ترجيح القياس على خبر الواحد. وأما الشافعي ومن قال بقوله فيمكن أن يقال: حملوا مطلق النواهي على مقيدها، ورأوا أن محل النهي إنما هو فيما لم يكن مضمونا (¬3) ولا معلومًا، وبقياس إجارة الأراضي على العقار، وهو من أقوى أنواع القياس؛ لأنه في معنى الأصل (¬4). [3392] (حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي، أنبأنا عيسى) بن يونس (حدثنا) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي) أحد الأعلام. (وحدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ليث (¬5)، كلاهما عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) فروخ (¬6) مولى آل (¬7) المنكدر فقيه المدينة (واللفظ للأوزاعي، قال: حدثني حنظلة بن قيس) الزرقي (الأنصاري) من ثقات أهل المدينة وتابعيهم (¬8). (قال: سألت رافع بن خديج -رضي الله عنه- عن كراء الأرض بالذهب والورق) ¬

_ (¬1) في (ر): كالنبات. (¬2) انظر: "شرح مسلم" للنووي 10/ 198. (¬3) في (ر): مضموما. (¬4) انظر: "المفهم" للقرطبي 4/ 407. (¬5) ساقطة من (ر). (¬6) في (ر): يزرع. (¬7) في (ل): هل. (¬8) في (ر): وتابعيه.

بفتح الواو [وكسر الراء] (¬1) كما تقدم وهو الفضة. (فقال: لا بأس) بكرائها بها (¬2). فيه حجة ثابتة لربيعة والشافعي وأبي (¬3) حنيفة (إنما كان الناس يؤاجرون) الأراضي (على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما على الماذيانات) بذال معجمة مكسورة ثم ياء (¬4) مثناة تحت ثم ألف ثم نون ثم ألف ثم مثناة فوق، هكذا هو المشهور. وحكى القاضي عن بعض الرواة فتح الذال في غير "صحيح مسلم" (¬5)، وهي مسايل المياه، والمراد بها هنا: ما ينبت على حافة الأنهار ومسايل الماء، وليست (¬6) عربية (¬7) لكنها سوادية، وهو من باب تسمية الشيء باسم غيره إذا كان مجاورًا له، أو كان منه (¬8) بسبب (¬9) (و) ما ينبت على (أقبال) بفتح الهمزة وتخفيف الباء الموحدة أي: أوائل (الجداول) يعني: السواقي جمع جدول وهو النهر الصغير. (و) على (أشياء من الزرع) مجهول المقدار، ويدل عليه قوله بعده: وأما على شيء معلوم فلا بأس به. ¬

_ (¬1) في الأصول: وكسرها. والصواب ما أثبتناه. (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) في الأصول: أبو. والمثبت هو الصواب. (¬4) ساقطة من (ر). (¬5) "إكمال المعلم" 5/ 197. (¬6) في (ر): ليس. (¬7) انظر: "شرح مسلم" للنووي (10/ 198). (¬8) ساقطة من (ل). (¬9) انظر: "المفهم" 4/ 408.

(فيهلك) بكسر اللام، أي: فربما يهلك زرع (هذا) دون غيره (ويسلم (¬1) هذا) أي: غيره (¬2) (و) ربما (يسلم) زرع (هذا ويهلك) زرع (هذا، ولم يكن للناس) في ذلك الزمان (كراء) أي: مؤاجرة (إلا هذا) الشائع (فلذلك زجر عنه) أي: نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما في ذلك من الغرر المؤدي إلى أكل أموال الناس بالباطل. (وأما) خير (¬3) الثمن (شيء مضمون) في الذمة (معلوم) القدر بالكيل والوزن (فلا بأس به) وهذا حجة للشافعي (¬4) وغيره إلى أن الأجرة لا يشترط أن تكون من الذهب أو الفضة كما قال ربيعة، وفي عموم قوله: (شيء مضمون) رد على ما ذهب إليه مالك: أن الأرض تكرى ليخرج منها الطعام؛ فلا يجوز أن تكرى بطعام؛ لأنه يضارع طعام بطعام إلى أجل فيكون من الربا. (وحديث إبراهيم) بن موسى (أتم) من حديث قتيبة. (وقال قتيبة) بن سعيد في روايته (عن حنظلة) بن قيس (عن رافع) بن خديج بلفظ العنعنة، ولم يصرح بتحديث (¬5) ولا سماع. ([قال أبو داود: رواية يحيى بن سعيد عن حنظلة] (¬6) نحوه) أي: قريب منه. ¬

_ (¬1) من المطبوع. (¬2) في (ر): عنده. (¬3) مكانها في (ل) طمس. (¬4) في (ع): الشافعي. (¬5) في (ر): بحديث. (¬6) ما بين المعقوفين ساقط من الأصول، والمثبت من المطبوع.

[3393] (حدثنا قتيبة بن سعيد، عن مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) فروخ (عن حنظلة بن قيس، أنه سأل رافع بن خديج -رضي الله عنه- عن كراء) بالمد (الأرض (¬1) [فقال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كراء الأرض) فقلت: أيجوز (بالذهب والورق؟ ] (¬2) فقال: أما بالذهب والورق فلا بأس به) فيه حذف تقديره: وأما بغير الذهب والورق ففيه بأس، فلا يجوز. وهذا يرجح ما ذهب إليه ربيعة أنه لا يجوز كراء الأرض بغيرهما. * * * ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) ما بين المعقوفين سقط من (ر). والمثبت من (ل).

32 - باب في التشديد في ذلك

32 - باب في التَّشْدِيدِ في ذَلِك 3394 - حدثنا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَني أَبي، عَنْ جَدّي اللَّيْثِ، حَدَّثَني عُقَيْلٌ، عَنِ ابن شِهابٍ أَخْبَرَني سالِمُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ أَنَّ ابن عُمَرَ كانَ يُكْري أَرْضَهُ حَتَّى بَلَغَهُ أَنَّ رافِعَ بْنَ خَدِيجٍ الأنصاريَّ حَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَنْهَى عَنْ كِراءِ الأَرْضِ. فَلَقِيَهُ عَبْدُ الله فَقال: يا ابن خَدِيجٍ ماذا تُحَدِّثُ، عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في كِراءِ الأَرْضِ؟ قالَ رافِعٌ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: سَمِعْتُ عَمَّي وَكانا قَدْ شَهِدا بَدْرًا يُحَدِّثانِ أَهْلَ الدّارِ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ كِراءِ الأَرْضِ. قالَ عَبْدُ الله: والله لَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ في عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ الأرْضَ تُكْرى. ثمَّ خَشيَ عِبْدُ الله أَنْ يَكونَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أحْدَثَ في ذَلِكَ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ عَلِمَهُ فَتَرَكَ كِراءَ الأَرْضِ (¬1). قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ أَيُّوِبُ وَعُبَيْدُ اللهِ وَكَثِيرُ بْن فَرْقَدٍ وَمالِكٌ، عَنْ نافِعٍ، عَنْ رافِعٍ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَرَواهُ الأوْزاعيُّ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عِنانٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنْ رافِعٍ قالَ: سَمِعْت رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وَكَذَلِكَ رَواهُ زَيْدُ بْن أَبي أنَيْسَةَ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أنَّهُ أَتَى رافِعًا فَقال: سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقال: نَعَمْ. وَكَذا قالَ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمّارٍ، عَنْ أَبي النَّجاشيِّ، عَنْ رافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قالَ: سَمِعْتُ النَّبيَّ عليه السلام. وَرَواهُ الأوزاعيُّ، عَنْ أَبي النَّجاشيِّ، عَنْ رافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ عَمِّهِ ظُهَيْرِ بْنِ رافِعٍ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. قالَ أَبُو داوُدَ: أَبُو النَّجاشيِّ عَطاءُ بْنُ صُهَيْبٍ. 3395 - حدثنا عُبَيْدُ الله بْن عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ، حدثنا خالِدُ بْن الحارِثِ، حدثنا سَعِيدٌ، عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ يَسارٍ أَنَّ رافِعَ بْنَ خَدِيج قالَ: كُنّا نُخابِرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَ عُمُومَتِهِ أَتاهُ فَقال: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، عَنْ أَمْرٍ كانَ لنا نافِعًا وَطَواعِيَة اللهِ وَرَسُولهِ أَنْفَعُ لنا وَأَنْفَعُ. قال: قُلْنا وَما ذاكَ؟ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2345)، ومسلم (1547/ 122).

قال: قال رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْها أَوْ فَلْيُزْرِعْها أَخاهُ وَلا يُكارِيها بِثُلُثٍ وَلا بِربُعٍ وَلا بِطَعامٍ مُسَمّى" (¬1). 3396 - حدثنا مُحَمَّدُ بْن عُبَيْدٍ، حدثنا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ قال: كَتَبَ إِلَي يَعْلَى بْن حَكِيمٍ أَنّي سَمِعْتُ سُلَيْمانَ بْنَ يَسارٍ بِمَعْنَى إِسْنادِ عُبَيْدِ الله وَحَدِيثِهِ (¬2). 3397 - حدثنا أَبُو بَكْرِ بْن أَبي شَيْبَةَ، حدثنا وَكِيعٌ، حدثنا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، عَنْ مُجاهِدٍ، عَنِ ابن رافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ أَبِيهِ قال: جاءَنا أَبُو رافِعٍ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقال: نَهانا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، عَنْ أَمْرٍ كانَ يَرْفَقُ بِنا وَطاعَةُ الله وَطاعَةُ رَسُولِهِ أَرْفَقُ بِنا، نَهانا أَنْ يَزْرَعَ أَحَدُنا إِلَّا أَرْضًا يَمْلِكُ رَقَبَتَها أَوْ مَنِيحَةً يَمْنَحُها رَجُلٌ (¬3). 3398 - حدثنا مُحَمَّدُ بْن كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجاهِدٍ أَنَّ أسَيْدَ بْنَ ظُهَيْرٍ قال: جاءَنا رافِعُ بْن خَدِيجٍ فَقالَ: إِنَّ رَسُولَ الله يَنْهاكُمْ، عَنْ أَمْرٍ كانَ لَكُمْ نافِعًا وَطاعَةُ اللهِ وَطاعَةُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْفَعُ لَكُمْ، إِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَنْهاكُمْ عَنِ الحَقْلِ وقالَ: "مَنِ اسْتَغْنَى عَنْ أَرْضِهِ فَلْيَمْنَحْها أَخاهُ أَوْ لِيَدَعْ". قالَ أَبُو داوُدَ: وَهَكَذا رَواهُ شُعْبَةُ وَمُفَضَّلُ بْن مُهَلْهَلٍ، عَنْ مَنْصُورٍ. قالَ شُعْبَةُ: أُسَيْدُ ابن أَخي رافِعِ بْنِ خَدِيجٍ (¬4). 3399 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشّارٍ، حدثنا يَحْيَى، حدثنا أَبُو جَعْفَرٍ الخَطْميُّ قال: بَعَثَني عَمّي أَنا وَغُلامًا لَهُ إِلَى سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ قال: فَقُلْنا لَهُ شَيء بَلَغَنا عَنْكَ في المُزارَعَةِ. قالَ: كانَ ابن عُمَرَ لا يَرى بِها بَأْسًا حَتَّى بَلَغَهُ، عَنْ رافِعِ بْنِ خَدِيجٍ حَدِيثٌ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1548/ 113). (¬2) انظر سابقيه. (¬3) رواه أحمد 3/ 465، وابن أبي شيبة 11/ 133 (21673). وحسنه الألباني. (¬4) رواه النسائي 7/ 33، وابن ماجه (2460)، وأحمد 3/ 463. وصححه الألباني.

فَأَتاهُ فَأَخْبَرَهُ رافِعٌ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَتَى بَني حارِثَةَ فَرَأى زَرْعًا في أَرْضِ ظُهَيْرٍ فَقالَ: "ما أَحْسَنَ زَرْعَ ظُهَيْرٍ". قالُوا لَيْسَ لِظُهَيْرٍ. قالَ: "أَلَيْسَ أَرْضَ ظُهَيْرٍ؟ ". قالُوا: بَلَى وَلَكِنَّهُ زَرْعُ فُلانٍ. قالَ: "فَخُذُوا زَرْعَكُمْ وَرُدُّوا عَلَيْهِ النَّفَقَةَ". قالَ رافِعٌ: فَأَخَذْنا زَرْعَنا وَرَدَدْنا إِلَيْهِ النَّفَقَةَ. قالَ سَعِيدٌ: أَفْقِرْ أَخاكَ أَوْ أَكْرِهِ بِالدَّراهِمِ (¬1). 3400 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا أَبُو الأَحْوَصِ، حدثنا طارِقُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ رافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قال: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، عَنِ المُحاقَلَةِ والمُزابَنَةِ وقالَ: "إِنَّما يَزْرَعُ ثَلاثَةٌ رَجُلٌ لَهُ أَرْضٌ فَهُوَ يَزْرَعُها وَرَجُلٌ مُنِحَ أَرْضًا فَهُوَ يَزْرَعُ ما مُنِحَ وَرَجُل اسْتَكْرى أَرْضًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ" (¬2). 3401 - قالَ أَبُو داوُدَ: قَرَأْتُ عَلَى سَعِيدِ بْنِ يَعْقُوبَ الطّالقانيِّ قُلْتُ لَهُ: حَدَّثَكُمُ ابن المُبارَكِ، عَنْ سَعِيدٍ أَبي شُجاعٍ، حَدَّثَني عُثْمانُ بْنُ سَهْلِ بْنِ رافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قال: إِنّي لَيَتِيمٌ في حِجْرِ رافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَحَجَجْتُ مَعَهُ فَجاءَهُ أَخي عِمْران بْنُ سَهْلٍ فَقال: أَكْرَيْنا أَرْضَنا فُلانَةً بِمِائَتَي دِرْهَمٍ. فَقال: دَعْهُ فَإنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ كِراءِ الأَرْضِ (¬3). 3402 - حدثنا هارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حدثنا الفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حدثنا بُكَيْرٌ - يَعْني ابن عامِرٍ - عَنِ ابن أَبي نُعْمٍ، حَدَّثَني رافِعُ بْن خَدِيجٍ أَنَّهُ زَرَعَ أَرْضًا فَمَرَّ بِهِ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَسْقِيها، فَسَأَلهُ: "لِمَنِ الزَّرْعُ وَلمَنِ الأَرْضُ؟ ". فَقال: زَرْعي بِبَذْري وَعَمَلي ليَ الشَّطْرْ وَلِبَني فُلانٍ الشَّطْرُ. فَقالَ: "أَرْبَيْتُما فَرُدَّ الأَرْضَ عَلَى أَهْلِها وَخُذْ ¬

_ (¬1) رواه النسائي 7/ 40، وابن أبي شيبة في "مسنده" 1/ 76 (81). وقال الألباني: صحيح الإسناد. (¬2) رواه النسائي 7/ 40، وابن ماجه (2449). وصححه الألباني. (¬3) رواه النسائي 7/ 50، والطبرانى في "الكبير" 4/ 278 (4418). وقال الألباني: شاذ.

نَفَقَتَكَ" (¬1). * * * باب التشديد في ذلك [3394] (حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث) الفهمي، ثقة، قال: (حدثني أبي (¬2)، عن جدي الليث) بن سعد أبي الحارث الفهمي، عالم أهل مصر، كان دخله في السنة ثمانين ألف دينار فما وجبت عليه زكاة. قال: (حدثني عقيل) بضم العين وفتح القاف مصغر، ابن خالد الأيلي، ثبت حجة صاحب كتاب. (عن) محمد (بن شهاب) الزهري قال: (أخبرني سالم بن عبد الله بن عمر أن) عبد الله (بن عمر) -رضي الله عنهما- (كان يكري) بضم أوله (أرضه) على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعد ذلك، وفي رواية لمسلم: كان يكري أرضيه (¬3). بفتح الراء وكسر الضاد بعدها ياء على الجمع (حتى بلغه أن رافع بن خديج الأنصاري -رضي الله عنه- حدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ينهى عن كراء الأرض. فلقيه عبد الله) بن عمر -رضي الله عنهما-. (فقال: يا ابن (¬4) خديج) فيه نداء الإنسان باسم أبيه وإن كان النداء باسمه أولى، لكن لما كان نداؤه في معرض العتاب والإنكار عليه ¬

_ (¬1) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 106 (5916)، والطبراني في "الكبير" 4/ 286) (4443)، والحاكم 2/ 41، والبيهقي في "الكبرى" 6/ 133. وقال الألباني: ضعيف الإسناد. (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) "صحيح مسلم" (1547/ 112). (¬4) في (ع): أبا.

ساغ ذلك (ماذا تحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وذا موصولة بمعنى الذي، أي: ما هذا الذي تحدث به عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (في كراء الأرض؟ قال رافع) بن خديج (لعبد الله بن عمر) -رضي الله عنهما- (سمعت عميَّ) أحدهما ظهير بالتصغير ابن رافع الأوسي [عقبي و] (¬1) بدري بخلف (وكانا قد شهدا بدرًا) قال الكلاباذي: لم أقف على اسم عمه الآخر. (يحدثان أهل الدار: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن كراء الأرض) أي نهي تحريم (فقال عبد الله) بن عمر (والله، لقد كنت أعلم في (¬2) عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الأرض تكرى) وما كان في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلابد أن يكون علم به وأقرهم عليه (ثم خشي عبد الله) بن عمر (أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحدث في ذلك) أي: في كراء الأرض (شيئًا لم يكن علم به) وقد كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فترك كراء الأرض) تورعًا واحتياطًا، وقد كان رحمة الله عليه من أهل الورع والزهد كثير الاحتياط والتحري في أقواله وأفعاله وفتاويه وكل ما يأخذ به نفسه، وهذا الكراء الذي تركه من كمال ورعه. ([قال أبو داود] (¬3): ورواه أيوب) بن أبي تميمة (وعبيد الله) بالتصغير (وكثير بن فرقد) المدني، وثق (ومالك، عن نافع، عن رافع) بن خديج (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) بنحوه (¬4). ¬

_ (¬1) من "الكاشف" 1/ 517. (¬2) في (ع)، والمطبوع: على. (¬3) من المطبوع. (¬4) في (ع): نحوه.

(ورواه الأوزاعي، عن حفص بن عنان) بكسر المهملة وتكرير النون بينهما ألف، وهو الصواب (الحنفي) النخعي قاضي الكوفة. قال أبو زرعة: ساء حفظه بعدما استقضي، فمن كتب عنه من كتابه فهو صالح (¬1). (عن نافع، عن رافع) بن خديج -رضي الله عنه- (قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) بنحوه. (وكذا رواه زيد بن [أبي] (¬2) أنيسة) الرهاوي حافظ إمام (عن الحكم) ابن عتيبة الكوفي (عن نافع) مولى ابن عمر. (عن ابن عمر -رضي الله عنه- أنه أتى رافعًا) بن خديج (فقال: سمعت) [بفتح تاء الخطاب فحذفت همزة الاستفهام. (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ينهى عن] (¬3) كراء الأرض؟ (قال: نعم) (وكذلك قال عكرمة بن عمار) الحنفي اليمامي ثقة، إلا في (¬4) يحيى بن أبي (¬5) كثير، وكان مجاب الدعوة. (عن) عطاء مولى رافع بن خديج (أبي النجاشي) (¬6) بفتح النون ¬

_ (¬1) قول أبي زرعة هذا وهم فيه المصنف؛ حيث قيل في حفص بن غياث بن طلق وليس حفص بن عنان، وما قاله من أنه النخعي وقاضي الكوفى، هذا يعود على حفص بن غياث. وحفص بن عنان وثقه ابن معين. انظر ترجمتهما في: "الجرح والتعديل" (797، 803)، "تهذيب الكمال" (1414، 1415). (¬2) من المطبوع. (¬3) ما بين المعقوفين سقط من (ر). (¬4) ساقطة من (ر). (¬5) ساقطة من (ر). (¬6) في (ع): عن أبي النجاشي.

والجيم (عن رافع بن خديج -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم -) بنحوه. (ورواه) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي عن) عطاء (أبي النجاشي) بتشديد الياء آخره وتخفيفها. (عن رافع بن خديج، عن عمه ظهير) بضم المعجمة وفتح الهاء، مصغر (بن رافع) المدني الأنصاري. (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -[قال أبو داود] (¬1): وأبو النجاشي عطاء بن صهيب) روى عنه البخاري في وقت المغرب وفي غيره، وكذا مسلم (¬2). [3395] (حدثنا عبيد الله) بالتصغير (ابن عمر بن ميسرة) القواريري الحافظ، حدث بمائة ألف حديث. (حدثنا خالد بن الحارث) الهجيمي، إليه المنتهى في التثبت. (حدثنا سعيد) بن أبي عروبة (عن يعلي بن حكيم) الثقفي (عن سليمان بن يسار: أن رافع بن خديج -رضي الله عنه- قال: كنا نخابر) بالموحدة، المخابرة في العمل على الأرض ببعض ما يخرج منها والبذر من العامل، وسيأتي اشتقاقها في بابها إن شاء الله تعالى. (على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكر) بفتح الذال والكاف (أن بعض عمومته) جمع عم، ودخل الهاء لتأكيد تأنيث الجمع؛ فإن الفحولة معلوم تأنيثها باعتبار الجمعية وإن لم تباشرها التاء، وكذا البعولة ¬

_ (¬1) من المطبوع. (¬2) "صحيح البخاري" (559، 2339، 2485)، "صحيح مسلم" (637، 1548/ 114، 2362).

والفحولة، فلو قلت (¬1) عموم أو بعول أو فحول لصح، ذكره ابن مالك وغيره، وكذا بعض عمومته هو ظهير بن رافع كما تقدم (أتاه) وفي رواية لغير المصنف: أتاهم (¬2). (فقال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) قال القرطبي بعد أن ذكر اختلاف الروايات: وعلى الجملة فحديث رافع بن خديج مضطرب غاية الاضطراب، كما وقع في كتب الحديث، فينبغي أن لا يعتمد عليه. ويتمسك في جواز كرائها بالقياس على إجارة العقار كما تقدم أنه يصح بشيء معلوم، فكذا هنا، غير أنه لا يكرى بطعام مخافة طعام بطعام؛ فإنها ربية والربا أحق ما حميت موانعه وسدت ذرائعه (¬3). وقال الإمام أحمد: حديث رافع ألوان (¬4). وقال أيضًا: حديث رافع ضروب (¬5). وقال ابن المنذر: قد جاءت الأخبار عن رافع بعلل كثيرة (¬6). وقد أنكرها فقيهان من فقهاء الصحابة: زيد بن ثابت، وابن عباس (¬7). قال زيد: أنا أعلم بذلك منه (¬8)، وقد تقدم حديثه (¬9). ¬

_ (¬1) من (ع)، وفي غيرها: قلبت. (¬2) في (ل): ابناه. والمثبت من مصادر التخريج. (¬3) انظر: "المفهم" 4/ 412. (¬4) "مسائل الإمام أحمد" رواية أبي داود السجستاني (1308). (¬5) انظر: "الأوسط" لابن المنذر 11/ 71. (¬6) "الإقناع" 2/ 568. (¬7) في الأصل (ثابت). والمثبت من "المغني". (¬8) انظر: "المغني" لابن قدامة 5/ 581. (¬9) برقم (3390).

وروى البخاري عن طاوس: إن أعلمهم يعني ابن عباس أخبرني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينه عنه، ولكن قال: "ليمنح أحدكم أخاه" (¬1). (عن أمر كان لنا نافعًا) أي: ينتفع به أصحاب الأرض والأكارون، أما أصحاب الأرض فلا يقدرون على زرعها فينتفعون بمن يعمل عندهم، وأما الأكارون يعني الفلاحين فلا أرض لهم فينتفعون بالعمل في الزرع، والخلق ينتفعون بالأقوات التي تظهر من الأرض مما يقتاتون به، ولكون الأرض لا ينتفع بها إلا بالعمل عليها بخلاف المال، وإذا تقررت هذِه المنافع العظيمة فيكون هذا من أعظم العلل القادحة في هذِه الرواية؛ لأن الشارع لا ينهى عن المنافع (¬2)، وإنما ينهى عن المضار والمفاسد، فيدل ذلك (¬3) على غلط الراوي في المنهي (¬4) عنه وحصول المنفعة فيما ظنه منهيًّا عنه، ومما يدل على ذلك كونه معارضًا لحديث معاملة أهل خيبر بشطر (¬5) ما يخرج منها من زرع (¬6). (وطاعة الله و) طاعة (رسوله) وفي بعض النسخ: وطواعية الله ورسوله بتخفيف الياء (أنفع لنا وأنفع) لغيرنا، ونفع الآخرة خير وأبقى من نفع الدنيا. ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (2330). (¬2) في (ع): النافع. (¬3) ساقطة من (ع). (¬4) في "المغني": النهي. (¬5) في (ر): قط. (¬6) انظر: "المغني" 5/ 581.

(قال) رافع (قلنا: وما ذاك) الذي نهى عنه؟ (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من كانت له أرض فليزرعها) بفتح الياء والراء، أي: بنفسه أو بأجراء على العمل، ولا يضيع الأرض عن الزراعة، وقد كره (¬1) بعض العلماء تعطيل الأرض؛ فإن فيه تضييعا (¬2) للمال، والأرض لا ينتفع بها إلا بالعمل عليها، ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن إضاعة المال (¬3). ويؤخذ من هذا الحديث أن الأرض لا تستعمل في البناء عليها إلا فيما تأكدت الضرورة فيه؛ لأنه لا فائدة فيها تظهر سوى الإيواء ولا ثمرة تجبى من عمارتها سوى الغناء، ولهذا ورد في أبي داود: "كل بناء وبال على صاحبه إلا ما لا" يعني ما (¬4) لابد منه (¬5). وقدم زراعة المرء الأرض بنفسه لما فيها من الفضيلة، فناهيك بمن له أرض ينتفع بها ويستغلها ويشتغل في زراعتها وتدبيرها عن (¬6) معاشرة الناس ومخالطتهم (¬7) خصوصًا إن كانت الأرض منفردة عن الناس، فإن خلطتهم في هذا الزمان سم (¬8) قاتل وشغل عن الله شاغل، وسئل إبراهيم بن أدهم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال: ما لكم ¬

_ (¬1) في الأصول: ذكره. (¬2) في الأصول تضييع. والجادة ما أثبتناه. (¬3) رواه البخاري (2408) من حديث المغيرة بن شعبة. (¬4) ساقطة من (ع). (¬5) سيأتي برقم (5237). (¬6) في (ع): عند. (¬7) في (ر): ومخاطتهم. (¬8) في (ر): اسم.

والاختلاط بأهل الدنيا حتى يجب عليكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ ! وقد يؤخذ من هذا أن القادر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا ارتحل من بينهم [وأبعد عنهم] (¬1) لا يأثم في رحلته. (أو ليزرعها) بضم الياء وكسر الراء (أخاه) أي: يجعلها مزرعة له بلا عوض، بأن يعيره إياها، ويشهد لهذا المعنى الرواية المتقدمة فليمنحها، أي: يجعلها منيحة له، أي: عارية، وهذا إذا استغنى عنها، كما قال في الرواية الآتية: "من استغنى عن أرضه فليمنحها أخاه" (¬2). (ولا يكاريها) (¬3) أي: لا يؤاجرها (بثلث) ما يخرج منها من زرع أو ثمر (ولا (¬4) بربع) ما يخرج منها. وفي هذِه الرواية معارضة للحديث الصحيح المتفق على صحته من رواية ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها (¬5). ولو قدر صحة هذا الحديث وتعذر تأويله وامتنع الجمع بينه وبين حديث خيبر، لوجب حمل هذا على أنه منسوخ؛ لأنه لابد من نسخ أحد الخبرين، ويستحيل القول بنسخ حديث خيبر لكونه معمولًا به من بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى حين موته من بعده وإلى عصر التابعين (¬6). ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ر). (¬2) سيأتي قريبًا برقم (3398). (¬3) بعدها في (ع): وفي نسخة: يكارها. وفي (د): ولا يكارها. وغير واضحة في (ل). (¬4) ساقطة من (ع). (¬5) "صحيح البخاري" (2285)، "صحيح مسلم" (1551). (¬6) انظر: "المغني" 5/ 581.

(ولا بطعام مسمى) فيه حجة على أن الأرض لا تكرى بالطعام، ولا بما ينبت منها؛ لأنه يضارع طعاما بطعام إلى أجل، ورواية رافع الآتية [في قوله] (¬1): "أربيتما، فرد الأرض إلى أهلها" (¬2) (¬3) صريح في ذلك، ولهذا لا يتأتى (¬4) إلا إذا دفع إليه الأرض والبذر كما تقدم في تفسير المخابرة، وسيأتي الحديث. [3396] (حدثنا محمد بن عبيد) بن [حساب الغبري] (¬5) شيخ مسلم (حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب) بن أبي تميمة السختياني. (قال: كتب إلى يعلي بن حكيم) الثقفي (¬6) (أني سمعت سليمان بن يسار) يحدث (بمعنى إسناد عبيد الله) المتقدم (وحديثه). [3397] (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع، حدثنا عمر بن ذر) بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء ابن عبد الله أبو ذر الهمداني، روى عنه البخاري في مواضع، قيل: كان رأسًا في الإرجاء، وقيل: كان لين القول فيه (¬7). (عن مجاهد، عن) أسيد بضم الهمزة وفتح الهمزة مصغر، أورده ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ر). (¬2) سيأتي قريبًا برقم (3402). (¬3) في (ر): ارسما بذر الأرض. وهو تحريف. (¬4) في (ع): يبالي. (¬5) في الأصول: حسان العنبري. وهو خطأ. والمثبت من "تهذيب الكمال". (¬6) في (ع): اليمني. (¬7) انظر: "تهذيب الكمال" 21/ 336.

البخاري في باب أسيد (¬1)، وأسيد [بالفتح والضم] (¬2)، قال الدراقطني (¬3): الصواب بالضم وفتح السين (¬4) (ابن رافع بن خديج، عن أبيه) رافع بن خديج -رضي الله عنه-. (قال: جاءنا أبو رافع) أي: والد (¬5) رافع (من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أمر كان يرفق) بفتح المثناة تحت وضم الفاء (بنا) أي: كان ذا رفق بنا، وهو بمعنى رواية البخاري: كان بنا رافقًا (¬6). وهو إسناد مجازي (¬7)؛ فإن الرفق الحقيقي من الله تعالى (وطاعة الله وطاعة رسوله) الموصلة إلى الرفق في الدار الباقية (أرفق بنا) من الرفق الذي كنا فيه، ونهانا عنه (نهانا أن يزرع أحدنا إلا أرضًا (¬8) يملك رقبتها) فيه تجوز من جهتين (¬9): أحدهما: أن الملك الحقيقي لله تعالى. والثانية: أن الرقبة لا تكون للأرض بل للحيوان. (أو منيحة) فعيلة بمعنى مفعولة، والمراد به هنا: الأرض التي ¬

_ (¬1) "التاريخ الكبير" 2/ 11 (1528). (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل. (¬3) ساقطة من الأصل. (¬4) انظر: "جامع الأصول" لابن الأثير 12/ 180 (140). (¬5) في (ل)، (ر): والده. والمثبت من (ع). (¬6) في (ر): رافعا. وانظر: "صحيح البخاري" (2339) من حديث ظهير بن رافع. (¬7) في (ل) و (ر): حجازي. والمثبت من (ع). (¬8) من (ع)، والمطبوع، وفي (ر): الأرض. (¬9) في (ر): جهتها. والمثبت من (ل).

(يمنحها) بضم أوله وفتح ثالثه مبني للمجهول، أي: يعطاها (رجل) والأصل في هذِه المنيحة، وفي منيحة الناقة والبقرة والشاة العطية، إما للأصل أو للمنافع. [3398] (حدثنا محمد بن كثير) العبدي (أنبأنا سفيان، عن منصور) ابن المعتمر، روى له الجماعة. قال أبو داود: طلب منصور الحديث قبل الجماجم، والأعمش بعدها. ولاه يوسف بن عمر القضاء فكان إذا قص (¬1) عليه الخصمان قصتهما قال: إنكما تختصمان إلى في شيء لا أعلمه فانصرفا. فعفي من القضاء (¬2). ([عن مجاهد] (¬3) أن أسيد) بضم الهمزة وفتح السين (¬4) كما تقدم قريبًا (ابن ظهير) بضم الظاء المعجمة وفتح الهاء، ابن رافع. (قال: جاءنا رافع بن خديج فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهاكم عن أمر كان لكم نافعًا) وفي الرواية المتقدمة: كان لنا نافعًا. والمراد مجموع الأمرين، أي: كان نافعًا لنا ولكم كما تقدم. (وطاعة الله وطاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنفع لكم) فيه ما تقدم (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهاكم عن الحقل) بفتح الحاء المهملة وإسكان القاف، أصله كما قال الجوهري: الحقل: الزرع إذا تشعب (¬5) ورقه قبل أن يغلظ سوقه، ¬

_ (¬1) في (ر): قضى. والمثبت من "تهذيب الكمال". (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" (6201). (¬3) من المطبوع. (¬4) في (ر): الشين. (¬5) في (ر): نشفت.

والحقل القراح الطيب (¬1). يعني: من الأرض الصالح للزراعة، والمحاقل مواضع الزراعة كما أن المزارع مواضعها أيضًا (¬2)، وقد ثبت (¬3) في رواية البخاري المحاقل الذي نهى عنها من رواية رافع قال فيه: "ما تصنعون بمحاقلكم؟ " قال: نؤاجرها على الربع وعلى الأوسق من التمر أو الشعير. قال: "لا تفعلوا" (¬4). (وقال: من استغنى عن أرضه فليمنحها أخا) أي: لا يعطي الأرض أخاه لينتفع بها إلا إذا كان عن ظهر غنى، كما قال المصنف في أواخر الزكاة: "خير الصدقة ما ترك غنى أو تصدق عن ظهر غنى" (¬5). وفي رواية قبلها في الذي جاءه بمثل بيضة من ذهب وأعرض عنه وقال: "يأتي أحدكم بما يملك فيقول: هذِه صدقة، ثم يقعد يستكف الناس! خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى" (¬6). (أو ليدع) وفي رواية للنسائي: "فليدعها" (¬7). يعني الأرض. وفي رواية: "فليتركها" (¬8). وأصرح من ذلك رواية البخاري: "فليمسك أرضه" (¬9). ¬

_ (¬1) "الصحاح" 4/ 1671. (¬2) انظر: "فتح الباري" 5/ 15. (¬3) في (ع): بين. (¬4) "صحيح البخاري" (2339). (¬5) سبق برقم (1676) من حديث أبي هريرة مرفوعًا. (¬6) سبق برقم (1673) من حديث جابر مرفوعًا. (¬7) "المجتبى" 7/ 33. (¬8) رواه الطبراني في "مسند الشاميين" (1513) من حديث جابر مرفوعًا. (¬9) "صحيح البخاري" (2340) من حديث جابر مرفوعًا، (2341) من حديث أبي هريرة مرفوعًا.

([قال أبو داود] (¬1) هكذا رواه شعبة ومفضل بن مهلهل) بفتح الهاء ابن السعدي الكوفي، روى له مسلم [وولي خراسان سنة 85 (¬2) فافتتح باذغيس] (¬3). (عن منصور) بن المعتمر المتقدم (قال شعبة) في روايته: (أسيد) بن ظهير المذكور، هو (ابن أخي رافع بن خديج) بن رافع -رضي الله عنه-. [3399] (حدثنا محمد بن بشار، حدثنا يحيى) القطان (حدثنا أبو جعفر) عمير بن يزيد بن [عمير] (¬4) (الخطمي) بفتح المعجمة، وثقوه. (قال: بعثني عمي) بكسر الميم مفردا (¬5) (أنا) هذا الفاصل بين الضمير المتصل المنصوب وبين ما عطف عليه ليس بلازم؛ إذ يجوز حذفه فيقول: بعثني عمي وغلاما (¬6). بالنصب معطوف على الضمير المنصوب على المفعولية وهو الياء، له (وغلامًا له) ولا يجوز: وغلام بالرفع (إلى سعيد بن المسيب -رضي الله عنه- قال: فقلنا له) قال عمي: ما (شيء) مبتدأ (بلغنا) جملة فعلية صفة لشيء. (عنك في المزارعة؟ ) خبر المبتدأ، والمراد بالمزارعة هنا (إذا ¬

_ (¬1) من المطبوع. (¬2) في (ر): 84. (¬3) ما بين المعقوفين لم يذكر ضمن ترجمة المفضل بن مهلهل، إنما في ترجمة المفضل ابن المهلب فكأن المصنف انتقل بصره من هذا إلى ذاك. انظر: "تهذيب التهذيب"9/ 196. (¬4) في الأصول: جبير. والمثبت من "تهذيب الكمال". (¬5) في (ر): تفردا. (¬6) في (ر): وغلامان.

كانت) (¬1) على الأرض البيضاء [بدليل قوله في الحديث: "أليس أرض ظهير؟ "، قال: كان ابن عمر -رضي الله عنهما- لا يرى به بأسا، أي بالأرض البيضاء] (¬2)، كما تقدم، أن يدفعها إلى من يزرعها ويعمل عليها، والزرع بينهما، ومذهب الشافعي أن المزارعة إن (¬3) كانت مستقلة والبذر من المالك فلا يصح، وإن كان البذر من العامل فهي المخابرة، ولا تصح أيضًا (¬4). قال النووي في "الروضة": وبجوازها قال من كبار أصحابنا ابن خزيمة وابن المنذر (¬5). قال الشيخ السبكي (¬6) والبلقيني: والمختار جوازهما. وأما المزارعة تبعًا للمساقاة فهي صحيحة بشرط اتحاد العامل وعسر إفراد النخيل بالسقي، والأرض بالعمارة (¬7). ([قال: كان ابن عمر لا يرى بها بأسا] (¬8) حتى بلغه عن رافع بن خديج حديث) يرويه في ذلك. (فأتاه) فسأله (فأخبره رافع) بن خديج (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى بني ¬

_ (¬1) مكررة في (د). (¬2) ما بين المعقوفين ساقط من (ر). (¬3) في (ر): إذا. (¬4) انظر: "شرح الوجيز" للرافعي 12/ 109، "حاشية البيجرمي على الخطيب" 3/ 592. (¬5) 4/ 243. (¬6) انظر: "فتاوى السبكي" 1/ 389. (¬7) انظر: "الشرح الكبير" 12/ 114. (¬8) من المطبوع.

حارثة) بن الحارث (¬1) بن الخزرج، بطن من الأنصار (فرأى زرعًا في أرض ظهير) بن رافع بن عدي الحارثي الأنصاري عم رافع بن خديج. (فقال: ما أحسن زرع ظهير) فيه جواز التعجب بهذا اللفظ عند رؤية الشيء الحسن من زرع وثمر (¬2) وطعام ونحو ذلك، وجواز نسبة ما يراه في ملك الآدمي إليه أو وجده في يده بأن يقال لمن في يده الثوب: يا صاحب الثوب. ويحكم لمن في يده الثوب بأنه ملكه، وإن ادعاه الغير، إذا لم يقم بينة. (قالوا: ليس) هذا الزرع (لظهير. قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أليس) أي: أليست هذِه (أرض) بالنصب خبر ليس، وحذفت التاء لأن تأنيث الأرض مجازي (ظهير؟ ) فيه دلالة على أن الأرض والإناء يحكم بما يوجد فيهما بأنه ملك لمالكها إذا لم يقم بينة بخلافه، فإذا وجد ركاز (¬3) في أرض شخص فهو له بدعواه [بلا بينة، وكذا إذا وجدت عين غير الركاز في ملكه كشجرة ودابة ونحوها فهي له بدعواه] (¬4)، فإذا أقام غيره بينة بها وهو بينة حكم بالعين لمن (¬5) وجدت في ملكه بلا خلاف كما في "الذخائر"، ولا يحتاج إلى بينة على الأصح. (قالوا: بلى) أي: هي أرضه، ولو قالوا: نعم. لكان التقدير: نعم ¬

_ (¬1) في (ل): الحارح. وفي (ر): الحجاج. والمثبت من "الأنساب" لسمعاني 2/ 359. (¬2) في (ر): تمر. (¬3) في (ع): وكان. (¬4) ما بين المعقوفين ساقط من (ر). (¬5) في (ل) و (ر): لم. والمثبت من (ع).

ليست هي أرضه، كما قالوا في قوله تعالى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} (¬1). (ولكنه) أي: ولكن الزرع (زرع) بالرفع خبر لكن (فلان. قال: فخذوا) أي: قال لهم: قولوا لأصحاب الزرع وهو ظهير: خذوا. وفيه دلالة على جواز الاستنابة في تبليغ الأحكام (زرعكم) يعني: الذي في أرضكم، نسبه إليهم؛ لأن البذر منهم كما سيأتي في رواية (¬2) ابن أبي نعم (¬3)، أو لأن البذر زرع في أرضهم بغير إذنهم. (وردوا عليه) أي على فلان الغاصب (النفقة) أي: ما أنفقه من ماله في زراعة الأرض من علف الثيران وغير ذلك من أجرة الآلات، والنفقة لا تختص بالدراهم والدنانير، بل تعم جميع أصناف المال. (قال رافع) عم ظهير (فأخذنا زرعنا) الذي في أرضنا (ورددنا إليه النفقة) التي أنفقها في الزراعة، أي: نظير أجرة الآلات والدواب والعمل والبذر الذي زرع في الأرض بغير إذنهم. وفيه دليل على أن الغاصب إذا غصب أرضًا وزرع فيها لا يجبر على قلعه؛ لأنه ملك المغصوب منه عند أحمد كما سيأتي في الحديث بعده فيمن زرع في أرض قومٍ بغير إذنهم. ومذهب الشافعي في المزارعة الفاسدة. قال الرافعي: متى أفردت الأرض (¬4) بمخابرة أو مزارعة يعني كما ¬

_ (¬1) الأعراف: 172. (¬2) ساقطة من (ع). (¬3) سيأتي قريبًا برقم (3402). (¬4) ساقطة من (ر).

سبق أول الصفحة، فالعقد (¬1) باطل، ثم إن البذر للمالك والزرع له، يعني (¬2)؛ لأنه نماء ماله، وللعامل أجرة مثل عمله، وأجرة (¬3) مثل الآلات والثيران إن كانت له، وإن كان للعامل فالزرع له ولمالك الأرض أجرة مثل الأرض على العامل، وإن كان البذر منهما فالريع بينهما، ولكل واحد منهما أجرة مثل ما انصرف (¬4) من المنافع المستحقة (¬5) له إلى جهة المزارعة (¬6). (قال سعيد بن المسيب: أفقر) بفتح الهمزة وإسكان الفاء وكسر القاف (أخاك) أي: أعره الأرض، وأصل الإفقار في إعارة الظهر للركوب ونحوه، يقال: أفقرت الرجل دابتي. أي: أعرته ظهرها للركوب. قال ابن الأثير: هكذا الشرح في بعض النسخ هكذا، وفي بعضها كما هو مكتوب في الأصل، أي: أعره أرضك للزراعة كأنه أعاره فقارها أي ظهرها، انتهى. ومنه الفقير كأنه شكا فقار ظهره لا من مرض بل من فقد المال، وأصله من فقرات الظهر، وهي الخرزات التي في الصلب، الواحدة فقارة. (أو أكره) بفتح الهمزة، الأرض (بالدراهم) أو الدنانير كما في الرواية ¬

_ (¬1) في (ر): فالقول. (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) في الأصول: أجر. والمثبت من "شرح الوجيز". (¬4) في الأصول: أصرف. (¬5) في (ر): المستحبة. (¬6) انظر: "شرح الوجيز" 6/ 55.

السابقة، والأمر هنا للندب، أي: هما أولى من غيرهما، ويدل على الجواز بغيرهما رواية مسلم: "أما بشيء معلوم مضمون فلا بأس" (¬1)، فيجمع بين الروايات بأن راويهما واحد، أو قد رواه عامًّا وخاصًّا، فيحمل إحدى الروايتين على الأخرى، أو يقال: إن هذا من حمل المطلق على المقيد (¬2). [3400] (حدثنا مسدد، وحدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم (حدثنا طارق بن عبد الرحمن) البجلي الأحمسي الكوفي، قال عبد الله عن يحيى ابن معين وأحمد بن عبد الله العجلي: ثقة (¬3). وذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4)، وروى له الجماعة. (عن سعيد بن المسيب، عن رافع بن خديج -رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المحاقلة) قال أبو عبيد: هي بيع الطعام في سنبله [بالبر] (¬5)، مأخوذ من الحقل (¬6). قال الليث: الحقل الزرع إذا تشعب من قبل أن يغلظ سوقه (¬7). والمنهي (¬8) عنه بيع الزرع قبل إدراكه، والمشهور أن المحاقلة كراء ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1547/ 116) من حديث رافع بن خديج. (¬2) انظر: "المغني" 5/ 596. (¬3) انظر: "الجرح والتعديل" 4/ 485 (2130)، "معرفة الثقات" (788). (¬4) 4/ 395. (¬5) سقط من الأصل. والمثبت من "غريب الحديث". (¬6) "غريب الحديث" 1/ 139. (¬7) انظر: "تهذيب اللغة" 4/ 47. (¬8) في الأصل (والنهي). والمثبت من "فتح الباري".

الأرض ببعض (¬1) ما ينبت (¬2). (والمزابنة) بالزاي والباء الموحدة والنون، مفاعلة من الزبن بفتح الزاي وسكون الموحدة وهو الدفع الشديد، ومنه سميت الحرب: الزبون؛ لشدة الدفع فيها، وقيل للبيع المخصوص المزابنة كان كل واحد من المتبايعين يدفع صاحبه عن حقه، أو لأن أحدهما إذا وقف على ما فيه من الغبن أراد دفع البيع بفسخه وأراد الآخر دفعه عن هذِه الإرادة بإمضاء البيع، والمزابنة كما في البخاري وغيره هي بيع التمر بالمثناة ولا يكون في الثمر بالثمر (¬3) بفتح المثلثة والميم، والمراد به الرطب خاصة وبيع العنب بالزبيب، هذا أصل المزابنة المنهي عنها، وألحق الشافعي بذلك كل بيع (¬4) مجهول بمجهول أو بمعلوم من جنس يجري الربا في نقده (¬5). (وقال: إنما يزرع ثلاثة: رجل له أرض، فهو يزرعها) بنفسه (ورجل منح) بضم الميم وكسر النون أي: أعطي (أرضًا، [فهو يزرع ما منح) بضم الميم وكسر النون، أي: من الأرض (ورجل استكرى) من غيره (أرضًا] (¬6) بذهب أو فضة) هذا فيه تخيير من النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الأمور الثلاثة: أن يزرع ¬

_ (¬1) في (ر): بنقص. (¬2) انظر: "فتح الباري" 4/ 404. (¬3) "صحيح البخاري" (2171) من حديث ابن عمر. (¬4) سقط من (ع). (¬5) انظر: "فتح الباري" 4/ 384. (¬6) ما بين المعقوفين ساقط من (ع).

أرضه بنفسه، أو يكريها لغيره بذهب أو فضة، أو يعيرها لغيره يزرعها مجانًا ولا يمسكها ليعطلها عن المنافع، بل إن أمسكها ليفعل بها واحدًا من هذِه الأمور الثلاثة فلا بأس. وبهذا يجمع (¬1) بين أكثر الأحاديث. [3401] (قال أبو داود: قرأت على سعيد بن يعقوب الطالقاني) أبي بكر، قدم بغداد، قال أبو بكر الأثرم: رأيته عند أحمد بن حنبل يذاكره الحديث. قال أبو زرعة والنسائي: ثقة. وقال أبو حاتم: صدوق (¬2). (قلت: حدثكم ابن المبارك، عن سعيد) بن يزيد (أبي شجاع) أخرج له مسلم، قال: (حدثني عثمان بن سهل بن رافع بن خديج) (¬3) قال في "الأطراف" (¬4): الصواب عيسى بن سهل (¬5). (قال: إني ليتيم في حجر) بفتح الحاء على المشهور، ويجوز كسرها، لغتان. (رافع بن خديج -رضي الله عنه- وحججت معه) فيه صحة حج الصغير المميز، يتيمًا كان أو غير يتيم، ويحرم بإذن وليه، لكن لا يسقط به الفرض عنه (¬6) عند أكثر العلماء (فجاءه أخي عمران بن سهل) بن رافع (فقال) ¬

_ (¬1) في (ل): الجمع. (¬2) انظر: "الجرح والتعديل" 4/ 75 (320)، "تاريخ بغداد" 9/ 89 - 90 (4669)، "تهذيب الكمال" 11/ 231 (2386). (¬3) زاد هنا في (ع): بن. (¬4) في (ر): الأطواف. (¬5) "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف" 3/ 152. (¬6) ساقطة من (ر).

له (أكرينا أرضنا فلانة) فيه تسمية الأراضي والبقاع كما يستحب تسمية الدواب والآلات (بمائتي درهم) فيه جواز كراء الأرض بالذهب والفضة، وهو الذي عليه الجمهور. (فقال: دعه) أي: اترك هذا الكراء الذي أكريته. يحتمل أن يكون الأمر بالترك لبطلان الإجارة، ويكون النهي بعده نهي تحريم، ويحتمل أن يكون الأمر بالترك للندب والتنزه، ويكون النهي بعده نهي كراهة تنزيه. (فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى) تحريم أو كراهة، كما تقدم. (عن كراء الأرض) هذا الحديث مضطرب متنه جدًّا، حتى إن بعضهم لم يقبله، وحمله على الغلط في روايته؛ لأنه معارض لعموم (¬1) الكتاب والسنة الثابتة والإجماع؛ حتى إن القرطبي أفرد في هذا مصنفًا (¬2). أما عموم الكتاب فهو معارض لعموم قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (¬3)؛ فإن المساقاة والإجارة نوعٌ من أنواع البيع. وأما السنة الثابتة (¬4)، فلما روى ابن عمر: عامَل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل خيبر بشطر ما يخرج منها. وهو حديث صحيح متفق عليه من الأمة رواه (¬5) الجماعة (¬6). ¬

_ (¬1) ساقطة من (ع). (¬2) يقصد بالقرطبي: محمد بن أحمد بن عبد العزيز الأندلسي أبو عبد الله العتبي المالكي صاحب "العتبية"، توفي سنة 255 هـ، ومصنفه: "كراء الدور والأرضين". (¬3) البقرة: 275. (¬4) من (ل). (¬5) في (ر): رواية. (¬6) رواه البخاري (2203) ومسلم (1551).

فأما الإجماع: قال أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وعن آبائه: عامَل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل خيبر بالشطر، ثم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، ثم أهلوهم إلى اليوم (¬1). وقد عمل (¬2) به الخلفاء الراشدون في مدة خلافتهم واشتهر ذلك في عصرهم وما بعده وما ينكره منكر؛ فكان إجماعًا. فإن قيل: لا نسلم أنه لم ينكره منكر؛ فإن ابن عمر راوي معاملة خيبر رجع عنه وقال: كنا نخابر أربعين سنة حتى حدثنا رافع بن خديج: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المخابرة، والمخابرة من كراء الأرض، وهذا يدل على عدم انعقاد الإجماع، ويدل على نسخ حديث ابن عمر رجوعه عن العمل به إلى حديث رافع المذكور. قلنا: لا يجوز حمل حديث رافع على ما يخالف الإجماع (¬3)، بل يحمل (¬4) حديثه على أن النهي عنه للتنزه عن إكراء الأرض التي امتن الله عليه بها، وعلى أن الأفضل من إكرائها أن يزرعها بنفسه ويتقوت منها هو وعياله، فإن عجز فيعامل عليها كما في معاملة خيبر؛ فإن فيه العمل بالمتعارضين، [والعمل بالمتعارضين] ولو من وجه أولى من إلغاء أحدهما؛ [فإن في العمل بهما إعمال الدليلين وهو أولى من إهمال أحدهما] (¬5). وأما معارضة هذا الحديث لعموم الكتاب فقد ¬

_ (¬1) رواه ابن زنجويه في "الأموال" (300). (¬2) في الأصول: أعمل. والمثبت من "المغني". (¬3) انظر: "المغني" 5/ 554. (¬4) زاد هنا في (ر): حديث. (¬5) ما بين المعقوفات سقط من (ر).

اختلف فيها الأصوليون: فمنهم من يقدم الكتاب ويجيز إكراء الأرض، ومنهم من يقدم خاص الحديث على عموم الكتاب ويحرم المخابرة، ومنهم من يقول: ينظر (¬1)، فإن أمكن الجمع ولو من وجه جمعنا وإلا قضينا بالتقابل، وإذا جمعنا قلنا: هذِه المسألة (¬2) هي المذكورة في التخصيص أنه يخص عموم قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} لخصوص معاملة (¬3) أهل خيبر، ويقال كما تقدم أن النهي عن الإكراء بخصوصه محمول على من قدر على أن يزرعها بنفسه، وجواز المعاملة على الأرض بشطر ما يخرج منها مثلًا محمول على من عجز عن أن يزرعها بنفسه، وهذا من باب التنزه لا من باب الإيجاب، والله أعلم. وهذا كله إذا صح حديث رافع، وإلا فاضطراب متنه من أقوى العلل القادحة كما هو مقرر عند المحدثين. [3402] (حدثنا هارون بن عبد الله) البزاز الحمال من شيوخ مسلم (حدثنا) أبو نعيم (الفضل بن دكين، حدثنا بكير بن عامر) البجلي، قال النسائي: ليس بالقوي. وعزاه (¬4) ابن عدي (¬5) (عن) عبد الرحمن (بن ¬

_ (¬1) في (ع): ننظر. (¬2) زاد هنا في (ل): كلمة غير مفهومة. (¬3) في (ر): مقابلة. (¬4) هكذا في الأصول، ولم يتبين لي ما وجهها، ولعلها: وقواه، إذ قال ابن عدي: ليس كثير الرواية ورواياته قليلة، ولم أجد له متنًا منكرًا، وهو ممن يكتب حديثه. (¬5) انظر: "الكامل في ضعفاء الرجال" 2/ 202، 203 (274)، "تهذيب الكمال" 4/ 241 (764).

أبي نعم) (¬1) بضم النون وإسكان العين، البجلي الزاهد (¬2)، كان يحرم من السنة إلى السنة، ويقول: لو كان رياء لاضمحل (¬3). قال: (حدثني رافع بن خديج -رضي الله عنه-: أنه زرع أرضًا فمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يسقيها) بضم الياء (¬4) وفتحها، فمن جعله من سقى فتح الياء (¬5) كقوله تعالى: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ} (¬6)، ومن جعله من أسقى ضم، كقوله {نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا} (¬7). (فسأله: لمن الزرع؟ ولمن الأرض؟ ) هذا السؤال ليس لمعرفة (¬8) أحكام الأرض والسقي فقد تقدم في الرواية السابقة قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما أحسن زرع (¬9) ظهير؟ " (¬10) (فقال) هذا (زرعي ببذري) بإسكان الذال المعجمة (وعملي) وفي رواية نسبها القرطبي لتخريج أبي داود فقال: زرعي وعملي بيدي (¬11) (¬12). والرواية الأولى المشهورة يكون البذر من ¬

_ (¬1) في (ر): نعيم. (¬2) سقط من (ر) و (ع). (¬3) رواه الفسوي في "المعرفة والتاريخ" 2/ 574. (¬4) في الأصول: النون. (¬5) في الأصول: السين. وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه. (¬6) الإنسان: 21. (¬7) المؤمنون: 21. (¬8) في الأصول: له معرفة. والمثبت هو الموافق للمعنى. (¬9) زاد هنا في (ر): بني. (¬10) سبق قريبًا برقم (3399). (¬11) في (ع): ببذري. (¬12) انظر: "المفهم" للقرطبي 4/ 408.

المالك دون الثانية؛ فإن فيها بيده دون غيره، وأما البذر فظاهر رواية الشافعي وأحمد أنه يجوز أن يكون من المالك؛ لأنه عقد اشترك العامل ورب المال في نمائه؛ فوجب أن يكون رأس المال كله من المالك كالمضاربة والمساقاة، شبهه بها، وعند أحمد: يجوز أن يكون من العامل؛ فقد عامل النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل خيبر على الأرض بشطر ما يخرج منها من غير ذلك البذر؛ فدل على أن أيهما أخرج البذر جاز (¬1). وأما قوله في الرواية الثانية: (وعملي بيدي) (¬2) فهو محمول على أنه ساعده على العمل تبرعًا من نفسه، لا على أنه على سبيل الاشتراط، فقال الرافعي: لو شرط العامل على المالك أن يشاركه في العمل فسد العقد (¬3). (لي الشطر) بالرفع (¬4)، يعني: النصف (ولبني فلان الشطر) فيه بيان الجزء المشروط عليه من نصف وربع وغيرهما من الأجزاء المعلومة، ولا يجوز على مجهول، كقوله (¬5): لك بعض الثمرة ولي بعضها. (فقال: أربيتما) بفتح الهمزة والباء الموحدة على وزن أفعلتما وأفسدتما، وهذا صريح على أن وجه الفساد كونه (¬6) يؤدي إلى الربا، ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" 5/ 58. (¬2) في (ع): ببذري. (¬3) "الشرح الكبير" 6/ 64. (¬4) في (ر): بالربع. (¬5) في (ل) و (ر): لقوله. والمثبت من (ع). (¬6) ساقطة من (ر).

وهذا [ما أخذ به] (¬1) مالك فجمع مالك بين الأدلة، فحمل أحاديث النهي على كرائها بالطعام أو بما (¬2) ينبت. وأدلة الإباحة على ما عدا ذلك، وفهم أن علة المنع الربا، فجعل لها حكم الطعام، وأن المالك إذا دفع البذر الذي هو الطعام، وأكراها بطعام فقد ضارع طعامًا بطعام إلى أجل، فلا يصح سواء كان الطعام من الجنس أم لا، وهذا الحديث شاهد لصحة هذا، ومنع مالك إكراءها ما ليس بطعام مما تنبته (¬3) أيضًا، وأن هذا من باب سد الذريعة على أصله، والله أعلم. (فرد الأرض إلى أهلها) يجوز في الدال المشددة الفتح وهو الأفصح؛ لكونه أخف الحركات، والكسر؛ لالتقاء الساكنين، والضم على الإتباع، أي: رد الأرض إلى مالكها. (وخذ نفقتك) أي: بذرك الذي زرعته ومؤنة الزرع في الحرث والسقي والنفقة من جهة الدواب. * * * ¬

_ (¬1) في (ر): مما أحدثه. والمثبت من (ل)، وهو الموافق للمعنى. (¬2) في (ع): مما. (¬3) في (ع): بينه.

33 - باب في زرع الأرض بغير إذن صاحبها

33 - باب في زَرْعِ الأَرْضِ بغَيْرِ إِذْنِ صاحِبِها 3403 - حدثنا قُتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ، حدثنا شَرِيكٌ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنْ عَطاءٍ، عَنْ رافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قال: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ زَرَعَ في أَرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ مِنَ الزَّرْعِ شَيء وَلَهُ نَفَقَتُهُ" (¬1). * * * باب في زرع الأرض بغير إذن صاحبها [3403] (حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا شريك) بن عبد الله بن أبي شريك النخعي القاضي، أدرك زمن عمر بن عبد العزيز. (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي، أحد الأعلام، يشبه الزهري في الكثرة، وله نحو ثلاثمائة شيخ. قال البخاري: هذا الحديث تفرد به شريك عن أبي إسحاق (¬2). وشريك يهم (¬3) كثيرًا، وضعفه أيضًا موسى بن هارون الحمال (¬4)، قال: لم يروه عن عطاء غير أبي إسحاق، وعطاء لم يسمع من رافع (¬5). (عن عطاء، عن رافع بن خديج -رضي الله عنه- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من زرع في ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1366)، ابن ماجه (2466)، وأحمد 3/ 465. وصححه الألباني في "الإرواء" (1519). (¬2) انظر: "سنن الترمذي" (ح 1366). (¬3) في الأصل: منهم. (¬4) في (ل): الحال، وفي (ر): الجمال. والمثبت من "السنن الكبرى" للبيهقي. (¬5) انظر: "السنن الكبرى" للبيهقي 6/ 136 (12085).

أرض قوم بغير (¬1) إذنهم، فليس له) أي: للزارع (من الزرع) الذي ظهر من بذره (شيء) أصلًا. هكذا رواه الترمذي وما بعده بكماله في إسناده ومتنه، وبوب عليه: باب من زرع في أرض قوم بغير إذنهم. وقال: هذا حديث حسن غريب. والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم، وهو قول أحمد وإسحاق، قال: وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال: هو حديث حسن. قال محمد: وحدثنا معقل بن مالك البصري، حدثنا عقبة بن الأصم، عن عطاء، عن رافع بن خديج، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). وقد استدل به - كما قال الترمذي - أحمد على أن من زرع بذرًا في أرض غيره واسترجعها صاحبها، فلا يخلو إما أن يسترجعها مالكها ويأخذها بعد حصاد الزرع، أو يسترجعها والزرع قائم قبل أن يحصد (¬3)، فإن أخذها مستحقها بعد حصاد الزرع، فإن الزرع لغاصب الأرض لا نعلم فيه خلافًا، وذلك لأنه نماء ماله، وعليه أجرة الأرض إلى وقت التسليم، وضمان نقص (¬4) الأرض وتسوية حفرها، وإن أخذ الأرض صاحبها من الغاصب والزرع قائم فيها (¬5) لم يملك إجبار الغاصب على قلعه، وخُيّر المالك بين أن يدفع إليه نفقته ويكون الزرع له، وبهذا قال أبو عبيد (¬6). ¬

_ (¬1) في (ر): من غير. (¬2) انظر: "سنن الترمذي" (1366). (¬3) في (ع): يحصل. (¬4) في (ع): بعض. (¬5) سقط من (ع). (¬6) "الأموال" ص 364.

وقال الشافعي وأكثر الفقهاء: يملك إجبار الغاصب على قلعه، والحكم فيه كالغرس سواء؛ لقوله عليه السلام: "ليس لِعِرْقٍ ظالمٍ حق" (¬1)، ولأنه زرع في أرضه ظلمًا فلم يكن لزرعه حرمة؛ لأنه ظالم مقصر بالزرع في أرض غيره بغير إذنه. واستدل أحمد بهذا الحديث؛ فإن فيه دليلا (¬2) على أن الغاصب لا يجبر على قلعه؛ لأنه ليس له فيه شيء، بل هو ملك للمغصوب منه. واستدل أيضًا بالحديث الذي قبله (¬3): أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى زرعًا في أرض ظهير فأعجبه فقال: "ما أحسن زرع ظهير". فقالوا: إنه ليس لظهير، ولكنه لفلان. قال: "فخذوا زرعكم وردوا عليه نفقته"، ولأنه أمكن رد المغصوب إلى مالكه من غير إتلاف مال (¬4) الغاصب على قرب من (¬5) الزمان، فلم يجز إتلافه كما لو غصب سفينة فحمل فيها ماله وأدخلها (¬6) البحر، أو غصب لوحًا فرقع به سفينته؛ فإنه لا يجبر على رد المغصوب في اللجة، بل ينتظر حتى ترسي صيانة للمال عن التلف، وكذا هنا، ولأنه زرع حصل في ملك غيره فلم يجبر على قلعه على وجه يضر به كما لو كانت الأرض مستعارة أو مشفوعة وفارق النخل والشجر الوارد فيه "ليس لعرق ظالم حق"؛ لأن مدته تتطاول ¬

_ (¬1) سبق برقم (3073). (¬2) في الأصل (دليل) والمثبت أصح. (¬3) برقم (3399). (¬4) سقط من (ع). (¬5) زاد هنا في الأصل (عند). والمثبت من "المغني". (¬6) في (ر): وأدخله.

ولا يعلم متى تقلع من الأرض، وانتظاره يؤدي إلى ترك رد الأصل بالكلية، وحديث: "ليس لعرق ظالم حق". ورد في الغرس الذي له عرق مستطيل في الأرض وحديثنا في الزرع فيجمع بين الحديثين، ويعمل بكل واحد منهما في موضعه؛ فإن العمل (¬1) بالحديثين أولى من إلغاء أحدهما. وإذا ثبت هذا [فمتى رضي المالك بترك الزرع للغاصب، ويأخذ منه أجر الأرض فله ذلك] (¬2)؛ لأنه شغل المغصوب (¬3) بماله (¬4) فملك صاحبه أخذ أجرة، كما لو ترك في الدار طعامًا أو أحجارًا يحتاج في نقله إلى مدة، وإن أحب أخذ الزرع فله ذلك كما يستحق الشفيع أخذ شجر المشتري بقيمته. (وله) أي: ولغاصب الأرض (نفقته) اختلفت الرواية عن أحمد فيما يرده مالك الأرض على الغاصب على روايتين: إحداهما: قيمة الزرع (¬5)؛ لأنه بدل عن الزرع فيقدر بقيمته كما لو أتلفه (¬6). والرواية الثانية: أنه يرد على الغاصب ما أنفق من البذر ومؤنة ¬

_ (¬1) في (ع): المحمل. (¬2) سقط من (ر). (¬3) في (ل) و (ر): المصوب، وفي (ع): الضرب، ولعل المثبت هو الصواب. (¬4) في (ل): تكرار كلمة (بماله). (¬5) كررت هنا في (ل): كلمة (الزرع). (¬6) في (ع): تلفه.

الزرع (¬1) في الحرث والسقي وغيره. وهذا ظاهر [كلام] (¬2) الخرقي (¬3) من أصحابه وظاهر الحديث في قوله: "نفقته" وقيمة الشيء لا تسمى نفقة. وهذا الحديث قاعدة مذهب أحمد" فإن قاعدة مذهبه في هذِه المسألة على خلاف القياس، وإن القياس مذهب الشافعي والجمهور: أن الزرع لصاحب البذر؛ لأنه نماء عين ماله فأشبه ما لو غصب دجاجة فحضنت بيضًا له، أو طعامًا فعلفه دوابًّا له كان النماء له. وقد صرح به أحمد فقال: هذا شيء لا يوافق القياس؛ فاستحسن أن يدفع نفقته للحديث، ولذلك جعله للغاصب إذا أخذ الأرض مالكها بعد حصاد الزرع، وإذا كان العمل بالحديث وجب أن يتبع مدلوله (¬4). * * * ¬

_ (¬1) في (ع): الربح. (¬2) سقط من الأصل. والمثبت من "المغني". (¬3) في (ع): الحربي. (¬4) انظر: "المغني" 5/ 392.

34 - باب في المخابرة

34 - باب في المُخَابَرَةِ 3404 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا إِسْماعِيل، ح وَحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ أَنَّ حَمّادًا وَعَبْدَ الوارِثِ حَدَّثَاهُمْ كُلُّهُمْ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قالَ: عَنْ حَمّادٍ وَسَعِيدِ بْنِ مِيناءَ ثُمَّ اتَّفَقُوا، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قال: نَهَى رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، عَنِ المُحاقَلَةِ والمُزَابَنَةِ والمُخابَرَةِ والمُعاوَمَةِ، قالَ: عَنْ حَمّادٍ. وقالَ أَحَدُهُما: والمُعاوَمَةِ. وقالَ الآخَرُ: بَيْعِ السِّنِينَ. ثمَّ اتَّفَقوا وَعَنِ الثُّنْيا وَرَخَّصَ في العَرايا (¬1). 3405 - حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْن يَزِيدَ السَّيّاريُّ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ العَوّامِ، عَنْ سُفْيانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قال: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عنِ المُزابَنَةِ والمُحاقَلَةِ وَعَنِ الثُّنْيا إِلَّا أَنْ يُعْلَمَ (¬2). 3406 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن مَعِينٍ، حَدَّثَنَا ابن رَجاءٍ - يَعْني المَكِّيَّ - قالَ ابن خُثَيمٍ: حَدَّثَنِي، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقولُ: "مَنْ لَمْ يَذَرِ المُخابَرَةَ فَلْيَأْذَنْ بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ" (¬3). 3407 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقانَ، عَن ثابِتِ بْنِ الحَجَّاجِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ قال: نَهَى رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، عَنِ المُخابَرَةِ. قُلْتُ: وَما المُخَابَرَة؛ قال: أَنْ تَأخُذَ الأرْضَ بِنِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ أَوْ رُبُعٍ (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1536/ 85). (¬2) رواه الترمذي (1290)، والنسائي 7/ 37. وصححه الألباني. (¬3) رواه الترمذي في "العلل الكبير" (347)، وأبو يعلى 4/ 27 (2530)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 107 (5927، 5928)، وابن حبان (5200). وضعفه الألباني في "الضعيفة" (990). (¬4) رواه أحمد 5/ 187، وابن أبي شيبة 11/ 132 (21666). وصححه الألباني في "الصحيحة" (3569).

باب [في المخابرة] (¬1) [3404] (حَدَّثَنَا أحمد بن حنبل، حَدَّثَنَا إسماعيل) بن إبراهيم ابن علية (وحَدَّثَنَا مسدد، أن حمادًا وعبد الوارث حدثاهم، كلهم) بالنصب، تأكيد للضمير الغائب المنصوب. (عن أيوب) بن أبي تميمة (عن أبي الزبير) محمد بن مسلم المكي التابعي الراوي عن جابر (قال) مسدد (عن حماد) بن سلمة (وسعيد بن ميناء) بالمد والقصر (ثم اتفقوا) جميعًا (عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما (قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المحاقلة، والمزابنة) تقدما (والمخابرة) مشتقة من الخبير على وزن العليم، وهو الأكّار بهمزة مفتوحة وكاف مشددة وراء مهملة، وهو المزارع والفلاح والحراث، قاله أبو عبيد والأكثرون من أهل اللغة والفقهاء (¬2). وقال آخرون: هي مشتقة من الخَبَار بفتح الخاء وتخفيف الباء وهي الأرض الرخوة، وقيل: من الخُبر بضم الخاء، وهو النصيب من سمك أو لحم. وقال ابن الأعرابي: هي مشتقة من خيبر؛ لأن أول هذِه المعاملة فيها من الشارع (¬3). وفسر أصحابنا المخابرة بأنها: العمل على الأرض ببعض ما يخرج منها، والبذر من العامل، وهذا التفسير لا يستقيم؛ فإن العمل من وظيفة العامل فلا يفسر العقد به، وعبارة الهروي في ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) انظر: "غريب الحديث" 1/ 232، "تهذيب الأسماء واللغات" 3/ 87. (¬3) انظر: "شرح مسلم" للنووي 10/ 193.

"الإشراف": هي استكراء الأرض ببعض ما يخرج منها. قال: ومثله اكتراء العامل نفسه ببعض ما يخرج من الأرض. ووجه النهي عنها أن منفعة الأرض ممكنة بالإجارة فلم يجز العمل (¬1) عليها ببعض ما يخرج منها كالمواشي بخلاف الشجر؛ لأنه لا يمكن عقد الإجارة عليه، فجوزت المساقاة للحاجة وسكتوا عن المناصبة (¬2) وهي أن يسلم أرضًا إلى رجل ليغرسها من عنده ويكون الشجر بينهما، ولا شك أن مانع المخابرة يمنعها (¬3). (والمعاومة) وهي بيع الثمر سنين، مشتقة من العام كالمشاهرة من الشهر كما تقدم. (قال) مسدد (عن حماد: وقال أحدهما: والمعاومة، وقال الآخر) ينهى عن (بيع السنين) أي: عن بيع الثمرة للسنين، وهي أن يبيعها لأكثر من سنة في عقدٍ واحد، وهي بيع غرر؛ لأنه بيع ما لم يخلقه الله تعالى بعد (ثم اتفقوا) جميعًا ونهى (عن الثنيا) بضم المثلثة وإسكان النون، وهو أن يبيع ثمر بستانه، ويستثني من المبيع شيئًا مجهولا، فلا يصح البيع، وقيل: هو أن يبيع الشيء جزافًا، فلا يجوز أن يستثني منه شيئًا قل أم (¬4) كثر. والثنيا في المزارعة بأن يستثني بعض النصف أو الثلث كيلًا معلومًا ¬

_ (¬1) في (ر): العامل. (¬2) في (ل) و (ر): المنصابة. وفي (ع): النصابة. (¬3) انظر: "مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج" للخطيب الشربيني 3/ 423. (¬4) في (ع): أو.

فلا يصح؛ لأن الاستثناء (¬1) من المجهول بغير المعلوم مجهول (¬2). (ورخص في العرايا) تبينه الروايات المتقدمة وهي رواية الصحيحين: نهى عن بيع الثمر بالتمر، ورخص في العرايا أن يشتري بخرصها يأكلها أهلها رطبًا (¬3) كما تقدم. وشرط في (¬4) العرايا أن يكون في خمسة أوسق فما دونها، أو في غير الرطب والعنب كما على مذهب الشافعي (¬5). [3405] حَدَّثَنَا عمر (¬6) بن يزيد) أبو حفص (السياري) (¬7) بفتح السين المهملة وتشديد المثناة تحت، الصفار، قال ابن حبان: مستقيم الحديث (¬8). (حَدَّثَنَا عباد) بتشديد الباء الموحدة (ابن العوام) بن عمر الكلابي مولاهم الواسطي (عن سفيان بن حسين) بن حسن الواسطي مولى عبد الله بن خازم السلمي، قال أحمد بن عبد الله العجلي (¬9): ثقة، كان مؤدبا مع المهدي، ومات بالري في خلافة المهدي، استشهد به البخاري في "الصحيح" (¬10)، وروى له في "القراءة خلف الإمام" (¬11)، ¬

_ (¬1) في الأصل: (استثناء) ولعل المثبت هو الصواب. (¬2) في الأصل: (مجهولا) ولعل المثبت هو الصواب. (¬3) رواه البخاري (2579) ومسلم (1540). (¬4) من (ر). (¬5) انظر: "شرح مسلم" 10/ 189. (¬6) في (ع): عمرو. (¬7) في (ر): النيسابوري. وغير واضحة في (ل)، والمثبت من (ع) والمطبوع. (¬8) "الثقات" 8/ 446. (¬9) "الثقات" (570)، وانظر: "تهذيب الكمال" 11/ 139. (¬10) "صحيح البخاري" (1066، 7000). (¬11) "القراءة خلف الإمام" (24).

ومسلم في مقدمة كتابه (¬1). (عن يونس بن عبيد ([الثقفي، وثق] (¬2) (عن عطاء) بن أبي رباح (¬3) (عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما (قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المزابنة، والمحاقلة) تقدما (وعن الثنيا) كما تقدم (إلا أن تعلم) مبني للمجهول، هكذا رواه الترمذي وصححه (¬4)، والنسائي (¬5)، تقدم أن الثنيا المنهي عنها: أن يبيع الشيء ويستثني منه شيئًا مجهولًا. وذكر هنا أن البائع إذا استثنى في بيعه شيئًا معلومًا فإن البيع صحيح. [3406] (حَدَّثَنَا يحيى بن معين) بفتح الميم، البغدادي، إمام المحدثين، روى عنه الشيخان، مات بالمدينة وحمل على أعواد النبي - صلى الله عليه وسلم - (حَدَّثَنَا) عبد الله (بن رجاء المكي) ثقة، صدوق (¬6) (قال) عبد الله ابن عثمان (بن خثيم) المكي حليف الزهريين، القاري من القارة، روى له مسلم في دلائل النبوة (¬7) (حدثني عن أبي الزبير) محمد بن مسلم. (عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من لم يذر) بفتح الياء والذال المعجمة، أي: يترك (المخابرة) تقدمت (فليؤذن) ¬

_ (¬1) مقدمة مسلم، باب: النهي عن الحديث بكل ما سمع (5). (¬2) ما بين المعقوفين ليس بصحيح، فإن الذي في الإسناد هو يونس بن عبيد بن دينار العبدي وهو ثقة ثبت فاضل ورع، وانظر: "تهذيب الكمال" 32/ 517 (7180). (¬3) في (ع): بن يسار. (¬4) (1290). (¬5) 7/ 37، 296. (¬6) في الأصل: (صدوقًا). والجادة ما أثبتناه. (¬7) (2294).

فليعلم وليتيقن، قال سيبويه: أذنت: أعلمت (¬1). قال الله تعالى: {فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ} (¬2) (بحرب) اي: اعلموا نفوسكم بمحاربة (من الله ورسوله) فانظروا في الأرجح لكم، ترك المخابرة أو الحرب من الله ورسوله. [3407] (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة، حَدَّثَنَا عمر بن أيوب) العبدي الموصلي، ليس له غير حديث واحد في اللباس، رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - على ابن عمر ثوبين معصفرين فقال: "أمك أمرتك بهذا؟ " (¬3) (عن جعفر بن برقان) بضم الموحدة، الكلابي الرقي، روى عن يزيد بن الأصم في مسلم في غير موضع، وعنه كثير بن هشام ووكيع ومحمر، مات سنة 154 وهو ذاهب إلى بيت المقدس (عن ثابت بن الحجاج، عن زيد بن ثابت) -رضي الله عنه- (قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المخابرة. قلت: وما المخابرة؟ قال: أن يأخذ) أحدكم (الأرض) على أن يعمل عليها (بنصف أو ثلث أو ربع) قال القرطبي: الفرق بين المحاقلة والمخابرة، أن المحاقلة: كراء الأرض بما يخرج منها مطلقًا (¬4)، والمخابرة: كراؤها (بجزء مما) (¬5) يخرج منها كثلث ونصف وربع ونحوها من الأجزاء المعلومة (¬6). * * * ¬

_ (¬1) "الكتاب" 462. (¬2) الأنبياء: 109، وانظر: "لسان العرب" 13/ 9. (¬3) رواه مسلم (2077). (¬4) في (ع): مطلق. (¬5) في الأصول: بما، والمثبت من "المفهم". (¬6) انظر: "المفهم" 4/ 401.

35 - باب في المساقاة

35 - باب في المُساقاةِ 3408 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ ما يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ (¬1). 3409 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - يَعْنِي ابن غَنَجٍ - عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَفَعَ إِلَى يَهُودِ خَيْبَرَ نَخْلَ خَيْبَرَ وَأَرْضَها عَلَى أَنْ يَعْتَمِلُوها مِنْ أَمْوالِهِمْ وَأَنَّ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَطْرَ ثَمَرَتِها (¬2). 3410 - حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّقّيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقانَ، عَنْ مَيمُونِ بْنِ مِهْرِانَ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قال: افْتَتَحَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ واشْتَرَطَ أَنَّ لَهُ الأرْضَ وَكُلَّ صَفْراءَ وَبَيْضَاءَ. قالَ أَهْلُ خَيْبَرَ: نَحْن أَعْلَمُ بِالأرْضِ مِنْكمْ، فَأَعْطِناها عَلَى أَنَّ لَكُمْ نِصْفَ الثَّمَرَةِ وَلَنَا نِصْفٌ. فَزَعَمَ أنَّهُ أَعْطاهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَلَمّا كانَ حِينَ يُصْرَمُ النَّخْلُ بَعَثَ إِلَيْهِمْ عَبْدَ اللهِ بْنَ رَواحَةَ، فَحَزَرَ عَلَيْهِمُ النَّخْلَ وَهُوَ الذي يُسَمِّيهِ أَهْل المَدِينَةِ الخَرْصَ، فَقالَ في ذِهْ كَذا وَكَذا. قالُوا: أَكْثَرْتَ عَلَيْنا يا ابن رَواحَةَ. فَقال: فَأَنَا أَلي حَزْرَ النَّخْلِ وَأُعْطِيكمْ نِصْفَ الذي قُلْتُ. قالُوا: هذا الحَقُّ، وَبِهِ تَقُومُ السَّماءُ والأَرْضُ، قَدْ رَضِينَا أَنْ نَأْخُذَهُ بِالَّذي قُلْتَ (¬3). 3411 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ الرَّمْليُّ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَبي الزَّرْقَاءِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقانَ بِإِسْنادِهِ وَمَعْنَاهُ قال: فَحَزَرَ. وقالَ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَكُلَّ صَفْرَاءَ وَبَيْضَاءَ: يَعْنِي الذَّهَبَ والفِضَّةَ لَهُ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2329)، ومسلم (1551). (¬2) رواه البخاري (2720)، ومسلم (1551/ 5). (¬3) رواه ابن ماجة (1820)، والطبراني في "الكبير" 11/ 380 (12062)، والبيهقي في "الصغرى" 2/ 319. وصححه الألبانى. (¬4) انظر السابق.

3412 - حَدَّثَنَا محَمَّد بْنُ سُلَيْمانَ الأَنْبَاريُّ، حَدَّثَنَا كَثِيرٌ -يَعْني: ابن هِشامٍ- عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقانَ، حَدَّثَنَا مَيمُونٌ، عَنْ مِقْسَمٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ زَيْدٍ، قال: فَحَزَرَ النَّخْلَ. وَقال: فَأَنَا أَلي جُذاذَ النَّخْلِ وَأُعْطِيكُمْ نِصْفَ الذي قُلْتُ (¬1). * * * باب في المساقاة مأخوذة (¬2) من السقي، وأصلها تعاهد الأشجار بالماء. [3408] (حَدَّثَنَا أحمد بن حنبل، حَدَّثَنَا يحيى) القطان (عن عبيد الله) بالتصغير. (عن نافع، عن ابن عمر) رضي الله عنهما (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عامل أهل خيبر) حين افتتحها (بشطر ما يخرج منها) فيه بيان الجزء المساقى (¬3) عليه من نصف وربع وغيرهما من الأجزاء المعلومة (¬4)، وفيه حجة على أبي حنيفة في إنكاره هذِه المعاملة لأجل ما فيها من الغرر وبيع الثمر (¬5) قبل الزهو. وأجاب عن هذا الحديث بأنهم كانوا عبيدًا له عليه السلام، فما أخذ فله وما أبقى فله (¬6). ¬

_ (¬1) قال الألباني: صحيح الإسناد. (¬2) في (ر): مأخوذ. (¬3) في الأصل (المساقاة)، والمثبت من "شرح مسلم" للنووي. (¬4) انظر: "شرح مسلم" للنووي 10/ 210. (¬5) في (ر): التمر. (¬6) انظر: "إكمال المعلم شرح صحيح مسلم" للقاضي عياض 5/ 111.

والحجة عليه كما قال الفاكهي أن نقول أولًا: (¬1) هذا لا نسلمه، ولو سلمناه على طريق التنزيل أنه افتتحها عنوة وأقرهم فيها على أنحو ما قال لم يجز الربا بين العبد وسيده، فلا يغنيه ما قال] (¬2) كما (¬3) قال المازري (¬4)، وأيضًا فإنه ليس بمجرد الاستيلاء يحصل الاسترقاق للبالغين (¬5) (من ثمر) الأرض، بفتح المثلثة والميم (أو زرع) يحتج به الليث والشافعي ومن يقول بقولهما على الكراء بالجزء منها، [أي: تبعا للمساقاة] (¬6). [3409] (حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد، عن الليث، عن محمد بن عبد الرحمن بن عنج) (¬7) بفتح العين المهملة والنون وسكونها ثم جيم، المدني، قال أبو حاتم: صالح الحديث (¬8). (عن نافع، عن ابن عمر) رضي الله عنهما (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دفع إلى يهود خيبر) بالنصب (¬9) (تخل خيبر وأرضها) استدل به داود على أن (¬10) ¬

_ (¬1) في (ع): لولا. (¬2) ما بين المعقوفين غير موجود بالأصل، وأثبته من "المعلم بفوائد مسلم" للمازري؛ لأن المعنى يقتضيه فبدونه لا يستقيم الكلام. (¬3) في الأصل: (على ما)، والمثبت ما يقتضيه السياق. (¬4) انظر: "المعلم بفوائد مسلم" 2/ 181. (¬5) انظر: "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق العيد (ص 379). (¬6) من (ع)، وانظر: "شرح مسلم" 10/ 210. (¬7) في المطبوع: غنج. (¬8) "الجرح والتعديل" 7/ 318 (1720). (¬9) الصواب أنها مضافة ليهود غير أنها غير مصروفة. (¬10) ساقطة من (ر).

المساقاة لا تجوز (¬1) إلا على النخل فقط؛ لأن المساقاة رخصة فلم يتعد فيها المنصوص عليه. وأما الشافعي فوافق داود في كونها رخصة، لكن قال: حكم العنب حكم النخل في غالب أبواب الفقه. وأما مالك فقال: سبب الجواز الحاجة والمصلحة، وهذا يشمل الجميع فيقاس (¬2) عليه (¬3). ([على أن] (¬4) يعتملوها) بفتح المثناة من تحت والمثناة من فوق بعد العين، أي: يعملوا عليها (من أموالهم) أي من دوابهم وآلاتهم، ويدخل في المال البذر كما تقدم، وهذا فيه بيان لوظيفة عامل المساقاة، وهو أنه عليه كل ما يحتاج إليه من إصلاح الثمر (¬5) واستزادته مما يتكرر كل سنة، كالسقي وتنقية الأنهار وإصلاح منابت الشجر وتلقيحه وتنحية الحشيش والقضبان (¬6) عنه، وحفظ الثمر (¬7) وجدادها (¬8) ونحو ذلك، وأما ما (¬9) يقصد به حفظ الأصل ولا يتكرر كل سنة، كبناء الحيطان [وحفر ¬

_ (¬1) في (ر): يجوز. (¬2) في (ع): يقاس. (¬3) انظر: "شرح مسلم" للنووي 10/ 209. (¬4) من المطبوع، و (ع). (¬5) في (ر)، (ع): التمر. (¬6) في (ر): القصار. والمثبت من (ل)، و"شرح مسلم" للنووي. (¬7) في (ل)، (ر): التمر. والمثبت من (ع). (¬8) هكذا في الأصل، وفي "شرح مسلم": وجذابها. (¬9) ساقطة من (ر).

الأنهار] (¬1) فعلى المالك (¬2). (من ثمرها (¬3) هو النصف، وأنَّ) بفتح الهمزة عطف ما تقدم (لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - شطر) الشطر هنا هو النصف ويأتي بمعنى النحو والقصد، ومنه قوله تعالى: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} (¬4) أي: نحوه (ثمرتها) (رواية: ثمرها) (¬5) أي: نصف جميع ما يحصل من ثمرة النخل التي يعملون عليه. [3410] (حَدَّثَنَا أيوب بن محمد الرقي) بكسر الراء (¬6) وتشديد القاف (حَدَّثَنَا عمر بن أيوب، أنبأنا جعفر بن برقان) بضم الموحدة (عن ميمون بن مهران) بكسر الميم، أبو أيوب عالم الرقة (عن مقسم) بكسر الميم وسكون القاف وفتح السين، ابن بجرة (¬7) مولى عبد الله بن الحارث الهاشمي، وقيل: مولى ابن عباس. (عن) عبد الله (بن عباس) رضي الله عنهما (قال: افتتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر، واشترط) عليهم (أن له الأرض) فيه دليل على أن الإمام إذا افتتح بلدًا (¬8) من بلاد الكفار وأقرهم فيها كما فعل في خيبر له أن يشترط عليهم ¬

_ (¬1) في (ر): وحفظ الأصل. (¬2) انظر: "شرح مسلم" للنووي 10/ 211. (¬3) من (ر)، وفي (ع): تمرا. وساقطة من (ل). (¬4) البقرة: 144. (¬5) من (ع). (¬6) كذا قال، والصواب فتح الراء، انظر: "الأنساب" للسمعاني 6/ 151 - 153. (¬7) في (ل) و (ر): نجي. وفي (ع): بحي. والمثبت من "تهذيب الكمال" 28/ 461 (6166)، ويقال فيه أيضًا ابن نجدة. (¬8) في (ر): بلد.

أن يبذلوا كذا وكذا، ويشترط ذكر (¬1) قدره، وأن ينقادوا لحكم الإسلام، وغير ذلك مما هو معلوم في بابه. (وكل) بالنصب عطف على الأرض (صفراء) يعني الذهب (وبيضاء) يعني الفضة كما سيأتي، فيه جواز اشتراط الإمام على أهل بلد افتتحها ما فيه مصلحة للمسلمين. (قال أهل خيبر: نحن أعلم بالأرض) أي بأرض خيبر، ما ينبت منها وما لم ينبت، وما يحتاج إليه السقي، وأعلم بالعمل عليها (منكم). وفي رواية "الطبراني الكبير": عن عامر بن عبد الرحمن [عن جبير] (¬2) قال: فتحها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت جميعا (¬3) له حرثها ونخلها ولم يكن للنبي - صلى الله عليه وسلم - رقيق (¬4). أي: يعملون عليها. (فأعطناها) بفتح الهمزة (على أن لكم نصف الثمرة) والزرع (ولنا نصف) نصفها، أي: نصف الثمرة والزرع. واعلم أن الرفع في قوله (ولنا نصف) بالرفع هو الصحيح المعروف عند أهل العربية، ويجوز على ضعف النصب في الفاء، وإن وردت الرواية على: ولنا نصفًا. بالنصب بأن المحذوفة المدلول لها بأن (¬5) المذكورة قبل العاطف بتقدير قوله: "وأن لنا نصفًا" فحذفت أن لأنها ¬

_ (¬1) في (ر): ذكره. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأثبتناه من "المعجم الكبير". (¬3) هكذا في الأصول، وفي المعجم: جمعا. (¬4) "معجم الطبراني الكبير" 13/ 176 (421). (¬5) ساقطة من (ع).

مذكورة قبل العاطف، وهذا التقدير أولى من النصب بالعطف على عاملين؛ فإن له [شرطين مفقودين] (¬1) هنا، ومما أوهم جواز العطف على عاملين قوله تعالى في قراءة الأخوين (¬2): {وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4)} (¬3) {وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ} ثم قال {آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (¬4) بكسر آيات في الموضعين، ووجهت بأن (أن) محذوفة لدلالة أن الأولى عليها، وليست آيات معطوفة على آيات الأولى لما فيه من العطف على عاملين (¬5). (فزعم) ابن عباس، وفيه استعمال زعم في الصدق (أنه أعطاهم) الأرض (على ذلك) الحكم. (فلما كان حين) بالرفع والنصب (يصرم) بضم أوله وفتح ثالثه، أي: يجد (¬6) ويقطع ويصرم (النخل) وصرامها قطف الثمار. (بعث إليهم عبد الله [بن رواحة]) (¬7) الأنصاري، فيه أن عبد الله هو المبعوث للخرص، وروى الدارقطني [عن سهل بن أبي حثمة] (¬8) أن ¬

_ (¬1) في الأصول: شرطان مفقودان. والجادة ما أثبتناه. (¬2) يقصد حمزة والكسائي. (¬3) (وفي خلقكم) ساقطة من (ر). (¬4) سورة الجاثية: 4 - 5. (¬5) انظر: "شرح الشاطبية" المسمى "إبراز المعاني من حرز الأماني" لأبي شامة (ص 684). (¬6) في (ر): يحدد. والمثبت من "عون المعبود" 9/ 196. (¬7) ساقط من (ر). والمثبت من (ل)، (ع). (¬8) ما بين المعقوفين سقط من الأصول، وأثبته من "التلخيص الحبير" 2/ 377.

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث أباه (¬1) خارصًا. [وفي "الصحابة"] (¬2) لأبي نعيم من طريق الصلت بن زبيد (¬3) بن الصلت عن أبيه، عن جده: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمله على الخرص فقال: "أثبت لنا النصف وأبق لهم النصف فإنهم يسرقون (¬4) ولا نصل إليهم" (¬5). (فحزر) بفتح الحاء المهملة والزاي (عليهم النخل و) الحزر (هو الذي يسميه أهل المدينة الخرص) وهو حزر ما على النخل من الرطب تمرًا (¬6)، فيه جواز الخرص للرطب على رؤوس النخل وأنه سنة، وأنه يكفي خارص كالحاكم؛ لأنه يجتهد (¬7). وقيل: يشترط [اثنان كالتقويم] (¬8) والشهادة (¬9)، وأن الإمام يجوز أن يخرص بنفسه (¬10) كما خرص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديقة (¬11) بنفسه. متفق عليه من حديث أبي حميد الساعدي، وفيه قصة (¬12). ¬

_ (¬1) في (ع): أخاه. (¬2) ما بين المعقوفين في (ل) هكذا: وفي وفي الصحابة. وفي (ر) مكررة. (¬3) في الأصل (زيد). والمثبت من "التلخيص الحبير". (¬4) في (ر): يسرفون. (¬5) "معرفة الصحابة" 3/ 1522 (3861). (¬6) في (ر): ثمرا. (¬7) في (ع): نخلها. (¬8) في (ر): إثبات بالتقويم. (¬9) انظر: "مغني المحتاج" كتاب الزكاة، باب زكاة النبات. (¬10) في (ر): في نفسه. (¬11) في (ر): حذيفة. (¬12) رواه البخاري (1411)، ومسلم (1392).

(فقال) عبد الله (في ذه) بسكون الهاء، فيها عشر لغات هذِه أفصحها، وأجاز في "التسهيل" (ذهِ) (¬1) بكسر الهاء، وذهي (¬2) با لإشباع وزيادة ياء بعد الهاء، وذه هنا اسم إشارة للنخلة (كذا) من التمر (¬3). (و) في ذه (كذا) من التمر، هذِه صفة الخرص، وهو أن يطوف بالشجرة ويرى جميع عناقيدها ويقول: خرصها كذا وكذا رطبًا، ويجيء منه تمرًا يابسًا كذا وكذا، ثم يجيء إلى الأخرى فيفعل بها كذا، ولا يجوز الاقتصار على رؤية بعضها وقياس الباقي به، وإن اختلف نوع الثمر خرصه شجرة شجرة، وهو ظاهر الحديث، وإن اتحد فالأحوط خرصه واحدة واحدة، ويجوز أن يطوف بالجميع ثم يخرص الجميع، وقيل: إن كانت الثمار ظاهرة (¬4) كثمر العراق جاز، أو مستترة كالحجاز (¬5) لم يجز (¬6). قال في "الانتصار": وعندي أن ذلك يختلف بقوة معرفة الخارص وضبطه، والإفراد أحوط. (قالوا: أكثرت علينا يا ابن (¬7) رواحة) وروى البزار عن أبي هريرة: أن ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) في (ع): وهي. (¬3) في (ر)، و (ع): الثمر. (¬4) في (ر): ظاهر. (¬5) في الأصل (لثمر). (¬6) انظر: "المجموع" للنووي (5/ 479). (¬7) زاد هنا في (ر): أخي. وليست في (ل).

اليهود أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاشتكوا (¬1) إليه غلاء خرصه، فدعا عبد الله بن رواحة فذكر له ما ذكروا، فقال عبد الله: هو ما عندي يا رسول الله (¬2). (فقال: فأنا إليَّ) بتشديد الياء، يعني لا لغيري، والرواية المشهورة (ألي) بفتح الهمزة وكسر اللام من الولاية، ويجوز بالنصب (حزر) بالرفع (النخل) صريح في أنه يكفي خارص واحد، كما تقدم. (وأعطيكم) بضم الهمزة (نصف الذي قلت) لكم من الثمر والزرع (قالوا: هذا) الذي ذكرته هو (الحق) بالرفع، رواية: هذا الحق الذي به تقوم (¬3) فاعترفوا بصدق قوله ورأوه حقًّا (وبه) أي: وبالحق الذي تقوله وتعمل به (تقوم السماء والأرض) أي: تدوم وتبقى إلى يوم القيامة (قد رضينا أن نأخذه) نأخذ الرطب الذي خرصته علينا (بالذي) أي بالقدر الذي خرصته علينا و (قلت) إنه واجب علينا، وقد يستدل به على أن الخرص مجرد (¬4) اعتبار القدر الذي خرص به، وأنه لابد من رضى المخروص [عليه] (¬5) حتى يصير القدر المخروص به في ذمته حق الفقراء منه، والأظهر على مذهب الشافعي أن الخرص تضمين، ينقطع به حق الفقراء من الرطب، ويصير في ذمة المالك التمر، ليخرجه (¬6) بعد جفافه. ¬

_ (¬1) في (ر): واشتكوا. (¬2) انظر: "مجمع الزوائد" 4/ 217 (6596). (¬3) انظر: "جامع الأصول" 11/ 24 (893). (¬4) في (ر): يجرد. (¬5) غير موجودة في الأصل، والسياق يقتضيها. (¬6) في (ر): لتخريجه.

[3411] (حَدَّثَنَا علي بن سهل) بن قادم (الرملي) قال النسائي: ثقة، نسائي سكن الرملة، مات سنة 261 (¬1) (¬2). (حَدَّثَنَا زيد بن أبي الزرقاء) الموصلي، محدث صدوق مشهور عابد. (عن جعفر بن برقان (¬3) بإسناده) المتقدم (ومعناه) و (قال) فيه (فحزر) عليهم النخل (وقال عند قوله وكل) بالنصب (صفراء وبيضاء) بالمد فيهما (يعني الذهب والفضة) كما تقدم. [3412] (حَدَّثَنَا محمد بن سليمان) ابن أبي داود (¬4) (الأنباري) بتقديم النون على الموحدة، وثقه الخطيب، مات سنة 234 (¬5). (حَدَّثَنَا كثير بن هشام) الكلابي الرقي صاحب جعفر بن برقان، روى له مسلم في الحج (¬6). (عن جعفر بن برقان، حَدَّثَنَا ميمون، عن مقسم) بكسر (¬7)، كما تقدم، ابن نجدة (¬8) التابعي. (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين افتتح (¬9) خيبر) اشترط عليهم حين حاصرهم (فذكر ¬

_ (¬1) في (ع): 231. (¬2) انظر: "المعجم المشتمل" (634)، "تهذيب الكمال" 20/ 456 (4077). (¬3) في (ع): بؤقان برقان. (¬4) هي كنية سليمان أبي محمد. (¬5) "تاريخ بغداد" 3/ 216 (817). (¬6) لم يرو له مسلم في الحج، وإنما روى له في مواضع أخرى من "صحيحه" (135/ 216)، (564)، (1037/ 175)، (34/ 2564)، (2638/ 160). (¬7) زاد هنا في (ر): السين، وهو خطأ. (¬8) في الأصول: يحيى. والمثبت من "تهذيب الكمال" 28/ 461 (6166). (¬9) بعدها في الأصول: وفي نسخة: فتح.

نحو حديث زيد) بن أبي الزرقاء (¬1). و (قال) فيه: (فحزر) عليهم (النخل، وقال) ابن رواحة: (فأنا ألي) بفتح الهمزة وكسر اللام وسكون الياء المخففة، وبفتح (¬2) اللام وتشديد الياء كما في النسخ المعتمدة. (جذاذ النخل) قال ابن الأثير: جداد بالدالين المهملتين. ويقال: جزار (¬3) النخل (¬4). قاله (¬5) أبو علي الغساني بالراء في آخره. قال: وهو الصواب قطف الثمار وهو المعروف. قال: والذي قد جاء في هذا الحديث بالزاي المعجمة يعني المكررة بينهما ألف والجيم مفتوحة. قال: فإن صحت الرواية فيكون من الجز وهو قص الصوف والشعر من الغنم ونحوه (¬6). انتهى. والجز القطع. قال الجوهري: الجز ما يجز، يقال: هذا زمن الجزاز أي: زمن الحصاد وصرام النخل، انتهى (¬7). (وأعطيكم (¬8) نصف الذي قلت) لهم عنه من الثمار. * * * ¬

_ (¬1) في (ر): البرقاء. (¬2) في (ر): وفتح. (¬3) هكذا في (ر) وفي (ل): جرر. وفي (ع): جداد. (¬4) انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 268. (¬5) في (ع): قال: (¬6) انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 268. (¬7) انظر: "الصحاح" 1/ 692. (¬8) في (ع)، (ر): عليهم. والمثبت من (ل) والمطبوع.

36 - باب في الخرص

36 - باب في الخَرْصِ 3413 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن مَعِينٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ قالَ: أُخْبِرْتُ عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها قالَتْ: كانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَبْعَثُ عَبْدَ اللهِ بْنَ رَواحَةَ فَيَخْرُصُ النَّخْلَ حِينَ يَطِيبُ قَبْلَ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ يُخَيِّرُ يَهُودَ يَأْخذونَهُ بِذَلِكَ الخَرْصِ أَوْ يَدْفَعُونَهُ إِلَيْهِمْ بِذَلِكَ الخَرْصِ، لِكَى تُحْصَى الزَّكاةُ قَبْلَ أَنْ تُؤْكَلَ الثِّمَارُ وَتفَرَّقُ (1). 3414 - حَدَّثَنَا ابن أَبِي خَلَفٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سابِقٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ طَهْمانَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ أَنَّهُ قال: أَفاءَ الله عَلَى رَسُولِهِ خَيْبَرَ، فَأَقَرَّهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَما كانُوا، وَجَعَلَها بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، فَبَعَثَ عَبْدَ اللهِ بْنَ رَواحَةَ فَخَرَصَها عَلَيْهِم" (2). 3415 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقُ وَمُحَمَّد بْن بَكْرٍ قالا: حَدَّثَنَا ابن جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: خَرَصَهَّا ابْن رَواحَةَ أَرْبَعِينَ أَلْفَ وَسْقٍ وَزَعَمَ أَنَّ اليَهُودَ لَمَّا خَيَّرَهُمْ ابن رَواحَةَ أَخَذُوا الثَّمَرَ وَعَلَيْهِمْ عِشْرُونَ أَلْفَ وَسْقٍ (3). * * * باب في الخرص [3413] (حَدَّثَنَا يحيى بن معين) بفتح الميم، تقدم (حَدَّثَنَا حجاج) بن ¬

_ سبق برقم (1606)، وهو ضعيف. رواه أحمد 3/ 367، وابن زنجويه في "الأموال" (1982)، والطحاوي في "شرح المشكل" 7/ 103 (2675). وصححه الألباني في "غاية المرام" (459). رواه أحمد 3/ 296، وعبد الرزاق 4/ 124 (2675). وقال الألباني: صحيح الإسناد.

محمد المصيصي الأعور الحافظ (عن) عبد الملك (بن جريجٍ قال: أخبرت) بضم الهمزة وكسر الموحدة. (عن) محمد (بن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبعث عبد الله بن رواحة) وروي أنه بعث معه آخر (¬1) غيره (¬2)، كذا ذكره الرافعي (¬3)، فيجوز أن يكون ذلك في وقتين، ويجوز أن يكون المبعوث معه معينًا أو كاتبًا. قال شيخنا ابن حجر: لم أقف على هذِه الرواية، وأما بعث غير عبد الله في وقت آخر فتقدم قبله، ووقع في البيهقي أن عبد الله بن رواحة كان يأتيهم كل عام، فيخرصها عليهم، ثم يضمنهم الشطر (¬4)، وتعقبه الذهبي بأن (¬5) ابن رواحة إنما خرصها عليهم عامًا واحدًا؛ لأنه استشهد بمؤتة (¬6) بعد فتح ¬

_ (¬1) في (ر): أحد. (¬2) روى الطبراني 18/ 327 - 328 (841) عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث رجلًا من الأنصار من بني بياضة يقال له: فروة بن عمرو، فيخرص ثمرة أهل المدينة. ذكره الهيثمي في "المجمع" 3/ 76، وقال: رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه حرام بن عثمان، وهو متروك. وروى الطبراني أيضًا 2/ 270 (2136) عن عبد الله بن أبي بكر ابن محمد بن عمرو بن حزم مرسلًا، قال: إنما خرص عبد الله بن رواحة على أهل خيبر عامًا واحدًا، فأصيب يوم مؤتة، ثم إن حيار بن صخر بن خنساء كان يبعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ابن رواحة فيخرص عليهم. وذكره الهيثمي في "المجمع" 3/ 76 وقال: رواه الطبراني في "الكبير"، وهو مرسل، وإسناده صحيح. (¬3) "الشرح الكبير" 3/ 79. (¬4) "السنن الكبرى" 6/ 114 عن حديث ابن عمر مرفوعًا. (¬5) في (ع): أن. (¬6) هذا القول أورده محقق "المهذب في اختصار السنن الكبرى" 5/ 2243 وعزاه لحاشية الأصل من المخطوط.

خيبر بلا خلاف في ذلك (¬1). (فيخرص) بضم الراء وكسرها، وأما بمعنى الكذب فبالضم لا غير (النخل) فيه ردٌّ على الشعبي حيث (¬2) يقول: إن الخرص بدعة. وقال أهل الرأي: الخرص ظن وتخمين لا يلزم به حكم، وإنما كان الخرص تخويفًا للأكارين لئلا يخونوا، فأما أن يلزم به حكم فلا، وهذا الحديث حجة عليهم، وقولهم (¬3): ظن، قلنا: بل هو اجتهاد في معرفة قدر الثمرة، وإدراكه بالخرص الذي هو نوع من المقادير والمعايير، فهو كتقويم المتلفات (¬4) (حين يطيب) أكل ثمره، فيه بيان وقت الخرص المسنون، وهو حين يبدو صلاحه على مالكه (قبل أن يؤكل منه) شيء (ثم يخير) بضم الياء الأولى وتشديد الثانية بعد الخاء المعجمة (يهود) بفتح الدال (¬5)؛ لأنه لا ينصرف ولا ينون، إما (يأخذونه بذلك الخرص) الخرص بكسر الخاء (¬6) الشيء المقدر، وبالفتح اسم الفعل، وقيل: هما لغتان في الشيء المخروص، وأما المصدر فبالفتح لا غير (أم (¬7) يدفعونه إليهم بذلك الخرص) رواية الطبراني مرسلًا عن ابن شهاب في فتح خيبر ¬

_ (¬1) انظر: "التلخيص الحبير" 2/ 172. (¬2) في (ر): حين. (¬3) في (ر): وقوله. (¬4) انظر: "المغني" (2/ 564). (¬5) في (ر): الذال. (¬6) في الأصول: الراء. والمثبت من "لسان العرب" 2/ 1133. (¬7) في المطبوع: أو.

قال: وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن رواحة ليقاسم اليهود ثمرها، فلما قدم عليهم جعلوا يهدون له من الطعام ويكلمونه، وجعلوا له حليًّا من حلي نسائهم فقالوا: هذا [لك] (¬1) وتخفف [عنا] (¬2) وتجاوز. قال ابن رواحة: يا معشر يهود، إنكم والله لأبغض (¬3) الناس إليّ، وإنما بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عدلًا بينكم وبينه، ولا أرب لي في دنياكم، ولن أحيف عليكم، وإنما عرضتم علي السحت، وإنا لا نأكله، فخرص عليهم (¬4) النخل، فلما أقام الخرص خيرهم فقال: إن شئتم ضمنت لكم نصيبكم، وإن شئتم ضمنتم (¬5) لنا نصيبًا وقمتم عليه، فاختاروا أن يضمنوا (¬6) ويقيموا عليه. قالوا: يا ابن رواحة، هذا الذي تعملون به تقوم به السماوات والأرض، وإنما يقومان بالحق. ورجاله رجال الصحيح (¬7). (لكي) اللام متعلقة بيخرص، أي: إنما يخرص النخل لكي (تحصى) بضم أوله وفتح الصاد (الزكاة) وهذا ظاهر في الخرص علته المشروعة له ليعلم قدر الزكاة الواجبة في الثمرة؛ ليتمكن أرباب الثمار في التصرف ¬

_ (¬1) سقط من الأصول، والمثبت من "المعجم". (¬2) سقط من الأصول، والمثبت من "المعجم". (¬3) في (ع): لا يقف. (¬4) من (ل). (¬5) في (ر): ضمنت. (¬6) في (ع): يغنوا. (¬7) "المعجم الكبير" 13/ 178 (424). وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 4/ 122: رواه الطبراني في "الكبير" مرسلًا، ورجاله رجال الصحيح.

فيها، ويثبت حق الفقراء في ذمتهم (¬1) (قبل أن تؤكل (¬2) الثمار وتفرق) (¬3) على جيران (¬4) أصحاب الثمار وأقاربهم وأصدقائهم من الثمار إذا طاب أكلها. [3414] (حَدَّثَنَا) محمد بن أحمد (ابن أبي خلف) القطيعي، روى له مسلم (حَدَّثَنَا محمد بن سابق) الكوفي البزاز (¬5)، نزيل بغداد، روى عنه البخاري على الشك، فقال في الوصايا: حَدَّثَنَا محمد بن سابق أو الفضل بن يعقوب (¬6). وروى عنه بلا شك في كتاب "الأدب" (¬7). (عن إبراهيم بن طهمان) بفتح الطاء الخراساني (عن أبي الزبير (محمد (عن (¬8) جابر) بن عبد الله - رضي الله عنه - (أنه قال) لما (أفاء الله) أي (رد الله) (¬9)، والأصل في معنى فاء: رجع. قال الله تعالى: {حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} (¬10) أي: ترجع، والمراد بالردود والرجوع هنا أنه رجع من ¬

_ (¬1) في (ر): دينهم. وانظر: "المغني" 2/ 564. (¬2) في (ر): يؤكل. (¬3) في (ل): يقذف. وفي (ع): يصدق. (¬4) في (ر): خبر أن. (¬5) في (ع): البزار. (¬6) "صحيح البخاري" (2781). (¬7) لم أقف على روايته عنه في الأدب من "صحيحه"، وإنما وقفت عليها بلا شك في مواضع أخرى من "صحيحه" (2782، 3566، 4189، 4228، 5162، 5579، 6908 م). وفي "الأدب المفرد": (157، 332). (¬8) في (ع): ابن. (¬9) في (ع): روايته. (¬10) الحجرات: 9.

الله (على رسوله) - صلى الله عليه وسلم -أي: صار إليه من الله من (¬1) فتح (خيبر) ونصرته على أهلها. (فأقرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: مكنهم من الاستقرار فيها والإقامة بها، وهذا صريح في أنهم لم يكونوا عبيدًا له كما قال الحنفية. (كما كانوا) فيها قبل ذلك ما شاء، وفي رواية "الموطأ": " أقركم ما أقركم الله تعالى" (¬2). قال العلماء: وهو عائد على مدة العهد. (وجعلها) أي: ما يخرج من الثمر والزرع (بينه وبينهم) النصف له، والنصف لهم (فبعث عبد الله بن (¬3) رواحة في خرصها) أي: ليخرصها (¬4) (عليهم) هكذا رواه أحمد بلفظه إلى هنا وزاد: ثم قال: "يا معشر اليهود، أنتم أبغض الناس إليَّ، قتلتم أنبياء الله، وكذبتم على الله، وليس يحملني بغضي إياكم على أن أحيف عليكم .. " الحديث (¬5). [3415] (حَدَّثَنَا أحمد بن حنبل، حَدَّثَنَا عبد الرزاق) بن همام الحميري، روى عنه البخاري (¬6) وغيرهم. (ومحمد بن بكر) البرساني بصري من الأزد، روى له الجماعة. (قالا: حَدَّثَنَا) عبد الملك (بن جريجٍ قال: أخبرني أبو الزبير) محمد ¬

_ (¬1) ساقطة من (ع). (¬2) "الموطأ" 2/ 703 من رواية سعيد بن المسيب مرسلًا. (¬3) بعدها في النسخ: أبي. وهو خطأ. (¬4) في (ل) و (ر): ليخرجها. (¬5) "مسند أحمد" 3/ 367. (¬6) كذا في النسخ. ولعلها الأربعة. إذ هو الأنسب للسياق.

ابن مسلم المكي التابعي. (أنه سمع جابر بن عبد الله يقول (¬1): خرصها) عبد الله (بن رواحة) عليهم (أربعين ألف وسق) بفتح الواو وكسرها، قال القلعي: الوسق بفتح الواو جمعه أوسق، ويقال بكسر الواو وجمعه أوساق، والوسق ستون صاعًا. قال الخليل: الوسق حمل البعير، والوقر حمل البغل (¬2). وفي رواية الطبراني "الكبير" مرسلًا ورجاله رجال الصحيح عن عبد الله بن عبيد: ثم خرصها جميعًا الذي لهم والذي لليهود ثمانين ألف (¬3) وسق (¬4)، قالت اليهود: خربتنا (¬5). فقال ابن رواحة: إن شئتم فأعطونا أربعين ألف وسق (¬6) ونسلمكم الثمرة، وإن شئتم أعطيناكم أربعين ألف وسق وتخرجون (¬7) عنا، فنظر بعضهم إلى بعض ثم قالوا: بهذا قامت السماوات والأرض (¬8). (وزعم أن اليهود لما خيرهم ابن رواحة أخذوا الثمر) بفتح المثلثة ¬

_ (¬1) ساقطة من (ع). (¬2) انظر: "الصحاح" 4/ 1566، "لسان العرب" 8/ 4836. (¬3) ساقطة من (ع). (¬4) في (ع): وسقا. (¬5) في (ل): خرصا. (¬6) ساقطة من (ر). (¬7) في (ر): يخرصون. (¬8) المعجم الكبير" 13/ 176 (422) وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 4/ 122 - 123: رواه الطبراني في "الكبير" مرسلًا، ورجاله رجال الصحيح.

والميم (وعليهم عشرون ألف وسق) وقد يجمع بين هذِه الرواية ورواية الطبراني الصحيحة المتقدمة أن الثمانين (¬1) ألف وسق كانت من ثمر ومن زرع، وأن عليها في ذلك النصف أربعين ألف وسق من ثمر وزرع: عشرون ألف وسق من الثمر وعشرون ألف وسق من الزرع، وعلى هذا فعليهم عشرون ألف وسق من الثمر، ويحتمل غير ذلك، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) هنا انتهت النسخة (ع).

أبواب الإجارة

أَبْوَابُ الإِجَارَةِ

1 - باب في كسب المعلم

أَبْوَابُ الإِجَارَةِ 1 - باب في كَسْبِ المُعَلِّمِ 3416 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيِعٌ وَحُمَيْدُ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّؤاسِيُّ، عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ زِيادٍ، عَنْ عُبادَةَ بْنِ نُسَي، عَنِ الأسْوَدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، عَنْ عُبادَةَ ابْنِ الصَّامِتِ قال: عَلَّمْتُ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ الكِتَابَ والقُرْآنَ فَأَهْدى إِلى رَجُلٌ مِنْهُمْ قَوْسًا فَقُلْت: لَيْسَتْ بِمالٍ وَأَرْمي عَنْها في سَبِيلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لآتِيَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلأسأَلَنَّهُ فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ رَجُلٌ أَهْدَى إِلَيَّ قَوْسًا مِمَّنْ كُنْتُ أُعَلِّمُهُ الكِتَابَ والقُرْآنَ وَلَيسَتْ بِمالٍ وَأَرْمي عَنْهَا فِي سَبِيلِ اللهِ. قالَ: "إِنْ كنْتَ تُحِبُّ أَنْ تُطَوَّقَ طَوْقًا مِنْ نارٍ فَأَقْبَلْها" (¬1). 3417 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمانَ وَكَثِيرُ بْن عُبَيْدٍ قالا: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنِي بِشْرٌ بْن عَبْدِ اللهِ بْنِ يَسارٍ قالَ عَمْرٌو: حَدَّثَنِي عُبادَة بْنُ نُسَي، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ عُبادَةَ بْنِ الصَّامِتِ نَحْوَ هذا الخَبَرِ - والأَوَّلُ أَتَمُّ - فَقُلْتُ: ما تَرى فِيها يا رَسُولَ اللهِ ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجة (2157)، وأحمد 5/ 315، وعبد بن حميد (183). وصححه الألباني.

فَقالَ: "جَمْرَةٌ بَيْنَ كَتِفَيْكَ تَقَلَّدْتَها". أَوْ: "تَعَلَّقْتَها" (¬1). * * * كِتاب الإجارة * * * باب في كسب المعلم الكسب بفتح الكاف طلب الرزق. [3416] (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة، حَدَّثَنَا وكيع وحميد بن عبد الرحمن الرؤاسي) بضم الراء وفتح الهمزة بعدها المرسومة واوًا، روى له الجماعة (عن مغيرة بن زياد) البجلي الموصلي، وثقه ابن معين وجماعة (¬2) (عن عبادة بن نسي) بضم النون وفتح السين مصغر، الكندي، قاضي طبرية (عن الأسود بن ثعلبة، عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: علمت ناسًا من أهل الصفة) وهم فقراء المهاجرين كانوا يأوون إلى مكانٍ مظلل في مسجد المدينة. (الكتاب والقرآن) القرآن هو الكتاب، وجاز العطف فيه لاختلاف اللفظ تأكيدًا واتباعًا للمعنى كما قال: {الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} (¬3) وقوله: {أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ} (¬4)، وفي بعض النسخ: الكتابة والقرآن. ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 324، والبخاري في "التاريخ الكبير" 1/ 444، والشاشي في "المسند" (1223)، والحاكم 3/ 356. وصححه الألباني. (¬2) انظر: "تاريخ ابن معين" رواية الدوري (5029)، "معرفة الثقات" للعجلى (1771)، "تهذيب الكمال" 28/ 360، 361 (6126). (¬3) البقرة: 159. ووقع في الأصل: بالبينات والهدى. (¬4) الزخرف: 80.

وعلى هذِه الرواية يتضح (¬1) المعنى ذكرها الأثرم (¬2) في "سننه" (فأهدى إليَّ رجل منهم قوسًا) عربية (فقلت: إنها ليست بمال) نفيس (وأنا أرمي عنها) وفي بعض النسخ: أرمي عليها. حكى الجوهري عن ابن السكيت: رميت عن القوس، ورميت عليها. ولا تقل: رميت (¬3) بها (¬4). والمراد والله أعلم: إني لا أبيعها ولا أؤجرها، وإنما استعملها في رمي الكفار في الجهاد (في سبيل الله) الذي من أفضل العبادات. (لآتين (¬5) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلأسالنه، فأتيته فقلت: يا رسول الله رجل أهدى إلَيَّ قوسًا ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن وليست بمال وأرمي عنها في سبيل الله فقال: إن كنت تحب أن تطوق) بضم التاء وفتح الواو المشددة، يعني: يوم القيامة (طوقًا من نار) وهذا قول إبراهيم النخعي في قوله تعالى: {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (¬6) (¬7) أي: يجعل لهم طوقًا من نار يوم القيامة، وقيل: معناه: إنك تلزم جزاء أخذك الأجرة على كتاب الله كما يلزم الطوق للعنق، يقال: طوق (¬8) فلان عمله طوق الحمامة. أي: ألزم جزاء عمله، ومنه قوله ¬

_ (¬1) في (ر): تصح. (¬2) من حاشية (ل). قلت: رواها الإمام أحمد 5/ 315. (¬3) في (ر): أرميت. (¬4) انظر: "الصحاح"، للجوهري 2/ 1719. (¬5) في (ر): لأتيت. (¬6) آل عمران: 180. (¬7) رواه ابن أبي شيبة 7/ 46 (10804). (¬8) في (ر): طرق.

تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} (¬1). وقد استدل به على الرواية المشهورة عند أصحاب أحمد، ونص عليه، على أنه لا يجوز أخذ الأجرة على تعليم كتاب الله والحج عن المستأجر، وبه قال عطاء والضحاك بن قيس وأبو حنيفة والزهري، وكره الزهري وإسحاق تعليم القرآن بأجر. قال عبد الله بن شقيق: هذِه الرغف التي يأخذها المعلمون من السحت (¬2). وروى ابن ماجة عن أبي بن كعب قال: علّمت رجلًا القرآن فأهدى لي قوسًا، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إن أخذتها أخذت قوسًا من نار". قال: فرددتها (¬3). وهذا الرجل الذي تعلم القرآن (¬4) من أُبَيٍّ هو الطفيل بن عمرو الدوسي؛ لما روى الطبراني في "الأوسط" عن الطفيل بن عمرو الدوسي قال: أقرأني أبي بن كعب القرآن (¬5)، فأهديت إليه قوسًا، فغدا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد تقلدها، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "تقلدها من جهنم". قلت: يا رسول الله، إنا ربما حضر طعامهم فأكلنا. فقال: "أما ما عمل لك فإنما تأكله بخلاقك (¬6)، وأما ما عمل لغيرك فحضرته ¬

(¬1) الإسراء: 13، وانظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 4/ 292. (¬2) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 4/ 1135 (6386)، وانظر: "المغني" 6/ 143. (¬3) "سنن ابن ماجة" (2158). (¬4) ساقطة من (ر). (¬5) ساقطة من (ر). (¬6) ساقطة من (ر).

فأكلت منه فلا بأس" (¬1). وروى الأثرم في "سننه" عن أُبَيٍّ قال: كنت اختلف إلى رجل مسن، قد أصابته علة، قد احتبس في بيته، أقرئه القرآن، فيؤتى بطعام لا آكل مثله بالمدينة، فحاك في نفسي شيء، فذكرته للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إن كان ذلك الطعام طعامه وطعام أهله فكل منه، وإن كان بحقك فلا تأكله" (¬2). وأجاب القائلون بهذِه الأحاديث بأن حديث الرقية بكتاب الله إنما جاز أخذ الأجرة عليها؛ لأن فيها نوع مداواة، والمأخوذ عليها جعل، والمداواة مباح أخذ الأجرة عليها، ولأن باب الجعالة أوسع من باب الإجارة، ولهذا يجوز فيها جهالة العمل والمدة بخلاف الإجارة. وأما قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فيما روى البخاري: "أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله" (¬3). فيعني به أيضًا الجعل في الرقية؛ لأنه ذكر ذلك في سياق خبر الرقية، وأما جعل التعليم صداقًا ففيه اختلاف، وليس في الخبر تصريح بأن التعليم صداق (¬4)، وإنما قال: "زوجتكها على ما معك من القرآن" (¬5)، فيحتمل أنه زوجه إياها بغير صداق إكرامًا له كما زوّج أبا طلحة أم سليم على إسلامه. وهذا محمول على من يشارط على الأجر، وأما إذا كان المعلم لا ¬

_ (¬1) "المعجم الأوسط" 1/ 139 (439). (¬2) عزاه للأثرم ابن قدامة في "المغني" 8/ 139. (¬3) "صحيح البخاري" (5737) من حديث ابن عباس مرفوعًا. (¬4) في الأصل: صداقا. والجادة ما أثبتناه. (¬5) رواه البخاري (2310)، ومسلم (1425) من حديث سهل بن سعد مرفوعًا.

يشارط ولا يطالب من أحد (¬1) شيئًا بل إن أتاه شيء قبله، وأحمد يراه أهون من ذلك، وكره هذا أيضًا طائفة من أهل العلم بهذا الحديث؛ فإن عبادة أعطيه من غير شرط، ولأن ذلك قربة فلم يجز أخذ العوض عليها لا بشرط ولا بغيره، واحتج للإباحة إذا لم يشترط حديث أبي في أكل طعام الذي كان يأكله إذا كان طعامه وطعام أهله، وحديث: "ما (¬2) أتاك من هذا المال من غير مسألة ولا إشراف نفس فخذه وتموله فإنما هو رزق ساقه الله إليك" (¬3). وأجاب المجوزون وهو (¬4) مذهب الشافعي ومالك وغيرهما بأن حديث القوس والخميصة قضيتان في عين فيحتمل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم أنهما فعلا ذلك خالصًا لله فكره أخذ العوض عنه، وأما من علم القرآن على أنه لله تعالى وأن ما (¬5) جاء من المتعلم من غير سؤال ولا استشراف نفس وأهداه له إكرامًا له ومحبةً له لحصول النفع به فلا بأس، والله أعلم (¬6). (فاقبلها) فيه أن القوس مؤنثة، والأمر فيه للتهديد أو التخويف ¬

_ (¬1) في (ر): أخذ. (¬2) في (ر): من. (¬3) رواه أحمد 4/ 220، وابن حبان (3404)، والحاكم 2/ 62 من حديث خالد بن عدي الجهني مرفوعًا. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (848)، وهو بمعناه في البخاري (1473)، ومسلم (1045) من حديث عمر. (¬4) ساقطة من (ر). (¬5) في (ر): من. (¬6) انظر: "المغني" 6/ 143.

والإنذار كقوله تعالى: {قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ} (¬1). [3417] (حَدَّثَنَا عمرو بن عثمان) بن سعيد بن كثير الحمصي كان حافظًا صدوقًا، مات سنة 250 (وكثير بن عبيد) الحمصي إمام جامع حمص، له رحلة (قالا: حَدَّثَنَا بقية) بن الوليد الحافظ الكلاعي، وثقه الجمهور فيما روى عن الثقات (¬2). (حدثني بشر بن عبد الله بن يسار) بتخفيف السين المهملة الحمصي (قال عمرو) بن عثمان قال: (حدثني عبادة بن نسي) تقدم (عن جنادة) بضم الجيم وتخفيف النون (بن أبي أمية) الأزدي، مختلف في صحبته. (عن عبادة بن الصامت) -رضي الله عنه- (نحو هذا الخبر) المتقدم (و) الخبر (الأول أتم) من هذا، وفي هذِه الرواية: (فقلت: ما ترى فيها) أي: في هذِه القوس (يا رسول الله؟ فقال: هي جمرة بين كتفيك) من نار يوم القيامة، إن (تقلدتها أو تعلقتها) تعلقتها (¬3) بفتح تاء (¬4) الخطاب بمعنى علقتها (¬5)، وهو من موافقة المجرد كقولك: تعدى الشيء. بمعنى عداه إذا جاوزه، وتبين الشيء بمعنى بأن، وإنما جيء بتفعل لمناسبة ما قبله وهو تقلدتها، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) إبراهيم: 30. (¬2) انظر: "معرفة الثقات" (160)، "الجرح والتعديل" 2/ 435 (1728)، "تهذيب الكمال" 4/ 197 (738). (¬3) في (ر): تعليقها. (¬4) ساقطة من (ر). (¬5) في النسخ: علقها. ولعل المثبت الصواب.

2 - باب في كسب الأطباء

2 - باب في كَسْبِ الأَطِبَّاءِ 3418 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ أَبي بِشْرٍ، عَنْ أَبي المُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْريِّ، أَنَّ رَهْطًا مِنْ أَصْحابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - انْطَلَقُوا في سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا فَنَزَلُوا بِحَيٍّ مِنْ أَحْياءِ العَرَبِ فاسْتَضَافُوهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ قالَ: فَلُدِغَ سَيِّد ذَلِكَ الحَيّ فَشَفَوْا لَهُ بِكلِّ شيء لا يَنْفَعُهُ شَيء. فَقالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ أَتَيْتمْ هؤلاء الرَّهْطَ الذِينَ نَزَلُوا بِكُمْ لَعَلَّ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شيء يَنْفَعُ صَاحِبَكمْ فَقالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ فَشَفَيْنا لَهُ بِكلِّ شيء فَلَا يَنْفَعُهُ شَيء فَهَل عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكمْ شَيء يَشْفي صاحِبَنا يَعْني رُقْيَةً. فَقالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: إِنِّي لأَرْقِي ولكن اسْتَضَفْناكُمْ فَأَبَيْتُمْ أَنْ تضَيِّفُونَا مَا أَنا بِراقٍ حَتَّى تَجْعَلُوا لِي جُعْلًا. فَجَعَلُوا لَهُ قَطِيعًا مِنَ الشَّاءِ فَأَتَاهُ فَقَرَأَ عَلَيْهِ بِأُمِّ الكِتَابِ وَيَتْفُلُ حَتَّى بَرِئَ كَأَنَّما أُنْشِطَ مِنْ عِقالٍ فَأَوْفاهُمْ جُعْلَهُمْ الذي صَالَحُوهُ عَلَيْهِ. فَقَالُوا اقْتَسِمُوا فَقالَ الذي رَقَى: لا تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَنَسْتَأْمِرَهُ. فَغَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرُوا لَهُ فَقالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مِنْ أَيْنَ عَلِمْتُمْ أَنَّها رُقْيَةٌ أَحْسَنْتُمْ واضْربُوا لي مَعَكُمْ بِسَهْمٍ" (¬1). 3411 - حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْن عَليٍّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ بْنُ حَسّانَ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَخِيهِ مَعْبَدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْريِّ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بهذا الحَدِيثِ (¬2). 3420 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْن مُعاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَة، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبيِّ، عَنْ خارِجَةَ بْنِ الصَّلْتِ، عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ فَأَتَوْهُ فَقَالُوا: إِنَّكَ جِئْتَ مِنْ عِنْدِ هذا الرَّجُلِ بِخَيْرٍ فارْقِ لَنا هَذا الرَّجُلَ. فَأَتَوْهُ بِرَجُلٍ مَعْتوهٍ في القُيُودِ فَرَقاهُ بِأُمِّ القُرْآنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً كُلَّما خَتَمَها جَمَعَ بُزَاقَة ثمَّ تَفَلَ فَكَأَنَّما ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2276، 5736، 5749)، ومسلم (2201). (¬2) رواه البخاري (5007)، ومسلم (2201).

أُنْشِطَ مِنْ عِقالٍ فَأَعْطُوهُ شَيئًا فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَهُ لَهُ فَقالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "كُلْ فَلَعَمْري لَمَنْ أَكَلَ بِرُقْيَةٍ باطِلٍ لَقَدْ أَكَلْتَ بِرُقْيَة حَقٍّ" (¬1). * * * باب في كسب الأطباء [3418] (حَدَّثَنَا مسدد، حَدَّثَنَا أبو عوانة) الوضاح (عن أبي بشر) جعفر بن أبي [وحشية] (¬2) إياس الواسطي، روى له الجماعة (عن أبي المتوكل) علي بن (دؤاد بضم الدال المهملة) (¬3) الناجي. (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رهطًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - انطلقوا في سفرة) بإسكان الفاء، لفظ البخاري: انطلق نفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفرة (¬4) (سافروها، فنزلوا بحي من أحياء العرب) الحي القبيل (فاستضافوهم) أي: سألوهم الضيافة، وهذا جائز عند الحاجة كما في قوله تعالى: فـ {اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا} (¬5) (فأبوا أن يضيفوهم) يقال: ضيفه وأضافه إذا أنزله وجعله ضيفًا، وضافه إذا كان له ضيفًا. يقال: شر القرى التي لا يضاف فيها الضيف ولا تعرف لابن السبيل حقه (¬6). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 210، والنسائي في "الكبرى" (10871)، وابن حبان (6110). وصححه الألباني في "الصحيحة" (2027). (¬2) سقطت من الأصول والمثبت من مصادر ترجمته، انظر: "تهذيب الكمال" 5/ 5. (¬3) من (ل)، وبعدها ما يشبه: وحقه الراء. ولعلها: وتقديم الواو. أي قبل الألف. وانظر: "تالي تلخيص المتشابه" ص 618. (¬4) "صحيح البخاري" (2276). (¬5) الكهف: 77. (¬6) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 11/ 25.

(فلدغ) اللديغ والملدوغ هو الذي لدغته الحية والعقرب، وقد يسمى بالسليم تفاؤلًا كما جاء في رواية لمسلم (¬1)، وقيل: لأنه مستسلم لما به. (سيد ذلك الحي) أي كبيره (فشفوا) (¬2) بفتح الشين والفاء المخففة أي: عالجوه، فوضع الشفاء موضع العلاج والمداواة، تسمية السبب باسم المسبب (له بكل شيء) رواية البخاري: فسعوا (¬3). بالعين، أي: عالجوه طلبًا للشفاء (لا ينفعه شيء) من ذلك (فقال بعضهم) المراد بالبعض نفسه (لو أتيتم) جواب الشرط محذوف، أو هو للتمني (هؤلاء الرهط) قال الجوهري: الرهط ما دون العشرة من الرجال لا يكون فيهم امرأة. قال الله {فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ} (¬4). (الذين نزلوا بكم لعل أن يكون عند بعضهم شيء ينفع) رواية: يشفي (صاحبكم) فيه طلب الشفاء في الدواء، والبيع فيه، والذهاب إلى من يحتمل أن يكون عنده منه علم. (فقال بعضهم) حين ذهب إلى الحي (إن سيدنا) هذا الحي (لدغ) بضم اللام، وكسر الدال (فشفينا) فسعينا الله) أي: بادرنا في السعي (بكل شيء فلا ينفعه شيء، فهل عند أحدكم [منكم شيء يشفي صاحبنا] (¬5) يعني: رقية) فيه أن الرقى كانت عندهم، وأنها مما يحصل ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2201/ 66). (¬2) في الأصول: (فتفشوا)، والشرح بعده يأباه. والمثبت من المطبوع. (¬3) "صحيح البخاري" (2276). (¬4) النمل: 48، وانظر: "الصحاح" 1/ 881. (¬5) علم عليها في الأصول أنها نسخة. وهذا الموضع فيه اضطراب في النسخ المطبوعة من المخطوط.

بها الشفاء غالبًا (فقال رجل من القوم) قال النووي وغيره: الراقي هو أبو سعيد الخدري الراوي كما جاء مبينًا في رواية أخرى (¬1). (إني لأرقي) بفتح الهمزة، وإسكان الراء (ولكن استضفناكم فأبيتم أن تضيفونا) بضم أوله والضاد يجوز فتحها مع تشديد الياء، وكسرها مع سكون الياء الخفيفة؛ لأنه يقال فيه كما تقدم: أضافه وضيفه (ما أنا براق) لكم (حتى تجعلوا لي جعلًا) معلوما (¬2) على الرقية لما كانت الحال حال اضطرار وافتقار إلى المطعم؛ ولهذا سألوهم الضيافة فلم يضيفوهم، وطلب الأجر على العمل من الجائز، ويتأكد ممن لم يكن مواسيًا، ويقال: من استضيف فلم يضيف فهو لئيم؛ فلهذا طلب الجعل على عمله، لكي (¬3) يستعينوا به على سفرهم، وتندفع حاجتهم عمن لا يواسي، ولهذا لم يتمالك موسى أن قال للخضر: {لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ} (¬4)، هذا ظاهر الشريعة التي أخذ بها موسى - عَلَيْهِ السَّلَامْ -، وأما أهل الحقيقة التي أخذ بها الخضر أنهم لا يأخذون على منافع خلق الله تعالى ولا يسألونه، بل إن جاءهم من غير سؤال ولا استشراف نفس فهو من عند الله يأخذونه، وكان طلب موسى الأجرة سببًا لمفارقته حين قال: {قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ}، والله أعلم (¬5). ¬

_ (¬1) " شرح مسلم" 14/ 187. (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) في (ر): لكن. (¬4) الكهف: 77. (¬5) كلام الشارح في تفريق الشريعة إلى ظاهر وباطن من كلام الصوفية، وقد أبطل العديد من العلماء هذِه المقولة وفندوها، انظر: "تلبيس إبليس" لابن الجوزي ص 287، "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" لابن تيمية ص 197 - 198.

(فجعلوا له قطيعًا (¬1) من الشاء) جمع شاة، والقطيع من الغنم هو الجزء المنقطع منها فعيل بمعنى مفعول. قال أهل اللغة: الغالب استعمال القطيع فيما بين العشر والأربعين. قال النووي: المراد بالقطيع المذكور في هذا الحديث ثلاثون شاة كما جاء مبينًا في رواية (¬2). (فأتاه فقرأ عليه بأم الكتاب) وفي البخاري: سميت بأم الكتاب لأنه يبدأ بكتابتها في القرآن، ويبتدأ بقراءتها في الصلاة (¬3). قال ابن التين: وهذا تعليل من سماها بفاتحة الكتاب، وأما من سماها بأم الكتاب، فلأن أم الشيء ابتداؤه وأصله، ومنه سميت مكة أم القرى؛ لأن الأرض دحيت من تحتها، أي: ولأنها أول الأرض، فلما كانت الفاتحة أول القرآن وهي متضمنة لجميع علومه سميت بذلك (¬4). (ويتفل) بفتح الياء المثناة تحت (¬5) وفتح الفاء (¬6). قال أبو عبيد: يشترط في التفل ريق يسير، وفائدته التبرك بتلك الرطوبة أو الهواء المباشر للرقية، كما يتبرك بغسالة ما يكتب من القرآن والذكر وأسماء الله الحسنى (¬7). وظاهر هذا أنه رقاه بجميع السورة وأولها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فإنه رقاه بأم الكتاب ولم يقل ببعضها، ولأنه قال ¬

_ (¬1) في (ر): وطيعا. (¬2) "شرح مسلم" 14/ 187. (¬3) "صحيح البخاري" (كتاب التفسير، باب: ما جاء في فاتحة الكتاب). (¬4) انظر: "فتح الباري" 8/ 156. (¬5) في الأصول: فوق. ولعل المثبت هو الصواب. (¬6) في "المشارق" 1/ 123: بكسر الفاء. (¬7) انظر: "شرح مسلم" للنووي 14/ 182.

فيما بعد ذلك: "وما يدريك أنها رقية؟ ". ولم يقل: إن فيها رقية (¬1). كما سيأتي. وفي رواية الترمذي: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سرية، وذكر نحوه، وفيه: أن أبا سعيد هو الذي رقاه، وفيه أنه قرأ الحمد سبع آيات، وأن الغنم كانت ثلاثين شاة (¬2). (حتى برئ) يقال: برئت من المرض برءًا. بالضم، وأهل الحجاز يقولون: برأت من المرض برءًا. بالفتح. (كأنما أنشط من عقال) العقال الحبل الذي يشد به ركبة البعير لئلا يسرح، وأنشطت البعير إذا حللت عقاله [نشطته به إذا شددته، قال ابن الأثير: وقد جاء في بعض الروايات: كأنما نشط من عقال] (¬3)، والمعروف أنشط (¬4). قال (فأوفوه) من الإيفاء الذي هو الإتمام، وفي بعض نسخ البخاري بالراء، مبني للمفعول (جعله) رواية: فأوفوهم جعلهم بضم (¬5) الجيم. قال صاحب "المجمل": الجعل والجعالة والجعيلة ما يُعطاه الإنسان على الأمر يفعله (¬6). (الذي صالحوه عليه) أصله قطع المنازعة (فقالوا) أي: قال بعضهم لبعض (اقسموا) قال القرطبي: إنما هي قسمة برضا الراقي لأنها ملكه؛ إذ هو الذي فعل العوض الذي به استحق الغنم، لكن طابت نفسه بالشركة أي: لرفقته، وهذا من المواساة التي هي من مكارم الأخلاق (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: "المفهم" 5/ 586. (¬2) "سنن الترمذي" (2063). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ر). (¬4) انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 5/ 131. (¬5) في (ر): بفتح. والمثبت من (ل). (¬6) انظر: "مجمل اللغة" ص 191. (¬7) انظر: "المفهم" 5/ 586.

(فقال) أبو سعيد (الذي رقى) بفتح القاف دون همز: (لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنستأمره) بنصب الراء، الاستئمار المشاورة، وإيقاف (¬1) الصحابي قبول الغنم على سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - عمل بما (¬2) يجب من التوقيف عند الإشكال إلى البيان، وهو أمر لا يختلف فيه (¬3). (فغدوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكروا ذلك له) رواية الصحيحين: فقدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكروا ذلك له (¬4) (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أين علمتم) رواية الصحيحين: "وما يدريك" (¬5). وهو اللائق بسياق ما تقدم؛ فإن الراقي واحد (أنها رقية؟ ) أي: أي شيء أعلمك أنها رقية؟ ! تعجبًا من وقوعه على الرقاء بها، ولذلك تبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند قوله: "وما أدراك أنها رقية؟ " وكان هذا الرجل علم أن هذِه السورة قد خصت بأمور منها: أنها فاتحة الكتاب ومبدؤه، وأنها متضمنة لجميع علوم القرآن، من حيث إنها تشتمل على الثناء على الله تعالى بأوصاف جلاله وكماله، وعلى الأمر بالعبادات والإخلاص فيها، والاعتراف بالعجز عن القيام بشيء مثها إلا بإعانته تعالى، وعلى الابتهال إلى الله بالهداية إلى الصراط المستقيم وكفاية أحوال الناكثين، وعلى بيان عاقبة الجاحدين. وقد روى الدارقطني من حديث أبي سعيد الخدري وفيه: "وما يدريك أنها رقية؟ ! " قلت: يا رسول الله، شيء ألقي في روعي (¬6). وقيل: إن موضع الرقية منها {إِيَّاكَ ¬

_ (¬1) في (ر): اتفاق. (¬2) في (ر): عما. (¬3) انظر: "المفهم" 5/ 587. (¬4) البخاري (5417)، ومسلم (2201). (¬5) السابق. (¬6) "سنن الدارقطني" 3/ 64.

نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، والظاهر أن السورة كلها رقية كما تقدم، ولقوله: "وما يدريك أنها رقية؟ " ولم يقل: إن فيها رقية (¬1). (أحسنتم) رواية البخاري: "أصبتم". فيه دلالة على أنه يستحب أن يقال لمن فعل فعلًا يستحسنه الشرع من تزوج مستحب أو شراء ما فيه مصلحة: أصبت أو أحسنت. أو يدعو (¬2) له (¬3). زاد البخاري وغيره: "اقسموا". (واضربوا لي معكم بسهم) قاله تطييبًا لقلوبهم، ومبالغة في تعريفهم أنه حلال لا شبهة فيه، كما فعل في حديث العنبر (¬4)، وفي حديث أبي قتادة في حمار الوحش (¬5)، وقد أحاله - صلى الله عليه وسلم - على ما يقع به رضا المشتركين عند القسمة لزوال التهمة، وهي القرعة، فكان فيه دليل على صحة العمل بالقرعة في الأموال المشتركة (¬6). [3419] (حَدَّثَنَا الحسن بن علي) الهذلي الخلال الحافظ نزيل مكة (حَدَّثَنَا يزيد بن هارون) السلمي أحد الأعلام، حسن الصلاة، يصلي الضحى ست عشرة (¬7) ركعة، عمي. (أنبأنا هشام بن حسان) الأزدي مولاهم الحافظ، روى له الجماعة. (عن محمد بن سيرين، عن أخيه معبد) بفتح الميم (ابن سيرين) وهو ¬

_ (¬1) انظر: "المفهم" 5/ 585 - 586. (¬2) في الأصل (يدي) وأظن المثبت هو الصواب والله أعلم. (¬3) انظر: "الأذكار" للنووي (ص 420). (¬4) رواه البخاري (4103) ومسلم (1935) عن جابر -رضي الله عنه-. (¬5) رواه البخاري (1728) ومسلم (1196). (¬6) انظر: "المفهم" 5/ 586، 588. (¬7) بالأصل: ستة عشر. والجادة المثبت.

أخو أنس وحفصة وكريمة أولاد سيرين، أبوهم من سبي عين التمر (عن أبي سعيد الخدري (¬1) عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، بهذا الحديث) المتقدم. [3420] (حَدَّثَنَا عبيد الله) بالتصغير (ابن معاذ، حَدَّثَنَا أبي) معاذ بن معاذ التميمي العنبري، قاضي البصرة، روى له الجماعة. (حَدَّثَنَا شعبة، عن عبد الله بن أبي السفر، عن الشعبي، عن خارجة بن الصلت، عن (¬2) عمه) قال البغوي: هو علاقة بن صحار بضم الصاد وتخفيف الحاء المهملة، التميمي الصحابي. وقال خليفة: هو عبد الله بن عثير بكسر العين المهملة وسكون الثاء المثلثة بعدها مثناة تحت مفتوحة ثم راء مهملة (¬3) (أنه مر بقوم [فأتوه] (¬4) فقالوا: إنك جئت من عند هذا الرجل) يعني: النبي - صلى الله عليه وسلم - (بخير) كثير (فارق لنا هذا الرجل) مما به (فأتوه) يعني علاقة (برجل معتوه) أي: مجنون (في القيود) فيه تقييد المجنون وربطه وحبسه لئلا يُفسِد (فرقاه بأم الكتاب) (¬5) قال ابن بطال: فيه: أن في القرآن ما يختص بالرقى، وإن كان القرآن كله مرجو البركة، ولكن إذا كان في الآية تعوذ بالله أو دعاء كان أخص بالرقية (¬6) (ثلاثة أيام غدوة وعشية) فيه: أن مباشر العليل (¬7) يأتي إليه في كل يوم مرتين: مرّة أول النهار، ومرة آخر النهار؛ ¬

_ (¬1) في (ر): الخذري. (¬2) سقطت من (ل). (¬3) "طبقات خليفة" ص 93. وانظر: "تهذيب الكمال" 22/ 552 (4597). (¬4) ساقطة من النسخ، وأثبت من المطبوع. (¬5) في المطبوع: القرآن. (¬6) انظر: "شرح البخاري" لابن بطال 6/ 407. (¬7) في (ر): القليل.

ليستعمل له ما يوافقه. (كلما ختمها جمع بزاقه (¬1) ثم تفل) بفتح المثناة والفاء، أي: على المعتوه" ليحصل التبرك بذلك البزاق المباشر لكلام الله تعالى عند التلفظ به، وفيه: أنه يقرأ بها على اللديغ والمريض وسائر الأسقام (فكأنما (¬2) أنشط من عقال، فأعطوه شيئًا، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر له، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: كُلْ) أمر إباحة، كقوله تعالى: {كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ} (¬3) (فلعمري) أقسم بحياة نفسه، كما أقسم الله بحياته، والعَمر (¬4)، والعُمر (¬5) بفتح العين وضمها واحد، إلا أنهم خصوا القسم بالمفتوح لإيثار الأخف (¬6) فيه؛ وذلك لأن الحلف كثيرًا يدور على ألسنتهم، ولذلك حذفوا الخبر تقديره: لعمرك مما أقسم، كما حذفوا الفعل في قولك: بالله (¬7) (لمن) بفتح اللام جواب القسم (أكل) مالا (برقية باطل) يشبه أن يكون التقدير فيه: كلام باطل، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، والرقى الباطل المذمومة هي التي كلامها كفر (¬8)، والتي لا يعرف معناها، ويحتمل أن يكون كفرًا أو قريبًا منه كالتي بالعبرانية، وفي معناه الطلاسم المجهولة (¬9) (لقد أكلت) أنت (برقية ¬

_ (¬1) في (ر): برقاه. (¬2) في (ر): فكلما. (¬3) المؤمنون: 51. (¬4) في (ر): والقمر. (¬5) ساقطة من (ر). (¬6) في (ر): الحق. (¬7) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج 3/ 184، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 10/ 40. (¬8) في الأصول: كفرا. والجادة ما أثبتناه. (¬9) انظر: "نيل الأوطار" 6/ 22.

حق) وكيف لا يكون حقًّا وهي التي ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن [مثلها] (¬1) كما رواه الترمذي (¬2). قال ابن العربي: قوله: "ما أنزل الله في التوراة والإنجيل ولا في القرآن مثلها "وسكت عن سائر الكتب والصحف المنزلة والزبور وغيرها؛ لأن هذِه المذكورة أفضلها، وإذا كان الشيء أفضل الأفضل كان أفضل الكل (¬3)، وهذا هو الجامع بين هذا الحديث وبين الحديث في الذين يدخلون الجَنَّة بغير حساب: "لا يرقون ولا يسترقون"، وقد يجمع بينهما بأن المدح في ترك الرقى للأفضلية (¬4) وبيان التوكل، والذي أذن فيه في هذا الحديث وفي معناه فهو لبيان الجواز، مع أن تركها أفضل، وأن النهي إنما هو لقومٍ كانوا يعتقدون نفعها وتأثيرها بطبعها كما كانت الجاهلية يزعمون في أشياء كثيرة (¬5). * * * ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصول، وأثبته من "سنن الترمذي". (¬2) "سنن الترمذي" (3125). (¬3) انظر: "الجامع" للقرطبي 1/ 110. (¬4) في (ر): الأفضلية. (¬5) انظر: "طرح التثريب في شرح التقريب" للعراقي 8/ 185.

3 - باب في كسب الحجام

3 - باب في كَسْب الحَجَّامِ 3421 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، أَخْبَرَنَا أَبان، عَنْ يَحْيَى، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ - يَعْني ابن قارِظٍ - عَنِ السَّائِب بْنِ يَزِيدَ، عَنْ رافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "كسْبُ الحَجّامِ خَبِيثٌ وَثَمَنُ الكَلْبِ خَبِيثٌ وَمَهْرُ البَغيِّ خَبِيثٌ" (¬1). 3422 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنِ ابن مُحَيِّصَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في إِجارَةِ الحَجّامِ فَنَهَاهُ عَنْها فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُهُ وَيسْتَأْذِنُهُ حَتَّى أَمَرَهُ أَنِ اعْلِفْهُ ناضِحَكَ وَرَقِيقَكَ (¬2). 3423 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زرَيْعٍ، حَدَّثَنَا خالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قال: احْتَجَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَعْطَى الحَجَّامَ أَجْرَهُ وَلَوْ عَلِمَهُ خَبِيثًا لَمْ يُعْطِهِ (¬3). 3424 - حَدَّثَنَا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّهُ قال: حَجَمَ أَبُو طَيْبَةَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَمَرَ لَهُ بِصاعٍ مِنْ تَمْرٍ وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ خَراجِهِ (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1568). (¬2) رواه الترمذي (1277)، وابن ماجة (2166)، وأحمد 5/ 436. وصححه الألباني في "الصحيحة" (4000). (¬3) رواه البخاري (2103)، ومسلم (1202). (¬4) رواه البخاري (2102)، ومسلم (1577).

باب في كسب الحجام [3421] (حَدَّثَنَا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (حَدَّثَنَا أبان، عن يحيى، عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ) بالقاف والظاء المعجمة القرشي الحجازي، من رجال مسلم (عن السائب بن يزيد، عن (¬1) رافع ابن خديج -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: كسب الحجام) هو ما يأخذه على نفس عمل الحجامة (خبيث) أي: مكروه غير حرام؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - احتجم، وأعطى الحجام أجرة كما سيأتي، وسيأتي في قوله للسائل عن كسب الحجام: "اعلفه ناضحك" (¬2). وأما إذا حملنا كسب الحجام على ما يكسبه من بيع الدم (¬3) فقد كانوا في الجاهلية يأكلونه، فلا يبعد أن يكونوا يشترونه للأكل، فيكون ثمنه حرامًا كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله إذا حرم شيئًا حرم عليهم ثمنه" (¬4) (¬5). (وثمن الكلب خبيث) هذا ظاهر في تحريم بيع الكلاب كلها، واختلفوا في الكلاب المأذون في اتخاذها هل يتناولها عموم هذا النهي أم لا؟ ¬

_ (¬1) في (ر): بن. (¬2) الحديث التالي. (¬3) في (ر): الدمع. (¬4) سيأتي برقم (3488)، ورواه أحمد أيضًا 1/ 247، 293، 322 كلاهما من حديث ابن عباس مرفوعًا. وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (2359). (¬5) انظر: "المفهم" 4/ 446.

فذهب (¬1) الشافعي والأوزاعي وأحمد: إلى [تناوله لها] (¬2). وقالوا: إن بيعها محرم، باطل إن وقع، ولا قيمة (¬3) لما يقتل منها واعتضد الشافعي لذلك (¬4) بأنها نجسة عنده. ورأى أبو حنيفة: أنه لا يتناولها؛ لأن فيها منافع مباحة يجوز اتخاذها لأجلها، فتجوز المعاوضة عليها، ويجوز بيعها. قال القرطبي: وجلُّ مذهب مالك على جواز الاتخاذ وكراهة البيع، ولا ينفسخ إن وقع، وقد قيل عنه مثل مذهب الشافعي. وقال ابن القاسم: يكره للبائع، ويجوز للمشتري للضرورة (¬5). (ومهر البغي) هو ما تأخذه الزانية على الزنا. والبغاء: الزنا، ومنه قوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} (¬6) أي: على الزنا، وأصل البغي: المطلب، غير أنه أكثر ما يستعمل في طلب الفساد والزنا. (خبيث) تحريم مهر البغي وحلوان الكاهن حرام بالإجماع (¬7). [3422] (حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي (¬8)، عن مالك، عن) محمد (ابن شهاب) الزهري (عن) حرام -بفتح الحاء والراء- بن سعد (ابن ¬

_ (¬1) في (ر): فمذهب. (¬2) في (ر): تناولها. (¬3) في (ر): قسمة. (¬4) في (ر): كذلك. (¬5) انظر: "المفهم" 4/ 443 - 444. (¬6) النور: 33. (¬7) انظر: "المفهم" 4/ 447. (¬8) زاد هنا في (ل): أن.

محيصة) بتشديد الياء المكسورة المشددة مصغر، ثقة، توفي 113 (عن أبيه) محيصة بن مسعود بن كعب الأنصاري الحارثي، شهد أحدًا والخندف وما بعدهما. (أنه استأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إجارة الحجام) أي كسبه، وكان له مولىً حجام (¬1) (فنهاه عنها، فلم يزل يسأله ويستأذنه) وينهاه، حتى استأذنه ثلاثًا (حتى أمره: أن اعلفه ناضحك) الناضح اسم للبعير، والبقرة التي ينضح عليها، أي يسقى عليها من البئر أو النهر (و) أطعمه (رقيقك) كذا رواه الترمذي (¬2)، ورواية "الموطأ": "وأطعمه نضاحك" (¬3) بضم النون وتشديد الضاد، جمع ناضح. قال ابن حبيب: النضاح الذين يسقون النخيل، واحده ناضح، من الغلمان ومن الإبل، وإنما يفترقون في الجمع الكثير، فالكثير من ناضح الإبل نواضح، ومن الغلمان نضاح (¬4). وقد استدل بهذا الحديث على أن كسب الحجام ليس بحرام؛ لأنه لو كان حرامًا لما أجاز له تملكه، ولا أن يدفع به حقًّا واجبًا عليه وهو نفقة الرقيق، ويكون النهي مرادًا (¬5) به الحض على الورع، كما في الحديث: "شر صفوف النساء أولها" (¬6). [3423] (حدثنا مسدد، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا خالد، عن ¬

_ (¬1) في النسخ: حجاما. والمثبت هو الصواب. (¬2) "سنن الترمذي" (1277). (¬3) "الموطأ" 2/ 974. (¬4) انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر 8/ 518. (¬5) في (ر): مراد. (¬6) رواه مسلم (440) من حديث أبي هريرة.

عكرمة، عن ابن عباس قال: احتجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فيه إباحة نفس الحجامة، وأنها من أفضل الأدوية (وأعطى الحجام أجره، ولو علمه خبيثًا لم يعطه) هذا من كلام ابن عباس؛ فإنه قال: لو كان خبيثًا لم يعطه. وفيه: إباحة التداوي بالحجامة والسعوط والفصد وما في معناها، وفيه إباحة أخذ الأجرة على المعالجة بالتطبب. [3424] (وحدثنا القعنبي، عن مالك، عن حميد الطويل، عن أنس ابن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: حجم أبو طيبة) بفتح الطاء المهملة، وسكون المثناة تحت، وبالموحدة، واسمه نافع (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) قال ابن بطال: فيه استعمال العبد بغير إذن سيده، إذا كان العبد معروفًا بذلك (¬1). (وأمر له بصاع من تمر) هكذا رواه وما بعده مالك في "الموطأ" (¬2)، ورواية مسلم: "فأمر له بصاع أو مد أو مدين" (¬3) على الشك، ورواية المصنف و"الموطأ" تثبت ما ورد بالشك في رواية مسلم وغيره (وأمر أهله) رواية البخاري: وأمر مواليه (¬4). يعني: ساداته، وجمع إما (¬5) باعتبار كونه مشتركًا بين طائفة، ويؤيده رواية مسلم: حجم النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد لبني بياضة (¬6). (أن يخففوا عنه) قال ابن بطال: فيه الشفاعة للعبد ¬

_ (¬1) انظر: "شرح البخاري" 6/ 409. (¬2) "الموطأ" 2/ 974. (¬3) "صحيح مسلم" (1577). (¬4) "صحيح البخاري" (5371). (¬5) كذا في النسخ لم يذكر إلا اعتبارًا واحدًا، ولم يذكر اعتبارًا آخر. (¬6) "صحيح مسلم" (1202).

في تخفيف الخراج عنه، وإن لم يكن دينًا ثابتًا، لكنه يطالب به (¬1) (من خراجه) فيه جواز مخارجة العبد برضاه ورضى سيده. وحقيقة المخارجة أن يقول السيد لعبده: تكتسب (¬2) وتعطيني من الكسب كل يوم درهما (¬3) -مثلًا- والباقي لك، أو في كل أسبوع كذا، ويشترط رضاهما (¬4)، وهذا إذا كان للعبد صناعة، لكن على جهة اللطف لا العنف (¬5)، ويستحب تخفيف السيد على العبد مما قدره عليه. ¬

_ (¬1) "شرح البخاري" 6/ 409. (¬2) في (ر): تكسب. (¬3) في النسخ درهم. والصواب ما أثبتناه. (¬4) انظر: "شرح مسلم" للنووي 10/ 242. (¬5) في (ر): العتق.

4 - باب في كسب الإماء

4 - باب في كَسْبِ الإِماء 3425 - حدثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعاذٍ، حدثنا أبِي، حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحادَةَ قالَ: سَمِعْتُ أَبا حازِمٍ، سَمِعَ أَبا هُرَيْرَةَ قال: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ كَسْب الإِماءِ (¬1). 3426 - حدثنا هارُونُ بْن عَبْدِ اللهِ، حدثنا هاشِمُ بْنُ القاسِمِ، حدثنا عِكْرِمَةُ، حَدَّثَني طارِقُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القُرَشيُّ قال: جاءَ رافِعُ بْن رِفاعَةَ إِلَى مَجْلِسِ الأَنْصارِ فَقالَ: لَقَدْ نَهانا نَبيّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اليَوْمَ، فَذَكَرَ أَشْياءَ وَنَهانا عَنْ كَسْبِ الأمَةِ إِلا ما عَمِلَتْ بِيَدِها. وقالَ هَكَذا بِأَصابِعِهِ نَحْوَ الخَبْزِ والغَزْلِ والنَّفْشِ (¬2). 3427 - حَدَّثَني أَحْمَدُ بْن صالِحٍ، حدثنا ابن أَبي فدَيْكٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ -يَعْني: ابن هُرَيْرٍ - عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رافِعٍ - هُوَ ابن خَدِيجٍ- قال: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ كَسْبِ الأمَةِ، حَتَّى يُعْلَمَ مِنْ أَيْنَ هُوَ (¬3). باب في كسب الإماء [3425] (حدثنا عبيد الله) بالتصغير (ابن معاذ، حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري (حدثنا شعبة، عن محمد بن جحادة) بضم الجيم (قال: سمعت أبا حازم) بالحاء المهملة والزاي [سلمة بن دينار مولى الأسود، من مشاهير التابعين] (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2283). (¬2) رواه أحمد 4/ 341، والحاكم 2/ 42، والبيهقي 6/ 126. وحسنه الألباني. (¬3) رواه الحاكم 2/ 42، والبيهقي 6/ 127. وحسنه الألباني في "الصحيحة" (3275). (¬4) كذا قال، والصواب: سلمان الأشجعي مولى عزة الأشجعية. انظر: "تهذيب الكمال" 33/ 216.

(سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كسب) هو في الأصل مصدر، تقول: كسبت المال، أكسبه، كسبًا. وقد وقع الكسب في هذا الحديث موضع المكسوب؛ فإنه أخبر عنه بالنهي (¬1) (الإماء) بكسر الهمزة والمد، جمع أمة، كانت لأهل المدينة، ولأهل مكة إماء عليهن ضرائب (¬2) يأتين بها على ما يؤاجروا عليه، وكان هذا في الجاهلية، فلما جاء الإسلام نهى عن ذلك، على ما سيأتي في الحديث بعده. [3426] (حدثنا هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي الحافظ شيخ مسلم (حدثنا هاشم (¬3) بن القاسم) أبو النضر، الحافظ، تفتخر به بغداد، روى له الجماعة (حدثنا عكرمة، حدثني طارق بن عبد الرحمن) [بن القاسم (القرشي) حجازي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4). (قال: جاء رافع بن رفاعة) الصحابي] (¬5) (إلى مجلس الأنصار -رضي الله عنهم - فقال: ) والله (لقد نهانا نبي الله - صلى الله عليه وسلم -) في هذا (اليوم، فذكر أشياء (¬6)، ونهانا (¬7) عن كسب الأمة) روى مالك في "الموطأ" عن عمه أبي سهيل ابن مالك، عن أبيه أنه سمع عثمان بن عفان يخطب، وهو يقول: لا تكلفوا الأمة غير ذات الصنعة الكسب؛ فإنكم متى كلفتموها ذلك، كسبت بفرجها، ولا تكلفوا الصغير الكسب؛ فإنه إذا لم يجد سرق، ¬

_ (¬1) انظر: "المفهم" 4/ 445. (¬2) في (ر): صوابت. (¬3) في (ر): هارون. والمثبت من (ل). (¬4) "الثقات" 4/ 395. (¬5) سقط من (ر). (¬6) بعدها في (ل): في نسخة: شيئا. (¬7) في المطبوع: ونهى.

وعفّوا إذا عفكم (¬1) الله، وعليكم من المطاعم بما طاب منها (¬2). ومعنى بما طاب: يعني: من الحلال. وروى الإمام أحمد (¬3) -بسند صحيح، وهو مرسل- عن [يحيى بن أبي سليم، قال: سمعت عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج] (¬4) يحدث أن جده حين مات، فترك جارية، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجارية فنهى عن كسبها، مخافة أن تبغي (¬5). (إلا ما عملت بيدها) (¬6) وروى الطبراني في "الأوسط" عن أنس بن مالك يرفعه: "لا تستغلوا الأمة إلا أمة صناع اليدين" (¬7). (وقال هكذا بأصابعه) يعني: الثلاثة (نحو الخبز) بفتح الخاء المعجمة، يعني: عجن العجين وخبزه (والغزل) غزل الصوف والقطن والكتان والشعر؛ ففي الصحيح عن عائشة: "كنت أفتل قلائد هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (¬8). ومما يليق بصناعة المرأة ما في "صحيح مسلم": " رأى امرأة فأتى امرأته زينب وهي تمعس منيئة لها" (¬9)، والمعس هو الدلك، يقال: معس الأديم إذا دلكه، والمنيئة على وزن فعيلة: الجلد أول ما يدبغ. ¬

_ (¬1) في المطبوع من "الموطأ": إذا أعفكم. وخطأه القاضي في "المشارق" 2/ 98. (¬2) "الموطأ" 2/ 981. (¬3) سقط من (ل). (¬4) ما بين المعقوفين ورد هكذا في (ل): (عمير بن سليم عباية بن رفاعة). (¬5) "المسند" 4/ 141، وجملة: مخافة أن تبغي. من كلام شعبة. قال الألباني في "الصحيحة" 3/ 390: هذا إسناد جيد رجاله ثقات. (¬6) بعدها في (ل): بيديها. وفوقها علامة نسخة. (¬7) "المعجم الأوسط" 8/ 88 (8053). (¬8) رواه البخاري (5246) ومسلم (1321). (¬9) "صحيح مسلم" (1403) عن جابر.

وقال - صلى الله عليه وسلم - لخالة جابر وهي في العدة: "اخرجي [فجدي نخلك] (¬1) لعلك أن تصدقي أو تفعلي خيرًا" (¬2). وقالت أسماء بنت أبي بكر الصديق امرأة الزبير أخت عائشة: كنت أعلف فرسه -يعني: فرس الزبير- وأسقي الماء وأخرز (¬3) غربه -يعني: دلوه- وأعجن، ولم أكن أحسن (¬4) أخبز (¬5)، وكن يخبزن (¬6) لي جارات من الأنصار وكن نسوة صدق (¬7). وجرَت فاطمة بالرحى حتى أثرت في يدها وقمَّت البيت -يعني: كنسته- حتى اغبرت ثيابها، واستقت بالقربة حتى [أثرت في نحرها] (¬8). وقال سهل -رضي الله عنه-: جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ببردة- وهي الشملة- فقالت: يا رسول الله إني نسجت لك هذِه بيدي؛ لأكسوكها، فقبلها (¬9) منها (¬10). وجاء رجل إلى عمر ليشكو إليه زوجته، فلما بلغ بابه سمع زوجة عمر تتطاول عليه فقال لعمر: كنت أردت أن أشكو إليك زوجتي فلما سمعت من زوجتك ما سمعت تركت زوجتي. فقال عمر: إني أتجاوز لها ذلك؛ لحقوق لها عليَّ: إنها سترت بيني وبين النار، والثاني: إنها خازنة مالي إذا خرجت حفظته، والثالث: إنها تغسل ثيابي، والرابع: إنها ظئر أولادي، والخامس: إنها خبازة وطحانة. فقال الرجل: إن لي مثل ذلك. فتجاوز عنها. ¬

_ (¬1) في (ر): فخذي نجلك. (¬2) رواه مسلم (1483). (¬3) في (ر): أجرر. (¬4) في (ر): أحسب. (¬5) سقط من (ر). (¬6) في (ر): بحيرن. (¬7) رواه البخاري (5224) ومسلم (2182). (¬8) في (ر): أقرت في بحرها. وسلف برقم (2988)، ويأتي برقم (5063)، ورواه أحمد 1/ 153. (¬9) في (ر): قبلها. (¬10) رواه البخاري (1277).

وعلى هذا فخير أعمالهن الغزل؛ لما روى الطبراني في "الأوسط" عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تنزلوهن الغرف، ولا تعلموهن الكتابة، وعلموهن الغزل وسورة النور" (¬1). لكن في سنده محمد بن إبراهيم الشامي. قال الدارقطني: كذاب (¬2). وفي "الأوسط" أيضا (¬3): عن زياد بن عبد الله القرشي قال: دخلت على هند بنت المهلب بن أبي صفرة -وهي امرأة الحجاج بن يوسف- وبيدها مغزل تغزل به، فقلت لها: تغزلين وأنت امرأة أمير؟ ! فقالت: سمعت أبي يحدث عن جدي قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول (¬4): "أطولكن طاقة أعظمكن أجرًا" (¬5). لكن في سنده يزيد بن مروان الخلال (¬6) قال ابن معين: كذاب (¬7). والمراد بالطاقة: طاقة الغزل من القطن أو الكتان. وعن إبراهيم النخعي أنه مر بامرأة تغزل على بابها فقال لها: يا أم فلان أما كبرت؟ أما أن لك أن تلقي هذا؟ قالت: كيف ألقيه وقد سمعت عليَّا يقول: إنه من طيبات الرزق؟ ! (¬8). وعن سلمان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لابنته فاطمة: "إذا قشرت المرأة البصل، فدمعت عيناها، فكأنما بكت من خشية الله، يا بنية ليس ¬

_ (¬1) "المعجم الأوسط" 6/ 34 (5713). (¬2) "سؤالات البرقاني للدارقطني"ص 58، وانظر: "تهذيب الكمال" 24/ 325. (¬3) سقطت من (ر). (¬4) سقط من (ر). (¬5) "المعجم الأوسط" 4/ 329 (4345). (¬6) في (ر): الجلال. (¬7) انظر: "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم 9/ 291 (1246). (¬8) ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" 2/ 267.

للمرأة عمل أفضل من الغزل" (¬1). وروي عن ابن عباس، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأم سلمة: "إذا حركت المرأة المغزل، كانت كأنها تسبح وثلاثة أصوات تبلغ إلى تحت العرش: قسي الغزاة المجاهدين، وصرير أقلام العلماء، وأضراب مغازل النساء" (¬2). قال صاحب "الغريبين" (¬3): وفي الحديث: "خيركن أذرعكن بالغزل" (¬4) أي: أخفكن (¬5) يدًا بها. ويقال: امرأة ذراع: خفيفة (¬6) اليدين بالغزل (¬7). وفي "تفسير الثعلبي" (¬8): أن عليًّا انطلق إلى يهودي يعالج الصوف، فقال: هل لك أن تعطيني جزة من صوف، تغزلها لك بنت محمد - صلى الله عليه وسلم -، بثلاثة آصع من شعير؟ قال: نعم. فأعطاه الصوف والشعير، فقبلت فاطمة، وقامت إلى صاع تطحنه، وخبزت منه خمسة أقراص. . الحديث بطوله (¬9). (والنفش) نفش الصوف أو الشعر، وندف القطن والصوف، ونحو ذلك رواية النقش بالقاف لعله التطريز؛ قيل: خرج عمر -رضي الله عنه- ليلة ¬

_ (¬1) لم أعثر عليه. (¬2) لم أعثر عليه. (¬3) في (ر): العرنيين. (¬4) ذكره ابن الجوزي في "غريب الحديث" 1/ 359، وابن الأثير في "النهاية" 2/ 159 وغيرهما. ولم أجده مسندًا. (¬5) في (ر): أحقكن. (¬6) في (ر): حقيقة. (¬7) "الغريبين في القرآن والحديث" ص 673. (¬8) في الأصل: الثعالبي. وهو يلقب باللقبين. (¬9) انظر: "الكشف والبيان" 10/ 99.

يحرس (¬1)، فرأى مصباحًا في بيت عجوز تنفش صوفها وهي تقول: على محمد صلاة الأبرار صلى عليه الطيبون الأخيار قد كان قوامًا بُكًا بالأسحار (¬2) يا ليت شعري والمنايا أطوار هل تجمعني وحبيبي الدار تعني: النبي - صلى الله عليه وسلم -. فجلس عمر يبكي (¬3). [3427] (حدثنا أحمد بن صالح) الطبري الحافظ، شيخ البخاري (حدنا) محمد بن إسماعيل (ابن أبي فديك، عن عبيد الله) بالتصغير (بن هرير) بضم الهاء وفتح الراء المكررة هرير (عن أبيه) هرير بن عبد الرحمن بن رافع (عن جده رافع بن خديج -رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كسب الأمة) أي من الزنا وغيره (حتى يعلم من أين هو) فإن كان مما يحل له أخذه أو كان (¬4) مما لا يحل له تركه. ¬

_ (¬1) في (ر): يحرص. (¬2) سقط من (ر). (¬3) انظر: "الزهد" لابن المبارك ص 362 (1024). (¬4) سقط من (ر).

5 - باب في حلوان الكاهن

5 - باب في حُلْوانِ الكاهِنِ 3428 - حدثنا قُتَيْبَةُ، عَنْ سُفْيانَ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ أَبي بَكْرِ ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أبِي مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ وَمَهْرِ البَغيِّ وَحُلْوانِ الكاهِنِ (¬1). * * * باب حلوان الكاهن [3428] (حدثنا قتيبة) بن سعيد البلخي (عن سفيان، عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو الأنصاري -رضي الله عنه- (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي) تقدما (وحلوان) بضم الحاء (الكاهن) هو ما يأخذه على تكهنه (¬2)، يقال: [حلوت الرجل أحلوه] (¬3) إذا أعطيته شيئًا يستحليه، كما يقال: عسلته أعسله: إذا أطعمته عسلًا، ومنه قيل للرشوة، ولما يأخذه الرجل من مهر ابنته: حلوانًا؛ لأنها كلها عطايا حلوة مستعذبة، وفيه (¬4) ما يدل على تحريم ما يأخذه الحسَاب، والمنجِمون في الرمل والخط والحصا (¬5)، ونحو ذلك؛ لأن ذلك كله تعاطي علم الغيب، فهو في معنى الكهانة، وما يؤخذ على ذلك محرم بالإجماع على ما حكاه أبو عمر (¬6). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2237)، ومسلم (1567). (¬2) في (ر): تهكنه. (¬3) في (ر): جلوت الرجل أجلوه. (¬4) في النسخ: ومنه. والمثبت من "المفهم". (¬5) في (ل): والحصعا. والمثبت من (ر). (¬6) انظر: "المفهم" للقرطبي 4/ 446.

6 - باب في عسب الفحل

6 - باب في عَسْب الفَحْلِ 3429 - حدثنا مُسَدَّدٌ بْنُ مُسَرْهَدٍ، حدثنا إِسْماعِيل، عَنْ عَليِّ بْنِ الَحكَمِ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قال: نَهَى رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، عَنْ عَسْبِ الفَحْلِ (¬1). * * * باب في عسب الفحل [3429] (حدثنا مسدد بن مسرهد، حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم، المشهور بابن علية (عن علي بن الحكم) بالمفتوحتين، البناني، بضم الباء (عن نافع، عن ابن عمر) رضي الله عنهما (قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عسب) بفتح العين وإسكان السين المهملتين (الفحل) كذا رواية البخاري (¬2)، ورواية الشافعي في "المختصر": "عن ثمن عسب الفحل" (¬3). ولمسلم من حديث أبي هريرة وجابر: "نهى عن ضراب الجمل" (¬4). وللنسائي من حديث أبي هريرة: "نهى عن ثمن الكلب وعسب التيس" (¬5). واختلفوا في تفسير عسب الفحل، فقيل: هو ضرابه بكسر الضاد، وهو طروق الفحل ونزوه على الأنثى. قال سيبويه: ضربها الفحل ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2284). (¬2) (2164). (¬3) انظر: "مختصر المزني" ص 87. (¬4) "صحيح مسلم" (1565، 1566). (¬5) "السنن الكبرى" 3/ 115 (4698).

ضرابًا مثل نكحها نكاحًا، وزنًا ومعنىً، قال: والقياس ضربًا، ولا يقولونه، كما لا يقولون: نكحا (¬1) وهو القياس (¬2)، وهذا التفسير هو المشهور في كتب الفقه كما قاله الرافعي، ولا بد في الحديث من تقدير؛ لأن العسب وهو الضراب لا يتعلق به النهي؛ لأنه ليس من أفعال المكلفين، والإعارة له محبوبة؛ لأنه من باب المعروف (¬3)، وفي "الصحيح": "ما من صاحب إبل ومعز لا يؤدي حقها"، قيل (¬4): وما حقها؟ قال: "ضراب فحلها" (¬5). قال النهرواني في "الجليس الصالح": فيه دليل على وجوب الإطراق على صاحب الفحل، ولذلك نهى عن عسب الفحل، وهو إجارته للضراب. وفي "مسند البزار" بسند لين: "من الكبائر منع فضل الماء، ومنع الفحل" (¬6). وإذا احتاج الحديث إلى تقدير، فيكون التقدير: أجرة عسب الفحل، وحينئذٍ يكون دليلًا على تحريم استئجاره لذلك؛ والمعنى في تحريمه أن الضراب غير مقدور عليه للمالك، بل يتعلق (¬7) ¬

_ (¬1) في النسخ: نكحها. والمثبت الصواب. (¬2) انظر: "لسان العرب" 1/ 543 - مادة ضرب. (¬3) انظر: "مغني المحتاج" 2/ 84. (¬4) في (ر): قبل. (¬5) "صحيح مسلم" (988/ 28). (¬6) "البحر الزخار" 10/ 314 (4437) وقال الهيثمي في المجمع 1/ 295 (397): رواه البزار، وفيه صالح بن حيان، وهو ضعيف، ولم يوثقه أحد. (¬7) في النسخ: يتعين. والمثبت من "شرح الوجيز".

باختيار الفحل. وقيل: عسب الفحل ثمن مائه؛ لرواية الشافعي، والمعنى في تحريمه؛ لأنه غير متقوم ولا معلوم ولا مقدور. والقول الثالث أجرة ضرابه. وهذا التفسير ذكره الجوهري فقال: العسب هو الكراء الذي يؤخذ على ضراب الفحل. هذا لفظه (¬1). وصورة المسألة: أن يستأجره للضراب، فإن استأجره على أن ينزي فحلًا على الأنثى صح. قاله القاضي حسين في تعليقه؛ لأن الفعل مباح وعمله معلوم عادةَّ، ويتعين الفحل الذي عينه في العقد؛ لأن فيه غرضًا حتى لو تلف بطلت الإجارة (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: شرح الوجيز" للرافعي 8/ 191. (¬2) انظر: "حاشية الجمل على منهج الطلاب" لزكريا الأنصاري 5/ 465.

7 - باب في الصائغ

7 - باب في الصّائِغِ 3430 - حدثنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حدثنا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحاقَ، عَنِ العَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أبِي ماجِدَةَ قال: قَطَعْت مِنْ أُذُنِ غُلامٍ -أَوْ قطِعَ مِنْ أُذُني- فَقَدِمَ عَلَيْنا أَبُو بَكْرٍ حاجّا فاجْتَمَعْنا إِلَيْهِ فَرَفَعَنا إِلَى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ فَقالَ عُمَرُ: إِنَّ هذا قَدْ بَلَغَ القِصاصَ ادْعُوا لي حَجّامًا لِيَقْتَصَّ مِنْهُ، فَلَمّا دُعيَ الحَجّامُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنّي وَهَبْتُ لِخالَتي غُلامًا وَأَنا أَرْجُو أَنْ يُبارَكَ لَها فِيهِ، فَقُلْتُ لَها: لا تُسَلِّمِيهِ حَجّامًا وَلا صائِغًا وَلا قَصَّابًا". قالَ أَبُو داوُدَ: رَوى عَبْدُ الأعلَى، عَنِ ابن إِسْحاقَ قالَ ابن ماجِدَةَ رَجُلٌ مِنْ بَني سَهْمٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ (¬1). 3431 - حدثنا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حدثنا سَلَمَةُ بْنُ الفَضْلِ، حدثنا ابن إِسْحاقَ، عَنِ العَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُرَقيُّ، عَنِ ابن ماجِدَةَ السَّهْميِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَهُ (¬2). 3432 - حدثنا الفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ، حدثنا عَبْدُ الأعلَى، عَنْ محَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، حدثنا العَلاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُرَقيُّ، عَنِ ابن ماجدَةَ السَّهْميِّ، عَنْ عُمَرَ بْن الخَطّابِ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَهُ (¬3). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 17، والبيهقي 6/ 127. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع " (2098). (¬2) انظر السابق. (¬3) انظر سابقيه.

باب في الصائغ [3430] (حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا محمد بن إسحاق، عن العلاء بن عبد الرحمن) أبي شبل، مولى الحرقة، أحد الأئمة. (عن أبي ماجدة) بن ماجدة، وقيل: ابن ماجدة السهمي، قيل اسمه علي، التابعي. (قال: قطعت) بفتح القاف والطاء وسكون العين (من أذن غلام -أو قطع من أذني غلام- فقدم علينا أبو بكر -رضي الله عنه- حاجًّا، فاجتمعنا إليه) فيه أن العالم الكبير إذا قدم إلى بلد تعين على أهله أن يهرعوا إليه ليسألوه عما يحتاجون إليه في أمر دينهم. (فرفعنا إلى عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- فيه أن من سئل عن علم فرأى غيره عارفًا به أن يدل عليه، وفيه التنزه عن الفتوى والأحكام إذا تعسر (¬1) عليه. (فقال عمر -رضي الله عنه-: إن هذا) القطع (قد بلغ القصاص) فيه أن هذا القطع كان عمدًا؛ فإن الخطأ لا قصاص فيه، بل يجب في قطع بعض الأذن خطأ أن يقدر مقدار المقطوع، ثم يؤخذ بقدره من ديتها. قال العلماء: لا قصاص فيما لا يوصل إلى القصاص فيه، إلا أن يخطئ أحد القصاص، أو يزيد أو ينقص، ويقاد من جراح العمد إذا كان فيما يمكن القود منه (¬2) (ادعوا (¬3) لي حجامًا) في معناه الجراح ¬

_ (¬1) في (ر): تعس. (¬2) انظر: "الجامع لأحكام القرآن"، للقرطبي 6/ 201. (¬3) بعدها في الأصل: وفي نسخة: فادعوا.

(ليقتص (¬1) منه، فلما دعي الحجام) وأتي به، ومن هنا روى الطبراني في "الكبير" هذا الحديث عن جابر (¬2) (قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إني وهبت لخالتي) صرح الطبراني باسمها فقال: وهبت لخالتي فاختة بنت عمرو، يعني: الزهرية رضي الله عنها (غلامًا، وأنا أرجو أن يبارك لها فيه) (¬3) فيه أن من وهب أحدًا خادمًا أو دابة أو زوجه وليته، أن يدعو له فيها بالبركة. (فقلت) القائل (لها) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تسلميه (¬4) بضم أوله وسكون ثانيه، رواية الطبراني المتقدمة: وأمرها أن لا تجعله (حجامًا) لأنه عمل خسيس، لا يتعاطاه إلا أهل الخسة والدناءة كالعبيد ومن جرى مجراهم (¬5)، ولهذا نهى محيصة (¬6) في الحديث المتقدم حين سأله عن إجارة الحجام، وكان له غلام حجام، فزجره عن كسبه فقال: أفلا أطعمه عيالي؟ قال: "لا". قال: أفلا أتصدق به؟ قال: "لا". رواه أحمد والطبراني في "الأوسط" (¬7)، ورجاله رجال الصحيح، لكن لما احتجم النبي - صلى الله عليه وسلم - دل على الجواز (¬8)، وقال للحجام حين ¬

_ (¬1) بعدها في الأصل: في نسخة: لأقتص. (¬2) "المعجم الكبير" 24/ 439 (1073). (¬3) بعدها في الأصل: نسخة: لنا. (¬4) في (ر): تسليمه. (¬5) انظر: "المفهم" 4/ 447. (¬6) في (ر): مختصة. (¬7) "المسند" 5/ 436، "المعجم الأوسط " 8/ 183 (8341). قال الألباني في "الصحيحة" 7/ 1728: إسناده ضعيف. (¬8) انظر: "فتح الباري" 4/ 459.

فرغ: "كم خراجك؟ " قال: صاعان. فوضع عنه صاعًا، فأعطيته صاعًا. رواه عبد الله بن أحمد (¬1). (ولا صائغًا) قال أبو طالب في "قوت القلوب": لأنه يزخرف لأهل الدنيا بالذهب والفضة، ولأنه يكذب يعني في قوله: غد وبعد غد ويخون، أي: في الذهب والفضة كثيرًا. قال: وليجتنب الصائغ (¬2) الصنائع المكروهة المحدثة التي فيها (¬3) اللهو والمعصية؛ لأن أخذ العوض عليها، من أكل المال بالباطل، ومن أكل الحرام فقد قتل نفسه وقتل أخاه؛ لأنه أطعمه إياه لقوله تعالى في آخر الآية: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} (¬4). (ولا قصابًا) رواية الطبراني: "جازرًا". والجزار هو القصاب. قال أبو طالب: لأنها تقسي القلب، يعني: لكثرة مباشرة الذبح ومشاهدته، وناهيك بقساوة القلب مفسدة (¬5). قال: ولا تتجر في بيع الأكفان ولا بيع الطعام -يعني: القوت- لأنه يتمنى موت الناس وغلاء الأسعار (¬6). (قال أبو داود: رواه عبد الأعلى) بن عبد الأعلى البصري (عن) محمد (بن إسحاق، قال أبو (¬7) ماجدة) الحرقي هو (رجل من بني سهم، عن عمر ¬

_ (¬1) "المسند" 1/ 135. قال الهيثمي في "المجمع" 4/ 94: فيه أبو خباب الكلبي، وهو مدلس، وقد وثقه جماعة. (¬2) في (ر): تكررت كلمة الصائغ. (¬3) في (ر): لها. (¬4) سورة النساء: 29. (¬5) في (ر): يفسده. (¬6) "قوت القلوب" لأبي طالب المكي 2/ 437. (¬7) في المطبوع: بن.

ابن الخطاب) -رضي الله عنه-. [4332] (حدثنا الفضل بن يعقوب) البصري، صدوق، مات 256 (حدثنا عبد الأعلى، عن محمد بن إسحاق قال: حدثني العلاء بن عبد الرحمن) بن يعقوب، المدني (الحرقي) مولى الحرقة (¬1)، أحد الأئمة (عن أبي (¬2) ماجدة السهمي، عن عمر -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، نحوه) أي: نحو ما تقدم في الصنائع المكروهة، وأما الصنائع والحرف المستحبة فروى أبو منصور الديلمي في "مسند الفردوس" من حديث أبي سعيد بسندٍ ضعيف: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو اتجر أهل الجنة لاتجروا في البز، ولو اتجر أهل النار لاتجروا في الصرف" (¬3). وذكر صاحب "الفردوس" عن علي بن أبي طالب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "خير تجارتكم البز، وخير صنائعكم الخرز" (¬4). قال العراقي: لم أقف له على سند (¬5). ¬

_ (¬1) في (ر): الحراقة. (¬2) في المطبوع: بن. (¬3) في (ر): الصوف. "الفردوس" 3/ 373 (5132) من حديث أبي سعيد. وقال الحافظ العراقي في "المغني" 1/ 429 (1636): سنده ضعيف. (¬4) في (ر): الخزر. "الفردوس" 2/ 176 (2879). (¬5) "المغني" 1/ 429 (1635).

8 - باب في العبد يباع وله مال

8 - باب في العَبْد يُباعُ وَلَهُ مالٌ 3433 - حدثنا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، حدثنا سُفْيان، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ سالمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "مَنْ باعَ عَبْدًا وَلَهُ مالٌ فَمالُهُ لِلْبائِعِ إِلَّا أَن يَشْتَرِطَهُ المُبْتاعُ، وَمَنْ باعَ نَخْلًا مُؤَبَّرًا فالثَّمَرَةُ لِلْبائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ المُبْتاعُ" (¬1). 3434 - حدثنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، بِقِصَّةِ العَبْدِ، وَعَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، بِقِصَّةِ النَّخْلِ. قالَ أَبُو داوُدَ: واخْتَلَفَ الزُّهْريُّ وَنافِعٌ في أَرْبَعَةِ أَحادِيثَ هذا أَحَدُها (¬2). 3435 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا يَحْيَى، عَنْ سُفْيانَ، حَدَّثَني سَلَمَة بْنُ كُهَيْلٍ، حَدَّثَني مَنْ سَمِعَ جابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يقول: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ باعَ عَبْدًا وَلَهُ مالٌ فَمالُهُ لِلْبائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ المُبْتاعُ" (¬3). * * * باب في العبد يباع وله مال [3433] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا سفيان، عن الزهري، عن سالم) بن عبد الله (عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من باع عبدًا) قال النووي في "شرح مسلم": إن الأمة كالعبد. (وله مال) استدل به على أن العبد إذا ملَّكه سيده مالًا يملكه، وهو مذهب مالك وقول الشافعي في القديم. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2379)، ومسلم (1543). (¬2) رواه البخاري (2204)، ومسلم (1543). (¬3) رواه أحمد 3/ 301. وصححه الألباني في "الإرواء" تحت حديث رقم (1314).

وقال الشافعي في الجديد وأبو حنيفة: لا يملك العبد شيئًا أصلًا. وتأولا الحديث على أن المراد: أن يكون في يد العبد شيء من مال السيد، فأضيف ذلك المال إلى العبد للاختصاص والابتياع لا للملك، كما يقال: جل الفرس، وسرج الدابة (¬1)، ويلتحق بالبيع في هذا الحكم كل (¬2) عقد معاوضة كالنكاح والإجارة، وأما العتق فسيأتي حكمه (¬3). (فماله) يدخل فيه ما لو كان في أذنه حلقة، أو في أصبعه خاتم، وفي رجله حذاء لا يدخل هذا في البيع، بل كله (للبائع) باقٍ على ملكه؛ لأن ذلك ليس من أجزاء العبد. وهل تدخل ثيابه التي عليه في البيع؟ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: وهو الذي نسبه الماوردي إلى جميع الفقهاء، وصححه النووي: أنه لا يدخل شيء من ذلك لهذا الحديث. قال الروياني (¬4): لكن العادة جارية بالعفو عنها فيما بين التجار. والثاني: وبه قال أبو حنيفة: يدخل ذلك في مطلق البيع للعادة. والثالث: يدخل قدر ما يستر العورة للضرورة، كنعل (¬5) الدابة، وإن باع دابة وعليها سرج ولجام لم يدخل ذلك في البيع وجهًا واحدًا. قاله في ¬

_ (¬1) انظر: "شرح مسلم" 5/ 50 - 51. (¬2) في (ر): بل. (¬3) انظر: "المفهم" 4/ 399. (¬4) في الأصل الماوردي. والمثبت من "المجموع". (¬5) في (ر): كفعل.

"الاستقصاء" (¬1). والمراد بالثياب التي يلبسها عادةً، أما الثوب المعد لعرض المماليك والجواري فيه عند البيع فلا يدخل قطعًا للعرف، قاله بعض المتأخرين. وإذا قلنا بدخول الثياب فتدخل بالتبعة، لا بالأصالة كعروق الشجر، وفائدته عدم اشتراط رؤيته في صحة البيع، بل رؤية العبد تغني عن رؤية ثوبه، أما لو باع قوسًا ففي دخول الوتر وجهان: أصحهما المنع. قاله الرافعي في كتاب الوصية (¬2) (إلا أن يشترط (¬3) المبتاع) فيصح أن يدخل في البيع؛ لأنه يكون قد باع شيئين (¬4) العبد والمال الذي في يده بثمن واحد، وذلك جائز، ويشترط الاحتراز من الربا [في البيع] (¬5). قال الشافعي: فإن كان المال دراهم لم يجز بيع العبد (¬6) وتلك الدراهم بدراهم، [وكذا إن كان دنانير لم يجز بيعهما] (¬7) بذهب، وإن كان حنطة لم يجز بيعهما بحنطة. وقال مالك: يجوز أن يشترط المشتري وإن كان دراهم والثمن دراهم، وكذلك في جميع الصور؛ لإطلاق الحديث (¬8) (ومن باع نخلًا ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع" (11/ 278 - 279). (¬2) انظر: "أسنى المطالب" 4/ 247. (¬3) بعدها في (ل): رواية: يشترطه. وهو ما في "سنن أبي داود". (¬4) سقط من (ر). (¬5) ساقطة من (ر). (¬6) في (ر): الدراهم. (¬7) ما بين المعقوفين تكرر في (ر). (¬8) انظر: "شرح مسلم" (10/ 192).

مؤبرًا) بفتح الهمزة وتشديد الباء، ويقال: بسكون الهمزة، وفتح الباء المخففة، يقال: أبر النخل وإبارها، والتأبير هو التلقيح، وهو أن ينتظر النخل إذا انشق طلعها وظهر ما في باطنه وضع فيه شيء من طلع الفحال. وقال بعضهم: هو أن ينشق ويؤخذ شيء من طلع الذكر فيدخل بين ظهراني طلع الإناث فيكون ذلك بإذن الله صلاحًا (¬1) لها، وقد أجرى الله العادة بأن صلاح ثمرة النخل يتوقف على التأبير، وقد يؤخذ سعف الفحال فيضرب في ناحية من نواحي البستان عند هبوب الرياح في زمن الرياح، فيحمل الريح أجزاء الفحال إلى سائر النخيل فيمنعه التساقط (¬2). (فالثمرة للبائع) (¬3) وفي رواية لمسلم: "أيما نخل اشتري أصولها، وقد أبرت، فإن ثمرتها للذي أبرها" (¬4). فدل الحديث بمنطوقه [على أن الثمرة بعد التأبير جميعها للبائع، سواء اشترطت للبائع أو لم تشترط، ودل بمفهومه] (¬5) وهو مفهوم الشرط على أنها إذا لم تؤبر يكون للمشتري، وخالف أبو حنيفة فقال: الثمرة للبائع أبرت أم لم تؤبر (¬6). ¬

_ (¬1) في النسخ: صلاح. (¬2) انظر: "المجموع" 11/ 328 - 329. (¬3) بعدها في (ل): رواية: فثمرته. (¬4) "صحيح مسلم" (1543). (¬5) سقط من (ر). (¬6) انظر: "شرح مسلم" للنووي 10/ 191.

والمعنى فيه: أن المؤبر في حكم النماء المتصل، ولهذا يجوز إفراده بالعقد، فهو مع النخلة يجري [مجرى] (¬1) العينين وأحد العينين لا تتبع الأخرى، ويخالف ما لو باع القطن بعد تشقق جوزه، حيث يصح مطلقًا، ويدخل القطن في البيع. [والفرق] (¬2) أن الشجرة مقصودة لثمار سائر الأعوام، ولا مقصود في القطن سوى الثمرة الموجودة (¬3)، وفهم من قوله: الثمرة للبائع، أن الثمرة إذا جعلناها للبائع، فجرم الكمام لا تكون له بل للمشتري؛ لأن العادة بقاؤها على النخل، حكاه الإمام (¬4) عن شيخه، ولم يخالفه، وسكتوا عن الشماريخ التي عليها الثمرة. قال الزركشي: ينبغي أن تكون للبائع؛ لأن العادة قطعها مع الثمرة (¬5). وقوله في الحديث: "نخلًا مؤبرًا" أي (¬6): جميعه أو بعضه؛ فإن التأبير في البعض كالتأبير في الكل، وأن الكل للبائع: اتحد النوع أم لا على المذهب. قال ابن الرفعة: وهو في الحقيقة تخصيص العموم بالقياس. (إلا أن يشترط المبتاع) أنها للمشتري، إذا كانت مؤبرة وفاءً بالشرط، ¬

_ (¬1) ساقطة من النسخ. (¬2) سقط من الأصل. والمثبت من "أسنى المطالب". (¬3) انظر: "أسنى المطالب" بحاشية الرملي الكبير 4/ 253. (¬4) سقط من (ر)، وانظر: "نهاية المطلب" 5/ 115. (¬5) انظر: "تحفة المحتاج بشرح المنهاج" لابن حجر الهيتمي 3/ 365. (¬6) في (ر): أو.

وكذا إن كانت غير مؤبرة وشرطت للبائع أو المشتري. فإن قيل: لا فائدة في شرط غير المؤبرة للمشتري إلا التأكيد، كما قاله المتولي، وقد يقال: له فائدة، وهو أنه قد يرفعه لقاض حنفي لا يرى حصولها للمشتري، إلا بالشرط أو القياس أنه كشرط الحمل، فعلى هذا هو كما لو باع الجارية بشرط أنها حامل فيصح على الأصح، ولو قال: بعتك النخل وثمرتها كان كبعتك الجارية وحملها. [3434] (حدثنا القعنبي، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر) -رضي الله عنه-[عن عمر، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬1) (بقصة العبد) الذي له مال. ([وعن نافع، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -] (¬2) بقصة النخل) المؤبرة. (قال أبو داود: اختلف الزهري ونافع في أربعة أحاديث هذا أحدها) والآخر عن سالم، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "فيما سقت السماء" (¬3). قال نافع، عن ابن عمر قال: . . . (¬4). [3435] (حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن سفيان قال: حدثني سلمة ابن كهيل، قال: حدثني من سمع جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من باع عبدًا) أو أمةً (وله مال، فماله) استدل به على أن العبد يملك كما تقدم (للبائع، إلا أن يشترط المبتاع) أنه للعبد أو للمشتري. ¬

_ (¬1) ساقطة من النسخ، والمثبت من "السنن". (¬2) سقط من (ل). والمثبت من (ر) والمطبوع. (¬3) رواه البخاري (1483). (¬4) أي: أوقفه نافع ورفعه سالم. وبعدها بياض في (ل).

9 - باب في التلقي

9 - باب في التلقي 3436 - حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لا يَبعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَلا تَلَقَّوُا السِّلَعَ حَتَّى يُهْبَطَ بِها الأَسْواقَ" (¬1). 3437 - حدثنا الرَّبِيعُ بْن نافِعٍ أَبُو تَوْبَةَ، حدثنا عُبَيْدُ اللهِ -يَعْني ابن عَمْرٍو الرَّقّيَّ- عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابن سِيرِينَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ تَلَقّي الَجلَبِ، فَإِنْ تَلَقّاهُ مُتَلَقٍّ مُشْتَرٍ فاشْتَراهُ فَصاحِبُ السِّلْعَةِ بِالخِيارِ إِذا وَرَدَتِ السُّوقَ. قالَ أَبُو عَليٍّ: سَمِعْتُ أَبا داوُدَ يقول: قال سُفْيانُ: لا يَبعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ عِنْدي خَيْرًا مِنْهُ بِعَشْرَةٍ (¬2). * * * باب في التلقي [3436] (حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يبيع) كذا للأكثر بإثبات الياء (¬3) في يبيع، على أن لا فيه نافية، وهو خبر بمعنى النهي، ويحتمل أن تكون ناهية وأشبعت الكسرة، كقراءة البزي عن ابن كثير: {إنه من يتقي ويصبر} (¬4)، ويؤيده رواية الكشميهني في البخاري: "لا يبع" (¬5). بصيغة ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2165)، ومسلم (1514، 1517). (¬2) البخاري (2162)، ومسلم (1519). (¬3) في (ر): الراء. (¬4) يوسف: 90، وانظر: "حجة القراءات" لعبد الرحمن بن زنجلة ص 364. (¬5) (2574).

النهي وحذف الياء، وفي رواية: "لا يبتاع" (¬1) (بعضكم) أي بعض المسلمين؛ فإنهم المخاطبون "على بيع بعض" وفي رواية الصحيحين: "على (¬2) بيع أخيه (¬3) ". وظاهر التقييد بأخيه يدل على أن النهي يختص بالمسلم، كما أن "بعضكم" ظاهر الخطاب للمسلم، وبه قال الأوزاعي وأبو عبيد بن جويرية من الشافعية. وأصرح من ذلك رواية مسلم عن أبي هريرة: "لا يسوم المسلم على سوم المسلم" (¬4). وقال الجمهور: لا فرق في ذلك بين المسلم والذمي، وذكر الأخ (¬5) خرج للغالب فلا مفهوم له، كما قال تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ} (¬6). قال العلماء: البيع على بيع غيره حرام؛ لما فيه من الإيذاء والعداوة، والمراد به قبل لزوم العقد، أي: في زمن خيار المجلس والشرط، وقيده العلماء بذلك؛ لأنه يتمكن بذلك [من] (¬7) الفسخ، أما بعد لزوم العقد فلا معنى له؛ لأنه (¬8) لا يتمكن من الفسخ، نعم لو أمكن الفسخ لأحدهما بأن اطلع على عيبٍ بعد لزوم العقد، ولم يكن ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (2052). (¬2) في (ر): عن. (¬3) البخاري (2032) ومسلم (1412). (¬4) (1413) بلفظ لا يسم. (¬5) سقط من الأصل. (¬6) النساء: 23 وانظر: "عمدة القاري" 11/ 367. (¬7) في النسخ: في. ولعل المثبت هو الصواب. (¬8) سقط من (ر).

التأخير مضرًّا، بأن (¬1) كان في ليل، والمتجه إلحاقه بالتحريم مع أنه بعد التحريم (¬2). (ولا تلقوا السلع) بفتح التاء واللام وتشديد القاف المفتوحة وضم الواو، وأصله: تتلقوا، فحذفت إحدى التاءين، أي: لا تستقبلوا الذين يحملون السلع إلى البلد للاشتراء منهم. وظاهر النهي: المنع من التلقي مطلقًا سواء كان قريبًا أم بعيدًا، سواء كان لأجل الشراء منهم أم لا (¬3)، فلو خرج إلى شغل آخر، ولم [يقصد] (¬4) التلقي فاشترى لا يحرم، لكن الأصح خلافه (¬5). ولو تلقى الركبان ليبيعهم ما يقصدون (¬6) شراءه من البلد فهل هو كالتلقي للشراء؟ فيه وجهان في الرافعي و"الروضة" و"الكفاية" من غير ترجيح (¬7). (حتى يهبط) بضم أوله وفتح ثالثه (بها) إلى (الأسواق) ظاهر الحديث اعتبار السوق مطلقًا، وهو المعروف عند المالكية، وهو قول أحمد وإسحاق، وعن الليث كراهة التلقي ولو في الطريق ولو على باب ¬

_ (¬1) في (ر): بل. والمثبت من (ل). (¬2) انظر: "مغني المحتاج" للشربيني 2/ 103، "أسنى المطالب" 4/ 98. (¬3) انظر: "فتح الباري" 12/ 285. (¬4) في (ل): يصر وفي (ر): يضر. والمثبت من "روضة الطالبين". (¬5) انظر: "روضة الطالبين" للنووي 3/ 80. (¬6) في (ر): يقصرون. (¬7) انظر: "فتح العزيز شرح الوجيز" 4/ 129.

البيت حتى يدخل السوق (¬1)، وصرح ابن المنذر بالتحريم بالتلقي في البلد خارج السوق، وعبارة "الحاوي الصغير" للشافعية توافقه حيث (¬2) قال: ويشتري متاع غريب لم يعرف السعر (¬3). [3437] (وحدثنا الربيع بن نافع أبو توبة) الحلبي، روى له البخاري، عن الحسن بن الصباح، عنه عن معاوية بن سلام (¬4) (حدثنا عبيد الله بن عمرو الرقي) أبو وهب (عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، نهى (¬5) عن تلقي الجلب) أي: تلقي من جلب سلعة ليبيعها. قال ابن دقيق العيد (¬6): اختلف في حد التلقي الممنوع، فعن مالك كراهة ذلك على يومين، وعن مالك إباحته على ستة أميال، ولا خلاف في منعه إذا كان قرب الضرر] (¬7) وأطرافه (¬8). وحمل بعض الشافعية النهي على أن يبتدئ المتلقي، فيطلب من الجالب البيع، فلو ابتدأ الجالب بطلب (¬9) البيع، فاشترى منه المتلقي، لم يدخل في النهي (¬10). ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" 4/ 376. (¬2) في (ر): خير. (¬3) انظر: "أسنى المطالب" 4/ 94. (¬4) (4965). (¬5) قبلها في النسخ: قال: (¬6) هو من كلام القاضي، كما سيأتي. (¬7) في النسخ: (قريب المصر). والمثبت من "إكمال المعلم". (¬8) انظر: "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض 5/ 140. (¬9) سقط من الأصل. (¬10) انظر: "فتح الباري" 4/ 375.

(فإن تلقاه متلقٍ (¬1) فاشتراه) قال في البخاري: فبيعه -يعني لمن اشتراه- مردود. قال: لأن صاحبه عاصٍ آثم إذا كان به عالمًا، وهو خداع في البيع، والخداع لا يجوز (¬2). وجزم البخاري بأن البيع مردود بناء على أن النهي يقتضي الفساد، لكن محل ذلك عند المحققين فيما يرجع فيه النهي إلى ذات المنهي عنه، لا ما (¬3) إذا كان النهي يرجع إلى أمر خارج عنه، فيصح البيع ويثبت الخيار (¬4)، ولهذا قال بعده: (فصاحب السلعة بالخيار) لأن النهي لا يرجع إلى نفس العقد، بل لأمرٍ خارج عنه، وهو حصول الضرر بالركبان؛ لما يحصل لهم من الغبن وغيره، وإذا كان النهي لأمرٍ خارج فلا يخل (¬5) بشيء من أركانه وشرائطه، والقول ببطلان البيع صار إليه بعض المالكية وبعض الحنابلة. قال ابن المنذر: أجاز أبو حنيفة التلقي وكرهة (¬6) الجمهور. قال الشافعي: من تلقاها فقد أساء، وصاحب السلعة بالخيار لهذا الحديث، والخيار يثبت له (إذا أتى السوق) أي: وعلم بالسعر، وهل يثبت له مطلقًا أو بشرط أن يقع له في البيع غبن؟ وجهان: أصحهما الأول، وبه قال الحنابلة، وظاهره أن النهي لأجل منفعة البائع، وإزالة الضرر عنه وصيانته ممن يخدعه. ¬

_ (¬1) بعدها في الأصل: في نسخة: مشتر. (¬2) انظر: "صحيح البخاري" باب: النهي عن تلقي الركبان. قبل حديث (2162). (¬3) في (ر): أما. (¬4) انظر: "فتح الباري" 4/ 374. (¬5) في (ر): يحل. (¬6) في (ر): كراهة.

قال ابن المنذر: وحمله مالك على نفع أهل السوق لا على نفع رب السلعة، وإلى ذلك جنح الكوفيون والأوزاعي. قال: والحديث حجة للشافعي؛ لأنه أثبت الخيار لصاحب السلعة لا لأهل السوق، انتهى (¬1). (وقال سفيان: لا يبيع بعضكم على بيع بعض) هو (أن يقول) للمشتري في زمن خيار المجلس أو الشرط: أفسخ هذا الشرط. و (إن عندي خيرًا منه) أبيعكه (بعشرة) وهو (بأقل مما يعطيك) أما لو قال: افسخ لأبيعها منك بأكثر، ففي "الاستذكار" وجهان: أحدهما للمروزي: يجوز (¬2). وظاهر إطلاق الحديث وكلام النووي وغيره المنع. وشرط ابن كج للخيار أن يكون غبنًا فاحشًا، فإن كان فله أن يعرفه ويبيع على بيعه؛ لأنه ضرب من النصيحة، كذا نقله الرافعي وأقره (¬3). قال في "الروضة": وقد انفرد به ابن كج، وهو خلاف ظاهر الحديث والمختار عدم اشتراطه. ويشترط للتحريم أن لا يأذن البائع في البيع؛ فإن أذن ارتفع التحريم على الصحيح في أصل "الروضة" (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" 4/ 374. (¬2) "الاستذكار" 20/ 205. (¬3) "الشرح الكبير" 8/ 224. (¬4) "روضة الطالبين" 3/ 81.

10 - باب في النهى عن النجش

10 - باب في النَّهْى عَنِ النَّجْش 3438 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، حدثنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قال: قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَناجَشُوا" (¬1). * * * باب في النهي عن النجش [3438] (حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح، حدثنا سفيان، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تناجشوا) تفاعلوا من النجش بفتح النون وسكون الجيم. وضبطه المطرزي بفتحتين (¬2)، وهو في اللغة تنفير الصيد واستثارته (¬3) من مكانه ليصاد، يقال: نجشت الصيد أنجشه بضم الشين المعجمة نجشًا، وفي الشرع: الزيادة في ثمن السلعة ممن لا يريد شراءها ليغتر غيره ويقع فيها، سمي بذلك؛ لأن الناجش [يثير الرغبة] (¬4) عند الغير في السلعة، ويقع ذلك كثيرًا بمواطأة البائع، فيشتركان في الإثم، ويقع ذلك بغير علم البائع، فيختص الناجش بالتحريم. قال ابن قتيبة: النجش: الختل (¬5) والخديعة، ومنه قيل للصائد: ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2140)، ومسلم (1413). (¬2) "المغرب" 456. (¬3) بياض في (ر). (¬4) في الأصل (يتبرر). والمثبت من "شرح مسلم" للنووي. (¬5) في الأصل (الخبل). والمثبت من "فتح الباري".

ناجش؛ لأنه يختل الصيد [يحتال له] (¬1) ويخدعه (¬2). وقد روى ابن عدي في "الكامل" من حديث قيس بن سعد بن عبادة قال: لولا أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "المكر والخديعة في النار" لكنت من أمكر الناس (¬3). وإسناده لا بأس به (¬4)، وأخرجه الطبراني في "الصغير" من حديث ابن مسعود (¬5)، والحاكم في "المستدرك" من حديث أنس (¬6). وأصل النهي يقتضي أن البيع فاسد مردود، ويدل على ذلك ما أخرجه عبد الرزاق من طريق عمر بن عبد العزيز: أن عاملًا له باع سبيا (¬7) فقال: لولا أني كنت أزيد فأنفقه لكان كاسدًا. فقال له عمر: هذا النجش (¬8) لا يحل. فبعث مناديًا ينادي أن البيع مردود، وأن البيع لا يحل. قال ابن بطال: أجمع العلماء على أن الناجش عاصٍ، واختلفوا في ¬

_ (¬1) في (ر): ويختال. (¬2) انظر: "شرح مسلم" (10/ 159). (¬3) "الكامل في الضعفاء" 2/ 409. ورواه البيهقي في "الشعب" 4/ 324 (5268)، 7/ 494 (11106). (¬4) قاله الحافظ في "الفتح" 4/ 356. وصححه الألباني في "الصحيحة" (1057). (¬5) "المعجم الصغير" 2/ 37 (738). ورواه القضاعي في "مسنده" 1/ 175 (253، 254). وصححه الألباني في "الصحيحة" (1057). (¬6) "المستدرك" 4/ 607. وصححه الألباني في "الصحيحة" (1057). (¬7) في النسخ: شيئا. والمثبت من "فتح الباري". (¬8) في (ر): بخس.

البيع إذا وقع على ذلك (¬1). ونقل ابن المنذر عن طائفة من أهل الحديث فساد ذلك البيع، وهو قول أهل الظاهر ورواية عن مالك، وهو المشهور عند الحنابلة إذا كان ذلك بمواطأة البائع أو صنعه (¬2)، والمشهور عند المالكية في مثل ذلك ثبوت الخيار، وهو وجه للشافعية قياسًا على المصراة، والأصح عندهم صحة البيع مع الإثم، وهو قول الحنفية. قال الرافعي: أطلق الشافعي في "المختصر" تعصية (¬3) الناجش، وشرط في معصية من باع على بيع أخيه أن يكون عالمًا بالنهي (¬4). ¬

_ (¬1) "شرح ابن بطال" 6/ 270. (¬2) في (ل): صنيعه. والمثبت من (ر) و"الفتح". (¬3) في النسخ: معصية. والمثبت من "الشرح الكبير". (¬4) "الشرح الكبير" 8/ 225، وانظر: "فتح الباري" 4/ 355.

11 - باب في النهي أن يبيع حاضر لباد

11 - باب في النَّهْي أَنْ يَبيعَ حاضِرٌ لِبادٍ 3439 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حدثنا محَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابن طاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قال: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَبِيعَ حاضِرٌ لِبادٍ. فَقُلْتُ: ما يَبِيعُ حاضِرٌ لبادٍ؟ قال: لا يَكُون لَهُ سِمْسارًا (¬1). 3440 - حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَزبٍ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الزِّبْرِقانَ أَبا هَمّامٍ حَدَّثَهُمْ -قالَ زُهَيْرٌ: وَكانَ ثِقَةً- عَنْ يُونُسَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لا يَبِيعُ حاضِرٌ لِبادٍ وَإِنْ كانَ أَخاهُ أَوْ أَباهُ". قالَ أبُو داوُدَ: سَمِعْتُ حَفْصَ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: حدثنا أَبُو هِلالٍ، حدثنا مُحَمَّدٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: كانَ يُقال: لا يَبِيعُ حاضِرٌ لِبادٍ. وَهيَ كَلِمَة جامِعَة لا يَبِيعُ لَهُ شَيْئًا وَلا يَبْتاعُ لَهُ شَيْئًا (¬2). 3441 - حدثنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حدثنا حَمّادٌ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ سالِمِ الَمكّيِّ أَنَّ أَعْرابِيّا حَدَّثَهُ أَنَّهُ قَدِمَ بِحَلُوبَةٍ لَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَنَزَلَ عَلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ فَقالَ: إِنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ يَبِيعَ حاضِرٌ لِبادٍ ولكن اذْهَبْ إِلَى السُّوقِ فانْظُر مَنْ يُبايِعُكَ فَشاوِرْني حَتَّى آمُرَكَ أَوْ أَنْهاكَ (¬3). 3442 - حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ محَمَّدٍ النُّفَيْليُّ، حدثنا زُهَيْرٌ، حدثنا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَبعْ حاضِرٌ لِبادٍ وَذَرُوا النّاسَ يَرْزُقُ اللهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2158)، ومسلم (1521). (¬2) رواه أبو يعلى 5/ 162 (2776)، والبيهقي في "الكبرى" 5/ 346. ورواه البخاري (2161)، ومسلم (1523). (¬3) رواه أحمد 1/ 163، وأبو يعلى 2/ 15 (643)، والشاشي في "مسنده" (21). (¬4) رواه مسلم (1522).

باب في النهي أن يبيع حاضر لباد [3439] (حدثنا محمد بن عبيد) بن [حسان العنبري] (¬1) شيخ مسلم (حدثنا محمد بن ثور) الصنعاني، العابد، وثقوه (عن معمر، عن) عبد الله (ابن طاوس، عن أبيه) طاوس بن كيسان [اليمامي] (¬2)، قيل: اسمه ذكوان، فلقب طاوس؛ لأنه كان طاوس القراء (عن ابن عباس قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبيع حاضر) في البلد (لباد) أي: لبدوي، وهو أن يقدم غريب من البادية بمتاع؛ ليبيعه بسعر يومه فيقول له بلديٌ: اتركه عندي؛ لأبيعه لك على التدريج بأغلى من هذا الثمن، وهذا الفعل حرام، لكن يصح بيعه؛ لأن النهي راجع إلى أمرٍ خارج عن نفس العقد، وهو حصول الغبن للبائع (¬3)، فجعلوا الحكم منوطًا بالبادي ومن شاركه، وإنما ذكر البادي في الحديث؛ لكونه الغالب، فألحق [به] (¬4) من يشاركه في عدم معرفة السعر الحاضر، وإضرار أهل البلد بالإشارة عليه بأن لا يبادر بالبيع، وهذا تفسير الشافعية (¬5) والحنبلية (¬6)، وحمله مالك على أهل العمود ممن لا يعرف السعر. قال: فأما أهل القرى الذين يعرفون السلع والأسواق فليسوا داخلين ¬

_ (¬1) كذا في النسخ، والصواب: (حساب الغبري). انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 60 (5441). (¬2) كذا بالنسخ. والصواب: اليماني. انظر: "تهذيب الكمال" 13/ 357 (2958). (¬3) هكذا في النسخ، ولعل الصواب: (للمشتري). (¬4) سقط من النسخ. والمثبت من "فتح الباري". (¬5) انظر: "الحاوي" 5/ 347، 349. (¬6) انظر: "المغني" 6/ 308.

في ذلك (¬1). (قلت: ما) معنى (يبيع حاضر لباد؟ قال) معناه (لا يكون له سمسارًا) بسينين مهملتين، أي: لا يكون الحاضر للبادي سمسارًا، وهو في الأصل: القيم بالأمر والحافظ له، ثم استعمل في متولي البيع والشراء لغيره (¬2). قال الإمام: واختلف عندنا في الشراء هل يمتنع كما امتنع البيع له؟ فقيل: هو بخلاف البيع؛ لأنه إذا صار الثمن في يديه أشبه أهل الحضر فيما يشترونه، فيجوز أن يشتري له الحاضر، فإن وقع البيع على الصفة التي نهي عنها، ففي فسخه خلاف. قال ابن دقيق العيد: وفي المذهب عندنا قول آخر على العموم العام في كل بدوي، وكل طارئ على بلد، وإن كان من أهل الحضر، وهذا قول أصبغ، وكأنه تأول النسبة بالبدوي على الطارئ والجاهل. [3440] (حدثنا زهير بن حرب، أن محمد بن الزبرقان) بكسر الزاي والراء بينهما باء موحدة، وهو من أسماء القمر (أبا (¬3) همام) الأهوازي (حدثهم، قال زهير) بن حرب (وكان ثقة، عن يونس) بن عبيد، أحد أئمة (¬4) البصرة (عن الحسن، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يبع حاضر لباد) بوب عليه البخاري: باب: من كره أن يبيع حاضر ¬

_ (¬1) انظر: "الاستذكار" 21/ 79. (¬2) انظر: "فتح الباري" 4/ 371. (¬3) في (ر): أنبأنا. (¬4) في (ر): الأئمة.

لباد بأجر (¬1). وليس في الحديث التقييد بأجر كما في الترجمة. قال ابن بطال: أراد البخاري أن بيع [الحاضر للبادي] (¬2) لا يجوز بأجر، ويجوز بغير أجر. واستدل على ذلك بقول ابن عباس حين فسر ذلك بالسمسار، كما في الحديث (¬3) قبله (¬4). (وإن كان) الحاضر البائع (أخاه أو أباه) هكذا رواه مسلم (¬5) والنسائي (¬6) من طريق يونس بن عبيد، عن محمد بن سيرين، عن أنس. وعرف بهذِه الرواية أن الناهي لهم في الرواية الأولى هو النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو يقوي المذهب الصحيح أن لقول (¬7) الصحابي: نهينها عن كذا. حكم الرفع، وأنه في قوة قوله: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬8). (قال أبو داود: سمعت حفص بن عمر) بن الحارث بن سخبرة (يقول: حدثنا أبو هلال) محمد بن سليم الراسبي، وثقه أبو داود، وقال ابن معين: صدوق (¬9). (حدثنا محمد بن سيرين، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كان يقال: لا يبيع حاضر لباد) أصل النهي للتحريم كما ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" كتاب البيوع - باب رقم 69. (¬2) في النسخ: الأصل المنادي. والمثبت من "فتح الباري". (¬3) في (ل): حديث. (¬4) انظر: "فتح الباري" 4/ 372. (¬5) (1523). (¬6) "المجتبى" 7/ 256. (¬7) في (ر): يقول. (¬8) انظر: "فتح الباري" 4/ 373. (¬9) انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 294.

تقدم، وأغرب الخطابيُ فزعم في "شرح البخاري": أن النهي للتنزيه (¬1). (وهي) أن يبيع (كلمة جامعة) أي: وأشار إلى ذلك البخاري فبوب عليه: باب: لا يشتري حاضر لباد بالسمسرة (¬2). يعني: استعمالًا للفظ (¬3) البيع المشترك على معنييه، ومنه قوله: "لا يبع بعضكم على بيع (¬4) بعض" (¬5)، فعن مالك فيه روايتان. قال البخاري: وكرهه ابن سيرين وإبراهيم للبائع والمشتري (¬6)، أما قول ابن سيرين فوصله أبو عوانة في "صحيحه" من طريق سلمة بن علقمة، عن ابن سيرين قال: لقيت أنس بن مالك فقلت: لا يبع حاضر لباد. أنهيتم أن تبيعوا لهم (¬7) أو [تبتاعوا لهم]؟ (¬8) قال: نعم. قال محمد ابن سيرين: وصدق إنها كلمة جامعة (¬9). قال ابن قتيبة: بعت الشيء بمعنى اشتريته وبعته، وتقول: شريت الشيء بمعنى اشتريته وبعته (¬10). وقال الأزهري: العرب تقول: بعت يعني بعت ما كنت تملكه، ¬

_ (¬1) "أعلام الحديث" 2/ 1044. (¬2) "صحيح البخاري" كتاب البيوع - باب رقم 70. (¬3) في (ر): بلفظ. (¬4) سقط من (ر). (¬5) رواه البخاري (2150)، ومسلم (1413) من حديث أبي هريرة. (¬6) "صحيح البخاري" كتاب البيوع - باب رقم 70. (¬7) سقط من (ر). (¬8) في النسخ: تبتالهم. والمثبت من "مستخرج أبي عوانة". (¬9) "مستخرج أبي عوانة" 3/ 274 (4946). (¬10) "غريب الحديث" 1/ 253، "أدب الكاتب" ص 212، 455.

وبعت بمعنى اشتريت. قال: وكذلك شريت بالمعنيين (¬1)، ومعنى لا يبيع حاضر لباد من ذلك. أي (لا يبيع له شيئًا ولا يبتاع له شيئًا) وتوقف ابن الرفعة في تحريم شراء الحاضر للبادي، لكن فسر ابن عباس الحديث به، وتفسير الراوي يرجع إليه عندنا، واختاره البخاري، وهذِه الرواية حجة له. وقد يستدل بهذا على ما ذهب إليه أكثر الأصوليين من جواز صحة إطلاق اللفظ المشترك على معنييه، كما أطلق يبيع هنا على معنى البيع والشراء، قالوا: فلا يمتنع أن يقول: العين مخلوقة، ويريد جميع معانيها، ومنعه ابن الصباغ (¬2) في "العدة" والإمام في "المحصول" وفصل بينهم (¬3). [3441] (حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، عن محمد بن إسحاق، عن سالم المكي) قال ابن معين مرة: هو ثقة. وقال مرة أخرى: لا أعرف اسمه، وليس بثقة. [وقال ابن عبد البر في أول "التمهيد": لا يوقف على اسمه صحيحًا] (¬4). (أن أعرابيًّا) صحابيًّا (حدثه) ولا يضر إبهام الصحابي؛ لأنهم كلهم عدول، حدثه (¬5). ¬

_ (¬1) "تهذيب اللغة" 3/ 151 بنحوه. (¬2) ذكره عنه السبكي في "الأشباه والنظائر" 1/ 252. (¬3) "المحصول" للرازي 1/ 271. (¬4) كذا هذه العبارة. ولم أقف عليها في "التمهيد". (¬5) سقط من (ل).

(أنه قدم بحلوبة) بفتح الحاء المهملة وضم اللام، والحلوب التي تتخذ للحلب؛ لأنها ذات لبن، فإن أردت الاسم قلت: هذِه الحلوبة لفلان. وإنما جاء بالهاء لأنك (¬1) تريد الشيء الذي يحلب، أي: الشيء الذي اتخذوه ليحلبوه، وليس لتكثير الفعل، وكذلك القول في الركوبة، وقيل: الحلوبة والحلوب سواء كالركوبة والركوب (¬2) (له على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فنزل على طلحة بن عبيد الله) التيمي القرشي أحد العشرة. (فقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يبيع حاضر لباد) قال ابن يونس في شرحه للـ "الوجيز": للتحريم ستة شروط: أن لا يعزم البدوي على المقام، ولا التربص بسلعته، ولا يطلبه من البلدي، ولا يكون البلد كبيرًا لا يرخصه سعره بذلك القدر، ولا السعر رخيصًا، ولا السلعة مما لا تعم الحاجة إليه. فإن فقد شرط، حل البيع، انتهى. وشرط التحريم أن يكون الحاضر عالمًا بالنهي. قال الرافعي والنووي: وهذا الشرط يعم جميع المناهي، ثم الإثم على البلدي دون الجالب، قاله القفال (¬3). (ولكن اذهب إلى السوق فانظر من يبايعك) على الحلوبة حتى أعرفه (فشاورني) في ذلك (حتى آمرك وأنهاك) بما يظهر لي. ¬

_ (¬1) في (ر): لأنها. (¬2) بعدها في الأصل: نسخة: (بجلوبة) بفتح الجيم. قال ابن الأثير: فالذي قرأناه في "سنن أبي داود": حلوبة بالحاء المهملة. انظر: "النهاية" لابن الأثير 1/ 784. (¬3) "شرح الوجيز" للرافعي 8 - 217، وانظر: "روضة الطالبين" 5/ 79 - 80، "طرح التثريب" 6/ 66.

وقد جمع البخاري بين حديث: "لا يبيع حاضر لباد". وحديث: "الدين النصيحة" (¬1). بأن حديث النهي مخصوص بمن يبيع بالأجرة كما تقدم، كالسمسار، وحديث جرير: "النصح لكل مسلم" (¬2) بأن من ينصحه كما فعل طلحة، فيعلمه بأن السعر كذا مثلًا، وبأن فلانا (¬3) سهل في معاملته، وفلان شرس في معاملته، فلا يدخل في النهي عنده. قال ابن بطال: وقد أجاز الأوزاعي أن يشير الحاضر على البادي، قال: وليست الإشارة بيعًا. وعن الليث وأبي حنيفة: لا يشير عليه؛ لأنه إذا أشار عليه فقد باعه (¬4). وعند الشافعي في ذلك وجهان: الراجح منهما الجواز؛ لأنه إنما نهى [عن] (¬5) البيع له وليست الإشارة بيعًا، وقد ورد الأمر بنصح كل مسلم، فدل على جواز الإشارة (¬6). [3442] (حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي، حدثنا زهير، حدثنا أبو الزبير) محمد بن مسلم المكي التابعي. (عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يبيع حاضر لباد) من نزل بالبادية فهو باد، قال تعالى: {يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ} (¬7) أي: نازلون في ¬

_ (¬1) رواه مسلم (55). (¬2) رواه مسلم (55) من حديث تميم الداري. (¬3) رواه البخاري (57، 524، ومسلم (56). (¬4) في النسخ: فلان. (¬5) "شرح صحيح البخاري" 6/ 287. (¬6) انظر: "فتح الباري" 4/ 372. (¬7) الأحزاب: 20.

البادية (وذروا الناس) رواية مسلم (¬1): دع الناس. وهو بمعنى ذر. (يرزق) بكسر القاف، جواب الأمر (الله) الناس (بعضهم من بعض) بعضهم بعضًا، أي: يرتفق أهل الحاضر بأهل البادية بحيث لا يضر ذلك بأهل البادية ضررًا ظاهرًا؛ لأن البادي غير مقيم، فإذا باع السلعة بسعر يومها ارتفق بذلك الناس، فإذا قال له الحضري: أنا أتربص لك وأبيعها لك على التدريج بأغلى ثمن، حرم الناس ذلك الرفق، وهذا علة للحديث والنهي عن هذا البيع (¬2). ¬

_ (¬1) (1522) بلفظ: دعوا. (¬2) انظر: "إكمال المعلم شرح صحيح مسلم" للقاضي عياض 4/ 288.

12 - باب من اشترى مصراة فكرهها

12 - باب مَنِ اشْتَرى مُصَرّاةً فكرِهَها 3443 - حدثنا عَبْدُ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبي الزِّنادِ، عَنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لا تَلَقَّوُا الرُّكْبانَ لِلْبَيْع وَلا يَبعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَلا تُصَرُّوا الإِبِلَ والغَنَمَ فَمَنِ ابْتاعَها بَعْدَ ذلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِبَها فَإِنْ رَضِيَها أَمْسَكَها وَإِنْ سَخِطَها رَدَّها وَصاعًا مِنْ تَمْرٍ" (¬1). 3444 - حدثنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حدثنا حَمّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ وَهِشامٍ وَحَبِيبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "مَنِ اشْتَرى شاةً مُصَرّاةً فَهُوَ بِالخِيارِ ثَلاثَةَ أَيّامٍ إِنْ شاءَ رَدَّها وَصاعًا مِنْ طَعامٍ لا سَمْراءَ" (¬2). 3445 - حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَخْلَدٍ التَّمِيميُّ، حدثنا الَمكّيُّ -يَعْني: ابن إِبْراهِيمَ- حدثنا ابن جُرَيْجٍ، حَدَّثَني زِيادٌ، أَنَّ ثابِتًا مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبا هُرَيْرَةَ يقولُ: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ اشْتَرى غَنَمًا مُصَرّاةً احْتَلَبَها فَإِنْ رَضِيَها أَمْسَكَها وَإِنْ سَخِطَها فَفي حَلْبَتِها صاعٌ مِنْ تَمْرٍ" (¬3). 3446 - حدثنا أبُو كامِلٍ، حدثنا عَبْدُ الواحِدِ، حدثنا صَدَقَةُ بْن سَعِيدٍ، عَنْ جُمَيعِ بْنِ عُمَيرٍ التَّيْميِّ قالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يقول: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ ابْتاعَ مُحَفَّلَةً فَهُوَ بِالخِيارِ ثَلاثَةَ أَيّامٍ فَإِنْ رَدَّها رَدَّ مَعَها مِثْلَ أَوْ مِثْلَي لَبَنِها قَمْحًا" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2148)، ومسلم (1515). (¬2) رواه مسلم (1524). (¬3) رواه البخاري (2151). (¬4) رواه ابن ماجه (2240)، والطبراني في "الكبير" 13/ 199 (13912)، والبيهقي 5/ 319. وضعفه الألباني.

باب من اشترى مصراة فكرهها [3443] (حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان. (عن الأعرج، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تلقوا) بفتح التاء واللام والقاف المشددة، أصله: لا تتلقوا. وشرط الحذف في مثل هذا تجانس الحركتين (الركبان) جمع راكب، وهم أصحاب الإبل في السفر دون الدواب، وهم العشرة فما فوقها، وراكب البعير يقال له راكب، وراكب الفرس فارس، واختلفوا في راكب الحمار، هل يقال له فارس حمار أو حمار؟ والنهي عنه معقول المعنى، وفي لحوق (¬1) الضرر بأهل السوق في انفراد المتلقي عنهم بالرخص، وقطع المواد عنهم، ولم يأخذ أبو حنيفة بهذا الحديث، وأجاز التلقي إلا أن يضر بالناس فيكره (¬2). وقال الأوزاعي مثله (¬3). (للبيع) فلو تلقى الركبان ليبيعهم، لا ليشتري منهم يلوح من الحديث إثبات الخيار للمغبون؛ لأنه إذا ثبت أن النهي عن التلقي لئلا يغبن الجالب، لم يكن لإثبات الخيار معنىً إلا لأجل الغبن، ولأنه يرجو الزيادة في السوق (¬4). (ولا يبيع بعضكم على بيع بعض) خبر بمعنى النهي، كما تقدم، ¬

_ (¬1) في (ر): طوق. والمثبت من (ل). (¬2) انظر: "بدائع الصنائع" 5/ 129. (¬3) انظر: "إكمال المعلم" 5/ 140، و"شرح مسلم" للنووي 10/ 173. (¬4) انظر: "إكمال المعلم" 5/ 140.

وهو: أن يعرض سلعته على المشتري برخص؛ ليزهد في شراء تلك السلعة التي ركن إليها أولًا. (ولا تُصَرُّوا) بضم أوله وفتح الصاد المهملة بوزن تزكوا، يقال: صرى يصري تصرية كزكى يزكي تزكية. قال الشافعي: التصرية هو ربط أخلاف الناقة أو الشاة وترك حلبها حتى يجتمع لبنها فيكثر، فيظن المشتري أن ذلك عادتها فيزيد في ثمنها؛ لما يرى من كثرة لبنها (¬1). وأصل التصرية حبس الماء، يقال منه: [صريت] (¬2) الماء إذا حبسته (الإبل) بالنصب على المفعولية، وقيد بعضهم تصروا بفتح أوله وضم ثانيه، والأول أصح؛ لأنه من صريت اللبن (¬3) في الضرع إذا جمعته، وليس من صررت الشيء إذا ربطته؛ إذ لو كان منه لقيل: مصرورة أو مصررة، ولم يقل: مصراة، وضبطه بعضهم بضم أوله وفتح ثانيه، لكن بغير واو على البناء للمجهول، والأول المشهور (والغنم) ولم يذكروا البقر، وهي في معنى الإبل والغنم في الحكم خلافًا لداود، وإنما اقتصر عليهما لغلبتهما عندهم. وظاهر النهي تحريم التصرية سواء قصد التدليس أم لا (¬4)، وسواء قصد البيع أم لا، وبه صرح المتولي، ولا يعكر عليه رواية الشافعي والنسائي: "ولا تصروا الغنم للبيع" (¬5) لخروجه مخرج الغالب (فمن ابتاعها بعد ذلك) أي: فمن اشتراها بعد التصرية (فهو بخير النظرين) ¬

_ (¬1) "مختصر المزني" 8/ 180، وانظر: "الحاوي الكبير" 5/ 236. (¬2) في النسخ: صرت. والمثبت من "فتح الباري". (¬3) في النسخ: الإبل. والمثبت من "فتح الباري". (¬4) انظر: "فتح الباري" 4/ 361 - 362. (¬5) "السنن المأثورة" (263)، "المجتبى" 7/ 253 بنحوه.

أي الرأيين (بعد) يشبه أن تكون الدال مضمومة لقطعها عن الإضافة، والتقدير كما قال الكرماني: أي بعد هذا النهي، أو بعد تصرية البائع (¬1) (أن يحلبها) قال ابن حجر: بكسر [أن] (¬2) على أنها شرطية، وجزم يحلبها، قال: ولابن خزيمة والإسماعيلي من طريق أسيد بن موسى، عن الليث بعد (¬3) أن يحتلبها (¬4) بفتح أن ونصب يحتلبها (¬5). انتهى. وعلى هذا فبعد منصوبة، وأن يحتلبها مصدرية، تقدر بالمصدر أي: بعد حلبها. وظاهر الحديث أن الخيار لا يثبت إلا بعد الحلب، والجمهور على أنه إذا علم بالتصرية ثبت له الخيار على الفور، ولو لم يحلب، لكن لما كانت التصرية لا تعرف غالبًا إلا بعد الحلب جعل قيدًا في ثبوت الخيار ولو ثبتت التصرية بغير الحلب (فإن رضيها) أي اختار التي اشتراها (أمسكها) أي أبقاها على ملكه، وهو يقتضي صحة بيع المصراة، وإثبات الخيار للمشتري (¬6)، لكن يستثنى منه ما لو لم يعلم بالتصرية حتى استمر لبنها كحالة التصرية، وصار عادة، فالأصح لا خيار لعدم الضرر. هذا قضية كلام الرافعي، فإنه شبهها بالوجهين فيما لم يعلم بالعيب القديم إلا بعد زواله، ولو رضي بالمصراة واستمر بها على ¬

_ (¬1) "شرح الكرماني" 10/ 30. (¬2) سقط من النسخ. والمثبت من "فتح الباري". (¬3) سقط من (ر). (¬4) في النسخ: يحلبها. والمثبت من "الفتح". (¬5) في النسخ: يحلبها. والمثبت من "الفتح". (¬6) انظر: "فتح الباري" 4/ 362.

أنها لمصراة لم يردها بعد ذلك، وقيل: يرد، كما لو تزوجت برجل على أنه عنين ورضيت به، كان لها الخيار بعد ذلك، قاله الجرجاني في "التحرير". (وإن سخطها ردها) ظاهره اشتراط الرد على الفور قياسًا على سائر العيوب، وهذا ما رجحه الرافعي والنووي تبعًا للبغوي (¬1)، ولو ترك الحلب ناسيًا أو لشغل أو تحفلت بنفسها، ففي ثبوت الخيار وجهان (¬2) في الشرحين و"الروضة" من غير تصحيح، وفي "الحاوي الصغير" أنه لا يثبت (¬3) (وصاعًا) بالنصب عطفًا على الضمير في ردها، ويجوز أن تكون الواو بمعنى مع، والعطف أرجح، فعلى الأول لا يستفاد منه فورية الصاع مع الرد [بل يجوز أن يرد البيع ثم بعده في وقت آخر يرد الصاع، وعلى الثاني يستفاد منه فورية الصاع مع الرد] (¬4) من غير فصل بينهما. فإن قلت: لم لا يجوز أن يكون: وصاعًا منصوبا (¬5) على المفعول معه؟ . قلت: جمهور النحاة على أن شرط المفعول معه أن يكون فاعلًا في المعنى، نحو: جئت أنا وزيدًا، وقمت أنا وزيدًا، وإن شئت رفعت، وهو أرجح من النصب (¬6). ¬

_ (¬1) شرح السنة" 8/ 125، "الشرح الكبير" 8/ 334، "روضة الطالبين" 3/ 468 ط/ المكتب الإسلامي. (¬2) في النسخ: وجهين. (¬3) انظر: "روضة الطالبين" 3/ 131، و"طرح التثريب" 6/ 81. (¬4) سقط من (ر). والمثبت من (ل). (¬5) في النسخ: منصوب. ولعل المثبت هو الصواب. (¬6) انظر: "فتح الباري" 4/ 363.

واعلم أن الواجب رد صاع واحد ولو تعدد المصراة، فإن اشتراها في صفقتين يتعدد الصاع بتعددها، وإن اشتراها في صفقة واحدة، فلم أر فيه تصريحًا لأصحابنا. ونقل ابن قدامة الحنبلي عن الشافعي تعدد الصاع بتعددها (¬1)، وقضية كلام ابن الرفعة أنه يقتضي المذهب، فإنه قال: ظاهر الحديث يدل على أنه يرد في لبن عدد من الشياه إذا شملها العقد صاعًا واحدًا، وما أظن أصحابنا يسمحون به ويحتاجون إلى صرف [الحديث على ظاهره وقد وسعهم أنه لم يوقنه نقلا، ومقتضى الحديث التعدد، وذهب] (¬2) ابن حزم إلى عدم التعدد. وقال ابن عبد البر: لا يجب في لبن شياه أو نوق أو بقر عدة إلا الصاع (¬3). (من تمر) قضيته تعين التمر، لكن لو تراضيا على غيره جاز، فقد حكى البغوي (¬4): لا خلاف في المذهب أنهما لو تراضيا على غير تمرٍ من قوت أو غيره كفى، وأثبت ابن كج الخلاف في ذلك، وحكى الماوردي وجهين فيما إذا عجز عن التمر، هل يلزمه قيمته ببلده، أو بأقرب البلاد التي فيها التمر إليه؟ (¬5). [3444] (حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، عن أيوب ¬

_ (¬1) "المغني" 4/ 256. (¬2) سقط من (ر). (¬3) "الاستذكار" 6/ 537. (¬4) انظر: "شرح السنة" 8/ 127. (¬5) "الحاوي الكبير" 5/ 241.

وهشام) بن حسان (وحبيب) بفتح الحاء المهملة ابن الشهيد الأزدي، ثقة ثبت (عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من اشترى شاة مُصَرَّاةً) بضم الميم وفتح الصاد المهملة وتشديد الراء، هي التي صر لبنها، وحفت فيه، أي: في الثدي وجُمع فلم يحلب (فهو بالخيار ثلاثة أيام) هكذا رواه مسلم (¬1) عن ابن سيرين، عن عمته (¬2)، وعلقه البخاري (¬3). قال ابن حجر: هذِه الرواية [مقدمة على الرواية] (¬4) المطلقة: "إن سخطها ردها"، وظاهره اشتراط الفور كما تقدم، ونقل أبو حامد والروياني عن نص الشافعي في "الإملاء"، ونقله أبو الطيب في "تعليقه" عن نصه في اختلاف العراقيين، وصححه جماعات كثيرة. قال ابن حجر: وهو قول الأكثر، وأجاب من قال بالفور عن هذا الحديث بأنه محمول على ما إذا لم يعلم أنها مصراة إلا في الثلاث (¬5)؛ لكون الغالب أنها لا تعلم فيما دون ذلك؛ لاحتمال إحالة النقصان على قلة العلف، أو اختلافه أو مأوى الحيوان، أو تبدل الأيدي عليه، وغير ذلك. قال ابن دقيق العيد: والثاني أرجح؛ لأن حكم التصرية قد خالف ¬

_ (¬1) (1524). (¬2) هكذا في النسخ، والذي في الصحيح: "عن أبي هريرة". (¬3) (2041). (¬4) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والكلام لا يستقيم بدونه وهو الموافق لكلام ابن حجر في "الفتح". (¬5) في (ر): الحديث.

القياس في أصل الحكم لأجل النص فيطرد ذلك، ويتبع (¬1) في جميع موارده (¬2). ويؤيده أن في بعض روايات أحمد والطحاوي من طريق ابن سيرين، عن أبي هريرة: "فهو بأحد النظرين بالخيار إلى أن يحوزها أو يردها" (¬3). (إن شاء ردها وصاعًا) فإن قيل: التعبير بالرد في المصراة واضح، فما معنى التعبير بالرد في الصاع؛ فالجواب: أن الواو أحق من بين حروف العطف بعطف مزال على [ما] (¬4) قد بقي معموله، فيكون التقدير: إن شاء ردها وأدى معها صاعًا من تمر؛ فأزيل أدى ناصب صاعًا، وبقي صاعًا الذي هو معمول، كقوله: علفتها تبنًا وماءً باردًا، أي: وسقيتها ماءً باردًا، وهذا جائز نظمًا ونثرًا، ويجوز أن يكون الواو عطفت مفردًا على مفرد لا جملة على جملة، وأن العامل الذي هو ردها ضمن معنى (¬5) يشمل المعطوف والمعطوف عليه معًا، فيحمل ردها على معنى: دفعها وصاعًا من تمر. مجازًا، كما ضمنوا معنى علفتها ناولتها، ورُدَّ بأنه لو شاع التضمين لشاع: علفتها ماء وتبنًا، ورُدَّ بأنه مسموع، والأكثرون على أن هذا التضمين قياس، وضابطه عندهم: أن يكون الأول والثاني يجتمعان في معنىً عام (¬6). ¬

_ (¬1) "إحكام الأحكام" 2/ 117. (¬2) سقط من (ر). (¬3) "المسند" 2/ 259، "شرح معاني الآثار" 4/ 17. (¬4) ليست في النسخ. (¬5) سقطت من (ر). (¬6) انظر: "فتح الباري" 4/ 363.

(من طعام) هكذا رواية مسلم (¬1)، فيحمل الطعام في (¬2) هذِه الرواية على التمر في الرواية التي قبلها، ويكون المراد بالطعام هنا التمر، ولما كان المتبادر (¬3) إلى ذهن السامع أن المراد بالطعام: القمح، نفاه بقوله: (لا سمراء) بإسكان الميم والمد، وهو الحنطة؛ وإنما أطلق الطعام على التمر؛ لأنه كان غالب قوت أهل المدينة، والروايات [الناصة] (¬4) على التمر أكثر من الروايات التي لم تنص عليه، أو أبدله (¬5) بذكر الطعام. والهمزة في سمراء للتأنيث، ولذلك لم تنصرف. والسمراء: قمحة الشام، والبيضاء قمحة مصر، وقيل: البيضاء الشعير، والسمراء القمح، [لكن يعكر تفسير الطعام بالتمر ما رواه البزار من طريق أشعث بن عبد الملك عن ابن سيرين] (¬6) بلفظ: "ردها ومعها صاع من بر لا سمراء"، وهذا يقتضي أن المنفي في قوله: "لا سمراء" حنطة مخصوصة، وهي الحنطة الشامية، فيكون المثبت لقوله: "من طعام" أي: من قمح. ويحتمل أن يكون راويه رواه بالمعنى الذي ظنه مساويًا، وذلك أن المتبادر (¬7) من الطعام البر، فظن الراوي أنه البر، فعبر به، لكن يعكر على ذلك أيضًا ما رواه أحمد بإسناد صحيح عن ¬

_ (¬1) (1524). (¬2) في (ر) على. والمثبت من (ل). (¬3) في (ر): التبادر. (¬4) في (ل) غير واضحة، وفي (ر): الثانية. ولعل المثبت هو الصواب، والله أعلم. (¬5) في (ر): بدله. والمثبت من (ل). (¬6) ما بين المعقوفين سقط من (ر). والمثبت من (ل). (¬7) في (ر): المبادر. والمثبت من (ل).

عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن رجل من الصحابة، وفيه: "ردها ومعها صاعًا من طعام أو صاعًا من تمر" (¬1) فإن ظاهره يقتضي التخيير بين التمر والطعام، وأن الطعام غير التمر، ويحتمل أن تكون "أو" شكًّا من الراوي لا تخييرًا، وإذا وقع الاحتمال في هذِه الروايات لم يصح الاستدلال بشيء منها، بل يرجع إلى الروايات التي لم يختلف فيها، وهي التمر، فهي الراجحة كما أشار إليه البخاري (¬2). [3445] (حدثنا عبد الله بن مخلد) النيسابوري، سمع بخراسان والبصرة والكوفة والحجاز، وهو راوي كتب أبي عبيد بخراسان، روى عنه الحاكم أبو عبد الله (حدثنا المكي بن إبراهيم) بن بشير [أبا السكون] (¬3)، روى له الشيخان عن ابن جريج (حدثنا) عبد الملك (ابن جريج، حدثنا زياد) بن سعد بن عبد الرحمن الخراساني، سمع ثابتًا [عندهما، وكان لا يكتب إلا إملاءً] (¬4) (أن ثابتًا) بن عياض [بن] (¬5) الأحنف (مولى عبد الرحمن بن زيد) بن الخطاب (أخبره، أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من اشترى غنمًا مصراة) وقد (احتلبها) بمعنى حلبها، وبني على افتعل لموافقة اشترى، وظاهره أن صاع التمر يتوقف على الحلب. (فإن رضيها) أي رضي الغنم بعد أن احتلبها وعلم بالتصرية (أمسكها) ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 4/ 314. (¬2) انظر: "فتح الباري" 4/ 364. (¬3) هكذا في الأصل، والصواب: أبو السكن. انظر: "تهذيب الكمال" 28/ 476. (¬4) هكذا في النسخ، ولم أقف عليها في كتب التراجم. (¬5) زائدة عن كتب التراجم، وانظر: "تهذيب الكمال" 4/ 367 (825).

على ملكه، وهو يقتضي الجزم بصحة البيع، لكن لو اشتراها وشرط أن لا يرد، فالبيع باطل، نقله الدارمي، ونقل الرافعي مثله عن "التتمة" فيما إذا شرط أن لا يرد المبيع بالعيب (¬1) (وإن سخطها ففي حلبتها) بسكون اللام على أنه اسم الفعل، ويجوز الفتح على إرادة المحلوب، زعم [ابن حزم أن التمر] (¬2) في مقابلة الحلبة لا في مقابلة اللبن؛ لأن الحلبة حقيقة في الحلب مجاز في اللبن، والحمل على الحقيقة أولى، فلذلك قال: يجب رد التمر واللبن معًا (¬3)، وشذ بذلك عن قول الجمهور (¬4) (صاع من تمر) ظاهره أن صاع التمر في مقابل المصراة سواء كانت واحدة أو أكثر، لقوله: من اشترى غنمًا بالجمع مصراة، ثم قال: "ففي حلبتها" يعني: الغنم الكثيرة "صاع من تمر"، ونقله ابن عبد البر عمن استعمل الحديث (¬5)، وابن بطال عن أكثر العلماء (¬6)، وابن قدامة عن الشافعية والحنابلة وعن أكثر المالكية يرد عن كل واحدة صاعًا (¬7). قال المازري: من المستبشع أن يغرم متلف لبن ألف شاة كما يغرم متلف لبن شاة واحدة (¬8). وأجيب: بأن ذلك مغتفر بالنسبة إلى ما تقدم من الحكمة في اعتبار الصاع قطع النزاع، فجعل حدًّا يرجع إليه عند التخاصم فاستوى فيه القليل والكثير، ومن المعلوم أن لبن الشاة الواحدة خصوصًا إن كانت قليلة اللبن ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع" 12/ 373. (¬2) بياض في (ر). والمثبت من (ل). (¬3) "المحلى" 9/ 70. (¬4) انظر: "فتح الباري" 4/ 268. (¬5) "التمهيد" 18/ 215. (¬6) "شرح البخاري" 6/ 281. (¬7) "المغني" 6/ 222. (¬8) "المعلم" 1/ 502.

مع لبن الناقة الواحدة خصوصًا إن كانت كثيرة اللبن يختلف اختلافًا كثيرًا، ومع ذلك ففي كل منهما الصاع، فكذلك هو معتبر هنا سواء قلت المصراة أو كثرت، والله أعلم (¬1). [3446] (حدثنا أبو كامل) فضيل بن حسين الجحدري، شيخ مسلم (حدثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي، مولاهم البصري، روى له الشيخان وغيرهم (حدثنا صدقة بن سعيد) الحنفي الكوفي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2) (عن جميع بن عمير) مصغران (التيمي) قال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه (¬3). (قال: سمعت عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من ابتاع مُحَفَّلة) بضم الميم وفتح الحاء المهملة والفاء المشددة، والتحفل التجميع، قال أبو عبيد: سميت محفلة؛ لأن اللبن يكثر في ضرعها، وكل شيء كثرته فقد حفلته، تقول: ضرع حافل أي عظيم، واحتفل القوم إذا كثر جمعهم، ومنه سمي المحفل (¬4). (فهو بالخيار) هذا الخيار هل هو خيار شرع أو خيار عيب؟ فالأول: قول أبي حامد، والثاني: قول أبي إسحاق. ومنهم من يعبر بأنه (¬5) خيار شرط أو خيار عيب؟ والأول: قول ابن أبي هريرة، والثاني: قول أبي إسحاق. وابن أبي هريرة يوافق أبا إسحاق في أن أصل الخيار خيار ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" 4/ 369. (¬2) 6/ 466. (¬3) "الكامل في ضعفاء الرجال" 2/ 419. (¬4) انظر: "فتح الباري" 4/ 361. (¬5) زاد هنا في "المجموع" الذي نقل منه المصنف (هل هو).

عيب، والثلاثة عنده ثابتة بالشرط لا لأجل التصرية (¬1). (ثلاثة أيام) وهل ابتداؤها من حين العقد أو التفرق؟ فيه الوجهان في خيار الشرط [هكذا قال الرافعي تبعا للشيخ أبي حامد (¬2) وصاحب "التتمة"، والأصح من الوجهين في خيار الشرط] (¬3) أن ابتداءه من العقد (¬4). (فإن شاء ردها ورد معها مثل) لبنها (أو مثلي لبنها) فيه شاهد على ما قاله النحاة وأجازوه، أن المضاف إليه قد يحذف، وينوى لفظه؛ فيبقى المضاف على حاله قبل حاله فلا ينون، بشرط أن يكون عطف المضاف وإضافته إلى مثل المحذوف، كقول بعضهم: قطع يد ورجل من قالها، ألا ترى أن (مثل) و (مثلي) مضافان، وأن (مثلي) المعطوف مضاف إلى (مثل) المحذوف، وهو (لبنها) المقدر كما تقدم، وفصل بين المضاف إليه الملفوظ به وهو (لبنها) وبين المضاف الذي حذف المضاف إليه، وهو (مثل) بقوله: "أو مثلي". وهو على حد قولك: مررت بغلام إما زيد أو عمرو، إذا حققت أنه غلام أحدهما وشككت في عينه. وأما معنى الحديث فقال العراقيون من أصحابنا: أراد الخبر أنه يجب على من رد المحفلة (¬5) أن يرد معها مثل اللبن الذي كان في ضرعها (¬6) (قمحًا) إن كان صاعًا رد مثليه إذا كان اللبن نصف صاع، وهذا يجب حمله على ما قاله الشيخ أبو محمد الجويني: ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع" 12/ 37. (¬2) هكذا في (ل) وفي "المجموع" (محمد). (¬3) سقط من (ر). والمثبت من (ل). (¬4) انظر: "المجموع" 12/ 45. (¬5) في (ل): المحلفة. والمثبت من (ر). (¬6) انظر: "شرح ابن عقيل لألفية ابن مالك" 3/ 78.

على أنه يقوم مقام التمر غيره، حتى لو عدل إلى مثل اللبن أو إلى قيمته عند إعواز المثل أجبر البائع على القبول إن كان المثل موجودًا، وإلا عدل إلى الدراهم اعتبارًا بسائر المتلفات، وليس عليه رد التمر حتمًا، وكلام الشيخ أبي محمد في السلسلة ينطبق عليه، لكن هذا التأويل يأباه ظاهر حكاية ولده إمام الحرمين عنه (¬1). قال الماوردي: قوله: "مثلي لبنها قمحًا"؛ لأنه في الغالب يكون صاعًا؛ لأن الغالب في الغنم أن تكون الحلبة نصف صاع (¬2) ويكون (¬3) تردد الرواية في ذلك محمولًا على التنويع مثل لبنها إن كان كثيرًا قدر صاع، أو مثلي لبنها إن كان قليلًا، وهذا الغالب على الشياه في بلادهم، وممن ذهب إلى هذا الوجه أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الإسماعيلي فإنه (¬4) قال في كتابه "المستخرج على صحيح البخاري": وفي قوله: "صاع من تمر لا سمراء" دليل على أن المعنى هو المقصود لا الاقتصار على اللفظ؛ لأن التمر اسم لنوع معروف، وقوله: "سمراء" لو كان نوع التمر هو المقصود لم يكن لقوله: "لا سمراء" معنى، فثبت أن المعنى التمر، وما قام مقامه لا يكلف سمراء يعني بعينها. قال السبكي: لا يلزم ذلك، وليست لا متعينة للإخراج، وإنما هي هنا عاطفة مثلها في قولك: جاءني رجل لا امرأة، والمعنى في ذلك نفي توهم أن تكون السمراء مجزئة. والقائلون بأن التمر يقوم غيره مقامه قصروا ذلك ¬

_ (¬1) "المجموع" 12/ 51 - 52. (¬2) "الحاوي" 5/ 241. (¬3) في (ر): وإن كان. والمثبت من (ل). (¬4) في (ر): بأنه. والمثبت من (ل).

على الأقوات، كما في صدقة الفطر، وإنما الخلاف بين هؤلاء في التخيير أو في اعتبار الغالب من قوت البلد وهو الصحيح على القول بعدم تعين التمر (¬1). وذهب أبو العباس ابن سريج إلى أنه يرد في كل بلد من غالب قوته، وحمل حديث أبي هريرة على من غالب قوت بلده التمر، وحديث (¬2) ابن عمر على من غالب قوته [القمح] (¬3) كما قال في زكاة الفطر: "صاعًا من قمح أو صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير"، وأراد بالتمر لمن قوته التمر، والشعير لمن قوته الشعير، وهذا الذي ذهب إليه ابن سريج هو [أحد] (¬4) قولي مالك (¬5). وقال ابن أبي ليلى وأبو يوسف: يرد معها قيمة اللبن، هكذا نقله عنهما ابن المنذر وغيره (¬6). ونقل ابن حزم عنهما: أنه يرد قيمة صاع من تمر (¬7). وقال أبو حنيفة (¬8) ومحمد: إن كان اللبن تالفًا فليس له ردها، لكن يرجع بقيمة العيب فقط، وإن كان باقيًا رده ولا يرد معها صاع تمر ولا شيئًا. وعن بعض المالكية أنه لا يرد معها شيئًا؛ لأن الخراج بالضمان (¬9). واعلم أن حديث ابن عمر المذكور رواه ابن ماجه أيضًا بهذا اللفظ، ¬

_ (¬1) "المجموع" 12/ 50 - 51. (¬2) في (ر): وحذفت. (¬3) في النسخ: التمر. والمثبت من "المجموع". (¬4) في النسخ: إحدى. ولعل المثبت هو الصواب. (¬5) انظر: "المجموع" 12/ 48. (¬6) "الأوسط" 10/ 98. (¬7) "المحلى" 9/ 67. (¬8) انظر: "المبسوط" 13/ 39. (¬9) نسبه في "البيان والتحصيل" 7/ 352 لسحنون وابن وضاح.

ورواه البيهقي بلفظ: مثل. وضعفه بجميع بن عمير (¬1). وقال الخطابي: ليس إسناده بذلك (¬2). قال المنذري (¬3): والأمر كما قال (¬4). وجميع بن عمير قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: من عتق الشيعة، ومحله الصدق، صالح الحديث، كوفي من التابعين (¬5). وبتقدير صحة الحديث قال ابن قدامة: حديث [ابن] (¬6) عمر متروك الظاهر بالاتفاق (¬7). وقال البيهقي في كتاب "السنن الكبير": تفرد به جميع بن عمير (¬8). وذكر عبد الحق هذا الحديث في "الأحكام" ولم يتعرض لحال (¬9) جميع بن عمير هذا، وإنما أعله بصدقة بن سعيد الراوي عن جميع فإنه ليس أيضًا بالقوي (¬10). ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (2240)، "السنن الكبرى" 5/ 319. (¬2) "معالم السنن" 3/ 99. (¬3) في النسخ: الأزهري. (¬4) "مختصر سنن أبي داود" 5/ 89. (¬5) "الجرح والتعديل" 2/ 532. (¬6) ليست في النسخ الخطية. (¬7) "المغني" 6/ 218. (¬8) "السنن الكبرى" 5/ 319. (¬9) في (ر): بحال. (¬10) "الأحكام الوسطى" 3/ 241.

13 - باب في النهى، عن الحكرة

13 - باب في النَّهْى، عَنِ الحُكْرةِ 3447 - حدثنا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، أَخْبَرَنا خالِدٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ أَبي مَعْمَرٍ أَحَدِ بَني عَديِّ بْنِ كَعْبٍ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَحْتَكِرُ إِلَّا خاطِئٌ". فَقُلْتُ لِسَعِيدٍ: فَإِنَّكَ تَحْتَكِرُ. قال: وَمَعْمَرٌ كانَ يَحْتَكِرُ. قالَ أبُو داوُدَ: وَسَأَلْت أَحْمَدَ ما الحُكْرَة؟ قال: ما فِيهِ عَيْشُ النّاسِ. قالَ أبُو داوُدَ: قالَ الأَوزاعيُّ: المُحْتَكِرُ مَنْ يَعْتَرِضُ السُّوقَ (¬1). 3448 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَيّاضٍ، حدثنا أَبي ح وَحَدَّثَنا ابن المُثَنَّى، حدثنا يَحْيَى بْن الفَيّاضِ، حدثنا هَمّامٌ، عَنْ قَتادَةَ قال: لَيْسَ في التَّمْرِ حُكْرَةٌ. قالَ ابن المُثَنَّى: قالَ: عَنِ الحَسَنِ فَقلْنا لَهُ: لا تَقُلْ عَنِ الحَسَنِ. قالَ أبُو داوُدَ: هذا الحَدِيثُ عِنْدَنا باطِلٌ. قالَ أَبُو داوُدَ: كانَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ يَحْتَكِرُ النَّوى والخَبَطَ والبِزْرَ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ يُونُسَ يَقُولُ سَأَلْت سُفْيانَ، عَنْ كَبْسِ القَتِّ فَقال: كانُوا يَكْرَهُونَ الحُكْرَةَ وَسَأَلْتُ أَبا بَكْرِ بْنَ عَيّاشٍ فَقال: أَكْبِسْهُ (¬2). * * * باب في (¬3) النهي عن الحكرة [3447] (حدثنا وهب بن بقية، حدثنا خالد) بن عبد الله (عن عمرو ابن يحيى) بن عمارة بن أبي حسن المازني، روى له الجماعة (عن محمد ابن عمرو بن عطاء) بن عياش القرشي، كانوا يتحدثون في حياته أن ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1605). (¬2) قال الألباني: ضعيف الإسناد مقطوع. (¬3) من (ل).

الخلافة تفضي إليه لهيبته ومروءته وعقله (عن سعيد بن المسيب، عن معمر بن أبي معمر) القرشي العدوي من مهاجرة الحبشة، وهو معمر بن عبد الله بن نافع، ومعمر هذا من الصحابة الذين لم يرو عنهم غير سعيد بن المسيب، أسلم قديمًا وهاجر إلى الحبشة، وهو (أحد بني عدي بن كعب) العدوي ومن شيوخهم، عمر طويلًا له حديث الاحتكار الآتي (¬1)، وحديث في البيع (¬2). (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يحتكر إلا خاطئ) أي مذنب عاصٍ (¬3) (¬4) وهو اسم فاعل من خطئ (¬5) بكسر العين، وهمز اللام، يخطأ بفتح العين، خطئا في المصدر بكسر الفاء، وسكون العين: إذا أثم في فعله، على وزن: علم، يعلم، علمًا. والاسم منه: الخطأ بفتح الخاء والطاء، وأخطأ إذا سلك سبيل خطأ عامدًا، أو غير عامد. قاله أبو عبيد وقال: سمعت الأزهري يقول: خطئ إذا تعمد، وأخطأ إذا لم يتعمد (¬6)، وهكذا رواية مسلم (¬7) والترمذي (¬8) وغيره، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" من حديث حماد ابن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة عنه بلفظ: "من ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 28/ 314 (6106). (¬2) رواه مسلم (1592). (¬3) في (ل): (عاصي). (¬4) بعدها في (ل)، (ر): نسخة: إلا خاط. (¬5) سقط من (ل)، (ر). والمثبت من "المفهم". (¬6) انظر: "المفهم" للقرطبي 4/ 520. (¬7) (1605). (¬8) (1267).

احتكر يريد أن يغالى (¬1) بها على (¬2) المسلمين، فهو خاطئ، وقد برئ منه ذمة الله تعالى" (¬3). قال أصحابنا: يحرم الاحتكار في الأقوات، وهو: أن يبتاع في وقت الغلاء ويمسكه ليزداد في ثمنه، فلو لم يمسكه لم يكن ادخارًا (¬4). قال محمد بن عمرو (فقلت لسعيد) بن المسيب (فإنك تحتكر. قال: ومعمر كان يحتكر) واحتكار سعيد ومعمر يدل على أن الاحتكار ليس على عمومه، وإنما الكلام فيما يخرج منه، وفي الصحيح أن إنسانًا (¬5) قال لسعيد: فإنك تحتكر. قال ابن عبد البر وآخرون: إنما كانا يحتكران الزيت (¬6)، وحملا الحديث على احتكار القوت عند الحاجة إليه، وكذا حمله الشافعي وأبو حنيفة وآخرون وهو الصحيح (¬7). (قال أبو داود: سألت أحمد) بن حنبل (ما الحكرة؟ ) بضم الحاء المهملة، وسكون الكاف، وهو حبس السلع عن البيع، هذا مقتضى العلة (قال: ما فيه عيش الناس) أي حياتهم وقوتهم وهو المقتات دون غيره من الأقوات. قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن أبي شيء ¬

_ (¬1) في "المستدرك": (يتغالى). (¬2) سقط من (ل)، (ر)، والمثبت من "المستدرك". (¬3) "المستدرك" 2/ 12. (¬4) "التنبيه في الفقه الشافعي" ص 96. (¬5) في (ر): أنسًا، والمثبت من (ل)، ورواه كذلك البيهقي 6/ 29 وعزاه لمسلم، ورواه مسلم (1605) بلفظ: قيل لسعيد. (¬6) "الاستذكار" 20/ 72. (¬7) انظر: "شرح مسلم" للنووي 11/ 43.

الاحتكار؟ قال: إذا كان من قوت الناس فهو الذي يكره. وهذا قول عبد الله بن عمرو (¬1). ويدل على عدم عموم الحديث احتكار سعيد بن المسيب، ومعمر في الزيت وهم راويا الحديث. (قال الأوزاعي (¬2) المحتكر: من يعترض السوق) أي ينصب نفسه للتردد إلى الأسواق؛ ليشتري منها الطعام الذي يحتاجون إليه؛ ليحتكره. وإطلاق الغزالي يقتضي أنه متى ادخره للغلاء كان حرامًا. قال السبكي: الذي ينبغي أن يقال (في ذلك) (¬3) أنه إن منع غيره من الشراء وحصل به ضيق حرم، وإن كانت الأسعار رخيصة، وكان القدر الذي يشتريه لا حاجة بالناس إليه، فليس لمنعه من شرائه وادخاره إلى وقت حاجة (¬4) الناس إليه معنىً. قال القاضي حسين والروياني: وربما يكون هذا حسنة ينفع به الناس. وقطع المحاملي في "المقنع" باستحبابه. والمفهوم من قوله: يعترض السوق أنه إذا (¬5) جاءته غلة من ضيعته فلا يتجه المنع بحال. قال أصحابنا: الأولى أن يبيع ما فضل عن كفايته (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" 4/ 305. (¬2) زاد هنا في (ر): عن. ولا وجه لها. (¬3) سقط من (ر). (¬4) في (ل): الحاجة. والمثبت من (ر). (¬5) سقطت من (ر). (¬6) انظر: "روضة الطالبين" 3/ 413.

قال السبكي: أما إمساكه حالة استغناء الناس كلهم عنه؛ رغبة في أن يبيعه لهم وقت حاجتهم إليه، فينبغي أن لا يكره بل يستحب. [3448] (حدثنا محمد بن يحيى بن فياض) الزماني الحنفي البصري، قال الدارقطني: بصري ثقة. قدم دمشق سنة ست وأربعين ومائتين فحدث بها (¬1) (حدثنا أبي) يحيى بن فياض الزماني بالزاي المعجمة، وليس لهم الرماني بالراء المهملة إلا رجل من أهل واسط تابعي. (وحدثنا ابن المثنى، حدثنا يحيى بن فياض) أيضًا قالا: (حدثنا همام، عن قتادة قال: ليس (¬2) في التمر) بمثناة وسكون، يعني إذا ادخره لعياله (حكرة) وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخر لأهله قوت سنتهم من تمر وغيره، ولا خلاف في أن ما يدخره الإنسان من قوت، وما يحتاجون إليه من سمن وعسل، وغير ذلك جائز لا بأس به. (قال ابن المثنى: قال) يحيى راويه (عن الحسن: فقلنا له: لا تقل عن الحسن) وإلى الحسن البصري. (قال أبو داود: هذا الحديث عندنا باطل) لا أصل له. (وكان سعيد بن المسيب يحتكر النوى) أي نوى التمر (والخبط) بفتح الباء، وهو: الورق الساقط من خبط الأشجار بالعصا وهو من علف الإبل (والبزر) بكسر الباء. فيه أن النهي عن الاحتكار ليس على عمومه وإطلاقه، بل هو مقيد بغير الأقوات مما لا تعم الحاجة إليه كالثياب ونحوها. ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 642. (¬2) في (ل)، (ر): أليس. والمثبت من المطبوع.

قال القاضي حسين: إن الناس إذا كانوا يحتاجون إليها لشدة البرد غاية الاحتياج، أو لستر العورة فيكره لمن هو عنده إمساكه. قال السبكي: إن أراد كراهة تحريم فظاهر، وإن أراد كراهة تنزيه فبعيد، والأصحاب كالمتفقين على أن ذلك لا يتعدى إلى غير الأقوات، لكن الغزالي (¬1) في "الإحياء" قال: ما ليس بقوت ولا معين على القوت، فلا يتعدى النهي إليه، وإن كان مطعومًا وما يعين على القوت كالملح والفواكه وما يسد مسد شيء من القوت في بعض الأحوال، وإن كان لا يمكن المداومة عليه فهو في محل (¬2) النظر، فمن العلماء من طرد التحريم في السمن والعسل والشيرج والجبن (¬3) والزيت وما يجري مجراه، وأما القوت فيحتمل (¬4) طرد النهي في جميع الأقوات عن الاحتكار. قال السبكي: ويحتمل أن يخصص بوقت قلة الطعام وحاجة الناس إليه، فإذا كان زمان قحط، كان في ادخار العسل والسمن والشيرج وأمثالها إضرار فينبغي أن يقضى بتحريمه، وإذا لم يكن إضرار فلا يخلو احتكار الأقوات عن كراهة (¬5). (قال أبو داود: وسمعت أحمد) بن عبد الله (بن يونس) اليربوعي ¬

_ (¬1) زاد هنا في (ر): قال: (¬2) في (ر): حجل. (¬3) في (ر): الخبز. والمثبت من (ل) و"الإحياء". (¬4) في (ل)، (ر): (فيحمل). والمثبت من "الإحياء". (¬5) انظر: "إحياء علوم الدين" 2/ 73 والفقرة الأخيرة التي نسبها المصنف إلى السبكي، هي من كلام الغزالي.

الحافظ (قال: سألت سفيان) بن سعيد الثوري (عن كبس) بفتح الكاف وإسكان الباء الموحدة (القت) بفتح القاف وتشديد التاء المثناة، واحدة قتة مثل تمرة وتمر، وهو الجاف (¬1) من النبات المعروف بالفِصفِصة بكسر الفاءين وإهمال الصادين، فما دام رطبًا فهو الفصفصة، فإذا جف فهو القت، ويسمى القضب قال الله تعالى {وَقَضْبًا} (¬2) سمي بذلك لأنه لا يزال يجز ويقضب أي يقطع، والقت كلمة فارسية عربت، فإذا قطعت الفصفصة كبست وضم بعضها على بعض إلى أن تجف وتباع لعلف الدواب كما يفعل بالبرسيم في بلاد مصر ونواحيها. (قال: كانوا يكرهون الحكرة) أخذ بعموم النهي عن الاحتكار وإطلاقه مطلقًا جماعة منهم ابن حبيب من المالكية (¬3) (وسألت أبا بكر) قال البخاري: قال إسحاق: سمعت أبا بكر يقول: اسمي وكنيتي واحد. وقال البخاري: قال بعضهم: اسمه شعبة ولا يصح (¬4) (ابن عياش) مولى واصل الأحدب (¬5) روى عنه البخاري، عن كبس القت. (فقال: اكبسه) بكسر الباء. ¬

_ (¬1) في (ر): الجان. (¬2) عبس: 28. (¬3) انظر: "البيان والتحصيل" 7/ 360. (¬4) انظر: "الهداية والإرشاد في معرفة أهل الثقة والسداد" للكلاباذي 2/ 829. (¬5) في (ر): الحدب. والمثبت من (ل).

14 - باب في كسر الدراهم

14 - باب في كسْرِ الدَّراهمِ 3449 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حدثنا مُعْتَمِرٌ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ فَضاءٍ يُحَدِّث، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ قال: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُكْسَرَ سِكَّةُ المُسْلِمِينَ الجائِزَةُ بَيْنَهُمْ إِلا مِنْ بَأْسٍ (¬1). * * * باب في كسر الدراهم [3449] ([حدثنا أحمد بن حنبل] (¬2) حدثنا معتمر (¬3) قال: سمعت محمد بن فضاء) بفتح الفاء والضاد المعجمة (يحدث عن أبيه) فضاء ابن خالد الجهضمي (عن علقمة بن عبد الله، عن أبيه) عبد الله بن سنان المزني الصحابي -رضي الله عنه- (قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تكسر سكة) بكسر السين المهملة (المسلمين) أي: الدراهم المضروبة على السكة الحديد المنقوشة التي يطبع عليها الدراهم والدنانير، قيل: نهى عن ذلك لما فيه من إضاعة المال بنقص فئة الدراهم إذا كسرت، فعلى هذا لو أبطل السلطان المعاملة التي ضربها السلطان الذي قبله وأخرج سكة غيرها وبطلت المعاملة بها جاز كسر تلك الدراهم التي أبطلت وسبكها لإخراج الفضة التي فيها، وقد يحصل في كسرها وسبكها ربح كثير لفاعله، فعلى هذا يجوز كسر هذِه الدراهم. وعن أبي العباس بن سريج: أنهم كانوا يقرضون أطراف الدراهم ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (2263)، وأحمد 3/ 419. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (4706). (¬2) سقط من (ل)، والمثبت من (ر). (¬3) في (ر)، (ل) (معمر)، والصواب ما أثبتناه.

والدنانير بالمقراض التي يتعامل فيها بالعدد ويخرجونه على سعره الذي أخذوه به، ويجمعون من تلك القراضة شيئًا كثيرًا بالسبك كما هو معهود اليوم في المملكة الشامية وغيرها، وهذِه الفعلة هي التي نهى الله عنها قوم شعيب بقوله: {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} (¬1). فقالوا: أتنهانا أن نفعل في أموالنا يعني الدراهم والدنانير التي من جملة أموالنا ما نشاء بالقرض منها، ولم ينتهوا عن ذلك، فأخذتهم الصيحة أي صيحة جبريل التي هلكوا منها (¬2) جميعًا. فنسأل الله العافية. (الجائزة) يشبه أن يراد بها الرائجة في المعاملة (بها بين المسلمين؛ ) فإن كانت المعاملة بنقود متعددة فكسر النقد الغالب أشد كراهة من غيره (إلا من بأس) كما إذا كانت الدراهم التي عليها السكة زيفًا تروج على المسلمين، وزاد الحاكم في "المستدرك": نهى أن تكسر الدراهم فتجعل فضة وتكسر الدنانير فتجعل ذهبًا (¬3). وضعفه ابن حبان (¬4)، وفي معنى كسر الدراهم والدنانير كسر الفلوس التي عليها سكة الإمام لا سيما إذا راجت مراج النقدين، وربما قلت الدراهم وراجت الفلوس أكثر منها (¬5) ففي كسرها وسبكها أواني تضييق للمعاملة لا سيما في الأشياء التافهة كباقة نرجس وحزمة سلق ونحو ذلك. ¬

_ (¬1) الأعراف: 85. (¬2) سقط من (ر)، (ل) والمعنى يقتضيها. (¬3) "المستدرك" 2/ 31. (¬4) "المجروحين" 2/ 274. (¬5) في (ر): ثمنها.

15 - باب في التسعير

15 - باب في التَّسْعيرِ 3450 - حدثنا محَمَّد بْن عُثْمانَ الدِّمَشْقيُّ أَنَّ سُلَيْمانَ بْنَ بِلالٍ حَدَّثَهُمْ، حَدَّثَني العَلاء بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا جاءَ فَقال: يا رَسُولَ اللهِ سَعِّرْ. فَقالَ: "بَلْ أَدْعُو". ثمَّ جاءَهُ رَجُلٌ فَقال: يا رَسُولَ اللهِ سَعِّرْ فَقالَ: "بَلِ اللهُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ وَإِنّي لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللهَ وَلَيْسَ لأحَدٍ عِنْدي مَظْلَمَةٌ" (¬1). 3451 - حدثنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حدثنا عَفّانُ، حدثنا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنا ثابِتُ، عَنْ أَنَسٍ وَقَتادَةُ وَحُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ قال: قال النّاسُ: يا رَسُولَ اللهِ غَلا السِّعْرُ فَسَعِّرْ لَنا. فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ هُوَ المُسَعِّرُ القابِضُ الباسِطُ الرّازِقُ وَإِنّي لأرْجُو أَنْ أَلْقَى اللهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُطالِبُني بِمَظْلَمَةٍ في دَمٍ وَلا مالٍ" (¬2). * * * باب في التسعير [3450] (حدثنا محمد بن عثمان) أبو الجماهر (الدمشقي) الكفرسوسي، وثقه أبو حاتم، وقال عثمان الدارمي: هو أوثق من أدركنا بدمشق مجتمعين على صلاحه (¬3) (أن سليمان بن بلال) القرشي التيمي، روى له الجماعة (حدثهم، قال: حدثني العلاء بن عبد ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 337، وأبو يعلى 11/ 401 (6521)، والطبراني في "الأوسط" 1/ (427). وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (2836). (¬2) رواه الترمذي (1314)، وابن ماجه (2200)، وأحمد 3/ 286. وصححه الألباني في "المشكاة" (2894). (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 28/ 100.

الرحمن) مولى الحرقة، أحد الأئمة (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحرقة، روى له مسلم. (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رجلًا جاء) إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فقال: يا رسول الله، سعر) التسعير هو أن يأمر السلطان، أو نائبه، أو كل من ولي أمرًا من أمور المسلمين أهل السوق أن لا يبيعوا أمتعتهم إلا بسعر كذا، إما بمنع الزيادة لمصلحة العامة، وإما بمنع النقصان لمصلحة أهل السوق. (فقال: بل أدعو) الله وأسأله من فضله. (ثم جاء رجل، فقال: يا رسول الله، سعر) لنا. (فقال: بل الله يخفض) الأسعار إذا شاء، أي: يضعها (ويرفع) السعر إذا شاء. وروى البزار من رواية علي -رضي الله عنه-: قيل: يا رسول الله، قوِّم لنا السعر. فقال: "غلاء السعر، ورخصه بيد الله تعالى" (¬1). وفي سنده الأصبغ بن نباتة، وثقه العجلي (¬2). وروى الطبراني في "الكبير" عن ابن نضيلة (¬3): قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - عام سنة: سعِّر لنا يا رسول الله. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يسألني الله عن ¬

_ (¬1) "مسند البزار" (899). (¬2) "معرفة الثقات" 1/ 234. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 4/ 100: ضعفه الأئمة، وقال بعضهم: متروك. (¬3) ذكر ابن الأثير في "أسد الغابة" 3/ 568 أن اسمه: عبيد بن نضيلة الخزاعي وذكر هذا الحديث في ترجمته، وذكر ابن حجر في "الإصابة" 3/ 535 أن اسمه: طلحة بن نضيلة، فالله أعلم بالصواب.

سَنَةٍ أجدبها عليكم لم يأمرني بها، ولكن اسألوا الله من فضله" (¬1). (وإني لأرجو أن ألقى الله) تعالى (وليس لأحد عندي مظلمة) قال بدر الدين محمد بن مالك في شرحه لقصيدة والده في أبنية الأفعال: يقال في المصدر من ظَلَم يظلِم: مظلَمة ومظلِمة بالفتح وهو القياس، وبالكسر وهو شاذ. وفي رواية البزار المتقدمة: "أريد أن ألقى ربي وليس أحد يطلبني بمظلمة ظلمتها إياه". [3451] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عفان) بن مسلم الصفار (حدثنا حماد بن سلمة) (¬2) بن عبد الله الباهلي من رجال مسلم (حدثنا ثابت) البناني (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- و) أخبرنا (قتادة وحميد، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال الناس: يا رسول الله، غلا السعر فسعر لنا. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله هو المسعر) ثبت في هذا الحديث الذي رواه أحمد (¬3) والترمذي (¬4) وابن ماجه (¬5) والدارمي (¬6) والبزار (¬7) وأبو ¬

_ (¬1) ذكره الهيثمي في "المجمع" 4/ 100 بلفظ: سُنةٍ أحدثتها. وقال: رواه الطبراني في "الكبير" وفيه بكر بن سهل الدمياطي، ضعفه النسائي، ووثقه غيره، وبقية رجاله ثقات. (¬2) بعدها في (ل، ر): نسخة: حدثنا محمد بن سلمة. (¬3) "المسند" 3/ 286. (¬4) (1314). (¬5) (2200). (¬6) 3/ 1658 (2587). (¬7) 13/ 469 (7260).

يعلى (¬1): أن المسعر من أسماء الله تعالى؛ فإن أسماء الله تعالى ليست منحصرة في التسعة والتسعين، والصحيح من المذاهب الثلاثة أن أسماء الله توقيفية، وهو قول أبي الحسن الأشعري: أنه لا يجوز إطلاق شيء من الأسماء والصفات على الله تعالى إلا بإذن من الكتاب والسنة أو الإجماع، ولا مدخل للقياس على أسمائه، ولا يتعدى ما ورد به الشرع. (القابض الباسط) قابض الرزق بحكمته، وباسطه بجوده ورحمته، وقد يخص العلماء القابض الباسط بالرزق لقوله: {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ} (¬2)، ويعنون بالرزق: المقتات وما كان في معناه، فالمعطي هو الباسط، والمانع هو القابض (الرازق) القائم لكل نفس بما يقوتها، فرزق الأجسام الغذاء، وغذاء الأفلاك الحركة، ورزق النفوس العلوم، ورزق العقول الشهود، ويقال: من دعاء داود عليه السلام (يا رازق (¬3) النعاب في عشه) والنعاب بالنون والعين المهملة آخره باء موحدة هو: فرخ الغراب (¬4). (وإني لأرجو أن ألقى الله) تعالى (وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة) [أي: بظلم له (بدم [ولا مال]) (¬5) بتخفيف الميم في دم ورواية] (¬6) الطبراني في "الأوسط" عن أبي سعيد: يطلبني بمظلمة في مال ولا ¬

_ (¬1) 5/ 245 (2861). (¬2) الرعد: 26. (¬3) في (ر): بأرزاق. (¬4) انظر: "لسان العرب" 1/ 764. (¬5) من المطبوع. (¬6) ما بين المعقوفين سقط من (ر).

نفس، وقال: رجاله رجال الصحيح. استدل به على أن التسعير حرام. ووجه الدليل أنه جعل التسعير مظلمة والظلم حرام (¬1)، ولقوله: "إن الله هو المسعر" يعني لا غيره ففيه دلالتان، ولأن الناس مسلطون على أموالهم، وفي التسعير حجر عليهم، ولأن الإمام مأمور برعاية مصلحة الكافة، وليس نظره في مصلحة المشتري برخص الثمن أولى من نظره في مصلحة البائع (¬2) بوفور الثمن، فإذا تقابل الأمران وجب تمكين الفريقين من الاجتهاد لأنفسهم، ولذلك جعله (¬3) - صلى الله عليه وسلم - ظلمًا على ما يُفهمه الحديث؛ لأن فيه إلزامه ببيع سلعته بما لا يرضاه وهو ينافي قوله: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (¬4)، والصحيح أنه لا فرق بين حالة الغلاء والرخص، و (¬5) لا بين المجلوب وغيره لعموم الحديث، وبه قال أبو حنيفة والجمهور (¬6)، [ووراء ذلك وجهان ضعيفان: أحدهما: في وقت الغلاء ووجه أنه يجوز رفقًا بالضعفاء وهو مخالف للحديث؛ لأنه ورد في حال غلاء السعر وبسببه طُلب منه التسعير، وحيث قلنا: لا يجوز، وهو الأصح فسعَّر ووقع البيع بما سعَّر به، فلو باعوا كارهين للسعر صح غير أنا نكره الابتياع منهم إلا ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) سقط من (ر)، (ل) وأثبتها من "عون المعبود" 9/ 230. (¬3) في (ر)، (ل) (جعل) ولعل المثبت هو الموافق للمعنى. (¬4) النساء: 29. (¬5) سقط من (ر). (¬6) انظر: "البيان" للعمراني 5/ 354.

إذا علم طيب نفوسهم. قاله الماوردي (¬1)، ونقل عن مالك جواز التسعير (¬2)، فمنهم من يخصه بحالة الغلاء كما هو وجه عندنا، ومنهم من يطلق ويجعله بحيث المصلحة، (وأجاب) (¬3) أصحابنا بأنه لا مصلحة في ذلك، بل فيه مفسدة وهو انقطاع الجلب، وللحديث، فإنه إنما امتنع في حالة الغلاء، فأما حالة الرخص فأولى] (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: "الحاوي الكبير" 5/ 411. (¬2) انظر: "فتح العزيز شرح الوجيز" للرافعي 8/ 217، "البيان" للعمراني 5/ 354. (¬3) سقط من (ر). (¬4) هذِه الفقرة غير واضحة في (ل) وأثبتها هكذا من (ر).

16 - باب في النهي عن الغش

16 - باب في النَّهْي عَنِ الغِشِّ 3452 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، حدثنا سُفْيان بْن عُيَيْنَةَ، عَنِ العَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِرَجُلٍ يَبِيعُ طَعامًا فَسَأَلَهُ: "كَيْفَ تَبِيعُ؟ ". فَأَخْبَرَه فَأُوحيَ إِلَيْهِ أَنْ أَدْخِلْ يَدَكَ فِيهِ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ فَإِذا هُوَ مَبْلُولٌ فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ مِنّا مَنْ غَشَّ" (¬1). 3453 - حدثنا الحَسَن بْن الصَّبّاحِ، عَنْ عَليٍّ، عَنْ يَحْيَى قالَ: كانَ سُفْيانُ يَكْرَهُ هذا التَّفْسِيرَ لَيْسَ مِنّا لَيْسَ مِثْلَنا (¬2). * * * باب في النهي عن الغش [3452] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا سفيان بن عيينة، عن العلاء، عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحرقة (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) انطلق إلى بقيع المصلى. رواه أحمد (¬3). و (مر برجل يبيع طعامًا، فسأله: كيف تبيع؟ ) فيه السؤال عن السعر، وإن لم يشتر منه. (فأخبره) بسعره (فأوحي) بضم الهمزة، وكسر الحاء أي: أوحى الله تعالى (إليه أن) بفتح الهمزة تفسيرية (أدخل) بفتح الهمزة (يدك فيه) [أي في داخل الصبرة منه وفي رواية الطبراني: فأدخل يده فيه (¬4) فإذا هو ¬

_ (¬1) رواه مسلم (102). (¬2) قال الألباني: صحيح الإسناد مقطوع. (¬3) "المسند" 3/ 466 من حديث أبي بردة بن نيار. (¬4) سقط من (ر)، والحديث عند الطبراني في "الأوسط" (2490) من حديث ابن عمر.

مبلول. وفي رواية الطبراني في "الأوسط": فأخرج طعامًا رطبًا (¬1)، رواية مسلم: فأدخل أصابعه فيها فنالت أصابعه بللًا، فقال: "ما هذا يا صاحب الطعام؟ " فقال: أصابته السماء يا رسول الله. قال: "أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس" الحديث (¬2). والسماء هنا المطر؛ سمي بذلك لنزوله من السماء (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ليس منا من غش) رواية مسلم: "من غشنا فليس منا". رواية الطبراني في "الكبير": "من غش المسلمين فليس منهم" (¬3). والغش ضد النصيحة، وهو بكسر الغين، وأصله من اللبن المغشوش أي: المخلوط بالماء تدليسًا. [3453] (حدثنا الحسن بن الصباح، عن علي) بن المديني (عن يحيى) بن زكريا بن أبي زائدة (قال: كان سفيان) بن عيينة (يكره هذا التفسير) يعني أن (ليس منا) معناه (ليس مثلنا) أو ليس على هدينا أو سيرتنا الكاملة، ويقول: بئس هذا القول، يعني: بل يمسك عن تأويله؛ ليكون أوقع في النفوس، وأبلغ في الزجر، والأولى أن يقول: ليس بمسلم بل هو كافر، فيترك على ظاهره بلا تأويل، وإن كان في الحقيقة مؤولًا؛ لأن مذهب أهل الحق، أن لا يكفر أحد من المسلمين بارتكاب كبيرة ما عدا الشرك، والجمهور على التأويل (¬4). ¬

_ (¬1) 4/ 123 (3773) من حديث أنس. (¬2) "صحيح مسلم" (102). (¬3) 18/ 359 (15631). (¬4) انظر: "شرح مسلم" للنووي 2/ 108.

17 - باب في خيار المتبايعين

17 - باب في خِيارِ المُتَبايِعَيْنِ 3454 - حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "المُتَبايِعانِ كُلُّ واحِدٍ مِنْهُما بِالخِيارِ عَلَى صاحِبِهِ ما لَمْ يَفْتَرِقا إِلَّا بَيْعَ الخِيارِ" (¬1). 3455 - حدثنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حدثنا حَمّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَعْناهُ قالَ: "أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُما لِصاحِبِهِ اخْتَرْ" (¬2). 3456 - حدثنا قُتَيْبَة بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا اللَّيْثُ، عَنِ ابن عَجْلانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "المُتَبايِعانِ بِالخِيارِ ما لَمْ يَفْتَرِقا إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيارٍ وَلا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفارِقَ صاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ" (¬3). 3457 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا حَمّادٌ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبي الوَضيءِ قال: غَزَوْنا غَزْوَةَّ لَنا فَنَزَلْنا مَنْزِلًا فَباعَ صاحِبٌ لَنا فَرَسًا بِغلامٍ ثُمَّ أَقاما بَقِيَّةَ يَوْمِهِما وَلَيْلَتِهِما فَلَمّا أَصْبَحا مِنَ الغَدِ حَضَرَ الرَّحِيل فَقامَ إِلَى فَرَسِهِ يُسْرِجُهُ فَنَدِمَ فَأَتَى الرَّجُلَ وَأَخَذَهُ بِالبَيْعِ فَأَبَى الرَّجُلُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَيْهِ فَقال: بَيْني وَبَيْنَكَ أَبُو بَرْزَةَ صاحِبُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَتَيا أَبا بَرْزَةَ في ناحِيَةِ العَسْكَرِ فَقالا لَهُ هذِه القِصَّةَ. فَقال: أَتَرْضَيانِ أَنْ أَقْضيَ بَينَكما بِقَضاءِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "البَيِّعانِ بِالخِيارِ ما لَمْ يَتَفَرَّقا". ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2107)، ومسلم (1531). (¬2) رواه البخاري (2109)، ومسلم (1531). (¬3) رواه الترمذي (1247)، والنسائي 7/ 251، وأحمد 2/ 183. وحسنه الألباني في "الإرواء" (1311).

قالَ هِشامُ بْن حَسّانَ: حَدَّثَ جَمِيلٌ أَنَّهُ قال: ما أراكما افْتَرَقْتما (¬1). 3458 - حدثنا محَمَّدُ بْنُ حاتِمٍ الجَرْجَرائيُّ، قالَ مَرْوان الفَزاريُّ أَخْبَرَنا عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ قالَ: كانَ أَبُو زُرْعَةَ إِذا بايَعَ رَجُلًا خَيَّرَهُ قال: ثمَّ يَقول: خَيِّرْني وَيَقُول سَمِعْتُ أَبا هُرَيْرَةَ يقولُ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَفْتَرِقَنَّ اثْنان إِلَّا عَنْ تَراضٍ" (¬2). 3459 - حدثنا أبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسيُّ، حدثنا شعْبَة، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَبي الخَلِيلِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الحارِثِ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزامٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "البَيِّعانِ بِالخِيارِ ما لَمْ يَفْتَرِقا فَإِنْ صَدَقا وَبَيَّنا بُورِكَ لَهُما في بَيْعِهِما وَإِنْ كَتَما وَكَذَبا مُحِقَتِ البَرَكَةُ مِنْ بَيْعِهِما". قالَ أبُو داوُدَ: وَكَذَلِكَ رَواهُ سَعِيدُ بْنُ أَبي عَرُوبَةَ وَحَمّادٌ وَأَمّا هَمّامٌ فَقالَ: "حَتَّى يَتَفَرَّقا أَوْ يَخْتارَ". ثَلاثَ مِرارٍ (¬3). * * * باب في خيار المتبايعَين بفتح العين على التثنية كما سيأتي في الحديث. [3454] (حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك) بن أنس إمام دار الهجرة. ورواه في "الموطأ" ولم يعمل به (¬4). قال: لأن عمل أهل ¬

_ (¬1) رواه الترمذي إثر حديث رقم (1246)، وابن ماجه (2182)، وأحمد 4/ 425. وصححه الألباني. (¬2) رواه الترمذي (1248)، وأحمد 2/ 536. وصححه الألباني في "الإرواء" (1283). (¬3) رواه البخاري (2079)، ومسلم (1532). (¬4) "الموطأ" (2473).

المدينة بخلافه (¬1)، فلم يكن ترك العمل به قدحا (¬2) في الحديث، ولا جرحًا (عن نافع، عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: المتبايعان) يعني البائع والمشتري، واستعمال البائع في المشتري إما على سبيل التغليب، أو لأن كلًّا منهما بائع (كل) مبتدأ (واحد منهما بالخيار) أي: يثبت لكل واحد من المتبايعين خيار المجلس (على صاحبه) الذي عاقده (ما لم يفترقا) رواية: "يتفرقا" بتقديم التاء على الفاء، هكذا رواية الصحيحين (¬3)، ورواية النسائي (¬4): "يفترقا" بتقديم الفاء. ونقل عن ثعلب عن الفضل بن سلمة: افترقا بالكلام وتفرقا بالأبدان. ورده ابن العربي بقوله تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} (¬5)؛ فإنه ظاهر بالتفرق بالكلام لا بالاعتقاد. وأجيب: بأنه من لازمه في الغالب؛ لأن من خالف آخر (¬6) في عقيدته، كان مستدعيًا لمفارقته إياه ببدنه، ولا يخفى ضعف هذا الجواب. والحق حمل كلام (¬7) الفضل على الاستعمال بالحقيقة، وإنما (¬8) ¬

_ (¬1) "الموطأ" 2/ 671. (¬2) في (ر): حتى جاء. (¬3) البخاري (1973) ومسلم (1531). (¬4) "المجتبى" 7/ 248. (¬5) البينة: 4. (¬6) سقط من (ر). (¬7) في (ر، ل): الكلام. (¬8) في (ر، ل): إن.

استعمل أحدهما في موضع الآخر اتساعًا (¬1) (إلا بيع) بالنصب (الخيار) يعني فلا يحتاج إلى التفرق بالأبدان، بل يلزم العقد إذا اختارا في المجلس بعد تمام العقد ومفارقة المجلس إمضاءَ البيع. قال النووي: وهذا أصح الأقوال الثلاثة التي ذكرها أصحابنا وغيرهم. والقول الثاني أن معناه: إلا بيعًا شرط فيه خيار الشرط ثلاثة أيام، أو دونها فلا ينقضي الخيار فيه بالمفارقة، بل يبقى حتى تنقضي المدة المشروطة. والثالث أن معناه: إلا بيعًا شرط فيه أن لا خيار لهما في المجلس، فيلزم البيع بنفس العقد، ولا يكون فيه خيار (¬2). [3455] (حدثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة المنقري التبوذكي (حدثنا حماد) بن سلمة (عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر) رضي الله عنهما (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمعناه) المتقدم. و(قال: أو يقولَ) بإثبات الواو وفتح اللام (¬3) هكذا في جميع الطرق، وفي إثبات الواو وفتح اللام مع جزمه نظر؛ لأنه مجزوم عطفًا على قوله "ما لم يتفرقا"، وهكذا في طرق البخاري ومسلم. قال ابن حجر: ولعل الضمة أشبعت فنشأت الواو، كما أشبعت الكسرة فنشأت الياء في قراءة البزي عن قنبل: {إنه من يتقي ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" 4/ 327. (¬2) انظر: "شرح النووي على مسلم" 10/ 174. (¬3) زاد هنا في (ر). مع جزم، ولا أدري وجهها.

ويصبر} (¬1) في يوسف (¬2). وقال النووي في "شرح المهذب": (أو يقولَ) هكذا هو في الصحيحين و"المهذب" منصوب اللام، و (أو) هنا ناصبة بتقدير: إلا أن يقول، أو إلى أن يقول، ولو كان معطوفًا على (ما لم) لكان مجزومًا ولقال (أو يقل) (¬3). انتهى. أما قول شيخنا ابن حجر: إن الضمة أشبعت، فالإشباع لا يحتمل إلا إذا صحت الرواية بجزم اللام. والرواية إنما جاءت كما قال النووي بنصب اللام. وأما قول النووي: إن (أو) ناصبة بتقدير: إلا أن، أو: إلى أن، فهذا على ما ظهر لي: لا يستقيم به المعنى؛ لأن تقدير الكلام يبقى: المتبايعان يثبت لهما خيار المجلس، ما لم يتفرقا بأبدانهما، إلا أن يقول أحدهما للآخر: اختر إمضاء البيع. وعلى الثاني يكون التقدير: يثبت لهما الخيار ويستمر ما لم يتفرقا إلى أن يقول أحدهما للآخر: اختر، وكذلك المعنى الثالث الذي ذكروه لا يستقيم؛ لأن التقدير يكون: مستمر لهما الخيار ما لم يتفرقا لكن يقول أحدهما للآخر: اختر. والذي يظهر أن معنى (أو) هنا هو المستقر لهما فيما قالوه في العطف من كونها لأحد الشيئين، وأن المصدرية بعدها مضمرة فهي ¬

_ (¬1) يوسف: 90. (¬2) انظر: "فتح الباري" 4/ 328، وانظر قراءة قنبل في "الكشف" لمكي 2/ 18. (¬3) انظر: "المجموع" 9/ 175.

عاطفة على مصدر متوهم، وهذا من العطف على التوهم، ولذلك اشترط أن يكون قبلها فعل أو اسم في معنى الفعل؛ حتى يدل على المصدر المتوهم. فإذا قلت: لألزمنك أو تقضيني حقي فالتقدير: ليكونن مني لزومٌ (¬1) لك أو قضاء منك لحقي، فقد جاءت (أو) لأحد الشيئين كما هو مقدر لها عن العطف (¬2). وعلى هذا التقدير فـ (ما) في هذا الحديث الداخلة على (لم) زمانية (¬3)، والتقدير: المتبايعان يستمر لهما خيار المجلس ما دام المتبايعان مجتمعين في مجلس العقد، أو قال أحدهما للآخر: اختر، والمعنى: أن الخيار يستمر بأحد شيئين: اجتماع في المجلس، أو قول أحدهما للآخر: اختر. ومثل هذا الحديث قول الشاعر: فسر في بلاد الله والتمس الغنى ... تعش ذا يسار أو تموت فتعذرا فإن المعنى فيه: فسر والتمس الغنى، يكن لك عيش في يسار، أو موت قبل إدراك اليسار فتعذر، إذ لم يكن منك عجز وتقصير، فهي هنا لأحد الشيئين. وهذا عطف على مصدر متوهم سبك من قوله: تعش ذا يسار ولو (¬4) عطف على تعش ذا يسار فجزم، وقال: أو تمت؛ لكان المعنى صحيحًا ¬

_ (¬1) في (ر، ل): لزوما. ولعل المثبت هو الصواب. (¬2) انظر: "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب" لابن هشام الأنصاري ص 624. (¬3) في (ل): الزمانية. (¬4) مطموسة في (ل).

وكذا (¬1) في الحديث لو عطف (أو يقول) (¬2) أو على (ما لم يفترقا) لصح (¬3) المعنى، وكان يكون من عطف الفعل على الفعل، لا من عطف الاسم على الاسم. ويحتمل أن يكون (أو يقول) مفتوح على أن أصله بنون التأكيد، ثم حذفت النون وبقيت الفتحة، والتقدير: ما لم يتفرقا، أو يقولن أحدهما للآخر أختر، كما قيل في قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ} (¬4) على قراءة من فتح الحاء، أن التقدير: ألم نشرحنّ، وكذلك قول الشاعر: لا تهين الفقير [علك أن تر ... كع] (¬5) يومًا، والدهر قد رفعه أن التقدير: لا تهينن الفقير، ثم حذفت النون وهو سائغ صحيح. (أحدهما لصاحبه: اختر) أي: يقول أحدهما للآخر: اختر إمضاء البيع، أو فسخه أو خيرتك. فيقول الآخر: اخترت إمضاءه، أو فسخه، فينقطع خيار المجلس لهما بلا خلاف. فلو قال أحدهما: اخترت إمضاءه؛ انقطع خياره لمن قال: اخترت إمضاء البيع أو فسخه، ويبقى خيار الآخر على الأصح، فلو قالا جميعًا: تخايرنا. أو اخترنا إمضاء العقد أو أمضيناه، أو اخترناه، أو التزمناه، وما أشبهها؛ ¬

_ (¬1) في (ر): وكذلك. (¬2) في (ل): على يقول: أو. (¬3) في (ر): يصح. (¬4) الشرح: 1. (¬5) في (ر): عنك أن ترفع، وانظر: "أساس البلاغة" ص 382، "خزانة الأدب" 11/ 450.

انقطع خيارهما للمجلس، كما ينقطع بالتفرق بأبدانهما عن مجلس العقد. [3456] (حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث) بن سعد (عن) محمد (ابن عجلان) المدني، روى له مسلم. (عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن) جده (عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه-، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا) (¬1) ورواية ابن أبي شيبة، عن ابن أبي مليكة وعطاء قالا: "البيعان بالخيار حتى يفترقا عن رضي" (¬2). وفي رواية عن ابن عباس مرفوعًا: "ما لم يفارقه صاحبه فإن فارقه فلا خيار" (¬3)، والمراد بالتفرق التفرق بالأبدان من المكان لما (¬4) روى البيهقي من رواية عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: "حتى يتفرقا من مكانهما" (¬5). (إلا أن تكون) بالمثناة من فوق (صفقة) بالرفع والنصب، والرفع على أن كان تامة، وصفقة فاعلها، والتقدير: إلا أن يوجد أو يحدث صفقة (خيار) والنصب على أن كان ناقصة واسمها مضمر، وصفقة (¬6) منصوب على أنه خبرها، والتقدير: إلا أن تكون الصفقة صفقة خيار، وقيل غير ذلك. ¬

_ (¬1) بعدها في (ر، ل): نسخة: يتفرقا. (¬2) "المصنف" 4/ 505 (22568). (¬3) رواها البيهقي في "السنن الكبرى" 5/ 270، والحاكم في "المستدرك" 2/ 14 عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما. (¬4) في (ر)، (ل): (لمن). (¬5) "السنن الكبرى" 5/ 271. (¬6) في (ر، ل): صفقته.

ونظير الوجهين في قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (¬1). وسمي عقد البيع صفقة؛ لأنهما كانا إذا تبايعا يصفق أحدهما على يد الآخر. واعلم أن هذِه تدل على ما تقدم عن النووي: أن رواية (أو يقول) بالنصب بتقدير: إلا أن يقول. وفيه رد لما تقدم أن الاستثناء هنا لا يستقيم، ورواية البخاري: "أو يكون بيع خيار" (¬2)، والمعنى: أن المتبايعين إذا قال أحدهما لصاحبه: اختر إمضاء البيع أو فسخه. فاختار إمضاء البيع مثلًا أن البيع يتم وإن لم يتفرقا. وبهذا قال النووي (¬3) والأوزاعي والشافعي وإسحاق وآخرون. وقال أحمد: لا يتم البيع حتى يتفرقا، وقيل: إنه تفرد بذلك، وقيل: المعني بقوله (أو يكون بيع خيار) أي: يشترط الخيار مطلقًا فلا يبطل بالتفرق (¬4). (ولا يحل له) أي: لأحد من المتبايعين (أن يفارق صاحبه) يعني: الآخر الذي عاقده (خشية) منصوب على المفعول أي: لأجل (أن يستقيله) استدل به أحمد على إبطال الحيل، وهو: أن يقصد بالمفارقة إبطال حق أخيه من الخيار، ولم توضع المفارقة لذلك، إنما وضعت؛ ليذهب كل واحد منهما في حاجته ومصلحته، أو يطلب منه الإقالة في العقد. ¬

_ (¬1) النساء: 29. (¬2) (2003). (¬3) انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي 10/ 175. (¬4) انظر: "فتح الباري" 4/ 328.

استدل به مالك وأبو حنيفة على (¬1) أن خيار المجلس لا يثبت للمتعاقدين، بل يلزم البيع بنفس الإيجاب والقبول (¬2)، قالوا: لأن في هذا الحديث دليل على أن صاحبه لا يملك الفسخ إلا من جهة الاستقالة، وقياسًا على النكاح والخلع وغيرهما، ولأنه خيار مجهول؛ لأن مدة المجلس مجهولة، فأشبه ما لو شرطنا خيارًا مجهولًا. واحتج أصحابنا والجمهور بالأحاديث المتقدمة والآتية، وأجاب أصحابنا عن هذا الحديث بأنه دليل لنا، وكذا جعله الترمذي في "جامعه" دليلًا لإثبات خيار المجلس، وأنه بالأبدان لا بالكلام. قال: ومعنى هذا الحديث أن يفارقه بعد البيع خشية أن يستقيله. قال: ولو كانت الفرقة بالكلام، ولم يكن له خيار بعد البيع لم يكن لهذا الحديث معنى حيث (¬3) قال: "ولا يحل له أن يفارقه خشية أن (¬4) يستقيله" (¬5)، انتهى. واحتج به على (¬6) المخالفين بأن معناه: مخافة أن يختار الفسخ، فعبر بالإقالة عن الفسخ؛ لأنها فسخ. والدليل على هذا شيئان: أحدهما: أنه - صلى الله عليه وسلم - أثبت لكل واحد منهما الخيار ما لم يتفرقا، ثم ذكر الإقالة في المجلس، ومعلوم أن من له الخيار لا يحتاج إلى الإقالة، فدل على أن المراد بالإقالة الفسخ. ¬

_ (¬1) أثبتها ليستقيم المعنى. (¬2) انظر: "شرح مسلم" للنووي 10/ 173. (¬3) في (ر): حين. (¬4) أثبتناها من "سنن الترمذي". (¬5) انظر: "سنن الترمذي" (1247) وانظر: "المجموع" للنووي 9/ 187 - 188. (¬6) سقطت من (ر).

والثاني: أنه لو كان المراد حقيقة الإقالة لم يمنعه من المفارقة مخافة أن يقيله؛ لأن الإقالة لا تختص بالمجلس، والله أعلم (¬1). [3457] (حدثنا مسدد، حدثنا حماد) بن زيد (عن جميل) بفتح الجيم (¬2) (ابن مرة) وثقه النسائي وغيره (¬3). (عن أبي الوضيء) بفتح الواو وكسر الضاد المعجمة بعدهما همزة، واسمه عباد -بتشديد الباء الموحدة- ابن نسيب، بضم النون وفتح السين المهملة، مصغر. وقد قال بعضهم: نسيف بالفاء بدل الباء الموحدة، ولكن القوي عباد بن نسيب القيسي التابعي، كان من فرسان علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- على شرطة الجيش. قال يحيى بن معين: هو ثقة. (قال: غزونا غزوة لنا، فنزلنا منزلًا، فباع صاحب) فرس (لنا فرسًا بغلام) فيه أنه يصح بيع الحيوان بالحيوان، وبيع الجارية بالعبد، والغلام بالفرس، ونحو ذلك. (ثم أقاما) على البيع (بقية يومهما وليلتهما) بنصب ليلتهما، عطف على (بقية) المنصوب بإضافته إلى الظرف، ونظيره حديث البخاري في قصة الخضر وموسى: "ثم سارا بقية يومهما وليلتهما" (¬4). (فلما أصبحا (¬5) من الغد حضر الرحيل) من تلك المنزلة التي باتوا بها (فقام) رواية: قام (إلى فرسه) التي اشتراها (ليسرجه) يسرجه بضم الياء ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع" للنووي 9/ 188. (¬2) في (ر): الميم. (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 5/ 131. (¬4) (4448). (¬5) بعدها في (ل): نسخة: أصبحنا.

يقال: أسرجت الدابة إذا وضعت السرج على ظهرها، وفيه أن الصحابة -رضي الله عنه-، كانوا مهنة أنفسهم في السفر والإقامة، ليس لهم غلمان ولا خدمة. (فندم) وندم على شرائه؛ لما رأى ما يكرهه منها (فأتى الرجل) مفعول (وأخذه) أي أمسكه وطالبه (بالبيع) ليرده عليه (فأبى الرجل أن يدفعه إليه) فيه أن إقالة النادم مستحبة، وليست بواجبة؛ فإن المشتري ندم في بيعه، ولم يقله في بيعه، ولا دفع إليه ما قبضه منه. (فقال: بيني وبينك أبو برزة) بفتح الباء الموحدة، نضلة بفتح النون وسكون الضاد المعجمة بن عبيد الأسلمي. (صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم -) أسلم قديمًا، لم يزل يغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى قبض، فتحول ونزل البصرة. (فأتيا أبا برزة الأسلمي فوجداه في ناحية العسكر) وكان قد غزا خراسان، ومات بها على الأشهر، وفيه دلالة على أن الأمير ينزل في ناحية العسكر؛ ليكون حصنًا على العسكر، ولا ينزل في وسطهم ليكونوا حصنًا له وحراسا. (فقالا له هذِه القصة) المذكورة (فقال: أترضيان أن أقضي) بنصب الياء (بينكما بقضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ) قالا: نعم. (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: البيعان) بتشديد التحتانية -يعني: البائع والمشتري، والبيِّع هو البائع كضيق وضائق وصين وصائن، وليس كبين وبائن فإنهما متغايران كقيم وقائم، واستعمال البائع في المشتري إما على سبيل التغليب، أو لأن كلًّا منهما بائع (بالخيار) اسم من الاختيار أو التخيير، وهو: طلب خير الأمرين من إمضاء البيع أو

فسخه، والمراد بالخيار هنا خيار المجلس، وشريح والشعبي قالا بخيار المجلس (¬1)، وقد وصله سعيد بن منصور، عن هشيم، عن محمد بن علي: سمعت أبا الضحى يحدث: أنه شهد شريحا اختصم إليه رجلان اشترى أحدهما من الآخر دارًا بأربعة آلاف فأوجبها له، ثم بدا له في بيعها قبل أن يفارق صاحبها فقال: لا حاجة لي فيها. فقال البائع: قد بعتك فأوجبت لك. فاختصما إلى شريح فقال: هو بالخيار ما لم يتفرقا. قال محمد: وشهدت الشعبي قضى بذلك (¬2). وعن جرير [عن مغيرة] (¬3) عن الشعبي أنه (¬4) أتى في رجل اشترى برذونا من رجل، فأراد أن يرده قبل أن يتفرقا، فقضى الشعبي أنه وجب البيع، فشهد عنده أبو الضحى أن شريحًا أتى في مثل ذلك، فرده على البائع، فرجع الشعبي إلى قول شريح (¬5). (قال هشام بن حسان) الأزدي الحافظ (حدث جميل) بفتح الجيم بن مرة، عن أبي برزة (أنه قال: ما أراكما) بضم الهمزة أي: أظنكما (افترقتما) أي: لأنهما مجتمعان في تلك المنزلة، وظاهر إطلاقه أن أحدهما لو صلى، أو نام، أو ذهب إلى الخلاء، أو حدث غيره، لا يحصل التفريق بشيء من ذلك. وفيه دلالة لما قاله أصحابنا أنهما لو طال مكثهما أيامًا لم يضر في خيار المجلس. ¬

_ (¬1) انظر: "شرح السنة" للبغوي 8/ 39. (¬2) ذكره ابن حزم في "المحلى" 8/ 354. (¬3) في (ر)، (ل): (بن ضفيرة). (¬4) سقط من (ر)، (ل). (¬5) رواه ابن أبي شيبة 11/ 494 (23018).

ولنا وجه: أن لا تزيد المدة على ثلاثة أيام، ووجه: إن أعرضا عما يتعلق بالعقد، واشتغلا بأمر آخر، وطال الفصل انقطع. لكن لو تبايعا في صحراء وساحة واسعة؛ فينقطع الخيار بتولية أحدهما ظهره والمشي قليلًا انقطع الخيار على الصحيح الذي قطع به الجمهور. والثاني قاله الإصطخري بشرط أن يبعد عن صاحبه، وقيل: لا ينقطع إلا أن يبعد عشرة أذرع، حكاه الجيلي (¬1). [3458] (حدثنا محمد بن حاتم) بن يونس (الجرجرائي) بفتح الجيمين، العابد المعروف قال أبو داود: وكان من الثقات (¬2). (قال مروان) بن معاوية (الفزاري) بفتح الفاء (أخبرنا، [عن يحيى بن أيوب، قال: كان أبو زرعة) هرم -بفتح الهاء وكسر الراء- بن جرير بن عبد الله البجلي] (¬3). (إذا بايع رجلًا حيره) بين الفسخ والإمضاء (قال: ثم يقول) لمن عاقده (خيرني) بين الفسخ والإمضاء. فيه التمسك والعمل بما رواه، أو سمعه، والعمل بما علم، وهكذا كانت سيرة السلف -رضي الله عنهم -. (ويقول) رواية: فيقول (سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وذكر الدارقطني عن أبي الزبير، عن جابر؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى من أعرابي حمل خبط، فلما وجب البيع، قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اختر". فقال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: عمرك الله بيعًا. ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع" 9/ 180. (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 26. (¬3) سقط من (ر).

وعنه في هذا الحديث: فقال الأعرابي: إن رأيت كاليوم مثله بيعًا، عمرك ممن أنت؟ قال: "من قريش" (¬1). وذكر عبد الرزاق عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه أن هذا كان قبل النبوة (¬2). (لا يفترق اثنان إلا عن تراضٍ) رواية: لا يفترقن. قال أبو محمد عبد الحق: روينا من طريق ابن أبي شيبة، عن وكيع، عن قاسم الجعفي (¬3)، عن أبيه، عن ميمون بن مهران، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الصفقة عن تراضٍ، والخيار بعد الصفقة، ولا يحل لمسلم أن يغبن (¬4) مسلمًا" (¬5). وروى ابن أبي شيبة، عن جرير، عن عبد العزيز بن رفيع، عن ابن أبي مليكة وعطاء قالا: البيعان بالخيار حتى يتفرقا عن رضي (¬6). ونقل ابن المنذر القول به أيضًا عن سعيد بن المسيب والزهري وابن أبي ذئب من أهل المدينة (¬7). [3459] (حدثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك (الطيالسي) قال: (حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أبي الخليل) صالح (¬8) ابن أبي مريم، روى له الجماعة. ¬

_ (¬1) "السنن" 3/ 414 (2505). (¬2) "المصنف" 8/ 50 (14261). (¬3) في الأصل (الحنفي). (¬4) في (ر): يغير. (¬5) انظر: "المصنف" 11/ 488 (22864). (¬6) انظر: "المصنف" 11/ 493 (23015). (¬7) "الأوسط" 10/ 225، وانظر: "فتح الباري" 4/ 329. (¬8) في (ر): صاحب.

(عن عبد الله بن الحارث) بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، لقبه ببة، حنكه النبي - صلى الله عليه وسلم -، قيل: أمه كانت تنقزه (¬1)، وتقول: لأنكحن ببة، جارية بنقبة، تسود أهل الكعبة (¬2) (عن حكيم بن حزام) -رضي الله عنه-. (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: البيعان) بتشديد المثناة كما تقدم (بالخيار) اختلف القائلون بأن المراد أن يتفارقا بالأبدان هل التفرق المذكور حد ينتهى إليه؟ والمشهور الراجح من مذاهب العلماء في ذلك أنه موكول إلى العرف، فكل ما عد في العرف تفرقًا حكم به، وما لا فلا (¬3). (ما لم يتفرقا) بأبدانهما (¬4) روي: يختارا (فإن صدقا وبينا) أي: صدق البائع في إخبار المشتري مثلًا، وبيَّن العيب إن كان في السلعة، وصدق المشتري في قدر الثمن مثلًا، وبيَّن العيب إن كان في الثمن، ويحتمل أن يكون الصدق والبيان بمعنى واحد، وذكر أحدهما تأكيدًا للآخر (¬5). (بورك لهما في بيعهما) أي: في الثمن بالنماء، وفي المثمون بدوام الانتفاع به (وإن كتما) العيب (وكذبا) في إخبار المشتري وقدر الثمن. رواية مسلم: "وإن كذبا وكتما" (¬6). وهو الموافق لترتيب ما قبله. (محقت) أي: ذهبت ورفعت (البركة من بيعهما) يحتمل أن يكون ¬

_ (¬1) قال في "لسان العرب" 5/ 419: النَّقَزُ والنَّقَزَانُ كالوَثَبانِ صُعُدًا في مكان واحد. (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 14/ 399. (¬3) انظر: "فتح الباري" 4/ 329. (¬4) بعدها في (ر)، (ل): نسخة: يفترقا. (¬5) انظر: "فتح الباري" 4/ 329. (¬6) (1532).

على ظاهره، وأن شؤم التدليس والكذب وقع في ذلك العقد فمحق (¬1) بركته، وإن كان الصادق مأجورًا والكاذب مأزورًا، ويحتمل أن يكون ذلك مختصًّا بمن وقع منه التدليس والعيب دون الآخر، ورجحه ابن أبي جمرة. وفي الحديث فضل الصدق والحث عليه، وذم الكذب والحث على المنع منه، وأنه سبب لذهاب البركة، وأن عمل الآخرة يحصل به خير الدنيا والآخرة (¬2). (وكذلك رواه سعيد بن أبي عروبة وحماد) بن سلمة (وأما همام) بن يحيى (فقال: حتى يتفرقا أو يختارا) بلفظ الفعل (ثلاث مرار) رواية: ثلاث مرات. قال الكرماني: يحتمل على هذا أن يكون ثلاث متعلقًا بقوله: يختار (¬3). وقال: الموجود في بخيار منكرًا بدون الألف واللام، وهو مكتوب ثلاث مرات، وفي بعضها بإضافته إلى ثلاث مرار (¬4). قال ابن حجر: ولم يصرح همام بمن حدثه بهذِه الزيادة، فإن ثبت فهو على سبيل الاختيار، وقد أخرجه الإسماعيلي من وجهٍ آخر عن حبان بن هلال فذكر هذِه الزيادة في آخر الحديث (¬5). ¬

_ (¬1) في (ل)، (ر): بمحق. (¬2) انظر: "فتح الباري" 4/ 329. (¬3) انظر: "عمدة القاري" 17/ 390. (¬4) "شرح البخاري" 10/ 10. (¬5) انظر: "فتح الباري" 4/ 334.

18 - باب في فضل الإقالة

18 - باب في فَضْلِ الإِقالَةِ 3460 - حدثنا يَحْيَى بْن مَعِينٍ، حدثنا حَفْصٌ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَقالَ مُسْلِمًا أَقالَهُ اللهُ عَثْرَتَهُ" (¬1). * * * باب في فضل الإقالة [3460] (حدثنا يحيى بن معين، حدثنا حفص) بن غياث قاضي الكوفة (عن الأعمش، عن أبي صالح) ذكوان السمان، كان يجلب السمن والزيت إلى الكوفة. (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أقال مسلمًا) زاد ابن حبان: "عثرته" (¬2). وفي رواية لأبي داود في "المراسيل": "من أقال نادمًا" (¬3). وفي رواية الطبراني في "الأوسط": "من أقال أخاه بيعًا" (¬4). ورواته ثقات (¬5). (أقال (¬6) الله عثرته) زاد ابن حبان: "يوم القيامة" (¬7). ورواه الحاكم وقال: صحيح على شرطهما (¬8). وفي رواية: "من أقال مسلمًا صفقة كرهها" (¬9). ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (2199)، وعبد الله بن أحمد في زوائده على "المسند" 2/ 252. وصححه الألباني في "الإرواء" (1334). (¬2) "صحيح ابن حبان" 11/ 405 (5030). (¬3) لم أقف عليه. ورواه ابن حبان (5029). (¬4) 1/ 272 (889). (¬5) انظر: "مجمع الزوائد" 4/ 199. (¬6) في (ل): أقاله. (¬7) "صحيح ابن حبان" (5030). (¬8) انظر: "المستدرك" 2/ 45. (¬9) انظر: "شرح السنة" للبغوي 8/ 161 (2117).

19 - باب فيمن باع بيعتين في بيعة

19 - باب فِيمَنْ باع بيْعتَيْنِ في بَيْعةٍ 3461 - حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيّا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قال: قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ باعَ بَيْعَتَيْنِ في بَيْعَةٍ فَلَهُ أَوْكَسُهُما أَوِ الرِّبا" (¬1). * * * باب فيمن باع بيعتين في بيعة [3461] (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، عن يحيى بن زكريا) بن أبي زائدة (عن محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص الليثي (عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف أحد الفقهاء السبعة (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من باع بيعتين في بيعة) بأن يقول: بعتك بألف نقدًا، أو ألفين إلى سنة، فخذ أيهما شئت أنت، وشئت أنا، وهو باطل؛ لجهالة الثمن. ونقل ابن الرفعة عن القاضي فرض المسألة بحالة قبوله على الإبهام، أما لو قال: قبلت بألف نقدًا. أو قال: قبلتُ بألفين بالنسيئة انعقد، وقال: إن كلام الغزالي ينازع فيه؛ لأنه فساد الإيجاب بالتعليق، وهذا التفسير ذكره الشافعي في "المختصر" وذكر تفسيرًا آخر بأن يقول: بعتك ذا العبد بألف على أن تبيعني دارك بكذا أي: إذا وجب لك عندي، ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة 10/ 594 (20834)، وابن حبان (4974)، والحاكم 2/ 45، والبيهقي 5/ 343. وحسنه الألباني في "الصحيحة" تحت حديث رقم (2326).

وجبت لي دارك (¬1)، وهذا أيضًا باطل لما فيه من الشرط. وسيأتي أن الشرط مبطل إلا فيما استثنى (فله) أي: فيرد إلى البائع (أوكسهما) أي أنقصهما وهو البيع الأول. قال الخطابي: لا أعلم أحدًا قال بظاهر هذا الحديث، وصحح البيع بأوكس القيمتين إلا ما (¬2) حكي عن الأوزاعي وهو مذهب فاسد (¬3)، ويحتمل أن يكون ذلك في شيء واحد بعينه: كأنه أسلفه دينارًا في قفيز حنطة إلى شهر، فلما حل الأجل، وطالبه بالحنطة قال له: بعني القفيز الذي لك علي إلى شهرين بقفيزين فصار بيعتين في بيعة؛ لأن البيع الثاني قد دخل على المبيع الأول، فيرد البيع إلى أوكسهما وهو الأول، فإن تبايعا. (أو) يكونا قد دخلا في (الربا) المنهي عنه وهو أن يتبايعا البيع الثاني، وهو بيع القفيز بالقفيزين نسيئة قبل أن يفسخا البيع الأول، وهذا عين الربا (¬4). ¬

_ (¬1) "مختصر المزني" 8/ 186. (¬2) سقط من الأصل وأثبتناها ليستقيم المعنى. (¬3) "معالم السنن" 3/ 122. (¬4) انظر: "المجموع" 9/ 338.

20 - باب في النهي عن العينة

20 - باب في النَّهْي عَن العِينَة 3462 - حدثنا سُلَيْمان بْن داوُدَ المَهْريُّ، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ أَخْبَرَني حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ ح وَحَدَّثَنا جَعْفَرُ بْنُ مُسافِرٍ التِّنِّيسيُّ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْن يَحْيَى البُرُلُّسيُّ، حدثنا حَيْوَة بْنُ شرَيْحٍ، عَنْ إِسْحاقَ أبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ -قالَ سُلَيْمانُ: عَنْ أبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الخُراسانيِّ- أَنّ عَطَاءً الخُراسانىَّ حَدَّثَهُ أَنَّ نافِعًا حَدَّثَهُ، عَنِ ابن عُمَرَ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إذِا تَبايَعْتُمْ بِالعِينَةٍ وَأَخَذْتُمْ أَذْنابَ البَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمُ الجِهادَ سَلَّطَ الله عَلَيكُمْ ذُلاًّ لا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ". قالَ أبُو داوُدَ: الإِخْبارُ لِجَعْفَرٍ وهذا لَفْظُهُ (¬1). * * * باب في النهي عن العينة [3462] (حدثنا سليمان بن داود المهري) بفتح الميم (حدثنا) عبد الله (بن وهب، أخبرني حيوة بن شريح. وحدثنا جعفر بن مسافر التنيسي) صدوق (حدثنا عبد الله بن يحيى) المعافري (البُرُلُّسْي) بضم الباء الموحدة والراء واللام المشددة، روى عنه البخاري في تفسير سورة الأنفال (¬2). (حدثنا حيوة) بفتح الحاء المهملة والواو (بن شريح) مصغر ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 42، والبزار 12/ 205 (5887)، وأبو يعلى 10/ 29 (5659)، والطبراني في "مسند الشاميين" 3/ 328 (2417). وصححه ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" 5/ 295، والألباني في "الصحيحة" (11). (¬2) (4373).

الشرح (¬1) بالشين المعجمة والراء والحاء المهملة (عن إسحاق) بن أسيد بفتح الهمزة وكسر السين (أبي عبد الرحمن) الخراساني نزيل مصر. قال أبو حاتم: لا يشتغل (¬2) به (¬3). (قال سليمان) بن داود أبو الربيع ([عن أبي عبد الرحمن الخراساني] (¬4) أن عطاء) بن أبي مسلم (الخراساني) قال ابن جابر: كنا نغزو معه، فكان يحيى الليل صلاة إلا نومة السحر (حدثه، أن نافعًا حدثه، عن ابن عمر) رضي الله عنهما. (قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إذا) ظرف لما يستقبل من الزمان (تبايعتم) قال ابن قيم الجوزية: معناه: إذا استحللتم الربا باسم البيع، لما روى ابن بطة بإسناده عن الأوزاعي، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يأتي على الناس زمان يستحلون الربا بالبيع" (¬5) يعني بالتبايع (بالعِينة) بعين مهملة مكسورة ثم ياء بنقطتين من تحت بعدها نون. قال الجوهري: العِينة بالكسر: [السلف، واعتان الرجل إذا اشترى بنسيئة] (¬6)، وعِينةُ المال أيضًا: خياره، مثل العيمة، وهذا ثوبُ عِينةٍ: إذا كان حسنًا في مرآة (¬7) العين (¬8). انتهى. ¬

_ (¬1) في (ر): شريح. (¬2) في (ر): يستقل. وهو خطأ. (¬3) "الجرح والتعديل" 2/ 213 (728). (¬4) من المطبوع. (¬5) انظر: "إغاثة اللهفان" 1/ 352. (¬6) جاءت هذِه العبارة في (ر، ل): (التسلف، وأعيان الرجل الرجل إذا اشترى نفسه). (¬7) في (ر)، (ل): (قراات). (¬8) انظر: "الصحاح" للجوهري 6/ 2172.

وسميت هذِه المبايعة عينة؛ لحصول النقد لصاحب العينة؛ لأن العين هو المال الحاضر، والمشتري إنما يشتريها ليبيعها بعين حاضرة تصل إليه من فوره؛ ليصل به إلى مقصوده، ثم قال ابن القيم عن الحديث المتقدم الذي رواه: هذا الحديث وإن كان مرسلًا؛ فإنه صالح للاعتضاد به بالاتفاق، وله من المسندات (¬1) ما يشهد له، وهي (¬2) الأحاديث الدالة على تحريم العينة؛ فإنه من المعلوم أن العينة عند [من يستعملها] (¬3)، إنما يسميها بيعًا، وقد اتفقا على حقيقة الربا الصريح قبل العقد ثم غير اسمها إلى المعاملة وصورتها إلى التبايع الذي لا يقصد لما فيه البتة، وإنما هو حيلة ومكر وخديعة لله تعالى، فمن أسهل الحيل على من أراد فعله أن يعطيه مثلًا ألفًا إلا درهمًا باسم القرض ويبيعه خرقة تساوي درهمًا بخمسمائة درهم، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الأعمال بالنيات" أصل في إبطال الحيل، واحتج به البخاري على ذلك؛ فإن من أراد أن [يعامل رجلا] (¬4) معاملة، يعطيه فيها ألفًا بألف وخمسمائة إلى أجل فأقرضه تسعمائة، وباعه ثوبا بستمائة يساوي مائة؛ إنما نوى بإقراض (¬5) التسعمائة تحصيل الربح الزائد [وإنما نوى بالستمائة] (¬6) - ¬

_ (¬1) في (ر)، (ل): (المستندات). والمثبت من "إغاثة اللهفان". (¬2) في (ر)، (ل): (في). (¬3) في "إغاثة اللهفان" (مستحلها). (¬4) هكذا في "إغاثة اللهفان" وفي الأصل (يعامله). (¬5) في (ر)، (ل): (باقتراض). (¬6) سقط من (ر)، (ل). والمثبت من "إغاثة اللهفان".

التي (¬1) أظهر أنها (¬2) ثمن الثوب -الربا (¬3)، والله يعلم ذلك منه من جذر قلبه، ومن عامله يعلمه، فليس له من عمله إلا ما نواه وقصده حقيقة من إعطائه ألفًا حالَّة بألف وخمسمائة مؤجلة، وجعل صورة القرض، وصورة البيع محللًا لهذا المحرم، ومعلوم أن هذا لا يدفع التحريم ولا يرفع المفسدة التي حرم الربا لأجلها، بل يزيدها قوة، وتأكيدًا من وجوه عديدة؛ منها أنه يقدم على مطالبة الغريم المحتاج بقوة وسلطة بالحكام وغيرهم لا يقدم بمثلها المربي صريحًا؛ لأنه واثق بصورة العقد الذي يحيل به، انتهى (¬4). قال الرافعي من أصحابنا: وليس من المناهي بيع العينة، يعني ليس ذلك عند أصحاب الشافعي من المناهي، وإلا فقد ورد النهي عنها من طرق عقد لها البيهقي في "سننه" (¬5) بابًا ساق فيه ما ورد من ذلك بعلله (¬6). وأصح ما ورد في ذم بيع العينة ما رواه أحمد والطبراني من طريق أبي بكر ابن عياش، عن الأعمش، عن عطاء، عن ابن عمر قال: أتى (¬7) علينا زمان ما يرى أحدنا أنه أحق بالدينار والدرهم من ¬

_ (¬1) في (ر)، (ل): (الذي). (¬2) في (ر)، (ل): (أنه). (¬3) سقط من (ر)، (ل). (¬4) انظر: "إغاثة اللهفان" 1/ 347 - 352. (¬5) "السنن الكبرى" 5/ 316. (¬6) في (ر)، (ل): (بعلل). (¬7) في (ر)، (ل): (إن).

أخيه المسلم، ثم أصبح الدينار والدرهم أحب إلى أحدنا (¬1) من أخيه المسلم، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا ضن الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، واتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله أنزل الله بهم ذلًّا فلم يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم" (¬2). صححه ابن القطان بعد أن أخرجه من "الزهد" لأحمد (¬3). قال شيخنا ابن حجر: عندي أن إسناد الحديث الذي صححه ابن القطان معلول؛ لأنه لا يلزم من كون رجاله ثقات أن يكون صحيحًا؛ لأن الأعمش مدلس، ولم يذكر سماعه من عطاء، وعطاء يحتمل هو عطاء الخراساني فيكون فيه تدليس التسوية بإسقاط نافع بين عطاء وابن عمر فرجع إلى الإسناد الأول وهو المشهور (¬4). قال الرافعي: وبيع العينة هو: أن يبيع شيئًا من غيره بثمن مؤجل، ويسلمه إلى المشتري، ثم يشتريه قبل قبض الثمن، بالثمن النقد بأقل من ذلك القدر، وكذا يجوز أن يبيع بثمن نقدًا ويشتريه بأكثر منه إلى أجل سواء قبض الثمن الأول أو لم يقبضه. وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد: لا يجوز أن يشتري بأقل من ذلك الثمن قبل قبضه (¬5). ¬

_ (¬1) في (ر)، (ل): (أخينا). (¬2) أحمد 2/ 28، الطبراني 12/ 432 (13583). (¬3) "بيان الوهم والإيهام" 5/ 295 - 296. (¬4) انظر: "التلخيص الحبير" لابن حجر 3/ 19. (¬5) انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 3/ 114، "الذخيرة" 5/ 15، "اختلاف العلماء" لأبي المظفر الشيباني 1/ 404.

وجوز أبو حنيفة أن يشتري بسلعة قيمتها أقل من قدر الثمن. قال: ودليلنا أنه ثمن يجوز بيع السلعة به من غير بائعها، فيجوز من بائعها كما لو اشتراه بسلعة أو بمثل ذلك، ولا فرق بين أن يصير بيع العينة عادة غالبة في البلد أو لا يصير على المشهور، وأفتى الأستاذ أبو (¬1) إسحاق والشيخ أبو محمد بأنه إذا صار عادة صار البيع الثاني كالمشروط في الأول فيبطلان جميعًا (¬2). (وأخذتم) أي: اتبعتم (أذناب البقر) كما في رواية ابن القطان المتقدمة أي: للحراثة عليها، وأخذتم بالسكة الحديد التي تبحث في الأرض، وهذِه السكة لا تدخل بيتًا إلا دخله الذل كما في "صحيح البخاري" (¬3). (ورضيتم بالزرع) أي بالزراعة التي نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها، كما تقدم في حديث رافع بن خديج -رضي الله عنه- (¬4)، ويحتمل أن يراد بهذا الحديث الاشتغال بالزرع في زمان يتعين عليه الجهاد، والخروج إليه لظهور العدو ونحو ذلك، ويدل على ذلك قوله بعده: (وتركتم الجهاد) الذي تعين عليكم فعله (¬5). وقد روى الترمذي بإسنادٍ صحيح عن [أسلم أبي عمران التجيبي] (¬6) ¬

_ (¬1) في (ر)، (ل): (أبي). (¬2) "فتح العزيز شرح الوجيز" للرافعي 8/ 232. (¬3) (2196). (¬4) سبق برقم (3389). (¬5) في (ر)، (ل): (فعلمه). (¬6) في (ر)، (ل): (ابن عمر).

قال: كنا بمدينة الروم فأخرجوا إلينا صفًّا عظيمًا من الروم، فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو (¬1) أكثر، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر وعلى الجماعة فضالة بن عبيد، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل بينهم، فصاح (¬2) المسلمون وقالوا: سبحان الله، يلقي بيده إلى التهلكة! فقام أبو أيوب فقال: يا أيها الناس إنكم تتأولون هذا التأويل، وإنما نزلت هذِه الآية [فينا معشر الأنصار] (¬3) لما أعز الله الإسلام و (¬4) كثر (¬5) ناصروه، فقال بعضنا لبعض سرًّا [دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬6): إن أموالنا (¬7) ضاعت وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا وأصلحنا ما ضاع منها. فأنزل الله على نبيه ما يرد علينا {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (¬8)، وكانت التهلكة أموالنا وإصلاحها وترك الغزو، فما زال أبو أيوب شاخصًا في الغزو حتى دفن بأرض الكفر (¬9). (سلط الله عليهم ذلًّا) أي: صغارًا ومسكنة (لا ينزعه) عنكم. يشبه أن ¬

_ (¬1) في (ر)، (ل): (و). (¬2) في (ر): فصالح. (¬3) سقطت من (ل)، (ر) وأثبتناها من "السنن". (¬4) سقطت من (ل)، (ر). (¬5) في (ر): كبر. (¬6) سقطت من (ل)، (ر). (¬7) مكررة في (ر). (¬8) البقرة: 195. (¬9) انظر: "سنن الترمذي" (2972).

يكون الذل هنا هو الخراج الذي يؤدوه (¬1) كل سنة لملاك الأرض، فيصير عليهم كالجزية التي يدفعها اليهود كل سنة، وأهل (¬2) الذل في الزراعة أن اليهود لما فتحت خيبر أخذوها ببعض ما يخرج منها كل سنة، فهو أول مخابرة جرت في الإسلام. وسبب هذا الذل والله أعلم أنهم لما تركوا الجهاد في سبيل الله الذي فيه عز الإسلام [وإظهاره على كل دين؛ عاملهم الله بنقيضه، وهو المذلة حين تركوا ما فيه عز الإسلام] (¬3) والركوب على الخيل التي ظهورها عز، واشتغلوا بالمشي خلف أذناب البقر والسكة التي هي سبب الذل، وروى الطبراني في "الكبير" عن بنت [لعتبة بن عبد] (¬4) وامرأة من آل أبي أمامة [أنهما سمعتا] (¬5) أبا أمامة يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من أهل بيت يغدو عليهم فدان إلا ذلوا" (¬6) وهاتان المرأتان مجهولتان، وبقية رجاله ثقات (¬7). (لا ينزعه) أي: لا يرفعه عنكم كما في رواية ابن القطان (حتى ترجعوا إلى دينكم) أي: إلى ما فيه قوام دينكم من الاشتغال ¬

_ (¬1) في (ر): تركوه. (¬2) كذا. ولعل الصواب: أصل. والله أعلم. (¬3) سقط من (ر). (¬4) في (ر)، (ل): (لعيينة بن عليلة)، وأثبت ما في "المعجم" وورد في "المجمع" لعتبة بن عليلة. (¬5) في (ر): أنما سمعا. (¬6) "المعجم الكبير" 8/ 293 (8139). (¬7) انظر: "مجمع الزوائد" 4/ 216 (6591).

بالمكاسب؛ لأن صاحب الدرهم إذا تمكن من الربح الكبير بواسطة المعاملة بالعينة، خف عليه اكتساب وجه المعيشة، فلا يكاد يتحمل مشقة التكسب والتجارة والصناعات الشاقة، وذلك يفضي إلى انقطاع منافع الخلق. ومن المعلوم أن مصالح العالم لا تنتظم إلا بالتجارات، وتقلب المال في أيدي ملاكه الذي هو سبب للبركة كما في الحديث: "بيعوا واشتروا فإن لم تكسبوا بورك لكم" (¬1). والربا ومسألة العينة تفضي إلى انقطاع منافع الخلق والحرف والصنائع التي هي من فروض الكفايات، وكذلك الاشتغال بالزراعة يفضي إلى ترك الجهاد الذي هو سببٌ لعز الإسلام واتساع الأرزاق على الصحابة -رضي الله عنهم -. وفي الحديث: "جعل رزقي تحت ظل رمحي" (¬2). (والإخبار) بكسر الهمزة المذكورة (لجعفر) بن مسافر (وهذا لفظه) بحروفه، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) لم أقف عليه. (¬2) علقه البخاري قبل حديث (2914) بصيغة التمريض، ووصله أحمد 2/ 50 من حديث ابن عمر.

21 - باب في السلف

21 - باب في السَّلَفِ 3463 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْليُّ، حَدَّثَنَا سُفْيانُ، عَنِ ابن أَبي نَجِيحٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أَبي الِمنْهالِ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قال: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُمْ يُسْلِفُونَ في التَّمْرِ السَّنَةَ والسَّنَتَيْنِ والثَّلَاثَةَ فَقالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَسْلَفَ في تَمْرٍ فَلْيُسْلِفْ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ" (¬1). 3464 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ح وَحَدَّثَنا ابن كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَني محَمَّدٌ أَوْ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُجَالِدٍ قال: اخْتَلَفَ عَبْدُ اللهِ بْن شَدَّادٍ وَأَبُو بُرْدَةَ في السَّلَفِ فَبَعَثُونِي إِلَى ابن أَبي أَوْفَى فَسَأَلْتُهُ فَقال: إِنْ كُنَّا نُسْلِفُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبي بَكْرٍ وَعُمَرَ في الحِنْطَةِ والشَّعِيرِ والتَّمْرِ والزَّبِيبِ - زادَ ابن كَثِيرٍ - إِلَى قَوْمٍ ما هُوَ عِنْدَهُمْ. ثُمَّ اتَّفَقَا وَسَأَلْتُ ابن أَبْزى فَقالَ مِثْلَ ذَلِكَ (¬2). 3465 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن بَشّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى وابْنُ مَهْديٍّ قالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي المُجَالِدِ وقالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: عَنِ ابن أَبي المُجَالِدِ بِهَذا الحَدِيثِ قالَ: عِنْدَ قَوْمٍ ما هُوَ عِنْدَهُمْ. قالَ أَبُو داوُدَ: الصَّوابُ ابن أَبي المُجَالِدِ وَشعْبَةُ أَخْطَأَ فِيهِ (¬3). 3466 - حَدَّثَنَا محَمَّدُ بْنُ المُصَفَّى، حَدَّثَنَا أَبُو المُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ أَبي غَنِيَّةَ، حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحاقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي أَوْفَى الأَسْلَميِّ قال: غَزَوْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - "الشَّامَ فَكانَ يَأْتِينا أَنْبَاطٌ مِنْ أَنْباطِ الشَّامِ فَنُسْلِفُهُمْ في البُرِّ والزَّيْتِ سِعْرًا مَعْلُومًا وَأَجَلًا مَعْلُومًا فَقِيلَ لَهُ: مِمَّنْ لَهُ ذَلِكَ؟ قال: ما كُنّا نَسْأَلُهُمْ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2239)، ومسلم (1604). (¬2) رواه البخاري (2243). (¬3) رواه النسائي 7/ 289، وابن ماجة (2282). وصححه الألباني. (¬4) رواه الحاكم 2/ 45، ورواه البخاري (2254 - 2255) بنحوه.

باب في السلف [3463] (حَدَّثَنَا عبد الله بن محمد النفيلي، حَدَّثَنَا سفيان) بن عيينة (عن) عبد الله (بن أبي نجيح، عن عبد الله بن كثير) المكي أحد القراء (¬1) السبعة. (عن أبي المنهال) عبد الرحمن بن مطعم بمكة (عن) عبد الله (بن عباس) رضي الله عنهما (قال: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "المدينة وهم يسلفون) بضم أوله (في التمر) بالمثناة في أكثر الأصول، وفي بعضها بالمثلثة وهو أعم. قال أهل اللغة: السلم والسلف بمعنىً، يقال: أسلم وأسلف وسلف، ولا خلاف في جواز السلف بين المسلمين من حيث الجملة وإن كانوا قد اختلفوا في بعض شروطه (السنة والسنتين) بالنصب على الظرفية (و) ربما قال (الثلاث) رواية: والثلاثة. (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من) سلف (أسلف في ثمرة) بالمثلثة وبالمثناة كما تقدم (فليسلف في كيل معلوم) احترازًا من المجهول، ومن السلف في الأعيان المعينة؛ فإنهم كانوا حين قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة يسلفون (¬2) في ثمار نخيل بأعيانها (ووزن معلوم) رواية: أو وزن، أي: يشترط أن يكون المسلم (¬3) فيه معلوم القدر بكيل أو وزن أو زرع (إلى أجل معلوم) أي: إن أسلم مؤجلًا؛ فليكن أجله معلومًا، ولا يلزم من هذا الشرط كون السلم مؤجلًا، بل يجوز حالًّا؛ لأنه إذا جاز مؤجلًا مع الغرر فجواز الحال ¬

_ (¬1) وقع في (ر، ل): الفقهاء. ولعله سبق قلم. (¬2) سقط من (ر)، (ل) وأثبتها من "المفهم" للقرطبي 4/ 514. (¬3) في (ر): السلم.

أولى؛ لأنه أبعد من الغرر، وليس ذكر الأجل في الحديث لاشتراط الأجل، بل معناه إن كان لأجل فليكن معلومًا. وقد اختلف العلماء في جواز السلم الحال مع اجتماعهم على جواز الأجل، فجوز الحال الشافعي وآخرون، ومنعه مالك وأبو حنيفة وآخرون (¬1)، غير أن أبا حنيفة لم يفرق بين قريب الأجل وبعيده. وأما أصحاب مالك فقالوا: لابد من أجل تتغير فيه الأسواق، وأقلها عندهم (¬2) ثلاثة أيام، وعند ابن القاسم: خمسة عشر يومًا (¬3). [3464] (حَدَّثَنَا حفص بن عمر) بن الحارث بن سخبرة الأزدي، روى عنه البخاري (حَدَّثَنَا شعبة. وحَدَّثَنَا) محمد (بن كثير) العبدي (أنبأنا شعبة، أخبرني محمد أو عبد الله) قال الذهبي: سماه شعبة محمدًا وهمًا (¬4)، والصواب عبد الله (بن أبي (¬5) المجالد) واقتصر عليه ¬

_ (¬1) انظر: "شرح مسلم" للنووي 11/ 42. (¬2) في (ر)، (ل): (عنهم)، ولعل المثبت هو الصواب. (¬3) انظر: "المفهم" للقرطبي 4/ 515. (¬4) انظر: "الكاشف" 1/ 592 (2943). (¬5) كذا وقع! وليس في النسخ المطبوعة. قال محققو نسخة الرسالة 5/ 335: كذا وقع في أصولنا الخطية وفي النسخ المطبوعة، وكذا جاء في "تحفة الأشراف" (5171) ومن ذلك يتبين أن رواية أبي داود كذلك دون شك. وهذا ما عناه أبو داود بقوله بإثر الحديث التالي: الصواب ابن أبي مجالد وشعبة أخطأ فيه. يعني أخطأ في إسقاط كلمة (أبي). قلت: وأخطأ الشارح في فهم مقصد أبي داود فظنه أنه خطأه في الشك والتردد في محمد أم عبد الله وبنى شرحه على ذلك.

عبد الحق في "الأحكام" (¬1)، وهو ثقة. (قال: اختلف عبد الله بن شداد) بن الهاد (¬2) الليثي (وأبو بردة) عامر ابن أبي موسى الأشعري (في) حكم (السلف، فبعثوني) إما باعتبار أقل الجمع اثنان، أو اعتبارهما ومن معهما (إلى) عبد الله (ابن أبي أوفى) الأسلمي (فسألته، فقال: إن) بكسر الهمزة وتخفيف النون الساكنة، هي عند البصريين مخففة من الثقيلة. (كنا) وذهب الغزالي إلى أن (إن) بمعنى ما النافية، واللام مفتوحة في (لنسلف) (¬3) بمعنى إلا والتقدير: ما كنا إلا نسلف (على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر) -رضي الله عنهما- رواية البخاري: كنا نسلف نبيط أهل الشام (¬4). والنبيط بفتح النون أهل الزراعة (في الحنطة والشعير والتمر) بالمثناة، وفي بعضها بالمثلثة (والزبيب) في كيل معلوم منه في الذمة. (زاد) محمد (بن كثير: إلى قوم ما هو عندهم) أي: ليس عندهم أصل من أصول الحنطة والشعير والتمر والزيت أي: لا يشترط أن يكون المسلم فيه موجودًا عند المسلم إليه، ولا أصول أشجاره وزرعه، بل الشرط أن يكون المسلم فيه مقدورًا على تسليمه عند وجوب التسليم (ثم اتفقا) يعني عبد الله بن شداد وأبو بردة. (قال) عبد الله بن أبي مجالد (وسألت) عبد الرحمن (بن أبزى) بفتح الهمزة وسكون الموحدة وفتح الزاي (فقال مثل ذلك) فيما تقدم. ¬

_ (¬1) الذي في "الأحكام الوسطى" 3/ 277: محمد بن أبي المجالد. (¬2) زاد هنا في (ر): ابن. (¬3) بعدها في (ر)، (ل): نسخة: نسلف. (¬4) (2128).

[3465] (حَدَّثَنَا محمد بن بشار حَدَّثَنَا يحيى) بن حماد (و) عبد الرحمن (بن مهدي، قالا: حَدَّثَنَا شعبة، عن عبد الله بن أبي المجالد) [بضم الميم وبالجيم وكسر اللام الكوفي (وقال عبد الرحمن) ابن مهدي (عن ابن [أبي] (¬1) المجالد)، (¬2) بالإبهام؛ لأجل التردد الذي فيه. هل هو عبد الله أو محمد؛ (بهذا الحديث، قال: عند قوم ما هو عندهم) من الخلاف. فقال شعبة مرّة: هو محمد بن أبي المجالد، وقال أخرى: هو عبد الله أو محمد تردد في ذلك. (قال أبو داود) و (الصواب) هو عبد الله (بن أبي المجالد) وكذا قال ابن حبان: إنه عبد الله (وشعبة أخطأ فيه). [3466] (حَدَّثَنَا محمد بن المُصفى) بضم الميم وتشديد الفاء المفتوحة بن بُهلول الحمصي الحافظ. قال أبو حاتم: صدوق، قال محمد بن عوف: رأيته في النوم قلت: إلى ما صرت؟ قال: إلى خير، ونرى الله كل يوم مرتين. فقلت: يا أبا عبد الله: صاحب سنة في الدنيا، وصاحب سنة في الآخرة. (حَدَّثَنَا أبو المغيرة) عبد القدوس الخولاني (حَدَّثَنَا عبد الملك) بن حميد (بن أبي غَنية) بفتح الغين المعجمة، وكسر النون وتشديد المثناة تحت، الكوفي من أصبهان، روى عنه البخاري في الفتن (¬3) ومسلم في الوضوء (¬4) (حدثني أبو (¬5) إسحاق) سليمان (¬6) بن أبي سليمان فيروز ¬

_ (¬1) من المطبوع، وانظر التعليق على الحديث السابق. (¬2) سقط من (ر). (¬3) (6688). (¬4) (298). (¬5) في (ر): أبي. (¬6) في (ر): سلمان.

الشيباني (¬1) من مشاهير التابعين. (عن عبد الله بن أبي أوفى الأسلمي -رضي الله عنه- قال: غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشام، فكان يأتينا أنباط) جمع نبيط جبل معروف كانوا ينزلون بالبطائح من العراقيين. قاله الجوهري (¬2)، سموا بذلك لاهتدائهم إلى استخراج المياه من الينابيع. وقال غيره: هم نصارى الشام الذين عمروها (¬3) (من أنباط الشام) وكنا نصيب من المغانم كما في البخاري (¬4) (فنسلفهم) بضم النون، وأما السين فتسكن مع تخفيف اللام من الإسلاف وتفتح مع تشديد اللام من التسليف. (في البر والزيت سعرًا) [تحتمل أن] (¬5) تنتصب بحذف حرف الجر (معلومًا) أي: في سعر معلوم (وأجلًا معلومًا) أي: في أجل معلوم، ولا خلاف أنه لو أجل بمجيء المطر لم يصح، وكذلك بقدوم الحاج. وشرط التأجيل أن يكون المتعاقدان عارفين بذلك، فإن لم يكونا عارفين لم يصح قولًا، واحدًا. (فقيل له: ممن له ذلك؟ فقال: ما كنا نسألهم) فيه دلالة على أنه لا يشترط في المسلم فيه (¬6) أن يكون عند المسلم إليه كما هو ظاهر الحديث، وأما المعدوم عند المسلم إليه وهو موجود عند غيره فلا خلاف في جوازه أيضًا. * * * ¬

_ (¬1) زاد هنا في (ر): هو. (¬2) انظر: "الصحاح" 1/ 905. (¬3) انظر: "عمدة القاري" 12/ 94. (¬4) (2136). (¬5) و (¬6) ساقطة من (ر).

22 - باب في السلم في ثمرة بعينها

22 - باب في السَّلَمِ في ثَمَرَةٍ بِعَيْنِهَا 3467 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيانُ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنْ رَجُلٍ نَجْرانِيِّ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا أَسْلَفَ رَجُلًا في نَخْلٍ فَلَمْ تُخْرِجْ تِلْكَ السَّنَةَ شَيْئًا فاخْتَصَما إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ: "بِمَ تَسْتَحِلُّ مالَهُ أرْدُدْ عَلَيْهِ مالَهُ". ثمَّ قالَ: "لا تُسْلِفُوا في النَّخْلِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهُ" (¬1). * * * باب في السلم في ثمرة بعينها [3467] (حَدَّثَنَا محمد بن كثير) العبدي (أنبأنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن أبي إسحاق) السبيعي (عن رجل نجراني) هذا الرجل الذي من أهل نجران مجهول (عن ابن عمر) رضي الله عنهما: (أن رجلًا أسلف رجلًا في نخل) أي: في تمر نخل، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه للعلم به (فلم تخرج تلك السنة) بالنصب (شيئًا) من التمر. (فاختصما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال) للمسلم إليه (بم) أصلها: بما. فحذفت ألف ما الاستفهامية منه فرقًا بينها وبين الخبرية (¬2) (تستحل ماله؟ ) مال أخيك إذا منع الله الثمرة (اردد عليه ماله) أي: رأس ماله الذي استسلفه منه (¬3) إن كان باقيا وإلا فنظيره (ثم قال: لا تسلفوا في) تمر ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجة (2284)، والبيهقي 6/ 24. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (6229). (¬2) انظر: "اللباب في علل البناء والإعراب" لأبي البقاء العكبري 2/ 371. (¬3) في (ر): من.

(النخل حتى يبدوَ) بفتح الواو (صلاحه) أستدل به أبو حنيفة على أنه يشترط في المسلم فيه أن يكون موجودًا من العقد إلى المحل، ووافقه الثوري والأوزاعي (¬1)، واستدلوا أيضًا بنهيه - صلى الله عليه وسلم - حكيمًا عن بيع ما ليس عند (¬2). وأجاب أصحابنا عن هذا الحديث بأنه منقطع الإسناد بالنجراني المجهول، ثم لو صح لحمل على بيع الأعيان كما حمل حديث حكيم على بيع الأعيان، واحتج أصحابنا عليهم بالحديث المتفق عليه أنهم كانوا يسلفون في الثمار السنتين والثلاث؛ لأن الثمار معلوم أنها تبقى السنتين، ولو اشترط ذلك لم يصح السلم في الرطب إلى هذِه المدة ولنهاهم (¬3) النبي - صلى الله عليه وسلم - عن السلف في الثمار السنتين والثلاث (¬4). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 3/ 9، "المبسوط" 12/ 127. (¬2) سيأتي برقم (3503). (¬3) في (ر): وينهاهم. (¬4) انظر: "مختصر المزني" (ص 90)، "الحاوي" للماوردي 5/ 868.

23 - باب السلف لا يحول

23 - باب السَّلَفِ لا يُحَوَّلُ 3468 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عِيسَى، حَدَّثَنَا أَبُو بَدْرٍ، عَنْ زِيادِ بْنِ خَيْثَمَةَ، عَنْ سَعْدٍ - يَعْنِي الطَّائِيَّ - عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْريِّ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَسْلَفَ فَي شيءٍ فَلا يَصْرِفْهُ إِلَى غَيْرِهِ" (¬1). * * * باب في السلف يحول (¬2) [3468] (حَدَّثَنَا محمد بن عيسى) بن الطباع، نزل أذنة، علق له (¬3) البخاري، قال أبو حاتم: ثقة مأمون (حَدَّثَنَا أبو بدر) شجاع بن الوليد السكوني (¬4) (¬5) روى له الجماعة. (عن زياد بن خيثمة، عن سعد) أبي مجاهد (الطائي عن عطية بن سعد) (¬6) العوفي (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجة (2283)، والدارقطني في "السنن" 3/ 45 (187). وضعفه الألباني. (¬2) في (ر): يحوز. قلت: ووقع في طبعة الكتب العلمية من "السنن" 2/ 298: باب السلف لا يحول. وفي الحاشية: باب من أسلف في شيء ثم حوله إلى غيره. كذا في (د)، وهو ما أثبته محققو طبعة الرسالة 5/ 339، وكتبوا في الحاشية: هذا العنوان أثبتناه من (5) وأشار في (أ) إلى أنه كذلك في رواية ابن العبد. (¬3) في (ر): به. (¬4) في (ر)، (ل): (السلوي). (¬5) "تهذيب الكمال" 12/ 382. (¬6) في (ر): سعيد.

من أسلف) رجلًا (في شيء معلوم فلا يصرفه إلى غيره) استدل به أبو حنيفة والشريف [أبو جعفر] (¬1) على أنه إذا تعذر تسليم فيه عند المحل، كما إذا لم تحمل الثمار تلك السنة، أو أقاله في السلف وأراد أن يعطيه عوضًا عنه؛ أنه ليس له صرف ذلك الثمن الذي كان رأس مال السلم (¬2) في عوض آخر في عقد حتى يقبضه، ثم يشتري به ما شاء؛ لأن هذا مضمون على المسلم إليه بعقد السلم، فلم يجز التصرف فيه قبل قبضه. وقال الشافعي والقاضي أبو يعلى: يجوز أخذ العوض عنه؛ لأنه عوض عن مستقر في الذمة فجاز أخذ العوض عنه كما لو كان قرضا، ولأنه مال عاد إليه بفسخ العقد، فجاز أخذ العوض عنه كالثمن في البيع إذا فسخ العقد (¬3). * * * ¬

_ (¬1) سقطت من (ر). (¬2) في (ر): المسلم. (¬3) انظر: "المغني" لابن قدامة 4/ 372.

24 - باب في وضع الجائحة

24 - باب في وَضْعِ الجَائِحَةِ 3461 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْث، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ عِياضِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْريِّ أَنَّهُ قال: أُصِيبَ رَجُلٌ في عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في ثِمَارٍ ابْتاعَهَا فَكَثَرَ دَيْنُهُ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ". فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَفاءَ دَيْنِهِ فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "خُذُوا ما وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ" (¬1). 3470 - حَدَّثَنَا سُلَيْمانُ بْنُ داوُدَ المَهْريُّ وَأَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الهَمْدانِيُّ قَالَا، أَخْبَرَنَا ابن وَهْبٍ قالَ: أَخْبَرَنِي ابن جُرَيْجٍ ح وَحَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عاصِمٍ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ - المَعْنَى - أَنَّ أَبا الزُّبَيْرِ المَكِّيَّ أَخْبَرَهُ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إِنْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ تَمْرًا فَأَصَابَتْها جَائِحَةٌ فَلا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا بِمَ تَأْخُذُ مالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ" (¬2). * * * باب في وضع الجائحة [3469] (حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد، حَدَّثَنَا الليث، عن بكير) بن عبد الله (عن عياض بن عبد الله) بن سعد بن أبي سرح (عن أبي سعيد الخدري) -رضي الله عنه- (أنه قال: أصيب رجل في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثمار ابتاعها) وكذا في زرع اشتراه بعد بدو صلاحه وتسلمه بالتخلية الشرعية فعرض لها مهلك سماوي اجتاحها، كصاعقة أو حر أو برد أو برَد أو جراد ونحوه (فكثر) هذِه الفاء فاء السببية أي: فلأجل الجائحة التي أهلكت الثمار ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1556). (¬2) رواه مسلم (1554).

التي اشتراها، ولم ينتفع بها كثر (دينه) أي ديونه من ثمن الثمار. فيه حذف تقديره: فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: تصدقوا عليه) فيه استحباب الصدقة على من أصيب في ماله بنهب، أو حرق، أو غرق، أو بصاعقة، أو قطع طريق، والحث على ذلك من أكابر العلماء والصادقين (¬1) ممن يرغب في قبول قولهم من غير تعيين أحد (¬2) يعطيه [شيئا معينا] (¬3). (فتصدق الناسُ عليه، فلم يبلغ ذلك) الذي تصدق به عليه (وفاء دينه) كله (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: خذوا ما وجدتم) من ماله، مما تصدق به عليه ومن غيره مما لكم في ذمته من الدين، الذي هو عن الثمار التي أصابتها الجائحة، ولم يوضع شيء منها عن المشتري؛ لأنها كلها من ضمانه، إذ لو كانت من ضمان البائع لأسقط (¬4) النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - "الديون التي لحقته من ثمن الثمار التالفة، ولأن التخلية كافية في جواز التصرف، فكانت كافية في نقل الضمان قياسًا على العقار وغيره، وهذا هو الجديد من مذهب الشافعي -رضي الله عنه- ومذهب أبي حنيفة والليث وآخرين (¬5). وأجاب القائلون بأنها من ضمان البائع عن هذا الحديث، وقوله فيه: ¬

_ (¬1) في (ر): فالصادقين. (¬2) في (ر): أخذ. (¬3) في (ر)، (ل): (شيء معين). (¬4) في (ر)، (ل): (لأسقطها). (¬5) انظر: "شرح مسلم" للنووي 10/ 216، "مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج" للشربيني الخطيب 2/ 92.

فكثر دينه .. إلى آخره [بأنه يحتمل أنها تلفت بعد أوان الجذاذ، وتفريط المشتري في تركها بعد ذلك على الشجر؛ فإنها حينئذ تكون من ضمان المشتري، قالوا: ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - يه في آخر الحديث (وليس لكم) الآن (إلا ذلك) ولو كانت الجوائح لا توضع لكان لهم طلب بقية الدين. وأجاب الآخرون عن هذا بأن معناه: ليس لكم الان إلا هذا، ولا تحل لكم مطالبته مادام معسرا، بل ينظر إلى ميسرة] (¬1). [3470] (حَدَّثَنَا سليمان بن داود المهري وأحمد بن سعيد الهمداني) بإسكان الميم نسبة إلى همدان بن واثلة (قالا: حَدَّثَنَا ابن وهب، قال: أخبرني ابن جريجٍ. وحَدَّثَنَا محمد بن معمر، حَدَّثَنَا أبو عاصم) الضحاك النبيل (عن ابن جريجٍ، المعنى، أن أبا الزبير) محمد بن مسلم (المكي أخبره، عن (¬2) جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن بعت من أخيك ثمرًا) بفتح المثلثة والميم (فأصابتها) فأصابته (جائحة) وهي الآفة التي تصيب الثمار فتهلكها (فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا) بسبب الجائحة. استدل به على أن الثمرة من ضمان البائع، فإذا أصابتها جائحة يوضع ثمنها عن المشتري لزومًا، وأفتى به عمر بن عبد العزيز، وهو قول أحمد وأبو عبيد، وقاله الشافعي في القديم؛ لأن ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفين هو ما ورد في "شرح مسلم" للنووي 10/ 217 وقد وردت هذِه العبارة في (ر)، (ل) هكذا: (وليس لكم الآن إلا ذلك، ولا يحل لكم مطالبته مادام معسرا بل نظرة إلى ميسرة؛ فإنه يحتمل أنها تلفت بعد أوان الجذاذ وتفريط المشتري في تركها بعد ذلك على الشجر فإنها حينئذ تكون من ضمان المشتري، قالوا ولهذا قال آخر الحديث (ليس لكم إلا ذلك). وأجاب الآخرون عن هذا بأن معناه). (¬2) زاد هنا في (ل): طاوس.

التسليم لم يتم بالتخلية بدليل أن البائع يلزمه سقي الأشجار بلا خلاف (¬1)، وإذا كان نمو الثمار [به] أشعر ببقاء علقه على البائع من حق العقد (بم) أصله بما حذف ألف ما الاستفهامية منه فرقًا بينها وبين الإخبار (تأخذ مال أخيك بغير حق؟ ) أي: أن المال لا يؤخذ إلا في مقابلة مال، فإذا هلكت الثمرة التي اشتراها، أدى ذلك إلى أخذ المال بغير حق. واستدل القائلون بوضع ثمن الجائحة أيضًا بما رواه مسلم من حديث جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بوضع الجوائح (¬2). وفي لفظ النسائي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وضع الجوائح (¬3). قال إمام الحرمين في "النهاية": عرض هذا الحديث على الشافعي فقال: هذا الحديث رواه سفيان بن عيينة، عن حميد بن قيس، عن سليمان بن عتيق، عن جابر مرارًا، ولم يذكر وضع الجوائح، [ثم روى وضع الجوائح] (¬4)، وقال: كان قبله كلام فنسيته، فلعل الكلام الذي قبله شيء يدل على أن وضع الجوائح مستحب، لا واجب. ثم قال الشافعي: لولا أن سفيان وهَّن الحديث الذي رواه لقلت به (¬5). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "شرح السنة" للبغوي 8/ 100. (¬2) (1554). (¬3) 7/ 265. (¬4) ساقطة من (ر). (¬5) انظر: "نهاية المطلب في دراية المذهب" 5/ 159.

25 - باب في تفسير الجائحة

25 - باب في تَفْسِيرِ الجَائِحَةِ 3471 - حَدَّثَنَا سُلَيْمانُ بْن داوُدَ المَهْريُّ، أَخْبَرَنَا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عُثْمان بْنُ الحَكَمِ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قال: الجَوائِحُ كُلُّ ظاهِرٍ مُفْسِدٍ مِنْ مَطَرٍ أَوْ بَرْدٍ أَوْ جَرادٍ أَوْ رِيحٍ أَوْ حَريقٍ (¬1). 3472 - حَدَّثَنَا سُلَيْمانُ بْنُ داوُدَ، أَخْبَرَنَا ابن وَهْبٍ أَخْبَرَني عُثْمانُ بْن الحَكَمِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ أَنَّهُ قال: لا جائِحَةَ فِيما أُصِيبَ دُونَ ثُلُثِ رَأْسِ المالِ - قَالَ يَحْيَى - وَذَلِكَ في سُنَّةِ المُسْلِمِينَ (¬2). * * * باب تفسير الجائحة [3471] (حَدَّثَنَا سليمان بن داود المهري، أنبأنا ابن وهب قال: أخبرني عثمان بن الحكم) الجذامي، عرض عليه قضاء مصر (¬3) (¬4) فأبى، وهجر الليث لإشارته بولايته. (عن ابن جريجٍ، عن عطاء) بن أبي رباح (قال: الجوائح كل ظاهرٍ) بالظاء المعجمة. استشهر أمره وهو احتراز من الخفي، فلو لحقت الثمار اللاحقة من جهة سارق، فلأصحابنا وجهان على قولنا بوضع الجوائح: أحدهما: يوضع المسروق وضع الجوائح السماوية. قال إمام الحرمين: وهذا ضعيف وإن كان مشهورًا في الحكاية؛ فإن ¬

_ (¬1) رواه أبو عوانة في "مستخرجه" (5213)، والبيهقي 5/ 306 كلاهما من طريق أبي داود. وقال الألباني: حسن مقطوع. (¬2) قال الألباني: حسن مقطوع. (¬3) في الأصل (مد). (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 19/ 353.

السرقة نتيجة ترك الحفظ واليد للمشتري، ولا نعرف خلافًا أنه لا يجب على البائع نصب ناطور على الثمار إلى جدادها. قال: ولست آمن (¬1) أن يمنع ذلك من يصير إلى الوجه البعيد في أن الفائت بالسرقة موضوع عن المشتري، وهو من ضمان البائع (مفسدٍ) أي متلف أصلًا، فلو غابت الثمار بالجوائح، ولم تتلف، قال إمام الحرمين: فثبوت الخيار مبني على الحكم بانفساخ العقد لو تلفت الثمار، فإن حكمنا بالانفساخ عند التلف أثبتنا الخيار (¬2) للمشتري بالعيب، وإن لم نحكم بالانفساخ عند التلف، لم يثبت الخيار عند العيب (¬3). (من) لبيان جنس الجائحة (مطر أو برد) قال الإسنوي: يجوز أن يقرأ بسكون الراء وفتحها أي: "ما تقدم في أمثلة إمام الحرمين -رضي الله عنه- أو حر أو برد أو برَد. ثم قال: وفي هذا المثال إشارة إلى أنه يشترط أن يكون المهلك من الآفات السماوية الظاهرة وما في معنى ذلك. (أو جراد) يأكل الثمار (أو ريح) ترميه (أو حريق) ينشأ من ريح تنثره. قال مطرف وابن الماجشون: الجائحة ما أصاب الثمرة من السماء من عفن (¬4) أو برد أو عطش أو كسر الشجرة بما ليس بصنع (¬5) آدمي والجيش ليس بجائحة، وفي رواية ابن القاسم: إنه جائحة (¬6). * * * ¬

_ (¬1) في (ر): آمر. (¬2) زاد هنا في (ر): على الحكم، ولا وجه لها والله أعلم. (¬3) انظر: "نهاية المطلب" للجويني 5/ 161. (¬4) في (ر): عقر. (¬5) في (ر)، (ل): (صنع). (¬6) انظر: "المفهم" 4/ 426.

26 - باب في منع الماء

26 - باب في مَنْعِ المَاءِ 3473 - حَدَّثَنَا غثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُمْنَعُ فَضْلُ الماءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الكَلأُ" (¬1). 3474 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبي هُريرَةَ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ثَلاثَة لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيامَةِ رَجُلٌ مَنَعَ ابن السَّبِيلِ فَضْلَ ماءٍ عِنْدَهُ وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ بَعْدَ العَصْرِ -يَعْني: كاذِبًا- وَرَجُل بايَعَ إِمامًا فَإِنْ أَعْطاهُ وَفَى لَهُ وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ لَمْ يَفِ لَهُ" (¬2). 3475 - حَدَّثَنَا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ بِإِسْنادِهِ وَمَعْناهُ قالَ: "وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ". وقالَ في السِّلْعَةِ: "بِاللهِ لَقَدْ أُعْطيَ بِهَا كَذا وَكَذا فَصَدَّقَهُ الآخَرُ فَأَخَذَهَا" (¬3). 3476 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعاذٍ، حَدَّثَنَا أَبي، حَدَّثَنَا كَهْمَسٌ، عَنْ سَيَّارِ بْنِ مَنْظُورٍ - رَجُل مِنْ بَني فَزارَةَ - عَنْ أَبِيهِ، عَنِ أمْرَأَ؛ يُقالُ لَها: بُهَيْسَةُ، عَنْ أَبِيهَا قالَتِ اسْتَأْذَنَ أَبي النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَدَخَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَمِيصِهِ فَجَعَلَ يُقَبِّلُ وَيَلْتَزِمُ ثُمَّ قال: يا نَبيَّ اللهِ ما الشَّيء الذي لا يَحِلُّ مَنْعُهُ قَالَ: "الماءُ". قال: يا نَبِيَّ اللهِ ما الشَّيء الذي لا يَحِلُّ مَنْعُهُ قالَ: "المِلْحُ". قال: يا نَبيَّ اللهِ ما الشَّيء الذي لا يَحِلُّ مَنْعُهُ قالَ: "أَنْ تَفْعَلَ الخَيْرَ خَيْرٌ لَكَ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2353)، ومسلم (1566). (¬2) رواه البخاري (2358)، ومسلم (108). (¬3) رواه البخاري (2672)، ومسلم (108). (¬4) سبق برقم (1669)، وهو حديث ضعيف.

3477 - حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ الجَعْدِ اللُّؤْلُؤيُّ، أَخْبَرَنَا حَرِيزُ بْنُ عُثْمانَ، عَنْ حَبّانَ بْنِ زَيْدٍ الشَّرْعَبيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَرْنٍ ح وَحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا حَرِيز بْنُ عُثْمانَ، حَدَّثَنَا أَبُو خِداشٍ - وهذا لَفْظُ عَليٍّ - عَنْ رَجُلٍ مِنَ المُهاجِرِينَ مِنْ أَصْحابِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: غَزَوْت مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثَلَاثًا أَسْمَعُهُ يَقولُ: "المُسْلِمُونَ شُرَكاءُ في ثَلاثٍ في الكَلإِ والماءِ والنَّارِ" (¬1). * * * باب في منع الماء [3473] (حَدَّثَنَا عثمان بن أبي شيبة، قال: حَدَّثَنَا جرير، عن الأعمش، عن أبي صالح) السمان (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يُمنَعُ) بضم أوله وفتح ثالثه، خبرٌ بمعنى النهي (فضلُ الماء) أي الماء الفاضل عن حاجته، وإنما قدم فضل على الماء للاهتمام به (ليُمنَعَ) بضم أوله وفتح ثالثه أيضًا، والعين منصوبة بأن المقدرة، وهذِه اللام وإن سماها النحويون: لام كي، فهي لبيان العاقبة (¬2) والمآل لا للتعليل فهي كقوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} (¬3) (به) فضل (الكلام بفتح الكاف (¬4) مهموز مقصور، هو العشب والنبات رطبًا كان أو يابسًا، والأخضر منه يسمى ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 364، وابن أبي شيبة 11/ 669 (23655). وصححه الألباني. (¬2) في (ر): الغائبة. (¬3) القصص: 8. (¬4) سقط من (ر).

الرطب، وأما الحشيش والهشيم فمختص باليابس، وأما الخلأ فمقصور ومهموز، والعشب مختص (¬1) بالرطب، ويقال فيه أيضًا بضم الراء وسكون الطاء، واقتصر عليه القرطبي (¬2). وأما النهي عن مثع فضل الماء ليمنع به الكلأ فمعناه: أن تكون (¬3) لإنسان بئر مملوكة له بالفلاة، وفيها ماء فاضل عن حاجته، ويكون هناك كلأ ليس عنده ماء إلا هذا، ولا يمكن أصحاب المواشي رعيه إلا حصل لهم السقي من هذِه البئر فيحرم عليه منع هذا الماء للماشية، ويجب بذله لها بلا عوض؛ لأنه إذا منع بذله، امتنع الناس من رعي ذلك الكلأ خوفًا على مواشيهم من العطش، ويكون منعه الماء مانعًا من رعي الكلأ (¬4)، ففيه إقامة السبب مقام المسبب، وإن اختلا في أن المسبب أصله الجواز من منع فضل الماء، لكن لما كان سببًا لمنع المباح للمسلمين حرم بسبب ذلك، كما أن ذكر الإنسان بما لا غيبة فيه مباح فإن تيقن أنه إذا ذكره عند من يعلم أنه يغتابه إذا ذكر ويقع في عرضه أو يكون عازمًا على ظلمه في ماله أو قتله وهو ناسٍ له حرم عليه ذكره حينئذٍ؛ لأن المباح قد يؤدي إلى الحرام. زاد ابن حبان في "صحيحه" في هذا الحديث: فيقول: "ويجوع العيال" (¬5). ¬

_ (¬1) في (ر): يختص. (¬2) "المفهم" 4/ 442، انظر: "شرح مسلم" للنووي 10/ 229. (¬3) في (ر): يكون. والمثبت من "شرح مسلم" للنووي. (¬4) انظر: "شرح مسلم" للنووي 10/ 228 - 229. (¬5) 11/ 332 (4956).

قال البيهقي: هذا هو الصحيح. وفي رواية للشافعي: "من منع فضل الماء ليمنع به الكلأ؛ منعه الله فضل رحمته يوم القيامة" (¬1). ويدخل في المنع من فضل الماء من سبق للماء الذي في الفيافي (¬2) إذا منعه من الماشية، فقد منعه من الكلأ - وهو العشب الذي حول ذلك الماء - من الرعي؛ لأن البهائم لا ترعى إلا بعد أن تشرب (¬3). [3474] (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة، حَدَّثَنَا وكيع، حَدَّثَنَا الأعمش، عن أبي صالح) ذكوان (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ثلاثةٌ لا يكلمهم الله يوم القيامة) زاد مسلم: "ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذابٌ اليم" (¬4). أي على لفظ الآية الكريمة، أي: لا يكلمهم تكليم أهل الخير بإظهار الرضى، بل بكلام أهل السخط والغضب. وقال جمهور المفسرين: لا يكلمهم كلامًا ينفعهم ويسرهم (¬5). (رجل) بالرفع بدل من ثلاثة (منع ابن السبيل) وهو المسافر المحتاج إلى الماء له ولدوابه (فضل الماء) يعني الماء الفاضل عن كفايته، كما تقدم بفلاة من الأرض (عنده) أي يحميه من غيره. قال النووي: ولا شك في غلظ تحريم هذا الفعل، وشدة قبحه، وإن ¬

_ (¬1) "المسند" 1/ 382 (1784). (¬2) في (ر): القنا. (¬3) انظر: "المفهم" 4/ 442. (¬4) (108). (¬5) انظر: "الوسيط في تفسير القرآن المجيد" للواحدي النيسابوري 1/ 260.

كان من يمنع فضل الماء للماشية عاصيًا فكيف بمن يمنعه الآدمي المحترم؟ ! فلو كان ابن السبيل غير محترم كالحربي والمرتد لم يجب بذل الماء له (¬1)، انتهى. وكذا لو كان الحيوان غير محترم كالكلب العقور والخنزير وما في معناهما. (ورجل حلف على سلعة) يساومها (بعد العصر) خص بهذا الوقت، لشرفه بشرف اجتماع ملائكة الليل والنهار كما في الحديث (¬2)، ولأنها الصلاة الوسطى (¬3)، ولهذا يغلظ اليمين بالتحليف بعد الصلاة (يعني: كاذبًا) رواية مسلم: "رجل بايع رجلًا بسلعة بعد العصر فحلف بالله لأخذها بكذا وكذا. فصدقه وهو على غير ذلك". انتهى. ومن هو بهذِه المثابة فهو مستحق لهذا الوعيد العظيم. (ورجل بايع إمامًا) زاد مسلم: "لا يبايعه إلا لدنيا" (فإن أعطاه) منها (وفى له) ببيعته (وإن لم يعطه) من دنياه الم يفِ له) من بايع الإمام على هذا الوجه المذكور، استحق الوعيد الشديد لغشه المسلمين وإمامهم، وتسببه لوقوع الفتن بينهم بنكثه بيعة الإمام لاسيما إن كان هذا (¬4) الناكث ممن يقتدى به، فإن مفسدته أعظم، والله أعلم (¬5). [3475] (حَدَّثَنَا ابن أبي شيبة، حَدَّثَنَا جرير، عن الأعمش بإسناده) ¬

_ (¬1) انظر: المصدر السابق 2/ 117. (¬2) رواه البخاري (555)، مسلم (632) من حديث أبي هريرة. (¬3) رواه البخاري (2931)، ومسلم (627) من حديث علي بن أبي طالب. (¬4) سقط من (ر). (¬5) انظر: "شرح مسلم" للنووي 2/ 118.

المتقدم (و) مثل (معناه) و (قال) (¬1) فيه (ولا يزكيهم) أي: لا يطهرهم من دنس ذنوبهم، وقال الزجاج وغيره: لا يثني عليهم (¬2) من التزكية (ولهم عذاب أليم) مؤلم (¬3) قال الواحدي: هو العذاب الذي يخلص إلى قلوبهم وجعه (¬4)، وأصل العذاب من العذب وهو المنع، وسمي الماء عذبًا لأنه يمنع العطش، وسمي العذاب عذابا؛ لأنه يمنع المعاقب من معاودة مثل جرمه (¬5). (وقال في) أمر (السلعة) حلف (بالله لقد أعطي بها كذا وكذا) رواية الصحيح: "لقد أعطي بها أكثر مما أعطي" (¬6) (فصدقه الآخر (¬7) فأخذها) وهو على غير ذلك كما تقدم في رواية مسلم. [3476] (حَدَّثَنَا عبيد الله بن معاذ قال: حَدَّثَنَا أبي) معاذ [بن معاذ] (¬8) قال: (حَدَّثَنَا كهمس) بن الحسن (عن سيار) بتقديم السين (¬9) على المثناة (ابن منظور) بالظاء المعجمة الفزاري (رجل) بالجر (من فزارة) من بني فزارة بفتح الفاء (عن أبيه) منظور بن سيار البصري (¬10) (عن امرأة يقال ¬

_ (¬1) في (ر): وقيل. وغير واضحة في (ل)، والمثبت من المطبوع. (¬2) "معاني القرآن وإعرابه" 1/ 245. (¬3) سقطت من (ر). (¬4) "الوسيط" 1/ 88. (¬5) انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي 2/ 116. (¬6) رواه البخاري (2369). (¬7) في (ر): الآخذ. (¬8) سقطت من (ر). (¬9) مكررة في (ل). (¬10) في الأصول: (المصري)، والصواب المثبت.

لها بُهيسة) بضم الباء الموحدة مصغر، وقبل الهاء، سين مهملة مرفوع. قال الذهبي: أدركتْ النبي - صلى الله عليه وسلم - (عن أبيها) الفزاري، لا يعرفان. (قالت: استأذن أبي (¬1) النبي - صلى الله عليه وسلم -) أعل هذا الحديث عبد الحق وابن القطان بأن بهيسة لا تعرف (¬2)، لكن ذكرها ابن حبان والذهبي - كما تقدم - في الصحابة (¬3) (فدخل) لما أذن له (بينه وبين قميصه) يحتمل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في وسطه سترة تستر ما بين السرة والركبة (فجعل يقبل ويلتزم) (¬4) يشبه أن يكون التقدير: يُقبِّلُ صدر النبي - صلى الله عليه وسلم - ويلتزمه. فيه استئذان من أراد أن يقبل شيءٌ منه أو التزامه، وفيه جواز تقبيل (¬5) أهل العلم والخير والصلاح والتزامهم وتقبيل أياديهم. (ثم قال: يا رسول الله، ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: الماء) من النهور العظيمة كالنيل، والفرات، والدجلة، وما أشبهها من الأنهار العظيمة التي لا يستضر الناس بالسقي منها، فهذا لا يزاحم فيه، ولكل أحد أن يسقي منها ما شاء متى شاء، وأما النهر الصغير الذي يحفره الإنسان إلى أن يظهر الماء في أرض موات؛ فعند أحمد: أن لكل أحد أن يستقيَ من ذلك الماء الجاري، لشربه، ووضوئه، وغسله، وغسل ثيابه، وينتفع به في أشباه ذلك مما لا يؤثر فيه بغير ¬

_ (¬1) سقطت من (ر). (¬2) انظر: "الأحكام الوسطى" 3/ 299، "بيان الوهم والإيهام" 3/ 262. (¬3) انظر: "الثقات" لابن حبان 3/ 39 وفيه: بهية الفزارية، وانظر: "التلخيص الحبير" 3/ 154. (¬4) من المطبوع. (¬5) في (ر): فضيل.

إذنه، إذا لم يدخل إليه في مكان محوط عليه ولا يحل لصاحبه المنع من ذلك لهذا الحديث، ولأن ذلك لا يؤثر فيه في العادة وهو فاضل عن حاجة صاحب النهر (¬1)، وأما من نبع (¬2) في ملكه ماء فقال النووي: يصير ملكًا له على المذهب الصحيح. وقال بعض أصحابنا: لا يملكه، بل يصير أحق به، وهذا غلط ظاهر (¬3). قال البغوي من أصحابنا: وهذا الحديث في غير الماء المحرز (¬4) في الأواني أي: والأراضي المملوكة. قال: وأصح أقوال الشافعي أنه غير مملوك له ما لم يحرز. واتفقوا على أن له منع ما فضل عن صاحبه عن زرع (¬5)، ولا يجوز أن يمنع الفضل عن ماشية الغير لهذا الحديث (¬6). وحكى في "المغني" عن أحمد: أن الماء الفاضل عن حاجة صاحب النهر إن كان مما لا مؤنة له (¬7) فيقدم، وإن كان مما يؤثر كسقي الماشية الكثيرة ونحو ذلك، فإن فضل الماء عن حاجة صاحبه لزمه بذله لذلك، وإن لم يفضل لم يلزمه (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" 6/ 187. (¬2) في (ر): بيع. (¬3) انظر: "شرح مسلم" للنووي 10/ 229. (¬4) في (ر): المجرن. (¬5) في "شرح السنة": ما فضل عن حاجته عن زرع غيره. (¬6) انظر: "شرح السنة" 8/ 286. (¬7) ساقطة من (ل). (¬8) انظر: "المغني" 6/ 187.

(قال: يا رسول الله، ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: ) هو (الملح) إذا كان معدنه في أرض موات غير مملوكة، فأما الملح إذا صار ملحًا في أرض مملوكة في بركة ونحوها فإنه يحل منعه، فإنه مالك للأرض وللماء المنعقد منه. (قال: يا نبي الله، ما الشيء الذي لا يحل منعه؛ قال) وروى ابن ماجة من حديث عائشة أنها قالت: يا رسول الله، ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: "الماء والملح والنار" (¬1). وسيأتي النار بعد هذا. وللطبراني في "الصغير" من حديث أنس: "خصلتان لا يحل منعهما: الماء والنار" (¬2). (أن) بفتح الهمزة وسكون النون مصدرية تقدر هي وما بعدها بالمصدر الذي هو مبتدأ في الأصل (تفعلَ) منصوبٌ بأن (الخير) والتقدير: وفعلك الخير (خير) بالرفع خبر المبتدأ المقدر (لك) يشبه أن يكون المعنى: خير لك من هذا السؤال. وفيه حث على فعل الخير. [3477] (حَدَّثَنَا علي بن الجعد) بن عبيد (اللؤلؤي) ويقال له: الجوهري، روى عنه البخاري اثني عشر حديثا (¬3) (حَدَّثَنَا حَريز) بفتح الحاء المهملة وآخره زاي (بن عثمان) الرحبي، روى عنه البخاري في صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - " (¬4)، وذكر بني إسرائيل (¬5) (عن حِبان) بكسر الحاء ¬

_ (¬1) (2474). (¬2) 2/ 7 (681). (¬3) سقط من (ر)، (ل) وأثبتها لأن السياق يقتضيها، وانظر: "تهذيب التهذيب" 7/ 257 فإنه ذكر أن البخاري روى عنه ثلاثة عشر حديثا. (¬4) (3546). (¬5) (3509) كتاب المناقب.

المهملة، وتشديد الباء الموحدة (بن زيد الشَّرْعَبي) بفتح الشين المعجمة والعين المهملة بعدها باء موحدة الشامي الحمصي التابعي (عن رجل من قَرَن) بفتح القاف والراء، قبيلة. (ح، وحَدَّثَنَا مسدد، حَدَّثَنَا (¬1) عيسى بن يونس، حَدَّثَنَا حَريز) بفتح الحاء المهملة كما تقدم (بن (¬2) عثمان، حَدَّثَنَا (¬3) أبو خداش) هو حبان بن زيد الشرعبي المذكور التابعي، سئل عنه أبو حاتم فقال: أبو خداش لم يدرك النبي - صلى الله عليه وسلم -" (¬4). (وهذا لفظ علي) بن الجعد (عن رجل) لا تضر جهالة الصحابة؛ لأنهم كلهم عدول لاسيما وقد صرح بأنه (من المهاجرين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، [قال: غزوت مع النبي - صلى الله عليه وسلم -] (¬5) ثلاثًا أسمعه يقول: المسلمون شركاء في ثلاثٍ: في الماء) تقدم (والكلإ) تقدم ضبطه وتفسيره قريبًا، والمراد به الذي ينبت في موات المسلمين قبل أن يحوزه أحد. (والنار) قيل: أراد بها الحجارة التي توري النار، ولا يمنع أحدًا أن يأخذ منها حجرًا إذا كان في الموات، وأما النار التي أوقدها الرجل من حطبه، فله منع الغير منها، وله (¬6) أن يمنع أن يؤخذ منها جذوة، ولكن لا ¬

_ (¬1) سقطت من (ر). (¬2) سقطت من (ر). (¬3) سقطت من (ر). (¬4) "علل بن أبي حاتم" 3/ 401 م (965). (¬5) سقطت من (ر). (¬6) في (ر): فله.

يمنع أحدًا أن يستصبح منها بمصباح؛ لأنه لا ضرر عليه فيه (¬1)، وقد قال الأصوليون كالبيضاوي وغيره: إن آنتفاع الغير بملك المالك بما لا مضرة فيه على المالك ولا فيه مفسدة لماله مباح. ويحتمل أن يراد بالنار الخبز في تنوره في البيت، والبئر والنبع منها كالاستصباح من [ضوء ناره] (¬2)، والاستظلال بجداره، والنظر في مرآته من غير أخذها، فإن هذِه الانتفاعات فالانتفاع بها دائرة مع كونه انتفاعًا خاليًا عن أمارات المفسدة ومضرة المالك وجودًا وعدمًا؛ لأنه كلما وجد من سائر ما ذكرنا وجدت الإباحة، وكلما انتفى انتفت الإباحة فلزم إباحة هذِه الأفعال (¬3). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "شرح السنة" للبغوي 8/ 279. (¬2) بياض في (ر). (¬3) انظر: "المعتمد في أصول الفقه" 2/ 320، "الإبهاج في شرح المنهاج للبيضاوي"، تأليف: علي بن عبد الكافي السبكي 1/ 146.

27 - باب في بيع فضل الماء

27 - باب في بَيْعِ فَضْل المَاءِ 3478 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النّفَيْليُّ، حَدَّثَنَا داوُدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَطَّارُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ، عَنْ أَبِي الِمنْهالِ، عَنْ إِياسِ بْنِ عَبْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الماءِ (¬1). * * * باب في بيع فضل الماء [3478] (حَدَّثَنَا عبد الله بن محمد النفيلي، حَدَّثَنَا داود بن عبد الرحمن العطار) حكى الذهبي في "الميزان": قال الشافعي: ما رأيت أورع من داود ولا أعبد من الفضيل (¬2). (عن عمرو بن دينار، عن أبي المنهال) عبد الرحمن بن مطعم (عن إياس بن عبد) المزني أبي عوف الكوفي الصحابي. (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع فضل الماء) قال النووي: يحتمل أن يكون النهي نهي تنزيه. قال أصحابنا: يجب بذل الماء في الفلاة بشروط: أحدها: أن لا يكون ماء آخر يستغنى به. الثاني: أن يكون البذل لحاجة الماشية لا لسقي الزرع. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1271)، والنسائي 7/ 307، وابن ماجة (2476)، والبخاري في "التاريخ الكبير" 1/ 440. ورواه مسلم (1565) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. (¬2) في (ر)، (ل): (الفضل). والمثبت من "ميزان الاعتدال"، والمقصود بالشافعى هنا: إبراهيم بن محمد الشافعي. انظر: "ميزان الاعتدال" 2/ 11.

الثالث: أن لا يكون مالكه محوجًا إليه محتاجًا إليه (¬1). قال القرطبي: ظاهر هذا اللفظ النهي عن نفس بيع الماء الفاضل الذي يشرب فإنه السابق إلى الفهم، وقد حمله (¬2) بعض العلماء على ماء الفحل قال: وفيه بعد. وأما فضل ماء في ملك له فهل يجبر على بذل فضله أو لا يجبر؟ وإذا أجبر فهل هو بقيمته (¬3) أو (¬4) لا؟ قولان سببهما معارضة عموم النهي عن بيع فضل الماء لأصل (¬5) الملكية، وقياس الماء على الطعام إذا احتاج إليه. قال: و (¬6) الأرجح إن شاء الله حمل الخبر على عمومه؛ فيجب بذل الفضل بغير قيمة. ويفرق بينه وبين الطعام بكثرة الماء غالبًا وعدم المشاحة فيه، وقلة الطعام غالبًا ووجود المشاحة فيه (¬7). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "شرح مسلم" للنووي 10/ 229. (¬2) في (ر)، (ل): (أحمل). (¬3) في (ر): يضمنه. (¬4) في (ر): أم. (¬5) في (ر)، (ل): لأجل. (¬6) سقطت من (ر). (¬7) انظر: "المفهم" للقرطبي 4/ 441.

28 - باب في ثمن السنور

28 - باب في ثَمَنِ السِّنَّوْرِ 3479 - حَدَّثَنَا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى الرّازيُّ ح. وَحَدَّثَنا الرَّبِيعُ بنُ نافِعٍ أَبُو تَوْبَةَ وَعَليّ بْن بَحْرٍ قالا: حَدَّثَنَا عِيسَى. وقالَ إِبْراهِيمُ: أَخْبَرَنَا، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أَبي سُفْيانَ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ والسِّنَّوْرِ (¬1). 3480 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْن حَنْبَل، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزّاقِ، حَدَّثَنَا عُمرُو بْن زَيْدٍ الصَّنْعانِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبا الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ ثَمَنِ الهِرَّةِ (¬2). * * * باب في ثمن السنور [3479] (حَدَّثَنَا إبراهيم بن موسى الرازي) الفراء شيخ البخاري. (وحَدَّثَنَا الربيع بن نافع أبو توبة، وعلي بن بحر) بالحاء المهملة، وليس لهم بجر بالجيم، بل بحير بضم الباء والحاء المهملة، وهو بحير بن ضبع بن بري القطان الحافظ. (قالا: حَدَّثَنَا عيسى) بن يونس بن أبي إسحاق (وقال إبراهيم: عن الأعمش، عن أبي سفيان) طلحة بن نافع القرشي. (عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ثمن الكلب) تقدم، والسِنَّور على وزن بلَّور وهو الهر كما سيأتي. والصحيح صحة بيعه كما سيأتي. وهذا النهي محمول على ما لا نفع فيه، أو على أنه نهي تنزيه عن ثمنه، وأن بيعه ليس من مكارم الأخلاق ولا من المروءات حتى ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1569). (¬2) رواه الترمذي (1280)، وأحمد 3/ 297. وضعفه الألباني في "الإرواء" (2487).

يعتاد الناس هبته وإعارته والسماحة به كما هو الغالب. هذا مذهب العلماء كافة إلا ما حكى ابن المنذر عن أبي هريرة وطاوس ومجاهد وجابر بن زيد أنه لا يجوز بيعه عملًا بهذا الحديث (¬1). وأجاب الجمهور بأنه محمول على ما ذكرنا، وأما ما ذكره الخطابي وابن عبد البر بأن الحديث ضعيف (¬2). قال النووي: فليس كما قالا، بل الحديث صحيح. رواه مسلم وغيره (¬3). [3480] (حَدَّثَنَا أحمد بن حنبل قال: حَدَّثَنَا عبد الرزاق، حَدَّثَنَا عمر ابن زيد الصنعاني) قال أبو حاتم (¬4): لا يحتج به، لكن الحديث له أصل؛ فقد أخرجه مسلم وأصحاب السنن (¬5) عن أبي الزبير (¬6). والترمذي والحاكم من طريق أبي سفيان، عن جابر (¬7). وأبو عوانة في "صحيحه" من طريق عطاء عنه (¬8) (أنه سمع أبا الزبير) محمد بن مسلم التابعي، عن (جابر) بن عبد الله -رضي الله عنه-: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ثمن الهر) يعني الأهلي، وبيعه صحيح عند الجمهور؛ لأنه ينتفع به في صيد الفأر كما أن الفهد يصح بيعه؛ لأنه يصطاد به. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "الأوسط" 10/ 28. (¬2) انظر: "التمهيد" 8/ 453، "معالم السنن" 3/ 111. (¬3) انظر: "شرح النووي على مسلم" 10/ 234. (¬4) يقصد ابن حبان، وانظر: "المجروحين" 2/ 82، "تهذيب الكمال" 21/ 51. (¬5) بياض في (ر، ل). (¬6) مسلم (1569)، ابن ماجة (2161). (¬7) الترمذي (1279)، الحاكم 2/ 34. (¬8) ذكره أبو عوانه في "مستخرجه" إثر حديث (5274) من طريق عطاء عن أبي هريرة.

29 - باب في أثمان الكلاب

29 - باب في أَثْمَانِ الكِلَابِ 3481 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَة بْن سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ أَبي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ وَمَهْرِ البَغيِّ وَحُلْوانِ الكاهِنِ (¬1). 3482 - حَدَّثَنَا الرَّبِيغ بْن نافِعٍ أَبُو تَوْبَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ - يَعْني ابن عَمْرٍو - عَنْ عَبْدِ الكَرِيمِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ حَبْتَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ قال: نَهَى رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ وَإِنْ جاءَ يَطْلُبُ ثَمَنَ الكَلْبِ فامْلأْ كَفَّهُ تُرابًا (¬2). 3483 - حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسيُّ، حَدَّثَنَا شعْبَةُ، أَخْبَرَنِي عَوْن بْن أَبي جُحَيْفَةَ أَنَّ أَباهُ قالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ (¬3). 3484 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنَا ابن وَهْبٍ، حَدَّثَنِي مَعْرُوفُ بْن سُوَيْدٍ الجُذاميُّ، أَنَّ علي بْنَ رَباحٍ اللَّخْمِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبا هُرَيْرَةَ يقولُ: قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَحِلُّ ثَمَنُ الكَلْبِ وَلا حُلْوانُ الكاهِنِ وَلا مَهْرُ البَغيِّ" (¬4). * * * باب في أثمان الكلاب (¬5) [3481] (حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد، حَدَّثَنَا سفيان، عن الزهري، عن أبي ¬

_ (¬1) سبق برقم (3428). (¬2) رواه أحمد 1/ 278، وأبو يعلى 4/ 468 (2600)، والبيهقي 6/ 6. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (465). (¬3) رواه البخاري (2086). (¬4) رواه النسائي 7/ 310، وأحمد 2/ 299. وصححه الألباني. (¬5) في (ر): الكلب.

بكر بن عبد الرحمن) بن الحارث بن هشام المخزومي (عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو بن ثعلبة، شهد العقبة الثانية، وكان أصغر من شهدها سنًّا، ولم يشهد بدرًا (¬1). (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن ثمن الكلب) لنجاسة عينه، وإنما جُوِّز اقتناؤه لشدة الضرورة إليه؛ فإن الحاجة ماسة إليه ولا يسد مسده [في ظهور منفعته وخفة مؤنته شيء، كما أن الزبل يجوز اقتناؤه مع نجاسته فإنه لا يسد مسده] (¬2) شيء، فكان ذلك في حكم الضرورة قاله إمام (¬3) الحرمين. قال: وهذا بخلاف الانتفاع بالدهن النجس في الاستصباح، فإن فيه ممارسة نجاسة مع الاستغناء عنها (¬4). (ومهر البغي وحلوان الكاهن) تقدما. [3482] (حَدَّثَنَا الربيع بن نافع أبو توبة قال: حَدَّثَنَا عبيد الله) بالتصغير (بن عمرو) الرقي، روى له الجماعة. (عن عبد الكريم [بن مالك]) (¬5) الجزري، روى له الجماعة. (عن قيس بن حَبْتَر) بفتح الحاء المهملة وإسكان الباء الموحدة وفتح التاء (¬6) المثناة فوق ثم راء، التميمي النهشلي بهذا نسبه ابن حبان في ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 20/ 216. (¬2) سقط من (ر). (¬3) في (ل): إما. (¬4) "نهاية المطلب" 5/ 498. (¬5) سقط من (ر). (¬6) سقط من (ر).

التابعين من "الثقات" (¬1). (عن ابن عباس قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ثمن الكلب) فهو حرام وبيعه باطل، أي كلب كان، ورخص في ثمن كلب الصيد خاصة جابر وعطاء والنخعي، وجوز أبو حنيفة بيع الكلاب كلها وأخذ أثمانها (¬2) (وإن جاء) بائعه (يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه ترابًا) أي الخيبة من الثمن كما يقال للطالب الخائب: لم يحصل في كفه غير التراب. وقيل: المراد التراب خاصة حملًا للحديث على ظاهره كما حمله المقداد في حديث المداحين (¬3). [3483] (حَدَّثَنَا أبو الوليد الطيالسي، حَدَّثَنَا شعبة قال: أخبرني عون ابن أبي جحيفة، أن أباه) أبا (¬4) جحيفة السوائي وهو وهب بن عبد الله، ويقال: وهب بن وهب بن سواءة بن عامر بن صعصعة، توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مراهق، ووليَ بيت المال لعلي (¬5). (قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ثمن الكلب (فإنه خبيث كما تقدم. [3484] (حَدَّثَنَا أحمد بن صالح، حَدَّثَنَا) عبد الله (بن وهب، حدثني معروت بن سويد الجذامي) بضم الجيم، وثقه ابن حبان (¬6) (أن عُلي) بضم العين مصغرًا (بن رباح) بفتح الراء اللخمي بالخاء المعجمة التابعي ¬

_ (¬1) "الثقات" 5/ 308. (¬2) انظر: "المغني" 4/ 324. (¬3) انظر: "النهاية" لابن الأثير 1/ 485 والحديث رواه مسلم (3002). (¬4) في (ر): أبي. (¬5) انظر: "أسد الغابة" 5/ 406، "تهذيب الكمال" 31/ 133. (¬6) "الثقات" 7/ 499.

المصري (حدثه، أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يحل) أخذ (ثمن الكلب، ولا حلوان الكاهن) الحلوان: ما يأخذه رشوة على (¬1) تكهنه، والحلوان: الشيء الحلو، يقال: حُلو وحُلوان بضم الحاء فيهما (¬2). (ولا مهر البغيِّ) بتشديد الياء أَخره هي الزانية ومهرها (¬3) ما تعطاه على الزنا. * * * ¬

_ (¬1) في (ر): عن. (¬2) انظر: "لسان العرب" 14/ 191. (¬3) سقط من (ر).

30 - باب في ثمن الخمر والميتة

30 - باب في ثَمَنِ الخَمْرِ والمَيْتَةِ 3485 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْن وَهْبٍ، حَدَّثَنَا مُعاوَيةُ بْنُ صالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الوَهّابِ بْنِ بُخْتٍ، عَنْ أَبي الزِّنَادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إِنَّ اللهَ حَرَّمَ الخَمْرَ وَثَمَنَهَا وَحَرَّمَ المَيْتَةَ وَثَمَنَها وَحَرَّمَ الخِنْزِيرَ وَثَمَنَهُ" (¬1). 3486 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْث، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبي حَبِيبٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبي رَباحٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُول عامَ الفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: "إِنَّ اللهَ حَرَّمَ بَيْعَ الخَمْرِ والمَيْتَةِ والخِنْزِيرِ والأَصْنَامِ". فَقِيلَ: يا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ المَيْتَةِ فَإِنَّهُ يُطْلَى بِها السُّفُن وَيُدْهَن بِها الجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟ فَقالَ: "لا هُوَ حَرامٌ". ثُمَّ قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ ذَلِكَ: "قَاتَلَ اللهُ اليَهُودَ إِنَّ اللهَ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا أَجْمَلُوهُ ثُمَّ باعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ" (¬2). 3487 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبي حَبِيب قال: كَتَبَ إِلَيَّ عَطَاءٌ، عَنْ جابِرٍ نَحْوَهُ لَمْ يَقُلْ: "هُوَ حَرامٌ" (¬3). 3488 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ أَنَّ بِشْرَ بْنَ المفَضَّلِ وَخَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ حَدَّثاهُمُ - المَعْنَى - عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عَنْ بَرَكَةَ. قالَ مُسَدَّدٌ في حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ: عَنْ بَرَكَةَ أَبي الوَلِيدِ، ثمَّ اتَّفَقَا عَنِ ابن عَبّاسٍ قال: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسًا عِنْدَ الرُّكْنِ - قالَ: ¬

_ (¬1) رواه أبو عوانة في "مستخرجه" (5363)، والطبراني في "الأوسط" 1/ 43 (116)، والدارقطني 3/ 7 (21). وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (2358). (¬2) رواه البخاري (2236)، ومسلم (1581). (¬3) انظر السابق.

فَرَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّماءِ فَضَحِكَ فَقالَ: "لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ - ثَلاثًا - إِنَّ اللَّه حَرَّمَ عَلَيْهِمُ الشُّحُومَ فَباعُوها وَأَكَلُوا أَثْمانَها وَإنَّ اللَّه إِذا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيء حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ". وَلَمْ يَقُلْ في حَدِيثِ خالِدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الطَّحَّانِ: رَأَيْتُ. وقالَ: "قاتَلَ اللهُ اليَهُودَ" (¬1). 3489 - حَدَّثَنَا عُثْمان بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قالَ: حَدَّثَنَا ابن إِدْرِيسَ وَوَكِيعٌ، عَنْ طُعْمَةَ بْنِ عَمْرٍو الجَعْفَريِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ بَيانٍ التَّغْلِبيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قال: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ بَاعَ الخَمْرَ فَلْيُشَقِّصِ الخَنازِيرَ" (¬2). 3490 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْن إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمانَ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: لَمَّا نَزَلَتِ الآيَاتُ الأَوَاخِرُ مِنْ سُورَةِ البَقَرَةِ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَرَأَهُنَّ عَلَيْنَا وقالَ: "حُرِّمَتِ التِّجَارَةُ في الخَمْرِ" (¬3). 3411 - حَدَّثَنَا عُثْمان بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ بإِسْنادِهِ وَمَعْنَاهُ قال: الآيات الأوَاخِرُ فِى الرِّبَا (¬4). * * * باب في ثمن الخمر والميتة والخنزير [3485] (حَدَّثَنَا أحمد بن صالح، حَدَّثَنَا عبد الله بن وهب، حَدَّثَنَا معاوية بن صالح) بن حدير الحضرمي قاضي الأندلس (عن عبد ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2223)، ومسلم (1582). (¬2) رواه أحمد 4/ 253، والطيالسي (735)، والحميدي (778)، وابن أبي شيبة 11/ 214 (22039)، والدارمي (2147). وضعفه الألباني في "الضعيفة" (4566). (¬3) رواه البخاري (459)، ومسلم (1580). (¬4) انظر السابق.

الوهاب بن بُخت) بضم الباء الموحدة وإسكان الخاء المعجمة ثم مثناة، المكي. قال ابن الأثير في "الكامل": قتل في سنة ثلاث عشرة ومائة وكان قد غزا مع عبد الله البطال أرض الروم فانهزم الناس عن البطال، فحمل عبد الوهاب. [وهو يقول] (¬1): سفك الله دمي إن سفك (¬2) دمك، ثم ألقى [نفسه عن فرسه] (¬3) وصاح: أنا عبد الوهاب بن بخت: أمن الجَنَّة تفرون؟ ثم تقدم في نحر العدو فقتل وقتل فرسه (¬4). انتهى، وكان يُشَبَّه بالبطال في الشجاعة. (عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال) ورواية مسلم: عن جابر أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول عام الفتح (¬5): (إن الله) ورسوله (حرم الخمر) أي: شرب القليل منها والكثير، وهي كل شراب يسكر من أي شيء كان من عنب أو غيره. (وثمنها) لأنه ليس فيها منفعة مسوغة شرعًا وتحريم نفعها معلل بنجاستها. (وحرم الميتة) بجميع أجزائها، والشافعي يلغي منها تحريم لبنها، وأبو حنيفة حكم بطهارة إنفحتها ولبنها، ولم يجعل لموضع الحلقة أثر ¬

_ (¬1) ساقطة من (ر). (¬2) كذا في (ر، ل): وفي "الكامل": كونه مخاطبا فرسه. (¬3) هكذا في (ر)، (ل) وفي "الكامل" (بيضته عن رأسه). (¬4) انظر: "الكامل في التاريخ" 4/ 403. (¬5) (1581).

في تنجيس ما جاوزه ويلزمه الحكم بطهارة ودك (¬1) الميتة، وأن الموت لا يحله أصلًا ويدخل في عموم الميتة السمك والجراد وجنين المذكاة وغير ذلك، وللناس كلام في تخصيص عموم الكتاب بالسنة، وهي: "أحلت لنا ميتتان ودمان". ويحرم عند الشافعي جميع أجزائها حتى عظمها وقرنها، واستثنى مالك وأبو حنيفة ما لا تحله الحياة كالشعر والصوف والوبر كما ينتفع به إذا نزع منها في حال الحياة. وزاد أبو حنيفة وابن وهب من المالكية أن العظم من الفيل وغيره والسن (¬2) والقرن والظلف كلها لا تحلها الحياة فلا تنجس بالموت (¬3). (وثمنها) فيه دلالة على أن ما حرم الانتفاع به حرم ثمنه؛ إذ لا يراد البيع إلا لذلك، فيكون أكل ثمنها من أبهل المال بالباطل، وقد سوى في هذا الحديث بين الخمر والخنزير والميتة، وزاد في مسلم: الأصنام، فلا يجوز بيع شيء منها، والله أعلم. (وحرم الخنزير) وهو الحيوان المعروف البري، ولا تعرف العرب في البحر خنزيرًا، وسئل مالك عن خنزير [الماء؟ فقال: أنتم تسمونه خنزيرا، أي: لا تسميه العرب بذلك، وقد اتقاه مرّة أخرى على سبيل] (¬4) الورع. فأما البري: فلا خلاف في تحريمه وتحريم بيعه، وأنه لا تعمل (¬5) الذكاة فيه (¬6). ¬

_ (¬1) بياض في (ر). (¬2) في (ر): السمن. (¬3) انظر: "المفهم" للقرطبي 4/ 461 - 462. (¬4) سقط من (ر). (¬5) في (ر)، (ل): (تحرم). (¬6) انظر: "المفهم" 4/ 463.

(وثمنه) لأن ما يحل الانتفاع به لا يجوز بيعه ولا أكل ثمنه كما في الشحوم. [3486] (حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد، حَدَّثَنَا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب) الأزدي عالم أهل مصر، روى له الجماعة. (عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول عام الفتح) أي: فتح مكة (وهو بمكة: إن الله حرم بيع الخمر) قال القرطبي (¬1): هذا الحديث يدل على أن تحريم الخمر كان متقدمًا على فتح مكة شرفها الله تعالى، وفي رواية الصحيحين: "إن الله ورسوله حرم" (¬2). وفي رواية لهما: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرم (¬3). (والميتة والخنزير) روي بنصبهما. يؤخذ من تحريم هذِه الثلاثة نجاستها؛ لأن الانتفاع بها لم يعدم؛ فإنه قد ينتفع بالخمر في إساغة لقمة وغير ذلك، وينتفع بالميتة والخنزير في إطعام الجوارح. (والأصنام) حرم بيعها لعدم الانتفاع بها على صورتها، وعدم الانتفاع بها (¬4) يمنع (¬5) صحة البيع، وقد يكون منع بيعها مبالغةً في التنفير عنها (¬6). قال البغوي: وفي تحريم بيع الأصنام دليل على تحريم بيع جميع ¬

_ (¬1) انظر: المصدر السابق 4/ 461. (¬2) رواه البخاري (2236) ومسلم (1581). (¬3) لم أقف على هذِه الرواية في الصحيحين، ورواها ابن المنذر في "الأوسط" 2/ 413 - 412. (¬4) سقط من (ل). (¬5) سقط من (ر). (¬6) انظر: "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق العيد (ص 362).

الصور المتخذة من الخشب والحديد والذهب والفضة وغيرها، وعلى تحريم بيع جميع آلات اللهو والباطل مثل الطنبور والطبول والمعازف كلها، فإذا طمست الصورة وغيرت آلات اللهو عن حالتها فيجوز بيع جواهرها (¬1). وفي تحريم الخمر والميسر دليل على تحريم بيع الأعيان النجسة، وإن كان منتفعًا بها في حال الضرورة كما تقدم كالسرقين. وفيه دليل على أن بيع جلد الميتة قبل الدباغ لا يجوز لنجاسة عينه، وأما بعد الدباغ فيجوز عند أكثر أهل العلم، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أيما إهاب دبغ فقد طهر" (¬2). وقال ابن سيرين وغيره: لا بأس بتجارة العاج (¬3)؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لثوبان: "اشتر لفاطمة سوارين من عاج". ومن لم يجوز بيعه قال: ليس المراد من العاج في الحديث عظم الفيل، وإنما المراد منه الذبل (¬4)، وهو عظم سلحفاة (¬5) البحر، وهو طاهر كعظم الحوت. وفي تحريم بيع الخنزير دليل على أن ما لا ينتفع به من الحيوانات لا يجوز بيعها كالأسد والقرد والدب والرخمة والنسر وحشرات الأرض. ثم قال البغوي: وفي تحريم بيع الخمر دليل على أن من أراق خمر ¬

_ (¬1) انظر: "شرح السنة" للبغوي 8/ 28. (¬2) سيأتي برقم (4123) من حديث ابن عباس بنحوه، ورواه بلفظه الترمذي (1728)، وابن ماجة (3609). (¬3) في (ر): العاص. (¬4) في (ر): القتل. والمثبت من "شرح السنة". (¬5) في (ر)، (ل): (سحافة). والمثبت من "شرح السنة".

النصارى أو قتل خنزيرًا له أنه (¬1) لا غرامة عليه لأنه لا ثمن لهما في حق الدين (¬2). (فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة، فإنه) ضمير الشأن والقصة (يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود، ويستصبح) الاستصباح: استفعال من المصباح، وهو السراج الذي يشعل منه الضوء. (بها الناس؟ ) ذكروا هذِه المنافع ظنًّا منهم أنها تقتضي جواز البيع. (فقال: لا) أي: لا تظنوا أن هذِه المنافع تجوز بيعها (هو) ضمير يعود على البيع (حرام) وكأنه أعاد تحريم بيع الأعيان المذكورة بعدما بين له أن فيها منفعة، فأهدر تلك المنافع والمصالح التي ذكرت له. وقد استدل بهذا الحديث على منع الاستصباح بها وإطلاء السفن بها (¬3). (ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك: قاتل الله اليهود! ) أي قتلهم وأهلكهم، وهو في الأصل فاعل من القتل، والأصل في فاعل أن يكون من اثنين كقولك: ضارب وشاتم، لن قد يستعمل للواحد نحو عاقبت اللص، وطارقت النعل، واستعملت قاتل هنا في الدعاء عليهم. وقيل: معناه: عاداهم الله تعالى (¬4). (إن الله لما حرم عليهم شحومها، أجملوه) بفتح الهمزة والميم وبينهما ¬

_ (¬1) في (ر): لأنه. (¬2) انظر: "شرح السنة" للبغوي 8/ 27 - 28. (¬3) انظر: "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" (ص 362). (¬4) انظر: "طرح التثريب" 8/ 16.

جيم، وفي رواية البخاري: "جملوه" أي: أذابوه يقال: جملت الشحم [وأجملته] (¬1) إذا أذبته واستخرجت دهنه، وجملت أفصح من أجملت (¬2) (ثم باعوه وأكلوا ثمنه) وإنما أجملوه ليصير ودكًا فيزول عنها اسم الشحم. وفيه دليل على بطلان كل حيلة يحتال بها للتوصل إلى تحليل محرم، فرد عليهم بأنه لا يتغير حكم تحريمه، وإن تغيرت هيئته وبدل اسمه (¬3). قال ابن دقيق العيد: وفيه دليل وتنبيه على تعليل تحريم بيع هذِه الأشياء، وأن العلة تحريمها؛ فإنه وجه اللوم على اليهود في تحريم أكل الثمن بتحريم أكل الشحوم. واستدل المالكية بهذا على تحريم الذرائع من حيث إن اليهود توجه عليهم اللوم بتحريم أكل الثمن من جهة تحريم أكل الأصل، وأكل الثمن ليس أكل الأصل بعينه؛ لكنه لما كان سببًا لأكل الأصل بطريق المعنى استحقوا اللوم به (¬4)، والله أعلم. [3487] (حَدَّثَنَا محمد بن بشار، حَدَّثَنَا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل. (عن عبد الحميد بن جعفر) بن عبد الله الأنصاري، روى عنه مسلم في مواضع. (عن يزيد بن أبي حبيب، قال: كتب إليَّ عطاء) بن أبي رباح. (عن جابر) بن عبد الله (نحوه، ولم يقل: هو حرام) ولم يصرح بالتحريم. ¬

_ (¬1) في (ر)، (ل): (وجملته). والمثبت من "النهاية" لابن الأثير. (¬2) في (ر)، (ل): (جملت). والمثبت من "النهاية" لابن الأثير 1/ 298. (¬3) انظر: "شرح السنة" للبغوي 8/ 30. (¬4) انظر: "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" (ص 362).

[3488] (حَدَّثَنَا مسدد، أن بشر بن المفضل وخالد بن عبد الله حدثاهم، المعنى، عن خالد الحذاء، عن بركة، قال مسدد في حديثه (¬1): خالد بن عبد الله عن بركة أبي الوليد) المجاشعي، ثقة. (ثم اتفقا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالسًا عند الركن) من البيت (فرفع بصره إلى السماء) يشبه أن يكون ذلك ليتفكر في خلقها. (فضحك) تعجبًا من عظم خلقها وحسن بهجتها، وإتقان صنعها، وأنها من أعظم المخلوقات الدالة على كمال قدرة الله تعالى، وتفرده بالخلق والتدبير. وتعجب من جرأة اليهود وتجرئهم على خالق هذِه الموجودات، وتحيلهم في تحليل ما حرم عليهم، كيف يخفى على من هذِه صفته وقدرته ما مكَروه في تغيير اسم الشحوم حتى استحلوها؟ ! (فقال) عند الركن الذي يستجاب عنده الدعاء، وعنده ملائكة يؤمنون على الدعاء (¬2): (لعن الله اليهود) أي: أبعدهم من رحمته (ثلاثًا) كان - صلى الله عليه وسلم - إذا تكلم بكلمة أو دعا بدعوة أعادها ثلاثًا (¬3). (إن الله تعالى حرم عليهم الشحوم) أي شحوم الميتة؛ لأنها جزء من الميتة فحكمها كحكم (¬4) الميتة يحرم بيعها، أجملوها. (فباعوها وأكلوا أثمانها) كما تقدم قريبًا (وإن الله تعالى إذا حرم على ¬

_ (¬1) في "السنن": (حديث). (¬2) انظر: "أخبار مكة" للفاكهي 1/ 136. (¬3) رواه البخاري (94) من حديث أنس، ومسلم (1794) من حديث ابن مسعود. (¬4) في (ر)، (ل): (لحم) والمثبت هو الموافق للمعنى.

قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه) هذا من زيادة أبي داود على الصحيح، يعني: إذا حرَّم على قومٍ شيئًا يؤكل أو يشرب أو ينتفع به حرَّم عليهم بيعه وأكل ثمنه؛ لأن ذلك هو السبب الموجب للتحريم، ويلحق بذلك كل محرم نجس لا منفعة فيه. واختلف في جواز بيع ما فيه منفعة منها كالأزبال والعذرة فحرم ذلك الشافعي ومالك وجل أصحابه كما نقله القرطبي عنهم (¬1)، وأجاز ذلك (¬2) الكوفيون والطبري، وذهب آخرون إلى إجازة ذلك للمشتري دون البائع، ورأوا أن المشتري أعذر من البائع؛ لأنه مضطر إلى ذلك. قال: وروي ذلك عن بعض أصحابنا (¬3). (ولم يقل في حديث خالد بن عبد الله: رأيت) رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالسًا. (وقال: قاتل الله اليهود) بدل: لعن الله اليهود. [3489] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا) عبد الله (ابن إدريس ووكيع) بن الجراح (عن طُعمة) بضم الطاء المهملة. (بن عمرو الجعفري) العامري الكوفي، قال أبو حاتم: صالح الحديث لا بأس به (¬4)، وذكره ابن حبان في "الثقات" (¬5). (عن عمر بن بيان التغلبي) بالمثناة والغين المعجمة بفتح اللام ويجوز كسرها، وثق (عن عروة بن المغيرة بن شعبة) ولي الكوفة، روى له ¬

_ (¬1) في (ر): منهم. (¬2) سقطت من (ر). (¬3) انظر: "المفهم" للقرطبي 4/ 458. (¬4) انظر: "الجرح والتعديل" 4/ 497. (¬5) 6/ 492.

الجماعة (عن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (¬1): من باع الخمر فليشقِّص) بضم الياء (¬2) وفتح الشين المعجمة، وكسر القاف المشددة، ثم صاد مهملة، أي: فليقطع (الخنازير) ويجعلها أشقاصًا، وأعضاءً بعد ذبحها كما يشقص أي يقطع الشاة إذا (¬3) أراد بيعها أو إصلاحها للأكل، وهو تفعل من الشقص وهو الطائفة من الشيء يعني: من باع الخمر فليكن قصابًا للخنازير يبيعها كما يبيع القصاب اللحم؛ فإنها ليست بدون الخمر. والمعنى: أن من استحل بيع الخمر فليستحل بيع الخنزير فإنهما في التحريم سواء (¬4). وهذا أمر معناه النهي كما جاء الأمر للتهديد والتخويف [في قوله] (¬5) تعالى: {قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ} (¬6) والمعنى: لا تتمتعوا بعبادة الأوثان فإن مصير عابدها إلى النار. [3490] (حدثنا مسلم (¬7) بن إبراهيم) الفراهيدي (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد الأزدي، كان إذا قام في مجلسه سائل لم يتكلم حتى يعطيه (¬8). قيل (¬9): خرج الليث بن سعد فقوَّموا ثيابه ودابته وخاتمه بثمانية عشر ألف درهم إلى عشرين ألفا، وخرج شعبة يوما فقوموا حماره وسرجه ¬

_ (¬1) زاد هنا في (ل): قال: (¬2) في (ر): الفاء. (¬3) سقط من (ر)، (ل) وأثبتها لتوافق المعنى. (¬4) انظر: "جامع الأصول" لابن الأثير 1/ 452. (¬5) في (ر): لقوله. (¬6) إبراهيم: 30. (¬7) في (ر): مسدد. (¬8) في (ر): يعطى. (¬9) سقط من (ر).

وخاتمه بثمانية عشر درهمًا (¬1) (عن سليمان) بن مهران الأعمش (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح البطين (¬2) (عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما نزلت الآيات الأواخر من سورة البقرة) فيه دليل على جواز تسمية سورة البقرة خلافًا لمن كره ذلك، وقال: إلا السورة التي تذكر فيها البقرة (¬3). (خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقرأهن علينا) فيه ذكر الدليل قبل المدلول تعظيمًا له وتشريفًا. (وقال: حرمت التجارة في الخمر) وحرمت بضم الحاء وتشديد الراء المكسورة. هكذا رواه البخاري وغيره، فيؤخذ منه تحريم بيعها وشرائها والمقايضة لها وجعلها صداقًا ثابتًا (¬4). [3491] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم (عن الأعمش، عن أبي الضحى (بإسناده) المتقدم (ومعناه وقال: الآيات الأواخر في الربا) يعني {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا} (¬5) وما بعدها. ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 12/ 493. (¬2) ليست هذِه الكلمة ضمن نسب مسلم بن صبيح أبي الضحى وإنما هي من نسب مسلم بن عمران البطين، وانظر: "تقريب التهذيب" (ص 530). (¬3) انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي 9/ 28، "فتح الباري" 9/ 87. (¬4) سقطت من (ل). (¬5) البقرة: 275.

31 - باب في بيع الطعام قبل أن يستوفى

31 - باب في بَيع الطَّعامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتوْفَى 3492 - حدثنا عَبْدُ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "مَنِ ابْتاعَ طَعامًا فَلا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَه" (¬1). 3493 - حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِع، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّهُ قالَ: كُنّا في زَمَنِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- نَبْتاعُ الطَّعامَ فَيَبْعَث عَلَيْنا مَنْ يَأْمُرُنا بِانْتِقالِهِ مِنَ المَكانِ الذي ابْتَعْناهُ فِيهِ إِلَى مَكانٍ سِواهُ قَبْلَ أَنْ نَبِيعَهُ -يَعْني- جُزافًا (¬2). 3494 - حدثنا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، حدثنا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، أَخْبَرَني نافِعٌ، عَنِ ابن عُمَرَ قال: كانُوا يَتَبايَعُونَ الطَّعامَ خزافًا بِأَعْلَى السُّوقِ فَنَهَى رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَبِيعُوهُ حَتَّى يَنْقلُوهُ (¬3). 3495 - حدثنا أَحْمَدُ بْن صالِحٍ، حدثنا ابن وَهْبٍ، حدثنا عَمْرٌو، عَنِ المُنْذِرِ بْنِ عُبَيْدٍ المَدِينيِّ أَنَّ القاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى أَنْ يَبِيعَ أَحَدٌ طَعامًا اشْتَراهُ بِكَيْلٍ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ (¬4). 3496 - حدثنا أَبُو بَكْرٍ وَعُثْمانُ ابنا أَبي شَيْبَةَ قالا: حدثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيانَ، عَنِ ابن طاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قال: قال رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنِ ابْتاعَ طَعامًا فَلا يَبِعْهُ حَتَّى يَكْتالَهُ". زادَ أَبُو بَكْرٍ قال: قُلْتُ لابنِ عَبّاسٍ: لِمَ؟ قال: أَلا تَرى أَنَّهُمْ يَتَبايَعُونَ بِالذَّهَبِ والطَّعامُ مُرجى (¬5). 3497 - حدثنا مُسَدَّدٌ وَسُلَيْمانُ بْن حَرْبٍ قالا: حدثنا حَمّادٌ ح. وَحَدَّثَنا ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2126)، ومسلم (1526). (¬2) رواه البخاري (2123)، ومسلم (1527). (¬3) رواه البخاري (2167)، ومسلم (1527). (¬4) رواه النسائي 7/ 286. (¬5) رواه البخاري (2132)، ومسلم (1525).

مُسَدَّدٌ، حدثنا أَبُو عَوانَةَ -وهذا لَفْظُ مُسَدَّدٍ- عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ، عَنْ طاوُسٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قال: قال رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذا اشْتَرى أَحَدُكُمْ طَعامًا فَلا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ". قالَ سُلَيْمانُ بْن حَرْبٍ: "حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ". زادَ مُسَدَّدٌ قال: وقالَ ابن عَبّاسٍ: وَأَحْسِبُ أَنَّ كلَّ شيء مِثْلُ الطَّعامِ (¬1). 3498 - حدثنا الحَسَنُ بْن عَلِىٍّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، حدثنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ سالِمٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قال: رَأَيْتُ النّاسَ يُضْرَبُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذا اشْتَرَوُا الطَّعامَ خزافًا أَنْ يَبِيعُوهُ حَتَّى يُبْلِغَهُ إِلَى رَحْلِهِ (¬2). 3499 - حدثنا محَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الطّائيُّ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خالِدٍ الوَهْبيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحاقَ، عَنْ أَبي الزِّنادِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قال: ابْتَعْتُ زَيْتًا في السُّوقِ فَلَمّا اسْتَوْجَبْتُهُ لِنَفْسي لَقِيَني رَجُلٌ فَأَعْطاني بِهِ رِبْحًا حَسَنًا فَأَرَدْتُ أَنْ أَضْرِبَ عَلَى يَدِهِ فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنْ خَلْفي بِذِراعي فالتَفَتُّ فَإِذا زَيْدُ بْنُ ثابِتٍ فَقال: لا تَبِعْهُ حَيْثُ ابْتَعْتَهُ حَتَّى تَحُوزَهُ إِلَى رَحْلِكَ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى أَنْ تُباعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتاعُ حَتَّى يَحُوزَها التُّجّارُ إِلَى رِحالِهِمْ (¬3). * * * باب في بيع الطعام قبل أن يُستوفى [3492] (حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر) رضي الله عنهما: (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: من ابتاع) أي: اشترى (طعامًا فلا يبعه) رواية: "لغيره" (حتى يستوفيه) أي: يستوفي قبضه من بائعه. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2135)، ومسلم (1525). (¬2) رواه البخاري (2131)، ومسلم بإثر (1527). (¬3) رواه أحمد 5/ 191، وابن حبان (4984). وقال الألباني: حسن لغيره.

وقد اتفق أهل العلم على أن من ابتاع طعامًا فلا يجوز له أن يبيعه قبل أن يقبضه. واختلفوا فيما سواه، فذهب قومٌ إلى أنه لا فرق بين الطعام وبين السلع والعقار في أن (¬1) بيع شيء منها لا يجوز قبل القبض، وهو قول ابن عباس، وبه قال الشافعي ومحمد بن الحسن. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: يجوز بيع العقار قبل القبض، ولا يجوز بيع المنقول. وقال مالك: ما عدا المطعوم (¬2) يجوز بيعه قبل القبض. فخص الحكم بما إذا كان المبيع فيه حق التوفية على ما دل عليه ظاهر الحديث. وذهب جماعة إلى أنه يجوز بيع ما سوى المكيل والموزون قبل القبض، ذهب إليه سعيد بن المسيب والحسن البصري، وبه قال الأوزاعي وأحمد (¬3). [3493] (حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر أنه قال: كنا في زمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) أو في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (نبتاع الطعام فيبعثه (¬4) علينا) فيه استنابة الإمام في تبليغ الأحكام ([من يأمرنا] (¬5) بانتقاله من المكان الذي ابتاعه فيه إلى مكان (¬6) سواه). وهذا ¬

_ (¬1) سقط من (ر)، (ل) وأثبتها من "شرح السنة" للبغوي. (¬2) في (ر): الطعام. (¬3) انظر: "شرح السنة" للبغوي 8/ 107 - 108. (¬4) بعدها في (ر)، (ل): نسخة: فيبعث. (¬5) سقط من (ر)، (ل). والمثبت من "السنن". (¬6) في (ر): المكان.

في المنقول، وهو قسمان: أحدهما: منقول غير مقدر، كبيع ما لا يكال ولا يوزن في العادة كبيع الصبرة المرئية جزافًا، فالقبض فيها بالنقل من مكان إلى مكان، فإذا جرى البيع بموضع لا يختص بالبائع كفى نقله من ذلك الموضع إلى حيِّزٍ آخر؛ لوجود النقل، وإن جرى في دار البائع لم يكن ذلك؛ لأن يد البائع على الدار وعلى ما فيها إلا إذا جعله في أمتعة، فإنه يكفي سواء كانت الأمتعة له أو مستعارة من البائع، قاله القاضي حسين، بل لا بد من إذن البائع بالنقل إلى بقعة أخرى والقبض منه، ويكون قد استعار الأرض منه. القسم الثاني: أن يباع المنقول مقدرًا كثوب فلا يصح القبض فيه إلا بالنقل والعد، وكذا بيع الطعام مكايلة فلا يصح القبض فيه إلا مكايلة والنقل معًا، وكذا إن بيع وزنًا فلا بد مع النقل من الوزن، وإن بيع عددًا فلا بد مع القبض من العد. وقال مالك وأبو حنيفة: التخلية في جميع ذلك قبض، وشبَّهاه بالعقار (¬1). (قبل أن يبيعه يعني) يشتريه (جزافًا) يعني أن البيع جزافًا فيكفي فيه النقل فقط، كما تقدم في القسم الأول، وإن كان بالعدد فلا بد مع النقل من الكيل أو الوزن أو الذرع أو العد. [3494] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا يحيى) بن [عبد الله] (¬2) سليم ¬

_ (¬1) انظر: "بدائع الصنائع" 5/ 244، "جامع الأمهات" لابن الحاجب ص 362. (¬2) هكذا في (ر)، (ل) ولم أجد هذا الاسم في ترجمته، انظر: "تهذيب الكمال" 31/ 365.

الطائفي، روى عنه الجماعة (عن عبد الله) (¬1) بن عثمان بن خثيم، مصغر، المكي، قال أبو حاتم: صالح الحديث (¬2). (قال: أخبرني نافع، عن ابن عمر) رضي الله عنهما (قال: كانوا) في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- (يتبايعون) يبتاعون (الطعام جزافًا) فيه دلالة على جواز بيع الصبرة جزافًا. قال الشافعي وأصحابه: بيع الصبرة من (¬3) الحنطة وغيرها جزافًا صحيح وليس بحرام. وهل هو مكروه؟ فيه قولان للشافعي: أصحهما: مكروه كراهة تنزيه. والثاني: ليس بمكروه. قالوا: والبيع بصبرة الدراهم جزافًا حكمه كذلك، وحمل مالك هذِه الأحاديث على الأولى والأحث (¬4)، فلو باع الجزاف قبل نقله جاز؛ لأنه بنفس تمام العقد والتخلية بينه وبين المشتري صار من ضمانه ونقل أصحابنا عن مالك أنه لا يصح البيع إذا كان بائع الصبرة جزافًا يعلم قدرها (¬5). (بأعلى السوق) وهو مكان مرتفع في سوق الطعام (فنهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبيعوه حتى ينقلوه) ينقلونه (¬6) ويحولوه من مكان إلى مكان. وعن مالك أن التخلية كافية. قال إمام الحرمين: ونقل حرملة قولًا للشافعي مثل ذلك. ومن اعتبر ¬

_ (¬1) هكذا في (ر)، (ل)، والصواب أنه: عبيد الله، وهو ابن عمر بن حفص العمري. (¬2) انظر: "الجرح والتعديل" 5/ 112. (¬3) ساقطة من (ر). (¬4) ساقطة من (ر). (¬5) انظر: "شرح النووي على مسلم" 10/ 169. (¬6) كذا في الأصول: وعليها علامة نسخة في (ل).

النقل استمسك بالعادة، والعادة مطردة بنقل ما يمكن نقله في القبض، واحتج من لم يشترط النقل بأن الغرض من القبض ظهور تمكن القابض ممن يمكن القبض، وهذا المعنى يحصل بالتخلية والتمكين التام (¬1). [3495] (حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا) عبد الله (ابن وهب، حدثنا عمرو) بن الحارث الأنصاري أحد الأعلام. (عن المنذر بن عبيد) مصغر (المدني) (¬2) ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3). (أن القاسم بن محمد حدثه، أن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما. (حدثه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: نهى أن يبيع أحد طعامًا اشتراه بكيل) أي مكايلة (حتى يستوفيه) وفي رواية: حتى يقبضه. قال ابن دقيق العيد: هذا الحديث يقتضي أمرين: أحدهما: أن تكون صورة المنع (¬4) فيما إذا كان الطعام مملوكًا بجهة (¬5) البيع. والثاني: أن يكون الممنوع هو البيع قبل القبض. أما الأول: فقد أخرج عنه ما إذا كان مملوكًا بجهة الهبة أو الصدقة مثلًا. ¬

_ (¬1) انظر: "نهاية المطلب" للجويني 5/ 168. (¬2) في "السنن": (المديني). (¬3) 7/ 480. (¬4) في (ر)، (ل): (البغ). والمثبت من "إحكام الأحكام". (¬5) في (ر): لجهة.

وأما الثاني: فقد تكلم أصحاب الشافعي في جواز التصرف بعقود غير البيع. منها: العتق قبل القبض، والأصح: أنه ينفذ، إذا لم يكن للبائع حق الحبس بأن أدى المشتري الثمن، أو كان مؤجلًا. فإن كان له حق الحبس فقد قيل: هو (¬1) [كعتق الراهن] (¬2)، وقيل: لا، والصحيح: أنه لا فرق. وكذلك اختلفوا في الهبة والرهن قبل القبض. والأصح عند أصحاب الشافعي: المنع، وكذلك في التزويج خلاف. والأصح عند أصحاب الشافعي: خلافه. ولا يجوز عندهم الشركة والتولية. وأجازهما مالك مع الإقالة. ولا شك أن الشركة والتولية بيع (¬3) فيدخلان تحت الحديث، وفي كون الإقالة بيعًا: خلاف (¬4)، فمن لا يراها بيعًا لا يدرجها تحت الحديث. وإنما استثنى ذلك مالك على خلاف القياس. وقد ذكر أصحابه فيها حديثاً (¬5) يقتضي الرخصة. والله أعلم (¬6). [3496] (حدثنا أبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة قالا: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن) عبد الله (ابن طاوس، عن أبيه) طاوس بن كيسان اليماني اسمه ذكوان، لُقِّبَ طاوسا؛ لأنه كان طاوس القراء (¬7) (عن ابن عباس) ¬

_ (¬1) سقطت من (ر). (¬2) في (ر): يعتق الذاهب. (¬3) سقط من (ر)، (ل). والمثبت من "إحكام الأحكام". (¬4) في (ر): خلافا. (¬5) في الأصل (حديث). والمثبت من المصدر السابق. (¬6) انظر: "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" (ص 361). (¬7) انظر: "تهذيب الكمال" 13/ 358.

رضي الله عنهما (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من ابتاع طعامًا) مكايلة (فلا يبيعه) خبر بمعنى النهي (¬1) (حتى يكتاله) أي يأخذه بالكيل، يقال: اكتال إذا أخذ ما اشتراه بالكيل. والمعنى أن من اشترى شيئًا كيلًا اشترط مع نقله من مكان البيع إلى مكان آخر أن يكتاله. وإن بيع الشيء بالذرع اشترط مع النقل ذرعه. وإن بيع بالوزن اشترط مع النقل وزنه. وإن بيع بالعد اشترط مع النقل عده. فورد النص في الكيل وقسنا عليه الباقي؛ فإن خالف (¬2) في ذلك فقبضه جزافًا، لم يملك المشتري التصرف في شيء منه، ولكن يدخل المقبوض في ضمانه. كذا جزم به الرافعي (¬3). قال أصحابنا: وأجرة الكيال على البائع؛ لأن عليه تمام التسليم، وأجرة وزان الثمن على المشتري. (زاد أبو بكر) بن أبي شيبة (قال) طاوس: (قلت لابن عباس: لم؟ ) أصله: لما حذفت همزة الاستفهام، وفي رواية عن طاوس: وكيف ذاك؟ والمعنى: لم نهى عن هذا البيع؟ (قال) ابن عباس: (ألا ترى أنهم يتبايعون) الذهب (بالذهب و) هي واو الحال (الطعام) بالرفع مبتدأ (مرجأ) بالهمز والرفع خبر المبتدأ وعدم الهمز يقال (¬4): أرجأته وأرجيته، قال الله تعالى: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ} (¬5) قرئ بالهمز ¬

_ (¬1) بعدها في (ل): نسخة: فلا يبعه. (¬2) سقط من الأصل وأثبتها ليستقيم المعنى. (¬3) "الشرح الكبير" 4/ 307. (¬4) في (ر): فقال: (¬5) التوبة: 106.

وعدمه (¬1)، وكذا {أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} (¬2) كلاهما في السبعة. قال صاحب "النهاية": في كتاب الخطابي على اختلاف نسخه: مرجَّى بتشديد الجيم للمبالغة، والإرجاء التأخير، ولعل المراد به هنا الغائب؛ فإن المراد هنا أن يباع الذهب ناجزًا بناجز والطعام غائب، وذلك مثل أن يشتري منه طعامًا بدينار أو ثوبًا بعشرة دراهم نقدًا ويكون البائع محتاجًا إلى الدينار أو الدراهم مثلًا، ثم يبيعه ما اشتراه منه قبل أن يقبضه بدينارين مؤجلة وهو غير جائز؛ لأنه في التقدير بيع ذهب بذهب والطعام غائب غير حاضر؛ لأن المسلف (¬3) إذا باعه الطعام الذي لم يقبضه وأخذ منه ذهبًا فكأنه قد باعه الدينار الذي أسلفه بدينارين مؤجلة وذلك ربا؛ لأنه بيع غائب بناجز (¬4). قال إمام الحرمين: اختلف أصحابنا في جواز بيع المبيع من البائع قبل القبض منه، فمنهم: من منع. قال: وهو القياس وظاهر المذهب، ومنهم من أجازه. قال: مقتضاه انقلاب المبيع إلى من هو في يده وضمانه (¬5). ¬

_ (¬1) قرأه نافع وحفص وحمزة والكسائي بغير همز، وهمزه الباقون. انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص 288 - 289، "الكشف" لمكي 1/ 506. (¬2) الأعراف: 111. قرأه بالهمز: ابن كثير وهشام وأبو عمرو وابن ذكوان. وقرأه بغير همزٍ: قالون وورش والكسائي وحمزة وعاصم. انظر: "الكشف" لمكي 1/ 470. (¬3) في (ر): السلف. (¬4) انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 206 - 207. (¬5) انظر: "نهاية المطلب في دراية المذهب" 5/ 309.

[3497] (حدثنا مسدد وسليمان بن حرب قالا: حدثنا حماد (¬1) ح. وحدثنا مسدد، حدثنا أبو عوانة، وهذا لفظ مسدد، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا اشترى أحدكم طعامًا فلا يبعه) يعني للبائع ولا لغيره (حتى يقبضه) وذكر الأصحاب معنيين: أحدهما: ضعف الملك بدليل الانفساخ بالتلف، ولا يستفيد به ولاية التصرف. والثاني: توالي الضمانين على شيء واحد، يعني: اجتماعهما عليه وثبات ذلك. أما لو صححنا البيع لكان مضمونًا له على البائع، مضمونًا عليه للمشتري الثاني لا سيما وقد يتلف قبل القبض [فيقدر انقلابه] (¬2) قبيل التلف من ملك المشتري الثاني إلى المشتري الأول، ومن ملك المشتري الأول إلى البائع، ويستحيل أن يكون مملوكًا لشخصين في زمن واحد (¬3). (قال سليمان بن حرب) في روايته (حتى يستوفيه) أي: حتى يقبضه ويأخذه من البائع إن كان جزافًا فبالقبض وحده، وإن كان مقدرًا فبالقبض مع التقدير كما سلف. (زاد مسدد: قال) طاوس: (قال ابن عباس: وأحسب) أي: أظن (أن ¬

_ (¬1) سقطت من (ر). (¬2) هكذا في (ر)، (ل) وفي "حاشية عميرة": (بقدر انتقاله). (¬3) انظر: "الشرح الكبير" 4/ 294، و"حاشية قليوبي وعميرة" 2/ 263 - 264، و"كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار" (ص 240).

كل شيء مثل الطعام) يجوز أن يكون قاس غير الطعام عليه لعلة أنه لم يقبض أي: فلا يجوز للمشتري أن يبيعه للبائع ولا لغيره حتى يقبضه من البائع الذي اشتراه منه سواء أذن له البائع في البيع أم لا، وسواء أعطى المشتري ثمن ما اشتراه أم لا، والطعام عام، وقد صرح ابن عباس بعمومه، وأن كل شيء مثل الطعام فلا فرق على هذا بين العقار وغيره، ولا بين الربوي وغيره، ويدل على العموم ما رواه الدارقطني عن حكيم بن حزام: إذا ابتعت شيئًا فلا تبعه حتى تقبضه (¬1). فعبر بالشيء الذي هو أعم الموجودات (¬2). [3498] (حدثنا الحسن بن علي، حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن الزهري، عن سالم) بن عبد الله (عن ابن عمر) رضي الله عنهما (قال: رأيت الناس يُضربون على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا اشتروا الطعام جزافًا) بضم (¬3) الجيم وفتحها وكسرها ثلاث لغات، الكسر أفصح وأشهر، وهو البيع بلا كيل ولا وزن ولا تقدير، وتقدم أنه صحيح ولكن مكروه. أن يبيعه روي أن لا يبيعه (أن لا يبيعوه) (¬4) في مكانه (حتى يبلغه) يبلغوه أي: يوصل ما اشتراه (إلى رحله) رواية مسلم (¬5): كانوا يضربون أن يبيعوه في مكانهم ذلك حتى يؤوه [إلى رحالهم] (¬6)، ¬

_ (¬1) الدارقطني 3/ 8. (¬2) انظر: "كفاية الأخيار" 1/ 239. (¬3) في (ر): بكسر. (¬4) في "السنن" (أن يبيعوه). (¬5) (1527). (¬6) سقطت من (ر).

ومعنى يؤووه: يجمعوه ويضموه إلى أماكنهم، وفي هذا دليل على أن ولي الأمر يعزر من تعاطى بيعًا فاسدًا؛ لأنه ارتكب محرمًا، وقد صرح أصحابنا بأنه يحرم تعاطي العقود الفاسدة. قال ابن يونس: وقد صرح بذلك الشيخ أبو إسحاق في "التنبيه" في موضعين. وفي الحديث دليل على أن ولي الأمر يعزر بالضرب وغيره مما يراه من العقوبات في البدن كما هو مذكور في كتب الفقه (¬1). [3499] (حدثنا محمد بن عوف الطائي) الحمي (¬2) الحافظ قال [أحمد: ما كان بالشام منذ أربعين سنة مثله. (حدثنا أحمد بن خالد الوهبي) بالباء الموحدة] (¬3) الحمصي، روى البخاري عنه في "القراءة خلف الإمام" (¬4). (حدثنا محمد بن إسحاق، عن أبي الزناد، عن عبيد) مصغر (بن حنين) بضم الحاء المهملة وتكرير النون، مصغر، مولى زيد بن الخطاب، روى له الجماعة (عن ابن عمر) رضي الله عنهما. أقال: ابتعت زيتًا في السوق، فلما استوجبته) أي صار في ملكي بعقد التبايع ولم أقبضه، وروي: فلما استوفيته. وفيه دلالة على اعتبار الإيجاب والقبول القيني رجل، فأعطاني به ربحًا حسنًا، فأردت أن أضرب على يده) ¬

_ (¬1) انظر: "شرح مسلم" للنووي 10/ 170 - 171. (¬2) هكذا في (ر)، (ل) ولعل الصواب (الحمصي)، وانظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 26/ 236. (¬3) سقطت من (ر). (¬4) "القراءة خلف الإمام" 34.

أي: أعقد معه البيع؛ لأن من عادة المتبايعين أن يضع أحدهما يده في يد الآخر عند عقد البيع، ولذلك سمي عقد البيع صفقة (¬1). (فأخذ رجل من خلفي بذراعي) الأيمن (فالتفت فإذا زيد بن ثابت -رضي الله عنه- فقال: لا تبعه حيث ابتعته) أي في المكان الذي اشتريته منه (حتى تحوزه) حزت الشيء حوزة (¬2) إذا ضممته إليك وصار في يدك (إلى رحلك) أي منزلك، وكما لا يجوز البيع قبل تحوله وقبضه، لا يجوز غيره من المعاوضات كدفعه في الأجرة أو الصداق أو عوض الصلح أو رأس مال السلم (¬3)، وحكى جماعة من الخراسانيين وجهًا شاذًّا ضعيفًا أنه يجوز بيعه للبائع، قاله في "شرح المهذب" (¬4). (فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى أن تباع السلع) فيه دلالة على ما ذهب إليه الشافعي أن كل السلع حكمها حكم الطعام كما تقدم (حيث تبتاع) أي تشترى (حتى يحوزها التجار) فيه لغتان: كسر التاء مع تخفيف الجيم، وضمها مع تشديد الجيم (إلى رحالهم) ومن المعلوم أن الثابت كالأرض والأبنية والأشجار الثابتة والثمرة المبيعة على الشجرة قبل أوان الجداد لا يتصور فيها النقل، لكن عموم الحديث الذي قبله يشملها. ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير 3/ 169. (¬2) في (ر): أحوزه. (¬3) انظر: "كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار" (ص 240). (¬4) انظر: "المجموع" للنووي 9/ 266.

32 - باب في الرجل يقول في البيع: لا خلابة

32 - باب في الرَّجُلِ يقُولُ في البَيْع: لا خِلابَة 3500 - حدثنا عَبْدُ الّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينارٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا ذَكَرَ لِرَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ يُخْدَعُ في البَيْعِ فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذا بايَعْتَ فَقُلْ: لا خِلابَة". فَكانَ الرَّجُلُ إِذا بايَعَ يَقُولُ: لا خِلابَةَ (¬1). 3501 - حدثنا محَمَّدُ بْن عَبْدِ اللهِ الأَرْزيُّ وَإبْراهِيمُ بْنُ خالِدٍ أَبُو ثَوْرٍ الكَلْبيُّ - المَعْنَى- قالا: حدثنا عَبْدُ الوَهّابِ -قالَ مُحَمَّدٌ: عَبْدُ الوَهّابِ بْنُ عَطاءٍ- أَخْبَرَنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كانَ يَبْتاعُ وَفي عُقْدَتِهِ ضَعْفٌ فَأَتَى أَهْلُة نَبيَّ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقالُوا: يا نَبيَّ اللهِ احْجُرْ عَلَى فُلانٍ فَإِنَّهُ يَبْتاعُ وَفي عُقْدَتِهِ ضَعْفٌ فَدَعاهُ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَنَهاهُ، عَنِ البَيْعِ فَقال: يا نَبيَّ اللهِ إِنّي لا أَصْبِرُ، عَنِ البَيْعِ. فَقالَ رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إنِ كُنْتَ غَيرَ تارِكٍ البَيعَ فَقُلْ هاءَ وَهاءَ وَلا خِلابَةَ". قالَ أَبُو ثَوْرٍ: عَنْ سَعِيدٍ (¬2). * * * باب في الرجل يقول عند المبيع: لا خلابة [3500] (حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر) رضي الله عنهما: (أن رجلاً ذكر) مبني للفاعل أو للمفعول الرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه يُخدع في) البيوع (¬3) (¬4) هذا الرجل. قال الخطيب (¬5): ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2117)، ومسلم (1533). (¬2) رواه الترمذي (1250)، والنسائي 7/ 252، وابن ماجه (2354)، وأحمد 3/ 217. وصححه الألباني. (¬3) في (ر): البيوت. (¬4) بعدها في الاْصل: نسخة: البيع. (¬5) انظر: "الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة" 5/ 364.

هو حبان بفتح الحاء المهملة بعدها موحدة، أو والده منقذ، والمختار أنه منقذ كما هو في "تاريخ البخاري" (¬1) و"سنن ابن ماجه" (¬2) والدارقطني (¬3) والبيهقي (¬4). (فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا بايعت فقل: لا خلابة) وكان هذا الرجل قد قلَّت معرفته بالمعاملة مع كبر سنه، فجاء أهله إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وشكوا إليه كثرة غبنه في البيع، وطلبوا منه عليه السلام أن يحجر عليه في البيع، فقال الرجل (¬5): يا رسول الله لم يكن لي صبر عن البيع. فرفع عنه الحجر وقال: "إذا بايعت فقل: لا خلابة" فكان الرجل إذا بايع بيعًا قال: لا خلابة. يعني: لا خديعة، يعني: أبيع هذا بشرط أن أرد (¬6) الثمن أو استرد المبيع إذا ظهر لي غبن فيه. واختلف العلماء في أن هذا الشرط هل كان خاصًّا بهذا الرجل أم يدخل فيه جميع من شرط؟ فعند أحمد: يثبت الرد لمن شرط هذا الشرط أي: لمن قال في وقت البيع: لا خلابة، أو يقول هذا المعنى بلفظ آخر. وعند الشافعي وأبي حنيفة: لا يثبت الخيار بالعيب سواء قال هذا اللفظ أو لم يقل سواء قلَّت المغابنة أم كثرت. ¬

_ (¬1) "التاريخ الكبير" 8/ 17. (¬2) (2355). (¬3) "السنن" 3/ 55. (¬4) "السنن الكبرى" 5/ 273. (¬5) سقطت من (ر). (¬6) في (ر): أراد.

قال النووي: وهي أصح الروايتين عن مالك. وقال البغداديون من المالكية: المغبون بالخيار بهذا الحديث بشرط أن يبلغ الغبن ثلث القيمة، فإن كان دونه فلا، والصحيح لا خيار؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يثبت له الخيار، وإنما قال له: قل: لا خلابة. ولا يلزم من هذا ثبوت الخيار (¬1). (فكان الرجل إذا بايع) أحدًا بعدها (يقول: لا خلابة) كما أمره النبي -صلى الله عليه وسلم-. [3501] (حدثنا محمد بن عبد الله الأَرْزي) بفتح الهمزة وسكون الراء بعدها زاي، ويقال: الرزي بضم الراء بعدها زاي، وهما لغتان في الرز، وفيه لغتان ذكرها ابن مالك في بيت فقال: أرْزٌ وأرُزٌ أَرُزٌ صح مع آرزٍ ... والرز والرنز قل ما شئت لا عدلا وهو من شيوخ مسلم، روى عنه في آخر الكتاب (¬2). (وإبراهيم بن خالد أبو ثور الكلبي) (¬3) البغدادي أحد المجتهدين (المعنى قالا: حدثنا عبد الوهاب، قال (¬4) محمد بن عبد الله) يعنيان (ابن عطاء) الخفاف (أنبأنا سعيد) بن أبي عروبة مهران العدوي، قال أبو داود الطيالسي: كان أحفظ أصحاب قتادة، روى (عن قتادة) بن ¬

_ (¬1) انظر: "شرح مسلم" للنووي 10/ 177. (¬2) (2997). (¬3) بعدها في الأصل: نسخة: وإبراهيم بن خالد الكلبي أبو ثور. (¬4) في (ر): قالا.

دعامة في قوله تعالى: {سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} (¬1) قال: هي مصر (¬2). (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: أن رجلًا) زاد الحاكم: من الأنصار (¬3) (على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يبايع وفي عقدته) أي: رأيه ونظره في مصالح نفسه (ضعف) بفتح الضاد وضمها، هكذا فسر العقدة ابن الأثير وغيره (¬4)، (فأتى أهلُه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا نبي الله، احجر على فلان فإنه يبتاع وفي عقدته ضعف) لكن ذكر النووي والقرطبي أن هذا الرجل هو حبان بفتح الحاء والموحدة، وكان قد بلغ مائة وثلاثين سنة، وكان قد شج في بعض مغازيه مع النبي -صلى الله عليه وسلم- لبعض (¬5) الحصون (¬6) بحجر فأصابته في رأسه مأمومة، فتغير بها عقله ولسانه، وذكر الدارقطني أنه كان ضريرًا، وكان أكثر مبايعته في الرقيق. ومما يدل على أن العقدة في لسانه ما رواه مسلم: فكان إذا بايع قال: لا خيابة (¬7) بياء مثناة تحت بدل اللام، انتهى. فكانت لثغته في اللام (¬8). ويدل على أن العقدة في لسانه ما ذكره الطبري وغيره من ¬

_ (¬1) الأعراف: 145. (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 11/ 10. (¬3) لم أجد هذِه الزيادة عند الحاكم، ورواها أحمد 2/ 129، والدارقطني 3/ 55، والبيهقي 5/ 273 من حديث ابن عمر. (¬4) انظر: "النهاية" لابن الأثير 3/ 528، "تاج العروس" للزبيدي 8/ 401. (¬5) هكذا في (ر)، (ل) وفي "شرح النووي": (في بعض) وهو أصوب. (¬6) في (ر): الحصور. (¬7) مسلم (1533). (¬8) انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي 10/ 177، "المفهم" للقرطبي 4/ 358.

المفسرين في قوله: {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27)} (¬1). (فدعاه النبي -صلى الله عليه وسلم-، فنهاه عن البيع) والشراء وما في معناه، ولعل هذا النهي نهي إرشاد كما قيل في النهي عن الماء المشمس. (فقال: يا رسول الله، إني لا) أستطيع أن (أصبر عن البيع) والشراء (فقال -صلى الله عليه وسلم-: إن كنت غير تارك) بالتنوين (¬2) ونصب (البيع فقل) إذا بايعت (هاء وهاء) قال الخطابي وأصحاب الحديث يروونه (¬3) (ها وها) ساكنة الألف (¬4). قال ابن الأثير: والصواب مدها وفتحها؛ لأن أصلها هاك بالمد، أي: خذ، فحذفت الكاف وعوضت منها المدة، يقال للواحد: هاء، وللاثنين هاؤما بزيادة الميم، وللجميع: هاؤم، انتهى (¬5). قال الله تعالى: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} (¬6)، ويدل على المد رواية الصحيحين: "الشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء" (¬7)؛ فإن هاء وهاء (¬8) ممدودة مفتوحة فيها. وقد أنشد لبعض أهل اللغة: لما رأت في قامتي انحناء ... والمشي بعد قعس أجناء ¬

_ (¬1) طه: 27، وانظر: "تفسير الطبري" 18/ 299. (¬2) في (ر): بالنون. (¬3) في (ل): يرونه وفي (ر): يرويه. والمثبت من "النهاية" لابن الأثير. (¬4) انظر: "معالم السنن" 3/ 58. (¬5) انظر: "النهاية" لابن الأثير 5/ 535. (¬6) الحاقة: 19. (¬7) البخاري (2134)، ومسلم (1586) من حديث عمر. (¬8) سقطت من (ر).

أجلت وكان بغضها (¬1) إجلاء ... وجعلت نصف غبوقي ماء ثم تقول من بعيد: هاء ... لا جعل الله له (¬2) شفاء (¬3) وعلى المد والقصر فمعناها أن يقول كل واحد من المتبايعين: ها. فيعطيه ما في يده. وقيل: معناهما هاك وهات، أي: خذ وأعط (¬4). و(لا خلابة) أي: لا خديعة، ومنه يقال: خلبت المرأة قلب الرجل إذا خدعته بألطف وجه يكون، ومنه: برق خالب أي يخدع بأن فيه ماء، ولا مطر فيه. وفي المثل (¬5): إذا لم تغلب فاخلب يقول: إذا أعياك الأمر مغالبة (¬6) فاطلبه مخادعة (¬7). (قال أبو ثور) الكلبي في روايته عن عطاء: حدثنا عبد الوهاب (عن سعيد) بالعنعنة، ولم يصرح عنه بالتحديث. ¬

_ (¬1) في "إحكام الأحكام": (حبها). (¬2) سقط من (ر)، (ل). والمثبت من المصدر السابق. (¬3) انظر: "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق العيد (ص 525). (¬4) انظر: "النهاية" لابن الأثير 5/ 535. (¬5) في (ر): الحديث. (¬6) في (ر): فعالة. (¬7) انظر: "شرح السنة" للبغوي 8/ 46، و"النهاية" لابن الأثير 2/ 137.

33 - باب في العربان

33 - باب في العُرْبانِ 3502 - حدثنا عَبْدُ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ قال: قَرَأْتُ عَلَى مالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ قال: نَهَى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، عَنْ بَيْعِ العُرْبانِ. قالَ مالِكٌ: وَذَلِكَ -فِيما نَرى والله أَعْلَمُ- أَنْ يَشْتَريَ الرَّجُلُ العَبْدَ أَوْ يَتَكارى الدّابَّةَ ثمَّ يَقُولُ: أُعْطِيكَ دِينارًا عَلَى أَنّي إِنْ تَرَكْتُ السِّلْعَةَ أَوِ الكِراءَ فَما أَعْطَيْتُكَ لَكَ (¬1). * * * باب في العربان [3502] (حدثنا عبد الله بن مسلمة، قال: قرأت على مالك بن أنس أنه بلغه عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده) كما تقدم (أنه قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع العُربان) بضم العين المهملة وإسكان الراء ثم موحدة مخففة، ويقال فيه: عُربُون بضم العين والباء، ويقال بالهمزة مكان العين، يقال: أعرب (¬2) في الشيء (¬3) المبيع إذا دفعت فيه العربان، [وعرَّب أيضًا وعربن] (¬4)، فكأنه سمي بذلك؛ لأن فيه إعرابًا لعقد المبيع، أي: إصلاحًا وإزالة فساد، وهو عجمي عربته العرب (¬5). ¬

_ (¬1) رواه النسائي 7/ 288، وابن ماجه (2188)، وأحمد 2/ 183، ومالك 2/ 609. وضعفه الألباني في "المشكاة" (2864). (¬2) في (ر): أعرم. (¬3) في (ر): المشي. (¬4) في (ر): (وعربت أيضا وعربت). والمثبت من "النهاية" لابن الأثير. (¬5) انظر: "النهاية" لابن الأثير 3/ 431.

(قال مالك: وذلك فيما نُرى) بضم أوله وهو (¬1) النون أي: فيما نظن (والله أعلم) جملة معترضة، وهذا من حسن الأدب مع الله ورسوله في تفسير كلامهما أن لا يقطع بتفسير شيء، بل يعلقه بما يغلب على ظن المجتهد (أن يشتري الرجل العبد) أو الوليدة (أو يتكارى) رواية عبد الرزاق: يكتري، والقاعدة أن وزن فاعل إذا كان متعديًا إلى اثنين [وزيدت التاء في أوله صار متعديا إلى واحد، نحو نازعته الحديث وجاذبته الثوب] (¬2)، وكاريته الدابة، فإذا زيدت التاء في أوله فقيل: تنازعنا الحديث، وتجاذبنا الثوب وتكارينا (الدابة) صار متعديًا إلى واحد وهو الذي كان يأتي المفعولين، وكذا لو كان فاعل متعديًا إلى واحد دون التاء فإذا زيدت التاء في أوله صار قاصرًا نحو: ضارب زيد عمرًا، فإذا زيدت التاء في أوله فقلت: تضارب زيد وعمرو صار لازمًا. (ثم يقول) المشتري للبائع (أعطيك دينارًا على أني) انظر في أمري وأفتكر ثم (إن تركت السلعة) وندمت على الشراء (أو (¬3) الكراء) الذي التزمته ورددت السلعة أو الدابة. (فما أعطيتك) وهو الدينار (لك) مجانًا. وإن اخترت السلعة أو الكراء أعطيك باقي الثمن الذي شريته به وأحسب الدينار منه. ¬

_ (¬1) في النسخ: وهمز. ولعل المثبت الصواب. (¬2) سقطت من (ر). (¬3) في (ر): و.

وهذا البيع جوزه أحمد؛ لأن ابن عمر فعله، وأبطله الباقون لأن فيه شرطين فاسدين: أحدهما: شرط ما دفعه إليه يكون مجانًا له هبة إن اختار ترك السلعة. والثاني: شرط الرد على تقدير أن لا يرضى بالمبيع (¬1). وهذا الحديث رواه مالك في "الموطأ" (¬2) كما رواه المصنف بإسناد فيهما غير متصل؛ لأن فيه راويا (¬3) لم يسم، لكنه سمي في رواية ابن ماجه وهو عبد الله بن عامر الأسلمي، ولفظ ابن ماجه: حدثنا الفضل بن يعقوب الرخامي، حدثنا حبيب بن أبي حبيب أبو محمد كاتب مالك بن أنس، حدثنا عبد الله بن عامر الأسلمي، عن عمرو بن شعيب .. الحديث (¬4). وقيل: هذا الذي لم يسم هو ابن لهيعة (¬5)، وهما ضعيفان. ورواه الدارقطني والخطيب في "الرواة عن مالك" من طريق الهيثم بن اليمان عنه (¬6)، والهيثم قال أبو حاتم: صدوق (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" لابن قدامة 4/ 312، "مغني المحتاج" 2/ 39. (¬2) 2/ 609. (¬3) في النسخ: الخطية: راو. والجادة المثبت. (¬4) (2193). (¬5) رواه أبو موسى المديني في "اللطائف" ص 138 (228). (¬6) انظر: "التلخيص الحبير" 3/ 44. (¬7) انظر: "الجرح والتعديل" 9/ 86 - 87.

34 - باب في الرجل يبيع ما ليس عنده

34 - باب في الرَّجُلِ يَبِيعُ ما لَيْسَ عِنْدَهُ 3503 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ أَبي بِشْرٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ ماهَكَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزامٍ قال: يا رَسُولَ اللهِ يَأْتِيني الرَّجُلُ فَيُرِيدُ مِنّي البَيْعَ لَيْسَ عِنْدي أَفَأَبْتاعُهُ لَهُ مِنَ السُّوقِ فَقالَ: "لا تَبعْ ما لَيْسَ عِنْدَكَ" (¬1). 3504 - حدثنا زُهَيْرُ بْن حَرْبٍ، حدثنا إِسْماعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، حَدَّثَني عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، حَدَّثَني أَبي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِيهِ حَتَّى ذَكَرَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو قال: قال رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ وَلا شَرْطانِ في بَيْعٍ وَلا رِبْحُ ما لَمْ تَضْمَنْ وَلا بَيْعُ ما لَيْسَ عِنْدَكَ" (¬2). * * * باب في الرجل يبيع ما ليس عنده [3503] ([حدثنا مسدد] (¬3) حدثنا أبو عوانة) الوضاح (عن أبي بشر) جعفر بن أبي وحشية. (عن يوسف بن ماهَكَ) بفتح الهاء والكاف غير منصرف. (عن حكيم بن حزام -رضي الله عنه- قال: يا رسول الله) إنه (يأتيني الرجل) أو المرأة. (فيريد مني البيع) أي: بيع ما (ليس عندي) أي في ملكي وقدرتي. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1232)، والنسائي 7/ 289، وابن ماجه (2187)، وأحمد 3/ 402. وصححه الألباني في "الإرواء" (1292). (¬2) رواه الترمذي (1234)، والنسائي 7/ 288، وابن ماجه (2188)، وأحمد 2/ 174. وصححه الألباني في "الإرواء" (1305). (¬3) سقط من (ر)، (ل).

(أفأبتاعه له من السوق) وأبيعه له؟ (فقال: لا تبع ما ليس عندك) فيه دلالة على أنه لا يجوز بيع ما لا يملكه من غير إذن مالكه ولا ولاية به عليه؛ لأن ما لا يملكه لا يقدر على تسليمه فهو كبيع الطير الطائر في الهواء، والسمك في الماء. قال البغوي: النهي في هذا الحديث عن بيوع الأعيان التي لا يملكها، أما بيع شيء موصوف في ذمته فيجوز فيه السلم بشروطه، فلو باع شيئًا موصوفًا في ذمته عام الوجود عند المحل المشروط، جاز، وإن لم يكن المبيع موجودًا في ملكه حالة العقد كما تقدم في السلم. قال: وفي معنى بيع ما ليس عنده في الفساد بيع الطير المنفلت الذي لا يعتاد رجوعه إلى عشه، فإن اعتاد الطائر أن يعود ليلًا لم يصح عند الأكثر إلا النحل؛ فإن الأصح فيه الصحة كما قاله النووي في زيادات "الروضة" (¬1)؛ لأنه لا يأكل إلا مما يرعاه. وفي معنى ما ليس عنده في الفساد بيع العبد الآبق والحيوان الضال والمغصوب ونحوهم مما يتعذر تسليمه كالجمل الشرود ممن ليس قادرًا على تحصيله؛ فإن كان (¬2) ذلك لقادر على انتزاعه صح على الصحيح؛ لأن المقصود وصوله إليه (¬3). [3504] (حدثنا زهير بن حرب، حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم ابن ¬

_ (¬1) "روضة الطالبين" 3/ 53. (¬2) سقط من الأصل وزدتها ليتم بها المعنى. (¬3) انظر: "شرح السنة" 8/ 140.

علية الإمام (عن أيوب) بن (¬1) [جُدعان، بضم الجيم] (¬2) قال (حدثني عمرو بن شعيب قال: حدثني أبي) شعيب بن محمد (عن أبيه) محمد بن عبد الله بن عمرو (عن أبيه) عبد الله بن عمرو (حتى ذكر) جده الأعلى (عبد الله بن عمرو) بن العاص -رضي الله عنه-، وقد صرح في الحديث بجده المجازي (¬3) فيكون الحديث متصلًا، ولا نزاع في الاحتجاج به. (قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا يحل سلف وبيع) قال البغوي وغيره: المراد بالسلف هنا القرض. قال أحمد: هو أن يقرضه قرضًا، ثم (¬4) يبايعه عليه بيعًا يزداد عليه، وهو فاسد؛ لأنه إنما يقرضه على أن يحابيه في الثمن، ولو قال: أقرضتك هذِه العشرة على أن تبيعني عبدك فهو في معنى بيعتين في بيعة، وهو فاسد؛ لأن كل قرض جر منفعة فهو ربا. [وقد يكون] (¬5) السلف بمعنى السلم، وذلك مثل أن يقول: أبيعك عبدي هذا بألف على أن تسلفني مائة في (¬6) كذا وكذا، أو يسلم إليه في شيء، ويقول: إن لم يتهيأ السلم فيه عندك فهو بيع لك، ولو قال: أبيعك هذا الثوب بعشرة على أن تقرضني كذا (¬7). ¬

_ (¬1) في (ر): عن. (¬2) هكذا في (ر)، (ل) وهو خطأ، إنما المقصود به أيوب بن كيسان السختياني. (¬3) سقطت من (ر). (¬4) في (ر): لم. (¬5) مكررة في (ر). (¬6) سقطت من (ر). (¬7) انظر: "شرح السنة" 8/ 145.

(ولا شرطان في بيع) قال البغوي: هو أن يقول: بعتك هذا العبد بألف نقدًا أو بألفين نسيئة، فمعناه معنى البيعتين في بيعة، فهذا بيع واحد يضمن شرطين يختلف المقصود فيه باختلافهما، ولا فرق بين شرطين وشروط. وقيل: معناه أن يقول: بعتك ثوبي بكذا وعليَّ قصارتُه وخياطتُه، فهذا أيضًا فاسد عند أكثر العلماء، وعن أحمد أنه صححه وقال: إن شرط في البيع شرطًا واحدًا، صح، وإن شرط شرطين أو أكثر لم يصح لهذا الحديث كما تقدم وهو أن تقول: اشتريت منك هذا الثوب بشرط أن تقصره وتخيطه لي قميصًا. لم يصح بالاتفاق؛ لأنه شرط في هذا البيع شرطين، وكذا لا يصح عندنا لو باع حنطة على أن يطحنها البائع، أو حِمل حطب على أن يحملهُ إلى منزل المشتري، ولا فرق عند الأكثر بين شرط أو شرطين؛ لأن العلة واحدة وهي أنه إذا قال: بعتك هذا الثوب بعشرة دراهم على أن تقصُرَهُ، فإن العشرة التي هي الثمن تقسم على ثمن الثوب، وعلى أجرة القصارة، وإذا (¬1) فسد الشرط لا يُدرى كم ثمن الثوب، وإذا صار الثمن مجهولًا، بطل البيع (¬2). (ولا ربح ما لم تَضمن) ما لم يُضمن يعني: لا يجوز أن يأخذ ربح (¬3) سلعة لا يضمنها، مثل أن يشتري متاعًا ويبيعه لآخر قبل قبضه من البائع، فهذا البيع باطل، وربحه لا يجوز؛ لأن البيع في ضمان البائع ما لم يقبضه ¬

_ (¬1) في (ر): وإن. (¬2) انظر: "شرح السنة" 8/ 146. (¬3) سقطت من (ر).

منه، وإذا (¬1) لم يكن المبيع (¬2) من ضمان المشتري لم يكن ملكه ثابتًا، فإذا لم يكن ملكه ثابتاً بل ضعيفًا، لم يجز أن يبيعه من آخر بربح قبل تمام ملكه؛ لأن الخراج بالضمان. (ولا بيع ما ليس عندك) أي: ما ليس في ملكك وقدرتك كما تقدم أنه لا يصح، لكن يستثنى منه البيع الضمين كما لو كان عبد مغصوب لا يقدر على انتزاعه ممن هو في يده، أو عبد غائب لا يعرف مكانه وعلمت حياته فقد تقدم أن هذا لا يصح بيعه، لكن لو قال له شخص: أعتق عبدك هذا عني على مائة مثلًا فأعتقه عنه عتق عنه، ولا يعتق على المشتري إلا بعد أن ينتقل إلى ملكه انتقالًا تقديريًّا ويعتق عليه، وبصح هذا البيع كما نقله الرافعي عن الأئمة. ¬

_ (¬1) في (ر): وإن. (¬2) في (ر): البيع.

35 - باب في شرط في بيع

35 - باب في شَرْطٍ في بَيْعٍ 3505 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا يَحْيَى -يَعْني ابن سَعِيدٍ- عَنْ زَكَرِيّا، حدثنا عامِرٌ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قال: بِعْتُهُ -يَعْني بَعِيرَهُ- مِنَ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- واشْتَرَطْتُ حُمْلانَهُ إِلَى أَهْلي قالَ في آخِرِهِ: "تُراني إِنَّما ماكَسْتُكَ لأَذْهَبَ بِجَمَلِكَ خُذْ جَمَلَكَ وَثَمَنَهُ فَهُما لَكَ" (¬1). * * * باب الشرط في بيع (¬2) [3505] (حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى بن سعيد) التميمي (عن زكريا) بن أبي زائدة قال: (حدثنا عامر) بن شراحيل الشعبي (عن جابر ابن عبد الله قال: بعتُه -يعني بعيره-) الذي كان عليه (من النبي -صلى الله عليه وسلم-) بأربع أوقي، وفي رواية: بعشرين دينارًا. قال البخاري: قال الشعبي: بوقية أكثر (¬3) (واشترطت) في البيع، وفي رواية: واستثنيت (حُملانه) بضم الحاء، كطوفان، أي: اشترطت حملي على الجمل، والمفعول محذوف أي: استثنيت حمله إياي، رواه الإسماعيلي: واستثنيت ظهره إلى أن يقدم (إلى أهلي) أي إلى المدينة. استدل به الأوزاعي وأحمد وأبو ثور وابن المنذر من أصحابنا على أنه يصح للبائع أن يبيع ويشترط الانتفاع بالمبيع مدة معلومة (¬4) مثل أن يبيع دارًا ويستثني ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2718)، ومسلم بإثر (1599). (¬2) بعدها في (ر)، (ل): نسخة: في شرط في بيع. وهو ما في المطبوع. (¬3) انظر: "صحيح البخاري" (2718). (¬4) انظر: "الأوسط" لابن المنذر 10/ 318.

سكناها شهرًا أو عبدًا ويستثني خدمته شهرًا. قالوا: ويتنزل الشرط منزلة الاستثناء؛ لأن المشروط إذا كان قدره معلومًا صار كما لو باعه بألف إلا خمسين درهمًا مثلًا، ووافقهم مالك في الزمن اليسير دون الكثير (¬1) كثلاثة أيام، هذا حده عنده، وفي الركوب إلى مكان قريب يجوز دون البعيد؛ لأن اليسير يدخله المسامحة. واحتج المجوزون بهذا الحديث. وقد رجح البخاري صحة الاشتراط فقال: إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمى جاز. هكذا جزم به لصحة دليله عنده. واستدلوا بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- هي عن الثنيا إلا أن تعلم (¬2)، وهذِه معلومة، ونهى عن شرطين في بيع فمفهومه إباحة الشرط الواحد. وذهب جمهور العلماء إلى بطلان هذا البيع؛ لأن الشرط المذكور ينافي مقتضى العقد (¬3). قال الغزالي: ولأن انضمام الشرط إلى البيع يبقى علقة (¬4) بعد البيع يثور بسببها منازعة بينهما فبطل -أعني الشرط- إلا [ما استثني] (¬5) لمعنى فيه، وإذا بطل الشرط بطل البيع؛ لأنه جعل المال المسمى ورفق العقد الثاني ثمنًا، فإذا بطل الشرط بطلت حصته، وحصته غير معلومة، فيبقى ¬

_ (¬1) "المدونة" 3/ 473. (¬2) في (ر): (يعلم)، والحديث سبق برقم (3404). (¬3) انظر: "فتح الباري" 5/ 314 - 315. (¬4) في (ر): عليه. (¬5) في الأصل (يستثنى). والمثبت من "مغني المحتاج" 2/ 31.

الباقي غير معلوم فيبطل البيع لذلك، وحكي قول قديم أن الشرط الفاسد لا يبطل البيع كالنكاح (¬1). وأجاب الجمهور عن هذا الحديث بأن ألفاظه مختلفة؛ فمنهم من ذكر فيه الشرط، ومنهم من ذكر فيه ما يدل عليه، ومنهم من ذكر ما يدل على أنه كان بطريق الهبة وهي واقعة عين يتطرقها الاحتمال، وقد عارضه بحديث عائشة في قصة بريرة (¬2) وفيه بطلان الشرط المخالف مقتضى العقد (¬3). و(قال في آخره: أتُراني) بضم التاء أي: تظنني (إنما) بكسر الهمزة إن النقل على اللام (ماكستك) فاعلتك من المكس وهو انتقاص الثمن. وذكر الزمخشري في كتابه "الفائق" هذا الحديث وقال: قد روي: ماكستك، من المكاس، أي: والمماكسة في البيوع إعطاء النقص في الثمن. قال: وروي: أتراني إنما كِسْتُك وهو من كايسته فكسته أي: كنت أكيس منه (¬4). (لأذهب بجملك؟ ! ) اللام في (لأذهب) لام التعليل، ووقع لأحمد عن يحيى القطان، عن زكريا بلفظ قال: "أظننت حين ماكستك أذهب بجملك؟ خذ جملك وثمنه هما لك" (¬5)، وأشار بالمماكسة إلى ما وقع بينهما من المساومة (¬6) عند البيع. ¬

_ (¬1) انظر: "الشرح الكبير" 8/ 195. (¬2) سيأتي برقم (3929). (¬3) انظر: "فتح الباري" 5/ 315. (¬4) انظر: "الفائق في غريب الحديث والأثر" للزمخشري 3/ 290. (¬5) "المسند" 3/ 299. (¬6) في (ر)، (ل): (المصادمة). والمثبت من "فتح الباري".

(خذ جملك وثمنه) أي: خذ جملك وخذ ثمنه، ورواية البخاري في الجهاد: فأعطاني ثمنه ورده عليّ (¬1). وهذا كله بطريق المجاز؛ لأن القصة إنما وقعت له بواسطة بلال كما رواه مسلم من هذا الوجه: فلما قدمت المدينة قال لبلال: "أعطه أوقية من ذهب وزده" (¬2). (فهما لك) رواية البخاري في كتاب الشروط: "خذ جملك فهو مالك" (¬3). قال ابن الجوزي: هذا من أحسن التكرم؛ لأن من باع شيئًا فهو في الغالب يحتاج الثمنية، فإذا تعوض الثمن بقي في قلبه من المبيع أسف على فراقه كما قيل: وقد تخرج الحاجات يا أم مالك ... نفائس من رب بهن ضنين فإذا رد عليه المبيع مع ثمنه ذهب أسفه وقضيت حاجته، فكيف ما انضم إلى ذلك من الزيادة في الثمن وهو القيراط؟ ! (¬4). ولأحمد من طريق أبي هبيرة، عن جابر: فلما أتيته دفع إليه البعير وقال: هو لك. فمررت برجل من اليهود فأخبرته فجعل يعجب ويقول: اشترى منك البعير ودفع إليك الثمن ثم وهبه لك؟ قلت: نعم (¬5). ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (2967). (¬2) (715). (¬3) (2718). (¬4) انظر: "فتح الباري" 5/ 317. (¬5) "مسند أحمد" 3/ 303.

36 - باب في عهدة الرقيق

36 - باب في عُهْدةِ الرَّقِيقِ 3506 - حدثنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حدثنا أَبانُ، عَنْ قَتادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "عُهْدَةُ الرَّقِيقِ ثَلاثَةُ أَيّامٍ" (¬1). 3507 - حدثنا هارُون بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَني عَبْدُ الصَّمَدِ، حدثنا هَمّامٌ، عَنْ قَتادَةَ بِإِسْنادِهِ وَمَعْناهُ زادَ: إِنْ وَجَدَ داءً في الثَّلاثِ لَيَالِي رُدَّ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَإِنْ وَجَدَ داءً بَعْدَ الثَّلاثِ كُلِّفَ البَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَراهُ وَبِهِ هذا الدّاءُ. قالَ أَبُو داوُدَ: هذا التَّفْسِيرُ مِنْ كَلامِ قَتادَةَ (¬2). * * * باب في عهدة الرقيق [3506] (حدثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي روى له الجماعة (حدثنا أبان) بن يزيد العطار (¬3)، متفق عليه (عن قتادة، عن الحسن، عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: عُهدة) بضم العين (الرقيق) أي عهدة ما يظهر في الرقيق من العيوب تمتد (¬4) عند مالك على البائع إلى (ثلاثة أيام) يرد فيها المبيع على البائع بلا بينة، وبعد الثلاث لا يرد إلا ببينة. [3507] (حدثنا هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي، روى عنه ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (2245)، وأحمد 4/ 152، والدارمي (2594). وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (3832). (¬2) انظر السابق. (¬3) في (ر): القطان. (¬4) سقطت من (ر).

مسلم في غير موضع منها، قال (حدثني عبد الصمد) بن عبد الوارث العنبري، روى له مسلم. قال: (حدثنا همام، عن قتادة) عن الحسن (بإسناده) المتقدم (ومعناه، وزاد: إن وجد) المشتري بالرقيق (داء) أي عيبًا من العيوب الشرعية (في الثلاث ليالي) واختار الرد (رد) المبيع (بغير بينة) فيما دون الثلاث إلا في الجنون والجذام والبرص؛ فإنه إن ظهر له عيب من هذِه الثلاث إلى سنة رد المبيع على البائع إن اختار الرد، وروى الطبراني في "الأوسط" عن أبي هريرة قال عليه السلام: "لا عهدة بعد أربعة أيام" (¬1). (وإن وجد) بالبيع (داء بعد الثلاث) ليالٍ (كلف) قيام (البينة) تشهد له أن العيب قديم (أنه اشتراه) حين اشتراه (وبه هذا الداء) يعني العيب الذي هو فيه الآن. (قال أبو داود: هذا التفسير من كلام قتادة) -رضي الله عنه-. "قال أبو داود" ليس عند ابن الأعرابي واللؤلؤي. استدل بهذا الحديث مالك -رضي الله عنه- على أن من اشترى عبدًا أو جارية وقبض المبيع ولم يشترط البائع عليه البراءة من العيب فما وجد المشتري بالمبيع من عيب في الأيام الثلاثة فهو من ضمان البائع فيرد عليه إذا اختار بلا بينة. قال مالك: وأما عهدة الأدواء المعطلة كالجذام والبرص، والجنون فيمتد الخيار للبائع إلى سنة، فإذا مضت السنة برئ البائع من العهدة كلها، واستدل بهذا الحديث، وبأن عليه إجماع أهل المدينة (¬2). ¬

_ (¬1) 8/ 180 (8331). (¬2) انظر: "المدونة" 3/ 366، "الموطأ" 2/ 612.

والذي عليه الشافعي وأبو حنيفة وأحمد وجمهور العلماء: أن العيب الحادث بعد القبض لا تثبت به العهدة، بل هو من ضمان المشتري ولا يثبت به الخيار؛ لأنه ظهر في يد المشتري فكان من ضمانه ولم يعتبروا الثلاث ولا السنة في شيء من ذلك، وينظر في العيب؛ فإن كان مما يحدث مثله في مثل هذِه المدة التي اشتراها فيها إلى وقت الخصومة فالقول قول البائع مع يمينه وإن كان لا يمكن حدوثه في تلك المدة رده على البائع (¬1). وأجاب الجمهور عن هذا الحديث بما قاله ابن المنذر: لا يثبت في العهدة حديث (¬2). وقال أحمد: ليس فيه حديث صحيح، وأن الحسن لم يلق عقبة بن عامر، وإجماع أهل المدينة ليس بحجة (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: "معالم السنن" للخطابي 3/ 147. (¬2) "الأوسط" 10/ 245، 247. (¬3) انظر: "المغني" لابن قدامة 4/ 262.

37 - باب فيمن اشترى عبدا فاستعمله ثم وجد به عيبا

37 - باب فيمَنِ اشْتَرى عَبْدًا فاسْتَعْمَلَهُ ثُمَّ وَجدَ بِهِ عَيْبًا 3508 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حدثنا ابن أَبي ذِئْبٍ، عَنْ مَخْلَدِ بْنِ خُفافٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ -رضي الله عنها- قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "الخَراجُ بِالضَّمانِ" (¬1). 3501 - حدثنا مَحْمُودُ بْنُ خالِدٍ، حدثنا الفِرْيابيُّ، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مَخْلَدِ بْنِ خفافٍ الغِفاريِّ قالَ: كانَ بَيْني وَبَيْنَ أُناسٍ شَرِكَةٌ في عَبْدٍ فاقْتَوَيْتُهُ وَبَعْضُنا غائِبٌ فَأَغَلَّ عَلَيَّ غَلَّةً فَخاصَمَني في نَصِيبِهِ إِلَى بَعْضِ القُضاةِ فَأَمَرَني أَنْ أَرُدَّ الغَلَّةَ فَأَتَيْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَحَدَّثْتُهُ فَأَتاهُ عُرْوَةُ فَحَدَّثَهُ عَنْ عائِشَةَ عَلَيْها السَّلامُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "الخَراجُ بِالضَّمانِ" (¬2). 3510 - حدثنا إِبْراهِيمُ بْن مَرْوانَ، حدثنا أَبي، حدثنا مُسْلِمُ بْن خالِدٍ الزَّنْجيُّ، حدثنا هِشامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَجُلًا ابْتاعَ غُلامًا فَأَقامَ عِنْدَهُ ما شاءَ اللهُ أَنْ يُقِيمَ ثمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَخاصَمَهُ إِلَى النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَرَدَّهُ عَلَيْهِ فَقالَ الرَّجُلُ: يا رَسُولَ اللهِ قَدِ اسْتَغَلَّ غلامي. فَقالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "الخَراجُ بِالضَّمانِ". قالَ أَبُو داوُدَ: هذا إِسْنادٌ لَيْسَ بِذاكَ (¬3). * * * باب فيمن اشترى عبدًا فاستعمله ثم رأى (¬4) عيبًا [3508] (حدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) الحافظ، روى له ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1285)، والنسائي 7/ 254، وابن ماجه (2243)، وأحمد 6/ 49. وحسنه الألباني في "الإرواء" (1315). (¬2) انظر ما قبله. (¬3) انظر سابقيه. (¬4) بعدها في (ر)، (ل): نسخة: وجد، وهو ما في النسخ المطبوعة.

الجماعة (حدثنا) محمد بن عبد الرحمن (ابن أبي ذئب، عن مَخْلد بن خُفاف) بضم الخاء المعجمة وتخفيف الفاء الأولى، ابن إيماء بن رحضة -بفتح الراء والحاء المهملة والضاد المعجمة- الغفاري، وخفاف هذا روى له مسلم في الصلاة (¬1)، كان أبوه سيد غفار، وكان هو إمام قومه وخطيبهم، شهد الحديبية، ويقال: إن لابنه وحده صحبة. قاله الذهبي في "تجريد الصحابة" (¬2). (عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الخراج) هو الدخل والمنفعة أي: يملك المشتري الخراج الحاصل من المبيع بضمان الأصل الذي عليه أي: بسببه، فالباء للسببية. قال القفال الشاشي في "أصوله": إن حديث "الخراج بالضمان" قصره أصحابنا على سببه، وهو في عبد بيع، فظهر فيه عيب، فكان لمشتريه خراجه؛ لضمانه (¬3) إياه لو تلف. وقال القاضي حسين في "تعليقه": الغاصب يضمن منفعة المغصوب استوفاها أم لا، خلافًا لأبي حنيفة، وهذا من القفال والقاضي اعتبار السبب. واعترض برواية الشافعي الحديث بلفظ: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قضى أن الخراج بالضمان (¬4)، فليس الحديث مما نحن فيه؛ إذ لا عموم له كما ¬

_ (¬1) (679). (¬2) "تجريد أسماء الصحابة" 1/ 41 (372). (¬3) سقط من (ر). (¬4) رواه الشافعي في "المسند" -بترتيب السندي- 2/ 143 - 144.

في حديث: قضى بالشفعة (¬1)، لكن رواية المصنف: "الخراج بالضمان" صيغة (¬2) عامة (¬3)، يدل على أن على (¬4) الغاصب غلة ما اغتصبه، وإن لم يسكن الدار، ولم يركب الدابة (¬5). (بالضمان) فإذا اشترى الرجل أرضًا فاستغلها أو دابة فركبها أو عبدًا فاستخدمه ثم وجد به عيبًا قديمًا فله أن يرد الرقبة إلى بائعها ولا شيء عليه، وتكون الغلة للمشتري؛ لأن البيع كان مضمونًا عليه فوجب أن يكون الخراج من حقه (¬6). [3509] (حدثنا محمود بن خالد) بن يزيد السلمي، ثقة رضيّ (حدثنا) محمد بن يوسف بن واقد (الفريابي) بكسر الفاء وسكون الراء ثم مثناة من تحت وبعد الألف باء موحدة، نسبة إلى فرياب من خراسان (¬7)، روى له الجماعة. (عن سفيان) الثوري (عن محمد بن عبد الرحمن، عن مخلد (¬8) بن خفاف الغفاري قال: كان بيني وبين أناس) بضم الهمزة وتخفيف ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2214)، مسلم (1608)، وسيأتي برقم (3514). (¬2) ساقطة من (ر). (¬3) في (ر)، (ل): (عليه). والمثبت من "البحر المحيط". (¬4) سقطت من (ر). (¬5) نقله الزركشي في "البحر المحيط في أصول الفقه" عن القفال الشاشي 3/ 208. (¬6) انظر: "شرح السنة" للبغوي 8/ 145 - 146. (¬7) انظر: "معجم ما استعجم" للبكري 3/ 1024. (¬8) في النسخ: محمد. وهو تحريف.

النون، أي: جماعة من الناس (شركة) بفتح الشين وكسر الراء، وبكسر الشين وإسكان الراء، لغتان. (في عيد، فاقْتَوَيتُهُ) بإسكان القاف، وفتح المثناة فوق والواو، أي: استخدمته خدمة. قال الجوهري: ويقال للخادم: مقْتَويّ بفتح الميم وسكون القاف وتشديد الياء آخره (¬1). (وبعضنا) أي بعض الشركاء. والواو واو الحال، وبعضنا مبتدأ و (غائب) خبره (فأغل) بفتح الهمزة والغين المعجمة يشبه أن يكون معناه: حصل لي غلة من كسبه (عليَّ) بمعنى لي (غلة) بفتح الغين، ونظير قولك: "أغل لي غلة" أخدمني، أي: جعل لي خادمًا، وأعبدني جعل لي عبدًا، وأركبني جعل لي مركوبًا. (فخاصمني في نصيبه) من الغلة (إلى بعض القضاة، فأمرني أن أرد) إليه (الغلة، فأتيت عروة بن الزبير -رضي الله عنه- فحدثته) بالقصة (فأتاه) فأتى القاضي (عروة) بن الزبير، فيه مشي العلماء والمفتين إلى دور الحكام وأولي الأمر، وأن الذاهب (¬2) أفضل ممن ذهب إليه. (فحدثه عن عائشة -رضي الله عنها- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: الخراج بالضمان) أي ما يحدث من فوائد العين ونمائها يكون للمشتري في مقابلة ما ارتكبه من لزوم ضمانه لو تلف تحت يده، فإنه لو تلف تحت يده كان من ضمانه، ومنه قوله تعالى: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ} (¬3)، ويقال للعبد إذا ¬

_ (¬1) "الصحاح" 6/ 309. (¬2) في (ر): الواهب. (¬3) المؤمنون: 72.

كان (¬1) لسيده عليه ضريبة: مخارج (¬2)، وقد روى الحاكم في "المستدرك" هذا الحديث من جهة جماعة عن ابن أبي ذئب عن مخلد قال: ابتعت غلامًا فاستغللته ثم ظهرت منه على عيب فخاصمت فيه إلى عمر بن عبد العزيز فقضى لي برده وقضى عليَّ برد غلته. فأتيت عروة فأخبرته فقال: أروح إليه العشية، فأخبره أن عائشة أخبرتني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قضى في مثل هذا: "الخراج بالضمان"، فعجلت إلى عمر فأخبرته بما أخبرني عروة فقال: فما أيسر عليَّ من قضاء قضيه عمر والله إني لم أرد فيه إلا الحق، فبلغتني فيه سنة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأرد (¬3) قضاء عمر، وأنفذ سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فراح إليه عروة فقضى لي أن آخذ الخراج من الذي قضى به (¬4) عليَّ له (¬5). وقضاء عمر بن عبد العزيز هذا كان في زمن إمرته على المدينة. [3510] (حدثنا إبراهيم بن مروان) بن محمد الطاطري، ثقة (حدثنا أبي) مروان بن محمد بن حسان الطاطري وهي ثياب نسب إليها من الكرابيس، قال أبو سليمان الداراني: ما رأيت شاميًّا خيرًا من مروان، قيل له: ولا معلمه سعيد بن عبد العزيز قال: ولا معلمه (¬6)؛ لأن ¬

_ (¬1) سقطت من (ر)، (ل)، وأثبتها من "معالم السنن". (¬2) انظر: "معالم السنن" للخطابي 3/ 147. (¬3) في (ر): فأراد. (¬4) سقط من الأصل. والمثبت من "المسند". (¬5) رواه الحاكم 2/ 15 مختصرًا. ورواه بلفظه الشافعي في "المسند" بترتيب السندي 2/ 144 (482) ومن طريقه البيهقي 5/ 321. (¬6) في (ر)، (ل): (نعلمه) في الموضعين. والمثبت من "تهذيب الكمال".

سعيدًا كان على (¬1) بيت المال (¬2). (حدثنا مسلم بن خالد) المكي (الزنجي) بكسر الزاي وفتحها، وإسكان النون، ثم جيم، شيخ الشافعي (حدثنا هشام بن عروة) أحد الأعلام، روى له الجماعة (عن أبيه) عروة بن الزبير أخي عبد الله بن الزبير (عن عائشة: أن رجلًا ابتاع غلامًا فأقام عنده ما شاء الله أن يقيم) زاد الشافعي في "الأم": فاستغله (¬3) (ثم وجد به عيبًا، فخاصمه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فرده عليه) بالعيب. (فقال الرجل) المقضيّ عليه (يا رسول الله) إنه (قد استغل) ضبطه صاحب "الاستقصاء" بالعين المهملة وميم بعدها وتخفيف اللام، وبالغين المعجمة واللام المشددة، أي: أخذ غلة (¬4) (غلامي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الخراج بالضمان) ولا يدخل على هذا ضمان المغصوب على الغاصب؛ لأنه ليس له، وإنما هو ملك للمغصوب منه مضمون على الغاصب، والمراد بالحديث أن يكون ملكه مضمونًا عليه. والشيخ أبو حامد اعتذر عن هذا بأنه لم يقل: الخراج بالضمان مطلقًا، والمغصوب والمستعار والوديعة إذا تعدى فيها كل هذِه المواضع لا ملك له فلم تكن له الغلة (¬5). (قال أبو داود: وهذا إسناد ليس بذاك) قول أبي داود هذا عند ¬

_ (¬1) سقطت من (ر). (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 27/ 402. (¬3) انظر: "مختصر المزني" 8/ 180. (¬4) انظر: "المجموع" 12/ 201. (¬5) انظر: "الوسيط" 3/ 388، والمصدر السابق 12/ 199.

الأسيدي (¬1) للؤلؤي، وهو محدود عندي. قال السبكي: حديث عائشة رواه ابن ماجه والحاكم في "المستدرك". وقال: صحيح الإسناد (¬2)، ورواه الشافعي في "الأم" من رواية مسلم بن خالد الزنجي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، وقد وثق يحيى بن معين مسلم بن خالد، وسأله العباس بن محمد عنه فقال: ثقة، وكذلك قاله في رواية الدارمي عنه، وتابع مسلمًا على روايته هكذا عمر بن علي المقدمي، وهو ثقة متفق على الاحتجاج به. ورواه الترمذي عن أبي سلمة يحيى بن خلف، -وهو ممن روى عنه مسلم في "صحيحه"- عن عمر بن علي، وهذا إسناد جيد، وكذلك قال الترمذي: حسن صحيح (¬3). ورواه الشافعي في "المختصر" عمن لا يتهم، عن ابن أبي ذئب (¬4)، وفي "الأم" عن سعيد بن سالم، عن ابن (¬5) أبي ذئب (¬6). ¬

_ (¬1) هكذا في (ر)، (ل). (¬2) ابن ماجه (2243)، الحاكم 2/ 14 - 15. (¬3) الترمذي (1286) وقال: حسن غريب من حديث هشام بن عروة. (¬4) "مختصر المزني" 8/ 180، "مسند الشافعي" بترتيب السندي 2/ 144 (482). (¬5) سقط من الأصل. والمثبت من "المجموع". (¬6) "مسند الشافعي" 2/ 143 (479). وانظر: تكملة "المجموع" للسبكي 12/ 197 - 198.

38 - باب إذا اختلف البيعان والمبيع قائم

38 - باب إذا اخْتَلَفَ البَيِّعانِ والمبِيعُ قائِمٌ 3511 - حدثنا مُحَمَّدُ بْن يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حدثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِياثٍ، حدثنا أَبي، عَنْ أَبي عُمَيْسٍ، أَخْبَرَني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن قَيْسِ بْنِ محَمَّدِ بْنِ الأَشْعَثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قال: اشْتَرى الأَشْعَثُ رَقِيقًا مِنْ رَقِيقِ الخُمُسِ مِنْ عَبْدِ اللهِ بِعِشْرِينَ آلْفًا فَأَرْسَلَ عَبْدُ اللهِ إِلَيْهِ في ثَمَنِهِمْ فَقال: إِنَّما أَخَذْتُهُمْ بِعَشْرَةِ آلافٍ. فَقالَ عَبْدُ اللهِ: فاخْتَرْ رَجُلاً يَكُونُ بَيْني وَبَيْنَكَ. قالَ الأَشْعَثُ: أَنْتَ بَيْني وَبَيْنَ نَفْسِكَ. قالَ عَبْدُ اللهِ: فَإِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "إذِا اخْتَلَفَ البَيِّعانِ وَلَيسَ بَينَهُما بَينَةٌ فَهُوَ ما يَقُولُ رَبُّ السِّلْعَةِ أَوْ يَتَتارَكانِ" (¬1). 3512 - حدثنا عَبْدُ اللهِ بْن مُحَمَّدٍ النُّفَيْليُّ، حدثنا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنا ابن أَبي لَيْلَى أَنَّ القاسِمَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ ابن مَسْعُودٍ باعَ مِنَ الأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ رَقِيقًا فَذَكَرَ مَعْناة والكَلامُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ (¬2). * * * باب إذا اختلف البَيِّعان والبيعُ قائم [3511] (حدثنا محمد بن يحيى) بن عبد الله بن خالد (بن فارس) الذهلي شيخ البخاري وابن خزيمة (حدثنا عمر بن حفص بن غياث) روى عنه الشيخان (حدثنا أبي) [حفص بن غياث أبو عمر (¬3) النخعي قاضي الكوفة (عن أبي عُميس) بالتصغير وهو عتبة بن عبد الله] (¬4) بن ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1275)، وابن ماجه (2186)، وأحمد 1/ 466. وصححه الألباني في "الإرواء" (1322). (¬2) انظر ما قبله. (¬3) في (ل): عمرو. والمثبت من "تهذيب الكمال" 7/ 56 (1415). (¬4) ما بين المعقوفين سقط من (ر).

عتبة بن عبد الله بن مسعود، وثقه أحمد قال: (أخبرني عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعث) بن قيس بن معدي كرب الكندي، روى عنه أبو العميس فقط (عن أبيه) قيس بن محمد (عن جده) محمد بن الأشعث ابن أخت الصديق، قال أبو القاسم بن عساكر في "الأطراف" في ترجمة الأشعث بن قيس، عن أبي عميس، حدثني عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس، عن أبيه، عن جده به. قال: وهذا وهم منه، والحديث إنما رواه النسائي عن عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، عن أبيه، عن جده، عن ابن مسعود (¬1) من مسنده لا عن مسند الأشعث. قال: وصوابه أيضًا عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعث، عن أبيه، عن جده محمد بن الأشعث، عن ابن مسعود، وكذلك رواه أبو داود. (قال: اشترى الأشعثُ) بنُ قيس والدُه (رقيقًا من رقيق الخُمْس) أي من الرقيق الحاصل من الخمس من السبي. (من عبد الله) بن مسعود (بعشرين ألفًا، فأرسل عبد الله إليه في) طلب (ثمنهم، فقال: إنما أخذتهم) أي: اشتريتهم (بعشرة آلاف) وإنكار الأشعث محمول على أنه كان ناسيًا المقدار (¬2)، وغلب على ظنه أنه عشرة آلاف فأخبر بما غلب على ظنه. والعمل بالظن جائز، ولا يُظن أنه تعمد الإنكار، وأكل ثمن رقيق الخُمْس بالباطل؛ لأن الأصح عند المحدثين أنه صحابي باقٍ على صحبته. والقول بأنه ليس بصحابي لأنه ¬

_ (¬1) النسائي 7/ 302. (¬2) في (ر)، (ل) (لمقداد) ولعل المثبت هو الصواب.

ارتد بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- فيمن ارتد من العرب فحوصر، وأُتِيَ به إلى الصديق أسيرًا فقال: استبقني لحربك، وزوجني أختك، فزوجه وحسن إسلامه وشهد اليرموك ثم القادسية وجلولاء بفتح الجيم. والقول بأن الردة تبطل الصحبة مبني على أن الردة (¬1) تبطل العمل مطلقًا كقول أبي حنيفة (¬2). والصحيح [عند الشافعي وغيره أنها لا تبطل إلا بشرط الموت عليها، ولو قيل بالقول الضعيف أن] (¬3) الردة مسقطة للصحبة، لكانت الصفات المحمودة فيه من الشجاعة وتمام المروءة ومكارم الأخلاق تحجزه عن ذلك فإن النفس تأبى ذلك. (فقال عبد الله) بن مسعود (فاختر رجلاً يكون بيني وبينك) يكون حكمًا بيننا، فيه دليل على جواز التحكيم بين الخصمين لكن شرطه أن يكون ذلك في غير حد لله تعالى كما هو هنا في المال، ويشترط أيضًا أن يكون المُحَكم فيه أهليةُ القضاء؛ أي فيما حكم فيه، لا أهلية القضاء مطلقًا. ولا ينفذ حكم الحكم إلا على راضٍ كما يشعر به قوله: اختر. ولا يشترط الرضى بعد الحكم. (قال الأشعث) بن قيس واسمه معدي كرب، والأشعث لقبه (أنت) الحكم (بيني وبين نفسك) هذا يدل على أن إنكاره ليس إنكار عناد وجحود؛ إذ لو كان كذلك لما رضي بحكم خصمه، وفي هذا منقبة ¬

_ (¬1) في (ر): الزيادة. (¬2) انظر: "الأصول" للسرخسي 1/ 75، "التقدير والتحبير" لابن أمير حاج 2/ 88. (¬3) سقطت من (ر).

لابن مسعود وفضيلته وشدة احتراصه على دينه، ولولا أنه عرف منه اتصافه بالإنصاف من نفسه لما رضي به حاكمًا بينهما. ولا يصح هذا التحكم؛ لأن شرط المحكم أن يكون رجلًا غير الخصمين، ويدل عليه قول ابن مسعود: اختر رجلًا يكون بيني وبينك. فإن أحد الخصمين وإن كان فوق الرضى لا يحكم لنفسه، والحكم لنفسه من خصائص النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولهذا لم يحكم ابن مسعود، وإنما (قال) لخصمه (عبدُ الله: فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول) فروى له ما سمعته (¬1) من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم يقض على خصمه بشيء. (إذا اختلف البيعان) أي البائع والمشتري كما تقدم في الخيار ولم يذكر في الحديث ما فيه الاختلاف، وعادة الأصحاب يفرضون الاختلاف في مقدار الثمن. والحكم عام فيما إذا اختلفوا في المقدار كما ذكروا، وفي الجنس بأن يقول: بعتك داري هذِه بهذا الثوب، وقال المشتري: بل بعنيها بهذا العبد، أو في الوصف كما إذا قال: بعتك بصحاح فقال: بل بمكسرة، كل ذلك يوجب التخالف إذا اتفقا على غير المبيع. (وليس بينهما بينة) لواحد (¬2) منهما، فلو كان لكل منهما بينة وتعارضا، فإن قلنا بالتساقط فكأن لا بينة. (فهو ما يقول رب السلعة) توضحه رواية الترمذي من رواية عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن مسعود: "إذا اختلف البيعان فالقول ¬

_ (¬1) هكذا في (ر)، (ل) ولعل الصواب (سمعه). (¬2) في (ر): بواحد.

ما قال البائع" (¬1). وهو منقطع؛ لأن عونًا لم يدرك ابن مسعود (¬2)، وروى الشافعي هذِه الطريق في "الأم" في باب: الخلاف فيما يجب به البيع ثم حكم فيها بالانقطاع (¬3). وقد استدل بالرواية الثانية: أن القول ما قال البائع، على: أن المتبايعين إذا اختلفا وتحالفا يبدأ بالبائع في اليمين على ما يقوله، وهو الصحيح من الأقوال الثلاثة؛ لأن جانبه أقوى؛ لأنهما إذا تحالفا رجع المبيع إليه، ولأن الثمن في الحال في ملك البائع، وأما رواية المصنف الأولى: "هو ما يقول رب السلعة". قال السبكي: من تأمل خبر الأشعث عرف أن المراد برب السلعة البائع وهو عبد الله بن مسعود، ولهذا قال الأشعث: أرى أن ترد (¬4) البيع (¬5). واستدل جماعة برواية المصنف على أن المشتري يبدأ في اليمين على ما يقوله، وتمسكوا بقوله: "هو ما (¬6) يقوله رب السلعة" أن رب السلعة في الحال هو المشتري؛ لأن البائع معترف بالملك (¬7) للمشتري، ويدعي عليه زيادته في الثمن وهو ينكرها، والأصل براءة ذمته، فإن يكتف بقوله فلا أقل من البراءة به. ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (1270). (¬2) انظر: "البدر المنير" لابن الملقن 3/ 607. (¬3) "الأم" 4/ 20. (¬4) في (ر): يراد. (¬5) في المخطوطين: البائع، والمثبت من "سنن الدارقطني" 3/ 414. (¬6) سقطت من (ر). (¬7) سقطت من (ر).

(أو يتتاركا) قال السبكي: هكذا رأيته في النسخ بغير النون التي هي علامة للرفع. قال: ويتخرج على أن (أو) كمنزلة (إلا أن) انتهى. فعلى هذا يكون (يتتاركا) فعل مضارع اتصل به ألف اثنين فهو من الأمثلة الخمسة، وهو منصوب بأن المقدرة بعد (أو) وحذف (أن) هنا لزومًا، وشرط (أو) المقدرة بعدها أن يكون معناها (إلا أن) أو (إلى أن) نحو قولهم (لألزمنك أو تعطيني حقي. فيحتمل أن يكون معناه على الغاية أي: إلى أن تقضيني حقي. وأن يكون على الاستثناء المنقطع كأنه مستثنى من الأزمان، والتقدير: لألزمنك دائما إلا أن تقضيني حقي. وكذا يكون تقدير الحديث يكون التقدير: يكون الخيار لهما إذا تحالفا دائمًا إلى أن يتتاركا، أو: إلا أن يتتاركا. قال السبكي: وقوله (يتتاركا) يحتمل أن معناه -والله أعلم-: أنه إن (¬1) لم يحلف البائع تتاركا وتفاسخا (¬2) البيع، وذلك إنما يكون باختيارهما، ومن المعلوم أن ذلك جائز لهما. والمقصود أنه ليس لهما طريق إلى الخلاص إلا التفاسخ (¬3) أو حلف البائع. قال: ويحتمل أن يكون المراد: القول قول البائع أو يتتاركا بالتحالف؛ لأن التتارك بغير يمين لا يجوز. قاله القاضي أبو الطيب. قال: والاحتمال الأول أقرب؛ لأن في الحديث في رواية: أن الأشعث قال لابن مسعود: أرى أن ترد (¬4) البيع، وفي رواية: فإني ¬

_ (¬1) سقط من (ر)، (ل) والسياق يقتضيها. (¬2) في (ر): تناسخا. (¬3) في (ر): التناسخ. (¬4) في (ر): يريد.

أتاركك البيع فتاركه (¬1). ففي هاتين الروايتين ما يبين أن المتاركة بغير تحالف، وأنه لم يحلف لا الأشعث ولا ابن مسعود، فكان المعنى: إن ترادا (¬2) البيع فذاك، وإلا فالقول قول البائع ثم المشتري بالخيار بين أن يلتزم ما حلف عليه البائع أو يحلف ويرد. [3512] (حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي، قال: حدثنا هشيم) (¬3) بن بشير، حافظ بغداد، روى له الجماعة قال (أنبأنا) محمد (بن أبي ليلى) القاضي، قال أبو حاتم: محله الصدق (¬4). وتابعه في الرواية (عن القاسم بن عبد الرحمن) الحسنُ بن عمارة، وتابعه على قوله (عن أبيه) عبد الرحمن بن عبد الله، خاصة دون الزيادة في المتن، عن عمر بن قيس الماصر كذلك رواه الدارقطني (¬5). وعمر بن قيس الماصر ثقة. فقد تحصلنا على طرق إلى ابن مسعود من طريق محمد بن الأشعث وعون وأبي عبيدة وعبد الرحمن وأبي وائل، وأما طريق عبد الرحمن فقد قال جماعة: إنها منقطعة؛ لأن عبد الرحمن لم يسمع أباه. قال البخاري: إنه سمع من أبيه ونقل ذلك في "تاريخه" عن عبد الملك بن عمير (¬6)، وروى البخاري بسنده إليه ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 5/ 544. (¬2) في (ر): يراد. والمثبت من (ل). (¬3) سقطت من (ل). (¬4) انظر: "الجرح والتعديل" 7/ 323. (¬5) "السنن" 3/ 20. (¬6) انظر: "التاريخ الكبير" 5/ 299 - 300.

قال: لما حضر عبد الله الوفاة قال له ابنه عبد الرحمن: يا أبة أوصني. قال: ابك من خطيئتك، فالأصح حينئذٍ أن عبد الرحمن سمع من أبيه، وأصح ما في الباب رواية عبد الرحمن هذِه. (أن ابن مسعود باع من الأشعث بن قيس رقيقًا) من الأسارى التي اختصت بالأمير من الخمس. قال البيهقي: رواية الأشعث أصح ما في هذا الباب (¬1). (فذكر معناه) وروى الإمام أحمد عن الشافعي عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود في رجلين تبايعا في سلعة فقال هذا: أخذت بكذا وكذا، وقال هذا: بعت بكذا وكذا. فقال أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود بمثل هذا فقال: حضرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُتيَ في مثل هذا فأمر البائع أن يستحلف، ثم يُخير المبتاع فإن شاء أخذ، وإن شاء ترك (¬2). لكن هذا منقطع أيضًا؛ لأن أبا عبيدة لم يدرك عبد الله. (والكلام يزيد وينقص) في الروايات المختلفة. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "معرفة السنن والآثار" 8/ 141. (¬2) "المسند" 1/ 466.

39 - باب في الشفعة

39 - باب في الشُّفْعةِ 3513 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حدثنا إِسْماعِيلُ بْنُ إِبْراهِيمَ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، عَنْ أَبى الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الشُّفْعَةُ في كُلِّ شِرْكٍ رَبْعَةٍ أوْ حائِطٍ لا يَصْلُحُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ فَإِنْ باعَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ حَتَّى يُؤْذِنَهُ" (¬1). 3514 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حدثنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، حدثنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ أَبى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قال: إِنَّما جَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الشُّفْعَةَ في كلِّ مالٍ لَمْ يُقْسَمْ فَإِذا وَقَعَتِ الحُدُودُ وَصُرِفَتِ الطُّرُق فَلا شُفْعَةَ (¬2). 3515 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حدثنا الحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، حدثنا ابن إِدْرِيسَ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، عَنِ ابن شِهابٍ الزُّهْريِّ، عَنْ أَبى سَلَمَةَ، أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ أَوْ عَنْهُما جَمِيعًا، عَنْ أَبى هُريرَةَ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إذِا قُسِّمَتِ الأَرْضُ وَحُدَّتْ فَلا شُفْعَةَ فِيها" (¬3). 3516 - حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْليُّ، حدثنا سُفْيانُ، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ الشَّرِيدِ سَمِعَ أَبا رافِعٍ سَمِعَ النَّبىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقولُ: "الجارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ" (¬4). 3517 - حدثنا أَبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسيُّ، حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "جارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِدارِ الجارِ أَوِ الأرْضِ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1608). (¬2) رواه البخاري (2213). (¬3) رواه ابن ماجه (2497)، والبيهقي 6/ 104. وصححه الألباني. (¬4) رواه البخاري (2258). (¬5) رواه الترمذي (1368)، وأحمد 5/ 8. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3087).

3518 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حدثنا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنا عَبْدُ المَلِكِ، عَنْ عَطاءٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الجارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جارِهِ يُنْتَظَرُ بِها وإنْ كانَ غائِبًا إِذا كانَ طَرِيقُهُما واحِدًا" (¬1). * * * باب في الشفعة [3513] (حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) ابن علية الإمام، روى له الجماعة (عن) عبد الملك (بن جريج، عن أبي الزبير) محمد بن مسلم. (عن جابر -رضي الله عنه- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الشُّفعة) من شفعت -بفتح الفاء- الشيء إلى الشيء إذا ضممته، وسميت الشفعة بذلك؛ لأن فيها ضم نصيب [إلى نصيب] (¬2)، وهي اسم للملك المشفوع مثل اللقمة اسم للشيء الملقوم. وتستعمل بمعنى التملك لذلك الملك. ومنه قولهم: من ثبتت له الشفعة فأخر الطلب من غير عذر بطلت شفعته، ففي هذا المثال جمع بين المعنيين؛ فإن الأول للمال والثانية للتملك (¬3) (في كل شِرْكٍ) بكسر الشين وإسكان الراء من أشركته في البيع إذا جعلته لك شريكًا، ثم خفف المصدر بكسر الأول وسكون الثاني واستعمال الثاني المخفف أغلب، فيقال: شرك وشركة كما يقال: كلم وكلمة ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1369)، وابن ماجه (2494)، وأحمد 3/ 303. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3103). (¬2) سقط من (ر) وانظر: "شرح النووي على مسلم" 11/ 45. (¬3) انظر: "المصباح المنير" للفيومي ص 432.

على التخفيف. نقله إسماعيل الموصل على ألفاظ "المهذب" (¬1) (رَبْعَةٍ) بفتح الراء وسكون الباء تأنيث ربع هو المنزل، وكذلك الربع وأصله المنزل الذي كانوا يربعون فيه في شهر الربيع ثم سمي به الدار والمسكن (¬2). (أو حائط) وهو البستان سمي بذلك لأن عليه ما يحوط الأشجار. والمعنى أن الشفعة مختصة بما لم يمكن نقله كالأرض والدار والنبات، ولا تصح الشفعة في المنقولات كالدواب والأمتعة. وروى البيهقي مرفوعًا من حديث أبي حنيفة، عن عطاء، عن أبي هريرة: لا شفعة إلا في دار أو عقار (¬3). وهو حجة على مالك فيما روي عنه في رواية: أن الشفعة تثبت في كل شيء، وهو قول عطاء، وعلى أحمد في أنها تثبت في الحيوانات دون غيرها من المنقولات (¬4). وروى البيهقيُّ من حديث ابن عباس مرفوعًا: "الشفعة في كل شيء" (¬5). ورجاله ثقات إلا أنه أُعِلَّ بالإرسال، وأخرج الطحاوي له شاهدًا من حديث جابر (¬6) بإسنادٍ لا بأس برواته (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" لابن باطيش الموصلي 1/ 373. (¬2) انظر: "إكمال المعلم" 5/ 313. (¬3) "السنن الكبرى" 6/ 109. (¬4) انظر: "المغني" لابن قدامة 7/ 440. (¬5) "السنن الكبرى" 6/ 109، وقال الألباني في "الضعيفة" (1009): منكر. (¬6) "شرح معاني الآثار" 4/ 126. (¬7) انظر: "فتح الباري" 4/ 436.

(لا يصلح أن يبيع) حصته (حتى يؤذن) بكسر الذال أي: يعلم (شريكه) رواية مسلم: "لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن" (¬1)، وحكى القرطبي عن بعض مشايخه أن ذلك واجب على البائع (¬2)، وهو محمول عند أصحابنا الشافعية وغيرهم على الندب أي: إعلامه وكراهة بيعه قبل إعلامه كراهة تنزيه، وليس بحرام، ويتأولون الحديث على هذا ويصدق على المكروه أنه ليس بحلال ويكون الحلال بمعنى المباح وهو مستوي الطرفين (¬3)، ويدل على هذا قوله بعده (فإن باع) النصيب المشترك ولم يؤذنه (فهو) أي شريكه (أحق) أحق (¬4) تستعمل بمعنيين [أحدهما: اختصاصه بذلك من غير مشاركة نحو زيد أحق بماله، أي: لا حق لغيره فيه] (¬5)، والثاني: أن يكون أفعل التفضيل فيقتضي اشتراكه مع غيره وترجيحه على غيره، قاله الأزهري وغيره، ويشبه أن يُحمل الحديث على الثاني (¬6). (به) أي بالمبيع من المشتري (حتى يؤذنه) فإذا آذنه في البيع فأذن له في البيع سقط حقه وصار المشتري أحق، ويدل على أن الإيذان للندب أنه لو كان على التحريم لذمَّ البائع على بيعه بلا إيذان ولكان البيع مفسوخًا لكنه أجازه وصححه ولم يذم الفاعل، بل جعل ذلك أحق منه ¬

_ (¬1) (1608). (¬2) انظر: "المفهم" 4/ 527. (¬3) انظر: "شرح مسلم" للنووي 11/ 46. (¬4) سقط من (ر). (¬5) سقط من (ر). (¬6) انظر: "المصباح المنير" ص 198.

وأولى، فدل على أنه للندب (¬1). واختلف العلماء فيما لو أعلم الشريك بالبيع فأذن فيه فباع، ثم أراد الشريك أن يأخذ بالشفعة، فقال الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأصحابهم: له أن يأخذ بالشفعة. وقال الحكم (¬2) والثوري وأبو عبيد وطائفة من أهل الحديث: ليس له الأخذ. وعن أحمد روايتان كالمذهبين (¬3). [3514] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عبد الرزاق قال: أنبأنا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري (عن جابر -رضي الله عنه- قال: إنما جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشفعة في كل مال) تمسك مالك بعموم كل مال على ثبوت الشفعة في كل (¬4) شيء كما تقدم، ويدخل فيه الحيوانات كما روي عن أحمد، ويدخل في عمومه الشفعة في المنقولات (لم يقسم) أي في ملك مشترك يقتضي عند القائل بمفهوم الصفة أن [لا شفعة فيما] (¬5) يقسم، أي في مال قد قسم ووقعت حدوده وتبينت مصارف طرقه، وقد بينه فيما بعد بقوله: (فإذا وقعت الحدود) أي حصلت قسمة الحدود في المبيع، واتضحت بالقسمة مواضعها (وصُرفت) بضم الصاد وتخفيف الراء المكسورة أي: تبينت ¬

_ (¬1) انظر: "المفهم" 4/ 527. (¬2) في (ر)، (ل) (الحاكم). والمثبت من "شرح مسلم". (¬3) انظر: "شرح مسلم" للنووي 11/ 46 - 47. (¬4) سقط من (ر)، (ل) والسياق يقتضيها. (¬5) سقط من (ر).

مصارف (الطرق) وشوارعها كأنه من التصرف أو التصريف. قال ابن مالك: معناه خلصت وبانت، وهو مشتق من الصِّرف بكسر الصاد المهملة وهو الخالص من كل شيء سمي بذلك؛ لأنه صرف عنه الخلط، فعلى هذا قلنا: إن صرف مخفف الراء، وعلى الأول أنه من التصريف والتصرف فالراء مشددة (¬1). (فلا شفعة) لأن الشفعة لإزالة الضرر عن الشريك، ولا ضرر بعد القسمة إلا بالجوار عند القائل به، وأما على القول بأنَّ (إنما) تفيد الحصر، وهو قول الغزالي والشيخ أبي (¬2) إسحاق والسبكي وغيرهم، فهو أقوى في الدلالة من مفهوم الصفة، وصيغة الحصر. والثاني من قوله: (إذا وقعت الحدود وصرفت (¬3) الطرق فلا شفعة). وقد يقول من يثبت الشفعة: المرتب على أمرين لا يلزم ترتبه على أحدهما. قال ابن دقيق العيد: قد يستدل بالحديث على مسألة اختلف فيها وهو أن الشفعة هل تثبت فيما لا يقبل القسمة أم لا؟ فقد يستدل به من يقول: لا تثبت الشفعة فيه، وهو قول مالك والشافعي؛ لأن هذِه الصيغة في النفي وهي تشعر بالقبول، فيقال للبصير: لم تبصر كذا، ويقال للأكمه: لا تبصر كذا، وإذا [استعمل أحد الأمرين] (¬4) في ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" 4/ 436. (¬2) في (ر)، (ل): أبو. (¬3) في (ر)، (ل): وصرف. (¬4) في (ر)، (ل) هكذا (احتمل أحد الأمر). والمثبت من "إحكام الأحكام".

الآخر فذلك للاحتمال. قال: فعلى هذا يكون في قوله: (فيما لم يقسم) إشعارٌ بأنه قابل للقسمة، ولما دخلت (إنما) المعطية للحصر، اقتضت انحصار الشفعة في القابل (¬1). [3515] (حدثنا محمد بن يحيى بن فارس) بن ذؤيب الذهلي أحد الأعلام، روى عنه البخاري في مواضع كما تقدم. (قال: حدثنا الحسن بن الربيع) البجلي البوراني، قال أبو حاتم: من أوثق أصحاب ابن إدريس (¬2) قال (حدثنا) عبد الله (بن إدريس) الأودي الكوفي (عن) عبد الملك (بن جريج، عن) محمد (بن شهاب) بن عبد الرحمن ([عن أبي سلمة] (¬3) أو عن سعيد بن المسيب، أو عنهما جميعًا) ولا يضر الإبهام؛ لأنهما ثقات. (عن أبي هريرة، [قال] (¬4) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا قسمت الأرض وحدت) أي (¬5): الحدود، أي: ميزت عن مجاوراتها بذكر نهاياتها، والمبني للفاعل منه حددت بفتح الدال الأولى كقبلت (فلا شفعة فيها). روى الحديث الذي قبله [عن] (¬6) مالك: ابن الماجشون وأبو عاصم وغيرهما عن أبي هريرة، ويعل (¬7) الحديث ابن أبي حاتم في "العلل"، عن ¬

_ (¬1) انظر: "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" (ص 534 - 535). (¬2) انظر: "الجرح والتعديل" 3/ 14. (¬3) سقط من (ر)، (ل). والمثبت من "السنن". (¬4) من "السنن". (¬5) سقط من (ر). والمثبت من (ل). (¬6) زيادة يستقيم بها السياق. (¬7) في (ر): وعل.

أبيه: عندي أن من قوله (فإذا وقعت الحدود .. ) إلى آخره من قول جابر، والمرفوع منه إلى قوله (لم يقسم) (¬1). قال ابن حجر: وفيه نظر؛ لأن الأصل أن (¬2) كل ما ذكر في الحديث فهو منه حتى يثبت الإدراج بدليل (¬3). وحديث أبي هريرة هذا يدل على ما قاله، وأنه يبعد أن جابرًا سمع بعض الحديث، وأدرج الباقي (¬4) من عنده ولا يسمع ما سمعه أبو هريرة كاملًا. [3516] (حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي قال: حدثنا سفيان) بن عيينة (عن إبراهيم بن ميسرة، سمع عمرو بن الشريد) بفتح الشين وكسر الراء. (سمع أبا رافع) أسلم مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - (سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول) روى البخاري هذا الحديث وذكر فيه قصة سعد بن أبي وقاص (¬5) (الجار أحق بسقبه) بفتح السين المهملة والقاف بعدها باء موحدة، ويقال بالصاد بدل السين، ويجوز فتح القاف وإسكانها، والسقب: القرب والمجاورة (¬6). قال البغوي: ليس في الحديث ذكر الشفعة، فيحتمل أن يكون أراد به ¬

_ (¬1) "علل ابن أبي حاتم" (1431). (¬2) في (ر): أنما. (¬3) انظر: "فتح الباري" 4/ 437. (¬4) في (ر): الثاني. (¬5) (2258). (¬6) انظر: "فتح الباري" 4/ 438.

الشفعة ويحتمل أن يكون أحق بالبر والمعونة كما في الحديث بعده. وإن كان المراد منه الشفعة، فيحمل الجار على الشريك جمعًا بين الحديثين، واسم الجار قد يقع على الشريك؛ لأنه يجاور شريكه بأكثر من مجاورة الجار، فإن الجار لا يساكنه والشريك يساكنه في الدار المشتركة (¬1). قال ابن بطال: استدل به أبو حنيفة وأصحابه على إثبات الشفعة للجار، والجمهور أراد بالجار الشريك؛ فإن أبا رافع كان شريك سعد ابن أبي وقاص في البيتين، ولذلك دعاه إلى الشراء منه كما في القصة التي ذكرها البخاري. وأما قول أبي حنيفة وأصحابه: أنه ليس في اللغة ما يقتضي تسمية الشريك جارًا، فمردود بما تقدم، وأن كل شيء قارب شيئًا قيل له جار، وقد قالوا لامرأة الرجل جارة؛ لما بينهما من المخالطة، وذكر عمر بن شبة أن سعدًا كان اتخذ دارين (¬2) بالبلاط متقابلتين بينهما عشرة أذرع، وكانت التي عن يمين المسجد منهما لأبي رافع، فاشتراها سعد منه ثم ساق قصة البخاري (¬3). فاقتضى كلامه أن سعدًا كان جارًا لأبي رافع قبل أن يشتري منه داره لا شريكًا، وكان بعض الحنفية يلزم الشافعية القائلين بحمل اللفظ على حقيقته ومجازه أن يقولوا بشفعة الجوار؛ لأن الجار حقيقة في المجاور مجاز في الشريك. وأجيب بأن محل ذلك عند التجرد عن القرينة، وقد قامت القرينة هنا ¬

_ (¬1) انظر: "شرح السنة" 8/ 242. (¬2) في (ر)، (ل): (دارا). (¬3) "تاريخ المدينة" 1/ 235 - 236.

على المجاز فاعتبر للجمع (¬1) بين حديثي جابر وأبي رافع، فحديث جابر صريح في اختصاص الشفعة بالشريك، وحديث أبي (¬2) رافع مصروف الظاهر اتفاقًا؛ لأنه يقتضي أن يكون الجار أحق من كل أحد حتى من الشريك، والذين قالوا بشفعة الجوار قدموا الشريك مطلقًا، ثم المشارك في الطريق، ثم الجار على من ليس بمجاور، فعلى هذا يتعين تأويل قوله: (أحق) بالحمل على الفضل أو التعهد ونحو ذلك (¬3). [3517] (حدثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك (الطيالسي قال: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن الحسن) البصري (عن سمرة) بن جندب الصحابي (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: جار الدار أحق) قال في "شرح السنة": هذِه اللفظة تستعمل فيمن لا يكون غيره أحق منه، والشريك بهذِه الصفة أحق من غيره، وليس غيره أحق منه (¬4)، لكن هل هو أحق بالشفعة أو البر كما تقدم. (بدار الجار) أي أحق في الشفعة بدار جاره من غيره، ورواية الترمذي عن أنس [أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "جار الدار أحق بالدار" (¬5). (أو الأرض) رواية: والأرض] (¬6) من غيره، وهو شك من الراوي. ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) في (ر): أبا. (¬3) انظر: "فتح الباري" 4/ 438. (¬4) "شرح السنة" 8/ 242. (¬5) ذكره الترمذي معلقًا بعد حديث (1368). (¬6) سقط من (ر).

والمعنى: إن جار دارك التي أنت مقيم بها أحق وأولى من غيره بسبب قربه منك، وداره المجاورة، لذلك هذا مما يحتج به لأبي حنيفة وأصحابه. وأجاب الشافعي وغيره بأنه محمول على تعهده بالإحسان والبر بسبب قرب داره كما تقدم، وبأن الشفعة ثبتت على خلاف الأصل لمعنى معدوم في الجار وهو أن الشريك ربما دخل عليه شريكه فتأذى به فدعت الحاجة إلى مقاسمته (¬1). [3518] (حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثنا هشيم) بن بشير بن القاسم قال: (أنبأنا عبد الملك) بن (¬2) أبي سليمان الكوفي، روى عنه مسلم في مواضع (عن عطاء، عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الجار أحق بشفعة جاره) أي الشريك أحق بشفعة شريكه كذا عند الشافعي. قال الشافعي: نخاف أن لا يكون هذا الحديث محفوظًا، وعبد الملك من الثقات، لكن تكلم فيه شعبة لتفرده عن عطاء بخبر "الجار أحق بشفعة جاره" (¬3). ورواية الترمذي: الجار بسقبه (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" 4/ 438. (¬2) زاد هنا في (ل): (جريج) وهو خطأ. (¬3) انظر: "اختلاف الحديث" للشافعي (ص 537)، "سنن الترمذي" (1369)، "سنن البيهقي الكبرى" 6/ 106. (¬4) ذكره الترمذي بعد حديث (1370).

(يُنتظر) مبني للمفعول إلى آخره (بها) أي بحقه من الشفعة، يحتمل أن يراد انتظار الصبي بالشفعة حتى يبلغ لما روى الطبراني في "الصغير" و"الأوسط" عن جابر أيضًا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الصبي على شفعته حتى يدرك، فإذا أدرك فإن شاء أخذ وإن شاء ترك"، لكن في سنده عبد الله بن بَزِيع (¬1). (وإن كان غائبًا) فينتظر أيضًا حتى يحضر إن شاء أخذ وإن شاء ترك. (إذا كان طريقهما) أي طريق الشريكين (واحدًا). قال في "شرح السنة": يحتج به من يثبت الشفعة في المقسوم إذا كان الطريق مشتركًا، وبقوله في الحديث المتقدم: "فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق". والمراد منه الطريق في المشاع، فإن الطريق في المشاع يكون شائعًا بين الشركاء، وكل واحد يدخل من حيث شاء، فإذا قسم العقار بينهم منع كل واحد منهم أن يتطرق شيئًا من حق صاحبه فتصير الطريق بالقسمة مصروفة (¬2). * * * ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في "الأوسط" (6140)، "الصغير" (844). وانظر: "مجمع الزوائد" 4/ 159. (¬2) 8/ 243 - 244.

40 - باب في الرجل يفلس فيجد الرجل متاعه بعينه عنده

40 - باب في الرّجُلُ يُفْلِسُ فَيَجِدُ الرَّجُلُ مَتاعَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَهُ 3519 - حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ ح. وَحَدَّثَنا النُّفَيْليُّ، حدثنا زُهَيْرٌ -المَعْنَى- عَنْ يَحيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ، عَنْ أَبي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "أَيُّما رَجُلٍ أَفْلَسَ فَأَدْرَكَ الرَّجُلُ مَتاعَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ" (¬1). 3520 - حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ أَبي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحارِثِ بْنِ هِشامٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "أَيُّما رَجُلٍ باعَ مَتاعًا فَأَفْلَسَ الذي ابْتاعَهُ وَلَمْ يَقْبِضِ الذي باعَهُ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا فَوَجَدَ مَتاعَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وإنْ ماتَ المُشْتَري فَصاحِبُ المَتاعِ أُسْوَةُ الغُرَماءِ" (¬2). 3521 - حدثنا سُلَيْمانُ بْنُ داوُدَ، حدثنا عَبْدُ اللهِ - يَعْني ابن وَهْبٍ - أَخْبَرَني يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ قالَ: أَخْبَرَنى أَبُو بَكْرِ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحارِثِ بْنِ هِشامٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ مَعْنَى حَدِيثِ مالِكٍ زادَ: "وإنْ قَضَى مِنْ ثَمَنِها شَيْئًا فهُوَ أُسْوَةُ الغُرَماءِ فِيها" (¬3). 3522 - حدثنا مُحَمَّد بْنُ عَوْفٍ الطّائيُّ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الجَّبّارِ - يَعْني الخَبائِريَّ، حدثنا إِسْماعِيلُ - يَعْني ابن عَيّاشٍ - عَنِ الزُّبَيْدىِّ - قالَ أَبُو داوُدَ: وَهُوَ مُحَمَّد بْن الوَلِيدِ أَبُو الهُذَيْلِ الحِمْصيُّ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ أَبي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - نحْوَهُ قالَ: "فَإِنْ كانَ قَضاهُ مِنْ ثَمَنِها شَيْئًا فَما بَقيَ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2402)، ومسلم (1559). (¬2) رواه مالك 2/ 678 (87)، وعبد الرزاق 8/ 263 (15158)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 12/ 17 (4605)، والبيهقي في "الصغرى" 2/ 292. وصححه الألباني. (¬3) انظر السابق.

فَهُوَ أُسْوَةُ الغُرَماءِ وَأَيُّما امْرِئٍ هَلَكَ وَعِنْدَهُ مَتاعُ امْرِئٍ بِعَيْنِهِ اقْتَضَى مِنْهُ شَيْئًا أَوْ لَمْ يَقْتَضِ فَهُوَ أُسْوَةُ الغُرَماءِ". قالَ أَبُو داوُدَ: حَدِيثُ مالِكٍ أَصَحُّ (¬1). 3523 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشّارٍ، حدثنا أَبُو داوُدَ هُوَ الطَّيالِسيُّ، حدثنا ابن أَبي ذِئْبٍ، عَنْ أَبى المُعْتَمِرِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ خَلْدَةَ قال: أَتَيْنا أَبا هُرَيْرَةَ في صاحِبٍ لَنا أَفْلَسَ فَقال: لأقضِيَنَّ فِيكمْ بِقَضاءِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَفْلَسَ أَوْ ماتَ فَوَجَدَ رَجُلٌ مَتاعَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ" (¬2). * * * باب في الرجل يفلس فيجد الرجل متاعه بعينه عنده [3519] (حدثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك ح، وحدثنا النفيلي، قال: حدثنا زهير) بن معاوية الجعفي (المعنى، عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عمر بن عبد العزيز، عن أبي بكر بن عبد الرحمن) زاد البخاري: ابن الحارث بن هشام (¬3)، وفي هذا السند أربعة من التابعين يروي بعضهم عن بعض: أولهم يحيى بن سعيد، وكلهم ولي القضاء، وكلهم سوى أبي بكر بن عبد الرحمن من طبقة واحدة. ¬

_ (¬1) رواه ابن الجارود في "المنتقى" (631)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 12/ 19 (4607)، والبيهقي 6/ 47. وصححه الألباني. (¬2) رواه الطيالسي (2497)، ومن طريقه البيهقي 6/ 46. وهو ضعيف بهذا اللفظ. وقد سبق الصحيح منه برقم (3519). (¬3) (2402).

(عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أيما رجلٍ) بالجر (أفلس) أفلس الرجل شرعًا إذا زادت ديونه على موجوده سمي بذلك؛ لأنه صار ذا فلوس بعد أن كان ذا دراهم ودنانير إشارة إلى أنه صار لا يملك إلا أدنى الأموال وهي الفلوس، أو سمي بذلك؛ لأنه يمنع من التصرف إلا في الشيء التافه كالفلوس؛ لأنهم ما كانوا يتعاملون بها في الأشياء الخطيرة، أو لأنه صار إلى حالة لا يملك فيها فلسًا، فعلى هذا الهمزة في أفلس للسلب (¬1)، نحو: أشكيته أزلت سبب شكواه، وأعتبته أزلت عنه سبب عتبه. (فأدرك الرجل متاعه) [رواية البخاري: ماله بعينه، استدل به على أن شرط استحقاق صاحب المتاع متاعه] (¬2) دون غيره من الغرماء أن يجد متاعه (بعينه) لم يتغير ولم يتبدل، فإن تغير: يُخيَّرُ البائع بين أن يأخذه ناقصًا، أو يتركه ويضارب الغرماء بالثمن، كما لو تغير المبيع في يد البائع. ولو تلف أحد العبدين ثم أفلس أخذ الباقي وضارب بحصة التالف. وللرجوع شرطان آخران، أحدهما: أن لا يتعلق بالمبيع حق ثالث كالرهن والجناية (¬3) والشفعة. الثاني: أن لا يقوم بالبائع مانع من التمليك كما لو أحرم وكان المبيع صيدًا. فلو زال ملك المشتري ثم عاد إلى ملكه فوجده البائع فمقتضى الحديث أنه يكون أحق به، وقد صرح بتصحيحه الرافعي في "الشرح الصغير"، وفي الرافعي الكبير ما ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" 5/ 62. (¬2) سقط من (ر). والمثبت من (ل). (¬3) في (ر): الخيانة.

يشعر برجحانه فإنه شبهه بنظيره من الرد بالعيب ورجوع الصداق بالطلاق، لكن صحح النووي في "الروضة" من زياداته خلافه (¬1). (فهو أحق به من غيره) أي من سائر الغرماء وارثًا كان أو غيره، وبهذا قال جمهور العلماء (¬2)، وفي "الحاوي" عن ابن حربويه: أن البائع لا يفسخ بل يقدم بثمنه على الغرماء كالرهن (¬3)، وخالف الحنفية كما سيأتي. [3520] (حدثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي. (عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ابن هشام) التابعي (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أيما رجلٍ باع متاعًا) فيه التصريح بأن الحديث وارد في صورة البيع، وكذا رواه ابن خزيمة وابن حبان عن يحيى بن سعيد بلفظ: "إذا ابتاع الرجل سلعة ثم أفلس وهي عنده بعينها فهو أحق بها" (¬4). ولمسلم: "إذا وجد عنده المتاع أنه لصاحبه الذي باعه" (¬5). وهذا الحديث وإن كان مرسلًا من طريق مالك فقد وصله عبد الرزاق في "مصنفه" عن مالك (¬6)، لكن المشهور عن مالك إرساله وهو حجة على أبي حنيفة حيث تأول هذا الحديث وخالفه لكونه خبر واحد ¬

_ (¬1) "الشرح الكبير" 5/ 41، "الروضة" 4/ 156. (¬2) انظر: "فتح الباري" 5/ 63. (¬3) انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي 6/ 270. (¬4) ابن حبان (5037) من حديث أبي هريرة. (¬5) مسلم (1559/ 23) من حديث أبي هريرة. (¬6) رواه عبد الرزاق في "المصنف" 8/ 264 (15160).

مخالفا (¬1) للأصول؛ لأن (¬2) السلعة صارت بالمبيع ملكًا للمشتري ومن ضمانه واستحقاق المالك أخذها منه نقض لملكه وحملوا الحديث على صورة وهي: ما إذا كان المتاع وديعة أو عارية، أو لقطة، وتُعقب بأن التصريح بالبيع في هذا الحديث، وما ذكر معه يبطل ما ادعوه، ولأنه لو كان كذلك لم يقيد (¬3) بالمفلس (¬4) ولا جعل أحق بها (¬5) لما يقتضيه صيغة أفعل من (¬6) الاشتراك (¬7). (فأفلس) أي تبين فلس (الذي ابتاعه) عند الحاكم (ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئًا) مفهومه أن الذي قبض من ثمنه شيئًا يكون أسوة الغرماء كما صرح به في الرواية الأخرى، ولابن أبي شيبة عن عمر بن عبد العزيز قال: قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أحق به من الغرماء إلا أن يكون اقتضى (¬8) من ماله شيئًا فهو أسوة الغرماء (¬9). (فوجد متاعه بعينه) مفهومه أنه لا يرجع في غير متاعه فيتعلق بذلك الكلام في الزوائد المنفصلة فإنها تحدث على ملك المشتري فليست بمتاع البائع فلا رجوع فيها (فهو أحق به) من غيره خلافًا لأبي حنيفة ¬

_ (¬1) في الأصول: مخالف، والمثبت أصح. (¬2) في (ر): لكن. (¬3) في (ر): يفعل. والمثبت من (ل). (¬4) هكذا في (ر)، (ل) وفي "فتح الباري" (بالفلس). (¬5) سقط من (ر)، (ل). والمثبت من "الفتح". (¬6) سقط من (ر)، (ل). والمثبت من "الفتح". (¬7) انظر: "فتح الباري" 5/ 63 - 64. (¬8) في (ر)، (ل): (أقبض). والمثبت من "المصنف". (¬9) "مصنف ابن أبي شيبة" 10/ 516 (20473).

حيث قال: لا يكون أحق به كما تقدم، وحمله بعض الحنفية على ما أفلس المشتري قبل أن يقبض السلعة، وتعقب بقوله في الحديث في رواية "عند رجل" (¬1)، ولابن حبان من طريق سفيان الثوري، عن يحيى ابن سعيد: "ثم أفلس وهي عنده" (¬2)، فلو كان لم يقبضه ما نص على أنه عنده في الخبر. (وإن مات المشتري فصاحب المتاع) فيه (أسوة الغرماء) احتج به مالك وأحمد على أن المشتري إذا مات ووجد البائع السلعة أن صاحب السلعة أسوة الغرماء، وفرقوا بين الفلس والموت أن الميت خربت ذمته فليس للغرماء محل يرجعون إليه فاستووا في ذلك مع الغرماء بخلاف المفلس. وأجاب الشافعي عن هذا الحديث بأنه مرسل والمرسل لا يقول به كما تقدم، واحتج بحديث ابن خلدة الآتي (¬3). [3521] (حدثنا سليمان بن داود) تقدم (قال: حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني يونس) بن يزيد (¬4) (عن ابن شهاب قال: أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام) المخزومي التابعي. (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكر معنى حديث مالك) المذكور، و (زاد: وإن كان قد قضى) المشتري (من ثمنها شيئًا فهو) يعني البائع (أسوة) بكسر الهمزة وضمها، سائر (الغرماء فيها) فيه حجة للقول القديم من مذهب ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2402)، ومسلم (1559). (¬2) ابن حبان (5037). (¬3) سيأتي برقم (3523). وانظر: "التمهيد" 8/ 415، "المغني" لابن قدامة 6/ 589 - 590، "فتح الباري" 5/ 64. (¬4) في (ر): زيد.

الشافعي: أن البائع إذا أخذ من المشتري بعض الثمن وأفلس فليس له الرجوع إلى غير ماله، بل هو كسائر الغرماء، وبه قال جمهور العلماء والصحابة، وهو قول مالك وأحمد. والجديد من مذهب الشافعي أنه يرجع إلى عين ماله بقدر ما بقي من الثمن؛ لأن الإفلاس سبب يعود به كل العين إليه إذا لم يقبض كل الثمن، فجاز أن يعود في بعضها إذا لم يقبض بعض الثمن كالفرقة قبل الدخول يعود بها جميع الصداق إلى الزوج تارة وبعضه أخرى وهو نصفه. وعلى هذا القول: فإن كان قد قبض نصف الثمن رجع إلى نصف العين، وإن كان المبيع عينين باقيتين والمقبوض نصف الثمن رجع في نصف العينين فيكون له من كل عين نصفها، ونص في الصداق نظير هذا وهو أنه إذا أصدقها عبدين وتلف أحدهما ثم طلقها قبل الدخول على قولين: أحدهما: أنه يأخذ الموجود بنصف المهر مثل قوله في التفليس. والثاني: أنه يأخذ نصف الموجود ونصف قيمة التالف. وضعَّف القائل بالقديم هذا بأن في رجوعه ببعض العين إضرار بالمفلس في تبعيض الصفقة؛ لأنه ينقص القيمة بالمشاركة. وأجاب من قال بالجديد عن هذا الحديث بأن ابن القصار قال: هذا مرسل والمراسيل لا يقول بها؛ لأن حذف الواسطة يخرم الثقة ويتطرق التردد إلى الخبر، لكن هذا في مرسل لم يسند، فإذا أسند كما في مرسل مالك فإن المرسل يعضده المسند (¬1). قال في "المحصول": فإن كان المسند مما تقوم الحجة به فالعمل ¬

_ (¬1) انظر: "البيان" للعمراني 6/ 163 - 164، "فتح العزيز" للرافعي 10/ 248.

عليه، وإلا فالمرسل عليه العمل، والمسند يعضده ويزيده قوة. [3522] (حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا أبو داود) سليمان بن داود (الطيالسي) كان يحدث بأربعين ألف حديث من حفظه، روى عنه البخاري في "القراءة خلف الإمام" وغيره (حدثنا) محمد بن عبد الرحمن (ابن أبي ذئب، عن أبي المعتمر) بن عمرو بن رافع (¬1) مدني، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2). (عن عمر بن خَلَدة) بفتح المعجمة واللام، الزرقي قاضي المدينة. (قال: أتينا أبا هريرة) نسأله (في صاحب لنا أفلس، فقال: لأقضين فيكم بقضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فينا (من أفلس أو مات) رواية ابن ماجه (¬3) والشافعي (¬4): أيما رجل مات أو أفلس (فوجد رجل) عنده (متاعه بعينه) قال ابن دقيق العيد: قد يمكن أن يستدل بالحديث على أن الديون المؤجلة تحل بالحجر -أي: كما تحل بالموت- ووجهه أنه يندرج تحت كونه وجد متاعه عنده فيكون أحق به، ومن لوازم ذلك أن يحل؛ إذ لا مطالبة بالمؤجل قبل الحلول (¬5). (فهو أحق به) هذا حجة الشافعي على أنه بالموت يصير أحق بمتاعه؛ لأن ابن خلدة خرج عن أبي هريرة بالتسوية بين الإفلاس والموت، وهذا الحديث صححه الحاكم (¬6)، وزاد بعضهم في آخره ¬

_ (¬1) في الأصل (نافع). والمثبت من "الثقات". (¬2) 7/ 663. (¬3) (2360). (¬4) انظر: "المسند" ص 329 (1527). (¬5) انظر: "الإحكام شرح عمدة الأحكام" (ص 532). (¬6) "مستدرك الحاكم" 2/ 51.

وهو الدارقطني: إلا أن يترك صاحبه وفاء (¬1)، ورجحه الشافعي على المرسل قبله وقال: يحتمل أن يكون آخره من رأي أبي بكر بن عبد الرحمن؛ لأن الذين وصلوه عنه لم يذكروا قصة (¬2) الموت، وكذلك الذين رووه عن أبي هريرة لم يذكروا ذلك، بل صرح ابن خلدة في هذا الحديث بالتسوية بين الموت والإفلاس فتعين المصير إليه؛ لأنه ثقة، وجمع الشافعي بين الحديثين فحمل حديث ابن خلدة على ما إذا مات مفلسًا. وحديث أبي بكر بن عبد الرحمن على ما إذا مات مليئًا (¬3)، وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يرجع إلى عين ماله لا في الفلس (¬4) ولا في الموت، وذهب مالك إلى أنه يرجع إليه في الفلس دون الموت، وفرق بينهما بما تقدم (¬5). [3523] (حدثنا محمد بن عوف) بالفاء آخره (الطائي) الحافظ، وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل: ما كان بالشام منذ أربعين سنة مثله (¬6) (حدثنا عبد الله بن عبد الجبار الخبايري) بفتح الخاء المعجمة والباء الموحدة الخفيفة وبعد الألف ياء مثناة تحت ثم راء، الحمصي. قال أبو حاتم: صدوق (¬7). ¬

_ (¬1) "سنن الدارقطني" 3/ 29. (¬2) في "الفتح": قضية. (¬3) انظر: "فتح الباري" 5/ 64. (¬4) في (ر): المفلس. والمثبت من (ل). (¬5) انظر: "الإحكام شرح عمدة الأحكام" (ص 530). (¬6) انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 239 - 240. (¬7) انظر: "الجرح والتعديل" 5/ 106.

(حدثنا إسماعيل بن عياش) بالمثناة والشين المعجمة العنسي عالم أهل الشام في عصره (عن الزبيدي) بضم الزاي وفتح الموحدة مصغر زبد. (قال أبو داود: وهو محمد بن الوليد أبو الهذيل الحمصي) متفق عليه (عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن) بن الحارث (عن أبي هريرة [عن النبي - صلى الله عليه وسلم -] (¬1) نحوه) و (قال) فيه (فإن كان قضاه من ثمنها) أي من ثمن السلعة (شيئًا فما بقي) له من ثمنها (فهو) فيه (أسوة الغرماء) وليس له رجوع في العيب هذا حجة القديم. والجديد كما تقدم: أن له أن يرجع فيها بقدر ما بقي من ثمنها. وقال مالك: البائع بالخيار بين أن يرد ما قبض ويرجع في كل العين وبين أن يضرب بما بقي له من الثمن مع الغرماء (¬2) (وأيما امرئ هلك وعنده متاع امرئ بعينه) رواية ابن ماجه: "وعنده مال امرئ بعينه" (¬3). (اقتضى منه شيئا أو لم يقتض (¬4) فهو أسوة الغرماء) فيه حجة لأبي حنيفة أن من مات وفي ذمته ثمن سلعة فوجدها صاحبها بعينها فهو أسوة الغرماء سواء اقتضى من ثمنها شيئًا أم لا، وليس له الرجوع إلى عين ماله (¬5). (قال أبو داود) و (حديث مالك) المرسل (أصح) (¬6) من هذا المسند. * * * ¬

_ (¬1) من "السنن". (¬2) "البيان والتحصيل" 10/ 359. (¬3) (2361). (¬4) في (ر): يقض. (¬5) "الحجة على أهل المدينة" 2/ 715. (¬6) في (ر): احتج.

41 - باب فيمن أحيا حسيرا

41 - باب فِيمَنْ أَحْيا حَسِيرًا 3524 - حدثنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حدثنا حَمّادٌ ح. وَحَدَّثَنا مُوسَى، حدثنا أَبانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحِمْيَريِّ، عَنِ الشَّعْبيِّ - قالَ: عَنْ أَبانَ، أَنَّ عامِرًا الشَّعْبيَّ - حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "مَنْ وَجَدَ دابَّةً قَدْ عَجَزَ عَنْها أَهْلُها أَنْ يَعْلِفُوها فَسَيَّبُوها فَأَخَذَها فَأَحْياها فَهيَ لَهُ". قالَ في حَدِيثِ أَبانَ: قالَ عُبَيْدُ اللهِ: فَقُلْتُ: عَمَّنْ؟ قالَ: عَنْ غَيْرِ واحِدٍ مِنْ أَصْحابِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). قالَ أَبُو داوُدَ: وهذا حَدِيثُ حَمّادٍ وَهُوَ أَبْيَنُ وَأَتَمُّ. 3525 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ حَمّادٍ -يَعْني: ابن زَيْدٍ- عَنْ خالِدٍ الحذّاءِ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ حُمَيدِ بْنِ عَبدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الشَّعْبيِّ يَرْفَعُ الحدِيثَ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قالَ: "مَنْ تَرَكَ دابَّةً بِمُهْلِكٍ فَأَحْياها رَجُلٌ فَهيَ لِمَنْ أَحْياها" (¬2). * * * باب فيمن أحيا (¬3) حسيًرا حسرت الدابة حسوراً مثل قعد قعودًا إذا كلَّت وتعبت لطول مدى السير (¬4) فهي حسير، وكذلك حسر البصر، قال الله تعالى: {يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} (¬5) وفي الحديث: "الحسير لا يعقر" (¬6) ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني 3/ 68 (259)، والبيهقي 6/ 198، والطبري في "تهذيب الآثار" 3/ 252. وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (6584). (¬2) انظر ما قبله. (¬3) في (ر): اختار. (¬4) زاد هنا في (ر): (والتسري) ولا أدري وجهها. (¬5) تبارك: 4. (¬6) رواه ابن أبي شيبة 18/ 228 (34362) من قول عمر بن عبد العزيز.

أي: لا يجوز للغازي إذا حسرت دابته أن يعقرها مخافة العدو أن يعقرها، لكن يسيبها (¬1). [3524] (حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد ح، وحدثنا موسى) ابن إسماعيل التبوذكي (حدثنا أبان، عن عبيد الله) بالتصغير (ابن حميد بن عبد الرحمن الحميري) وثق (عن) عامر (الشعبي، قال) موسى (عن أبان) عن عبيد الله (أن عامرًا) بن شراحيل (الشعبي حدثه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من وجد دابة قد عجز عنها أهلها أن يعلِفوها) بكسر اللام؛ لأنها كلت عن السير وعجزت عن المسير معهم فعجزوا عن علفها لانقطاعها عنهم. (فسيبوها) للعجز عن استصحابها معهم، سواء كانت مما يؤكل لحمها أو لا. فيؤخذ من إطلاقه أنه يجوز لمالكها أن يسيبها في الصحراء لمن أخذها للأكل أو غيره أو لحيوان يفترسها، وإن كان الأفضل أن يذبحها ويطعمها للمحتاجين كما يقع كثيرًا في طريق الحجاز للإبل التي تعجز عن الحمل والمشي معهم. ولو ذبحها أو باع لحمها وجلدها جاز. وأما الدابة التي عجزت عن الاستعمال بزمن ونحوه فلا يجوز لصاحبها في الحضر تسييبها بل يجب عليه نفقتها. (فأخذها فأحياها) بسقيها وعلفها وخدمتها، وفيه التجوز في الألفاظ بتسمية ذلك حياة كقوله تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية" لابن الأثير 1/ 384، "لسان العرب" 4/ 187، "غريب الحديث" لابن الجوزي 1/ 212.

جَمِيعًا} (¬1). (فهي له) أخذ بظاهره الإمام أحمد والليث والحسن وإسحاق فقالوا: من ترك دابة بمهلكة (¬2) فأخذها إنسان فأطعمها وسقاها وخدمها إلى أن قويت على المشي والحمل والركوب ملكها، إلا أن يكون مالكها تركها لا لرغبة عنها، بل ليرجع إليها أو ضلت عنه. وقال مالك: هي لمالكها الأول ويغرم ما أنفق عليها آخذها. وقال الشافعي وغيره: إن ملك صاحبها لم يزل (¬3) عنها بالعجز عنها وسبيلها سبيل اللقطة، فإذا جاء ربها وجب على واجدها ردها عليه ولا يضمن ما أنفق عليها؛ لأنه لم يأذن فيه (¬4). ونظير هذا ما أفتى به شيخنا البلقيني رحمه الله تعالى في سنة يكثر فيها الفأر فيقطع الزرع وينقله تحت الأرض فيعجز أصحابه عن إخراجه إلا بكلفة تزيد على قيمته فإذا جاء أحد وبحث عن الزرع فاستخرجه من تحت الأرض، فأفتى: بأن الزرع باقٍ على ملك صاحبه لم يزل عن ملكه بالعجز عن تحصيله، فإذا طلبه صاحبه من مستخرجه وجب عليه رده عليه، ولا يجب عليه أجرة عمله في استخراجه؛ لأنه لم يأذن فيه. وفرق بين هذا وبين السنابل المتناثرة على الأرض حال الحصاد فإن ملتقطها يملكها بأن (¬5) ¬

_ (¬1) المائدة: 32. (¬2) سقطت من (ر). (¬3) في (ر): يلزم. (¬4) انظر: "المغني" 6/ 400. (¬5) هكذا في (ر)، (ل) ولعل الصواب (لأن).

حبات السنابل من الأشياء التافهة التي يعرض عنها صاحبها غالبًا، وطريق من أراد استخراج ما نقله الفأر أن يأتي إلى مالكه ويشارطه على جعل معلوم يأخذه من المالك على استخراجه. و(قال في حديث أبان: قال عبيد الله: فقلت) للشعبي: (عمن) حدثت هذا؟ (قال: عن غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -) وحكى الذهبي عن أحمد بن عبد الله العجلي أنه سمع من ثمانية وأربعين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1). وقال منصور بن عبد الرحمن الغُدَّاني عن الشعبي: أدركت خمسمائة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يقولون: علي وطلحة والزبير في الجنة (¬2). وقال الشعبي: ما كتبت سوادًا في بياض قط ولا حدثني رجل فأحببت أن يعيده (¬3). (قال أبو داود: هذا حديث حماد) بن سلمة (¬4) (وهو أبين) معنى (وأتم) لفظًا من حديث أبان. [3525] (حدثنا محمد بن عبيد) بن حساب الغبري شيخ مسلم (عن حماد بن زيد) الأزدي الأزرق أحد الأعلام (عن خالد الحذاء، عن عبيد الله) بالتصغير (ابن حميد بن عبد الرحمن) الحميري، وثق. (عن الشعبي، رفع الحديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: من ترك دابة) أي ¬

_ (¬1) انظر: "معرفة الثقات" للعجلي 2/ 12. (¬2) رواه البيهقي في "الاعتقاد" ص 374، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 25/ 349، وذكره البخاري تعليقًا في "التاريخ الكبير" 6/ 450. (¬3) انظر: "سير أعلام النبلاء" 4/ 301. (¬4) هكذا في (ر)، (ل) والصواب (بن زيد) كما صرح به في الإسناد التالي.

سيبها، كما في الحديث قبله (بمُهلَكٍ) بضم الميم وفتح اللام، أي: مهلك اسم لمكان الهلاك من أهلك، وهي قراءة الجمهور في قوله تعالى: {مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ} (¬1)، وقرأ حفص بفتح الميم وكسر اللام (¬2)، أي: ما شهدنا مكان هلاكه ولا زمان هلاكه. (فأحياها رجل) أي: بسقيها وعلفها وإراحتها، والحياة مجاز. وقد حضرت يوم كتابة هذا الحديث أول مجلس تكلم فيه الشيخ محمد البرماوي على الفقه في المدرسة الصلاحية بالقدس الشريف في التاسع والعشرين من شوال عام ثلاثين وثمانمائة، وابتدأ بإحياء الموات من "المنهاج" فذكر للإحياء (¬3) خمسة عشر معنى واحد منها حقيقة، والباقي (¬4) مجاز، وعد منها هذا المعنى واستشهد له بشعر من كلام العرب ولم يستحضر هذا الحديث وعد منها أنها تأتي بمعنى الغنى، والموت بمعنى الفقر وبمعنى اليقظة، والموت بمعنى النوم، والإحياء بمعنى عمارة الأرض، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من أحيا أرضاً (¬5) ميتةً" (¬6) (فهي لمن أحياها) تقدم أن حكم هذِه الدابة حكم اللقطة فتكون اللام هنا في قوله (فهي لمن أحياها) كاللام في حديث اللقطة: "فهي لك" (¬7) ¬

_ (¬1) النمل: 49. (¬2) انظر: "التيسير في القراءات السبع" لأبي عمرو الداني ص 144. (¬3) في (ر): الإحياء. (¬4) في (ر): والثاني. (¬5) سقطت من (ر). (¬6) سبق برقم (3073). (¬7) سبق برقم (1710).

يعني الشاة، وقد انفرد مالك (¬1) بتجويز أخذ الشاة للتملك وعدم تعريفها متمسكًا بقوله: "فهي لك"، وأجيب بأن اللام ليست للتمليك، وأجمعوا على أن مالكها إن جاء قبل أن يأكلها المالك (¬2) أخذها منه. قال النووي: إن جاء صاحبها قبل أن يتملكها الملتقط أخذها بزوائدها المتصلة والمنفصلة، وأما بعد التملك (¬3) فإن لم يجيء صاحبها فهي لمن وجدها ولا مطالبة عليه في الآخرة. ومهما تلف منها بعد مجيء صاحبها لزم الملتقط غرامته للمالك، وهو قول الجمهور (¬4). * * * ¬

_ (¬1) "المدونة" 4/ 457. (¬2) هكذا في (ر)، (ل) وفي "فتح الباري" (الواجد) وهو الصحيح؛ لأن واجدها لا يملكها إلا بعد التعريف سنة كاملة. (¬3) في (ر): التمليك. (¬4) انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي 12/ 22 - 23، "فتح الباري" 5/ 83 - 85.

42 - باب في الرهن

42 - باب في الرَّهْنِ 3526 - حدثنا هَنّادٌ، عَنِ ابن المُبارَكِ، عَنْ زَكَرِّياءَ، عَنِ الشَّعْبيِّ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لَبَنُ الدَّرِّ يُحْلَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذا كانَ مَرْهُونًا والظَّهْرُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذا كانَ مَرْهُونًا وَعَلَى الذي يَرْكَبُ وَيَحْلِبُ النَّفَقَةُ" (¬1). قالَ أَبُو داوُدَ: وَهُوَ عِنْدَنا صَحِيحٌ. 3527 - حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ قالا: حدثنا جَرِيرٌ، عَنْ عُمارَةَ بْنِ القَعْقاعِ، عَنْ أَبي زرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، أَنَّ عُمَرَ بْن الخَطَّابِ قال: قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنْ عِبادِ اللهِ لأُناسًا ما هُمْ بِأَنْبِياءَ وَلا شُهَداءَ يَغْبِطُهُمُ الأنْبِياءُ والشُّهَداءُ يَوْمَ القِيامَةِ بِمَكانِهِمْ مِنَ اللهِ تَعالَى". قالوا: يا رَسُولَ اللهِ تُخْبِرُنا مَنْ هُمْ. قالَ: "هُمْ قَوْمٌ تَحابُّوا بِرُوحِ اللهِ عَلَى غَيْرِ أَرْحامٍ بَيْنَهُمْ وَلا أَمْوالٍ يَتَعاطَوْنَها فَواللهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لنُورٌ وَإِنَّهُمْ عَلَى نُورٍ لا يَخافُونَ إِذا خافَ النّاسُ وَلا يَحْزَنُونَ إِذا حَزِنَ النّاسُ". وَقَرَأَ هذِه الآيَةَ: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)} (¬2). * * * باب في الرهن [3526] (حدثنا هناد، عن) عبد الله (بن المبارك، عن زكريا) بن أبي زائدة (عن) عامر (الشعبي، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لبن ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2512). (¬2) رواه ابن أبي حاتم في "التفسير" 6/ 1963، وأبو نعيم في "الحلية" 1/ 5، والبيهقي في "الشعب" 11/ 315 (8585). وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (3026).

الدَّرِّ) بفتح الدال المهملة وتشديد الراء. الدر اللبن تسميةٌ بالمصدر، وهو هنا بمعنى الدارة أي لبن الدابة ذات الضرع، وقيل: هو هنا من إضافة الشيء إلى نفسه، كقوله تعالى: {وَحَبَّ الْحَصِيدِ} (¬1). (يحلب بنفقته) رواية البخاري: "يشرب بنفقته" (¬2). أي: بقدر نفقته (إذا كان) الحيوان (مرهونًا) ورواه سعيد بن منصور بإسناده، ولفظه: "الدابة إذا كانت مرهونة تركب بقدر علفها -أي: وشربها- وإذا كان لها لبن يشرب منه بقدر علفها". ورواه حماد بن سلمة في "جامعه" عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم بأوضح من هذا، ولفظه: "إذا ارتهن شاة شرب المرتهن من لبنها بقدر ثمن علفها فإن استفضل من اللبن بعد ثمن العلف فهو ربا" (¬3). (والظهر) أي ظهر الدابة (يُركب) كذا للجميع بضم أول يركب على البناء للمجهول، وكذلك يُشرب وهو خبر بمعنى الأمر، كقوله: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} (¬4) (بنفقته (¬5) إذا كان مرهونًا) هذا مخصوص بالمرهون. وأما قوله بعده: (وعلى الذي يركب ويحلب النفقة) بالرفع مبتدأ فعلى العموم، أي: كائنًا من كان. هذا ظاهر الحديث، وفيه حجة لمن قال: يجوز للمرتهن الانتفاع بالرهن إذا قام بمصلحته، ولو لم يأذن له المالك، ¬

_ (¬1) ق: 9. (¬2) (2512). (¬3) انظر: "فتح الباري" 5/ 143 - 144. (¬4) البقرة: 233. (¬5) من "السنن".

وهو قول أحمد وإسحاق والحسن والليث وغيرهم، قالوا: ينتفع المرتهن من الرهن بالركوب والحلب بقدر النفقة متحريًا العدل في ذلك، قالوا: وسواء أنفق المرتهن مع تعذر النفقة من الراهن لغيبته أو امتناعه من الإنفاق أو مع القدرة على ذلك أخذ النفقة من الراهن ولا ينتفع بغيرهما لمفهوم الحديث، وأما دعوى الإجمال فيه فقد دل بمنطوقه على إباحة الانتفاع في مقابلة الإنفاق، وهذا يختص بالمرتهن؛ [لأن الحديث وإن كان مجملا لكنه يختص بالمرتهن] (¬1) لأن انتفاع الراهن بالمرهون لكونه مالك رقبته لا لكونه منفقًا عليه بخلاف المرتهن. وذهب الشافعي وأبو حنيفة ومالك وجمهور العلماء إلى أن (¬2) المرتهن لا ينتفع من المرهون بشيء، وهو متطوع بما أنفق. وتأولوا (¬3) الحديث على أنه ورد على خلاف القياس من وجهين: أحدهما: التجويز لغير المالك أن يركب ويشرب بغير إذنه. والثاني: تضمينه ذلك بالنفقة لا بالقيمة. قال ابن عبد البر: هذا الحديث عند جمهور الفقهاء يرده أصول مجمع عليها، وآثار ثابتة لا يختلف في صحتها. ويدل على نسخه حديث ابن عمر الذي ذكره البخاري في أبواب المظالم وغيره: "لا تحلب ماشية امرئ بغير إذنه .. " الحديث (¬4) ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) في (ر): أنه. (¬3) في (ر): وتأولها. (¬4) البخاري (2435). وانظر: "التمهيد" 14/ 215 - 216.

وقال الشافعي: يشبه أن يكون المراد من رهن ذات در وظهر: لم يمنع الراهن من درها وظهرها فهي مركوبة ومحلوبة له كما كانت قبل الرهن (¬1). وقال الطحاوي: هو محمول على أنه كان قبل تحريم الربا، فلما حرم الربا حرم (¬2). وذهب الأوزاعي والليث وأبو ثور إلى حمله على ما إذا امتنع الراهن من الإنفاق على المرهون فيباح حينئذٍ للمرتهن الإنفاق على الحيوان حفظًا لحياته ولإبقاء المالية فيه، وجعل له في مقابلة نفقته الانتفاع بالركوب أو بشرب اللبن بشرط أن لا يزيد قدر ذلك أو قيمته على قدر علفه وهي من جملة مسائل الظفر (¬3). (قال أبو داود: وهو عندنا صحيح) ورواه البخاري وغيره (¬4). * * * ¬

_ (¬1) "الأم" 4/ 339. (¬2) "شرح معاني الآثار" 4/ 99. (¬3) انظر: "فتح الباري" 5/ 144. (¬4) انتهى شرح المصنف لهذا الباب غير أنه لم يشرح فيه إلا الحديث الأول (3526) دون الثاني، والله أعلم.

43 - باب في الرجل يأكل من مال ولده

43 - باب في الرّجُلِ يأكُلُ مِنْ مالِ ولَدهِ 3528 - حدثنا مُحَمَّد بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ عُمارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَمَّتِهِ أَنَّها سَأَلَتْ عائِشَةَ رضي الله عنها: في حِجْري يَتِيمٌ أفَآكُلُ مِنْ مالِهِ؟ فَقالَتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إنّ مِنْ أَطْيَبِ ما أَكلَ الرَّجُلُ مِنْ كسْبِهِ، وَوَلَدُهُ مِنْ كسْبِهِ" (¬1). 3529 - حدثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ وَعُثْمانُ بْن أَبى شَيْبَةَ - المَعْنَى - قالا: حدثنا محَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ عُمارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عائِشَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ قالَ: "وَلَدُ الرَّجُلِ مِنْ كَسْبِهِ مِنْ أَطْيَبِ كَسْبِهِ، فَكُلُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ" (¬2). قالَ أَبُو داوُدَ: حَمّادُ بْنُ أَبى سُلَيْمانَ زادَ فِيهِ: "إِذا احْتَجْتُمْ". وَهُوَ مُنْكَرٌ. 3530 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الِمنْهالِ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حدثنا حَبِيبٌ المُعَلِّمُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لي مالاً وَوَلَدًا وَإنَّ والِدي يَجْتاحُ مالي. قالَ: "أَنْتَ وَمالُكَ لِوالِدِكَ، إِنَّ أَوْلادَكُمْ مِنْ أَطْيَبِ كَسْبِكُمْ، فَكُلُوا مِنْ كسْبِ أَوْلادِكُمْ" (¬3). * * * باب في الرجل يأكل من مال ولده [3528] (حدثنا محمد بن كثير) العبدي قال: (أنبأنا سفيان) بن سعيد ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1358)، والنسائي 7/ 240، وابن ماجه (2137، 2290)، وأحمد 6/ 31. وصححه ابن الملقن في "البدر" 8/ 308، والألباني في "الإرواء" (1626). (¬2) السابق. (¬3) رواه ابن ماجه (2292)، وأحمد 2/ 179. وصححه الألباني في "المشكاة" (3354).

الثوري (عن منصور) بن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن عمارة بن عمير) التيمي، تيم الله الكوفي متفق عليه (عن عمته) وفي رواية: عن أمه، قال ابن القطان: وكلاهما لم يعرفا (¬1). (أنها سألت عائشة) رضي الله عنها (في حَجري) بفتح الحاء أي في كنفي وحمايتي (يتيمٌ) اليتيم في الناس من قبل الأب وفي غير الناس من قبل الأم (أفآكل من ماله) والنفقة في معنى الأكل، وسياق ما بعده يدل على أنه كان ابنها. (فقالت) عائشة: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن من أطيب) أي أحل (ما أكل الرجل) وفي معناه المرأة (من كسبه) بفتح الكاف وهو السعي في طلب المعيشة، وفيه دليل على فضيلة التكسب بالبيع والشراء ونحوهما، وقد اختلفوا في أطيب المكاسب وأفضلها فقيل: التجارة. وقد يستدل له بهذا الحديث، وقيل: الصنعة باليد، وقيل: الزراعة. قال النووي: وهو الصحيح (¬2). ورواية ابن ماجه: "إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه" (¬3) من غير لفظة "من" التبعيضية. وروى الإمام أحمد والبزار والطبراني ورجاله ثقات: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي الكسب أفضل؟ قال: "عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور" (¬4). وروى الإمام أحمد بإسنادٍ رجالُهُ ثقات عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خير الكسب كسب العامل إذا نصح" (¬5). ¬

_ (¬1) "بيان الوهم والإيهام" 4/ 546. (¬2) انظر: "شرح مسلم" للنووي 10/ 219. (¬3) (2137). (¬4) أحمد 3/ 466، البزار (3798)، الطبراني 22/ 197 (519) من حديث أبي بردة ابن نيار. (¬5) أحمد 2/ 334، 357.

(وولَدُهُ من كسبه) لأنه (¬1) سعى في سبب إيجاده، وسبب ما فيه بقاء عينه من مأكول وملبوس وغير ذلك من [ ... ] (¬2) والسعي في أسبابه. [3529] (حدثنا عبيد الله) بالتصغير (بن عمر بن ميسرة) الجشمي، روى عنه البخاري في الجمعة (¬3)، ومسلم في غير موضع (¬4). (وعثمان بن أبي شيبة، المعنى، قالا: حدثنا محمد بن جعفر) غندر، ربيب شعبة (عن شعبة، عن الحكم، عن عمارة بن عمير، عن أمه) أعل ابن القطان هذا الحديث بأنه قال هنا: عن أمه. وفي الحديث الذي قبله: عن عمته. قال: وكلاهما لا يعرفان (¬5). (عن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ولد الرجل من كسبه، من أطيب كسبه) فإن قيل: لم لا اقتصر على قوله: من أطيب كسبه، فإن فيه ما قبله وزيادة؟ قيل: هذا من باب البدل، والقصد به الإيضاح بعد الإبهام، وهو يفيد التأكيد، ألا ترى إلى قراءة يعقوب: (وَتَرى كُلَّ أمَّةٍ جَاثِية كُلَّ أُمَّةٍ تدعى إلَى كِتابها) (¬6) بنصب كل الثانية. قال أبو الفتح: جاز إبدال الثانية من الأولى؛ لأن في الثانية زيادة ذكر سبب الجثو في الموضعين (¬7). ولم يظهر عامل البدل [إلا إذا] (¬8) ¬

_ (¬1) في (ر)، (ل): (لا) والمثبت هو الموافق لسياق الكلام. (¬2) كلمة غير واضحة في (ر، ل). (¬3) (920). (¬4) انظر: (181)، (1419)، (1456). (¬5) "بيان الوهم والإيهام" 4/ 546. (¬6) الجاثية: 28. (¬7) "المحتسب" 2/ 262. (¬8) في "البرهان": إذا.

كان (¬1) جر - كما تقدم - إيذانا بافتقار الثاني إلى الأول؛ فإن حروف الجر مقيدة (¬2)، ومن تكرر حرف الجر قوله تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ} (¬3)، ولم يذكر ولد في المرة الثانية؛ إذ لو ظهر فقيل: ولد الرجل من كسبه، ولد الرجل من أطيب كسبه لانقطع (¬4) الثاني عن الأول بالكلية؛ لأن الثاني مع ذكر الولد يصير قائمًا بنفسه. فإن قيل: ألا تراه ظهر في قوله تعالى: {وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133)} (¬5)، قيل: يجوز أن يكون هذا من إبدال الجملة من الجملة لا مما نحن فيه (¬6). ومن فوائد البدل التبيين] (¬7) على وجه المدح؛ فإن قولك: ولد الرجل من كسبه من أطيب كسبه، أبلغ من قولك: ولد الرجل من كسبه، وكذا قولك: هل أدلك على أكرم (¬8) الناس وأفضلهم؟ فلان، أبلغ من قولك على فلان: الأكرم والأفضل؛ لذكره مرتين مفصلًا ¬

_ (¬1) لعل المناسب هنا ذكر كلمة (حرف) كما في "البرهان في علوم القرآن". (¬2) هكذا في (ر)، (ل)، وفي "البرهان": (مفتقرة). (¬3) الأعراف: 75. (¬4) في (ر)، (ل): (لا ينقطع). والمثبت هو الملائم للسياق. (¬5) الشعراء: 132 - 133. (¬6) انظر: "البرهان في علوم القرآن" 2/ 459 - 460. (¬7) في (ر)، (ل): التعين. والمثبت من "البرهان". (¬8) في (ر): ألزم.

ومجملًا (¬1). (فكلوا من أموالهم) إن كان الوالد أو الوالدة أو الأجداد فقراء زمنى فالأكل من مال أولادهم واجب؛ لأن نفقتهم واجبة على أولادهم، وإن كانوا موسرين أقوياء فالأمر بالأكل من أموالهم للإباحة هذا من مذهب الشافعي، وأوجب سائر الفقهاء نفقتهم عند الإعسار؛ لقوله فيما سيأتي: "إذا احتجتم". ولم يشترطوا الزمانة (¬2). (قال أبو داود) بهذا الحديث (حماد بن أبي سليمان وزاد فيه: إذا احتجتم) إليهم، لكن قال أبو داود فيه: (وهو منكر) وزعم الحاكم في "مستدركه" بعد أن أخرج من طريق الأسود عن عائشة بلفظ: "أموالهم لكم إذا احتجتم إليها" أن الشيخين (¬3) أخرجاه باللفظ الأول (¬4). قال ابن حجر: وهم في ذلك وهمًا لا ينفك عنه (¬5). [3530] (حدثنا محمد بن المنهال) الضرير شيخ الشيخين، أحفظ من بالبصرة وأثبتهم في يزيد بن زريع (¬6). (حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا حبيب المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده) تقدم. (أن رجلاً) أعرابيًّا (أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إن لي مالاً ¬

_ (¬1) انظر: "البرهان في علوم القرآن" 2/ 455. (¬2) انظر: "شرح السنة" للبغوي 9/ 329 - 330. (¬3) في (ر)، (ل) (الشيخان) والمثبت هو الصواب. (¬4) "المستدرك" 2/ 284. (¬5) انظر: "التلخيص الحبير" 4/ 21. (¬6) انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 512.

وولدًا، وإن والدي) زاد أحمد: يريد أن (¬1) (يجتاح) بتقديم الجيم أيضًا [على الحاء، أي: يستأصله ويأتي عليه بالهلاك، ومنه الجائحة، وروي: يجتح] (¬2) بتقديم الجيم أيضا، وروي: يجتحّ. بفتح الفوقانية وتشديد الحاء المهملة. قال الخطابي: يشبه أن يكون ما ذكره السائل من اجتياح والده جميع ماله إنما هو بسبب النفقة عليه فلم يعذره النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ولم يرخص له في ترك النفقة، (¬3) بل (قال) له (أنت ومالك لوالدك) اللام للإباحة لا للتمليك، فإن مال الولد له وزكاته عليه وهو موروث عنه، غير أن الوالد إذا كان فقيرًا زمنًا وجب نفقته على ولده. (إن أولادكم من أطيب كسبكم) أي من أفضل ما سعيتم في تحصيله (فكلوا) الفاء للسببية، أي: فبسبب كونهم أطيب كسبكم كلوا (من كسب أولادكم) ولن يجزي ولد والده إلا أن يجده رقيقًا فيعتقه (¬4). * * * ¬

_ (¬1) أحمد 2/ 179. (¬2) سقط من (ر). (¬3) انظر: "معالم السنن" 3/ 166. (¬4) كما روى مسلم (1510) من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتربه فيعتقه".

44 - باب في الرجل يجد عين ماله عند رجل

44 - باب في الرَّجُلِ يَجِدُ عينَ مالِهِ عنْدَ رَجُلٍ 3531 - حدثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، حدثنا هُشَيْمٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ السّائِبِ، عَنْ قَتادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مالِهِ عِنْدَ رَجُلٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَيَتَّبعُ البَيِّعُ مَنْ باعَهُ" (¬1). * * * باب في الرجل يجد عين ماله عند رجل [3531] (حدثنا عمرو بن عون) بالنون آخره الواسطي الحافظ شيخ البخاري (أنبأنا هشيم، عن موسى بن السائب) أبي سعدة، وثقه أحمد. قال أبو داود: لا بأس به (¬2) (عن قتادة، عن الحسن) البصري (عن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من وجد عين ماله) المغصوب أو المسروق منه (عند رجل) أو امرأة (فهو أحق به) من كل أحد إذا ثبت أنه ملكه بالبينة أو صدقه من في يده العين، ثم إن كانت العين يجوز إجارتها [فله مع] (¬3) أخذ العين المطالبة بمنفعتها مدة بقائها في يده سواء انتفع بها من كانت في يده أم لا. قال في "النهاية": من غصب كلبًا (¬4) يجوز اقتناؤه، استرد منه، ثم إن كان انتفع به ففي لزوم أجرته وجهان بناء على إجارته، والذي أراه ¬

_ (¬1) رواه النسائي 7/ 313، وابن ماجه (2331)، وأحمد 5/ 10. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (2061). (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 29/ 66. (¬3) في (ر): فلط. (¬4) سقط من (ر)، (ل). والمثبت من "نهاية المطلب".

تصحيحها (¬1). ثم إن وجد العين نقصت بغير استعمال كتعثث الثوب وعمى العبد وسقوط يده بآفة وجب الأرش مع أجرته سليمًا لما قبل النقص وناقصًا لما بعده، وكذا لو نقصت بالاستعمال على الأصح (ويتبع (¬2) البيِّعُ) بتشديد المثناة تحت المشددة المكسورة وهو المشتري، أي: يرجع على (من باعه) البيع الفاسد بالثمن الذي دفعه إليه، ثم إن كان هذا المشتري علم بأنها مغصوبة فيطالب بكل ما يطالب به الغاصب من الأجرة والأرش، وإن جهل المشتري الغصب وكانت يده عليها يد [ضمان هما كيد المشتري والمستعير فكالغاصب، وإن كانت يده عليها يد] (¬3) أمانة كوديعة فقرار الضمان ليس عليه، بل على الغاصب على الأصح؛ لأنه عدة، والمودع دخل على أنه مؤتمن (¬4). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "نهاية المطلب" للجويني 5/ 492. (¬2) في (ر): وبيع. (¬3) سقطت من (ر). (¬4) انظر: "روضة الطالبين" 5/ 9.

45 - باب في الرجل يأخذ حقه من تحت يده

45 - باب في الرَّجُلِ يأْخُذُ حَقَّهُ مِنْ تحْتِ يدِه 3532 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حدثنا زُهَيْرٌ، حدثنا هِشامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّ هِنْدًا أُمَّ مُعاوِيَةَ جاءَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَتْ: إِنَّ أَبا سُفْيانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وإنَّهُ لا يُعْطِيني ما يَكْفِيني وَبَنيَّ فَهَلْ عَلَيَّ جُناحٌ أَنْ آخُذَ مِنْ مالِهِ شَيْئًا؟ قالَ: "خُذي ما يَكْفِيكِ وَبَنِيكِ بِالمَعْرُوفِ" (¬1). 3533 - حدثنا خُشَيْشُ بْنُ أَصْرَمَ، حدثنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، حدثنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: جاءَتْ هِنْدٌ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبا سُفْيانَ رَجُلٌ مُمْسِكٌ فَهَلْ عَلَيَّ مِنْ حَرَجٍ أَنْ أُنْفِقَ عَلَى عِيالِهِ مِنْ مالِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ؟ فَقالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا حَرَجَ عَلَيْكِ أَنْ تُنْفِقي عَلَيْهِمْ بِالمَعْرُوفِ" (¬2). 3534 - حدثنا أَبُو كامِلٍ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ زُرَيْعٍ حَدَّثَهُمْ، حدثنا حُمَيْدٌ - يَعْني الطَّوِيلَ - عَنْ يُوسُفَ بْنِ ماهَكَ المَكّيِّ قالَ: كُنْتُ أكْتُبُ لِفُلانٍ نَفَقَةَ أَيْتامٍ كانَ وَليَّهُمْ فَغالَطوهُ بِألفِ دِرْهَمٍ فَأَدَّاها إِلَيْهِمْ فَأَدْرَكْتُ لهُمْ مِنْ مالِهِمْ مِثْلَيْها. قَالَ: قُلتُ: أَقْبِضُ الألفَ الذي ذَهَبُوا بِهِ مِنْكَ؟ قال: لا، حَدَّثَني أَبى أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "أَدِّ الأَمانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ وَلا تَخُنْ مَنْ خانَكَ" (¬3). 3535 - حدثنا مُحَمَّد بْنُ العَلاءِ وَأَحْمَدُ بْنُ إِبْراهِيمَ قالا: حدثنا طَلْقُ بْنُ غَنّامٍ، عَنْ شَرِيكٍ - قَالَ ابن العَلاءِ: وَقَيْسٍ - عَنْ أَبي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبي صَالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَدِّ الأمانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ وَلا تَخُنْ مَنْ خانَكَ" (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2211)، ومسلم (1714). (¬2) رواه البخاري (2460). (¬3) رواه أحمد 3/ 414، والدولابي في "الكنى والأسماء" 1/ 187. وقال الألباني في "الإرواء" 5/ 382: رجاله ثقات غير الرجل الذي لم يسم. (¬4) رواه الترمذي (1264)، والبخاري في "التاريخ الكبير" 4/ 360، والدارمي=

باب في الرجل يأخذ حقه من تحت يده [3532] (حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا زهير، حدثنا هشام بن عروة) ابن الزبير (عن) أبيه (عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن هندًا) بنت عتبة ابن ربيعة امرأة أبي سفيان (أم معاوية) أسلمت عام الفتح بعد إسلام زوجها (جاءت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن أبا سفيان رجل شحيح) أي بخيل. قال القرطبي: لم ترِد أنه شحيح مطلقًا، فتذمه بذلك؛ وإنما وصفت حاله معها، فإنه كان يقتر عليها، وعلى أولادها، كما قالت: "لا يعطيني وبني ما يكفيني" (¬1) وهذا لا يدل على البخل مطلقًا، فقد يفعل الإنسان هذا مع أهل بيته (¬2)؛ لأنه يرى غيرهم أحوج وأولى، ليعطي غيرهم. وعلى هذا: لا يجوز أن يستدل بهذا الحديث على أن أبا سفيان كان بخيلًا، فإنه لم يكن معروفًا بهذا (¬3). فيه دليل على جواز سماع [الأجنبية] (¬4) عند الإفتاء والحكم وما في معناه. ومنها جواز ذكر الإنسان في غيبته بما يكرهه إذا كان للاستفتاء والشكوى ونحوهما، ويكون هذا مما استثني من الغيبة (¬5) (وإنه لا ¬

_ = (2639). وصححه الألباني في "الإرواء" (1544). (¬1) رواه البخاري (5364)، ومسلم (1714) من حديث عائشة. (¬2) في (ر): بيتي. (¬3) "المفهم" 5/ 159 - 160. (¬4) في النسخ: الآدمية. والمثبت من "شرح النووي على مسلم". (¬5) انظر: "شرح مسلم" للنووي 12/ 7.

يعطيني [ما يكفيني]) (¬1) بفتح أوله (و) يكفي (بني) أي: بل يعطينا دون الكفاية، فيه دليل على أن هذا كان منها استفتاء لا دعوى؛ لأن هذِه القضية كانت بمكة، وكان أبو سفيان حاضرًا بها، والدعوى لا تجوز على من كان مقيمًا إلا بحضوره، ولا تسمع بغير حضوره إلا إذا كان غائبًا عن البلد، أو مستترًا لا يقدر عليه أو متعذرًا، ولم يقع ذلك من أبي سفيان. (فهل عليَّ) من (جُناحٍ) بضم الجيم، أي: إثم (أن آخذ من ماله) أي: بغير إذنه (شيئًا؟ قال: خذي) من ماله (ما) يجوز أن تكون موصولة، ويجوز أن تكون نكرة موصوفة، أي: شيئًا (يكفيك) فيه أن نفقة الزوجة واجبة وأنها ليست مقدرة بمقدار (¬2) مخصوص، وإنما ذلك بحسب الكفاية المعتادة، خلافًا للشافعي ومن وافقه أنها مقدرة بالأمداد على الموسر كل يوم مدان، وعلى المعسر مد، وعلى المتوسط مد ونصف (¬3)، وهذا الحديث يرد على أصحابنا. (و) يكفي (بنيك) فيه دليل على وجوب نفقة الأولاد على أبيهم، وأن نفقة القريب مقدرة بالكفاية كما هو ظاهر الحديث (¬4) (بالمعروف) وهو القدر الذي عرف بالعادة أنه كفاية. [3533] (حدثنا خُشيش) بضم الخاء المعجمة وتكرير الشين ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) في (ر): بمقدر. (¬3) انظر: "البيان" للعمراني 11/ 204. (¬4) انظر: "المفهم" 5/ 161، "شرح مسلم" للنووي 12/ 7.

المعجمة، مصغر (ابن أصرم) بالصاد والراء المهملة، النسائي الحافظ، ثقة (حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: جاءت هند إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل مُمْسِك) بضم الميم الأولى وإسكان الثانية، أي: شحيح وبخيل كما تقدم (فهل عليَّ من حرج أن أنفق على عياله من ماله) فيه أن للمرأة مدخلًا في كفالة أولادها والإنفاق عليهم من مال أبيهم (بغير إذنه؟ ) صرح هنا بما أبهمه في الحديث قبله (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا حرج عليك) أي: لا إثم، وإذا انتفى الحرج ثبتت الإباحة، وهذِه الإباحة وإن كانت مطلقة لفظًا فهي مقيدة معنى، فكأنه قال: إن صح أو ثبت ما ذكرت فخذي ولا حرج عليك. وقد استنبط البخاري منه جواز حكم الحاكم بعلمه فيما اشتهر وعرف. فقال: باب حكم الحاكم بعلمه إذا لم يخف الظنون والتهم، وكان أمرًا مشهورًا (¬1). (أن تنفقي) عليهم (بالمعروف) فيه دليل على اعتبار العرف في الأحكام الشرعية والرجوع إليه، وفيه دليل على أن من تعذر عليه أخذ حقه من غريمه ووصل من مال الغريم إلى شيء كان له أخذه بأي وجه توصل إليه (¬2). قال ابن بطال: فيه دليل على جواز أخذ صاحب الحق من مال من لم يوفه أو جحده قدر حقه (¬3). ¬

_ (¬1) بوب به على حديث (7161). (¬2) انظر: "المفهم" 5/ 161. (¬3) "شرح البخاري" 6/ 585.

[3534] (حدثنا أبو كامل) فضيل بن حسين الجحدري (أن يزيد بن زريع حدثهم) قال (حدثنا حميد الطويل، عن يوسف بن ماهَك) بفتح الهاء (¬1) غير منصرف للعجمة والتعريف (المكي (¬2) قال: كنت أكتب لفلان نفقة أيتام كان) هو (وليهم، فغالطوه بألف درهم) وهذا يدل على أنه كان مالًا كثيرًا (فأداها إليهم) من ماله (فأدركت لهم) أي: وصلت للأيتام (من مالهم) على مال (مثليها) مثل الألف التي أداها إليهم من ماله، من قولهم: أدرك الغلام إذا وصل إلى الحلم. (قال: قلت) له (أقبض) بالباء الموحدة من القبض، وفي رواية: أقتض بالتاء المثناة فوق بدل الباء من الاقتضاء، من قولهم: اقتضيت منه حقي أي أخذته، أقتص بتشديد المهملة (الألف الذي ذهبوا به منك؟ ) أي من مالك (قال: لا) أي: لا أفعل ذلك، وقد (حدثني أبي) ماهك الفارسي المكي. (أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: أد الأمانة) أصله المصدر من أمن بالكسر أمانة ثم استعمل منقولًا إلى الأعيان مجازًا، فقيل: الوديعة أمانة (إلى من ائتمنك) عليها، ويدخل في عموم الأمانة: العارية والمرهون والعين المؤجرة والوديعة، وقال البراء بن عازب وابن مسعود وابن عباس: الأمانة في كل شيء: في الوضوء والصلاة والزكاة والجنابة والصوم والكيل والوزن، كما أن الله تعالى يدخل في ¬

_ (¬1) في (ر): الحاء. (¬2) زيادة من (ر).

عموم من ائتمنك قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ} (¬1). (ولا تخن من خانك) بأن تقابله بمثل خيانته، فمن ظفر بمال لمن له عنده بمال وعجز عن أخذه منه وأخذه بماله واستدرك ظلامته منه فهذا لم يخنه؛ لأنه مقتض حقًّا لنفسه والأول مغتصب حقًّا لغيره، وكان مالك بن أنس يقول: إذا أودع الرجل رجلًا ألف درهم فجحده الألف وأودعه الجاحد ألفًا لم يجز له أن يجحده. قال ابن القاسم صاحبه: أظنه ذهب إلى هذا الحديث. وظاهر حديث يوسف بن ماهك المذكور، ويدل على أنه يذهب إلى هذا، وذهب الشافعي وأصحاب الرأي وغيرهم إلى أنه يجوز له أن يأخذ الألف قصاصًا عن حقه لحديث هند المذكور قبله (¬2). [3535] (حدثنا محمد بن العلاء وأحمد بن إبراهيم) الدورقي، أخرج له مسلم (قالا: حدثنا طلق بن غنام) بالغين المعجمة والنون، النخعي (عن شريك قال) محمد (ابن العلاء وقيس، عن أبي حصين) بفتح الحاء والصاد المهملتين، واسمه عثمان (عن أبي صالح) ذكوان السمان. (عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أد الأمانة) كما أمرك الله (إلى من ائتمنك) إن كان المالك أو وكيله، وروى والد شيخنا الشيخ صلاح الدين العلائي في كتابه "اليقين في أعمال اليقين" بسنده إلى عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن عبد الله، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ¬

_ (¬1) الأحزاب: 72، وانظر: "الأهوال" لابن أبي الدنيا (250)، "حلية الأولياء" 4/ 201. (¬2) انظر: "معالم السنن" 3/ 168.

"القتل في سبيل الله يكفر الذنوب كلها -أو قال: - يكفر كل شيء إلا الأمانة، يؤتى بصاحب الأمانة فيقال له: أد أمانتك. فيقول: أي رب وقد ذهبت الدنيا؟ فيقال: اذهبوا به إلى الهاوية فيذهب به إليها فيهوي فيها حتى ينتهي إلى قعرها، فيجدها هناك كهيئتها فيأخذها فيضعها على عاتقه فيصعد بها في نار جهنم حتى إذا رأى أنه قد خرج زلت فهوت فهوى في أثرها أبد الآبدين" قال: والأمانة في الصلاة والأمانة في الصوم والأمانة في الوضوء والأمانة في الحديث، وأشد ذلك الودائع. قال: فلقيت البراء بن عازب فقلت: ألا تسمع ما يقول أخوك عبد الله؟ قال: صدق (¬1). والأمانة في كل شيء. ثم ذكر بعده الحديث الذي رواه الترمذي عن جابر، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا حدث الرجل فالتفت فهي أمانة" (¬2). قال: ومعنى الحديث أن الرجل إذا تحدث بشيء ثم التفت فإن التفاته قرينة في أنه يتوقى أحدًا يسمع (¬3) حديثه، فيدل هذا على أنه لا يحب اطلاع أحد على ذلك الحديث غير الذي حدثه، وكأنه يستكتم الحديث ممن يحدثه، وحينئذٍ تكون أمانة عند المحدث (ولا تخن من خانك) فيه ما تقدم. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "تفسير الطبري" 20/ 340. (¬2) "السنن" (1959). (¬3) تكررت في (ل).

46 - باب في قبول الهدايا

46 - باب في قَبُولِ الهدايا 3536 - حدثنا عَليُّ بْنُ بَحْرٍ وَعَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُطَرِّفٍ الرُّؤاسيُّ قالا: حدثنا عِيسَى - وَهُوَ ابن يُونُسَ بْنِ أَبى إِسْحاقَ السَّبِيعيُّ - عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَقْبَلُ الهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْها (¬1). 3537 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرّازىُّ، حدثنا سَلَمَة - يَعْني ابن الفَضْلِ - حَدَّثَني مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحاق، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبي سَعِيدٍ المَقْبُريِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبى هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وايْمُ اللهِ لا أَقْبَلُ بَعْدَ يَوْمي هذا مِنْ أَحَدٍ هَدِيَّةً إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مُهاجِرًا قُرَشِيًّا أَوْ أَنْصارِيًّا أَوْ دَوْسِيًّا أَوْ ثَقَفِيًّا" (¬2). * * * باب قبول الهدايا [3536] (حدثنا علي بن بحر) بفتح الباء الموحدة وإسكان الحاء المهملة، ابن بري القطان، الحافظ، وثقوه (وعبد الرحيم (¬3) بن مطرف الرؤاسي) بضم (¬4) الراء (قالا: حدثنا عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقبل الهدية ويثيب عليها) أي يعطي للذي يهدي له بدلها، والمراد بالثواب المجازاة، وأصله ما يساوي ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2585). (¬2) رواه الترمذي (3945)، والنسائي 6/ 279، وأحمد 2/ 292. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (2119). (¬3) في الأصول: عبد الرحمن. والصواب المثبت. (¬4) في الأصول: بفتح. والمثبت الصواب.

قيمة الهدية. واستدل بعض المالكية بهذا الحديث على وجوب الثواب على الهدية إذا أطلق الواهب، وكأنه يطلب من مثله الثواب كالفقير للغني بخلاف هبة الأعلى للأدنى، ووجه الدلالة منه: مواظبته - صلى الله عليه وسلم -، ومن حيث المعنى أن الذي أهدى قصد أن يعطى أكثر مما أهدى فلا أقل أن يعوض بنظير هديته، وبه قال الشافعي في القديم، وقال في الجديد كالحنفية (¬1): الهبة للثواب باطلة لا تنعقد؛ لأنها بيع بثمن مجهول، ولأن موضوع الهبة التبرع، فلو عملنا (¬2) بها لكان في معنى المعاوضة. وقد فرق الشرع والعرف بين البيع والهبة، فما استحق العوض أطلق عليه لفظ البيع بخلاف الهبة. وأجاب المالكية بأن الهبة لو لم تقتض الثواب أصلًا لكانت بمعنى الصدقة، وليس كذلك؛ لأن الأغلب من حال المهدي أنه يطلب الثواب، ولا سيما إذا كان فقيرًا (¬3). [3537] (حدثنا محمد بن عمرو الرازي (¬4)، حدثنا سلمة بن الفضل) الأبرش الأنصاري، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬5)، روى له الترمذي (¬6) وابن ماجه في التفسير. ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع 15/ 387، "نهاية المطلب" 7/ 5، "النتف" 1/ 512. (¬2) في (ر): علمنا. (¬3) انظر: "فتح الباري" 5/ 210. (¬4) في (ر): الداري. (¬5) 8/ 287 (13480). (¬6) انظر: "السنن" (58، 1677).

(حدثني محمد بن إسحاق) بن يسار بالمثناة والسين المهملة، صاحب "المغازي" (عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه) أبي سعيد كيسان التابعي. (عن أبي هريرة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) هذا الحديث رواه أحمد وابن حبان في "صحيحه" من حديث ابن عباس وأوله: أن أعرابيًّا وهب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ناقة فأثابه عليها وقال: "أرضيت؟ " قال: لا. فزاده وقال: "رضيت؟ " قال: نعم (¬1). وطوله الترمذي من وجه آخر، وبين أن الثواب كان ست بكرات (¬2). وكذا رواه الحاكم وصححه على شرط مسلم (¬3). (وايم الله) بهمزة وصل (لا أقبل بعد يومي هذا) رواية الترمذي: "بعد مقامي هذا" ولفظه عن أبي هريرة: أهدى رجل من بني فزارة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ناقة من إبله التي كانوا أصابوها بالغابة فعوضه منها بعض العوض فتسخطه، فسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول على المنبر: "إن رجالًا من العرب يهدي أحدهم الهدية فأعوضه عنها بقدر ما عندي فظل (¬4) يتسخط عليَّ" .. الحديث (¬5) (من أحد) من العرب (هدية إلا أن يكون مهاجرًا) بضم الميم، أي: مهاجرًا من المهاجرين أو (قرشيًّا، أو ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 1/ 295، "صحيح ابن حبان" 14/ 296 (6384). (¬2) "سنن الترمذي" (3945). (¬3) "المستدرك" 2/ 62 - 63. (¬4) في (ر): فبطل. (¬5) "سنن الترمذي" (3946).

أنصاريًّا، أو دوسيًّا) سميت القبيلة بالمصدر من داس الأرض دوسًا (أو ثقفيًّا) سميت القبيلة باسم الفاعل، وهو ثقيف من ثقِفت الحديث، بكسر القاف، فهمته بسرعة (¬1). ولهذه العلة امتنع بعض مشايخنا في التصوف هو وأصحابه من قبول هدية من أحد أصلًا لا من صديق ولا من قريب ولا غيره، وقال: لفساد النيات في هذا الزمان. وبلغني أن سبب امتناعه أنه أهدى إليه بعض فلاحي قرى دمشق بهدية فقبلها، ثم بعد أيام أتى إليه ليشفع له شفاعة، فاعتذر إليه، فقال: أما كان فيما أهديته إليه ملح يعرف. ولقد أتيته للسلام عليه مع بعض مشايخنا بلا دسم ليسقيه به، فلما جلسنا إليه اعتذر لنا، وقال: عرفتم أنا لا نقبل من أحد شيئًا، وقد فرغت فنحن نأتدم بالكسب، وفي معناه إلى أن نميل إلى البلاد (¬2). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "المصباح المنير" 1/ 82 - 83. (¬2) طمس في (ل).

47 - باب الرجوع في الهبة

47 - باب الرُّجُوعِ في الهِبَةِ 3538 - حدثنا مُسْلِمُ بْن إِبْراهِيمَ، حدثنا أَبانُ وَهَمّامٌ وَشعْبَة قالُوا: حدثنا قَتادَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنِ ابن عَبّاسٍ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "العائِدُ في هِبَتِهِ كالعائِدِ في قَيْئِهِ" (¬1). قالَ هَمّامٌ: وقالَ قَتادَةُ: وَلا نَعْلَمُ القَيء إِلَّا حَرامًا. 3539 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا يَزِيدُ -يَعْني: ابن زُرَيْعٍ- حدثنا حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ طاوُسٍ، عَنِ ابن عُمَرَ وابْنِ عَبّاسٍ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيها إِلَّا الوالِدَ فِيما يُعْطي وَلَدَهُ، وَمَثَلُ الذي يُعْطي العَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعُ فِيها كَمَثَلِ الكَلْبِ يَأْكُلُ فَإِذا شَبعَ قاءَ ثُمَّ عادَ في قَيْئِهِ" (¬2). 3540 - حدثنا سُلَيْمانُ بْن داوُدَ الَمهْريُّ، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَني أُسامَةُ بْن زَيْدٍ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ شعَيْبٍ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: " مَثَلُ الذي يَسْتَرِدُّ ما وَهَبَ كَمَثَلِ الكَلْبِ يَقيءُ فَيَأْكُلُ قَيْئَهُ فَإذا اسْتَرَدَّ الواهِبُ فَلْيُوَقَّفْ فَلْيُعَرَّفْ بِما اسْتَرَدَّ ثُمَّ لِيُدْفَعْ إِلَيْهِ ما وَهَبَ" (¬3). * * * باب الرجوع في الهبة [3538] (حدثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي الحافظ، شيخ البخاري (حدثنا همام وشعبة وأبان قالوا: حدثنا قتادة، عن سعيد بن المسيب، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2621)، ومسلم (1622). (¬2) رواه الترمذي (2131، 2132)، والنسائي 6/ 265، وابن ماجه (2377)، وأحمد 1/ 237. وصححه الألباني في "الإرواء" تحت حديث رقم (1622). (¬3) رواه النسائي 6/ 264، وابن ماجه (2378)، وأحمد 2/ 175. وصححه الألباني في "الصحيحة" (2282).

عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: العائد في هبته كالعائد في قيئه) هكذا رواية البخاري (¬1)، واستدل به الجمهور على تحريم الرجوع في الهبة بعد أن تقبض، إلا هبة الوالد لولده للحديث الآتي (¬2) بعده، وأبلغ من هذا في الزجر عن الرجوع ما رواه البخاري (¬3) بعد هذا عن ابن عباس قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس لنا مثل السوء الذي يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه" أي: لا ينبغي لنا معشر المؤمنين أن نتصف بصفة ذميمه يشابهنا فيها أخس الحيوانات في أخس أحوالها، قال الله تعالى: {لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ} (¬4)، وهذا أبلغ في الزجر والتحريم من قوله: لا تعودوا في الهبة. (قال همام: وقال قتادة: ولا نعلم القيء إلا حرامًا) لأنه نجس، والنجس أكله حرام كالدم والميتة إلا لضرورة. [3539] (حدثنا مسدد، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن طاوس) بن كيسان، كان طاوس القراء (عن) عبد الله (ابن عمر) بن الخطاب (و) عبد الله (ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يحل لرجل) ولا امرأة، قال الطحاوي: قوله: "لا يحل" لا يستلزم التحريم، وهو كقوله: "لا تحل الصدقة لغني (¬5) "، وإنما معناه: لا يحل له من حيث يحل لغيره من ذوي الحاجة، وأراد بذلك التغليظ في الكراهة (¬6). (أن يعطي (¬7) عطية) لفظها عام يشمل الهبة والهدية والصدقة (أو ¬

_ (¬1) (2621). (¬2) في (ر): التي. (¬3) (2622). (¬4) النحل: 60. (¬5) تقدم برقم (1634). (¬6) انظر: "فتح الباري" 5/ 235. (¬7) في (ر): تعطيني.

يهَب) بفتح الهاء، هذا من عطف الخاص بعد العام (هبة فيرجعَ) بالنصب (فيها) إن كان المراد بالهبة: الصدقة، فقد اتفقوا على أنه لا يجوز الرجوع فيها بعد القبض، لقوله - صلى الله عليه وسلم - لعمر في قضية الفَرَس: "لا تعد في صدقتك" (¬1)، وإن كان المراد مطلق الهبة: فهي مخصوصة؛ إذ يخرج منها الهبة للثواب، فقد قال بها مالك، وإسحاق، والطبري، والشافعي في القول القديم إذا علم أنه قصد الثواب إما بالتصريح به وإما بالعادة والقرائن كهبة الفقير للغني والأمير، وبهذا قال أبو حنيفة إذا شرط الثواب. والأصل في هبة الثواب ما خرجه الدارقطني من حديث ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من وهب هبة فهو أحق بها ما لم يثب (¬2) منها" (¬3) قال: ورواته كلهم ثقات (¬4). وما خرجه مالك عن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من وهب هبة لصلة الرحم أو على وجه الصدقة أنه لا يرجع فيها، ومن وهب هبة يرى أنه إنما أراد بها الثواب فهو على هبته يرجع فيها ما لم يُرض منها" (¬5)، وحكى القرطبي عن مالك: أن هبة الثواب مجمع عليها عندهم، قال: وكيف لا تجوز وهي معاوضة تشبه البيع في جميع وجوهه إلا وجهًا واحدًا، وهي: أن العوض فيها غير معلوم حالة ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1489)، ومسلم (1621). (¬2) بياض في (ر). (¬3) "سنن الدارقطني" 3/ 43. (¬4) كذا نقل المصنف، وإنما قال الدارقطني: لا يثبت هذا مرفوعًا، والصواب عن ابن عمر عن عمر موقوفًا. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (363). (¬5) "الموطأ" 2/ 754 موقوفًا. قال الألباني في "الإرواء" (1613): صحيح موقوف.

العقد، وإنما سامح الشرع في هذا القدر؛ لأنهما دخلا في ذلك على وجه المكارمة لا المشاحة (¬1) فعفا عن تعيين العوض فيه، كما فعل في نكاح التعويض. (إلا الوالد (¬2) فيما يعطي ولده) قال بهذا الاستثناء مالك (¬3) والشافعي وأبو ثور والأوزاعي (¬4). والرجوع عند طاوس وأحمد في الهبة [محرمٌ] (¬5) مطلقًا والحديث حجة عليهم، والمشهور من مذهب مالك إلحاق الأم بالولد وولد الولد وأسفل ملحق بالولد، لكن هل هو حقيقة أو مجاز؟ ولا رجوع في هبة الإخوة والأعمام وغيرهم من ذوي الأرحام عند الشافعي ومالك. وقال أبو حنيفة وآخرون: يرجع كل واهب إلا الوالد وكل ذي رحم محرم (¬6). (ومثل الذي يعطي العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب يأكل فإذا شبع قاء ثم عاد فيه) قال الطحاوي (¬7): هذا يدل على عدم التحريم؛ لأن الكلب غير متعبد بالشرع فالقيء ليس حرامًا عليه، والمراد التنزيه عن فعل يشبه فعل الكلب، وتعقب عليه باستبعاد ما تأوله وبمنافرة سياق الأحاديث له، وبأن عرف الشرع في مثل هذِه الأشياء يراد به المبالغة في الزجر، كقوله: "من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم خنزير" (¬8). ¬

_ (¬1) في (ر): المسامحة. (¬2) زاد هنا في (ر): بالجر إبلاغ. ولا وجه لها. (¬3) انظر: "القوانين الفقهية" ص 241. (¬4) انظر: "البيان" 8/ 124. (¬5) في النسخ: محرما. والمثبت من "المفهم". (¬6) انظر: "المفهم" 4/ 581 - 583. (¬7) "شرح معاني الآثار" 4/ 77. (¬8) رواه مسلم (2260) من حديث بريدة.

[3540] (حدثنا سليمان بن داود المهري، أنبأنا ابن وهب قال: أخبرني أسامة بن زيد، أن عمرو بن شعيب حدثه، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو) ابن العاص -رضي الله عنه- (عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: مثل الذي يسترد) هذِه الرواية تبين الرواية التي قبلها أن معنى يعود يسترد؛ لأنه من تكرر العود، بل هو كقوله تعالى: {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} (¬1). (ما وهب كمثل الكلب يقيء فيأكل قيئه) وهذا التمثيل وقع من طريق سعيد بن المسيب أيضًا عند مسلم، أخرجه من رواية أبي جعفر محمد بن الباقر عنه بلفظ: "مثل الذي يرجع في صدقته كمثل الكلب يقيء ثم يرجع في قيئه فيأكله" (¬2). (فإذا استرد الواهب فليُوَقَف) بضم الياء وتشديد القاف المفتوحة، أي: يتوقف الأمر في الدفع في المسترد (فليُعَرَّف) بتشديد الراء المفتوحة أيضًا (بما) (¬3) ثم لما دخلت باء الجر على ما الاستفهامية حذفت ألفها للفرق بين ما الاستفهامية والخبرية، قال الله تعالى: {بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} (¬4). (استرد ثم ليُدفع) مبني للمفعول (إليه) بعد ذلك (ما وهب) قد يستدل به على أن (¬5) الواهب غير الأب يرجع فيما وهب، إذا لم يرض بالثواب بعد أن يُراجع في ذلك. * * * ¬

_ (¬1) الأعراف: 88. (¬2) "صحيح مسلم" (1622). (¬3) ساقطة من النسخ. (¬4) النمل: 35. (¬5) سقطت من (ر).

48 - باب في الهدية لقضاء الحاجة

48 - باب في الهَدِيَّةِ لِقَضاءِ الحاجَةِ 3541 - حدثنا أَحْمَدُ بْن عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، حدثنا ابن وَهْبٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مالِكٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبي جَعْفَرٍ، عَنْ خالِدِ بْنِ أَبي عِمْرانَ، عَنِ القاسِمِ، عَنْ أَبي أُمامَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "مَنْ شَفَعَ لأَخِيهِ بِشَفاعَةٍ فَأَهْدى لَهُ هَدِيَّةً عَلَيْها فَقَبِلَها فَقَدْ أَتَى بابًا عَظِيمًا مِنْ أَبْوابِ الرِّبا" (¬1). * * * باب في الهدية لقضاء الحاجة [3541] (حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح قال: حدثنا ابن وهب، عن عمر بن مالك) الشرعبي مصري (¬2)، روى له مسلم عن ابن الهاد (¬3) (عن عبيد الله) بالتصغير (بن أبي جعفر) المصري، روى له الجماعة. (عن خالد بن أبي عمران) التجيبي التونسي، قاضي أفريقية (عن القاسم) بن عبد الرحمن الشامي، مولى عبد الرحمن بن خالد بن يزيد ابن معاوية الأموي التابعي. (عن أبي أمامة) صدي بن عجلان الباهلي. (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: من شفع) بفتح الفاء (لأخيه) لأحد في أمر أي طالب يرسله عنده أو ذمام (شفاعة وأهدى له هدية) مبني للفاعل، ويجوز بناؤه للمفعول، وهو أعم (عليها فقبلها) منه شيئًا، والوعيد المذكور بعده يدل على أنه يحرم عليه قبولها وأكل شيء منها إذا لم تكن الهدية عادة للمهدي وإن لم يشفع، بل على سبيل المودة. ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 261، والروياني في "مسنده" (1227، 1228)، والطبراني في "الكبير" 8/ 211 (7853). وحسنه الألباني. (¬2) في (ر): بصري. (¬3) (792).

(فقد أتى بابًا عظيمًا من أبواب الربا) جعلها بابًا من الزيادة لشره تنبيهًا، ووجه الشبهة من وجوه: أحدها: أنه أخذ مال بغير عوض يوجبه، ومال الإنسان متعلق حاجته وله حرمة عظيمة كما قال عليه السلام: "مال المسلم كحرمة دمه" (¬1). فوجب أن يكون أخذ ماله من غير عوض محرمًا؛ فإن قيل: لم [لا] (¬2) يجوز أن يكون المال المهدى في مقابلة منفعته للشفاعة؟ فالجواب: أن الحديث يقتضي تحريم الهدية سواء قبلت الشفاعة أم لا، فإن لم تقبل فلا انتفاع، وإن قبلت فالشفاعة من أعظم القرب إلى الله تعالى فأشبه الصلاة، ولأنه عمل غير معلوم، ومن عمل شيئًا لله لا يجوز أخذ العوض عليه، كما في النهي عن أخذ القوس على تعليم كتاب الله تعالى. قال: "قوس من نار" (¬3). ثانيها: أن قبول الهدية على الشفاعة تفضي إلى انقطاع المعروف بين (¬4) الناس والإحسان (¬5). * * * ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 446، والبزار في "البحر الزخار" 5/ 117 (1699)، وأبو يعلى 9/ 55 (5119)، والقضاعي في "مسنده" 1/ 137 (177، 178) من حديث ابن مسعود. وصححه الألباني في "الصحيحة" (3947). (¬2) سقط من النسخ. (¬3) سبق برقم (3416). ورواه ابن ماجه (2157)، وأحمد 5/ 315، والحاكم في "المستدرك" 2/ 41، والبيهقي 6/ 125. (¬4) في (ر): من. (¬5) غير واضح في (ل). والمثبت من (ر).

49 - باب في الرجل يفضل بعض ولده في النحل

49 - باب في الرَّجُلِ يُفَضِّل بَعْضَ وَلَدِهِ في النُّحْلِ 3542 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حدثنا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنا سَيّارٌ وَأَخْبَرَنا مُغِيرَةُ وَأَخْبَرَنا داوُدُ، عَنِ الشَّعْبيِّ، وَأَنْبَأَنا مُجالِدٌ وَإِسْماعِيل بْن سالِمٍ، عَنِ الشَّعْبيِّ، عَنِ النُّعْمانِ بْنِ بَشِيرٍ قال: أَنْحَلَني أَبي نُحْلًا - قالَ إِسْماعِيلُ بْنُ سالِمٍ مِنْ بَيْنِ القَوْمِ: نَحَلَهُ غُلامًا لَهُ - قال: فَقالَتْ لَهُ أُمّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَواحَةَ: إِيتِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَشْهِدْهُ، فَأَتَى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَشْهَدَهُ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقالَ: إِنّي نَحَلْتُ ابني النُّعْمانَ نُحْلًا وَإِنَّ عَمْرَةَ سَأَلتْني أَنْ أُشْهِدَكَ عَلَى ذَلِكَ قالَ: فَقالَ: "أَلَكَ وَلَدٌ سِواهُ". قالَ: قلْتُ: نَعَمْ. قالَ: "فَكُلَّهُمْ أَعْطَيْتَ مِثْلَ ما أَعْطَيْتَ النُّعْمانَ؟ ". قالَ: لا. قالَ: فَقالَ بَعْضُ هؤلاء المحَدِّثِينَ: "هذا جَوْرٌ". وقالَ بَعْضُهُمْ: "هذا تَلْجِئَةٌ فَأَشْهِدْ عَلَى هذا غَيْري". قالَ مُغِيرَةُ في حَدِيثِهِ: "أَلَيْسَ يَسُرُّكَ أَنْ يَكُوُنوا لَكَ في البِرِّ واللُّطْفِ سَواءً؟ ". قال: نَعَمْ. قالَ: "فَأَشْهِدْ عَلَى هذا غَيْري". وَذَكَرَ مُجالِدٌ في حَدِيثِهِ: "إِنَّ لَهُمْ عَلَيْكَ مِنَ الحَقِّ أَنْ تَعْدِلَ بَيْنَهُمْ كما أَنَّ لَكَ عَلَيْهِمْ مِنَ الحَقِّ أَنْ يَبَرُّوكَ". قالَ أَبُو داوُدَ: في حَدِيثِ الزُّهْريِّ: قالَ بَعْضُهُمْ: "أَكُلَّ بَنِيكَ". وقالَ بَعْضُهُمْ: "وَلَدِكَ". وقالَ ابن أَبي خالِدٍ، عَنِ الشَّعْبيِّ فِيهِ: "أَلَكَ بَنُونَ سِواهُ". وقالَ أَبُو الضُّحَى، عَنِ النُّعْمانِ بْنِ بَشِيرٍ: "أَلَكَ وَلَدٌ غَيْرُهُ" (¬1). 3543 - حدثنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حدثنا جَرِيرٌ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ, عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَني النُّعْمانُ بْنُ بَشِيرٍ قال: أَعْطاهُ أَبُوهُ غُلامًا فَقالَ لَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما هذا الغُلامُ". قال: غُلامي أَعْطانِيهِ أَبي. قالَ: "فَكُلَّ إِخْوَتِكَ أَعْطَى كَما ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2586)، ومسلم (1623).

أَعْطاكَ؟ ". قال: لا. قالَ: "فارْدُدْهُ" (¬1). 3544 - حدثنا سُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ، حدثنا حَمّادٌ، عَنْ حاجبِ بْنِ المفَضَّلِ بْنِ المهَلَّبِ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: سَمِعْتُ النُّعْمانَ بْنَ بَشِيرٍ يقول: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلادِكُمْ اعْدِلُوا بَيْنَ أَبْنائِكُمْ" (¬2). 3545 - حدثنا محَمَّد بْنُ رافِعٍ، حدثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حدثنا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ قال: قالَتِ امْرَأَةُ بَشِيرٍ: انْحَلِ ابني غُلامَكَ وَأَشْهِدْ لي رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَأَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ: إِنَّ ابنةَ فُلانٍ سَأَلتْني أَنْ أَنْحَلَ ابنها غُلامًا وقالَتْ لي: أَشْهِدْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَقالَ: "لَهُ إِخْوَةٌ؟ ". فَقال: نَعَمْ. قالَ: "فَكُلَّهُمْ أَعْطَيْتَ مِثْلَ ما أَعْطَيْتَهُ؟ ". قال: لا. قالَ: "فَلَيْسَ يَصْلُحُ هذا وَإِنّي لا أَشْهَدُ إِلَّا عَلَى حَقٍّ" (¬3). * * * باب في الرجل يفضل بعض ولده على بعض في النُّحل [3542] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا هشيم) بن بشير (أنبأنا سيار) بسين مهملة ثم مثناة تحت، أبو الحكم العنزي الواسطي (وأخبرنا مغيرة) ابن مقسم، عن الشعبي. (وأخبرنا داود) بن عبد الله الأودي (عن الشعبي ومجالد) بالجيم، بن سعيد الكوفي. (وإسماعيل بن سالم) الأسدي (عن الشعبي، عن النعمان بن بشير) رضي الله عنهما. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2587)، ومسلم (1623). (¬2) رواه البخاري (2587). (¬3) رواه مسلم (1624).

(قال (¬1): نحلني أبي) بشير بن سعد بن ثعلبة بن الجُلاس، بضم الجيم وتخفيف اللام الخزرجي، شهد العقبة وبدرًا، ومات في خلافة أبي بكر، يقال: إنه أول من بايع أبا (¬2) بكر من الأنصار (¬3). (نُحلًا) بضم النون، مثل فعل فعلًا، أي: أعطيته شيئًا بغير عوض بطيب نفس (قال إسماعيل بن سالم) الأسدي. (من بين القوم) أي من بين الرواة (نَحلَه، غلامًا له) فيه أن العطية كانت عبدًا، وكذا في رواية ابن حبان، ووقع في رواية أبي (¬4) حريز بمهملة وراء ثم زاي، بوزن (¬5) عظيم، عند ابن حبان والطبراني عن الشعبي: أن النعمان خطب بالكوفة فقال: إن والدي بشير بن سعد أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن عمرة بنت رواحة نفست بغلام وإني سميته النعمان وإنها أبت أن تربيه حتى جعلت له حديقة من أفضل مال هو لي، وإنها قالت: أشهد على ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وفيه قوله: "فإني لا أشهد على جور" (¬6). وجمع ابن حبان بين الروايتين بالحمل على واقعتين: إحداهما: عند ولادة النعمان وكانت العطية حديقة. والثانية: بعد أن كبر النعمان وكانت العطية عبدًا. ¬

_ (¬1) من المطبوع. (¬2) في (ر): أبي. (¬3) انظر: "معرفة الصحابة" 1/ 398، "الاستيعاب" 1/ 85. (¬4) في (ر): ابن. (¬5) في (ر): ثواب. (¬6) "صحيح ابن حبان" 11/ 507 (5107)، "المعجم الكبير" 24/ 338 (845).

قال ابن حجر: وهو جمع لا بأس به إلا أنه يعكر عليه أنه يبعد أن ينسى بشير مع جلالته الحكم في المسألة حتى يعود إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيشهده على العطية الثانية بعد أن قال له في الأولى: "لا أشهد على جور"، وجَوَّزَ ابن (¬1) حبان أن يكون [بشير ظن] (¬2) نسخ الحكم. وقال غيره: يحتمل أن يكون حمل الأمر الأول على كراهة التنزيه، أو ظن أنه لا يلزم من الامتناع في الحديقة الامتناع في العبد؛ لأن (¬3) ثمن الحديقة [في الأغلب] (¬4) أكثر من ثمن العبد، قال: ثم ظهر لي وجهٌ آخر، وهو: أن عمرة لما امتنعت من تربيته إلا أن يهب له (¬5) شيئًا يخصه به فوهبه (¬6) الحديقة تطييبًا لخاطرها ثم بدا له فارتجعها؛ لأنه لم يقبضها منه أحد، فعاودته عمرة في ذلك فمطلها سنة أو سنتين ثم طابت نفسه أن يهب له بدل الحديقة غلامًا ورضيت عمرة بذلك إلا أنها خشيت أن يرتجعه أيضًا فقالت: أشهد على هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬7). (فقالت له أمي (¬8) عمرة بنت رواحة) ابن ثعلبة (¬9) الخزرجية أخت (¬10) ¬

_ (¬1) في (ر): أن. (¬2) في (ر): يشترطن. (¬3) في (ر): لا. (¬4) في النسخ: أغلب. وكتب على هامش (ل): لعله في الأغلب. والمثبت من "الفتح". (¬5) في (ر): لهما. (¬6) في النسخ: (فهو هبة). (¬7) انظر: "فتح الباري" 5/ 212 - 213. (¬8) في (ر): أي. (¬9) في النسخ: الحلبة. والمثبت من "الفتح". (¬10) مكررة في (ر).

عبد الله بن رواحة الصحابي المشهور، وكانت ممن بايع النبي - صلى الله عليه وسلم - من النساء وفيها يقول قيس بن الخطيم -بفتح المعجمة-: وعمرة من (¬1) سروات النسا ... ء تنفح بالمسك أردانها (¬2) (إئت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأشهده) بهمزة قطع، فيه دلالة على أن هبة الأب لابنه الصغير في حجره لا يحتاج إلى قبض، وأن الإشهاد فيها يغني عن القبض. وقيل: إن كانت الهبة ذهبًا أو فضة فلا بد من عزلها وإفرادها، وأن للإمام الأعظم أن يشهد ويتحمل الشهادة ويظهر فائدتها، إما ليحكم في ذلك بعلمه عند من يجيزه أو يؤديها عند بعض نوابه (¬3). (قال: فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر له ذلك فقال: إني نحلت ابني النعمان نحلًا) قال الجوهري (¬4): النحل بالضم: مصدر قولك نحلته من العطية ونحلت المرأة مهرها نحلة بالكسر أعطيتها (وإن عمرة) بنت رواحة (سألتني أن أشهدك على ذلك) وفي رواية في الصحيحين: تصدق عليَّ أبي ببعض ماله، فقالت أمي عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬5). (قال: فقال: ألك ولد سواه؟ ) فيه دليل على مشروعية استفصال ¬

_ (¬1) في (ر): بن. (¬2) انظر: "الإصابة" 8/ 31. (¬3) انظر: المصدر السابق 5/ 215 - 216. (¬4) انظر: "الصحاح" 5/ 1826. (¬5) البخاري (2587) مسلم (1623) واللفظ لمسلم.

الحاكم والمفتي عما يحتمل الاستفصال، لقوله: "ألك ولد غيره؟ ". (قلت: نعم. قال: فكلهم) بالنصب مفعول مقدم، ورواية البخاري: "أكل ولدك" (¬1)، ورواية مسلم: أما يونس ومعمر فقالا: "أكل بنيك" (¬2)، ولا منافاة بينهما؛ لأن لفظ الولد يشمل ما لو كانوا ذكورًا أو إناثًا وذكورًا، وأما لفظ البنين فإن كانوا ذكورًا فظاهر، وإن كانوا ذكورًا وإناثًا فعلى سبيل التغليب، ولم يذكر ابن سعد لبشير والد النعمان ولدًا غير النعمان وذكر له بنتًا اسمها أبية بالباء الموحدة تصغير أبي (¬3). (أعطيت) رواية مسلم: "أكلهم وهبت؟ " (¬4) (مثل ما أعطيت النعمان؟ قال: فقلت: لا) للدارقطني عن مالك: لا والله يا رسول الله (فقال بعض هؤلاء المحدثين) أي بعض هذا الحديث (هذا جور) قال أحمد: الجور الظلم، والظلم حرام، واستدل به على تحريم تفضيل بعض الأولاد على بعض في العطية، وأن المساواة مأمور بها، يعني في الرواية الآتية: "اعدلوا بين أولادكم" ولأن تفضيل بعضهم على بعض يورث المعاداة بينهما وقطيعة الرحم فمنع منه كتزويج المرأة على عمتها وخالتها. (وقال بعضهم) بالرفع (هذا تَلْجِئةٌ) بفتح التاء والهمزة التي بعد الجيم المكسورة مصدر لجأته بالتشديد والهمز، يقال: ألجأته ولجَّأته إليه، ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (2586). (¬2) "صحيح مسلم" (11/ 1623). (¬3) "الطبقات الكبرى" 3/ 531. (¬4) وبعدها في الأصل: رواية: أعطيته، نسخة: أعطيتهم.

بالهمز في الأول والتضعيف في الثاني، أي: اضطررته إليه وأكرهته. قال الأزهري (¬1): التلجئة أن تجعل مالك لبعض ورثتك دون بعض، كأنه يتصدق عليه دون غيره، وقال: هو أن يلجئك أن تأتي أمرًا باطنه بخلاف ظاهره، وذلك مثل أن تشهد على أمر يخالف ظاهره باطنه. فعلى قول الأزهري، تلجئة: إخبار عن حكم الإشهاد (¬2) على قول غيره فهو إخبار عن الشاهد. (فأشهد) بفتح الهمزة وكسر الهاء (على هذا غيري) استدل به الشافعي ومالك وأبو حنيفة (¬3) على أن تفضيل بعض الأولاد على بعض مكروه ليس بحرام، والهبة صحيحة، واحتجوا بهذا الحديث؛ إذ لو كان حرامًا أو باطلًا لما أمره بإشهاد غيره، وأجاب عنه أحمد بأن هذا أمر تهديد وتوعد، كقوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} (¬4) قال النووي: "لا أشهد على جور". ليس فيه أنه حرام؛ لأن الجور هو الميل عن الاستواء والاعتدال سواء كان حرامًا أو مكروهًا (¬5)، وأما حمل الأمر على التهديد فهو على غير الأصل؛ فإن الأصل في الأمر طلب الفعل حقيقة. (وقال مغيرة) بن مقسم (في حديثه: أليس يسرك أن يكونوا) وفي ¬

_ (¬1) "تهذيب اللغة" 11/ 131. (¬2) في (ر): الأولاد. (¬3) انظر: "الحاوي" 7/ 545، "التمهيد" 7/ 225 وما بعدها، "بدائع الصنائع" 6/ 127. (¬4) فصلت: 405. (¬5) انظر: "شرح مسلم" للنووي 11/ 67.

رواية مجالد بن سعيد، عن الشعبي عند أحمد: "إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم (¬1) فلا تشهدني على جور، أيسرك أن يكونوا إليك في البر واللطف" (¬2) (لك في البر واللطف) بضم اللام، وهو طلب الرفق والرحمة بك (سواءً؟ ) بالنصب (قال: نعم) رواية أحمد: قال: بلى. (قال: فأشهد على هذا غيري) فيه إذن بالإشهاد على ذلك، وإنما امتنع من ذلك لكونه الإمام، وكأنه قال: لا أشهد؛ لأن الإمام ليس من شأنه أن يشهد، وإنما من شأنه أن يحكم. حكاه الطحاوي، وارتضاه ابن القصار، وتعقب بأنه لا يلزم من كون الإمام ليس من شأنه أن يمتنع من تحمل الشهادة وأدائها إذا تعينت عليه، وقد صرح المحتج بهذا أن الإمام إذا شهد عند بعض نوابه جاز. وقال ابن حبان: قوله: أشهد. صيغة أمر، والمراد به نفي الجواز، وهو كقول عائشة: اشترطي لهم الولاء (¬3). (وذكر مجالد) بن سعيد (في حديثه: إن لهم عليك من الحق) أي الثابت، ولهذا قيل لمرافق الدار حقوقها، وهو يحتمل الواجب والمندوب، والمندوب في (أن تعدل بينهم) في العطية (كما أن لك عليهم من الحق) الثابت (أن يبَرُّوك) بفتح الباء الموحدة، قال الله تعالى: {أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا} (¬4)، والتشبيه الواقع في الحق الذي عليه ¬

_ (¬1) "المسند" 4/ 269. (¬2) "المسند" 4/ 270. (¬3) "صحيح ابن حبان" 11/ 504. (¬4) البقرة: 224.

من التسوية بينهم بالحق الذي له عليهم من بره، والإحسان قرينة تدل على أن الأمر في التسوية للندب (¬1). (وفي حديث الزهري: قال بعضهم: أكل (¬2) بنيك؟ ) أعطيت، كما تقدم عن رواية مسلم. (وقال بعضهم) أي بعض الرواة: أكل (ولدك؟ ) بالجر، كما تقدم في رواية البخاري، وتقدم الجمع بين الروايتين. (وقال) إسماعيل (ابن أبي خالد) الكوفي (عن الشعبي فيه) قال: (ألك بنون سواه؟ وقال أبو الضحى) مسلم بن صُبَيح، بضم الصاد المهملة وفتح الموحدة، مصغر، وقيل: بفتح الصاد قاله الحافظ عبد الغني (¬3) (عن النعمان بن بشير: ألك ولد غيره؟ ) وفيه: ألا سويت بينهم (¬4). [3543] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير) بفتح الجيم (عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير (حدثني النعمان بن بشير) -رضي الله عنهما- (قال: أعطاه أبوه غلامًا) تقدم في رواية: أنه أعطاه حديقة وتقدم الجمع بين الروايتين. (فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما هذا الغلام؟ ) فيه سؤال الأستاذ والكبير عن حال جماعته؛ ليرشدهم إلى ما فيه صلاحهم. (قال: غلامي أعطانيه أبي) فيه أنه يقال للعبد غلامي، ولا يقول: ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" 5/ 214 - 215. (¬2) زيادة من (ر). (¬3) "المؤتلف والمختلف" ص 81. (¬4) سقط من (ر).

عبدي ولا أمتي للنهي عنه (¬1). (قال: فكلَّ) بالنصب في اللام (إخوتك أعطى كما أعطاك؟ ) أبوك (قال: لا. قال: فاردده) استدل به بعض المالكية على أن للأب أن يرجع فيما وهب لابنه كما تقدم، وفي معناه الأم، وإن كان تفضيل بعض الأولاد صحيح، فإن الهبة لو لم تصح لم يصح الرجوع، ولو كانت باطلة لم يحتج إلى ردود. ورواية مسلم: "فرد تلك الصدقة" (¬2). [3544] (حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد، عن حاجب) بالحاء المهملة والجيم (ابن المفضل بن المهلب) وثقه ابن معين (عن أبيه) [الفضل] (¬3) بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4)، وقد ولاه الحجاج خراسان بعد أخيه يزيد سنة خمس وثمانين، وافتتح باذغيس، وقسم الغنائم، وكان لا يدخر شيئًا في بيت المال (¬5)، وحبسه الحجاج مع أخيه يزيد في فسطاط قريب منه، وطلب منه ستة ألف ألف وجعل يعذبهم فهربوا منه إلى الشام. (قال: سمعت النعمان بن بشير يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اعدلوا) في ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2552)، ومسلم (2249) من حديث أبي هريرة مرفوعًا: " ... .. ولا يقل أحدكم: عبدي وأمتي. وليقل: فتاي وفتاتي وغلامي). ويأتي في هذا الكتاب برقم (4975) بنحوه. (¬2) "صحيح مسلم" (1623/ 13). (¬3) هكذا في النسخ، والصواب: (المفضل). وانظر: "تهذيب الكمال" 5/ 203 (1004). (¬4) 6/ 238. (¬5) انظر: "تهذيب الكمال" 28/ 421.

العطية (بين أولادكم) تمسك به من أوجب التسوية بين الأولاد في العطية، وبه صرح البخاري وهو قول طاوس والثوري وأحمد، ثم المشهور عن هؤلاء أنها باطلة، وعن أحمد: تصح، ويجب أن يرجع، واختلفوا في صفة التسوية: فقال محمد بن الحسن وأحمد وإسحاق وبعض الشافعية والمالكية: العدل أن يعطي للذكر حظين كالميراث، واحتجوا بأن ذلك حظهم من ذلك المال لو بقاه الواهب في يده حتى مات. وقال بعضهم: لا فرق بين الذكر والأنثى، وظاهر الأمر بالعدل والتسوية يشهد له، واستأنسوا بحديث ابن عباس رفعه: "سووا بين أولادكم في العطية فلو كنت مفضلًا أحدًا لفضلت النساء". أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي من طريقه وإسناده حسن (¬1). وأجاب من حمل الأمر بالتسوية على الندب عن الأمر به، بأن الموهوب للنعمان كان جميع ماله ولذلك رده، وليست فيه حجة على منع التفضيل، حكاه ابن عبد البر عن مالك (¬2). (اعدلوا بين أبنائكم) كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا تكلم بكلمة أعادها لتفهم عنه. [3545] (حدثنا محمد بن رافع) بن أبي زيد سابور القشيري، روى له الجماعة سوى ابن ماجه (حدثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي، أحد ¬

_ (¬1) "سنن سعيد بن منصور" 1/ 119 (294)، "السنن الكبرى" 6/ 117. قال الحافظ في "الفتح" 5/ 214: إسناده حسن. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (340). (¬2) "التمهيد" 7/ 225.

الأعلام، روى له الجماعة (حدثنا زهير، عن أبي الزبير) محمد بن مسلم، التابعي. (عن جابر -رضي الله عنه- قال: قالت امرأة بشير) عمرة بنت رواحة (انحَل) بفتح الحاء، أي: أعط (ابني غلامك) فيه أن للأم كلامًا لمصلحة الولد (وأشهد لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فيه أن من قصد الإشهاد يحق له أن يختار للشهادة الأولى والأصلح (¬1) والأكمل. (فأتى) إلى (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن ابنة فلان سألتني أن أنحل ابنها غلامًا، وقالت: أَشهد) بفتح الهمزة (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) لي، فيه إشارة إلى سوء عاقبة الحرص والتنطع في الأمور والمبالغة فيها؛ لأن عمرة لو رضيت بما وهبه له زوجها وأشهد عليه آحاد الناس لما أدى ذلك إلى رجوع الهبة، فلما اشتد حرصها في تثبيت ذلك أدى إلى بطلانه (فقال: أله إخوة؟ ) (¬2) فيه استفصال الإمام كما تقدم (فقال: نعم. قال: فكلهم أعطيت مثل ما أعطيته؟ ) فيه المساواة بينهم للتآلف بين قلوبهم. (قال: لا. قال: فليس يصلح هذا) لأنه يوقع بين الإخوة (¬3) الشحناء وقطيعة الرحم، وربما أدى إلى عقوق الوالدين (¬4) (وإني لا أشهد إلا على حق) فيه دلالة على أن الشاهد يكون فقيهًا عالمًا بما كان حقًّا وصحيحًا فيكتبه وما كان غير صحيح لا يكتبه؛ لأن فيه تضييعًا للحقوق. ¬

_ (¬1) في (ر): والأصح. (¬2) في (ر): أجرة. (¬3) في (ر): الأجرة. (¬4) انظر: "فتح الباري" 5/ 215.

قال الزمخشري في قوله تعالى: {وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ} (¬1): أن {بِالْعَدْلِ} متعلق بـ {كَاتِبٌ} صفة له، أي: كاتب مأمون على ما يكتب بالسوية والاحتياط، لا يزيد على ما يجب أن يكتب ولا ينقص. قال: وفيه دليل على أن يكون الكاتب فقيهًا عالمًا بالشروط حتى يجيء ما يكتبه معدلًا بالشرع، وهو أمر [للمتداينين] (¬2) بتخير الكاتب، وأن لا يستكتبوا إلا فقيهًا دينًا. * * * ¬

_ (¬1) البقرة: 282، وانظر: "الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل" 1/ 511 - 512. (¬2) في النسخ: للمتدينين. والمثبت من "الكشاف" للزمخشري.

50 - باب في عطية المرأة بغير إذن زوجها

50 - باب في عَطِيَّةِ المَرْأةِ بغَيْر إِذْنِ زَوْجِها 3546 - حدثنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حدثنا حَمّادٌ، عَنْ داوُدَ بْنِ أَبي هِنْدٍ وَحَبِيبٍ الُمعَلِّم، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لا يَجُوزُ لاِمْرَأةٍ أَمْرٌ في مالِها إِذا مَلَكَ زَوْجُها عِصْمَتَها" (¬1). 3547 - حدثنا أَبُو كامِلٍ، حدثنا خالِدٌ -يَعْني: ابن الحارِثِ- حدثنا حُسَيْنٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شعَيْبٍ، أَنَّ أَباة أَخْبَرَهُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍ وأَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لا يَجُوزُ لاِمْرَأَةٍ عَطِيَّةٌ إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِها" (¬2). * * * باب في عطية المرأة بغير إذن زوجها [3546] (حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، عن داود بن أبي هند) دينار، أحد الأعلام الثقات (وحبيب) بالجر، أي: وعن حبيب (المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده -رضي الله عنه-: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يجوز لامرأة أمرٌ) من أمورها [أي: في عطية، كما في الحديث الذي بعده، ويشبه أن يكون عدل عن العطية بالأمر لما بين] (¬3) لفظ الأمر والمرأة من الجناس الذي هو من أنواع البلاغة والفصاحة. (في مالها إذا ملك زوجها عصمتها) أي: إلا بإذن زوجها كما سيأتي، ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (2388)، وأحمد 2/ 179، والنسائي في "الكبرى" (2320). وصححه الألباني في "الصحيحة" (825). (¬2) انظر السابق. (¬3) ما بين المعقوفين سقط من (ر).

سمي زوج المرأة عصمة؛ لأنه حفظ ووقاية لها من كل سوء ومكروه. [3547] (حدثنا أبو كامل، حدثنا خالد بن الحارث) الجهيمي (¬1) قال أحمد: إليه المنتهى في التثبت بالبصرة. (حدثنا حسين) المعلم (عن عمرو بن شعيب، أن أباه) شعيب بن محمد (أخبره) صرح فيه بالأخذ فيه عن أبيه فكان السند متصلًا. (عن عبد الله بن عمرو) (¬2) [(أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال] (¬3): لا يجوز لامرأة عطيةٌ إلا بإذن زوجها) أخذ به طاوس، واستدل به على أنه لا يجوز هبة المرأة ولا عتقها إذا كان لها زوج إلا بإذنه مطلقًا، وعن مالك: لا يجوز لها أن تعطي بغير إذن زوجها ولو كانت رشيدة إلا من الثلث. وعن الليث: لا يجوز مطلقًا إلا في الشيء التافه. وحملا هذا الحديث على الشيء اليسير، وحدَّه مالك بالثلث فما دونه على اعتبار مذهبه في الثلث، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الثلث والثلث كثير" (¬4). والجمهور على الجواز بغير إذنه، واستدلوا بحديث "الصحيح": "تصدقن"، فجعلت المرأة تلقي القرط والخاتم (¬5). وحملوا هذين الحديثين على ما إذا كانت سفيهة غير رشيدة؛ لقوله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} (¬6). * * * ¬

_ (¬1) كذا في النسخ، والصواب: الهجيمي، وانظر: "تهذيب الكمال" 8/ 36. (¬2) زاد في (ل) على الهامش: نسخة: عمر. (¬3) سقط من (ل). (¬4) رواه البخاري (5668). (¬5) رواه البخاري (98). (¬6) النساء: 5. وانظر: "فتح الباري" 5/ 218، "معالم السنن" للخطابي 3/ 174.

51 - باب في العمرى

51 - باب في العُمْرى 3548 - حدثنا أَبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسيُّ، حدثنا هَمّامٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "العُمْرى جائِزَةٌ" (¬1). 3549 - حدثنا أَبُو الوَلِيدِ، حدثنا هَمّامٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَهُ (¬2). 3550 - حدثنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حدثنا أَبانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ جابِرٍ أَنَّ نَبيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَقُول: "العُمْرى لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ" (¬3). 3551 - حدثنا مُؤَمَّلُ بْنُ الفَضْلِ الحَرّانيُّ، حدثنا مُحَمَّد بْنُ شُعَيْبٍ، أَخْبَرَني الأَوْزاعيُّ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ عُرْوَةَ, عَنْ جابِرٍ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "مَنْ أُعْمِرَ عُمْرى فَهيَ لَهُ وَلعَقِبِهِ يَرِثُها مَنْ يَرِثُهُ مِنْ عَقِبِهِ" (¬4). 3552 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ أَبي الحَواريِّ، حدثنا الوَلِيدُ، عَنِ الأَوْزاعيِّ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ وَعُرْوَةَ، عَنْ جابِرٍ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَعْناهُ (¬5). قالَ أَبُو داوُدَ: وَهَكَذا رَواهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْريِّ, عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ جابِرٍ. * * * باب في العمرى [3548] (حدثنا أبو الوليد الطيالسي، حدثنا همام، عن قتادة، عن النضر بن أنس) بن مالك. (عن بَشير بن نَهيك، عن أبي هريرة، عن ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2626)، ومسلم (1626). (¬2) انظر السابق. (¬3) رواه البخاري (2625)، ومسلم (1625). (¬4) رواه مسلم (1625). (¬5) انظر السابق.

النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: العُمْرى) بضم العين وسكون الميم مع القصر، وحُكي ضم الميم مع ضم أوله، وحُكي فتح أوله مع السكون، مشتقة من العمر وهو الحياة، سمي بذلك لأنهم كانوا في الجاهلية يعطي الرجل الدار ويقول له أعمرتك إياها. أي: أبحتها لك مدة عمرك وحياتك، فقيل لها: عمرى لذلك (جائزةٌ) ذهب الجمهور إلى صحة العمرى، إلا ما حكاه أبو الطيب الطبري عن بعض الناس والماوردي عن داود وطائفة (¬1)، لكن ابن حزم قال بصحتها وهو من أكابر الظاهرية (¬2). [3549] (حدثنا أبو الوليد) الطيالسي (حدثنا همام، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله). [3550] (حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبان، عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن جابر -رضي الله عنه-: أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: العمرى) إذا اتصل بها القبض الصحيح (لمن وُهِبت له) فيملك رقبتها، وإذا صارت له هبة فهي له حياته ولورثته من بعده. وقال مالك: إنما هي تمليك المنفعة دون الرقبة حياته، فإذا مات رجعت الرقبة إلى المعمر (¬3). [3551] (حدثنا مؤمل بن الفضل الحَرَّاني) بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء، ثقة (حدثنا محمد بن شعيب) بن شابور (¬4) الدمشقي، قال أبو داود: هو في الأوزاعي ثبت، قال: (أخبرني الأوزاعي، عن الزهري، عن عروة، عن جابر -رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من أُعْمِرَ) مبني ¬

_ (¬1) "الحاوي الكبير" 7/ 539. (¬2) "المحلى" 9/ 167. (¬3) انظر: "فتح الباري " 5/ 238. (¬4) في (ر): سابور.

للمفعول (عمرى) من قوله تعالى: {وَاسْتَعْمَرَكُمْ} (¬1) قال البخاري: جعلكم عمارًا (¬2). وهو تفسير أبي عبيدة في "المجاز" (¬3)، وعليه يعتمد البخاري كثيرًا، وقيل: معناه أذن لكم في عمارتها واستخراج قوتكم منها (فهي له) مذهب الشافعي في الجديد أنه إذا قال: أعمرتك هذِه الدار، أنه يملكها ولا ترجع إلى الواهب. وقال في القديم: العقد باطل؛ لأنه يملك عين قدر مدة فأشبه ما إذا قال سنة (وَلِعَقِبِهِ) بكسر القاف وسكونها للتخفيف أصله أنه كلما رفع عمرو [قدما] (¬4) وضع زيد قدمه، ثم كثر حتى قيل: جاء عقبة، ثم كثر حتى استعمل بمعنى المتابعة (¬5) (يرثها من يرثها (¬6) من عقبه) أي من ورثته الذين يأتون بعده. [3552] (حدثنا أحمد بن أبي الحواري) بفتح الحاء المهملة والراء واسمه عبد الله بن ميمون، زاهد دمشق. (حدثنا الوليد) بن مزيد العذري، ثقة (عن الأوزاعي، عن الزهري، عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (وعروة، عن جابر -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، بمعناه، وهكذا رواه الليث بن سعد، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن جابر -رضي الله عنه-). * * * ¬

_ (¬1) هود: 61. (¬2) "صحيح البخاري" قبل حديث (2625)، وبعد حديث (4684). (¬3) "مجاز القرآن" 1/ 291. (¬4) في النسخ: عقبا. والمثبت من "المصباح المنير". (¬5) انظر: "المصباح المنير" 2/ 419. (¬6) بعدها في الأصل: نسخة: يرثه، وهو ما في مطبوع "السنن".

52 - باب من قال فيه: ولعقبه

52 - باب مَنْ قال فِيهِ: وَلعَقِبِهِ 3553 - حدثنا مُحَمَّد بْنُ يَحْيَى بْنِ فارِسٍ وَمحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى قالا: حدثنا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ، حدثنا مالِكٌ -يَعْني: ابن أَنَسٍ- عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "أَيُّما رَجُلٍ أُعْمِرَ عُمْرى لَهُ وَلِعَقِبِهِ فَإِنَّها لِلَّذي يُعْطاها لا تَرْجِعُ إِلَى الذي أَعْطاها لأَنَّهُ أَعْطَى عَطاءً وَقَعَتْ فِيهِ المَوارِيثُ" (¬1). 3554 - حدثنا حَجّاجُ بْن أَبي يَعْقُوبَ، حدثنا يَعْقُوبُ، حدثنا أَبي، عَنْ صالِحٍ، عَنِ ابن شِهابٍ بإِسْنادِهِ وَمَعْناهُ. قالَ أَبُو داوُدَ: وَكَذَلِكَ رَواهُ عُقَيْلٌ، عَنِ ابن شِهابٍ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبي حَبِيبٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، واخْتُلِفَ عَلَى الأَوْزاعيِّ في لَفْظِهِ عَنِ ابن شِهابٍ، وَرَواهُ فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمانَ مِثْلَ حَدِيثِ مالِكٍ (¬2). 3555 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حدثنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قال: إِنَّما العُمْرى التي أَجازَها رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَقولَ: هيَ لَكَ وَلعَقِبِكَ. فَأَمّا إِذا قال: هيَ لَكَ ما عِشْتَ. فَإنَّها تَرْجِعُ إِلَى صاحِبِها (¬3). 3556 - حدثنا إِسْحاقُ بْن إِسْماعِيلَ، حدثنا سُفْيانُ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، عَنْ عَطاءٍ، عَنْ جابِرٍ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لا تُرْقِبُوا وَلا تُعْمِرُوا فَمَنْ أُرْقِبَ شَيْئًا أَوْ أُعُمِرَهُ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2625)، ومسلم (1625). (¬2) انظر السابق. (¬3) السابق. (¬4) انظر ما قبله.

3557 - حدثنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حدثنا مُعاوِيَةُ بْن هِشامٍ، حدثنا سُفْيانُ، عَنْ حَبِيبٍ -يَعْني: ابن أَبي ثابِتٍ- عَنْ حُمَيْدٍ الأَعْرَجِ، عَنْ طارِقٍ الَمكيِّ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قال: قَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في امْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصارِ أَعْطاها ابنها حَدِيقَةً مِنْ نَخْلٍ فَماتَتْ فَقالَ ابنها: إِنَّما أَعْطَيْتُها حَياتَها. وَلَهُ إِخْوَةٌ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هيَ لَها حَياتَها وَمَوْتَها". قالَ: كُنْتُ تَصَدَّقْتُ بِها عَلَيْها. قالَ: "ذَلِكَ أَبْعَدُ لَكَ" (¬1). * * * باب من قال فيه: ولعقبه [3553] (حدثنا محمد بن يحيى) بن عبد الله بن خالد (بن فارس) الذهلي، روى له البخاري في مواضع، لكن يبهمه (ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا (¬2) بشر بن عمر) الزهراني بفتح الزاي وبعد الألف نون، البصري، ثقة (حدثنا مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن جابر -رضي الله عنه-). (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أيما رجل أُعمِرَ) بضم (¬3) الهمزة وفتح الراء مبني للمفعول (عمرى له ولعقبه) وهذا صريح في أنها للموهوب له ولعقبه من بعده (فإنها للذي يُعطاها) بضم أوله (لا ترجع إلى الذي أعطاها) حيًّا ولا ميتًا (لأنه أعطى عطاءً) هذا ليس من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما هو من ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة (29726)، والبيهقي "في الكبرى" 6/ 288. وصححه الألباني في "الصحيحة" 5/ 533. (¬2) سقط من (ر). (¬3) في النسخ: بفتح. وهو خطأ؛ لأنها مبني للمفعول كما قال المصنف.

قول أبي سلمة بن عبد الرحمن كما قد رواه معمر أن الزهري كان يفتي به، ولم يذكر التعليل وبين من طريق ابن أبي ذئب عن الزهري أن التعليل قول أبي سلمة وأنه ذكر الحديث المذكور، ولما فرغ أبو سلمة قال: لأنه أعطى عطاء (¬1). (وقعت فيه المواريث) يعني أنه لما جعلها للعقب، والغالب أن العقب لا ينقطع، وكانت تنتقل للعقب بحكم تلقيهم عن مورثهم، ويشتركون في الانتفاع بها فأشبهت المواريث وأطلق حكم المواريث عليها، وعلى هذا فيكون كلام أبي سلمة مندرج في آخر الحديث (¬2). [3554] (حدثنا حجاج بن أبي يعقوب قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم [ابن سعد]) (¬3) حجة ورع (عن أبيه) إبراهيم بن سعد الزهري قاضي المدينة (عن صالح) بن كيسان (عن ابن شهاب بإسناده ومعناه) المذكور. (وكذلك رواه عُقيل) بضم العين بالتصغير، ابن خالد مولى عثمان بن عفان، روى له الجماعة (ويزيد بن أبي حبيب وكذلك رواه عقيل عن ابن شهاب على هذا اللفظ على قول أهل المدينة) قال: ويزيد لم يسمع من الزهري، إنما كتب إليه (واختلف على الأوزاعي) في لفظه في روايته ([عن ابن شهاب] (¬4) ورواه فليح بن سليمان) العدوي (مثل حديث مالك) المتقدم. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1625/ 24). وانظر: "فتح الباري" 5/ 239. (¬2) انظر: "المفهم" للقرطبي 4/ 596. (¬3) من المطبوع. (¬4) ساقطة من النسخ.

[3555] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن. (عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: إنما العمرى التي أجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي أمضى جوازها وألزمه دائمًا. (أن يقول: هي لك ولعقبك) من بعدك، كما تقدم. (فأما إذا قال: هي لك ما عشت) وكذا إذا قال: أعمرتكها حياتك. ولم يسترد بل أطلق (فإنها) جائزة، وتكون للمعمر مدة حياته، فإذا مات (ترجع إلى صاحبها) المعمر عملًا بموجب (¬1) لفظه، وهذا هو القول القديم للشافعي، وتكون العمرى على هذا عارية مؤقتة، ورجحه جماعة من الشافعية عملًا بالحديث، والصحيح في مذهب الشافعي وهو الجديد أنها عطية صحيحة تكون للمعمر في حياته ولورثته من بعده، كما إذا أطلق العمرى ولم يقل: ما عشت. ويكون قوله: ما عشت. شرط فاسد؛ لأن الأملاك المستقرة كلها مقدرة بحياة المالك وتنتقل إلى الورثة من بعده، فلم يكن قوله: ما عشت. أو: في حياتك. منافيًا لحكم الأملاك (¬2). [3556] (حدثنا إسحاق بن إسماعيل) الطالقاني، ثقة (حدثنا سفيان) ابن عيينة (عن) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج، عن عطاء، عن جابر -رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تُرقِبوا) بضم أوله وكسر ثالثه، من أرقبت زيدًا الدار إرقابًا، والاسم الرقبى وهي من المراقبة؛ لأن كل واحد يرقب ¬

_ (¬1) في (ر): لموجب. (¬2) انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي 7/ 541.

موت صاحبه لتبقى عليه (¬1) (ولا تُعمروا) بضم أوله وكسر ثالثه من أعمرته الدار بالألف جعلت له سكناها عمره. (فمن أرقب شيئًا أو أعمره فهو (¬2) لورثته) قال القرطبي (¬3): لا يصح حمل هذا على التحريم؛ لصحة الأحاديث المصرحة بالجواز، وقيل: إن النهي يتوجه إلى اللفظ الجاهلي؛ لأن الجاهلية كانت تستعملها ويدل على النهي ليس للتحريم أنها من أبواب البر والمعروف والرفق، فلا يمنع منه، وقول ابن عباس: لا تحل العمرى ولا الرقبى. [محمول على ذلك] (¬4). [3557] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا معاوية بن هشام، حدثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت) الأسدي مفتيًا مجتهدًا، روى له الجماعة (عن حميد الأعرج، عن طارق) بن عمرو الأموي (المكي) قاضي مكة، مولى عثمان بن عفان. (عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في امرأة من الأنصار أعطاها ابنها حديقة) الحديقة البستان يكون عليه الحائط، فعيلة بمعنى مفعولة؛ لأن الحائط أحدق بها أي أحاط، ثم توسعوا حتى أطلقوا الحديقة على البستان وإن كان بغير حائط من نخل (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: "المصباح المنير" 1/ 234. (¬2) في (ر): فهي. (¬3) انظر: "المفهم" 4/ 597، "الحاوي" للماوردي 7/ 540. (¬4) سقط من (ل)، وفي (ر) وقعت هكذا: حكم الحديث. والمثبت من "المفهم" للقرطبي. (¬5) انظر: "المصباح المنير" 1/ 125.

(من نخل) هذا الحديث رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح عن جابر أيضًا، ولفظه: أن رجلًا من الأنصار أعطى أمه حديقة من نخيل حياتها (¬1). (فماتت، فقال ابنها: إنما أعطيتها) في (حياتها وله إخوة) فجاء إخوته، أي: إلى أخيهم فقالوا: نحن فيها سواء فأبى أخوهم، فاختصموا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هي لها حياتها وموتها) أي: ينتفع بها في حياتها ثم ينتقل نفعها إلى عقبها بعد موتها؛ لأن انتفاع عقبها بعد موتها كانتفاعها، رواية أحمد المذكورة: فقسمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهم ميراثًا (¬2). انتهى. وهذا يدل على أن حكم العمرى حكم الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين. (قال): إنما (كنت تصدقت بها عليها. قال: ذلك) أي لفظ الصدقة (أبعد لك) في انتقالها إليها حياتها وبعد موتها لورثتها؛ لأن الصدقة أقوى في الخروج عن الملك مع القبض من العمرى، فإنها تنتقل بلا خلاف، والعمرى فيها خلاف هل تنتقل العين أو المنفعة؟ * * * ¬

_ (¬1) "المسند" 3/ 299. قال ابن عبد الهادي في "التنقيح" 4/ 217: رواته ثقات. وقال الهيثمي في "المجمع" 4/ 156، 232: رجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في "الإرواء" (1608). (¬2) السابق.

53 - باب في الرقبى

53 - باب في الرُّقْبَى 3558 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حدثنا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنا داوُدُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ قال: قال رَسُولُ - صلى الله عليه وسلم -: "العُمْرى جائِزَةٌ لأَهْلِها والرُّقْبَى جائِزَةٌ لأَهْلِها" (¬1). 3559 - حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْليُّ قال: قَرَأْتُ عَلَى مَعْقِلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ، عَنْ طاوُسٍ، عَنْ حُجْرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ قال: قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَعْمَرَ شَيْئًا فَهُوَ لِمُعْمَرِهِ مَحْياهُ وَمَماتَهُ وَلا تُرْقِبُوا فَمَنْ أَرْقَبَ شَيئًا فَهُوَ سَبِيلُهُ" (¬2). 3560 - حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ الجَرّاحِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُوسَى، عَنْ عُثْمانَ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ مُجاهِدٍ قال: العُمْرى أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: هُوَ لَكَ ما عِشْتَ. فَإذا قالَ ذَلِكَ فَهُوَ لَهُ وَلوَرَثَتِهِ، والرُّقْبَى هُوَ أَنْ يَقُولَ الإِنْسانُ: هُوَ لِلآخِرِ مِنّي وَمِنْكَ (¬3). * * * باب في الرقبى [3558] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا هشيم، أنبأنا داود) بن أبي هند (عن أبي الزبير) محمد بن مسلم (عن جابر -رضي الله عنه- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: العمرى جائزة لأهلها) روى النسائي أن قتادة راوي الحديث في الرواية الأولى فهم في هذا الحديث الإطلاق، وحكى أن سليمان بن هشام ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1625). (¬2) رواه أحمد 5/ 189، والنسائي في "الكبرى" (6539). وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (6059). (¬3) رواه أبو عوانة في "المستخرج" 3/ 465 (5711)، والبيهقي في "الكبرى" 6/ 291. وصححه الألباني في "الصحيحة" (3564).

ابن عبد الملك سأل الفقهاء عن هذِه المسألة فذكر له قتادة عن الحسن وغيره أنها جائزة. فقال الزهري: إنما العمرى يعني الجائزة إذا أعمر له ولعقبه من بعده، فإذا لم يجعل لعقبه من بعده كان للذي يجعل بشرطه. قال قتادة: واحتج الزهري بأن الخلفاء لا يقضون بها، فقال عطاء: قضى بها عبد الملك بن مروان (¬1). (والرقبى جائزة لأهلها) وهي أن تقول: أرقبتك هذِه الدار وجعلتها لك رقبى، ومعناه: وهبتها لك، وكل واحد منا يرقب صاحبه فإن مت قبلي عادت إلى، وإن مت قبلك فهي لك. [3559] (حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي قال: قرأت على معقل) بن عبد (¬2) الله الجزري، روى له مسلم (عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن حُجْر) بضم الحاء المهملة وسكون الجيم بن قيس المدري (¬3) (عن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أعمر شيئًا فهو لمُعْمَرِهِ) بضم الميم الأولى وفتح الثانية، اسم مفعول من أعمر (مَحياه ومَمَاته) بفتح الميمين، أي: حياته وموته كما في الرواية التي قبله: "حياتها وموتها". وفي رواية الطبراني في "الأوسط" (¬4): "لا تعمروا ولا ترقبوا، فإن فعلتم فهو للمعمر والمرقب". وروى النسائي عن ابن عمر مرفوعًا: "لا عمرى ولا رقبى، فمن ¬

_ (¬1) "المجتبي" 6/ 277، "السنن الكبرى" 4/ 134 - 135. (¬2) هكذا في الأصل، والصواب: عبيد. انظر: "تهذيب الكمال" 28/ 274 (6092). (¬3) سقطت من (ر). (¬4) 7/ 67 (6871).

أعمر شيئًا أو أرقبه فهو له حياته ومماته"، رجاله ثقات (¬1)، لكن اختلف في سماع حبيب بن أبي ثابت من ابن عمر، وصرح به النسائي من طريق آخر (¬2). قال الماوردي: اختلف إلى ما توجه النهي؟ فالأظهر أنه يتوجه للحكم، وقيل: يتوجه إلى اللفظ الجاهلي والحكم المنسوخ، وقيل: النهي إنما يمنع صحة ما يفيد المنهي عنه هذا إذا حمل النهي على التحريم، فإن حُمِل على الكراهة أو الإرشاد لم يحتج إلى ذلك، والقرينة الصارفة ما ذكر في الحديث من قوله: "العمرى جائزة" (¬3). (ولا تُرقِبوا) بضم أوله وكسر ثالثه كما تقدم (فمن أرقب شيئًا فهو سبيلُهُ) (¬4) مبتدأ وخبر، والجملة اسمية في موضع خبر (¬5) المبتدأ الذي هو اسم شرط في قوله: "فمن". وإذا وقعت الجملة خبر المبتدأ فلا بد لها من رابط وهو هنا هذا الضمير الذي في "سبيله". وأما معنى تسبيله: فهو طريقه وسببه (¬6) الذي انقطع به عما أرقبه، وبه سمى الله تعالى ابن السبيل في آية الزكاة؛ لانقطاعه عن ماله. [3560] (حدثنا عبد الله بن الجراح) (¬7) بن سعيد بن القهستاني أحد ¬

_ (¬1) "المجتبي" 6/ 273، "السنن الكبرى" 4/ 130 (6564). (¬2) "المجتبي" 6/ 273، "السنن الكبرى" (6565). فقال: ... عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر، ولم يسمعه منه. (¬3) رواه البخاري (2626)، ومسلم (1626) من حديث أبي هريرة. وانظر: "فتح الباري" 5/ 240. (¬4) بعدها في (ل): رواية: في سبيله. (¬5) سقط من (ر). (¬6) في (ر): وسنته. (¬7) سقط من (ل).

الحفاظ بنيسابور، وثقه النسائي (¬1) وغيره (¬2) (عن [عبد] (¬3) الله بن موسى، عن عثمان بن (¬4) الأسود، عن مجاهد -رضي الله عنه- قال: العمرى أن يقول الرجل للرجل: هو لك ما عشت) أو حياتك (فإذا قال ذلك فهو له) أي: صارت للمقول له في حياته (ولورثته) على حكم الإرث، للذكر مثل حظ الأنثيين، وعلى ترتيب الولد وولد الولد وإن سفل. (والرقبى أن يقول الإنسان) لغيره (هو لآخِر) بكسر الخاء (¬5) (مَن بَقِيَ) بكسر القاف (¬6)، قال الله تعالى: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ} (¬7) (مني ومنك) يظهر هذا ما قال المزني: الرقبى أن تُجعل الدارُ لآخِرِهما موتًا، أي: يراقب كل منا الآخر فمن مات منا آخرًا فهي له. قال أصحابنا: وهذا الذي قاله المزني خطأ؛ لرواية ابن الزبير، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أرقب رقبى فهو بمنزلة العمرى يرثها من يرثه" (¬8) أي: يرثها من له العمرى حياته، فإذا مات ورثها بعده من يرثه (¬9). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "المعجم المشتمل" (466). (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 14/ 362. (¬3) هكذا في النسخ، وفي المطبوع: عبيد، وهو الصواب، وانظر: "تهذيب الكمال" 19/ 164 (3689). (¬4) سقط من (ر). (¬5) بعدها في (ل): رواية: للآخر. (¬6) بعدها في (ل): وهي لغة القاف. (¬7) البقرة: 278. (¬8) رواه الطبراني في "الأوسط" 1/ 152 (474). قال الهيثمي في "المجمع" 4/ 157: رجاله رجال الصحيح. (¬9) انظر: "المهذب" للشيرازي 1/ 448.

54 - باب في تضمين العارية

54 - باب في تضْمِينِ العارِيَّةِ 3561 - حدثنا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ، حدثنا يَحْيَى، عَنِ ابن أَبي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "عَلَى اليَدِ ما أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدّيَ". ثُمَّ إِنَّ الحَسَنَ نَسيَ فَقال: هُوَ أَمِينُكَ لا ضَمانَ عَلَيْهِ (¬1). 3562 - حدثنا الحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَلَمَةُ بْن شَبِيبٍ قالا: حدثنا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ، حدثنا شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ صَفْوانَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَعارَ مِنْه أَدْراعًا يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقال: أَغَصْبٌ يا مُحَمَّدُ؟ فَقالَ: "لا بَلْ عارِيَةٌ مَضْمُونَةٌ" (¬2). قالَ أَبُو داوُدَ: وهذِه رِوايَةُ يَزِيدَ بِبَغْدادَ، وَفي رِوايَتِهِ بِواسِطَ تَغَيُّرٌ عَلَى غَيْرِ هذا. 3563 - حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حدثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ أُناسٍ مِنْ آلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَفْوانَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "يا صَفْوانُ هَلْ عِنْدَكَ مِنْ سِلاحٍ". قال: عارِيَّةً أَمْ غَصْبًا؟ قالَ: "لا بَلْ عارِيَّةً". فَأَعارَهُ ما بَيْنَ الثَّلاثِينَ إِلَى الأَرْبَعِينَ دِرْعًا، وَغَزا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حُنَيْنًا، فَلَمّا هُزِمَ المُشْرِكونَ جُمِعَتْ دُرُوعُ صَفْوانَ فَفَقَدَ مِنْها أَدْراعًا، فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِصَفْوانَ: "إِنّا قَدْ فَقَدْنا مِنْ أَدْراعِكَ أَدْراعًا فَهَلْ نَغْرَمُ لَكَ؟ ". قال: لا يا رَسُولَ اللهِ لأَنَّ في قَلْبي اليَوْمَ ما لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ (¬3). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1266)، وابن ماجه (2400). وضعفه الألباني في "الإرواء" (1516). (¬2) رواه النسائي في الكبرى (5779)، وأحمد 3/ 400، وابن حبان (1633). وصححه الألباني في "الصحيحة" (631). (¬3) رواه النسائي في "الكبرى" (5778)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 11/ 293 (4457)، والبيهقي 6/ 147. وصححه الألباني في "إرواء الغليل" 5/ 344.

قالَ أَبُو داوُدَ: وَكانَ أَعارَهُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ ثمَّ أَسْلَمَ. 3564 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا أَبُو الأَحْوَصِ، حدثنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ، عَنْ عَطاءٍ، عَنْ ناسٍ مِنْ آلِ صَفْوانَ قال: اسْتَعارَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرَ مَعْناهُ (¬1). 3565 - حدثنا عَبْدُ الوَهّابِ بْن نَجْدَةَ الحَوْطيُّ، حدثنا ابن عَيّاشٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ قالَ: سَمِعْتُ أَبا أُمامَةَ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُول: "إِنَّ اللهَ عز وجل قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذي حَقٍّ حَقَّهُ فَلا وَصِيَّةَ لِوارِثٍ وَلا تُنْفِقُ الَمرْأَةَ شَيْئًا مِنْ بَيْتِها إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِها". فَقِيلَ: يا رَسُولَ اللهِ وَلا الطَّعامَ؟ قالَ: "ذاكَ أَفْضلُ أَمْوالِنا". ثُمَّ قالَ: "العارِيَةُ مُؤَدّاةٌ والمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ والدَّيْنُ مَقْضيٌّ والزَّعِيمُ غارِمٌ" (¬2). 3566 - حدثنا إِبْراهِيمُ بْنُ المُسْتَمِرِّ العُصْفُريُّ، حدثنا حَبّانُ بْن هِلالٍ، حدثنا هَمّامٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ طَاءِ بْنِ أَبي رَباحٍ، عَنْ صَفْوانَ بْنِ يَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ قال: قال لي رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا أَتَتْكَ رُسُلي فَأَعْطِهِمْ ثَلاثِينَ دِرْعًا وَثَلاثِينَ بَعِيرًا". قال: فَقلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ أَعارِيَةً مَضْمُونَةً أَوْ عارِيَةً مُؤَدّاةً؟ قالَ: "بَلْ مُؤَدّاةً" (¬3). قالَ أَبُو داوُدَ: حَبّان خالُ هِلالِ الرَّأي. * * * باب في تضمين العارية [3561] (حدثنا مسدد بن مسرهد) وأنشد في نسبه يوسف بن محمد السرمدي: ¬

_ (¬1) انظر السابق. (¬2) رواه الترمذي (670)، وابن ماجه (2295)، وأحمد 3/ 411، والنسائي في "الكبرى" (5782). وصححه الألباني. (¬3) رواه أحمد 4/ 222، والنسائي في الكبرى (5776)، وابن حبان (4720). وصححه الألباني في "الإرواء" (1515/ 1).

ومن العجائب في أسامي ناقلي الـ ... أخبار والآثار للمتأمل كمسدد بن مسرهد بن مسربل بـ ... ـن مغربل بن مزعبل بن مدندل ابن سرندل بن عرندل لو ... تأملوا فيها لظنت رقية للدمل (حدثنا يحيى) القطان (عن) سعيد (بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: على اليد ما أخذت) أي: واجب على من أخذ بغصب أو عارية أو وديعة أو إجارة (حتى تؤدي) أو يؤدي ما أخذته، ورواية ابن ماجه (¬1) والحاكم (¬2): "حتى تؤديه" أي: ترده إلى مالكه. وفي الوديعة إن لم يعين مدة لا يلزمه الرد إلا إذا طلبه مالكه، وإن عين مدة أو كانت إجارة رد (¬3) إذا انقضت المدة، إن كانت العين باقية، فإن تلف في يده لزمه بدله؛ لأنه لما تعذر رد العين وجب عليه رد ما يقوم مقامها في المالية، فإن كان المغصوب جارية وباعها الغاصب فللمالك مطالبة أيهما شاء بردها لعموم الحديث، وإن كان المشتري وطئها لزمه المهر وعليه أرش البكارة ونقص الولادة، وعلى هذا فتقدير الحديث: على اليد ما أخذت حتى تؤديه (¬4) كما ¬

_ (¬1) (2400). (¬2) "المستدرك" 2/ 47. (¬3) في (ر): ردا. (¬4) في (ر). تؤيه.

أخذته من غير نقص ولا تغير، لكن الحسن مختلف في سماعه من سمرة وفيه ثلاثة مذاهب: أحدهما: أنه سمع منه مطلقًا، وهو مذهب علي ابن المديني والبخاري والترمذي. والثاني: لا مطلقًا، وهو مذهب يحيى بن سعيد القطان ويحيى بن معين وابن حبان. والثالث: قالوا: لم يسمع منه إلا حديث العقيقة، وهو مذهب النسائي، واختاره ابن عساكر، وادعى عبد الحق أن هذا هو الصحيح (¬1). زاد الترمذي (¬2): قال قتادة: (ثم إن الحسن نسي فقال) في روايته: (هو) يعني الآخذ (أمينُك) أي يده على ما أخذه يد أمانة (لا ضمان عليه) وقد اختلفوا فيما إذا ظن الشيخ الحكم على خلاف ما رواه تلميذه، والتلميذ جازم بما رواه عنه وهو عدل على وجهين: أحدهما: وحكاه ابن كج عن بعض الأصحاب: لا يقبل؛ لأن (¬3) راوي الأصل كشاهد الأصل إذا أنكر شاهده الفرع لم تقبل شهادته، فكذلك هنا. وأصحهما: القبول، لجواز أنه رواه ثم نسيه، وقد وقع ذلك لكثير من الأئمة، وصنف فيه الدارقطني والخطيب، وتفارق الرواية الشهادة؛ ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" لابن قدامة 5/ 374، 409، خلاصة "البدر المنير" لابن الملقن 1/ 144 (487). (¬2) (1266). (¬3) في (ر): لا.

لأن الشهادة لها مزيد تأكيد واحتياط، ولهذا ردوا خبر الولي في النكاح؛ لأن راويه الزهري قال: لا أذكره. [3562] (حدثنا الحسن بن محمد وسلمة بن شبيب قالا: حدثنا يزيد بن هارون) السلمي أحد الأعلام روى له الجماعة (قال: أنبأنا شريك) بن عبد الله النخعي. قال أبو توبة: كنا بالرملة فقالوا: من رجل الأمة؟ فسألنا عيسى بن يونس، وكان قد قدم علينا، فقال: رجل الأمة: شريك بن عبد الله. وكان يومئذٍ حيًّا. قيل: فابن (¬1) لهيعة؟ قال: رجل سمع من أهل الحجاز. قيل: فمالك بن أنس؟ قال: شيخ أهل مصر (¬2). استشهد به البخاري في "الجامع"، وروى له في "رفع اليدين في الصلاة" (¬3) وغيره، وروى له مسلم في المتابعات (¬4). (عن عبد العزيز بن رفيع، عن أمية بن صفوان بن أمية، عن أبيه) صفوان بن أمية بن خلف الجمحي، أحد أشراف قريش في الجاهلية، وأفصح قريش لسانًا، هرب يوم الفتح فاستأمن له عمير بن وهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمنه وأعطاهما رداءه وبرده أمانًا (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعار منه) فيه جواز استعارة المسلم من الكافر؛ فإن العارية تصح ممن يصح تبرعه، والكافر يصح تبرعه (أدرعًا) (¬5) أدرع وأدراع ودروع، ¬

_ (¬1) في (ر): ابن. (¬2) انظر: "الجرح والتعديل" 4/ 366 (1602)، "تهذيب الكمال" 12/ 471. (¬3) "رفع اليدين في الصلاة" (17، 60). (¬4) "صحيح مسلم" (2231). (¬5) بعدها في (ل): رواية: أدراعًا، وما في المطبوع.

جمع دِرع بكسر الدال المهملة. قال ابن الأثير: الأدراع جمع درع وهو الزَّرَدِيَّة (¬1)، وقد استعمل الأدراع في هذا الحديث للكثرة، وإن كان جمع قلة اتساعًا (¬2). فإن الدروع سيأتي أنها ما بين الثلاثين إلى الأربعين وما زاد على العشرة فهو جمع قلة، والعرب تتسع في الكلام فيستعملون القلة موضع الكثرة، والكثرة موضع القلة، لاشتراكهما في الجمعية. وقد اجتمعا في قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (¬3) فقال: {بِأَنْفُسِهِنَّ} جمع قلة وما هي إلا نفوس كثيرة، وقال: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} جمع كثرة، وما هي إلا أقراء ثلاثة وهي قلة (يوم حنين) وهي وادٍ بينه وبين مكة ثلاثة ليال، وقال البكري (¬4): وادٍ قريب من الطائف بينه وبين مكة بضعة عشر ميلًا، وكان صفوان خرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - مع ناس من المشركين. (فقال: أغصبٌ [يا محمد؟ ]) (¬5) غصبٌ: مبتدأ خبره محذوف، تقديره: أغصبٌ تأخذه. وجاز الابتداء بالنكرة؛ لأنه اعتمد على الاستفهام الذي قبله، وروي: (أغصبًا) (¬6) بالنصب، أي: أتأخذ ¬

_ (¬1) في (ر): الروبة. (¬2) "جامع الأصول" 8/ 163. (¬3) البقرة: 228. (¬4) انظر: "معجم ما استعجم" 1/ 471. (¬5) ساقطة من النسخ. (¬6) رواه أحمد 3/ 400، 6/ 465، والدارقطني 3/ 39.

غصبًا؟ وإنما قال ذلك لأنه ظن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأخذ أدراعه على أن لا يردها إليه، وفي بعض النسخ: "أغصبًا" بالنصب مصدر لفعل محذوف، تقديره: أتغصبها مني غصبًا (فقال: لا، بل هي عارية مضمونة) إن ( ... ) (¬1) عليك وإن تلفت أعطيتك قيمتها، والعارية يجب ردها إجماعًا مهما كانت عينها باقية، فإن تلفت وجب ضمان قيمتها عند الشافعي، ولا ضمان فيها عند أبي حنيفة (¬2). (وهذِه رواية يزيد ببغداد. وفي روايته بواسط تغيرٌ على غير هذا) تغيير على غير هذا اللفظ وإن كان بمعناه. وأخرج هذا الحديث أحمد والنسائي والحاكم وأورد له شاهدًا من حديث ابن عباس ولفظه: "بل هي عارية مؤداة" (¬3). وزاد (¬4) أحمد والنسائي: فضاع بعضها فعرض عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضمنها له، فقال: أنا اليوم يا رسول الله في الإسلام أرغب (¬5). [3563] (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا جرير) بفتح الجيم، ابن عبد الحميد (عن عبد العزيز بن رفيع) (¬6) روى له الجماعة (عن أُنَاسٍ) بضم الهمزة وتخفيف النون (من آل عبد الله بن صفوان) -رضي الله عنه-، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (قال: يا صفوان، هل عندك من سلاح؟ قال: عاريةً) بالنصب منصوب ¬

_ (¬1) كلمة غير مقروءة بالنسخ. (¬2) انظر: "جامع الأصول" لابن الأثير 8/ 163. (¬3) "المستدرك" 2/ 47. (¬4) مكررة في (ل). (¬5) "المسند" 3/ 400، 6/ 465، "السنن الكبرى" 3/ 410 (5779). (¬6) في (ر): وكيع.

بفعل محذوف، أي: تستعير عارية (أم) تغصب مني (غصبًا؟ ) كما تقدم معناه (قال: لا، بل) آخذها (عارية) مضمونة. (فأعاره) يقال: أعرته الشيء إعارة مثل أطعته إطاعة وطاعة وأجبته إجا بة وجا بة (ما بين الثلاثين إلى الأربعين) أدراعًا (درعًا) وروى البيهقي من حديث جعفر بن محمد، عن أمية بن صفوان مرسلًا، وبين أن الأدراع كانت ثمانين (¬1). ورواه الحاكم (¬2) من حديث جابر وقال: أنها مائة درع وما يصلحها. أي: من عدتها. وحكى العلامة قطب الدين (¬3) في كتابه "المورد العذب الهني في الكلام على السيرة للحافظ عبد الغني" أنها كانت أربعمائة درع. ¬

_ (¬1) "السنن الكبرى" 6/ 89 - 90. (¬2) "المستدرك" 3/ 49. (¬3) هو القطب الحلبي الحافظ المحدث مفيد الديار المصرية وشيخها أبو عليّ أو أبو محمد، عبد الكريم بن عبد النور، المعروف بقطب الدين، الحلبي الأصل والمولد، الحنفي، المصري، قال الذهبي: أحد من تجرد للعناية بالرواية وتعب، وحصل، وكتب عن أصحاب ابن طبرزد فمن بعدهم وصنف التصانيف اهـ. وقال قاسم بن قطلوبغا في "طبقات الحنفية": كتب العالي والنازل وخرج وألف، وبلغ شيوخه الألف اهـ. وخرج لنفسه عدة أربعينات من التساعيات والبلدانيات والمتباينات، وشرح معظم البخاري في عدة مجلدات، وله "القدح المعلى في الكلام على بعض أحاديث المحلى"، و"الاهتمام في أحاديث الأحكام"، وشرح سيرة الحافظ عبد الغني المقدسي شرحًا كبيرًا أسماه "المورد العذب الهني في الكلام على سيرة الحافظ عبد الغني"، وعمل تاريخ مصر فبلغ مجلدات، ومات سنة 735. انظر: "فهرس الفهارس والأثبات" لعبد الحي الكتاني 2/ 961 - 962، "تاج التراجم" لابن قطلوبغا 4/ 197 (151)، "الأعلام" للزركلي 4/ 53.

(وغزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حنينًا) خرج إليها لست ليالٍ خلون من شوال سنة ثمان يوم السبت من مكة، وقيل غير ذلك. (فلما) استقبلنا وادي حنين انحدرنا في [واد أجوف] (¬1) انحدرنا انحدارًا في عماية الصبح، وكان القوم قد سبقونا إلى الوادي، فكمنوا لنا في شعابه ومضايقه فشدوا علينا شدة رجل واحد، فانكشف جبل بني سليم موليه وتبعهم أهل مكة ثم تبعهم الناس منهزمين، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لبغلته: "ألبدي". فوضعت بطنها على الأرض، فأخذ حفنة من تراب فرمى بها وجوههم فقذف الله الرعب في قلوبهم (¬2). و(هُزِمَ المشركونَ) لا يلوي أحد منهم على الآخر، و (جمعت دروع صفوان) بن أمية (ففقد) بفتح الفاء والقاف (منها أدرعًا، (¬3) فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -[لصفوان] (¬4): إنا قد فقدنا من أدراعك أدرعًا فهل نغرم لك) قيمتها؟ فيه دليل على أن من استعار عينًا فتلفت لا باستعماله أن عليه ضمنها وإن لم يفرط؛ لأنه مال يجب رده، فتجب قيمته عند التلف كالمستام، وفيه حجة لمذهب أبي حنيفة: أن المستعير لا يضمن إلا بالتعدي. (قال: لا يا رسول الله) فيه دليل على أنها لما فقدت كان قد أسلم؛ لأنه شهد له في خطابه بأنه رسول الله، بخلاف وقت الاستعارة فإنه قال: أغصبًا يا محمد؟ (لأن في قلبي اليوم) يعني من الإيمان بالله وملائكته ورسله (ما ¬

_ (¬1) في (ر): وإذا جوف. (¬2) انظر: "الروض الأنف" 4/ 212. (¬3) بعدها في الأصل: نسخة: أدراعا. نسخة: ففقد منه أدرع، وهو ما في المطبوع. (¬4) من "السنن".

لم يكن يومئذٍ) التنوين في (يومئذٍ) عوضٌ عن جملةٍ تقديرها: ما لم يكن يوم (¬1) استعرت مني الأدراع. ([قال: وكان أعاره قبل أن يسلم ثم أسلم]) (¬2). [3564] (حدثنا مسدد قال: حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي قال (حدثنا عبد العزيز بن رفيع، عن عطاء، عن ناس من آل صفوان -رضي الله عنه- قال: استعار النبي - صلى الله عليه وسلم -) أدرعًا (فذكر معناه) أي: معنى ما تقدم. فيه دلالة على صحة عارية آلة الجهاد وإن خيف عليها التلف، ولا يلتفت إلى اعتبار أن يقتل المستعير وهي عليه فيبقى ضمانها في ذمته. [3565] (حدثنا عبد الوهاب بن نجدة) بفتح النون وإسكان الجيم (الحوطي) بفتح الحاء المهملة وإسكان الواو وكسر [الظاء المعجمة] (¬3)، وثقه يعقوب بن (¬4) شيبة (¬5) (حدثنا) إسماعيل (بن عياش) بالمثناة والمعجمة، العنسي، عالم أهل الشام، قال يزيد بن هارون: ما رأيت أحفظ منه (¬6) (عن شُرَحبيل) بضم الشين وفتح الراء (بن مسلم) بن حامد الخولاني الدمشقي، قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ثقة من ثقات الشاميين. وقال أبو عبيد الآجري: سألت أبا داود فقال: سمعت أحمد ¬

_ (¬1) سقط من (ر). (¬2) ساقطة من (ل). (¬3) كذا بالأصل والصواب (الطاء المهملة). (¬4) زاد هنا في (ر): أبي. (¬5) انظر: "تهذيب الكمال" 18/ 520 (3607). (¬6) انظر: "تهذيب الكمال" 3/ 172 (472).

يرضاه (¬1). (قال: سمعت أبا أمامة) صدي بن عجلان الباهلي -رضي الله عنه- (قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه) إشارة إلى آية المواريث، وكانت الوصية للأقارب قبل نزول آية المواريث فرضا، فلما نزلت آية المواريث بطلت الوصية للأقربين، وأعطى الله كل ذي حق حقه، أي: بين نصيب كل وارث من الميراث. (فلا وصية) بعدها (لوارث) أي: لا تجوز (¬2) له (¬3) الوصية؛ لأن الله أعطاه حقه، واستدل به الشافعي في أحد قوليه على أن الوصية للوارث لا تصح فإن أجاز بقية الورثة ذلك كانت الإجازة هبة مبتدأة يعتبر فيها ما يعتبر في الهبة. والقول الثاني: أنها تصح لما روى الدارقطني من حديث ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تجوز الوصية لوارث إلا أن يشاء الورثة" (¬4). وأبو داود من مرسل عطاء الخراساني (¬5). ووصله يونس بن راشد فقال: عن عطاء، عن عكرمة، عن ابن عباس (¬6). والمعروف المرسل (¬7). فدل ¬

_ (¬1) انظر: "سؤالات الآجري لأبي داود" (1685)، "تهذيب الكمال" (12/ 431). (¬2) في (ل): يجوز. (¬3) سقط من (ر). (¬4) "سنن الدارقطني" 4/ 97 - 98، 152. (¬5) "المراسيل" (349) وقال أبو داود: عطاء الخراساني لم يدرك ابن عباس ولم يره. (¬6) رواه الطبراني في "مسند الشاميين" 3/ 325 (2410)، والدارقطني 4/ 98، والبيهقي 6/ 263 وقال: عطاء الخراساني غير قوي. وأورده الألباني في "الإرواء" (1656) وقال: منكر. (¬7) انظر: "البدر المنير" 7/ 269 - 272.

هذا الحديث على أنهم إذا شاءوا كانت الوصية صحيحة، [ولأن الوصية صادفت ملكه] (¬1) وإنما يتعلق بها حق الورثة في ثاني الحال فلم يمنع صحتها، كبيع ما فيه شفعة، فعلى هذا إن أجاز الورثة نفذت الوصية (¬2). وعلى الجملة فيكون الثلث في حق الوارث كالزائد على الثلث في حق الأجنبي. ([ولا تنفق] (¬3) المرأة شيئًا من بيتها) أي: من مال زوجها (إلا بإذن زوجها) هذا من الأشياء الخطيرة التي لا تسمح الأنفس به غالبًا، أما ما تجري العادة بعطيته من البيوت فإن علمت طيب نفسه جاز وكان لها أجر، لما روى مسلم (¬4) من حديث عائشة: "إذا أنفقت المرأة من طعام [بيتها] (¬5) غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما كسب". أما ما علمت أنه لا تطيب نفسه به، فلا يجوز، وروى أبو داود الطيالسي (¬6) والبيهقي (¬7) من حديث ابن عمر في حديث فيه: "ولا تعطي من بيته شيئًا إلا بإذنه فإن فعلت ذلك كان له الأجر وعليها الوزر". (فقيل: يا رسول الله ولا الطعامَ؟ ) بالنصب، أي: ولا تنفق الطعام من بيته؟ (قال: ذلك أفضل أموالنا) المراد به -والله أعلم - البر ¬

_ (¬1) هكذا في النسخ، وفي "المهذب": وليست الوصية في ملكه. (¬2) انظر: "المهذب" للشيرازي 1/ 451. (¬3) مكررة في (ل). (¬4) (1024). (¬5) سقط من النسخ، والمثبت من "صحيح مسلم". (¬6) "المسند" 3/ 457 (2063). (¬7) "السنن الكبرى" 7/ 292. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (3515).

أو التمر وأن كلًّا منهما (¬1) أفضل أموالهم، وإذا كان أفضل فالأولى ألا تنفق منه إلا بإذنه. ولأبي داود الطيالسي: "لا يحل لها أن تطعم من بيته إلا بإذنه إلا الرطب من الطعام" (¬2). ولأبي داود من حديث سعد: فما يحل لنا من أموالهم؟ قال: "الرطب تأكلنه وتهدينه" (¬3). (ثم قال: العاريَّة) مشددة الياء وروي تخفيفها، وقال لغة ثالثة عارة. قال الأزهري: مشتقة من عار الرجل إذا ذهب وجاء، ومنه قيل للغلام الخفيف: العيار (¬4). قال الجوهري: كأنها من العار؛ لأن طلبها عار (¬5). (مؤداة) أي يجب أداء عينها عند وجودها وأداء قيمتها عند تلفها كما تقدم (والمِنحة) بكسر الميم ما يمنح الرجل صاحبه من شاة يشرب درها مدة ثم يردها إذا انقطع اللبن [وهذا معنى قوله: (مردودة) أي: يجب ردها لصاحبها إذا انقطع لبنها] (¬6)، وكذا الأرض يزرعها مدة، أو الشجرة يأكل ثمرتها وينتفع بها ثم يردها، ثم كثر استعمال هذِه اللفظة حتى أطلقت على كل عطاء، والاسم المنيحة. (والدين ¬

_ (¬1) في (ر): منهم. (¬2) "المسند" 3/ 457 (2063) بنحوه. (¬3) تقدم برقم (1686). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (301). (¬4) "تهذيب اللغة" 3/ 104 بنحوه. (¬5) "الصحاح" 2/ 761. (¬6) سقط من (ر).

مَقْضِي) بفتح الميم وسكون القاف، وروي: "يُقْضَى" (¬1) بضم الياء وفتح الضاد، أي: يجب قضاؤه إذا أتى وقت أدائه. وقال بعضهم: لا يجب الأداء [إلا إذا] (¬2) طلبه صاحبه، ولا يُعدُّ المدين (¬3) قبل الطلب مماطلًا ولو كان قادرًا وإن كان الأولى الدفع قبل الطلب، ويدخل في عموم الحديث إن لم يقض في الدنيا يقض في الآخرة حين لا دينار ولا درهم، وإن كان له حسنات مقبولة أخذ منها وإلا أعطي من سيئاته. (والزعيم) من زعم يزعم، كالكفيل من كفل يكفل فهو كفيل وزنًا ومعنًى، فلو قال الضامن: أنا بالمال الذي على هذا، أو: على زيد، أو بإحضار هذا الشخص ضامن أو كفيل، أو زعيم، أو حميل من الحمالة - بالحاء المهملة -، أو قبيل، أو صبير صح الضمان، وهو بهذا اللفظ ضامن (غارم) لما على المديون، ثم إن كان ضمن المديون بإذنه في الضمان والأداء رجع وإلا فلا. قال الماوردي: الضمين والزعيم والكفيل والحميل والصبير (¬4) بمعنىً واحد، غير أن العرف جارٍ بأن الضمين يستعمل في الأموال، والحميل في الديات، والكفيل في النفوس، والزعيم في الأمور ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 148 (7277)، 8/ 181 (14796)، ومن طريقه الطبراني في "المعجم الكبير" 8/ 135 (7615)، وفي "مسند الشاميين" 1/ 309 (541). (¬2) مكررة في (ل). (¬3) في (ر): الدين. (¬4) في (ر): والصغير.

العظام، والصبير في الجميع (¬1). واستدل بالحديث، وبقوله (¬2) تعالى: {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} (¬3) على صحة ضمان المجهول لعموم الحديث، ولأن حمل البعير. [ ... ] حال [ ... ] (¬4) في القوة والضعف، فإذا قال: أنا ضامن مالك على فلان أو ما تقوم به البينة أو ما يقر لك به، صح الضمان، وبه قال أبو حنيفة (¬5). [3566] (حدثنا إبراهيم بن المستمر) بضم الميم وإسكان السين المهملة وفتح المثناة فوق، العروقي صدوق رواية (العصفري، حدثنا حَبَّان) بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة (بن هلال) الحافظ، روى له الجماعة (حدثنا همام، عن قتادة، عن عطاء بن أبي رباح، عن صفوان بن يعلى) روى له الجماعة سوى ابن ماجه (عن أبيه) يعلي بن أمية التميمي حليف قريش، وهو ابن منية شهد حنينًا. (قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا أتتك رسلي فأعطهم ثلاثين درعًا، وثلاثين بعيرًا) فيه دليل لما قاله المتولي من أصحابنا أن تعيين المستعار عند الإعارة ليس بشرط، فلو قال: أعرني دابةً، فقال: خذ من الإسطبل ما أردت. جاز (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: "الحاوي" 6/ 431. (¬2) في (ر): ولقوله. (¬3) يوسف: 72. (¬4) ما بين المعقوفين غير واضح في (ل) وبياض في (ر). (¬5) انظر: "المغني" لابن قدامة 5/ 71. (¬6) انظر: "روضة الطالبين" 4/ 75.

وفيه دليل على ما قاله أصحابنا: أن للمعير أن يستنيب لمن يستوفي المنفعة له، كما لو استعار دابة ليركبها، فله أن يركبها وكيله في حاجته؛ لأن المنفعة تحصل له، فلو ركب الرسل في هذا الحديث الأبعرة جاز؛ لأنهم في حاجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومقتضى ما قالوه: أنه لا يركب غيره متبرعًا. وقد صرحوا بأن شرط المعير ملكه المنفعة وإن لم يملك الرقبة؛ لأن الإعارة ترد على المنفعة فيصير مستأجرًا لأنه مالك المنفعة، ولا يعير مستعير على الأصح؛ لأنه لا يملك المنفعة (¬1). (قال: فقلت: يا رسول الله، أعارية مضمونة) فيه ما تقدم (أو عارية مؤداة؟ قال: بل) عارية (مؤداة) وفي كلام الرافعي وكتب الفقه بلفظ: العالية مردودة. قال شيخنا ابن حجر: ولم أره في كتب المحدثين بهذا اللفظ (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: "مغني المحتاج" 2/ 341. (¬2) انظر: "التلخيص الحبير" 3/ 117.

55 - باب فيمن أفسد شيئا يغرم مثله

55 - باب فِيمنْ أَفْسَد شَيْئًا يَغْرَمُ مِثْلهُ 3567 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا يَحْيَى ح وَحَدَّثَنا مُحَمَّد بْن المُثَنَّى، حدثنا خالِدٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ عِنْدَ بَعْضِ نِسائِهِ فَأَرْسَلَتْ إِحْدى أُمَّهاتِ المُؤْمِنِينَ مَعَ خادِمِها بِقَصْعَةٍ فِيها طَعامٌ، قال: فَضَرَبَتْ بِيَدِها فَكَسَرَتِ القَصْعَةَ - قالَ ابن المُثَنَّى - فَأَخَذَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الكِسْرَتَيْنِ فَضَمَّ إِحْداهُما إِلَى الأُخْرى فَجَعَلَ يَجمَعُ فِيها الطَّعامَ وَيَقُول: "غارَتْ أُمُّكُمْ". زادَ ابن المُثَنَّى: "كُلُوا". فَأَكَلُوا حَتَّى جاءَتْ قَصْعَتُها التي في بَيْتِها. ثُمَّ رَجَعْنا إِلَى لَفْظِ حَدِيثِ مُسَدَّدٍ وقالَ: "كُلُوا". وَحَبَسَ الرَّسُولَ والقَصْعَةَ حَتَّى فَرَغُوا فَدَفَعَ القَصْعَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الرَّسُولِ وَحَبَسَ المَكْسُورَةَ في بَيْتِهِ (¬1). 3568 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا يَحْيَى، عَنْ سُفْيانَ، حَدَّثَني فُلَيْتٌ العامِريُّ، عَنْ جَسْرَةَ بِنْتِ دِجاجَةَ قالَتْ: قالَتْ عائِشَة رضي الله عنها: ما رَأَيْتُ صانِعًا طَعامًا مِثْلَ صَفِيَّةَ صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طَعامًا فَبَعَثَتْ بِهِ فَأَخَذَني أَفْكَلٌ، فَكَسَرْتُ الإِناءَ، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ ما كَفّارَةُ ما صَنَعْتُ؟ قالَ: "إِناءٌ مِثْلُ إِناءٍ وَطَعامٌ مِثْلُ طَعامٍ" (¬2). * * * باب فيمن أفسد شيئًا يضمن مثله وفي بعض النسخ: يغرم مثله. [3567] (حدثنا مسدد، حدثنا يحيى) (¬3) ابن سعيد. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2481). (¬2) رواه أحمد 6/ 148، والنسائي في "الكبرى" (8905). وضعفه الألباني. (¬3) سقط من (ر).

(ح، وحدثنا محمد بن المثنى، حدثنا خالد) بن الحارث الهجيمي، روى له الجماعة، تابعه ابن أبي عدي (عن حميد، عن أنس) بن مالك -رضي الله عنه- (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان عند بعض نسائه) في رواية الترمذي (¬1) عن أنس: أهدت بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - طعامًا في قصعة، فضربت عائشة القصعة بيدها .. الحديث. وأخرجه أحمد عن حميد بهذا السند وقال: أظنها عائشة (¬2). قال الطيبي: إنما أبهمت؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يهدى إليه في بيتها. (فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادم) هكذا رواية البخاري (¬3)، وفي بعض النسخ: مع خادمها قصعة (¬4). قال ابن حجر: لم أقف على اسم الخادم، وأما المرسلة فهي زينب بنت جحش، ذكره ابن حزم في "المحلى" من طريق الليث بن سعد، عن جرير بن حازم، عن حميد، سمعت أنسًا: أن زينب بنت جحش أهدت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في بيت عائشة ويومها جفنة من حيس .. الحديث (¬5). واستفدنا منه معرفة الطعام المذكور (¬6). (بقَصعة) بفتح القاف والجمع قصع، مثل بذرة وبذر، وقصاع (¬7) مثل ¬

_ (¬1) (1359). (¬2) "المسند" 3/ 105. (¬3) (2481). (¬4) وهو ما في المطبوع، وبعدها في الأصل: نسخة: بقصعة. (¬5) "المحلى" 8/ 141. (¬6) انظر: "فتح الباري" 5/ 124 - 125. (¬7) في (ر): وقصعة.

كلبة وكلاب، وقصعات مثل سجدة وسجدات، وهي عربية وقيل معربة. (فيها طعام) تقدم من رواية ابن حزم أن الطعام حيس. (فضربت) عائشة (بيدها فكسرت القصعة) وفي "الأوسط" للطبراني (¬1) عن ثابت، عن أنس: أنهم كانوا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيت عائشة إذ أتى بصحفة خبز ولحم من بيت أم سلمة، قال: فوضعنا أيدينا وعائشة تصنع طعامًا عجلة، فلما فرغت جاءت به ورفعت صحفة أم سلمة فكسرتها (¬2). والصحفة: قصعة مبسوطة تكون من غير الخشب. وفي رواية ابن علية: فضربت التي في بيتها يد الخادم، فسقطت الصحفة فانفلقت (¬3). والفلق بالسكون الشق (¬4). (قال) محمد (ابن المثنى: فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - الكسرتين (الكِسرة: بكسر الكاف القطعة من الشيء المكسور، ومنه الكسرة من الخبز، والجمع كسر مثل سدرة وسدر (فضم إحداهما إلى الأخرى) وفي الحديث حسن خلقه - صلى الله عليه وسلم - وكثرة حلمه. قال ابن العربي: وكأنه إنما لم يؤدب الكاسرة ولو بالكلام لما وقع منها من التعدي؛ لما فهم من أن التي أهدت أرادت بذلك أذى التي هو في بيتها والمظاهرة عليها (¬5)، فاقتصر على تغريمها القصعة، وإنما لم ¬

_ (¬1) زاد هنا في (ر): عن أنس. وهو سهو من الناسخ. (¬2) "المعجم الأوسط" 4/ 275 (4184). ورواه أيضًا في "الصغير" 1/ 342 (568). (¬3) رواها البخاري (5225). (¬4) انظر: "فتح الباري" 5/ 125. (¬5) سقط من (ر).

يغرمها الطعام؛ لأنه كان يهدى لهم، فإتلافه قبول أو في حكم القبول. (فجعل يجمع فيها الطعام (¬1) ويقول: غارت أمكم) اعتذارًا منه - صلى الله عليه وسلم - لئلا يحمل صنعيها (¬2) على ما يذم، بل يجري على عادة الضرائر من الغيرة؛ فإنها مركبة في النفس بحيث لا يقدر على دفعها (¬3). (زاد ابن المثنى: كلوا) أمر إباحة (فأكلوا) فيه ما كانت الصحابة فيه من التواضع؛ فإن من المعلوم أن الطعام انصب على الأرض، وفيه بيان خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما روى ابن ماجه (¬4) عن رجل من بني سواءة قال: قلت لعائشة: أخبريني عن خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قالت: أوما تقرأ القرآن: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} (¬5)؟ قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فصنعت له طعامًا وصنعت له حفصة طعامًا. قالت: فسبقتني حفصة، فقلت للجارية: انطلقي فألقي قصعتها، فلحقتها وقد همت أن تضع بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأكفأتها فانكسرت القصعة وانتثر الطعام، فجمعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما فيها من [الطعام على] (¬6) النطع فأكلوا، ثم بعث بقصعتي إلى حفصة وقال: "خذوا ظرفًا مكان ظرفكم وكلوا ما فيها". قالت: فما رأيت ذلك في وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على التراب أو على حصير ونحوه، وأنه إذا جمع لابد أن يتصل به شيء مما على الأرض من تراب ونحوه، ومع ذلك فأكلوا، وقل في هذا الزمان من يأكل من الطعام إذا أنصب على الأرض. ¬

_ (¬1) زاد هنا في (ر): فجعل فيها. (¬2) في (ر): صنعها. (¬3) انظر: "فتح الباري" 5/ 126. (¬4) (2333). (¬5) القلم: 4. (¬6) سقط من (ر).

(حتى جاءت قصعتها التي في بيتها) رواية ابن علية: حتى أتى بصحفة من عند التي هو في بيتها. (ثم رجعنا إلى حديث مسدد، وقال: كلوا. وحبس الرسول) يعني الخادم (والقصعة حتى فرغوا) أي من أكلهم (فدفع القصعة الصحيحة إلى الرسول) رواية ابن علية: إلى التي كسرت صحفتها (وحبس المكسورة في بيته) رواية أحمد: وحبس الرسول والقصعة (¬1). رواية ابن علية: في بيت التي كسرت. يعني: القصعة. زاد الثوري: وقال: "إناء كإناء وطعام كطعام" (¬2). قال ابن بطال (¬3): احتج الشافعي والكوفيون فيمن استهلك عروضًا أو حيوانًا فعليه مثل ما استهلك، قالوا: ولا يقضى بالقيمة إلا [عند عدم] (¬4) المثل، وذهب مالك إلى القيمة مطلقًا. وما أطلقه عن الشافعي فيه نظر، وإنما يحكم في الشيء بمثله إذا كان متشابه الأجزاء، وأما القصعة فهي من المتقومات لاختلاف أجزائها. وأجاب البيهقي بأن القصعتين للنبي - صلى الله عليه وسلم - في بيتي زوجتيه، ولم يكن هناك تضمين (¬5). [3568] (حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن سفيان قال: حدثني فُلَيتٌ) ¬

_ (¬1) "المسند" 3/ 105. (¬2) رواه النسائي 7/ 71، وأحمد 6/ 48 من حديث عائشة، ورواه ابن الجارود في "المنتقى" (1022) من طريق سفيان. (¬3) "شرح ابن بطال" 6/ 609. (¬4) في (ل): عندم وفي (ر): إن عدم. والمثبت من "شرح ابن بطال". (¬5) "السنن الكبرى" 6/ 96، وانظر: "فتح الباري" 5/ 125 - 126.

بضم الفاء وفتح اللام، مصغر، وهو أفلت، كذا ذكره "الكشاف" (¬1) (العامري) والده خليفة، صدوق. (عن جَسْرة) بفتح الجيم وإسكان السين المهملة (بنت دجاجة) بفتح الدال وبالجيمين، العامرية. (قالت عائشة رضي الله عنها: ما رأيت صانعًا) رواية النسائي (¬2): صانعة (¬3) (طعامًا مثل صفية) بنت حيي (صنعت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - طعامًا (¬4) فبعثت به، فأخذني أَفْكل) بفتح الهمزة وإسكان الفاء ثم لام وزنه أفعل (¬5) وهو منصرف، والمعنى: أخذتني رعدة. قال الجوهري (¬6): أخذه أفكل إذا ارتعد من برد أو خوف أو غيره ولا ينبني منه فعل وهمزته زائدة، والمراد هنا أنها لما رأت حسن طعام ضرتها غارت وأخذتها مثل الرعدة (فكسرت الإناء) توضحه رواية النسائي: ما رأيت صانعة طعامًا مثل صفية، أهدت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إناء فيه طعام فما ملكت نفسي أن كسرته (¬7). (فقلت: يا رسول الله، ما كفارة ما صنعت؟ قال: إناء مثل إناء، وطعام مثل طعام) فيه ما تقدم. ¬

_ (¬1) لعله يقصد "الكاشف" للذهبي، فقد ذكره فيه 1/ 255 (461). (¬2) في (ر): الشافعي. (¬3) "المجتبى" 7/ 71. (¬4) سقط من (ر). (¬5) في (ر): أفول. (¬6) انظر: "الصحاح" 5/ 1792. (¬7) سبق تخريجه.

56 - باب المواشي تفسد زرع قوم

56 - باب المَواشي تُفْسِد زَرْعَ قَوْمٍ 3569 - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ ثابِتٍ المَرْوَزيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ حَرامِ بْنِ مُحَيِّصَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ ناقَةً لِلْبَراءِ بْنِ عازِبٍ دَخَلَتْ حائِطَ رَجُلٍ فَأَفْسَدَتْهُ عَلَيْهِمْ، فَقَضَى رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أَهْلِ الأَمْوالِ حِفْظَها بِالنَّهارِ وَعَلَى أَهْلِ المَواشي حِفْظَها بِاللَّيْلِ (¬1). 3570 - حدثنا مَحْمُودُ بْنُ خالِدٍ، حدثنا الفِرْيابيُّ، عَنِ الأوَزاعيِّ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ حَرامِ بْنِ مُحَيِّصَةَ الأَنْصاريِّ، عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ قال: كانَتْ لَهُ ناقَةٌ ضارِيَةٌ فَدَخَلَتْ حائِطًا فَأَفْسَدَتْ فِيهِ فَكُلِّمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيها فَقَضَى أَنَّ حِفْظَ الحَوائِطِ بِالنَّهارِ عَلَى أَهْلِها وَأَنَّ حِفْظَ الماشِيَةِ بِاللَّيْلِ عَلَى أَهْلِها وَأَنَّ عَلَى أَهْلِ الماشِيَةِ ما أَصابَتْ ماشِيَتُهُمْ بِاللَّيْلِ (¬2). * * * باب المواشي تفسد زرع قوم [3569] (حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت) بثاء مثلثة (المَرَوزي) بفتح الميم والواو ثقة من كبار الأئمة، قال: (حدثنا عبد الرزاق، قال: أنبأنا معمر، عن الزهري، عن حَرَام) بفتح الحاء والراء المهملتين، وثقه ابن معين وجماعة، تابعي (¬3). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 436، والنسائي في "الكبرى" (5784). وصححه الألباني. (¬2) رواه وأحمد 4/ 295، النسائي في "الكبرى" (5785). وصححه الألباني. (¬3) انظر: "الطبقات الكبرى" لابن سعد 5/ 258، "تهذيب الكمال" 5/ 520 (1154).

(بن مُحَيّصة) بضم الميم وفتح الحاء مشدد الياء، هكذا ذكره أبو داود وغيره (عن أبيه) وجوده (¬1) محمد بن إسحاق صاحب المغازي من رواية معمر فقال: عن الزهري، عن حرام بن سعد بن محيصة، عن أبيه، عن جده. ولهذا حكم ابن عبد البر على رواية معمر هذِه ومن تابعه بالإرسال (¬2). ومحيصة هذا هو ابن مسعود الأوسي الصحابي المشهور. (أن ناقةً للبراء بن عازب رضي الله عنهما دخلت حائط رجل) أي: بستانه، رواية مالك: دخلت حائط قوم فأفسدت فيه (¬3). (فأفسدته) فأفسدت (عليهم، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أهل الأموال) الزرع والأشجار وغير ذلك. (حفظها بالنهار) استدل به على أن الدابة إذا كانت وحدها فأتلفت زرعًا أو غيره نهارًا لم يضمن صاحبها؛ فإن صاحب المال قصَّر في حفظ ماله بالنهار من المواشي، فإن صاحبها له أن يطلقها بالنهار لرعي وغيره (و) يجب (على أهل المواشي حفظها) بالحبس والربط وغير ذلك (بالليل) لئلا تفسد على أهل الأموال أموالهم؛ فإن لم يحفظها وأتلفت شيئًا بالليل كان عليه ضمانه بهذا الحديث الذي صححه ابن حبان والحاكم ورواه مالك في "الموطأ" والشافعي (¬4)، ¬

_ (¬1) في (ر): وجوزه. (¬2) "التمهيد" 11/ 78. (¬3) "الموطأ" 2/ 747. (¬4) "الموطأ" 2/ 747، "مسند الشافعي" 2/ 107، "صحيح ابن حبان" 13/ 354 (6008)، "المستدرك" 2/ 48.

وما أفسدته المواشي بالليل فهو ضامن على أهلها. قال الشافعي: أخذنا به لثبوته واتصاله ومعرفة رجاله. قال أصحابنا: لو جرت العادة في ناحية بإرسال البهائم ليلًا للرعي وحفظها نهارًا أو بحفظ الزرع ليلًا فالأصح اتباع ذلك، ولو كانت المراعي متوسطة المزارع أو كانت البهائم ترعى في حريم السواقي ولا يعتاد إرسالها بلا راعٍ فإن أرسلها فيقصر ضامن لما أتلفته وإن كان نهارًا على الأصح، إلا أن لا يفرط في ربطها بأن ربطها وأغلق بابه واحتاط على العادة فانفتح الباب لهن أو انهدم الجدار فخرجت ليلًا وأفسدت، فلا ضمان عليه لعدم التقصير منه. [3570] (حدثنا محمد (¬1) بن خالد) السلمي الدمشقي، ثبت، مات (249) (حدثنا) محمد بن يوسف (الفريابي) بكسر الفاء وسكون الراء بعدها مثناة تحت وبعد الألف باء موحدة، روى له الجماعة (عن الأوزاعي، عن الزهري، عن حرام بن محيصة) بن مسعود (الأنصاري، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: كانت لنا ناقة ضارية) رواية: كانت له، أي: اعتادت الإفساد في الزرع واجترأت عليه (فدخلت حائطًا فأفسدت فيه (¬2) فكلم) مبني للمفعول (فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقضى (¬3) أن حفظ الحوائط) جمع حائط، وأما الحيطان فمختصة بالبناء (بالنهار على أهلها، وأن حفظ الماشية بالليل على أهلها) لأن ¬

_ (¬1) في المطبوع: محمود. (¬2) بعدها في الأصل: نسخة: فأفسدته. (¬3) في (ر): فيقضي.

عادة أهل المواشي يحبسونها في الليل بالمراح. وقال أبو حنيفة -رضي الله عنه-: لا يضمن صاحبها إلا أن يكون معها وأرسلها سواء كانت ليلًا أو نهارًا (وأن على أهل الماشية) ضمان (ما أصاب ماشيتُهم) بالرفع (بالليل) دون النهار، والله أعلم. آخر كتاب البيوع والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. وكان انتهاء ذلك في أول القعدة عام 835 ببيت المقدس. يتلوه في الجزء الرابع بعده كتاب الأقضية. وكان الفراغ من كتابته يوم الخميس آخر رجب الفرد سنة 845 على يد الفقير يس بن محمد بن عبد الله المقيم يومئذ بالقدس الشريف، علقه لنفسه، عفا الله عنه وعن والديه وعن شيخنا مصنفه وأسكنهم فسيح جناته بمنه وكرمه إنه أرحم الراحمين. بلغ مقابلة على الأصل المنقول منه وهو نسخة المصنف وقوبلت على نسخة المصنف بحسب الطاقة والإمكان في مجالس آخرها المجلس من جمادى الآخرة سنة 847.

كتاب الأقضية

كِتَابُ الأَقْضَيِةِ

1 - باب في طلب القضاء

25 - الأَقضية 1 - باب في طَلَبِ القَضاءِ 3571 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْن عَليٍّ، أَخْبَرَنا فُضَيْلُ بْن سُلَيْمانَ، حَدَّثَنا عَمْرُو بْن أَبي عَمْرٍو عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُريِّ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "مَنْ وَليَ القَضاءَ فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ" (¬1). 3572 - حَدَّثَنا نَصْرٌ بْنُ عَليٍّ، أَخْبَرَنا بِشْرُ بْن عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عُثْمانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الأَخْنَسيِّ عَنِ المَقْبُريِّ والأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "مَنْ جُعِلَ قاضِيًا بَيْنَ النّاسِ فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ" (¬2). * * * {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} أول كتاب الأقضية ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1325)، والنسائي في "الكبرى" (5892، 5893)، وأحمد 2/ 365. وصححه الألباني في "المشكاة" (3733). (¬2) السابق.

باب في طلب القضاء [3571] (ثنا نصر (¬1) بن علي) الجهضمي بن الجهضمي الكبير (أنا فضيل (¬2) بن سليمان) النميري البصري (حدثنا عمرو (¬3) بن أبي عمرو) مولى المطلب (عن سعيد) بن أبي سعيد كيسان المقبرى المدني، كان جارًا للمقبرة فنسب إليها. (عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من ولي القضاء) أي: تصدى لولاية القضاء وشرع في الأسباب المحصلة له (فقد) تعرض للذبح (ذبح) فيه استعمال المجاز في الكلام (بغير سكين) يحتمل وجهين: أن الذبح في العرف إنما يكون بالسِّكين، فعدل به عن العرف إلى غيره؛ ليُعلم أن الذي أراد به ما يخاف عليه من هلاك دينه دون هلاك بدنه. والثاني: أن الذبح الذي تقع به راحة الذبيحة وخلاصها من الألم إنما يكون بالسكين، وإذا ذبح بغير السِّكين كان ذبحه تعذيبًا له، فضرب به المثل لذلك؛ ليكون أبلغ في الحذر من الوقوع وأشد في التوقي منه. وقال ابن الصلاح: معناه ذبح من حيث المعنى؛ لأنه بين عذاب الدنيا، يعني لصعوبة العدل في هذا الزمان والاجتهاد فيه كما سيأتي، وبين عذاب الآخرة إن فسد وسيأتي في الحديث الذي بعده كلام ابن القاص. [3572] (حدثنا نصر بن علي) الجهضمي (أنا بشر (¬4) بن عمر) الزهراني الأزدي البصري (عن عبد الله بن جعفر) بن عبد الرحمن بن ¬

_ (¬1) و (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) و (¬4) فوقها في (ل): (ع).

مخرمة المخرمي الزهري، أخرج له مسلم. (عن عثمان بن محمد) بن المغيرة بن الأخنس بن شريق -بفتح الشين المعجمة وكسر الراء- الثقفي (الأخنسي) نسبة إلى جده الأخنس، وثقه ابن معين (¬1) (عن) سعيد بن أبي سعيد (المقبري [و]) (¬2) عبد الرحمن بن هرمز. (الأعرج، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: مَن جُعل قاضيًا بين الناس) يدخل في عمومه المسلمون (¬3) والكفار، ولعل المراد به الولاية العامة دون الحكم على أولاده وخدمه وزوجاته من الأمور الخاصة. (فقد ذبح بغير سكين) قال أبو العباس أحمد بن القاص: ليس في هذا الحديث عندي كراهية للقضاء وذمه، إن الذبح بغير سكين مجاهدة النفس وترك الهوى، والله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} (¬4). ويدل على ذلك حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا أبا هريرة، عليك بطريق قوم إذا فزع الناس أمنوا" قلت: من هم يا رسول الله؟ قال: "هم قوم تركوا الدنيا فلم يكن في قلوبهم ما يشغلهم عن الله، قد أجهدوا أبدانهم وذبحوا أنفسهم في طلب رضا الله تعالى" (¬5) ¬

_ (¬1) انظر "الجرح والتعديل" 6/ 166. (¬2) ساقطة من (ل)، (م)، وأثبتناها من "سنن أبي داود". (¬3) في (ل)، (م): المسلمين. والجادة ما أثبتناه. (¬4) العنكبوت: 69. (¬5) لم أجده بهذا اللفظ، لكن روى الديلمي في "الفردوس" من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "يا أبا هريرة عليك بطريق قوم إذا فزع الناس لم يفزعوا وإذا طلب الناس الأمان لم يخافوا ... " في حديث طويل. انظر "الفردوس بمأثور الخطاب" 5/ 347 (8392)، "كنز العمال" 3/ 728 (8595).

فناهيك به فضيلة وزلفى لمن قضى بالحق في عباده، إذ جعله ذبيح الحق امتحانًا؛ لتعظم له المثوبة امتنانا. وقد ذكر الله قصة إبراهيم خليله -عليه السلام- وقوله: {يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} (¬1) فإذ جعل الله إبراهيم في تسليمه لذبح ولده مصدقًا فقد جعل الله لاستسلامه للذبح ذبيحًا، وكذلك قال -عليه السلام-: "أنا ابن الذبيحين" (¬2) يعني: إسماعيل وعبد الله، فكذلك القاضي عندنا لما استسلم لحكم الله واصطبر على مخالفة الأباعد والأقارب في خصوماتهم، لم تأخذه في الله لومة لائم حتى قادهم إلى مُرِّ الحكم جعله ذبيحًا للحق وبلغ به حال الشهداء، الذين لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله. وقد ولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القضاء عليًّا ومعاذًا ومعقل بن يسار، فنعم الذابح (¬3) ونعم المذبوح، وفي كتاب الله الدليل على الترغيب فيه بقوله: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} إلى آخر الآيات. ¬

_ (¬1) الصافات: 102. (¬2) لم أجده بهذا اللفظ، وفي "المستدرك" 2/ 554 (4036) من حديث معاوية -رضي الله عنه-: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتاه الأعرابي فقال: يا رسول الله خلقت البلاد يابسة والماء يابسا، هلك المال وضاع العيال، فعد علي بما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين. فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم ينكر عليه. قال الزيلعي في "تخريج الكشاف" 3/ 177: غريب. وقال الحافظ في "الفتح" 12/ 378: رويناه في "الخلعيات" من حديث معاوية. قال الألباني في "الضعيفة" (1677): لا أصل له. (¬3) في (ل): الذبائح.

2 - باب في القاضي يخطئ

2 - باب في القاضي يُخْطِئُ 3573 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ حَسّانَ السَّمْتيُّ، حَدَّثَنا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ أَبي هاشِمٍ، عَنِ ابن بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "القُضاةُ ثَلاثَةٌ واحِدٌ في الجَنَّةِ واثْنانِ في النّارِ فَأَمّا الذي في الجَنَّةِ فَرَجُلٌ عَرَفَ الحَقَّ فَقَضَى بِهِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الحَقَّ فَجارَ في الحُكْمِ فَهُوَ في النّارِ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ في النّارِ". قالَ أَبُو داوُدَ: وهذا أَصَحُّ شَيء فِيهِ يَعْني حَدِيثَ ابن بُرَيْدَةَ: "القُضاةُ ثَلاثَةٌ" (¬1). 3574 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْن عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ -يَعْني: ابن مُحَمَّدٍ- أَخْبَرَني يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الهادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْراهِيمَ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبي قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ العاصِ عَنْ عَمْرِو بْنِ العاصِ قالَ: قالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا حَكَمَ الحاكِمُ فاجْتَهَدَ فَأَصابَ فَلَهُ أَجْرانِ، وَإِذا حَكَمَ فاجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ". فَحَدَّثْتُ بِهِ أَبا بَكْرِ بْنَ حَزْمٍ فَقالَ: هَكَذا حَدَّثَني أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ (¬2). 3575 - حَدَّثَنا عَبّاسٌ العَنْبَريُّ، حَدَّثَنا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا مُلازِمُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَني مُوسَى بْنُ نَجْدَةَ، عَنْ جَدِّهِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - وَهُوَ أَبُو كَثِيرٍ - قالَ: حَدَّثَني أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "مَنْ طَلَبَ قَضاءَ المُسْلِمِينَ حَتَّى يَنالَهُ، ثُمَّ غَلَبَ عَدْلُهُ جَوْرَهُ فَلَهُ الجَنَّةُ، وَمَنْ غَلَبَ جَوْرُهُ عَدْلَهُ فَلَهُ النّارُ" (¬3). 3576 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ أَبي يَحْيَى الرَّمْليُّ، حَدَّثَنا زَيْدُ بْنُ أَبي الزَّرْقاءِ، حَدَّثَنا ابن أَبي الزِّنادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1322)، والنسائي في "الكبرى" (5891)، وابن ماجه (2315). وصححه الألباني في "الإرواء" (2614). (¬2) رواه البخاري (7352)، ومسلم (1716). (¬3) رواه البيهقي في "الكبرى" 10/ 88 من طريق أبي داود. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (1186).

قالَ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} إِلَى قَوْلِهِ: {الْفَاسِقُونَ} هؤلاء الآيات الثَّلاثُ نَزَلَتْ في اليَهُودِ خاصَّةً في قُرَيْظَةَ والنَّضِيرِ (¬1). * * * باب في القاضي يخطئ [3573] (حدثنا محمد بن حسان) بن خالد، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2) (السمتي) بفتح السين المهملة، وسكون الميم، ثم مثناة فوق، نسبة إلى السمت وحسن الهيئة، سمي بذلك لكثرة سمته ووقاره (حدثنا (¬3) خلف بن خليفة) أبو أحمد الأشجعي الكوفي، حدث بواسط وبغداد، أخرج له مسلم في مواضع ثلاثة فأكثر. (عن أبي هاشم) يحيى بن دينار، ويقال: ابن نافع الواسطي الرماني. بضم الراء، وتشديد الميم؛ سمي بذلك لأنه كان ينزل قصر الرمّان، فنسب إليه، وهو قصر معروف، بها رأى أنس بن مالك، وكان ثقة، قاله السمعاني (¬4) وغيره (عن) عبد الله (ابن بريدة، عن أبيه) بريدة بن الحصيب بن عبد الله الأسلمي، أسلم قبل بدر ولم يشهدها، ثم نزل البصرة، ثم مرو، وقبره بها، وشهد خيبر والفتح. (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: القضاة) على (ثلاثة) أحوال (واحد) منها (في ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 246. وحسنه الألباني في "الصحيحة" (2552). (¬2) 9/ 84، وتصحف فيه إلى محمد بن حسان السهمي. (¬3) ساقطة من (ل)، (م)، وأثبتناها من "سنن أبي داود". (¬4) "الأنساب " 6/ 165.

الجنة، واثنان) الباقيان (في النار، فأما الذي) سيصير (في الجنة فرجل عرف الحق) لفظ ابن ماجه: "علم الحق" (¬1). وفي معناه: من ظن أنه الحق؛ بل هو أغلب القضاة (فقضى به) فهو في الجنة، وفي رواية ذكرها رزين: "فأما الذي في الجنة فرجل قضى بكتاب الله وسنة رسوله لا يألو (¬2) عن الحق" (¬3). ورواية أبي العباس ابن القاص عن علي: "القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاض في الجنة، فأما الذي اجتهد فأصاب فهو في الجنة" (و) أما اللذان في النار فهو (رجل عرف الحق) زاد النسائي: "فلم يقض به" (¬4) وزاد في رواية علي: "متعمدًا" (¬5). (فجار في الحكم) الجور: الظلم، وأصله الميل؛ لأن الظالم يميل عن الحق إلى الباطل (فهو) يصير (في النار) إن لم يعف عنه (ورجل قضى) قال ابن التيمية: فيه دليل على اشتراط كون القاضي رجلًا. (للناس) أي: بينهم (على جهل) ولفظ النسائي: "ورجل لم يعرف الحق فقضى للناس على جهل" (¬6) لفظ رواية رزين: "انتزى على القضاء، فقضى بغير علم" (¬7). ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (2315). (¬2) في (ل)، (م): يلو، والمثبت من "جامع الأصول" 10/ 166 - 167. (¬3) انظر "جامع الأصول" 10/ 166. (¬4) "سنن النسائي الكبرى" 3/ 461 (5922). (¬5) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 4/ 541 (22953). (¬6) "سنن النسائي الكبرى" 3/ 461 (5922). (¬7) انظر "جامع الأصول" 10/ 166 وفيه (افترى) بدل: (انتزى).

قال في "النهاية": انتزى. هو: افتعل من النزو، وهو الوثوب، وانتزى على حقي، أي: وثب عليه وأخذه. وقد يكون في الأجسام والمعاني، ومن وَرْدِهِ في الأجسام حديث علي: يأمرنا أن لا ننزي الحمر على الخيل (¬1). أي: نحملها عليها للنسل (¬2). (فهو) يصير (في النار) وجعله في النار باعتبار ما يؤول إليه كقوله تعالى: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} (¬3) ويحتمل أن يراد بالنار الحرام. والتقدير: فهو واقع في الحرام؛ لأن الحرام يوجب النار، فسمي باسمه من باب تسمية السبب باسم المسبب مجازًا، كتسميتهم المرض الشديد بالموت. [3574] (ثنا عبيد الله) بالتصغير (ابن عمر بن ميسرة) القواريري شيخ الشيخين، روى مائة (¬4) ألف حديث (حدثنا عبد العزيز بن محمد) الدراوردي (أخبرني يزيد بن عبد الله) بن أسامة (بن الهاد) الليثي (عن محمد (¬5) بن إبراهيم) بن الحارث التيمي (¬6) المدني (عن بسر) بضم الموحدة، وسكون المهملة (ابن سعيد) مولى ابن الحضرمي من أهل المدينة، كان ينزل في دار الحضارمة من جديلة، فنسب إليهم (عن أبي ¬

_ (¬1) النهاية في غريب الحديث والأثر" 5/ 44. (¬2) رواه عبد الله بن أحمد في زياداته 1/ 78، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" 2/ 50، وابن عدي في "الكامل" 4/ 43. (¬3) يوسف: 36. (¬4) ساقطة من (م). (¬5) فوقها في (ل): (ع). (¬6) في (ل)، (م): التميمي، وهو خطأ، والمثبت من مصادر ترجمته.

قيس) اسمه كنيته (مولى عمرو بن العاص). قال النووي: في هذا الإسناد أربعة تابعيون يروي بعضهم عن بعض، وهم: يزيد بن عبد الله، فمن بعده (¬1). (عن) مولاه (عمرو بن العاص -رضي الله عنه-: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا حكم الحاكم) فيه حذف، تقديره: إذا أراد الحكم (فاجتهد) وسبب هذا التقدير أنه بدأ بالحكم قبل الاجتهاد، والأمر بالعكس، إذ لا يجوز الحكم قبل الاجتهاد بالإجماع، فاحتجنا إلى تقدير: إذا أراد أن يحكم، فعند ذلك يجتهد في النازلة، ويفيد هذا صحة ما قاله الأصوليون أن المجتهد يجب عليه أن يجدد نظرًا عند وقوع النازلة، ولا يعتمد على اجتهاده المتقدم؛ لإمكان أن يظهر له ما ينافي خلاف ما ظهر له أولًا، اللهم إلا أن يكون ذاكرًا لأركان اجتهاده مائلًا إليه، فلا يحتاج إلى استئناف نظر (¬2). (فأصاب) وجه الحكم، وهو أن يحكم بالحق لمستحقه في نفس الأمر عند الله تعالى (فله أجران) أجر باجتهاده، وأجر بإصابته الحق. وأجمع المسلمون على أن هذا الحديث في حاكم عالم أهل للاجتهاد في الحكم (¬3)، وهم ضربان: الأول: المجتهد المطلق، وهو المستقل باستنباط الأحكام من أدلتها الشرعية، فهذا لا شك أنه مأجور، لكنه يعز وجوده، بلى قد طوي بساط هذا الاجتهاد من سنين كثيرة، فلو لم ينفذ إلا حكم من كان كذلك لتعطلت الأحكام. ¬

_ (¬1) "شرح مسلم" 12/ 13. (¬2) "المفهم" 16/ 81. (¬3) حكاه النووي في "شرح مسلم" 12/ 14.

الثاني: مجتهد في مذهب إمامه، وهذا غالب قضاة العدل في هذا الزمان، وشرط هذا أن يحقق أصول إمامه وأدلته، وينزل أحكامه عليها فيما لم يجده منصوصًا من مذهب إمامه (¬1). وأما من ليس بأهل للحكم فلا يحل له الحكم، فإن حكم فأصاب الحكم بالموافقة فلا أجر له، بل هو آثم، ولا ينفذ حكمه وإن وافق؛ لأن إصابته اتفاقية ليست صادرة عن أصل شرعي. قال النووي: وهو عاص في جميع أحكامه سواء وافق الصواب أم لا، وهي مردودة كلها، ولا يعذر في شيء من ذلك. انتهى (¬2). وتفاصيل هذا كثيرة لا تليق بهذا المختصر المجموع، فليراجع من مظنته من كتب الأصول أو الفقه. (وإذا حكم فاجتهد) فيه حذف تقديره كما تقدم (فله أجر) ورواه الحاكم والدارقطني بلفظ: "إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر، وإن أصاب فله عشرة أجور" (¬3). ورواه أحمد من طريق عمرو بن العاص أيضًا بلفظ: "إذا أصبت القضاء فلك عشرة أجور، وإن أنت اجتهدت فأخطأت فلك حسنة واحدة" (¬4) باجتهاده؛ إذ لا إصابة. وأعظم فوائد هذا الحديث: أن الحاكم لا بد أن يكون من أهل ¬

_ (¬1) "المفهم" 16/ 83. (¬2) "شرح مسلم" 12/ 14. (¬3) "سنن الدارقطني" 4/ 203 من حديث عبد الله بن عمرو، ولم أجده في "مستدرك الحاكم". (¬4) "مسند أحمد" 4/ 205.

الاجتهاد، فإذا اجتهد وحكم فلا بد من الأجر، فإما ضعفان على الإصابة، وإما واحد مع الخطأ. فأما الجاهل أو المقصر في اجتهاده فهو عاص آثم في كل ما يحكم به، أما الجاهل فلعدم أهليته، وأما المقصر فلعدم استيفاء شرطه. وقد ذكر الشيخ جمال الدين الإسنوي في "المهمات" أنه لا يكفي للشافعي أن يفتي أو يحكم بما صححه الرافعي والنووي حتى يراجع كتب المذهب أو يسأل عنه، وكذا بلغني عن قاضي القضاة المالكية في القاهرة وعالمها في مذهب مالك أنه استفتي عما صححه الشيخ خليل وغيره من المتأخرين فأفتى أن ذلك لا يكفي، بل لا بد من المراجعة. (فحدثت به أبا بكر بن حزم) بن محمد [بن عمرو] (¬1) بن حزم قاضي أهل المدينة زمن سليمان وعمر بن عبد العزيز، يقال: اسمه أبو بكر، وكنيته أبو محمد (فقال: هكذا حدثني أبو سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-). [3575] (حدثنا عباس) بالباء الموحدة، والسين المهملة، هو ابن عبد العظيم، أبو الفضل (العنبري) شيخ الشيخين (ثنا عمر بن يونس) اليمامي (حدثنا ملازم بن عمرو) بن عبد الله بن بدر اليمامي، وثقه أحمد وابن معين والنسائي (¬2)، وكان أحد الفصحاء (حدثني موسى بن نجدة) اليمامي (عن جده يزيد بن عبد الرحمن) وكنيته أبو كثير ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 29/ 190.

السحيمي، وهذا الحديث في مائة البخاري التي سُئل عنها (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: من طلب قضاء) بين المسلمين واجتهد في تحصيله (حتى يناله ثم) لما أنعم الله تعالى عليه (غلب عدله على جوره) أي: كان عدله في حكمه أكبر من ظلمه كما يقال: غلب على فلان الكرم. أي: هو أكبر خصاله (فله) أي: وجبت على كرم الله (الجنة) فغلبة عدله جوره دليل على صدق نيته وحسن قصده، ولا تحصل كثرة العدل إلا بوفور العلم، وكثرة الاجتهاد مع توفيق الله له وإعانته؛ فإن الجاهل كان اجتهد كان خطؤه أكثر من صوابه، وفيه دليل على جواز القضاء لمن وثق بنفسه وأمن السلامة. وقد صرح أصحابنا وغيرهم بأن طلب القضاء مندوب لمن كان خاملًا يرجو نشر العلم وإظهاره، أو لمن كان محتاجًا إلى الرزق لتحصل الكفاية والإعانة على الاشتغال بالعلم (¬1). (ومن غلب جوره) على (عدله) فله النار؛ لأن كثرة جوره في الحكم دليل على خبث وفساد طويته وقبح قصده، لا سيما مع كثرة جهله، كما هو مشاهد في كثير من القضاة الآخذين الحكم بالرشا إلى الظلمة، وإهانة العلم بترددهم إلى الظلمة؛ لتحصيل المناصب التي هي سبب هدم دينهم، فنسأل الله العافية. [3576] (حدثنا إبراهيم بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي، وهو (بن أبي يحيى الرملي) وهو ثقة (ثنا يزيد بن أبي الزرقاء) المحدث، أبو محمد ¬

_ (¬1) انظر: "الحاوي" 16/ 11، و"البيان" 13/ 12. بعدها في (ل): قال ابن التيمية: هو محمول على ما إذا لم يوجد غيره.

الموصلي الزاهد (ثنا) عبد الرحمن (ابن أبي الزناد) عبد الله مولى رملة من أهل المدينة، استشهد به البخاري في "صحيحه" في صلاة الاستسقاء والجهاد وغيرهما، ووثقه مالك (عن أبيه) أبي الزناد عبد الله بن ذكوان المدني، مولى بني أمية، أحد الأئمة. (عن عبيد الله بن عبد الله (ع) بن عتبة) بن مسعود الفقيه الأعمى (عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} قيل: فيه إضمار تقديره: من لم يحكم بما أنزل ردًّا للقرآن وجحدًا لقول الرسول -عليه السلام- ({فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}) (¬1) وقال ابن مسعود والحسن: هي عامة في كل من لم يحكم بما أنزل الله من المسلمين واليهود والكفار. أي: مفسدًا ذلك مستحلًّا له، فأما من فعل وهو معتقد أنه راكب محرَّمًا، فهو من فساق المسلمين، وأمره إلى الله تعالى إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له (إلى قوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (¬2) وقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}) (¬3) حكى الطبري (¬4) عن يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب قال ابن زيد: {الْفَاسِقُونَ} في هذا الموضع وفي غيره هم الكاذبون (¬5) (هؤلاء الآيات الثلاث) المتواليات (نزلت في اليهود خاصة) وسيأتي في باب رجم اليهود من كتاب الحدود بمعناه من حديث البراء (¬6)، وبه قال الشعبي (¬7)، واختاره النحاس (¬8). ¬

_ (¬1) المائدة: 44. (¬2) المائدة: 45. (¬3) المائدة: 47. (¬4) في (ل، م): الطبراني. خطأ. (¬5) "تفسير الطبري" 4/ 605. (¬6) سيأتي برقم (4450). (¬7) انظر "تفسير الطبري" 4/ 595. (¬8) "معاني القرآن" 2/ 315.

ويدل على ذلك ثلاثة أشياء منها: أن اليهود قد ذكروا قبل هذا في قوله: {لِلَّذِينَ هَادُوا} (¬1) فعاد الضمير عليهم. ومنها أن سياق الكلام يدل على ذلك، ألا ترى أن بعده {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ} (¬2) فهذا الضمير لليهود بالإجماع، وأيضًا فإن اليهود هم الذين أنكروا الرجم والقصاص. فإن قيل: (من) إذا كانت للمجازاة، فهي عامة إلا أن يقع دليل على تخصيصها. قيل له (من) هاهنا بمعنى (الذي) والتقدير: اليهود (¬3) الذين لم يحكموا بما أنزل الله، فهذا من أحسن ما قيل في هذا. وروي أن حذيفة سئل عن هذِه الآيات: أهي في بني إسرائيل؟ قال: نعم، هي فيهم، ولتسلكن سبيلهم حذو النعل بالنعل (¬4). وقيل: {الْكَافِرُونَ} للمسلمين، و {الظَّالِمُونَ} لليهود، و {الْفَاسِقُونَ} للنصارى، وهذا اختيار أبي بكر ابن العربى (¬5). قال طاوس: ليس بكفر ينقل عن الملة، ولكن كفر دون كفر (¬6). (في قريظة والنضير) قبيلتان مشهورتان [من اليهود] (¬7). * * * ¬

_ (¬1) المائدة: 44. (¬2) المائدة: 45. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) كذا أورده هذا اللفظ النحاس في "معاني القرآن" 2/ 315، ورواه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 191 الطبري في "تفسيره" 4/ 593 أنه قال لما سئل عن ذلك: نعم الإخوة لكم بنو إسرائيل، إن كانت لهم كل مُرة، ولكم كل حلوة، كلا والله لتسلكن طريقهم قِدى الشراك. (¬5) "أحكام القرآن" 2/ 127. (¬6) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 191، ومحمد بن نصر في "تعظيم قدر الصلاة" 2/ 522 (575)، والطبري في "تفسيره" 4/ 596. (¬7) ساقطة من (م).

3 - باب في طلب القضاء والتسرع إليه

3 - باب في طَلَبِ القَضاءِ والتِّسَرُّعِ إِلَيْهِ 3577 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ العَلاءِ وَمُحَمَّدُ بْن المُثَنَّى قالا أَخْبَرَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ رَجاءٍ الأَنصاريِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بِشْرٍ الأَنْصاريِّ الأَزْرَقِ قالَ: دَخَلَ رَجُلانِ مِنْ أَبْوابِ كِنْدَةَ وَأَبُو مَسْعُودٍ الأَنْصاريُّ جالِسٌ في حَلْقَةٍ فَقالا: أَلا رَجُلٌ يُنَفِّذُ بَيْنَنا. فَقالَ رَجُلٌ مِنَ الحَلْقَةِ: أَنا. فَأَخَذَ أَبُو مَسْعُودٍ كَفّا مِنْ حَصًى فَرَماهُ بِهِ وقالَ: مَهْ إِنَّهُ كانَ يُكْرَهُ التَّسَرُّعُ إِلَى الحُكْمِ (¬1). 3578 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا إِسْرائِيل، حَدَّثَنا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ بِلالٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ طَلَبَ القَضاءَ واسْتَعانَ عَلَيْهِ وُكِلَ إِلَيْهِ وَمَنْ لَمْ يَطْلُبْهُ وَلَمْ يَسْتَعِنْ عَلَيْهِ أَنْزَلَ اللهُ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ". وقالَ وَكِيعٌ عَنْ إِسْرائِيلَ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ بِلالِ بْنِ أَبي مُوسَى، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وقالَ أَبُو عَوانَةَ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ بِلالِ بْنِ مِرْداسٍ الفَزاريِّ، عَنْ خَيْثَمَةَ البَصْريِّ، عَنْ أَنَسٍ (¬2). 3579 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا قُرَّةُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا حُمَيْدُ بْن هِلالٍ، حَدَّثَني أَبُو بُرْدَةَ قالَ: قالَ أَبُو مُوسَى: قالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَنْ نَسْتَعْمِلَ - أَوْ لا نَسْتَعْمِلُ - عَلَى عَمَلِنا مَنْ أَرادَهُ" (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه البيهقي في "الكبرى" 10/ 101، وأبو خيثمة في "العلم" (11). وقال الألباني: ضعيف الإسناد. (¬2) رواه الترمذي (1323، 1324)، وابن ماجه (2309)، وأحمد 3/ 118، 220. وضعفه الألباني في "ضعيف سنن الترمذي" (1346). (¬3) رواه البخاري (2261)، ومسلم إثر حديث (1823).

باب في طلب القضاء والتسرع إليه [3577] (ثنا محمد بن العلاء ومحمد بن المثنى) بن عبيد البصري الزمن (قالا: ثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (عن الأعمش، عن رجاء الأنصاري) لم يرو عنه غير الأعمش فقط (عن عبد الرحمن بن بشر) بكسر الموحدة، وسكون المعجمة (الأزرق) هو ابن مسعود الأنصاري المدني التابعي. (قال: دخل رجلان من أبواب) جمع باب (كندة) قال البكري: وضع على لفظ القبيلة اليمانية (¬1). وهو في ديار بني ذبيان وقيل: إنه من بلاد تيماء (وأبو مسعود) عقبة بن عمرو بن ثعلبة من الخزرج يعرف بالبدري؛ لأنه سكن أو نزل ماء بدر (الأنصاري) وشهد العقبة، ولم يشهد بدرًا عند جمهور أهل العلم، وسكن الكوفة، وابتنى بها دارًا (جالس في حلقة) بسكون اللام، وهم القوم يجتمعون مستديرين يحتمل أن الحلقة جماعة يقرؤون عليه، أو كانوا يتذاكرون العلم (فقالا: ألا) بالتخفيف (رجل) مرفوع بفعل محذوف على شريطة التفسير، والتقدير: ألا ينفذ رجل ينفذ لقوله تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} (¬2) ووجه حذف هذا المقدر أن (ألا) للتحضيض على الفعل أو العرض، وكلاهما يختص بأن لا تليه إلا بعد (كان) الشرطية. ويجوز على مذهب الخليل النصب. ويكون التقدير: ألا تروني رجلا ينفذ. فهو نظير ما أنشده الخليل: ¬

_ (¬1) "معجم ما استعجم" 4/ 1136. (¬2) النساء: 176.

ألا رجلًا جزاه الله خيرًا ... يدل على محصلة، تبيت (¬1) (ينفِّذ) بتشديد الفاء المكسورة (بيننا) قال في "النهاية": أي: يحكم ويمضي أمره فينا. يقال: أمره نافذ. أي: ماض مطاع (¬2). وعلى هذا يكون (يُنفذُ) بضم أوله، وكسر (¬3) الفاء المخففة (فقال رجل من الحلقة) التي هو فيهم (أنا) أنفذ بينكما (فأخذ أبو مسعود (الأنصاري (كفًّا من حصى، فرمى به) فيحتمل أن يكون مراده: رميت منزلتك من قلبي؛ لمبادرتك إلى الجواب ومسارعتك له، كما رميت هذا الحصى، ويحتمل أن يكون: ليس لك من الأجر والثواب على جوابك الذي أسرعت فيه ما يساوي هذا الحصى. ويحتمل غير ذلك. (وقال: مه) اسم مبني على السكون، معناه هنا: الزجر عن المسارعة إلى الإفتاء والحكم، وأمره بالسكوت عن ذلك مهما استطاع والتثبت فيه. وقيل: معنى ذلك ذم الفتوى بحضرة من هو أعلم منه (كان) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (يكره التسارع (¬4) إلى الحكم) والفتوى. قال ابن الصلاح: بلغنا عمن سمع سحنون بن سعد يزري على من تعجل في الفتوى، ويذكر النهي عن ذلك عن المتقدمين من معلميه. والفتوى كذلك، بل الحكم أحق بالتثبت فيه من الفتوى والجرأة عليه ¬

_ (¬1) "الكتاب" لسيبويه 2/ 308. (¬2) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 5/ 92. (¬3) في (ل)، (م): وضم، والجادة ما أثبتناه. (¬4) بعدها في (م): نسخة: التسرع.

أعظم. قال: وبلغنا عن الخليل بن أحمد أنه كان يقول: إن الرجل ليسأل عن المسألة ويعجل في الجواب، فيصيب فأذمه، ويسأل عن مسألة فيتثبت في الجواب فيخطئ فأحمده (¬1). [3578] (ثنا محمد بن كثير) العبدي (أنا إسرائيل، ثنا عبد الأعلى) بن عامر الثعلبي (عن بلال) بن مرداس الفزاري المصيصي، كان أحد الأشراف، وممن روى عنه أبو حنيفة (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من) "ابتغى القضاء". أي: طلبه "وسأل فيه شفعاء" كذا رواية الترمذي (¬2) (طلب القضاء) بين الناس (واستعان عليه) أي: على تحصيله بشفعاء يشفعون له في حصوله، كما تقدم في رواية أبي داود، واستعان فيه بشفعاء (¬3)، أي: يشفعون إلى من يوليه القضاء، وهذا من المبالغة في احتراصه على طلبه، كما أن من اشتدت حاجتهم إلى المطر يستشفعون بأهل الخير والصلاح ليسقيهم (وكل إليه) أي: وكل إلى نفسه كما في رواية الترمذي (¬4). أي: وكل الله تدبيره ومصالحه إلى نفسه العاجزة عن جلب نفع إليها، أو دفع ضر عنها، وترك كلامه وتدبيره فيما وليه من القضاء بين الناس. (ومن لم يطلبه (¬5) ولم يستعن عليه) أي: يستعين على تحصيله بشفعاء يشفعون إلى من يوليه منصب الحكم، ومن ترك الطلب والاستعانة وقطع ¬

_ (¬1) "أدب المفتي والمستفتي" (ص 82). (¬2) "سنن الترمذي" (1246). (¬3) ساقطة من (م). (¬4) "سنن الترمذي" (1246). (¬5) بعدها في (م): يطلب. وفوقها: خـ.

مطامعه في ذلك لله تعالى تولى الله تعالى أمره، وعوضه عن ذلك بأن (أنزل الله) تعالى إليه (ملكًا) بفتح اللام من الملائكة (يسدده) في أحكامه وأقضيته حتى يعمل فيها بالسداد، وهو العدل والاستقامة وإصابة الصواب. وفيه التحذير من طلب الإمارة والحكم، وإن أعطي ذلك من غير طلب ولا سعي فلا يمتنع من قبوله، وهذا الحديث وإن كان مطلقًا فهو مقيد بما إذا أكره على الولاية، وأجبر على قبولها، فلا ينزل الله إليه الملك يسدده إلا إذا أكره على ذلك جبرًا، ولا يحصل هذا لمن عرض عليه الولاية، أو سألها دون إكراه، ولفظ الترمذي هنا من رواية بلال بن مرداس: "ومن أكره عليه أنزل الله عليه مَلَكًا يسدده" وقال: هو حديث حسن غريب. قال: وهو أصح من حديث إسرائيل، عن عبد الأعلى، عن بلال بن أبي موسى (¬1). ولفظه: "من سأل القضاء وكل إلى نفسه، ومن جبر عليه نزل عليه ملك يسدده" (¬2) ونحو رواية المصنف: "ما جاءك من هذا المال وأنت غير مستشرف ولا سائل فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك" (¬3) أو كما قال: [3579] (ثنا أحمد بن حنبل، ثنا يحيى بن سعيد) القطان (ثنا قرة (¬4) ابن خالد) السدوسي (حدثنا حميد بن هلال) العدوي، كان يلبس الثياب ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (1324). (¬2) "سنن الترمذي" (1323). (¬3) رواه البخاري (7164)، ومسلم (1045) من حديث عمر بن الخطاب. (¬4) في (ل)، (م): فروة. والمثبت من "السنن".

النفيسة والطيالسة (حدثني أبو بردة) عامر بن أبي موسى (عن أبيه) عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- (قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: يا أبا موسى، أو يا عبد الله بن قيس) إنا (لن نستعمل أو) قال: (لا نستعمل على) شيء من (عملنا) هذا (من أراده) زاد مسلم: "ولا أحدًا حرص عليه" (¬1). قال العلماء: والحكمة في أنه لا يولي من سأل الولاية أنه يوكل إليها ولا يكون معه إعانة، كما صرح به في حديث عبد الرحمن بن سمرة حين سأل الإمارة (¬2)، وإذا لم يكن معه إعانة لا يكون كفؤًا ولا يولى غير الكفؤ؛ لأن فيه تهمة للطالب الحريص. وهذا الحديث الذي ذكره المصنف هنا هو قطعة من حديث طويل متفق عليه، ذكره المصنف، وسيأتي في أول كتاب الحدود بهذا اللفظ والسند بكماله، في باب الحكم فيمن ارتد (¬3). ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1733). (¬2) رواه البخاري (6622)، ومسلم (1652). (¬3) سيأتي برقم (4356).

4 - باب في كراهية الرشوة

4 - باب في كَراهِيَةِ الرِّشْوَةِ 3580 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا ابن أَبي ذِئْبٍ عَنِ الحارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الرّاشيَ والمُرْتَشي (¬1). * * * باب كراهية الرشوة مثلثة الراء، والأرجح الكسر، وهي: ما يعطى الحاكم ليحكم (¬2) له بما يريده. [3580] (حدثنا أحمد بن) عبد الله بن (يونس) اليربوعي (ثنا) محمد ابن عبد الرحمن (بن أبي ذئب، عن الحارث بن عبد الرحمن) القرشي العامري خال ابن أبي ذئب، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3)، وحكى عنه الفضيل بن عياض وقال: لا يخيل إلى أني رأيت قرشيًّا أفضل منه (¬4) (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن، ورواه الحاكم من حديث أبي سلمة، عن أبيه (¬5). قال الدارقطني في "العلل": أبو سلمة (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص أصح (¬6). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1337)، وابن ماجه (2313)، وأحمد 2/ 164. وصححه الألباني. (¬2) في (م): الحكم. (¬3) "الثقات" 4/ 134 (2155). (¬4) انظر "تهذيب الكمال" 5/ 256. (¬5) لم أجده في "المستدرك" 4/ 102 إلا من حديث أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو. (¬6) "علل الدارقطني" 4/ 274.

قال الترمذي بعد روايته: وفي الباب عن أبي هريرة وعائشة وأم سلمة (¬1). يعني: وعبد الرحمن بن عوف وثوبان (¬2). (قال: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ولفظ ابن ماجه: "لعن الله" (¬3) ولعنة الله: إبعاده من رحمته (الراشي) وهو دافع الرشوة (والمرتشي) آخذها، وزاد الترمذي والطبراني بإسناد جيد: "في الحكم" (¬4). وزاد أحمد والبزار: "والرائش" (¬5). يعني: الذي يمشي بينهما، وهو السفير بين الدافع والآخذ، وإن لم يأخذ على سفارته، فإن أخذ فهو أبلغ. ويدخل في إطلاق الرشوةِ الرشوةُ للحاكم والعامل على أخذ الصدقات، وهي حرام بالإجماع (¬6)، ومما يدل على تحريمها قوله تعالى: {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} (¬7) قال الحسن وسعيد بن جبير في تفسيره: هي الرشوة (¬8). وقال مسروق: سألت ابن مسعود عن السحت، أهو الرشوة في الحكم؟ قال: لا {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} ¬

_ (¬1) بل قال الترمذي بعدما روى حديث أبي هريرة (1336): وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وعائشة وابن حديدة وأم سلمة. (¬2) كذا بالأصل، والمقصود أن في الباب أيضا عن عبد الرحمن بن عوف وثوبان. (¬3) "سنن ابن ماجه" (2313) وفيه: "لعنة الله على الراشي والمرتشي". (¬4) "سنن الترمذي" (1336)، "المعجم الكبير" 23/ 398 (951). (¬5) "مسند أحمد" 5/ 279، "البحر الزخار" 10/ 96 (4165) من حديث ثوبان -رضي الله عنه-. (¬6) "مراتب الإجماع" ص 50. (¬7) المائدة: 42. (¬8) انظر: "مصنف ابن أبي شيبة" 4/ 447 (21951)، "تفسير الطبري" 4/ 579.

و {الظَّالِمُونَ} و {الْفَاسِقُونَ}، ولكن السحت أن يستعينك الرجل على مظلمته، فيهدي لك، فإن أهدى لك فلا تقبل (¬1). وقال أبو وائل شقيق بن سلمة، أحد أئمة التابعين: القاضي إذا أخذ الهدية فقد أكل السحت، وإذا أخذ الرشوة بلغت به الكفر. رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" بإسناد صحيح (¬2). ¬

_ (¬1) رواه ابن جرير في "تفسيره" 4/ 581، والطبراني في "الدعاء" 1/ 580 (2105)، والبيهقي 10/ 139، وعزاه السيوطي في "الدر" 2/ 502 لعبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن المنذر وأبي الشيخ. (¬2) "مصنف ابن أبي شيبة" 4/ 447 (21946) وفيه عن أبي وائل عن مسروق.

5 - باب في هدايا العمال

5 - باب في هَدايا العُمّالِ 3581 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ إِسْماعِيلَ بْنِ أَبي خالِدٍ، حَدَّثَني قَيْسٌ، قالَ: حَدَّثَني عَديُّ بْنُ عُمَيْرَةَ الكِنْديُّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "يا أيُّها النّاسُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ لَنا عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنا مِنْهُ مِخْيَطًا فَما فَوْقَهُ فَهُوَ غُلٌّ يَأْتي بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ". فَقامَ رَجُلٌ مِنَ الأنصارِ أَسْوَدُ كَأنَّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ اقْبَلْ عَنّي عَمَلَكَ. قالَ: " وَما ذاكَ؟ ". قالَ: سَمِعْتُكَ تَقُولُ كَذا وَكَذا. قالَ: " وَأَنا أَقُولُ ذَلِكَ: مَنِ اسْتَعْمَلْناهُ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَأْتِ بِقَلِيلِهِ وَكثِيرِهِ فَما أُوتيَ مِنْهُ أَخَذَهُ وَما نُهيَ عَنْهُ انْتَهَى" (¬1). * * * باب: في هدايا العمَّال [3581] (ثنا مسدد ثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن إسماعيل بن أبي خالد) الأحمسي مولاهم الكوفي التابعي (حدثني) أبو كامل (¬2) (قيس) بن أبي حازم البجلي، تابعي كبير (حدثني عدي بن عميرة) بفتح العين، وكسر الميم. قال القاضي: لا يعرف في الرجال أحد يقال له: عميرة بالضم، بل كلهم بالفتح (¬3). وهو ابن فروة بن زرارة (الكندي) أبو زرارة حضرمي كوفي -رضي الله عنه- (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال (¬4): يا أيها الناس، من عمل) بضم العين وتشديد الميم المكسورة (منكم) قد يؤخذ من قوله (منكم) أن العامل لا ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1833). (¬2) كذا في (ل)، (م): وهو خطأ، إنما هو أبو عبد الله، وأنظر ترجمته في: "تهذيب الكمال " 24/ 10. (¬3) "إكمال المعلم" 6/ 239. (¬4) ساقطة من (م).

يكون إلا مسلمًا، ولفظ (من) الجزئية دالة على العموم فيه في عمومه كل عامل. قال أصحابنا: يشترط في ساعي الزكاة أن يكون مسلمًا إذا كان التفويض عامًّا، فإن عين الإمام شيئًا يأخذه، قال الماوردي: لا يتعين فيه الإسلام (¬1). قال النووي (¬2): عدم اشتراط إسلامه فيه نظر (¬3). وقال أبو الخطاب وغيره من الحنابلة: لا يشترط إسلام العامل؛ لأنه إجارة على عمل، فجاز أن يتولاه الكافر كسائر الولايات كجباية الخراج. ومشهور رواية أحمد: اشتراط إسلامه؛ لأن من شرطه الأمانة فاشترط له الإسلام كالشهادة؛ ولأنه ولاية على المسلمين، فلم يجز أن يتولاها الكافر كسائر الولايات (¬4). وظاهر الحديث يدل له. (لنا على عمل) ويدخل في العامل على العمل الساعي الذي يبعثه الإمام لأخذ الزكاة، والكاتب والقاسم والحاشر الذي ينادي في الناحية؛ ليجتمعوا لأخذ الصدقة، وحاشر النعم من مسارحها إلى مياه أهلها، وجباة المال وحفاظها والكيّال والوزان والعداد وكل من يحتاج إليه فيها (فكَتَمنا منه) أي: من المال الذي جمعه في عمالته (مخيطًا) بكسر الميم. وفي الحديث: "أدوا الخياط والمخيط" (¬5) فالخياط: الخيط الذي ¬

_ (¬1) "الأحكام السلطانية" ص 206. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) "روضة الطالبين" 6/ 366. (¬4) "المغني" 9/ 313. (¬5) تقدم عند أبي داود برقم (2694) من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده.

يخيط به، والمخيط: الإبرة والمسلة ونحوهما (فما) الفاء بمعنى (إلى)، كما قال الكسائي في قوله تعالى: {بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} (¬1) وأن التقدير عنده إلى ما (¬2) (فوقه) في الصغر. قال: وهذا في الكلام كقولك: أتراه قصيرًا؟ . فيقول القائل: أو فوق ذلك. أي: هو أقصر مما يرى. (فهو غل) وهو الحديدة التي تجمع بها يد الأسير إلى عنقه (يأتي به يوم القيامة) إلى المحشر، وهو حامل له، كما ذكر مثله في الغال، وتسمى هذِه الحديدة جامعة، وكل من خان في شيء خفية فهو غل، ويحتمل أن يكون الغل في يده يوم القيامة في جهنم، وفيه توعد شديد، وزجر أكيد في خيانة العامل في القليل والكثير، وأنه من الكبائر العظام، وكذا أخذ رشوة العامل حرام أيضًا بإجماع العلماء. (فقام) زاد مسلم: إليه (رجل) فيه: أن العاملين يشترط فيهم الذكورة، فلا يجوز أن يكون العامل أنثى؛ لأن العمل إمارة وولاية على المسلمين، فلم يجز للمرأة أن تتولاها (من الأنصار) فيه: أنه يجوز أن يكون العامل من الأنصار والمهاجرين، ولا يجوز أن يكون هاشميًّا ولا مطلبيًّا لحديث الفضل بن العباس وعبد المطلب بن ربيعة بن الحارث حين سألا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبعثهما، فأبى أن يبعثهما وقال: "إنما هذِه أوساخ الناس، وإنها (¬3) لا تحل (¬4) لمحمد ولا لآل محمد" (¬5). ¬

_ (¬1) البقرة: 26. (¬2) انظر: "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 203. (¬3) في (م): وإننا. (¬4) في (م): نجد. (¬5) تقدم عند أبي داود برقم (2987).

(أسود) فيه أنه يجوز أن يكون العامل من الأنصار أسوَد وأبيض لا فرق في الجواز بينهما (وكأني أنظر إليه) حين جاءه (فقال: يا رسول الله، اقبل عني عملك) النزول عن العمل الذي هو ولاية لا يحتاج إلى قبول، بل لو قال: عزلتُ نفسي. انعزل، فيُحمل هذا على الاستئذان، فإن فيه نوع استشارة (قال: وما ذاك؟ ) لفظ مسلم: "وما لك؟ (¬1) ". (قال: سمعتك تقول: كذا وكذا، قال: وأنا أقول ذاك) زاد مسلم: "الآن" (¬2) (من استعملناه على عمل) يدخل فيه القضاء والحسبة وما تقدم ذكره. (فليأت بقليله وكثيره) قال القرطبي: يدل على أنه [لا يجوز له أن] (¬3) يقتطع منه شيئًا لنفسه، لا أجرة ولا غيرها، لا له ولا لغيره، إلا أن يأذن له الإمام الذي يلزمه طاعته (¬4). قلت: ويدخل في عمومه أنه يأتي بما دخل تحت يده من صدقة الفرض والتطوع، وكذا ما أهدي إليه، فإنه لو كان في بيت أبيه لم يُهد إليه. وفيه: أنه يحرم على العامل أن يقتطع عنده ما أهدي إليه، فإنه لبيت المال، فإن اقتطع منه ما أهدي إليه خان في أمانته وولايته. (فما أوتي) بضم الهمزة، والظاهر أنه بكسر التاء وفتح آخره، مبني لما لم يسم فاعله، التقدير: وما أوتي (منه) النبي - صلى الله عليه وسلم - (أخذ) بفتح الهمزة ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): ذاك. والمثبت من "صحيح مسلم" (1833). (¬2) مسلم (1833). (¬3) من "المفهم". (¬4) "المفهم" 4/ 33.

والخاء والذال المعجمتين. أي: أخذ ما جاز أخذه، بدليل ذكر النهي بعده (وما نهي) بضم النون، وكسر الهاء، مبني للمفعول، التقدير: وما نهى الله تعالى (عنه) أي: عن أخذه (انتهى) بفتح التاء والهاء، أي: انتهى عن أخذه، وعلى هذا فيذكر العامل الجهات التي قبض منها المال وصفتها، فيأخذ منها ما جاز أخذه، ويترك ما لم يجز أخذه، بل يرده على دافعه، أو يفعل فيه ما تقتضيه الشريعة، وهذا ما ظهر لي؛ إذ لم يتكلم عليه النووي ولا القرطبي.

6 - باب كيف القضاء

6 - باب كَيْفَ القَضاءُ 3582 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْن عَوْنٍ قالَ: أَخْبَرَنا شَرِيكٌ، عَنْ سِماكٍ، عَنْ حَنَشٍ، عَنْ عَليٍّ -عليه السلام- قالَ: بَعَثَني رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى اليَمَنِ قاضِيًا فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ تُرْسِلُني وَأَنا حَدِيثُ السِّنِّ وَلا عِلْمَ لي بِالقَضاءِ فَقالَ: "إِنَّ اللهَ سَيَهْدي قَلْبَكَ، وُيُثَبِّتُ لِسانَكَ، فَإِذا جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْكَ الخَصْمانِ فَلا تَقْضِيَنَّ حَتَّى تَسْمَعَ مِنَ الآخَرِ كَما سَمِعْتَ مِنَ الأَوَّلِ فَإِنَّهُ أَحْرى أَنْ يَتَبيَّنَ لَكَ القَضاءُ". قالَ: فَما زِلْتُ قاضِيًا أَوْ ما شَكَكْتُ في قَضاءٍ بَعْدُ (¬1). * * * باب: كيف القضاء [3582] (ثنا عمرو بن عون) الواسطي البزاز (أنا) القاضي (شريك، عن سماك) بن حرب (عن حنش) بفتح الحاء المهملة والنون، ثم شين معجمة، وهو ابن المعتمر، ويقال: ابن ربيعة الكناني الكوفي أبو المعتمر، قال المصنف: ثقة (¬2). وقال النسائي: ليس بالقوي (¬3). (عن علي قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن قاضيًا) فيه: دليل على فضيلة القضاء واستحباب قبوله؛ لأنه من المناصب الشريفة إذا كان أهلًا، ولولا ذلك لما ارتضاه النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن عمه، ولمعاذ بن جبل، ومعقل بن يسار. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1331)، والنسائي في "الكبرى" (8366)، وأحمد 1/ 90. وحسنه الألباني. (¬2) "سؤالات أبي عبيد الآجري" (ص 484). (¬3) "الضعفاء والمتروكون" (166).

وقد قبله الخلفاء الراشدون الذين بهم يقتدى ويهتدى، وما جاء مخالفًا لذلك فمحمول على من يخاف عليه من خطره لفساد الزمان وتغير أهله. (فقلت: يا رسول الله، ترسلني وأنا حديث السن) يقال للفتى: حديث السن. فإن حذفت الياء قلت: حَدَث، بفتحتين (ولا علم لي بالقضاء) زاد في رواية أحمد لفظة: إنك تبعثني إلى قوم يكون منهم أحداث ولا علم لي بالقضاء (¬1). وأراد بالأحداث: الأمور الحادثة. (فقال: إن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك) رواية أحمد: "إن الله سيهدي لسانك ويثبت قلبك" (¬2). (فإذا جلس بين يديك الخصمان) بضم الخاء، استدل به على أن السنة في القضاء أن يجلس الخصمان بين يدي القاضي، مسلمين كانا أو ذميين؛ لعموم الحديث؛ ولاستوائهما في دينهما؛ ولأنه أمكن للحاكم في العدل بينهما والإقبال عليهما، وهذا إذا لم يكونا شريفين، أما الشريفان فيجلس أحدهما عن يمينه، والآخر عن شماله، فلو تداعيا واقفين، قال الماوردي: لا تسمع الدعوى وهما قائمان حتى يجلسا بين يديه (¬3). (فلا تقضين) بتشديد النون (حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول) بوب عليه الترمذي: باب القاضي لا يقضي بين الخصمين حتى ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 1/ 83. (¬2) "مسند أحمد" 1/ 83. (¬3) انظر: "الحاوي" 16/ 275.

يسمع كلامهما (¬1). (فإنه أحرى) بالحاء المهملة. أي: أحق وأجدر (أن يتبين) بخمس مفتوحات (لك القضاء) بينها لفظ الترمذي: "فسوف تدري كيف تقضي" (¬2) (فما زلت قاضيًا) بعد (¬3) (أو ما شككت) شك من الراوي، واقتصر الترمذي على الأول (في قضاء بعد) بضم الدال. أي: بعد ذلك. وكيف يحصل له الشك بعد ذلك، وقد دعا له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وذكر المحب الطبري من أقضيته بعد ذلك ما رواه القلعي عن زر (¬4) بن حبيش قال: جلس اثنان يتغديان ومع أحدهما خمسة أرغفة والآخر ثلاثة أرغفة، وجلس ثالث واستأذنهما في أن يصيب من طعامهما، فأذنا له، فأكلوا على السواء وألقى إليهما ثمانية دراهم. وقال: هذِه عوض ما أكلت من طعامكما، فتنازعا في قسمتها على السواء، فترافعا إلى عَليّ -رضي الله عنه-، فقال لصاحب الثلاثة: اقبل من صاحبك. فأبى، وقال: ما أريد إلا مر الحق، فقال له علي: لك في (¬5) مُر الحق درهم واحد، وله سبعة. فقال: وكيف ذلك يا أمير المؤمنين؟ فقال: لأن الثمانية أربعة وعشرون ثلثًا لصاحب الخمسة: خمسة (¬6) عشر، ولك ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" 3/ 609. (¬2) "سنن الترمذي" (1331). (¬3) ساقطة من (م). (¬4) في (ل)، (م): زيد. (¬5) ساقطة من (م). (¬6) ساقطة من (م).

تسعة، وقد استويتم في الأكل، فأكلت ثمانية وبقي لك واحد، وأكل صاحبك ثمانية وبقي له سبعة، وأكل الثالث ثمانية، فسبعة لصاحبك وواحد لك (¬1). وقد أخرج أحمد في "المناقب" أنه لما توجه إلى اليمن وجد أربعة وقعوا في حفرة، وتعلق بعضهم ببعض، فماتوا .. إلى آخرها (¬2). ¬

_ (¬1) ذكرها أيضا المحب الطبري في "الرياض النضرة في مناقب العشرة" (1478) وعزاها للقلعي. (¬2) "فضائل الصحابة" 2/ 722 (1239).

7 - باب في قضاء القاضي إذا أخطأ

7 - باب في قَضاءِ القاضي إِذا أَخْطَأَ 3583 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّما أَنا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ ما أَسْمَعُ مِنْهُ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ بِشَيء فَلا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّما أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النّارِ" (¬1). 3584 - حَدَّثَنا الرَّبِيعُ بْنُ نافِعٍ أَبُو تَوْبَةَ، حَدَّثَنا ابن المُبارَكِ عَنْ أُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قالَتْ: أَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلانِ يَخْتَصِمانِ في مَوارِيثَ لَهُما لَمْ تَكُنْ لَهُما بيِّنَة إِلا دَعْواهُما فَقالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ مِثْلَهُ فَبَكَى الرَّجُلانِ وقالَ: كُلُّ واحِدٍ مِنْهُما حَقّي لَكَ. فَقالَ لَهُما النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَما إِذْ فَعَلْتُما ما فَعَلْتُما فاقْتَسِما وَتَوَخَّيا الحَقَّ. ثُمَّ اسْتَهِما ثُمَّ تَحالَّا" (¬2). 3585 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى الرّازيُّ، أَخْبَرَنا عِيسَى، حَدَّثَنا أُسامَةُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رافِعٍ قالَ: سَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ، عَنِ النَّبىِّ - صلى الله عليه وسلم - بهذا الحَدِيثِ قالَ: يَخْتَصِمانِ في مَوارِيثَ وَأَشْياءَ قَدْ دَرَسَتْ. فَقالَ: "إِنّي إِنَّما أَقْضي بَيْنَكُمْ بِرَأْيي فِيما لَمْ يُنْزَلْ عَليَّ فِيهِ" (¬3). 3586 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ داوُدَ المَهْريُّ، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابن شِهابٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ -رضي الله عنه- قالَ وَهوَ عَلَى الِمنْبَرِ: يا أيُّها النّاسُ إِنَّ الرَّأي إِنَّما كانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُصِيبًا؛ لأَنَّ اللهَ كانَ يُرِيهِ؛ وَإنَّما هُوَ مِنّا الظَّنُّ والتَّكَلُّفُ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2680)، ومسلم (1713). (¬2) رواه أحمد 6/ 320. وحسنه الألباني في "الإرواء" (1423). (¬3) السابق. (¬4) رواه البيهقي في "الكبرى" 10/ 117، وفي "المدخل" (210)، وابن عبد البر في=

3587 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبّيُّ، أَخْبَرَنا مُعاذُ بْنُ مُعاذٍ، قالَ: أَخْبَرَني أَبُو عُثْمانَ الشّاميُّ وَلا إِخالُني رَأَيْتُ شامِيّا أَفْضَلَ مِنْهُ. يَعْني: حَرِيزَ بْنَ عُثْمانَ (¬1). * * * باب في قضاء القاضي إذا أخطأ [3583] (ثنا محمد بن كثير) العبدي المصيصي (أنا سفيان) بن عيينة (¬2) (عن هشام بن عروة) بن الزبير بن العوام [الأسدي (عن) أبيه (عروة) بن الزبير بن العوام] (¬3) (عن زينب بنت أم سلمة) وهي بنت أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي، وكان اسمها برة، فسماها رسول الله: زينب، سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - عند البخاري (¬4). (عن) أمها (أم سلمة) هند بنت أبي أمية زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - (قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) زاد في رواية الصحيحين (¬5): أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع جلبة خصم بباب حجرته، فخرج إليهم، فقال: (إنما) هي هنا للحصر المجازي؛ لأنه حصر خاص. أي: باعتبار علم الباطن، ويسمى هذا ¬

_ ="جامع بيان العلم وفضله" 2/ 1040. وقال الألباني: ضعيف مقطوع. (¬1) هذا خبر فيه تنويه بفضل حريز بن عثمان، وليس بحديث. (¬2) كذا في الأصول: بن عيينة. وقال ابن حجر في "الفتح" 12/ 339: سفيان هو الثوري. قلت: وفي "سنن البيهقي" 10/ 251 من طريق الدارمي عن محمد بن كثير قال: أنبأنا سفيان الثوري. ثم قال البيهقي: رواه البخاري في "الصحيح" عن محمد بن كثير. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) "صحيح البخاري" (3492). (¬5) "صحيح البخاري" (7185)، "صحيح مسلم" (5/ 1713).

عند أهل البيان قصرًا. قلت: لأنه أتى به للرد على من يزعم أن من كان رسولًا يعلم الغيب ولا يخفى عليه المظلوم ونحو ذلك (أنا بشر) أي: من الخلق سمِّي بذلك لظهور البشرية، والبشر يطلق على الواحد، كما في هذا الحديث، وعلى الجمع نحو قوله تعالى: {نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36)} (¬1). والمراد بقوله: (إنما أنا بشر) أي: إنما أنا مشارك لغيري من البشر في صفاتهم الخلقية، وإن زاد عليهم بما أعطاه الله تعالى من المعجزات الظاهرة وإطلاعه على الغيوب، حيث أطلعه الله تعالى، ولكن إنما نحكم بين الناس بالظاهر، والله متولي السرائر، فيحكم بالبينة واليمين ونحوهما من أحكام الظاهر مع جواز كون الباطن على خلافه، ومثله حديث: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله" (¬2). وقوله في المتلاعنين: "لولا الأيمان لكان لي ولها شأن" (¬3) لكن لما كان أمته مثله ومأمورون باتباعه والاقتداء به، جعل له من الحكم ما يكون حكمًا لهم؛ لأن الحكم بالظاهر أطيب للقلوب وأسكن للنفوس، وهذا نحو قوله تعالى: {إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} (¬4). ¬

_ (¬1) المدثر: 36. (¬2) رواه البخاري (25)، ومسلم (20) من حديث ابن عمر، وقد تقدم عند أبي داود برقم (1556، 2640) من حديث أبي هريرة، (2641، 2642) من حديث أنس. (¬3) تقدم عند أبي داود برقم (2256) من حديث ابن عباس. (¬4) الكهف: 110.

(وإنكم تختصمون إلى) في الأحكام (ولعل بعضكم أن يكون) فيه شاهد على اقتران (أن) بخبر (لعل) حملًا لها على (عسى)، يقول الشَّاعر: لعلك يومًا أن تلم ملمة ... عليك من اللائي يدعنك أجدعا (¬1) (ألحن) بالنصب خبر (كان) (بحجته من بعض) ومعنى (ألحن) أفطن لها. ويجوز أن يكون معناه: أفصح تعبيرًا عنها وأظهر احتجاجًا، يخيل أنه محق، وهو في الحقيقة مبطل. والأظهر أن معناه: أبلغ، كما في رواية الصحيحين (¬2)، أي: أحسن إيرادًا للكلام. ولا بد في هذا الكلام من محذوف لتصحيح معناه. أي: وهو كاذب. ويسمى هذا عند الأصوليين دلالة اقتضاء؛ لأن هذا المحذوف اقتضاه اللفظ الظاهر المذكور بعده وهو قوله بعده في رواية الصحيحين: "فأحسب أنه صادق" (¬3). فاقتضى هذا أن الذي ألحن به حجته. (فأقضى له على نحو) بالتنوين (مما أسمع) منكم. كذا لابن ماجه (¬4). فيه أن الحاكم يحكم بظاهر ما يسمع من الألفاظ، والله تعالى متولي السرائر يحكم بها يوم القيامة، وأما في الدنيا فيحكم بالظاهر. ¬

_ (¬1) البيت لمتمم بن نويرة، انظر "الكامل" للمبرد 1/ 163، "المقتضب" 3/ 74، "خزانة الأدب" 5/ 337، "لسان العرب" 5/ 3082 (علل). (¬2) "صحيح البخاري" (2458)، "صحيح مسلم" (1713/ 5). (¬3) "صحيح البخاري" (7181)، "صحيح مسلم" (1713/ 5). (¬4) "سنن ابن ماجه" (2317).

(فمن قضيت له من حق أخيه) المسلم، كما هو مصرح به في الصحيحين (¬1) (بشيء) والمسلم هنا لا مفهوم له؛ لأنه خرج مخرج الغالب؛ وإلا فالذمي والمعاهد كذلك، أو هو من باب التهييج كما سبق (فلا يأخذ منه شيئًا، فإنما أقطع له قطعة) بكسر القاف. أي: طائف (من النار) زاد ابن ماجه: "يأتي بها يوم القيامة" (¬2) أي: حاملًا لها مع أثقاله، وأطلق عليه نارًا؛ لأنه سبب لحصول النار، فهو من باب التشبيه، وهذا كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} (¬3). [3584] (ثنا الربيع بن نافع) الحلبي كنيته (أبو توبة) شيخ الشيخين (ثنا) عبد الله (بن المبارك، عن أسامة بن زيد) بن أسلم المدني مولى عمر -رضي الله عنه- قال النسائي وغيره: ليس بالقوي. قال ابن سعد: توفي زمن المنصور (¬4). (عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة) زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، يكنى أبا رافع. أخرج له مسلم. (عن أم سلمة قالت: أتى (¬5) رسول) بالنصب مفعول مقدم (الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (7181)، "صحيح مسلم" (1713/ 5). (¬2) "سنن ابن ماجه" (2317). (¬3) النساء: 10. (¬4) كذا في النسخ: بن أسلم المدني مولى عمر -رضي الله عنه-. قال النسائي وغيره: ليس بالقوي. قال ابن سعد: توفي زمن المنصور، وهو خطأ. والصواب أنه الليثي، انظر "تهذيب الكمال" 2/ 347. (¬5) ساقطة من (م).

رجلان يختصمان في مواريث) غير منصرف، سيأتي في رواية: قد درست (¬1). (لهما) و (لم يكن لهما بينة) الظاهر ولا لأحدهما (إلا دعواهما، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -) الحديث (فذكر مثله) وفيه: "فإنما أقطع له قطعة من النار" (¬2). ويؤخذ من هذا الحديث استحباب وعظ الحاكم الخصم قبل التحاكم، لا سيما إذا قامت عنده قرينة بإبطال أحد (¬3) الخصمين، كما في حديث المتلاعنين: "أحدكما كاذب، فهل منكما تائب، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة" (¬4). ويلحق بالحاكم المفتي إذا جاءه من يستفتيه، وظهرت له قرينة بإبطال ما يستفتيه. (فبكى الرجلان) يعني: حين سمعا ذكر النار والتوعد بها (وقال: كل واحد منهما) قد جعلت، أو وهبت (حقي لك) يا رسول الله. فيه دليل على هبة المجهول وهبة ما يدعيه قبل ثبوته، وفيه هبة الحاكم بحضرة خصمه، ولا يكون هذا رشوة، وفيه: جواز هبة الشريك قبل أن يستأذن شريكه إذا كان حاضرًا (فقال لهما النبي - صلى الله عليه وسلم -: أما) بتخفيف الميم، يحتمل أن يكون بمعنى حقًّا (إذ) يجوز أن تكون للتعليل كما قيل في قوله تعالى: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ} (¬5). ¬

_ (¬1) هو الحديث الآتي بعد هذا. (¬2) هو الحديث السابق على هذا. (¬3) في (ل)، (م): إحدى، والجادة ما أثبتناه. (¬4) رواه بهذا اللفظ البيهقي 7/ 394. (¬5) الكهف: 16.

(فعلتما مما فعلتما فاقتسما) يحتمل زيادة [الفاء] (¬1) فقد قيد الفراء والأعلم جواز زيادتها أن تكون داخلة على أمر أو نهي، وحمل عليه: لا تجزعي إن منفسًا أهلكته ... فإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي (¬2) وتقدير الكلام على هذا: فاقتسما هذا الذي تدافعتماه؛ لأنكما فعلتما ما فعلتماه من الخروج عنه خوفًا من نار جهنم. وفيه: أن الهبة لا تصح إلا بالقبول، فحيث لم يقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - لم تصح الهبة، ولهذا اقتصر على قوله: (اقتسما) من غير أن يذكر إعادة الموهوب لهما، وأيضًا فالهبة لا تنتقل إلى ملك الموهوب إلا بالقبض، ولا قبض هُنا. وفيه دليل على أن الخصمين إذا تداعيا عينًا في يد ثالث [أو لا يد عليها] (¬3) ولا بينة لهما أنها تقسم بينهما، وكذا إذا أقام كل منهما بينة، فإنهما يتعارضان حيث لا ترجيح، وكأنه لا بينة لهما، وكان قول كل واحد منهما: حقي لك. لا اعتبار به؛ لأنها هبة باطلة (وتوخيا) بفتح الخاء المعجمة المشددة. قال في "النهاية": أي: اقصدا. (الحق) فيما تصنعانه من القسمة (¬4). ¬

_ (¬1) ليست في (ل)، (م) والسياق يقتضيها. (¬2) البيت للنمر بن تولب -رضي الله عنه-، انظر: "الكتاب" لسيبويه 1/ 28، 134. (¬3) في الأصل: (لا يدعيا) ولا معنى لها، والمثبت مفهوم ما في "البيان" للعمراني 3/ 161. (¬4) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 5/ 164.

يقال: توخيت الشيء أتوخاه توخيا: إذا قصدت إليه وتعمدت فعله (ثم استهما) أي: ليأخذ كل واحد منكما [ما تخرجه القرعة من القسمة؛ ليتميز بينهما كل واحد منكما] (¬1) عن الآخر. وفيه: الأمر بالقرعة عند المساواة أو المشاححة. وقد وردت القرعة في كتاب الله تعالى في قوله: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ} (¬2) وقوله: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141)} (¬3) وجاءت في خمس أحاديث من السنة: أحدها: هذا الحديث، وفي الثاني: في أنه كان إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه (¬4). والثالث: أقرع في ستة مملوكين (¬5). والرابع: قوله: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول لاستهموا عليه" (¬6)، والخامس: حديث الزبير أن صفية جاءت بثوبين؛ لتكفن فيهما حمزة فوجدنا إلى جنبه قتيلًا، فقلنا: لحمزة ثوب وللأنصاري ثوب. فوجدنا أحد الثوبين أوسع من الآخر، فأقرعنا عليهما، ثم كفَّنَّا كل واحد في الثوب الذي خرج له (¬7). ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) آل عمران: 44. (¬3) الصافات: 141. (¬4) رواه البخاري (2593)، ومسلم (2445) من حديث عائشة، وقد سبق برقم (2138). (¬5) رواه مسلم (4425) من حديث عمران بن حصين. (¬6) رواه البخاري (615)، مسلم (437) من حديث أبي هريرة. (¬7) رواه أحمد 1/ 165، والبزار 1/ 179 (980)، وأبو يعلي 2/ 45 (686)، وابن الأعرابي في "المعجم" (1631)، والبيهقيّ 3/ 401، 402. قال الهيثمي في "المجمع" 6/ 118: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار، وفيه عبد الرحمن بن أبي الزناد، وهو ضعيف، وقد وثق. وصححه الألباني في "الإرواء" (711).

وتشاح الناس يوم القادسية في الأذان، فأقرع بينهم سعد (¬1). (ثم تحالاَّ) بتشديد اللام المتصلة بألف التثنية. أي: ليسأل كل واحد منهما صاحبه أن يجعله في حل من قبله بإبراء ذمته، وقد يؤخذ منه صحة الإبراء من المجهول، فإن الذي يبرئ ذمة كل واحد منهما غير معلوم في الحديث. [3585] (ثنا إبراهيم بن موسى الرازي) شيخ الشيخين (أنا عيسى) بن يونس بن أبي إسحاق [أبو] (¬2) عمرو الهمداني الكوفيِّ (ثنا أسامة) بن زيد الليثي (عن عبد الله بن رافع) مولى أم سلمة (قال: سمعت أم سلمة) زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - (بهذا الحديث) المذكور و (قال) في هذِه الرِّواية (يختصمان في مواريث) وزاد هنا (وأشياء قد درست) (¬3) بفتح الراء، يقال: دَرَسَ المنزل دروسًا كقعد قُعودًا إذا عفى وخفيت آثاره (فقال: إني إنما أقضي بينكم برأيي) هذا الحديث مما استدل به الأصوليون على العمل بالقياس، وأنَّه حجة، وكذا استدلوا بحديث بعث معاذ إلى اليمن كما سيأتي في باب اجتهاد الرأي (¬4). والصحيح الذي عليه الأئمة الأربعة وجمهور العلماء أن القياس أحد ¬

_ (¬1) علقه البخاري قبل حديث (615) دون ذكر القادسية قال الحافظ في "الفتح" 2/ 96: أخرجه سعيد بن منصور والبيهقيّ 10/ 428 من طريق أبي عبيد "غريب الحديث" 2/ 141 عن هشيم عن عبد الله بن شبرمة. قال: وهذا منقطع، وقد وصله سيف بن عمر في "الفتوح" والطبري من طريقه. (¬2) ليست في النسخ، والمثبت من "تهذيب الكمال" 23/ 62. (¬3) بعدها في (ل): خـ: درس. (¬4) سيأتي برقم (3592).

الأدلة الشرعية كما سيأتي (¬1)، وخالف في ذلك ابن حزم، وأجاب ابن حزم في كتاب "النكت" له في إبطال الأمور الخمسة: التقليد، والقياس، والرأي، والاستحسان. والتعليل عن هذا الحديث بأنه غير صحيح؛ لأنه من رواية أسامة الليثي، وهو ضعيف، ولأن رأي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حق لا يلحق به غيره؛ لأنه لا ينطق عن الهوى (¬2)، قال الله: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} (¬3) وسيأتي في حديث معاذ جوابه عنه (فيما) أي: في كل ما (لم ينزل) بضم أوله، ويجوز تشديد الزاي وتخفيفها مع فتحها على البناء للمفعول (¬4)، وكسرها على البناء للفاعل (عليَّ فيه) شيء والمراد بالحديث -والله أعلم- أن ما لم ينزل الله علي فيه وحيًا (¬5) انظر فيه، وأحكم فيه برأيي الجاري على سنن الوحي. ولهذا قلنا: إن هذا الحديث وحديث معاذ أصل في القياس، وهو يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا ظهر له رأي فهو صواب؛ لأنه لا ينطق عن الهوى. [3586] ([حدثنا] (¬6) سليمان بن داود المهري) بفتح الميم (قال: أنا) عبد الله (ابن وهب، عن يونس (¬7) بن يزيد) الأيلي (عن) محمد (ابن ¬

_ (¬1) انظر: "الرسالة" 1/ 476، "الفصول في الأصول" 4/ 23، و "رسالة في أصول الفقه" للعكبري 1/ 65. (¬2) "الإحكام" 5/ 136. (¬3) النساء: 105. (¬4) في (ل)، (م): للفاعل، والمثبت هو الصواب .. (¬5) في النسخ، وحي، والجادة ما أثبتناه. (¬6) زيادة يقتضيها السياق مثبتة من "السنن". (¬7) فوقها في (ل): (ع).

شهاب) الزُّهريّ (أن عمر بن الخطاب) هذا منقطع؛ لأن الزُّهريّ لم يدرك عمر -رضي الله عنه- ([قال وهو على المنبر] (¬1): يا أيها الناس، إن الرأي إنما كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصيبًا) فيه، معصومًا من الخطأ (لأن الله تعالى كان يريه) الصواب، كما قال تعالى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} (¬2) تعالى، بواسطة نظره واجتهاده في أحكام الكتاب وأدلته. وفيه دليل على هذا بأنه -عليه السلام- كان يجتهد فيما لا نص فيه عنده من الحوادث، وهي مسألة خلاف في أصول الفقه، [وهذا الحديث] (¬3) والآية حجة لمن أجاز؛ ولأن الاجتهاد منصب كمال، فلا ينبغي أن يفوته عليه الصلاة والسلام. وقد دل على وقوعه منه قوله -عليه السلام-: "لو قلت: نعم لوجبت" (¬4) و "لو سمعت شعرها قبل أن أقتله لم أقتله" (¬5) في قضيتين مشهورتين، و (إنما هو) يعني: الرأي (منا الظن) الغالب الذي لا تعين فيه (والتكلف) الشديد في استنباط الحكم الشرعي من الكتاب والسنة؛ ولهذا كان طريقه الاجتهاد، بخلاف اجتهاده - صلى الله عليه وسلم -، فإنَّه قادر على اليقين، وهو معصوم من الخطأ وجميع الأنبياء عليهم السلام. * * * ¬

_ (¬1) زيادة من "السنن". (¬2) النساء: 105. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) رواه مسلم (1337) من حديث أبي هريرة. (¬5) لم أجده مسندًا، وقد ذكره ابن هشام في "سيرته" 2/ 421، وابن الأثير في "أسد الغابة" 7/ 242 في ترجمة قتيلة بنت النضر.

8 - باب كيف يجلس الخصمان بين يدى القاضي

8 - باب كَيْفَ يَجْلِسُ الخَصْمان بينَ يَدى القاضي 3588 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن مَنِيع، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ المبارَكِ، حَدَّثَنا مُصْعَبُ بْنُ ثابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قالَ: قَضَى رَسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ الخَصْمَيْنِ يَقْعدانِ بَيْنَ يَدى الحَكَمِ (¬1). * * * باب كيف يجلس الخصمان بين يدي القاضي [3588] (ثنا أحمد بن منيع) بفتح الميم، وكسر النون، البغوي الحافظ، صاحب "المسند" (ثنا عبد الله بن المبارك، ثنا مصعب بن ثابت) بن عبد الله بن الزبير الأسدي المديني، روى عن جدِّه مرسلًا وعن أبيه وعمه عامر، قال أبو حاتم: صدوق كثير الغلط (¬2). وقال النسائي وغيره: ليس بالقوي (¬3). (عن) جده عبد الله (بن الزبير -رضي الله عنه- قال: قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الخصمين) إذا تداعيا (يقعدان بين يدي الحاكم) (¬4) كما تقدم قبله. * * * ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 4. وقال الألباني: ضعيف الإسناد. (¬2) "الجرح والتعديل" 8/ 304. (¬3) "المجتبى" 8/ 90. (¬4) في هامش (ل): الحكم، وفوقها: خ.

9 - باب القاضي يقضي وهو غضبان

9 - باب القاضي يَقْضي وَهو غَضْبانُ 3589 - حَدَّثَنا محَمَّد بْن كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سفْيانُ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيْرِ، حَدَّثَنا عَبْد الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ أنَّهُ كَتَبَ إِلَى ابنهِ قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَقْضي الحَكَمُ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبانُ" (¬1). * * * باب: القاضي يقضي وهو غضبان [3589] (ثنا محمد بن كثير، أنا سفيان، عن عبد الملك بن عمير) الكوفيِّ رأى علي بن أبي طالب (ثنا عبد الرحمن بن أبي بكرة) الثَّقفيُّ، أول مولود بالبصرة (عن أبيه) أبي بكرة نفيع بن الحارث الثَّقفيُّ الطائفي (أنه كتب إلى ابنه) لفظ رواية مسلم: عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: كتب أبي- وكتبت له- إلى عبد الله بن أبي بكرة وهو قاضٍ بسجستان (¬2). (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يقضي) رواية النسائي أن عبد الرحمن قال: كتب إلى أبو بكرة: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول (¬3). وفيه دليل على أن الكتاب بالحديث كالسماع من الشيخ في وجوب العمل به (الحكم) بفتح الحاء والكاف. يعني: الحاكم كقولهم في المثل: في بيته يؤتى الحكم (¬4). ومن أسماء الله تعالى الحكم. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (7158)، ومسلم (1717). (¬2) "صحيح مسلم" (1717). (¬3) "المجتبي" 8/ 247. (¬4) رواه أبو الشيخ في "أمثال الحديث" (326) عن النُّعمان بن بشير، ورواه البغوي في "الجعديات" (1728)، وعمر بن شبه في "تاريخ المدينة" 2/ 755 ووكيع في "أخبار=

وفي الحديث أن أبا شريح كان يكنى أبا الحكم، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله هو الحكم" وكناه أبا شريح (¬1). (بين اثنين) هذا أقل ما يتأتى فيه الحكم، وإلا فقد يحكم بين ثلاثة فصاعدًا، المفهوم العدد غير معمول (¬2) به هنا؛ لكونه خرج مخرج الغالب (وهو غضبان) جملة اسمية في موضع نصب على الحال. أي: لا يقضي في حال غضبه، قالوا: علة النهي عنه لما يحدث للنفس بسبب الغضب من التشويش الموجب لاختلال النظر في المسائل الاجتهادية، وبهذا يظهر مناسبة ذكر هذا الحديث بعد ما قبله، ودقة نظر المصنف في ترتيب الأحاديث والأبواب لمن تدبر ذلك. وقاس الفقهاء عليه كل ما كان في معناه من مشوشات الفكر الآتية، وهذا القياس أحد أنواع الأسماء الخمسة، ووجهه أن ترتيب حكم القضاء على وصف الغضب فيه إنما يشعر بأنه هو علة النهي، لكنا نعلم أن خصوص كونه غضبًا لا مناسبة فيه، فيلزم أن يكون متغيرًا من جهة عمومه، وهو كونه مشوشًا للفكر. وهذا الوصف غير مذكور، لكنَّه هو المناسب يلزم أن يلحق به ما في معناه من الجوع وغيره كما سيأتي، فظهر بهذا أن العلة في الحقيقة هو التشويش لا الغضب. وقال الإمام فخر الدين: لا مناسبة بين التشويش والغضب؛ لأن التشويش إنما ينشأ عن الغضب الشديد لا عن مطلقه، ¬

_ =القضاة" 1/ 108، والبيهقيّ 1/ 136 عن عمر بن الخطاب. (¬1) سيأتي عند أبي داود برقم (4955) من حديثه. (¬2) في النسخ: معلوم، ولعل مراد المصنف ما أثبتناه.

فلا يصلح للغلبة. والجواب أن وصف الغضب مظنة التشويش الذي هو الحكمة، ولما كانت الحكمة التي هي تشويش الذهن غير منضبطة علق الحكم على مظنتها وهو الغضب، كالسفر مع المشقة. ويقوي هذا حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا: "لا يقضي القاضي إلا وهو شبعان ريان"، رواه البيهقي (¬1)، ورواية الشافعي بلفظ: "لا يحكم الحاكم، ولا يقضي بين اثنين وهو غضبان" (¬2) ويلحق بالغضب كل حال يخرج بها الحاكم عن سداد النظر واستقامة الحال، كالشبع المفرط، والقلق، والهم المضجر، والفرح المفرط، ومدافعة الحدث، والتوقان إلى الطَّعام، والمرض المؤلم، والنعاس الغالب، ويدخل في عمومه عموم الأمكنة المشوشة لضيق المكان لزحمة ونحوها، وأن يكون المجالس لا يتمكن فيه من القعود؛ لكثرة شوك ونحوه. وكذا عموم الأزمنة كشدة برد الشتاء، وحر الصيف، ونحو ذلك. وأما حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - في حال غضبه في اللقطة وقصة الزبير في السقي ونحوهما، أن الغضب في العلة عام مخصوص بغير النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي هو ¬

_ (¬1) "السنن الكبرى" 10/ 105، ورواه أيضاً الطبراني في "الأوسط" 5/ 36 (4603)، والحارث بن أبي أسامة في "مسنده" كما في "بغية الباحث" (460)، والدارقطني 4/ 189، ووكيع في "أخبار القضاة" 1/ 83، وابن عدي في "الكامل" 7/ 151. قال الحافظ في "التلخيص الحبير" 4/ 189: فيه القاسم العمري، وهو متهم بالوضع. وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة": موضوع. (¬2) "الأم" 7/ 99.

معصوم من اختلال الحكم عند الغضب؛ لعصمته، فلا يقول في حالة الغضب والرضا إلا حقًّا، كما جاء في "الصحيح" حين قال الصحابي: أكتب عنك ما تقول في الرضا والغضب؟ وخصص بعضهم الغضب المانع من الحكم أن يكون لغير الله، فأمَّا الغضب لله كغضبه - صلى الله عليه وسلم - فلا يمنع جواز الحكم. * * *

10 - باب الحكم بين أهل الذمة

10 - باب الحكْمِ بينَ أَهْل الذّمَّةِ 3590 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزيُّ، حَدَّثَني عَليُّ بْنُ حُسَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْويِّ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} فَنُسِخَتْ قالَ: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} (¬1). 3591 - حَدَّثَنا عَبْد اللهِ بْنُ محَمَّدٍ النُّفَيْليّ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن إِسْحاق، عَنْ داوُدَ بْنِ الحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: لَمّا نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} الآيَةَ قالَ: كانَ بَنُو النَّضِيرِ إِذا قَتَلُوا مِنْ بَني قريظَةَ أَدَّوْا نِصْف الدِّيَةِ وِاذا قَتَلَ بَنُو قُرَيْظَةَ مِنْ بَني النَّضِيرِ أَدَّوْا إِلَيْهِمُ الدِّيَةَ كامِلَةً فَسَوى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَهمْ (¬2). * * * باب: الحكم بين أهل الذمة [3590] (ثنا أحمد (¬3) بن محمد المروزي) من كبار الأئمة (حدثني علي بن حسين) بن واقد المروزي، قواه غير ابن أبي حاتم (عن أبيه) حسين بن واقد المروزي، قاضي مرو، مولى عبد الله بن عامر، أخرج له مسلم في غير موضع (عن يزيد) بن أبي سعيد (النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما) في قوله تعالى: {فَإِنْ جَاءُوكَ}) ¬

_ (¬1) رواه النسائي في "الكبرى" (6336). وقال الألباني: حسن الإسناد. (¬2) رواه النسائي 8/ 19، وأحمد 1/ 363. وقال الألباني: حسن صحيح الإسناد. (¬3) فوقها في (ل): (د).

يعني: أهل الكتاب ({فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ}) إن شئت {أَوْ أَعْرِضْ}) (¬1) أي: عن الحكم بينهم وهذا تخيير للنبي - صلى الله عليه وسلم - في الحكم بين أهل الكتاب إذا تحاكموا إليه، إن شاء حكم وإن شاء ترك، وكان هذا هو الأصلح في أول الإسلام أن يردُّوا إلى أحكامهم إن شاؤوا، فلما قوي الإسلام نسخت هذِه الآية بما بعدها حيث قال: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ} قيل: هذا ناسخ للتخيير. والمشهور عند المفسرين أنه خيَّره أولاً، فتساوى الأمران (¬2)، ثم رجح ثانيًا بالندب في قوله: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ} دون إيجاب، ثم أوجب بالثاني قوله: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ}. ومما يرجع أن الثاني هو أن الحكم هو الناسخ دون {فَاحْكُمْ} أن فيه ذكر العلة وهو {أَنْ يَفْتِنُوكَ} (¬3) فإنَّه علة للحكم، والمعنى: أن أحكم بينهم جزماً بسرعة لئلا يفتنوك، فإن الدليل الذي فيه ذكر العلة مقدم على ما ليس فيه ذكر العلة. [3591] (ثنا عبد الله بن محمد النفيلي، ثنا محمد بن سلمة) بفتح السين أوله، واللام، ابن عبد الله المرادي، أخرج له مسلم (عن محمد بن إسحاق) صاحب "المغازي" (عن داود بن الحصين) القرشي. (عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما نزلت) قوله تعالى: ({وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ}) كما تقدم ({وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ}) أي: العدل السواء، الآية إلى آخرها (وكان ¬

_ (¬1) المائدة: 42. (¬2) في (ل)، (م): الأمرين، والجادة ما أثبتناه. (¬3) المائدة: 49.

بنو النضير إذا قتلوا) رجلًا من بني قريظة (أدوا) إليهم (نصف الدية) لكون بني النضير أشرف من قريظة، وهما قبيلتان من اليهود. (وإذا قتل بنو قريظة) أي واحد منهم (رجلًا من بني النضير أدَّوا إليهم الدِّية كاملة) رواية النسائي: كان قريظة والنضير، وكان النضير أشرف من قريظة، وكان إذا قتل رجل من قريظة رجلًا من النضير قتل به، وإذا قتل رجل من بني النضير رجلًا من قريظة ودوا مائة وسق من تمر، فلما بُعِث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتل رجل من النضير رجلًا من قريظة، فقالوا: ادفعوه إلينا لنقتله. فقالوا: بيننا وبينكم النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتوه، فنزلت {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} (¬1)، (فسوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهم) أي: بين الشريف والوضيع والقوي والضعيف، فإنَّما ترحمون وتنصرون بضعفائكم، ونزلت {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (¬2) {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} (¬3). * * * ¬

_ (¬1) "المجتبى" 8/ 18. (¬2) المائدة: 45. (¬3) المائدة: 50.

11 - باب اجتهاد الرأي في القضاء

11 - باب اجتِهادِ الرَّأي في القَضاءِ 3592 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ شعْبَةَ، عَنْ أَبي عَوْنٍ عَنِ الحارِثِ بْنِ عَمْرِو ابْنِ أَخي المغِيرَة بْنِ شعْبَةَ، عَنْ أُناسٍ مِنْ أَهْلِ حِمْصَ مِنْ أَصْحابِ معاذِ بْنِ جَبَل أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لما أرادَ أَنْ يَبْعَثَ مُعاذًا إِلَى اليَمَنِ قالَ: "كيْفَ تَقْضي إِذا عَرَضَ لَكَ قَضاء". قالَ: أَقْضي بِكِتابِ اللهِ. قالَ: "فَإِنْ لَمْ تَجِدْ في كِتاب اللهِ! ". قالَ: فَبِسُنَّةِ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قالَ: "فَإِنْ لَمْ تَجِدْ في سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلا في كِتاب اللهِ! ". قالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيي وَلا آلو. فَضَرَبَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَدْرَهُ وقالَ: "الحَمْدُ لله الذي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللهِ لِما يُرْضي رَسُولَ اللهِ" (¬1). 3593 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحيَى، عَنْ شُعْبَةَ حَدَّثَني أَبو عَوْنٍ، عَنِ الحارِثِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ ناس مِنْ أَصْحابِ مُعاذ، عَنْ مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمّا بَعَثَه إِلَى اليَمَنِ فَذَكَرَ مَعْناه (¬2). * * * باب اجتهاد الرأي في القضاء [3592] (ثنا حفص بن عمر) بن الحارث بن سخبرة الأزدي الحوضي شيخ البخاري (عن شعبة) (¬3) بن الحجاج العتكي الأزدي (عن أبي عون) واسمه محمد بن عبيد الله بن سعيد الثَّقفيُّ، أخرج له الشيخان (عن الحارث بن عمرو بن أخي المغيرة بن شعبة) قال ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1328)، وأحمد 5/ 230. وقال الألباني في "الضعيفة" (881): منكر. (¬2) هذا الحديث مكرر الحديث السابق. (¬3) فوقها في (ل): (ع).

البخاري: عن (¬1) أصحاب معاذ (¬2). وقال الدارقطني في "العلل": رواه شعبة عن أبي عون هكذا، وأرسله ابن مهدي وآخرون عنه، والمرسل أصح (¬3). وقال البخاري في "التاريخ الكبير": الحارث بن عمرو [ابن] (¬4) أخي المغيرة بن شعبة الثَّقفيُّ، عن أصحاب معاذ، عن معاذ، وروى عنه أبو عون ولا يصح، ولا يعرف إلا بهذا مرسل (¬5). (عن أناس من أهل حمص) وهي مدينة بالشام، لا يجوز فيها الصرف، كما يجوز في هند؛ لأنه اسم أعجمي، سميت برجل من العماليق يسمى حمص. (من أصحاب معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أراد أن يبعث معاذًا إلى اليمن قاضيًا قال: كيف تقضي إذا عرض) [مبني للفاعل] (¬6) (لكّ قضاء؟ ) وفي الحديث: دليل على أن الإمام الأعظم إذا كان في بلد فعليه أن يبعث القضاة إلى الأمصار غير بلده، كما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - عليًّا قاضيًا إلى اليمن (¬7). وأن من بعث قاضيًا، فإن لم يكن يعلمه، أو شك في أمره فيمتحنه بما يتعلق من العقود والأحكام، كما امتحن النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذًا حين بعثه. ¬

_ (¬1) في النسخ: هو من، والمثبت من "التاريخ الصَّغير". (¬2) "التاريخ الصَّغير" 1/ 268 - 269. (¬3) "علل الدارقطني" 6/ 88. (¬4) ساقطة من (ل، م)، والمثبت من "التاريخ الكبير". (¬5) "التاريخ الكبير" 2/ 277. (¬6) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬7) تقدم عند أبي داود برقم (3582).

ويترجح هذا عند تغير الأحوال وكثرة الحوادث (¬1)، وقد أمتحن البلقيني بعض القضاة لما تكلم في القضاء، فقال له: من يزوج المبعضة؟ فسكت، والمبعضة التي عتق بعضها، فيزوجها السيد والولي، ولا يجوز الاقتصار على أحدهما. (قال: أقضي بكتاب الله) فبدأ بكتاب الله تعالى؛ لأنه أصل لسائر الأدلة الشرعية لقوله تعالى: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} (¬2) ولهذا (قال: فإن لم تجد في كتاب الله؟ ) ولم يقل: فإن لم يكن في كتاب. لكنها رواية الترمذي (¬3). فما من حكم إلا وهو في كتاب الله؛ لقوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (¬4) لكن يخفى على كثير من الناس، وقد قال الشافعي: ليست تنزل بأحد في الدين نازلة إلا وهي في كتاب الله (¬5) (قال: فبسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) والسنة هي أقوال محمد - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله وما هم به، أو أوجبه، وإن لم يفعله. (قال: فإن لم تجد) ذلك (في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ولا في كتاب الله؟ قال: أجتهد) ولم يذكر الإجماع مع الأدلة، وهو مقدم مع القياس، لكن ترك ذكره هنا؛ لكونه ناشئًا عن الكتاب والسنة، ولا بد في مسنده من نص ثابت منهما أو قياس على نص، أو فعل من السنة، كإجماعهم على شحم ¬

_ (¬1) في (م): الأحوال. (¬2) النحل: 89. (¬3) "سنن الترمذي" (1327). (¬4) الأنعام: 38. (¬5) "الرسالة" 1/ 9.

الخنزير قياساً على لحمه، وإجماعهم على إمامة أبي بكر قياساً على تقديمه في الصلاة، ولم يذكر أيضاً الآثار المروية عن الصحابة التي لا تقال بالرأي؛ لأنها تابعة للسنة وداخلة فيها، ولا بد في الرأي من الاجتهاد، وقال الماوردي: هو بذل المجهود في بلوغ المقصود. (رأيي) فيه حذف حرف الجر تقديره: أجتهد فيه برأيي. أي: فكري إذا أشكل الحكم عَليَّ، يريد به الاجتهاد في ردِّ القضية العارضة إلى طريق من طرق القياس إلى معنى كتاب الله إن وجد به، وإلا إلى السنة، ولم يرد به الرأي يخطر له من قبل نفسه ويجري بباله من غير استناد إلى أصل كتاب أو سنة. وفي هذا بيان القياس وإيجاب الحكم به، وفيه دليل على أنه ليس للحاكم تقليد غيره فيما يريد أن يحكم به، وإن كان من يقلده أعلم منه وافقه حتى يجتهد فيما سمعه منه، فإن وافق رأيه واجتهاده أمضاه وإلا توقف فيه؛ لأن التقليد خارج عن هذِه الأقسام المذكورة في الحديث. (ولا آلو) بمد الهمزة؛ أي: لا أقصر في الاجتهاد ولا أترك بلوغ الوسع فيه، ومنه قوله تعالى: {لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا} (¬1)، أي: لا يقصرون في إفساد أموركم. وقوله - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة حين رآها تبكي من زواجها: "ما يبكيك؟ فما آلوتك ونفسي، وقد أصبت لك خير أهل" (¬2). أي: ما قصرت في أمرك وأمري حين اخترت لك عليًّا زوجًا (فضرب ¬

_ (¬1) آل عمران: 118. (¬2) رواه عبد الرزاق 5/ 486 (9782)، ومن طريق الطبراني في "الكبير" 22/ 410 (1022)، و "الأحاديث الطوال" (55) من حديث ابن عباس قال الهيثمي في=

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صدري) ليثبت في صدره ما ذكره في قضائه، وليحصل له بركة راحته الكريمة. وخص الصدر بالضرب؛ لكونه محل العلوم ومنبع الفهوم. (وقال: الحمد لله) فيه حمد الله على التوفيق إلى الصواب (الذي وفق رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وفيه مدح الرسول والتلميذ ونحوهما إذا ظهر منه الصواب في قول أو فعل في وجهه إذا كان فيه مصلحة، ولم يخف عليه إعجاب لكمال علمه ورسوخه في التقوى. وفيه منقبة لمعاذ -رضي الله عنه-. (فيما يُرضي) بضم أوله وكسر ثالثه (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -). فيه رضا الشيخ والإمام عن التلميذ وبعض عماله إذا ظهرت منه خصلة جميلة أو كثرة فضيلة. [3593] (ثنا مسدد، ثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن شعبة قال: حدثني أبو عون) محمد بن عبيد الله (عن الحارث بن عمرو) قال ابن حزم في كتابه المذكور قبله (¬1): الحارث بن عمرو مجهول (¬2). قال: وكيف يقول -عليه السلام-: "فإن لم تجد في كتاب الله" (¬3) وهو -عليه السلام- قد سُئل عن الحمر، فقال: "ما أنزل عليَّ فيها شيء غير هذِه الآية الفاذة: {مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} " (¬4) (¬5) ولم يحكم فيها -عليه السلام- بغير ¬

_ ="مجمع الزوائد" 9/ 208: فيه يحيى بن العلاء وهو متروك. (¬1) أي كتاب "النكت" ذكره قريبًا في الباب السابق. (¬2) ذكر ذلك أيضاً في "الأحكام" 6/ 773، "المحلى" 1/ 62. (¬3) هو الحديث المتقدم عند أبي داود. (¬4) الزلزلة: 7. (¬5) رواه البخاري (4962)، ومسلم (987) من حديث أبي هريرة.

الوحي، فكيف يجيز ذلك لغيره. (عن ناس من أصحاب معاذ، عن معاذ بن جبل - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما بعثه إلى اليمن، فذكر معناه) قال ابن طاهر في تصنيف له مفرد في الكلام على هذا الحديث: أعلم أني فحصت عن هذا الحديث في المسانيد الكبار والصغار، وسألت عنه من لقيته من أهل العلم، فلم أجد له غير طريقين: إحداهما: طريق شعبة، والأخرى: عن محمد بن جابر، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عن رجل من ثقيف، عن معاذ (¬1). وقد أخرجه الخَطيب في كتاب "الفقيه والمتفقه" من رواية عبد الرحمن ابن غنم، عن معاذ (¬2). * * * ¬

_ (¬1) صنف جزئين في الحديث أحدهما "طرق حديث معاذ وأبي موسى"، و "علة حديث معاذ في القياس". (¬2) لم أجده في كتاب "الفقيه والمتفقه" من طريق عبد الرحمن بن غنم مسندًا، إنما هو فيه 1/ 459، 2/ 68، 69، 70 من طريق الحارث بن عمرو عن ناس من أصحاب معاذ عنه على أنه أشار إليه في 1/ 471 قال: وقد قيل: إن عبادة بن نسي رواه عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ، وهذا إسناد متصل، ورجاله معروفون بالثقة.

12 - باب في الصلح

12 - باب في الصُّلْح 3594 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْن داوُدَ المَهْريُّ، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ أَخْبَرَني سلَيْمان بْنُ بِلالٍ ح، وَحَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الواحِدِ الدمَشْقيُّ، حَدَّثَنا مَرْوانُ- يَعْني ابن محَمَّدٍ - حَدَّثَنا سلَيْمان بْن بِلال أَوْ عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ محَمَّدٍ -شَكَّ الشَّيْخُ- عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الوَلِيدِ بْنِ رَباح، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الصُّلْحُ جائِز بَيْنَ المُسْلِمِينَ". زادَ أحْمَد: "إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرامًا أَوْ حَرَّمَ حَلالاً". وَزادَ سُلَيْمانُ بْن داوُدَ وقالَ رَسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ" (¬1). 3595 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن صالِحٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ أَخْبَرَني يونسُ، عَنِ ابن شِهابٍ، أَخْبَرَني عَبْدُ اللهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مالِك أنَّ كَعْبَ بْنَ مالِكٍ أَخْبَرَه أَنَّهُ تَقاضَى ابن أَبي حَدْرَدٍ دَيْنًا كانَ لَهُ عَلَيْهِ في عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في المَسْجِدِ فارْتَفَعَتْ أَصْواتُهُما حَتَّى سَمِعَهُما رَسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ في بَيْتِهِ فَخَرَجَ إِلَيْهِما رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حجْرَتِهِ وَنادى كَعْبَ بْنَ مالِكٍ فَقالَ: "يا كعْبُ". فَقالَ لَبَّيْكَ يا رَسُولَ اللهِ. فَأَشارَ لَهُ بِيَدِهِ أَنْ ضَعِ الشَّطْرَ مِنْ دَيْنِكَ قالَ كَعْب: قَدْ فَعَلْت يا رَسولَ اللهِ. قالَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "قُمْ فاقْضِهِ" (¬2). * * * باب في الصُّلح [3594] (ثنا سليمان بن داود المهري) بفتح الميم (أنا) عبد الله (ابن وهب، قال أخبرني سليمان بن بلال) القرشي التَّيميُّ (ح، وحدثنا أحمد بن ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 366. وحسنه الألباني في "الإرواء" (1420). (¬2) رواه البخاري (457)، ومسلم (1558).

عبد الواحد) التميمي (الدّمشقيُّ) بكسر الدال وفتح الميم، ثقة. (ثنا مروان بن محمد) الدّمشقيُّ الطاطري [كان] (¬1) عبداً قانتًا، ثقة، أخرج له مسلم (ثنا سليمان بن بلال) المدني مولى عبد الله بن أبي عتيق (أو عبد العزيز بن محمد) الدراوردي (شك الشيخ) أو أحد شيخيه (عن كثير بن زيد) الأسلمي المدني. قال أبو زرعة: صدوق (¬2). وقالَ ابن معين: ثقة (¬3). ورواه أحمد من حديث سليمان بن بلال، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة (¬4). (عن الوليد بن رباح) بفتح الراء والموحدة، مدني صدوق. (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الصلح) هل هو عام أو مختص؟ (¬5) وجهان مرويان في "البحر"، وهو على أصناف: صلح بين المسلمين والكفار وهو الهدنة، وصلح بين أهل البغي والعدل، وصلح بين الإخوان المتخاصمين، وصلح بين الزوجين عند الشقاق، وصلح بين المتداعيين في الأموال، فتارة يكون على الإنكار، وتارة يكون بمعنى البيع والإجارة والصرف، ولكل صنف منها أصل على حدته في الكتاب والسنة. وهذا الحديث يتناول مجموعها لعمومه، ومما يدل على العموم ¬

_ (¬1) زيادة يقتضيها السياق. (¬2) "الجرح والتعديل" 7/ 150. (¬3) "الجرح والتعديل" 7/ 150، وفيه: ليس بذاك القوي. "معرفة الرجال" 1/ 70، وفيه: ضعيف. (¬4) هو في "المسند" 2/ 366 من نفس طريق أبي داود. (¬5) في (ل)، (م) ما يشبه: مجمل، والمثبت هو الصواب.

مجيء الاستثناء بعده، فإن الاستثناء معيار العموم، وإذا قلنا بعمومه فالمراد به الصلح الحقيقي الذي تركن إليه النفوس ويزول به الخلاف، وترك المنازعة. (جائز) هذا من الجواز الذي يعم الواجب والمندوب والمباح، لا الجواز المستوي الطرفين، فإن الصلح يكون مندوبًا إليه كقوله تعالى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} (¬1) ويكون جائزًا، ويكون واجبًا، كما في بعض صور الصلح بين الزوجين إذا اشتد الشقاق بينهما، وبعث الحاكم حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها، وهو ظاهر الأمر في قوله تعالى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} (¬2). (بين المسلمين) هذا لا يختص بالمسلمين، بل الصلح بين الكافر والذمي والمسلم جائز أيضاً، فهذا مما خرج مخرج الغالب، فمفهوم صفة المسلمين غير معمول به. (زاد أحمد) بن عبد الواحد [على] (¬3) سليمان المهري (إلا صلح) بالرَّفع هكذا في نسخ أبي داود والترمذي (¬4)، وهو على البدل، فإنَّه استثناء منقطع من الأول، ويجوز النصب. والتقدير: لكن صلح أحلَّ حراماً أو حرَّم حلالًا غير جائز. (أحلَّ حرامًا) كان يصالح مما ادَّعاه على خمر، أو خنزير، أو من دين ¬

_ (¬1) النساء: 128. (¬2) الحجرات: 9. (¬3) ليست في النسخ أثبتناها ليستقيم السياق. (¬4) "سنن الترمذي" (1352) من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده، وفيه: (إلا صلحًا) بالنصب.

حال على مؤجل، أو من دراهم على أكثر منها. ومنه الصلح على إشراع جناح في الطريق؛ لأن الهواء لا يفرد بالعقد، وإنما يتبع القرار كالحمل مع الأم، ومنه الصلح على أن يبني في الطريق دكة أو حائطا ونحوه (أو حرم حلالاً) كان يصالح زوجته على أن يطلقها، أو لا يتزوج عليها، أو لا يبيت عند ضرتها. (وزاد سليمان بن داود) المهري في روايته (وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) هذِه الزيادة ذكرها الترمذي، وقال في آخرها: حديث حسن صحيح (¬1). ولم يتابع الترمذي على تصحيحه، فإن كثيرًا تكلم فيه الأئمة وضعفوه، وضرب الإمام أحمد على تصحيحه في "المسند" ولم يحدث به. و(المسلمون على شروطهم) وفي رواية: "والمؤمنون على شروطهم" (¬2) أو "عند شروطهم" أي: ثابتون عليها وواقفون عليها لا يرجعون عنها، وهذا اللائق بهم، الشاهد به إسلامهم أو إيمانهم، وفي إثباتهم بـ (على) إشارة إلى علو مرتبتهم، وفي وصفهم بالإسلام أو الإيمان ما يقتضي الوفاء بالشّرط ويحث عليه؛ فلهذا خصهم بالذكر، وإن كان كل أحد مأمور بذلك. قال المنذري: وهذا في الشروط الجائزة دون الفاسدة، وهو من باب ما أمر فيه بالوفاء بالعقود (¬3). يعني: عقود الدين، وهو ما يعقده المرء على نفسه، ويشترط الوفاء به من مصالحة ومواعدة وتمليك وعقد وتدبير وبيع ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (1352). (¬2) رواه الديلمي في "مسند الفردوس" كما في "الفردوس بمأثور الخطاب" 4/ 191. (¬3) بل هو كلام الخطابي انظر: "معالم السنن" 4/ 154.

وإجارة ومناكحة وطلاق. وزاد الترمذي بعد قوله (على شروطهم): "إلا [شرطًا] (¬1) حرم حلالًا أو أحل حراماً" (¬2). يعني: فإنَّه لا يجب الوفاء به، بل لا يجوز؛ لحديث: "كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل" (¬3). وحديث: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد" (¬4). فشرط نصرة الظالم والباغي وشن الغارات على المسلمين من الشروط الباطلة المحرمة. [3595] (ثنا أحمد بن صالح) الطبري المصري شيخ البخاري (ثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب قال: أخبرني عبد الله بن كعب بن مالك) السلمي، أخرج له الشيخان. (أَنَّ) أباه (كعب بن مالك -رضي الله عنه- أخبره أنه) أي: أن كعبًا (تقاضى) من أبي محمد عبد الله (ابن أبي حدرد) الأسلمي يعد في أهل المدينة، واسم أبي حدرد سلامة (دينًا كان له عليه) أي: سأل ابن أبي حدرد أن يقضيه دينه الذي له عليه (في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد) فيه: جواز مطالبة الدين في المسجد (فارتفعت أصواتهما) لفظ مسلم: فارتفعت أصواتهم (¬5) (حتى سمعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو في بيته) ولم ينكر عليهم، فكان ذلك دليلًا على استباحة مثل ذلك في المسجد ما لم يتفاحش، فإن تفاحش ¬

_ (¬1) في (ل): شرط. والمثبت من "سنن الترمذي". (¬2) "سنن الترمذي" (1352) من حديث عمرو بن عوف المزني. (¬3) رواه البخاري (3929)، ومسلم (1504/ 8) من حديث عائشة، وسيأتي عند أبي داود (3929) باختلاف يسير. (¬4) رواه مسلم (1718/ 18) من حديث عائشة. (¬5) "صحيح مسلم" (1558) وفيه: أصواتهما. كما في أبي داود.

كان ذلك ممنوعًا؛ لنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن رفع الأصوات في المساجد. (فخرج إليهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فيه استحباب كون منزل إمام المسجد مجاورًا له؛ ليعلم بما يحدث فيه من الحوادث، وليكون ذلك سببًا لمواظبته على الإمامة؛ لأن منزله إذا بعد عن المسجد ربَّما شق عليه حضوره في كثرة الأمطار، أو شدة الحر ونحو ذلك إلى تعطل الإمامة، ففي جواره المسجد كما في منزل كاتبه فوائد كثيرة، وهذا أحدها، إذ لو لم يكن منزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجاورًا له لما علم بذلك. (حتى كشف سجف) بكسر السين المهملة وفتحها لغتان، وسكون الجيم، وهو الستر، وقيل: الرقيق منه يكون في مقدم البيت، ولا يسمى سجفًا إلا أن يكون مشقوق الوسط كالمصراعين (حجرته) وهو البيت الذي عليه حاجب (ونادى كعب) مفعول (بن مالك، فقال: يا كعب) بضم الباء، منادى مفرد (فقال: لبيك يا رسول الله، فأشار إليه بيده أن ضع) فيه دليل على أن الإشارة المفهمة بمنزلة الكلام؛ لأنها دلالة على الكلام كالحروف والأصوات، فيصح بيع الأخرس وشراؤه وإجارته وعقوده إذا فهم ذلك عنه، ويكون في إشارته صريح وكناية، فالصريح ما يفهمه كل الناس، والكناية ما يفهمه الفطن دون غيره. (الشطر) هو النصف على المشهور، ووقع في حديث الإسراء ما يدل على أن الشطر يطلق على الجزء (¬1)، ويقال فيه: شطر وشطير مثل نصف ونصيف، وهذا لفظ أمر، والمراد به الإرشاد إلى الصلح، وفيه فضيلة ¬

_ (¬1) رواه البخاري (349) كتاب الصلاة، باب كيف فرض الصلاة، ومسلم (163).

الشفاعة في ترك بعض الدين إلى صاحب الحق، وفيه فضيلة الصلح بين الخصوم وحسن التوسط بينهم. (قال) كعب بن مالك (قد فعلت، يا رسول الله) وفيه: جواز الصلح على الإقرار؛ لأن نزاعهما لم يكن في أصل الدين، وإنما كان في التقاضي وهو متَّفقٌ، وإنما اختلفوا في الصلح على الإنكار، فأبطله الشافعي (¬1)، وصححه مالك (¬2) وأبو حنيفة (¬3). وفيه صحة الصلح بلفظ: (قد فعلت) وفيه أن الصلح على بعض الدين المدّعى إبراء. (قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: قم فاقضه) هذا أمر على جهة الوجوب؛ لأن رب الدين لما طاوع بوضع الشطر تعين على المديان أن يقوم بما بقي عليه؛ لئلا يجتمع على رب الدين وضيعة ومطل، وهكذا ينبغي أن يبت الأمر بين المتصالحين، فلا يترك بينهما في الصلح علقة ما أمكن. * * * ¬

_ (¬1) "الأم" 8/ 256. (¬2) "المدونة" 3/ 387. (¬3) انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 4/ 195.

13 - باب في الشهادات

13 - باب في الشَّهاداتِ 3596 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الهَمْداني وَأَحْمَدُ بْن السَّرْحِ قالا: أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ أَخْبَرَني مالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي بَكْرٍ أَنَّ أَباهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ عثْمانَ بْنِ عَفّانَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبي عَمْرَةَ الأنصاريَّ أَخْبَرَه أَنَّ زَيْدَ بْنَ خالِد الجهَنىِّ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَداءِ الذي يَأْتي بِشَهادَتِهِ أَوْ يُخْبِرُ بِشَهادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَها". شَكَّ عَبْد اللهِ بْنُ أَبي بَكْرٍ أيَّتَهما قالَ. قالَ أَبُو داوُدَ: قالَ مالِكٌ: الذي يخبِرُ بِشَهادَتِهِ وَلا يَعْلَمُ بِها الذي هيَ لَهُ. قالَ الهَمْداني: وَيَرْفَعها إِلَى السّلْطانِ. قالَ ابن السَّرحِ أَوْ يَأْتي بِها الإِمامَ. والإِخْبارُ في حَدِيثِ الهَمْداني. قالَ ابن السَّرْحِ: ابن أَبي عَمْرَةَ لم يقلْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ (¬1). * * * باب في الشهادات [3596] (ثنا أحمد (¬2) بن سعيد الهمداني) بسكون الميم أبو جعفر المصري (و) أحمد بن عمرو (ابن السرح) شيخ مسلم (قالا: أنا) عبد الله (ابن وهب، قال: أخبرني مالك بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري. (أن أباه) (¬3) أبا بكر، واسمه كنيته، وهو نجاري مدني. (أخبره أن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفَّان) الأموي، المعروف بالمطرف، لحسنه وجماله (أخبره أن عبد الرحمن بن أبي عمرة) اسمه ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1719). (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) فوقها في (ل): (ع).

عبد الرحمن (¬1)، وهذا الإسناد فيه أربعة تابعيون، يروي بعضهم عن بعض، وهو عبد الله، وأبوه وعبد الرحمن، وابن أبي عمرة (الأنصاري) القاص. (أخبره أن زيد بن خالد الجهني -رضي الله عنه- أخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ألا أخبركم بخير الشهداء؟ ) جمع شهيد، كظرفاء جمع ظريف، ويجمع أيضاً على شهود. ويعني بخير الشهداء: أكملهم في رتبة الشهادة وأكثرهم ثوابًا عند الله تعالى (الذي يأتي بشهادته -أو يخبر بشهادته- قبل أن يسألها) وفي رواية: قبل أن يستشهد. (شك عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم (أيتهما قال) شيخه في روايته. (قال: المصنف: قال مالك) خير الشهداء هو (الذي يخبر) من له الشهادة (بشهادته) التي يشهدها له (ولا يعلم بها) صاحب الحق (الذي هي له) و (قال) أحمد بن سعيد (الهمداني) في روايته (ويرفعها) له (إلى السلطان. قال) أحمد بن عمرو (ابن السرح: أو) هو الذي (يأتي بها) أي: بشهادة (الإمام) فيخبره بها وإن لم يسأل، وهذِه هي شهادة الحسبة، فشاهدها خير الشهداء؛ لأنها لو لم يظهرها لضاع حكم من أحكام الدين وقاعدة من قواعد الشرع. وقال غيره: هذا في الأمانة والوديعة تكون لليتيم لا يعلم مكانها غيره، فيخبر بما يعلمه من ذلك. وقيل: هذا مثل في سُرعة إجابة الشاهد إذا استشهد فلا يمنعها، ولا يؤخرها كما يقال: الجواد يعطي قبل سؤاله، عبارةً عن حسن طاعته وتعجيله. ¬

_ (¬1) كذا في النسخ: عبد الرحمن، والصَّواب: عمرو. انظر: "تهذيب الكمال" 17/ 318.

(والإخبار) يعني في لفظ روايته: أخبرنا هو (في حديث الهمداني) دون ابن السرح، فإنَّه مصرح بالتحديث، و (قال) أحمد (بن السرح: ابن أبي عمرة ولم يقل: عبد الرحمن) بن أبي عمرة، كما قال الهمداني، وهذا من كثرة تدقيق المصنف وتحرير ألفاظ الرِّواية، فجزاه الله أفضل الجزاء. * * *

14 - باب فيمن يعين على خصومة من غير أن يعلم أمرها

14 - باب فِيمَنْ يُعِينُ عَلى خصومَةٍ مِنْ غيْرِ أن يَعْلَمَ أمْرَها 3597 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونسَ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا عمارَةُ بْنُ غَزِيَّةَ، عَنْ يَحيَى ابْنِ راشِدٍ قالَ جَلَسْنا لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ فَخَرَجَ إِلَيْنا فَجَلَسَ فَقالَ: سَمِعْت رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُقول: "مَن حالَتْ شَفاعَتُهُ دُونَ حَدَّ مِنْ حُدُودِ اللهِ فقَدْ ضادَّ اللهَ وَمَن خاصَمَ في باطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ لَمْ يَزَلْ في سَخَطِ اللهِ حَتَّى يَنْزع عَنْهُ وَمَنْ قالَ في مُؤمِنٍ ما لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللهُ رَدْغَةَ الخَبالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قالَ" (¬1). 3598 - حَدَّثَنا عَليّ بْن الحُسَيْنِ بْنِ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا عاصِم بْن محَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ العمَريُّ، حَدَّثَني المثَنَّي بن يَزِيدَ، عَنْ مَطَرٍ الوَرّاق عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَعْناهُ قالَ: "وَمَنْ أَعانَ عَلَى خُصُومَةٍ بِظُلْمٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ -عز وجل- " (¬2). * * * باب: مَن يعين على خصومة ولم يعلم أمرها [3597] (ثنا أحمد) (¬3) بن عبد الله (بن يونس) اليربوعي (ثنا زهير، ثنا عمارة بن غزية، عن يحيى (¬4) بن راشد) الدّمشقيُّ الطويل، ثقة (قال: جلسنا لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فخرج إلينا فجلس) فيه الجلوس لاستماع العلم الشريف من حديث وتفسير وغيرهما. ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 70. وصححه الألباني في "الإرواء" (2318). (¬2) رواه ابن ماجه (2320). وصححه الألباني في "الإرواء" (2318). (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) فوقها في (ل): (د).

(فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من حالت شفاعته دون) إقامة (حد من حدود الله) تعالى، فخرج به الشفاعة فيما ليس فيه حد ولا حق آدمي، وإنما فيه التعزير، فجائز عند العلماء بلغ الإمام أمره أم لا. قال الحسن في قوله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} الشفاعة الحسنة ما يجوز في الدين الشفاعة فيه، والشفاعة السيئة ما لا يجوز الشفاعة فيه (¬1). فعلى هذا الشفاعة في التعزير مندوب إليها، مأجور صاحبها عليها (فقد ضاد (¬2) الله) أي: خالفه فيما أمر به من إقامة الحد، فكأنه صَار ضدا له بمخالفته ورده حكمه بشفاعته، وهذا الوعيد الشديد والتهديد الأكيد فيمن يعلم أن فيه حدا لله تعالى ويشفع فيه، أو [يعلم أنه] (¬3) بلغ الإمام، فأمَّا من لا يعلم فلا إثم عليه إن شاء الله تعالى. والشفاعة في الحد قبل بلوغه جائزة عند الأكثرين؛ لما جاء في الستر على المسلم من الأحاديث الكثيرة، قال الإمام مالك: وهذا فيمن لم يعرف منه أذى للنَّاس، وأما من عرف منه شر وفساد فلا أحب أن يشفع فيه (¬4). (ومن خاصم في باطل) قال الغزالي: الخصومة لجاج في الكلام ¬

_ (¬1) انظر: "تفسير القرآن العزيز" لابن أبي زمنين 1/ 392، و "الجامع لأحكام القرآن" 5/ 295. (¬2) في (ل): حاد. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) "المدونة" 4/ 531.

ليستوفى بها مال أو حق مقصود، تارة يكون ابتداء، وتارة يكون اعتراضاً، والمراء لا يكون إلا اعتراضاً على كلام سبق (¬1). قال بعضهم: إياك والخصومة، فإنها تمحق الدين. ويقال: ما خاصم قط وَرع. (وهو يعلمه لم يزل في سخط الله) وهذا الدم الشديد له شرطان: أحدهما: الذي يخاصم بالباطل. والثَّاني: الذي يخاصم مع علمه أنه باطل، فأمَّا المظلوم الذي يخاصم فهذا لجاجه ليصل إلى حقه بطريق الشرع من غير لدد وزيادة لجاج ولا قصد إيذاء، فليس بحرام، ولكن الأولى تركه ما وجد إليه سبيلا؛ فإن ضبط اللسان في الخصومة متعذر، والخصومة توغر الصدور وتهيج الغضب، وإذا هاج الغضب نسي المتخاصم فيه وبقي الحقد. (حتى ينزع) أي: ينجذب عنه ويميل إلى الحق فيسلم (ومن قال في) عرض (مؤمن ما ليس فيه) من الباطل الذي فيه عيب. يبين هذا الحديث ما رواه الطبراني بإسناد جيد عن أبي الدرداء، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ذكر امرأ بشيء ليس فيه ليعيبه به حبسه الله في نار جهنم، حتى يأتي بنفاذ ما قال فيه" (¬2). ¬

_ (¬1) "إحياء علوم الدين" 3/ 118. (¬2) "المعجم الكبير" 20/ 273 (1794)، "الأوسط" 8/ 380 (8936)، ورواه أبو الشيخ في "التوبيخ والتنبيه" (126، 197). قال الهيثمي في "المجمع" 4/ 201: رواه كله الطبراني في "الكبير" يعني: بإسنادين، وإسناد الأول فيه من لم أعرفه، ورجال الثاني ثقات.

ورواية مسلم: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته" (¬1). و (بهته) بتخفيف الهاء، أي: قلت فيه البهتان. (أسكنه الله) أي: حبسه كما للطبراني (¬2) (رَدغة) بفتح الراء وإسكان الدال المهملة، وبالغين المعجمة، ويجوز فتح الدال. هو عصارة أهل النار أو عرقهم، كما جاء مفسرًا في "صحيح مسلم" (¬3) وغيره (الخبال) بفتح الخاء المعجمة وتخفيف الباء الموحدة، وهو في الأصل الفساد، وأصل الردغ الطين والوحل. وفي الحديث: "من شرب الخمر سقاه الله من طينة الخبال" (¬4). (حتى يخرج مما قال) فيه. أي: يتخلص من إثم ما قال فيه من البهتان. [3598] (ثنا علي بن حسين بن إبراهيم) بن إشكاب العامري، وثقه النسائي (¬5) (ثنا عمر (¬6) بن يونس) اليمامي، ثقة (ثنا عاصم بن محمد بن زيد) بن عبد الله بن عمر (العُمري) بضم العين نسبة إلى جده عمر بن الخطاب (قال: حدثني المثنى (¬7) بن يزيد) أخرج له النسائي في "عمل ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2589) من حديث أبي هريرة. (¬2) "المعجم الكبير" 12/ 388 (13435)، "المعجم الأوسط" 6/ 309 (6491) من حديث ابن عمر. "الأوسط" 8/ 380 (8936) من حديث أبي الدرداء. (¬3) "صحيح مسلم" (2002). (¬4) سيأتي عند أبي داود برقم (3680). (¬5) انظر: "تاريخ بغداد" 11/ 392. (¬6) فوقها في (ل): (ع). (¬7) فوقها في (ل): (د).

اليوم والليلة" (¬1) (عن مطر) بن طهمان الخراساني، أخرج له مسلم في مواضع (الورَّاق، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما) وذكر الحديث (بمعناه) المذكور. (وقال: من أعان) مخاصمًا (على خصومة) خاصمها، يدخل في عمومها الخصومة في حق، والخصومة في باطل، لكن الإثم في الباطل أكثر من الإعانة في الحق، والإثم في الحق لا لكونه حقًّا؛ بل لكونه أعان في الحق بغير حق، كما سيأتي، ومن الإعانة بغير حق ما رواه الطبراني في "الكبير" عن أوس بن شرحبيل أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من مشى مع ظالم؛ ليعينه، وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الإسلام" (¬2). (بظلم) أي: بغير حق، كما بينه في رواية الحاكم، وقال: صحيح الإسناد. ولفظه: "من أعان على خصومة بغير حق كان في سخط الله حتى ينزع" (¬3). وروى الطبراني من رواية رجاء بن صبيح السقطي عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضادَّ الله في ملكه، ومن أعان على خصومة لا يعلم أحق ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 27/ 212. (¬2) "المعجم الكبير" 1/ 227 (619)، ورواه ابن أبي عاصم 4/ 249 (2252)، وأبو نعيم في "معرفة "الصحابة" 1/ 310. قال الهيثمي في "المجمع" 4/ 205: فيه عياش بن مؤنس، ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله وثقوا، وفي بعضهم كلام. (¬3) "المستدرك" 4/ 99.

أو باطل فهو في سخط حتى ينزع، ومن مشى مع قوم يرى أنه شاهد وليس بشاهد" (¬1) فقد جاء بغضب من الله) أي: لزمه غضب الله. ومعنى الغضب في صفات الله -عَزَّ وَجَلَّ-؛ إرادة العقوبة (¬2)، فهو صفة ذات، وإرادة الله من صفات ذاته أو هو نفس العقوبة، ومنه حديث: "الصدقة تطفئ غضب الرب" (¬3). * * * ¬

_ (¬1) "المعجم الكبير" 20/ 65 (1353)، و "الأوسط" 8/ 252 (8552). (¬2) بل هو صفة حقيقة لا تشبه صفات المخلوقين. فذهب أهل السنة أن يثبتوا لله ما أثبت لنفسه من غير تأويل ولا تعطيل ولا تشبيه. (¬3) رواه الترمذي (600) من حديث أنس وقال: حسن غريب. وضعفه الألباني في "الإرواء" (885).

15 - باب في شهادة الزور

15 - باب في شَهادةِ الزُّورِ 3599 - حَدَّثَنا يَحْيَى بْن مُوسَى البَلْخيُّ، حَدَّثَنا محَمَّد بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَني سُفْيانُ -يَعْني العُصْفُريَّ-، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ النُّعْمانِ الأسَديِّ، عَنْ خُرَيْمِ بْنِ فاتِكٍ قالَ: صَلَّى رَسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلاةَ الصُّبْحِ فَلَمّا انْصَرَفَ قامَ قائِمًا فَقالَ: "عُدِلَتْ شَهادَةُ الزُّورِ بِالإِشْراكِ باللهِ". ثَلاثَ مِرارٍ ثُمَّ قَرَأَ: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} (¬1). * * * باب في شهادة الزور [3599] (ثنا يحيى بن موسى البلخي) شيخ البخاري (حدثني محمد (¬2) بن عبيد) بن أميَّة الطنافسي الكوفي الأحدب (حدثني سفيان) ابن زياد، روي له الجماعة [سوى] (¬3) مسلم (العصفري) بضم العين والفاء نسبة إلى العصفر [وبيعه وشرائه، وهو ما تصبغ به الثياب. (عن أبيه) زياد العصفري] (¬4) (عن حبيب بن النُّعمان الأسدي) أخرج له ابن ماجه، وهو مقبول (عن خريم) بضم الخاء المعجمة بعدها راء مهملة مصغر (ابن فاتك) بفاء، وبعد الألف مثناة فوق مكسورة، ثم كاف، وقيل: هو: خريم بن أخرم بن شداد بن عمرو بن الفاتك الأسدي وقيل: فاتك ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2300)، وابن ماجه (2372) وأحمد 4/ 311. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (1110). (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) زيادة يقتضيها السياق. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

لأبيه أخرم، شهد بدرًا مع أخيه سمرة، وقيل: إن خريمًا وابنه أسلما يوم الفتح، وقد صحح البخاري وغيره أن خريمًا وأخاه شهدا بدرًا (¬1) ونزل خريم الرقة. (قال: صلى رسول - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح فلما انصرف) منها (قام قائماً) فيه: القيام لتبليغ الأحكام والوعظ والخطابة (فقال: عدلت) بضم العين، وكسر الدال. أي: قومت وجعلت عدل الشرك بالله، أي: مثله (شهادة الزور) سميت بذلك [لأن] (¬2) شاهده يميل عن الحق، من قولهم: تزاور عنه. أي: مال (بالإشراك بالله) تعالى ذلك (ثلاث مرات) وفيه تعظيم شهادة الزور؛ إذ هي من أكبر الكبائر، ولهذا يعادله الشرك بالله تعالى. (ثم قرأ) قوله: ({فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ}) الرجز والرجس: العذاب، قال ابن عبد السلام: حكم القاضي بغير حق كبيرة؛ لأن شاهد الزور متوسل متسبب، فإذا كان المتسبب كبيرة فالمباشر أكثر منه (¬3). وهو إن علم القاضي بالزور (من) لبيان الجنس وللتمييز، كقولك: عندي عشرون من الدراهم. فكما أن العشرين تتناول أشياء، كذلك الرجز يتناول أشياء، فاحتيج إلى ما يميز فكأنه قيل: فاجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان، كما قالوا: عندي العشرون التي هي الدراهم. ({الْأَوْثَانِ}) جمع وثن، وهو ما له جثة معمولة من جواهر ¬

_ (¬1) "التاريخ الكبير" 3/ 224. (¬2) زيادة يقتضيها السياق. (¬3) "قواعد الأحكام في مصالح الأنام" 1/ 24.

الأرض، يعبد من دون الله ({وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}) جعل الشرك وقول الزور في قران واحد، وذلك أن الشرك من باب الزور؛ لأن المشرك يقول: عبادة الأوثان حق. كما يقول شاهد الزور: شهادته حق. فكأنه قال: فاجتنبوا عبادة الأوثان التي هي رأس الزور، واجتنبوا قول الزور كله. وهو الكذب، ولا تقربوا منهما شيئاً، وسمي الوثن رجسا على طريق التشبيه، يعني: كما أنكم تنفرون بطباعكم عن الرجس فتجتنبوه، فعليكم أن تنفروا من كلمات الزور مثل تلك النفرة، وقد نبه على هذا المعنى بقوله: {رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} ({حُنَفَاءَ لِلَّهِ}) حال من الضمير في قوله: {اجْتَنِبُوا} أي: اجتنبوه في حال كونكم مائلين لله بكليتكم {غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} سبحانه في العبادة. * * *

16 - باب من ترد شهادته

16 - باب منْ ترَدُّ شهادَته 3600 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا محَمَّد بْنُ راشِدٍ، حَدَّثَنا سُلَيْمان بْنُ مُوسَى، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْب، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَدَّ شَهادَةَ الخائِنِ والخائِنَةِ وَذي الغِمْرِ عَلَى أَخِيهِ وَرَدَّ شَهادَةَ القانِعِ لأهلِ البَيْتِ وَأَجازَها لِغَيْرِهِمْ. قالَ أَبُو داوُدَ: الغِمْرُ الِحنَةُ والشَّحْناء والقانِعُ الأجَير التّابع مِثْلُ الأجَيرِ الخاصِّ (¬1). 3601 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفِ بْنِ طارِق الرّازيّ، حَدَّثَنا زَيْدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدٍ الُخزاعيّ، حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ، عَنْ سلَيْمانَ بْنِ مُوسَى بإسْنادِهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَجُوزُ شَهادَةُ خائِنٍ وَلا خائِنَةٍ، وَلا زان وَلا زانِيَةٍ وَلا ذي غِمْرٍ عَلَى أَخِيهِ" (¬2). * * * باب من ترد شهادته [3600] (ثنا حفص بن عمر، ثنا محمد بن راشد) المكحولي الدّمشقيُّ، نزيل البصرة، وثقه أحمد (¬3) وابن معين (¬4) (ثنا سليمان بن موسى) القرشي الأموي، فقيه أهل الشَّام وسيد شبابهم، عاش بعد مكحول سنتين، يجلس إليه، وكان أعلى أصحابه وأوثقهم. (عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رد ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (2366)، وأحمد 2/ 204. وحسنه الألباني في "الإرواء" (2669). (¬2) مكرر سابقه. (¬3) "العلل ومعرفة الرجال" 2/ 504، 3/ 156. (¬4) "تاريخ يحيى بن معين" برواية الدوري (5322).

شهادة الخائن والخائنة) قال أبو عبيد: لا نراه خص به الخيانة في أمانات الناس دون ما افترض الله على عباده وأتمنهم عليه؛ فإنَّه قد سمى ذلك أمانة، فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ} فمن ضيع شيئاً مما أمر الله تعالى به، أو ركب شيئاً مما نهى عنه فليس ينبغي [أن يكون] (¬1) عدلاً. انتهى (¬2). فدين الفاسق إذا لم يَدُعَّهُ عن ارتكاب محظورات الدين فلا يؤمن أن لا يَدُعَّهُ عن الكذب في الشهادة، وعلى هذا فلا تحصل الثقة بقوله؛ لأنه فاسق، وقد أمر الله بالتوقف عن نبأ الفاسق، والشهادة نبأ؛ فيجب التوقف عنها. (و) رد شهادة (ذي الغمر) بكسر الغين المعجمة وسكون الميم بعدها راء مهملة، سيأتي في كلام المصنف تفسيره بأنه الشحناء، والشحناء: العداوة، فالعداوة مانعة من قبول الشهادة؛ لأنها تورث التهمة فتمنع الشهادة كالقرابة القريبة، وتخالف الصداقة؛ فإن في شهادة الصديق لصديق بالزور نفع غيره بمضرة نفسه، وبيع آخرته بدنيا غيره، وشهادة العدو على عدوه يقصد بها نفع نفسه بالتشفي من عدوه، فافترقا. فإن قيل: لم قبلتم شهادة المسلمين على الكفار مع العداوة؟ قلنا: العداوة ها هنا دينية، والدين لا يقتضي شهادة الزور، والمراد بالعداوة هنا الدنيوية، كان يشهد المقذوف على القاذف، والمقطوع عليه الطريق على ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) بنحوه في "غريب الحديث" 2/ 153، ونقله عنه الخطابي في "معالم السنن" 4/ 156 بنصه كما هنا.

القاطع، والزوج يشهد على امرأته التي قذفها بالزنا، وهذا مذهب الشافعي ومالك وأحمد والجمهور، وقال أبو حنيفة: لا تمنع العداوة الشهادة؛ لأنها لا تخل بالعدالة، فلا تمنع الشهادة كالصداقة. (على أخيه) المسلم (ورد شهادة القانع) هو الخادم والتابع والسائل (لأهل البيت) المنقطع إلى خدمتهم وبيع حوائجهم وسؤالهم عند الحاجة، فترد شهادته للتهمة بجلب النفع إلى نفسه، وذلك مثل الوكيل ونحوه، فلا تقبل شهادته بما هو وكيل فيه؛ لأنه يثبت لنفسه سلطنة التصرف في المشهود به، ولا فرق بين الوكيل بجعل وغيره، أما ما ليس وكيلا فيه فتقبل الشهادة به؛ لعدم تصرفه فيه. (وأجازها) أي: أجاز شهادة القانع (لغيرهم) لغير أهل البيت؛ لانتفاء التهمة الممنوع لأجلها. (قال: ) المصنف (الغمر) هو: (الحنة) بكسر الحاء المهملة وتخفيف النون المفتوحة، لغة في إحنة، وهي: الحقد، قال الجوهري: يقال: في صدره عليَّ إحنة. ولا تقل: حنة. وأنشد: إذا كان في صدر ابن عمك إحنة ... فلا تستثرها سوف يبدو دفينها والمؤاحنة: المعاداة (¬1). والصحيح أنها لغة كما ذكرها المصنف، وجمعها حنات، ومنه حديث معاوية: لقد منعتني القدرة من ذوي الحنات (¬2). جمع حنة. ¬

_ (¬1) "الصحاح" 5/ 2068. (¬2) رواه الخطابي في "غريب الحديث" 2/ 529 بسنده إلى سفيان بن عيينة قال: رأى=

قال ابن الأثير: وهي لغة قليلة في الإحنة، وقد جاءت في بعض طرق حديث حارثة بن مضرب في الحدود (¬1). رواه المصنف من حديثه: أتى عبد الله بالكوفة في قوله: ما بيني وبين أحد حنة، وإني مررت بمسجد لبني حنيفة (¬2) فإذا هم يؤمنون بمسيلمة .. الحديث (¬3). قال الهروي: هي لغة رديئة قد جاءت (¬4). (والشحناء) بالمد العداوة، ومنه حديث: "إلا رجلاً كان بينه وبين أخيه شحناء فيقال: أخراهم إلى أن يصطلحا" (¬5). [3601] (ثنا محمد بن خلف بن طارق) الداري (ثنا زيد بن يحيى بن عبيد) الدّمشقيُّ الخزاعي، ثقة. (ثنا سعيد بن عبد العزيز) بن [أبي] (¬6) يحيى التنوخي الدّمشقيُّ، روى له البخاري في "الأدب" (¬7) والباقون. (عن سلميان بن موسى بإسناده) المتقدم (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تجوز شهادة خائن، ولا خائنة) كذا لفظ ابن ماجه، زاد: "ولا محدود" (¬8) ¬

=معاوية يزيد يضرب غلامًا له فقال: يا يزيد، سوءة لك، تضرب من لا يستطيع أن يمتنع، والله لقد منعتني القدرة من ذوي الحنات. (¬1) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 89. (¬2) في النسخ: حذيفة. والمثبت من "السنن". (¬3) تقدم عند أبي داود برقم (2762). (¬4) "الغريبين" 1/ 51. (¬5) سيأتي عند أبي داود رقم (4916). (¬6) ليست في النسخ، أثبتناها من مصادر ترجمته. (¬7) "الأدب المفرد" (490). (¬8) "سنن ابن ماجه" (2366).

(ولا زان، ولا زانية) لأن الزنا من الكبائر، ومرتكب الكبيرة فاسق لا تقبل شهادته، لكن إن تاب قبلت شهادته، وهل يفتقر إلى اختبار بمدة يغلب على الظن صدق توبته أم لا؟ (¬1). (ولا ذي عُمر على أخيه) فيه ما تقدم. * * * ¬

_ (¬1) كذا افترض السؤال ولم يجب! فلعل هناك سقط والله أعلم، أو أنه ترك الكلام في المسألة لحاجتها إلى تحرير.

17 - باب شهادة البدوي على أهل الأمصار

17 - باب شَهادَة البَدَويِّ عَلَى أهْلِ الأَمْصارِ 3602 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الهَمْداني، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَنى يَحيَى بن أيُّوبَ وَنافِعُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابن الهادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عطاء، عَنْ عطَاءِ بْنِ يَسارٍ، عَنْ أَى هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقولُ: "لا تَجُوزُ شَهادَةُ بَدَوي عَلَى صاحِبِ قَرْيَةٍ" (¬1). * * * باب شهادة البدوي على أهل الأمصار [3602] (ثنا أحمد (¬2) بن سعيد الهمداني) أبو جعفر المصري (أنا) عبد الله (ابن وهب، أخبرني يحيى بن أيوب) الغافقي المصري (ونافع ابن يزيد) الكلاعي، قال المنذري: رجال إسناد هذا الحديث احتج بهم مسلم في "صحيحه" (¬3). (عن) يزيد بن عبد الله (بن (¬4) الهاد) الليثي (عن محمد (¬5) بن عمرو بن عطاء) بن عباس بن علقمة القرشي العامري، قال البيهقي: هذا الحديث مما تفرد به محمد بن عمرو بن عطاء (¬6). ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (2367). وصححه الألباني في "الإرواء" (2764). (¬2) فوقها في (ل): (د). (¬3) "مختصر سنن أبي داود" 5/ 219. (¬4) فوقها في (ل): (ع). (¬5) فوقها في (ل): (ع). (¬6) "معرفة السنن والآثار" 14/ 344.

(عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لا تجوز شهادة بدوي) وهو الذي يسكن (¬1) في البادية، ومسكنه المضارب والخيام، وهو غير مقيم في موضع خاص به، بل يرتحل من مكان إلى مكان (على صاحب قرية) وفي "النهاية": إنما كره شهادة البدوي؛ لما فيه من الجفاء في الدين، والجهالة بأحكام الشرع؛ ولأنهم في الغالب لا يضبطون الشهادة على وجهها، وإليه ذهب مالك، والنّاس على خلافه، انتهى (¬2). وقال الإمام أحمد: أخشى أن لا تقبل شهادة البدوي على صاحب القرية لهذا الحديث، ولأنَّه متهم حيث عدل عن أن يشهد قرويًا وأشهد بدويًا، وهذا قول جماعة من أصحاب أحمد ومذهب أبي عبيد، وكذا قال مالك فيما عدا الجراح تقبل، وفي الجراح (¬3) تقبل احتياطا للدماء (¬4). وذهب الشافعي وأبو حنيفة وابن سيرين وأبو ثور واختاره أبو الخطاب من الحنابلة إلى قبول شهادتهم، وحملوا هذا الحديث على من لم تعرف عدالته من أهل البدو، والغالب أنهم لا تعرف عدالتهم (¬5). * * * ¬

_ (¬1) بعدها في (ل): يكون. وعليها: خـ. (¬2) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 109. (¬3) زاد في الأصل: (لا) والجادة ما أثبتناه، انظر: "النوادر والزيادات" 8/ 340. (¬4) "المغني" 14/ 149 - 150. وانظر: لمذهب مالك "الكافي" لابن عبد البر 2/ 898. (¬5) انظر: "مختصر اختلاف العلماء"، "الأم" 7/ 517، "المغني" 14/ 149.

18 - باب الشهادة في الرضاع

18 - باب الشَّهادَةِ في الرَّضاعِ 3603 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْن حَرْبٍ، حَدَّثَنا حَمّاد بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أيّوبَ، عَنِ ابن أَبي مُلَيْكَةَ حَدَّثَني عقْبَةُ بْنُ الحارِثِ، وَحَدَّثَنِيهِ صاحِبٌ لي عَنْه -وَأَنا لَحِدِيثِ صاحِبي أَحْفَظُ- قالَ: تَزَوَّجْتُ أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أَبي إِهابٍ، فَدَخَلَتْ عَلَيْنا امرَأة سَوْداءُ، فَزَعَمَتْ أَنَّها أَرْضَعَتْنا جَمِيعًا فَأَتَيْت النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرت ذَلِكَ لَهُ فَأَعْرَضَ عَنِّي فَقلْت: يا رَسولَ اللهِ إِنَّها لَكاذِبَة. قالَ: "وَما يُدْرِيكَ وَقَدْ قالَتْ ما قالَتْ دَعْها عَنْكَ" (¬1). 3604 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن أَبي شعَيْب الحَرّانيّ، حَدَّثَنا الحارِثُ بْن عمَيْرٍ البَصْريُّ ح، وَحَدَّثَنا عثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا إِسْماعِيل ابن عُليَّةَ، كِلاهما عَنْ أيّوبَ، عَنِ ابن أَبي ملَيْكَةَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ أَبي مَريمَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الحارِثِ- وَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ عُقْبَةَ وَلَكِنّي لِحَدِيثِ عُبَيْدٍ أَحْفَظُ -فَذَكَرَ مَعْناه. قالَ أَبو داوُدَ: نَظَرَ حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ إِلَى الحارِثِ بْنِ عُمَيْر فَقالَ: هذا مِنْ ثِقاتِ أَصْحابِ أيُّوبَ (¬2). * * * باب الشهادة في الرضاع [3603] (ثنا سليمان بن حرب، ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن عبد الله بن أبي مليكة قال: حدثني عقبة بن الحارث) قال ابن أبي مليكة. (وحدثنيه صاحب لي عنه) اسم هذا الصاحب عبيد بن أبي مريم، فإن لفظ رواية البخاري: عن عبد الله بن أبي مليكة، حدثني عبيد بن أبي مريم، عن عقبة بن الحارث قال: وسمعته من عقبة (¬3)، لكني لحديث ¬

_ (¬1) رواه البخاري (88). (¬2) رواه البخاري (5104). (¬3) بعدها في (م): بن الحارث.

عبيد أحفظ (¬1). (وأنا لحديث صاحبي أحفظ قال: تزوجت) بضم تاء المتكلم (أم يحيى بنت أبي إهاب) واسمها: زينب، وأبو إهاب تميمي دارمي له حديث في النهي عن الأكل متكئا (¬2). قال ابن أبي مليكة عن عقبة بن الحارث أنه تزوج بها في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، أخرجه أبو نعيم (¬3). (فدخل عليها) لفظ البخاري: فجاءتنا (¬4) (امرأة سوداء فزعمت أنها أرضعتنا جميعا) لفظ البخاري في كتاب العلم: عن عقبة بن الحارث أنه تزوج ابنة لأبي إهاب بن عزيز (¬5)، فأتته امرأة فقالت: إني أرضعت عقبة والتي قد تزوج بها. وترجم عليه: باب الرحلة في المسألة النازلة (¬6). (فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له) في البخاري زيادة، ولفظه: فقال لها عقبة: ما أعلم أنك أرضعتيني، ولا أخبرتيني (¬7). فركب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة فسأله (¬8) (فأعرض عني) كأنه كره ذلك السؤال، زاد البخاري: فأتيته من قبل وجهه (¬9) (فقلت: يا رسول الله، إنها لكاذبة) هذا مستثنى من ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (5104). (¬2) رواه البزار كما في "كشف الأستار" 3/ 331 (2870)، قال الهيثمي في "المجمع" 5/ 24: رواه البزار من رواية محمد بن عبيد بن أبي مليكة ولم أعرف محمدًا هذا، وبقية رجاله ثقات. وانظر "الصحيحة" 7/ 329. (¬3) انظر "معرفة الصحابة" 4/ 2155، 6/ 3577. (¬4) "صحيح البخاري" (5104). (¬5) في النسخ: عمرو، والمثبت من "الصحيح". (¬6) "صحيح البخاري" (88). (¬7) كذا بالمخطوط، والذي في البخاري (88): أرضعتني ولا أخبرتني. (¬8) "صحيح البخاري" (88). (¬9) "صحيح البخاري" (5104).

الغيبة المحرمة، وهي في صور الاستثناء فتقول: ظلمني فلان، كذب علي فلان. (قال: وما يدريك) أنها كاذبة (وقد قالت ما قالت؟ ! دعها عنك) أي: كيف تجتمع بها وقد قالت هذِه ما قالت؟ ! اتركها. وقد أخذ به الليث، والأمر فيه عند الجمهور للندب (¬1)، وفيه الأخذ بالورع والاحتياط للأبضاع لا على الوجوب، ومذهب أحمد -رضي الله عنه-[أن الرضاع] (¬2) يثبت بشهادة المرضعة وحدها بيمينها (¬3)، وزاد في رواية البخاري: ففارقها عقبة ونكحت زوجا غيره (¬4). [3604] (ثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني، حدثنا الحارث بن عمير البصري) بمكة، وثقه ابن معين (¬5) وأبو حاتم (¬6). (وثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا إسماعيل ابن علية، كلاهما عن أيوب عن) عبد الله (ابن أبي مليكة، عن عبيد بن أبي مريم) المكي (عن عقبة بن الحارث، وقد سمعته من عقبة) بن الحارث (ولكنني لحديث عبيد) بن أبي مريم (أحفظ، فذكر معناه). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "الأصل" 3/ 104، و"المدونة" 2/ 171، و"الأم" 6/ 96. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) "مسائل الإمام أحمد" للكوسج 1/ 1615. (¬4) "صحيح البخاري" (88). (¬5) "تاريخ يحيى بن معين" برواية الدوري (4297). (¬6) "الجرح والتعديل" 3/ 83.

19 - باب شهادة أهل الذمة وفي الوصية في السفر

19 - باب شَهادةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَفي الوَصِيَّة في السَّفَرِ 3605 - حَدَّثَنا زِيادُ بْنُ أيُّوبَ، حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنا زَكَرِيّا، عَن الشَّعْبيِّ أَنَّ رَجُلًا مِنَ المُسْلِمِينَ حَضَرَتْهُ الوَفاةُ بِدَقُوقاءَ هذِه وَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا مِنَ المُسْلِمِينَ يُشْهِدُهُ عَلي وَصِيَّتِهِ فَأَشْهَدَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الكِتابِ فَقَدِما الكُوفَةَ، فَأَتَيا أَبا مُوسَى الأشعَريَّ فَأَخْبَراهُ وَقَدِما بِتَرِكَتِهِ وَوَصِيَّتِهِ. فَقالَ الأشعَريُّ: هذا أَمْرٌ لَم يَكُنْ بَعْدَ الذي كانَ في عَهْدِ رسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَأَحْلَفَهُما بَعْدَ العَصْرِ باللهِ ما خانا وَلا كَذِبا وَلا بَدَّلا وَلا كَتَما وَلا غيَّرا وَإنَّها لَوَصِيَّةُ الرَّجُلِ وَتَرِكَتُهُ فَأَمْضَى شَهادَتَهُما (¬1). 3606 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنا ابن أبي زائِدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبي القاسِمِ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: خَرَجَ رجُلٌ مِنْ بَني سَهْمٍ مَعَ تَمِيمٍ الدّاريِّ وَعَديِّ بْنِ بَدّاءَ فَماتَ السَّهْميُّ بِأَرْضٍ لَيْسَ بِها مُسْلِم فَلَمّا قَدِما بِتَرِكَتِهِ فَقَدُوا جامَ فِضّةٍ مُخَوَّصًا بِالذَّهَبِ فَأَحْلَفهُما رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ وُجِدَ الجامُ بِمَكَّةَ فَقالُوا: اشْتَرَيْناهُ مِنْ تَميم وَعَديٍّ فَقامَ رَجُلانِ مِنْ أَوْلياءِ السَّهْميِّ فَحَلَفا لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَإِنَّ الجامَ لِصاحِبِهِمْ. قالَ: فَنَزَلَتْ فِيهِمْ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} الآيَةَ (¬2). * * * باب شهادة أهل الذمة والوصية في السفر [3605] (ثنا زياد بن أيوب) الطوسي شيخ (¬3) البخاري (ثنا هشيم، أنا ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق 8/ 359 (15539)، وسعيد بن منصور (857)، والدارقطني 4/ 166، والحاكم 2/ 314. وقال الألباني: صحيح الإسناد، إن كان الشعبي سمعه من أبي موسى. (¬2) رواه البخاري (2780). (¬3) ساقطة من (م).

زكريا) بن أبي زائدة. (عن) عامر بن شراحيل (الشعبي) الكوفي -رضي الله عنه- (أن رجلا من المسلمين) سيأتي (حضرته الوفاة) وهو (بدفوقا) بفتح الدال المهملة وضم الفاء وسكون الواو، وبعدها قاف مقصورة، وقد مدها بعضهم، وهي بلدة بين بغداد وإربل (هذِه ولم يجد أحدًا من المسلمين) حاضرًا (يشهده على وصيته، فأشهد رجلين من أهل الكتاب) يعني: نصرانيين كما بين ذلك، وبين أن الرجلين من خثعم البيهقي، ولفظه: عن الشعبي: توفي رجل من خثعم فلم يشهد موته إلا رجلان نصرانيان (¬1). (فقدما الكوفة فأتيا) أبا (¬2) موسى عبد الله بن قيس (الأشعري -رضي الله عنه- فأخبراه) بالقضية (وقدما بتركته ووصيته فقال) أبو موسى (الأشعري -رضي الله عنه-: هذا أمر لم يكن بعد الذي كان في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأحلفهما) يقال في المتعدي: أحلفته إحلافا، وحلفته بالتشديد تحليفا، واستحلفته (بعد) صلاة (العصر) وإقامة جماعتها، كذا قال الماوردي (¬3)، وقضية إطلاق الحديث دخول وقت التغليظ بدخول وقت العصر، وإن لم تفعل، وهي عبارة كثير من أصحابنا. وفيه دليل على أن الكافر يغلظ عليه بعد العصر كالمسلم، كما صرح به البندنيجي وغيره، قال: إنما يغلظ به عندنا لا عندهم. وفي إحلافهما دليل على أنهما لم يكونا شاهدين، إذ لو كانا شاهدين ¬

_ (¬1) انظر: "مختصر خلافيات البيهقي" 5/ 153. (¬2) في (ل)، (م): أبو. والمثبت هو الصواب. (¬3) "الحاوي الكبير" 11/ 46.

لما أحلفهما؛ فإن الشاهد لا يمين عليه، وإنما هي صورة لزمت، والتهمة لازمة للكافر، فوجب إحلافه؛ لأنه ليس من أهل العدالة والشهادة (بالله) الكافر كالمسلم في الحلف بالله، وهذا في أهل الكتاب، أما عباد الشمس والقمر ونحوهما فلا. (ما خانا) في المال ولا في وصيتهما (ولا كذبا) في يمينهما بعد العصر، بل صدقا (ولا بدَّلا) بتشديد الدال، يعني: الذي هو أدنى بالذي هو خير (ولا غيَّرا) شيئا من أعيانها (وإنها لوصية الرجل) التي أوصى بها كاملة (و) إنها جميع (تركته) قال بعضهم: ليس في وسع أبي موسى الأشعري أن يفعل معهما أكثر مما فعل، ولا يشدد عليهما أكثر من ذلك. (فأمضى شهادتهما) لفظ رواية البيهقي: فأجاز شهادتهما (¬1). وقد استدل الإمام أحمد بهذا الحديث وبالحديث الذي بعده والآية على أنه إذا شهد بوصية المسافر الذي مات في سفره شاهدان من أهل الذمة قبلت شهادتهما إذا لم يوجد غيرهما، ويستحلفان بعد العصر ما خانا ولا كتما ولا اشتريا به ثمنا (¬2). وحكي هذا عن شريح وإبراهيم النخعي (¬3) والأوزاعي (¬4). ¬

_ (¬1) "معرفة السنن والآثار" 15/ 437. (¬2) "مسائل الإمام أحمد" برواية الكوسج 2/ 394 (2923)، ورواه الخلال في "أحكام أهل الملل" ص 136. (¬3) رواه الطبري في "تفسيره" 5/ 113. (¬4) رواه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار"11/ 467.

قال ابن المنذر: وبهذا قال أكابر الماضين (¬1). يعني: الآية (¬2) التي في المائدة، وقضى بذلك ابن مسعود وأبو موسى، وروى الخلال حديث أبي موسى هذا بإسناده (¬3)، وذهب الشافعي والجمهور (¬4) إلى أن أهل الذمة لا تصح شهادتهم في السفر ولا غيره؛ لما سيأتي بعده من الأدلة من الكتاب والسنة. [3606] (ثنا الحسن بن علي) الخلال الهذلي شيخ الشيخين (ثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الكوفي القرشي (ثنا) [يحيى (ابن أبي زائدة) خالد (¬5) الهمداني، مات قاضيا بالمدائن (عن محمد بن أبي القاسم) الطويل (عن عبد الملك] (¬6) بن سعيد بن جبير) الأسدي الكوفي روى هاهنا ابن أبي زائدة عن عبد الملك بواسطة ابن أبي القاسم، وروى عنه البخاري وغيره في غير هذا المكان بغير واسطة (عن أبيه) سعيد بن جبير. (عن ابن عباس قال: خرج رجل من بني سهم) بن عمرو بن هصيص ابن كعب بن لؤي، واسم هذا الرجل السهمي بديل، مصغر البدل بالموحدة والمهملة، ابن أبي مارية وقيل: ابن أبي مريم (مع تميم) بن ¬

_ (¬1) "الأوسط" 7/ 316. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) "أحكام أهل الملل" ص 142. (¬4) "الأصل" 4/ 219، "المدونة" 4/ 3، و"الأم" 7/ 358. (¬5) كذا في النسخ: خالد. والصواب: ميمون. انظر: "تهذيب الكمال" 31/ 305 (6826). (¬6) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

أوس بن خارجة (الداري) نسبة إلى الدار، وهو بطن من لخم بالمعجمة، كان نصرانيا فأسلم سنة تسع، سكن المدينة وبعد قصة عثمان انتقل إلى الشام، قال البخاري: وهو أخو أبي هند الداري (¬1). قال الذهبي: قد جاء من وجوه عدة أن تميما طلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكتب له بقرية بيت لحم أو غيرها فكتب له بها (¬2). قال الواقدي: وذلك أول ما أقطع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الشام، فلم يقطع من الشام [غير بيت عينون وحبرى (¬3). عن معاوية: خرجت نار بالحرة فجاء عمر إلى تميم فقال: قم إلى هذِه النار] (¬4) فقال: من أنا؟ وما أنا؟ فما زال به حتى قام معه فانطلقا إلى النار فجعل تميم يحوشها بيده حتى دخلت الشعب فدخل خلفها، فجعل عمر يقول: ليس من رأى كمن لم ير (¬5). وقال قتادة: اشترى تميم (¬6) حلَّة بألف يخرج بها إلى الصلاة (¬7). ¬

_ (¬1) "التاريخ الكبير" 2/ 150. (¬2) "تاريخ الإسلام" 3/ 612. (¬3) انظر "الطبقات الكبرى" 1/ 344. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬5) رواه أبو داود في "الزهد" (395)، وبحشل في "تاريخ واسط" (220)، وأبو نعيم في "دلائل النبوة" (534)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 11/ 78، ومعاوية هو ابن حرمل، قال الحافظ في "الإصابة" 3/ 497 صهر مسيلمة الكذاب له إدراك، وكان مع مسيلمة في الردة ثم قدم على عمر تائبًا. (¬6) في (ل، م): تميمًا. (¬7) رواها ابن سعد في "الطبقات الكبرى" الجزء المتمم ص 722، عن إسماعيل بن إبراهيم، عن ابن عون عن محمد بن سيرين قاله.

وقال: لثلاث ركعات نافلة أحب إلى من أن أقرأ القرآن في ليلة ثم أصبح أقول: قرأت القرآن الليلة (¬1). وهو أول من أسرج المساجد. رواه ابن ماجه (¬2). (وعدي بن بداء) بفتح الباء الموحدة وتشديد الدال المهملة الممدودة، مات نصرانيا (فمات السهمي بأرض الشام وليس بها مسلم) وكان بديل لما مرض كتب كتابا فيه نسخة جميع ما معه، وطرحه في جوالقه وكان مسلما مهاجرا، خرج معهما للتجارة ولم يخبر رفيقيه تميما (¬3) وأخاه عدي النصرانيين بذلك، وأوصى إليهما وأمرهما أدن يدفعا متاعه إذا رجعا إلى أهله، فلما مات أخذا من متاعه إناء من فضة منقوشا بالذهب وأخفياه (فلما قدما بتركته) إلى أهله فتشوا متاعه فوجدوا الصحيفة بذكر ما كان معه، و (فقدوا جام فضة) قيل: كان إناء فضة (مخوصا) يريد به الملك وهو معظم تجارته، بالخاء المعجمة، والواو المشددة، والصاد المهملة، أي: صحفت عليه صحائف الذهب مثل الخوص، طوال (¬4) دقاق. ورواه بضاد معجمة، قال المنذري: ¬

_ (¬1) رواه ابن المبارك في "الزهد" (1339)، ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 11/ 77. (¬2) "سنن ابن ماجه" (760) عن أبي سعيد الخدري. قال البوصيري في "الزوائد" (ص 130): كذا رواه موقوفًا، ومع وقفه في إسناده خالد بن إياس اتفقوا على ضعفه. وقال الشيخ الألباني في "ضعيف ابن ماجه" (167): ضعيف جدًّا. (¬3) في (ل)، (م): تميم، والمثبت هو الصواب. (¬4) في (م)، (ل): دوال، والمثبت هو الصحيح.

الأول المشهور، وفي الحديث: "مثل المرأة الصالحة مثل التاج المخوص بالذهب" (¬1). فقالوا لتميم وعدي: فقدنا من متاعه إناء من فضة فيها ثلاثمائة مثقال: قالا: ما ندري، إنما أوصى إلينا بشيء وأمرنا أن ندفعه إليكم فدفعناه، وما لنا بالإناء من علم، فرفعوهما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (فأحلفهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) بعد صلاة العصر، كذا قال عامة المفسرين، وأهل الأديان يعظمون هذا الوقت ويتجنبون فيه الأكاذيب واليمين الكاذبة (ثم وُجِد الجامُ) أبيع (بمكة) فسألوا الذين معهم الجام (فقالوا: اشتريناه من تميم وعدي) بن بداء (فقام رجلان من أولياء السهمي) وأقاربه، وهما عمرو بن العاص والمطلب بن أبي وداعة السهميان. (فحلفا) بالله (لشهادتنا أحق من شهادتهما) قال ابن عباس: ليميننا أحق من يمينهما (¬2). وسميت اليمين هاهنا شهادة؛ لأن اليمين كالشهادة على ما يحلف عليه، وأنهما حانا في وقتيهما (وإن الجام) الذي وجداه بمكة (لصاحبهم) وأنهما يستحقان انتزاعه ممن هو في أيديهما، قال تميم: فلما أسلمت بعد قدوم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة تأثمت من ذلك، فأتيت أهله وأخبرتهم الخبر، ودفعت لهم خمسمائة درهم واستحللتهم (قال: ¬

_ (¬1) رواه ابن شيبة في "مصنفه" 3/ 554 (17137)، والطبراني في "الكبير" كما في "مجمع الزوائد" 4/ 317 عن عبد الرحمن بن أبزي من قول داود عليه السلام. قال الهيثمي في "المجمع" 4/ 317: رجاله رجال الصحيح. (¬2) انظر: "تفسير الوسيط" للواحدي 3/ 242، "البحر المحيط" 4/ 46.

فنزلت فيهم) هذِه الآية، كذا في البخاري (¬1) ({يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ}) رفع على الابتداء أو مضاف إلى ({بَينَكُم}) على أن يجعل (بين) مفعولا به، ويكون من إضافة المصدر إلى المفعول على السعة تجوزا، والخبر قوله بعده: {اثنَان} والتقدير: شهادة اثنين بينهما، قال الفراء: التقدير ليشهد بينكم اثنان (¬2). ({إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ}) أي: أسبابه ومقدماته وهي المرض المخوف (الآية) يعني {حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ} أو {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} (¬3)، أي: من غير أهل دينكم في قول عامة المفسرين؛ فلهذا استدل بهذِه الآية وهذا الحديث على جواز شهادة أهل الذمة كما تقدم، والجمهور: لا تقبل شهادتهم في شيء من أحكام المسلمين، ولا يثبت بشهادتهم حق ولا حكم، وقالوا في قوله: {ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} أي: من حيكم وقبيلتكم، {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} وأي: من غير قبيلتكم ورفقتكم. قال البيهقي: شهادة الكافر عندنا مردودة في جميع الأحوال؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} (¬4)، {وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} (¬5)، {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} (¬6) , {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (2780). (¬2) "معاني القرآن" 1/ 323. (¬3) المائدة: 106. (¬4) هود: 113. (¬5) آل عمران: 63. (¬6) البقرة: 282.

مّنِكم} (¬1)، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} (¬2) واسم الفاسق يتناول الكافر وغيره؛ بدلالة قوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18)} (¬3) وقال: {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ} (¬4)، قال: وروى الدوري، عن الأسود بن عامر شاذان، قال: كنت عند سفيان الثوري فسمعت شيخًا يحدث، عن يحيى بن أبي كثير، [عن أبي سلمة] (¬5)، عن أبي هريرة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يتوارث أهل ملتين شتى، ولا أهل دين على أهل دين إلا المسلمون، فإنهم عدول على أنفسهم وعلى غيرهم" (¬6). * * * ¬

_ (¬1) الطلاق: 2. (¬2) الحجرات: 6. (¬3) السجدة: 18. (¬4) السجدة: 20. (¬5) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬6) "سنن البيهقي الكبرى" 10/ 163. بتصرف، ولفظ الحديث عنده: "لا يتوارث أهل ملتين شتى، ولا تجوز شهادة ملة على ملة إلا ملة محمد فإنها تجوز على غيرهم".

20 - باب إذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد يجوز له أن يحكم به

20 - باب إِذا عَلِمَ الحاكِمُ صِدْق الشّاهِدِ الواحدِ يَجُوز لَه أَنْ يَحْكمَ به 3607 - حَدَّثَنا محَمَّد بْن يحيى بْنِ فارِسٍ أَنَّ الحَكَمَ بْنَ نافِعٍ حَدَّثَهم، أَخْبَرَنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزّهْريِّ، عَنْ عُمارَةَ بْنِ خُزيْمَةَ أَنَّ عَمَّهُ حَدَّثَهُ -وَهُوَ مِنْ أَصْحابِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ابْتاعَ فَرَسًا مِنْ أَعْرابيٍّ فاسْتَتْبَعَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِيَقْضِيَهُ ثَمَنَ فَرَسِهِ فَأَسْرَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - المَشْى وَأَبْطَأَ الأعرابيُّ فَطَفِقَ رِجالٌ يَعْتَرِضُونَ الأعرابيَّ فَيُساوِمُونَهُ بِالفَرَسِ وَلا يَشْعُرُونَ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - ابْتاعَهُ فَنادى الأعرابيُّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ إِنْ كُنْتَ مُبْتاعًا هذا الفَرَسَ وإلَّا بِعْتهُ. فَقامَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ سَمِعَ نِداءَ الأعرابيُّ فَقالَ: "أَوَلَيْسَ قَدِ ابْتَعْتُهُ مِنْكَ". فَقالَ الأعرابيُّ: لا والله ما بِعْتُكَهُ. فَقالَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "بَلَى قَدِ ابْتَعْتُهُ مِنْكَ". فَطَفِقَ الأعرابيُّ يَقول هَلُمَّ: شَهِيدًا. فَقالَ خُزَيْمَةُ بْنُ ثابِتٍ: أَنا أَشْهَد أَنَّكَ قَدْ بايَعْتَهُ. فَأَقْبَلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى خُزيْمَةَ فَقالَ: "بِمَ تَشْهَدُ". فَقالَ: بِتَصْدِيقِكَ يا رَسُولَ اللهِ. فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَهادَةَ خزَيْمَةَ بِشَهادَةِ رَجُلَيْنِ (¬1). * * * باب إذا علم الحاكم صدق الشاهد (¬2) الواحد يجوز له أن يحكم به [3607] (ثنا محمد بن يحيى، بن فارس) الذهلي (أن الحكم بن نافع) أبا اليمان البهراني مولاهم الحمصي (حدثهم قال: أنا شعيب (¬3) ¬

_ (¬1) رواه النسائي 7/ 301، أحمد 5/ 215. وصححه الألباني في "الإرواء" (1286). (¬2) ساقطة من (م). (¬3) فوقها في (ل): (ع).

ابن أبي حمزة دينار القرشي (عن الزهري، عن عمارة بن خزيمة) بن ثابت، وثقه النسائي (¬1). (أن عمه حدثه وهو من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ابتاع فرسا) قيل: إن هذا الفرس هو المرتجز، سمي بذلك لحسن صهيله، كأنه بصهيله ينشد رجز الشعر الذي هو أطيبه، وكان أبيض، وقيل: هو الطرف (¬2) بكسر الطاء نعت المذكر (صاحبه) (¬3)، وقيل: هو النجيب، والطرف والنجيب هو: الكريم من الخيل (¬4). (من أعرابي) وهو سواء بن الحارث، قال الذهبي: وهو سواء بن قيس المحاربي (¬5) (فاستتبعه) هذِه سين الطلب أي: أمره أن يتبعه إلى مكانه كاستخدمه إذا أمره أن يخدمه. (النبي - صلى الله عليه وسلم - ليقضيه ثمن فرسه) فيه شراء السلعة وإن لم يكن معه ثمنها بل في البيت أو ليستلفه من شخص، وفيه جواز تأخير البائع بالثمن إلى أن يأتي إلى منزله إن شاء، وليس ذلك بلازم للبائع إذا حضر البائع المكلف، بخلاف ما إذا كان الثمن بمحجور عليه من يتيم ومجنون ونحو ذلك. ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 21/ 242. (¬2) كذا بالفاء، والذي في كتب السيرة: الظرب بالظاء والباء، وانظر "النهاية في غريب الحديث" 3/ 156، لكن في "عيون الأثر" لابن سيد الناس 2/ 389: وقيل: هو الطرف -بكسر الطاء المهملة- نعت المذكر خاصة ... ثم ذكر (الظرب) كباقي أهل السير. (¬3) كذا بالمخطوط، والجادة خاصة. وانظر التعليق السابق. (¬4) "عيون الأثر" 2/ 389. (¬5) "تجريد أسماء الصحابة" 1/ 247 (2596).

(فأسرع النبي - صلى الله عليه وسلم - المشي) فيه المسارعة إلى أداء الواجب لآدمي، وحق الله أولي بالمسارعة إلى أدائه، وليس المراد به السعي الشديد، بل المبادرة إلى المضي فيه دون تأخير (فأبطأ الأعرابي) في لحوقه (فطفق) بكسر الفاء على اللغة المشهورة، قال الله تعالى: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} (¬1) واللغة الثانية فتح الفاء (رجال يعترضون الأعرابي) في طريقه (يساومونه) أي: يطلبون منه (بالفرس) والباء زائدة على المفعول كما تقول: سمت بالشيء (¬2). ومنه النهي عن السوم قبل طلوع الشمس (¬3)، وهو أن يساومه بسلعته ذلك الوقت؛ لأنه وقت ذكر الله. (ولا يشعرون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ابتاعه) حتى زاد بعضهم على ما ابتاعه به منه. أي: لم يقع من الصحابة السوم المنهي عنه، وهو السوم على سوم أخيه (¬4). يعني: بعد استقرار الثمن، بل بعد صدور البيع؛ لأنهم لم يعلموا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ابتاعه، والنهي يتعلق بمن علم بالبيع أو بالنهي (فنادى الأعرابي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) لكثرة طلبهم شراءها، ورغبتهم فيها (فقال) في ندائه (إن كنت مبتاعا) أي: مستمرًّا على شراء (هذا الفرس) فيه شاهد على أن الفرس يقع على الذكر والأنثى، فيقال للذكر كما هو هنا: هذا الفرس، وللأنثى: هذِه الفرس. وتصغير الذكر فريس، والأنثى فريسة على القياس. ¬

_ (¬1) الأعراف: 22. (¬2) في (ل)، (م): الشيء، والمثبت هو الصواب. (¬3) رواه ابن ماجه (2206) من حديث علي -رضي الله عنه-. (¬4) رواه البخاري (2139)، ومسلم (1408/ 38) من حديث أبي هريرة.

(وإلا بعته) هؤلاء الذين يطلبونه، زاد في رواية أحمد: إن كنت مبتاعا هذا الفرس فابتعه، وإلا بعته (¬1) (فقام النبي - صلى الله عليه وسلم -) أي: وقف، من قولهم: قامت به دابته، أي: وقفت (حين سمع نداء الأعرابي فقال) له (أوليس قد ابتعته منك؟ ) بكذا وكذا (قال الأعرابي: لا والله ما بعتك) لفظ النسائي: ما بعتكه (¬2). ووجه إنكار هذا الصحابي البيع وحلفه أن بعض المنافقين كان حاضرا وأمره بإنكار البيع، وأعلمه أن البيع لم يقع صحيحا، فليس عليك إثم (¬3) في الحلف على أنك ما بعته، فاعتقد صحة كلامه إذ لم يظهر له نفاقه ولا شعر به؛ إذ لو علمه لما اغتر بكلامه، وساعد أمر المنافق ميل النفس إلى زيادة الثمن وحب المال كما قال تعالى: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} (¬4) (فطفق الأعرابي يقول) له (هلم) بضم اللام، وبني آخرها على الفتح؛ لأنها اسم فعل، وبنيت لوقوعها موقع الأمر المبني، فمعناها: أحضر (شهيدا) منصوب منه، وهو فعيل بمعنى فاعل، أي: أحضر شاهدا كما جاء في رواية النسائي بزيادة، ولفظه: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قد ابتعته منك" فطفق الناس يلوذون بالنبي - صلى الله عليه وسلم - والأعرابي وهما يتراجعان، وطفق الأعرابي يقول: هلم شاهدا يشهد أني قد بعتكه. انتهى (¬5). ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 5/ 215. (¬2) "المجتبى" 7/ 301. (¬3) في (ل)، (م): إثما. والجادة ما أثبتناه. (¬4) آل عمران: 152. (¬5) "المجتبى" 7/ 301.

(فقال خزيمة بن ثابت) بن الفاكه بن ثعلبة الأوسي الخطمي، بدري عند بعضهم، والمحفوظ أنه شهد أحدًا وما بعدها. (أنا أشهد أنك قد بايعته) توضحه رواية النسائي: أنا أشهد أنك قد بعته (¬1) (فأقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - على خزيمة فقال: بم تشهد؟ ) أي: بأي شيء تشهد، وما حضرتني (فقال: ) أشهد (بتصديقك) في كل ما تقوله (يا رسول الله) وقد تذرع قوم من أهل البدع على استحلال الشهادة لمن [عرف] (¬2) عندهم بالصدق على كل شيء ادعاه، والوجه في هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما حكم على الأعرابي بعلمه، وجرت شهادة خزيمة في ذلك مجرى التوكيد (¬3). واستدل الشافعي بهذا الحديث على أنه لو كان الإشهاد حتما لم يبايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلا بينة (¬4). يريد بذلك أن الأمر في قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} (¬5) ليس على الوجوب، بل هو للندب، وشراء النبي - صلى الله عليه وسلم - بلا بينة قرينة صارفت الأمر من الوجوب إلى الندب. وقيل: هذِه الآية منسوخة بقوله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} (¬6) وقيل: محكمة، والأمر على الوجوب. قال ذلك أبو موسى الأشعري، وأبو عمرو الضحاك، وابن المسيب، وجابر بن زيد، ومجاهد، ¬

_ (¬1) "المجتبى" 7/ 301. (¬2) زيادة من "معالم السنن" يقتضيها السياق. (¬3) "معالم السنن" 4/ 73. (¬4) "الأم" 4/ 179 - 180. (¬5) البقرة: 282. (¬6) البقرة: 283.

وعطاء، والشعبي، والنخعي، وداود بن علي، وابنه أبو بكر، والطبري (¬1). قال الضحاك: هي عزيمة من الله، ولو على باقة بقل (¬2). قال الطبري: لا يحل لمسلم إذا باع وإذا اشترى إلا أن يشهد، وإلا كان مخالفا لكتاب الله (¬3). قال ابن العربي: وقول كافة العلماء أنه على الندب (¬4) كما تقدم (فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - شهادة خزيمة شهادة رجلين) فشهادة خزيمة وتصديقه - صلى الله عليه وسلم - كشهادة رجلين في سائر القضايا، وقد استدل بعض المتأخرين لما ترجم به المصنف أن الحاكم إذا علم صدق الشاهد الواحد [يجوز له أن يحكم به بقول بعض السلف كشريح أنه يكفي الشاهد الواحد (¬5)] (¬6) إذا انضمت إليه قرينة تدل على صدقه، ولما في "صحيح البخاري" أن بني صهيب لما ادعوا البيتين والحجرة قال مروان: من يشهد لكما؟ قالوا: ابن عمر. فدعاه فشهد؛ فقضى مروان بشهادته لهم (¬7). يعني بشهادته وحده، والجمهور أن شهادة ابن عمر إخبار لا شهادة. وذكر ابن التين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لخزيمة لما جعل شهادته بشهادتين: "لا تعد" أي: تشهد على ما لم تشاهده. * * * ¬

_ (¬1) "تفسير الطبري" 3/ 117 - 118. (¬2) انظر: "الكشف والبيان" 5/ 23. (¬3) "تفسير الطبري" 3/ 117، وانظر "تفسير القرطبي" 3/ 402. (¬4) "أحكام القرآن" 1/ 343. (¬5) رواه النسائي في "الكبرى" 3/ 491، والبيهقي 1/ 174. (¬6) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬7) "صحيح البخاري" (2624).

21 - باب القضاء باليمين والشاهد

21 - باب القَضاء بِاليَمينِ والشّاهِد 3608 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ والحَسَنُ بْنُ عَليٍّ أَنَّ زَيْدَ بْنَ الحُبابِ حَدَّثهُمْ، حَدَّثَنا سَيْف المَكّيُّ -قالَ عثْمان: سَيْفُ بْنُ سُلَيْمانَ- عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو ابْنِ دِينارٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَضَي بِيَمِينٍ وَشاهِدٍ (¬1). 3609 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْن يحْيى وَسَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ قالا: حَدَّثَنا عَبدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا محَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ، بإسْنادِهِ وَمَعْناهُ. قالَ سَلَمَةُ في حَدِيثِهِ: قالَ عَمرو: في الحُقُوقِ (¬2). 3610 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ أَبي بَكْرٍ أَبُو مُصْعَبٍ الزّهْريُّ، حَدَّثَنا الدَّراوَرْديُّ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بِاليَمِينِ مَعَ الشّاهِدِ. قالَ أَبُو داوُدَ: وَزادَني الرَّبِيعُ بْن سُلَيْمانَ المُؤَذِّنُ في هذا الحَدِيثِ، قالَ: أَخْبَرَني الشّافِعيُّ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ قالَ: فَذكَرْتُ ذَلِكَ لِسُهَيْلٍ فَقالَ: أَخْبَرَني رَبِيعَة- وَهُوَ عِنْدي ثِقَةٌ - أَنّي حَدَّثْتُهُ إِيّاهُ وَلا احْفَظُهُ. قالَ عَبْدُ العَزِيزِ وَقَدْ كانَ أَصابَت سُهَيْلًا عِلَّة أَذْهَبَتْ بَعْضَ عَقْلِهِ وَنَسيَ بَعْضَ حَدِيثِهِ، فَكانَ سُهَيْلٌ بَعْدُ يُحَدِّثُهُ، عَنْ رَبِيعَةَ عَنْه، عَنْ أَبِيهِ (¬3). 3611 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ داوُدَ الإِسْكَنْدَرانيُّ، حَدَّثَنا زِيادٌ -يَعْني: ابن يُونُسَ- حَدَّثَني سُلَيْمان بْنُ بِلالٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بإسْنادِ أَبي مُصْعَبٍ وَمَعْناهُ. قالَ سُلَيْمانُ: فَلَقِيتُ سُهَيْلا فَسَألتُهُ عَنْ هذا الحَدِيثِ فَقالَ: ما أَعْرِفُهُ. فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ رَبِيعَةَ أَخْبَرَني بِهِ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1712). (¬2) رواه البيهقي في "الكبرى" 10/ 168، والدارقطني في "سننه" 4/ 214. وصححه الألباني في "الإرواء" (2683). (¬3) رواه الترمذي (1343)، والنسائي في "الكبرى" (5969)، وابن ماجه (2368). وصححه الألباني.

عَنْكَ. قالَ: فَإِنْ كانَ رَبِيعَة أَخْبَرَكَ عَنّي فَحَدِّثْ بِهِ عَنْ رَبِيعَةَ عَنّي (¬1). 3612 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ، حَدَّثَنا عَمّارُ بْن شُعَيْبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْبِ العَنْبَريُّ، حَدَّثَني أَبي قالَ: سَمِعْتُ جَدِّيَ الزّبَيْبَ يَقُولُ: بَعَثَ نَبيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَيْشًا إِلَى بَني العَنْبَرِ فَأَخَذُوهُمْ بِرُكْبَةَ مِنْ ناحِيَةِ الطّائِفِ، فاسْتاقُوهُمْ إِلَى نَبيِّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَرَكِبْتُ فَسَبَقْتُهُمْ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقُلْتُ: السَّلامُ عَلَيْكَ يا نَبيَّ اللهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ أَتانا جُندُكَ فَأَخَذونا وَقَدْ كُنّا أَسْلَمْنا وَخَضْرَمْنا آذانَ النَّعَمِ فَلَمّا قَدِمَ بَلْعَنْبَرُ قالَ لي نَبيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ لَكُمْ بيِّنَة عَلَى أَنَّكُمْ أَسْلَمْتُمْ قَبْلَ أَنْ تُؤْخَذُوا في هذِه الأيّامِ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ. قالَ: "مَنْ بيِّنَتُكَ؟ ". قُلْتُ: سَمُرَةُ، رَجُل مِنْ بَني العَنْبَرِ وَرَجُل آخرُ سَمّاهُ لَهُ فَشَهِدَ الرَّجُلُ وَأَبَى سَمُرَةُ أَنْ يَشْهَدَ فَقالَ نَبي الله - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ أَبي أَنْ يَشْهَدَ لَكَ فَتَحْلِفُ مَعَ شاهِدِكَ الآخَرِ". قُلتُ: نَعم. فاسْتَحْلَفَني فَحَلَفْتُ باللهِ لَقَدْ أَسْلَمْنا يَوْمَ كَذا وَكَذا وَخَضْرَمْنا آذانَ النَّعَمِ. فَقالَ نَبيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اذْهَبُوا فَقاسِمُوهُمْ أَنْصافَ الأمْوالِ وَلا تَمَسُّوا ذَرارِيَهُمْ لَوْلا أَنَّ اللهَ لا يُحِبُّ ضَلالَةَ العَمَلِ ما رَزَيْناكُمْ عِقالًا". قالَ الزُّبَيبُ: فَدَعَتْني أُمّي فَقالَتْ هذا الرجُل أَخَذَ زِرْبِيَّتي فانْصَرَفْتُ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -يَعْني: فَأَخْبَرْتُهُ- فَقالَ لَي: "احْبِسْهُ". فَأَخَذْت بِتَلْبِيبِهِ وَقمْتُ مَعَهُ مَكانَنا ثمَّ نَظَرَ إِلَيْنا نَبي اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قائِمَيْنِ فَقالَ: "ما تُرِيدُ بِأَسِيرِكَ؟ ". فَأَرْسَلْتُهُ مِنْ يَدي فَقامَ نَبيّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فقالَ لِلرَّجُلِ: "رُدَّ عَلَى هذا زِرْبِيَّةَ أُمّهِ التي أَخَذْتَ مِنْها ". فَقالَ: يا نَبي اللهِ إِنَّها خَرَجَتْ مِنْ يَدَي. قالَ: فاخْتَلَعَ نَبي اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَيْفَ الرَّجُلِ فَأَعطْانِيهِ. وقالَ لِلرّجُلِ: "اذْهَبْ فَزِدْهُ آصُعًا مِنْ طَعامٍ". قالَ: فَزادَني آصُعًا مِنْ شَعِيرٍ (¬2). ¬

_ (¬1) رواه ابن الجارود (1007)، وابن حبان (5073) والبيهقي في "الكبرى" 10/ 168. وانظر ما قبله، وهو صحيح. (¬2) رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1209)، والبيهقي في "الكبرى" 10/ 171، والطبراني في "الكبير" 5/ 267. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (2731).

باب القضاء باليمين والشاهد [3608] (ثنا عثمان بن أبي شيبة والحسن بن علي) الخلال (أن زيد ابن الحباب) العكلي الخراساني، أخرج له مسلم (حدثهم قال: ثنا سيف) ابن سليمان (المكي) المخزومي مولاهم (قال عثمان بن أبي شيبة) في روايته هو (سيف بن سليمان) أخرج له الشيخان (عن قيس بن سعد) أخرج له مسلم (عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بيمين وشاهد) كذا رواية مسلم (¬1) بهذا اللفظ، وظاهره أنه - صلى الله عليه وسلم - حكم به في قضية معينة تُحُوكِمَ عنده فيها بيمين وشاهد. قال القرطبي: ويحتمل أن يكون ذلك عبارة عن تقعيد هذِه القاعدة، كأنه قال: أوجب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحكم باليمين والشاهد، ومما يشهد لهذا التأويل ما زاد المصنف في روايته قال: [3609] (ثنا محمد بن يحيى وسلمة بن شبيب) النيسابوري أخرج له مسلم (قالا: ثنا عبد الرزاق قال: أنا محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينار بإسناده ومعناه، قال سلمة) بن شبيب (في حديثه: قال عمرو) بن دينار: قضى بيمين وشاهد (في الحقوق) هذِه الرواية تقوي التأويل الثاني، وعلى هذِه الرواية المتقدمة لا يكون له عموم؛ لأنها قضية عين، وبهذه الزيادة والرواية الآتية يكون له عموم ومع ذلك فهو مخصوص بحقوق الأموال وما يتعلق بها دون حقوق الأبدان؛ للإجماع على ذلك من كل قائل باليمين والشاهد؛ لأن حقوق الأموال أخفض من ¬

_ (¬1) مسلم (1712).

حقوق الأبدان، بدلالة قبول شهادة النساء فيها (¬1). [3610] (ثنا أحمد (¬2) بن أبي بكر) بن الحارث بن زرارة بن مصعب ابن عبد الرحمن بن عوف (أبو مصعب الزهري) العوفي قاضي المدينة وعالمها (ثنا عبد العزيز) بن محمد (الدراوردي، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) فروخ مولى آل المنكدر، فقيه المدينة، صاحب الرأي (عن سهيل بن أبي صالح) السمان (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين من الطالب والشاهد) الواحد، رواه الحاكم والبيهقي من طرق كثيرة (¬3). حكى النووي عن الحفاظ: أصح أحاديث الباب حديث ابن عباس المتقدم عن سلمة. قال ابن عبد البر: لا مطعن لأحد في إسناده. قال: ولا خلاف بين أهل المعرفة في صحته (¬4). وحديث أبي هريرة هذا وحديث جابر حسان (¬5)، وصححه الحافظان: أبو زرعة، وأبو حاتم من حديث أبي هريرة وزيد بن ثابت (¬6). قال القرطبي: أحاديث هذا الباب كلها حجة للجمهور على الكوفيين ¬

_ (¬1) "المفهم" 5/ 151. (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) "المستدرك 3/ 517، من حديث بلال بن الحارث المزنى، "سنن البيهقي الكبرى" 10/ 168 - 169 من حديث أبي هريرة. (¬4) "التمهيد" 2/ 138. (¬5) "شرح مسلم" 4/ 12. (¬6) "علل ابن أبي حاتم" 4/ 261 (1409). وإن كان أبو حاتم تردد في تصحيحه في موضع آخر هو 4/ 238 (1392/ 2)، وأعله في 4/ 281 (1425). فليحرر.

وأتباعهم حين نفوا الحكم بالشاهد واليمين، ونقضوا حكم من حكم به، وبدعوه. قال الحكم: الشاهد واليمين بدعة، وأول من حكم به معاوية. ثم قال (¬1): يا للعجب، وضيعة العلم والأدب حيث رد هؤلاء القوم هذِه الأحاديث مع صحتها وشهرتها، وكيف اجترؤوا على تبديع من عمل بها حتى نقضوا حكمها واستقصروا علمه، مع أنه قد عمل بذلك الخلفاء الراشدون: أبو بكر وعمر وعلي، وأبي بن كعب ومعاوية، وشريح، وعمر بن عبد العزيز، وكتب إلى عماله: قال مالك: وإنه ليكفي في ذلك ما مضى من السنة، أترى هؤلاء تنقض أحكامهم ويحكم ببدعتهم (¬2)؟ ! . (قال) المصنف (وزادني الربيع بن سليمان) المرادي أبو محمد المصري (المؤذن) الفقيه الحافظ، مؤدب جامع مصر (في هذا الحديث قال: أنا) محمد بن إدريس (الشافعي، عن عبد العزيز) بن محمد الدراوردي. (فذكرت ذلك) الحديث (لسهيل) بن أبي صالح (فقال: أخبرني) به (ربيعة) بن أبي عبد الرحمن صاحب الرأي (وهو عندي ثقة) مقبول (أني حدثته إياه) قبل ذلك (ولا أحفظه) الآن. (قال عبد العزيز) بن محمد الدراوردي: (وقد كانت أصابت سهيلا علة) من شجة أصابته في رأسه (أذهبت بعض عقله) فاختلط حفظه (ونسي بعض حديثه) الذي كان يرويه (فكان سهيل بعد ذلك يحدثه) ¬

_ (¬1) أي: القرطبي. (¬2) "المفهم" 5/ 152.

أي: يحدث به (عن ربيعة) بن أبي عبد الرحمن [تلميذه (عنه) أي: عن نفسه (عن أبيه) أبي: صالح السمان (عن أبي هريرة). [3611] (ثنا محمد بن داود) أبي ناجية (الإسكندراني) وثقه النسائي (¬1) (ثنا زياد بن يونس) الحضرمي الإسكندراني، ثقة (حدثني سليمان بن بلال) القرشي التيمي. (عن ربيعة) بن أبي عبد الرحمن] (¬2) (بإسناد أبي مصعب) أحمد بن أبي بكر الزهري (ومعناه) المتقدم. (قال سليمان) بن بلال (فلقيت سهيلا) يعني: ابن أبي صالح (فسألته عن هذا الحديث) الذي فيه: قضى باليمين والشاهد (فقال: ما أعرفه. فقلت له: إن ربيعة) بن أبي عبد الرحمن (أخبرني به عنك) أنك حدثته به (قال) سهيل (فإن كان ربيعة أخبرك) به (عني فحدثه) بهذا الحديث. (عن ربيعة) بن أبي عبد الرحمن (عني) وقد اشتهرت هذِه القصة، فذكرها الشافعي عن الدراوردي، عن سهيل به (¬3)، وذكرها الدارقطني (¬4) والخطيب (¬5) وأبو عمرو ابن الصلاح (¬6)، ومن بعدهم ذكروها في كتاب "مَنْ حدَّث بحديث ثم نسيه" والصحيح عن ¬

_ (¬1) "تسمية مشايخ النسائي" (177)، وانظر: "تهذيب الكمال" 25/ 174. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) "الأم" 7/ 226 - 228. (¬4) "علل الدارقطني" 10/ 138 - 140. (¬5) "الكفاية" ص 380 - 381. (¬6) "المقدمة" ص 117 - 118.

الأصوليين قبول حديث من روى ثم نسي كما وقع لكثير من الأئمة، وصنف فيه الدارقطني (¬1). والثاني: وهو الذي حكاه ابن كج عن بعض الأصحاب: لا يقبل؛ لأن راوي الأصل كشاهد الأصل، إذا أنكر شهادة شاهد الفرع لم تقبل شهادته، فكذلك هنا، وهذا ضعيف، والأصح القبول كما تقدم، وتفارق الشهادة فإن لها مزيد احتياط. [3612] (ثنا أحمد بن عبدة) [بن موسى الضبي] (¬2) (ثنا عمار بن شعيث) بثاء مثلثة آخره (ابن عبيد الله بن الزبيب) بضم الزاي المعجمة وفتح الباء الأولى، ابن ثعلبة بن عمرو بن سواد (العنبري) بفتح العين المهملة وسكون النون، نسبة إلى عنبر بن عمرو بن تميم، ويقال لهم بلعنبر أيضا (قال: حدثني أبي) شعيث بن عبيد الله بن زبيب، قال عمار: حدثني أبي وكان قد بلغ سبع عشرة سنة ومائة (¬3)، وذكر ابن حبان شعيثًا في كتاب "الثقات" (¬4). (قال: سمعت جدي الزبيب) بضم الزاي المعجمة، وفتح الموحدة الأولى، وسكون المثناة التحتانية، ثم موحدة أخرى، ذكر بعضهم أنه من الأسماء المفردة، قال المنذري: وفيه نظر، ففي الرواة من اسمه ¬

_ (¬1) هو "جزء فيه من حدث ونسي". انظر: "المعجم المفهرس" ص 157، وقد ذكر ابن حجر فيه إسناده إليه. "جزء فيه من حدث ونسي". (¬2) بياض في (ل)، (م)، ولعل المثبت ما أراده الشارح. (¬3) انظر: "الآحاد والمثاني" 2/ 413 (1209). (¬4) "الثقات" 6/ 453.

زبيب على خلاف فيه (¬1)، وهو الزبيب بن ثعلبة بن عمرو التميمي العنبري، وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وجاء أن عائشة رضي الله عنها أعتقته (¬2). (يقول: بعث نبي الله - صلى الله عليه وسلم - جيشا إلى بني العنبر بن عمرو بن تميم فأخذوهم بركبة) بضم الراء، وسكون الكاف، وفتح الموحدة مثل ركبة الساق غير منصرف، قال المصنف: هو موضع (من ناحية الطائف) وركبة هذِه غير ركبة الثنية التي بين مكة والمدينة. قال المنذري: ويقال: دكبة بالدال المهملة. وقال الزبير: ركبة لبني ضمرة كانوا يجلسون إليها في الصيف ويغورون إلى تهامة في الشتاء (¬3). وقال غيره: هو على طريق الناس من مكة إلى الطائف (¬4). وروى مالك في "الموطأ" أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: لبيت بركبة أحب إلى من عشرة أبيات بالشام (¬5). وذكر الحربي كرواية المصنف، ثم قال: وفي رواية: وجدوهم بذات الشقوق فوق النِّباح، ولم يسمعوا لهم أذانا عند الصبح (¬6). (فاستاقوهم إلى نبي الله - صلى الله عليه وسلم -) قال الزبيب (فركبت) بكرة لي (فسبقتهم ¬

_ (¬1) "مختصر سنن أبي داود" 5/ 231. (¬2) رواه الطبراني في "الكبير" كما في "المجمع" و"الأوسط" 8/ 62 (7967)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" 2/ 1125 (2825). قال الهيثمي في "المجمع" 10/ 47، فيه: جماعة لم أعرفهم. (¬3) انظر: "معجم ما استعجم" 2/ 669. (¬4) انظر: "معجم البلدان" 3/ 63. (¬5) "الموطأ" 2/ 897. قال ابن عبد البر: لشدة الوباء بالشام، انظر: "التمهيد" 6/ 210 - 211. (¬6) رواه الحربي كما في "معجم ما استعجم" 2/ 669. وفيه ينقل المصنف بداية من: وقال الزبير. .

إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: السلام عليك يا نبي الله ورحمة الله وبركاته) فرد عليه: "وعليك السلام ورحمة الله وبركاته" كما وردت به السنة (أتانا جندك) الجند: الأنصار والأعوان، والجمع: أجناد وجنود، والواحد جندي (فأخذونا وقد كنا أسلمنا) قبل أن يأخذونا (وخضرمنا) بفتح الخاء وسكون الضاد المعجمتين (آذان النعم) وهي الإبل والبقر والغنم، أي: قطعنا طرف آذان النعم. وفي الحديث: أنه عليه السلام خطب يوم النحر على ناقة مخضرمة (¬1)، وهي التي قطع طرف أذنها، وكان ذلك علامة الإسلام، وكان أهل الجاهلية يخضرمون نعمهم، فلما جاء الإسلام أمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يخضرموا من غير الموضع الذي خضرمته أهل الجاهلية [وأصل الخضرمة] (¬2) أن يجعل الشيء بين بين، فإذا قطع بعض الأذن فهي بين الوافرة والناقصة، ومنه قيل لكل من أدرك الجاهلية والإسلام: مخضرم. وذكر ابن سعد أن سرية عيينة بن حصن هذِه كانت في المحرم سنة تسع من الهجرة، وأنه سبى إحدى عشرة امرأة، وثلاثين صبيًّا (¬3)، والله أعلم. (فلما) حضر (قدم) قومي (بلعنبر) ووفدوا عليه (قال لي نبي الله - صلى الله عليه وسلم -: هل لكم بينة على أنكم أسلمتم قبل أن تؤخذوا في هذِه الأيام؟ ) لما ادعى ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 412، والنسائي في "الكبرى" 2/ 444 (4099)، وغيرهما عن مرة الهمداني عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) "طبقات ابن سعد" 2/ 160 - 161.

الإسلام (¬1) قبل أن يؤخذوا طولب بالبينة، على قاعدة: البينة على المدعي (قلت: نعم. قال: من بينتكم؟ قلت: سمرة) بن عمرو العنبري (من بني العنبر) عمرو بن تميم (ورجل آخر سماه له فشهد الرجل) الاخر (وأبى سمرة) بن عمرو (أن يشهد) لهم (فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم -: قد أبي) سمرة (أن يشهد لك) أ (فتحلف) يمينا بالله تعالى أنكم أسلمتم قبل أن تؤخذوا (مع شاهدك) الرجل (الآخر، فاستحلفني) أي: حلفني (فحلفت بالله) فيه دليل على جواز الاقتصار على اسم الذات، ولا يحتاج إلى زيادة شيء من الصفات والألفاظ المكررة في الأسماء والصفات في الأموال القليلة، أما القسامة واللعان فالتغليظ فيهما واجب وإن لم يطلبه الخصم. (لقد أسلمنا) كلنا (يوم) نصب على الظرف (كذا وكذا وخضرمنا) بالخاء والضاد المعجمتين، كما تقدم (آذان النعم) التي لنا. فيه: استعمال اليمين مع الشاهد في غير الأموال، لكن يجوز أن يقصد بالإسلام هنا المال، ويكون هذا مستثنى من قولنا: الإسلام لا يقبل فيه إلا رجلان. وقد استثنى الماوردي هذِه الصورة في أثناء السير قبل مسألة الصلح بسطر فقال: يستثنى من الإسلام ما لو ادعى الإسلام بين الكفار قبل أخذه للأسر وأقام شاهدًا وامرأتين، وفي معناه الشاهد واليمين، فإنه يكفيه ذلك؛ لأن المقصود هنا نفي الاسترقاق وجواز المفاداة دون نفي القتل (¬2). وحكى في "البحر" في باب الدعوى عن الصيمري أنه يقبل شاهد وامرأتان، وشاهد ويمين، على أنه توفي على ¬

_ (¬1) في (م): إسلامهم. (¬2) ينظر "الحاوي" 17/ 8. ولم أقف على هذا الكلام للماوردي صريحًا.

الإسلام أو الكفر؛ لأن القصد منه إثبات الميراث، ثم استغربه. (فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم -) للذين أخذوهم (اذهبوا) إلى الغنيمة (فقاسموهم أنصاف الأموال) وليس هذا بأمر حقيقي، وإنما هو إرشاد إلى الصلح بما فيه المصلحة للجهتين فإن بني العنبر لما أسلموا قبل أخذهم والظفر بهم عصموا دماءهم وأموالهم وصغار أولادهم، وقد ثبت بالشاهد واليمين إسلامهم قبل أن يؤخذوا واستحقوا رجوع أموالهم إليهم، لكن لما كان الآخذون لم يعلموا بإسلامهم أولًا، وإنما علموا بعد تصرفهم في المال وذهاب غالبه في منافعهم؛ أمر بمقاسمة المال نصفين؛ لمراعاة المصلحتين، ولهذا لم يأمر باقتسام الذرية نصفين؛ لأنهم لم يذهب منهم شيء، فقال (ولا تمسوا) بفتح الميم (ذراريهم) بتشديد الياء وتخفيفها وتشديد الياء بتخفيف الهمزة لكثرة الاستعمال، والمراد بها هنا أولادهم. (لولا أن الله تعالى لا يحب ضلالة) بتخفيف اللام ألف (العمل) أي: بطلان العمل وضياعه وذهاب نفعه، مأخوذ من الضلال وهو الضياع، ومنه الضالة في الحديث (¬1)، وهي الضائعة من كل ما يقتنى من الحيوان وغيره، ولعل المراد هنا أنهم لما توجهوا للغزو وسافروا وأخذوا أموالهم على اعتقاد الغنيمة لم يضيعهم من المال جميعه بثبوت إسلامهم، بل عوضوا منه النصف، وهذا كالاعتذار لبني العنبر في أخذ نصف أموالهم بعد إسلامهم؛ تألفًا لقلوبهم؛ لدخولهم في الإسلام قبل ¬

_ (¬1) رواه البخاري (91)، ومسلم (1722) من حديث زيد بن خالد الجهني.

القتال (ما رزيناكم) بالياء الساكنة بدلا من الهمزة، هكذا الرواية، واللغة الفصحى: رزأناكم، ثم خففت الهمزة ياء. قال في "النهاية": وهو من التخفيف الشاذ (¬1). ومما جاء على الأصل حديث صاحبة المزادتين: "أتعلمين أنا ما رزأنا من مائك شيئا" (¬2). (عقالا) بكسر العين: الحبل الذي يعقل به البعير، وهو مما يستعمل للقلة. (قال الزبيب) بضم الزاي كما تقدم (فدعتني أمي) إلى خلاص حقها (فقالت: هذا الرجل أخذ) مني (زربيتي) بفتح الزاي وكسرها وضمها، وتشديد المثناة تحت، هي: الطنفسة، وقيل: البساط ذو الخمل، جمعها: زرابي، قال الله تعالى: {وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16)} (¬3) قيل: هي الوسائد (فانصرفت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته، فقال لي) خذ الذي أخذها فـ (احبسه) أي: أمسكه (فأخذت بتلبيبه) بفتح المثناة فوق، وسكون اللام، وكسر الموحدة الأولى، وسكون التحتانية، ثم موحدة أخرى، يقال: أخذت بتلبيب فلان: إذا جمعت عليه ثوبه الذي هو لابسه وقبضت عليه تجره به، والتلبيب مجمع ما في موضع اللب من ثياب الرجل. (وقمت معه) واقفا (مكاننا، ثم نظر إلينا نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قائمين) معا مجتمعين. أي: في المكان الذي كنا فيه (فقال) لي (ما تريد بأسيرك) ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 218. (¬2) رواه البخاري (344)، ومسلم (682). (¬3) الغاشية: 16.

الذي أنت ماسكه؟ سماه أسيرا لأن هذِه القضية تشبه قضية الأسير (فأرسلته من يدي) بكسر الدال (فقام نبي الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: وقف (فقال للرجل: ) الذي أرسلته (رد على هذا زربية) بتشديد المثناة تحت كما تقدم (أمه التي أخذتـ) ها (منها. فقال: يا نبي الله، إنها خرجت من يدي) ببيع أو هبة أو تمليك لزوجته أو أقاربه أو غيرهم. (فاختلع النبي - صلى الله عليه وسلم - سيف الرجل) الذي كان متقلدا به (فأعطانيه) فيه: جواز أخذ المستحق دينه من المديون من غير جنس حقه، إذا لم يصل إلى عين حقه، ولا يكون ضامنا للزائد إذا تعين أخذه طريقا إلى وصول حقه كما إذا لم يتمكن إلى أخذ زربية أمه إلا بأخذ هذا السيف الزائد قيمته على قيمة الزربية (¬1)، وله بيع المأخوذ استقلالا وأخذ حقه منه. (وقال للرجل) الذي أخذ الزربية (اذهب فزده آصعا) بمد الهمزة، وضم الصاد. فيه: رد على أبي حاتم حيث جعل (آصعًا) (¬2) من خطأ العوام (¬3)، قال ابن الأنباري: وليس بخطأ في القياس، وإن كان غير مسموع من العرب، لكنه قياس ما نقل عنهم أنهم يقلبون الهمزة من موضع العين إلى موضع الفاء فتقول في أبآر: أأبار (¬4). وأنَّى سماعٌ أكثر من وروده في حديث حسن من كلام أفصح الفصحاء، وأبلغ البلغاء. (من طعام) قمح أو شعير، ونحو ذلك (قال: ) الزبيب (فزادني) الرجل ¬

_ (¬1) بل سيأتي أن الزربية هي الزائدة قيمة. (¬2) في (ل)، (م): آصع. والمثبت هو الصواب. (¬3) نقله عنه الفيومي في "المصباح المنير" 1/ 350. (¬4) انظر: المرجع السابق.

(آصعًا من شعير) بنظير زيادة الزربية على السيف، وفي هذا دليل على جواز الاستبدال عن قيمة المتلف لاستقراره في الذمة، لكن لا يستبدل عنه إلا بعد العلم بقدره، والمتلف في هذا الحديث: الزربية، وهو متقوم فيجب في الذمة قيمتها من نقد البلد، فإذا تقررت قيمتها وعلم قدرها جاز الاستبدال عنه من الشعير، والنقد والشعير متخالفان في علة الربا فلا يشترط قبض العوض في مجلس العقد، ففي هذِه المسألة يعلم قدر قيمة الزربية وقدر قيمة السيف، ويسقط من قيمتها قدر قيمة السيف، والباقي بعد قيمته يستبدل عنه شعير بقيمته، والله أعلم. * * *

22 - باب الرجلين يدعيان شيئا وليست لهما بينة

22 - باب الرّجُلَيْنِ يَدَّعِيانِ شَيْئًا وَلَيْسَتْ لَهُما بيِّنَةٌ 3613 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهالٍ الضَّرِيرُ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنا ابن أَبي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبي بُردَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أبي مُوسَى الأشعَريِّ أَنَّ رَجُلَينِ أدَّعَيا بَعِيرًا أَو دابَّة إِلَى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - لَيسَتْ لِواحِدٍ مِنْهُما بيِّنَةٌ فَجَعَلَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَهُما (¬1). 3614 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْن عَليٍّ، حَدَّثَنا يحيى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنا عَبْد الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمانَ، عَنْ سَعِيدٍ، بإسْنادِهِ وَمَعْناهُ (¬2). 3615 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشّارٍ، حَدَّثَنا حَجّاجُ بْنُ مِنْهالٍ، حَدَّثَنا هَمّامٌ عَنْ قَتادَةَ بِمَعْنَى إِسْنادِهِ أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيا بَعِيرًا عَلَى عَهْدِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَبَعَثَ كُلُّ واحِدٍ مِنْهُما شاهِدَيْنِ فَقَسَمَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَهما نِصْفَيْنِ (¬3). 3616 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهالٍ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنا ابن أَبي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ خِلاسٍ، عَنْ أَبي رافِعٍ، عَنْ أَبي هرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلَينِ اخْتَصَما في مَتاعٍ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَيْسَ لِواحِدٍ مِنْهُما بيِّنَةٌ فَقالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اسْتَهِما عَلَى اليَمِينِ ما كانَ، أَحَبّا ذَلِكَ أَوْ كَرِها" (¬4). 3617 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل وَسَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ قالَ أَحْمَدُ: قالَ: حَدَّثَنا مَعْمَرٌ عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إِذا ¬

_ (¬1) رواه النسائي 8/ 248، وابن ماجه (233)، وأحمد 4/ 402. وضعفه الألباني في "الإرواء" (2656). (¬2) انظر ما قبله. (¬3) رواه الطحاوي 12/ 204، والحاكم 4/ 95، والبيهقي في "الكبرى" 10/ 257. وانظر سابقيه. (¬4) رواه النسائي في "الكبرى" (5956)، وابن ماجه (2329)، وأحمد 2/ 489. وصححه الألباني.

كَرِهَ الاثْنان اليَمِينَ أَوِ اسْتَحَبّاها فَلْيَسْتَهِما عَلَيْها". قالَ سَلَمَةُ قالَ: أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ وقالَ: إِذا اكرِهَ الاثنانِ عَلَى اليَمِينِ (¬1). 3618 - حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبي شَيْبَةَ, حَدَّثَنا خالِدُ بْنُ الحارِثِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبي عَروبَةَ بإسنادِ ابن مِنْهالٍ مِثْلَهُ, قالَ: في دابَّةٍ وَلَيسَ لَهُما بيِّنَةٌ فَأَمَرَهُما رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَسْتَهِما عَلَى اليَمِينِ (¬2). * * * باب الرجلين يَدَّعيان شيئا وليس لهما بينة [3613] (ثنا محمد بن منهال الضرير) أبو عبد الله التميمي المجاشعي (¬3) شيخ الشيخين (ثنا يزيد بن زريع، ثنا) سعيد (ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن سعيد (¬4) بن أبي بردة، عن أبيه) (¬5) أبي بردة عامر ابن أبي موسى. (عن جده أبي موسى) عبد الله بن قيس (الأشعري -رضي الله عنه- أن رجلين ادعيا بعيرًا أو دابة) عنده، واقتصر النسائي في روايته على الدابة من غير شك (¬6)، وكذا ابن ماجه (¬7) (إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -) و (ليست لواحد منهما بينة، فجعله النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما) لفظ النسائي: فقضى بها -يعني: الدابة- بينهما نصفين (¬8). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2674)، وأحمد 2/ 317. (¬2) رواه النسائي في "الكبرى" (6001)، وابن ماجه (2329)، وانظر سابقيه. وقال الألباني: صحيح بما قبله. (¬3) في (ل، م): المجامعي والمثبت من مصادر الترجمة. (¬4) و (¬5) فوقها في (ل): (ع). (¬6) "المجتبى" 8/ 248. (¬7) "سنن ابن ماجه" (2330). (¬8) "المجتبى" 8/ 248.

فيه: أنه لو تنازع رجلان في عين دابة أو غيرها، فادعى كل واحد منهما أنها ملكه دون صاحبه، ولم يكن بينهما بينة، وكانت العين في يدهما فكل واحد منهما مدع في نصف، ومدعى عليه في نصف، فيحلف كل واحد على نفي ما يدعيه الآخر، ولا يتعرض واحد منهما في يمينه لإثبات ما في يده، بل يقتصر على أن لا حق لصاحبه فيما في يده، نص عليه الشافعي (¬1) وهو المذهب، فإن حلفا أو نكلا جعلت بينهما نصفين على حالتي الحلف والنكول. فأما في الحلف فلأن كل واحد منهما يده على نصفها، والقول قول صاحب اليد مع يمينه، وأما في النكول فهي بينهما أيضا؛ لأن كل واحد منهما يستحق ما في يد الآخر مع نكوله وإن كانت العين في يد ثالث لا يدعيها فيصار للتحليف أيضًا. [3614] (ثنا الحسن بن علي، ثنا يحيى بن آدم، ثنا عبد الرحيم (¬2) بن سليمان) المروزي بالكوفة (عن سعيد) بن أبي بردة (بإسناده) المذكور (ومعناه) كما تقدم. [3615] (ثنا محمد بن بشار، ثنا حجاج بن منهال، ثنا همام، عن قتادة بمعنى إسناده) المذكور (أن رجلين ادعيا بعيرا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبعث) أي: أحضر (كل واحد منهما شاهدين) فشهدا له (فقسمه النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما نصفين) يحتمل أن تكون القصة في هذا الإسناد والذي قبله واحدة، إلا أن البينتين لما تعارضتا تساقطتا وصارتا (¬3) ¬

_ (¬1) "الأم" 7/ 560. (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) في (ل، م): صارا.

كالعدم وحكم لهما نصفين لاستوائهما في اليد، ويحتمل أن يكون الإسناد الذي قبله في عين كانت في يدهما، بدليل أن في رواية ابن ماجه: اختصم إليه رجلان بينهما دابة (¬1). وهذا الإسناد الثاني كانت العين في يد ثالث لا يدعيها، بدليل رواية النسائي بلفظ: ادعيا دابة وجداها عند رجل، فأقام كل واحد منهما شاهدين، فلما أقام كل واحد منهما شاهدين نزع من يده ودفع إليهما ليقتسماه بينهما نصفين (¬2)، وهذا أظهر؛ لأن حمل الإسنادين على معنيين متعددين أرجح من حملهما على معنى واحد؛ لأن القاعدة ترجيح ما فيه زيادة علم على غيره، والله أعلم، وبهذين الدليلين الذين في ابن ماجه والنسائي ارتفع الاحتمال وتعين العمل بهما. [3616] (ثنا محمد بن المنهال، ثنا يزيد بن زريع، ثنا) سعيد (ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن خلاس) بكسر الخاء (¬3) وتخفيف اللام، وهو: ابن عمرو الهجري. (عن أبي رافع) نفيع الصائغ المدني (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلين اختصما في متاع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -) المتاع كل ما ينتفع به من عروض الدنيا، قليلها وكثيرها، والظاهر أن المراد به هنا الدابة؛ لما في رواية ابن ماجه من طريق خالد بن الحارث عن سعيد بن أبي عروبة .. إلى آخره بلفظ: أن رجلين ادعيا دابة ولم يكن بينهما بينة (¬4) (ليس لواحد منهما بينة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: استهما) أي: اقترعا (على اليمين ما كان) ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (2330). (¬2) "سنن النسائي الكبرى" 3/ 487 (5997). (¬3) في (ل، م): الجيم. والمثبت هو الصواب. (¬4) "سنن ابن ماجه" (2330).

وقد ذكر البيهقي في معنى هذا الحديث أن القرعة في أيهما يقدم عند إرادة تحليف القاضي لهما (¬1). وذلك أنه يحلف واحدا ثم الآخر، فإن لم يحلف الثاني بعد حلف الأول قضى بالعين كلها للحالف أولا، وإن حلف الثاني فقد استويا في اليمين، فتكون العين بينهما كما كانت قبل أن يحلفا. وهذا تشهد له رواية البخاري وأبي داود المذكورة بعد هذا، وظاهر كلام أصحابنا في الفقه أن القاضي يعين لليمين من شاء منهما على ما يراه (¬2). قال الشيخ شمس الدين البرماوي: لكن الذي ينبغي أن يعمل به كما هو ظاهر الحديث، وينبغي أن يكون محل ذلك ما إذا لم يسبق أحدهما بالدعوى على رفيقه، ويلتمس يمينه ثم يدعي الآخر، فإن اليمين على المدعي الأول مقدمة. على أن ابن الأثير في "جامع الأصول" حمل الحديث على الاقتراع في المقسوم بعد القسمة (¬3)، وهو بعيد لا سيما في المثليات، وكيف مثل ذلك استهامًا في اليمين، وأيضا فظاهر حديث البخاري الآتي يخالفه؛ فتأمله. (أحبا ذلك) معنى استحبابهما اليمين أن كلًّا منهما أحب أن يحلف لتسلم له العين كلها (أو كرها ذلك) معنى كراهتهما اليمين أن يقول كل منهما: أنا لا أحلف بل يحلف غريمي أولًا. [3617] (ثنا أحمد بن حنبل، وسلمة بن شبيب، قالا: ثنا عبد الرزاق. قال أحمد) بن حنبل في روايته. (ثنا معمر، عن همام بن ¬

_ (¬1) انظر: "سنن البيهقي" 10/ 431. (¬2) انظر: "نهاية المطلب" 11/ 432. (¬3) "جامع الأصول" 10/ 188.

منبه، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا كره الاثنان) المتخاصمان (اليمين) على استحقاق ما يدعيه (أو استحباها) معا كما تقدم (فليستهما عليها) أي: يقترعا على اليمين، فأيهما خرج له القرعة حلف، وأخذ ما ادعاه وحلف عليه. و (قال سلمة) بن شبيب في روايته (أنا معمر) عن همام بن منبه إلى آخره. (وقال) في هذِه الرواية (إذا أكره) بضم الهمزة، وكسر الراء، مبني لما لم يسم فاعله (الاثنان على اليمين) أي: أكرههما الحاكم على اليمين حيث لم يختر اليمين فليقترعا، فمن خرجت القرعة عليه حلف أولًا، وكذا لو أحباها. ولفظ البخاري: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرض على قوم اليمين فأسرعوا، فأمر أن يسهم بينهم في اليمين (¬1). [3618] (ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا خالد بن الحارث) أبو عثمان الهجيمي البصري. (عن سعيد بن أبي عروبة بإسناد) حجاج (ابن منهال مثله، وقال) اختصما (في دابة) كما تقدم عن رواية ابن ماجه (¬2) (وليس لأحدهما بينة) على ما ادعاه (فأمرهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يستهما على اليمين) إذ لا بد من القرعة؛ لأن الخصمين تساويا في عدم البينة، فترجيح أحدهما دون مرجح لا يكون، فعلى هذا يتعين الاقتراع قطعا للنزاع. * * * ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (2674). (¬2) "سنن ابن ماجه" (2330).

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

شَرْحُ سُنَنِ أَبِي دَاوُد لِابْنِ رَسْلَان [15]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ جميعُ الحقوقِ مَحْفوظَة لِدَارِ الفَلَاحِ وَلَا يجوز نشر هَذَا الْكتاب بِأَيّ صِيغَة أَو تَصْوِيره PDF إِلَّا بِإِذن خطي من صَاحب الدَّار الْأُسْتَاذ/ خَالِد الرَّباط الطَّبْعَةُ الأُولَى 1437 هـ - 2016 م رَقم الْإِيدَاع بدَارِ الكتُب 17164/ 2015 دَارُ الفَلَاحِ لِلبحثِ العِلمي وتَحْقِيق التُّرَاثِ 18 شَارِع أحمس - حَيّ الجامعة - الفيوم ت: 01000059200 [email protected] تطلب منشوراتنا من: • دَار الْعلم - بلبيس - الشرقية - مصر • دَار الأفهام - الرياض • دَار كنوز إشبيليا - الرياض • مكتبة وتسجيلات ابْن الْقيم الإسلامية - أَبُو ظَبْي • دَار ابْن حزم - بيروت • دَار المحسن - الجزائر • دَار الْإِرْشَاد - استانبول • دَارُ الفَلَاحِ - الفيوم

23 - باب اليمين على المدعى عليه

23 - باب اليَمِينِ علَى المُدَّعَى عَلَيْهِ 3619 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ القَعْنَبيُّ، حَدَّثَنا نافِعُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ ابن أَبي ملَيْكَةَ قالَ: كَتَبَ إِلَيَّ ابن عَبّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بِاليَمِينِ عَلَى المُدَّعَى عَلَيْهِ (¬1). * * * باب اليمين على المدعى عليه [3619] (ثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، ثنا نافع (¬2) بن عمر) الجمحي (عن عبد الله بن أبي مليكة) زهير بن عبد الله بن جدعان. (قال: كتب إليَّ) عبد الله (ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين على المدعى عليه) كذا لفظ مسلم (¬3)، والمدعى عليه هو المطلوب منه، والمدعي هو الطالب، وإنما كانت اليمين على المدعى عليه؛ لأن الأصل براءة ذمته عما طلب منه وهو متمسك به، لكن يمكن أن يقال: قد شغلت بما طلب منه، فيدفع ذلك الاحتمال عن نفسه باليمين إن شاء، وظاهر عموم هذا اللفظ يقتضي أن اليمين تتوجه على كل من ادعي عليه (¬4). وقد ذكر ابن عبد البر من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "البينة على المدعي، واليمين على من أنكر إلا في ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2514)، ومسلم (1711). (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) "صحيح مسلم" (1711/ 2). (¬4) انظر: "المفهم" 5/ 148.

القسامة" (¬1) وهذا الحديث وإن كان ضعيف السند؛ لأنه من حديث مسلم ابن خالد الزنجي، ولا يحتج به، فمعناه صحيح، يشهد له: "شاهداك أو يمينه" (¬2) وهذا الحديث قاعدة كبيرة من قواعد الشرع في أنه لا يقبل قول الإنسان فيما يدعيه بمجرد دعواه، بل يحتاج إلى بينة أو تصديق المدعى عليه. وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - الحكمة في كونه لا يعطى بمجرد دعواه؛ لأنه لو أعطي بمجرد دعواه لادعى قوم دماء قوم وأموالهم، وهو أول حديث ابن عباس المذكور في الصحيحين (¬3)، وفي هذا الحديث دلالة لمذهب الشافعي (¬4) والجمهور (¬5)، وأن اليمين تتوجه على كل من ادعي عليه، سواء كان بينه وبين المدعي اختلاط أم لا. وقال مالك وجمهور أصحابه والفقهاء السبعة -فقهاء المدينة-: إن اليمين لا تتوجه إلا على من بينه وبينه خلطة؛ دفعا للمفسدة الناشئة من ذلك، وذلك أن السفهاء يتبذلون الأفاضل والعلماء بتكثير الأيمان عليهم مهما شاؤوا، حتى يحلف الرجل الجليل القدر في العلم والدين، ويهون على أهل الدين والفضل بذل الجزيل من المال في مقابلة الامتهان والابتذال (¬6). * * * ¬

_ (¬1) "التمهيد" 23/ 204. (¬2) رواه مسلم (138/ 221). (¬3) "صحيح البخاري" (4552)، "صحيح مسلم" (1711). (¬4) "الأم" 8/ 36. (¬5) انظر: "المبسوط" 17/ 28، و"الكافي في فقه الإمام أحمد" 4/ 266. (¬6) "المدونة" 4/ 37.

24 - باب كيف اليمين

24 - باب كَيفَ اليمينُ 3620 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو الأحوَصِ، حَدَّثَنا عَطاءُ بْنُ السّائِبِ، عَنْ أَبي يحيى، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: - يَعْني لِرَجُل حَلَّفَهُ-: "احْلِفْ باللهِ الذي لا إله إِلَّا هُوَ ما لَهُ عِنْدَكَ شَيء". يَعْني: لِلْمُدَّعِي. قالَ أَبُو داوُدَ: أَبُو يَحْيى اسْمُهُ زِيادٌ كُوفيٌّ ثِقَةٌ (¬1). * * * باب كيف اليمين؟ [3620] (ثنا مسدد، حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي مولاهم (ثنا عطاء بن السائب) أخرج له البخاري مقرونا. (عن أبي يحيى) زياد القرشي المكي مولى قيس بن مخرمة الأعرج، وثقه ابن معين (¬2). (عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: -يعني: لرجل حلفه-: احلف بالله الذي لا إله إلا هو) فيه: التغليظ باللفظ كما تقدم في التغليظ بالزمان والمكان، فإن الاكتفاء في اليمين بالحلف بالله جائز؛ لما روى ابن ماجه عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من حلف بالله فليصدق، ومن حلف له بالله فليرض، ومن لم يرض فليس من الله" (¬3) (ما له) يعني: للمدعي (عندك شيء. يعني: للمدعي) وفيه الاكتفاء في اليمين بقوله: ¬

_ (¬1) رواه النسائي في "الكبرى" (6007)، وأحمد 1/ 253. وضعفه الألباني في "الإرواء" (2687). (¬2) انظر: "تاريخ ابن أبي خيثمة" 1/ 227 (688). (¬3) "سنن ابن ماجه" (2101).

ما له عندي شيء. ولا يلزم أن يذكر الذمة بأن يقول: ما له في ذمتي شيء. فإن كان قوله (عندي) للوديعة، و (في ذمتي) و (عليّ) للدين، فيحتمل (¬1) أن تكون الدعوى هنا على الوديعة. * * * ¬

_ (¬1) في المخطوط: ويحتمل، ولعل المثبت المناسب للمعنى.

25 - باب إذا كان المدعى عليه ذميا أيحلف

25 - باب إذا كانَ المُدَّعَى عَلَيْه ذِمِّيّا أيَحْلف 3621 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوَيةَ، حَدَّثَنا الأعمَشُ، عَنْ شَقِيق، عَنِ الأشعَثِ قالَ: كانَ بَيْني وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنَ اليَهودِ أَرْض فَجَحَدَني فَقَدَّمْتُه إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ ليَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلَكَ بيِّنةٌ؟ ". قُلْت: لا. قالَ لِلْيَهُوديِّ: "احْلِفْ". قُلْت: يا رَسولَ اللهِ إِذًا يحْلِفَ وَيَذْهَبَ بِمالي. فَأنْزَلَ اللهُ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ (¬1). * * * باب إذا كان المدعى عليه ذميًّا، أيحلف؟ [3621] (ثنا محمد بن عيسى) بن نجيح بن الطباع البغدادي، ثقة له مصنفات عديدة (ثنا أبو معاوية) (¬2) محمد بن خازم الضرير (ثنا الأعمش، عن شقيق، عن) معدي كرب بن قيس الملقب (الأشعث) لشعث رأسه، وفد سنة عشر في قومه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكانوا ستين راكبا فأسلموا، كما تقدم. (قال: كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني) حقي منها (فقدمته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -) وفي رواية للبخاري: كانت لي بئر في أرض (¬3) (فقال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: ألك بينة؟ ) عليه (قلت: لا. قال لليهودي: احلف) فيه أن الذمي يحلف بالله كما يحلف المسلم (قلت: يا رسول الله، إذًا) بالتنوين (يحلف ويذهب بمالي) تقدم أنه يجوز فيهما الرفع والنصب، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2356)، ومسلم (138). (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) "صحيح البخاري" (4550).

والنصب أرجح (فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ} وميثاقه ({وَأَيْمَانِهِمْ}) الكاذبة، أي: يستبدلون بهما عرضا قليلا من الدنيا (إلى آخر الآية) فيه ما تقدم، وفيه دليل على أن الحاكم إذا حكم بيمين الحالف حيث لا بينة فلا يحل للمحكوم له أخذ ذلك المال، فإن الحاكم يحكم بالظاهر، وقد يكون في الباطن خلافه، فلا يحل له الحاكم حلالا. * * *

26 - باب الرجل يحلف على علمه فيما غاب عنه

26 - باب الرّجُلِ يَحْلِفُ عَلَى علْمِه فِيما غاب عَنْهُ 3622 - حَدَّثَنا مَحْمُودُ بْن خالِدِ، حَدَّثَنا الفِريابيُّ، حَدَّثَنا الحارِث بْنُ سُلَيْمانَ، حَدَّثَني كردُوسٌ، عَنِ الأشعَثِ بنِ قَيسٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ كِنْدَةَ وَرَجُلًا مِنْ حَضْرَمَوتَ اخْتَصَما إِلَى النبي - صلى الله عليه وسلم - في أَرْضٍ مِنَ اليَمَنِ فَقالَ الحضرَميُّ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَرْضي اغْتَصَبَنِيها أَبو هذا وهيَ في يَدِهِ. قالَ: "هَلْ لَكَ بيِّنة؟ ". قالَ: لا ولكن أحَلِّفُهُ والله ما يَعْلَمُ أَنَّها أَرْضي اغْتَصَبَنِيها أَبُوة. فَتَهيَّأَ الكِنْديُّ يَعْني: لِلْيَمِينِ. وَساقَ الحَدِيثَ (¬1). 3623 - حَدَّثَنا هَنّادُ بْن السَّريِّ، حَدَّثَنا أَبُو الأحوَصِ، عَنْ سِماكٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وائِلِ بْنِ حُجْرِ الحَضْرَمي، عَنْ أَبِيهِ قالَ: جاءَ رَجلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ إِلَي رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ الحَضْرَمي: يا رسول اللهِ إِنَّ هذا غَلَبَنى عَلَى أَرْضٍ كانَتْ لأبي فَقالَ الكِنْديُّ: هِيَ أَرْضي في يَدي أَزْرَعها لَيْسَ لَهُ فِيها حَقٌّ. فَقالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِلْحَضْرَميِّ: "أَلَكَ بيِّنةٌ؟ ". قالَ: لا. قالَ: "فَلَكَ يَمِينُهُ". فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ فاجِرٌ لَيْسَ يُبالي ما حَلَفَ لَيْسَ يَتَوَرَّع مِنْ شَيء. فَقالَ: "لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إِلا ذَلِكَ" (¬2). * * * باب يحلف الرجل على علمه فيما غاب عنه [3622] (ثنا محمود بن خالد) بن يزيد السلمي الدمشقي (ثنا) محمد ابن يوسف (الفريابي) (¬3) بكسر الفاء، وتخفيف المثناة تحت، وبعد الألف موحدة (ثنا الحارث بن سليمان) الكندي الكوفي، وثقه ابن معين (¬4) ¬

_ (¬1) سبق برقم (3244). (¬2) سبق برقم (3245). (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 5/ 234.

(حدثني كردوس) بضم الكاف والدال المهملة، الثعلبي بالعين المهملة، قيل: كردوس ثلاثة متعارضون (¬1) (عن الأشعث) تقدم (ابن قيس -رضي الله عنه- أن رجلا من كندة) وهو امرؤ القيس بن عابس، بالعين المهملة والباء الموحدة، الكندي الصحابي الشاعر، قال أبو بكر الخطيب: ليس في الصحابة من يسمى امرأ القيس غير هذا (¬2). وقد ذكر في "الاستيعاب" ابن عابس هذا (¬3)، وذكر بعده امرأ القيس بن الأصبغ الكندي، وقال: بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاملا على كلب، وذكر أنه خال أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف (¬4). (ورجلا من حضرموت) بفتح الراء والميم من اليمن (اختصما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في أرض من اليمن) وهذا الذي من حضرموت هو ربيعة بن عبدان بكسر العين المهملة وباء موحدة، كذا للمنذري، وضبطه الذهبي بفتح العين المهملة وسكون المثناة تحت، وضُعَّف كسر العين (¬5). ¬

_ (¬1) كردوس بن العباس الثعلبي، ويقال: كردوس بن عمرو الغطفاني، ويقال: كردوس ابن هانئ الثعلبي الكوفي، ويقال: إنهم ثلاثة، قاله علي بن المديني، وجعلهم ابن حبان أربعة. انظر: "الثقات" 5/ 342 - 343. و"تهذيب الكمال" 24/ 169 (4968). (¬2) "الأسماء المبهمة" 6/ 429. (¬3) "الاستيعاب" 1/ 194. (¬4) "الاستيعاب" 1/ 195. (¬5) أورده الذهبي في "تجريد أسماء الصحابة" 1/ 180: ربيعة بن عَيْدان بفتح العين وبالياء. قال: وقيل: بكسر العين وبالباء الموحدة، شهد فتح مصر. وقال ابن مطر: رأيته بخط أبي نعيم بكسر العين وتشديد الدال. اهـ. قلت: انظر: "معرفة الصحابة" لأبي نعيم 2/ 1099 (1774).

وقال ابن نقطة (¬1): رأيته بخط أبي نعيم بكسر [العين والباء المعجمة بواحدة، (¬2) وتشديد الدال، وهو كندي أيضا (فقال الحضرمي: يا رسول الله، إن أرضي اغتصبها أبو هذا مني) في الجاهلية (وهي في يده) وأستحق انتزاعها منه (فقال: هل لك) عليه (بينة؟ قال: لا) فيه: أن الوارث إذا مات ولا وارث له سوى ابنه فإذا علم الحاكم ذلك لم يكلفه بينة، على أنه استغرق ميراث والده ولا وارث له غيره (ولكن أحلفه) بفتح الهمزة، وكسر اللام (والله يعلم أنها) بفتح الهمزة (أرضي) وباقية في ملكي (اغتصبها أبوه) ووصفه بالاغتصاب المحرم ليس هو من الغيبة؛ لأن المستثنى من السنة مواضع المستفتيات (فتهيأ الكندي، يعني: لليمين) ولمسلم: فلما قام ليحلف قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3): "من اقتطع أرضا ظلما لقي الله وهو عليه غضبان". [3623] (ثنا هناد بن السري) التميمي الكوفي شيخ مسلم (ثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي. (عن سماك، عن علقمة بن وائل بن حجر الحضرمي، عن أبيه) وائل ابن حجر بن ربيعة، وله رواية بدمشق. (قال: جاء رجل من حضرموت) وهو ربيعة بن عبدان بكسر العين ¬

_ (¬1) في المخطوط: بطة. ولعل المثبت الصواب؛ إذ هو في كتابه "تكملة الإكمال" 4/ 226 كذلك، والذي في كتاب الذهبي أن القائل ابن مطر. كذا في المطبوع من "التجريد" كما في التخريج السابق، فالله أعلم. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م)، وفي هامش (ل): لعله العين، والمثبت من "تكملة الإكمال". (¬3) "صحيح مسلم" (139/ 224).

وسكون الموحدة (ورجل من كندة) وهو: امرؤ القيس بن عابس الكندي (إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال) الرجل (الحضرمي: يا رسول الله، إن هذا قد غلبني على أرضٍ) جاء في مسلم: أرض باليمن (¬1). وفي الصحيحين: في بئر (¬2). ولا امتناع أن المجموع صحيح، فمرة ذكر الأرض؛ لأن البئر داخلة فيها، ومرة ذكرت البئر؛ لأن البئر هي القصد. (كانت لأبي، فقال الكندي: هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حق. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للحضرمي: ألك) عليه (بينة؟ قال: لا. قال: فلك يمينه. قال: يا رسول الله إنه فاجر ليس يبالي ما حلف) عليه. وفيه أن أحد الخصمين إذا قال لصاحبه: إنه ظالم أو فاجر. ونحوه في حال المخاصمة يحتمل ذلك منه (ليس يتورع من شيء) أصل الورع: الكف عن الحرام، وهو هنا مضارع في معنى النكرة، والنكرة في معرض النفي تعم، فيعم هنا ويكون التقدير: ليس يكف عن حرام ولا مكروه ولا مباح وغير ذلك. (فقال: ليس لك منه إلا ذلك) اليمين. فيه: حجة على عدم الملازمة والتكفيل وعدم رد اليمين، وأنه لا يقضي بعلمه، وفيه دليل على أن يمين الفاجر المدعى عليه تقبل كيمين العدل وتسقط عنه المطالبة. ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (138). (¬2) "صحيح البخاري" (7184)، "صحيح مسلم" (138/ 221).

27 - باب كيف يخلف الذمي

27 - باب كَيْف يَخلِفُ الذِّميُّ 3624 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْن يحيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْريِّ، حَدَّثَنا رَجُلٌ مِنْ مُزَيْنَةَ -وَنَحْنُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ المُسيَّبِ-، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعني لِلْيَهُودِ: "أَنْشُدُكُمْ باللهِ الذي أَنْزَلَ التَّوْراةَ عَلَى مُوسَى ما تَجدُونَ في التَّوْراةِ عَلَى مَنْ زَنَى". وَساقَ الحَدِيثَ في قِصَّةِ الرَّجْمِ (¬1). 3625 - حَدَّثَنا عَبْدُ العَزيزِ بْن يَحيَى أَبُو الأصبَغِ حَدَّثَني مُحَمَّدٌ -يَعْني: ابن سَلَمَةَ- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنِ الزُّهْريِّ بهذا الحَدِيثِ وَبإسْنادِهِ، قالَ: حَدَّثَني رَجُلٌ مِنْ مُزَيْنَةَ مِمَّنْ كانَ يَتَّبعُ العِلْمَ وَيَعِيهِ يُحَدِّثُ سَعِيدَ بْنَ المُسيَّبِ وَساقَ الحَدِيثَ بِمَعْناه (¬2). 3626 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ المثَنَّى، حَدَّثَنا عَبْدُ الأعلَى، حَدَّثَنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ لَهُ- يَعْني لابنِ صُورِيا-: "أُذَكِّرُكُم باللهِ الذي نَجّاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، وَأَقْطَعَكُمُ البَحْرَ وَظَلَّلَ عَلَيْكُمُ الغَمامَ، وَأنْزَلَ عَلَيْكُمُ المَنَّ والسَّلْوى، وَأَنْزَلَ عَلَيْكُمُ التَّوْراةَ عَلَى مُوسَى أتَجِدُون في كتابِكُمُ الرَّجْمَ؟ ". قالَ ذَكَّرْتَني بِعَظِيمٍ وَلا يَسَعُني أَن أَكْذِبَك وَساقَ الحَدِيثَ (¬3). * * * باب كيف يحلف الذمي [3642] (ثنا محمد بن يحيى) بن عبد الله بن خالد بن فارس الذهلي (ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري، ثنا رجل من مزينة ونحن عند ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 279، وعبد الرزاق 7/ 315 (13330). وضعفه الألباني. (¬2) إسناده كسابقه. (¬3) أنظر سابقيه، وصححه الألباني.

سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة - صلى الله عليه وسلم -: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -. يعني لليهود) أي: الذين أتوا النبي (¬1) - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس في المسجد في أصحابه، وقالوا: يا أبا القاسم، ما ترى في رجل وامرأة منهم زنيا (أنشدكم) بفتح الهمزة وضم الشين (بالله) أي أسألكم بالله، وأقسم عليكم. وفي الرواية الآتية في الحدود من رواية البراء بن عازب: "ناشدتكم الله" (¬2) (الذي أنزل التوراة) اسم أعجمي على وزن تفعلة من الوري (على موسى) -عليه السلام-، وفي تحليفهم بالتوراة التي يعظمونها ويتوقون أن يحلفوا بها كاذبين دليل على أن من توجهت عليه اليمين يحلف بما يعظمه، ويتوقى الحلف به كاذبا، وفي تحليفهم بها أيضا إشارة وتلويح (¬3) بطلب إيمانهم؛ حيث علموا أن فيها التبشير بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، والتصديق برسالته ووصفه فيها، كما أخبر الله تعالى في كتابه بقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ} (¬4) أي: هدى لقوم موسى وتبيين شريعته، وفيها نور محمد - صلى الله عليه وسلم - الآتي بعده. وفي الحديث دليل على أن الذمي تغلظ عليه اليمين بالزمان كما تغلظ بالمكان، ولم يختلفوا في الذمي، بل اختلفوا في المسلم، فذهب مالك والشافعي ورواية عن أحمد (¬5) إلى التغليظ بالزمان والمكان إن رأى ¬

_ (¬1) في (م): إلى رسول الله. (¬2) يأتي برقمي (4447، 4448). (¬3) في (ل)، (م): وتلويحًا. والمثبت هو الصواب. (¬4) المائدة: 44. (¬5) "المدونة" 4/ 54 - 57، و"الأم" 7/ 637، "مسائل أحمد وإسحاق" للكوسج 6/ 616.

الإمام، وممن قال: لا يشرع التغليظ بالزمان والمكان للمسلم أبو حنيفة وصاحباه (¬1)، وهو ظاهر كلام الخرقي (¬2) وأبي بكر (¬3) من الحنابلة. (ما تجدون في التوراة) عندكم (على من زنى؟ ) إذا أحصن، قالوا: يحمم ويُجَبَّهُ ويجلد. والتجبية أن يحمل الزانيان على حمار وتقابل أقفيتهما ويطاف بهما .. إلى آخر الحديث، كما سيأتي الحديث بلفظ سنده ومتنه في الحدود في باب رجم اليهوديين (¬4) إن شاء الله. [3625] (حدثنا عبد العزيز بن يحيى، أبو الأصبغ) الحراني، ثقة (حدثني محمد بن سلمة) بن عبد الله الباهلي الحراني، أخرج له مسلم (عن محمد بن إسحاق) صاحب "المغازي" (عن الزهري بهذا الحديث وبإسناده قال: حدثني رجل من مزينة) بنت كلب بن وبرة بن تغلب، ومزينة هذِه أم عثمان وأوس الذين منهم هذِه القبيلة الكبيرة المنسوب إليها خلق، منهم عبد الله بن سعد المزني (ممن كان يتبع العلم) أي: يجعله أمامه في أقواله وأفعاله كما يتبع المأموم الإمام. وفي الحديث: أتبعوا القرآن، ولا يتبعنكم (¬5). أي: أجعلوه أمامكم ¬

_ =وانظر: "اختلاف الأئمة العلماء" لابن هبيرة 2/ 429. (¬1) انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 5/ 186، و"المبسوط" 16/ 118. (¬2) انظر: "المغني" 14/ 224. (¬3) "أحكام أهل الملل" ص 252. (¬4) يأتي برقم (4450). (¬5) رواه أبو عبيد في "فضائل القرآن" ص 81، وأبو نعيم في "الحلية" 1/ 257، والبيهقي في "الشعب" 3/ 396 (1866)، والخطيب في "تاريخ بغداد" 13/ 85 من حديث أبي موسى الأشعري موقوفًا.

ثم اتلوه. ومعنى: لا يتبعنكم: لا تدعوا تلاوته والعمل به، فتكونوا ممن نبذتموه وجعلتموه وراء ظهوركم، وقيل: معناه: لا يطلبنكم بتضييعكم إياه كما يطلب الرجل صاحبه بالتبعة (ويعيه) أي: يحفظه، يقال: وعيت العلم عنه: إذا حفظته، ومنه الحديث: "نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها" (¬1) (وساق الحديث) المذكور وسيأتي في الحدود. [3626] (ثنا محمد بن المثنى، ثنا عبد الأعلى) بن مسهر الغساني (ثنا سعيد) بن ([عبد الرحمن]) (¬2) التنوخي الدمشقي (عن قتادة) بن دعامة (عن عكرمة) مرسلا (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له يعني: لابن صوريا) وفي رواية للمصنف من حديث جابر: فقال: "ائتوني بأعلم رجلين منكم "فأتوه [با بني صوريا، فنشدهما] (¬3) (أذكركم) بتشديد الكاف المكسورة (بالله) أي: بنعمة الله (الذي نجاكم) أي: أنجى آباءكم كما قال تعالى: {لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ} (¬4) أي: حملنا آباءكم، وقيل: إنما قال (نجاكم)؛ لأن نجاة الآباء كان سببا لنجاة من خاطبهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومعنى نجينا [كم: ألقيناكم] (¬5) على نجوة من الأرض (من) عدو ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2582) من حديث عبد الله بن مسعود، وابن ماجه (230) من حديث زيد بن ثابت، وأحمد 4/ 828، وابن ماجه (231) من حديث جبير بن مطعم وأحمد 3/ 225، وابن ماجه (236) من حديث أنس. (¬2) كذا في النسخ: عبد الرحمن. والصواب: عبد العزيز. انظر: "تهذيب الكمال" 10/ 539 (2320). (¬3) في الأصول: (بابن صوريا، فنشدهم)، والتصويب من "السنن" (4452). (¬4) الحاقة: 11. (¬5) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 1/ 381، وما بين المعقوفتين زيادة منه.

آبائكم وعدوكم من (آل فرعون) قومه وأتباعه (وأقطعكم) أقطع آباءكم (البحر) وأخرجكم منه سالمين وأغرق أعداءكم فيه، ذكر أن هذا البحر هو بحر القلزم. (وظلل عليكم) أي: جعل على آبائكم (الغمام) كالظلة ليقيهم حر الشمس به وتنجلي عنهم في آخره؛ ليستضيئوا بالقمر ليلًا (¬1). وذكر المفسرون أن هذا جرى في التيه بين مصر والشام لما امتنعوا من قتال الجبارين ودخول مدينتهم، وقالوا لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ} (¬2) فعوقبوا بذلك الفحص أربعين سنة يتيهون في خمسة فراسخ، فكانوا يمشون النهار كله، وينزلون للمبيت فيصبحون حيث كانوا بكرة أمس. (وأنزل عليكم المن) أكثر المفسرين هو الترنجبين بتشديد الراء المفتوحة، ويقال: الطرنجبين. وعن وهب بن منبه: هو خبز الرقاق (¬3). وقيل: المن مصدر يعم جميع ما من الله به على عباده من غير تعب ولا زرع؛ لحديث: "الكمأة من المن الذي أنزل علي بني إسرائيل، وماؤها شفاء للعين" (¬4). (والسلوى) ابن عطية: هو طير بإجماع المفسرين (¬5). قال القرطبي: لا يصح هذا الإجماع. وقد قال المؤرج -أحد علماء اللغة والتفسير-: ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) المائدة: 24. (¬3) رواه الطبري في "تفسيره" 1/ 334 (973)، وابن أبي حاتم في "تفسيرها" 1/ 115 (557). (¬4) رواه البخاري (4478)، ومسلم (2049) من حديث سعيد بن زيد. (¬5) "المحرر الوجيز" 1/ 305.

إنه العسل. واستدل بقول الهذلي: وقاسمها بالله جهدا لأنها ... ألذ من السلوى إذا ما نشورها وذكر أنه كذلك بلغة كنانة، سمي بذلك لأنه يسلى به (¬1). وقال الجوهري: السلوى: العسل (¬2). وقيل: السلوى هو السمان بعينه (وأنزل عليكم التوراة) التي هي هدى لبيان شريعتكم ونور محمد - صلى الله عليه وسلم - (على موسى) بدل من (عليكم) بدل بعض من كل (أتجدون في كتابكم الرجم؟ ) على من زنى. وفيه دليل على أن اليمين تغلظ على أهل الذمة، فإن كان يهوديا قيل له: قل: والله الذي أنزل التوراة على موسى. وإن كان نصرانيا قيل له: قل: والله الذي أنزل الإنجيل على عيسى -عليه السلام-. وتغلظ في حق المجوسي، فيقال له: قل: والله الذي خلقني ورزقني. وإن كان وثنيا حلفه بالله وحده، وكذلك إن كان لا يعبد الله؛ لأنه لا يجوز أن يحلف بغير الله، لقوله -عليه السلام-: "من كان حالفا فليحلف بالله" (¬3) يعم كل حالف. (قال: ) ابن صوريا (ذكرتني) بتشديد الكاف المفتوحة (بعظيم) العظماء (ولا يسعني) والله (أن أكذبك) بفتح الهمزة وكسر الذال (يعني فيما ذكرته) لي (وساق الحديث) المذكور. ¬

_ (¬1) انظر: "الكشف والبيان" 2/ 98، و"الجامع لأحكام القرآن" 1/ 347. (¬2) "الصحاح" 1/ 2381. (¬3) تقدم برقم (3249) من حديث عمر بن الخطاب.

28 - باب الرجل يحلف على حقه

28 - باب الرَّجُلِ يحْلِف عَلى حَقِّهِ 3627 - حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهّابِ بْن نَجْدَةَ وَمُوسَى بْنُ مَروانَ الرَّقِّيُّ قالا: حَدَّثَنا بَقِيَّةُ بْن الوَلِيدِ، عَنْ بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ خالِدِ بْنِ مَعْدانَ، عَنْ سَيْفِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مالِكٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ. فَقالَ المَقْضيُّ عَلَيْهِ: لمَّا أَدْبَرَ: حَسبِيَ اللْهُ ونِعْمَ الوَكِيل. فَقالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ يَلُومُ عَلَى العَجْزِ، ولكن عَلَيْكَ بِالكَيْسِ فإذا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ: حَسْبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ" (¬1). * * * باب الرجل يحلف على حقه [3627] (ثنا عبد الوهاب بن نجدة) الحوطي من جبلة الساحل، وثقه يعقوب بن شيبة (¬2) (وموسى بن مروان الرقي) بتشديد الراء المفتوحة وتشديد القاف نسبة إلى الرقة وهي مدينة على طرف الفرات، والرقة الأولى خربت، والتي تسمى اليوم الرقة، كانت تسمى أولا الرافقة ولها تاريخ (قالا: ثنا بقية بن الوليد) الكلاعي، أخرج له مسلم (عن بحير) بضم الموحدة وفتح الحاء المهملة تصغير بحر (وهو ابن سعد) أبو خالد السحولي الحمصي، قال ابن حنبل: ليس بالشام أثبت من حريز إلا أن يكون بحيرا. وقال دحيم والنسائي: ثقة (¬3) (عن خالد) (¬4) ¬

_ (¬1) رواه النسائي في "الكبرى" (10462)، وأحمد 6/ 24. وضعفه الألباني في "الكلم الطيب" (138). (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 18/ 520. (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 4/ 21. (¬4) فوقها في (ل): (ع).

ابن معدان) الكلاعي (عن سيف) الشامي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬1) (عن عوف بن مالك) بن أبي عوف (الأشجعي) كانت معه راية أشجع يوم [الفتح] (¬2) أول مشاهده خيبر، سكن الشام، ومات في خلافة عبد الملك بن مروان. (أنه حدثهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بين رجلين فقال) الرجل المقضي عليه لما أدبر من مجلسه: (حسبي الله ونعم الوكيل) فمن عرف أن الحق - سبحانه وتعالى- كافٍ (¬3) له دعاه ذلك أن يتخذه وكيلا له؛ لأن من المعلوم أن الإنسان لا يتخذ وكيلا له إلا من كان كافيا لما وكله فيه. (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن الله تعالى يلوم على العجز) وهو في الأصل عدم القدرة على الشيء، فليس للعبد تأثير في القدرة، بل القدرة في الحقيقة لله تعالى، والعجز عند المتكلمين صفة وجودية قائمة (¬4) بالعاجز تضاد القدرة، والتقابل بينهما تقابل الضدين، ومع هذا فالله تعالى يلوم على العجز، وهو عدم الداعية الجازمة التي يسمى بها مكتسبًا (¬5)، وإن كانت القدرة لله، وفي الحديث: "كل شيء بقدر حتى العجز والكيس" رواه مسلم (¬6). وقيل: أراد بالعجز هنا تأخير ما يجب فعله عن وقته وتركه بالتسويف ¬

_ (¬1) "الثقات" 4/ 339. (¬2) ليست في (ل)، (م)، والمثبت من مصادر الترجمة. (¬3) في الأصول: كافيا. والجادة ما أثبتناه. (¬4) ساقطة من (م). (¬5) في المخطوط: مكتسب، وبعدها بياض في (ل)، (م) بقدر كلمة. (¬6) "صحيح مسلم" (2655) من حديث عبد الله بن عمر.

في الصلوات المفروضة وغيرها، وهذا عام في أمور الدنيا والدين وأجور الآخرة، ويحتمل العجز عن كل الطاعات. (ولكن عليك بالكيس) بسكون الياء المخففة. أي: الكيس في الأمور، فالكيس يجري مجرى الرفق فيها والفطنة، وفلان [كيس] (¬1) الفعل. أي: حسنه. والكيس: العقل. وفي الحديث: "أي المؤمنين أكيس" (¬2) أي: أعقل. وفي حديث شداد بن أوس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله" (¬3) فالمراد بـ "الكيس" العاقل، ومعنى: "دان نفسه" أي: حاسبها قبل العمل وبعده، فالمعاملة قبل العمل توجب التحذير كما قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} (¬4) فهذا للمستقبل، وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري: حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة (¬5). (فإذا) حاسبت نفسك على ما تريد أن تفعله، ووزنت أمورك وقدرتها ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل)، (م)، والمعنى يقتضيها. (¬2) رواه ابن ماجه (4259) وغيره من حديث ابن عمر. وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" (3435). (¬3) رواه أحمد 4/ 164، والترمذي (2459)، وابن ماجه (4260) من حديث شداد بن أوس. قال الترمذي: هذا حديث حسن. والحديث ضعفه الألباني في "الضعيفة" (5319). (¬4) البقرة: 235. (¬5) رواه ابن أبي الدنيا في "محاسبة النفس" (16)، والبيهقي في "الزهد" (462)، وفي "الشعب" 7/ 66 (1060)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 44/ 321.

ونظرت في عاقبته، وتدبرت ما يحصل عليك و (كلبك أمر) بعد ذلك فالجأ بصدق النية والعزيمة (فقل: حسبي الله ونعم الوكيل) وفي "صحيح مسلم": "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإذا أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا. ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل" (¬1) قال النووي في حديث: "كل بقدر حتى العجز والكيس" (¬2): والكيس ضد العجز وهو النشاط والحذق في الأمور، ومعناه: أن العاجز قد قدر عجزه، والكيس قد قدر كيسه (¬3). قال عز الدين التلمساني: علامة من اتخذ الله وكيلا أن لا يضطرب عند الفاقة، ولا تختلف (¬4) حاله عند المصيبة، ولا يتهم الوكيل سبحانه فيما يجد من شدة تعرض، بل يرى أن الوكيل سبحانه (¬5) قد عوضه عن الفانيات خيرا منها من الباقيات. ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2664) من حديث أبي هريرة. (¬2) سبق تخريجه قريبًا. (¬3) "شرح النووي" 16/ 205. (¬4) مكانها بياض في (م). (¬5) ساقطة من (م).

29 - باب في الحبس في الدين وغيره

29 - باب في الحبسِ في الدَّيْنِ وَغيْرِهِ 3628 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْليُّ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللْهِ بْنُ المُبارَكِ عَنْ وَبْرِ بْنِ أَبي دُلَيْلَةَ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللْهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لَيُّ الواجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ". قالَ ابن المُبارَكِ: يُحلُّ عِرضَهُ: يُغَلَّظُ لَهُ وَعُقُوبَتَهُ: يُحبَسُ لَه (¬1). 3629 - حَدَّثَنا مُعاذُ بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، أَخْبَرَنا هِرْماسُ بْنُ حَبِيبٍ -رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ البادِيَةِ-، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قالَ: أَتَيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِغَرِيم لي فَقالَ لي: "الزَمْهُ". ثُمَّ قالَ لي: "يا أَخا بَني تَمِيمٍ ما تُرِيدُ أَنْ تَفْعَلَ بِأَسِيرِكَ" (¬2). 3630 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى الرّازيُّ، أَخْبَرَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ بَهْزِ ابْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - حَبَسَ رَجُلًا في تُهْمَةٍ (¬3). 3631 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ قُدامَةَ وَمُؤَمَّلُ بْنُ هِشامٍ، قالَ ابن قُدامَةَ: حَدَّثَني إِسْماعِيلُ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيم، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قالَ ابن قُدامَةَ: إِنَّ أَخاهُ أَوْ عَمَّهُ وقالَ مُؤَمَّل: إِنَّهُ قامَ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَخطُبُ فَقالَ: جِيراني بِما أَخَذُوا؟ . فَأَعْرَضَ عَنْة مَرَّتَينِ ثُمَّ ذَكَرَ شَيئًا فَقالَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "خَلُّوا لَهُ، عَنْ جِيرانِهِ". لم يَذْكُرْ مُؤَمَّل وَهُوَ يَخُطُبُ (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه النسائي 7/ 316، وابن ماجه (2427)، وأحمد 4/ 222. وصححه الألباني في "الإرواء" (2919). (¬2) رواه ابن ماجه (2428). وضعفه الألباني. (¬3) رواه الترمذي (1417)، والنسائي 8/ 66، وأحمد 5/ 2. وحسنه الألباني في "الإرواء" (2397). (¬4) رواه الترمذي (1417)، وأحمد 4/ 447. وإسناده حسن كسابقه.

باب في الحبس بالدين وغيره لعله أراد بـ (غيره) الملازمة كما بوب عليه ابن ماجه: باب في الحبس بالدين والملازمة (¬1). [3628] (ثنا عبد الله بن محمد النفيلي، أنا عبد الله بن المبارك، عن وبر) بفتح الواو، وسكون الموحدة (ابن أبي دليلة) بضم الدال، وفتح اللام الأولى مصغر، الطائفي استشهد به البخاري في "الصحيح" تعليقا (¬2) (عن محمد) بن عبد الله (بن ميمون) بن مسيكة الطائفي، أثنى عليه وبر بن دليلة، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3)، انفرد بهذا الحديث (عن عمرو بن الشريد) بفتح الشين المعجمة، وكسر الراء، أخرج له الشيخان (عن أبيه) الشريد بن سويد الثقفي، أنشد النبي - صلى الله عليه وسلم - من شعر أمية بن أبي الصلت مائة قافية فقال: "كاد يسلم" (¬4) يعني: أمية. (عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لي) بفتح اللام وتشديد الياء (الواجد) و (لي) مبتدأ مضاف إلى الفاعل في المعنى، وقد جاء -يعني: المضاف والمضاف إليه- مفسرا في رواية الصحيحين، من رواية: "مطل الغني ظلم" (¬5) فإن اللي هو المطل، و (الواجد) هو الغني، ورواية الصحيحين ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه 2/ 811. (¬2) لم أقف على ذكرٍ له في "صحيح البخاري". (¬3) "الثقات" 7/ 370 (10484). (¬4) رواه البخاري (3841)، ومسلم (2256) من حديث أبي هريرة. (¬5) "صحيح البخاري" (2287)، "صحيح مسلم" (1564) من حديث أبي هريرة، وتقدم برقم (3345).

تدل على أن في رواية المصنف حذف خبر المبتدأ والتقدير: لي الواجد ظلمه. من الوجد، بضم الواو، بمعنى: السعة والقدرة. والليُّ مصدر لواه غريمه بدينه ليا وليانا إذا مطله، ومنه قول الشاعر: قد كنتُ دايَنْتُ بها حسَّانَا ... مخافةَ الإِفلاسِ واللّيَّانَا (¬1) أي: مخافة الإفلاس. والمطل: منع ما يستحقه، مأخوذ من مطلت الحديدة إذا مدللها وطولتها. والظلم: وضع الشيء في غير محله، ومجاوزة الحد، وهو حرام. وأراد بالواجد: القادر على الخروج من الحق، والواجد الذي هو القادر أعم من الغني، فإن الظاهر اختصاص الغنى بالمال، فإن الغني عند الفقهاء من لا تحل له الزكاة على خلاف فيه، والقادر يشمل القادر بالملاءة من المال على العمل كمطل المحترفين، كالصواغ، والنساجين، والنجارين، وغيرهم، فإذا قال الصائغ: غدًا أعمله لك. وهو قادر على العمل وترك عمله دخل في التحريم في هذا الباب. ولا يدخل في هذا رواية الصحيحين: "مطل الغني" وقد سئلت عن هذا الحديث الذي هو من تعليقات البخاري، فقال في باب لصاحب الحق مقال: ويذكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لي الواجد يحل عرضه وعقوبته" (¬2)، وقد كتبت عليه بمفرده كراريس فيما يتعلق به من تخريج وإعراب ولغة ومعانٍ، ووجدته يدخل فيه من المسائل الفقهية ما لا ¬

_ (¬1) نسبه سيبويه في "الكتاب" 1/ 191 لرؤبة. (¬2) "صحيح البخاري" قبل حديث (2401).

ينحصر، وحال هذِه الكتابة كانت الكراريس ببيت المقدس، إذ لو كانت حاضرة لكتبت من فوائده هنا. واعلم أن المطل إنما يحل العرض والعقوبة ويصير ظلما بعد مضي الأجل المذكور، أما قبله فلا، وإنه لا يكون ظلما وحراما إلا على الغني القادر دون غيره، وأن تسمية المماطل ظالما يحل عرضه وعقوبته توجب إسقاط شهادته، وذهب بعض المالكية إلى أنه لا ترد شهادته إلا أن يكون المطل له عادة (¬1). وأن مطل القادر الغني يحتمل أن يشمل ما سبق فيه طلب وما لم يسبق، والأول لا خلاف في تحريمه مع القدرة، وأما الثاني ففيه وجهان عندنا، رجح إمام الحرمين منهما في "النهاية" المنع فقال: ومن كان عليه دين وهو ممتنع من أدائه، ومستحقه غير مطالب به فالدين ثابت، ولكن لا يتعين أداؤه ما لم يطلبه مستحقه (¬2). ورجح ذلك ابن عبد السلام في "القواعد" (¬3). وتقدير الحديث في الرجل القادر صفة لمحذوف، ففي الحديث دليل عند من يقول بمفهوم الصفة على المعسر لا يحل عرضه ولا يحبس في الدين؛ لأن المعسر غير واجد خلافا لأبي حنيفة وشريح فعندهما يحبس المعدم (¬4). (يحل) بضم الياء وكسر الحاء، أي: يبيح للمطلوب بدينه (عرضه) ¬

_ (¬1) انظر: "الذخيرة" 9/ 242. (¬2) "نهاية المطلب" 3/ 103. (¬3) "قواعد الأحكام في مصالح الأنام" 1/ 250. (¬4) انظر: "النتف" 2/ 751، و"المبسوط" 20/ 88.

العرض: موضع المدح والذم سواء كان في نفسه أو سلفه أو من يلزمه أمره كخادم وقريب. وقيل: هو جانبه الذي يصونه من نفسه وحسبه ويحامي عنه أن ينتقص ويثلب. وقال ابن قتيبة: عرض الرجل نفسه وبدنه لا غير، فمن وروده للنفس: اللهم إني تصدقت بعرضي (¬1). أي: تصدقت على من ذكرني بما يرجع إليَّ عيبه، ومنه قول حسان: فإن أبي ووالدتي وعرضي ... لعرض محمد منكم وقاء (¬2) ومنه حديث: "فمن أتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه" (¬3) أي: احتاط لنفسه، ولا يجوز فيه معنى الآباء والأسلاف. ومن ورود العرض بمعنى البدن حديث صفة أهل الجنة: "إنما هو عرق يجري من أعراضهم مثل المسك" (¬4) أي: من معاطف أبدانهم، وهي المواضع التي تعرق من الجسد. (و) يحل للحاكم (عقوبته، قال) عبد الله (ابن المبارك) أحد الرواة: معنى قوله (يحل عرضه) أي: يبيح لصاحب الحق أن (يغلظ) بضم الياء ¬

_ (¬1) سيأتي برقم (4886) عن قتادة عن أبي ضيغم أو ضمضم. (¬2) رواه البخاري (4141)، ومسلم (2490) بلفظ "ووالده" أما لفظ "ووالدتي" فرواه الحاكم 3/ 487، ولوين المصيصي في "جزئه" ص 52. (¬3) تقدم برقم (3330) من حديث النعمان بن بشير. (¬4) هو في "غريب الحديث" لأبي عبيد القاسم بن سلام 1/ 97 بلفظه، ورواه الطبراني في "الأوسط" 2/ 202 (1722)، وأبو نعيم في "الحلية" 7/ 366، وابن المقرئ في "معجمه" (514) من حديث زيد بن أرقم، بلفظ: "حاجة أحدهم عرق يخرج كرشح المسك فتضمر بطنه".

وكسر اللام (له) الكلام بعنف ويشدده. وفيه دليل على جواز ذلك، قال الغزالي: (إن صاحب الحق) (¬1) مهما كلمه من له الحق بكلام خشن فليحتمله، وليقابله باللطف أقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ جاءه صاحب الدين عند حلول الأجل، ولم يكن قد اتفق قضاؤه، فجعل الرجل يشدد الكلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهمَّ به أصحابه فقال: "دعوه" ولفظ البخاري: عن أبي هريرة: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل يتقاضاه فأغلظ له، فهم به أصحابه، فقال: "دعوه فإن لصاحب الحق مقالا" (¬2) (¬3). وفي البخاري: قال سفيان -يعني: ابن عيينة-: عرضه يقول: مطلتني (¬4). أو يقول: أنت مطلتني بحقي. أو: سوفت بي. أو: أنت ظالم. ونحوه. والظاهر أن عرض الماطل لا يباح مطلقا، بل يباح بذكر ما وقع منه فيقال: مطلتني، أو ظلمتني على قصد الانتصار، ويقول للحاكم أو للمفتي: هو ظلمني ومطلني بحقي. وكذا إذا ظلمه الحاكم وله بينة، فله أن يقول عند السلطان: ظلمني. أو جار علي. أو أخذ مني رشوة. ونحو ذلك؛ فإن ذكره بشيء من ذلك دون ظلمه كان مغتابا عاصيا (و) معنى يحل (عقوبته) بالنصب [أن الحاكم إذا ادعي إليه وتبين قدرته ¬

_ (¬1) كذا في الأصول، وفي "إحياء علوم الدين" كان جماعة من السلف يستقرضون من غير حاجة لهذا الخبر و. (¬2) "صحيح البخاري" (2306). (¬3) "إحياء علوم الدين" 2/ 104. (¬4) "صحيح البخاري" قبل حديث (2401).

ومطله أن (يحبس له) حتى يدفع إليه حقه، أو يثبت إعساره] (¬1). وقال ابن ماجه عقب الحديث: قال علي -يعني: ابن محمد أحد الرواة-: يعني عرضه: شكايته، وعقوبته: سجنه (¬2). [3629] (حدثنا معاذ بن أسد) بن أبي شجرة الغنوي المروزي، كاتب ابن المبارك، شيخ البخاري (ثنا النضر بن شميل) المازني البصري، شيخ مرو ومحدثها (أنا هرماس بن حبيب) العنبري التميمي لم يرو عنه غير النضر بن شميل (رجل) بالرفع بدل (¬3) مما قبله (من البادية) ضد الحاضرة (عن أبيه) -رضي الله عنهما-، وقع في كتاب ابن ماجه: عن أبيه عن جده (¬4). وهو الصواب، وكذا ذكره البخاري في "تاريخه" عن أبيه عن جده (¬5). قال ابن أبي حاتم: هرماس بن حبيب العنبري روى عن أبيه عن جده، ولجده صحبة، وقال: سألت أبي عن هرماس بن حبيب فقال: هو شيخ أعرابي لم يرو عنه غير النضر بن شميل (¬6). (قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بغريم لي فقال لي: الزمه) بفتح الزاي، كذا لفظ ابن ماجه (¬7)، والملازمة عند القائلين بها لا تكون إلا بعد ثبوت الحق ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) "سنن ابن ماجه" (2427). (¬3) ساقطة من (م). (¬4) "سنن ابن ماجه" (2428). (¬5) "التاريخ الكبير" 8/ 247. (¬6) "الجرح والتعديل" 9/ 118 (497). (¬7) "سنن ابن ماجه" (2428).

عند الحاكم، فإذا ثبت عنده لازم غريمه حيثما ذهب إلى أن يدفع إليه حقه. فيحمل الحديث على أنه ادعى على غريمه، عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولما ثبت له عليه الحق أمره بالملازمة، والذي عليه الجمهور أن الملازمة غير معمول بها، كما أن المدعي إذا قال: لي بينة غائبة. يقول له الحاكم: لك يمينه فإن شئت فاستحلفه، وإن شئت أخره إلى أن تحضر بينتك، وليس لك ملازمته حتى يحضر البينة، ولا مطالبته بكفيل. والدليل على عدم الملازمة في الصورتين قوله - صلى الله عليه وسلم -: "شاهداك أو يمينه، ليس لك إلا ذلك" (¬1) فدل بمفهوم الحصر على أنه ليس له الملازمة، وعلى قول الجمهور يحمل الحديث على أن معناه: الزم غريمك بمراقبتك له بالنظر من بعد، ذهب أحمد إلى أن المدعي إذا طلب ملازمة غريمه حتى يحضر بينته القريبة؛ لأنه لو لم يتمكن من ملازمته لذهب من مجلس الحاكم، وهذا خلاف البينة البعيدة (¬2). قال بعض شراح "المنهاج": لا شك أن صاحب الحق إذا اختار ملازمة الغريم ثم استناب فيها أن أجرته على ذي الحق، وإنما التردد ما إذا طلب من الحاكم. قال الصيمري: لرب الدين ملازمة غريمه بنفسه وبأجيره. (ثم قال: يا أخا بني تميم) فيه نداء من لا يعرف اسمه باسم قبيلته أو ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2669، 2670)، ومسلم (138/ 221) من حديث عبد الله بن مسعود. (¬2) انظر: "المغني" 14/ 221.

ببعض ما هو لابسه كـ "يا صاحب السبتيتين" (¬1) وفي رواية ابن ماجه زيادة ولفظه: فقال لي: "الزمه" ثم مر بي آخر النهار فقال: "ما فعل أسيرك يا أخا (¬2) بني تميم" (¬3). (ما تريد أن تفعل بأسيرك) زاد رزين: فأطلقته (¬4). سماه أسيرا باعتبار ما يحصل له من المذلة بالملازمة، وكثرة تذلله له عند المطالبة، كما جاء في حديث آخر: "لا يؤسرن (¬5) في الإسلام أحد بشهادة الزور، إنا لا نقبل إلا العدول (¬6) " (¬7) وأصله من الأسر، وهو القد الذي يشد الأسير، وفي رواية الحاكم: "إذا أراد الله أن يذل عبدا وضعه" (¬8) أي: وضع الدين في عنقه. [3630] (ثنا إبراهيم بن موسى الرازي، أنا عبد الرزاق، عن معمر، عن بهز بن حكيم، عن أبيه) حكيم (عن جده) هو معاوية بن حيدة بلا خلاف، وحيدة بن معاوية القشيري. (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حبس رجلا في تهمة) بضم التاء، وسكون الهاء، وقد ¬

_ (¬1) تقدم برقم (3230) من حديث بشير مولى النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬2) في (ل)، (م): أخي. والمثبت من "سنن ابن ماجه". (¬3) "سنن ابن ماجه" (2428). (¬4) أنظر "جامع الأصول" 10/ 200 (7709). (¬5) في الأصول: العدل، والمثبت من "مصنف ابن أبي شيبة". (¬6) في الأصول: يؤسر، والمثبت من ابن أبي شيبة. (¬7) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 11/ 624 من كلام عمر بن الخطاب، ورواه مالك في "الموطأ" 2/ 70، ومن طريقه البيهقي 10/ 166 عنه بقصة ولفظه: لا يؤسر رجل في الإسلام بغير العدول. (¬8) "المستدرك" 2/ 64، وضعفه الألباني في "الضعيفة" (473).

تفتح الهاء في لغة، والتهمة فعلة من الوهم، والتاء بدل من الواو، واتهمته بوزن افتعلته (¬1) إذا ظننت فيه ما نسبت إليه. وفيه دليل على أن الحبس كما يكون حبس عقوبة يكون حبس استظهار في غير حق، بل ليستكشف به بعض ما وراءه، فإذا حبس لاستكشاف حاله من يسار وإعسار، فأجرة الحبس على ذي الحق؛ لأنه لم يتحقق عناده بمنع الحق، فلا يكلفه الأجرة، لا سيما إن ظهر صدق دعواه بالإعسار. وزاد الترمذي في روايته: ثم خلى عنه. ثم قال: حديث حسن (¬2). ورواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد، وله شاهد من حديث أبي هريرة. ثم أخرجه (¬3)، ولعل حديث أبي هريرة ما رواه ابن القاص بسنده عن [إبراهيم بن خثيم بن] (¬4) عراك بن مالك، عن أبيه، عن جده، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حبس في تهمة يوما وليلة؛ استظهارا وطلبا لإظهار الحق بالاعتراف. [3631] (ثنا محمد بن قدامة) بن أعين المصيصي مولى بني هاشم، قال الدارقطني: ثقة (¬5). والنسائي: لا بأس به (¬6) (ومؤمل بن هشام قال) ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): فعلته، ولعل المثبت هو الصواب. (¬2) "سنن الترمذي" (1417). (¬3) "المستدرك" 4/ 102 بلفظ: حبس رجلا في تهمة يومًا وليلة استظهارًا أو احتياطًا. وهو من طريق إبراهيم بن خثيم، عن عراك بن مالك، عن أبيه، عن جده، عن أبي هريرة به، كما سيورده المصنف من عند ابن القاص. (¬4) ما بين المعقوفتين ليس في الأصول، والمثبت مستفاد من "المستدرك". (¬5) "علل الدارقطني" 10/ 137. (¬6) رواه عنه الخطيب في "تاريخه" 3/ 189.

محمد (ابن (¬1) قدامة: حدثني إسماعيل) ابن علية (عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده) معاوية (قال ابن قدامة: إن أخاه أو عمه) حدثه (وقال مؤمل) ابن هشام (إنه) أي: جده (قام إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -) فيه الأدب في مخاطبة الإمام أن لا يخاطبه وهو جالس، بل يقوم ليحدثه. فيه جواز ابتداء الإمام (وهو يخطب) بالكلام في أثناء خطبته والشفاعة عنده بحضرة الناس (فقال) يا رسول الله (جيراني) بكسر الجيم، جمع جار (بما أخذوا؟ ) أي: بأي دين حبسوا؟ (فأعرض عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) لكونه كلمه في حال الخطبة ولم يصبر عليه إلى أن يفرغ، فإعراضه عنه مع كلامه له (مرتين) كالتأديب له (ثم ذكر) للنبي - صلى الله عليه وسلم - (شيئا) عرفه. (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: خلوا له عن جيرانه) فأطلقوهم من الحبس أو الملازمة. وفيه: كثرة حلمه وحسن خلقه الكريم كما مدحه الله تعالى (ولم يذكر مؤمل) بن هشام في روايته قوله: (وهو يخطب) بل انفرد بهذِه الزيادة ابن قدامة. ¬

_ (¬1) ساقطة من (م).

30 - باب في الوكالة

30 - باب في الوَكالةِ 3632 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا عَمّي، حَدَّثَنا أَبي عَنِ ابن إِسْحاقَ، عَنْ أَبي نُعَيْمِ وَهْبِ بْنِ كَيْسانَ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يُحدِّثُ قالَ أَرَدْتُ الخُرُوجَ إِلَى خَيْبَرَ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَقلْتُ لَهُ: إلى أَرَدْتُ الخُرُوجَ إِلَى خَيْبَرَ. فَقالَ: "إِذا أَتَيْتَ وَكِيلي فَخُذْ مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقًا فَإن ابْتَغَى مِنْكَ آيةً فَضَعْ يَدَكَ عَلَى ترْقُوَتِهٍ" (¬1). * * * باب في الوكالة بفتح الواو وكسرها لغة من وكلت إليه الأمر إذا اتكلت عليه فيه. [3632] (ثنا عبيد الله) بالتصغير (بن سعد بن إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، شيخ البخاري في البيوع والتوحيد والاعتصام (قال: ثنا عمي) يعقوب بن إبراهيم ابن سعد بن عبد الرحمن بن عوف، مدني كان بالعراق (قال: ثنا أبي) (¬2) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، (¬3) بن عبد الرحمن (عن) محمد (ابن إسحاق) بن يسار القرشي، مولى قيس بن مخرمة، أخرج له مسلم في غير موضع (عن أبي نعيم وهب بن كيسان) المؤدب. (عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: أردت الخروج إلى خيبر فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم -) قبل أن أخرج (فسلمت عليه) فيه السلام قبل الكلام. ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني 4/ 154، والبيهقي في "الصغرى" 2/ 308. وضعفه الألباني. (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

رواه عبد الحق في "الأحكام" عن جابر أيضا (¬1) (وقلت: إني أردت الخروج إلى خيبر. فقال) لي (إذا أتيت وكيلي) في خيبر (فخذ منه خمسة عشر وسقًا) بفتح الواو على الأرجح، وهو ستون صاعا كما تقدم. (فإن ابتغى) أي: طلب منك (آية) أي: علامة على صحة قولك، ومنه: آيات الساعة. أي: علاماتها. وأصل آية أوَيَة بفتح الواو، وتحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا (تضع يدك على ترقوته) بفتح المثناة فوق، وضم القاف، وهي العظم الذي بين ثغرة (¬2) النحر والعاتق، وهما ترقوتان من الجانبين، ووزنهما فعلوة، وجمعها تراقي كما في حديث الخوارج: "يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم" (¬3). وفي الحديث: دليل على صحة الوكالة، وأن الإمام له أن يوكل ويقيم عاملا على الصدقة في قبضها وفي دفعها إلى مستحقيها، وإلى من يرسله إليه بأمارة وهو من المستحقين، ويكون الدفع إليه أولى من غيره، والظاهر أن جابرا أخذ منها لكونه عابر سبيل، أو لكونه غارما، فإن الغارم لذات البين يأخذ مع الغنى. وفيه: دليل على أن الوكيل في الصدقات وغيرها إذا جاءه رجل فقال: أحالني عليك، أو أذن لي في القبض منك بأمارة كذا وكذا، ¬

_ (¬1) "الأحكام الوسطى" 4/ 213، والحديث رواه الترمذي (2699) من طريق عنبسة بن عبد الرحمن عن محمد بن زاذان عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعًا. وقال: هذا حديث منكر لا نعرفه إلا من هذا الوجه سمعت محمدًا يقول عنبسة بن عبد الرحمن ضعيف في الحديث ذاهب، ومحمد بن زاذان منكر الحديث. (¬2) في (م): نقرة. (¬3) سيأتي برقم (4765) من حديث أنس.

وعرف صدق أمارته جاز الدفع إليه، وهل يجب؟ يحتمل أن لا يجب؛ لأن الدفع إليه غير مبرئ لاحتمال أن ينكر (¬1) الموكل أو المحيل أو الآذن، ويحتمل الوجوب؛ لأنه مصدق له في أمارته، كما أنه يجب عليه الدفع إذا كان الطالب وارثا، لكن له الأمتناع من الدفع إليه حتى يشهد عليه بالقبض، لكن إن [كان] (¬2) الوكيل ليست عليه بينة لم يلزم القابض الإشهاد؛ لأن قول الوكيل مقبول ولا ضرر عليه في الدفع. وفي الحديث دليل على استحباب علامة بين الوكيل وموكله لا يطلع عليها غيرهما؛ ليعتمد الوكيل عليها في الدفع؛ لأنها أسهل من الكتابة إليه، فقد لا يكون الموكل يحسن الكتابة، أو يحسن ولا قرطاسا أو قلما أو دواة أو نحوها، ولأن الخط يشتبه، ولهذا لم يعتمد عليه الشافعي (¬3). وفيه استحباب العلامة لمن يطلب منه إرسال شيء أو فعل شيء في وقت آخر، كما يفعل بعضهم في ربط خيط في أصبعيه، فإذا رآه بعد في لك تذكر ما يطلب منه، فلعله - صلى الله عليه وسلم - أذن له أن يدفع لمن وضع يده على ترقوته، وخصت الترقوة دون غيرها؛ لأنها موضع هلاك الآدمي بخروج الروح والنحر فيها، وأن الترقوة أول محل ارتفاع العمل الصالح إلى الله تعالى، وأما العمل السيئ فلا يجاوز عمل صاحبه ترقوته كما في الحديث. ¬

_ (¬1) في (م): يتمكن. (¬2) زيادة يقتضيها السياق. (¬3) "الأم" 7/ 533.

31 - باب في القضاء

31 - باب في القَضاءِ 3633 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا المُثَنَّى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا قَتادَةُ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ كَعْبِ العَدَويِّ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم-قال: إذا تارأتُم في طَرِيقٍ فاجْعَلُوهُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ" (¬1). 3634 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وابْنُ أَبي خَلَفٍ قالا: حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْريِّ عَنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبي هُريرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ أَخاهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً في جِدارِهِ فَلا يَمْنَعْهُ". فَنَكَسُوا، فَقالَ ما لي أَراكُم قَدْ أَعْرَضْتُم لألُقِيَنَّها بَيْنَ أكْتافِكُمْ. قالَ أَبُو داوُدَ: وهذا حَدِيث ابن أَبي خَلَفٍ وَهُوَ أَتَمُّ (¬2). 3635 - حَدَّثَنا قتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنْ يحيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يحيَى بْنِ حَبّانَ، عَنْ لُؤْلُؤَةَ، عَنْ أَبي صِرْمَةَ. قالَ أَبو داوُدَ: قالَ غَيْرُ قتَيْبَةَ في هذا الحَدِيثِ: عَنْ أَبي صِرمَةَ صاحِبِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قالَ: "مَنْ ضارَّ أَضَرَّ اللهُ بِهِ وَمَنْ شاقَّ شاقَّ اللهُ عَلَيْهِ" (¬3). 3636 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ داوُدَ العَتَكى، حَدَّثَنا حَمّادٌ، حَدَّثَنا واصِلٌ مَوْلَى أَبي عُيَيْنَةَ قالَ: سَمِعْت أَبا جَعْفَرِ محَمَّدَ بْنَ عَليٍّ يُحَدِّث، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّهُ كانَتْ لَهُ عَضُذ مِنْ نَخْلٍ في حائِطِ رَجُلٍ مِنَ الأنصارِ، قالَ: وَمَعَ الرَّجُلِ أَهْلُهُ، قالَ: فَكانَ سَمُرَةُ يَدْخُلُ إِلَى نَخْلِهِ فَيَتَأَذى بِهِ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ، فَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهُ فَأبَى، فَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يُناقِلَهُ فَأبَى، فَأتَى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَطَلَبَ إِلَيْهِ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَبِيعَهُ فَأبَى، فَطَلَبَ إِلَيهِ أَنْ يُناقِلَهُ فَأبَى. قالَ: "فَهَبْهُ لَهُ وَلَكَ كَذا وَكَذا". أَمْرًا رَغَّبَهُ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2473)، ومسلم (1613)، والترمذي (1356)، وابن ماجه (2338). (¬2) رواه البخاري (2463)، ومسلم (1609). (¬3) رواه الترمذي (1940)، وابن ماجه (2342)، وأحمد 3/ 453. وحسنه الألباني.

فِيهِ فَأَبَى، فَقالَ: "أَنْتَ مُضار". فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِلأنصاريِّ: "اذْهَبْ فاقْلَعْ نَخْلَهُ" (¬1). 3637 - حَدَّثَنا أَبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسيُّ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَبدَ اللهِ بنَ الزُّبَيرِ حَدَّثَهُ أَنَّ رَجُلًا خاصَمَ الزُّبَيرَ في شِراجِ الحَرَّةِ التي يَسقُونَ بِها فَقالَ الأنصاريُّ سَرِّحِ الماءَ يَمُرُّ. فَأَبَى عَلَيْهِ الزُّبَيْرُ فَقالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِلزّبَيْرِ: "اسْقِ يا زُبَيْرُ ثمَّ أَرْسِلْ إِلَى جارِكَ". فَغَضِبَ الأنصاريّ فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ، أَنْ كانَ ابن عَمَّتِكَ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قالَ: "اسْقِ ثُمَّ أحْبِسِ الماءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الجَدْرِ". فَقالَ الزُّبَيْرُ: فَواللَّهِ إِنّي لأحْسِبُ هذِه الآيَةَ نَزَلَتْ في ذَلِكَ: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} الآيَةَ (¬2). 3638 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنا أَبُو أُسامَةَ، عَنِ الوَلِيدِ -يَعْني: ابن كَثِيرٍ -، عَنْ أَبي مالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، عَنْ أَبِيهِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبي مالِكٍ أنَّهُ سَمِعَ كُبُرَاءَهُمْ يَذْكرُونَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ كانَ لَهُ سَهْمٌ في بَني قُرَيْظَةَ فَخاصَمَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في مَهْزُورٍ -يَعْني: السَّيْلَ الذي يَقْتَسِمُونَ ماءَهُ- فَقَضَى بَيْنَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ الماءَ إلَى الكَعْبَيْنِ لا يحبِسُ الأعلَى عَلَى الأسفَلِ (¬3). 3639 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ، حَدَّثَنا المُغِيرَة بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَني أَبي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الحارِثِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَن جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى في السَّيْلِ المَهْزُورِ أَنْ يُمْسَكَ حَتَّى يَبْلُغَ الكَعْبَيْنِ ثمَّ يُرْسِلُ الأعلَى عَلَى الأسفَلِ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البيهقي في "الكبرى" 6/ 157، والخرائطي في "مساوئ الأخلاق" (584). وضعفه الألباني في "الضعيفة" (1375). (¬2) رواه البخاري (2359)، ومسلم (2357). (¬3) رواه ابن ماجه (2481)، وانظر سابقه. وصححه الألباني بمجموع طرقه. (¬4) رواه ابن ماجه (2482). وقال الألباني: حسن صحيح.

3640 - حَدَّثَنا مَحْمُودُ بْنُ خالِدٍ أَنَّ محَمَّدَ بْنَ عُثْمانَ حَدَّثَهُمْ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ ابْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أبي طُوالَةَ وَعَمْرِو بْنِ يحيَى عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي سَعِيدِ الخُدْريِّ قالَ: أخْتَصَمَ إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رجُلانِ في حَرِيمِ نَخْلَةٍ في حَدِيثِ أَحَدِهِما فَأَمَرَ بِها فَذُرِعَتْ فَوُجِدَتْ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ وَفي حَدِيثِ الآخَرِ: فَوُجدَتْ خمسَةَ أَذْرُعٍ فَقَضَى بِذاكَ. قالَ عَبْدُ العَزِيزِ: فَأَمَرَ بِجَرِيدَةٍ مِنْ جَرِيدِها فَذُرِعَتْ (¬1). * * * أبواب من القضاء [3633] (حدثنا مسلم (¬2) بن إبراهيم (الأزدي الفراهيدي (حدثنا المثنى (¬3) بن سعيد) الضبعي القسام الذارع (حدثنا قتادة، عن بشير) بضم الموحدة، وفتح الشين المعجمة (ابن كعب) العدوي ويقال: العامري. وأخرجه الترمذي من حديث بشير بن نهيك أيضا (¬4)، وأخرجه مسلم من حديث عبد الله بن الحارث (¬5) ختن محمد بن سيرين. (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا تدارأتم) بدال مهملة بعدها ألف، وبعد الراء همزة من الدرء، وهو الدفع، لقوله تعالى: ¬

_ (¬1) رواه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 9/ 173، والطبراني في "الأوسط" 2/ 252، والبيهقي في "الصغرى" 2/ 334. وصححه الألباني في "الضعيفة" تحت الحديث (3485). (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) "سنن الترمذي" (1355) عن بشير بن نهيك، (1356) عن بشير بن كعب. (¬5) "صحيح مسلم" (1613) من حديث يوسف بن عبد الله بن الحارث عن أبيه عن أبي هريرة به.

{وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} (¬1) أي: يدفع. والمراد هنا إذا تدافعتم واختلفتم، بدليل رواية مسلم: "إذا اختلفتم" (¬2) (في طريق فاجعلوه) أي: اجعلوا عرضه (سبع أذرع) وفي رواية لمسلم: "جُعِلَ عَرْضُه سبعة أذرع" (¬3) وهما صحيحان؛ لأن الذراع يذكر ويؤنث، والتأنيث أفصح، وهذا الحديث محمول على أمهات الطريق التي هي ممر عامة الناس بأحمالهم ومواشيهم، فإذا تشاح من له أرض يتصل بها مع من له فيها حق، جعل سبع أذرع بينهما بالذراع المتعارف في ذلك، طريقًا للناس كافة، بخلاف بنيات الطريق، فأما إذا جعل الرجل بعض أرضه المملوكة طريقا مسبلة للمارين فقدرها إلى خيرته، والأفضل توسيعها وليس هذِه الصورة مراد الحديث؛ لأن هذِه لا مدافعة فيها ولا اختلاف، وإذا وجدنا طريقا مسلوكا أكثر من سبعة أذرع فلا يجوز لأحد أن يستولي على شيء منه وإن قل. قال أصحابنا: ومتى وجدنا جادة مستطرقة ومسلكا مشروعا نافذا حكمنا باستحقاق الاستطراق فيه بظاهر الحال (¬4). وفي الحديث الندب إلى توسعة الطرق السالكة؛ لئلا تضيق على الحمولة دون الأزقة التي لا تنفذ والطرق التي يدخل فيها القوم إلى بيوتهم. ¬

_ (¬1) النور: 8. (¬2) "صحيح مسلم" (1613). (¬3) "صحيح مسلم" (1613) وفيه: سبع على التذكير، ولعل ما ذكره المصنف في روايته من مسلم. (¬4) "شرح مسلم" للنووي 11/ 51.

[3643] (حدثنا مسدد و) محمد (ابن أبي خلف) شيخ مسلم (قالا: حدثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري، عن) عبد الرحمن بن هرمز (الأعرج، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا استأذن أحدكم أخاه) فخرج مخرج الغالب، فإن الذمي كذلك، فإن المراد به الجار كما في رواية الصحيحين (¬1) مسلما كان أو غيره فإنه من باب الإحسان، والإحسان إلى الجار اليهودي فيه أجر. (أن يغرز خشبة) قال القاضي عياض: رويناه في مسلم وغيره من الأصول "خشبه" بالجمع والإفراد ثم قال: وقال عبد الغني بن سعيد: كل الناس يقوله بالجمع إلا الطحاوي، فإنه قال عن روح بن الفرج: سألت أبا يزيد والحارث بن بكير ويونس بن عبد الأعلى عنه فقالوا كلهم (خشبة) بالتنوين (¬2). قال القرطبي: وإنما اعتنى هؤلاء الأئمة بتحقيق الرواية في هذا الحرف أن أمر الخشبة الواحدة يخف على الجار المسامحة به، بخلاف الأخشاب الكثيرة (¬3). ووضع الخشبة على الحائط في معنى الغرز، بل هو أخف ضررا منه. وفي رواية ابن عباس: "وللرجل أن يضع خشبة في حائط جاره" (¬4). (في جداره) أي: حائطه، يحتمل عود الضمير على المالك. أي: في ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (2463)، "صحيح مسلم" (1609). (¬2) "إكمال المعلم" 5/ 317. (¬3) "المفهم" 4/ 531. (¬4) رواه أحمد 1/ 313، والطبراني 11/ 302 (11806).

جدار نفسه، وهذا حيث لا يتضرر بمنع ضوء أو إشراف عليه، إذ الضرر لا يزال بالضرر. وقيل: لا يمنعه من إخراج جناح ونحوه للتوسعة على من ضاق سفل داره ولم يضر ذلك بالجار ولا بالمار، ويحتمل عود الضمير على الجار، وهذا منشأ الخلاف في وجوب إعارة الجار الجدار لوضع الجذوع عند حاجته إلى ذلك، والصحيح عند الشافعي ومالك (¬1) والجمهور أنه للندب، ويدل على عدم الوجوب قوله بعده (ما لي أراكم قد أعرضتم) إذ لو كان واجبا لما أعرضوا لشدة أتباعهم. وللحديث الصحيح: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس" (¬2). (فلا يمنعه) هو نهي كراهة لما تقدم (فنكبوا) بفتح النون والكاف المخففة. يعني: رؤوسهم حياء منه، حيث لم يقولوا: سمعنا وأطعنا (فقال) أبو هريرة بعد أن روى هذا الحديث (ما لي أراكم قد أعرضتم)؟ ! عن مقالتي، أو عن هذِه السنة، أو عظتي ووصيتي، والله (لألقينها) اللام لام جواب، والهمزة المتصلة بها مضمومة همزة المضارعة والقاف مكسورة، ونون التوكيد مشددة، ويجوز تخفيفها. ¬

_ (¬1) "المدونة، 3/ 442، و"الأم" 4/ 466، 8/ 639. وانظر: "الحاوي" 6/ 391 فللشافعي تفصيل في المسألة وكلام في القديم والجديد. وانظر لزاما "اختلاف الأئمة العلماء" 1/ 435. (¬2) رواه أبو يعلى 3/ 140 (1570) والدارقطني 3/ 26، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" 2/ 883، 6/ 3081، والبيهقي 6/ 100 من حديث أبي حرة الرقاشي عن عمه. ورواه الدارقطني 3/ 26 من حديث أنس -رضي الله عنه-. وصححه الألباني في الإرواء" (1459).

ورواية الصحيحين: لأرمينها (¬1). ورواية الترمذي: فطأطؤوا رؤوسهم (¬2). وهي بمعنى رواية المصنف أو تفسير لها، والمعنى: لأضعن هذِه السنة (بين أكتافكم) بالتاء المثناة فوق. أي: بينكم، قال القاضي: وقد رواه بعض رواة "الموطأ": أكنافكم. بالنون (¬3) بمعناه أيضا، والكنف: الجانب، ونونه مفتوحة، والمعنى (¬4) لأطرحن بها بين جماعتكم ولا أكتمها أبدا، ولأوجعنكم بالتقريع كما يضرب الإنسان بالشيء بين كتفيه. وفي "تعليق القاضي حسين" من أصحابنا أن أبا هريرة قال ذلك حين كان متوليا بمكة أو المدينة، وكأنه قال ذلك لما رآهم قد توقفوا عن قبول ذلك، بدلالة تنكيس رؤوسهم، وقيل: المراد لألزمنكم العمل بهذِه السنة هان تكلفتكم، أو لأضعن جذوع الجار بين أكتافكم، وقصد بذلك المبالغة. (وهذا حديث) محمد بن أحمد (بن أبي خلف) البغدادي (وهو أتم) من حديث مسدد. [3635] (حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث، عن يحيى) بن سعيد (الأنصاري) (¬5) (عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح المهملة، وتشديد الموحدة، ابن منقذ بن عمرو الأنصاري المازني (عن لؤلؤة) بهمزتين ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (2463)، "صحيح مسلم" (1609) وفيهما: لأرمين بها. (¬2) "سنن الترمذي" (1353). (¬3) "إكمال المعلم" 6/ 318. (¬4) ساقطة من (م). (¬5) كذا في الأصول، والصواب: الأنصاري. انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 605، 31/ 346.

بعد اللامين، حسن الترمذي حديثها (¬1)، وهي مولاة الأنصار (عن أبي صرمة) بكسر الصاد المهملة مالك بن قيس الأنصاري، قال ابن عبد البر: لم يختلفوا في شهوده بدرا وما بعدها (¬2)، كان شاعرا محسنا. (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: من ضار) بتشديد الراء أي: ضارر غيره كان ينتقصه شيئا من حقه، أو يأخذ من حقه شيئا أو يدخل عليه الضرر بشيء غير ذلك، فإن الضر ضد النفع، وشمل معناه أن لا يجازي أحدًا على إضراره بإدخال الضرر عليه جزاء فعله. واختلفوا في الفرق بين الضرر والضرار، فقيل: الضرر فعل الواحد والضرار فعل الاثنين، وقيل: الضرر أن يضره من غير أن ينتفع، والضرار أن يضره ابتداء، وقيل: هما بمعنى واحد. وإنما عقب المصنف هذا الحديث بما قبله؛ لأن من الضرار أن يمنعه من أن يغرز خشبة في جداره، وقد جاء في رواية أحمد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا ضرر ولا إضرار، وللرجل أن يضع خشبة في جداره، وإذا اختلفتم في الطريق فاجعلوه سبعة أذرع" (¬3). (أضر الله تعالى به) أي: أوقع الضرر البالغ به في ذلك الوقت أو بعده، وشدد عليه عقابه [في الآخرة (ومن شاق) بتشديد القاف. أي: شاقق أخاه، بأن يدخل عليه ما يشق عليه] (¬4) ابتداء أو مجازاة، أو يحاربه، أو يكثر مخالفته وعناده (شاق الله تعالى عليه) أي: أدخل عليه ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (1940). (¬2) "الاستيعاب" 4/ 254. (¬3) "مسند أحمد" 1/ 313. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

ما يشق عليه كما يشق على أخيه، وحاربه كما يحارب أولياء الله، والمشاقة مشتقة من الشق؛ لأن كل واحد من المتعاديين في شق خلاف شق صاحبه، والشق: الجانب. [3636] (حدثنا سليمان بن داود العتكي، حدثنا حماد) بن زيد أخرج له مسلم (¬1) (حدثنا واصل) العابد (مولى أبي عيينة) بتحتانيتين، صدوق، ابن المهلب بن أبي صفرة (¬2)، أخرج له مسلم (قال: سمعت أبا جعفر) الباقر، وهو (محمد (¬3) بن علي) بن الحسين بن علي بن أبي طالب. (يحدث عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - أنه كان له عضد) بفتح العين وضم الضاد (من نخل) قال في "النهاية": أراد طريقة من نخل (¬4). هكذا الرواية المشهورة، وقيل: الصواب رواية: عضيد من النخل. قال الأصمعي: إذا صار للنخلة جذع يتناول منه المتناول من تلك النخلة فهو العضد، وجمعها عضدان (¬5). بضم العين، كرغيف ورغفان، وكثيب وكثبان. قال الزمخشري (¬6): قالوا للطريقة من النخل: عضد؛ لأنها متساطرة ¬

_ (¬1) كذا في الأصول، وهو خطأ وهو إمام نبيل، أخرج له البخاري ومسلم في أكثر من مائتي موضع، فلا يقال فيمن هذِه حاله: أخرج له مسلم. والله علم. (¬2) أبو عيينة اسمه عزرة بن المهلب بن أبي صفرة، وقوله أخرج له مسلم. يقصد واصلا بن المهلب. (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) "النهاية في غريب الحديث" 3/ 252. (¬5) انظر: "غريب الحديث" للخطابي 1/ 488. (¬6) "الفائق في غريب الحديث" 2/ 442.

في جهته. يريد جهة الطريق (في حائط) أي: بستان عليه شيء يحوطه (رجل من الأنصار، قال) أبو جعفر (وكان مع الرجل) الذي من الأنصار (أهله) بالرفع، يعني: زوجته وأولاده (قال: فكان سمرة) بن جندب (يدخل إلى نخله) التي في حائط الرجل الأنصاري؛ ليصل إلى الانتفاع بنخله وأخذ ثمرها (فيتأذى به) أي: بدخوله إلى حائط غيره، ويشق عليه الاستئذان على أهله كل وقت، فيتأذى بذلك ويحصل له الضرر المنهي عنه في الحديث قبله (ويشق عليه) مخالطة الأجانب وعدم استقلاله بمنفعة ما يملكه. (فطلب إليه) يقال: طلب إلى فلان كذا فأطلبته. أي: أشفعته بما طلب، ويجوز أن يكون معناه: فأنهى طلبه إليه، كما يقال: أحمد إليك الله سبحانه. أي: أنهي حمده سبحانه إليك (¬1) (أن يناقله) أي: يعاوضه حصة بحصة؛ إذ التعويض جائز بالجنس وبغير الجنس، ويجوز أن يكون هذا المطلوب وقفا فيناقل به، كما هو منقول عن أحمد (¬2) كما سيأتي (فأبى أن يناقله، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له) وشكا الضرر الحاصل له إليه؛ ليزيل ضرره، فأرسل إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فطلب إليه أن يناقله به إن كان وقفا لا يباع. وقد يستدل به على جواز المناقلة عند الحنابلة، بأن يباع ويصرف ثمنه عليه؛ لاجتماعهم على جواز بيع الفرس الحبيس، يعني: ¬

_ (¬1) قال العيني في "شرح سنن أبي داود" 2/ 353: والمعنى: لا نطلب منك الثمن، بل نتبرع به، فطلب الثمن -أي الأجر- من الله تعالى. (¬2) "مسائل أحمد" رواية أبي داود ص 314، ورواية صالح 3/ 34.

الموقوفة على الغزو، وإذا كبرت فلم تصلح للغزو، وأمكن الانتفاع بها في شيء آخر، مثل أن تدور في الرحى أو يحمل عليها تراب، وقد روي عن عمر أنه كتب إلى سعد لما بلغه أنه نقب بيت المال الذي بالكوفة: أن أنقل المسجد الذي بالتمارين، واجعل بيت المال في قبلة المسجد؛ فإنه لن يزال في المسجد مصل (¬1). وكان هذا بمشهد من الصحابة ولم يظهر خلافه، فكان إجماعا، ولأن فيما ذكرنا استبقاء الوقف بمعناه، وعند شدة الضرر الحاصل؛ لكن المناقلة عند الحنابلة إذا تعطلت منفعة الوقف بالكلية، فإن لم تتعطل بالكلية بل قلت، وكان غيره أنفع منه، وأكثر ردا على أهل الوقف لم يجز بيعه عندهم؛ لأن الأصل تحريم البيع وتغيير الوقف، وإنما أبيح للضرورة، وصيانة لمقصود الوقف عن الضياع (¬2). (قال: فهبه) بفتح الهاء (له) فأبى أن يهبه بعوض، وإنما لم يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقسمة الحاصلة عند الضرر؛ لتتميز حصة كل واحد منهما على حدته من غير ضرر ولا رد عوض؛ لأن عضد النخل التي لسمرة إذا تميزت لا يمكنه الانتفاع بها مفردة لعلتها، فيحصل بالقسمة ضرر عليه، والقسمة إنما شرعت لإزالة الضرر، وإزالة ضرر [بحصول ضرر] (¬3) أكبر منه لا يجوز، وإن لم تتعطل منفعته بالكلية فتنتقص قيمة نصيبه بالقسمة عن قيمته في حال الشركة، وفي نقص القيمة تضييع مال وضرر بتضييع المال، والضرر منفي شرعا. ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في "الكبير" 9/ 192. (¬2) انظر: "المغني" 8/ 220 بتصرف. (¬3) ساقطة من (م).

(ولك كذا وكذا) فيه دليل لأحد قولي الشافعي أن الهبة إذا شرط فيها ثوابا معلوما صح، سواء كان الشرط من الواهب أو من الموهوب له، كما في الحديث. ويدل على صحته أنه تمليك بعوض معلوم، فهو كالبيع، وحكمها حكم البيع في ضمان الدرك، وثبوت الخيار والشفعة (¬1). وبهذا قال أصحاب الرأي وأحمد (¬2). (أمرًا) بسكون الميم والتنوين، هذا من كلام الراوي، ولعله من كلام أبي جعفر، ذكره بعد أن ذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: (هبه) وهبه أمر من النبي - صلى الله عليه وسلم - بالهبة (رغبه) بتشديد الغين المعجمة، وضم الاسم الذي هو هاء الضمير، يكون إنما قال ذلك ليرجعه عن الإضرار (فيه) أي: رغبه في هذِه الهبة بزيادة الأجر عند الله تعالى، أو بزيادة من المال على قيمتها يرغب في ذلك ويزول الضرر (فأبى) أن يقبل (فقال) له: (أنت مضار) بتشديد الراء. أي: مضارر له في ذلك (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ) عند ذلك على سبيل التهديد (اذهب فاقطع نخله) وفيه من العلم أنه أمره أولًا بإزالة الضرر ببيع أو مناقلة أو هبة، فلما لم يقبل قال له ذلك على سبيل التهديد، ليردعه به ويزجره عن الإضرار المنهي عنه تهويلا لأمره، ألا ترى أنك إذا رأيت الرجل في فعل وأنت ترى أنه خطأ منهي عنه؛ لما فيه من الضرر، فتبالغ في نصحه بتركه، فإذا لم تر منه إلا الإباء والتصميم جردت عليه، قلت: أنت وشأنك، فافعل ما شئت. فلا تريد بهذا حقيقة الأمر، كيف وقد نهيت عنه، فكأنك ¬

_ (¬1) "الأم" 4/ 439، 515، وانظر: "الحاوي" 7/ 232. (¬2) انظر: "المبسوط" 12/ 75، "مسائل أحمد" للكوسج 2/ 441 (3027).

تقول: إذا لم تقبل بنصح فأنت أهل لأن تفعل المنهي عنه. فأمره بقطع النخل نظير: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (¬1)، وقوله تعالى: {وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} (¬2) بالسكون. أي: سكون اللام. [3673] (حدثنا أبو الوليد) سليمان بن داود بن الجارود (الطيالسي، حدثنا الليث، عن الزهري، عن عروة) بن الزبير (أن) أخاه (¬3) (عبد الله بن الزبير -رضي الله عنه- حدثه أن رجلا) من الأنصار، كذا لمسلم (¬4)، واسمه ثعلبة بن حاطب، وقيل: حميد، وقيل: حاطب بن أبي بلتعة، ولا يصح؛ لأنه ليس أنصاريا. وحكى ابن بشكوال عن شيخه أبي (¬5) الحسن بن مغيث أنه ثابت بن قيس بن شماس (¬6). قال القاضي (¬7): حكى الداودي أن هذا الرجل كان منافقا (¬8)، وقوله في رواية مسلم إنه أنصاري لا ينافي هذا؛ لأنه من قبيلتهم لا من الأنصار ¬

_ (¬1) فصلت: 40. (¬2) العنكبوت: 66. (¬3) في الأصول: أباه، وهو خطأ إنما هو أخوه. (¬4) والبخاري أيضا، انظر: "صحيح البخاري" (2359، 2360)، و"صحيح مسلم" (2357). (¬5) في (ل)، (م): أبا. والمثبت هو الصواب. (¬6) "غوامض الأسماء المبهمة" 2/ 573، وفيه: أبو الحسن مغيث. (¬7) في الأصول: القرطبي، والمثبت من "شرح مسلم" للنووي. ويؤكده ما في "الإكمال". (¬8) "إكمال المعلم" 7/ 327.

المسلمين (¬1). ونسبته النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هوًى كفر يوجب قتله، لكن تركه النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه كان في أول الإسلام يتألف الناس ويدفع عن أذى المنافقين ويقول: "لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه" (¬2). قال القرطبي: يحتمل أنه لم يكن منافقا، بل صدر ذلك بادرة نفس، وزلة شيطان، كما اتفق لحاطب بن أبي بلتعة، ومسطح، وحمنة في قصة الإفك، وغيرهم ممن بدرت من لسانه بدرة شيطانية، لكن لطف بهم حتى رجعوا عن الزلة وصحت لهم التوبة (¬3) (خاصم الزبير) بن العوام (في شراج) بكسر الشين المعجمة، وجيم آخره، وهي مسايل الماء إلى النخل والشجر، واحدتها شرجة، وأضافها إلى (الحرة) لكونها فيها، و (الحرة) بفتح الحاء المهملة هي الأرض الملبسة حجارة سوداء (التي يسقون بها) النخل، كذا في الصحيحين (¬4)، والمخاصمة إنما كانت في السقي بالماء الذي يسيل فيها، فكان الزبير يمسك الماء لحاجته، فطلب الأنصاري أن يُسَرِّحه له قبل استيفاء حاجته. (فقال الأنصاري: سرِّح الماء) أي: أرسله حتى (يمر) إلى أرضي (فأبى عليه الزبير) أن يسرح له الماء ليمر إلى أرضه قبل استيفاء حاجته (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للزبير: ) على سبيل الصلح (اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك) أي: تساهل في سقيك، وعجل في إرسال الماء إلى ¬

_ (¬1) انظر: "شرح مسلم" للنووي 15/ 108. (¬2) رواه البخاري (4905)، ومسلم (2584/ 63) من حديث جابر. (¬3) "المفهم" 6/ 153 - 154. (¬4) "صحيح البخاري" (2359، 2360)، و"صحيح مسلم" (2357).

جارك، يحضه على المسامحة والتيسير (فغضب الأنصاري) ولم يرض بذلك؛ لأنه كان يريد أن الزبير لا يمسك الماء أصلا (فقال: يا رسول الله أإن) بكسر الهمزة الثانية؛ لأنه استفهام على جهة الإنكار. أي: حكمت علي بهذا (كان) أي: لكونه قرابتك و (ابن عمتك) صفية (¬1). (فتلون وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) غضبا عليه وتألما من كلمته (ثم قال) للزبير (اسق) أرضك إلى أن تستوفي حقك كله (ثم أحبس الماء) وفي رواية (حتى يرجع) "الماء" (إلى الجدر) بفتح الجيم، وسكون الدال، والمراد به أصل الحائط، وقيل: أصول الشجر، والصحيح الأول، وقدره العلماء أن يرتفع الماء في الأرض كلها حتى يبلغ كعب رجل الإنسان، فلصاحب الأرض الأولى التي تلي الماء المباح أن يحبس ويسقي أرضه إلى هذا الحد، ثم يرسله إلى جاره الذي وراءه. وفي بعض طرق هذا الحديث: "حتى يبلغ الماء إلى الكعبين" قال القرطبي: يعني به: جدران الشربات، فإنها ترفع حتى تكون شبه الجدار (¬2)، فإن قيل: كيف حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - للزبير على الأنصاري في حال غضبه مع قوله: "لا يقضي القاضي وهو غضبان" (¬3). كما تقدم؟ فالجواب كما تقدم: أن هذا معلل بما يخاف على القاضي من التشويش المؤدي إلى الغلط في الحكم والخطأ فيه، والنبي - صلى الله عليه وسلم - معصوم من الخطأ في التبليغ، فالمراد بالحديث من يجوز عليه الخطأ ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): أسماء، والمثبت هو الصواب. (¬2) "المفهم" 6/ 155. (¬3) تقدم برقم (3589) عن أبي بكرة بلفظ: "لا يقضي الحكم بين اثنين وهو غضبان".

من القضاة لا على العموم. (فقال الزبير: فوالله لأحسب (¬1) أن هذِه الآية نزلت في ذلك: {فَلَا وَرَبِّكَ} (¬2) الآية) قدم لا النافية على القسم اهتماما بالنفي لقوته، ثم كرره. وهذا الحديث يدل على أنه سبب نزول هذِه الآية كما ظنه الزبير، وقال به طائفة، وفي الحديث أبواب من الفقه، فمنها: إرشاد الحاكم إلى الإصلاح بين الخصوم، فإن اصطلحوا وإلا استوفى الحق لذي حقه، ومنها: أن الأولى بالماء الجاري الأول فالأول حتى يستوفي حاجته إذا لم يكن ملكا للأول مختصا به، فليس للأعلى أن يشرب منه شيئا. ومنها: الصفح عن جفاء الخصوم ما لم يؤد إلى هتك حرمة الشرع، ومنها: أن القدر الذي يستحقه الأعلى من الماء كفايته، وغايته أن يبلغ الماء إلى الكعبين كما تقدم. [3638] (حدثنا محمد بن العلاء، حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (عن الوليد بن كثير، عن أبي (¬3) مالك) ويقال: مالك (بن ثعلبة) مستور (عن أبيه ثعلبة بن أبي مالك) القرظي [حليف الأنصار] (¬4) إمام مسجد بني قريظة، له رواية، وولد في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وله رؤية للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وطال عمره، وله حديث عند ابن ماجه (¬5). ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) النساء: 65. (¬3) فوقها في (ل): (د). (¬4) في (م): الأنصاري. (¬5) "سنن ابن ماجه" (2481).

(أنه سمع كبراءهم يذكرون أن رجلا من قريش كان له سهم في بني قريظة فخاصم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مهزور) بفتح الميم وسكون الهاء وبعدها زاي مضمومة ثم راء، وهو وادي بني قريظة بالحجاز. قال البكري في "المعجم": هو واد من أودية المدينة (¬1). وقيل: موضع سوق المدينة، وكان قد تصدق به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين، فأقطعه عثمان الحارث بن الحكم أخا مروان، وأقطع مروان فدك. وقال ابن الأثير والمنذري: أما مهروز بتقديم الراء على الزاي المعجمة فموضع سوق المدينة، تصدق به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين (¬2). وسيأتي. (السيل الذي يقتسمون ماءه) بينهم (فقضى بينهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الماء يبلغ إلى الكعبين) لا غير (لا يحبس الأعلى على الأسفل) فوق ذلك كما تقدم. [3639] (حدثنا أحمد بن عبدة) الضبي شيخ مسلم (حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن) أبو هاشم المخزومي، فقيه أهل المدينة بعد مالك، عرض عليه الرشيد قضاء المدينة وجائزة أربعة آلاف دينار فامتنع، وأبى الرشيد إلا أن يلزمه فقال: والله لأن يخنقني الشيطان أحب إلى من القضاء. فقال الرشيد: ما بعد هذا غاية، فأعفاه وأجازه بألفي دينار (¬3). ¬

_ (¬1) "معجم ما استعجم" 4/ 1275. (¬2) "النهاية في غريب الحديث" 5/ 262، "مختصر المنذري" 5/ 242 أشار محققه أن الكلام بهامشه. (¬3) ذكر القصة القاضي عياض في "ترتيب المدارك" 3/ 4 وعزاها للزبير.

(قال: حدثني أبي عبد الرحمن بن الحارث) ابن هشام بن المغيرة المخزومي، رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يحفظ عنه، كان ابن عشر سنين حين قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أحد من ندبهم عثمان لكتابة المصحف] (¬1). (عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في السيل المهزور) بتقديم الزاي على الراء، قال الحازمي والبكري: واد من أودية المدينة. ولم يذكرا (مهروز) بتقديم الراء على الزاي، بل ذكرا (مهزول) بإبدال الراء لاما، وقالا: واد من إقبال ضرية (¬2). قال السبكي: هكذا قال -يعني: الراوي- قال: والمشهور: في سيل مهزور بالإضافة (أن يرسل) الماء (حتى يبلغ الكعبين) أي: كعبي رجل الإنسان (ثم يرسل (¬3) الأعلى) الماء بعد ذلك (إلى الأسفل) قضى بذلك في سيل مهزور. ومذينب -تصغير مذنب- وهو واد بالمدينة أيضا. [3640] (حدثنا محمود بن خالد) بن يزيد السلمي الدمشقي، قال أبو حاتم: ثقة رضى (¬4)، ووثقه النسائي (¬5). ¬

_ (¬1) كذا ما بين المعقوفتين في الأصول، وهو خطأ، والصواب أن يكون: [بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، قال ابن معين: صالح. وقال أبو حاتم: شيخ. وقال النسائي: ليس بالقوي. ووثقه ابن سعد وابن حبان]. انظر: "تهذيب الكمال" 17/ 37، 38، وراجع ترجمة ابنه وترجمة عمرو بن شعيب يتبين لك الصواب. (¬2) "معجم ما استعجم" 4/ 1275، "الأماكن" 2/ 867، في الأخير: واد في إقبال النِّيْر بِحمَى ضرية. (¬3) بعدها في (ل): نسخة: يمسك. (¬4) "الجرح والتعديل" 8/ 292. (¬5) انظر: "تهذيب الكمال" 27/ 987.

(أن محمد بن عثمان (¬1) حدثهم قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد) الدراوردي (عن أبي (¬2) طوالة) عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الأنصاري قاضي المدينة (وعمرو (¬3) بن يحيى) بن عمارة (عن أبيه) (¬4) يحيى بن عمارة بن عبد الرحمن (¬5) المازني. (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: اختصم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلان في حريم نخلة في حديث أحدهما) أي: أحد الراويين المذكورين (فأمر) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (بها) أي: بجريدة من جرائد النخلة المتوسطة (فذرعت فوجدت) أي: وجد طولها (سبع أذرع. وفي حديث) الراوي (الآخر فوجدت خمسة) بالنصب (أذرع فقضى بذلك. قال عبد العزيز) بن محمد الدراوردي في روايته: (فأمر بجريدة من جريدها فذرعت) فيه: أن من أحيا شجرة في موات فله حريمها قدر ما تمد إليه أغصانها حواليها، وفي النخلة من جريدها، وإن غرس شجرة في موات فهي له ولحريمها بهذا المقدار، وإن سبق إلى شجر مباح كالزيتون والخروب فسقاه وأصلحه فهو أحق به كالمتحجر الشارع في الأحياء، وإن طعَّمه ملكه بذلك وحريمه؛ لأنه هيأه للانتفاع به لما يراد منه، فهو كسوق الماء إلى الأرض الموات، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من سبق إلى ماء لم يسبق ¬

_ (¬1) بعدها في (ل)، (م) بياض بمقدار كلمة. (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) فوقها في (ل): (ع). (¬5) كذا في النسخ: عبد الرحمن، وهو خطأ، والصواب: بن أبي حسن. انظر: "تهذيب الكمال" 31/ 474 (6889).

إليه مسلم فهو أحق به) (¬1) (¬2) وفي "سنن ابن ماجه" عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "حريم النخلة مدُّ جريدها" (¬3). آخر كتاب الأقضية، وبحمده وشكره جميع الأمور منتهية، وصلواته وسلامه على سيدنا محمد التي فضيلته على كل نبي وفقيه، انتهى تعليقه خامس عشر رمضان في عام 832، يتلوه كتاب العلم ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) تقدم برقم (3071) من حديث أسمر بن مضرس. (¬3) "سنن ابن ماجه" (2489)، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" (2018).

كتاب العلم

كتاب العلم

1 - باب الحث على طلب العلم

36 - العلم 1 - باب الحَثِّ عَلَى طَلبِ العِلْمِ 3641 - حَدَّثَنا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرهَدٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللْهِ بْنُ داوُدَ، سَمِعْتُ عاصِمَ بْنَ رَجاءِ بْنِ حَيْوَةَ يُحدِّثُ، عَنْ داوُدَ بْنِ جَمِيلٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ قالَ: كُنْت جالِسًا مَعَ أَبي الدَّرْداءِ في مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَجاءَهُ رَجُل فَقالَ: يا أَبا الدَّرْداءِ إِنّي جِئْتكَ مِنْ مَدِينَةِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - لَحِدِيثٍ بَلَغَني أَنَّكَ تُحَدِّثهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ما جِئْتُ لحِاجَةٍ. قالَ: فَإنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقولُ: "مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الجَنَّةِ، وَإِنَّ المَلائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَها رِضًا لِطالِبِ العِلْمِ، وَإِنَّ العالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ في السَّمَواتِ وَمَنْ في الأرْضِ والحِيتانُ في جَوْفِ الماءِ، وَإِنَّ فَضْلَ العالِمِ عَلَى العابِدِ كَفَضْلِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ عَلَى سائِرِ الكَواكِبِ، وَإِنَّ العُلَماءَ وَرَثَةُ الأنْبياءِ وَإِنَّ الأنْبِياءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينارًا وَلا دِرْهَمًا وَرَّثُوا العِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وافِرٍ" (¬1). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 196، والترمذي (2682)، وابن ماجه (223). وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (6297).

3642 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن الوَزِيرِ الدِّمَشْقيُّ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ قالَ: لَقِيث شَبِيبَ بْنَ شَيْبَةَ فَحَدَّثَني بِهِ عَنْ عُثْمانَ بْنِ أَبي سَوْدَةَ، عَنْ أَبي الدَّرْداءِ -يَعْني: عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَعْناهُ (¬1). 3643 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن يُونُسَ، حَدَّثَنا زائِدَة، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ما مِنْ رَجُلٍ يَسْلُكُ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا إِلا سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقَ الجَنَّةِ، وَمَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرعْ بِهِ نَسَبُهُ" (¬2). * * * {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} أول كتاب العلم الحث على طلب العلم [3641] (حدثنا مسدد بن مسرهد، حدثنا عبد الله بن داود) بن عامر ابن الربيع الهمداني الكوفي، أخرج له البخاري (قال: سمعت عاصم بن رجاء بن حيوة) الكندي الفلسطيني، ويقال: الأردني، قال أبو زرعة [لا بأس به، (¬3)، وذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4) (يحدث عن داود بن جميل) بفتح الجيم، وقيل: الوليد بن جميل، ذكره ابن حبان في "الثقات" عن كثير ابن قيس (¬5). وفي رواية لابن ماجه: كبير بن قيس. بالباء الموحدة بدل ¬

_ (¬1) أنظر الحديث السابق. (¬2) رواه مسلم (2699). (¬3) ليست في (م)، (ل) والمثبت من "الجرح والتعديل" 6/ 342. (¬4) "الثقات" 7/ 259. (¬5) "الثقات" 6/ 280.

المثلثة (¬1) (قال: كنت جالسا مع أبي الدرداء) وأخرجه الترمذي وقال فيه: عن قيس بن كثير، قال: قدم رجل من المدينة على أبي الدرداء، فذكره (¬2). قال المنذري: وفي بعض طرقه أنه جاءه رجل من أهل مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وفي بعضها: عن كثير بن قيس قال: أتيت أبا الدرداء وهو جالس (¬3) (في مسجد دمشق) بكسر الدال وفتح الميم، ومنهم من يكسر الميم، والأول المشهور، نسبت إلى رجل اسمه دمشق، وقيل: دمشق بالرومية أي: مسك يضاعف؛ لطيبها. وقيل: هي من قول العرب: ناقة دمشق اللحم. إذا كانت خفيفة، ويقال: دمشق اللحم دمشقة: إذا ضرب ضربًا سريعًا (¬4). (فجاءه رجل فقال: يا أبا الدرداء) واسمه عويمر (فقال: إني جئتك من مدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لحديث بلغني أنك تحدثه) ولابن ماجه: تحدث به (¬5). وهو الأصل (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) وفيه فضيلة الارتحال إلى مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث واحد كما ارتحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد، أخرجه البخاري [وبوب عليه: باب الخروج -يعني: للسفر- في طلب العلم (¬6)، والحديث الذي رحل فيه جابر ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (223) وفيه بالثاء. (¬2) "سنن الترمذي" (2682). (¬3) "مختصر سنن أبي داود" 5/ 244. (¬4) الذي في "تاريخ دمشق" 1/ 19: ويقال: دمشق الضرب دمشقة إذا ضرب ضربًا سريعًا خفيفًا. (¬5) "سنن ابن ماجه" (223). (¬6) "صحيح البخاري" قبل حديث (78).

أخرجه البخاري] (¬1) في "الأدب المفرد" (¬2) وأحمد وأبو يعلى في مسنديهما عن جابر: بلغني عن رجل حديث سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاشتريت بعيرًا، ثم شددت عليه رحلي، فسرت إليه شهرًا حتى قدمت الشام، فإذا عبد الله، فقلت للبواب: قل له: جابر على الباب. فقال: ابن عبد الله؟ قلت: نعم. فخرج فاعتنقني، فقلت: حديث بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فخشيت أن أموت قبل أن أسمعه. فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يحشر الناس يوم القيامة عراة، فيناديهم" الحديث (¬3) (ما جئت لحاجة) أوضحه ابن ماجة مع زيادة، ولفظه: قال: فما جاء بك، تجارة؟ قال: لا. ولا جاء بك غيره؟ قال: لا (¬4). (قال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من سلك طريقًا يطلب فيه) وللترمذي وابن ماجة: "يلتمس فيه" (¬5) (علمًا) نكر (علمًا) ليتناول أنواع العلوم الدينية (¬6)، ويندرج فيه القليل والكثير - نافعًا - من فروض العين، أو من فروض الكفاية، أو من الفضائل، حتى يدخل فيه علم الطب، إذ هو ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) "الأدب المفرد" (970). (¬3) "مسند أحمد" 3/ 495 ورواه أبو يعلى كما في "إتحاف الخيرة" 8/ 169 (7713)، وذكره البخاري تعليقًا قبل حديث (78)، وقبل حديث (7481). (¬4) "سنن ابن ماجة" (223). (¬5) "سنن الترمذي" (2945) من حديث أبي هريرة، "سنن ابن ماجة" (223) من حديث أبي الدرداء. (¬6) ساقطة من (م).

ضروري في حاجة بقاء الإنسان، والحساب إذ هو ضروري في المعاملات وقسمة الوصايا، فإنهما من العلوم التي لو خلا البلد عمن يقوم بها أثم أهل البلد. ويدخل فيه علم أحوال القلب المذمومة والمحمودة، ويدخل فيه علم النحو واللغة، ومنه: علم القراءات وأصول الفقه وعلم الحديث، ويدخل فيه علم صناعة الزراعة والحياكة والحدادة وغيرها من الصنائع المحمودة. (سلك الله به) وللترمذي وابن ماجة: "سهل له" (¬1) (طريقا إلى الجَنَّة) والمراد به على الروايتين: سهل الله بسبب سلوكه في طريق تحصيله سلوك طريق الجَنَّة؛ لأن بالعلم يعرف السالك إلى جنة الله تعالى كيف تسلك، فيصير كمن يسلك طريقًا يعرفها، وأما من سلك طريقًا من طرق العبادة التي [هي] سبب لدخول الجَنَّة من صلاة وصيام ونحوهما بغير علم (¬2)، ضل عن طريقهما وصار كخابط ليل في عشواء، فأنى يهتدي إلى مقصوده. (وإن الملائكة لتضع أجنحتها) وقد اختلف في وضع أجنحتها، فقيل: هو كناية عن التواضع كما أن {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} (¬3) كناية عن التواضع وإلانة القول لهم، ورواية الترمذي: "ما من خارج من بيته في طلب العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضا بما صنع" (¬4). وقيل: هو عبارة عن النزول إليه وترك الطيران والمشي معه والجلوس ¬

_ (¬1) انظر التخريج السابق. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) الحجر: 88. (¬4) هذا لفظ ابن ماجة (226) من حديث صفوان بن عسال.

عنده بسماع العلم والتبرك، كما أنهم يجلسون لذكر الله تعالى، ويحفون مجالسيه إذ هو طلبتهم ورغبتهم. وقيل: المراد به توقير الملائكة أهل العلم وتعظيمهم كما يوقر أهل الدين والصلاح. وقيل: معناه أن الملائكة تحمل طلبة العلم بأجنحتها، فيمشي عليها وهي تعينه ليصل إلى مقصوده سريعًا. وعلى هذا فيكون الجناح حقيقة. وقد شك بعضهم في هذا الحديث فطعن فيه وبالغ، حتى إنه استعمل لنعاله مسامير وقال: إن كان يمشي على أجنحة الملائكة فهم يتأذون بالمسامير، فعوقب سريعًا عاجلًا وابتلاه الله تعالى بالعقوبة عاجلا (¬1). وقيل: المراد به إظلال طلبة العلم بأجنحتها في طرقهم ومجالستهم. ومنه الحديث الآخر: "تظلهم الطير بأجنحتها" (¬2) وجناح الطير يده (رضا) هو مفعول لأجله. أي: تضع أجنحتها لرضا قلب طالب العلم وتألف خاطره، فإن (لطالب العلم) حرمة عند الله تعالى ومنزلة عظيمة. (وإن العالم) العامل بعلمه الذي ينتفع بعلمه وينتفع به (ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض) توضحه رواية الترمذي بزيادة ولفظه: "إن ¬

_ (¬1) روى أبو طاهر السلفي في "الطيوريات" 2/ 270 (198) بسنده عن أبي داود السجستاني قال: كان في أصحاب الحديث رجل خليج لما أن سمع بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع" فجعل في نعليه حديد مسامير وقال: أريد أن أطأ أجنحة الملائكة فأصابته الأكلة في رجله. (¬2) لم أجده مسندًا، وأظن المصنف نقله من "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 305.

الله وملائكته وأهل السماوات والأرض، حتى النملة في جحرها، حتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير" (¬1) وهذا الاستغفار يعم الحقيقة والمجاز، كما عم: افعلوا الخير. الواجب والمندوب. أي: يدعو لمعلم الناس الخير كل من في السماوات والأرض من ملائكة وإنس وجن وطير ووحش ودابة لوصول نفعه إليهم؛ فإن نفع العلم يعم الجميع بما يدعو الخليقة إليه. (والحيتان) هذا من عطف الخاص على العام، فإن الحيتان داخلة فيما قبله، وهو على قسمين، فإنه تارة يكون لعطف الأعلى على الأدنى، كقدم الناس والأنبياء وبالعكس، كقَدِمَ الحاجُ حتى المشاة كما هنا، وهذا يستعمل بـ (حتى) في الثاني دون الأول، كما في رواية الترمذي. رواية عائشة: "معلم الخير يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر" (¬2) ولابن ماجة: "حتى الحيتان في الماء" (¬3). (في جوف الماء) وبمعنى إلهام الحيتان وغيرها من الحيوانات بالاستغفار للعالم، فقيل: إنها خلقت لمصالح العباد ولمنافعهم. والعلماء هم الذين يوصون بالإحسان إليها ونفي الضرر كما في قوله: "وليرح أحدكم ذبيحته" (¬4) ويبينون ما يحل منها وما يحرم، و "إن في ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (2609) من حديث أبي أمامة الباهلي. (¬2) رواه البزار كما في "الترغيب والترهيب" للمنذري 1/ 60، وانظر "السلسلة الصحيحة" (3024). (¬3) "سنن ابن ماجة" (223). (¬4) تقدم برقم (2815) من حديث شداد بن أوس.

كل كبد حرَّاء أجرًا" (¬1) حتى في إلقاء ما يفضل من الأطعمة ومن فتات الخبز في الماء للسمك أجر. (وإن فضل العالم) الذي يعلم الناس الخير (على العابد) الذي يقتصر نفع عبادته على نفسه (كفضل القمر) إذا تكامل نوره (ليلة البدر على سائر الكواكب) السيارة وغيرها، ولفظ الأصبهاني في معناه من رواية ابن عمر: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فضل العالم على العابد سبعون درجة، كل درجتين حضر الفرس سبعين عامًا" ثم زاد ما هو كالعلم؛ ليفضل العالم على العابد، فقال في تتمة الحديث: " وذلك لأن الشيطان يبدع البدعة للناس، فيبصرها العالم فينهى عنها، والعابد مقبل على عبادته لا يتوجه لها ولا يعرفها" (¬2). وروى الأصبهاني أيضًا عن أبي أمامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -: "يجاء بالعالم والعابد فيقال للعابد: ادخل الجَنَّة، ويقال للعالم: قف حتى تشفع للناس" (¬3) زاد البيهقي في روايته بلفظ: "يقال للعالم: اثبت حتى تشفع للناس بما أحسنت إليهم" (¬4). (وإن العلماء ورثة الأنبياء) وحسبك بهذِه الدرجة مجدًا وفخرًا، وبهذه الرتبة شرفًا وكرمًا، فكما لا رتبة فوق رتبة النبوة لا شرف فوق شرف ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 175 من حديث سراقة بن مالك، 2/ 222 من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. (¬2) "الترغيب والترهيب" للأصبهاني 3/ 95 (2143). (¬3) "الترغيب والترهيب" 3/ 100 (2157). (¬4) "شعب الإيمان" 2/ 268 (1717) من حديث جابر، وفيه: أدبهم. بدل: إليهم.

وارث تلك الرتبة، والعلماء ورثوا الأنبياء في سياسة إصلاح الخلق وإرشادهم إلى النجاة في الدنيا والآخرة، فالسياسة على أربع مراتب: الأولى: وهي العليا: سياسة الأنبياء وحلمهم على الخاصة والعامة في ظاهرهم وباطنهم. والثانية: الخلفاء والملوك وحكمهم على الخاصة والعامة جميعا، ولكن على ظاهرهم لا على باطنهم. والثالث: العلماء بالله وبدين الله الذين هم ورثة الأنبياء وحكمهم على باطن الخاصة ولا تستطيع قوتهم على التصرف في ظواهرهم بالإلزام والمنع، وأشرف هذِه السياسات الأربع بعد النبوة إفادة العلم وتهذيب نفوس الناس عن الأخلاق المذمومة المهلكة، وإرشادهم إلى الأخلاق المحمودة والمسعدة، وهو المراد بالتعليم، فتعليم العلم من وجه عبادة لله، ومن وجه خلافة لله، وهو أجل خلافة، فأية رتبة أجل من كون العبد واسطة بين الله وبين خلقه في دلالتهم عليه وتعريفهم إياه. (وإن الأنبياء لم يورثوا) من بعدهم (دينارا ولا درهما) كما يورث غيرهم إنما (ورثوا العلم) الذي قد نقل عنهم ولا يتملك ورثته ما ترك من أموال بني النضير، بل هو كما قال: "ما تركت بعدي صدقة" (¬1). وفيه رد للشيعة القائلين بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يورث كما يورث غيره متمسكين بعموم آية المواريث، معرضين كما كان معلوما عند الصحابة من الحديث الدال على الخصوص، وهو قوله: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما ¬

_ (¬1) تقدم برقم (2974) من حديث أبي هريرة ولفظه: "لا تقتسم ورثتي دينارًا، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة".

تركنا صدقة" (¬1) كما تقدم. (فمن أخذه) وفي ابن ماجة: "أخذ به" (¬2) (أخذ بحظ وافر) كثير، وأي حظ أوفر من أن يوزن يوم القيامة مداد العلماء ودم الشهداء، قال بعضهم: وهذا مع أن أعلى ما في الشهيد دمه وأدنى ما للعالم مداده، ونقل القاضي حسين بن محمد في أول"تعليقته" أنه روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من أحب العلم والعلماء لم تكتب عليه خطيئة أيام حياته" (¬3). [3642] (حَدَّثَنَا محمد (¬4) بن الوزير) بن الحكم السلمي الدمشقي، وثقه أبو حاتم (¬5) والدارقطني (¬6) (حَدَّثَنَا الوليد) بن مزيد العذري بضم العين المهملة وسكون الذال، ثقة (قال: لقيت شعيب) بن رزيق بتقديم الراء على الزاي (بن شيبة) المقدسي، وثقه الدارقطني (¬7) (فحدثني به عن عثمان بن أبي سودة) القرشي، أدرك عبادة بن الصامت وهو مولاه (عن أبي الدرداء) عويمر بن مالك، وكان حكيم الأمة (يعني: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وبمعناه) المذكور. [3643] (حَدَّثَنَا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) اليربوعي (حَدَّثَنَا ¬

_ (¬1) تقدم برقم (2963) من حديث عمر دون قوله: "نحن معاشر الأنبياء". (¬2) "سنن ابن ماجة" (223)، وفيه: فمن أخذه. (¬3) ورواه أيضًا ابن مفلح في "مشيخة ابن أبي الصقر" (7) من حديث أنس، وأورده ابن عراق في "تنزيه الشريعة" 1/ 229 (102). (¬4) فوقها في (ل): (د). (¬5) "الجرح والتعديل" 8/ 115. (¬6) انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 583. (¬7) انظر: "تاريخ بغداد" 9/ 244.

زائدة) (¬1) بن قدامة الثقفي (¬2) الكوفي (عن) سليمان بن مهران (الأعمش عن أبي صالح) باذام مولى أم هانئ، روى عنه الأربعة. (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما من رجل يسلك طريقا يطلب) لفظ مسلم: "يلتمس" (¬3) (فيه علما) فيه فضل المشي في طلب العلم، ويلزم من ذلك فضل الاشتغال بالعلم، والمراد العلم الشرعي بشرط أن يقصد به وجه الله تعالى، وإن كان شرطا في كل عبادة، لكن عبادة العلماء وطلب الإخلاص منهم أبلغ؛ لأنهم يقتدى بهم وإنما نلفت لهذا؛ لأن بعض طلبة العلم يتساهل في هذا ويغفل عنه، ولا ينظر في الإخلاص ولا شروطه ولا يعتني به. (إلا سهل الله له به طريق الجَنَّة) فيه ما تقدم (ومن أبطأ) لفظ مسلم: "بطأ" وآخره همزة، يقال: بطأ وأبطأ بمعنىً (به عمله لم يسرع به نسبه) معناه: من كان عمله ناقصا، لم يلحقه نسبه بمرتبة أصحاب الأعمال، فينبغي ألا يتكل الآدمي على شرف النسب وفضيلة الآباء، ويقصر في العمل. * * * ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) في (م) الليثي. (¬3) "صحيح مسلم" (2699).

2 - باب رواية حديث أهل الكتاب

2 - باب رِوايَةِ حَدِيثِ أَهْلِ الكِتَابِ 3644 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ ثابِتٍ المَرْوَزيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْريِّ أَخْبَرَنِي ابن أَبِي نَمْلَةَ الأَنْصَاريُّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ جالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ مرَّ بِجَنازَةٍ فَقالَ: يا مُحَمَّدُ، هَلْ تَتَكَلَّمُ هذِهِ الجَنَازَةُ؟ فَقالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اللهُ أَعْلَمُ". فَقالَ اليَهُوديُّ إنَّها تَتَكَلَّمُ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ما حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الكِتَاب فَلا تُصَدِّقُوهُمْ وَلا تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا باللهِ وَرُسُلِهِ فَإِنْ كانَ باطِلًا لَمْ تُصَدِّقُوهُ وَإِنْ كَانَ حَقًّا لَمْ تُكَذِّبُوهُ" (¬1). 3645 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا ابن أَبي الزَّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَارِجَةَ -يَعْني: ابن زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ - قالَ: قالَ زَيْدُ بْن ثابِتٍ أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَتَعَلَّمْتُ لَهُ كِتابَ يَهُودَ وقالَ: "إِنِّي والله ما آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي". فَتَعَلَّمْتُهُ فَلَمْ يَمُرَّ بي إِلَّا نِصْفُ شَهْرٍ حَتَّى حَذَقْتُهُ فَكُنْتُ أَكْتُبُ لَهُ إِذَا كَتَبَ وَأَقْرَأُ لَهُ إِذا كُتِبَ إِلَيْهِ (¬2). * * * باب رواية حديث أهل الكتاب [3644] (حَدَّثَنَا أحمد بن محمد بن ثابت) بالمثلثة ابن شبويه المروزي من كبار الأئمة (حَدَّثَنَا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري قال: أخبرني) بمكة (ابن أبي نملة الأنصاري، عن أبيه) أبي نملة عمار ابن معاذ بن زرارة بن عمرو الأوسي، شهد بدرا مع أبيه، وشهد أحدا والخندق، له حديثان هذا أحدهما. ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 136، وعبد الرزاق 6/ 110 (10160)، وابن حبان (6257). وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (5052). (¬2) رواه الترمذي (2715) وأحمد 5/ 186، 191، وعلقه البخاري (7195) بصيغة الجزم.

(أنه بينما هو جالس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده رجل من اليهود) فيه جواز الجلوس مع أهل الكتاب إن كان فيه مصلحة، ودخوله المسجد إذا أذن له مسلم، ولعله كان جالسا هنا في المسجد (مر) [مبني] (¬1) لما لم يسم فاعله (بجنازة) الأرجح بكسر الجيم: السرير، وبفتحها للميت، الأعلى للأعلى، والأسفل للأسفل، وقيل: الفتح والكسر لغتان. (فقال: يا محمد، هل تتكلم) بمثناتين من فوق (هذِه الجنازة؛ ) أي: هل يتكلم الميت الذي عليها؟ (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: الله أعلم) من آداب العالم أنه إذا سئل عما لا يعلمه أن يقول: الله أعلم، فكان علي بن أبي طالب يقول: وابردها على الكبد ثلاث مرات، قالوا: وما ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال: أن تسأل الرجل عما لا يعلم فيقول: الله أعلم (¬2). فيحتمل أن يكون في ذلك الوقت لم ينزل عليه فيه شيء، فلما نزل عليه قال كما في البخاري عن أبي سعيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم فإن كانت صالحة قالت: قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها، أين يذهبون بها؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ولو سمعه لصعق" (¬3)، فهذا الحديث يدل على أن الميت يتكلم على الجنازة. وفي قوله: "يسمع ¬

_ (¬1) زيادة يقتضيها السياق. (¬2) رواه بنحوه الدارمي في "سننه" 1/ 275 (184)، والبيهقي في "المدخل" (794)، والخطيب في "الفقيه المتفقه" 3/ 255 (1099)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 42/ 150. (¬3) "صحيح البخاري" (1314).

صوتها كل شيء" دليل على أن قوله: "قدموني" و"يا ويلها أين يذهبون بها" حقيقة لا مجاز، وأن الله يحدث النطق في الميت إذا شاء، لكن إنما يتكلم روح الجنازة؛ لأن الجسد لا يتكلم بعد خروج الروح منه إلا أن يرده الله فيه، وإنما يسمع الروح من هو مثله ومجانسه، وهم الملائكة والجن، ويحتمل أنه كان يعلم لكنه لم يرد أن يذكره لليهودي، ويحتمل أنه أراد يعلمهم هذا الأدب في السؤال (قال اليهودي: إنها تتكلم) يحتمل كلامها إن صح "قدموني" كما في الحديث. (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم) وخرج البخاري عن أبي هريرة قال: كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل الكتاب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم" (¬1) يعني: لأنهم حرفوا بعضه وكتموا بعضا، قال بعض العلماء: كتموا ما أنزل إليهم في محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهذا الحديث أصل في وجوب التوقف في كل مشكل من الأمور والعلوم، فلا يقضى عليه بجواز ولا بطلان ولا تحليل ولا تحريم ولا تصديق ولا تكذيب. (وقولوا: آمنا بالله ورسوله) فقد أمرنا أن نؤمن بالله فيما أنزل وبرسوله فيما بلغ، ونؤمن بالكتب المنزلة على الأنبياء، إلا أن اليهود والنصارى حرفوا وبدلوا، وسئل بعض المتقدمين عن رجل قيل له: أتؤمن بفلان النبي؟ فسماه باسم لم يعرفه، فلو قال: نعم، فلعله لم يكن نبيا، وإن ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (4485).

قال: لا، فلعله كان نبيا فقد جحد نبوة نبي من الأنبياء، فكيف يصنع؟ فقال: ينبغي أن يقول؛ إن كان نبيا فقد آمنت به. (فإن كان ما قاله) اليهودي (باطلا لم تصدقوه) فيما قاله (وإن كان) ما قاله (حقا لم تكذبوه) فتكونوا قد سلمتم في الحالتين. قال ابن سيرين، إذا قيل لك أنت مؤمن فقل: آمنا بالله (¬1). [3645] (حَدَّثَنَا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) اليربوعي (حَدَّثَنَا) عبد الرحمن (ابن أبي الزناد) استشهد به البخاري في "الصحيح" تعليقًا (عن أبيه) (¬2) أبي الزناد عبد الله بن ذكوان المدني (عن خارجة) يعني (بن زيد ابن ثابت قال: قال زيد بن ثابت -رضي الله عنه-: أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) زاد الترمذي: أن أتعلم كلمات يهود (¬3) (فتعلمت له كتاب) أي: كتابة (يهود) غير منصرف لتأنيث القبيلة والعجمة، ولفظ البخاري: أمره أن يتعلم كتابة اليهود (¬4). يعني: خطهم ومكاتباتهم (فتعلمت له كتاب يهود) أي: كتابتهم. وقد استدل بهذا الحديث على أنه يستحب للإمام والقاضي أن يتخذ كاتبًا ومترجمًا يعرف لسان الخصم والشهود، وإن لم يكن القاضي يحسن ذلك، وذكر الحاكم هذا الحديث في الإيمان من "مستدركه"، وقال: حديث صحيح لا أعرف الرخصة لتعلم كتابة أهل الكتاب غير هذا ¬

_ (¬1) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" 2/ 140. (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) "سنن الترمذي" (2715) وفيه: أن أتعلم له كتاب يهود. (¬4) "صحيح البخاري" (7195).

الحديث، انتهى (¬1). والظاهر تعدي الرخصة إلى كل من احتيج إلى مكاتبته دون غيرهم، فإن هذا محل ضرورة، والضرورة لا تجاوز محلها. (وقال: إني والله) فيه جواز الحلف لتأكيد الكلام، وإن لم يستحلف (ما آمن يهود على) كتب (كتابي) ومعرفة ما فيه، ويجوز: ما آمن يهود على حمل كتابي، ولفظ الترمذي: "ما آمن يهود على كتاب" (¬2). وهو أعم، وفيه دليل أن الكاتب والمترجم يكون أمينا عدلا حرًّا كما في زيد -رضي الله عنه-، ويدل على الأمانة قوله تعالى: {رَسُولٌ أَمِينٌ} (¬3) قال الضحاك: آمين على الرسالة. (فتعلمته) له (فلم يمر بي) من الزمن (إلا نصف) بالرفع استثناء مفرخ (شهر حتى) رواية: تعلمته (حذقته) بفتح الذال المعجمة، والكسر لغة، أي: عرفته وأتقنته، ومهرت فيه، وعرفت دقائقه، وهكذا ينبغي أن يكون الكاتب والمترجم عارفا بدقائق ما يكتبه ماهرًا فيه (فكنت أكتب له إذا كتب) أي: أراد الكتابة إليهم، ولفظ الترمذي: كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم (¬4). وترجم البخاري على هذا الحديث: باب ترجمة الحكام، وهل يجوز ترجمان واحد؟ (¬5) يعني: كما في الحديث. ¬

_ (¬1) "المستدرك" 1/ 75. (¬2) "سنن الترمذي" (2715). (¬3) الشعراء: 107. (¬4) "سنن الترمذي" (2715). (¬5) "صحيح البخاري" قبل حديث (7195).

والمذهب اشتراط العدد في المترجم دون الكاتب (¬1). (وأقرأ له) الكتاب (إذا كتب) بضم الكاف، وكسر التاء (إليه) ولفظ الترمذي: وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابتهم. وللبخاري نحوه، وترجم عليه الترمذي: باب في تعليم السريانية، وذكر الحديث ثم قال: حديث حسن صحيح، وفي حديث (¬2) ثابت بن عبيد: أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أتعلم السريانية (¬3). * * * ¬

_ (¬1) "الرسالة" 7/ 506. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) "سنن الترمذي" بعد حديث (2715).

3 - باب في كتابة العلم

3 - باب في كِتَابةِ العِلْمِ 3646 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ وَأَبُو بَكْرِ بْن أَبي شَيْبَةَ قالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ الأَخْنَسِ، عَنِ الوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي مُغِيثٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ ماهَكَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ عَمْرٍو قالَ: كنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيء أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أريدُ حِفْظَه فَنَهَتْنِي قُرَيْش وَقالُوا: أَتَكْتُبُ كُلَّ شَيء تَسْمَعُهُ وَرَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الغَضَبِ والرِّضَا، فَأَمْسَكْت عَنِ الكِتَابِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى فِيهِ فَقالَ: "اكْتُبْ فَوالَّذي نَفْسي بِيَدِهِ ما يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ" (¬1). 3647 - حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَليٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْن زَيْدِ، عَنِ المطَّلِبِ ابْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَنْطَب قالَ: دَخَلَ زَيْدُ بْنُ ثابِتٍ عَلَى مُعاوَيةَ فَسَأَلَهُ عَنْ حَدِيثًا فَأَمَرَ إِنْسَانًا يَكْتُبُهُ، فَقالَ لَهُ زَيْدٌ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَنَا أَنْ لَا نَكْتُبَ شَيْئًا مِنْ حَدِيثِهِ فَمَحَاهُ (¬2). 3648 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا أَبُو شِهابٍ، عَنِ الحَذَّاءِ، عَنْ أَبي المُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْريِّ قالَ: ما كُنَّا نَكْتُبُ غَيْرَ التَّشَهُّدِ والقُرْآنِ (¬3). 3649 - حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الوَلِيدُ ح، وَحَدَّثَنَا العَبَّاسُ بْن الوَلِيدِ بْنِ مَزيدٍ، قالَ: أَخْبَرَني أَبي، عَنِ الأوْزاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبي كَثِيرٍ قالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ - يَعْنِي: ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ - قالَ: حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ قالَ: لَمَّا فتِحَتْ مَكَّةُ قامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 162، 192، والحاكم 1/ 105 - 106. وصححه الألباني في "الصحيحة" (1532). (¬2) رواه أحمد 5/ 182، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (336)، والخطيب في "تقييد العلم" ص 35. وضعفه الألباني. (¬3) رواه الخطيب في "تقييد العلم" ص 93. وقال الألباني: شاذ.

الخُطْبَةَ خُطْبَةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ يُقالُ لَهُ: أَبُو شاهٍ فَقالَ: يَا رَسُولَ اللهِ اكْتُبُوا لي. فَقالَ: "اكْتُبُوا لأَبِي شاهٍ" (¬1). 3650 - حَدَّثَنَا عَليُّ بْن سَهْلِ الرَّمْليُّ، قالَ: حَدَّثَنَا الوَلِيدُ قالَ: قُلْتُ لأبَي عَمْرٍو: ما يَكْتُبُوهُ؟ قالَ: الخُطْبَةَ التي سَمِعَها يَوْمَئِذٍ مِنْهُ (¬2). * * * باب في كتابة العلم [3646] (حَدَّثَنَا مسدد، حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة قالا: حَدَّثَنَا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد (¬3) الله) بالتصغير (ابن الأخنس) النخعي الخزاز (عن الوليد بن عبد الله) بن أبي مغيث، ثقة (عن يوسف ابن ماهك) بفتح الهاء والكاف غير منصرف (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص رضي الله عنهما. (قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) و (أريد حفظه) فيه أن من آداب المحدث أن يكتب ما يسمعه ولا يحضر عند شيخه إلا ومعه الدواة والقلم والسكين، وإن كان هناك دواة لغيره، ويكون على طهارة، ويتجنب الكتابة الدقيقة، فقد قال بعضهم: اكتب ما ينفعك وقت حاجتك، ولا تكتب ما لا ينفعك وقت حاجتك إليه. أراد وقت الكبر وضعف البصر، وإذا كتب فيصحح ما يريد حفظه على الشيخ ويعتني بحفظ ما يكتبه، ولا يقتصر على الكتابة الكثيرة لكثرة الكتب، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2434)، ومسلم (1355). (¬2) انظر الحديث السابق. (¬3) فوقها في (ل): (ع).

فيشتغل بذلك عن النفع العظيم، فلقد أحسن القائل: إذا لم تكن حافظا واعيا ... فجمعك للكتْب لا ينفع (¬1) (فنهتني) جماعة من (قريش وقالوا: تكتب كل شيء) تسمعه (ورسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: يعتريه ما يعتري غيره من الغضب والسهو (بشر) ولمسلم: "إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر، وأغضب كما يغضب البشر" (¬2) وتغير الفكر وغير ذلك من الأحوال البشرية وهو يتكلم في حال الغضب والرضا، فلا يكتب عنه في كل أحواله ولا كل ما يقوله. (فأمسكت عن الكتاب) يعني: الكتابة حتى أذكر ذلك له، وأعمل بما يقوله (فذكرت ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) هذِه الرواية الصحيحة، تعدي (ذكرت) ب (إلى) ويجوز أن تكون (إلى) بمعنى اللام كقوله تعالى: {وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ} (¬3) ويكون التقدير: ذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما في بعض النسخ. (فأومأ) بهمزة آخره (بإصبعه إلى فيه) فيه جواز اعتماد الإشارة المفهمة والعمل بها في مثل هذا، وفيه أن المستمع من الشيخ ليأخذ عنه ينظر إلى فيه حين يتكلم ليستمع كلامه، وينظر كيف يتلفظ بالكلمة ويخرجها ليكون أبلغ من استماعه مطرقا (فقال: اكتب فوالذي نفسي ¬

_ (¬1) رواه الخطيب بإسناده في "الجامع لأخلاق الراوي" 5/ 32، 33 عن محمد بن يسير. (¬2) "صحيح مسلم" (2603). (¬3) النمل: 33.

بيده) كل ما أنطق به، فإني لا أنطق عن الهوى و (ما يخرج منه إلا) وحي (حق) عن الله تعالى لا من هوى نفسه ورأيه. واعلم أن هذا الحديث مخصص لعموم الحديث الصحيح المتقدم في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقضي الحاكم بين اثنين وهو غضبان" (¬1). فيخرج من عموم الغضبان قضاء المعصوم، من تغير فكره بالغضب، واختلال حكمه حال الغضب؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يقول في حالتي الرضا والغضب إلا حقا، ويدل على هذا كما قال الفاكهي: ما جاء في الحديث الصحيح حين قال بعض الصحابة: أكتب عنك ما تقول في الرضا والغضب. وقال الغزالي في "الإحياء": كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يقول المنكر، ولا يقول في الرضا والغضب إلا الحق (¬2). [3647] (حَدَّثَنَا نصر بن علي) الجهضمي (ثنا أبو أحمد) (¬3) محمد بن عبد الله بن الزبير الزبيري، ليس هو من ولد الزبير بن العوام بل آل الزبير بني أسد (قال: حَدَّثَنَا كثير بن زيد) الأسلمي المدني، قال أبو زرعة: صدوق (¬4). (عن المطلب بن عبد الله بن حنطب) بفتح الحاء والطاء المهملتين، بينهما نون ساكنة المخزومي المدني، عامة حديثه مراسيل. قال الدارقطني ¬

_ (¬1) تقدم برقم (3589) من حديث أبي بكرة. (¬2) "إحياء علوم الدين" 2/ 368. (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) "الجرح والتعديل" 7/ 150.

وغيره: ثقة (¬1). [قال أبو زرعة: ثقة] (¬2) أرجو أن يكون سمع من عائشة (¬3). (قال: دخل زيد بن ثابت -رضي الله عنه- على معاوية) بن أبي سفيان (فسأله عن حديث) أي: سأل معاوية زيدا عن حديث من أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأراد (أن يكتبه فأمر إنسانًا بكتبه) بفتح الكاف، وسكون التاء، أي: بكتابة الحديث الذي ساله عنه (فقال له زيد: ) بن ثابت (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا أن لا نكتب شيئًا من حديثه) هذا مذهب زيد بن ثابت (¬4) وابن عمر وابن مسعود وأبي (¬5) موسى وأبي (¬6) سعيد الخدري، وآخرين (¬7) من الصحابة والتابعين كرهوا كتابة حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، واستدلوا بهذا الحديث وبما رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري لبه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تكتبوا عني شيئًا إلا القرآن، ومن كتب عني شيئًا غير القرآن فليمحه" (¬8). وجوزه أو فعله جماعة من الصحابة منهم: عمر وعلي وابنه الحسن وعبد الله بن عمرو بن العاص وأنس وجابر وابن عباس (¬9) وغيرهم، وحكاه عياض عن أكثر الصحابة والتابعين، قال: ¬

_ (¬1) "سؤالات البرقاني" (294). (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) "الجرح والتعديل" 8/ 359. (¬4) رواه الطبراني في "الكبير" 5/ 137 (4871)، والخطيب في "تقييد العلم" (16). (¬5) في (ل)، (م): وأبو، والمثبت هو الصحيح. (¬6) في (ل)، (م): وأبو، والمثبت هو الصحيح. (¬7) في (ل)، (م): وآخرون، والمثبت هو الصحيح. (¬8) "صحيح مسلم" (2504). (¬9) بعدها في (ل)، (م): وعمر، ولعله سهو، حيث ذكر عمر سابقًا.

ثم أجمع المسلمون على جوازها وزال الخلاف، ويدل على الجواز قوله - صلى الله عليه وسلم -: "اكتبوا لأبي شاه" (¬1) يعني: خطبته - صلى الله عليه وسلم -، وقوله في الحديث الذي قبله: فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اكتب وما يخرج منه إلا حق" (¬2) وفي "صحيح البخاري" عن أبي هريرة قال: ليس أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر حديثًا مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو بن العاص؛ فإنه كان يكتب ولا أكتب (¬3). وقد اختلف في الجواب عن حديث أبي سعيد والجمع بينه وبين أحاديث الإذن في الكتابة، فقيل: إن النهي منسوخ بأحاديث الإذن، وكان النهي في أول الأمر لخوف اختلاطه بالقرآن، فلما أمن ذلك أذن فيه، وجمع بعضهم بينهما بأن النهي في حق من وثق بحفظه وخيف اتكاله على خطه إذا كتب، والإذن في حق من لا يوثق بحفظه كأبي شاه. وقد كان بعضهم يكتب، فإذا حفظ محا، فجمع بين الحديثين، وحمل بعضهم النهي على كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة؛ لأنهم كانوا يسمعون تأويل الآية، فربما كتبوه معه، فنهوا عن ذلك لئلا يختلط به، فيشتبه على القارئ. (فمحاه) معاوية -رضي الله عنه- حين سمع الحديث، يقال: محوت الكتاب ومحيته محيا. * * * ¬

_ (¬1) تقدم برقم (2017) من حديث أبي هريرة. (¬2) تقدم برقم (3646). (¬3) "صحيح البخاري" (113).

4 - باب في التشديد في الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

4 - باب في التَّشْدِيدِ في الكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللِّه - صلى الله عليه وسلم - 3651 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْن عَوْنٍ، أَخْبَرَنَا خالِدٌ ح وَحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا خالِدٌ - المَعْنَى - عَنْ بَيانِ بْنِ بِشْرٍ قالَ مُسَدَّدٌ: أَبُو بِشْرٍ، عَنْ وَبَرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيرِ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: قُلْتُ لِلزُّبَيرِ: ما يَمْنَعُكَ أَنْ تُحَدِّثَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَما يُحدِّثُ عَنْهُ أَصْحَابُهُ؟ فَقالَ: أَمَا وَاللهِ لَقَدْ كانَ لِي مِنْهُ وَجْهٌ وَمَنْزِلَةٌ وَلَكِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ" (¬1). * * * باب التشديد في الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [3651] (حَدَّثَنَا عمرو (¬2) بن عون) بالنون آخره، الواسطي البزاز الحافظ (قال أنا [خالد] (¬3)، وثنا مسدد قال: حَدَّثَنَا خالد) (¬4) بن عبد الله ابن عبد الرحمن الطحان الواسطي (المعنى، عن بيان (¬5) بن بشر) المؤدب (قال مسدد) في روايته (أبو بشر) بيان بن بشر (عن وبرة) بسكون الباء الموحدة (ابن عبد الرحمن) المسلي بضم الميم وسكون السين المهملة، أخرج له الشيخان (عن عامر (¬6) بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه) عبد الله بن الزبير بن العوام. (قال: قلت: للزبير) بن العوام (ما يمنعك أن تحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) رواه البخاري (107). (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) ساقطة من (ل)، (م)، والمثبت من "سنن أبي داود". (¬4) فوقها في (ل): (ع). (¬5) فوقها في (ل): (ع). (¬6) فوقها في (ل): (ع).

كما يحدث عنه أصحابك؟ ) [الذين سمعوا منه كما سمعت منه] (¬1) (فقال: أما) بتخفيف الميم (والله، لقد كان لي منه وجه) أي: حظ ورتبة (ومنزلة) مرتفعة (ولكني سمعته يقول: من كذب علي متعمدًا) قال المنذري: المحفوظ في حديث الزبير بن العوام ليس فيه (متعمدًا) وقد روي عن الزبير أنه قال: والله ما قال (متعمدا) وأنتم تقولون (متعمدا) (¬2)، لكن وقع (متعمدا) في الروايات الصحيحة عن المغيرة وجماعات كثيرة، وفي رواية أنس: "من تعمد عليَّ كذبًا" (¬3) والكذب لغة هو الخبر عن النبي (¬4) - صلى الله عليه وسلم - على خلاف ما هو به، غير أن المحرم شرعا المستقبح عادة هو العمد المقصود إلا ما استثني كالكذب في الصلح وغيره. وأصل الكذب في الماضي والحلف في المستقبل، وقد جاء الكذب في المستقبل، قال الله تعالى: {ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} (¬5). (فليتبوأ مقعده من النار) أي: ليتخذ فيها منزلًا، فإنها مقره ومسكنه، يقال: تبوأت منزلا. أي: اتخذته ونزلته، وبوأت الرجل منزلا: هيأته له. وهذِه صيغة أمر، والمراد بها التهديد والوعيد. وقيل: معناها الدعاء. أي: بوأه الله ذلك، وقيل: معناه: الإخبار بوقوع العذاب به في جهنم. * * * ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): الذين سمعت منه كما سمعوا منه. والمثبت هو الصواب. (¬2) "مختصر سنن أبي داود" 5/ 248. (¬3) رواه البخاري (108)، ومسلم (2). (¬4) كذا بالأصول، ولعلها كانت: الشيء. ثم صحفت، والله أعلم. (¬5) هود: 65.

5 - باب الكلام في كتاب الله بغير علم

5 - باب الكَلامِ في كِتَابِ الله بغَيْرِ عِلْمٍ 3652 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحاقَ المُقْرِئُ الحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بْنُ مِهْرَانَ - أَخُو حَزْمٍ القُطَعيِّ - حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرانَ، عَنْ جُنْدُبٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قالَ في كِتَابِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ فَقَدْ أَخْطَأَ" (¬1). * * * باب الكلام في كتاب الله بغير علم [3652] (حَدَّثَنَا عبد الله بن محمد بن يحيى) الطرسوسي المعروف بالضعيف قال النسائي: شيخ صالح ثقة، والضعيف لقب له لكثرة عبادته (¬2). وقيل: كان ضعيفا في جسمه (حَدَّثَنَا يعقوب) بن إسحاق (الحضرمي المقرئ) مقرئ البصرة، ثقة (حَدَّثَنَا سهيل بن) عبد الله أبي حزم، واسمه (مهران) القطيعي البصري، قال أبو حاتم: ليس بالقوي يكتب حديثه (¬3) (حَدَّثَنَا أبو عمران) عبد الملك بن حبيب الجوني (عن جندب) بن عبد الله البجلي. (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من قال في كتاب الله برأيه) أي: بما سنح في وهمه، وخطر على باله (فوافق هواه الصواب) (¬4) دون نظر فيما قاله ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2952)، والنسائي في "الكبرى" (8086). وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (5736). (¬2) "المجتبى" 4/ 165. (¬3) "الجرح والتعديل" 4/ 247. (¬4) بعدها في (ل)، (م): نسخة: فأصاب.

العلماء واقتضته قوانين العلم كالنحو والأصول واستدلال بقواعدها (فقد أخطأ) في حكمه على القرآن بما لا يعرف أصله، وأن من استنبط معناه بحمله على الأصول المحكمة المتفق على معناها فهو ممدوح، قاله القرطبي، قال: وليس يدخل في هذا الحديث أن (تفسير اللغويين لغة، والنحويين نحو) (¬1)، والفقهاء معانيه، ويقول كل واحد باجتهاده [المبني] (¬2) على قوانين علم الشريعة (¬3)، فإن القائل على هذِه الصفة ليس قائلًا برأيه (¬4). بخلاف القائل بهواه، فإنه كالكاذب على الله. ولهذا حسنت المناسبة بذكر هذا الباب عقب باب: الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لكن لو قدم حديث الكذب على كتاب الله على الكذب على رسول الله كان أولى، لكن المصنف تبع في هذا الحديث الجامع بين الحديثين ذكره الترمذي عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اتقوا الحديث علي إلا ما علمتم، فمن كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار، ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار" (¬5). قال ابن عطية: وهذا الحديث في مغيبات القرآن وتفسير مجمله ونحوهما مما لا سبيل إليه إلا بتوفيق (¬6) الله تعالى، ومن جملة مغيباته ¬

_ (¬1) كذا بالأصل. والعبارة في "تفسير القرطبي": أن يفسر اللغويون لغته والنحويون نحوه. (¬2) من "الجامع لأحكام القرآن". (¬3) كذا بالأصول، وفي "الجامع لأحكام القرآن": ونظرٍ. (¬4) "الجامع لأحكام القرآن" 1/ 32 - 33. (¬5) "سنن الترمذي" (2951)، وضعفه الألباني في "الضعيفة" (1783). (¬6) كذا بالأصول، و"الجامع لأحكام القرآن" وفي "تفسير ابن عطية": بتوقيف.

ما لم يُعْلِم [الله] (¬1) به كوقت قيام الساعة ونحوها، [ومنها ما] (¬2) يستقرأ من ألفاظه، كعدد النفخات في الصور (¬3). وقال أبو بكر (¬4) محمد بن القاسم في كتاب "الرد": فسر حديث ابن عباس بتفسيرين: أحدهما: من قال في مشكل القرآن بما لا يعرف من مذهب الأوائل من الصحابة والتابعين فهو مُتَعَرِّضٌ لسخط الله. والجواب الآخر وهو أثبت القولين وأصحهما معنًى: من قال في القرآن قولا يعلم أن الحق غيره فليتبوأ مقعده من النار (¬5). * * * ¬

_ (¬1) من "المحرر الوجيز". (¬2) في الأصول: مما. وكذا في "الجامع لأحكام القرآن" والمثبت من "المحرر الوجيز". (¬3) "المحرر الوجيز" 1/ 28. (¬4) في الأصول: مكي، وهو خطأ، إنما هو أبو بكر ابن الأنباري، وكتابه "الرد على من خالف مصحف عثمان". (¬5) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" 1/ 32.

6 - باب تكرير الحديث

6 - باب تَكْريرِ الحَدِيثِ 3653 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبي عَقِيلٍ هَاشِمِ بْنِ بِلالٍ، عَنْ سابِقِ بْنِ نَاجِيَةَ، عَنْ أَبي سَلَّام، عَنْ رَجُلٍ خَدَمَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إِذَا حَدَّثَ حَدِيثًا أَعَادَهُ ثَلاثَ مَرّاتٍ (¬1). * * * باب تكرير الحديث [3653] (حَدَّثَنَا عمرو بن مرزوق) الباهلي، روى عنه البخاري مقرونًا (أنا شعبة، عن أبي عقيل هاشم بن بلال) ويقال: ابن سلام. ثقة (عن سابق بن ناجية) قاضي واسط، في "ثقات ابن حبان" (¬2) له، وله حديث آخر: "من قال حين يصبح وبمسي ثلاثًا: رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا. كان حقا على الله أن يرضيه يوم القيامة" (¬3). (عن أبي سلام) بتشديد اللام، قال ابن سيد الناس اليعمري: ذكر أبو عمر: وفي خدم النبي - صلى الله عليه وسلم - سابق. وقال: روي عنه حديث واحد من حديث الكوفيين، اختلف فيه على شعبة ومسعر، ثم قال: والحديث الذي أشار إليه الصحيح فيه ما رواه هشيم وغيره عن أبي سفيان عن سابق بن ناجية عن أبي سلام خادم النبي - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) رواه البخاري في "التاريخ الكبير" 4/ 201. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود". (¬2) "الثقات" 6/ 433. (¬3) سيأتي برقم (5072).

قال: ولا يصح سابق في الصحابة. قال أبو عمر: من قال في أبي سلام هذا أبو سلامة. فقد أخطأ؛ هو أبو سلام الهاشمي ذكره في الصحابة، وفي خدم النبي - صلى الله عليه وسلم - خليفة بن خياط (¬1)، وكذلك ذكر الحافظ المزي أن أبا سلام خادم النبي - صلى الله عليه وسلم - ومولاه ذكره خليفة بن خياط (¬2) في أسماء الصحابة من موالي بني هاشم، ثم قال: ونقل عن أبي سلام خادم النبي - صلى الله عليه وسلم -، روى عنه سابق ابن ناجية (¬3). وتبعه تلميذه الذهبي (¬4)، وقال المنذري: أبو سلام هو ممطور الحبشي (¬5). (عن رجل خدم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا حدث حديثًا أعاده) على سامعه (ثلاث مرات) أي: ليعقل عنه، كما روى الترمذي عن أنس -رضي الله عنه-. قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعيد الكلمة ثلاثًا لتعقل عنه (¬6). أي: ليحفظها سامعها ويفهمها. وسيأتي في باب الهدي في الكلام: كان كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلًا يفهمه كل من سمعه (¬7). ¬

_ (¬1) "عيون الأثر" 2/ 396. وانظر لزامًا "الاستيعاب" 2/ 682، 4/ 1681. (¬2) في الأصول: خليفة. والتصويب من "التهذيب"، وانظر "طبقات خليفة" (2691). (¬3) "تهذيب الكمال" 33/ 396. (¬4) "الكاشف" 2/ 433. (¬5) "مختصر سنن أبي داود" 5/ 249. (¬6) "سنن الترمذي" (3640)، وصححه الألباني في "مختصر الشمائل" (192). (¬7) سيأتي برقم (4839) من حديث عائشة.

والكلام الفصل: البين الظاهر الفاصل بين الحق والباطل، قاله في "النهاية" (¬1)، ويحتمل أن يراد بالفصل: أنه يفصل بين كل كلمتين بسكتة لطيفة، ويدل على هذا ما رواه الترمذي عن أم سلمة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقطع القراءة، يقرأ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. ثم يقف، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}. ثم يقف (¬2). * * * ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" 3/ 451. (¬2) "سنن الترمذي" (2927)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (5000).

7 - باب في سرد الحديث

7 - باب في سَرْدِ الحَدِيث 3654 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الطُّوسيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ عُرْوَةَ قالَ: جَلَسَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِلَى جَنْبِ حُجْرَةِ عائِشَةَ رضي الله عنها وَهِيَ تُصَلّي فَجَعَلَ يَقُولُ: اسْمَعي يا رَبَّةَ الحُجْرَةِ، مَرَّتَيْنِ. فَلَمَّا قَضَتْ صَلَّاتَها قالَتْ: أَلا تَعْجَبُ إِلَى هذا وَحَدِيثِهِ إِنْ كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ليُحَدِّثُ الحَدِيثَ لَوْ شاءَ العادُّ أَنْ يُحْصِيَهُ أَحْصَاهُ (¬1). 3655 - حَدَّثَنَا سُلَيْمانُ بْنُ داوُدَ المَهْريُّ، أَخْبَرَنَا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ أَنَّ عائِشَةَ زَوْجَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَتْ: أَلا يُعْجِبُكَ أَبُو هُرَيْرَةَ جَاءَ فَجَلَسَ إِلَى جَانِبِ حُجْرَتي يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُسْمِعُنِي ذَلِكَ وَكُنْتُ أُسَبِّحُ فَقامَ قَبْلَ أَنْ أَقْضِيَ سُبْحَتي وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الحَدِيثَ مِثْلَ سَرْدِكُمْ (¬2). * * * باب في سرد الحديث [3645] (حَدَّثَنَا محمد بن منصور) بن داود أبو جعفر (الطوسي) نسبة إلى طوس، قرية من قرى بخارى، قال بحضرة جماعة من المحدثين والزهاد: صمت يومًا وقلت: لا آكل إلا حلالًا فمضى ولم أجد شيئًا، فواصلت اليوم الثاني والثالث والرابع، حتى إذا كان عند الفطر قلت: لأجعلن فطري الليلة عند من يزكي الله طعامه، فصرت إلى معروف الكرخي فسلمت وقعدت حتى صلى المغرب وخرج من كان ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3567)، ومسلم (2493) بعد حديث (3003). (¬2) رواه مسلم (2493)، وعلقه البخاري (3568).

معه في المسجد، فالتفت إلى وقال: يا طوسي، تحول إلى أخيك فتعش عنده. فقلت في نفسي: صمت أربعة وأفطر على ما لا أعلم. فسكت عني، ثم قال: تقدم إلى. فتحاملت وما لي تحامل من شدة الضعف، فأخذ كفي فأدخلها في كمه فأخذت من كمه سفرجلة معضوضة فأكلتها، فوجدت فيها طعم كل طعام طيب، واستغنيت بها عن الماء، وما أكلت منذ ذلك حلوا ولا غيره إلا أصبت فيه طعم تلك السفرجلة، [ثم أنشدكم بالله إن حدثتم بهذا وأنا حي (¬1). وسئل إذا أكلت وشبعت، ما شكر تلك النعمة؟ ] (¬2) قال: أن تصلي حتى لا يبقى في جوفك منه شيء (¬3). وثقه النسائي (¬4) وغيره، وأثنى عليه أحمد (¬5). (ثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عروة) بن الزبير -رضي الله عنه- (قال: جلس أبو هريرة -رضي الله عنه- إلى جنب حجرة) أي: بيت (عائشة رضي الله عنها وهي تصلي فجعل) أبو هريرة يحدث و (يقول: اسمعي يا ربة) بفتح الراء، أي: صاحبة (الحجرة) وهي البيت، يريد به عائشة، وكان ذلك ليسمعها ما يرويه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، إما ليذكرها بما تعرفه أو يفيدها ما لم تسمعه؛ فقد كان أبو هريرة يحضر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في مواطن لم تكن تحضرها عائشة، بل ¬

_ (¬1) رواها المزي في "التهذيب" 26/ 502. (¬2) ما بين المعقوفين ساقط من (م). (¬3) انظر: "سير أعلام النبلاء" 12/ 213. (¬4) روى ذلك عنه الخطيب في "تاريخه" 3/ 250. (¬5) انظر ترجمته في "جامع علوم الإمام أحمد" من تصنيفنا بدار الفلاح 19/ 62.

كان لأبي هريرة من ملازمة النبي - صلى الله عليه وسلم - ما لم يكن لغيره من الصحابة؛ لما اتفق له من الخصوصية التي أوجبت له الحفظ ما لم يتفق لغيره، فكان عنده من الحديث ما لم يكن عندها، لكن عائشة أنكرت عليه سرد الحديث كما سيأتي. (مرتين) يعني: إعادة "اسمعي يا ربة الحجرة، اسمعي يا ربة الحجرة" مرتين كما في مسلم (¬1)، فأعاد نداءها مرتين تقوية للكلام بإقرارها ذلك وسكوتها، ولم تنكر ذلك؛ لكونها كانت في الصلاة (فلما قضت صلاتها قالت: ) لعروة بن الزبير (ألا تعجب) لفظ مسلم: ألا تسمع (¬2) (إلى هذا وحديثه) لفظ مسلم: ومقالته آنفا (إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليحدث الحديث لو شاء العاد) بتشديد الدال، يعني: الذي يريد أن يعده لعده من قلته وترتيله وإعادته. فأنكرت على أبي هريرة الإكثار من الحديث في المجلس الواحد، ولذلك قالت عائشة: ما كان يسرد الحديث كسردكم (¬3)، إنما كان يحدث حديثًا لو شاء عده العاد وأراد (أن يحصيه) أي: يحصره ويضبطه بالعدد و (أحصاه) جميعه وأحاط بجملة كلماته أو حروفه؛ لمبالغته في الترسل والترتيل وبيان الحروف، بخلاف ما هو مشاهد في هذا الزمان كثيرًا. [3655] (حَدَّثَنَا سليمان بن داود المهري) بفتح الميم نسبة إلى مهرة ابن حيدان قبيلة من قضاعة (أنا) عبد الله (ابن وهب قال: أخبرني يونس ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2493). (¬2) "صحيح مسلم" (2493). (¬3) هذا اللفظ يأتي في الحديث الذي بعد هذا.

عن) محمد (ابن شهاب أن عروة) بن الزبير (حدثه أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: ألا) بتخفيف اللام معناها هنا والله أعلم: التوبيخ والإنكار، كقول الشاعر: أَلا ارْعِوَاءَ لَمنْ وَلَّتْ شَبِيبَتُهُ ... وآذَنَتْ بِمَشيبٍ بَعْدَهُ هَرَمُ (¬1) أي: ألا رجوع إلى الأعمال الصالحة والإقبال على الله تعالى لمن ذهب شبابه وأقبل هرمه، والأظهر أن تكون للعرض والتحضيض على التعجب من أبي هريرة، كقوله: {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} (¬2) وتختص هذِه بالجملة الفعلية (يعجبك أبو هريرة جاء فجلس إلى جانب) لفظ البخاري: جنب (¬3) (حجرتي) يحدث أي: يكثر الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ويسمعني ذلك) بقوله (اسمعي يا ربة الحجرة) وكنت أسبح. أي: أصلي صلاة نفل. (فقام قبل أن أقضي سبحتي، ولو أدركته لرددت عليه) كثرة حديثه، ثم ذكرت دليلها في الرد عليه (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يسرد الحديث) أي: يتابع بعضه بعضًا بسرعة ويستعجل فيه، ومنه: أنه كان يسرد الصوم سردًا (¬4). أي: يواليه ويتابع بعضه بعضًا، وقيل لأعرابي: أتعرف الأشهر الحرم؟ فقال: ثلاثة سرد وواحد فرد. (سردكم) ظاهره أي: ¬

_ (¬1) هذا البيت ساقط من (م). (¬2) التوبة: 13. (¬3) "صحيح البخاري" (3568) وفيه: جانب. لا خلاف فيها عند أحد من الرواة كما في اليونينية، إنما اللفظ الذي ذكره المصنف في "صحيح مسلم" (2493). (¬4) أورده ابن الأثير في "النهاية" 2/ 358.

مثل سردكم الحديث. وظاهره أن الصحابة كانوا أيضًا يسردون الحديث، وأن أبا هريرة منهم. قال القرطبي: أنكرت عائشة سرد الحديث والإكثار منه، وقد سلك هذا المسلك كثير من السلف، فكانوا لا يزيدون على عشرة أحاديث ليست بطوال في المجلس الواحد، وقد كره الإكثار من الأحاديث كثير من السلف مخافة ما يكون في الإكثار من آلافات. روي عن عمر أنه قال: أقلوا الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنا شريككم (¬1). وكان مالك يقول: وأنا أقل الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقد عاب كثير من الصحابة على أبي هريرة الإكثار من الحديث حتى احتاج إلى الاعتذار عن ذلك والإخبار بموجب ذلك حين (¬2) قال: إن ناسًا يقولون: أكثر أبو هريرة، ولولا آية في كتاب الله ما حدثت حديثًا .. ثم قال: إن إخواننا من الأنصار .. الحديث (¬3). ودخل مالك على ابني أخيه أبي بكر وإسماعيل ابني أبي أويس وهما يكتبان الحديث، فقال لهما: إن أردتما أن ينفعكما الله بهذا الأمر فأقلا منه، وتفقها. ولقد جاء عن شعبة أنه قال لكتبة الحديث: إن هذا الحديث يصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة، فهل أنتم منتهون (¬4)؟ وقال القرطبي: ويظهر من قول شعبة أنه قصد تحذير من غلبت عليه ¬

_ (¬1) رواه الطحاوي في "مشكل الآثار" 15/ 317. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) انظر: "صحيح البخاري" (118). (¬4) انظر: "المفهم" 6/ 710.

شهوة الحديث، وكتابته وروايته حتى يحمله ذلك على التفريط في متأكد المندوبات من الصلوات والأذكار والدعوات؛ حرصًا على الإكثار، وقضاء الشهوات والأوطار، وهذِه وصايا السلف وسنن أئمة الخلف، قد نبذها أهل هذا الزمان، فترى الواحد منهم كحاطب ليل، وجالب رجل وخيل، فيأخذ عمن أقبل وأدبر من العوام وممن لم يسعد بشيء من هذا الشأن، غير أنه قد وجد اسمه في طبقة السماع على فلان، أو أجاز له فلان، وإن كان في ذلك الوقت في سن من لا يعقل من الصبيان، ويسمون مثل ذلك بالسند العالي، وإن كان باتفاق السلف والخلف من أهل العلم أنه في أسفل سفال، وكل ذلك قصد الاشتهار، ولأن يقال: انفرد فلان بعالي الروايات والآثار. ومن ظهر منه أنه على تلك الحال فالأخذ عنه حرام وضلال، بل الذي يجب الأخذ منه من اشتهر بالعلم والإصابة والصدق والصيانة، ممن قيد كتب الحديث المشهورة والأمهات المذكورة التي مدار الأحاديث عليها ورجوع أهل الإسلام إليها (¬1)، فيعارض كتابه بكتابه، ويقيد منه ما قيده، ويهمل ما أهمله، فإن ذلك الكتاب ممن شرط مصنفه الصحة كمسلم والبخاري، أو ميز بين الصحيح وغيره كالترمذي، وجب التفقه في ذلك والعمل به. وإن لم يكن كذلك وجب التوقف إلى أن يعلم بحال أولئك الرواة إن كانت له أهلية البحث في الرجال، وإما بتقليد من له أهلية ذلك، فإذا ¬

_ (¬1) ساقطة من (م).

حصل ذلك وجب التفقه والعمل، وهو مقصود الأول وعليه المعول، ومن علامات عدم التوفيق البقاء في الطريق من غير وصول إلى التحقيق، انتهى (¬1). قلت: وكتاب أبي داود هذا ملحق بالترمذي؛ فإنه قد بين فيه الضعيف، فما سكت عنه فهو صالح، كذا قال، والصالح قد يكون صحيحًا وقد يكون حسنًا، بل يقال: إن ما سكت عنه ملحق بـ "صحيح البخاري" و"مسلم" في العمل به، فإن الحسن ملحق بأقسام الصحيح في الاحتجاج به، وإن لم يكن دونه في الرتبة، قال ابن الصلاح: ومن أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن ويجعله مندرجًا (¬2) في أنواع الصحيح؛ لاندراجه في أنواع ما يحتج به. قال: وهو الظاهر من كلام الحاكم من تصرفاته، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) "المفهم" 6/ 710 - 711. (¬2) في (ل)، (م): مازحًا. والمثبت من "مقدمة ابن الصلاح" (ص 20).

8 - باب التوقي في الفتيا

8 - باب التَّوَقِّي في الفُتْيا 3656 - حَدَّثَنَا إِبْراهِيمُ بْن مُوسَى الرَّازيُّ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ الأوزاعيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الصُّنابِحيِّ عَنْ مُعاوِيَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الغَلُوطاتِ (¬1). 3657 - حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ -يَعْني: ابن أَبي أَيُّوبَ- عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسارٍ أَبي عُثْمانَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَفْتَى". ح، وَحَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ داوُدَ، أَخْبَرَنَا ابن وَهْبٍ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبي نُعَيْمَةَ، عَنْ أَبي عُثْمانَ الطُّنْبُذيِّ - رَضِيعِ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ مَرْوانَ - قالَ: سَمِعْنَا أَبا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أُفْتِيَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كانَ إِثْمُهُ عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ". زادَ سُلَيْمانُ المَهْريّ في حَدِيثِهِ: "وَمَنْ أَشارَ عَلَى أَخِيهِ بِأَمْرٍ يَعْلَمُ أَنَّ الرُّشْدَ فِي غَيْرِهِ فَقَدْ خانَهُ". وهذا لَفْظُ سُلَيْمانَ (¬2). * * * باب التوقي في الفتيا [3656] (حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي) شيخ البخاري (حَدَّثَنَا عيسى) بن يونس بن أبي إسحاق، كان يحج سنة ويغزو سنة (عن) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي عن [عبد الله بن سعد) الدمشقي، من ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 435، والطبراني في "المعجم الكبير" 19/ 380 (892). وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (6035). (¬2) رواه ابن ماجة (53)، وأحمد 2/ 321، 365، والبخاري في "الأدب المفرد" (259)، والدارمي (161)، والحاكم 1/ 103. وحسنه الألباني في "المشكاة" (242).

التابعين، مجهول، لم يرو عنه سوى الأوزاعي، قال دحيم: لا أعرفه. (عن)، (¬1) عبد الرحمن بن عسيلة (الصنابحي) بضم الصاد، نسبة إلى صنابح بن زاهر قبيلة من مراد، قال ابن دريد: إن كانت النون زائدة فهو مشتق من الصبح وهو الضوء (¬2) (عن معاوية) بن أبي سفيان رضي الله عنهما (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الغلوطات) بفتح الغين جمع غلوطة، للمسألة التي يغلط فيها، كما يقال: ناقة حلوب وفرس ركوب، فإذا جعلها اسما ردت فيها الهاء فقلت: غلوطة. كما يقال: حلوبة، وفي رواية: الأغلوطات. [بضم الهمزة، جمع أغلوطة، أفعولة من الغلط كالأحدوثة والأعجوبة، قال الهروي: الغلوطات] (¬3) تركت منها الهمزة كما تقول: جاء الأحمر، جاء الحمر. بطرح الهمزة، وقد غلط من قال: إنها جمع غلوطة (¬4). والمراد النهي عن المسائل الصعبة التي تلقى على العلماء ليستزلوا ويغلطوا فيها وتستسقط آراؤهم فيها، وإنما نهى عنها؛ لأنها غير نافعة في الدين ولا تكاد تكون إلا فيما لا يقع إلا نادرًا، ومثله قول ابن مسعود: أنذركم صعاب المنطق (¬5). يريد المسائل الدقيقة الغامضة لا المنطق الذي يقال: إنه ميراث الأفهام. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) "الاشتقاق" (ص 415). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) "الغريبين" 4/ 1382. (¬5) انظر: "شرح السنة" 1/ 308، و"النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/ 378.

ويدخل في النهي من المسائل ما لا يدركه إلا بالتوقيف عليه ولا يدرك بالتأمل والفكر، فإن هذا إتعاب للأنفس وضياع في الأزمنة، فإن المسائل التي تدرك غالبًا بغزارة العلم وجودة القريحة مثل قولنا: مال يضمن كله ولا يضمن جزؤه، ومال يضمن جزؤه ولا يضمن كله. فهذا كثير الفوائد، ويدلى على جواز مثل هذا حديث ابن عمر في الصحيحين: "إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المؤمن، حدثوني ما هي؟ " (¬1). [3657] (حَدَّثَنَا الحسن بن علي) الخلال شيخ الشيخين أو الواسطي (¬2)، وهو صدوق (حَدَّثَنَا أبو عبد الرحمن) (¬3) عبد الله بن يزيد (المقرئ، ثنا سعيد (¬4) بن أبي أيوب) المصري (عن بكر بن عمرو) المعافري المصري إمام جامعها، عابد قدوة، أخرج له الشيخان (عن مسلم بن يسار) المصري (أبي عثمان) أخرج له البخاري في كتاب "الأدب"، وذكره ابن حبان في "الثقات" (¬5) الطنبذي بضم الطاء المهملة وسكون النون نسبة إلى طنبذا قرية من قرى مصر من أعمال البهنسا، قال ابن السمعاني (¬6): رضيع عبد الملك بن مروان، روى له مسلم بن ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (61)، "صحيح مسلم" (2811). (¬2) كذا قال المصنف على الشك، وإنما هو الخلال جزمًا كما في ترجمة شيخه أبي عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ، من "التهذيب" 16/ 320. (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) فوقها في (ل): (ع). (¬5) "الثقات" 5/ 390. (¬6) في (ل)، (م): النعماني.

الحجاج في "صحيحه" حديثًا واحدًا في صدر كتابه (¬1). كذا قال: (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أفتى) بفتح الهمزة والتاء، وفي بعض النسخ المعتمدة من ابن ماجة (¬2) بضم الهمزة وكسر التاء، مبني لما لم يسم فاعله، وعلى هذا فالمعنى: من استفتى أحدًا من المفتين فأفتاه (بغير علم) عنده من الكتاب والسنة ونظر في استدلال، بل استحيا أن يقول: لا أدري. حرصًا على رئاسته. ورواية ابن ماجة: "بغير ثبت" أي: تثبت في فتواه ومراجعه (كان إثمه) ولابن ماجة: "فإنما إثمه" (على من أفتاه) بغير الصواب، لا على المستفتي المقلد، ويحتمل أن الإثم على من أذن له في الفتوى، ويدل على أن ابن ماجة ذكر هذا الحديث عقب حديث: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، فإذا لم يبق عالم" [وفي رواية: "إذا لم يُبق عالمًا"] (¬3) "اتخذ الناس رؤوسًا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا" (¬4) وهذا لفظ روايته. وأما المعنى على الرواية الأولى بفتح الهمزة والتاء فيحتمل أن يقال: معناه: من أفتى الناس بغير علم كان إثمه على من أذن له في الفتوى، ورخص له في ذلك. ومعنى (إثمه على من أفتاه) أي: أجازه ¬

_ (¬1) "الأنساب" 9/ 86 - 87. (¬2) "سنن ابن ماجة" (53). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) "سنن ابن ماجة" (52).

بالإفتاء، وهذا مما ورد في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الإثم (¬1) ما حاك في صدرك وإن أفتاك الناس وأفتوك" (¬2). قال في "النهاية": معناه وإن جعلوا لك رخصة فيه وجوازا (¬3). فلا يلتبس بما حاك في نفسك أنه إثم؛ فإن الله هو الذي أجراه. قال المصنف (وحَدَّثَنَا سليمان بن داود) بن حماد أبو الربيع المهري، قال النسائي: ثقة (¬4). (حَدَّثَنَا) عبد الله (ابن وهب قال: حدثني يحيى (¬5) بن أيوب) الغافقي المصري (عن بكر بن عمرو، عن عمرو بن أبي نعيمة) بضم النون المعافري ([عن أبي عثمان] (¬6) الطنبذي) بضم الطاء المهملة كما تقدم في سند هذا الحديث عن ابن السمعاني، وأنه (رضيع عبد الملك بن مروان) أحد الخلفاء (قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أفتى بغير علم كان إثمه على من أفتاه) كما تقدم. ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) صدره رواه مسلم (2553) من حديث النواس بن سمعان، ورواه بتمامه أحمد في "المسند" 4/ 228، والدارمي في "سننه" 3/ 1649 (2575) وأبو يعلى 3/ 160 (1586) والطبراني 16/ 21 (17858) من حديث وابصة بن معبد. قال الهيثمي في "المجمع" 1/ 175: رواه أحمد وأبو يعلى، وفيه أيوب بن عبد الله ابن مكرز، قال ابن عدي: لا يتابع على حديثه، ووثقه ابن حبان. (¬3) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/ 411. (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 11/ 410. (¬5) فوقها في (ل): (ع). (¬6) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل)، (م)، والمثبت من "سنن أبي داود".

(زاد سليمان) بن داود (المهري) بفتح الميم وسكون الهاء، نسبة إلى مهرة بن حيدان قبيلة من قضاعة كما تقدم (في حديثه: ومن أشار على أخيه) المسلم الذي استشاره واستنصحه (بأمر يعلم أن الرشد في غيره) أو يغلب على ظنه أنه الصواب، ويدخل في إطلاق الحديث من استشاره بغير الرشد، ومن أشار عليه ابتداء دون استشارة بغير الرشد (فقد خانه) في الانتقاص من حقه، فإن حق الأخوة النصح، ففي "صحيح مسلم": "حق المسلم على المسلم ستة" وفيها: "إذا استنصحك فانصح له" (¬1) فالنصح واجب لظاهر هذا الأمر ولغيره. (وهذا) الشطر الأخير (لفظ سليمان) بن داود المهري دون الحسن بن علي. * * * ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2162/ 5) من حديث أبي هريرة.

9 - باب كراهية منع العلم

9 - باب كَراهِيَةِ مَنْعِ العِلْمِ 3658 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ، أَخْبَرَنَا عَليُّ بْن الحَكَم، عَنْ عَطَاءٌ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ سُئِلَ، عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللهُ بِلِجامٍ مِنْ نارٍ يَوْمَ القِيامَةِ" (¬1). * * * باب كراهية منع العلم [3658] (حَدَّثَنَا موسى بن إسماعيل، حَدَّثَنَا حماد) بن سلمة (أنا علي ابن الحكم) البناني، أخرج له البخاري في الإجارة (عن عطاء) بن أبي رباح (عن أبي هريرة لجنه: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من سئل عن علم) يعلمه (فكتمه) وله في (¬2) رواية أخرى مبينة للعلم من رواية أبي سعيد الخدري بلفظ: "من كتم علما مما ينفع الله به في أمر الناس في الدين" (¬3). وله من رواية أخرى: "ما من رجل يحفظ علمًا فيكتمه إلا أتى يوم القيامة ملجمًا بلجام من نار" (¬4) ولابن ماجة أيضًا من رواية ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2649)، وابن ماجة (261)، (266)، وأحمد 2/ 263، 305، 344، 495، 499، 508، وابن حبان (95). وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (6284). (¬2) ساقطة من (م). (¬3) رواه ابن ماجة (265)، وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة" 1/ 40: هذا إسناد ضعيف فيه محمد بن داب كذبه أبو زرعة"علل الحديث " لابن أبي حاتم 4/ 132، وغيره، ونسب إلى وضع الحديث. وقال الألباني في "ضعيف ابن ماجة" (56): ضعيف جدًّا. (¬4) رواه ابن ماجة (261) من حديث أبي هريرة.

جابر: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا لعن آخر هذِه الأمة أولها فمن كتم حديثًا فقد كتم ما أنزل الله" (¬1) وفيه انقطاع. وحمله سحنون المالكي على كتمان الشهادة التي يحملها، قال ابن العربي: والصحيح خلافه؛ لأن لفظ الحديث: "من سئل عن علم" ولم يقل: عن شهادة. والعمل على بقاء الحديث على ظاهره حتى يأتي مخصص له كما سيأتي، فما كان من العلوم غير نافع في الدين جاز كتمه، لا سيما إن كان مع ذلك خوف، فإن ذلك آكد في الكتمان، فقد كتم أبو هريرة راوي الحديث حين خاف فقال: حفظت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعاءين، فأما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم. أخرجه البخاري (¬2). قال العلماء: وهذا الذي لم يبثثه وخاف على نفسه فيه الفتنة أو القتل إنما هو فيما يتعلق بأمر الفتن، والنص على أعيان المرتدين والمنافقين، ونحو ذلك. وقد استدل بهذا الحديث والآية التي قال أبو هريرة عنها: لولا آية في كتاب الله ما حدثتكم. وهي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} (¬3) على وجوب تبليغ العلم وإظهاره للانتفاع به، ودل ¬

_ = وحسنه الألباني في "صحيح ابن ماجة" (210). (¬1) رواه ابن ماجة (263)، قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" 1/ 39: هذا إسناد فيه الحسين بن أبي السري كذاب، وعبد الله بن السري ضعيف، وذكر المزي في "الأطراف" 2/ 368 أن عبد الله بن السري لم يدرك محمد بن زكريا عن عنبسة بن عبد الرحمن عن محمد بن زاذان عن محمد بن المنكدر. (¬2) "صحيح البخاري" (120). (¬3) البقرة: 159.

الحديث بتخصيصه على أن ما لا ينتفع به في الدين لا يجب إظهاره ولا تعليمه، فلا يجوز تعليم الكافر القرآن والعلم حتى يسلم، وكذلك لا يجوز تعليم المبتدع الجدال والحجاج ليجادل به أهل الحق، ولا يعلم الخصم على خصمه حجة يقتطع بها ماله، ولا يعلم المفتي المستفتي حيلًا يتوصل بها إلى أكل مال غرمائه بالباطل، ولا يعلم السلطان تأويلًا يتطرق به على مكاره الرعية، ولا تنشر الرخص عند السفهاء؛ فيجعلوا ذلك طريقًا إلى ارتكاب المحذورات وترك الواجبات؛ لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تعلقوا الدر في أعناق الخنازير" (¬1). وروى ابن ماجة عن أنس: "واضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر واللؤلؤ" (¬2). يريد تعليم الفقه لمن ليس من أهله. (ألجمه الله تعالى بلجام من نار يوم القيامة) في هذا بيان تعظيم تحريم كتمان العلم المحتاج إليه، فإن التحريم يزيد بزيادة الاحتياج، كمن يرى ¬

_ (¬1) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 43/ 141، وابن الجوزي في "الموضوعات" 1/ 232 من حديث أنس. قال ابن الجوزي: قال الدارقطني: تفرد به يحيى بن عقبة. قال المصنف: قلت: وهو المتهم به، قال يحيى بن معين: ليس بشيء، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات، لا يجوز الاحتجاج به بحال. (¬2) رواه ابن ماجة (224). قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" 1/ 30: هذا إسناد ضعيف؛ لضعف حفص ابن سليمان البزاز. وضعفه الألباني جدًّا في "ضعيف الجامع" (3626). وقال في "ضعيف ابن ماجة" (42): صحيح دون قوله: "وواضع العلم ... " إلخ، فإنه ضعيف جدًّا.

رجلًا حديث عهد بالإسلام ولا يحسن الصلاة وقد حضر وقتها فيقول: علمني أصلي. ومقتضى هذا الحديث أن الكاتم للعلم يفعل به ما فعل بالناس في الدنيا، فكما ألجم نفسه في الدنيا بلجام السكوت يلجمه الله يوم القيامة بلجام من نار؛ ليظهر للناس في الآخرة كتمه للعلم الذي تفضل الله عليه به في الدنيا فكتمه عن خلقه، فيجمع له يوم القيامة بين العقوبة بلجام النار ومذمة الناس له في الموقف وشهرته بذلك. كما أن من أظهر العلم ونشره للناس ورفع بعضهم به في الدنيا بتعليمه يرفعه الله تعالى يوم القيامة على منابر من نور؛ ليظهروا للناس ويقصدوهم بالشفاعة؛ فإنهم يشفعون بعد الأنبياء، جعلنا الله تعالى منهم. * * *

10 - باب فضل نشر العلم

10 - باب فَضْلِ نَشْرِ العِلْمِ 3659 - حَدَّثَنَا زهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمانُ بْن أَبِي شَيْبَةَ قَالَا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "تَسْمَعُونَ وَيُسْمَعُ مِنْكُمْ وَيُسْمَعُ مِمَّنْ سَمِعَ مِنْكُمْ" (¬1). 3660 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْن سُلَيْمانَ - مِنْ وَلَدِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُول: "نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ فَرُبَّ حامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ وَرُبَّ حامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ" (¬2). 3661 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْن أَبي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلٍ -يَعْني: ابن سَعْدٍ - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "والله لأَنْ يُهْدى بِهُدَاكَ رَجْلٌ واحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ" (¬3). * * * باب فضل نشر العلم [3659] (حَدَّثَنَا زهير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة قالا: حَدَّثَنَا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي. (عن الأعمش، عن عبد الله بن عبد الله) الرازي قاضي الري، وثقه ابن ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 321، والبزار (5054)، وابن حبان (62)، والحاكم 1/ 95. وصححه الألباني في "الصحيحة" (1784). (¬2) رواه الترمذي (2656)، وابن ماجة (230)، وأحمد 5/ 183، والدارمي (235)، والنسائي في "الكبرى" (5847). وصححه الألباني في "الصحيحة" (404). (¬3) رواه البخاري (2942)، ومسلم (2406).

حنبل (¬1) وغيره (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: تسمعون) بفتح التاء وسكون السين (ويسمع) بضم أوله وفتح ثالثه مبني للمجهول (منكم) يشبه أن يكون خبرًا في معنى الأمر، أي: لتسمعوا مني الحديث وتبلغوه عني، وليسمعه من بعدي منكم، وهذا نحو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "تصدق رجل بديناره ودرهمه" (¬2) أي: ليتصدق، جمع عليه ثيابه (¬3). أي: ليجمع. وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في دعاء المسافر إذا أسحر (¬4): "سمع سامع" (¬5) أي: ليسمع سامع وليبلغ، ويجوز أن يقرأ (تسمِّعون) بتشديد الميم أي: تبلغون ما سمعتم مني، كما روي في "سمع سامع" أن (سمَّع) بفتح السين، والميم المشددة. قال القاضي: معناه: بلغ مني من سمع قولي (¬6). وكلا الحديثين فيهما دليل على نشر العلم وإظهاره وتبليغه لمن لم يسمعه ولا علمه (ويُسمَع) بضم أوله، وفتح ثالثه مخففا مبني للمجهول (ممن يسمع) بفتح أوله، وسكون ثانيه أي: ويسمع الغير من الذي يسمع منكم حديثي، وكذا من بعدهم يسمع منهم، وهلم جرا؛ ليشتهر العلم ويظهر لمن يسمعه ويعمل به، ومن هذا المعنى: "ليبلغ الشاهد منكم الغائب" (¬7) والحديث الذي ¬

_ (¬1) انظر: "مسائل صالح" (1349)، "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 17/ 523. (¬2) رواه مسلم (1017) من حديث جرير بن عبد الله. (¬3) رواه البخاري (365) عن عمر. (¬4) ساقطة من (م). (¬5) سيأتي برقم (5086) من حديث أبي هريرة. (¬6) "إكمال المعلم" 8/ 214. (¬7) رواه البخاري (67)، ومسلم (1679/ 30) من حديث أبي بكرة.

يأتي بعده، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. [3660] (حَدَّثَنَا مسدد، حَدَّثَنَا يحيى) بن سعيد القطان (عن شعبة قال: حدثني عمر بن سليمان) العدوي (من ولد عمر بن الخطاب) وثقه ابن معين (¬1)، روى له الأربعة (عن عبد الرحمن بن أبان) غير منصرف وهو: ابن عبد الرحمن (¬2) الأموي، وثقه النسائي (¬3)، حكى الواقدي عن [محمد بن موسى بن محمد] (¬4) قال: ما رأيت أجمع للدين والشرف منه (¬5). (عن أبان) بن عثمان بن عفان (عن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: نضر الله) بتشديد الضاد وتخفيفها. قال الخطابي: أجودهما التخفيف (¬6). يقال: نضَره ونضَّره وأنضره ثلاث لغات، ومعناه الدعاء له بنضارة الوجه، وهي النعمة والبهجة والحسن والبريق. والمراد هنا: ألبسه الله حسن الخلقة وخلوص اللون والبهجة، فيكون تقديره: جَمَّله الله وذريته. وقيل: أوصله الله إلى نضرة الجَنَّة، وهو نعيمها ونضارتها، قال الله تعالى: {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ¬

_ (¬1) انظر "الجرح والتعديل" 6/ 112. (¬2) كذا في الأصول: عبد الرحمن، وهو خطأ، والصواب: ابن عثمان بن عفان، انظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 16/ 492. (¬3) "تهذيب الكمال" 6/ 119. (¬4) ما بين المعقوفتين في (م): محمد بن موسى. وصوابه موسى بن محمد بن إبراهيم، انظر: "الطبقات الكبرى" (ص 208)، "تهذيب الكمال" 16/ 492، ويؤيده ما في "سير أعلام النبلاء" 5/ 10 حيث قال: موسى التيمي. (¬5) رواه عنه ابن سعد في "الطبقات" الجزء المتمم (ص 208). (¬6) "معالم السنن" 4/ 172.

النَّعِيمِ} (¬1) وقيل: ليس هذا من الحسن، إنما معناه: حسن الله وجهه في الناس. أي: رفع جاهه وقدره؛ ولهذا من كانت هذِه صفته من المحدثين إلا كان عليه النضرة والبهجة كما أخبر - صلى الله عليه وسلم - ببركة دعائه. (امرأ سمع منا حديثا فحفظه) بكسر الفاء، ولابن ماجة وأحمد: "نضر الله عبدا سمع مقالتي فحفظها ووعاها" (¬2) وفيه اعتناء الطالب بحفظ ما سمعه، فإن نتيجة العلم الحفظ ليبلغ ويعمل. (حتى يبلغه) "من لم يسمعه" كما في رواية (¬3)، وفيه فضيلة تبليغ الحديث والآثار إلى من لم يسمعها، ونسخها في معنى التبليغ، فرب حامل فقه بالحفظ ويدخل فيه حمل كتبه إلى من هو أفقه منه، فيه أن الفقيه لا يستنكف أن يأخذ الفقه ممن هو دونه، بل يكون حريصا على تحصيل الفائدة حيث كانت؛ فقد كان جماعة من السلف يستفيدون من طلبتهم ما ليس عندهم، قال الحميدي وهو تلميذ الشافعي: صحبت الشافعي من مكة إلى مصر فكنت أستفيد منه المسائل، ويستفيد مني الحديث (¬4). (فرب حامل فقه) وهو (ليس بفقيه) هذا قد وجد في زماننا، وكثير في ¬

_ (¬1) المطففين: 24. (¬2) "سنن ابن ماجة" (230)، من حديث زيد بن ثابت "مسند أحمد" 4/ 80 من حديث جبير بن مطعم. (¬3) رواها أحمد 4/ 80، وأبو يعلى 13/ 335 (7413)، والطبراني 2/ 126 (1541) من حديث جبير بن مطعم. (¬4) انظر: "تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم" (ص 29).

طلبة العلم؛ لأجل العلو (¬1) في الوظائف من الخير وغيره، فيقرؤون كتب الفقه ويحملونه بالحفظ والعرض في أوقات العراضة، فترى الطالب يقرأ كتاب الفقه يحفظ ألفاظه، وإذا سئل عن مسألة يقول: في أي باب حتى أقول لك الباب؟ ! فيقتصرون على الحفظ دون أن يتصوروا مسائله، ولا يعرفون أدلته، فربما استفتي الفقيه عن نسخة يكشف منها، فهو حامل للفقه وليس بفقيه. وهذا علم من أعلام النبوة في إخباره عن المغيبات قبل وقوعها، فنحن في زمان كثير حفاظه قليل فقهاؤه. [3661] (حَدَّثَنَا سعيد بن منصور) بن شعبة الخراساني، ويقال: الطالقاني (حَدَّثَنَا عبد العزيز بن أبي حازم) الأسلمي (عن أبيه) أبي حازم سلمة بن دينار الأعرج المدني الزاهد، ومن كلامه: يسير الدنيا يشغل عن كثير الآخرة (عن) راويه (سهل بن سعد) الساعدي -رضي الله عنه- (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) أنه (قال) لعلي بن أبي طالب حين أعطاه [الراية] (¬2) يوم وقعة خيبر (والله لأن) بفتح اللام (¬3) التي هي جواب القسم، وفتح همزة (أن) المصدرية الناصبة للمضارع (يهدى) بضم أوله، وفتح ثالثه مبني للمفعول، ولفظ البخاري: "فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا" (¬4) (بهداك) أي: لأن ينتفع بك رجل واحد بشيء من أمور ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): العلوم، والمثبت هو الأنسب للسياق. (¬2) ليست في النسخ، وأثبتناها ليستقيم السياق. (¬3) في (ل)، (م): الهمزة، والجادة ما أثبتناه. (¬4) "صحيح البخاري" (3009).

الدين بما يسمعه منك أو يراك عملته، فيقتدي بك فيه، ويعمل به (خير لك من حمر) بسكون الميم جمع أحمر (النعم) وبوب عليه البخاري: باب فضل من أسلم على يديه رجل. قال ابن الأنباري: حمر النعم: كرامها وأعلاها منزلة (¬1). وعن الأصمعي: بعير أحمر إذا لم يخالط حمرته شيء، فإن خالطت حمرته فهو كميت، والإبل الحمر هي أحسن أموال العرب، يضربون بها المثل في نفاسة الشيء، وليس عندهم شيء أعظم منه. وتشبيه أمور الآخرة بأعراض الدنيا إنما هو للتقريب إلى الأفهام، وإلا فذرة من الآخرة لا تعادلها الدنيا، وجميع ما فيها لا يعادل تلك الذرة، ولو كان مع الدنيا أمثال أمثالها. ¬

_ (¬1) "الزاهر في معاني كلمات الناس" 2/ 280.

11 - باب الحديث عن بني إسرائيل

11 - باب الحَدِيثِ عَنْ بَني إِسْرائِيلَ 3662 - حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا عَليُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "حَدِّثُوا عَنْ بَني إِسْرائِيلَ وَلا حَرَجَ" (¬1). 3663 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنا مُعاذٌ، حَدَّثَني أَبي، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَبي حَسّانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: كانَ نَبيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُحَدِّثُنا عَنْ بَني إِسْرائِيلَ حَتَّى يُصْبِحَ ما يَقُومُ إِلَّا إِلَى عُظْمِ صَلاةٍ (¬2). * * * باب الحديث عن بني إسرائيل [3662] (حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، حدثنا علي (¬3) بن مسهر) الكوفي (عن محمَّد بن عمرو) بن علقمة بن أبي وقاص (¬4)، روى له البخاري مقرونا بغيره، ومسلم في المتابعات (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن. (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: حدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج) الحرج: الضيق، ويقع على الإثم والحرام، وقيل: الحرج: أضيق الضيق، والأمر في (حدثوا) أمر إباحة، إذ لا وجوب ولا ندب فيه بالإجماع (¬5) أي: إذا بلغكم حديث عنهم فلا حرج في أدائه. ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 474، 502، 3/ 12، والبزار (8763)، وابن حبَّان (6254). وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3131). (¬2) رواه أحمد 4/ 437، وابن خزيمة (1342). وصححه الألباني في "الصحيحة" (3025). (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) كذا، والصواب: ابن وقاص. (¬5) ساقطة من (م).

قال الشافعي: معنى حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج) أي: لا بأس ولا إثم أن تحدثوا عنهم ما سمعتم، وإن استحال أن يكون في هذِه الأمة مثل ما روي أن ثيابهم كانت تطول، وأن النار كانت تنزل من السماء لتأكل القربان وغير ذلك، لا أن يحدث عنهم بالكذب، ويدل على صحة قول الشافعي ما جاء في بعض رواياته عقيب الحديث: "فإن فيهم العجائب" (¬1). وقال المزني: معناه أن الحديث عنهم إذا حدثت به - كما سمعته - حقًّا كان أو باطلا لم يكن عليك إثم ولا حرج؛ لوقوع الفترة وطولها، بخلاف الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنَّه إنما يكون الحديث به بعد العلم بصحة روايته وعدالة رواته الثقات (¬2). وقيل: معناه أن الحديث عنهم ليس على الوجوب؛ لأنَّ قوله - صلى الله عليه وسلم - في أول الحديث الذي رواه البخاري في باب ما ذكر عن بني إسرائيل، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "بلغوا عني ولو آية" (¬3) هو على الوجوب. أي: بلغوا عني من القرآن ولو آية، هذا مع تكفل الله بحفظه، فتبليغ الحديث بطريق أولى، ثمَّ قال في حديث البخاري: "حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" أي: لا حرج عليكم إن لم تحدثوا عنهم بشيء. ¬

_ (¬1) رواه البزار كما في "كشف الأستار" 1/ 108 (192) من حديث جابر. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 1/ 191: رواه البزار عن شيخه جعفر بن محمَّد ابن أبي وكيع عن أبيه، ولم أعرفهما، وبقية رجاله ثقات. (¬2) انظر: "النهاية" في غريب الحديث والأثر" 1/ 361. (¬3) "صحيح البخاري" (3461).

قال ابن حبَّان في "صحيحه" في قوله في حديث البخاري: "بلغوا عني ولو آية" دليل على أن السنن يقال لها: آي (¬1). وفيه نظر، إذ لا ينحصر التبليغ عنه في السنن، بل القرآن كذلك كما سبق، وقيل: المراد بالآية العلامة الظاهرة. أي: وإن كان التبليغ بعلامة إشارة ونحوها. [3663] (حدثنا محمَّد بن المثنى، حدثنا معاذ) (¬2) بن هشام الدستوائي البصري (قال: حدثني أبي) (¬3) هشام بن أبي عبد الله الدستوائي (عن قتادة، عن أبي حسان) مسلم بن عبد الله، استشهد به البخاري تعليقا. (عن عبد الله ابن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-) قال: (كان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - يحدثنا عن بني إسرائيل) تحديثا من الليل (حتى يصبح) أي: حتى يقرب من الصبح (ما يقوم) فيها من حديثه عنهم (إلا إلى عظم) بضم العين المهملة (صلاة). قال في "النهاية": عظم الشيء: أكبره ومعظمه، كأنه أراد: لا يقوم إلا إلى الصلاة المفروضة، ومنه الحديث: فأسندوا عظم ذلك إلى ابن الدخشم (¬4). أي: معظمه، ويقرب من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بني إسرائيل أكثر الليل ما يقع في هذا من الجلوس في قراءة الدلهمة والبطال وعنترة ونحو ذلك؛ فإنهم أيضًا كانوا في الفترة، فلا حرج في الكلام عنهم، حقا كان أو باطلا، فإنَّه لا إثم فيه. ¬

_ (¬1) "صحيح ابن حبَّان" 14/ 179. (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/ 260. والحديث رواه أحمد 3/ 135 من حديث أنس.

12 - باب في طلب العلم لغير الله تعالى

12 - باب في طَلَبِ العِلْمِ لِغَيْرِ اللهِ تَعالى 3664 - حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمانِ، حَدَّثَنا فُلَيْحٌ، عَنْ أَبي طُوالَةَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرٍ الأَنْصاريِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسارٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللهِ - عز وجل - لا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الجَنَّةِ يَوْمَ القِيامَةِ". يَعْني رِيحَها (¬1). * * * باب طلب العلم لغير الله [3664] (حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، حدثنا سريج) بضم السين المهملة، آخره جيم (ابن النعمان) البغدادي الجوهري اللؤلؤي، أخرج له البخاري في عمرة القضاء (حدثنا فليح) (¬2) بن سليمان العدوي، مولاهم المدني. (عن أبي طوالة) بضم الطاء المهملة، وتخفيف الواو (عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الأنصاري) النجاري قاضي المدينة (عن سعيد بن يسار) بالتحتانية والمهملة أبو الحباب المدني، مولى ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -. (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من تعلم علمًا مما يبتغى) بضم أوله، وفتح المعجمة (به) أي: يطلب به (وجه) أي: رضا ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (252)، وأحمد 2/ 338، وأبو يعلى (6373)، وابن حبَّان (78)، والحاكم 1/ 85. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (6159). (¬2) فوقها في (ل): (ع).

الله بالرفع نائب عن الفاعل (الله) أي: صلاح دين الله من العلوم الظاهرة أو الباطنة، فكلاهما فرض عين أو كفاية، فكما أن علم أحوال القلب وعلاجه من علوم الآخرة فرض عين في فتوى علوم الآخرة، والمعرض عنه هالك بسطوة ملك الملوك في الآخرة، كما أن المعرض عن الأعمال الظاهرة هالك بسيف سلاطين الدنيا بحكم فتوى علماء الدنيا، فنظر الفقهاء في فروض العين بالإضافة إلى صلاح الدنيا، وعلوم المعاملة بالإضافة إلى صلاح الآخرة، واحترز به عن العلوم التي لا يبتغى [بها] صلاح قوام الدين، بل صلاح قوام هذا العالم الظاهر وانتظام أمره، كعلوم الفلاحة والتجارة والبيطرة والحياكة، وغير ذلك من علوم الحرف والصناعات فإن من تعلمها لطلب عرض الدنيا لا يدخل في هذا الوعيد العظيم. (لا يتعلمه) هذا العلم الذي هو موضوع للعبادة الدينية (إلا ليصيب به عرضا) بفتح الراء (من الدنيا) أي: أخذ مالًا من الدنيا، ويسمى متاع الدنيا عرضًا؛ لأنه عارض (¬1) زائل غير ثابت. قال أبو عبيدة: يقال: جميع متاع الدنيا عرض بفتح الراء، ومنه: "الدنيا عرض يأكل منها البر والفاجر" (¬2) والعرْض بسكون الراء ما سوى الدينار والدرهم (لم يجد عرف) بفتح العين، وسكون الراء ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) رواه الطبراني 7/ 288 (7158)، وأبو نعيم في "الحلية" 1/ 264، والبيهقيُّ 3/ 216 من حديث شداد بن أوس. قال الهيثمي في "المجمع" 2/ 188: فيه أبو مهدي سعيد بن سنان، وهو ضعيف جدًّا.

المهملتين (الجنة) والعرف هو الريح الطيبة، وقال الفارسي: يستعمل العرف غالبا في الريح الطيبة، ونادرا في غير الطيبة (يوم القيامة، يعني: ريحها) الطيب، وإن ريحها ليشم من مائة عام. وروى عبد الرزاق في كتابه موقوفًا عن ابن عباس، وفيه: كيف بكم إذا قلَّت فقهاؤكم، وكثرت قراؤكم، وتفقه لغير الدين، والتمست الدنيا بعمل الآخرة (¬1). وروى الترمذي وابن ماجه عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من تعلم علمًا لغير الله، أو أراد به غير الله؛ فليتبوأ مقعده من النار" (¬2). وهذا الحديث معناه التهديد والزجر عن طلب الدنيا بعمل الآخرة، وفيه دلالة أن هذا الشخص لا يجد رائحة الجنة في يوم القيامة فقط ويجد ريحها في غير يومه، وطالب العلم لله يجد رائحة الجنة؛ ليقوى بها قلبه وبدنه فيسلي همومه وأشجانه ويسر بذلك، ومن تعلمه لله وللدنيا كان بمعزل عن هذا الوعيد، وتنكير (عرضا) يتناول جميع الأعراض قليلها وكثيرها من الجاه، والمال، والرفعة. ¬

_ (¬1) "مصنف عبد الرزاق" 11/ 359 (20742) عن عبد الله بن مسعود ولم أجده فيه عن ابن عباس. (¬2) "سنن الترمذي" (2655) وقال الترمذي: حسن غريب. "سنن ابن ماجه" (258)، وضعفه الشيخ الألباني في "الضعيفة" (5018).

13 - باب في القصص

13 - باب في القَصَصِ 3665 - حَدَّثَنا مَحْمُودُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا أَبُو مُسْهِرٍ، حَدَّثَني عَبّادُ بْنُ عَبّادٍ الخَوّاصُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبي عَمْرٍو السَّيْبانِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللهِ السَّيْبانيِّ، عَنْ عَوْفِ ابْنِ مالِكٍ الأَشْجَعيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لا يَقُصُّ إِلَّا أَمِيرٌ أَوْ مَأْمُورٌ أَوْ مُخْتالٌ" (¬1). 3666 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمانَ، عَنِ المُعَلَّى بْنِ زِيادٍ عَنِ العَلاءِ ابْنِ بَشِيرٍ المُزَنيِّ، عَنْ أَبي الصِّدِّيقِ النّاجيِّ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْريِّ قَالَ: جَلَسْتُ في عِصابَةِ مِنْ ضُعَفاءِ المُهاجِرِينَ وَإِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَسْتَتِرُ بِبَعْضٍ مِنَ العُري وَقارِئٌ يَقْرَأُ عَلَيْنا إِذْ جاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقامَ عَلَيْنا فَلَمّا قامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَكَتَ القارِئُ فَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: "ما كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ". قُلْنا: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ كانَ قارِئٌ لَنا يَقْرَأُ عَلَيْنا فَكُنّا نَسْتَمِعُ إِلَى كِتابِ اللهِ. قَالَ: فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الحَمْدُ لله الذي جَعَلَ مِنْ أُمَّتي مَنْ أُمِرْتُ أَنْ أَصْبِرَ نَفْسي مَعَهُمْ". قَالَ: فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَسَطَنا لِيَعْدِلَ بِنَفْسِهِ فِينا ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ هَكَذا، فَتَحَلَّقُوا وَبَرَزَتْ وُجُوهُهُمْ لَهُ قَالَ: فَما رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَرَفَ مِنْهُمْ أَحَدًا غَيْرِي. فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَبْشِرُوا يا مَعْشَرَ صَعالِيكِ المُهاجِرِينَ بِالنُّورِ التّامِّ يَوْمَ القِيامَةِ تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِياءِ النّاسِ بِنِصْفِ يَوْمٍ وَذاكَ خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ" (¬2). 3667 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى حَدَّثَني عَبْدُ السَّلامِ -يَعْني: ابن مُطَهَّرٍ أَبُو ظَفَرٍ- حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ خَلَفٍ العَمِّيُّ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللهَ تَعالَى مِنْ صَلاةِ الغَداةِ حَتَّى تَطْلُعَ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 22، 27، والبزار (2762). وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2020). (¬2) رواه الترمذي (2351)، وابن ماجه (4123)، وأحمد 3/ 63، 96. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (40).

الشَّمْسُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ أَرْبَعَةً مِنْ وَلَدِ إِسْماعِيلَ وَلأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللهَ مِنْ صَلاةِ العَصْرِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِليَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ أَرْبَعَةً" (¬1). 3668 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ غِياثٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ لي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اقْرَأْ عَليَّ سُورَةَ النِّساءِ". قَالَ: قُلْتُ: أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: "إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي". قَالَ: فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ حَتَّى إِذا انْتَهَيْتُ إِلَى قَوْلِهِ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ} الآيَةَ فَرَفَعْتُ رَأْسي فَإِذا عَيْناهُ تَهْمِلانِ (¬2). * * * باب في القصص بفتح القاف. [3665] (حدثنا محمود بن خالد، حدثنا أبو مسهر) (¬3) عبد الأعلى ابن مسهر الغساني (حدثنا عباد بن عباد) الرملي الأرسوفي (الخواص) الزاهد، وهو الذي كتب إليه الثوري بالرسالة المشهورة في الآداب والزهد، وثقه ابن معين (¬4) وأحمد العجلي (¬5) (عن يحيى بن أبي عمرو السيباني) بفتح السين المهملة، وسكون الياء المثناة تحت، نسبة إلى سيبان بطن من حمير، وهو: سيبان بن الغوث بن سعد، ويحيى هذا هو شامي ثقة، ¬

_ (¬1) رواه أبو يعلى (3392)، والبيهقيُّ في "شعب الإيمان" (561)، (562). وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2916). (¬2) رواه البخاري (4582)، (5055)، ومسلم (800). (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) "تاريخ ابن معين" برواية الدارمي (495). (¬5) "معرفة الثقات" 2/ 16 (838).

يكنى أبا (¬1) زرعة (عن عمرو بن عبد الله السيباني) بالسين المهملة أيضًا كما تقدم، [كنيته أبو] (¬2) العجماء الحمصي، ذكره ابن حبَّان في "الثقات" (¬3) (عن عوف بن مالك الأشجعي) كانت معه راية أشجع يوم الفتح. (قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لا يقص) على الناس، لا ينبغي أن يفعل ذلك (إلا أمير) قيل: هذا في الخطبة، كان الخلفاء والأمراء يخطبون فيعظون الناس ويخبرونهم بما مضى من المتقدمين، ويذكرونهم بأيام الله ليعتبروا ويتعظوا. (أو) يقص (مأمور) بذلك يقيمه الإمام خطيبا، فيكون حكمه حكم الأمير (أو مختال) يعني: أو يكون القاص مختالا يفعل ذلك تكثيرا على الناس، وينصب نفسه لذلك من غير أن يؤمر به طلبا للرئاسة، فهو يرائي بذلك ويختال بذلك في قوله وعلمه، وقيل: إن المتكلمين على الناس ثلاثة: مذكر وواعظ وقاص، فالمذكر يذكر بنعمة الله ويحثهم على شكرها، وواعظ يخوفهم العقوبة، وقاص يروي أخبار الماضين وأيامهم، ويأتي بالقصة على وجهها، كأنه يتبع معانيها وألفاظها، فمن القصص ما ينفع سماعه، ومنها ما يضر سماعه وإن كان صدقا، ومن فتح ذكر القصص على نفسه أخلط عليه الصدق بالكذب، والنافع بالضار، وكذلك قال أحمد بن حنبل: ما أحوج الناس إلى قاص صادق (¬4)! فإن كانت القصة من قصص الأنبياء فيما ¬

_ (¬1) في (ل، م): أبو. والجادة ما أثبتناه. (¬2) في (ل، م): تلميذه أبي، والمثبت من مصادر ترجمته. (¬3) "الثقات" 5/ 179. (¬4) انظر: "الفروع" 4/ 480.

يتعلق بأمر دينهم، وكان صحيح الرواية قال الغزالي: فلا أرى بأسا (¬1). [3666] (حدثنا مسدد، قال: حدثنا جعفر بن سليمان) الضبعي البصري، نزل في ضبيعة فنسب إليهم، قال ابن معين وغيره: ثقة (¬2). أخرج له البخاري في "الأدب" (¬3) (عن المعلي بن زياد) القردوسي، والقراديس حي من الأزد، استشهد به البخاري (عن العلاء بن بشير) بالموحدة، والشين المعجمة (عن أبي الصديق) بكر بن عمرو (الناجي) بالنون والجيم نسبة إلى ناجية بن شامة قبيلة كبيرة. (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: جلست في عصابة) العصابة: جماعة من الناس من العشرة إلى الأربعين، لا واحد لها من لفظها. (من ضعفاء المهاجرين) أي: صعاليكهم (إن) بكسر الهمزة والتشديد؛ لأنَّ من المواضع التي تكسر فيها أن تحل محلّ الحال نحو: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} (¬4) وأكثر النسخ المعتمدة جاءت هكذا بحذف واو الحال، فيصلح هذا أن يكون شاهدا على ذلك. ومما استشهدوا به على حذف واو الحال في الجملة الاسمية قولهم: نصف النهار الماء غامر. أصله: والماء غامر. والمعنى: انتصف النهار وحمي النهار والحال إن الماء غامر لمن يغوص فيه، والتقدير في الحديث: جلست في عصابة من ضعفاء المهاجرين وإن حال (بعضهم ¬

_ (¬1) "إحياء علوم الدين" 1/ 35. (¬2) "تاريخ ابن معين" برواية الدوري 40/ 130. (¬3) "الأدب المفرد" (571). (¬4) الأنفال: 5.

ليستتر) عن رؤية الناظر إليهم (ببعض) حتى لا يرى حالهم (من) كثرة (العري) لشدة فقرهم (وقارئ يقرأ علينا) من كتاب الله ونحن نسمع في المسجد. (إذ جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام علينا) أي: وقف على رؤوسنا (فلما قام) أي: وقف (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) عند رؤوسنا (سكت القارئ) عن القراءة استحياء من النبي - صلى الله عليه وسلم - وتعظيما له، وليسمع كلامه، وربما ظن أنَّه جاء لحاجة عندهم (فسلم) علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يتكلم (ثمَّ قال: ما كنتم تصنعون؟ ) فيه أن الصناعة لا تختص بعمل اليد، بل تطلق على القول أيضًا والقراءة والاستماع ونحو ذلك (قلنا: يا رسول الله، كان قارئ لنا يقرأ علينا فكنا نستمع إلى كتاب الله) قد يؤخذ منه أن قراءة قارئ على الجماعة والباقون يسمعون أفضل من قراءة الكل جماعة، ولعله كان يقرأ وهم لا يقرؤون، أو يكون أكثرهم حفظا، وأحسنهم صوتا، وأعذبهم لفظا ونغمة، فكانت قراءته واستماعهم أولى. (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) عند ذلك [(الحمد لله الذي جعل من أمتي) وفي رواية لغير المصنف: "الذي جعل في أمتي"] (¬1) (من أمرت أن أصبر نفسي معهم) هذا الذي أمر به هو قوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ} أي: احبسها لتثبت جالسة {مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} (¬2) قال قتادة: هذِه الآية نزلت في أصحاب الصفة، كانوا ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م)، والرواية أخرجها أبو يعلى 2/ 382 (1151)، وأبو نعيم في "الحلية" 1/ 342. (¬2) الكهف: 28.

سبعمائة رجل فقراء في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يرجعون إلى تجارة ولا زرع ولا ضرع، يصلون الصلاة وينتظرون الأخرى. (قال: فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسْطنا) أي: بيننا وزنًا ومعنًى، فقد قال جماعة: كل مكان صلح أن يكون موضع (وسط) كلمة (بين) فهو بسكون السين على وزن بين، وكل موضع لا يصلح فيه (بين) فهو بفتح السين، وقيل: كل منهما يقع موقع الآخر، والأكثر التفصيل المذكور، وهذا أشبه (ليعدل) بنصب اللام (بنفسه فينا) أي: ليساوي بنفسه الزكية جلوسه عندنا، من العدل، وهو التسوية، تقول: عدل الشيء بالشيء: إذا ساواه به، ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} (¬1). (ثمَّ قال بيده هكذا فتحلقوا) فيه التعليم بالإشارة المفهمة، وفيه جلوس القوم حلقة للذكر وغيره، وإن كان بعضهم مستدبر القبلة، ليصير وجه الشيخ إليهم فيكون لهم كالقبلة (وبرزت) أي: ظهرت (وجوههم له) جميعهم عندما تحلقوا حوله، وصارت وجوههم كلهم إليه. (قال: فما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عرف) بفتح الراء (منهم أحدا غيري) فيه منقبة لأبي سعيد -رضي الله عنه- (فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أبشروا) بفتح الهمزة (يا معشر) المعشر جماعة الرجال دون النساء (صعاليك المهاجرين بالفوز التام) لكل واحد منهم (يوم القيامة) وإنكم (تدخلون الجنة قبل أغنياء الناس بنصف يوم) من اليوم المذكور في قوله تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} (¬2) (وذاك) النصف (خمسمائة سنة) من سني الدنيا. ¬

_ (¬1) الأنعام: 1. (¬2) السجدة: 5.

وقد أخرج مسلم في "صحيحه" من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفا" (¬1). فيجمع بين الحديثين بأن فقراء المهاجرين يسبقون إلى الجنة قبل فقراء المسلمين بهذِه المدة؛ لما لهم من فضل الهجرة وكونهم تركوا أموالهم بمكة رغبة فيما عند الله - عز وجل -. وقد أخرج الترمذي وابن ماجه: "إن فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بخمسمائة عام" (¬2) وهو نصف يوم عند الله. [3667] (حدثنا محمَّد بن المثنى، قال: حدثني عبد السلام بن مطهر) بفتح الهاء المشددة، ابن حسام الأزدي، أخرج له البخاري (¬3) (حدثنا موسى بن خلف) العمي بفتح العين المهملة، وتشديد الميم، نسبة إلى البطن، وهو بطن من تميم، وهو ثقة عابد، يعد من الأبدال. (عن قتادة، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: والله لأنَّ) بفتح الهمزة التي بعد لام القسم (أقعد مع قوم يذكرون الله) هذا لا يختص بذكر لا إله إلا الله، بل يلحق به ما في معناه؛ لما روى الإمام أحمد عن أبي أمامة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لأنَّ أقعد أذكر الله وأكبره وأحمده وأسبحه وأهلله حتى تطلع الشمس أحب إلى من أن أعتق" الحديث، رواه أحمد بإسناد حسن (¬4)، والتلاوة في معناه أيضًا (من صلاة الغداة) فيه تسمية الصبح غداة (حتى تطلع الشمس) ثمَّ صلى ركعتين أو أربع ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2979). (¬2) "سنن الترمذي" (2351)، "سنن ابن ماجه" (4123). قال الترمذي: حسن غريب. (¬3) في موضعين من صحيحه (39)، (6419). (¬4) "مسند أحمد" 5/ 255.

ركعات، جاء مفسرا في بعض الروايات: "أحب إلي من أن أعتق" بضم الهمزة، وكسر التاء (أربعة من ولد إسماعيل) زاد أبو يعلى: "دية كل رجل منهم اثنا عشر ألفا" (¬1). ورواه ابن أبي الدنيا بالشطر الأوّل إلا أنَّه قال: "أحب إلى مما طلعت عليه الشمس". (ولأن أقعد مع قوم يذكرون الله) فيه فضيلة الذكر جماعة بعد صلاة الصبح وصلاة العصر، وظاهر الحديث أن هذِه الفضيلة تحصل لمن جلس مع الذاكرين وإن لم يذكر؛ لأنَّ الاستماع قائم مقام الذكر، وهم القوم لا يشقى جليسهم، (من بعد صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس أحب إلى من أن أعتق أربعة) من ولد إسماعيل، بيَّن أن من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار، فقد حصل بعتق رقبة واحدة تكفير جميع الخطايا مع ما يبقى منه من زيادة عتق الرقاب الزائدة على الواحدة، لا سيما من أولاد الأنبياء والمرسلين صلوات الله تعالى عليهم أجمعين (¬2). [3668] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا حفص (¬3) بن غياث) النخعي قاضي الكوفة (عن الأعمش، عن إبراهيم) بن يزيد النخعي ¬

_ (¬1) "مسند أبي يعلى" 6/ 119 (3392). (¬2) المفهوم من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من ولد إسماعيل" أنَّه يعني العرب؛ لأنهم من نسله، ولأن رقابهم أشرف وأكرم من رقاب غيرهم من العجم، وإلا فلِمَ خص أولاد إسماعيل دون غيره من الأنبياء، وهذا هو الذي عليه شارحو الحديث والفقهاء، والله أعلم. (¬3) فوقها في (ل): (ع).

الكوفي (عن عبيدة) بفتح العين، وكسر الباء الموحدة، السلماني، وفيه لطيفة: ثلاثة تابعيون يروي بعضهم عن بعض (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- (قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اقرأ علي سورة النساء) فيه استحباب طلب القراءة من غيره؛ ليسمع منه إذ هو أبلغ في الفهم والتدبر من قراءته بنفسه، وفيه تواضع أهل العلم والفضل، ولو مع أتباعهم كما تقدم قريبا، وجواز قراءة الطالب على الشيخ، والعرض عليه، وتخصيص سورة النساء، لما فيها من هذِه الآي التي فيها انتصاف كل مظلوم ممن ظلمه، ولو مثقال ذرة، والذرة قالوا: ليس لها وزن. وقيل: الذرة: الخردلة الصغيرة. وشهادة كل نبي على أمته، وشهادة النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنافقين ممن رآه وممن لم يره. (قال: قلت: أقرأ عليك، وعليك أنزل؟ ! ) القرآن، فيه منقبة عظيمة لابن مسعود، وإشارة أكيدة إلى الأخذ بقراءته والعمل بها (قال: إني أحب أن أسمعه من غيري) وإنما أمره بالقراءة عليه؛ ليبين قراءة الطالب على الشيخ؛ ولأن السامع قد يكون يحصل له حضور قلب وتدبر أكثر من قراءة نفسه؛ لاشتغال القارئ بالقراءة وكيفيتها. (قال ابن مسعود: قرأت عليه) من أول سورة النساء (حتى إذا أتيت إلى قوله تعالى {فَكَيْفَ إِذَا}) ظرف زمان والعامل فيها {جِئْنَا} وموضع {كَيْفَ} نصب بفعل مضمر، التقدير: يكون حالهم في ذلك الزمان ({جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ}) من الأمم المتقدمة ({بِشَهِيدٍ}) يعني: جئنا على كل أمة بنبيها يشهد عليها (الآية، فرفعت رأسي) ولفظ البخاري: حتى بلغت: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ

شَهِيدًا} (¬1) قال: "أمسك" فإذا عيناه تذرفان (¬2). وأخرجه مسلم وقال: بدل قوله: "أمسك" فرفعت وغمزني رجل إلى جنبي فرفعت رأسي ودموعه تسيل (¬3). (فإذا عيناه تهملان) بفتح التاء، وضم الميم من باب: قعد، يقال: همل الدمع والمطر همولا وهملانا: جرى وسال، كما في رواية مسلم، وبكاؤه - صلى الله عليه وسلم - لعظيم ما تضمنته هذِه الآية، من هول المطلع وشدة الأمر، إذ يؤتى بالأنبياء شهداء على أممهم بالتصديق والتكذيب، ويؤتى به - صلى الله عليه وسلم - شهيدا على كل هؤلاء. والإشارة بـ {هَؤُلَاءِ} إلى كفار قريش وغيرهم من الكفار، وإنما خص كفار قريش بالذكر؛ لأنَّ وظيفة العذاب أشهد عليهم منها على غيرهم لشدة عنادهم عند رؤية المعجزات. آخر كتاب العلم حامدا لله مستعيذا من خطأ موجب للإثم، وصلى الله على سيدنا محمَّد وآل محمَّد الذي كان كالبدر وكل منهم كالنجم، يتلوه كتاب الأشربة. ¬

_ (¬1) النساء: 41. (¬2) "صحيح البخاري" (4582). (¬3) "صحيح مسلم" (800).

كتاب الأشربة

كِتَابُ الأَشْرِبَةِ

1 - باب في تحريم الخمر

27 - الأشربة 1 - باب في تَحْرِيمِ الخَمْرِ 3669 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا أَبُو حيّانَ حَدَّثَني الشَّعْبيُّ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ قَالَ: نَزَلَ تَحْرِيمُ الخَمْرِ يَوْمَ نَزَلَ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةِ أَشْياءَ مِنَ العِنَبِ والتَّمْرِ والعَسَلِ والحِنْطَةِ والشَّعِيرِ، والخَمْرُ ما خامَرَ العَقْلَ وَثَلاثٌ وَدِدْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يُفارِقْنا حَتَّى يَعْهَدَ إِلَيْنا فِيهِنَّ عَهْدًا نَنْتَهي إِلَيْهِ: الجَدُّ والكَلالَةُ وَأَبْوابٌ مِنْ أَبْوابِ الرِّبا (¬1). 3670 - حَدَّثَنا عَبّادُ بْنُ مُوسَى الخُتّليُّ، أَخْبَرَنا إِسْماعِيلُ -يَعْني: ابن جَعْفَرٍ- عَنْ إِسْرائِيلَ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنْ عَمْرٍو عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ قَالَ: لمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الخَمْرِ قَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ بيِّنْ لَنا في الخَمْرِ بَيانًا شِفاءً فَنَزَلَتِ الآيَةُ التي في البَقَرَةِ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} الآيَةَ قَالَ: فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُمَّ بيِّنْ لَنا في الخَمْرِ بَيانًا شِفاءً. فَنَزَلَتِ الآيَةُ التي في النِّساءِ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} فَكانَ مُنادي رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5588)، ومسلم (3032).

إِذا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ يُنادي: أَلا لا يَقْرَبَنَّ الصَّلاةَ سَكْرانُ. فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ، فَقالَ: اللَّهُمَّ بيِّنْ لَنا في الخَمْرِ بَيانًا شِفاءً. فَنَزَلَتْ هذِه الآيَةُ: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} قالَ عُمَرُ: انْتَهَيْنا (¬1). 3671 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ سُفْيانَ، حَدَّثَنا عَطاءُ بْنُ السّائِبِ، عَنْ أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَميِّ، عَنْ عَليِّ بْنِ أَبي طالِبٍ -عليه السلام- أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصارِ دَعاهُ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَسَقاهُما قَبْلَ أَنْ تُحَرَّمَ الخَمْرُ فَأَمَّهُمْ عَليٌّ في المَغْرِبِ فَقَرَأَ: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] فَخَلَطَ فِيها فَنَزَلَتْ: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (¬2). 3672 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزيُّ، حَدَّثَنا عَليُّ بْنُ حُسَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْويِّ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قَالَ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} وَ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} نَسَخَتْهُما التي في المائِدَةِ: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ} الآيَةَ (¬3). 3673 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُنْتُ ساقِيَ القَوْمِ حَيْثُ حُرِّمَتِ الخَمْرُ في مَنْزِلِ أَبي طَلْحَةَ وَما شَرابُنا يَوْمَئِذٍ إِلَّا الفَضِيخُ، فَدَخَلَ عَلَيْنا رَجُلٌ فَقالَ: إِنَّ الخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ، وَنادى مُنادي رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْنا: هذا مُنادي رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬4). ¬

_ (¬1) رواه التِّرمِذي (3049)، والنَّسائي 8/ 286، وأحمد 1/ 53. وصححه الألباني. (¬2) رواه التِّرمِذي (3026). وصححه الألباني. (¬3) رواه البيهقي 8/ 285، وابن الجوزي في "نواسخ القرآن" ص 130. وحسن إسناده الألباني. (¬4) رواه البخاري (2464)، ومسلم (1980).

{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} أول كتاب الأشربة باب في تحريم الخمر [3669] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن علية (حدثنا أبو حيان) بالمهملة وشدة التحتانية، وبالنون يحيى بن سعيد التيمي الكوفي. (حدثني الشعبي، عن ابن عمر، عن عمر -رضي الله عنه- قال: نزل تحريم الخمر يوم نزل) وللبخاري والنسائيُّ زيادة وهي: عن ابن عمر قال: سمعت عمر ابن الخطاب على منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة فقال: أما بعد، أيها الناس، فإنَّه نزل تحريم الخمر يوم نزل (¬1). وحرمت الخمر في السنة الثانية (¬2) من الهجرة بعد أُحد، وسميت الخمر خمرًا لسترها العقل، ومنه يقال: دخل في خمار الناس وخمارهم، مثل غمار الناس [وغمارهم. أي: دخل فيما يستره منهم، وقيل: سميت خمرًا لمخامرتها العقل. أي: مخالطته] (¬3)، وقيل: سميت خمرًا؛ لأنها تركت فاختمرت، واختمارها تغير ريحها (وهي) هذِه واو الحال (من خمسة أشياء) والمراد بنزول تحريم الخمر آية المائدة: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (4619)، "سنن النسائي" 8/ 295. (¬2) في (م): الثامنة. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقطة من (م).

وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (¬1) وفي آية أخرى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} (¬2) الآية. وقد نهى الله عن الخمر في كتابه وأمر باجتنابها، وتوعد على استباحتها، وقرنها بالميسر والأنصاب والأزلام، وهذا إبلاغ في الوعد، ونهاية في التهديد. قال ابن رشد: وإن طالب متعسف جاهل بوجود لفظ التحريم لها في القرآن فإنَّه موجود في غير موضع، فإن الله سماها رجسًا، ثمَّ نص على [تحريم الرجس في قوله: {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} وسماها إثمًا في قوله تعالى: {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ}، ثمَّ نص على] (¬3) تحريم الإثم في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ} (¬4) ولو لم يرد في القرآن إلا النهي لكان بيانه - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "إن الله حرم الخمر" (¬5). فمن قال: إن الخمر ليس بحرام فهو كافر بالإجماع (¬6). (من العنب والتمر) وفي البخاري: قال حجاج، عن حماد، عن أبي حيان: مكان العنب: الزبيب (¬7). ثمَّ قال في رواية أخرى: الخمر يصنع من ¬

_ (¬1) المائدة: 90. (¬2) المائدة: 91. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) الأعراف: 33. (¬5) سلف برقم (3485) من حديث أبي هريرة. (¬6) "المقدمات الممهدات" 1/ 441، وتتمة كلامه: يستتاب كما يستتاب المرتد فإن تاب وإلا قُتل. (¬7) انظر: "صحيح البخاري" (5588).

خمسة: من الزبيب والتمر والحنطة والشعير والعسل (¬1) (والعسل والحنطة والشعير) وروى صفوان بن محرز قال: سمعت أبا موسى على المنبر يقول: ألا إن خمر أهل المدينة: البسر والتمر، وخمر أهل فارس: العنب، وخمر أهل اليمن: البتع، وهو العسل، وخمر الحبشة: الأسكركة (¬2). وهو الأرز، والمزر ما يصنع [من الشعير] (¬3) (والخمر) هو (ما خامر العقل) أي: غطاه وأزاله، والعقل هو آلة التمييز والعلم، ولهذا ناسب أن يذكر المصنف باب الأشربة عقيب كتاب العلم؛ فلذلك يحرم ما يغطي العقل ويستره، إذ بذاك يزول الإدراك المطلوب من العباد. والخمر مجاز من باب تسمية المعنوي بالمحسوس الذي يغطى به الأواني وغيرها. قال ابن بطال: في هذا الحديث رد على الكوفيين في قولهم: إن الخمر من العنب خاصة، وأن كل شراب يتخذ من غيره فغير محرم [ما دون السكر منه] (¬4). قال المهلب: وهذا التفسير من عمر مقنع، فليس لأحد أن يقول: إن الخمر من العنب وحده، وهؤلاء أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فصحاء العرب قد فسروا عين ما حرمه الله، وقالوا: إن الخمر من خمسة أشياء. وقد أخبر عمر حكاية عما نزل من القرآن ¬

_ (¬1) ساقطة من (م)، (ل). وانظر: "صحيح البخاري" (5589). (¬2) رواه البيهقي 8/ 295. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م)، (ل). (¬4) ما بين المعقوفتين ليس في النسخ الخطية، والمثبت من "شرح ابن بطال" 6/ 39.

وتفسيرًا له، فقال: الخمر ما خامر العقل. وخطب بذلك على منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحضرة الصحابة من المهاجرين والأنصار وغيرهم، ولم ينكره أحد منهم (¬1)؛ فصار كالإجماع (¬2). (وثلاث) مبتدأ، وجاز الابتداء بالنكرة؛ لأنه وصف بقوله: "وددت" إلى آخره، والخبر هو قوله: (الجد والكلالة .. )، و (ثلاث) فيه حذف اسم مضاف إليه والتنوين في آخر (ثلاث) عوض عن الاسم المحذوف، كما في قوله: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (¬3) والتقدير في الحديث: وثلاث قضايا أو أحكام أو مسائل، وقصد عمر -رضي الله عنه- بذلك التنبيه على أنهم كانوا يكرهون الأخذ بالرأي ويؤثرون عليه ما يرد به النص (وددت) بكسر الدال الأولى (أن) يكون (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم) يكن (¬4) (يفارقنا حتى يعهد إلينا فيهن عهدًا) أي: يبين لنا بيانًا صريحًا بقول نعتمده وننتهي إليه فيه؛ لأنه أبعد عن محذور الاجتهاد إلى الخطأ على تقدير وقوعه وإن كان مأجورًا عليه أجرًا واحدًا (ننتهي إليه) عند الاختلاف والاحتياج. إليه (الجد) مرفوع على أنَّه خبر مبتدأ محذوف، أي: أحد الثلاثة الجد، والجملة الاسمية خبر (ثلاث)، والمراد به ميراث الجد مع الإخوة في أنَّه يحجب الإخوة، أو ينحجب بهم، أو يقاسمهم. وقد وقع للصحابة في ذلك (اختلاف منتشر) (¬5) حتى قال عمر: ¬

_ (¬1) في (م)، (ل): غيرهم. (¬2) انتهى من "شرح ابن بطال" 6/ 39. (¬3) يس: 40. (¬4) ساقطة من (ع). (¬5) في جميع النسخ: اختلافًا منتشرًا. ولعل المثبت هو الصواب.

قضيت في الجد لسبعين قضية لا ألوي في واحدة منها عن الحق (¬1). وكان السلف يحذرون من الخوض في مسائله، وقد روي مرفوعًا وموقوفًا، والوقف أصوب: "أجرؤكم على قسمة الجد أجرؤكم على النار" (¬2). وقد ذكر الخطابي في "الغريب" بإسناد صحيح عن محمَّد بن سيرين قال: سألت عبيدة عن الجد، فقال: ما يصنع بالجد؟ ! لقد حفظت عن عمر فيه مائة قضية يخالف بعضها بعضًا (¬3). ثمَّ أنكر الخطابي هذا إنكارًا شديدًا، بما لا حاصل تحته، وما المانع أن يكون قول عبيدة بمائة قضية على سبيل المبالغة، وقد أول البزار كلام عبيدة بما ذكر، والله أعلم. (والكلالة) أي: والثاني ميراث الكلالة بفتح الكاف، المشار إليه بقوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} (¬4) وقد اختلف في تفسيرها على أقوال، أرجحها قول الجمهور أنَّه القريب الوارث ¬

_ (¬1) رواه البيهقي في "الكبرى" 6/ 245، من طريق عبد الأعلى عن معتمر بن سليمان عن ابن عون عن محمَّد بن عبيدة عن عمر به. (¬2) رواه سعيد بن منصور في "السنن" 1/ 66 (55) عن سعيد بن المسيّب، مرسلًا. قال الألباني في "الإرواء" 6/ 129: إسناده جيد لولا إرساله. (¬3) "غريب الحديث" 2/ 106. والخطابي إنما نقل هذا الإنكار عن بعض العلماء. ورواه أيضًا ابن أبي شيبة 6/ 270 (31256)، والبيهقيُّ في "السنن الكبرى" 6/ 245، والحافظ في "تغليق التعليق" 5/ 219. وصحح إسناده الحافظ أيضًا في "الفتح" 12/ 21. (¬4) النساء: 176.

الذي ليس بأصل ولا فرع (¬1)، وورد فيه حديثان صحيحان (¬2)، وآية الكلالة نزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في طريق مكة في حجة الوداع، وتسمى آية الصيف (¬3). (وأبواب) أي: مسائل كثيرة (من أبواب الربا) يقع فيها الاشتباه كثيرًا حتى قال بعضهم: لا ربا إلا في النسيئة (¬4). وأوردوا فيه حديثًا، والأحاديث كثيرة صريحة في أن الربا يجري في الفضل وفي النسيئة وفي اليد (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: "تفسير الطبري" 3/ 625، وقال القرطبي في تفسيره 5/ 76: .. فإذا مات الرجل وليس له ولد ولا والد فورثته كلالة، هذا قول أبي بكر وعمر وعلي وجمهور أهل العلم. أهـ. وقال البخاري قبل حديث (4605): والكلالة: من لم يرثه أب ولا ابن وهو مصدر مِنَ تكَلَّلَه النسب. أهـ. (¬2) من ذلك حديث جابر، رواه البخاري (6723، 7309)، مسلم (1616). (¬3) ورد هذا في حديث رواه مسلم (567، 1617). (¬4) ورد هذا في حديث رواه ابن عباس عن أسامة بن زيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنما الربا في النسيئة" رواه البخاري (2178، 2179) ومسلم (1596). وذهب الشافعي في "اختلاف الحديث" 7/ 241 إلى أن هذا رأي ممن رآه لا أنَّه منقول عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬5) من ذلك ما رواه البخاري (2174) ومسلم (1586) من حديث عمر بن الخطّاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الذهب بالذهب ربًا إلا هاء وهاء، والبر بالبر ربًا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربًا إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء". وما رواه الشيخان من حديث بلال، وفيه أنَّه باع صاعين من تمرٍ رديء بصاع من تمرٍ جيد فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَوَّه أَوَّه، عين الربا عين الربا ... " صحيح البخاري (2312) ومسلم (1594). قال ابن دقيق العيد في "إحكام الأحكام" 2/ 143: هو - أي حديث بلال - نص في تحريم ربا الفضل في التمر، وجمهور الأمة على ذلك .. ".

[3670] (حدثنا عباد بن موسى) أبو محمَّد شيخ الشيخين المعروف (الختلي) بضم الخاء المعجمة والمثناة الفوقانية المشددة، قال السمعاني: اختلف مشايخنا في هذِه النسبة، فبعضهم يقول: هو (¬1) نسبة إلى ختلان، وهي بلاد مجتمعة وراء بلخ، حتى رأيت الختل بضم الخاء والتاء، قرية على طريق خراسان إذا خرجت من بغداد بنواحي الدسكرة (¬2). (حدثنا إسماعيل بن جعفر المدني، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو) بن شرحبيل الهمداني، أخرج له الشيخان. (عن عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- قال: لما نزل تحريم الخمر) [يشبه أن يكون معنى (نزل) أعطى كما في الحديث: "لا تنزلهم على حكم الله، لكن على حكمك" (¬3). فإن معناه: لا تعطهم على حكم الله لكن على حكمك، والمراد: لما أعطى الله حيث رحمهم تحريم الخمر] (¬4) في هذِه الآية دليل، بل نص على أن الخمر لم يكن حرامًا في أول الإِسلام حتى ينتهي بصاحبه إلى السكر، وكذا يدل على هذا قوله تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} (¬5). وقال قوم: ما أبيح شرب الخمر في شيء من الأديان. حكاه القرطبي وغيره، فعلى هذا يكون معنى الآية: لما نزل تحريم قليله أو كثيره، أسكر أو لم يسكر. ومعنى {وَأَنْتُمْ سُكَارَى}: من النوم، والأول أظهر؛ لما ¬

_ (¬1) من (خ). (¬2) "الأنساب" 5/ 44. (¬3) رواه مسلم (1730/ 3). (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (ح). (¬5) النساء: 43.

روى الترمذي وغيره عن البراء -رضي الله عنه- قال: مات ناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم يشربون الخمر، فلما نزل تحريمها قال ناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: فكيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربونها؟ فنزلت: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الآية (¬1). (قال عمر) بن الخطّاب -رضي الله عنه-: (اللهم بين لنا في) تحريم شرب (الخمر بيانًا شفاء) بالتنوين فيهما، و (شفاء) مصدر، بمعنى اسم الفاعل، كقوله تعالى: {أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا} (¬2) أي: غائرًا. ورواية الترمذي: بيان شفاء (¬3). بالإضافة وتنوين المضاف إليه وهو (شفاء)، وهذا من إضافة الموصوف إلى صفته، أصله: بيانًا شافيًا، كما في رواية النسائي (¬4) في هذا والذين بعده. ومن إضافة الموصوف إلى صفته قوله تعالى: {وَلَدَارُ الْآخِرَةِ} (¬5) أضيفت {دَارُ} إلى {الْآخِرَةِ} وهي صفتها، ومنه: {وَحَبَّ الْحَصِيدِ} (¬6) ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (3050، 3051) وأصله في الصحيحين من حديث أنس بن مالك، "صحيح البخاري" (2464)، "مسلم" (1980). ورواه أيضًا: أبو يعلى في "المسند" 3/ 265 (1719)، والروياني في "مسنده" 1/ 329 (324). قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وصححه ابن حبَّان 12/ 172 - 174 (5350، 5351). (¬2) الملك: 30. (¬3) "سنن الترمذي" (3049). (¬4) "سنن النسائي" 8/ 286. (¬5) يوسف: 109. (¬6) ق: 9.

و {حَبْلِ الْوَرِيدِ} (¬1) و {حَقُّ الْيَقِينِ} (¬2) وهو كثير، وظاهر الحديث يقتضي أنَّه نزل تحريم الخمر قبل آية البقرة، ولم أجد لها (¬3) أصلًا، فيحتاج إلى تأويل كما تقدم، ويدل على هذا التأويل رواية الترمذي عن عمر أنَّه قال: اللهم بين لنا في الخمر بيان شفاء. فنزلت التي في البقرة: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ} إلى آخره (¬4). فلم يذكر نزولًا قبل آية البقرة. وقد صرح القرطبي بذلك في تفسير آية المائدة فقال: تحريم الخمر نزل بتدريج ونوازل كثيرة؛ لأنهم كانوا مولعين بشربها، وأول ما نزل في أمرها: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} أي: في تجارتهم. انتهى (¬5). ثمَّ قال: وقال أبو ميسرة -يعني: عمرو بن شرحبيل الهمداني- نزلت الآية بسبب عمر بن الخطّاب، فإنَّه ذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - عيوب الخمر وما ينزل بالناس من أجلها ودعا الله في تحريمها، وقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فنزلت الآية (¬6). (فنزلت الآية التي في) سورة (البقرة) فيه: دليل على جواز قول القائل: سورة البقرة. وهو الصحيح خلافّا لمن كره ذلك (¬7)، وقال: ¬

_ (¬1) ق: 16. (¬2) الواقعة: 95. (¬3) في (ع): لهذا. (¬4) "سنن الترمذي" (3049). (¬5) "الجامع لأحكام القرآن" 6/ 286. (¬6) "الجامع لأحكام القرآن" 6/ 286. (¬7) انظر: "صحيح البخاري" (1750) ومسلم (1296/ 306)، ففيه ما يدلّ على عدم الكراهة.

إنما يقال: السورة التي يذكر فيها البقرة ({يَسْأَلُونَكَ}) السائلون هم المؤمنون ({عَنِ}) شرب ({الْخَمْرِ}) الظاهر أنهم سألوا عن ذلك لما نزل بهم من أجلها ولما ظهر لهم من عيوبها ({وَالْمَيْسِرِ}) وهو قمار العرب بالأزلام، قال ابن عباس: كان الرجل في الجاهلية يخاطر الرجل على أهله وماله، فأيهما قمر صاحبه ذهب بماله وأهله، فنزلت الآية (¬1). وقال ابن عباس أيضًا ومجاهد ومحمد بن سيرين وعلي وغيرهم: كل شيء فيه قمار من نرد وشطرنج فهو الميسر، حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب، إلا ما أبيح من الرهبان في الخيل والقرعة في إبراز الحقوق (¬2). وقال مالك: الميسر ميسران: ميسر اللهو وميسر القمار، فمن ميسر اللهو النرد والشطرنج والملاهي كلها، وميسر القمار ما يخاطر الناس عليه. ({قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ}) قرأ حمزة والكسائي: (كثير) بالثاء المثلثة بدل الباء (¬3)؛ بما يصدر في الخمر للشارب من المخاصمة والمشاتمة وقول الفحش والزور وزوال العقل الذي يعرف به ما تجب مخالفته، وتعطيل الصلوات والتعوق عن ذكر الله وتضييع المال الكثير في شربها؛ لما يلحقه من الآلات المطربة، وما يدفعه عند زوال عقله للخمَّار والمطربين وغير ذلك، كما روي عن قيس بن عاصم أنَّه شربها في ¬

_ (¬1) رواه الطبري في "جامع البيان" 2/ 371. (¬2) انظر: "تفسير الطبري" 2/ 371. (¬3) انظر: "الحجة للقراء السبعة" 2/ 307 وما بعدها.

الجاهلية فغمز عكنة ابنته، وسب أبويه، ورأى القمر فتكلم بشيء، وأعطى الخَمَّار كثيرًا من ماله، فلما أفاق أُخبر بذلك، حرَّمها على نفسه وأنشد فيها شعرًا في ذمها (¬1). ({وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}) بربح التجارة، فإنهم كانوا يجلبونها من الشام برخص فيبيعونها في الحجاز بربح، وكانوا لا يرون المماكسة فيها، فيشتري طالب الخمر الخمر بالثمن الغالي. هذا أصح ما قيل في منافع الخمر، ومنافع الميسر مصير المال وغيره إلى الإنسان بغير كد ولا تعب، فكانوا يشترون الجَزور (¬2) ويضربون بسهامهم، فمن خرج سهمه (¬3) أخذ نصيبه من اللحم، ولا يكون عليه شيء من الثمن. وقيل: منفعته التوسعة على المحاويج؛ فإن من قمر منهم كان لا يأكل من الجزور ويفرقه على المحتاجين (¬4). (قال: فدعي) بضم الدال وكسر العين (عمر) بن الخطّاب (فقرئت عليه) آية البقرة (فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانًا شفاءً) بالتنوين ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي الدنيا في "ذم المسكر" ص 70، والبيهقيُّ في "شعب الإيمان" 5/ 14، وانظر: "الطبقات الكبرى" لابن سعد 7/ 36، "الاستيعاب" لابن عبد البر 3/ 354. وقد أورد ابن عبد البر شعره، فقال: وقال فيها أشعارًا - أي في الخمر - منها قوله: رأيت الخمر صالحةً وفيها ... خصال تفسد الرجل الحليما فلا والله أشربها صحيحًا ... ولا أشفى بها أبدًا سقيما ولا أُعطي بها ثمنًا حياتي ... ولا أدعو لها أبدًا نديما فإن الخمر تفضح شاربيها ... وتجنيهم بها الأمر العظيما (¬2) ساقطة من (م)، (ل). (¬3) ساقطة من (م)، (ل). (¬4) هذا بعينه كلام القرطبي في "تفسيره" 3/ 57.

فيهما، ولفظ الترمذي: بيان شفاء (¬1). ويبينهما رواية النسائي: بيانًا شافيًا (¬2). كما تقدم. أي: دافعًا لعلة من يحب شربها كما يدفع الدواء الشافي علة الضعيف الذي يحب زوال الألم، فإنهم لم ينتهوا بهذِه الآية ولا تركوها جملة واحدة، كما قال سعيد بن جبير: كان الناس على أثر جاهليتهم يشربونها قبل الإِسلام حتى نزلت: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} فقالوا: نشربها للمنفعة لا للإثم. فشربها رجل وتقدم فصلى فقال: قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون. فنزلت: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (¬3). فقالوا: نشربها في غير وقت الصلاة. فقال عمر: اللهم بين بيانًا شافيًا. فنزلت: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ} الآية، فقال عمر: انتهينا. (فنزلت الآية التي في النساء) وهي قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} خص الله هذا الخطاب بالمؤمنين؛ لأنهم كانوا يقيمون الصلاة وقد أخذت الخمر منهم عقولهم فلا يعلمون ما يقولون؛ فخصوا بهذا الخطاب؛ إذ كان الكفار لا يصلون صحاة ولا سكارى. ({لَا تَقْرَبُوا}) إذا قيل: لا تقرب، بفتح الراء كان معناه لا تتلبس بالفعل، وإذا كان بضم الراء كان معناه لا تدنوا منه، والخطاب ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (3049). (¬2) "سنن النسائي" 8/ 286. (¬3) ذكر ابن الجوزي في "بستان الواعظين" ص 240 أن الرجل الذي صلى وقرأ هذِه القراءة هو: ابن أبي جعونه.

لجماعة الأمة الصاحين، وأما السكران إذا عدم التمييز لسكره فليس بمخاطب في ذلك الوقت لذهاب عقله، وإنما هو مخاطب بامتثال ما يجب عليه، ويتفكر ما صنع في وقت سكره من الأحكام التي تقرر تكليفه بها قبل السكر ({الصَّلَاةَ}) اختلفوا في المراد بهذِه الصلاة، فقال أبو حنيفة وغيره: هي العبادة المعروفة بعينها (¬1). ولذلك قال: {حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}. وقال الشافعي (¬2) وغيره (¬3): المراد مواضع الصلاة، فحذف المضاف (كما قال) (¬4) تعالى: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ} (¬5) فسمى مواضع الصلاة: صلاة، ويدل على هذا قوله: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} فهذا يقتضي جواز العبور للجنب في المسجد لا للصلاة فيه ({وَأَنْتُمْ}) فهذِه الواو الداخلة على الجملة الاسمية هي واو الحال من {تَقْرَبُوا} و ({سُكَارَى}) جمع سكران مثل كسلان وكسالى، وقرأ النخعي: سكرى. بفتح السين على مثال: فعلى (¬6) ({حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}) أي: حتى تعلموه مستبين من غير غلط، فالسكران لا يعلم ما يقول، ولذلك قال عثمان: لا يقع طلاق السكران (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 38. (¬2) انظر: "الأم" 1/ 46. (¬3) ساقطة من (م)، (ل). (¬4) في (م)، (ل): كقوله. (¬5) الحج: 40. (¬6) انظر: "مختصر في شواذ القرآن" (ص 33)، "المحتسب" 1/ 188. (¬7) رواه بنحوه: عبد الرزاق في "المصنف" 7/ 84 (12308)، وابن أبي شيبة في=

(فكان منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وهو المؤذن (إذا أقيمت الصلاة) أي: إذا أراد أن يقيم الصلاة (ينادي: ألا) يا قوم (لا يقربن) بفتح الموحدة وتشديد نون التأكيد (الصلاة) أحد (سكران) لفظ النسائي: فكان منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أقام الصلاة نادى: لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى (¬1). وهذا اللفظ أقرب إلى لفظ القرآن من لفظ المصنف. قال ابن المنذر: إذا خلط في قراءته فهو سكران؛ استدلالًا بقوله تعالى: {حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (¬2). وإذا كان بحيث لا يعلم ما يقول فيجتنب المسجد مخافة التلويث ولا تصح صلاته، فإن صلى في هذِه الحال قضى، وإن كان بحيث يعلم ما يقول فأتى بالصلاة فحكمه حكم الصاحي. وقال أحمد: إذا تغير عقله عن حال الصحة فهو سكران (¬3). وحكي نحوه عن مالك (¬4). (فدعي عمر فقرئت عليه) هذِه الآية (فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانًا شفاء) كما تقدم (فنزلت هذِه الآية) زاد النسائي: التي في المائدة (¬5). ¬

_ ="المصنف" 4/ 79 (17967)، ومسدد في "المسند" كما في "إتحاف الخيرة المهرة" 4/ 155، وكما في "المطالب العالية" 8/ 404 (1692)، والبيهقيُّ 7/ 359، والحافظ في "التغليق" 4/ 454 - 455. والحديث رواه البخاري معلقًا قبل حديث (5269)، وصححه ابن القيم في "زاد المعاد" 5/ 191، والألباني في "الإرواء" 7/ 112. (¬1) "سنن النسائي" 8/ 286. (¬2) "الأوسط" 9/ 252. (¬3) انظر: "المغني" 12/ 506. (¬4) انظر: "مواهب الجليل" 2/ 142. (¬5) "سنن النسائي الكبرى" 3/ 203.

بينها الترمذي في روايته فقال: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} إلى قوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}) (¬1) (¬2). لفظه لفظ استفهام ومعناه الأمر. أي: انتهوا، وفي لفظ الاستفهام إشارة إلى مبالغة في النهي وتهديد شديد، وأن التقدير: انتهوا فإن لم تنتهوا وقع بكم العذاب. ولهذا كان هذا أبلغ من قوله: {فَاجْتَنِبُوهُ}، قال الفراء: ردد عليَّ أعرابي: هل أنت ساكت .. هل أنت ساكت؟ وهو يريد: اسكت اسكت (¬3). ولما علم عمر -رضي الله عنه- أن هذا وعيد شديد زائد على معنى: انتهوا، (فقال عمر: انتهينا) ربنا انتهينا. وفي رواية الترمذي والنسائيُّ: انتهينا انتهينا (¬4). مرتين. ولما قال عمر ذلك أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مناديه أن ينادي في سكك المدينة: ألا إن الخمر قد حرمت. فكسرت الدنان وأريقت الخمر حتى جرت في سكك المدينة (¬5). [3671] (حدثنا مسدد، ثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن سفيان) بن عيينة (حدثنا عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن) عبد الله بن حبيب (السُّلمي) بضم السين وفتح اللام، نسبة إلى سليم بن منصور بن ¬

_ (¬1) المائدة: 91. (¬2) "سنن الترمذي" (3049). (¬3) "معاني القرآن" 3/ 154. (¬4) "سنن الترمذي" (3049)، "سنن النسائي" 8/ 286 - 287، "سنن النسائي الكبرى" 3/ 202 - 203. (¬5) رواه بنحوه البخاري (2464)، ومسلم (1980)، وسيأتي ذكره قريبًا عند المصنف برقم (3673).

عكرمة بن خصفة (¬1) بن قيس عيلان من مضر قبيلة مشهورة (عن علي -رضي الله عنه- أن رجلًا من الأنصار دعاه وعبد الرحمن). بنصب (عبد) عطف (¬2) على الضمير المنصوب قبله، والتقدير: دعاه ودعا عبد الرحمن (بن عوف فسقاهما) من الخمر (قبل أن تحرم) توضحه رواية الترمذي عن علي -رضي الله عنه- قال: صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعامًا فدعانا وسقانا من الخمر، فأخذت الخمر منا، وحضرت الصلاة فقدموني (¬3) (فأمهم علي في المغرب فقرأ: قل يا أيها الكافرون) فيه دليل على استحباب قراءة (¬4) الكافرون و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} في صلاة المغرب في الأولى والثانية، فإنَّه لم يستعملها في هذِه الحال إلا لكثرة استعمالها في حال الكمال، فحملته العادة على قراءتها (فخلط) بفتح اللام فيها، كما في رواية الترمذي قرأت: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} (¬5) ونحن نعبد ما تعبدون (فنزلت) هذِه الآية: ({يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}) (¬6). استدل الغزالي بهذِه الآية على اشتراط الخشوع في الصلاة. قال: قوله: {حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} تعليل لنهي السكران عن الدخول فيها ¬

_ (¬1) في (م): حفص. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) "سنن الترمذي" (3026). (¬4) في (م): قل يا أيها. (¬5) الكافرون: 1 - 2. (¬6) "سنن الترمذي" (3026).

حال السكر. وهذِه العلة مطردة في الغافل المستغرق الهم بالوساوس وأفكار الدنيا (¬1). [3672] (حدثنا أحمد بن محمَّد) بن ثابت بن شبويه (المروزي) بفتح الواو نسبة إلى مرو، من كبار الأئمة (حدثنا علي بن حسين) بن واقد المروزي، ضعفه أبو حاتم (¬2)، وقواه غيره (عن أبيه) الحسين بن واقد، قاضي مرو، قال ابن المبارك: من مثله! وثقه ابن معين وغيره، أخرج له مسلم (¬3) (عن يزيد) بن أبي سعيد (النحوي) المروزي المتقن (عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} و) قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} كما تقدم، (نسختها) الآية (التي في) سورة (المائدة) وهي قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ} قيل: هي الأصنام، وقيل: هي النرد والشطرنج (¬4) (الآية) يعني: {وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، والأمر باجتنابه يقتضي الاجتناب المطلق الذي لا ينتفع معه بشيء من وجوه الخمر، ولا بحال من حالاته، فلهذا كانت ناسخة لشربها في غير وقت الصلاة وحالة السكر، وللمنافع التي كانت ينتفع بها في أثمانها، كما تقدم، فقد نسخت هذِه الآية شربها في غير وقت ¬

_ (¬1) "إحياء علوم الدين" 1/ 212. (¬2) "الجرح والتعديل" 6/ 179 (978). (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 20/ 406 (4052). (¬4) انظر: "زاد المسير" لابن الجوزي 2/ 237، و"تفسير ابن كثير" 5/ 333.

الصلاة، فلا ينتفع بها بشرب في وقت من الأوقات، ولا في (¬1) حال من الأحوال ولا في بيع وأخذ ثمن، ولا بعد تخليل ومداواة وغير ذلك، وعلى ذلك جاءت الأحاديث الواردة في الباب، كما سيأتي. [3673] (حدثنا سليمان بن حرب) الواشحي البصري، قاضي مكة (حدثنا حماد بن زيد) بن درهم (عن ثابت) البناني (عن أنس) بن مالك -رضي الله عنه- (قال: كنت ساقي القوم) جماعة الرجال دون النساء (حيث) للمكان الذي (حرمت) فيه، وحين للوقت الذي حرمت فيه (الخمر) وكان ذلك (في منزل أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري الخزرجي النجاري المدني (وما شرابنا يومئذ) أي: يوم حرمت الخمر فيه (إلا الفضيخ) بالضاد والخاء المعجمتين، وهو شراب يتخذ من البسر المفضوخ. أي: المشدوخ يتخذ من البسر وحده من غير أن تمسه نار فيفضخ البسر. أي: يشدخ ويصب عليه الماء ويترك حتى يغلي ثمَّ يشرب، فإن (¬2) كان معه تمر فهو الخليط (فدخل علينا رجل فقال: إن الخمر قد حرمت) بضم الحاء وكسر الراء المشددة. أي: حرمها الله ورسوله (ونادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) بتحريمها في سكك المدينة: ألا إن الخمر قد حرمت (فقلنا: هذا منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فيه: دليل على جواز العمل بخبر الواحد المنادي كما في القبلة، حيث كان استقبال القبلة مقطوعًا به من الشريعة عندهم، ثمَّ إن أهل قباء لما أتاهم الآتي فأخبرهم أن القبلة قد حولت إلى المسجد الحرام فقبلوا قوله واستداروا ¬

_ (¬1) ساقطة من (م)، (ل). (¬2) ساقطة من (م)، (ل).

نحو الكعبة (¬1)، وتركوا المقطوع المتواتر بخبر الواحد (¬2) المظنون. وفيه: أن الحكم إذا تغير يُعلِم الإمام ذلك بمناد ينادي في سكك المدينة، أو يعلمهم الإمام في الخطبة كما في تحويل الكعبة، وكذا إذا تجدد حكم من أحكام الشريعة، كما إذا رأى الإمام الاستسقاء عند احتياج الناس، يأمرهم بمناد ينادي في سكك المدينة وفي الأسواق بأن يصوموا ثلاثة أيام، ويخرجوا إلى الصلاة في اليوم الرابع، أو يعلمهم في الخطبة ويرسل من يعلم القرى التي حول البلد بذلك، ولم أجد من صرح في الصيام بالمنادي ولا بالخطبة من أصحابنا. قال القرطبي: فيه أن نداء المنادي عن الأمير يتنزل في العمل منزلة سماعه (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4488)، ومسلم (526) من حديث ابن عمر. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) "المفهم" 5/ 254.

2 - باب العنب يعصر للخمر

2 - باب العِنَبِ يُعْصَرُ لِلْخَمْرِ 3674 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا وَكِيعُ بْنُ الجَرّاحِ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبي عَلْقَمَةَ مَوْلاهُمْ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الغافِقيِّ أَنَّهُما سَمِعا ابن عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَعَنَ اللهُ الخَمْرَ وَشارِبَها وَساقِيَها وَبائِعَها وَمُبْتاعَها وَعاصِرَها وَمُعْتَصِرَها وَحامِلَها والمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ" (¬1). * * * باب العنب يعصر للخمر [3674] حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا وكيع بن الجراح) الرؤاسي. (عن عبد العزيز بن عمر) بن عبد العزيز. (عن أبي علقمة مولاهم) أي: مولى بني أمية، وأخرجه ابن ماجه إلا أنَّه قال: أبو طعمة (¬2). قال في "تهذيب الكمال": وهو الصواب (¬3). وأبو طعمة هذا اسمه: هلال مولى عمر بن عبد العزيز، أصله من الشام، سكن مصر، وكان يقضي بها، روى عن مولاه عمر بن عبد العزيز، وروى عنه عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز. (وعبد الرحمن بن عبد الله الغافقي) بغين معجمة وفاء وقاف مكسورتين، نسبة إلى غافق بن عمرو بن بكر بن مازن بن الأزد، وكان عبد الرحمن أمير الأندلس، قتلته الروم بالأندلس سنة خمس عشرة ومائة (أنهما سمعا) عبد الله (ابن عمر يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لعن ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (3380)، وأحمد 2/ 25. وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (2356). (¬2) "سنن ابن ماجه" (3380). (¬3) "تهذيب الكمال" 17/ 245، 18/ 174.

الله الخمر) ورواية ابن ماجه: "لعنت الخمر .. بعينها" (¬1). وفي رواية له (¬2): لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخمر عشرة (¬3). وكذا للترمذي، وعد من العشرة: آكل ثمنها (¬4). (وشاربها) أي: شارب شيء منها، قليلًا كان أو كثيرًا، درديًّا كان أو ثخينًا حتى لو ثرد فيه خبزًا وأكله دخل في اللعنة وحُدَّ. (وساقيها) بنصب الياء وإن لم يشرب منها فعليه إثم الإعانة على المعصية، وإن شرب منها مع السقي فعليه إثمان. (وبائعها ومبتاعها) وفي الترمذي: بائعها وآكل ثمنها والمشتري والمشترى له (¬5). [ويدخل في البائع من يعرضها للبيع وإن لم يتول عقد البيع، وفي لعن المشتري والمشترى له] (¬6) دليل على تحريم تعاطي العقود الفاسدة من بيع وإجارة ومساقاة وغير ذلك من العقود. (وعاصرها) بقصد الخمرية (ومعتصرها) زاد ابن ماجه: فذكر عاصرها ومعتصرها والمعصورة له (¬7). فيشبه أن يراد بالعاصر والمعتصر من يطلب عصرها وإن لم يباشره بيده، والثاني: من يتولى العصر بنفسه (وحاملها) بنفسه أو بدوابه من بغال وحمير وإبل (والمحمولة له) إذا طلب ذلك، ويدخل في معنى ذلك حاضر شربها وكاتب مبايعتها والشاهد عليه، ويدخل في ذلك كل من أعان على محرم. ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (2380) وسياق الحديث: لعنت الخمر على عشرة أوجه: بعينها .. (¬2) ساقطة من (م، ل). (¬3) "سنن ابن ماجه" (3381) من حديث أنس. (¬4) "سنن الترمذي" (1295). (¬5) السابق. (¬6) ساقط من (م، ل). (¬7) "سنن ابن ماجه" (3381).

3 - باب ما جاء في الخمر تخلل

3 - باب ما جاءَ في الخَمْرِ تُخَلَّلُ 3675 - حَدَّثَنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيانَ، عَنِ السُّدّيِّ، عَنْ أَبي هُبَيْرَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ أَبا طَلْحَةَ سَأَلَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَيْتامٍ وَرِثُوا خَمْرًا قَالَ: "أَهْرِقْها". قَالَ: أَفَلا أَجْعَلُها خَلاٍّ؟ قَالَ: "لا" (¬1). * * * باب في الخمر تخلل [3675] (حدثنا زهير بن حرب، حدثنا وكيع، عن سفيان) بن سعيد الثوري، (عن) إسماعيل بن عبد الرحمن (السدي) سمي بذلك لقعوده بسدة جامع الكوفة، وهو: أبو محمَّد الأعور، أصله (¬2) حجازي ثمَّ انتقل إلى الكوفة، أخرج له مسلم، ويعرف هذا بالسدي الكبير، [وأما السدي الصغير] (¬3) فهو: محمَّد بن مروان بن إسماعيل بن عبد الرحمن (¬4)، يروي عن الكلبي صاحب "التفسير". (عن أبي هبيرة) (¬5) يحيى بن عباد الأنصاري (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1983). (¬2) ساقطة من (م، ل). (¬3) ساقطة من (م، ل). (¬4) محمَّد بن مروان السدي الصغير، متهم بالكذب، وكذلك شيخه محمَّد بن السائب الكلبي. انظر ترجمة السدي في "تهذيب الكمال" 26/ 392، و"التقريب" (6284). ملحوظة: السدي الصغير لم يخرج له أحد من الستة وإنما ذكروه تمييزًا. وانظر ترجمة الكلبي في "تهذيب الكمال" 25/ 246. (¬5) فوقها في (ح): (ع).

أن أبا طلحة) زيد بن سهل الأنصاري (سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أيتام ورثوا خمرًا) والخمر نجس محرم الانتفاع به، فلا ينتقل بالإرث إلى ملك الوارث، لكن لو خلف خمرًا فلم يرق حتى تخلل بنفسه، فالظاهر أنَّه يدخل في الميراث، كما لو خلف جلد ميتة فدبغ (قال: أهرقها) بسكون الهاء وكسر الراء. فيه: دليل على أن الخمر لا يجوز اقتناؤها ولا تُملك، بل تراق في الحال كما هو مذهب الشافعي (¬1)، ولا يجوز لأحد الانتفاع بها، ولا التصرف فيها إلا بالإراقة. قال القرطبي: قال بعض أصحابنا: تملك، وليس بصحيح (¬2). (قال: أفلا أجعلها خلًّا) رواية أحمد أن أبا طلحة سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: عندي خمور لأيتام، فقال: "أرقها". قال: ألا أخللها؟ قال: "لا" (¬3). فيه: دليل للشافعي والجمهور على أنَّه لا يجوز تخليل الخمر ولا تطهر بالتخليل، هذا إذا خللها بخبز أو بصل أو خميرة أو غير ذلك مما يلقى فيها وهي باقية على نجاستها وينجس ما ألقي فيها، ولا يطهر هذا الخل بعده أبدًا لا بغسل ولا بغيره، أما إذا نقلت من شمس إلى ظل، أو من ظل إلى شمس، فأصح الوجهين لأصحابنا (¬4): تطهر (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: "الأم" 3/ 11. (¬2) "المفهم" 5/ 260. (¬3) "مسند أحمد" 3/ 119 بنحو هذا اللفظ. وأقرب إلى هذا اللفظ الذي ذكره المصنف ما رواه الترمذي (1293). (¬4) ساقطة من (م)، (ل). (¬5) انظر: "المجموع" للنووي 2/ 592 - 595.

وقال الأوزاعي والليث وأبو حنيفة: تطهر إذا خللت بإلقاء شيء فيها (¬1). وعن مالك ثلاث روايات أصحها أن التخليل حرام، فلو خللها عصى وطهرت (¬2). قال القرطبي: كيف يصح لأبي حنيفة القول بالتخليل مع هذا الحديث ومع سببه الذي خرج عليه؟ ! إذ لو كان جائزًا لكان قد ضيع على الأيتام مالهم، ولوجب الضمان على من أراقها عليهم، وهو أبو طلحة -رضي الله عنه- (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 4/ 359. (¬2) انظر: "التمهيد" لابن عبد البر 1/ 259 - 261. (¬3) "المفهم" 5/ 260.

4 - باب الخمر مما هو

4 - باب الخَمْرِ مِمّا هُوَ 3676 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنا إِسْرائِيلُ، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ مُهاجِرٍ عَنِ الشَّعْبيِّ، عَنِ النُّعْمانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنَ العِنَبِ خَمْرًا، وَإِنَّ مِنَ التَّمْرِ خَمْرًا وَإِنَّ مِنَ العَسَلِ خَمْرًا، وَإِنَّ مِنَ البُرِّ خَمْرًا، وَإِنَّ مِنَ الشَّعِيرِ خَمْرًا" (¬1). 3677 - حَدَّثَنا مالِكُ بْنُ عَبْدِ الواحِدِ أَبُو غَسّانَ، حَدَّثَنا مُعْتَمِرٌ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى الفُضَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَبي حَرِيزٍ أَنَّ عامِرًا حَدَّثَهُ أَنَّ النُّعْمانَ بْنَ بَشِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ الخَمْرَ مِنَ العَصِيرِ والزَّبِيبِ والتَّمْرِ والحِنْطَةِ والشَّعِيرِ والذُّرَةِ وَإِنّي أَنْهاكُمْ عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ" (¬2). 3678 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا أَبانُ حَدَّثَني يَحْيَى، عَنْ أَبي كَثِيرٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الخَمْرُ مِنْ هاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ: النَّخْلَةِ والعِنَبَةِ". قَالَ أَبُو داوُدَ: اسْمُ أَبي كَثِيرٍ الغُبَريِّ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غُفَيْلَةَ السَّحْميُّ. وقالَ بَعْضُهُمْ: أُذَيْنَةُ والصَّوابُ غُفَيْلَةُ (¬3). * * * باب الخمر مما هو؟ [3676] (حدثنا الحسن بن علي) الخلال (حدثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي مولاهم الكوفي (حدثنا إسرائيل، عن إبراهيم بن ¬

_ (¬1) رواه التِّرمِذي (1872، 1873)، وابن ماجه (3379)، وأحمد 4/ 267. حسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1593). (¬2) انظر السابق. (¬3) رواه مسلم (1985).

مهاجر) البجلي الكوفي، قال ابن المديني: له نحو أربعين حديثًا. قال أحمد: لا بأس به. وقال النسائي ويحيى القطان: ليس بالقوي (¬1). (عن الشعبي، عن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن من العنب) يتخذ (خمرًا) يسكر، وهذا مما انعقد الإجماع على تحريمه، كثيره وقليله (وإن من التمر) يتخذ أيضًا (خمرًا) هذا مما وقع الإجماع عليه أيضًا ما لم يطبخ حتى ثلثاه، فيأتي فيه الخلاف (وإن من العسل خمرًا) [تقدم أن خمر أهل اليمن من العسل، وهو الذي يسمى البتع (وإن من البر خمرًا)] (¬2) أيضًا (وإن من الشعير خمرًا) وهو المسمى بالمزر، وفي هذا الحديث وما بعده مبطل لما نقل عن أبي حنيفة والكوفيين القائلين بأن الخمر لا تكون إلا من العنب، وما كان من غيره لا يسمى خمرًا ولا يتناوله اسم الخمر، وإنما يسمى نبيذًا (¬3). قال القرطبي: وهذا مخالف للغة والسنة، ألا ترى أنهم لم يتوقفوا في تحريم المعتصر من العنب وغيره ولا سألوا عنه إذ لم يشكل عليهم، فإن اللسان لسانهم والقرآن نزل بلغتهم، ولو كان في ذلك شك لتوقفوا في الإراقة (¬4). [3677] (حدثنا مالك بن عبد الواحد) أبو غسان المسمعي، شيخ مسلم (حدثنا المعتمر قال: قرأت على الفضيل) بالتصغير (بن ميسرة) ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 211 (250). (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 4/ 372، وما بعدها. و"المبسوط" 24/ 4. (¬4) "المفهم" 5/ 252.

العقيلي، أخرج له النسائي وابن ماجه (عن أبي حريز) بفتح الحاء المهملة وزاي معجمة آخره، واسمه عبد الله بن الحسين الأزدي الكوفي قاضي سجستان، وثقه يحيى بن معين وأبو زرعة الرازي، واستشهد به البخاري. (أن عامرًا) يعني ابن شراحيل الشعبي (حدثه أن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن الخمر) يستخرج (من العصير) عصير العنب، فهو فعيل بمعنى مفعول (والزبيب، والتمر، والحنطة، والشعير) بفتح الشين، وكسرها لغة (والذرة) بضم الذال المعجمة وتخفيف الراء المهملة، نوع من القطاني معروف، ولامها محذوفة، والأصل: ذرو أو ذري، فحذفت لام الكلمة وعوض عنها الهاء. (وإني أنهاكم عن كل مسكر) ذهب الجمهور من السلف وغيرهم إلى أن كل ما يسكر نوعه فهو منهي عنه، محرم شربه، قليلًا كان أو كثيرًا، نيًّا كان أو مطبوخًا، وأن من شرب شيئًا من ذلك حُدَّ حدّ الخمر (¬1). [3678] (حدثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي (حدثنا أبان) ابن يزيد العطار، أخرج له مسلم (حدثني يحيى) بن أبي كثير (عن أبي كثير) يزيد بن عبد الرحمن بن أذينة الغبري السحيمي (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال) إن (الخمر من هاتين الشجرتين) العرب تسمي ما طلع على وجه الأرض من النبات: النجم، وما كان له ساق وأغصان: شجر (¬2). سمي بذلك لاختلاف بعضه في بعض وتداخله، ¬

_ (¬1) انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 4/ 366، "التمهيد" 1/ 252، "الأم" 6/ 177، "المغني" 12/ 495. (¬2) انظر: "العين" 6/ 154، "جمهرة اللغة" 1/ 495.

ومنه: شجر بينهم كلام. أي: اختلط (يعني) لفظ (يعني) يدلّ على أن تفسير الشجرتين ليس من الحديث، وتبين أن رواية مسلم والترمذي وابن ماجه مدرج في آخر الحديث (النخلة والعنبة) (¬1) وليس فيه نفي الخمرية عن نبيذ الحنطة والشعير والذرة وغير ذلك، فقد ثبت فيها أحاديث صحيحة في البخاري وغيره (¬2) بأنها كلها خمر وحرام، بل خص في هذا الحديث هاتين الشجرتين بالذكر؛ لأنَّ أكثر الخمر منهما، وأغلى الخمر وأنفسه عند أهله منهما، وهذا نحو قولهم: المال الإبل. أي: أكثرها وأعمها. والحج عرفة. ¬

_ (¬1) مسلم (1985)، "سنن الترمذي" (1875)، "سنن ابن ماجه" (3378). (¬2) رواه البخاري (4619، 5581، 5588)، ومسلم (3032) من حديث ابن عمر، وليس فيه: الذرة. ورواه أبو داود (3677) من حديث النعمان بن بشير مرفوعًا: "إن الخمر من العصير والزبيب والتمر والحنطة والشعير والذرة ... ". وصححه ابن حبَّان 12/ 219 - 220 (5398). وجاء ذكر الذرة في حديث آخر رواه مسلم (2002) عن جابر.

5 - باب النهي عن المسكر

5 - باب النَّهْي عَنِ المُسْكِرِ 3679 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ داوُدَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى - في آخَرِينَ - قالُوا: حَدَّثَنا حَمّادٌ -يَعْني: ابن زَيْدٍ - عَنْ أيُّوبَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرامٌ وَمَنْ ماتَ وَهُوَ يَشْرَبُ الخَمْرَ يُدْمِنُها لَمْ يَشْرَبْها في الآخِرَةِ" (¬1). 3680 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ رافِعٍ النَّيْسابُوريُّ، حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ عُمَرَ الصَّنْعانيُّ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمانَ يَقُولُ، عَنْ طاوُسٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "كُلُّ مُخَمِّرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرامٌ وَمَنْ شَرِبَ مُسْكِرًا بُخِسَتْ صَلاتُهُ أَرْبَعِينَ صَباحًا فَإِنْ تابَ تابَ اللهُ عَلَيْهِ فَإِنْ عادَ الرّابِعَةَ كانَ حَقّا عَلَى اللهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الخَبالِ". قِيلَ وَما طِينَةُ الخَبالِ يا رَسُولَ اللهِ قَالَ: "صَدِيدُ أَهْلِ النّارِ وَمَنْ سَقاهُ صَغِيرًا لا يَعْرِفُ حَلالَهُ مِنْ حَرامِهِ كانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الخَبالِ" (¬2). 3681 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ -يَعْني: ابن جَعْفَرٍ- عَنْ داوُدَ بْنِ بَكْرِ ابْنِ أَبي الفُراتِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ما أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرامٌ" (¬3). 3682 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ عائِشَةَ -رضي الله عنها- قالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ البِتْعِ فَقالَ: "كُلُّ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5575)، ومسلم (2003). (¬2) رواه الطبراني 11/ 26 (10927)، والبيهقيُّ 8/ 288، وتمام اللفظ البيهقي. وسيأتي بقطعة منه: "كل مسكر حرام" برقم (3696). قال الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (1424): منكر. (¬3) رواه الترمذي (1865)، وابن ماجه (3393)، وأحمد 3/ 343. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (5530).

شَرابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرامٌ" (¬1). قالَ أَبُو داوُدَ: قَرَأْتُ عَلَى يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الجُرْجُسيِّ: حَدَّثَكُمْ مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، عَنِ الزُّبَيْديِّ، عَنِ الزُّهْريِّ بهذا الَحدِيثِ بإِسْنادِهِ زادَ والبِتْعُ نَبِيذُ العَسَلِ كانَ أَهْلُ اليَمَنِ يَشْرَبُونَهُ. قالَ أَبُو داوُدَ: سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ لا إله إِلَّا اللَّه ما كانَ أَثْبَتَهُ ما كانَ فِيهِمْ مِثْلُهُ يَعْنِي: في أَهْلِ حِمْصَ يَعْني الجُرْجُسيَّ. 3683 - حَدَّثَنا هَنّادُ بْنُ السَّريِّ، حَدَّثَنا عَبْدَةُ، عَنْ محَمَّدٍ -يَعْني: ابن إِسْحاقَ- عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبي حَبِيبٍ، عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ اليَزَنيِّ، عَنْ دَيْلَم الِحمْيَريِّ قالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ إِنّا بِأَرْضٍ بارِدَةٍ نُعالِجُ فِيها عَمَلًا شَدِيدًا، وَإِنّا نَتَّخِذُ شَرابًا مِنْ هذا القَمْحِ نَتَقَوى بِهِ عَلَى أَعْمالِنا وَعَلَى بَرْدِ بِلادِنا. قالَ: "هَلْ يُسْكِرُ". قُلْتُ: نَعَمْ. قالَ: "فاجْتَنِبُوهُ". قالَ: قُلْتُ: فَإِنَّ النّاسَ غَيْرُ تارِكِيهِ. قالَ: "فَإِنْ لَمْ يَتْرُكُوهُ فَقاتِلُوهُمْ" (¬2). 3684 - حَدَّثَنا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، عَنْ خالِدٍ، عَنْ عاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبي بُرْدَةَ، عَنْ أَبي مُوسَى قالَ: سَأَلْتُ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عنْ شَرابٍ مِنَ العَسَلِ فَقالَ: "ذَاكَ البِتْعُ". قُلْتُ: وَيُنْتَبَذُ مِنَ الشَّعِيرِ والذُّرَةِ. فَقالَ: "ذاكَ المِزْرُ". ثُمَّ قالَ: "أَخْبِرْ قَوْمَكَ أَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ حَرامٌ" (¬3). 3685 - حَدَّثَنا موسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ يَزِيدَ ابْنِ أَبي حَبِيبٍ، عَنِ الوَلِيدِ بْنِ عَبْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ نَبيَّ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عَنِ الخَمْرِ والمَيْسِرِ والكُوبَةِ والغُبَيْراءِ وقالَ: "كُلُّ مُسْكِرٍ حَرامٌ". ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5585)، ومسلم (2001). (¬2) رواه ابن أبي شيبة 12/ 164 (24211)، وأحمد 4/ 231، 232، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 5/ 144 (2683)، والطبراني 4/ 227، والبيهقي 8/ 292. صحح إسناده الألباني في "مشكاة المصابيح" (3651). (¬3) رواه البخاري (4343)، ومسلم (1733).

قالَ أَبو داوُدَ: قالَ ابن سَلامٍ أَبُو عُبَيْدٍ الغُبَيْراءُ السُّكُرْكَةُ تُعْمَل مِنَ الذُّرَةِ شَرابٌ يَعْمَلُهُ الحَبَشَةُ (¬1). 3686 - حَدَّثَنا سَعِيدُ بْن مَنْصُورٍ، حَدَّثَنا أَبُو شِهابٍ عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ نَافِعٍ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو الفُقَيْميِّ، عَنِ الحَكَمِ بْنِ عْتَيْبَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قالَتْ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ (¬2). 3687 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَمُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ قالا: حَدَّثَنا مَهْديٌّ -يَعْني: ابن مَيْمُونٍ- حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمانَ قالَ: مُوسَى هوَ عَمْرو بْنُ سَلْمٍ الأَنْصاريُّ، عَنِ القاسِمِ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها قالَتْ: سَمِعْت رَسولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "كُلُّ مُسْكِرٍ حَرامٌ وَما أَسْكَرَ مِنْهُ الفَرْقُ فَمِلْءُ الكَفِّ مِنْهُ حَرامٌ" (¬3). * * * باب النهي عن المسكر [3679] (حدثنا) أبو الربيع (سليمان بن داود) العتكي الزهراني شيخ الشيخين (ومحمد بن عيسى في) جماعة (آخرين قالوا: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: كل مسكر) في رواية لمسلم: "كل مسكر أسكر عن الصلاة" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 158، 171، والبزار 6/ 424 (2454)، والطبراني 13/ 15 (20)، والبيهقي 10/ 221، 221 - 222. وصححه الألباني في "الصحيحة" (1708). (¬2) رواه ابن أبي شيبة 12/ 167 (24215)، وأحمد 6/ 309، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 216، والطبراني 23/ 337، والبيهقي 8/ 296. وضعفه الألباني في "السلسلة الضعيفة" (4732). (¬3) رواه الترمذي (1866)، وأحمد 6/ 71، 72، 131. صححه الألباني في "صحيح الجامع" (4552). (¬4) مسلم (2001).

أي: صد عنها بما وجد فيه من صفة السكر، كما أشير إليه في قوله تعالى: {وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ} (¬1) (خمر) اتفق أصحابنا على أن كل ما أسكر من جميع الأنبذة يسمى خمرًا، لكن قال أكثرهم: هو مجاز، وإنما حقيقة الخمر: عصير العنب. وقال بعضهم: هو حقيقة، وظاهر الأحاديث (وكل مسكر حرام) ولمسلم في رواية: "كل مسكر خمر، وكل خمر حرام" (¬2) فنتج من هاتين المقدمتين: أن كل مسكر حرام، وشربه من الكبائر الموجبة للحد (ومن مات وهو) هذِه الواو واو الحال وجملة: هو (يشرب) في موضع نصب على الحال، أي: من مات حال شربه (الخمر) وكان (يدمنها) لفظ مسلم: "ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها" (¬3)، وروى ابن حبان في "صحيحه" عن ابن عباس قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من لقي اللَّه مدمن خمر، لقيه كعابد وثن" (¬4)، ومدمن الخمر هو الذي يعاقر شربها ويلازمه ولا ينفك عنه، وهذا تغليظ في أمرها وفي تحريمه والتحذير منه (لم يشربها في الآخرة) زاد البيهقي في روايته بلفظ: "لم يشربها في الآخرة وإن دخل الجنة" (¬5). وظاهره تأبيد عدم الشرب وإن دخل الجنة، فيشرب جميع أشربة الجنة من ماء، وعسل، ولبن ولا يشرب الخمر، لكن مع ذلك لا يتألم لعدم شربها ولا يتنغص من فقدها، فإن الجنة محل مطهر منزه عن ذلك كله، وإنما ¬

_ (¬1) المائدة: 91. (¬2) مسلم (2003/ 75). (¬3) مسلم (2003/ 73). (¬4) "صحيح ابن حبان" 12/ 167 (5347)، وضعفه محققه. (¬5) "شعب الإيمان" 5/ 6 (5573)، وهو في "السنن الكبرى" 8/ 288، 293، وليس فيه: "وإن دخل الجنة".

يكون هذا مع فقد (شرب الخمر) (¬1) كحاله مع المنازل التي رفع بها غيره عليه مع علمه برفعها، وأن صاحبها أعلى منه درجة وأفضل منه عند اللَّه، ومع ذلك فلا يحسد هذا الذي هو أعلى منه، ولا يتألم لشيء من ذلك استغناء بالذي أعطيه من الخير الكثير؛ لأن اللَّه تعالى قد طهرهم من كل نقص وصفة مذمومة؛ لقوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا} (¬2) وقال بهذا المعنى جماعة من العلماء. وقيل: ينسى خمر الجنة. وقيل: لا يشتهيها وإن ذكرها. كما أن من وفقه اللَّه في الدنيا لا يشتهي الملابس الفاخرة، والمآكل اللذيذة وإن ذكرها، وكل ذلك محتمل والأول أولى، وقيل: معنى الحديث أن حرمانه الخمر إنما هو في الوقت الذي يعذب في النار حتى يسقى طينة الخبال كما سيأتي، فإذا خرج من النار بالشفاعة أو بالرحمة، وأدخل الجنة لم يحرم شيئًا منها لا خمرًا ولا غيره، فإن حرمان شيء من لذات الجنة عقوبة، والجنة منزهة عن العقوبة بوجه من الوجوه. [3680] (حدثنا محمد بن رافع) بن أبي زيد سابور القشيري مولاهم، شيخ الجماعة، سوى ابن ماجه (النيسابوري) بفتح النون: نسبة إلى نيسابور أحسن مدن خراسان وأجمعها للخيرات، وقيل لها: نيسابور؛ لأن سابور لما نزلها قال: يصلح أن يكون هاهنا مدينة [وكانت قصبًا فأمر بقطع القصب وأن تبنى مدينة] (¬3)، فسميت ¬

_ (¬1) في (م)، (ل): شربها. (¬2) الحجر: 47. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

نيسابور؛ لأن الني: القصب، وقد جمع الحاكم (¬1) تاريخ علمائها في ثماني مجلدات. (قال: حدثنا إبراهيم بن عمر) ابن كيسان (¬2)، ثقة (الصنعاني) بفتح الصاد وكسر النون بعد الألف، نسبة إلى صنعاء مدينة باليمن مشهورة، كان اسمها في القديم: أزال، فلما وافتها الحبشة رأوها حصينة مبنية بالحجارة، فقالوا: صنعة. أي: حصنة، فسميت صنعاء يعني: حصينة، وأهلها يقولون في الإسلام: إنها القرية المحفوظة، والذي أسس عمدانها وابتدأ بنيانها سام بن نوح -عليه السلام-. (قال: سمعت النعمان) بن أبي شيبة عبيد الجندي، ثقة (يقول: عن طاوس) القراء (عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: كل مخمر) بضم الميم، وفتح الخاء، وتشديد الميم الثانية المفتوحة، أي: كل شيء خمر، أي: غطي وترك حتى تغير ريحها، يقال: اختمر الشيء وتخمر؛ إذا تغير ريحه عندما ترك فهو (خمر) مسكر (وكل مسكر) فهو (حرام) يحد شاربه قليلًا ما شربه أو كثيرًا (ومن شرب مسكرًا بخست) بضم الموحدة، وكسر الخاء المعجمة، أي: نقصت صلاته. أي: نقص ثوابها وأجرها، يقال: بخسه حقه إذا نقصه، قال اللَّه تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} (¬3) ومنه الحديث: "يأتي على ¬

_ (¬1) صاحب "المستدرك". وكتابه "تاريخ نيسابور" في حكم المفقود، لكن له مختصر لعبد الغافر الفارسي، مطبوع. وانظر: "سير أعلام النبلاء" 17/ 162. (¬2) كذا في الأصول، قال المزي في "تهذيبه" 2/ 159: وليس هو ابن كيسان هذا متأخر عَن ذاك. (¬3) يوسف: 20.

الناس زمان يستحل فيه الربا بالبيع، والخمر بالنبيذ، والبخس بالزكاة" (¬1). أي: يستحل فيه الربا باسم البيع المسمى بالعينة وغيرها، ويستحل فيه شرب الخمر باسم النبيذ الذي ينبذ في الماء للشرب، ويبخس فيه الولاة الناس بما يأخذونه باسم العشر، فيأخذون فيه المكس باسم عشر الزكاة واسم الصدقة كما هو مشاهد، فنسأل اللَّه تعالى العافية. (صلاته (¬2) أربعين صباحًا) ونحوه رواية أحمد عن أسماء بنت يزيد بلفظ: "من شرب الخمر لم يرض اللَّه عنه أربعين ليلة، فإن مات مات كافرًا" (¬3)، وللأصبهاني عن عائشة: "من شرب الخمر سخط اللَّه عليه أربعين صباحًا" (¬4)، وتخصص بهذا العدد -واللَّه أعلم- أن تأثير الشرب يستمر في الجسد أربعين صباحًا، وبعدها لا يبقى في الجسد منه أثر. ¬

_ (¬1) أورده الديلمي في "الفردوس" 2/ 321، عن أبي الدرداء، وذكره البغوي في "شرح السنة" 8/ 193 وجعله من قول الأوزاعي. وقال ابن القيم في "تهذيب السنن" 5/ 107 - وهو يسوق أدلة تحريم العينة-: الدليل الثامن: ما رواه ابن بطة عن الأوزاعي قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يأتي على الناس زمان يستحلون الربا بالبيع" يعني: العينة. وهذا وإن كان مرسلًا فهو صالح للاعتضاد به، ولا سيما وقد تقدم من المرفوع ما يؤكده، ويشهد له أيضًا: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- "ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير أسمها". . . إلخ. وقد نقل معنى هذا الكلام الامام الشوكاني في "نيل الأوطار" 3/ 611. (¬2) ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "السنن". (¬3) "مسند أحمد" 6/ 460. (¬4) "الترغيب والترهيب" 2/ 101 (1246). ورواه أيضًا الطبراني في "مسند الشاميين" 2/ 374 (1526)، وضعفه الألباني في "الضعيفة" (5242).

(فإن تاب) من شربه المحرم (تاب اللَّه تعالى عليه، فإن عاد) زاد الأصبهاني (¬1): "فمثل ذلك، وما يدريه لعل منيته تكون في تلك الليالي، فإن عاد سخط اللَّه عليه أربعين صباحًا، [وما يدريه لعل منيته تكون في تلك الليالي، فإن عاد سخط اللَّه عليه أربعين صباحًا] (¬2) فهذِه عشرون ومائة ليلة، فإن عاد" (¬3) (في الرابعة كان حقَّا على اللَّه تعالى أن يسقيه) بفتح أوله، ويجوز الضم (¬4)؛ لأن سقى وأسقى بمعنى واحد، وقرئ بهما (¬5)، وقيل: سقيته؛ ناولته ليشرب. وأسقيته؛ جعلت له سقيا يشرب منه (من طينة الخبال) بفتح الخاء المعجمة والموحدة المخففة، يعني: يوم القيامة كما في رواية (¬6). (قيل: وما طينة الخبال يا رسول اللَّه؟ قال: صديد أهل النار) ولمسلم والنسائي قال: "عرق أهل النار". أو "عصارة أهل النار" (¬7)، والخبال في الأصل: الفساد، وهو يكون في الأفعال والأبدان والعقول، والخبْل ¬

_ (¬1) "الترغيب والترهيب" (1246). (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل)، (م). (¬3) "الترغيب والترهيب" 2/ 101 (1246). (¬4) في (م): الرفع. (¬5) فاختلفوا في قراءة قوله تعالى: {نُسْقِيكُمْ} [المؤمنون: 21]، فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية حفص وحمزة والكسائي: {نُسْقِيكُمْ} برفع النون. وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر: (نَسقيكم) بفتح النون. انظر: "الحجة للقراء السبعة" 5/ 392 وما بعدها. (¬6) رواه النسائي 8/ 317، وفي "السنن الكبرى" 3/ 230، وابن ماجه (3377)، وأحمد 2/ 176 وغيرهم. (¬7) مسلم (2002/ 72)، "سنن النسائي" 8/ 327.

بالتسكين: الفساد، والخبَل بالتحريك: الجن، يقال: به خبل. أي: شيء من أهل الأرض. (ومن سقاه) أي: سقى الخمر طفلًا (صغيرًا لا يعرف حلاله من حرامه) أحترازًا من المراهق، لا سيما إن كان قرأ القرآن وشيئًا من كتب الفقه (كان حقَّا على اللَّه تعالى أن يسقيه من طينة الخبال) وفي رواية الترمذي: "فإن عاد في الرابعة لم تقبل له صلاة أربعين صباحًا، فإن تاب لم يتب اللَّه عليه، وسقاه من نهر الخبال". قيل: يا أبا عبد الرحمن، وما نهر الخبال؟ قال: نهر من صديد أهل النار (¬1). ولفظ رواية النسائي: "من شرب الخمر فلم ينتش لم تقبل له صلاة ما دام في جوفه أو عروقه منها شيء، وإن مات مات كافرًا، وإن انتشى لم تقبل له صلاة أربعين يومًا وإن مات فيها مات كافرًا" (¬2). والانتشاء بالشين المعجمة: أول السكر ومقدماته، وقيل: هو السكر نفسه. [3681] (حدثنا قتيبة) بن سعيد (حدثنا إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الزرقي مولاهم المدني القارئ، سكن بغداد، وأدب ابن المهدي: عليًّا (¬3) (عن داود بن بكر بن أبي الفرات) المدني، وثقه ابن معين (¬4) (عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ما أسكر كثيره فقليله حرام) أجمع المسلمون ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (1862). (¬2) "سنن النسائي الكبرى" 3/ 229. (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 3/ 56 - 57 (433)، "سير أعلام النبلاء" 8/ 228 - 230. (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 8/ 376 - 377 (1751).

على وجوب الحد على شاربها، سواء شرب قليلًا أو كثيرًا ولو قطرة واحدة، وأما حديث الترمذي عن عائشة: "ما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام" وفي رواية: "فالحسوة منه حرام" (¬1). فهو على سبيل التمثيل، وهو شامل للقطرة ونحوها، وأجمعوا أنه لا يقتل شاربها وإن تكرر، والفرق بفتح الراء إناء يسع ستة عشر رطلًا. [3682] (حدثنا عبد اللَّه بن مسلمة) بن قعنب (القعنبي) قال ابن دريد (¬2): النون فيه زائدة، وهو من التقعيب وهو تحريك الشيء. وغيره يجعل النون أصلية، وقال أبو جعفر: قعنب شجر يعمل منه القسي، وقيل: نبت أحمر (عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: سئل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن البتع) بكسر الموحدة، وسكون المثناة فوق، وهو نبيذ العسل كما سيأتي (فقال: كل شيء أسكر فهو حرام) لفظ البخاري: "كل شراب أسكر فهو حرام" (¬3). وقال: قال مَعْنُ -يعني: ابن عيسى القزاز، بالقاف وشدة الزاي الأولى-: [سألت مالكًا] (¬4) عن الفقاع فقال: إذا لم يسكر فلا بأس به (¬5). وهذا الحديث حجة لمالك والشافعي والجمهور: أن المسكر كله ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (1866) وقال: حديث حسن. (¬2) "الاشتقاق" (ص 222). (¬3) البخاري (242، 5585، 5586). (¬4) ما بين المعقوفين من "صحيح البخاري" قبل حديث (5585). (¬5) "صحيح البخاري" قبل حديث (5585).

من أي نوع كان من غير العنب فهو من الخمر المحرمة في القرآن والسنة، ألا ترى أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- لما سئل عن البتع قال: "كل شراب أسكر فهو حرام". فعلمنا أن المسألة إنما وقعت على ذلك الجنس من الشراب وهو البتع، ودخل فيه كل ما كان في معناه مما يسمى شرابًا مسكرًا من أي نوع كان، فإن قال أهل الكوفة: إن قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كل شراب أسكر". يعني به الجزء الذي يحدث عقبه السكر "فهو حرام"، فالجواب: أن الشراب اسم جنس، فيقتضي أن يرجع التحريم إلى الجنس كله، وهذا الطعام مشبع والماء مرو، يريد به الجنس، وكل جزء منه يفعل ذلك الفعل، واللقمة تشبع العصفور، وما هو أكثر منها يشبع ما هو أكبر من العصفور، وعلى هذا حتى يشبع الكبير، وكذلك جنس الماء يروي الحيوان على هذا الحد فكذلك النبيذ. قال الطبري: يقال لهم: أخبرونا عن الشربة التي يعقبها السكر أهي التي أسكرت صاحبها دون ما تقدمها من الشراب أم أسكرت باجتماعها مع ما تقدمها، وأخذت كل شربة بحظها من الإسكار فإن قالوا: إنما أحدث له السكر الشربة الآخرة التي وجد خبل العقل عقبها، قيل لهم: وهل هذِه التي أحدثت له ذلك إلا كبعض ما تقدم من الشربات قبلها؟ ! في أنها لو انفردت دون ما قبلها كانت غير مسكرة وحدها، وأنها إنما أسكرت باجتماعها واجتماع عملها فحدث عن جميعها السكر. (قال) المصنف (قرأت على يزيد بن عبد ربه) الحمصي المؤذن (الجرجسي) بضم الجيمين، بينهما راء ساكنة، وفي آخرها سين مهملة، كان ينزل بحمص عند كنيسة جرجس فنسب إليها، قال

السمعاني: وكان ثقة (¬1) (حدثكم محمد بن حرب) الأبرش الخولاني كاتب الزبيدي. (عن) محمد بن الوليد بن عامر (الزبيدي) بضم الزاي المعجمة، وفتح الموحدة مصغر نسبة إلى زبيد قبيلة من مذحج، قال الأوزاعي: لم يكن في أصحاب الزهري أثبت من الزبيدي، وقال المصنف: ليس في حديثه خطأ (¬2). (عن الزهري بهذا الحديث بإسناده وزاد: والبتع) هو (نبيذ العسل، كان أهل اليمن يشربونه) وسمي نبيذًا؛ لأنه ينبذ في الماء الذي في الآنية أيامًا حتى يصير خمرًا، فهو فعيل بمعنى مفعول. (قال) المصنف (وسمعت أحمد بن حنبل -رضي اللَّه عنه- يقول: لا إله إلا اللَّه! ) فيه استعمال لا إله إلا اللَّه عند التعجب كما تستعمل سبحان اللَّه! للتعجب (¬3) (ما كان أثبته! ) فكأنه يتعجب من كثرة إثبات يزيد بن عبد ربه في أقواله وأفعاله (ما كان فيهم مثله) بالرفع اسم (كان) يعني: (ما كان في أهل حمص مثله، يعني) يزيد بن عبد ربه (الجرجسي) [كما تقدم] (¬4)، وكذا كان لشيخه الزبيدي، قال ابن سعد: كان أعلم أهل الشام بالفتوى والحديث (¬5)، وكان الزهري متعجبًا به فقدمه على جميع أهل حمص. ¬

_ (¬1) "الأنساب" 3/ 242. (¬2) انظر هذِه الأقوال في "تهذيب الكمال" 26/ 590. (¬3) في (ل)، (م): عند التعجب. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل)، (م). (¬5) "الطبقات الكبرى" 7/ 465.

[3683] (حدثنا هناد) بن السري (حدثنا عبدة) بن سليمان الكلابي المقرئ، اسمه عبد الرحمن (عن محمد بن إسحاق) صاحب "المغازي" (عن يزيد بن أبي حبيب) الأزدي (عن مرثد) بفتح الميم والمثلثة (ابن عبد اللَّه) أبي الخير (اليزني) المصري، ويزن من حمير (عن ديلم) بن فيروز، وقال ابن عبد البر: هو ديلم بن أبي ديلم، ويقال: ديلم بن الهوشع (¬1). (الحميري) بكسر الحاء المهملة، وبسكون الميم نسبة إلى حمير، وهو من أصول القبائل باليمن، وفد ديلم على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ونزل مصر، وليس له غير هذا الحديث. (قال: سألت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقلت: يا رسول اللَّه، إنا) نازلون (¬2) (بأرض باردة) و (نعالج فيها عملًا شديدًا). أي: أعمالًا شديدة البأس (وإنا نتخذ) فيها (شرابًا من هذا القمح) نشربه كي (نتقوى به على أعمالنا) الشديدة (وعلى برد بلادنا) فهل يجوز لنا أن نشرب من هذا الشراب لاحتياجنا إليه؟ (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: هل يسكر؟ ) هذا السؤال منه -صلى اللَّه عليه وسلم- فيه تنبيه وإيماء إلى أن السكر المسؤول عنه هو العلة في تحريم الخمر، فلما سأله: هل يوجد فيه إسكار؟ (قلت: نعم) يسكر. (قال: اجتنبوه) في جميع حالاته، لوجود علة التحريم فيه وهو الإسكار، وهذا كسؤاله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أينقص الرطب إذا جف؟ " قال: نعم. قال: "فلا إذن". أي: إذا نقص في الجفاف فلا تبيعوا الرطب بالتمر. (قال: قلت: ) يا رسول اللَّه (فإن الناس غير) بالرفع (تاركيه) وإن أسكر ¬

_ (¬1) "الاستيعاب" 2/ 46. (¬2) في جميع النسخ، نازلين، والجادة ما أثبتناه.

(قال: فإن لم يتركوه) مع علمهم بالنهي عنه للإسكار (¬1) (فقاتلوهم) فيه قتال من لم يترك الخمر وواظب على شربه؛ لأن تركه من واجبات الإسلام كما أن تاركي الزكاة يقاتلون لقول أبي بكر: لو منعوني عقالًا كانوا يؤدونه إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لقاتلتهم عليه (¬2). ولقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ} (¬3) ولمفهوم الخطاب في قوله: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} (¬4) هذا إن كانوا جماعة فعلوا هذا، فإن كان واحدًا وشرب الخمر [ولم يتركه] (¬5) فيؤخذ منه الحد بالجلد كلما عاد إليه. [3684] (حدثنا وهب بن بقية) الواسطي شيخ مسلم (عن خالد) بن عبد اللَّه الواسطي الطحان (عن عاصم بن كليب) الجرمي الكوفي، أخرج له مسلم، واستشهد به البخاري تعليقًا (¬6). (عن أبي بردة) عامر بن أبي موسى [الأشعري (عن) أبيه (أبي موسى) عبد اللَّه بن قيس] (¬7) الأشعري -رضي اللَّه عنه- (قال: سألت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن شراب) يتخذ (من العسل فقال: ذاك) هو (البتع) شراب أهل اليمن، وهو بكسر الباء، قال الجوهري: ويقال: بفتح الباء أيضًا (قلت: و) إن قومي ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): عن الإسكار. (¬2) رواه البخاري (7284، 7285)، ومسلم (20) من حديث أبي هريرة. (¬3) التوبة: 29. (¬4) التوبة: 5. (¬5) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬6) قبل حديث (5838). (¬7) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

(ينبذون) بفتح أوله، وضم ثالثه، أي: يلقون (من الشعير والذرة) بضم الذال، وتخفيف الراء كما تقدم قبله. ولفظ مسلم: عن أبي موسى قال: بعثني النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنا ومعاذ بن جبل إلى اليمن، فقلت: يا رسول اللَّه إن شرابًا يصنع بأرضنا يقال له: المزر. من الشعير (¬1). وفي رواية: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعثه ومعاذًا (¬2) إلى اليمن فقال (¬3): "بشرا أو يسرا وعلما (¬4) ولا تنفرا". فقال: يا رسول اللَّه: إن لهم شرابًا من العسل يطبخ حتى يعقد، والمزر يصنع من الشعير (¬5) (فقال: ذاك المزر) بكسر الميم نبيذ، فيتخذ من الذرة كما في الحديث، وقد يتخذ من الشعير أو الحنطة. (ثم قال: أخبر) بفتح الهمزة (قومك أن) بفتح الهمزة مفعول ثانٍ لـ (أخبر) (كل مسكر حرام) هذا من جوامع كلمه -عليه السلام-، وفيه أنه يستحب للمفتي إذا رأى للسائل حاجة إلى غير ما سأل أن يضمه في الجواب إلى المسؤول عنه، ونظير هذا الحديث أنه لما سئل عن ماء البحر فقال: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" (¬6). ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1733). (¬2) في (م): معاذ بن جبل. (¬3) ساقطة من (ب). (¬4) ساقطة من (م). (¬5) السابق. (¬6) سبق برقم (83) من حديث أبي هريرة، ورواه الترمذي (69) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي 1/ 50، وابن ماجه (386)، صححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" 1/ 145 (76).

[3685] (حدثنا موسى بن إسماعيل) [التبوذكي (حدثنا حماد) بن سلمة (عن محمد بن إسحاق) صاحب "المغازي" (عن يزيد بن أبي حبيب) الأزدي] (¬1) (عن الوليد بن عبدة) بالعين المهملة المفتوحة، وبعدها موحدة مفتوحة أيضًا، قال ابن يونس في "تاريخ المصريين": هو مولى عمرو بن العاص ويقال: عمرو بن الوليد بن عبدة، وذكر هذا الحديث، وذكر (¬2) أن وفاته سنة مائة (¬3)، وذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4). (عن عبد اللَّه بن عمر) قال المنذري: الذي وقع في رواية ابن العبد عن أبي داود: عبد اللَّه بن عمرو، وقال: هو الصواب (¬5) (أن نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن) شرب (الخمر و) نهى (عن الميسر) وهو: القمار بكسر القاف، وقيل؛ الميسر: الجزور التي كانوا يتقامرون عليها (و) عن (الكوبة) بضم الكاف، وسكون الواو، وفتح الموحدة هو الطبل الصغير المخصر معرب، وقال أبو عبيد: هو النرد في كلام أهل (¬6) اليمن (¬7). وقيل: البربط، ومنه حديث علي: أمرنا بكسر الكوبة والكنَّارة والشياع (¬8). ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل)، (م). (¬2) في (م): وقال. (¬3) "تاريخ ابن يونس" 1/ 502. (¬4) 5/ 493. (¬5) "مختصر سنن أبي داود" 5/ 269. (¬6) ساقطة من (م). (¬7) "غريب الحديث" 2/ 327. (¬8) لم أقف عليه من حديث علي، ولكن روي معناه كما أورد المصنف.

والكنَّارة بكسر الكاف، وفتحها، وتشديد النون هو العود، وسميت الكرينة، وهي الضاربة بالعود لضربها بالكنار، وفي صفته -عليه السلام-: "بعثتك بمحو المعازف والكنارات" (¬1)، وأما الشياع فهو بكسر الشين المعجمة، وتخفيف المثناة التحتانية، وهي المفاخرة بكثرة الجماع، وقال أبو عمر: إنه تصحيف، وهو بالسين المهملة، والباء الموحدة (¬2)، وقال الإمام (¬3) والغزالي (¬4): الكوبة طبل طويل ضيق الوسط. وقال عبد اللطيف: الكوبة: طبل ضيق الوسط، واسع الطرفين، كان شباب قريش يلعبون به بين الصفا والمروة، وفيه دليل على تحريم الكوبة، والمعنى فيه التشبيه بالمخنثين فإنهم يعتادون الضرب به، هذا هو المشهور، وتوقف الإمام في تحريمه لعدم صحة الحديث عنده، وقد رواه الإمام أحمد وصححه ابن حبان [في "صحيحه" (¬5)]. ¬

_ (¬1) روى أحمد 5/ 257، 268، والطيالسي 2/ 454 (1230)، والحارث بن أبي أسامة في "مسنده" كما في "بغية الباحث" (771)، وأحمد بن منيع في "مسنده" كما في "إتحاف الخيرة المهرة" 4/ 373، والروياني في "مسنده" 2/ 290، والطبراني 8/ 196 - 197 (7803، 7804)، 8/ 211 (7852)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" 1/ 596، 598 (1025، 1028) عن أبي أمامة مرفوعًا: "إن اللَّه بعثني رحمة وهدى للعالمين، وأمرني أن أمحق المزامير والكنارات -يعني: البرابط- والمعازف. . . ". وهو ضعيف، ضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب" (1421). (¬2) نقله كذلك ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 520. (¬3) "نهاية المطلب" 19/ 23. (¬4) "الوسيط" 7/ 350. (¬5) "مسند أحمد" 1/ 274، 289، 350، "صحيح ابن حبان" 12/ 187 (5365) عن =

(و) نهى عن (الغبيراء) بضم الغين المعجمة، وفتح الموحدة (¬1) مصغر، وقد اختلف في تفسيرها، فقال في "النهاية": في حديث: "فإياكم والغبيراء فإنها خمر العالم" (¬2). ثم قال: هي ضرب من الشراب يتخذه الحبش من الذرة، وتسمى: السكركة (¬3). بضم الكاف الأولى، وتسكين الراء. وقال ثعلب: هي خمر تعمل من التمر المعروف. أي: مثل الخمر، وقيل: الغبيراء هي الطنبور. وقيل: العود، وقيل: البربط (وقال: كل مسكر حرام) تقدم قريبًا. [3686] (حدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة الخراساني (حدثنا أبو شهاب عبد ربه بن نافع) الحناط الكناني الكوفي نزيل المدائن، وهو الأصغر، أخرج له مسلم (¬4). (عن الحسن بن عمرو) الكوفي التميمي، أخرج له البخاري ¬

_ = ابن عباس. وصححه أيضًا الألباني في "الصحيحة" (2425). وما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬1) زاد هنا في (ل)، (م): تصغير أغبر كحميراء تصغير أحمر. (¬2) رواه أحمد 3/ 422، وابن أبي شيبة في "المصنف" 5/ 97 (24070)، وفي "المسند" كما في "إتحاف الخيرة المهرة" 4/ 387 من حديث قيس بن سعد بن عبادة. وأعله ابن الملقن في "البدر المنير" 9/ 649، وضعف إسناده الألباني في "تحريم آلات الطرب" (ص 61). (¬3) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/ 338. (¬4) قلت: وأخرج له البخاري أيضا. انظر "تهذيب الكمال" 16/ 485.

(الفُقَيمي) بضم الفاء، وفتح القاف، مصغر (¬1)، نسبة إلى فقيم بن مالك ابن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، وقيل: فقيم بن جرير بن دارم. (عن الحكم بن عتيبة) بضم المهملة، وفتح المثناة فوق، مصغر، الكندي، مولاهم، فقيه الكوفة (عن شهر بن حوشب) بفتح الحاء المهملة الشامي، روى له البخاري في "الأدب" ومسلم مقرونًا بغيره. (عن أم سلمة) هند زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (قالت: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن كل مسكر ومفتر) بضم الميم، وفتح الفاء، وتشديد المثناة فوق المكسورة، [ويجوز فتحها] (¬2)، ويجوز تخفيف التاء مع الكسر، وهو كل شراب يورث الفتور والخدر في أطراف الأصابع، وهو مقدمة السكر. قال في "النهاية": المفتر الذي إذا شرب حمي الجسد، وصار فيه فتور، وهو ضعف وانكسار، يقال: أفتر الرجل فهو مفتر إذا ضعفت جفونه، وانكسر طرفه، فإما أن يكون أفتره بمعنى فتره، أي: جعله فاترًا، وإما أن يكون أفتر الشراب إذا أفتر صاحبه، كأقطف الرجل إذا قطفت دابته (¬3). ومقتضى هذا: سكون الفاء، وكسر المثناة فوق مع التخفيف، وعطف المفتر على المسكر يدل على أنه غيره؛ لأن العطف يقتضي المغايرة، فيجوز حمل المسكر على الذي فيه شدة مطربة، وهو محرم يجب فيه الحد، ويحمل المفتر على النبات كالحشيش الذي يتعاطاه ¬

_ (¬1) ساقط من (ل)، (م). (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/ 480.

السفلة. وقد نقل الرافعي والنووي (¬1) في باب الأطعمة عن الروياني: أن النبات الذي يسكر وليس فيه شدة مطربة يحرم أكله ولا حد فيه. ويقال: إن الزعفران يسكر (¬2) إذا استعمل مفردًا بخلاف ما إذا استهلك في الطعام، وكذا البنج: شرب الكثير من مائه يزيل العقل، وهو حرام إذا أزال العقل، لكن لا حد فيه. [3687] (حدثنا مسدد وموسى بن إسماعيل قالا: ثنا مهدي (¬3) بن ميمون) الأزدي مولاهم المعولي البصري (حدثنا أبو عثمان، قال موسى) بن إسماعيل التبوذكي في روايته: أبو عثمان (عمرو بن سالم الأنصاري) المدني ثم الخراساني، وكان على قضاء مرو، قيل: اسمه مسلم (¬4). وقيل: سليم. وقال الحاكم: هو معروف بكنيته (¬5). (عن القاسم) بن محمد (عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: كل مسكر حرام) كما تقدم (وما أسكر منه الفرق) بفتح الراء وسكونها، والفتح أشهر، وهو مكيال يسع ستة عشر رطلًا، وقيل: هو بفتح الراء كذلك، فإذا سكنت فهو مائة وعشرون رطلًا (فملء الكف منه حرام) ورواه الإمام أحمد في "الأشربة" بلفظ: "فالأوقية منه حرام" (¬6). ¬

_ (¬1) "المجموع" 9/ 39. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) فوقها في (ح)، (ل): (ع). (¬4) كذا في جميع النسخ: والصواب: سلم. (¬5) انظر: "تهذيب الكمال" 34/ 69 (7503). (¬6) "الأشربة" (ص 6، 43).

وقد أجمعوا على أن الحد واجب على شاربها، سواء شرب قليلًا أو كثيرًا ولو قطرة واحدة، وذكره: (ملء الكف) أو (الأوقية) في الحديث على سبيل التمثيل، وإنما العبرة بأن التمثيل شامل (¬1) للقطرة ونحوها، وأجمعوا أنه لا يقتل بشربها وإن تكرر شربه. * * * ¬

_ (¬1) في (م): يتناول.

6 - باب في الداذي

6 - باب في الدّاذيِّ 3688 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا زَيْدُ بْن الحُبابِ، حَدَّثَنا مُعاوِيَةُ بْنُ صالِحٍ عَنْ حاتِمِ بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ مالِكِ بْنِ أَبي مَرْيَمَ قالَ دَخَلَ عَلَيْنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ فَتَذَاكَرْنَا الطِّلاءَ، فَقالَ: حَدَّثَني أَبُو مالِكٍ الأشْعَريُّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "لَيَشْرَبَنَّ ناسٌ مِنْ أُمَّتي الخَمْرَ يُسَمُّونَها بِغَيْرِ اسْمِها" (¬1). 3689 - قالَ أَبُو داوُدَ، حَدَّثَنا شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ واسِطٍ قالَ: حَدَّثَنا أَبُو مَنْصُورٍ الحارِثُ بْن مَنْصُورٍ قالَ: سَمِعْتُ سُفْيانَ الثَّوْريَّ وَسُئِلَ، عَنِ الدّاذيِّ فَقالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَيَشْرَبَنَّ ناسٌ مِنْ أُمَّتي الخَمْرَ يُسَمُّونَها بِغَيْرِ اسْمِها". قالَ أَبو داوُدَ: وقالَ سُفْيانُ الثَّوْريُّ: الدّاذيُّ شَرابُ الفاسِقِينَ (¬2). * * * باب في الداذي بالدال مهملة، وبعد الألف ذال معجمة، سئل سفيان الثوري عن الداذي فقال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تستحل أمتي الخمر باسم يسمونها به". قال الأزهري: الداذي هو حب يطرح في النبيذ فيشتد حتى يسكر (¬3). [3688] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا زيد بن الحباب) بضم الحاء المهملة، وتخفيف الموحدة، العكلي، أخرج له مسلم (حدثنا معاوية بن ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (4020)، وأحمد 5/ 342. قال الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (2378): صحيح لغيره. (¬2) في "علل أحمد" (2003): حدثنا يحيى بن يمان، قال: سمعت سفيان ينهى عن الداذي، وينهى الصيادلة أن يبيعوه. (¬3) لم أقف عليه في كتبه، وهو في "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 147.

صالح) بن حدير الحضرمي الحمصي قاضي الأندلس، أخرج له مسلم (عن حاتم بن حريث) بضم الحاء المهملة مصغر، الطائي، قال أبو حاتم: شيخ (¬1) (عن مالك بن أبي مريم) الحكمي، حكم بن سعد العشيرة، له هذا الحديث فقط (¬2) (قال: دخل علينا عبد الرحمن بن غنم) بفتح (¬3) الغين المعجمة وسكون النون، الأشعري، أخرج له البخاري في باب من يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه (¬4) (فتذاكرنا الطلاء) بكسر الطاء المهملة ممدود، وهو الشراب المطبوخ من عصير العنب حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه، ويصير ثخينًا مثل طلاء الإبل، ويسمى المثلث. (فقال: حدثني أبو مالك) قيل: اسمه الحارث بن الحارث. وقيل: اسمه عبد اللَّه (الأشعري) واقتصاره على أبي مالك يدل على أن الشك الوارد في البخاري: أبو عامر أو أبو [مالك (¬5)، المراد به: أبو] (¬6) مالك الأشعري، كما قاله علي بن المديني وغيره (أنه سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول) واللَّه (ليشربن) بفتح الباء الموحدة ونون التوكيد (ناس من أمتي الخمر) لفظ رواية البخاري: الأشعري واللَّه ما كذبني، سمع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر، والحرير، والخمر، ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 3/ 257. (¬2) "تاريخ دمشق" 56/ 494 (7183)، "تهذيب الكمال" 27/ 156 (5751). (¬3) في (ل)، (م): بضم. (¬4) "صحيح البخاري" (5590). (¬5) البخاري (5590). (¬6) ساقطة من (م).

والمعازف" انتهى (¬1). يعني: يشربونها و (يسمونها بغير اسمها) [يعني: يسمونها] (¬2) الداذي، كما بوب عليه المصنف، ويسمونها الطلاء كما تذاكروه في الحديث، يريد أنهم يشربون النبيذ المسكر المطبوخ، ويسمونه طلاء، تحرجوا من أن يسموه (¬3) خمرًا، وقد جاء فيه توعد شديد لم يذكره المصنف. وأشار إليه البخاري في التبويب ولم يذكره؛ لكونه ليس على شرطه، وقد جاء مبينًا فيما قال ابن أبي شيبة: حدثنا زيد بن الحباب، عن معاوية ابن صالح قال: حدثنا حاتم بن حريث، عن مالك بن أبي مريم، عن عبد الرحمن بن غنم قال: حدثني أبو مالك الأشعري أنه سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "يشرب ناس من أمتي الخمر، يسمونها بغير اسمها، يضرب على رؤوسهم بالمعازف والقينات، يخسف اللَّه بهم الأرض، ويجعل منهم القردة والخنازير" (¬4). وقال ابن وهب: حدثني عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن محمد بن عبد اللَّه، أن أبا مسلم الخولاني حج فدخل على عائشة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فجعلت تسأله عن الشام وعن بردها، فقال: يا أم المؤمنين، إنهم يشربون شرابًا لهم يقال له: الطلاء. فقالت: صدق اللَّه وبلغ حبيبي، سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إن ناسًا من أمتي ¬

_ (¬1) البخاري (5590). (¬2) ساقطة من (م). (¬3) في النسخ الخطية: يسمونه. والمثبت هو الصواب. (¬4) "مصنف ابن أبي شيبة" 5/ 67 (23748).

يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها" (¬1). فيجمع بين هذِه الأحاديث بأن الذين يسمونها بغير اسمها هم الذين يستحلون الخمر، ودليله ما رواه ابن أبي شيبة من حديث عبادة بن الصامت قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ليستحلن آخر أمتي الخمر، يسمونها بغير اسمها" (¬2). * * * ¬

_ (¬1) "الجامع" لابن وهب (46)، ورواه من طريقه الحاكم في "المستدرك" 4/ 147، والبيهقي 8/ 294. (¬2) "مصنف ابن أبي شيبة" 5/ 67 (23749)، في "سنن أبي داود" بعد حديث الباب حديث (3689)، وقد أشار إليه المصنف بعد ترجمة الباب وهو حديث الثوري مرفوعًا إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مرسلًا.

7 - باب في الأوعية

7 - باب في الأَوْعِيَةِ 3690 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ الواحِدِ بْنُ زِيادٍ، حَدَّثَنا مَنْصُورُ بْنُ حيّانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرِ، عَنِ ابن عُمَرَ وابْنِ عَبّاسٍ قالا نَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عَنِ الدُّبّاءِ والحَنْتَمِ والمُزَفَّتِ والنَّقِيرِ (¬1). 3691 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ وَمُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ -الَمعْنَى- قالا: حَدَّثَنا جَرِيرٌ عَنْ يَعْلَى -يَعْني: ابن حَكِيمٍ- عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قالَ: سَمِعْتْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقول حَرَّمَ رَسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَبِيذَ الجَرِّ فَخَرَجْتْ فَزِعًا مِنْ قَوْلِهِ: حَرَّمَ رَسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَبِيذَ الجَرِّ فَدَخَلْتْ عَلَى ابن عَبّاسٍ فَقُلْتُ: أَما تَسْمَعُ ما يَقولُ ابن عُمَرَ؟ قالَ: وَما ذاكَ؟ قُلْتُ: قالَ: حَرَّمَ رَسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَبِيذَ الجَرَّ. قالَ: صَدَقَ، حَرَّمَ رَسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَبِيذَ الجَرِّ. قُلْتُ: ما الجَرُّ؟ قالَ: كُلُّ شَيء يُصْنَعُ مِنْ مَدَرٍ (¬2). * * * باب في الأوعية [3690] (حدثنا مسدد، حدثنا عبد الواحد بن زياد) (¬3) العبدي مولاهم البصري (حدثنا منصور بن حيان) بفتح المهملة وتشديد المثناة تحت، الأسدي، أخرج له مسلم (عن سعيد بن جبير، عن) عبد اللَّه (ابن عمر وابن عباس -رضي اللَّه عنهم- قالا: نشهد أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن الدباء) الدباء والقرع: اسمان مترادفان لمسمى (¬4) واحد، واحدها: دباءة، كانوا ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1997). (¬2) رواه مسلم (1997) (47). (¬3) فوقها في (ح)، (ل): (ع). (¬4) في (م): لشيء.

ينتبذون فيها فتسرع الشدة في الشراب. (والحنتم) بفتح الحاء المهملة: جرار خضر مدهونة، كانت تحمل الخمر فيها إلى المدينة، ثم اتسع فيها فقيل للخزف كله: حنتم، واحدتها: حنتمة، وإنما نهى عن الانتباذ فيها؛ لأنها تسرع الشدة فيها لأجل دهنها. وقيل: لأنها كانت تعمل من طين يعجن بالدم والشعر، فنهى عنها ليمتنع من عملها، والأول أوجه. (والمزفت) وهو الإناء الذي طلي بالزفت، وهو نوع من القار (والنقير) هو أصل النخلة ينقر في جوفه أو جنبه، وينبذ فيه، وهو: فعيل بمعنى: مفعول، وتحريم الانتباذ في هذِه الظروف كان في صدر الإسلام، ثم نسخ بحديث ابن بريدة الآتي: "اشربوا في كل وعاء كير أن لا تشربوا مسكرًا" (¬1). [3691] (حدثنا موسى بن إسماعيل، ومسلم بن إبراهيم) الأزدي الفراهيدي، شيخ البخاري (المعنى قالا: حدثنا جرير) (¬2) بفتح الجيم هو ابن حازم الأزدي البصري (عن يعلى بن حكيم) الثقفي، أخرج له الشيخان. (عن سعيد بن جبير قال: سمعت عبد اللَّه [بن عمر] (¬3) رضي اللَّه عنهما [يقول] (¬4): حرم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نبيذ الجر) بفتح الجيم وتشديد الراء، جمع ¬

_ (¬1) يأتي قريبًا برقم (3698). (¬2) فوقها في (ح)، (ل): (ع). (¬3) ساقطة من (ل)، (م). (¬4) ليست في النسخ الخطية، وأثبتناها من "السنن".

جرة، كتمر جمع تمرة، وهو بمعنى الجرار، الواحدة: جرة، زاد في البخاري: "الأخضر" من رواية ابن أبي أوفى (¬1)، وهذا يدخل فيه جميع أنواع الجرار من الحنتم وغيره، [وهو منسوخ كما سبق] (¬2). قال سعيد بن جبير: (فدخلت على ابن عباس رضي اللَّه عنهما فقلت: أما تسمع) لفظ مسلم: فقلت: ألا تسمع. (ما يقول ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال: وما ذاك؟ قلت: قال) لفظ مسلم: قال: وما يقول؟ قلت: قال: (حرم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نبيذ الجر) بفتح الجيم كما تقدم. (قال: ) ابن عباس (صدق) ابن عمر (حرم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نبيذ الجر) أي: كل نبيذ ينبذ في جرة (قلت: ) لابن عباس (ما الجر؟ ) يوضحه رواية مسلم (¬3): فقلت: وأي شيء نبيذ الجر؟ (قال: كل شيء يصنع من) الـ (مدر) هذا تصريح من ابن عباس أن الجر يدخل فيه جميع أنواع الجرار المتخذة من المدر الذي هو التراب والطين، يقال: مدرت الحوض أمدره، إذا أصلحته بالمدر، وهو الطين من التراب. * * * ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (5596). (¬2) ساقطة من (ل). (¬3) مسلم (1997/ 47).

8 - باب وفد عبد القيس

8 - باب وفد عبد القيس 3692 - حَدَّثَنا سُلَيْمان بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْن عُبَيْدٍ قالا: حَدَّثَنا حَمّادٌ ح وَحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبّادُ بْنُ عَبّادٍ، عَنْ أَبي جَمْرَةَ قالَ: سَمِعْتُ ابن عَبّاسٍ يَقُولُ -وقالَ مُسَدَّدٌ عَنِ ابن عَبّاسٍ وهذا حَدِيثُ سُلَيْمانَ قالَ- قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ القَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالُوا: يا رَسولَ اللَّهِ إِنّا هذا الحَي مِنْ رَبِيعَةَ قَدْ حالَ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ كُفّارُ مُضَرَ وَلَسْنا نَخْلُصُ إِلَيْكَ إِلَّا في شَهْرٍ حَرامٍ فَمُرْنا بِشَيء نَأْخُذُ بِهِ وَنَدْعُو إِلَيْهِ مَنْ وَراءَنا. قالَ: "آمرُكُمْ بِأَرْبَعٍ وَأَنْهاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ الإِيمانُ باللَّهِ وَشَهادَةُ أَنْ لا إله إِلَّا اللَّهُ". وَعَقَدَ بِيَدِهِ واحِدَةً. وقالَ مُسَدَّدٌ الإِيمانُ باللَّهِ ثُمَّ فَسَّرَها لَهُمْ شَهادَةَ أَنْ لا إله إِلَّا اللَّهُ: "وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقامُ الصَّلاةِ وَإِيتاءُ الزَّكاةِ وَأَنْ تُوَدُّوا الخُمُسَ مِمّا غَنِمْتُمْ وَأَنْهاكُمْ عَنِ الدُّبّاءِ والحَنْتَمِ والمُزَفَّتِ والمُقيَّرِ". وقالَ ابن عُبَيْدٍ: النَّقِيرِ مَكانَ المُقيَّرِ. وقالَ مُسَدَّدٌ: والنَّقِيرِ والمُقيَّرِ وَلَمْ يَذْكُرِ الُمزَفَّتِ. قالَ أَبو داوُدَ: أَبُو جَمْرَةَ نَصْرُ ابْنُ عِمْرانَ الضُّبَعيُّ (¬1). 3693 - حَدَّثَنا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، عَنْ نُوحِ بْنِ قَيْسٍ، حَدَّثَنا عَبْد اللَّهِ بْن عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبي هُريرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ لِوَفْدِ عَبْدِ القَيْسِ: "أَنْهاكُمْ عَنِ النَّقِيرِ والمُقيَّرِ والحَنْتَمِ والدُّبّاءِ والمَزادَةِ المَجْبُوبَةِ، ولكن اشْرَبْ في سِقائِكَ وَأَوْكِه" (¬2). 3694 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا أَبانُ، حَدَّثَنا قَتادَةُ، عَنْ عِكْرِمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ المُسيَّبِ عَنِ ابن عَبّاسٍ في قِصَّةِ وَفْدِ عَبْدِ القَيْسِ قالُوا فِيمَ نَشْرَبُ يا نَبيَّ اللَّهِ فَقالَ نَبيُّ اللَّهِ: "عَلَيْكُمْ بِأَسْقِيَةِ الأَدَمِ التي يُلاثُ عَلَى أَفْواهِها" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (53)، ومسلم (17). (¬2) رواه مسلم (1993). (¬3) رواه أحمد 1/ 361، والنسائي في "السنن الكبرى" 4/ 188 (6833). وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (4051).

3695 - حَدَّثَنا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، عَنْ خالِدٍ عَنْ عَوْفٍ، عَنْ أَبي القَمُوصِ زَيْدِ بْنِ عَليٍّ حَدَّثَني رَجُلٌ كَانَ مِنَ الوَفْدِ الذِينَ وَفَدُوا إِلَى النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْ عَبْدِ القَيْسِ يَحْسِبُ عَوْفٌ أَنُّ اسْمَهُ قَيْسُ بْنُ النُّعْمانِ فَقالَ: "لا تَشْرَبُوا في نَقِيرٍ وَلا مُزَفَّتٍ وَلا دُبّاءٍ وَلا حَنْتَمٍ واشْرَبُوا في الجِلْدِ المُوكَإِ عَلَيْهِ فَإِنِ اشْتَدَّ فاكْسِرُوهُ بِالماءِ فَإِنْ أَعْياكُمْ فَأهْرِيقُوهُ" (¬1). 3696 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ بَشّارٍ، حَدَّثَنا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ عَليِّ بْنِ بَذِيمَةَ حَدَّثَني قَيْسُ بْنُ حَبْتَرٍ النَّهْشَليُّ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ وَفْدَ عَبْدِ القَيْسِ قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ فِيمَ نَشْرَبُ قالَ: "لا تَشْربُوا في الدُّبّاءِ وَلا في المُزَفَّتِ وَلا في النَّقِيرِ وانْتَبِذُوا في الأَسْقِيَةِ". قالُوا: يا رَسولَ اللَّهِ فَإِنِ اشْتَدَّ في الأَسْقِيَةِ قالَ: "فَصُبُّوا عَلَيْهِ الماءَ". قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ. فَقالَ لَهُمْ في الثّالِثَةِ أَوِ الرّابِعَةِ: "أَهْرِيقُوهُ". ثُمَّ قالَ: "إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَليَّ أَوْ حُرِّمَ الخَمْرُ والمَيْسِرُ والكُوبَةُ". قالَ: "وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرامٌ". قالَ سُفْيانُ: فَسَأَلْتُ عَليَّ بْنَ بَذِيمَةَ، عَنِ الكُوبَةِ؟ قالَ: الطَّبْلُ (¬2). 3697 - حَدَّثَنا مُسَدَّد، حَدَّثَنا عَبْد الواحِدِ، حَدَّثَنا إِسْماعِيل بْنُ سُمَيْعٍ، حَدَّثَنا مالِكُ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ عَليٍّ -عليه السلام- قالَ نَهانا رَسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَن الدُّبّاءِ والحَنْتَمِ والنَّقِير والجِعَةِ (¬3). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 206، والفسوي في "المعرفة والتاريخ" 1/ 297 - 298، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 5/ 352 - 353 (2934)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 221، وابن قانع في "معجم الصحابة" 2/ 346، والبيهقى 8/ 302. صححه الألباني في "صحيح الجامع" (2550). (¬2) انظر ما سلف بالرقمين (1990، 1992)، وهو صحيح. (¬3) رواه النسائي 8/ 166، وأحمد 1/ 138. ورواه الترمذي (2808)، والنسائي 8/ 165 - 166، 302 بذكر النهي عن الجعة. صححه الألباني في "صحيح سنن النسائي".

3698 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن يُونُسَ، حَدَّثَنا مُعَرِّفُ بْن واصِلٍ عَنْ مُحارِبِ بْنِ دِثارٍ، عَنِ ابن بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نَهَيْتُكُمْ عَنْ ثَلاثٍ وَأَنا آمُرُكُمْ بِهِنَّ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيارَةِ القُبُورِ فَزُورُوها، فَإِنَّ في زِيارَتِها تَذْكِرَةً وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ الأَشْرِبَةِ أَنْ تَشْرَبُوا إِلَّا في ظُرُوفِ الأَدَمِ فاشْرَبُوا في كُلِّ وِعاءٍ غَيْرَ أَنْ لا تَشْربُوا مُسْكِرًا وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الأَضاحي أَنْ تَأْكُلُوها بَعْدَ ثَلاثٍ فَكُلُوا واسْتَمْتِعُوا بِها في أَسْفارِكُمْ" (¬1). 3699 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ سُفْيانَ، حَدَّثَني مَنْصُوِرٌ، عَنْ سالِمِ بْنِ أَبي الجَعْدِ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: لَمّا نَهَى رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنِ الأَوْعِيَةِ قالَ قالَتِ الأَنْصارُ إِنَّهُ لا بُدَّ لَنا. قالَ: "فَلا إِذًا" (¬2). 3700 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن جَعْفَرِ بْنِ زِيادٍ، حَدَّثَنا شَرِيكٌ، عَنْ زِيادِ بْنِ فيّاضٍ، عَنْ أَبي عِياضٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قالَ: ذَكَرَ رَسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- الأَوعِيَةَ الدُّبّاءَ والحَنْتَمَ والمُزَفَّتَ والنَّقِيرَ فَقالَ أَعْرابيُّ إِنَّهُ لا ظُرُوفَ لَنا. فَقالَ: "اشْرَبُوا ما حَلَّ" (¬3). 3701 - حَدَّثَنا الحَسَنُ -يَعْني ابن عَليٍّ- حَدَّثَنا يَحْيَى بْن آدَمَ، حَدَّثَنا شَرِيكٌ بإِسْنادِهِ قالَ: "اجْتَنِبُوا ما أَسْكَرَ" (¬4). 3702 - حَدَّثَنا عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّدٍ النُّفَيْليُّ، حَدَّثَنا زهَيْرٌ، حَدَّثَنا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: كانَ يُنْبَذ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- في سِقاءٍ، فَإذا لَمْ يَجدُوا سِقاءً نُبِذَ لَهُ في تَوْرٍ مِنْ حِجارَةٍ (¬5). * * * ¬

_ (¬1) رواه مسلم (977). (¬2) رواه البخاري (5592). (¬3) رواه البخاري (5593)، ومسلم (2000). (¬4) انظر السابق. (¬5) رواه مسلم (1999).

[باب وفد عبد القيس] [3692] (حدثنا سليمان بن حرب، ومحمد بن عبيد) تصغير عبد، وهو ابن حساب الغبري البصري (قالا: حدثنا حماد) بن زيد (وحدثنا) أيضًا (مسدد قال: حدثنا عباد بن عباد، عن أبي جَمرة) بفتح الجيم وسكون الميم، واسمه نصر بن عمران بن عصام الضُّبعي بضم الضاد البصري، قال صاحب "المطالع": ليس في الصحيحين "والموطأ": أبو جمرة، ولا جمرة بالجيم إلا هو (¬1). وروى عن ابن عباس أيضًا: أبو حمزة بالحاء والزاي حديثًا واحدًا فيه ذكر معاوية بن أبي سفيان وإرسال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إليه ابن عباس وتأخره واعتذاره، رواه مسلم (¬2). (قال: سمعت ابن عباس يقول. وقال مسدد) في روايته (¬3) (عن ابن عباس، وهذا حديث سليمان) بن حرب (قال: ) ابن عباس (قدم وفد) والوفد هم الجماعة المختارة من القوم؛ ليتقدموهم في لقي العظماء والمصير إليهم في المهمات، واحدهم وافد (عبد القيس) هؤلاء تقدموا قبائل عبد القيس للمهاجرة إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكانوا أربعة عشر راكبًا، الأشج العصري رئيسهم (على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) وكان سبب وفودهم أن منقذ بن حبان أحد بني غنم بن وديعة، كان متجره إلى يثرب في الجاهلية، فشخص إلى يثرب بملاحف وتمر من هجر بعد ¬

_ (¬1) "مطالع الأنوار" 2/ 198. (¬2) مسلم (2604). (¬3) في (ل)، (م): رواية.

هجرة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إليها، فبينا منقذ قاعد إذ مر به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فنهض منقذ إليه، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أمنقذ بن حبان؟ كيف قومك؟ " ثم سأله عن أشرافهم [رجل رجل] (¬1) يسميهم بأسمائهم، فأسلم منقذ وتعلم سورة الفاتحة و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} (¬2)، ثم رحل قبل هجر، فكتب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- معه إلى عبد القيس كتابًا، فذهب به [وكتمه أيامًا، ثم اطلعت عليه امرأته بنت المنذر بن عائذ، والمنذر هو الأشج، سماه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-به] (¬3)؛ لأثر كان في وجهه (فقالوا: يا رسول اللَّه، إنا هذا الحيّ) الحي: منصوب على التخصيص، قال ابن الصلاح: الذي نختاره نصب الحي على التخصيص، ويكون خبر (إن) قوله: (من ربيعة) ومعناه: إنا هذا الحي حي من ربيعة (¬4). لأن عبد القيس بن أفصى -بالفاء والصاد- بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار، والحي اسم لمنزل القبيلة، ثم سميت القبيلة به؛ لأن بعضهم يحيى ببعض. و (قد حال بيننا وبينك كفار مضر) سببه أن كفار مضر كانوا بينهم وبين المدينة، ولا يمكنهم الوصول إلى المدينة إلا عليهم. (ولسنا (¬5) نخلص) أي: نصل (إليك إلا في شهر حرام) لأنهم لا يتعرضون لنا فيه على عادة العرب من تعظيم الأشهر الحرم وامتناعهم ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل)، (م). (¬2) العلق: 1. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) "صيانة صحيح مسلم" (ص 150). (¬5) ورد بهامش (ح): وليس. نسخة، ووردت الكلمتان في صلب (ل)، (م).

من القتال فيها، والمراد جنس الأشهر الحرام، وهي أربعة أشهر، وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب، كما يقوله أهل المدينة. (فمرنا بشيء نأخذ) بالجزم، جواب الأمر، وبالرفع صفة لـ (شيء). قال القرطبي: قيدناه عمن يوثق به مرفوعًا ومجزومًا (¬1). (به وندعو إليه من وراءنا) من قومنا (قال: آمركم بأربع) كذا في مسلم (¬2)، لكنه [عد خمسًا، لكنه] (¬3) ذكر الأربع المقصودة التي هي التوحيد والصلاة والصوم والزكاة، ثم ظهر له أنهم أهل غزو وجهاد؛ فبين لهم إذًا الخمس. وأسقط المصنف في روايته الصوم وذكر الجهاد. (وأنهاكم عن أربع) (¬4) أشياء (الإيمان) بالجر على البدل، ويجوز الرفع على حذف المبتدأ، أي: أحدها الإيمان (باللَّه، ثم فسرها) أي: فسر كلمة الإيمان (لهم) والظاهر أنه فسر أركان الإسلام ولم يذكر الحج هنا؛ لكونه لم يكن نزل فرضه، أو لأنهم لم يكن لهم إليه سبيل من أجل كفار مضر (¬5)، أو لأنه على التراخي ووقته العمر. قال القاضي عياض (¬6): ترك الصوم في هذِه الرواية إغفال من الراوي (¬7). ¬

_ (¬1) "المفهم" 1/ 174. (¬2) مسلم (17). (¬3) ساقطة من (م). (¬4) بعدها في (ل)، (م): نسخة أربعة وفي (ح): أربعة. وفي هامشها: أربع. (¬5) ساقطة من (م). (¬6) ساقطة من (م). (¬7) إنما هذا قول ابن الصلاح في "صيانة صحيح مسلم" (ص 155)، وكذا عزاه له =

قال النووي: وهو ظاهر لا شك فيه. انتهى (¬1). ولا يليق بمنصب الصحابة وشدة اعتنائهم بالحديث ولا بالسلف بعدهم أن يغفلوا عن ذكر الصوم، بل يحمل على أنه كان معلومًا عندهم، أو لأنهم كانوا في غير وقته، ونحو ذلك من الاحتمالات (¬2). (شهادة) بالنصب بدل من الضمير المتصل، تفسيرها (أن لا إله إلا اللَّه) هذا مما يتوسع فيه، فإنه أطلق الإيمان على الإسلام؛ لأنه يكون عنه غالبًا، وهو مظهره، لأن هذِه الأربع إنما هي أركان الإسلام كما هو مقرر في الأحاديث الصحيحة (وعقد بيده) عقدة (واحدة) فيه: تعليمهم عد ما يحتاج إلى عده بالأصابع من اليد اليمني كما في عد التسبيح ونحوه، والعد بالأصابع أفضل من غيرها؛ لأن الأصابع مسؤولات يوم القيامة ناطقات شاهدات للمتعبد بها كما في الحديث (¬3). (وقال مسدد: ) في روايته زيادة، فإن روايته: (الإيمان باللَّه ثم فسرها لهم شهادة أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدًا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) فعد الشهادتين ¬

_ = النووي في "شرح مسلم" 1/ 184، وعزاه أيضًا للقاضي عياض لكني لم أجده في "إكمال المعلم" أو "مشارق الأنوار". (¬1) "مسلم بشرح النووي" 1/ 184. (¬2) ليس في كلام القاضي أو النووي ما ينتقص من حق الصحابة، إذ ليس معنى كلام القاضي أن ترك الصوم إغفال من الراوي، لا يلزم أن الراوي هو الصحابي. بل غالبًا ما تكون الغفلة إن وجدت ممن هو دون الصحابة. واللَّه أعلم. (¬3) وهو ما رواه أبو داود (1501)، والترمذي (3583)، وأحمد 6/ 370 من حديث يُسيرة -وهي صحابية- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرهن أن يراعين بالتكبير والتقديس والتهليل وأن يعقدن بالأنامل، فإنهن مسؤولات مستنطقات. -وهذا لفظ أبي داود-. صححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (1345).

واحدة (وإقامِ) بالجر عطف على الإيمان، وبالرفع لمن رفع كما تقدم (الصلاة) وإقامتها أداؤها بأركانها وسننها وهيئاتها وشروطها وأداؤها في أول وقتها (وإيتاء الزكاة) إلى مستحقيها في أول وقتها (وأن تؤدوا الخمُس) بضم الميم، ويجوز إسكانها (مما غنمتم) فيه إيجاب الخمس في الغنائم وإن لم يكن الإمام في السرية الغازية، وللخمس تفصيل وفروع منبه بها في بابها المتقدم. (وأنهاكم عن) أربع، ثم فسرها: (الدباء والحنتم والمزفت) تقدم قبله (والمُقيَّر) بضم الميم وفتح القاف والياء المشددة، وهو المزفت، وهو المطلي بالقار، وهو الزفت، وقيل: الزفت نوع من القار، والصحيح: الأول؛ فقد صح عن ابن عمر أنه قال: المزفت هو المقير (¬1). (وقال أبو عبيد) محمد بن عبيد في روايته (النقير) وهو الجذع الذي ينقر وسطه (مكان المقير) بالميم. (وقال مسدد: ) في روايته (والنقير والمقير) فجمع بينهما، فيحتمل أن تكون الواو بمعنى: (أو) التي للشك (ولم يذكرا: ) الاثنان (المزفت) بالزاي والفاء. (قال: ) المصنف (أبو جمرة) هو (نصر بن عمران) بن عصام، ويقال: ابن عاصم (¬2) (الضُّبَعيّ) بضم الضاد المعجمة وفتح الموحدة، نسبة إلى ضبيعة بن قيس بن ثعلبة، قبيلة نزلوا البصرة. [3693] (حدثنا وهب بن بقية، عن نوح بن قيس) الحُداني أو ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1997/ 57). (¬2) في جميع النسخ: عصام، والمثبت هو الصواب.

الطاحي، أخرج له مسلم. (حدثنا عبد اللَّه (¬1) بن عون) المزني (عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لوفد عبد القيس) منهم: مزيدة بن مالك المحاربي، وعبيدة بن همام المحاربي، وصحار بن العباس المري، وعمرو بن مرحوم العصري، والحارث بن شعيب العصري، والحارث بن جندب من بني عائش، ولم نعثر بعد البحث على أكثر من أسماء هؤلاء (¬2). (أنهاكم عن النقير والمقير والحنتم والدباء والمزادة) رواية المصنف ¬

_ (¬1) فوقها في (ل، ح): ع. (¬2) هؤلاء الستة هم الذين ذكرهم النووي في شرح مسلم، وذكر أنه لم يعثر على غيرهم. فالظاهر أن المصنف نقل هذا الكلام عنه. انظر: "شرح مسلم" 1/ 181 وقال ابن حجر في "الفتح" 1/ 250 - ما ملخصه-: في رواية أبي جمرة كان الوفد أربعة عشر رجلًا، وفي رواية أبي خيرة الصباحي أنهم كانوا أربعين رجلًا، فإما أن يكون لهم وفادتان، وإما أن يكون الأشراف منهم أربعة عشر رجلًا والباقون أتباعًا، وقد بينت أسماء الأربعين في كتابي في الصحابة -يقصد به "الإصابة"- اهـ. قلت: من الأسماء التي ذكرها في "الإصابة" ولم يذكرها النووي ولا المصنف: 1 - الجارود بن المعلّى 2 - جارية بن جابر 3 - جديمة بن عمرو 4 - جويرية العصري 5 - الحارث بن عيسى العبدي 6 - الحكم بن حيان العبدي 7 - عبد الرحمن بن الحكم العبدي 8 - شهاب بن المتروك 9 - عباد بن نوفل العبدي 10 - ابنه: عبد الرحمن بن عباد 11 - عبد اللَّه بن جابر العبدي 12 - عقبة بن جروة 13 - عمير بن جودان 14 - مخربة بن بشر 15 - مُشَمْرِج بن خالد السعدي 16 - المنذر بن عائذ الأشج وهو رئيسهم 17 - همام بن معاوية

توضح رواية مسلم: "والحنتم المزادة" (¬1). بغير واو، وقد حرره في رواية النسائي بقوله: "وعن المزادة" (¬2)، وهي السقاء الكبير، سميت بذلك لأنها يزاد فيها على الجلد الواحد. (المَجْبوبة) بسكون الجيم وباءين موحدتين بينهما واو. قال عياض: ضبطناه في جميع هذِه الكتب بالجيم والباء الموحدة المكررة، ورواه بعضهم: المخنوثة. بخاء معجمة ثم نون وبعد الواو ثاء مثلثة، كأنه أخذه من اختناث الأسقية (¬3). المذكورة في حديث آخر، ثم قال (¬4): وهذِه الرواية ليست بشيء، والصواب، الأول أنها بالجيم، وهي التي قطع رأسها فصارت كالدن مشتقة من الجب وهو القطع، ولكون رأسها يقطع لم يبق لها رقبة توكأ، وقيل: هي التي قطعت رقبتها، وليس لها عزلاء، أي: فم من أسفلها يتنفس الشراب منها؛ فيصير شرابها مسكرًا ولا يدري به. (ولكن اشرب في سقائك) وهو وعاء الماء واللبن الذي من الجلد، والمعنى: اشرب من الماء الذي وضعته في سقائك (وأوكه) بفتح الهمزة، أي: وإذا فرغت من صب الماء من السقاء فأوكه، أي: شد رأسه بالوكاء، يعني: بالخيط؛ لئلا يدخله حيوان أو يسقط فيه شيء. [3694] (حدثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي الفراهيدي. ¬

_ (¬1) مسلم (1992/ 33). (¬2) انظر: "سنن النسائي الكبرى" 5/ 94 (5136). ط. مؤسسة الرسالة. (¬3) "مشارق الأنوار" 1/ 139. (¬4) السابق.

(حدثنا أبان) بن يزيد العطار البصري، أخرج له الشيخان. (ثنا قتادة، عن عكرمة وسعيد بن المسيب، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما في قصة وفد عبد القيس) على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنهم (¬1) (قالوا: فيم؟ ) أي: في أي شيء من الأواني (نشرب يا نبي اللَّه؟ فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: عليكم بأسقية) جمع سقاء (الأَدَم) بفتح الهمزة والدال [جمع أديم، ويقال: أُدُم بضمهما، وهو القياس ككَثِيب وكُثُب، وبريد وبُرُد، والأديم] (¬2)، الجلد المدبوغ (التي يُلاَث) بضم المثناة أوله وبمثلثة آخره، أي: يربط ويشد (على أفواهها). وفي الحديث: فلما انصرف من الصلاة لاث به الناس (¬3). أي: اجتمعوا حوله، والملاث: السيد تربط به أمور جماعته وتعقد فلا تتفرق. [3695] (حدثنا وهب بن بقية) الواسطي (عن خالد) بن عبد اللَّه الواسطي، أخرج له مسلم (¬4) (عن عوف) (¬5) بن أبي جميلة، بندويه، يعرف بالأعرابي، وليس بأعرابي الأصل (عن أبي القموص، زيد بن علي) العبدي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬6). (قال: حدثني رجل كان من الوفد) الأربعة عشر (الذين وفدوا إلى ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل)، (م). (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) رواه البخاري (663). (¬4) قلت: والبخاري أيضا. انظر: "تهذيب الكمال" 8/ 99. (¬5) فوقها في (ل)، (ح): (ع). (¬6) "الثقات" 4/ 249.

النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من عبد القيس، يحسب عوف) الأعرابي (أن) هذا الرجل (اسمه قيس بن النعمان) العبدي، وليس له غير هذا الحديث. (فقال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا تشربوا في نقير ولا مزفت ولا دباء ولا حنتم، واشربوا في) السقاء (الجلد) المدبوغ (الموكي) بضم الميم وآخره ألف (عليه) يعني: المربوط على رأسه (فإن اشتد ولم ينته إلى الإسكار فاكسروه) أي: فاكسروا شد غليانه (بالماء) أي: بصب الماء عليه ما لم يصر مسكرًا. (فإن أعياكم) أي: لم ينجع فيه صب الماء عليه وانتهى إلى حد السكر. (فأهريقوه) (¬1) في الحال. فيه وجوب إراقة الخمر، ولا يجوز تخليله بوضع شيء فيه كما تقدم. [3696] (حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو أحمد) محمد بن عبد اللَّه ابن الزبير الزبيري، من آل الزبير من بني أسد، ولم يكن من آل الزبير ولا من قريش (حدثنا سفيان) الثوري (عن علي بن بَذِيمة) بفتح الموحدة وكسر الذال المعجمة، وهو ثقة (قال: حدثني قيس بن حَبْتَر) بفتح الحاء المهملة وسكون الباء الموحدة بعدها مثناة مفتوحة (النَّهْشَليّ) بفتح النون والشين المعجمة، نسبة إلى نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة، بطن كبير من تميم، ونهشل اسم الذئب، ويقال: نهشل الرجل إذا أَسَنَّ واضطرب. قال النسائي: قيس بن حبتر ثقة (¬2). (عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أن وفد عبد القيس قالوا: يا رسول ¬

_ (¬1) في (م): فصبوا عليه من الماء. (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 24/ 17.

اللَّه، فيم نشرب (¬1)؟ قال: لا تشربوا في الدباء، ولا في المزفت، ولا في النقير) تقدم (وانتبذوا في الأسقية. قالوا: يا رسول اللَّه، فإن اشتد في الأسقية؟ ) أي: اشتدت رائحته وغليانه (قال: فصبوا عليه) من (الماء) لتذهب شدته. (قالوا: يا رسول اللَّه) في كم نهريقه؟ (فقال لهم) في مساء الليلة (الثالثة أو) الليلة (الرابعة: أهريقوه) [في الحال، فيه وجوب إراقة الخمر، ولا يجوز تخليله بوضع شيء فيه كما تقدم] (¬2) بفتح الهمزة وسكون الهاء، والمراد به الثالثة، بدليل رواية النسائي وابن ماجه: كان ينتبذ لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فيشربه يومه ذلك والغد واليوم الثالث، فإن بقي منه شيء أهراقه، أو أمر به فأهريق (¬3). وقال ابن عمر في العصير: يشربه ما لم يأخذه شيطانه. قيل: وفي كم يأخذه شيطانه؟ قال: في ثلاث (¬4). حكاه أحمد وغيره (ثم قال: إن اللَّه تعالى حرم عليّ) ليس هذا للتخصيص، بل عليه وعلى أمته، لكنه خصص بالخطاب تشريفًا لعظم مرتبته (أو) قال (حرم الخمر والميسر والكُوبة) بضم الكاف كما تقدم في الباب قبله. (قال: وكل مسكر حرام) يحد شاربه قليلًا كان أو كثيرًا (قال سفيان) ابن سعيد الثوري (فسألت علي بن بذيمة) سيأتي (عن الكوبة، قال) هي ¬

_ (¬1) في هامش (ح): ما نشرب، وفي صلب (ل)، (م): نسخة: ما نشرب. (¬2) من (ل). (¬3) "سنن النسائي" 8/ 333، "سنن ابن ماجه" (3399). (¬4) رواه عبد الرزاق 9/ 217 (16990)، وابن أبي شيبة 5/ 77 (23853).

(الطبل) كما تقدم بيانه في الباب قبله. [3697] (حدثنا مسدد، ثنا عبد الواحد) (¬1) بن زياد العبدي مولاهم البصري (ثنا إسماعيل بن سُمَيْع) مصغر، الحنفي الكوفي، أخرج له مسلم (حدثنا مالك بن عُمَيْر) بالتصغير، أدرك الجاهلية، أخرج له النسائي. (عن علي -رضي اللَّه عنه- قال: نهانا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الدباء والحنتم والنقير والجِعَة) بكسر الجيم وفتح المهملة المخففة، ولفظ النسائي من طريق صعصعة بن صوحان عن علي -رضي اللَّه عنه- قال: نهاني النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن حلقة الذهب والقسي والميثرة والجعة (¬2). والجعة: هي النبيذ المتخذ من الشعير. وهي بكسر الجيم وفتح العين المهملة (¬3) المخففة كما تقدم، والمراد منه تحريم ما أسكر منه. [3698] (حدثنا أحمد بن) عبد اللَّه بن (يونس) اليربوعي (حدثنا مُعَرِّف) بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد الراء المكسورة بعدها فاء (ابن واصل) السعدي، يكنى أبا بدل الكوفي، أخرج له مسلم هذا الحديث (¬4). (عن محارب بن دثار، عن) عبد اللَّه (ابن بريدة، عن أبيه) بريدة بن الحصيب -رضي اللَّه عنه-. (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) زاد مسلم: "كنت" (¬5) [(نهيتكم عن ثلاث) ¬

_ (¬1) فوقها في (ل)، (ح): (ع). (¬2) "سنن النسائي" 8/ 165 - 166. (¬3) من (ل). (¬4) "صحيح مسلم" (977). (¬5) مسلم (977).

سيأتي تفسيرها (وأنا آمركم بهن) هذا من الأحاديث التي تجمع الناسخ والمنسوخ] (¬1) (نهيتكم عن زيارة القبور) هذا صريح في نسخ نهي الرجال عن زيارتها، وفهم من الأمر بقوله (زوروها) أنها سنة للرجال، "فقد أذن لمحمد في زيارة قبر أمه فزوروها، فإنها تذكر الآخرة". كما رواه الترمذي وصححه عن بريدة (¬2)، وأما زيارة القبور للنساء ففيه خلاف لأصحابنا (¬3)، ومن منعهن قال: لا يدخلن في خطاب الرجال، ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) "سنن الترمذي" (1054)، ورواه ابن أبي شيبة 7/ 367 (11391)، والبيهقي في "الكبرى" 8/ 540 (17486). (¬3) قال النووي في "المجموع" 5/ 285: يستحب للرجال زيارة القبور وهو قول العلماء كافة. .، وأما النساء فقال المصنف -أي: الشيرازي- وصاحب "البيان": لا تجوز لهن الزيارة. وهو ظاهر هذا الحديث، ولكنه شاذ في المذهب، والذي قطع به الجمهور أنها مكروهة لهن كراهة تنزيه، وذكر الروياني في "البحر" وجهين: أحدهما: يكره، كما قاله الجمهور، والثاني: لا يكره، قال: وهو الأصح عندي إذا أمن الافتتان. اهـ. وانظر: "فتح الباري" لابن حجر 3/ 148. وخلاصة القول في هذِه المسألة أن فيها ثلاثة أقوال: 1 - التحريم 2 - الكراهة من غير تحريم 3 - الإباحة من غير كراهة انظر: "تهذيب السنن" 4/ 348. قلت: يمكن حمل هذِه الأحكام على اختلاف الأحوال، فلكل حكم حالة تناسبه؛ فلو خرجت المرأة وهي يعلم من حالها أنها ستقول الهُجر وتفعل المحرم فهو في حقها حرام، وإن خرجت مع إلتزامها بزيّها الشرعي وأمن الفتنة وعبث الفسقة من الرجال بها ونحو هذا من الشروط ففي حقها مباح، بل لو خرجت مع ذلك قاصدة للعبرة والعظة فيسن ذلك لها، وأما الحالة التي تكره فهي ما عدا ذلك من الأحوال. وهذا جمع حسن بين الأقوال به يزول الخلاف، وتنضبط الفتوى. واللَّه أعلى وأعلم.

وهو الصحيح عند الأصوليين، ولما روى أحمد وابن ماجه والترمذي عن أبي هريرة -وصححه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لعن زوارات القبور (¬1) (فإن في زيارتها تذكرة) الموت (ونهيتكم عن الأشربة أن تشربوا إلا في ظروف الأدم) المشهور في جمع الأديم أَدَم بفتح الهمزة والدال المخففة، وهي الجلد. (فاشربوا في كل وعاءٍ) لفظ مسلم: "نهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء، فاشربوا في الأسقية كلها" (¬2). وفي هذا الحديث توسعة وإباحة لما كانوا منعوا منه من تلك الأوعية؛ للخوف من سرعة تغير النبيذ فيها، فيشربه الآدمي وهو لا يشعر بتغييره، ويفسد ما لقيه، ولتعذر ظروف الأدم عليهم لقلتها (غير أن لا تشربوا مسكرًا) هذا ضابط المحرم، ويحل ما عداه، فثبت النسخ بحمد اللَّه، وارتفع التضييق. (ونهيتكم عن) أكل (لحوم الأضاحي أن تأكلوها بعد ثلاث) ليالٍ. قال القاضي: يحتمل أن يكون ابتداء الثلاث من وقت ذبحها، ويحتمل أن تكون من يوم عيد النحر (¬3). فكأن هذا النهي لعلة الأبيات التي من البادية دفت، أي: حصل لها الضرر. ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 1/ 229، 287، 324، 337، "سنن الترمذي" (320)، "سنن ابن ماجه" (1575) من حديث ابن عباس. ورواه أيضًا 2/ 337، 356، والترمذي (1056)، وابن ماجه (1576) من حديث أبي هريرة. ورواه أيضًا 3/ 442، وابن ماجه (1574) من حديث حسان بن ثابت، والحديث صححه الألباني في "الإرواء" (774). (¬2) مسلم (4977، 1977). (¬3) "إكمال المعلم" 6/ 424.

(فكلوا) وادخروا وتصدقوا، وهذا صريح بزوال النهي عن ادخارها فوق ثلاث، وفيه الأمر بالأكل منها بعد الثلاث أمر إباحة، (واستمتعوا بها في أسفاركم) مما تحملون معكم من اللحم والودك والجلود التي تستعملون منها النعال وغيرها من الاستمتاعات. [3699] (حدثنا مسدد، ثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن سفيان) [بن عيينة] (¬1). (قال: حدثني منصور) (¬2) بن المعتمر السلمي الكوفي. (عن سالم بن أبي الجعد) رافع الأشجعي. (عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما قال: لما نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الأوعية) التي ينتبذ فيها، وأرشد إلى الأسقية (قالت الأنصار -رضي اللَّه عنهم-: إنه) أي: إن الأمر والشأن (لابد لنا منها. قال: فلا) فيه حذف جملة المضاف إلى إذا الشرطية، وعوض التنوين متصلًا بإذا، وفيه جواب الشرط عليه، وحذف اسم (لا) وخبرها، والترتيب مع بيان التقدير إذا كان لابد لكم من هذِه الظروف فلا نهي يقع عنها. وحاصله أن النهي عن الأوعية إنما كان قطعًا للذريعة وسدًّا لها، فلما ذكروا ضرورتهم وأنهم لابد لهم منها قال: "فانتبذوا فيها إذًا" بالتنوين. ألا ترى أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أباح لهم جميع الأوعية والظروف حين قالت له الأنصار: إنه لا بد لنا منها، فقال (فلا) نهي (إذًا) ولم يستثن منها شيئًا. [3700] (حدثنا محمد بن جعفر بن زياد) الوركاني خراساني، نزل ¬

_ (¬1) كذا في الأصول، والصواب: الثوري، انظر: "التمهيد" 3/ 221. (¬2) فوقها في (ل)، (ح): (ع).

بغداد، شيخ مسلم (ثنا شريك، عن زياد بن فياض) الخزاعي الكوفي، أخرج له مسلم (عن أبي عياض) بكسر المهملة وتشديد التحتانية، وبالمعجمة بعد الألف، اسمه عمر، ويقال له: عمير بن الأسود العنسي بالمهملتين والنون بينهما، وهو زاهد. (عن عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنه- قال: ذكر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الأوعية) فعد منها (الدباء والحنتم والمزفت والنقير، فقال أعرابي: إنه لا ظروف لنا) وللبخاري: لما نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الأسقية قيل للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: ليس كل الناس تجد سقاءً (¬1). (فقال: اشربوا) مما في الظروف (ما حل) لكم شربه، وهو غير المسكر. [3701] (حدثنا الحسن بن علي، حدثنا يحيى (¬2) بن آدم) بن سليمان الأموي مولاهم الكوفي (حدثنا شريك بإسناده) المذكور، وقال فيه: (وقال: اجتنبوا) مما تنتبذوه في ظروفكم (ما أسكر) من الشراب. [3702] (حدثنا عبد اللَّه بن محمد النفيلي، حدثنا زهير، حدثنا أبو الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس المكي (عن جابر) بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما. (قال: كان ينبذ لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) لمسلم زيادة بلفظ: كان ينبذ لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3) (في سقاء، فإذا لم يجدوا (¬4) سقاءً نبذ له في تور) بالتاء المثناة من ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (5593) من حديث عبد اللَّه بن عمرو، ورواه أيضًا مسلم بنحوه (2000). (¬2) عليها في (ح): (ع). (¬3) مسلم (1999). (¬4) في هامش (ح): يوجد. وفي صلب (ل)، (م): نسخة: يوجد.

فوق (من حجارة) فقال بعض القوم لأبي الزبير: من برام؟ قال: "من برام" (¬1) بكسر الباء الموحدة، وهو نوع من الحجارة يصنع منه القدور التي يطبخ فيها بالحجاز واليمن وغيرها. وفي "الصحيح" من حديث بريرة: تفور (¬2). البرمة: القدرة، جمعها برام. قال النووي: فيه التصريح بنسخ النهي عن الانتباذ في الأوعية الكثيفة كالدباء والحنتم؛ لأن تور الحجارة أكثف من هذِه كلها وأولى بالنهي منها، فلما ثبت أنه -عليه السلام- انتبذ له فيه دل على النسخ، وهو موافق لحديث بريرة (¬3) المذكور قبله. * * * ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1999/ 62). (¬2) البخاري (5279) من حديث عائشة رضي اللَّه عنها. (¬3) "شرح مسلم" 13/ 166 - 167.

9 - باب في الخليطين

9 - باب في الخَلِيطَيْنِ 3703 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدِ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنْ عَطاءِ بْنِ أَبي رَباحٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُنْتَبَذَ الزَّبِيبُ والتَّمْرُ جَمِيعًا وَنَهَى أَنْ يُنْتَبَذَ البُسْرُ والرُّطَبُ جَمِيعًا (¬1). 3704 - حَدَّثَنا أَبُو سَلَمَةَ مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا أَبانُ حَدَّثَني يحيى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي قَتادَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ خَلِيطِ الزَّبِيبِ والتَّمْرِ وَعَنْ خَلِيطِ البُسْرِ والتَّمْرِ وَعَنْ خَلِيطِ الزَّهْوِ والرُّطَبِ وقالَ: "انْتَبِذُوا كُلَّ واحِدٍ عَلَى حِدَةٍ". قالَ: وَحَدَّثَني أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي قَتادَةَ، عَنِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بهذا الحَدِيثِ (¬2). 3705 - حَدَّثَنا سُلَيْمان بْنُ حَزبٍ وَحَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمَريُّ، قالا: حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، عَنِ ابن أَبي لَيْلَى، عَنْ رَجُلٍ -قالَ حَفْصٌ: مِنْ أَصْحاب النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: نَهَى عَنِ البَلَحِ والتَّمْرِ، والزَّبِيبِ والتَّمْرِ (¬3). 3706 - حَدَّثَنا مُسَدَّد، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ ثابِتِ بْنِ عُمارَةَ، حَدَّثَتْني رَيْطَة، عَنْ كَبْشَةَ بِنْتِ أَبي مَرْيَمَ قالَتْ: سَأَلْتُ أُمَّ سَلَمَةَ ما كَانَ النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَنْهَى عَنْهُ قالَتْ: كانَ يَنْهانا أَنْ نَعْجُمَ النَّوى طَبْخًا أَوْ نَخْلِطَ الزَّبِيبَ والتَّمْرَ (¬4). 3707 - حَدَّثَنا مُسَدَّد، حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ داوُدَ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ موسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ بَني أَسَدٍ عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كانَ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5601)، ومسلم (1986). (¬2) رواه البخاري (5602)، ومسلم (1988). (¬3) رواه النسائي 8/ 288، وأحمد 4/ 314. وصحح إسناده الألباني في "صحيح سنن النسائي". (¬4) رواه أحمد 6/ 292. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (4712).

يُنْبَذ لَهُد زَبِيبٌ فَيُلْقى فِيهِ تَمْرًا وَتَمْرٌ فَيُلْقى فِيهِ الزَّبِيبَ (¬1). 3708 - حَدَّثَنا زَيادُ بْن يَحْيَى الحَسّانيُّ، حَدَّثَنا أَبو بَحْرٍ، حَدَّثَنا عَتّابُ بْن عَبْدِ العَزِيزِ الحِمّانيُّ حَدَّثَتْني صَفِيَّةُ بِنْتُ عَطَيَّةَ قالَتْ: دَخَلْتُ مَعَ نِسْوَةٍ مِنْ عَبْدِ القَيْسِ عَلَى عائِشَةَ فَسَأَلْناها عَنِ التَّمْرِ والزَّبِيبِ، فَقالَتْ: كُنْتُ آخُذُ قَبْضَةً مِنْ تَمْرٍ وَقَبْضَةً مِنْ زَبِيبِ فَأُلْقِيهِ في إِناءٍ فَأَمْرُسُهُ ثمَّ أَسْقِيهِ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2). * * * باب في الخليطين [3703] (حدثنا قتيبة بن سعيد، ثنا الليث، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه نهى عن أن ينتبذ الزبيب والتمر جميعًا، ونهى أن ينتبذ البسر) بضم الموحدة من تمر النخل، معروف. قال ابن فارس: البسر من كل شيء: الغض، ونبات بسر، أي: طري (¬3). (والرطب جميعًا) هذا صريح في النهي عن انتباذ شيئين من جنس واحد كالبسر والرطب أو جنسين كالزبيب والتمر، جافين كانا كهما أو رطبين، كالبسر والرطب؛ لأن الإسكار يسرع إليه [بسبب الخلط قبل أن يتغير طعمه، فيظن الشارب أنه ليس مسكرًا] (¬4) ويكون مسكرًا. قال ¬

_ (¬1) رواه الطبراني فىِ "المعجم الأوسط" 8/ 19 (7828)، والبيهقي 8/ 307. وضعف إسناده الألباني في "ضعيف سنن أبي داود". (¬2) رواه البيهقي 8/ 308. وضعف إسناده الألباني في "سنن أبي داود". (¬3) "مجمل اللغة" 1/ 126. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

النووي: مذهبنا ومذهب الجمهور أن هذا النهي كراهة تنزيه، ولا يحرم ذلك ما لم يصر مسكرًا (¬1). وستأتي له زيادة. [3704] (حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا أبان) بن يزيد العطار (حدثني يحيى) بن أبي كثير (عن عبد اللَّه (¬2) بن أبي قتادة) السلمي (عن أبيه) أبي قتادة، الحارث بن ربعي الأنصاري -رضي اللَّه عنه- (أنه نهى) أسنده ابن ماجه (¬3) إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (عن خليط) أصل الخلط تداخل أجزاء الأشياء بعضها في بعض (الزبيب والتمر، وعن خليط البسر والتمر) فيه النهي عن انتباذ شيئين، أحدهما رطب والآخر جاف كما نهى عن الجافين والرطبين. (وعن خليط الزهو) بفتح الزاي وضمها، لغتان مشهورتان. قال الجوهري: أهل الحجاز يضمون -يعني: وغيرهم يفتح، والزهو هو (¬4) البسر الملون الذي بدا فيه حمرة أو صفرة (¬5) وطاب، وزهت تزهى زهوًا وأزهت تُزهي، وأنكر الأصمعي أزهت [بالألف، وأنكر غيره زهت بلا ألف، ورجح الجمهور زهت، وقال ابن الأعرابي: زهت: ظهرت، وأزهت] (¬6): احمرت أو اصفرت (¬7)، والأكثرون على خلافه. ¬

_ (¬1) "شرح مسلم" 13/ 154. (¬2) فوقها في (ح): (ع). (¬3) "سنن ابن ماجه" (3397). (¬4) من (ح). (¬5) "الصحاح" 6/ 2369 - 2370. (¬6) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬7) انظر: "لسان العرب" 3/ 1883، 1884.

(والرطب وقال: انتبذوا في كل واحدة) من الزهو والرطب ونحوهما، وحده وتفريقه -صلى اللَّه عليه وسلم- بين حكمي النهي وعدمه بصفة الخلط دون الإفراد تنبيه وإيماء على أن علة النهي عن شرب نبيذه الخلط، فإن فقد الخلط وأفرد كل واحد جاز، كما في تفريقه بين حكمي حل النكاح وعدمه بالنهي عن جمعهما في عصمته دون الإفراد، فإنه جائز. (على حدة) و"على حدته". لفظ مسلم (¬1)، أي: منفردًا عن الآخر وأصله: وحدته، فحذفت الواو من أوله كما حذفت من هبته. (قال: ) يحيى بن أبي كثير (وحدثني أبو سلمة) عبد اللَّه (بن عبد الرحمن) بن عوف (عن أبي قتادة) الحارث بن ربعي الأنصاري (بهذا الحديث) أيضًا. [3705] (وحدثنا سليمان بن حرب وحفص بن عمر) بن الحارث بن سخبرة (النمري) بفتح النون والميم نسبة إلى نمر -بكسر الميم- بن قاسط ابن هنب بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد (قالا: ثنا شعبة، عن الحكم) بن عتيبة الكندي، مولاهم الكوفي (عن) عبد الرحمن (ابن أبي ليلى) الأنصاري عالم الكوفة (عن رجل، قال حفص) بن عمر (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال) لفظ النسائي: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2) (نهى عن) خليط (البلح) هو أول ما يرطب من البسر، واحدها بلحة (والتمر و) نهى عن خليط (الزبيب والتمر) هذا ظاهر في تحريم الخلط وشربه. ¬

_ (¬1) مسلم (1988). (¬2) "سنن النسائي" 8/ 288، "السنن الكبرى" 4/ 182 (6796).

قال القرطبي: وهو قول كافة فقهاء الأمصار وجمهور العلماء ومالك في أحد قوليه، والثاني: الكراهة، وهو مشهور مذهبه، وقد شذ أبو يوسف وأبو حنيفة فقالا: لا بأس بخلط ذلك وشربه، وقالا: ما حل مفردًا حل مجموعًا، وهذِه مخالفة للنصوص الشرعية (وقياسه فاسد) (¬1)، ثم هو منتقض بجواز كل واحدة من الأختين مفردة والجمع بينهما حرام بالإجماع، وأعجب من ذلك تأويل أصحابهما؛ إذ قالوا: إن النهي عن ذلك إنما هو من باب السرف بجمع إدامين، وهذا تبديل لا تأويل يشهد له، ثم إنهم جعلوا الشراب إدامًا، وكيف والجمع بين إدامين قد جمعا على مائدة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. واختلف القائلون بمنع الخلط في تعليل ذلك وعدمه، والجمهور يعللونه بخوف إسراع الشدة المسكرة (¬2). [3706] (حدثنا مسدد، قال: حدثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن ثابت بن عمارة) الحنفي البصري، وثقه ابن معين (¬3)، وغيره (¬4). (حدثتني ريطة) بفتح الراء المهملة وسكون المثناة تحت، ثم طاء مهملة (بنت حريث) بضم الحاء وفتح الراء المهملتين، مصغر (عن كبشة بنت أبي مريم قالت: سألت أم سلمة) هند زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (ما كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ينهى عنه؟ قالت: كان ينهانا أن نعجم) بفتح النون وإسكان العين ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): وقياسًا فاسدًا. وفي "المفهم" 5/ 259: وقياس فاسد الوضع. (¬2) "المفهم" 5/ 259. (¬3) "تاريخ ابن معين" برواية الدوري 4/ 335 (4674). (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 4/ 366 (824).

المهملة وضم الجيم (النوى طبخًا) أي: نبالغ في نضجه بالطبخ إذا طبخنا التمر لتؤخذ حلاوته وتعصر، فنهى عن المبالغة [في] (¬1) طبخ النوى والتمر، بل نطبخه عفوا حتى لا يؤثر فيه تأثير من يعجمه. أي: يلوكه ويعضه؛ لأن ذلك يفسد طعم الحلاوة، أو لأن النوى قوت الدواجن وعلف، فلا ينضج لئلا تذهب قوة طعمه. وقيل: عن أن نبالغ في نضجه حتى يتفتت وتفسد قوته يصلح معها للغنم. والعجم -بالتحريك- النوى، وفي حديث الحجاج أن أمير المؤمنين نكب كنانته فعجم عيدانها عودًا عودًا (¬2). يقال: عجمت العود إذا عضضته؛ لتنظر أصلب هو أم رخو؟ (أو نخلط الزبيب والتمر) الجمهور يعللونه بخوف إسراع الشدة المسكرة، وعلى هذا يقصر النهي عن الخلط، على أن كل شيئين يؤكل واحد منهما ويسرع فيهما إذا خلطا، وهذا الذي يفهم من الأحاديث الواردة في ذلك، فإنها مصرحة بالنهي عن الخلط بالانتباذ والشرب. [3707] (حدثنا مسدد، ثنا عبد اللَّه بن داود) بن عامر الهمداني الكوفي، أخرج له البخاري (عن مسعر) بن كدام (عن موسى بن عبد اللَّه) بن يزيد الأنصاري الخطمي، أخرج له مسلم (عن امرأة من بني أسد) مجهولة (عن عائشة رضي اللَّه عنها أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-كان ينبذ له زبيب يلقى قيه تمر أو تمر) شك من الراوي (فيلقى فيه الزبيب) ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل). (¬2) ذكره الخليل بن أحمد في "العين" 1/ 238، والزمخشري في الفائق في "غريب الحديث والأثر" 4/ 130، وابن الأثير في "غريب الحديث والأثر" 3/ 188.

المراد -واللَّه أعلم- أنه كان ينبذ له زبيب يلقى فيه تمر تارة، وفي وقت آخر ينبذ له التمر فيلقى فيه الزبيب، وأما الجمع بين النهي عن أن ينبذ الزبيب والتمر جميعًا فيما تقدم، والجمع بينهما في هذا الحديث فيحتمل أن يقال أنه فعل ذلك (¬1) في هذا الحديث لبيان الجواز إن قلنا: إن كان لا يدل على الدوام. وإن قلنا: يدل على الدوام فيحتمل أن يقال: إن حديث النهي فيما إذا نبذا فى وقت واحد وطالت المدة بيومين أو ثلاثة؛ بحيث يخاف إسراع الشدة المسكرة. وحديث الجمع هنا على أنه نبذ أحدهما مدة يسيرة، ثم بعد ذلك نبذ الآخر مع قصر المدة؛ بحيث لا يقارب التغير ولا إسراع الشدة المسكرة كما في الحديث بعده أنه كان يمرس التمر والزبيب في الحال فيشربه دون مدة كما سيأتي. [3708] (حدثنا زياد (¬2) بن يحيى) بن زياد بن حسان (الحساني) بفتح الحاء وتشديد السين المهملتين؛ نسبة إلى جده حسان المذكور. (حدثنا أبو بحر) بفتح الباء الموحدة وسكون الحاء المهملة، اسمه عبد الرحمن بن عثمان البكراوي، نسبة إلى أبي بكر. قال أبو حاتم: البكراوي نسبة غريبة، وقال: ليس هو بالقوي (¬3). (حدثنا عتاب بن عبد العزيز الحماني) بكسر الحاء المهملة وتشديد الميم؛ نسبة إلى حمان، قبيلة من تميم، نزلوا الكوفة (حدثتني) جدتي ¬

_ (¬1) ساقطة من (ح). (¬2) فوقها في (ل)، (ح): (ع). (¬3) "الجرح والتعديل" 5/ 265.

(صفية بنت عطية قالت: دخلت مع (¬1) نسوة من عبد القيس) بن ربيعة بن نزار (على عائشة رضي اللَّه عنها فسألناها عن نبيذ التمر والزبيب) وشربه (فقالت: كنت آخذ قبضة من تمر وقبضة) أخرى (من زبيب فألقيه في إناء فأمرسه بالماء) أي: أدلكه وأذيبه فيه (¬2) لتظهر [خاصيته في الماء ويحلو الماء (ثم أسقيه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) هذا محمول على ما إذا كانت مدة الانتباذ] (¬3) قريبة، فعلى هذا لا يكره ما كان في المدة اليسيرة ويكره ما كان في مدة تحتمل الإسكار؛ لرواية ابن ماجه: فننبذه غدوة فنسقيه عشية وننبذه عشية فيشربه غدوة (¬4). * * * ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): على. (¬2) بعدها في (ل)، (م): بأصابعها. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) "سنن ابن ماجه" (3398).

10 - باب في نبيذ البسر

10 - باب في نَبِيذِ البُسْرِ 3709 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشّارٍ، حَدَّثَنا مُعاذُ بْنُ هِشامٍ، حَدَّثَني أَبي، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ جابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَعِكْرِمَةَ أَنَّهُما كَانَا يَكْرَهانِ البُسْرَ وَحْدَهُ وَيَأْخُذانِ ذَلِكَ عَنِ ابن عَبّاسٍ. وقالَ ابن عَبّاسٍ: أَخْشَى أَنْ يَكُونَ المُزّاءَ الذي نُهِيَتْ عَنْهُ عَبْدُ القَيْسِ. فَقُلْتُ لِقَتادَةَ: ما المُزّاءُ؟ قالَ: النَّبِيذُ في الحَنْتَمِ والمُزَفَّتِ (¬1). * * * باب في نبيذ البسر [3709] (حدثنا محمد بن بشار، حدثنا معاذ بن هشام) بن أبي عبد اللَّه الدستوائي (قال: حدثني أبي) (¬2) هشام بن أبي عبد اللَّه سنبر الدستوائي، ودستوا من نواحي الأهواز (عن قتادة، عن جابر بن زيد) أبي الشعثاء الأزدي، من أئمة التابعين، صحب ابن عباس وأكثر عنه. قال فيه ابن عباس: لو نزل أهل البصرة عند جابر بن زيد لأوسعهم علمًا من كتاب اللَّه (¬3). سئل ابن عباس عن شيء فقال: تسألوني وفيكم جابر بن زيد (¬4). (وعكرمة (¬5) أنهما كانا يكرهان البسر) بضم الباء الموحدة، يعني: أن ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 310، 334. وصحح إسناده الألباني في "صحيح سنن أبي داود". (¬2) فوقها في (ل)، (ح): (ع). (¬3) رواه البخاري في "التاريخ الكبير" 2/ 204، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 2/ 204، وأبو نعيم الأصبهاني في "حلية الأولياء" 3/ 85. (¬4) رواه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 2/ 495، والدولابي في "الكنى والأسماء" 3/ 1040، وأبو نعيم في "الحلية" 3/ 85. (¬5) ساقطة من الأصول، والمثبت من "سنن أبي داود".

ينبذ (وحده) في وعاء الحنتم والمزفت، خص النهي بذلك؛ لأن البسر سريع الاستحالة والتغير؛ لكثرة رطوبته مع سرعة استحالة الوعاءين المذكورين اللذين يعجل فيهما إسكار النبيذ، كما في الدباء. وفي حديث الأشج العبدي عبد قيس: "لا تثجروا ولا تبسروا" (¬1)، قال في "النهاية": البسر -بفتح الباء- هو خلط البسر بالتمر وانتباذهما معًا، ومنه الحديث في شرط مشتري النخل على البائع: ليس لها مبسار. وهو الذي لا يرطب بسره (¬2). ويحتمل أن يراد بالبسر وحده البسر المذنب، كما في النسائي: كان يكره المذنب من البسر، مخافة أن يكون شيئين، فكنا نقطعه (¬3) (ويأخذان ذلك عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-)؛ ولذلك (قال ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: أخشى أن يكون المزاء) بضم الميم، وتشديد الزاي المعجمة، مع المد، فعلاء من المزازة، وهي الخمر التي فيها حموضة، ومنه حديث "ألا إن المزازة حرام" (¬4) يعني: الخمر. وهي جمع مزة من الخمورة. وقيل: المزاء فعال: من المز، وهو الفضل، ومنه حديث النخعي: إذا كان المال ذا مز ففرقه في ¬

_ (¬1) ذكره الجوهري في "الصحاح" 2/ 589، والزمخشري في "الفائق" 1/ 109، وابن الأثير في "النهاية" 1/ 126، 207 وغيرهم. (¬2) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 126. (¬3) "المجتبي" 8/ 291 - 292، "السنن الكبرى" 3/ 207. (¬4) رواه أحمد 3/ 155، والبزار 14/ 99 (7587)، وأبو يعلى 7/ 103 - 104 (4047، 4048) من حديث أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- بلفظ: "المزاة حرام". رواه البيهقي 8/ 307 من حديث أنس أيضًا بلفظ: "ألا إن المزاة حرام ألا إن المزاة حرام، خلط البسر والتمر، والتمر والزبيب". وقد ذكره البخاري في "التاريخ الكبير" 3/ 166 في ترجمة خالد بن الفزر.

الأصناف الثمانية، وإذا كان قليلًا فأعطه صنفًا واحدًا (¬1). أي: إذا كان المال ذا مزٍّ. أي: فضل وكثرة، وقد مز المال مزازة إذا كثر، فعلى هذا جاء فعال، وهو من أبنية المبالغة من المز إذا كثر غليانه، وزاد وربا في وعائه. وقد أنشد الأخطل في ذلك: بئس الصُّحاة وبئس الشرب شربهم ... إذا جرى فيهم المزاء والسكر (¬2) (الذي نهيت عنه) وفد (عبد القيس) الأربعة عشر الذين رئيسهم الأشج، كما تقدم (فقلت لقتادة: ) الراوي عن جابر في الإسناد (ما) هو (المزاء؟ قال) هو (النبيذ) (¬3) الذي ينتبذ (في الحنتم). قال القرطبي: أصح ما فيها أنها جرار مطلية بالحنتم المعمول من الزجاج، كانت الخمر تحمل فيها من الشام (¬4) (والمزفت) المطلي بالزفت. * * * ¬

_ (¬1) رواه أبو عبيد في "الأموال" ص 689 (1842)، والخطابي في "غريب الحديث" 3/ 123 عن أبي معاوية عن أبي بكر النهشلي عن حماد عنه به. (¬2) انظر: "شعر الأخطل" للسكري 1/ 208. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) "المفهم" 1/ 176.

11 - باب في صفة النبيذ

11 - باب في صِفَةِ النَّبِيذِ 3710 - حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ مُحَمَّدِ، حَدَّثَنا ضَمْرَةُ، عَنِ السَّيْبانيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الدَّيْلَمي عَنْ أَبِيهِ قالَ أَتَيْنا رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقُلْنا: يا رَسولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْتَ مَنْ نَحْنُ وَمِنْ أَيْنَ نَحْنُ فَإلَى مَنْ نَحْنُ؟ قالَ: "إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولهِ". فَقُلْنا: يا رَسولَ اللَّهِ إِنَّ لَنا أَعْنابًا ما نَصْنَعُ بِها قالَ: "زَيِّبُوها". قُلْنا ما نَصْنَعُ بِالزَّبِيبِ قالَ: "انْبِذُوهُ عَلَى غَدائِكُمْ، واشْربُوهُ عَلَى عَشائِكُمْ، وانْبِذُوهُ عَلَى عَشائِكُمْ، واشْرُبوهُ عَلَى غَدائِكُمْ، وانْبذُوهُ في الشِّنانِ وَلا تَنْبِذُوهُ في القُلَلِ، فَإِنَّهُ إِذا تَأَخَّرَ عَنْ عَصْرِهِ صارَ خَلًّا" (¬1). 3711 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الُمثَنَّى، حَدَّثَني عَبْدُ الوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ المَجِيدِ الثَّقَفيُّ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدِ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها قالَتْ: كانَ يُنْبَذ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- في سِقاءٍ يُوكَأُ أَعْلاهُ وَلَهُ عَزْلاءُ يُنْبَذُ غدْوَةَ فَيَشْرَبُهُ عِشاءً وَيُنْبَذُ عِشاءً فَيَشْرَبُهُ غُدْوَةً (¬2). 3712 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا المُعْتَمِرُ قالَ: سَمِعْتُ شَبِيبَ بْنَ عَبْدِ المَلِكِ يُحَدِّث، عَنْ مُقاتِلِ بْنِ حيّانَ قالَ: حَدَّثَتْني عَمَّتي عَمْرَةُ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها أَنَّها كانَتْ تَنْبِذُ لِلنَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- غُدْوَةً فَإذا كانَ مِنَ العَشيِّ فَتَعَشَّى شَرِبَ عَلَى عَشائِهِ وَإِنْ فَضَلَ شَيء صَبَبْتهُ -أَوْ فَرَغْتُهُ- ثُمَّ تَنْبِذُ لَهُ بِاللَّيْلِ فَإِذا أَصْبَحَ تَغَدَّى فَشَرِبَ عَلَى غَدائِهِ قالَتْ: نَغْسِل السِّقاءَ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً فَقالَ لَها أَبي: مَرَّتَيْنِ في يَوْمٍ. قالَتْ: نَعَمْ (¬3). 3713 - حَدَّثَنا مَخْلَدُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا أَبو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي عُمَرَ ¬

_ (¬1) رواه النسائي 8/ 332، وأحمد 4/ 232. وصححه الألباني في "الصحيحة" (1573). (¬2) رواه مسلم (2005). (¬3) رواه أحمد 6/ 124. وحسن إسناده الألباني في "صحيح سنن أبي داود".

يَحْيَى البَهْرانيِّ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: كانَ يُنْبَذُ لِلنَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- الزَّبِيبُ فَيَشْرَبُهُ اليَوْمَ والغَدَ وَبَعْدَ الغَدِ إِلَى مَساءِ الثّالِثَةِ، ثمَّ يَأْمُرُ بِهِ فَيُسقَى الخَدَم أَوْ يُهَراقُ. قالَ أَبو داوُدَ: مَعْنَى يُسْقَى الخَدَمُ: يُبادَرُ بِهِ الفَسادُ. قالَ أَبُو داوُدَ: أَبُو عُمَرَ يَحْيَى بْن عُبَيْدٍ البَهْرانيُّ (¬1). * * باب في صفة النبيذ [3710] (حدثنا عيسى بن محمد) أبو عمير ابن النحاس الرملي، حافظ، عابد، فقير (حدثنا ضمرة) بن ربيعة الفلسطيني الرملي، مولى علي بن أبي حملة، أخرج له البخاري في "الأدب" والأربعة. (عن) السري بفتح السين المهملة وهو ابن يحيى البصري الرملي (¬2) (السيباني) بفتح السين المهملة وسكون المثناة تحت بعدها باء موحدة مخففة نسبة إلى سيبان بطن من حمير، وهو سيبان بن الغوث بن سعد، أخرج له البخاري في "الأدب". وقال يحيى القطان: ثقة، ثبت (عن عبد اللَّه بن الديلمي) بفتح الدال واللام، نسبة إلى الديلم، وهي بلاد معروفة. قيل: إن الديلم من ولد يافث بن نوح، ووثقه ابن معين والعجلي (¬3). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2004). (¬2) كذا في الأصول: السري بفتح السين المهملة، وهو ابن يحيى البصري الرملي. وهو خطأ، والصواب أنه يحيى بن أبي عمرو، والسري بن يحيى هو ابن إياس الشيباني بالشين المعجمة، وانظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 31/ 480 (6893). (¬3) "تاريخ ابن معين" برواية الدارمي (ص 174) (631)، "ثقات العجلي" 2/ 26 (876).

(عن أبيه) فيروز الديلمي، قاتل الأسود الكذاب، وفد على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (قال: أتينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقلنا: يا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قد علمت من نحن ومن أين جئنا نحن وإلى من) جئنا (نحن؟ قال) جئتم (إلى اللَّه تعالى وإلى رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- فقلنا: يا رسول اللَّه، إن لنا) في بلادنا (أعنابا) كثيرة (فما) ذا (نصنع بها؟ قال: زببوها) توضحه رواية النسائي قال (¬1) فيروز: قدمت على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقلت: يا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، إنا أصحاب كرم، وقد أنزل اللَّه تحريم الخمر، فماذا نصنع؟ قال: "تتخذونه زبيبًا" (¬2). (قلنا: ما) ذا (نصنع بالزبيب؟ قال: انبذوه) بوصل الهمزة وكسر الباء، رواية النسائي توضحه، ولفظه: قلت: فنصنع بالزبيب ماذا؟ قال: "تنقعونه" (¬3). (على غدائكم) يشبه أن تكون (على) بمعنى (عند)، أي: تنقعون الزبيب عند وقت عشائكم (¬4) [(واشربوه على عشائكم) أي: اشربوا منه بعد عشائكم (وانبذوه على عشائكم) أي: انقعوه وقت عشائكم] (¬5) (واشربوه على غدائكم) ونظير هذا رواية عائشة الآتية بعده: ينبذ غدوة فيشرب عشاء، وينبذ عشاء فيشرب غدوة. وعلى هذا فلا تطول المدة، ويكون هذا أحلى ما يكون من الشراب (وانبذوه) أي: اطرحوا الزبيب (في الشنان) بكسر الشين المعجمة ¬

_ (¬1) ساقطة من (ح). (¬2) "المجتبى" 8/ 332، "السنن الكبرى" 3/ 243. (¬3) السابق. (¬4) هكذا في النسخ. ولعل الصواب: غدائكم. (¬5) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

[وتخفيف النون] (¬1) جمع شن، كسهام جمع سهم، ويقال في الواحد: شنة أيضًا، ومنه الحديث: "فإن كان عندكم ماء بات في شنة" (¬2) وهي القربة الخلقة البالية أو الرقيقة، وهي أشد تبريدًا للماء من الجديدة، لا سيما إن كانت معلقة كما في "الصحيح": فقام إلى شنٍّ معلقة (¬3). (ولا تنبذوه في القلل) بضم القاف جمع قلة كغرف جمع غرفة. وفي رواية للنسائي: "ولا تنتبذوه في القلال" (¬4) وهو بكسر القاف جمع قلة أيضًا مثل برام جمع برمة، والقلة: إناء للعرب كالجرة الكبيرة شبه الحب الكبير، وهو بضم الحاء المهملة، فارسي معرب، وهو الجابية، سميت قلة؛ لأن الرجل يقلها، أي: يحملها، وكل شيء حملته فقد أقللته. (فإنه إذا تأخر عن عصره) المعتاد (صار خلًّا) وانقلبت حلاوته حموضة، وزال عنه اسم النبيذ، وصار إدامًا يؤتدم به بعد أن كان شرابًا. [3711] (حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثني عبد الوهاب (¬5) بن عبد المجيد) بن الصلت بن عبيد اللَّه بن الحكم بن أبي العاص (الثقفي) بفتح المثلثة والقاف، نسبة إلى ثقيف، [وهو ثقيف] (¬6) بن منبه بن بكر. ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) رواه البخاري (5621) من حديث جابر بن عبد اللَّه. (¬3) رواه البخاري (183)، ومسلم (763/ 182) من حديث ابن عباس. (¬4) "المجتبى" 8/ 332، "السنن الكبرى" 3/ 243. (¬5) فوقها في (ح)، (ل): (ع). (¬6) ساقط من (م).

قيل: إن اسم ثقيف: قسي، نزلوا الطائف وانتشروا في بلاد الإسلام (عن يونس بن عبيد) الثقفي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬1). (عن الحسن) البصري (عن أمه) خيرة؛ بفتح الخاء المعجمة، وكانت مولاة لأم سلمة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، الظاهر أنها تابعية، روى عنها ابناها الحسن البصري وسعيد (¬2). (عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كان ينبذ لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في سقاء يوكأ) قال النووي: هذا مما رأيته يكتب ويضبط هكذا، وصوابه: يوكي بالياء يعني: المكسور ما قبلها غير مهموز. انتهى (¬3)، أي: يشد بالوكاء (أعلاه) والوكاء هو الخيط الذي يشد به رأس القربة (وله عزلاء) هي بفتح العين المهملة وإسكان الزاي وبالمد، وهي الثقب الذي يكون في أسفل المزادة والقربة. (ينبذ) ولفظ مسلم والترمذي: كنا ننبذ لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في سقاء يوكأ أعلاه وله عزلاء، ننبذه (¬4) (غدوة فيشربه عشاء) قال النووي: هو بكسر العين وفتح الشين وبالمد. قال: وضبطه بعضهم: عشيًّا بفتح العين وكسر الشين وزيادة ياء مشددة (¬5). (وينبذ) ولهما: ينبذه. بزيادة هاء، كما تقدم (عشاء فيشربه غدوة) قال القرطبي: هذا يدل على أن أقصى زمان الشرب فيه؛ فإنه لا تخرج حلاوة ¬

_ (¬1) "الثقات" 5/ 554. (¬2) "مسلم بشرح النووي" 13/ 176. (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 35/ 166 - 167 (7832). (¬4) "صحيح مسلم" (2005/ 85)، "سنن الترمذي" (1871). (¬5) "مسلم بشرح النووي" 13/ 176.

التمر أو الزبيب في أقل من ليلة أو يوم، والحاصل من هذِه الأحاديث أنه يجوز شرب النبيذ ما دام حلوًا، غير أنه إذا اشتد الحر أسرع إليه التغير في زمان الحر دون زمان البرد (¬1). [3712] (حدثنا مسدد، حدثنا المعتمر) (¬2) بن سليمان بن طرخان التيمي (قال: سمعت شبيب (¬3) بن عبد الملك) التميمي البصري، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4)، وقال أبو زرعة: صدوق (¬5). روى له المصنف هذا الحديث والنسائي حديثًا (¬6). [(عن مقاتل بن حيان) بفتح المهملة وتشديد المثناة تحت، البلخى أبي بسطام الخزاز، مولى بكر بن وائل، أخرج له مسلم] (¬7) (قال: حدثتني عمتي (¬8) عمرة) لا يعرف حالها ووهم من جعلها بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة. (عن عائشة رضي اللَّه عنها أنها كانت تنبذ) بفتح أوله وكسر ثالثه (للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- غدوة) النهار (فإذا كان من العشي) بتشديد الياء آخره (فتعشى) بالف في آخره دون همز (شرب على عشائه) منه. ¬

_ (¬1) "المفهم" 5/ 272 - 273. (¬2) فوقها في (ح): (ع). (¬3) في (ل): سعيد. (¬4) "الثقات" 8/ 310. (¬5) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم 4/ 359. (¬6) "السنن الكبرى" 5/ 113 (5190). (¬7) ما بين المعقوفتين ساقط من (م)، (ل). (¬8) ساقطة من (م)، (ل).

فيه استعمال الحلو بعد العشاء، وإن كان شرابًا فهو أولى (وإن فضل) بفتح الضاد، وكسرها لغة (شيء) منه (صببته) بفتح الباء الأولى (أو فرغته) في إناء آخر. وحديث عائشة هذا محمول على نبيذ [قليل يفرغ في يومه، أو يفضل منه شيء يسير لا يكفي عشاء، فيصبه أو يفرغه من الوعاء؛ لينبذ فيه عوضه؛ ليشربه بعد العشاء. وأما حديث ابن عباس الآتي بعده محمول على نبيذ] (¬1) كثير يبقى منه شيء كثير فيتأخر اليومين والثلاثة، أو يحمل حديث عائشة على ما ينبذ في زمن الحر بحيث يخشى فساده إذا أقام أكثر من يوم. وحديث ابن عباس في زمن بارد لا يخاف تغيره قبل الثلاث. (ثم تنبذ له بالليل) أي: في الليل، فـ (الباء) بمعنى (في) كقوله تعالى: {مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ} (¬2) (فإذا أصبح تغدى) فيه الأكل أول النهار (فشرب على غدائه) فيه أكل الحلو (¬3) وشربه عقب الغداء وكذا العشاء، ويدخل في الحلو الشراب من العسل المذاب، والتمر والزبيب الذي ينبذ في الماء، وكذا مأكول الحلو من حلوى وغيرها. قال بعضهم: الحلاوة بعد الطعام خير من كثرة الألوان، والتمكن على المائدة خير من زيادة لونين، وأكل الحلو أو شربه عقب الأكل من الطيبات التي تورث الرضا عن اللَّه تعالى وتخلص الشكر له (¬4). ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) الصافات: 137 - 138. (¬3) ساقطة من (م)، (ل). (¬4) انظر: "إحياء علوم الدين" 2/ 16.

(قالت) وكانت (تغسل السقاء له غدوة وعشية) لفظ رواية النسائي: وكان يغسل الأسقية فلا يجعل فيها درديًّا ولا غيره (¬1). انتهى. ولعل عائشة كانت تغسل السقاء في الأكثر، وربما غسله النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا وجدها مشتغلة بغيره (فقال لها) يشبه أن يكون مقاتل بن حيان لعمرة (أبي) حيان الخزاز أيغسل السقاء (مرتين في) كل (يوم) غدوة وعشيًّا؟ (قالت) عمرة (نعم) وفيه دليل على استحباب غسل الإناء إذا فرغ من الأكل أو الشرب منه، ويتكرر الغسل بتكرر فراغه من الطعام أو الشراب، ويتولى غسل ذلك الزوجة أو الخادم إن كانا، وإلا فالآكل. ولم أجد في غير هذا الحديث ذكر هذِه السنة، ولم أقف على ذكرها لأحد من العلماء، ولا يبعد أن تكون مسطورة. [3713] (حدثنا مخلد بن خالد) الشعيري العسقلاني، نزيل طرسوس شيخ مسلم (حدثنا أبو معاوية) (¬2) شيبان بن عبد الرحمن المؤدب النحوي التميمي مولاهم البصري (¬3). (عن) سليمان بن مهران (الأعمش عن أبي عمر يحيى) بن عبيد الكوفي، أخرج له مسلم في الأشربة (البهراني) بفتح الباء الموحدة وسكون الهاء وبعد الألف نون، نسبة إلى بهراء، نزل أكثرها مدينة حمص من الشام، وهو بهراء بن عمرو من قضاعة. ¬

_ (¬1) "المجتبى" 8/ 333، "السنن الكبرى" 3/ 244، 4/ 191. (¬2) فوقها في (ح)، (ل): (ع). (¬3) كذا في الأصول وهو خطأ، إنما الصواب: محمد بن خازم الضرير، وانظر ترجمتيهما في "تهذيب الكمال" 12/ 592، 25/ 123.

(عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: كان ينبذ للنبي (¬1) -صلى اللَّه عليه وسلم- الزبيب) زاد مسلم: في السقاء (¬2) (فيشربه اليوم) لفظ النسائي: كان ينقع له الزبيب أول الليل فيشربه يومه (¬3). وفي رواية: إذا أصبح يومه ذلك والليلة التي تجيء والغد والليلة الأخرى (¬4) (والغد وبعد الغد) ليس في هذا مخالفة لحديث عائشة قبله؛ لذكر اليوم فيه واليومين والثلاثة هنا؛ لأن الشرب في يوم لا يمنع الزيادة عليه، ولعل حديث عائشة كان في زمن الحر حيث يخشى فساده في الزيادة على اليوم، وهنا حيث يؤمن فيه التغير قبل الثلاث كما تقدم. (إلى مساء) الليلة (الثالثة) قال النووي: مساء. الثالثة: تقال بضم الميم وكسرها لغتان مشهورتان، الضم أرجح (¬5). (ثم يأمر به فيسقى الخدم) جمع خادم، ويجمع على خدام، والخادم يطلق على الغلام والجارية، والخادمة في المؤنث بالهاء قليل. لفظ النسائي: فإذا كان في آخر الليلة الثالثة سقاه أو شربه، فإان أصبح منه شيء أهراقه (¬6) (أو) أمر به فصب [فإذا] (¬7) فضل (¬8) منه شيء ¬

_ (¬1) في (م)، (ل): لرسول اللَّه. (¬2) مسلم (2004/ 82). (¬3) "المجتبى" 8/ 333، "السنن الكبرى" 3/ 244. (¬4) رواه مسلم (2004/ 79). (¬5) "مسلم بشرح النووي" 13/ 175. (¬6) "المجتبى" 8/ 333، "السنن الكبرى" 3/ 244. (¬7) زيادة يقتضيها السياق. (¬8) ساقطة من (م).

بعدما أصبح (يُهراق) بضم أوله؛ لأنه إذا صار مسكرًا حرم شربه (¬1) وكان نجسًا فيراق ولا يسقيه للخادم؛ لأن الخادم لا يجوز أن يسقى المسكر، كما لا يجوز له شربه، أما إذا كان في مبادئ السكر فيسقيه الخادم ولا يريقه، لأنه مال يحرم إضاعته، ويترك شربه تنزهًا. (قال: ) المصنف (معنى) قوله: (يسقى الخدم: ) أي: (يبادر به الفساد)، أي يسارع إلى سقيه خادمه أو دابته؛ لئلا يفسد بالإسكار، وفيه المبادرة إلى أكل ما يخاف فساده أو إطعامه لمحتاج إليه ولو دابة أو أشجارًا ونحوها. * * * ¬

_ (¬1) بعدها في (م): أما إذا. ولعل الأصوب أن تكون بعد كلمة: فصب السابقة.

12 - باب في شراب العسل

12 - باب في شَرابِ العَسَلِ 3714 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا حَجّاجُ بْن مُحَمَّدٍ قالَ: قالَ ابن جُرَيْجٍ، عَنْ عَطاءٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ، قالَ: سَمِعْتُ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها زَوْجَ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- تُخْبِرُ أَنَّ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَيَشْرَبُ عِنْدَها عَسَلًا، فَتَواصَيْتُ أَنا وَحَفْصَة أيَّتُنا ما دَخَلَ عَلَيْها النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَلْتَقُلْ: إِنّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغافِيرَ، فَدَخَلَ عَلَى إِحْداهُنَّ فَقالَتْ لَهُ ذَلِكَ فَقالَ: " بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَلَنْ أَعُودَ لَهُ". فَنَزَلَتْ {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي} إِلَى {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} لِعائِشَةَ وَحَفْصَةَ رضي اللَّه عنهما {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} لِقَوْلِهِ: "بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا" (¬1). 3715 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ، حَدَّثَنا أَبو أُسامَةَ، عَنْ هِشامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: كانَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُحِبُّ الحَلْواءَ والعَسَلَ. فَذَكَرَ بَعْضَ هذا الخَبَرِ. وَكانَ النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَشْتَدُّ عَلَيْهِ أَنْ تُوجَدَ مِنْهُ الرِّيحُ. وَفي الحَدِيثِ قالَتْ سَوْدَة: بَلْ أَكَلْتَ مَغافِيرَ. قالَ: "بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا سَقَتْني حَفْصَةُ". فَقُلْتُ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ العُرْفُطَ. قالَ أَبُو داودَ: المَغافِيرُ فقْلَة وَهِيَ صَمْغَةٌ. وَجَرَسَتْ رَعَتْ. والعُرْفُطُ نَبْتٌ مِنْ نَبْتِ النَّحْلِ (¬2). * * * باب: في شراب العسل [3714] (حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل، ثنا حجاج بن محمد) المصيصي الأعور، ترمذي الأصل، سكن بغداد، ثم المصيصة. (قال: قال) عبد الملك (ابن جريج، عن عطاء أنه سمع عبيد بن ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5267)، ومسلم (1474). (¬2) رواه البخاري (5431)، ومسلم (1474).

عمير) مصغران، أبو عاصم (¬1) الليثي (قال: سمعت عائشة رضي اللَّه عنها زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تخبر أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يمكث عند زينب بنتِ) بالجر (جحش رضي اللَّه عنها ويشرب (¬2) عندها عسلًا) فيه مزج العسل بالماء، وشربه، (فتواصيت أنا وحفصةُ) بالرفع، أي: أوصت كل واحدة منا الأخرى، وحفصة هي بنت عمر بن الخطاب زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. (أيتنا ما دخل عليها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فلتقل: ) له: أكلت مغافير (إني أجد منك ريح مغافير) بفتح الميم والغين المعجمة (¬3). شجر العرفط نوع من الصمغ يتحلب من بعض الشجر. يحل بالماء ويشرب، وله رائحة كريهة، وهو حلو، وواحد المغافير مُغفور بضم الميم، وليس في كلامهم مُفعول بالضم إلا قليل، منه مغرود بالغين المعجمة، والراء المهملة، ثم دال، وهو نوع من الكمأة. (فدخل على إحداهن فقالت له ذلك، فقال: ) لم آكل عندها مغافير، (بل شربت عسلًا عند زينب) بنت جحش (ولن أعود له) أي: إلى شربه، قال القرطبي: هو على جهة التحريم. (فنزلت: ) {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ} ({لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}) من شرب العسل أو من نكاح ملكك. قال النووي: هذِه الآية ظاهرة في أن الآية نزلت في ترك العسل (¬4). ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): هاشم. (¬2) قبلها في (ل)، (م) ونشرب نسخة. (¬3) قال أبو عبيد في "غريب الحديث" 2/ 256: قال الكسائي وأبو عمرو: المغافير شيء شبيه بالصمغ يكون في الرمث وشجر فيه حلاوة. (¬4) "مسلم بشرح النووي" 10/ 76.

قال القاضي: قد اختلف في سبب نزول هذِه الآية، فقالت عائشة: هي في قصة العسل (¬1). (إلى) قوله تعالى ({إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ}) (¬2) الخطاب (لعائشة وحفصة) على طريقة الالتفات؛ ليكون أبلغ في معاتبتهما، وفي الصحيحين من حديث ابن عباس: مكثت سنة أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية، فما استطعت هيبة له، حتى خرج حاجًّا، فخرجت معه، وفيه: فقلت: من اللتان (¬3) تظاهرتا على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من أزواجه؟ قال: تلك حفصة وعائشة (¬4). ({وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ}) هي حفصة ({حَدِيثًا}) هو محمد، بيانه (لقوله) لحفصة زوجته: (بل (¬5) شربت عسلًا). قال الأصيلي: حديث حجاج أصح وأولى بظاهر كتاب اللَّه تعالى، كما أن الصحيح في سبب نزول الآية أنها في قصة العسل لا في قصة مارية المروي في غير الصحيحين، ولم تأت قصة مارية من طريق صحيح. قال النسائي: وحديث عائشة في العسل إسناده صحيح جيد غاية (¬6). قال القاضي: والصواب أن شرب العسل كان عند زينب (¬7). ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" 5/ 14. (¬2) في حاشية (ح): بكسر الهمزة. يعني همزة (إن) التي في الآية. (¬3) في (ل)، (م): اللاتي. (¬4) البخاري (4913)، مسلم (1479/ 31، 33). (¬5) في (ل، م): بلى. (¬6) "السنن الكبرى" 3/ 256. (¬7) "إكمال المعلم" 5/ 24.

قال: وفي الحديث اختصار، تمامه: "ولن أعود إليه، وقد حلفت ألا تخبري بذلك أحدًا" كما في رواية البخاري (¬1)، وهذا أحد الأقوال في معنى {أَسَرّ} (¬2). [3715] (حدثنا الحسن بن علي) الخلال (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (عن هشام) بن عروة بن الزبير (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يحب الحلواء) قال النووي: هو بالمد، والمراد به كل شيء حلو. (والعسل) ذكر بعده تنبيهًا على شرفه ومزيته، وهو من باب ذكر الخاص بعد العام، وفيه جواز أكل لذيذ الأطعمة والطيبات من الرزق، وأن ذلك لا ينافي الزهد والمراقبة، لاسيما إذا حصل اتفاقًا (¬3). قال القرطبي خلافًا لما يذهب إليه أهل التعمق والغلو في الدين. قال: وفيه دليل على جواز الميل إلى لذائذ الأطعمة لقوله: كان يحب (¬4). (فذكر بعض هذا الخبر) المذكور، (و) فيه: (كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يشتد عليه) أي: يشق عليه (أن توجد منه الريح) الكريهة، ويتوقى كل طعام ذي ريح، ولذلك صدَّق من قالت له ذلك، وحرم العسل على نفسه. (وفي الحديث: قالت) له (سودة: ) بنت زمعة، تزوجها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد موت خديجة وقبل العقد على عائشة. (أكلت مغافير؟ ) قال الهروي: ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (4912، 6691). (¬2) "إكمال المعلم" 5/ 15. (¬3) "مسلم بشرح النووي" 10/ 77. (¬4) "المفهم" 4/ 247.

ويقال له: مغاثير (¬1). بثاء مثلثة. (قال: بل شربت عسلًا سقتني حفصة) وفي الرواية التي قبلها: "شربت عسلًا عند زينب". وكذا ذكره مسلم في حديث حجاج، عن ابن جريج أن التي شرب عندها زينب، وأن المتظاهرتين عليه: عائشة وحفصة (¬2)، وذكر مسلم هذِه الرواية الثانية من رواية أبي أسامة عن هشام أن حفصة هي التي شرب العسل عندها (¬3). قال النسائي: إسناد حديث حجاج صحيح جيد غاية (¬4). كما تقدم. (فقلت: جَرَسَتْ) بفتح الجيم والراء والسين المهملة، أي: أكلت، يقال: جرست النحل تجرس جرسًا. إذا أكلت لتعسل، ويقال للنحل: جوارس. أي: أواكل. (نحله العُرْفُط) وهو من شجر العضاه، وهو كل شجر له شوك، وقيل: تشبه رائحته رائحة النبيذ. وقيل: إذا رعته الإبل خبثت رائحة ألبانها حتى يتأذى بها الناس. (قال) المصنف (العرفط: نبت من نبت) تأكله (النحل) لتعسل. * * * ¬

_ (¬1) "الغريبين في القرآن والحديث" (ص 1380). (¬2) مسلم (1474)، وهو عند البخاري أيضًا (5267، 6691). (¬3) مسلم (1474/ 21)، وهو أيضًا عند البخاري (6972). (¬4) "السنن الكبرى" 3/ 356.

13 - باب في النبيذ إذا غلى

13 - باب في النَّبِيذِ إِذا غَلَى 3716 - حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ عَمّارٍ، حَدَّثَنا صَدَقَةُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا زَيْدُ بْنُ واقِدٍ، عَنْ خالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كانَ يَصُومُ، فَتَحيَّنْتُ فِطْرَهُ بِنَبِيذٍ صَنَعْتُهُ في دُبّاءٍ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِهِ فَإذا هُوَ يَنِشُّ فَقالَ: "اضْرِبْ بهذا الحائِطَ فَإِنَّ هذا شَرابُ مَنْ لا يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ" (¬1). * * * باب في النبيذ إذا غلى [3716] (حدثنا هشام بن عمار) أبو الوليد السلمي الدمشقي، خطيب دمشق وعالمها، شيخ البخاري (حدثنا صدقة بن خالد) القرشي الدمشقي، [مولى أم البنين أخت معاوية بن أبي سفيان، قاله البخاري وأبو حاتم (¬2)، وأخرج له البخاري. (حدثنا زيد بن واقد) القرشي الدمشقي] (¬3)، أخرج له البخاري. (عن خالد بن عبد اللَّه بن حسين) الأموي، مولاهم، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4). (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: علمت أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يصوم) زاد النسائي: في بعض الأيام التي كان يصومها (¬5). ¬

_ (¬1) رواه النسائي 8/ 301، وابن ماجه (3409). وصححه الألباني في "الإرواء" (2389). (¬2) "التاريخ الكبير" 4/ 295، "الجرح والتعديل" 4/ 430 من قول ابن أبي حاتم. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) "الثقات" 4/ 204. (¬5) "المجتبى" 8/ 325، "السنن الكبرى" 3/ 237.

(فتحينت) أي: طلبت حين وقت (فطره) أي: فطوره، فجئته في وقت فطوره (بنبيذ) ولفظ ابن ماجه: بنبيذ جر (¬1). (صنعته في دباء) أي: قرع. (ثم أتيته) (¬2) به، فإذا هو يَنِش) بفتح الياء وكسر النون، وفي الحديث: "النبيذ إذا نش فلا يشرب" (¬3). أي: إذا غلى، يقال: نشت الخمر تنش نشِيشًا إذا غلت، وللنسائي زيادة بلفظ: فلما كان المساء جئته أحملها إليه، فقلت: يا رسول اللَّه، إني قد علمت أنك تصوم في هذا اليوم، فتحينت فطرك بهذا النبيذ. فقال: "أدنه مني يا أبا هريرة". فرفعته إليه، فإذا هو ينش، فقال: "خذ هذِه و" (¬4) (اضرب بهذا الحائط) أي: اصببه وأرقه في البستان، وهو الحائط. (فإن هذا شراب من لا يؤمن باللَّه و) لا بـ (اليوم الآخر) أي: الشراب المسكر حرام، يشربه من لا يلتزم شرائع الإسلام ويصدق بهما. * * * ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (3409). (¬2) في (ل)، (م): فأتيته. (¬3) ذكره ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث والأثر" 5/ 56، وابن منظور في "لسان العرب" 6/ 352، والزبيدي في "تاج العروس" 17/ 412. (¬4) "المجتبى" 8/ 325.

14 - باب في الشرب قائما

14 - باب في الشُّرْبِ قائِمًا 3717 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا هِشامٌ عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى أَنْ يَشْرَبَ الرَّجُلُ قائِمًا (¬1). 3718 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدامٍ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنِ النَّزّالِ بْنِ سَبْرَةَ أَنَّ عَلِيًّا دَعا بِماءٍ فَشَرِبَهُ وَهُوَ قائِمٌ، ثُمَّ قالَ: إِنَّ رِجالًا يَكْرَهُ أَحَدُهُمْ أَنْ يَفْعَلَ هذا وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَفْعَلُ مِثْلَ ما رَأَيْتُمُوني أَفْعَلُهُ (¬2). * * * باب في الشرب قائمًا [3717] (حدثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي (حدثنا هشام) الدستوائي (عن قتادة، عن أنس -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى أن يشرب الرجل) وكذا المرأة (قائمًا) وكذا لا يشرب مضطجعًا. قال القرطبي: لم يصر (¬3) أحد من العلماء فيما علمت إلى أن هذا النهي للتحريم، وإن كان جاريًا على أصول الظاهرية، وإنما حمله بعض العلماء على الكراهة. والجمهور على جواز الشرب قائمًا فمن (¬4) السلف أبو بكر (¬5) وعمر (¬6) ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2024). (¬2) رواه البخاري (5615). (¬3) في (ح)، (ل)، (م): ير، والمثبت من "المفهم" وهو الصواب. (¬4) في جميع النسخ: عن. (¬5) لم أقف عليه. (¬6) رواه مالك في "الموطأ" 2/ 925.

وعلي (¬1)، وجمهور الفقهاء والشافعي ومالك متمسكين في ذلك بشرب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من زمزم قائمًا (¬2)، وبشرب علي -كما سيأتي في الحديث بعده- وكأنهم رأوا هذا الفعل منه متأخرًا عن أحاديث النهي، فإنه كان في حجة الوداع، فهو ناسخ، وحقق ذلك حكم الخلفاء الثلاثة بخلافها، ويبعد أن تخفى عليهم هذِه الأحاديث مع كثرة علمهم وملازمتهم للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وتشددهم في الدين، وهذا وإن لم يصلح للنسخ فيصلح لترجيح أحد الحديثين على الآخر (¬3). [3718] (حدثنا مسدد، حدثنا يحيى) بن سعيد (عن مسعر بن كِدَام) بكسر الكاف وتخفيف الدال المهملة (¬4) (عن عبد الملك (¬5) بن ميسرة) الهلالي الكوفي (عن النَّزَّال) بالنون والزاي المشددة (بن سَبْرة) بفتح المهملة وسكون الموحدة، وهؤلاء الثلاثة كلهم هلاليون (أن عليًّا -رضي اللَّه عنه- دعا بماء) وهو على باب الرحبة كما في البخاري (¬6)، والرحْبة -بسكون الحاء المهملة-: الساحة، والمراد بها ساحة مسجد الكوفة. ¬

_ (¬1) رواه مالك في "الموطأ" 2/ 925، وابن أبي شيبة 5/ 99 (24096)، و 5/ 99 - 100 (24099). (¬2) رواه البخاري (1637، 5617)، ومسلم (2027) من حديث ابن عباس قال: سقيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من زمزم فشرب وهو قائم. وانظر "معالم السنن" 4/ 254، "التمهيد" 8/ 354 - 356، "شرح مسلم" للنووي 8/ 3، 13/ 194 - 195، "فتح الباري" لابن حجر 10/ 82 - 85. (¬3) "المفهم" 5/ 285. (¬4) من (م). (¬5) فوقها في (ح): (ع). (¬6) "صحيح البخاري" (5615).

(فشربه وهو قائم) هذا يدل على أن النهي في الحديث قبله ليس على وجه التحريم، بل على سبيل التأديب والإرشاد، وقد روي في سبب نهيه عن ذلك خبر في إسناده نظر، روي نهيه عن إسحاق بن مالك عن محمد ابن إبراهيم، عن الحارث بن فضيل، عن جعفر بن عبد اللَّه، عن ابن عمر: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أصابه الجن في إحدى ثلاث: وهو يشرب قائمًا، أو يمشي في نعل واحد، أو يشبك بين أصابعه. . " (¬1). قال ابن بطال: وهذا وإن كان لا يعتمد عليه لضعفه. وروي عن النخعي أنه قال: إنما أكره الشرب قائمًا مخافة أن يأخذ منه داء البطن (¬2). (وقال: إن رجالًا يكره أحدهم أن يفعل) لفظ البخاري: أن يشرب وهو قائم (¬3). انتهى، وممن كرهه أنس (¬4) وأبو هريرة، وبه قال الحسن البصري (¬5) (وقد رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يفعل مثل ما رأيتموني أفعله) أي: يشرب وهو قائم كما رأيتموني أشرب. من حمل الحديث الذي قبله على [النهي يقول] (¬6): النهي عن ¬

_ (¬1) لم أقف عليه مسندًا، وأورده الهندي في "كنز العمال" 16/ 255 (44351) وعزا تخريجه لابن جرير، وقال: قال ابن جرير: سنده ضعيف واهٍ، لا يعتمد على مثله. (¬2) "شرح ابن بطال" 6/ 73، والأثر رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 5/ 101 (24115) والكلام تتمته في "شرح ابن بطال" فإن في إجماع الحجة على أن نهى النبي عن الشرب قائمًا على غير وجه التحريم له دليل على أنه نهى عنه كراهية له بسبب هو غير التحريم. (¬3) البخاري (5615). (¬4) رواه ابن أبي شيبة 5/ 101 (24112، 24113). (¬5) رواه ابن أبي شيبة 5/ 101 (24114). (¬6) ساقطة من (ل)، (م).

الشرب قائمًا إنما كان لئلا يستعجل الشارب؛ فيغب؛ فيأخذه الكباد أو يأخذه في الحلق أو في المعدة شيء، وحيث شرب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قائمًا فإنه أمن من ذلك أو دعته إلى ذلك ضرورة أو حاجة، لا سيما وقد كان على زمزم، وهو موضع مزدحم الناس. أو فعل ذلك ليري الناس أنه ليس بصائم؛ أو لأن شرب ماء زمزم ذلك الوقت مندوب إليه، أو شربه للتبرك به. * * *

15 - باب الشراب من في السقاء

15 - باب الشَّرابِ مِنْ فِيِّ السِّقاءِ 3719 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، أَخْبَرَنا قَتادَةُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنِ الشُّربِ مِنْ في السِّقاءِ وَعَنْ رُكُوبِ الجَلَّالَةِ والمُجَثَّمَةِ. قالَ أَبُو داوُدَ: الجَلَّالَةُ التي تَأْكُلُ العَذِرَةَ (¬1). * * * باب في الشرب من فِي السقاء [3719] (حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد) بن سلمة (أنا قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الشرب من) فم القربة أو (في السقاء) قيل: الفرق بينهما أن السقاء للَّبن والقربة للماء. قال ابن بطال: روي عن أبي سعيد الخدري أن رجلًا شرب من في السقاء، فانساب جان في بطنه؛ فنهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذلك (¬2). وهو نهي إرشاد وأدب خوفًا مما ذكر، وليس هو نهي تحريم. (و) نهى (عن ركوب الجلالة) وكذا عن أكل لحومها وشرب ألبانها؛ لما رواه المصنف (¬3) وغيره (¬4)، وفي رواية للبيهقي في تفسير الجلالة ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5629). (¬2) "شرح ابن بطال" 6/ 78. (¬3) سيأتي من حديث ابن عمر برقم (3785) ومن حديث عبد اللَّه بن عمرو برقم (3811). (¬4) رواه من حديث ابن عمر الترمذي (1824) وقال: هذا حديث حسن غريب، وابن ماجه (3189). =

بلفظ: نهى أن يشرب من في السقاء. وعن المجثمة والجلالة، وهي التي تأكل العذرة (¬1) قال الحافظ ابن حجر: وإسناده قوي (¬2). قال في "النهاية": الجلة: البعر فوضع موضع العذرة، يقال: جلت الدابة الجلة واجتلتها، فهي جالة (¬3) إذا التقطتها (¬4)، والنهي عن ركوب الجلالة لما يكثر من أكلها العذرة والبعر، وتكثر النجاسة على أجسامها وأفواهها، وتلمس راكبها بفمها، وثوبه بعرقها وفيه أثر العذرة أو البعر؛ فيتنجس راكبها غالبًا. وهذا النهي في ركوب الجلالة محمول على الكراهة؛ حيث لا حائل. ولا خلاف أن الركوب عليها ليس بحرام، سواء أصابه شيء من عرقها أم لا، قاله أصحابنا (¬5). ونهى عن (المجثمة) ضبطها بعضهم بسكون الجيم، مع التخفيف، وورد تفسير المجثمة في رواية البيهقي بلفظ: نهى عن أكل لحوم المجثمة، وهي المصبورة للقتل (¬6). ¬

_ = ومن حديث عبد اللَّه بن عمرو النسائي 7/ 239 - 240. وصححه الألباني من حديث ابن عمر وحسنه من حديث عبد اللَّه بن عمرو في "الإرواء" (2503). (¬1) "السنن الكبرى" من حديث أبي هريرة 9/ 333 دون لفظ: وهي التي تأكل العذرة. فلم أقف عليها في روايات البيهقي. (¬2) "التلخيص الحبير" 4/ 156. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) 1/ 288. (¬5) انظر: "الحاوي الكبير" 15/ 147. (¬6) "السنن الكبرى" 9/ 334 من حديث أبي ثعلبة الخشني، ولفظه: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الخطفة والنهبة والمجثمة، وعن أكل كل ذي ناب من السباع. قال أبو عبيد: المجثمة هي المصبورة أيضًا. . . إلخ.

وفي "النهاية": المجثمة هي كل حيوان ينصب ويرمى ليقتل، إلا أنها تكثر في الطير والأرانب وأشباه ذلك مما يجثم بالأرض، أي: يلزمها ويلتصق بها، وجثم الطائر جثومًا، وهو بمنزلة البروك للإبل (¬1). * * * ¬

_ (¬1) 1/ 239.

16 - باب في اختناث الأسقية

16 - باب في اخْتِناثِ الأَسْقِيَةِ 3720 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا سُفْيان، عَنِ الزُّهْريِّ أنَه سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْريِّ أَنَّ رَسولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عَنِ اخْتِناثِ الأَسْقِيَةِ (¬1). 3721 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْن عَليٍّ، حَدَّثَنا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنا عُبَيْد اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَجُلٍ مِنَ الأَنْصارِ- عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- دَعا بِإِداوَةٍ يَوْمَ أُحُدٍ فَقالَ: "اخْنُثْ فَمَ الإِداوَةِ". ثُمَّ شَرِبَ مِنْ فِيها (¬2). * * * باب في اختناث الأسقية [3720] (حدثنا مسدد، ثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري، سمع عُبَيد اللَّه) بالتصغير (بن عبد اللَّه) بن عتبة بن مسعود، الفقيه الأعمى (عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن اختناث الأسقية). الاختناث بخاء معجمة، ثم مثناة فوق، ثم نون، ثم ألف، ثم مثلثة، وقد فسره في الحديث في رواية مسلم، فقال: واختناثها أن يقلب رأسها ثم يشرب منه. قال ابن دريد: اختناث الأسقية: كسر أفواهها إلى خارج ليشرب منها، وأما كسرها فهو القنع (¬3). وأصل هذِه اللفظة التكسر والتثني، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5625)، ومسلم (2023). (¬2) رواه الترمذي (1891). وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (1286). (¬3) "جمهرة اللغة"1/ 418.

ومنه المخنث؛ وهو الذي يتكسر في كلامه تكسر النساء ويتثنى في مشيه كمشيهن. وقيل في هذا وفي نهيه -عليه السلام- عن الشرب من في السقاء أن ذلك مخافة أن يتضرر منه بعض (¬1) الناس فيستقذره. وقيل: لما يخاف من ضرر يكون هناك. واتفقوا على أن النهي عن اختناثها نهي تنزيه لا تحريم، وسببه أنه لا يؤمن أن يكون في السقاء ما يؤذيه فيدخل في جوفه ولا يدري (¬2). [3721] (حدثنا نصر بن علي) الجهضمي (أخبرنا عبد الأعلى، حدثنا عبيد اللَّه بن عمر) بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، أخرج له مسلم (¬3)، قال الترمذي: لا أدري هل سمع من عيسى أم لا (¬4). (عن عيسى بن عبد اللَّه) بن أنيس (رجل) بالجر على البدل (من الأنصار -رضي اللَّه عنهم-[عن أبيه) عبد اللَّه بن أنيس الأنصاري، وهو غير عبد اللَّه بن أنيس الجهني، فرق بينهما علي بن المديني وخليفة بن خياط (¬5) وغيرهما] (¬6). (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- دعا بإداوة) بكسر الهمزة، هي إناء صغير من جلد، يتخذ للماء، جمعها: أدَاوى. في (يوم) غزوة (أحد، فقال: ) الراوي (اخْنِثْ) بكسر الهمزة والنون (فم الإداوة)، ولفظ رواية الترمذي: رأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قام إلى قربة معلقة، فخنثها (¬7). ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) انظر: "شرح ابن بطال" 6/ 78. (¬3) قلت: والبخاري أيضا. انظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 19/ 124. (¬4) "سنن الترمذي" عقب حديث (1891). (¬5) "طبقات خليفة بن خياط" (ص 165، 198). (¬6) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬7) "سنن الترمذي" (1891).

(ثم شرب من فيها) خنثت السقاء واختنثته: إذا ثنيت فمه إلى خارج وشربت منه، وقبعت بالموحدة أسفل إذا ثنيته إلى داخل، من قبع القنفذ إذا أدخل رأسه واستخفى. والاختناث: تغير ريح الجلد. وقيل: النهي؛ لئلا يترشش الماء على الشارب لسعة فم السقاء، وشربه -صلى اللَّه عليه وسلم- مع الاختناث محمول على أنه علم أنه لم يكن هناك شيء يضره، وأنه لم يكن أحد يستقذر منه، بل ما يستقذر من الغير يستطاب منه ويطيب لغيره أن يتبرك به. وفي "النهاية": يحتمل أن يكون النهي خاصًّا بالسقاء الكبير دون الإداوة (¬1). * * * ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 82.

17 - باب في الشرب من ثلمة القدح

17 - باب في الشُّرْبِ مِنْ ثُلْمَةِ القَدَحِ 3722 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن وَهْبٍ أَخْبَرَني قُرَّةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْريِّ أنَّهُ قالَ: نَهَى رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنِ الشُّرْبِ مِنْ ثُلْمَةِ القَدَحِ وَأَنْ يُنْفَخَ في الشَّرابِ (¬1). * * * باب الشرب من ثلمة القدح [3722] (حدثنا أحمد بن صالح، ثنا عبد اللَّه بن وهب قال: أخبرني قرة بن عبد الرحمن) بن حيويل المعافري، أخرج له مسلم في البيوع مقرونًا بعمرو بن الحارث (¬2). (عن) محمد (ابن شهاب) الزهري (عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة) ابن مسعود الأعمى (عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الشرب من ثُلمة) بضم المثلثة وسكون اللام (¬3). (القدح) أي: موضع الكسر منه، وفي معناه: الأكل من موضع الكسر، وثلمة القدح: موضع الكسر منه، وإنما نهي عنه؛ لأنه لا يتماسك عليها فم الشارب، وربما انصب الماء على ثوبه وبدنه. وقيل: لأن موضعها لا يناله التنظيف التام إذا غسل الإناء، وقد جاء في لفظ الحديث أنه مقعد الشيطان (¬4)، وهو من إيذاء الشيطان وتلاعبه، ولعله أراد به عدم النظافة. ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 80. وروى قسم النهي عن النفخ في الشراب: الترمذي (1887). وصححه الألباني في "الصحيحة" (388). (¬2) مسلم (1591/ 92). (¬3) في جميع النسخ: الميم، وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه. (¬4) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 276 عن مجاهد.

(و) نهى (أن ينفخ في الشراب) روى النفخ في الشراب مالك في "الموطأ": أنه نهى عن النفخ في الشراب، فقال له رجل: يا رسول اللَّه، إني لا أَرْوى من نفس واحد. فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فأبن القدَحَ عن فيك، ثم تنفس". قال: فإني أرى القذاة فيه قال: "أهْرِقْها" (¬1). وسبب النهي عن الشراب (¬2) ما يخاف أن يبدر من ريقه؛ فيقع فيه، فربما شرب بعده غيره؛ فيتأذى به. وكما ينهى عن النفخ في الشراب ينهى [عن النفخ في الطعام؛ لما روى البزار عن أبي هريرة أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى] (¬3) عن النفخ في الطعام والشراب (¬4). وفي هذا كراهة النفخ في الطعام ليبرد، بل يرفع يده منه ويصبر إلى أن (¬5) يسهل أكله؛ لما روى الطبراني في "الصغير" من حديث أبي هريرة أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أتي بصحفة تفور، فرفع يده منها وقال: "إن اللَّه لم يطعمنا نارًا" (¬6). وفيه تسمية الطعام نارًا تجوزًا، لمجاورته النار. * * * ¬

_ (¬1) "الموطأ" 2/ 925. (¬2) كذا في النسخ، ولعل الصواب: النفخ، أو النهي عن النفخ في الشراب. (¬3) ساقط من (م). (¬4) "البحر الزخار" 17/ 315 (10082). قال الهيثمي في "المجمع" 5/ 52 رواه البزار عن شيخه زكريا بن يحيى بن أيوب أبي علي الضرير، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. (¬5) في (ل)، (م): حتى. والمثبت من (ح). (¬6) "المعجم الصغير" 2/ 144 (934)، ورواه أيضًا في "الأوسط" 7/ 113 (7012). قال الهيثمي في "المجمع" 5/ 20: فيه عبد اللَّه بن يزيد البكري، ضعفه أبو حاتم، وبقية رجاله ثقات.

18 - باب في الشرب في آنية الذهب والفضة

18 - باب في الشُّرْبِ في آنِيَةِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ 3723 - حَدَّثَنا حَفْص بْن عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، عَنِ ابن أَبي لَيْلَى قالَ: كانَ حُذَيْفَةُ بِالمَدائِنِ فاسْتَسْقَى فَأَتاهُ دِهْقانٌ بإناءٍ مِنْ فِضَّةٍ فَرَماهُ بِهِ وقالَ: إِنِّي لَمْ أَرْمِهِ بِهِ إِلَّا أَنّي قَدْ نَهَيْتُهُ فَلَمْ يَنْتَهِ وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عَنِ الحَرِيرِ والدِّيباجِ، وَعَنِ الشُّرْبِ في آنِيَةِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ، وقالَ: "هِيَ لَهُمْ في الدُّنْيا وَلَكُمْ في الآخِرَةِ " (¬1). * * * باب الشرب في آنية الذهب والفضة [3723] (حدثنا حفص بن عمر) الحوضي، شيخ البخاري (ثنا شعبة، عن الحكم) (¬2) بن عتيبة الكندي، مولاهم، فقيه الكوفة (عن) عبد الرحمن (ابن أبي ليلى قال: كان حذيفة) بن اليمان (بالمدائن) بهمزة قبل النون، وكان عمر قد ولاه عليها (فاستسقى) أي: طلب شرابًا يشربه (فأتاه دِهقان) بكسر الدال المهملة على الأشهر (¬3) كما قاله الزمخشري (¬4)، منصرف وغير منصرف وجهان، وهو زعيم القرية ورئيسها ومقدم أصحاب الزراعة، وهو معرب، ونونه أصلية؛ لقولهم: تدهقن الرجل، وله دهقنة، أي رياسة، وقيل: النون زائدة، وهو من الدهق، وهو الامتلاء، من قوله تعالى: {وَكَأْسًا دِهَاقًا} (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5426)، ومسلم (2067). (¬2) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬3) في (ل، م): الأفصح. (¬4) "الفائق في غريب الحديث والأثر" 3/ 181. (¬5) النبأ: 34.

(بإناء) لفظ مسلم (¬1): فجاءه دهقان بشراب في إناء (من فضة). ولفظ البخارفي: فأتاه دهقان بقدح فضة فرماه به (¬2). (فرمى به وقال: إني لم أرمه به، إلا أني قد نهيته) عنه (فلم ينته) لفظ مسلم: إني قد أمرته أن لا يسقيني فيه (¬3). فيه تعزير من ارتكب معصية، لاسيما إن كان قد سبق نهيه عنها كقضية الدهقان مع حذيفة، وفيه أنه لا بأس أن يعزر الإمام بنفسه بعض مستحقي التعزير. (وإن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن) لبس (الحرير والديباج) بكسر الدال وفتحها، الكسر أشهر، جمعه ديابيج، عجمي معرب، وهي الثياب المتخذة من الإبريسم، وأصله دياج، ولذلك قيل في جمعه دباييج بمثناتين من تحت. (ونهى عن الشرب في آنية الذهب والفضة، وقال: هي لهم) أي: للكفار (في الدنيا) والسياق يدل عليه، وليس فيه أن الكفار غير مخاطبين بالفروع الشرعية (¬4)؛ لأنه لم يصرح بإباحته لهم، بل أخبر عن الواقع في العادة أنهم هم الذين يستعملونه في الدنيا، وإن كان حرامًا عليهم كما هو حرام على المسلمين، وهذا كقوله -عليه السلام- في الحرير: "إنما يلبس هذا من لا خلاق له في الآخرة" (¬5) وهم الكفار؛ ¬

_ (¬1) مسلم (2067). (¬2) البخاري (5632). (¬3) مسلم (2067). (¬4) ما ذكره المصنف من أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة هو الصواب، وهو الذي عليه رأى الأكثرين. انظر: "روضة الناظر" لابن قدامة 1/ 229، "إرشاد الفحول" 1/ 567. (¬5) رواه البخاري (5835)، ومسلم (2068/ 7) من حديث عمر.

لأنهم لما كان مأكولهم في أواني الذهب والفضة في الدنيا وآثروه على ما أعده اللَّه لأوليائه في الآخرة وأحبوا العاجلة ذمهم بذلك. ونهى المسلمين أن يتشبهوا بهم؛ لئلا يدخلوا في قوله تعالى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} (¬1)، وقال مالك بن دينار: قرأت فيما أنزل اللَّه: أن قل لأوليائي: لا تطعموا مطاعم أعدائي، ولا تلبسوا لباس أعدائي؛ فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي (¬2). (ولكم في الآخرة) دونهم. * * * ¬

_ (¬1) الأحقاف: 20. (¬2) رواه ابن أبي الدنيا في "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" (77، 96)، وأبو نعيم في "الحلية" 2/ 371، وعبد الغني المقدسي في "الأمر بالمعروف" (87).

19 - باب في الكرع

19 - باب في الكَرْعِ 3724 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا يُونُس بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَني فُلَيْحٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الحارِثِ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: دَخَلَ النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَرَجُلٌ مِنْ أَصْحابِهِ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصارِ وَهوَ يُحوِّلُ الماءَ في حائِطِهِ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ: "إِنْ كانَ عِنْدَكَ ماءٌ باتَ هذِه اللَّيْلَةَ في شَنٍّ وَإِلَّا كَرَعْنا". قالَ: بَلْ عِنْدي ماءٌ باتَ في شَنٍّ (¬1). * * * باب في الكرع [3724] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا يونس (¬2) بن محمد) المؤدب البغدادي (حدثني فليح، عن سعيد بن الحارث) قاضي المدينة. (عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما قال: دخل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- و) دخل معه (رجل من أصحابه) ولفظ البخاري: عن جابر أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل على رجل من الأنصار ومعه صاحب له (¬3). (على رجل من الأنصار) زاد البخاري: فسلم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وصاحبه، فردَّ الرجل -يعني: السلام- فقال: يا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، بأبي أنت وأمي، وهي ساعة حارة (¬4). انتهى. (وهو يحول الماء في حائطه) لفظ البخاري: في حائط له (¬5). والتحويل هو النقل من قعر البئر إلى ظاهره وإجراء الماء من جانب إلى ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5613). (¬2) فوقها في (ح): (ع). (¬3) البخاري (5613، 5621). (¬4) البخاري (5621). (¬5) السابق دون لفظ: له.

جانب في بستانه. (فقال) له (رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن كان عندك ماء بات هذِه الليلة في شنٍّ) زاد ابن ماجه: "فاسقنا" (¬1). والشنّ والشنّة بفتح الشين المعجمة وتشديد النون هو القربة الخَلَقُ، وهي أشد تبريدًا من الجدد للماء، وفيه جواز تبريد الماء وتبييته في الأواني والأماكن التي يبرد فيها، قال المأمون: شرب الماء بالثلج يخلص الشكر للَّه تعالى (¬2). (وإلا كَرَعنا) بفتح الكاف والراء، وقد تكسر الراء، يقال: كرع من النهر وغيره إذا شرب منه بفيه من موضعه من غير أن يشرب بكفيه ولا بإناء كما تكرع البهائم؛ لأنها تدخل فيه أكارعها. قال ابن دريد: إنما يقال: كرع إذا خاض الماء وشرب منه (¬3). وروى ابن ماجه عن ابن عمر قال: مررنا على بركة، فجعلنا نكرع فيها، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تكرعوا، ولكن اغسلوا أيديكم ثم أشربوا فيها؛ فإنه ليس إناء أطيب من اليد" (¬4). وفي رواية له: نهانا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن نشرب على بطوننا -وهو الكرع- ونهانا أن نغترف باليد الواحدة، وقال: "لا يلغ أحدكم ¬

_ (¬1) ابن ماجه (3432). (¬2) رواه الخطيب في "تاريخ بغداد" 10/ 188 بنحوه. (¬3) "جمهرة اللغة" 2/ 771. (¬4) "سنن ابن ماجه" (3433). قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" 4/ 48: إسناده ضعيف لضعف ليث وهو ابن أبي سليم. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (2845).

كما يلغ الكلب، ولا يشرب باليد الواحدة كما شرب القوم الذين سخط اللَّه عليهم، في قوله: {إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ} (¬1) ولا يشرب بالليل من إناء حتى يحركه، إلا أن يكون إناءً مخمرًا، ومن شرب بيده وهو يقدر على الإناء يريد التواضع كتب اللَّه له (¬2) بعدد أصابعه حسنات، وهو إناء عيسى ابن مريم إذ طرح القدح زهدًا مع الدنيا" (¬3). (قال: بلى عندي ماء بات في شن) زاد البخاري: فانطلق إلى العريش (¬4). ولابن ماجه: وانطلقنا معه (¬5). ثم قال في البخاري: فسكب في قدح ماء، ثم حلب عليه من داجن له، فشرب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم أعاد، فشرب الرجل الذي جاء معه (¬6). * * * ¬

_ (¬1) البقرة: 249. (¬2) ساقطة من (ح). (¬3) "سنن ابن ماجه" (3431). والحديث في إسناده بقية بن الوليد، قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" 4/ 47: إسناده ضعيف لتدليس بقية بن الوليد وقد عنعنه. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (2168). (¬4) البخاري (5621). (¬5) "سنن ابن ماجه" (3432). (¬6) البخاري (5613، 5621).

20 - باب في الساقي متى يشرب

20 - باب في السّاقي مَتَى يَشْرَبُ 3725 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبي المُخْتارِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ أَبي أَوْفَى أَن النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "سَاقِيَ القَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبًا" (¬1). 3726 - حَدَّثَنا القَعْنَبيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أُتِيَ بِلَبَنٍ قَدْ شِيبَ بِماءٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرابيٌّ وَعَنْ يَسارِهِ أَبُو بَكْرِ، فَشَرِبَ ثُمَّ أَعطى الأعْرابيَّ وقالَ: "الأَيْمَنَ فالأَيْمَنَ" (¬2). 3727 - حَدَّثَنا مُسلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا هِشامٌ، عَنْ أَبي عِصامٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كَانَ إِذا شَرِبَ تَنَفَّسَ ثَلاثًا وقالَ: "هُوَ أَهْنَأُ وَأَمْرأُ وَأَبْرَأُ" (¬3). * * * باب الساقي متى يشرب؟ [3725] (حدثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي، شيخ البخاري (ثنا شعبة، عن أبي المختار) سفيان بن المختار، ويقال: سفيان بن أبي حبيبة. الكوفي (عن عبد اللَّه بن أبي أوفى أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: ساقي القوم آخرهم) (¬4). زاد ابن ماجه: شربًا (¬5). وفي هذا الحديث إشارة من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى أن كل من ولي شيئًا من أمور المسلمين يجب عليه تقديم إصلاحهم على حظ نفسه، وأن يكون غرضه إصلاح حالهم، وجر ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 354. صححه الألباني في "صحيح الجامع" (3588). (¬2) رواه البخاري (2352)، ومسلم (2029). (¬3) رواه البخاري (5631)، ومسلم (2028). (¬4) في المطبوع من "سنن أبي داود" زيادة: شربًا. (¬5) "سنن ابن ماجه" (3434).

المنفعة إليهم، ودفع المضار عنهم، والنظر لهم في دق أمورهم وجلها (¬1)، وتقديم مصلحتهم على مصلحته، وكذا من يفرق على القوم فاكهة أو يحز لهم بطيخًا ونحوه. فيبدأ بسقي كبير القوم أولًا، ثم بمن على يمينه واحدًا بعد واحدٍ، ثم يشرب ما بقي منهم. [3726] (حدثنا القعنبي) وهو (عبد اللَّه بن مسلمة) بن قعنب (عن مالك، عن) محمد (ابن شهاب، عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أتي بلبن قد شيب) أي: خلط (بماء) وخلط اللبن بالماء لأجل تبريده إذا كان حارًّا، ولتكثيره ليكفي القوم وغير ذلك من الأغراض جائز، وليس هو من باب الخليطين، وأما خلطه للبيع فلا يجوز؛ لأنه غش، بل لا يجوز بيعه للجهل بمقداره، وخلط اللبن بالماء لطلب برودته، فإن ذلك اليوم كان حارًّا، ألا ترى قوله في باب الكرع: وهي ساعة حارة. فيجتمع في خلط الماء به برد اللبن مع برد الماء البائت، وفيه أنه لا بأس بشوبه بالعسل أيضًا كما يشاب بالماء. (وعن يمينه أعرابيٌّ) قيل: هو عبد اللَّه بن عباس، كما في "مسند ابن أبي شيبة" وقيل: هو الفضل أخوه. (وعن يساره أبو بكر، فشرب) فيه البداءة في الأكل والشرب بمن يستحق التقديم والبداءة به بكبر سن أو زيادة علم أو دين أو صلاح. (ثم أعطى) اللبن (الأعرابيَّ) الذي على يمينه. فيه بيان السنة الواضحة في استحباب التيامن في كل ما كان من أنواع الإكرام، وفيه أن الأيمن في ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل)، (م).

الطعام والشراب وتفريق الفاكهة ونحو ذلك يقدم في العطية، وإن كان صغيرًا أو مفضولًا، لسبقه إلى المكان الأشرف والأفضل، وهو يمين النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا يزعج، ولا ينقل إلى اليسار، وإن كان من على اليسار أشرف وأفضل، كما أن الصغير إذا سبق إلى الصف الأول خلف الإمام أو على يمينه لا يزعج عنه وينقل إلى الصف الثاني إذا حضر من هو أشرف منه وأفضل وهو بالغ. ودليل تقديم الصغير والمفضول أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قدم الأعرابي والغلام على أبي بكر، وأما تقديم الأفاضل فهو عند التساوي في المجيء وباقي الأوصاف، كما يقدم الأقرأ والأعلم في الإمامة في الصلاة (¬1). وقال غيره (¬2): روي عن مالك أنه قال بالتقديم في الماء خاصة. قال ابن بطال: ولا أعلم أحدًا قاله غيره (¬3). وحديث عائشة أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يحب التيامن في تنعله وطهوره وترجله (¬4). يعم الماء وجميع الأشياء، وكذا قوله هنا. (وقال: الأيمن فالأيمن) ضبط بالنصب فيهما وبالرفع، وهما صحيحان، فالنصب على تقدير: أعطِ الأيمن، والرفع على تقدير: الأيمن أحق من غيره، أو نحو ذلك، وفي الرواية الأخرى لمسلم وغيره: "الأيمنون" (¬5). وفي رواية: "ألا تيمنوا" وهو يرجح الرفع. ¬

_ (¬1) كما في حديث أبي مسعود الأنصاري، رواه مسلم (673). (¬2) في (ل، م): عبيدة. وفي "شرح ابن بطال": غيره. (¬3) "شرح ابن بطال" 6/ 74. (¬4) رواه البخاري (168)، ومسلم (268). (¬5) رواه البخاري (2571)، ومسلم (2029/ 126).

[3727] (حدثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا هشام) الدستوائي (عن أبي عصام) قال المنذري: لا يعرف اسمه (¬1). وقال النووي: اسمه: خالد ابن أبي عبيد (¬2). وانفرد به مسلم والمصنف، وليس له سوى هذا الحديث. (عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا شرب تنفس ثلاثًا) لفظ مسلم: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يتنفس في [الشراب ثلاثًا (¬3). وفي رواية: كان يتنفس في الإناء (¬4). وقد حمل بعضهم هذا الحديث على ظاهره، وهو أن يتنفس في] (¬5) الإناء ثلاثًا، وقال: فعل ذلك ليبين به جواز ذلك، ومنهم من علل جواز ذلك في حقه -عليه السلام- بأنه لم يكن يتقذر منه شيء، بل الذي يتقذر من غيره يستطاب منه، فإنهم كانوا إذا بزق أو تنخع تدلكوا بذلك، وإذا توضأ اقتتلوا على فضل وَضوئه، إلى غير ذلك مما في هذا المعنى. قال القرطبي: وحمل هذا الحديث على هذا المعنى ليس بصحيح، بدليل بقية الحديث، فإنه قال فيه: (وقال: هو أهنأ وأمرأ وأبرأ) (¬6) الثلاثة مهموزات، غير أن ابن الأثير قال في أبرأ: يروى بلا همز (¬7)؛ لموافقة ¬

_ (¬1) "مختصر سنن أبي داود" 5/ 286. (¬2) "مسلم بشرح النووي" 13/ 199. (¬3) مسلم (2028/ 123). (¬4) مسلم (2028/ 122). (¬5) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬6) "المفهم" 5/ 289. (¬7) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 112.

أروى، أي: لمقتضى الروايات بدل: أبرأ: أروى، وهذِه الثلاثة الأمور إنما تحصل بأن يشرب ثلاثة أنفاس خارج القدح، فأما إذا تنفس في الماء وهو يشرب فلا يأمن الشرق؛ ويحصل تقذير الماء منه، وقد لا يروى، وعلى هذا المعنى حمل الحديث الجمهور نظرًا إلى المعنى ولبقية الحديث، ولقوله للرجل في الحديث المتقدم: "أبن القدح عن فيك". ولا شك أن هذا من مكارم الأخلاق، ومن باب النظافة، وما كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يأمر بشيء مِنْ ثم لا يفعله، وإن كان لا يستقذر منه (¬1). و(أهنأ وأمرأ) من قوله تعالى: {فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} (¬2) ومعنى الحديث: كان إذا شرب يتنفس في الشرب من الإناء ثلاثًا. واسم الفاعل من هنئ هنيء كطريف من طرف، وكل ما لم يأت بمشقة ولا عناء فهو هنيء، وتقول: هنأني الطعام ومرأني، على الإتباع، فإذا لم تذكر هنأني قلت: أمرأني بالإطعام، بالألف، أي: انهضم. وقوله في الحديث: (هو أهنأ وأمرأ) هو من مرأني بلا ألف، لأن أمرأني بالألف رباعي، والرباعي لا يصاغ منه أفعل التفضيل كما في كتب النحو. وقيل: هنيئًا: لا إثم فيه، ومريئًا: لا داء فيه. كما قال كثير: هنيئًا مريئًا غير داء مخامر ... لعزة من أعراضنا ما استحلت ¬

_ (¬1) "المفهم" 5/ 289 - 290. (¬2) النساء: 4.

ويحتمل أن تكون (أهنأ) في هذِه الرواية بمعنى: أروى. كما في رواية مسلم (¬1)، فإن اختلاف روايات الحديث يفسر بعضها بعضًا، ومعنى أروى أكثر ريًّا. ويحتمل أنه ذكر الأربع، فاتفق الراويان على حفظ الاثنتين اللتين هما: (أمرأ وأبرأ)، وانفرد كل واحد بلفظة من الباقيتين ولم يتذكر الأخرى، فعلى هذا يكون (¬2) معنى أهنأ: لا إثم فيه، كما تقدم، وأمرأ: لا داء فيه، إذا نزل من المريء الذي في رأس المعدة إليها، فيمرئ في الجسد منها دون داء. وأروى من الري ضد العطش، وأبرأ من البرء الذي هو الشفاء. وهذا أعلى ما يكون من صفات الشراب الممدوحة. وفي هذا الحديث إشارة إلى ما يدعى للشارب به عقب الشرب؛ فيقال له عقب شربه: هنيئًا مريئًا، ولم أجد له من السنة غير هذا وما يأتي في الحديث بعده. وأما قولهم في الدعاء للشارب: صحة. بكسر الصاد فلم أجد له أصلًا في السنة مسطورًا، بل نقل لي بعض طلبة العلم الدمشقيين عن بعض مشايخه: قال للتي شربت دمه أو بوله: صحة. فإن ثبت هذا فلا كلام. * * * ¬

_ (¬1) مسلم (2028/ 123). (¬2) مكررة في (ح).

21 - باب في النفخ في الشراب والتنفس فيه

21 - باب في النَّفْخِ في الشَّرابِ والتَّنَفُّس فِيهِ 3728 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن مُحَمَّدٍ النُّفَيْليُّ، حَدَّثَنا ابن عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبدِ الكَرِيمِ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قالَ: نَهَى رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْ يُتَنَفَّسَ في الإِنَاءِ أَوْ يُنْفَخَ فِيهِ (¬1). 3729 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُسْرٍ -مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ- قالَ: جاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى أَبي فَنَزَلَ عَلَيْهِ فَقَدَّمَ إِلَيْهِ طَعامًا فَذَكَرَ حَيْسًا أَتَاهُ بِهِ ثُمَّ أَتَاهُ بِشَرابٍ فَشَرِبَ فَناوَلَ مَنْ عَلَى يَمِينِهِ، وَأَكَلَ تَمْرًا فَجَعَلَ يُلْقي النَّوى عَلَى ظَهْرِ أُصْبَعَيْهِ السَّبّابَةِ والوُسْطَى، فَلَمّا قامَ قامَ أَبي فَأَخَذَ بِلِجامِ دابَّتِهِ فَقالَ: ادْعُ اللَّهَ لَي. فَقالَ: "اللَّهُمَّ بارِكْ لَهُمْ فِيما رَزَقْتَهُمْ واغْفِرْ لَهُمْ وارْحَمْهُمْ" (¬2). * * * باب في النفخ في الشراب [3728] (حدثنا عبد اللَّه بن محمد النفيلي، ثنا) سفيان (ابن عيينة، عن عبد الكريم) بن مالك الجزري (عن عكرمة، عن ابن عباس -رضي اللَّه عنه- قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يتنفس في الإناء) النهي عن التنفس في الذي يشرب منه لئلا يخرج من الفم بزاق يستقذر من يشرب بعده منه، أو يحصل فيه رائحة كريهة تتعلق بالماء أو بالإناء، وعلى هذا فإذا لم يتنفس في الإناء فليشرب في نفس واحد. قاله عمر بن عبد العزيز (¬3)، ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1888)، وابن ماجه (3288، 3428، 3429)، وأحمد 1/ 220. صححه الألباني في "الإرواء" (1977). (¬2) رواه مسلم (2042). (¬3) رواه ابن أبي شيبة 5/ 104 (24155).

وأجازه جماعة، منهم: ابن المسيب (¬1) وعطاء بن أبي رباح (¬2) ومالك بن أنس. وكره ذلك جماعة، منهم: ابن عباس (¬3)، وراويه عكرمة (¬4)، وطاوس (¬5)، وقالوا: هو (¬6) شرب (¬7) الشيطان. والقول الأول أظهر؛ لقوله في الحديث المتقدم للذي قال له أنه لا يروى من نفس واحد: "أبن القدح عن فيك ثم تنفس" وظاهره أنه أباح له الشرب في نفس واحد إذا كان يروى منه، وكما لا يتنفس في الإناء لا يتجشأ فيه، بل ينحيه عن فيه مع الحمد للَّه، ويرده إلى فيه مع التسمية، فيتنفس ثلاثًا، يحمد اللَّه في آخر كل نفس، ويسمي اللَّه في أوله. (و) نهى (أن ينفخ فيه) أي: في الإناء الذي يشرب منه، والإناء يشمل إناء الطعام والشراب، فلا ينفخ في الإناء ليذهب ما في الماء أو (¬8) الشراب من قذاة ونحوها، فإنه لا يخلو النفخ غالبًا من بزاق يستقذر (¬9) منه. وكذا لا ينفخ في الإناء ليبرد الطعام الحار، بل يصبر إلى أن يبرد كما ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة 5/ 105 (24163). (¬2) رواه ابن أبي شيبة 5/ 104 (24153). (¬3) رواه ابن أبي شيبة 5/ 105 (24158). (¬4) رواه ابن أبي شيبة 5/ 104 (24157). (¬5) رواه ابن أبي شيبة 5/ 104 (24156). (¬6) في (ل)، (م): هذا. (¬7) في (م): شراب. (¬8) مكررة في (ح). (¬9) في (ح): مستقذر.

تقدم، ولا يأكله حارًّا؛ فإن البركة تذهب منه (¬1)، وهو شراب أهل النار. [3729] [(حدثنا حفص بن عمر) الحوضي] (¬2) (حدثنا شعبة، عن يزيد بن خمير) بضم الخاء المعجمة بعدها ميم مفتوحة، كذا ضبطه ابن ماكولا وغيره، وقال: هو الرحبي أبو عمر، كناه به شعبة (¬3) تلميذه، وهو حمصي همداني. أخرج له مسلم (عن عبد اللَّه بن بسر) بضم الموحدة وسكون السين المهملة (من بني سُلَيم) بضم السين وفتح اللام، وهو سليم بن منصور، قبيلة من مضر، وليس لعبد اللَّه في مسلم سوى هذا الحديث (¬4)، ولا في "صحيح البخاري" سوى: رأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وكان في عنفقته شعرات بيض (¬5). (قال: جاء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى أبي) بسر بن أبي بسر المازني (¬6)، وله ولأبيه صحبة. (فنزل عليه فقدم (¬7) إليه طعامًا، فذكر حَيْسًا) بفتح الحاء المهملة وسكون التحتانية، وهو طعام يتخذ من تمر، ينزع نواه، ويعجن بالسمن والأقط، وقد يجعل عوض الأقط الدقيق أو الفتيت أو الرقاق، وهو ¬

_ (¬1) ساقطة من (م)، (ل). (¬2) ساقطة من (م). (¬3) ساقطة من (م). وانظر: "الإكمال" 2/ 522. (¬4) مسلم (2042). (¬5) البخاري (3546). (¬6) انظر ترجمته في "الإصابة" 1/ 148. (¬7) في (ح): فقرب.

بمعنى الوطبة المذكورة في "صحيح مسلم" (¬1). (أتاه به) يعني أتاه بالطعام والحيس، بدليل رواية ابن السني: فأتاه بطعام وحيسة وسويق وتمر (¬2). وفاء التعقيب تدل على مبادرته بالطعام، فإن من إكرام الضيف سرعة الطعام. (ثم أتاه بشراب) فيه فضيلة الجمع في الضيافة بين الطعام والشراب (فشرب) منه (فناول مَنْ) بفتح الميم موصول بمعنى الذي (عن (¬3) يمينه) أي شرب منه أولًا، ثم ناول للذي عن يمينه، فإنه السنة كما تقدم قبله. (وأكل تمرًا) لم يتقدم ذكر التمر فيما جاء به، لكن في مسلم (¬4): ثم أتي بتمر، فكان يأكله (¬5). (فجعل يلقي النوى على ظهر أصبعيه) ثم فسر الأصبعين (السبابة) بالجر على البدل، سميت بذلك لأنها يشار بها عند السب، وتسمى المسبحة (والوسطى) هذا مبين أنه يجوز تصريف الأصبعين المذكورتين لذلك، لئلا يظن أنه لا يجوز تصريف السبابة إلا مع الإبهام، لأنه الأمكن والذي جرت به العادة. وفيه بيان الأدب (¬6) في أكل التمر والرطب ونحوهما، أن لا يجمع النوى في كفه، بل يضعه من فيه على ¬

_ (¬1) مسلم (2042). (¬2) "عمل اليوم والليلة" لابن السني (476). (¬3) في هامش (ح): على. (¬4) كلمة غير مقروءة في جميع النسخ، ولعلها كما أثبتناها. (¬5) مسلم (2042/ 149). (¬6) في (م)، (ل): الإذن. والمثبت من (ح).

ظهر أصبعيه السبابة والوسطى، أو على ظهر كفه، ثم يلقيه خارج الوعاء الذي فيه التمر ولا يجمعه معه، وهذِه الصفة هي التي ذكرها الغزالي. ورواية أحمد أنه ربما استعان بيديه جميعًا (¬1). فأكل يومًا الرطب في يمينه وكان يحفظ النوى في يساره، فمرت شاة، فأشار إليها بالنوى، فجعلت تأكل من كفه اليسرى ويأكل هو بيمينه حتى فرغ (¬2). ورواية "صحيح مسلم" بلفظ: ثم أتي بتمر (¬3) فكان يأكله ويلقي النوى بين أصبعيه ويجمع السبابة والوسطى (¬4)، ولعله فعل بين الأصبعين في بعض الأيام، والأكثر على ظهرهما. (فلما قام) ليذهب وركب دابته (قام أبي، فأخذ بلجام دابته) ظاهره أن الدابة كانت فرسًا، واللجام للفرس كالزمام والمقود للبعير، واللجام معرب، وقيل: عربي. جمعه لجم مثل كتاب وكتب، وفيه جواز (¬5) مسك لجام الآدمي (¬6) وإن لم يأذن راكبها في المسك، لكن لا يمسك إلا إذا كان له في ذلك حاجة. (فقال: ادع اللَّه تعالى لي) يعني ولأهلي، بدليل رواية مسلم: ادع اللَّه ¬

_ (¬1) "المسند" 4/ 188، 190. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) رواه بنحوه أبو بكر الشافعي في "الغيلانيات" ص 716 (986) من حديث أنس، قال الحافظ العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" 1/ 649 (2423): إسناده ضعيف. (¬4) مسلم (2042). (¬5) ساقطة من (م). (¬6) كذا بالأصل.

لنا (¬1). فيه طلب الدعاء من العلماء العاملين وأهل الدين والصلاح له ولأولاده وأهله. (فقال: اللهم بارك لهم فيما رزقتهم) فيه دعاء الضيف لمن ضيفه بالبركة في الرزق، ولا يختص الرزق بالمأكول، بل يدخل فيه المشروب والعلم والملبوس والزوجة والخادم وكل ما ينتفع به، سواء طلبه منه كما في الحديث أو لم يطلبه، فإنه من باب المكافأة بالدعاء. (واغفر لهم وارحمهم) كذا للمصنف، ولفظ مسلم: "فاغفر لهم فارحمهم" (¬2). بالفاء فيهما بدل الواو، وفي رواية لأحمد: فجاءت أمي بقصعة فيها دقيق قد عصدته بماء وملح، فوضعته بين يدي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأكل، فقال: "اللهم أغفر لهم وارحمهم، وبارك لهم، ووسع لهم في أرزاقهم" (¬3). ورجال إسناده رجال الصحيح كلهم (¬4). * * * ¬

_ (¬1) مسلم (2042). (¬2) مسلم (2042) بالواو فيهما. (¬3) "المسند" 4/ 188. (¬4) كذا قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 5/ 27، وانظر: "الصحيحة" 6/ 346.

22 - باب ما يقول إذا شرب اللبن

22 - باب ما يَقُولُ إِذا شَرِبَ اللَّبَنَ 3730 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا حَمّادٌ -يَعْني: ابن زَيْدٍ- ح وَحَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ -يَعْني: ابن سَلَمَةَ- عَنْ عَليِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: كُنْتُ في بَيْتِ مَيْمُونَةَ فَدَخَلَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَمَعَهُ خالِدُ بْنُ الوَلِيدِ فَجاؤُوا بِضَبَّيْنِ مَشْوِيَّيْنِ عَلَى ثُمامَتَيْنِ فَتَبَزَّقَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ خالِدٌ: إِخالُكَ تَقْذُرُهُ يا رَسُولَ اللَّهِ قالَ: "أَجَلْ". ثُمَّ أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بلَبَنٍ فَشَرِبَ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِذا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعامًا فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ بارِكْ لَنا فِيهِ وَأَطْعِمْنا خَيْرًا مِنْهُ، وَإِذا سُقِيَ لَبَنًا فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ بارِكْ لَنا فِيهِ وَزِدْنا مِنْهُ. فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيء يُجْزِئُ مِنَ الطَّعامِ والشَّرابِ إِلَّا اللَّبَنُ". قالَ أَبُو داوُدَ: هذا لَفْظُ مُسَدَّدٍ (¬1). * * * باب ما يقول إذا شرب اللبن [3730] (حدثنا مسدد، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد) بن جدعان أبو الحسن البصري الضرير، أخرج له مسلم (عن عمر بن حرملة) ويقال: ابن أبي حرملة. ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2). (عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: كنت في بيت ميمونة) بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين، خالة خالد، وخالة ابن عباس، وخالة عبد اللَّه بن شداد، وخالة يزيد بن الأصم. (فدخل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ومعه خالد بن الوليد) وكان (خالد) (¬3) ابن ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3455)، وابن ماجه (3322)، وأحمد 1/ 225، 284. صححه الألباني في "صحيح الجامع" (381). (¬2) "الثقات" 5/ 149. (¬3) في (ح): خال.

أخت ميمونة كما تقدم. (فجاؤوا بضبين) الضب دابة شبه الجرذون، وهي أنواع، منها ما هو قدر الجرذون، ومنها ما هو أكبر، والجمع ضباب مثل سهم وسهام. وفي حديث أنس: إن الضب ليموت هزلًا في جحره من ذنوب ابن آدم (¬1). أي: يحبس المطر عنهم بشؤم ذنوبهم، وإنما خص الضب لأنه أطول الحيوان نفسًا وأصبرها على الجوع. (مشويين على ثُمَامَتين) الثمامة بضم المثلثة وتخفيف الميمين، جمعها ثمام: نبت عوده دقيق ضعيف قصير لا يطول، قال الشاعر: ولو أن ما أبقيت مني معلق ... بعود ثمام ما [تأود عودها] (¬2) وفي حديث عمر: اغزوا والغزو حلو خضر قبل أن يصير ثمامًا ثم رُمامًا ثم حُطامًا (¬3). والثمام تقدم، والرمام البالي الرميم، والحطام المتكسر المتفتت، والمعنى: اغزوا وأنتم تنصرون وتوفرون غنائمكم قبل أن يهن ويضعف ويصير كالثمام. فيحتمل أن يراد بالحديث: مشويين على طبقين من ثمامة أو على حزمتين من ثمام. والثمام: الجليل المذكور في حديث بلال: وحولي إذخر وجليل (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه ابن أبي الدنيا في "العقوبات الإلهية" (ص 268) عن أنس بنحوه. (¬2) زيادة ليست في جميع الأصول، ذكرتها ليتم البيت. (¬3) أخرجه عبد الرزاق 5/ 282 (9621) بنحوه. (¬4) رواه البخاري (1889، 3926).

(فتبزق رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) من البزاق، أي: فعل فعل المستقذر من الضب. فإن قيل: لم عدل عن بزق إلى تبزق؟ قلت: يحتمل أن يكون لأن تَفعَّل هو بناء ما يفعل مرة بعد أخرى، فكأنه تكرر منه الفعل مرات، فهو كتعلم وتفقه. ويحتمل أن يكون معناه فعل فعل المتشبه بالبازق، لا أنه بزق بحضرة خالد وابن عباس؛ ليظهر لهم استقذاره له؛ لأنه يشبه الجرذون. فهو كتحزن وتخشع إذا أظهر الحزن والخشوع وتشبه بهم، وإن لم يكن حزينًا ولا ذا خشوع. (فقال خالد) بن الوليد (إخالك) بكسر الهمزة في أوله، فصيح استعمالًا، وفتحها لغة أسد، وهو قياس الأفعال المضارعة التي ماضيها ثلاثي، ومعنى إخال: أظن، وهي كـ (أظن) في نصب مفعولين، وقد يحذفا كما إذا قيل: أزيد قائم؟ فتقول: خلت. وفي المثل: من تسمع يخل. أي: من تسمع خبرًا يحدث [له ظن] (¬1) عقب السماع. (تقذره) بفتح التاء والذال المعجمة، أي: تكرهه تنزهًا، وتعاف أكله (قال: أجل) مثل نعم وزنًا ومعنى، ويدل على ذلك ما في "صحيح مسلم": عن أبي سعيد: قال رجل: يا رسول اللَّه، إنا بأرض مضبة، فما تأمرنا، أو فما تفتينا؟ قال: "ذكر لي أن أمة من بني إسرائيل مسخت" فلم يأمر ولم ينه. قال أبو سعيد: فلما كان بعد ذلك قام عمر فقال: إن اللَّه لينفع به غير واحد، وإنه لطعام عامة الرعاء، ولو كان عندي لطعمته، إنما عافه رسول ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1). ولأن العرب تستطيبه وتمدحه. قال أبو سعيد: كنا معشر أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لأن يهدى إلى أحدنا ضب أحب إليه من دجاجة (¬2). وقال عمر: ما يسرني أن مكان كل ضب دجاجة سمينة (¬3). وبإباحته قال مالك (¬4) والشافعي (¬5) وأحمد (¬6)؛ لأنه أكل على مائدة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولو كان حرامًا ما أكل على مائدته. وقال عمر: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يحرم الضب، ولكن كرهه (¬7). وقال أبو حنيفة: هو حرام (¬8)؛ لما روى إسماعيل بن عياش عن ضمضم، عن شريح، عن أبي راشد، عن أبي عبد الرحمن بن شبل أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن أكل لحم الضب (¬9). قال البيهقي: إسماعيل بن عياش ليس بالقوي عندهم، ولا تعارض ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1951). (¬2) رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 511 (8678). (¬3) رواه ابن أبي شيبة 5/ 124 (24346) بنحوه. (¬4) "المدونة" 1/ 335. (¬5) "الأم" 2/ 222. (¬6) انظر: "المغني" 13/ 340. (¬7) رواه الإمام أحمد 1/ 29. وضعف إسناده الشيخ أحمد شاكر في "شرح المسند" (194). (¬8) انظر: "المبسوط" 11/ 231، "البناية شرح الهداية" 11/ 587. (¬9) يأتي برقم (3796). ورواه أيضًا الطبري في "تهذيب الآثار" 1/ 191 (311)، والطبراني في "مسند الشاميين" 2/ 431 (1636)، وتمام في "الفوائد" 1/ 277 (689)، والبيهقي في "السنن الكبرى" 6/ 326.

هذِه الرواية الروايات الصحيحة (¬1). (ثم أتي) بضم الهمزة (رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بلبن) الآتي له باللبن ميمونة زوجته بحضرة محارمه. ولفظ الترمذي: دخلت مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وخالد بن الوليد على ميمونة، فجاءتنا بإناء من لبن (فشرب) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنا عن يمينه وخالد عن شماله، فقال لي: "الشربة لك، فإن شئت آثرت بها خالدًا" فقلت: ما كنت أوثر على سؤرك أحدًا. ثم قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أطعمه اللَّه. . " (¬2). (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إذا أكل أحدكم طعامًا) يعني: غير اللبن (فليقل: اللهم بارك لنا فيه) والبركة: زيادة الخير أو دوامه على صاحبه ¬

_ (¬1) قاله البيهقي في "الخلافيات" كما في "مختصر الخلافيات" لابن فرح الإشبيلي 5/ 88 - 89. وقال في "السنن الكبرى" 9/ 326: هذا مما ينفرد به إسماعيل بن عياش وليس بحجة، وما مضى في إباحته أصح منه، واللَّه أعلم. وقال في "معرفة السنن والآثار" 14/ 91: لم يثبت إسناده؛ إنما تفرد به إسماعيل ابن عياش، وليس بحجة. وضعفه غيره، فقال الطبري: هذا خبر لا يثبت بمثله في الدين حجة. وقال الخطابي في "معالم السنن" 4/ 228: ليس إسناده بذلك. وأطلق ابن حزم القول بعدم صحته في "المحلى" 7/ 431. وقال المنذري في "المختصر" 5/ 311: في إسناده إسماعيل بن عياش وضمضم ابن زرعة، وفيهما مقال. لكن حسن إسناده الحافظ في "الفتح" 9/ 665 رادًّا على من ضعفه. وصححه الألباني في "الصحيحة" (2390). (¬2) "سنن الترمذي" (3455).

(وأطعمنا) بفتح الهمزة (خيرًا منه) وهو طعام الجنة الباقي، ويحتمل أن يراد العموم فيشمل خيري الدنيا والآخرة، والظاهر أن النكرة إذا كانت في معرض الدنيا تكون للعموم وإن كانت للإثبات، كما إذا كانت في معرض الامتنان والإثبات. (وإذا سُقِيَ) بضم السين مبني للمجهول. ولفظ الترمذي: "ومن سقاه اللَّه تعالى" (¬1) (لبنًا) بجميع أنواعه، كلبن الإبل والبقر والغنم، وجميع صفاته (فليقل: اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه) ولم يقل: خيرًا منه. فدل على أنه ليس في الأطعمة خير من اللبن، وظاهره أنه خير من العسل الذي هو شفاء، لكن قد يقال: إن اللبن باعتبار التغذي والري خير من العسل ومرجح عليه، والعسل باعتبار التداوي من كل داءٍ وباعتبار الحلاوة مرجح على اللبن، ففي كل منهما خصوصية يترجح بها. ويحتمل أن المراد: وزدنا لبنًا من جنسه، وهو لبن الجنة كما في قوله تعالى: {قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} (¬2) أي: من جنسه وشبهه. (فإنه ليس شيء يُجزئ) بضم أوله (من) تحتمل أن تكون بمعنى بدل (الطعام) كقوله تعالى: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ} (¬3) أي: بدلها، وقول الشاعر: جارية لم تأكل المرفقا ... ولم تذق من البقول الفستقا ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (3455). (¬2) البقرة: 25. (¬3) التوبة: 38.

أي: بدلها. (والشراب إلا اللبن) [بالرفع على الإتباع على ما قبله؛ فيخرج بهذا الجبن والأقط وما في معناهما، فإنه يجزئ عن الطعام دون الشراب] (¬1). (وهذا لفظ مسدد) دون موسى بن إسماعيل الراوي الثاني من شيخي المصنف، قال الخطابي: قوله: (ليس يجزئ من الطعام والشراب إلا اللبن). هذا لفظ مسدد شيخ أبي داود، وظاهر اللفظ يوهم أنه من تتمة الحديث، وليس كذلك. * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م)، (ل).

23 - باب في إيكاء الآنية

23 - باب في إِيكاءِ الآنِيَةِ 3731 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، أَخْبَرَني عَطاءٌ، عَنْ جابِرٍ، عَنِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "أَغْلِقْ بابَكَ واذْكرِ اسْمَ اللَّهِ فَإِنَّ الشَّيْطانَ لا يَفْتَحُ بابًا مُغْلَقًا، وَأَطْفِ مِصْباحَكَ واذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، وَخَمِّرْ إِناءَكَ وَلَوْ بِعُودٍ تَعْرُضُهُ عَلَيْهِ واذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، وَأَوْكِ سِقاءَكَ واذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ" (¬1). 3732 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بهذا الخَبَرِ وَلَيْسَ بِتَمامِهِ قالَ: "فَإِنَّ الشَّيْطانَ لا يَفْتَحُ بابًا غَلَقًا وَلا يَحُلُّ وِكاءً وَلا يَكْشِفُ إِناءً، وَإِنَّ الفُويسِقَةَ تُضْرِمُ عَلَى النّاسِ بَيْتَهُمْ". أَوْ: "بُيُوتَهُمْ" (¬2). 3733 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَفُضَيْلُ بْنُ عَبْدِ الوَهّابِ السُّكَّريُّ قالا: حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ شِنْظِيرٍ، عَنْ عَطاءٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَفَعَهُ قالَ: "واكْفِتُوا صِبْيانَكُمْ عِنْدَ العِشاءِ". وقالَ مُسَدَّدٌ: "عِنْدَ المَساءِ": "فَإِنَّ لِلْجِنِّ انْتِشارًا وَخَطْفَةً" (¬3). 3734 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوَيةَ، حَدَّثَنا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صالِحٍ، عَنْ جابِرٍ قالَ: كُنّا مَعَ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فاسْتَسْقَى فَقالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: أَلا نَسْقِيكَ نَبِيذًا؟ قالَ: "بَلَى". قالَ: فَخَرَجَ الرَّجُلُ يَشْتَدُّ فَجاءَ بِقَدَحٍ فِيهِ نَبِيذٌ، فَقالِ النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَلَّا خَمَّرْتَهُ وَلَوْ أَنْ تَعْرِضَ عَلَيْهِ عُودًا". قالَ أَبُو داوُدَ: قالَ الأصْمَعيُّ: تَعْرُضُهُ عَلَيْهِ (¬4). 3735 - حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْليُّ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قالُوا: حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ هِشامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها أَنَّ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3280)، ومسلم (2012). (¬2) رواه مسلم (2012). (¬3) رواه البخاري (3280)، ومسلم (2012). (¬4) رواه البخاري (5605)، ومسلم (2011).

النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كَانَ يُسْتَعْذَبُ لَهُ الماءُ مِنْ بُيُوتِ السُّقْيا. قالَ قُتَيْبَةُ: عَيْنٌ بَيْنَها وَبَيْنَ المَدِينَةِ يَوْمانِ (¬1). * * * باب إيكاء الأسقية (¬2) [3731] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا يحيى) بن سعيد (عن) عبد الملك (ابن جريج، أخبرني عطاء) بن أبي رباح (عن جابر) بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) زاد البخاري: "إذا كان جنح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم، فإن الشياطين تنتشر حينئذٍ، فإذا ذهبت ساعة من الليل فخلوهم وأغلقوا الأبواب" ولمسلم نحوه (¬3). (قال: أَغلق) بقطع الهمزة المفتوحة، وكونها همزة وصل تكسر في الابتداء، لغة قليلة حكاها ابن دريد عن أبي زيد، قال الشاعر (¬4): ولا أقول لقدر القوم: قد غليت ... ولا أقول لباب الدار: مغلوق (بابك) وجميع أمور هذا الباب من إغلاق الباب وطفي المصباح وتخمير الإناء وإيكاء السقاء أمور إرشاد إلى المصلحة الدنيوية، كقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} (¬5) وليس هو من الأمر الذي قصد به ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 100، 108. صححه الألباني في "صحيح الجامع" (4951). (¬2) فوقها في (ح) وهامش (ل): الآنية. أي: في نسخة: الآنية. (¬3) البخاري (3304، 5623)، مسلم (2012/ 97). (¬4) هو أبو الأسؤد الدؤلي. انظر: "إصلاح المنطق" ص 190. (¬5) البقرة: 282.

الإيجاب، وغايته أن يكون من باب الندب، وجعله كثير من الأصوليين قسمًا منفردًا بنفسه عن الوجوب والندب. وفهم من إعلام النبوة أن اللَّه لم يعط الشيطان قوة على فتح الباب المغلق إذا ذكر اسم اللَّه عليه، وإن كان قد أعطاه ما هو أكثر من ذلك، ولهذا قال: (واذكر اسم اللَّه) تعالى عند إغلاق الباب (فإن الشيطان لا) يقدر أن (يفتح بابًا مغلقًا) بذكر (¬1) اسم اللَّه تعالى، فاسم اللَّه تعالى هو الغلق الحقيقي الذي هو سبب لعجز الشيطان عن فتحه. (واطفِ) بهمزة وصل (مصباحك) وهو السراج عند النوم، وهذا خاص، وأعم منه رواية مسلم وغيره (¬2): "ولا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون" (¬3) فإن هذا عام يدخل فيه السراج وغيره، وستأتي العلة في ذلك في الرواية بعده أن الفويسقة تضرم على الناس بيوتهم، وأما القناديل المعلقة في المساجد ونحوها فإن خيف حريق بسببها دخلت في الأمر بالإطفاء، وإن أمن ذلك كما هو الغالب فالظاهر أنه مباح؛ لانتفاء العلة؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- علل الأمر بالإطفاء لأجل الفويسقة، فإذا انتفت العلة زال المانع. (واذكر اسم اللَّه) بعد الإطفاء تبركًا باسم اللَّه (وخَمِّر) بتشديد الميم المكسورة (إِناءك) بكسر أوله ومده بعد النون، أي: غطه بشيء، من ¬

_ (¬1) في الأصول: ذكر، والمثبت مناسب للسياق. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) البخاري (6293)، مسلم (2015).

التخمير وهو التغطية، ومنه سميت (¬1) الخمر لتغطيتها العقل، وخمار المرأة لتغطية رأسها [(ولو بعود تَعرُضه عليه)] (¬2). قال النووي: المشهور في ضبطه فتح التاء وضم الراء. هكذا قاله الأصمعي والجمهور، ورواه أبو عبيد بكسر الراء، والصحيح الأول، ومعناه تمده عليه عرضًا، أي: خلاف الطول، وهذا عند عدم ما تغطيه به كما قال في رواية مسلم: "فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض عليه عودًا" (¬3). (واذكر اسم اللَّه) قيل: إنما أمر بتغطية الإناء وذكر اسم اللَّه لحديث القعقاع بن حكيم عن جابر: "إن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناء ليس فيه غطاء إلا نزل فيه من ذلك الوباء". قال الليث بن سعد راوي الحديث: والأعاجم يتقون ذلك في كانون الأول (¬4). ولصيانته من (النجاسة والمستقذرات) (¬5) كما سيأتي. (وأوكِ) بقطع الهمزة (سقاءك) بالمد، أي: سد فاه واربطه، والوكاء خيط يربط رأس القربة التي هي للسقاء. (واذكر اسم اللَّه) وفي هذا الحديث تكرار ذكر اسم اللَّه في هذِه الحالات والحث على ذكر اسم اللَّه في هذِه المواضع، ويلحق بها ما في معناها. ¬

_ (¬1) في (ل): سمي. (¬2) ساقطة من (م)، (ل). (¬3) "صحيح مسلم" (2012/ 96)، "مسلم بشرح النووي" 13/ 182. (¬4) رواه مسلم (2014). (¬5) في (م): النجاسات المستقذرات.

قال أصحابنا: ويستحب أن يذكر اسم اللَّه تعالى على كل ذي بالٍ، كما يحمد اللَّه عند ذلك للحديث الحسن المشهور قبله (¬1). [3732] (حدثنا عبد اللَّه بن مسلمة القعنبي، عن مالك، عن أبي الزبير) محمد بن مسلم المكي (عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بهذا الخبر) المذكور (وليس) هو (بتمامه) و (قال: ) فيه (فإن الشيطان لا يفتح غَلَقًا) بفتح الغين المعجمة واللام، جمعه أغلاق مثل سبب وأسباب، وهو الباب المغلق كما في الصحيحين: "فإن الشيطان لا يفتح بابًا مغلقًا، ولا يكشف إناءً مخمرًا، ولا يحل وكاءً" (¬2). (ولا يحل) بضم اللام (وكاءً) وهو الذي يربط به فم القربة كما تقدم. يعني: إذا ذكر اسم اللَّه تعالى عليه [كما تقدم] (¬3). (ولا يكشف) بكسر الشين المعجمة (إناءً) كذا في مسلم (¬4)، يعني: إذا ذكر اسم اللَّه عليه فإن اسم اللَّه حماية من الشيطان. (وإن الفويسقة) تصغير فاسقة، وأصل الفسق الخروج، وسمي الرجل فاسقًا لخروجه عن الطاعة، وسميت الفأرة فويسقة لخروجها عن جحرها، أو لخروجها عن السلامة منها إلى الأذى، أو لخروجها عن ¬

_ (¬1) انظر: "نهاية المطلب" 1/ 58، "روضة الطالبين" 1/ 57. والحديث هو ما رواه أبو داود (4840)، وابن ماجه (1894)، وأحمد 2/ 359، وابن حبان (1)، والدارقطني 1/ 229. وانظر تعليق الشيخ شعيب عليه في "المسند" 14/ 329. (¬2) البخاري (5623)، مسلم (2012/ 97). (¬3) ساقط من (م). (¬4) مسلم (2012/ 96).

الحرمة إلى الأمر بقتلها، وقيل: إلى تحريم أكلها. وقيل: لخروجها عن الانتفاع بها إلى كثرة الفساد. (تُضْرِم) بضم التاء [وإسكان الضاد، كذا ضبطه النووي، وقال: أي تحرق سريعًا، يقال: ضرمت النار بنفسها وأضرمتها أنا] (¬1). (على الناس بيتهم أو بيوتهم) على إفراد البيت أو جمعه، وهو شك من الراوي، واقتصر في مسلم على الإفراد دون شك، فقال: "تضرم على أهل البيت بيتهم" (¬2). [3733] (حدثنا مسدد وفضيل (¬3) بن عبد الوهاب السُّكَّري) بضم السين (¬4) المهملة وتشديد الكاف المفتوحة، نسبة إلى بيع السكر وعمله. قال أبو حاتم: صدوق (¬5). (قالا: حدثنا حماد بن زيد، عن كثير) بالمثلثة (بن شنظير) بكسر الشين المعجمة وسكون النون وكسر الظاء المعجمة، الأزدي، أخرج له الشيخان (عن عطاء) بن أبي رباح. (عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما رفعه) إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- و (قال: ) فيه (واكفتوا) بوصل الهمزة وكسر الفاء (صبيانكم) أي: ضموهم إليكم، وكل من ضممته إلى شيء فقد كفته (عند) إقبال أول ظلام (العشاء) للبخاري: ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م)، (ل). وانظر: "مسلم بشرح النووي" 13/ 184. (¬2) مسلم (2012). (¬3) فوقها في (ح)، (ل): (د). (¬4) ساقطة من (م)، (ل). (¬5) في "الجرح والتعديل" 7/ 74 قال ابن أبي حاتم: سئل أبي عنه فقال: بغدادي ثقة.

"المساء" (¬1). (قال مسدد: ) في روايته (فإن للجن انتشارًا) والمراد بالجن جنس الجن والشياطين، أنها تنتشر في الأرض وتسلك مسالك الطرق أول الليل؛ فيخاف على الصبيان ذلك الوقت من إيذاء الجن والشياطين [إذا انتشروا] (¬2) ذلك الوقت [لكثرتهم وعظم فسادهم وضعف حال الصبيان الصغار وقلة عقولهم (و) لهم (خَطْفَة) بفتح الخاء وسكون الطاء] (¬3) يريد ما تختطفه (¬4) الشياطين والجن من الصغار وغيرهم إذا انتشرت أول الليل، والخطفة المرة الواحدة، سمي به (¬5) ما يختطف مرة فأكثر، وفي الحديث: نهى عن المجثمة والخطفة (¬6). يريد ما ¬

_ (¬1) (3304) بلفظ: "إذا كان جنح الليل أو أمسيتم. . . ". (¬2) ساقط من (م). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م)، (ل). (¬4) في (ل): تخطفه. (¬5) في (م): بذلك. (¬6) رواه أحمد 6/ 445، وابن أبي شيبة في "المسند" 1/ 57 (50) من حديث أبي الدرداء. وضعف إسناده ابن عبد البر في "التمهيد" 11/ 8. ورواه الترمذي (1473) مختصرًا، والحميدي في "المسند" 1/ 380 (401)، والدارمي في "المسند" 2/ 1261 (2024)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 5/ 88 (2630)، وأبو عوانة في "المستخرج" 5/ 17 (7606)، والبغوي في "الجعديات" (2885)، والطبراني في "الكبير" 22/ 209 (551)، وفي "الأوسط" 8/ 261 (8576)، وابن بشران في "الأمالي" (489)، والبيهقي 9/ 334 من حديث أبي ثعلبة الخشني، وصححه الألباني في "الصحيحة" (2391).

اختطف الذئب من أعضاء الشاة. [3734] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (ثنا الأعمش، عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: كنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فاستسقى) طلب أن يسقى (فقال رجل من القوم) يقال له: أبو حميد (ألا نَسقيك) بفتح النون (نبيذًا؟ ) وهو ما يعمل من الأشربة من التمر والزبيب ونحوهما، يقال: نبذت التمر. إذا تركت عليه الماء ليصير نبيذًا ليشرب، فنقل من مَفْعُول إلى فَعِيل. (قال: بلى. قال: فخرج الرجل يشتدّ) بتشديد الدال (أي: يسعى) (¬1) كما في رواية مسلم (¬2). فيه: إكرام (¬3) أهل العلم والصلاح، بالإسراع في قضاء حوائجهم. (فجاء بقدح فيه نبيذ، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أَلَّا) بفتح الهمزة وتشديد اللام، أي: هلَّا، فأبدلت الهاء همزة (خمرته) أي: غطيته (ولو أن تعرض عليه عودًا) زاد (¬4) مسلم: قال: فشرب (¬5). وشربه عليه السلام من الإناء الذي لم يخمر دليل على إن بات غير مخمر ولا مغطى لا يحرم شربه، ولا يكره، خصوصًا اللبن المكشوف. يقال: عرضت العود على الإناء ¬

_ (¬1) ساقط من (م). (¬2) مسلم (2011). (¬3) ساقطة من (ح). (¬4) في (م)، (ل): رواية. (¬5) مسلم (2011/ 94).

[أعرضه] (¬1) والسيف على فخذي. كلاهما بضم الراء، قاله ابن السكيت (¬2) وغيره، وقد تقدم. والمراد بعرض العود والتغطية ليحميه من وقوع النجاسة والمستقذر وصيانة من الحشرات والهوام، فربما وقع شيء منها فيه، فشربه وهو غافل -أي: في الليل- فيتضرر به، ولهذا قال الغزالي وغيره: من أدب الشارب أن ينظر في الإناء قبل أن يشرب منه، فربما وقع فيه شيء (¬3). والعود ربما منع الهوام حتى وجد أن شخصًا عرض عودًا على الإناء فجاءت حية أو عقرب لتنزل في الإناء، فوجدت العود فالتفت عليه، فأصبح الرجل، فوجدها ملتفة على العود ولم تنزل، وهذا ببركة إرشاده -صلى اللَّه عليه وسلم-. [3735] (حدثنا سعيد (¬4) بن منصور) بن شعبة الخراساني المروزي، ويقال: الطالقاني (وعبد اللَّه بن محمد) بن نفيل (النفيلي وقتيبة بن سعيد قالوا: حدثنا عبد العزيز) بن محمد الدراوردي (عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير. (عن عائشة رضي اللَّه عنها أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يُسْتَعْذَب) بضم أوله وفتح ثالثه، مبني للمفعول، أي يُحضر (له الماء) العذب، وهو الطيب الذي لا ملوحة فيه، يقال: استعذب القوم الماء. إذ استقوه عذبًا، ويستعذب لفلان من بئر فلان: يستقى له الماء ليشربه. ولم يكن هو يستعذب لنفسه، وإنما ¬

_ (¬1) ليست في الأصول، والمثبت من "إصلاح المنطق" (ص 72). (¬2) "إصلاح المنطق" (ص 72). (¬3) "إحياء علوم الدين" 2/ 7. (¬4) فوقها في (ح)، (ل): (ع).

كان أصحابه يستعذبونه له إكرامًا له (من بيوت السُّقْيا) بضم السين المهملة وسكون القاف وتخفيف المثناة تحت مقصور، قال البكري في "المستعجم": هي قرية جامعة، قال كثير: إنما سميت السقيا لما سقيت من الماء العذب، وهي كثيرة الآبار والعيون والبرك، وكثير منها صدقة للحسن بن زيد -رضي اللَّه عنه- (¬1). (قال قتيبة) بن سعيد شيخ المصنف: السقيا (¬2) (عين، بينها وبين المدينة) النبوية (يومان) وهي أربع ليالٍ، وهي منزل (¬3) بين مكة والمدينة، وعلى ثلاثة أميال منها عين يقال لها: تعهن. قال محمد بن حبيب: سقيا موضع من بلاد عذرة، يقال لها: سقيا الجزل. بالجيم والزاي المعجمة، وهي قرية من قرى وادي القرى (¬4)، المتقدم. آخر كتاب الأشربة والحمد للَّه أولًا وآخرًا على نعمه الهنيئة المستعذبة وصلى اللَّه على سيدنا محمد وآل محمد ومن تبعه وصحبه وسلم (¬5) * * * ¬

_ (¬1) "معجم ما استعجم" 3/ 742. (¬2) ساقطة من (م)، (ل). (¬3) ساقطة من (م)، (ل). (¬4) انظر: "معجم ما استعجم" 3/ 743. (¬5) من (م).

كتاب الأطعمة

كتاب الأطعمة

1 - باب ما جاء في إجابة الدعوة

28 - الأطعمة 1 - باب ما جاءَ في إجابَةِ الدَّعْوَةِ 3736 - حَدَّثَنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى الوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِها" (¬1). 3737 - حَدَّثَنا مَخْلَدُ بْن خالِدٍ، حَدَّثَنا أَبُو أُسامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نافِعِ، عَنِ ابن عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، بِمَعْناهُ زادَ: "فَإِنْ كانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ، وَإِنْ كانَ صائِمًا فَلْيَدْعُ" (¬2). 3738 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِذا دَعَا أَحَدُكُمْ أَخاهُ فَلْيُجِبْ، عُرْسًا كانَ أَوْ نَحْوَهُ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5173، 5179)، ومسلم (1429/ 96). (¬2) رواه مسلم (1429). (¬3) رواه مسلم (1429/ 100).

3739 - حَدَّثَنا ابن المُصَفَّى، حَدَّثَنا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنا الزُّبَيْديُّ، عَنْ نافِعٍ بإِسْنادِ أيُّوبَ وَمَعْناهُ (¬1). 3740 - حَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيانُ، عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ قالَ: قالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ دُعِيَ فَلْيُجِبْ فَإِنْ شاءَ طَعِمَ وَإِنْ شاءَ تَرَكَ" (¬2). 3741 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا دُرُسْتُ بْنُ زِيادٍ، عَنْ أَبانَ بْنِ طارِقٍ، عَنْ طارِقٍ، عَنْ نَافِعٍ قالَ: قالَ عَبْدُ اللَّهِ بْن عُمَرَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ دُعِيَ فَلَمْ يُجِبْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ دَخَلَ عَلَى غَيْرِ دَعْوَةٍ دَخَلَ سارِقًا وَخَرَجَ مُغِيرًا" (¬3). قالَ أَبُو داوُدَ: أَبانُ بْن طارِقٍ مَجهُولٌ. 3742 - حَدَّثَنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كانَ يَقُولُ: شَرُّ الطَّعامِ طَعامُ الوَلِيمَةِ يُدْعَى لَها الأَغْنِياءُ وَيُتْرَكُ المَساكِينُ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ (¬4). * * * بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كتاب الأطعمة باب ما جاء في إجابة الدعوة ¬

_ (¬1) هو مكرر سابقه. (¬2) رواه مسلم (1430). (¬3) رواه البزار في "المسند" 12/ 206 (5889)، وابن عدي في "الكامل" 3/ 575، والبيهقي في "السنن الكبرى" 7/ 68. وضعفه الألباني في "إرواء الغليل" (1954). (¬4) رواه البخاري (5177)، ومسلم (1432).

[3736] (حدثنا) عبد اللَّه بن [مسلمة] (¬1) (القعنبي، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إذا دعي أحدكم إلى الوليمة) والوليمة هي الطعام في العرس خاصة، لا يقع هذا الاسم على غيره، كذلك حكاه ابن عبد البر عن ثعلب وغيره من أهل اللغة (¬2)، وقال بعض الفقهاء: الوليمة تقع على كل طعام لسرور حادث، إلا أن استعمالها في طعام العرس أكثر. وقول أهل اللغة أقوى؛ لأنهم أهل اللسان وهم أعرف بموضوعات اللغة وأعلم بلسان العرب، وأصل الوليمة: اجتماع الشيء وتمامه، يقال: أولم الغلام؛ إذا اجتمع عقله وخلقه، وسمي طعام العرس وليمة لاجتماع الزوجين واجتماع الناس للأكل منها، وقيل: هي مشتقة من الولم، وهو القيد، سمي به لأنه يجمع ويضم، وكذلك الوليمة. (فليأتها) ولمسلم: "فليجب" (¬3). كما في الرواية الآتية. ولفظ الأمر يدل على أنها فرض عين، وقيل: هي فرض كفاية، لأن المقصود من حضورها ظهور حال النكاح وتميزه عن السفاح، وهو حاصل بفعل البعض. واستثني من الوجوب القاضي، فلا يلزمه الإجابة على الصحيح، بل قال الروياني: الأولى في زماننا أن لا يجيب أحدًا. ويشبه أن يلحق به كل ذي ولاية عامة كالمحتسب وحاكم الشرطة ونحوهما. وإنما تجب الإجابة إليها بشروط سيأتي بعضها. ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: (محمد) والصواب كما في مصادر ترجمته. (¬2) "التمهيد" 10/ 182، "الاستذكار" 16/ 360. (¬3) "صحيح مسلم" (1429/ 97، 98).

[3737] (حدثنا مخلد بن خالد) العسقلاني، نزيل طرسوس، شيخ مسلم (ثنا أبو أسامة) (¬1) حماد بن أسامة الكوفي (عن عبيد اللَّه) (¬2) بن عمر بن حفص بن عمر بن الخطاب (عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بمعناه) المتقدم، و (زاد: فإن كان) إذا حضر (مفطرًا فليَطعَم) بفتح الياء والعين. استدل به بعض أصحاب الشافعي على أن مجيب الدعوة إذا كان مفطرًا يجب عليه الأكل منها؛ للأمر به في قوله: (فليطعم) ولأن المقصود من حضوره الأكل، فكان واجبًا، واختاره النووي في "تصحيحه" (¬3) وحكى الماوردي أنه فرض كفاية (¬4)، وهو حسن، وأقل الوجوب لقمة، ولا يلزمه الزيادة؛ لأن باللقمة يُسَمى آكلًا، والجمهور على أنه إذا حضر لا يجب عليه الأكل؛ لرواية مسلم: "إذا دعي أحدكم إلى طعام [فليجب] (¬5) فإن شاء طعم، وإن شاء ترك" (¬6). ويحمل قوله: (فليطعم) على الندب جمعًا بين الحديثين (وإن كان صائمًا فليدع) لأهل (¬7) الطعام بالمغفرة والبركة والرحمة ونحو ذلك، وظاهر الأمر أن الدعاء واجب. ¬

_ (¬1) فوقها في (ل)، (ح): (ع). (¬2) فوقها في (ل)، (ح): (ع). (¬3) "تصحيح التنبيه" 2/ 44. (¬4) "الحاوي" 9/ 561. (¬5) غير موجودة بالأصول، والمثبت من "صحيح مسلم". (¬6) "صحيح مسلم" (1430). (¬7) قبلها في (ل): لهم.

[3738] (حدثنا الحسن بن علي، ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن أيوب) بن أبي تميمة السختياني ([عن نافع] (¬1)، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إذا دعا أحدكم أخاه) المسلم (فليجب، عرسًا كان أو نحوه) بنصب الواو. استدل به أهل الظاهر على وجوب إتيان كل دعوة، عرسًا كان أو غيره (¬2)، وبالوجوب [أخذ] (¬3) الشيخ أبو حامد وأتباعه، وقال في "البيان": إنه الأظهر (¬4)، والجمهور على عدم الإجابة إلى غير العرس من الولائم، وهو ما صححوه؛ لأن عثمان بن أبي العاص دعي إلى ختان فلم يجب، وقال: لم يكن يُدعَى له على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. رواه أحمد (¬5). [3739] (حدثنا) الحافظ محمد (ابن المصفى) قال أبو حاتم: صدوق. (ثنا بقية) بن الوليد [(ثنا) محمد بن الوليد] (¬6) (الزُّبيدي) بضم الزاي، أخرج له الشيخان (عن نافع بإسناد أيوب ومعناه) المذكور. [3740] (حدثنا محمد بن كثير) العبدي البصري (ثنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن أبي الزبير) محمد بن مسلم المكي (عن جابر -رضي اللَّه عنه- قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من دعي) إلى وليمة (فليجب، فإن شاء طَعِم) بفتح الطاء وكسر العين، أي: أكل منها (وإن شاء ترك) الأكل منها. فيه ¬

_ (¬1) ساقط من جميع النسخ، وأثبتناه من "سنن أبي داود". (¬2) انظر: "المحلى" 9/ 451. (¬3) في جميع النسخ: (أجاب) ولعل المثبت أصوب. (¬4) "البيان" للعمراني 9/ 483. (¬5) "المسند" 4/ 217. (¬6) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

حجة على أن الأكل من الوليمة لا يجب سوى وليمة العرس وغيرها، وصحح النووي في "تصحيحه" وجوب الأكل منها كما تقدم. وإذا قلنا: لا يجب الأكل، فالأولى أن يأكل؛ لأنه أبلغ في إكرام الداعي وجبر قلبه. [3741] (حدثنا مسدد، حدثنا دُرست) بضم (¬1) الدال والراء وسكون المهملة (بن زياد) القزاز، مشاه ابن عدي، ويقال: هو درست بن حمزة ضعيف. (عن أبان بن طارق) البصري، قال أبو أحمد: لا يعرف إلا بهذا الحديث (¬2). (عن نافع قال: قال عبد اللَّه بن عمر: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من دعي فلم يجب فقد عصى اللَّه تعالى ورسوله) في ترك الإجابة إلى الدعوة، وخالف أمرهما، حيث لم يعمل به وتأخر بغير عذر شرعي، كأن يكون هناك منكر. ولفظ رواية مسلم عن أبي هريرة: "من لم يجب الدعوة فقد عصى اللَّه ورسوله" (¬3). ورواه أبو يعلى بإسناد صحيح، فقال: ثنا زهير، ثنا يونس بن محمد، ثنا عبيد اللَّه بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا دعي أحدكم إلى وليمة فليجبها، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى اللَّه ورسوله" (¬4). ¬

_ (¬1) في (ح)، وهامش (ل): بفتح. (¬2) "الكامل في ضعفاء الرجال" 2/ 71. (¬3) "صحيح مسلم" (1432/ 110). (¬4) لم أجده في "مسند أبي يعلى" المطبوع، ولكن عزاه له بسنده ومتنه كل من ابن حجر في "التلخيص الحبير" 3/ 395، والزيلعي في "نصب الراية" 4/ 221 - 222.

(ومن دخل) وليمة خاصة (على غير دعوة) إليها (دخل سارقًا وخرج مُغِيرًا) بضم الميم وكسر الغين المعجمة. المغير: اسم فاعل، من أغار يغير إذا نهب مال غيره، فكأنه شبه دخوله على الطعام الذي لم يدع إليه [بدخول السارق الذي يدخل بغير إرادة المالك ولا علم به، وشبهه بالسارق؛ لأنه اختفى بين الداخلين] (¬1) المطلوبين، ويدخل في هذا الطفيلي، ومن دخل متسترًا بهم في خفية، كدخول السارق ليلًا في خفية متسترًا بالظلمة، وشبه خروجه بخروج من نهب مال قوم وأغار عليهم فخرج ظاهرًا بعدما أكل، بخلاف الدخول، فإنه دخل مختفيًا خوفًا من أن يعلم به، فيمنع من الدخول بخلاف خروجه بعدما أدخل الطعام في جوفه وأمن من خروجه. وروى البيهقي من حديث عائشة: "من مشى إلى طعام لم يدع إليه مشى فاسقًا وأكل حرامًا" (¬2). [3742] (حدثنا) عبد اللَّه بن مسلمة (¬3) بن قعنب (القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن) عبد الرحمن بن هرمز (الأعرج، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أنه كان يقول: شر الطعام طعام الوليمة) وفي رواية لمسلم: "بئس الطعام" (¬4). بدل: "شر". وأكثر الرواة رووا هذا الحديث موقوفًا على أبي هريرة كما ذكره ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) "السنن الكبرى" 7/ 265 بنحوه. (¬3) في جميع النسخ: (محمد)، وقد تكرر هذا الخطأ مرارا. (¬4) "صحيح مسلم" (1432).

المصنف، وقد انفرد برفعه زياد بن سعد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "شر الطعام. . ". وذكره في "صحيح مسلم" (¬1). وقد بين في مساق الحديث أن الجهة التي يكون بها طعام الوليمة شر الطعام إنما هي على ترك الأولى، وذلك أن الفقير هو المحتاج للطعام الذي إن دعي إليه سارع وبادر، ومع ذلك فلا يدعى، والغني غير محتاج، ولذلك يتكلف للذهاب إليه ويثقل عليه، وقد لا يجيب، وهو مع ذلك يدعى؛ فكان العكس أولى، وهو أن يدعى الفقير ويترك الغني. ولا يفهم من هذا القول -أعني: في الحديث- تحريم ذلك الفعل، لأنه لا يقول أحد بتحريم إجابة الدعوة، وإنما هذا مثل قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "شر صفوف الرجال آخرها، وخيرها أولها" (¬2). فإنه لم يقل أحد أن صلاة الرجل في آخر صف حرام، بل ذلك من باب ترك الأولى؛ فإذًا الشر المذكور هنا قلة الثواب والأجر والخير، والمراد بالخير كثرة الطعام والخبز. (يدعى لها الأغنياء) من أدب الوليمة أن لا يميز الأغنياء بالدعاء دون الفقراء، فتكون وليمته شر الطعام، وليس مراد الحديث أن كل وليمة طعامها شر الطعام، فينبغي للغني إذا علم أن الداعي يخص الأغنياء دون الفقراء ألَّا (¬3) يجيبه، بل يتعلل، لأنه لم يرد بها وجه اللَّه، بل المباهاة. ولذلك قال بعضهم: لا تجب إلا دعوة من يرى أنك إذا ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1432/ 108، 109, 110). (¬2) رواه مسلم (440) من حديث أبي هريرة. (¬3) في جميع النسخ: فلا. والمثبت هو الأنسب للسياق.

أكلت أكلت (¬1) رزقك، وأنه سلمه إليك، وكان وديعة عنده لك، ويرى أن لك الفضل عليه في قبول تلك الوديعة منه. (ويترك المساكين) المحتاجين إليها المسارعين بالحضور إليها. (ومن لم يأت الدعوة) لغير عذر شرعي أو عادي (فقد عصى اللَّه و) عصى (رسوله) ومخالفة أمرهما معصية، وتكون غالبًا من الكبائر. * * * ¬

_ (¬1) ساقطة من (م).

2 - باب في استحباب الوليمة عند النكاح

2 - باب في اسْتِحْبابِ الوَلِيمَةِ عِنْدَ النِّكاحِ 3743 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قالا: حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ ثابِتٍ قالَ: ذُكِرَ تَزْوِيجُ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ فَقالَ: ما رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَوْلَمَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسائِهِ ما أَوْلَمَ عَلَيْها أَوْلَمَ بِشاةٍ (¬1). 3744 - حَدَّثَنا حامِدُ بْن يَحْيَى، حَدَّثَنا سُفْيانُ، حَدَّثَنا وائِلُ بْن داوُدَ، عَنِ ابنهِ بَكْرِ بْنِ وائِلٍ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَوْلَمَ عَلَى صَفِيَّةَ بِسَوِيقٍ وَتَمْرٍ (¬2). * * * باب في استحباب الوليمة عند النكاح [3743] (حدثنا مسدد وقتيبة بن سعيد قالا: حدثنا حماد) بن زيد بن درهم الأزدي البصري (عن ثابت) بن أسلم البناني، مولاهم البصري التابعي، روى عن أنس وابن عمر في "صحيح مسلم" (¬3). (قال: ذُكِر) بضم الذال، مبني للمجهول (تزويج زينب بنت جحش) للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. (عند أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- فقال: ما رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أولم على أحد ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5168)، ومسلم (1428). (¬2) رواه الترمذي (1095)، والنسائي في "الكبرى" (6601)، وابن ماجه (1909). وصححه الألباني. (¬3) أما روايته عن أنس في "صحيح مسلم" فكثيرة جدًّا، وأما روايته فيه عن ابن عمر فحديث واحد (1997/ 50) في النهي عن نبيذ الجر. وانظر: "تحفة الأشراف" 5/ 324 (6664).

من نسائه) التسع أو [الإحدى عشرة أو الاثنتي عشرة] (¬1) (ما أولم عليها) يعني: على (¬2) زينب بنت جحش التي كانت قبله عند زيد بن حارثة مولاه، ويشبه أن يكون سبب تخصيصها بهذِه الوليمة؛ لأن اللَّه تعالى زوجه إياها من فوق سبع سماوات، [وقال اللَّه تعالى في حقها: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} (¬3) وفيها نزل الحجاب، وكانت تفخر على نسائه عليه السلام وتقول: إن آباءكن أنكحوكن، وإن اللَّه تعالى أنكحني إياه من فوق سبع سماوات] (¬4)، وهي أول نسائه لحوقًا به؛ لكثرة صدقتها وإيثارها. (أولم) عليها (بشاة) وظاهر الحديث أن الشاة أكثر وأفضل ما أولم به على جميع نسائه [الاثنتي عشرة] (¬5) على الصحيح، لكنه مات عن تسع، وفي "صحيح مسلم" (¬6): أطعمهم خبزًا ولحمًا حتى تركوه. أي: حتى شبعوا وتركوه لشبعهم، وذلك حين امتد النهار وارتفع. [3744] (حدثنا حامد بن يحيى) البلخي، نزيل طرسوس، قال ابن حبان: كان حامد البلخي من أعلم (¬7) أهل زمانه بحديث سفيان بن عيينة، ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: الأحد عشر أو الاثني عشر، ولعل المثبت أصوب. (¬2) ساقطة من (ل)، (م). (¬3) الأحزاب: 37. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬5) في جميع النسخ: الاثني عشر. ولعل المثبت هو الصواب. (¬6) "صحيح مسلم" (1428/ 91). (¬7) ساقطة من (م).

أفنى عمره في مجالسته (¬1). وذكر جعفر الفريابي أنه سأل علي بن المديني عنه فقال: يا سبحان اللَّه، أبقي حامد [إلى زمان] (¬2) يحتاج أن يسأل عنه (¬3)؟ ! (حدثنا سفيان) بن عيينة (حدثنا وائل بن داود) التيمي، وهو صدوق (عن ابنه) لصلبه (بكر بن وائل) بن داود، وهو من رواية الأكابر عن الأصاغر، وكذا روى عنه هشام بن عروة في "صحيح مسلم" (¬4) وهو أكبر منه، ومات بكر (¬5) قبل أبيه. (عن الزهري، عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أولم على صفية) بنت حيي بن أخطب، من بني إسرائيل، سبط هارون بن عمران، وكان أبوها سيد بني النضير، وقتل في بني قريظة. اصطفاها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لنفسه، فأعتقها وتزوجها، وجعل عتقها صداقها، وكانت جميلة لم تبلغ [سبع عشرة] (¬6) سنة حجبها، وأولم عليها (بسويق) وهو يعمل من الحنطة والشعير (وتمر) هكذا رواه (¬7) أحمد (¬8) وأصحاب السنن (¬9) ¬

_ (¬1) "الثقات" 8/ 218. (¬2) ساقطة من جميع النسخ، والمثبت من "تهذيب الكمال" 5/ 327. (¬3) انظر: "سؤالات السلمي للدارقطني" (123). (¬4) "صحيح مسلم" (1638). (¬5) في (ل)، (م): بمكة. (¬6) في جميع النسخ: سبعة عشر. ولعل المثبت أصوب. (¬7) في (ل)، (م): رواية. (¬8) "مسند أحمد" 3/ 110. (¬9) "سنن الترمذي" (1015) وقال: حسن غريب. "سنن ابن ماجه" (1909)، "السنن الكبرى" للنسائي 4/ 139 (6600، 6601).

وابن حبان (¬1) من حديث أنس، لكن في الصحيحين (¬2) عن أنس في قصة صفية أنه جعل وليمتها ما حصل من السمن والتمر والأقط، لما أمر بلالًا بالأنطاع فبسطت فألقى عليها ذلك. وفي رواية لمسلم: "من كان عنده شيء فليجئ به". قال: وبسط نطعًا (¬3). * * * ¬

_ (¬1) "صحيح ابن حبان" 9/ 368، 371 (4061، 4064). (¬2) "صحيح البخاري" (4213، 5085، 5159، 5387)، "صحيح مسلم" (1365). (¬3) "صحيح مسلم" (1365)، وهي في "صحيح البخاري" (371).

3 - باب في كم تستحب الوليمة

3 - باب في كَمْ تُسْتحَبُّ الوَلِيمَةُ 3745 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنا عَفّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنا هَمّامٌ، حَدَّثَنا قَتادَةُ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمانَ الثَّقَفيِّ، عَنْ رَجُلٍ أَعْوَرَ مِنْ ثَقِيفٍ كانَ يُقالُ لَهُ: مَعْرُوفًا -أي: يُثْنَى عَلَيْهِ خَيْرًا إِنْ لَمْ يَكنِ اسْمُهُ زُهَيْرُ بْنُ عُثْمانَ فَلا أَدْري ما اسْمُهُ- أَنَّ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "الوَلِيمَةُ أَوَّلُ يَوْمٍ حَقٌّ والثّاني مَعْرُوفٌ واليَوْمُ الثّالِثُ سُمْعَةٌ وَرِياءٌ". قالَ قَتادَةُ: وَحَدَّثَني رَجُلٌ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ المُسيَّبِ دُعِيَ أَوَّلَ يَوْمٍ فَأَجابَ وَدُعِيَ اليَوْمَ الثّاني فَأَجابَ وَدُعِيَ اليَوْمَ الثّالِثَ فَلَمْ يُجِبْ وقالَ: أَهْلُ سُمْعَةٍ وَرِياءٍ (¬1). 3746 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْن إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا هِشامٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسيَّبِ بهذِه القِصَّةِ قالَ: فَدُعِيَ اليَوْمَ الثّالِثَ فَلَمْ يُجِبْ وَحَصَبَ الرَّسُولَ (¬2). * * * باب في كم تستحب الوليمة [3745] (حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عفان بن مسلم) الصفار، شيخ البخاري. (حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن الحسن) بن أبي الحسن البصري (عن عبد اللَّه بن عثمان الثقفي) [وأغرب أبو موسى المديني فأخرج هذا الحديث في ترجمة عبد اللَّه بن عثمان الثقفي في] (¬3) "ذيل ¬

_ (¬1) رواه النسائي في "الكبرى" (6596)، وأحمد 5/ 28، والدارمي (2109). وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (6167). (¬2) رواه عبد الرزاق 10/ 447 (19661). وضعفه الألباني. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

الصحابة" (¬1)، وإنما رواه عبد اللَّه عن هذا الرجل، وذكر هذا الحديث ابن أبي حاتم (¬2) والدراقطني في "العلل" (¬3) من حديث الحسن عن أنس، ورجحا رواية من أرسله عن الحسن وعن وحشي بن حرب وابن عباس، رواهما الطبراني في "الكبير" (¬4). (عن رجل أعور من ثقيف كان يقال له) أي: يقال فيه قولًا (معروفًا، أي: يُثنَى) بضم أوله، وسكون المثلثة، وفتح النون (عليه خيرًا) أي: يثني الئقات عليه خيرًا، ويقولون فيه قولًا معروفًا، و (إن لم يكن اسمه زهير بن عثمان) الثقفي، نزل البصمرة، وأخرجه البغوي أيضًا فيمن اسمه زهير (¬5) في "معجم الصحابة" فقال: لا أعلم له اسمًا غيره (¬6). وأغرب ابن قانع فغلط وذكره في "الصحابة" فيمن اسمه معروف (¬7). (فلا أدري ما اسمه) والظاهر أنه اسمه، فلا عبرة بما توهمه غيره، وذكر البخاري في "تاريخه الكبير" هذا الحديث في ترجمة زهير بن عثمان، وقال: لا يصح إسناده، ولا يعرف له صحبة (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: "أسد الغابة" 3/ 308 - 309. (¬2) "العلل" 2/ 246 (1193). (¬3) في جميع النسخ: الحديث، وانظر "علل الدارقطني" 12/ 72. (¬4) "المعجم الكبير" 22/ 136 - 137 (362) من حديث وحشي، وأما رواية ابن عباس ففي "المعجم" 11/ 151 (11331) بمعناه، قال الهيثمي في "المجمع" 4/ 59: فيه محمد بن عبيد اللَّه العرزمي وهو متروك. (¬5) في جميع النسخ: زهيرا. والمثبت أصح. (¬6) "معجم الصحابة" 2/ 513 (897). (¬7) "معجم الصحابة" 3/ 124 (1095). (¬8) "التاريخ الكبير" 3/ 425 (1412).

(أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: الوليمة أولَ يوم حَقٌّ) أي: واجب ثابت عند من يقول بوجوبها، وعليه الأكثر (و) هي في (الثاني معروف) [أي: سنة معروفة، بدليل رواية الترمذي بلفظ: "طعام أول يوم حق، والثاني سنة" (¬1)] (¬2) (و) هي في (اليوم الثالث رياء وسمعة) أي: ليري الناس إطعامه ويظهر لهم كرمه، ويسمعهم ثناء الناس عليه، ويباهي به غيره؛ ليفتخر بذلك ويعظم في نفوسهم؛ فهو وبال عليه. (قال قتادة) أحد الرواة (حدثني رجل) أثق به (أن سعيد بن المسيب دعي) إلى وليمة في (أول يوم، فأجاب) وحضرها (ودعي) إليها في (اليوم الثاني، فأجاب) أيضا (ودعي) في (اليوم الثالث، فلم يجب) الداعي (وقال: ) هم (أهل سمعة ورياء) كما تقدم. [3746] (ثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي (ثنا هشام) الدستوائي (عن قتادة، عن سعيد بن المسيب بهذِه القصة) المذكورة و (قال) فيه: (فدعي) في (اليوم الثالث، فلم يجب، وحصب) بفتح الحاء والصاد المهملتين. وقال ابن عمر وغيره: إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال (¬3): "إذا دعي أحدكم إلى وليمة فليجب" (¬4). ولم يخص ثلاثة أيام ولا غيرها. قال المنذري: ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (1097) من حديث ابن مسعود، وقال: حديث ابن مسعود لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث زياد بن عبد اللَّه، وزياد بن عبد اللَّه كثير الغرائب والمناكير. قال: وسمعت محمد بن إسماعيل يذكر عن محمد بن عقبة قال: قال وكيع: زياد بن عبد اللَّه مع شرفه يكذب في الحديث. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) ساقطة من (ح)، (ل). (¬4) "صحيح البخاري" (5173)، "صحيح مسلم" (1429) من حديث ابن عمر. ورواه =

وهذا أصح (¬1)، وقال ابن سيرين عن أبيه لما بنى بأهله: أولم سبعة أيام، ودعا في ذلك أبي بن كعب، فأجابه (¬2). (الرسول) أي: رماه بالحصباء؛ تعزيرًا له، والحصباء: الحصا الصغار، وكانوا يصلون على حصا المسجد لا حائل بين وجوههم وبينها، وفي الحديث أنه أمر بتحصيب المسجد (¬3)، وهو أن يلقى فيه الحصباء. * * * ¬

_ = النسائي في "الكبرى" 4/ 140 (6610) من حديث جابر. ورواه ابن منيع كما في "المطالب العالية" 20/ 777 (2423)، و"إتحاف الخيرة المهرة" 5/ 513 (5150/ 3) من حديث أبي أيوب. (¬1) "مختصر سنن أبي داود" 5/ 291. (¬2) رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 7/ 121. (¬3) رواه ابن أبي شيبة 2/ 534 (8926)، 14/ 99 (37012) عن عمر موقوفًا.

4 - باب الإطعام عند القدوم من السفر

4 - باب الإِطْعامِ عِنْدَ القُدُومِ مِنَ السَّفَرِ 3747 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحارِبِ بْنِ دِثارٍ، عَنْ جابِرٍ قالَ: لَمّا قَدِمَ النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- المَدِينَةَ نَحَرَ جَزُورًا أَوْ بَقَرَةً (¬1). * * * باب الإطعام عند القدوم من السفر (¬2) [3747] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا وكيع، عن شعبة، عن محارب بن دثار، عن جابر) بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما (قال: لما قدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة) النبوية في السنة الأولى من الهجرة، وبركت ناقته على باب مسجده (نحر جزورًا) بفتح الجيم، والجزور من الإبل خاصة يقع على الذكر والأنثى. وفيه أن السنة في الإبل النحر، وفي البقر والغنم الذبح، وفيه استحباب الوليمة من القادم من السفر، وتسمى الوليمة لقدوم الغائب نقيعة، من النقع، وهو غبار السفر؛ قال اللَّه تعالى: {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا} (¬3) (أو بقرة) ويحصل هذا الاستحباب بذبح البعير والبقرة والشاة، وإن كانت الإبل أفضل؛ لكثرة نفعها وغلو ثمنها. * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3089). (¬2) في (ل)، (م) وحاشية (ح): نسخة: في السفر. (¬3) العاديات: 4.

5 - باب ما جاء في الضيافة

5 - باب ما جاءَ في الضِّيافَةِ 3748 - حَدَّثَنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُريِّ، عَنْ أَبي شُرَيْحٍ الكَعْبيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جائِزَتُهُ يَوْمُهُ وَلَيْلَتُهُ، الضِّيافَةُ ثَلاثَةُ أيّامٍ وَما بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ وَلا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَثْوِيَ عِنْدَهُ حَتَّى يُحْرِجَهُ" (¬1). قالَ أَبُو داوُدَ: قُرِئَ عَلَى الحارِثِ بْنِ مِسْكِينٍ وَأَنا شاهِدٌ: أَخْبَرَكُمْ أَشْهَبُ قالَ: وَسُئِلَ مالِكٌ عَنْ قَوْلِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "جائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ". فَقالَ: يُكْرِمُهُ وَيُتْحِفُهُ وَيَحْفَظُهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَثَلاثَةُ أيّامٍ ضِيافَةٌ. 3749 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ وَمُحَمَّد بْن مَحْبُوبٍ قالا: حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ عاصِمٍ، عَنْ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "الضِّيافَةُ ثَلاثَةُ أيّامٍ فَما سِوى ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ" (¬2). 3750 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَخَلَفُ بْن هِشامٍ قالا: حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ عامِرٍ، عَنْ أَبي كَرِيمَةَ قالَ: قالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَيْلَةُ الضَّيْفِ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فَمَنْ أَصْبَحَ بِفِنائِهِ فَهُوَ عَلَيْهِ دَيْنٌ إِنْ شاءَ اقْتَضَى وَإِنْ شاءَ تَرَكَ" (¬3). 3751 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَني أَبُو الجُوديِّ، عَنْ سَعِيدِ ابْنِ أَبي المُهاجِرِ عَنِ المِقْدامِ أَبي كَرِيمَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أيُّما رَجُلٍ أَضافَ قَوْمًا فَأَصْبَحَ الضَّيْفُ مَحْرُومًا فَإِنَّ نَصْرَهُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ حَتَّى يَأْخُذَ بِقِرى ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6019)، ومسلم بإثر حديث (1726). (¬2) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (742)، وأحمد 2/ 354. وصححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد" (574). (¬3) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (744)، وابن ماجه (3677)، وأحمد 4/ 130. وصححه الألباني في "الصحيحة" (2204).

لَيْلَةٍ مِنْ زَرْعِهِ وَمالِهِ" (¬1). 3752 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبي حَبِيبٍ، عَنْ أَبي الخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ أَنَّهُ قالَ: قُلْنا يا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تَبْعَثُنا فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ فَما يَقْرُونَنا فَما تَرى فَقالَ لَنا رَسُولُ اللَّهِ: "إِنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأَمَرُوا لَكُمْ بِما يَنْبَغي لِلضَّيْفِ فاقْبَلُوا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الذي يَنْبَغي لَهُمْ" (¬2). قالَ أَبُو داوُدَ: وهذِه حجَّةٌ لِلرَّجُلِ يَأْخُذ الشَّيء إِذا كانَ لَهُ حَقّا. * * * باب ما جاء في الضيافة [3748] (حدثنا) عبد اللَّه بن مسلمة (¬3) بن قعنب (القعنبي، عن مالك، عن سعيد) بن أبي سعيد (المقبري، عن أبي شريح) بضم الشين المعجمة، اسمه خويلد بن عمرو (الكعبي) بفتح الكاف، نسبة إلى كعب خزاعة، ولذلك يقال له: الخزاعي العدوي، أسلم يوم الفتح. (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر) يعني: من كان يؤمن باللَّه الإيمان الكامل المنجي من عذاب اللَّه، الموصل إلى رضوان اللَّه، ويؤمن بيوم القيامة الآخر، استعد له واجتهد في فعل ما يدفع به أهواله ومكارهه، فيأتمر بما أمر به، وينتهي عما نهي عنه (فليكرم ضيفه) والضيف هو القادم من السفر، النازل عند الآدمي، ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 131، والدارمي (2037). وقال الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (1536): منكر. (¬2) رواه البخاري (2461)، ومسلم (1727). (¬3) في جميع النسخ: (محمد) وتكرر هذا الخطأ مرارا.

فيطلق على الواحد والجمع، ويجمع أيضًا على أضياف وضيوف، والمرأة ضيف وضيفة، والضيافة (¬1) من مكارم الأخلاق ومحاسن الدين، وليست واجبة عند عامة العلماء، خلا الليث بن سعد، فإنه أوجبها ليلة واحدة. وحجة الجمهور قوله: (جائزته) بالنصب، زاد مسلم (¬2): قالوا: يا رسول اللَّه، وما جائزته؟ قال؟ (يوم وليلة) فإن الجائزة هي العطية والصلة التي أصلها على الندب، وقلما يستعمل مثل هذا اللفظ في الواجب. قال العلماء: معنى الحديث الاهتمام بالضيف في اليوم والليلة وإتحافه بما يمكن من برٍّ وإلطاف، ومن إكرام الضيف تعجيل الطعام إليه، وأحد معاني قوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24)} (¬3) أنهم أكرموا بتعجيل الطعام إليهم. (والضيافة) المشروعة (ثلاثة أيام) فاليوم الأول فرض على ما تقدم، والثاني والثالث سنة يطعم فيهما [ما] (¬4) يتيسر من الطعام، ولا يزيد فيها على [عادته، يضيفه] (¬5) منها. (وما بعد ذلك) أي: بعد الأيام الثلاثة (فهو صدقة) ومعروف، وزاد البزار بإسناد رواته ثقات: "وكل معروف صدقة" (¬6). ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) "صحيح مسلم" (48)، وهذِه الزيادة في البخاري أيضًا (6019، 6476). (¬3) الذاريات: 24. (¬4) ليست في النسخ الخطية، والمثبت ما يقتضيه السياق. (¬5) ساقطة من (م). (¬6) "مسند البزار" 5/ 31 (1589) من حديث عبد اللَّه بن مسعود.

(ولا يحل له أن يثوي) بفتح الياء وسكون المثلثة، أي: يقيم، بدليل رواية مسلم: "ولا يحل لرجل مسلم أن يقيم عند أخيه" (¬1) (حتى يحرجه) بضم أوله وسكون الحاء المهملة. أي: يوقعه في الحرج، وهو الإثم؛ لأنه قد يغتابه فيقول: هذا الضيف ثقيل، وقد ثقل علينا بطول إقامته. أو يتعرض له بما يؤذيه، أو يظن به ما لا يجوز، وقد قال اللَّه تعالى: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} (¬2). قال النووي: وهذا كله محمول على ما إذا أقام بعد الثلاث باستدعائه، وأما إذا استدعاه وطلب منه زيادة إقامته، أو عِلمًا أو ظن منه محبة الزيادة على (¬3) الثلاث وعدم كراهته فلا بأس بالزيادة؛ لأن النهي إنما جاء لأجل كونه يؤئمه، وقد زال هذا المعنى والحالة هذِه، فلو شك في حال الضيف، هل يكره الزيادة ويلحقه بها حرج أم لا؟ لم تحل له الزيادة على الثلاث؛ لظاهر الحديث (¬4). وهذِه المسألة من المسائل التي يفرق فيها عند الفقهاء بين الظن والشك، كما في مسألة: {أَوْ صَدِيقِكُمْ} (¬5). (قال) المصنف (قرئ على الحارث بن مُسكين) بضم الميم، أبو عمرو الأموي، مولى مروان، المصري الفقيه بمذهب مالك، قرأ على ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (48/ 15) بعد حديث (1726). (¬2) الحجرات: 12. (¬3) في (ل)، (م): بعد. والمثبت من (ح). (¬4) "شرح مسلم" 12/ 31. (¬5) النور: 61.

ابن القاسم، حمله المأمون أيام المحنة إلى بغداد وسجنه؛ لأنه لم يجب إلى القول بخلق القرآن، فلم يزل محبوسًا (¬1) إلى أن ولي المتوكل فأطلقه، فحدث ببغداد، ورجع إلى مصر (¬2)، وروي أن رجلًا كان مسرفًا على نفسه، فمات فرئي في المنام فقال: إن اللَّه عز وجل غفر لي بحضور الحارث بن مسكين جنازتي (¬3). (وأنا شاهد) أي: حاضر أسمع (أخبركم) رضي اللَّه عنكم (أشهب) بالشين المعجمة، ابن عبد العزيز المصري، أحد فقهاء مصر، عن مالك، قال ابن عبد البر: روينا عن ابن عبد الحكم أنه سمع أشهب يدعو في سجوده على الشافعي بالموت، فمات واللَّه الشافعي في رجب سنة أربع ومائتين، ومات أشهب بعده بثمانية عشر يومًا (¬4). قال محمد بن عاصم المعافري: رأيت قائلًا يقول: يا محمد. فأجبته. فقال: ذهب الذين يقال (¬5) عند فراقهم: ... ليت البلاد بأهلها تتصدع قال: وكان أشهب مريضًا، قلت: فما أخوفني أن يموت! فمات. ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): مسجونًا. (¬2) انظر: "تاريخ بغداد" 8/ 216. (¬3) انظر: "طبقات الشافعية" 2/ 114، "تهذيب الكمال" 5/ 285، "سير أعلام النبلاء" 12/ 57. (¬4) "بهجة المجالس" 1/ 744. (¬5) ساقطة من (ل)، (م).

وكان مولد أشهب سنة أربعين ومائة (¬1). (قال: وسئل مالك -رضي اللَّه عنه- عن قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: ) "فليكرم ضيفه"، (جائزته يوم وليلة، قال: يكرمه) يومًا (¬2) وليلةً (ويتحفه) بما يمكنه من لحم وفاكهة قبل الطعام أو حلوى بعده، وقد قيل في قوله تعالى: {جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} (¬3) أنه جاء بعجل من لحم مشوي، وسمي عجلًا؛ لأنه عجله ولم يلبث. (ويحفظه) ويحفظ أمتعته بالحراسة (يومًا وليلة) وله (ثلاثة أيام ضيافة) يطعمه مما يتيسر من الطعام مما يعتاد أكله كما تقدم، وفيها للعلماء تأويلان آخران، أحدهما: يعطيه ما يجوز به ويكفيه في سفره في يوم وليلة يستقبلها بعد ضيافته. والثاني: جائزته يوم وليلة إذا اجتاز به، وثلاثة أيام إذا قصده. [3749] (حدثنا موسى بن إسماعيل ومحمد بن محبوب) البناني البصري شيخ البخاري (قالا: ثنا حماد) بن سلمة (عن عاصم) بن بهدلة، وهو ابن أبي النجود أحد القراء السبعة (عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: الضيافة ثلاثة أيام) كما تقدم (فما سوى) أي: بعد (ذلك فهو صدقة) زاد البزار: "وكل معروف صدقة" (¬4). كما تقدم. ¬

_ (¬1) انظر: "وفيات الأعيان" 1/ 239، "تهذيب الكمال" 3/ 298. (¬2) في جميع النسخ: يوم. والمثبت هو الأصوب. (¬3) هود: 69. (¬4) "البحر الزخار" 5/ 31 (1589) من حديث عبد اللَّه بن مسعود.

[3750] (حدثنا مسدد وخلف بن هشام قالا: حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد اللَّه (عن منصور) بن عبد الرحمن الغداني البصري الأشل، أخرج له مسلم (عن عامر) الشعبي (عن أبي كريمة) المقدام ابن معدي كرب الكندي -رضي اللَّه عنه- (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ليلة الضيف) أي: ويومه؛ بدليل الحديث المتقدم: "جائزته يوم وليلة" والليلة آكد في حق الضيف من اليوم؛ لاحتياجه في المبيت إلى غطاء ومصباح وغير ذلك (حق على كل مسلم) قال الإمام أحمد: لما أضاف المشرك دل على أن المسلم والمشرك يضاف. قال: وأنا أراه كذلك، فالضيافة معناها معنى صدقة التطوع على المسلم والكافر في اليوم والليلة حق واجب (¬1). وقال الشافعي: ذلك مستحب ليس بواجب، وهو قول الجمهور، وحملوا الحق الواجب هنا على الاستحباب، كحديث: "غسل الجمعة واجب على كل محتلم" (¬2) أي: متأكد الاستحباب؛ [وكحديث ابن عباس: خطب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في حجة الوداع، ومنها: "لا يحل لامرئ مال أخيه] (¬3) إلا ما أعطاه من طيب نفس" (¬4) (فمن) بات ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" لابن قدامة 13/ 353. (¬2) رواه البخاري (858)، ومسلم (846) من حديث أبي سعيد الخدري. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) رواه الدارقطني 3/ 25، والحاكم 1/ 93، والبيهقي 6/ 96 - 97. قال في "التلخيص" 3/ 45: رواه الحاكم من حديث عكرمة عن ابن عباس. . في حديث طويل، ورواه الدارقطني من طريق مقسم عن ابن عباس نحوه، وفي إسناده العرزمي، وهو ضعيف. انتهى.

الضيف و (أصبح بفنائه) بكسر الفاء وتخفيف النون ممدودًا، وهو (¬1) المتسع أمام الدار. وقيل: ما امتد من جوانب الدار، جمعه أفنية، وفيه أن من إكرام الضيف إنزاله في ساحة داره، وأن ساحة الدار حرز للأمتعة إذا كان عليها ما يحوطها (فهو) هو: ضمير يعود على غير مذكور، بل هو معلوم من فحوى الكلام، وهو القرى؛ لأن ليلة الضيف لا بد لها من قرى. والتقدير: فقرى من بات وأصبح بفنائه. ([عليه] (¬2) دين) للضيف مستحق عليه كسائر ديونه، هذا مما استدل به الليث وأحمد على أن الضيافة واجبة يومًا وليلة. وللضيف أن يطالب من نزل عنده بحقه الذي جعله له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3) وروى الإمام أحمد برواة ثقات والحاكم -وقال: صحيح الإسناد- عن أبي هريرة قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أيما ضيف نزل بقوم فأصبح الضيف محرومًا، فله أن يأخذ بقدر قراه ولا حرج عليه" (¬4) (إن شاء اقتضى) أي: طلب دينه الذي ثبت له عليه (وإن شاء ترك) ولفظ ابن ماجه: "ليلة الضيف واجبة، فإن أصبح بفنائه فهو دين عليه، فإن شاء اقتضاه، وإن شاء تركه" (¬5) أي: الضيف مخير بين أن يطالب بدينه وبين أن يبرئه منه. وهذا الحديث وما بعده محمول على المضطرين، فإن ضيافتهم ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): ومن. (¬2) من المطبوع. (¬3) انظر: "المغني" لابن قدامة 13/ 353 - 354. (¬4) "المسند" 2/ 38، "المستدرك" 4/ 132. (¬5) "السنن" (4677).

واجبة، فإذا لم يضيفوهم فلهم أن يأخذوا حاجتهم من مال الممتنعين، وعلى ما سيأتي. [3751] (حدثنا مسدد، ثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن شعبة، حدثني أبو الجودي) بضم الجيم، اسمه الحارث بن عمير الأسدي الشامي، سكن واسط، وهو ثقة (عن سعيد بن المهاجر) ويقال: ابن أبي المهاجر الشامي الحمصي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬1) وله هذا الحديث الواحد (عن المقدام) بن معدي كرب (أبي كريمة) الكندي -رضي اللَّه عنه-. (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أيما رجل أضاف [قومًا]) (¬2) قال ثعلب: ضفت الرجل إذا نزلت به وأضفته بالألف إذا أنزلت به ضيفًا (¬3) (فأصبح الضيف محرومًا) من القرى (فإن نصره) بفتح النون، أي: نصرته وإعانته على أداء حقه (حق على كل مسلم) قال في "النهاية": يشبه أن يكون هذا في المضطر الذي لا يجد ما يأكل، ويخاف على نفسه التلف، فله أن يأكل من مال أخيه المسلم بقدر حاجته الضرورية، وعليه الضمان (¬4). (حتى يأخذ بقرى) بكسر القاف (ليلة) واحدة، أي: له أن يأخذ بنفسه قدر قرى ليلة فقط، كما تقدم في رواية أحمد والحاكم، وإذا أخذ فيقتصر على ما يسد الرمق في الراجح في "الرافعي الصغير"، وقاله ¬

_ (¬1) "الثقات" 4/ 293. (¬2) من "السنن". (¬3) انظر: "الفصيح" (ص 27). (¬4) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 5/ 64.

المزني في "المختصر" واختاره، والصواب إعجام الشين من شد الرمق، فإن الرمق هو بقية الروح (من زرعه) إن كان له زرع، أو ثمره إن كان له ثمر نخل ونحوه (و) يأخذ من (ماله) إن لم يكن له زرع، وليس له إذا اشتدت ضرورته من الزرع أن يتجاوز إلى شيء من ماله؛ لأنه محل ضرورة، وسيأتي له بقية في الحديث بعده. [3752] (حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: ثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير) مرثد، بفتح الميم والمثلثة ابن عبد اللَّه اليزني (عن عقبة بن عامر) الجهني، كان من أحسن الناس صوتا بالقرآن -رضي اللَّه عنه-. (أنه قال: قلنا: يا رسول اللَّه، إنك تبعثنا) في أمر (فننزل بقوم لا يقروننا) بفتح أوله ونونين من القرى، ويروى بنون واحدة -كما في البخاري (¬1) - أي: لا يضيفوننا (فما ترى؟ ) في هذا، قد يؤخذ منه أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يجتهد برأيه في الأحكام (فقال لنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن نزلتم بقوم فأمروا لكم) أي: أمر الذين نزلتم عندهم خدمهم، وفيه أن المسافر إذا نزل عند أحد ضيفًا، فلا ينزل إلا عند أعيان تلك الناحية الذين لهم خدم وأعوان؛ فإنهم قادرون (¬2) على إكرام الضيف، بخلاف الصعاليك الذين يتكلفون للضيف إذا نزل عليهم (بما ينبغي للضيف) من الإكرام (فاقبلوا) منهم (فإن لم يفعلوا) ذلك (فخذوا منهم) عند الاضطرار؛ أخذًا بالضمان، أو خذوا من القوم الذين هم من أهل الجزية، وشرطٌ عليهم الضيافة لمن يمر بهم من الضيوف. ¬

_ (¬1) "البخاري" (2461). (¬2) في النسخ: قادرين. والمثبت الصحيح والصواب لغة.

قال الخطابي: إنما كان يلزم ذلك في زمنه -صلى اللَّه عليه وسلم- حيث لم يكن بيت مال. فأما اليوم فأرزاقهم في بيت المال، لا حق لهم في أموال المسلمين (¬1). وقال ابن بطال: قال أكثرهم: إنه كان هذا في أول الإسلام حيث كانت المواساة واجبة، وهو منسوخ بقوله: "جائزته يوم وليلة". قالوا: فالجائزة تفضل لا واجب (¬2). (حق الضيف) قال أحمد في تفسير قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فله أن يعقبهم بقدر قراه"، يعني: للضيف أن يأخذ من أرضهم وزرعهم بقدر ما يكفيه بغير إذنهم، وعنه رواية أخرى: أن الضيافة على أهل القرى دون الأمصار (¬3). (الذي ينبغي [لهم]) (¬4) قال بعضهم: المراد أن لكم أن تأخذوا من أغراض من لم يضفكم بألسنتكم وتذكروا للناس لومهم، فالعيب عليهم، وهذا من المواضع الذي يباح فيه الغيبة، كما أن القادر المماطل بالدين يباح عرضه وعقوبته، وحمله بعضهم على أن هذا كان في أول الإسلام، وكانت المواساة واجبة، ولما اتسع الإسلام نسخ ذلك. قال النووي: وهذا تأويل ضعيف أو باطل؛ لأن هذا الذي ادعاه قائله لا يعرف (¬5). انتهى. * * * ¬

_ (¬1) "أعلام الحديث" 2/ 1224 - 1225. (¬2) "شرح صحيح البخاري" 6/ 585. (¬3) انظر: "المغني" 13/ 354. (¬4) من المطبوع. (¬5) "شرح مسلم" 6/ 165.

6 - باب نسخ الضيف يأكل من مال غيره

6 - باب نَسْخِ الضَّيْفِ يَأْكُلُ مِنْ مالِ غَيْرِهِ 3753 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزيُّ، حَدَّثَني عَليُّ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ واقِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْويِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} فَكانَ الرَّجُلُ يُحْرَجُ أَنْ يَأْكُلَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ النّاسِ بَعْدَ ما نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ فَنَسَخَ ذَلِكَ الآيَةُ التي في النُّورِ قالَ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا} إِلَى قَوْلِهِ: {أَشْتَاتًا} كانَ الرَّجُلُ الغَنيُّ يَدْعُو الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِهِ إِلَى الطَّعامٍ قالَ: إِنّي لأجْنَحُ أَنْ آكُلَ مِنْهُ. والتَّجَنُّحُ: الحَرَجُ، وَيَقُولُ: المِسْكِينُ أَحَقُّ بِهِ مِنَّي. فَأُحِلَّ في ذَلِكَ أَنْ يَأْكْلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَأُحِلَّ طَعامُ أَهْلِ الكِتابِ (¬1). * * * باب نسخ الضيف يأكل من مال غيره [3753] (حدثنا أحمد بن محمد) بن موسى مردويه (¬2) (المروزي) بفتح الميم والواو شيخ البخاري (¬3) (قال: حدثني علي بن الحسين بن واقد) المروزي، ضعفه أبو حاتم (¬4)، وقواه غيره (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البيهقي في "الكبرى" 7/ 274، والضياء في "المختارة" 12/ 325 كلاهما من طريق أبي داود. وقال الألباني: حسن الإسناد. (¬2) كذا في الأصول: بن موسى مردويه. وهو خطأ، والصواب: بن ثابت بن شبويه. انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 433، 473. (¬3) كذا في الأصول: شيخ البخاري. وهو خطأ مبني على الخطأ في الترجمة. (¬4) "الجرح والتعديل" 6/ 179 (978). (¬5) ذكره ابن حبان في "الثقات" 8/ 460. وقال النسائي: ليس به بأس. "تهذيب الكمال" 20/ 407.

(عن أبيه) الحسين بن واقد (¬1) المروزي قاضي مرو، مولى عبد اللَّه بن عامر. قال ابن معين وغيره: ثقة (¬2). (عن يزيد) بن أبي سعيد (النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال) قال اللَّه تعالى: ({وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}) بغير حق، ومنه بيع العربون، وهو أن يأخذ منك السلعة أو يكتري منك الدابة ويعطيك درهما فما فوقه، على أنه إن اشتراها أو ركب الدابة فهو من ثمن السلعة أو كراء الدابة، وإن ترك ابتياع السلعة أو كراء الدابة فما أعطاك فهو لك ({إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً}) بالبيع والشراء ونحو ذلك، والتجارة هي المعاوضة، ومنه الأجر الذي يعطيه اللَّه للعبد عوضًا عن الأعمال الصالحة ({عَنْ تَرَاضٍ}) أي: رضا، إلا أنها جاءت من المفاعلة؛ لأن التجارة لا تكون إلا من اثنين والرضا منهما، فخرج من مفهوم هذا الحصر دعاء الرجل أخاه إلى بيته ليأكل من طعامه؛ فإنه مع كونه ليس بتجارة ولا هو من أكل المال بالباطل، فهو لا بأس به. (فكان الرجل) بعدما نزلت هذِه الآية (يحرج) بضم الياء وفتح الحاء المهملة وتشديد الراء المكسورة بعدها جيم، أي: يضيق على نفسه من (أن يأكل عند أحد من الناس) ويرى ذلك إثما وحرامًا ويترك الأكل عند (¬3) ¬

_ (¬1) قبلها في الأصول: علي بن. ولم أجده في مصادر ترجمته، وانظر: "تهذيب الكمال" 6/ 491. (¬2) "تاريخ عثمان بن سعيد عن يحيى بن معين" (290). (¬3) بعدها في (ل): بياض بمقدار كلمة، وقد تكون: (كل) مناسبة للسياق.

أحد خروجًا من الحرج وهو الإثم والضيق (بعدما نزلت هذِه الآية) الناهية عن أكل المال بالباطل إلا عند حصول التجارة. (فنسخ) بفتح النون والسين (ذلك) أي: هذا الحكم هذِه (الآية التي في) سورة (النور) وهي التي (قال) اللَّه تعالى فيها ({لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ}) أي: إثم ({أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ}) أي: من البيوت التي فيها أزواجكم وعيالكم (إلى قوله) تعالى: ({لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا})، أي: مجتمعين أو متفرقين، والأشتات جمع شتيت (¬1)، يقال: شيء شتيت، أي: متفرق. و(كان الرجل الغني يدعو الرجل من أهله) وأقاربه (إلى) أن يأكل من (الطعام) فإذا دعاه (قال: إني لأجنح) بفتح اللام والهمزة وسكون الجيم، أي: لأرى جناحًا وإثمًا (أن آكل منه) شيئًا. (والتجنح (¬2): الحرج) والإثم، والأصل في اللغة هو الميل والإثم. قال الزمخشري: هذِه الآية نزلت في بني ليث بن عمرو [من كنانة] (¬3)، كانوا يتحرجون من الاجتماع على الطعام؛ لاختلاف الناس في كثرة الأكل وقلته وزيادة بعضهم على بعض. وقيل: كانوا يتحرجون أن يأكل الرجل وحده، فربما قعد منتظرًا نهاره إلى الليل، فإن لم يجد من يؤاكله أكل ضرورة. وقيل: نزلت في قوم من الأنصار إذا نزل بهم ¬

_ (¬1) في (م)، (ح): شت. (¬2) في (ل): (الجنح) وهو خطأ. (¬3) ساقطة من (ل)، (م).

ضيف لا يأكلون إلا مع ضيفهم (¬1). (ويقول) الفقير و (المسكين) والضيف (أحق به مني، فأحل) اللَّه تعالى ([في ذلك أن يأكلوا] (¬2) مما ذكر اسم اللَّه) للتبرك باسم اللَّه، قال اللَّه تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} (¬3) أي: مما ذكي على اسم اللَّه، وقال: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} (¬4) فكلوا ما أحل (¬5) واتركوا ما حرم (و) قد (أحل) اللَّه لكم (طعام أهل الكتاب) والطعام اسم لما يؤكل والذبائح منه، وحكى الكيا الطبري الاتفاق على جواز أكل ذبيحة أهل الكتاب، واشتراط التسمية من الكافر وعدمها بمثابة واحدة، إذ لم يتصور منه العبادة (¬6). ولا بأس بالأكل والشرب والطبخ في آنية أهل الكتاب وغيرهم من الكفار بعد أن تغسل؛ لأنهم لا يتوقون النجاسة، ولا بأس بأكل طعام من لا كتاب له كالمشركين وعبدة الأوثان، ما لم يكن من ذبائحهم، أو لم يحتج إلى ذكاة كالسمك وغيره من الأطعمة. ولا خلاف بين العلماء أن ما لا يحتاج إلى ذكاة كالطعام الذي لا محاولة فيه كالفاكهة والقمح جائز أكله؛ إذ لا يضر فيه تملك أخذ ¬

_ (¬1) "الكشاف" 3/ 309. (¬2) ما بين المعقوفين مستدرك من "السنن". (¬3) الأنعام: 118. (¬4) الأنعام: 119. (¬5) في (ل)، (م): حل. (¬6) "أحكام القرآن" 3/ 58.

الطعام الذي يقع فيه محاولة، على ضربين، أحدهما: ما فيه محاولة صنعة لا تعلق للدين (¬1) بها كخبز الدقيق وعصير الزيت وطبخ الدبس ونحو ذلك. والثاني: هي التذكية التي يحتاج فيها إلى الدين (¬2) والنية، كما تقدم. * * * ¬

_ (¬1) في (م): للذنب. (¬2) في (م): الذنب.

7 - باب في طعام المتباريين

7 - باب في طَعامِ المُتَبارِيَيْنِ 3754 - حَدَّثَنا هارُون بْن زَيْدِ بْنِ أَبى الزَّرْقاءِ، حَدَّثَنا أَبَي، حَدَّثَنا جَرِيرُ بْنُ حازِمٍ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ خِرِّيتٍ قالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُولُ: كانَ ابن عَبّاسٍ يَقُول إِنَّ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عَنْ طَعامِ المُتَبارِيَيْنِ أَنْ يُؤْكَلَ (¬1). قالَ أَبُو داوُدَ: أَكْثَرُ مَنْ رَواهُ، عَنْ جَرِيرٍ لا يَذْكُرُ فِيهِ ابن عَبّاسٍ، وَهارُونُ النَّحْويُّ ذَكَرَ فِيهِ ابن عَبّاسٍ أَيْضًا، وَحَمّادُ بْن زَيْدٍ لَمْ يَذْكرِ ابن عَبّاسٍ. * * * باب في طعام المتباريين [3754] (حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء) الموصلي، نزيل الرملة، وهو ثقة (¬2) (ثنا أبي) زيد بن أبي الزرقاء المحدث الموصلي الزاهد، صدوق (ثنا جرير بن حازم) الأزدي، رأى جنازة أبي الطفيل (عن الزبير بن خريت) بكسر الخاء المعجمة، والراء المشددة، وآخره معجمة باثنتين من فوقها، كذا ضبطه ابن ماكولا. قال: يحدث عن عبد اللَّه بن شقيق وعكرمة [وأبي لبيد لمازة بن زبار] (¬3). (قال: سمعت عكرمة يقول: كان) عبد اللَّه (ابن عباس رضي اللَّه عنهما يقول: إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن طعام المتباريين) بتخفيف المثناة فوق ¬

_ (¬1) رواه البيهقي في "الكبرى" 7/ 274 من طريق أبي داود، وابن عدي في "الكامل" 2/ 509، والبغوي في "الجعديات" (3257). وقال الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (2158): صحيح لغيره. (¬2) قبلها في (ل): عن أبيه. (¬3) في جميع النسخ بياض، والمثبت من "الإكمال" لابن ماكولا 2/ 432.

والموحدة، وهما المتعارضان بفعلهما؛ ليعجز أحدهما الآخر بصنيعه، يقال: تبارى الرجلان إذا فعل كل واحد منهما مثل [ما فعل] (¬1) صاحبه ليرى الناس أيهما يغلب صاحبه، وإنما كره (أن يؤكل) شيء (¬2) منه؛ لما فيه من المباهاة والرياء، ودخوله فيما نهي عنه من أكل المال بالباطل. ولهذه المناسبة ذكر المصنف هذا الحديث بعد حديث أكل المال بالباطل. وأنشد حسان في المتباريين: ببارين الأعنة مصعدات ... على أكتافها الأسل الظماء (¬3) والمباراة هنا هي المجاراة والمسابقة، أي: يعارضها في جذب الأعنة لقوة رؤوسها أو نفوسها وعلك حدائدها. (قال) المصنف في هذا الحديث: (أكثر من رواه عن جرير) بن حازم (لا يذكر فيه ابن عباس) يريد أن أكثر الرواة أرسلوه (وهارون) بن موسى الأزدي، مولاهم البصري (النحوي) الأعور، أخرج له الشيخان (ذكر فيه ابن عباس أيضًا (¬4)، وحماد بن زيد لم يذكر ابن عباس) رضي اللَّه عنهما. * * * ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) في (ل): شيئًا والمثبت متسق لغة. (¬3) "صحيح مسلم" (2440) من حديث عائشة. (¬4) رواه الحاكم في (المستدرك) 4/ 129 من طريق هارون بن موسى.

8 - باب الرجل يدعى فيرى مكروها

8 - باب الرَّجُلِ يُدْعَى فَيَرى مَكْرُوهًا 3755 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، أَخْبَرَنَا حَمّادٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهانَ، عَنْ سَفِينَةَ أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ رَجُلًا أَضافَ عَليَّ بْنَ أَبي طالِبٍ فَصَنَعَ لَهُ طَعامًا فَقالَتْ فاطِمَةُ: لَوْ دَعَوْنا رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَأَكَلَ مَعَنا. فَدَعَوْهُ فَجاءَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى عِضادَتَى البابِ فَرَأى القِرامَ قَدْ ضُرِبَ بِهِ في ناحِيَةِ البَيْتِ، فَرَجَعَ فَقالَتْ فاطِمَةُ لِعَليٍّ: الحَقْهُ فانْظُرْ ما رَجَعَهُ. فَتَبِعْتُهُ فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ ما رَدَّكَ؟ فَقالَ: "إِنَّهُ لَيْسَ لي أَوْ لِنَبيٍّ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتًا مُزَوَّقًا" (¬1). * * * باب إجابة الدعوة إذا حضرها مكروه [3755] (حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا حماد) بن سلمة (عن سعيد بن جمهان) بضم الجيم وبعد الألف نون، كنيته أبو حفص الأسلمي البصري. قال يحيى بن معين: ثقة (¬2). (عن سفينة) بفتح المهملة وكسر الفاء (أبي عبد الرحمن) أعتقته أم سلمة، في اسمه أقوال، مات مع جابر. (أن رجلًا أضاف علي بن أبي طالب) أي: نزل عليه ضيفًا (فصنع له) علي (طعامًا فقالت) له (فاطمة) زوجته، وهي سيدة نساء العالمين (لو دعونا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) (لو) هنا للتمني، كما في قوله تعالى: {فَلَوْ أَنَّ لَنَا ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (3360)، وأحمد 5/ 220. وحسنه الألباني. (¬2) "تاريخ ابن معين" رواية الدوري (3433).

كَرَّةً} (¬1) (فأكل معنا، فدعوه فجاء) فيه جواز دعاء غير الضيف من قريب وصديق ونحوه ليأكل مع الضيف، ويستحب هذا لمن يرجى التبرك بحضوره، أو الانتفاع بعلمه. (فوضع يده على عضادتي) بكسر العين، وهي جانب العتبة من (الباب)، ولكل باب عضادتان، وفيه أنه يستحب للداخل من الباب أن يضع يده على عضادته، وكذا عضادتا باب المسجد؛ لما روى ابن السني عن أبي هريرة: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا دخل المسجد يوم الجمعة أخذ بعضادتي باب المسجد، ثم قال: "جعلني اللَّه من أوجه من توجه إليك، وأقرب من تقرب إليك، وأفضل من سأل ورغب إليك" (¬2). (فرأى القرام) بكسر القاف وتخفيف الراء وبعد الألف ميم، هو الستر الرقيق، وقيل: الصفيق من صوف ذي ألوان، وقيل: القرام: الستر الرقيق وراء الستر الغليظ. (قد ضرب به في ناحية البيت) أي: جعلوه في ناحية من نواحي البيت، والباء زائدة عند بعضهم (فرجع) فيه دليل على أن من دعي إلى وليمة فرأى فيها الحائط أو الحيطان مستورة بستر، ولو لم يكن فيه صورة، جاز له الرجوع عن حضور الدعوة؛ لما روى الخلال بإسناده عن ابن عباس وعلي بن الحسين عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه نهى أن تستر الجدر (¬3). ¬

_ (¬1) الشعراء: 102. (¬2) "عمل اليوم والليلة" (374). (¬3) انظر: "المغني" لابن قدامة 10/ 204. ورواه عن علي بن حسين أيضًا ابن أبي شيبة 5/ 204 (25241)، والبيهقي 7/ 272.

وروى الأثرم عن سالم بن عبد اللَّه بن عمر، قال: أعرست في عهد أبي، فآذن أبي الناس، فكان أبو أيوب فيمن آذن وقد ستروا بيتي بجنادي أخضر، فأقبل أبو أيوب مسرعًا فاطلع، فرأى البيت مسترًا بجنادي أخضر، فقال: يا (¬1) عبد اللَّه، أتسترون الجدر؟ فقال أبي واستحيا: غلبتنا النساء يا أبا أيوب. فقال: من خشيت أن يغلبه النساء فلم يغلبنك، ثم قال: لا أطعم لكم طعامًا، ولا أدخل لكم بيتًا، ثم خرج (¬2). الجنادي بضم الجيم وتخفيف النون، هو جنس من الأنماط أو الثياب، تستر بها الجدران، فإذا ثبت هذا فإن ستر الحيطان مكروه غير محرم، وهذا مذهب الشافعي (¬3)؛ إذ لم يثبت في تحريمه دليل، وقد فعله ابن عمر، وفعل (¬4) في زمن الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، وإنما كره لما فيه من السرف، وقيل: هو محرم؛ للنهي عنه، والأول أولى؛ فإن النهي لم يثبت، ولو ثبت لحمل على الكراهة. (فقالت فاطمة لعلي: الحقه انظر ما رجعه، فتبعته، فقلت: يا رسول اللَّه ما ردك؟ فقال: إنه ليس لي أو لنبي أن يدخل بيتًا مزوقًا). * * * ¬

_ (¬1) بعدها في النسخ: أبا. (¬2) علقه البخاري قبل حديث (5181)، ورواه ابن أبي شيبة 5/ 204 (25243)، والطبراني 4/ 118 - 119. (¬3) انظر: "الأم" ط. دار الوفاء 7/ 452، "الحاوي" 9/ 565، "البيان" 9/ 489. (¬4) ساقطة من (م).

9 - باب إذا اجتمع داعيان أيهما أحق

9 - باب إِذا اجْتَمَعَ داعِيانِ أَيُّهُما أَحَقُّ 3756 - حَدَّثَنا هَنّادُ بْنُ السَّريِّ، عَنْ عَبْدِ السَّلامِ بْنِ حَرْبِ، عَنْ أَبي خالِدٍ الدّالانيِّ، عَنْ أَبي العَلاءِ الأَوْديِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحِمْيَريِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحابِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِذا اجْتَمَعَ الدّاعِيانِ فَأَجِبْ أَقْرَبَهُما بابًا فَإِنَّ أَقْرَبَهُما بابًا أَقْرُبهُما جِوارًا وإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُما فَأَجِبِ الذي سَبَقَ" (¬1). * * * باب إذا اجتمع داعيان أيهما أحق؟ [3756] (حدثنا هناد بن السَّري، عن عبد السلام بن حرب) النهدي الكوفي (عن أبي خالد) يزيد بن عبد الرحمن، وثقه أبو حاتم الرازي (¬2)، وقال أحمد: لا بأس به (¬3) (الدالاني) بفتح الدال وسكون الألفين بينهما لام مفتوحة وآخرها نون، نسبة إلى دالان بن سابقة بن رافع، بطن من همدان، وكان ينزل في بني دالان فنسب إليهم وليس منهم، قاله وضبطه السمعاني (¬4) (عن أبي العلاء) داود بن عبد اللَّه (الأودي) بفتح الهمزة وسكون الواو، وبعد الدال المكسورة ياء النسب، نسبة إلى أود بن صعب بن سعد العشيرة، من مذحج، وثقه أحمد (عن حميد (¬5) بن ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 408. وضعفه الألباني في "الإرواء" (1951). (¬2) "الجرح والتعديل" 9/ 277. (¬3) انظر: "بحر الدم" (1181). (¬4) "الأنساب" 5/ 297 - 298. (¬5) فوقها في (ح): (ع).

عبد الرحمن الحميري) البصري (عن رجل من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) وجهالة الصحابي (¬1) لا تضر، لأن الصحابة كلهم عدول، وقد رواه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" (¬2)، وله شاهد في البخاري من حديث عائشة: قيل: يا رسول اللَّه، إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال: "إلى أقربهما منك بابا" (¬3). (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إذا اجتمع الداعيان) إلى الوليمة، وليمة عرس كان أو غيره (فأجب أقربهما) منك (بابا) فيه دليل أنه إذا دعا الإنسان رجلان ولم يسبق أحدهما الآخر أجاب أقربهما منه بابًا، (فإن أقربهما) منه (بابًا أقربهما) منه (جوارًا) وأقرب الجيران أحقهما بالإجابة (وإن سبق أحدهما) الآخر (فأجب) وليمة (الذي سبق) إليك؛ لأن إجابته وجبت حين دعاه قبل أن يأتيه الآخر، فلم يزل الوجوب بدعاء الثاني، ولم تجب إجابة الثاني؛ ولأن هذا من أبواب البر، فقدم بهذِه المعاني، فإن استويا في قرب الباب والسبق أجاب أقربهما رحمًا؛ لما فيه من صلة الرحم، [فإن استويا أجاب أكثرهما دينًا وعلمًا وصلاحًا، فإن استويا في كل الجهات أقرع؛ لأن القرعة تعين (¬4) المستحق عند استواء الحقوق] (¬5). * * * ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): الصحابة. (¬2) "معرفة الصحابة" 4/ 1860 (4683). (¬3) "صحيح البخاري" (2259). (¬4) بعدها في (ل): الحق، وضبب عليها في (ح). (¬5) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

10 - باب إذا حضرت الصلاة والعشاء

10 - باب إِذا حَضَرَتِ الصَّلاةُ والعَشاءُ 3757 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمُسَدَّدٌ -المَعْنَى- قالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَني يَحْيَى القَطّانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، قالَ: حَدَّثَني نافِعٌ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِذا وُضِعَ عَشاءُ أَحَدِكُمْ وَأُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَلا يَقُومُ حَتَّى يَفْرُغَ". زادَ مُسَدَّدٌ: وَكانَ عَبْدُ اللَّهِ إِذا وُضِعَ عَشاؤُهُ أَوْ حَضَرَ عَشاؤُهُ لَمْ يَقُمْ حَتَّى يَفْرُغَ وَإِنْ سَمِعَ الإِقامَةَ وَإِنْ سَمِعَ قِراءَةَ الإِمامِ (¬1). 3758 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ حاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ، حَدَّثَنا مُعَلَّى -يَعْني ابن مَنْصُورٍ- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تُؤَخِّرِ الصَّلاةَ لِطَعامٍ وَلا لِغَيْرِهِ" (¬2). 3759 - حَدَّثَنا عَليُّ بْن مُسْلِمٍ الطُّوسيُّ، حَدَّثَنا أَبُو بَكْرٍ الحَنَفيُّ، حَدَّثَنا الضَّحّاكُ ابْنُ عُثْمانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قالَ: كُنْتُ مَعَ أَبي في زَمانِ ابن الزُّبَيْرِ إِلَى جَنْبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقالَ عَبّادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ: إِنّا سَمِعْنا أَنَّهُ يُبْدَأُ بِالعَشاءِ قَبْلَ الصَّلاةِ. فَقالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: وَيْحَكَ ما كانَ عَشاؤُهُمْ أَتُراهُ كانَ مِثْلَ عَشاءِ أَبِيكَ (¬3). * * * باب إذا حضرت الصلاة والعَشاء [3757] (حدثنا أحمد بن حنبل ومسدد، المعنى، قال أحمد: حدثني ¬

_ (¬1) رواه البخاري (673)، ومسلم (559). (¬2) رواه الطبراني في "الأوسط" 6/ 90، والبيهقي في "الكبرى" 3/ 74. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (4252). (¬3) رواه البيهقي في "الكبرى" 3/ 74 من طريق أبى داود. وقال الألباني: حسن الإسناد.

يحيى) بن سعيد (عن عبيد اللَّه) بن عبد اللَّه (¬1) (حدثني نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إذا وضع عشاء) بفتح العين والمد، هو الطعام بعينه، خلاف الغداء (أحدكم، وأقيمت الصلاة) لفظ البخاري وغيره: "فابدؤوا بالعشاء ولا يعجل" (¬2). (فلا يقوم) (¬3) يعني: عن عشائه (حتى يفرغ) بفتح الياء وضم الراء منه. فيه دليل على أن حضور الصلاة في جماعة ليس بواجب؛ لأن ظاهر هذا أنه إذا سمع الإقامة وهو في بيته وقد حضر طعامه أنه يبدأ بالطعام، وإن فاتته الصلاة في جماعة، وهذا الحديث وإن ورد في العشاء، فجميع الصلوات حكمهم كذلك في تقديم الطعام على صلاة الجماعة، لكن هذا إنما يكون إذا كان في الوقت سعة، فإن ضاق بحيث لو أكل خرج الوقت لا يجوز تأخير الصلاة. ولأصحابنا وجه أنه يأكل وإن خرج الوقت؛ لأن مقصود الصلاة الخشوع فلا يفوته. وفيه دليل على امتداد وقت المغرب، وعلى أنه يأكل حتى يفرغ [من] (¬4) أكله وتنقطع حاجته من الأكل بكماله. قال في "شرح السنة": الابتداء بالطعام إنما كان لمن تاقت نفسه واشتد توقانه للطعام (¬5). ¬

_ (¬1) كذا في الأصول: عبد اللَّه. وهو خطأ. والصواب: عمر. انظر: ترجمته في "تهذيب الكمال" 19/ 124. (¬2) البخاري (673)، مسلم (559). (¬3) في النسخ: يقم. (¬4) ليست في الأصول، والمثبت ما يقتضيه السياق. (¬5) "شرح السنة" للبغوي 3/ 356.

(زاد مسدد) في روايته: (فكان عبد اللَّه) بن عمر (إذا وضع عشاؤه أو حضر عشاؤه لم يقم) عنه (حتى يفرغ) من عشائه (وإن سمع الإقامة) قال أهل الظاهر: لا يجوز لأحد حضر طعامه بين يديه وسمع الإقامة أن يبدأ بالصلاة قبل العشاء؛ لظاهر الحديث وفعل الصحابي (¬1). وعلى قول الجمهور أنهما محمولان على الأفضل (وإن سمع قراءة الإمام) في الصلاة لا يقوم عن عشائه. [3758] (حدثنا محمد بن حاتم بن بزيع) بفتح الموحدة وكسر الزاي البصري، شيخ البخاري (ثنا معلى (¬2) بن منصور) الرازي (عن محمد بن ميمون) الزعفراني الكوفي. قال الدارقطني (¬3) وقال يحيى بن معين (¬4): ثقة. (عن جعفر بن محمد) بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أخرج له مسلم (عن أبيه) محمد بن علي أبي جعفر الباقر (عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا تؤخر) بتشديد الخاء المفتوحة (الصلاة) بالرفع (لطعام ولا لغيره) وهذا محمول على ما إذا ضاق وقت الصلاة بحيث لو أكل خرج الوقت، فإنها لا تؤخر لحضور (¬5) طعام ولا لغيره إلا لمن يجمع. [3759] (حدثنا علي بن مسلم الطوسي) شيخ البخاري (ثنا أبو بكر) ¬

_ (¬1) انظر: "المحلى" 4/ 46. (¬2) فوقها في (ل)، (ح): (ع). (¬3) "العلل" 4/ 57 - 58، وقوله فيه: ليس به بأس. (¬4) "تاريخ يحيى بن معين" (2387). (¬5) ساقطة من (م).

عبد الكبير بن عبد المجيد (الحنفي) الصغير البصري الثقة (حدثنا الضحاك ابن عثمان) الحزامي المدائني (¬1)، أخرج له مسلم في مواضع (عن عبد اللَّه ابن عبيد بن عمير) الليثي، أخرج له مسلم (قال: كنت مع أبي) (¬2) عبيد بن عمير قاضي مكة في (زمن) (¬3) عبد اللَّه (ابن الزبير) بن العوام (إلى جنب عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما)، وقد ذكر عنده تأخير الصلاة لحضور الطعام (فقال عباد بن عبد اللَّه بن الزبير: سمعت (¬4) أنه يبدأ بالعشاء قبل الصلاة. فقال عبد اللَّه بن عمر: ويحك) منصوب على المصدر، وهي كلمة ترحم، وتقال بمعنى المدح والتعجب (ما كان عشاؤهم؟ ) إنما كان عشاؤهم في الغالب القبضة من التمر والشربة من السويق (أتراه) يعني: أتظنه (كان مثل عشاء أبيك) فيه أنواع الأطعمة اللذيذة والفواكه الشهية التي كانوا يشتغلون في الأكل مع الحديث إلى أن يقرب وقت العشاء، كما هو مشاهد في زماننا كثيرًا منا ومن غيرنا. * * * ¬

_ (¬1) كذا نسبه الشارح، والمشهور في ترجمته: المدني. (¬2) فوقها في (ل)، (ح): (ع). (¬3) في المطبوع: زمان. (¬4) في المطبوع: إنا سمعنا.

11 - باب في غسل اليدين عند الطعام

11 - باب في غَسْلِ اليَدَيْنِ عِنْدَ الطَّعامِ 3760 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ، حَدَّثَنا أيُّوبُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- خَرَجَ مِنَ الخَلاءِ فَقُدِّمَ إِلَيْهِ طَعامٌ فَقالُوا: ألا نَأْتِيكَ بِوَضُوءٍ فَقالَ: "إِنَّما أُمِرْتُ بِالوُضُوءِ إِذا قُمْتُ إِلَى الصَّلاةِ" (¬1). 3761 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا قَيْسٌ، عَنْ أَبي هاشِمٍ، عَنْ زاذانَ، عَنْ سَلْمانَ قالَ: قَرَأْتُ في التَّوْراةِ أَنَّ بَرَكَةَ الطَّعامِ الوُضُوءُ قَبْلَهُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ: "بَرَكَةُ الطَّعامِ الوُضُوءُ قَبْلَهُ والوُضُوءُ بَعْدَهُ". وَكانَ سُفْيانُ يَكْرَهُ الوُضُوءَ قَبْلَ الطَّعامِ. قالَ أَبُو داوُدَ: وَهُوَ ضَعِيفٌ (¬2). * * * باب في غسل اليدين عند الطعام [3760] (حدثنا مسدد، ثنا إسماعيل) بن إبراهيم البصري، مولى بني أسد. (حدثنا أيوب، عن عبد اللَّه بن أبي مليكة، عن عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خرج من الخلاء فقدم إليه طعام) ليأكل منه (فقالوا) له (ألا نأتيك بوضوء) بفتح الواو وهو الماء الذي يتوضأ به كالفطور والسحور لما يفطر عليه ويتسحر منه، وأصل الكلمة من الوضاءة، وهي الحسن. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (374). (¬2) رواه أحمد 5/ 441. وضعفه الألباني في "السلسلة الضعيفة" (168). وهذا الحديث في مطبوع "السنن" جاء تحت باب (12) في غسل اليد قبل الطعام.

(فقال: إنما أمرت بالوضوء) بضم الواو: الوضوء، وهو الفعل نفسه (إذا قمت إلى الصلاة) أي: إذا أردت القيام إلى الصلاة، ولفظ مسلم (¬1): كنا عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأتى الخلاء، ثم إنه رجع فأتي بالطعام، فقيل له: ألا تتوضأ؟ فقال: "لم أصل فأتوضأ". سئل أحمد عن الوضوء قبل الطعام؟ قال: كان سفيان يكره غسل اليد قبل الطعام، قيل له في ذلك. قال: لأنه من زي (¬2) العجم. والصحيح ليس بمكروه، فقد حكى المروذي عن أحمد أنه كان يغسل يديه قبل الطعام وبعده وإن كان على وضوء (¬3)؛ وللحديث بعده. [3761] (حدثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (حدثنا قيس) بن الربيع الكوفي، كان شعبة يثني عليه (¬4). قال ابن عدي: عامة رواياته مستقيمة (¬5). وقال عفان: كان ثقة (¬6). قال المنذري: القول ما قاله شعبة، وأنه لا بأس به، وهو صدوق ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" 10/ 211، 13/ 355، "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 20/ 50. (¬2) لعله يقصد: من فِعل العجم. (¬3) رواه الترمذي (1846)، وأحمد 5/ 441. وضعفه الألباني في "المشكاة" (4208). (¬4) انظر: "الجرح والتعديل" 7/ 96 - 97 (553)، "تهذيب الكمال" 24/ 28، 29، 30 (4903). (¬5) "الكامل في ضعفاء الرجال" 7/ 171 (1586). (¬6) انظر: "تاريخ بغداد" 12/ 458، "تهذيب الكمال" 24/ 29، "تهذيب التهذيب" 3/ 447.

وفيه كلام؛ لسوء حفظه، وسوء الحفظ لا يخرج الإسناد عن حد الحسن (¬1). (عن أبي هاشم) يحيى بن دينار الرماني؛ سمي بذلك؛ لأنه كان ينزل قصر الرمان بواسط. (عن زاذان) بالزاي والذال المعجمتين، أبو عمر الكندي مولاهم الضرير، أخرج له مسلم. (عن سلمان) الفارسي مولى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان عطاؤه خمسة آلاف، فإذا خرج عطاؤه تصدق به ويأكل من عمل يده الخوص، ولم يكن له بيت، إنما كان يستظل بالجذور والشجر. (قال: قرأت في التوراة) وعن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: كان صاحب الكتابين (¬2). يعني: الإنجيل والفرقان (أن بركة الطعام الوضوء قبله) حمله بعضهم على أن المراد بالوضوء غسل اليدين، كما سيأتي. ولفظ الترمذي: "إن بركة الطعام الوضوء بعده" (¬3)، وفيه دليل على جواز قراءة التوراة غير المبدلة، وكذا الإنجيل وما في معناه من كتب اللَّه المنزلة إذا لم يكن فيها تحريف، وفيه أن الوضوء ليس من خصائص هذِه الأمة، بل الوضوء مشروع لها ولمن قبلنا من الأمم. (فذكرت ذلك للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء ¬

_ (¬1) انظر: "الترغيب والترهيب" 3/ 109. (¬2) رواه الترمذي (3811) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح" 3/ 1755 - 1756 (6223). (¬3) "سنن الترمذي" (1846).

بعده) فيه تقرير لما ذكره عن التوراة بأن الوضوء -يعني: غسل اليدين- سبب لحصول البركة في الطعام الذي يؤكل قبل أكل الطعام وبعد أكله، وكما أن غسل اليدين سبب للبركة في الطعام المأكول، كذلك يكون سببًا لحصول البركة في جميع طعام الدار، وكذلك لغير الطعام من مشروب وملبوس وغيره؛ لما رواه ابن ماجه والبيهقي عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "من أحب أن يكثر اللَّه خير بيته فليتوضأ إذا حضر طعامه وإذا رفع" (¬1). وإذا كثر خير البيت انتفى الفقر عن صاحب البيت وزال همه؛ لما روى الطبراني في "الأوسط" من حديث ابن عباس: "الوضوء قبل الطعام وبعده مما ينفي الفقر" (¬2). وفي "مسند الشهاب" للقضاعي من رواية موسى الرضا عن آبائه: "الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي الهم" (¬3) ولأن اليد لا ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (3260) ولم أقف عليه مسندًا في كتب البيهقي، لكنه أورده غير مسند في "شعب الإيمان" 5/ 69 عقب حديث (5806)، ولعل الشارح وهم في نسبة روايته للبيهقي. وممن رووه أيضًا ابن عدي في "الكامل" 7/ 198، وأبو الشيخ في "أخلاق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وآدابه" 3/ 365 (686)، وابن النجار في "ذيل تاريخ بغداد" 18/ 42. ضعفه الألباني في "السلسلة الضعيفة" (117). (¬2) "المعجم الأوسط" 7/ 164 (7166). قال الهيثمي في "المجمع" 5/ 23: فيه نهشل ابن سعيد، وهو متروك. (¬3) "مسند الشهاب" 1/ 205 (310). ورواه ابن قتيبة في "غريب الحديث" (ص 156) عن الحسن مقطوعًا، وفيه: اللمم. بدل: الهم. والحديث ضعفه العراقي في "المغني" 1/ 347 (1302)، وأورده الشوكاني في "الفوائد المجموعة" 1/ 155=

تخلو عن تلويث في تعاطي الأعمال، فغسل اليدين أقرب (¬1) للنظافة والنزاهة، وهذِه الأدلة (¬2) كلها تدل على عدم الكراهة المنقولة عن سفيان الثوري (¬3)، كما تقدم. قال البيهقي: وكذلك كرهه قبل الطعام مالك بن أنس (¬4). قال: وكذلك صاحبنا الشافعي استحب تركه، واستدل بحديث ابن عباس المتقدم (¬5). * * * ¬

_ = وقال: قال في "المختصر": الكل ضعيف. وقال الصغاني: موضوع. انتهى. (¬1) ساقطة من (ل)، (م). (¬2) في (ل)، (م): الآداب. (¬3) علقه الترمذي بعد حديث (1847) عن علي بن المديني عن يحيى بن سعيد عنه. (¬4) انظر: "الرسالة" للقيرواني ص 160، "البيان والتحصيل" لابن رشد 1/ 124، "الذخيرة" للقرافي 13/ 258. (¬5) "شعب الإيمان" 5/ 68 - 69.

12 - باب في طعام الفجاءة

12 - باب في طَعامِ الفُجاءَةِ 3762 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ أَبي مَرْيَمَ، حَدَّثَنا عَمّي -يَعْني: سَعِيدَ بْنَ الحَكَمِ- حَدَّثَنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَني خالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قالَ: أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْ شِعْبٍ مِنَ الجَبَلِ وَقَدْ قَضَى حاجَتَهُ وَبَيْنَ أَيْدِينا تَمْرٌ عَلَى تُرْسٍ أَوْ حَجَفَةٍ فَدَعَوْناهُ فَأَكَلَ مَعَنا وَما مَسَّ ماءً (¬1). * * * باب في طعام الفجاءة أي: في جواز الأكل من طعام من دخل عليه فجأة وهو يأكل. والفجأة بفتح الفاء وسكون الجيم. والفجاءة بضم الفاء وفتح الجيم مع المد لغتان. [3762] (حدثنا أحمد بن) سعد بن (أبي مريم) المصري، روى عنه النسائي، وقال: لا بأس به. (حدثنا عمي يعني: سعيد بن الحكم) بن أبي مريم، ثقة. (حدثنا الليث بن سعد، أخبرني خالد (¬2) بن يزيد) المصري. (عن أبي الزبير) محمد بن مسلم المكي. (عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما أنه قال: أقبل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من شعب) بكسر الشين، وهو الطريق في الجبل، والجمع شعاب (من الجبل) ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 397، وابن حبان (1160). وقال الألباني: ضعيف الإسناد. (¬2) فوقها في (ح): (ع).

وظاهره أنهم كانوا في غزاة أو سفر (وقد قضى حاجته) فيه أن المستحب لمن أراد قضاء الحاجة أن يستتر عن العيون بعطفة (¬1) جبل ونحوها، وكان أحب ما استتر به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لحاجته هدف أو حائش نخل. رواه ابن ماجه (¬2)، وروي عنه أنه خرج ومعه درقة فاستتر بها وبال (¬3). (وبين أيدينا تمر) نأكل منه (على ترس أو حجفة) شك من الراوي، فالترس اسم لكل ما يتترس به، أي: يستتر. والحجفة تكون من جلود يوضع بعضها على بعض ويخرز دون خشب. فيه أن من أدب الأكل أن يكون على سفرة إن وجد، وإلا فدرقة ونحوها، وأن تكون السفرة على الأرض، فهو أقرب إلى فعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من رفعه على المائدة. وفي البخاري: ما أكل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على خوان ولا في سكرجة. قيل: فعلام كنتم تأكلون؟ قالوا: على السفر (¬4). وسمي سفرة؛ لأنه يتذكر بها السفر للآخرة. (فدعوناه) وفيه أن الآكل لا يقوم للكبير إذا أتاه وهو يأكل، بل يدعوه وهو جالس. وفيه أن الآكلين إذا كانوا جماعة يدعوه الجميع أو أكثرهم، ولا يدعوه واحد دونهم (فأكل معنا) وفيه أن من مرَّ على قوم أو دخل عليهم فوجدهم يأكلون، وهو لم يعلم أنهم كاثوا يأكلون فلا يأكل ¬

_ (¬1) في (ل)، (ح): بقطعة. (¬2) "سنن ابن ماجه" (340)، ورواه أيضًا مسلم (342). (¬3) تقدم عند أبي داود (22) من حديث عبد الرحمن بن حسنة. (¬4) "صحيح البخاري" (4515) من حديث أنس بن مالك.

معهم إلا أن يؤذن له، فإذا قيل له: كل. نظر، فإن علم أنهم يقولونه عن محبة فليأكل، وإن كانوا يقولونه حياء منه كما هو الغالب، فينبغي أن يتعلل ولا يأكل فإذا أذن له وأكل لا يكون هذا من المفاجأة المنهي عنه في قوله تعالى: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} (¬1) فإن المنهي عنه هو أن يقصد قومًا متربصًا لوقت طعامهم، فيدخل عليهم وقت أكلهم الذي ينتظره. ومعنى: {غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} أي: منتظرين حينه ونضجه. وقد تقدم النهي عن الأكل من طعام لم يدع إليه، وقال: "دخل سارقا وخرج مغيرًا" (¬2). (وما مس ماء) يعني: لم يغسل يديه قبل أن يأكل من الطعام، وفيه دليل على جواز ذلك. * * * ¬

_ (¬1) الأحزاب: 53. (¬2) تقدم عند أبي داود (3743) من حديث عبد اللَّه بن عمر.

13 - باب في كراهية ذم الطعام

13 - باب في كَراهِيَةِ ذَمِّ الطَّعامِ 3763 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي حازِمٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ ما عابَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- طَعامًا قَطُّ إِنِ اشْتَهاهُ أَكَلَهُ وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ (¬1). * * * باب في كراهية ذم الطعام [3763] (حدثنا محمد بن كثير) العبدي (أنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي حازم) (¬2) سلمان الأشجعي. (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: ما عاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- طعامًا) يشمل المأكول والمشروب، قال اللَّه تعالى عن الماء: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ} (¬3)، وعيبُ الطعام كقوله: مالح أو عاوز ملح، أو حامض، أو اللحم غير ناضج، أو الفاكهة غير مستوية، أو هذا الطعام يحتاج إلى الشيء الفلاني، وغير ذلك مما يطول ذكره. وقد جاء ما هو أعم من هذا الحديث فيما رواه الطبراني عن الحسن قال: سألت خالي هند بن أبي هالة عن صفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فذكر حديثًا طويلًا، ومنه: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ولا عياب ولا مداح (¬4). فقوله: عياب. عام يدخل فيه الملبوس والمركوب والمشموم ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5409)، ومسلم (2064). (¬2) فوقها في (ل، م): (ع). (¬3) البقرة: 249. (¬4) "المعجم الكبير" 22/ 155 (414).

والمرئي من الآدمي والحيوانات وغير ذلك. قال الأذرعي: لو كان الطعام المأكول خبيثًا كالبصل والثوم فلا بأس أن يعيبه ويذمه. وفي الحديث: "لحم البقر داء" (¬1) ونهى عن لحم الجلالة (¬2). وأما حديث ترك أكل الضب (¬3) فليس هو من عيب الطعام، إنما هو إخبار بأن هذا الطعام الخاص لا أشتهيه (قط) بل إذا حضر الطعام (إن اشتهاه أكله) أي: أكل منه (وإن كرهه تركه) واعتذر بأن يقول: أنا محتمٍ، ولم يعبه، كما في الضب لما قدم إليه. وقوله: لا أشتهي. ليس بعيب، كما روى النسائي عن موسى بن طلحة قال: أتي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بأرنب قد شواها رجل، فلما قدمها إليه تركها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقال لمن عنده: "كلوا فإني لو أشتهيتها أكلتها" (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه المصنف في "المراسيل" (450)، والبغوي في "الجعديات" (683)، والطبراني في "الكبير" 25/ 42 (79) وعنه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" 6/ 3450 (7850)، والبيهقي في "السنن" 9/ 345، و"الشعب" 8/ 102 (5555) عن مليكة بنت عمرو الزيدية، وعنها امرأة لم تسم، ورواه الحاكم 4/ 404 من حديث ابن مسعود، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ورواه ابن عدي في "الكامل" 7/ 298 من حديث ابن عباس. وصحح الألباني الحديث بمجموع طرقه وشواهده، انظر: "الصحيحة" (1533). (¬2) سيأتي عند أبي داود (3785) من حديث ابن عمر. (¬3) سيأتي عند أبي داود (3793) من حديث ابن عباس أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ترك أكل الأضب، وبعده (3795) من حديث ثابت بن وديعة أنه لم يأكل منه. وبعده (3796) من حديث عبد الرحمن بن شبل أنه نهى عن أكله. (¬4) "سنن النسائي" (2429). وضعفه الألباني في "ضعيف سنن النسائي" (147).

14 - باب في الاجتماع على الطعام

14 - باب في الاجْتِماعِ عَلَى الطَّعامِ 3764 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْن مُوسَى الرّازيُّ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قالَ: حَدَّثَني وَحْشيُّ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ أَصْحابَ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ إِنّا نَأْكُلُ وَلا نَشْبَعُ. قالَ: "فَلَعَلَّكُمْ تَفْتَرِقُونَ". قالُوا: نَعَمْ. قالَ: "فاجْتَمِعُوا عَلَى طَعامِكُمْ واذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ يُبارَكْ لَكُمْ فِيهِ" (¬1). قالَ أَبُو داوُدَ: إِذا كُنْتَ في وَلِيمَةٍ فَوُضِعَ العَشاءُ فَلا تَأْكُلْ حَتَّى يَأْذَنَ لَكَ صاحِبُ الدّارِ. * * * باب في الاجتماع على الطعام [3764] (حدثنا إبراهيم (¬2) بن موسى (¬3) الرازي) الفراء (ثنا الوليد بن مسلم، حدثني وحشي بن حرب) فيه لين (عن أبيه) حرب بن وحشي، مولى جبير بن مطعم (عن جده) وحشي بن حرب الحبشي، مولى طعيمة بن عدي، قتل حمزة بن عبد المطلب عم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: قتلت بحربتي خير الناس [وشر الناس] (¬4) -يعني: مسيلمة- بعدما أسلم، فرماه بحربته يوم اليمامة (¬5). ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (3286)، وأحمد 3/ 551. وصححه الألباني في "الصحيحة" (664). (¬2) فوقها في (ح): (ع). (¬3) في (ل)، (م): موسى بن إبراهيم. وغير واضحة في (ح)، والمثبت من "السنن". (¬4) ساقطة من (م). (¬5) روى قصة قتل وحشي مسيلمة: أبو داود الطيالسي 2/ 649 (1410) عن عبيد اللَّه بن =

(أن أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالوا: يا رسول اللَّه، إنا نأكل ولا نشبع. قال: فلعلكم تفترقون) (لعل) هنا للاستفهام، كقوله تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3)} (¬1) وهذا الاستفهام ليس على حقيقته، بل المراد به التنبيه والإيماء على أن علة عدم شبعهم في أكلهم كونهم يفترقون. (قالوا: نعم) هو جواب الاستفهام (قال: فاجتمعوا على) أكل (طعامكم) فيه الحث على الاجتهاد على تكثير الأيادي على أكل الطعام ولو من أهله وولده وخادمه. والظاهر أن المقصود الأعظم ليس هو كثرة وضع الأيدي فقط، بل كثرة الأيدي سبب لكثرة [ذكر] (¬2) اسم اللَّه تعالى، فإذا سمى اللَّه كل واحد من الجماعة على الطعام حصلت بركة ذكر اسم اللَّه، حتى لو اجتمع جماعة للأكل ولم يذكروا اسم اللَّه وخالفوا سنة الأكل فأي بركة تحصل باجتماع تاركي السنة؟ ! (واذكروا أسم اللَّه [عليه] يبارك) بالجزم جواب الأمر (لكم فيه) إذا اجتمعتم وذكرتم اسم اللَّه (¬3) أوله، وحمدتم اللَّه آخره، فالاجتماع على هذِه الكيفية موجب للبركة ولمحبة اللَّه تعالى أيضًا بكثرة ذكر اسمه ¬

_ = عدي بن الخيار، وابن سعد في "الطبقات" 7/ 418 عن وحشي بن حرب عن أبيه عن جده، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 1/ 360 (483)، والطبراني 3/ 146 (2947)، والبيهقي 9/ 97 عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، وفي "الآحاد والمثاني": أراه عن أبيه. (¬1) عبس: 3. (¬2) زيادة يقتضيها السياق. (¬3) ليست في (ح).

وحمده؛ لما رواه أبو يعلى والطبراني عن جابر: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن أحب الطعام إلى اللَّه ما كثرت عليه الأيدي" (¬1) وللطبراني وابن ماجه زيادة في الحديث في رواية ابن عمر: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كلوا جميعًا ولا تفترقوا، فإن طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة" (¬2). * * * ¬

_ (¬1) "مسند أبي يعلى" 4/ 39 (2045)، "المعجم الأوسط" 7/ 217 (7317). قال المنذري في "الترغيب والترهيب" 3/ 831: رواه أبو يعلى وأبو الشيخ في كتاب "الثواب" كلهم من رواية عبد المجيد بن أبي رواد، وقد وثق، لكن في هذا الحديث نكارة. قال الهيثمي في "المجمع" 5/ 21: فيه عبد المجيد بن أبي رواد وهو ثقة، وفيه ضعف. وقال العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" 1/ 644: أبو يعلى والطبراني في "الأوسط" وابن عدي في "الكامل" من حديث جابر بسند حسن. وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (895). (¬2) "سنن ابن ماجه" (3287) عن ابن عمر قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كلوا جميعًا ولا تفرقوا؛ فإن البركة مع الجماعة". "المعجم الأوسط" 7/ 259 (7444)، "المعجم الكبير" 11/ 276 (582) كما أورده المصنف. قال الألباني في "ضعيف سنن ابن ماجه" (711): ضعيف جدًّا، والجملة الأولى ثابتة. أما لفظ الطبراني فصححه في "الصحيحة" (2691).

15 - باب التسمية على الطعام

15 - باب التَّسْمِيَةِ عَلَى الطَّعامِ 3765 - حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ، حَدَّثَنا أَبُو عاصِمٍ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، قالَ: أَخْبَرَني أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ سَمِعَ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "إِذا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعامِهِ قالَ الشَّيْطانُ: لا مَبِيتَ لَكُمْ وَلا عَشاءَ، وَإِذا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ قالَ الشَّيْطانُ: أَدْرَكْتُمُ المَبِيتَ، فَإِذا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ طَعامِهِ، قالَ: أَدْرَكْتُمُ المَبِيتَ والعَشاءَ" (¬1). 3766 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبي حُذَيْفَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ قالَ: كُنَّا إِذا حَضَرْنا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- طَعامًا لَمْ يَضَعْ أَحَدُنا يَدَهُ حَتَّى يَبْدَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَإِنّا حَضَرْنا مَعَهُ طَعامًا فَجاءَ أَعْرابيٌّ كَأَنَّما يُدْفَعُ فَذَهَبَ لِيَضَعَ يَدَهُ في الطَّعامِ، فَأَخَذَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِيَدِهِ، ثُمَّ جاءَتْ جارِيةٌ كَأَنَّما تُدْفَعُ فَذَهَبَتْ لِتَضَعَ يَدَها في الطَّعامِ، فَأَخَذَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِيَدِها وقالَ: "إِنَّ الشَّيْطانَ لَيَسْتَحِلُّ الطَّعامَ الذي لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ جاءَ بهذا الأَعْرابيَّ يَسْتَحِلُّ بِهِ فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ وَجاءَ بهذِه الجارِيَةِ يَسْتَحِلُّ بِها فَأَخَذْتُ بِيَدِها فَوالَّذي نَفْسي بِيَدِهِ إِنَّ يَدَهُ لَفي يَدي مَعَ أَيْدِيهِما" (¬2). 3767 - حَدَّثَنا مُؤَمَّل بْنُ هِشامِ، حَدَّثَنا إِسْماعِيل، عَنْ هِشامٍ -يَعْني: ابن أَبي عَبْدِ اللَّهِ الدَّسْتَوائيَّ- عَنْ بُدَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ امْرَأَةٍ مِنْهُمْ يُقالُ لَها أُمُّ كُلْثُومٍ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِذا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ تَعالَى فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ تَعالَى في أَوَّلِهِ فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2018). (¬2) رواه مسلم (2017). (¬3) رواه الترمذي (1858)، والنسائي في "الكبرى" (15112)، وابن ماجه (3264)، =

3768 - حَدَّثَنا مُؤَمَّلُ بْنُ الفَضْلِ الحَرّانيُّ، حَدَّثَنا عِيسَى -يَعْني: ابن يُونُسَ- حَدَّثَنا جابِرُ بْنُ صُبْحٍ، حَدَّثَنا المُثَنَّى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الخُزاعيُّ، عَنْ عَمِّهِ أُميَّةَ بْنِ مَخْشيٍّ -وَكانَ مِنْ أَصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- جالِسًا وَرَجُلٌ يَأْكُلُ فَلَمْ يُسَمِّ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْ طَعامِهِ إِلَّا لُقْمَةٌ فَلَمّا رَفَعَها إِلَى فِيهِ قالَ بِسْم اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ فَضَحِكَ النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ثُمَّ قالَ: "ما زالَ الشَّيْطانُ يَأْكُلُ مَعَهُ فَلَمّا ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ عز وجل اسْتَقاءَ ما في بَطْنِهِ" (¬1). قالَ أَبُو داوُدَ: جابِرُ بْنُ صُبْحٍ جَدُّ سُلَيْمانَ بْنِ حَرْبٍ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ. * * * باب التسمية على الطعام [3765] (حدثنا يحيى بن خلف) الباهلي، روى عنه مسلم في الأيمان والنذور والطب (¬2) (حدثنا أبو عاصم) الضحاك المعروف بالنبيل (عن) عبد الملك (بن جريج، قال: أخبرني أبو الزبير) محمد ابن مسلم المكي (عن جابر بن عبد اللَّه) رضي اللَّه عنهما أنه (سمع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: إذا دخل الرجل بيته) أي: منزله، ويحتمل أن يراد باب البيت الذي في الأظهر، والأحوط أن يذكر اسم اللَّه فيهما، فإنه إن سمى اللَّه في المنزل لا في البيت دخل الدار لا البيت، وإن سمى عند البيت دون المنزل دخل الساحة دون البيت. (فذكر) اسم (اللَّه) وتحصل التسمية بقوله: باسم اللَّه. فإن قال: بسم ¬

_ = وأحمد 6/ 143. وصححه الألباني في "الإرواء" (1965). (¬1) رواه النسائي في "الكبرى" (6758)، وأحمد 4/ 336. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (6113). (¬2) "صحيح مسلم" (218) كتاب الإيمان، (3/ 1656) الإيمان، (2203) الأدب.

اللَّه الرحمن الرحيم، كان حسنًا، وسواء في استحباب التسمية الجنب والحائض وغيرهما (عند دخوله) أي: في حال ابتداء دخوله (و) ذكر اللَّه (عند) أكل (طعامه) أي: عند الطعام المأكول، فإن كان ملكه فهو على حقيقته، وإن كان ضيفًا ونحوه فيكون عند الطعام الذي سيملكه بالأكل. (قال الشيطان) المراد به جثس الشيطان ([أدركتم) تاء الخطاب تدل على أنه يحضر جماعة كثيرة من الشياطين لا واحد؛ ولهذا قال: أدركتم. ولم يقل: أدركت] (¬1) (لا مبيت لكم) في دار ذكر اسم اللَّه (¬2) فيها فإنهم يفرون من استماع ذكر اللَّه ومن كل مكان ذكر اسم اللَّه فيه (ولا عشاء) ولا تستطيعون أن تأكلوا من عشاء هذا الذي سمى اللَّه عليه، ولا يحل لكم أكله. (وإذا دخل) الآدمي بيته (فلم يذكر) اسم (اللَّه عند دخوله) بيته (قال الشيطان) لبقية جماعته وإخوانه ورفقته (أدركتم) أي: حل لكم (المبيت) فلو قال لهم ذلك عند ترك اسم اللَّه، ثم إن الداخل (¬3) تذكر وذكر اسم اللَّه، فالظاهر أنهم يخرجون بعد أن طمعوا في المبيت. (فإذا لم يذكر اللَّه عند طعامه) أيضا (قال) أبشروا لقد (أدركتم المبيت والعشاء) جميعًا، وفي هذا استحباب ذكر اللَّه تعالى عند دخول البيت، وعند أكل طعامه. ¬

_ (¬1) ما بين القوسين ليس هنا موضعها، بل موضعها عند كلمة (أدركتم) الآتية بعد قليل كما هو في الحديث، واللَّه أعلم. (¬2) ليست في (ح). (¬3) في (ل)، (م): الرجل.

[3766] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير. (عن الأعمش، عن خيثمة) بفتح الخاء المعجمة وسكون المثناة تحت، وفتح المثلثة، وهو ابن أبي خيثمة (¬1) ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2). (عن أبي حذيفة) [سلمة بن صهيب الأرحبي الكوفي. (عن حذيفة)] (¬3) بن اليمان -رضي اللَّه عنه- (قال: كنا إذا حضرنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- طعامًا لم يضع أحدنا) أي: أحد منا، وهي رواية أحمد في "مسنده" (¬4) (يده) لفظ مسلم: لم نضع أيدينا (¬5). (حتى يبدأ) بهمز آخره، أي: حتى يبتدئ (رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) زاد أحمد: فيضع (¬6) يده، وإنا حضرنا معه مرة (¬7). فيه بيان هذا الأدب، وهو أنه يبدأ الكبير والفاضل، وكل من يستحق التقديم في الأكل والشرب وغسل اليد، وكذا في ابتداء القراءة ونحوها. ويستحب للمتبوع أن لا يطول عليهم في انتظاره في البداءة قبلهم. ¬

_ (¬1) هكذا في الأصول، وهو خطأ. والصواب: ابن عبد الرحمن بن أبي سبرة، انظر: ترجمته في "تهذيب الكمال" 8/ 370. (¬2) "الثقات" 4/ 213. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) "مسند أحمد" 5/ 383، 398 وليس فيه هذِه اللفظة، وهي في مسلم (2017/ 102). (¬5) "صحيح مسلم" (2017). (¬6) ساقطة من (م). (¬7) "مسند أحمد" 5/ 383، 398 وليس فيه هذِه اللفظة.

(وإنا) بتشديد النون (حضرنا معه طعامًا فجاء أعرابي كأنما يدفع) بضم أوله، وفتح الفاء، أي: كأنما يمنع من الطعام وتدفع يده عنه (فذهب ليضع يده في الطعام) قبل أن يسمي، وقبل أن يضع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يده (فأخذ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بيده) [ليمنعه من وضعها في الطعام. وفيه تعليم الأدب بالفعل، كما يعلم بالقول (ثم جاءت جارية كأنها (¬1) تدفع) ولمسلم: كأنما تطرد (¬2) عن الطعام (فذهبت لتضع يدها في الطعام، فأخذ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بيدها)] (¬3) وفي رواية لمسلم (¬4) وأحمد (¬5) قدم مجيء الجارية قبل مجيء الأعرابي بالعكس، فيحمل على أن ذلك وقع مرتين، مرة يد الأعرابي، ومرة الجارية. (وقال: إن الشيطان ليستحل) لفظ أحمد: "يستحل" (¬6) (الطعام الذي لم يذكر اسم (¬7) اللَّه عليه) ومعناه أنه يتمكن من أكل الطعام إذا شرع في أكله إنسان بغير ذكر اسم اللَّه عليه، وأما إن كانوا جماعة فذكر اسم اللَّه بعضهم دون بعض لم يتمكن منه (وأنه جاء بهذا الأعرابي ليستحل به، فأخذت بيده) (¬8) لأمنعه (وجاء بهذِه الجارية ليستحل بها، فأخذت ¬

_ (¬1) في مطبوع "السنن": كأنما. (¬2) "صحيح مسلم" (2017). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) "صحيح مسلم" (2017). (¬5) "مسندأحمد" 5/ 383. (¬6) "مسند أحمد" 5/ 398. (¬7) في الأصول: (به) والتصويب من "السنن". (¬8) ساقطة من (م)، (ل).

بيدها) الصواب الذي عليه جماهير العلماء من السلف والخلف من المحدثين وغيرهم أن أكل الشيطان محمول (¬1) على ظاهره، وأن للشيطان [يدًا ورجلًا، وأن فيهم ذكرًا] (¬2) وأنثى، وأنه يأكل حقيقة بيده إذا لم يدفع. وقيل: إن أكلهم على المجاز والاستعارة. وقيل: إن أكلهم شم واسترواح. وقد جاء في "الصحيح" أنه يأكل بشماله ويشرب بشماله (¬3). وهو الظاهر، أو تكون شماله للطعام، وروي عن وهب بن منبه أنه قال: الشياطين أجناس، فخالص الجن لا يأكلون ولا يشربون ولا يتناكحون، وهم ريح، ومنهم جنس يفعلون (¬4) ذلك كله ويتوالدون، وهم السعالي والغيلان ونحوهم (¬5). (والذي نفسي بيده) فيه جواز الحلف من غير استحلاف (إن يده لفي يدي مع أيديهما) لفظ مسلم: "مع يدها". يعني: الجارية، أي: تجتمع أيدينا الثلاثة وتلتقي. [3767] (حدثنا مؤمل بن هشام، حدثنا إسماعيل) ابن علية (عن هشام ابن أبي عبد اللَّه الدستوائي، عن بديل) بضم الموحدة، وفتح الدال مصغر، وهو ابن ميسرة العقيلي، أخرج له مسلم في مواضع (عن عبد اللَّه بن عبيد) مصغر، ابن عمير بن قتادة الليثي الجندعي (عن ¬

_ (¬1) ساقطة من (م)، (ل). (¬2) في جميع النسخ: يد ورجل وأن فيهم ذكر. (¬3) "صحيح مسلم" (2020) من حديث ابن عمر. (¬4) في جميع النسخ: يفعلن. ولعل المثبت هو الصواب. (¬5) رواه الطبري في "تفسيره" 7/ 514 (21170)، وابن عبد البر في "التمهيد" 11/ 116 - 117.

امرأة منهم يقال لها: أم كلثوم) لم يقل الترمذي: عن امرأة منهم، إنما قال: عن أم كلثوم (¬1). وفي بعض روايات الترمذي: أم كلثوم هي بنت أبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- (¬2). وقال غيره فيها: أم كلثوم الليثية. قال المنذري: وهو الأشبه؛ لأن عبيد بن عمير ليثي، ومثل بنت أبي بكر لا يكنى عنها بامرأة، قال: وذكر الحافظ أبو القاسم الدمشقي في "إشرافه": لأم كلثوم بنت أبي بكر عن عائشة أحاديث. وذكر بعدها أم كلثوم الليثية. زاد أحمد في "مسنده": عن عائشة أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يأكل طعامًا في ستة من أصحابه، فجاء أعرابي فالتقم لقمتين، فقال نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا أكل". . الحديث (¬3)، ويقال: المكية، وذكر لها هذا الحديث (¬4). وأخرج أبو بكر بن أبي شيبة هذا الحديث في "مسنده" عن عبد اللَّه [بن عبيد] (¬5) بن عمير، عن عائشة، ولم يذكر فيه أم كلثوم (¬6). (عن عائشة رضي اللَّه عنها أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إذا أكل أحدكم فليذكر اسم اللَّه تعالى) ولو كان جنبًا أو محدثًا (فإن نسي أن يذكر اللَّه تعالى في أوله فليقل) في أثنائه (باسم اللَّه أوله وآخره) وروى ابن السني عن ابن مسعود: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من نسي أن يذكر اللَّه في أول ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (1858). (¬2) "سنن الترمذي" 4/ 289. وفيه: وأم كلثوم هي بنت محمد بن أبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه-. (¬3) "مسند أحمد" 6/ 265. (¬4) "مختصر سنن أبي داود" 5/ 300. (¬5) ساقطة من (م). (¬6) لم أجده في المطبوع من "مسنده"، أو "مصنفه".

طعامه فليقل حين يذكر: باسم اللَّه أوله وآخره؛ فإنه يستقبل طعامًا جديدًا ويمنع الخبيث مما كان يصيب منه" (¬1). وفيه استحباب التسمية للآكل، فإن نسي أن يذكر اللَّه تعالى أوله فليقل في أثنائه: باسم اللَّه أوله وآخره. وكذا من ترك التسمية عامدًا يستحب له أن يتدراك في أثنائه فيقول: باسم اللَّه أوله وآخره، كما قاله أصحابنا في الطهارة، صرح به المحاملي في "المجموع" والمحاملي في "التحرير" قالوا: ويستحب إذا سمى في أثناء الطهارة أن يقول: باسم اللَّه أوله وآخره، كما يستحب ذلك في الطعام. [3768] (حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني) قال أبو حاتم: ثقة رضًا (¬2). (حدثنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق (حدثنا جابر بن صبح) الراسبي، قال يحيى بن معين: ثقة (¬3). قال البغوي: لا أعلمه روى إلا هذا الحديث. وقال أبو عمر النمري: له حديث واحد في التسمية (¬4). ¬

_ (¬1) "عمل اليوم والليلة" (459). ورواه أيضًا ابن حبان في "صحيحه" 12/ 12 (5213)، والطبراني 10/ 170 (10354)، وفي "المعجم الأوسط" 5/ 25 (4576)، وفي "الدعاء" (889). قال الهيثمي في "المجمع" 5/ 23: رواه الطبراني في "الأوسط" و"الكبير" ورجاله ثقات. وصححه الألباني في "الصحيحة" (198). (¬2) "الجرح والتعديل" 8/ 375 (1713). (¬3) انظر: "الجرح والتعديل" 2/ 500 (2057). (¬4) هكذا في الأصول، والصواب أن كلام البغوي وابن عبد البر في عمه أمية بن مخشي. انظر: "معرفة الصحابة" للبغوي 1/ 141، "الاستيعاب" 1/ 196.

(حدثنا المثنى بن عبد الرحمن الخزاعي) ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬1). (عن عمه أمية) بضم الهمزة وفتح الميم المخففة بعدها ياء مشددة (ابن مخشي) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة [وكسر الشين المعجمة] (¬2)، وهو أبو عبد اللَّه الخزاعي البصري، له هذا الحديث فقط (وكان من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جالسًا ورجل) رفع على الابتداء، وسوغ الابتداء بالنكرة وقوعه أول جملة حالية، كقول الشاعر: سرينا ونجم قد أضاء فمذ بدا ... محياك أخفى ضؤوه كل شارق ومثل ابن مالك بقوله تعالى: {وَطَائِفَةٌ} (¬3) ولا دليل فيه؛ لأن النكرة موصوفة فيه بصفة مقدرة، تقديره: وطائفة من غيركم. (يأكل فلم يسم) فيه أن التسمية أول الأكل ليست بواجبة؛ إذ لو كانت واجبة لما أقره على تركها (حتى لم يبق من طعامه إلا لقمة) بالرفع واحدة (فلما رفعها إلى فيه) ليأكلها (قال: باسم اللَّه أوله وآخره) لا يبعد أن يجيء مثل هذا في قراءة الأجزاء من القرآن خارج الصلاة إذا نسي أن يأتي [بها أول القراءة، فتذكر في أثنائها يقول: باسم اللَّه أوله وآخره. وكذا كل ¬

_ (¬1) "الثقات" 5/ 443. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م)، (ل). (¬3) آل عمران: 154. وانظر: "أوضح المسالك" لابن هشام 1/ 203.

مكان استحب له في أوله] (¬1) التسمية يقول في أثنائه باسم اللَّه أوله وآخره (فضحك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) تعجبًا من فعل الشيطان، وكان جل ضحك النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- التبسم، وكان ضحك أصحابه عنده التبسم اقتداء به وتوقيرًا له، كما ذكره الترمذي في "الشمائل" (¬2)، ولربما ضحك حتى تبدو نواجذه كما في قصة الحبر الذي قال: إن اللَّه يضع السموات على أصبع. كما في الصحيحين (¬3). (ثم قال: ما زال الشيطان يأكل معه) لكونه لم يسم اللَّه (فلما ذكر اسم اللَّه) عند اللقمة التي بقيت (استقاء) بالمد مع همز آخره، وهو استفعل من القيء، وهو استخراج ما في الجوف عامدًا (ما في بطنه) مما كان أكله، وقد يقال: إن الأكل والاستقاءة مجاز؛ إذ لو كان حقيقة لما جاز أكل الطعام بعد ذلك لتنجسه. * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) "الشمائل المحمدية" (216) عن جابر بن سمرة. وضعفه الألباني في "مختصر الشمائل" (193). وروى أيضًا (215) من حديث هند بن أبي هالة: جل ضحكه التبسم. (¬3) البخاري (4811)، مسلم (2786) من حديث ابن مسعود.

16 - باب ما جاء في الأكل متكئا

16 - باب ما جاءَ في الأَكْلِ مُتَّكِئًا 3769 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ عَليِّ بْنِ الأَقْمَرِ قالَ: سَمِعْتُ أَبا جُحَيفَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا آكُلُ مُتَّكِئًا" (¬1). 3770 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ ثابِتٍ البُنانيِّ، عَنْ شُعَيْبِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيهِ قالَ ما رُئِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَأْكُلُ مُتَّكِئًا قَطُّ وَلا يَطَأُ عَقِبَهُ رَجُلانِ (¬2). 3771 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى الرّازيُّ، أَخْبَرَنا وَكِيعٌ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سُلَيْمٍ قالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: بَعَثَني النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَوَجَدْتُهُ يَأْكُلُ تَمْرًا وَهُوَ مُقْعٍ (¬3). * * * باب ما جاء في الأكل متكئًا [3769] (حدثنا محمد بن كثير) العبدي (أنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن علي بن الأقمر) الوادعي (قال: سمعت أبا جحيفة) وهب بن عبد اللَّه السوائي بضم السين وتخفيف الواو وبعد الألف همزة، نسبة إلى سواءة بن عامر بن صعصعة، توفي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبو جحيفة مراهق، وولي بيت المال لعلي -رضي اللَّه عنه-. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5398). (¬2) رواه ابن ماجه (244)، وأحمد 2/ 165. وصححه الألباني في "الصحيحة" (2104). (¬3) رواه مسلم (2044).

(قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا آكل متكئًا) كذا للبخاري (¬1)، وفي رواية له عن أبي جحيفة: كنت عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال لرجل عنده: "لا آكل وأنا متكئ" (¬2). قال في "النهاية": المتكئ في العربية كل من استوى قاعدًا على وطاء متمكنًا، والعامة لا تعرف المتكئ إلا من مال في قعوده معتمدًا على أحد شقيه، والتاء فيه بدل من الواو وأصله من الوكاء، وهو ما يشد به الكيس وغيره، كأنه أوكأ مقعدته وشدها بالقعود على الوطاء الذي تحته. ومعنى الحديث: إني إذا أكلت لم أقعد متمكنًا فعل من يريد الاستكثار منه، ولكن آكل بلغة فيكون قعودي له مستوفزًا، ومن حمل الاتكاء على الميل إلى أحد الشقين، تأوله على مذهب الطب (¬3). استثنى في "الإحياء" من الأكل متكئًا ما يتنقل به من الحبوب (¬4). وذكر بعضهم أن قوله: متكئًا هو الاتكاء على أحد الجانبين، وعلله بشيئين: أحدهما: أنه فعل المتجبرين والمتكبرين. والثاني: أنه يمنع نزول الطعام أن ينحدر في مجاري الأكل سهلًا (¬5) ولا يسيغه هنيئًا، وربما تأذى به من جهة الطب، وفي الحديث: هذا ¬

_ (¬1) البخاري (5398). (¬2) البخاري (5399). (¬3) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 193. (¬4) "إحياء علوم الدين" 2/ 4. (¬5) ساقطة من (ل)، (م).

الأبيض المتكئ (¬1). يريد الجالس المتمكن في جلوسه. [3770] (حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد) بن سلمة (عن ثابت البناني) بضم الموحدة (عن شعيب) بن محمد (بن عبد اللَّه بن عمرو) شعيب هذا هو والد عمرو بن شعيب، وقوله هنا وفي ابن ماجه (¬2): شعيب بن عبد اللَّه. فإن كان ثابت البناني نسبه إلى جده حين حدث عنه. فذلك سائغ، وإن كان (¬3) أراد بأبيه محمدًا، فيكون الحديث [مرسلًا، فإن محمدًا لا صحبة له، وإن كان أراد بأبيه] (¬4) جده عبد اللَّه فيكون مسندًا، وشعيب قد سمع من عبد اللَّه بن عمرو بن العاص القرشي (عن أبيه) عبد اللَّه بن عمرو بن العاص السهمي، كان بينه وبين أبيه في السن [إحدى عشرة] (¬5) سنة، وأسلم قبل أبيه، وقال فيهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نعم أهل البيت عبد اللَّه وأبو عبد اللَّه وأم عبد اللَّه" (¬6). (قال: ما رئي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يأكل متكئًا قط) قال مجاهد: ما أكل ¬

_ (¬1) تقدم وتخريجه عند أبي داود برقم (486) من حديث أنس. (¬2) "سنن ابن ماجه" (244). (¬3) ساقطة من (ح). (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬5) في جميع النسخ: أحد عشر. والمثبت هو الصواب. (¬6) رواه أحمد 1/ 161، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 2/ 100 (798)، وأبو يعلى في "المسند" 2/ 18 - 19 (645 - 647)، والشاشي في "مسنده" 1/ 79 - 80 (18، 19) من حديث طلحة بن عبيد اللَّه. وضعف إسناده الشيخ أحمد شاكر في "شرح المسند" 2/ 358 - 359 (1382).

متكئًا قط إلا مرة، ففرغ فجلس فقال: "اللهم أنا عبدك ورسولك" (¬1). تواضعًا للَّه؛ فإن الاتكاء هيئة المتكبرين، وقد بين هذا في حديث أيوب عن الزهري أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أتاه ملك لم يأته قبل تلك المرة ولا بعدها فقال: إن ربك يخيرك بين أن تكون عبدًا نبيًّا أو ملكًا نبيّا، قال: فنظر إلى جبريل كالمستشير له، فأشار إليه أن تواضع، فقال: "بل عبدًا نبيًّا"، فما أكل متكئًا بعد (¬2). ومن أكل متكئًا لم يأت محرمًا وإنما يكره ذلك؛ لأنه خلاف التواضع، وقد أجاز ابن سيرين (¬3) والزهري الأكل متكئًا. (ولا يطأ) بهمز آخره (عقبه) بفتح العين وكسر القاف، لفظ ابن ماجه: عقبيه (¬4). بالتثنية (رجلان) أي: لا يمشي خلفه رجلان ولا أكثر من ذلك كما يفعل الملوك، يتبع الملك الناس يمشون وراءه كالخدم، وبين ابن ماجه بذلك المشي عقبيه، فروى عن نبيح العنزي عن جابر قال: كان ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة 5/ 139 (24506). (¬2) ذكره ابن بطال في "شرح البخاري" 9/ 474. قال الحافظ في "الفتح" 9/ 541: هذا مرسل أو معضل. ورواه ابن المبارك في "الزهد والرقائق" (766)، والنسائي في "الكبرى" 4/ 171، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 5/ 338 (2092)، والبيهقي في "السنن الكبرى" 7/ 49، والبغوي في "شرح السنة" 13/ 248 - 249 (3684)، والضياء في "المختارة" 13/ 62 (95) من طريق بقية بن الوليد، عن الزبيدي، عن الزهري، عن محمد بن عبد اللَّه بن عباس قال: كان ابن عباس يحدث. . . الحديث. (¬3) رواه ابن أبي شيبة 5/ 139 (24510). (¬4) "سنن ابن ماجه" (244).

النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا مشى يمشي أصحابه أمامه وتركوا ظهره للملائكة (¬1). وكذا رواه أبو نعيم بلفظ: "امشوا أمامي وخلوا ظهري للملائكة" (¬2). قال أبو نعيم: لأن الملائكة يحرسونه من أعدائه. قلت: لعل هذا قبل أن ينزل: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (¬3). [3771] (حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي، أنا وكيع، عن مصعب بن سليم) مصغر، وهو عريف بني زهرة ومولى آل الزبير، كوفي معروف أخرج له مسلم. (قال: سمعت أنسًا -رضي اللَّه عنه- يقول: بعثني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) في حاجة (فرجعت إليه [فوجدته] (¬4) يأكل تمرًا وهو مقع) وللنسائي: فأتيته يأكل وهو مقع من الجوع (¬5). والإقعاء: إلصاق الأليتين بالأرض وينصب ساقيه. وقيل: هو أن يجلس على وركيه مستوفزًا. وكان جل أكله مستوفزًا، وقد روى أبو الحسن ابن المقرئ في "الشمائل": كان إذا قعد على الطعام استوفز ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (246). ورواه أيضًا أحمد 3/ 302، 332. وصححه الحاكم في "المستدرك" 2/ 412، وابن حبان 14/ 218 (6312)، والبوصيري في "مصباح الزجاجة" 1/ 36، والألباني في "الصحيحة" (436، 2087). (¬2) "حلية الأولياء" 7/ 117. ورواه أيضًا الحارث بن أبي أسامة كما في "بغية الباحث" (946)، وكما في "إتحاف الخيرة المهرة" 7/ 92. وصححه الألباني في "الصحيحة" (1557). (¬3) المائدة: 67. (¬4) ساقطة من (ل، م). (¬5) "السنن الكبرى" 4/ 171 بنحوه، وهو أيضًا عند مسلم (2044).

على ركبته اليسرى وأقام اليمنى وقال: "إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد، وأقعد كما يقعد العبد" (¬1)، ورواه البزار دون قوله: "وأجلس" (¬2). وحاصل أكله -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه يأكل أكلًا لا تصنع فيه ولا رياء ولا كبر. * * * ¬

_ (¬1) رواه أبو يعلى 8/ 318 (4920)، والبغوي في "شرح السنة" 11/ 286 - 287 (2839) من حديث عائشة بنحوه. وعزاه الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" 1/ 348 لأبي الحسن ابن المقرئ في "الشمائل" وقال: وإسناده ضعيف. وحديث عائشة ضعفه الألباني في "الضعيفة" (2045). (¬2) "البحر الزخار" 12/ 154 (5752) من حديث ابن عمر. وقال: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بإسناد متصل عنه إلا من هذا الوجه، ولا نعلم رواه إلا ابن عمر، ولا رواه عن عبيد اللَّه إلا مبارك، ولا عن مبارك إلا حفص بن عمار، ولم يتابع عليه. وقال الهيثمي في "المجمع" 9/ 21: رواه البزار، وفيه حفص بن عمارة الطاحي ولم أعرفه، وبقية رجاله وثقوا.

17 - باب ما جاء في الأكل من أعلى الصحفة

17 - باب ما جاءَ في الأَكْلِ مِنْ أَعْلَى الصَّحْفَةِ 3772 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ، عَنِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِذا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعامًا فَلا يَأْكُلْ مِنْ أَعْلَى الصَّحْفَةِ ولكن لِيَأْكُلْ مِنْ أَسْفَلِها فَإِنَّ البَرَكَةَ تَنْزِلُ مِنْ أَعْلاها" (¬1). 3773 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْن عُثْمانَ الحِمْصيُّ، حَدَّثَنا أَبَي، حَدَّثَنا محَمَّد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عِرْقٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرِ قالَ: كانَ لِلنَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَصْعَةٌ يُقالُ لَها الغَرّاءُ يَحْمِلُها أَرْبَعَةُ رِجالٍ فَلَمّا أَضْحَوْا وَسَجَدُوا الضُّحَى أُتِيَ بِتِلْكَ القَصْعَةِ -يَعْني وَقَدْ ثُرِدَ فِيها- فالتَفُّوا عَلَيْها فَلَمّا كَثُرُوا جَثَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-, فَقالَ أَعْرابيٌّ ما هذِه الجِلْسَةُ؟ قالَ النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ جَعَلَني عَبْدًا كَرِيمًا وَلَمْ يَجْعَلْني جَبّارًا عَنِيدًا". ثُمَّ قالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كُلُوا مِنْ حَوالَيْها وَدَعُوا ذِرْوَتَها يُبارَكْ فِيها" (¬2). * * * باب ما جاء في الأكل من أعلى الصحفة [3772] (حدثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي (ثنا شعبة، عن عطاء ابن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إذا أكل أحدكم طعامًا فلا يأكل من أعلى الصحفة) أي: ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1805)، والنسائي في "الكبرى" (6762)، وابن ماجه (3277)، وأحمد 1/ 270. وصححه الألباني في "الإرواء" (1980/ 1). (¬2) رواه ابن ماجه (3275). وصححه الألباني في "الإرواء" (1981).

من أعلى ثريد الصحفة ونحوه كالكسكسو والفتيت وغير ذلك من الجوامد، وأما الأمراق فلا يأكل من وسطها، فإنه في معنى أعلى الثريد، وفي معنى الأعلى والوسط ما يلي الأكيل إن كان معه أحد. والصحفة إناء كالقصعة المبسوطة جمعها صحاف ككلبة وكلاب، وقال الزمخشري: الصحفة مستطيلة (¬1). ولعله اعتبر اشتقاقها من الصحيفة؛ فإنها مستطيلة، وفيه دليل على ما قاله الرافعي والنووي وغيرهما أنه يكره أن يأكل من أعلى الثريد ووسط القصعة، وأن يأكل مما يلي أكيله، ولا بأس بذلك في الفواكه (¬2). وتعقبه الإسنوي بأن الشافعي نص على التحريم في ذلك، فإن لفظه في "الأم": فإن أكل مما [لا] (¬3) يليه أو من رأس الطعام أثم بالفعل الذي فعله إذا كان عالمًا بنهي (¬4) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬5). وأشار بالنهي إلى هذا الحديث ونحوه، قال الغزالي: وكذا لا يأكل من وسط الرغيف بل من استدارته، إلا إذا قل الخبز فيكسر الخبز (¬6). (ولكن ليأكل من أسفلها فإن البركة) التي أودعها اللَّه في الطعام (تنزل من أعلاها) قبل أسفلها، فليبدأ بما نزلت فيه البركة أولًا، ويحتمل أن ¬

_ (¬1) في "الفائق في غريب الحديث والأثر" 1/ 364: الصحفة: القصعة المسلنطحة. (¬2) انظر: "الشرح الكبير" للرافعي 8/ 353، "روضة الطالبين" للنووي 7/ 340. (¬3) من "الأم". (¬4) في (ل)، (م): بتحريم. (¬5) "الأم" ط. دار الوفاء 9/ 55. (¬6) "الإحياء" 2/ 5.

تختص البركة في الأعلى دون الأسفل، ففي هذا بيان العلة في الأكل من الأعلى، وقيل: إن دسم الثرائد والكسكسو وغير ذلك ينزل إلى الأسفل، فيكون الأسفل أكثر دسمًا، وفيه علة أخرى ذكرها العلماء، وهي أن وجه الطعام أفضله وأكثره (. . . .) (¬1) ويحسن من غيره، وإذا قصده الآكل كان مستأثرًا به على أكيله، وفيه من ترك الأدب ما لا يخفى، فإن أكل وحده جاز أن يأكل من حيث شاء إذا قلنا أطايبه أعلاه. [3773] (حدثنا عمرو بن عثمان) بن سعيد (الحمصي) [ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2)] (¬3) صدوق حافظ (حدثنا أبي) عثمان بن سعيد ابن كثير الحمصي، مولى بني أمية، ثقة، من العابدين (حدثنا محمد ابن عبد الرحمن بن عرق) بكسر العين المهملة وسكون الراء بعدها قاف، الرحبي اليحصبي الحمصي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4). (حدثنا عبد اللَّه بن بسر) بضم الموحدة، وسكون السين المهملة، المازني، أحد من صلى القبلتين رضي اللَّه عنهما. (قال: كان للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قصعة) بفتح القاف، ورفع آخره، جمعها قصع بكسر القاف مثل بدرة وبدر (يقال لها: الغراء) والغراء تأنيث الأغر، مشتق من الغرة، وهي بياض الوجه وإضاءته، ويجوز أن يراد بها من الغرة، وهي الشيء النفيس المرغوب فيه، فتكون سميت بذلك لرغبة ¬

_ (¬1) مكان النقط في جميع النسخ كلمة غير مقروءة. (¬2) "الثقات" 8/ 488. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ح)، (ل). (¬4) "الثقات" 5/ 377.

الناس فيها؛ لنفاسة ما فيها أو لكثرة ما تسعه، وقال المنذري: سميت غراء لبياضها بالألية أو الشحم، أو لبياض برها، أو لبياضها باللبن (يحملها أربعة رجال) بحلق أو غيرها؛ لأنها كان لها أربع حلق. وروى أحمد من طريق أبي يزيد العطار، عن محمد بن عبد الرحمن ابن عوف، عن عبد اللَّه بن بسر قال: كان للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جفنة لها أربع حلق (¬1). (فلما أضحوا) بفتح الهمزة، وسكون الضاد المعجمة، وفتح الحاء، أي: دخلوا في وقت الضحى، وهو قدر ربع النهار (وسجدوا) أي: صلوا صلاة (الضحى) فيه دليل على المواظبة على صلاة الضحى، وأنها تفعل جماعة، ويحتمل أن كلًّا منهم صلى الضحى بمفرده. (أتي بتلك القصعة) أي: أتى أربعة أنفس يحملون القصعة الغراء (يعني: وقد ثرد) بضم المثلثة، وتشديد الراء المكسورة وتخفيفها (فيها) أي: فت الخبز (¬2) فيها وبل بمرق، يقال: ثردت الخبز بتخفيف الراء كفتلت، ثردًا، والاسم الثردة، والمراد به المبل بمرق اللحم؛ لأن الثريد غالبًا لا يكون إلا من لحم. (فالتفوا) بتشديد الفاء، أي: التف طائفة (عليها) حلقة واحدة (فلما ¬

_ (¬1) رواه أبو الشيخ في "أخلاق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" 3/ 254 (622) من طريق يحيى القطان عن محمد بن عبد الرحمن الرحبي عن عبد اللَّه بن بسر، به. وعزاه السيوطي في "الجامع الصغير" (8959) للطبراني. وانظر: "السلسلة الصحيحة" (2105). (¬2) ساقطة من (ل، م).

كثروا) بفتح الكاف، وضم المثلثة، وضاقت بهم (¬1) الحلقة (جثا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) أي: قعد للأكل على ركبتيه جالسًا على ظهور قدميه، وفيه استحباب هذِه الجلسة عند ضيق المجلس. (فقال أعرابي) من الجماعة (ما هذِه الجلسة؟ ) بكسر الجيم، أي: ما هذِه الهيئة التي جلست عليها؟ كما يقال نشد الضالة نشدة عظيمة، بكسر النون، وإنه لحسن الرِّكبة بكسر الراء. (قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن اللَّه) تعالى (جعلني عبدًا كريمًا) أي: شريفًا بالنبوة والعلم (ولم يجعلني جبارًا عنيدًا) قال في "النهاية": العنيد هو الجائر عن القصد، الباغي الذي يرد الحق مع العلم به (¬2). (ثم قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: كلوا من حواليها) أي: من جوانبها، بدليل رواية ابن ماجه: "كلوا من جوانبها" (¬3) (ودعوا) أي: اتركوا (ذروتها) بكسر الذال المعجمة، ويقال بضمها، وذروة كل شيء أعلاه، وفيه ينبغي أن تكون الثردة وسطها مرتفعًا، ذا ذروة، كما تكون ذروة الجبل وذروة سنام البعير، وارتفاع وسط الثريد من مكارم الأخلاق ومحاسن الأجواد (يبارك) بالجزم، أي: يكون ذلك سببًا لبركة طعامكم مع التسمية، وفي رواية أخرى لابن ماجه عن واثلة بن الأسقع: أخذ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- برأس الثريد، وقال: "كلوا باسم اللَّه من حواليها واعفوا رأسها؛ فإن البركة تأتيها من فوقها" (¬4). ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل، م). (¬2) "النهاية" 3/ 308. (¬3) "سنن ابن ماجه" (3275). (¬4) "سنن ابن ماجه" (3276).

(فيها) أي: في جميع ما فيها من الأعلى والأسفل، وفيه الاحتراص على إبقاء ما فيه البركة والخير، وعدم إزالته، فبحصولها يحصل الخير الكثير -وعلى هذا فيحترص الآدمي على عدم الإسراف في الماء، وألا يستعمله في الطهارات وغيرها إلا برفق؛ لأن اللَّه تعالى قد صرح بوجود البركة فيه بقوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا} (¬1) وأضافه إلى نفسه تشريفًا له بأنه الذي أنزله نفعًا لكم. * * * ¬

_ (¬1) ق: 9، وكذا في جميع النسخ، وفي مصحف حفص: {وَنَزَّلْنَا}. وانظر اختلاف القراء فيها "الكشف عن وجوه القراءات السبع" 2/ 179.

18 - باب ما جاء في الجلوس على مائدة عليها بعض ما يكره

18 - باب ما جاءَ في الجُلُوسِ عَلَى مائِدَةٍ عَليْها بَعْضُ ما يُكْرَهُ 3774 - حَدَّثَنا عُثْمان بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا كَثِيرُ بْن هِشامٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقانَ، عَنِ الزُّهْريُّ، عَنْ سالمٍ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنْ مَطْعَمَيْنِ عَنِ الجُلُوسِ عَلَى مائِدَةٍ يُشْرَبُ عَليْها الخَمْرُ وَأَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ وَهُوَ مُنْبَطِحٌ عَلَى بَطْنِهِ (¬1). قالَ أَبُو داوُدَ: هذا الحَدِيثُ لَمْ يَسْمَعْهُ جَعْفَرٌ مِنَ الزُّهْريِّ وَهُوَ مُنْكَرٌ (¬2). 3775 - حَدَّثَنا هارُونُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبي الزَّرْقاءِ، حَدَّثَنا أَبَي، حَدَّثَنا جَعْفَرٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ، عَنِ الزُّهْريِّ بهذا الحَدِيثِ (¬3). * * * باب ما جاء في الجلوس على مائدة عليها بعض ما يكره [3774] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا كثير بن هشام) الرقي الكلابي، وثقه جماعة (عن جعفر بن برقان) بضم الموحدة، الكلابي الرقي، أخرج له مسلم في غير موضع. (عن الزهري، عن سالم) بن عبد اللَّه بن عمر (عن أبيه) عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما. (قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن مطعمين) بفتح الميمين والعين، أي: مطعومين ثم فسرهما، أحدهما: نهى (عن الجلوس) للأكل (على مائدة ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (3370). (¬2) وقال الألباني في "الإرواء": منكر. (¬3) السابق.

يشرب) لفظ الترمذي وصححه الحاكم: يدار (¬1) (عليها)، أي: يشرب على الأكل منها، أو يدار عليه (الخمر) استدل به أصحابنا وغيرهم على أن هذِه المائدة لا تجب الإجابة إليها، وأن شرب الخمر عليها مسقط لوجوب الإجابة؛ لأنه إذا حضر رأى المنكر، وإن لم يشرب منه، وهذا إذا لم يدر أن المنكر يزال بحضوره، فإن درى أنه يزال بحضوره، وإذا حضر أمكنه إنكاره وإزالة المنكر لزمه الحضور والإنكار؛ لأنه يؤدي فرضين: إجابة أخيه المسلم، وإزالة المنكر، فإن لم يعلم بالمنكر حتى حضر أزاله، فإن لم يقدر انصرف. (و) نهى (أن يأكل [الرجل] وهو منبطح على بطنه) فإنها هيئة المعذبين المانعين الزكاة كما في الصحيحين: "بطح لها بقاع قرقر" (¬2) أي: ألقي مانع الزكاة على بطنه ووجهه ليطأه. وهذا في الطعام المعروف للتغذي، أما ما يتنقل به من الحبوب فليس كذلك، فقد حكى الغزالي عن علي -رضي اللَّه عنه- أنه أكل كعكًا على ترس وهو مضطجع، قال: ويقال: كان منبطحًا على بطنه، قال: والعرب قد تفعله (¬3). (قال: ) المصنف (هذا الحديث لم يسمعه جعفر) بن برقان (من الزهري، وهو منكر)؛ لانقطاعه، ثم ذكر المصنف ما يدل على أنه لم يسمع منه. [3775] (حدثنا هارون بن [زيد بن أبي الزرقاء) المحدث الزاهد الثقة ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (2801)، "المستدرك" 4/ 288 من حديث جابر. (¬2) في مسلم (987) من حديث أبي هريرة، ولم أجده في البخاري. (¬3) "الإحياء" 2/ 4.

(حدثنا أبي حدثنا] (¬1) جعفر) بن برقان (أنه بلغه عن الزهري، بهذا الحديث) هذا من جعفر يدل على أنه لم يسمع من الزهري، وقد قال أحمد بن حنبل [-رضي اللَّه عنه-: ما روى جعفر عن الزهري فلا بأس به. وقال يحيى مثله، وقال محمد بن عبد اللَّه بن نمير] (¬2) مثل قول أحمد ويحيى أنه ثقة، إلا فيما روى عن الزهري فإنه يخطئ، كذلك حكى عنه علي بن الحسين بن الجنيد الحافظ الرازي (¬3). * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل)، (م). (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) في "العلل ومعرفة الرجال" 3/ 103 قال عبد اللَّه بن أحمد: سألت أبي عن جعفر بن برقان، فقال: إذا حدث عن غير الزهري فلا بأس. ثم قال في حديثه عن الزهري: يخطئ. وكذا في "تاريخ ابن معين" رواية الدارمي (ص 43): فجعفر بن برقان؟ فقال: ضعيف في الزهري.

19 - باب الأكل باليمين

19 - باب الأَكْلِ بِاليَمِينِ 3776 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْريِّ، أَخْبَرَني أَبُو بَكْرِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ جَدِّهِ ابن عُمَرَ، أَنَّ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِذا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ وَإِذَا شَرِبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ فَإِنَّ الشَّيْطانَ يَأْكُلُ بِشِمالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمالِهِ" (¬1). 3777 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمانَ لُوَينٌ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ بِلالٍ، عَنْ أَبي وَجْزَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبي سَلَمَةَ قالَ: قالَ النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ادْنُ بُنَي فَسَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمّا يَلِيكَ" (¬2). * * * باب الأكل باليمين [3776] (حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري قال: أخبرني أبو بكر بن عبيد اللَّه) بالتصغير (بن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما عن جده) عبد اللَّه (ابن عمر أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وإذا شرب فليشرب بيمينه) قال عبد الحق: زاد حمزة بن محمد من حديث أبي هريرة: "وليأخذ بيمينه وليعط بيمينه" (¬3) الأمر في الأكل والشرب باليمين على جهة الندب؛ لأنه من باب تشريف اليمين على الشمال؛ وذلك لأنها أقوى في الغالب وأسبق للأعمال، ¬

_ (¬1) رواه ومسلم (2020). (¬2) رواه ومسلم (2022). (¬3) رواه ابن ماجه (3266) من حديث هشام بن حسان، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.

وأمكن في الأشغال، وهي مشتقة من اليمن وهو البركة، وقد شرف اللَّه أهل الجنة بأن ينسبهم إليها، كما ذم أهل النار حين نسبهم إلى الشمال فقال: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27)} (¬1) ثم قال: {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41)} (¬2). (فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله) ظاهره أن من أكل بشماله أو شرب بها تشبه بالشيطان في فعله، ولقد أبعد من تعسف من إعادة الضمير من شماله على الآكل وأن الشيطان يأكل معه، زاد أحمد: "ويعطي بشماله" (¬3) وفي نسخة: "ويأخذ بشماله" (¬4). [3777] (حدثنا محمد بن سليمان) شهرته (لُوَين) بضم اللام، وفتح الواو، وبعد ياء التصغير نون، أبو جعفر الأسدي، سمي لوين؛ لأنه كان إذا باع الفرس قال: هي لوين. يعني: لونها حسن، وقد وثقه النسائي. (عن سليمان (¬5) بن بلال) القرشي التيمي. (عن أبي وجزة) بفتح الواو، وسكون الجيم، وفتح الزاي، ثم هاء (¬6) واسم أبي وجزة: يزيد بن عبيد السعدي المدني. ¬

_ (¬1) الواقعة: 27. (¬2) الواقعة: 41. (¬3) هو عند ابن ماجه (2166)، ولم أجده في "مسند أحمد". (¬4) ابن ماجه (3266). (¬5) فوقها في (ل)، (ح): (ع). (¬6) جاء بعدها في (ح): وفتح الحاء المهملة وسكونها كني بالوجزة، وهي وزغة تلصق بالأرض.

قال يحيى بن معين: ثقة (¬1). (عن عمر بن أبي سلمة) بن عبد الأسد، ربيب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأنه ابن أم سلمة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه من حديث أبي نعيم وهب بن كيسان عن عمر بن أبي سلمة (¬2)، وذكر الترمذي أنه روي عن أبي وجزة عن عمر بن أبي سلمة وأخرجه عن رجل من مزينة، كما ذكره الترمذي (¬3). قال النسائي: هذا هو الصواب. (قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ادن) بضم الهمزة، وسكون الدال، من الدنو، وهو القرب (بني) حذف منه حرف النداء: يا بني، سماه ابنه تجوزًا؛ لأنه ابن زوجته، وفي البخاري: "يا غلام سم اللَّه" (¬4). أي: قل (باسم (¬5) اللَّه) جمع في هذا الحديث ثلاث سنن: الأولى: التسمية في أول الأكل، وإن كان الآكل جنبًا أو امرأة حائضًا (¬6)، فإن نسي أوله فليقل في أثنائه: باسم اللَّه أوله وآخره. كما تقدم. (وكل بيمينك) هذِه السنة الثانية وهي الأكل باليمين، قال الطبري: فيه أنه لا يجوز الأكل والشرب باليد اليسرى، إلا لمن بيده اليمنى علة ¬

_ (¬1) انظر: "تاريخ ابن معين" رواية الدوري 3/ 187، 203. (¬2) رواه النسائي في "الكبرى" 4/ 175 (6760) و 6/ 78 (10111) من طريق أبي نعيم. ورواه البخاري (5376)، ومسلم (2022)، والنسائي 4/ 175 (6759) و 6/ 77 (10109)، وابن ماجه (3267) من طريق الوليد بن كثير. كلاهما عن وهب بن كيسان به. (¬3) "سنن الترمذي" (1857). (¬4) البخاري (5376)، مسلم (2022). (¬5) كذا في جميع النسخ، وفي "السنن": فسم. (¬6) في جميع النسخ: حائض.

مانعة من استعمالها، ومثله الأخذ والإعطاء والرفع والوضع والبطش. (وكل مما يليك) هذِه السنة الثالثة: الأكل مما يلي الآكل، فإن كان الطعام نوعًا واحدًا فلا فائدة فيه إلا سوء أدب وتقزز للنفوس مما خاضت فيه الأيدي، لا سيما في الأمراق والأطعمة الرطبة، فإن اختلفت أجناس الطعام فيباح اختلاف الأيدي في الصحفة والطبق؛ ليأخذ الإنسان مما يشتهيه من ذلك، وروى الإمام أحمد عن عمر بن أبي سلمة قال: كنت يتيمًا في حجر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا غلام سمِّ اللَّه وكل مما يليك" (¬1). ويدل على ذلك ما رواه الترمذي من حديث عبيد اللَّه بن عكراش عن أبيه وأكل مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ثريًدا وتخبطت يده في نواحيها، فقبض يده اليسرى على يده اليمنى، وقال له: "يا عكراش، كل من موضع واحد؛ فإنه طعام واحد"، ثم أتينا بطبق فيه رطب، قال: فجعلت آكل من بين يدي، وجالت يد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الطبق وقال: "يا عكراش، كل من حيث شئت؛ فإنه غير لون واحد"، ثم أتينا بماء فغسل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يديه ومسح ببلل كفيه وجهه وذراعيه ورأسه، وقال: "يا عكراش، هذا الوضوء مما غيرت النار" (¬2). * * * ¬

_ (¬1) "المسند" 4/ 26. (¬2) "سنن الترمذي" (1848). ورواه أيضًا ابن ماجه (3274). والحديث أعله ابن الملقن في "البدر المنير" 2/ 415 بعبيد اللَّه بن عكراش. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (5098).

20 - باب في أكل اللحم

20 - باب في أَكْلِ اللَّحْمِ 3778 - حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها قالَتْ: قالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تَقْطَعُوا اللَّحْمَ بِالسِّكِّينِ فَإِنَّهُ مِنْ صَنِيعِ الأَعاجِمِ وانْهَسُوهُ فَإِنَّهُ أَهْنَأُ وَأَمْرَأُ" (¬1). قالَ أَبُو داوُدَ: وَلَيْسَ هُوَ بِالقَويِّ. 3779 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنا ابن عُليَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعاوَيةَ، عَنْ عُثْمانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمانَ، عَنْ صَفْوانَ بْنِ أُميَّةَ قالَ: كُنْتُ آكُلُ مَعَ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَآخُذُ اللَّحْمَ بِيَدي مِنَ العَظْمِ فَقالَ: "أَدْنِ العَظْمَ مِنْ فِيكَ فَإِنَّهُ أَهْنَأُ وَأَمْرَأُ" (¬2). قالَ أبُو داوُدَ: عُثْمانُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ صَفْوانَ وَهُوَ مُرْسَلٌ. 3780 - حَدَّثَنا هارُونُ بْن عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنا أَبُو داوُدَ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ أبِي إِسْحاقَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عِياض، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قالَ: كانَ أَحَبَّ العُراقِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عُراقُ الشّاةِ (¬3). 3781 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْن بَشّارٍ، حَدَّثَنا أَبُو داوُدَ بهذا الإِسْنادِ قالَ: كانَ النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُعْجِبُهُ الذِّراعُ. قالَ: وَسُمَّ في الذِّراعِ وَكانَ يَرى أَنَّ اليَهُودَ هُمْ سَمُّوهُ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه ابن حبان في "المجروحين" 3/ 60، وابن عدي في "الكامل" 7/ 2518، والبيهقي في "الكبرى" 7/ 280. وقال الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (1290): منكر. (¬2) رواه أحمد 3/ 401. وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (1289). (¬3) رواه الترمذي في "الشمائل" (168)، والنسائي (6654)، وأحمد 1/ 394. وصححه الألباني في "الصحيحة" (2055). (¬4) رواه الترمذي في "الشمائل" (169)، وأحمد 1/ 394، والطيالسي (388). وصححه الألباني في "مختصر الشمائل" "142".

باب في أكل اللحم [3778] (حدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة الخراساني (ثنا أبو معشر) نجيح بن عبد الرحمن السندي المدني، قال أحمد: صدوق. (عن هشام بن عروة) بن الزبير (عن أبيه) عروة بن الزبير. (عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا تقطعوا اللحم بالسكين) وكذا لا يقطع الخبز بالسكين، كما رواه ابن حبان في "الضعفاء" من حديث أبي هريرة (¬1)، ورواه البيهقي في "الشعب" من حديث أم سلمة (¬2)، وسأل مهنا الإمام أحمد عن هذا الحديث [أعني: حديث اللحم] (¬3) فقال: ليس بمعروف. وقال: حديث عمرو بن أمية الضمري خلاف هذا (¬4)، وأشار إلى ما رواه البخاري من حديث عمرو بن أمية أنه رأى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يحتز من كتف شاة، فدعي إلى الصلاة، فألقى السكين فصلى ولم يتوضأ، وترجم عليه: باب من لم يتوضأ من لحم الشاة (¬5)، وذكره بعد ذلك بلفظ: رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬

_ (¬1) "المجروحين" 3/ 48. ورواه أيضًا ابن عدي في "الكامل في الضعفاء" 8/ 298، وابن الجوزي في "الموضوعات" 2/ 291. والحديث فيه نوح بن أبي مريم. قال ابن عدي: حديث منكر. وقال ابن طاهر المقدسي في "ذخيرة الحفاظ" 5/ 2630: منكر بهذا الإسناد، ونوح متروك الحديث. (¬2) "شعب الإيمان" 5/ 114. ورواه أيضًا الطبراني 23/ 285 (624). قال الهيثمي في "المجمع" 5/ 37: رواه الطبراني، وفيه عباد بن كثير الثقفي وهو ضعيف. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ح). (¬4) انظر: "المغني" لابن قدامة 13/ 357. (¬5) البخاري (208).

يأكل ذراعًا يحتز منها، فدعي إلى الصلاة، فقام (¬1) فطرح السكين فصلى ولم يتوضأ. وترجم عليه: باب إذا دعي الإمام إلى الصلاة وبيده ما يأكل (¬2). ويحتز في هذين الحديثين بالحاء المهملة والزاي، معناه: يقطع اللحم بالسكين، وفيهما دليل صريح على جواز قطع اللحم بالسكين، وحديث الباب لا يعادل هذين، وكذا حديث المغيرة بن شعبة المتقدم في باب ترك الوضوء مما مست النار، بلفظ: ضفت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ذات ليلة فأمر بجنب فشوي، وأخذ الشفرة فجعل يحز لي بها منه، فجاء بلال فآذنه بالصلاة فألقى الشفرة (¬3). (فإنه من صنع (¬4) الأعاجم) فيه النهي عن التشبه بالأعاجم فيما أحدثوه في هيئات المطاعم والمشارب والملابس الخارجة عن صفات التواضع إلى هيئات المتكبرين المترفهين (وانهسوه) النهس بالسين المهملة، قال الجوهري: هو بالمعجمة أيضًا معناهما الأكل بمقدم الأسنان (¬5). وقال غيره (¬6): النهس بالسين المهملة بأطراف الأسنان، وبالمعجمة بالأضراس، وقيل: بالمعجمة: الأكل بجميع الأسنان. ولفظ الترمذي: "انهسوا اللحم نهسًا" (¬7) (فإنه أهنأ وأمرأ) بهمز آخرهما، و (أهنأ) من ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل)، (م). (¬2) البخاري (675). (¬3) سلف برقم (188). (¬4) في مطبوع "السنن": صنيع. (¬5) "الصحاح" 3/ 987. (¬6) انظر: "مشارق الأنوار" 2/ 30. (¬7) "سنن الترمذي" (1835).

قولهم: هنئت بالطعام: إذا تهنأت بأكله، ويقال: كله هنيئًا، أي: لا تؤاخذ به، (وأمرأ) من قولهم: مرأني الطعام وأمرأني إذا لم يثقل على المعدة وانحدر عنها سريعًا، وقال الفراء: يقال: هنأك الطعام ومرأك، بغير ألف، فإذا أفردوها عن هنأني قالوا: أمرأني. [3779] (حدثنا محمد بن عيسى) بن نجيح البغدادي، أخرج له البخاري تعليقًا (ثنا) إسماعيل (ابن علية، عن عبد الرحمن بن إسحاق) ابن عبد اللَّه القرشي العامري، أخرج له مسلم. (عن عبد الرحمن بن معاوية) أبي الحويرث الزرقي (عن عثمان بن أبي سليمان) بن جبير بن مطعم، قاضي مكة، أخرج له مسلم في مواضع، قال المنذري: عثمان لم يسمع من صفوان، فهذا الحديث (¬1) منقطع (¬2). (عن صفوان بن أمية -رضي اللَّه عنه- قال: كنت آكل مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) ولفظ الحاكم (¬3): رآني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنا (آخذ اللحم من العظم بيدي) (¬4) (فقال) "يا صفوان. قلت: لبيك. قال: "قرب اللحم من فيك" (أدن) بفتح الهمزة وكسر النون، أي: قرب. كما في رواية الحاكم (¬5)، (وآخذ) فعل مضارع، أي: آخذ أنا (اللحم من) بمعنى عن، أي: عن (العظم) يعني: ما عليه من اللحم (إلى فيك) وانهسه بأسنانك. (فإنه أهنأ وأمرأ) فالهني هو الذي لا مشقة فيه ولا عناء، والمري ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل)، (م). (¬2) "مختصر سنن أبي داود" 5/ 305. (¬3) في (ل)، (م): البخاري. "المستدرك" 4/ 113. (¬4) في مطبوع "السنن": فآخذ اللحم بيدي من العظم. (¬5) "المستدرك" 4/ 113.

الذي ينهضم سريعًا، وقيل: الهني: لا إثم فيه، والمري: لا داء فيه، وقيل: الهني: الذي ينساغ ولا ينغصه شيء، والمري: المحمود العاقبة، ورواية أحمد: فإنه أهنا وأشهى وأمرأ (¬1). وأقرب إلى التواضع. [3780] (حدثنا هارون بن عبد اللَّه) بن مروان البغدادي، شيخ مسلم (حدثنا أبو داود) سليمان بن داود الطيالسي (حدثنا زهير) (¬2) بن محمد التميمي المروزي (عن أبي إسحاق، عن سعد بن عياض) الثمالي الكوفي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3). (عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: كان أحب العراق) بضم العين المهملة وتخفيف الراء، جمع عرق، بفتح العين، جمعٌ نادر، والعرق بسكون الراء، هو العظم إذا أخذ عنه معظم اللحم (إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عراق الشاة) لسرعة نضاجه ونعومته، لاسيما من الذراع، وكان إذا تعرق العظم لم يطأطئ رأسه لأجله، بل يرفعه إلى فيه ليأكل ما بقي عليه نهسًا، وكذا قطف العنب، كما روى ابن عدي في "الكامل" من حديث العباس، والعقيلي في "الضعفاء" (¬4) أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يأكل العنب خرطًا (¬5). قال في "النهاية": يقال: خرط العنقود خرطًا ¬

_ (¬1) "المسند" 6/ 464 وفيه: فإنه أهنأ وأمرأ، أو أشهى وأمرأ. (¬2) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬3) "الثقات" 4/ 299. (¬4) في النسخ: الكامل. والمثبت الصواب. (¬5) "الكامل في ضعفاء الرجال" 7/ 229، "الضعفاء الكبير" 2/ 33. وهو عند ابن عدي في "الكامل" من طريق حسين بن قيس عن عكرمة عن ابن عباس عن العباس، به. وعند العقيلي في "الضعفاء" من طريق أبي الجارود عن حبيب بن يسار عن ابن عباس، به. =

واخترطه إذا وضعه في فيه ثم يأخذ حبه ويخرج عرجونه عاريا منه (¬1). [3781] (حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو داود) الطيالسي (بهذا الإسناد) المذكور (قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يعجبه الذراع) وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة: وضعت بين يدي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قصعة من ثريد ولحم، فتناول الذراع، وكان أحب الشاة إليه (¬2). روى الترمذي بإسناده عن عائشة: ما كانت الذراع أحب إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ولكن كان لا يجد اللحم إلا غبًّا، فكان يعجل إليها؛ لأنها أعجلها نضجًا (¬3). وروى أبو الشيخ من حديث ابن [عباس] (¬4): كان أحب اللحم إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الكتف. ومن حديث أبي هريرة: لم يكن يعجبه من الشاة إلا الكتف (¬5). (قال) ابن مسعود (وسم) أي: وضع له السم (في) لحم (الذراع)؛ ¬

_ = ورواه بمثل إسناد ابن عدي: البيهقي في "الشعب" 5/ 106 (5966)، وابن الجوزي في "الموضوعات" 2/ 287. وأعله بحسين بن قيس، وضعفه العراقي في "المغني" (ص 855)، وقال الألباني في "الضعيفة" (108): موضوع. ورواه بمثل إسناد العقيلي: أبو بكر الشافعي في "الفوائد" 2/ 739 (1019)، والطبراني 12/ 149 (12727)، والبيهقي في "الشعب" 5/ 106 (5967)، والحافظ الذهبي في "الميزان" 2/ 11. قال العقيلي: لا أصل له. وضعفه الحافظ العراقي في "المغني" 1/ 650. (¬1) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 23. (¬2) هو عند مسلم (194/ 328). (¬3) جاء هذا الحديث في (ل)، (م) بتقديم وتأخير. وانظر: "سنن الترمذي" (1838) وحسنه. (¬4) في النسخ الخطية بياض، والمثبت من "أخلاق النبي". (¬5) "أخلاق النبي" (626 - 627).

لأنه كان يحبها (وكان يرى أن اليهود هم سموه) وروى البخاري في الطب عن أبي هريرة قال: لما فتحت خيبر أهديت لرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- شاة فيها سم، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اجمعوا لي من كان هاهنا من اليهود" فجمعوا له. فقال لهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقوني عنه؟ " فقالوا: نعم يا أبا القاسم. فقال: "هل جعلتم في هذِه الشاة سمًّا؟ " فقالوا: نعم. فقال: "ما حملكم على ذلك؟ " فقالوا: أردنا إن كنت كذابًا أن نستريح منك، وإن كنت نبيًّا لم يضرك (¬1). وخرجه أيضًا في باب إذا غدر المشركون بالمسلمين هل يعفى عنهم (¬2)؟ . وروى مسلم عن أنس أن امرأة يهودية أتت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بشاة مسمومة فأكل منها، فجيء بها إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فسألها عن ذلك، فقالت: أردت لأقتلك فقال: "ما كان اللَّه ليسلطك علي" انتهى (¬3). وهذِه المرأة هي زينب بنت الحارث كما في "مغازي موسى بن عقبة"، وعزو ذلك في "دلائل النبوة" للبيهقي أيضًا، وأنها أخت مرحب اليهودي (¬4). * * * ¬

_ (¬1) البخاري (5777). (¬2) البخاري (3169). (¬3) مسلم (2190)، وهو عند البخاري (2617) بنحوه. (¬4) "دلائل النبوة" 4/ 263.

21 - باب في أكل الدباء

21 - باب في أَكْلِ الدُّبّاءِ 3782 - حَدَّثَنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ إِسْحاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مالِكٍ يَقُولُ: إِنَّ خيّاطًا دَعا رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِطَعامٍ صَنَعَهُ قالَ أَنَسٌ: فَذَهَبْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إلَى ذَلِكَ الطَّعامِ فَقَرَّبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- خُبْزًا مِنْ شَعِيرٍ وَمَرَقًا فِيهِ دُبّاءٌ وَقَدِيدٌ. قالَ أَنَسٌ: فَرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَتَتَبَّعُ الدُّبّاءَ مِنْ حَوالَى الصَّحْفَةِ، فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبّاءَ بَعْدَ يَوْمِئِذٍ (¬1). * * * باب في أكل الدباء [3782] (حدثنا) عبد اللَّه بن محمد (¬2) بن قعنب (القعنبي، عن مالك، عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري. (أنه سمع أنسًا -رضي اللَّه عنه- يقول: إن خياطًا) كان مولى للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (دعا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لطعام صنعه) فيه فضيلة طبخ الطعام لأهل الدين والصلاح، ودعاؤهم إلى بيته للتبرك بهم ودعائهم، والاقتداء بهم في أكلهم وغيره. (قال أنس -رضي اللَّه عنه- فذهبت مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى ذلك الطعام) فيه استتباع الضيف معه غيره إذا أذن الداعي، وفيه إجابة الدعوة، وإباحة كسب الخياط (فقرب) بفتح القاف والراء، أي: قرب الخياط، وفي نسخة معتمدة (فقرب) بضم القاف مبني لما لم يسم فاعله (إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) فيه خدمة صاحب الطعام الضيف بنفسه في التقديم للطعام ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2092)، ومسلم (2041). (¬2) كذا في النسخ الخطية والصواب: مسلمة كما في مصادر ترجمته.

ورفعه، وتقديم الطست والصب على أيديهم، كما روي أن هارون الرشيد دعا أبا معاوية الضرير، فصب الرشيد على يديه في الطست، فلما فرغ، قال: يا أبا معاوية أتدري من صب على يديك؟ قال: لا. قال. صبه أمير المؤمنين. فقال: يا أمير المؤمنين إنما أكرمت العلم وأجللته أكرمك اللَّه وأجلك كما أكرمت وأجللت العلم وأهله (¬1). (خبزًا من شعير ومرقًا) فيه إباحة كثرة المرق في الطعام (دباءً) بالمد، وحكى فيه ابن السراج القصر، واحدته دباءة، وهو اليقطين ويسمى القرع، وقد روى الطبراني بسند فيه أرطاة، عن واثلة بن الأسقع قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "عليكم بالقرع فإنه يزيد في العقل والدماغ". انتهى (¬2). وهو بارد رطب يقطع العطش ويلين البطن، ويغذو سريعًا، وأجوده الأخضر (وقديد) بالرفع، وهو اللحم المشرح طوالًا يجفف ويرفع للطبخ. (قال أنس: فرأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يتتبع) (¬3) بمثناتين مفتوحتين مخففتين، فيه دليل على نظره إلى من يأكل معه إذا كان ممن يقتدى به ليتعلم منه آداب الأكل، وإلا فلا ينظر إلى أصحابه ولا يراقب أكلهم، ¬

_ (¬1) رواه الخطيب في "تاريخ بغداد" 14/ 8. (¬2) "المعجم الكبير" 22/ 63 (152)، "مسند الشاميين" 1/ 264 (457)، 4/ 311 (3400) من طريق عمرو بن الحصين، ثنا محمد بن عبد اللَّه بن علاثة، عن ثور بن يزيد عن مكحول عن واثلة، به. ورواه أيضًا أبو نعيم في "الطب النبوي" 2/ 621 (688). قال الهيثمي في "المجمع" 5/ 44: فيه عمرو بن الحصين وهو متروك. وقال الألباني في "الضعيفة" (40): موضوع. (¬3) ورد في هامش (ح) وصلب (ل)، (م): نسخة: يتبع. بتشديد التاء.

لأنهم يستحيون منه، بل يغض بصره ويشتغل بأكل نفسه (الدباء) ليأخذها (من حوالي) بفتح اللام (القصعة) (¬1) بفتح القاف، أي: جوانبها؛ بدليل رواية مسلم: من جوانب الصحفة (¬2). هذا يفسر قوله في الحديث قبله: "كل مما يليك". ويدل على أن المراد بذلك إذا كان يأكل مع غير عياله يتقذر بجولان يده في الطعام، فأما إذا أكل مع أهله، ومن ليس عليه منهم من خواص (¬3) إخوانه، فلا بأس أن تجول يده في الطعام؛ استدلالًا بهذا الحديث في تتبعه للدباء، وإنما جالت يده عليه السلام في الطعام؛ لأنه [علم] (¬4) أن أحدًا لا يكره ذلك منه ولا يتقذر منه، بل كل مؤمن ينبغي له أن يتبرك بريقه، وكل شيء (¬5) مسه بيده الكريمة، وشرب بعضهم بوله، وبعضهم دمه (فلم أزل أحب الدباء (¬6) بعد) بالنصب (يومئذ) بكسر الميم، فيه الحرص على التشبه بالصالحين، والاقتداء بأهل الخير في مطاعمهم واقتفاء آثارهم تبركًا بهم. * * * ¬

_ (¬1) ورد في هامش (ح) وصلب (ل)، (م): نسخة: الصحفة. (¬2) مسلم (2041) بلفظ: من حوالي الصحفة. (¬3) في (م): خالص. (¬4) ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "شرح ابن بطال" 9/ 462. (¬5) ساقطة من (ح). (¬6) ساقطة من (ل)، (م).

22 - باب في أكل الثريد

22 - باب في أَكْلِ الثَّرِيدِ 3783 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ حَسّانَ السَّمْتيُّ، حَدَّثَنا المُبارَك بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: كانَ أَحَبُّ الطَّعامِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- الثَّرِيدَ مِنَ الخُبْزِ والثَّرِيدَ مِنَ الحَيْسِ. قالَ أَبُو داوُدَ: وَهُوَ ضَعِيفٌ (¬1). * * * باب في أكل الثريد [3783] (حدثنا محمد بن حسان) بن خالد (السمتي) بفتح السين المهملة وسكون الميم وكسر التاء المثناة فوق، نسبة إلى السمت والهيئة الحسنة، قال ابن معين: ليس به بأس (¬2). وذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3). (حدثنا المبارك بن سعيد) أخو سفيان الثوري الكوفي نزل بغداد، قال أبو حاتم: ليس به بأس (¬4). وقال الطنافسي: ما رأيت الأعمش أوسع لأحد في مجلسه إلا له، قال له: هاهنا عندي. وأقعده إلى جانبه، ثم حدثنا تسعة أحاديث (¬5). ¬

_ (¬1) رواه الحاكم 4/ 116، والبيهقي في "الآداب" (417)، وأبو الشيخ في "أخلاق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" (659). وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (4315). (¬2) "تاريخ ابن معين" رواية ابن محرز 1/ 87 - 88. (¬3) "الثقات" 9/ 84 وفيه: (السهمي) بدلًا من (السمتي). (¬4) "الجرح والتعديل" 8/ 340. (¬5) السابق.

(عن) أخيه الآخر (عمر بن سعيد) وثقه النسائي (عن رجل من أهل البصرة، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: كان أحب الطعام إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الثريد) فعيل بمعنى مفعول، ولم يرد عين الثريد، وإنما أراد الطعام المتخذ من اللحم والثريد معًا؛ لأن الثريد غالبًا لا يكون إلا من اللحم، يقال: الثريد أحد اللحمين، بل اللذة والقوة إذا كان اللحم نضيجًا في المرق أكثر مما في اللحم وحده. وروى أبو الشيخ في رواية ابن سمعان قال: سمعت من علمائنا يقولون: كان أحب الطعام إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- اللحم، ويقولون: هو يزيد في العقل. وللترمذي في "الشمائل" من حديث جابر: أتانا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في منزلنا فذبحنا له شاة، فقال: "كأنهم علموا أنا نحب اللحم" (¬1). (من الخبز) يعني: مع اللحم، كما تقدم (والثريد من الحيس. قال أبو داود: وهو ضعيف) بفتح الحاء المهملة وسكون المثناة تحت، وهو الطعام المتخذ من التمر والأقط والسمن، وقد يجعل عوض الأقط الدقيق أو الفتيت، وصفته أن يؤخذ التمر أو العجوة فينزع منه النوى، ثم يدق مع أقط أو دقيق أو فتيت أو رقاق ونحوه، ويعجنان بالسمن ثم يدلك باليد حتى يبقى كالثريد، وربما جعل معه سويق، وهو مصدر في الأصل، يقال: حاس الرجل كباع، إذا اتخذ ذلك. وروى أحمد هذا الحديث من طريق محمد بن عيسى، عن مبارك بن ¬

_ (¬1) "الشمائل المحمدية" (170). وصححه الألباني في "مختصر الشمائل" (152).

سعيد، عن أخيه عمر بن سعيد، عن عكرمة قال: صنع ابن جبير لابن عباس طعامًا فأتاه، فقال: يا سعيد بن جبير: إني لست أتأمر على إنسان في بيته، وإنما أعدك منا فأتنا بثريد، فإنه كان أحب الطعام إلى رسول -صلى اللَّه عليه وسلم- الثريد من الخبز، والثريد من التمر، يعني: الحيس، فلما فرغ قال: ارفع يا غلام، المحمود اللَّه، المعبود والمشكور اللَّه (¬1). * * * ¬

_ (¬1) رواه البيهقي في "الشعب" 5/ 96 (5922) من طريق الحسن بن عرفة عن المبارك بن سعيد عن عكرمة، به.

23 - باب في كراهية التقذر للطعام

23 - باب في كَراهِيَة التَّقَذُّر لِلطَّعامِ 3784 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن مُحَمَّدٍ النُّفَيْليُّ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا سِماكُ بْن حَرْبٍ حَدَّثَني قَبِيصَةُ بْنُ هُلْبٍ عَنْ أَبِيهِ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقالَ إِنَّ مِنَ الطَّعامٍ طَعامًا أَتَحَرَّجُ مِنْهُ. فَقالَ: "لا يَتَخَلَّجَنَّ في صَدْرِكَ شَيء ضارَعْتَ فِيهِ النَّصْرانِيَّة" (¬1). * * * باب في كراهية التقذر للطعام [3784] (حدثنا) عبد اللَّه بن محمد (النفيلي) نسبة إلى جده نفيل، روى عنه البخاري في آخر تفسير (¬2) سورة البقرة (¬3) (حدثنا زهير، حدثنا سماك بن حرب، قال: حدثني قبيصة بن هلب) بضم الهاء وسكون اللام بعدها باء موحدة، ويقال: هلب بفتح الهاء وكسر اللام، وصوبه بعضهم، وهو لقب له، واسمه يزيد بن قتادة، وقيل: يزيد بن عدي بن قتادة، وقيل: بل هو هلب بن يزيد (عن أبيه) هلب الطائي، وفد على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو أقرع فمسح رأسه، فنبت شعره، فسمي الهلب لذلك، وهو كوفي (قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وسأله رجل) عن شيء من طعام النصارى (فقال: إن من الطعام طعامًا أتحرج ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1565)، وابن ماجه (2830)، وأحمد 5/ 226. وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (7663). (¬2) ساقطة من (ل)، (م). (¬3) البخاري (4545).

منه) أي: أضيق على نفسي الأكل منه، يقال: تحرج فلان إذا فعل فعلًا تحرج به، من الحرج، وهو الإثم والضيق. (فقال: لا يتحلجن) بفتح التحتانية والفوقانية والحاء المهملة واللام المشددة والجيم (في صدرك) طعام، أي: لا يدخل قلبك منه شيء يتردد فيه؛ فإنه نظيف، فلا يدخل فيه الريب والشك، وأصله من الحلج بفتح الحاء وسكون اللام، وهو الحركة والاضطراب، ومنه سمي حلج القطن، قال في "النهاية" وغيرها: ويروى بالخاء المعجمة من الخلج، أي: لا يتحركن الشك في قلبك، إن ما شابهت فيه النصارى حرام أو خبيث أو مكروه (¬1)، وهو الجذب والنزاع، ومنه الحديث: "لتردن عليَّ الحوض، ثم لتختلجن دوني" (¬2) أي: تجتذبون وتقتطعون دوني (شيء ضارعت) أي: لا يتحركن في صدرك وقلبك ما شابهت (فيه النصرانية) أي: تشابه به النصارى، فإنه حرام أو خبيث أو مكروه، وفيه النهي عن التشبه بالنصارى واليهود بما يقع في قلوبهم من الشكوك والاعتقادات الباطلة والتقذر من الأطعمة التي أباحها الشارع (¬3). * * * ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/ 85. (¬2) رواه البخاري (6576). (¬3) في (ل)، (م): الشرع.

24 - باب النهي عن أكل الجلالة وألبانها

24 - باب النَّهْي عَنْ أَكْلِ الجَلَّالَةِ وَأَلْبانِها 3785 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا عَبْدَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنِ ابن أَبي نَجِيحٍ، عَنْ مُجاهِدٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قالَ: نَهَى رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنْ أَكْلِ الجَلَّالَةِ وَأَلْبانِها (¬1). 3786 - حَدَّثَنا ابن المُثَنَّى حَدَّثَني أبُو عامِرٍ، حَدَّثَنا هِشامٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عَنْ لَبَنِ الجَلَّالَةِ (¬2). 3787 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن أَبي سُرَيْج أَخْبَرَني عَبْدُ اللَّهِ بْن جَهْمٍ، حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ أَبي قَيْسٍ عَنْ أيُّوبَ السَّخْتِيانيِّ عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنِ الجَلَّالَةِ في الإِبِلِ أَنْ يُرْكَبَ عَلَيْها، أَوْ يُشْرَبَ مِنْ أَلْبانِها (¬3). * * * باب النهي عن أكل الجلالة [3785] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبدة) بن سليمان الكلابي (عن محمد بن إسحاق) صاحب "المغازي" (عن) عبد اللَّه بن يسار (ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-[عن أكل الجلالة]) (¬4) من أبنية المبالغة، وهي الحيوان الذي يأكل ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1824)، وابن ماجه (3189). وصححه الألباني في "الإرواء" (2503). (¬2) رواه الترمذي (1825)، والنسائي 7/ 240، وأحمد 1/ 226. وصححه الألباني في "الإرواء" (2504). (¬3) سلف برقم (2558). (¬4) ساقطة من (ل)، (م).

العذرة، والجلة بفتح الجيم هي البعرة، وتجمع على جلالات، على لفظ الواحدة، وجوال (¬1) كدابة ودواب (¬2)، فوضع البعر موضع العذرة، فيقال: جلت الدابة الجلة واجتلتها فهي جالة وجلالة، وسواء في الجلالة: الإبل والبقر والغنم وغيرها كالدجاج والإوز وغيرهما، وادعى ابن حزم (¬3) أنها لا تقع إلا على ذات الأربع خاصة، ثم قيل: إن كان أكثر علفها النجاسة فهي جلالة، وإن كان أكثر علفها الطاهر فليست جلالة وجزم به النووي في "تصحيح التنبيه"، وقال في "الروضة" تبعًا للرافعي: الصحيح أنه لا اعتداد بالكثرة، بل بالرائحة والنتن، فإن تغير ريح عرقها ولحمها أو طعمها أو لونهما (¬4)، كما صرح به الشيخ أبو محمد في "التبصرة" (¬5)، وكذا لو تغير جلدها ولبنها، كما سيأتي، وفيه حجة لما قاله أصحابنا وغيرهم أنه يحرم أكل لحم (¬6) الجلالة؛ لورود النهي عنه، وقيل: يكره كما في اللحم المذكى، إذا أنتن لا يحرم، قال الشيخ عز الدين: لو غذى شاة عشر سنين بأكل حرام لم يحرم عليه أكلها ولا على غيره (¬7)، وهذا أشبه احتمالي البغوي، وإذا قلنا (¬8) ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) "المصباح المنير" 1/ 105. (¬3) "المحلى" 7/ 410. (¬4) "روضة الطالبين" 3/ 278. (¬5) "التبصرة" ص 573. (¬6) ساقطة من (م). (¬7) "قواعد الأحكام" 1/ 335. (¬8) ساقطة من (ل)، (م).

بالتحريم أو الكراهة، فإن علفت طاهرًا فطاب لحمها حل؛ لأن علة النهي (¬1) التغير قد زالت. ونقل الإمام فيه الاتفاق (¬2)، لكن في "فتاوى البغوي" عن القاضي: لو عولج حتى زال التغير لا يطهر، كما لو خلل الخمر بالعلاج، بخلاف ما إذا زال بنفسه، والأول المشهور، وليس في العلف مدة مقدرة، وعن بعضهم في الإبل والبقر أربعين يومًا، وفي الغنم سبعة أيام، وفي الدجاج ثلاثة، واختاره في "المهذب" (¬3) و"التحرير". (و) عن (ألبانها) وبيضها، وكذا يكره ركوبها بلا حائل، والجدي إذا رضع لبن كلبة أو خنزير حتى نبت به لحمه، فهو كالجلالة فيما تقدم، قال ابن سراقة: ولا يفسد لحمه بذلك. [3786] (حدثنا) محمد (ابن المثنى، حدثنا أبو عامر) عبد الملك بن عمرو العقدي (حدثنا هشام، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن لبن الجلالة) كره أبو حنيفة العمل عليها أيضًا حتى تحبس (¬4)، ورخص الحسن في لحومها وألبانها (¬5)؛ لأن الحيوانات لا تنجس بأكل النجاسات؛ بدليل أن شارب الخمر لا يحكم بتنجيس أعضائه، والكافر الذي يأكل لحم الخنزير لا يكون ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل)، (م). (¬2) "نهاية المطلب" 18/ 214. (¬3) "المهذب" للشيرازي 1/ 250. (¬4) انظر: "المبسوط" 11/ 255، "بدائع الصنائع" 5/ 40. (¬5) رواه ابن أبي شيبة 12/ 432 (25096).

ظاهره نجسًا، ولو نجس لما طهر بالإسلام والاغتسال، والجمهور على العمل بالنهي؛ لأن لحمها يتولد من النجاسة فيكون نجسًا كرماد النجاسة، وأما شارب الخمر فليس ذلك أكثر غذائه، وإنما يتغذى الطاهرات، وكذلك الكافر في الغالب، فهو كما لو أكل الحيوان العذرة في بعض الأوقات. [3787] (حدثنا أحمد بن أبي سريج) بضم السين المهملة وآخره جيم، وهو ابن الصباح الرازي شيخ البخاري (قال: أخبرني عبد اللَّه بن جهم) الرازي، صدوق (ثنا عمرو بن أبي قيس) الرازي الأزرق، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬1). (عن أيوب) بن أبي تميمة (السختياني) بفتح السين المهملة، نسبة إلى عمل السختيان وبيعه، وهي الجلود الضأنية ليست بأدم (عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الجلالة في الإبل أن يركب عليها) إنما خص ذكر الإبل هنا دون غيرها؛ لأنها التي تركب (¬2)، فلما كان النهي عنها عن الركوب اختص النهي بما يركب عليها ويحمل الأثقال، وبهذا قال عمر بن الخطاب وابنه راوي الحديث وأصحاب الرأي عملًا بظاهره؛ لأنها تعرق في الأحمال الثقيلة فتلوث ما عليها بعرقها، وهذا ما لم تحبس، فإذا حبست جاز ركوبها عند الجميع. (أو يشرب من ألبانها) هذا لا يدل على إباحة غير اللبن؛ لأن ذكر ¬

_ (¬1) "الثقات" 7/ 220. (¬2) في (م): يركب عليها.

أحد أنواع الجنس لا يدل على ما عداه، وعن أحمد تحريم أكل الزروع والثمار التي سقيت بالنجاسات (¬1)؛ لحديث ابن عباس: كنا نكري أراضي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ونشترط عليهم (¬2) أن لا يدملوها بعذرة الناس (¬3). لأنها إذا تغذت بالنجاسات تترقى فيها أجزاؤها، فعلى هذا تطهر إذا سقيت الطاهرات كالجلالة إذا حبست، والجمهور على الطهارة؛ لأن النجاسة تستحيل في باطنها فتطهر بالاستحالة، كالدم يستحيل في أعضاء الحيوانات لحمًا ويصير لبنًا. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" 13/ 330. (¬2) في جميع النسخ: عليها، والمثبت من "سنن البيهقي" 6/ 139. (¬3) رواه البيهقي 6/ 139 وضعفه. وانظر: "إرواء الغليل" (2507).

25 - باب في أكل لحوم الخيل

25 - باب في أَكْلِ لُحُومِ الخَيْلِ 3788 - حَدَّثَنا سُلَيْمان بْن حَرْبٍ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ عَليٍّ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: نَهانا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَوْمَ خَيْبَرَ، عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ وَأَذِنَ لَنا في لُحُومِ الخَيْلِ (¬1). 3789 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: ذَبَحْنا يَوْمَ خَيْبَرَ الخَيْلَ والبِغالَ والحَمِيرَ فَنَهانا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنِ البِغالِ والحَمِيرِ وَلَمْ يَنْهَنا عَنِ الخَيْلِ (¬2). 3790 - حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ شَبِيبٍ وَحَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ الحِمْصيُّ قالَ حَيْوَةُ: حَدَّثَنا بَقِيَّةُ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ صالحِ بْنِ يَحْيَى بْنِ المِقْدامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَنْ خالِدِ بْنِ الوَلِيدِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الخَيْلِ والبِغالِ والحَمِيرِ زادَ حَيْوَةُ وَكُلِّ ذي نابٍ مِنَ السِّباعِ. قالَ أَبُو داوُدَ: وَهُوَ قَوْلُ مالِكٍ. قالَ أَبُو داوُدَ: لا بَأْسَ بِلُحُومِ الخَيْلِ وَلَيْسَ العَمَلُ عَلَيْهِ. قالَ أَبُو داوُدَ: وهذا مَنْسُوخٌ قَدْ أَكَلَ لُحُومَ الخَيْلِ جَمَاعَةَ مِنْ أَصْحابِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْهُمُ: ابن الزُّبَيْرِ وَفَضالَةُ ابْنُ عُبَيْدٍ وَأَنَسٍ بْنُ مالِكٍ وَأَسْماء ابنةُ أَبي بَكْرٍ وَسُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ وَعَلْقَمَةُ، وَكانَتْ قُرَيشٌ في عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- تَذْبَحُها (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4219)، ومسلم (1941). (¬2) انظر الحديث السابق. (¬3) رواه النسائي 7/ 202، وابن ماجه (3198)، وأحمد 4/ 89. وقال الألباني في "الضعيفة" (1149): منكر.

باب في أكل لحوم الخيل [3788] (حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد، عن عمرو بن دينار، عن محمد بن علي) بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم) بالنصب (خيبر عن) أكل (لحوم الحمر) الأهلية، والحمر بضم الميم جمع حمار، ولمسلم: نادى منادي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ألا إن اللَّه ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر، فإنها رجس أو نجس. فأكفئت (¬1) القدور بما فيها (¬2). وقد اختلف العلماء في تحريم لحوم الحمر الأهلية، فالجمهور على تحريمها؛ للأحاديث الصحيحة، وقال ابن عباس: ليست بحرام (¬3). وعن (¬4) مالك [ثلاث روايات] (¬5) أشهرها أنها مكروهة كراهة تنزيه شديدة (¬6). واختلفوا في علة تحريمها: فقيل: لأنها لم تخمس، وقيل: لأنها كانت حمولتهم. وقيل: لأنها كانت تأكل الجلة، [وذكر المصنف هذا الحديث عقب ¬

_ (¬1) تحرفت في جميع النسخ إلى: فألقيت. (¬2) مسلم (1940) من حديث أنس. وهو أيضًا عند البخاري (2991). (¬3) انظر ما رواه البخاري (5529). (¬4) في (ل)، (م): وعند. (¬5) في (م): ثلاثة. (¬6) انظر: "النوادر والزيادات" 4/ 372، "بداية المجتهد" 2/ 908.

ذكر الجلالة يشعر بأن العلة كونها كانت تأكل الجلة] (¬1) كالجلالة (وأذن لنا في) أكل لحوم (الخيل) وفي رواية لمسلم: أكلنا زمن خيبر الخيل (¬2). وقول أسماء: نحرنا فرسًا على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأكلناه (¬3). وهذِه نصوص ظاهرة في إباحة لحوم الخيل، وبه قال جمهور الفقهاء والمحدثين، وذهبت طائفة إلى كراهتها، منهم: ابن عباس (¬4) ومالك (¬5) وأبو حنيفة (¬6)، متمسكين بقوله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} (¬7) واعتذروا عن هذِه الأحاديث بأن ذلك كان في حال مجاعة وشدة حاجة، فأباحها لهم. [3789] (حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد) بن سلمة (عن أبي الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس المكي (عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما قال: ذبحنا يوم خيبر الخيل) فيه أن السنة في الخيل الذبح وأن النحر للإبل (والبغال والحمير) لنأكلها (فنهانا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن) أكل لحوم (البغال والحمير ولم ينهنا عن) أكل لحوم (الخيل) وحمل القائلون [بالكراهة] (¬8) بأن هذا كان في حال المجاعة وشدة الحاجة، ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل، م). (¬2) مسلم (1941/ 37). (¬3) رواه البخاري (5591)، ومسلم (1942). (¬4) في (ل)، (م): عباد. (¬5) انظر: "النوادر والزيادات" 4/ 372 - 373، "التمهيد" 10/ 127. (¬6) انظر: "المبسوط" 11/ 233، "بدائع الصنائع" 5/ 38. (¬7) النحل: 8. (¬8) ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "المفهم" 5/ 228 - 229.

فإن الخيل إنما لم ينه عنها، لأنها كانت بالإباحة أولى للقاعدة المستقرة أن المضطر مهما (¬1) وجد شيئين أحدهما أغلظ في المنع عدل إلى الأخف دون الأثقل، وكذلك يفعل في المحرمات إذا كان أحدهما مثلًا متفقًا على تحريمه، والثاني مختلف فيه، فينبغي للمضطر أن يأكل المختلف فيه. [3790] (حدثنا سعيد بن شبيب) بفتح الشين المعجمة، وكسر الموحدة الأولى، أبو عثمان الحضرمي مصري صدوق (وحيوة بن شريح الحمصي، قال حيوة) بن شريح (حدثنا بقية) بن الوليد بن صائد الحميري، وله متابعة في البخاري (¬2)، قال النسائي: إذا قال (¬3): حدثنا أو أخبرنا فهو ثقة. (عن ثور بن يزيد) الكلاعي، قال وكيع: أعبد من رأيت (¬4). أخرج له البخاري، لكنه أخرجوه من حمص وأحرقوا داره لكونه قدريًّا. (عن صالح بن يحيى بن المقدام بن معدي كرب) ذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: قد يخطئ (¬5). (عن أبيه) يحيى (عن جده) المقدام بن معدي كرب بن عمرو بن يزيد ¬

_ (¬1) في (م): إذا. (¬2) عقيب حديث (707). (¬3) ساقطة من (ل)، (م). (¬4) رواه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 1/ 227، وابن عدي في "الكامل" 2/ 311. ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 11/ 190. (¬5) "الثقات" 6/ 459.

الكندي، نزيل حمص، أخرج له البخاري (¬1). (عن خالد بن الوليد) المخزومي سيف اللَّه -رضي اللَّه عنه- (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن أكل لحوم الخيل) رواه أحمد وزاد: والبغال والحمير (¬2). قال البيهقي: كذا رواه محمد بن عمر الواقدي إلا أنه قال: نهى يوم خيبر عن أكل لحوم الخيل. قال الواقدي: لا يصح هذا الحديث؛ لأن خالدًا أسلم بعد فتح خيبر (¬3). وقال البيهقي: استدل أبو حنيفة بهذا الحديث على أن لحم الفرس مكروه في رواية وحرام في رواية أخرى (¬4). وليس فيه حجة؛ لأن أبا داود قال: إنه منسوخ. وقال النسائي: حديث الإباحة أصح، قال: ويشبه إن كان هذا صحيحًا أن يكون منسوخًا. قال النووي: اتفق العلماء من أئمة الحديث وغيرهم على أنه حديث ضعيف. وقال بعضهم: هو منسوخ (¬5). (زاد حيوة) بن شريح (و) عن (كل ذي ناب من السباع) الناب السن التي خلف الرباعية، جمعه أنياب، قال ابن سينا: لا يجتمع في حيوان ¬

_ (¬1) (2128). (¬2) "المسند" 4/ 89. (¬3) قاله في "الخلافيات" كما في "مختصر الخلافيات" 5/ 90، وانظر: "معرفة السنن والآثار" 14/ 96. (¬4) انظر: "مختصر خلافيات البيهقي" 5/ 89. (¬5) "مسلم بشرح النووي" 13/ 96.

واحد ناب وقرن معًا. وفي لفظ لمسلم: "كل ذي ناب من السباع فهو حرام" (¬1) وذو الناب كأسد ونمر وذئب ودبٍّ وفيل وقرد، وكذا ابن آوى وهرة وحش في الأصح، وكذا النمس في الأصح كما قال ابن الصلاح، وسئل أحمد عن ابن آوى وابن عرس فقال: كل شيء ينهش بأنيابه فهو من السباع (¬2). وبه قال أبو حنيفة وأصحابه (¬3)، وقال الشافعي: وابن عرس مباح (¬4)؛ لأنه ليس له ناب قوي فأشبه الضب. * * * ¬

_ (¬1) مسلم (1933). (¬2) انظر: "المغني" 13/ 320. (¬3) انظر: "تبيين الحقائق" 5/ 294، "البحر الرائق" 8/ 195. (¬4) انظر: "الحاوي الكبير" 15/ 140، "نهاية المطلب" 18/ 211، "البيان" للعمراني 4/ 504.

26 - باب في أكل الأرنب

26 - باب في أَكْلِ الأَرْنَبِ 3791 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ عَنْ هِشامِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ ابْنِ مالِكٍ قالَ: كنْتُ غُلامًا حَزَوَّرًا فَصِدْت أَرْنَبًا فَشَوَيْتُها فَبَعَثَ مَعي أَبُو طَلْحَةَ بِعَجُزِها إِلَى النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَأَتَيْتُهُ بِها فَقَبِلَها (¬1). 3792 - حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ، حَدَّثَنا رَوْحُ بْن عُبادَةَ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ خالِدٍ قالَ: سَمِعْتُ أَبي خالِدَ بْنَ الحُوَيْرِثِ يَقُول: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو كانَ بِالصِّفاحِ قالَ مُحَمَّدٌ: مَكانٌ بِمَكَّةَ وَإِنَّ رَجُلًا جاءَ بِأَرْنَبٍ قَدْ صادَها فَقالَ: يا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو ما تَقُول؟ قالَ: قَدْ جَيءَ بِها إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَأَنا جالِسٌ فَلَمْ يَأْكُلْها وَلَمْ يَنْهَ عَنْ أَكْلِها وَزَعَمَ أَنَّها تَحِيضُ (¬2). * * * باب في أكل الأرنب [3791] (حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد) بن سلمة (عن هشام (¬3) بن زيد) بن أنس بن مالك الأنصاري (عن) جده (أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: كنت غلامًا حزورًا) بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي وفتح الواو المخففة، على وزن قسورة، وبعضهم يشدد الواو. قال الشافعي: الناس يشددون الحزورة والحديبية، وهما مخففتان (¬4). وجمعه حزاورة. ومنه الحديث: كنا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- غلمانًا ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2572)، ومسلم (1953). (¬2) رواه البيهقي 9/ 321، وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود". (¬3) فوقها في (ل، ح): (ع). (¬4) انظر: "المجموع المغيث" 1/ 444.

حزاورة (¬1). وهو الذي قارب البلوغ، والتاء لتأنيث الجمع، ولعله شبه بحزورة الأرض، وهي الرابية الصغيرة، ومنه حديث عبد اللَّه بن الحمراء أنه سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو واقف بالحزورة من مكة (¬2). وهو موضع بها عند باب الحناطين (¬3). (فصدت أرنبًا) وهو حيوان طويل اليدين [طويل الرجلين] (¬4)، عكس الزرافة، ويكون عامًا ذكرًا وعامًا أنثى كالضبع، قال الأطباء: إذا شرب من دماغه حبتان في أوقيتين من لبن البقر لم يشب شاربه. لفظ البخاري: أنفجنا أرنبًا ونحن بمر الظهران، فسعى القوم فلغبوا، فأخذتها، فجئت بها إلى أبي طلحة فذبحها (¬5). (فشويتها) يعني: بعد أن ذبحها أبو طلحة؛ لأن ذبح البالغ أولى، وظاهره أنه شواها صحيحة قبل أن تقطع. ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (61)، والطبراني 2/ 165 (1678)، وابن منده في "الإيمان" 1/ 370 (208)، وابن بطة في "الإبانة" 2/ 847 (1136)، والبيهقي في "السنن الكبرى" 3/ 120، وفي "الشعب" 1/ 75 (51) من حديث جندب بن عبد اللَّه البجلي. قال البوصيري في "المصباح" 1/ 12: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات. (¬2) رواه الترمذي (3925)، والنسائي في "الكبرى" 2/ 479 - 480، وابن ماجه (3108)، وأحمد 4/ 305، والدارمي 3/ 1632 (2552)، والطبراني في "مسند الشاميين" 4/ 174، وابن عبد البر في "التمهيد" 2/ 289. وصححه ابن حبان 9/ 22 (3708)، والحاكم في "المستدرك" 3/ 7، 431، وابن عبد البر 2/ 288، والحافظ في "الفتح" 3/ 67. (¬3) روى أحمد 4/ 305: ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: وقف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على الحزورة، فقال: . . . قال عبد الرزاق: والحزورة عند باب الحناطين. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬5) البخاري (2572، 5535).

(فبعث معي أبو طلحة) زيد بن سهل الأنصاري زوج أم سلمة (¬1) (بعجزها) بضم الجيم بوزن رجل، وهو الورك، ولفظ البخاري: فبعث بوركيها أو بفخذيها (¬2). (إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأتيته بها، فقبلها) والورك فوق الفخذ. وقد اختلف العلماء في العمل بحديث أنس هذا في جواز أكل الأرنب، فحكي عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص تحريمه، وعن ابن أبي ليلى كراهته (¬3). وقد ذكر عبد الرزاق من حديث عبد الكريم بن أمية -وهو ضعيف- قال: قال: سأل جرير بن أنس (¬4) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الأرنب، فقال: "أنبئت أنها تحيض فلا آكلها". وهو منقطع (¬5). وذكر النسائي عن موسى بن عقبة (¬6) قال: أتي رسول اللَّه بأرنب قد شواها رجل، فقال له: يا رسول اللَّه، إني رأيت بها دمًا. فتركها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فلم يأكلها، وقال لمن عنده: "لو اشتهيتها أكلتها" (¬7). وغاية هذين الحديثين يدلان على استقذارها مع جواز أكلها، وعند (¬8) الشافعي يحل أكلها (¬9). ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل، م)، والصواب: أم سليم. (¬2) البخاري (5535). (¬3) رواه ابن أبي شيبة 5/ 117 (24275). (¬4) كذا في جميع النسخ: وفي "مصنف عبد الرزاق": أوس. (¬5) "مصنف عبد الرزاق" 4/ 518. (¬6) كذا في جميع النسخ وفي "سنن النسائي": طلحة. (¬7) "المجتبى" 4/ 224. (¬8) في (م): وقال. (¬9) "الأم" ط. دار الوفاء 3/ 629.

[3792] (حدثنا يحيى بن خلف) الباهلي شيخ مسلم، روى عنه في الأيمان والنذور والطب (¬1). (حدثنا روح (¬2) بن عبادة) القيسي الحافظ. (حدثنا محمد بن خالد) بن الحويرث المخزومي (قال: سمعت أبي خالد بن الحويرث) المكي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3). (يقول: إن عبد اللَّه بن عمرو) بن العاص رضي اللَّه عنهما (كان بالصفاح) بكسر الصاد المهملة وتخفيف الفاء وبعد الألف جاء مهملة، موضع بين حنين وأنصاب الحرم (¬4) يسرة الداخل إلى مكة. (قال محمد) بن خالد المخزومي (مكان) ذلك المكان (بمكة) وهناك لقي الفرزدق الحسين بن علي رضي اللَّه عنهما لما عزم على العراق. وأنشد الفرزدق: حَلَفتُ بأيدي البُدنِ تَدمى نُحورُها ... نَهارًا وَما ضَمّ الصِّفَاحُ وَكَبْكَبُ (¬5) وكبكب من وراء جبال عرفة، وأنشد عمر بن أبي ربيعة: وقامتْ تراءى بالصّفاحِ كأنما ... كانتْ تريدُ لنا بذاكَ ضرارا (¬6) وقيل: الصفاح ثنية من وراء يساف بن معمر، والناس يغلطون ¬

_ (¬1) (218، 1656، 2203). (¬2) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬3) "الثقات" 4/ 198. (¬4) ساقطة من (م). (¬5) "ديوان الفرزدق" 1/ 80. (¬6) "ديوان عمر بن أبي ربيعة" ص 149 وفيه: (عمدًا تريد) بدلًا من (كانت تريد).

فيقولون: نساب بن عامر. واللَّه أعلم. (وأن رجلا جاء بأرنب قد صادها، فقال: يا عبد اللَّه بن عمرو، ما تقول) في هذِه. (قال) عبد اللَّه بن عمرو (قد جيء بها إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنا جالس) عنده (فلم يأكلها) قال ابن [قدامة] (¬1) (¬2): لم نعلم قائلا بتحريمها إلا شيئًا روي عن عمرو بن العاص. يعني: راوي هذا الحديث، ويحتمل أن يكون ترك أكلها شفقة على أولادها، فقد جاء في رواية أنها كانت معها على ما رواه أحمد والنسائي عن أبي هريرة قال: جاء أعرابي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بأرنب ومعها صنابها وأدمها، فوضعها بين يديه، وأمسك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فلم يأكل وأمر أصحابه أن يأكلوا (¬3) (ولم ينه عن أكلها) لعدم تحريم أكلها. (وزعم) فيه استعمال زعم للمحقق وأكثر استعمالها فيما يشك فيه (أنها تحيض) وذكر عبد الرزاق عن جرير بن أوس سأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الأرنب فقال: "لا آكلها؛ أنبئت أنها تحيض" (¬4). تقدم أنها تكون عاما ذكرًا [وعاما أنثى] (¬5) كالضبع، فتلقح في حال الذكورة وتحيض وتلد في حال الأنوثة، ذكره الجاحظ (¬6). * * * ¬

_ (¬1) ساقطة من (م)، (ح)، وفي (ل) بياض. (¬2) "المغني" 13/ 325. (¬3) "المسند" 2/ 336، 346، "المجتبى" 4/ 222 - 224. (¬4) "المصنف" 4/ 518. (¬5) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل). (¬6) "الحيوان" 7/ 168 في الكلام عن الضبع دون ذكر الأرنب.

27 - باب في أكل الضب

27 - باب في أَكْلِ الضَّبِّ 3793 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ خالَتَهُ أَهْدَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- سَمْنًا وَأَضُبّا وَأَقِطًا فَأَكَلَ مِنَ السَّمْنِ وَمِنَ الأقَطِ، وَتَرَكَ الأَضُبَّ تَقَذُّرًا وَأُكِلَ عَلَى مائِدَتِهِ، وَلَوْ كانَ حَرامًا ما أُكِلَ عَلَى مائِدَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1). 3794 - حَدَّثَنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ أَبي أُمامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبّاسٍ، عَنْ خالِدِ بْنِ الوَلِيدِ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بَيْتَ مَيْمُونَةَ فَأُتِيَ بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ، فَأَهْوى إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِيَدِهِ، فَقالَ بَعْضُ النِّسْوَةِ اللَّاتي في بَيْتِ مَيْمُونَةَ: أَخْبِرُوا النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بما يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، فَقالُوا: هُوَ ضَبٌّ. فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَدَهُ. قالَ: فَقُلْتُ أَحَرامٌ هُوَ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قالَ: "لا وَلكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمي فَأَجِدُني أَعافُهُ". قالَ خالِدٌ: فاجْتَرَرْتُهُ فَأَكَلْتُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَنْظُرُ (¬2). 3795 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْن عَوْنٍ، أَخْبَرَنا خالِدٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ ثابِتِ بْنِ وَدِيعَةَ قالَ: كُنّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- في جَيْشٍ فَأَصَبْنا ضِبابًا قالَ: فَشَوَيْتُ مِنْها ضَبّا فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ قالَ: فَأَخَذَ عُودًا فَعَدَّ بِهِ أَصابِعَهُ، ثُمَّ قالَ: "إِنَّ أُمَّةً مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مُسِخَتْ دَوابَّ في الأَرْضِ، وَإنّي لا أَدْري أي: الدَّوابِّ هيَ". قالَ: فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَنْهَ (¬3). 3796 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن عَوْفٍ الطّائيُّ أَنَّ الحَكَمَ بْنَ نافِعٍ حَدَّثَهُمْ، حَدَّثَنَا ابن ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2575)، ومسلم (1947). (¬2) رواه البخاري (5391)، ومسلم (1946). (¬3) رواه النسائي 7/ 199 - 200، وابن ماجه (3238)، وأحمد 4/ 220، 5/ 390، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".

عيّاشٍ، عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ زُرْعَةَ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبي راشِدٍ الحُبْرانيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عَنْ أَكْلِ لَحْمِ الضَّبِّ (¬1). * * * باب في أكل الضب [3793] (حدثنا حفص بن عمر) الحوضي، شيخ البخاري (حدثنا شعبة عن أبي بشر) (¬2) بيان بن بشر (¬3) بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة في الكنية والاسم (¬4) (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أن خالته) أم حفيد بنت الحارث، ويقال: أم حفيدة. واسمها هزيلة الهلالية من أخوات ميمونة (أهدت إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سمنًا وأقطًا) بفتح الهمزة وكسر القاف، هذِه اللغة المشهورة، وهو اللبن المجبن المجفف الذي استخرج زبده ويبس حتى استخرج ليطبخ به عند قلة اللبن (وأضبًّا) بفتح الهمزة وضم الضاد بوزن أكفًّا، جمع ضب كما أن أكفا جمع كف، والضب دابة تشبه الجرذون، منها ما هو قدر الجرذون، ومنها ما هو أكبر. قال عبد اللطيف البغدادي: الورل والضب والحرباء وشحمة الأرض والوزغ كلها متناسبة في الخلق، وللضب ذكران وللأنثى فرجان، وهو ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 9/ 326، وحسنه الألباني في "الصحيحة" (2390). (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) ترجمه المصنف على أنه بيان بن بشر، وقد وهم؛ إنما هو: جعفر بن إياس. (¬4) كذا في الأصول، وهو خطأ، والصواب: جعفر بن إياس أبي وحشية، انظر: "تهذيب الكمال" 4/ 303، 5/ 5.

طويل العمر، ويأكل رجيعه ويرجع في قيئه كالكلب، ويغذى بالنسيم ويعيش ببرد الهواء (فأكل من السمن ومن الأقط) لفظ البخاري: شرب اللبن وأكل الأقط (¬1). وفيه دليل على جواز الجمع بين أدمين (وترك) الأكل من (الأضب تقذرًا) نصب على المفعول له، أي تركه لأجل تقذره منه، يقال: تقذرت الشيء واستقذرته. إذا كرهته، قاله الجوهري (¬2)، وهذِه الكراهة لا تتعلق باختيار الشخص حتى يحكم على الذي استقذره النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالكراهة الشرعية (وأكل) الضب (على مائدته) من قولهم: ما دني. أي: أطعمني. قال أبو عبيدة (¬3): هي فاعلة بمعنى مفعولة، أي مطعمة مما عليها لمن يأكل منها، فلا تسمى مائدة حتى يكون عليها طعام، وإلا فهي خوان. وفي البخاري عن أنس: ما أكل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على خوان. فقيل لقتادة -يعني: الراوي عن أنس- فعلام كانوا يأكلون؟ قال: على السفر (¬4). وقيل: المائدة من ماد إذا تحرك، فسميت بذلك؛ لأنها تتحرك فهي اسم فاعل على بابه. قال الغزالي: من أدب الطعام أن يوضع على السفرة الموضوعة على الأرض؛ لأنها تذكر سفر الآخرة، وهو أقرب إلى فعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من رفع الطعام على المائدة. ¬

_ (¬1) البخاري (5402). (¬2) "الصحاح" 2/ 787. (¬3) "مجاز القرآن" 1/ 182. (¬4) البخاري (5386، 5415).

وقيل: أربع أحدثت بعد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: الموائد، والمناخل، والأشنان، والشبع. ثم قال: لسنا نقول: الأكل على المائدة منهي عنه نهي كراهة أو تحريم؛ إذ لم يثبت فيه نهي، فليس كل ما أبدع منهيًّا عنه، بل المنهي عنه بدعة تضاد سنة ثابتة وترفع أمرًا من الشرع مع بقاء علته، بل الإبداع قد يجب في بعض الأحوال إذا تغيرت الأسباب، وليس في المائدة إلا رفع الطعام عن الأرض ليتيسر الأكل، ففي المائدة تيسير للأكل فهو أيضًا مباح (¬1). (ولو كان حرامًا ما أكل على مائدة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) واحتجاج ابن عباس حجة على من قال: الأكل منها حرام. ذكر ذلك أبو حامد الإسفراييني عن مالك، ووجهه أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يقر على باطل. [3794] (حدثنا) عبد اللَّه بن محمد (¬2) (القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي أمامة) أسعد (بن سهل (¬3) بن حنيف، عن عبد اللَّه بن عباس، عن خالد بن الوليد -رضي اللَّه عنه- أنه دخل مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، بيت ميمونة) زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهي خالته وخالة ابن عباس (فأتي بضب) هو دويبة تأكله الأعراب، وتقول العرب: هو قاضي الطير والبهائم. زاد في البخاري: قدمت به أختها حفيدة من نجد، فقدمت الضب لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان قلما يقدم يده لطعام حتى يحدث به ويسمى له (¬4). ¬

_ (¬1) انتهى من "إحياء علوم الدين" 2/ 3. (¬2) كذا في جميع النسخ والصواب: مسلمة. (¬3) فوقها في (ل، ح): (ع). (¬4) البخاري (5391)، وهو أيضًا عند مسلم (1946).

(محنوذ) بحاء مهملة وذال معجمة، أي: مشوي في حفير من الأرض، من قوله تعالى: {جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} (¬1) وقيل: هو المشوي بالرضف، وهي الحجارة المحماة، ومنه حديث الخنثى (¬2): عجلت قبيل حنيذها بشواء أي: عجلت قبل القرى ولم تنتظر المشوي. (فأهوى إليه) بيده، أي: أمال إليه بيده ليأخذه، يقال: أهوى بيده وأهوى يده إلى الشيء: تناوله، وقيل: قصده بيده إليه (رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بيده) الكريمة (فقال بعض النسوة اللاتي) حاضرين (في بيت ميمونة: أخبروا) ولفظ البخاري: أخبرن (¬3) (النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) بنون ضمير النسوة، وهو أليق بالمعنى (بما) قدمتن له، فإنه (يريد أن يأكل منه) وإنما كان يسمى له الطعام الذي يريد أن يأكل منه؛ ليقبل على ما يحب ويترك ما لا يحب فإنه عليه السلام ما كان يذم شيئًا. (فقالوا) يعني: بعض النسوة. ولمسلم: فنادت امرأة من نساء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: إنه لحم ضب (هو ضب) وفي رواية لمسلم: قالت له ميمونة: إنه لحم ضب (¬4). (فرفع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يده) ولمسلم أيضًا: فكف يده، وقال: "لم آكله قط". وقال لهم: "كلوا" فأكل منه الفضل وخالد بن الوليد والمرأة (¬5). ¬

_ (¬1) هود: 69. (¬2) أخرجه الخطابي في "غريب الحديث" 3/ 150. (¬3) البخاري (5391)، وهو أيضًا عند مسلم (1946). (¬4) مسلم (1944). (¬5) مسلم (1948).

(قال: فقلت: أحرام هو يا رسول اللَّه؟ ) لفظ البخاري: فقال خالد بن الوليد: أحرام الضب يا رسول اللَّه (¬1)؟ . (قال: لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي) قال القرطبي: ظاهره أنه لم يكن موجودًا فيها، وعن بعض العلماء أن الضب موجود عندهم بمكة غير أنه قليل وأنهم لا يأكلونه (¬2). (فأجدني أعافه) أي: أجد نفسي تكرهه. ولا يلزم من كراهة النفس أن يكون مكروه الأكل في الشرع كما تقدم في التقذر، فإن المعنى: أكرهه تقذرًا، فقد أجمع العلماء على أن الضب حلال ليس بمكروه، إلا ما حكي عن أصحاب أبي حنيفة من كراهته (¬3) وما حكاه عياض عن بعضهم أنه حرام (¬4)، وحكي عن الثوري وعن علي نحوه (¬5)، لحديث: نهى عن أكل لحم الضب (¬6). ولأنه ينهش فأشبه ابن عرس وأكثر الصحابة والفقهاء على إباحته، ولم يثبت عن غيرهم خلافه؛ فكان إجماعًا. (قال خالد) بن الوليد (فاجتررته، فأكلته ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ينظر) هذا تصريح بما اتفق عليه العلماء، وهو أن إقرار النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على الشيء وسكوته عليه إذا فعله بحضرته يكون دليلًا لإباحته، ويكون بمعنى ¬

_ (¬1) البخاري (5391)، وهو عند مسلم أيضًا (1946). (¬2) "المفهم" 5/ 232. (¬3) انظر: "المبسوط" 11/ 231، "بدائع الصنائع" 5/ 36، "تبيين الحقائق" 5/ 295. (¬4) "إكمال المعلم" 6/ 188. (¬5) رواه ابن أبي شيبة 12/ 364 (24846). (¬6) يأتي قريبًا (3796).

أذنت فيه وأبحته؛ لأنه لا يسكت على باطل ولا يقر على منكر. [3795] (حدثنا عمرو (¬1) بن عون) الواسطي البزاز (أنا خالد) بن عبد اللَّه بن عبد الرحمن الواسطي (عن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين، وهو ابن عبد الرحمن الكوفي (عن زيد بن وهب) الجهني الكوفي، من قضاعة (عن ثابت بن وديعة) ووديعة أمه، وأبوه يزيد بن خذام الأنصاري الأوسي الكوفي. (قال: كنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في جيش فأصبنا ضبابا) جمع كثرة، وأقلها عشرة، واحده ضب مثل: سهم وسهام، بخلاف أضبة في الحديث قبله فإنه جمع قلة، أقلها ثلاثة، وقد تقدم (فشويت منها ضبا) واحدا (فأتيت) به (رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فوضعته بين يديه) ليأكل منه (قال: فأخذ عودًا) مما كان الضب المشوي موضوعًا عليه، ولفظ ابن ماجه: فأخذ جريدة (¬2). وهو تفسير للعود (فعد بها أصابعه) لفظ ابن ماجه: فجعل يعد بها أصابعه (¬3). يشبه أن يكون عد أصابعه لينظر هل عدد أصابعه خمسًا كأصابع الآدميين، أو مخالفة لها، فإن كان خمسًا فيقرب شبهه بالآدميين ويكون مما مسخ فلا يأكله، وامتناعه من أكله يرجح كونها خمسًا، وكون الضب أصابعه موجودة يدل على أن الضب شوي جميعه من [غير] (¬4) أن يطرح منه شيء، ثم (قال: إن أمة ¬

_ (¬1) فوقها في (ل)، (ح): (ع). (¬2) "سنن ابن ماجه" (3238). (¬3) "سنن ابن ماجه" (3238). (¬4) زيادة يقتضيها السياق.

من بني إسرائيل مسخت) يدل على أن جميعهم لم يمسخوا، بل سلم من المسخ الذين كانوا ينهونهم، مسخت قردة وخنازير وفئرانًا و (دواب) منتشرة (في الأرض، وإني لا أدري أي الدواب هي) قال القرطبي: إنما كان ذلك ظنا أو خوفا منه -صلى اللَّه عليه وسلم- لأن يكون الضب والفأر ونحوهما مما مسخ، فكان هذا حدسًا منه قبل أن يوحى إليه (¬1) أن اللَّه تعالى لم يجعل لمسخ نسلا، فلما أوحي إليه بذلك زال عنه التخوف، وعلم أن الضب والفأر ليس مما مسخ. وعند ذلك أخبرنا بقوله لمن سأله عن القردة والخنازير، هل هي مما مسخ؟ فقال: "إن اللَّه لم يهلك قومًا أو يعذب قومًا فيجعل لهم نسلًا" (¬2) وأن القردة والخنازير كانوا (¬3) قبل ذلك. قال: زاد ابن ماجه: فقلت: إن الناس قد اشتووها فأكلوها (¬4). (فلم يأكل ولم ينه) عن أكلها. [3796] (حدثنا محمد بن عوف) بن سفيان (الطائي) الحمصي، وثقه النسائي، وعن عبد اللَّه بن أحمد [بن حنبل] (¬5) قال: ما كان بالشام منذ أربعين سنة مثله (أن الحكم بن نافع) أبا اليمان الحمصي (حدثهم أن) إسماعيل (بن عياش) بن سليم الحمصي عالم الشام، ورث من أبيه أربعة آلاف دينار فأنفقها في طلب العلم، قال البخاري: إذا حدث عن ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) مسلم (2663/ 33)، وانظر: "المفهم" 5/ 235. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) "سنن ابن ماجه" (3238). (¬5) ساقطة من (م).

أهل بلده فصحيح (¬1). وقال دحيم: هو في الشاميين غاية. (عن ضمضم بن زرعة) بن ثوب الحضرمي الحمصي، عن يحيى بن معين: ثقة (¬2). ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3). وقال الحافظ أبو القاسم في "تاريخ دمشق": ضمضم بن زرعة قيل: إنه ابن ثوب. قال: إن كان أبوه زرعة بن ثوب فهو دمشقي (¬4). (عن شريح) بضم الشين المعجمة (ابن عبيد) بن عبيد (¬5) الحضرمي الحمصي، من شيوخ حمص الكبار، قال أحمد بن عبد اللَّه العجلي: هو شامي تابعي. ثقة (¬6). (عن أبي راشد) يقال: اسمه أخضر بن خوط، [وقيل: النعمان بن بشير. قال ابن حبان في كتاب "التابعين": أبو راشد يقال: اسمه: الخضم بن خوط الحمصي] (¬7). (الحبراني) قال ابن السمعاني: بضم الحاء المهملة وسكون الباء الموحدة والراء المهملة المفتوحة وبعد الألف نون، نسبة إلى حبران ابن عمرو بن قيس، قال: واسمه: أخضر، تابعي شامي (¬8). ¬

_ (¬1) "التاريخ الكبير" 1/ 369. (¬2) "تاريخ ابن معين" رواية الدارمي (ص 135) (443). (¬3) "الثقات" 6/ 485. (¬4) "تاريخ دمشق" 24/ 415. (¬5) كذا في النسخ الخطية والصواب: عبد كما في مصادر الترجمة. (¬6) "الثقات" 1/ 452 (724). (¬7) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬8) "الأنساب" 4/ 43.

(عن عبد الرحمن بن شبل) بكسر المعجمة، وهو ابن عمرو الأنصاري الأوسي الصحابي -رضي اللَّه عنه- (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن أكل لحم الضب) استدل به أبو حنيفة والثوري كما تقدم، قال البيهقي: إسماعيل بن عياش تفرد به، وهو ليس بالقوي عندهم، ولا تعارض هذِه الرواية الروايات الصحيحة المذكورة (¬1). * * * ¬

_ (¬1) "مختصر خلافيات البيهقي" 5/ 88 - 89.

28 - باب في أكل لحم الحبارى

28 - باب في أَكْل لَحْمِ الحُبَارى 3797 - حَدَّثَنَا الفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا إِبْراهِيمُ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْديٍّ حَدَّثَنِي بُرَيْهُ بْنُ عُمَرَ بْنِ سَفِينَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قالَ: أَكَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَحْمَ حُبارى (¬1). * * * باب في أكل الحبارى [3797] (حدثنا الفضل بن سهل) بن إبراهيم الأعرج البغدادي، أخرج له الشيخان. (حدثنا إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي) البصري، قال في "الكمال": لم أر له حديثًا يحكم عليه بالضعف من أجله (¬2). (قال: حدثني بريه) بضم الباء الموحدة وفتح الراء وتشديد ياء التصغير (ابن عمر بن سفينة) واسم بريه: إبراهيم، وبريه لقب له، لين (¬3)، وقال البخاري: إسناده مجهول (¬4). وضعفه العقيلي (¬5) وابن حبان (¬6). (عن أبيه) عمر بن سفينة، قال البخاري: عمر بن سفينة مولى النبي ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1828)، والبزار (3836، 3837)، والطبراني 7/ 81 (6435)، والبيهقي 9/ 322، وضعفه الألباني في "الإرواء" (2500). (¬2) "تهذيب الكمال" 2/ 137 (204). (¬3) في (ل)، (م): ثبت. (¬4) "التاريخ الكبير" 2/ 149. (¬5) "الضعفاء الكبير" 1/ 167 (209). (¬6) "الثقات" 6/ 119.

-صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1). يعني: عمر هو ابن مولى النبي، مهران. وقيل: رومان (عن جده) سفينة، أعتقه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقيل: أعتقته أم سلمة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، واشترطت عليه خدمة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ما عاش (¬2). كان اسمه سنة، فسماه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: سفينة، وذلك أنه خرج مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه يمشون، فثقل عليهم متاعهم فحملوه عليه، فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "احمل فإنما أنت سفينة" (¬3). فكان بعد ذلك لو حمل وقر بعير ما ثقل عليه (¬4)، وتوفي زمن الحجاج. (قال: أكلت مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لحم حبارى) بضم الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة وبعد الألف راء والف مقصورة، طائر يقع على الذكر والأنثى، واحده وجمعه سواء، لا ينصرف في معرفة ولا نكرة، وألفه للتأنيث كسمانى، وأهل مصر يسمون الحبارى الحترح، وهي من أشد الطير طيرانًا، تصاد بالبصرة فيوجد في حواصلها الحبة الخضراء التي شجرها البطم من بلاد الشام، وهو على شكل الإوزة بين لحم الدجاج ولحم البط، رمادي اللون، في منقاره بعض طول، برأسه وبطنه غبرة، ولون بطنه وظهره كلون السمانى. وقد استدل به على إباحة أكل لحم الحبارى، ولم أر فيه خلافًا. * * * ¬

_ (¬1) "التاريخ الكبير" 6/ 160. (¬2) انظر: "تاريخ دمشق" 4/ 266. (¬3) انظر: "الكامل في ضعفاء الرجال" 3/ 374. (¬4) رواه أحمد 5/ 220 - 222. قال البوصيري في "إتحاف الخيرة المهرة" 7/ 277: سند رواته ثقات.

29 - باب في أكل حشرات الأرض

29 - باب فِي أَكْلِ حَشَراتِ الأَرْضِ 3798 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنَا غالِبُ بْنُ حَجْرَةَ، حَدَّثَنِي مِلْقامُ ابْنُ التَّلِبٍّ عَنْ أَبِيهِ قالَ: صَحِبْتُ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فلَمْ أَسْمَعْ لِحَشَرَةِ الأَرْضِ تَحْرِيمًا (¬1). 3799 - حَدَّثَنَا إِبْراهِيمْ بْن خالِدٍ الكَلْبيُّ أَبُو ثَوْرٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْن مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ نُمَيْلَةَ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابن عُمَرَ فَسُئِلَ عَنْ أَكْلِ القُنْفذِ فَتَلا {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} الآيَةَ قالَ: قالَ شَيْخ عِنْدَهُ: سَمِعْتُ أَبا هُرَيْرَةَ يَقُول: ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالَ: "خَبِيثَةٌ مِنَ الخَبائِثِ". فَقالَ ابن عُمَرَ: إِنْ كانَ قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- هذا فَهُوَ كَما قالَ ما لَمْ نَدْرِ (¬2). * * * باب أكل حشرات الأرض جمع حشرة وستأتي. [3798] (حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا غالب) بغين معجمة (بن حجرة) بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم (قال حدثني) عمي (ملقام) بكسر الميم وسكون اللام وبعدها قاف ثم ألف ثم ميم (ابن التلب) بكسر التاء المثناة وسكون اللام، وكان شعبة وحده يقول: الثلب. بالثاء المثلثة أوله؛ لأنه كان ألثغ لا يبين التاء. ¬

_ (¬1) رواه الطبراني 2/ 63 (1299)، والبيهقي 9/ 326. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود". (¬2) رواه أحمد 2/ 381، والبيهقي 9/ 326. وضعفه الألباني في "الإرواء" (2492).

(عن أبيه) تلب بن ثعلبة بن ربيعة بن عقبة بن أخب بضم الهمزة والخاء المعجمة التميمي العنبري من العنبر ابن عمرو بن تميم. (قال: صحبت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فلم أسمع لحشرة) بفتح الحاء المهملة والشين المعجمة، جمعه حشرات، وهي صغار دواب (الأرض) كالضب واليربوع والقنفذ وما أشبهها من دواب الأرض، وقيل: هي هوام الأرض مما لا سم فيه (¬1)، وفي حديث الهرة "لم تطعمها ولم تدعها تأكل من حشرات الأرض" (¬2). (تحريمًا) ومن الحشرات: الديدان والجعلان بكسر الجيم، جمع جعل بوزن عمر، حيوان كالخنفساء، ومنها: بنات وردان، وهي دابة تتولد في الأرض الندية كالحمامات والسقايات، ومنها الأسود والأحمر، تبيض بيضا مستطيلًا، ومنها الخنافس والفأر والوزغ والحرباء والعضاءة -وهي السحلية- والجرذون والعقرب والحية، والجمهور على تحريمه، ورخص مالك في هذا كله؛ لهذا الحديث، إلا الأوزاغ، فإن ابن عبد البر قال: هو مجمع على تحريمه (¬3). وقال مالك: الحية حلال إذا ذكيت، لهذا الحديث والآية، وهو قول ابن أبي ليلى والأوزاعي (¬4)، قال الشاعر: أكلت الرُّبى يا أم عمرو ومن يكن ... غريبًا لديكم يأكل الحشرات ¬

_ (¬1) في (ح): له. (¬2) رواه البخاري (3318)، ومسلم (2242) من حديث ابن عمر. (¬3) "التمهيد" 15/ 186. (¬4) انظر: "التمهيد" 15/ 177.

والرُّبى جمع ربية: ضرب من الحشرات، قال القرطبي: هي الفأرة. وأجيب عن هذا الحديث كما قال الخطابي بأنه ليس في قوله (لم أسمع) دليل على إباحتها؛ لجواز أن يكون غير التلب قد سمعه. قال: وقد حضرنا فيه معنى آخر وهو أنه إنما عنى بهذا القول عادة القوم في زمان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في استباحة أكل الحشرة (¬1). وقد ذهب بعضهم إلى أن أصل الأشياء الإباحة فمتى تردد بين الإباحة والتحريم غلبت الإباحة؛ لأنها الأصل، ولعموم قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} الآية (¬2). [3799] (حدثنا إبراهيم بن خالد الكلبي) البغدادي المكنى (أبو ثور) أحد المجتهدين، قال أحمد: أعرفه بالسنة منذ خمسين سنة (¬3) (حدثنا سعيد (¬4) بن منصور) بن شعبة الخراساني (حدثنا عبد العزيز بن محمد) الدراوردي (عن عيسى بن نميلة) بضم النون وتخفيف الميم مصغر نملة، الفزاري، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬5). (عن أبيه) نميلة الفزاري (قال: كنت عند) عبد اللَّه (ابن عمر رضي اللَّه عنهما فسئل عن أكل القنفذ) واحد القنافذ، والأنثى الواحدة: قنفذة، وهو ¬

_ (¬1) "معالم السنن" 22914. (¬2) الأنعام: 145. (¬3) انظر: "تاريخ بغداد" 6/ 66، "تهذيب الكمال" 2/ 81 - 82، "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 16/ 148. (¬4) فوقها في (ح)، (ل): (ع). (¬5) "الثقات" 8/ 489.

بضم الفاء وبالذال المعجمة، وقد تفتح الفاء، ويقال: للقنافذ العساعس، لكثرة ترددها بالليل، وهو صنفان قنفذ يكون بأرض مصر قدر الفأر الكبير، وذكر لي يكودن بأرض الشام في قدر الكلب، وهو مولع بأكل الأفاعي ولا يتألم بها (فتلا) قوله ({قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} الآية) (¬1) إلى آخرها، فاحتج بهذِه الآية على إباحة القنفذ، كما احتج بالآية كثير من السلف على إباحة ما عدا المذكور في هذِه الآية، فمنها الحمر الأهلية أيضًا، كما روى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال: قلت لجابر بن زيد: إنهم يزعمون أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن لحوم الحمر الأهلية. قال: قد كان يقول ذلك الحكم بن عمرو الغفاري عندنا عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولكن أبى ذلك البحر -يعني: ابن عباس- وقرأ: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} الآية (¬2). وعن عائشة أنها كانت لا ترى بلحوم السباع والدم الذي يكون في أعلى العروق بأسًا، وقرأت هذِه الآية: {قُلْ لَا أَجِدُ} (¬3). {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} قال إلكيا الهراسي: اعلم أن ظاهر الآية [لا] يمنع [من تحريم] غير المذكور، إلا أنه لا يدل على (¬4) أنه لا يحرم في الشرع الآن، ويجوز أن يكون قد تجدد بعده. وقد قيل: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} مما كنتم تستبيحون ¬

_ (¬1) الأنعام: 145. (¬2) رواه البخاري (5529). (¬3) رواه البزاز في "الغيلانيات" 2/ 761 (1045) بنحوه. (¬4) قبلها في (م): عليه.

وتتناولون ولا تعدونه من الخبائث (¬1) إلا هذِه الأمور، وإلا فقد اشتمل القرآن على تحريم أشياء كالمنخنقة والموقوذة والمتردية، وأباح مالك أشياء كثيرة بهذِه الآية (¬2). (قال شيخ عنده) أي: عند ابن عمر (سمعت أبا هريرة، يقول: ذكر) القنفذ (عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال) هو (خبيثة من الخبائث) جعل أحمد الخبيث هنا الحرام (¬3) كحديث: "مهر البغي خبيث وثمن الكلب خبيث" (¬4). فحرم أكل لحم القنفذ لهذا الحديث، ولأنه يشبه المحرمات، فيأكل الحشرات، فأشبه الجرذان (فقال (¬5): إن كان قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هذا فهو كما قال) وكذا قال القفال: إن صح الخبر فهو حرام، وإلا رجعنا إلى العرب، والمنقول عنهم أنهم يستطيبونه. وقال مالك (¬6) وأبو حنيفة (¬7): القنفذ مكروه. ورخص فيه الشافعي (¬8) والليث وأبو ثور (¬9). * * * ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: الخبالات. والمثبت من "أحكام القرآن". (¬2) "أحكام القرآن" 3/ 127، وما بين المعقوفتين زيادة منه. (¬3) انظر: "المغني" 13/ 317. (¬4) رواه مسلم (1586/ 41) من حديث رافع بن خديج. (¬5) في حاشية (ح): خ: ابن عمر. (¬6) في "المدونة" 1/ 541 عن مالك لا بأس بأكله. (¬7) انظر: "المبسوط" 11/ 255، "بدائع الصنائع" 5/ 144، "تبيين الحقائق" 5/ 295. (¬8) "الأم" ط. دار الوفاء 3/ 630. (¬9) انظر: "المغني" 13/ 317.

30 - باب ما لم يذكر تحريمه

30 - باب ما لَمْ يُذْكَرْ تَحْرِيمُهُ 3800 - حَدَّثَنَا محَمَّدُ بْنُ داوُدَ بْنِ صُبَيْحٍ، حَدَّثَنَا الفَضْل بْن دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ -يَعْني: ابن شَرِيكٍ المَكِّيِّ- عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قالَ: كانَ أَهْلُ الجَاهِلِيَّةِ يَأْكُلُونَ أَشْيَاءَ وَيَتْرُكُونَ أَشْيَاءَ تَقَذُّرًا فَبَعَثَ اللَّهُ تَعالَى نَبِيَّه وَأَنْزَلَ كِتابَهُ وَأَحَلَّ حَلالَهُ، وَحَرَّمَ حَرامَهُ فَما أَحَلَّ فَهُوَ حَلالٌ، وَما حَرَّمَ فَهُوَ حَرامٌ، وَمَا سَكَتَ عَنْة فَهُوَ عَفْوٌ وَتَلا: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} إِلَى آخِرِ الآيَةِ (¬1). * * * باب ما لم يذكر تحريمه [3800] (حدثنا محمد بن داود بن صبيح) بفتح الصاد المهملة وكسر الباء الموحدة وسكون المثناة تحت، المصيصي، صدوق عاقل ورع (حدثنا الفضل بن دكين، حدثنا محمد بن شريك) أبو عثمان (المكي) وثقه أحمد وغيره، وقال أبو حاتم: لا بأس به (¬2). (عن عمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء) جابر بن زيد الأزدي البصري (عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء) تطيب أنفسهم لأكلها (ويتركون أشياء تقذرًا) أي: لكراهة أنفسهم لها، ولا يتمسكون بشريعة يعملون بها (فبعث اللَّه تعالى نبيه) محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- (وأنزل) عليه (كتابه) العزيز (وأحل حلاله) وهو الطيبات (وحرم حرامه) وهو الخبائث (فما أحل) أكله (فهو حلال وما حرم) أكله (فهو حرام) عليكم. ¬

_ (¬1) رواه الحاكم 2/ 317، 4/ 115، والبيهقي 9/ 330، وصححه الألباني في "غاية المرام" (34). (¬2) "الجرح والتعديل" 7/ 284.

قال ابن عطية: لفظة التحريم إذا وردت على لسان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فهي صالحة أن ينتهى بالشيء المذكور غاية التحريم، وصالحة بحسب اللغة أن يقف دون الغاية في خبر الكراهة ونحوها بما اقترنت به قرينة التأويل من الصحابة كتحريمه لحوم الحمر الإنسية، فتأول بعض الصحابة أنها نجس، وتأول بعضهم لأنها حمولة الناس، فجائز لمن ينظر من العلماء أن يحمل التحريم بحسب اجتهاده (¬1). (وما سكت عنه) فلم يبين تحريمه رحمة لكم غير نسيان (فهو عفو) أي: ما أمسك عن ذكره فلم يوجب عليكم فيه حكمًا فهو معفو عنه، أي: عفي عن الحرج في أكله تسهيلًا عليكم، فيباح لكم أكله، وهذا على أن الأصل في الأشياء الإباحة، كما تقتضيه عموم النصوص، وهذا الحديث بخصوصه، قيل: يقتضي الإباحة مطلقًا. والصحيح أن الأصل في المنافع [الإباحة، وفي المضار التحريم، ويستثنى من المنافع] (¬2) الأموال فإن الظاهر أن الأصل فيها التحريم؛ لحديث جابر: "إن دماءكم وأموالكم حرام" (¬3) (وتلا: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} إلى آخر الآية) فهي دالة على أن التحريم والتحليل إنما يثبت بالوحي والتنزيل. * * * ¬

_ (¬1) "المحرر الوجيز" 5/ 377 - 378. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) رواه مسلم (1218).

31 - باب في أكل الضبع

31 - باب في أَكْلِ الضَّبُعِ 3801 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن عَبْدِ اللَّهِ الخُزَاعيُّ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي عَمَّارٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنِ الضَّبُعِ فَقالَ: "هُوَ صَيْدٌ وَيُجْعَلُ فِيهِ كَبْشٌ إِذا صادَهُ المُحْرِمُ" (¬1). * * * باب في أكل الضبع [3801] (حدثنا محمد بن عبد اللَّه) بن عثمان (الخزاعي) البصري، قال ابن (¬2) المديني: ثقة (ثنا جرير بن حازم عن عبد اللَّه بن عبيد) بن عمير الجندعي الليثي، وثقه أبو حاتم (¬3) وغيره (عن عبد الرحمن بن أبي عمار) وثقه أبو زرعة (¬4) والنسائي، ولم يتكلم فيه أحد، إلا أن ابن عبد البر أعله به (¬5)، وليس كما قال. (عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما قال: سألت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الضبع) لا تقل في الأنثى منه: ضبعة، بل ضبعاة، ومن عجيب أمره أنه يكون سنة ذكرًا وسنة أنثى، فيلقح في حال الذكورة ويلد في حال الأنوثة، ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (851)، (1791)، والنسائي 5/ 191، 7/ 250، وابن ماجه (3236) وأحمد 3/ 297، 318، 322. وصححه الألباني في "الإرواء" (1050). (¬2) ساقطة من (ح). (¬3) "الجرح والتعديل" 5/ 101. (¬4) "الجرح والتعديل" 5/ 249. (¬5) "التمهيد" 1/ 155.

وهي مولعة بنبش القبور؛ لشهوتها للحوم بني آدم. (فقال: هو صيد) لم يؤكل لحمه (ويجعل فيه) الفداء (كبش) وفيه دليل على أن ما ليس بصيد لا جزاء في قتله كسبع وهو الأسد ودب وذئب ونمر (¬1)، وكذا ما كان إنسيًّا كنعم وخيل ودجاج. وفيه دليل على أن الكبش مثل الضبع. وفيه أن المعتبر في المثلية بالتقريب في الصورة لا بالقيمة ففي الضبع الكبش سواء كان مثله في القيمة أو أقل أو أكثر. واختلفوا في أكل الضبع، فأباحه الشافعي وأحمد (¬2)؛ لأن الشافعي قال: ما زال الناس يأكلونها ويبيعونها بين الصفا والمروة من غير نكير (¬3)؛ ولأن العرب تستطيبه وتمدحه، وحديث النهي إن صح فمحمول على التنزيه، وقال أبو حنيفة (¬4) ومالك (¬5): هو حرام؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سئل عن الضبع، فقال: "ومن يأكل الضبع؟ " (¬6)، وللنهي عن كل ذي ناب [من السباع] (¬7)، وهي من السباع، قال ابن عبد ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل)، (م). (¬2) انظر: "المغني" 13/ 341. (¬3) انظر: "الأم" 3/ 629، 645. (¬4) انظر: "المبسوط" 11/ 225، "بدائع الصنائع" 5/ 39. (¬5) انظر: "المدونة" 1/ 541. (¬6) رواه الترمذي (1792)، وابن ماجه (3237)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 3/ 93 (1411)، والطبراني 4/ 101 - 102 (3795 - 3797) من حديث خزيمة بن جزء. قال الترمذي: حديث ليس إسناده بالقوي. وضعفه ابن عبد البر في "التمهيد" 1/ 161، وابن الملقن في "البدر المنير" 9/ 369. (¬7) ساقطة من (م).

البر (¬1): هذا الحديث لا يعارض حديث النهي عن كل ذي ناب؛ لأنه أقوى منه. قلنا: هذا تخصيص لا معارضة، ولا يعتبر في المخصص كون المخصص في رتبة المخصص، بدليل تخصيص عموم الكتاب بأخبار الآحاد. وأما حديث: "ومن يأكل الضبع؟ ". فمتروك، ولأن الضبع قد قيل: ليس لها ناب. وسمعت من يذكر أن جميع أسنانها عظم واحد كصفحة نعل الفرس، فعلى هذا لا يدخل في عموم النهي. (إذا صاده المحرم) فإن صاده الحلال فلا شيء عليه، ويحل للمحرم أكله صيدًا ذبحه حلال إن لم يصده له، ولا بدلالته ولا بإعانته. * * * ¬

_ (¬1) "التمهيد" 1/ 161.

32 - باب النهي عن أكل السباع

32 - باب النَّهْي عنْ أَكْلِ السِّبَاعِ 3802 - حَدَّثَنَا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ أَبي إِدْرِيسَ الخَوْلانِيِّ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الخُشَنيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذي نابٍ مِنَ السَّبُعِ (¬1). 3803 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ أَبي بِشْرٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرانَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذي نَابٍ مِنَ السَّبُعِ، وَعَنْ كُلِّ ذي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ (¬2). 3804 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُصَفَّى الحِمْصيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، عَنِ الزُّبَيْديِّ عَنْ مَرْوانَ بْنِ رُؤْبَةَ التَّغْلِبيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي عَوْفٍ، عَنِ المِقْدامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "أَلا لَا يَحِلُّ ذُو نابٍ مِنَ السِّباعِ وَلا الحِمَارُ الأَهْليُّ وَلا اللُّقَطَةُ مِنْ مالِ مُعاهِدٍ إِلَّا أَنْ يَسْتَغْنَيَ عَنْها وَأيُّما رَجُلٍ ضافَ قَوْمًا فَلَمْ يَقْرُوهُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُعْقِبَهُمْ بِمِثْلِ قِراهُ" (¬3). 3805 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشّارٍ، عَنِ ابن أَبي عَديٍّ، عَنِ ابن أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ عَليِّ ابْنِ الحَكَمِ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذي نابٍ مِنَ السِّباعِ، وَعَنْ كلِّ ذي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ (¬4). 3806 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ سُلَيْمانُ بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ صالحِ بْنِ يَحْيَى بْنِ المِقْدامِ عَنْ جَدِّهِ المِقْدامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ، عَنْ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5530)، ومسلم (1932). (¬2) رواه مسلم (1934). (¬3) رواه أحمد 4/ 130، 132، والطبراني 20/ 283 (669، 670)، والدارقطني 4/ 287، والبيهقي 9/ 332. وصححه الألباني في "الصحيحة" (2870). (¬4) سلف برقم (3803).

خالِدِ بْنِ الوَلِيدِ قالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- خَيْبَرَ فَأَتَتِ اليَهُودُ فَشَكَوْا أَنَّ النَّاسَ قَدْ أَسْرَعُوا إِلَى حَظائِرِهِمْ، فَقالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَلا لَا تَحِلُّ أَمْوالُ المُعاهِدِينَ إِلَّا بِحَقِّها، وَحَرامٌ عَلَيْكُمْ حُمُرُ الأَهْلِيَّةِ، وَخَيْلُها وَبِغالُها، وَكُلُّ ذي نَابٍ مِنَ السِّباعِ وَكُلُّ ذي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ" (¬1). 3807 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بْن عَبْدِ المَلِكِ قالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزّاقِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ زَيْدٍ الصَّنْعانيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبا الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عَنْ ثَمَنِ الهِرِّ. قالَ ابن عَبْدِ المَلِكِ: عَنْ أَكْلِ الهِرِّ وَأَكْلِ ثَمَنِهَا (¬2). * * * باب النهي عن أكل السباع [3802] (حدثنا) عبد اللَّه (القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي إدريس) عائذ اللَّه بن عبد اللَّه (الخولاني) نسبة إلى خولان، قبيلة نزلت بالشام، وأبو إدريس ولد عام حنين، وهو من كبار التابعين. (عن أبي ثعلبة) جرثوم بن ناشر (¬3) (الخشني) بضم الخاء وفتح الشين المعجمتين، منسوب إلى خشن بن النمر بن وبرة، بطن من قضاعة. (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع) كما تقدم، قال الشافعي: يعدو بنابه على الحيوان طالبًا غير مطلوب (¬4). ¬

_ (¬1) سلف برقم (3790). (¬2) قيل: جرثوم بن ناشب، وقيل: ابن ناشم، وقيل: ابن لاس، وقيل: جرهم. واختلف فيه. انظر: "تهذيب الكمال" 33/ 172 (7271). (¬3) رواه الترمذي (1280)، وابن ماجه (3250)، وضعفه الألباني في "الإرواء" (2487). (¬4) انظر: "الحاوي الكبير" 15/ 137.

قال القفال الشاشي: لأن هذِه السباع أكلها يورث مرارة الطباع، وهو إضرار شديد. [3803] (حدثنا مسدد، حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد اللَّه (عن أبي بشر) بكسر الباء الموحدة وسكون المعجمة، واسمه: جعفر بن أبي وحشية إياس اليشكري. (عن ميمون بن مهران) قال النووي: صح سماعه من ابن عباس، ولا تغتر بما يخالف هذا (¬1). (عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن كل ذي ناب من السباع) قال أصحابنا: المراد بذي الناب: ما يتقوى به ويصطاد. (و) نهى (عن كل ذي مخلب) بكسر الميم وفتح اللام، قال أهل اللغة: المخلب للطير والسباع بمنزلة الظفر للإنسان (¬2). وقد صار إلى تحريم كل ذي مخلب من الطير طائفة من العلماء تمسكًا بهذا الظاهر، وممن قال بتحريمه أبو حنيفة (¬3) والشافعي (¬4)، وأما مذهب مالك فقال القرطبي: حكى عنه ابن أبي أويس كراهة كل ذي مخلب من الطير، وجل أصحابه ومشهور مذهبه على إباحة ذلك، متمسكين بقوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} الآية، قال: والظاهر التمسك بما قررناه من الحديث الظاهر، وتقييد الطير ¬

_ (¬1) "مسلم بشرح النووي" 13/ 84. (¬2) انظر: "تحرير ألفاظ التنبيه" للنووي 1/ 169. (¬3) انظر: "المبسوط" 11/ 255، "بدائع الصنائع" 5/ 39. (¬4) انظر: "الحاوي الكبير" 15/ 144، "روضة الطالبين" 3/ 271.

بذي المخلب يقتضي منع أكل سباع الطير العادية كالعقاب والشاهين والغراب، ولا يتناول الخطاف وما أشبهها (¬1). [3804] (حدثنا محمد بن المصفى) بضم الميم، ابن بهلول القرشي (الحمصي، حدثنا محمد (¬2) بن حرب) الأبرش الخولاني (عن) محمد بن الوليد بن عامر (الزبيدي) بضم الزاي، نسبة إلى زبيد، وهي قبيلة من مذحج، واسم زبيد: منبه بن صعب سمي بذلك؛ لأنه كان يزبد لمن رفده. (عن مروان بن رؤبة) بضم الراء وسكون الهمزة ثم موحدة (التغلبي) بفتح المثناة وسكون الغين المعجمة، الحمصي، أخو عمر، وهو ثقة. (عن عبد الرحمن بن أبي عوف) الجرشي، قاضي حمص، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3). (عن المقدام بن معدي كرب) بن عمرو الكندي، [له صحبة ورواية] (¬4) (عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: ألا لا يحل ذو ناب من السباع ولا الحمار الأهلي) كما تقدم (ولا اللقطة) قال الأصمعي وابن الأعرابي والفراء: اللقطة [بفتح القاف] (¬5) اسم للمال الملقوط (من مال معاهد) من كان بينك وبينه عهد، وأكثر ما يطلق على أهل الذمة، وقد يطلق على غيرهم من الكفار إذا صولحوا على ترك الحرب مدة ما، ومعناه ¬

_ (¬1) "المفهم" 5/ 217. (¬2) فوقها في (ح، ل): ع. (¬3) "الثقات" 5/ 105. (¬4) ما بين المعقوفتين من (ل، م). (¬5) ما بين المعقوفتين من (م).

لا يجوز أن يتملك لقطته الموجودة من ماله؛ لأنه معصوم المال يجري حكمه مجرى الذمي (إلا أن يستغني عنها) أي: إلا أن يتركها صاحبها ولا يأخذها استغناءً عنها لقوله تعالى: {وَاسْتَغْنَى اللَّهُ} (¬1) عنهم، أي: تركهم اللَّه تعالى استغناءً عنهم (وأيما رجل ضاف قومًا) يقال: ضفت الرجل. إذا نزلت عليه ضيفًا، وكذلك تضيفته (فلم يقروه) بفتح الياء، يقال: قريت الضيف قرى -مثال: قليته قلًى- وقراءً: أحسنت إليه، إذا كسرت القاف قصرت، وإذا فتحتها مددت (فإن له أن يعقبهم) بضم أوله وسكون العين مع تخفيف القاف، وفتح العين مع تشديد القاف لغتان. قال في "النهاية": يقال: عقبهم مشددًا ومخففًا، وأعقبهم أي: يأخذ منهم عوضًا عما حرموه من القرى، وهذا في المضطر الذي لا يجد طعامًا ويخاف على نفسه التلف (¬2). واستدل به أحمد على وجوب الضيافة على المسلمين، قال: واليوم والليلة حق واجب لهذا الحديث، وللحديث المتقدم: "ليلة الضيف حق واجب" (¬3). قال أحمد: له أن يطالبه بحقه الذي جعله له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا يأخذ شيئًا إلا بعلم أهله. قال أحمد في تفسير هذا الحديث: معناه أن له أن يعقبهم (بمثل قراه) يعني: أن يأخذ من أرضهم وزرعهم بقدر ما يكفيه بغير إذنهم (¬4). ¬

_ (¬1) التغابن: 6. (¬2) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/ 269. (¬3) تقدم برقم (3750). (¬4) انظر: "المغني" 13/ 353 - 354.

[3805] (حدثنا محمد بن بشار عن) محمد بن إبراهيم (ابن أبي عدي) (¬1) أبي عمرو البصري (عن) سعيد (ابن أبي عروبة) (¬2) مهران اليشكري (عن علي بن الحكم) البناني، أخرج له البخاري في الإجارة. (عن ميمون بن مهران، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم خيبر عن كل ذي ناب من السباع، و) نهى عن (كل ذي مخلب من الطير) تقدم. [3806] (حدثنا عمرو بن عثمان) بن سعيد الحمصي، صدوق حافظ (ثنا محمد بن حرب، حدثني أبو سلمة سليمان بن سليم) الكناني الكلبي مولاهم القاضي الحمصي، قال أبو عبيد الآجري: سألت أبا داود -يعني المصنف- عنه، فقال: ثقة (عن صالح بن يحيى بن المقدام) ذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: يخطئ (¬3) عن أبيه (عن جده) حكى المنذري أن صالح بن يحيى بن المقدام عن أبيه عن جده (¬4) لا يعرف سماع بعضهم من بعض (¬5). قال الدارقطني: هذا حديث ضعيف (¬6) (المقدام ابن معدي كرب، عن خالد بن الوليد -رضي اللَّه عنهم- قال: غزوت مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خيبر) في السنة السابعة. قال الواقدي: لا يصح هذا؛ لأن خالدًا أسلم بعد فتح خيبر. وقال ¬

_ (¬1) فوقها في (ح، ل): ع. (¬2) فوقها في (ح، ل): ع. (¬3) "الثقات" 6/ 459. (¬4) ساقطة من (ج). (¬5) "مختصر سنن أبي داود" 5/ 316. (¬6) "سنن الدارقطني" 4/ 287.

البخاري: خالد لم يشهد خيبر. وكذلك قال الإمام أحمد بن حنبل: لم يشهد خيبر، إنما أسلم قبل الفتح (¬1) (فأتت اليهود) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (فشكوا) إليه (أن الناس قد أسرعوا إلى حظائرهم) جمع حظيرة، وهي الموضع الذي يحاط عليه للإبل والبقر والغنم ليحفظها ويقيها من الحر والبرد والريح وغيرها، وهي تعمل من الشجر والشوك ونحو ذلك، وأصل الحظر المنع، قال اللَّه تعالى: {وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} (¬2) أي: ممنوعًا منه. وفي الحديث حذف تقديره: أسرعوا إلى حظائرهم ليأخذوا منها بغير اختيارهم. (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ألا لا تحل أموال المعاهدين إلا بحقها) لأنهم معصومو (¬3) الدماء والأموال إلا بحق جزية أو عشر، أو غير ذلك من الحقوق الشرعية. (وحرام عليكم حمر الأهلية) هكذا في الأصول بإضافة (حمر) إلى (الأهلية)، فهو كقولهم: مسجد الجامع، وصلاة الأولى، ومنه قوله تعالى: {بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} (¬4) و {وَلَدَارُ الْآخِرَةِ} (¬5) فعلى قول الكوفيين: هو من إضافة الموصوف إلى صفته. وهو جائز عندهم، وعلى مذهب ¬

_ (¬1) نقل هذا المنذري في "مختصر السنن" 5/ 317. (¬2) الإسراء: 20. (¬3) في جميع النسخ: معصومون، ولعل المثبت أصح. (¬4) القصص: 44. (¬5) يوسف: 109.

البصريين: لا تجوز هذِه الإضافة. ولن هذا كله على حذف في المضاف للعلم به، تقديره: حمر الحيوانات الأهلية، ومسجد المكان الجامع، ودار الحياة الآخرة. (و) حرام عليكم (خيلها وبغالها) أي: خيل الحيوانات الأهلية وبغالها. وأول من ركب الخيل إسماعيل؛ ولذلك سميت الخيل العراب، وسميت خيلا لاختيالها، أو لاختيال راكبها، وأول من أنتج البغال قارون. وتزعم العرب أن الخيل كانت وحشية، وأول من ذللها وركبها إسماعيل. وتخرج من الخيل الأهلية خيل البحر، ويوجد في نيل مصر فرس البحر، له ناصية الفرس ورجلاه مشقوقتان كالبقر، وذنب شبه ذنب الخنزير، يصعد إلى البر فيرعى الزرع، وربما قتل الإنسان، وحكمه وحكم خيل الوحش الحل. (و) نهى (عن كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير) تقدم (¬1). [3807] (حدثنا أحمد بن حنبل ومحمد بن عبد الملك) بن زنجويه البغدادي الغزال، صاحب أحمد بن حنبل، وثقه النسائي وغيره. (قالا: حدثنا عبد الرزاق، عن عمر بن زيد الصنعاني) لم يرو عنه غير عبد الرزاق فقط، قال ابن حبان: لا يحتج به (¬2). (أنه سمع أبا الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس (عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن ثمن الهر) استدل به أحمد على ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) "المجروحين" 2/ 82.

كراهة ثمن الهر (¬1)، وبما رواه مسلم في "صحيحه" عن أبي الزبير قال: سألت جابر بن عبد اللَّه عن ثمن الكلب والسنور. قال: زجر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذلك (¬2). وروي ذلك عن أبي هريرة وطاوس ومجاهد وجابر بن زيد (¬3). والجمهور على جواز بيعه من غير كراهة؛ لأنه ينتفع به لاصطياد الفأر، والبيع شرع للتوصل إلى قضاء الحاجة، وقياسًا على الفهد فإنه ينتفع به للاصطياد، وحملوا هذا الحديث -إن صح- وحديث مسلم على هر لا يصطاد ولا ينتفع به، أو على (¬4) غير المملوك منها. (قال) محمد (ابن عبد الملك) في روايته نهى (عن أكل الهر) يدخل فيه الأهلي والوحشي (و) كما يحرم أكلها يحرم (أكل ثمنها) للحديث، ولأن لها نابًا تفترس به، وفي الهرة الوحشية وجه بجواز أكلها كحمار الوحش؛ لأنه يتنوع إلى وحشي وأهلي، فحل وحشيه، ثم الخلاف فيما إذا كانت وحشية الأصل، فإن كان أصلها إنسية وتوحشت في سني القحط حرم قطعًا، جزم به الإمام (¬5)، وذكر ابن خيران في "اللطيف": إن توحش الأهلي لم يؤكل، وإن استأنس الوحشي أكل. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" 6/ 360. (¬2) مسلم (1569). (¬3) رواه عنهم ابن أبي شيبة في "المصنف" 4/ 407 (21498، 21503) عن جابر بن عبد اللَّه لا ابن زيد. (¬4) من (ح). (¬5) "نهاية المطلب" 18/ 211.

33 - باب في أكل لحوم الحمر الأهلية

33 - باب في أَكْلِ لُحُومِ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ 3808 - حَدَّثَنَا إِبْراهِيمُ بْن حَسَنٍ المِصِّيصيُّ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينارٍ، أَخْبَرَنِي رَجُلٌ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ أَنْ نَأْكُلَ لُحُومَ الحُمُرِ، وَأَمَرَنا أَنْ نَأْكُلَ لُحُومَ الخَيْلِ. قالَ عَمْرٌو: فَأَخْبَرْتُ هذا الخَبَرَ أَبا الشَّعْثاءِ فَقالَ: قَدْ كانَ الحَكَمُ الغِفاريُّ فِينا يَقُولُ هذا وَأَبَى ذَلِكَ البَحْرُ يُرِيدُ: ابن عَبّاسٍ (¬1). 3809 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبي زِيادٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ إِسْرائِيلَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ عُبَيْدٍ أَبي الحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ غالِبِ بْنِ أَبْجَرَ قالَ: أَصابَتْنَا سَنَةٌ فَلَمْ يَكُنْ فِى مالي شَيء أُطْعِمُ أَهْلي إِلَّا شَيء مِنْ حُمُرٍ وَقَدْ كانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- حَرَّمَ لُحُومَ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ أَصابَتْنَا السَّنَةُ وَلَمْ يَكُنْ في مَالى ما أُطْعِمُ أَهْلي إِلَّا سِمانُ الحُمُرِ، وَإِنَّكَ حَرَّمْتَ لُحُومَ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ. فَقالَ: "أَطْعِمْ أَهْلَكَ مِنْ سَمِينِ حُمُرِكَ، فَإِنَّمَا حَرَّمْتُها مِنْ أَجْلِ جَوالِّ القَرْيَةِ". يَغني: الجَلَّالَةَ. قالَ أَبُو داوُدَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ هذا هُوَ ابن مَعْقِلٍ. قالَ أَبُو داوُدَ: رَوى شُعْبَةُ هذا الحَدِيثَ، عَنْ عُبَيْدٍ أَبي الحَسَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْقِلٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ نَاسٍ مِنْ مُزَيْنَةَ أَنَّ سيِّدَ مُزَيْنَةَ أَبْجَرَ أَوِ ابن أَبْجَرَ سَأَلَ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2). 3810 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن سُلَيْمانَ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنِ ابن عُبَيْدٍ، عَنِ ابن مَعْقِلٍ. عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ مُزَيْنَةَ أَحَدُهُما عَنِ الآخَرَ، أَحَدُهُما عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو ابْنِ عُوَيْمٍ، والآخَرُ غالِبُ بْنُ الأَبْجَرِ. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5529)، وسلف برقم (3788). (¬2) رواه البيهقي 9/ 332، وقال في "معرفة السنن" 34/ 101: إسناده مضطرب، وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود".

قالَ مِسْعَرٌ: أَرى غالِبًا الذي أَتَى النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بهذا الحَدِيثِ (¬1). 3811 - حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنِ ابن طاوُسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قالَ: نَهَى رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَوْمَ خَيْبَرَ، عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ، وَعَنِ الجَلَّالَةِ عَنْ رُكُوبِها وَأَكْلِ لَحْمِها (¬2). * * * باب في الحمر الأهلية [3808] (حدثنا إبراهيم بن الحسن) بن الهيثم الخثعمي (المصيصي) [بكسر الميم والصاد المشددة والمخففة، نسبة إلى المصيصة: مدينة على ساحل البحر. وإبراهيم ثقة ثبت] (¬3). (حدثنا حجاج) بن محمد الأعور (عن) عبد الملك (ابن جريجٍ، قال: أخبرني عمرو بن دينار، قال: أخبرني رجل) [أخرجه البخاري من حديث عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء، وليس فيه عن رجل (¬4)] (¬5). (عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن أن نأكل) بنون أوله (لحوم الحمر) يعني: الأهلية. ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق 4/ 525 (8728)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 14/ 203، والطبراني 18/ 266 - 267 (665، 666، 668)، وانظر الحديث السابق. (¬2) رواه النسائي 7/ 239، وأحمد 2/ 219، وقال الألباني في "صحيح أبي داود": حسن صحيح. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل، م). (¬4) البخاري (5529). (¬5) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل، م).

ولفظ البخاري: قال عمرو -يعني: ابن دينار-: قلت لجابر بن زيد: يزعمون أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن حمر الأهلية؟ فقال: قد كان يقول ذلك الحكم بن عمرو (¬1). قال الطحاوي: افترق الذين أباحوا أكل لحوم الحمر الأهلية (¬2) هل هو لعلة أو لغير علة؟ وافترق القائلون بالعلة على معان، وقد جاء النهي عن ذلك مطلقًا. حدثنا علي بن معبد، حدثنا شبابة بن سوار، حدثنا أبو زبر عبد اللَّه بن العلاء، ثنا مسلم بن مشكم -كاتب أبي الدرداء- قال: سمعت أبا ثعلبة الخشني يقول: أتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقلت: يا رسول اللَّه، حدثني ما يحل لي مما يحرم علي، فقال: "لا تأكل الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السباع". فكان كلام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذا الحديث جواب السائل أبي ثعلبة إياه عما يحل له مما يحرم عليه، فدل ذلك أن نهيه -عليه السلام- عنها لا لعلة تكون في بعضها دون بعض من أكل العذرة، أو لكونها ظهرًا لهم وغير ذلك، ولكن لمعنى في نفسها (¬3). (وأمرنا أن نأكل لحوم الخيل) أدنى مراتب الأمر أن يحمل على الإباحة، وفيه رد على من قال بتحريمها. (قال عمرو) بن دينار (فأخبرت هذا الخبر أبا الشعثاء) وهو جابر بن زيد الأزدي الإمام صاحب ابن عباس. قال ابن عباس: لو نزل أهل البصرة عند قوله لأوسعهم علمًا من ¬

_ (¬1) البخاري (5529). (¬2) ساقطة من (ح). (¬3) "شرح معاني الآثار" 4/ 207.

كتاب اللَّه تعالى (¬1). لأنه كان من كبار التابعين (فقال: قد كان الحكم) بفتحتين، وهو ابن عمرو (الغفاري) الصحابي، غلب عليه وعلى أخيه رافع بن عمرو النسبة إلى غفار، وليسا عند أهل النسب من غفار، إنما هما من بني ثعلبة أخي غفار، نزل الحكم البصرة، واستعمله زياد على خراسان فغزا وغنم، وكان صالحًا فاضلًا (¬2). (فينا) لفظ البخاري: عندنا بالبصرة (¬3) (يقول: هذا و) لكن (أبى ذلك البحر يريد) عبد اللَّه (بن عباس رضي اللَّه عنهما) يريد بالبحر بحر العلم، لكثرة تبحره في العلم وسعته، وفي بعض نسخ البخاري وغيره: الحبر، وهو العالم أيضًا، والمراد أن ابن عباس خالف الجمهور، فأباح أكل لحوم الحمر الأهلية. وروي مثله عن عائشة والشعبي. قال ابن بطال (¬4): وروي عنهم خلافه، وزاد البخاري بعد قوله: أبى ذلك البحر ابن عباس وقرأ: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} يعني: استدل بعموم الآية على إباحة ما عداها، والحمر الأهلية ليس في الآية. [3809] (حدثنا عبد اللَّه بن أبي زياد) الحكم القطواني، قال أبو حاتم: صدوق (¬5). (حدثنا عبيد (¬6) اللَّه بن موسى) العبسي، أحد الأعلام على تشيعه (عن ¬

_ (¬1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" 3/ 85. (¬2) انظر: "الطبقات الكبرى" لابن سعد 7/ 29. (¬3) البخاري (5529). (¬4) "شرح صحيح البخاري" 5/ 434. (¬5) "الجرح والتعديل" 5/ 38. (¬6) فوقها في (ح): (ع).

إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي [(عن منصور، عن عبيد) بن الحسن (أبي الحسن) المزني، يعد في الكوفيين، أخرج له مسلم في الصلاة. (عن عبد الرحمن) بن معقل بن مقرن المزني، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬1)] (¬2). (عن غالب بن أبجر) بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة وبعدها جيم مفتوحة ثم راء، ويقال فيه: غالب بن ذبخ بكسر الذال المعجمة وسكون الباء الموحدة ثم خاء معجمة، مزني كوفي، له أحاديث عند البصريين (¬3). (قال: أصابتنا سنة) أي: جدب، يقال: أخذتهم السنة. إذا أجدبوا وأقحطوا، وهي من الأسماء الغالبة نحو الدابة في الفرس والمال في الإبل. (فلم يكن في مالي شيء أطعم أهلي إلا شيئًا من حمر) بضم الحاء والميم، جمع حمار أهلي (وقد كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حرم لحوم الحمر الأهلية) فتركت إطعامهم منها لتحريمها. (فأتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقلت: يا رسول اللَّه، أصابتنا السنة) المجدبة (ولم يكن في مالي ما أطعم أهلي) فيه وجوب نفقة الزوجة وصغار الأولاد من الأهل، وقد يستدل به على وجوب إطعامهم اللحم مع القوت والأدم، فيكون التقدير في الحديث: ليس في مالي بعد القوت ما أطعمهم من ¬

_ (¬1) "الثقات" 5/ 111. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) هكذا في (ل)، وفي "الإصابة" لابن حجر 5/ 242: ابن ريخ.

اللحم (إلا سمان) بكسر السين (حمر) أهلية، وسمان جمع سمين، ككرام جمع كريم (وإنك حرمت) علينا (لحوم الحمر الأهلية) في غزوة خيبر. (فقال) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (أطعم) بفتح الهمزة (أهلك من سمين حمرك) هذا تمسك به عكرمة وأبو وائل على أن الحمر الأهلية لا بأس بأكلها، والجمهور على التحريم. قال ابن عبد البر: روى عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تحريم الحمر الأهلية علي وعبد اللَّه بن عمر وعبد اللَّه بن عمرو وجابر والبراء وعبد اللَّه بن أبي أوفى وأنس وزاهر الأسلمي بأسانيد صحاح وحسان. وحديث غالب ابن أبجر لا يعرج على مثله مع ما يعارضه (¬1). ويحتمل أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رخص لهم في مجاعتهم، وبين علة تحريمها المطلق بكونها تأكل العذرات. (فإنما حرمتها من أجل جوال) بفتح الجيم وتخفيف الواو وبعد الألف لام مشددة (القرية) جمع جالة مثل سوام جمع سامة بتشديد الميم، وهوام جمع هامة، وفي الحديث: "فإنما قذرت عليكم جالة القرى" (¬2). وهي التي تأكل العذرة، والجلة بفتح الجيم هي البعر كما تقدم. [3811] (حدثنا سهل بن بكار) بن بشر الدارمي، قال أبو حاتم: ثقة (¬3). ¬

_ (¬1) "التمهيد" 10/ 125. (¬2) رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 2/ 360 - 361 (1132 - 1134)، والطبراني 18/ 267 (669) من حديث غالب بن ذريح. (¬3) "الجرح والتعديل" 4/ 194.

(حدثنا وهيب) (¬1) بن خالد الباهلي (عن) عبد اللَّه (ابن (¬2) طاوس) بن كيسان (عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده -رضي اللَّه عنهم- قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية) تقدم قريبًا (وعن الجلالة) تقدم أيضًا و (عن ركوبها وأكل لحمها) تقدم، وهل تحميلها الحمل في معنى ركوبها؟ . * * * ¬

_ (¬1) فوقها في (ح): ع. (¬2) فوقها في (ح): ع.

34 - باب في أكل الجراد

34 - باب في أَكْلِ الجَرَادِ 3812 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْن عُمَرَ النَّمَريُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبي يَعْفورٍ قالَ: سَمِعْتُ ابن أَبي أَوْفَى وَسَأَلْتهُ عَنِ الجَرَادِ فَقالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- سِتَّ أَوْ سَبْعَ غَزَواتٍ، فَكُنَّا نَأْكُلُهُ مَعَهُ (¬1). 3813 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الفَرَجِ البَغْداديُّ، حَدَّثَنَا ابن الزِّبْرِقانِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمانُ التَّيْميُّ، عَنْ أَبي عُثْمانَ النَّهْديِّ، عَنْ سَلْمانَ قالَ: سُئِلَ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنِ الجَرادِ فَقالَ: "أَكْثَرُ جُنُودِ اللَّهِ لا آكُلُهُ وَلا أُحَرِّمُهُ". قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ المُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي عُثْمانَ، عَنِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمْ يَذْكُرْ سَلْمانَ (¬2). 3814 - حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَليٍّ وَعَليُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قالا: حَدَّثَنَا زَكَرِّياءُ بْن يَحْيَى بْنِ عُمارَةَ، عَنْ أَبي العَوّامِ الجَزّارِ، عَنْ أَبي عُثْمانَ النَّهْديِّ، عَنْ سَلْمانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- سُئِلَ فَقالَ مِثْلَهُ، فَقالَ: "أَكْثَرُ جُنْدِ اللَّهِ". قالَ عَليٌّ: اسْمُهُ فائِدٌ، يَعْني: أَبا العَوّامِ. قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ حَمّادُ بْن سَلَمَةَ، عَنْ أَبي العَوّامِ، عَنْ أَبي عُثْمانَ، عَنِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمْ يَذْكرْ سَلْمانَ (¬3). * * * باب في أكل الجراد [3812] (حدثنا حفص بن عمر) الحوضي الأزدي (النمري) بفتح ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5495)، ومسلم (1952). (¬2) رواه ابن ماجه (3219)، والبزار (2509)، والطبراني 6/ 251 (6129)، 6/ 256 (6149)، والبيهقي 9/ 257، وضعفه الألباني في "الضعيفة" (1533). (¬3) انظر الحديث السابق.

النون والميم، نسبة إلى النمر بن قاسط بن هنب بن أفصى، وينسب أيضًا إلى النمر بن وبرة، قبيلة من قضاعة. (حدثنا شعبة عن أبي يعفور) الأكبر، واسمه واقد بن محمد بن زيد العمري (¬1)، أخرج له الشيخان. (قال: سمعت) أبا إبراهيم عبد اللَّه (بن أبي أوفى) واسم أبي أوفى علقمة الأسلمي، له ولأبيه صحبة، وعبد اللَّه آخر من مات من الصحابة بالكوفة (وسألته عن الجراد) لم يختلف في جواز أكل الجراد في الجملة، ولكن اختلف فيه: هل يحتاج إلى سبب يموت به، أم لا يحتاج إلى ذلك؟ وعامة العلماء إلى أنه لا يحتاج إلى ذلك، فيجوز أكل الميت منه. وذهب مالك إلى أنه لا بد من سبب يموت به كقطع رؤوسه وأرجله وأجنحته إذا مات من ذلك أو يشوى أو يسلق (¬2). والجمهور تمسكوا بهذا الحديث، وبما ذكر ابن المنذر أن أزواج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كن يتهادين الجراد فيما بينهن (¬3)، ويجوز أكل ما صاده المجوسي، وإليه ذهب الشافعي (¬4) والنعمان (¬5). ¬

_ (¬1) كذا في الأصول: واقد بن محمد بن زيد العمري. وهو خطأ، والصواب: وقدان العبدي الكوفي، وانظر: "تهذيب الكمال" 30/ 459، 30/ 414. (¬2) انظر: "المدونة" 1/ 537. (¬3) رواه ابن ماجه (3220)، والبيهقي 9/ 258 من حديث أنس بن مالك. وضعف إسناده البوصيري في "مصباح الزجاجة" 3/ 237. (¬4) انظر: "الحاوي الكبير" 15/ 64. (¬5) انظر: "المبسوط" 11/ 245.

وأما مالك (¬1) وأبو ثور فرأيا الجراد من حيوان البر فميتته محرمة لدخولها في {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} ولم يصح عنده "أحلت لنا ميتتان" (¬2). (فقال: غزونا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ست أو سبع غزوات) أصله ست غزوات، فحذف الثاني، وهو المضاف إليه لوجود العطف عليه وإضافة المعطوف لمثل ما حذف كقول الشاعر: بين ذراعي وجبهة الأسد (¬3) وفي البخاري: قال سفيان وأبو عوانة وإسرائيل: عن أبي يعفور، عن ابن أبي أوفى سبع غزوات (¬4). يعني: من غير شك. وروى الدارقطني عن ابن عمر أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أحلت لنا ميتتان: الحوت والجراد" (¬5). (فكنا نأكله معه) فيه فضيلة الاجتماع على الأكل، فهو سبب البركة، والظاهر أنهم أكلوه بمفرده مشويًّا. [3813] (حدثنا محمد بن الفرج) بن عبد الوارث (البغدادي) العابد، ¬

_ (¬1) انظر: "المدونة" 1/ 542. (¬2) رواه ابن ماجه (3218، 3314)، وأحمد 2/ 97، والبيهقي 1/ 254، 9/ 257، 10/ 7، والبغوي في "شرح السنة" 11/ 244 (2853) من حديث ابن عمر مرفوعًا. ورواه البيهقي 1/ 254 عن ابن عمر موقوفًا. وصححه وضعف المرفوع، وكذا البوصيري في "مصباح الزجاجة" 3/ 237، 4/ 21. والحديث صححه الألباني في "الإرواء" (2526)، وفي "الصحيحة" (1118). (¬3) عجز بيت صدره: (يا من رأى عارضًا أُسَرُّبه)، ذكره ابن سيبويه في "الكتاب" 1/ 180 ونسبه للفرزدق. (¬4) البخاري (5495). (¬5) "سنن الدارقطني" 4/ 271.

شيخ مسلم (قال: حدثنا) خالي أبو همام محمد (بن الزبرقان) بكسر الزاي والراء، سمي بذلك لحسنه، فإن الزبرقان اسم للبدر ليلة تمامه، وهو أهوازي، أخرج له الشيخان. (حدثنا سليمان) بن طِرخان بكسر الطاء المهملة كما قيده صاحب "الإمام" (التيمي) نزل فيهم بالبصرة فنسب إليهم. (عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن مل (النهدي) بفتح النون نسبة إلى نهد بن ليث، من قضاعة، قال السمعاني: أسلم في زمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولم يلقه (¬1). (عن سلمان) يقال له: سلمان الخير الفارسي. قيل له: ابن من أنت؟ قال: ابن الإسلام. عاش ثلاثمائة سنة. (قال: سئل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الجراد) البري، وله ستة أرجل: يدان في صدره وقائمتان في وسطه ورجلان في مؤخره، لعابه سم ناقع، لا يقع على شيء إلا أهلكه. (فقال: أكثر جنود اللَّه) وروى الطبراني والبيهقي: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تقتلوا الجراد، فإنه جند اللَّه الأعظم" (¬2). قال: وهذا إن صح أراد به إذا لم يتعرض لإفساد زرع ولا غيره، فإن تعرض له جاز ¬

_ (¬1) "الأنساب" 13/ 217. (¬2) "المعجم الكبير" 22/ 297 (757)، "المعجم الأوسط" 9/ 111 (9277)، "مسند الشاميين" 2/ 438 (1656)، "شعب الإيمان" 7/ 232 (10127) من حديث أبي زهير النميري. ورواه أيضًا ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 3/ 118 (1440). وصححه الألباني في "الصحيحة" (2428).

دفعه بالقتل ونحوه. ثم أسند عن ابن عمر أن جرادة وقعت بين يدي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإذا مكتوب على جرادها بالعربية: نحن جند اللَّه الأكبر، لنا تسعة وتسعون بيضة، ولو تمت لنا المائة لأكلنا الدنيا بما عليها. فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللهم أهلك الجراد واقتل كبارها وأمت صغارها، وأفسد بيضها، وسد أفواهها عن مزارع المسلمين وعن معايشهم، إنك سميع الدعاء" (¬1). (لا آكله ولا أحرمه) يشبه أن يكون قبل أن ينزل عليه إباحة أكله، فلما أوحي إليه بذلك أكله مع أصحابه، وكان أزواجه يتهادونه. (قال) المصنف (رواه المعتمر (¬2) بن سليمان عن أبيه) سليمان بن طرخان (عن أبي عثمان) النهدي فأرسله (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) و (لم يذكر سلمان) الفارسي، ورواه ابن ماجه مسندًا كما تقدم (¬3). [3814] (حدثنا نصر بن علي) الجهضمي (وعلي بن عبد اللَّه) بن جعفر بن المديني شيخ البخاري. (قالا: حدثنا زكريا بن يحيى بن عمارة) البصري الذارع، قال أبو حاتم: شيخ (¬4). (عن أبي العوام) فائد بن كيسان (الجزار) بفتح الجيم والزاي، وفائد بفاء أوله، وذكره ابن حبان في "الثقات" (¬5). ¬

_ (¬1) "شعب الإيمان" 7/ 233. (¬2) فوقها في (ح)، (ل): (ع). (¬3) "سنن ابن ماجه" (3219). (¬4) "الجرح والتعديل" 3/ 601. (¬5) "الثقات" 7/ 323.

(عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان) الفارسي -رضي اللَّه عنه- (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سئل) عن الجراد (فقال مثله، فقال: أكثر جنود اللَّه) رواه ابن ماجه بهذا السند واللفظ، وزاد: "لا آكله ولا أحرمه" (¬1). (قال علي) بن عبد اللَّه شيخ المصنف (اسمه فائد) بفاء ثم همزة ممدودة، ابن كيسان (يعني: أبا العوام) كما تقدم. (قال) المصنف (رواه حماد بن سلمة، عن أبي العوام) فائد (عن أبي عثمان) النهدي (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) و (لم يذكر) [أبو عثمان] (¬2) (سلمان) الفارسي، بل ذكره مرسلًا كما تقدم. * * * ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (3219). (¬2) ساقطة من (ل)، (م).

35 - باب في أكل الطافي من السمك

35 - باب في أَكْلِ الطَّافِي مِنَ السَّمَكِ 3815 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْن عَبْدَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن سُلَيْمٍ الطَّائِفِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْماعِيلُ ابْنُ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: قالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما أَلْقَى البَحْرُ أَوْ جَزَرَ عَنْهُ فَكُلُوهُ وَما ماتَ فِيهِ وَطَفا فَلا تَأْكُلُوهُ". قالَ أَبُو داوُدَ: رَوى هذا الحَدِيثَ سُفْيانُ الثَّوْريُّ وَأَيُّوبُ وَحَمَّادٌ، عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ أَوْقَفُوهُ عَلَى جابِرٍ، وَقَدْ أَسْنِدَ هذا الحَدِيثُ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ ضَعِيفٌ عَنِ ابن أَبي ذِئْبٍ، عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ عَنْ جابِرٍ عَنِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬1). * * * باب في الطافي من السمك [3815] (حدثنا أحمد بن عبدة) الضبي شيخ مسلم (قال: حدثنا يحيى بن سليم) آخره ميم (الطائفي) مولى قريش (حدثنا إسماعيل بن أمية) بن عمرو بن سعيد الأموي (عن أبي الزبير) محمد بن مسلم (عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ما ألقى البحر) لكم على ساحله (أو جزر) بفتح الجيم والزاي (عنه) أي: ما انكشف عنه الماء من دواب الماء فمات بفقدان الماء (فكلوه) وسميت الجزيرة: جزيرة؛ لانكشاف الماء عن موضعها. بعد أن كان يجري عليه، وقيل: الجزر: القطع، ومنه سميت الجزيرة؛ لأنها قطعة منه، أو لأن الماء يجزر عنها، أي: انقطع. ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (3247)، والدارقطني 4/ 268، والبيهقي 9/ 255، وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (5019).

(وما مات فيه وطفا) أي: علا فوق الماء، يقال: طفا الماء يطفو طفوًا إذا علا وارتفع ولم يرسب (فلا تأكلوه) قال عبد اللَّه بن رواحة: وأَنَّ العَرْشَ فَوْقَ الماءِ طافٍ ... وَفَوْقَ العَرْشِ (¬1) رَبُّ العالَمِينَا (¬2) وقد استدل بهذا الحديث أبو حنيفة على أنه لا يجوز أكل السمك الطافي على وجه الماء (¬3)، وكرهه أيضًا جابر (¬4) وطاوس (¬5) وابن سيرين (¬6) وجابر بن زيد، وذهب الشافعي (¬7) ومالك (¬8) وأحمد إلى جواز أكله للحديث الذي قال أحمد: هو خير من مائة حديث (¬9)، وهو: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" (¬10) وحديث العنبر (¬11). ¬

_ (¬1) في (م): الماء. (¬2) رواه عثمان بن سعيد الدارمي في "الرد على الجهمية" (82). وأشار ابن عبد البر في "الاستيعاب" 3/ 35 إلى صحته. (¬3) انظر: "المبسوط" 11/ 247، "بدائع الصنائع" 5/ 35. (¬4) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 4/ 253 (19739). (¬5) رواه ابن أبي شيبة 4/ 254 (19745). (¬6) رواه ابن أبي شيبة 4/ 253 (19741). (¬7) انظر: "الحاوي الكبير" 15/ 64، "البيان" 4/ 523. (¬8) انظر: "المدونة" 1/ 537. (¬9) انظر: "المغني" 13/ 298 - 299. (¬10) سلف برقم (83)، ورواه أيضًا الترمذي (69)، والنسائي 1/ 50، 176، وابن ماجه (386، 3246)، وأحمد 2/ 361، 378، 392 من حديث أبي هريرة. وانظر: "الإرواء" (9). (¬11) رواه البخاري (4361)، ومسلم (1935) من حديث أبي هريرة.

وروى البيهقي عن ابن عباس، عن أبي بكر الصديق أنه قال: كل السمكة الطافية (¬1). قال: وروي عن زيد بن أسلم عن عبد اللَّه بن عمر قال: السمك ذكي كله، [والجراد ذكي كله] (¬2). قال: وروي أيضًا في حل الطافية عن أبي أيوب وأبي طلحة (¬3). وأجاب الجمهور عن هذا الحديث على تقدير إسناده وصحته بأنه محمول على نهي الكراهة؛ لأنه إذا مات رسب في أسفله، فإذا نتن طفا، فكرهه لنتنه لا لتحريمه. (قال) المصنف (روى [هذا الحديث] (¬4) سفيان الثوري وأيوب) السختياني (وحماد) بن سلمة (عن أبي الزبير أوقفوه على جابر) قال البيهقي: الصواب وقفه. قال: وكذلك رواه عبد اللَّه بن عمر وابن جريجٍ وزهير وغيرهم (¬5). قال المصنف (وقد أسند هذا الحديث أيضًا من وجه ضعيف عن) [محمد بن] (¬6) عبد الرحمن (بن أبي ذئب، عن أبي الزبير) محمد بن مسلم المكي (عن جابر، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) قال الدارقطني: لم يسنده عن ¬

_ (¬1) "السنن الكبرى" 9/ 253. ورواه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 15/ 210، والدارقطني 4/ 269، والحافظ في "التعليق" 4/ 507 - 508. (¬2) ساقطة من (ل)، (م). (¬3) "مختصر خلافيات البيهقي" 5/ 75 - 76. (¬4) ساقطة من (ل)، (م). (¬5) "مختصر خلافيات البيهقي" 5/ 77. (¬6) ساقطة من (ل)، (م).

الثوري غير أبي أحمد، وخالفه وكيع والعدوي (¬1) وعبد الرزاق ومحمد (¬2) وأبو عاصم وغيرهم عن الثوري، فرووه موقوفًا (¬3). قال البيهقي: وروي عن ابن أبي ذئب وإسماعيل بن أمية عن أبي الزبير مرفوعًا، ولا يصح رفعه عن يحيى بن أبي سليم، عن إسماعيل ابن أمية بمعناه. ووقفه غيره عن إسماعيل، قال: وهو الصواب (¬4). * * * ¬

_ (¬1) في "سنن الدارقطني": العدنيان. (¬2) في "سنن الدارقطني": مؤمل. (¬3) "سنن الدارقطني" 4/ 268. (¬4) "مختصر خلافيات البيهقي" 5/ 77.

36 - باب في المضطر إلى الميتة

36 - باب فِي المُضْطَرِّ إِلَى المَيْتَةِ 3816 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ عَنْ سِماكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جابِرِ ابْنِ سَمُرَةَ أَنَّ رَجُلًا نَزَلَ الحَرَّةَ وَمَعَهُ أَهْلُهُ وَوَلَدُهُ فَقالَ رَجُلٌ: إِنَّ ناقَةً لِي ضَلَّتْ فَإِنْ وَجَدْتَها فَأَمْسِكْهَا. فَوَجَدَها فَلَمْ يَجِدْ صاحِبَها فَمَرِضَتْ فَقالَتِ امْرَأَتُهُ: انْحَرْهَا. فَأَبَى فَنَفَقَتْ فَقالَتِ اسْلُخْها حَتَّى نُقَدِّدَ شَحْمَها وَلَحْمَها وَنَأْكُلَهُ. فَقالَ حَتَّى: أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فأَتَاهُ فَسَأَلَهُ فَقالَ: "هَلْ عِنْدَكَ غِنًى يُغْنِيكَ؟ ". قالَ: لا. قالَ: "فَكُلُوها". قالَ: فَجاءَ صاحِبُها فَأَخْبَرَهُ الخَبَرَ فَقالَ: "هَلَّا كُنْتَ نَحَرْتَها". قالَ: اسْتَحْيَيْت مِنْكَ (¬1). 3817 - حَدَّثَنَا هارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا الفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ وَهْبِ بْنِ عُقْبَةَ العامِريُّ قالَ: سَمِعْتُ أَبي يُحَدِّثُ عَنِ الفُجَيْعِ العامِريِّ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ: ما يَحِلُّ لَنَا مِنَ المَيْتَةِ؟ قالَ: "مَا طَعامُكُمْ". قُلْنا نَغْتَبِقُ وَنَصْطَبِحُ قالَ أَبُو نُعَيْمٍ: فَسَّرَهُ لي عُقْبَةُ قَدَحٌ غُدْوَةً وَقَدَحُ عَشِيَّة. قالَ: "ذاكَ وَأَبي الجُوعُ". فَأَحَلَّ لَهُمُ المَيْتَةَ عَلَى هذِه الحالِ. قالَ أَبُو داوُدَ: الغَبُوقُ مِنْ آخِرِ النَّهارِ والصَّبُوحُ مِنْ أَوَّلِ النَّهارِ (¬2). * * * باب في المضطر إلى الميتة [3816] (حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد) بن سلمة (عن ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 89، وأبو يعلى (7448)، والحاكم 4/ 125، والبيهقي 9/ 356، وصححه الألباني في "الصحيحة" (2702). (¬2) رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1503)، والطبراني 18/ 321 (829)، والبيهقي 9/ 357. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود".

سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة) بن جنادة بن جندب العامري السوائي، حليف بني زهرة، وخاله سعد بن أبي وقاص، وبنوه خالد ومسلم -ولهما عقب- وأبو جعفر وجبير. (أن رجلًا نزل (¬1) الحرة) بفتح الحاء والراء المشددة المهملتين، أرض بظاهر المدينة، بها حجارة سود ولهم حرار كثيرة (ومعه أهله وولده) بفتح الواو واللام، يطلق على الواحد والجمع. (فقال) له (رجل: إن ناقة لي ضلت) الضال كما قاله الأزهري وغيره لا يقع إلا على الحيوان إنسانًا كان أو غيره (¬2). والآبق لا يطلق إلا على العبد إذا كان ذهابه من غير خوف ولا كد في العمل، وإلا فهو هارب كما ذكره الثعالبي (فإن وجدتها) في أرض الحرة (فأمسكها) بفتح الهمزة. (فوجدها) بعد ذلك (فلم يجد صاحبها) بعدما وجدها (فمرضت) الناقة (فقالت) له (امرأته: انحرها) فيه أن النحر للإبل كان معروفًا عندهم دون الذبح، يعني: انحرها قبل أن تموت (فأبى) أن ينحرها (فنفقت) بفتح النون والفاء والقاف، أي: ماتت، يقال: نفقت الدابة نفوقًا. مثل: قعدت المرأة قعودًا. إذا ماتت (فقالت) امرأته (اسلخها) بهمزة وصل وضم اللام وفتحها، أي: اسلخ جلدها عنها. (حتى نقدد شحمها) أي: نجعله قديدًا (ولحمها ونأكله، فقال) لا أفعل شيئًا من ذلك (حتى أسأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) فيه الإمساك عن فعل ما جهل حكمه حتى يسأل عنه، لاسيما إذا كان متعلقًا بمال الغير، ¬

_ (¬1) في (ل، م): من. (¬2) "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" (ص 177).

وفيه أن من لم يجد العالم في مكانه فيرتحل إليه. (فأتاه فسأله) عن الناقة المودوعة عنده وعن مرضها وموتها (فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: هل عندك غنى يغنيك؟ ) أي: تستغني به ويكفيك ويكفي أهلك وولدك عنها (قال: لا. قال: فكلوها) يعني: أنت وأهلك. قال ابن خويز منداد: في هذا الحديث دليلان: أحدهما: أن المضطر يأكل من الميتة وإن لم يخف التلف؛ لأنه سأله عن الغنى ولم يسأله عن خوفه على نفسه. والثاني: يأكل ويشبع ويدخر ويتزود؛ لأنه أباحه الادخار، ولم يشرط عليه أن لا يدخر. انتهى. وعند الشافعية أن من لم يجد حلالًا وخاف على نفسه موتًا أو مرضًا مخوفًا، ووجد ميتة أو محرمًا غيره لزمه أكله، ويحل ما يسد الرمق لا الزيادة على الشبع، [فأما الشبع] (¬1) فإن كان قريبًا من العمران لم يحل، وإلا حل (¬2). قال النووي: الراجح إن توقع حلالًا قريبًا لم يجز أن يأكل غير سد الرمق (¬3). (قال: فجاء صاحبها) أي: صاحب الناقة (فأخبره) زوج المرأة الوديع (الخبر) الواقع (فقال: هلا كنت نحرتها) حين مرضت وأشرفت على الموت (قال: استحييت) بياءين مثناتين من تحت، ولغة تميم وبكر بن وائل: استحيت بفتح الحاء وحذف إحدى الياءين (منك) قال ابن ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) انظر: "نهاية المطلب" 18/ 224، "روضة الطالبين" 3/ 283. (¬3) "منهاج الطالبين" 3/ 345.

التيمية: فيه دليل على جواز إمساك الميتة للمضطر. وقد قال العلماء: يجب على المودع حفظ متلفاتها؛ لأنه يجب عليه ما يتلفها، فلو أودعه دابة فترك علفها فماتت وجب عليه ضمانها. وتفاصيله في كتب الفقه. [3817] (حدثنا هارون بن عبد اللَّه) بن مروان البغدادي، شيخ مسلم. (حدثنا الفضل بن دكين، ثنا عقبة (¬1) بن وهب بن عقبة) ذكره ابن حبان في "الثقات" (العامري قال: سمعت أبي) عن أبيه (¬2): وهب بن عقبة العامري، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3) (يحدث عن الفجيع) بضم الفاء وفتح الجيم وسكون ياء التصغير ثم عين مهملة، وهو ابن عبد اللَّه بن جندع من بني عامر بن صعصعة. قال البغوي: سكن الكوفة. (أنه أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: ما يحل لنا من) وفي بعض النسخ المعتمدة (¬4): ما يحل لنا الميتة؟ بضم الياء وكسر الحاء (¬5) وحذف من ونصب الميتة، تقديره: أي شيء يحل لنا أكل الميتة إذا اضطررنا إلى الأكل منها؟ وهذا أولى أكل (الميتة) إذا اضطررنا إليها وإلى أكلها (قال) له (ما طعامكم؟ ) أي: ما قدر طعامكم في اليوم والليلة؟ (قلنا: نغتبق) هو نفتعل من الغبوق بفتح الغين، وهو شرب اللبن آخر النهار ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): د. (¬2) كذا في الأصول، وكذا ذكره المزي في "تهذيب الكمال" 20/ 231، لكن لم أقف عليه في المطبوع في "الثقات"، بينما الذي ذكره ابن حبان هو أبوه كما سيأتي. (¬3) "الثقات" 5/ 488. (¬4) ساقطة من (ل، م). (¬5) في جميع النسخ: الميم.

(ونصطبح) نفتعل من الصبوح، بفتح الصاد، وهو شرب اللبن أول النهار، ثم استعمل الغبوق والصبوح في الأكل للغداء والعشاء. وروى الإمام أحمد عن أبي واقد الليثي قال: قلت: يا رسول اللَّه، إنا بأرض تصيبنا مخمصة، فما يحل لنا من الميتة؟ قال: "إذا لم تصطبحوا وتغتبقوا ولم تحتفئوا بها بقلًا فشأنكم بها" (¬1)، فالاصطباح هاهنا أكل الصبوح، وهو الغداء، والغبوق أكل العشاء، وتحتفئوا بفتح المثناتين فوق بينهما حاء مهملة وبعدهما فاء مكسورة ثم همزة مضمومة من الحفاء، وهو البردي، وضعفه بعضهم بأن البردي ليس من البقول، فإن البردي الوارد في حديث: أمر أن يؤخذ البردي في الصدقة. هو بضم الموحدة، نوع من جيد التمر، وقال أبو عبيد (¬2): تحتفئوا بالهمز من الحفاء، مهموز مقصور، وهو أصل البردي الأبيض الرطب، وقد يؤكل. يقول: ما لم تقتلعوا هذا بعينه فتأكلوه لبينة. قال أبو عبيد: معنى الحديث أنه ليس لكم أن تصطبحوا أو تغتبقوا وتجمعوهما من الميتة (¬3). قال الأزهري: قد أنكر هذا على أبي عبيد، وفسر أنه أراد إذا لم تجدوا لبينة تصطبحونها أو شرابًا تغتبقونه ولم تجدوا بعد عدم الصبوح والغبوق بقلة تأكلونها حلت لكم الميتة. قال: وهذا هو الصحيح (¬4). ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 5/ 218. ورواه أيضًا الدارمي 2/ 1269 (2039)، والبيهقي 9/ 356. وصححه الحاكم 4/ 125. (¬2) "غريب الحديث" 1/ 60. (¬3) "غريب الحديث" 1/ 61. (¬4) "تهذيب اللغة" 2/ 1969.

ومنه حديث الاستسقاء: وما لنا صبي يصطبح (¬1). أي: ليس عندنا لبن بقدر ما يشربه الصبي. (قال أبو نعيم) وهو الفضل بن دكين (فسره لي عقبة) بن وهب بن عقبة شيخه فقال: الاصطباح هو (قدح) بالتنوين، أي: قدح لبن (غدوة) بالنصب والتنوين، أي: في غدوة اللهار (و) الاغتباق هو (قدح عشية قال) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (ذاك) الذي ذكرته. (و) حق (أبي) قال الخطابي: هي كلمة تستعملها العرب على لسانها تريد بها التأكيد، وورد النهي عن الحلف بالآباء (¬2)، فلعل هذا قبل النهي، أفديك به. هو (الجوع) قال (فأحل لهم) أكل (الميتة) إذا كانوا (على هذِه الحال) التي ذكروها. (قال) المصنف (الغبوق) الشرب أو الأكل (من آخر النهار، والصبوح) بفتح الصاد هو الشرب (من أول النهار) قال الخطابي: القدح من اللبن بالغداة، والقدح بالعشي يمسك الرمق ويقيم النفس، وإن كان لا يغذو البدن ولا يشبع الشبع التام، وقد أباح لهم مع ذلك تناول الميتة، فكأن دلالته أن تناول الميتة [مباح] (¬3) إلى أن تأخذ النفس حاجتها من القوت، وإلى هذا ذهب مالك بن أنس، وهو أحد قولي الشافعي (¬4). انتهى (¬5). ¬

_ (¬1) جزء من حديث رواه الطبراني في "الدعاء" 3/ 1775 - 1776 (2180) عن أنس. (¬2) رواه البخاري (3836، 6648)، ومسلم (1646) من حديث ابن عمر. (¬3) ليست في النسخ الخطية. والمثبت من "معالم السنن" 4/ 234. (¬4) "معالم السنن" 4/ 234. (¬5) بعدها في (ح) سواد بمقدار كلمتين، وهما غير موجودتين في (ل، م).

وهو مرجوح عند الشافعي، ويدل عليه الحديث قبله في قوله: "هل عندك غنى يغنيك؟ " قال: لا. قال: "كلوها" وبين الفرق بين سد الرمق والشبع؛ فدل على جوازهما، ولأن ما جاز سد الرمق منه جاز الشبع منه كالمباح. والقول الراجح عند الشافعي هو الاقتصار على سد الرمق، كما نقله المزني في "المختصر" عن الشافعي واختاره، وقال البندنيجي والقاضي الحسين: إنه مختار الشافعي. وصححه الرافعي في "المحرر" فقال: إنه أولى القولين (¬1). وصححه أيضًا النووي في كتبه (¬2)، وهو قول أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن مالك (¬3)؛ ولأن الآية دلت على تحريم الميتة واستثني ما اضطر إليه، فإذا اندفعت الضرورة لم يحل الأكل كحالة الابتداء، ولأنه بعد سد الرمق غير مضطر فلم يحل له الأكل. * * * ¬

_ (¬1) "المحرر" ص 469. (¬2) "روضة الطالبين" 3/ 283. (¬3) انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 4/ 358 - 359، "الاستذكار" 15/ 352 - 353.

37 - باب في الجمع بين لونين من الطعام

37 - باب في الجَمْعِ بَيْنَ لَوْنَيْنِ مِنَ الطَّعَامِ 3818 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ أَبِي رِزْمَةَ، أَخْبَرَنَا الفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ واقِدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَدِدْتُ أَنَّ عِنْدي خُبْزَةً بَيْضاءَ مِنْ بُرَّةٍ سَمْراءَ مُلَبَّقَةً بِسَمْنٍ وَلَبَنٍ". فَقامَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ فاتَّخَذَهُ فَجاءَ بِهِ فَقالَ: "في أيِّ شَيء كانَ هذا؟ ". قالَ: في عُكَّةِ ضَبٍّ. قالَ: "ارْفَعْهُ". قالَ أَبُو داوُدَ: هذا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ. قالَ أَبُو داوُدَ: وَأيُّوبُ لَيْسَ هُوَ السَّخْتِيانِيَّ (¬1). * * * باب الجمع بين لونين من الطعام [3718] (حدثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة) بكسر الراء وسكون الزاي اليشكري المروزي، روى عنه البخاري في تفسير سورة اقرأ (¬2) (أنا الفضل (¬3) بن موسى) السيناني (عن حسين بن واقد) قاضي مرو، أخرج له مسلم. (عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) ذات يوم كما في ابن ماجه (¬4) (وددت) بكسر الدال الأولى (لو أن عندي خبزة) بالنصب اسم إن، الخبز معروف، والخبزة أخص منه، ولعل المراد كسرة من خبز (بيضاء) نقية البياض، وهي السمراء أيضًا (¬5). ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (3341)، والبيهقي 9/ 326، وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (6119). (¬2) البخاري (4953). (¬3) فوقها في (ح، ل): ع. (¬4) "سنن ابن ماجه" (3341). (¬5) ساقطة من (ح).

(من برة) بضم الموحدة وتشديد الراء، وهي الحنطة، [ولفظ ابن ماجه: خبزة (¬1)] (¬2) (سمراء) بسكون الميم، لعله ذكره لينبه (¬3) على جواز أكله، ففي "صحيح البخاري": عن أبي حازم أنه سأل سهلًا: هل رأيتم في زمن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- "النقي؟ قال: لا. قال: فكنتم تنخلون الشعير؟ قال: لا، ولكن كنا ننفخه (¬4). وفي رواية: ما رأى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- النقي من حين ابتعثه اللَّه حتى قبضه (¬5). والنقي هو الخبز الحوارى، وهو الذي نخل مرة بعد مرة. (ملبقة) بفتح الباء الموحدة المشددة والقاف بعدها. أي: مخلوطة بالدسم قد لينت به (بسمن) أي: بست بسمن ولبن، وفي الحديث: صنع ثريدة ثم لبقها (¬6). أي: خلطها خلطًا شديدًا، وقيل: جمعها بالمغرفة، يقال: ثريد ملبق: شديد التثريد ملين بالدسم. (ولبن) يحتمل أن تكون الواو بمعنى أو، يعني: ملبقة بالسمن أو اللبن. زاد ابن ماجه: نأكلها (¬7). فسمعه [رجل (فقام] (¬8) رجل من) الأنصار (القوم فاتخذه فجاء به) إليه. فيه المبادرة (¬9) إلى ما يريده أهل العلم والصلاح ويشتهونه، فقد ذكر ابن الجوزي في "الموضوعات" عن جابر أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (3341). (¬2) و (¬3) ساقطة من (ل، م). (¬4) البخاري (5410). (¬5) البخاري (5413). (¬6) ذكره ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث والأثر" 4/ 226 وغيره. (¬7) "سنن ابن ماجه" (3341). (¬8) ساقطة من (ح). (¬9) في (م): المبالغة.

"من لذذ أخاه بما يشتهي كتب اللَّه له ألف ألف حسنة" (¬1). وقد استدل به المصنف على جواز الجمع بين لونين من الإدام، وهو السمن واللبن، وهو جائز، وإن كان الأولى تركه؛ لما روى البزار من حديث طلحة بن عبيد اللَّه أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أتي بإناء فيه عسل ولبن، فأبى أن يشربه وقال: "إدامان في إناء واحد؟ ! " (¬2)، وبوب عليه بعضهم: باب الثريد بالسمن والعسل. وفي الحديث المتفق عليه من حديث أنس في قصة طويلة: فأتت بذلك الخبز، فأمر به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ففت، وعصرت أم سليم عكة فأدمته (¬3). (فقال: في أي شيء كان هذا؟ ) السمن (قال: في عكة) من جلد [(ضب، قال: ارفعه)] (¬4)، ولابن ماجه: فأبى أن يأكله (¬5). يعني: لأنه كان يكره لحم الضب وجلده، كما تقدم. * * * ¬

_ (¬1) "الموضوعات" 2/ 518. وقال: قال أحمد بن حنبل: هذا باطل. وأورده الألباني في "الضعيفة" (107) وقال: موضوع. (¬2) كذا ذكره العراقي في "المغني" 1/ 858 للبزار بهذا اللفظ، وقال: وسنده ضعيف. وروى أبو القاسم الأصبهاني في "الترغيب والترهيب" 1/ 371 (637)، وابن الجوزي في "الموضوعات" 3/ 161 (1376) من حديث عائشة قالت: أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بقدح فيه لبن وعسل، فقال: أشربتان في شربة وإدامان في قدح. . . وأورده أيضًا الألباني في "الضعيفة" (4875) وقال: ضعيف جدًا. (¬3) البخاري (3578، 5381، 6688)، مسلم (2040). (¬4) ساقطة من (م). (¬5) "سنن ابن ماجه" (3341).

38 - باب في أكل الجبن

38 - باب في أَكْل الجُبْنِ 3819 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى البَلْخيُّ، حَدَّثَنَا إِبْراهِيمُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو ابْنِ مَنْصُورٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابن عُمَرَ قالَ: أُتَيَّ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِجُبْنَةٍ في تَبُوكَ فَدَعَا بِسِكِّينٍ فَسَمَّى وَقَطَعَ (¬1). * * * باب في أكل الجبن الأفصح تشديد النون. [3819] (حدثنا يحيى بن موسى البلخي) السختياني، شيخ البخاري (ثنا إبراهيم بن عيينة) الهلالي الكوفي، قال أبو حاتم: صدوق (¬2). (عن عمرو بن منصور) الهمداني، بسكون الميم، الكوفي، صدوق (عن الشعبي، عن ابن عمر) قال أبو حاتم الرازي: الشعبي لم يسمع من ابن عمر. وذكر غير واحد أنه سمع منه. وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما حديث الشعبي عن ابن عمر، وفيه: قاعدت ابن عمر سنتين أو سنة ونصف (¬3). (أتي) بضم الهمزة وكسر التاء (النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بجبنة) الجبن المأكول، معروف، فيه ثلاث لغات، أجودها سكون الباء، والجبنة [أخص منه ¬

_ (¬1) رواه البزار (5371)، وابن حبان (5241)، والطبراني في "الأوسط" (7084)، والبيهقي 10/ 6، وحسن إسناده الألباني في "صحيح أبي داود" (3819). (¬2) في "الجرح والتعديل" 2/ 118 - 119 قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: شيخ يأتي بمناكير. (¬3) البخاري (7267)، مسلم (1944).

(في) غزوة (تبوك)] (¬1) غير منصرف (فدعا بسكين فسمى) اللَّه تعالى (وقطع) منه، يوضحه ما رواه البيهقي عن ابن عباس أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لما فتح مكة رأى جبنةً، فقال: "ما هذا؟ " فقالوا: هذا طعام يصنع بأرض المعجم. فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ضعوا فيه السكين واذكروا اسم اللَّه وكلوا" (¬2). وعن علي -رضي اللَّه عنه-: إذا أردت أن تأكل الجبن فضع الشفرة فيه واذكر اسم اللَّه -عز وجل- وكل (¬3). وعن ابن مسعود: كلوا من الجبن ما صنعه المسلمون وأهل الكتاب (¬4). [قال البيهقي] (¬5): وهذا التقييد لأن الجبن يعمل بإنفحة السخلة المذبوحة، فإذا كانت من ذبائح المجوس لم تحل (¬6). * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل)، (م). (¬2) "سنن البيهقي" 10/ 6 من طريق أبي داود الطيالسي في "المسند" 4/ 405 (2807). (¬3) رواه البيهقي 10/ 6. (¬4) رواه البيهقي 10/ 6. (¬5) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬6) "سنن البيهقي" 10/ 6.

39 - باب في الخل

39 - باب في الخَلِّ 3820 - حَدَّثَنَا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْن هِشامٍ، حَدَّثَنَا سُفْيانُ، عَنْ مُحارِبِ بْنِ دِثارٍ، عَنْ جابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "نِعْمَ الإِدامُ الخَلُّ" (¬1). 3821 - حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسيّ وَمُسْلِمُ بْن إِبْراهِيمَ قالا: حَدَّثَنَا المُثَنَّى بْن سَعِيدٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ نافِعٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "نِعْمَ الإِدامُ الخَلُّ" (¬2). * * * باب في الخل [3820] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا معاوية بن هشام) القصار الكوفي، قال المصنف: ثقة، وأخرج له مسلم في الإيمان والحدود واللعان (ثنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن محارب (¬3) بن دثار) بن كردوس الكوفي (عن جابر) بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما. (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: نعم الإدام) قال عبد الحق في "الأحكام" (¬4). ذكر أبو أحمد عن محارب قال: ضافني جابر فقرب إليَّ خبزًا وخلًّا، فقال: كل، فإني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "نعم الأدام الخل" (¬5). والأدم بضم الهمزة، والإدام بكسر الهمزة وزيادة الألف هو ما يؤكل مع الخبز، أي شيء كان، ومنه الحديث: "سيد إدام أهل الدنيا والآخرة ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2052). (¬2) انظر الحديث السابق. (¬3) فوقها في (ل، ح): (ع). (¬4) "الأحكام الوسطى" 4/ 155. (¬5) "الكامل في ضعفاء الرجال" 5/ 364. وأعله ابن طاهر المقدسي في "ذخيرة الحفاظ" 1/ 411.

اللحم" (¬1)، جعل اللحم أدمًا، وبعض الفقهاء لا يجعله أدمًا ويقول: لو حلف لا يأتدم، ثم أكل لحمًا لم يحنث. (الخل) جمعه خلول، وسمي بذلك؛ لأنه انتقل من طعم الحلاوة واختل عن حاله، من قولهم: اختل الشيء، إذا تغير. [3821] (حدثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك (الطيالسي ومسلم بن إبراهيم قالا: حدثنا المثنى (¬2) بن سعيد) الضبعي، المصري الذارع. (عن طلحة (¬3) بن نافع) القرشي مولاهم (عن جابر) بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما-. (نعم الإدام الخل) الإدام ما يؤتدم به، أي: يؤكل به الخبز مما يطيب، سواء كان مما يصطبغ به من الأمراق والمائعات أو مما لا يصطبغ به كالجامدات من الجبن والبيض والزيتون وغير ذلك. هذا معنى الإدام عند الجمهور من الفقهاء، و [العلماء سلفًا] (¬4) وخلفًا وفيه فضيلة التأدم بالخل، وأنه يسمى أدمًا، وأنه أدم فاضل جيد. وفيه استحباب الحديث على الأكل تأنيسًا للآكلين، ومعنى الحديث: ائتدموا بالخل وما في معناه مما تخف مؤنته ولا يعز وجوده ولا تتأنقوا في الشهوات، وهو مدح، وبيان فضيلة الخل وترك احتقار المأكول. * * * ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في "الأوسط" 17/ 27 (7477)، وأبو نعيم في "الطب" 2/ 735 (847، 848)، والبيهقي في "الشعب" 5/ 92، 131 (5904، 6076، 6077)، وابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 378 - 379 (2012) من حديث بريدة. وأعله ابن عبد الهادي في "التنقيح" 5/ 42، وقال الألباني في "الضعيفة" (3579): ضعيف جدًّا. (¬2) و (¬3) فوقها في (ل، ح): (ع). (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

40 - باب في أكل الثوم

40 - باب في أَكْلِ الثُّومِ 3822 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنَا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ جابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنا -أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا- وَلْيَقْعُدْ في بَيْتِهِ". وَإِنَّهُ أُتِي بِبَدْرٍ فِيهِ خَضِراتٌ مِنَ البُقُولِ فَوَجَدَ لَها رِيحًا، فَسَأَلَ فَأُخْبِرَ بِما فِيها مِنَ البُقُولِ فَقَالَ: "قَرِّبُوهَا" إِلَى بَعْضِ أَصْحابِهِ كانَ مَعَهُ، فَلَمَّا رَآهُ كَرِهَ أَكْلَها قالَ: "كُلْ فَإِنِّي أُناجي مَنْ لا تُناجَي". قالَ أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ: بِبَدْرٍ فَسَّرَهُ ابن وَهْبٍ طَبَقٌ (¬1). 3823 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنَا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَني عَمْرٌو أَنَّ بَكْرَ بْنَ سَوادَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبا النَّجِيبِ -مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ- حَدَّثَهُ أَنَّ أَبا سَعِيدٍ الخُدْريَّ حَدَّثَهُ أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- الثُّومُ والبَصَلُ قِيلَ: يا رَسُولَ اللَّهِ وَأَشَدُّ ذَلِكَ كُلِّهِ الثُّومُ أَفَتُحَرِّمُهُ؟ فَقالَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كُلُوهُ وَمَنْ أَكَلَهُ مِنْكُمْ فَلا يَقْرَبْ هَذَا المَسْجِدَ حَتَّى يَذْهَبَ رِيحُهُ مِنْهُ" (¬2). 3824 - حَدَّثَنَا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الشَّيْبانِيِّ، عَنْ عَديِّ بْنِ ثابِتٍ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ أَظُنُّهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ تَفَلَ تُجاهَ القِبْلَةِ جاءَ يَوْمَ القِيامَةِ تَفْلُهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَمَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِه البَقْلَةِ الخَبِيثَةِ فَلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا". ثَلاثًا (¬3). 3825 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن ¬

_ (¬1) رواه البخاري (854)، ومسلم (564). (¬2) رواه مسلم (565). (¬3) رواه البزار 7/ 307 (2905)، وابن خزيمة 3/ 83 (1663)، وابن حبان 4/ 518، والبيهقي 3/ 76. صححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (339).

عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ أَكَلَ مِنْ هذِه الشَّجَرَةِ فَلا يَقْرَبَنَّ المَساجِدَ" (¬1). 3826 - حَدَّثَنَا شَيْبانُ بْن فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا أَبُو هِلالٍ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْن هِلالٍ، عَنْ أَبي بُرْدَةَ، عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قالَ: أَكَلْتُ ثومًا فَأَتَيْتُ مُصَلَّى النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَقَدْ شبِقْتُ بِرَكْعَةٍ فَلَمّا دَخَلْتُ المَسْجِدَ وَجَدَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ريحَ الثُّومِ، فَلَمّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- صَلَاتَهُ قالَ: "مَنْ أَكَلَ مِنْ هذِه الشَّجَرَةِ فَلا يَقْرَبْنا حَتَّى يَذْهَبَ رِيحُهَا". أَوْ: "رِيحُهُ". فَلَمَّا قَضَيْتُ الصَّلَاةَ جِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، واللَّه لَتُعْطِيَنِّي يَدَكَ، قالَ: فَأَدْخَلْتُ يَدَهُ في كُمِّ قَمِيصي إِلَى صَدْري فَإِذا أَنا مَعْصُوبُ الصَّدْرِ قالَ: "إِنَّ لَكَ عُذْرًا" (¬2). 3827 - حَدَّثَنَا عَبّاسُ بْن عَبْدِ العَظِيمِ، حَدَّثَنَا أَبُو عامِرٍ عَبْدُ المَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا خالِدُ بْنُ مَيْسَرَةَ -يَعْني: العَطَّارَ-، عَنْ مُعاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عَنْ هاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ وقالَ: "مَنْ أَكَلَهُمُا فَلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا". وقالَ: "إِنْ كُنْتُمْ لا بُدَّ آكلِيهِما فَأَمِيتُوهُما طَبْخًا". قالَ: يَعْني البَصَلَ والثُّومَ (¬3). 3828 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا الجَرّاحُ أَبُو وَكِيعٍ، عَنْ أَبي إِسْحَاقَ، عَنْ شَرِيكٍ عَنْ عَليٍّ -عليه السلام- قالَ: نُهِيَ عَنْ أَكْلِ الثُّومِ إِلَّا مَطْبُوخًا. قالَ أَبُو داوُدَ: شَرِيكُ ابْنُ حَنْبَلٍ (¬4). 3829 - حَدَّثَنَا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنا ح، وَحَدَّثَنا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، حَدَّثَنَا ¬

_ (¬1) رواه البخاري (853)، ومسلم (561). (¬2) رواه ابن أبي شيبة 12/ 396 (24975)، وأحمد 4/ 249. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (11037). (¬3) رواه أحمد 4/ 19. وصححه الألباني في "الصحيحة" (3106). (¬4) رواه الترمذي (1808). وصححه الألباني في "الإرواء" (2512).

بَقِيَّةُ، عَنْ بَحِيرٍ، عَنْ خالِدٍ، عَنْ أَبي زِيادٍ خِيارِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّهُ سَأَلَ عائِشَةَ عَنِ البَصَلِ، فَقالَتْ: إِنَّ آخِرَ طَعامٍ أَكَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- طَعامٌ فِيهِ بَصَلٌ (¬1). * * * باب في أكل الثوم [3822] (حدثنا أحمد بن صالح، ثنا) عبد اللَّه (ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب قال: حدثني عطاء بن أبي رباح أن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما قال: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: مَنْ أكل ثومًا أو بصلًا) أو كُراثًا، وما في معناهما مما له رائحة كريهة تؤذي الناس (فليعتزلنا) أي: لا يصلي مع جماعة المسلمين، وهو يدل على أن مجتمع الناس حيث كان لصلاة أو غيرها كمجالس العلم والولائم وحلق الذكر والقراءة وما أشبهها لا يقربها من أكل ثومًا أو بصلًا وما في معناهما. (أو ليعتزل مسجدنا) أي: مسجد الصلاة والخطبة وغيرهما، وفيه دليل على المنع من دخول المسجد وإن كان خاليًا؛ لأنه محل الملائكة، والملائكة تتأذى مما يتأذى منه البشر. (وليقعد في بيته) أي: لا يلزم من أكل منهما أن يعتزل بيته كما يعتزل الجماعة والمسجد، بل يجوز له أن يجلس في المكان الذي هو نازل فيه منفردًا أو مع أهله وأولاده الذين يصبرون على رائحته، والأولى له كما قال بعضهم: إذا أكل ثومًا أو بصلًا أن يطعم من يجالسه من أهل أو ولد ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 89. ضعفه الألباني في "الإرواء" (2513).

ونحوهما (¬1) ليتساووا في الرائحة. (وأنه) بفتح الهمزة (أتي ببدر) بفتح الموحدة الثانية، وهكذا وقع في البخاري (¬2) وغيرهما (¬3) من الكتب المعتمدة، قال العلماء: وهو الصواب. وفسر الرواة وأهل اللغة والغريب البدر بالطبق، سمي بدرًا لاستدارته كاستدارة البدر، وسمي القمر ليلة أربع عشرة بدرًا؛ لمبادرته الشمس بالطلوع، كأنه يعجلها للمغيب. وقيل: سمي بدرًا لتمامه. ووقع في رواية مسلم: فأتي بقدر. بالقاف، كذا في نسخ مسلم كلها (¬4). واستدل به على كراهة ما له ريح من البقول وإن طبخ، وهذا ليس بصحيح، ولو سلم أنه بقدر فيكون معناه أنها لم تذهب بالطبخ تلك الرائحة بل بقي ما يكره منها. (فيه خضرات) (¬5) بفتح الخاء المعجمة وكسر الضاد: بقول طريَّة، واحدها خضرة (من البقول) وتقول العرب للبقول: خضراء، ولا تريد لونها الأخضر. (فوجد لها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ريحًا) كريهة (فسأل) عنها (فأخبر بما فيها من البقول فقال: قربوها إلى بعض أصحابه) ممن (كان معه)، فقربوها له، (فلما رآه كره أكلها) ظنًا منه أنها محرمة؛ لأنه لم يأكل منها، فبين ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل)، (م). (¬2) البخاري (7359). (¬3) في (م): وغيره. (¬4) مسلم (564/ 73)، وهو أيضًا عند البخاري (855). (¬5) في (م): خضراوات، وفي (ل): خضروات.

لهم أنها ليست بحرام و (قال له: كل) منها إن شئت، ثم بين علة تركه لها حين قال (فإني أناجي من لا تناجي) وهذا التعليل يشعر بأن هذا الحكم مخصوص به، إذ هو المخصوص بمناجاة الملك، لكن قد علل هذا الحكم بما يقتضي التسوية بينه وبين غيره، حيث قال: "فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم" (¬1). (قال أحمد بن صالح) شيخ المصنف وغيره: قوله (ببدر، فسره) عبد اللَّه (ابن وهب) بأنه (طبق) سمي بذلك لاستدارته كاستدارة البدر، كما تقدم. [3823] (حدثنا أحمد بن صالح، ثنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو) (¬2) بن الحارث بن يعقوب أبو أمية الأنصاري (أن بكر بن سوادة) بتخفيف الواو ابن ثمامة الجذامي المصري، الفقيه، أحد الأئمة، وثقه ابن معين (¬3) وغيره. (حدثه أن أبا النجيب) ويقال: أبا التجيب بمثناة فوق، اسمه ظليم بن حطيط العامري (مولى عبد اللَّه بن سعد) بن أبي سرح بالحاء (حدثه أن أبا سعيد) سعد بن مالك بن سنان، له ولأبيه صحبة، وقتل أبوه مالك بن سنان يوم أحد شهيدًا (¬4) (الخدري) نسبة إلى خدرة، بطن من الأنصار (أنه ذكر) بضم الذال المعجمة وكسر الكاف (عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الثوم ¬

_ (¬1) رواه مسلم (564/ 74). (¬2) فوقها في (ح)، (ل): (ع). (¬3) "تاريخ ابن معين" رواية الدارمي ص 78 (186). (¬4) انظر: "سير أعلام النبلاء" 3/ 169، "الطبقات الكبرى" 3/ 624.

والبصل) وربحهما. (وقيل: يا رسول اللَّه، وأشد ذلك كله) بكسر اللام تأكيدًا لما قبله (الثوم) فإنه (¬1) أشد رائحة من غيره (أفتحرمه) بضم تاء الخطاب التي هي حرف مضارعة. قيل: سبب سؤالهم عن تحريم أكلها أنهم لما سمعوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يسميها: "البقلة الخبيثة" (¬2). ظنوا أنها حرمت حين فهموا إطلاق الخبيث عليها، مع ما قد سمعوا من قول اللَّه تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} (¬3) فبين لهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن إطلاق الخبيث لا يلزم منه التحريم؛ لأنه قد حرم الخمر، وإن كان يستطاب شربها. (فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: كلوه) هذا أمر إباحة، أي: كلوا منه إن شئتم (ومن أكله منكم فلا يقربن (¬4) هذا المسجد) أخذ من هذا ومن رواية: "لا يقربن مسجدنا" (¬5). طائفة من العلماء كما حكاه القاضي عياض (¬6) وغيره اختصاص هذا النهي بمسجد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وحجة الجمهور رواية: "لا يقربن المساجد". كما في مسلم (¬7) وغيره. (حتى يذهب) بفتح أول (يذهب) (ريحه منه) بطول مدة أو بغسل ¬

_ (¬1) ساقطة من (م)، (ل). (¬2) الحديث الآتي. (¬3) الأعراف: 157. (¬4) في هامش (ح) وصلب (م)، (ل): نسخة: يقرب. (¬5) الحديث الآتي من حديث حذيفة، ورواه البخاري (853)، ومسلم (561/ 69) من حديث ابن عمر. (¬6) "إكمال المعلم" 2/ 276. (¬7) مسلم (561) وفيه: "فلا يأتين المساجد".

وعلاج، فإن كانا مطبوخًا فلا، وإن كان لا يخلو من رائحة كريهة بعد الطبخ، إلا أنها تحتمل لقلتها. [3824] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا جرير) (¬1) بن عبد الحميد الرازي، أصله من الكوفة (عن) أبي إسحاق سليمان بن أبي سليمان (الشيباني (¬2)، عن عدي (¬3) بن ثابت) الأنصاري. (عن زر بن حبيش، عن حذيفة) بن اليمان العبسي، له ولأبيه صحبة. وقتل أبوه يوم أحد بأيدي المسلمين شهيدًا، واسمه حسيل بن جابر -رضي اللَّه عنه- (¬4) (أظنه عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: من تفل) بفتح المثناة فوق والفاء المخففة، والتفل هنا هو البصاق نفسه. (تجاه) بضم أوله، وزن غراب (القبلة) أي: إلى جهة القبلة، وأصله وجاه، لكن قلبت الواو تاء جوازًا، ويجوز استعمال الأصل، فيقال: وجاه القبلة (¬5). وفيه دليل على كراهة أن يبصق المصلي بجهة القبلة، ويدل عليه رواية الصحيحين عن ابن عمر: "إذا كان أحدكم في الصلاة فلا يبصق قبل وجهه؛ فإن اللَّه قبل وجهه إذا صلى" (¬6). وفي رواية للبخاري: أنه -عليه السلام- بينا هو يصلي إذ رأى في قبلة المسجد نخامة ¬

_ (¬1) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬2) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬3) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬4) انظر: "الاستيعاب" 1/ 334، "تاريخ بغداد" 1/ 173. (¬5) انظر: "لسان العرب" 12/ 557 فصل الواو، "تاج العروس" 36/ 538 (وجه). (¬6) البخاري (406)، مسلم (547) من حديث ابن عمر.

فحكها بيده، فتغيظ. ثم ذكر الحديث (¬1). (جاء) في (يوم القيامة) و (تفله) ظاهر (بين عينيه) لأجل الموقف يذمه من رآه على فعله (ومن أكل من هذِه البقلة) والبقل كل نبات اخضرت به الأرض. قاله ابن فارس (¬2). (الخبيثة) هو مثل قوله في الرواية الأخرى: "المنتنة" (¬3)، والعرب تطلق الخبيث على كل مذموم من قول أو مال أو طعام، وليس الخبيث هنا هو الحرام، بل ما تكرهه النفس (فلا يقربن) هذا النهي إنما هو عن حضور المسجد، لا عن أكل الثوم والبصل ونحوهما، فهذِه البقول حلال بالإجماع ممن يعتد به. وحكى القاضي عن أهل الظاهر تحريمهما؛ لأنهما يمنعان من حضور الجماعة، وهي عندهم فرض عين (مسجدنا) استدل به بعض العلماء على أن هذا النهي مخصوص بمسجد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كما تقدم (ثلاثًا) أي: قاله ثلاث مرات تأكيدًا للكلام ولقوة النهي. [3825] (حدثنا أحمد بن حنبل، ثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد اللَّه) بن عبد اللَّه (¬4). (عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: من أكل من هذِه الشجرة) تسميته الثوم شجرة على خلاف الأصل، فإنها من البقول، ¬

_ (¬1) البخاري (6111). (¬2) "مجمل اللغة" 1/ 130. (¬3) رواها مسلم (564/ 72). (¬4) كذا في الأصول: عبد اللَّه. وهو خطأ والصواب: بن عمر. وانظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 19/ 124.

وقد سماها في الرواية التي قبلها بقلة، والشجر في كلام العرب ما كان على ساق تحمل أغصانه، وما ليس كذلك فهو نجم، وهو المروي عن ابن عباس وابن جبير في قوله تعالى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6)} (¬1). (فلا يقربن المساجد) هذا تصريح بنهي من أكل الثوم ونحوه من دخول كل مسجد، كما هو مذهب العلماء كافة، وهو مبين للرواية التي قبلها: "مسجدنا". [3826] (حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا أبو هلال) محمد بن سليم المعروف بالراسبي، نزل فيهم بالبصرة. قال ابن معين: صدوق (¬2). وقال المصنف: ثقة (¬3). (حدثنا حميد بن هلال) العدوي، قال أبو هلال: ما كان بالبصرة أعلم منه (عن أبي بردة) الحارث. وقيل: عامر بن أبي موسى الأشعري (عن المغيرة بن شعبة قال: أكلت) يومًا (ثومًا) نيئًا (فأتيت مصلى (¬4) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقد سبقت) في الصلاة (بركعة، فلما دخلت المسجد) ودخلت في الصلاة (وجد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) مني (ريح الثوم) الكريهة وهو في الصلاة، فلم يكلمني في صلاته؛ لأن الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين. ¬

_ (¬1) رواه الطبري في "تفسيره" 27/ 116 - 117. (¬2) "تاريخ الدارمي" (38). (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 295 وعزاه المحفق لكتاب "سؤالات الآجري لأبي داود" 5/ الورقة 13، ولم أجده في المطبوع منه. والذي فيه (504): سألت أبا داود عن عمران وأبي هلال الراسبي فقدم أبا هلال تقديمًا شديدًا. (¬4) ساقطة من (ل)، (م).

(فلما قضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلاته) وسلم منها التسليمتين ودعا (قال: من أكل من هذِه الشجرة) الخبيثة (فلا يقربنا) بفتح الموحدة وتشديد نون التوكيد، ويجوز سكون الموحدة بلا تأكيد، وهذِه الرواية عامة، يدخل فيها ما لو كان جماعة المسلمين في مسجد أو غيره من مصلى عيد أو جنائز أو غير ذلك. (حتى يذهب ريحها) أي: ريح الشجرة المنتنة (أو) قال (ريحه) أي: ريح فم الآكل. ولفظ رواية ابن حبان في "صحيحه": أكلت ثومًا ثم أتيت مصلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فوجدته قد سبقني بركعة، فلما قمت أقضي وجد ريح الثوم، فقال: "من أكل هذِه البقلة فلا يقربن مسجدنا حتى يذهب ريحها" وبوب عليه: باب ذكر إسقاط الحرج عن أَكل ما وصفنا [نيئًا مع] (¬1) شهوده الجماعة إذا كان معذورًا من علة يداوي بها (¬2). فجعل أكل ما له ريح كريه عذرًا (¬3) في حضور صلاة الجماعة، ويدخل في رواية: "أو ريحه" ما إذا كان ريح الآدمي كريهة من بخر في فيه أو صنان تحت إبطه حتى يداويه، فيكره له ترك تداويهما. وهل الجذام والبرص عذر في الحضور؟ فعدهما من الأعذار؛ لأن التأذي بهما أشد من التأذي بالرائحة الكريهة. (فلما قضيت الصلاة جئت إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقلت: يا رسول اللَّه لتعطيني) كذا وجدت الرواية بياء بعد الطاء وتشديد نون التوكيد وفتح ¬

_ (¬1) في النسخ الخطية: مما يمنع. والمثبت من "صحيح ابن حبان" 5/ 449. (¬2) "صحيح ابن حبان" 5/ 449 (2095). (¬3) في جميع النسخ: عذر. والصواب ما أثبتناه.

لام جواب القسم أوله، كقوله تعالى: {لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} (¬1) فإن قيل: لم ثبتت الياء مع لام الأمر الجازمة للمعتل بحذف حرف العلة؟ قلت: يحتمل أن تكون الياء تولدت من إشباع الكسرة بعد سقوط الياء الأصلية بالجزم، هاما على لغة من قدر الجزم على الياء، وجعل حرف العلة كالصحيح، والوجهان قراءة قنبل (إنه من يتقي ويصبر) (¬2) بإثبات الياء (¬3)، ورواية ابن حبان، فقلت: يا رسول اللَّه، ناولني يدك فإن لي عذرًا (¬4). وفيه الأدب في استئذان الكبير أو العالم عند إرادة أخذ يده لأن يضعها على وجهه للتبرك أو على عضو من أعضائه. (قال: فأدخلت يده في كم قميصي) وهذا يدل على أن كم القميص كان فيه بعض اتساع، لا كما يفعله بعض المعجم والترك من تضيق كم القميص والملوطة والقباء ونحوهما (إلى صدري) فيه أن صدر الرجل ليس بعورة. (فإذا أنا معصوب) بالرفع خبر المبتدأ (الصدر) أي: مربوط على صدري بعصابة، ويحتمل أنه وضع يد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على العصابة لا على جسمه، فلا دليل إذًا. (قال) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (إن لك عذرًا) يعني في التأخر عن الجماعة أو في أكل الثوم، قال ابن البيطار: الثوم حار مسخن مخرج للنفخ من ¬

_ (¬1) الأحزاب: 60. (¬2) يوسف: 90. (¬3) انظر: "حجة القراءات" لمكي 2/ 18. (¬4) "صحيح ابن حبان" 5/ 449 (2095).

البطن، مجفف للمعدة، وإذا أكل أخرج دود حب (¬1) القرع. وقال الرازي: يحل الرياح ويفشها أكثر من كل غذاء، ويمنع من زوائد القولنج الريحي. [3827] (حدثنا عباس) بالباء الموحدة والسين المهملة (بن عبد العظيم) العنبري من حفاظ البصرة، شيخ مسلم (ثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو) العقدي البصري. (حدثنا خالد بن ميسرة العطار) الطفاوي بضم الطاء المهملة، صدوق (عن معاوبة (¬2) بن قرة) بن إياس المزني البصري، قال: أدركت ثلاثين من أصحاب محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا كان يوم الجمعة اغتسلوا ولبسوا من صالح ثيابهم، ومسوا من طيب نسائهم، ثم أتوا الجمعة، فصلوا ركعتين، ثم جلسوا يبثون العلم والسنة حتى يخرج الإمام (¬3) (عن أبيه) قرة بن إياس بن هلال المزني، رأى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وسأله (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن هاتين الشجرتين) الثوم والبصل، وفي معناهما الفجل، فإنه يتجشؤه وتحصل منه رائحة كريهة. فقد روى الطبراني في "أصغر معاجمه" حديث جابر بلفظ: "من أكل من هذِه الخضروات: الثوم والبصل والكراث والفجل". وقال: لم يروه عن هشام بن حسان إلا يحيى بن راشد (¬4). وهو ثقة، أخرج له الشيخان. ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل، م). (¬2) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬3) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 59/ 269. (¬4) "المعجم الصغير" 1/ 45 (37). ورواه أيضًا في "الأوسط" 1/ 68 (191). وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (208).

(وقال: من أكلهما فلا يقرب) بفتح الراء (مسجدنا) تقدم (وقال: إن كنتم لابد آكليها) أي: إن كنتم لابد لكم أن تأكلوا منهما أو من أحدهما (فأميتوهما طبخًا) معناه: من أراد أكلهما فليمت رائحتهما. أي: يذهب ويكسر رائحتهما بالطبخ، وإماتة كل شيء كسر قوته (¬1) وحدته، ومنه قولهم: قتلت الخمر إذا مزجتها بالماء وكسرت حدتها (قال) المصنف (يعني) بهما (البصل والثوم) وما في معناهما. [3828] (حدثنا مسدد، حدثنا الجراح) بن مليح بن عدي الرؤاسي، ورؤاس بطن من بني عامر بن صعصعة (أبو وكيع) أخرج له مسلم في الصلاة (¬2). (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد اللَّه السبيعي الهمداني (عن شريك) ابن حنبل، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3)، ولم يذكر المصنف والترمذي (¬4) له غير هذا الحديث. (عن علي -رضي اللَّه عنه- قال: نهى) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (عن أكل الثوم إلا مطبوخًا) هذا النهي للكراهة لا للتحريم؛ لما روى أبو أيوب أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعث إليه طعام لم يأكله النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: يا رسول اللَّه، أحرام هو؟ قال: "لا، ولكني اكرهه من أجل ريحه". قال الترمذي: حديث حسن صحيح (¬5). ¬

_ (¬1) بعدها في الأصول: وقتله. ولا وجه لها، انظر: "شرح مسلم" للنووي 5/ 54. (¬2) "صحيح مسلم" (663). (¬3) "الثقات" 4/ 360. (¬4) "سنن الترمذي" (1808، 1809). (¬5) "سنن الترمذي" (1807). والحديث رواه مسلم (2053).

وروي أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لعلي: "كل الثوم، فلولا أن الملك يأتيني لأكلته" (¬1). (قال) المصنف (شريك) هذا هو (ابن حنبل) العبسي الكوفي، روى عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مرسلًا، وعن علي -رضي اللَّه عنه-. ذكره الذهبي في "تجريد الصحابة" (¬2)، وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم عن أبيه: ليست له صحبة (¬3). [3829] (حدثنا إبراهيم بن موسى) الرازي الفراء، شيخ البخاري وغيره (قال: أنا، وحدثنا حيوة بن شريح، ثنا بقية) بن الوليد الكلاعي الحميري، استشهد به البخاري في "الصحيح". (عن بحير) بفتح الموحدة وكسر الحاء (¬4)، وهو ابن سعد السحولي الحمصي، قال ابن حنبل: ليس بالشام أثبت من حريز إلا أن يكون بحير (¬5) (عن خالد) بن معدان الكلاعي (عن أبي زياد (¬6) خيار) بكسر الخاء المعجمة وتخفيف المثناة تحت (ابن سلمة) ذكره ابن حبان في ¬

_ (¬1) رواه البزاز في "الغيلانيات" 2/ 745 (1024)، وأبو الشيخ الأصبهاني في "طبقات المحدثين بأصبهان" 3/ 417، 4/ 304، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" 8/ 357، 13/ 316، وفي "أخبار أصبهان" 2/ 189، 276، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 64/ 304. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (4098). (¬2) "تجريد الصحابة" 1/ 257 (2713). (¬3) "الجرح والتعديل" 4/ 364. (¬4) في (ل)، (م): الجيم. وهو خطأ. (¬5) "سؤالات أبي داود للإمام أحمد" (288). (¬6) ساقطة من (ل، م).

"الثقات" (¬1). (أنه سأل عائشة رضي اللَّه عنها عن البصل) وأكله (فقالت: إن آخر طعام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- طعام فيه بصل) فيه فضيلة أكل البصل، وأن النهي عن أكله إنما هو نيئ (¬2) لكراهة ريحه، فأما إذا أميت طبخًا فلا كراهة في أكله، بل هو نافع، وفيه جواز أكله للمريض بل استحبابه، فإن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ما أكله في مرضه الذي مات فيه إلا لحكمة، ولعل السر في ذلك دفع السم الذي كان في الذراع من اليهودية؛ لما روى البخاري عن عائشة أنه قال في مرضه الذي مات فيه: "يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، وهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم" (¬3). وقد قال الأطباء: إن أكله يجذب الدم ويدفع ضرر السموم (¬4). * * * ¬

_ (¬1) "الثقات" 4/ 215. (¬2) ساقطة من (ل، م). (¬3) البخاري (4428). (¬4) في (ل)، (م): السم.

41 - باب في التمر

41 - باب في التَّمْرِ 3830 - حَدَّثَنَا هارُون بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبي عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ أَبِي يَحْيَى، عَنْ يَزِيدَ الأَعْوَرِ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ قالَ: رَأَيْتُ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَخَذَ كِسْرَةً مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ فَوَضَعَ عَلَيْها تَمْرَةً وقالَ: "هذِه إِدامُ هذِه" (¬1). 3831 - حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ، حَدَّثَنَا مَرْوانُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمانُ بْن بِلالٍ حَدَّثَنِي هِشامُ بْن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها قالَتْ: قالَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بَيْتٌ لا تَمْرَ فِيهِ جِياعٌ أَهْلُهُ" (¬2). * * * باب في التمر [3830] (حدثنا هارون بن عبد اللَّه) بن مروان البغدادي، شيخ مسلم (حدثنا عمر بن حفص) بن غياث، شيخ الشيخين. (ثنا أبي) (¬3) حفص بن غياث بن طلق النخعي، قاضي الكوفة. (عن محمد بن أبي يحيى) الأسلمي المدني، وثقه المصنف وغيره (عن يزيد) بن أبي أمية (الأعور) مجهول الحال. (عن يوسف بن عبد اللَّه بن سلام) لا يختلفون في أنه من بني إسرائيل من ولد يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم صلوات اللَّه عليهم، ¬

_ (¬1) رواه البخاري في "التاريخ الكبير" 8/ 371 - 372، والترمذي في "الشمائل" (184). وضعفه الألباني في "الضعيفة" (4737). (¬2) رواه مسلم (2046). (¬3) فوقها في (ح)، (ل): (ع).

أجلسه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في حجره ومسح رأسه، وسماه يوسف. قال البخاري: له صحبة (¬1) (قال: رأيت النبي (¬2) -صلى اللَّه عليه وسلم- أخذ كسرة من خبز شعير فوضع عليها تمرة) فيه أن وضع التمرة على الكسرة جائز ليس بمكروه، وإن كان البزار قد (¬3) روى حديث: "اكرموا الخبز" (¬4). (وقال: هذِه إدام هذِه) زاد (. . .) (¬5) ثم أكلها. فيه دليل على أن الجوامد تكون أدمًا كالجبن والزيتون والبيض، وبهذا قال الشافعي (¬6). وقال أبو حنيفة: ما لا يصطبغ به فليس بأدم؛ لأن كل واحدٍ منهما يرفع إلى الفم منفردًا (¬7). واستدل بهذا الحديث أيضًا (¬8) على أن من حلف لا يأتدم مع الخبز فأكل الخبز مع التمر حنث؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سماه أدمًا. وقيل: إنه ليس ¬

_ (¬1) "التاريخ الكبير" 8/ 371. (¬2) في (ل)، (م): رسول اللَّه. (¬3) ساقطة من (م)، (ل). (¬4) رواه البزار كما في "كشف الأستار" 3/ 334 (2877) من حديث عبد اللَّه ابن أم حرام. ورواه أيضًا ابن قانع في "معجم الصحابة" 2/ 107، والطبراني في "مسند الشاميين" 1/ 32 (15)، وتمام في "الفوائد" 1/ 329 (842)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" 3/ 1590، وفي "حلية الأولياء" 5/ 246، والخطيب في "تاريخ بغداد" 12/ 320. وروي من حديث أبي موسى الأشعري وابن عباس وعبد اللَّه بن عمرو وأبي هريرة. والحديث ضعفه الألباني في "الضعيفة" (2885). (¬5) بياض في جميع النسخ. (¬6) انظر: "الحاوي الكبير" 15/ 441، "البيان" 10/ 541. (¬7) انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 3/ 260، "المبسوط" 8/ 177. (¬8) ساقطة من (م)، (ل).

بأدم؛ لأنه لا يؤتدم به عادة، إنما يؤكل قوتًا وحلاوة. [3831] (حدثنا الوليد بن عتبة) أبو العباس الأشجعي (حدثنا مروان ابن محمد) بن حسان الأسدي الطاطري، أخرج له مسلم (¬1) (ثنا سليمان (¬2) ابن بلال) القرشي التيمي (حدثني هشام (¬3) بن عروة) بن الزبير (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام. (عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بيت لا تمر فيه جياع أهله) زاد مسلم: أو "جاع أهله" (¬4)، قالها مرتين أو ثلاثًا، وفي رواية له: "لا يجوع أهل بيت عندهم التمر" (¬5). قال القرطبي: هذا إنما عنى به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة ومن كان على حالهم، ممن غالب قوتهم التمر، وذلك أنه إذا خلا البيت عن غالب القوت في ذلك الموضع كان عن الغالب أخلى، فيجوع أهله إذ لا يجدون شيئًا، ويصدق هذا القول على كل بلد ليس فيه إلا صنف واحد، أو يكون الغالب فيه صنفًا واحدًا، فيقال على بلد ليس فيه إلا البر: بيت لا بر فيه جياع أهله. ويفيد هذا التنبيه على مصلحة تحصيل القوت وادخاره؛ فإنه أسكن للنفس غالبًا وأبعد عن تشويش الفكر (¬6). * * * ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (477). (¬2) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬3) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬4) مسلم (2046/ 153). (¬5) مسلم (2046/ 152). (¬6) "المفهم" 5/ 320.

42 - باب في تفتيش التمر المسوس عند الأكل

42 - باب فِي تَفْتِيشِ التَّمْرِ المُسَوَّسِ عِنْدَ الأَكْلِ 3832 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ، حَدَّثَنَا سَلْمُ بْن قُتَيْبَةَ أَبُو قُتَيْبَةَ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ إِسْحاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: أُتِيَ النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِتَمْرٍ عَتِيقٍ فَجَعَلَ يُفَتِّشُهُ يُخْرِجُ السُّوسَ مِنْهُ (¬1). 3833 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا هَمّامٌ، عَنْ إِسْحاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كانَ يُؤْتَى بِالتَّمْرِ فِيهِ دُودٌ فَذَكَرَ مَعْنَاهُ (¬2). * * * باب تفتيش التمر عند الأكل [3832] (حدثنا محمد بن عمرو بن) عباد بن (جبلة) بفتح الجيم والموحدة، العتكي، شيخ مسلم (حدثنا) أبو قتيبة (سلم) بفتح السين وسكون اللام (ابن قتيبة) الشعيري الخراساني، روى له الكافة غير مسلم (عن همام) بن يحيى العوذي (عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة) واسمه زيد بن سهل الأنصاري، ابن أخي أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-. (عن) عمه (أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: أتي) لفظ ابن ماجه: رأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أتي (¬3) (النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بتمر عتيق) ليأكل منه (فجعل يفتشه) كي يخرج السوس منه. قال عبد الحق الإشبيلي: الذين رووا هذا الحديث مرسلًا ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (3333). وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (4875). (¬2) رواه البيهقي 7/ 281. وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود". (¬3) "سنن ابن ماجه" (3333).

عن أبي إسحاق أكثر من الذين أوصلوه (¬1). [3833] (حدثنا محمد بن كثير) العبدي (أنا همام) بن يحيى (عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة) أرسله (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يؤتى بالتمر) العتيق الذي (فيه دود) والدود هو السوس في الرواية قبله، لكن السوس يطلق على ما يقع في ثياب الصوف، كما قال تعالى: {وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (¬2) قال قتادة: هو سوس الثياب. ولما حرم عمرو بن هند على المتلمس حب العراق قال: آلَيْتُ حَبَّ العِرَاقِ الدَّهْرَ أَطْعَمُهُ ... وَالْحَبُّ يَأْكُلُهُ فِي القَرْيَةِ السُّوسُ (¬3) وحكي عن الشيخ أبي العباس المرسي أن امرأة قالت له: عندنا قمح مسوس طحناه فطحن السوس معه، وعندنا فول مسوس دششناه فخرج السوس منه حيًّا. فقال لها: صحبة الأكابر تورث السلامة (¬4). (فذكر معناه) المذكور في إخراج السوس من التمر، وهو نوع من الدود، وقد قال أصحابنا في الدود المتولد من الفواكه والجبن والخل والباقلاء والبطيخ والحبوب ونحوها أنه إذا مات فيما تولد منه ينجس بالموت على المذهب، وفي حل أكله ثلاثة أوجه، أصحها: حل أكله مع ما تولد منه لا منفردًا. ¬

_ (¬1) "الأحكام الوسطى" 4/ 157. (¬2) النحل: 8. (¬3) انظر: "جمهرة أشعار العرب" ص 446، "أمالي ابن الشجري" 2/ 134. (¬4) ذكره الدميري في "حياة الحيوان الكبرى" 2/ 53.

والثاني: يحل مطلقًا. والثالث: يحرم مطلقًا، فعلى الصحيح يكون نجسًا لا ضرر في أكله، ويحل أكله معه، كما يحل أكل العسل نفسه وفيه فراخ؛ لأن التحرز من ذلك مشق، لكن الأحسن إخراجه منه حيًّا أو ميتًا، كما هو ظاهر إطلاق الحديث، لا سيما إن لم تطب نفسه لأكله وقذرته، فقد ينتهي إلى التحريم، وقد يستدل للإباحة بورود النهي عن تفتيشه، فيما ذكره الحافظ عبد الحق في "الأحكام" قال: ذكر أبو أحمد من حديث مبارك بن سحيم. قال: ثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن تفتيش التمرة، وعن شق التمرة (¬1). لكن مبارك بن سحيم قال فيه البخاري وأبو زرعة: منكر الحديث (¬2). وقال النسائي: ليس بثقة، ولا يكتب حديثه (¬3). فلا يقاوي هذا الحديث رواية المصنف الصحيحة، لأن رواة إسناده ثقات، محتج بهم. * * * ¬

_ (¬1) "الأحكام الوسطى" 4/ 157. (¬2) "التاريخ الكبير" 7/ 427، "الجرح والتعديل" 8/ 34. (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 27/ 176.

43 - باب الإقران في التمر عند الأكل

43 - باب الإِقْرَانِ فِي التَّمْرِ عِنْدَ الأَكْلِ 3834 - حَدَّثَنَا واصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابن فُضَيْلٍ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنِ الإِقْرَانِ إِلَّا أَنْ تَسْتَأْذِنَ أَصْحابَكَ (¬1). * * * باب الإقران في التمر عند الأكل [3834] (حدثنا واصل بن عبد الأعلى) شيخ مسلم (حدثنا) محمد (ابن فضيل) بن غزوان الضبي (عن أبي إسحاق) سليمان بن أبي سليمان (¬2) فيروز الشيباني (عن جبلة) بفتح الجيم والباء الموحدة (بن سحيم) بضم السين وفتح الحاء المهملتين مصغر، التيمي. [(عن ابن عمر قال)] (¬3). زاد البخاري: قال -يعني: جبلة بن سحيم: أصابنا عام سنة مع ابن الزبير، رزقنا تمرًا، فكان عبد اللَّه بن عمر يمر بنا ونحن نأكل ويقول: لا تقارنوا فقد (¬4) (نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الإقران) لفظ البخاري: عن القران إلا أن يستأذن الرجل أخاه. قال شعبة: الإذن من قول ابن عمر (¬5). (إلا أن تستأذن أصحابك) قال القرطبي: لفظة الإقران غير معروفة، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2455)، ومسلم (2045). (¬2) ساقطة من (م). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من النسخ الخطية، والمثبت من "سنن أبي داود". (¬4) البخاري (5446). (¬5) السابق.

وصوابه القران. قال الفراء: يقال: قرن بين الحج والعمرة. ولا يقال: أقرن. وقال غيره: إنما يقال: أقرن على الشيء إذا قوي عليه وأطاقه، كقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} (¬1) أي: مطيقين. وقد حمل أهل الظاهر هذا النهي على التحريم مطلقًا، وحمل الجمهور هذا النهي على حالة المشاركة في الأكل والاجتماع عليه (¬2)؛ بدليل قوله: (إلا أن تستأذن أصحابك) (¬3). قال الخطابي: إن ذلك النهي إنما كان في زمنهم لما كانوا عليه من الضيق، فأما اليوم فلا يحتاجون إلى الاستئذان (¬4). قال القرطبي: وفيه نظر؛ لأن الطعام إذا قدم إلى قوم فقد تشاركوا فيه، وإذا كان كذلك فليأكل كل واحد منهم على الوجه المعتاد على ما تقتضيه المروءة والنصفة، من غير أن يقصد اغتنام زيادة على الآخر، فإن فعل وكان الطعام شركة بحكم الملك فقد أخذ ما ليس له، وإن كان قدمه لهم غيرهم. فقد اختلف العلماء بم يملكون الطعام، فإن قلنا: إنهم يملكون بوضعه بين أيديهم فكالأول (¬5). * * * ¬

_ (¬1) الزخرف: 13. (¬2) ساقطة من (ل)، (م). (¬3) انتهى من "المفهم" 5/ 318. (¬4) انظر: "معالم السنن" 4/ 236. (¬5) "المفهم" 5/ 319.

44 - باب في الجمع بين لونين في الأكل

44 - باب في الجَمْعِ بَيْن لَوْنَيْنِ في الأَكْلِ 3835 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمَريُّ، حَدَّثَنَا إِبْراهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كَانَ يَأْكُلُ القِثَّاءَ بِالرُّطَبِ (¬1). 3836 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نُصَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها قالَتْ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَأْكُلُ البِطِّيخَ بِالرُّطَبِ فَيَقُولُ: "نَكْسِرُ حَرَّ هذا بِبَرْدِ هَذَا وَبَرْدَ هذا بِحَرِّ هَذَا" (¬2). 3837 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الوَزِيرِ، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بْنُ مَزْيَدٍ قالَ: سَمِعْتُ ابن جابِرٍ، قالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمُ بْن عامِرٍ، عَنِ ابني بُسْرٍ السُّلَمِيَّيْنِ، قالا: دَخَلَ عَلَيْنا رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقَدَّمْنا زُبْدًا وَتَمْرًا، وَكانَ يُحِبُّ الزُّبْدَ والتَّمْرَ (¬3). * * * باب الجمع بين لونين في الأكل [3835] (حدثنا حفص بن عمر النَّمَري) بفتح النون والميم (حدثنا إبراهيم بن سعد) الزهري (عن أبيه) سعد (¬4) بن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف، أخرج له البخاري (عن عبد اللَّه بن جعفر) بن أبي طالب ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5440)، ومسلم (2043). (¬2) رواه الترمذي (1843). وصححه الألباني في "الصحيحة" (57). (¬3) رواه ابن ماجه (3334). وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (4921). (¬4) قبلها في (م)، (ل): سعد بن إبراهيم بن سعد بن. وفي (ع): سعد بن أبي وقاص -أحد العشرة المشهود لهم بالجنة- إبراهيم بن سعد بن. وكله خطأ. والمثبت هو الصواب، وانظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 2/ 88.

الهاشمي، ولد بالحبشة. (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يأكل القِثاء) بكسر القاف والمد، ويجوز ضم القاف، وقرأ يحيى بن وثاب وطلحة بن مصرف: (من بقلها وقُثائها) بضم القاف، وهي لغة تميم. (بالرطب) قال النووي: وقد جاء في غير مسلم زيادة: قال: "يكسر حر هذا برد هذا" (¬1). ورواه الطبراني في حديث طويل عن عبد اللَّه بن جعفر قال: رأيت في يمين رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قثاءً، وفي شماله رطبات، وهو يأكل من ذا مرة ومن ذا مرة (¬2). [3836] (حدثنا سعيد بن نُصَيْر) مصغر، البغدادي بالرقة. (حدثنا أبو أسامة) (¬3) حماد بن أسامة الكوفي (ثنا هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير. (عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يأكل الطِّبيخ) أصله البطِّيخ فجعل الطاء مكان الباء، وهي لغة أهل الحجاز، قال ابن درستويه: كأنه من الطبخ، والعامة تفتح الأول، وهو غلط لفقد فَعليل بالفتح، والبطيخ فاكهة معروفة. وقد صرح في الحديث بكونه من الفاكهة فيما رواه ابن الجوزي وأبو نعيم في "الطب" من رواية أمية بن زيد العبسي أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يأكل الفاكهة: العنب والبطيخ (¬4). ¬

_ (¬1) "مسلم بشرح النووي" 13/ 227. (¬2) "المعجم الأوسط" 7/ 372 (7761). قال الهيثمي في "المجمع" 5/ 38: فيه أصرم ابن حوشب وهو متروك. وضعف إسناده الحافظ في "الفتح" 9/ 573. (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) "الطب النبوي" 2/ 718 (808).

والمراد بالبطيخ في حديث البابِ: الأخضر، فإنه وصفه بالبرودة، والبارد الأخضر، وأما الأصفر فإنه حار، وقد قال الفقهاء: لو حلف لا يأكل فاكهة يحنث (¬1) بأكل البطيخ؛ لأن له نضجًا وإدراكًا كالفاكهة. قالوا: ولو حلف لا يأكل بطيخًا حنث بأكل الأصفر دون الأخضر، وفيه نظر؛ لأن أهل الشام يطلقون البطيخ على الأخضر. قال الأذرعي: والظاهر والمختار عدم الفرق. (بالرطب) زاده الطبراني في "الأوسط" إيضاحًا، فقال: عن أنس أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يأخذ الرطب بيمينه والبطيخ بيساره، فيأكل الرطب بالبطيخ، وكان أحب الفاكهة إليه (¬2). وفي سنده يوسف بن عطية الصفار (¬3). (فيقول: يكسر حر هذا) يعني: حر الرطب (برد هذا) يعني: برد البطيخ الأخضر (وبرد هذا حر هذا) فيه معنيان: إثبات الطب والعلاج، ومقابلة الشيء بضده حتى يعتدلا، والثاني: إباحة التوسع في الأطعمة وأكل الملاذ المباحة شرعًا قيل: أراد البطيخ الأصفر قبل أن ينضج ويصير حلوًا، فإنه قبل نضجه وحلاوته يكون باردًا، وأما بعد نضجه فهو حار. ¬

_ (¬1) في (ل): حنث، وهي ساقطة من (م). (¬2) "المعجم الأوسط" 4418 (7907). ورواه أيضًا أبو نعيم في "الطب النبوي" 2/ 729 (833). (¬3) قال الحافظ العراقي في "المغني" 1/ 648: مجمع على ضعفه. وقال الهيثمي في "المجمع" 5/ 38: متروك. والحديث ضعف إسناده الحافظ في "الفتح" 9/ 573.

[3837] (حدثنا محمد بن الوزير) بن الحكم السلمي الدمشقي (حدثنا الوليد بن مَزِيد) بفتح الميم وكسر الزاي، العذري، ثقة (قال: سمعت) عبد الرحمن بن يزيد (ابن (¬1) جابر) الأزدي الداراني (حدثني سُلَيم) بالتصغير (ابن عامر) الخبائري الكلاعي الحمصي، أدرك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه، روى له البخاري في "الأدب" (عن ابني بُسْر) بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة، قال المنذري عن محمد بن عوف: هما عبد اللَّه وعطية (¬2). المازنيين الشاميين، أخوا الصماء، وعبد اللَّه كنيته أبو بسر، أحد من صلى القبلتين. (السُّلَميين) بضم السين وفتح اللام، نسبة إلى سليم بن منصور، قال أبو زرعة: قال لي دحيم: أهل بيت أربعة صحبوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: بسر بن أبي بسر المازني، وابناه عبد اللَّه وعطية، وأختهما الصماء. واسمها بُهية (¬3). بضم الموحدة وآخر الصحابة موتا بالشام. (قالا: دخل علينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) في بيتنا، زاد ابن ماجه: فوضعنا تحته قطيفة لنا صببناها صبًّا، فجلس عليها، وأنزل اللَّه تعالى الوحي في بيتنا (¬4). (فقدمنا) له (زُبْدًا) بضم الزاي بوزن فُعْل، وهو ما يستخرج بالمخض من لبن البقر والغنم، وأما لبن الإبل فلا يسمى ما يستخرج منه زبدًا، بل ¬

_ (¬1) فوقها في (ل)، (م): (ع). (¬2) "مختصر سنن أبي داود" 5/ 333. (¬3) "تاريخ أبي زرعة الدمشقي" (ص 216). (¬4) "سنن ابن ماجه" (3334).

يقال له: جُبَاب بضم الجيم وتخفيف الباء الموحدة الأولى، وأجود الزبد الطري من لبن الضأن. (والتمر) وروى أبو بكر الدينوري في "الطب" مسندًا عن أبي شوذب بالشين المعجمة، قال: ما رأيت فارسًا أحسن من زبدة على تمرة (¬1). وقال: هو نافع للقوبا وخشونة الحلق. وفي أمثال العرب: على التمرة مثلها زبدًا. وهو شاهد على وجوب تقديم خبر المبتدأ عليه. (وكان يحب الزبد والتمر) يعني إذا قدم إليه اتفاقًا. * * * ¬

_ (¬1) رواه ابن المقرئ في "المعجم" (409).

45 - باب الأكل في آنية أهل الكتاب

45 - باب الأَكْلِ في آنِيَةِ أَهْلِ الكِتَابِ 3838 - حَدَّثَنَا عُثْمانُ بْن أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى وَإِسْماعِيلُ، عَنْ بُرْدِ بْنِ سِنانٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جابِرٍ قالَ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَنُصِيبُ مِنْ آنِيَةِ المُشْرِكِينَ وَأَسْقِيَتِهِمْ فَنَسْتَمْتِعُ بِها فَلَا يَعِيبُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ" (¬1). 3839 - حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عاصِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن شُعَيْبٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ العَلاءِ بْنِ زَبْرٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ مُسْلِمِ بْنِ مِشْكَمٍ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الخُشَنيِّ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ إِنَّا نُجَاوِز أَهْلَ الكِتابِ وَهُمْ يَطْبُخُونَ في قُدُورِهِمْ الخِنْزِيرَ وَيَشْرَبُونَ في آنِيَتِهِمْ الخَمْرَ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَها فَكُلُوا فِيهَا واشْرَبُوا وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا غَيْرَها فارْحَضُوها بِالماءِ وَكُلُوا واشْرُبوا" (¬2). * * * باب الأكل في آنية أهل الكتاب [3838] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا عبد الأعلى وإسماعيل) ابن علية (عن بُرْد) بضم الموحدة وسكون الراء، وهو (ابن سنان) الدمشقي، نزيل البصرة، وثقه ابن معين (¬3) والنسائي (¬4). (عن عطاء، عن جابر) بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما (قال: كنا نغزو مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فنصيب من آنية المشركين) أهل الكتاب وغيرهم (وأسقيتهم) جمع سقاء، يكون وعاءً للبن وللماء. (فنستمتع بها) أي: ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 379. صحح إسناده الألباني في "الإرواء" 1/ 76. (¬2) رواه البخاري (5478)، ومسلم (1930). (¬3) "تاريخ ابن معين" رواية الدارمي (188). (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 4/ 43 (655).

بالأكل والشرب منها والطبخ في قدورها ما لم تكن ذهبًا أو فضةً أو جلد خنزير. وإباحة الأكل فيها في هذا الحديث مقيدة بالشرط الآتي في حديث أبي ثعلبة، وهو الغسل بالماء كما سيأتي. (فلا يعيب ذلك) الاستمتاع (عليهم) أي: على من فعله، وهذا يدل على أنهم جميعهم لم يستمتعوا بالأواني التي غنموها، بل استمتع بعضهم وبعضهم توقف حتى يسأل، وهذا يدل على أن قوله: (فنستمتع). أي فيستمتع بعضنا فلا يعيب عليه، واستدل جابر بتركه العيب عليهم بالإنكار على الجواز، فإنه لا يقر على باطل رآه. [3839] (حدثنا نصر بن عاصم) الأنطاكي، لين الحديث (ثنا محمد بن شعيب) بن شابور الدمشقي، وثقه دحيم، وقال ابن المبارك: أنا الثقة من أهل العلم محمد بن شعيب (¬1). (أنا عبد اللَّه بن العلاء بن زَبْر) بفتح الزاي وسكون الباء الموحدة بعدها (¬2) [راء مهملة] (¬3)، الربعي الشامي، أخرج له البخاري في الجزية (¬4) وفي تفسير الأعراف (¬5). (عن أبي عبيد اللَّه) بالتصغير (مسلم بن مِشْكَم) بكسر الميم وسكون الشين المعجمة وفتح الكاف، الخزاعي الدمشقي، وثقه أبو مسهر ودحيم ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 370 (5290). (¬2) ساقطة من (م). (¬3) ساقطة من (ح). (¬4) البخاري (3176). (¬5) البخاري (4640).

وغيرهما (¬1). (عن أبي ثعلبة) جُرْثُوم بن نَاشِر (الخُشنيّ) بضم الخاء وفتح الشين المعجمتين، نسبة إلى خشين قبيلة من قضاعة، وأبو ثعلبة ممن بايع تحت الشجرة. (أنه سأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إنا نجاور) بالجيم والراء المهملة من المجاورة، أي: نقيم بالقرب من (أهل الكتاب، وهم يطبُخون) بضم الموحدة (في قدورهم) لحم (الخنزير) قال بعضهم: لا يسمى طبيخًا إلا إذا كان فيه مرق. ورُد بأنه يقال للآجر: جيد الطبخ. (ويشربون في آنيتهم الخمر) وهما نجسان، أفيجوز لنا أن نطبخ في قدورهم ونأكل ونشرب في آنيتهم؟ (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن وجدتم غيرها فكلوا فيها) أي: كلوا في غير أوانيهم، واطبخوا في غير قدورهم (واشربوا) في غير أوعيتهم إن وجدتم، فهي أولى من قدورهم وأوانيهم المتنجسة وأمره -صلى اللَّه عليه وسلم- بالكف عن الأكل والشرب والطبخ في أواني الكفار إذا وجدوا هو بمقتضى الورع؛ لأنهم لا يتوقون النجاسات ويأكلون الميتات، فإذا طبخوا في تلك القدور تنجست، وربما تشربت النجاسة في قدور الفخار، فإذا طبخ فيها بعد ذلك توقعت مخالطة تلك الأجزاء النجسة للمطبوخ في القدر. (وإن لم تجدوا غيرها فارحَضوها) بفتح الحاء المهملة ثم ضاد معجمة، أي: اغسلوها (بالماء) يقال: رحضت ثوبي أرحضه رحضًا: غسلته، ومنه المرحاض، وهو الموضع الذي يغتسل فيه، والمرحاض ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 27/ 543 (5945).

أيضًا خشبة يضرب بها الثوب إذا غسل، ومنه حديث ابن عباس في ذكر الخوارج: وعليهم قمص مرحضة (¬1). أي: مغسولة، ومنه حديث نزول الوحي: فمسح عنه الرحضاء (¬2). وهو عرق يغسل الجلد منه لكثرته، وكثيرًا ما يستعمل في عرق الحمى والمرض. (وكلوا) في أوانيهم (واشربوا) منها واطبخوا في قدورهم، وروي عن ابن عباس أنه قال: إن كان الإناء من حديد أو نحاس غسل، وإن كان من فخار أغلي فيه الماء ثم غسل، هذا إذ احتيج إليه. وقال بذلك مالك (¬3). وأما ما يستعملونه لغير الطبخ فلا بأس باستعماله من غير غسل؛ لما روى الدراقطني عن عمر أنه توضأ من بيت نصراني (¬4)، وفي الصحيحين عن عمران بن الحصين أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه توضؤوا من مزادة -أي: قربة- امرأة مشركة (¬5). * * * ¬

_ (¬1) رواه الفسوي في "المعرفة والتاريخ" 1/ 532، والبيهقي 8/ 179، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" 2/ 962 (1834)، وابن الجوزي في "المنتظم" 5/ 124 من حديث ابن عباس. (¬2) رواه البخاري (1465، 2842)، ومسلم (1052/ 123) من حديث أبي سعيد الخدري. (¬3) انظر: "الذخيرة" 4/ 107. (¬4) "سنن الدارقطني" 1/ 39. قال الحافظ في "تغليق التعليق" 2/ 131: إسناده ظاهره الصحة وهو منقطع. (¬5) البخاري (344)، مسلم (682).

46 - باب في دواب البحر

46 - باب في دَوابِّ البَحْرِ 3840 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْن مُحَمَّدٍ النُّفَيْليُّ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ قالَ: بَعَثَنَا رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَأَمَّرَ عَلَيْنا أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الجَرَّاحِ نَتَلَقَّى عِيرًا لِقُرَيْشٍ وَزَوَّدَنا جِرابًا مِنْ تَمْرٍ لَمْ نَجِدْ لَهُ غَيْرَهُ فَكانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُعْطِينا تَمْرَةً تَمْرَةً كُنَّا نَمُصُّها كَمَا يَمُصُّ الصَّبيُّ ثُمَّ نَشْرَبُ عَلَيْها مِنَ الماءِ فَتَكْفِينا يَوْمَنا إِلَى اللَّيْلِ وَكُنّا نَضْرِبُ بِعِصِيِّنا الخَبَطَ ثمَّ نَبُلُّهُ بِالماءِ فَنَأَكُلُهُ، وانْطَلَقْنَا عَلَى ساحِلِ البَحْرِ فَرُفِعَ لَنا كَهَيْئَةِ الكَثِيبِ الضَّخْمِ فَأَتَيْناهُ فَإِذَا هُوَ دابَّةٌ تُدْعَى العَنْبَرَ فَقالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَيْتَةٌ وَلا تَحِلُّ، لَنَا ثُمَّ قالَ: لا بَلْ نَحْنُ رُسُلُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَفي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدِ اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ فَكُلُوا فَأَقَمْنا عَلَيْهِ شَهْرًا وَنَحْنُ ثَلاثُمائَةٍ حَتَّى سَمِنّا، فَلَمّا قَدِمْنا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- ذَكَرْنا ذَلِكَ لَهُ فَقالَ: "هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللَّهُ لَكُمْ، فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيء فَتُطْعِمُونَا مِنْهُ؟ ". فَأَرْسَلْنا مِنْهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَأَكَلَ (¬1). * * * باب في دواب البحر [3840] (حدثنا عبد اللَّه بن محمد) بن علي (النفيلي) قال المصنف: ما رأينا له كتابًا قط، وكل ما حدثنا فمن حفظه (¬2). (حدثنا زهير، أخبرنا أبو الزبير) محمد بن مسلم المكي (عن جابر) بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما (قال: بعثنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) زاد مسلم: إلى أرض جهينة (¬3). (وأمر علينا) فيه أن الجيوش لابد لها من أمير يضبطها وينقادون ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2483)، ومسلم (1935). (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 16/ 90. (¬3) مسلم (1935).

لأمره، ويستحب للرفقة من الناس وإن قلوا أن يؤمروا بعضهم عليهم وينقادوا له (أبا عبيدة) أمين الأمة عامر بن عبد اللَّه (بن الجراح) أحد العشرة. (نتلقى عيرًا لقريش) والعير: الإبل التي تحمل الطعام وغيره، وفيه دليل على أن الأمير يكون أفضلهم أو من أفضلهم، وفيه جواز رصد أهل الحرب واغتيالهم والخروج لأخذ مالهم واغتنامه. (وزودنا) كلنا (جِرابًا) بكسر الجيم (من تمر لم نجد له) ولفظ مسلم: لم يجد لنا (¬1). (غيره) فيه ما كانت الصحابة عليه من الزهد في الدنيا والتقلل منها، والصبر على الجوع وخشونة العيش وإقدامهم على الغزو مع هذا الحال، وفيه أن الإمام يزود الأمير من بيت المال أو من ماله إذا تبرع (فكان أبو عبيدة يعطينا) فيه أن الأمير يتولى إعطاء عسكره بنفسه لا يكل ذلك إلى أستادار (¬2) ولا خازندار (¬3) ولا غيره، كما هو موجود الآن. ¬

_ (¬1) مسلم (1935/ 17). (¬2) الأستادار: هو من إليه أمر بيوت السلطان كلها من المطابخ والحاشية والغلمان، وله تصرف تام في استدعاء ما يحتاجه كل من في بيت السلطان من النفقات. انظر: "مسالك الأبصار" 3/ 455. (¬3) الخازندار: صوابه الخِزَنْدار وهو مركب من لفظين: أحدهما عربي وهو (خزانة)، والثاني فارسي وهو (دار) ومعناه ممسك، فحذفت الألف والهاء من (خزانة) استثقالًا، ويكون المعنى: ممسك الخزانة، أي: المتولي لأمرها. قال القلقشندي: ومتشدقو الكُتَّاب يسقطون الألف والهاء من خزانة، ويلحقون بعد الخاء ألفًا، فينقلون (خزانة) إلى (خازن) ويضيفونه إلى (دار) ظنًّا منهم أن الدار على معناها العربي، وهو خطأ. انظر: "صبح الأعشى" 5/ 462 - 463.

(تمرة) أي: يعطي كل واحد منا (تمرة) واحدة، وفي رواية: كنا نحمل أزوادنا في رقابنا (¬1). وفي أخرى: ففني زادهم (¬2). وفي "الموطأ": فكان يعطينا قبضة قبضة، ثم أعطانا تمرة تمرة (¬3). ويلتئم شتات هذِه الروايات بأن يقال أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- زودهم ذلك المزود أو المزودين إلى ما كان عندهم من زاد أنفسهم الذي كانوا يحملونه على رقابهم. وزاد مسلم: فقلت: فكيف كنتم تصنعون بها (¬4)؟ (قال: كنا نمصها) بفتح الميم وضمها والفتح أشهر وأكثر (كما يمص الصبي) ثدي أمه في الرضاع (ثم نشرب عليها من الماء) جرعة (فتكفينا) تلك الشربة (يومنا) ذلك كله (إلى الليل) والظاهر أن المص والشرب كان في أول النهار، وبهما لا يضعف بدن الآدمي ولا تسقط قوته، وهذا نظير الحديث: "ما ملأ ابن آدم وعاءً شرًا من بطن، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه" (¬5). فاللقيمات مصغر، وهو جمع قلة، فالتقدير: لقيمات صغار دون العشرة يقمن صلبه ويحفظن القوة، فإن تجاوزها فليأكل في ¬

_ (¬1) رواها مسلم (1935)، وابن ماجه (4159) وفيهما: (على رقابنا). (¬2) رواها مسلم (1935). (¬3) هذِه رواية مسلم (1935) وغيره، والذي في "الموطأ" 2/ 930: (حتى فني، ولم تصبنا إلا تمرة تمرة). (¬4) مسلم (1935). (¬5) رواه الترمذي (2380)، وابن ماجه (3349)، وأحمد 4/ 132، والنسائي في "الكبرى" 4/ 177 - 178، والطبراني 2/ 272 - 273 (644، 645) من حديث المقدام بن معدي كرب، وعند بعضهم: (أكلات) بدل: (لقيمات). والحديث صححه ابن حبان 2/ 449 (674)، 12/ 41 (5236)، والحاكم في "المستدرك" 4/ 121، 4/ 331، والألباني في "الصحيحة" (2265).

ثلث بطنه ويدع الآخر للماء والثالث للبدن، وهذا من أنفع ما للبدن والقلب. (وكنا نضرب بعصينا) بكسر العين والصاد جمع عصًا، والأصل عصوا على فعول مثل أسد وأسود، والقياس أعصاء مثل سبب وأسباب، لكن لم ينقل. (الخَبَط) بفتح الخاء والباء، فعل بمعنى مفعول، وهو من علف الإبل، فإنه الورق المتناثر من ورق الشجر (¬1) بالخبط، يعني الضرب بالعصا ليتناثر الورق، وفي حديث تحريم مكة: نهى أن يخبط شجرها (¬2). ولما أكل هذا الجيش الخبط سموا جيش الخبط (ثم نبُله) بضم الموحدة، أي: نبل الورق المتناثر من الشجر (بالماء فنأكله) ولعل هذا لما فقدوا التمر من الأكل والمص. (وانطلقنا) بعد ذلك (على ساحل البحر) نمشي (فرُفِع) بضم الراء وكسر الفاء (لنا) أي: ألقي إلينا (¬3)، من قولهم: رفعت فلانًا إلى الحاكم. ولمسلم: فألقى لنا البحر دابة يقال لها العنبر (¬4). ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل)، (م). (¬2) رواه البخاري (1349، 1833، 2090) من حديث ابن عباس و (122، 6880) من حديث أبي هريرة بلفظ: (ولا يعضد شجرها). ورواه البخاري (1867، 7306) من حديث أنس بلفظ: (لا يقطع شجرها). ورواه مسلم (1355، 448) من حديث أبي هريرة: (لا يخبط شوكها ولا يعضد شجرها). وأما اللفظ الذي ذكره المصنف فذكره ابن الأثير في "النهاية" 2/ 7. (¬3) ساقطة من (ل)، (م). (¬4) مسلم (1935/ 18)، وهو عند البخاري أيضًا (4361).

(كهيئة الكثيب) بالثاء المثلثة (الضخم) وهو الرمل المستطيل المحدودب، جمعه كثب من الكثب وهو الصب، والبئر تسمى كثيبًا؛ لأنه انصب في مكان فاجتمع فيه. (فأتيناه فإذا هو دابة تُدعَى) بضم التاء وسكون الدال، أي: تسمى (العَنْبَرُ) ورواية المصنف: العنبرة. بزيادة هاء آخره ولمسلم بحذفها (¬1)، سميت بذلك؛ لأنها الدابة التي تلقي العنبر، وتوجد كثيرًا على ساحل البحر، ويحتمل أن تكون: ترعى، بالراء بدل الدال من الرعي، فليراجع هل وقع في رواية، فإن بعضهم قالوا: إن العنبر نبت في قعر البحر، قال القزويني: زعموا أن بقرًا في البحر ترعى الزرع من قعر البحر، وتَروثُ العنبر. وسمك هذا العنبر يتخذ من جلدها الأتراس تأكل هذا الزرع لدسومته، فتقذفه رجيعًا، فيؤخذ (¬2) كالحجارة الكبار تطفو على الماء. ولا زكاة في العنبر؛ لقول ابن عباس: إنما هو شيء دسره البحر (¬3). وليس بمعدن، قال القرطبي: يوجد كثيرًا على سواحل البحر، وقد وجد عندنا منه على ساحل البحر بقادس من الأندلس قطعة كبيرة حصل لواجديه منه أموال كثيرة (¬4). (فقال أبو عبيدة) عامر بن الجراح (ميتة) بالرفع، أي هو ميتة (فلا ¬

_ (¬1) السابق. (¬2) ساقطة من (ل)، (م). (¬3) رواه الشافعي في "المسند" 1/ 229، وعبد الرزاق في "المصنف" 4/ 65 (6977)، وابن أبي شيبة 2/ 374 (10058 - 10059)، وابن زنجويه في "الأموال" 2/ 752 (1288)، والبيهقي في "السنن الكبرى" 4/ 146. (¬4) "المفهم" 5/ 220.

تحل) بالمثناة فوق (لنا) أي: قال: لا يحل لنا أكلها؛ لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} (¬1) فأخذ بعموم الآية (ثم قال: لا) يحرم (بل نحن رسل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) فيه أن الرسول لا يختص بمن يبلغ الرسالة، بل يعم كل من جهز في أمر لقتال أو غيره، يسمى رسولًا، وأن الرسول في الطاعة والمباح يترخص برخص السفر. قال المنذري: ذكر غير واحد من الحفاظ الذين خرج حديثهم العلماء في الصحيحين متفقين ومنفردين، ولم يذكروا فيهم أبا عبيدة بن الجراح، لكونه عندهم لم يقع شيء من حديثه في الصحيحين، وذكر أبو مسعود الدمشقي في "تعليقه" وأبو عبد اللَّه الحميدي أن قول أبي عبيدة: (رسل رسول اللَّه). هو من مسند أبي عبيدة، وباقيه من مسند جابر بن عبد اللَّه، ويقال: انفرد بقوله: (نحن رسل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-). أبو الزبير، وسائر الرواة عن جابر لا يذكرونها، وليس لأبي عبيدة في الصحيح غير هذا (¬2). (وفي) الجهاد وهو في (سبيل اللَّه تعالى، وقد اضطررتم إليه) أي إلى أكله (فكلوا) منه. معنى الحديث أن أبا عبيدة قال أولًا باجتهاده: أن هذِه ميتة، والميتة حرام. ثم تغير اجتهاده وقال: بل هو حلال لكم، وإن كان ميتة؛ لأنه في سبيل اللَّه وقد اضطررتم، وقد أباح اللَّه الميتة لمن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ، وهذا يدل على جواز العمل بأصل العموم على ظاهره، والعمل به من غير حجر المخصصات، فإن أبا عبيدة حكم ¬

_ (¬1) المائدة: 3. (¬2) "الجمع بين الصحيحين" 1/ 205.

بتحريم ميتة البحر تمسكًا بعموم التحريم، أنه استباحها بحكم الاضطرار، مع أن عموم القرآن في الميتة مخصص بقوله -عليه السلام-: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" (¬1). ولم يكن عنده خبر من هذا المخصص، ولا عند أحد من أصحابه، إذ لو كان لعمل به ولما عدل عنه. (فأقمنا عليه) أي: على الأكل منه سفرًا وحضرًا (شهرًا) بما قد تزودوه منه، كما قال في مسلم: وتزودنا منه وشائق (¬2). أي: قددوه قدائد كما يفعل باللحم (ونحن ثلاثة مائة) رجل، ولمسلم: ونحن في ثلاث مائة راكب (حتى سمِنّا) أي تقوينا وزال ضعفنا، كما قال في الرواية الأخرى: حتى ثابت إلينا أجسامنا (¬3). أي: رجعت إلينا قوتنا، وإلا فما كانوا سمانًا قط. وقد ورد ذم السمن في أحاديث (¬4). (فلما قدمنا) المدينة أتينا (إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) و (ذكرنا له ذلك) وكان ذلك في سنة ثمانٍ من الهجرة (فقال) دابة العنبر (رزق أخرجه اللَّه تعالى لكم) هو تذكير لهم بنعمة اللَّه تعالى ليشكروه عليها. (فهل معكم) باقٍ (من لحمه) من (شيء فتطعمونا منه؟ ) وفي هذا الحديث دليل على أنه لا بأس بسؤال الإنسان من مال صاحبه إدلالًا ¬

_ (¬1) سلف برقم (83) من حديث أبي هريرة. ورواه أيضًا الترمذي (69)، والنسائي 1/ 50، 176، وابن ماجه (386، 3246)، وأحمد 2/ 361، 378، 392 وغيرهم. وصححه ابن حبان 4914 (1243)، 12/ 62 - 63 (5258)، والحاكم في "المستدرك" 1/ 140 - 141، 142 - 143 وغيرهما. (¬2) مسلم (1935). (¬3) رواها البخاري (4361). (¬4) من ذلك ما رواه البخاري (4729)، ومسلم (2785).

عليه، وليس هو من السؤال المنهي عنه، إنما ذلك في حق الأجانب، وأما هذا فللمؤانسة والملاطفة والإدلال. وفيه (¬1) جواز الاجتهاد في الأحكام في زمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كما يجوز بعده. [(فأرسلنا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-] (¬2) فأكل) منه، كما لمسلم (¬3). وأكله -صلى اللَّه عليه وسلم- منه ليبين لهم بالفعل جواز أكل ميتة البحر في غير وقت الضرورة، وأنها لم تدخل في عموم الميتة المحرمة في القرآن، كما بين ذلك -عليه السلام-: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته". وفي هذا الحديث رد للجمهور على من قال بمنع أكل ما طفا من ميتات البحر، وهو طاوس وابن سيرين (¬4) وحماد ابن زيد وأبو حنيفة (¬5). * * * ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: وفي. والمثبت أليق بالسياق. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) مسلم (1935). (¬4) رواه عنهما ابن أبي شيبة 4/ 253، 254 (19741، 19745). (¬5) انظر ما سبق في باب الطافي من السمك، حديث رقم (3815)، وقال فيه: (جابر ابن زيد) بدلًا من (حماد بن زيد).

47 - باب في الفأرة تقع في السمن

47 - باب فِي الفَأْرَة تَقَعُ فِي السَّمْنِ 3841 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا سُفْيانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْريُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ فَأْرَةً وَقَعَتْ في سَمْنٍ فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ: "أَلْقُوا ما حَوْلَها وَكُلُوا" (¬1). 3842 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ والحَسَنُ بْن عَليٍّ -واللَّفْظُ لِلْحَسَنِ- قالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِذا وَقَعَتِ الفَأْرَةُ في السَّمْنِ فَإِنْ كَانَ جامِدًا فَأَلْقُوها وَما حَوْلَها، وَإِنْ كانَ مائِعًا فَلا تَقْرَبُوهُ". قالَ الحَسَنُ: قالَ عَبْدُ الرَّزّاقِ: وَرُبَّما حَدَّثَ بِهِ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ عُبَيْدِ، اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2). 3843 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بُوْذُوْيْهِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِمِثْلِ حَدِيثِ الزُّهْريِّ عَنِ ابن المُسيِّبِ (¬3). * * * باب في الفأرة تقع في السمن [3841] (حدثنا مسدد، ثنا سفيان، ثنا الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه) بن عتبة بن مسعود الهذلي، [وأبوه] (¬4) من أبناء المهاجرين، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (235). (¬2) رواه أحمد 2/ 265. قال الألباني في "الضعيفة" (1532): شاذ. (¬3) رواه النسائي 7/ 178. قال الألباني في "الضعيفة" (1532): شاذ. (¬4) ليست في النسخ الخطية، واستدركناه ليصح الكلام والسياق.

له رؤية النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو خماسي أو سداسي، وكان يؤم الناس بالكوفة. (عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما عن ميمونة) بنت الحارث زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وخالة ابن عباس (أن فأرة) بسكون الهمزة، تجمع على فأر وفئران، وهي أجناس، منها الجرذ وفأرة البيت، وهي الفويسقة، وهما كالجواميس والبقر (وقعت في سمن) زاد البخاري: فماتت (¬1). (فأُخبِر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) بذلك (قال: أَلقُوا) بفتح الهمزة (ما حولها وكلوا) لفظ البخاري: "ألقوها وما حولها وكلوه" (¬2). قال ابن بطال: فيه دليل على أن السمن كان جامدًا؛ لأنه لا يتمكن طرح ما حولها في الذائب المائع؛ لأنه عند الحركة يمتزج بعضه ببعض، والعلماء مجمعون أن هذا حكم السمن الجامد تقع فيه الميتة الفأرة وغيرها، أنها تلقى وما حولها ويؤكل سائره؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حكم للسمن الملاصق للفأرة بحكم الفأرة؛ لتحريم اللَّه تعالى الميتة، فأمر بإلقاء ما مسها منه وأكل ما بقي منه (¬3). [3842] (حدثنا أحمد بن صالح) الطبري المصري شيخ البخاري (والحسن بن علي) الجهضمي (واللفظ للحسن) بن علي (قالا: حدثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) وهذا الحديث صحيح، وإنما لم يذكره البخاري لأنه من رواية معمر عن الزهري، وقد استراب انفراد معمر. ¬

_ (¬1) البخاري (5538). (¬2) السابق. (¬3) "شرح ابن بطال" 5/ 451.

(إذا وقعت الفأرة في السمن) وما في معناه من زيت وعسل وغير ذلك (فإن كان جامدًا) المراد بالجامد هو ما إذا أخذ شيء من وسطه بقي موضع المأخوذ، بخلاف المائع فإنه يتراجع في الحال ويتساوى (فألقوها وما حولها) كما تقدم. (وإن كان مائعًا) أي: ذائبًا كخل ودبس ولبن ودهن وسائر المائعات، (فلا تقربوه) قيل: يحتمل وجهين: أحدهما: لا تقربوه أكلًا وطعامًا، ولا يحرم الانتفاع به استصباحًا في غير المساجد، وبيعًا لمن يستصبح به، ودهنًا للسفن والدواب والجلود والقرب؛ لأن ابن عمر أمر أن يستصبح به، ويحتمل أن يكون النهي عامًّا في كل الانتفاعات المذكورة وغيرها، وهو مذهب الشافعي (¬1) وغيره، قال الغزالي في "الإحياء": لو وقع في قدر طبيخ جزء من لحم آدمي ميت، لم يحل منه شيء لحرمة الآدمي (¬2). وخالفه النووي في "شرح المهذب" وقال: المختار الحل (¬3). (قال الحسن) بن علي (قال عبد الرزاق: وربما حدث معمر عن [الزهري] (¬4) عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه) بن عتبة (عن ابن عباس، عن) خالته (ميمونة) أم المؤمنين (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) كما تقدم. [3843] (حدثنا أحمد بن صاالح، ثنا عبد الرزاق [قال: أنا عبد ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي" 15/ 160، "المجموع" 9/ 45 عن الشافعي جواز الاستصباح به. (¬2) "إحياء علوم الدين" 2/ 93. (¬3) "المجموع" 9/ 41. (¬4) ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "سنن أبي داود".

الرحمن] (¬1) بن بُوذُويَه) بضم الموحدة والذال المعجمة وبعد الواوين الساكنتين ياء مثناة تحت متحركة، الصنعاني، ثقة، أثنى عليه أحمد بن حنبل (¬2)، لم يرو له المصنف والنسائي غير هذا الحديث (¬3). [(عن معمر، عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه) بن عتبة (عن ابن عباس) أنه حدثه] (¬4) (عن ميمونة) أم المؤمنين (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بمثل حديث الزهري عن ابن المسيب) عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-. . . الحديث. * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 17/ 8. (¬3) "المجتبى" 7/ 178. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

48 - باب في الذباب يقع في الطعام

48 - باب في الذُّبابِ يَقَعُ في الطَّعامِ 3844 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ -يَعْني: ابن المُفَضَّلِ- عَنِ ابن عَجْلانَ، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُريِّ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِذا وَقَعَ الذُّبابُ في إِناءِ أَحَدِكُمْ فامْقُلُوهُ فَإِنَّ في أَحَدِ جَناحَيْهِ داءً وَفي الآخَرَ شِفاءً وَإِنَّهُ يَتَّقي بِجَناحِهِ الذي فِيهِ الدَّاءُ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ" (¬1). * * * باب في الذباب يقع في الطعام [3844] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا بشر (¬2) بن المفضل) بن لاحق الرقاشي، عن محمد (بن عجلان) القرشي (عن سعيد) (¬3) بن أبي سعيد كيسان (المقبري، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا وقع الذباب) واحدته ذبابة، ولا تقل: ذبانة. قيل: سمي ذبابًا لكثرة حركته واضطرابه. وقيل: لأنه كلما ذب آب. وفي "مسند أبي يعلى": "الذباب في النار" (¬4). ورواه الحافظ أبو موسى بلفظ: "عمر الذباب أربعون يومًا، والذباب في النار" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3320). (¬2) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬3) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬4) رواه بهذا اللفظ الطبراني 12/ 398 (13467 - 13468)، 12/ 419 (13543 - 13544)، والدارقطني في "العلل" 12/ 371 من حديث ابن عمر. (¬5) رواه بهذا اللفظ أبو يعلى الموصلي في "المسند" 7/ 230 (4231)، 7/ 271 (4295) من حديث أنس. قال الهيثمي في "المجمع" 8/ 136، 10/ 390: رجاله ثقات. وقال البوصيري في "إتحاف الخيرة المهرة" 6/ 168: إسناده حسن.

وقيل: ليس كونه في النار تعذيبًا له، بل ليعذب به أهل النار. (في إناء أحدكم) لفظ البخاري: "في شراب أحدكم" (¬1). زاد البخاري: "فليغمسه ثم لينزعه" (¬2). (فإن في أحد) لفظ البخاري: "إحدى" (¬3) (جناحيه) لأن الجوهري قال: جناح الطائر يده (¬4). فأنث الجناح باعتبار اليد (داءً، وفي الآخر شفاء) وفي مثل الذباب في تقديمه السم وتأخيره الشفاء في مخلوقات اللَّه تعالى كثير، كما أن النحلة يخرج من بطنها العسل شفاء (¬5) ومن إبرتها السم، وكذلك الأفعى فيها السم والترياق منها. (وإنه يتقي) أي: يقدم (بجناحه الذي فيه الداء) فيجعله وقاية عن الجناح الذي فيه الشفاء، وفي حديث علي: كنا إذا أحمر البأس اتقينا برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬6). أي: جعلناه وقايةً لنا من العدو. ورواه ابن ماجه عن أبي سعيد بلفظ: "أحد جناحي الذباب سم والآخر شفاء، فإذا وقع في الطعام فامقلوه فيه، فإنه يقدم السم ويؤخر ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (3320). (¬2) السابق. (¬3) السابق. (¬4) "الصحاح" 1/ 360. (¬5) ساقطة من (ل)، (م). (¬6) رواه أحمد 1/ 126، 156، والبزار في "البحر الزخار" 2/ 299 (723)، وأبو يعلى 1/ 258، 329 (302، 412)، والبغوي في "شرح السنة" 13/ 257 (3698). وصححه الحاكم في "المستدرك 2/ 144. ولمسلم نحوه (1776/ 79) عن البراء.

الشفاء" (¬1). (فليغمسه كله) ليقابل الداء بالدواء، وفيه إشارة إلى أن المريض يقابل داء مرضه بالدواء، ويعتقد أن الدواء نافع بقدرة اللَّه تعالى لا بنفسه. وفي الحديث دلالة على أن الذباب إذا وقع في الماء أو المائع لا ينجسه؛ لأن الغمس يموته، ولو كان ينجس لما أمر بغمسه، فإن فيه إفساد الطعام، وهو مال نهي عن إضاعته، وفي قول: إنه ينجسه كسائر الميتات، وهو القياس. وفي قول ثالث أن ما يعم وقوعه كالذباب لا ينجس، وما لا يعم وقوعه كالخنافس ينجس، وهو قول قوي لا محيد عنه في الدليل. وقد ضرب المثل بالذباب في إلقائه نفسه للتهلكة فيقال: أخطأ من ذبابٌ؛ لأنه يلقي نفسه في الشيء الذي لا يمكنه التخلص منه، قال الشاعر في ذم المتطفل: أوغل في التطفل من ذباب على طعام وعلى شراب لو أبصر الطعام في سحاب لطار في الجو بلا حجاب * * * ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (3504). ورواه أيضًا أحمد 3/ 24، 67، وأبو يعلى 2/ 273 (986). وحسن إسناده البوصيري في "المصباح" 4/ 69.

49 - باب في اللقمة تسقط

49 - باب في اللُّقْمَةِ تَسْقُطُ 3845 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا، حَمّادٌ عَنْ ثابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كانَ إِذا أَكَلَ طَعامًا لَعِقَ أَصابِعَهُ الثَّلاثَ وقالَ: "إِذا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ عَنْها الأَذى وَلْيَأْكُلْها وَلا يَدَعْها لِلشَّيْطانِ". وَأَمَرَنا أَنْ نَسْلُتَ الصَّحْفَةَ وقالَ: "إِنَّ أَحَدَكُمْ لا يَدْري في أيِّ طَعامِهِ يُبارَكُ لَهُ" (¬1). * * * باب في اللقمة تسقط [3845] (حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد) بن سلمة (عن ثابت) البناني (عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا أكل طعامًا) ولمسلم: كان يأكل بثلاث أصابع فإذا فرغ (¬2) (لعِق) بكسر العين (أصابعَهُ الثلاث) وأصل اللعق الأكل بأصبع واحدة. والظاهر أن المراد بالأصابع الثلاث التي كان (¬3) يأكل بها ويلعقها هي السبابة والوسطى والبنصر، وأما الإبهام فإنه مساعد لمسك اللقمة. وفائدة اللعق احترام الطعام واغتنام بركته، ألا ترى أنه -عليه السلام- أمر بلعق الأصابع والقصعة وقال: "إنه لا يدري في أي طعامه البركة" (¬4). فقد روى ابن ماجه عن نبيشة: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أكل في قصعة فلحسها استغفرت له القصعة" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2034). (¬2) رواه مسلم (2032/ 134). (¬3) ساقطة من (ح). (¬4) مسلم (2032/ 132). (¬5) "سنن ابن ماجه" (3271).

قال الغزالي: ويقال: من لعق القصعة وشرب ماءها كان له عتق رقبة (¬1). والأكل بأكثر من ثلاث أصابع إنما هو شره وسوء أدب إلا إن كان يدعم اللقمة بالرابعة. وفي "مصنف ابن أبي شيبة" عن الزهري مرسلًا: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يأكل بالخمس (¬2). (وقال: إذا سقطت لقمة أحدكم فليُمط عنها الأذى) بضم الياء، معناه يزيل وينحي، حكى أبو عبيد: ماطه وأماطه (¬3)، قال الأصمعي: أماطه لا غير، ومنه: إماطة الأذى. والمراد بالأذى هنا المستقذر من تراب وغبار وقذى ونحو ذلك. (وليأكلها) فإنه يقال: التقاط الفتات (¬4) مهور حور العين. وعنه -عليه السلام-: "من أكل ما يلتقط من المائدة عاش في سعة وعوفي في ولده". ذكره في "الإحياء" (¬5). (ولا يدعها للشيطان) فيه إثبات الشياطين وإثبات أكلهم الطعام، وأنه يحضر عند الآدمي في كل شيء من شأنه، فينبغي أن يتأهب ويحترز (¬6) منه. وإن لم يأكلها آكل الطعام فليطعمها حيوانًا. ¬

_ (¬1) "إحياء علوم الدين" 2/ 6. (¬2) "المصنف" 5/ 134 (24455). (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" 4/ 380. (¬4) في (ل)، (م): اللقمات. (¬5) "إحياء علوم الدين" 2/ 6. والحديث رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 51/ 249، وفي "المعجم" 1/ 593 من حديث أبي هريرة. قال الألباني في "الضعيفة" (5722): حديث موضوع. (¬6) في (ل)، (م): يتحرز.

وإن كانت وقعت على نجاسة وتنجست فلابد من غسلها قبل أن يأكلها، ولا يتأكد غسلها إن أطعمها للحيوان. (وأمرنا) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (أن نسلُت) بضم اللام (الصحفة) أي: نمسحها بالأصبع، يقال: سلت الدم عن وجهه. إذا مسحه بأصبعه، وقد بين -صلى اللَّه عليه وسلم- العلة (وقال: إن أحدكم لا يدري في أي طعامه يُبارك) بالرفع (له) أي: لا يعرف في أي جزء من أجزاء طعامه تكون البركة التي أخفاها اللَّه تعالى، كما أخفى ليلة القدر وغيرها، وإن اجتهد واحترص على معرفة ذلك. * * *

50 - باب في الخادم يأكل مع المولى

50 - باب في الخادِمِ يَأْكُلُ مع المَوْلَى 3846 - حَدَّثَنا القَعْنَبيُّ، حَدَّثَنا داوُدُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ يَسارٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِذا صَنَعَ لأَحَدِكُمْ خادِمُهُ طَعامًا، ثُمَّ جاءَهُ بِهِ وَقَدْ وَليَ حَرَّهُ وَدُخانَهُ فَلْيُقْعِدْهُ مَعَهُ لِيَأْكُلَ، فَإِنْ كانَ الطَّعامُ مَشْفُوهًا فَلْيَضَعْ في يَدهِ مِنْهُ أَكْلَةً أَوْ أَكْلَتَيْنِ" (¬1). * * * باب في الخادم يأكل مع المولى [3846] (حدثنا) عبد اللَّه بن مسلمة (¬2) (القعنبي، حدثنا داود بن قيس) المدني الفراء (¬3)، ثقة من العباد. (عن موسى بن يسار) بالمثناة تحت والسين المهملة المطلبي، وثقه ابن معين (¬4). (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إذا صنع لأحدكم خادمه) برفع الميم (طعامًا) الخادم يشمل الغلام والجارية، وإن كان الغالب في طبخ الطعام الجواري. (ثم جاءه به) فيه أنه يجوز للسيد أن يستعمل العبد فيما يحسنه ويطيقه من الأعمال من إحضار نار ووقدها، وغسل أوعية والطبخ والغرف، وإحضار الطعام والماء إلى السيد كما هو ظاهر الحديث. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2557)، ومسلم (1663). (¬2) في جميع النسخ: محمد، والمثبت من مصادر التخريج. (¬3) ساقطة من (ل)، (م). (¬4) "تاريخ ابن معين" رواية الدوري 3/ 157 (660)، 4/ 380 (4879).

(وقد ولي حرَّه) أي: حاره، وهو التعب والمشقة في طبخ الطعام؛ لأن الحرارة مقرونة بهما، كما أن البرد مقرون بالراحة والسكون. ومنه حديث علي أنه قال لفاطمة: لو أتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فسألتيه خادمًا يقيك حر ما أنت فيه من العمل (¬1). أي؛ تعب خدمة بيتها، ويحتمل أن يحمل الحر على حقيقته، وهو حر نار الطبخ، ولهذا عطف عليه (ودخانه فليُقعده) بضم الياء، أي: يجلسه (معه فليأكل) فيه أنه يستحب للسيد إذا تولى خادمه طعامه أن يجلسه معه على المائدة وأن يأكل معه، وأن حاضر الطعام -خصوصًا صانعه- تتوق إليه نفسه ما لا يتوق غيره، ومن حق المملوك أن يشركه في طعامه وكسوته، ولا يكلفه فوق طاقته، ولا ينظر إليه بعين الكبر والازدراء، وأن يؤدبه إذا أذنب بالتوبيخ والضرب الخفيف، كما يؤدب ولده وامرأته بالنشوز، وليس له أن يضربه ضربًا مبرحًا وإن أذنب (¬2). (فإن كان الطعام مشفوهًا) أي: قليلًا، وأصله الماء الذي كثرت عليه الشفاه حتى قل، وقيل: أراد: فإن كان الطعام مكثورًا عليه، أي: كثر الآكلون منه بحيث لا يكفيهم. وقيل: المشفوه المحبوب. (فليضع في يده) اليمنى (منه أُكلة) بضم الهمزة، أي: لقمةً، فإن شاء ألقمه إياها في فيه (أو أكلتين) يعني: لقمتين، الشك من الراوي. ¬

_ (¬1) رواه عبد اللَّه بن أحمد في زوائد "المسند" 1/ 153، وفي "فضائل الصحابة" 2/ 705 (1207) في حديث طويل. وحسن إسناده الشيخ أحمد شاكر في شرح المسند 2/ 329 (1312). (¬2) ورد بهامش (ح): وهذا كله مستحب غير واجب.

وللبخاري: فإن أبى فليرفع له اللقمة واللقمتين. أي: يطعمه لقمة مشربة من دسم الطعام بأن يغمسها في مرقة ويدفعها إليه، فإنه يشتهي الأكل منه لحضوره إياه، وقد قال اللَّه تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} (¬1). وفي هذا الحديث الحث على مكارم الأخلاق بالمواساة في الطعام، لاسيما من صنعه أو حمله من مكان إليه، وكذا من حمل فاكهة ونحوها. وأما الواجب فنفقة العبد وكسوته بالمعروف بحسب الأبدان والأشخاص، سواء كان من جنس كسوة السيد ونفقته. * * * ¬

_ (¬1) النساء: 8.

51 - باب في المنديل

51 - باب في المِنْدِيلِ 3847 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، عَنْ عَطاءٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِذا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلا يَمْسَحَنَّ يَدَهُ بِالمِنْدِيلِ حَتَّى يَلْعَقَها أَوْ يُلْعِقَها" (¬1). 3848 - حَدَّثَنا النُّفَيْليُّ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ سَعْدٍ، عَنِ ابن كَعْبِ بْنِ مالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كَانَ يَأْكُلُ بِثَلاثِ أَصابِعَ وَلا يَمْسَحُ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَها (¬2). * * * باب في المِنْدِيل [3847] (حدثنا مسدد، حدثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن) عبد الملك (ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إذا أكل أحدكم طعامًا فلا يمسحنَّ) بتشديد نون التوكيد (يده بالمِنديل) بكسر الميم، قال في "المجمل": لعله مأخوذ من الندل، وهو النقل (¬3). أي: نقل الوسخ من يده إلى المنديل. وقال غيره: من الندل، وهو الوسخ؛ لأنه يندل به، أي: يمسح به الوسخ. قال القفال في "محاسن الشريعة": المراد بالمنديل هنا منديل الغمر الذي للزهومة لا منديل المسح بعد غسل اليد. وفيه دليل على مسح اليد بالمنديل والاستغناء به عن غسل اليدين. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5456)، ومسلم (2031). (¬2) رواه مسلم (2032). (¬3) "مجمل اللغة" 1/ 862.

(حتى يَلعقها) (¬1) بفتح الياء، أي: بأصبع نفسه. (أو يُلعقها) (¬2) بضم الياء، معناه: لا يمسح يده بالمنديل حتى يَلعقها بنفسه أو يُلعقها غيره، والمراد بغيره مما لا يتقذر بذلك كزوجة وجارية وولد وخادم ممن يحب ذلك ولا يتقذر به، وكذا من هو في معناه من تلميذ يعتقد بركته ويود التبرك بلعقها، وكذا لو ألعقها شاة ونحوها ممن تحصل (¬3) بركة الطعام فيه. ولا يدعها تذهب في المنديل أو في غسالة اليد. [3848] (حدثنا) عبد اللَّه بن محمد (النفيلي، ثنا أبو معاوية) محمد ابن خازم الضرير (عن هشام بن عروة) بن الزبير (عن عبد الرحمن بن سعد) المدني، مولى قريش، أخرج له مسلم. (عن ابن كعب بن مالك) إنما أبهم تسميته هنا لأنه مشكوك به، ولهذا ذكر مسلم في "صحيحه" الرواية عن عبد الرحمن بن كعب أو عبد اللَّه بن كعب فذكره على الشك (¬4)، فلهذا أبهمه المصنف. (عن أبيه) كعب بن مالك -رضي اللَّه عنه- (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يأكل بثلاث أصابع) قال العبادي: إذا كان الطعام سمجًا استحب الأكل بجميع الأصابع، فإن كان جامدًا استحب بثلاث. قال الشافعي: الأكل بأصبع واحد مقت، وباثنتين كبر، وبالثلاث سنة (¬5). والثلاثة والإبهام مساعد لا عمدة. (ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعقها) كما تقدم. * * * ¬

_ (¬1) في (ل، م): يَلعقهما. (¬2) في (ل): يُلعقهما. (¬3) في (ل، م): تحل. (¬4) مسلم (2032/ 132). (¬5) ذكره الغزالي في "إحياء علوم الدين" 2/ 26.

52 - باب ما يقول الرجل إذا طعم

52 - باب ما يَقُولُ الرَّجُلُ إذا طَعِمَ 3849 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ خالِدِ بْنِ مَعْدانَ، عَنْ أَبي أُمامَةَ قالَ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِذا رُفِعَتِ المائِدَة قالَ: "الحَمْدُ للَّه كَثِيرًا طيِّبًا مُبارَكًا فِيهِ، غَيْرَ مَكْفيٍّ، وَلا مُوَدَّعٍ، وَلا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبُّنا" (¬1). 3850 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ أَبي هاشِمٍ الواسِطيِّ، عَنْ إِسْماعِيلَ بْنِ رَباحٍ، عَنْ أَبِيهِ أَوْ غَيْرِهِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْريِّ أَنَّ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كانَ إِذا فَرَغَ مِنْ طَعامِهِ قالَ: "الحَمْدُ للَّه الذي أَطْعَمَنا وَسَقانا وَجَعَلَنا مُسْلِمِينَ" (¬2). 3851 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ أَخْبَرَني سَعِيدُ بْنُ أَبي أيُّوبَ، عَنْ أَبي عَقِيلٍ القُرَشيِّ، عَنْ أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُليِّ، عَنْ أَبي أيُّوبَ الأَنْصاريِّ قالَ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِذا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ قالَ: "الحَمْدُ للَّه الذي أَطْعَمَ وَسَقَى وَسَوَّغَهُ وَجَعَلَ لَهُ مَخْرَجًا" (¬3). * * * باب ما يقول الرجل إذا طعم [3849] (حدثنا مسدد، حدثنا يحيى) بن سعيد (عن ثَوْر) بن يزيد الكلاعي، أخرج له البخاري في مواضع، سكن الرملة، ومات ببيت ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5458). (¬2) رواه الترمذي (3457)، وابن ماجه (3283)، وأحمد 3/ 32، 98. وضعف إسناده الألباني في "المشكاة" (4204). (¬3) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (6894)، وابن حبان في "صحيحه" 12/ 23 - 24 (5220). وصححه الألباني في "المشكاة" (4207).

المقدس (عن خالد بن معدان) الكلاعي. (عن أبي أمامة) صدي بن عجلان الباهلي، آخر الصحابة موتًا بالشام. (قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا رُفعت المائدة) والمراد برفع المائدة الفراغ من الأكل بدلالة الرواية الأخرى: إذا فرغ من طعامه (¬1). فإن الراوي أعرف بمعنى الحديث. فاعلة بمعنى مفعولة، مشتقة من ماده إذا أعطاه، سمي بذلك لأن المالك مادها للناس، أي: أعطاها لهم. (قال: الحمد للَّه) زاد الترمذي: "حمدًا" (¬2)، ولفظ النسائي: "لك الحمد حمدًا" (¬3). فيه استحباب حمد اللَّه تعالى عقيب الأكل والشرب والنعمة المتجددة والمتكررة كلما تكررت. "حمدًا" زاد (كثيرًا) صفة لـ (حمدًا) كما في الترمذي (¬4) (طيبًا) أي: مصروفًا إلى اللَّه تعالى، وكل ما خلص للَّه تعالى من القول والفعل فقد طاب وتطهر (مباركًا فيه غير) بالنصب وروي بالرفع كما سيأتي (مَكفيّ) يحتمل إعراب (غير مكفي) وجوهًا، أحدها: النصب صفة (حمد) وما بعده معطوف عليه، أي: حمدًا غير مكفي (ولا مودع) أي: لا يترك ولا يستغنى. معطوف على و (ربنا) مفعول أقيم مقام الفاعل. و (مكفي) بفتح الميم وتشديد الياء، هذِه الرواية الصحيحة الفصيحة، وفعله معتل من الكفاية، والضمير راجع إلى (اللَّه)، أي: ¬

_ (¬1) رواها البخاري (5459). (¬2) "سنن الترمذي" (3456). (¬3) "السنن الكبرى" 4/ 201. (¬4) "سنن الترمذي" (3456).

مكفيّ من الطعام ولا مطعم، بل اللَّه تعالى هو الكافي لكل المخلوقين المطعم لهم، فهو يطعِم ولا يطعَم، ويَكفِي ولا يُكفَى، كما قال تعالى: {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ} (¬1) وهو مستغنٍ عن كل أحد، وهو الغني الحميد. قال النووي: ورواه أكثر الرواة بالهمز، وهو فاسد من حيث العربية، سواء كان من الكفاية المعتل أو من كفأت الإناء الهموز، كما لا يقال في مقروء من القراءة مقرأ (¬2) ولا في مرمي بتشديد الياء مرمأ. قال صاحب "مطالع الأنوار" في تفسير هذا الحديث: المراد بهذا المذكور كله الطعام، وإليه يعود الضمير، فالمكفي الإناء المقلوب للاستغناء عنه، كما قال: غير مستغن عنه (¬3) ولا مردود ولا مقلوب. وقيل: الضمير في مكفي راجع إلى الحمد، أي: حمدك غير كافٍ، بمعنى أنه لا يكتفى به، بل يحمده مرة بعد أخرى إلى ما لا نهاية له. وفي رواية للبخاري: "الحمد للَّه الذي كفانا وأروانا غير مكفي ولا مكفور" (¬4)، ومعنى مكفور، أي (¬5): غير مجحودة نعم اللَّه تعالى فيه، بل مشكورة (ولا مودَّع) بفتح الدال المشددة، أي: غير متروك، الطاعة له (¬6) ¬

_ (¬1) الأنعام: 14. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) "مطالع الأنوار" 3/ 379. (¬4) "صحيح البخاري" (5459). (¬5) ساقطة من (م). (¬6) في (ل)، (م): لك.

والطالب منه والرغبة إليه، وقيل: هو من الوداع، وروي: "غير مودِّع" بكسر الدال، أي: غير تارك طاعتك. وروي: "غير مؤدي" بالياء بدل العين، أي: لا مؤدي شكر اللَّه عليه، ومنه قوله تعالى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3)} (¬1) أي: ما تركك ربك وما قلاك، وهو بمعنى المستغنى عنه، وينتصب (ربنا) في قوله (ولا مستغنى عنه ربنا) على هذا بالاختصاص والمدح أو بالنداء كأنه قال: يا ربنا اسمع حمدنا ودعاءنا، ويجوز جر لفظة (ربنا) على البدل من الاسم، في قوله: (الحمد للَّه). قال السفاقسي: بدل من الضمير في (عنه) ومن رفع (ربنا) فعلى المبتدأ المؤخر و (غير) خبر مقدم، أي: ربنا غير مكفي ولا مكفور. [3850] (حدثنا محمد (¬2) بن العلاء) بن كريب الكوفي أحد المكثرين (حدثنا وكيع، عن سفيان) بن سعيد الثوري. (عن أبي هاشم) (¬3) يحيى بن دينار، وقيل: ابن نافع (الواسطي) الرماني، سمي بذلك؛ لأنه كان ينزل قصر الرمان بواسط. (عن إسماعيل بن رَبَاح) (¬4) بفتح الراء والباء الموحدة، ابن عبيدة ¬

_ (¬1) الضحى: 3. (¬2) فوقها في (ل، ح): (ع). (¬3) فوقها في (ل، ح): (ع). (¬4) كذا في الأصول بالباء. والذي في مصادر الترجمة بالباء المثناة تحت (رياح). وانظر: "الإكمال" لابن ماكولا 4/ 14, "تهذيب الكمال" 9/ 258، "تصحيفات المحدثين" 2/ 630.

السلمي، ثقة (عن أبيه) رباح (¬1) بن عبيدة السلمي الكوفي، ثقة. (أو) عن (غيره، عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا فرغ من طعامه) لفظ رواية الترمذي: كان إذا أكل أو شرب (¬2). (قال: الحمد للَّه الذي أطعمنا وسقانا) وروى النسائي واللفظ له والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم عن أبي هريرة: "الحمد للَّه الذي أطعم من الطعام، وسقى من الشراب، وكسا من العري، وهدى من الضلالة، وبصر من العمى، وفضل على كثير ممن خلق تفضيلًا" (¬3). (و) هدانا للإسلام و (جعلنا مسلمين) فمن أعظم نعم اللَّه على العبد أن جعله مسلمًا يدخل به الجنة ويخلد فيها بالنعيم، اللهم فكما أنعمت به علينا أمتنا عليه. [3851] (حدثنا أحمد بن صالح، ثنا) عبد اللَّه (ابن وهب) ثقة (أخبرني سعيد (¬4) بن أبي أيوب) مقلاص الخزاعي. (عن أبي عَقيل) بفتح العين، اسمه زهرة (¬5) -بضم الزاي- ابن مَعبد -بفتح الميم- ابن عبد اللَّه (القرشي) أخرج له البخاري في الشركة (¬6) ¬

_ (¬1) كذا في الأصول بالباء. والذي في مصادر الترجمة بالياء المثناة تحت (رياح). وانظر السابق. (¬2) "سنن الترمذي" (3457). (¬3) "السنن الكبرى" 6/ 82، "المستدرك" 1/ 545. وصححه أيضًا ابن حبان 12/ 22 - 23 (5219). (¬4) فوقها في (ل)، (ح): (ع). (¬5) فوقها في (ح): (ح). (¬6) البخاري (2501 - 2502).

ومناقب عمر (¬1) والدعوات (¬2). (عن أبي عبد الرحمن) عبد اللَّه بن يزيد (الحُبُلي) بضم الحاء المهملة والباء الموحدة، من بني الحبلى، بطن من المعافر من اليمن (عن أبي أيوب) خالد بن زيد (الأنصاري) بدري (¬3)، توفي بباب (¬4) قسطنطينية. (قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا أكل وشرب) بواو الجمع (قال: الحمد للَّه الذي أطعم) من الطعام (وسقى) من الشراب (وسوغه) أي: أدخله في الحلق سهلًا (وجعل له مخرجًا) يشمل القبل والدبر، أي: مكان التخلص بخروج الأذى منه، فكأنه حمد اللَّه على أن جعل له مدخلًا يدخل منه، ومخرجًا يخرج منه، وسهله في دخوله وخروجه. * * * ¬

_ (¬1) البخاري (3694). (¬2) البخاري (6264) كتاب الاستئذان. و (6632) كتاب الأيمان والنذور. و (7210) كتاب الأحكام. (¬3) ساقطة من (ل)، (م). (¬4) في جميع النسخ: برا.

53 - باب في غسل اليد من الطعام

53 - باب في غَسْلِ اليَدِ من الطَّعامِ 3852 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا سُهَيْلُ بْن أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ نامَ وَفي يَدِهِ غَمَرٌ وَلَمْ يَغْسِلْهُ فَأَصابَهُ شَيء فَلا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ" (¬1). * * * باب في غسل اليد من الطعام [3852] (حدثنا أحمد بن) عبد اللَّه (بن يونس، ثنا زهير) بن معاوية. (ثنا سهيل (¬2) بن أبي صالح، [عن أبيه) أبي صالح] (¬3) ذكوان السمان (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من نام) مبينة لرواية الترمذي: "من بات" (¬4). (وفي يده غَمَر) بفتح الغين المعجمة والميم معًا ثم راء، هو ريح دسم اللحم وزهومته كالوضر من السمن، كما في الحديث؛ فجعل يأكل ويتتبع باللقمة وضر الصحفة (¬5). أي: دسمها وأثر الطعام فيها، وللبزار والطبراني: وفي يده ريح غمر (¬6). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1860)، وابن ماجه (3297)، وأحمد 2/ 263، 537. صححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (2166). (¬2) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) "سنن الترمذي" (1859، 1860). (¬5) رواه مالك في "الموطأ" 2/ 932، والبيهقي في "الشعب" 5/ 36 (5682). (¬6) "المعجم الكبير" 6/ 35 (5435) من حديث أبي سعيد الخدري، "المعجم =

يقال: غمرت يدي من اللحم بكسر الميم فهي غمرة. (ولم يغسله) وإطلاقه يقتضي حصول السنة بالاقتصار على الماء، والأولى غسل اليد منه بالأشنان أو الصابون وما في معناهما. وكيفيته أن يجعل الأشنان على كفه اليسرى ويغسل الأصابع الثلاث من اليد اليمنى أولًا، ويضرب أصابعه على الأشنان اليابس، فيمسح به شفتيه، ثم ينعم غسل الفم بأصبعه، ويدلك ظاهر أسنانه وباطنها والحنك واللسان، ثم يغسل أصابعه من ذلك بالماء، ثم يدلك ببقية الأشنان اليابس أصابعه ظهرًا وبطنًا، ويستغني بذلك عن إعادة الأشنان إلى الفم وإعادة غسله. والأشنان وإن كان بدعة فهو بدعة حسنة. (فأصابه شيء) يوضحه رواية الطبراني: "من بات وفي يده ريح غمر، فأصابه وَضَح" (¬1). (فلا يلومن إلا نفسه) والوَضَح بفتح الواو والضاد المعجمة جميعًا بعدهما حاء مهملة، والمراد به هنا البرص. وسبب هذا البرص لحس الشيطان الإناء الذي فيه ريح غمر اللحم، فإنه كما روى الترمذي عن أنس -رضي اللَّه عنه-: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن الشيطان حساس لحاس، فاحذروه على أنفسكم، من بات وفي يده ريح غمر، فأصابه شيء فلا ¬

_ = الأوسط" 5/ 324 (5441)، "المعجم الصغير" 2/ 80 (816) من حديث عائشة. وهو بهذا اللفظ أيضًا من حديث أبي هريرة عند الترمذي (1859)، (1860)، وابن ماجه (3297) وغيرهما. والذي في "البحر الزخار" 14/ 217 (7779)، 15/ 368 (8957)، 16/ 136 (9227) من حديث أبي هريرة: (من بات وفي يده غمر). (¬1) "المعجم الكبير" 6/ 35 (5435) من حديث أبي سعيد الخدري.

يلومن إلا نفسه" (¬1). فقد بين في هذا الحديث العلة في غسل اليد قبل ذكر الحكم ليكون أبلغ في العمل به، وقد جاء في الحديث تخصيص غسل اليد بأكل اللحم من حديث ابن عمر أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من أكل من هذِه اللحوم شيئًا فليغسل يده من ريح وضره" رواه أبو يعلى بإسناد ضعيف (¬2). وإذا قلنا بتخصيص الغسل باللحم خرج من ذلك التمر والزبد والعسل والزيت ونحو ذلك، فإنه لا يتأكد فيه الغسل تأكده في اللحم، واللَّه أعلم. * * * ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (1859) من حديث أبي هريرة. وصححه الحاكم في "المستدرك" 4/ 119، والحديث أورده الألباني في "الضعيفة" (5533) وقال: موضوع. (¬2) "مسند أبي يعلى" 9/ 417 (5567). قال الهيثمي في "المجمع" 5/ 30: فيه الوازع ابن نافع وهو متروك. وضعف إسناده أيضًا الحافظ العراقي في "المغني" 1/ 658 (2447)، والبوصيري في "الإتحاف" 4/ 305 (3623). وقال الألباني في "الضعيفة" (4561): ضعيف جدًا.

54 - باب ما جاء في الدعاء لرب الطعام إذا أكل عنده

54 - باب ما جاءَ في الدُّعاءِ لِرَبِّ الطَّعامِ إذا أُكِلَ عِنْدَهُ 3853 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن بَشّارٍ، حَدَّثَنا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ يَزِيدَ أَبي خالِدِ الدّالانيِّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: صَنَعَ أَبُو الهَيْثَمِ بْن التَّيْهانِ لِلنَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- طَعامًا فَدَعا النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَأَصْحَابَهُ فَلَمَّا فَرَغُوا قالَ: "أَثِيبُوا أَخاكُمْ". قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ وَما إِثابَتُهُ قالَ: "إِنَّ الرَّجُلَ إِذا دُخِلَ بَيْتُهُ فَأُكِلَ طَعامُهُ وَشُرِبَ شَرابُهُ فَدَعَوْا لَهُ فَذَلِكَ إِثابَتُهُ" (¬1). 3854 - حَدَّثَنا مَخْلَدُ بْن خالِدٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنْ ثابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- جاءَ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبادَةَ فَجاءَ بِخُبْزٍ وَزَيْتٍ فَأَكَلَ ثمَّ قالَ النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصّائِمُونَ وَأَكَلَ طَعامَكُمُ الأَبْرارُ وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ المَلائِكَةُ" (¬2). * * * باب ما جاء في الدعاء لرب الطعام [3853] (حدثنا محمد بن بشار، ثنا أبو أحمد) (¬3) محمد بن عبد اللَّه الزبيري (حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن يزيد أبي خالد) بن عبد الرحمن بن سلامة، وثقه غير واحد، شهرته (الدالاني) بفتح الدال المهملة وسكون الألفين بينهما لام مفتوحة في آخرها نون، نسبة إلى ¬

_ (¬1) رواه البيهقي في "شعب الإيمان" 4/ 146 (4605). ضعفه الألباني في "الإرواء" (1990). (¬2) رواه عبد الرزاق 4/ 311 (7907)، وأحمد 3/ 138. صححه الألباني في "المشكاة" (4249). (¬3) فوقها في (ح)، (ل): (ع).

دالان بن سابقة بن رافع، بطن من همدان، كان ينزل في بني دالان [فنسب إليهم وليس منهم، كذا قال السمعاني (¬1). قال ابن دريد: دالان] (¬2) ضرب من مشي الفرس (¬3). (عن رجل، عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما قال: صنع أبو الهيثم) أسمه مالك (بن التيهان)، بفتح المثناة فوق وكسر المثناة التحتانية المشددة، بعدها هاء، وألف ونودن، أنصاري بدري عقبي (للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- طعامًا، فدعا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه) فيه استحباب طبخ الطعام لأهل العلم والصلاح المقيمين والقادمين، وفيه فضيلة دعائهم إلى دار صاحب الطعام تبركًا بحضورهم في بيته ودعائهم له عقب الطعام، وليتبرك أهل المنزل بالأكل مما يفضل منهم، وأنه إذا دعا العالم والصالح يدعو جماعته معه. (فلما فرغوا) من أكل الطعام وشرب الماء (قال) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لأصحابه الآكلين معه (أثيبوا أخاكم) أي: أعطوه ثوابه وجازوه على صنيعه فيما صنع لكم من الطعام. يقال: أثابه يثيبه إثابة. والاسم الثواب، ويكون في الخير والشر، إلا أنه بالخير أخص وأكثر استعمالًا (قالوا: يا رسول اللَّه، وما إثابته) فيه السؤال عما لا يتضح معناه. (قال: إن الرجل إذا دخل) بضم أوله، وهو الدال وكسر ثانيه (بيته) بالرفع نائب عن الفاعل، وكذا ما بعده (فأكل) بضم الهمزة وكسر الكاف ¬

_ (¬1) "الأنساب" 5/ 297 - 298. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) "الاشتقاق" (ص 426).

(طعامه وشرب شرابه) فيه: تقديم الطعام على الشراب، كقوله تعالى {كُلُوا وَاشْرَبُوا} (¬1). (فدعوا له) عقب أكلهم وشربهم، يعني: وإن لم يسأل الدعاء صاحب الطعام. وفيه: أن الكبير إذا دعي إلى وليمة وأصحابه معه فأكلوا وشربوا ينبغي له أن يذكرهم ويأمرهم بالدعاء لصاحب الطعام (فذلك إثابته) لعل هذا محمول على من عجز عن إثابته بشيء من المأكول أو غيره؛ لما رواه المصنف والحاكم وابن حبان في صحيحيهما عن ابن عمر: "من آتى إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا أنكم كافأتموه" (¬2) فجعل الدعاء عند العجز عن المكافأة، ولعل (¬3) هذا في غير الضيافة، ويدل على معنى حديث الباب ما رواه النسائي عن أنس قال: قالت المهاجرون: يا رسول اللَّه، ذهب الأنصار بالأجر كله، ما رأينا أحسن بذلًا لكثير ولا أحسن مواساة في قليل منهم، ولقد كفونا المؤنة. قال: "أليس تثنون عليهم به، وتدعون اللَّه لهم؟ " قالوا: بلى. قال: "فذاك بذاك" (¬4). ¬

_ (¬1) البقرة: 60. (¬2) سلف برقم (1672)، وسيأتي برقم (5109). "المستدرك" 2/ 63 - 64، "صحيح ابن حبان" 8/ 199 (3408). ورواه أيضًا النسائي 5/ 82، وأحمد 2/ 68، 99. وصحح إسناده الحافظ العراقي في "المغني" 1/ 170 (686)، والشيخ أحمد شاكر في "شرح المسند" 7/ 195 (5365)، 8/ 89 (5743). وصححه الألباني في "الإرواء" (1617)، وفي "الصحيحة" (254). (¬3) في (ل)، (م): ويحل. (¬4) "السنن الكبرى" 6/ 53. ورواه أيضًا البزار في "البحر الزخار" 13/ 349 (6978)، =

وقد جاء في حديث أنس أيضًا تخصيص الدعاء بأن يكون بعد الصلاة، وهو أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- زار أهل بيت من الأنصار فطعم عندهم طعامًا، فلما أراد أن يخرج أمر بمكان من البيت، فنضح له على بساط، فصلى عليه ودعا لهم (¬1). قال البغوي في "شرح السنة": حديث صحيح (¬2). [3854] (حدثنا مخلد بن خالد) الشعيري، شيخ مسلم (حدثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن ثابت) البناني (عن أنس) بن مالك -رضي اللَّه عنه-. (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جاء إلى سعد بن عبادة) بن دليم، سيد الخزرج، نقيب بني ساعدة، شهد بدرًا. وكذا رواه ابن حبان في "صحيحه" عند (¬3) سعد ابن عبادة (¬4). ولفظ ابن ماجه: عن عبد اللَّه بن الزبير: أفطر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عند سعد بن معاذ فقال: "أفطر عندكم الصائمون". . الحديث (¬5). (فجاء بخبز وزيت) الظاهر أنه من أدم البيت، وهذا هو الأولى أن يقدم للزائر ما حضر من أدم البيت، ولا يذهب إلى السوق ليشتري شيئًا ¬

_ = وصححه الضياء في "المختارة" 5/ 47 - 48 (1662)، والألباني في "صحيح الترغيب" (977). (¬1) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (347)، والبغوي في "شرح السنة" 11/ 342 (3005). (¬2) "شرح السنة" 11/ 342. وصححه ابن حبان أيضًا 6/ 84 (2309)، والألباني في "صحيح الترغيب" (347). (¬3) في (ل، م، ح): وعنده، والمثبت هو الموافق للسياق. (¬4) "صحيح ابن حبان" 12/ 107 (5296) عن عبد اللَّه بن الزبير. وفيه: (عند سعد، فقال). (¬5) "سنن ابن ماجه" (1747).

فيطول انتظار الزائر (¬1)، ويشق عليه تكلفه وذهابه إلى السوق أو أحد من جهته. (فأكل) منه (ثم قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) بعد فراغه من الأكل وإن لم يسأله صاحب الطعام الدعاء، بل دعا له، لما ذكر في الحديث قبله: "أثيبوا أخاكم" (أفطر عندكم) فيه: أن من حضر عند صاحب الطعام لا يفطر من الصيام إلا من طعامه أو شرابه، ولقد كان بعضهم إذا دعاه أحد ليفطر عنده يحترص ألا يفطر إلا على طعامه وإن دخل عليه وقت الإفطار قبل أن يأتي إليه وتيسر له أكل شيء فلا يفطر إلا عند من دعاه؛ ليحوز صاحب الطعام أجر من فطر صائمًا فله مثل أجره. (الصائمون) يدل على أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان صائمًا فأفطر عنده، وقد صرح بذلك ابن ماجه فيما تقدم: أفطر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عند سعد (¬2). وفيه أن المزور لا يتكلف لزائره، وإن كان كبيرًا، فهذا سيد الخزرج زاره سيد الأولين والآخرين، فأحضر له الخبز والزيت، ولو أحضر هذا لأحاد الناس في هذا الزمان لاحتقره الزائر والمزور. وفيه أن إظهار الصيام لفائدة ليس هو من الرياء، بل ليدخل على قلبه السرور بأنه يكتب له مثل أجر صيام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. (وأكل طعامكم الأبرار) جمع بار، وهو الطائع التقي. وفي الحديث إشارة وتنبيه لصاحب الطعام أن لا يتقصد بدعوته إلا الأبرار الأتقياء دون العصاة والفساق؛ لما روى المصنف والترمذي: "لا تصحب إلا مؤمنًا، ¬

_ (¬1) ساقطة من (م)، (ل). (¬2) "سنن ابن ماجه" (1747).

ولا يأكل طعامك إلا تقي" (¬1). (وصلت عليكم الملائكة) يحتمل أن يكونوا الحفظة، ويحتمل غيرهم، والظاهر العموم، فإذا قالها [الحفظة، قالها] (¬2) من فوقهم، ثم من فوقهم. آخر كتاب الأطعمة * * * ¬

_ (¬1) يأتي برقم (4832)، "سنن الترمذي" (2395) من حديث أبي سعيد الخدري. ورواه أيضًا أحمد 3/ 38، والدارمي 2/ 1307 (2101)، والبغوي في "شرح السنة" 13/ 68 - 69 (3484) وحسنه. وصححه ابن حبان 2/ 314 - 315. (554 - 555)، 2/ 320 (560)، والحاكم في "المستدرك" 4/ 128. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

كتاب الطب

كتاب الطب

1 - باب في الرجل يتداوى

29 - الطب 1 - باب في الرَّجُلِ يَتَداوى 3855 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْن عُمَرَ النَّمَري، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ زِيادِ بْنِ عِلاقَةَ، عَنْ أُسامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قالَ: أَتَيْتُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وَأَصْحابُهُ كَأَنَّما عَلَى رُؤوسِهِمُ الطَّيْرُ فَسَلَّمْتُ ثُمَّ قَعَدْتُ، فَجاءَ الأَعْرابُ مِنْ ها هُنا وَها هُنا فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَداوى؟ فَقالَ: "تَداوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- لَمْ يَضَعْ داءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَواءً غَيْرَ داءٍ واحِدٍ الهَرَمُ" (¬1). * * * بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وبه نستعين أول كتاب الطب ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2038)، وابن ماجه (3436)، وأحمد 4/ 278. وصححه الألباني.

باب الرجل يتداوى [3855] (حدثنا حفص بن عمر) الحوضي (النمري) بفتح النون والميم، صدوق، يحفظ عامة حديثه (حدثنا شعبة، عن زياد بن علاقة) الثعلبي (عن أسامة بن شريك) الثعلبي، من ثعلبة بن يربوع، وقيل: من ثعلبة بن سعد، وصححه الذهبي. (قال: أتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه) بالرفع مبتدأ، والواو الداخلة عليه واو الحال (كأنما على رؤوسهم الطيرُ) بالرفع مبتدأ مؤخر، و (على رؤوسهم) في موضع رفع خبر مقدم، والجملة الاسمية في موضع رفع. قال في "النهاية": وصف الصحابة بالسكون والوقار خصوصًا في حضرة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وصفهم بأنهم لم يكن فيهم طيش ولا خفة حركة؛ لأن الطائر لا يكاد يقع إلا على شيء ساكن (¬1). [(فسلمت) عليهم، فردوا علي السلام] (¬2) (ثم قعدت فجاء الأعراب) يسألونه (من هاهنا وهاهنا) أي: من عن يمينه ويساره، وهذا يدل على أن الصحابة كانوا جالسين تجاه وجهه (فقالوا: يا رسول اللَّه، هل نتداوى؟ ) (¬3) ولابن ماجه زيادة، ولفظه: عن أسامة بن شريك قال: شهدت الأعراب يسألون رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أعلينا حرج في كذا؟ ، أعلينا حرج في كذا؟ ، فقال لهم: "عباد اللَّه، وضع الحرج، إلا من اقترض ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/ 150. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (ح). (¬3) في هامش (ح) وصلب (ل)، (م): نسخة. أنتداوى.

من عرض أخيه شيئًا فذلك الذي حرج". قالوا: يا رسول اللَّه، هل علينا جناح أن نتداوى (¬1)؟ ولفظ رواية أحمد والترمذي: (فقال) "نعم، يا عباد اللَّه" (تداووا) (¬2) فيه الأمر بالتداوي، وأنه لا ينافي التوكل، كما لا ينافيه دفع داء الجوع والعطش والحر والبرد الشديدين بأضدادها، بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها اللَّه مقتضيات لمسبباتها قدرًا وشرعًا، وأَنَّ تعطيلها يقدح في نفس التوكل، كما يقدح في الأمر. وفيه رد على من أنكر التداوي، وقال: إن كان الشفاء قد قدر، فالتداوي لا يفيد، وإن لم يكن قدرًا فكذلك. وأيضًا فإن المرض حصل بقدرة اللَّه تعالى، وقدر (¬3) اللَّه لا يدفع ولا يرد. وهذا السؤال هو الذي أورده الأعراب على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأما أفاضل الصحابة فأعلم باللَّه وحكمته من أن يوردوا مثل هذا، وقد أجابهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بما شفى وكفى، فقال: هذِه الأدوية من قدر اللَّه، فما خرج شيء عن قدره. (فإن اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- لم يضع)؛ لم يخلق (داء) أي: لم يصب أحدًا بداء (إلا وضع) أي: قدر (له دواء) أي: دواءً شافيًا. لفظ البخاري: "ما أنزل اللَّه داءً إلا أنزل له شفاءً" (¬4) فيه حذف ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (3436). (¬2) "سنن الترمذي" (2038) وأحمد 4/ 278. (¬3) في (م)، (ل): وقدرة. (¬4) "صحيح البخاري" (5678) من حديث أبي هريرة.

الموصوف؛ أي: دواءً شافيًا. والمراد بإنزاله؛ إنزال الملائكة الموكلين بمباشرة مخلوقات اللَّه تعالى بالداء والدواء. فإن قيل: نحن نجد كثيرًا من المرضى يتداوون ولا يبرؤودن. قلت: إنما جاء ذلك من جهة الجهل بحقيقة المداواة وعدم تشخيص الداء لا لفقد الدواء. (غير) بالنصب على الاستثناء؛ لأنه من موجب (داءٍ واحد الهرم) بالجر بدل مما قبله، وبالرفع خبر مبتدأ محذوف، أي: وهو الهرم، وهو الكبر، وقد هرم يهرم فهو هرم. زاد ابن ماجه: ما خير ما أعطي العبد؟ قال: "خلق حسن" (¬1) وجعل الهرم داءً تشبيهًا به؛ لأن الموت يتعقبه، فهو كالأدواء التي يتعقبها الموت، ومنه الحديث: "ترك العشاء مهرمة" (¬2) رواه ابن ماجه من حديث جابر (¬3)، وقيل: الداء تغير يسير يعتري البدن مدة عن حال القوة والاعتدال، والهرم تغيير كثير يعتري البدن، ويستمر إلى الموت، فسمي به مجازًا. وقيل: إنه استثناء منقطع في الهرم، وهو كثير في الكتاب والسنة. * * * ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (3436). (¬2) رواه بهذا اللفظ الترمذي من حديث أنس (1856) وقال: هذا حديث منكر لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وعنبسة يضعف في الحديث، وعبد الملك بن علاق مجهول. ضعفه الألباني في "الضعيفة" (116)، قال: ضعيف جدًّا. (¬3) "سنن ابن ماجه" (3355) بلفظ: "لا تدعوا العشاء ولو بكف من تمر، فإن تركه يُهرِم".

2 - باب في الحمية

2 - باب في الحِمْيَةِ 3856 - حَدَّثَنا هارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنا أَبُو داوُدَ وَأَبُو عامِرٍ -وهذا لَفْظُ أَبي عامِرٍ- عَنْ فلَيْحِ بْنِ سُلَيْمانَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَعْصَعَةَ الأَنْصاري، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ أَبي يَعْقُوبَ، عَنْ أُمِّ المُنْذِرِ بِنْتِ قَيْسٍ الأنصارِيَّةِ قالَتْ: دَخَلَ عَلي رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَمَعَهُ عَلي -عليه السلام- وَعَلي ناقِةٌ وَلَنا دَوالي مُعَلَّقَةٌ فَقامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَأْكُلُ مِنْها وَقامَ عَلي لِيَأْكُلَ فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يقُولُ لِعَليٍّ: "مَهْ إِنَّكَ ناقِهٌ". حَتَّى كَفَّ عَلي -رضي اللَّه عنه-. قالَتْ: وَصَنَعْتُ شَعِيرًا وَسِلْقًا فَجِئْتُ بِهِ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا عَلي أَصِبْ مِنْ هذا فَهُوَ أَنْفَعُ لَكَ". قالَ أَبُو داوُدَ: قالَ هارُونُ: العَدَوِيَّةِ (¬1). * * * باب في الحمية عن المؤذيات وقد ذكرها اللَّه تعالى في آية الوضوء، فقال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}. فأباح للمريض العدول عن الماء إلى التراب حمية له أن يصيب جسده ما يؤذيه، وهذا تنبيه عن كل مؤذٍ له من داخلٍ أو خارجٍ، فقد أرشد سبحانه عباده إلى الحمية التي أصل لكل (¬2) دواء وأدفع لكل داء وأنفع قواعد الطب، مصداقًا لقوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (¬3). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2037)، وابن ماجه (3442)، وأحمد 6/ 363. وصححه الألباني في "الصحيحة" (59). (¬2) من (م) وساقطة من (ح) وفي (ل): لعله: لكل. (¬3) الأنعام: 38.

[3856] (حدثنا هارون بن عبد اللَّه) البغدادي البزاز، شيخ مسلم. (حدثنا أبو داود) سليمان بن داود الطيالسي (وأبو عامر) عبد الملك بن عمرو العقدي. (وهذا لفظ أبي عامر) العقدي (عن فليح بن سليمان، عن أيوب بن عبد الرحمن بن صعصعة الأنصاري، عن يعقوب بن أبي يعقوب) المدني، ثقة (عن أم المنذر بنت قيس الأنصارية) المدنية، اسمها [سلمى] (¬1)، صلت مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- القبلتين وقيل: إنها أخت سليط بن قيس بن عمرو الخزرجي. (قالت: دخل عليَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ومعه علي) بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- (وعلي) -رضي اللَّه عنه- (ناقه) بالنون والقاف، يقال: نقه ينقه نقها، مثال بعث بعثا، ونقه نقوهًا مثل كلح كلوحًا. إذا برأ وأفاق من مرضه، وكان قريب العهد بالمرض لم يرجع إليه كمال صحته وقوته، والناقه على هذا هو الذي خلص من مرضه ولم يحصل له بعد صحة تامة، وبهذا ثبتت الحالة الوسطى الثالثة التي هي لا صحة ولا مرض التي أثبتها جالينوس وأنكرها غيره. (ولنا دوالي) بفتح الدال والواو المخففة، جمع دالية، قال الهروي: هذا هو القياس، ولم أسمع به (¬2). والدالية؛ العذق من البسر يعلق، فإذا أرطب أكل، والواو في الجمع منقلبة عن الألف، كذا قال في "النهاية" (¬3) في هذا الحديث تبعًا للهروي، ¬

_ (¬1) ليست في جميع النسخ، والمثبت من مصادر ترجمتها. (¬2) "الغريبين" 2/ 650. (¬3) 2/ 141.

لكن قال المنذري فيه: والعنب وأكثر الفواكه ينبغي أن يحمى عنه (¬1) الناقه؛ لقلة غذائها وكثرة فضلاتها، وهذا يدل على أن الدوالي من العنب، كما هو عرف البلاد الشامية أن لا تطلق الدالية إلا على العنب، لكن مما يبعد هذا ويرجح الأول أن العنب عندهم وأشجاره لا تكاد توجد، وليس عندهم إلا البسر والرطب على النخل، وكلا العنب والرطب من الفواكه التي تكثر الأمراض من كثرتها، لا سيما للناقه الذي لم ينصل من مرضه، وعلى كل حال ففي الحديث دليل على أن الناقه يحتمي، وإذا احتمى الناقه الذي لم يرجع إليه كمال صحته، فالمريض يحتاج إلى الحمية من باب الأولى، كما بوب عليه المصنف. (معلقة) في البيت أو على أصولها. (فقام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأكل منها) قد يؤخذ منه الدليل على جواز الأكل من بيت الصديق بغير إذنه إذا علم أو غلب على ظنه رضاه بذلك، وكذا يؤخذ منه جواز الأكل قائمًا من فاكهة على أصولها أو معلقةً في البيت. (وقام علي -رضي اللَّه عنه- ليأكل) من الدوالي (فطفق) أي: شرع وأخذ (رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول لعلي -رضي اللَّه عنه-: مهْ) بسكون الهاء؛ اسم فعل بمعنى اكفف عن الأكل منه (حتى كفَّ عليٌّ -رضي اللَّه عنه-) عن الأكل. فيه دليل على حمية الناقه من أكل ما يخاف عليه الضرر منه كما تقدم، والحمية إنما هي من الكثير الذي يؤثر أكله في البدن ويثقل المعدة، أما الحبة والحبتان فلا حمية لها. ¬

_ (¬1) في (م): عنها.

(قالت) أم المنذر (وصنعت) لفظ ابن ماجه: فصنعت للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1). (شعيرًا) الأفصح فيه فتح الشين، وكسرها لغة، أجوده النقي البياض، وهو بارد، ينفع أصحاب الأمزجة الحارة، ويختار منه الرقيق القشر، الحديث اللب، الحديث. (وسِلْقًا) بكسر السين وسكون اللام، هي البقلة المعروفة، وأجوده العذب الطعم، وهو حارٌّ رطب، وبرطوبته يسهل القولنج، ويفتح السدد، ويحلل غلظ الطحال. (فجئت به) الى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. فيه حمل صاحبُ الطعامِ الطعامَ بنفسه إلى الأكابر والعلماء دون أحد من جهته. (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: يا علي أصب من هذا فهو أنفع لك) لفظ الترمذي: "فإنه أوفق لك" (¬2). فيه أن طبيخ الشعير والسلق نافع للناقه؛ لأنه يزيد في جوهر الأعضاء، وهو سريع النفوذ والإصابة بفعل الطبيعة، بطيء الاستحالة إلى الفساد لا سيما إن كان الشعير مقشورًا أو سويقًا، فإنه موافق لرد ما نقص من جسد المريض، مخضب لبدنه، مبرد لما حصل له من الحرارة. وفي الحديث دليل على فضل علم الطبيب، وأن الطبيب يقبل قوله ويرجع إليه في ترك المضر واستعمال النافع. * * * ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (3442). (¬2) "سنن الترمذي" (2037).

3 - باب في الحجامة

3 - باب في الحِجامَةِ 3857 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِنْ كانَ في شَيء مِمّا تَداوَيْتُمْ بِهِ خَيْرٌ فالحِجامَةُ" (¬1). 3858 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الوَزِيرِ الدِّمَشْقي، حَدَّثَنا يَحْيَى -يَعْني: ابن حَسّانَ- حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي المَوالي، حَدَّثَنا فائِدٌ مَوْلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَلي بْنِ أَبي رافِعٍ، عَنْ مَوْلاهُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَلي بْنِ أَبي رافِعٍ، عَنْ جَدَّتِهِ سَلْمَى خادِمِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَتْ: ما كانَ أَحَدٌ يَشْتَكي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَجَعًا في رَأْسِهِ إِلا قال: "احْتَجِمْ". وَلا وَجَعًا في رِجْلَيهِ إِلَّا قالَ: "اخْضِبْهُما" (¬2). * * * باب في الحجامة [3857] (حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد) بن سلمة (عن محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص الليثي المدني، أخرج له مسلم (¬3). (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إن كان في شيء مما تداويتم) لفظ ابن ماجه: "مما تداوون" (¬4) (به ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (3476)، وأحمد 2/ 342. وصححه الألباني في "الصحيحة" (760). (¬2) رواه الترمذي (2054)، وابن ماجه (3502)، وأحمد 6/ 462. وصححه الألباني في "الصحيحة" (2059). (¬3) قلت: أخرج له البخاري أيضا مقرونًا بغيره، ولم يخرج له مسلم سوى في المتابعات. انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 212. (¬4) "سنن ابن ماجه" (3476).

خير فالحجامة) وفي الصحيحين: عن جابر، سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إن كان في شيء من أدوبتكم خير ففي شرطة محجم أو شربة عسل أو لذعةٍ بنار توافق الداء، وما أحب أن أكتوي" (¬1). قال السفاقسي: لعل هذا كان قبل أن يعلم أن لكل داء شفاء. [3858] (حدثنا محمد (¬2) بن الوزير) بن الحكم السلمي (الدمشقي) وثقه أبو حاتم (¬3) والدارقطني (¬4) (حدثنا يحيى بن حسان) التنيسي، أخرج له الشيخان. (حدثنا عبد الرحمن بن أبي الموالي) وقال قتيبة: هو ابن زيد بن أبي الموالي، مولى علي بن أبي طالب، الهاشمي، المدني. أخرج له البخاري حديث الاستخارة وغير موضع (¬5). (حدثنا فائد مولى عبيد اللَّه ابن علي بن أبي رافع) وثقه يحيى بن معين (¬6). (عن مولاه) بضم هاء الضمير (عبيد اللَّه بن علي بن أبي رافع) قال أبو حاتم: لا يحتج به (¬7)، ¬

_ (¬1) البخاري (5683، 5702، 5704)، مسلم (2205). (¬2) فوقها في (ح)، (ل): (د). (¬3) "الجرح والتعديل" 8/ 115 (509)، "تهذيب الكمال" 26/ 583 (5670). (¬4) "سؤالات البرقاني" (ص 176) (672)، (ص 225) (823)، "تهذيب الكمال" 26/ 583 (5670). (¬5) انظر: "رجال صحيح البخاري" 1/ 461 (692)، "التعديل والتجريح" 2/ 833 (924). (¬6) انظر: "تاريخ ابن معين" رواية الدوري (705)، (1136)، "الجرح والتعديل" 7/ 84 (476)، "تهذيب الكمال" 23/ 143 (4706). (¬7) انظر: "الجرح والتعديل" 5/ 328 (1549)، و"تهذيب الكمال" 19/ 121 (3666)، "الكاشف" (3574).

ووثقه غيره (¬1). (عن جدته سَلْمَى خادم) يطلق على الغلام والجارية، والخادمة بالهاء في المؤنث قليل (رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) مولاة صفية بنت عبد المطلب، امرأة أبي رافع مولى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأم بنيه، وهي التي قبلت إبراهيم ابن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكانت قابلة بني فاطمة، وهي التي غسلت فاطمة مع زوجها، ومع أسماء بنت عميس، وشهدت سلمى هذِه خيبر مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2) (قالت: ما كان أحد يشتكي إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وجعًا في رأسه) ولفظ الترمذي: ما كان يكون برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قرحة ولا نكبة (¬3). ولابن ماجه: ما كان يصيب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قرحة ولا شوكة (¬4). والقرح والقرحة: الجرح، والنكبة: ما يصيب الإنسان من الحوادث من ضربة حجر ونحوها (إلا قال: احتجم) وروى الطبراني عن إسماعيل بن أبي خالد: كان رأس أنس يخضب بالحناء (¬5). ورجال إسناده رجال الصحيح (¬6). والجمع بين الحديث وأثر أنس أن وجع الرأس إن كان من حرارة ملتهبة لا من مادة فهذا تنفعه الحناء كما كان أنس يفعل، وإن كان من مادة يجب استفراغها نفع فيه الحجامة لاستفراغ الدم ¬

_ (¬1) "الثقات" لابن حبان 5/ 69، "الجرح والتعديل" 5/ 328 (1549)، "تهذيب الكمال" 19/ 120 - 121 (3666). (¬2) انظر: "الاستيعاب" لابن عبد البر 4/ 1862 (3383). (¬3) "سنن الترمذي" (2054). (¬4) "سنن ابن ماجه" (3502). (¬5) "المعجم الكبير" 1/ 239 (658). (¬6) انظر: "معجم الزوائد" 5/ 163.

الرقيق، وإن كان الدم غليظًا فاستفراغه بالفصد. (ولا) اشتكى أحد (وجعًا في رجليه إلا قال: اخضبهما) فإن برودة الحناء تذهب حرارة جسد الآدمي وشدة الوجع المؤلم، فالوجع هنا جزئي لا كلي، فإن المراد بالوجع هنا جزء من أجزائه ونوع من أنواعه، فإن الوجع إذا كان من حرارة ملهبة ولم يكن من مادة يجب استفراغها، فتنفع فيه الحناء البارد نفعًا ظاهرًا إذا صمد الوجع به، لا سيما مع الخل، وفيه تقوية للعصب وتسكين لأوجاعه، وهذا لا يختص بوجع الرجل، بل يعم الأعضاء. وروى البزار عن أبي هريرة: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا نزل عليه الوحي صدع؛ فيغلف رأسه بالحناء (¬1). وروى أبو يعلى من طريق الحسن بن دعامة عن عمر بن شريك، عن [أبيه، عن] (¬2) أنس أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "اختضبوا بالحناء؛ فإنه طيب الريح يسكن الدوخة" (¬3). قال ابن الجوزي: الحناء بارد، فيه تحليل، يفتح أفواه العروق، وينفع الأورام البلغمية والسوداوية، ويقوي الأعضاء إذا خضبت به. * * * ¬

_ (¬1) "مسند البزار" 2/ 263 (7852)، وأورده الهيثمي في "المجمع" 5/ 95 وقال: رواه البزار، وفيه الأحوص بن حكيم، قد وثق، وفيه ضعف كثير، وأبو عون لم أعرفه. (¬2) ساقطة من النسخ الخطية، وأثبتناها من "مسند أبي يعلى" 6/ 305 (1362). (¬3) "مسند أبي يعلى" 6/ 305 (3621)، وأورده الهيثمي في "المجمع" 5/ 160، وقال: رواه أبو يعلى من طريق الحسن بن دعامة عن عمر بن شريك، قال الذهبي: مجهولان. انتهى. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (1505).

4 - باب في موضع الحجامة

4 - باب في مَوْضِعِ الحِجامَةِ 3859 - حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْراهِيمَ الدِّمَشْقي وَكَثِيرُ بْنُ عُبَيْدِ، قالا: حَدَّثَنا الوَلِيدُ، عَنِ ابن ثَوْبانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي كَبْشَةَ الأَنْماري قالَ كَثِيرٌ: إِنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كانَ يَحْتَجِمُ عَلَى هامَتِهِ وَيَيْنَ كَتِفَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: "مَنْ أَهْراقَ مِنْ هذِه الدِّماءِ فَلا يَضُرُّهُ أَنْ لا يَتَداوى بِشَيء لِشَيء" (¬1). 3860 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ -يَعْني: ابن حازِمٍ- حَدَّثَنا قَتادَةُ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- احْتَجَمَ ثَلاثًا في الأَخْدَعَيْنِ والكاهِلِ. قالَ مَعْمَرٌ: احْتَجَمْتُ فَذَهَبَ عَقْلي حَتَّى كُنْتُ أُلَقَّنُ فاتِحَةَ الكِتابِ في صَلاتَي. وَكانَ احْتَجَمَ عَلَى هامَتِهِ (¬2). * * * باب في موضع الحجامة [3859] (حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم) أبو سعيد (الدمشقي) دحيم، قاضي فلسطين والأردن، شيخ البخاري [(وكثير بن عبيد) الحمصي، إمام الجامع] (¬3). (قالا: حدثنا الوليد) بن مسلم عالم أهل الشام (عن محمد بن عبد الرحمن (¬4) ابن (¬5) ثوبان) العامري (عن أبيه) ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (3484). وضعفه الألباني في "الضعيفة" (1867). (¬2) رواه الترمذي (2051)، وابن ماجه (3483)، وأحمد 3/ 119. وصححه الألباني في "الصحيحة" (908). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) كذا في الأصول وهو خطأ، والصواب: (عبد الرحمن بن ثابت). انظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 17/ 12. (¬5) فوقها في (ل، ح): (ع).

(عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان) (¬1)، وكان رجلًا صالحًا، أثنى عليه غير واحد (عن أبي كَبشة) بفتح الكاف، وسكون الموحدة، ثم شين معجمة، اسمه عمر بن سعد (الأَنْماري) بفتح الهمزة، وسكون النون، نسبة إلى أنمار، وهم بطون من العرب، منهم أنمار بن أراش بن عمرو بن الغوث بن نبت، أبو بجيلة وخثعم (قال كثير: إنه) بكسر الهمزة (حدث أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يحتجم على هامته) الهامَة -بتخفيف الميم، والألف بدل من الياء، أصلها هيمة، وهامة القوم: رئيسهم، الرأس، جمعها هام. وفي البخاري عن ابن عباس أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- احتجم في رأسه (¬2)، وفيه عنه أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- احتجم وهو محرم في رأسه من شقيقة كانت به (¬3). قال السفاقسي: [الشقيقة وجع يأخد نصف الرأس والوجه. وقال الداودي: هو وجع في ناحية الرأس مع الصدغ، وفي الحديث: "إن حجامة الرأس شفاء] (¬4) من وجع الرأس" (¬5). ¬

_ (¬1) كذا في الأصول وهو خطأ، والصواب: (ثابت بن ثوبان). انظر ترجمته في "التهذيب" 4/ 349. (¬2) البخاري (5699) معلقًا، ووصله ابن حجر في "التغليق" 41 - 42. وله شاهد بنحوه في "صحيح البخاري" أيضًا من حديث ابن بحينة برقم (1836) بلفظ: احتجم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو محرم بلحي جمل في وسط رأسه. (¬3) البخاري (5701). (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬5) لم أقف عليه بهذا اللفظ، وإنما وقفت عليه مرفوعًا من حديث ابن عباس بلفظ: "الحجامة في الرأس شفاء من سبع إذا ما نوى صاحبها: من الجنون، والجذام، والبرص، والنعاس، ووجع الضرس، والصداع، وظلمة يجدها في عينيه". رواه =

وقال الليث: الحجامة هي في فأس الرأس، فأما التي في وسط الرأس ربما أعمت (¬1). وفأس الرأس هو طرف مؤخره المشرف على القفا، وروى ابن السني عن ابن عباس أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- احتجم وهو محرم من أكلة أكلها من شاة لامرأة من أهل خيبر. وله في رواية أخرى عن عبد اللَّه بن جعفر: احتجم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على قرنه بعدما سم. (و) احتجم (بين كتفيه) وهو الكاهل كما سيأتي (ويقول: من أهْراق) بسكون الهاء، أصله أراق ثم أبدلوا الهمزة هاء فقالوا: هَراق الماء. ثم زادوا الهمزة قبل الهاء جمعًا بين البدل والمبدل منه، والمفعول محذوف تقديره: من أهراق شيئًا (من هذِه الدماء) يشبه أن تكون الإشارة في هذِه إلى الدماء الخارجة [في الحجامة] (¬2)، وفهم ذلك من تقدم ذكر الحجامة، فإن الدماء تخرج منها. (فلا يضره أن لا يتداوى بشيء) بعدها (لشيء) أي: لأي شيء كان من الأدواء غير الموت والهرم، وكلمة (لا يضره) مما استعملها بظاهرها على الإباحة، ومعناها هنا الحض والترغيب على من تداوى بالحجامة أن ¬

_ = الطبري في "تهذيب الآثار" مسند ابن عباس 1/ 528 (836)، والطبراني 11/ 29 (10938)، وابن عدي في "الكامل" 6/ 105 من طريق عمر بن رياح وضعفه به، وأبو نعيم الأصفهاني في "الطب النبوي" 1/ 359 (296)، والديلمي في "الفردوس" 2/ 154 (2779). وأورده الهيثمي في "المجمع" 5/ 93 - 94 وقال: رواه الطبراني، وفيه عمر بن رياح العبدي، وهو متروك. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (3513)، قال: موضوع. (¬1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر 4/ 51. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

لا يتداوى بعدها بشيء من الأدوية لدائه. وروى الحاكم عن أبي هريرة: أخبرني أبو القاسم أن الحجامة أنفع ما تداوى به الناس (¬1). [3860] (حدثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي (حدثنا جرير بن حازم) الأزدي (عن قتادة، عن أنس -رضي اللَّه عنه- أن النبي احتجم ثلاثًا) اثنتين (في الأخدعين و) واحدًا في (الكاهل). ذكره النووي بهذِه الزيادة وقال: رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم، ورواه الترمذي وقال: حديث حسن (¬2). انتهى (¬3)، ولم أره بهذِه الزيادة لأبي داود ولا الترمذي، ولعله أراد أصله دون الزيادة، قال أهل اللغة: الأخدعان عرقان في جانبي العنق يحتجم منه، والكاهل بين الكتفين وهو مقدم الظهر. قال ابن القيم في "الهدي": الحجامة على الأخدعين تنفع من أمراض الرأس وأجزائه كالوجه والأسنان والأذنين والعينين والأنف، إذا كان حدوث ذلك عن كثرة الدم أو فساده أو عنهما جميعًا. قال: والحجامة على الكاهل تنفع من وجع المنكب والحلق. وتنوب عن فصد الباسليق، قال: والحجامة لأهل الحجاز والبلاد الحارة؛ لأن ¬

_ (¬1) "المستدرك" 4/ 209 بنحو هذا اللفظ، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. قال الألباني في "الصحيحة" 3/ 170 (1176) بعدما ذكر الحديث وذكر تصحيح الحاكم له على شرط الشيخين وموافقة الذهبي له: وفيه نظر؛ لأن محمد بن قيس وهو الأسدي الوالبي الكوفي إنما روى له البخاري في "الأدب المفرد"، فهو على شرط مسلم وحده. (¬2) "سنن الترمذي" (2051). (¬3) "المجموع" 9/ 68.

دماءهم رقيقة، وهي أميل إلى ظاهر أبدانهم لجذب الحرارة الخارجة إلى سطح الجسد واجتماعها في نواحي الجلد، ولأن مسام أبدانهم واسعة وقواهم متخلخلة، ففي الفصد لهم خطر (¬1). (قال معمر -رضي اللَّه عنه- احتجمت؛ فذهب عقلي حتى كنت ألقن فاتحة الكتاب في صلاتي. وكان احتجم على هامته) زاد رزين ما يوضحه ولفظه: قال معمر: فاحتجمت أنا من غير سم لذلك في يافوخي؛ فذهب حسن الحفظ مني، حتى كنت ألقن فاتحة الكتاب في الصلاة (¬2). * * * ¬

_ (¬1) "زاد المعاد" 4/ 50 - 51. (¬2) انظر: "جامع الأصول في أحاديث الرسول" 7/ 541.

5 - باب متى تستحب الحجامة

5 - باب مَتَى تُسْتَحَبُّ الحِجامَةُ 3861 - حَدَّثَنا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْن نافِعِ، حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجُمَحي، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنِ احْتَجَمَ لِسَبْعَ عَشْرَةَ وَتِسْعَ عَشْرَةَ وَإِحْدى وَعِشْرِينَ كانَ شِفاءً مِنْ كُلِّ داءٍ" (¬1). 3862 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، أَخْبَرَني أَبُو بَكْرَةَ بَكّارُ بْن عَبْدِ العَزِيزِ، أَخْبَرَتْني عَمَّتي كَبْشَة بِنْتُ أَبِي بَكْرَةَ -وقالَ غَيْرُ مُوسَى: كيِّسَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرَةَ- أَنَّ أَباها كانَ يَنْهَى أَهْلَهُ، عَنِ الحِجامَةِ يَوْمَ الثُّلاثاءِ وَيَزْعُمُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّ يَوْمَ الثُّلاثاءِ يَوْمُ الدَّمِ وَفِيهِ ساعَةٌ لا يَرْقَأُ (¬2). 3863 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا هِشامٌ، عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ عَنْ جابِرٍ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- احْتَجَمَ عَلَى وَرِكِهِ مِنْ وَثْءٍ كانَ بِهِ (¬3). * * * باب متى تستحب الحجامة [3861] (حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع) الحلبي ساكن طرسوس، أخرج له الشيخان (حدثنا سعيد بن عبد الرحمن الجُمَحي) بضم الجيم، وفتح الميم، المدني، قاضي العسكر، أخرج له مسلم. (عن سهيل) بن أبي صالح (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان (عن ¬

_ (¬1) رواه البيهقي في "السنن الكبرى" 9/ 340 من طريق أبي داود، والطبراني في "الكبير" 19/ 474، و"الأوسط" (6622). وصححه الألباني في "الصحيحة" (622). (¬2) رواه العقيلي في "الضعفاء الكبير" 1/ 150 في ترجمة: بكار بن عبد العزيز، وقال: ولا يتابع عليه وليس في هذا الباب في اختيار يوم للحجامة شيء يثبت. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (2251). (¬3) رواه ابن ماجه (3082)، وأحمد 3/ 305، وابن خزيمة في "صحيحه" (2660). وصححه الألباني.

أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين كان) ذلك (شفاء من كل داء) هذا من العام المراد به الخصوص، والمعنى كان شفاءً من كل داء، سببه غلبة الدم، وهذا الحديث موافق لما اجتمع عليه الأطباء أن الحجامة في النصف الثاني وما يليه من الربع الثالث من أرباعه أنفع من أول الشهر وآخره. قال صاحب "القانون": أوقاتها في النهار الساعة الثانية أو الثالثة (¬1). وتكره عندهم الحجامة على الشبع، فربما أورثت سددًا وأمراضًا ردية، لا سيما إذا كان الغذاء رديًّا غليظًا، والحجامة على الريق دواء وعلى الشبع داء، واختيار هذِه الأوقات للحجامة فيما إذا كانت على سبيل الاحتراز والتحرز من الأذى وحفظًا للصحة. وأما في مداواة الأمراض فحيثما وجد الاحتياج إليها وجب استعمالها. قال الخلال: أخبرني عصمة بن عصام قال: ثنا حنبل قال: كان أحمد ابن حنبل يحتجم أي وقت هاج به الدم من الشهر، وأي ساعة كانت (¬2). [3862] (حدثنا موسى بن إسماعيل قال: أخبرني أبو بكرة بكار بن عبد العزيز) بن أبي بكرة الثقفي، استشهد به البخاري تعليقًا (¬3)، وعن ابن معين: صالح (¬4). (قال: أخبرتني عمتي كيِّسَة [بنت أبي بكرة]) (¬5) بفتح ¬

_ (¬1) "القانون" 1/ 365. (¬2) انظر: "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 13/ 270 من تصنيفنا بـ (دار الفلاح). (¬3) في "صحيحه" عقب حديث (7083). (¬4) انظر: "الجرح والتعديل" 2/ 408 (1604)، "تهذيب الكمال" 4/ 202 (739). (¬5) ما بين المعقوفتين ساقط من (ح).

الكاف، وتشديد المثناة تحت ثم سين مهملة، كذا قيده الدارقطني والأمير وغيرهما (¬1)، وقيده بعضهم بسكون المثناة تحت (¬2) (¬3). قال الأمير: وهو تصحيف (¬4). وأبوها أبو بكرة نفيع بن الحارث بن كلدة الثقفي من فضلاء الصحابة. (أن أباها) نفيع بن الحارث الكلدي (كان ينهى أهله عن الحجامة) في (يوم الثلاثاء، ويزعم) أي: يقول (عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يوم الثلاثاء) ممدود جمعه ثلاثًاوات فقلبت الهمزة واوًا (يوم) بالرفع (الدم) بالإضافة، وفيه حذف تقديره: يوم الثلاثاء يوم يكثر فيه الدم في الجسم. (وفيه ساعة لا يرقأ) بهمز آخره، أي: لا ينقطع فيها دم من احتجم أو افتصد أو لا يسكن، وربما يهلك الإنسان فيها بعد انقطاع الدم. وأخفيت هذِه الساعة لتترك الحجامة في جميع ذلك اليوم خوفًا من مصادفة تلك الساعة، كما أخفيت ليلة القدر في أوتار العشر الأواخر؛ ليجتهد المتعبد في جميع أوتاره؛ ليصادف ليلة القدر، وكما أخفيت ساعة الإجابة في يوم الجمعة. وفي رواية زادها رزين: "لا تفتحوا الدم في سلطانه؛ فإنه اليوم الذي أثَّرَ فيه الحديد، ولا تستعملوا الحديد في يوم سلطانه" (¬5). وزاد أيضًا: "إذا صادف يوم سبع عشرة يوم الثلاثاء ¬

_ (¬1) "المؤتلف والمختلف" 4/ 1972، "الإكمال" 7/ 157، "توضيح المشتبه" 7/ 273 قال ابن ناصر الدين الدمشقي: الياء مثناة تحت مكسورة. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) انظر: "توضيح المشتبه" 7/ 273. (¬4) "الإكمال" 7/ 157. (¬5) انظر: "جامع الأصول" 7/ 546 (5682).

كان دواء السنة من احتجم فيه" (¬1). [3863] (حدثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي، شيخ البخاري (حدثنا هشام) الدستوائي (عن أبي الزبير) محمد بن مسلم (عن جابر) بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما-. (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- احتجم على وَرِكه) بكسر الراء، ويجوز التخفيف بكسر الواو وسكون الراء، وهما وركان فوق الفخذين. ولابن ماجه: عن جابر أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سقط عن فرسه على جذع نخلة، فانفكت قدمه، وأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- احتجم عليها (¬2). (من وَثْء) بفتح الواو، وسكون الثاء المثلثة وبعدها همزة، والوثء أن يصيب العظم لا يبلغ الكسر، وفي الحديث: فوثئت رجلي. يقال: وثئت اليد والرجل والورك. إذا أصابها وجع دون الخلع والكسر، فهي موثوءة ووثأتها أنا، وقد يترك الهمز فيقال: وَثِي. (كان به). أي: كان قد أصابه من الوقعة. وفي الحديث دليل على استحباب التداوي، واستحباب الحجامة في السفر والحضر وللمفطر والصائم عند الحاجة، وأنها تكون في الموضع الذي يقتضيه الحال من الجسد. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "جامع الأصول" 7/ 544. (¬2) "سنن ابن ماجه" (3485). ذكره البوصيري في "زوائده" وقال: له شاهد من حديث أنس بن مالك رواه ابن حبان في "صحيحه"، وإسناد حديث جابر صحيح إن كان أبو سفيان بن طلحة بن نافع سمع من جابر. وصححه الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" (2807).

6 - باب في قطع العرق وموضع الحجم

6 - باب في قَطْعِ العِرْقِ وَمَوْضِعِ الحَجْمِ 3864 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمانَ الأَنْباري، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي سُفْيانَ، عَنْ جابِرٍ قالَ: بَعَثَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى أُبَيٍّ طَبِيبًا فَقَطَعَ مِنْهُ عِرْقًا (¬1). * * * باب في قطع العرق [3864] (حدثنا محمد (¬2) بن سليمان) وهو محمد بن أبي داود (الأنباري) بنون ثم موحدة، وثقه الخطيب (¬3). (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (عن) سليمان (الأعمش، عن أبي (¬4) سفيان) طلحة بن نافع الواسطي (عن جابر) بن عبد اللَّه. (قال: بعث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى أُبيٍّ) بضم الهمزة، وفتح الموحدة، وتشديد الياء، وهو أبي بن كعب كما صرح به في رواية مسلم (¬5)، وإنما ذكرت ضبطه لئلا يتصحف بأنه بعث إلى أبيه، ومما يدل على ذلك أن والد جابر استشهد يوم أحد قبل الأحزاب بأكثر من سنة. (طبيبًا) فيه دليل على جواز تسمية المعالج طبيبًا، قال الحليمي في "منهاجه": جاء عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تقولوا: الطبيب، وقولوا ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2207). (¬2) فوقها في (ح، ل): (د). (¬3) في "تاريخ بغداد" 5/ 292 (2796). (¬4) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬5) مسلم (2207).

الرفيق، فإنما الطبيب اللَّه" (¬1). قال: ومعنى هذا أن المعالج وإن حذق في صناعته فقد لا يحيط علمًا بنفس الدواء، وإن عرفه وميزه فلا يعرف مقداره فالرفيق أولى، لأنه يرفق بالعليل. والطبيب هو العالم بحقيقة الدواء والقادر على الصحة والشفاء، وليست هذِه الصفة إلا للَّه تعالى. قال الأذرعي: فإن صح الحديث وجب تحريم هذِه التسمية. انتهى، وهذا الحديث يدل على الجواز، فيبقى حديث النهي محمولا (¬2) على الأدب، وفي كون النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعث إلى أبي بن كعب طبيبه فكواه دليل على أن الواجب في عمل العلاج ألا يباشره إلا من كان معروفًا بالطب خبيرًا بمباشرته، ولذلك أحال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على الحارث بن كلدة ووصف له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الدواء (¬3) وكيفيته (¬4). (فقطع منه عرقًا) فيه أن الطبيب يداوي بما ترجح عنده بدليل من شرب دواء وحجامة وقطع عرق وكي ونحو ذلك، وقد اتفق الأطباء على أنّه متى أمكن التداوي بالأخف لا ينتقل إلى ما فوقه، ومتى أمكن التداوي بالغذاء لا ينتقل إلى الدواء، ومتى أمكن بالبسيط لا يعدل إلى المركب، ومتى أمكن بالدواء لا يعدل إلى الحجامة، ومتى أمكن بالحجامة لا يعدل إلى قطع العرق، كما روى ابن عدي في ¬

_ (¬1) سيأتي هذا الحديث بنحوه من حديث أبي رمثة برقم (4207). (¬2) في جميع النسخ: محمول، والجادة ما أثبتناه. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) سيأتي قريبًا من حديث سعد برقم (3875).

"الكامل" من حديث عبد اللَّه بن جراد: "قطع العروق مسقمة" (¬1). كما في الترمذي وابن ماجه: ["لا تدعوا العشاء ولو بكف من تمر فإن تركه يهرم" رواه ابن ماجه من حديث جابر (¬2)] (¬3) "ترك العشاء مهرمة" (¬4) (¬5). وقد روى هذا الحديث أبو بكر بن السني من طريق محمد بن عبد اللَّه بن نمير عن أبيه: حدثنا الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: اشتكى أبي بن كعب، فبعث إليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- طبيبًا فكواه على أكحله. يعني: بعد قطع العرق. * * * ¬

_ (¬1) لم أقف عليه في "الكامل"، وإنما وجدته مسندًا مرفوعًا في "تاريخ دمشق" 27/ 240 بلفظ: "قطع العروق مسقمة، والحجامة خير منه"، وعزا تخريجه لابن عدي في "الكامل" أيضًا العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" 1/ 365 (1376) وضعفه. وقال الألباني في "الضعيفة" (4058): موضوع. (¬2) "سنن ابن ماجه" (3355). ضعفه البوصيري في "زوائده" (1104)، قال: إسناد حديث جابر ضعيف لضعف إبراهيم بن عبد السلام. وضعفه أيضًا الألباني في "ضعيف ابن ماجه" (731)، قال: ضعيف جدًّا. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ح). (¬4) سقط لفظ الحديث من (م). (¬5) رواه الترمذي من حديث أنس مرفوعًا (1856)، قال أبو عيسى: هذا حديث منكر لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وعنبسة يضعف في الحديث، وعبد الملك بن علاق مجهول.

7 - باب في الكي

7 - باب في الكَي 3865 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ ثابِتٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ قالَ: نَهَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنِ الكَي فاكْتَوَيْنا فَما أَفْلَحْنَ وَلا أَنْجَحْنَ. قالَ أَبُو داوُدَ: وَكانَ يَسْمَعُ تَسْلِيمَ المَلائِكَةِ فَلَمّا اكْتَوى انْقَطَعَ عَنْهُ فَلَمّا تَرَكَ رَجَعَ إِلَيْهِ (¬1). 3866 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كَوى سَعْدَ بْنَ مُعاذٍ مِنْ رَمِيَّتِهِ (¬2). * * * باب في الكي [3865] (حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد، عن ثابت) بن أسلم البناني (عن مطرف) (¬3) [قال المنذري: هو مطرف بن طريف (¬4)] (¬5) بن عبد اللَّه بن الشخير الحرشي من سادة التابعين (عن عمران بن حصين) ابن عبيد الخزاعي الكعبي؛ أسلم عام خيبر -رضي اللَّه عنه-. (قال: نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الكي) زاد الترمذي: فابتلينا (¬6) (فاكتوينا) ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2049)، وابن ماجه (3490)، وأحمد 4/ 444. وصححه الألباني. (¬2) رواه ابن ماجه (3494)، وأحمد 3/ 363. وصححه الألباني. (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) "مختصر سنن أبي داود" 5/ 350 (3716). (¬5) ما بين المعقوفتين ساقط من (ح). (¬6) "سنن الترمذي" (2049).

وهذِه الرواية فيها إشارة إلى أنه يباح الكي عند الضرورة بالابتلاء بالأمراض المزمنة التي لا ينجع فيها إلا الكي ويخاف الهلاك عند تركه؛ ألا تراه كوى سعدًا لما لم ينقطع الدم من جرحه، وخاف عليه الهلاك من كثرة خروجه، كواه كما يكوى من تقطع يده أو رجله، ونهى عمران بن حصين عن الكي؛ لأنه كان به ناصور (¬1)، وكان موضعه خطرًا، فنهاه عن كيه، فتعين أن يكون النهي خاصًّا لمن به مرض مخوف منه؛ ولأن العرب كانوا يرون أن الشافي لما لا شفاء له بالدواء هو الكي، ويعتقدون أن [من] (¬2) لم يكتو هلك، فنهاهم عنه لأجل هذِه النية؛ فإن اللَّه تعالى هو الشافي. قال ابن قتيبة (¬3): الكي جنسان؛ كي الصحيح لئلا يعتل، فهذا الذي قيل فيه: لم يتوكل من اكتوى؛ لأنه يريد أن يدفع العذر عن نفسه، والثاني كي الجرح إذا لم ينقطع دمه بإحراق ولا غيره، والعضو إذا قطع ففي هذا الشفاء بتقدير اللَّه تعالى، وأما إذا كان الكي للتداوي الذي يجوز أن ينجح ويجوز أن لا ينجح، فإنه إلى الكراهة أقرب، وقد تضمنت أحاديث النهي أربعة أنواع هذا أحدها، كما سيأتي إن شاء اللَّه تعالى. (فما أفلحن ولا أنجحن) هكذا الرواية الصحيحة بنون الإناث فيهما، يعني: تلك الكيَّات التي أكتوينا بهن وخالفنا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في فعلهن، وكيف نفلح أو ننجح بشيء خولف فيه صاحب الشريعة، وعلى هذا فالتقدير: ¬

_ (¬1) في (م): باسور. (¬2) ساقطة من جميع النسخ، ولا يستقيم السياق بدونها. (¬3) انظر: "تأويل مختلف الحديث" 1/ 329، 331، 332.

[فاكتوينا كيَّات لأوجاع فما أفلحن ولا أنجحن، وهو أولى من] (¬1) أن يكون المحذوف الفاعل، على تقدير: فما أفلحن الكيَّات ولا أنجحن؛ لأن حذف المفعول الذي هو فضلة، أقوى من حذف الفاعل الذي هو عمدة، ورواية الترمذي: فما أفلحنا ولا أنجحنا (¬2). فتكون لفظة: (نا) في الفعلين ضمير المتكلم ومن معه، ورواية ابن ماجه بمعنى رواية المصنف، فإن في بعض نسخه: فما أفلحت ولا أصلحت (¬3). بسكون تاء التأنيث بعد الحاء المفتوحة فيهما. [3866] (حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد، عن أبي الزبير) محمد بن مسلم المكي (عن جابر) بن عبد اللَّه. (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كوى سعد) الكي هو أن يحمى حديد ويوضع على عضو معلول؛ ليحرق ويحتبس دمه ولا يخرج، أو لينقطع العرق الذي ينتشر منه الدم، وقد جاء النهي عن الكي وجاءت الرخصة فيه؛ والرخصة لسعد لبيان جوازه؛ حيث لا يقدر الرجل على أن لا يداوي العلة بدواء آخر، وإنما ورد النهي حيث لا يقدر الرجل على أن يداوي العلة بدواء آخر؛ لأن الكي فيه تعذيب بالنار، ولا يجوز أن يعذب بالنار إلا رب النار، وهو اللَّه تعالى؛ ولأن الكي يبقى منه أثر فاحش. وهذان نوعان من أنواع الكي الأربعة، وهما النهي عن الفعل، وجوازه. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) "سنن الترمذي" (2049). (¬3) "سنن ابن ماجه" (3490).

والثالث: الثناء على من تركه كحديث السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب، الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يكتوون (¬1). والرابع: عدم محبته كحديث الصحيحين: "وما أحب أن أكتوي" (¬2). فعدم محبته تدل على أن الأولى عدم فعله، والثناء على تركه يدل على أن تركه أولى، فتبين أنه لا تعارض بين الأربعة. (ابن معاذ) الأنصاري من فقهائهم، اهتز لموته عرش الرحمن، رماه حبان -بكسر المهملة وتشديد الموحدة- ابن العرقة -بفتح العين وكسر الراء المهملتين- يوم الخندق في الأكحل، فكواه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (من رميته) لينقطع الدم. * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري من حديث ابن عباس (5705، 5752، 6541). (¬2) رواه البخاري من حديث جابر مرفوعًا (5683، 5702، 5704)، ومسلم (2205).

8 - باب في السعوط

8 - باب في السَّعُوطِ 3867 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحاقَ، حَدَّثَنا وُهَيْبٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- اسْتَعَطَ (¬1). * * * باب في السعوط - سيأتي (¬2) [3867] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أحمد بن إسحاق) الأهوازي البزاز صدوق (¬3) (حدثنا وهيب) (¬4) مصغر، وهو ابن خالد الباهلي مولاهم (عن عبد اللَّه بن طاوس، عن أبيه) طاوس القراء، وهو طاوس بن كيسان (عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) زاد البخاري ومسلم: احتجم وأعطى الحجام أجره (¬5). و(استعط) السعوط بفتح السين: دواء يصب في الأنف، وقد أسعطت الرجل فاستعط هو بنفسه، والمسعط بضم الميم هو الإناء الذي يجعل فيه السعوط، وأما الوجور فهو في وسط الفم، واللدود ما وضع في أحد شقي الفم، أخذ من لديدي الوادي وهو جانباه، وبوَّب ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5691)، ومسلم (1202). (¬2) ساقطة من (م). (¬3) كذا في الأصول: الأهوازي البزاز، صدوق. وهو خطأ إنما الأهوازي شيخ أبي داود، وأما شيخ عثمان بن أبي شيبة فهو: ابن زيد الحضرمي وهو ثقة. وانظر ترجمته في "تهذيب الكمال" مع ترجمة أبي داود. (¬4) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬5) البخاري (5691)، مسلم (1202) عقب حديث (1577).

ابن السني على رواية البخاري: باب: السعوط واللدود لحفظ الصحة، والسعوط يكون بأدوية مفردة ومركبة، يدق وينخل ويعجن ويجفف، ثم يحل عند الحاجة، ويسعط به في أنف الإنسان وهو مستلقٍ على ظهره وبين كتفيه ما يرفعهما؛ لينخفض رأسه فيتمكن السعوط من الوصول إلى دماغه ويستخرج ما فيه من الداء بالعطاس. * * *

9 - باب في النشرة

9 - باب في النُّشْرَةِ 3868 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، حَدَّثَنا عَقِيلُ بْنُ مَعْقِلٍ قالَ: سَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ يُحَدِّث، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنِ النُّشْرَةِ فَقالَ: "هُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ" (¬1). * * * باب في النشرة [3868] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عبد الرزاق، ثنا عَقيل) (¬2) بفتح العين وكسر القاف (ابن معقل) بفتح الميم وسكون العين (¬3)، وقد وثقه أحمد (¬4). (قال: سمعت) عمي (وهب بن منبه يحدث عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما قال: سئل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن النشرة) بضم النون وسكون الشين المعجمة ثم راء، وهو ضرب من الرقية والعلاج والتطبب بالاغتسال على هيئات مخصوصة بالتجربة، لا يحتملها القياس الصحيح الظني، يعالج به من يظن أن به مسًّا من الشيطان أو الجن، سميت نشرة لأن العليل ينشر بها عن نفسه ما خامره من الداء، أي: يكشفه ويزيله عنه (فقال: هو من ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق في "المصنف" 11/ 13، وأحمد 3/ 294. وصححه الألباني في "الصحيحة" (2760). (¬2) فوقها في (ح)، (ل): (د). (¬3) في (ح): القاف. (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 20/ 241 (4000)، "الكاشف" 2/ 31 (3859)، "بحر الدم" (702).

عمل الشيطان) وقال الحسن: النشرة من السحر (¬1). وقد نشرت عنه تنشيرًا (¬2)، [ومنه الحديث: فلعل طبًّا أصابه] (¬3) يعني سحرًا، [ثم نشره بـ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} (¬4). أي: رقاه. فعلمنا بهذا الحديث] (¬5) أن النشرة التي قال فيها: إنها من عمل الشيطان. إنما أراد بها النوع الذي كان أهل الجاهلية يعالجون به ويعتقدون أنه يشفيهم من مرضهم. * * * ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة 5/ 39 (23505)، والخطابي في "معالم السنن" 4/ 204 واللفظ له. (¬2) ورد بهامش (ل): قال أبو داود في كتاب "المراسيل": حدثنا علي بن الجعد، ثنا شعبة، عن أبي رجاء قال: سألت الحسن عن النشرة فقال: ذكر لي عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: إنها من عمل الشيطان. ثم قال: قال أبو داود: وقد أسند هذا ولا يصح. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) أورده أبو عبيد في "غريب الحديث" 1/ 459، وابن الأثير في "النهاية" 3/ 110. (¬5) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

10 - باب في الترياق

10 - باب في التِّرْياقِ 3869 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن يَزِيدَ، حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ أَبي أيُّوبَ، حَدَّثَنا شُرَحْبِيلُ بْن يَزِيدَ المَعافِري، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رافِعٍ التَّنُوخي قالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "ما أُبالي ما أَتَيْتُ إِنْ أَنا شَرِبْتُ تِرْياقًا أَوْ تَعَلَّقْتُ تَمِيمَةً أَوْ قُلْتُ الشِّعْرَ مِنْ قِبَلِ نَفْسَي". قالَ أَبُو داوُدَ: هذا كانَ لِلنَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خاصَّةً وَقَدْ رَخَّصَ فِيهِ قَوْمٌ يَعْني التِّرْياقَ (¬1). * * * باب في الترياق [3869] (حدثنا عبيد اللَّه بن عمر بن ميسرة) القواريري شيخ الشيخين، روى مائة ألف حديث (حدثنا) أبو عبد الرحمن (عبد (¬2) اللَّه ابن يزيد) المقرئ، أخرج له مسلم (¬3) (حدثنا سعيد (¬4) بن أبي أيوب) مقلاص المصري (حدثنا شرحبيل بن يزيد المعافري) بفتح الميم نسبة إلى المعافر بن يعفر، قبيلة من قحطان، قال المزي (¬5): كذا رواه أبو داود، والمعروف: شرحبيل بن شريك، كما رواه أبو بكر بن أبي شيبة وغير واحد (عن عبد الرحمن بن رافع) التنوخي قاضي إفريقية المصري، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬6) (عن عبد اللَّه بن عمرو) بن ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 167. وضعفه الألباني. (¬2) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬3) قلت: هو شيخ البخاري وأخرج له في "صحيحه"، وانظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 16/ 320. (¬4) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬5) "تهذيب الكمال" 12/ 423. (¬6) 5/ 95.

العاص -رضي اللَّه عنه- (يقول: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: ما أبالي ما أتيت) بفتح الهمزة والتاء الأولى. أي: لا أكترث بشيء من أمر ديني، ولا أهتم بما فعلته إن أنا فعلت هذِه الثلاثة أو شيئًا منها. وهذا مبالغة عظيمة وتهديد شديد في فعل شيء من هذِه الثلاثة؛ إذ من فعل شيئًا منها فهو غير مكترث بما يفعله ولا يبالي به هل هو حرام أو حلال، وهذا وإن أضافه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فالمراد به إعلام غيره بالحكم، وقد سئل عن تعليق التمائم والخرز فقال: "ذلك شرك". وقال: بلغني أن ابن عمر قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "ما يبالي ما أتي من شرب ترياقًا أو تعلق تميمة" (¬1). (إن أنا شربت ترياقًا) بالتاء أو الدال أو الطاء أوله مكسورات أو مضمومات، فهذِه ست لغات، أرجحهن كسر التاء؛ رومي معرب، وهو دواء السم، وليس المراد به ما كان نباتًا أو حجرًا، بل المختلط بلحوم الأفاعي يطرح منها رأسها وأذنابها، وتستعمل أوساطها في الترياق، وهو محرم؛ لأنه نجس، وإن اتخذ الترياق من أشياء طاهرة فهو طاهر لا بأس بأكله وشربه، وممن رخص فيما فيه شيء من لحوم الأفاعي، مالك؛ لأنه يرى إباحة لحوم الحيَّات (¬2)، ويقتضيه مذهب الشافعي لإباحته التداوي ببعض المحرمات (¬3)، وقيل: الحديث مطلق، والأولى اجتناب الترياق جميعه. ¬

_ (¬1) ذكره ابن الأثير في "جامع الأصول" 7/ 576 (5729). (¬2) "المدونة" 1/ 450، 542. (¬3) انظر: "نهاية المطلب" 17/ 326، "المجموع" 9/ 54، 58.

(أو تعلقت تميمة) جمعها تمائم. قال البيهقي: يقال: إن التميمة خرزة كانوا يتعلقونها [يرون أنها] (¬1) تدفع عنهم الآفات (¬2). وفي "النهاية" (¬3): التمائم: خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين في زعمهم، فأبطله الإسلام ورد عليهم آعتقادهم الفاسد الضلال؛ إذ لا نافع ولا دافع إلا اللَّه تعالى. وقيل: التميمة: قلادة يعلق فيها العوذ التي يستعاذ بها، قال النووي: المراد بالنهي ما كان بغير لسان العربية مما لا يدرى ما هو (¬4)، ولعله قد يكون سحرًا أو نحوه مما لا يجوز كتابته. (أو قلت الشعر من قبل نفسي) أي: من جهة نفسي، فخرج به ما قاله لا عن نفسه، بل حاكيًا له عن غيره كما في "الصحيحين": "خير كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد" (¬5). ويخرج عنه ما قاله لا على قصد الشعر فجاء موزونًا. (قال) المصنف (هذا) الحكم (كان للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خاصة) دون أمته (وقد رخص فيه قوم. يعني: الترياق) قال بعضهم: كما أن إنشاء الشعر من قبل نفسي حرام علي، كذا شُربُ الترياق وتعليق التمائم حرامان علي، وأما في حق الأمة فالتمائم وإنشاء الشعر غير حرام، والترياق المتخذ من الأشياء الطاهرة لا بأس به. * * * ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل، م). (¬2) "السنن الكبرى" 9/ 350. (¬3) 1/ 197 - 198. (¬4) "المجموع" 9/ 73. (¬5) البخاري (3841)، (6147)، ومسلم (2256) من حديث أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: لا أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد. . . ".

11 - باب في الأدوية المكروهة

11 - باب في الأَدْوِيَةِ المَكْرُوهَةِ 3870 - حَدَّثَنا هارُون بْن عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن بِشْرٍ، حَدَّثَنا يُونُسُ بْنُ أَبي إِسْحاقَ، عَنْ مُجاهِدٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنِ الدَّواءِ الخَبِيثِ (¬1). 3871 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنِ ابن أَبي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ خالِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسيَّبِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمانَ أَنَّ طَبِيبًا سَأَلَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنْ ضِفْدَعٍ يَجْعَلُها في دَواءٍ فَنَهاهُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنْ قَتْلِها (¬2). 3872 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، حَدَّثَنا الأعمَشُ، عَنْ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ حَسا سُمّا فَسُمُّهُ في يَدِهِ يَتَحَسّاهُ في نارِ جَهَنَّمَ خالِدًا مُخَلَّدًا فِيها أَبَدًا" (¬3). 3873 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ سِماكٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ ذَكَرَ طارِقَ بْنَ سُوَيْدٍ أَوْ سُوَيْدَ بْنَ طارِوا سَأَلَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنِ الخَمْرِ فَنَهاهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فَنَهاهُ فَقالَ لَهُ يا نَبي اللَّهِ إِنَّها دَواءٌ. قالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا وَلَكِنَّها داءٌ" (¬4). 3874 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن عَبادَةَ الواسِطي، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ أَخْبَرَنا إِسْماعِيل بْن عيّاشٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبي عِمْرانَ الأَنْصاري، عَنْ أُمِّ الدَّرْداءِ، عَنْ أَبي الدَّرْداءِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدّاءَ والدَّواءَ وَجَعَلَ لِكُلِّ داءٍ دَواءً فَتَداوَوْا وَلا تَداوَوْا بِحَرامٍ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2045)، وابن ماجه (3459)، وأحمد 2/ 305. وصححه الألباني. (¬2) رواه النسائي 7/ 210، وأحمد 3/ 453. وصححه الألباني. (¬3) رواه البخاري (5778)، ومسلم (109). (¬4) رواه مسلم (1984). (¬5) رواه البيهقي في "السنن الكبرى" 10/ 9 من طريق أبي داود، والدولابي في "الكنى =

باب في الأدوية المكروهة [3870] (حدثنا هارون بن عبد اللَّه) بن مروان البغدادي الحمال، شيخ مسلم (ثنا محمد بن بشر) بن الفرافصة العبدي الكوفي (حدثنا يونس بن أبي إسحاق) السبيعي، أخرج له مسلم (عن مجاهد، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الدواء الخبيث) زاد الترمذي وابن ماجه: يعني السم (¬1). وكذا أحمد (¬2). فيه دليل على أن التداوي بالسم ونحوه مما يقتل آكله أو يضره (¬3) كالزجاج، قال الماوردي وغيره: السموم على أربعة أضرب، منها ما يقتل كثيره وقليله، فأكله حرام للتداوي ولغيره، لقوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (¬4). ومنها ما يقتل كثيره دون قليله، فأكل كثيره الذي يقتل حرام للتداوي وغيره، والقليل منه إن [كان] (¬5) مما ينتفع به للتداوي جاز أكله تداويًا، ومنها ما يقتل في الأغلب، وقد يجوز أن لا يقتل فحكمه كما قبله، ومنها ما لا يقتل في الأغلب وقد يجوز أن ¬

_ = والأسماء" 2/ 760. وصححه الألباني في "الصحيحة" (1633). (¬1) "سنن الترمذي" (2045)، "سنن ابن ماجه" (3459). (¬2) "مسند أحمد" 2/ 446، 478. (¬3) في (م): بغيره. (¬4) البقرة: 195. (¬5) ليست في النسخ الخطية، والمثبت ما يقتضيه السياق.

يقتل، فذكر الشافعي في موضع إباحة أكله، وفي موضع تحريم أكله، فجعله بعض أصحابه على حالين، فحيث أباح أكله فهو إذا كان للتداوي، وحيث حرم أكله فهو إذا كان غير منتفع به في التداوي (¬1). [3871] (حدثنا محمد بن كثير) العبدي (ثنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن (عن سعيد بن خالد القارظي) بالقاف والظاء المعجمة، وفي كنانة: قارظ بن شيبة حلفاء بني زهرة، وسعيد ضعفه النسائي مع أنه أخرج له (¬2)، وقال الدارقطني: يحتج به (¬3). وذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4). (عن سعيد بن المسيب، عن عبد الرحمن بن عثمان) بن عبيد اللَّه التيمي ابن أخي طلحة من مسلمة الفتح، شهد اليرموك، وقتل مع ابن الزبير بمكة. (أن طبيبًا سأل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ضفدع) مثال: خنصر، قال ابن ¬

_ (¬1) "الحاوي" 10/ 178 - 179. (¬2) لم أقف عليه في "ضعفاء النسائي"، لكن نقل المزي في "تهذيب الكمال" 10/ 405 (2258) عن النسائي تضعيفه، ونقل مغلطاي في "الإكمال" 5/ 282 (1928) عن النسائي في كتاب "الجرح والتعديل" أنه ثقة، وقال: والذي نقله عنه المزي متبعًا صاحب "الكمال": (ضعيف) لم أره في شيء من تصانيف النسائي فيما أعلم، والذي ذكره في كتاب صاحب "الجرح والتعديل" ما أنبأتك به، وهو الذي نقله عنه جماعة أيضًا منهم ابن خلفون لما ذكره في كتاب "الثقات". انتهى. وتبع مغلطاي في هذا ابن حجر في "تهذيب التهذيب" 2/ 14 بعدما نقل قول النسائي بالتضعيف، وقوله بالتوثيق في "الجرح والتعديل"، قال: فينظر في أين قال: إنه ضعيف. (¬3) "سؤالات البرقاني" (183). (¬4) 6/ 357.

الصلاح: الأشهر من اللغة كسر الدال، وفتحها أشهر في ألسنة العامة (¬1) يكون من سفاد ومن غير سفاد، والذي من سفاد يبيض في البر ويعيش في الماء، والذي من غير سفاد يتولد في المياه ليس من ذكر ولا أنثى، وإنما يخلقه اللَّه في طباع التربة وهي من الحيوان الذي لا عظام له، والذي نبق منها يخرج صوته من خلف أذنه. وفي كتاب "الزاهر" لأبي بكر القرطبي أن داود -عليه السلام- قال: لأسبحن اللَّه تسبيحًا ما سبحه به أحد من خلقه. فنادته ضفدعة من ساقية في داره: يا داود أتفخر (¬2) على اللَّه بتسبيحك وإن لي لسبعين سنة ما جف لساني عن ذكر اللَّه تعالى (¬3). (يجعلها في دواء. فنهاه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن قتلها) ورواه البيهقي وقال: هو أقوى ما ورد في النهي (¬4). وروى البيهقي من حديث أبي هريرة النهي (¬5) عن قتل الصرد والضفدع والنملة والهدهد (¬6)، وفي إسناده إبراهيم بن ¬

_ (¬1) انظر: "حياة الحيوان" للدميري 2/ 117. (¬2) في (م): أتعجب. (¬3) رواه من حديث أنس موقوفًا بنحوه ابن أبي الدنيا في "كتاب الشكر" (36)، وأبو الشيخ في "العظمة" ص 527 (1252)، والبيهقي في "الشعب" 4/ 138 (4581). (¬4) "السنن الكبرى" 9/ 318. (¬5) ساقطة من (م). (¬6) لم أقف عليه في كتب البيهقي من حديث أبي هريرة، وإنما وجدته من حديث سهل ابن سعد الساعدي مرفوعًا في "السنن الكبرى" 9/ 317 بلفظ: عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه نهى عن قتل الخمسة: عن النملة والنحلة والضفدع والصرد والهدهد. قال البيهقي: تفرد به المهيمن بن عباس، وهو ضعيف. أما حديث أبي هريرة الذي قصده الشارح رواه ابن ماجه (3223) مرفوعًا. ضعفه البوصيري في "الزوائد" (1054)، قال: ضعيف لضعف إبراهيم بن المفضل المخزومي. وضعفه الألباني في "الإرواء" =

الفضل، وروى البيهقي أيضًا من حديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص موقوفًا: لا تقتلوا الضفادع؛ فإن نقيقها تسبيح، ولا تقتلوا الخفاش فإنه (¬1) لما خرب بيت المقدس قال: يا رب سلطني على البحر حتى أغرقهم. قال البيهقي: وإسناده صحيح (¬2). وفي حديث الباب دليل على أن الضفدع يحرم قتلها وأكلها، وأنها غير داخلة فيما أبيح من دواب الماء. [3872] (حدثنا أحمد بن حنبل، ثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (حدثنا) سليمان (الأعمش، عن أبي صالح) السمان (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من حسا) الحسو: شرب الشيء الدقيق كسويق ونحوه (سمًّا) بضم السين وفتحها وكسرها، أفصحهن الفتح، والثلاثة (¬3) في "المطالع" (¬4) وهو القاتل للحيوان (فسمه في يده) في نار جهنم، كما كان في يده في الدنيا (يتحساه) أي: يشربه ويتجرعه على تمهل {وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} (¬5). كما قال اللَّه تعالى، ولفظ "صحيح مسلم" في الإيمان (¬6): ¬

_ = 8/ 143، قال: إسناده ضعيف، إبراهيم هذا هو المخزومي ضعيف جدًّا، قال الحافظ: متروك. انتهى. (¬1) ساقطة من (م)، (ل). (¬2) "السنن الكبرى" 9/ 318. (¬3) في جميع النسخ: الثالثة، والمثبت هو الصواب. (¬4) 5/ 559 "بتحقيقنا في دار الفلاح". (¬5) إبراهيم: 17. (¬6) (109).

"من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا، ومن شرب سمًا فقتل نفسه فهو يتحساه". (في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدا) وظاهره التخليد الذي لا انقطاع له بوجه، وهو محمول على من كان مستحلًّا لذلك، ومن كان معتقدًا لذلك كان كافرًا، وأما من قتل نفسه غير مستحل فليس بكافر، بل يجوز أن يعفو اللَّه تعالى عنه، ويجوز أن يراد بقوله: "خالدًا مخلدًا أبدًا" تطويل الآماد، ثم يكون خروجه من النار مع آخر من يخرج من أهل التوحيد، ويجري هذا مجرى قول العرب: خلد اللَّه ملكه أبدًا، ولا أكلمك أبدًا. وقد ينوي أن يكلمه بعد زمان. [3873] (حدثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي (ثنا شعبة، عن سماك) بن حرب (عن علقمة بن وائل، عن أبيه) وائل بن حجر الكندي أنه (ذكر طارق بن سويد [أو سويد] (¬1) بن طارق) أخرجه ابن ماجه عن طارق ابن سويد من غير شك، ولم يذكر أباه بل قال: عن علقمة بن وائل الحضرمي، عن طارق بن سويد الحضرمي (¬2). وأخرجه مسلم والترمذي من حديث وائل بن حجر أن طارق بن سويد الجعفي (¬3) (سأل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الخمر فنهاه) أو كره أن يصنعها، كذا لمسلم (ثم سأله) عنها (فنهاه) ثانيًا. فيه تحريم شرب الخمر. (فقال له: يا نبي اللَّه، إنها دواء) لفظ مسلم: إنما أصنعها للدواء. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) "سنن ابن ماجه" (3500). (¬3) "صحيح مسلم" (1984)، "سنن الترمذي" (2046).

فقال: "إنه ليس بدواء" (¬1). (قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا) وفيه التصريح بأنها ليست بدواء فيحرم التداوي بها كما يحرم شربها، وكذا لا يجوز التداوي بما حرمه اللَّه من النجاسات والنبات وغيرها أكلًا ولا شربًا، وبه قال أكثر العلماء (ولكنها داء) مُضرٌ في الجسد لكل من شربها، وهذا هو الصحيح عند أصحابنا أنه يحرم (¬2) التداوي بها، وأما من غص بلقمة ولم يجد ماء يسيغها به إلا خمرًا فيلزمه الإساغة بها، لأن حصول الشفاء حينئذ مقطوع به بخلاف التداوي بها (¬3). [3874] (حدثنا محمد بن عبادة) بفتح العين المهملة والباء الموحدة الخفيفة (الواسطي) شيخ البخاري (حدثنا يزيد (¬4) بن هارون) أبو خالد الواسطي (أنا إسماعيل بن عياش) بالمثناة تحت والشين المعجمة، العنسي، عالم الشاميين، قال البخاري: إذا حدث عن أهل حمص فصحيح (¬5) (عن ثعلبة بن مسلم) الخثعمي الشامي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬6). (عن أبي عمران) قيل: اسمه سليمان. وقيل: سليم بن عبد اللَّه (الأنصاري) مولى أم الدرداء وقائدها الشامي (عن) مولاته (أم الدرداء) الصغرى، زوج أبي الدرداء، اسمها هجيمة بنت حيي ¬

_ (¬1) السابق. (¬2) ساقطة من (ل، م). (¬3) انظر: "المجموع" 9/ 56. (¬4) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬5) رواه عن البخاري الخطيب في "تاريخ بغداد" 6/ 224. وقال نحوه ابن عدي في "الكامل" 3/ 105. (¬6) 8/ 157.

الأوصابية ويقال: الوصابية. ووصاب بطن من حمير (¬1). (عن) زوجها (أبي الدرداء) عويمر بن عامر من بني الحارث بن الخزرج، كان حكيم الأمة (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن اللَّه تعالى أنزل الداء والدواء) أي: ما أصاب أحدًا بداء إلا قدر له دواء، والمراد بإنزاله إنزال الملائكة الموكلين بمباشرة مخلوقات الأرض من الداء والدواء (وجعل) أي: خلق اللَّه تعالى (لكل داء دواءً) أي: شفاء يشفي من الداء بقدرة اللَّه تعالى، فحكمة الأسباب بالمسببات لا يعلمه حقيقة إلا اللَّه تعالى، وما أحسن قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فيما خرجه الترمذي عن أبي خزامة بن يعمر قال: سألت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقلت: يا رسول اللَّه أرأيت رقًى نسترقيها ودواء نتداوى به، هل يرد من قدر اللَّه تعالى شيئًا؟ قال: "هي من قدر اللَّه تعالى". وقال: هذا حديث حسن صحيح (¬2). وكفى بهذا بيانًا، لكن للبصراء لا للعميان. (فتداووا) أمر بالدواء من أصابه مرض، وأما من ليس به مرض فلا يستعمل الدواء؛ لأن الدواء إذا لم يجد في البدن داءً يحلله، أو وجد داءً لا يوافقه، أو وجد ما يوافقه ولكن زادت كميته عليه تشبث بالصحة وعبث بها في الإفساد، فالتحقيق أن الأدوية من جنس الأغذية، فمن غالب أغذيتهم مفردات كأهل البوادي، فأمراضهم قليلة جدًّا وطبهم بالمفردات، ومن غالب أغذيتهم المركبة كأهل المدن يحتاجون إلى الأدوية المركبة، وسبب ذلك أن أمراضهم في الغالب مركبة، ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 35/ 352 (7974)، "تاريخ دمشق" 70/ 146 (9440). (¬2) "سنن الترمذي" (2065)، (2148).

فالأدوية (¬1) المركبة أنفع لهم، وهذا برهان بحسب الصناعة الطبية. (ولا تداووا) بتخفيف التاء والدال، أصله: تتداووا بتائين مثناتين حذفت إحداهما تخفيفًا (بحرام) أي: لا يجوز التداوي بما حرمه اللَّه تعالى من النجاسات والنباتات وغيرهما كما تقدم، وقد استدل أحمد بهذا الحديث وبحديث: "إن اللَّه لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليهم" (¬2) على أنه لا يجوز التداوي بمحرم ولا بشيء فيه محرم، كألبان الأتن والألحام المحرمات والترياق كما تقدم، والصحيح من مذهبنا جواز التداوي بجميع النجاسات سوى المسكر، لحديث العرنيين في الصحيحين (¬3)، وأن يشربوا من أبوالها للتداوي كما هو ظاهر الحديث وحديث الباب: "لا تداووا بحرام" و"لم يجعل شفاء ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): فالأغذية. (¬2) رواه مرفوعًا من حديث أم سلمة أبو يعلى 12/ 402 (6966)، والطبراني 23/ 326 - 327 (749)، والبيهقي 10/ 5، وابن حبان في "صحيحه" 4/ 233 (1391)، وأورده الهيثمي في "المجمع" 5/ 86 وقال: رواه أبو يعلى والطبراني، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح خلا حسان بن مخارق، وقد وثقه ابن حبان. وقال الألباني في "الصحيحة" 4/ 175: إسناده رجاله كلهم ثقات معروفون غير حسان بن مخارق، فهو مستور لم يوثقه أحد غير ابن حبان. ورواه موقوفًا من حديث ابن مسعود الطبراني 9/ 345 (9716)، والحاكم 4/ 218، والبيهقي 10/ 5، وذكره الهيثمي في المجمع 5/ 86 وقال: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح. وعلقه البخاري بصيغة الجزم قبل حديث (5614)، ووصله ابن حجر في "التغليق" 5/ 29 - 30 وصححه في "فتح الباري" 10/ 79. وصححه الألباني أيضًا في "الصحيحة" 4/ 175. (¬3) البخاري (233، 1501، 3018، 5686، 6802)، (6804). ومسلم (1671) كلاهما من حديث أنس.

أمتي فيما حرم عليهم" (¬1) محمول على عدم الحاجة بأن يكون هناك دواء غيره يغني عنه ويقوم مقامه من الطاهرات (¬2). قال البيهقي: هذان الحديثان إن صحا محمولان على النهي عن التداوي بالمسكر وعلى التداوي بالحرام من غير ضرورة؛ ليجمع بينهما وبين حديث (¬3) العرنيين (¬4). * * * ¬

_ (¬1) سبق تخريجه قريبًا. (¬2) انظر: "المجموع" 9/ 58، "المغني" 13/ 343. (¬3) ساقطة من (ل، م). (¬4) "السنن الكبرى" 10/ 5.

12 - باب في تمرة العجوة

12 - باب في تَمْرَةِ العَجْوَةِ 3875 - حَدَّثَنا إِسْحاقُ بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ ابن أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجاهِدٍ، عَنْ سَعْدٍ قالَ: مَرِضْتُ مَرَضًا أَتاني رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَعُودُني، فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ ثَدْيَى حَتَّى وَجَدْث بَرْدَها عَلَى فُؤادي فَقالَ: "إِنَّكَ رَجُلٌ مَفْؤودٌ ائْتِ الحارِثَ بْنَ كَلَدَةَ أَخا ثَقِيفٍ فَإِنَّهُ رَجْلٌ يَتَطَبَّبُ، فَلْيَأْخُذْ سَبْعَ تَمَراتٍ مِنْ عَجْوَةِ المَدِينَةِ فَلْيَجَأْهُنَّ بِنَواهُنَّ ثُمَّ لِيَلُدَّكَ بِهِنَّ" (¬1). 3876 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا أَبُو أُسامَةَ، حَدَّثَنا هاشِمُ بْن هاشِمٍ، عَنْ عامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبي وَقّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ تَصَبَّحَ سَبْعَ تَمَراتِ عَجْوَةٍ لَمْ يَضُرُّهُ ذَلِكَ اليَوْمَ سَمٌّ وَلا سِحْرٌ" (¬2). * * * باب في تمر العجوة [3875] (حدثنا إسحاق (¬3) بن إسماعيل) الطالقاني، ثقة (ثنا سفيان) ابن عيينة (عن) عبد اللَّه (ابن أبي نجيح) (¬4) يسار المكي (عن مجاهد (¬5)، عن سعد) بن أبي وقاص -رضي اللَّه عنه- (قال: مرضت مرضًا) شديدًا (أتاني) فيه (النيي -صلى اللَّه عليه وسلم- يعودني) فيه استحباب عيادة المريض ماشيًا (فوضع يده) الكريمة (بين ثديي) هو تثنية ثدي بالمثلثة، وأصله للمرأة، ويقال للرجل أيضًا، وأنكر بعضهم أن يقال للرجل: ثدي، بل: ثندؤة. وهذا الحديث حجة عليه. ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في "الكبير" 6/ 55، وأبو نعيم في "الطب النبوي" 1/ 191. (¬2) رواه البخاري (5445)، ومسلم (2047). (¬3) فوقها في (ل، ح): (د). (¬4) فوقها في (ل، ح): (ع). (¬5) فوقها في (ح): بن جبر.

(حتى وجدت بردها على فؤادي) فيه أن من تمام عيادة المريض أن يضع العائد يده على المكان الذي ضعف به، فإن كان الموجوع رأسه فيضع يده على رأسه [وإن كان فؤاده فيضع يده على فؤاده] (¬1) وليسأله كيف هو، وأن يخفف الجلوس عنده، إلا أن يطلب المريض ذلك فيطيل قدر ذلك، ثم يظهر ولا يمتنع من وضع يده إذا كانت باردة، بل يضعها كما في الحديث. (فقال: إنك رجل مفؤود) أي: أصاب الوجع فؤادك كالمرؤوس والمبطون، والفؤاد عبارة عن باطن القلب، وقيل: الفؤاد غشاء القلب، والقلب حبته (¬2) وسويداؤه. وروى ابن منده من طريق إسماعيل ابن محمد بن سعد عن أبيه قال: مرض سعد، فعاده النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "إني لأرجو أن يشفيك اللَّه" ثم قال للحارث بن كلدة: "عالج سعدًا مما به. . " فذكر الخبر (¬3). قال ابن أبي حاتم: لا يصح إسلامه (¬4) (¬5). ويشبه أن يكون سعد مصدورًا قد أصابه وجع الصدر، وكنَّى بالفؤاد عن الصدر إذ كان محل الفؤاد ومركزه. (ائت الحارث بن كلدة) بن عمرو بن علاج الثقفي طبيب العرب، وهو مولى أبي بكرة الثقفي، وكان سافر إلى فارس وتعلم الطب وحذق فيه؛ فاشتهر اسمه به، ونال بالطب مالًا كثيرًا، وأدرك الإسلام. واختلف في صحبة الحارث، وقيل: إنه عالج سعدًا في حجة ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) ساقطة من (م). (¬3) في (ل)، (م): الحديث. (¬4) "الجرح والتعديل" 3/ 87 (401). (¬5) ساقطة من (م).

الوداع، وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فيما ذكر ابن سعد يأمر من كانت به علة أن يأتيه فيسأله علته (¬1). وكان (أخا ثقيف) ومولى أبي بكرة نفيع الثقفي كما تقدم (فإنه رجل) فيه أن العليل يأتي إلى الطبيب إن استطاع، وإلا دعي إليه، وفيه أن الرجل الذي به علة واحتاج إلى معالجة فالرجل أولى بالرجل والمرأة أولى (¬2) بالمرأة إلا أن لا توجد للمرأة امرأة فالرجل. قال القاضي حسين: ولا يعالج المسلم ذمي مع وجود المسلم، أي: وإن كان الذمي أحذق. والحديث حجة عليه؛ فإن الحارث كان ذميًّا حين ذكره النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فالحديث يدل على جواز الاستعانة بأهل الذمة في الطب (يتطبب) ولم يقل: طبيبًا، وفي "النهاية": المتطبب: الذي يعاني الطب ولا يعرفه معرفة جيدة (¬3). (فليأخذ سبع تمرات) بفتح الميم كهمزات جمع همزة، والتمر من النخل بمنزلة الزبيب من العنب، وهو اليابس بإجماع أهل اللغة والعرف؛ لأنه تُرك على النخل بعد إرطابه حتى يجف أو يقارب الجفاف، فيقطع ويترك في الشمس حتى ييبس (من عجوة المدينة) وفي الحديث: "العجوة من الجنة" (¬4) والعجوة نوع من تمر المدينة أكبر ¬

_ (¬1) "الطبقات الكبرى" 5/ 507. (¬2) من (ل، م). (¬3) 3/ 110. (¬4) رواه الترمذي (2066)، (2068) وحسنه، وابن ماجه (3455)، وأحمد 2/ 301، والنسائي في "الكبرى" 4/ 166 (1679، 6721) من حديث أبي هريرة. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (4126). ورواه ابن ماجه (3453)، وأحمد 3/ 48، والنسائي فى "الكبرى" 4/ 165 (6715 - 6718) من حديث أبي سعيد وجابر. =

من الصيحاني، يضرب إلى السواد، من غرس النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، والعجوة أجود تمر المدينة، وقيل: هذا أمر يختص بالمدينة لعظم بركتها لا أن في التمر تلك الخصيصة. (فليجأهن) بفتح الياء والجيم وسكون الهمز، أي: فليرضخهن ويدقهن (بنواهن) وبه سميت الوجيئة بفتح الواو وكسر الجيم ثم مثناة تحت ساكنة ثم همزة مفتوحة، فعيلة بمعنى مفعولة، وهي تمر يبل بلبن أو سمن ثم يدق حتى يلتئم فيه، ثم يحسو منه المريض. وفي رواية ابن السني من طريق إسماعيل بن محمد بن سعد عن أبيه عن سعد أنه مرض بمكة (¬1)، فعاده النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "ادعوا لي طبيبًا" فدعي له الحارث بن كلدة الثقفي، فنظر إليه فقال: ليس عليه بأس. فاتخذوا له فريقة وهو تمرٌ عجوةٌ يطبخ بحلبة، فيحساها المريض فيبرأ بإذن اللَّه تعالى. قال أبو كثير الهذلي: ولقد وردت الماء لون جمامه ... لون الفريقة صفيت للمدنف (¬2) (ثم ليلدَّك) بضم اللام الثانية وتشديد الدال المهملة (بهن) مشتق من اللدود بفتح اللام الثانية، وهو ما يسقاه الإنسان في أحد شقي الفم، ¬

_ = قال البوصيري في "الزوائد": هذا إسناد حسن، شهر مختلف فيه. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (4126). (¬1) ساقطة من (م). (¬2) انظر: "إصلاح المنطق" ص 344، "الصحاح" 4/ 1542، "محاضرات الأدباء" 2/ 589.

والأيمن من فم المريض أولى من اليسار، ولديدا الفم جانباه من اليمين واليسار. [3876] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أسامة) بن زيد (¬1) (حدثنا هاشم بن هاشم) بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص (حدثنا عامر بن سعد) بن أبي وقاص (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص، مالك أحد العشرة. ([عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-] (¬2) قال: من تصبح) أي: أكل صباحًا قبل أن يطعم شيئًا (سبع) خاصية عدد السبع قد وقعت قدرًا وشرعًا؛ كخلق اللَّه السموات سبعًا والأرضين سبعًا والأيام سبعًا، وحديث: "مروهم بالصلاة لسبع" (¬3). وأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يصب عليه من سبع قرب (¬4). (تمرات عجوة) يجوز فيه الإضافة وتركها، فمن أضاف فلا إشكال؛ لأن (تمرات) مبهمة يحتمل كونها من العجوة ومن غيرها، فإضافتها إلى العجوة إضافة عام إلى خاص، ونظيره: ثياب خز، ومن لم يضف ¬

_ (¬1) كذا في الأصول: أسامة بن زيد. والصواب: أبو أسامة حماد بن أسامة. كما في "سنن أبي داود" و"تهذيب الكمال" تراجم: عثمان بن أبي شيبة 19/ 478، هاشم ابن هاشم 30/ 137. (¬2) ساقطة من النسخ كلها، والمثبت من "سنن أبي داود". (¬3) سبق برقم (495) من حديث عبد اللَّه بن عمرو مرفوعًا بلفظ: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين. . . ". ورواه أيضًا أحمد 2/ 187. قال الألباني في "صحيح أبي داود" 2/ 401 (509): إسناده حسن صحيح. وسبق أيضًا من حديث سبرة مرفوعًا (494)، ورواه الترمذي (407) وقال: حسن صحيح. وأحمد 3/ 404، وصححه أيضًا الألباني في "صحيح أبي داود" 2/ 399 (508). (¬4) رواه البخاري (198)، (4442)، (5714) من حديث عائشة، وذلك كان في مرض النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الأخير.

(تمرات) ونوَّن، وجاء بـ (عجوة) مجرورًا على أنه عطف بيان، قال ابن مالك: ويجوز نصبه على التمييز (¬1). (لم يضره) بنصب الراء؛ لأنه أخف الحركات، ويجوز الضم تبعًا لما قبله وما بعده (في ذلك اليوم) زاد البخاري: "إلى الليل" (¬2) وترجم عليه باب الدواء بالعجوة للسحر (سم) فيه ثلاث لغات كما تقدم قريبًا (ولا سحر) هذا مخصوص بتمر المدينة لرواية مسلم: "من أكل سبع تمرات مما بين لابتيها حين يصبح لم يضره سم حتى يمسي" (¬3). وهذا الحديث من العام المراد به خصوص أهل المدينة ومن جاورهم، وللأمكنة اختصاص تنفع في ذلك المكان دون غيره، فإن في الأرض خواص وطبائع تقارب اختلاف طبائع الإنسان، وإنما صار في تمر العجوة هذِه المنافع العظيمة ببركة غرسه -صلى اللَّه عليه وسلم- كما تقدم، وهذا مثل الجريدتين على قبري المعذبين في قبريهما، فكان ببركة وضعه الجريدتين خفف العذاب عنهما ما لم ييبسا (¬4). * * * ¬

_ (¬1) "شواهد التوضيح والتصحيح" ص 214. (¬2) "صحيح البخاري" (5768). (¬3) "صحيح مسلم" (2047). (¬4) رواه البخاري (216)، (218)، (1361)، (1378)، (6052)، (6055)، ومسلم (292) من حديث ابن عباس مرفوعًا.

13 - باب في العلاق

13 - باب في العِلاقِ 3877 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَحامِدُ بْنُ يَحْيَى، قالا: حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ قالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِابْنٍ لي قَدْ أَعْلَقْتُ عَلَيهِ مِنَ العُذْرَةِ فَقالَ: "عَلامَ تَدْغَرْنَ أَوْلادَكُنَّ بهذا العِلاقِ عَلَيْكُنَّ بهذا العُودِ الهِنْدي فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ مِنْها ذاتُ الجَنْبِ يُسْعَطُ مِنَ العُذْرَةِ ويُلَدُّ مِنْ ذاتِ الجَنْبِ". قالَ أَبُو داوُدَ: يَعْني بِالعُودِ القُسْطَ (¬1). * * * باب في العلاق [3877] (حدثنا مسدد وحامد (¬2) بن يحيى) البلخي نزيل طرسوس، سئل عنه علي بن المديني فقال: يا سبحان اللَّه، أبقي حامد [إلى زمان] (¬3) يحتاج أن يسأل عنه (¬4)؟ ! وقال أبو حاتم: صدوق (¬5). (قالا: حدثنا سفيان) بن عيينة [(عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه) ابن عتبة (عن أم قيس) قيل: اسمها] (¬6) آمنة (بنت محصن) بن حرثان الأسدية أخت عكاشة (قالت: دخلت على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بابن لي) ولم ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5692)، ومسلم (2214). (¬2) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬3) ساقطة من النسخ الخطية، والمثبت من "تهذيب الكمال" 5/ 327. (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 5/ 327 (1063)، "طبقات الشافعيين" 1/ 128. (¬5) انظر: "الجرح والتعديل" 3/ 301 (1338)، "تهذيب الكمال" 5/ 327 (1063). (¬6) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

أعرف اسمه، مات ابنها في عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو صغير، رواه النسائي (قد أعلقت) بالعين المهملة من الإعلاق، وهو معالجة عذرة الصبي ورفعها بالإصبع، وحقيقته: أعلقت عنه: أزلت عنه العلوق، وهي الداهية التي عرضت له ودفعتها عنه، ومعنى: أعلقت (عليه): أوردت عليه العلوق، أي: ما غذيته به، ومنه قولهم: أعلقت عليَّ إذا أدخلت يدي في حلقي أتقيأ، وقد تجيء (على) بمعنى (عن) كقوله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} (¬1) أي: عنهم، وقول الشاعر: إذا رضيت عليَّ بنو قشير ... لعمر اللَّه أعجبني رضاها (¬2) أي: عني، وقول الشاعر: في ليلة لا نرى [بها] (¬3) أحدًا ... يحكي علينا إلا كواكبها (¬4) أي: عنا، وإذا ورد استعمال (على) بمعنى (عن) فلا يقبل قول الخطابي في رد نقل أكثر المحدثين هذِه الرواية (¬5). (من العذرة) بضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة، وجع في ¬

_ (¬1) المطففين: 2. (¬2) هذا البيت للقحيف العقيلي، انظر: "أدب الكاتب" 1/ 507، "الكامل" 2/ 141، 3/ 74. (¬3) ليست في جميع الأصول، والمثبت من مصادر التخريج. (¬4) هذا البيت لعدي بن زيد، انظر: "الكتاب" 2/ 312، "الأصول في النحو" 1/ 295. (¬5) "معالم السنن" 4/ 208، "أعلام الحديث" 3/ 2121 - 2122.

الحلق يهيج من الدم، وقيل: هي قرحة تخرج في الثقب الذي بين الأنف والحلق، تعرض للصبيان عند طلوع العذرة، فتعمد المرأة إلى خرقة فتفتلها فتلًا شديدًا وتدخلها في أنفه، فتطعن ذلك الموضع فينفجر منه دم أسود، وربما أقرحه، وذلك الطعن يسمى الدغر، يقال: دغرت المرأة الصبي، إذا غمزت حلقه من العذرة أو فعلت به ذلك، [وكانوا بعد ذلك] (¬1) يعلقون عليه علاقًا كعوذة. وقوله: "من العذرة" أي: من أجلها. وقوله (عند طلوع العذرة) هي خمسة كواكب تحت الشعرى العبور تسمى: العذارى وتطلع في وسط الحر (فقال: علام) أصلها: على ما، فحذفت الألف من (ما) الاستفهامية لدخول حرف الجر (تدغرن) بفتح التاء وسكون الدال المهملة وفتح الغين المعجمة (أولادكن) أي: ترفعن بأصابعكن اللهاة التي في سقف حلوقهم فتؤلمنهم وتؤذينهم بشدة الكبس (بهذا العلاق) بكسر العين وتخفيف اللام، وروي بفتح العين، قال الخطابي وابن الأثير: المعروف الإعلاق (¬2). ويروى: فعلام تدَّغرن بهذا الإعلاق. بتشديد الدال من تدَّغرن بوزن تفتعلن، والإعلاق مصدر أعلق عنه إذا أزال عنه العلوق وهي الآفة والداهية، والإعلاق معالجة عذرة الصبي ورفعها بالإصبع، وهو وجع حلقه. (عليكن بهذا العود الهندي) احترازًا من البحري الأبيض، وسيأتي أنه نوعان، والذي يستعمل منه في الطيب يقال له: الألوة، والهندي أشد ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) "أعلام الحديث" 3/ 2122، "النهاية" 3/ 288.

حرًّا من البحري، والأبيض أيبس منه، وهما حاران يابسان، في الثالثة ينشفان البلغم ويقطعان الزكام، وإذا شربا نفعا من ضعف الكبد والمعدة ومن بردهما (فإن فيه سبعة أشفية) جمع شفاء، من جموع القلة (منها: ذات الجنب) قال جالينوس: ينفع (¬1) الكزاز ووجع الجنبين، ويقتل حب القرع، وقد خفي على كثير من الأطباء نفعه من وجع ذات الجنب فأنكروه. ولو ظفر هذا الجاهل بهذا النقل عن جالينوس نزله منزلة النص، كيف وقد نص كثير من الأطباء المتقدمين على أن القسط ينفع للنوع البلغمي من ذات الجنب، ذكره الخطابي (¬2). قال ابن القيم: وطب الأطباء بالنسبة إلى طب الأنبياء أقل من نسبة طب الطرقية والعجائز إلى طب الأطباء، وأن ما بين ما يلقى [بالوحي وبين ما يلقى] (¬3) بالتجربة والقياس من الفرق أعظم مما بين القدم والفرق، ولو أن هؤلاء الجهال وجدوا دواءً منصوصًا عن بعض اليهود أو النصارى لتلقوه بالقبول ولم يتوقفوا على تجربته، نعم ولا ننكر أن للعادة تأثيرًا بالانتفاع بالدواء، فمن آعتاد دواءً أو غذاءً كان أنفع له وأوفق مما لم يعتده. وكلام فضلاء الأطباء -وإن يطلق- فهو بحسب الأزمنة والأمرضة والأمكنة والعوائد (¬4). (يسعط) بضم أوله وفتح ثالثه (من العذرة) تقدم، والسعوط ما يصب ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) في "أعلام الحديث" 3/ 2122. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) "زاد المعاد" 4/ 354.

في الأنف، وقد يكون بأدوية مفردة تدق وتنخل وتعجن وتخفف ثم تحل عند الحاجة وتسعط في أنف الإنسان وهو مستلق على ظهره، وبين كتفيه ما يرفعهما لينخفض رأسه فيتمكن السعوط من الوصول إلى دماغه ويستخرج ما فيه من الداء بالعطاس، وينفع السعوط من العذرة بالقسط المحكوك؛ لأن مادة العذرة دم يغلب عليه البلغم، لكن تولده في أبدان الصبيان أكثر؛ لكثرة البلغم وغلبته على طباعهم. وفي القسط تجفيف يشد اللهاة ويرفعها إلى مكانها، وقد يكون نفعه في هذا بالخاصية، وقد ينفع في الأدوية الحارة بالذات تارة وبالعرض أخرى، وقد ذكر صاحب "القانون" في معالجة سقوط اللهاة القسط مع الشب اليماني وبزر المرو. (ويلد) بضم أوله (من ذات الجنب) علة معروفة، وهي الدمل الكبيرة التي تظهر في باطن الجنب وتنفجر إلى داخل، وقلما يسلم صاحبها، وذو الجنب الذي يشتكي جنبه بسبب ذلك، إلا أن ذات الجنب (¬1) صارت علمًا لذلك، وفي الحديث: "ذات الجنب شهادة" (¬2). ¬

_ (¬1) ساقطة من (ح)، (ل). (¬2) رواه ابن ماجه (2803) من حديث جابر بن عتيك مرفوعًا. صححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" (2261). ورواه الطبراني 5/ 68 (4607) من حديث ربيع الأنصاري مرفوعًا، قال المنذري في "الترغيب والترهيب" 2/ 218 - 219 (2162): رواه الطبراني، ورواته محتج بهم في الصحيح. وأورده الهيثمي في "المجمع" 5/ 300 وقال: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" 2/ 151 (1395)، وفي "صحيح الجامع" (3953).

(قال) المصنف (يعني العود الهندي هو القسط) بضم القاف، ويقال فيه: كست، والكاف والقاف يتعاقبان، وهو أنواع: أجودها الهندي ثم الصيني ثم المندلي، يقال: إنه شجر يقطع ويدفن في الأرض سنة، فتأكل الأرض منه ما لا ينفع ويبقى عود الطيب لا تأكل منه الأرض شيئًا، ويتعفن منه قشره، وهو يفتح السدد ويذهب بثقل الرياح وينفع الدماغ. * * *

14 - باب في الأمر بالكحل

14 - باب في الأَمْر بِالكُحْلِ 3878 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن يُونُسَ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن عُثْمانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "البَسُوا مِنْ ثِيابِكُمُ البَياضَ فإنَّها مِنْ خَيْرِ ثِيابِكُمْ وَكَفِّنُوا فِيها مَوْتاكُمْ وَإِنَّ خَيْرَ أَكْحالِكُمُ الإِثْمِدُ يَجْلُو البَصَرَ وَيُنْبِتُ الشَّعْرَ" (¬1). * * * باب في الأمر بالكحل [3878] (حدثنا أحمد) بن عبد اللَّه (بن يونس) اليربوعي (ثنا زهير، حدثنا عبد اللَّه بن عثمان بن خثيم) بضم الخاء المعجمة وفتح المثلثة المكي حليف الزهريين القاريُّ (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: البسوا) بفتح الباء (من ثيابكم البياض) لفظ الحاكم: "خير ثيابكم البياض فألبسوها أحياءكم" (¬2) (فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم) وروى ابن ماجه من حديث أبي الدرداء يرفعه: "إن أحسن ما زرتم اللَّه به في قبوركم ومساجدكم البياض" (¬3). وقد استدل به على أن أفضل اللبس للجمعة والعيدين ونحوهما ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (994)، والنسائي 4/ 34، وابن ماجه (1472)، وأحمد 1/ 247. وصححه الألباني. (¬2) "المستدرك" 4/ 185 وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (¬3) "سنن ابن ماجه" (3568). ضعفه البوصيري في "الزوائد" (1187)، قال: إسناد حديث أبي الدرداء ضعيف؛ شريح بن عبيد لم يسمع من أبي الدرداء، قاله في "التهذيب". وضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه" (786)، قال: موضوع.

البياض، لأنه أكثر الثياب تنظيفًا ويظهر فيه أدنى دنس، بخلاف غيره، ولهذا قال -عليه السلام-: "نقني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس" (¬1). ولذلك كان أفضل ما يكفن فيه الميت، وكفن -عليه السلام- في ثلاثة أثواب بيض سحولية. (وإن خير أكحالكم الإثمد) بكسر الهمزة والميم هو الكحل الأسود، ويقال: إنه معرب. قال ابن البيطار في "المنهاج": هو الكحل الأصفهاني، ويؤيده قول بعضهم: ومعادنه المشرق (¬2). وروى الترمذي أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كانت له مكحلة يكتحل منها كل ليلة ثلاثة في هذِه وثلاثة في هذِه (¬3). (يجلو البصر) أي: فيه حفظ لصحة العين، وتقوية للنور الباصر، وجلاء لها، وتلطيف للمادة الرديئة (وينبت) بضم أوله (الشعر) أي: شعر أهداب العين النابت على أشفارها، قال عبد اللطيف: الإثمد ينبت الهدب، ويحسن العيون، ويحبب إلى القلوب. * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (744)، ومسلم (598) مرفوعًا من حديث أبي هريرة، وهذا الدعاء جاء في الحديث على أنه دعاء الاستفتاح في الصلاة. ورواه أيضًا بنحو هذا اللفظ البخاري (6368، 6375، 6377)، ومسلم (589) مرفوعًا من حديث عائشة، ذكر هذا الدعاء في الحديث على أنه من أدعية النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. (¬2) "سنن الترمذي" (1757)، (2048) من حديث ابن عباس، قال الترمذي: حسن غريب. ضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (4486)، قال: ضعيف جدًّا. (¬3) كذا في (ل)، وفي "المصباح المنير" 1/ 48: بالمشرق.

15 - باب ما جاء في العين

15 - باب ما جاءَ في العَيْنِ 3879 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، حَدَّثَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبِّهِ قالَ: هذا ما حَدَّثَنا أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "العَيْنُ حَقٌّ" (¬1). 3880 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها قالَتْ: كانَ يُؤْمَرُ العائِنُ فَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ المَعِينُ (¬2). * * * باب ما جاء في العين [3879] (حدثنا أحمد بن حنبل، ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن همام ابن منبه قال: هذا ما حدثنا) به (أبو هريرة -صلى اللَّه عليه وسلم- عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: والعين حق) لا يريد به الرجل، بل الإضرار بالعين والإصابة بها، كما يتعجب الشخص من الشيء بما يراه بعينه [فيتضرر ذلك الشيء بعينه] (¬3) حيث نظر إليه بها. قال النووي: أنكر طائفة العين فقالوا: لا أثر لها. والدليل على فساد قولهم أنه أمر ممكن، والصادق أخبر بوقوعه، فلا يجوز تكذيبه (¬4). واعلم أن العين عينان: عين إنسية، وعين جنية، كما سيأتي في ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5740)، ومسلم (2187). (¬2) رواه البيهقي 9/ 591 من طريق أبي داود، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 7/ 332 (2892). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) "شرح مسلم" 14/ 171.

حديث سهل، وكما تصيب العين بالنظر تصيب بالوصف من غير رؤية لقوله تعالى: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ} (¬1) يعني من غير رؤية [وقال بعضهم] (¬2): العائن تنبعث من عينه قوة سميَّة تتصل بالمعين فيهلك كما تنبعث من الأفعى. والمذهب أن اللَّه أجرى العادة بخلق الضر عند مقابلة هذا الشخص بشخص آخر، وأما انبعاث جوهر منه فهو من الممكنات. [3880] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد (عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كان يؤمر العائن) يعني: الذي أصاب الشيء بعينه (فيتوضأ بماء) (¬3) وكذا مالك في "الموطأ" في حديث سهل بن حنيف لما أصيب بالعين عند اغتساله، فأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عائنه (¬4) أن يتوضأ (¬5). وصفة هذا الوضوء في رواية الإمام أحمد عن سهل بن حنيف أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خرج وسار معه نحو مكة، حتى إذا كانوا بشعب الخرار من الجحفة اغتسل سهل بن حنيف، وكان رجلًا أبيض حسن الجسم والجلد، فنظر إليه عامر بن ربيعة، أخو عدي بن كعب وهو يغتسل فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة! فلبط سهل، فأتي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قيل له: يا رسول اللَّه، ¬

_ (¬1) القلم: 51. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) من (ل)، (م). (¬4) ساقطة من (م). (¬5) 2/ 938، 939 من حديث محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه. وصححه الألباني في "الصحيحة" (2572).

هل لك في سهل؟ واللَّه ما يرفع رأسه، قال: "هل تتهمون فيه من أحد؟ " قالوا: نظر إليه عامر بن ربيعة. فدعا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عامرًا، فتغيظ عليه وقال: "علام يقتل أحدكم أخاه، هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت عليه (¬1) ". ثم [قال] (¬2) له: "اغتسل له" فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح، ثم صب ذلك الماء عليه، يصبه رجل على رأسه وظهره من خلفه، ثم يكفأ القدح وراءه ففعل به ذلك، فراح سهل مع الناس ليس به بأس (¬3). وقوله: فلبط. هو بضم اللام وكسر الموحدة ثم طاء مهملة، أي: صرع وسقط إلى الأرض. وقوله: "بركت" أي: قلت: اللهم بارك عليه. فإنه يدفع عنه إصابة العين، ويدفع ذلك قوله: ما شاء اللَّه لا قوة إلا باللَّه. وداخلة إزاره فيه قولان: أحدهما أنه الطرف المتدلي الذي يلي حقوه الأيمن، والثاني أنه فرجه. (ثم يغتسل منه المعين) بفتح (¬4) الميم، بأن يصب المعين الماء على رأسه. وقد اختلف العلماء في العائن هل يجبر على الوضوء للمعين أم لا، واحتج من أوجبه برواية مسلم: "وإذا استغسلتم فاغسلوا" (¬5) وبرواية "الموطأ" التي ذكرناها أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمره بالوضوء، والأمر ¬

_ (¬1) ساقطة من (ح). (¬2) ليست في الأصول، والمثبت ما يقتضيه السياق. (¬3) "مسند أحمد" 3/ 486 - 487. صححه الألباني في "الصحيحة" (2572). (¬4) في (ل)، (م): بضم. (¬5) "صحيح مسلم" (2188) من حديث ابن عباس مرفوعًا.

للوجوب. قال المازري: والصحيح عندي الوجوب، ويبعد الخلاف فيه إذا خشي على المعين الهلاك، وقد علم أنه يجبر على بذل الطعام للمضطر، فهذا أولى (¬1). قال القاضي: في هذا من الفقه أنه ينبغي إذا عرف واحد بالإصابة بالعين أن يجتنب ويحترز منه، وينبغي للإمام أن يمنعه من مداخلة الناس [ويأمره بلزوم بيته، فإن كان فقيرًا رزقه ما يكفيه ويكف أذاه عن] (¬2) الناس؛ فضرره أشد من ضرر آكل البصل والثوم (¬3). * * * ¬

_ (¬1) "المعلم بفوائد مسلم" 2/ 255، 256. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) "إكمال المعلم" 7/ 85.

16 - باب في الغيل

16 - باب في الغَيْلِ 3881 - حَدَّثَنا الرَّبِيعُ بْن نافِعٍ أَبُو تَوْبَةَ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن مُهاجِرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْماءَ بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ قالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ سِرّا، فَإِنَّ الغَيْلَ يُدْرِكُ الفارِسَ فَيُدَعْثِرُهُ عَنْ فَرَسِهِ" (¬1). 3882 - حَدَّثَنا القَعْنَبي، عَنْ مالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ، أَخْبَرَني عُرْوَةُ بْن الزُّبَيْرِ، عَنْ عائِشَةَ زَوْجِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنْ جُدامَةَ الأَسَدِيَّةِ أَنَّها سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنِ الغَيْلَةِ حَتَّى ذُكِّرْتُ أَنَّ الرُّومَ وَفارِسَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فَلا يَضُرُّ أَوْلادَهُمْ". قالَ مالِكٌ: الغَيْلَةُ أَنْ يَمَسَّ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهي تُرْضِعُ (¬2). * * * في الغيل [3881] (حدثنا أبو توبة) الربيع بن نافع الحلبي شيخ الشيخين (حدثنا محمد بن مهاجر) الأنصاري الشامي مولى أسماء بنت يزيد. (عن أبيه) مهاجر بن أبي مسلم دينار مولى أسماء بنت يزيد، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3). (عن) مولاته (أسماء بنت يزيد بن السكن) الأنصارية بنت عمة معاذ، ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 453، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 9/ 284 (3659)، والطبراني في "الكبير" 24/ 183 (463)، وابن حبان في "صحيحه" (5984). وضعفه الألباني. (¬2) رواه مسلم (1442). (¬3) 5/ 427.

قتلت يوم اليرموك تسعة (¬1) بخشبة (قالت: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: لا تقتلوا أولادكم سرًّا) مصدر في موضع الحال. أي: مستخفين بالقتل، ويجوز أن تكون صفة لمصدر محذوف، أي: قتلًا سرًّا. ويجوز أن يكون التقدير: في سر، فتكون ظرفًا. (فإن) زاد النسائي القسم ولفظه: "فوالذي نفسي" بيده إن (¬2). (الغيل) وأصل الغيل أن يجامع الرجل امرأته وهي ترضع سواء كانت حاملًا أم لم تكن، ويقال فيه: الغيلة بكسر الغين، فالغيلة والغيل بمعنًى، وقيل: لا يصح فتح الغين إلا مع حذف الهاء. وقيل: الغيل والغيل سواء، وهو أن تلد المرأة فيغشاها زوجها وهي ترضع فتحمل، وإذا حملت فسد اللبن على الصبي. (يدرك الفارس) لفظ ابن ماجه: "ليدرك الفارس على ظهر فرسه" (¬3) (فيدعثره) أي: يصرعه عن ظهر فرسه. يريد أن من سوء أثره في بدن الطفل وإفساد مزاجه وإرخاء قواه أن ذلك لا يزال ماثلًا فيه إلى أن يشتد ويبلغ مبلغ الرجال، فإذا أراد منازلة قرن في الحرب وهن عنه ووقع عن ظهر فرسه وانكسر، وسبب ذلك الوهن من الغيل. ¬

_ (¬1) في (م): سبعة. (¬2) لم أقف على هذا الحديث عند النسائي، ورواه بهذا اللفظ ابن ماجه (2012)، وأحمد 6/ 457، ولعله وهم في نسبة هذِه الرواية إلى النسائي. (¬3) "سنن ابن ماجه" (2012).

[3882] (حدثنا) عبد اللَّه بن محمد (¬1) (القعنبي، عن مالك، عن محمد (¬2) بن عبد الرحمن بن نوفل) بن الأسود بن نوفل بن خويلد بن أسد بن عبد العزى الأسدي (قال: أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن جدامة) بضم الجيم وفتح الدال المهملة، وقيل بالمعجمة، والصحيح الأول، وهي جدامة بنت وهب (الأسدية) الخزيمية، هاجرت مع قومها إلى المدينة بعدما بايعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وكانت تحت أنيس بن قتادة، والجدامة في اللغة ما لم يندق من السنبل، قاله أبو حاتم (¬3). (أنها سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: لقد هممت أن أنهى عن الغيلة) بكسر الغين، لفظ ابن ماجه: "قد أردت أن أنهى عن الغيال فإذا فارس" (¬4) (حتى ذكرت) -بضم تاء الخطاب- أن الروم وفارس (يفعلون) لفظ "موطأ مالك": "يصنعون" (¬5) (ذلك فلا يضر أولادهم). لفظ ابن ماجه: "فلا يقتلون أولادهم" (¬6)، وفي هذا الحديث جواز [الغيلة، فإنه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم ينه عنها وبين سبب ذلك النهي. وفيه: جواز] (¬7) الاجتهاد لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبه قال جمهور أهل الأصول، وقيل: لا ¬

_ (¬1) كذا في جميع النسخ، والصواب: مسلمة. كما في مصادر ترجمته. (¬2) فوقها في (ح): (ع). (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" 1/ 462. (¬4) "سنن ابن ماجه" (2011). (¬5) 2/ 607 - 608. (¬6) "سنن ابن ماجه" (2011). (¬7) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

يجوز؛ لتمكنه من الوحي، والصواب الأول (¬1)، قيل: يحتمل ذكر فارس والروم لثلاثة أوجه: أحدها: لكثرتهم، والثاني: لسلامة أولادهم في الغالب. والثالث: أنهم أهل طب وحكمة، فلو علموا أنه يضر ما فعلوه، والأطباء يقولون: إن ذلك اللبن داء، والعرب تكرهه وتتقيه. (قال مالك: ) في "الموطأ" (¬2) والأصمعي وغيره من أهل اللغة: (الغيلة) بالفتح هي المرة الواحدة، وأما بالكسر فهي الاسم من الغيل، وهو (أن يمسى) أي: يطأ (الرجل امرأته وهي ترضع) وقال ابن السكيت: هي أن ترضع المرأة ولدها وهي حامل (¬3). يقال: أغال الرجل إذا فعل ذلك. * * * ¬

_ (¬1) وعليه أكثر العلماء. انظر: "الفصول في الأصول" 3/ 282، "المسودة في أصول الفقه" ص 557، "المختصر في أصول الفقه" لابن اللحام ص 164. (¬2) 2/ 608. (¬3) "إصلاح المنطق" ص 10، ص 272.

17 - باب في تعليق التمائم

17 - باب في تَعْلِيقِ التَّمائِمِ 3883 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوَيةَ، حَدَّثَنا الأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو ابنِ مُرَّةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الجَزّارِ، عَنِ ابن أَخي زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقول: "إِنَّ الرُّقَى والتَّمائِمَ والتِّوَلَةَ شِرْكٌ". قالَتْ: قلْتُ: لِمَ تَقُول هذا واللَّه لَقَدْ كانَتْ عَيْني تَقْذِفُ وَكُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى فُلانٍ اليَهُودي يَرْقِيني فَإِذا رَقاني سَكَنَتْ. فَقالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّما ذاكِ عَمَلُ الشَّيْطانِ كانَ يَنْخَسُها بِيَدِهِ فَإِذا رَقاها كَفَّ عَنْها، إِنَّما كانَ يَكْفِيكِ أَنْ تَقُولي كَما كانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يقولُ: "أَذْهِبِ الباسَ رَبَّ النّاسِ اشْفِ أَنْتَ الشّافي لا شِفاءَ إِلَّا شِفاؤُكَ شِفاءً لا يُغادِرُ سَقَمًا" (¬1). 3884 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ داوُدَ، عَنْ مالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنِ الشَّعْبي، عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "لا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ" (¬2). * * * باب تعليق التمائم [3883] (حدثنا محمد بن العلاء، حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (ثنا الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن يحيى بن الجزار) بفتح الجيم والزاي المشددة العرني الكوفي، أخرج له مسلم في الصلاة (¬3)، ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (3530)، وأحمد 1/ 381. وصححه الألباني في "الصحيحة" (331). (¬2) رواه الترمذي (2057)، وأحمد 4/ 436، ورواه البخاري (5705) موقوفا. (¬3) "صحيح مسلم" (627) (204) كتاب المساجد. وروى له أيضًا في موضع آخر برقم (2799) من حديث أُبي بن كعب.

والأربعة (عن ابن أخي زينب) وكذا في بعض نسخ ابن ماجه (¬1)، والرواية المشهورة: ابن أخت زينب. قال المنذري: وفي نسخة: عن أخت زينب عنها (¬2). ورواه الحاكم أخصر منهما وقال: صحيح الإسناد (¬3). (امرأة عبد اللَّه) بن مسعود (عن زينب امرأة عبد اللَّه) وهي بنت عبد اللَّه الثقفية، وقيل: بنت معاوية الثقفية، قال الذهبي: لها صحبة (¬4). (عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول) وذكر ابن ماجه أول الحديث قصة (¬5) وهي: عن زينب قالت: كانت عجوز تدخل علينا ترقي من الحمرة، وكان لنا سرير طويل القوائم، وكان عبد اللَّه إذا دخل تنحنح وصوَّت، فدخل يومًا، فلما سمعت صوته احتجبت منه، فجاء فجلس إلى جانبي فمسني فوجد مس خيط، فقال: ما هذا؟ قلت: رقي لي فيه من الحمرة. فجذبه فقطعه فرمى به، وقال: لقد أصبح آل عبد اللَّه أغنياء عن الشرك، سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول (¬6) (إن الرقى) بضم الراء وتخفيف القاف مع القصر، جمع رقية، كدمى جمع دمية (والتمائم) جمع تميمة وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين في زعمهم، فأبطله الإسلام ¬

_ (¬1) في "سنن ابن ماجه" المطبوع (3530): ابن أخت زينب. (¬2) "مختصر سنن أبي داود" 5/ 363. (¬3) "المستدرك" 4/ 417 - 418. (¬4) "تذهيب التهذيب" 11/ 138 (8668)، "الكاشف" 2/ 509 (7004). (¬5) ساقطة من (ل)، (م). (¬6) "سنن ابن ماجه" (3530).

(والتولة) بكسر المثناة فوق وبفتح الواو المخففة، قال الخليل: التِّولة والتُّولة بكسر التاء وضمها شبيه بالسحر (¬1)، وقد جاء تفسير التولة فيما رواه ابن حبان في "صحيحه" والحاكم باختصار -وقال: صحيح الإسناد عن ابن مسعود- أنه دخل على امرأته وفي عنقها شيء معقود فجذبه فقطعه ثم قال: لقد أصبح آل عبد اللَّه أغنياء أن يشركوا باللَّه ما لم ينزل به سلطانًا، سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إن الرقى والتمائم والتولة شرك". قالوا: يا أبا عبد الرحمن هذِه التمائم والرقى قد عرفناها فما التولة؟ قال: شيء تصنعه النساء يتحببن به إلى أزواجهن (¬2). يعني: من السحر، قيل: هو خيط يقرأ فيه من السحر والنيرنجات [أو قرطاس يكتب فيه شيء بينهما ليتحبب النساء إلى قلوب الرجال أو يحبب الرجال إلى قلوب النساء] (¬3). فأما ما تتحبب به المرأة إلى زوجها من كلام مباح كما يسمى الغنج، كما في تفسير قوله تعالى: {عُرُبًا أَتْرَابًا} (¬4) أي: العرب المتحببات إلى أزواجهن، وما تلبسه تتقرب به إلى محبته إذا كان مباحًا، وكما تطعمه من عقار مباح أكله، أو أجزاء حيوان مأكول مما يعتقد أنه سبب إلى محبة زوجها بما أودع اللَّه تعالى فيه من الخصيصة بتقدير اللَّه تعالى، لا أنه يفعل ذلك بذاته، فالظاهر أن هذا جائز، لا أعرف الآن ما ¬

_ (¬1) في "العين" 8/ 135: التِّوَلة، ويقال: التُّوَلة: التعاويذ. (¬2) "صحيح ابن حبان" 13/ 456 (6090)، "المستدرك" 4/ 417 - 418. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ح). (¬4) الواقعة: 37.

يمنعه في (¬1) الشرع. (شرك) جعل هذِه الأشياء الثلاثة من الشرك لاعتقادهم أن ذلك يؤثر بنفسه ويفعل ذلك بخلاف ما قدره اللَّه تعالى (قالت: قلت له: لم) أي: لأي شيء (تقول هذا؟ ) الكلام وتجعله شركًا (واللَّه لقد كانت عيني تقذف) مبني للمجهول ومبني للفاعل، أي: تقذف الدمع الكثير لسرعة سيلانها، والقذف: الرمي بقوة، كما بينته رواية ابن ماجه الآتية (وكنت اختلف) أي: آتي (إلى فلان اليهودي) وإنما يقال ذلك من أتى إلى مكان خلف خروج من يخشى منعه من الخروج، أو خلف خروج من يخشى منعه من الدخول إلى مكانه. (يرقيني) بفتح أوله، وهو الياء الأولى، وسكون الياء الثانية (فإذا رقاني) بسكون الألف دون همز (سكنت) بفتح النون، أي: سكنت دمعة عيني، كما لابن ماجه، ولفظه: قالت: قلت: فإني خرجت يومًا فأبصرني فلان فدمعت عيني التي تليه، فإذا رقيتها سكنت دمعتها، وإذا تركتها دمعت (¬2). (فقال عبد اللَّه) بن مسعود (إنما ذاكِ) بكسر كاف التأنيث (عمل الشيطان ينخسها) بفتح الياء، وضم الخاء، كقتل يقتل، والنخس: الطعن بعود ونحوه (بيده، فإذا رقاها كف) الشيطان (عنها) لفظ ابن ماجه: ذاك الشيطان إذا أطعته تركك وإذا عصيته طعن بأصبعه في عينك، ولكن لو فعلت كما فعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان خيرًا لك وأجدر ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): من. (¬2) "سنن ابن ماجه" (3530).

أن تُشْفَين. تنضحين في عينيك الماء (تقولي) (¬1). (إنما كان يكفيك أن تقولي كما كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: أذهب) بفتح همزة القطع (البأس) فيه جواز السجع ما لم يكن مقصودًا، بسكون الهمزة: الضر والشدة والخوف (رب) بالنصب منادى مضاف حذف منه حرف النداء (الناسِ اشف) بكسر الهمزة (أنت الشافي) اسم فاعل من شفى، والألف فيه بمعنى الذي، أي: أنت الذي تشفي، وليس الشافي اسم علم للَّه إذ لم يكثر ذلك ولم يتكرر (لا شفاء) على الحقيقة (إلا شفاؤك) بالرفع من (لا شفاء) مثل: لا إله إلا اللَّه. وللبخاري: "لا كاشف له إلا أنت" (¬2) (شفاءً) بالنصب مصدر من اشف، أي: اشف شفاءً، ويجوز الرفع بدل من (شفاؤك) أو خبر مبتدأ محذوف، أي: فهو شفاءٌ (لا يغادر) لا يترك (سقمًا) بضم السين وسكون القاف، وبفتحهما لغتان. [3884] (حدثنا مسدد، ثنا عبد اللَّه بن داود) بن عامر الهمداني، أخرج له البخاري (عن مالك بن مغول) بكسر الميم، البجلي، أحد علماء الكوفة (عن حصين) بضم الحاء، وفتح الصاد المهملتين، وهو ابن عبد [الرحمن] (¬3) الأشهلي. (عن الشعبي، عن عمران بن حصين رضي اللَّه عنهما عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: لا رقية إلا من) فيه حذف تقديره: لا رقية كاملة النفع إلا رقية ¬

_ (¬1) كذا في النسخ الخطية، والصواب وتقولين. وهو كما في "سنن ابن ماجه" (3530). (¬2) "صحيح البخاري" (5744) من حديث عائشة مرفوعًا. (¬3) ساقطة من النسخ الخطية.

من إصابة (عين) كما في: "أذهب البأس رب الناس"، في الحديث قبله (أو) رقية من (حمة) بضم الحاء المهملة، وفتح الميم المخففة، فليس هذا الحصر الذي في الحديث على بابه حتى يدل بمفهومه على عدم جواز الرقية في غيرهما، بل هو كقولهم: لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي. والحمة أصلها: حمو أو حُمَى بوزن صُرَد، والهاء فيها عوض من الواو المحذوفة أو الياء، مثل: سمة من الوسم، وهذا على تخفيف الميم، أما من شدَّد فالأصل عنده حُمَمة، ثم أدغم، كما في الحديث: "العالم مثل الحمة" (¬1)، وهي عين ماءٍ جارٍ ببلاد الشام، يستشفي بها المرضى، وأنكر الأزهري تشديد الميم. والمراد بالحمة السم من ذوات السموم، وقد تسمى إبرة العقرب والزنبور ونحوهما حمة؛ لأن السم منهما يخرج، فهو من التجوز بالشيء على ما يجاوره. ومن أنفع الرقى للديغ من الحية والعقرب ونحوهما الرقية بفاتحة الكتاب كما في الصحيحين (¬2)، وقد قيل: إن موضع الرقية من الفاتحة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ولا ريب أن هاتين الكلمتين من أقوى أجزاء هذا الدواء، وفي تأثير الرقى بالفاتحة وغيرها سر بديع؛ فإن ذوات السموم أثرت بكيفيات نفوسها الخبيثة وسلاحها حماتها التي تلدغ بها، وهي لا تلدغ حتى تغضب، فإذا غضبت ثار فيها السم فتقذفه بآلتها، وقد جعل اللَّه لكل شيء ضدًّا، ونفس الراقي ¬

_ (¬1) انظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد الهروي 2/ 456. (¬2) رواه البخاري (2276)، ومسلم (2201) من حديث أبي سعيد الخدري.

تنفع في نفس المرقي فيقع بين نفسيهما فعل وانفعال، كما يقع بين الداء والدواء فتقوى نفس الراقي والمرقي بالرقية على ذلك الداء فيدفعه بإذن اللَّه، وكما يقع الدفع بين الداء والدواء الطبيعيين كذلك يقع بين الداء والدواء الروحانيين، ونفس الراقي الطيبة تقابل تلك النفوس الخبيثة، وتستعين بالرقية والنفث على إزالة ذلك، وكلما كانت نفس الراقي أقوى كانت الرقية أتم. * * *

18 - باب ما جاء في الرقى

18 - باب ما جاءَ في الرُّقَى 3885 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن صالِحٍ وابْنُ السَّرْحِ، قالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، وقالَ ابن السَّرْحِ: أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ، حَدَّثَنا داودُ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدٍ، وقالَ ابن صالِحٍ: مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ ثابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى ثابِتِ بْنِ قَيْسٍ، قالَ أَحْمَدُ: وَهُوَ مَرِيضٌ فَقالَ: "اكْشِفِ الباسَ رَبَّ النّاسِ"، عَنْ ثابِتِ بْنِ قَيْسٍ ثُمَّ أَخَذَ تُرابًا مِنْ بَطْحانَ فَجَعَلَهُ في قَدَحٍ، ثُمَّ نَفَثَ عَلَيْهِ بِماءٍ وَصَبَّه عَلَيْهِ. قالَ أَبُو داوُدَ: قالَ ابن السَّرْحِ يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّوابُ (¬1). 3886 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَني مُعاوِيةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مالِكٍ قالَ: كُنّا نَرْقي في الجاهِلِيَّةِ فَقُلْنا يا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرى في ذَلِكَ؟ فَقالَ: "اعْرِضُوا عَلي رُقاكُمْ لا بَأْسَ بِالرُّقَى ما لَمْ تَكُنْ شِرْكًا" (¬2). 3887 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ مَهْدي المِصِّيصي، حَدَّثَنا عَلي بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ، عَنْ صالِحِ بْنِ كَيْسانَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، عَنِ الشِّفاءِ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ قالَتْ: دَخَلَ عَلي رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَأَنا عِنْدَ حَفْصَةَ فَقالَ لَي: "أَلا تُعَلِّمِينَ هذِه رُقْيَةَ النَّمْلَةِ كَما عَلَّمْتِيها الكِتابَةَ" (¬3). 3888 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ الواحِدِ بْن زِيادٍ، حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ حَكِيمٍ حَدَّثَتْني جَدَّتي الرَّبابُ قالَتْ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ يَقولُ: مَرَرْنا بِسَيْلٍ فَدَخَلْتُ فاغْتَسَلْتْ فِيهِ فَخَرَجْتُ مَحْمُومًا فَنُمي ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالَ: "مُرُوا أَبا ¬

_ (¬1) إسناده ضعيف، وله شاهد قوي رواه البخاري (5675)، ومسلم (2191) من حديث عائشة. (¬2) رواه مسلم (2200). (¬3) رواه النسائي في "الكبرى"، وله شاهد رواه مسلم (2196).

ثابِتٍ يَتَعَوَّذ". قالَتْ: فَقُلْتُ: يا سيِّدي والرُّقَى صالِحَةٌ؟ فَقالَ: "لا رُقْيَةَ إِلَّا في نَفْسٍ أَوْ حُمَةٍ أَوْ لَدْغَةٍ". قالَ أَبُو داوُدَ: الحُمَة مِنَ الحيّاتِ وَما يَلْسَعُ (¬1). 3889 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْن داوُدَ، حَدَّثَنا شَرِيك، ح وَحَدَّثَنا العَبّاسُ العَنْبَري، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْن هارُونَ، أَخْبَرَنا شَرِيكٌ عَنِ العَبّاسِ بْنِ ذَرِيحٍ، عَنِ الشَّعْبي، قالَ العَبّاسُ: عَنْ أَنَسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ أَوْ دَمٍ يَرْقَأُ". لَمْ يَذْكُرِ العَبّاسُ العَيْنَ وهذا لَفْظُ سُلَيْمانَ بْنِ داوُدَ (¬2). * * * باب ما جاء في الرقى [3885] (حدثنا أحمد بن صالح و) أحمد (ابن السرح، قال أحمد) ابن صالح: (ثنا) عبد اللَّه (ابن وهب، وقال ابن السرح: أخبرنا ابن وهب. قال: ثنا داود (¬3) بن عبد الرحمن) العطار (عن عمرو بن يحيى) بن عمارة المازني (عن يوسف بن محمد) بن ثابت بن قيس. (وقال) أحمد (بن صالح) هو (محمد بن يوسف بن ثابت بن قيس بن شماس) بفتح المعجمة وتشديد الميم (عن أبيه) يوسف (عن جده) ثابت ابن قيس بن شماس خطيب الأنصار، شهد أحدًا، وقتل باليمامة (عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه دخل على ثابت بن قيس) الأنصاري (قال أحمد) بن صالح في روايته: دخل عليه (وهو مريض) فوضع يده عليه (فقال: ¬

_ (¬1) رواه النسائي في "الكبرى" 6/ 256، وأحمد 3/ 486، والحاكم 4/ 413. وضعفه الألباني. (¬2) رواه الحاكم 4/ 413، وصح عند مسلم (2196) بلفظ: رخص في الحمة والنملة والعين. (¬3) فوقها في (ل، ح): (ع).

اكشف الباس) يا (رب الناس) وروي (عن ثابت بن قيس) الأنصاري (ثم أخذ) بعد الدعاء (ترابًا من بطحان) بضم الباء الموحدة وسكون الطاء المهملة، هكذا قيده أصحاب الحديث، وقيده أهل العربية بفتح الباء وكسر الطاء، وهو اسم واد بالمدينة، والبطحاء والأبطح: كل مسيل متسع فيه دقاق الحصا (فجعله في قدح ثم نفث) بثاء مثلثة، أي: نفخ مع الرقية أو قراءة القرآن. قال أبو عبيد: لا يكون النفث إلا ومعه شيء من الريق (¬1). (بماء) كان في فيه، واللَّه أعلم (وصَبَّه عليه) أي: على ثابت بن قيس المريض (قال) المصنف (قال) أحمد بن عمرو (ابن السرح) هو (يوسف ابن محمد) بن ثابت (قال) المصنف وتبعه المنذري وغيره (¬2) (وهو الصواب). [3886] (حدثنا أحمد بن صالح، ثنا ابن وهب، قال: أخبرني معاوية) بن صالح بن حدير الحضرمي الحمصي، قاضي الأندلس، أخرج له مسلم (¬3) في الجهاد وغيره. (عن عبد الرحمن بن جبير) المصري المؤذن (¬4) أخرج له مسلم في ¬

_ (¬1) ما وجدته لأبي عبيد في كلامه عن النفث مغاير لهذا القول، قال في "غريب الحديث" 1/ 185: النفث بالفم شبيه بالنفخ، فأما التفل فلا يكون إلا ومعه شيء من الريق. (¬2) "مختصر سنن أبي داود" 5/ 364، وانظر: "الجرح والتعديل" 9/ 228 (958)، "الثقات" لابن حبان 7/ 633، "تهذيب الكمال" 32/ 454 (7151). (¬3) "صحيح مسلم" (2939/ 110). (¬4) كذا في الأصول، وهو خطأ. والصواب: ابن نفير الحضرمي؛ فالمصري المؤذن غير الحضرمي. وانظر ترجمتيهما في "تهذيب الكمال" 17/ 26، 28 على التوالي.

مواضع (عن أبيه) جبير بن نفير الحضرمي، أخرج له مسلم (¬1). وأدرك الجاهلية (عن عوف بن مالك) بن أبي عوف الأشجعي، كانت معه راية أشجع يوم الفتح. (قال: كنا نرقي) بفتح النون وكسر القاف (في الجاهلية فقلنا: يا رسول اللَّه، كيف ترى في ذلك) فيه وجوب استفتاء العالم عما جهل حكمه (فقال: اعرضوا علي رقاكم) فيه سؤال المستفتى عما أبهمه في السؤال، فإن الحكم على الشيء فرع تصوُّره، فلما عرضوها عليه فقال (لا بأس بالرقى) إذا كان فيها نفع؛ لما روى مسلم عن جابر قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الرقى، فجاء آل عمرو بن حزم إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالوا: يا رسول اللَّه، إنه كانت عندنا رقية نرقي بها من العقرب، وإنك نهيت عن الرقى، قال: فعرضوا عليه، فقال: "ما أرى بأسًا، من استطاع أن ينفع أخاه فلينفعه" (¬2). (ما لم تكن شركًا) لفظ مسلم: "ما لم يكن فيه شرك" أي: ما لم يكن فيه شيء من الشرك المحرم، وفيه دليل على جواز الرقى والتطبب بما لا ضرر فيه ولا منع شرعًا مطلقًا، وإن كان بغير أسماء اللَّه تعالى وكلامه، لكن إذا كان مفهومًا، وفيه الحث على السعي في إزالة الأمراض والأضرار عن المسلمين بكل ممكن جائز. [3887] (حدثنا إبراهيم بن مهدي المصيصي) بكسر الميم، والصاد ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2199) (63). (¬2) "صحيح مسلم" (2200).

المشددة الأولى، نسبة إلى المصيصة، مدينة على ساحل البحر، وهي بالشام، وثقه أبو حاتم (¬1). (حدثنا علي بن مسهر، عن عبد (¬2) العزيز بن عمر بن عبد العزيز) بن مروان بن الحكم الأموي. (عن صالح بن كيسان، عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة) القرشي العدوي المدني، أخرج له الشيخان. (عن) ليلى وغلب عليها (الشفاء (¬3) بنت عبد اللَّه) بن عبد شمس القرشية العدوية، أسلمت قبل الهجرة، بايعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهي من المهاجرات الأول، وهي أم سليمان بن أبي حثمة، كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يأتيها ويقيل في بيتها، وكان عمر يقدمها في الرأي ويفضلها. (قالت: دخل عليَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنا عند حفصة) بنت عمر بن الخطاب، زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (فقال: ألا تعلمين) بضم التاء، وتشديد اللام المكسورة (هذِه) يعني: حفصة (رقية النملة) بفتح النون، وسكون الميم، وهي قروح تخرج في الجنب والجنبين، وتسمى نملة؛ لأن صاحبها يحس في مكانه كأن نملة تدب عليه وتعضه، وأصنافها ثلاثة، ورقية النملة كلام كانت نساء العرب تستعمله، يعلم كل من سمعه أنه كلام لا يضر ولا ينفع، ورقية النملة التي كانت تعرف بينهن أن يقال: ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 2/ 139 (447). (¬2) فوقها في (ل، ح): (ع). (¬3) ورد في هامش (ح، ل): الشفاء قال ابن الأثير: بالشين المكسورة وبالفاء والمد والقصر. في "جامع الأصول".

العروس تحتفل وتختضب وتكتحل، وكل شيء تفتعل، غير أن لا تعصي الرجل، ويروى عوض تفتعل: [تنتعل] (¬1)، وعوض تختضب: تقتال فأراد -عليه السلام- بهذا المقال تأنيب حفصة والتأديب لها، تعريض؛ لأنه ألقى إليها سرًّا فأفشته، على ما شهد به التنزيل في قوله تعالى: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} (¬2). قال ابن قتيبة: تزعم [المجوس] (¬3) أن ولد الرجل من أخته إذا خط على النملة شفي صاحبها (¬4). وقد تخرج القروح في غير الجنب فترقى فتذهب بإذن اللَّه تعالى. (كما علمتيها) الياء تولدت عن التاء (الكتابة) فيه دليل على جواز تعليم النساء الكتابة، وأما حديث: "لا تعلموهن الكتابة ولا تسكنوهن الغرف وعلموهن [الغزل و] (¬5) سورة النور" (¬6) فالنهي عن تعليم الكتابة ¬

_ (¬1) ساقطة من جميع النسخ، أثبتناها من "النهاية في غريب الحديث والأثر" 5/ 125. (¬2) التحريم: 3. (¬3) ساقطة من جميع النسخ، والمثبت مستفاد من "غريب الحديث" لابن قتيبة 2/ 621. (¬4) "غريب الحديث" 2/ 621. (¬5) ساقطة من (ح). (¬6) رواه من حديث عائشة مرفوعًا الطبراني في "المعجم الأوسط" 6/ 34 (5713)، والحاكم 2/ 396، والبيهقي في "شعب الإيمان" 2/ 477 - 478 (2453، 2454)، والخطيب في "تاريخ بغداد" 14/ 224. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وتعقبه الذهبي بقوله: بل موضوع، وآفته عبد الوهاب، قال أبو حاتم: كذاب. وقال البيهقي: وهو بهذا الإسناد منكر، واللَّه أعلم. وأورده الهيثمي في "المجمع" 4/ 93، وقال: رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه: محمد بن إبراهيم الشامي. =

في هذا الحديث محمول على من يخشى من تعليمها الفساد. وروى الخلال أن الشفاء كانت ترقي في الجاهلية من النملة، فلما هاجرت إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قالت: أريد أعرضها عليك، فعرضتها فقالت: بسم اللَّه، حتى تعود من أفواهها ولا تضر أحدًا، اللهم اكشف الباس رب الناس. ترقي بها على عود سبع مرات، وتقصد مكانًا نظيفًا، وتدلكه على حجر بخل خمر حاذق وتطليه على النملة (¬1). [3888] (حدثنا مسدد، ثنا عبد (¬2) الواحد بن زياد) العبدي (ثنا عثمان ابن حكيم) بفتح المهملة، ابن عباد بن حنيف الأوسي، وثقوه. (قال: حدثتني جدتي الرباب) بفتح الراء وتخفيف الباء الأولى. (قالت: سمعت سهل بن حنيف) بالتصغير، وهو ابن واهب الأوسي، شهد بدرًا (يقول: مررنا بسيل) ماء (فدخلت فاغتسلت فيه) فرآني عامر ابن ربيعة العنزي حليف بني عدي وأنا أغتسل عريانًا، فقال: واللَّه ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة. يعني: ما رأيت مثل جلد سهل الذي رأيته اليوم ولا جلد المرأة المخدرة، التي لا تخرج من البيت ولم تتزوج؛ لأن صيانتها أبلغ من صيانة المزوجة، فسقط سهل صريعًا من إصابة عين عامر. ¬

_ = قال الدارقطني: كذاب. وقال ابن حجر في "إتحاف المهرة" 17/ 344 (22375) بعدما عزا تخريجه للحاكم وتصحيحه له: بل عبد الوهاب -أحد رواته- متروك. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (2017)، قال: موضوع. (¬1) انظر: "زاد المعاد" 4/ 184 - 185. (¬2) فوقها في (ح، ل): (ع).

(فخرجت محمولًا) (¬1) على الرجال (فنما) بتخفيف الميم (ذلك) الحديث (إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) يقال: نميت الحديث بتخفيف الميم أنميه إذا بلغته على وجه الإصلاح وطلب الحديث، ونميته بالتشديد إذا بلغته على وجه الإفساد والنميمة. (فقال: مروا أبا ثابت) سهل بن حنيف أن (يتعوذ) بالرقية مما أصابه (قالت) الرباب (فقلت: يا سيدي، والرقى صالحة؟ ) أي: تنفع من إصابة العين، من قولهم: فلان صالح للولاية. أي: له أهلية القيام بها (فقال: لا رقيق) لم يرد نفي الرقية فيما سوى هذِه الثلاثة، فقد كان -صلى اللَّه عليه وسلم- يرقي أصحاب الأوجاع المتنوعة والأمراض المختلفة، بل أراد واللَّه أعلم: لا رقية يعظم الانتفاع بها، فهي كقولهم: لا سيف إلا ذو الفقار (إلا في نفس) النفس: العين، يقال: أصابت فلانًا نفس. أي: عين. والنافس: العائن (أو حمة) بضم الحاء المهملة وفتح الميم المخففة كما تقدم (أو لدغة) بالدال المهملة والغين المعجمة، يقال: لدغته العقرب ونحوها فهو ملدوغ ولديغ. قال ابن قيم الجوزية: يذكر عن ابن شهاب الزهري قال: لدغ بعض أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حية، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هل من راقٍ؟ " فقالوا: يا رسول اللَّه، إن آل حزم كانوا يرقون رقية الحية، فلما نهيت عن الرقى تركوها. فقال: "ادعوا عمارة بن حزم". فدعوه، فعرض عليه رقاه، فقال: "لا بأس بها" فأذن له (¬2). ¬

_ (¬1) في هامش (ح)، وفي صلب (ل)، (م): نسخة محمومًا. (¬2) "زاد المعاد" 4/ 185.

ورواه مسلم بغير هذا اللفظ (¬1)، فيها: فرقاه. (قال) المصنف (الحمة من) لدغ (الحيات و) كل (ما يلسع) ويقال: اللدغة جامعة لكل هامة تلدغ. قال الأزهري: اللدغ بالناب (¬2). قال في "النهاية": اللسع واللدغ سواء (¬3). [3889] (حدثنا سليمان بن داود) العتكي، سكن بغداد، شيخ الشيخين (ثنا شريك) بن عبد اللَّه النخعي. (ح وحدثنا العباس) بالموحدة والسين المهملة، وهو أبو الفضل عباس بن عبد العظيم (العنبري) شيخ مسلم. (ثنا يزيد بن هارون، أنا شريك) بن عبد اللَّه (عن العباس بن ذريح) بفتح الذال المعجمة وكسر الراء وسكون المثناة تحت، ثم حاء مهملة، وكذا أخوه فضل بن ذريح الكلبي الكوفي. وقال ابن معين: عباس بن ذريح ثقة (¬4). وقال أحمد: صالح (¬5). (عن الشعبي قال العباس) العنبري (عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا رقية إلا من عين أو حمة أو دم يرقأ) بهمزة آخره، يقال: رقأ الدمع والدم والعرف، أي: سكن وانقطع، أي: يرقأ للدم لينقطع، ورواية ¬

_ (¬1) من حديث جابر (2199) (63). (¬2) "تهذيب اللغة" 8/ 73، ونسب هذا القول لِلَّيث. (¬3) 4/ 248. (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 14/ 210 (3119)، "تهذيب التهذيب" 2/ 288. (¬5) انظر: "تهذيب الكمال" 14/ 210 (3119)، "تهذيب التهذيب" 2/ 288، "بحر الدم" (506).

ابن ماجه من حديث سليمان (¬1): رخص رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الرقية من العين والحمة والنملة (¬2). فأبدل الدم الذي يرقأ بالنملة، فيشبه أن يكون تفسيرًا له، فإن الحديث يفسر بعضه بعضًا باختلاف الروايات. (لم يذكر العباس) العنبري في روايته (العين، وهذا لفظ سليمان بن داود) العتكي. * * * ¬

_ (¬1) كذا في جميع النسخ: سليمان. وهو خطأ، والصواب: أنس، انظر: "سنن ابن ماجه" (3516). (¬2) "سنن ابن ماجه" (3516)، صححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" (2834).

19 - باب كيف الرقى؟

19 - باب كَيْفَ الرُّقَى؟ 3890 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ قالَ: قالَ أَنَسٌ -يَعْني: لِثابِتٍ-: أَلا أَرْقِيكَ بِرُقْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ؟ قالَ بَلَى. قالَ: فَقالَ: "اللَّهُمَّ رَبَّ النّاسِ مُذْهِبَ الباسِ اشْفِ أَنْتَ الشّافي لا شافي إِلَّا أَنْتَ اشْفِهِ شِفاءً لا يُغادِرُ سَقَمًا" (¬1). 3891 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ القَعْنَبي، عَنْ مالِكٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ السُّلَمي أَخْبَرَهُ أَنَّ نافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ عُثْمانَ بْنِ أَبِي العاصِ أَنَّهُ أَتَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ عُثْمانُ وَبي وَجَعٌ قَدْ كادَ يُهْلِكُني قالَ: فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "امْسَحْهُ بِيَمِينِكَ سَبْعَ مَرّاتٍ، وَقُلْ: أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ ما أَجِدُ". قالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- ما كانَ لى فَلَمْ أَزَلْ آمُرُ بِهِ أَهْلي وَغَيْرَهُمْ (¬2). 3892 - حَدَّثَنا يَزِيدُ بْن خالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ الرَّمْلي، حَدَّثَثا اللَّيْثُ، عَنْ زِيادِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظي، عَنْ فَضالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْداءِ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقول: "مَنِ اشْتَكَى مِنْكُمْ شَيْئًا أَوِ اشْتَكاهُ أَخٌ لَهُ فَلْيَقُلْ رَبُّنا اللَّهُ الذي في السَّماءِ تَقَدَّسَ اسْمُكَ أَمْرُكَ في السَّماءِ والأَرْضِ كَما رَحْمَتُكَ في السَّماءِ، فاجْعَلْ رَحْمَتَكَ في الأرْضِ، اغْفِرْ لَنا حُوبَنا وَخَطايانا، أَنْتَ رَبُّ الطّيِّبِينَ أَنْزِلْ رَحْمَةً مِنْ رَحْمَتِكَ، وَشِفاءً مِنْ شِفائِكَ عَلَى هذا الوَجَعِ فَيَبْرأُ" (¬3). 3893 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كانَ يُعَلِّمُهُمْ مِنَ الفَزَعِ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5742). (¬2) رواه مسلم (2202). (¬3) رواه النسائي في "الكبرى" (10876). وقال الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (2013): ضعيف جدا.

كَلِماتٍ: "أَعُوذُ بِكَلِماتِ اللَّهِ التّامَّةِ مِنْ غَضَبِهِ وَشَرِّ عِبادِهِ وَمِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ". وَكانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو يُعَلِّمُهُنَّ مَنْ عَقَلَ مِنْ بَنِيهِ وَمَنْ لَمْ يَعْقِلْ كَتَبَهُ فَأَعْلَقَهُ عَلَيْهِ (¬1). 3894 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن أَبي سُرَيْجٍ الرّازي، أَخْبَرَنا مَكّي بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا يَزِيدُ ابْن أَبِي عُبَيْدٍ قالَ: رَأَيْت أَثَرَ ضَرْبَةٍ في ساقِ سَلَمَةَ فَقُلْتُ: ما هذِه؟ قالَ: أَصابَتْني يَوْمَ خَيبَرَ فَقالَ النّاسُ: أُصِيبَ سَلَمَةُ، فَأُتي بي رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَنَفَثَ في ثَلاثَ نَفَثاتٍ فَما اشْتَكَيْتُها حَتَّى السّاعَةِ (¬2). 3895 - حَدَّثَنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ، قالا: حَدَّثَنا سُفْيان بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ -يَعْني: ابن سَعِيدٍ- عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: كَانَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ لِلإِنْسانِ إِذا اشْتَكَى يَقولُ بِرِيقِهِ ثُمَّ قالَ بِهِ في التُّرابِ: "تُرْبَةُ أَرْضِنا بِرِيقَةِ بَعْضِنا يُشْفَى سَقِيمُنا بِإِذْنِ رَبِّنا" (¬3). 3896 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ زَكَرِيّا، قالَ: حَدَّثَني عامِرٌ، عَنْ خارِجَةَ بْنِ الصَّلْتِ التَّمِيمي, عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَأَسْلَمَ ثُمَّ أَقْبَلَ راجِعًا مِنْ عِنْدِهِ فَمَرَّ عَلَى قَوْمٍ عِنْدَهُمْ رَجُلٌ مَجْنُونٌ مُوثَقٌ بِالحَدِيدِ فَقالَ أَهْلُهُ إِنّا حُدِّثْنا أَنَّ صاحِبَكُمْ هَذا قَدْ جاءَ بِخَيْرٍ فَهَلْ عِنْدَكَ شَيء تُداوِيهِ؟ فَرَقَيْتهُ بِفاتِحَةِ الكِتابِ فَبَرَأَ، فَأَعْطُوني مِائَةَ شاةٍ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَأَخْبَرْتُهُ فَقالَ: "هَلْ إِلَّا هذا". وقالَ مُسَدَّدٌ في مَوْضِعٍ آخَرَ: "هَلْ قُلْتَ غَيْرَ هذا؟ ". قُلْت: لا. قالَ: "خُذْها فَلَعَمْري لَمَنْ أَكَلَ بِرُقْيَةِ باطِلٍ لَقَدْ أَكَلْتَ بِرُقْيَةِ حَقٍّ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3528)، وأحمد 2/ 181. وصححه الألباني في "الصحيحة" 1/ 529. (¬2) رواه البخاري (4206). (¬3) رواه البخاري (5745)، ومسلم (2194). (¬4) سبق برقم (3420).

3897 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعاذٍ، حَدَّثَنا أَبي، ح وَحَدَّثَنا ابن بَشّارٍ، حَدَّثَنا ابن جَعْفَرٍ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبي، عَنْ خارِجَةَ بْنِ الصَّلْتِ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ مَرَّ قالَ: فَرَقاهُ بِفاتِحَةِ الكِتابِ ثَلاثَةَ أيّامٍ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً كُلَّما خَتَمَها جَمَعَ بُزاقَهُ ثُمَّ تَفَلَ فَكَأَنَّمَا أُنْشِطَ مِنْ عِقالٍ فَأَعْطَوْهُ شَيْئًا فَأَتَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ثُمَّ ذَكَرَ مَعْنَى حَدِيثِ مُسَدَّدٍ (¬1). 3898 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن يُونُسَ، حَدَّثَنا زهَيْرٌ، حَدَّثَنا سُهَيْلُ بْنُ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ قالَ: كُنْتُ جالِسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحابِهِ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ لُدِغْتُ اللَّيْلَةَ فَلَمْ أَنَمْ حَتَّى أَصْبَحْتُ. قالَ: "ماذا". قالَ عَقْرَبٌ. قالَ: "أَما إِنَّكَ لَوْ قُلْتَ حِينَ أَمْسَيْتَ أَعُوذُ بِكَلِماتِ اللَّهِ التّامّاتِ مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ لَمْ تَضُرَّكَ إِنْ شاءَ اللَّهُ" (¬2). 3899 - حَدَّثَنا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، حَدَّثَنا بَقِيَّة حَدَّثَني الزُّبَيْدي، عَنِ الزُّهْري، عَنْ طارِقٍ -يَعْني: ابن مُخاشِنٍ- عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: أُتي النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بِلَدِيغٍ لَدَغَتْهُ عَقْرَبٌ قالَ: فَقالَ: "لَوْ قالَ أَعُوذُ بِكَلِماتِ اللَّهِ التّامَّةِ مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ لَمْ يُلْدَغْ". أَوْ: "لَمْ تَضُرَّهُ" (¬3). 3900 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ أَبي بِشْرٍ، عَنْ أَبي المُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْري أَنَّ رَهْطًا مِنْ أَصْحابِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- انْطَلَقُوا في سَفْرَةٍ سافَرُوها فَنَزَلُوا بِحَي مِنْ أَحْياءِ العَرَبِ فَقالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ سيِّدَنا لُدِغَ، فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ شَيء يَنْفَعُ صاحِبَنا فَقالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: نَعَمْ واللَّه إِنّي لأَرْقي، ولكن اسْتَضَفْناكُمْ فَأَبَيْتُمْ أَنْ ¬

_ (¬1) رواه النسائي في "الكبرى" (10804)، وأحمد 5/ 210. وهو مكرر سابقه. (¬2) رواه أحمد 3/ 448. وصححه الألباني. (¬3) رواه النسائي في "الكبرى" (10434). وقال الألباني: ضعيف الإسناد.

تُضيِّفُونا ما أَنا بِراقٍ حَتَّى تَجْعَلُوا لي جُعْلًا. فَجَعَلُوا لَهُ قَطِيعًا مِنَ الشّاءِ، فَأَتاهُ فَقَرَأَ عَلَيْهِ أُمَّ الكِتابِ وَيَتْفُلُ حَتَّى بَرَأَ كَاَنَّما أُنْشِطَ مِنْ عِقالٍ. قالَ: فَأَوْفاهُمْ جُعْلَهُمُ الذي صالَحُوهُمْ عَلَيْهِ فَقالُوا: اقْتَسِمُوا. فَقالَ الذي رَقَى: لا تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتي رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَنَسْتَأْمِرَهُ. فَغَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَذَكَرُوا لَهُ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مِنْ أَيْنَ عَلِمْتُمْ أَنَّها رُقْيَةٌ؟ أَحْسَنْتُمُ اقْتَسِمُوا واضْرِبُوا لي مَعَكُمْ بِسَهْمٍ" (¬1). 3901 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْن مُعاذٍ، حَدَّثَنا أَبِي، ح وَحَدَّثَنا ابن بَشّارٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ جَعْفَرٍ قالَ: حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبي، عَنْ خارِجَةَ بْنِ الصَّلْتِ التَّمِيمي عَنْ عَمِّهِ قالَ: أَقْبَلْنا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَأَتَيْنا عَلَى حَي مِنَ العَرَبِ، فَقالُوا: أَنّا أُنْبِئْنا أَنَّكُمْ جِئْتُمْ مِنْ عِنْدِ هذا الرَّجُلِ بِخَيْرٍ، فَهَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ دَواءٍ أَوْ رُقْيَةٍ فَإِنَّ عِنْدَنا مَعْتُوهًا في القُيُودِ قالَ: فَقُلْنا نَعَمْ. قالَ: فَجاؤوا بِمَعْتُوهٍ في القُيُودِ قالَ: فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ فاتِحَةَ الكِتابِ ثَلاثَةَ أيّامٍ غُدْوَة وَعَشِيَّةً، كُلَّما خَتَمْتُها أَجْمَعُ بُزاقي ثُمَّ أَتْفُلُ فَكَأَنَّما نُشِطَ مِنْ عِقالٍ قالَ: فَأَعْطَوْني جُعْلًا فَقُلْتُ: لا حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ: "كُلْ فَلَعَمْري مَنْ أَكَلَ بِرُقْيَةِ باطِلٍ لَقَدْ أَكَلْتَ بِرُقْيَةِ حَقٍّ" (¬2). 3902 - حَدَّثَنا القَعْنَبي، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ زَوْجِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كَانَ إِذا اشْتَكَى يَقْرَأُ في نَفْسِهِ بالمُعَوِّذاتِ وَيَنْفُثُ، فَلَمّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُ عَلَيْهِ بِيَدِهِ رَجاءَ بَرَكَتِها (¬3). * * * باب كيف الرقى؟ [3890] (حدثنا مسدد، ثنا عبد الوارث، عن عبد العزيز بن صهيب ¬

_ (¬1) سبق برقم (3418)، وهو صحيح. (¬2) سبق برقم (3420، 3897)، وهو صحيح. (¬3) رواه البخاري (4439)، ومسلم (2192).

قال أنس) بن مالك (لثابت) البناني (ألا أرقيك) بفتح الهمزة (برقية رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قال: بلى) لفظ البخاري: عن عبد العزيز قال: دخلت أنا وثابت على أنس بن مالك فقال ثابت: يا أبا حمزة، اشتكيت. فقال أنس: ألا أرقيك برقية رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قال: بلى (¬1). (فقال: اللهم رب الناس مذهب الباس) وهو الشدة والعذاب، وفيه دليل على جواز السجع في الدعاء إذا لم يكن مقصودًا ولا متكلفًا فيه (اشف أنت الشافي لا شافي إلا أنت أشفه شفاء) منصوب على المصدر من قوله: اشف (لا يغادر سقمًا) هذا مما يراد به الإحاطة، يعني: لا يترك شيئًا من الأسقام إلا أزاله، وقد يدخل فيه السقم من الذنوب (¬2) والمعاصي. [3891] (حدثنا عبد اللَّه) بن محمد (¬3) بن قعنب (القعنبي، عن مالك، عن يزيد (¬4) بن عبد اللَّه بن خصيفة) بضم الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة، ثم ياء التصغير، الكندي المدني. (أن عمرو بن عبد اللَّه بن كعب) بن مالك (السلمي) بفتح السين، كذا ضبطه الحافظ عبد الغني (¬5)، وجوز ابن الصلاح كسر اللام في لغة رديئة، روى له الأربعة (أخبره أن نافع بن جبير، أخبره عن عثمان بن أبي العاص) ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (5742). (¬2) في (ل)، (م): السقم. (¬3) كذا في جميع النسخ: والصواب: مسلمة، كما في مصادر ترجمته. (¬4) فوقها في (ح)، (ل): (ع). (¬5) "مشتبه النسبة" (ص 36).

وكان استعمله رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على الطائف. (أنه أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال عثمان) بن أبي العاص (و) كان (بي وجع) شديد (قد كاد يهلكني) ولفظ مسلم: أنه شكا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وجعًا يجده في جسده منذ أسلم (¬1) (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ) زاد مسلم: "ضع يدك على الذي يألم من جسدك و" (¬2) (امسحه (¬3) بيمينك سبع مرات) ولمسلم: "قل: بسم اللَّه ثلاثًا، وقل سبع مرات: أعوذ باللَّه وقدرته من شر ما أجد وأحاذر" (¬4). (وقل: أعوذ بعزة اللَّه وقدرته من شر ما أجد) زاد الترمذي: بلفظ: "أعوذ بعزة اللَّه وقدرته من شر ما أجد من وجعي هذا. ثم ارفع يدك، ثم أعد ذلك وترًا" (¬5). (قال: ففعلت ذلك فأذهب اللَّه عني) ببركة هذِه الاستعاذة جميع (ما كان بي) من الألم (قال: فلم أزل آمر به أهلي وغيرهم) بنصب الراء. أي: كان يأمر أقاربه والأجانب أن يفعلوه، فيذهب اللَّه ما بهم. قال ابن القيم: ففي هذا العلاج من ذكر اللَّه تعالى والتفويض إليه والاستعاذة بعزة اللَّه وقدرته من شر الألم ما يذهبه، وتكراره ليكون ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2202). (¬2) السابق. (¬3) في هامش (ح)، وصلب (ل)، (م): نسخة: امسح. (¬4) السابق. (¬5) رواه الترمذي بهذا اللفظ (3588) من حديث أنس مرفوعًا، وقال: حسن غريب من هذا الوجه. وببعضه: "أعوذ بعزة اللَّه وقدرته من شر ما أجد" (2080) من حديث عثمان بن أبي العاص مرفوعًا، وقال: حسن صحيح.

أنجع وأبلغ، كتكرار الدواء لإخراج المادة، وفي السبع خاصية لا توجد في غيرها (¬1). [3892] (حدثنا يزيد بن خالد) بن يزيد بن عبد اللَّه (بن موهب) بفتح الميم والهاء، أبو خالد (الرملي) الثقة الزاهد. (حدثنا الليث، عن زياد (¬2) بن محمد) الأنصاري، قال ابن عدي: لا أعرف له إلا مقدار حديثين أو ثلاثة (¬3). (عن محمد بن كعب القرظي، عن فضالة بن عبيد) مصغر، شهد أحدًا وولي قضاء دمشق. (عن أبي الدرداء) عويمر -رضي اللَّه عنه- (قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: من اشتكى منكم شيئًا) في جسده (أو اشتكى (¬4) إليه أخ له) من شيء يؤلمه (فليقل: ربنا) بالنصب؛ لأنه منادى مضاف. (اللَّه الذي في السماء) [فيه حذف تقديره؛ اللَّه الذي أمره في السموات وفي الأرض، وهذا كما تقول: الخليفة في الشرق والغرب. أي: حكمه نافذ فيهما. (تقدس) أي: تنزه (اسمك) يراد بالاسم المسمى (أمرك في السماء] (¬5) و) في (الأرض، كما رحمتك في السماء) عامة لجميع من ¬

_ (¬1) "زاد المعاد" 4/ 188. (¬2) فوقها في (ح)، (ل): (د)، وفي هامش (ح) وبعدها في صلب (ل)، (م): نسخة: زيادة. (¬3) "الكامل في ضعفاء الرجال" 4/ 146 (698). (¬4) في هامش (ح) وصلب (ل)، (م) ت نسخة: أو اشتكاه. (¬5) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

في السماء (فاجعل رحمتك في الأرض) عامة بكل مؤمن، كما قال تعالى: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (¬1). وفي الحديث: "إنما يرحم اللَّه من عباده الرحماء" (¬2) (فاغفر لنا حوبنا) بفتح الحاء المهملة، وسكون الواو، أي: إثمنا، ويجوز في الحاء الفتح والضم. وقيل: الفتح لغة الحجاز، والضم لغة تميم، وقال تعالى: {إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} (¬3) وفي الحديث: "الربا سبعون حوبًا" (¬4)، أي: سبعون ضربًا من الإثم، ويقال فيه: الحوبة بفتح الحاء والباء. (و) اغفر لنا (خطايانا أنت رب) بالرفع (الطيبين) أي: الطاهرين من المعاصي، ويحتمل المتكلمين بالكلم الطيب، وخصوا بالذكر؛ لشرفهم وفضلهم على غيرهم، وإن كان رب الطيبين والخبيثين فلا ينسب [إلى اللَّه] (¬5) إلا الطيب، كما لا يقال: رب الخنازير. ¬

_ (¬1) التوبة: 128. (¬2) رواه البخاري (1284)، (5655)، (6655)، (7377)، (7448)، ومسلم (923) مرفوعًا من حديث أسامة بن زيد. (¬3) النساء: 2. (¬4) رواه ابن ماجه (2274)، وابن أبي شيبة 4/ 452 (21999)، والبزار 15/ 175 (8538)، والبيهقي في "شعب الإيمان" 4/ 395 (5522) من حديث أبي هريرة مرفوعًا. قال البوصيري في "الزوائد" (755): هذا إسناد فيه نجيح بن عبد الرحمن أبو معشر السندي مولى بني هاشم، وهو متفق على تضعيفه. قال الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" 2/ 377 (1858)، 3/ 77: صحيح لغيره. (¬5) في (ل، م): إليه.

(أنزل) بفتح الهمزة، علينا (رحمة من رحمتك) أي: أعطنا من رحمتك التي وسعت كل شيء (وشفاء من شفائك) الذي لا يترك على هذا الوجع الذي بي شيئًا من الآلام (فيبرأ) ذلك المشتكي بإذن اللَّه تعالى، ففي هذِه الرقية التوسل إلى اللَّه تعالى بكمال ربوبيته وتنزيهه وأمره النافذ في السماء والأرض، ورحمته العامة بشفائه من وجعه برحمة اللَّه تعالى وفضله ومنته. [3893] (حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد) بن سلمة. (عن محمد بن إسحاق) صاحب "المغازي" (عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده) كما تقدم. (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يعلمهم من الفزع) في الليل وغيره (كلمات) ذكر الطبراني في "الأوسط" هذِه الكلمات من رواية أبي أمامة بزيادة في أوله وآخره، ولفظه: قال: حدث خالد بن الوليد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن أهاويل رآها في الليل حالت بينه وبين صلاة الليل، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا خالد، ألا أعلمك كلمات تقولهن ثلاث مرات حتى يذهب اللَّه عنك" قال: بلى يا رسول اللَّه بأبي وأمي، وإنما شكوت هذا إليك رجاء هذا منك. قال: "أعوذ بكلمات اللَّه التامة من غضبه وعقابه وشر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون". قالت عائشة: فلم ألبث إلا ليالي حتى جاء خالد بن الوليد قال: يا رسول اللَّه، بأبي أنت وأمي، والذي بعثك بالحق ما أتممت الكلمات التي علمتني ثلاث مرات حتى أذهب اللَّه عني ما كنت أجد، ما أبالي

لو دخلت على أسد في خوسته (¬1) بليل (¬2). والأهاويل جمع أهوال، وأهوال جمع هول، وهو الخوف والفزع والأمر الشديد، وكل ما يهولُ الإنسان ويحيره، والخيسة بكسر الخاء المعجمة وبعد الياء (سين مهملة) (¬3) هي موضع الأسد الذي يأوي إليه. (أعوذ بكلمات اللَّه) وهي القرآن، وصف كلمات اللَّه بأنها (التامات) (¬4)؛ لأنه لا يجوز أن يكون في شيء من كلامه نقص أو عيب كما يكون في كلام الآدميين، [وقيل: معنى التمام ها هنا أنها تنفع المتعوذ بها وتحفظه من الآفات وتكفيه (من غضبه) الغضب من صفات الآدميين] (¬5)، وهو مستحيل على اللَّه، والمراد به إذا وقع إنكاره على من عصاه وسخطه عليه وإعراضه عنه ومعاقبته (¬6) له. (وشر عباده) أهل الفسا د (ومن همزات) بفتح الميم (الشياطين) أي: وساوسه الشاغلة عن ذكر اللَّه، وأصل الهمز: الطعن باللسان، من ¬

_ (¬1) كذا في جميع النسخ، وفي "المعجم الأوسط" للطبراني 1/ 285. (¬2) "الأوسط" 1/ 285 (931). قال الهيثمي في "المجمع" 10/ 127 رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه الحكم بن عبد اللَّه الأيلي، وهو متروك. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (5139)، قال: هذا إسناد موضوع آفته الحكم بن عبد اللَّه الأيلي، قال أحمد: أحاديثه موضوعة. وقال أبو حاتم وابن أبي الحواري: كذاب. (¬3) في جميع الأصول: شين معجمة، والصواب ما أثبتناه. (¬4) في حاشية (ح)، وصلب (ل)، (م): نسخة التامة. (¬5) ما بين المعقوفتين ساقط من (م)، (ل). (¬6) مذهب أهل السنة والجماعة أن الغضب صفه ثابتة للَّه تعالى.

المهماز الذي يطعن في الفرس (و) أعوذ بك (أن يحضرون) أي: يحضروا عندي أو يجالسون، أو يكونوا قرناء لي. (وكان عبد اللَّه بن عمرو) بن العاص (يعلمهن من عقل) بفتح القاف (من بنيه) لفظ الترمذي: كان عبد اللَّه بن عمرو يلقنها من بلغ من ولده (¬1). (ومن لم يبلغ كتبها) في صك، ثم علقها في عنقه (ومن لم يعقل) ما يقول ويفهمه، فإن العقل غريزة يتهيأ بها الإنسان إلى فهم الخطاب، ورد الجواب (كتبه) في صك. أي: قرطاس. (فأعلقه) أي: علقه عليه. وفيه دليل على جواز كتابة التعاويذ والرقى وتعليقها. قال المروذي: قرأ على أبي عبد اللَّه وأنا أسمع أبا المنذر عمرو بن مجمع: حدثنا يونس بن حبان قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي أن أعلق التعويذ، فقال: إن كان من كلام اللَّه أو كلام عن نبي اللَّه، فعلقه واستشف به ما استطعت. قلت: اكتب هذِه من حمى الربع: باسم اللَّه وباللَّه ومحمد رسول اللَّه {يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70)} (¬2) اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، اشف صاحب هذا الكتاب بحولك وقوتك وجبروتك، إله الحق، آمين، قال: نعم (¬3). قال أحمد: وكان ابن مسعود يكرهه كراهة شديدة جدًّا. قال الخلال: وحدثنا عبد اللَّه بن أحمد، قال: رأيت أبي يكتب التعويذ ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (3528). (¬2) الأنبياء: 69، 70. (¬3) "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 13/ 262.

الذي للفزع وللحمى بعد وقوع البلاء (¬1) والمشهور في ذلك الجواز، ومن كرهها فإنما كرهها من اعتقد أنها تنفع بنفسها أو تضر، أو كان فيها ما لا يعرف معناه. [3894] (حدثنا أحمد) بن الصباح النهشلي أبو جعفر (بن أبي سريج) بضم السين المهملة، وآخره جيم (الرازي) المقرئ شيخ البخاري (أنا مكي (¬2)، حدثنا يزيد بن أبي عبيد) مولى سلمة بن الأكوع الأسلمي (قال: رأيت أثر ضربة في ساق سلمة) بن الأكوع -رضي اللَّه عنه- (فقلت: ما هذِه؟ فقال: أصابتني) ضربة (يوم) بالنصب (خيبر فقال الناس: أصيب سلمة) بن الأكوع في ساقه (فأتي) بضم الهمزة وكسر التاء (بي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) لفظ البخاري: فأتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3). (فنفث) بفتح الفاء والثاء المثلثة. أي: نفخ مع الرقية، شبه البزاق مِثْلُ تَفَلَ، قال أبو عبيد: إلا أن التفل لا يكون إلا ومعه شيء من الريق (¬4). وقيل: هما سواء، يكون معهما ريق (فيَّ) بتشديد الياء، جار ومجرور، لفظ البخاري: فنفث فيه (¬5) (ثلاث نفثات) بسكون الفاء مثل ضربات. قال (فما اشتكيتها (¬6) حتى الساعة) فإن قلت: حتى للغاية، ¬

_ (¬1) "مسائل الإمام أحمد" رواية عبد اللَّه ص 447 (1622). (¬2) فوقها في (ح): (ع). (¬3) "صحيح البخاري" (4206). (¬4) "غريب الحديث" 1/ 180. (¬5) "صحيح البخاري" (4206). (¬6) في هامش (ح)، وصلب (ل، م): نسخة: شكيتها.

وحكم ما بعدها خلاف ما قبلها، فلزم الاشتكاء ساعة حكايته إذ هو خلاف النفي. قلت: الساعة بالنصب على الصحيح، خلاف ما ضبطه الزركشي بالجر، وعلى النصب فهي للعطف، فالمعطوف داخل في المعطوف عليه إما في زيادة كـ: مات الناس حتى الأنبياء. أو نقص كـ: زارك الناس حتى الحجامون حتى الساعة من النقص. أي: ما زالت الشكوى موجودة مع النقص حتى الساعة، ومنه: أكلت السمكة حتى رأسها. وفي هذا الحديث معجزة للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهذا الحديث من ثلاثيات البخاري، ذكره في غزوة خيبر (¬1)، والثلاثة للمصنف، لكن زاد ابن الصباح عن مكي بن إبراهيم فصار من رباعيات المصنف. [3895] (حدثنا زهير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة قالا: ثنا سفيان بن عيينة، عن عبد (¬2) ربه بن سعيد) الأنصاري أخي يحيى (عن عمرة) بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، من فقهاء التابعين، وكانت في حجر عائشة. (عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول للإنسان) المريض (إذا اشتكى يقول بريقه) زاد مسلم: أو كان به قرحة أو جرح، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بإصبعه هكذا ووضع سفيان سبابته بالأرض ثم رفعها (¬3). ¬

_ (¬1) السابق. (¬2) فوقها في (ح)، (ل): (ع). (¬3) "صحيح مسلم" (2194).

(ثم قال به في التراب) والمعنى: أنه يأخذ من ريق نفسه على السبابة، ثم يضعها على التراب فيتعلق بها شيء منه، ثم يمسح به الموضع الجريح أو العليل، ويقول هذا الكلام في حال المسح. (تربة) بالرفع خبر مبتدأ محذوف، أي: هذِه تربة. وزاد البخاري قبله: "باسم اللَّه تربة" (¬1) (أرضنا) المراد به جميع الأرض. وقيل: أرض المدينة لبركتها. (بريقة) هي أخص من الريق (بعضنا) يعني به: المؤمنين، لا سيما من كان منهم صائمًا أو جائعًا، فإن فيه [تحليلا وإنضاجًا وإدمالًا] (¬2) وإبراءً للجراحات والأورام والثآليل. قال القرطبي: وهذا إنما يكون عند المعالجة المشروع فيها على قوانينها من مراعاة مقدار التراب والريق، وأما النفث ووضع السبابة بالأرض فلا يتعلق منها بالمرقي شيء له بال ولا أثر، وإنما هذا من باب التبرك بأسماء اللَّه تعالى وآثار رسوله (¬3). وقد دلت الأحاديث على أن الرقي له مدخل في تعديل المزاج، وكذا تراب أرض الوطن له تأثير في حفظ المزاج الأصلي؛ ولهذا قيل: ينبغي للمسافر أن يستصحب معه من تراب أرضه إن عجز عن استصحاب مائها حتى إنه يتيمم منه، وإذا ورد على غير الماء المعتاد جعل منه في سقائه حتى يختلط بذلك الماء ويشرب منه، فإنه يعين ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (5745). (¬2) في جميع النسخ: تحليلٌ وإنضاجٌ وإدمالٌ. والمثبت هو الصواب. (¬3) "المفهم" 5/ 580.

على حفظ صحته. (يشفى سقيمنا بإذن ربنا) نسب الشفاء إلى إذن اللَّه تعالى دون الريق والتراب والأسماء؛ فإنها لا تفعل بذاتها دون إرادة اللَّه تعالى، فإن اللَّه تعالى هو شافي السقيم سبحانه بأسباب أعلم خلقه بها وأجرى العادة بها كما في السقمونيا وهي الشفاء للإسهال ونحو ذلك (¬1). [3896] (حدثنا مسدد، ثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن زكريا) بن أبي زائدة الهمداني الوادعي، وفي "سؤالات الآجري": سألت أبا داود -يعني: المصنف- عن أبي زائدة فقال: ليس له اسم. (حدثني عامر) بن شراحيل الشعبي (عن خارجة بن الصلت التميمي) البرجمي، محله الصدق (عن عمه) علاقة بن صحار التميمي السليطي، ويقال: البرجمي، له صحبة ورواية (أنه أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأسلم) على يديه (ثم أقبل راجعًا من عنده، فمر على قوم عندهم رجل مجنون موثق بالحديد) أي: مربوط بالوثاق، وهو القيد الذي يشد به. فيه تقييد ¬

_ (¬1) ورد في صلب (م) وحاشية (ل) وبعضه في حاشية (ح) ما نصه: (ثنا عبد اللَّه بن معاذ، حدثني أبي، وحدثنا ابن يسار، حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة، عن عبد اللَّه بن أبي اليسر، عن الشعبى، عن خارجة بن الصلت التميمي، عن عمه قال: أقبلنا من عند رسول اللَّه فأتينا على حي من العرب فقالوا: أنبئنا أنكم جئتم من عند هذا الرجل بخير، فهل عندكم من دواء أو رقية، فإن عندنا معتوهًا في القيود. قال: فقلنا: نعم. قال: فجاؤوا بمعتوه في القيود، فقرأت عليه بفاتحة الكتاب ثلاثة أيام، غدوة وعشية أجمع بزاقي ثم أتفل. قال: فكأنما أنشط من عقال، فأعطوني جعلًا، فقلت: لا حتى أسأل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "فلعمري، من أكل برقية، فلقد أكلت برقية حق" نسخة وجدتها في حاشية نسخة المصنف، وقال: نسخة.

المجنون بالحديد وبالقد الشديد، ومنعه من الحركة والفساد. (فقال أهله: إنا حدثنا) بضم الحاء (أن صاحبكم هذا) يعني: رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (قد جاء بخبر) وللنسائي في رواية: فأتينا على حي من العرب فقالوا: إنا نبئنا أنكم قد جئتم من عند هذا الرجل بخير (¬1). يشبه أن يراد بهذا الخبرِ الخبرُ عن اللَّه تعالى العظيم (فهل عندك شيء نداويه به) (¬2) وللنسائي: فهل عندكم من دواء أو رقية؟ فقلنا: نعم، فجاؤوا بمعتوه في القيود (¬3). (فرقيته) بفتح القاف (بفاتحة الكتاب) سميت بذلك؛ لأن قراءة القرآن تفتتح بها لفظًا وتفتتح بها الكتابة في المصحف، وتفتتح بها الصلوات. (فبرأ) بإذن اللَّه تعالى. وفيه دليل على رد قول جهلة الأطباء وسقطتهم، فإنهم ينكرون صرع الأرواح، ولا يقرون بأنها تؤثر في بدن المصروع، وليس معهم إلا الجهل إذ ليس في الصناعة الطبية ما يدفع ذلك، والحس والوجود شاهد به، وإحالتهم ذلك على غلبة بعض الأخلاط، وقدماء الأطباء كانوا يسمون هذا الصرع: المرض الإلهي. وفيه دليل على برء المصروع بالآيات من كتاب اللَّه من الفاتحة وغيرها، وقد أفاق كثير من المصروعين ¬

_ (¬1) رواه النسائي في "السنن الكبرى" 6/ 256 (10871). بلفظ: "فأتينا على حي من العرب" دون بقية لفظ الشارح. ورواه بهذا اللفظ كاملًا أحمد 5/ 211. (¬2) ورد في هامش (ح) وفي صلب (ل)، (م): نسخة فهل عندك شيء تداووا به. (¬3) "السنن الكبرى" 6/ 256 (10871) بهذا اللفظ دون لفظ: فقلنا: نعم. وبهذا اللفظ كاملًا رواه أحمد 5/ 211.

بالقراءة في أذن المصروع بقوله تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)} (¬1). قال ابن القيم: وشاهدت شيخنا -يعني: ابن التيمية- يرسل إلى المصروع من يخاطب الروح التي فيه، ويقول: قال لك الشيخ: اخرجي. وربما خاطبه بنفسه، وحدثني أنه قرأ الآية في أذن مصروع فقالت الروح: نعم. ومدَّ بها صوته، فأخذت له عصاة، وضربته بها في عروق رقبته حتى كلت يدي من الضرب، ولم يشك الحاضرون أنه يموت بذلك، ففي أثناء الضرب قالت: أنا أحبه. قلت لها: هو لا يحبك. فقالت: أنا أدعه كرامة لك. قلت: لا، ولكن طاعة للَّه ولرسوله. قالت: فأنا أخرج منه، فقعد المصروع يلتفت يمينًا وشمالًا، وقال: ما جاء بي إلى حضرة الشيخ؟ قالوا: وهذا الضرب كله. قال: وعلى أي شيء يضربني الشيخ ولم أذنب. ولم يشعر بالضرب. وكان يعالج بآية الكرسي ويأمر بقراءة المعوذتين، وبالجملة فهذا النوع من الصرع وعلاجه لا ينكره إلا قليل الحظ من العلم والمعرفة، وأكثر تسلط الأرواح الخبيثة (¬2) يكون من جهة قلة دين المصروع وخراب قلبه ولسانه عن التعاويذ والتحصينات النبوية، فتلقى الروح الخبيثة (¬3) الرجل أعزلَ لا سلاح معه، فتتمكن منه (¬4). ¬

_ (¬1) المؤمنون: 115. (¬2) في (ل)، (م): الجنية. (¬3) في (ل)، (م): الجنية. (¬4) "زاد المعاد" 4/ 68 - 69.

(فأعطوني) جماعة المصروع (مائة شاة، فأتيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأخبرته). فيه الذهاب إلى أهل العلم وسؤالهم عما اشتبه عليه حكمه، والتوقف عن أكل ما لا يعرف حكمه حتى يسأل أهل العلم (فقال: هل) قلت (إلا هذا) الذي ذكرته؟ ! (وقال مسدد) شيخ المصنف (في موضع آخر) من روايته (هل قلت) شيئًا (غير هذا) مما لا يحل (فقلت: لا. قال: خذها) يعني: خذ هذِه المائة شاة (¬1) جميعها. فيه معاملة الكفار وجواز رقاهم وإعطائهم التعاويذ التي ليس فيها قرآن، وجواز التطبب لهم من وصف دواء مريض منهم وإعطائهم الأدوية التي فيها شفاء لهم، ومداواة الحيوان المأكول وغيره من كل محترم. وفيه جواز أخذ الأجرة الكثيرة على العمل الذي لا يتعب، وهو داخل في عموم قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب اللَّه" (¬2). (فلعمري) قسم (لمن أكل) المال (برقية باطل، لقد أكلت) المائة شاة (برقية حق) فيه أن الرقية على قسمين: حق وباطل. فرقية الحق ما كانت بكتاب اللَّه تعالى، وبما يعرف من ذكر اللَّه تعالى من الكتاب أو السنة أو غيرهما، فإن كانت الرقية الملفوظ بها أو المكتوبة مما لا يعرف معناه فلا تجوز الرقية بها؛ لاحتمال أن يكون فيها كفر؛ ولهذا قال -عليه السلام-: "اعرضوا عليَّ رقاكم" (¬3). ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل)، (م). (¬2) رواه البخاري (5737) من حديث ابن عباس. (¬3) رواه مسلم (2200) من حديث عوف بن مالك الأشجعي.

[3897] (حدثنا عبيد اللَّه بن معاذ) بن معاذ (قال: حدثنا أبي) معاذ بن معاذ بن نصر العنبري (ثنا شعبة، عن عبد اللَّه بن أبي السفر) سعد بن محمد الهمداني، أخرج له الشيخان (عن الشعبي، عن خارجة بن الصلت، عن عمه) علاقة (أنه مر) على قوم عندهم رجل مجنون موثق بالحديد، فقال أهله: إنا حدثنا أن صاحبكم هذا قد جاء بخير، فهل عندك شيء تداويه به؟ (قال: فرقيته (¬1) بفاتحة الكتاب ثلاثة أيام غدوة وعشية كلما ختمها) يعني: الفاتحة (جمع بزاقه ثم تفل فكأنما نشط من عقال) أي: حل منه. قال في "النهاية": وكثيرًا ما تجيء في الرواية: كأنما نشط من عقال. وليس بصحيح؛ لأنه يقال: نشطت العقدة إذا عقدتها، وأنشطتها إذا حللتها (¬2). (فأعطوه شيئًا) هو مائة شاة، كما في الرواية قبله؛ لأن الروايات يبين بعضها بعضا، ألا ترى ما في هذِه الرواية من زيادة البيان على ما في الرواية قبله، والزيادة من الثقة مقبولة -كما في الروايتين- (فأتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) فأخبرته (بمعنى حديث مسدد) في الرواية التي قبلها. [3898] (حدثنا أحمد) بن عبد اللَّه (بن يونس) اليربوعي (ثنا زهير، ثنا سهيل بن أبي صالح، عن أبيه) أبي صالح السمان (قال: سمعت رجلًا من أسلم) بن أفصى بن خزاعة، قبيلة من الأزد (قال: كنت جالسًا عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فجاء رجل من أصحابه، فقال: يا رسول اللَّه، لدغت) بضم اللام وكسر الدال المهملة، وسكون الغين المعجمة (الليلة) ¬

_ (¬1) في هامش (ح) ويصلب (ل)، (م): نسخة: فرقاه. (¬2) "النهاية" 5/ 57.

بالنصب، قال ثعلب وغيره: الليلة من الصباح إلى زوال الشمس. ومن الزوال إلى الليل، يقال: لدغت البارحة. (فلم أنم حتى أصبحت) لفظ مسلم: يا رسول اللَّه، ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة (¬1). (قال: ماذا) أصابك؟ (قال: ) أصابتني (عقرب. قال: أما إنك لو قلت حين أمسيت: ) قال ابن القوطية: المساء ما بين الظهر إلى المغرب (¬2). (أعوذ بكلمات اللَّه التامات) لفظ ابن ماجه: "بكلمات اللَّه التامة" (¬3). (من شر ما خلق) أي: من شر خلقه، وشرهم ما يفعله المكلفون من الحيوان من المعاصي والآثام ومضارة بعضهم بعضًا من ظلم وبغي وقتل وضرب وشتم وغير ذلك، وما يفعله غير المكلفين منه من الأكل والنهس واللدغ والعض كالسباع والحشرات، وما وضعه اللَّه في الموات جنة من أنواع الضرر كالإحراق (لم تضرك إن شاء اللَّه) لفظ ابن ماجه: "ما ضره عقرب حتى يصبح" (¬4). قال القرطبي: هذا قول الصادق الذي علمنا صدقه، دليلًا وتجربة، فإني منذ سمعت هذا الخبر عملت عليه ولم يضرني شيء إلى أن تركته فلدغتني عقرب بالمهدية ليلًا، فتفكرت في نفسي، فإذا بي قد نسيت ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2709) من حديث أبي هريرة. (¬2) "الأفعال" (ص 154). (¬3) رواه ابن ماجه (3518) من حديث أبي هريرة بلفظ: "بكلمات اللَّه التامات" كرواية المصنف، ولعل الشارح وهم في نسبه هذا اللفظ لابن ماجه، ومن رواه بلفظ: "بكلمات اللَّه التامة" النسائي في "السنن الكبرى" 6/ 151 (10422)، 6/ 152 (10424)، 6/ 153 - 154 (10434) من حديث أبي هريرة. (¬4) "سنن ابن ماجه" (3518).

أن أتعوذ بتلك الكلمات التامة، كما في الحديث (¬1). [3899] (حدثنا حيوة بن شريح) بن يزيد الحضرمي الحمصي، شيخ البخاري (ثنا بقية) بن الوليد (حدثنا الزبيدي) [بضم الزاي] (¬2)، واسمه محمد بن الوليد بن عامر القاضي الحمصي، أخرج له الشيخان (عن الزهري، عن طارق) بن مخاشن الأسلمي الحجازي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3) (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: أَتى) بفتح الهمزة والتاء (النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لديغ) (¬4) أي: ملدوغ، فهو فعيل بمعنى مفعول (لدغته عقرب، فقال: لو قال: أعوذ بكلمات اللَّه التامة من شر ما خلق لم يلدغ، ولم يضره أو لم) شك من الراوي، سمها إن لسعته. اعلم أن الأدوية الإلهية تنفع من الداء بعد حصوله، وتمنع من وقوعه، وإن وقع لم يضره وقوعًا مضرًّا، بخلاف الأدوية الطبيعية، فإنما تنفع بعد حصول الداء، فمن النفع قبل الوقوع حديث الباب، ومن النفع بعد الحصول ما رواه ابن أبي شيبة في "مسنده" عن عبد اللَّه ابن مسعود قال: بينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي إذ سجد فلدغته عقرب في أصبعه، فانصرف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقال: "لعن اللَّه العقرب، لا تدع نبيًّا ولا غيره" قال: ثم دعا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بإناء فيه ماء وملح، فجعل يضع موضع اللدغة في الماء والملح ويقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ¬

_ (¬1) "المفهم" 7/ 36. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل، م). (¬3) 4/ 395. (¬4) ورد في حاشية (ح) وصلب (ل، م): في رواية: أتي. بضم الهمزة وكسر التاء. النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بلديغ.

والمعوذتين حتى سكنت (¬1)، ورواه الطبراني في "الصغير" عن علي بإسناد حسن (¬2). ففي هذا الحديث، العلاج المركب من الأمرين الإلهي والطبيعي، فأما العلاج الطبيعي فإن الملح فيه نفع كبير من السموم، ولا سيما لدغة العقرب، قال صاحب "القانون": يضمد به مع بذر الكتان للسع العقرب (¬3)، وفي الملح من القوة الجاذبة المحللة ما يجذب السموم ويحللها، ولما كان في لسعتها قوة نارية تحتاج إلى تبريد وجذب وإخراج، جمع بين الماء المبرد لنار اللسعة والملح الذي فيه جذب وإخراج، وهذا أتم ما يكون من العلاج وأيسره وأسهله. [3900] (حدثنا مسدد، حدثنا أبو عوانة) الوضاح (عن أبي بشر) جعفر بن أبي وحشية إياس اليشكري (عن أبي المتوكل) علي الناجي، بالنون (عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري -رضي اللَّه عنه- أن رهطًا من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) الرهط: ما دون العشرة من الرجال (انطلقوا في سفرة سافروها، فمرُّوا (¬4) بحيٍّ من أحياء العرب) والحي القبيل، زاد البخاري: فلم يقروهم. ¬

_ (¬1) لم أقف عليه في "مسند ابن أبي شيبة" ولا في "مصنفه" من حديث عبد اللَّه بن مسعود، وإنما وقفت عليه في "مصنفه" 5/ 43 (23543) من حديث علي مرفوعًا. وحديث ابن مسعود هذا رواه ابن عدي في "الكامل" 3/ 106، وضعفه الألباني في "الصحيحة" 2/ 89 قال: أخرجه ابن عدي في "الكامل" بسند ضعيف. (¬2) 2/ 87 (830). قال الهيثمي في "المجمع" 5/ 111: رواه الطبراني في "الصغير"، وإسناده حسن. وصححه الألباني في "الصحيحة" (548). (¬3) "القانون" 1/ 572. (¬4) في حاشية (ح) وصلب (ل، م): نسخة: فنزلوا.

(فقال بعضهم) ولفظ مسلم: فاستضافوهم فلم يضيفوهم، فقالوا لهم (¬1). وفي رواية: نزلنا منزلًا، فأتتنا امرأة (¬2) (إن سيدنا لدغ، فهل عند أحد منكم شيء) وفي الصحيحين: هل فيكم من راق (¬3)؟ (ينفع صاحبنا؟ فقال رجل من القوم: نعم) ولمسلم: فقام معها رجل منا ما كنا نظنه يحسن رقية (¬4) (واللَّه إني لأرقي، ولكن استضفناكم فأبيتم أن تضيفونا) واللَّه (ما أنا براق حتى تجعلوا لي جعلًا) والجعل بضم الجيم: الأجر الذي يجعل للإنسان على عمل يعمله. (فجعلوا له قطيعًا) هو الطائفة من الغنم، فعيل بمعنى مفعول، أي: جزء مقطوع من الغنم. قيل: كان ثلاثين (¬5) شاة (من الشاء) بالهمزة بعد الألف جمع شاة، ويجمع على شياه بالهاء؛ رجوعًا إلى الأصل، كما قالوا: شفة وشفاه. (فأتاه فقرأ عليه أم الكتاب) وفي رواية للترمذي: فقرأت عليه: الحمد سبع مرات (¬6). وفي رواية للبخاري: فأمر له بثلاثين شاة وسقانا لبنا (¬7). والراقي هو أبو سعيد الخدري، جاء ذلك مصرحًا به في رواية الترمذي والنسائي (¬8). زاد في الصحيحين: ويجمع بزاقه (¬9) (ويتفل) بسكون المثناة فوق، وضم ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2201). (¬2) "صحيح مسلم" (22011/ 66). (¬3) "صحيح البخاري" (5007، 5736)، ومسلم (2201). (¬4) "صحيح مسلم" (2201/ 66). (¬5) في جميع النسخ: ثلاثون. والمثبت هو الصحيح. (¬6) "سنن الترمذي" (2063). (¬7) "صحيح البخاري" (5007). (¬8) "سنن الترمذي" (2063)، "السنن الكبرى" 6/ 254 (10866). (¬9) "صحيح البخاري" (5736)، "صحيح مسلم" (2201).

الفاء وكسرها، والتفل من البزاق. (حتى برأ) اللديغ، وفي النفث والتفل استعانة ببلل الرطوبة والهوى والنفس المباشر للرقية والذكر والدعاء، فإن الرقية تخرج من قلب الراقي وفمه (¬1)، فإذا صاحبها شيء من أجزاء باطنه من الريق والهوى والنفس كانت أتم تأثيرًا وأقوى فعلًا ونفوذًا، وتحصل بالازدواج منها كيفية مؤثرة شبيهة بالكيفية الحادثة عند تركيب الأدوية، وكلما كانت كيفية نفس الراقي أقوى كانت الرقية أتم، واستعانته بتفله كاستعانة تلك النفوس الرديئة بلسعها، وفي التفل سرٌّ آخر، فإنه مما تستعين به الأرواح الطيبة والخبيثة، ولهذا تفعله السحرة كما يفعله أهل الإيمان. قال اللَّه تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4)} (¬2). (كأنما أنشط من عقال) أي: حل، وروي: كأنما نشط (¬3). كما تقدم، وضعفه بعضهم وقال: نشطت العقدة إذا عقدتها بأنشوطة، وأنشطتها إذا حللتها. وقال غيره: أنشطت العقال ونشطته وانتشطته إذا حللته. (قال: فأوفاهم جعلهم الذي صالحوهم عليه فقالوا: اقتسموا) زاد مسلم: "واضربوا لي معكم بسهم" (¬4). وهذِه القسمة إنما هي برضا الراقي؛ لأن الغنم ملكه إذ هو الذي فعل العوض الذي به استحقها بمفرده، لكن طابت نفسه بالتشريك والمواساة، فأحاله النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على ما يقع به رضا المشتركين عند القسمة، وهي ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) الفلق: 4. (¬3) "صحيح البخاري" (2276، 5749). (¬4) "صحيح مسلم" (2201).

القرعة، فكان فيه دليل على صحة العمل بالقرعة في الأموال المشتركة، كما تقدم. (فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فنستأمره) في ذلك، وإيقاف الصحابي التصرف في الغنم على سؤال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عملًا بما يجب من التوقيف عند الإشكال إلى البيان، وهو أمر لا يختلف فيه. (فغدوا) بفتح الغين المعجمة (على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فذكروا له) ذلك (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من أين علمتم أنها رقية؟ ) أي: من أي الجهات علمتم أن الفاتحة رقية؟ ! قال ذلك تعجبًا من وقوعه على الرقى بها؛ ولذلك تبسم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عند قوله (من أين علمت أنها رقية؟ ) وكان هذا الرجل علم أن هذِه السورة قد خصت بأمور منها (¬1): أنها فاتحة الكتاب ومبدؤه، وأنها متضمنة لجميع علوم القرآن من حيث أنها تشتمل على الثناء على اللَّه بأوصاف جلاله وكماله، وعلى الأمر بالعبادات والإخلاص والاعتراف بالعجز إلا بإعانته، وسؤال الهداية دون أحوال أهل الغواية. وقد روى الدارقطني من حديث أبي سعيد، وفيه: فقال: "وما يدريك أنها رقية؟ " فقال: يا رسول اللَّه، شيء ألقي في روعي (¬2). (أحسنتم) فيه: استحباب الثناء على من فعل فعلًا فوافق الصواب، وأن يقال له: أحسنت، أو: أصبت، أو: بارك اللَّه فيه، ونحو ذلك. (اقسموا) الشياه (واضربوا لي معكم بسهم) فيه أن الفاتحة فيها رقية، وأخذ الأجرة على الرقية، وأن المعلم له سهم مما أخذه المتعلم، كما أن ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) "سنن الدارقطني" 3/ 64.

له مثل أجره، وفيه بيان الحكم بالقول، والمبالغة بالطلب من الشيء أن ذلك من الحلال المحض الذي لا شبهة فيه، وأن هذا أعظم في الدليل من أن يقول له: تجوز الأجرة على الرقى والطب كما قال الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأحمد (¬1)، وأما الأجرة على تعليم القرآن فأجازها الجمهور؛ لهذا الحديث، وبرواية البخاري: "إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب اللَّه" (¬2). وحرم أبو حنيفة الأجرة على تعليم القرآن (¬3)؛ لأن الواجبات المحتاجة إلى نية التقرب لا يؤخذ عليها الأجرة كالصلاة؛ ولحديث المصنف في الذي أهدى القوس لمن علمه، واللَّه تعالى أعلم. [3902] (حدثنا) عبد اللَّه بن مسلمة (القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا اشتكى) يدخل فيه الشكوى من جميع الأمراض والجراح والقروح (يقرأ على نفسه) (¬4) لفظ البخاري: كان ينفث على نفسه في المرض الذي مات فيه (¬5) (بالمعوذات) بكسر الواو، وكان حقه بالمعوذتين؛ لأنهما سورتان، فجمع إما لإرادة هاتين السورتين وما يشبههما من ¬

_ (¬1) انظر: "الأم" 3/ 319، "شرح صحيح مسلم" للنووي 14/ 188، "الأوسط" لابن المنذر 11/ 150، "المغني" 8/ 139. (¬2) "صحيح البخاري" (5737) من حديث ابن عباس. (¬3) انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 4/ 99، "الأوسط" لابن المنذر 11/ 149. (¬4) ورد في هامش (ح) وصلب (ل)، (م): نسخة: في نفسه. (¬5) "صحيح البخاري" (5735).

القرآن، أو باعتبار أن أقل الجمع اثنان، وإنما رقى (¬1) بهن؛ لأنهن جامعات للاستعاذة من كل المكروهات جملة وتفصيلًا، وجاء في بعض الروايات أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يقرأ بسورة الإخلاص والمعوذتين (¬2)، فهو من باب التغليب (وينفث) بضم الفاء وكسرها، والنفث شبيه بالنفخ، وهو أقل من التفل، فإن فيه بعض بزاق. (فلما اشتد وجعه) فوق ما كان (كنت أقرأ عليه) كما كان يقرأ، اقتداء به (وأمسح عليه) لفظ البخاري: كنت أنفث عليه بهن وأمسح بيده نفسه (¬3) (رجاء بركتها) رقته عائشة في مرض موته -صلى اللَّه عليه وسلم- ومسحته بيدها وبيده، وهو مقر لذلك، غير منكر لشيء منه. وإقراره على جواز الرقية بنفسه ولو زوجته (¬4) أو محرمه. [3901] (حدثنا عبيد اللَّه بن معاذ، حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (ح وحدثنا) محمد (بن بشار، ثنا محمد بن جعفر، قالا: حدثنا شعبة، عن عبد اللَّه ابن أبي السفر) تقدم. (عن الشعبي، عن خارجة بن الصلت التميمي، عن عمه) علاقة (قال: أقبلنا من عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأتينا على حي من) أحياء (العرب فقالوا: إنا أنبئنا أنكم قد جئتم من عند هذا الرجل بخير) عن اللَّه (فهل عندكم من دواء أو رقية، فإن عندنا معتوهًا) وهو المجنون المصاب بعقله، وقد عته فهو ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) رواه البخاري (5748) عن عبد العزيز عن سليمان عن يونس عن ابن شهاب به. (¬3) "صحيح البخاري" (5735، 5751). (¬4) في (ل)، (م): وبزوجته.

معتوه (في القيود قال: فقلنا: نعم. قال: فجاؤوا بالمعتوه في القيود) فيه رد على من أنكر الصرع من جهلاء الأطباء وغيرهم. (قال: فقرأت عليه فاتحة الكتاب في ثلاثة أيام) كل يوم (غدوة وعشية) فيه فضيلة القراءة والذكر صباحًا ومساءً، وفيه تكرار الرقية بالإفراد ثلاثة أو خمسة أو سبعة (أجمع) كل مرة (بزاقي ثم أتفل) فيه التداوي بالفاتحة؛ لما روى ابن ماجه عن علي قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خير الدواء القرآن" (¬1) والتفل نافع مؤثر، كما كانت السحرة تفعله، فتنفث على العقدة وتعقدها، وتتكلم بالسحر فيفعل ذلك في المسحور بتوسط الأرواح السفلية الخبيثة، فتقابلها الروح الزكية الطيبة بكيفية الدفع، فالروح إذا كانت قوية وتكيفت بمعاني [الفاتحة واستعانت بالبزاق والتفل، قابل ذلك الأثر الذي حصل من النفوس الخبيثة فأزالته بإذن] (¬2) اللَّه تعالى (فكأنما نشط) أي: حل (من عقال. قال: فأعطوني جعلًا) على الرقية (فقلت: لا، حتى أسأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) فسألته (فقال: كل) ما جعل لك على رقيتك (فلعمري من أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق) كما تقدم. * * * ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (3501، 3533). قال البوصيري في "الزوائد" (1162): فيه الحارث بن عبد اللَّه الأعور، وهو ضعيف. وضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه" (767). (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

20 - باب في السمنة

20 - باب في السُّمْنَةِ 3903 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا نُوحُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ سيّارٍ، حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ سَعْدِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها قالَتْ: أَرادَتْ أُمِّي أَنْ تسَمِّنّي لِدُخولي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فلَمْ أَقْبَلْ عَلَيْها بِشَيء مِمّا تُرِيدُ حَتَّى أَطْعَمَتْني القِثّاءَ بِالرُّطَبِ، فَسَمِنْتُ عَلَيْهِ كَأَحْسَنِ السِّمَنِ (¬1). * * * باب في السمنة السمنة بضم السين، وفي الحديث: "ويل للمسمنات يوم القيامة" (¬2) أي: اللاتي يستعملن السمنة، وهو دواء تسمن به المرأة بالثمن الكثير؛ لتفتخر به على غيرها، أو لتحصل لها المنزلة الرفيعة في قلوب الرجال. [3903] (حدثنا محمد بن يحيى) بن عبد اللَّه (بن فارس) الذهلي، شيخ البخاري (ثنا نوح بن يزيد بن سيار) بفتح السين المهملة، وتشديد المثناة تحت، وهو المؤدب، ثقة (حدثنا إبراهيم بن سعد) الزهري، ¬

_ (¬1) رواه النسائي في "الكبرى" (6725)، وابن ماجه (3324). وصححه الألباني. (¬2) رواه ابن أبي شيبة 7/ 223 (35503) من حديث ثابت مقطوعًا، ولفظه: عن ثابت أن أبا ثامر رأى فيما يرى النائم: ويل للمتسمنات من فترة في العظام يوم القيامة. ورواه نعيم بن حماد في "الفتن" 1/ 405 (1223) من حديث عمران بن سليم الكلاعي مقطوعًا بلفظ: عن عمران بن سليم الكلاعي قال: "ويل للمسمنات، وطوبى للفقراء، ألبسوا نساءكم الخفاف المنعلة، وعلموهن المشي في بيوتهن؛ فإنه يوشك بهن أن يخرجن إلى ذلك".

من كبار العلماء (عن محمد بن إسحاق) صاحب "المغازي" (عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير. (عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: أرادت أمي) وهي أم رومان زينب زوج أبي بكر الصديق، توفيت سنة ست، نزل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في قبرها واستغفر لها (أن تسمني) أصلها: تسمنني بنونين، فأدغمت الأولى في الثانية وشددت (لدخولي على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) رواه ابن ماجه من طريق يونس بن بكير، عن هشام بن عروة (¬1)، ويونس بن بكير احتج به مسلم، واستشهد به البخاري، ولفظ ابن ماجه: كانت أمي تعالجني للسمنة تريد أن تدخلني على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فما استقام لها ذلك حتى أكلت (¬2). (فلم أقبل عليها بشيء مما تريد حتى أطعمتني) وفيه دليل على تسمين المرأة لزوجها قبل الدخول السمن المعتدل دون المفرط، وتكون بالأشياء الرخيصة دون ما يستعمل في هذا الزمان بالأثمنة الكثيرة كالفستق، ودهن اللوز والأهليلجات، وغير ذلك مما يحتاج إلى ثمن كثير، بل تسمن برخيص الثمن -كما في الحديث- والسمن مطلوب في الزوجة، كما يطلب الجمال، وتحسين المرأة عند الدخول؛ لأنه أوقع في القلوب، وجالب للمحبة، وطول الصحبة، وذلك كما في النظر قبل الدخول إلى الزوجة، وغير ذلك مما ندب الشرع إليه من مراعاة أسباب الألفة. ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (3324). (¬2) السابق.

(القثاء) فإنه (¬1) بارد رطب في الدرجة الثانية، فينبغي أن يستعمل معه ما يصلحه ويكسر برده ورطوبته (و) هو (الرطب) (¬2) كما فعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإذا أكل القثاء بتمر أو زبيب أو عسل عدله، وأنفعه الرطب، كما روى الترمذي وغيره عن عبد اللَّه بن جعفر أنه كان يأكل القثاء بالرطب (¬3)، وتقدم حديث عائشة: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يأكل البطيخ (¬4) بالرطب، ويقول: "نكسر حرّ هذا ببرد هذا، وبرد هذا بحرّ هذا" (¬5) وتقدم حديث ابني بسر الأسلميين (¬6) أنه كان يحب الزبد والتمر (¬7). وهكذا كانت عادته -صلى اللَّه عليه وسلم-[أن الطعام] (¬8) إذا كانت (¬9) فيه كيفية تحتاج إلى كسر وتعديل، كسرها وعدلها بضدها إن أمكن -كما تقدم- وإن لم يجد ذلك تناوله على حاجة وداعية من النفس من غير إسراف، فلا تتضرر به الطبيعة، ولم يكن من عادته حبس النفس على نوع واحد من الأغذية لا يتعداه إلى ما سواه، فإن ذلك مضر بالطبيعة جدًّا، وقد يتعذر ذلك عليه أحيانًا، ففي أكل النوع الواحد خطر مضر، ولو أنه ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) ورد في هامش (ح) وصلب (ل)، (م): نسخة: بالرطب. (¬3) سبق برقم (3835)، ورواه أيضًا البخاري (5440)، (5447)، (5449)، ومسلم (2043)، والترمذي (1844). (¬4) في (ح): الطبيخ. (¬5) سبق برقم (3836). (¬6) هكذا في الأصول، والصواب: السلميين، كما في مصادر التخريج. (¬7) سبق برقم (3837). (¬8) ساقطة من (م). (¬9) من (م).

أفضل الأغذية. (فسمنت عليه) أي: على الرطب المكسورة حرارته بالقثاء، فإن طبع الرطب طبع الحياة حار رطب يخصب البدن كثيرًا، ويزيد في الباءة، ويقوي المعدة الباردة أو الرطبة، ويوافق أصحاب الأمزجة الباردة، ويغذو غذاء كثيرًا، وهو من أعظم الفواكه المخصبة للبدن، لا سيما لأهل المدينة وغيرها من البلاد التي هو فاكهتهم فيها، وأنفعها لأبدانهم، ومن لم يعتده يسرع إليه التعفن في جسده، ويتولد منه دم ليس بمحمود، ويكثر من إكثاره صداع وسوداء، وإصلاحه بالسكنجبين ونحوه، وفي فطر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-[عليه] (¬1)، أو على التمر تدبير لطيف جدَّا فإن الصوم يخلي المعدة من الغذاء، فلا يجد الكبد ما يجذبه فيضعف، والحلو أسرع شيء وصولًا إلى الكبد. (كأحسن السمن) أي: أعدله؛ ولهذا لم تقل: كأعظم السمن أو أكثره، ولفظ ابن ماجه: كأحسن السمنة (¬2)، وابن السني كلفظ المصنف. * * * ¬

_ (¬1) مكانها بياض في جميع النسخ، والمثبت ما يقتضيه السياق. (¬2) "سنن ابن ماجه" (3324).

21 - باب في الكاهن

21 - باب في الكاهِنِ 3904 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيل، حَدَّثَنا حَمّادٌ، ح وَحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ حَمّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حَكِيمٍ الأَثْرَمِ، عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ أَتَى كاهِنًا". قالَ مُوسَى في حَدِيثِهِ: "فَصَدَّقَهُ بِما يَقُولُ". ثُمَّ اتَّفَقا: "أَوْ أَتَى امْرَأَةً". قالَ مُسَدَّدٌ: "امْرَأَتَهُ حائِضًا أَوْ أَتَى امْرَأَةً". قالَ مُسَدَّدٌ: "امْرَأَتَهُ في دُبُرِها فَقَدْ بَرِئَ مِمّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ" (¬1). * * * باب في الكاهن [3904] (حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد) بن سلمة (وحدثنا مسدد، حدثنا يحيى) بن سعيد (عن حماد بن سلمة، عن حكيم) بفتح الحاء (الأثرم) بالمثلثة، وهو صدوق، وقال النسائي: ليس به بأس (¬2). توفي سنة ثمان عشرة ومائة. قال الدارقطني في هذا الحديث: تفرد به حكيم الأثرم عن أبي تميمة، وتفرد به حماد بن سلمة عنه (¬3). (عن أبي تميمة) طريف بن مجالد الهجيمي، كان رجلًا من أهل اليمن من العرب، فباعه عمه فأغلظت له مولاته، فقال لها: ويحك، إني رجل من العرب. فلما جاء زوجها أخبرته، فقال: خذ هذِه الناقة ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (135)، وابن ماجه (639)، وأحمد 2/ 408. وصححه الألباني في "المشكاة" (4599). (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 7/ 208 (1465)، "ميزان الاعتدال" 2/ 109 (2228)، "تهذيب التهذيب" 1/ 476. (¬3) "أطراف الغرائب والأفراد" 5/ 280 (5429).

فاركبها، وخذ هذِه النفقة والحق بقومك. قال: واللَّه لا ألحق بقوم باعوني أبدًا. أخرج له البخاري في الأدب والأحكام. (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: من أتى كاهنًا) وهو الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان، ويدعي معرفة الأسرار والضمائر، فيصيب بعضها ويخطئ أكثرها، ويزعم أن الجن تخبره بذلك، وقد كان في العرب كهنة كشق وسطيح وغيرهما، فمنهم من كان يزعم أن له تابعًا من الجن ورئيا يلقي إليه الأخبار، ومنهم من كان يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله أو فعله أو حاله، وهذا يخصونه باسم العراف كالذي يدعي معرفة الشيء المسروق ومكان الضالة وغيرها. قال في "النهاية": وقوله: "من أتى كاهنًا" يشتمل على إتيان الكاهن والعراف والمنجم، وجمع الكاهن كهنة وكهان (¬1). (قال موسى) بن إسماعيل (في حديثه فصدقه بما يقول) فقد برئ مما أنزل على محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-. زاد الطبراني من رواية أنس: "ومن أتاه غير مصدق له لم تقبل له صلاة أربعين ليلة" (¬2). (أو أتى امرأة. قال مسدد) في روايته: أتى (امرأته حائضًا) في فرجها فقد برئ مما أنزل على محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-. ¬

_ (¬1) 4/ 215. (¬2) "المعجم الأوسط" 6/ 378 (6670). أورده الهيثمي في "المجمع" 5/ 118 وقال: رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه: رشدين بن سعد، وهو ضعيف، وفيه توثيق في أحاديث الرقاق، وبقية رجاله ثقات.

واختلفوا في وجوب الكفارة، فقال الشافعي ومالك وأبو حنيفة: لا يجب شيء، بل يستحب أن يتصدق إن وطئ في أول الحيض بدينار، وإن وطئ في آخره فنصف دينار، ويستغفر اللَّه تعالى (¬1)، لما روى الترمذي عن ابن عباس، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا كان دمًا أحمر فدينار، وإن كان دمًا أصفر فنصف دينار" (¬2). (أو أتى امرأة (¬3)، قال مسدد) في روايته (امرأته في دبرها فقد برئ مما أنزل على محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-) تحريم الوطء في الدبر أغلظ تحريمًا من وطء الحائض؛ لأن الحائض إنما حرم وطؤها للنجاسة العارضة، فتحريم الدبر أولى، لأن نجاسته لازمة، واللازمة أولى من العارضة. وقال مالك لابن وهب وعلي بن زياد لما أخبراه أن ناسًا يتحدثون عنه أنه يجيز وطء المرأة في دبرها، فنفر من ذلك وبادر إلى تكذيب الناقل، وقال: كذبوا علي ثلاثًا. ثم قال: ألستم قومًا عربًا؟ ألم يقل اللَّه تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} (¬4) وهل يكون الحرث إلا في موضع ¬

_ (¬1) انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 173، "المبسوط" 10/ 159، "الذخيرة" للقرافي 1/ 377، "الحاوي" 9/ 315، "الأوسط" لابن المنذر 2/ 337. (¬2) "سنن الترمذي" (137) وقال أبو عيسى: حديث الكفارة في إتيان الحائض قد روي عن ابن عباس موقوفًا ومرفوعًا. ضعفه الألباني في "المشكاة" 1/ 174 (554)، قال: إسناده ضعيف؛ فيه عبد الكريم، وهو ابن أبي المخارق أبو أمية، كما هو مصرح به في رواية البيهقي، وقال: وهو مجمع على ضعفه. (¬3) بعدها في جميع النسخ: حائضًا. والصواب حذفها. (¬4) البقرة: 223.

المنبت (¬1). والجماع (¬2) الضار نوعان: ضار شرعًا، وضار طبعًا. والضار شرعًا: المحرم، وهو مراتب، بعضها أشد من بعض، والتحريم العارض أخف من اللازم الذي هو محل الأذى (¬3) اللازم مع زيادة المفسدة بالتعرض لانقطاع النسل، وهو مضر بالرجل؛ ولهذا نهى عنه عقلاء الأطباء من الفلاسفة؛ لأن للفرج خاصية في اجتذاب الماء المحتقن وراحة الرجل منه، والوطء في الدبر لا يعين على اجتذاب جميع الماء، ولا يخرج كل المحتقن؛ لمخالفة الأمر الطبيعي ويورث الهم والغم، ويسود الوجه، ويظلم الصدر، ويطمس نور القلب، ومن أسبابه زوال النعم، وحلول النقم، فإنه يوجب اللعنة والمبرأة من كلام اللَّه المنزل على محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- حيث لم يعمل به في إتيان حرثه الذي هو منبت زرعه، بل خالفه بأتيه (¬4) غير المزروع. * * * ¬

_ (¬1) ذكره بنحوه أبو الوليد بن رشد في "البيان والتحصيل" 18/ 462، وابن الحاجب في "جامع الأمهات" ص 261. (¬2) في جميع النسخ: الحمار، ولعل المثبت أصح. (¬3) ساقطة من (ل)، (م). (¬4) في (م): بإتيانه.

22 - باب في النجوم

22 - باب في النُّجُومِ 3905 - حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ وَمُسَدَّدٌ -المَعْنَى- قالا: حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الأَخْنَسِ، عَنِ الوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ ماهَكَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنِ اقْتَبَسَ عِلْمًا مِنَ النُّجُومِ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ السِّحْرِ زادَ ما زادَ" (¬1). 3906 - حَدَّثَنا القَعْنَبي، عَنْ مالِكٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خالِدٍ الجُهَني أَنَّهُ قالَ: صَلَّى لَنا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- صَلاةَ الصُّبْحِ بِالحُدَيْبِيَةِ في إِثْرِ سَماءٍ كانَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَلَمّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النّاسِ فَقالَ: "هَلْ تَدْرُونَ ماذا قالَ رَبُّكُمْ". قالُوا: اللَّه وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قالَ: "قالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبادي مُؤْمِنٌ بي وَكافِرٌ، فَأَمّا مَنْ قالَ مُطِرْنا بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بي كافِرٌ بِالكَوْكَبِ، وَأَمّا مَنْ قالَ مُطِرْنا بِنَوْءِ كَذا وَكَذا فَذَلِكَ كافِرٌ بي مُؤْمِنٌ بِالكَوْكَبِ" (¬2). * * * باب في النجوم [3905] (حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة ومسدد المعنى، قالا: ثنا يحيى) بن سعيد, (عن عبيد (¬3) اللَّه) بالتصغير (بن الأخنس) أبي مالك النخعي الخزاز (عن الوليد بن عبد اللَّه) بن أبي مغيث، ثقة. (عن يوسف بن ماهك) قال النووي: بفتح الهاء لا ينصرف؛ لأنه ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (3726)، وأحمد 1/ 227. وصححه الألباني في "الصحيحة" (793). (¬2) رواه البخاري (846)، ومسلم (71). (¬3) فوقها في (ل)، (ح): (ع).

أعجمي علم (¬1)، وفي "المشارق" أنه بفتح الهاء أيضًا (¬2). (عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من اقتبس) أي: تعلم (علمًا من النجوم) يقال: قبست العلم واقتبسته إذا تعلمته، وأصل (¬3) القبس: الشعلة من النار، واقتباسها الأخذ منها، وفيه حذف تقديره: من اقتبس علمًا من النجوم كان كمن (اقتبس شعبة) أي: قطعة من السحر، فكما أن تعلم السحر والعمل به حرام فكذا تعلم النجوم والكلام فيه حرام، والمنهي عنه ما يدعيه أهل التنجيم من علم الحوادث والكوائن التي لم تقع وستقع في مستقبل الزمان، ثم يجيء ويزعمون أنهم يدركون معرفتها بسير الكواكب في مجاريها واجتماعها وافتراقها، وهذا تعاطٍ لعلم استأثر اللَّه تعالى به. وأما علم النجوم الذي يعرف به الزوال وجهة القبلة وكم مضى وكم بقي فغير داخل فيما نهى عنه، ومن المنهي عنه التحدث بمجيء المطر، ووقوع الثلج، وهبوب الرياح، وتغير الأسعار. و(زاد) من علم النجوم كمثل (ما زاد) من السحر. وفيه: النهي عن الزيادة على قدر الحاجة من القبلة والوقت. [3906] (حدثنا) عبد اللَّه بن محمد (¬4) (القعنبي، عن مالك، عن صالح بن كيسان) (¬5) المدني، مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز (عن عبيد ¬

_ (¬1) "شرح مسلم" 3/ 131. (¬2) 1/ 398. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) كذا في جميع النسخ والصواب: مسلمة، كما في مصادر ترجمته. (¬5) فوقها في (ل)، (ح): (ع).

اللَّه) بالتصغير (بن عبد اللَّه) بن عتبة بن مسعود (عن زيد بن خالد الجهني -رضي اللَّه عنه- أنه قال: صلى لنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلاة الصبح بالحديبية) بضم الحاء المهملة وفتح الدال وخفة المثناة تحت التي قبل الهاء عند بعض المحققين، وقال أكثر المحدثين بتشديدها، سميت الغزوة ببئر هناك عند شجرة الرضوان، وهي على مرحلة فأكثر من مكة. (في) وللبخاري: على (¬1) (إثر) بفتح الهمزة والثاء المثلثة، وبكسر الهمزة وسكون المثلثة (سماء) أي: مطر (كانت من الليل) وسمي المطر سماء، لأنه ينزل من السماء. (فلما انصرف [من الصلاة أقبل على الناس) قال المهلب: استقبال الرسول الناس بوجهه هو عوض من] (¬2) قيامه من مصلاه، لأن قيامه إنما هو ليعرف الناس بفراغ الصلاة؛ ولذلك قال مالك في إمام مسجد القبائل والجماعات: لا بد أن يقوم من موضعه ولا يقوم في داره وسفره إلا أن يشاء، وفي بقاء الإمام في موضعه تخليط على الداخلين، وكان إبراهيم النخعي إذا سلم انحرف واستقبل القوم (¬3). (فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: اللَّه ورسوله أعلم) فيه حسن الأدب في مخاطبة المعلم والأستاذ. (قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر) قال القرطبي: ظاهره أنه الكفر الحقيقي؛ لأنه قابل المؤمن الحقيقي، فيحمل على من اعتقد أن ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (846)، (1038). (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) انظر: "شرح ابن بطال" 2/ 460.

المطر من فعل الكواكب وخلقها، لا من فعل اللَّه كما يعتقده بعض جهال المنجمين والطبائعيين والعرب، فأما من اعتقد أن اللَّه هو خالق المطر، ثم تكلم بهذا القول، فليس بكافر، لكنه مخطئ من وجهين، أحدهما: أنه خالف الشرع فإنه قد حذر من هذا الإطلاق. وثانيهما: أنه قد تشبه بأهل الكفر في قولهم، وذلك لا يجوز؛ لأنا قد أمرنا بمخالفتهم، فقال: "خالفوا المشركين وخالفوا اليهود" ونهينا عن التشبه بهم، وذلك يقتضي الأمر بمخالفتهم في الأقوال والأفعال، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا} (¬1) (¬2). (فأما من قال: مطرنا بفضل اللَّه تعالى ورحمته فذلك مؤمن بي) لأنه صدق أن المطر من خلق اللَّه تعالى ونعمته وبفضله على خلقه كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ} (¬3). (وكافر بالكوكب) أنه من مخلوقات اللَّه تعالى، ليس له تدبير ولا خلق ولا ضر ولا نفع (وأما من قال: مطرنا بنوء كذا) النوء لغة هو: النهوض بثقل، يقال: ناء بكذا إذا نهض به متثاقلًا، ومنه قوله تعالى: {لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ} (¬4) أي: لتثقلهم عند النهوض بها، وكانت العرب إذا طلع نجم من المشرق وسقط آخر من المغرب، فحدث عند ذلك مطر أو ريح، فمنهم من ينسبه إلى الطالع، ومنهم من ينسبه إلى ¬

_ (¬1) البقرة: 104. (¬2) "المفهم" 1/ 259. (¬3) الشورى: 28. (¬4) القصص: 76.

الغارب الساقط، فنهى الشارع عن هذا القول؛ لئلا يتشبه بهم في نطقهم. (فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب) في زعمهم أن النجوم تمطرهم وترزقهم، فهذا كفر باللَّه وإيمان بالنجم الذي هو الكوكب. أخرجه النسائي في التفسير من "سننه الكبير" عن إسحاق بن إبراهيم عن محمد ابن عوف (¬1)، وأخرجه ابن حبان في البيوع، في السادس (¬2). * * * ¬

_ (¬1) لم أقف عليه في التفسير من "السنن الكبرى" للنسائي، وإنما وقفت عليه في "السنن الكبرى" 1/ 562 - 563 (1833)، (1834)، 6/ 229 (10760)، (10761) عن محمد بن سلمة عن ابن القاسم، عن مالك، عن صالح بن كيسان عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه عن زيد بن خالد الجهني. ومن طريق قتيبة بن سعيد عن سفيان عن صالح بن كيسان عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، عن زيد بن خالد. ولم أقف على هذا الطريق الذي ذكره الشارح. (¬2) "صحيح ابن حبان" 13/ 503 (6132).

23 - باب في الخط وزجر الطير

23 - باب في الخَطِّ وَزَجْرِ الطَّيْرِ 3907 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، حَدَّثَنا عَوْفٌ، حَدَّثَنا حيّانُ -قالَ غَيْرُ مُسَدَّدٍ: حيّان بْن العَلاءِ- حَدَّثَنا قَطَنُ بْن قَبِيصَةَ, عَنْ أَبِيهِ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقول: "العِيافَةُ والطِّيَرَةُ والطَّرْقُ مِنَ الجِبْتِ". الطَّرْق الزَّجْرُ والعِيافَةُ الخَطُّ (¬1). 3908 - حَدَّثَنا ابن بَشّارٍ قالَ: قالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قالَ عَوْفٌ: العِيافَةُ زَجْرُ الطَّيْرِ والطَّرْقُ الخَطُّ يُخَطُّ في الأَرْضِ (¬2). 3909 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنِ الحَجّاجِ الصَّوّافِ، حَدَّثَني يَحْيَى بْنُ أَبي كَثِيرٍ، عَنْ هِلالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ عَطاءِ بْنِ يَسارٍ، عَنْ مُعاوِيَةَ بْنِ الحَكَم السُّلَمي قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ وَمِنّا رِجالٌ يَخُطُّونَ قالَ: "كانَ نَبي مِنَ الأَنْبِياءِ يَخُطُّ فَمَنْ وافَقَ خَطَّهُ فَذاكَ" (¬3). * * * باب في الخط وزجر الطير [3907] (حدثنا مسدد، ثنا يحيى) بن سعيد القطان (ثنا عوف) بن أبي جميلة الأعرابي، سئل عن أبيه فقال: أنا ابن أذينة. (ثنا حيان) بفتح المهملة وتشديد المثناة تحت (قال غير مسدد: ) هو حيان (ابن العلاء) اختلف في اسم أبيه، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4) ولم يذكر ¬

_ (¬1) رواه النسائي في "الكبرى" (11043)، وأحمد 3/ 477. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع الصغير" (3900). (¬2) قال الألباني: صحيح مقطوع. (¬3) رواه مسلم (537) مطولًا. (¬4) 6/ 230.

المصنف والنسائي (¬1) له غير هذا الحديث (حدثنا قطن بن قبيصة) ولي إمرة أصبهان (عن أبيه) قبيصة بن مخارق بن عبد اللَّه الهلالي رضي اللَّه عنهما، من بني هلال بن عامر بن صعصعة، له وفادة، ونزل البصرة. (سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: العيافة) بكسر العين المهملة (¬2) وفاء بعد الألف، هي: زجر الطير والتفاؤل بأسمائها وأصواتها وممرها وأصواتها، وهو من عادة العرب كثيرًا، ومنه قول لبيد: لعمرك ما تدري الطوارق بالحصا ... ولا زاجرات الطير ما اللَّه صانع (¬3) يقال: عافت تعيف عيفًا إذا زجر وحدس وظن، وبنو أسد يذكرون بالعيافة ويوصفون بها. قيل عنهم: إن قومًا من الجن تذاكروا عيافتهم فأتوهم فقالوا: ضلت لنا ناقة، فلو أرسلتم معنا من يعيف، فقالوا لغليم منهم: انطلق معهم، فاستردفه أحدهم، ثم ساروا فلقيهم عقاب كاسرة أحد جناحيها، فاقشعر الغلام وبكى، فقالوا: مالك؟ فقال: كسرت جناحًا ورفعت جناحًا، وحلفت باللَّه صراحًا ما أنت بإنسي ولا تبغي لقاحًا (¬4). (والطيرة) بكسر الطاء، وفتح المثناة تحت، وقد تسكن، وهي ¬

_ (¬1) في "السنن الكبرى" 6/ 324 (11108). (¬2) ساقطة من (م)، (ل). (¬3) انظر: "الشعر والشعراء" (ص 170). (¬4) رواه ابن قتيبة في "غريب الحديث" 2/ 516 - 517، والدينوري في "المجالسة في جواهر العلم" 6/ 206 - 207 (2560) برواية سعد بن نصر مقطوعًا.

التشاؤم بالشيء، وهو مصدر تطيَّر مثل تخير خيرة، ولم يجيء من المصادر هكذا غيرهما، وكان هذا يصدهم عن مقاصدهم، فنفاه الشرع وأبطله ونهى عنه، وأبطل أنه ليس له تأثير في جلب نفع أو دفع ضر وفي الحديث: "ثلاث لا يسلم منها أحد: الطيرة والحسد والظن" قيل: فما نصنع؟ قال: "إذا تطيرت فامض، وإذا حسدت فلا تبغ، وإذا ظننت فلا تحقق" (¬1) وفي الحديث عن الطيرة: "ولكن اللَّه يذهبه بالتوكل" (¬2) معناه إذا خطر لك خاطر التطير فتوكل على اللَّه وسلم إليه، فمن لم يعمل بذلك الخاطر غفر اللَّه له ولم يؤاخذه به. (والطرق) بالطاء المهملة المفتوحة، وسكون الراء، وهو الضرب بالحصا الذي تفعله النساء (من الجبت) المذكور في قوله تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} (¬3) وهذا يوافق قول من قال: الجبت: إبليس، والطاغوت: أولياؤه. والمراد أن هذِه الثلاث مما يوسوس به إبليس ويأمر به أولياءهم الذين يطيعونه. (قال: ) المصنف (الطرق) هو (الزجر) للطير كما تقدم، فإذا زجروها ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 4/ 17 (1962)، والطبراني 3/ 228 (3227) من حديث حارثة بن النعمان مرفوعًا بنحو هذا اللفظ. وأورده الهيثمي في "المجمع" 8/ 78 وقال: رواه الطبراني، وفيه إسماعيل بن قيس الأنصاري، وهو ضعيف. وضعفه الألباني في "غاية المرام" (ص 185) (302). (¬2) سيأتي برقم (3910) من حديث ابن مسعود، ورواه أيضًا الترمذي (1614) وقال: حسن صحيح. وابن ماجه (3538)، وأحمد 1/ 389، 438، 440, والبخاري في "الأدب المفرد" (909) وصححه الألباني في تعليقه عليه. (¬3) النساء: 51.

تيامنوا بها إذا طارت لجهة اليمين، وتشاءموا بها إذا طارت للشمال، وتفاءلوا بطيرانها كالسانح والبارح، وهو نوع من الكهانة. (والعيافة: الخط) في الرمل يخط في الأرض. [3908] (حدثنا) محمد (بن بشار قال محمد بن جعفر: قال عوف) تقدم قبله. (العيافة: زجر الطير) كما تقدم (والطرق الخط يخط في الأرض) أي: في الرمل الذي يكون بالأرض أو يؤخذ منها ويبسط في التخت كما هو معروف للمنجمين. [3909] (حدثنا مسدد، ثنا يحيى) القطان (عن الحجاج) بن أبي عثمان (الصوَّاف) مولاهم البصري، وثقه أحمد وابن معين (¬1). (قال: حدثني يحيى بن [أبي] (¬2) كثير عن هلال) (¬3) بن علي، ويقال: هلال (بن أبي ميمونة، عن عطاء بن يسار، عن معاوية بن الحكم السلمي) بضم السين، نسبة إلى بني سليم. (قال) زاد مسلم أوله (¬4): بينا أنا أصلي مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك اللَّه. فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: وَاثكل أُمِّياه ما شأنكم تنظرون إلي؟ ! فجعلوا يضربون أيديهم على ¬

_ (¬1) انظر: "الجرح والتعديل" 3/ 167 (715)، "تهذيب الكمال" 5/ 444 (1123)، "تهذيب التهذيب" 1/ 359. (¬2) ساقطة من الأصول، والمثبت من "سنن أبي داود" ومصادر ترجمته. (¬3) فوقها في (ح): (ع). (¬4) ساقطة من (ل)، (م).

أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتوني [لكني سكت] (¬1) فلما صلى (¬2) -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن هذِه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن" قلت: يا رسول اللَّه، إني حديث عهد بجاهلية، وقد جاء اللَّه بالإِسلام، وإنَّ منا (¬3) رجالًا يأتون الكهان. قال: "فلا تأتهم" (¬4). (قال: قلت: يا رسول اللَّه، ومنا رجال يخطون) لفظ مسلم: وإن منا رجالًا يخطون (¬5). قال ابن عباس في تفسير هذا الحديث: هو الخط الذي يخطه الحازي. والحازي بالحاء المهملة والزاي هو الحزاء الذي ينظر في المغيبات بظنه، فيأتي صاحب الحاجة إلى الحازي فيعطيه حلوانًا، فيقول له: اقعد حتى أخط لك، وبين يدي الحازي غلام معه له ميل، ثم يأتي إلى أرض رخوة فيخط فيها خطوطًا كثيرة في أربعة (¬6) أسطر عجلًا؛ لئلا يلحقها العدد، ثم يرجع فيمحو منها على مهل خطين خطين، وغلامه يقول للتفاؤل: ابني عيان أسرعا البيان، فإن بقي خطان فهي علامة النجح، وإن بقي خط واحد فهو علامة الخيبة، وهذا علم معروف للناس فيه تصانيف كثيرة، وهو معمول به إلى الآن، ويستخرجون به الضمير. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من النسخ والمثبت من "صحيح مسلم". (¬2) ساقطة من (ح). (¬3) ساقطة من (ل)، (م). (¬4) "صحيح مسلم" (537). (¬5) السابق. (¬6) في النسخ: أربع. والمثبت هو الصواب.

وقال الحربي: الخط في الحديث هو أن يخط ثلاثة خطوط ثم يضرب عليهن بشعير أو نوى، ويقول: يكون كذا وكذا، وهو ضرب من الكهانة (¬1). (قال: كان نبي من الأنبياء) قيل: هو إدريس (يخط) حكى مكي في "تفسيره" (¬2) روي أن هذا النبي كان يخط بإصبعيه السبابة والوسطى في الرمل ثم يزجر (فمن وافق) خطُّه (خطه) بنصب الطاء فذاك. وفي نسخة الخطيب: برفع الطاء، أي: فمن وافق خطه خط النبي. قال الخطابي: هذا يحتمل الزجر عنه إذ كان علمًا لنبوته، وقد انقطعت فنهينا عن التعاطي لذلك (¬3). قال القاضي عياض: الأظهر من اللفظ خلاف هذا وتصويب خط من يوافق خطه، لكن من أين نعلم الموافقة، والشرع منع من التخرص (¬4) وادعاء علم الغيب جملة، وإنما معناه أن من وافق خطه فذاك الذي يجدون إصابته، لا أنه يريد إباحة ذلك لفاعله، على ما تأوله بعضهم (¬5). * * * ¬

_ (¬1) "غريب الحديث" 2/ 720. (¬2) "الهداية إلى بلوغ النهاية" 11/ 6810. (¬3) "معالم السنن" 4/ 215. (¬4) في النسخ: التحرز من. والمثبت من "المفهم". (¬5) انظر: "إكمال المعلم" 2/ 464.

24 - باب في الطيرة

24 - باب في الطِّيَرَةِ 3910 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ عِيسَى ابْنِ عاصِمٍ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "الطِّيَرَةُ شِرْكٌ الطِّيَرَةُ شِرْكٌ -ثَلاثًا- وَما مِنّا إِلاَّ ولكنَّ اللَّه يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ" (¬1). 3911 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُتَوَكِّلِ العَسْقَلاني والحَسَنُ بْنُ عَلي، قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا عَدْوى وَلا طِيَرَةَ وَلا صَفَرَ وَلا هامَةَ". فَقالَ أَعْرابي: ما بالُ الإِبِلِ تَكُونُ في الرَّمْلِ كَأَنَّها الظِّباءُ فَيُخالِطُها البَعِيرُ الأَجْرَبُ فَيُجْرِبُها قالَ: "فَمَنْ أَعْدى الأَوَّلَ؟ ". قالَ مَعْمَرٌ: قالَ الزُّهْري: فَحَدَّثَني رَجُلٌ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "لا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ". قالَ: فَراجَعَهُ الرَّجُلُ فَقالَ أَليْسَ قَدْ حَدَّثْتَنا أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "لا عَدْوى وَلا صَفَرَ وَلا هامَةَ؟ ". قالَ: لَمْ أُحَدِّثْكُمُوهُ. قالَ الزُّهْري: قالَ أبو سَلَمَةَ: قَدْ حَدَّثَ بِهِ وَما سَمِعْتُ أَبا هريرَةَ نَسي حَدِيثًا قَطُّ غَيْرَهُ (¬2). 3912 - حَدَّثَنا القَعْنَبي، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ -يَعْني: ابن مُحَمَّدٍ-، عَنِ العَلاءِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا عَدْوى وَلا هامَةَ وَلا نَوْءَ وَلا صَفَرَ" (¬3). 3913 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ البَرْقي أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الحَكَمِ حَدَّثَهُمْ قالَ: أَخْبَرَنا يَحْيَى بْنُ أيُّوبَ، حَدَّثَني ابن عَجْلانَ، حَدَّثَني القَعْقاعُ بْنُ حَكِيمٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1614)، وابن ماجه (3538)، وأحمد 1/ 389. وصححه الألباني في "الصحيحة" (429) (¬2) رواه البخاري (5717)، ومسلم (2220/ 101). (¬3) رواه مسلم (2220/ 102).

مِقْسَمٍ وَزَيْدُ بْن أَسْلَمَ، عَنْ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "لا غُولَ" (¬1). 3914 - قالَ أبو داوُدَ: قُرِئَ عَلَى الحارِثِ بْنِ مِسْكِينٍ وَأَنا شاهِدٌ، أَخْبَرَكُمْ أَشْهَبُ قالَ: سُئِلَ مالِكٌ عَنْ قَوْلِهِ: "لا صَفَرَ". قالَ إِنَّ أَهْلَ الجاهِلِيَّةِ كَانُوا يُحِلُّونَ صَفَرَ يُحِلُّونَهُ عامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عامًا فَقالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا صَفَرَ" (¬2). 3915 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُصَفَّى، حَدَّثَنا بَقِيَّةُ قالَ: قُلْتُ لِمُحَمَّدٍ -يَعْني: ابن راشِدِ- قَوْلُهُ: "هامَ". قالَ: كانَتِ الجاهِلِيَّةُ تَقُولُ: لَيْسَ أَحَدٌ يَمُوتُ فَيُدْفَنُ إِلَّا خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ هامَةٌ. قُلْتُ: فَقَوْلُهُ: صَفَرَ. قالَ: سَمِعْتُ أَنَّ أَهْلَ الجاهِلِيَّةِ يَسْتَشْئِمُونَ بِصَفَرَ فَقالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا صَفَرَ". قالَ مُحَمَّدٌ: وَقَدْ سَمِعْنا مَنْ يَقُول هُوَ وَجَعٌ يَأْخُذُ في البَطْنِ فَكانُوا يَقُولُونَ هُوَ يُعْدي فَقالَ: "لا صَفَرَ" (¬3). 3916 - حَدَّثَنا مُسْلِمٌ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا هِشامٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "لا عَدْوى وَلا طِيَرَةَ وَيُعْحِبُني الفَأْلُ الصّالِحُ والفَأْلُ الصّالِحُ الكَلِمَةُ الحَسَنَةُ" (¬4). 3917 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا وُهَيْبٌ، عَنْ سُهَيْلِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبي هريرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- سَمِعَ كَلِمَةَ فَأَعْجَبَتْهُ فَقالَ: "أَخَذْنا فَأْلَكَ مِنْ فِيكَ" (¬5). 3918 - حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ، حَدَّثَنا أبو عاصِمٍ، حَدَّثَنا ابن جُرَيْجٍ، عَنْ عَطاءٍ ¬

_ (¬1) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 308. وصححه الألباني. (¬2) قال الألباني: صحيح مقطوع. (¬3) قال الألباني: صحيح مقطوع. (¬4) رواه البخاري (5756)، ومسلم (2224). (¬5) رواه أحمد 2/ 388. وصححه الألباني في "الصحيحة" (726).

قالَ: يَقُولُ النّاسُ الصَّفَرُ وَجَعٌ يَأْخُذُ في البَطْنِ. قُلْتُ: فَما الهامَةُ؟ قالَ: يَقُولُ النّاسُ: الهامَةُ التي تَصْرُخُ هامَةُ النّاسِ وَلَيْسَتْ بِهامَةِ الإِنْسانِ إِنَّما هي دابَّةٌ (¬1). 3919 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ المَعْنَى، قالا: حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثابِتٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عامِرٍ، قالَ أَحْمَدُ القُرَشي: قالَ ذُكِرَتِ الطِّيَرَة عِنْدَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ: "أَحْسَنُها الفَأْلُ وَلا تَرُدُّ مُسْلِمًا فَإِذَا رَأى أَحَدُكُمْ ما يَكْرَهُ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ لا يَأْتي بالحَسَناتِ إِلَّا أَنْتَ وَلا يَدْفَعُ السّيِّئاتِ إِلَّا أَنْتَ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ" (¬2). 3920 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا هِشامٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كانَ لا يَتَطيَّرُ مِنْ شَيء وَكانَ إِذا بَعَثَ عامِلًا سَأَلَ عَنِ اسْمِهِ فَإذا أَعْجَبَهُ اسْمُهُ فَرِحَ بِهِ وَرُئي بِشْرُ ذَلِكَ في وَجْهِهِ، وَإِنْ كَرِهَ اسْمَهُ رُئي كَراهِيَةُ ذَلِكَ في وَجْهِهِ، وَاذا دَخَلَ قَرْيَةً سَأَلَ عَنِ اسْمِها فَإِنْ أَعْجَبَهُ اسْمُها فَرِحَ بِها وَرُئي بِشْرُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، وَإِنْ كَرِهَ اسْمَها رُئي كَراهِيَةُ ذَلِكَ في وَجْهِهِ (¬3). 3921 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا أَبانُ، حَدَّثَني يَحْيَى أَنَّ الحَضْرَمي ابْنَ لاحِقٍ حَدَّثَهُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسيَّبِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كانَ يَقُولُ: "لا هامَةَ وَلا عَدْوى وَلا طِيَرَةَ، وَإِنْ تَكُنِ الطِّيَرَةُ في شَيء فَفي الفَرَسِ والمَرْأَةِ والدّارِ" (¬4). ¬

_ (¬1) قال الألباني: صحيح مقطوع. (¬2) رواه البيهقي في "الكبرى" 8/ 139، وابن قانع في "معجم الصحابة" 2/ 262. وقال الألباني في "الضعيفة" (1619): ضعيف الإسناد. (¬3) رواه أحمد 5/ 347. وصححه الألباني. (¬4) رواه أحمد 1/ 174. وصححه الألباني في "الصحيحة" (789).

3922 - حَدَّثَنا القَعْنَبي، حَدَّثَنا مالِكٌ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ حَمْزَةَ وَسالِمِ ابني عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "الشُّؤْمُ في الدّارِ والمَرْأَةِ والفَرَسِ". قالَ أَبُو داوُدَ: قُرِئَ عَلَى الحارِثِ بْنِ مِسْكِينٍ وَأَنا شاهِدٌ أَخْبَرَكَ ابن القاسِم قالَ: سُئِلَ مالِكٌ عَنِ الشُّؤْمِ في الفَرَسِ والدّارِ قالَ: كَمْ مِنْ دارٍ سَكَنَها ناسٌ فَهَلَكَوا ثُمَّ سَكَنَها آخَرُونَ فَهَلَكوا، فهذا تَفْسِيرُهُ فِيما نَرى، واللَّه أَعْلَمُ. قالَ أَبُو داوُدَ: قالَ عُمَرُ -رضي اللَّه عنه- حَصِيرٌ في البَيْتِ خَيْرٌ مِنَ امْرَأَةٍ لا تَلِدُ (¬1). 3923 - حَدَّثَنا مَخْلَدُ بْنُ خالِدٍ وَعَبّاسٌ العَنْبَري، قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَحِيرٍ، قالَ: أَخْبَرَني مَنْ سَمِعَ فَرْوَةَ بْنَ مُسَيْكٍ قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ أَرْضٌ عِنْدَنا يُقالُ لَها أَرْضُ أَبْيَنَ هي أَرْضُ رِيفِنا وَمِيرَتِنا، وَإِنَّها وَبِئَةٌ أَوْ قالَ: وَباؤُها شَدِيدٌ. فَقالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "دَعْها عَنْكَ فَإِنَّ مِنَ القَرَفِ التَّلَفَ" (¬2). 3924 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنا بِشْرُ بْن عُمَرَ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمّارٍ، عَنْ إِسْحاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: قالَ رَجُلٌ يا رَسُولَ اللَّهِ إِنّا كُنّا في دارٍ كَثِيرٌ فِيها عَدَدُنا، وَكَثِيرٌ فِيها أَمْوالُنا، فَتَحَوَّلْنا إِلَى دارٍ أُخْرى فَقَلَّ فِيها عَدَدُنا وَقَلَّتْ فِيها أَمْوالُنا. فَقالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ذَرُوها ذَمِيمَةً" (¬3). 3925 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنا مُفَضَّلُ بْنُ فَضالَةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2858)، مسلم (2225). (¬2) رواه أحمد 3/ 451. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (1720). (¬3) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (918)، والبيهقي في "الكبرى" 8/ 140. وحسنه الألباني في "المشكاة" (4589).

أَخَذَ بِيَدِ مَجْذومٍ فَوَضَعَها مَعَهُ في القَصْعَةِ وقالَ: "كُلْ ثِقَةً باللَّهِ وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ" (¬1) * * * باب في الطيرة [3910] (حدثنا محمد بن كثير) العبدي (ثنا سفيان) الثوري (عن سلمة بن كهيل، عن عيسى بن عاصم) الأسدي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2). (عن زر بن حبيش، عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- الطيَرة) بكسر الطاء، وفتح الياء كما تقدم (شرك) لفظ الترمذي: "من الشرك" (¬3) (الطِّيَرة شرك) قالها (ثلاثًا) وللترمذي وابن ماجه وابن حبان من غير تكرار (¬4) (وما منا) أحد (إلا) تفاءل. كذا في "المصابيح"، ولم أجد تفاءل في السنن. قال الحافظ أبو القاسم الأصبهاني والمنذري وغيرهما: في الحديث إضمار، والتقدير: وما منا إلا وقد وقع في قلبه شيء من ذلك، يعني: قلوب (¬5) أمته (¬6). وقيل: معناه: ما منا إلا من يعتريه التطير، وسبق إلى ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1817)، وابن ماجه (3542). (¬2) 7/ 231. (¬3) "سنن الترمذي" (1614). (¬4) "سنن الترمذي" (1614)، "سنن ابن ماجه" (3538)، "صحيح ابن حبان" 13/ 491 (6122). (¬5) في (ل)، (م): يكون. (¬6) "الترغيب والترهيب" لأبي القاسم الأصبهاني 1/ 418، "الترغيب والترهيب" للمنذري 5/ 25.

قلبه الكراهة فيه، فحذف اختصارًا واعتمادًا على فهم السامع (¬1). (ولكن اللَّه تعالى يذهبه) وإنما جعل الطيرة من الشرك؛ لأنهم كانوا يعتقدون أن التطير يجلب لهم نفعًا، أو يدفع عنهم ضررًا إذا عملوا بموجبه، فكأنهم أشركوه مع اللَّه تعالى، ولكن ابن آدم إذا تطير وخطر له عارض التطير أذهبه (بالتوكلل) على اللَّه -عز وجل-، وأعرض عن هذا الخاطر بالالتجاء إلى اللَّه تعالى والتفويض إليه، ولم يعمل بما خطر له سلم من ذلك، ولم يؤاخذه اللَّه بما عرض له من التطير. قال الترمذي: هذا الحديث حسن صحيح، لا نعرفه إلا من حديث سلمة. قال: وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: كان سليمان بن حرب يقول في قوله: (وما منا إلا ولكن يذهبه بالتوكل). قال سليمان: هذا عندي قول عبد اللَّه بن مسعود (¬2). قال المنذري: الصواب ما ذكره البخاري وغيره أن قوله: (وما منا. . .) إلى آخره من كلام ابن مسعود مدرج آخر الحديث غير مرفوع (¬3). [3911] (حدثنا محمد بن المتوكل) بن عبد الرحمن (العسقلاني) قال إبراهيم بن الجنيد عن ابن معين: ثقةٌ (¬4). وقال ابن حبان في "الثقات": كان من الحفاظ (¬5). ¬

_ (¬1) "معالم السنن" 4/ 215. (¬2) "سنن الترمذي" عقب حديث (1614). (¬3) "الترغيب والترهيب" 5/ 25. (¬4) "سؤالات إبراهيم بن الجنيد لابن معين" (554). (¬5) 9/ 88.

(والحسن بن علي قالا: حدثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن الزهري، (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا عدوى) أي: المرض، والعاهة، لا تعدي بطبعها، بل بفعل اللَّه. يقال (¬1): والعدوى اسم من الإعداء، كالرعوى والبقوى من الإرعاء والإبقاء. ويقال: أعداه الداء يعديه إعداء، وهو أن يصيبه مثل ما بصاحب الداء، وذلك أن يكون ببعير جرب مثلًا، فيتقي مخالطته بإبل أخرى حذار (¬2) أن يتعدى بما به من الجرب فيصيبها ما أصابه، وقد أبطله الإسلام، لأنهم كانوا يظنون أن الجرب بنفسه يعدي، وأعلمهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه ليس الأمر كذلك، وإنما اللَّه هو الذي يمرض وينزل الداء، ولهذا جاء في الحديث: "فمن أعدى الأول؟ ! " (¬3). (ولا صَفَر) بفتح الفاء، قيل: هو ما كانت الجاهلية تعتقده أن في البطن دابة كالحية تهيج عند جوع الآدمي وتؤذيه، وأبطل الإِسلام هذا. وقيل: أراد به النسيء الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية، وهو تأخير شهر المحرم إلى صفر، ويجعلون صفرًا هو الشهر الحرام، فأبطله اللَّه في الإِسلام. (ولا هامَة) بتخفيف الميم على المشهور، ورجح القرطبي التشديد (¬4)، وفيه تأويلان، أحدهما: أن العرب كانت تتشاءم بالهامة، ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل)، (م). (¬2) في (ل)، (م): حذارًا. (¬3) رواه البخاري (5717)، (5770)، ومسلم (2220) من حديث أبي هريرة مرفوعًا. (¬4) "المفهم" 5/ 622.

وهي الطائر المعروف من طير الليل، قيل: هي البومة، كانوا إذا سقطت على دار أحدهم رآها ناعية له نفسه أو بعض أهله. هذا تفسير مالك (¬1). والثاني: أن العرب كانت تعتقد أن روح الآدمي، وقيل: عظامه تنقلب هامة تطير، ويسمونها الصدى، وقيل: روح القتيل الذي لا يدرك بثأره تفسير هامة، فتقول: اسقوني. فإذا أدرك. بثأره طارت. والثاني قول أكثر العلماء. (فقال أعرابي: ) لم يعرف اسمه (ما بال الإبل تكون في الرمل) لفظ البخاري في رواية: فقام أعرابي فقال: رأيت الإبل تكون في الرمال (¬2) (كأنها الظباء) من حسن جسمها وسرعة نشاطها وقوتها وسلامتها من الداء (فيخالطها البعير الأجرب) في كتب الطب أن الجرب خلط غليظ يحدث تحت الجلد يكون معه بثور (فيُجربها) بضم (¬3) المثناة تحت، ولفظ مسلم: "فيجيء البعير الأجرب، فيدخل فيها فيجربها كلها" (¬4). وبيانه أنهم كانوا يعتقدون أن المريض إذا دخل في الأصحاء أمرضهم وأعداهم، وكذلك في الإبل، فنفى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ذلك وأبطله، ثم إنهم لما أوردوا على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الشبهة الحاملة لهم على ذلك في الإبل، فأقطع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حجتهم وأزاح شبهتهم بكلمة واحدة، وهي أن (قال: فمن ¬

_ (¬1) انظر: "التمهيد" 24/ 199. (¬2) "صحيح البخاري" (5775). (¬3) في (ل)، (م): بلفظ. (¬4) "صحيح مسلم" (2220).

أعدى) الجمل (الأول؟ ! ) ومعنى ذلك أن البعير الأجرب الذي أجرب هذِه الصحاح -على زعمهم- من أين جاءه الجرب؟ من قبل نفسه أم من بعير آخر؟ ! فيلزم التسلسل، فظهر أن الذي فعل الأول والثاني هو اللَّه تعالى الخالق لكل شيء، وهذِه الشبهة التي وقعت لهؤلاء هي التي وقعت للطبائعيين أولًا وللمعتزلة ثانيًا، فقال الطبائعيون بتأثيرات الأشياء بعضها في بعض وإيجادها إياها، وسموا المؤثر طبيعة. وقالت المعتزلة ذلك في أفعال الحيوانات والمتولدات. وقالوا: إن قدرهم مؤثرة فيها الإيجاد، وأنهم خالقو أفعالهم مستقلون باختراعها كما هو مقرر في علم الكلام، وفيه دليل على جواز مشافهة من وقعت له شبهة في اعتقاده بذكر البرهان العقلي إذا كان السائل أهلًا لفهمه. (قال الزهري: رجل) أبو سلمة أو غيره (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-) ولمسلم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف حدثه أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا عدوى". وحدثني أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يورد ممرض على مصح". قال أبو سلمة: وكان أبو هريرة يحدث بهما كليهما عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. ثم صمت أبو هريرة عند ذلك عن قوله: "لا عدوى"، وأقام على أن لا يورد ممرض على مصح (¬1). (أنه سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: لا يورِدَنَّ) بكسر الراء، وفتح الدال، ونون التوكيد الثقيلة. (مُمْرِض) بضم الميم الأولى، وسكون الثانية، وكسر الراء، ومفعول ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2221).

مورد محذوف، التقدير: لا يورد صاحب الإبل المراض إبله المراض (على مصِح) بكسر الصاد، أي: على صاحب الإبل الصحاح، والمراد بالممرض صاحب الإبل المراض، وبالمصح صاحب الإبل الصحاح. قال ابن بطال: قوله (لا عدوى) إعلام بأنها لا حقيقة لها، وأما النهي فلئلا يتوهم المصح أن مرضها حدث من أجل ورد المريض عليها، فيكون داخلًا بتوهمه ذلك في تصحيح ما أبطله النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من العدوى (¬1). وقال النووي: المراد بقوله: (لا عدوى) نفي ما كانوا يعتقدونه أن المرض يعدي بطبعه، ولم ينف حصول المرض عند ذلك بقدرة اللَّه وفعله، وبقوله: (لا يورد) الإرشاد إلى مجانبة ما يجعل الضرر عنده في العادة بفعل اللَّه وقدره (¬2). وقيل: النهي ليس للعدوى بل للتأذي بالرائحة الكريهة ونحوه. (قال: فراجعه) الزهري (الرجل فقال: أليس قد حدثتنا أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: لا عدوى، ولا صفر، ولا هامة. قال: لم أحدثكموه) تركه التحدث به يحتمل أوجهًا، أحدها: النسيان كما سيأتي، ثانيها: أنهما لما كانا خبرين متعارضين لا ملازمة بينهما جاز للمحدث أن يحدث بأحدهما ويسكت عن الآخر حسبما تدعو إليه الحاجة، ثالثها: أن يكون خاف اعتقاد جاهل يظنهما متناقضين؛ فسكت عن أحدهما، ¬

_ (¬1) "شرح ابن بطال" 9/ 450. (¬2) "شرح مسلم" 1/ 35, 14/ 213 - 214.

حتى إذا أمن من ذلك حدث بهما جميعًا، رابعها: أن يكون حمله على ذلك وجه غير ما ذكرنا لم يطلع عليه أحد. (قال الزهري: قال أبو سلمة) بن عبد الرحمن (فحدث به، وما سمعت أبا هريرة -رضي اللَّه عنه- نسي حديثًا قط غيره) فإن قلت: تقرر في حديث أبي هريرة وحفظه العلم: قال: فما نسيت شيئًا بعد (¬1). أي: بعد بسط الرداء بين يدي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. أجيب بأن قوله: (ما سمعت أبا هريرة نسي) لا يلزم من سماعه النسيان نسيانه؛ لما في "صحيح مسلم": لا أدري أنسي أبو هريرة أو نسخ أحد القولين (¬2)؟ ! [3912] (حدثنا) عبد اللَّه (القعنبي، ثنا عبد (¬3) العزيز بن محمد) الدراوردي (عن العلاء) بن عبد الرحمن أبي شبل مولى الحرقة، أخرج له مسلم، أحد علماء المدينة (¬4). (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني مولى الحرقة، أخرج له مسلم (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا عدوى) (لا) في هذا الحديث وإن كانت نفيًا لما ذكر بعدها فمعناه النهي عن الالتفات لتلك الأمور والاعتناء بها؛ لأنها في أنفسها ليست بصحيحة، إنما هي من أوهام جهال العرب. (ولا هامة) بتخفيف الميم كما تقدم (ولا نَوْء) بفتح النون وسكون ¬

_ (¬1) رواه البخاري (119). (¬2) (2221) من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف. (¬3) فوقها في (ل)، (ح): (ع). (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 8/ 166 (336).

الواو ثم همزة يعدها، كقولهم: مطرنا بنوء كذا. وحديث عمر: كم بقي من نوء الثريا (¬1). والأنواء ثمانية وعشرون [منزلة، ينزل القمر كل ليلة في منزلة منها، ويسقط في المغرب كل ثلاث عشرة] (¬2) ليلة منزلة مع طلوع الفجر، وتطلع أخرى مقابلها ذلك الوقت في الشرق، فيسقط جميعها مع انقضاء السنة، وكانت العرب تزعم أن مع سقوط منزلة وطلوع رقيبها يكون مطر؛ فينسبون إليها ويقولون: [مطرنا بنوء] (¬3) كذا (ولا صَفَر) بفتح الفاء كما مر. [3913] (حدثنا محمد) بن عبد اللَّه (بن عبد الرحيم) بن سعية بن أبي زرعة مولى بني زهرة (بن البَرْقِي) بفتح الباء الموحدة وسكون الراء وكسر القاف، نسبة إلى برقة من أول بلاد المغرب، كان محمد وأخواه أحمد وعبد الرحيم يتجرون إلى برقة؛ فنسبوا إليها، ومحمد هذا وثقه ابن يونس (¬4) (أن سعيد (¬5) بن عبد الحكم) (¬6) بن أبي محمد الجمحي (حدثهم قال: أنا يحيى بن أيوب) الغافقي المصري (حدثني) محمد (ابن عجلان قال: حدثني القعقاع بن حكيم) بفتح الحاء -هو الكناني- ¬

_ (¬1) رواه الحميدي في "مسنده" 2/ 201 (1009)، والبيهقي 3/ 359 موقوفًا على عمر. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) في (ح): مطرنوء. (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 504 (5358)، "الكاشف" 2/ 188 (4961)، "تهذيب التهذيب" 3/ 609. (¬5) فوقها في (ل)، (ح): (ع). (¬6) كذا في الأصول. وهو خطأ، والصواب: سعيد بن الحكم. وانظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 10/ 391.

أخرج له مسلم (¬1) (وعُبَيْد اللَّه) بالتصغير (ابن مِقْسَم) بكسر الميم، وفتح السين، مولى ابن أبي نَمِر القرشي المدني، أخرج له الشيخان (وزيد ابن أسلم، عن أبي صالح) ذكوان السمان. (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -رضي اللَّه عنه- قال: لا) زاد مسلم فقال: "لا عدوى ولا طيرة ولا" (¬2) (غُول) بضم الغين المعجمة، كانت العرب تتحدث أن الغيلان تتراءى للناس في الفلوات، فتتغول لهم، أي: تتلون لهم تلونًا؛ فتضلهم عن الطريق فتهلكهم. قال الجوهري: الغُول بالضم: السعالي، الجمع أغوال وغيلان، وكل ما اغتال الإنسان فأهلكه فهو غول (¬3). ومقصود الحديث إبطال ما كانت العرب تقوله وتعتقده في هذِه الأمور، فلا يلتفت لشيء من ذلك لا بالقلب ولا باللسان. [3914] (قال) المصنف (قرئ على الحارث بن مسكين) أبي عمرو الأموي مولى مروان المصري الفقيه. قال الخطيب: كان ثبتًا في الحديث، فقيهًا على مذهب مالك (¬4). (وأنا شاهد) عنده، فقيل (أخبركم أشهب) بن عبد العزيز بن داود القيسي المصري (¬5) الفقيه، أحد الأعلام (قال: سئل مالك) بن أنس (عن قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا صفر) ما معناه؟ (قال: إن أهل الجاهلية كانوا ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (629، 2014، 2709). (¬2) "صحيح مسلم" (2222) من حديث جابر مرفوعًا. (¬3) "الصحاح" 5/ 1786. (¬4) "تاريخ بغداد" 8/ 216 (4331) (¬5) ساقطة من (ل)، (م).

يحلون) بضم أوله شهر (صفر) كانت العرب تحرم الأشهر الأربعة، وكانوا أصحاب حروب وغارات، وربما كان يشق عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر متوالية لا يغيرون فيها، فكانوا يؤخرون تحريم المحرم إلى صفر فيحرمونه، ثم يردون التحريم إلى المحرم، ولا يفعلون ذلك إلا في ذي الحجة إذا اجتمعت العرب للموسم، فينادي منادٍ أن افعلوا ذلك لحرب أو لحاجة (يحلونه عامًا ويحرمونه عامًا) قال ابن عباس: إذا قاتلوا فيه أحلوه وحرموا مكانه صفرًا، وإذا لم يقاتلوا فيه حرموه ليواطئوا عدة ما حرم اللَّه (فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) عند ذلك (لا صفر) أي: لا تؤخروا المحرم إلى صفر. [3915] (حدثنا محمد بن المُصفَّى) بضم الميم، وتشديد الفاء، ابن بهلول القرشي الحمصي، قال أبو حاتم: صدوق (¬1). قال محمد بن عوف الطائي: رأيته في النوم، فقلت: إلام صرت؟ فقال: إلى خير، ونرى اللَّه كل يوم مرتين، فقلت: صاحب سنة في الدنيا، وصاحب سنة في الآخرة، فتبسم (¬2). (ثنا بقية) بن الوليد (قال: قلت لمحمد بن راشد) المكحولي الدمشقي: ما معنى (¬3) (قوله: هام؟ قال: كانت (¬4) الجاهلية تقول: ليس أحد يموت فيدفن) في قبره (إلا خرج من قبره هامة) تشبه الحية (قلت: ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 8/ 104 (446)، "تهذيب الكمال" 26/ 468 (5613). (¬2) "الثقات" لابن حبان 9/ 101، "تهذيب الكمال" 26/ 469 (5613). (¬3) بعدها في (ل، م): قوله: لا. (¬4) ساقطة من (ل)، (م).

فقوله) لا (صفر. قال: سمعت أن أهل الجاهلية يستشْئمون) وزنه يستفعلون من الشؤم، فإنه بهمزة مكسورة بعد سكون الشين المعجمة (بصفر) ويكرهونه كما يكرهون الشتم، ويتخذون فيه الشؤم، فأبطله النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بقوله: (لا صفر) أي: لا شؤم فيه، فلا تتخذوا الشؤم فيه. (قال محمد) بن راشد (وقد سمعنا من يقول: ) عن الصفر (هو وجع يأخذ في البطن) أي: بطن الإنسان عند الجوع يجد كأن دودًا ينهش في بطنه (فكانوا يقولون: هو يَعْدِي) بفتح أوله، بل كانت تراه أعدى من الجرب، وأنه يعدي كما يعدي الجرب، وأنشدوا: ولا يتأرى لما في القِدْر يرقبه ... ولا بعض على شرسوفه الصفر (¬1) وإلى هذا التفسير ذهب مطرف وابن وهب وابن حبيب (¬2)، وهو اختيار أبي عبيدة (¬3). [3916] (حدثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي (ثنا هشام) الدستوائي (عن قتادة، عن أنس -رضي اللَّه عنه-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأْل) بسكون الهمزة بعد الفاء، جمعه فُؤول بضم الفاء والهمزة (¬4)، وقد أولع الناس بترك الهمز في المفرد، والفأل يكون في ¬

_ (¬1) هذا البيت لأعشى باهلة (بحر البسيط) من قصيدة يرثي بها أخًا له يقال له: المنتشر. انظر: "الإمتاع والمؤانسة" 2/ 200. (¬2) انظر: "غريب الحديث" 1/ 26. (¬3) انظر: "تفسير غريب ما في الصحيحين" 1/ 307. (¬4) السابق.

الخير، كما أن الطيرة تكون في الشر. وذكر الأصمعي: قلت لابن عون (¬1): ما الفأل؟ قال: أن تكون مريضًا، فتسمع من يقول: يا سالم. فتتفاءل به، أو تكون طالب ضالة، فتسمع من يقول: يا واجد. فتتفاءل به (¬2). ولهذا جاء في الحديث: "ويعجبني الفأل الصالح" (¬3). قيل: (و) ما (الفأل الصالح؟ ) قال: هو (الكلمة الحسنة) يسمعها الإنسان وإنما كان يعجبه الفأل؛ لأن الناس إذا أملوا فائدة اللَّه ورجوا عائدته عند كل سبب ضعيف أو قوي فهم حينئذٍ على خير ولو غلطوا في جهة الرجاء، فإن الرجاء لهم خير، وإذا قطعوا أملهم ورجاءهم من اللَّه كان ذلك من الشر، والطيرة فيها ظن السوء باللَّه وتوقع البلاء. [3917] (حدثنا موسى بن إسماعيل) الأزدي (¬4) (ثنا وهيب) (¬5) بن خالد الباهلي (عن سهيل) بن أبي صالح، ذكوان (عن رجل، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سمع كلمة فأعجبته) لكونها حسنة [(فقال: أخذنا فألك من فيك) فيه حذف تقديره: قد أخذنا فألك ¬

_ (¬1) في جميع النسخ الخطية: معين. والمثبت من مصادر التخريج. (¬2) رواه ابن عبد البر في "التمهيد" 24/ 72 - 73، 192، والطيوري في "الطيوريات" (799). (¬3) رواه البخاري (5756) بهذا اللفظ من حديث أنس أيضًا. (¬4) كذا في الأصول: الأزدي. ولم أجد في ترجمة موسى بن إسماعيل شيخ أبي داود هذِه النسبة. انظر: "تهذيب الكمال" 29/ 21. (¬5) فوقها في (ح)، (ل): (ع).

الحسن يا أيها المتكلم] (¬1) من فيك، وإن لم تقصد خطابنا. وروى ابن السني عن كثير بن عبد اللَّه، عن أبيه، عن جده أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سمع رجلًا يقول: يا خضرة. قال: "أخذنا فألك من فيك" (¬2). [3918] (حدثنا يحيى بن خلف) الباهلي، أخرج له مسلم (¬3) (حدثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل (ثنا) عبد الملك (ابن جريج، عن عطاء) بن أبي رباح (قال: يقول الناس): إن (الصفر) هو (وجع يأخذ في البطن. قلت): فما (الهامة؟ قال: يقول الناس: الهامة التي تصرخ) هي (هامة الناس) التي تصرخ لهم وتنزل في بيوتهم يتشاءمون بها (وليست بهامة الإنسان) التي تخرج من عظام الميت أو رأسه وتنقلب فتصير هامة تطير، ويسمى ذلك الطائر الصدى، قال لبيد: فليس الناس بعدك في نقير ... ولا هم [غير] (¬4) أصداء وهام (¬5) (إنما هي دابة) معروفة تسمى البوم. [3919] (حدثنا أحمد بن حنبل وأبو بكر بن أبي شيبة، قالا: ثنا وكيع، عن سفيان) بن سعيد الثوري (عن حبيب (¬6) بن أبي ثابت) ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) "عمل اليوم والليلة" (290). (¬3) (218، 2203). (¬4) ساقطة من النسخ الخطية، وأثبتناها من كتب اللغة والأدب. (¬5) انظر: "حياة الحيوان الكبرى" 2/ 375. (¬6) فوقها في (ح): (ع).

الأسدي مولاهم الكوفي (عن عروة بن عامر) القرشي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬1) (قال أحمد) بن حنبل في روايته عروة بن عامر (القرشي) وقيل فيه: الجهني. حكاه البخاري (¬2)، ذكر البخاري وغيره أنه سمع من ابن عباس (¬3)؛ فعلى هذا يكون الحديث مرسلًا. (قال: ذُكرت الطِيَرة) بكسر الطاء وفتح الياء (عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: أحسنها) أي: أحسن أنواع الطيرة، فجعل الطيرة جنس تحته أنواع، وأحسن هذِه الأنواع (الفأل) بالكلمة الحسنة يسمعها. والطيرة جنس، والفأل نوع من هذا الجنس. (ولا ترُدّ) بضم الراء وتشديد الدال المهملة (مسلمًا) فمن كامل الإِسلام فرأى شيئًا يتطير منه فلا يرجع عن حاجته، لما روى ابن السني في "عمل اليوم والليلة" عن عبد اللَّه بن عمرو: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من رجعته الطيرة من حاجته فقد أشرك". قالوا: وما كفارة ذلك يا رسول اللَّه؟ قال: "يقول أحدكم: اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك" (¬4). ورواه البيهقي وزاد في آخره: "ولا حول ولا قوة إلا بك". قال كعب: والذي نفسي بيده، إنها لرأس التوكل، وكنز العبد في الجنة، ولا يقول ذلك ثم يمضي إلا لم يضره شيء (¬5). ¬

_ (¬1) 5/ 195. (¬2) "التاريخ الكبير" 7/ 33 (141). (¬3) "التاريخ الكبير" 7/ 33 (441)، "الجرح والتعديل" 6/ 396 (2210)، "أسد الغابة" 4/ 28. (¬4) "عمل اليوم والليلة" (292)، وصححه الألباني في "الصحيحة" 3/ 54 (1065). (¬5) "شعب الإيمان" 2/ 65 (1180).

وروى الطبراني عن أبي الدرداء: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا ينال الدرجات العلى من تكهن، أو استقسم، أو رجع من سفره تطيرًا" (¬1). وفي "مراسيل أبي داود" أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ليس عبد إلا سيدخل قلبه طيرة، فإذا أحس بذلك فليقل: أنا عبد اللَّه، ما شاء اللَّه، لا قوة إلا باللَّه، إن اللَّه على كل شيء قدير" (¬2). (فإذا رأى أحدكم ما يكره) لفظ البيهقي في "الدعوات": "فإذا رأيت من الطيرة ما تكره فقل" (¬3). (فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات) أي: بالأشياء الحسنة من منفعة تحدث وخير يتجدد (إلا أنت) ليس لما تطير منه شيء من ذلك، بل كله من اللَّه، فهو موجده ومقدره. (ولا يدفع السيئات) الأشياء السيئة من المضار والمكروهات (إلا أنت) وقد كان قوم موسى إذا أصابهم الخصب والأشياء المحبوبة قالوا: نحن مستحقوها. وإن أصابهم الضيق والجدب وما يكرهونه تطيروا بموسى عليه السلام وقالوا: هذا بشؤم موسى (¬4)، ولولاه ما أصابنا ¬

_ (¬1) "المعجم الأوسط" 3/ 118 - 119 (2663). وأورده الهيثمي في "المجمع" 1/ 128 وقال: رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه محمد بن الحسن بن أبي يزيد، وهو كذاب. قال الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" 3/ 197 (3099): حسن لغيره. (¬2) (539) من حديث عبد الرحمن بن سابط الجمحي مرسلًا. (¬3) 2/ 287 (500). (¬4) ساقطة من (م).

هذا. كما قال اللَّه تعالى: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ} (¬1) (ولا حول) عن المعاصي والسيئات (ولا قوة) على الطاعات والحسنات (إلا بك) إلا بقدرتك وتوفيقك لعمله. [3920] (حدثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا هشام) الدستوائي (عن قتادة، عن عبد اللَّه بن بريدة، عن أبيه) بريدة بن الحصيب بن عبد اللَّه بن الحارث الأسلمي -رضي اللَّه عنه- (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان لا يتطير من) رؤية (شيء) يتطير به غيره من العرب وغيرهم، ويقولون: من لي بالسانح بعد البارح. والسانح من الصيد ما ولاك ميامنه، وذلك إذا مر من مياسرك إلى ميامنك، والعرب تتيمن به وتتشاءم بالبارح، وهو الصيد الذي ولاك مياسره، يمر من ميامنك إلى مياسرك، وإنما تشاءمت بالبارح؛ لأنه لا يمكنك أن ترميه حتى تنحرف إليه. (وكان إذا بعث عاملًا) من عماله، أي: إذا أراد أن يبعت عاملًا على الزكاة إلى جهة (سأل عن اسمه، فإذا أعجبه اسمه فرح به) واستبشر (ورُئي) بضم الراء مبني للمجهول (بشر) أي: علامة الاستبشار (في وجهه) وكان إذا سر استنار وجهه. قال محيي السنة: ينبغي أن يختار الرجل لأولاده وخدمه الأسماء الحسنة، فإن الأسماء المكروهة قد توافق القدر (¬2). يعني: لو سمى ابنه بخسار فربما جرى قضاء اللَّه بأن يلحق خسار ذلك المسمى بخسار، فيعتقد بعض الناس أنه بسبب اسمه، فيتشاءم به فيحترزون عنه ¬

_ (¬1) الأعراف: 131. (¬2) "شرح السنة" للبغوي 12/ 177.

ويصير معروفًا بالشؤم، فلا ينبغي أن يسمى باسم يصير بسببه مبغوضًا، وكراهيته عليه الصلاة والسلام (وإذا دخل) أي: أراد دخول (قرية) أو بلدة (سأل عن اسمها، فإن أعجبه فرح بها) واستبشر (ورئي بشر ذلك في وجهه) باستنارة وجهه (وإن كره اسمها ربي كراهية ذلك في وجهه) وسبب كراهيته الاسم القبيح؛ لئلا يحصل لهم في القرية مكروه (¬1)، فيحدث لهم التشاؤم والتطير المنهي عنه، فإن الاسم القبيح مبغوض في الطباع، كما أن الاسم الحسن محبوب في الطباع. [3921] (حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا أبان) لا ينصرف على الأكثر (قال: حدثني يحيى) بن أبي كثير (أن الحضرمي (¬2) بن لاحق) التميمي السعدي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3)، وقال ابن معين: ليس به بأس (¬4) (حدثه عن سعيد بن المسيب، عن سعد بن مالك) أبي وقاص ابن وهيب الزهري -رضي اللَّه عنه- (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يقول: لا هامة ولا عدوى) تقدما (ولا طيرة، وإن تكن الطيرة) المنهي عنها (في شيء ففي الفرس والمرأة والدار) قال القرطبي: لا نظن أن الذي رخص فيه من الطيرة هذِه الثلاثة هو على نحو ما كانت الجاهلية تعتقد وتفعل، فإنها كانت لا تقدم على ما تطيرت به ولا تفعله بوجه، فإن هذا ظن خطأ، وإنما ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: مكروهًا. والمثبت هو الصواب. (¬2) فوقها في (ح)، (ل): (س). (¬3) 6/ 249. (¬4) "الجرح والتعديل" 3/ 302 (1347)، "تهذيب الكمال" 6/ 554 (1381)، "تهذيب التهذيب" 1/ 448.

معنى ذلك أن هذِه الثلاثة المذكورة أكثر ما يتشاءم الناس بها ويتطيرون بها لملازمتهم الفرس التي يرتبطونها للجهاد ونحوه، والمرأة التي يتزوجونها خصوصًا إن جاء منها أولاد، والدار التي يسكنونها، فمن وقع له شيء من ذلك فقد أباح الشرع له أن يتركه ويستبدل به غيره مما تطيب به نفسه ويسكن له خاطره، ولم يلزمه الشرع أن يقيم في موضع يكرهه، أو يستمر مع امرأة يكرهها، بل قد فسح له في ترك ذلك كله ببيع وعتق وطلاق ونحو ذلك (¬1). [3922] (حدثنا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن) أبي عمارة (حمزة) (¬2) أحد الفقهاء بالمدينة (و) شقيقه (سالم ابني عبد اللَّه ابن عمر) بن الخطاب رضي اللَّه عنهما (عن) أبيهما (عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال) زاد البخاري: "إنما" (¬3) (الشؤم في) ثلاث، والشؤم بهمزة ساكنة، ويجوز تخفيفها، وهو ضد اليمن، تقول: ما أشأم فلانًا. قال في "الصحاح": والعامة تقول: ما أيشمه (¬4). وهي (الدار والمرأة والفرس) قال معمر: سمعت من يقول: شؤم المرأة أن لا تلد، وشؤم الدابة إذا لم يغز عليها، وشؤم الدار جار السوء (¬5). وهذا حسن، لكن مع اعتقاد أن اللَّه تعالى هو الفَعَّال لما يريد، وليس ¬

_ (¬1) "المفهم" 5/ 629 - 630. (¬2) فوقها في (ح)، (ل): (ع). (¬3) "صحيح البخاري" (2858)، (5772). (¬4) 5/ 1957. (¬5) رواه البيهقي 8/ 140.

لشيء من هذِه (¬1) الأشياء أثر في الوجود، وهذا قريب من المجذوم، فإن قيل: هذا يجري في كل متطير به، فما وجه خصوصية هذِه الثلاثة بالذكر؟ . إن أكثر ما يقع التطير في هذِه الثلاثة، فخصت بالذكر. فإن قيل: فما الفرق بين الدار وبين موضع الوباء؟ فإن الدار إذا تطير منها فقد وسع له الارتحال منها، وموضع الوباء فقد منع من الخروج منه. وأجاب بعض العلماء أن الأمور بالنسبة إلى هذا المعنى ثلاثة أقسام: أحدها: ما لم يقع التطير منه لا نادرًا ولا مكررًا، فهذا لا يصغى إليه، وقد أنكر الشارع الالتفات إليه كنعي الغراب في السفر أو صراخ بومة في دار، ففي مثل هذا قال عليه السلام: "لا طيرة" وهذا كانت العرب تعتبره. ثانيها: ما يقع به الضرر، ولكنه [يعم و] (¬2) لا يخص، ويندر ولا يتكرر كالوباء، فهذا لا يقدم عليه ولا يفر منه. وثالثها: سبب يخص ولا يعم، ويلحق به الضرر بطول الملازمة كهذه الثلاثة، فيباح له الاستبدال والتوكل على اللَّه والإعراض عما يقع في النفس. (قال) المصنف (قرئ على الحارث بن مسكين) مولى مروان، الفقيه المالكي (وأنا شاهد: أخبرك عبد الرحمن بن القاسم) العتقي، صحب مالكًا عشرين سنة، ومات بمصر. ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل)، (م). (¬2) ساقطة من (ل)، (م).

(قال: سئل مالك -رضي اللَّه عنه- عن الشؤم في حديث الفرس والدار والمرأة. قال: كم من دار سكنها ناس فهلكوا) فذكر في كتاب الجامع من "العتبية": رب دار سكنها قوم فهلكوا (ثم سكنها) قوم (آخرون فهلكوا) (¬1) بفتح اللام. قال القرطبي: حمل الحديث على ظاهره ولم يتأوله (¬2). (فهذا تفسيره فيما نرى) بضم النون (واللَّه تعالى أعلم) ويعضد ما قاله مالك الحديث (¬3) الآتي بعده، وهو: [3923] (حدثنا مخلد بن خالد) الشعيري العسقلاني نزيل مصر (¬4) شيخ مسلم (وعباس) بالموحدة والسين المهملة ابن عبد العظيم (العنبري) شيخ مسلم، والبخاري تعليقًا (¬5). (قالا: حدثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن يحيى بن عبد اللَّه بن بكير) بفتح الباء الموحدة وكسر الحاء المهملة القاص، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬6). (قال: أخبرني من سمع فروة) بفتح الفاء والواو (بن مسيك) بضم الميم وفتح السين المهملة بالتصغير، ابن الحارث المرادي، أصله من ¬

_ (¬1) "البيان والتحصيل" 17/ 275. (¬2) انظر: "المفهم" 5/ 629. (¬3) ساقط من (ل)، (م). (¬4) كذا في الأصول: مصر. والصواب: طرسوس. انظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 27/ 334. (¬5) "صحيح البخاري" عقب حديث (6412) من حديث ابن عباس مرفوعًا. (¬6) 7/ 606.

اليمن، قدم على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سنة تسع وأسلم، فبعثه على قومه (قال: قلت يا رسول اللَّه، أرض عندنا) باليمن (يقال لها أرض أبين) غير منصرف، ذكره سيبويه بكسر الهمزة على وزن إفعل مع إصبع وإشفى، قال الطبري: أبين وعدن ابنا عدنان سميت بهما البلدتان (¬1). وقال أبو حاتم: سألت أبا عبيدة: كيف تقول: إبين أو أبين؟ فقال: إبين وأبين جميعًا، وهو عدن أبين من بلاد اليمن، نسب إلى أبين بن زهير بن الهميسع بن حمير بن سبأ. (هي أرض ريفنا) بكسر الراء وسكون المثناة تحت ثم فاء، والريف كل أرض فيها زرع ونخل، وقيل: هو ما قارب الماء من أرض العرب ومن غيرها، ومنه حديث العرنيين: كنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف (¬2). أي: إنا من أهل البادية لا من أهل المدن وفي رواية "المصابيح": هي أرض ريعنا (¬3). [بفتح الراء] (¬4) وبالعين بدل الفاء، والريع: الزيادة والنماء. يعني: يحصل لنا فيها الثمار والنبات. (وميرتنا) بكسر الميم، والميرة هي: القمح والشعير وغيرهما من الأطعمة ونحوها مما يجلب للبيع، قال اللَّه تعالى: {وَنَمِيرُ أَهْلَنَا} (¬5). (وإنها وبيئة) بالمد، الوباء بالقصر والمد والهمز: الطاعون والمرض ¬

_ (¬1) "تاريخ الطبري" 2/ 270. (¬2) رواه البخاري (4192)، (5727) من حديث أنس. (¬3) في "مشكاة المصابيح" (4590) بتحقيق الشيخ الألباني: (ريفنا). بالفاء. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬5) يوسف: 65.

العام، وقد وبئت الأرض فهي وبئة، ووبئت أيضًا فهي موبوءة، وأوبأت فهي موبئة (أو قال: وباؤها) بالقصر والمد كما ذكر وبؤها (شديد. فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: دعها عنك) أي: لا تأتها (فإن من القرف) بفتح القاف والراء ثم فاء، وهو ملابسة الداء ومقاربة الوباء ومداناة المرضى، وكل شيء قاربته فقد قارفته. (التلف) هو الهلاك، يعني: من قارب متلفًا يتلف، يعني: إذا لم يكن هواء تلك الأرض موافقًا لك فاتركها, وليس هذا من باب العدوى، إنما هو من باب الطب، فإن استصلاح الهواء من أعون الأشياء على صحة الأبدان، وفساد الهواء من أسرع الأشياء إلى الإسقام، وفي حديث عمر قال له رجل من البادية: متى تحل لنا الميتة؟ قال: إذا وجدت قرف الأرض فلا تقربها. أراد ما يقترف من بقل الأرض وعروقه، أي: يقتلع، وأصله: أخذ القشر منه، وفي حديث ابن الزبير: ما على أحدكم إذا أتى المسجد أن يخرج قرفة أنفه (¬1). أي: قشرته، يريد المخاط اليابس اللازق به. واعلم أن في المنع من الدخول إلى الأرض الوبئة حِكمًا: أحدها: تجنب الأسباب المؤدية والبعد منها. الثاني: الأخذ بالعاقبة التي هي مادة مصالح المعاش والمعاد. الثالث: أن لا يستنشقوا الهواء الذي قد عفن وفسد، فيكون سببًا للتلف. ¬

_ (¬1) انظر: "غريب الحديث" لابن قتيبة 2/ 443.

الرابع: أن لا يجاوروا المرضى الذين قد مرضوا بذلك، فيحصل لهم بمجاورتهم من جنس أمراضهم. والحديث يدل على هذا. [3924] (حدثنا الحسن (¬1) بن يحيى) بن هشام البصري الرازي (¬2). قال ابن حبان في "الثقات": كان صاحب حديث (¬3). أخرج له المصنف حديثين (¬4)، أحدهما هذا (¬5) (حدثنا بشر) (¬6) بكسر الموحدة وسكون المعجمة، ابن [الزهراني البصري. (عن عكرمة بن عمار) الحنفي اليمامي، أخرج له مسلم، وكان مجاب الدعوة (عن] (¬7) إسحاق (¬8) بن عبد اللَّه بن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري (عن) عمه لأمه (أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: قال رجل: يا رسول اللَّه، إنا كنا في دارٍ كثيرٌ) بالجر [(فيها عددنا، وكثير) بالرفع] (¬9). (فيها أموالنا) ورواية مالك في "الموطأ" عن يحيى بن سعيد: جاءت امرأة إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالت: دار سكناها والعدد كثير والمال وافر، ¬

_ (¬1) فوقها في (ح)، (ل): (د). (¬2) كذا في الأصول: الرازي. والصواب: الرزي. كما في مصادر ترجمته. انظر: "تهذيب الكمال" 6/ 336. (¬3) 8/ 180. (¬4) في جميع النسخ: حديثان. والمثبت هو الصواب. (¬5) والثاني سبق برقم (312) من حديث أم سلمة. (¬6) فوقها في (ح)، (ل): (ع). (¬7) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل)، (م). (¬8) فوقها في (ح): (ع). (¬9) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

فقل العدد وذهب المال. فقال: "دعوها فإنها ذميمة" (¬1) (فتحولنا) عنها (إلى دار أخرى، فقل فيها عددنا، وقلت فيها أموالنا، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ذروها) هذا ليس من الطيرة ولا العدوى، بل من الطب، فإن الهواء والماء والنبات مختلف، فبعضها يوافق الطباع وبعضها يخالفها، والأرض الأولى كان هواؤها وماؤها ونباتها موافقة لهم، والدار الثانية التي انتقلوا إليها مخالفة لهم، فأمرهم أن يتركوها إرشادًا إلى المصالح الدنيوية والدينية. (فإنها ذميمة) أي: اتركوا هذِه الدار فإنها مذمومة، فعيلة بمعنى مفعولة، أي: هواؤها غير موافق لكم. وإنما أمرهم بالتحول عنها؛ إبطالا لما وقع في نفوسهم من أن المكروه إنما أصابهم بسبب سكنى الدار، فإذا تحولوا عنها انقطعت مادة ذلك الوهم وزال ما خامرهم من الشبهة. [3925] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا يونس (¬2) بن محمد) المؤدب البغدادي (حدثنا مفضل بن فضالة) بن أبي أمية البصري مولى زيد بن الخطاب، قال أبو حاتم: يكتب حديثه (¬3). وذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4)، وله هذا الحديث عندهم. (عن حبيب (¬5) بن الشهيد) الأزدي البصري (عن محمد بن المنكدر، ¬

_ (¬1) 2/ 972. (¬2) فوقها في (ح)، (ل): (ع). (¬3) "الجرح والتعديل" 8/ 317 (1460). (¬4) 7/ 496. (¬5) فوقها في (ح)، (ل): (ع).

عن جابر) بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أخذ بيد مجذوم) هذا المجذوم هو معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي حليف بني أمية، من مهاجرة الحبشة، توفي سنة أربع (فوضعها معه في القصعة) بفتح القاف، أي: أكل معه، وهذا فعله لبيان الجواز لما في البخاري عن أبي هريرة: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فر من المجذوم كما تفر من الأسد" (¬1) وهذا محمول على الاستحباب والاحتياط، فبهذا يجمع بين الحديثين. (وقال: كل) زاد الترمذي: باسم اللَّه (¬2) (ثقة باللَّه تعالى وتوكلًا عليه) في الأكل مع المجذوم. قيل: إنما أمر أن يفر من المجذوم؛ لأنه إذا رآه صحيح البدن عظمت حسرته ونسي نعم ربه تعالى، فأُمر أن يفر منه؛ لئلا يكون سببًا للزيادة في محنة أخيه وبلائه، واللَّه تعالى أعلم بالصواب (¬3). آخر كتاب الطب والحمد للَّه تعالى كما يرضى ربنا ويحب وصلى اللَّه على سيدنا محمد وعلى كل من له صحب في نصف ذي الحجة عام اثنين وثلاثين وثمان مائة يتلوه كتاب العتق * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5707) معلقًا، وقال ابن حجر في "الفتح" 10/ 158: وصله أبو نعيم. . . وابن خزيمة أيضًا. (¬2) "سنن الترمذي" (1817). (¬3) بعدها في (ل)، (م): قال المصنف.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

شَرْحُ سُنَنِ أَبِي دَاوُد لِابْنِ رَسْلَان [16]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ جميعُ الحقوقِ مَحْفوظَة لِدَارِ الفَلَاحِ وَلَا يجوز نشر هَذَا الْكتاب بِأَيّ صِيغَة أَو تَصْوِيره PDF إِلَّا بِإِذن خطي من صَاحب الدَّار الْأُسْتَاذ/ خَالِد الرَّباط الطَّبْعَةُ الأُولَى 1437 هـ - 2016 م رَقم الْإِيدَاع بدَارِ الكتُب 17164/ 2015 دَارُ الفَلَاحِ لِلبحثِ العِلمي وتَحْقِيق التُّرَاثِ 18 شَارِع أحمس - حَيّ الجامعة - الفيوم ت: 01000059200 [email protected] تطلب منشوراتنا من: • دَار الْعلم - بلبيس - الشرقية - مصر • دَار الأفهام - الرياض • دَار كنوز إشبيليا - الرياض • مكتبة وتسجيلات ابْن الْقيم الإسلامية - أَبُو ظَبْي • دَار ابْن حزم - بيروت • دَار المحسن - الجزائر • دَار الْإِرْشَاد - استانبول • دَارُ الفَلَاحِ - الفيوم

كتاب العتق

كتاب العتق

1 - باب في المكاتب يؤدي بعض كتابته فيعجز أو يموت

30 - العتق 1 - باب في المُكاتَبِ يُؤَدّي بَعْضَ كِتابَتِهِ فَيَعْجزُ أَوْ يَمُوتُ 3926 - حَدَّثَنا هارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنا أَبُو بَدْرٍ، حَدَّثَني أَبُو عُتْبَةَ إِسْماعِيلُ ابْنُ عيّاشٍ، حَدَّثَني سلَيْمانُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "المُكاتَبُ عَبْدٌ ما بَقي عَلَيْهِ مِنْ مُكاتَبَتِهِ دِرْهَمٌ" (¬1). 3927 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَني عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنا هَمّامٌ، حَدَّثَنا عَبّاسٌ الجُرَيْري، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "أيُّما عَبْدٍ كاتَبَ عَلَى مِائَةِ أُوقِيَّةٍ فَأَدّاها إِلَّا عَشْرَةَ أَواقٍ فَهُوَ عَبْدٌ وَأيُّما عَبْدٍ كاتَبَ عَلَى مِائَةِ دِينارٍ فَأَدّاها إِلَّا عَشْرَةَ دَنانِيرَ فَهُوَ عَبْدٌ". قالَ أَبُو داوُدَ: لَيْسَ هُوَ عَبّاسٌ الجُرَيْري قالُوا: هُوَ وَهَمٌ وَلَكِنَّهُ هُوَ شَيْخٌ آخَرُ (¬2). 3928 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ بْن مُسَرْهَدِ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ نَبْهانَ مُكاتَبِ أُمِّ سَلَمَةَ قالَ: سَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ تَقُولُ قالَ لَنا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنْ كانَ ¬

_ (¬1) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/ 111, والطبراني في "مسند الشاميين" 2/ 303 (1386)، والبيهقي في "الكبرى" 10/ 545. (¬2) الترمذي (1260)، ابن ماجه (2519)، وأحمد 2/ 178.

لإِحْداكُنَّ مُكاتَبٌ فَكانَ عِنْدَهُ ما يُؤَدّي فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ" (¬1). * * * بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أول كتاب العتاق (¬2) باب في المكاتب يؤدي بعض كتابته فيعجز أو يموت [3926] (حدثنا هارون بن عبد اللَّه) بن مروان البغدادي شيخ مسلم (حدثنا أبو بدر) (¬3) شجاع بن الوليد الكوفي. (حدثني أبو عتبة) بضم العين المهملة وسكون المثناة فوق (إسماعيل ابن عياش) بالمثناة تحت والشين المعجمة العنسي عالم الشاميين (حدثني سليمان بن سليم) مصغر، الحمصي، وثقوه. (عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده -رضي اللَّه عنهم-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: المكاتب عبد) أي: تجري عليه أحكام العبودية والرق، ولهذا جاء في رواية: " المكاتب قن" وفيه دليل على جواز بيع المكاتب؛ لأن العبد مملوك، والمملوك يجوز بيعه وهبته والوصية به، وإن كان الشرع إنما ورد ببيعه؛ لأن ما كان في معنى المنصوص عليه ثبت الحكم فيه، وهو القديم من مذهب الشافعي (¬4)، وبه قال أحمد (¬5) وابن المنذر، ¬

_ (¬1) الترمذي (1261)، ابن ماجه (2520)، وأحمد 6/ 289. (¬2) فوقها في (ح)، (ل): نسخة: العتق. (¬3) فوقها في (ح)، (ل): (ع). (¬4) انظر: "الحاوي الكبير" 18/ 248، "نهاية المطلب" 19/ 456. (¬5) "مسائل الإِمام أحمد" برواية أبي داود ص 281، وانظر: "الكافي" 4/ 174.

فقال: بيعت بريرة بعلم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهي مكاتبة، ولم ينكر ذلك. ففي ذلك أبين البيان أن بيعه جائز، قال: ولا أعلم خبرًا يعارضه، قال: ولا أعلم دليلًا على عجزها (¬1). والجديد من قولي الشافعي أنه لا يجوز بيعه (¬2)، وهو قول مالك (¬3) وأصحاب الرأي (¬4). وتأول الشافعي حديث بريرة على أنها كانت قد عجزت، وكان بيعها فسخًا لكتابتها (¬5). وهذا التأويل يحتاج إلى دليل في غاية القوة، وعلى القول بجواز بيعه فمشتريه يقوم فيه مقام المكاتب وولاؤه لمشتريه، فإن لم يبين البائع للمشتري أنه مكاتب فهو غير بين أن يرجع بالثمن، أو يأخذ أرش ما بينه سليما ومكاتبًا, ولا خلاف أن للمكاتب أحكام المماليك في شهاداته وجناياته والجناية عليه، وفي ميراثه وحدوده وسهمه إن حضر القتال. (ما بقي) بكسر القاف لغة القرآن (عليه من مكاتبته درهم) وهذا مقيد لرواية مالك في "الموطأ" عن ابن عمر أنه كان يقول: المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شيء (¬6). فإن (شيء) مطلق و (درهم) مقيد له. ¬

_ (¬1) "الإقناع" 2/ 424. (¬2) "الأم" 5/ 269. (¬3) "المدونة" 2/ 478. (¬4) "الأصل" 4/ 228. (¬5) "الأم" 5/ 269. (¬6) "الموطأ" 2/ 787.

[3927] (حدثنا محمد بن المثنى، ثنا عبد (¬1) الصمد) بن عبد الوارث التنوري (ثنا همام، ثنا عباس) (¬2) بالموحدة والسين المهملة ابن فروخ (الجريري) بضم الجيم البصري (عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده -رضي اللَّه عنهم- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: أيما عبد كاتب) سيده (على مائة أوقية) لفظ ابن ماجه: "أيما عبد كوتب على مائة أوقية" (¬3) (فأداها إلا عشرة أواقي) (¬4) بتشديد الياء، وقد تخفف، جمع أوقية بضم الهمزة وتشديد الياء، وهي اسم الأربعين درهما. ورواية ابن ماجه وغيره: "إلا عشر أوقيات" (¬5) وهو جمع أوقية أيضًا. (فهو عبد) قن (وأيما عبد كاتب) سيده (على مائة دينار فأداها) إلى سيده (إلا عشرة دنانير فهو عبد) فيه: حجة لما عليه الجمهور (¬6) أن المكاتب عبد وإن أدى أكثر ما عليه، ولا يعتق حتى يؤدي جميع ما عليه. وقال علي -رضي اللَّه عنه-: يعتق منه بقدر ما أدى (¬7). وذكر أبو بكر والقاضي وأبو الخطاب من الحنابلة أنه إذا أدى ثلاثة أرباع الكتابة وعجز عن ربعها يعتق؛ لأنه يجب رده إليه، فلا يرد إلى الرق لعجزه عنه (¬8)، واستدلوا بحديث ابن عباس عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "إذا أصاب المكاتب حدًّا أو ميراثًا ورث بحساب ما عتق منه، ويؤدي ¬

_ (¬1) و (¬2) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬3) "سنن ابن ماجه" (2519). (¬4) في حاشية (ح) وصلب (ل، م): نسخة: أواق. (¬5) "سنن ابن ماجه" (2519). (¬6) انظر: "المبسوط" 7/ 210، "البيان والتحصيل" 11/ 176، "نهاية المطلب" 19/ 378، "الجامع لعلوم الإِمام أحمد" 10/ 448. (¬7) رواه البيهقي في "الكبرى" 10/ 326. (¬8) انظر: "المغني" 9/ 124 - 125.

المكاتب بحصة ما أدى دية حر، وما بقي دية عبد" رواه الترمذي، وقال: حديث حسن (¬1). وروي عن عمر وعلي أنه إذا أدى الشطر فلا رق عليه (¬2). وروي ذلك عن النخعي (¬3)، وقال عبد اللَّه بن مسعود: إذا أدى قدر قيمته فهو غريم (¬4). وقضى به شريح، وقال الحسن في المكاتب: إذا عجز استسعي بعد العجز سنتين (¬5). (ثنا عباس) (¬6) قال (ليس هو عباس الجريري. قالوا: هو وهم) بين. [3928] (حدثنا مسدد قال: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن نبهان) بفتح النون وسكون الباء الموحدة وبعد الألف نون، كنيته أبو يحيى، وهو ثقةٌ، وهو (مكاتب لأم سلمة) هند زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. (قال: سمعت أم سلمة رضي اللَّه عنها تقول: قال لنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) قال الشافعي في القديم: لم أحفظ عن سفيان أن الزهري سمعه من نبهان، ولم أر من رضيت من أهل العلم يثبت واحدًا من هذين الحديثين. قال البيهقي: أراد هذا وحديث عمرو بن شعيب في المكاتب (¬7). ¬

_ (¬1) بعدها في (م): صحيح، وانظر: "سنن الترمذي" (1259). (¬2) رواه عبد الرزاق في "المصنف" 8/ 410 - 411 (15736)، وابن أبي شيبة في "المصنف" 4/ 323 (20570) عن عمر. ورواه ابن أبي شيبة 8/ 410 (15734) عن علي بنحوه. (¬3) رواه ابن أبي شيبة 4/ 323 (20574، 20576). (¬4) رواه ابن أبي شيبة 4/ 323 (20567 - 20568). (¬5) انظر: "الأوسط" 11/ 517. (¬6) من (م). (¬7) "السنن الكبرى" 10/ 327.

قال المنذري: وحديث عمرو بن شعيب قد رويناه موصولًا، وحديث نبهان قال الترمذي فيه: حسن صحيح. وذكر فيه معمر سماع الزهري من نبهان، وقد ذكر عبد الرحمن ابن أبي حاتم في موضعين من كتابه أن محمد بن عبد الرحمن مولى طلحة روى عن نبهان. ومحمد بن عبد الرحمن هذا ثقة احتج به مسلم في "صحيحه" (¬1). (إذا كان لإحداكن مكاتب فكان عنده ما يؤدي) به كتابته (فلتحتجب منه) هذا الأمر محمول على الندب. قال الشافعي: يجوز أن يكون أمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أم سلمة إذا كان أمرها بالحجاب من مكاتبها إذا كان عنده ما يؤدي، على ما عظم اللَّه به أزواج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمهات المؤمنين من حبهن اللَّه وخصهن به، وفرق بينهن وبين النساء: {إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} ثم تلا الآيات في اختصاصهن بأن جعل عليهن الحجاب من المؤمنين ولم يجعل على امرأة سواهن أن تحتجب ممن يحرم عليه نكاحها، ثم ساق الكلام إلى أن قال: ومع هذا إن احتجاب المرأة ممن له أن يراها واسع لها، وقد أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-يعني سودة- أن تحتجب من رجل قضى أنه أخوها، وذلك يشبه أن يكون للاحتياط، وأن الاحتجاب ممن له أن يراها مباح (¬2). واللَّه أعلم. * * * ¬

_ (¬1) "مختصر سنن أبي داود" 5/ 389. (¬2) نقله عن الشافعي البيهقي في "السنن الكبرى" 10/ 327.

2 - باب في بيع المكاتب إذا فسخت الكتابة

2 - باب فِي بَيْعِ المُكاتَبِ إِذا فُسِخَتِ الكتابَةُ 3929 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قالا: حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها أَخْبَرَتْهُ أَنَّ بَرِيرَةَ جاءَتْ عائِشَةَ تَسْتَعِينُها في كِتابَتِها، وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ مِنْ كِتابَتِها شَيْئًا فَقالَتْ لَها عائِشَة: ارْجِعي إِلَى أَهْلِكِ فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَقْضي عَنْكِ كِتابَتَكِ وَيَكُونَ وَلاؤُكِ لي فَعَلْتُ. فَذَكَرَتْ ذَلِكَ بَرِيرَةُ لأَهُلِها فَأَبَوْا وَقالُوا إِنْ شاءَتْ أَنْ تَحْتَسِبَ عَلَيْكِ فَلْتَفْعَلْ وَيَكُونَ لَنا وَلاؤُكِ. فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ لَها رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ابْتاعي فَأَعْتِقي فَإِنَّما الوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". ثُمَّ قامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ: "ما بالُ أُناسٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ في كِتابِ اللَّهِ مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ في كِتابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ وَإِنْ شَرَطَهُ مِائَةَ مَرَّةٍ شَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ" (¬1). 3930 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا وُهَيْبٌ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها قالَتْ: جاءَتْ بَرِيرَةُ لِتَسْتَعِينَ في كِتابَتِها فَقالَتْ إِنّي كاتَبْتُ أَهْلي عَلَى تِسْعِ أَواقٍ في كُلِّ عامٍ أُوقيَّةٌ فَأَعِينِينَي. فَقالَتْ: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّها عَدَّةً واحِدَةً وَأُعْتِقَكِ وَيَكُونَ وَلاؤُكِ لي فَعَلْتُ. فَذَهَبَتْ إِلَى أَهْلِها وَساقَ الحَدِيثَ نَحْوَ الزُّهْري زادَ في كَلامِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في آخِرِهِ: "ما بالُ رِجالٍ يَقُولُ أَحَدُهُمْ: أَعْتِقْ يا فُلانُ والوَلاءُ لي إِنَّما الوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ" (¬2). 3931 - حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ يَحْيَى أَبُو الأَصْبَغِ الحَرّاني حَدَّثَني مُحَمَّدٌ -يَعْني ابن سَلَمَةَ- عَنِ ابن إِسْحاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها قالَتْ: وَقَعَتْ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الحارِثِ بْنِ المُصْطَلِقِ في سَهْمِ ثابِتِ ابْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ أَوِ ابن عَمٍّ لَهُ فَكاتَبَتْ عَلَى نَفْسِها وَكانَتِ امْرَأَةً مَلَّاحَةً تَأْخُذُها ¬

_ (¬1) رواه البخاري (456)، ومسلم (1504). (¬2) رواه البخاري (2168)، ومسلم (1504).

العَيْنُ. قالَتْ عائِشَةُ رضي اللَّه عنها: فَجاءَتْ تَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- في كِتابَتِها، فَلَمّا قامَتْ عَلَى البابِ فَرَأَيْتُها كَرِهْتُ مَكانَها، وَعَرَفْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- سَيَرى مِنْها مِثْلَ الذي رَأَيْتُ، فَقالَتْ: يا رَسُولَ اللَّهِ أَنا جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الحارِثِ وِإِنَّما كانَ مِنْ أَمْري ما لا يَخْفَى عَلَيْكَ، وإِنّي وَقَعْتُ في سَهْمِ ثابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ، وِإِنّي كاتَبْتُ عَلَى نَفْسي فَجِئْتُكَ أَسْأَلُكَ في كِتابَتي. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فَهَلْ لَكِ إلى ما هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ". قالَتْ: وَما هُوَ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قالَ: "أُؤَدّي عَنْكِ كِتابَتَكِ وَأَتَزَوَّجُكِ". قالَتْ: قَدْ فَعَلْتُ قالَتْ: فَتَسامَعَ -تَعْني النَّاسَ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَدْ تَزَوَّجَ جُوَيْرِيةَ فَأَرْسَلُوا ما في أَيْدِيهِمْ مِنَ السَّبْى فَأَعْتَقُوهُمْ وَقالُوا: أَصْهارُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَما رَأَيْنا امْرَأَهَ كانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً عَلَى قَوْمِها مِنْها أُعْتِقَ في سَبَبِها مِائَةُ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ بَني المُصْطَلِقِ. قالَ أَبُو داوُدَ: هذا حُجَّةٌ في أَنَّ الوَلي هُوَ يُزَوِّجُ نَفْسَهُ (¬1). * * * باب في بيع المكاتب إذا فسخت الكتابة [3929] (حدثنا عبد اللَّه بن مسلمة) القعنبي (وقتيبة بن سعيد قالا: حدثنا الليث عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن الزبير. (أن عائشة رضي اللَّه عنها أخبرته أن بريرة) وفي اسمها سؤال، وهو أنه ثبت في "الصحيح" أن جويرية زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان اسمها برة فغير النبي ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 277، وابن سعد في "طبقاته" 8/ 116، وإسحاق بن راهويه في "مسنده" 2/ 216 (725)، وأبو يعلى في "مسنده" 8/ 373 (4963)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/ 21، وابن حبان في "صحيحه" (4054) و (4055)، والطبراني في "الكبير" 24/ 60 (159)، والحاكم في "المستدرك" 4/ 26، والبيهقي في "السنن" 9/ 74 - 75.

-صلى اللَّه عليه وسلم- اسمها إلى جويرية (¬1). وكذلك غير أيضًا اسم برة بنت أبي سلمة (¬2)، وبرة بنت جحش (¬3)، فسمى كل واحدة منهما زينب. وقال: "لا تزكوا أنفسكم، اللَّه أعلم بأهل البر منكم" (¬4) ولم يغير عليه السلام اسم بريرة مع أنها على بنية من أبنية المبالغة، وهي فعيلة بخلاف برة، فكانت على هذا المعنى بالتغيير أولى، وجوابه أن يقال: هذا السؤال مغالطة، وقائله يخدع بها من ليس له اعتناء باللغة، فإن لفظ بريرة ليس مما نحن (¬5) بصدده؛ لأنه اسم جامد في الأصل غير صفة، وهي واحدة البرير، والبرير ثمر الأراك، فليس من اللغة في شيء، فلذلك لم يغيره عليه السلام (¬6). (جاءت عائشة رضي اللَّه عنها تستعينها) أي: تستعين بها (في كتابتها) والكتابة هي: العقد المشهور بين العبد وسيده، فإما أن يكون مأخوذًا من كتابة الخط؛ لوجودها عند العقد، وإما من معنى الإلزام كما في قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} (¬7) لإلزام كل واحد من السيد والعبد بما شرط من العتق والأداء اللذين تكاتبا عليه (ولم تكن قضت من كتابتها شيئًا) ورواية الصحيحين عن عائشة: ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2140) من حديث ابن عباس. (¬2) رواه مسلم (2142). (¬3) رواه البخاري (6192)، ومسلم (2141). (¬4) مسلم (2142/ 19). (¬5) بعدها في (ح): فيه. (¬6) انظر: "فتح الباري" 5/ 188. (¬7) النساء: 103.

جاءتني بريرة فقالت: كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية، فأعينيني (¬1). وسيأتي. (فقالت لها عائشة: ارجعي إلى أهلك) المراد هنا بأهلها مواليها، وللأهل إطلاقات كثيرة، كما يقال: أهل القرآن، أي: حفظته، وأهل الرجل زوجته وعياله، وأهل اللَّه المشغولون بعبادته كما يشتغل الرجل بأهله عمن سواهم. (فإن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك) مَنْ منع بيعَ المكاتب، كما تقدم عن الشافعي وغيره يحتاج إلى تأويل بيع بريرة، وهي مكاتبة، ومن أجاز بيعه للعتق لا للخدمة يقول: إن عائشة اشترت بريرة للعتق، ومن يجيز بيع كتابة المكاتب يقول: لعلها اشترت كتابتها. ويحتج بقول عائشة: (فإن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك) فإن هذا ظاهر في أنها لم تشتر الرقبة، ومن يمنع بيع المكاتب وكتابته، يقول: عجزت ورضيت بالبيع. فلهذا اشترتها عائشة. (ويكون ولاؤك لي فعلت) والولاء بفتح الواو والمد، مأخوذ من الولي، بسكون اللام مع فتح الواو، وهو القرب، والمراد به هنا: وصف حكمي ثبت عنه ثبوت حق الإرث من العتيق الذي لا وارث له من جهة نسب أو زوجية أو الفاضل عن ذلك، وقد كانت العرب تبيع هذا الحق وتهبه، فنهى الشرع عنه كما سيأتي. (فذكرت ذلك بريرة لأهلها فأبوا) من ذلك (وقالوا: إن شاءت أن ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (2168)، "صحيح مسلم" (1504/ 8).

تحتسب عليك) الاحتساب هنا كناية عن الصدقة، والمعنى أنها تحتسب بأجرها عند اللَّه تعالى (فلتفعل) ذلك ويسقط ولاؤها (ويكون لنا ولاؤك) كانت العرب تسقط الولاء وتبيعه وتهبه، فنهى الشرع عنه؛ لأن الولاء كالنسب ولحمته كلمة النسب (¬1)، فلا يقبل الزوال بالإزالة. (فذكرت ذلك لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال لها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ابتاعي) منهم الجارية (فأعتقي) (¬2) بفتح الهمزة (فإنما) كلمة (إنما) تقتضي الحصر. أي: حصر ثبوت (الولاء) للمعتق (لمن أعتق) ونفيه عن غيره، والحصر في (إنما) فائدة جليلة عند معظم أهل الأصول في الحصر بالحكم، وإذا ثبت أنها للحصر اقتضى ذلك أمرين: أحدهما: ثبوت الولاء في سائر العتق كالكتابة والتدبير والتعليق بالصفة، ونحو ذلك. والثاني: بطلان الولاء بالحلف والموالاة، وإسلام الرجل على يد الرجل، والتقاط اللقيط. ¬

_ (¬1) وهو حديث رواه ابن حبان (4950)، والطبراني في "الأوسط" 2/ 82، والحاكم 4/ 341، والبيهقي في "الكبرى" 10/ 292، جميعهم من حديث ابن عمر عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب". قال الحاكم: صحيح الإسناد لم يخرجاه. وقال البيهقي 6/ 240 بعد روايته عن الحسن مرسلًا: وروي هذا موصولًا عن ابن عمر وليس بصحيح، ورواه عبد الرزاق 9/ 5 (16149) عن ابن المسيب مرسلًا، والبيهقي في "الكبرى" 6/ 240 عن الحسن مرسلًا، وابن أبي شيبة 10/ 597 (20845) عنهما -محمد والحسن- قال البيهقي في "الكبرى" 10/ 292: وقد روي من أوجه أخر كلها ضعيفة. (¬2) في حاشية (ح) وصلب (ل)، (م): رواية, وأعتقي.

(ثم قام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: ) فيه: القيام للخطبة (ما بال أناس) أي: ما حالهم. والبال من الألفاظ المشتركة تفسر في كل موضع بما يليق به (يشترطون شروطًا) الشروط جمع شرط، والشرط لغة مخفف من الشرط بفتح الراء وهوالعلامة [وجمعه أشراط] (¬1)، وأما في الاصطلاح فله إطلاقات: أحدها: الشرط المعنوي، وهو ما يلزم من عدمه عدم مشروطه، ولا يلزم من وجوده وجوده ولا عدمه. والثاني: الشرط اللغوي، وهو ما يؤتى فيه بصيغ التعليق نحو (إن) و (إذا) وغيرهما. قال القرافي وغيره: الشروط اللغوية أسباب بوضع المعلق يلزم وجودها الوجود ومن عدمها العدم (¬2). والثالث: جعل شيء قيدًا لآخر كشرط عليه في بيعه كذا وفي إجارته كذا ونحو ذلك، وهو المراد هنا. (ليست في كتاب اللَّه [من اشترط شرطا ليس في كتاب اللَّه]) (¬3) أي: في حكم اللَّه الذي كتبه على عباده وشرعه لهم. وقيل: المراد بكتاب اللَّه القرآن (فليس له) به حق (وإن شرطه مائة شرط) كأنه من باب قوله تعالى: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} (¬4) ومعناه -واللَّه أعلم- أنه لو شرط مائة شرط كان باطلًا، وهو تأكيد لما قبله (شرط اللَّه أحق و) كتاب اللَّه (أوثق) معناه شرط اللَّه الذي شرعه وجعله شرطًا هو أحق أن يتبع من ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل)، (م)، وبعدها في (ح): وهو العلامة. (¬2) "شرح تنقيح الفصول" 1/ 85. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ح). (¬4) التوبة: 80.

الشروط الباطلة، وكتاب اللَّه تعالى الذي أنزله أوثق، أي: أقوى، والمراد أنه قوي وما سواه واهٍ، فأفعل التفضيل فيه وفيما قبله ليست على بابها. [3930] (حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا وهيب، عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: جاءت بريرة) مولاتها (لتستعين) بما تدفعه إليها (في كتابتها فقالت: إني كاتبت أهلي) أي: مواليَّ، وهم بعض بني هلال كانوا كاتبوها ثم باعوها لعائشة ثم عتقت تحت زوجها مغيث، فخيرها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. (على تسع أواقي) (¬1) جمع أوقية، وهي أربعون درهمًا كما تقدم، قال في "الصحاح": فأما اليوم فيما يتعارفه الناس ويقدر عليه الأطباء بوزن عشرة دراهم وخمسة أسباع درهم، وهو إستار وثلثا إستار (¬2). انتهى. فالإستار على هذا ستة دراهم وثلاثة أسباع درهم. واعلم أن البخاري أخرج رواية تعليقًا أن بريرة دخلت عليها تستعينها في كتابتها وعليها خمس أواق نجمت عليها في خمس سنين (¬3). ورجح القرطبي رواية تسع التي ذكرها المصنف؛ لأن هشامًا أثبت في حديث أبيه وجدته من الأجانب (¬4). قال: ويحتمل أن تكون هذِه الخمس الأواقي هي التي استحقت ¬

_ (¬1) في حاشية (ح) وصلب (ل)، (م): نسخة أواقٍ. (¬2) "الصحاح" 6/ 2528. (¬3) البخاري (2560). (¬4) في (ل)، (م): الأحاديث.

عليها بحلول نجومها من جملة التسع (¬1). وقال غيره: لولا ما روي أنها لم تكن أدت من كتابتها شيئًا كما تقدم في رواية المصنف يجمع بينهما بأن يكون أصل الكتابة تسعًا, ولكن الباقي وقت استعانتها بعائشة خمس. (في كل عام أوقية) بضم الهمزة، ووقع في بعض نسخ مسلم المعتمدة: وقية (¬2). بغير ألف وهي لغة، وإثبات الألف أفصح. (فأعينيني) على كتابتي (فقلت: إن أحب أهلك أن أعدها) لهم (عدة واحدة) فيه: جواز الكتابة على الدراهم المعلومة بالعدد، وأن الدراهم كانت معاملة الناس بها على عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالعدد دون الوزن (وأعتقك) بضم الهمزة، أجاز بعضهم بيع المكاتب للعتق لا للاستخدام، وفي بيع العبد القن بشرط العتق من مشتريه اختلاف بين العلماء، أجازه مالك (¬3) والشافعي (¬4) ومنعه أبو حنيفة (¬5). (ويكون ولاؤك لي) كما كان (فعلت. فذهبت إلى أهلها) وذكرت ذلك لأهلها، فأبوا (وساق الحديث) المذكور (نحو) حديث (الزهري). و(زاد في كلام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في آخره: ما بال رجال يقول أحدهم: أعتق) بفتح الهمزة، (يا فلان) هذا الرقيق (والولاء لي) الظاهر أن هذا يقوله ¬

_ (¬1) "المفهم" 4/ 321. (¬2) "صحيح مسلم" (715/ 113) كتاب الطلاق، باب بيع البعير واستثناء ركوبه، و"صحيح البخاري" (2168، 2563). وانظر: "شرح النووي على مسلم" 10/ 145. (¬3) "البيان والتحصيل" 7/ 259. (¬4) انظر: "نهاية المطلب" 5/ 377. (¬5) انظر: "المبسوط" 13/ 141.

البائع للمشتري الذي يدفع الثمن: أعتق ما اشتريته مني ويبقى الولاء مستمر لي. فأبطل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ذلك بقوله: (إنما الولاء لمن أعتق) أجمع المسلمون على ثبوت الولاء لمن أعتق عبده أو أمته عن نفسه، وأنه يرث به (¬1). وأما العتيق فلا يرث سيده عند الجماهير. وقال جماعة من التابعين: يرثه. كعكسه. وفي حصر الحديث دلالة على أنه لا ولاء لمن أسلم على يديه، ولا لملتقط اللقيط ولا بالمخالفة. [3931] (حدثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ) بالباء الموحدة والغين المعجمة (الحراني) بالحاء المهملة وبعد الألف نون، ثقة، توفي سنة خمس وثلاثين ومائتين. (حدثني محمد بن سلمة، عن) محمد (ابن إسحاق) صاحب "المغازي" (عن محمد (¬2) بن جعفر بن الزبير) بن العوام الأسدي (عن) عمه (عروة بن الزبير، عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: وقعت جويرية) بنت الحارث بن أبي ضرار بن حبيب بن عائذ بن مالك بن جذيمة، وجذيمة هو (المصطلق) بفتح الطاء وكسر اللام من خزاعة. (في سهم ثابت بن قيس بن شماس) بفتح الشين المعجمة والميم المشددة، وكان خطيب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، استشهد باليمامة سنة إحدى عشرة، ¬

_ (¬1) "الإجماع" لابن المنذر 1/ 75، "الأوسط" 7/ 538. (¬2) فوقها في (ح)، (ل): (ع).

وكانت قبل أن تسبى (¬1) تحت ابن عم لها يقال له مسافع بن صفوان بن [ذي] (¬2) الشفر بن أبي السرح بن مالك بن جذيمة بن المصطلق (أو) في سهم (ابن عم له) والمشهور أنه ثابت، واقتصر عليه جماعة. (فكاتبت) ثابتًا (على نفسها وكانت) جويرية (امرأة ملاحة) بضم الميم وتشديد اللام. أي: كثيرة الملاحة والحسن، وفعال بضم الفاء وتشديد اللام، مبالغة في فعيل نحو كريم وكرام، وكبير وكبار، قال اللَّه تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22)} (¬3) وقال الشماخ: يا ظبية عطلا حسانة الجيد (¬4) أي: كانت مليحة حلوة لا يكاد يراها أحد إلا وقعت في قلبه وأخذت بنفسه (تأخذها العين) أي: تحب العين دوام النظر إليها، وتكره انقطاع رؤيتها (قالت عائشة رضي اللَّه عنها: فجاءت تسأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) أن يعينها (في كتابتها) التي كاتبت ثابتًا (¬5) عليها (فلما قامت على الباب فرأيتها كرهت) بسكون الهاء وضم تاء المتكلم (مكانها) وفي رواية ذكرها ابن عبد البر: قالت: فواللَّه ما هو إلا أن رأيتها على باب الحجرة فكرهتها (¬6). ¬

_ (¬1) بياض في (م). (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من النسخ، والمثبت من كتب السير. (¬3) نوح: 22. (¬4) نسبه له الخليل في "العين" 2/ 9، والخطابي في "غريب الحديث" 1/ 116، 264، والجوهري في "الصحاح" 5/ 2099. وانظر: "معالم السنن" 4/ 62. (¬5) في النسخ الخطية: (ثابت) والمثبت هو الصواب. (¬6) "الاستيعاب" 4/ 367.

(وعرفت أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سيرى منها) أي: من ملاحتها وحسنها (مثل الذي رأيت) منها (فقالت: يا رسول اللَّه، إني أنا جويرية بنت الحارث) المصطلقية (وإني كان من أمري) من الاسترقاق (ما لا يخفى عليك (¬1) وإنا كان من أمرنا وإني وقعت في سهم) أي: نصيب (ثابت بن قيس بن شماس) خطيب العرب، أو لابن عم له، وقد أصابني كان الأمر ما لم يخف عليك (وإني كاتبت) ثابتًا (على نفسي) فيه: دليل على جواز كتابة الأنثى وذات الزوج من الإماء ودخولهن في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ} (¬2) وإنه لا حق للزوج في منعها كما في قضية بريرة. (فجئت أسألك) أن تعيينني بشيء (في كتابتي) لثابت بن قيس (فقال) لها (رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ) عندما رآها ورأى منها ما رأته عائشة منها (فهل لك إلى) فعل (ما هو خير) لك من هذا الذي ذكرت، وأنفع لك (منه؟ قالت: وما هو يا رسول اللَّه؟ قال: أؤدي عنك) أي: أقضي عنك لثابت مال (كتابتك وأتزوجك) وهذا هو الذي كرهته عائشة وخافت من وقوعه. وفيه: دليل على جواز كتابة الأمة (¬3). وفيه: أن مال الكتابة يكون في الذمة. وفيه: جواز أداء دين المديون بإذنه، وأن الدين ينتقل إلى المؤدي، يطالب به ويتعوض عنه عرضًا أو غيره، وأنه يجوز أن يكون صداقًا للدافع ¬

_ (¬1) بعدها في النسخ الخطية: نسخة: وإنا كان من أمرنا. (¬2) النور: 33. (¬3) انظر: "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 7/ 84، "التمهيد" 22/ 162، "فتح الباري" 5/ 192.

على المكاتبة، وأن الزوجة إذا كان في ذمتها مال يجوز أن يتزوجها ويقاصها بصداقها عما في ذمتها (قالت: قد فعلت) قد يؤخذ منه أنه يجوز نكاحه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وينعقد بلا ولي ولا شهود، إذ لو كان هنا ولي وشهود لنقل. ويحتمل أنه دفع عنها مال كتابتها تبرعًا، وأنه تزوجها بلا مهر، إذ لو كان مال الكتابة صداقًا لقال: جعلت مال كتابتك صداقًا لك. (قالت) عائشة (فتسامع الناس) وخرج الخبر إليهم [(أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد تزوج جويرية). فيه: إشاعة خبر النكاح وإظهاره ولو بالدف والصوت] (¬1)؛ لرواية الترمذي عن محمد بن حاطب: "فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت" (¬2)، (فأرسلوا) يعني الناس (ما في أيديهم من السبي) أي: من سبايا بني المصطلق (فأعتقوهم وقالوا) لأنهم قد صاروا (أصهار) بالرفع خبر مبتدأ محذوف، أي: هم أصهار (رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) قال الخليل: الصهر: أهل بيت الزوجة (¬3). وقال غيره: الصهر: ما كان من خلطة تشبه القرابة يحدثها التزويج (¬4). (فما رأينا) هذا من قول عائشة رضي اللَّه عنها (امرأة) تزوجت ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) "سنن الترمذي" (1088) ورواه أيضًا النسائي 6/ 127، وأحمد 4/ 259. وانظر: "البدر المنير" 9/ 644. (¬3) انظر: "العين" 4/ 238. (¬4) انظر: "الفائق في غريب الحديث" 2/ 323، "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 323.

و (كانت أعظم) بالنصب (بركة على قومها منها أعتق) بضم الهمزة وكسر التاء (في سبيها) (¬1) أي: في السبي التي كانت فيه بسبب تزويج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إياها (مائة أهل) بالإضافة (بيت) ورواية "جامع الأصول" عن أبي داود: أكثر من مائة أهل بيت (¬2). وأهل بيت الرجل أولاده وأقاربه وأتباعه وزوجاته. قال الزمخشري في قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} (¬3) ففي الآية دليل بين على أن نساء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من أهل بيته. وذكر ابن سعد أن النبي كان مائتي بيت (¬4) (من بني المصطلق) بكسر اللام كما تقدم، والمصطلق هو: جذيمة بن كعب من خزاعة، وتسمى غزوة المريسيع، والمريسيع ماء لهم بينه وبين الفرع نحو من يوم، وبين الفرع والمدينة ثمانية برد. (قال) المصنف: و (هذا) الحديث (حجة في) أن (الولي هو يزوج نفسه) إذا أراد نكاح من لا ولي لها، وهو وجه عند الشافعية، نقله البلخي (¬5). واختاره ابن المنذر من أصحابنا (¬6)، وهو قول مالك (¬7) ¬

_ (¬1) في حاشية (ح) وصلب (ل)، (م): نسخة: بسبيها. (¬2) "جامع الأصول" 11/ 419. (¬3) الأحزاب: 33. (¬4) "الطبقات الكبرى" 8/ 116 وفيه: مائة أهل. (¬5) انظر: "روضة الطالبين" 7/ 71. (¬6) "الأوسط" 8/ 301. (¬7) "المدونة" 2/ 108.

وأبي حنيفة (¬1)، ورواية عن أحمد (¬2). ووجه الدليل أنه تزوج جويرية بغير ولي، ولما روى البخاري قال عبد الرحمن بن عوف لأم حكيم ابنة قارظ: أتجعلين أمرك إليَّ؟ قالت: نعم. قال: قد تزوجتك (¬3). ولحديث صفية أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أعتقها وجعل عتقها صداقها (¬4). والمذهب عند الشافعي (¬5)، وهو رواية عن أحمد (¬6) أنه يوكل رجلًا يزوجه إياها بإذنها، والذي يوكله أن يزوجه من فوقه من الولاة، أو من هو مثله، وأجيب عن حديث الباب وما معه أن هذا من خصائصه -صلى اللَّه عليه وسلم-. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "المبسوط" 5/ 9. (¬2) انظر: "الكافي" 4/ 236. (¬3) "صحيح البخاري" معلقا بصيغة الجزم قبل حديث (5131). (¬4) رواه البخاري (371، 4200)، ومسلم (1365). (¬5) انظر: "الروضة" 7/ 71. (¬6) انظر: "المغني" 9/ 374 - 375.

3 - باب في العتق على الشرط

3 - باب فِي العِتْقِ عَلَى الشَّرْطِ 3932 - حَدَّثَنا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ، حَدَّثَنا عبد الوارِثِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهانَ، عَنْ سَفِينَةَ قالَ: كُنْتُ مَمْلُوكًا لأُمِّ سَلَمَةَ فَقالَتْ أُعْتِقُكَ وَأَشْتَرِطُ عَلَيْكَ أَنْ تَخْدُمَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- ما عِشْتَ. فَقُلْتُ: إِنْ لَمْ تَشْتَرِطي عَلي ما فارَقْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- ما عِشْتُ، فَأَعْتَقَتْني واشْتَرَطَتْ عَلَيّ (¬1). * * * باب في العتق على الشرط [3932] (حدثنا مسدد بن مسرهد، حدثنا عبد الوارث، عن سعيد بن جُمْهَان) بضم الجيم وسكون الميم، الأسلمي البصري. وثقه يحيى بن معين (¬2)، صدوق وسط (¬3) (عن سفينة) مولى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقيل: مولى أم سلمة كما هاهنا، كان يسكن بطن نخلة، اسمه مهران، وقيل: عمير، سمي سفينة؛ لأن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال له لما حمل متاع القوم في السفر: "ما أنت إلا سفينة" (¬4) (قال: كنت مملوكًا لأم سلمة) هند زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (2526)، وأحمد 5/ 221، والطيالسي (1602)، والنسائي في "الكبرى" 3/ 190 (4995)، والطبراني في "الكبير" 7/ 85 (6447)، والحاكم 3/ 606، والبيهقي 10/ 291. قال الحاكم: صحيح. وقال الألباني في "الإرواء" (1752): هذا إسناد حسن. (¬2) "تاريخ ابن معين" رواية الدوري 4/ 114 (3433)، 4/ 158 (3695). (¬3) كذا قال الذهبي في "الكاشف" 1/ 433. (¬4) تقدم تخريجه.

فيه: أنه يقال: مملوك أم سلمة وغلام أم سلمة، ولا يقال: عبد أم سلمة؛ لرواية مسلم: "لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي، كلكم عبيد اللَّه، وكل نسائكم إماء اللَّه، ولكن ليقل: غلامي وفتاي" (¬1). [(فقالت) إني (أعتقك) بضم الهمزة (وأشترط) بفتح الهمزة (عليك) في عتقي] (¬2) (أن تخدم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما) زمانية (عشت) أي: مدة حياتك، واستدل به المصنف على جواز العتق على شرط حتى يجوز تعليقه على الأخطار والصفات كمجيء الأمطار وهبوب الرياح (قلتُ وإن لم تشترطي عليَّ) خدمته، فواللَّه (ما فارقت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما عشت). فيه: فضيلة سفينة في إلزامه نفسه خدمة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وإن لم يشرطه عليه، وقد روي عنه أنه ركب البحر في سفينة فانكسرت السفينة، فركب لوحًا منها فطرحه في أجمة فيها أسد، فقال له: يا أبا الحارث أنا سفينة مولى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فطأطأ الأسد رأسه وجعل يدفعه بجنبه أو بكتفه حتى (¬3) وضعه على الطريق، ثم همهم له، كأنه يودعه (¬4). (فأعتقتني) أم سلمة (واشترطت عليَّ خدمته) ما عشت. قال الخطابي: ¬

_ (¬1) مسلم (2249) من حديث أبي هريرة. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل)، (م). (¬3) في جميع النسخ: على، والمثبت أليق بالسياق. (¬4) رواه البزار في "البحر الزخار" 9/ 285 (3838)، وأبو يعلى كما في "المطالب العالية" 16/ 455 (4060)، وفي "المفاريد" ص 104، والروياني في "مسنده" 1/ 436 (662)، والطبراني 7/ 80 (6432)، وأبو نعيم في "الحلية" 1/ 369، وفي "معرفة الصحابة" 3/ 1392، والبيهقي في "الاعتقاد" ص 316. وصححه الحاكم في "المستدرك 2/ 618، 3/ 606.

هذا وعد عبر عنه باسم الشرط لا يلزم الوفاء به، وأكثر الفقهاء لا يصححون إيقاع الشرط بعد العتق؛ لأنه شرط لا يلاقي ملكًا، ومنافع الحر لا يملكها غيره إلا في إجارة أو ما في معناها، وقد اختلفوا في هذا، فكان ابن سيرين يثبت الشرط في مثل هذا، وسئل عنه (¬1) أحمد فقال: يشتري هذِه الخدمة من صاحبه الذي اشترط له. قيل له: يشتري بالدراهم؟ قال: نعم (¬2). * * * ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل)، (م). (¬2) "معالم السنن" 4/ 63، وانظر قول أحمد في "مسائل الكوسج" 2/ 506.

4 - باب فيمن أعتق نصيبا له من مملوك

4 - باب فِيمَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ مِنْ مَمْلُوكٍ 3933 - حَدَّثَنا أَبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسي، حَدَّثَنا هَمّام، ح وَحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كثِيرٍ -المَعْنَى- أَخْبَرَنا هَمّامٌ عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَبي المَلِيحِ قالَ أَبُو الوَلِيدِ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ مِنْ غُلامٍ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ: "لَيْسَ للَّه شَرِيكٌ". زادَ ابن كَثِيرٍ في حَدِيثِهِ فَأَجازَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عِتْقَهُ (¬1). 3934 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا هَمّامٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ مِنْ غُلامٍ فَأَجازَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عِتْقَهُ وَغَرَّمَهُ بَقِيَّةَ ثَمَنِهِ (¬2). 3935 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ح وَحَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ عَلي ابْنِ سُوَيْدٍ، حَدَّثَنا رَوْحٌ قالا: حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتادَةَ بإِسْنادِهِ عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ أَعْتَقَ مَمْلُوكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ فَعَلَيْهِ خَلاصُهُ". وهذا لَفْظُ ابن سُوَيْدٍ (¬3). 3936 - حَدَّثَنا ابن المُثَنَّى، حَدَّثَنا مُعاذُ بْنُ هِشامٍ، حَدَّثَني أَبي، ح وَحَدَّثَنا أَحْمَدُ ابْنُ عَلي بْنِ سُوَيْدٍ، حَدَّثَنا رَوْحٌ، حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ أَبي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ قَتادَةَ بإِسْنادِهِ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ في مَمْلُوكٍ عَتَقَ مِنْ مالِهِ إِنْ كانَ لَهُ مالٌ". وَلَمْ يَذْكُرِ ابن المُثَنَّى النَّضْرَ بْنَ أَنَسٍ وهذا لَفْظُ ابن سُوَيْدِ (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (2526)، وأحمد 5/ 74، والنسائي في "الكبرى" (4975)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/ 107، والطبراني في "الكبير" (507)، والبيهقي 10/ 273، والضياء في "المختارة" (1408). قال في "إتحاف الخيرة" 5/ 448 (4977): هذا إسناد رواته ثقات. (¬2) رواه البخاري (2491)، ومسلم (1503). (¬3) انظر سابقه. (¬4) انظر سابقه.

باب فيمن أعتق نصيبًا له من مملوك [3933] (حدثنا أبو الوليد) سليمان بن داود بن الجارود (¬1) (الطيالسي، حدثنا همام، وحدثنا) أيضًا (محمد بن كثير) العبدي (قال: ثنا همام، عن قتادة، عن أبي (¬2) المليح) عامر بن أسامة بن عمير الهذلي (قال أبو الوليد) الطيالسي في روايته: (عن أبيه) أسامة بن عمير الهذلي البصري الصحابي، لم يرو عنه غير ابنه أبي المليح. (أن رجلًا أعتق شقيصًا) شقيصًا: بفتح الشين المعجمة وكسر القاف، [والشقيص والشِّقص بكسر الشين، مثل النصيف والنصف، وهو القليل من كل شيء، وقيل: هوالنصيب قليلًا كان أو كثيرًا (له من غلام، فذكر ذلك للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-)] (¬3) زاد أحمد: فجعل خلاصه عليه في ماله (¬4) و (قال: ليس للَّه تعالى شريك) وفي لفظ لأحمد: "هو حر كله، ليس للَّه شريك" (¬5). وفي الصحيحين وغيرهما: "من أعتق شقيصًا من مملوك فعليه خلاصه في ماله، فإن لم يكن له مال قُوم المملوك قيمة عدل". ثم استسعي في نصيب الذي لم يعتق غير (¬6) مشقوق عليه" (¬7)، ¬

_ (¬1) كذا في الأصول: سليمان بن داود بن الجارود. وهو خطأ، والصواب: هشام بن عبد الملك. انظر: "تهذيب الكمال" 11/ 401، 30/ 226. (¬2) فوقها في (ح)، (ل): (ع). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) "المسند" 5/ 74. (¬5) "المسند" 5/ 75. (¬6) في جميع النسخ: عليه. والمثبت من الصحيحين. (¬7) البخاري (2492)، مسلم (1503) من حديث أبي هريرة.

فبين في هاتين الروايتين أنه لا يعتق جميعه إلا إذا كان له مال، فإن لم يكن له مال فسيأتي. (زاد) محمد (ابن كثير في حديثه: فأجاز النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عتقه) أي: عتق جميعه، ولا يتوقف على عتق شريكه، ولم يجعل له خيرة ولا لغيره. [3934] (حدثنا محمد بن كثير) العبدي (أنا همام، عن قتادة، عن النضر بن أنس) بن مالك (عن بشير) ضد النذير (ابن نهيك) بفتح النون وكسر الهاء. (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رجلًا أعتق شقيصًا) بوزن رغيف، وهو النصيب كما تقدم (له من كلام) مملوك له ولغيره (فأجاز النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عتقه) أي: أنفذ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عتق بعض العبد وأمضى حكمه: مِنْ إجازة أمره، إذ أمضاه وجعله جائزًا، والظاهر أن هذا العتق صدر من الرجل في حضرة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولعل سببه ما سمع من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من الترغيب في فضل العتق، ويدل على أن العتق في حضرته ترتيب الحكم بفاء التعقيب على الوصف الذي هو العتق، إذ لو كان في غيبته لعلق الحكم على بلوغه العتق، ويحتمل أن يكون النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أجاز عتق جميع الغلام وكان المعتق موسرًا فسرى العتق إلى باقيه، ويدل على هذا قوله (وغرمه بقية ثمنه) أي: غرم المعتق بقية ثمن الغلام لشريكه، وصار الغلام كله حرًّا وولاؤه للمعتق. وفي الحديث رد على البَتِّي (¬1) فيما ذهب إلى أنه لا يعتق إلا نصيب ¬

_ (¬1) انظر قوله في "البيان" للعمراني 8/ 323، "المغني" 9/ 127، "البناية شرح الهداية" 6/ 37. =

المعتق ونصيب شريكه بأن على الرق، ولا شيء على المعتق، وحجته ما رواه الإِمام أحمد أن ابن التلب (¬1) روى عن أبيه [أن رجلًا] (¬2) أعتق شقيصًا له في مملوك فلم يضمنه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3). وقول البتي شاذ لا معول عليه؛ لأنه مخالف للأخبار "الصحيحة" وحديث التلب محمول على المعسر جمعًا بين الأحاديث. [3935] (حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر) غندر الحافظ (ح، وحدثنا أحمد بن) عبد اللَّه بن (علي بن سويد) بن منجوف بنون ساكنة ثم جيم، السدوسي، صدوق. (قال: ثنا روح قالا) يعني: [محمد] (¬4) وروح (ثنا شعبة، عن قتادة، بإسناده) المذكور، عن أبي هريرة (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: من أعتق مملوكًا) ¬

_ = فائدة: البَتِّي هو: عثمان بن أسلم بن جرموز البتي أبو عمر، كان يبيع البتوت -وهي الثياب الغليظة- بالبصرة روى عن الحسن والشعبي، روى عنه الثوري وحماد ابن سلمة وغيرهم، قال أحمد: صدوق وقال أبو حاتم: يكتب حديثه. وهو فقيه البصرة، كان صاحب رأي. انظر: "الجرح والتعديل" 6/ 145، "سير أعلام النبلاء" 6/ 148. (¬1) ابن التَّلِب هو: ملقام بن التلب بن ثعلبة بن ربيعة، ليس له في الستة هذا الحديث، قال ابن حجر في "التقريب" (6878): مستور. وأبوه صحابي روى له أبو داود والنسائي. انظر: ترجمته في "تهذيب الكمال" 4/ 319. (¬2) ساقطة من (ل)، (م). (¬3) "المسند" 39/ 508. ط الرسالة، وهو من جملة الأحاديث الساقطة من الميمنية. وسيأتي عند المصنف برقم (3948) عن أحمد بن حنبل. (¬4) في الأصول: أحمد. والصواب ما أثبتناه.

قال الفاكهي: المملوك يشمل الذكر والأنثى. وفيه رد على إسحاق بن راهويه، حيث خص هذا الحكم بالذَّكَر من العبيد دون الأنثى للرواية المتفق عليها: "من أعتق شركًا له في عبد" (¬1) فذكر الذكر دون الأنثى، وهذا شاذ ترده هذِه الرواية. قال الفاكهي: وهذِه نزعة (¬2) ظاهرية من إسحاق. (بينه وبين) رجل (آخر) وله مال (فعليه خلاصه) قد يشعر بأن العتق لا يسري بنفس العتق كما هو أحد الأقوال عند الشافعي (¬3)، بل يدفع القيمة ويكون قبل ذلك ملكًا لصاحبه ينفذ عتقه فيه ولا ينفذ تصرفه بغير العتق، وبه قال مالك (¬4)، وهو مقتضى قول أبي حنيفة (¬5)، ووجه الدليل أن تقدير الحديث: فعليه أن يخلصه من الرق. وهو مشعر بالاستقبال (وهذا لفظ) أحمد بن عبد اللَّه (بن سويد) بن منجوف. [3936] (حدثنا محمد بن المثنى، ثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي) هشام بن أبي عبد اللَّه الدستوائي. (ح وحدثنا أحمد) بن عبد اللَّه (بن علي بن سويد) المنجوفي (ثنا روح قال: ثنا هشام بن أبي عبد اللَّه) نسبه الدستوائي (عن قتادة بإسناده) عن أبي هريرة (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: من أعتق) ولفظة (من) عام يشمل المريض، وفيه ¬

_ (¬1) البخاري (2521)، مسلم (1501) من حديث أبي هريرة. (¬2) في (ل)، (م): بدعة. (¬3) انظر: "الحاوي الكبير" 18/ 5. (¬4) انظر: "البيان والتحصيل" 14/ 76. (¬5) انظر: "المبسوط" 7/ 63، 143.

تفصيل بين أن يكون يخرج من الثلث أم لا، مشهور في الفقه، وكذلك يشمل المسلم والكافر، وفي الكافر وجه لبعضهم أنه إذا أعتق نصيبه من مسلم لا يسري إلى باقيه ولا يقوم عليه؛ لأنه لا يصح شري الكافر عبدًا مسلمًا. والجمهور (¬1): لا فرق؛ لعموم الحديث، ولأن ذلك ثبت لإزالة الضرر، فاستوى فيه المسلم والكافر كالرد بالعيب، والغرض هاهنا تكميل العتق ودفع الضرر عن الشريك دون التمليك بخلاف الشري. (نصيبًا له في مملوك) وفي رواية للبخاري: "في مملوكه" (¬2). بالإضافة للضمير، والرواية الأولى أصح (عتق) بفتح العين والتاء، ولا يبنى منه اسم مفعول (عليه) كله، أو عتق عليه باقيه (من ماله إن كان له مال) يبلغ قيمته، وإلا فقد عتق منه ما عتق، كذا في لفظ الصحيح، وهي موضحة لهذِه الرواية. (ولم يذكر) محمد (ابن المثنى) في روايته (النضر بن أنس) بن مالك الأنصاري (وهذا لفظ) أحمد بن علي (بن سويد). * * * ¬

_ (¬1) "الأصل" 4/ 241، "الأم" 9/ 297، وانظر: "المغني" 14/ 353. (¬2) البخاري (2492) وفيه: من مملوكه.

5 - باب من ذكر السعاية في هذا الحديث

5 - باب مَنْ ذَكرَ السِّعايَةَ في هذا الحَدِيثِ 3937 - حَدَّثَنا مُسْلِمٌ بْن إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا أَبان -يَعْني: العَطّارَ- حَدَّثَنا قَتادَةُ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ أَعْتَقَ شَقِيصًا في مَمْلُوكِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَهُ كلَّهُ إِنْ كانَ لَهُ مالٌ وَإِلَّا اسْتُسْعي العَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ" (¬1). 3938 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْن عَلي، أَخْبَرَنا يَزِيدُ -يَعْني: ابن زرَيْعٍ- ح وَحَدَّثَنا عَلي ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ -وهذا لَفْظُهُ- عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ -أَوْ شَقِيصًا لَهُ- في مَمْلُوكٍ فَخَلاصُهُ عَلَيْهِ في مالِهِ إِنْ كانَ لَهُ مالٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مالٌ قُوِّمَ العَبْدُ قِيمَةَ عَدْلٍ ثُمَّ اسْتُسْعي لِصاحِبِهِ في قِيمَتِهِ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ". قالَ أَبُو داوُدَ: في حَدِيثِهِما جَمِيعًا: "فاسْتُسْعي غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ". وهذا لَفْط عَلي (¬2). 3939 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشّارٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى وابْنُ أَبي عَدي، عَنْ سَعِيدٍ بِإِسْنادِهِ وَمَعْناهُ. قالَ أَبُو داوُدَ: وَرَواهُ رَوْحُ بْن عُبادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ لَمْ يَذْكرِ السِّعايَةَ وَرَواهُ جَرِيرُ بْنُ حازِمٍ وَمُوسَى بْن خَلَفٍ جَميعًا عَنْ قَتادَةَ بِإِسْنادِ يَزيدَ بْن زُرَيْعٍ وَمَعْناهُ وَذَكَرا فِيهِ السِّعايَةَ (¬3). * * * ¬

_ (¬1) انظر سابقه. (¬2) انظر سابقه. (¬3) انظر سابقه.

باب من ذكر السعاية في هذا الحديث [3937] (حدثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي الفراهيدي. (حدثنا أبان) غير منصرف، وهو ابن يزيد العطار، أخرج له مسلم والبخاري متابعة. (ثنا قتادة، عن النضر بن أنس، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من أعتق شقيصًا) بوزن رغيف كما تقدم (في مملوكه) بإضافة المملوك إلى هاء الضمير (¬1) (فعليه أن يعتقه) بضم أوله (كله) بالنصب، المراد: الكل المجموعي، أي: فعليه خلاص بقيته الذي يخلص بها كله، وإلا فالذي عتق منه قد عتق بقوله: (إن كان له مال) يبلغ قيمته (وإلا) أي: وإن لم يكن له مال يؤديه في إعتاق نصيبه (استسعي العبد) أي: يكلف أن يكتسب بقدر قيمة نصيب الشريك، وهذا هو الأصح، وقيل: هو أن يخدم سيده الذي لم يعتق بقدر ما له فيه من الرق (غير) بالنصب على الحال. أي: من غير أن يكلف المملوك في حال سعايته ما يشق عليه، ويحتاج من منع الاستسعاء أن يجيب عن هذا، وسيأتي إن شاء اللَّه تعالى. (مشقوق عليه) أي: لا يكلفه السيد ولا الحاكم فعل ما لا يقدر عليه أو يشق عليه. [3938] (حدثنا نصر بن علي) الجهضمي (حدثنا يزيد بن زريع ح، ¬

_ (¬1) في حاشية (ح) وصلب (ل)، (م): نسخة (له).

وحدثنا) أيضًا (علي بن عبد اللَّه [ثنا محمد بن بشير]) (¬1) بن الفرافصة (وهذا لفظه، عن سعيد بن أبي عروبة) مهران البصري. (عن قتادة، عن النضر بن أنس) بن مالك. (عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: من أعتق شقصًا) بكسر الشين وسكون القاف (له، أو شقيصًا) شك من الراوي (له في مملوكه فخلاصه عليه في ماله إن كان له مال) فيه حجة على ابن سيرين القائل بأنه يعتق من بيت المال لا من مال المعتق. (فإن لم يكن له مال) يؤديه في خلاص نصيب شريكه، ويعد من ماله كل ما يباع في الدين من مسكن وخادم، وما فضل عن قوت يومه له ولمن يلزمه نفقته من زوجة وولد وقريب (قوم العبد) عليه بقيمة وقت الإعتاق (قيمة) منصوب على المفعول المطلق ليبين نوع القيمة (عدل) بفتح العين هو الاستواء. أي: قيمة استواء لا زيادة فيه ولا نقص كما سيأتي في الباب بعده: يقوم عليه قيمة (¬2) لا وكس ولا شطط. (ثم استسعي) هذِه سين الطلب. أي: طلب العبد السعي وهو العمل في تحصيل قيمته، وهل السعي في تحصيلها هو لحق سيده أو لحق العتق؟ الأمر يحتمل، ولكن قوله (لصاحبه) الذي باقيه له ظاهر في الأول؛ لدلالة لام التعليل عليه. وظاهر حديث ابن عمر الآتي في الباب بعده وإن اختلفت طرقه وألفاظه يدل على أن المعتق إذا كان معسرًا لم يكلف العبد السعي في ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصول، والمثبت من "سنن أبي داود". (¬2) ساقطة من (ل)، (م).

تخليص ما بقي مثله، وهو مذهب كافة العلماء (¬1) ما عدا أبا حنيفة (¬2)، فإنه يخير الشريك بين العتق أو استسعاء العبد متمسكًا بقوله في هذِه الرواية: (ثم استسعي لصاحبه) (في قيمته، غير مشقوق عليه) في ذلك كما تقدم. وقد أجيب عن هذا بجوابين: أحدهما: التأويل بأن معناه: استسعي لمن بقي له الرق على قدر قيمة ما بقي له من الرق، سواء كان بالخدمة أو غيرها وتكون الخدمة بالمهايأة. والثاني: بترجيح حديث ابن عمر كما سيأتي، ومنه أن ذكر القيمة لم يتفق الراويان، بل انفرد بها محمد بن بشر دون يزيد بن زريع، والمتفق عليه (في حديثهما جميعًا: فاستسعي غير مشقوق عليه) من غير ذكر القيمة لئلا يظن أنه يحرم عليه استخدامه، ولذلك قال (غير مشقوق عليه) أي: لا يحمل فوق ما يلزمه من الخدمة بقدر ما فيه من الرق، ولا يطالبه بأكثر منه. [3939] (حدثنا) محمد (بن بشار قال: حدثنا يحيى) بن أبي سعيد (¬3) (و) سعيد (ابن أبي عدي، عن سعيد) بن أبي عروبة (بإسناده) المتقدم (ومعناه، قال) المصنف و (رواه روح بن عبادة، عن سعيد بن أبي عروبة ولم يذكر السعاية) أي: بإسناده ومعناه، ولم يذكر السعاية فيه (ورواه جرير بن حازم وموسى بن خلف) (¬4) العمي، أبو خلف البصري. قال ¬

_ (¬1) "الأم" 8/ 311، وانظر: "البيان والتحصيل" 15/ 217، "المغني" 6/ 483. (¬2) "الأصل" 3/ 494. (¬3) كذا في الأصول: يحيى بن أبي سعيد. وهو خطأ، والصواب: يحيى بن سعيد. (¬4) في الأصول: أبي خلف، والصواب ما أثبتناه، ينظر "تهذيب الكمال" 29/ 55.

أبو حاتم: صالح الحديث. وقال عفان: ما رأيت مثله قط (¬1). كان يعد من البدلاء. (جميعًا عن قتادة بإسناد يزيد بن أبي زريع (¬2) ومعناه، وذكرا فيه السعاية) قال البخاري: رواه سعيد، عن قتادة، فلم يذكر السعاية. وقال الخطابي: اضطرب سعيد بن أبي عروبة في السعاية، مرة يذكرها ومرة لم يذكرها. فدل على أنها ليست من متن [الحديث عنده، وإنما هو من كلام قتادة وتفسيره على ما ذكره همام وبينه، ويدل على صحة ذلك حديث] (¬3) ابن عمر الآتي (¬4). وقال الترمذي: روى شعبة هذا الحديث عن قتادة، ولم يذكر فيه أمر السعاية (¬5). وقال أبو عبد الرحمن النسائي: أثبت أصحاب أبي قتادة (¬6): شعبة وهمام الدستوائي (¬7) وسعيد بن أبي عروبة وروايتهما -واللَّه أعلم- ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 8/ 140. (¬2) كذا في الأصول: بن أبي زريع. وهو خطأ، والصواب: بن زريع. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) "معالم السنن" 4/ 65. (¬5) "سنن الترمذي" بعد حديث (1348). (¬6) هكذا في الأصول، والصواب: قتادة، وهو قتادة بن دعامة السدوسي. (¬7) وهمام الدستوائي: هكذا في الأصول، وصوابه إما أن يقال: 1 - همام والدستوائي، وهما: همام بن يحيى، وهشام الدستوائي وكلاهما من الأثبات، كما قال عمرو بن علي الفلاس. انظر: "الكامل" لابن عدي 8/ 443. 2 - أو يقال: هشام الدستوائي، وهمام خطأ من الناسخ، يدل على هذا قول ابن معين: أثبت الناس في قتادة ابن أبي عروبة وهشام الدستوائي وشعبة. انظر: "الجرح والتعديل" 4/ 65.

أولى بالصواب عندنا. وقال عبد الرحمن بن مهدي: أحاديث همام عن قتادة أصح من حديث غيره؛ لأنه كتبها إملاءً. وقال الدارقطني: روى هذا الحديث شعبة وهمام عن قتادة، وهما أثبت، ولم يذكرا فيه: (استسعي). ووافقهما همام، وفصل الاستسعاء من الحديث، فجعله من رأي قتادة (¬1). وقال ابن عبد البر: الذين لم يذكروا السعاية أثبت ممن ذكرها (¬2). وذكر أبو بكر الخطيب: أن أبا عبد الرحمن عبد اللَّه بن يزيد المقرئ رواه عن همام، وزاد فيه ذكر الاستسعاء، وجعله من قول قتادة وميزه من كلام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. * * * ¬

_ (¬1) "علل الدارقطني" 10/ 314 - 317. (¬2) "الاستذكار" 7/ 313.

6 - باب فيمن روى أنه لا يستسعي

6 - باب فِيمَنْ رَوى أَنَّهُ لا يَسْتَسْعَي 3940 - حَدَّثَنا القَعْنَبي، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِع, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ في مَمْلُوكٍ أُقِيمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ العَدْلِ فَأَعْطَى شُرَكاءَهُ حِصَصَهُمْ وَأُعْتِقَ عَلَيْهِ العَبْدُ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ ما عَتَقَ" (¬1). 3941 - حَدَّثَنا مُؤَمَّلٌ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بِمَعْناهُ. قالَ: وَكانَ نافِعٌ رُبَّما قالَ: "فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ ما عَتَقَ". وَرُبَّما لَمْ يَقُلْهُ (¬2). 3942 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ داوُدَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ عَنْ أيُّوبَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بهذا الحَدِيثِ. قالَ أيُّوبُ: فَلا أَدْري هُوَ في الحَدِيثِ عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَوْ شَيء قالَهُ نافِعٌ وَإِلَّا عَتَقَ مِنْهُ ما عَتَقَ (¬3). 3943 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْن مُوسَى الرّازي، أَخْبَرَنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا مِنْ مَمْلُوكٍ لَهُ فَعَلَيْهِ عِتْقُهُ كُلِّهُ إِنْ كانَ لَهُ ما يَبْلُغُ ثَمَنَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مالٌ عَتَقَ نَصِيبُهُ" (¬4). 3944 - حَدَّثَنا مَخْلَدُ بْن خالِدٍ، حَدَّثَنا يَزِيد بْنُ هارُونَ، أَخْبَرَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بِمَعْنَى إِبْراهِيمَ بْنِ مُوسَى (¬5). 3945 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن مُحَمَّدِ بْنِ أَسْماءَ، حَدَّثَنا جُوَيْرِيةُ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2491)، ومسلم (1501). (¬2) انظر سابقه. (¬3) انظر سابقه. (¬4) انظر سابقه. (¬5) انظر سابقه.

عُمَرَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بِمَعْنَى مالِكٍ وَلَمْ يَذْكرْ: "وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ ما عَتَقَ". انْتَهَى حَدِيثُهُ إِلَى: "وَأُعْتِقَ عَلَيْهِ العَبْدُ". عَلَى مَعْناهُ (¬1). 3946 - حَدَّثَنا الحَسَن بْنُ عَلي، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ سالِمٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ في عَبْدٍ عَتَقَ مِنْهُ ما بَقي في مالِهِ إِذا كانَ لَهُ ما يَبْلُغُ ثَمَنَ العَبْدِ" (¬2). 3947 - حَدَّثَنا أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ، عَنْ سالِمٍ, عَنْ أَبِيهِ يَبْلُغُ بِهِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِذا كانَ العَبْدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُما نَصِيبَهُ فَإِنَّ كانَ مُوسِرًا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ قِيمَةً لا وَكْسَ وَلا شَطَطَ ثُمَّ يُعْتَقُ" (¬3). 3948 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنا شعْبَةُ، عَنْ خالِدٍ، عَنْ أَبي بِشْرٍ العَنْبَري، عَنِ ابن التَّلِبِّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ نَصِيبًا لَه مِنْ مَمْلُوكٍ فَلَمْ يُضَمِّنْهُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. قالَ أَحْمَدُ إِنَّما هُوَ بِالتّاءِ -يَعْني: التَّلِبَّ- وَكانَ شُعْبَةُ أَلْثَغَ لَمْ يُبيِّنِ التّاءَ مِنَ الثّاءِ (¬4). * * * باب فيمن روى أنه لا يستسعى [3940] (حدثنا) عبد اللَّه بن مسلمة (القعنبي، عن مالك، عن نافع، ¬

_ (¬1) انظر سابقه. (¬2) انظر سابقه. (¬3) انظر سابقه. (¬4) رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1206)، والنسائي في "الكبرى" (4969)، وابن قانع في "معجم الصحابة" 1/ 112، والطبراني في "الكبير" (1300)، وأبو أحمد العسكري في "تصحيفات المحدثين" 1/ 98، والبيهقي 10/ 284. وأصله في الصحيحين من حديث أبي هريرة وابن عمر.

عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: من أعتق شركًا) بكسر الشين وسكون الراء، أي: حصة ونصيبًا. قال ابن دقيق العيد: هو في الأصل مصدر، لا يقبل العتق وأطلق على متعلقه وهو المشترك، ومع هذا لا بد من إضمار تقديره جزء مشترك وما يقارب ذلك؛ لأن المشترك في الحقيقة هو جملة العين، وأما النصيب المشاع فلا اشتراك فيه (¬1). انتهى. وعلى هذا فهو من [إطلاق المصدر على المفعول، أو من] (¬2) إطلاق الكل على البعض، ويطلق الشرك أيضًا على الشريك ولا يصح إرادته هنا (له في مملوك أقيم عليه) أي: قوم عليه كما في لفظ البخاري (¬3) (قيمة العدل فأعطى) بفتح الهمزة على البناء للفاعل ويبنى للمفعول (شركاءه) مفعول أول و (حصصهم) مفعول ثان، وضبطه بعضهم أُعطي بضم الهمزة ورفع (شركاؤه) على البناء للمفعول، وهو أولى لموافقة (أقيم عليه) المذكور قبله. قال القرطبي: هذا يشعر بجبر المعتق على الإعطاء، وجبر الشريك على الأخذ، لكن إنما يجبر الشريك على الأخذ إذا لم يعتق حصته، فلو أعتقها لم يجبر على المشهور، ويعني بقوله (حصصهم) أي: قيمة حصصهم (¬4) و (أعتق) بضم الهمزة (عليه العبد) جميعه (وإلا فقد عتق) ¬

_ (¬1) "إحكام الأحكام" 2/ 325. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل)، (م). (¬3) البخاري (2521، 2526). (¬4) "المفهم" 4/ 311.

بفتح العين والتاء مبنيًّا للفاعل، ولا يقال بضم الهمزة لما لم يسم فاعله إلا بهمزة التعدية، فيقال: أعتق (ما عتق). قال الكرماني: أي: ما أعتق، فقد يستعمل عتق بمعنى أعتق (¬1). ويحسن أن يكون عتق للأعم مما أعتقه أو عتق عليه بشرائه بقدر ما هو موسر به، ويستفاد من الحديث أن من حكم عليه بالعتق نسب إليه وإن كان مكرهًا، وإذا صحت نسبته إليه ثبت الولاء له؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "إنما الولاء لمن أعتق" (¬2). [3941] (حدثنا مؤمل) بن هشام اليشكري، أخرج له البخاري. (ثنا إسماعيل) ابن علية (عن أيوب) بن أبي تميمة السختياني. (عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بمعناه) أي: بمعنى ما تقدم دون لفظه. (قال) أيوب: (وكان نافع ربما قال) في الحديث (وقد عتق منه ما عتق) كما تقدم (وربما لم يقله) تمسك به بعضهم على أنه من قول نافع لا من نفس الحديث، وهو متمسك ضعيف كما سيأتي. [3942] (حدثنا سليمان بن داود) العتكي، أخرج له الشيخان (ثنا حماد) بن زيد (عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بهذا الحديث) و (قال) فيه (أيوب: فلا أدري) قوله: وقد عتق ما عتق (هو في الحديث عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو) هو (شيء، قاله نافع) من ¬

_ (¬1) "شرح صحيح البخاري" 11/ 78. (¬2) رواه البخاري (456)، ومسلم (1504) من حديث عائشة.

نفسه، يعني: (وإلا عتق منه ما عتق) قال القاضي (¬1) وابن دقيق العيد: ظاهره أنه من قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ ولذلك رواه مالك وعبيد اللَّه العمري فوصلاه بالحديث من كلام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قالا: وما قاله مالك وعبيد اللَّه أولى، وهما أثبت في نافع من أيوب عند أهل هذا الشأن، فكيف وقد شك أيوب كما تقدم، وقد رواه يحيى بن سعيد، عن نافع، وقال في هذا الموضع، وإلا فقد جاز ما صنع فجاء به على المعنى (¬2). وإنما يبقى النظر فيما بقي بعد العتق، هل حكمه حكم الرق، أو يُستسعى العبد فيه؟ [3943] (حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي) يعرف بالفراء الصغير, شيخ البخاري (قال: أنا عيسى بن موسى) التيمي (¬3) (ثنا عبيد اللَّه) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب [من صغار] (¬4) التابعين. (عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من أعتق شركًا) بكسر الشين كما تقدم (من مملوك له) قد يؤخذ منه أنه لا يصح العتق من غير المالك، كما لو أعتق عبدَ ولدِه الصغير, خلافًا لمالك مستدلًّا بقوله -عليه السلام-: "أنت ومالك لأبيك" (¬5) وأجيب عن هذا بأنه لم ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): القرطبي. (¬2) "إكمال المعلم" 5/ 58، "إحكام الأحكام" 2/ 326. (¬3) كذا في الأصول: موسى التيمي. وهو خطأ، والصواب: عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، انظر "تهذيب الكمال" 23/ 37، 62. (¬4) ساقطة من جميع النسخ، والمثبت من مصارد الترجمة. (¬5) سلف برقم (3530) من حديث عبد اللَّه بن عمرو. ورواه أيضًا ابن ماجه (2292)، وأحمد 2/ 179، 204، 214. وفي الباب عن =

يرد حقيقة الملك، وإنما أريد به المبالغة في وجوب حقه عليه، فلهذا لا ينفذ فيه عتق ولده الكبير مع شمول الحديث له. (فعليه عتقه كله) بجر اللام عطفًا على اللفظ، ويجوز النصب عطفًا على المحل؛ لأن المصدر يصح تقديره بالفعل وأن المصدرية، إذ التقدير: فعليه أن يعتقه كله (إن كان له ما يبلغ) وفي بعض النسخ: "مال يبلغ". كما في البخاري (¬1) (ثمنه) المراد بالثمن هنا القيمة. أي: اعتبار مقدار ثمن العبد المعتق بعضه، ولا يكون ذلك إلا من عارف بقيم السلع موثوق بدينه وأمانته؛ لأن التقويم فصل بين الخصوم، وتمييز لمقادير الحقوق. (وإن) ويروى بالفاء: فإن (لم يكن له مال) يؤديه في خلاص حصة شريكه (عتق نصيبه) فقط، وليس في هذا ذكر الاستسعاء. [3944] (حدثنا مخلد بن خالد) الشعيري العسقلاني شيخ مسلم (حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان، السلمي، مولاهم، أخرج له البخاري (أنا يحيى بن سعيد) الأنصاري التابعي (عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بمعنى) حديث (إبراهيم بن موسى) الرازي، وليس فيه ذكر الاستسعاء أيضًا. [3945] (حدثنا عبد اللَّه بن محمد بن أسماء) بن عبيد الضبعي البصري، شيخ الشيخين (حدثنا) عمي (جويرية) بن أسماء بن عبيد ¬

_ = جابر وعائشة. وصححه الألباني في "الإرواء" (838). (¬1) البخاري (2521، 2523)، وهو أيضًا عند مسلم (1501).

الضبعي، أخرج له الشيخان (عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما بمعنى) حديث (مالك ولم يذكر: ) فيه: (وإلا فقد عتق) منه (ما عتق) كما تقدم و (انتهى حديثه إلى) قوله في حديث مالك: فأعطاه شركاؤه حصصهم (وأعتق) بضم الهمزة (عليه العبد. على معناه) كما تقدم. [3946] (حدثنا الحسن بن علي) الجهضمي (¬1) (حدثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن الزهري، عن سالم) بن عبد اللَّه، أحد فقهاء المدينة (عن) أبيه (ابن عمر رضي اللَّه عنهما أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: من أعتق شركًا له في عبد) استدل به إسحاق بن راهويه على أن الأنثى لا تكمل على من أعتق شركًا في أنثى، وهو على خلاف الجمهور من السلف ومن بعدهم (¬2)؛ لأنهم لم يفرقوا بين الذكر والأنثى إما لأن لفظ العبد يراد به الجنس، كما قال تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93)} (¬3) وإما على طريق الإلحاق بنفي الفارق كما هو معروف في القياس من كتب الأصول. (عتق منه) كل (ما بقي) من العبد (في ماله) أي: في مال المعتق بقيمة يوم العتق (إذا كان له) في ماله (ما يبلغ) قيمة بقية (ثمن العبد) المعتوق كما تقدم. [3947] (حدثنا أحمد بن حنبل، ثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو بن ¬

_ (¬1) كذا في الأصول: الجهضمي. وهو خطأ. والصواب: الحلواني، وانظر: "تهذيب الكمال" 6/ 259. (¬2) تقدمت هذِه المسألة قريبًا. (¬3) مريم: 93.

دينار، عن سالم) بن عبد اللَّه (عن أبيه) عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما (يبلغ به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) (قال (إذا كان العبد) أو الأمة مشتركًا (بين اثنين) مناصفة، أو يزيد نصيب أحدهما على الآخر، ويدل على هذا قوله: (فأعتق أحدهما نصيبه) ولم يقل: نصفه (فإن كان) المعتق (موسرًا يُقوَّم) مبني لما لم يسم فاعله (عليه) ليس المراد باليسار الغنى؛ بل يكون معه ما بقي بقيمة النصيب أو بعضه، فيسري العتق بقدر ذلك البعض، ويؤخذ من [بناء (يقوم)] (¬1) للمفعول أن المعتق لا يقوم، بل الحاكم أو عارف بقيمة السلع موثوق به يقيمه الحاكم (قيمة) عدل إلا وكس) فيها، الوكس: النقص، ومنه حديث معاوية أنه كتب إلى الحسين بن علي: إني لم أكسك ولم أخسك (¬2). أي: لم أنقصك حقك ولم أنقض عهدك. (ولا شطط) أي: لا زيادة على القيمة من قولهم: شطني فلان يشطني (¬3) إذا شق عليك وظلمك في حقك. (ثم يعتق) بضم أوله. أي: يعتق العبد كله على المعتق. قال الفاكهي: فيه دليل واضح على أنه لا يعتق بالسراية، وأن العبد بحكم العبودية في نصيب الشريك حتى يحكم بالتقويم، وأن المعتق إن مات قبل التقويم لم يقوَّم عليه ولا على ورثته، وهذا مشهور مذهب مالك. قال أصحابنا: ¬

_ (¬1) في (م): بنائه. (¬2) ذكره الزمخشري في "الفائق" 4/ 79، وابن الأثير في "النهاية" 2/ 92، 5/ 220 وغيرهما. (¬3) في (ل)، (م): يشط.

وللشريك مطالبة المعتق بدفع القيمة وإجباره عليها, ولو مات المعتق أخذت من تركته، ولو لم يطالبه الشريك كان للعبد مطالبته، فإن لم يطالبه طالبه القاضي؛ لما في العتق من حق اللَّه تعالى، ولو مات العبد قبل أداء القيمة، فالأصح أنه لا يجيبه؛ لأنه مات ونصفه رقيق، فإنما أوجبنا الضمان عليه نظرًا لتحصيل الحرية، ولا يتصور تحصيلها من الميت. [3948] (حدثنا أحمد بن حنبل، ثنا محمد بن جعفر) غندر (ثنا شعبة، عن خالد) الحذاء (عن أبي بشر) الوليد بن مسلم بن شهاب (العنبري) أخرج له البخاري في كتاب "الأدب"، وهو كتاب مفرد غير "الصحيح" (عن) ملقام ويقال: هلقام (ابن التلب) قال النسائي: ينبغي أن يكون الملقام بن التلب ليس بالمشهور، وأخرج النسائي هذا الحديث أيضًا (¬1). (عن أبيه) التلب بكسر المثناة فوق، وسكون اللام، بعدها جاء موحدة، وهو ابن ثعلبة البصري، يكنى أبا الملقام. ويقال: التلب بفتح، ثم بكسر، ثم تشديد الموحدة. (أن رجلًا أعتق نصيبًا له في مملوك فلم يضمنه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) وقد استدل بهذا الحديث عثمان البتي (¬2) على أنه لا يعتق من المملوك إلا حصة المعتق، ونصيب الباقين باق على الرق، ولا شيء على المعتق؛ لأنه لو باع نصيبه لاختص البيع به، فكذلك العتق، إلا أن تكون نفيسة ¬

_ (¬1) "السنن الكبرى" 3/ 186. (¬2) سبقت هذِه المسألة عند شرح حديث (3934).

رائعة تراد للوطء فيغالي فيها، فيكون ذلك بمنزلة الجناية من المعتق للضرر الذي أدخله على شريكه. وهذا القول شاذ عند الجمهور لمخالفته الأخبار الصحيحة المتقدمة، فلا يعول عليه. وحديث التَّلِب (¬1) يتعين حمله على المعسر كما تقدم جمعًا بين الأحاديث، وقياس العتق على البيع لا يصح، فإن البيع لا يسري فيما إذا كان العبد كله له وأعتق بعضه والعتق يسري، فإنه لو باع نصف عبده لم يسر، ولو أعتق كله بصفة عتق، وإذا ثبت هذا فإن ولاءه يكون له فإنه عتق بإعتاقه من ماله، وقال -عليه السلام-: "إنما الولاء لمن أعتق" (¬2) ولا خلاف في هذا عند من يرى عتقه عليه (¬3). (قال أحمد) بن حنبل: التلب (إنما هو بالتاء) المثناة فوق كما تقدم. (يعني: التلب) بن ثلعبة (وكان شعبة) بن الحجاج العتكي راوي الحديث (ألثغ لم يبين) حرف (التاء) المثناة (من) حرف (الثاء) المثلثة، وقال أبو القاسم البغوي: بلغني أن شعبة كان ألثغ وكان يقول: الثلب وإنما هو التلب بالمثناة (¬4). واللثغة أمر جبلي جبله اللَّه عليها, لا يضر في راوي الحديث أصلًا، لا سيما هذا الإِمام الجليل الذي لم يكن في زمنه مثله في الحديث. ¬

_ (¬1) وهو الصحابي، السابق ذكره. (¬2) تقدم. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) "معجم الصحابة" 1/ 385.

قال البخاري: [عن علي بن المديني روى نحو] (¬1) ألفي حديث (¬2). قال الشافعي: لولا شعبة ما عرف الحديث بالعراق (¬3). وكان أبا (¬4) الفقراء وأمهم، وإذا قام في مجلسه سائل لا يحدث حتى يعطى، قيل: خرج الليث بن سعد يومًا فقوموا ثيابه ودابته وخاتمه (¬5) وما كان عليه بثمانية عشر ألف درهم إلى عشرين ألفًا، وخرج شعبة يومًا فقوموا حماره وسرجه وخاتمه بثمانية عشر درهمًا (¬6). * * * ¬

_ (¬1) في النسخ الخطية: روى عن علي بن المديني نحو. .، والمثبت هو الصواب كما في مصادر الترجمة. (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 12/ 489. (¬3) رواه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 1/ 127، 4/ 370، والبيهقي في "دلائل النبوة" 1/ 46، وفي "معرفة السنن والآثار" 1/ 151، 5/ 258، والخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" 2/ 170 (1513). (¬4) في المخطوط: أبو، والجادة ما أثبتناه. (¬5) في (ل)، (م): خادمه. (¬6) رواه البيهقي في "الشعب" 5/ 167 (6221)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 50/ 369، وابن الجوزي في "المنتظم" 8/ 244.

7 - باب فيمن ملك ذا رحم محرم

7 - باب فِيمَنْ مَلَك ذا رَحمٍ مَحْرَمٍ 3949 - حَدَّثَنا مُسْلِمٌ بْنُ إِبْراهِيمَ وَمُوسَى بن إِسْماعِيلَ قالا: حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ قَتادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقالَ مُوسَى في مَوْضِعٍ آخَرَ: عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبِ فِيما يَحْسِبُ حَمّادٌ قالَ: قالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ مَلَكَ ذا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ". قالَ أبو داوُدَ: رَوى مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ البُرْساني، عَنْ حَمّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ قَتادَةَ وَعاصِمٍ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مِثْلَ ذَلِكَ الحَدِيثِ. قالَ أبو داوُدَ: وَلَمْ يُحَدِّثْ ذَلِكَ الحَدِيثَ إِلَّا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَقَدْ شَكَّ فِيهِ (¬1). 3950 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمانَ الأنْباري، حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهّابِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتادَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخطَّابِ -رضي اللَّه عنه- قالَ مَنْ مَلَكَ ذا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ (¬2). 3951 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمانَ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهّابِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتادَةَ، عَنِ الحَسَنِ قالَ: مَنْ مَلَكَ ذا رَحِمٍ مَحرَمٍ فَهُوَ حرٌّ (¬3). 3952 - حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا أَبُو أُسامَةَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ جابِرِ بْنِ زَيْدٍ والحَسَنِ مِثْلَهُ. قالَ أَبُو داوُدَ: سَعيدٌ أَحْفَظُ مِنْ حَمّادٍ (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1365)، وابن ماجه (2524)، وأحمد 5/ 15، والطيالسي (925)، والنسائي في "الكبرى" (4898). اختلف في صحته وضعفه اختلافا بينا انظر: "نصب الراية" 3/ 279، وصححه الألباني في "الإرواء" (1746). (¬2) رواه عبد الرزاق في "مصنفه" 9/ 183 (16856)، والنسائي في "الكبرى" (4883)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (7404)، والبيهقي 4/ 489. (¬3) رواه النسائي في "الكبرى" (4884)، والبيهقي في "السنن الصغير" 4/ 209. (¬4) السابق عن الحسن.

باب فيمن ملك ذا رحم محرم [3949] (حدثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي (وموسى بن إسماعيل) التبوذكي البصري [(قالا: حدثنا حماد بن سلمة، عن قتادة، عن الحسن) البصري] (¬1) (عن سمرة) بن جندب -رضي اللَّه عنه-. (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقال موسى) بن إسماعيل (في موضع آخر: ) لم يحدث هذا الحديث إلا حماد بن سلمة، وقد شك فيه (عن سمرة بن جندب فيما يحسب) أي: يظن (حماد) بن سلمة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من ملك ذا رَحِم) بفتح الراء وكسر الحاء، وأصله موضع تكوين الولد، ثم استعمل للقرابة، فيقع على كل من بينك وبينه نسب (مَحْرَم) بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وفتح الراء المخففة، ويقال: مُحرَّم، بضم الميم وفتح الحاء وتشديد الراء المفتوحة، والمحرم من لا يحل له نكاحها من الأقارب كالأب والأخ والعم ومن في معناهم. قال ابن الأثير: الذي ذهب إليه أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه وأحمد أن من ملك ذا رحم محرم عتق عليه، ذكرًا كان أو أنثى. وذهب الشافعي وغيره من الأئمة والصحابة والتابعين إلى أنه يعتق عليه الأولاد والآباء والأمهات، ولا يعتق عليه غيرهم [من ذوي قرابته. وذهب مالك إلى أنه يعتق عليه الولد والوالدان والإخوة، ولا يعتق ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

غيرهم (¬1)] (¬2). قال البيهقي: وافقنا أبو حنيفة في بني الأعمام أنهم لا يعتقون بحق الملك (¬3). واستدل الشافعي ومن وافقه بأن غير الوالدين والأولاد قرابة لا يتعلق بها رد الشهادة، ولا تجب بها النفقة مع اختلاف الدين، فأشبه قرابة ابن العم، وبأنه لا تعصبة بينهما، فلا يعتق عليه بالقرابة كابن العم، وبأنه لو استحق العتق عليه (¬4) بالقرابة لمنع من بيعه إذا اشتراه وهو مكاتب كالوالد والولد، واستدل أبو حنيفة وموافقوه بهذا الحديث، وأجاب أصحابنا عن هذا الحديث بجوابين ذكرهما البيهقي، فقال: أحدهما: إن حماد بن سلمة تفرد به هكذا، وخالفه سعيد بن أبي عروبة فرواه عن قتادة، عن الحسن من قوله: وعن قتادة، عن عمر. ثم ذكر السند المتقدم. قال الترمذي: سألت البخاري عن هذا الحديث، فلم يعرفه عن الحسن، عن سمرة إلا من حديث حماد بن سلمة (¬5). قال البيهقي: والحديث إذا تفرد به حماد بن سلمة وخالف غيره، ثم شك هو أيضًا فيه فالصواب لمن راقب اللَّه في دينه أن يتوقف فيه ولا يحتج به. والوجه الآخر أن أكثر المحدثين ينكرون سماع الحسن من سمرة بن جندب غير حديث العقيقة، ويقولون: إنه كتاب. انتهى (¬6)، لكن صحح ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 211. (¬2) ساقط من (م). (¬3) "مختصر خلافيات البيهقي" 5/ 194. (¬4) ساقطة من (ل، م). (¬5) "العلل الكبير" 1/ 211. (¬6) انظر: "مختصر خلافيات البيهقي" 5/ 195 - 196.

هذا الحديث ابن حزم وعبد الحق وابن القطان (¬1). (فهو حر) سواء ملكه بشراء أو هبة أو وصية أو إرث، وربط السبب بالمسبب بفاء التعقيب يدل على أن العتق يقع بعد الملك بملكه بالشراء ثم يحصل العتق مرتبًا على الملك، خلافًا لأبي إسحاق والماوردي حيث قالا: يحصل الملك والعتق معًا (¬2). [3950] (حدثنا محمد بن سليمان الأنباري) بنون، ثم جاء موحدة، وثقه الخطيب (¬3) (ثنا عبد الوهاب) بن عطاء العجلي الخفاف، أخرج له مسلم في مواضع (عن سعيد) بن أبي عروبة مهران. (عن قتادة أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قال: من ملك ذا رحم محرم) قد يخرج بقوله (من ملك) ما لو وكله في شراء من يعتق عليه، فإنه لا يعتق عليه. ولو قلنا: إن الملك يقع ابتداء للوكيل (فهو حُر) بمجرد الدخول في ملكه، ولا يحتاج إلى تلفظ بالعتق. والظاهر أنه لا ولاء له عليه؛ لأن الولاء بالقرابة أقوى منه، ولم أجده مسطورًا. [3951] (حدثنا محمد بن سليمان) الأنباري (ثنا عبد الوهاب) بن عطاء (عن سعيد) بن أبي عروبة (عن قتادة، عن الحسن: ) البصري -رضي اللَّه عنه- مرسلًا (من ملك) يخرج من عموم (من) المكاتب (¬4) إذا ملك ¬

_ (¬1) "المحلى" 9/ 203، "الأحكام الوسطى" 4/ 15، "بيان الوهم والإيهام" 5/ 436 - 437. والحديث الذي صححه الثلاثة الأئمة إنما هو حديث ابن عمر، لا حديث سمرة هذا فقد ضعفوه. (¬2) "الحاوي الكبير" 10/ 482، "المهذب" 2/ 116. (¬3) "تاريخ بغداد" 3/ 216. (¬4) في (ل): الكتاب، وفي (م): الكتابي.

أحد أصوله أو فروعه، فإنه لا يعتق عليه. وأما الصبي والمجنون إذا وهب لهما كسوب يعتق عليهما، فإنه يجب على الولي قبوله، إذ لا ضرر عليه فيه، ويعتق عليهما (¬1). خلافًا لما تفهمه عبارة "المنهاج" (¬2). ولهذا قال أصحابنا: لا يشتري لطفل قريبه الذي يعتق عليه؛ لأنه إنما يتصرف له بالغبطة (¬3). (ذا رحم) هذِه الرواية أعم مما قبلها، إذ لم يخصص بالمحرم، فإن الرحم القرابة، والـ (محرم) من يحرم نكاحها كالأخت والعمة والخالة، والرحم غير المحرم كبنت العم وبنت العمة. (فهو) أي: جميعه (حر) وإن كان الذي ملكه سهم واحد، ويسري إلى باقيه. [3952] (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو أسامة) (¬4) حماد بن أسامة بن زيد الكوفي، كتب بأصبعيه مائة ألف حديث. (عن سعيد) بن أبي عروبة (عن قتادة، عن جابر بن زيد) الجوفي الكوفي، من أئمة التابعين (و) عن (الحسن) البصري (مثله) أي: مثل ما تقدم. (قال) المصنف (سعيد) بن أبي عروبة (أحفظ من حماد) بن أسامة. وقال ابن أبي حاتم: سعيد أعلم الناس بحديث قتادة (¬5). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "نهاية المطلب" 3/ 394. (¬2) ص 359. (¬3) انظر: "نهاية المطلب" 19/ 389. (¬4) فوقها في (ح)، (ل): (ع). (¬5) "الجرح والتعديل" 4/ 65.

8 - باب في عتق أمهات الأولاد

8 - باب فِي عتْقِ أُمَّهاتِ الأَوْلادِ 3953 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللْهِ بْنُ مُحَمَّدِ النُّفَيْلي، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ خَطّابِ بْنِ صالِحٍ مَوْلَى الأَنْصاري، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ سَلامَةَ بِنْتِ مَعْقِلٍ -امْرَأَةٍ مِنْ خارِجَةِ قَيْسِ عَيْلانَ- قالَتْ: قَدِمَ بي عَمّي في الجاهِلِيَّةِ فَباعَني مِنَ الحُبابِ بْنِ عَمْرٍو أَخي أَبي اليَسَرِ بْنِ عَمْرٍو فَوَلَدْتُ لَه عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الحُبابِ، ثُمَّ هَلَكَ فَقالَتِ امْرَأَتُهُ الآنَ واللَّه تُباعِينَ في دَيْنِهِ. فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ إِنّي امْرَأَةٌ مِنْ خارِجَةِ قَيْسِ عَيْلانَ قَدِمَ بي عَمّي المَدِينَةَ في الجاهِلِيَّةِ، فَباعَني مِنَ الحُبابِ بْنِ عَمْرِو أَخي أَبي اليَسَرِ بْنِ عَمْرٍو فَوَلَدْتُ لَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الحُبابِ فَقالَتِ امْرَأَتُهُ: الآنَ واللَّه تُباعِينَ في دَيْنِهِ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ وَلي الحُبابِ". قِيلَ أَخوهُ أَبُو اليَسَرِ بْنُ عَمْرٍو فَبَعَثَ إِلَيْهِ فَقالَ: "أَعْتِقُوها فَإِذا سَمِعْتُمْ بِرَقِيقٍ قَدِمَ عَلي فَأْتُوني أُعَوِّضْكُمْ مِنْها". قالَتْ: فَأَعْتَقُوني وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- رَقِيقٌ فَعَوَّضَهُمْ مِنّي غُلامًا (¬1). 3954 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ عَطاءٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: بِعْنا أُمَّهاتِ الأَوْلادِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَأَبي بَكْرٍ، فَلَمّا كانَ عُمَرُ نَهانا فانْتَهَيْنا (¬2). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 360، وابن أَبي عاصم، في "الآحاد والمثاني" (3423)، والطبراني في "الكبير" 4/ 44 (3596)، وأبو نُعيم في "معرفة الصحابة" (2256)، والبيهقي في "السنن الكبرى" 10/ 345. قال الألباني في "الصحيحة" 5/ 541: إسناد ضعيف، أم خطاب بن صالح لا تعرف كما قال الحافظ. وابنها خطاب قال الذهبي: تفرد عنه ابن إسحاق، وقد وثقه البخاري. وابن إسحاق مدلس وقد عنعنه. (¬2) رواه أحمد 3/ 321، وعبد الرزاق في "مصنفه" (13211)، والنسائي في "الكبرى" (5039)، وأبو يعلى (2229)، وابن حبان (4323)، والدارقطني 4/ 135، والحاكم 2/ 18 - 19، والبيهقي 10/ 348.=

باب في عتق أمهات الأولاد [3953] (حدثنا النفيلي) وهو (عبد اللَّه بن محمد ثنا محمد بن سَلمة) بفتح السين أوله، ابن عبد اللَّه الباهلي، أخرج له مسلم (عن محمد بن إسحاق) بن يسار صاحب "المغازي" (عن خَطَّاب) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الطاء (بن صالح مولى الأنصار) المدني، ثقةٌ، توفي سنة ثلاث وأربعين ومائة (عن أمه) ولم يعرف اسمها (عن سلامة) بتخفيف اللام (بنت مَعْقل) بفتح الميم وسكون العين المهملة، وذكره (¬1) البخاري بضم الميم وفتح الغين المعجمة (امرأة) بالجر على البدل (من خارجة قيس عَيلان) بفتح العين المهملة، ويقال: قيس بن عيلان بن مضر. واسمه إلناس بالنون، وهو أخو إلياس بن مضر بالياء المثناة تحت، قيل: إنما سمي قيس عيلان بفرس، وقيل: بغلام. وقيل: برجل كان يحضنه. وقيل: بكلب كان له، وفي قيس عيلان خارجة بن سنان بن أبي حارثة، وخارجة اسمه عوف، فيشبه أن تكون سلامة هذِه من أحدهما. (قالت: قدم بي عمي في) أيام (الجاهلية) سموا بذلك لكثرة جهالاتهم (فباعني من الحُبَاب) بضم الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة وبعد الألف مثلها (بن عمرو) (¬2) السلمي (أخي أبي اليسر) ¬

_ = قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" 3/ 98: قال في الزوائد: إسناده صحيح، رجاله ثقات. (¬1) في (ل)، (م): ورواه. (¬2) في حاشية (ح) وصلب (ل)، (م): نسخة: أبي عمرو.

بفتح المثناة من تحت والسين المهملة، الأنصاري البدري العقبي، واسمه كعب، يُعد في أهل المدينة، وهو صحابي. (فولدت له عبد الرحمن بن الحباب) تقدم، ابن عمرو الأنصاري (ثم هلك، فقالت امرأته) للجارية التي ولدت منه (الآن واللَّه تباعين) بكسر العين (في) وفاء (دينه) الذي عليه. قالت: (فأتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقلت) له: (يا رسول اللَّه، إني امرأة من خارجة قيس عيلان) بفتح العين المهملة كما تقدم، وقد (قدم بي عمي المدينة) فيه: جواز سفر المرأة مع عمها، فإنه محرمها (في) زمن (الجاهلية، فباعني من الحباب بن عمرو) يحتمل أنه باعها بالوكالة عن مالكها، ويحتمل أنها كانت ملكه، ويكون على هذا فيه دليل لمذهب الشافعي وموافقيه أن بنت الأخ لا تعتق على عمها إذا ملكها, ولهذا جاز له بيعها، وأقرها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على ما قالته. (أخي أبي اليَسر) بفتح المثناة تحت والسين المهملة كما تقدم. (ابن عمرو، فولدت له عبد الرحمن بن الحباب) الأنصاري كما تقدم (فقالت) لي (امرأته: الآن واللَّه تباعين في) وفاء (دينه) فيه أن غيرة الزوجة من وطء زوجها جاريته التي يملكها كان موجودًا فيما تقادم (¬1) من زمن الصحابة وما بعدها, ولهذا عيرتها ببيعها في دين زوجها الذي كان يطؤها، وقد كانت تطلب منه أن يبيعها فلم يطاوعها، وإنما قالت ذلك لما كانت تظن من جواز بيعها، وقد روي عن علي وابن عباس وابن ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): تقدم.

الزبير جواز بيع أمهات الأولاد (¬1)، وسئل ابن عباس عن بيع أم الولد، فقال: تبيعها كما تبيع شاتك أو بعيرك (¬2). وقول المرأة للجارية يدل على ذلك. (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من وَلِي) بكسر اللام وتخفيف الياء (الحباب) ابن عمرو، المراد -واللَّه أعلم-[من ولي أمر تجهيز الحباب ودفنه (قيل: ) وليه (أخوه أبو اليسر بن عمرو) الأنصاري (فبعث إليه) فجاء (فقال: ) له (أعتقوها) بفتح الهمزة؛ لأن ولدها أعتقها, ولما روى ابن ماجه عن ابن عباس: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أيما امرأة ولدت من سيدها فهي حرة بعد موته" (¬3). وقال الحاكم: صحيح الإسناد (¬4). (فإذا سمعتم برقيق) هو فعيل بمعنى مفعول، وهو المملوك، يطلق على الذكر والأنثى وعلى الجماعة، ولعله المراد هنا. (قدم علي) من الصدقة أو من الغنيمة أو غيرهما (فأتوني) فيه استحباب وعد الإِمام من ظهر من ماله شيء يحتاج إليه بعتق أو وقف أو غيرهما، أو تلف من ماله ما هو مصرور إليه تطييبًا لقلبه وتسلية وجبرًا لما فاته (أعوضْكم) بجزم الضاد، جواب الأمر، أي: أعطيكم بدل ما ذهب منكم بالعتق. ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق في "المصنف" 7/ 288 (13212). ورواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 414/ 4 (21584). (¬2) رواه سعيد بن منصور 2/ 90. (¬3) "سنن ابن ماجه" (2515)، وضعفه البوصيري في "المصباح" 3/ 97. (¬4) "المستدرك" 2/ 19.

وهذا التعويض مستحب ليس بواجب إلا عند من يرى وجوب الموعود به، ويحتمل غير ذلك، واللَّه أعلم. (قالت: )] (¬1) أم الولد (فأعتقوفي) عقب أمره -صلى اللَّه عليه وسلم- (وقدم على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رقيق) بعد ذلك (فعوضهم مني) أي: من عتقي عليهم (غلامًا) فيه تعويض الذكر عن الأنثى، إما لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- رآه أنفع لهم من الأنثى، أو لأنه الذي تيسر تعويضه. [3954] (حدثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (ثنا حماد) بن سلمة، (عن قيس) بن سعد (عن عطاء) بن أبي رباح. (عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما قال: بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبي بكر -رضي اللَّه عنه-). وأخرج النسائي وابن ماجه من حديث أبي الزبير عن جابر قال: كنا نبيع سرارينا أمهات الأولاد والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حيٌّ، ما نرى بذلك بأسًا (¬2). والرواية: نرى بالنون، ولو كانت بالياء من تحت لكان فيه دلالة على اطلاعه -صلى اللَّه عليه وسلم- على ذلك وإباحته، ولذلك قال البيهقي: ليس في شيء من الطرق أنه اطلع على ذلك وأقرهم عليه -صلى اللَّه عليه وسلم-. قال شيخنا ابن حجر: نعم، روى ابن أبي شيبة من طريق أبي سلمة عن جابر ما يدل على ذلك، قال الخطابي: يحتمل أن يكون بيع الأمهات ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) "السنن الكبرى" 3/ 199 (5039)، "سنن ابن ماجه" (2517). ورواه أيضًا أحمد 3/ 321، وصححه ابن حبان 10/ 165 (4323). وقال البوصيري في "المصباح" 3/ 98: إسناده صحيح رجاله ثقات.

كان مباحًا ثم نهى عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- في آخر حياته، ولم يشتهر ذلك النهي (¬1). (فلما كان عمر -رضي اللَّه عنه-) بلغه حديث النهي (فنهانا) عن بيعهن (¬2) (فانتهينا) وقضى به عثمان حياته. ويحتمل أنهم باعوا أمهات الأولاد في النكاح لا في الملك. وحكى ابن قدامة إجماع الصحابة على أنهن لا يبعن (¬3). فإن قيل: كيف يصح الإجماع مع مخالفة علي وابن عباس وابن الزبير؟ فالجواب: أنه رُوي عنهم الرجوع عن المخالفة، والإجماع ينقسم إلى مقطوع به ومظنون، وهذا من المظنون، [فيمكن وقوع مخالفة الإجماع] (¬4) مع كونه حجة، كما وقع منهم مخالفة النصوص الظنية. * * * ¬

_ (¬1) "التلخيص الحبير" 4/ 402، وانظر كلام الخطابي أيضًا في كتابه "معالم السنن" 4/ 69. (¬2) في جميع النسخ: بيعهم. والمثبت هو الصواب. (¬3) "المغني" 14/ 585 - 587. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

9 - باب في بيع المدبر

9 - باب فِي بَيْعِ المُدَبَّرِ 3955 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمانَ، عَنْ عَطاءٍ وَإِسْماعِيلَ بْنِ أَبي خالِدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ عَطاءٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ غُلامًا لَهُ، عَن دُبُرٍ مِنْهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مالٌ غَيْرُهُ فَأَمَرَ بِهِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَبِيعَ بِسَبْعِمِائَةٍ أَوْ بِتِسْعِمِائَةٍ (¬1). 3956 - حَدَّثَنا جَعْفَرُ بْن مُسافِرٍ، حَدَّثَنا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنا الأَوْزاعي، حَدَّثَني عَطاءُ بْنُ أَبِي رَباحٍ حَدَّثَني، جابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بهذا زادَ وقالَ -يَعْني: النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَنْتَ أَحَقُّ بِثَمَنِهِ واللَّه أَغْنَى عَنْهُ" (¬2). 3957 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا أيُّوبُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جابِرٍ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصارِ يُقالُ لَهُ: أبو مَذْكُورٍ أَعْتَقَ غُلامًا لَهُ يُقالُ لَهُ: يَعْقُوبُ، عَنْ دُبُرٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مالٌ غَيْرُهُ فَدَعا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ: "مَنْ يَشْتَرِيهِ؟ ". فاشْتَراهُ نُعَيْمُ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ النَّحّامِ بِثَمانِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَدَفَعَها إِلَيْهِ ثُمَّ قالَ: "إِذا كانَ أَحَدُكُمْ فَقِيرًا فَلْيَبْدَأْ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ كانَ فِيها فَضْلٌ فَعَلَى عِيالِهِ، فَإِنْ كانَ فِيها فَضْلٌ فَعَلَى ذي قَرابَتِهِ". أَوْ قالَ: "عَلَى ذي رَحِمِهِ، فَإنْ كانَ فَضْلًا فَها هُنا وَها هُنا" (¬3). * * * باب في بيع المدبر [3955] (حدثنا أحمد بن حنبل، ثنا هشيم) بن أبي خازم، واسمه بشير بن القاسم السلمي (عن عبد الملك بن أبي سليمان) ميسرة الفزاري الكوفي، أخرج له مسلم في مواضع. ¬

_ (¬1) و (¬2) رواه البخاري (2141)، ومسلم (997). (¬3) السابق.

(عن عطاء) بن أبي رباح (و) عن (إسماعيل (¬1) بن أبي خالد) سعد الأحمسي، كلاهما (عن سلمة بن كهيل عن عطاء) بن أبي رباح. (عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما أن رجلًا) وهو أبو مذكور الأنصاري (أعتق غلامًا) اسمه يعقوب (عن دبر) أي: دبره، فقال له: أنت حر بعد موتي. أي: دبره، أو إذا مت فأنت حر. سمي مدبرًا لأنه دبر أمر دنياه باستخدام ذلك المدبر واسترقاقه، ودبر أمر آخرته أيضًا بإعتاقه وتحصيل أجر العتق، وهو مستحب، ويصير العبد مدبرًا بلا خلاف نعلمه بنفس اللفظ من غير افتقار إلى نية, لأن هذا اللفظ وضع لهذا العقد، فلم يفتقر إلى نية كالبيع. (ولم يكن له مال غيره) وعليه دين. ويدل على هذا رواية النسائي أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لما دفع الثمن إليه قال: "اقض دينك" (¬2). (فأمر به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فبيع) يعني في الدين الذي كان عليه (¬3) قبل التدبير، وبه استدل المالكية على أنه لا يجوز بيعه لغير دين متقدم (¬4). وذهب الشافعي إلى جواز بيعه مطلقًا في الدين وغيره مع الحاجة وعدمها (¬5). (بسبعمائة) درهم (أو بتسعمائة) درهم. شك من الراوي (¬6). ¬

_ (¬1) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬2) "المجتبى" 8/ 246. (¬3) ساقطة من (ل)، (م). (¬4) "المدونة" 2/ 411, وانظر: "البيان والتحصيل" 14/ 511. (¬5) "الأم" 9/ 307. (¬6) وجزم البخاري (7186)، ومسلم (997/ 58) في روايتهما بأنه باعه بثمانمائة درهم.

[3956] (حدثنا جعفر بن مسافر) الهذلي مولاهم، قال النسائي: صالح (¬1) (ثنا بشر بن بكر) البجلي، دمشقي الأصل، أخرج له البخاري في آخر الصلاة والحج (¬2). (ثنا) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي) قال (حدثني عطاء بن أبي رباح، حدثني جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما بهذا) المذكور، و (زاد: ) في هذِه الرواية (قال: يعني النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) للذي دبر العبد (أنت أحق بثمنه) من غيرك؛ لأنك المتطوع بتدبيره. وفيه دليل على أن من وقف وقفًا على الفقراء ثم صار فقيرًا جاز له الأخذ منه، بل هو أحق من غيره، وكذا أولاده من بعده. (واللَّه أغنى) (¬3) أي: غني، فأفعل بمعنى فعيل كأكبر بمعنى كبير (عنه) وعن كل المخلوقات. [3957] (حدثنا أحمد بن حنبل، ثنا إسماعيل بن إبراهيم) المعروف بابن علية، أحد أئمة الإسلام، وعلية أمه (ثنا أيوب) السختياني (عن أبي الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس التابعي. (عن جابر -رضي اللَّه عنه- أن رجلًا من الأنصار) (¬4) بني عذرة (يقال له أبو مذكور) الأنصاري (أعتق غلامًا يقال له: يعقوب) القبطي، مات في أيام ابن الزبير (عن دبر) أي: يعتق في دبر حياته (ولم يكن له مالٌ غيره) بالرفع، و (غير) استثنائية (فدعا به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) إلى عنده (فقال) له (ألك مال غيره؟ ) قال: لا. (فقال: ¬

_ (¬1) "مشيخة النسائي" 1/ 84. (¬2) "صحيح البخاري" (707، 1534). (¬3) في حاشية (ح) وصلب (ل، م): نسخة: غني. (¬4) ساقطة من (ح).

من يشتريه؟ ) زاد مسلم: "مني" (¬1). وفي الحديث دليل ظاهر لمذهب الشافعي وموافقيه في جواز بيع المدبر، وقال مالك وأصحابه: لا يجوز بيعه إلا إذا كان على السيد دين فيباع فيه (¬2). قال النووي: وهذا الحديث صريح أو ظاهر في الرد عليهم؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إنما باعه لينفقه سيده على نفسه (¬3). وقالت المالكية: ظاهر هذا الحديث متروك، بدليل هذا العمل المجمع عليه، كما قال مالك: فيتعين تأويل هذا الحديث عند من يرجح العمل المنقول على أخبار الآحاد، وقالوا: هذا المدبر إنما باعه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في دين متقدم على التدبير، ويعضد هذا بأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تولى بيع المدبر بنفسه كما يتولى الحاكم بيع مال المفلس. وردت الشافعية هذا التأويل بأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال للرجل لما دفع إليه ثمن المدبر: "ابدأ بنفسك فتصدق عليها" (¬4). قالوا: ولو كان هناك دين لكان الابتداء به أولى، ولقال له: ابدأ بدينك. وأجاب المالكية بأن قوله: "ابدأ بنفسك". متضمن لذلك، لأن قوله: "ابدأ بنفسك". إنما يعني بحقوقها، ومن أعظم حقوقها تخليصها من الدين الذي هي مرتهنة به (¬5). ¬

_ (¬1) مسلم (997). وهو أيضًا عند البخاري (2141، 2403). (¬2) تقدمت المسألة قريبًا. (¬3) "مسلم بشرح النووي" 7/ 83. (¬4) رواه مسلم (997/ 41). (¬5) انظر للتوسع: "معالم السنن" 4/ 69، "التمهيد" 23/ 414، "شرح مسلم للنووي" 11/ 141، "إحكام الأحكام" 2/ 334، "فتح الباري" 4/ 421.

(فاشتراه نعيم بن عبد اللَّه) بن أسيد (بن النحام) القرشي العدوي (بثمانمائة درهم، فدفعها إليه) والمشهور في الرواية نعيم بن عبد اللَّه بن النحام، والصواب كما قال المنذري سقوط ابن؛ لأن نعيمًا (¬1) هو النحام لا أبوه، سمي بذلك لسعلة كانت فيه، ولأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "سمعت نحمته في الجنة". أي: سعلته. (وقال: إذا كان أحدكم فقيزا فليبدأ بنفسه، فإن كان فيها فضل فعلى عياله) لفظ مسلم: "ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي [قرابتك] (¬2) " (¬3)، (فإن فضل فعلى ذي قرابتك، أو قال) الراوي (على ذي رحمه) وتقدم أن الرحم بفتح الراء وكسرها: القرابة، وفي الحديث أن الابتداء في النفقة بالنفس [ثم بالأهل] (¬4) ثم بالقرابة، وأن الحقوق والفضائل إذا تزاحمت قدم الأوكد فالأوكد (¬5)، وأن الأفضل في صدقة التطوع أن ينوعها في جهات الخير والبر بحسب المصلحة الأولى فالأولى، ولا تنحصر في جهة بعينها (فإن كان فيها (¬6) فضلًا (¬7) فهاهنا وهاهنا) لفظ مسلم: "فهكذا وهكذا" (¬8) يقول: فبين يديك وعن يمينك وعن شمالك، يعني: ولا تقتصر على جهة واحدة. * * * ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: نعيم. والمثبت هو الصواب. (¬2) ساقطة من جميع النسخ، والمثبت من "صحيح مسلم". (¬3) مسلم (997/ 41). (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬5) ساقطة من (م). (¬6) ساقطة من (ح). (¬7) في حاشية (ح) وصلب (ل، م): رواية: فضل. (¬8) مسلم (997/ 41).

10 - باب فيمن أعتق عبيدا له لم يبلغهم الثلث

10 - باب فِيمَنْ أَعْتَقَ عَبِيدًا لَهُ لَمْ يَبْلُغْهُمُ الثُّلُثُ 3958 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ أَبي قِلابَةَ، عَنْ أَبي المُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةَ أَعْبُدٍ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مالٌ غَيْرُهُمْ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ لَهُ قَوْلًا شَدِيدًا، ثُمَّ دَعاهُمْ فَجَزَّأَهُمْ ثَلاثَةَ أَجْزاءٍ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً (¬1). 3959 - حَدَّثَنا أَبُو كامِلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ -يَعْني: ابن المُخْتارِ- حَدَّثَنا خالِدٌ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ بإسْنادِهِ وَمَعْناهُ وَلَمْ يَقُلْ: فَقالَ لَهُ قَوْلًا شَدِيدًا (¬2). 3960 - حَدَّثَنا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، حَدَّثَنا خالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ -هُوَ الطَّحّانُ- عَنْ خالِدٍ، عَنْ أَبي قِلابَةَ، عَنْ أَبي زَيْدٍ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصارِ بِمَعْناهُ وقالَ -يَعْني النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَوْ شَهِدْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُدْفَنَ لَمْ يُدْفَنْ في مَقابِرِ المُسْلِمِينَ" (¬3). 3961 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْن زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ وَأيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَن رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةَ أَعْبُدٍ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مالٌ غَيْرُهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً (¬4). * * * باب فيمن أعتق عبيدًا [له] (¬5) لم يبلغهم الثلث ¬

_ (¬1) رواه مسلم (884)، والترمذي (1364)، والنسائي 4/ 64، وابن ماجه (2345). (¬2) رواه مسلم (884)، والترمذي (1364)، والنسائي 4/ 64، وابن ماجه (2345). (¬3) رواه بتوضيح هذِه الزيادة أيضًا النسائي في "الكبرى" (4973). (¬4) رواه مسلم (884)، والترمذي (1364)، والنسائي 4/ 64، وابن ماجه (2345). (¬5) ليست في جميع النسخ، والمثبت من "سنن أبي داود".

[3958] (حدثنا سليمان بن حرب) الأزدي، قاضي مكة (حدثنا حماد ابن زيد (¬1) عن أيوب) بن أبي تميمة كيسان السختياني (عن أبي قلابة) عبد اللَّه بن زيد الجرمي (عن أبي المهلب) عمرو بن معاوية التابعي، وهو عم أبي قلابة الجرمي. (عن عمران بن حصين -رضي اللَّه عنه-: أن رجلًا أعتق ستة (¬2) أعبد عند موته ولم يكن له مال غيرهم) ولمسلم أن رجلًا أوصى عند موته فأعتق ستة مملوكين (¬3). قال القرطبي: ظاهره أنه نجز عتقهم في مرضه، ويجمع هاتين الروايتين أن بعض الرواة تجوز في لفظ أوصى (¬4) (فبلغ ذلك النبي) بالنصب (-صلى اللَّه عليه وسلم- فقال له قولًا شديدًا) أي: غلظ عليه بالقول والذم والوعيد، وقد جاء في رواية ستأتي تفسير هذا القول الشديد، قال: لو علمنا ما صلينا عليه، وهذا محمول على أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وحده كان يترك الصلاة عليه تغليظًا وزجرًا لغيره من مثل فعله. (ثم دعاهم فجزأهم) بتشديد الزاي وتخفيفها لغتان مشهورتان، أي: قسمهم (ثلاثة أجزاء فأقرع بينهم) وظاهره أنه اعتبر عدد أشخاصهم دون قيمتهم، وإنما فعل ذلك لتساويهم في القيمة والعدد، فلو اختلفت قيمتهم لم يكن بد من تعديلهم بالقيمة مخافة أن يكون ثلثهم في العدد أكثر من ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: سلمة. وهو خطأ، والمثبت من "سنن أبي داود". (¬2) ساقطة من (م). (¬3) مسلم (1668/ 57). (¬4) "المفهم" 4/ 356.

ثلث الميت في القيمة (فأعتق اثنين) منهم (وأرق) بتخفيف الراء وتشديد القاف، هذا صريح في الرد على أبي حنيفة أنه يعتق من كل واحد قسطه ويستسعى في الباقي؛ لأن القرعة حظه في هذا (¬1). [3959] (حدثنا أبو كامل) فضيل بن الحسين الجحدري، شيخ مسلم (حدثنا عبد العزيز يعني: ابن المختار) الأنصاري الدباغ، أخرج له البخاري في الصلاة والذبائح وغيرهما (¬2) (حدثنا خالد) الحذاء (عن أبي قلابة) عبد اللَّه بن زيد (بإسناده) المذكور (ومعناه، ولم يقل) في هذِه الرواية (فقال له قولًا شديدًا) كما في الرواية قبله. [3960] (حدثنا وهب بن بقية) الواسطي شيخ مسلم [(حدثنا خالد بن عبد اللَّه، هو الطحان)] (¬3) (عن خالد) الحذاء (عن أبي قلابة) عبد اللَّه الجرمي (عن أبي زيد) عمرو بن أخطب الأنصاري. (أن رجلًا من الأنصار) ثم ذكر (بمعناه، وقال يعني: النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: لو شهدته) أي: حضرت عنده (قبل أن يدفن لم) أدعه (يدفن في مقابر المسلمين) هذا تفسير للقول الشديد كالرواية المتقدمة: "لو علمنا ما صلينا عليه". قال ذلك تغليظًا لفعله وذمًّا له؛ لأن المريض في مرض الموت إذا أعتق أو أوصى بعتق أو دبر، اعتبر خروجه من ثلث ماله؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يجز من عتق الستة إلا ثلثهم، فعتق الزائد عن الثلث تبرع بما ليس له، فأشبه الهبة من مال ليس له. هذا إذا أعتقهم جملة ¬

_ (¬1) انظر: "المبسوط" 7/ 75، "بدائع الصنائع" 4/ 99. (¬2) البخاري (447، 5499، 3616، 4440). (¬3) ساقطة من الأصول. والمثبت من "سنن أبي داود".

واحدة، فإن أعتق واحدًا بعد واحد، بدئ بالأول فالأول حتى يستوفى الثلث. [3961] (ثنا مسدد، ثنا حماد بن زيد، عن يحيى بن عتيق) الطفاوي، بضم الطاء المهملة (¬1) وتخفيف الفاء، أخرج له مسلم حديثًا (¬2) (و) عن (أيوب، عن محمد بن سيرين، عن عمران بن حصين رضي اللَّه عنهما أن رجلًا أعتق ستة أعبد) مملوكين (عند موته، ولم يكن له مال غيرهم، فبلغ ذلك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فاقرع بينهم) هذا نص في صحة اعتبار القرعة شرعًا، وهو حجة لمالك (¬3) والشافعي (¬4) وأحمد (¬5) والجمهور (¬6) على أبي حنيفة حيث يقول: القرعة من القمار وحكم الجاهلية، ويعتق من كل واحد من العبيد ثلثه، ويستسعى في باقيه، ولا يقرع بينهم (¬7)، وهذا مخالف لنص هذا الحديث، ولا حجة له في قوله: [إن الحديث] (¬8) إذا خالف القياس فلا يعمل به؛ لما تقرر في ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) وهو حديث "لا عدوى ولا طيرة" "صحيح مسلم" (2223/ 113). (¬3) "المدونة" 2/ 413. (¬4) "الأم" 6/ 286، 9/ 279، 284. (¬5) انظر: "المغني" 14/ 380. (¬6) ومن أدلة الجمهور أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا سافر أقرع بين نسائه رواه البخاري (2593)، ومسلم (2445)، وحديث "كمثل قوم أستهموا على سفينة" رواه البخاري (2493). انظر: "شرح البخاري" لابن بطال 7/ 13، "شرح مسلم" للنووي 4/ 158، 17/ 116، "فتح الباري" 8/ 479، "عمدة القاري" 5/ 126. (¬7) انظر: "المبسوط" 15/ 7. (¬8) ما بين المعقوفتين من (م)، (ل).

كتب الأصول أن القياس في مقابلة النص فاسد، ولو سلمنا أنه ليس بفاسد الوضع كانا كالدليلين المتعارضين، وحينئذ فيكون الأخذ بالحديث أولى؛ لكثرة الاحتمالات في القياس، وقلتها في الحديث (فأعتق اثنين وأرق أربعة) وفي هذا حجة على أبي حنيفة حيث يقول: يعتق من كل واحد ثلثه ويستسعون في الثلثين، وهذا فيه ضرر كبير، لأن الورثة لا يحصل لهم في الحال شيء أصلًا ويحيلون العبيد على السعاية، فقد لا يحصل منها شيء، أو يحصل في الشهر خمسة دراهم أو أقل، وفيه ضرر على العبيد في الكسب والسعاية من غير اختيارهم، قال ابن عبد البر: في قول الكوفيين ضروب من الخطأ والاضطراب (¬1). * * * ¬

_ (¬1) "التمهيد" 23/ 425.

11 - باب فيمن أعتق عبدا وله مال

11 - باب فِيمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ مالٌ 3962 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَني ابن لَهِيعَةَ واللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي جَعْفَرٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ نافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ مالٌ فَمالُ العَبْدِ لَهُ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ السّيِّدُ" (¬1). * * * باب فيمن أعتق عبدًا له مال [3962] (حدثنا أحمد بن صالح) المصري، شيخ البخاري في الأضاحي (ثنا) عبد اللَّه (ابن وهب) المصري، أخرج له البخاري (أخبرني) عبد اللَّه (بن لهيعة) قاضي مصر، قال أحمد: من كان مثل ابن لهيعة في إتقانه وضبطه؟ ! (¬2) (والليث بن سعد، عن عبيد اللَّه بن أبي جعفر) عيسى بن ماهان الرازي وثقه أبو زرعة وأبو حاتم (¬3). (عن بكير بن) عبد اللَّه بن (الأشج، عن نافع، عن عبد اللَّه بن عمر قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من أعتق عبدًا) تقدم في البيع نظيره بلفظ: "من باع عبدًا" (¬4). والأمة كالعبد، إذ لا فارق بينهما. ¬

_ (¬1) رواه بلفظه ابن ماجه (2529)، والنسائي "الكبرى" (4980)، والدارقطني 4/ 133. وهو متفق عليه بلفظ: "من أعتق شقصا. . . ". (¬2) انظر: "سؤالات أبي داود للإمام أحمد" ص 95. (¬3) كذا في الأصول: عيسى بن ماهان الرازي، وثقه أبو زرعة وأبو حاتم. وهو خطأ، والصواب: يسار المصري، انظر: "تهذيب الكمال" 4/ 242، 19/ 18، أما عيسى بن ماهان فهو عبد اللَّه، مكبرًا، انظر: "الجرح والتعديل" 5/ 127. (¬4) سلف برقم (3433).

(وله مال فمال العبد له) الضمير في (له) يجوز أن يعود على العبد؛ لأنه أقرب مذكور، ويدل عليه رواية الإمام أحمد: "من أعتق عبدًا وله مال فالمال للعبد" (¬1). وعلى هذا فإضافة الضمير إليه مجاز؛ لأنه يتولى حفظه ويتصرف فيه بإذن سيده، كما يقال: غنم الراعي، أو يحمل الحديث على أنه تفضل من السيد للعبد؛ لما روى حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا أعتق عبدًا لم يتعرض إلى ماله يعني: تفضلًا منه عليه. وقيل للإمام أحمد في الحديث الذي رواه: كان هذا عندك على التفضل؟ ! قال: نعم إي لعمري على التفضل. قيل له: فكأنه عندك للسيد؟ ! فقال: نعم، مثل البيع سواء (¬2). وأخذ بظاهره مالك (¬3) والحسن وأهل المدينة، ومذهب الشافعي (¬4) والجمهور (¬5) أن ماله لسيده، وعلى هذا فيجوز أن يكون الضمير في (له) يعود على السيد لا على العبد؛ للحديث المتفق عليه: "من باع عبدًا وله مال فماله للبائع" (¬6). ولما رواه الأثرم والبيهقي عن ابن مسعود أنه قال لغلامه عمير: يا عمير، إني أريد أن أعتقك عتقًا هنيئًا فأخبرني بمالك؛ فإني ¬

_ (¬1) "المسند" 3/ 301، 309 عن جابر. (¬2) انظر: "المغني" 14/ 398. (¬3) انظر: "التمهيد" 19/ 36. (¬4) "الأم" 4/ 83. (¬5) انظر: "المغني" 14/ 397. (¬6) البخاري (2379)، مسلم (1543).

سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "من أعتق عبدًا فماله للذي أعتقه" (¬1)، ولأن العبد وماله كانا جميعًا للسيد فأزال ملكه عن أحدهما، فبقي ملكه في الآخر كما لو باعه. (إلا أن يشترط السيد) إن قلنا بالأول وهو أن المال للعبد فتقديره: إلا أن يشترط السيد أنه له، فيكون كثوب عليه أو معه، وإن قلنا بالثاني -وهو قول الجمهور- فيكون التقدير إلا أن يشترط السيد أن نهيه للعبد بعد العتق. * * * ¬

_ (¬1) "السنن الكبرى" 5/ 326.

12 - باب في عتق ولد الزنا

12 - باب في عِتْقِ وَلَدِ الزِّنا 3963 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَلَدُ الزِّنا شَرُّ الثَّلاثَةِ". وقالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، لأن أُمَتِّعَ بِسَوْطٍ في سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَحَبُّ إِلَى مِنْ أَنْ أَعْتِقَ وَلَدَ زِنْيَةٍ (¬1). * * * باب في عتق ولد الزنا [3963] (حدثنا إبراهيم بن موسى) الرازي، شيخ للشيخين (ثنا جرير) بن عبد الحميد، نشأ بالكوفة ونزل بالري (عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه) أبي صالح السمان. (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ولد الزنا) هو (شر الثلاثة) الثلاثة: الزانيان والولد، [وقيل: العرف دساس، فلا يؤمن أن يسري الخبث إلى أولاده، فيقع الخبث منهم، لقوله تعالى في قصة مريم: {مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ} الآية (¬2)، فجعل [انفساد الفرع على فساد الأصل] (¬3). وحكى الخطابي أن أبا ولد الزنى كان يمر على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فيقولون: هو رجل سوء فيقول -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هو شر الثلاثة" يعني: الأب، ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 311، والنسائي في "الكبرى" (4930)، والطحاوي في "المشكل" (907) و (909)، والحاكم 2/ 214 و 4/ 100، والبيهقي 10/ 57 و 59. وانظر "الصحيحة" (678). (¬2) مريم: 28. (¬3) في النسخ: انفساد الأصل على فساد الفرع.

فحول الناس، فقالوا: ولد الزنا شر الثلاثة. [ولهذا كان ابن عمر إذا قيل: ولد الزنا شر الثلاثة] (¬1) يقول: بل هو خير الثلاثة. وحمل على أنه خيرهم لأنه لم يقع منه ذنب، ذهب بعضهم أن هذا إنما جاء في رجل بعينه كان موسومًا بالشر، وقال بعضهم: إنما كان شرًّا من والديه لأنهما قد يقام عليهما الحد فيكون كفارة لهما بخلاف ولدهما، وهذا في علم اللَّه، لا ندري ما يصنع به، وقيل: هو شر الثلاثة أصلًا وعنصرًا ونسبًا ومولدًا؛ لأنه خلق من ماء الزاني والزانية، وهو ماء خبيث بخلاف والديه (¬2). (وقال أبو هريرة -رضي اللَّه عنه-: لأَن) بفتح الهمزة والتي بعدها (أُمتِّع) بضم الهمزة وتشديد التاء المثناة فوق المكسورة، تقديره: واللَّه لأن أعطي راكب دابة (بسوط) يسوق به الدابة التي يقاتل بها في الجهاد أو الحج في سبيل اللَّه) ويذكرني به حين ينتفع به خير و (أحب إلي من أن أعتق ولد زنية) بفتح الزاي وكسرها، يعني: الولد الذي من الزنا، يقال: هو ولد زنية. كما يقال في نقيضه: ولد رشدة. إذا كان من نكاح صحيح، قال الأزهري: المعروف: فلان ابن زَنية وابن رَشدة، وقد قيل: زِنية ورِشدة. قال: والفتح أفصح اللغتين (¬3). * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) "معالم السنن" 4/ 74. (¬3) "تهذيب اللغة" 1/ 369.

13 - باب في ثواب العتق

13 - باب في ثَوابِ العِتْقِ 3964 - حَدَّثَنا عِيسَى بْن مُحَمَّدٍ الرَّمْلي، حَدَّثَنا ضَمْرَةُ، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ، عَنِ الغَرِيفِ بْنِ الدَّيْلَمي قالَ: أَتَيْنا واثِلَةَ بْنَ الأَسقَعِ فَقُلْنا لَهُ: حَدِّثْنا حَدِيثًا لَيْسَ فِيهِ زِيادَةٌ وَلا نُقْصانٌ، فَغَضِبَ وقالَ: إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَقْرَأُ وَمُصْحَفُهُ مُعَلَّقٌ في بَيْتِهِ فَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ. قُلْنا: إِنَّما أَرَدْنا حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. قالَ: أَتَيْنا رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- في صاحِبٍ لَنا أَوْجَبَ -يَعْني: النّارَ- بِالقَتْلِ فَقالَ: "أَعْتِقُوا عَنْهُ يُعْتِقِ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النّارِ" (¬1). * * * باب في ثواب العتق [3964] (حدثنا عيسى بن محمد) بن النحاس (الرملي) عابد حافظ فقير (حدثنا ضمرة) بن ربيعة الفلسطيني الرملي، روى له البخاري في "الأدب" (¬2)، والباقون سوى مسلم (عن) إبراهيم (ابن أبي عبلة) بسكون الموحدة، واسمه: شمر بكسر المعجمة ابن يقظان المقدسي، أخرج له الشيخان (¬3) (عن الغريف) بفتح الغين المعجمة وكسر الراء ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 490، والنسائي في "الكبرى" (4892)، وأبو يعلى (7484) والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (738)، والطبراني في "الكبير" 22/ 92 (219)، والحاكم 2/ 212، والبيهقي 8/ 132، والخطيب في "الفقية والمتفقه" 2/ 45، والبغوي في "شرح السنة" (2417). صححه ابن الملقن في "البدر المنير" 8/ 503. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (907) بجهالة الغريف (¬2) "الأدب المفرد" 1/ 428. (¬3) مسلم (1406/ 28)، والبخاري (3627).

المهملة (ابن) عياش بن فيروز (الديلمي) ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬1). (قال: أتينا واثلة بن الأسقع) بن عبد العزى الأسدي، وهو من أصحاب الصفة (فقلنا له: حدثنا حديثًا ليس فيه زيادة ولا نقصان، فغضب) علينا (وقال: إن أحدكم ليقرأ) من القرآن (ومصحفه معلق في بيته) فيه جواز قراءة القرآن عن (¬2) ظهر قلب وإن كان المصحف عنده في البيت (¬3)، وفيه أن الأفضل لمن في بيته مصحف أن يعلقه في خريطة بعلاقة؛ فإنه أصون له من أن يكون على الأرض أو على كرسي ونحوه (¬4). (يزيد) (¬5) في قرآنه (وينقم) بفتح الياء وضم القاف، أي: لما يطرأ عليه من الغلط والنسيان. (قلنا: إنما أردنا) أن تحدثنا (حديثًا سمعته من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) وهذا الحديث رواه ابن حبان في "صحيحه" (¬6) والحاكم وقال: صحيح على شرطهما (¬7). ¬

_ (¬1) "الثقات" 5/ 294. (¬2) في (م)، (ل): على. (¬3) نقل النووي في "التبيان"، ص 53 أن جمهور الصحابة والسلف يُفضِّلون القراءة من المصحف على القراءة عن ظهر قلب؛ لأن النظر في المصحف عبادة مطلوبة فتجتمع القراءة والنظر. (¬4) انظر: "البرهان في علوم القرآن" للزركشي 1/ 478. (¬5) ورد في صلب (ل)، (م) بعدها: نسخة فيزيد. (¬6) حديث رقم (4307). (¬7) "المستدرك" 2/ 213.

وفي بعضها: كنت (¬1) مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في غزوة تبوك، فأتاه نفر من بني سليم فقالوا: إن صاحبنا (¬2) (قال: أتينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في صاحب لنا) قد (أوجب) أي: ارتكب خطيئة استوجب بها (يعني) دخول (النار) يعني (بالقتل) العمد العدوان؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} (¬3) (فقال) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (أعتقوا) بفتح الهمزة (عنه) أي: عن القاتل رقبة مؤمنة (يعتقِ) بكسر القاف لالتقاء الساكنين؛ فإنه مجزوم بجواب الأمر (اللَّه تعالى بكل عضو منه عضوًا منه من النار) وللترمذي: "حتى فرجه بفرجه" (¬4). وفيه دليل على تخليص الآدمي المعصوم من ضرر الرق وتمكينه من تصرفه في منافعه على حسب إرادته من أعظم القرب؛ لأن اللَّه ورسوله جعلا عتق المؤمن كفارة لإثم القتل والوطء في رمضان، وجعله النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فكاكًا لمعتقه من النار، وهذا في عبد له دين وكسب ينتفع به إذا عتق، فأما من يتضرر بالعتق كمن لا يقدر على الكسب فتسقط نفقته عن سيده ويصير كلًّا على الناس فيصح عتقه، وليس فيه هذِه الفضيلة. * * * ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) رواه النسائي في "الكبرى" 3/ 171 - 172، وابن حبان 10/ 145 (4307)، والحاكم في "المستدرك" 2/ 213، والبغوي في "شرح السنة" 9/ 352 (2417) وغيرهم. (¬3) النساء: 93 (¬4) "سنن الترمذي" (1541).

14 - باب أي الرقاب أفضل

14 - باب أي الرِّقابِ أَفْضَلُ 3965 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنا مُعاذُ بْنُ هِشامٍ، حَدَّثَني أَبي، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ سالِمِ بْنِ أَبي الجَعْدِ، عَنْ مَعْدانَ بْنِ أَبي طَلْحَةَ اليَعْمَري، عَنْ أَبي نَجِيحٍ السُّلَمي قالَ: حاصَرْنا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِقَصْرِ الطّائِفِ -قالَ مُعاذٌ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: بِقَصْرِ الطّائِفِ بِحِصْنِ الطّائِفِ كُلُّ ذَلِكَ- فَسَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "مَنْ بَلَغَ بِسَهْمٍ في سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَهُ دَرَجَةٌ". وَساقَ الحَدِيثَ وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: " أيُّما رَجُلٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ رَجُلًا مُسْلِمًا فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جاعِلٌ وِقاءَ كُلِّ عَظْمٍ مِنْ عِظَامِهِ عَظْمًا مِنْ عِظَامِ محَرَّرِهِ مِنَ النّارِ، وَأيُّما امْرَأَةٍ أَعْتَقَتِ امْرَأَةً مُسْلِمَةً فَإِنَّ اللَّه جاعِلٌ وِقاءَ كُلِّ عَظْمٍ مِنْ عِظَامِها عَظْمًا مِنْ عِظَامِ مُحَرَّرِها مِنَ النّارِ يَوْمَ القِيامَةِ" (¬1). 3966 - حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهّابِ بْن نَجْدَةَ، حَدَّثَنا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنا صَفْوان بْن عَمْرٍو، حَدَّثَني سُلَيْمُ بْن عامِرٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ السَّمْطِ أَنَّهُ قالَ لِعَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ: حَدِّثْنا حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُوْمِنَةً كانَتْ فِداءَهُ مِنَ النّارِ" (¬2). 3967 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مرَّةَ، عَنْ سالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْدِ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ أَنَّهُ قالَ لِكَعْبِ بْنِ مُرَّةَ أَوْ مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ: حَدَّثْنا حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَذَكَرَ مَعْنَى مُعاذٍ إِلَى قَوْلِهِ: "وَأيُّما امْرِئٍ أَعْتَقَ مُسْلِمًا وَأيُّما امْرَأَةٍ أَعْتَقَتِ امْرَأَةً مُسْلِمَةً". زادَ: "وَأيُّما رَجُلٍ أَعْتَقَ امْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ إِلَّا كَانَتا فِكاكَهُ مِنَ النّارِ يُجْزى ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1638) والنسائي 6/ 26، وابن ماجه (2812)، وأحمد 4/ 113، والطيالسي (1154)، وعبد بن حميد في "المنتخب" (304)، وابن حبان (4615) بعضهم مطولا وبعضهم مختصرا. قال الترمذي: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وصححه الألباني في "الصحيحة" (1756). (¬2) انظر سابقه.

مَكانَ كُلِّ عَظْمَيْنِ مِنْهُما عَظْمٌ مِنْ عِظامِهِ". قالَ أَبُو داوُدَ: سالِمٌ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ شُرَحْبِيلَ، ماتَ شُرَحْبِيلُ بِصِفِّينَ (¬1). * * * باب أي الرقاب أفضل [3965] (حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا معاذ (¬2) بن هشام، قال: حدثني أبي) هشام بن أبي عبد اللَّه الدستوائي حدث (عن قتادة) عشرة آلاف حديث. (عن سالم (¬3) بن أبي الجعد) رافع الأشجعي. (عن معدان بن أبي طلحة) ويقال: ابن طلحة (اليعمري) بفتح الياء وضم الميم، ويجوز فتحها (عن أبي نجيح) عمرو بن عبسة (السلمي) بضم السين وفتح اللام. (قال: حاصرنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) في شوال سنة ثمان مدة ثمانية عشر يوما (بقصر الطائف، قال معاذ) بن هشام (سمعت أبي) هشام الدستوائي (يقول: ) [مرة (بقصر الطائف) ومرة أخرى يقول: (بحصن الطائف وكل ذلك) سمعته يقول] (¬4). (فسمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: [من بلغ) بتشديد اللام العدو (بسهم في سبيل اللَّه) كما للنسائي عن كعب: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "من بلغ العدو بسهم رفع اللَّه له درجة" فقال له عبد الرحمن بن النحام: ما ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (2522) وأحمد 4/ 234 والطيالسي (1198)، وعبد بن حميد (372)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1408)، النسائي في "الكبرى" (4881)، والطبراني في "الكبير" 20/ 318 (755)، والبيهقي 10/ 272. وانظر "الصحيحة" (1756). (¬2) و (¬3) فوقها في (ح): (ع). (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

الدرجة يا رسول اللَّه؟ قال: "أما إنها ليست بعتبة أمك، ما بين الدرجتين مائة عام" (¬1) (فله درجة وساق) هذا (الحديث). قال: (وسمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول] (¬2): أيما رجل) بالجر (أعتق رجلًا مسلمًا فإن اللَّه عز وجل جاعل وقاء) بكسر الواو وتخفيف القاف، والوقاية ما يصون الشيء ويستره عما يؤذيه (كل عظم من عظامه عظمًا من عظام محرره) بضم الميم وفتح الراء المشددة، أي: من عظام الرقيق الذي حرره (من النار) يوم القيامة. (وأيما امرأة أعتقت امرأة مسلمة، فإن اللَّه جاعل وقاء كل عظم من عظامها عظمًا من عظام محررها) بفتح الراء المشددة. (من النار يوم القيامة) فيه أن الأفضل للرجل أن يعتق رجلًا، وللمرأة أن تعتق (¬3) امرأة، كما في جزاء الصيد. وفيه أن عتق الذكر في الكفارة وغيرها أفضل من عتق الأنثى. وفيه: أنه يستحب أن لا يكون العبد (¬4) المعتق خصيًّا، ولا ناقص شيء من أعضائه، ليكون معتقه قد نال الموعود في عتق أعضائه (¬5) كلها من النار (¬6). [3966] (حدثنا عبد الوهاب بن نجدة) بفتح النون، الحوضي، وثقه يعقوب بن شيبة (ثنا بقية) بن الوليد، صدوق (حدثنا صفوان بن عمرو) ¬

_ (¬1) "المجتبى" 6/ 27. ورواه أيضًا أحمد 4/ 235، وصححه ابن حبان 10/ 477 (4616). (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) من (م). (¬4) و (¬5) ساقطة من (م). (¬6) انظر: "معالم السنن" 4/ 75.

السكسكي، روى له البخاري في "الأدب" والباقون. (قال: حدثنا سليم) بالتصغير (ابن عامر) الكلاعي، بضم الكاف، روى له البخاري في "الأدب" (¬1) والباقون. (عن شرحبيل) بضم الشين المعجمة وفتح الراء (بن السَّمِط) بفتح السين المهملة وكسر الميم ثم طاء مهملة، وقيده بعضهم بكسر السين وسكون الميم، كندي، كان على حمص، ذكر البخاري (¬2) وغيره (¬3) أن له صحبة، والأمير (¬4) وغيره أنه تابعي (¬5). (أنه قال لعمرو بن عبسة) بفتح الباء الموحدة، وتقدم. (حدثنا حديثًا سمعته من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: من أعتق رقبة مؤمنة) (¬6) احتراز من الكافرة، فإنه يصح عتقه، لكن لا تحصل فيه هذِه الفضيلة، وأما من يخاف عليه المضي إلى دار الحرب، والرجوع عن دين الإسلام، أو يخاف على الرجل بقطع الطريق أو المرأة من زناها فيكره إعتاقه، وإن غلب على الظن إقضاؤه كان محرمًا؛ لأن التوسل إلى الحرام حرام (كانت فداءه) بكسر الفاء مع المد، وفتحها مع القصر (من النار) يوم القيامة. [3967] (حدثنا حفص بن عمر) الحوضي، شيخ البخاري (ثنا شعبة ¬

_ (¬1) "الأدب المفرد" (87). (¬2) "التاريخ الكبير" 4/ 248. (¬3) انظر: "الاستيعاب" 2/ 256. (¬4) أي الأمير ابن ماكولا، "الإكمال" 4/ 347. (¬5) ذكر الحافظ في "الإصابة" 2/ 143 الاختلاف في صحبته، فانظره هناك. (¬6) ساقطة من (م).

عن عمرو (¬1) بن مرة) الجملي (عن سالم بن أبي الجعد) رافع الأشجعي (عن شرحبيل بن السمط) تقدم. (أنه قال: قلت لكعب بن مرة) البهزي (أو) المقول له (مرة بن كعب: ) والأول أرجح، وهو صحابي نزل الأردن، ومات بعد الخمسين. (حدثنا حديثًا سمعته من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فذكر معنى) حديث (معاذ) بن هشام (إلى قوله: أيما امرئ أعتق مسلمًا) " فإن اللَّه جاعل وقاء كل عظم من عظامه. . " الحديث (وأيما امرأة أعتقت امرأة مسلمة) "فإن اللَّه جاعل وقاء كل عظم من عظامها. . " الحديث. و(زاد) في هذِه الرواية: (وأيما رجل أعتق أمرأتين مسلمتين إلا كانتا فكاكه) بفتح الفاء، وكسرها لغة، أي: كانتا خلاصه (من النار يجزي) بضم الياء وفتح الزاي غير مهموز (مكان كل عظمين منهما) أي: من المرأتين (عظم من عظامه) ومحنى (يجزي) يقضي وينوب، ومنه قوله تعالى: {لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} (¬2). وفي هذِه الرواية أن الرجل فكاكه امرأتان (¬3)، كقوله تعالى: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (¬4). (قال أبو داود: سالم لم يسمع من شرحبيل، مات شرحبيل بصفين). * * * ¬

_ (¬1) فوقها في (ل، م): (ع). (¬2) البقرة: 48. (¬3) في جميع النسخ: امرأتين. والجادة ما أثبتناه. (¬4) النساء: 11.

15 - باب في فضل العتق في الصحة

15 - باب فِي فَضْلِ العِتْقِ في الصِّحَّةِ 3968 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنْ أَبي حَبِيبَةَ الطّائي، عَنْ أَبِي الدَّرْداءِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَثَلُ الذي يُعْتِقُ عِنْدَ المَوْتِ كَمَثَلِ الذي يُهْدي إِذا شَبعَ" (¬1). * * * باب في فضل العتق في الصحة [3968] (حدثنا محمد (¬2) بن كثير) العبدي (ثنا سفيان) الثوري (عن [أبي] (¬3) إسحاق) عمرو بن عبد اللَّه الهمداني (عن أبي حبيبة الطائي) حديثه في الكوفيين (عن أبي الدرداء) عويمر -رضي اللَّه عنه-. (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: الذي يعتق) بضم أوله (عند الموت) لمرض أو غيره ك (مثل الذي يهدي) بضم أوله أو يطعم (إذا شبع) من أكله، ولابن حبان: "مثل الذي يتصدق عند موته مثل الذي يهدي بعدما شبع" (¬4). وللنسائي: أوصى رجل بدنانير في سبيل اللَّه، فسئل أبو الدرداء فحدث ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2123)، والنسائي 6/ 238، وأحمد 5/ 196، وعبد الرزاق (16740)، والطيالسي (980)، وعبد بن حميد (202)، والدارمي (3226)، وابن حبان (3336)، والحاكم 2/ 213، والبيهقي 4/ 190. قال الترمذي: هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وحسنه الحافظ "الفتح" (5/ 374)، وضعفه الألباني في "الضعيفة" (1322). (¬2) فوقها في (ح): (ع). (¬3) ساقطة من جميع النسخ. (¬4) "صحيح ابن حبان" 6/ 128 (3336).

عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مثل الذي يهدي وبتصدق عند موته مثل الذي يهدي بعدما شبع" (¬1). واللَّه أعلم، وهو الموفق. وبه تم كتاب العتق. وصلى اللَّه على سيدنا (¬2) محمد وآله وسلم. * * * ¬

_ (¬1) "المجتبى" 6/ 238. (¬2) من (م).

كتاب الحروف والقراءات

كتاب الحروف والقراءات

1 - باب (. . .)

31 - الحروف والقراءات 1 - باب (. . .) 3969 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلي، حَدَّثَنا حاتِمُ بْن إِسْماعِيلَ، ح وَحَدَّثَنا نَصْرُ بْنُ عاصِمٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْن سَعِيدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ محمدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جابِرٍ -رضي اللَّه عنه- أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قَرَأَ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (¬1). 3970 - حَدَّثَنا مُوسَى -يَعْني: ابن إِسْماعِيلَ- حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها أَنَّ رَجُلًا قامَ مِنَ اللَّيْلِ فَقَرَأَ فَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالقُرْآنِ، فَلَمّا أَصْبَحَ قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَرْحَمُ اللَّهُ فُلانًا كائِنٌ مِنْ آيَةٍ أَذْكَرَنِيها اللَّيْلَةَ كُنْتُ قَدْ أَسْقَطْتُها" (¬2). 3971 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الواحِدِ بْن زِيادٍ، حَدَّثَنا خُصَيْفٌ، حَدَّثَنا مِقْسَمٌ مَوْلَى ابن عَبّاسٍ قالَ: قالَ ابن عَبّاسٍ رضي اللَّه عنهما نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ (وَما كانَ لِنَبي أَنْ يَغُلَّ) في قَطِيفَةٍ حَمْراءَ فُقِدَتْ يَوْمَ بَدْرٍ فَقالَ بَعْضُ النّاسِ لَعَلَّ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1218)، وقد صبق برقم (1905). (¬2) رواه البخاري (2655)، ومسلم (788)، وقد سبق برقم (1331).

رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَخَذَها فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل (وَما كانَ لِنَبى أَنْ يَغُلَّ) الى آخِرِ الآيَةِ. قالَ أَبُو داوُدَ: يَغُلَّ مَفْتُوحَةُ الياءِ (¬1). 3972 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْن عِيسَى، حَدَّثَنا مُعْتَمِرٌ، قالَ: سَمِعْتُ أَبِي، قالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مالِكٍ يَقُولُ: قالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللَّهُمَّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ البُخْلِ والهَرَمِ" (¬2). 3973 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ إِسْماعِيلَ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ عاصِمِ بْنِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ، عَنْ أَبِيهِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ قالَ: كنْت وافِدَ بَني المُنْتَفِقِ -أَوْ في وَفْدِ بَني المُنْتَفِقِ- إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَذَكَرَ الحَدِيثَ فَقالَ-يَعْني: النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تَحْسِبَنَّ". وَلَمْ يَقُلْ: لا تَحْسَبَنَّ (¬3). 3974 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنا سُفْيانُ، حَدَّثَنا عَمْرُو بْن دِينارٍ، عَنْ عَطاءٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: لِحَقَ المُسْلِمُونَ رَجُلًا في غُنَيمَةٍ لَهُ فَقالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا تِلْكَ الغُنَيْمَةَ فَنَزَلَتْ {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} تِلْكَ الغُنَيْمَةَ (¬4). 3975 - حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنا ابن أَبِي الزِّنادِ، ح وَحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن سُلَيْمانَ الأَنْباري، حَدَّثَنا حَجّاجُ بْن مُحَمَّدٍ، عَنِ ابن أَبِي الزِّنادِ -وَهُوَ أَشْبَعُ-، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كانَ يَقْرَأُ: (غَيْرُ أُولي الضَّرَرِ) وَلَمْ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3009)، وأبو يعلى (2438)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 14/ 249. وصححه الألباني في "الصحيحة" (2788). (¬2) رواه مسلم (2706)، وقد سبق برقم (1540). (¬3) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (166)، وأحمد 4/ 33، وابن حبان (1054)، والحديث سبق مطولا برقم (142). وصححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد" (123). (¬4) رواه البخاري (4591)، ومسلم (3025).

يَقُلْ سَعِيدٌ كانَ يَقْرَأُ (¬1). 3976 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْن العَلاءِ، قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ المُبارَكِ، حَدَّثَنا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ أَبي عَلي بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: قَرَأَها رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- (والعَيْنُ بِالعَيْنِ) (¬2). 3977 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْنُ عَلي، حَدَّثَنا أَبي، حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ المُبارَكِ، حَدَّثَنا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي عَلي بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ -رضي اللَّه عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَرَأَ (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ والعَيْنُ بِالعَيْنِ) (¬3). 3978 - حَدَّثَنا النُّفَيْلي، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا فُضَيْل بْن مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ سَعْدٍ العَوْفي قالَ: قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ (اللَّهُ الذي خَلَقَكمْ مِنْ ضَعْفٍ) فَقالَ (مِنْ ضُعْفٍ) قَرَأْتُها عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كَما قَرَأْتَها عَلي فَأَخَذَ عَلي كَما أَخَذْت عَلَيْكَ (¬4). 3979 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى القُطَعي، حَدَّثَنا عُبَيْدٌ -يَعْني: ابن عَقِيلٍ- عَنْ هارُونَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جابِرٍ عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (مِنْ ضُعْفٍ) (¬5). 3980 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ أَسْلَمَ المِنْقَري، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزى قالَ: قالَ أُبَي بْنُ كَعْبٍ: (بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2832)، وقد سبق برقم (2507). (¬2) رواه الترمذي (2929)، وأحمد 3/ 215. وضعفه الألباني. (¬3) إسناده كسابقه، وضعفه الألباني أيضًا. (¬4) رواه الترمذي (2936)، وأحمد 2/ 58. وحسنه الألباني. (¬5) رواه العقيلي في "الضعفاء الكبير" 2/ 238. وحسنه الألباني.

فَلْتَفْرَحُوا). قالَ أَبُو داوُدَ: بِالتّاءِ (¬1). 3981 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنا المُغِيرَة بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنا ابن المُبارَكِ، عَنِ الأَجْلَحِ، حَدَّثَني عَندُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُبَي أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قَرَأَ (بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمّا تَجْمَعُونَ) (¬2). 3982 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، أَخْبَرَنا ثابِتٌ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَسْماءَ بِنْتِ يَزِيدَ أَنَّها سَمِعَتِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقْرَأُ (إِنَّهُ عَمِلَ غَيْرَ صالِحٍ) (¬3). 3983 - حَدَّثَنا أَبُو كامِلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ -يَعْني: ابن المُخْتارِ- حَدَّثَنا ثابِتٌ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قالَ: سَأَلْتُ أُمَّ سَلَمَةَ كَيْفَ كانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقْرَأُ هذِه الآيَةَ {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} فَقالَتْ: قَرَأَها (إِنَّهُ عَمِلَ غَيْرَ صالِحٍ) قالَ أَبُو داوُدَ: وَرَواهُ هارُونُ النَّحْوي وَمُوسَى بْن خَلَفٍ عَنْ ثابِتٍ كَما قالَ عَبْدُ العَزِيزِ (¬4). 3984 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْن مُوسَى، أَخْبَرَنا عِيسَى، عَنْ حَمْزَةَ الزّيّاتِ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ، عَنْ أُبَي بْنِ كَعْبٍ قالَ: كانَ رَسُول اللَّهِ ¬

_ (¬1) رواه البخاري في "خلق أفعال العباد" (420)، وأحمد 5/ 122، والطحاوي في "شرح المشكل" 9/ 249، والحاكم 3/ 304. وصححه الألباني في "الصحيحة" 6/ 964. (¬2) رواه البخاري في "خلق أفعال العباد" (421)، وأحمد 5/ 122، والطيالسى (547)، وأبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص 358). وصححه الألباني كسابقه. (¬3) رواه أحمد 6/ 459، والطيالسي (1736)، وأبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص 311). وصححه الألباني في "الصحيحة" (2809). (¬4) رواه الترمذي (2931)، وأحمد 6/ 294. وصححه الألباني كسابقه.

-صلى اللَّه عليه وسلم- إِذا دَعا بَدَأَ بِنَفْسِهِ وقالَ: "رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى مُوسَى لَوْ صَبَرَ لَرَأى مِنْ صاحِبِهِ العَجَبَ وَلَكِنَّهُ قالَ: {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} ". طَوَّلَها حَمْزَةُ (¬1). 3985 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ العَنْبَري، حَدَّثَنا أُميَّةُ بْن خالِدٍ، حَدَّثَنا أَبُو الجارِيَةِ العَبْدي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ، عَنْ أُبَي بْنِ كَعْبٍ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّهُ قَرَأَها (قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي) وَثَقَّلَها (¬2). 3986 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن مَسْعُودٍ المِصِّيصي، حَدَّثَنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْن عَبْدِ الوارِثِ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ دِينارٍ، حَدَّثَنا سَعْدُ بْنُ أَوْسٍ، عَنْ مِصْدَعٍ أَبِي يَحْيَى، قالَ: سَمِعْتُ ابن عَبّاسٍ يَقُولُ: أَقْرَأَنِي أُبَي بْنُ كَعْبٍ كَما أَقْرَأَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- (في عَيْنٍ حَمِئَةٍ) مُخَفَّفَةً (¬3). 3987 - حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ الفَضْلِ، حَدَّثَنا وُهَيْبٌ -يَعْني: ابن عَمْرٍو النَّمَري- أَخْبَرَنا هارُونُ أَخْبَرَنِي أَبانُ بْنُ تَغْلِبَ، عَنْ عَطَيَّةَ العَوْفي، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْري أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ عِلِّيِّينَ لَيُشْرِفُ عَلَى أَهْلِ الجَنَّةِ فَتُضَيءُ الجَنَّةُ لِوَجْهِهِ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرّيٌّ". قالَ: وَهَكَذا جاءَ الحَدِيث: "دُرّيٌّ". مَرْفوعَةُ الدّالِ لا تُهْمَزُ: "وَإِنَّ أَبا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَمِنْهُمْ وَأَنْعَما" (¬4). 3988 - حَدَّثَنا عُثْمان بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَهارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قالا: حَدَّثَنا أَبُو ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2380/ 172). (¬2) رواه الترمذي (2933)، وأحمد 5/ 121، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 12/ 402. وضعفه الألباني. (¬3) رواه الترمذي (2934)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 1/ 257. وصححه الألباني. (¬4) رواه الترمذي (3658)، وابن ماجه (96)، وأحمد 3/ 27. وضعفه الألباني في "المشكاة" (6058). والحديث رواه البخاري (3256)، ومسلم (2831) بنحوه من طريق عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري.

أُسامَةَ، حَدَّثَني الحَسَنُ بْنُ الحَكَمِ النَّخَعي، حَدَّثَنا أَبُو سَبْرَةَ النَّخَعي، عَنْ فَرْوَةَ بْنِ مُسَيْكٍ الغُطَيْفي، قالَ: أَتَيْتُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَذَكَرَ الحَدِيثَ، فَقالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: يا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنا عَنْ سَبَإٍ ما هُوَ أَرْضٌ أَمِ امْرَأَةً فَقالَ: " لَيْسَ بِأَرْضٍ وَلا امْرَأَةٍ وَلَكِنَّهُ رَجُلٌ وَلَدَ عَشَرَةً مِنَ العَرَبِ فَتَيامَنَ سِتَّةٌ وَتَشاءَمَ أَرْبَعَةٌ". قالَ: عُثْمانُ الغَطَفاني مَكانَ الغُطَيْفي، وقالَ: حَدَّثَنا الحَسَنُ بْن الحَكَمِ النَّخَعي (¬1). 3989 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ وَإِسْماعِيلُ بْنُ إِبْراهِيمَ أَبو مَعْمَرٍ الهُذَلي، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ قالَ: حَدَّثَنا أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ إِسْماعِيلُ: عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رِوايَةً -فَذَكَرَ حَدِيثَ الوَحْي قالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالَى: (حَتَّى إِذا فُزِّعَ، عَنْ قُلُوبِهِمْ) (¬2). 3990 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ رافِعٍ النَّيْسابُوري، حَدَّثَنا إِسْحاقُ بْنُ سُلَيْمانَ الرّازي سَمِعْتُ أَبا جَعْفَرٍ يَذْكُرُ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَتْ: قِراءَةُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (بَلَى قَدْ جاءَتْكِ آياتي فَكَذَّبْتِ بِها واسْتَكْبَرْتِ وَكُنْتِ مِنَ الكافِرِينَ). قالَ أَبُو داوُدَ: هذا مُرْسَلٌ الرَّبِيعُ لَمْ يُدْرِكْ أُمَّ سَلَمَةَ (¬3). 3991 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا هارُونُ بْنُ مُوسَى النَّحْوي، عَنْ بُدَيْلِ ابْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ عائِشَةَ -رضى اللَّه تعالى عنها- قالَتْ: سَمِعْتُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقْرَؤُها (فَرُوحٌ وَرَيْحانٌ) (¬4). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3222)، وأحمد 39/ 529 (24009/ 89) الملحق المستدرك، ط الرسالة. وقال الألباني: حسن صحيح. (¬2) رواه البخاري (4701)، والترمذي (3223)، وابن ماجه (194). (¬3) رواه أبو عمر الدوري في "قراءات النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" (99)، والطبراني في "الكبير" 23/ 394، والحاكم 2/ 237. وقال الألباني: ضعيف الإسناد. (¬4) رواه الترمذي (2938)، والنسائي في "الكبرى" (11566)، وأحمد 6/ 64. وقال الألباني: صحيح الإسناد.

3992 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَحْمَدُ بْن عَبْدَةَ قالا: حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ عَمْرٍ وعَنْ عَطاءٍ -قالَ ابن حَنْبَلٍ لَم أَفْهَمْهُ جيِّدًا- عَنْ صَفْوانَ -قالَ ابن عَبْدَةَ: ابن يَعْلَى- عَنْ أَبِيهِ قالَ: سَمِعْتُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عَلَى المِنْبَرِ يَقْرَأُ (وَنادَوْا يا مالِكُ). قالَ أَبُو داوُدَ: يَعْني بِلا تَرْخِيمٍ (¬1). 3993 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْنُ عَلي، أَخْبَرَنا أَبُو أَحْمَدَ، أَخْبَرَنا إِسْرائِيلُ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: أَقْرَأَني رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- (إِنّي أَنا الرَّزّاق ذُو القُوَّةِ المَتِينُ) (¬2). 3994 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كانَ يَقْرَؤُها (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) يَعْني مُثَقَّلًا. قالَ أَبُو داوُدَ: مَضْمُومَةَ المِيمِ مَفْتُوحَةَ الدّالِ مَكْسُورَةَ الكافِ (¬3). 3995 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الذِّماري، حَدَّثَنا سُفْيانُ، حَدَّثَني مُحَمَّدُ بْنُ المُنْكَدِرِ، عَنْ جابِرٍ قالَ: رَأَيْتُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقْرَأُ (أَيَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) (¬4). 3996 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْن عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ خالِدٍ، عَنْ أَبي قِلابَةَ عَمَّنْ أَقْرَأَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- (فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذَّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثَقُ وَثاقَة أَحَدٌ). قالَ أَبُو داوُدَ: بَعْضُهُمْ أَدْخَلَ بَينَ خالِدٍ وَأَبي قِلابَةَ رَجُلًا (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3230)، ومسلم (871). (¬2) رواه الترمذي (2940)، والنسائي في "الكبرى" (7707)، وأحمد 1/ 394. وصححه الألباني. (¬3) رواه البخاري (3341)، ومسلم (823). (¬4) رواه النسائي في "الكبرى" (11698)، وابن حبان (6332)، والطبراني في "الأوسط" 2/ 253. وقال الألباني: ضعيف الإسناد. (¬5) رواه أحمد 5/ 71، والحاكم 2/ 256. وقال الألباني: ضعيف الإسناد.

3997 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنا حَمّادٌ عَنْ خالِدٍ الحَذّاءِ، عَنْ أَبي قِلابَةَ قالَ أَنْبَأَني مَنْ أَقْرَأَهُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَوْ مَنْ أَقْرَأَهُ مَنْ أَقْرَأَهُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذَّبُ). قالَ أَبُو داوُدَ: قَرَأَ عاصِمٌ والأَعْمَشُ وَطَلْحَة بْنُ مصَرِّفٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ يَزِيدُ بْنُ القَعْقاعِ وَشَيْبَةُ بْنُ نَصّاحٍ وَنافِعُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ الدّاري وَأَبُو عَمْرِو ابْنٍ العَلاءِ وَحَمْزَةُ الزّيّات وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجُ وَقَتادَة والحَسَنُ البَصْرىِ وَمُجاهِدٌ وَحُمَيْدٌ الأَعْرَجُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبّاسٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي بَكْرٍ (لا يُعَذِّبُ) (وَلا يُوثِقُ) إلَّا الحَدِيثَ المَرْفُوعَ فَإِنَّهُ (يُعَذَّبُ) بِالفَتْحِ (¬1). 3998 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبي عُبَيْدَةَ حَدَّثَهُمْ قالَ: حَدَّثَنا أَبي، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَعْدٍ الطّائي، عَنْ عَطِيَّةَ العَوْفي، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْري قالَ: حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- حدِيثًا ذَكَرَ فِيهِ: "جِبْرِيلَ وَمِيكالَ". فَقَرَأَ (جِبْرائِلَ وَمِيكائِلَ). قالَ أَبُو داوُدَ: قالَ خَلَفٌ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَمْ أَرْفَعِ القَلَمَ عَنْ كِتابَةِ الحُرُوفِ ما أَعْياني شَيء ما أَعْياني جِبْرائِلُ وَمِيكائِلُ (¬2). 3999 - حَدَّثَنا زَيْدُ بْنُ أَخْزَمَ، حَدَّثَنا بِشْرٌ -يَعْني ابن عُمَرَ- حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ خازِمٍ قالَ: ذُكِرَ كَيْفَ قِراءَةُ جِبْرائِلَ وَمِيكائِلَ عِنْدَ الأَعْمَشِ فَحَدَّثَنا الأَعْمَشُ، عَنْ سَعْدٍ الطّائي عَنْ عَطِيَّةَ العَوْفي، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْري قالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- صاحِبَ الصُّورِ فَقالَ: "عَنْ يَمِينِهِ جِبْرائِلُ وَعَنْ يَسارِهِ مِيكائِلُ" (¬3). 4000 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْري ¬

_ (¬1) مكرر الحديث السابق. (¬2) رواه أبو عمر الدوري في "قراءات النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" (18)، وابن أبي داود في "المصاحف" (ص 95)، والحاكم 2/ 264. وقال الألباني: ضعيف الإسناد. (¬3) رواه أحمد 3/ 9، وابن أبي داود في "المصاحف" (ص 95)، والحاكم 2/ 264. وضعفه الألباني.

قالَ مَعْمَرٌ: وَرُبَّما ذَكَرَ ابن المُسيَّبِ قالَ: كانَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمانُ يَقْرَؤونَ (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) وَأَوَّل مَنْ قَرَأَها (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) مَرْوانُ. قالَ أَبُو داوُدَ: هذا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْري، عَنْ أَنَسٍ والزُّهْري، عَنْ سالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ (¬1). 4001 - حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الأُمَوي، حَدَّثَني أَبي، حَدَّثَنا ابن جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي مُلَيكَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَهً أَنَّها ذَكَرَتْ -أَوْ كَلِمَة غَيْرَها- قِراءَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ للَّه رَبِّ العالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) يَقْطَعُ قِراءَتَة آيَةً آيَةً. قالَ أَبُو داوُدَ: سَمِعْت أَحْمَدَ يَقُول: القِراءَةُ القَدِيمَةُ (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (¬2). 4002 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْن عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ -المَعْنَى- قالا: حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ، عَنْ سُفْيانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ إِبْراهِيمَ التَّيْمي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي ذَرٍّ قالَ: كُنْتُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَهُوَ عَلَى حِمارٍ والشَّمْسُ عِنْدَ غُرُوبِها فَقالَ: "هَلْ تَدْري أَيْنَ تَغْرُبُ هذِه". قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قالَ: "فَإِنَّها تَغْرُبُ في عَيْنٍ حامِيَةٍ" (¬3). 4003 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنا حَجّاجٌ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، قالَ: أَخْبَرَني عُمَرُ بْنُ عَطاءٍ أَنَّ مَوْلًى لابْنِ الأَسْقَعِ -رَجُلَ صِدْقٍ- أَخْبَرَهُ، عَنِ ابن الأَسْقَعِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ إِنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جاءَهُمْ فِى صُفَّةِ المُهاجِرِينَ فَسَأَلَهُ إِنْسانٌ أيُّ آيَةٍ في القُرْآنِ ¬

_ (¬1) رواه رواه أبو عمر الدوري في "قراءات النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" (4 - 6)، وابن أبي داود في "المصاحف" (ص 104). وقال الألباني: ضعيف الإسناد. (¬2) رواه الترمذي (2927)، وأحمد 6/ 352. وصححه الألباني في "الإرواء" 2/ 60. (¬3) رواه أبو عمر الدوري في "قراءات النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" (78)، والحاكم 2/ 245. وصححه الألباني في "الصحيحة" (2403).

أَعْظَمُ قالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللَّهُ لا إله إِلَّا هُوَ الحَي القيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ" (¬1). 4004 - حَدَّثَنا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبي الحَجّاجِ المِنْقَري، حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ، حَدَّثَنا شَيْبانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنِ ابن مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَرَأَ (هَيْتَ لَكَ) فَقالَ شَقِيقٌ إِنّا نَقْرَؤها (هِيْتُ لَكَ) يَعْني فَقالَ ابن مَسْعُودٍ: أَقْرَؤُها كَما عُلِّمْت أَحَبُّ إِلَي (¬2). 4005 - حَدَّثَنا هَنّادٌ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ قالَ: قِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ إِنَّ أُناسًا يَقْرَؤونَ هذِه الآيَةَ (وقالَتْ هِيتَ لَكَ) فَقالَ: إِنّي أَقْرَأُ كَما عُلِّمْتُ أَحَبُّ إِلَي (وقالَتْ هَيْتَ لَكَ) (¬3). 4006 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن صالِحٍ قالَ: حَدَّثَنا ح وَحَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ داوُدَ المَهْري، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَنا هِشامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطاءِ بْنِ يَسارٍ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْري قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِبَني إِسْرائِيلَ: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} " (¬4). 4007 - حَدَّثَنا جَعْفَرُ بْنُ مُسافِرٍ، حَدَّثَنا ابن أَبي فُدَيْكٍ، عَنْ هِشامِ بْنِ سَعْدٍ بِإِسْنادِهِ مِثْلَهُ (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري في "التاريخ الكبير" تعليقا 8/ 430، والطبراني في "الكبير" 1/ 334. وصححه الألباني. والحديث رواه مسلم (810) من حديث أبي بن كعب. (¬2) رواه البخاري (4692). (¬3) انظر ما قبله. (¬4) رواه البزار كما فى "كشف الأستار" (1812). وصححه الألباني. وله شاهد رواه البخاري (4641)، ومسلم (3015) من حديث أبي هريرة. (¬5) مكرر سابقه.

4008 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها قالَتْ: نَزَلَ الوَحْي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقَرَأَ عَلَيْنا (سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها). قالَ أَبُو داوُدَ: يَعْني: مُخَفَّفَةً حَتَّى أَتَى عَلَى هذِه الآياتِ (¬1). * * * كتاب الحروف والقراءات [3969] (حدثنا عبد اللَّه بن محمد النفيلي، حدثنا حاتم (¬2) بن إسماعيل) ثقة، توفي 187. (ح، وحدثنا نصر بن عاصم) الأنطاكي (قال: حدثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن جعفر بن محمد) الصادق (عن أبيه) محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. (عن جابر -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) زاد أحمد هنا في روايته: رمل ثلاثة أشواط ومشى أربعًا، حتى إذا فرغ عمد إلى مقام إبراهيم فصلى خلفه ركعتين ثم (¬3) (قرأ (¬4): {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}) بكسر. زاد في نسخة: بكسر الخاء، أخرجه الترمذي (¬5). قال الواحدي: إذا أطلق مقام إبراهيم لم يفهم منه إلا الذي هو اليوم ¬

_ (¬1) قال الألباني: صحيح الإسناد. (¬2) في (ل)، (م): خالد. (¬3) "المسند" 3/ 320. (¬4) في هامش (ح)، وصلب (ل)، (م): نسخة: قرأها. (¬5) "سنن الترمذي" (856، 862، 2967).

بالمسجد. قال: ويدل عليه رواية عمر (¬1). وروى ابن جرير بسنده إلى قتادة: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} إنما أمروا أن يصلوا عنده ولم يؤمروا أن يمسحوه. ولقد تكلفت هذِه الأمة [شيئًا ما تكلفته الأمم] (¬2) قبلها، ولقد ذكر لنا من رأى أثر عقبه وأصابعه فيها، فما زالت هذِه الأمة يمسحونه حتى انمحى (¬3). انتهى، وقد كان المقام ملصقًا بجدار الكعبة قديمًا، ومكانه اليوم معروف إلى جانب الباب مما يلي الحجر منه الداخل من الباب، وإنما أخره عن جدار الكعبة عمر بن الخطاب. وقد روى البيهقي بسنده إلى عائشة أن المقام كان في زمن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وزمان أبي بكر ملتصقًا بالبيت ثم أخره عمر (¬4). قال ابن كثير في "تفسيره": وإسناده صحيح (¬5). وظاهر الحديث أن قراءة: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}. بعد فراغ الركعتين. واستحب بعض العلماء أن تقرأ في كل طوفة إذا حاذى المقام، وقراءة الأكثر بكسر الخاء على الأمر أدل على قراءتها والصلاة خلفه من قراءة نافع وابن عامر بالفتح، ووجه قراءة الكسر أنه معطوف على {وَاذْكُرُوا} وعلى هذا فالمخاطب بالآية بنو إسرائيل، وقيل: هو معطوف على قوله: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ}. وهو من العطف ¬

_ (¬1) "الوسيط في تفسير القرآن المجيد" 1/ 205. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) "جامع البيان" 1/ 537 (2002). (¬4) "دلائل النبوة" 2/ 63. (¬5) "تفسير القرآن العظيم" 2/ 65. وقال الحافظ في "الفتح" 8/ 169: إسناده قوي.

على المعنى؛ لأن المعنى: ثوبوا إلى البيت (¬1). [3970] (حدثنا موسى يعني: ابن إسماعيل) المنقري المعروف بالتبوذكي (قال: ثنا حماد) بن سلمة. (عن هشام بن عروة [عن عروة] (¬2) عن عائشة رضي اللَّه عنها أن رجلًا قام من الليل يقرأ) (¬3) تبينه رواية البخاري عن عائشة: تهجد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في بيتي فسمع صوت عباد يصلي في المسجد. فقال: "يا عائشة أصوت عباد هذا؟ " قلت: نعم (¬4). وعباد هو ابن بشر (¬5) الأنصاري، قاله عبد الحق. (فرفع صوته بالقرآن) فيه جواز رفع الصوت بالقراءة في الليل وفي المسجد ولا كراهة فيه إذا لم يؤذ أحدًا ولا تعرض للرياء والإعجاب ونحو ذلك. (فلما أصبح قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: يرحم اللَّه فلانًا) فيه الدعاء بالرحمة والمغفرة ونحو ذلك لمن أصاب الإنسان من جهته خيرًا، وإن لم يقصده ذلك الإنسان، وفيه أن الاستماع للقرآن سنة، وذكر البخاري هذا الحديث في كتاب الشهادات وترجم عليه: باب شهادة الأعمى (¬6). لكونه دعى له ولم يره. ¬

_ (¬1) انظر: "الحجة للقراء السبعة" 2/ 220. (¬2) ساقطة من الأصول. والمثبت من "سنن أبي داود". (¬3) بعدها في (ل)، (م) رواية: فقرأ وكذا في هامش (ح). (¬4) البخاري (2655). (¬5) في (ل)، (م): كثير، وفي (ح): بشير. والمثبت الصواب كما في مصادر تخريج الحديث. (¬6) البخاري (2655).

(كأي) بتشديد الياء، وأصل الكلمة (أي) ثم أدخل عليها كاف التشبيه، وزال معنى التشبيه عنها، هذا مذهب (¬1) سيبويه والخليل (¬2)، قال أبو حيان: الذي يظهر أنه اسم مبني بسيط لا تركيب فيه يأتي للتكثير مثل (كم) (¬3). أي: كم (من آية أذكرنيها الليلة) بالنصب، قال اللَّه تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (¬4). (كنت قد أسقطتها) بضم الهمزة وكسر القاف، و (أسقطتها) بفتح الهمزة والقاف (¬5). رواية البخاري: "أسقطتهن" (¬6) أي: نسيتهن، [ورواية مسلم: "كنت أنسيتها" (¬7)] (¬8)، وفيه دليل على جواز النسيان عليه -صلى اللَّه عليه وسلم-[فيما قد بلغه إلى الأمة. قال القاضي عياض: جمهور المحققين على جواز النسيان عليه -صلى اللَّه عليه وسلم- ابتداء] (¬9) فيما ليس طريقه البلاغ (¬10). [3971] (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي (قال: ثنا عبد الواحد بن زياد، قال: ثنا خصيف) بضم الخاء المعجمة، وفتح ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) "الكتاب" 3/ 151. (¬3) "البحر المحيط" 3/ 358. (¬4) يوسف: 105. (¬5) في (ل)، (م): وكسر القاف. (¬6) البخاري (2655). (¬7) مسلم (788/ 225). وهو أيضًا في البخاري (5038). (¬8) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل)، (م). (¬9) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬10) انظر: "شرح مسلم" للنووي 6/ 76.

الصاد المهملة، مصغر ابن عبد الرحمن الجزري (قال: حدثنا مقسم) بكسر الميم وسكون القاف، ابن يحيى (¬1) (مولى ابن عباس) فيه رد لمن قال: إنه مولى عبد اللَّه بن الحارث الهاشمي. (قال: قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: نزلت هذِه الآية: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ}) (¬2) بفتح الياء وضم الغين، وهي قراءة أكثر السبعة، والمراد به نفي الغلول عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يفعله، وأما قراءة حمزة ونافع (¬3) والكسائي وابن عامر بضم الياء وفتح الغين على البناء للمفعول (¬4)، فيجوز أن يكون من أغل الرجل إذا وجد غالًّا، أي: ما كان النبي أن يخان، والأول هو مقتضى الحديث. (في قطيفة) وهي كساء ذو خمل، جمعها قطائف، وهي الخميلة أيضًا (حمراء فقدت يوم بدر) وكذا رواه الترمذي وحسنه [وابن أبي حاتم وابن جرير (¬5)، ورواه بعضهم عن خصيف، عن مقسم، يعني: مرسلا، وأخرجه الحاكم] (¬6) من طريق داود بن حصين، عن عكرمة ¬

_ (¬1) كذا في الأصول، وصوابه: مقسم بن بجرة أو ابن نجدة. قال المزي في "التهذيب" 28/ 461: مقسم بن بجرة. . . مولى عبد اللَّه بن الحارث ابن نوفل، ويقال له: مولى ابن عباس للزومه له. (¬2) آل عمران: 161. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) انظر: "الحجة للقراء السبعة" 3/ 94. (¬5) "سنن الترمذي" (3009)، "جامع البيان" 3/ 498 (8135، 8137)، "تفسير القرآن العظيم" لابن أبي حاتم 3/ 803 (4429) مرفوعًا. (¬6) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

عن ابن عباس أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قرأ: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ}. بفتح الياء (¬1) (فقال بعض الناس) ورواية ابن مردويه أنهم المنافقون رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-[(لعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-] (¬2) أخذها) فأكثروا في ذلك كما في رواية ابن جرير (¬3) (فأنزل اللَّه عز وجل {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} إلى آخر الآية) وهذِه تنزيه له -صلى اللَّه عليه وسلم- عن جميع وجوه الخيانة في قسم الغنيمة وغيرها (¬4)، وقال العوفي عن ابن عباس: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} أي: بأن يقسم لبعض السرايا ويترك بعضًا (¬5). وقال محمد بن إسحاق: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} بأن يترك بعض ما أنزل إليه فلا يبلغه (¬6). وقال قتادة والربيع بن أنس (¬7): نزلت هذِه الآية يوم بدر وقد غل بعض أصحابه (¬8). [3972] (حدثنا محمد بن عيسى) بن نجيح البغدادي (حدثنا معتمر) ابن سليمان (عن أبيه) سليمان التيمي. (قال: سمعت أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- يقول: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: اللهم إني أعوذ بك من البخل) قرأ حمزة والكسائي بفتح الباء والخاء، والباقون ¬

_ (¬1) "المستدرك" 2/ 236. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) "جامع البيان" 3498 (8135). (¬4) ساقطة من (ل)، (م). (¬5) رواه ابن أبي حاتم 3/ 803 (4431). (¬6) "جامع البيان" 3/ 499 (8147). (¬7) في جميع النسخ: (وابن أنس) والجادة ما أثبتناه. (¬8) رواه عنهما الطبري 3/ 500 (8151 - 8153).

بضم الباء وسكون الخاء (¬1)، وبالسلامة من البخل يقوم بحقوق المال وبالجود ومكارم الأخلاق. (والهرم) المراد به الاستعاذة من الرد إلى أرذل العمر كما في رواية (¬2)، وسبب ذلك ما فيه من الخرف واختلال العقل والحواس والفهم، والعجز عن كثير من الطاعات. [3973] (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل (قال: حدثنا يحيى بن سليم) بضم السين (عن إسماعيل بن كثير) أبي هاشم المكي، وثقه أحمد (عن عاصم بن لقيط) بفتح اللام وكسر القاف، ابن عامر (بن صبرة) بفتح الصاد المهملة وكسر الباء الموحدة (عن أبيه) لقيط بن صبرة بن عبد اللَّه بن المنتفق. (قال: كنت وافد) بكسر الفاء، جمعه وفد، كزائر وزور، وهم القوم يأتون الملوك ركبانًا. قال اللَّه تعالى: {نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} (¬3). (بني المنتفق) قال ابن الأثير: هو بضم الميم وسكون النون وفتح التاء فوقها نقطتان وكسر الفاء وبعدها قاف (¬4)، ومنهم من يجعل لقيط بن عامر غير لقيط بن صبرة. قال ابن عبد البر: ليس بشيء (¬5). (إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. فذكر الحديث) يعني: المتقدم في كتاب الوضوء في باب الاستنثار، وفيه: فبينا نحن مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جلوس إذ رفع ¬

_ (¬1) انظر: "الحجة للقراء السبعة" 3/ 160. (¬2) انظر: "صحيح البخاري" (2822). (¬3) مريم: 85. (¬4) "جامع الأصول" 12/ 614، و"اللباب في تهذيب الأنساب" 3/ 259. (¬5) "الاستيعاب" 3/ 397.

الراعي غنمه إلى المراح ومعه سخلة تيعر، فقال: "ما ولدت يا فلان؟ " قال: بهمة. قال: "اذبح لنا مكانها شاة" (¬1). (فقال: يعني النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: ولا تحسِبن) يعني: بكسر السين، وهي قراءة جمهور السبعة (ولم يقل: لا تحسَبَن) يعني: بفتح السين (¬2). قال النووي في "شرح أبي داود": الأولى بكسر السين والثانية بفتحها. قال: ومراد الراوي أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نطق بها مكسورة السين ولم ينطق بها في هذِه القصة بفتحها، فلا يظن ظان أني رويتها بالفتح على اللغة الأخرى، أو شككت فيها، بل أنا متيقن [بنطقه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالكسر وعدم نطقه بالفتح، ومع هذا فلا يلزم أن لا يكون النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نطق بالمفتوحة في وقت آخر، بل قد نطق بذلك] (¬3) كما في. . . (¬4) لأنها لغة تميم، بل كسر السين على لغته ولغة أهل الحجاز، لكن الفتح هو القياس فيما كسر عينه في الماضي نحو علم يعلم، فإذا صحت الرواية فلا اعتبار بالقياس. وفتح السين قراءة ابن عامر وعاصم وحمزة، وتتمة الحديث: لا تحسبن أنا من أجلك ذبحناها، لنا غنم مائة لا نريد أن تزيد، فإذا ولد الراعي بهمة ذبحنا مكانها شاة. * * * ¬

_ (¬1) "سنن أبي داود" (142). (¬2) انظر: "الحجة للقراء السبعة" 3/ 101 - 102. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل، م)، والمثبت من "عون المعبود" 1/ 164. (¬4) كلمة غير واضحة بـ (ح) وهي ساقطة من (ل)، (م).

[3974] (حدثنا محمد بن عيسى) بن نجيح (قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا عمرو بن دينار) مولى قريش المكي (¬1). (عن عطاء، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: لحق المسلمون رجلًا في غنيمة) بضم الغين، تصغير غنم. كذا رواية البخاري (¬2)، وأوضح منها رواية أحمد عن ابن عباس قال: مر رجل من بني سليم بنفر من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو يسوق غنمًا له (¬3). وهذا الرجل هو عامر بن الأضبط الأشجعي كما في "المنتقى" لابن الجارود (¬4)، وقيل: محلم بن جثامة. وقيل: غالب بن الليثي. وقيل: أبو الدرداء، حكاها أبو عمر في ترجمة محلم بن جثامة من "الاستيعاب" (¬5). (فقال: السلام عليكم) زاد أحمد: فقالوا: ما يسلم علينا إلا ليتعوذ منا، فعمدوا إليه (فقتلوه وأخذوا تلك الغنيمة) بالتصغير أيضًا. زاد أحمد: وأتوا بغنمه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. وكذا رواية الترمذي، وقال: حديث حسن (¬6). (فنزلت: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ}) قرأ نافع وابن عامر وحمزة (السلم) بقصر اللام، وقرأ الآخرون: {السَّلَامَ} بزيادة الألف ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) البخاري (4591)، وهي أيضًا عند مسلم (3025). (¬3) "المسند" 1/ 229، 272. (¬4) "المنتقى" 3/ 92 (777). (¬5) "الاستيعاب" 4/ 23 - 24 (2552). (¬6) "المسند" 1/ 229، "سنن الترمذي" (3030).

بعد اللام (¬1). و {السَّلَامَ} بالألف قال الزجاج: يجوز أن يكون بمعنى التسليم، ويجوز أن يكون بمعنى الاستسلام (¬2). وأما (السلم) بغير ألف فهو من الاستسلام، وقرأ أبان بن زيد عن عاصم بكسر السين وإسكان اللام، وهو الانقياد والطاعة، وقرأ الجحدري بفتح السين وسكون اللام (¬3). ({لَسْتَ مُؤْمِنًا}) قرأ أبو جعفر: (لست مؤمَنًا) بفتح الميم. أي: لا نؤمنك في نفسك، وهي قراءة علي وابن عباس وعكرمة وأبي العالية ويحيى بن يعمر (¬4) ومعنى قراءة الجمهور: ليس لإيمانك حقيقة، إنما أسلمت خوفًا من القتل، ورواية الترمذي وأحمد تؤيد قراءة الجمهور (¬5). قال أبو بكر: حكم اللَّه تعالى بصحة إسلام من أظهر الإسلام وأمر بإجرائه على أحكام المسلمين، وإن كان في الغيب على خلافه، وهذا مما يحتج به على قبول توبة الزنديق إذا أظهر الإسلام فهو مسلم (¬6). ({تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}) والعرض ها هنا هو ما كان مع المقتول من غنيمة أو حمل أو متاع، على الخلاف الذي وقع في سبب النزول، والمعنى: يطلبون الغنيمة التي هي حطام سريع الزوال ¬

_ (¬1) انظر: "الحجة للقراء السبعة" 3/ 175 - 176. (¬2) "معاني القرآن وإعرابه" 2/ 92. (¬3) انظر: "مختصر في شواذ القرآن" ص 34. (¬4) انظر: "مختصر في شواذ القرآن" ص 34. (¬5) "المسند" 1/ 229، "سنن الترمذي" (3030). (¬6) "أحكام القرآن" لابن العربي 2/ 545.

ويبتغون حمله في موضع على الحال من ضمير: {وَلَا تَقُولُوا} وفي ذلك إشعار بأن الداعي إلى ترك التثبت أو التبيين هو طلبهم عرض الحياة الدنيا، والعرض في الآية هو (تلك الغنيمة) بالتصغير أيضًا. [3975] (حدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة الخراساني (قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ح، وحدثنا محمد بن سليمان الأنباري قال: حدثنا حجاج بن محمد، عن) عبد الرحمن (ابن أبي الزناد، وهو أشبع) لعل المراد أن رواية الحجاج بن محمد عن ابن أبي الزناد: أشبع. أي: أقوى من رواية سعيد بن منصور (عن أبيه) عبد اللَّه بن ذكوان (عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه) زيد بن ثابت. (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يقرأ: (غَيرَ أُوْلِي الضَّرَرِ) بنصب الراء، وهي قراءة أهل الحرمين (¬1)، ووجه النصب على الاستثناء من {الْقَاعِدُونَ} أو على الحال منهم، كما تقول: جاءني زيد غير مريض (ولم يقل سعيد: كان يقرأ). قال الواحدي في "البسيط" (¬2): الضرر: النقصان، وهو كل ما يضرك وينقصك من حمى ومرض وعلة تضره، تقول: دخل عليه ضرر في ماله. أي: نقصان. وفي قوله: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} أي: غير من به علة تضره وتقطعه عن الجهاد، كذلك قال أهل اللغة، قال: وهو موافق لما قاله المفسرون (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: "الحجة للقراء السبعة" 3/ 178 - 179. (¬2) "البسيط" 7/ 46. (¬3) "البسيط" 7/ 46.

[3976] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء قال: أخبرنا عبد اللَّه بن المبارك قال: حدثنا يونس بن يزيد) الأيلي، ثقة إمام. (عن أبي علي) الحسن أخي يونس (بن يزيد، عن الزهري، عن أنس ابن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: قرأها رسول اللَّه): {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (والعين بالعين) نصب النفس ورفع العين، كذا رواه الإمام أحمد والترمذي والحاكم في "المستدرك" من حديث عبد اللَّه بن المبارك، وقال الترمذي: حسن غريب. قال البخاري: تفرد ابن المبارك بهذا الحديث (¬1). وقد استدل كثير ممن ذهب من الأصوليين والفقهاء إلى أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا حكي مقررًا ولم ينسخ كما هو المشهور عن الجمهور، وكما حكاه الشيخ أبو إسحاق الإسفراييني عن نص للشافعي (¬2) وأكثر الأصحاب لقيده الآية، حيث كان الحكم عندنا ممثل وفقها في الجنايات عند جميع الأئمة. وقال الحسن البصري: هي عليهم وعلى الناس عامة. رواه ابن أبي حاتم (¬3). [3977] (حدثنا نصر بن علي) الجهضمي (قال: أخبرني أبي) علي بن ¬

_ (¬1) "المسند" 3/ 215، "سنن الترمذي" (2929)، "المستدرك 2/ 237 وصححه. (¬2) المشهور في المذهب أن شرع من قبلنا ليس حجة، انظر: "نهاية المطلب" 9/ 41، "المستصفى" ص 165. ورجح النووي في "الروضة" 10/ 205 أنه ليس بشرع، قال: والأصح أنه ليس بشرعٍ لنا. اهـ (¬3) "تفسير القرآن العظيم" 4/ 1144 (6436).

نصر بن علي بن نصر الجهضمي، وثقه أبو حاتم وأطنب في ذكره (¬1) (قال: حدثنا عبد اللَّه بن المبارك قال: حدثنا يونس بن يزيد، عن أبي علي بن يزيد، عن الزهري، عن أنس بن مالك أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قرأ: وكلتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين) بالرفع (بالعين) كما تقدم قبله. [3978] (حدثنا النفبلي قال: حدثنا زهير) بن معاوية (قال: حدثنا فضيل بن مرزوق) الكوفي، ثقة. (عن عطية بن سعد العوفي قال: قرأت على عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا} يعني: بفتح الضاد في الثلاثة (فقال): (اللَّه الذي خَلقَكُم من ضُعف ثُمَّ جَعلَ من بَعدِ ضُعفٍ قوَة ثُمَّ جَعلَ من بَعدِ قوَة ضُعفًا) يعني: بضم الضاد في الثلاثة، ثم قال: (قرأتها على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كما قرأتها) بفتح تاء الخطاب (عليَّ، فأخذ عليَّ) يعني: فرد عليَّ (كما أخذت) أي: كما رددت (عليك) هكذا رواه أحمد (¬2)، وإنما رد عليه بضم الضاد؛ لأن الضم لغة قريش والفتح لغة تميم، حكاه الواحدي (¬3)، ثم قال: والاختيار بالضم؛ لما روي أن ابن عمر قرأ على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالفتح فرد عليه بالضم (¬4). [3979] (حدثنا محمد بن يحيى القطعي) بضم القاف وفتح الطاء ابن ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 6/ 207 (1134). (¬2) "المسند" 3/ 127. (¬3) "الوسيط" 3/ 438 نقلًا عن الضراء. (¬4) "الوسيط" 3/ 438 وقد روى هذا الحديث بسنده.

أبي حزم (قال: حدثنا عبيد) بالتصغير (يعني: ابن عقيل) الهلالي البصري. (عن هارون، عن عبد اللَّه بن جابر، عن عطية) العوفي (عن أبي سعيد) الخدري. (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: من ضُعف) أبو بكر وحمزة بالفتح، والباقون بضمها (¬1). قال الزجاج: الاختيار الضم؛ للحديث (¬2). [3980] (حدثنا محمد بن كثير، قال، أخبرنا سفيان، عن أسلم) يكنى أبا سعيد (المنقري) بكسر الميم وإسكان النون بعدها قاف، هكذا ضبطه شيخنا ابن حجر، وقال: هو ثقة، مات سنة اثنتين وأربعين (¬3). (عن عبد اللَّه، عن [أبيه] (¬4) عبد الرحمن بن أبزى) بفتح الهمزة وإسكان الموحدة الخزاعي مولاهم، مختلف في صحبته (¬5)، ولي خراسان لعلي (قال: قال أبي بن كعب -رضي اللَّه عنه-: {بِفَضْلِ اللَّهِ}) هو خبر لمبتدأ محذوف، والباء متعلقة به، وحذف لدلالة قوله: {قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ} (¬6) عليه، والتقدير: فالشفاء الموعظة بفضل ¬

_ (¬1) انظر: "الحجة للقراء السبعة" 5/ 450. (¬2) "معاني القرآن" 4/ 191. (¬3) "تقريب التهذيب" (407). (¬4) ساقطة من النسخ الخطية، والمثبت من "السنن". (¬5) رجح الحافظ أن له صحبة، وذكر أن من قال بأن له صحبة: البخاري وأبو حاتم وخليفة بن خياط والترمذي ويعقوب بن سفيان وأبو عروبة والدارقطني والبرقي وبقي بن مخلد وغيرهم. انظر: "تهذيب التهذيب" 6/ 132. (¬6) يونس: 57.

اللَّه. أي: بإفضال اللَّه، كما أن النبات في معنى الإنبات في قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17)} (¬1). (وبرحمته) أعاد حرف الجار على الأصل، كما قال: يا دار عفراء ودار البخدن (¬2) وقال الزمخشري: للتأكيد. (فبذلك) الإشارة للقرآن؛ لأن المراد بالموعظة والشفاء القرآن، فترك اللفظ وأشار إلى المعنى. (فلتفرحوا) بتاء الخطاب، قال أبو سعيد الخدري: فضل اللَّه القرآن، ورحمته أن جعلكم من أهله (¬3). وعلى هذا الباء في قوله: {بِفَضْلِ اللَّهِ} تتعلق بمحذوف يفسره ما بعده، كأنه قال: فلتفرحوا بفضل اللَّه ورحمته، وتقديم الجار والمجرور في قوله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ} دليل على الاعتناء بشأنهما، كقوله تعالى: {فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} (¬4). واللام في قوله: (فلتفرحوا) لام الأمر للمؤمنين بالفرح، ومعنى الفرح لذة في الفرح بإدراك المحبوب ونيل المشتهى. والمعنى: افرحوا أيها المؤمنون بفضل اللَّه ورحمته، فإنه خير مما يجمع غيركم من أعراض الدنيا. ¬

_ (¬1) نوح: 17. (¬2) نسبه سيبويه في "الكتاب" 2/ 188، وابن سيده في "المخصص" 1/ 258 وغيرهما لرؤبة. (¬3) رواه الطبري في "جامع البيان" 6/ 568، والواحدي في "الوسيط" 2/ 551 (440). (¬4) العنكبوت: 56.

قال الفراء: وقد ذكر عن زيد بن ثابت أنه قرأ بالتاء، وقال: معناه: فبذلك لتفرحوا يا أصحاب محمد، هو خير مما يجمع الكفار. قال: وقوى هذِه القراءة قراءة أبي: (فبذلك فافرحوا) (¬1). والأصل في الأمر المخاطب، وفي الغائب اللام، نحو: ليقم زيد. يدل على هذا أن الحكمين واحد، إلا أن العرب حذفت اللام من فعل المأمور المواجه؛ لكثرة استعماله، وحذفوا التاء أيضًا وأدخلوا الهمزة، نحو: اضرب. [3981] (حدثنا محمد بن عبد اللَّه) بن المبارك المخرمي، أخرج له البخاري (قال: حدثنا المغيرة بن سلمة، حدثنا ابن المبارك، عن) يحيى (الأجلح، حدثني عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه) عبد الرحمن (عن أبي أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قرأ) قل (بفضل اللَّه وبرحمته) أجمل في الإشارة ما تقدم قبله من الفضل والرحمة، سواء قل ما قبله أو كثر، ذكرًا كان أو أنثى، واحدًا كان أو اثنين، كما قال تعالى: {لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} (¬2) أي بين البكر والفارض. (فلتفرحوا) بالتاء الفوقانية، وهو الأصل والقياس وقراءة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أما الأصل فلأن أصل الأمر أن يكون بحرفه وهو اللام، فأصل: اضرب: لتضرب، كما هو للغائب، لكن لما كثر أمر الحاضر حذفوه كما حذفوا حرف المضارعة تخفيفًا، وإنما ألحقوا في الأكثر الهمزة؛ لئلا يقع الابتداء بالساكن، ولم يحذفوا من أمر الغائب؛ لأنه لم يكثر كثرته، ¬

_ (¬1) "معاني القرآن" 1/ 469. (¬2) البقرة: 68.

ولهذا لم يؤمر الغائب بنحو صه ومه، ولذا حسن التاء ههنا على الأصل أنه أمر للحاضرين بالفرح، لأن النفس تقبل الفرح. قال الزمخشري (¬1): كأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إنما آثر القراءة بالأصل؛ لأنه أدل على الأمر بالفرح وأشد تصريحًا. (هو خير مما تجمعون) قرأ ابن عامر بتاء الخطاب، والباقون بالغيبة (¬2). قال الواحدي: ووجه الخطاب أنه عنى المخاطبين والغائبين (¬3) جميعًا، إلا أنه غلب المخاطب على الغائب كما يغلب التذكير على التأنيث، وكأنه أراد المؤمنين وغيرهم (¬4). [3982] (حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا حماد، أنا ثابت) البناني (عن شهر بن حوشب) الأشعري، أصله من دمشق وسكن البصرة، وهو تابعي مشهور. (عن أسماء بنت يزيد) بن السكن بفتح السين المهملة والكاف وبالنون، الأنصارية، إحدى نساء بني عبد الأشهل، وهي من المبايعات، يقال: إنها بنت عم معاذ بن جبل (¬5). قال الترمذي: أسماء بنت يزيد هي أم سلمة الأنصارية (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: "الكشاف" 2/ 369. (¬2) انظر: "الحجة للقراء السبعة" 4/ 280. (¬3) في (ح)، (ل): والمخاطبين. وفي مقابلتها في (ل): لعله: والغائبين. والمثبت من (م). (¬4) "البسيط" 11/ 234. (¬5) انظر: "الاستيعاب" 4/ 1787 (3233)، و"سير أعلام النبلاء" 3/ 525 (149). (¬6) "سنن الترمذي" بعد حديث (3237).

(أنها سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقرأ: إنه عمِل) بكسر الميم وفتح اللام من غير تنوين (غيرَ) بالنصب (صالح) وهي قراءة الكسائي (¬1)، هكذا رواه أحمد، ورواية الترمذي نحوه (¬2). قال الواحدي: قراءة الكسائي: (إنه عملَ غيرَ صالح) هي قراءة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، روى عنه ذلك عائشة وأسماء بنت يزيد وأم سلمة، ومعناه أن الابن عمل عملًا غير صالح، يعني: الشرك (¬3)، فحذف الموصوف وأقيمت الصفة التي هي (غَيْرَ) مقامه (¬4). ويدل على هذا التقدير ما قال عكرمة أن في بعض الحروف (إنه عمل عملا غير صالح) (¬5). قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن قتادة وغيره، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: هو ابنه، غير أنه خالفه في العمل والنية (¬6). [3983] (حدثنا أبو كامل) الفضل بن حسين الجحدري (قال: حدثنا عبد العزيز يعني: ابن المختار، قال: حدثنا ثابت) البناني (عن شهر بن حوشب قال: سألت أم سلمة) قال الترمذي: سمعت عبد بن حميد يقول: أسماء بنت يزيد هي أم سلمة الأنصارية. كلا الحديثين عندي واحد، وقد روى شهر بن حوشب غير حديث عن أم سلمة الأنصارية، ¬

_ (¬1) انظر: "الحجة للقراء السبعة" 4/ 341 - 342. (¬2) "المسند" 6/ 294، 322، 454، 459، 460، "سنن الترمذي" (2931، 2932). (¬3) "الوسيط" 2/ 576. (¬4) "البسيط" 11/ 438. (¬5) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 307. (¬6) "تفسير عبد الرزاق" 1/ 307.

وهي أسماء بنت يزيد (¬1). (كيف كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقرأ هذِه الآية: {إِنَّهُ عَمَلٌ}) بفتح الميم وتنوين اللام (غَيرُ) بالرفع (صالحٍ)؟ [وهي قراءة الجمهور (فقالت: قرأها: (إنه عمِلٌ) بكسر الميم وتنوين اللام مع الرفع (غيرَ) بالنصب (صالح)] (¬2) وهي قراءة الكسائي، وعلى قراءة الكسائي يعود الضمير في {إِنَّهُ} على ابن نوح، و (عمِلَ) فعل ماض، هو وما بعده جملة فعلية محلها الرفع على أنها خبر (إن) قال أبو حيان: وهي قراءة علي وأنس وابن عباس (¬3). (قال أبو داود: ورواه هارون) بن موسى (النحوي) صاحب القراءة، وهو صدوق علامة (وموسى بن خلف) العمي. (عن ثابت كما قال عبد العزيز) وقال الترمذي: رواه غير واحد عن ثابت البناني نحو هذا (¬4). [3984] (حدثنا إبراهيم بن موسى) بن يزيد التميمي قال: (أنا عيسى) بن يونس (عن حمزة) بن حبيب (الزيات، عن أبي إسحاق) السبيعي. (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا دعا بدأ بنفسه قال) يوضح هذا رواية أحمد عن ابن ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" بعد حديث (2931). (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) "البحر المحيط" 5/ 229. (¬4) "سنن الترمذي" بعد حديث (2931).

عباس، عن أبي بن كعب: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا ذكر أحدًا فدعا له بدأ بنفسه، فقال ذات يوم: "رحمة اللَّه علينا وعلى موسى" (¬1). [وهذا الحديث رواه الترمذي (¬2)] (¬3) ورواه النسائي: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا دعا بدأ بنفسه وقال: "رحمة اللَّه علينا وعلى صالح، رحمة اللَّه علينا وعلى أخي عاد" (¬4) يعني: هودًا. ورواه أبو عوانة في "مسنده". وفي هذِه الروايات دليل على أدب من آداب الدعاء، وهو أن يبدأ الداعي في الدعاء بنفسه ووالديه وإخوانه المسلمين، ويدل عليه قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41)} (¬5). وروى ابن أبي شيبة عن سعيد بن يسار قال: جلست إلى ابن عمر فذكرت رجلًا فترحمت عليه، فضرب صدري وقال: ابدأ بنفسك (¬6). (لو صبر لرأى من صاحبه العجب) رواية أحمد: لو لبث مع صاحبه لأبصر العجب (¬7). أي: لرأى موسى من الخضر ما يعظم موقعه عنده ويخفى عليه سببه، ولكنه قال ({إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا}) أي: ¬

_ (¬1) "المسند" 5/ 121. (¬2) "سنن الترمذي" (3385). (¬3) وردت هذِه العبارة في صلب (ل)، (م) بعد قوله: (وهو صدوق علامة) ووردت أيضًا في هامش (ح). والمثبت هو الأليق بالسياق. (¬4) "السنن الكبرى" 3/ 428. (¬5) إبراهيم: 41. (¬6) "المصنف" 6/ 29 (29220). (¬7) هو في "السنن الكبرى" للنسائي 6/ 391.

سؤال توبيخ وإنكار، كما قال في السفينة: {أَخَرَقْتَهَا} وفي الغلام: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا} وذلك أن السؤال على وجوه: منه ما هو طلب الإخبار عن المعنى للفائدة، ومنه ما هو للتقرير، ومنه ما هو للتوبيخ. والكناية في قول موسى بعدها تعود إلى النفس المقتولة. ({فَلَا تُصَاحِبْنِي}) أي: فأوقع الفراق بيني وبينك. وقرأ عيسى ويعقوب: (فلا تصحبني) (¬1) مضارع صحب، وقرأ الأعرج بفتح المثناة فوق (¬2) والباء الموحدة وتشديد النون (¬3). ({قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا}) أي: قد اعتذرت إليَّ وبلغت إليَّ العذر. قال ابن عباس: قد أعذرت فيما بيني وبينك وأخبرتني أني لا أستطيع معك صبرًا (¬4). طولها حمزة. المعروف في قراءة حمزة تشديد النون من {لَدُنِّي} (¬5) قال ابن عطية: [هي الدن) اتصلت بها نون الكناية -يعني: نون الوقاية- التي في ضربني ونحوه، فوقع الإدغام، ثم قال] (¬6) ابن عطية: وهي قراءة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬7). وعلى هذا فلعل المراد (¬8) بتطويل النون تشديدها؛ لأن التشديد يطول ¬

_ (¬1) انظر: "معالم التنزيل" للبغوي 5/ 192، و"المحرر الوجيز" لابن عطية 9/ 367. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) انظر: "مختصر في شواذ القرآن" ص 84. (¬4) انظر: "الوسيط" للواحدي 3/ 159، "معالم التنزيل" للبغوي 5/ 192. (¬5) انظر: "الحجة للقراء السبعة" 5/ 160 - 161. (¬6) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬7) "المحرر الوجيز" 9/ 367. (¬8) ساقطة من (م)، (ل).

مدة التلفظ به أكثر من التخفيف. [3985] (حدثنا محمد بن عبد الرحمن أبو عبد اللَّه العنبري) البصري قال: (ثنا أمية بن خالد) أخو هدبة، ثقة، كوفي، قال: (أخبرنا أبو جارية العبدي) البصري، وجارية بالجيم. قال الترمذي: أبو الجارية العبدي شيخ مجهول لا يعرف اسمه (¬1). (عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب -رضي اللَّه عنه- أنه قرأها: {قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} وثقلها) يعني: النون، وهو موافق لما قبله. وفي نسخة للترمذي: (بلَّغت) وعلى اللام شدة، ولم أجدها منقولة في الشواذ ولا التفسير فيما رأيت. والتثقيل في النون قراءة الجمهور، وإنما خص حمزة دون غيره؛ لأنه شيخ أهل العراق وعمدتهم، فلهذا اقتصر عليه أبو داود. وقرأ نافع وعاصم: (لدُني) بضم الدال وتخفيف النون، وهي (لدن) اتصلت بها ياء المتكلم التي في غلامي وفرسي. وقرأ أبو بكر عن عاصم (لدني) بفتح اللام وإسكان الدال وتخفيف النون (¬2). [3986] (حدثنا محمد بن مسعود) بن يوسف النيسابوري (قال: حدثنا [عبد الصمد بن] (¬3) عبد الوارث) التنوري حافظ حجة (قال: حدثنا محمد بن دينار قال: حدثنا سعد) بإسكان العين (بن أوس) ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" بعد حديث (2933). (¬2) انظر: "الحجة للقراء السبعة" 5/ 160 - 161. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

العبسي بفتح العين المهملة وإسكان الموحدة، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬1) (عن مصدع) بكسر الميم وإسكان الصاد وفتح الدال ثم عين مهملات (أبي يحيى) اشتهر بكنيته، قال يحيى بن معين: اسمه زياد الأعرج الأنصاري (¬2). (قال: سمعت ابن عباس -رضي اللَّه عنه- يقول: أقرأني أبي بن كعب كما أقرأه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: {فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ}) بترك الألف وبالهمز مكان الياء (مخففة) الهمزة مقصورة، وهي قراءة ابن عباس ونافع وابن كثير وأبي (¬3) عمرو وحفص وشيبة وحميد وابن أبي ليلى ويعقوب وأبي (¬4) حاتم، والزهري يلين الهمزة (¬5)، يقال: حمئت البئر تحمأ حمأً فهي حمئة، وحمأتها: نزعت حمأتها. والحمأ بفتح الميم وقصر الهمزة: الطين الأسود، قال اللَّه تعالى: {مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} (¬6) وكذلك الحمئة بالتسكين وفتح الهمزة. وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن مثنى، ثنا يزيد بن هارون، أنا العوام، حدثني مولى لعبد اللَّه بن عمرو عن عبد اللَّه قال: نظر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى الشمس حين غابت فقال: "في نار اللَّه الحامية، في نار ¬

_ (¬1) "الثقات" 6/ 377. (¬2) انظر: ترجمته في "تهذيب الكمال" 28/ 14. (¬3) في النسخ الخطية: (أبو)، والمثبت هو الصواب. (¬4) في النسخ الخطية: (أبو)، والمثبت هو الصواب. (¬5) انظر: "الحجة للقراء السبعة" 5/ 169. (¬6) الحجر: 26، 28، 33.

اللَّه الحامية، لولا ما نزعها من أمر اللَّه لأحرقت ما على الأرض" (¬1)، ورواه الإمام أحمد عن يزيد بن هارون (¬2). قال ابن كثير: وفي صحة رفع هذا الحديث نظر، ولعله من كلام عبد اللَّه بن عمرو من زاملتيه اللتين وجدهما يوم اليرموك (¬3). وقال ابن أبي حاتم: حدثنا حجاج بن حمزة، ثنا محمد، حدثنا عمرو بن ميمون، أنبأنا حاضر أن ابن عباس ذكر له أن معاوية بن أبي سفيان قرأ الآية التي في سورة الكهف: (تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَامِيةٍ) قال ابن عباس: فقلت لمعاوية [ما يقرؤها إلا {حَمِئَةٍ}. فسأل معاوية عبد اللَّه بن عمرو: كيف تقرؤها؟ فقال عبد اللَّه: كما قرأتها، قال ابن عباس: فقلت لمعاوية: ] (¬4) في بيتي نزل القرآن. فأرسل إلى كعب فقال له: أين تجد الشمس تغرب في التوراة؟ قال: في ماء وطين. وأشار إلى المغرب. انتهى (¬5). وقال ابن عباس في رواية الوالبي والحسن في قوله: (في عين حامية): حارة (¬6). قال الواحدي: ويرجح هذِه القراءة أنها تجمع القراءتين، وهو ما ¬

_ (¬1) "جامع البيان" 8/ 273. (¬2) "المسند" 2/ 207. (¬3) "تفسير القرآن العظيم" 9/ 186 - 187. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل)، (م). (¬5) "تفسير القرآن العظيم" 7/ 2385، ولفظه: حدثنا حجاج بن حمزة، ثنا محمد -يعني ابن بشر-. . . (¬6) انظر: "جامع البيان" للطبري 16/ 12، "التفسير البسيط" للواحدي 14/ 133.

ذكره أبو إسحاق فقال: قد تكون حارة ذات حمأة، وقال أبو علي: يجوز أن تكون حامية فاعلة من الحمأة فخففت الهمزة (¬1). [3987] (حدثنا يحيى بن الفضل، قال: حدثنا وهيب) بالتصغير (يعني: ابن عمرو النمري) بفتح النون، وثق (¬2) (قال: أخبرنا هارون) بن موسى (أخبرني أبان بن تغلب) القارئ، ثقة، شيعي (عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إن الرجل من أهل عليين) مشتق من العلو، وكلما علا الشيء وارتفع عظم قدره، ولهذا قال اللَّه تعالى معظما لقدره: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19)} (¬3) ويدل عليه ما بعده (ليشرف) بضم الياء وكسر الراء، أي: (على) من تحته من (أهل الجنة) ويدل عليه ما رواه الترمذي عن أبي سعيد أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما ترون (¬4) النجم الطالع من أفق السماء" (¬5). قال الراغب: (عليون) اسم أشرف الجنات كما أن سجين اسم شر النيران، وعلى هذا فعليون اسم (¬6) مكان، وهو أقرب في العربية إذا كان ¬

_ (¬1) "التفسير البسيط" 14/ 133. وانظر: "الحجة للقراء السبعة" 5/ 169. (¬2) ذكره ابن حبان في "الثقات" 9/ 230، وقال الذهبي في "الكاشف" 2/ 358: وُثِّق، وقال الحافظ في "التقريب" (7488): مستور. (¬3) المطففين: 19. (¬4) بعدها في (م)، (ل): الكوكب. (¬5) "سنن الترمذي" (3658). ورواه أيضًا أحمد 3/ 27، 93، وأبو يعلى 2/ 400 (1178)، 2/ 473 (1299). قال الترمذي: هذا حديث حسن. (¬6) ساقطة من (ل)، (م).

هذا الجمع يختص بالناطقين، والواحد عِلِّي، فعلى هذا يكون أصحابه كما قال تعالى: {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ} (¬1) ومن كان كتابه في عليين نزل في هذا المكان. (فتضيء) يعني: (الجنة لوجهه كأنها كوكب دري) أي: كأن وجوه أهل عليين (قال: وهكذا جاء الحديث: دري. مرفوعة الدال لا تهمز) أي: مضمومة مشددة الياء آخره، وهي قراءة نافع وابن عامر وحفص عن عاصم وابن كثير (¬2)، نسب الكوكب إلى الدر لبياضه وصفائه، أي: كأنها كوكب من در، قال أبي بن كعب: كوكب دري (¬3)، أي: مضيء (¬4). (وإن أبا بكر وعمر رضي اللَّه عنهما لمنهم) أي: من أهل عليين (وأنعما) بفتح الهمزة والعين، وحكى الطيبي عن صاحب "الجامع": أنعم فلان النظر في الأمر. إذا بالغ في تدبره والتفكر فيه وزاد فيه تفكرًا، وأحسن فلان إليَّ وأنعم. أي: أفضل وزاد في الإحسان، ومن هذا قوله في الحديث (وأنعما) أي: زادا في هذا الأمر والنعمة التي حصلت لهم وتناهيا فيه إلى غايته. * * * ¬

_ (¬1) النساء: 69. وانظر: "مفردات ألفاظ القرآن" ص 583 - 584. (¬2) انظر: "الحجة للقراء السبعة" 5/ 322. (¬3) في (ل)، (م): بهي. (¬4) رواه ابن أبي حاتم في "تفسير القرآن العظيم" 8/ 2598 (14587).

[3988] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة وهارون بن عبد اللَّه) بن مروان البزاز، يعرف بالحمال. (قالا: حدثنا أبو أسامة (¬1) قال: حدثني الحسن بن الحكم النخعي، حدثنا أبو سبرة) يقال: عبد اللَّه (النخعي عن فروة) بفتح الفاء (بن مسيك) بضم الميم وفتح السين وسكون المثناة تحت وبالكاف، ويقال: مسيكة. والأول أكثر، ابن الحارث بن سلمة بن الحارث من أهل اليمن، قدم على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سنة تسع، فأسلم وانتقل إلى الكوفة زمن عمر وسكنها، وكان فروة من وجوه قومه، وكان شاعرًا محسنًا (¬2). (الغطيفي) (¬3) بضم الغين المعجمة وفتح الطاء المهملة وسكون المثناة تحت وبالفاء، هكذا ضبطه ابن الأثير (¬4) [وابن حجر في "مشتبه النسبة" (¬5)] (¬6). (قال: أتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. . فذكر الحديث) يعني: الذي رواه الترمذي، عن فروة بن مسيك المرادي قال: أتيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقلت: يا رسول اللَّه، ألا أقاتل من أدبر من قومي بمن أقبل منهم؟ فأذن لي في قتالهم ¬

_ (¬1) بعدها في (ل)، (م) بياض بمقدار كلمتين. (¬2) انظر: "الاستيعاب" لابن عبد البر 3/ 327. (¬3) في حاشية (ل): بطن من مراد. (¬4) "جامع الأصول" 12/ 555، 766، و"اللباب في تهذيب الأنساب" 2/ 386. (¬5) "تبصير المنتبه بتحرير المشتبه" 3/ 1173. (¬6) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل)، (م).

وأمَّرني، فلما خرجت من عنده سأل عني: "ما فعل الغطيفي؟ " فأخبر أني قد سرت، فأرسل في أثري، فردني، فأتيته وهو في نفر من أصحابه، فقال: "ادع القوم، فمن أسلم منهم فاقبل منه، ومن لم يسلم فلا تعجل حتى أحدث إليك". وأنزل في سبأ ما أنزل (¬1). (فقال رجل من القوم) وفي رواية لأحمد أن فروة هو السائل (¬2)، وفي رواية ابن أبي حاتم أن فروة بن مسيك الغطيفي قدم على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا نبي اللَّه، إن سبأ قوم كان لهم عز في الجاهلية، وإني أخشى أن يرتدوا عن الإسلام، أفأقاتلهم؟ قال: "ما أمرت فيهم بشيء بعد" فأنزلت هذِه الآية: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْاكَنِهِمْ) (¬3). (يا رسول اللَّه، أخبرنا عن سبأ) قرأ نافع وعاصم وأبو جعفر وشيبة والأعرج: (لسبإ) بهمزة مكسورة منونة على معنى الحي، وقرأ أبو عمرو والحسن بهمزة مفتوحة غير مصروف (¬4) على معنى القبيلة (ما هو أرض أم امرأة؟ ) رواية أحمد: أرجل أم امرأة أم أرض (¬5)؟ (قال: ليس بأرض ولا امرأة، ولكنه رجل). قال ابن إسحاق: اسم سبأ: عبد شمس بن يشجب بن يعرب بن قحطان. وإنما سمي سبأ؛ لأنه أول من سبا من العرب (¬6). وكان يقال له الرائش؛ لأنه أول من غنم في الغزو، فأعطى قومه فسمي الرائش، ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (3222)، وقال: حديث حسن غريب. (¬2) "المسند" 39/ 529. ط الرسالة، وهو من جملة الأحاديث الساقطة من الميمنية. (¬3) انظر: "تفسير ابن كثير" 11/ 271. (¬4) انظر: "الحجة للقراء السبعة" 5/ 382. (¬5) "المسند" 6/ 311. (¬6) انظر: "السيرة النبوية" لابن هشام 1/ 7.

والعرب تسمي المال ريشًا ورياشًا، وذكروا أنه بشر برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في زمانه المتقدم، فقال: سيملك بعدنا ملكًا عظيما ... نبي لا يرخص في الحرام ويملك بعده منهم ملوك ... يدينون العباد بغير دام ويملك بعدهم منا ملوك ... يصير الملك فينا باقتسام ويملك بعد قحطان نبي ... تقي خَبُتَةٌ خير الأنام يُسمى أحمدًا يا ليت أني ... أُعَمَّر بعد مبعثه بعام فَأَعْضُدُه وأَحْبُوه بنصري ... بكل مُدَجَّج وبكل رام متى يظهر فكونوا ناصريه ... ومن يلقاه يُبْلِغُه سلامي (¬1) ذكر ذلك الهمداني في كتاب "الإكليل". (ولد) بفتح الواو (عشرة من العرب، فتيامن) منهم (ستة، وتشاءم) بالشين المعجمة (¬2). رواية أحمد: سكن البصرة منهم ستة وبالشام ¬

_ (¬1) انظر: "البداية والنهاية" 3/ 108. (¬2) ساقطة من (م).

منهم (¬1) (أربعة) زاد الترمذي وأحمد (¬2): فأما الذين تشاءموا لخم -بفتح اللام وإسكان الخاء المعجمة- وجذام -بضم الجيم وتخفيف الذال المعجمة- وغسان -بفتح الغين المعجمة- وعاملة -بعين مهملة وبعد الألف ميم- وأما الذين تيامنوا فالأزد والأشعرون وحمير وكندة ومذحج وأنمار، فقال رجل: يا رسول اللَّه، وما أنمار؟ قال: "الذين منهم خثعم وبجيلة" ثم قال الترمذي: حديث حسن غريب (¬3). وقد رواه الحافظ أبو عمر ابن عبد البر في كتاب "القصد والأمم بمعرفة أنساب العرب والعجم" من حديث ابن لهيعة عن علقمة ابن وعلة عن ابن عباس، فذكر نحوه (¬4). (قال عثمان: الغطفاني) بفتح الغين المعجمة (مكان) لفظ (الغطيفي) نسبة إلى جده غطيف بن عبد اللَّه بن ناجية -بالنون والجيم- بن مراد المرادي (وقال: حدثنا الحسن بن الحكم النخعي) الكوفي، قال أبو حاتم: صالح الحديث (¬5). [3989] (حدثنا أحمد بن عبدة) بسكون الموحدة، ابن موسى الضبي (وإسماعيل بن إبراهيم) بن معمر الهروي (أبو معمر، عن سفيان، عن عمرو، عن عكرمة) كذا في البخاري في تفسير سورة الحجر عن سفيان، عن عمرو، عن عكرمة (¬6). ¬

_ (¬1) "المسند" 1/ 316 وفيه: اليمن. بدل: البصرة. (¬2) "سنن الترمذي" (3222)، "المسند" 1/ 316. (¬3) ساقطة من (م). وانظر: "سنن الترمذي" (3222). (¬4) ص 20. (¬5) "الجرح والتعديل" 3/ 7. (¬6) البخاري (4701).

(قال: ثنا أبو هريرة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. قال إسماعيل) بن إبراهيم، دون أحمد بن عبدة (عن أبي هريرة) وكذا في البخاري (رواية (¬1)، فذكر حديث الوحي) ورواية البخاري: "إذا قضى اللَّه الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله كالسلسلة على صفوان ينفذهم ذلك" (¬2). (قال: فذلك قوله: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ}) {قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِير} فيسمعها مسترقو السمع. وفي البخاري: قال سفيان: هكذا قرأ عمرو، فلا أدري سمعه هكذا أم لا. قال سفيان: وهي قراءتنا (¬3). انتهى، وقراءة الجمهور (¬4): {فُزِّعَ} بالتشديد من الفزع مبنيًّا للمفعول، أي: زال الفزع عن قلوبهم، وفُعِّل يأتي لمعان منها الإزالة، وهذا منه نحو قردت البعير: أزلت القراد منه. وقرأ ابن مسعود وابن عباس وطلحة (فَزَّعَ) مبنيًّا للفاعل، من الفزع أيضًا، أي: فزع اللَّه عن قلوبهم. وقرأ الحسن وأبو المتوكل وقتادة ومجاهد (فَرَّغ) مشددًا مبنيًّا للفاعل [من الفراغ، وقرأ عبد اللَّه ابن عمر والحسن أيضًا وقتادة (فُرِّغ) من الفراغ مشددًا مبنيًّا للمفعول] (¬5)، ويرجع معناه إلى الأول (¬6). [3990] (حدثنا محمد بن رافع النيسابوري، حدثنا إسحاق بن ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) و (¬3) البخاري (4701). (¬4) انظر: "الحجة في علل القراءات السبع" 3/ 1596. (¬5) ساقط من (م). (¬6) انظر: "المحرر الوجيز" 12/ 182.

سليمان الرازي، قال: سمعت أبا جعفر) عيسى بن ماهان الرازي، وثقه أبو حاتم (¬1) (يذكر عن الربيع بن أنس) بصري، نزل خراسان، قال أبو حاتم: صدوق (¬2). قال ابن أبي داود: حبس بمرو ثلاثين سنة (¬3) (عن أم سلمة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالت: قراءة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: بلى) قال ابن عطية: حق (بلى) أن تجيء بعد نفي عليه تقرير. وقوله: (بلى) جواب لنفي مقدَّر، كأن النفس قالت: إني لم يتبين لي الأمر في الدنيا (¬4). فرد اللَّه عليها (قد جاءتكِ) بكسر الكاف (آياتي فكذبتِ) بكسر التاء (بها واستكبرتِ) بكسر التاء أيضًا. (وكنت من الكافرين) خطاب للنفس، وهي قراءة ابن يعمر والجحدري وأبي حيوة والزعفراني وابن مقسم ومسعود بن صالح والشافعي عن ابن كثير ومحمد بن عيسى في اختياره (¬5). قال الفراء: التأنيث له وجه حسن؛ لأنه ذكر النفس فخاطبها (¬6). وقال المبرد: العرب تقول: هو نفس واحد. معناه: إنسان واحد. لكن أكثر ما جاء في القرآن من ذكر النفس على التأنيث، كقوله: {سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي} (¬7) و {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} (¬8) (¬9). قال أبو عبيدة: لو صح هذا الحديث عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان حجة لا ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 6/ 281. (¬2) "الجرح والتعديل" 3/ 454. (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 9/ 60. (¬4) "المحرر الوجيز" 12/ 557 - 558. (¬5) انظر: "المحرر الوجيز" 12/ 558. (¬6) "معاني القرآن" 2/ 423. (¬7) طه: 96. (¬8) يوسف: 53. (¬9) "المقتضب" 2/ 187.

يجوز لأحد تركه، ولكنه ليس بمسند. (قال أبو داود: هذا) الحديث (مرسل) (¬1) لأن الربيع لم يدرك أم سلمة؛ لأن الربيع توفي سنة تسع وثلاثين ومائة (¬2)، وأم سلمة ماتت سنة تسع وخمسين، وقيل: سنة اثنتين وستين (¬3). [3991] (حدثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي الفراهيدي (قال: حدثنا هارون بن موسى النحوي، عن بديل بن ميسرة) العقيلي، ثقة (عن عبد اللَّه بن شقيق) بفتح الشين وكسر القاف العقيلي من بني عقيل بن كعب، من مشاهير التابعين. (عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقرؤها) أي: يقرأ هذِه الآية (فَرُوْحٌ) بضم الراء. قال أبو الحسن ابن غلبون: قرأ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في رواية عبد اللَّه بن شقيق عن عائشة رضي اللَّه عنها (فروح) بضم الراء. قال أبو حيان: وهي قراءة ابن عباس والحسن وقتادة ونوح القارئ والضحاك والأشهب وسليمان التيمي والربيع بن خثيم وأبي (¬4) عمران الجوني والكلبي وفياض وعبيد وعبد الوارث عن أبي عمرو ويعقوب ابن حسان ورويس. قال الحسن: الروح: الرحمة؛ لأنها كالحياة للمرحوم. وقال أيضًا: روحه تخرج في ريحان. (وريحان) قال أبو [العالية و] (¬5) قتادة والحسن: الريحان هذا الشجر ¬

_ (¬1) وقد رواه الخطيب في "تاريخ بغداد" 6/ 325 وذكر الواسطة بينهما وهو: أبو العالية. (¬2) انظر: "سير أعلام النبلاء" 6/ 169. (¬3) انظر: "التقريب" (8694). (¬4) في جميع النسخ: وأبو. والمثبت هو الصواب. (¬5) ساقطة من النسخ، والمثبت من "البحر المحيط".

المعروف في الدنيا، يلقى المقرب (¬1) ريحانًا من الجنة. وقال الخليل: هو كل بقلة طيبة (¬2). قال عليه السلام عن الحسن والحسين: "هما ريحانتاي من الدنيا" (¬3) قال ابن عطية (¬4): الريحان مما تنبسط إليه النفس (¬5). والفاء في قوله (فَرُوْحٌ) جواب إما لأنها في تقرير الشرط، فإذا اجتمع شرطان فالجواب للسابق منهما، وجواب الشرط الثاني وهو (إن) محذوف أغنى عنه جواب (إما) هذا مذهب سيبويه؛ لأن جواب (إن) يحذف كثيرًا. * * * [3992] (حدثنا أحمد بن حنبل وأحمد بن عبدة قالا: حدثنا سفيان) ابن عيينة (عن عمرو، عن عطاء، قال ابن حنبل: لم أفهمه) يعني: الحديث (جيدًا) أو السند صفة لموصوف محذوف، أي: فهمًا جيدًا. (عن صفوان) بن يعلى و (قال) أحمد (ابن عبدة) وفي البخاري: عن عمرو، عن عطاء، عن صفوان (¬6) (ابن يعلى، عن أبيه) يعلى بن أبي عبيدة التميمي. (قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على المنبر يقرأ) رواية البخاري: يقرأ على المنبر (¬7) ({وَنَادَوْا يَامَالِكُ}) قال ابن غلبون: روي عن علي وعبد اللَّه ابن مسعود: (ونادوا يا مال) بضم اللام من غير كاف، وذلك ترخيم مالك، جعل (مال) اسمًا على حياله فضمه، وهي قراءة أبي سوَّار الغنوي. ¬

_ (¬1) في (م، ل): الميت. (¬2) "العين" 3/ 294. (¬3) رواه البخاري (3753، 5994) من حديث ابن عمر. (¬4) "المحرر الوجيز" 14/ 277. (¬5) انتهى من "البحر المحيط" لأبي حيان الأندلسي 10/ 95. (¬6) و (¬7) البخاري (3230، 3266، 4819).

وقرأ الأعمش: (يا مال) على لغة من ينتظر الحرف، كذا قال أبو حيان (¬1)، قال ابن جني: وللترخيم في هذا الموضع سر، وذلك أنهم لعظم ما هم عليه خفت قواهم وذلت أنفسهم وصغر كلامهم، فكان هذا من موضع الاختصار ضرورة (¬2). [3993] (حدثنا نصر بن علي) الجهضمي (قال: أنا أبو أحمد) الحسين بن محمد المروزي، سكن بغداد، وكان يحفظ (¬3) قال: (أنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد) النخعي (عن عبد اللَّه) بن مسعود -رضي اللَّه عنه- (قال: أقرأني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إني أنا الرزاق ذو القوة المتين) رواه الترمذي بهذا اللفظ عن إسرائيل، عن أبي إسحاق وقال: حديث حسن صحيح (¬4). قرأ ابن محيصن (الرازق) (¬5) كما قرأ: (وفي السماء أرزاقكم) اسم فاعل (¬6)، وهي قراءة حميد. وقرأ الأعمش وابن وثاب (المتينِ) بالجر صفة لـ {الْقُوَّةِ} على معنى الاقتدار (¬7)، قاله الزمخشري (¬8)، وكأنه قال: ذو الأيد. وأجاز أبو الفتح أن يكون صفة لـ {ذُو} وخفض على الجوار كقولهم: هذا جحر ضب خرب (¬9). ¬

_ (¬1) "البحر المحيط" 9/ 389. (¬2) "المحتسب" 2/ 257. (¬3) كذا في الأصول: الحسين بن محمد المروزي، سكن بغداد وكان يحفظ. وهو خطأ، والصواب: محمد بن عبد اللَّه الزبيري. انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 476، 6/ 471. (¬4) "سنن الترمذي" (2940). (¬5) انظر: "مختصر في شواذ القرآن" ص 146. (¬6) السابق. (¬7) السابق. (¬8) "الكشاف" 4/ 287. (¬9) "المحتسب" 2/ 289.

[3994] (حدثنا حفص بن عمر) بن الحارث بن سخبرة الأزدي (قال: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عبد اللَّه قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقرأ {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}) هكذا رواه البخاري عن شعبة (¬1)، وأخرجه مسلم وأصحاب السنن إلا ابن ماجه من حديث أبي إسحاق (¬2). (قال [أبو داود]) (¬3): يعني: (مضمومة الميم) أوله (مفتوحة الدال) يعني: المهملة (مكسورة الكاف) أصله: مذتكر. قال أبو حيان (¬4): قرئ هكذا على الأصل، فأبدلوا من التاء دالًا لقرب المخرج وتناسب الدال في النطق، ثم أدغموا الذال المعجمة في الدال المهملة، فشددت المهملة. قال أبو حاتم: ورويت عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بإسناد صحيح. قال ابن غلبون: وقرأ قتادة والضحاك: (فهل من مذكر) بالذال المعجمة، فأدغم الثاني في الأول، وليس هذا على كلام العرب، إنما يدغمون الأول في الثاني. قال أبو حاتم: وذلك رديء، ويلزمه أن يقرأ: واذَّكر بعد أمة، وتذخرون في بيوتكم. يعني بالذال المعجمة، والمعنى في قوله: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} استدعاء وحض على ذكره وحفظه لتكون زواجره وعلومه، وهذا بآية حاضرة في النفس. قال مطر: معناه هل من طالب علم فيعان عليه؟ [3995] (حدثنا أحمد بن صالح قال: حدثنا عبد الملك بن ¬

_ (¬1) البخاري (4869، 4870) من حديث شعبة عن أبي إسحاق. (¬2) مسلم (823)، "سنن الترمذي" (2937)، "سنن النسائي الكبرى" 6/ 476. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) "البحر المحيط" 10/ 40.

عبد الرحمن الذماري) ليس بالقوي، ذبح صبرًا (قال: ثنا سفيان قال: حدثني محمد بن المنكدر) بن عبد اللَّه بن الهدير، بضم الهاء مصغر، التيمي، تابعي كبير (¬1)، جمع بين العلم والزهد والعبادة والثقة والصدق (عن جابر قال: رأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقرأ (يحسب)) أي: بكسر السين كما تقدم في حديث لقيط، قال ابن عطية: قرأ {يَحْسَبُ} بفتح السين الأعرج وأبو جعفر وشيبة (¬2) ({أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ}). قال الزمخشري: أي: طول المال أمله ومناه الأماني البعيدة حتى أصبح لفرط غفلته وطول أمله يحسب أن المال تركه خالدًا في الدنيا لا يموت (¬3). [3996] (حدثنا حفص بن عمر قال: حدثنا شعبة، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة) عبد اللَّه بن زيد الجرمي، تابعي معروف مشهور (عمن أقرأه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: {فَيَوْمَئِذٍ}) قال ابن الحاجب في "الأمالي": العامل في الظرف {يُعَذِّبُ} وقد جاء ما بعد النفي عاملًا في الظرف في مواضع (¬4) (لا يعذب) بفتح الذال ({عَذَابَهُ}) العذاب مضاف إلى الضمير الذي هو مفعول به، مثل قوله تعالى: {مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ} (¬5) قال أبو علي: وضع العذاب موضع التعذيب، والوثاق موضع الإيثاق كما وضع العطاء في موضع الإعطاء في قول الشاعر: وبعد عطائك المائة الرتاعا (¬6) أي: لا يعذب أحد مثل عذابه، أو لا يحمل أحد عذاب الإنسان عنه ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) "المحرر الوجيز" 15/ 568. (¬3) "الكشاف" 4/ 630. (¬4) "الأمالي" ص 112. (¬5) فصلت: 49. (¬6) "الحجة للقراء السبعة" 6/ 411.

لقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (¬1). (ولا يوثق) بفتح المثلثة، وهذِه قراءة ابن سيرين وابن أبي إسحاق وأبي (¬2) حيوة والكسائي (¬3) ويعقوب. قال الواحدي: اختار أبو عبيد قراءة الكسائي لما روى خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عمن سمع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قرأهما بالفتح (¬4). ({وَثَاقَهُ}) قرأ أبو جعفر وشيبة ونافع بخلاف عنهم (وِثاقه) بكسر الواو، والجمهور بفتحها، والمعذب هو الكافر على العموم، وقيل: المراد به إبليس؛ لأن الدليل قام على أنه أشد من الناس عذابًا في قوله تعالى: {لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ}. وقيل: المعنى أن كل واحد من الزبانية يعذب أهل النار أنواعًا من الأعذبة، لكن لا يعذب أحد منهم عذابًا مثل عذاب هذا الإنسان الذي قابل إكرام اللَّه بالكفران. [3997] (حدثنا محمد بن عبيد) بالتصغير ابن حساب الغبري بضم الغين المعجمة وفتح الباء الموحدة (قال: حدثنا حماد، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة قال: أنبأني من أقرأه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-[أو من أقرأه من أقرأه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-] (¬5) فيومئذ لا يعذَّب) بفتح الذال، ولم يذكر الفاعل والذي يراد بـ {أَحَدٌ} الملائكة الذين يتولون تعذيب أهل النار. [3998] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء أن محمد بن أبي عبيدة) بالتصغير، المسعودي (حدثهم قال: حدثنا أبي) أبو عبيدة ¬

_ (¬1) الأنعام: 164. (¬2) في جميع النسخ: وأبو. والمثبت هو الصواب. (¬3) انظر: "الحجة للقراء السبعة" 6/ 411. (¬4) "الوسيط" 4/ 486. (¬5) ساقط من (م).

ابن معن، ذكره مسلم في "الكنى" ولم يسمه (¬1)، وثقه ابن معين (¬2). (عن الأعمش، عن سعد) بن فيروز (¬3) (الطائي) مولاهم، قال حبيب ابن أبي ثابت: كان أعلمنا وأفقهنا. (عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري قال: حدث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حديثًا ذكر فيه جبريل وميكائيل) قال ابن الأثير: كأنه طرف من حديث (¬4) (فقرأ جبرئيل) بفتح الجيم والراء وكسر الهمزة مع ياء (وميكائيل) بكسر الميم وبهمزة بعد الألف وياء بعدها. ولم أقف على نقل في قراءة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (جبريل وميكائيل) كيف تلفظ بها، فإن العرب تصرفت في هاتين اللفظتين على عادتها في تغيير الأسماء الأعجمية حتى بلغت إلى ثلاث عشرة (¬5) لغة، وإذا اختلفت الروايات فالمرجع في ذلك إلى أصله وقاعدته إلى لغة قريش؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قرشي، ولهذا قال عثمان: إذا اختلفتم في شيء فاكتبوه بلغة قريش (¬6). ومعناه: إذا اختلفتم فيما روي فاكتبوه بلغة قريش، ولما اختلفوا في التابوت [فقال زيد: التابوه. بالهاء، وقال ابن الزبير وسعيد بن العاص: التابوت. بالتاء] (¬7) قال عثمان: اكتبوه بالتاء؛ فإنه نزل بلغة ¬

_ (¬1) "الكنى والأسماء" 1/ 592 (2418). (¬2) "تاريخ ابن معين" رواية ابن محرز (482). (¬3) كذا في الأصول: بن فيروز. وهو خطأ، والصواب: أبي مجاهد. وابن فيروز هو سعيد، وليس سعدا. (¬4) "جامع الأصول" 2/ 500. (¬5) في جميع النسخ: ثلاثة عشر. والمثبت هو الصواب. (¬6) رواه البخاري (3506). (¬7) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

قريش. أخرجه البخاري والترمذي (¬1). وعلى هذا فجِبرِيل بكسر الجيم والراء على وزن قِندِيل، فإنها لغة الحجاز. وهي قراءة ابن عامر وأبي عمرو ونافع وحفص (¬2). وقال حسان: وجبريل رسول اللَّه فيهم ... وروح القدس ليس له كفاء (¬3) ويحتمل فتح الجيم مع كسر الراء من غير همز أيضًا، وهي قراءة ابن كثير (¬4)، وروي عنه أنه قال: رأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في النوم وهو يقرأ: جبريل وميكال. فلا أزال أقرأهما أبدًا. وأما {وَمِيكَالَ} فبالقصر مع حذف الهمز على وزن مفعال، وهي قراءة أبي عمرو و [حفص عن عاصم، ورويت عن ابن كثير منذ رآها في النوم، وهي لغة الحجاز (¬5)] (¬6). قال كعب بن مالك: وبوم بدر (¬7) لقيناكم لنا مدد ... فيه مع النصر ميكال وجبريل (¬8) [3999] (حدثنا زيد بن أخزم) بالخاء والزاي المعجمتين الطائي، ¬

_ (¬1) البخاري (4987)، "سنن الترمذي" (3104). (¬2) انظر: "الحجة للقراء السبعة" 2/ 163 - 164. (¬3) انظر: "صحيح مسلم" (2490). (¬4) و (¬5) انظر: "الحجة للقراء السبعة" 2/ 163 - 164. (¬6) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬7) في جميع النسخ: كعب. والمثبت من مصادر التخريج. (¬8) انظر: "السيرة" لابن هشام 3/ 117.

روى عنه البخاري، قال: (ثنا بِشْر) بكسر الباء وسكون الشين المعجمة (بن عمر) الزهراني، ثقة. قال: (حدثنا محمد بن خازم) أبو معاوية الضرير، وهو بخاء وزاي معجمتين. (قال: ذُكِر) بضم الذال وكسر الكاف (كيف قراءة جبريل وميكائل عند) سليمان (الأعمش) وكان محمد بن خازم من رواته (فحدثنا الأعمش عن سعد) بن فيروز (¬1) (الطائي، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: ذكر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صاحب الصُّور) وهو إسرافيل، والصور كالقرن، وهو على هيئة البوق (فقال: عن يمينه جبريل، وعن يساره ميكائيل)، وقرأه الأعمش: (جبرئييل) بياءين بعد همز، و (ميكائييل) بياءين أيضًا. [4000] (حدثنا أحمد بن حنبل) قال: (ثنا عبد الرزاق) بن همام، أحد الأعلام، قال: (أنا معمر، عن الزهري، قال معمر: وربما ذكر) الزهري سعيد (ابن المسيب) و (قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبو بكر وعمر وعثمان (¬2) -رضي اللَّه عنهم- يقرؤون {مَالِكِ}) يعني بالألف ({يَوْمِ الدِّينِ}) وروى أبو بكر بن أبي داود في ذلك شيئًا غريبًا حيث قال: حدثنا أبو عبد الرحمن الأذرمي قال: ثنا عبد الوهاب عن عدي بن الفضل، عن أبي المطرف، عن ابن شهاب أنه بلغه أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبا بكر وعمر وعثمان ومعاوية وابنه يزيد بن معاوية كانوا يقرؤون: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (¬3). قال ابن شهاب: (وأول من قرأها: (مَلِكِ)) (¬4) يعني بحذف الألف ¬

_ (¬1) كذا في الأصول: بن فيروز. وهو خطأ. والصواب: أبي مجاهد. انظر: "تهذيب الكمال" 10/ 317، 11/ 32. (¬2) في (ل، م): وعلي. (¬3) "المصاحف" ص 230. (¬4) ورد بهامش (ح): ما كان له أن يجمع بين الطيب والخبيث، وينظم الدر والقذر في =

({يَوْمِ الدِّينِ} مروان) قال عماد الدين ابن كثير: ومروان عنده علم بصحة ما قرأه لم يطلع عليه ابن شهاب، واللَّه أعلم (¬1). (قال أبو داود: وهذا) السند (أصح من) سند (حديث الزهري عن أنس) أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. . . إلى آخره، وهذا السند ذكره الترمذي (¬2)، (و) أصح من سند (الزهري عن سالم عن أبيه) عبد اللَّه أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفي هذا الحديث ترجيح قراءة {مَالِكِ} على (مَلِكِ)، وإن كان أكثر السبعة قرؤوا (ملك) بحذف الألف، لكن قراءة الألف قراءة عاصم والكسائي وخلف في اختياره ويعقوب، وهي قراءة العشرة إلا طلحة والزبير، وقراءة كثير من الصحابة، منهم: أبي وابن مسعود ومعاذ وابن عباس، والتابعين، منهم: قتادة والأعمش (¬3). [4001] (حدثنا سعيد بن يحيى) بن سعيد (الأُمَوي) بضم الهمزة وفتح الميم (عن أبيه) يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص الأموي قال: (ثنا ابن جريج، عن عبد اللَّه بن أبي مليكة، عن أم سلمة ذكرت) قراءة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (أو كلمة غيرها) رواه (¬4) الترمذي: قالت: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقطع قراءته (¬5) يقول: (قراءة) بالنصب مفعول (ذكرت). (رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ ¬

_ = سلك واحد. (¬1) "تفسير القرآن العظيم" 1/ 211 - 212. (¬2) "سنن الترمذي" (2928). (¬3) انظر: "الحجة للقراء السبعة" 1/ 7 - 49. (¬4) في (ل، م): رواية. (¬5) "سنن الترمذي" (2923، 2927).

{رَبِّ الْعَالَمِينَ}) رواية الترمذي يقولط: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ثم يقف: ({الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}) ثم يقف: "مَلِكِ يَوْمِ الدِّين" ثم قال الترمذي: ليس إسناده بالمتصل؛ لأن الليث بن سعد روى هذا الحديث عن ابن أبي مليكة عن يعلى بن مملك عن أم سلمة، وحديث الليث أصح، وليس في حديث الليث: (وكان يقرأ: مَالِكِ يَوْمِ الدِّين) (¬1) وفي البخاري عن قتادة قال: سألت أنسًا عن قراءة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: كان يمد مدًّا (¬2). يمد {بِسْمِ اللَّهِ} ويمد {الرَّحْمَنِ} ويمد {الرَّحِيمِ}. (يُقطِّع قراءته) بضم الياء وتشديد الطاء المكسورة (آية آية) أي: يقطع كل آية عن الآية الأخرى بوقفة بينهما كما في رواية الترمذي (¬3). [4002] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة وعبيد اللَّه) بالتصغير (ابن عمر بن مَيسَرة) بفتح الميم والسين المهملة، البصري القواريري، روى عنه الشيخان (المعنَى) بفتح النون (قالا: ثنا يزيد بن هارون) السلمي، أحد الأعلام (عن سفيان بن حسين) الواسطي، قال النسائي: ليس به بأس إلا في الزهري (¬4). وقال أحمد: ليس بذاك في الزهري (¬5). (عن الحكم بن عُتَيبَة) بضم العين وفتح المثناة فوق (عن إبراهيم التيمي، عن أبيه) [يزيد بن شريك التيمي] (¬6). (عن أبي ذر -رضي اللَّه عنه- قال: كنت رديف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو على حمار) فيه ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (2927). (¬2) "صحيح البخاري" (5045). (¬3) "سنن الترمذي" (2923، 2927). (¬4) "تهذيب الكمال" 11/ 139. (¬5) "العلل ومعرفة الرجال" 1/ 41، 50. (¬6) ما بين المعقوفتين موضعه في جميع النسخ بياض، والمثبت من مصادر ترجمة إبراهيم ابنه.

جواز الإرداف على الحمار إذا كان يطيقه (والشمس عند غروبها، فقال: هل تدري أين تغربُ هذِه؟ ) فيه مؤانسة الراكب معه بالمحادثة، وتعليمه ما ينتفع به (قلت: اللَّه ورسوله أعلم. قال: فإنها تغرب في عين حامية) يعني: بالألف، ورواية ابن عباس المتقدمة: {فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ}. وهما قراءتان مشهورتان (¬1) كما تقدم (¬2). قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وجدها تغرب في عين حامية) يعني: حارة (¬3). وكذا قال الحسن البصري (¬4)، ولا منافاة بين القراءتين (¬5)، فقد تكون حارة لمجاورتها وهج الشمس عند غروبها وملاقاتها الشعاع بلا حائل، وحمئة في ماء وطين أسود كما قال كعب الأحبار (¬6) وغيره (¬7). [4003] (حدثنا محمد بن عيسى) بن نجيح البغدادي قال: (ثنا حجاج) عن عبد الملك (ابن جريج قال: أخبرني عمر بن عطاء) بن أبي الخوار. (أن مولى لابن الأَسفَع) بفتح الهمزة وبالفاء (رجلَ) بالنصب (صدقٍ)، مضاف إليه، أي: صالح (أخبره عن ابن الأسفع) ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: مشهورة. (¬2) انظر: "الحجة للقراء السبعة" 5/ 169. (¬3) "صحيفة علي بن أبي طلحة" (777). ورواه عنه الطبري في "جامع البيان" 8/ 274 (23304). (¬4) رواه الطبري 8/ 274 (23305 - 23306). (¬5) في (ح): الروايتين، وفي (ل)، (م): القراءتان. والجادة ما أثبتناه. (¬6) رواه بنحوه الطبري 8/ 273 - 274 (23297 - 23298، 23301). (¬7) رواه الطبري (23295) عن ابن عباس.

بالسين المهملة والفاء، وليس لهم بالفاء غيره، البكري (أنه سمعه يقول: إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جاءهم) يعني: جاء إليهم وهم (في صُفَّة) وهي موضع مظلل في مسجد المدينة ينزله فقراء (المهاجرين -رضي اللَّه عنهم-، فسأله إنسان: أي آية) مبني على الضم في القرآن أعظم؟ ) فيه حجة للقول بتفضيل بعض القرآن على بعض، ونقل القاضي عياض في ذلك خلافًا (¬1). فمنع منه أبو الحسن الأشعري وأبو بكر الباقلاني وجماعة (¬2) لأن تفضيل بعضه على بعض يقتضي نقص المفضول، وليس في كلام اللَّه نقص، وتأولوا أن (أعظم) راجع إلى عظيم أجر قارئه وجزيل ثوابه، ومعنى أي الآية أعظم؟ : أي ثوابها أكثر؟ (قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ}). ورواه أبو القاسم الطبراني بهذا اللفظ عن مسلم بن خالد عن ابن جريج. . إلى آخره، وزاد حتى (¬3) انقضت الآية (¬4). وإنما تميزت آية ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" 3/ 105. (¬2) وقد عقد الإمام الزركشي في "البرهان" 1/ 438 نوعًا ذكر فيه اختلاف العلماء في هذِه المسألة. والراجح واللَّه أعلم: أن القرآن متفاضل، دلت على ذلك النصوص، وذهب إليه كثير من العلماء والأئمة. قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" 17/ 57: وفي الجملة فدلالة النصوص النبوية والآثار السلفية والأحكام الشرعية والحجج العقلية على أن كلام اللَّه بعضه أفضل من بعض هو من الدلالات الظاهرة المشهورة. . . فمعلوم أن الكلام له نسبتان: نسبة إلى المتكلِّم به، ونسبة إلى المتكلم فيه، فهو يتفاضل باعتبار النسبتين وباعتبار نفسه أيضًا. . فـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} كلاهما كلام اللَّه وهما مشتركان في هذِه الجهة لكنهما متفاضلان من جهة المتكلم فيه المخبر عنه. . . (¬3) بعدها في (ل، م): إذا. (¬4) "المعجم الكبير" 1/ 334 (999) دون الزيادة.

الكرسي بكونها أعظم؛ لما جمعت من أصول الأسماء والصفات: من الإلهية، والوحدانية، والحياة، والملك، والقدرة، والإرادة، وهذِه السبعة أصول الأسماء والصفات (¬1). [4004] (حدثنا أبو معمر عبد اللَّه بن عمرو بن أبي الحجاج) ميسرة البصري المقعد (قال: ثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان التميمي. (قال: ثنا شيبان (¬2)، عن الأعمش، عن شقيق، عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- أنه قرأ: {هَيْتَ}) بفتح الهاء وإسكان الياء وفتح التاء، قال الطبري: هي قراءة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3). قال الواحدي: هيت: اسم الفعل نحو رويد وصه ومه، ومعناه: هلم في جميع أهل اللغة، ولا مصدر له، ولا يصرف (¬4). قال الفراء: لغة أهل حوران سقطت إلى مكة فتكلموا بها (¬5). قال ابن الأنباري: وهذا وفاق وقع بين لغة قريش وبين لغة أهل حوران، كما اتفقت لغة العرب والحبشة في {نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} (¬6) وحروف كثيرة، ولا تثنية في هذا، ولا جمع ولا تأنيث، تقول للجماعة: هيت لكم. وللنسوة: هيت لكن. قال: وللعرب فيها لغات، أجودها فتح الهاء والتاء، وهي قراءة العامة. قال الزجاج: ¬

_ (¬1) ما ذكره المصنف من أن الصفات سبعة، هو مذهب الأشاعرة [انظر: "شرح المقاصد" 1/ 143]، وهو مخالف لما عليه أهل السنة والجماعة، وقد ذكر الإمام ابن خزيمة في كتابه "التوحيد"، والبيهقي في "الأسماء والصفات" وشيخ الإسلام في رسالته الماتعة المسماة "الواسطية" جملة من صفات. (¬2) في جميع النسخ: سفيان. وبعدها في الشرح: الثوري. والمثبت من "السنن". (¬3) "جامع البيان" 12/ 181. (¬4) "التفسير البسيط" 12/ 66. (¬5) "معاني القرآن" 2/ 40. (¬6) المزمل: 6.

لأنها بمنزلة الأصوات، ليس فيها فعل ينصرف، وفتحت التاء لسكونها وسكون الياء قبلها، واختير الفتح؛ لأن قبل التاء ياء كما قالوا: كيف وأين (¬1). (فقال) أبو وائل (شقيق: إنَّا) بتشديد النون (نقرؤها: {هَيْتَ}) بكسر الهاء وسكون الهمزة وضم التاء ({لَكَ}) وهي قراءة علي بن أبي طالب، وأبي رجاء، ويحيى، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة، وطلحة، وابن عباس، وابن عامر في رواية عنهما (¬2)، ورويت عن أبي عمرو، قال ابن عطية: وهذا يحتمل أن تكون من هاء الرجل يهيء إذا حَسَّنَ هيئته، على مثال: جاء يجيء. ويحتمل أن تكون بمعنى: تهيأت، كما يقال: فئت وتفيات بمعنى واحد، قال اللَّه تعالى: {يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ} (¬3) وقال: {حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} (¬4). (لك) اللام متعلقة بالفعل، أي: تهيأت لك، فدونك وما انتظارك! فاللام فيه اللام في أصلحت لك، كذا هذا إذا قلت: أهئت. بالهمز فعل صريح. (فقال ابن مسعود) إني (أقرؤها كما علمت) بضم العين وتشديد المكسورة (أحب إليّ) مما سمعت فيه أن العمل بالعلم مقدم على الظن الذي استفاده من قول غيره. [4005] (حدثنا هناد) بن السري (قال: ثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (عن الأعمش، عن) أبي وائل (شقيق) (¬5) بن سلمة الأسدي، ¬

_ (¬1) "معاني القرآن وإعرابه" 3/ 100. (¬2) انظر: "الحجة للقراء السبعة" 4/ 416 - 420. (¬3) النحل: 48. (¬4) "المحرر الوجيز" 7/ 474. (¬5) ساقطة من (م).

مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام، وأدرك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولم يره ولم يسمع منه (قال: قيل لعبد اللَّه) بن مسعود: (إن ناسًا يقرؤون هذِه الآية: وقالت هِئْتُ) بكسر الهاء وسكون الهمزة وضم التاء، كما تقدم، فعل رافع لضمير المتكلم (فقال: إني أقرأ كلما علمت) مبني للمفعول (أحب إلي) رواه ابن جرير من رواية منصور عن أبي وائل -يعني: شقيقًا- وقال فيه: دعوني فإني أقرأ كما أُقْرِئْتُ أحب إليَّ (¬1). وقال عبد الرزاق: أخبرني (¬2) الثوري عن الأعمش، عن أبي وائل قال: قال ابن مسعود: قد سمعت القراءة، فسمعتهم متقاربين، فاقرؤوا كما علمتم، وإياكم والتنطع والاختلاف، فإنما هو كقول أحدكم: هلم وتعالَ. ثم قرأ عبد اللَّه: ({وَقَالَتْ هَيْتَ}) (¬3). بفتح الهاء وإسكان الياء وفتح التاء. قال البخاري: وقال عكرمة: (هيت لك): هلم لك بالحورانية. هكذا ذكره معلقًا (¬4)، وقد أسنده الإمام أبو جعفر بن جرير: حدثني أحمد بن سهل الواسطي، ثنا قرة بن عيسى، ثنا النضر بن علي الجزري، عن عكرمة في قوله: {هَيْتَ لَكَ} قال: هَلُمَّ لك. قال: هي بالحورانية (¬5). هلم ({لَكَ}): هلم: اسم فعل بمعنى أسرع، واللام في لك للتبيين، أي: أقول لك على تقدير سؤال وجواب، يعني: فلما قيل: هيت. قال: لمن تقولي (¬6): هيت؟ ! قالت: لك أقول هذا. ¬

_ (¬1) "جامع البيان" 7/ 176. (¬2) في (ل، م): أخبرنا. (¬3) "تفسير القرآن العزيز" 1/ 279 (1293). (¬4) قبل حديث (4692). (¬5) "جامع البيان" 7/ 176. (¬6) في النسخ الخطية: تقول، والمثبت هو الصحيح.

[4006] (حدثنا أحمد بن صالح قال ح) هذِه حاء تحويل السند (وحدثنا سليمان بن داود) بن حماد بن سعد (¬1) (المَهْري) بفتح الميم قال: (أنا) عبد اللَّه (ابن وهب) الفهري، أحد الأعلام. (قال: أنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم) قال أحمد: لم يكن بالحافظ (¬2) (عن عطاء بن يسار) بمثناة ثم سين مهملة، الهلالي القاصِّ، من كبار التابعين وعلمائهم. (عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: قال اللَّه عز وجل لبني إسرائيل) وهو نبي اللَّه يعقوب عليه السلام، لما خرجوا من التيه بعد أربعين سنة مع يوشع بن نون عليه السلام، وفتحها اللَّه تعالى عليهم عشية جمعة وقد حبست لهم الشمس يومئذ قليلًا حتى أمكن الفتح (¬3). ({ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا}) أي: باب بيت المقدس، أُمروا أن يدخلوا باب البلد سجدًا شكرًا للَّه على ما أنعم عليهم من الفتح والنصر، ورد بلدهم إليهم، وإنقاذهم من التيه والضلال. قال ابن جرير: ثنا محمد بن بشار، ثنا أبو أحمد الزبيري، ثنا سفيان، عن الأعمش، عن منهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله تعالى: {ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} قال: ركعًا من باب صغير (¬4). ورواه الحاكم من حديث سفيان به (¬5). وقال خصيف: قال عكرمة: ¬

_ (¬1) في (ل، م): علي. (¬2) إنما قال أحمد ذلك في هشام بن سعد الذي قبله. انظر: "الكاشف" 2/ 336 (5964). (¬3) انظر: "فتح الباري" 6/ 22، "شرح مسلم" للنووي 12/ 51. (¬4) "جامع البيان" 1/ 338. (¬5) "المستدرك" 2/ 263 وصححه.

قال ابن عباس: كان الباب قِبَلَ القبلة (¬1). قال مجاهد والسدي: هو باب حطة (¬2). ({وَقُولُوا حِطَّةٌ}) خبر مبتدأ محذوف، هي فِعْلَة من الحط، وهو وضع الشيء من أعلى إلى أسفل، من حط الحمل عن الدابة. ويقال في الدعاء: حط اللَّه عنك وزرك. فالحطة من الحط مثل الردة من الرد، قال أبو إسحاق: معناه: قولوا (¬3)، مسألتنا حطة، أي: حط عنا ذنوبنا، والقراءة بالرفع على هذا التأويل (¬4). قال الزمخشري: الأصل الرفع، وإنما نصبت لتعطي معنى الثبات. شكا إليَّ جملي طول السرى يا جملي ليس إلينا المشتكى صبر جميل فكلانا مبتلى والأصل: صبرًا. ويؤيد هذا قراءة إبراهيم بن أبي عبلة بالنصب (¬5). كما روي في البيت: صبرًا جميلًا (تُغْفَرْ) مبني للمفعول (لكم) أصل الغفر: الستر والتغطية، ومنه قول عمر -لمن قال له: حصب المسجد-: هو أغفر للنخامة (¬6). وقراءة الجمهور {نَغْفِرْ} بفتح النون وهو الجازي على ما ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي حاتم في "تفسير القرآن العظيم" 1/ 117 (573)، 4/ 1106 (6205)، 5/ 1594 - 1595 (8414). (¬2) "تفسير ابن أبي حاتم" 1/ 117 (574)، 4/ 1106 (6206). (¬3) في (ج، ل، م): قوله. والجادة ما أثبتناه. (¬4) "معاني القرآن وإعرابه" 1/ 139. (¬5) "الكشاف" 1/ 123. (¬6) رواه ابن أبي شيبة 2/ 267 (8834)، 7/ 258 (35851).

قبله {وَإِذْ قُلْنَا} وما بعده {سَنَزِيدُ}. ({خَطَايَاكُمْ}) لم يقرأ أحد من السبعة إلا بهذا اللفظ، لكن أمالها الكسائي (¬1). [4007] (حدثنا جعفر بن مسافر) بن إبراهيم الهذلي (قال: ثنا) محمد ابن إسماعيل (ابن أبي فديك، عن هشام بن سعد بإسناده مثله) ذكره بهذا الإسناد ابن مردويه فقال: ثنا عبد اللَّه بن جعفر، ثنا إبراهيم بن مهدي (¬2)، ثنا أحمد بن محمد بن المنذر، ثنا ابن أبي فديك، ثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري قال: سرنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، حتى إذا كان من آخر الليل أخرنا في سرية يقال: لها ذات الحنظل. فقال: "ما مثل هذِه البقعة هذِه الليلة إلا كمثل الباب الذي قال اللَّه. . . " الى آخره (¬3). [4008] (حدثنا موسى بن إسماعيل قال: ثنا حماد، قال: ثنا هشام ابن عروة، عن عروة أن عائشة قالت: نزل الوحي على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقرأ علينا: {سُورَةٌ}) خبر مبتدأ محذوف، أي: هذِه سورة ({أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} قال أبو داود: مخففة) الراء، أي: ألزمناكم العمل بما فرض فيها. وقال أبو علي: أي: فرضنا فرائضها، فحذف المضاف (حتى أتى على هذِه الآيات). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "الحجة للقراء السبعة" 2/ 85 - 86. (¬2) في النسخ: (فهد) والمثبت من "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير 1/ 421 ط. مكتبة أولاد الشيخ. وقد أشار محققو هذِه الطبعة أنه وقع في نسخة عندهم: (فهد). (¬3) انظر: "تفسير القرآن العظيم" 1/ 421.

آخر كتاب الحروف بفضل اللَّه الرؤوف يتلوه كتاب الحمَّام. * * *

كتاب الحمام

كتاب الحمام

1 - باب الدخول في الحمام

32 - الحمام 1 - باب الدُّخُولِ في الحَمّامِ 4009 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدّادٍ، عَنْ أَبي عُذْرَةَ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- نهَى عَنْ دُخُولِ الحَمّاماتِ، ثُمَّ رَخَّصَ لِلرِّجالِ أَنْ يَدْخُلُوها في المَيازِرِ (¬1). 4010 - حَدَّثَنا محَمَّد بْنُ قُدامَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، ح وَحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ -جَمِيعًا- عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سالِمِ بنِ أَبي الجَعْدِ -قالَ ابن المُثَنَّى-، عَنْ أَبي المَلِيحِ قالَ: دَخَلَ نِسْوَة مِنْ أَهْلِ الشّامِ عَلَى عائِشَةَ رضي اللَّه عنها فَقالَتْ: مِمَّنْ أَنْتُنَّ؟ قُلْنَ: مِنْ أَهْلِ الشّامِ. قالَتْ: لَعَلَّكُنَّ مِنَ الكُورَةِ التي تَدْخُل نِساؤُها الحَمّاماتِ؟ قُلْنَ: نَعَمْ. قالَتْ: أَما إِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يقُولُ: "ما مِنِ امْرَأَةٍ تَخْلَعُ ثِيابَها في غَيْرِ بَيْتِها إِلَّا هَتَكَتْ ما بَيْنَها وَبَيْنَ اللَّهِ تَعالَى". قالَ أَبُو داوُدَ: هذا حَدِيثُ جَرِيرٍ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2802)، وابن ماجه (3749)، وأحمد 6/ 132. وضعفه الألباني.

وَهُوَ أَتَمُّ وَلَمْ يَذْكرْ جَرِيرٌ أَبا المَلِيحِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1). 4011 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن يُونُسَ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن زِيادِ بْنِ أَنْعَمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِنَّها سَتُفْتَحُ لَكُمْ أَرْضُ العَجَمِ وَسَتَجِدُونَ فِيها بُيُوتًا يُقالُ لَها الحَمّاماتُ فَلا يَدْخُلَنَّها الرِّجالُ إِلَّا بِالأُزُرِ وامْنَعُوها النِّساءَ إِلَّا مَرِيضَةً أَوْ نُفَساءَ" (¬2). * * * بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كتاب الحمام [4009] (حدثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (ثنا حماد) بن سلمة (عن عبد اللَّه بن شداد) المدني، قال ابن معين: ليس به بأس (¬3). (عن أبي عُذْرَة) بضم العين المهملة، قال الترمذي: وكان قد أدرك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬4). وقال أبو زرعة: لا أعلم أحدًا سمَّاه (¬5). (عن عائشة رضي اللَّه عنها أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى) زاد الترمذي وابن ماجه: الرجال والنساء (¬6) (عن دخول الحمامات) هذا القياس، فإن ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2803)، وابن ماجه (3750)، وأحمد 6/ 41. وصححه الألباني. (¬2) رواه ابن ماجه (3748) وضعفه الألباني. (¬3) "سؤلات ابن الجنيد ليحيى بن معين" ص 146 (426). (¬4) "سنن الترمذي" (2802). (¬5) "الجرح والتعديل" 9/ 418. (¬6) "سنن الترمذي" (2802)، "سنن ابن ماجه" (3749).

الأغلب فيه التأنيث، فيقال: هي الحمام. فيه النهي عن دخول النساء الحمام، وأصرح من ذلك رواية الحاكم عنها: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "الحمام حرام على نساء أمتي. . . " وقال: صحيح الإسناد (¬1). ودخل في عموم الحديث من استترت ولم تنظر إلى عورة، لكن سيأتي استثناء المريضة والنفساء، ومن في معناهما. (ثم رَخَّص) بفتح الراء والخاء (للرجال) مفهوم الرخصة أن الأفضل لهم عدم الدخول. (أن يدخلوها في المآزر) بفتح الميم والهمزة الممدودة، جمع مئزر، نحو مقود ومقاود، والمراد بالإزار هنا الساتر ما بين السرة والركبة. زاد ابن ماجه في روايته: ولم يرخص للنساء (¬2). ومما يجب الاعتناء به ستر ما تحت السرة إلى ما فوق الركبة (¬3)، فقد اعتاد أكثر الناس في الإزار -في الحمام وغيره-[وفي السراويل أن يعقدا دون ما ورد الشرع به فيظهر ذلك، وكشفه حرام في الحمام وغيره] (¬4)، والصلاة والطواف باطلان مع كشف ذلك، فإذا عرف الرجل (أو المراهق) (¬5) الذي لا يخاف من الفتنة - أن يسلم من النظر إلى العورات ونظر الناس إلى عورته فلا بأس بدخوله؛ لأنه روي أن ابن ¬

_ (¬1) "المستدرك" 4/ 290. وصححه الألباني في "الصحيحة" (3439). (¬2) "سنن ابن ماجه" (3749). (¬3) في (ح): العانة. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬5) في (ل)، (م): أو المرأة و.

عباس دخل حمامًا بالجحفة (¬1)، وكان الحسن وابن سيرين يدخلان الحمام (¬2)، رواه الخلال. وإن خشي أن لا يسلم من ذلك كره له ذلك؛ لأنه لا يأمن دخوله في المحظور؛ ولأن من المقطوع به في الشريعة مراعاة حفظ المروءة، وليس مع كشف جسم الآدمي مروءة، وأشد من كشفه تمكين دلاك منه في حمام أو غيره. [4010] (حدثنا محمد بن قدامة) بن أعين المصيصي، قال الدارقطني: ثقة (¬3). قال: (حدثنا جرير) بن عبد الحميد (ح، وحدثنا) أيضًا (محمد بن المثنى، ثنا محمد بن جعفر) غندر (ثنا شعبة جميعًا عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد) رافع الأشجعي (قال: ) محمد (ابن المثنى) عن شيخه محمد بن جعفر أنه قال في روايته (عن أبي المليح) عامر بن أسامة الهذلي، ثقة (قال: دخل نسوة من أهل الشام) ولابن ماجه: أن نسوة من أهل حمص استأذنَّ (¬4) (على عائشة) وحمص مدينة، وأما الشام فإقليم من جملته حمص. وفيه دليل على أن النساء إذا قدمن إلى بلد يستحب (¬5) لهن زيارة من بها من النساء اللاتي من أهل الدين والصلاح، كما يستحب للرجال زيارة الرجال. (قالت عائشة: ممن أنتنَّ؟ قلن: ) نحن (من أهل الشام) يعني: حمص ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة 3/ 101 (1169)، 3/ 330 (14788)، والبيهقي 5/ 63. (¬2) روى ابن أبي شيبة 1/ 103 (1164) عن الحسن وابن سيرين أنهما كانا يكرهان دخول الحمام. (¬3) "العلل" 10/ 136. (¬4) "سنن ابن ماجه" (3750). (¬5) في (ل)، (م): استحب.

(قالت: لعلَّكنَّ من الكُورَة) بضم الكاف: الصقع، وتطلق على المدينة كما هو هنا، والجمع كور مثل غرف وغرفة (التي تدخل نساؤها الحمامات. قلن: نعم. قالت: أمَا) بتخفيف الميم (إني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: ما مِنِ) بكسر النون في الوصل على الأرجح من الفتح. (امرأة تخلع ثيابها) لفظ الترمذي وابن ماجه: "تضع ثيابها" (¬1) وهو قريب منه، فإنها إذا خلعت ثيابها وضعتها (في غير بيتها)، وعندهما: "في غير بيت زوجها" (¬2). ورواه الحاكم من طريق دراج أبي السمح عن السائب أن نساءً دخلن على أم سلمة، فسألتهنَّ: من أنتنَّ؟ قلن: من أهل حمص. قالت: قلت: من أصحاب الحمامات؟ قلن: وبها بأس؟ ! قالت: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "أيما امرأة نزعت ثيابها في غير بيتها خرق اللَّه عنها ستره" (¬3). (إلا هتكت ما بينها وبين اللَّه) من الستر، أي: خرقته كما في رواية الحاكم. والمراد بالستر ستر معاصي العبد وعيوبه عن إذاعتها لأهل الموقف يوم القيامة، ويحتمل أن يراد بالستر ترك محاسبته عليها، وترك ذكرها كما في الحديث: "إن اللَّه يقرر العبد بذنوبه، ثم يقول: سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم" (¬4). ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (2803)، "سنن ابن ماجه" (3750). (¬2) "سنن الترمذي" (2803)، "سنن ابن ماجه" (3750). (¬3) "المستدرك" 4/ 289. وصححه الألباني في "غاية المرام" (195). (¬4) رواه البخاري (2441، 4685، 6070، 7514)، ومسلم (2768) من حديث ابن عمر.

(قال: ) المصنف (حديث جرير أتم ولم يذكر جرير) بن عبد الحميد (أبا المليح) بفتح الميم (قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) فيكون حديث جرير مرسلًا. [4011] (حدثنا أحمد) (¬1) بن عبد اللَّه (بن يونس) اليربوعي الكوفي (ثنا زهير، ثنا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم) الإفريقي، قاضي إفريقية لمروان، قال يحيى بن سعيد القطان: ثقة. وقال الترمذي: ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه يحيى القطان وغيره، ورأيت محمد بن إسماعيل يقوي أمره (¬2). وقال النسائي: لا بأس به (¬3). وهو (عن عبد الرحمن بن رافع) التنوخي المصري، قاضي إفريقية، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4) (عن عبد اللَّه بن عمرو) بن العاص رضي اللَّه عنهما (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إنها ستفتح لكم أرض العَجَم) بفتح العين والجيم، وهم خلاف العرب. ولفظ ابن ماجه: "تفتح لكم أرض الأعاجم" (¬5). وهذا من معجزاته -صلى اللَّه عليه وسلم- بإخباره بالكوائن والحوادث التي تكون وتحدث في أمته إلى قيام الساعة، فقد فتحت أراضي الأعاجم كبخارى وخراسان وهراة وغير ذلك مما وجد فيه من بيوت الحمامات. (وستجدون فيها بيوتًا يقال لها: الحمامات: ) فيه أن من حلف لا ¬

_ (¬1) فوقها في (ل)، (ح): (ع). (¬2) "سنن الترمذي" بعد حديث (199). (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 17/ 102 (3817). (¬4) "الثقات" 5/ 95. (¬5) "سنن ابن ماجه" (3748).

يدخل بيتًا فدخل حمامًا أنه يحنث كما نص عليه الإمام أحمد (¬1)، لما روى الحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم: "اتقوا بيتًا يقال له (¬2): الحمام". فقالوا: يا رسول اللَّه، إنه يذهب الدرن وينفع المريض. قال: "فمن دخله فليستتر" (¬3). ورواه الطبراني (¬4)، وأوله: "شر البيوت الحمام؛ ترفع فيه الأصوات، وتكشف فيه العورات" (¬5)؛ ولأنه بيت في الحقيقة، فإذا كان بيتًا في الحقيقة وسماه الشارع بيتًا؛ فيحنث بدخوله كبيت الإنسان، ومذهب الشافعي (¬6) وأكثر الفقهاء (¬7) أنه لا يحنث بدخوله، لأنه لا يسمى بيتًا في العرف، والأيمان مبنية على العرف. (فلا يدخلنها الرجال إلا بالأُزُر) بضم الهمزة والزاي، جمع إزار، وشرطه أن يستر العورة كما تقدم، ويمنع وصف البشرة لا وصف الحجم. (وامنعوها النساء) وفي معناهن الأمرد الحسن الذي يخاف منه الفتنة. ¬

_ (¬1) انظر: "المغنى" 13/ 605. (¬2) في جميع النسخ: لها، والمثبت من "المستدرك". (¬3) "المستدرك" 4/ 288 من حديث ابن عباس. (¬4) "المعجم الكبير" 11/ 25 - 26 (10926). وصححه الألباني في "غاية المرام" (193). (¬5) هذا لفظ آخر رواه الطبراني 11/ 27 (10932). وهذا ضعفه الألباني في "الضعيفة" (3744). (¬6) انظر: "روضة الطالبين" 11/ 85. (¬7) انظر: "المبسوط" 8/ 171، "البيان والتحصيل" 3/ 122، "اختلاف الأئمة العلماء" 2/ 373.

(إلا مريضة) أي: لا يدخل النساء الحمام إلا بإزار سابغ يستر عورتها، وتسلم من نظرها إلى عورة آدمي. وشرط أن تكون مع ذلك مريضة أو حائضًا (أو نفساء) أو مع حاجة شديدة إلى الغسل، ولا يمكنها أن تغتسل في بيتها لتعذر ذلك عليها أو خوفها من ضرر (¬1) ظاهر، فيباح لها ذلك، وأما مع عدم العذر فلا. * * * ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): مرض.

2 - باب النهي عن التعري

2 - باب النَّهْي عَنِ التَّعَرِّي 4012 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن مُحَمَّدِ بْنِ نُفَيْلٍ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمانَ العَرْزَمي، عَنْ عَطاءٍ، عَنْ يَعْلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- رَأى رَجُلًا يَغْتَسِلُ بِالبَرازِ بِلا إِزارٍ فَصَعِدَ المِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيي سِتِّيرٌ يُحِبُّ الحَياءَ والسَّتْرَ فَإِذا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ" (¬1). 4013 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ، حَدَّثَنا الأَسْوَدُ بْن عامِرٍ، حَدَّثَنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ عيّاشٍ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمانَ، عَنْ عَطاءٍ، عَنْ صَفْوانَ بْنِ يَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بهذا الحَدِيثِ. قالَ أَبُو داوُدَ: الأَوَّلُ أَتَمُّ (¬2). 4014 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ زُرْعَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَزهَدٍ، عَنْ أَبِيهِ -قالَ: كانَ جَرْهَدٌ هذا مِنْ أَصْحابِ الصُّفَّةِ- قالَ: جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عِنْدَنا وَفَخِذي مُنْكَشِفَةٌ فَقالَ: "أَما عَلِمْتَ أَنَّ الفَخِذَ عوْرةٌ" (¬3). 4015 - حَدَّثَنا عَلي بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلي، حَدَّثَنا حَجّاجٌ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، قالَ: أُخْبِرْتُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثابِتٍ، عَنْ عاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلي -رضي اللَّه عنه-، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تَكْشِفْ فَخِذَكَ وَلا تَنْظُرْ إِلَى فَخِذِ حَي وَلا ميِّتٍ". قالَ أَبُو داوُدَ: هذا الحَدِيثُ فِيهِ نَكارَةٌ (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه النسائي 1/ 250، وأحمد 4/ 224. وصححه الألباني. (¬2) انظر السابق. (¬3) رواه الترمذي (2798)، وأحمد 3/ 478. وصححه الألباني "صحيح الجامع" (1683). (¬4) رواه ابن ماجه (1460)، وأحمد 1/ 146. وضعفه الألباني "ضعيف الجامع" (6187).

[4012] (حدثنا عبد اللَّه بن محمد بن نفيل) النفيلي (ثنا زهير) (¬1) بن معاوية (عن عبد الملك بن أبي سليمان العَرْزَمِيِّ) بفتح العين المهملة وسكون الراء وفتح الزاي ثم ميم، نسبة إلى عرزم قبيلة من فزارة، نزلوا في جبانة عرزم بالكوفة، فنسبوا إليها، الكوفي. قال أحمد: ثقة، يخطئ، من أحفظ أهل الكوفة (¬2)، رفع أحاديث. (عن عطاء) بن أبي رباح (عن يعلى) (¬3) بن أمية التميمي، حليف قريش، شهد حنينًا والطائف وتبوك، وأسلم يوم الفتح، حمل عائشة على جمل يقال له: عسكر. كان اشتراه بمائتي دينار (¬4). (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رأى رجلًا يغتسل بالبَرَاز بلا إزار) بفتح الموحدة، هو الفضاء الواسع. (فصعِد) بكسر العين (المِنْبَر) بكسر الميم، ليكون أبلغ في سماع كلامه (فحمِد) بكسر الميم (اللَّه تعالى، وأثنى عليه) بما هو أهله سبحانه، وفيه استحباب الابتداء بحمد اللَّه لكل خطيب وواعظ. (ثم قال) نبي اللَّه (-صلى اللَّه عليه وسلم-: إن اللَّه تعالى حَيِيٌّ) بكسر الياء الأولى، والحياء تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به ويذم (¬5)، والتغير لا يعقل إلا في حق الجسم، لكنه لوروده في الحديث يُؤول ¬

_ (¬1) فوقها في (ل)، (ح): (ع). (¬2) انظر: "التاريخ الكبير" 18/ 324 (3532). (¬3) بعدها في (ل)، (م): عن صفوان بن يعلى. (¬4) انظر: "الاستيعاب" 4/ 147. (¬5) انظر: "فتح الباري" 1/ 52.

وجوبًا بما هو قانون في أمثال هذِه الأشياء، أن كل صفة ثبتت للعبد مما يختص بالأجسام، فإذا وصف اللَّه بذلك فذاك محمول على نهايات الأعراض لا على بدايات الأعراض، مثاله أن الحياء حالة تحصل للإنسان لكن لها مبدأ ومنتهى، أما المبدأ فهو التغير الجسماني الذي يلحق الإنسان من خوف أن ينسب إلى القبيح، وأما النهاية فهي أن يترك الإنسان ذلك الفعل، فإذا ورد الحياء في حق اللَّه فليس المراد منه ذلك الخوف الذي هو مبدأ الحياء ومقدمته، بل ترك الفعل الذي هو منتهاه وغايته. وكذلك الغضب له مقدمة، وهي غليان دم القلب، وشهوة الانتقام، وله غاية وهو إنزال العقاب بالمغضوب عليه (¬1). (سِتِّير) بكسر السين، أي: يحب الحياء والستر، أو هو فعيل بمعنى فاعل، أي: من شأنه وإرادته حب الستر والصون، أو هو فعيل بمعنى مفعول، أي: هو مستور عن العيون في الدنيا. ¬

_ (¬1) ما ذكره المصنف من التأويلات لصفتي الحياء والستر، ومعهم صفة الغضب، ليس بمستغرب؛ إذ ظهر من كلامه -رحمه اللَّه- أنه أشعري العقيدة، ولكن الحق أن يتبع؛ فنقول: الصحيح من مذهب سلف الأمة وخلفها من لدن الصحابة إلى اليوم أن للَّه سبحانه وتعالى أسماء وصفات لا تماثل صفات المخلوقين بحال كما يزعم المشبهة، ومع ذلك فله كيفية ومعنى، ونحن نعلم المعنى ونجهل الكيفية ونثبتها على الوجه اللائق به عز وجل. وقد توافرت الأدلة -غير هذا الدليل- على إثبات هذِه الصفات للَّه عز وجل، إلا أن المقام لا يتسع لذكرها. انظر: "الأسماء والصفات" للبيهقي 2/ 433، "مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام 4/ 181، "النهج الأسنى في شرح أسماء اللَّه الحسنى" 3/ 99، 115.

(يحب الحياء والسَّتر) بفتح السين، أي: يحب من فيه الحياء، ولهذا جاء في الحديث: "الحياء من الإيمان" (¬1) ويحب الستر. وفي الحديث المتقدم: "من ستر مسلمًا ستره اللَّه" (¬2). وفي حديث ماعز: "ألا سترته بثوبك" (¬3) إنما قال (¬4) ذلك حبًّا لإخفاء الفضيحة وكراهيةً لإشاعتها. (وإذا اغتسل أحدكم فليستتر) فيه دليل لما قاله أصحابنا وغيرهم أن من اغتسل بحضرة الناس وجب عليه ستر عورته، فإن كان خاليًا جاز الغسل مكشوف العورة، والتستر أفضل، هذا مذهبنا (¬5)، ونقل القاضي عياض جواز الاغتسال عريانًا في الخلوة عن جماهير العلماء (¬6) لحديث البخاري أن موسى اغتسل عريانًا، فذهب الحجر بثوبه (¬7)، وأن أيوب كان يغتسل عريانًا (¬8)، وهذان الحديثان مفرعان على الاحتجاج بشرع من قبلنا. [4013] (حدثنا محمد بن أحمد بن أبي خلف) البغدادي، شيخ مسلم (ثنا الأسود بن عامر) شاذان البغدادي. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (24)، ومسلم (36) من حديث ابن عمر. (¬2) رواه البخاري (2442)، ومسلم (2580) من حديث ابن عمر. (¬3) يأتي برقم (4377) ورواه أيضًا أحمد 5/ 216، 217، والنسائي في "الكبرى" 4/ 306 - 307. (¬4) في (ل)، (م): كان. (¬5) انظر: "روضة الطالبين" 1/ 90. (¬6) "إكمال المعلم" 7/ 175. (¬7) رواه البخاري (278)، ومسلم (339) من حديث أبي هريرة. (¬8) رواه البخاري (7493) من حديث أبي هريرة.

(ثنا أبو بكر بن عياش، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن صفوان بن يعلى، عن أبيه) يعلى بن أمية (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بهذا الحديث) المذكور. (قال) المصنف (و) الحديث (الأول أتم) من هذا. [4014] (حدثنا عبد اللَّه بن مسلمة) القعنبي (عن مالك، عن أبي النضر) سالم بن أبي أمية المدني (عن زرعة) بضم الزاي أوله (بن عبد الرحمن بن جرهد) بفتح الجيم والهاء. (عن أبيه) عبد الرحمن بن جرهد، قال المنذري: رواه بعضهم عن زرعة عن أبيه، عن جده، وذكر البخاري في "التاريخ الكبير" الاختلاف فيه (¬1)، وقال في "الصحيح": حديث أنس أسند، وحديث جرهد أحوط (¬2). يشير إلى حديث أنس بن مالك قال: حسر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن فخذه (¬3). ومعنى قول البخاري: أسند. أي: أحسن إسنادًا من حديث جرهد، ومعنى: أحوط: أقرب إلى التقوى. وأخرج الترمذي هذا الحديث في "جامعه" من حديث سفيان بن عيينة، عن أبي النضر، عن زرعة، عن جده جرهد، وقال: حديث حسن، ما أرى إسناده بمتصل (¬4)! (قال: ) و (كان جرهد) بن خويلد الأسلمي المدني الصحابي (¬5) (من أصحاب الصفة) وهو موضع مظلل من مسجد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، كان يأوي ¬

_ (¬1) "التاريخ الكبير" 2/ 249. (¬2) "صحيح البخاري" قبل حديث (371). (¬3) "مختصر سنن أبي داود" 6/ 17 - 18. والحديث رواه البخاري (371). (¬4) "سنن الترمذي" (2795). (¬5) انظر: ترجمته في "الاستيعاب" 1/ 335.

إليه المساكين؛ لأنهم كانوا غرباء لا منازل لهم. وقيل: سموا أصحاب الصفة؛ لأنهم كانوا يصفون (¬1) على أبواب المساجد (أنه قال: جلس رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عندنا) على الصفة، وفيه (¬2) فضيلة الجلوس إلى المساكين وتعليمهم أمور دينهم. (وفَخِذي) بكسر الخاء (منكشفة، فقال: أما علمت) يا جرهد (أن الفخذ عورة) وفيه حجة لمذهب الشافعي (¬3) وموافقيه أن الفخذ عورة. فإن قيل: ما الجواب عن حديث أنس (¬4) الذي جعله البخاري أحسن سندًا؟ فالجواب أنه محمول على أنه حسر عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بغير اختياره بسبب ازدحام الناس عليه، ويدل على ذلك مس ركبة أنس فخذه -صلى اللَّه عليه وسلم-. [4015] (حدثنا علي بن سهل) بن قادم (الرملي) قال النسائي: هو نسائي ثقة، سكن الرملة (¬5). (ثنا حجاج) بن محمد الأعور (عن) عبد الملك (ابن جريج قال: أخبرت عن حبيب (¬6) بن أبي ثابت) الأسدي مولاهم الكوفي. (عن عاصم بن ضمرة) السلولي، وثقه يحيى بن معين (¬7) وعلي بن المديني، قال أبو حاتم في "العلل": إن الواسطة بينهما هو الحسن بن ذكوان. قال: ولا تثبت لحبيب رواية عن عاصم (¬8). وكذا قال ابن ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): يصطفون. (¬2) ساقطة من (ل)، (م). (¬3) "الأم" 8/ 33، وانظر: "نهاية المطلب" 2/ 193. (¬4) رواه البخاري (371). (¬5) انظر: "تهذيب الكمال" 20/ 454. (¬6) فوقها في (ل)، (ح): (ع). (¬7) "تاريخ ابن معين" رواية الدارمي ص 149 (516). (¬8) "العلل" (2308).

معين: إن حبيبًا (¬1) لم يسمع من عاصم، وبين البزار أن بينهما عمرو بن خالد الواسطي، فهو الواسطة. (عن علي -رضي اللَّه عنه-: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا تكشف فخذك) فيه النهي عن كشف الفخذ؛ لأنه عورة، ويدل عليه رواية الدارقطني والبيهقي: عورة الرجل ما بين سرته إلى ركبته (¬2). (ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت) فيه أن الفخذ من الحي والميت عورة، فلا ينظر الغاسل من بدن الميت إلا بقدر الحاجة؛ لأنه عورة، وغير الغاسل أولى بمنع النظر، وحكم المس حكم النظر، بل أولى؛ لأنه أبلغ، فلو وقعا منه بغير شهوة في غير العورة لم يحرم، بل هو تارك الأولى. وقيل: ارتكب المكروه، وأما النظر إلى تحريمها فلا شك فيه. (قال: ) المصنف (هذا الحديث فيه نكارة) الظاهر أن النكارة من جهة الانقطاع المذكور، فإن رجال إسناده ثقات، وقد زال الانقطاع بواسطة الحسن بن ذكوان كما قال أبو حاتم، أو عمرو بن خالد كما ذكره البزار، والحسن بن ذكوان البصري أخرج له البخاري في الرقاق من "الصحيح" (¬3)، وعمرو بن خالد الحراني المصري أخرج له البخاري في الإيمان والتفسير. * * * ¬

_ (¬1) في النسخ الخطية: حبيب والجادة ما أثبتناه. (¬2) "سنن الدارقطني" 1/ 431، "سنن البيهقي" 2/ 228 من حديث عبد اللَّه بن عمرو. (¬3) "صحيح البخاري" (6566).

3 - باب ما جاء في التعري

3 - باب ما جاءَ في التَّعَرِّي 4016 - حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأُمَوي، عَنْ عُثْمانَ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبي أُمامَةَ بْنِ سَهْلٍ، عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قالَ: حَمَلْتُ حَجَرًا ثَقِيلًا فَبَيْنا أَمْشي فَسَقَطَ عَنّي ثَوْبي، فَقالَ لي رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خُذْ عَلَيْكَ ثَوْبَكَ وَلا تَمْشُوا عُراةً" (¬1). 4017 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنا أَبي، ح وَحَدَّثَنا ابن بَشّارٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى نَحْوَهُ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ عَوْراتُنا ما نَأْتي مِنْها وَما نَذَرُ؟ قالَ: "احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ". قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ إِذا كانَ القَوْمُ بَعْضُهُمْ في بَعْضٍ قالَ: "إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لا يَرَيَنَّها أَحَدٌ فَلا يَرَيَنَّها". قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ إِذا كانَ أَحَدُنا خالِيًا قالَ: "اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيا مِنْهُ مِنَ النّاسِ" (¬2). 4018 - حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا ابن أَبي فُدَيْكٍ، عَنِ الضَّحّاكِ بْنِ عُثْمانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي سَعِيدٍ الخُدْري، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "لا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عُرْيَةِ الرَّجُلِ وَلا المَرْأَةُ إِلَى عُرْيَةِ المَرْأَةِ وَلا يُفْضي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ في ثَوْبٍ واحِدٍ، وَلا تُفْضي المَرْأَةُ إِلَى المَرْأَةِ في ثَوْبٍ" (¬3). 4019 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنا ابن عُليَّةَ، عَنِ الجُرَيْري ح وَحَدَّثَنا مُؤَمَّلُ بْنُ هِشامٍ قالَ: حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ، عَنِ الجُرَيْري، عَنْ أَبي نَضْرَةَ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الطُّفاوَةِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يُفْضِيَنَّ رَجُلٌ إِلَى رَجُلٍ وَلا ¬

_ (¬1) رواه مسلم (341). (¬2) رواه الترمذي (2769)، وابن ماجه (1920). وحسنه الألباني "المشكاة" (3117) (¬3) رواه مسلم (338)، والترمذي (2793)، والنسائي (9229)، وابن ماجه (661).

امْرَأَةٌ إِلَى امْرَأَةٍ إِلَّا وَلَدًا أَوْ والِدًا". قالَ: وَذَكَرَ الثّالِثَةَ فَنَسِيتُها (¬1). * * * باب ما جاء فى التعرِّي [4016] (حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) الهذلي القطيعي، شيخ البخاري. (حدثنا يحيى بن سعيد) (¬2) بن أبان (الأموي) بضم الهمزة (عن عثمان بن حَكيم) بفتح الحاء ابن عباد بن حنيف [الأوسي، أخرج له مسلم. (عن أبي أمامة) (¬3) أسعد (بن سهل) بن حنيف] (¬4) (عن المسور بن مخرمة) بن نوفل الزهري، أمه عاتكة أخت عبد الرحمن بن عوف. (قال: حملت حجرًا ثقيلًا) لفظ مسلم: أقبلت بحجر أحمله ثقيل وعليَّ إزار خفيف (¬5). (فبينا) أنا (أمشي) زاد مسلم: فانحل إزاري (¬6). (فسقط عني ثوبي) زاد مسلم: ومعي الحجر لم أستطع أن أضعه حتى بلغت به إلى موضعه (¬7). ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (4019)، وأحمد 2/ 447. وضعفه الألباني "ضعيف الجامع" (6358). (¬2) فوقها في (ل)، (ح): (ع). (¬3) فوقها في (ل)، (ح): (ع). (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬5) مسلم (341). (¬6) السابق. (¬7) السابق.

(فقال لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ) ارجع إلى ثوبك (خذ عليك ثوبك، ولا تمشوا عراة) فيه تحريم المشي عريانًا بحضرة الناس، فأما مشيه بحيث لا يراه آدمي، فإن كان لعدم ما يستتر به ولو طينًا أو أوراق أشجار أو لحاجة غير ذلك جاز، وإن كان لغير حاجة فللعلماء خلاف في كراهته وتحريمه، والأصح عندنا حرام، وأما إذا سقط عنه إزاره وهو ماشٍ، فإن استطاع تناوله والاستتار به وجب عليه (¬1)، وإلا فلا، كما في الحديث (¬2). [4017] (حدثنا عبد اللَّه بن مسلمة) بن قعنب [(عن أبيه) مسلمة بن قعنب] (¬3) الحارثي، قال المصنف: كان له شأن وقدر (¬4). ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬5) (وحدثنا) محمد (ابن بشار) بندار (ثنا يحيى) بن سعيد القطان (نحوه، عن بهز بن حكيم، عن أبيه) حكيم بن معاوية بن حيدة (عن جده) معاوية بن حيدة بن معاوية القشيري، صحابي نزل البصرة، ومات بخراسان غازيًا (¬6). قال المصنف: أحاديث بهز بن حكيم صحاح (¬7). (قال: قلت: يا رسول اللَّه، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ ) أي: ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل)، (م). (¬2) البخاري 1/ 197، ومسلم 1/ 376. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل)، (م). (¬4) "سؤلات أبي عبيد الآجري لأبي داود" (425). (¬5) "الثقات" 7/ 490. (¬6) انظر: "الاستيعاب" 3/ 470. (¬7) انظر: "تهذيب الكمال" 4/ 259 (775).

عوراتنا التي نستحي من رؤيتها ما نستر منها وما نتركه ظاهرًا؟ . (قال: احفظ عورتك) من كل الآدميين (إلا من زوجتك) هذا الخطاب وإن كان لمفرد مواجه فإنه خطاب للجميع الحاضر منهم والغائب، لقرينة عموم السؤال، فاكتفي بتبيين الحكم له خاصة لمشاركة غيره له ومساواته في الحكم. وفيه أنه ليس على الرجل حفظ عورته من زوجته، كما أن المرأة ليس عليها حفظ عورتها من زوجها، ولا يحرم على أحد الزوجين أبدًا شيء لصاحبه من نفسه؛ لهذا الحديث. ولا خلاف فيه في غير الفرج، إنما الخلاف في جواز نظر الرجل إلى فرج امرأته، والصحيح عند الشافعي الكراهة، وفي حديث عائشة أنها ما رأت قط فرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ذكره الترمذي، ولم يصح، فإنه من حديث مولى لعائشة، ولا يعرف هذا المولى (¬1). وللنسائي عن عبد اللَّه بن سرجس أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا أتى أحدكم أهله فليلق على عجزه وعجزها شيئًا، ولا يتجردا تجرد العَيرين". قال النسائي: هذا حديث منكر (¬2). وعلى تقدير صحته ليس فيه ذكر نظر أحدهما إلى الآخر، والعَير بفتح العين المهملة: الحمار الوحشي. (أو ما ملكت يمينك) يدخل فيه الذكر والأنثى والقنة والمدبرة والمكاتبة والمعلق عتقها بصفة وأم الولد، فإن الكل يضمنون بالقيمة. ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (662، 1922). والترمذي في "الشمائل" (342). وضعف إسناده البوصيري في "المصباح" 1/ 85، 2/ 109. (¬2) "السنن الكبرى" 5/ 327 (9029).

(قال: قلت: يا رسول اللَّه) أرأيت (إذا كان القوم بعضُهم) بالرفع بدل و (في بعض) خبر (كان)، يحتمل أن يراد به رؤية الأقارب بعضهم في بعض كالأب والجد والابن وابنه ومن في معناهم، ويحتمل أن يراد به المثل لمثله كالرجل للرجل والمرأة مع المرأة، ويدل عليه حديث (¬1) الترمذي، فإن لفظه: فقال: الرجل يكون مع الرجل؟ قال: "إن استطعت أن لا يراها أحد فافعل" (¬2) أما الأب وما في معناه فيبينه الحديث الصحيح عن أنس أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أتى فاطمة بعبد قد وهبه لها، وعلى فاطمة ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها، وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها، فلما رأى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما تلقى قال: "إنه ليس عليكِ بأس، إنما هو أبوك وغلامك" (¬3). ففي هذا جواز إبداء الشعر والقدمين للأب والمملوك. وأما الرجل مع الرجل والمرأة مع المرأة فيجوز مع الأمن النظر لما عدا ما بين السرة والركبة، وقيل: لا يجوز إلا ما ينظر الرجل من المحرم. (قال: إن استطعت أن لا يرينَّها) بتشديد نون التوكيد أو تخفيفها. (أحد) منك (فلا يرينَّها) بتشديد نون التوكيد أيضًا، وفيه دليل على الاجتهاد على حفظ العورة على حسب الاستطاعة، فإن دعت الضرورة إلى شيء من ذلك جاز، كأن لا يجد ما يستر به، فإن وجد ما يستر البعض تعين ستره، ويقدم ستر الأقبح فالأقبح. (قال: قلت: ¬

_ (¬1) ساقطة من (ح)، وبياض في (ل)، والمثبت من (م). (¬2) "سنن الترمذي" (2769). (¬3) يأتي قريبًا برقم (4106). وصححه الضياء في "المختارة" 5/ 91 (1712).

يا رسول اللَّه) أرأيت (إذا كان أحدنا خاليًا؟ ) من الناس (قال: اللَّه أحق أن يستحيا) (¬1) زاد البخاري: منه (من الناس) وهذِه القطعة ذكرها البخاري في الطهارة تعليقًا (¬2)، وفى بعض نسخه بدل "أن يستحيا منه": "أن يستتر منه"، وترجم عليه: باب من اغتسل عريانًا وحده في الخلوة، ومن تستر فالتستر أفضل. وقوله: (من الناس) متعلق بقوله: (أحق) قال ابن بطال: هذا محمول عند الفقهاء على الندب والاستحباب للتستر في الخلوة لا على الإيجاب (¬3). [4018] (حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم) بن عمرو بن ميمون قاضي الأردن وفلسطين، شيخ البخاري (ثنا) محمد بن إسماعيل (ابن أبي فديك، عن الضحاك بن عثمان) جده خالد بن حزام أخو حكيم بن حزام، أخرج له مسلم والجماعة. (عن زيد بن أسلم) الفقيه العمري، أخرج له مسلم ولمن بعده. (عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه) سعد بن مالك بن سنان -رضي اللَّه عنه- (قال: لا ينظر) بكسر الراء على النهي، أو بالرفع على أنه خبر في معنى النهي (الرجل إلى عرية) قال النووي: ضبطناه على ثلاثة أوجه: عِرْيَة بكسر العين المهملة (¬4)، وسكون الراء، وعُرْيَة بضم العين، وسكون ¬

_ (¬1) في حاشية (م) وصلب (ل)، (م): نسخة: يستحيي. (¬2) البخاري قبل حديث (278). (¬3) "شرح ابن بطال" 1/ 295. (¬4) من (م).

الراء، وعُرَيَّة بضم العين وفتح الراء، وتشديد الياء، كلها صحيحة، وعرية (الرجل) متجرده (¬1). (ولا) تنظر (المرأة إلى عرْية المرأة) نبه -صلى اللَّه عليه وسلم- بنظر الرجل إلى عورة الرجل على نظره إلى عورة المرأة، وذلك بالتحريم أولى، وهذا التحريم في حق غير الأزواج والسادة، وأما الزوجان فلكل واحد منهما النظر إلى صاحبه [جميعًا إلا الفرج، فالأصح عند أصحابنا يكره لكل واحد منهما النظر إلى فرج صاحبه] (¬2) من غير حاجة، وليس بحرام. (ولا يفضي الرجل إلى الرجل) أي: لا يباشر الرجل عورة الآخر ليس بينهما حائل (في ثوب) واحد، فإن فيه لمس عورة كل واحد منهما، واللمس أولى من النظر بالتحريم. (ولا تفضي المرأة إلى المرأة في ثوب) واحد. وفيه دليل على تحريم لمس عورة الرجل للرجل والمرأة للمرأة بأي موضع كان من البدن، وهذا متفق عليه. [4019] (حدثنا إبراهيم بن موسى) الرازي (ثنا) إسماعيل بن إبراهيم (ابن علية، عن) سعيد بن إياس (الجُرَيْرِيِّ) (¬3) بضم الجيم وفتح الراء، نسبة لجُرَيْر بن عُباد، بطن من بكر بن وائل (عن أبي نَضْرَة) بفتح النون ¬

_ (¬1) "مسلم بشرح النووي" 4/ 30. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) فوقها في (ح)، (ل): (ع).

وسكون الضاد المعجمة ثم راء مهملة وتاء التأنيث، اسمه المنذر بن مالك البصري، تابعي، أخرح له مسلم. (عن رجل من الطُّفَاوَة) بضم الطاء المهملة، ثم فاء مخففة وبعد الألف واو مفتوحة ثم هاء، وهم حي من قيس عيلان، منسوبون إلى أمهم طفاوة بنت جَرْم بن رَبَّان، والطفاوة موضع بالبصرة، نزلوه فنسب إليهم، وجَرْم بفتح الجيم، وسكون الراء، ورَبَّان بفتح الراء المهملة وتشديد الباء الموحدة. (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا يُفْضِيَنَّ) بضم أوله، وتشديد نون التوكيد آخره (رجل إلى رجل، ولا) تُفْضِيَنَّ (امرأة إلى امرأة) أي: في ثوب واحد كما تقدم في الحديث قبله. (إلا ولدًا أو والدًا) فإنه يجوز في الولد ما لا يجوز في غيره؛ لما بينهما من البعضية، ألا ترى إلى قوله في حديث فاطمة المتقدم: "إنما هو أبوك أو غلامك". ويحتمل أن يراد بالولد الطفل لشدة احتياجه في النوم إلى والده، لما يحتاج إليه من غطاء ونحوه. (وذكر الثالثة) ويحتمل أن تكون الوالدة أو الجد وما في معناهما (فنسيتها) فيه جواز ذكر بعض الحديث إذا نسي باقيه، كما يجوز الاقتصار على بعض الحديث لغرض آخر غير النسيان. * * *

كتاب اللباس

كتاب اللباس

1 - باب ما يقول إذا لبس ثوبا جديدا

33 - اللباس 1 - باب ما يَقُولُ إِذا لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا 4020 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنا ابن المُبارَكِ، عَنِ الجُرَيْري، عَنْ أَبي نَضْرَةَ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْري قالَ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِذا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا سَمّاهُ بِاسْمِهِ إِمّا قَمِيصًا أَوْ عِمامَةً ثمَّ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ كَسَوْتَنِيهِ أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِهِ وَخَيْرِ ما صُنِعَ لَهُ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ ما صُنِعَ لَهُ". قالَ أَبُو نَضْرَةَ: فَكانَ أَصْحابُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إِذا لَبِسَ أَحَدُهُمْ ثَوْبًا جَدِيدًا قِيلَ لَهُ: تُبْلي وَيُخْلِفُ اللَّه تَعالَى (¬1). 4021 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ الجُرَيْري، بِإِسْنادِهِ نَحْوَهُ (¬2). 4022 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ دِينارٍ، عَنِ الجُرَيْري بإِسْنادِه ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1767)، والنسائي في "الكبرى" (10141)، وأحمد 3/ 30. وصححه الألباني في "المشكاة" (4342). (¬2) انظر ما قبله.

وَمَعْناهُ. قالَ أَبُو داوُدَ: عَبْدُ الوَهّابِ الثَّقَفي لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَبا سَعِيدٍ، وَحَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ قالَ: عَنِ الجُرَيْري، عَنْ أَبي العَلاءِ عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. قالَ أَبُو داوُدَ: حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ والثَّقَفي سَماعُهُما واحِدٌ (¬1). 4023 - حَدَّثَنا نُصَيْرُ بْنُ الفَرَجِ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنا سَعِيدٌ -يَعْني: ابن أَبى أيُّوبَ-، عَنْ أَبي مَرْحُومٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعاذِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ أَكَلَ طَعامًا ثُمَّ قالَ: الحَمْدُ للَّه الذي أَطْعَمَني هذا الطَّعامَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنّي وَلا قُوَّةٍ، غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَما تَأَخَّرَ وَمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا فَقالَ: الحَمْدُ للَّه الذي كَساني هذا الثَّوْبَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنّي وَلا قُوَّةٍ، غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَما تَأَخَّرَ" (¬2). * * * بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أول كتاب اللباس (¬3) [4020] (حدثنا عمرو بن عون) الواسطي شيخ البخاري (أنا) عبد اللَّه (ابن المبارك، عن) سعيد بن إياس (الجُرَيْرِيِّ) بضم الجيم كما تقدم قريبًا. (عن أبي نَضْرَة) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة، المنذر بن مالك كما تقدم. ¬

_ (¬1) انظر ما قبله. (¬2) رواه الترمذي (3458)، وابن ماجه (3285)، وأحمد 3/ 439. وصححه الألباني في "الإرواء" (1989). (¬3) بعدها في (م): باب ما جاء في اللباس.

(عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا استجدَّ) أي: أحدث (ثوبًا) جديدًا (سماه باسمه، إما قميصًا) أو رداءً (أو عمامة) أو قلنسوة، أو سراويل، أو نعلًا، أو بساطًا يجلس عليه، أو منديلًا، أو مخدة، ونحو ذلك، والبداءة باسم الثوب قبل حمد اللَّه تعالى أبلغ في تذكر النعمة وإظهارها، فإن فيه ذكر الثوب مرتين، فمرة ذكر ظاهرًا، ومرة ذكر مضمرًا. (ثم يقول: اللهم لك الحمد، أنت) الذي (كسوتنيه، أسألك من خيره) لفظ الترمذي: "أسألك خيره" (¬1). بإسقاط (مِن) التبعيضية، وهو أعم وأجمع؛ لقوله عليه السلام لعائشة: "عليك بالجوامع الكوامل، قولي: اللهم إني أسألك الخير كله" (¬2). وفي الحديث دليل على استحباب افتتاح الدعاء بالحمد للَّه والثناء عليه. (وخير ما صنع له) خير ما صنع له: استعماله في طاعة اللَّه تعالى وعبادته؛ ليكون عونًا له عليها. ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (1767). (¬2) رواه ابن ماجه (3846)، وأحمد 6/ 146، 147، والبخاري في "الأدب المفرد" (639)، وأبو يعلى 7/ 446 - 447، والحاكم 1/ 521 - 522، واللفظ لأحمد. قال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. قال البوصيري في "الزوائد" (1281): هذا إسناد فيه مقال، أم كلثوم هذِه لم أر من تكلم فيها، وعدّها جماعة من الصحابة، وفيه نظر؛ لأنها وُلدتْ بعد موت أبي بكر، وباقي رجال الإسناد ثقات. وصححه الألباني في تعقيبه على "الأدب المفرد".

(وأعوذ بك من شره) كذا للترمذي (¬1) (وشر ما صنع له) وأخرجه ابن ماجه (¬2)، وصححه الحاكم (¬3). ما صنع له استعماله في معصية اللَّه تعالى ومخالفة أمره. وروى الحاكم في "المستدرك" عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما اشترى عبد ثوبًا بدينار أو بنصف دينار فحمد اللَّه تعالى عليه إلا لم يبلغ ركبتيه حتى يغفر اللَّه له". وقال: حديث لا أعلم في إسناده أحدًا ذكر بجرح (¬4). (قال أبو نضرة: ) المنذر بن مالك أحد الرواة (وكان أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا لبس أحدهم ثوبًا جديدًا) من قميص أو عمامة أو رداء أو قلنسوة ونحوها (قيل ل) أنت (تُبْلي) بضم أوله، أي: تستعمل هذا الثوب حتى يبلى ويصير خَلِقًا فتتصدق به. (ويُخْلِف) بضم أوله، وكسر ثالثه (اللَّه تعالى) عليك خيرًا منه، أي: يبدلك اللَّه خيرًا منه ويعوضك عنه، يقال: إذا ذهب للرجل ما يخلفه كثوب ومال وولد قيل: أخلف اللَّه لك وعليك. وإذا ذهب عليه ما لا يخلفه غالبًا كالأب والأم قيل: خلف اللَّه عليك (¬5). ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (1767). (¬2) لم أقف عليه في "سنن ابن ماجه"، ولعله وهم في نسبته له. (¬3) "المستدرك" 4/ 192. (¬4) "المستدرك" 1/ 514، وتعقبه الذهبي قائلًا: بلى. قال ابن عدي: محمد بن جامع العطار لا يتابع على أحاديثه. (¬5) "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير 2/ 66، وتتمة القول: وقد يقال: خلف اللَّه عليك إذا مات لك ميت. أي: كان اللَّه خليفة عليك.

[4021] (حدثنا مسدد) بن مسرهد بن مسربل الأسدي شيخ البخاري (ثنا عيسى (¬1) بن يونس) الكوفيُّ (عن) سعيد (الجريري بإسناده) المذكور (نحوه). [4022] (حدثنا مسلم (¬2) بن إبراهيم) الأزدي (ثنا محمد بن دينار) الأزدي، قال النسائي وأبو زرعة: لا بأس به (¬3). (عن) سعيد (الجريري بإسناده) المذكور (ومعناه) دون لفظه. (قال) المصنف (عبد الوهاب) بن عبد المجيد بن الصلت (الثقفي لم يَذْكُر فيه أبا سعيد) الخدري (وحماد بن سلمة قال) في روايته (عن الجُريري، عن أبي العلاء) يزيد بن عبد اللَّه بن الشِّخير العامريِّ، بل ذكره عبد الوهاب وحماد مرسلًا (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-). [4023] (حدثنا نُصَيْر) بضم النون، وفتح الصاد المهملة، مصغر، وهو (ابن الفرج) الثغري الزاهد، ثقة (حدثنا عبد (¬4) اللَّه بن يزيد) من الزيادة، المخزومي المدني المقرئ (حدثنا سعيد (¬5) بن أبي أبوب) مقلاص الخزاعي مولاهم. ¬

_ (¬1) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬2) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬3) لم أقف على قول أبي زرعة: لا بأس به. وإنما وقفت على هذا القول للنسائي وأبي حاتم وابن معين، ووقفت على قول لأبي زرعة: صدوق. انظر: "الجرح والتعديل" 7/ 250 (1367)، "تهذيب الكمال" 25/ 178، 179 (5204)، "تهذيب التهذيب" 3/ 558. (¬4) فوقها في (ح): (ع). (¬5) فوقها في (ح): (ع).

(عن أبي مرحوم) عبد الرحيم بن ميمون المعافري المصري، قال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتج به (¬1). وقال النسائي: أرجو أنه لا بأس به (¬2). وقال أبو سعيد بن يونس في "تاريخ مصر": زاهد يعرف بالإجابة والفضل (¬3). (عن سهل بن معاذ بن أنس) الجهني المصري، تابعي مشهور صدوق. (عن أبيه) [سهل بن معاذ بن أنس الجهني، سكن مصر، -رضي اللَّه عنه-] (¬4). (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: من أكل طعامًا ثم قال) إذا فرغ من أكله (الحمد للَّه الذي أطعمني هذا الطعام) فيه استحباب حمد اللَّه تعالى عقيب الأكل، وكذا الشرب واللبس وغير ذلك؛ لما في "الترغيب" من رواية عمران بن سليم، قال: إنما سمي نوح عليه السلام شكورًا؛ لأنه كان يقول: الحمد للَّه الذي أطعمني، ولو شاء أجاعني. حتى في إحداثه يقول: الحمد للَّه الذي أذهب عني أذاه، ولو شاء حبسه (¬5). ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 5/ 338 (1597). (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 18/ 43 (3410)، "تهذيب التهذيب" 2/ 571. (¬3) "حسن المحاضرة" 1/ 276. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬5) لم أقف عليه في "الترغيب"، وإنما وجدته من رواية سعد بن مسعود الثقفي قال: إنما سمي نوح عبدًا شكورًا لأنه لم يلبس جديدًا ولم يأكل طعامًا إلا حمد اللَّه عزَّ وجلَّ. رواه ابن أبي الدنيا في "الشكر" (14)، والطبراني 6/ 32 (5420). أورده الهيثمي في "المجمع" 5/ 29 وقال: رواه الطبراني، وتابعيه سعد بن سنان لم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح. قلت: في "المعجم الكبير": عبد اللَّه بن سنان. وليس سعد بن سنان.

وفي هذا الحديث وهذا الحديث الذي فيه ذكر نوح عليه السلام ما يدل على أن الحمد بمعنى الشكر، فإن الحمد يوضع موضع الشكر، ولا يوضع الشكر موضع الحمد. وفيه دلالة على أن شكر النعمة وإن قلت؛ سبب نيل لمغفرة ما تقدم من الذنوب وما تأخر. كما سيأتي. (ورزقنيه) ظاهر إطلاقه يدل على أن الحمد يقال عقب أكل الحلال والمكروه والحرام والمشتبه، وفيه إشارة إلى مذهب أهل السنة أن الرزق يطلق على الحرام (¬1). ¬

_ (¬1) الرزق عند أهل السنة كل ما ساقه اللَّه تعالى إلى خلقه فينتفعوا به حلالًا كان أو حرامًا. قال صاحب "الدرر البهية": والرزق ما ينفع من حلال ... أو ضده فحل عن المحال لأنه رازق كل الخلق ... وليس مخلوق بغير رزق وقالت المعتزلة: إن اللَّه لا يرزق الحرام لقبحه، كما لا يملك اللَّه الحرام، وأن من غصب إنسانًا مالًا أو طعامًا فانتفع به فقد انتفع بما رزق اللَّه به غيره ولم يرزقه إياه. وقد سُئل شيخ الإسلام عن الرجل إذا قطع الطريق وسرق أو أكل الحرام ونحو هذا، هل هو رزقه الذي ضمنه اللَّه تعالى له أم لا؟ فأجاب أنه ليس هذا الرزق الذي يحبه اللَّه ويرضاه، بل من أنفق من الحرام فإن اللَّه تعالى يذمه ويستحق بذلك العقاب في الدنيا والآخرة بحسب ديته، ولكن هذا هو الرزق الذي يسبق به علم اللَّه وقدره، أما الرزق الذي ضمنه اللَّه لعباده فهو قد ضمنه لمن يتقيه، أما من ليس من المتقين فضمن له ما يناسبه بأن يمنحه ما يعيش به في الدنيا ثم يعاقبه في الآخرة "مجموع الفتاوى" 8/ 543، وانظر: "الإبانة" لابن بطة 1/ 166، "مقالات الإسلاميين" 1/ 205، "لوامع الأنوار" للسفاريني 1/ 343.

(من غير حول مني ولا قوة) استسلام من العبد لتبرئه من الحول والقوة، وأن سعي العبد في طلب الرزق لا يجلب شيئًا إلا بمشيئة اللَّه تعالى وقدرته ونعمته. وقد روى الطبراني عن عقبة بن عامر: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أنعم اللَّه تعالى عليه نعمة فأراد بقاءها فليكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا باللَّه" (¬1). (غفر) لفظ الترمذي: "غفر اللَّه" (¬2). (له ما تقدم من ذنبه) المراد به صغائر الذنوب، فإن لم يكن فيرجى أن يخفف من الكبائر (وما تأخر) وقد تكلم العلماء في قوله: (وما تأخر) في أمرين: أحدهما: إن الترمذي وابن ماجه (¬3) لم يذكرا هذِه الزيادة، وقد أخرج الطبراني هذا الحديث في "المعجم الكبير" عن بشر بن موسى الأسدي، عن عبد اللَّه بن يزيد المقرئ، فلم يقلها (¬4). والثاني: في جواز وقوع ذلك، فقالوا في قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في أهل بدر: "اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" (¬5). أن المراد أن كل عمل عمله ¬

_ (¬1) "المعجم الكبير" 17/ 310 - 311 (859)، "المعجم الأوسط" 1/ 56 (155). أورده الهيثمي في "المجمع" 10/ 99 وقال: رواه الطبراني، وفيه خالد بن نجيح، وهو كذاب. (¬2) "سنن الترمذي" (3458) بلفظ: غفر له. (¬3) "سنن ابن ماجه" (3285). (¬4) 20/ 181 (389). (¬5) رواه البخاري (3007، 3983، 4274، 4890)، ومسلم (2494) من حديث علي -رضي اللَّه عنه-.

البدري لا يؤاخذ به لهذا الوعد الصادق. وقيل: المعنى أن أعمالهم السيئة تقع مغفورة، فكأنها لم تقع. وقيل: إنهم حفظوا، فلا يقع من أحد منهم سيئة. ومما يدخل في هذا المعنى رواية مسلم أن صوم عرفة يكفر ذنوب سنتين، سنة ماضية وسنة آتية (¬1). ففيه دلالة على وجود التكفير قبل وقوع الذنب، فهو من شواهد صحة ذلك، ومن هذا المعنى ما أخرجه ابن حبان في "صحيحه": عن عائشة قالت: رأيت من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- طيب نفس، فقلت: يا رسول اللَّه، ادع لي؛ فقال: "اللهم اغفر لعائشة ما تقدم من ذنبها وما تأخر" (¬2). وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن حسان بن عطية أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لعثمان: "غفر اللَّه لك ما قدمت وما أخرت" (¬3). وهو مرسل قوي. فدعاء المعصوم لبعض أمته بذلك دال على جواز وقوعه، ومن هذا المعنى رواية مسلم عن علي: "ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت. . " الحديث بطوله (¬4)، وليس هذا من خصائصه، بل هذا الدعاء استشهد به أصحابنا وغيرهم على استحباب الدعاء به في التشهد الأخير، فيحتمل أن يكون المعنى: وفقني فيما تأخر من عمري للعمل الصالح، أنت تقدم من ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1162) من حديث مطول لأبي قتادة مرفوعًا. (¬2) 16/ 47 - 48 (7111). (¬3) 6/ 367 (32050). (¬4) "صحيح مسلم" (771).

شئت بطاعتك، وتؤخر من شئت بالخذلان. (ومن لبس ثوبًا) جديدا (فقال) بعد كمال لبسه (الحمد للَّه تعالى الذي كساني هذا) ويسميه باسمه (ورزقنيه) بفضله (من غير حول مني) ويقال فيه: حيل مني (ولا قوة) إلا به (غفر) اللَّه (ما تقدم من ذنبه وما تأخر) من الصغائر. * * *

2 - باب فيما يدعى لمن لبس ثوبا جديدا

2 - باب فِيما يُدْعَى لِمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا 4024 - حَدَّثَنا إِسْحاقُ بْنُ الجَرّاحِ الأذني، حَدَّثَنا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنا إِسْحاقُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّ خالِدٍ بِنْتِ خالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ العاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أُتي بِكِسْوَةٍ فِيها خَمِيصَةٌ صَغِيرَةٌ فَقالَ: "مَنْ تَرَوْنَ أَحَقَّ بهذِه؟ ". فَسَكَتَ القَوْمُ فَقالَ: "ائْتُونِي بِأُمِّ خَالِدٍ". فَأُتي بِها فَأَلبَسَها إِيّاها ثُمَّ قالَ: "أَبْلي وَأَخْلِقي". مَرَّتَيْنِ وَجَعَلَ ينْظُرُ إِلَى عَلَمٍ في الخَمِيصَةِ أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ ويَقُولُ: "سَناهْ سَناهْ يا أُمَّ خالِدٍ". وَسَناهْ في كَلامِ الحَبَشَةِ الحَسَنُ (¬1). * * * باب فيما يدعى لمن لبس ثوبًا جديدًا [4024] (حدثنا إسحاق بن الجراح الأذني) بفتح الهمزة والذال، صدوق (حدثنا أبو النَّضْر) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة، اسمه: هاشم ابن القاسم الحافظ. (حدثنا إسحاق بن سعيد) أخرج له الشيخان (عن أبيه) سعيد بن عمرو ابن سعيد بن العاص ابن أبي أحيحة، روى له الجماعة سوى الترمذي. (عن أم خالد) اسمها أَمة، بفتح الهمزة والميم المخففة، سميت بذلك؛ لأنها لما تزوجت الزبير بن العوام [ولدت له خالدًا] (¬2) فَسُميتْ به، وهي (بنت خالد بن سعيد بن العاص) بن أمية بن عبد شمس، قالت بنته أم خالد: كان أبى خامسًا في الإسلام (¬3). وقيل: كان ثالثًا ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3071)، وأحمد 6/ 364. (¬2) ليست في الأصول، وهي مناسبة للسياق. (¬3) رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 4/ 96.

أو رابعًا في الإسلام (¬1) (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أُتِيَ) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (بكسوة) أتى المجازي بثياب (فيها خميصة) سوداء (صغيرة) والخميصة كساء أو ثوب خز أو صوف معلم. قيل: لا يسمى خميصة، إلا أن تكون سوداء معلمة، وكانت من لباس الناس قديمًا. (فقال: من ترون) بفتح التاء (أحق) بالنصب (بهذِه؟ ) الخميصة أن يكسوها. فيه: استشارة الكبير جماعته لقوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} (¬2) ثم يفعل بعد ذلك رأيه (¬3) (فسكت). لفظ البخاري: فأسكت (¬4) (القوم) وهي لغة في اللازم، وبعضهم يجعل: أسكت. بمعنى: أطرق رأسه. وسبب سكوتهم أنهم لم يظهر لهم فيه رأي. (فقال: ائتوني بأم خالد) وكانت أمها أميمة بنت خلف بن أسعد هاجرت مع زوجها خالد بن سعيد إلى الحبشة، فولدت أم خالد بها، ثم قدمت مع أبيها. (فأُتي) بضم الهمزة (بها) إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (فألبسها إياه) زاد البخاري: بيده (¬5). ولفظه في هجرة الحبشة: عن أم خالد قالت: قدمت من أرض الحبشة وأنا جويرية، فكساني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خميصة لها أعلام (¬6). ولعل سبب تخصيص أم خالد بهذِه الخميصة أنها كانت صغيرة -وهي جارية- فكانت طولها، أو لما علم بحاجتها إليها ¬

_ (¬1) رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 4/ 56 من رواية عبد اللَّه بن عمرو بن سعيد بن العاص. (¬2) آل عمران: 159. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) "صحيح البخاري" (5845). (¬5) السابق. (¬6) "صحيح البخاري" (3874).

فهي أشد حاجة إليها؛ لأنها قدمت من الهجرة، وإكرامًا لأبيها لسبقه في الإسلام. ويحتمل غير ذلك. وللبخاري في باب من تكلم بالفارسية والرطانة: أتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مع أبي وعليَّ قميص أصفر (¬1). وفي الحديث جواز إلباس الرجل المرأة الثوب بحضرة أبيها من غير إذن أبيها إذا كان ممن يتبرك بإلباسه. (ثم قال) لي (أبلي) بفتح الهمزة وسكون الموحدة (وأخلقي) بفتح الهمزة. قال المنذري: يروى بالقاف وبالفاء، فبالقاف من إخلاق الثوب وتقطيعه، وبالفاء بمعنى العوض والبدل. أي: يكتسب خلفة بعد بلائه. قال ابن بطال: هذا كلام معروف عند العرب، ومعناه الدعاء بطول البقاء. قال صاحب "الأفعال": يقال: أبلِ وأخلق. أي: عش فخرق ثيابك وأرقعها (¬2). ويدل على رواية الفاء الحديث في الباب قبله: "أبلي ويخلف اللَّه" (¬3). وفيه: دليل على أنه يستحب أن يقول لصاحبه إذا رأى عليه ثوبًا جديدًا هذا الذي في الحديث؛ لما روى ابن ماجه وابن السني عن ابن عمر أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رأى على عمر ثوبًا فقال: "أجديد أم غسيل؟ " فقال: بل غسيل. فقال: "البس جديدًا، وعش حميدًا، ومت شهيدًا" (¬4) زاد البيهقي: ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (3071). (¬2) "شرح ابن بطال" 5/ 232. (¬3) سبق برقم (4020). (¬4) "سنن ابن ماجه" (3558)، "عمل اليوم والليلة" (268). قال البوصيري في "الزوائد" (1183): إسناد حديث ابن عمر صحيح. =

"ورزقك اللَّه قرة عين في الدنيا والآخرة" ثم قال البيهقي: والصواب أنه مرسل (مرتين) وللبخاري في باب من تكلم بالفارسية: قالت: فذهبت ألعب بخاتم النبوة فزبرني أبي، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "دعها" ثم قال: "أبلي وأخلقي، ثم أبلي وأخلقي" ثم قال: "أبلي وأخلقي" (¬1) وفيه الكلام والدعاء ثلاثًا ثلاثًا. (وجعل ينظر إلى علمه) (¬2) بفتح العين واللام، وهو ما يكون في طرف الكساء من طراز أو لون على غير لونه (في الخميصة) وهي كساء مربع من صوف (أحمر أو أصفر) وللبخاري في هجرة الحبشة: فكساني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خميصة لها أعلام، فجعل يمسح الأعلام بيده (¬3). انتهى. والظاهر أن الخميصة لها علمان فقط، فلعله أطلق الجمع على الاثنين وهو جائز في اللغة. (ويقول: سناه سناه) بفتح السين المهملة وتخفيف النون فيهما، ¬

_ = وقال الحافظ في "نتائج الأفكار" 1/ 137: هذا حديث حسن غريب، ولكن أعله النسائي فقال: هذا حديث منكرٍ، أنكره يحيى بن سعيد القطان على عبد الرزاق. قال النسائي: وقد روي أيضًا عن معقل -يعني عن الزهري- وروي عنه مرسلًا. قال: وليس هذا من حديث الزهري. قلت: وجدت له شاهدًا مرسلًا، أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" 8/ 265 (25597) وهذا يدل على أن للحديث أصلًا، وأقل درجاته أن يوصف بالحسن. انتهى كلام الحافظ. وحسنه الألباني أيضًا في "صحيح الجامع" (1234). (¬1) "صحيح البخاري" (3071). (¬2) في حاشية (ح)، وصلب (ل، م): نسخة: علم. (¬3) "صحيح البخاري" (3874).

ويقال بتشديد النون، ويقال: سنا سنا. بحذف الهاء، وسنه سنه، بحذف الألف، وهي لغة حبشية (يا أم خالد، وسناه في كلام الحبشة) معناه (الحسن) قال ابن بطال: فيه: تأمين المسلمين لأهل الحرب بلسانهم ولغتهم، فإن ذلك أمان لهم؛ لأن اللَّه تعالى يعلم الألسنة كلها، قال اللَّه تعالى: {وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ} (¬1) وأيضًا فإن الكلام بالفارسية يحتاج إليه المسلمون للتكلم به مع رسل العجم، وقد أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- زيد بن ثابت أن يتعلم لسان (¬2) العجم. ولذلك أدخل البخاري أن (¬3) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تكلم بألفاظ من الفارسية كانت متعارفة عندهم معلومة، وفهمها عنه أصحابه، فالعجم أحرى أن يفهموها إذا خوطبوا بها؛ لأنها لغتهم (¬4). ومن كلامه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالفارسية: "يا أهل الخندق، إن جابرًا صنع سورًا" (¬5) والسور بالفارسية الوليمة. * * * ¬

_ (¬1) الروم: 22. (¬2) في جميع النسخ: بلسان، والمثبت هو المتسق لغة مع السياق. (¬3) في جميع النسخ: عن. والمثبت أنسب للسياق. (¬4) "شرح ابن بطال" 5/ 231. (¬5) رواه البخاري (3070)، (4102)، ومسلم (2039) من حديث جابر.

3 - باب ما جاء في القميص

3 - باب ما جَاءَ في القَمِيصِ 4025 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنا الفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنْ عَبْدِ المُؤْمِنِ ابْنِ خالِدٍ الحَنَفي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قالَتْ: كانَ أَحَبَّ الثِّيابِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- القَمِيصُ (¬1). 4026 - حَدَّثَنا زِيادُ بْنُ أيُّوبَ، حَدَّثَنا أَبُو تُمَيْلَةَ، قالَ: حَدَّثَني عَبْدُ المُؤْمِنِ بْنُ خالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قالَتْ: لَمْ يَكُنْ ثَوْبٌ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْ قَمِيصٍ (¬2). 4027 - حَدَّثَنا إِسْحاقُ بْنُ إِبْراهِيمَ الحَنْظَلي، حَدَّثَنا مُعاذُ بْنُ هِشامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَسْماءَ بِنْتِ يَزِيدَ قالَتْ: كانَتْ يَدُ كُمِّ قَمِيصِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى الرُّصْغِ (¬3). * * * باب ما جاء في القميص هو المخيط الذي له كمان وجيب. [4025] (ثنا إبراهيم) الفراء الرازي شيخ الشيخين. (ثنا الفضل بن ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1762)، والنسائي في "الكبرى" (9668)، وابن ماجه (3575)، وأحمد 6/ 317. وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (2028). (¬2) رواه الترمذي (1762)، والنسائي في "الكبرى" (9668)، وابن ماجه (3575)، وأحمد 6/ 317. وصححه الألباني في الموضع السابق. (¬3) رواه الترمذي (1765)، والنسائي في "الكبرى" (9666). وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (4479).

موسى) السيناني (عن عبد المؤمن بن خالد الحنفي) قاضي مرو، صدوق (عن عبد اللَّه بن بريدة) بن الحصيب الأسلمي، قاضي مرو. قال الترمذي: حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث عبد المؤمن بن خالد، عن عبد اللَّه بن بريدة، تفرد به، وهو مروزي (¬1). قال: وحديث زياد بن أيوب، ثنا أبو تميلة، عن عبد المؤمن بن خالد، عن عبد اللَّه بن بريدة، عن أمه، عن أم سلمة هند رضي اللَّه عنها، قال: وسمعت محمد بن إسماعيل قال: حديث ابن بريدة (عن أمه، عن أم سلمة) زوج النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- أصح (¬2). (قالت: كان أحب الثياب إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) والمحبة هنا هي ميل النفس إلى الشيء، لانتفاعه به إذ لم يكن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يحب في الحقيقة غير اللَّه، وكان يميل إلى (القميص) أكثر من غيره من الثياب؛ لأنه أمكن في الستر من الرداء والإزار اللذين يحتاجان كثيرًا إلى الربط والإمساك وغير ذلك، بخلاف القميص. ويحتمل أن يكون المراد: من أحب الثياب إليه القميص؛ لأنه يستر عورته ويباشر جسمه، فهو شعار الجسد، بخلاف ما يلبس فوقه من الدثار، وقد شبه الأنصار -رضي اللَّه عنهم- بالشعار الذي يلي البدن، بخلاف غيرهم الذين هم دثار، ولا شك أن كل ما قرب من الآدمي كان أحب إليه من غيره، والظاهر أنه سمي قميصًا؛ لأن الآدمي يتقمص فيه. أي: يدخل فيه ليستتر به، وفي حديث المرجوم أنه يتقمص في أنهار ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" عقب حديث (1762). (¬2) "سنن الترمذي" (1763).

الجنة (¬1). أي: ينغمس فيها. [4027] (ثنا إسحاق بن إبراهيم) بن مخلد (الحنظلي) المعروف بابن راهويه، شيخ الشيخين، وكان لا يسمع شيئًا قط إلا حفظه، وكان يقول: كأني أنظر إلى سبعين ألف حديث في كتبي وثلاثين ألفًا (¬2) أسردها (¬3). وقال: ما سمعت شيئًا قط إلا حفظته، ولا حفظت شيئًا فنسيته (¬4). (حدثنا معاذ (¬5) بن هشام، عن أبيه) هشام الدستوائي (عن بديل) بضم الموحدة مصغر (ابن ميسرة) العقيلي (عن شهر بن حوشب) بفتح الحاء المهملة. (عن أسماء بنت يزيد) الأنصارية الأشهلية، رسولة النساء إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. (قالت: كانت يد كم قميص رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى الرصغ) الرصغ بضم الراء، وسكون الصاد المهملتين، ويقال: الرسغ بالسين المهملة كما في لفظ الترمذي (¬6)، وهو مفصل ما بين الكف والساعد، ويقال لمفصل الساق والقدم: رسغ أيضًا، والظاهر أن نساءه -صلى اللَّه عليه وسلم- كن كذلك، إذ لو كانت أكمامهن تزيد على ذلك لنقل، ولو نقل لوصل ¬

_ (¬1) رواه بهذا اللفظ أبو داود الطيالسي 4/ 218 - 219 (2595)، وأبو يعلى 10/ 524 - 525 (6140)، وابن حبان 10/ 246 - 247 (4400). من حديث أبي هريرة مطولًا. وهذا الحديث حديث صحيح مشهور في قصة رجم ماعز، رواه أيضًا بغير هذا اللفظ البخاري (5271)، (6815)، (6825)، (7167)، ومسلم (1691) (16). (¬2) في جميع النسخ: ألف، والمثبت هو الصواب. (¬3) رواه الخطيب في "تاريخ بغداد" 6/ 352، والمزي في "تهذيب الكمال" 2/ 384 - 385 (332). (¬4) رواه الخطيب 6/ 354، والمزي 2/ 385 (332). (¬5) فوقها في (ل): (ع). (¬6) "سنن الترمذي" (1765).

إلينا كما نقل في الذيول من رواية النسائي وغيره أن أم سلمة لما سمعت: "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر اللَّه إليه" قالت: يا رسول اللَّه، فكيف تصنع النساء بذيولهن؟ قال: "يرخينه شبرًا" قالت: إذن تنكشف أقدامهن. قال: "يرخينه ذراعًا ولا يزدن عليه" (¬1) ويفرق بين الكف إذا ظهر وبين القدم أن قدم المرأة عورة بخلاف كفها. وفي ستر اليد إلى مفصل الكف فوائد كثيرة منها ظهور الكفين في رفعهما لتكبيرة الإحرام وللركوع والسجود، إذ لو كفهما لدخل في الكراهة، وكذا لو جمعهما. ومنها: توفير القماش، فإن ما يزاد على ما وردت به السنة فيما اشتهر من العلماء والمترفين والنساء يصلح أن يكون جبة أو قميصًا لصغير من أولاده أو يتيم وغير ذلك. ومنها: كثرة النظافة لما يطرأ على لابسه من الأوساخ وغيرهما عند مباشرة عمل يتولد منه ذلك، إلا أن يكف ويضم بعضه إلى بعض إلى غير ذلك من الفوائد الكثيرة، فصلاح الدين والدنيا في اتباع السنة، ولا اعتبار بما يقال في إطالة الأكمام والعمائم تمييزًا للعلماء ليعرفوا به، ويكون أبلغ في قبول عملهم، فإن العلماء العاملين معروفون في بلادهم، يعرفهم الخاص والعام غالبًا ولو كان لذلك فائدة في عز العلماء ونفاذ فتاويهم لتعين أن يمنع غيرهم من الجهلة من التشبه بهم؛ لئلا يغتر بهم من لا يعرفهم فيسألهم فيفتون بغير علم، فإذا فعلوا ذلك ضلوا وأضلوا. * * * ¬

_ (¬1) "المجتبى" 8/ 209، والترمذي (1731)، "مسند أحمد" 2/ 5، 55 من حديث ابن عمر.

4 - باب ما جاء في الأقبية

4 - باب ما جَاءَ في الأَقْبِيَةِ 4028 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَيَزِيدُ بْنُ خالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ -المَعْنَى- أَنَّ اللَّيْثَ -يَعْني: ابن سَعْدٍ- حَدَّثَهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبى مُلَيْكَةَ، عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّهُ قالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَقْبِيَةً وَلَمْ يُعْطِ مَخْرَمَةَ شَيْئًا فَقالَ مَخْرَمَةُ: يا بُنَي انْطَلِقْ بِنا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فانْطَلَقْتُ مَعَهُ قالَ: ادْخُلْ فادْعُهُ لي، قالَ: فَدَعَوْتُهُ فَخَرَجَ إِلَيْهِ وَعَلَيْهِ قِباءٌ مِنْها فَقالَ: "خَبَأْتُ هذا لَكَ". قالَ: فَنَظَرَ إِلَيْهِ - زادَ ابن مَوْهَبٍ: مَخْرَمَةُ، ثمَّ اتَّفَقا، قالَ: "رَضي مَخْرَمَةُ". قالَ قُتَيْبَةُ، عَنِ ابن أَبي مُلَيْكَةَ لَم يُسَمِّهِ (¬1). * * * باب ما جاء في الأقبية [4028] (حدثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي (ويزيد بن خالد) بن يزيد بن عبد اللَّه (بن موهب) بفتح الميم والهاء، الرملي، الثقة، الزاهد (المعنى) بفتح الميم والنون (أن الليث حدثهم عن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه) بالتصغير (ابن أبي مليكة) التيمي، مؤذن ابن الزبير وقاضيه، بعثه على قضاء (¬2) الطائف، فكان يسأل ابن عباس (عن المسور بن مخرمة) الزهري (¬3) أمه عاتكة، أخت عبد الرحمن بن عوف (أنه قال: قسم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) هذِه القسمة، قسمة الفيء المخمسة المذكورة في قوله ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2599)، ومسلم (1058). (¬2) ساقطة من (ل، م). (¬3) ساقطة من (ل، م).

تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} الآية (¬1). (أقبية) قدمت عليه من فيء الكفار، والأقبية جمع قباء جمع قلة، وهي ما دون العشرة. والقباء فارسي معرب. قال [البخاري هو] (¬2) وقيل: عربي. واشتقاقه من القبو، وهو المعقود بعضه إلى بعض. (ولم يعط مخرمة) بن نوفل منها (شيئًا) نفى عطيته مع أنه كان خبأ له قباءً يدل على أن المخبوء المدخر على اسم أحد لا يسمى عطاءً حتى يقبض، وأن من حلف أنه لم يعط زيدًا شيئًا [وكان خبأ له شيئًا] (¬3) ولم يدفعه إليه لم يحنث. (وقال مخرمة) لابنه مسور (يا بني، انطلق) زاد البخاري: بنا (¬4) (إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) زاد البخاري في الشهادات: عسى أن يعطينا منها شيئًا (¬5). (فانطلقت معه) إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. زاد البخاري في الشهادات: فقام أبي على الباب فتكلم، فعرف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صوته، فخرج (¬6). وترجم عليه باب: شهادة الأعمى وأمره ونكاحه ومبايعته وقبوله في التأذين وغيره، وما يعرف بالأصوات. ¬

_ (¬1) الحشر: 7. (¬2) كذا في جميع النسخ، ولم أجده في "الصحيح" وإنما هو من كلام الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" 10/ 269، والمصنف كثيرًا ما ينقل عنه. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م)، (ل). (¬4) "صحيح البخاري" (2599)، (2657)، (5800). (¬5) "صحيح البخاري" (2657). (¬6) السابق.

ثم قال: وأجاز شهادته قاسم (¬1) والحسن (¬2) وابن سيرين (¬3) والزهري (¬4) وعطاء (¬5) (¬6). (قال: ) لي (ادخل فادعه) بضم هاء الضمير (لي. قال: فدعوته) زاد البخاري: له (¬7). وفيه رد على من قال: إن المسور لم ير رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ولم يسمع منه. وفيه: دليل على جواز إدخال الرجل ولده الذي لم يبلغ الحلم دار غيره على أهله دون إذن في غير الأوقات الثلاثة التي ذكرها اللَّه تعالى في قوله: {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ} (¬8)، فإن مفهومه أن من لم يبلغ الحلم لا يستأذن في غير الثلاثة (¬9) أوقات. وفيه: جواز دعاء الإمام أو قاسم المال ليخرج من بيته إلى من دعاه، وإن كان الأفضل أن يصبر على الباب إلى أن يخرج؛ لقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} (¬10). (فخرج إليه وعليه قباء) قال البخاري في اللباس مترجمًا على هذا الحديث: باب القباء وفروج حرير، وهو القباء، ويقال: هو الذي له ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة 4/ 357 (20954). (¬2) رواه ابن أبي شيبة 4/ 357 (20947). (¬3) السابق. (¬4) رواه عبد الرزاق 8/ 323 (15374)، وابن أبي شيبة 4/ 357 (20949). (¬5) رواه عبد الرزاق 8/ 323 (15373). (¬6) "صحيح البخاري" قبل حديث (2655). (¬7) "صحيح البخاري" (2599)، (5800). (¬8) النور: 58. (¬9) في الأصول: (الثلاث)، والمثبت هو الصواب. (¬10) الحجرات: 5.

شق من خلفه، وذكر هذا الحديث (¬1)، وحديث عقبة بن عامر: أُهدي لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فروج حرير فلبسه ثم صلى فيه، ثم نزعه نزعًا شديدًا كالكاره له، ثم قال: "لا ينبغي هذا للمتقين" (¬2). (منها) أي: من الأقبية (فقال: خبأت) بتخفيف الباء الموحدة بعدها همزة، وهو حفظ الشيء خفية وتشديد الباء للتكثير والمبالغة، ومنه الحديث: "ابتغوا الرزق في خبايا الأرض" (¬3) يعني: الزرع، لأنه إذا ألقى البذر في الأرض فقد خبأه فيها. قال عروة بن الزبير: ازرع، فإن العرب كانت تتمثل بهذا البيت: تتبع خبايا الأرض واطلب مليكها ... لعلك يومًا أن تجاب وترزقا (¬4) (هذا لك) أي: لأجلك. وفيه أن للإمام أن يدخر لمن غاب شيئًا يتألفه به، ويعطي للمؤلفة قلوبهم ومن يخاف على إيمانه إن لم يعط، ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (5800). (¬2) "صحيح البخاري" (5801). (¬3) رواه أحمد في "فضائل الصحابة" 1/ 383 - 384 (431)، وأبو يعلى 7/ 347 (4384)، والطبراني في "الأوسط" 1/ 274 (895)، 8/ 101 (8097)، والقضاعي في "مسند الشهاب" 1/ 404 (694)، والبيهقي في "شعب الإيمان" 2/ 87 (1233، 1234)، وفي "الآداب" (958) من حديث عائشة مرفوعًا بلفظ "اطلبوا" أو "التمسوا". قال البوصيري في "إتحاف الخيرة المهرة" 3/ 269: فيه هشام بن عبد اللَّه، ضعيف. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (2489)، قال: منكر. (¬4) انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 3، "لسان العرب" 2/ 1085.

وقد أمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بإعطاء الأعرابي الذي جذبه بردائه حتى أثرت حاشية الرداء في صفحة عنق رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقال له: أعطني من مال اللَّه الذي عندك (¬1). وفيه إشارة للصوفية إذا أكلوا وغاب أحدهم أن يدخروا له من الفتوح الذي جاء في غيبته. (قال: فنظر) إليه الأعرابي. وللصحيحين: فخرج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ومعه قباء وهو يريه محاسنه، وهو يقول: "خبأت هذا لك، خبأت هذا لك" (¬2) وترجم البخاري على هذا الحديث في الهبة: باب كيف يقبض العبد والمتاع (¬3)، ووجه هذِه الترجمة أن القباء من الأمتعة، وهي تقبض بالنقل كالعبد وغيره من سائر المنقولات. (زاد) يزيد (ابن موهب) بعد قوله (فنظر إليه: مخرمة ثم اتفقا) يعني: قتيبة ويزيد. (قال) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (رضى مخرمة) وللنسائى: فلبسه مخرمة (¬4). بهذا القباء. فيه: أن قرائن الأحوال تدل على ما في الباطن، فإن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ظهر له بقرينة نظره إليه أنه رضي به. (قال قتيبة) بن سعيد (عن) عبد اللَّه (ابن أبي مليكة لم يسمه) يعني: مخرمة، كما في رواية ابن موهب. * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3149)، (5809)، (6088)، ومسلم (1057) من حديث أنس. (¬2) "صحيح البخاري" (2657)، "صحيح مسلم" (1058) (130). (¬3) بعد حديث (2598). (¬4) "المجتبى" 8/ 205.

5 - باب في لبس الشهرة

5 - باب فِي لُبْسِ الشُّهْرَةِ 4029 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ ح، وَحَدَّثَنا مُحَمَّدٌ -يَعْني: ابن عِيسَى- عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عُثْمانَ بْنِ أَبي زُرْعَةَ، عَنِ المُهاجِرِ الشّامي، عَنِ ابن عُمَرَ -قالَ: في حَدِيثِ شَرِيكٍ يَرْفَعُهُ- قالَ: "مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيامَةِ ثَوبًا مِثْلَهُ". زادَ عَنْ أَبي عَوانَةَ: "ثُمَّ تُلَهَّبُ فِيهِ النّارُ" (¬1). 4030 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ قالَ: ثَوْبَ مَذَلَّةٍ (¬2). 4031 - حَدَّثَنا عُثْمان بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن ثابِتٍ، حَدَّثَنا حَسّانُ بْنُ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبي مُنِيبٍ الجُرَشيِّ، عَنِ ابن عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ" (¬3). * * * باب في لبس الشهرة والصوف [4029] (حدثنا محمد بن عيسى) بن نجيح بن الطباع. قال أبو حاتم: ثقة، مبرز (¬4). له مصنفات عديدة (ثنا أبو عوانة) (¬5) الوضاح (وحدثنا محمد بن عيسى، عن) القاضي (شريك، عن عثمان بن أبي ¬

_ (¬1) رواه النسائي في "الكبرى" (9560)، وابن ماجه (3606)، وأحمد 2/ 92 وحسنه الألباني في "المشكاة" (4346). (¬2) انظر ما قبله. (¬3) رواه أحمد 2/ 50، وعَبد بن حُميد (88). وصححه الألباني في "الإرواء" (1269). (¬4) "الجرح والتعديل" 8/ 39 (175). (¬5) فوقها في (ح)، (ل): (ع).

زرعة) المغيرة الثقفي، أخرج له البخاري في الأنبياء. (عن المهاجر) بن عمرو (الشيباني) (¬1) ذكره (¬2) ابن حبان في "الثقات" (¬3). (عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال في) رواية (حديث) القاضي (شريك يرفعه) إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه (قال: من لبس ثوب شهرة) قال ابن الأثير: المراد به ما ليس من لبس الرجال، ولا يجوز لهم لبسه شرعًا ولا عرفًا. الشهرة: ظهور الشيء في شنعة حتى يشهره الناس. يعني: يشتهر بين الناس بمخالفة ثوبه لألوان ثيابهم، ويبرز ثوبه الذي اشتهر به، ويرفع الناس إليه أبصارهم وينظرونه ويختال عليهم بالعجب والتكبر، ولذلك قال عيسى عليه السلام: جودة الثياب خيلاء القلب (¬4). وليس هذا الحديث مختصًّا بنفيس الثياب، بل قد يحصل ذلك لمن يلبس ثوبًا يخالف ملبوس الناس من الفقراء؛ ليراه الناس فيتعجبوا من لباسه ويعتقدوه. (ألبسه اللَّه تعالى يوم القيامة ثوبًا مثله) في شهرته به بين الناس؛ لأنه لبس الشهرة في الدنيا ليعز به ويفتخر على غيره، ويلبسه اللَّه يوم القيامة ¬

_ (¬1) كذا في (ل، م)، وهو خطأ، والصواب: الشامي كما في "سنن أبي داود" ومصادر ترجمته. (¬2) في الأصول: أخرج له. والصواب ما أثبتناه، لأن ابن حبان ذكره في: "ثقاته" ولم يخرج له فيه. (¬3) 5/ 428. (¬4) رواه أبو نعيم في "الحلية" 6/ 130 من رواية عبد اللَّه بن شوذب مقطوعًا. ورواه أيضًا ابن المقرئ في "المعجم" (1055) بلفظ: (البيان) بدل (الثياب) من رواية عبد اللَّه ابن شوذب مقطوعًا أيضًا.

ثوبًا (¬1) يشتهر بمذلته واحتقاره بينهم عقوبة له، والعقوبة من جنس العمل، ويدل على هذا التأويل الحديث الذي بعده في الرواية الآتية. و(زاد) محمد بن عيسى (عن أبي عوانة: ثم تلهب) بضم التاء وسكون اللام وفتح الهاء، ويجوز أن يكون بفتح التاء واللام والهاء المشددة. أي: تتلهب، ثم حذفت إحدى التاءين. أي: ثم تنفذ (فيه النار) ويجوز أن يكون بضم التاء وسكون اللام وكسر الهاء. أي: ثم يلهب اللَّه فيه النار، [بدليل رواية رزبن: "من لبس ثوب شهرة ألبسه اللَّه إياه يوم القيامة، ثم ألهب فيه النار"] (¬2) (¬3). [4030] (حدثنا مسدد، حدثنا أبو عوانة) الوضاح (قال) ألبسه اللَّه (ثوب مذلة) وهذِه رواية النسائي بلفظ: "من لبس ثوب شهرة ألبسه اللَّه يوم القيامة ثوب مذلة" (¬4). وروى بعده عن أبي ذر، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من لبس ثوب شهرة أعرض اللَّه عنه حتى يضعه متى وضعه" (¬5). [4031] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أبو النضر) هاشم بن ¬

_ (¬1) ليست في جميع الأصول، والمثبت يقتضيه السياق. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) انظر: "جامع الأصول" 10/ 657 (8287). (¬4) رواه النسائي في "السنن الكبرى" 5/ 460 (9560) بلفظ: "من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه اللَّه ثوب مذلة في الآخرة". ولعله وهم في نسبة هذا اللفظ لرواية النسائي، فقد وجدت هذا اللفظ لابن ماجه في "سننه" (3606). (¬5) "سنن ابن ماجه" (3608). قال البوصيري في "الزوائد" (1196): هذا إسناد حسن، العباس بن يزيد مختلف فيه. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (4650) قال: ضعيف. . . قول البوصيري في "زوائده": إسناد حسن. غير حسن، واللَّه أعلم. انتهى.

القاسم، الحافظ (حدثنا عبد الرحمن (¬1) بن ثابت) عابد أهل الشام المجاب الدعوة، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2) (حدثنا حسان (¬3) بن عطية) الدمشقي (عن أبي منيب) بضم الميم، وسكون النون الدمشقي (الجرشي) بضم الجيم، وفتح الراء، ثم شين معجمة، وهو ثقة. قال المنذري: لم يعرف اسمه. (عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من تشبه بقوم) أي: في لبسهم وبعض أفعالهم (فهو منهم) فمن تشبه بالصالحين، فيكرم كما يكرمون، ومن تشبه بالفساق لم يكرم، ومن وضع عليه علامة الشرفاء أكرم، وإن لم يتحقق شرفه، وفيه إشارة إلى أن من تشبه من الجان بالحيات المؤذيات وظهر لنا في صورتهم فإنه يقتل، وأنه لا يجوز في زماننا لبس العمامة الصفراء والزرقاء إذا كان مسلمًا (¬4). * * * ¬

_ (¬1) في (ل، م): الرحيم. وما أثبتناه كما في "سنن أبي داود" ومصادر ترجمته. (¬2) 7/ 92. (¬3) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬4) وذلك لأنه من زي النصارى في أعيادهم، وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية النهي عن التشبه بهم إجماعًا، ووجوب عقوبة فاعله. انظر: "الفتاوى الكبرى" 5/ 479، "الاختيارات الفقهية" (ص 560).

6 - باب في لبس الصوف والشعر

6 - باب فِي لُبْس الصُّوفِ والشَّعْرِ 4032 - حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ خالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ الرَّمْلي وَحُسَيْنُ ابْنُ عَلي، قالا: حَدَّثَنا ابن أَبي زائِدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها قالَتْ: خَرَجَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ. وقالَ حُسَينٌ: حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيّا (¬1). 4032/ 1 - حَدَّثَنا إِبْراهِيم بْنُ العَلاءِ الزُّبَيْدي، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بْن عيّاشٍ، عَنْ عَقِيلِ بْنِ مُدْرِكٍ، عَنْ لُقْمانَ بْنِ عامِرٍ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمي قالَ: اسْتَكْسَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فكَساني خَيْشَتَيْنِ، فَلَقَدْ رَأَيْتُني وَأَنا أَكْسَى أَصْحابي (¬2). 4033 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَبي بُرْدَةَ قالَ: قالَ لي أَبي يا بُنَي: لَوْ رَأَيْتَنا وَنَحْنُ مَعَ نَبِيِّنا -صلى اللَّه عليه وسلم- وقَدْ أَصابَتْنا السَّماءُ حَسِبْتَ أَنَّ رِيحَنا رِيحُ الضَّأْنِ (¬3). 4034 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنا عُمارَةُ بْنُ زاذانَ، عَنْ ثابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ مَلِكَ ذي يَزَنَ أَهْدى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- حُلَّةً أَخَذَها بِثَلاثَةٍ وَثَلاثِينَ بَعِيرًا أَوْ ثَلاثٍ وَثَلاثِينَ ناقَةً فَقَبِلَها (¬4). 4035 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ عَنْ عَلي بْنِ زَيْدٍ، عَنْ إِسْحاقَ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2081). (¬2) رواه أحمد 4/ 185. وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (2080). (¬3) رواه الترمذي (2479)، وابن ماجه (3562)، وأحمد 4/ 407. وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (2081). (¬4) رواه أحمد 3/ 221، والدارمي (2536)، والبزار 14/ 41 (7481)، وأبو يعلى 6/ 142 (3418). وضعفه الألباني.

ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحارِثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- اشْتَرى حُلَّةً بِبِضْعَةٍ وَعِشْرِينَ قَلُوصًا فَأَهْداها إِلَى ذىِ يَزَنَ (¬1). * * * باب في لبس الصوف والشعر [4032] (حدثنا يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد اللَّه بن موهب الرملي) الثقة الزاهد (وحسين بن علي) [بن جعفر الكوفي، صالح (. . .) (¬2) ليس له في الكتب الستة سوى هذا الحديث] (¬3) (قالا: ثنا) [يحيى بن زكريا] (¬4) (ابن (¬5) أبي زائدة) الوادعي (عن أبيه) (¬6) زكريا بن أبي زائدة الحافظ وفي "سؤالات الآجري لأبي داود": ليس لأبي زائدة اسم (¬7) (عن مصعب بن شيبة) بن جبير الحجبي، أخرج له مسلم هذا الحديث (¬8). (عن) عمة أبيه (صفية [بنت شيبة) (. . .) (¬9) بن عثمان (. . .) (¬10) ¬

_ (¬1) رواه أبو الشيخ في "أخلاق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وآدابه" (286). وضعفه الألباني. (¬2) مكان النقط غير واضح في (ح). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل، م). (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل، م). (¬5) فوقها في (ل، ح): (ع). (¬6) فوقها في (ل، ح): (ع). (¬7) ساقطة من (م). (¬8) "صحيح مسلم" (2081). (¬9) موضعها في (ح) غير واضح. (¬10) موضعها في (ح) غير واضح.

أحاديثها مرسلة، ولا صحبة لها، وذكرها النمري (¬1) وابن السكن في الصحابة] (¬2) خرج أبو داود عنها: لما اطمأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بمكة عام الفتح طاف على بعيره يستلم الركن بمحجن [في يده] (¬3) وأنا أنظر إليه (¬4). وخرج ابن ماجه عنها أنها سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يخطب عام الفتح (¬5). لكن قال المنذري: الحديثان من رواية ابن (¬6) إسحاق (¬7). (عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: خرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) زاد الترمذي ومسلم: ذات غداة (¬8). (وعليه مرط) بكسر الميم، وسكون الراء، كساء من صوف أو خز أو كتان أو شعر، جمعه مروط. قيل: لا يلبس المروط إلا النساء، ويدل عليه حديث: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي في مروط نسائه (¬9). (مرحل) بضم الميم، وتشديد الحاء المهملة، وهو المنقوش عليه ¬

_ (¬1) "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" 4/ 427 (3441). (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل، م). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل، م). (¬4) سبق برقم (1878). (¬5) "سنن ابن ماجه" (3109). (¬6) في (ل، م): أبي. (¬7) "مختصر سنن أبي داود" 2/ 377. (¬8) "صحيح مسلم" (2081)، "سنن الترمذي" (2813). (¬9) رواه إسحاق بن راهويه 2/ 104 (571)، والبيهقي في "الشعب" 5/ 152 (6155) من حديث الحسن مرسلًا. قال المنذري في "الترغيب والترهيب" 3/ 393: رواه البيهقي، وهو مرسل، وفي سنده لين. وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (1267)، قال: ضعيف مرسل.

صور رحال الإبل، ويروى بالجيم يعني: عليه صور المراجل، وهي القدور (من شعر أسود) وفيه جواز أو استحباب لبس الثوب الأسود من شعر أو صوف أو غيره والصلاة [فيه] (¬1)، وقد استحب الفقراء لبسه؛ لأنه لا يظهر فيه الوسخ، ويستعمله الآدمي الزمن الكثير؛ لأنه لا يحتاج إلى غسل يشغل الفقير والطالب عن تعبده، وقد انتهت إلى هنا رواية المصنف والترمذي. وزاد مسلم (¬2) عليهما: فجاء الحسن بن علي فأدخله [ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله] (¬3)، ثم قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} (¬4). (وقال حسين) بن علي في روايته (حدثنا يحيى بن زكريا) إلى آخره. [4032 م] (ثنا إبراهيم (¬5) بن العلاء) بن الضحاك (الزبيدي) بضم الزاي نسبة إلى قبيلة من مذحج، شيخ صدوق. (حدثنا إسماعيل بن عياش) بالمثناة تحت، والشين المعجمة، العنسي بالنون، عالم الشاميين، صدوق في أهل بلده، قال يعقوب الفسوي: [ثقة عدل] (¬6)، أكثر ما تكلموا فيه قالوا: يغرب عن ثقات ¬

_ (¬1) زيادة يقتضيها السياق. (¬2) في الأصول: البخاري. وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) "صحيح مسلم" (2424). (¬5) فوقها في (ح، ل): (د). (¬6) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل، م).

الحجازيين (¬1). (عن عقيل) بفتح العين المهملة (بن مدرك) بضم الميم، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2) (عن لقمان بن عامر) الحمصي، قال أبو حاتم: يكتب حديثه (¬3). (عن عتبة) بسكون الفوقانية (بن عبد السلمي) بضم السين، كان اسمه: عتلة فغير رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- اسمه وسماه عتبة، شهد خيبر، آخر من مات بالشام من الصحابة. (قال: استكسيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) أي: سألته أن يكسوني (فكساني خيشتين) تثنية خيشة، والخيشة ثوب من أردأ الكتان، وهو بفتح الخاء، ويقال: هو ثوب من مشاقة الكتان، يغزل غزلًا غليظًا، ثم ينسج (و) واللَّه (لقد رأيتني) بين قومي (وأنا (¬4) أكسى أصحابي) أي: أكثرهم كسوة. وفيه فضيلة الصحابة؛ لصبرهم على الجهد والجوع والعري، وكثرة تقشفهم، وشدة معيشتهم، وتقللهم من اللباس والأمتعة، وكان هذا قبل أن تبسط عليهم الدنيا ويشبعوا، لكنهم -رضي اللَّه عنهم- وإن أشبعوا منها فهي في أيديهم لا قلوبهم. [4033] (حدثنا عمرو بن عون) الواسطي (ثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد اللَّه الحافظ (عن قتادة، عن أبي بردة) عامر. ¬

_ (¬1) "المعرفة والتاريخ" 2/ 424. (¬2) 7/ 294. (¬3) "الجرح والتعديل" 7/ 182 (1034). (¬4) بعدها في (ل، م) وحاشية (ح): نسخة: (من).

(قال: قال لي أبي) أبو موسى عبد اللَّه بن قيس الأشعري -رضي اللَّه عنه- (يا بني، لو رأيتنا) بفتح تاء الخطاب. لفظ ابن ماجه: لو شهدتنا (¬1). (ونحن مع نبينا (¬2) -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقد أصابتنا السماء) يعني: المطر، سمي سماءً؛ لأنه ينزل من السماء، فسمي باسم ما كان مجاوره مجازًا، و (حسبت) بفتح تاء الخطاب (أن ريحنا ريح الضأن) يريد أن بلادهم شديدة الحرارة، وأكثر لباسهم الصوف، ويعرقون فيه من الحر، فيصير ريحهم كريح الضأن. فيه: فضل الصحابة وما كانوا فيه من خشونة العيش في الملبس (¬3). * * * ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (3562). (¬2) في حاشية (ح)، وصلب (ل، م): نسخة: رسول اللَّه. (¬3) بعدها في (ل، م)، وحاشية (ح): نسخة: باب لباس الترفع.

[4034] (حدثنا عمرو بن عون) الواسطي (أنا عمارة) بضم العين هو (بن زاذان) (¬1) بمعجمتين بينهما ألف، كنيته أبو سلمة. قال المصنف وغيره: ليس بذاك (¬2). (عن ثابت) بن قيس الغفاري، رأى أبا سعيد الخدري ولعله آخر من رآه، وثقه أحمد (¬3). (عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- أن ملك ذي يزن) بفتح المثناة تحت والزاي، غير منصرف، وهو ملك من ملوك حمير، ويزن: اسم بلد ينسب إليها الرماح اليزنية، والأصل يأزن بالهمز، ثم خففت بحذف الهمزة. (أهدى إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حلة) واحدة الحلل، وهي برود اليمن، ولا تسمى حلة إلا أن تكون ثوبين من جنس واحد (أخذها) ملك ذي يزن. (بثلاثة وثلاثين بعيرًا، أو ثلاث وثلاثين ناقة) الشك من الراوي (فقبلها) فيه جواز قبول هدية الكافر. فإن قيل: قبول هدية الكافر هنا تعارضها أحاديث منها [الحديث الذي بعده] (¬4) وحديث: "هدايا العمال غلول" (¬5) مع حديث ابن ¬

_ (¬1) بعدها في (ل، م): بن وذاذ. (¬2) "سؤالات الأجري لأبي داود" (671)، "تهذيب الكمال" 21/ 245 (4184)، "ميزان الاعتدال" 4/ 69 (6024)، "تهذيب التهذيب" 3/ 210. (¬3) كذا في الأصول: بن قيس الغفاري، رأى أبا سعيد الخدري، ولعله آخر من رآه، وثقه أحمد. وهو خطأ والصواب: ابن أسلم البناني. انظر: "تهذيب الكمال" 4/ 342، 373. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م، ل). (¬5) رواه أحمد 5/ 424، والبزار 9/ 172. ورواه بلفظ "الأمراء" بدل "العمال" البيهقي 10/ 138 كلهم من حديث أبي حميد الساعدي مرفوعًا. أورده الهيثمي في "المجمع" 4/ 200، 5/ 249 وقال: رواه البزار من رواية إسماعيل بن عياش عن =

اللتبية عامل الصدقات (¬1)، وفي الحديث الآخر أنه رد بعض هدايا العمال، وقال: "لا نقبل زبد المشركين" (¬2). أي: رفدهم، فكيف يجمع بين هذِه الأحاديث؟ ! حكى القاضي عياض عن بعض العلماء أن هذِه الأحاديث ناسخة لقبول الهدية، ثم قال: قال الجمهور: لا نسخ، بل سبب القبول أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مخصوص بالفيء الحاصل بلا قتال، بخلاف غيره، فقبل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ممن طمع في إسلامه وتأليفه لمصلحة يرجوها للمسلمين، وكافأ بعضهم، ورد هدية من لم يطمع في إسلامه، ولم يكن في قبولها مصلحة؛ لأن الهدية توجب المحبة والمودة، وأما غير النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من العمال والولاة فلا يحل له قبولها لنفسه عند جمهور العلماء، فإن قبلها كانت فيئًا للمسلمين، فإنه لم يهدها له إلا لكونه إمامهم (¬3). ¬

_ = الحجازيين، وهي ضعيفة. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (7021). وللحديث شواهد: من حديث جابر وأبي هريرة وابن عباس. (¬1) رواه البخاري (1500)، (2597)، (6979)، ومسلم (1832) من حديث أبي حميد الساعدي مرفوعًا. (¬2) سيأتي برقم (3057)، ورواه أيضًا الترمذي (1577)، وأحمد 4/ 162 كلهم من حديث عياض بن حمار المجاشعي، واللفظ لأحمد. صححه ابن حجر في "المطالب العالية" 10/ 30، والألباني في "صحيح الجامع" (2505). (¬3) ذكره النووي في "شرح مسلم" 12/ 114 وعزاه للقاضي عياض. وانظر: "الخراج" لأبي يوسف 1/ 208، "مشكل الآثار" 3/ 399، "شرح السير الكبير" 1/ 97، "المنتقى" 3/ 209، "الاستذكار" 14/ 201، "أحكام القرآن" لابن العربي 3/ 487، "معرفة السنن والآثار" للبيهقي 13/ 398، "روضة الطالبين" 5/ 369، "الأموال" للقاسم بن سلام 1/ 328، "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 10/ 270.

[4035] (ثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (حدثنا حماد) بن سلمة (عن علي بن زيد) بن جدعان التيمي البصري الضرير (¬1)، أخرج له مسلم عن أنس بن مالك في الجهاد (¬2). (عن إسحاق بن عبد اللَّه بن الحارث) بن نوفل تابعي يعد في المدنيين (¬3)، أرسل (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- اشترى حلة ببضعة) البضع من التسع إلى العشر (وعشرين قلوصًا) بفتح القاف، وهي الشابة من النوق بمنزلة الجارية من النساء، وقيل: هي الطويلة القوائم. قوله: (اشترى) يحتمل أنه اشترى بوكيل له لا يعرف. فإن الإمام لا يشتري لنفسه ولا يبيع؛ لأنه قد يحابى، وقد يقال: هذا مخصوص بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دون غيره؛ لأنه معصوم من غوائل المحاباة وغيرها، ويقال: إنه لم يشتر لنفسه، بل اشتراها ليصرفها في المصالح، ويحتمل غير ذلك (فأهداها) أي: أرسلها (إلى) ملك (ذى يزن) إما ليكافئه على إهدائه له كما تقدم؛ لئلا يكون له عليه منة كافر، أو أهداها له تألفًا لمصلحة يرجوها من إسلامه وإسلام من في مملكته تبعًا له، أو يحسن إلى من يقدم بلاده من المسلمين وغير ذلك من المصالح، وفيه مكافأة المسلم والكافر. * * * ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) برقم (1789). (¬3) في (م): المكيين.

7 - باب لباس الغليظ

7 - باب لِباسِ الغَلِيظِ 4036 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ ح، وَحَدَّثَنا مُوسَى، حَدَّثَنا سُلَيْمانُ -يَعْني: ابن المُغِيرَة -المَعْنَى-، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ أَبي بُرْدَةَ قالَ: دَخَلْتُ عَلَى عائِشَةَ رضي اللَّه عنها فَأَخْرَجَتْ إِلَيْنا إِزارًا غَلِيظًا مِمّا يُصْنَعُ بِاليَمَنِ وَكِساءً مِنَ التي يُسَمُّونَها المُلَبَّدَةَ، فَأَقْسَمَتْ باللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قُبِضَ في هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ (¬1). 4037 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ خالِدٍ أَبُو ثَوْرٍ الكَلْبي، حَدَّثَنا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ بْنِ القاسِمِ اليَمامي، حَدَّثَنا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمّارٍ، حَدَّثَنا أَبُو زُمَيْلٍ، حَدَّثَني عَبْدُ اللَّهِ بْن عَبّاسٍ قالَ: لمَّا خَرَجَتِ الحَرُورِيَّة أَتَيْتُ عَلِيًّا -رضي اللَّه عنه- فَقالَ: ائْتِ هؤلاء القَوْمَ. فَلَبِسْتُ أَحْسَنَ ما يَكُونُ مِنْ حُلَلِ اليَمَنِ -قالَ أَبُو زُمَيلٍ: وَكانَ ابن عَبَّاسٍ رَجُلًا جَمِيلًا جَهِيرًا- قالَ ابن عَبّاسٍ: فَأَتَيْتُهُمْ فَقالُوا: مَرْحَبًا بِكَ يا ابن عَبّاسٍ ما هذِه الحُلَّةُ؟ قالَ: ما تَعِيبُونَ عَلي لَقَدْ رَأَيْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أَحْسَنَ ما يَكُونُ مِنَ الحُلَلِ. قالَ أَبُو داوُدَ: اسْمُ أَبي زُمَيلٍ: سِماكُ بْنُ الوَلِيدِ الحَنَفي (¬2). * * * باب لباس الغليظ [4036] (حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد) بن سلمة (ح، وحدثنا موسى) بن إسماعيل (حدثنا سليمان بن المغيرة المعنى) أبو سعيد البصري سيد أهل البصرة. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3108)، ومسلم (2080). (¬2) رواه الطبراني في "الكبير" 12/ 196، والحاكم 2/ 150، والبيهقي في "الكبرى" 8/ 179. وحسنه الألباني.

(عن حميد بن هلال) العدوي عدي تميم البصري (عن أبي بردة) عامر ابن أبي موسى الأشعري. (قال: دخلت على عائشة رضي اللَّه عنها) لزيارتها (فأخرجت إلينا إزارًا غليظًا مما يصنع باليمن) فيه ادخار آثار الصالحين من ثياب وغيرها ليتبرك بها من بعدهم (وكساء من الذي) لفظ مسلم: من التي (¬1). ولابن ماجه: من هذِه الأكسية التي تدعى (¬2). التي (يسمونها) تسمى (الملبدة) بتشديد الباء الموحدة المفتوحة يعني: المرقعة، يقال: ألبدت القميص ألبده بالتخفيف ولبدته ألبده بالتشديد، ومنه قيل (¬3) للرقعة التي يرقعونها قبة القميص: اللبدة. وقيل: هو الذي ثخن وسطه حتى صار كاللبد من كثرة رقعه. (فأقسمت باللَّه عزَّ وجلَّ إن) بكسر الهمزة وفتحها لغتان (رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قبض في هذين الثوبين) فيه ما كان عليه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من الزهادة في الدنيا، والإعراض عن متاعها النفيس وملاذها، وفيه الندب للاقتداء به -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذا وغيره، وفيه استحباب الكفن في غير ما مات فيه. [4037] (ثنا إبراهيم بن خالد أبو ثور) الكلبي البغدادي، أحد المجتهدين (حدثنا عمر بن يونس بن القاسم اليمامي) بفتح المثناة تحت، وتخفيف الميم نسبة إلى اليمامة مدينة بالبادية من بلاد العوالي (ثنا عكرمة بن عمار) الحنفي اليمامي، مجاب الدعوة، تابعي، أخرج ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2080). (¬2) "سنن ابن ماجه" (3551). (¬3) ساقطة من (م)، (ل).

له مسلم (ثنا أبو زميل) بضم الزاي مصغر، اسمه سماك بن الوليد الحنفي اليمامي تابعي، روى له البخاري في "الأدب". (حدثني عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما قال: لما خرجت) ظهرت (الحرورية) بفتح الحاء أي: ظهر أمر الخوارج بما اعتقدوه، وحروراء تمد وتقصر، وهي صحراء بالكوفة، أو موضع قريب من الكوفة، نسبت الحرورية إليها؛ لاجتماعهم فيها وتحكيمهم، وهم أحد الخوارج الذي قاتلهم علي -رضي اللَّه عنه- (¬1). (أتيت عليًّا) وكان عندهم تشدد في الدين ومخالفة للسنة (فقال: ائت هؤلاء القوم) فاسمع كلامهم (قال) ابن عباس (فلبست أحسن ما يكون من حلل اليمن) فيه: التجمل بأحسن الثياب للوفود على القوم رسولا كان أو غيره (قال أبو زميل) سماك بن الوليد أحد الرواة. (وكان) عبد اللَّه (ابن عباس -رضي اللَّه عنه- رجلا جميلًا جهيرًا) أي: ذا منظر حسن. قال مسروق (¬2): كنت إذا رأيت عبد اللَّه بن عباس قلت: أجمل الناس. فإذا تكلم قلت: أفصح الناس. وإذا حدث قلت: أعلم الناس، وكان عمر يعده للمعضلات، شهد ابن عباس مع علي يوم الجمل وصفين. (قال ابن عباس: فأتيتهم) وجلست عندهم (فقالوا: مرحبًا بك يا ابن عباس) فيه: إكرام أهل العلم والدين والترحيب بهم ثم قالوا: (ما هذِه الحلة؟ ) الجميلة، فكأنهم عابوا عليه المبالغة في التجمل باللباس، والحلة ثوبان من جنس واحد؛ إزار ورداء غير لفيقين، سميا بذلك ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" 1/ 366. (¬2) ساقطة من (م).

لأن كل واحد منها يحل على الآخر، والظاهر أنها كانت من صوف لذكرها في باب الشعر والصوف (فقلت: ما تعيبون) بفتح أوله (عليَّ؟ ) من لبس هذِه الحلة، واللَّه (لقد رأيت على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أحسن ما يكون من الحلل) فيه الاحتجاج بأفعال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- والاقتداء به في ملبسه وهديه كله. * * *

8 - باب ما جاء في الخز

8 - باب ما جاءَ في الخَزِّ 4038 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَنْماطي البَصْري، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرّازي، ح، وَحَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرّازي، حَدَّثَنا أَبي، أَخْبَرَني أَبي عَبدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ سَعْدٍ قالَ: رَأَيْتُ رَجُلًا بِبُخارى عَلَى بَغْلَةٍ بَيضاءَ عَلَيهِ عِمامَةُ خَزٍّ سَوداءُ فَقالَ: كَسانِيها رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-. هذا لَفْظُ عُثْمانَ والإِخْبارُ في حَدِيثِهِ (¬1). 4039 - حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهّابِ بْنُ نَجْدَةَ، حَدَّثَنا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جابِرٍ، حَدَّثَنا عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ، قالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ غَنْمٍ الأَشْعَري، قالَ: حَدَّثَني أَبو عامِرٍ أَوْ أَبُو مالِكٍ -واللَّه يَمِينٌ أُخْرى ما كَذَبَني- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتي أَقْوامٌ يَسْتَحِلُّونَ الخَزَّ والحَرِيرَ". وَذَكَرَ كَلامًا قالَ: "يُمْسَخُ مِنْهُمْ آخَرُونَ قِرَدَةً وَخَنازِيرَ إِلَى يَوْمِ القِيامَةِ". قالَ أَبُو داوُدَ: وَعِشْرُونَ نَفْسًا مِنْ أَصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَوْ أَكْثَرُ لَبِسُوا الخَزَّ، مِنْهُمْ أَنَسٌ والبَراءُ بْنُ عازِبٍ (¬2). * * * باب ما جاء في الخزِّ [4038] (حدثنا عثمان بن محمد) الدشتكي، بفتح الدال كما سيأتي ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3321)، والنسائي في "الكبرى" (9638). وقال الألباني في "ضعيف سنن الترمذي" (3555). (¬2) رواه البخاري معلقا (5590)، وابن حِبَّان (6754)، والبيهقي في "الصغرى" 4/ 176. وصححه الألباني في "الصحيحة" (91).

(الأنماطي) بفتح الهمزة (البصري، حدثنا عبد الرحمن بن عبد اللَّه) الدشتكي (الرازي) صدوق (وحدثنا أحمد بن عبد الرحمن الرازي) صدوق (ثنا أبي) عبد الرحمن بن عبد اللَّه الرازي (ثنا أبي عبد اللَّه بن سعد) بن عثمان الدشتكي، نزل الري، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬1). (عن أبيه) سعد بن عثمان الرازي التابعي، الدشتكي، بفتح الدال المهملة، وسكون الشين المعجمة، وفتح المثناة فوق، بعدها كاف، نسبة إلى دشتك، وهي قرية بالري. (قال: رأيت رجلًا) صحابيًّا (ببخارى) (¬2) بلدة من وراء النهر راكبًا (على بغلة بيضاء عليه عمامة خز) قال ابن الأثير: الخز ثياب تنسج من صوف وإبريسم، وهي مباحة، وقد لبسها الصحابة والتابعون (¬3). وقال غيره. الخز اسم دابة ثم أطلق على الثوب المتخذ من وبرها مثل: فلس وفلوس (¬4). قال المنذري: أصله من وبر الأرنب ويسمى ذكره: الخزز، مثل صرد وصردان، وقيل: الخز هو القز. وقال الرافعي: هو مركب من إبريسم ووبر (سوداء فقال) الرجل الراكب قيل (¬5): هو عبد اللَّه بن خازم بالخاء والزاي المعجمتين، كنيته: أبو صالح أمير خراسان، ذكر ¬

_ (¬1) 8/ 338. (¬2) ورد في هامش (ح، ل) وصلب (م): نسخة: يتجارى فيه التحتانية والفوقانية والجيم. (¬3) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 28. (¬4) انظر: "المصباح المنير" 1/ 168. (¬5) ساقطة من (ل)، (م).

بعضهم له صحبة وأنكرها بعضهم، وذكر البخاري هذا الحديث في "التاريخ الكبير" (¬1) ورواه مخلد عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن سعد الدشتكي وقال: قال عبد اللَّه نراه ابن خازم السلمي (¬2). وقال البخاري: ابن خازم أزدي أدرك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3). فقال (كسانيها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) فيه دليل على إباحة لبس الخز كما تقدم عن ابن الأثير (¬4) (هذا لفظ عثمان) بن محمد (والإخبار) بكسر الهمزة (في حديثه) المذكور. [4039] (حدثنا عبد الوهاب بن نجدة) الحوطي، وثقه يعقوب بن شيبة (¬5) (ثنا بشر) بكسر أوله، وسكون المعجمة (ابن بكر) التنيسي دمشقي الأصل، أخرج له البخاري في آخر كتاب الصلاة (¬6). (عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر) الأزدي الداراني، ثقة (ثنا عطية ابن قيس) الحمصي قرأ القرآن على أم الدرداء، وكانوا يصلحون مصاحفهم على قراءته، أخرج له مسلم عن عبد الرحمن بن غنم. ¬

_ (¬1) 4/ 67. (¬2) السابق، لكني وجدت القول في "التاريخ الكبير" لـ عبد الرحمن بدل عبد اللَّه. (¬3) قال المنذري في "مختصر سنن أبي داود" 6/ 28: قال البخاري: ابن خازم: ما أرى أدرك النبي، وهذا شيخ آخر. انتهى فقد عزا للبخاري نفيه لإدراك النبي بخلاف قول الشارح. (¬4) وانظر: "شرح مشكل الآثار" 8/ 294، "مختصر اختلاف العلماء" 4/ 375 (م 2062)، "الاستذكار" 26/ 178، "المنتقى" 7/ 221، "الأم" ط. دار الوفاء 8/ 680، "معرفة السنن والآثار" 5/ 42، "المجموع" 4/ 335، "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 13/ 304. (¬5) "تهذيب الكمال" 18/ 520 (3607). (¬6) برقم (1534).

(قال: سمعت عبد الرحمن بن غنم) بفتح الغين المعجمة وسكون النون (الأشعري) أسلم في زمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وصحب معاذًا، قدم مع جعفر إذ هاجر من الحبشة، وعده في "تاريخ دمشق" (¬1) من الصحابة. (قال: حدثني أبو عامر) عبد اللَّه بن هانئ الأشعري، صحابي، نزل الشام، وقيل: هو عبيد بن وهب (أو أبو مالك) الحارث، وقيل: كعب بن عاصم قدم في السفينتين، صحابي، يعد في الشاميين، وهذا الحديث ذكره البخاري (¬2) في الأشربة تعليقًا بلفظه (¬3)، قال [المهلب] (¬4): ولم يسنده من أجل شك المحدث حيث قال: أبو عامر أو أبو مالك الأشعري (¬5). وهذا الحديث من الطرائف، إذ كله أو أكثره شاميون، فهو مسلسل بالشامية. (واللَّه) بالجر على القسم، وفيه دليل على جواز الحلف (¬6) من غير تحليف إذا أريد به التوكيد والمبالغة في كمال صدق الراوي (ما كذبني) بفتح الذال المخففة (أنه سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول) واللَّه (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون) أي: يفعلون الحرام معتقدين حله بالتأويلات الفاسدة، ولهذا قال: (من أمتي) فجعلهم بعض أمته مع ¬

_ (¬1) 60/ 197. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) برقم (5590). (¬4) ساقطة من الأصول، وأثبتناها من "شرح ابن بطال" 6/ 50. (¬5) "شرح ابن بطال" 6/ 50. (¬6) في (ل)، (م): الحديث. وغير واضحة في (ح)، وما أثبتناه يقتضيه المعنى.

استحلالهم بالتأويل؛ لأنهم لو استحلوها مع اعتقاد أن اللَّه ورسوله حرماها لكانوا كفارًا، وخرجوا عن أمته؛ لأن تحريم الخمر معلوم من الدين بالضرورة، ولو كانوا معترفين بأنها حرام، لأوشك ألا يعاقبوا بالمسخ كسائر الذين يفعلون المعاصي مع اعترافهم أنها معصية. (الحر) بكسر الحاء، وسكون الراء المهملتين، وأصله: حرح، وهو الفرج فحذف إحدى الحاءين، وجمعه أحراح كقدح وأقداح، ومنهم من يشدد الراء، وليس بجيد، يريد أنه يكثر فيهم الزنا في الفرج (¬1). قال المنذري: ذكر بعضهم أنه بالخاء والزاي المعجمتين (¬2)، وهو ضرب من ثياب الإبريسم كما تقدم، قال: وكذا جاء في كتابي البخاري وأبي داود، قال: ولعله حديث آخر جاء كما ذكره أبو موسى، وهو حافظ عارف بما روى وشرح [فلا يتهم] (¬3). (والحرير) زاد البخاري: "والخمر والمعازف" (¬4) بالمهملة والزاي المعجمة -يعني: أصوات الملاهي، ومدار استحلال الحرام على تسمية الشيء باسم غيره، كمن تزوج امرأة ليحلها لزوجها، فإنهم يسمونه في العقد زوجًا، وإنما هو المحلل الملعون، والتيس المستعار. ومنه نكاح المتعة بعد تحريمه، ونحو ذلك مما يكثر، كمراجعة الرجل زوجته بعد الطلاق الثلاث، ومثال استحلال الحرير اعتقادهم ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" 1/ 336. (¬2) في (ح، ل): المعجمة. (¬3) من (ح)، وساقطة من (م)، وبياض في (ل). (¬4) "صحيح البخاري" (5590).

أنه حلال في بعض الصور كحال الجرب، وحال الحكة، فيقيسون عليه سائر الأحوال ويقولون: لا فرق بين حال وحال، ومثال استحلال الخمر تسميتها بغير اسمها كما ذكره المصنف في باب الداذي من الأشربة عن عبد الرحمن بن غنم: تذاكرنا الطلاء فقال: حدثني أبو مالك الأشعري أنه سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها" (¬1). (وذكر) بعد هذا (كلامًا) ذكره البخاري فقال: "ولينزلن أقوام إلى جنب علم تروح عليهم سارحة لهم يأتيهم -يعني: الفقير- لحاجته فيقولون: ارجع إلينا غدًا. فيبيتهم اللَّه ويضع العَلمَ عليهم" (¬2) انتهت، والعلم بفتح العين المهملة هو الجبل، ومعنى: "يضع العلم عليهم" بأن يدكدكه عليهم فيقع على رؤوسهم. (قال) و (يمسخ منهم) يعني: من الذين يستحلون الحرام (آخرين) يعني: ثم يهلكهم (آخرون) (¬3) بالبيات (قردة) بكسر القاف، وفتح الراء جمع قرد (وخنازير) فيه دليل على أن المسخ على صورة القردة والخنازير واقع في هذِه الأمة، وهو واقع في طائفتين، منهم علماء السوء الكاذبين على اللَّه ورسوله الذين قلبوا دين اللَّه وشرعه فقلب اللَّه صورهم كما قلبوا دينه، وأكابر القرى المجاهرين بالفسق والمعاصي ¬

_ (¬1) سبق برقم (3688). (¬2) "صحيح البخاري" (5590). (¬3) لعله يقصد أنها نسخة أخرى في "السنن".

المنهمكين عليه كما قال عبد اللَّه بن المبارك: وهل أفسد الدين إلا الملوك ... وأحبار سوء ورهبانها (¬1) ومن لم يمسخ منهم في الدنيا مسخ في قبره أو يوم القيامة. وروى ابن أبي الدنيا في كتاب "الملاهي" أحاديث: منها حديث أبي هريرة: "يمسخ قوم من هذِه الأمة في آخر الزمان قردة وخنازير" قالوا: يا رسول اللَّه؛ أليس يشهدون أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدًا رسول اللَّه؟ قال: "بلى ويصومون ويصلون ويحجون" قالوا: فما بالهم؟ قال: "اتخذوا المعازف والدفوف والقينات فباتوا على شربهم ولهوهم، فأصبحوا وقد مسخوا قردة وخنازير" (¬2) "وليمرن الرجل على الرجل في حانوته يبيع فيرجع إليه وقد مسخ قردًا أو خنزيرًا" (¬3). وقال أبو هريرة (¬4): لا تقوم الساعة حتى يمشي الرجلان إلى الأمر يعملانه فيمسخ أحدهما قردًا أو خنزيرًا، ولا يمنع الذي نجا منهما ما رأى بصاحبه أن يمضي إلى شأنه ذلك حتى يقضي شهوته (¬5). ¬

_ (¬1) هذا البيت من بحر المتقارب، رواه ابن المقرئ في "المعجم" (1225)، والأصفهاني في "حلية الأولياء" 8/ 279، والبيهقي في "الشعب" 5/ 464 (7300)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" 1/ 637 - 638 (1100) كلهم بلفظ: (بدل الدين) بدل لفظ: (أفسد الدين). (¬2) "ذم الملاهي" (8). (¬3) "ذم الملاهي" (18) من رواية سالم بن أبي الجعد مقطوعًا. (¬4) كذا في الأصول: أبو هريرة. والصواب: أبو الزاهرية. كما في "ذم الملاهي" (19). (¬5) "ذم الملاهي" (19).

وقال عبد الرحمن بن غنم: يوشك أن يقعد اثنان على تفال رحًى يطحنان فيمسخ أحدهما والآخر ينظر (¬1). وقال مالك بن دينار: بلغني أن ريحًا تكون في آخر الزمان فيفزع الناس إلى علمائهم فيجدونهم قد مسخوا (¬2). (إلى يوم القيامة) قد يؤخذ منه الرد على من يقول: إنما الممسوخين لا يدومون ولا يتوالدون. وقد جاء في الحديث ما يعضده. [(قال أبو داود: عشرون نفسًا من أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) أقل (أو أكثر) من العشرين، كلهم (لبسوا الحرير، منهم أنس والبراء بن عازب) انتهى] (¬3). * * * ¬

_ (¬1) "ذم الملاهي" (20). (¬2) "ذم الملاهي" (22). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م)، (ل).

9 - باب ما جاء في لبس الحرير

9 - باب ما جاءَ في لُبْسِ الحَرِيرِ 4040 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَأى حُلَّةً سِيَراءَ عِنْدَ بابِ المَسْجِدِ تُباعُ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اشْتَرَيتَ هذِه فَلَبِسْتَها يَومَ الجُمُعَةِ وَللْوَفْدِ إِذا قَدِمُوا عَلَيْكَ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّما يَلْبَسُ هذِه مَنْ لا خَلاقَ لَهُ في الآخِرَةِ". ثمَّ جاءَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْها حُلَلٌ فَأَعْطَى عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ مِنْها حُلَّةً فَقالَ عُمَرُ: يا رَسُولَ اللَّهِ كَسَوْتَنِيها وَقَدْ قُلْتَ في حُلَّةِ عُطارِدٍ ما قُلْتَ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنّي لَمْ أَكْسُكَها لِتَلْبَسَها". فَكَساها عُمَرُ بْنُ الخطَّابِ أَخًا لَهُ مُشْرِكًا بِمَكَّةَ (¬1). 4041 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَني يُونُسُ وَعَمْرُو بْنُ الحارِثِ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ سالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ بهذِه القِصَّةِ قالَ: حُلَّةَ إِسْتَبْرَقٍ. وقالَ فِيهِ: ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ بِجُبَّةِ دِيباجٍ وقالَ: "تَبِيعُها وَتُصِيبُ بِها حاجَتَكَ" (¬2). 4042 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، حَدَّثَنا عاصِمٌ الأَحْوَلُ، عَنْ أَبي عُثْمانَ النَّهْدي قالَ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عَنِ الحَرِيرِ إِلَّا ما كانَ هَكَذا وَهَكَذا أُصْبُعَيْنِ وَثَلاثَةً وَأَرْبَعَةً (¬3). 4043 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبي عَوْنٍ قالَ: سَمِعْتُ أَبا صالِحٍ يُحَدِّثُ، عَنْ عَليٍّ -رضي اللَّه عنه- قالَ: أُهْدِيَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- حُلَّةٌ سِيَراءُ فَأَرْسَلَ بِها إِلَيَّ فَلَبِسْتُها فَأَتَيْتُهُ فَرَأَيْتُ الغَضَبَ في وَجْهِهِ وقالَ: "إِنّي لَمْ أُرْسِلْ بِها إِلَيْكَ لِتَلْبَسَها". وَأَمَرَني فَأَطَرْتُها بَيْنَ نِسائي (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (886)، ومسلم (2068). (¬2) انظر السابق. (¬3) رواه البخاري (5828)، ومسلم (2069). (¬4) رواه البخاري (2614)، ومسلم (2071).

باب ما جاء في لبس الحرير [4040] (حدثنا عبد اللَّه بن مسلمة) القعنبي. (عن مالك، عن نافع، عن) عبد اللَّه (بن عمر أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- رأى حلة سيراء) السيراء: هي المخططة بالحرير، شبهت بالسيور خطوطها، قاله الأصمعي والخليل (¬1)، والرواية: (حلة سيراء) بتنوين حلة، وسيراء بكسر السين المهملة وفتح المثناة تحت ثم راء ثم ألف ممدودة، والنصب صفة للحلة، كأنه قال: حلة سيرة. كما قالوا: جبة طيالسة. أي: غليظة، وبعضهم لا ينون الحلة ويضيفها إلى سيراء. قال القرطبي: كذا قيدته عمن يوثق بعلمه وتقييده، فهو على هذا من باب إضافة الشيء إلى صفته كقولهم: ثوب خز، على أن سيبويه قال: لم يأت فعلاء صفة، وأما سيراء فينزل منزلة مسيرة (¬2). (عند باب المسجد تباع) كذا في البخاري (¬3)، فيه دليل على جواز اتخاذ الأسواق للبيع والشراء ونحو ذلك عند أبواب المساجد، لا في نفس المساجد نفسها كما أجد في المسجد الحرام، وهي بدعة قبيحة، وقد اجتهد بعض مشايخنا في إبطالها بالحكام، فعجز عن ذلك. (فقال عمر: يا رسول اللَّه، لو اشتريت هذِه فلبستها) بفتح اللام، ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" 1/ 195. (¬2) "المفهم" 5/ 386. (¬3) "صحيح البخاري" (886)، (5841).

وكسر الباء، كذا رواية مسلم (¬1). (يوم الجمعة للوفود إذا قدموا عليك) إقراره له -صلى اللَّه عليه وسلم- على هذا القول يدل على مشروعية التجمل بأحسن الثياب يوم الجمعة والعيد ومجامع المسلمين التي يقصد بها إظهار جمال الإسلام عند ملاقاة الوفود القادمين وللإغلاظ عليهم، وغير ذلك، وفيه عرض المفضول على الفاضل، والتابع على المتبوع ما يراه أنه محتاج إليه من المصالح. (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إنما يلبس هذِه) وفي رواية: "إنما يلبس الحرير" (¬2) (من لا خلاق له في الآخرة) والخلاق هو النصيب، أي: من لا نصيب له في الآخرة. وقيل: من لا [حرمة له. وقيل: من لا] (¬3) دين له. [فعلى الأول يكون محمولا على الكفار والمشركين الذين لا حظ لهم في الآخرة] (¬4)، وعلى القولين الآخرين يتناول المسلم والكافر. (ثم جاء رسول) بالنصب مفعول مقدم (اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- منها حلل بعد ذلك فأعطى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عمر بن الخطاب منها حلة) مفعول ثان، وفيه جواز تمليك ما لا يجوز له لبسه كما أنه يملك الجارية التي لا يجوز له وطؤها. (فقال عمر: يا رسول اللَّه، كسوتنيها وقد) سمعتك (قلت في حلة عطارد) منصرف (ما قلت؟ ) يعني: "إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2068). (¬2) رواها البخاري (6081)، ومسلم (2068) (7). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م، ل).

خلاق له" (¬1). (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إني لم أكسكها) بضم السين (لتلبسها) بنصب السين بـ (أن) المقدرة أي: لأجل أن تلبسها، وفي لفظ في الصحيحين: "إنما بعثت بها إليك لتستمتع بها" (¬2) وفي لفظ آخر: "لتنتفع بها" (¬3) وفي آخر: "إنما بعثت بها إليك لتصيب بها مالا" (¬4) (فكساها عمر -رضي اللَّه عنه- أخًا له مشركًا بمكة) ذكر النسائي أنه كان أخاه لأمه (¬5)، واسمه عثمان بن حكيم بن أمية السلمي قاله (¬6). وفيه ما يدل على جواز صلة القريب المشرك (¬7)، وما يدل على أن عمر لم يكن من مذهبه أن الكفار مخاطبون بالفروع الشرعية (¬8)، إذ لو ¬

_ (¬1) السابق. (¬2) "صحيح البخاري" (2104)، "صحيح مسلم" (2068) (9). (¬3) "صحيح مسلم" (2068) (9). (¬4) "صحيح البخاري" (6081)، "صحيح مسلم" (2068) (7)، (9). (¬5) "المجتبى" 8/ 196. (¬6) كذا في (م) وفي (ل)، (ح) بياض بعدها. (¬7) انظر: "أحكام القرآن" للجصاص 3/ 653، "شرح السير الكبير" 1/ 96، "التمهيد" 14/ 262، "أحكام القرآن" لابن العربي 1/ 401، "الأم" ط. دار الوفاء 3/ 158، "الآداب الشرعية" لابن مفلح 1/ 438. (¬8) لا خلاف بين العلماء في أن الكفار مخاطبون بأصول الشريعة والمعاملات والعقوبات وما عدا ذلك من فروع الشريعة كالصلاة والصوم. .، فقد اختلفوا فيها على ثمانية مذاهب. انظر: "الفصول في الأصول" 2/ 160، "أصول السرخسي" 1/ 73، "المحصول" لابن العربي 1/ 27، "شرح تنقيح الفصول" 1/ 162، "الفروق" 1/ 218، "التبصرة" 1/ 80 (م 17)، "البرهان في أصول الفقه" 1/ 17، "العدة في أصول الفقه" 2/ 359، "روضة الناظر" 1/ 160، "المسودة" 1/ 46، "شرح مختصر الروضة" للطوخي 1/ 205، "المهذب" 1/ 346.

اعتقد ذلك لما كساه إياها وهي تحرم عليه. وللبخاري: أرسل بها عمر إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يسلم (¬1). [4041] (ثنا أحمد بن صالح) الطبري المصري شيخ البخاري (ثنا) عبد اللَّه (ابن وهب) الفهري المصري (أخبرني يونس) (¬2) بن يزيد المصري الأيلي (وعمرو (¬3) بن الحارث) المؤدب الأنصاري المصري (عن ابن شهاب) الزهري (عن سالم بن عبد اللَّه عن أبيه) عبد اللَّه (ابن عمر رضي اللَّه عنهما بهذِه القصة) المذكورة و (قال) فيها (حلة إستبرق) بدل (حلة سيراء) والإستبرق فارسي عربته العرب، وهو غليظ الديباج، والسندس: ما رقَّ منه. (وقال فيه: ثم أرسل إليه بجبة ديباج) وهو حلتين من الحرير والإستبرق، والسندس من أنواعه (وقال: تبيعها) بمال (وتصيب بها) أي: بما تحصل من ثمنها بعض (حاجتك) فقال: "بعها واقض بها حاجتك أو شققها خمرًا بين نسائك" (¬4). [4042] (ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد) بن سلمة (ثنا عاصم) بن سليمان البصري (الأحول) الحافظ (عن أبي عثمان) (¬5) عبد الرحمن بن مل (النهدي) نسبة إلى نهد بن زيد بن قضاعة. ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (2619)، (5981). (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) فوقها في (م): (ع). (¬4) "المجتبى" 8/ 198. وببعضه بلفظ "شققها خمرًا بين نسائك" رواه مسلم (2068) (7). (¬5) فوقها في (ل): (ع).

(قال: كتب عمر) بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- (إلى) أبي عبد اللَّه (عتبة بن فرقد) الأسلمي، وكان عمر ولاه على الموصل، وكان شريفًا، شهد خيبر، كان له ثلاث نسوة ما منهن واحدة إلا تجتهد في الطيب لتكون أطيب من ريح صاحبتها، وما يمس عتبة طيبًا، وكان أطيب ريحًا (¬1) منهن فسئل عن ذلك، فقال: أصابني الشرا على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأقعدني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بين يديه، فتجردت وألقيت ثيابي على عورتي، فنفث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في كفه ثم دلك به الأخرى، ثم أمرَّهما على ظهري وبطني فعبق بي الطيب (¬2). (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن) لبس (الحرير إلا ما كان هكذا وهكذا أصبعين) زاد مسلم: ورفع لنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أصبعه الوسطى والسبابة وضمهما (¬3). قال عاصم، يعني: الأحول: ورفع زهير أصبعيه. لفظ البخاري: نهى عن الحرير إلا هكذا. وأشار بأصبعيه اللتين تليان الإبهام (¬4). (وثلاثة وأربعة) بنصبهما، أي: إلا موضع أصبعين وثلاثة وأربعة لرواية مسلم: إلا موضع أصبعين أو ثلاث أو أربع (¬5). وفيه أنه يجوز من الحرير الطراز والطرف كالسجاف بشرط أن لا يجاوز أربع أصابع، فإن جاوزها حرم، ولا فرق في ذلك بين المركب على الثوب ¬

_ (¬1) في جميع النسخ (ريح) ولعل المثبت الصواب. (¬2) رواه ابن عبد البر في "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" 3/ 148 - 149 (1784). (¬3) "صحيح مسلم" (2069) (12). (¬4) "صحيح البخاري" (5828). (¬5) "صحيح مسلم" (2069) (15).

والمنسوج والمعمول بالإبرة، والترقيع كالتطريز، وإذا حرم الزائد على أربع أصابع من الحرير فمن الذهب أولى؛ لأنه أكثر إسرافًا. [4043] (ثنا سليمان بن حرب) قاضي مكة، شيخ البخاري (حدثنا شعبة، عن أبي عون) محمد بن عبيد اللَّه بن سعيد الثقفي، أخرج له الشيخان (قال: سمعت أبا صالح) عبد الرحمن بن قيس الحنفي، أخرج له مسلم. (عن علي) بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- (قال) زاد مسلم: أن أكيدر دومة (¬1). فأكيدر تصغير أكدر، وهو في الأصل سواد يضرب إلى الغبرة، ودومة يقوله المحدثون بضم الدال، وأكيدر دومة هو ملك أيلة، وهو أكيدر بن عبد الملك الكندي. قال الخطيب البغدادي: كان نصرانيًّا ثم أسلم. وقال ابن منده وأبو نعيم في "معرفة الصحابة": أسلم أكيدر وأهدى إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حلة سيراء (¬2). قال ابن الأثير: أما الهداية والمصالحة فصحيحان، وأما الإسلام فغلط؛ لأنه لم يسلم بلا خلاف بين أهل السير (¬3). (أهديت) بضم الهمزة وسكون تاء التأنيث (إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حلة سيراء) تقدم، أهداها له ملك أيلة وهو مشرك، ففيه دليل على قبول هدايا المشركين كما تقدم (فبعث (¬4) بها إلي فلبستها فأتيته) وأنا لابسها ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2071) (18). (¬2) "معرفة الصحابة" لأبي نعيم 1/ 363 (258) (1110). من رواية ابن عمر. (¬3) "أسد الغابة" 1/ 135 (220). (¬4) بعدها في حاشية (ح) وصلب (ل، م): نسخة: فأرسل.

(فرأيت الغضب في وجهه) فقلت: يا رسول اللَّه، إنك أرسلتها إلي فلبستها (فقال: إني لم أرسل بها إليك لتلبسها) بفتح الباء الموحدة، ونصب السين (وأمرني فأطرتها) بفتح الهمزة والطاء المهملة المخففة أي: قطعتها وشققتها لرواية مسلم: فشققتها (¬1) (بين نسائي) أي: نساء أقاربه، وفي رواية: فقسمتها (¬2). من قولهم: طار لفلان في القسمة سهم. أي: صار له، ووقع في حصته، وفي حديث أم العلاء الأنصارية: اقتسمنا المهاجرين فطار لنا عثمان بن مظعون (¬3). أي: حصل نصيبنا منهم عثمان. وقيل: الهمزة أصلية من قولهم: أطرت الشيء فانأطر، أي: انثنى وانعطف، وفي حديث آدم: أنه كان طوالا فأطر اللَّه منه (¬4). أي: قصره ونقص من طوله. ولمسلم: "إنما بعثتها لتشققها خمرًا بين النساء" (¬5) [وفي أخرى] (¬6): "شققه (¬7) خمرا بين الفواطم" (¬8). فالخمر جمع خمار، والفواطم نساؤه الثلاث: فاطمة بنت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفاطمة بنت ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2071) (19). (¬2) رواه أحمد 1/ 90 - 91، والبزار 2/ 194 (577، 578). (¬3) رواه البخاري (1243). (¬4) انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 53. (¬5) "صحيح مسلم" (2071). (¬6) ليست في النسخ، والمثبت من "فتح الباري". (¬7) في (ح، ل): فشققته. وفي (م): فشققته. وما أثبتناه كما في "صحيح مسلم" (2071). (¬8) "صحيح مسلم" (2071) (18).

أسد، وهي أم علي بن أبي طالب، وفاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب، وذكر عبد الغني بن سعيد وابن عبد البر أن عليًّا قسمه بين الفواطم الأربع (¬1)، والرابعة فاطمة بنت شيبة بن ربيعة امرأة عقيل بن أبي طالب وهي من المبايعات. * * * ¬

_ (¬1) "التمهيد" 14/ 251.

10 - باب من كرهه

10 - باب منْ كَرِهَهُ 4044 - حَدَّثَنا القَعْنَبي، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلي بْنِ أَبى طالِبٍ -رضي اللَّه عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عَنْ لُبْسِ القَسّي، وَعَنْ لُبْسِ المُعَصْفَرِ، وَعَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ، وَعَنِ القِراءَةِ في الرُّكُوعِ (¬1). 4045 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ -يَعْني: المَرْوَزي- حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاق أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلي بْنِ أَبى طالِبٍ -رضي اللَّه عنه- عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بهذا قالَ: عَنِ القِراءَةِ في الرّكُوعِ والسُّجودِ (¬2). 4046 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بهذا زادَ وَلا أَقُولُ نَهاكُمْ (¬3). 4047 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ عَلي بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ ابْنِ مالِكٍ أَنَّ مَلِكَ الرُّوم أَهْدى إِلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مُسْتَقَةً مِنْ سُنْدُسٍ فَلَبِسَها فَكَأنّى أَنْظُرُ إِلَى يَدَيْهِ تَذَبْذَبانِ ثُمَّ بَعَثَ بِها إِلَى جَعْفَرٍ فَلَبِسَها ثُمَّ جاءَهُ فَقالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنّي لَمْ أُعْطِكَها لِتَلْبَسَها". قالَ: فَما أَصْنَعُ بِها؟ قالَ: "أَرْسِلْ بِها إِلَى أَخِيكَ النَّجاشي" (¬4). 4048 - حَدَّثَنا مَخْلَدُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا رَوْحٌ، حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ أَبي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ نَبي اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "لا أَرْكبُ الأُرْجُوانَ، وَلا أَلْبَسُ المُعَصْفَرَ، وَلا أَلْبَسُ القَمِيصَ المُكَفَّفَ بِالحَرِيرِ". ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2078). (¬2) رواه مسلم (2078). (¬3) رواه النسائي في "الكبرى" (9482). وانظر السابق. (¬4) رواه أحمد 3/ 229، والطيالسي (2169)، وأبو يعلى (3980). وضعفه الألباني في "الصحيحة" تحت حديث (3346).

قالَ: وَأَوْمَأَ الحَسَنُ إِلَى جَيْبِ قَمِيصِهِ. قالَ: وقالَ: "أَلا وَطِيبُ الرِّجالِ رِيحٌ لا لَوْنَ لَهُ أَلا وَطِيبُ النِّساءِ لَوْنٌ لا رِيحَ لَهُ". قالَ سَعِيدٌ: أُراهُ قالَ: إِنَّما حَمَلُوا قَوْلَهُ في طِيبِ النِّساءِ عَلَى أَنَّها إِذا خَرَجَتْ فَأَمّا إِذا كانَتْ عِنْدَ زَوْجِها فَلْتَطّيَّبْ بِما شاءَتْ (¬1). 4049 - حَدَّثَنا يَزِيدُ بْن خالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ الهَمْداني، أَخْبَرَنا المُفَضَّلُ -يَعْني: ابن فَضالَةَ- عَنْ عيّاشِ بْنِ عَبّاسٍ القِتْباني، عَنْ أَبي الحُصَيْنِ -يَعْني: الهَيْثَمَ ابْنَ شَفي- قالَ: خَرَجْتُ أَنا وَصاحِبٌ لي يُكْنَى أَبا عامِرٍ -رَجلٌ مِنَ المَعافِرِ- لِنُصَلّي بِإيلْياءَ وَكانَ قاصَّهُمْ رَجُلٌ مِنَ الأزْدِ يُقالُ لَهُ: أَبُو رَيْحَانَةَ مِنَ الصَّحابَةِ قالَ أَبُو الحُصَيْنِ فَسَبَقَني صاحِبي إِلَى المَسْجِدِ ثمَّ رَدِفْتُهُ فَجَلَسْتُ إِلَى جَنْبِهِ فَسَأَلَني هَلْ أَدْرَكْتَ قَصَصَ أَبي رَيْحانَةَ قُلْتُ: لا. قالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: نَهَى رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنْ عَشْرٍ عَنِ الوَشْرِ والوَشْمِ والنَّتْفِ وَعَنْ مُكامَعَةِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ بِغَيْرِ شِعارٍ وَعَنْ مُكامَعَةِ المَرْأَةِ المَرْأَةَ بِغَيْرِ شِعارٍ، وَأَنْ يَجْعَلَ الرَّجُل في أَسْفَلِ ثِيابِهِ حَرِيرًا مِثْلَ الأعَاجِمِ أَوْ يَجْعَلَ عَلَى مَنْكِبَيْهِ حَرِيرًا مِثْلَ الأعَاجِمِ وَعَنِ النُّهْبَى وَرُكوبِ النُّمُورِ وَلُبُوسِ الخاتَمِ إِلا لِذي سُلْطانٍ. قالَ أَبُو داوُدَ: الذي تَفَرَّدَ بِهِ مِنْ هذا الحَدِيثِ ذِكْرُ الخاتَمِ (¬2). 4050 - حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنا رَوْحٌ، حَدَّثَنا هِشامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَلي -رضي اللَّه عنه- أَنَّهُ قالَ نَهَى عَنْ مَياثِرِ الأُرجُوانِ (¬3). 4051 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْن عُمَرَ وَمُسْلِمُ بْن إِبْراهِيمَ قالا: حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبي ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2788)، أحمد 4/ 442. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (7167). (¬2) رواه النسائي في "الكبرى" (9366)، وأحمد 4/ 134. وضعفه الألباني في "المشكاة" (4355). (¬3) رواه النسائي 8/ 169، وأحمد 1/ 121. وصححه الألباني.

إِسْحاقَ، عَنْ هُبَيْرَةَ، عَنْ عَلي -رضي اللَّه عنه- قالَ: نَهاني رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنْ خاتَمِ الذَّهَبِ وَعَنْ لُبْسِ القَسّي والمِيثَرَةِ الحَمْراءِ (¬1). 4052 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنا ابن شِهابٍ الزُّهْري، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- صَلَّى في خَمِيصَةٍ لَها أَعْلامٌ فَنَظَرَ إِلَى أَعْلامِها فَلَمّا سَلَّمَ قالَ: "اذْهَبُوا بِخَمِيصَتي هذِه إِلَى أَبي جَهْمٍ فَإنَّها أَلْهَتْني آنِفًا في صَلاتي وَأْتُوني بِأَنْبِجانِيَّتِهِ". قالَ أَبُو داوُدَ: أَبُو جَهْمِ بْنُ حُذَيْفَةَ مِنْ بَني عَدي بْنِ كَعْبِ بْنِ غانِمٍ (¬2). 4053 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ -في آخَرِينَ- قالُوا: حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ نَحْوَهُ والأَوَّلُ أَشْبَعُ (¬3). * * * باب من كرهه [4044] (ثنا) عبد اللَّه بن مسلمة (القعنبي، عن مالك عن نافع، عن إبراهيم (¬4) بن عبد اللَّه بن حنين) بضم الحاء المهملة وتخفيف النون، مصغر، الهاشمي (عن أبيه) (¬5) عبد اللَّه بن حنين مولى العباس أو علي. (عن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى) لفظ مسلم: نهاني (¬6) (عن لبس القسي) بفتح القاف، وكسر السين المهملة المشددة ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2808)، والنسائي 8/ 165، وابن ماجه (3654)، وأحمد 1/ 127. وصححه الألباني في "الصحيحة" (2396). (¬2) رواه البخاري (373)، ومسلم (556). (¬3) انظر ما قبله. (¬4) و (¬5) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬6) "صحيح مسلم" (2078).

على الصحيح، وهي ثياب مضلعة بالحرير (¬1) يؤتى بها [من] (¬2) مصر والشام تعمل بالقس بفتح القاف موضع من بلاد مصر على ساحل البحر قريبا من تنيس، وقيل: هي من القز، أصله القزي منسوب إلى القز وهو رديء الحرير، فأبدل من الزاي سين، وهذا القسي إن كان حريره أكثر من الكتان فالنهي عنه للتحريم، وإلا فالكراهة للتنزيه. (وعن لبس المعصفر) اختلف العلماء في لبس الثياب المعصفرة، وهي المصبوغة بالمعصفر، فأباحها جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك، لكنه قال: غيرها أفضل منها. وقال جماعة من العلماء: هو مكروه كراهة تنزيه (¬3). وحملوا النهي على هذا لما في الصحيحين عن ابن عمر قال: رأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يصبغ ¬

_ (¬1) في (ل، م): بالخز. (¬2) زيادة يقتضيها السياق. (¬3) ما ذكره المصنف من إباحة جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم فيه نظر فجمهور الفقهاء على كراهة لبس المعصفر، وما نقل عن الشافعي أنه أجازه رجح البيهقي خلافه. . وهو الذي نقل ذلك عن الشافعي - وساق الأدلة على أن النهي عن لبس المعصفر على العموم، ثم قال: ولو بلغ الشافعي لقال به. وما رجحه البيهقي هو ما قال به الأصحاب في المذهب وأفتى به المتأخرون كالرملي. انظر: "شرح معاني الآثار" 4/ 250، "المحيط البرهاني" 5/ 343، "تحفة الملوك" (ص 277)، "الاختيار" 4/ 178، "الاستذكار" 4/ 159، "مواهب الجليل" 2/ 195، "معرفة السنن والآثار" 2/ 451، "روضة الطالبين" 2/ 68، "فتاوى الرملي" 2/ 28، "مسائل أبي داود" (م 1674)، "المبدع" 1/ 339، "كشاف الصناع" 1/ 284.

بالصفرة (¬1). وقال الخطابي: النهي منصرف إلى ما صبغ من الثياب (¬2). وقال البيهقي: نهى الشافعي الرجل عن المزعفر وأباح له المعصفر. وقال الشافعي: إنما رخصت في المعصفر؛ لأني لم أجد أحدًا يحكي عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- النهي عنه إلا ما قال علي: نهاني ولا أقول: نهاكم. وأنهى الرجل الحلال بكل حال أن يتزعفر. قال: وآمره إذا تزعفر أن يغسله (¬3). (وعن تختم الذهب للرجل) (¬4) قال في "شرح المهذب": لو موَّه خاتما أو آلة حرب بذهب فإن حصل منه شيء بالعرض على النار حرم (¬5) (وعن القراءة في الركوع) زاد مسلم: والسجود (¬6). وفيه النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، وإنما وظيفة الركوع التسبيح، ووظيفة السجود التسبيح والدعاء؛ لرواية مسلم وغيره: "نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم" (¬7)، فلو قرأ في ركوع أو ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (166)، "صحيح مسلم" (1187). (¬2) "معالم السنن" 4/ 179. (¬3) سبق أن أشرنا أن البيهقي نفسه رجح خلاف ذلك ونقل الأدلة على عموم النهي عن لبس المعصفر، وقال بعدها: ولو بلغ الشافعي -أي: تلك الأدلة- لقال به. "معرفة السنن والآثار" 2/ 451. (¬4) في (ل): للرجال، وهي ساقطة من (م). (¬5) "المجموع" 4/ 441. (¬6) "صحيح مسلم" (2078) (31). (¬7) رواه مسلم (479)، وأحمد 1/ 219 من حديث ابن عباس مرفوعًا.

سجود غير الفاتحة كره ولم تبطل صلاته، وإن قرأ الفاتحة فوجهان لأصحابنا، أصحهما: أنه كغير الفاتحة، فيكره ولا تبطل صلاته. والثاني: يحرم وتبطل صلاته، هذا (¬1) إذا كان عمدًا، فإن قرأ سهوا لم يكره، وسواء قرأ سهوًا أو عمدًا سجد للسهو عند الشافعي (¬2). [4045] (حدثنا أحمد بن محمد المروزي) بفتح الواو، شيخ البخاري (حدثنا عبد الرزاق ثنا معمر، عن الزهري، عن إبراهيم بن عبد اللَّه بن حنين) المذكور (عن أبيه، عن علي -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بهذا) الحديث المذكور و (قال عن القراءة في الركوع والسجود) كما تقدم في مسلم (¬3). [4046] (ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد) بن سلمة (عن محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص الليثي (عن إبراهيم بن عبد اللَّه) بن حنين (بهذا) و (زاد) بعد قوله: نهاني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن القراءة في الركوع والسجود (ولا أقول: نهاكم) كذا رواية مسلم في الصلاة (¬4)، وليس معناه أن النهي مختص به، وإنما معناه أن اللفظ الذي سمعته بصيغة الخطاب لي، فأنا أنقله كما سمعته، وإن كان الحكم يتناول الناس كلهم. [4047] (حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، عن علي بن زيد) ابن جدعان التيمي الضرير، أخرج له مسلم (عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- أن ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) انظر: "البيان" 2/ 335. (¬3) "صحيح مسلم" (2078) (31). (¬4) برقم (480) (211).

ملك الروم أهدى إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مستقة) بضم الميم، وسكون السين المهملة، وضم المثناة فوق، والقاف، ويجوز فتح التاء، جمعها: مساتق، وهي فرو طويل الكمين، فارسية معربة، وهي معرب مشته (من سندس) قال ابن الأثير: يشبه أنها كانت مكففة بالسندس، وهو الرفيع من الحرير والديباج، لا نفس الفروة، لا تكون من سندس (¬1). بل المراد أنها مسجفة الكمين بالسندس وداير ذيلها إن كان أو كان غشاؤها سندسًا. وقد قيل: إنها الجبة الواسعة، فلا يحتاج حينئذٍ إلى هذا التأويل، وفي الحديث أنه كان يلبس البرانس والمساتق، ويصلي فيها (¬2). ومنه حديث عمر أنه صلى ويداه في مستقة (¬3) (¬4). (فلبسها) فيه جواز لبس الفروة أو الجبة المسجفة بالحرير إذا لم يزد السجاف على أربع أصابع كما تقدم (فكأني أنظر إلى يديه) أي: إلى كم يديه، فحذف المضاف تجوزًا كقوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} (¬5) ويحتمل أن يكون من مجاز المجاورة، وهو أن يسمى الشيء باسم ما يجاوره، كإطلاق لفظ الراوية على القرية، فإن الراوية لغة اسم للجمل الذي يسقى عليه (¬6)، والذي صححه الرازي في "المحصول" (¬7) وتبعه ¬

_ (¬1) "النهاية" 4/ 326. (¬2) رواه عبد الرزاق 1/ 401 (1571) من حديث إبراهيم مقطوعًا. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 4/ 326. (¬5) سورة يوسف: 82. (¬6) ساقطة من (ل)، (م). (¬7) "المحصول" 4/ 277.

البيضاوي في تعارض المجاز والحذف، فالحذف بالإضمار أولى. (تذبذبان) (¬1) بضم التاء، وفتح الذال الأولى المعجمة، وكسر الثانية، أي: يتحركان ويضطربان، يريد كميه، ويجوز على هذا المعنى أن يقرأ بفتح التاء والذالين، وعلى الضم، وكسر الذال الثانية أن يراد باليدين حقيقتهما، ويكون التقدير أن اليدين يحركان كميهما بتحركهما، والذبذبة: الحركة، ومنه الحديث: "من وقي شر ذبذبه (¬2) دخل الجنة" (¬3) يعني: الذكر، سمي به لتذبذبه، أي: تحركه، ومنه حديث جابر: كان علي بردة لها ذباذب (¬4). أي: أهداب وأطراف، واحدها ذبذب، سميت بذلك؛ لأنها تتحرك على لابسها إذا مشى. (ثم بعث بها إلى جعفر) بن أبي طالب أخي علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-. (فلبسها جعفر ثم جاءه فقال) له (النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: إني لم أعطكها) بضم الهمزة، أي: لم أبعث بها إليك، فسمى البعث عطية من باب تسمية الشيء بما يؤول إليه، كما سمى اللَّه العصير خمرًا في قوله تعالى: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} (¬5). (لتلبسها) فيه أن بعث الشيء هدية لا يلزم منه إباحة لبسها لهم، بل صرح -صلى اللَّه عليه وسلم- بأنه إنما أعطاه لينتفع بها بغير اللبس، وقد بعث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى ¬

_ (¬1) في هامش (ح، ل): رواية: تدندنان. (¬2) في (ل، م): ذبذبته. وهو الذكر، انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 154. (¬3) ذكره ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 154. (¬4) رواه مسلم (3010). (¬5) يوسف: 36.

عمر وعلي وأسامة (¬1). (قال: فما أصنع بها؟ قال: أرسلها إلى أخيك) أصحمة (النجاشي) وتفسير أصحمة بالعربية: عطية، والنجاشي كلمة حبشية يسمون بها ملوكهم، ولعل المراد بالأخوة هنا أخوة الإيمان، لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (¬2). [4048] (حدثنا مخلد بن خالد) الشعيري، شيخ مسلم (ثنا روح) بن القاسم البصري، أخرج له الشيخان (حدثنا سعيد (¬3) بن أبي عروبة) مهران البصري (عن قتادة، عن الحسن) البصري (عن عمران بن حصين) بن عبيد الخزاعي، أسلم عام خيبر، رضي اللَّه عنهما (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: لا أركب) على (الأرجوان) بضم الهمزة والجيم، ولفظ الترمذي: ونهى عن ميثرة الأرجوان (¬4). والأرجوان (¬5) هو الصوف الأحمر. وقيل: الأرجوان: الحمرة. وقيل: الأرجوان: الشديد الحمرة. والحديث محمول على النهي عن ركوب ميثرة الحرير، فإن الأحمر أشد كراهة للنهي عنه في غيرها (ولا ألبس) بفتح الباء (المعصفر) تقدم قريبًا (ولا ألبس القميص المكفف) بضم الميم وفتح الكاف والفاء (¬6) المشددة الأولى، أي: الذي عمل على ذيله وأكمامه وجيبه كفاف من حرير كالسجاف ونحوه، وفي ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2068) (7) من حديث ابن عمر. (¬2) الحجرات: 10. (¬3) فوقها في (ح): (ع). (¬4) "سنن الترمذي" (2788). (¬5) ساقطة من (ل)، (م). (¬6) ساقطة من (ح).

حديث علي يصف السحاب: والتمع برقه في كففه (¬1). أي: في حواشيه، وهذا محمول على ما زاد على أربع أصابع، أو تركه تنزهًا عنه؛ إذ ليس هو من شعار المتقين. (فأومأ) (¬2) بهمز آخره (الحسن) البصري (إلى جيب قميصه) من جبت الشيء إذا قطعته، والمراد ما يقور من القميص ليدخل الرأس منه (قال) عمران (وقال) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (ألا) بالتخفيف (وطيب) بالرفع (الرجال) له (ريح) و (لا لون له) لفظ الترمذي: "خير طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه" (¬3) (ألا وطيب النساء) له (لون) و (لا ريح له) وللترمذي: "خير طيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه" (¬4). وفيه استحباب استعمال الطيب لا سيما عند إرادة الاجتماع بالناس كالجمعة والعيد ونحوهما، لكي تغلب رائحته على الروائح الكريهة إن كانت، ويتوصل باستعماله الريح والرائحة إلى مشام الحاضرين بالقرب منه. قال الشافعي: من نظف ثوبه قل همه، ومن طاب ريحه زاد عقله (¬5). (قال سعيد) بن أبي عروبة (أراه) بضم الهمزة، أي: أظنه (قال: إنما حملوا قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في طيب النساء) "لا ريح له" (على أنها إذا خرجت) من ¬

_ (¬1) ذكره ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث والأثر" 4/ 191. (¬2) في حاشية (ح) وصلب (ل)، (م): رواية: وأومأ. (¬3) "سنن الترمذي" (2788). (¬4) السابق. (¬5) لم أقف عليه للشافعي، في كتبه، ونقله عنه الشيخ زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب" 1/ 267، ونسبه أبو نعيم لمكحول في "الحلية" 5/ 184.

بيتها لحمام وزيارة رحم ونحو ذلك لئلا يشمه الأجانب، فيحصل الفساد (فأما إذا كانت عند زوجها) في بيته لم تخرج منه (فلتطيب) بتشديد الطاء وتخفيفها (بما شاءت) من ظهور ريحه، وعبق عرقه؛ لانتفاء العلة المذكورة. [4049] (حدثنا يزيد بن خالد) بن يزيد (بن عبد اللَّه بن موهب) بفتح الميم والهاء الرملي (الهمداني) الثقة الزاهد (أنا المفضل (¬1) بن فضالة) بن عبيد الرعيني، قاضي مصر (عن عياش) بالمثناة تحت والشين المعجمة (ابن عباس) بالموحدة والمهملة، الغساني الحميري، أخرج له مسلم. (عن أبي الحصين) بالمهملات مصغر (الهيثم بن شفي) بفتح الشين المعجمة، وكسر الفاء، وتخفيف الياء، ويقال بضم الشين، قال المنذري: والصواب بالفتح. وهو مصري تابعي (قال: خرجت أنا وصاحب) بالرفع (لي يكنى) بسكون الكاف (أبا عامر) عبد اللَّه بن جابر ابن حجر الأزدي (رجل) بالرفع خبر مبتدأ محذوف (من المعافر) بفتح الميم والعين المهملة، وبعد الألف فاء، وهو المعافر بن يعفر بن مالك، قيل: ينسبون إلى قحطان، ينسب إليهم كثير، عامتهم بمصر، منهم الليث بن سعد (لنصلي بإيلياء) بكسر الهمزة، ومد آخره، وهي مدينة بيت المقدس. فيه: فضيلة (¬2) الرحلة للصلاة في بيت المقدس؛ لحديث ورد فيه: "من خرج من بيته لا ينهزه إلا الصلاة في بيت المقدس خرج من ¬

_ (¬1) فوقها في (ح، ل). (ع). (¬2) ساقطة من (ل، م).

ذنوبه كيوم ولدته أمه" (¬1). أو كما قال (وكان قاصُّهم) بتشديد الصاد المهملة، يعني: الذي يقص لهم الأخبار (رجل) بالرفع، والنصب (¬2) (من الأزد) أي: أزد الحجر بفتح المهملة وسكون الجيم، وهو الحجر ابن عمر بن عمرو بن عامر ماء السماء، ومن هذِه القبيلة: أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي، الفقيه الحنفي (يقال له: أبو ريحانة من الصحابة قال) في "الاستيعاب" هو: شمعون بن زيد بن خنافة (¬3) من بني قريظة، أبو ريحانة، سرية رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان من الفضلاء الزاهدين في الدنيا (¬4) (أبو الحصين) الهيثم، وللنسائي عن أبي الحصين الحميري أنه كان هو وصاحب له يلزمان أبا ريحانة يتعلمان منه خيرًا (¬5). (فسبقني صاحبي) أبو عامر المعافري يومًا (إلى المسجد) مسجد ¬

_ (¬1) رواه النسائي 2/ 34، وابن ماجه (1408)، وأحمد 2/ 176، والحاكم 1/ 30 - 31 من حديث عبد اللَّه بن عمرو مرفوعًا. قال الحاكم: هذا حديث صحيح قد تداوله الأئمة وقد احتجا بجميع رواته، ثم لم يخرجاه، ولا أعلم له علة. وعلق الذهبي قائلًا: على شرطهما، ولا علة له. وصححه الألباني في "الثمر المستطاب" 2/ 545 - 546 وقال معقبًا على تصحيح الحاكم وموافقة الذهبي له: أما أن الحديث صحيح فهو كما قالا لا شك فيه، وأما أنه على شرطهما ففيه نظر؛ لأن ابن الديلمي ليس من رجالهما، وهو ثقة من كبار التابعين كما قال الحافظ في "التقريب" قال: ومنهم من ذكره في الصحابة. انتهى. (¬2) بعدها في (ل)، (م): رجلًا. (¬3) في (م): حبان. وهو خطأ، وما أثبتناه كما في مصادر ترجمته وكما في (ل). (¬4) 2/ 268 (1209). (¬5) "سنن النسائي" 8/ 149.

الأقصى. [(ثم ردفته) بكسر الدال، أي: تتبعته إلى المسجد] (¬1) (فجلست إلى جنبه) ويقال: إلى جانبه (فسألني) صاحبي (هل أدركت قصص) بفتح القاف، وهو نقل الخبر على وجهه (أبي ريحانة؟ قلت: لا؟ سمعته يقول) في قصصه (نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن عشر) أشياء فنهى (عن الوشر) بفتح الواو وسكون الشين المعجمة وفتحها، [روي الوش] (¬2)، [ومنه الحديث المتفق عليه: لعن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الواشرة والمستوشرة] (¬3) (¬4)، والوشر أن تحدد المرأة أسنانها وترقق أطرافها، تفعله المرأة الكبيرة، تتشبه بالشواب، والواشرة: الصانعة، والموشورة التي يفعل بها ذلك، وكأنه من: وشرت الخشبة بالميشار، غير مهموز، لغة في أشرت. (والوشم) بسكون الشين المعجمة. قال الترمذي: قال نافع: الوشم ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل)، (م). (¬2) ساقطة من (ح). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) لم يروه البخاري ومسلم بهذا اللفظ، وإنما رواه البخاري (4886) ومسلم (2125) بلفظ: "لعن اللَّه الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن. . . " من حديث ابن مسعود. ورواه البخاري (5937)، ومسلم (2124) بلفظ: "لعن اللَّه الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة" من حديث ابن عمر مرفوعًا. أما لفظ الشارح: "الواشرة والمستوشرة" رواه الباغندي في "مسند عمر بن عبد العزيز" (29)، (84) من حديث معاوية بن أبي سفيان مرفوعًا. وذكره الهندي في "كنز العمال" 16/ 604 (46025) من حديث ابن عباس مرفوعًا، وعزا تخريجه لابن جرير.

في اللثة (¬1). وهو أن يغرز الجلد بإبرة ونحوها، ثم يحشى بكحل أو نيل أو زجاج، فيلتئم الجلد عليها، فيخضر مكان ذلك أو يزرق، والعرب تفعل ذلك في الوجه والأيدي وغيرهما للزينة (والنتف) أي: نتف الشيب؛ لرواية مسلم [عن أنس] (¬2) قال: كان يكره أن ينتف الرجل الشعرة البيضاء من رأسه ولحيته (¬3). والمرأة كالرجل. وروى ابن حبان عن أبي هريرة أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تنتفوا الشيب فإنه نور يوم القيامة، من شاب شيبة [في الإسلام] (¬4) كتب اللَّه له بها حسنة، وحط عنه بها خطيئة" (¬5). فنتف الشيب مكروه؛ لأنه نور الإسلام، ونتفه رغبة عن النور، ونتف الفينكين -وهما جانبا العنفقة- بدعة، وقد شهد عند عمر بن عبد العزيز رجل كان ينتف فينكيه فرد شهادته. (وعن مكامعة الرجل الرجل بغير شعار ومكامعة المرأة المرأة) رواية الخطيب برفع الأول ونصب الثاني من الرجل والمرأة. والمكامعة بالعين المهملة هو أن يضاجع الرجل صاحبه في ثوب واحد لا حاجز بينهما، وكذا المرأة مع المرأة، والكميع: الضجيع، وزوج المرأة كميعها، والظاهر جواز ذلك في الرجل مع زوجته أو جاريته. ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (1759)، (2783). (¬2) ساقطة من (ل)، (م). (¬3) "صحيح مسلم" (2341) (104). (¬4) ساقطة من (ح). (¬5) "صحيح ابن حبان" 7/ 253 (2985).

عن ابن الأعرابي: المكامعة: مضاجعة العراة المجرمين (¬1). (بغير شعار) يحجز بينهما، والشعار هو الثوب الذي يلي (¬2) جسد الإنسان، والدثار الذي يكون فوقه، سمي الشعار بذلك؛ لأنه يلي شعر الإنسان (و) نهى (أن يجعل الرجل في أسفل ثيابه حريرًا مثل) [ما تفعل] (¬3) (الأعاجم) من لبس الجسد حريرًا لتلي نعومته الجسد (وأن يجعل على منكبيه حريرًا) للزينة مما يحصل الخيلاء والتفاخر. وقد ورد النهي عن لبس زي الأعاجم مطلقًا، كما في رواية مسلم -رضي اللَّه عنه-: إياكم والتنعم وزي العجم (¬4). وفي "مسند أبي عوانة الإسفراييني" (¬5) وغيره بإسناد صحيح: عليكم بلباس أبيكم إسماعيل وإياكم والتنعم (¬6) وزي (مثل الأعاجم) وعليك بالشمس؛ فإنها حمام العرب (¬7). وفي "الصحيح": "خالفوا المجوس" (¬8) ومن هنا كره مالك ما خالف زي العرب جملة واحدة (¬9) من لبس ومأكول وغيره، فق ¬

_ (¬1) رواه عن ابن الأعرابي أبو العباس أحمد بن يحيى، انظر: "معالم السنن" 4/ 178. (¬2) ساقطة من (ح). (¬3) ساقطة من (م). (¬4) رواه مسلم (2069) (12) من حديث عمر لعتبة بن فرقد موقوفًا بلفظ: وإياكم والتنعم وزي أهل الشرك. ولم أجد هذا اللفظ في "صحيح مسلم". (¬5) 5/ 231 (8514) من حديث عمر لعتبة بن فرقد موقوفًا. (¬6) ورواه أيضًا ابن الجعد (995)، وابن حبان 12/ 268 (5454). (¬7) السابق وما قبله. (¬8) رواه مسلم (260) من حديث أبي هريرة مرفوعًا. (¬9) انظر: "المقدمات الممهدات" 3/ 434، "عقد الجواهر الثمينة" 3/ 431، "الذخيرة" للقرافي 13/ 264.

أحدثوا بدعًا كثيرة تشبَّه العرب بهم فيها. (و) نهى (عن النهبى) بضم النون مقصور بمعنى النهب، كالبخلى بمعنى البخل، وهو العطية، وقد يكون اسم ما ينهب، كالعمرى والرقبى، والمراد بالنهبى الغارة على مال الغير والسلب منه بغير اختياره، وأصل النهب والانتهاب أخذ الجماعة التي على غير اعتدال، إلا بما اتفق للسابق إليه أخذه. وأما أخذ ما نثر من السكر واللوز والحلوى ونحو ذلك في إملاك وختان فيحل التقاطه وتركه أولى، ومن التقط شيئًا [لم يؤخذ] (¬1) منه، ويزول ملك الناثر بأخذه؛ لما روى البيهقي عن جابر (¬2)، والطبراني في "الأوسط" عن عائشة أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حضر في إملاك وأتي بأطباق عليها جوز ولوز وتمر، فقبضنا أيدينا فقال: "ما بالكم لا تأخذون؟ ! " فقالوا: لأنك نهيت عن النهبى. فقال: "إنما نهيتكم عن نهبى العساكر، خذوا على اسم اللَّه" فجاذبنا وجاذبناه (¬3). ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) لم أقف عليه للبيهقي من حديث جابر، وإنما وقفت عليه من حديث معاذ في "السنن الكبرى" 7/ 288 وقال عقبة: وفي إسناده مجاهيل وانقطاع، وقد روي بإسناد آخر مجهول عن عروة عن عائشة رضي اللَّه عنها عن معاذ بن جبل، ولا يثبت في هذا الباب شيء واللَّه أعلم. انتهى. وذكرى الحافظ ابن حجر في "التلخيص" 3/ 200 - 201 من حديث جابر وقال: الحافظ ابن حجر في "التلخيص" وتبع في إيراده عنه الغزالي والإمام والقاضي حسين، نعم رواه البيهقي عن معاذ بن جبل، وفي إسناده ضعف وانقطاع. (¬3) "المعجم الأوسط" 1/ 43 - 44 (118) من حديث عائشة قالت حدثني معاذ بن جبل. . . الحديث. =

وفي "مصنف ابن أبي شيبة" عن الحسن والشعبي أنهما كانا لا يريان بأسًا بالنهب في العرسات والولائم (¬1). (و) نهى (عن ركوب) جلود (النمور) جمع نمر، وهو السبع المعروف وفيه شبه من الأسد، إلا أنه أصغر منه وفي جلده نقط سود، ورائحة فمه طيبة بخلاف السبع، وإنما نهى عن استعمال جلده لما فيه من الزينة والخيلاء؛ أو لأنه من فعل العجم؛ ولهذا عقبه المصنف بحديث من لبس مثل العجم، أو لأن شعره نجس وإن ذكي ودبغ، فإن الشعر لا يقبل الدباغ عند الشافعي وغيره (¬2). قال ابن الأثير: لعل أكثر ما كانوا يأخذون جلود النمور إذا ماتت، لأن (¬3) اصطيادها عسر (¬4). ولغلبة استعماله ورد النهي عنه مطلقًا، وفي حديث آخر النهي عن ¬

_ = قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص" 3/ 201: فيه بشر بن إبراهيم، ومن طريقه ساقه العقيلي وقال: لا يثبت في الباب شيء، وأورده ابن الجوزي في "الموضوعات". (¬1) 4/ 372 (21111)، (21113). (¬2) "الأم" ط. دار الوفاء 2/ 74، وانظر: "الحاوي" 1/ 66، "نهاية المطلب" 1/ 32. وعند أبي حنيفة ومالك والإمام أحمد أن شعرها يؤكل لحمه طاهر، وقال الحسن البصري والليث بن سعد والأوزاعي أن شعورها نجسة ولكنها تطهر بالغسل. انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 160 (م 75)، "عيون الأدلة" 2/ 915، "مختصر الخرقي" (ص 5)، "المغني" 1/ 79، "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 5/ 385. (¬3) في النسخ: لأنها. والجادة ما أثبتناه. (¬4) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 5/ 118.

جلود السباع أن تفترش (¬1)، ولا شك أن النمر من السباع. وهذِه الأحاديث يقوي بعضها بعضًا، والتأويل المتطرق إليها غير قوي (و) نهى (عن لبوس) بفتح اللام (الخاتم) ولُبوس بضم اللام، أي: لباس الخاتم، يقال: لبست الشيء لباسًا ولبوسًا (إلا لذي سلطان) لأنه يكون حينئذٍ زينة محضة، وقد استدل بهذا الحديث بعض علماء الشام المتقدمين على كراهة لبس الخاتم لغير ذي سلطان (¬2)، وخص الإمام بالجواز ليختم به الكتب التي يكتبها إلى الملوك، فلو اتخذ غيره خاتما مثله لدخلت المفسدة والخلل، والجمهور على جواز لبس الخاتم للإمام وغيره إذا كان من فضة (¬3). [4050] (ثنا يحيى بن حبيب) (¬4) شيخ مسلم (حدثنا روح) (¬5) بن عبادة بن العلاء البصري (حدثنا هشام) (¬6) بن حسان القردوسي (عن ¬

_ (¬1) سيأتي من حديث أسامة بن عمير مرفوعًا برقم (4132)، ورواه أيضًا الترمذي (1770)، (1771) والنسائي 7/ 176، وأحمد 5/ 74، 75. (¬2) ذكره الإمام أحمد عنهم وضعفه فيما رواه عنه الأثرم. انظر: "أحكام الخواتم" للحافظ ابن رجب (ص 64). (¬3) انظر: "شرح مشكل الآثار" 8/ 368، "تحفة الفقهاء" 3/ 342، "تبيين الحقائق" 6/ 115، "الاستذكار" 26/ 357، "المنتقى" 7/ 254، "البيان" للعمراني 2/ 536، "أسنى المطالب" 1/ 379، "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 13/ 331، "أحكام الخواتم" (ص 39). (¬4) مكررة في (م)، (ل). (¬5) فوقها في (ح)، (ل): (ع). (¬6) فوقها في (ح)، (ل): (ع).

محمد) بن سيرين (عن عبيدة) بفتح العين السلماني (عن علي -رضي اللَّه عنه- أنه قال: نهي) [مبني للمفعول] (¬1) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (عن مياثر) جمع ميثرة بكسر الميم، وبالثاء [المثلثة] وهي مأخوذة من الوثارة وهو اللين والنعمة، ومنه قولهم: فراش وثير. أي: وطيء لين، وياء ميثرة واو، لكنها قلبت ياء؛ لكسر ما قبلها كميزان وميعاد. واختلف فيها، فقال الطبري: هي وطاء كان النساء يضعنه لأزواجهن من (الأرجوان) الأحمر ومن الديباج على سرجهم، وكانت من مراكب العجم. والأرجوان هو الصوف، قيل: إنه بفتح الهمزة، وعن ابن الأعرابي: هي كالمرفقة تتخذ كصفة السرج من الحرير (¬2)، وقيل: هي أغشية السرج من الحرير. وقيل: هي جلود السباع (¬3). فإن كانت حريرًا فوجه النهي واضح، وهو تحريم الجلوس عليها فإنها حرير، ولبس ما يفرش للجلوس عليه، وأجاز بعضهم الجلوس عليه وإن كانت من جلود السباع، فوجه النهي أن الذكاة والدبغ لا يعمل في شعورها. [4051] (ثنا حفص بن عمر) الحوضي (ومسلم بن إبراهيم) الفراهيدي (قالا: حدثنا شعبة عن أبي إسحاق) (¬4) عمرو بن عبد اللَّه السبيعي. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" 2/ 279. (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" 2/ 279. (¬4) فوقها في (ل): (ع).

(عن هبيرة) بن يريم، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬1). (عن علي -رضي اللَّه عنه- قال: نهاني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن خاتم الذهب) أجمعوا على تحريمه للرجال؛ إلا ما حكي عن أبي بكر بن محمد بن حزم أنه مباح. وعن بعضهم مكروه، وهذان باطلان (¬2) (وعن لبس القسي) بفتح القاف كما تقدم (و) عن ركوب (الميثرة) بكسر الميم، كما تقدم (الحمراء) يعني: ميثرة الأرجوان كما تقدم. زاد الترمذي: وعن الجعة، ثم قال: قال أبو الأحوص: هو شراب يتخذ بمصر من الشعير (¬3). [4052] (حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم الزهري (حدثنا) محمد (ابن شهاب الزهري (¬4) عن عروة) بن الزبير (عن عائشة رضي اللَّه عنها أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى في خميصة) وهي كساء مربع من صوف (لها أعلام فنظر إلى أعلامها) ولمسلم: نظر إلى علمها (¬5). والعلم واحد الأعلام (فلما سلم) من صلاته. فيه صحة الصلاة في ثوب له أعلام، وإن كان غيره أولى، وأن الصلاة تصح وإن حصل فيها ما يشغل القلب من التفات ونحوه. قال أصحابنا: يستحب له أن ينظر إلى موضع سجوده ولا يتجاوزه (¬6) ¬

_ (¬1) 5/ 511. (¬2) انظر: "شرح النووي على مسلم" 14/ 65، "أحكام الخواتم" لابن رجب (ص 65). (¬3) "سنن الترمذي" (2808). (¬4) ساقطة من (ل، م). (¬5) "صحيح مسلم" (556) (62). (¬6) انظر: "الأوسط" 3/ 247، 461، "الحاوي" 2/ 187، 192.

(قال: اذهبوا بخميصتي هذِه إلى أبي الجهم) بفتح الجيم، وسكون الهاء عامر بن حذيفة القرشي، وهو غير أبي جهيم بالتصغير المذكور في التيمم وفي مرور المار بين يدي المصلي (فإنها ألهتني في صلاتي) ولمسلم: "شغلتني أعلام هذِه" (¬1) وللبخاري: "فأخاف أن تفتنني" (¬2). وهذِه الألفاظ مترادفة، وهو اشتغال القلب بها عن كمال الحضور في الصلاة وتدبر أذكارها وتلاوتها (وأتوني بأنبجانيته) بفتح الهمزة وكسرها، وفتح الباء وكسرها، وتشديد الياء آخره وتخفيفها، وهو كل كساء لا علم له، فإذا كان للكساء علم فهو خميصة. وقال القاضي أبو عبد اللَّه: هو كساء سداه قطن أو كتان، ولحمته صوف (¬3). (قال: ) المصنف (أبو جهم) عامر (بن حذيفة من بني عدي بن كعب) القرشي العدوي أسلم عام الفتح، كان مقدمًا في قريش، معظمًا، وهو أحد الأربعة الذين كانت قريش تأخذ عنهم النسب، ومنهم: عقيل، وشهد بنيان الكعبة مرتين في الجاهلية، ومرة في الإسلام أيام ابن الزبير، وعمل فيها. [4053] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة في آخرين قالوا) جميعًا (حدثنا سفيان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة نحوه، والأول أشبع). * * * ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (556). (¬2) "صحيح البخاري" (373). (¬3) ذكره النووي في "شرح مسلم" 5/ 43 وعزاه أيضًا للقاضي أبي عبد اللَّه.

11 - باب الرخصة في العلم وخيط الحرير

11 - باب الرُّخْصَةِ في العَلَمِ وَخَيْطِ الحَريرِ 4054 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا المُغِيرَةُ بْنُ زِيادٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ أَبُو عُمَرَ مَوْلَى أَسْماءَ بِنْتِ أَبي بَكْرٍ قالَ: رَأَيْتُ ابن عُمَرَ في السُّوقِ اشْتَرى ثَوْبًا شامِيّا فَرَأى فِيهِ خَيْطًا أَحْمَرَ فَرَدَّهُ، فَأَتَيْتُ أَسْماءَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَها، فَقالَتْ يا جارِيَةُ ناوِليني جُبَّةَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-. فَأَخْرَجَتْ جُبَّةَ طَيالِسَةَ مَكْفُوفَةَ الجَيْبِ والكُمَّيْنِ والفَرْجَيْنِ بِالدِّيباجِ (¬1). 4055 - حَدَّثَنا ابن نُفَيْلٍ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا خُصَيْفٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: إِنَّما نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنِ الثَّوْبِ المُصْمَتِ مِنَ الحَرِيرِ، فَأمّا العَلَمُ مِنَ الحَرِيرِ وَسَدى الثَّوْبِ فَلا بَأْسَ بِهِ (¬2). * * * باب الرخصة في العلم وخيط الحرير [4054] (حدثنا مسدد حدثنا عيسى (¬3) بن يونس) بن أبي إسحاق (حدثنا المغيرة بن زياد) البجلي، وثقه وكيع وغيره (¬4) (حدثنا عبد اللَّه أبو عمر) هو ابن كيسان أبو عمر (مولى أسماء بنت أبي بكر) الصديق ¬

_ (¬1) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (348)، وأحمد 6/ 347. ورواه بمعناه مسلم (2069). (¬2) رواه أحمد 1/ 218، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 49. وصححه الألباني في "الإرواء" (279). (¬3) فوقها في (ل، م): (ع). (¬4) "تاريخ ابن معين" برواية الدوري (5029)، "التاريخ الكبير" للبخاري 7/ 326 (1402)، "تهذيب الكمال" 28/ 360، 361 (6126).

المكي (قال: رأيت) عبد اللَّه (ابن عمر في السوق اشترى ثوبًا شاميًّا) أي: مما ينسج بالشام (فرأى فيه خيطًا أحمر) من حرير (فرده) على بائعه، يحتمل أن يكون رده باختيار بائعه لا قهرًا؛ فإن الخيط الحرير ليس هو من العيب الذي يرد به، ويحتمل غير ذلك، فإن رواية مسلم: عن عبد اللَّه مولى أسماء بنت أبي بكر قال: أرسلتني أسماء إلى عبد اللَّه ابن عمر، قالت: بلغني أنك تحرم العلم في الثوب. فقال: إني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إنما يلبس الحرير من لا خلاق له" فخفت أن يكون العلم منه (¬1). قال النووي: لم يعترف بأنه كان يحرمه بل أخبر أنه تورع خوفًا من دخوله في عموم النهي عن الحرير (¬2). (فأتيت) مولاتي (أسماء) بنت أبي بكر الصديق (فذكرت لها ذلك فقالت: يا جارية، ناوليني جبة رسول -صلى اللَّه عليه وسلم-) فيه ادخار ثياب الصالحين، والتبرك بآثارهم، وفضيلة التشبه بهم في الملبس والمأكل وغيرهما للاقتداء بهم (فأخرجت جبة طيالسة) بإضافة (جبة) إلى (طيالسة) ويروى: (جبة) بالتنوين، و (طيالسة) صفة له جمع طيلسان بفتح اللام، أي: غليظة كأنها من طيلسان، وهو الكساء الغليظ. زاد مسلم: كسروانية (¬3). بكسر الكاف وفتحها وسكون السين وفتح الراء، نسبة إلى كسرى صاحب العراق، ملك الفرس. ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2069). (¬2) "شرح النووي على مسلم" 14/ 43. (¬3) "صحيح مسلم" (2069).

(مكفوفة الجيب) وهو موضع القوارة الذي يدخل منه الرأس (والكمين (¬1) والفرجين) تثنية فرج، والفرج في الثوب الشق الذي يكون أمام الثوب وخلفه في أسفله (بالديباج) وهو جنس من الحرير، والمكفوفة التي جعل لها كفة، بكسر الكاف، وهو ما يكف به جوانب الثوب ويعطف عليها، ويكون ذلك في الذيل في الفرجين وأطراف الكمين، ودواخل الجيب. وفيه جواز لباس الجبة المعروفة، ولباس ما له فرجان من خلف وقدام وأنه لا كراهة فيه، وإن كان مما لا يليق لبسه للفقهاء والصالحين في هذا الزمان، ومن صدقت نيته مع اللَّه تعالى لا يبالي بما يلبس، فقد كان أبو النجيب السهروردي (¬2) يلبس العمامة في وقت بعشرة دنانير، وفي وقت بدانق، وكذلك لبس النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- هذِه الجبة الكسروانية المكفوفة بالديباج. وقيل: إنه كان يلبسها للجهاد في سبيل اللَّه، والأولى للعبد أن لا يكون له اختيار في ملبسه ولا مطعمه ما لم ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) هو عبد القاهر بن عبد اللَّه بن محمد أبو النجيب التيمي القرشي البكري السهروردي ولد سنة 490 هـ، قدم بغداد وهو شاب سنة 507 هـ ودرس بها الفقه وقرأ الحديث، ثم اشتغل بالزهد والمجاهدة وبلغ في الرياضة الغاية القصوى وبنى مدرسة ورباطًا وأسكنهما المتفقهة والصوفية ثم نُدب إلى التدريس بالمدرسة النظامية فأجاب وكثر تلاميذه، وصار المشار إليه في علم الحقيقة وله فيها مصنفات. توفي ببغداد سنة 563 هـ. انظر: "تاريخ بغداد" 15/ 279، "تاريخ دمشق" 36/ 412، "تاريخ أربل" 1/ 107، "وفيات الأعيان" 3/ 204.

يكن مخالفًا للشريعة، فقد كان الشيخ أبو السعود يساق إليه الثوب الناعم فيلبسه، فيظن بعض الناس الإنكار عليه، فيقول: لا ألقى إلا أحد رجلين: رجل طالبنا بظاهر حكم الشرع، فنقول له: هل ترى أن ثوبنا يكرهه الشرع أو يحرمه؟ فيقول: لا. ورجل يطالبنا بحقائق القوم من أرباب العزيمة فنقول له: هل ترى لنا فيما لبسنا اختيارًا، وترى عندنا فيه شهوة؟ فيقول: لا. [4055] (حدثنا) عبد اللَّه بن محمد بن علي (ابن نفيل) النفيلي، قال المصنف: ما رأيت أحفظ منه، وما حدثني إلا من حفظه. (ثنا زهير) بن معاوية الكوفي (ثنا خصيف) بضم الخاء المعجمة، وفتح الصاد المهملة، مصغر، ابن عبد الرحمن الجزري، مولى بني أمية، صدوق، لكنه سيئ الحفظ. (عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: إنما نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن) لبس (الثوب المصمت) بضم الميم الأولى، وفتح الثانية المخففة، بينهما مهملة، وهو الذي جميعه حرير لا يخالطه قطن ولا غيره (من الحرير) الخالص. (فأما المعلم) من الطراز والسجاف (من الحرير) الذي لا يجاوز أربع أصابع (وسدى) بفتح السين والدال بوزن الحصا، ويروى بكسر السين (من الثوب) ويقال: ستى. بمثناة فوق بدل الدال، لغتان بمعنًى واحد، وهو خلاف اللحمة، وهو ما مد طولًا [في النسج] (¬1) (فلا بأس) به، ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

وفيه الرخصة في علم الثوب والعمامة والمنديل، وجواز الصلاة فيه، وإن عظم وبلغ أربع أصابع، وهو غاية الرخصة. وفيه الرخصة في المنسوج بالحرير وغيره، وفي الخز، وهو الذي [سداه من الحرير، ولحمته صوف، فإن اللحمة أكثر من السدى، ولا يجوز] (¬1) عكسه، وهو ما سداه صوف أو كتان، ولحمته حرير. * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

12 - باب في لبس الحرير لعذر

12 - باب فِي لُبْس الحَرِيرِ لِعُذْرٍ 4056 - حَدَّثَنا النُّفَيْلي، حَدَّثَنا عِيسَى -يَعْني: ابن يُونُسَ-، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قالَ: رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَللزُّبَيْرِ بْنِ العَوّامِ في قُمُصِ الحَرِيرِ في السَّفَرِ مِنْ حِكَّةٍ كانَتْ بِهِما (¬1). * * * باب في لبس الحرير لعذر [4056] (حدثنا) عبد اللَّه بن محمد بن نفيل (النفيلي، ثنا عيسى بن يونس، عن سعيد بن أبي عروبة) مهران البصري (عن قتادة، عن أنس) بن مالك -رضي اللَّه عنه-. (قال: رخص رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لعبد الرحمن بن عوف) الزهري، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة. (والزبير بن العوام -رضي اللَّه عنهما- في قمص) بضم القاف والميم، جمع قميص، ويروى بالإفراد (حرير) أي: يلي الجسد؛ لضرورة الحكة والجرب ونحوهما، فما كان فوق القميص لا يقوم مقامه في ذلك، فلا يجوز إلا أن يكون الحرير ديباجًا لا يقوم غيره مقامه في دفع السلاح، فلو قام غيره مقامه في دفع السلاح لم يجز الديباج؛ لعدم الضرورة. (في السفر) فيه حجة لما ذهب إليه بعض أصحابنا أن لبس الحرير للحكة ونحوها يختص جوازه بالسفر دون الحضر؛ لظاهر هذا الحديث (¬2)، ورواه مسلم (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2919)، ومسلم (2076). (¬2) انظر: "نهاية المطلب" 2/ 608، "الوسيط" 2/ 322، وقال النووي في "المجموع" 4/ 325: واختاره ابن الصلاح؛ لأنه ثبت في رواية في الصحيحين، والصحيح المشهود جوازه مطلقًا وبه قطع كثيرون. (¬3) في "صحيحه" (2076).

(من حكة) بكسر الحاء (كانت بهما) قال الجوهري: هي الجرب (¬1)، وقيل: هي غيره. وكما يجوز لبسه للحكة يجوز لبسه للقمل؛ لحديث الصحيحين أن عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام شكيا القمل إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فرخص لهما في قمص الحرير في غزوة لهما (¬2). والأصح جواز ذلك، سفرًا وحضرًا، كما هو ظاهر الحديث، وفي وجه يختص ذلك بالسفر؛ لأنه يتباعد عن التفقد والمعالجة، واختاره ابن الصلاح (¬3)؛ لظاهر الحديث. وإذا ثبت حكم الجواز في حق صحابي ثبت في حق غيره ما لم يقم الدليل على اختصاصه به، وغير الحكة والقمل الذي ينفع فيه لبس الحرير في معناه فيقاس عليه. وفي قول لمالك (¬4) وأحمد (¬5): لا يباح لبسه لعموم لفظ التحريم، وهذِه الرخصة يحتمل أن تكون خاصة لهما، والأصح الإباحة؛ لأن تخصيص الرخصة بهما على خلاف الأصل المقرر. * * * ¬

_ (¬1) "الصحاح" 4/ 1580. (¬2) "صحيح البخاري" (2920)، "صحيح مسلم" (2076) (26) من حديث أنس، واللفظ لمسلم. (¬3) "مشكل الوسيط" 2/ 322. (¬4) انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 227 - 228، "المنتقى" 7/ 223. (¬5) انظر: "الروايتين والوجهين" 1/ 187، "المبدع" 1/ 381.

13 - باب في الحرير للنساء

13 - باب فِي الحَرِيرِ لِلنِّساءِ 4057 - حَدَّثَنا قُتَيْبَة بْن سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبي حَبِيبٍ، عَنْ أَبي أَفْلَحَ الهَمْداني عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَيْرٍ -يَعْني: الغافِقي- أنَّهُ سَمِعَ عَلي بْنَ أَبي طالِبٍ -رضي اللَّه عنه- يَقُول إِنَّ نَبي اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَخَذَ حَرِيرًا فَجَعَلَهُ في يَمِينِهِ وَأَخَذَ ذَهَبًا فَجَعَلَهُ في شِمالِهِ ثمَّ قالَ: "إِنَّ هَذَيْنِ حَرامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتَي" (¬1). 4058 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْن عُثْمانَ وَكَثِيرُ بْن عُبَيْدٍ الحِمْصِيّانِ قالا: حَدَّثَنا بَقِيَّةُ، عَنِ الزُّبَيْدي، عَنِ الزُّهْري، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أنَهُ حَدَّثَهُ أنَة رَأى عَلَى أُمِّ كُلْثومٍ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- برْدًا سِيَراءَ. قالَ: والسِّيَراءُ المضَلَّعُ بِالقَزِّ (¬2). 4059 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْن عَلي، حَدَّثَنا أَبُو أَحْمَدَ -يَعْني: الزُّبَيْري- حَدَّثَنا مِسْعَرٌ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ، عَنْ جابِرٍ قالَ: كُنّا نَنْزِعُهُ، عَنِ الغِلْمانِ وَنَتْرُكُهُ عَلَى الجَوارَي. قالَ مِسْعَرٌ: فَسَأَلْتُ عَمْرَو بْنَ دِينارٍ عَنْهُ فَلَمْ يَعْرِفهُ (¬3). * * * باب في الحرير للنساء [4057] حدثنا قتيبة (¬4) بن سعيد) البلخي (حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب) الأزدي، عالم أهل مصر (عن أبي أفلح) ذكره ابن عبد البر في ¬

_ (¬1) رواه النسائي 8/ 160، وابن ماجه (3595)، وأحمد 1/ 96. وصححه الألباني في "الصحيحة" تحت حديث رقم (337). (¬2) رواه البخاري (5842). (¬3) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 254. (¬4) فوقها في (ل، م): (ع).

من لم يذكر له أسم سوى كنيته (الهمداني) بسكون الميم، وهو صدوق. (عن عبد اللَّه بن زرير) بضم الزاي، وفتح الراء الأولى، مصغر، الغافقي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬1). (أنه سمع علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- يقول: إن نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أخذ حريرًا فجعله في يمينه وأخذ ذهبًا فجعله في شماله) وفي رواية للنسائي: أخذ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذهبًا بيمينه وحريرًا بشماله (¬2). (ثم قال: إن هذين) إشارة إلى جنس الذهب والحرير، لا إلى عين ما في يديه دون غيرهما (حرام على ذكور أمتي) زاد ابن ماجه: "حل لإناثهم" (¬3) وللترمذي والنسائي: "أحل الذهب والحرير لإناث أمتي وحرم على ذكورها" (¬4) واللفظ للنسائي. ثم يدخل في عموم التحريم اللبس والتدثر والفرش وغيره من وجوه الاستعمالات، أما اللبس فمجمع عليه، وأما ما سواه فخالف فيه أبو حنيفة (¬5). لرواية البخاري عن حذيفة قال: نهانا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن لبس الحرير والديباج وأن يجلس عليه (¬6)، ففي هذا نص على تحريم ¬

_ (¬1) 5/ 24. (¬2) "سنن النسائي" 8/ 160 - 181. (¬3) "سنن ابن ماجه" (3595). (¬4) "سنن الترمذي" (1720)، "سنن النسائي" 8/ 161 كلاهما من حديث أبي موسى الأشعري. (¬5) انظر: "المحيط البرهاني" 5/ 345 وعلل ذلك: أن توسد الحرير والنوم عليه وافتراشه استعمال على سبيل الامتهان فقصر معنى الاستعمال والتزين فيه. (¬6) "صحيح البخاري" (5837).

افتراشه، كما يحرم لبسه. [4058] (حدثنا عمرو بن عثمان) بن سعيد، صدوق حافظ (وكثير بن عبيد) أبو الحسن، له معرفة ورحلة (الحمصيان، قالا: حدثنا بقية) بن الوليد الحميري الحمصي، قال غير واحد: بقية ثقة (¬1) إذا روى عن الثقات (¬2). وقد روى هنا (عن) محمد بن الوليد (الزبيدي) بضم الزاي، الذي أخرج له الشيخان. (عن الزهري، عن أنس بن مالك أنه حدثه أنه رأى على (¬3) أم كلثوم بنت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) أمها خديجة بنت خويلد، تزوجها عثمان بعد رقية (بردًا) وهو نوع من الثياب معروف (سيراء) بكسر السين المهملة وفتح الياء مع مد آخره، لفظ البخاري: برد حرير سيراء (¬4). هو نوع من البرود يخالطه حرير كالسيور. (قال: ) الزهري أو غيره (السيراء هو المضلع بالقز) أي: الذي فيه سيور وخطوط من الحرير شبه الأضلاع، وقد تقدم. [4059] (ثنا نصر بن علي) الجهضمي (ثنا أبو (¬5) أحمد) محمد بن عبد اللَّه بن الزبير (الزبيري) بضم الزاي وبعد ياء التصغير راء، من آل الزبير من بني أسد. ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) "تهذيب الكمال" 4/ 196 - 198 (738). (¬3) ساقطة من (م). (¬4) "صحيح البخاري" (5842). (¬5) فوقها في (ح، ل): (ع).

(حدثنا مسعر، عن عبد الملك (¬1) بن ميسرة) الهلالي الكوفي الزراد (عن عمرو (¬2) بن دينار) المكي الأثرم. (عن جابر) بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما (قال: كنا ننزعه) بكسر الزاي، يعني: ننزع الحرير (عن الغلمان) يعني: الصبيان (ونتركه على الجواري) يعني: البنات. وفيه حجة لأحد الوجهين في مذهب الشافعي أنه لا يجوز لولي الصبي أن يلبسه الحرير، وإذا رآه عليه فينزعه عنه (¬3)، وهو الذي قطع به الشيخ نصر في "تهذيبه" ورجحه ابن الصلاح (¬4) وأحمد بن حنبل (¬5) وغيره؛ لعموم قوله -عليه السلام-: "حرام على ذكور أمتي" (¬6) فدخل فيه الصغير والكبير. ولنا وجه: يجوز قبل سبع سنين لا بعده، ورجحه الرافعي في شرحيه (¬7). وعلى هذا فيحمل هذا الحديث على من بعد سبع سنين؛ جمعًا بين الأدلة، وعن عبد الرحمن بن يزيد قال: كنت رابع أربعة أو خامس خمسة ¬

_ (¬1) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬2) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬3) انظر: "نهاية المطلب" 2/ 607، "الوسيط" 2/ 322، "البيان" 2/ 533 - 534. (¬4) انظر: "المجموع" 4/ 321. (¬5) انظر: "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 13/ 302، "الروايتين والوجهين" 2/ 173، "المحرر" 1/ 139. (¬6) سبق قريبًا برقم (4057) من حديث علي بن أبي طالب. (¬7) "الشرح الكبير" 2/ 357.

مع عبد اللَّه، فجاء ابن له صغير عليه قميص من حرير فدعاه، وقال: من كساك هذا؟ قال: أمي. فأخذه عبد اللَّه فشقه (¬1). والثاني: يجوز للولي إلباسه؛ لأنه ليس مكلفًا، ولا في معنى الرجل، وصححه النووي (¬2) وغيره؛ لأنهم لا يتعلق التحريم بلبسهم، وكونهم محل الزينة فأشبهوا النساء. ومحل الخلاف في غير يوم العيد، أما يوم العيد فيجوز تزيينهم بالذهب والحرير قطعًا، كما نقله النووي في صلاة العيد عن الشافعي والأصحاب (¬3). قال الشيخ عز الدين: والأولى اجتنابه؛ خروجًا من الخلاف. وإذا حَرَّمناهُ، فألبسه قريبه عصى اللَّه وقطع رحمه، بخلاف إلباس الأجنبي؛ فإن الإساءة إلى الأقارب أقبح من الإساءة للأجانب، وإن عمله من مال الصبي فهو أقبح من عمله من مال نفسه. (قال مسعر) بكسر الميم، ابن كدام الهلالي الكوفي، وكان سمع الحديث من عبد الملك بن ميسرة عن عمرو بن دينار، فلقي عمرو بن دينار (فسألت عمرو بن دينار عنه) يعني: عن هذا الحديث (فلم يعرفه) قال المنذري: لعله نسيه (¬4). ¬

_ (¬1) رواه الطبراني 9/ 157 (8786)، (8787)، وأورده الهيثمي في "المجمع" 5/ 144 وقال: رواه الطبراني بإسنادين، ورجال أحدهما رجال الصحيح. (¬2) "المجموع" 4/ 321. (¬3) "المجموع" 5/ 141. (¬4) "مختصر سنن أبي داود" 6/ 36.

والمختار عند الأصوليين أن تكذيب الأصل الفرع (¬1) لا يسقط المروي، فلعله رواه عنه ثم نسيه، والراوي ثقة محقق، فلا تسقط روايته، وينبني على ذلك أن الأصل والفرع لو اجتمعا في شهادة لا ترد بالاتفاق، فدل على أنه غير قادح في الرواية (¬2). * * * ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) انظر: "أصول السرخسي" 2/ 5، "بيان المختصر" للأصفهاني 1/ 736، "البحر المحيط" 6/ 221، "شرح مختصر الروضة" للطوفي 2/ 215.

14 - باب في لبس الحبرة

14 - باب فِي لُبْسِ الحِبَرَةِ 4060 - حَدَّثَنا هُدْبَةُ بْنُ خالِدٍ الأَزْدي، حَدَّثَنا هَمّامٌ، عَنْ قَتادَةَ قالَ: قُلْنا لأَنَسٍ -يَعْني: ابن مالِكٍ- أى اللِّباسِ كانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَوْ أَعْجَبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قالَ: الحِبَرَةُ (¬1). * * * باب في لبس الحبرة [4060] (حدثنا هدبة بن خالد) القيسي (الأزدي) البصري، شيخ الشيخين (ثنا همام، عن قتادة قال: قلت لأنس) بن مالك -رضي اللَّه عنه-. (أيُّ اللباس كان أحب) بالنصب (إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أو) قال: أي اللباس كان (أعجب إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قال) ثياب (الحبرة) بكسر الحاء المهملة، وفتح الباء الموحدة بعدها، قال الجوهري: الحبرة مثال العنبة: برد يمان (¬2). يكون من كتان أو قطن، سميت حبرة؛ لأنها محبرة. أي: مزينة، والتحبير: التزيين والتحسين، ومنه حديث أبي ذر: الحمد للَّه الذي أطعمنا الخمير وألبسنا الحبير (¬3). وإنما كانت الحبرة أحب الثياب وأعجبها إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأنه ليس فيها كثير زينة؛ ولأنها أكثر احتمالًا للوسخ من غيرها. * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5812)، ومسلم (2079). (¬2) "الصحاح" 2/ 621. (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 328.

15 - باب في البياض

15 - باب فِي البَياضِ 4061 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "البَسُوا مِنْ ثِيابِكُمُ البَياضَ فَإِنَّها خَيْرُ ثِيابِكُمْ وَكَفِّنُوا فِيها مَوْتاكُمْ وَإِنَّ خَيْرَ أَكْحالِكُمُ الإِثْمِدُ يَجْلُو البَصَرَ وَيُنْبِتُ الشَّعْرَ" (¬1). * * * باب في البياض [4061] (حدثنا أحمد) بن عبد اللَّه (بن يونس) اليربوعي (حدثنا زهير، ثنا عبد اللَّه بن عثمان بن خثيم) بضم الخاء المعجمة وفتح الثاء المثلثة، مصغر، المكي، أخرج له مسلم (عن سعيد بن جبير عن) عبد اللَّه (ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: البسوا) بفتح الباء (من ثيابكم) التي أبيح لكم لبسها (البياض، فإنها من خير ثيابكم) لفظ الترمذي: "البسوا (¬2) البياض فإنها أطهر وأطيب" (¬3) لفظ ابن ماجه: "خير ثيابكم البياض" (¬4) وله عن أبي الدرداء: "إن أحسن ما زرتم اللَّه به في قبوركم ومساكنكم البياض" (¬5). ¬

_ (¬1) سبق برقم (3878). (¬2) بعدها في (م): الثياب. (¬3) "سنن الترمذي" (2810) من حديث سمرة بن جندب مرفوعًا. (¬4) "سنن ابن ماجه" (1472)، (3566). (¬5) "سنن ابن ماجه" (3568) وفيه: "مساجدكم" بدل "مساكنكم".

وفيه: فضيلة لبس البياض؛ فإنه أطهر من غيره لما يظهر فيه من النجاسة، فإن أدنى شيء يقع عليه يظهر فيغسل فيكون نقيًّا، كما في قوله -عليه السلام-: "ونقني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس" (¬1) (وكفنوا فيها موتاكم) فيه أن أفضل ما يكفن فيه الميت من الألوان البياض كما تقدم عن ابن ماجه: "إن أحسن ما زرتم اللَّه به في قبوركم البياض" (¬2) وفيه كفن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في ثلاثة أثواب بيض. (وإن خير أكحالكم الإثمد) بكسر الهمزة والميم، وهو حجر يتخذ من الحجر الأسود (يجلو البصر وينبت الشعر) أي: ينبت شعر أهداب العين، وللترمذي: وكانت له -صلى اللَّه عليه وسلم- مكحلة يكتحل منها كل ليلة، ثلاثة في هذِه، وثلاثة في هذِه (¬3). ورواية الطبراني: "فإنه منبتة للشعر، مذهبة للقذى، مصفاة للبصر" (¬4) وتقدم الحديث بسنده في كتاب الطب في باب الأمر بالكحل (¬5). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (744)، ومسلم (598) من حديث أبي هريرة بدون لفظ: "الذنوب". (¬2) قبل السابق. (¬3) "سنن الترمذي" (1757)، (2048) من حديث ابن عباس. (¬4) "المعجم الكبير" 1/ 109 (183)، "المعجم الأوسط" 2/ 11 (1064) من حديث علي مرفوعًا. قال المنذري في "الترغيب والترهيب" 3/ 406: رواه الطبراني بإسناد حسن. وذكره الهيثمي في "المجمع" 5/ 96 وقال: رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، وفيه عون بن محمد بن الحنفية، ذكره ابن أبي حاتم، وروى عنه جماعة، ولم يجرحه أحد، وبقية رجاله ثقات. وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (2106). (¬5) برقم (3878).

16 - باب في غسل الثوب وفي الخلقان

16 - باب فِي غَسْلِ الثَّوْبِ وَفي الخُلْقانِ 4062 - حَدَّثَنا النُّفَيْلي، حَدَّثَنا مِسْكِينٌ عَنِ الأَوْزاعي، ح، وَحَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنِ الأَوْزاعي نَحْوَهُ، عَنْ حَسّانَ بْنِ عَطَيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جابِرِ بنِ عَبدِ اللَّهِ قالَ: أَتانا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَرَأى رَجُلًا شَعِثًا قَدْ تَفَرَّقَ شَعْرُهُ فَقالَ: "أَما كانَ يَجِدُ هذا ما يُسَكِّنُ بِهِ شَعْرَهُ". وَرَأى رَجُلًا آخَرَ وَعَلَيهِ ثِيابٌ وَسِخَةٌ فَقالَ: "أَما كانَ هذا يَجِدُ ماءً يَغْسِلُ بِهِ ثَوْبَهُ" (¬1). 4063 - حَدَّثَنا النُّفَيْلي، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا أَبُو إِسْحاقَ، عَنْ أَبي الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: أَتَيْتُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في ثَوْبٍ دُونٍ فَقالَ: "أَلَكَ مالٌ؟ ". قالَ: نَعَمْ. قالَ: "مِنْ أي المالِ؟ ". قالَ قَدْ أتاني اللَّهُ مِنَ الإِبِلِ والغَنَمِ والخَيْلِ والرَّقِيقِ. قالَ: "فَإِذا آتاكَ اللَّهُ مالًا فَلْيُرَ أَثَرُ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْكَ وَكَرامَتِهِ" (¬2). * * * باب في غسل الثوب وفي الخلقان والخلقان بضم الخاء، وسكون اللام، جمع خلق كذكر وذكران، وجذع وجذعان، والخلق هو الثوب الذي بلي من اللبس. [4062] (حدثنا) عبد اللَّه بن محمد (النفيلي، حدثنا مسكين) بن بكير الحراني، أخرج له الشيخان (عن) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي، وحدثنا عثمان بن أبي شيبة، عن وكيع، عن الأوزاعي نحوه) بنصب ¬

_ (¬1) رواه النسائي 8/ 183، وأحمد 3/ 357. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (1333). (¬2) رواه الترمذي (2006)، والنسائي 8/ 181، وأحمد 4/ 137. وصححه الألباني في "المشكاة" (4352).

الواو (عن حسان (¬1) بن عطية) المحاربي، مولاهم الدمشقي، كان إذا صلى العصر يذكر اللَّه في المسجد حتى تغيب الشمس، ومن دعائه: اللهم إني أعوذ بك أن أتعزز بشيء من معصيتك، وأعوذ بك أن أتزين بشيء يحجبني عنك، وأعوذ بك أن أقول قولًا أبتغي به وجه غيرك. (عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما قال: أتانا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فرأى رجلًا شعثًا) بكسر العين، أي: متغبر الشعر منتشره؛ لقلة تعهده بالدهن والتسريح (قد تفرق شعره) من رأسه ولحيته من قلة تعهده، فهو غير متلبد، ولفظ النسائي: أتانا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فرأى رجلًا ثائر الرأس (¬2). أي: منتشر شعر الرأس قائمه، فحذف المضاف (فقال: أما) بتخفيف الميم (كان يجد هذا ما يسكن) بضم أوله، وتشديد الكاف المكسورة (به شعره) أي: يضم بعضه على بعض ويلينه بالدهن والزيت والغسل وغير ذلك. فيه: استحباب تنظيف شعر الرأس بالغسل والترجيل والتدهين بالزيت ونحوه؛ لإزالة التفث، وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يدهن الشعر ويرجله غبًّا ويأمر به. وروى النسائي عن محمد بن المنكدر، عن أبي قتادة. وكانت له جمة ضخمة، فسأل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأمره أن يحسن إليها (¬3). وروى المصنف: "من كان له شعر فليكرمه" (¬4) (ورأى) رسول اللَّه ¬

_ (¬1) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬2) "المجتبى" 8/ 183 - 184. (¬3) "المجتبى" 8/ 184. (¬4) سيأتي برقم (4163) من حديث أبي هريرة مرفوعًا.

-صلى اللَّه عليه وسلم- (رجلًا آخر (¬1) عليه ثياب وسخة) الوسخ هو ما يعلق بالثوب وغيره؛ من قلة التعهد بالغسل ونحوه (فقال: أما كان هذا يجد ماء) بالمد والتنوين (يغسل به ثوبه) فيه النظافة من الأوساخ الظاهرة على الثوب والبدن، فقد تقدم عن الشافعي: من نظف ثوبه قل همه (¬2). وفيه الأمر بغسل الثوب إذا كثر وسخه، ولو بماء فقط، فإن في غسله إزالة الوسخ والنجاسة إن كانت، ولو لم ينو إزالة النجاسة فإنها ليست بشرط على المذهب؛ فإن المقصود الأعظم طهارة الثوب؛ فإنها شرط لصحة الصلاة. قيل لبعضهم: ثوبك مخرق. قال: ولكنه من وجه حلال. قيل له: وهو وسخ. قال: ولكنه طاهر من النجاسة. فمعظم الاعتبار في الثوب أن يكون حلالًا طاهرًا. [4063] (حدثنا) عبد اللَّه (النفيلي، ثنا زهير، ثنا أبو إسحاق) (¬3) عمرو بن عبد اللَّه السبيعي (عن أبي الأحوص) عوف بن مالك الجشمي، أخرج له مسلم (عن أبيه) مالك بن ثعلبة. وقيل: مالك بن عوف بن نضلة الجشمي، له وفادة (قال: أتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في ثوب) بالتنوين (دون) بضم الدال وتنوين النون، أي: خَلِق. لرواية [أحمد] (¬4): رآني النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وعليَّ أطمار (¬5). وهو جمع طمر، وهو ¬

_ (¬1) ساقطة من (م، ل). (¬2) سبق تخريجه. (¬3) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬4) بياض في جميع النسخ، ولعل المثبت هو الصواب. (¬5) رواه أحمد 3/ 473.

الخلق، ورواية النسائي: دخلت على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فرآني سيئ الهيئة (¬1). (فقال: ألك مال؟ قال: نعم. قال: من أي المال؟ قال: آتاني اللَّه) لفظ النسائي: من كل المال قد آتاني اللَّه (¬2) (من الإبل والغنم والخيل والرقيق) يشمل الذكور والإناث. (قال: فإذا آتاك) بمد الهمزة، أي: أعطاك (اللَّه مالًا) تجب الزكاة فيه، ذكر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وصف إتيان المال بعد سماعه، مع أمره بإظهاره النعمة عليه، يدل بالإيماء على أنه عِلَّةٌ بالإيماء؛ لأنه لو لم يكن للتعليل لما كان لإعادة ذكره فائدة، وكان ذكره عبثًا، وكلام الشارع منزه عنه. (فلْيُرِ) بسكون لام الأمر والياء المثناة تحت مضمومة، ويجوز بالمثناة فوق؛ لإضافة المذكر إلى المؤنث في (أثر نعمة اللَّه عليك وكرامته) التي أكرمك بها من المال؛ ليمتحنك: هل تقوم لشكرها أم لا؟ . وفيه استحباب ثياب تليق بحال الغني ليعرف الفقراء وذوو الحاجات أنه غني، فيقصدونه، وقد حسن الترمذي حديث: "إن اللَّه يحب أن يرى أثر نعمته بالخير على عبده" (¬3) فمن أنعم اللَّه عليه بنعمة في الدنيا فليظهرها على نفسه في اللبس وغيره، ما لم يكن محرمًا ولا مكروهًا، ولا سرف فيه، بل يليق بحاله، ولتكن نيته في لبس (¬4) ذلك إظهار نعمة ¬

_ (¬1) "المجتبى" 8/ 196. (¬2) السابق. (¬3) "سنن الترمذي" (2819) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا. (¬4) ساقطة من (م، ل).

اللَّه تعالى عليه؛ ليقصده المحتاجون لطلب الزكاة والصدقات، وكذلك العلماء يلبسون من الثياب ما يليق بهم، من غير إسراف؛ ليعرفهم المستفتون وطلبة العلم؛ فيستفيدوا منهم، ولا [يكون الملبوس] (¬1) من رقيق الثياب الذي يلبس للتفاخر، فمن رق ثوبه رق دينه، ومن ملك نفسه بتزكيتها لا يضره شيء من ذلك، فإن اللَّه جميل يحب الجمال. * * * ¬

_ (¬1) في (ل، م): يلبسون.

17 - باب في المصبوغ بالصفرة

17 - باب فِي المَصْبُوغِ بالصُّفْرَةِ 4064 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسلَمَةَ القَعْنَبي، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ -يَعْني: ابن مُحَمَّدٍ- عَنْ زَيْدٍ -يَعْني: ابن أَسْلَمَ- أَنَّ ابن عُمَرَ كانَ يَصْبُغُ لِحْيَتَهُ بِالصُّفْرَةِ حَتَّى تَمْتَلِئَ ثِيابُهُ مِنَ الصُّفْرَةِ فَقِيلَ لَهُ: لِمَ تَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ؟ فَقالَ: إِنّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَصْبُغُ بِها، وَلَمْ يَكُنْ شَيء أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْها، وَقَدْ كانَ يَصْبُغُ بِها ثِيابَهُ كُلَّها حَتَّى عِمامَتَهُ (¬1). * * * باب في المصبوغ [4064] (حدثنا عبد اللَّه بن مسلمة) القعنبي (حدثنا عبد العزيز بن محمد) الدراوردي (عن زيد (¬2) بن أسلم) العمري (أن) عبد اللَّه (ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-كان يصبغ) بضم الباء (لحيته بالصفرة) وبينه النسائي في روايته: عن نافع عن ابن عمر: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يصفر لحيته بالورس والزعفران (¬3) (حتى تمتلئ) بهمز آخره (ثيابه من الصفرة) التي كان يصبغ بها لحيته. (فقيل له: لم تصبغ بالصفرة؟ فقال: إني رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصبغ بها، ولم يكن شيء أحب إليه منها) لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في رواية النسائي وغيره: ¬

_ (¬1) رواه النسائي 8/ 140، وأحمد 2/ 97. وصححه الألباني. (¬2) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬3) "المجتبى" 8/ 186.

عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن اليهود والنصارى لا تصبغ فخالفوهم فاصبغوا" (¬1) (وقد كان) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (يصبغ) بها (ثيابه كلها). فيه: مشروعية صبغ الثياب بالصفرة والسواد وغيرهما، ولبس الثياب المصبوغة بالصفرة. (حتى عمامته) بالنصب، فيه أن العمامة إذا لحقها صبغ اللحية بالصفرة، يجوز لبسها في غير بلاد يتميزون فيها بالعمائم الصفر. قال ابن الجوزي: قد اختضب بالصفرة جماعة من الصحابة والتابعين. ورأى أحمد بن حنبل رجلًا قد خضب لحيته فقال: إني لأرى الرجل يحيي ميتًا من السنة، وأفرح به حين أراه صبغ بها (¬2). * * * ¬

_ (¬1) المجتبى" 8/ 137، ورواه أيضًا البخاري (3462)، (5899)، ومسلم (2103)، وسيأتي برقم (4203) كلهم من حديث أبي هريرة. (¬2) رواه عنه أبو بكر المروذي، ونقلها الخلال في "الترجل" (102)، وانظر: "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 13/ 361 وما بعدها.

18 - باب في الخضرة

18 - باب فِي الخُضْرَةِ 4065 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ -يَعْني: ابن إِيادٍ- حَدَّثَنا إِيادٌ، عَنْ أَبي رِمْثَةَ قالَ: انْطَلَقْتُ مَعَ أَبي نَحْوَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَرَأَيْتُ عَلَيْهِ بُرْدَيْنِ أَخْضَرينِ (¬1). * * * باب في الخضرة [4065] (ثنا أحمد) (¬2) بن عبد اللَّه (بن يونس) اليربوعي الكوفي (حدثنا عبيد اللَّه) بالتصغير (ابن إياد) بكسر الهمزة وتخفيف المثناة تحت ثم دال، وهو وأبوه ثقتان (¬3) (ثنا إياد) بن لقيط السدوسي الكوفي، أخرج له مسلم. (عن أبي رمثة) بكسر الراء المهملة وسكون الميم بعدها ثاء مثلثة مفتوحة، واسمه رفاعة بن يثربي، على مثال النسبة إلى يثرب، وقال الترمذي: اسمه حبيب بن وهب (¬4)، وقيل: رفاعة (¬5). وأبو رمثة وأبوه صحابيان. (قال: انطلقت مع أبي) يثربي بن عوف التيمي (نحو النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) فقال له ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2812)، والنسائي 3/ 185، وأحمد 2/ 228. وصححه الألباني في "مختصر الشمائل" (36). (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) ساقطة من (م). (¬4) كذا في الأصول، والصواب: ابن حيان. كما في "سنن الترمذي". (¬5) "سنن الترمذي" عقب حديث (2812).

رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما هذا منك؟ " قال: ابني. قال: "أما إنك لا تجني عليه ولا يجني عليك" (¬1) (فرأيت عليه بردين أخضرين) فهو من لباس أهل الجنة، ومن أنفع الألوان للأبصار هي والأسود، وفيه جواز لبس سائر الألوان. * * * ¬

_ (¬1) سيأتي برقم (4495)، ورواه النسائي 8/ 53، وأحمد 2/ 226.

19 - باب في الحمرة

19 - باب في الحُمْرَةِ 4066 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ الغازِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قالَ: هَبَطْنا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْ ثَنِيَّةٍ فالتَفَتَ إِلَي وَعَلَيَّ رَيْطَةٌ مُضَرَّجَةٌ بِالعُصْفُرِ فَقالَ: "ما هذِه الرَّيْطَةُ عَلَيْكَ؟ ". فَعَرَفْتُ ما كَرِهَ فَأَتَيْتُ أَهْلي وَهُمْ يَسْجُرُونَ تَنُّورًا لَهُمْ فَقَذَفْتُها فِيهِ ثُمَّ أَتَيتُهُ مِنَ الغَدِ فَقالَ: "يا عَبْدَ اللَّهِ ما فَعَلَتِ الرَّيْطَةُ". فَأَخْبَرْتُهُ فَقالَ: "أَلا كَسَوْتَها بَعْضَ أَهْلِكَ فَإِنَّهُ لا بَأْسَ بِهِ لِلنِّساءِ" (¬1). 4067 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عُثْمانَ الحِمْصي، حَدَّثَنا الوَلِيدُ قالَ: قالَ هِشامٌ -يَعْني: ابن الغازِ- المُضَرَّجَةُ التي لَيْسَتْ بِمُشَبَّعَةٍ وَلا المُوَرَّدَةُ (¬2). 4068 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمانَ الدِّمَشْقي، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بْنُ عيّاشٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ شُفْعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ، قالَ: رَآني رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ أَبُو عَلي اللُّؤْلُؤي: أُراهُ- وَعَلَي ثَوْبٌ مَصْبُوغٌ بِعُصْفُرٍ مُوَرَّدٍ فَقالَ: "ما هذا؟ ". فانْطَلَقْتُ فَأَحْرَقْتُهُ فَقالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما صَنَعْتَ بِثَوْبِكَ". فَقُلْتُ: أَحْرَقْتُهُ. قالَ: "أَفَلا كَسَوْتَهُ بَعْضَ أَهْلِكَ". قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ ثَوْرٌ، عَنْ خالِدٍ فَقالَ: مُوَرَّدٌ. وَطاوُسٌ قالَ: مُعَصْفَرٌ (¬3). 4069 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ حُزابَةَ، حَدَّثَنا إِسْحاقُ -يَعْني: ابن مَنْصُورٍ- حَدَّثَنا إِسْرائِيلُ، عَنْ أَبي يَحْيَى، عَنْ مُجاهِدٍ، عَن عَبدِ اللَّهِ بنِ عَمرٍو قال: مَرَّ عَلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبانِ أَحْمَرانِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ ليَرُدَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عَلَيْهِ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (3603)، وأحمد 2/ 196. وحسنه الألباني. (¬2) قال الألباني: صحيح مقطوع. (¬3) سبق برقم (4066). (¬4) رواه الترمذي (2807)، والبزار (6/ 366) (2381). وضعفه الألباني في "المشكاة" (4353).

4070 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، أَخْبَرَنا أَبُو أُسامَةَ، عَنِ الوَلِيدِ -يَعْني: ابن كَثِيرٍ- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَني حارِثَةَ، عَنْ رافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قالَ: خَرَجْنا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- في سَفَرٍ فَرَأى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- علَى رَواحِلِنا وَعَلَى إِبِلِنا أَكْسِيَةٌ فِيها خُيُوطُ عِهْنٍ حُمْرٌ فَقالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَلا أَرى هذِه الحُمْرَةَ قَدْ عَلَتْكُمْ". فَقُمْنا سِراعًا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- حَتَّى نَفَرَ بَعْضُ إِبِلِنا فَأَخَذْنا الأَكْسِيَةَ فَنَزَعْناها عَنْها (¬1). 4071 - حَدَّثَنا ابن عَوْفٍ الطّائي، حَدَّثَنا مُحَمَّد بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَني أَبي -قالَ ابن عَوْفٍ الطّائي: وَقَرَأْتُ في أَصْلِ إِسْماعِيلَ-، قالَ: حَدَّثَني ضَمْضَمٌ -يَعْني: ابن زُرْعَةَ- عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ حُرَيْثِ بْنِ الأَبَحِّ السَّلِيحي أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَني أَسَدٍ قالَتْ: كُنْتُ يَوْمًا عِنْدَ زَيْنَبَ امْرَأَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَنَحْنُ نَصْبُغُ ثِيابًا لَها بِمَغْرَةٍ، فَبَيْنا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ طَلَعَ عَلَينا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَلَمّا رَأى المَغْرَةَ رَجَعَ فَلَمّا رَأَتْ ذَلِكَ زَيْنَبُ عَلِمَتْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَدْ كَرِهَ ما فَعَلَتْ فَأَخَذَتْ فَغَسَلَتْ ثِيابَها وَوارَتْ كُلَّ حُمْرَةٍ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- رَجَعَ فاطَّلَعَ فَلَمّا لَمْ يَرَ شَيْئًا دَخَلَ (¬2). * * * باب في الحمرة [4066] (حدثنا مسدد، ثنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق (حدثنا ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 463، وابن أبي شيبة في "المسند" (72)، والطبراني في "الكبير" 4/ 288 (4449). وقال الألباني: ضعيف الإسناد. (¬2) رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 5/ 431 و 6/ 227، والطبراني في "الكبير" 24/ 57 و 25/ 185، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" 6/ 3229، 3594. وقال الألباني: ضعيف الإسناد.

هشام (¬1) بن الغاز) بتخفيف الغين المعجمة، ابن ربيعة الجرشي، صدوق عابد (عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده) تقدم مرات الاحتجاج به، والظاهر أن الحديث هنا مسند، وروايته عن جده الأعلى، وهو عبد اللَّه بن عمرو بن العاص؛ لأنه ما (قال) يعني: عبد اللَّه بن عمرو ابن العاص (هبطنا مع رسول اللَّه من ثنية) وهي الطريق في الجبل، لفظ ابن ماجه: أقبلنا مع النبي من ثنية أذاخر (¬2). بفتح الهمزة والذال المعجمة المخففة وبعد الألف خاء معجمة، كما تقدم ضبطها في باب سترة الإمام، وهي على وزن أفاعل: ثنية بين مكة والمدينة، وكأنه جمع إذخر. قال البكري: ثم حكى ابن إسحاق قال: حدثني ابن أبي نجيح أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر خالد بن الوليد يوم الفتح، فدخل من الليط أسفل مكة، وأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل من أذاخر حتى نزل بأعلى مكة (¬3). (فالتفت إلي وعلي ريطة) بفتح الراء المهملة وسكون المثناة تحت ثم طاء مهملة، ويقال: رائطة. قال المنذري: جاءت الرواية بهما، وهي كل ملاءة ليست بلفقين، إنما هي نسج واحد (¬4). ويقال: كل ثوب رقيق لين، والجمع ريط ورياط (مضرجة) بفتح الراء المشددة، أي: ملطخة (بالعصفر، فقال) يا عبد اللَّه ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) "سنن ابن ماجه" (3603). (¬3) "معجم ما استعجم" 1/ 129. (¬4) لم أقف على هذا القول للمنذري، وإنما وجدته للخطابي في "معالم السنن" 4/ 179.

(ما هذِه الريطة) التي (عليك؟ فعرفت ما كره) مني (فأتيت أهلي وهم يسجرون) أي: يوقدون (تنورًا لهم، فقذفتها فيه، ثم أتيته من الغد، فقال: يا عبد اللَّه ما فعلت الريطة؟ ) التي كانت عليك (فأخبرته) بذلك. (فقال: ألا كسوتها بعض أهلك) يعني: زوجته، أو بعض نساء محارمه وأقاربه (فإنه لا بأس به) (¬1)، لفظ ابن ماجه: "لا بأس بذلك" (¬2) (للنساء) فيه نهي الرجال عن لبس المزعفر والمعصفر، أما المزعفر؛ فللحديث المتفق عليه: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن المزعفر (¬3). وأما المعصفر؛ فلرواية مسلم عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص قال: رأى النبي ثوبين معصفرين، فقال: "إن هذِه من ثياب الكفار فلا تلبسها" (¬4). وفيه: الإنكار على إحراق الثوب المنتفع به لبعض الناس دون بعض في النار؛ لورود النهي عن إضاعة المال. وفيه: فضيلة اتخاذ التنور في الدار ليخبز فيه، ولا يخرج به إلى الفرن؛ لما يتأتى في ذلك من الفساد في اختلاط خبزهم وطحينهم وغير ذلك. وفيه: جواز لبس المعصفر للنساء دون الرجال. [4067] (ثنا عمرو بن عثمان) بن سعيد (الحمصي) صدوق، حافظ ¬

_ (¬1) في هامش (ح)، وصلب (ل، م): بها. وفوقها: (خ). (¬2) "سنن ابن ماجه" (3603). (¬3) "صحيح البخاري" (5846)، ومسلم (2101) من حديث أنس. (¬4) "صحيح مسلم" (2077).

(حدثنا الوليد) [بن مسلم] (¬1) (قال: قال (¬2) هشام بن الغاز: المضرجة) هي الملطخة (التي ليست بمشبعة) بفتح الموحدة: الصبغ الشديدة الحمرة (ولا) هي (الموردة) بالحمرة، وقال غير هشام: ضرجت الثوب إذا صبغته بالحمرة، وهو دون المشبع، وفوق المورد (¬3). [4068] (حدثنا محمد بن عثمان) بن أبي صفوان (¬4) (الدمشقي) الفقيه، وثقه أبو حاتم (¬5) (ثنا إسماعيل بن عياش) بالمثناة والشين المعجمة، ابن سليم الحمصي، عالم الشام (عن شرحبيل بن مسلم) ابن حامد الخولاني الشامي، قال ابن حنبل: من ثقات الشاميين (¬6). (عن شفعة) بضم الشين المعجمة، وسكون الفاء، الشامي الحمصي السمعي، بكسر السين المهملة، وسكون الميم، وهو في حمير، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬7)، ليس له في الكتب الستة غير هذا الحديث. (عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي اللَّه عنهما قال: قال: رآني رسول اللَّه. قال أبو علي) محمد بن أحمد بن عمرو (اللؤلؤي) البصري ¬

_ (¬1) مكانها بياض في النسخ، والمثبت من ترجمة عمرو بن عثمان. (¬2) ساقطة من (ح). (¬3) انظر: "الصحاح" 1/ 326. (¬4) كذا في الأصول: بن أبي صفوان. وهو خطأ، والصواب: أبو المهاجر التنوخي. وانظر: "تهذيب الكمال" 26/ 97. (¬5) "الجرح والتعديل" 8/ 25 (110). (¬6) انظر: "تهذيب الكمال" 12/ 431 (1721)، "بحر الدم" (434)، "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 17/ 293 (1213). (¬7) 4/ 371.

راوي هذا الكتاب عن المصنف، وهو آخر من روى هذا الكتاب؛ حكاه السمعاني (¬1) (أراه) بضم الهمزة، أي: أظنه. قال (وعلي ثوب مصبوغ) وقال غيره: رأى عليَّ رسول اللَّه ثوبًا مصبوغًا (¬2). (بعصفر مورد) بتشديد الراء، ليس بالشديد الحمرة (فقال: ما هذا؟ ) الثوب وهذا استفهام إنكار (فانطلقت فأحرقته) في التنور (فقال النبي: ما صنعت بثوبك؟ ) المصبوغ (قلت: أحرقته. قال: أفلا كسوته بعض أهلك؟ ! ) فإنه لا بأس به للنساء (قال) المصنف (رواه ثور) بن يزيد الحمصي، أخرج له البخاري (عن خالد) بن معدان الكلاعي (فقال) ثور (مصبوغ) بعصفر (وطاوس قال: معصفر) والمعنى متقارب (¬3). [4069] (حدثنا محمود (¬4) بن حُزابة) بضم الحاء المهملة، وتخفيف الزاي، وبعد الألف موحدة، المروزي ثم البغدادي العابد، وثقه الخطيب (¬5) (حدثنا إسحاق بن منصور) السلولي الكوفي (حدثنا إسرائيل) بن يونس الكوفي (عن أبي يحيى) عبد الرحمن بن دينار، وقيل: زاذان القتات، بفتح القاف، نسبة إلى بيع القت. (عن مجاهد، عن عبد اللَّه بن عمرو) بن العاص رضي اللَّه عنهما ¬

_ (¬1) في "الأنساب" 11/ 233 (3558). (¬2) رواه بهذا اللفظ الطبراني 13/ 636 - 637 (14560). (¬3) في (م): متفاوت. (¬4) كذا في (ل، م): محمود. وهو خطأ، والصواب: محمد. كما في مصادر ترجمته، انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 48 (5140). (¬5) في "تاريخ بغداد" 2/ 295 (782).

(قال: مر على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رجل عليه ثوبان أحمران فسلم) على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. وفيه أن المستحب في السلام أن يسلم الماشي على القاعد، كما في الصحيحين (¬1)، زاد البخاري: "ويسلم الصغير على الكبير" (¬2) قال القرطبي: ولا نقول أن هذا نُصبَ نَصْبَ العلل الواجبة الاعتبار، حتى لا يجوز أن يعدل عنها، بل يجوز أن يسلم الواقف على الماشي (¬3). قلت (¬4): ويشهد لهذا قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} (¬5) (فلم يرد عليه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) عليه السلام. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، ومعنى هذا الحديث عند أهل الحديث أنه كره لبس المعصفر، وأراد أن ما صبغ بالحمرة لا بأس به إذا لم يكن معصفرًا (¬6). وفيه أن من سلم وهو مرتكب لمنهي عنه في حالة تسليمه لا يستحق جواب السلام؛ ردعًا له وزجرًا عن معصيته. ويستحب أن يقول المسلَّم عليه: إنما لم أرد عليك السلام؛ لأنك مرتكب لمنهي عنه، وكذا يستحب ترك السلام على أهل البدع ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (6231، 6232، 6233)، "صحيح مسلم" (2160) من حديث أبي هريرة مرفوعًا. (¬2) "صحيح البخاري" (6231). (¬3) "المفهم" 5/ 484. (¬4) ساقطة من (م). (¬5) الأنعام: 54. (¬6) "سنن الترمذي" (2807). وضعف هذا الحديث الألباني في "المشكاة" (4353) وقال: إسناده ضعيف، ولا يصح في النهي عن الأحمر حديث.

والمعاصي الظاهرة تحقيرًا لهم وزجرًا؛ ولذلك قال كعب بن مالك: فسلمت عليه، فواللَّه ما رد السلام علي. [4070] (حدثنا محمد (¬1) بن العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي (أنا أبو (¬2) أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (عن الوليد (¬3) بن كثير) المدني، بالكوفة (عن محمد (¬4) بن عمرو بن عطاء) بن عياش القرشي المدني (عن رجل من بني حارثة) بن الخزرج، بطن من الأنصار، منهم رافع ابن خديج (عن رافع بن خديج) بن رافع الأوسي الحارثي، استصغر يوم بدر، وشهد أحدًا، وأصابه يومئذٍ سهم. (قال: خرجنا مع رسول اللَّه في سفر) غزوة أحد أو غيرها (فرأى رسول اللَّه على رواحلنا) جمع راحلة، وهي من الإبل القوي على الأسفار والأحمال، الذكر والأنثى فيه سواء، والهاء فيه للمبالغة، وهي النجيبة التامة الخلق الحسنة المنظر، يختارها الرجل لركوبه وحمل رحله (وعلى إبلنا أكسية فيها خيوط) جمع خيط (عهن) هو الصوف مطلقًا، وقيل: الملون منه خاصة، وقيل: الأحمر خاصة. ولو كان العهن الأحمر خاصة (¬5) لما قيد بقوله: (حمر) بسكون الميم. (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ألا) بالتخفيف (أرى هذِه الحمرة) التي في ¬

_ (¬1) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬2) ساقطة من (م). (¬3) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬4) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬5) ساقطة من (ل، م).

الأكسية (قد علتكم) (¬1) أي: علت على رواحلكم وإبلكم، ولعل هذا السفر كان سفر غزو أو حج، وهما -لا سيما الحج- ينبغي أن يكون الحاج (¬2) تاركًا لتزين الرواحل والملابس وزي المترفهين والمتكبرين، فقد حج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على راحلة، وكان تحته رحل رث، وقطيفة خلقة، قيمته أربعة دراهم (¬3)، ذكره الترمذي في "الشمائل" (¬4)، وفي رواية لغير المصنف: كان رسول اللَّه في سفر فنزل أصحابه منزلًا، فسرحت الإبل، فنظر إلى أكسية حمر على الأقتاب، فقال: "أرى هذِه الحمرة قد غلبت عليكم" (¬5). فيحتمل أن تكون الأكسية مركبة كالخياطة في الرحل والقتب الذي هو كالإكاف لغير الإبل، ويحتمل أن يكون مغطًّى بها، وكلاهما من التزين والترفه المنافي للحاج. قال الغزالي في كتاب الحج: ينبغي للحاج أن يجتنب الحمرة في زيه على الخصوص، والشهرة كيفما كانت على العموم (¬6)، ثم استدل بهذا الحديث، وهذا يدل على أن هذا السفر كان سفر حج، واللَّه أعلم. ¬

_ (¬1) في (م): غلبتكم. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) رواه ابن ماجه (2890) من حديث أنس. (¬4) رواه الترمذي في "الشمائل" (335)، (341) من حديث أنس أيضًا. (¬5) رواه عبد الرزاق 3/ 430 (6204) من حديث أبي سعيد الخدري دون ذكر قصة سفر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بلفظ: "ألا إن الحمرة غلبت عليكم". رواها أحمد 3/ 463 من حديث الباب، وذكر فيها قصة نزول الصحابة منزلًا في سفر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقول النبي بنفس لفظ حديث الباب. (¬6) "إحياء علوم الدين" 1/ 345.

(فقمنا سراعًا لقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) فقوله: (فقمنا) يدل على أنهم كانوا نازلين والإبل تسرح (حتى نفر بعض إبلنا) يعني: نفرت الإبل (¬1) لشدة حركتهم ومبادرتهم وشدة جريهم، لما أمر به -صلى اللَّه عليه وسلم- وكرهه منهم، وفيه فضيلة سرعة المبادرة لما أمر به الأمير والشيخ المربي لمريده (فنزعناها عنها) في الحال. [4071] (حدثنا) أبو عبد اللَّه، محمد (ابن عوف الطائي) الحمصي، وثقه النسائي (¬2). ما كان بالشام منذ أربعين سنة مثله. (حدثنا محمد بن إسماعيل) قال المصنف: ليس بذاك (¬3). (قال: حدثني أبي) إسماعيل بن عياش العنسي الحمصي، قال البخاري: إذا حدث عن أهل حمص فصحيح (¬4)، وقد حدث هنا عن حمصي (قال) محمد (ابن عوف) الطائي (قرأت في أصل إسماعيل) الذي يحدث منه. (قال: حدثني ضمضم) بفتح الضادين المعجمتين (ابن زرعة) بن ثور الحمصي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬5). (عن شريح) بضم الشين المعجمة (ابن عبيد) مصغر، المقرائي ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل)، (م). (¬2) انظر: "المعجم المشتمل" لابن عساكر (930)، و"تهذيب الكمال" 26/ 239 (5527). (¬3) "سؤالات الآجري لأبي داود" (1691). (¬4) "التاريخ الكبير" 1/ 369 - 370 (1169) ولفظه: ما روى عن الشاميين فهو أصح. (¬5) 6/ 485.

الحضرمي بحمص (¬1)، قال النسائي وغيره: ثقة (¬2). (عن حبيب بن عبيد) مصغر الرحبي، أخرج له مسلم في غير موضع. (عن حريث) بضم الحاء، وفتح الراء المهملتين، وبعد ياء التصغير ثاء مثلثة (ابن الأبح) بفتح الهمزة والباء، ثم حاء (¬3) الشامي (السليحي) بفتح السين المهملة، وكسر اللام، وسكون المثناة تحت، ثم حاء مهملة، نسبة إلى سليح: بطن من قضاعة، كذا ضبطه المنذري (¬4). وقال ابن الأثير: وهو الصحيح، خلافًا لما ضبطه السمعاني بفتح اللام قبل (¬5) التحتانية (¬6). (أن امرأة من بني أسد) صحابية (قالت: كنت يومًا عند زينب) بنت جحش الأسدية، التي نزلت آية الحجاب فيها (امرأة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ونحن نصبغ) بفتح الباء وضمها (ثيابًا لها (¬7) بمغرة) بفتح الميم وسكون الغين المعجمة، وهي الطين الأحمر تصبغ به الثياب وغيرها. (فبينا نحن كذلك) نصبغ بها (إذ طلع علينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما رأى المغرة) التي نصبغ بها (رجع) في الحال (فلما رأت ذلك زينب علمت أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد كره ما فعلت) بالصبغ بالمغرة. ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل، م). (¬2) "معرفة الثقات" 1/ 452 (724)، "تهذيب الكمال" 12/ 447 (2726). (¬3) في النسخ الخطية: جيم. والصواب أنه بالحاء. (¬4) في "مختصر سنن أبي داود" 6/ 42. (¬5) في الأصول: بعد. وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه. (¬6) "الأنساب" 7/ 193 (2135). (¬7) في (ل) إشارة أن في نسخة: ثيابها.

قال بعضهم: النهي منصرف إلى ما صبغ من الثياب بعد النسج، فأما ما صبغ غزله ثم نسج فغير داخل في النهي المذكور. (فأخذت فغسلت ثيابها) مما أصابها من المغرة (ووارت) أي: غطت وسترت (كل حمرة) كانت عندها، وفي هذا من حسن أخلاق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في رجوعه حين رأى ما يكره، تأديبًا لها وزجرًا، إذ لم يعنفها، ولا سبها، ولا أسمعها شيئًا يكره، وحسن أدب زوجاته -صلى اللَّه عليه وسلم-، إذ بادرت بسرعة إزالة ما عرفت كراهته له، وإن لم يقل لها شيئًا، وهذا من المعاشرة بالمعروف الذي أمر اللَّه تعالى به. (ثم إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رجع) في وقت آخر (فاطلع) بتشديد الطاء ليرى شيئا مما كرهه (فلما لم ير) عندها (شيئًا) مما كان رآه (دخل) عليها على عادته. * * *

20 - باب في الرخصة في ذلك

20 - باب فِي الرُّخْصَةِ في ذَلِكَ 4072 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْن عُمَرَ النَّمَري، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنِ البَراءِ قالَ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَهُ شَعْرٌ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ وَرَأَيْتُهُ في حُلَّةٍ حَمْراءَ لَمْ أَرَ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ (¬1). 4073 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنْ هِلالِ بْنِ عامِرٍ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بمِنًى يَخْطُبُ عَلَى بَغْلَةٍ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ أَحْمَرُ وَعَلي -رضي اللَّه عنه- أَمامَهُ يُعَبِّرُ عَنْهُ (¬2). * * * باب في الرخصة يعني: في الحمرة [4072] (ثنا حفص بن عمر) بن الحارث (النمري) بفتح النون والميم، نسبة إلى نمر -بكسر الميم- بن عثمان الأزدي، شيخ البخاري (حدثنا شعبة عن أبي إسحاق) (¬3) عمرو بن عبد اللَّه السبيعي (عن البراء) بن عازب -رضي اللَّه عنهما- (قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) زاد في الصحيحين: مربوعًا (¬4). يعني: ليس بالطويل ولا بالقصير، وكان (له شعر) بفتح العين (يبلغ شحمة أذنيه) وهي اللين من الأذن في ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3551)، ومسلم (2337). (¬2) رواه أحمد 3/ 477. وصححه الألباني. (¬3) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬4) "صحيح البخاري" (3551)، "صحيح مسلم" (2337).

أسفلها، وهو معلق القرط منها، وقد اختلفت الروايات الصحيحة في شعره، فهنا: إلى شحمة أذنيه. وفي رواية: كان يبلغ شعره منكبيه (¬1). وفي رواية: إلى أنصاف أذنيه (¬2). وفي رواية: بين أذنه وعاتقه (¬3). قال القاضي: الجمع بين هذِه الروايات أن ما يلي الأذن هو الذي يبلغ شحمة أذنيه، وهو الذي بين أذنه وعاتقه، وما خلفه هو الذي يضرب (¬4) منكبيه. قال: وقيل: كان ذلك لاختلاف الأوقات، فإذا غفل عن تقصيرها بلغت المنكب، وإذا قصرها كانت إلى أنصاف أذنيه، وكان يقصر ويطول بحسب ذلك (¬5). (ورأيته في حلة حمراء لم أر شيئا قط أحسن منه) هذا حجة لما ذهب إليه الشافعي (¬6) وغيره أن لبس الثوب الأحمر إذا لم يكن حريرًا لا كراهة في لبسه. [4073] (حدثنا مسدد، ثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (عن هلال بن عامر) ثقة (عن أبيه) عامر بن عمرو المزني، له هذا الحديث فقط، وقال بعضهم: عمرو بن رافع عن أبيه، وعمرو هذا صحابي (قال: رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) وهو (بمنى يخطب على بغلة) كان له -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5903)، (5904)، ومسلم (2338) (95) من حديث أنس. (¬2) رواه مسلم (2338) (96) من حديث أنس. (¬3) رواه البخاري (5905)، ومسلم (2338) من حديث أنس بلفظ: "أذنيه" بدل "أذنه". (¬4) في (م): يبلغ. (¬5) "إكمال المعلم" 7/ 304. (¬6) انظر "المجموع" 4/ 336.

بغلة تسمى الدلدل، أهداها له المقوقس، وبغلة أهداها النجاشي كان يركبها، وملك ثلاثة أخر، وفي هذ الحديث ركوب الدابة وهي واقفة إذا كان لحاجة كخطبة ونحوها، ولا يجوز لغير حاجة؛ لنهيه -عليه السلام- عن اتخاذ ظهورها منابر. وفيه الخطبة على كل مرتفع منبر أو جذع أو دابة. (وعليه برد أحمر) (¬1) فيه جواز لبس الأحمر بلا كراهة كما تقدم (وعلي -رضي اللَّه عنه- أمامه يعبر) بتشديد الباء الموحدة (عنه) ما يقوله، ويبلغه إلى من لم يسمعه [من] (¬2) الناس؛ لأن من كثرة الخلق كان لا يصل صوت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى جميعهم، وقد يؤخذ منه جواز الاقتصار على مترجم واحد. * * * ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) في النسخ: إلى. والمثبت أليق بالسياق.

21 - باب في السواد

21 - باب فِي السَّوادِ 4074 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا هَمّامٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها قالَتْ: صَنَعْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بُرْدَةً سَوْداءَ فَلَبِسَها فَلَمّا عَرَقَ فِيها وَجَدَ رِيحَ الصُّوفِ فَقَذَفَها. قالَ: وَأَحْسِبُهُ قالَ: وَكانَ تُعْجِبُهُ الرِّيحُ الطّيِّبَةُ (¬1). * * * باب في السواد [4074] (حدثنا محمد (¬2) بن كثير) العبدي (أنا همام، عن قتادة، عن مطرف) (¬3) بن عبد اللَّه. (عن عائشة قالت: صُبِغَتْ (¬4) للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بردة) وللنسائي: هل تدرون ما البردة؟ قالوا: نعم، هي الشملة. منسوج في حاشيتها. وأوله: جاءت امرأة ببردة فقالت: يا رسول اللَّه، إني نسجت هذِه بيدي أكسوكها، فأخذها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬5). ¬

_ (¬1) رواه النسائي في "الكبرى" (9561)، وأحمد 6/ 144. وصححه الألباني في "المشكاة" (4364). (¬2) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬3) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬4) ورد في هامش (ح)، وصلب (ل) ما يفيد أنه ورد في نسخ أخرى: صَنَعْتُ، وصَبَغْتُ. (¬5) "المجتبى" 8/ 204 - 205 من حديث سهل بن سعد.

(سوداء فلبسها، فلما عرق فيها (¬1) وجد ريح الصوف) الذي هي منسوجة منها (فقذفها قال: وأحسبه قال: فكان تعجبه الريح الطيبة) يعني: ويكره الريح الكريهة، أي: طرحها عنه؛ لأنه كان يكره أن توجد منه الرائحة الكريهة. * * * ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل، م).

22 - باب في الهدب

22 - باب فِي الهُدْبِ 4075 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْن مُحَمَّدٍ القُرَشي، حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنا يُونُسُ بْن عُبَيْدٍ، عَنْ عُبَيْدَةَ أَبي خِداشٍ، عَنْ أَبي تَمِيمَةَ الهُجَيْمي، عَنْ جابِرٍ -يَعْني: ابن سُلَيْمٍ- قالَ: أَتَيْتُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهُوَ مُحْتَبٍ بِشَمْلَةٍ وَقَدْ وَقَعَ هُدْبُها عَلَى قَدَمَيْهِ (¬1). * * * باب في الهدب [4075] (حدثنا عبيد اللَّه) بالتصغير (بن محمد) التيمي البصري، شريف محتشم (القرشي) وثقه أبو حاتم (¬2) (ثنا حماد بن سلمة، أنا يونس بن [عبيد) بن دينار العبدي البصري (عن] (¬3) عبيدة) بفتح العين (أبي خداش) بكسر الخاء المعجمة، وتخفيف الدال، وبعد الألف شين معجمة، أخرج له النسائي، وسكت عليه المصنف، ولم يعترضه المنذري (عن أبي تميمة) طريف بن مجالد السلمي، كان من اليمن فباعه عمه، فلما علم المشتري قال له: خذ هذِه الناقة اركبها وهذِه النفقة والحق بقومك. فقال: لا ألحق بقوم باعوني أبدًا (¬4). فكان ولاؤه لبني الهجيم (الهجيمي) بضم الهاء، وفتح الجيم مصغر، نسبة إلى ¬

_ (¬1) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (1182)، والنسائي في "الكبرى" (9691)، أحمد 5/ 63. وضعفه الألباني في "المشكاة" (4365). (¬2) "الجرح والتعديل" 5/ 335 (1583). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل، م). (¬4) ساقطة من (ل، م).

محلة بالبصرة نزلها بنو الهجيم بن عمرو بن تميم، فنسبت المحلة إليهم (عن جابر) بن سليم، أبي جري بضم الجيم، وفتح الراء المهملة، الهجيمي (قال: أتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو محتب) الاحتباء أن يجلس الرجل على الأرض ويضم رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره ويشده عليهما (بشملة) وقد يكون الاحتباء باليدين عوض الثوب، فقوله (وهو محتب) يحتمل أن يكون معناه كان جالسًا على هيئة الاحتباء، وألقى شملته خلف ركبتيه، وأخذ بكل يد طرفًا من تلك الشملة؛ ليكون كالمتمكن على شيء، وهكذا عادة العرب إذا لم يتكئوا على شيء أخذوا ركبهم بأيديهم، وألقوا حبلًا أو شملة أو منطقة خلف ركبهم، ويشدونه (¬1) خلف ظهورهم (و) ربما (قد وقع هدبها) بضم الهاء، وسكون الدال، ثم باء موحدة، وهو أطراف سدى الثوب بلا لحمة، (على قدميه) وربما قيل: يقصد بها بقاء الثوب، وقد يقصد بها جماله أيضًا، ويحتمل أن يكون معناه أنه (¬2) كان جالسًا على هيئة الاحتباء وعليه شملة قد اتزر بها فوقع هدبها على قدميه حين غفل عنها أو نعس. * * * ¬

_ (¬1) في (ل، م): وشدوا به. (¬2) ساقطة من (ل، م).

23 - باب في العمائم

23 - باب فِي العَمائِمِ 4076 - حَدَّثَنا أَبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسي وَمُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ وَمُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ قالُوا: حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- دَخَلَ عامَ الفَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمامَةٌ سَوْداءُ (¬1). 4077 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلي، حَدَّثَنا أَبُو أُسامَةَ، عَنْ مُساوِرٍ الوَرّاقِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ أَبِيهِ قالَ: رَأَيْتُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عَلَى المِنْبَرِ وَعَلَيْهِ عِمامَةٌ سَوْداءُ قَدْ أَرْخَى طَرَفَيْها بَيْنَ كَتِفَيْهِ (¬2). 4078 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّقَفي، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ، حَدَّثَنا أَبُو الحَسَنِ العَسْقَلاني، عَنْ أَبي جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلي بْنِ رُكانَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رُكانَةَ صارَعَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَصَرَعَهُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ رُكانَة: وَسَمِعْتُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "فَرْقُ ما بَيْنَنا وَبَيْنَ المُشْرِكِينَ العَمائِمُ عَلَى القَلانِسِ" (¬3). 4079 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْماعِيلَ مَوْلَى بَني هاشِمٍ، حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ عُثْمانَ الغَطَفاني، حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْن خَرَّبُوذَ، حَدَّثَني شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ قالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ يَقُولُ: عَمَّمَني رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَسَدَلَها بَيْنَ يَديَّ وَمِنْ خَلْفي (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1358). (¬2) رواه مسلم (1359). (¬3) رواه البخاري في "التاريخ الكبير" 1/ 82 و 3/ 337، والترمذي (1784). وضعفه الألباني في "ضعيف سنن الترمذي" ص 202. (¬4) رواه أبو يعلى 2/ 160 (850). وضعفه الألباني.

باب في العمائم [4076] (حدثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك (الطيالسي ومسلم بن إبراهيم وموسى بن إسماعيل قالوا: حدثنا حماد) بن سلمة (عن أبي الزبير) محمد بن مسلم المكي (عن جابر) بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل عام الفتح) (¬1) سنة ثمان (مكة) زادها اللَّه شرفًا (وعليه عمامة سوداء) زاد النسائي: بغير إحرام (¬2). وكان على رأسه المغفر، فلعل العمامة كانت فوقه. وفيه: لبس العمامة السوداء في الجهاد والسفر، فإن السفر يصلح له لبس السواد وغيره مما يحتمل الوسخ الكثير ولا يظهر فيه، ولهذا استحب لبسه المتصوفة والمقبلون على اللَّه. [4077] (حدثنا الحسن بن علي) الجهضمي (¬3) (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي. (عن مساور) بتخفيف السين المهملة (الوراق) الكوفي. قال ابن معين: ثقة (¬4). قال ابن عيينة: سمعته يقول: ما كنت أقول لرجل: إني أحبك في اللَّه ثم أمنعه شيئًا من الدنيا (¬5). (عن جعفر بن عمرو بن حريث) المخزومي الكوفي. أخرج له مسلم. ¬

_ (¬1) في حاشية (ح)، وصلب (ل، م) أن في نسخة: فتح. (¬2) "المجتبى" 5/ 201، 8/ 211. (¬3) كذا في الأصول: الجهضمي. وهو خطأ، والصواب: الحلواني. انظر: "تهذيب الكمال" 6/ 259. (¬4) "الجرح والتعديل" 8/ 351 (1615)، "تهذيب الكمال" 27/ 426 (5889). (¬5) "تهذيب الكمال" 27/ 426 (5889).

(عن أبيه) عمرو بن حريث بن عمرو المخزومي، ولي إمارة الكوفة، زعموا أنه أول قرشي اتخذ بالكوفة دارًا. (قال: رأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على المنبر) يخطب (وعليه عمامة سوداء) فيه الاستحباب لمن أراد الجمعة أن يعتم ويرتدي، والإمام آكد، وروى الطبراني أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن اللَّه وملائكته يصلون على أصحاب العمائم يوم الجمعة" (¬1). وفيه أن من السنة التعمم بالسواد للخطيب، فأما لبس السواد فقال الغزالي: ليس هو من السنة ولا فيه فضل، بل كره جماعة النظر إليه؛ لأنه بدعة محدثة بعد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2). (قد أرخى طرفها [بين كتفه]) (¬3) [وأرخى الفقير العزبة من جهة اليسار؛ لأنها صارت شعارًا للمتقين، فلو أدلاها الفقير بين كتفيه اشتبه بالمتقين وطريقهم الصدق، وأدلوها من اليسار لأنها جهة القلب] (¬4) كذا رواه المصنف بالإفراد. قال النووي في "شرح مسلم" في الحج: هو في جميع نسخ بلادنا وغيرها بالتثنية، وكذا هو في "الجمع بين الصحيحين" للحميدي (¬5)، قال القاضي عياض: والصواب المعروف (طرفها) بالإفراد (¬6). يعني: ¬

_ (¬1) ذكره الهيثمي في "المجمع" 2/ 176 من حديث أبي الدرداء، وقال: رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه أيوب بن مدرك، قال ابن معين: إنه كذاب. (¬2) "إحياء علوم الدين" 1/ 241. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل، م). (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬5) 3/ 542. (¬6) "إكمال المعلم" 4/ 479، "شرح مسلم" 9/ 133 - 134.

كما للمصنف والنسائي (¬1). وحديث عبد الرحمن بن عوف الآتي (¬2) في كلام المصنف يدل على طرفيها بالتثنية، فإنه قال: سدلها بين يدي ومن خلفي (¬3). [4078] (حدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي، ثنا محمد بن ربيعة) الكلابي، وثقه ابن معين (¬4) والمصنف (¬5) والدارقطني (¬6) (ثنا أبو الحسن العسقلاني) قال المنذري: لا يعرف هذا (¬7). (عن أبي جعفر بن محمد) بن ركانة. قال في "التهذيب": هكذا وقع منسوبًا عند أبي داود في عامة الروايات عنه، وعند الترمذي أيضًا (¬8) (¬9)، وهكذا ذكره أبو حاتم (¬10) وغير واحد. قال: وفي رواية اللؤلؤي وحده عن أبي جعفر بن محمد (¬11) (بن علي بن ركانة) وقال بعض الرواة: أبو جعفر محمد بن يزيد بن ركانة (¬12). ¬

_ (¬1) "المجتبى" 8/ 211، وفيه: عن جعفر بن عمرو بن أمية، عن أبيه. بدل: جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه. (¬2) ساقطة من (ل، م). (¬3) سيأتي قريبًا برقم (4079). (¬4) "تاريخ ابن معين - رواية الدوري" (1300). (¬5) "سؤالات الآجري لأبي داود" (419). (¬6) "سؤالات البرقاني للدارقطني" (431). (¬7) "مختصر سنن أبي داود" 6/ 45. (¬8) "سنن الترمذي" (1784). (¬9) "تهذيب الكمال" 33/ 191 (7282). (¬10) "الجرح والتعديل" 9/ 353 (1587). (¬11) السابق. (¬12) "تهذيب الكمال" 33/ 191 (7282).

[(عن أبيه) محمد بن ركانة] (¬1) (أن ركانة) بضم الراء، وتخفيف الكاف، وهو ابن عبد يزيد بن هاشم ابن المطلب بن عبد مناف المطلبي، وهو من مسلمة الفتح. وروى عبد الرزاق عن معمر، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد اللَّه بن الحارث قال (¬2): صارع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أبا ركانة في الجاهلية وكان شديدًا فقال: شاة بشاة. فصرعه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: عاودني. فصرعه [فقال: عاودني في أخرى، فعاوده فصرعه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أيضًا] (¬3) الثالثة، فقال أبو ركانة: ماذا أقول لأهلي: شاة أكلها الذئب وشاة تكسرت (¬4)، فما أقول في الثالثة؟ فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما كنا لنجمع عليك أن نصرعك ونغرمك خذ غنمك" (¬5). هكذا وقع فيه أبو ركانة، وكذا أخرجه أبو الشيخ من طريقه. والصواب ركانة. قال الحافظ عبد الغني بن سعيد: وما روي من مصارعة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أبا جهل لا أصل له (¬6). (صارع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فصرعه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) فيه جواز المصارعة والمسابقة ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل)، (م). (¬2) ساقطة من (م). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من النسخ الخطية والمثبت من "جامع معمر". (¬4) في جميع النسخ: تشرب، والمثبت من "جامع معمر". (¬5) "جامع معمر" 11/ 427 (20909). (¬6) انظر: "تهذيب الأسماء واللغات" 1/ 191، "البدر المنير" 9/ 428، "التلخيص الحبير" 4/ 163 (2024).

فيها بغير عوض، وأما بعوض فلا يجوز لمفهوم حديث: "لا سبق إلا في خف أو طائر أو نصل" (¬1) ولأنه ليس من آلات القتال، والصحيح عند الشافعي: لا يجوز بعوض ولا غيره. وأجيب عن الحديث بأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أراه شدته ليسلم، ولهذا لما أسلم رد عليه غنمه. قال البغوي في "التهذيب": لا تجوز المصارعة بعوض ولا غيره على الأصح؛ لأنه يهيج العداوة. وأوَّلَ الحديث. ¬

_ (¬1) سبق برقم (2574)، ورواه أيضًا الترمذي (1700)، والنسائي 6/ 226، 227، وابن ماجه (2878)، وأحمد 2/ 256، 358، 385، 425، 474 من حديث أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: "خف أو حافر". أو لفظ: "خف أو نصل أو حافر" ولم أقف على لفظ: "طائر"، وإنما وجدت زيادة بلفظ "جناح" أشار إليها ابن الأثير في "جامع الأصول" 1/ 137 - 138، قال: ومنهم جماعة وضعوا الحديث تقربًا إلى الملوك مثل غياث بن إبراهيم، دخل على المهدي بن منصور، وكان يعجبه الحمام الطيارة الواردة من الأماكن البعيدة، فروى حديثا عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل أو جناح" قال: فأمر له بعشرة آلاف درهم، فلما قام وخرج قال المهدي: أشهد أن قفاك قفا كذاب على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "جناح" ولكن هذا أراد أن يتقرب إلينا، يا غلام أذبح الحمام. قال: فذبح حمامًا بمال كثير. فقيل: يا أمير المؤمنين، وما ذنب الحمام؟ قال: من أجلهن كذب على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. انتهى. وممن أشار إلى هذِه الزيادة الموضوعة المكذوبة ابن الملقن في "البدر المنير" 9/ 420 - 421، والشوكاني في "الفوائد المجموعة" (48) وقال: رواه الخطيب. والألباني في "الضعيفة" 1/ 389. ولعل الشارح أَراد لفظ: "جناح" وعبر عنه بلفظ: طائر. والحديث بغير هذا اللفظ حسنه الترمذي، ونقل ابن حجر في "التلخيص" 4/ 161 (2020) تصحيحه عن ابن القطان وابن دقيق العيد. وصححه الألباني في "الإرواء" 5/ 333 (1506).

وروى المصنف في "المراسيل" عن سعيد بن جبير قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالبطحاء إذ أتى عليه يزيد بن ركانة -أو ركانة بن يزيد- ومعه أعنز له، فقال له: يا محمد، هل لك أن تصارعني؟ قال: "ما تسبقني" قال: شاة من غنمي. فصارعه فصرعه فأخذ شاة، فقال ركانة: هل لك في العود؟ ففعل ذلك مرارًا، فقال: يا محمد، واللَّه ما وضع جنبي أحد إلى الأرض، وما أنت بالذي تصرعني، فأسلم، فرد عليه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- غنمه (¬1). (قال ركانة: وسمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول) إن (فرق ما بيننا وبين المشركين العمائم على القلانس). جمع قلنسوة، ويقال: قلنسية. فإذا فتحت القاف ضممت السين، وإن ضممت القاف كسرت السين (¬2) وقلبت الواو ياءً، وهي مضرية كالمزدوجة، إلا أنها تزيد عليها بما ينزل عن آخرها على الرقبة والأذنين، ولها زوايا. والمراد بالحديث أن المشركين كانوا (¬3) يعممون على رؤوسهم من غير أن يكون تحت العمامة قلنسوة، ونحن نعمم على القلنسوة، والمزدوجة في معنى القلنسوة، وللبيهقي في "شعب الإيمان": عن عبد اللَّه بن عمر: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يلبس قلنسوة بيضاء (¬4). ولأبي الشيخ عن ابن عباس: كان لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ثلاث قلانس: قلنسوة بيضاء مضرية، وقلنسوة برد حبرة، وقلنسوة ذات آذان يلبسها في السفر، فربما وضعها بين يديه إذا صلى (¬5). ¬

_ (¬1) برقم (308). (¬2) ساقطة من (ح). (¬3) ساقطة من (ل، م). (¬4) 5/ 175 (6259). (¬5) "أخلاق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" 2/ 211 (315). قال الألباني في "الضعيفة" 6/ 49: ضعيف جدًّا.

[4079] (حدثنا محمد بن إسماعيل) بن أبي سمينة (مولى بني هاشم) البصري، شيخ البخاري في "التاريخ" وغيره. (حدثنا عثمان بن عثمان الغطفاني) قاضي البصرة، أخرج له مسلم. (ثنا سليمان بن خربوذ) بفتح الخاء المعجمة، والراء المشددة، ثم باء موحدة مضمومة (¬1)، وبعد الواو ذال معجمة، لم يخرج له في الستة غير هذا الحديث. (قال: حدثني شيخ من أهل المدينة) أدام اللَّه شرفها. (قال: سمعت عبد الرحمن بن عوف -رضي اللَّه عنه- يقول: عممني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) لما أراد أن يبعثني في سنة ست إلى دومة الجندل في سرية، ودومة -بضم الدال- على عشر مراحل من المدينة، وعشر من الكوفة، وثمان من دمشق واثني عشر من مصر، وسميت بدومان بن إسماعيل، كان ينزلها. قال ابن سعد: دعا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عبد الرحمن بن عوف فأقعده بين يديه وعممه بيده، وقال: "اغز بسم اللَّه، وفي سبيل اللَّه، فقاتل من كفر باللَّه، ولا تغلَّ، ولا تغدر، ولا تقتل وليدًا" وبعثه إلى كلب (¬2) بدومة الجندل (¬3). (فسدلها) أي: أسبل لعمامتي طرفين وأرسلهما من (بين يدي ومن خلفي) أي: أسبل أحدهما، وهو من أسفلها على صدري، وهي التي صارت شعار الصالحين المتمسكين بالسنة، واستحسن الصوفية أن تكون مما يلي الأذن اليسرى؛ ليكون طرفها متصلًا بالقلب، فإنه من الجانب الأيسر، والأخرى وهي التي من آخر العمامة في أعلى طية ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) في (ل، م): كل من. (¬3) "الطبقات الكبرى" 2/ 89.

منها -كما في عادة العرب- إلى خلف ظهره. قيل: ورد النهي عن العمامة التى ليست محنكة، ولا ذؤابة لها (¬1)، فالمحنكة من حنك الفرس إذا جعل له في حنكه الأسفل حبلًا (¬2) يقوده به، والذؤابة أصله من ذؤابة المرأة. وفي حديث ابن الحنفية أنه كان يذؤب أمه (¬3). أي: يضفر ذوائبها. وروى الترمذي بسنده عن ابن عمر قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا اعتم سدل عمامته بين كتفيه. قال: وقال نافع: كان ابن عمر يسدل عمامته بين كتفيه. وقال: قال عبيد اللَّه: رأيت القاسم وسالمًا يفعلان ذلك (¬4). وفي الحديث: النهي عن العمامة المقعطة بفتح القاف، وتشديد العين المهملة. قال أبو عبيد: عمامة إبليس (¬5). وقيل في "الغريبين": المقعطة: هي التي لا ذؤابة لها ولا حنك. قيل: المقعطة عمامة أهل الذمة. * * * ¬

_ (¬1) ساقطة من (ح). (¬2) ساقطة من جميع النسخ، والمثبت من "لسان العرب" 2/ 1028. (¬3) رواه ابن أبي شيبة 4/ 12 (17282). (¬4) "سنن الترمذي" (1736) وقال: حسن غريب. (¬5) "غريب الحديث" 1/ 431 ونسب هذا القول لطاوس، قال: كان طاوس يقول: تلك عمة الشيطان.

24 - باب في لبسة الصماء

24 - باب فِي لِبْسَةِ الصَّمّاءِ 4080 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَن لِبْسَتَين أَنْ يَحْتَبي الرَّجُلُ مُفْضِيًا بِفَرْجِهِ إِلَى السَّماءِ وَيَلْبَسَ ثَوْبَهُ وَأَحَدُ جانِبَيْهِ خارِجٌ وَيُلْقي ثَوْبَهُ عَلَى عاتِقِهِ (¬1). 4081 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ أَبي الزُّبَيرِ عَنْ جابِرٍ قالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنِ الصَّمّاءِ وَعَن الاحْتِباءِ في ثَوْبٍ واحِدٍ (¬2). * * * باب في لبسة الصماء [4080] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا جرير) (¬3) بن عبد الحميد الضبي (عن) سليمان (الأعمش، عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن لبستين) بكسر اللام؛ لأن المراد بالنهي الهيئة المخصوصة لا المرة الواحدة من اللبس. ثم بين الهيئة (أن يحتبي الرجل مفضيًا بفرجه) أي: مكشوفًا فرجه (إلى) جهة (السماء) من غير ساتر لفرجه، قد يؤخذ منه أن كشف الفخذين مع ستر الفرجين غير منهي عنه (و) أن (يلبس) بفتح الباء (ثوبه) الواحد ليس عليه غيره (وأحد) بالرفع على الابتداء، والواو الداخلة عليه واو الحال (جانبيه) يعني: ما تحت إبطه إلى الخاصرة وما يتصل بذلك، وقد تدخل فيه العورة. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (368). (¬2) رواه مسلم (2099). (¬3) فوقها في (ح): (ع).

(خارج) أي: ظاهر مكشوف بلا ستر (ويلقي) طرف (ثوبه) من أحد جانبيه (على عاتقه) فتبدو عورته. [4081] (حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد) بن سلمة (عن أبي الزبير) محمد بن مسلم المكي (عن جابر) بن عبد اللَّه (قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن) اشتمال (الصماء) وهو الالتحاف، كما جاء في الرواية الأخرى: يلتحف (¬1). واختلف اللغويون والفقهاء في تفسير اشتمال الصماء، فقال الأصمعي: هو أن يشتمل بالثوب حتى يجلل جميع جسده ولا يرفع منها جانبًا (¬2). وقيل لها: الصماء. لأنه إذا اشتمل بها انسدت على يديه ورجليه المنافذ كلها كالصخرة الصماء التي ليس فيها خرق. وأما تفسير الفقهاء فهو أن يشتمل بثوب واحد ليس عليه غيره، ثم يرفعه من أحد جانبيه كما تقدم، فيضعه على أحد منكبيه (¬3)، وعلى هذا فإنما نهى عنه؛ لأنه يؤدي إلى كشف العورة، وعلى تفسير أهل اللغة إنما هي مخافة أن يعرض له شيء فيحتاج إلى رده بيده ولا يجد إلى ذلك سبيلًا. (وعن الاحتباء في ثوب واحد) كاشفًا عن فرجه كما كانت العرب تفعله. * * * ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2091) (71). (¬2) انظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد 1/ 271. (¬3) "النهاية في غريب الحديث" 3/ 54، وانظر: "المخصص" 1/ 400، "المصباح المنير" 1/ 323 [ش م ل].

25 - باب في حل الأزرار

25 - باب فِي حَلِّ الأَزْرارِ 4082 - حَدَّثَنا النُّفَيْلي وَأَحْمَدُ بْن يُونُسَ قالا: حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا عُروَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ -قالَ ابن نُفَيْلٍ: ابن قُشَيْرٍ أَبُو مَهَلٍ الجُعْفي- حَدَّثَنا مُعاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ، حَدَّثَني أَبي قالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- في رَهْطٍ مِنْ مُزَيْنَةَ فَبايَعْناهُ وَإِنَّ قَمِيصَهُ لَمُطْلَقُ الأَزْرارِ قالَ: فَبايَعْتُهُ ثُمَّ أَدْخَلْتُ يَدي في جَيْبِ قَمِيصِهِ فَمَسِسْتُ الخاتَمَ. قالَ عُرْوَةُ: فَما رَأَيْتُ مُعاوِيَةَ وَلا ابنهُ قَطُّ إِلَّا مُطْلِقي أَزْرارِهِما في شِتاءٍ وَلا حَرٍّ وَلا يُزَرِّرانِ أَزْرارَهُما أَبَدًا (¬1). * * * باب في حل الأزرار [4082] (حدثنا) عبد اللَّه (النفيلي وأحمد) بن عبد اللَّه (بن يونس) اليربوعي (قالا: ثنا زهير، ثنا عروة بن عبد اللَّه قال ابن نفيل) النفيلي في روايته هو (ابن قشير) مصغر (أبو مهل) قال المنذري: هو بفتح الميم، بعدها هاء مفتوحة، ولام مخففة (الجعفي) الكوفي، وثقه أبو زرعة الرازي (¬2) (¬3). وذكره ابن حبان (¬4). (حدثنا معاوية (¬5) بن قرة) بضم القاف، وتشديد الراء (حدثني أبي) قرة ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (3578)، وأحمد 3/ 434. وصححه الألباني في "المشكاة" (4336). (¬2) "الجرح والتعديل" 6/ 397 (2221)، "تهذيب الكمال" 20/ 28 (3909). (¬3) "مختصر سنن أبي داود" 6/ 47. (¬4) في "الثقات" 7/ 286 - 287. (¬5) فوقها في (ح، ل): (ع).

ابن إياس المزني البصري (قال: أتيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في رهط من مزينة) وروي في "الاستيعاب" أنه أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقد حلب وصرَّ (¬1). أي: حلب ما (¬2) معه من الإبل، وصرَّ على ضروع الحلوبات منها. (فبايعناه) على الإسلام (وإن) بكسر الهمزة؛ لأنها بعد واو الحال (قميصه لمطلق) بفتح اللام. أي: مطلق (الأزرار) والمطلق: المفتوح، يعني: كان جيب قميصه واسعًا، ولم يكن مشدودًا، وكانت عادة العرب أن تكون جيوبهم واسعة، فربما يشدونها، وربما يتركونها مفتوحة. (قال: فبايعته (¬3)، ثم أدخلت يدي في جيب قميصه فمسست) بكسر السين الأولى (الخاتم) يعني: خاتم النبوة تبركا به، وليخبر به لمن لم يره (قال عروة: ) بن عبد اللَّه (فما رأيت معاوية) بن قرة (ولا) رأيت (ابنه قط إلا مطلقي) بكسر اللام، وفتح القاف (أزرارهما) بجر أزرار، وهو جمع زر، وهو ما يعلق بالعروة، والعروة حلق الجيب (في) زمن (شتاء ولا صيف) (¬4) ولا ربيع ولا خريف (ولا يزرران أزرارهما أبدًا) فيه تمسك الصحابة والتابعين فمن بعدهم من السلف الصالح باتباع السنة والمداومة عليها مهما استطاعوا، جعلنا اللَّه تعالى من أهل الاتباع وجنبنا عن الابتداع. * * * ¬

_ (¬1) 3/ 342. (¬2) زيادة يقتضيها السياق. (¬3) في هامش (ح) وصلب (ل، م): نسخة، فبايعناه. (¬4) في هامش (ل): حر، وهو الذي في "سنن أبي داود".

26 - باب في التقنع

26 - باب في التَّقَنُّعِ 4083 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ داوُدَ بْنِ سُفْيانَ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ قالَ: قالَ الزُّهْريُّ: قالَ عُروَةُ: قالَتْ عائِشَةُ رضي اللَّه عنها: بَيْنا نَحْنُ جُلُوسٌ في بَيْتِنا في نَحْرِ الظَّهِيرَةِ قالَ قائِلٌ لأَبي بَكْرٍ رضي اللَّه عنه: هَذا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مُقْبِلًا مُتَقَنِّعًا في ساعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينا فِيها فَجاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ فَدَخَلَ (¬1). * * * باب في المتقنع (¬2) [4083] (حدثنا محمد بن داود بن سفيان، ثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر قال: قال الزهري: قال عروة) بن الزبير. (قالت عائشة رضي اللَّه عنها: بينا) لفظ البخاري: بينما (¬3). بزيادة الميم (نحن) يومًا (جلوس في بيتنا) أي: بيت أبي بكر (¬4) كما في البخاري (¬5). (في نحر) بفتح النون (الظهيرة) أي: أول وقت الحرارة وهو الهاجرة إذ (قال قائل لأبي بكر -رضي اللَّه عنه-: هذا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مقبل) مقبلًا نسخة. متقنعًا حال من اسم الإشارة. أي: مغطيًا رأسه، كذا للبخاري (¬6)، وللمصنف ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3905). (¬2) كذا في جميع النسخ الخطية، وفي "سنن أبي داود": (التقنع). (¬3) "صحيح البخاري" (3905). (¬4) في (ح): هريرة. (¬5) السابق. (¬6) "صحيح البخاري" (3905).

متقنعًا (متقنع) صفة لـ (مقبل) أي: خبر مبتدأ محذوف. أي: وهو متقنع، وفيه تغطية الرأس بثوب ونحوه لمن حصل له حر شديد في الطريق أو غبار ونحوه، وكذا فيمن أراد الاختفاء من قوم (في ساعة لم يكن (¬1) يأتينا) بسكون الياء قبل النون (فيها) فيه أن من كان له رحم أو قريب أو صديق فينبغي له أن يجعل له أوقاتًا معلومة يأتي فيها إليه؛ ليعرف المزور وقت مجيئه فيستعد له، ويهيئ له ما يصلح له من أنواع الإكرام. (فجاء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فاستأذن) في الدخول. فيه أن الاستئذان لا يختص بالأجنبي؛ بل القرابة تستأذن أيضًا، ولو على أمه وزوجته بتنحنح ونحوه (فأذن) بضم الهمزة، وكسر الذال (له فدخل) الحديث بطوله ذكره البخاري في الهجرة وبعده: فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لأبي بكر: "أخرج من عندك" فقال أبو بكر: إنما هم أهلك. قال: "فإني قد أذن لي في الخروج" فقال أبو بكر: الصحابة يا رسول اللَّه؟ قال: "نعم" إلى آخره (¬2). * * * ¬

_ (¬1) ساقطة من (م، ل). (¬2) السابق.

27 - باب ما جاء في إسبال الإزار

27 - باب ما جاءَ في إِسْبالِ الإِزارِ 4084 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ أَبي غِفارٍ، حَدَّثَنا أَبُو تَمِيمَةَ الهُجَيْمي -وَأَبُو تَمِيمَةَ اسْمُهُ طَرِيفُ بْنُ مُجالِدٍ-، عَنْ أَبي جُري جابِرِ بْنِ سُلَيْمٍ قالَ: رَأَيْتُ رَجُلًا يَصْدُرُ النّاسُ عَنْ رَأْيهِ لا يَقُولُ شَيْئًا إِلا صَدَرُوا عَنْهُ قُلْتُ: مَنْ هذا؟ قالُوا: هذا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-. قُلْتُ: عَلَيْكَ السَّلامُ يا رَسُولَ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ. قالَ: "لا تَقُلْ عَلَيْكَ السَّلامُ. فَإنَّ عَلَيْكَ السَّلامُ تَحِيَّةُ الميِّتِ قُلِ السَّلامُ عَلَيْكَ". قالَ: قُلْتُ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "أَنا رَسُولُ اللَّهِ الذي إِذا أَصابَكَ ضُرٌّ فَدَعَوْتَهُ كَشَفَهُ عَنْكَ وَإِنْ أَصابَكَ عامُ سَنَةٍ فَدَعَوْتَهُ أَنْبَتَها لَكَ وَإِذا كُنْتَ بِأَرْضٍ قَفْراءَ أَوْ فَلاةٍ فَضَلَّتْ راحِلَتُكَ فَدَعَوتَهُ رَدَّها عَلَيْكَ". قُلْتُ: اعهَدْ إِليَّ قالَ: "لا تَسُبَّنَّ أَحَدًا". قالَ: فَما سَبَبْتُ بَعْدَهُ حُرًّا وَلا عَبْدًا وَلا بَعِيرًا وَلا شاةً. قالَ: "وَلا تَحْقِرَنَّ شَيْئًا مِنَ المَعْرُوفِ وَأَنْ تُكَلِّمَ أَخاكَ وَأَنْتَ مُنْبَسِطٌ إِلَيْهِ وَجْهُكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنَ المَعْرُوفِ وارْفَعْ إِزارَكَ إِلَى نِصْفِ السّاقِ فَإِنْ أَبَيْتَ فَإِلَى الكَعْبَيْنِ وَإيّاكَ وَإِسْبالَ الإِزارِ فَإِنَّها مِنَ المَخِيلَةِ وَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ المَخِيلَةَ وَإِنِ امْرُؤٌ شَتَمَكَ وَعَيَّرَكَ بِما يَعْلَمُ فِيكَ فَلا تُعيِّرْهُ بِما تَعْلَمُ فِيهِ فَإِنَّما وَبالُ ذَلِكَ عَلَيْهِ" (¬1). 4085 - حَدَّثَنا النُّفَيْلي، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَن سالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيامَةِ". فَقالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ أَحَدَ جانِبَي إِزاري يَسْتَرْخي إِنّي لأَتَعاهَدُ ذَلِكَ مِنْهُ. ¬

_ (¬1) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (1182)، والترمذي (2721)، والنسائي في "الكبرى" (9694)، وأحمد 3/ 482. وصححه الألباني في "الصحيحة" (3422).

قالَ: "لَسْتَ مِمَّنْ يَفْعَلُهُ خُيَلاءَ" (¬1). 4086 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ اِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا أَبانُ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ أَبي جَعْفَرٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسارٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: بَيْنَما رَجُلٌ يُصَلّي مُسْبِلًا إِزارَهُ فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اذْهَبْ فَتَوَضَّأْ". فَذَهَبَ فَتَوَضَّأ ثُمَّ جاءَ ثُمَّ قالَ: "اذْهَبْ فَتَوَضَّأْ". فَقالَ لَهُ رَجُلٌ: يا رَسُولَ اللَّهِ ما لَكَ أَمَرْتَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ ثُمَّ سَكَتَّ عَنْهُ قالَ: "إِنَّهُ كانَ يُصَلّي وَهُوَ مُسْبِلٌ إِزارَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لا يَقْبَل صَلاةَ رَجُلٍ مُسْبِلٍ" (¬2). 4087 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَلي بْنِ مُدْرِكٍ، عَنْ أَبي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ خَرَشَةَ بْنِ الحُرِّ، عَنْ أَبي ذَرٍّ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّهُ قالَ: "ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ القِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ". قُلْتُ: مَنْ هُمْ يا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ خابُوا وَخَسِرُوا؟ أَعادَها ثَلاثًا. قُلْتُ: مَنْ هُمْ يا رَسُولَ اللَّهِ خابُوا وَخَسِرُوا؟ فَقالَ: "المُسْبِلُ والمَنّانُ والمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بْالحَلِفِ الكاذِبِ". أَوِ: "الفاجِرِ" (¬3). 4088 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ سُفْيانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سُلَيْمانَ ابْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ خَرَشَةَ بْنِ الحُرِّ، عَنْ أَبي ذَرٍّ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بهذا، والأَوَّلُ أَتَمُّ قالَ: "المَنّانُ الذي لا يُعْطي شَيْئًا إِلَّا مَنَّهُ" (¬4). 4089 - حَدَّثَنا هارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنا أَبُو عامِرٍ -يَعْني: عَبْدَ المَلِكِ بْنَ عَمْرٍو- حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ بِشْرِ التَّغْلِبي، قالَ: أَخْبَرَني أَبي -وَكانَ جَلِيسًا لأَبي الدُّرْداءِ- قالَ: كانَ بِدِمَشْقَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحابِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يُقالُ لَهُ: ابن الحَنْظَلِيَّةِ. وَكانَ رَجُلًا مُتَوَحِّدًا قَلَّما يُجالِسُ النَّاسَ، إِنَّما هُوَ صَلاةٌ فَإِذا فَرَغَ فَإنَّما هُوَ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3655). (¬2) سبق برقم (638). (¬3) رواه مسلم (106). (¬4) انظر ما قبله.

تَسْبِيحٌ وَتَكبِيرٌ حَتَّى يَأتي أَهْلَهُ، فَمَرَّ بِنا وَنَحْنُ عِنْدَ أَبي الدَّرْدَاءِ فَقالَ لَهُ أَبُو الدَّرْداءِ: كَلِمَةً تَنْفَعُنا وَلا تَضُرُّكَ قالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- سَرِيَّةً فَقَدِمَتْ فَجاءَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَجَلَسَ في المَجْلِسِ الذي يَجْلِسُ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ لِرَجُلٍ إِلَى جَنْبِهِ لَوْ رَأَيْتَنا حِينَ التَقَيْنا نَحْنُ والعَدُوُّ فَحَمَلَ فُلانٌ فَطَعَنَ فَقالَ: خُذْها مِنّي وَأَنا الغُلامُ الغِفاري كَيْفَ تَرى في قَوْلِهِ قالَ: ما أُراهُ إِلّا قَدْ بَطَلَ أَجْرُهُ فَسَمِعَ بِذَلِكَ آخَرُ فَقالَ: ما أَرى بِذَلِكَ بَأْسًا فَتَنازَعا حَتَّى سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ: "سُبْحانَ اللَّهِ لا بَأْسَ أَنْ يُؤْجَرَ وَيُحْمَدَ". فَرَأَيْتُ أَبا الدَّرْداءِ سُرَّ بِذَلِكَ وَجَعَلَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَيْهِ وَيَقُولُ أَنْتَ سَمِعْتَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فَيَقُولُ نَعَمْ. فَما زالَ يُعِيدُ عَلَيْهِ حَتَّى إِنّي لأَقُولُ لَيَبْرُكَنَّ عَلَى رُكْبَتَيْهِ. قالَ: فَمَرَّ بِنا يَوْمًا آخَرَ فَقالَ لَهُ أَبُو الدَّرْداءِ: كَلِمَةٌ تَنْفَعُنا وَلا تَضُرُّكَ قالَ: قالَ لَنا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المُنْفِقُ عَلَى الخَيْلِ كالباسِطِ يَدَهُ بِالصَّدَقَةِ لا يَقْبِضُها". ثُمَّ مَرَّ بِنا يَوْمًا آخَرَ فَقالَ لَهُ أَبُو الدَّرْداءِ: كَلِمَةٌ تَنْفَعُنا وَلا تَضُرُّكَ. قالَ: قالَ لَنا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نِعْمَ الرَّجُلُ خُرَيْمٌ الأَسَدي لَوْلا طُولُ جُمَّتِهِ وَإِسْبالُ إِزارِهِ". فَبَلَغَ ذَلِكَ خُرَيْمًا فَعَجِلَ فَأَخَذَ شَفْرَةً فَقَطَعَ بِها جُمَّتَهُ إِلَى أُذُنَيْهِ، وَرَفَعَ إِزارَهُ إِلَى أَنْصافِ ساقَيْهِ. ثُمَّ مَرَّ بِنا يَوْمًا آخَرَ فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّرْداءِ كَلِمَةً تَنْفَعُنا وَلا تَضُرُّكَ فَقالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "إِنَّكُمْ قادِمُونَ عَلَى إِخْوانِكُمْ فَأَصْلِحُوا رِحالَكُمْ وَأَصْلِحُوا لِباسَكُمْ حَتَّى تَكُونُوا كَأَنَّكُمْ شامَةٌ في النّاسِ فَإنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الفُحْشَ وَلا التَّفَحُّشَ". قالَ أَبُو داوُدَ: وَكَذَلِكَ قالَ أَبُو نُعَيْمِ: عَنْ هِشامِ قالَ: حَتَّى تَكُونُوا كالشّامَةِ في النّاسِ (¬1). * * * ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 179. وضعفه الألباني.

باب ما جاء في إسبال الإزار [4084] (حدثنا مسدد، ثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن أبي غفار) بكسر الغين المعجمة المثنى بن سعيد الطائي البصري، أخرج له البخاري في الأدب (ثنا أبو تميمة) طريف بن مجالد (الهجيمي) أخرج له البخاري، وقد تقدم (عن أبي جري) بضم الجيم، وفتح الراء (جابر بن سليم) مصغر، التميمي الهجيمي. (قال: رأيت رجلًا يصدر) بضم الدال (الناس عن رأيه) أي: يرجعون إلى ما يظهر من صدره من الرأي الذي يرشدهم إليه (فلا يقول) لهم (شيئًا إلا صدروا) جميعهم (عنه) بعد استماع رأيه كما يصدر عن الورد بعد الري من شرب مائه، وكان للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-[ركوة] (¬1) تسمى الصادر (¬2)، سميت به لأنه يصدر عنها بالري. (قلت لهم: من هذا؟ قالوا: هذا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) فدنوت منه وقلت له (عليك السلام يا رسول اللَّه. مرتين) وذكره الترمذي أنه سلم ثلاثًا، ولفظه: طلبت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فلم أقدر عليه، فجلست، فإذا نفر هو فيهم ولا أعرفه، وهو يصلح بينهم، فلما فرغ قام معه بعضهم، فقالوا: يا رسول اللَّه. فلما رأيت ذلك قلت: عليك السلام يا رسول اللَّه، عليك السلام يا رسول اللَّه. ¬

_ (¬1) الزيادة من "المجروحين" لابن حبان 2/ 108. (¬2) رواه الطبراني 11/ 111 (11208) من حديث ابن عباس مرفوعًا. ذكره الهيثمي في "المجمع" 5/ 272 وقال: رواه الطبراني، وفيه علي بن عروة، وهو متروك. وقال الألباني في "الضعيفة" (4225): موضوع.

عليك السلام يا رسول اللَّه (¬1). (قال: لا تقل: عليك السلام، فإن عليك السلام تحية الميت) يعني: أنه الأكثر في عادة الشعراء في السلام على الميت، كما قال: عليك (¬2) سلام اللَّه قيس بن عاصم ... ورحمته ما شاء أن يترحما (¬3) لا أن ذلك هو المشروع في السلام على الموتى؛ لأنه -عليه السلام- قد سلم على الموتى كما سلم على الأحياء، قال: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين" (¬4) ويتأكد تقديم لفظ السلام على القول بأن السلام اسم من أسماء اللَّه تعالى، فإن أسماء اللَّه تعالى أحق بالتقديم. وقيل: إنما فعل ذلك؛ لأن المسلم على القوم يتوقع الجواب أن يقال له: عليك السلام. فلما كان الميت لا يتوقع منه جواب جعلوا السلام عليه كالجواب، وقيل: أراد بالموتى كفار الجاهلية، وهذا في الدعاء بالخير والمدح. وأما الشر والذم فيقدم الضمير كقوله تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي} (¬5)، وقوله: {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ} (¬6). (قل: السلام عليك) فيه جواز السلام عليك بالإفراد، والسلام ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (2721). (¬2) في الأصول: عليكم. وما أثبتناه أليق لاستقامة الاستشهاد به، وهو ما وجدناه في كتب الأدب. انظر: "الشعر والشعراء" ص 487. (¬3) البيت لعبدة بن الطيب، بحر الطويل، انظر: "الشعر والشعراء" (ص 487). (¬4) رواه مسلم (249) من حديث أبي هريرة. (¬5) ص: 78. (¬6) التوبة: 98، الفتح: 6.

عليكم، وإن كان المسلم عليه واحدًا. (قال: قلت: أنت) حذفت همزة الاستفهام (رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قال: أنا رسول اللَّه الذي إذا أصابك ضر فدعوته) بتضرع وافتقار (كشفه) أي: دفع البلاء (عنك) بعد نزوله. وفيه: دليل على أن من مظان أوقات الإجابة حالة الاضطرار كما قال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} (¬1)، وروى الترمذي عن أبي هريرة: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من سره أن يستجيب اللَّه له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء" (¬2). (وإن أصابك عام سنة) بالإضافة. وفي بعض النسخ: سنة. بتنوين (عام) ورفع (سنة) على الصفة، والأول أصوب، أي: عام شدة ومجاعة. قال المنذري: السنة هي العام القحط الذي لم تنبت الأرض فيه شيئًا، سواء نزل عليها غيث أو لم ينزل (¬3). (فدعوته أنبتها لك) أي: أنبت لك ما زرعته وأنماه بفضله وإنعامه، (وإذا كنت بأرضٍ) بالتنوين (قفر) وهي الأرض الخالية من الأنيس التي لا ماء بها ولا ناس، وجمع القفر قفار. (أو) أرض (فلاة) وهي الأرض التي لا ماء فيها، جمعها: فلًا. مثل حصاة جمعها حصا. ¬

_ (¬1) النمل: 62. (¬2) "سنن الترمذي" (3382) وقال: هذا حديث غريب. وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" 2/ 276 (1628)، قال: حسن لغيره. (¬3) "الترغيب والترهيب" 1/ 16 - 17.

(فضلت راحلتك) في تلك الأرض (فدعوته ردَّها عليك) قال العلماء: لاستجابة الدعاء شروط لا بد منها، فمنها: أن يكون الداعي عالمًا بأن لا قادر على حاجته إلا اللَّه تعالى وحده، وأن الوسائط في قبضته ومسخرة بتسخيره، وأن يدعو باضطرار وافتقار، فإن اللَّه لا يقبل الدعاء من قلب غافل. (قلت) يا رسول اللَّه (اعهد إلي) أي: أوصني، ومنه حديث علي: عهد إليَّ النبي الأمي (¬1). أي: أوصى إليَّ. (قال: لا تسبنَّ أحدًا) والسب: الشتم. وللإمام أحمد والطبراني بإسناد جيد: قال أعرابي: يا رسول اللَّه، أوصني. قال: "عليك بتقوى اللَّه، ولا تسبنَّ شيئًا" (¬2). ولأحمد وأبي داود الطيالسي عن عياض بن حمار: قلت: يا رسول اللَّه، الرجل من قومي يسبني وهو دوني، هل عليَّ بأس أن أنتصر منه؟ قال: "المستبان (¬3) شيطانان يتكاذبان ويتهاتران" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (78). (¬2) "مسند أحمد" 4/ 65، 5/ 377 - 378 دون لفظ: "عليك بتقوى اللَّه"، "المعجم الكبير" 7/ 64 (6385)، 7/ 65 - 66 (6386)، (6388) بلفظ: "لا تسبن أحدًا" دون لفظ: "عليك بتقوى اللَّه". وذكره الهيثمي في "المجمع" 8/ 72، وقال: رواه أحمد، وفيه الحكم بن فضيل، وثقه أبو داود وغيره، وضعفه أبو زرعة وغيره، وبقية رجاله رجال الصحيح. وبتمام هذا اللفظ رواه الخرائطي في "مساوئ الأخلاق" (26). (¬3) في (ل): المتسابان. (¬4) "مسند أبي داود الطيالسي" 2/ 407 (1176)، "مسند أحمد" 4/ 162. ذكره الهيثمي في "المجمع" 8/ 75 وقال: رواه أحمد والبزار والطبراني في "الكبير" =

وفيه تحريم السب، ولا يجوز للمسبوب أن ينتصر إلا بمثل ما سبه ما لم يكن كذبًا أو قذفًا، وإذا انتصر المسبوب استوفى ظلامته، وبرئ الأول من حقه، وبقي عليه حق الابتداء. (قال) جابر (فما سببت بعده) شخصًا (حرًّا، ولا عبدًا، ولا بعيرًا، ولا شاةٌ) ولا هرةٌ، ولا كلبًا، ولا برغوثًا، ولا شيئًا من الأشياء. ثم (¬1) (قال) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (ولا تحقِرن) بكسر القاف، يعني: لا تترك (شيئًا من) أفعال (المعروف) احتقارًا له، واستهانة لقدره، فكل معروف وإن قل نفعه فهو صدقة ينمو أجره إلى يوم القيامة. (و) لا تحتقر (أَنْ) بفتح الهمزة (تُكلِّم) بضم التاء، وكسر اللام المشددة (أخاك) المؤمن (وأنت منبسط إليه وجهُك) بالرفع لأنه لا يتعدى (¬2)، والمراد أن تكلمه وفي وجهك البشر له وعدم الاحتشام، كأنك مستبشر بحديثه؛ لأن الإنسان إذا سر انبسط وجهه (إن ذلك من) فعل (المعروف) الذي أمر اللَّه تعالى به وحث عليه (وارفع إزارك) والثوب وما في معناه (إلى نصف الساق فإن أبيت) أن ترفعه إلى نصف الساق وتركت طاعة اللَّه التي تستوجب بها ارتفاع المنزلة في الجنة (فإلى) أي: فارفعه إلى (الكعبين) لأن من ترك التسبب إلى شيء لا يوجد بغيره فقد أباه، فلا جناح في إيصال الثوب إلى ما بين نصف ¬

_ = و"الأوسط"، ورجال أحمد رجال الصحيح. وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" 3/ 57 (2781). (¬1) ساقطة من (ح). (¬2) ساقطة من (ل، م).

الساق وبين الكعبين؛ لحديث: "إزرة المؤمن إلى نصف الساق" (¬1). (وإيَّاكَ وَإسْبَالَ) بالنصب على التحذير (الإزار) وهو تطويله نازلا عن الكعبين ونازلا عنهما إلى الأرض إذا مشى، وإنما يفعل هذا في الغالب كبرا واختيالا (فَإِنَّهَا مِنَ المَخِيلَةِ) بفتح الميم وكسر الخاء المعجمة من الاختيال، وهو الكبر واستحقار الناس والعجب عليهم، وسميت الخيل خيلا لاختيال راكبها بها. (وَإنَّ اللَّه لَا يُحِبُّ) أي: لا يرضى عن ذي (الْمَخِيلَةَ) ولا يظهر عليه آثار نعمته في الآخرة، وفي هذا ضرب من التوعد على الاختيال، وهو الكبر ومن في قلبه مثقال ذرة منه. (وإن) وجد (امرؤ شتمك) فلا تشتمه (أو عيرك (¬2) بما يعلم فيك) من الذنب أو الأفعال القبيحة (فَلَا تُعيِّرْهُ بِمَا تَعْلَمُ فِيهِ). وقد روى الإمام أحمد (¬3) عن معاذ بن جبل قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من عير أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله" (¬4) يقال: عيرته بفعل كذا: إذا قبحته ¬

_ (¬1) سيأتي قريبًا برقم (4093)، ورواه أيضًا ابن ماجه (3573)، وأحمد 3/ 30 - 31، ومالك 2/ 914 - 915 كلهم من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا، واللفظ لأحمد. وله شواهد من حديث أبي هريرة وابن عمر وأنس. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (921). (¬2) في حاشية (ح) وصلب (ل، م): نسخة: وعيرك. (¬3) يقصد أحمد بن منيع. (¬4) رواه الترمذي (2505) وقال: هذا حديث حسن غريب، وليس إسناده بمتصل، وخالد بن معدان لم يدرك معاذ بن جبل. وقال الألباني في "الضعيفة" (178): موضوع.

عليه ونسبته إليه (فَإِنَّمَا وَبَالُ) بفتح الواو (ذَلِكَ عَلَيْهِ) وأصل الوبال من وبل المرتع بضم الموحدة وبالا إذا وخم، ولما كان عاقبة المرعى الوخيم إلى سوء، قيل في سوء العاقبة: وبال. والمراد به في الحديث العذاب في الآخرة، وقد يعجل بعضه في الدنيا. [4085] (حَدَّثَنَا) عبد اللَّه (النُّفَيلِيُّ، حَدَّثَنَا زُهَيرٌ، حَدَّثَنَا مُوسى (¬1) بْنُ عُقْبَةَ) بن أبي عياش الأسدي (عَنْ سَالِمِ بْن عَبْدِ اللَّه، عَنْ أَبِيهِ) عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ) بضم الخاء على المشهور، والثوب يعم الإزار والرداء والقميص والعمامة والطيلسان (لَمْ يَنْظُرِ اللَّه تعالى إِلَيهِ) نظر رحمة ورضا (يَوْمَ القِيَامَةِ) إذا لم يتب منه (فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ) يا رسول اللَّه (إِن أَحَدَ جَانِبَيْ) لفظ البخاري: إن أحد شقي (¬2) (إِزَاري يَسْتَرْخِي) (¬3) وسبب استرخائه ما ذكره ابن قتيبة في كتاب "المعارف (¬4) ": كان أبو بكر -رضي اللَّه عنه- نحيفا فلا يستمسك إزاره عليه؛ بل يسترخي عن حقويه (¬5). إذ الغالب أن النحيف لا يستمسك إزاره عليه و ([إنِّي] (¬6) لأَتَعَاهَدُ ذَلِكَ مِنْهُ) لفظ البخاري: يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه (¬7). ¬

_ (¬1) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬2) "صحيح البخاري" (3665)، (5784). (¬3) في (م): ليسترخي. وفي حاشية (ح) وصلب (ل): نسخة: ليسترخي. (¬4) في الأصول: المغازي. وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه. (¬5) ص 170 وعزا هذا القول لعائشة رضي اللَّه عنها وهي تصف أباها. (¬6) ساقطة من جميع النسخ، والمثبت من "السنن". (¬7) "صحيح البخاري" (3665)، (5784).

(فقال: لَسْتَ) أنت (مِمَّنْ يَفْعَلُهُ خُيَلاءَ) فيه فضيلة أبي بكر -رضي اللَّه عنه-. قال العلماء: المستحب في الإزار والثوب إلى نصف الساقين، والجائز بلا كراهة ما تحته إلى الكعبين، فما نزل عن الكعبين فهو ممنوع، فإن كان للخيلاء فهو ممنوع منع (¬1) تحريم، وإلا فمنع تنزيه (¬2). [4086] (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التبوذكي (حَدَّثَنَا أَبَانُ) [بن تغلب، بفتح المثناة وسكون المعجمة وكسر اللام، أو أبان] (¬3) بن يزيد البصري (حدثنَا يَحْيَى) (¬4) بن أبي كثير اليمامي (عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ) الأنصاري المدني المؤذن، قال الترمذي: لا يعرف اسمه (¬5). وقيل: اسمه: محمد بن علي بن الحسين. فإن صح ذلك فليس بأنصاري، أخرج له البخاري في "الأدب". (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ) بالرفع (يُصَلِّى مُسْبِلًا) منصوب على الحال (إِزَارَهُ) الى ما تحت الكعبين (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: اذْهَبْ فَتَوَضَّأْ. فَذَهَبَ) في الحال (فَتَوَضَّأَ) وضوءه للصلاة، فإن الألفاظ الشرعية إذا أطلقت إنما تحمل على ما عرف في ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل، م). (¬2) انظر: "النتف في الفتاوى" 1/ 250، "الفتاوى الهندية" 5/ 333، "الاستذكار" 26/ 186، "المنتقى" 7/ 226، "عقد الجواهر الثمينة" 3/ 522، "المجموع" 4/ 338، "روضة الطالبين" 1/ 575، "المغني" 2/ 298، "كشاف القناع" 1/ 277، "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 13/ 315 - 316. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل، م). (¬4) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬5) انظر: "تهذيب الكمال" 33/ 191 (7283).

الشرع دونْ اللغة (ثُمَّ جَاءَ) إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَتوَضَّأْ) ثانيا (فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ) عنده (يَا رَسُولَ اللَّه، مَا لَكَ أَمَرْتَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ) وهو قد دخل في الصلاة متوضئًا (ثُمَّ سَكَتَّ) بتشديد التاء، اجتمعت التاء التي هي لام الكلمة مع تاء المخاطب فأدغمتا بالتشديد أي: سكت عن الأمر بإعادة الصلاة. (قَالَ: إِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ مُسْبِلٌ إِزَارَهُ) أي: يطول ثوبه ويرسله إذا مشى حتى يصل إلى الأرض، وإنما كان يفعل ذلك تكبرًا واختيالًا، فيحتمل -واللَّه أعلم- أنه أمره بإعادة الوضوء دون الصلاة؛ لأن الوضوء مكفر للذنوب كما ورد في أحاديث كثيرة منها رواية أبي يعلى والبزار [عن أنس] (¬1)، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "طهور الرجل لصلاته يكفر اللَّه بطهوره ذنوبه، وصلاته له نافلة" (¬2). وروى البزار بإسناد حسن عن عثمان: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا يسبغ عبد الوضوء إلا غفر اللَّه له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" (¬3). ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل)، (م). (¬2) رواه البزار كما في "كشف الأستار" 1/ 133 - 134 (253)، وأبو يعلى 6/ 52 (3297). ذكره الهيثمي في "المجمع" 1/ 225 وقال: رواه أبو يعلى والبزار والطبراني في "الأوسط"، وفيه بشار بن الحكم، ضعفه أبو زرعة وابن حبان، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به. وضعفه الألباني في "تمام المنة" ص 87: هذا حديث منكر. (¬3) "مسند البزار" 2/ 75 - 76 (422): ذكره الهثمي في "المجمع" 1/ 236 - 237 وقال: رواه البزار، ورجاله موثقون، والحديث حسن إن شاء اللَّه. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (5036)، قال: منكر.

فلما كان إسبال الإزار فيه من الإثم العظيم ما فيه أمره بالوضوء ثانيا؛ ليكون تكفيرا لذنب إسبال الإزار وإثمه، ولم يأمره بإعادة الصلاة؛ لأنها صحيحة، وإن لم تقبل. ويحتمل أن يكون أمره بإعادة الوضوء؛ لأن الوضوء كان فيه نوع اختيال بلبس كما في الصلاة أو بغيره، فإن الاختيال هو مذموم في الصلاة وغيرها، ولعل هذا هو السر في ذكر المصنف هذا الحديث بكماله في الصلاة، وترجم عليه باب: إذا كان ثوبا ضيقا فإن الضيق لا إسبال فيه ولا خيلاء، إذ الخيلاء في طول الأكمام والأطراف المرخية، ويحتمل أن يكون أمره بإعادة الوضوء لكونه علم بطلان وضوئه من لمعة بقيت من أماكن الوضوء، فأمره بإعادته ولم يأمره بإعادة الصلاة؛ لأنها كانت نفلا في أوقات الكراهة. (وَإِنَّ اللَّه تعالى لَا يَقْبَلُ صَلاةَ رجُلٍ مُسْبِلٍ) إزاره من الكبر والخيلاء، ولا تكفر ذنوبه، ولا يطهر قلبه من الآثام، وإن صحت منه ظاهرا. [4087] (حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ) الحوضي (ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَلِيِّ (¬1) بْنِ مُدْرِكٍ) النخعي الكوفي. (عَنْ أَبِي زُرْعَة) (¬2) قيل: اسمه هرم، وهو الأشهر وقيل: عبد اللَّه. وقيل: عبد الرحمن (بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ) البجلي الكوفي (عَنْ خَرَشَةَ) بخاء معجمة ثم راء مفتوحتين (ابَنِ الحُرِّ) بضم الحاء وتشديد الراء ¬

_ (¬1) فوقها في (ح، ل). (ع). (¬2) فوقها في (ح، ل): (ع).

المهملتين، الفزاري، رباه عمر -رضي اللَّه عنه-، قال المصنف: له ولأخته (¬1) سلامة صحبة (¬2) (عَنْ أَبِى ذَرٍّ) جندب بن جنادة -رضي اللَّه عنه-. (عَنِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: ثَلاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ) تكليم أهل الخير بإظهار الرضا، بل بكلام أهل السخط والغضب. (وَلَا يَنْظُرُ إِلَيهِمْ) نظر رحمة ولطف بهم؛ بل يعرض عنهم (يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَا يُزَكيهِمْ) أي: لا يطهرهم من دنس ذنوبهم. وقال الزجاج: لا يثني عليهم (¬3). (وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) قال الواحدي. هو العذاب الذي يصل إلى قلوبهم وجعه (¬4). قال أبو ذر (قُلْتُ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَدْ خَابُوا) من الثواب وافتقروا (وَخَسرُوا) أعمالهم (فأعادها ثَلاثًا. قُلْتُ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّه [خَابُوا وَخَسرُوا؟ ] (¬5) قَالَ: المُسْبِلُ) أي: المرخي إزاره خيلاء (وَالْمَنَّانُ) فعال من المن، وقد فسره في الحديث فقال: هو"الذي لا يعطي شيئا إلا مَنَّهُ" (¬6). أي: إلا أمتن به على المعطى له، ولا شك فى أن الامتنان بالعطاء مبطل لأجر الصدقة؛ ولذلك قال اللَّه تعالى: {لَا ¬

_ (¬1) في (ل، م): لأخيه. وهو خطأ، والصواب لأخته، انظر: "سؤالات الآجري لأبي داود" (596)، و"تهذيب الكمال" 8/ 237 (1682). (¬2) "سؤالات الآجري لأبي داود" (596). (¬3) "معاني القرآن وإعرابه" 1/ 245، 434. (¬4) "التفسير الوسيط" 1/ 88. (¬5) ساقطة من (ل، م). (¬6) الحديث التالي، ورواه أيضًا مسلم (106).

تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} (¬1)؛ وإنما كان المن كذلك لأنه لا يكون غالبا إلا عن البخل والكبر والعجب. (وَالْمُنَفِّقُ) بتشديد الفاء من النَّفاق وهو ضد الكساد (سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الكَاذِبِ) [وفي رواية لمسلم: (أَوِ) "بالحلف" (¬2) (الْفَاجِرِ) وهو بمعنى الكاذب] (¬3). [4088] (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى) بن سعيد القطان (عَنْ سُفْيَانَ) ابن عيينة (عَنِ) سليمان (الأَعْمَشِ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ مُسْهِرٍ) الكوفي، أخرج له مسلم (عَنْ خَرَشَةَ بْنِ الحُرِّ) تقدم (عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي اللَّه عنه-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بهذا) الحديث (وَالأَوَّلُ) الذي قبله (أَتَمُّ) من هذا (قَالَ: المَنَّانُ) هو (الَّذِي لَا يُعْطِي شَيئًا إِلَّا مَنَّهُ) أي: منَّ به على من يعطيه، ويحمله ذلك على النظر لنفسه بعين العظمة، وأنه متفضل عليه، وله عليه به حق يجب عليه مراعاته بقضاء حوائجه. [4089] (حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّه) بن مروان البغدادي، شيخ مسلم (حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ المَلِكِ بنُ عَمْرٍو) القيسي العقدي (ثنا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ) القرشي، أخرج له مسلم (عَنْ قَيسِ بنِ بِشْرٍ التَّغْلِبِيِّ) بالمثناة والغين المعجمة، قال أبو حاتم: ما أرى بحديثه بأسا (¬4). ¬

_ (¬1) البقرة: 264. (¬2) "صحيح مسلم" (106). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) "الجرح والتعديل" 7/ 94 (537).

(قال: أَخْبَرَنِى أَبِي) بشر بن قيس التغلبي القنسري [بفتح القاف] (¬1) وتشديد النون، صدوق (وَكَانَ جَلِيسًا لأَبِي الدَّرْدَاءِ) عويمر -رضي اللَّه عنه- (قَالَ: كَانَ بِدِمَشْقَ) بكسر الدال وفتح الميم (رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُقَالُ لَهُ) سهل بن الربيع بن عمرو بن عدي (ابْنُ الحَنْظَلِيَّةِ) وهي أمه، وقيل: أم جده، وهي من بني حنظلة بن تميم، وسهل أوسي بايع تحت الشجرة، [كان] (¬2) زاهدًا معتزلا عابدًا، نزل دمشق (وَكَانَ رَجُلًا مُتَوَحِّدًا) أي: يحب الاعتزال عن الناس وحده و (قَلَّمَا يُجَالِسُ النَّاسَ إِنَّمَا هُوَ) أي: إنما شغله (صَلاةٌ) تطوع بها للَّه -عز وجل- (فَإِذَا فَرَغَ) منها (فَإِنَّمَا هُوَ تَسْبِيحٌ) للَّه تعالى (وَتَكْبِيرٌ) وتهليل وتحميد للَّه تعالى (حَتَّى يَأْتِيَ أَهْلَهُ) لقضاء حاجتهم. (فمر بنا) يومًا (ونحن) جلوس (عند أبي الدرداء -رضي اللَّه عنه- فقال له أبو الدرداء: كلمة) بالنصب بفعل محذوف. أي: قل لنا كلمة (تنفعنا) ونعمل بها (ولا يضرك) شيء إذا قلتها (قال: بعث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سرية) هي الطائفة من الجيش نحو الأربعمائة يبعثها الإمام إلى العدو، جمعها سرايا، سميت بذلك؛ لأنها تكون خلاصة العسكر، وخلاصة الشيء هو النفيس منه (فقدمت) من الغزو (فجاء رجل منهم) إلى مسجد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (فجلس في المجلس (¬3) الذي) كان (يجلس فيه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) فيه أن من ألف جلوسًا في مسجد أو رباط ونحوه لقراءة أو ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) ليست في جميع النسخ، وأثبتناها ليستقيم السياق. (¬3) في (م): المسجد.

حديث أو لاستفتاء ثم قام منه وفارقه لغير عذر بطل حقه منه وجاز لغيره الجلوس فيه. (فقال لرجل) جالس (إلى جنبه) من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الذين يحضرون مجلسه (لو رأيتنا) بفتح تاء الخطاب (حين التقينا نحن والعدو) بالرفع (فحمل فلان) على شخص من العدو (فطعن) فيه بالسلاح طعنة (فقال: ) عند طعنته (خذها مني وأنا الغلام الغفاري) من بني غفار. وفيه دليل على جواز قول الإنسان في الحرب: أنا فلان بن فلان وتعريفه بنسبه وشهرته التي هو مشهور بها إذا كان بطلًا شجاعًا؛ ليرهب عدوه، كقول سلمة بن الأكوع: خذها وأنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرضع (¬1) قال ذلك حين صرخ فيهم وجعل يرميهم بالنبل، وكقول علي: أنا الذي سمتني أمي حيدره ... أكيلهم بالسيف كيل السندره (¬2) ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3041)، (4194)، ومسلم (1806)، (1807) من حديث سلمة، واللفظ لمسلم. (¬2) رواه مسلم (1807) واللفظ كالتالي: أنا الذي بالصاع كيل السندره كليث غابات كريه المنظره أوفيهم بالصاع كيل السندره ورواه ابن المغازلي في "مناقب علي" (218) بلفظ: =

وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب" (¬1). (كيف ترى في قوله) هذا وافتخاره (قال) الرجل (ما أراه) بضم الهمزة. أي: ما أظنه (إلا قد بطل أجره) لأنه أظهر عمله وافتخر على القوم. (فسمع بذلك) رجل (آخر) الى جنبه (فقال: ما أرى) بفتح الهمزة (بذلك) القول (بأسًا) لأن فيه إرهابًا للعدو (فتنازعا) في ذلك (حتى سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) تنازعهما في ذلك. (فقال: سبحان اللَّه) كلمة تقال عند التعجب من الشيء، وكذا لا إله إلا اللَّه، ونحوهما (لا بأس أن يؤجر) بالثواب في الدار الآخرة (ويحمد) في دار الدنيا، وهذا حث وترغيب من الشارع في قول الإنسان في الحرب: أنا فلان بن فلان. كما تقدم، وقد صرح بجوازه علماء السلف -رضي اللَّه عنهم- (¬2). قال النووي: وفيه حديث صحيح -ولعله هذا الحديث- قالوا: وإنما يكره قول ذلك على وجه المفاخرة والمباهاة كما كانت الجاهلية تفعل (¬3). (قال) بشر (¬4) (فرأيت أبا الدرداء -رضي اللَّه عنه-) قد (سر بذلك) الذي سمعه ¬

_ = أنا الذي سمتني أمي حيدرة كليث غابات كريه المنظره أكيلكم بالسيف كيل السندرة (¬1) رواه البخاري (2864)، ومسلم (1776) من حديث البراء بن عازب الأنصاري. (¬2) انظر: "شرح ابن بطال" 5/ 201، "كشف المشكل" لابن الجوزي 2/ 244، "عمدة القاري" 14/ 287. (¬3) "شرح مسلم" 12/ 120. (¬4) بعدها في (ح): الحنظلية.

سرورًا كثيرًا (وجعل يرفع رأسه إليه) بعدما كان مطأطئًا رأسه (ويقول: أنت) أصله: أأنت بهمزتين فحذفت همزة الاستفهام أو الثانية (سمعت ذلك من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فيقول) له (نعم) له. (فما زال) أبو الدرداء (يعيد عليه) هذا القول (حتى إني) بكسر الهمزة؛ لأن اللام دخلت في خبر إن (لأقول) إنه (ليبركن على ركبتيه) مبالغة في التواضع له والخضوع كما برك عمر -رضي اللَّه عنه- على ركبتيه حين أكثر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يقول: "سلوني" (¬1). احتراصًا على طلب رضاه. (قال) بشر (فمر بنا) ابن الحنظلية (يومًا آخر) في حاجة له (فقال له أبو الدرداء -رضي اللَّه عنه-) قل لنا (كلمة) بالنصب (تنفعنا ولا تضرك) في دينك ودنياك. (قال: قال لنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: المنفق على الخيل) في رعيها وسقيها وعلفها وغير ذلك (كالباسط يده بالصدقة) دائمًا (لا يقبضها) لمنع الصدقة. كذا رواه أحمد (¬2)، ورواه ابن حبان في "صحيحه" بلفظ: "مثل المنفق على الخيل كالمتكفف بالصدقة" فقلت لعمر (¬3): ما المتكفف بالصدقة؟ قال: الذي يعطي بكفه (¬4). وزاد الطبراني في "الأوسط" بلفظ: "وأهلها معانون عليها والمنفق ¬

_ (¬1) رواه البخاري (93)، ومسلم (2359) (136) من حديث أنس. (¬2) 4/ 179 - 180. (¬3) كذا في الأصول: لعمر. وهو خطأ، والصواب: لمعمر. كما في "صحيح ابن حبان". (¬4) 10/ 530 (4675) من حديث أبي هريرة مرفوعًا.

عليها كالباسط يده في الصدقة [وأبوالها] (¬1) وأرواثها لأهلها عند اللَّه يوم القيامة (¬2) من مسك الجنة" (¬3). (ثم مر بنا يومًا آخر) ثالثًا (فقال له أبو الدرداء) -رضي اللَّه عنه-: قل (كلمة تنفعنا) وتنفعك عند اللَّه تعالى (ولا تضرك) وإنما قال له ذلك في هذِه الثلاث؛ لأنه كان متقللًا من الكلام مع الناس خوفًا من أن يقع منه في كلامه ما يضره في دينه. (قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: نعم الرجل خريم) بضم الخاء المعجمة وفتح الراء المهملة وسكون المثناة تحت، ابن فاتك بفاء، وبعد الألف تاء -ثالث الحروف مكسورة- كذا ضبطه المنذري قال: وكنيته أبو يحيى، وقيل: أبو أيمن (¬4). وقال غيره: هو خريم بن أخرم بن شداد بن عمرو بن الفاتك (الأسدي) وقيل: فاتك لقب لأبيه أخرم، شهد بدرًا مع أخيه سبرة. وقيل: إن خريمًا وابنه أيمن أسلما يوم الفتح. وقد صحح البخاري وغيره أن خريمًا وأخاه [شهدا] (¬5) بدرًا (¬6)، ونزل خريم بالرقة. (لولا طول جمته) بضم الجيم وتشديد الميم، وهي الشعر إذا طال ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصول، وأثبتناها من "المعجم الكبير". (¬2) في النسخ الخطية: الجنة - والمثبت هو الأنسب للسياق. (¬3) "المعجم الكبير" 17/ 188 (505) من حديث عريب مرفوعًا. (¬4) "مختصر سنن أبي داود" 6/ 53 من هامشه، حيث قال بعده المحقق: من هامش المنذري. (¬5) ساقطة من النسخ الخطية، وأثبتناها لأن السياق يقتضيها. (¬6) "التاريخ الكبير" 3/ 224 (757)، "الجرح والتعديل" 3/ 400 (1837).

حتى بلغ المنكبين وسقط عليهما، والوفرة الشعر إلى شحمة الأذن ثم الجمة ثم اللمة التي ألمت بالمنكب (وإسبال إزاره) إلى الكعبين، فإن إزرة المؤمن إلى نصف الساق (فبلغ ذلك) الحديث (خريمًا -رضي اللَّه عنه- فعجل) بكسر الجيم المخففة، أي: سبق وبادر، قال اللَّه تعالى: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} (¬1) وهو من المسابقة إلى أفعال الخير خوفًا من عائق (فأخذ شفرة) بفتح الشين المعجمة هي السكين، وقيل: السكين العريضة. (فقطع بها جمته) حتى بلغت (إلى أذنيه) وهي الوفرة كما تقدم (ورفع إزاره) حتى بلغ (إلى أنصاف ساقيه) وقيل في قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} (¬2) أي: قصر وشمر؛ لأن تقصير الثياب إلى نصف الساقين طهرة لها من الأنجاس والأوساخ (ثم مر بنا يومًا آخر) رابعًا (فقال له أبو الدرداء) تكلم (كلمة) فهو منصوب على المصدر (تنفعنا ولا تضرك). وفيه: الاحتراص على تحصيل العلم وسؤال العالم كلما يراه عما ينتفع به فإن الاجتماع بأهل العلم والدين واستماع كلامهم غنيمة لمن أمكنه انتهاز فرصتها. (قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول) حين رجع بهم من الغزو (إنكم) في غد (قادمون على إخوانكم) من المؤمنين (فأصلحوا رحالكم) التي أنتم راكبون عليها (وأصلحوا لباسكم) من إزار ورداء وعمامة، ونحو ذلك مما في معناه من شعر ونعل. وفيه أن للمرء أن يحسن ثوبه وبدنه لملاقاة إخوانه ورؤية أعينهم، فإن ¬

_ (¬1) طه: 84. (¬2) المدثر: 4.

رؤيتهم تمتد إلى الظواهر دون البواطن حذرًا من ذمهم ولومهم واسترواحًا إلى توقيرهم واحترامهم، فإن ذلك مطلوب في الشريعة. وظاهر هذا الحديث يدل على أن للإنسان أن يحترز من ألم المذمة ويطلب راحة الإخوان واستجلاب قلوبهم ليأنس بهم فلا يستقذروه ولا يستثقلوه، وهذا مراءاة في المباحات دون العبادات. وقد روى ابن عدي في "الكامل" عن عائشة رضي اللَّه عنها: اجتمع قوم بباب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما أراد أن يخرج إليهم جعل ينظر في جب الماء يسوي عمامته وشعر لحيته فقالت: أوتفعل ذلك يا رسول اللَّه؟ قال: "نعم، إن اللَّه يحب من العبد أن يتزين لإخوانه إذا خرج إليهم" أو كما قال. قال ابن عدي: وهو حديث منكر، وقد قال على تقدير الاحتجاج به: كان [من] (¬1) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هذا؛ لأنه كان مأمورًا بدعوة الخلق وترغيبهم في الاتباع واستمالة قلوبهم، ولو سقط من أعينهم فأزروا لبسته وهيئته لم يرغبوا في اتباعه ولا الإيمان به، فكان يجب عليه أن يظهر لهم محاسن أعماله كيلا تزدريه أعينهم، فإن أعين الكفار وعوام الناس تمتد إلى الظاهر، فكان ذلك قصد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفي معناه علماء الأمة وأمراؤهم. ويعضد ذلك كثرة الأحاديث الواردة بالتزين بأحسن الثياب في الجمع والأعياد ومجامع المسلمين (¬2)، وفي معناهم القادم من السفر لهذا الحديث (حتى تكونوا) فيهم (كأنكم شأمة) بسكون الهمزة وتخفيف الميم. ¬

_ (¬1) زيادة يقتضيها السياق، انظر: "إحياء علوم الدين" 3/ 371. (¬2) في (م): الناس.

قال ابن الأثير: الشأمة: هي الخال في الجسد معروفة، وأراد: كونوا في أحسن زي وهيئة حتى تظهروا للناس، وينظروا إليكم كما تظهر الشأمة وينظر الناس إليها (¬1). يعني: ويستحلونها في الجسد، لاسيما في الوجه. (فإن اللَّه تعالى لا يحب الفحش) بضم الفاء وسكون الحاء المهملة، [أي: ذا الفحش] (¬2)، وهو من تكون هيئته ولبسته وقوله فاحشًا [(ولا التفحش) أي: ولا الرجل] (¬3) ذا (¬4) التفحش، وهو الذي يتكلف ذلك ويفعله قصدًا، وفي رواية لغير المصنف: "إن اللَّه يبغض الفاحش المتفحش" (¬5). (قال) المصنف (كذا قال أبو (¬6) نعيم) الفضل بن دكين (عن هشام) ابن سعد و (قال: حتى تكونوا) فيهم (كالشأمة في الناس) ينظرون إليها. * * * ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 436. (¬2) ساقطة من (ل، م). (¬3) ساقطة من (م). (¬4) في هذا الموضع والذي قبله في (ح): ذو، والجادة ما أثبتناه. (¬5) رواه أحمد 5/ 202، وابن حبان في "صحيحه" 12/ 506 - 507 (5694)، والطبراني 1/ 165، 166 (339)، (404)، وفي "الأوسط" 1/ 106 (328)، والخطيب في "تاريخ بغداد" 13/ 188 من حديث أسامة بن زيد مرفوعًا، واللفظ لا بن حبان. وأورده الهيثمي في "الكبير" و"الأوسط" بأسانيد، وأحد أسانيد الطبراني رجاله ثقات. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (1877). والحديث سيأتي برقم (4792) من حديث عائشة مرفوعًا بلفظ: "يا عائشة، إن اللَّه لا يحب الفاحش المتفحش". (¬6) فوقها في (ح، ل): (ع).

28 - باب ما جاء في الكبر

28 - باب ما جَاءَ في الكِبْرِ 4090 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، ح، وَحَدَّثَنا هَنّادٌ -يَعْني: ابن السَّريِ-، عَنْ أَبي الأَحْوَصِ -المَعْنَى- عَنْ عَطاءِ بْنِ السّائِبِ، قالَ مُوسَى: عَنْ سَلْمانَ الأَغَرِّ، وقالَ هَنّادٌ: عَنِ الأَغَرِّ أَبي مُسْلِمٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، قالَ هَنّادٌ: قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الكِبْرِياءُ رِدائي والعَظَمَةُ إِزاري فَمَنْ نازَعَني واحِدًا مِنْهُما قَذَفْتُهُ في النّارِ" (¬1). 4091 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا أَبُو بَكْرٍ -يَعْني: ابن عيّاشٍ- عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: قالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ وَلا يَدْخُلُ النّارَ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ خَرْدَلَةٍ مِنْ إِيمانٍ". قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ القَسْمَلي، عَنِ الأَعْمَشِ مِثْلَهُ (¬2). 4092 - حَدَّثَنا أَبُو مُوسَى مُحَمَّدُ بْن المُثَنَّى، حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهّابِ، حَدَّثَنا هِشامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبي هُرَيرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وَكَانَ رَجُلًا جَمِيلًا- فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ إِنّي رَجُلٌ حُبِّبَ إِلَيّ الجَمالُ وَأُعطِيتُ مِنْهُ ما تَرى حَتَّى ما أُحبُّ أَنْ يَفوقَني أَحَدٌ -إِمّا قالَ: بِشِراكِ نَعْلَي. وَإِمّا قالَ: بِشِسْعِ نَعْلي- أَفمِنَ الكِبْرِ ذَلِكَ قالَ: "لا ولكن الكِبْرَ مَنْ بَطرَ الحَقَّ وَغَمَطَ النّاسَ" (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2620). (¬2) رواه مسلم (91). (¬3) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (556)، وابن حبان 12/ 281 (5467)، والحاكم 4/ 181 - 182. وصححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد" (433).

باب ما جاء في الكبر [4090] (حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد) بن سلمة (ح، وحدثنا هناد بن السري) التميمي، شيخ مسلم (عن أبي الأحوص) (¬1) سلام بن سليم الحنفي (المعنى) كلاهما (عن عطاء بن السائب، قال موسى) بن إسماعيل (عن سلمان الأغر) قال في "التهذيب": قال قوم: هو الأغر أبو مسلم الذي يروي عنه أهل الكوفة. ثم قال: من زعم هذا فهو باطل لوجوه: أحدها: أنه مدني ليس بكوفي، ولا يعرف له ذكر بالكوفة، ولأنه يكنى بابنه عبد اللَّه بن سلمان، وذلك كنيته أبو مسلم، ولا يعرف له ولد (¬2). (قال هناد) بن السري (عن الأغر أبي مسلم، عن أبي هريرة) أخرجه ابن حبان (¬3) وابن ماجه في ["الزهد" (¬4)، وكذا ذكره في مسلم وابن ماجه (¬5)] (¬6). و(قال هناد: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: قال اللَّه -عز وجل-: الكبرياء رادئي) أصل الرداء ما يجعل على الكتفين. ¬

_ (¬1) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬2) "تهذيب الكمال" 11/ 257، 258 (2439). (¬3) في "صحيحه" 2/ 35 (328)، 12/ 486 (5671). (¬4) "سنن ابن ماجه" (4174). (¬5) "صحيح مسلم" (2620)، "سنن ابن ماجه" (4174). (¬6) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

(والعظمة) لفظ مسلم: "والعز" (¬1) (إزاري) أصل الإزار: الثوب الذي يشد على الوسط، ولما كان هذان الثوبان يخصان اللابس بحيث لا يستغني عنهما ولا يقبلان المشاركة، عبر اللَّه تعالى عن العظمة بالإزار وعن الكبرياء بالرداء على جهة الاستعارة المستعملة عند العرب كما قال: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} (¬2) فاستعار التقوى لباسًا، وكما قال -عليه السلام-: "من أسر سريرة ألبسه اللَّه رداءها" (¬3) وكما قال: "البسوا قناع المخافة وادرعوا لباس الخشية" (¬4) وهم يقولون: فلان شعاره الزهد والورع، ودثاره التقوى. ومقصود هذِه الاستعارة الحسنة أن العز والعظمة والكبرياء من أوصاف اللَّه تعالى الخاصة التي لا تنبغي لغيره. (فمن نازعني واحدًا) منصوب على حذف حرف الجر، أي: من نازعني في واحد (منهما قذفته) تفسره رواية ابن ماجه: ألقيته (¬5) (في النار) ومعنى نازعني أي: تخلق بوصف منهما فقد شاركني في صفتي، وهذا وعيد شديد وتهديد (¬6) أكيد في الكبر مصرح بتحريمه. ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2620). (¬2) الأعراف: 26. (¬3) رواه الطبراني 2/ 171 (1702)، 2/ 235 (1681)، وفي "الأوسط" 8/ 43 - 44 (7906) من حديث جندب بن سفيان مرفوعًا. أورده الهيثمي في "المجمع" 10/ 225 وقال: رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، وفيه حامد بن آدم، وهو كذاب. (¬4) "سنن ابن ماجه" (4174). (¬5) "سنن ابن ماجه" (4174). (¬6) في الأصل: تهدد. والمثبت من (ل، م).

[4091] (حدثنا أحمد) بن عبد اللَّه (بن يونس) اليربوعي (ثنا أبو بكر) (¬1) قيل: اسمه شعبة (بن عياش) بالمثناة تحت والمعجمة، ابن سالم الأسدي الكوفي، المقرئ الخياط (عن الأعمش، عن إبراهيم) (¬2) ابن يزيد النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن عبد اللَّه) بن مسعود -رضي اللَّه عنه- (قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر) (¬3) ذكر الخطابي فيه تأويلين: أحدهما: أن المراد التكبر عن الإيمان، فصاحبه لا يدخل الجنة أصلًا إذا مات عليه. والثاني: أنه لا يكون في قلبه كبر حال دخوله الجنة كما قال تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} (¬4) (¬5). قال النووي: هذان التأويلان فيهما بعد، فإن: هذا الحديث ورد في سياق النهي عن التكبر المعروف، وهو الارتفاع على الناس واحتقارهم ودفع الحق، فلا ينبغي أن يحمل على هذين التأويلين المخرجين له عن المطلوب، بل الظاهر ما اختاره القاضي عياض وغيره من المحققين أنه لا يدخلها دون مجازاة إن جازاه، وقيل: هذا جزاؤه إن جازاه، وقد يلزم أنه لا يجازيه، بل لا بد أن يدخل كل الموحدين الجنة إما أولًا وإما ثانيا بعد تعذيب بعض أصحاب الكبائر الذين ماتوا مصرين عليها. وقيل: لا ¬

_ (¬1) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬2) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬3) في هامش (ح)، وفي صلب (ل): نسخة: من خردلة. (¬4) الأعراف: 43، الحجر: 47. (¬5) "معالم السنن" 4/ 182.

يدخلها مع المتقين أول وهلة (¬1). (ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال خردلة من إيمان) فالمراد به دخول الكفار، وهو دخول الخلود، وفيه دليل على ما تقرر من زيادة الإيمان ونقصانه. (قال) المصنف (رواه القسملي) بفتح القاف وسكون السين المهملة وفتح الميم بعدها لام، نسبة إلى القساملة بفتح القاف، وهي قبيلة من الأزد، نزلت البصرة فنسبت المحلة إليهم، وقال ابن دريد: نسبة إلى قسملة قبيلة من دوس، سموا بذلك لجمالهم (¬2). قال أبو جعفر: هو مأخوذ من القسمل وهو ولد الأسد (¬3). (عن الأعمش مثله) أي: مثل ما تقدم. [4092] (حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى، ثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد (حدثنا هشام) بن حسان القردوسي (عن محمد) بن سيرين. (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رجلًا أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان رجلًا جميلًا) كل الجمال. (فقال: يا رسول اللَّه، إني رجل حبب إليَّ الجمال) والحسن (وأعطيت منه ما ترى حتى) إنني (ما أحب أن يفوقني أحد) في لبس الجمال. (إما قال) يفوقني (في شراك) بكسر الشين المعجمة (نعلي، وإما قال: ¬

_ (¬1) "شرح مسلم" 2/ 91. (¬2) انظر: "تاج العروس" 15/ 618. (¬3) انظر: "لسان العرب" 6/ 3632، "القاموس المحيط" (ص 1048).

بشسع) (¬1) بكسر الشين المعجمة أيضًا (نعلي) ومعناهما واحد، وهو السير الذي يشد إلى زمام النعل ويدخل بين الأصابع (أفمن الكبر) يعد (ذلك؟ ) يا رسول اللَّه (قال: لا، ولكن الكبر) فعل (من بطر) بكسر الطاء، أي: جحد (الحق) وجعله باطلًا، وتكبر عليه، فجعل ما جعله اللَّه حقًّا من توحيده وعبادته باطلًا، وقيل: هو أن يتكبر عن الحق ولا يقبله لما يرى في نفسه من الأنفة (وغمط) بفتح الغين المعجمة والميم المخففة، أي: احتقر (الناس) واستهانهم، يقال: غمط الناس. بفتح الميم، وغمطهم بكسر الميم، وغمصهم بالصاد المهملة، والمعنى واحد. وقيل: غمصهم: عابهم وانتقصهم عن مقدارهم. وفي حديث علي لما قتل ابن آدم أخاه غمص اللَّه الناس (¬2). أراد أن اللَّه نقص الخلق من الطول والعرض والقوة والبطش، فصغرهم وحقرهم (¬3). * * * ¬

_ (¬1) في صلب (ل): في شسع، والمثبت من هامش (ل) وهو الموافق لما جاء في "السنن". (¬2) انظر: "غريب الحديث" لابن قتيبة 2/ 141، "النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/ 386. (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/ 386.

29 - باب في قدر موضع الإزار

29 - باب فِي قَدْرِ مَوْضِعِ الإِزارِ 4093 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنِ العَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: سَأَلْتُ أَبا سَعِيدٍ الخُدْري، عَنِ الإِزارِ فَقالَ: عَلَى الخَبِيرِ سَقَطْتَ قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِزْرَةُ المُسْلِمِ إِلَى نِصْفِ السّاقِ وَلا حَرَجَ -أَوْ لا جُناحَ- فِيما بَيْنَهُ وَبَيْنَ الكَعْبَيْنِ ما كانَ أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ فَهُوَ في النّارِ مَنْ جَرَّ إِزارَهُ بَطَرًا لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ" (¬1). 4094 - حَدَّثَنا هَنّادُ بْنُ السَّري، حَدَّثَنا حُسَينٌ الجُعْفي، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ أَبي رَوّادٍ، عَنْ سالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "الإِسبالُ في الإزارِ والقَمِيصِ والعِمامَةِ مَنْ جَرَّ مِنْها شَيْئًا خُيَلاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيامَةِ" (¬2). 4095 - حَدَّثَنا هَنّادٌ، حَدَّثَنا ابن المُبارَكِ، عَنْ أَبي الصَّبّاحِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبي سُميَّةَ قالَ: سَمِعْتُ ابن عُمَرَ يَقُولُ: ما قالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- في الإزارِ فَهُوَ في القَمِيصِ (¬3). 4096 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبي يَحْيَى، قالَ: حَدَّثَني عِكْرِمَةُ أَنَّهُ رَأى ابن عَبّاسٍ يَأْتَزِرُ فَيَضَعُ حاشِيَةَ إِزارِهِ مِنْ مُقَدَّمِهِ عَلَى ظَهْرِ قَدَمَيْهِ وَيَرْفَعُ مِنْ مُؤَخَّرِهِ. ¬

_ (¬1) رواه النسائي في "الكبرى" (9709)، وابن ماجه (3573)، وأحمد 3/ 5. وصححه الألباني. (¬2) رواه النسائي 8/ 208، وابن ماجه (3576). وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (2035). (¬3) رواه أحمد 2/ 110، والدولابي في "الكنى والأسماء" (1186)، والطبراني في "الأوسط" 1/ 135. وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (2035).

قُلْتُ: لِمَ تَأْتَزِرُ هذِه الإِزْرَةَ قالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَأْتَزِرُها (¬1). * * * باب في قدر موضع الإزار [4093] (حدثنا حفص بن عمر) الحوضي (ثنا شعبة، عن العلاء بن عبد الرحمن) أخرج له مسلم (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني مولى الحرقة، أخرج له مسلم (قال: سألت أبا سعيد) سعد بن مالك (الخدري -رضي اللَّه عنه- عن الإزار) لفظ ابن ماجه: قلت لأبي سعيد: هل سمعت من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شيئًا في الإزار؟ قال (¬2) (فقال) نعم (على الخبير سقطت) أي: على العارف بهذا الأمر الخبير به وقعت، وهو مثل عند سائر العرب. (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إزرة) قال المنذري: ضبطها بعضهم بضم الهمزة والصواب كسرها؛ لأن المراد هاهنا الهيئة في الاتزار كالجلسة لهيئة الجلوس لا المرة الواحدة (المسلم) لفظ ابن ماجه: "إزرة المؤمن" (¬3) أي: الهيئة المستحبة في اتزار المؤمن (إلى نصف الساق ولا حرج أو) قال (لا جناح) شك من الراوي، وهما بمعنى واحد. أي: لا حرج على المؤمن إذا أرخى ثوبه (فيما بينه وبين الكعبين) فالمستحب إلى نصف الساقين، والجائز بلا كراهة ما تحته إلى ¬

_ (¬1) رواه النسائي في "الكبرى" (9681)، وأبو الشيخ في "أخلاق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" (274). وصححه الألباني في "المشكاة" (4370). (¬2) "سنن ابن ماجه" (3573). (¬3) السابق.

الكعبين، و (ما كان أسفل من الكعبين) زاد النسائي: "من الإزار" (¬1) (فهو في النار). هذا من باب تسمية الشيء بما يؤول إليه أمره في الآخرة كقوله تعالى: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} (¬2) يعني: عنبًا، فسماه بما يؤول إليه غالبًا. وقيل: معناه: فهو محرم عليه؛ لأن الحرام يوجب النار في الآخرة، فسماه اللَّه باسمه، والمراد بالتحريم: من أسبله قصدًا للتكبر والخيلاء، وإلا فهو مكروه كراهة تنزيه لا عقوبة فيه. وهذا التحريم في حق الرجال، فأما النساء فأجمع المسلمون على جواز الإسبال للنساء، وعلى هذا فالحديث مطلق لا بد من تقييده بالرجال، وأن يكون يقصد الخيلاء؛ لحديث أبي بكر المتقدم (¬3)، فإنه مقيد لهذا الحديث، و (من جر إزاره بطرًا) بفتح الطاء مصدر في موضع الحال، ويجوز كسرها: اسم فاعل، فهو مفعول من أجله. أي: لأجل بطره. والبطر: الطغيان عند تتابع نعم اللَّه تعالى وعافيته (لم ينظر اللَّه إليه) نظر رحمة كما تقدم. [4094] (حدثنا هناد بن السري، ثنا الحسين) (¬4) بن علي بن الوليد (الجعفي، عن عبد العزيز بن أبي رواد) بفتح الراء، وتشديد الواو، مولى المهلب بن أبي صفرة، أخرج له البخاري (عن سالم بن عبد اللَّه، عن أبيه) ¬

_ (¬1) "المجتبى" 8/ 207 من حديث أبي هريرة مرفوعًا. (¬2) يوسف: 36. (¬3) سبق برقم (4085) من حديث ابن عمر مرفوعًا. (¬4) فوقها في (ح): (ع).

عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: الإسبال) المتوعد عليه (¬1) لا يختص بالثوب والإزار، بل هو (في الإزار والقميص والعمامة) والطيلسان والرداء والشملة، وقد يحصل في هيئات المركوب ولباسه، وكما لا يجوز ذلك للرجل لا يجوز أن يفعل بالصبي، وقد كثر الإسبال في الآلات المستعملة حتى في شراريب الطواقي والفوط التي تغطى بها الآلات، فنسأل اللَّه العافية (من جر منها شيئا خيلاء) أي: لأجل الخيلاء والكبر والعجب والمفاخرة (لم ينظر اللَّه تعالى إليه) نظر رحمة ورضى (يوم القيامة) إذا لم يتب من ذلك في الدنيا، فإن التوبة تجب ما قبلها. [4095] (حدثنا هناد بن السري، ثنا) عبد اللَّه (ابن المبارك، عن أبي الصباح) (¬2) سعدان بن سالم الأيلى، صدوق سكت عليه المصنف والمنذري (¬3) (عن يزيد بن أبي سمية) بضم السين، مصغر، أبو صخر الأيلي، عابد، بكاء، صادق (¬4) (قال: سمعت) عبد اللَّه (ابن عمر رضي اللَّه عنهما يقول: ما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في) إسبال (الأزار) إلى نصف الساق أو إلى الكعبين، أو إلى أسفل منهما (فهو في القميص) وما في معناه كما تقدم. [4096] (حدثنا مسدد، ثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن محمد بن ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل)، (م). (¬2) فوقها في (ح)، (ل): (د). (¬3) "مختصر سنن أبي داود" 6/ 56. (¬4) في (ل)، (م): صدوق.

أبي يحيى) (¬1) سمعان الأسلمي المدني، وثقه المصنف وغيره (¬2). (ثنا عكرمة أنه رأى) مولاه (ابن عباس رضي اللَّه عنهما يأتزر) بالإزار (فيضع حاشية إزاره) الذي أتزر به في وسطه (من مقدمه) (¬3) بتشديد الدال. أي: مما يلي (¬4) صدره قد نزل طرفها (على ظهر قدمه) بالإفراد. أي: قدمه اليمنى، فلعلها سقطت على ظهر قدمه من غير قصد منه، أو فعله مرة لبيان الجواز، فاقتدى به ابن عباس تبركًا بالتأسي به (ويرفع) إزاره (من مؤخره) أي: من جهة ظهره؛ إذ الطرف لا يكون إلا من المقدم، قال عكرمة (قلت: لم) أي: لما. ثم حذفت الألف من ما الاستفهامية؛ لدخول حرف الجر عليها (تأتزر هذِه الإزرة) بكسر الهمزة؛ لأن المراد بها هيئة الأتزار (قال: رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يأتزرها) فأنا أحب أن أقتدي به في أفعاله. * * * ¬

_ (¬1) في (ل، م): نجيح. والمثبت من (ح) وهو الموافق لما في "سنن أبي داود". (¬2) "معرفة الثقات" 2/ 257 (1660)، "الثقات" لابن حبان 7/ 372، "تهذيب الكمال" 27/ 13 (5696). (¬3) في حاشية (ح) وصلب (ل): خـ: قدميه. (¬4) ساقطة من (ل، م).

30 - باب لباس النساء

30 - باب لباسِ النِّساءِ 4097 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْن مُعاذٍ، حَدَّثَنا أَبي، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّهُ لَعَنَ المُتَشَبِّهاتِ مِنَ النِّساءِ بِالرِّجالِ والمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجالِ بِالنِّساءِ (¬1). 4098 - حَدَّثَنا زهَيْرُ بْن حَرْبٍ، حَدَّثَنا أَبُو عامِرٍ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ بِلالٍ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: لَعَنَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ المَرْأَةِ والمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ (¬2). 4099 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن سُلَيْمانَ لُوَينٌ -وَبَعْضُهُ قِراءَةَ عَلَيْهِ- عَنْ سُفْيانَ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، عَنِ ابن أَبي مُلَيْكَةَ قالَ: قِيلَ لِعائِشَةَ رضي اللَّه عنها: إِنَّ امْرَأَةً تَلْبَسُ النَّعْلَ. فَقالَتْ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- الرَّجُلَةَ مِنَ النِّساءِ (¬3). * * * باب في لباس النساء [4097] (حدثنا) عبيد اللَّه (ابن معاذ) شيخ الشيخين (ثنا أبي) (¬4) معاذ ابن معاذ العنبري (ثنا شعبة، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لعن) بضم اللام مبني للمفعول، ويوضحه رواية ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5885). (¬2) رواه النسائي في "الكبرى" (9253)، وابن ماجه (1903)، وأحمد 2/ 325. وصححه الألباني في "غاية المرام" (86). (¬3) رواه الحميدي (274)، وأبو يعلى 8/ 289 (4880). وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (5096). (¬4) فوقها في (ح، ل): (ع).

البخاري: لعن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1) (المتشبهات من النساء بالرجال) وهذا الحديث له سبب، وهو ما رواه الطبراني أن امرأة مرت على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- متقلدة قوسًا فقال: "لعن اللَّه المتشبهات. . " الحديث (¬2). وللإمام أحمد عن رجل من هذيل: رأيت عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، ومنزله في الحل، ومسجده في الحرم. قال: فبينا أنا عنده رأى أم سعيد ابنة أبي جهل متقلدة قوسًا، وهي تمشي مشية الرجل. فقال عبد اللَّه: من هذِه؟ فقلت: هذِه أم سعيد بنت أبي جهل. فقال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "ليس منا من تشبه بالرجال من النساء" (¬3)، ولهذا قال أصحابنا: ليس للمرأة لبس آلة الحرب بذهب أو فضة؛ لأن في استعمالهن ذلك تشبهًا بالرجال، وليس لهن التشبه بهم، قاله الجمهور، وإن جاز للنساء الحرب في الجملة (¬4). قال الشاشي في "المعتمد": ملابس الرجال للنساء من باب الكراهة دون التحريم. ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (5885). (¬2) "المعجم الأوسط" 4/ 212 (4003)، أورده الهيثمي في "المجمع" 8/ 103 وقال: رواه الطبراني في "الأوسط" عن شيخه علي ابن سعيد الرازي، وهو لين، وبقية رجاله ثقات. وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" 2/ 36 (1256)، قال: منكر. (¬3) "مسند أحمد" 2/ 200، وأورده الهيثمي في "المجمع" 8/ 102 - 103 وقال: رواه أحمد والهذلي لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات، ورواه الطبراني باختصار، وأسقط الهذلي المبهم، فعلى هذا رجال الطبراني كلهم ثقات. وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" 2/ 36 (1257). (¬4) انظر: "المجموع" 4/ 332.

(و) لعن (المتشبهون من الرجال بالنساء) قال الشافعي في "الأم": لا أكره للرجل لبس اللؤلؤ إلا للأدب؛ لأنه من زي النساء لا للتحريم (¬1)، فلم يحرم زي النساء على الرجل، وإنما يكره، فكذا عكسه. قال النووي في "الروضة": والصواب أن تشبه النساء بالرجال وعكسه حرام؛ للحديث الصحيح (¬2). [4098] (حدثنا زهير بن حرب، ثنا أبو عامر) عبد الملك بن عمرو العقدي، أخرج له الشيخان (عن سليمان (¬3) بن بلال) القرشي (عن سهيل) ابن أبي صالح (عن أبيه) أبي صالح السمان (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: لعن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الرجل يلبس) بفتح الموحدة (لبسة) بكسر اللام، لأن المراد به الهيئة (المرأة و) لعن (المرأة تلبس لبسة الرجل) وهذا مشاهد معلوم وهو متزايد. [4099] (حدثنا محمد بن سليمان لوين) بضم اللام، وتخفيف الواو، مصغر لون، أبو جعفر الأسدي، كان يبيع الفرس فيقول له: لوين، وثقه النسائي (¬4) (وبعضه) أي: بعض الحديث (قرأته عليه عن سفيان) بن عيينة (عن) عبد الملك (ابن جريج، عن) عبد اللَّه بن عبيد اللَّه (ابن أبي مليكة) التيمي مؤذن ابن الزبير وقاضيه، وكان سمع ¬

_ (¬1) "الأم" ط. دار الوفاء 2/ 462. (¬2) "روضة الطالبين" 2/ 263. (¬3) فوقها في (ح): (ع). (¬4) رواه الخطيب في "تاريخ بغداد" 5/ 295 (2797)، وانظر: "المعجم المشتمل" (834)، "تهذيب الكمال" 25/ 299 (5257).

من عائشة (قال: قيل لعائشة رضي اللَّه عنها: إن امرأة تلبس النعل) وهي التي يلبسها الرجال يمشون فيها، ويسمى الآن تاسومة، قال شاعر العرب: يا خير من يمشي بنعل فرد (¬1) وصفها بالفرد، وهو مذكر؛ لأن تأنيثها غير حقيقي، والفرد هي التي لم تخصف ولم تطارق، وهي نطاق واحد، والعرب تمدح برقة النعال، وتجعلها من لباس الملوك (¬2). (فقالت: لعن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الرجلة) قال المنذري: بكسر الجيم، وضبطه بعضهم بضم الجيم (من النساء) وهي المترجلة، يقال: امرأة رجلة إذا تشبهت بالرجال في الزي والرأي والمعرفة والهيئة، فأما في العلم والرأي فمحمود، ومنه أن عائشة كانت رجلة الرأي (¬3). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 5/ 83. (¬2) السابق. (¬3) رواه إبراهيم الحربي في "غريب الحديث" 2/ 416 من حديث عمر بن عبد العزيز مقطوعًا.

31 - باب في قوله تعالى: {يدنين عليهن من جلابيبهن}

31 - باب فِي قَوْلِهِ تَعالَى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} 4100 - حَدَّثَنا أَبُو كامِلٍ، حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ مُهاجِرٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها أَنَّها ذَكَرَتْ نِساءَ الأَنْصارِ فَأَثْنَتْ عَلَيْهِنَّ وقالَتْ لَهنَّ مَعْرُوفًا، وقالَتْ: لَمّا نَزَلَتْ سُورَةُ النُّورِ عَمَدْنَ إِلَى حُجُورٍ -أَوْ حُجُوزٍ شَكَّ أَبُو كامِلٍ- فَشَقَقْنَهُنَّ فاتَّخَذْنَهُ خُمُرًا (¬1). 4101 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابن خُثَيْمٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قالَتْ: لَمّا نَزَلَتْ {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} خَرَجَ نِساءُ الأَنْصارِ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِهِنَّ الغِرْبانُ مِنَ الأَكْسِيَةِ (¬2). * * * باب في قوله تعالى {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} [4100] (حدثنا أبو كامل) فضيل بن حسين الجحدري، شيخ مسلم (ثنا أبو (¬3) عوانة) الوضاح بن عبد اللَّه الحافظ (عن إبراهيم بن مهاجر) البجلي الكوفي (¬4)، أخرج له مسلم (عن صفية (¬5) بنت شيبة) الحاجب، العبدرية. (عن عائشة رضي اللَّه عنها أنها ذكرت نساء الأنصار فأثنت عليهن) ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 188. ورواه البخاري (4759) وليس فيه تخصيص نساء الأنصار. (¬2) انظر ما قبله. (¬3) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬4) ساقطة من (ل، م). (¬5) فوقها في (ل، ع).

خيرًا (وقالت لهن) أي: عنهن، فاللام بمعنى (عن)، كقول الشاعر: كضرائر الحسناء قلن لوجهها ... حسدًا وبغيا إنه لدميم (¬1) أي: عن وجهها. (معروفًا) صفة لمصدر محذوف، أي: قالت عنهن قولًا معروفًا. يعني: صحيحًا جميلًا (وقالت: لما نزلت سورة النور) ونزل قوله تعالى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} (¬2) (عمدن) بفتح الميم (إلى حجور) بضم الحاء المهملة والجيم، وآخره راء مهملة (أو حجوز) كما تقدم، لكن آخره زاي معجمة (¬3)، وفي رواية لغير المصنف: عَمَدن إلى حُجز مناطقهن (¬4). قال الخطابي: الحجور -يعني: بالراء- لا معنى لها هاهنا، وإنما هو بالزاي (¬5) -يعني: جمع حجز- بضم الحاء وفتح الجيم ثم زاي، وهو جمع حجزة، كغرف جمع غرفة. قال ابن (¬6) مالك: الحجزة ما يشد به الوسط لتشمير الثياب (¬7). وأصل الحجزة موضع شد الإزار، ثم قيل للإزار الذي يشد على الحجزة: حجزة. فهو من مجاز المجاورة، واحتجز الرجل بالإزار إذا ¬

_ (¬1) هذا البيت لأبي الأسود الدؤلي، من بحر الكامل، انظر: "خزانة الأدب" 8/ 567. (¬2) الأحزاب: 59. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) رواها أحمد 6/ 188. (¬5) "معالم السنن" 4/ 184. (¬6) كذا في الأصول، والصواب: أبو. كما في "لسان العرب"، و"تاج العروس". (¬7) انظر: "لسان العرب" 2/ 786، "تاج العروس" 8/ 42.

شده في (¬1) وسطه. وعلى هذا فالحجوز بالزاي جمع جمع، فإن الحجوز جمع حجز -كما تقدم- والحجز: المآزر. قال الزمخشري: واحد الحجوز حجز بكسر الحاء وهي الحجزة، ويجوز أن يكون واحدها حجزة على تقدير إسقاط التاء كبرج وبروج (¬2). قال بعض المتأخرين: يجوز على تقدير الراء المهملة أن تكون الحجوز جمع حجز، وهو القميص شققنه (شك أبو كامل) الجحدري في سماع (حجور أو حجوز). ثم قال: (فشققنهن) أي: شققن المآزر التي يحتجزن بهن في أوساطهن كل إزار شقين، يشددن وسطهن بإحداهن، والآخر (¬3) يرخينه على رؤوسهن (فاتخذنهن (¬4) خمرًا) بضم الخاء المعجمة والميم جمع خمار. قيل: سبب نزول الآية أن جيوبهن كانت واسعة، يبدو منهن صدورهن ونحورهن، فكن يسدلن الخمر من ورائهن، فتبقى نحورهن مكشوفة، فأمرن (¬5) أن يسدلن من قدامهن حتى يغطينها. [4101] (حدثنا محمد بن عبيد) بن حساب الغبري البصري، شيخ مسلم (ثنا) محمد (ابن ثور) [وفي رواية: أبو ثور] (¬6) الصنعاني العابد، ¬

_ (¬1) في (ل، م): على. (¬2) "الفائق في غريب الحديث" 1/ 262. (¬3) في (ل، م): الأخرى. (¬4) في حاشية (ح)، وصلب (ل): خ: فاتخذنه. (¬5) في (ل، م): فأمرهن. (¬6) جاءت هذِه العبارة في (ل)، (م) بعد قول المصنف: مصغر. الآتي.

وثقه ابن معين والنسائي (¬1) (عن معمر عن) عبد اللَّه بن عثمان (ابن خثيم) بفتح الثاء المثلثة بعد المعجمة، مصغر، أخرج له مسلم (عن صفية بنت شيبة) العدوية (عن أم سلمة) هند زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (قالت: لما نزلت) قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} ({يُدْنِينَ}) أي: يرخين ({عَلَيْهِنَّ مِنْ}) من هذِه للتبعيض. قال الزمخشري: فيه وجهان، أحدهما: أن يتجلببن ببعض ما لهن من الجلابيب، والمراد ألا تكون المرأة متبذلة في درع وخمار كالأمة، ولها جلباب فصاعدًا في بيتها، والثاني عن السدي: أن تغطي بعض عينيها وجبهتها وتدع الشق الآخر (¬2). ({جَلَابِيبِهِنَّ})) (¬3) جمع جلباب، وهو ثوب واسع، أوسع من الخمار، ودون الرداء، وقيل: هو الملحفة. وقيل: كل ما يستر من كساء وغيره. قال أبو زبيد (¬4): مجلبب (¬5) من سواد الليل جلبابًا (¬6) (خرج نساء الأنصار) والجلابيب مرخاة عليهن (كأن على رؤوسهن الغربان) بكسر الغين، والنصب اسم (كأن)، جمع غراب كغلمان جمع غلام، شبهت الخمر السود بالغربان (من الأكسية) السود التي تغطين ¬

_ (¬1) "سؤالات ابن الجنيد لابن معين" (780)، "تهذيب الكمال" 24/ 562 (5108). (¬2) "الكشاف" 3/ 584. (¬3) الأحزاب: 59. (¬4) في الأصول: زيد. وما أثبتناه كما في "الكشاف" للزمخشري. (¬5) في الأصول: تجلببت. والمثبت كما في "الكشاف" و"ديوان الخنساء". (¬6) هذا شطر من البيت، من بحر البسيط، والبيت كاملًا هو: =

بهن من الجلابيب. قال الشاعر: مجلبب (¬1) من سواد الليل جلبابا (¬2) وفيه مشروعية تغطي النساء بالملاحف السود، لا سيما في الليل؛ فإنه أبلغ في الاستتار، بخلاف الأبيض. * * * ¬

_ = يعدو به سابح نهد مراكله ... مجلبب من سواد الليل جلبابًا انظر: "الكشاف" 3/ 584، وهو أيضًا في "ديوان الخنساء" ص 13. (¬1) في الأصول: تجلببت. والمثبت كما في "الكشاف" و"ديوان الخنساء". (¬2) سبق تخريجه قريبًا.

32 - باب في قوله تعالى: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن}

32 - باب فِي قَوْلِهِ تَعالَى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} 4102 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن صالِحٍ ح، وَحَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ داوُدَ المَهْري وابْن السَّرْحِ وَأَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الهَمْداني قالُوا: أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ، قالَ: أَخْبَرَني قرَّةُ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَعافِري، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ غزوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها أنَّها قالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ نِساءَ المُهاجِراتِ الأُوَلَ لَمّا أَنْزَلَ اللَّهُ {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} شَقَقْنَ أكنَفَ -قالَ ابن صَالِحٍ: أَكْثَفَ- مُرُوطِهِنَّ فاخْتَمَرْنَ بِها (¬1). 4103 - حَدَّثَنا ابن السَّرْحِ قالَ: رَأَيْتُ في كِتابِ خالي عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابن شِهابٍ بِإِسْنادِهِ وَمَعْناهُ (¬2). * * * باب في قوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [4102] (حدثنا أحمد بن صالح) بن الطبري المصري، شيخ البخاري (ح، وحدثنا سليمان بن داود المهري) بفتح الميم (و) عبد اللَّه (ابن السرح وأحمد بن سعيد) بن بسر (الهمداني) بسكون الميم، المصري، صدوق. (قالوا) الأربعة (أنا) عبد اللَّه (ابن وهب قال: أنا قرة بن عبد الرحمن) ابن حيويل (المعافري) بفتح الميم والعين المهملة وبعد الألف فاء، نسبة إلى المعافر بن يعفر بن مالك، قبيل ينتسب إلى قحطان، أخرج له مسلم (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي اللَّه عنها ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4758). (¬2) انظر السابق.

أنها قالت: يرحم اللَّه) دعاء بلفظ المضارع، كقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} (¬1) (نساء المهاجرات الأول) بضم الهمزة وتخفيف الواو (لما أنزل اللَّه تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ}) هو من قولك: ضربت بيدي على الحائط إذا وضعتها ({بِخُمُرِهِنَّ}) جمع خمار ({عَلَى جُيُوبِهِنَّ}) بضم الجيم وكسرها قراءتان في السبع (شققن أكثف) بالثاء المثلثة المفتوحة. أي: أغلظ؛ لأنه أبلغ في الستر من الرقيق، ولهذا قال أصحابنا: يستحب للمرأة أن تكثف جلبابها، ومنه في حديث النار: "لسرادق النار أربع جدر كثف" (¬2). فكثف جمع كثيف، وهو الثخين الغليظ (قال) أحمد (ابن صالح: أكنف) بالنون (¬3). والرواية -يعني: المشهورة- بالنون. أي: أستر وأصفق (مروطهن) ومنه قيل للوعاء الذي يحوز الشيء: كِنف بكسر الكاف (¬4)، وكل ما ستر من بناء أو حظيرة فهو كنيف، وواحد المروط مرط بكسر الميم، وهو الكساء يكون من صوف، وربما كان من خزٍّ وغيره. (فاختمرن بها) يقال: أختمرت المرأة إذا لبست الخمار. قال ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 233. (¬2) رواه الترمذي (2584)، وأحمد 3/ 29 من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا. قال الترمذي: هذا حديث إنما نعرفه من حديث رشدين بن سعد، وفي رشدين مقال، وقد تكلم فيه من قبل حفظه، ومعنى قوله: كثف كل جدار: يعني غلظه. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (4675). (¬3) في المطبوع من "سنن أبي داود": شققن أكنف قال ابن صالح: أكثف. وكذا في "تحفة الأشراف" 12/ 70، ولعل الشارح اختلط. (¬4) ساقطة من (ل، م).

الزمخشري: كانت جيوبهن واسعة تبدو منها نحورهن، وكن يسدلن الخمر (¬1) من ورائهن فتبقى مكشوفة، فأمرن أن يسدلنها من قدامهن حتى يغطينها، ويجوز أن يراد بالجيوب الصدور، تسمية بما يليها ويلامسها، وعن عائشة: ما رأيت مثل نساء الأنصار؛ لما نزلت هذِه الآية قامت كل واحدة إلى مرطها فصدعت منه صدعة فاختمرن، فأصبحن على رؤوسهن الغربان (¬2). [4103] (حدثنا ابن السرح قال: رأيت في كتاب عن عقيل) مصغر (عن ابن شهاب بإسناده ومعناه). * * * ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: الخمور، والمثبت الصواب كما في كتب الشروح. (¬2) "الكشاف" 3/ 287.

33 - باب فيما تبدي المرأة من زينتها

33 - باب فِيما تُبْدي المَرْأَةُ مِنْ زِينَتِها 4104 - حَدَّثَنا يَعْقُوبُ بْن كَعْبٍ الأَنْطاكي وَمُؤَمَّلُ بْن الفَضْلِ الحَرّاني قالا: حَدَّثَنا الوَلِيدُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ خالِدٍ قالَ يَعْقُوبُ ابن دُرَيْكٍ: عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها أَنَّ أَسْماءَ بِنْتَ أَبي بَكْرٍ دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَعَلَيْها ثِيابٌ رِقاقٌ فَأَعْرَضَ عَنْها رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وقالَ: "يا أَسْماءُ إِنَّ المَرْأَةَ إِذا بَلَغَتِ المَحِيضَ لَمْ تَصْلُحْ أَنْ يُرى مِنْها إِلَّا هذا وهذا". وَأَشارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ. قالَ أَبُو داوُدَ: هذا مُرْسَلٌ خالِدُ بْنُ دُرَيْكٍ لَمْ يُدْرِكْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها (¬1). * * * باب ما تبدي المرأة من زينتها [4104] (حدثنا يعقوب (¬2) بن كعب) الحلبي (الأنطاكي) بفتح الهمزة؛ نسبة إلى أنطاكية من الشام، وكذا ينسب إلى الدواء المسهل الذي يقال له: الأنطاكي السقمونيا، ثقة، صالح (ومؤمل (¬3) بن الفضل الحراني) ثقة (قالا: ثنا الوليد) بن مسلم، عالم الشام (عن سعيد بن بشير) بفتح الموحدة، النصري الحافظ، نزل دمشق. قال دحيم: ثقة، ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في "مسند الشاميين" 4/ 64 (2739)، والبيهقي في "الآداب" (589). وضعفه ابن الملقن في "البدر المنير" 6/ 675، ووافقه ابن حجر في "التلخيص الحبير" 3/ 95. وحسنه الألباني بمجموع طرقه في "الإرواء" (1795). (¬2) فوقها في (ل، م): (د). (¬3) فوقها في (ل، م): (د).

وكان (¬1) مشيختنا يوثقونه (¬2). (عن قتادة، عن خالد، قال يعقوب) الأنطاكي في روايته: هو خالد (ابن دريك) بضم الدال مصغر، الشامي، وهو ثقة. (عن عائشة أن أسماء بنت أبي بكر رضي اللَّه عنهما: دخلت على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وعليها ثياب رقاق) يعني: يصف للرائي لها لون البشرة. (فأعرض عنها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) حين رأى بشرتها من تحت الثياب. (وقال: يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت) سن (المحيض) وجرى عليها القلم، ومنه: "لا تقبل صلاة حائض إلا بخمار" (¬3) رواه أحمد. (لم يصلح لها) بفتح الياء وضم اللام (أن يرى منها) أي: من جسدها (إلا هذا وهذا) والمراد أن المرأة إذا بلغت لا (¬4) يجوز لها أن تظهر للأجانب إلا ما تحتاج إلى إظهاره للحاجة إلى معاملة أو شهادة عليها إلا الوجه والكفين (وأشار إلى وجهه وكفيه) يعني: ظاهرهما وباطنهما، وهذا عند أمن الفتنة مما تدعو الشهوة إليه من جماع أو ما دونه، أما عند الخوف من الفتنة (¬5). وظاهر إطلاق الآية والحديث عدم اشتراط الحاجة، ويدل على ¬

_ (¬1) في (ل): دكا، والمثبت أليق للسياق. (¬2) "تاريخ الدارمي" (45)، "تهذيب الكمال" 10/ 353 (2243). (¬3) سبق برقم (641)، ورواه أيضًا الترمذي (377)، وابن ماجه (655)، وأحمد 6/ 150 كلهم من حديث عائشة مرفوعًا. قال الترمذي: حديث عائشة حديث حسن. وصححه الألباني في "الإرواء" 1/ 214 (196). (¬4) في (ل، م): (لم). (¬5) كذا في جميع النسخ الخطية لم يذكر خبر (أما)، ولعله: فلا.

تقييده بالحاجة اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه، لا سيما عند كثرة الفساد وظهوره، ولو حل النظر لكنَّ كالمرد. وحكى القاضي عياض عن العلماء أنه لا يلزمها ستر وجهها في طريقها، وعلى الرجال غض البصر؛ للآية. (قال) المصنف (و) هذا الحديث (هو مرسل) ووجهه أن (خالد بن دريك) بضم الدال وفتح الراء مصغر (لم يدرك) زمن (عائشة). * * *

34 - باب في العبد ينظر إلى شعر مولاته

34 - باب فِي العَبْدِ يَنْظُرُ إِلَى شَعْرِ مَوْلاتِهِ 4105 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وابْنُ مَوْهَبٍ قالا: حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ اسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- في الحِجامَةِ فَأَمَرَ أَبا طَيْبَةَ أَنْ يَحْجُمَها. قالَ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قالَ: كانَ أَخاها مِنَ الرَّضاعَةِ أَوْ غُلامًا لَمْ يَحْتَلِمْ (¬1). 4106 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن عِيسَى، حَدَّثَنا أَبُو جُمَيْعٍ سالِمُ بْنُ دِينارٍ، عَنْ ثابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَتَى فاطِمَةَ بِعَبْدٍ قَدْ وَهَبَهُ لَها قالَ: وَعَلَى فاطِمَةَ رضي اللَّه عنها ثَوْبٌ إِذا قَنَّعَتْ بِهِ رَأْسَها لَمْ يَبْلُغْ رِجْلَيْها وَإِذا غَطَّتْ بِهِ رِجْلَيْها لَمْ يَبْلُغْ رَأْسَها فَلَمّا رَأى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ما تَلْقَى قالَ: "إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكِ بَأْسٌ إِنَّما هُوَ أَبُوكِ وَغُلامُكِ" (¬2). * * * باب في العبد ينظر إلى شعر مولاته [4105] (حدثنا قتيبة بن سعيد و) يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد اللَّه (ابن موهب) الرملي الثقة الزاهد (قالا: ثنا الليث، عن أبي الزبير) محمد ابن مسلم المكي (عن جابر) بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما. (أن أم سلمة) هند زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (استأذنت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الحجامة) قال القرطبي: فيه دليل على أن المرأة لا ينبغي لها أن تفعل في نفسها شيئًا من التداوي أو ما يشبهه إلا بإذن زوجها؛ لإمكان أن ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2206). (¬2) رواه البيهقي في "الآداب" (601) من طريق أبي داود. وصححه الألباني في "الإرواء" (1799).

يكون ذلك الشيء مانعًا له من حقه، أو منقصًا لفرضه منها، إذا كانت لا تشرع في شيء من التطوعات التي تقرب (¬1) إلى اللَّه تعالى إلا بإذن منه كان أحرى وأولى ألا تتعرض لغير القرب إلا بإذنه، اللهم إلا أن تدعو إلى ذلك ضرورة مق خوف موت أو مرضٍ شديد، فهذا لا يحتاج فيه إلى إذن؛ لأنه قد التحق بقسم الواجبات المتعينة، وأيضًا فإن الحجامة وما ينزل منزلتها مما يحتاج فيها إلى محاولة العين فلا بد فيها من استئذان الزوج لنظره فيمن يصلح وفيما يحل من ذلك (¬2). (فأمر أبا طيبة) بفتح الطاء المهملة وسكون المثناة تحت بعدها باء موحدة مفتوحة، اسمه دينار، وقيل: ميسرة. وقيل: نافع مولى بني حارثة (¬3)، ثم مولى محيصة بن مسعود، حجم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. (أن يحجمها) هذِه فائدة استئذانها الزوج أن أمر أبا طيبة دون غيره؛ لما علم لما بينهما من المحرمية بالنسب أو الرضاع أو صغره كما (قال) الراوي (حسبت أنه [قال] (¬4): كان أخاها من الرضاعة أو كان غلامًا لم يحتلم) فيه أن المحرم يجوز له أن يطلع من ذات محرمه على بعض ما يحرم على الأجنبي، وكذلك الصبي دون المراهق، وجهه أن الحجامة إنما تكون غالبًا في بدن المرأة فيما لا يجوز للأجنبي الاطلاع عليه، كشعر رأسها أو قفاها أو ساقيها، وفيه أن الأجنبي ليس له رؤية ذلك، ولا ¬

_ (¬1) في (ل): يتقرب، والمثبت أسوغ. (¬2) "المفهم" 5/ 595 - 596. (¬3) في (ل، م): خارجة. (¬4) ساقطة من جميع النسخ، أثبتناها من "السنن".

مباشرته، إلا أن تدعو إلى ذلك ضرورة. [4106] (حدثنا محمد بن عيسى) بن الطباع، قال المصنف: كان يحفظ نحوًا من أربعين ألف حديث (¬1). (ثنا أبو جميع) بضم الجيم مصغر (سالم بن دينار) ويقال: ابن راشد التميمي، ويقال: الهجيمي البصري، وثقه ابن معين وغيره (¬2) (عن ثابت، عن أنس) بن مالك -رضي اللَّه عنه-. (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أتى فاطمة) ابنته (بعبد قد وهبه لها) فيه هبة الرجل لابنته الكبيرة المزوجة العبد والأمة وغيرهما، والظاهر أنه من سهمه -صلى اللَّه عليه وسلم- من المغانم. (قال) الراوي (و) كان (على فاطمة رضي اللَّه عنها ثوب إذا قنعت) بفتح النون المشددة، أي: سترت وغطت (به رأسها لم يبلغ) إلى (رجليها) ليسترها [فيه أن ستر الرأس أولى من ستر الرجلين؛ ولهذا بدأت بستره (وإذا غطت به رجليها لم يبلغ] (¬3) رأسها) لتستره، وفيه أن الرأس والرجلين من العورة بالنسبة إلى الأجنبي. (فلما رأى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ما تلقى) من الحياء من رؤية العبد الكبير والخجل ومشقة جر الثوب من الرأس إلى الرجل ومن الرجل إلى الرأس (قال) لها (ليس عليك بأس) في رؤيته رأسك ورجليك. (إنما هو) أي: ليس يراك إلا (أبوك وغلامك) وفيه دليل على أن العبد ¬

_ (¬1) "سؤالات الآجري لأبي داود" (1737). (¬2) "تاريخ الدارمي" (924)، "الجرح والتعديل" 4/ 181 (783)، "الثقات" لابن حبان 6/ 411، "تهذيب الكمال" 10/ 139 (2144). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

من محارم سيدته، يخلو بها ويسافر معها، وينظر منها ما ينظر محرمها، وإن لم يكن محرمًا. وبنى على هذا أصحابنا أن المرأة تحج مع عبدها كما تحج مع محرمها، وحمل الشيخ أبو حامد من أصحابنا هذا على أن العبد كان صغيرًا؛ لإطلاق لفظ (¬1) الغلام؛ ولأنها واقعة حال (¬2). واحتج من جعل العبد كالمحرم (¬3) بقوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (¬4)، وتعقب بما رواه ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب قال: لا تغرنكم هذِه الآية، إنما يعني بها النساء لا العبيد (¬5). ويشكل على ذلك (¬6) ما رواه أصحاب السنن عن نبهان مكاتب أم سلمة، عنها: قال لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا كان لإحداكن مكاتب وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه" (¬7) انتهى. ومفهومه أنها لا تحتجب منه قبل ذلك. * * * ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل، م). (¬2) انظر: "البيان" 9/ 131. (¬3) ومنهم الشيرازي في "المهذب" 2/ 34. (¬4) النساء: 3. (¬5) "مصنف ابن أبي شيبة" 3/ 532 (16904)، 4/ 11 (17268)، وفيه آية النساء رقم (24): {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} بدل آية النساء رقم (3): {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}. (¬6) في (ل، م): هذا. (¬7) سبق برقم (3928)، ورواه أيضًا الترمذي (1261)، وابن ماجه (2520)، وأحمد 6/ 289، والنسائي في "السنن الكبرى" 5/ 389 (9228). قال الترمذي: حسن صحيح. ضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (650). وانظر: "شرح مشكل الآثار" 1/ 273.

35 - باب في قوله: {غير أولي الإربة}

35 - باب فِي قَوْلِهِ: {غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ} 4107 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّد بْن ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْري وَهِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها قالَتْ: كانَ يَدْخُلُ عَلَى أَزْواجِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مُخَنَّثٌ فَكانُوا يَعُدُّونَهُ مِنْ غَيْرِ أُولي الإِرْبَةِ فَدَخَلَ عَلَيْنا النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يَوْمًا وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ نِسائِهِ وَهُوَ يَنْعَتُ امْرَأَةً فَقالَ: إِنَّها إِذا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَتْ بِأَرْبَعٍ وَإِذا أَدْبَرَتْ أَدْبَرَتْ بِثَمانٍ. فَقالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَلا أَرى هذا يَعْلَمُ ما ها هُنا لا يَدْخُلَنَّ عَلَيْكُنَّ هذا". فَحَجَبُوهُ (¬1). 4108 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ داوُدَ بْنِ سُفْيانَ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ بِمَعْناهُ (¬2). 4109 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَني يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ بهذا الحَدِيثِ، زادَ وَأَخْرَجَهُ فَكانَ بِالبَيْداءِ يَدْخلُ كُلَّ جُمُعَةٍ يَسْتَطْعِمُ (¬3). 4110 - حَدَّثَنا مَحْمُودُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا عُمَرُ، عَنِ الأَوْزاعي في هذِه القِصَّةِ فَقِيلَ: يا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ إِذًا يَمُوتُ مِنَ الجُوعِ، فَأَذِنَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ في كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّتَيْنِ فَيَسْأَلَ ثُمَّ يَرْجِعَ (¬4). * * * باب في قوله تعالى: {غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ} [4107] (حدثنا محمد بن عبيد) بن حساب الغبري البصري، شيخ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4324)، ومسلم (2180). (¬2) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 57، ومن طريقه مسلم (2181). (¬3) رواه ابن حبان (4488)، وانظر سابقَيْه. (¬4) انظر الأحاديث الثلاثة السابقة.

مسلم (ثنا محمد بن ثور) بالثاء المثلثة الصنعاني العابد الصادق الفاضل (¬1)، وثقه ابن معين والنسائي (¬2). (عن معمر، عن الزهري، عن عروة) بن الزبير (و) عن (هشام بن عروة، عن) [أبيه] (¬3) (عروة) بن الزبير (عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كان يدخل على أزواج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مخنَّث) بفتح النون وكسرها، فتح النون للقياس، والفتح المشهور، وهو الذي يلين في قوله ويتكسر في مشيه وينثني فيها كالنساء، وقد يكون خلقة، وقد يكون تصنعًا من الفسقة، ومن كان ذلك فيه خلقة فالغالب من حاله أنه لا أرب له في النساء، ولذلك كان أزواج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يعدون هذا المخنث من غير أولي الإربة، فكانوا لا يحجبونه إلى أن ظهر منه ما ظهر من الكلام فحجبوه. واختلف في اسم هذا المخنث، فقال القاضي عياض (¬4): الأشهر أن اسمه: هيت بكسر الهاء، ثم مثناة تحت ساكنة، ثم مثناة فوق، وقيل: صوابه هنب بالنون والباء الموحدة. قاله ابن درستويه: وأن ما سواه تصحيف، وأن الهنب هو الأحمق. وقيل: اسمه ماتع بالمثناة فوق، مولى فاختة المخزومية (¬5). وهي بنت عمرو بن عائذ. ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل، م). (¬2) "سؤالات ابن الجنيد لابن معين" (780)، "تهذيب الكمال" 24/ 562 (5108). (¬3) في جميع النسخ: عمه. والمثبت هو الصواب. (¬4) ساقطة من (ح). (¬5) "إكمال المعلم" 7/ 73.

(فكانوا يعدونه) فيما بينهم (من غير أولي الإربة) والإربة والإرب: الحاجة والشهوة، ويحتمل أنهم التابعون (¬1) الذين يتبعون الرجل ليصيبوا من طعامه ولا حاجة لهم إلى النساء؛ لكبر أو تخنيث أو عنَّة أو جبٍّ ونحو ذلك. (فدخل علينا) لفظ مسلم: فدخل (¬2) (النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) بدون: علينا (وهو عند بعض نسائه) وهي أم سلمة. ولفظ البخاري: أن زينب بنت أبي سلمة [أخبرته أن أم سلمة] (¬3) أخبرتها أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان عندها وفي البيت مخنث (¬4). (وهو ينعت امرأة) ولفظ الصحيحين: فإني أدلك على ابنة غيلان (¬5). وللواقدي والكلبي: إن افتتحتم الطائف فعليك ببادية بنت غيلان بن سلمة الثقفي (¬6). وبادية بالباء الموحدة وبعد الدال مثناة تحت بنت غيلان، تزوجها عبد الرحمن بن عوف، فولدت له في قول الكلبي (¬7)، وهي وأبوها صحابيان، أسلم أبوها وتحته عشر نسوة، وهو غيلان بن سلمة ابن معتب الثقفي، أسلم بعد الطائف، وكان شاعرًا. ¬

_ (¬1) في النسخ الخطية: التابعين. والمثبت هو الجادة. (¬2) "صحيح مسلم" (2181). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) "صحيح البخاري" (5887). (¬5) "صحيح البخاري" (5887)، "صحيح مسلم" (2180). (¬6) انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر 23/ 63، وفيه: (ابن الكلبي) بدل (الكلبي). (¬7) السابق.

(فقال: إنها إذا أقبلت أقبلت بأربع) عكن، تقبل بهن من كل ناحية اثنتان، ولكل واحدة طرفان (وإذا أدبرت أدبرت بثمان) صارت أطراف العكن ثمانية، والعكنة هي الطية التي تكون في البطن من كثرة السمن، يقال: تعكن البطن إذا صار ذلك فيه. وإنما قال: (بثمان) ولم يقل: بثمانية. [والعكن مؤنث] (¬1) مع أن الأطراف مذكر؛ لأن المميز إذا لم يكن مذكورًا وحذف جاز فيه التذكير والتأنيث، كقوله -عليه السلام-: "وأتبعه بستٍّ من شوال" الحديث، وتمام كلام المخنث: مع ثغر كالأقحوان، إن جلست تثنت، وإن تكلمت تغنت، بين رجليها كالإناء المكفوء. (فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) لقد غلغلت النظر إليها يا عدو اللَّه (ألا) بتخفيف اللام للتوبيخ (أرى) (¬2) بفتح الهمزة والراء، وبضمها في مسلم (¬3)، ويدل على أنه بفتح الهمزة قوله بعده: (هذا يعلم ما هاهنا) ورواية مسلم: "ألا أرى" (¬4) بضم الهمزة، أي: أظن، كذا رأيته مضبوطًا. قال القرطبي: هذا يدل على أنهم كانوا يظنون أنه كان لا يعرف شيئًا من أحوال النساء، ولا يخطرن له ببال، وسببه أن التخنيث كان فيه خلقة وطبيعة، ولم يكن يعرف منه إلا ذلك؛ ولهذا كانوا يعدونه من غير أولي الإربة (¬5). ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل، م). (¬2) في حاشية (ح) وصلب (ل، م): رواية: لا أرى. (¬3) "صحيح مسلم" (2181). (¬4) السابق. (¬5) "المفهم" 5/ 515.

ثم قال (لا يدخلن عليكم) كذا رواية لمسلم، وفي بعض النسخ: "عليكن" (¬1). كما في الصحيحين، وهي رواية اللؤلؤي، والأولى للخطيب. (فحجبوه) عن الدخول عليهن، ولفظ الصحيحين: "هؤلاء عليكن" (¬2) بزيادة: هؤلاء؛ إشارة إلى جميع المخنثين، وروى البيهقي: كان المخنثون على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ثلاثة (¬3). وفيه من الفقه منع المخنث من الدخول على النساء. [4108] (حدثنا محمد (¬4) بن داود بن سفيان، ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي اللَّه عنها بمعناه) المذكور. [4109] (حدثنا أحمد بن صالح) المصري، شيخ البخاري (ثنا) عبد اللَّه (ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضي اللَّه عنها بهذا) و (زاد: فأخرجه) وقال البخاري: "أخرجوهن من بيوتكم" قال: فأخرج فلانًا وفلانًا (¬5). ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2181). (¬2) "صحيح البخاري" (4324)، (5887) من حديث أم سلمة، ولم أقف على هذا اللفظ في "صحيح مسلم". (¬3) "السنن الكبرى" 8/ 224 رواية موسى بن عبد الرحمن بن عياش بن أبي ربيعة. (¬4) فوقها في (ل، ح): (د). (¬5) "صحيح البخاري" (5886)، (6834) من حديث ابن عباس مرفوعًا بلفظ: "أخرجوهم" بدل لفظ: "أخرجوهن". وفيه: فأخرج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فلانًا وأخرج عمر فلانًا.

ورواه البيهقي، وزاد: وأخرج عمر مخنثًا (¬1). وفي رواية: وأخرج أبو بكر آخر (¬2). وروى البيهقي: كان ماتع لفاختة بنت عمرو بن عائذ، فمنعه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من الدخول على نسائه ومن الدخول إلى المدينة، وبقي معه صاحبه هدم (¬3). قال العلماء: إخراج المخنث ونفيه كان لثلاثة معان، أحدها: المعنى المذكور في الحديث أنه كان يظن أنه من غير أولي الإربة. والثاني: وصفه النساء ومحاسنهن وعوراتهن بحضرة الرجال، وقد نهي أن تصف المرأة المرأة (¬4) لزوجها، فكيف إذا وصفها الرجل للرجال. والثالث: أنه ظهر له منه أنه كان يطلع (¬5) من النساء وأجسامهن وعوراتهن على ما لا يطلع عليه كثير من النساء، لا سيما على ما تقدم أنه وصف ما بين رجليها، وهو الفرج (¬6). (فكان بالبيداء) بالمد، وهي القفر، وكل صحراء فهي بيداء كأنها تبيد سالكها، أي: تكاد (¬7) تهلكه (يدخل في كل جمعة) إلى المدينة (يستطعم) أي: يسأل أن يطعموه فيطعموه. ¬

_ (¬1) "السنن الكبرى" 8/ 224. (¬2) "السنن الكبرى" 8/ 224 من حديث عكرمة موقوفًا. (¬3) "السنن الكبرى" 8/ 224 من رواية موسى بن عبد الرحمن بن عياش بن أبي ربيعة. (¬4) ساقطة من (ح). (¬5) ساقطة من (م). (¬6) نقلها الشوكاني في "نيل الأوطار" 6/ 139. (¬7) ساقطة من (ل)، (م).

[4110] (حدثنا محمود بن خالد) بن يزيد السلمي الدمشقي، قال أبو حاتم: كان ثقة رضًا، وثقه النسائي (¬1) (ثنا عمر بن عبد الواحد) السلمي الدمشقي، عمَّر تسعين سنة (عن الأوزاعي في هذِه لقصة) المذكورة، وزاد (فقيل: يا رسول اللَّه، إنه إذًا يموت من الجوع) إذا استمر في البادية (فأذن له أن يدخل في كل جمعة) إلى المدينة (مرتين فيسأل) الناس شيئًا يأكله (ثم يرجع) إلى البادية، وبقي معه صاحبه هدم. وفي الحديث دليل على جواز العقوبة بالنفي (¬2) عن الوطن لما يخاف من الفساد والفسق، وجواز دخوله في بعض الأوقات ليسأل الناس شيئًا يتقوت به، وأما لغير حاجة فلا يدخل. * * * ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 8/ 292 (1342)، وانظر: "تهذيب الكمال" 27/ 297 (5813). (¬2) في جميع النسخ: بالنهي.

36 - باب في قوله عز وجل: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن}

36 - باب فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} 4111 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزي، حَدَّثَنا عَلي بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ واقِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوي، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ {وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ} الآيَةَ فَنُسِخَ واسْتُثْني مِنْ ذَلِكَ {والقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتي لا يَرْجُونَ نِكاحًا} الآيَةَ (¬1). 4112 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنا ابن المُبارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْري، قالَ: حَدَّثَني نَبْهانُ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَعِنْدَهُ مَيْمُونَةُ فَأَقْبَلَ ابن أُمِّ مَكْتُومٍ وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أُمِرْنَا بِالحِجابِ فَقالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "احْتَجِبا مِنْهُ". فَقُلْنا يا رَسُولَ اللَّهِ أَليْسَ أَعْمَى لا يُبْصِرُنا وَلا يَعْرِفُنا فَقالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَفَعَمْياوانِ أَنْتُما، أَلَسْتُما تُبْصِرانِهِ؟ ". قالَ أَبُو داوْدَ: هذا لأَزْواجِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خاصَّةً أَلَا تَرى إِلَى اعْتِدادِ فاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ عِنْدَ ابن أُمِّ مَكْتُومٍ قَدْ قالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لِفاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: "اعْتَدّي عِنْدَ ابن أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيابَكِ عِنْدَهُ" (¬2). 4113 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ المَيْمُونِ، حَدَّثَنا الوَليدُ، عَنِ الأَوْزاعي، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِذا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ عَبْدَهُ أَمَتَهُ فَلا يَنْظُرْ إِلَى عَوْرَتِها" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البيهقي في "الكبرى" 7/ 93، وابن الجوزي في "نواسخ القرآن" (ص 409). وحسنه الألباني. (¬2) رواه الترمذي (2778)، والنسائي في "الكبرى" (9241)، وأحمد 6/ 296. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وصححه ابن حبان (5575)، وابن الملقن في "البدر" 7/ 512، وإلى هذا جنح الحافظ في "التلخيص" 3/ 308. وضعفه الألباني في "الإرواء" (1806). (¬3) سبق، وانظر ما بعده.

4114 - حَدَّثَنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، حَدَّثَني داوُدُ بْنُ سَوّارٍ المُزَني، عَنْ عَمْرٍو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِذا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ خادِمَهُ عَبْدَهُ أَوْ أَجِيرَهُ فَلا يَنْظُرْ إِلَى ما دُونَ السُّرَّةِ وَفَوْقَ الرُّكْبَةِ". قالَ أَبُو داوُدَ: صَوابُهُ سَوّارُ بْنُ داوُدَ المُزَني الصَّيْرَفي وَهِمَ فِيهِ وَكِيعٌ (¬1). * * * باب قوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [4111] (حدثنا أحمد) بن ثابت (¬2) (المروزي) بفتح الميم والواو، من كبار الأئمة (قال: حدثني علي بن حسين بن واقد) المروزي، قواه جماعة (¬3) (عن أبيه) حسين بن واقد قاضي مرو (عن يزيد) بن أبي سعيد (النحوي) المروزي (¬4)، متقن (عن عكرمة، عن ابن عباس) رضي اللَّه عنهما في قوله تعالى: ({وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ}) أي: قل يا محمد لمن آمن بك من المؤمنات ({يَغْضُضْنَ}) هو خبر بمعنى الأمر، كقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} (¬5) إذ لو كان خبرًا محضًا لما وجد من لا يغض؛ لأن الخبر من الصادق لا يدخله الخلف، وقد وجد من لا يغض؛ فتعين أذ المراد به الأمر، وهذا من باب الأمر بالأمر، وفيه خلاف للأصوليين هل هو أمر ({مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}) أي. من نظرهن. ¬

_ (¬1) سبق برقم (496) وهو حديث حسن. (¬2) كذا في الأصول، وهو خطأ، والصواب: محمد. كما في "السنن". (¬3) "الثقات" لابن حبان 8/ 460، "تهذيب الكمال" 20/ 407، 408 (4002). (¬4) في (ل، م): المرادي. (¬5) البقرة: 233.

قيل: إن (من) هنا لابتداء الغاية؛ لأن البصر باب القلب، فابتدئ بذكره من البصر. وقيل: (من) للتبعيض، والمراد غض البصر عما يحرم دون ما لا يحرم. وعلى قول الأخفش يجوز أن تكون زائدة (¬1). وقيل: لبيان الجنس، كأنه لما قال: {يَغْضُضْنَ} أي: ينقصن، احتمل أن يريد من بصرك، ومن كلامك بلسانك، ومن صوتك بخفضه، وفي الآية حذف تقديره: يغضضن من أبصارهن عما لا يحل لهن نظره. (الآية) (¬2) بكمالها (فنسخ) بضم النون وكسر السين من هذِه الآية، يعني: من غض بصر المؤمنين وغض بصر المؤمنات جواز النظر إلى القواعد من النساء. (واستثني من ذلك) النظر إلى ({وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ}) قال البخاري: القواعد من النساء واحدها قاعد، والقواعد من البيت أساسه، واحدتها قاعدة (¬3). والمراد بـ {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ}: اللاتي قعدن عن الحيض والولد؛ لكبرها ({اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا}) لا يطمعن فيه من الكبر. {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ}. يعني: الثياب الظاهرة كالملصفة والجلباب الذي فوق الخمار {غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ}. أي: قاصدات بوضع الثياب التبرج، ولكن التخفف إذا احتجن إليه، والمعنى المجوِّز في الآية النظر إلى ما يظهر غالبًا من العجوز التي لا ¬

_ (¬1) انظر: "الكشاف" للزمخشري 3/ 229. (¬2) النور: 31. (¬3) "صحيح البخاري" قبل حديث (4484).

تشتهى، وفي معنى ذلك الشابة الشوهاء التي لا تشتهى، فيجوز للمؤمنين والمؤمنات أن لا يغضوا أبصارهم عن رؤيتها؛ فإن الفتنة أمنت في حقها، ولو لبست هذِه حليًّا كان عليها وبالًا، فان الحلي إنما يحسن على حسن العضو الحامل له، ففي عنق الحسناء يستحسن العقد، وحمل الشوهاء العقد في عنقها غير مستحسن، فإن الأولى لها ستر عنقها بغير كشف، وكذلك خضاب المعصم. قال بعضهم: لما كان الغالب أن ذوات الكبر المفرط لا مذهب لرجال فيهن أرحن من عناء الستر، وأزيلت عنهن كلفة التحفظ (الآية) (¬1). [4112] (حدثنا محمد بن العلاء) بن كريب الكوفي (أنا) عبد اللَّه (ابن المبارك، عن يونس، عن الزهري، حدثني نبهان) بفتح النون وسكون الموحدة (مولى أم سلمة) وهو ثقة (عن) مولاته (أم سلمة) زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. (قالت: كنت عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وعنده ميمونة) بنت الحارث خالة ابن عباس. فيه الجمع بين الزوجتين أو الزوجات عند الزوج برضاهن للتحدث وللتعلم منه إن كان عالمًا، فإن الاجتماع لاستماع فوائد العالم أولى من أخذ كل واحدة بمفردها. (فأقبل) عبد اللَّه (ابن أم مكتوم) الأعمى، واسم أمه أم مكتوم عاتكة، وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لما قدم المدينة يستخلفه عليها في أكثر غزواته في ثلاث عشرة مرة، وهو ابن خال زوجته خديجة بنت خويلد أخي أمها. (وذلك بعد أن أمرنا) مبني للمفعول، أي: أمر (¬2) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬

_ (¬1) النور: 60. (¬2) في هامش (ح) وصلب (ل، م): روي: أَمَرَنَا.

(بالحجاب) في آية الحجاب، وهي قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} (¬1) (فدخل علينا فقال) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لأم سلمة وميمونة (احتجبا منه) أي: أرخيا على صدوركما الجلباب. (فقلنا) أي: قالت أم سلمة؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تزوجها قبل ميمونة، فهي أقدم منها وأحق بالكلام. (يا رسول اللَّه، أليس) هو (أعمى) لا يبصرنا فيه جواز مراجعة الزوج والعالم؛ لتفهم الحكمة في الاحتجاب من الأعمى الذي لا يبصر (لا يبصرنا) بضم أوله (ولا يعرفنا) (¬2) فيه أن معرفة الآدمي برؤيته لا بصوته؛ ولهذا منع الشافعي شهادة الأعمى. (قال أفعمياوان أنتما؟ ! ) فيه شاهد للنحاة على أن الممدود الذي همزته زائدة للتأنيث تقلب واوًا في التثنية، كما تقول في تثنية حمراء وصحراء حمراوان وصحراوان. (ألستما تبصرانه؟ ! ) أنتما. ونظير هذا الحديث ما رواه مالك في "الموطأ" عن عائشة أنها احتجبت من أعمى، فقيل لها: إنه لا ينظر إليك؟ قالت: لكني أنظر إليه (¬3). ¬

_ (¬1) الأحزاب: 59. (¬2) بعدها في (ل): بضم أوله. (¬3) لم أجده في المطبوع من "موطأ مالك", وانظر تعليق الألباني في "السلسلة الضعيفة" 12/ 907 - 908.

وفي هذين الحديثين حجة لأحد قولي الشافعي وأحمد على أن المرأة لا يجوز لها النظر من الرجل إلا إلى مثل ما يُنظر إليه منها (¬1). قال النووي: وهو الأصح (¬2)؛ ولقوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} (¬3)، ولأن النساء أحد نوعي الآدميين، فحرم عليهن النظر إلى النوع الآخر قياسًا على الرجال (¬4). ويحققه أن المعنى المحرم للنظر خوف الفتنة، وهذا في المرأة أبلغ؛ فإنها أشد شهوة وأقل عقلًا، فتسارع الفتنة إليها أكثر من الرجل. والذي تقتضيه الأدلة ترجيح القول الثاني للشافعي، وهو جواز نظر المرأة إلى بدن الأجنبي سوى ما بين سرته وركبته؛ للحديث المتفق عليه من حديث عائشة أنها نظرت إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد (¬5)، وحديث فاطمة بنت قيس المتفق عليه (¬6)، وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم- لها: "اعتدي في ¬

_ (¬1) انظر: "نهاية المطلب" 12/ 34، "الوسيط" 5/ 37، "البيان" 9/ 126، "الروايتين والوجهين" 2/ 77 - 78. (¬2) "روضة الطالبين" 7/ 25، وقال: وهو الأصح عند جماعة وليس على إطلاقه كما ساق المصنف هنا، فقد ذكر النووي رحمه اللَّه أوجه نظر المرأة للرجل وقال: أصحها: لها النظر إلى جميع بدنه إلَّا ما بين السرة والركبة، وهو ما صححه الغزالي، وقال الإمام: وهو القياس المحقق. انظر: "نهاية المطلب" 12/ 34، "الوسيط" 5/ 37. (¬3) النور: 31. (¬4) انظر: "شرح مسلم" 10/ 96. (¬5) "صحيح البخاري" (454)، "صحيح مسلم" (892) (17، 18). (¬6) رواه مسلم (1480)، وفي "صحيح البخاري" من حديث عائشة برقم (5323، 5324) وفيه بعض قصة فاطمة بنت قيس دون قصة اعتدادها في بيت ابن أم مكتوم.

بيت ابن أم مكتوم؛ فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده" (¬1)، وللحديث الصحيح في مضي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى النساء في يوم العيد عند الخطبة فذكرهن ومعه بلال فأمرهن بالصدقة (¬2)، وضعفوا هذا الحديث بقول الإمام أحمد: نبهان روى حديثين عجيبين (¬3). يعني هذا الحديث وحديث: "إذا كان لإحداكن مكاتب فلتحتجب منه" (¬4)، وكأنه أشار إلى ضعف حديثه؛ لأنه لم يرو إلا هذين الحديثين المخالفين للأصول؛ ولما تعارضت الأحاديث عند أبي داود المصنف جمع بين الأحاديث؛ فإن الجمع بين الدليلين أولى من إلغاء أحدهما، فقال في هذا الحديث أنه في أزواج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خاصة؛ بدليل حديث فاطمة فإنه لجميع النساء. وحمل بعضهم آية {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ} (¬5) وهذا الحديث على خوف الفتنة وحديث فاطمة على حالة الأمن، ولأن الآية فيها (من) التبعيضية فتحمل على خوف الفتنة. (قال أبو داود: هذا لأزواج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خاصة، ألا ترى إلى اعتداد فاطمة بنت قيس عند ابن أم مكتوم، فقد قال النبي: اعتدي عنده فإنه ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1480). (¬2) رواه البخاري (964) من حديث ابن عباس. (¬3) انظر: "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 15/ 39 - 40. (¬4) سبق برقم (3928)، ورواه أيضًا الترمذي (1261)، وابن ماجه (2520)، وأحمد 6/ 289، والنسائي في "السنن الكبرى" 5/ 389 (9228) من حديث أم سلمة مرفوعًا. قال الترمذي: حسن صحيح. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (650). (¬5) النور: 31.

رجل أعمى، تضعين ثيابك عنده) (¬1). [4113] (حدثنا محمد بن عبد اللَّه بن ميمون) الإسكندري، قال ابن أبي حاتم، ثقة، صدوق (¬2). وقال ابن يونس: ثقة، خرج إلى الإسكندرية، فأقام بها، وبها توفي (¬3). (ثنا الوليد) (¬4) بن مسلم عالم أهل الشام (ثنا) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده) تقدم مرات. (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إذا زوج أحدكم عبده أمته) التي يملكها أو بعضها (أو) زوج أحدكم (أجيره) أو أجنبيًّا أمته (¬5). (فلا ينظرن (¬6) الى عورتها) وهي ما بين السرة والركبة -كما سيأتي في الحديث الذي يأتي بعده- وفيه أن من زوج عبده بأمته فليس له أن يستمتع منها بالنظر وإذا لم يستمتع منها بالنظر فبالأولى أن لا يستمتع باللمس والقبلة بشهوة، وإذا لم يستمتع باللمس فأولى أن لا يستمتع بالوطء ولا بما دون الفرج. وإذا لم يجز للسيد أن ينظر إلى عورة أمته المزوجة، فبالأولى أن لا ينظر الأجنبي إلى عورتها، وكما لا يجوز للسيد أن ينظر إلى عورة أمته ¬

_ (¬1) سبق تخريجه قريبًا. (¬2) "الجرح والتعديل" 7/ 304 (1651). (¬3) "تاريخ ابن يونس" 2/ 215 (569)، وانظر: "تهذيب الكمال" 25/ 565 (5378). (¬4) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬5) ساقطة من (ل، م). (¬6) في حاشية (ح)، وصلب (ل): نسخة: ينظر.

المزوجة لا يجوز لها أن تبدي عورتها له، كما لا يجوز أن تظهرها للأجانب، ويدل على ذلك قوله تعالى: {قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} (¬1) وهي آية الحجاب، وليس فيها تخصيص للحرائر؛ إذ نساء المؤمنين بلا ريب يعم الحرائر والإماء، فإن المؤمنين منهم العبيد ولهم الأزواج، ومن الأحرار من له الأمة المزوجة، ومن هو متزوج بأمة، وإن كان لم يتحقق وجود ذلك في ذلك الزمان، فإنه جائز بشرطيه المذكورين في الآية التي في النساء. وإذا تقرر أن آية الحجاب شاملة للأمة المزوجة ففيها إشارة إلى منع نظر السيد إلى عورة أمته المزوجة كما في الحديث. [4114] (حدثنا زهير بن حرب، أنا وكيع، حدثني داود بن سوَّار) بفتح السين المهملة، والواو المشددة، أبو حمرة الصيرفي (المزني عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده -رضي اللَّه عنهم- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إذا زوج أحدكم خادمه) هذِه اللغة الفصحى في إطلاق الخادم على الجارية، وأما تسميتها خادمة بالهاء فقليل (عبده) هذِه على اللغة الفصحى، وهي تعدي (زوج) إلى مفعولين، ومعلوم أن المراد بهذا التزويج العقد لا الوطء. قال الأخفش: يجوز زيادة الباء -يعني: على المفعول الثاني، فيقال: زوجته بامرأة فتزوج بها، وقد ذكروا أن أزد شنوءة تُعديه بالباء. وإطلاق التزويج قد يؤخذ منه أن له أن يزوجها برضاها، وله أن ¬

_ (¬1) الأحزاب: 59.

يجبرها على الزواج بلا إذن- كما هو مذهب الشافعي وغيره (¬1)، وقد يؤخذ منه أن السيد إذا زوج أمته بعبده لم يجب مهر؛ لأن السيد لا يثبت له على عبده دين (أو) زوج (أجيره) أمته (فلا ينظرن (¬2) إلى عورتها) وهي (ما دون) أي: تحت (السُّرّة وفوق الركبة) وظاهره أن السيد إذا زوج أمته يصير نظره إليها كنظر الأجنبي، فلا ينظر إلى ما بين السرة والركبة، ومفهومه جواز نظره إلى ما فوق السرة وتحت الركبة كالأجنبي، وهذا مشهور مذهب الشافعي (¬3)، وهل يجوز للسيد أن يخلو بها؟ لم أجده مسطورًا، وفيه نظر. قال البيهقي: أصحابنا يحملون هذا على عورة الأمة (¬4). (قال: ) المصنف وتبعه المزي والذهبي وغيرهم (¬5) (صوابه سوار بن داود) المزني الصيرفي و (وهم فيه وكيع) الجراح, فقلب اسمه. قال أبو طالب عن ابن حنبل: هو شيخ لا بأس به، لم يرو عنه غير ¬

_ (¬1) واحتجوا على ذلك: بأن منافعها مملوكة للسيد، والنكاح تعد على منفعتها فأشبه عقد الإجارة. انظر: "مختصر الطحاوي" (ص 174)، "تبيين الحقائق" 2/ 164، "المدونة" 2/ 100, "النوادر والزيادات" 4/ 411، "الأم" 6/ 318، "الأوسط" 8/ 592، "الكافي" لابن قدامة 4/ 242. (¬2) في هامش (ح) ينظر، وصلب (ل): نسخة ينظر. (¬3) انظر: "اللباب" (ص 421)، "البيان" 2/ 119، "تقويم النظر" لابن الدهان 1/ 326. (¬4) "معرفة السنن والآثار" 3/ 146. (¬5) "علل الإمام أحمد" 1/ 149، "الثقات" لابن حبان 6/ 422، "تهذيب الكمال" 12/ 236 (2636)، "الكاشف" 1/ 472 (2190)، 1/ 379 عقب ترجمة (1440).

هذا الحديث. يعني: حديثه عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده و"علموا أولادكم الصلاة وهم أبناء سبع سنين" (¬1). قال إسحاق بن منصوو عن يحيى بن معين: هو ثقة (¬2). وذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3). * * * ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 4/ 272 (1176)، "تهذيب الكمال" 12/ 236، 237 (2636)، وانظر: "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 17/ 274. (¬2) "الجرح والتعديل" 4/ 272 - 273 (1176)، "تهذيب الكمال" 12/ 237 (2636). (¬3) 6/ 422.

37 - باب في الاختمار

37 - باب فِي الاخْتِمارِ 4115 - حَدَّثَنا زُهَيْرُ بْن حَرْبٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ح، وَحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبي ثابِتٍ، عَنْ وَهْبٍ مَوْلَى أَبي أَحْمَدَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دخَلَ عَلَيْها وَهي تَخْتَمِرُ فَقالَ: "ليَّةً لا ليَّتَيْنِ". قالَ أَبُو داوُدَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: "ليَّةً لا ليَّتَيْنِ". يَقُولُ: لا تَعْتَمَّ مِثْلَ الرَّجُلِ لا تُكَرِّرْهُ طاقًا أَوْ طاقَيْنِ (¬1). * * * باب في الاختمار [4115] (حدثنا زهير بن حرب، ثنا عبد الرحمن) بن مهدي (وحدثنا مسدد، ثنا يحيى) بن هانئ بن عروة المرادي. قال شعبة: كان سيد أهل الكوفة (¬2) (عن سفيان) بن سعيد الثوري (عن حبيب (¬3) بن أبي ثابت) قاضي الكوفة ومفتيها (عن وهب مولى أبي أحمد) بن جحش ولم يسمه وهبًا إلا الدارقطني، كنيته أبو سفيان، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4). (عن أم سلمة) هند زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل عليها وهي تختمر) الواو واو الحال، والتقدير: دخل عليها في حال كونها تصلح خمارها، يقال: اختمرت المرأة وتخمرت إذا لبست الخمار، كما ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 294، والطيالسي (1717)، وعبد الرزاق 3/ 132 (5050). وضعفه الألباني في "المشكاة" (4367). (¬2) "الجرح والتعديل" 9/ 195 (814)، "تهذيب الكمال" 32/ 19 (6936). (¬3) فوقها في (ل، ح): (ع). (¬4) 5/ 490.

يقال: اعتم وتعمم إذا لبس العمامة. (فقال: ليَّة) بفتح اللام، وتشديد الياء، والنصب على المصدر، فهو منصوب بفعل محذوف، والتقدير: لوته ليَّة، فأمرها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن تلوي خمارها على رأسها وتديره مرة واحدة و (لا) تديره وتلويه (ليتين) أي: دورتين مرتين؛ لئلا يشبه اختمارك تدوير عمائم الرجال إذا اعتموا، فلا يجوز للمرأة أن تتشبه بالرجال في لبس ولا غيره كما لا يجوز للرجال أن يتشبهوا بالنساء، وقد حدث في هذا الزمان أن تلوي المرأة على رأسها المنديل بإبر تغرزه فيه ليات كثيرة، فنسأل اللَّه العافية فيما أحدثن. (قال المصنف: معنى: لية لا ليتين يقول: [لا] (¬1) تعتم مثل الرجل [لا] (¬2) تكرره (¬3) طاقًا أو طاقين) (¬4). * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من النسخ، وأثبتناه من "السنن". (¬2) ساقطة من صلب (ل)، و (م) ومثبتة في الهامش. (¬3) في هامش (ل): يكون. (¬4) تكررت في (ل، م) هذِه الجملة بعد قوله: والنصب على المصدر.

38 - باب في لبس القباطي للنساء

38 - باب فِي لُبْسِ القَباطي لِلنِّساءِ 4116 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ وَأَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الهَمْداني، قالا: أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَنا ابن لَهِيعَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبّاسٍ حَدَّثَهُ، عَنْ خالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُعاوِيَةَ، عَنْ دِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ الكَلْبي أَنَّهُ قالَ: أُتي رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِقَباطي فَأَعْطاني مِنْها قُبْطِيَّةً فَقالَ: "اصْدَعْها صَدْعَيْنِ فاقْطَعْ أَحَدَهُما قَمِيصًا وَأَعْطِ الآخَرَ امْرَأَتَكَ تَخْتَمِرُ بِهِ". فَلَمّا أَدْبَرَ قالَ: "وَأْمُرِ امْرَأَتَكَ أَنْ تَجْعَلَ تَحْتَهُ ثَوْبًا لا يَصِفُها". قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ يَحْيَى بْنُ أيُّوبَ فَقالَ عَبّاسُ بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبّاسٍ (¬1). * * * باب [لبس] القباطي [للنساء] (¬2) [4116] (حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح، وأحمد بن سعيد الهمداني) بسكون الميم، أبو جعفر المصري (قالا: أنا) عبد اللَّه (ابن وهب، قال: أخبرني) عبد اللَّه (ابن لهيعة) الفقيه، قاضي مصر قال المصنف: سمعت أحمد يقول: من كان مثل ابن لهيعة في كثرة حديثه وإتقانه وضبطه؟ ! (¬3). (عن موسى بن جبير) الأنصاري المدني، قدم مصر، ذكره ابن حبان ¬

_ (¬1) رواه الطبرانى في "الكبير" 4/ 225، والحاكم 4/ 187، والبيهقي في "الكبرى" 2/ 234. وضعفه الألباني. (¬2) ما بين معقوفتين ليس في جميع النسخ، والمثبت من "السنن". (¬3) "سؤالات الآجري لأبي داود" (1512).

في "الثقات" (¬1) (أن عبيد اللَّه بن عباس حدثه) كذا، وصوابه عباس بن عبيد اللَّه (عن خالد بن يزيد بن معاوية) الأموي، يوصف بالعلم والشعر، لم يلق دحية، توفي سنة تسعين (عن دحية) بفتح الدال وكسرها معًا لغتان (ابن خليفة) بن فروة بن فضالة (الكلبي) يضرب بحسنه المثل، بايع تحت الشجرة، وشهد أحدًا، سكن المزة. (أنه قال: أتي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بقباطي) بفتح القاف، لا ينصرف لعروض ياء النسب، من مصر، واحدها قبطية، كما في حديث أسامة: كساني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-[قبطية فكساها امرأته، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما فعلت القبطية؟ "] (¬2) قال: كسوتها المرأة. فقال: "مرها فلتتخذ تحتها غلالة لا تصف حجم عظامها" رواه البزار (¬3)، وهي ثياب بيض رقاق من كتان تتخذ بمصر، منسوبة إلى القبط، وضم القاف في المفرد من تغيير النسب، فإن الثياب بضم القاف، وأما في النسب فيقال: قبطي بكسر القاف، كما ضموا في النسب دهري وسهلي. (فأعطاني منها قبطية) بضم القاف كما تقدم (فقال: اصدعها) بفتح الدال وعين مهملة (صدعين) بفتح الصاد والعين أي: شقها نصفين، ومنه حديث عائشة: فصدعت منه صدعة، فاختمرت بها (¬4). فكل صدع ¬

_ (¬1) 7/ 451. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) في "المسند" 7/ 30 (2579)، وصححه الضياء المقدسي في "المختارة" 4/ 149 - 151 (1365 - 1368)، وحسنه الألباني في "الثمر المستطاب" 1/ 318. (¬4) رواه ابن قتيبة في "غريب الحديث" 2/ 453، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 8/ 2575 (14405)، وبغير هذا اللفظ رواه البخاري (4759)، وسبق برقم (4102).

من الشقين صدع -بكسر الصاد كما قال الخطابي (¬1) - والصدع -بفتح الصاد- مصدر صدعت الشيء إذا شققته (¬2). (فاقطع أحدهما) أي: أحد النصفين، أي: اقطعه في التفصيل (قميصًا) أي: ليصير لك قميصا إذا خيط (وأعط) بفتح الهمزة النصف (الآخر امرأتك تختمر) بالجزم جواب الأمر (به) أي: تجعله خمارًا على رأسها. فيه أن من أعطي شيئًا، لا يختص به دون زوجه وأولاده، بل يساويهم فيما يحصل له إذا أمكن فيبدأ بنفسه، ثم يعطي الفاضل لأهله، كما في الحديث: "ابدأ بنفسك ثم بمن تعول" (¬3). (فلما أدبر) دحية الكلبي (قال) له (وأمر امرأتك أن تجعل تحته) أي: تحت نصف القبطية (ثوبًا) يحول بين الناظر وبين لون البشرة؛ لأن (¬4) (لا يصفها) الناظر بذكر لونها من كونه أبيض أو أسمر أو أحمر، وهذا شرط ساتر العورة، وإنما أمر بالثوب تحته؛ لأن القباطي ثياب رقاق لا تستر لون (¬5) البشرة [عن رؤية الناظر؛ بل يصفها من رآها لابسة له؛ ولهذا ¬

_ (¬1) في "معالم السنن" 4/ 185. (¬2) السابق. (¬3) لم أقف على هذا اللفظ بتمامه، لكني وجدته مركبًا من حديثين، لفظ: "ابدأ بنفسك" رواه مسلم (997) من حديث جابر مرفوعًا. ولفظ: "بمن تعول" رواه البخاري (1427)، ومسلم (1034) من حديث حكيم بن حزام مرفوعًا، وبرقم (1034) من حديث أبي أمامة، وبرقم (1042) من حديث أبي هريرة مرفوعًا. (¬4) ساقطة من (ل، م). (¬5) ساقطة من (ح).

لا تصح الصلاة في ثوب لا يستر لون البشرة] (¬1). (قال) المصنف (رواه) أي: تابع ابن لهيعة على روايته هذِه أبو العباس (يحيى بن أيوب) المصري الغافقي، أحد العلماء، وقد أخرج له الشيخان وغيرهم (فقال: عباسُ) بالنصب والرفع، هو (ابن عبيد اللَّه ابن عباس -رضي اللَّه عنهم-). * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل، م).

39 - باب في قدر الذيل

39 - باب فِي قَدْر الذَّيْلِ 4117 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبي بَكْرِ بْنِ نافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبي عُبَيْدٍ أَنَّها أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- حِينَ ذَكَرَ الإِزارَ: فالمَرْأَةُ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ . قالَ: "تُرْخي شِبْرًا". قالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: إِذًا يَنْكَشِفُ عَنْها. قالَ: "فَذِراعًا لا تَزِيدُ عَلَيْهِ" (¬1). 4118 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْن مُوسَى، أَخْبَرَنا عِيسَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نافِعٍ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ يَسارٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بهذا الحَدِيثِ. قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ ابن إِسْحاقَ وَأيُّوبُ بْن مُوسَى عَنْ نافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ (¬2). 4119 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْن سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيانَ، أَخْبَرَني زَيْدٌ العَمّي، عَنْ أَبي الصِّدِّيقِ النّاجي، عَنِ ابن عُمَرَ قالَ: رَخَّصَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لأُمَّهاتِ المُؤْمِنِينَ في الذَّيْلِ شِبْرًا ثُمَّ اسْتَزَدْنَهُ فَزادَهنَّ شِبْرًا، فَكُنَّ يُرْسِلْنَ إِلَيْنا فَنَذْرَعُ لَهُنَّ ذِراعًا (¬3). * * * باب في قدر الذيل [4117] (حدثنا عبد اللَّه بن مسلمة) القعنبي (عن مالك، عن أبي بكر) عن ابن حبان في "صحيحه" أن اسمه عمر (¬4). وقيل: اسمه كنيته. وهو ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 293، والنسائي 8/ 209، والدارمي (2686). وصححه الألباني في "غاية المرام" (ص 72). (¬2) انظر ما قبله. (¬3) رواه النسائي في "الكبرى" (9733)، وابن ماجه (3581)، وأحمد 2/ 18. وصححه الألباني. (¬4) 12/ 289.

الأشهر (بن نافع) مولى عبد اللَّه بن عمر. قال عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن أبي بكر بن نافع مولى ابن عمر فقال: هو أوثق ولد نافع (¬1). (عن أبيه) نافع مولى ابن عمر (عن صفية بنت أبي عبيد) الثقفية، أخت المختار الكذاب، وزوجة ابن عمر، الصحابية (أخبرته أن أم سلمة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) أنها (قالت لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حين ذكر الإزار) بينه النسائي في روايته عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من جر ثوبه من الخيلاء لم ينظر اللَّه تعالى إليه" (¬2) قالت أم سلمة: يا رسول اللَّه (فالمرأة يا رسول اللَّه) كيف تصنع في إزارها؟ (قال: ترخي) وللنسائي: "ترخينه" (¬3) (شبرًا) وهو ما بين طرفي الخنصر والإبهام بالتفريج المعتاد (قالت أم سلمة: إذًا) بالتنوين، أي: إذا أرخينه شبرًا (تنكشف) بالمثناة فوق، ويجوز بالمثناة تحت، توضحه رواية النسائي: قالت، إذًا تبدو أقدامهن (¬4). ورواية أبي بكر البزار: قلن: فإن شبرًا قليل تخرج منه العورة (¬5). فبين في هذِه الرواية أن القدمين من العورة. وقد اختلف العلماء في ذلك، فأبو حنيفة يقول: جائز للمرأة إبداء ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 9/ 343 (1531)، "تهذيب الكمال" 33/ 146 (7257). (¬2) "المجتبى" 8/ 209. (¬3) السابق. (¬4) "المجتبى" 8/ 209 حديث الباب. (¬5) "مسند البزار" 1/ 279 (176) من رواية ابن عمر.

القدمين في الصلاة، ولا يجب عليها ستر ظهورهما فيها (¬1). فدل ذلك على أنهما ليستا عنده بعورة، وأما مالك فإنه لا يجيز لها إبداء ظهور قدميها [في الصلاة ولا في غيرها، ولكنه يقول مع ذلك: إن انكشف قدماها أو شعرها أو ظهور قدميها] (¬2) أعادت، ما دامت في الوقت (¬3). فيشبه أن يكونا عنده عورة، ولكن لا تجب الإعادة من انكشافهما. وعند الشافعي: تعيد أبدًا في الوقت أو بعده (¬4). (قال: فذراعًا) ولفظ النسائي: "ترخينه ذراعًا" (¬5). والظاهر أن المراد بالذراع ذراع اليد. قال أهل اللغة: الذراع اليدان من كل حيوان، لكنها من الإنسان من المرفق إلى أطراف الأصابع، وذراع القياس قريب منه، فإنه ست قبضات معتدلات، وتسمى ذراع العامة. ومعنى الحديث كما قال بعض العلماء أنه يجوز للنساء إطالة أذيالهن من القمص والأزر بحيث يسبلن قدر ذراع من أذيالهن إلى الأرض؛ لتكون أقدامهن مستورة. يعني: ظهور أقدامهن؛ للحديث الذي ذكره المصنف، وتقدم في الصلاة عن أم سلمة أنها سألت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أتصلي المرأة في درع وخمار وليس عليها إزار؟ قال: "إذا كان الدرع ¬

_ (¬1) انظر: "مختصر الطحاوي" (ص 28)، "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 307 (م 265)، "المحيط البرهاني" 1/ 279. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) "المدونة" 1/ 186. (¬4) "الأم" 2/ 201، وانظر: "الحاوي" 2/ 169. (¬5) "المجتبى" 8/ 209 من حديث ابن عمر بهذا اللفظ، ومن حديث أم سلمة بلفظ: "ترخي ذراعًا".

سابغًا يغطي ظهور قدميها" (¬1) وسيأتي له مزيد في الحديث بعده إن شاء اللَّه تعالى (لا تزيد عليه) أي: الزيادة على الذراع حرام؛ لقوله: "فما زاد على الكعبين فهو في النار" (¬2). [4118] (حدثنا إبراهيم (¬3) بن موسى) الرازي (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق (عن عبيد اللَّه) بن عمر بن حفص (عن نافع، عن سليمان بن يسار) مولى ميمونة (عن أم سلمة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بهذا الحديث) المذكور. (قال) المصنف و (رواه ابن إسحاق، وأيوب بن موسى، عن نافع، عن صفية) بنت شيبة. [4119] و (حدثنا مسدد، ثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن سفيان) بن سعيد الثوري (أنا زيد) بن الحواري البصري كنيته أبو الحواري (العمَّي) بفتح العين المهملة، وتشديد الميم، قاضي هراة، قيل له: العمي؛ لأنه كان كلما سئل عن شيء قال: حتى أسأل عنه عمي، ولا يحتج بحديثه. (عن أبي (¬4) الصديق) بكسر الصاد، والدال المشددة، اسمه بكر بن عمرو الناجي (عن ابن عمر) رضي اللَّه عنهما (قال: رخص رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬

_ (¬1) سبق برقم (640). (¬2) رواه البخاري (5787) من حديث أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: "ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار"، وسبق برقم (4093) من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا بلفظ: "ما كان أسفل من الكعبين فهو في النار". (¬3) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬4) فوقها في (ح، ل): (ع).

لأمهات المؤمنين) رضي اللَّه عنهن، لعلهن سبب الرخصة؛ فإن الرخصة لا تختص بهن، بل تعمهن وغيرهن من النساء أن يرخين (في الذيل شبرًا، ثم استزدنه فزادهن شبرًا) فالشبر الأول والثاني تفسير للذراع في الحديث الذي (¬1) قبله، والظاهر أن الذراع المذكور في الحديثين يكون بعد إزرة المؤمن من نصف ساقه، ولو حملناه على ما فوق الكعبين لجاوز القدمين، ومجاوزتهما منهي عنه، ويحتمل أن يكون الشبر نظير نصف الساق، والذراع نظير الكعبين على ما تقدم من الجواز والتحريم. قال ابن عمر: (فكن) يعني: أمهات المؤمنين (يرسلن إلينا) يعني: بالثياب. لفظ ابن ماجه: فكن يأتيننا (¬2) (فنذرع) بفتح النون والراء (لهن) أي: نقيس بالذراع. ولابن ماجه زيادة ولفظه: فنذرع لهن بالقصب (¬3). (ذراعًا) يعني: زائدًا على ثياب الرجال. وفي رواية ابن ماجه دليل على أن الذراع من القصب أولى من الحديد والخشب وجريد النخل مع أنه أكثر أشجارهم. * * * ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل، م). (¬2) "سنن ابن ماجه" (3581). (¬3) السابق.

40 - باب في أهب الميتة

40 - باب في أُهُبِ المَيْتَةِ 4120 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَوَهْبُ بْنُ بَيانٍ وَعُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ وابْنُ أَبي خَلَفٍ، قالُوا: حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابن عَبّاسٍ -قالَ مُسَدَّدٌ وَوَهْبٌ-، عَنْ مَيْمُونَةَ قالَتْ: أُهْدي لِمَوْلاةٍ لَنا شاةٌ مِنَ الصَّدَقَةِ فَماتَتْ فَمَرَّ بِها النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ: "أَلا دَبَغْتُمْ إِهابَها فاسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ". قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّها مَيْتَةٌ. قالَ: "إِنَّما حُرِّمَ أَكْلُها" (¬1). 4121 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَزِيدُ، حَدَّثَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْري بهذا الحَدِيثِ لَمْ يَذْكُرْ مَيْمُونَةَ قالَ: فَقالَ: "أَلا انْتَفَعْتُمْ بِإِهابِها". ثُمَّ ذَكَرَ مَعْناهُ لَمْ يَذْكرِ الدِّباغَ (¬2). 4122 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ قالَ: قالَ مَعْمَرٌ وَكانَ الزُّهْري يُنْكِرُ الدِّباغَ وَيَقُول: يُسْتَمْتَعُ بِهِ عَلَى كُلِّ حالٍ. قالَ أَبُو داوُدَ: لَمْ يَذْكُرِ الأَوْزاعي وَيُونُسُ وَعُقَيْلٌ في حَدِيثِ الزُّهْري الدِّباغَ وَذَكَرَهُ الزُّبَيْدي وَسَعِيدُ بْن عَبْدِ العَزِيزِ وَحَفْصُ بْنُ الوَليدِ ذَكَرُوا الدِّباغَ (¬3). 4123 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "إِذا دُبغَ الإِهابُ فَقَدْ طَهُرَ" (¬4). 4124 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبانَ، عَنْ أُمِّهِ عَنْ عائِشَةَ زَوْجِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (363/ 100). (¬2) رواه البخاري (2221)، ومسلم (363/ 101). (¬3) رواه عبد الرزاق 1/ 62 (185). (¬4) رواه مسلم (366).

رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَمَرَ أَنْ يُسْتَمْتَعَ بِجُلُودِ المَيْتَةِ إِذا دُبِغَتْ (¬1). 4125 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْن عُمَرَ وَمُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ قالا: حَدَّثَنا هَمّامٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ جَوْنِ بْنِ قَتادَةَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ المُحَبَّقِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- في غَزْوَة تَبُوكَ أَتَى عَلَى بَيْتٍ فَإذا قِرْبَةٌ مُعَلَّقَةٌ فَسَأَلَ الماءَ فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّها مَيْتَةٌ. فَقالَ: "دِباغُها طُهُورُها" (¬2). 4126 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن صالِحٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ أَخْبَرَني عَمْرٌو -يَعْني: ابن الحارِثِ- عَنْ كَثِيرِ بْنِ فَرْقَدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مالِكِ بْنِ حُذافَةَ، حَدَّثَهُ عَنْ أُمِّهِ العالِيَةِ بِنْتِ سُبَيْعٍ أَنَّها قالَتْ: كانَ لي غَنَمٌ بِأحُدٍ فَوَقَعَ فِيها المَوْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَذَكَرْت ذَلِكَ لها فَقالَتْ لي مَيْمُونَةُ: لَوْ أَخَذْتِ جُلُودَها فانْتَفَعْتِ بِها. فَقالَتْ: أَوَيَحِلُّ ذَلِكَ؟ قالَتْ: نَعَمْ. مَرَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- رِجالٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَجُرُّونَ شاةً لهُمْ مِثْلَ الحِمارِ فَقالَ لهُمْ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَوْ أَخَذْتُمْ إِهابَها". قالُوا: إِنَّها مَيْتَةٌ. فَقالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يُطَهِّرُها الماءُ والقَرَظُ" (¬3). * * * باب أهب الميتة الأهب بضم الهمزة والهاء، ويجوز فتحهما جمع إهاب. [4120] (حدثنا مسدد ووهب بن بيان) بفتح الموحدة والمثناة، ¬

_ (¬1) رواه النسائي 7/ 176، وابن ماجه (3612)، وأحمد 6/ 73. وحسنه الألباني في "المشكاة" (509). (¬2) رواه النسائي 7/ 173، وأحمد 3/ 476. وصححه الألباني. (¬3) رواه النسائي 7/ 174، وأحمد 6/ 333. وصححه الألباني في "الصحيحة" (2163).

الواسطي، ثقة (وعثمان بن أبي شيبة و) محمد بن أحمد (ابن أبي خلف) القطيعي البغدادي، شيخ مسلم (قالوا) الأربعة (ثنا سفيان) بن عيينة. (عن) محمد بن شهاب (الزهري، عن عبيد (¬1) اللَّه) بالتصغير (ابن عبد اللَّه) بن أبي ثور (عن ابن عباس) رضي اللَّه عنهما (قال مسدد) في روايته (ووهب) بن بيان (عن) ابن عباس عن (ميمونة: أهدي) بضم الهمزة، وكسر الدال (لمولاة لنا) لفظ مسلم: تصدق على مولاة لميمونة (¬2) (شاة من الصدقة فماتت، فمر بها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-). فيه دليل على جواز إلقاء الميتة على الطريق التي يمر بها الناس. (فقال: ألا) بفتح الهمزة والتشديد، معناها التحضيض على الفعل بمعنى (هلا) وفي رواية لمسلم: "هلا انتفعتم" (¬3) ويجوز أن تكون همزة (ألا) مبدلة من هاء. (دبغتم إهابها) الإهاب بكسر الهمزة. قيل: هو الجلد مطلقا. وقيل: هو الجلد قبل الدباغ، فأما بعده فلا يسمى إهابًا (واستمتعتم به) لفظ مسلم: "هلا انتفعتم بجلدها" (¬4) وهو أخص. (قالوا: يا رسول اللَّه، إنها ميتة. قال: إنما حرم) روي بوجهين: أحدهما بفتح الحاء وضم الراء، و (حُرِّم) بضم الحاء، وكسر الراء المشددة (أكلها) وفي هذا اللفظ دلالة على تحريم أكل جلد الميتة، ¬

_ (¬1) فوقها في (ح): (ع). (¬2) "صحيح مسلم" (363). (¬3) "صحيح مسلم" (363) (101). (¬4) السابق.

وهو الصحيح عندنا (¬1)، ووجه الدلالة من الحديث أن الضمير في قوله: (حرم أكلها) عائد على الميتة، وهي تجمع الجلد واللحم، سواء دبغ الجلد أو لم يدبغ. وللقائل بجواز أكل الجلد المدبوغ أن يقول: المراد بالحديث تحريم أكل لحمها دون الجلد، وهذا تخصيص بلا تخصيص، وشرط جواز أكل جلد الميتة المدبوغ أن يكون من مأكول اللحم؛ لأن المسألة في ميتة الشاة كما في أول الحديث، وهي مأكولة (¬2) اللحم، فأما ما لا يؤكل لحمه كالكلب والخنزير فلا يدخل في هذا. [4121] (حدثنا مسدد، ثنا يزيد) بن زريع البصري (ثنا معمر، عن الزهري بهذا الحديث) و (لم يذكر) في هذِه الرواية (¬3) (ميمونة) بل الحديث عن ابن عباس، وكذا أخرجه عن ابن عباس، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- البخاري (¬4) ومسلم (¬5) والنسائي (¬6) و (قال: ) هنا (فقال: ) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (ألا) بالتشديد أيضًا (انتفعتم بإهابها. ثم ذكر معناه) المذكور. و (لم يذكر الدباغ) ولم يذكر الأوزاعي ويونس وعقيل، عن الزهري: الدباغ، وقد احتج الزهري بكون الدباغ لم يذكر في الرواية على ما ذهب إليه من أنه ينتفع بجلود الميتة وإن لم تدبغ، ويجوز استعمالها ¬

_ (¬1) انظر: "الأوسط" 2/ 396، "الحاوي" 1/ 66، "نهاية المطلب" 1/ 29. (¬2) في (ل، م): من مأكول. (¬3) ساقطة من (م)، وفي (ل): الحديث. (¬4) "صحيح البخاري" (1492). (¬5) "صحيح مسلم" (363)، (365). (¬6) "المجتبى" 7/ 172، 173.

في اليابسات والمائعات وهو وجه لبعض أصحابنا (¬1) لا تفريع عليه ولا التفات إليه. ويجاب عن احتجاج الزهري بأن روايته مطلقة، وجاءت الروايات الصحيحة بتقييده بأن الدباغ طهوره، ومخرجهما وسببهما واحد، فيحمل المطلق على المقيد على القاعدة الأصولية. [4122] (حدثنا محمد بن يحيى) بن عبد اللَّه بن خالد الذهلي، روى عنه البخاري في "الصحيح"، لكنه لم يبينه لقضية اتفقت له معه فتارة يقول: محمد بن خالد، وتارة يقول: محمد. وتارة يقول: محمد بن عبد اللَّه. (ثنا عبد الرزاق قال: قال معمر: وكان) محمد بن شهاب (الزهري ينكر) اشتراط (الدباغ ويقول: ) عن الميتة (يستمتع) مبني للمفعول والفاعل (بها على كل حال) في الجوامد واليابسات وغيرها وإن لم تدبغ. (قال: ) المصنف (لم يذكر الأوزاعي ويونس وعقيل) مصغر (في حديث الزهري الدباغ، وذكره) محمد بن الوليد (الزبيدي) (¬2) بضم الزاي (وسعيد بن عبد العزيز) التنوخي، أخرج له مسلم (وحفص بن الوليد) الحضرمي أمير مصر لهشام (ذكروا) كلهم (الدباغ) عن شيخهم الزهري. [4123] (ثنا محمد بن كثير) العبدي (أنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن زيد (¬3) بن أسلم) العمري (عن عبد الرحمن بن وعلة) بفتح الواو ¬

_ (¬1) قال النووي: حكوه عن الزهري. "المجموع" 1/ 270. (¬2) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬3) فوقها في (ح): (ع).

وإسكان العين المهملة، السبئي بفتح السين المهملة والباء الموحدة ثم همزة (عن ابن عباس) رضي اللَّه عنهما (قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: إذا دبغ الإهاب) بالماء والقرظ كما سيأتي في كلام المصنف، وقد يؤخذ منه أنه لا يفتقر في الدباغ فعل فاعل، فلو أطارت الريح جلد ميتة فوقع في مدبغة طهر (فقد طهر) بفتح الهاء وضمها، لغتان، الفتح أفصح وأشهر، وفيه حجة لمذهب الجمهور أن جلد الميتة يطهر بالدباغ ظاهره وباطنه، ويجوز استعماله في الأشياء المائعة واليابسة (¬1). [4124] (حدثنا عبد اللَّه بن مسلمة) القعنبي (عن مالك، عن يزيد (¬2) ابن عبد اللَّه بن قسيط) الليثي (عن محمد (¬3) بن عبد الرحمن بن ثوبان) بفتح الثاء المثلثة العامري مولاهم المدني (عن أمه) قال المنذري: لم تنسب أمه ولم تسم (¬4). (عن عائشة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر) (¬5) أمر إباحة (أن يستمتع) مبني للمفعول، وروي: يستنفع. بالفاء (¬6) (بجلود الميتة) التي يؤكل لحمها (إذا دبغت) احتج بعموم الجلود أبو يوسف وداود على أن الدباغ يؤثر في جميعها حتى الخنزير (¬7)، ومذهب الشافعي ومالك ¬

_ (¬1) انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 60 (م 75)، "الأوسط" 2/ 398. (¬2) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬3) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬4) "مختصر سنن أبي داود" 6/ 65. (¬5) في حاشية (ح) وصلب (ل، م): روي: أمره. (¬6) رواها أحمد 6/ 73 بلفظ: ينتفع. (¬7) انظر: "المبسوط" 1/ 202.

وأبي حنيفة كذلك، إلا أن مالكًا وأبا حنيفة استثنيا الخنزير (¬1)، وزاد الشافعي الكلب فاستثناه أيضًا (¬2)، واستثنى الأوزاعي وأبو ثور جلد ما لا يؤكل لحمه كالبغل والحمار (¬3). [1425] (حدثنا حفص بن عمر) الحوضي (وموسى بن إسماعيل) التبوذكي (قالا: ثنا همام، عن قتادة، عن الحسن) بن أبي الحسن البصري (عن جون) بفتح الجيم (ابن قتادة) بن الأعور التميمي البصري، ذكره في الصحابة (عن سلمة بن المحبق) بفتح الحاء المهملة، والباء الموحدة المشددة. وقيل: هو سلمة بن ربيعة بن المحبق الهذلي، نزيل البصرة. قال المنذري: هو صحابي، واسم المحبق صخر (¬4). قال: وبعض أهل اللغة يقول: الباء مكسورة، وإنما سماه أبوه المحبق؛ تفاؤلًا بشجاعته أنه يضرط أعداءه (¬5). (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) وهو (في غزوة تبوك أتى على بيت فإذا) فيه (قربة معلقة) فيه تعليق قربة الماء لتبريد الماء؛ ولأنه أسلم له من الآفات (فسأل) [بفتح الهمزة] (¬6) (الماء) ليشرب أو ليتوضأ. وللنسائي زيادة، ولفظه: أن ¬

_ (¬1) انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 4/ 381 (م 264)، "أحكام القرآن" للجصاص 1/ 142، "المبسوط" 1/ 252، "بدائع الصنائع" 1/ 85، "عيون الأدلة" 2/ 885 (م 40)، "الذخيرة" 1/ 166. (¬2) "الأم" 2/ 29، وانظر: "الأوسط" 2/ 440. (¬3) انظر: "عيون الأدلة" 2/ 902، "الاستذكار" 15/ 326. (¬4) "مختصر سنن أبي داود" 6/ 66. (¬5) السابق. (¬6) ساقطة من (ل، م).

نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في غزوة تبوك دعا بماء من عند امرأة. قالت: ما عندي إلا في قربة لي ميتة. قال: "أليس قد دبغتها؟ " قالت: بلى. قال: "فإن دباغها ذكاتها" (¬1). (فقالوا: يا رسول اللَّه، إنها ميتة. فقال: دباغها طهورها) بفتح الطاء. فيه دليل على أن الدباغ يؤثر في طهارة الجلد لوضع الماء فيه، وقد اتفق كل من رأى أن الدباغ مؤثر أنه يؤثر في إثبات الطهارة الكاملة سوى مالك في إحدى الروايتين عنه، فإنه منع أن تؤثر الطهارة الكاملة وإنما تؤثر في اليابسات وفي الماء وحده من بين سائر المائعات وإبقاء الماء في خاصة نفسه على الطهارة (¬2). [4126] (حدثنا أحمد بن صالح) المصري (ثنا) عبد اللَّه (ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري (عن كثير بن فرقد) المدني، أخرج له البخاري في العيدين والأضاحي (¬3) (عن عبد اللَّه بن مالك بن حذافة) بضم الحاء المهملة، حجازي، نزل مصر، رواية النسائي: عبيد اللَّه -مصغر- ابن مالك بن قدامة (¬4). ¬

_ (¬1) "المجتبى" 7/ 173 - 174. (¬2) انظر: "الاستذكار" 15/ 343. (¬3) "صحيح البخاري" (982)، (5552). (¬4) في المطبوع من "المجتبى" 7/ 174: عبد اللَّه بن مالك بن حذافة. ولم أجد لفظ "عبيد اللَّه" بالتصغير ولا لفظ "قدامة"، وإنما ذكر المزي في "تحفة الأشراف" 12/ 498 (18084) زيادة في نسخة للنسائي في الذبائح بلفظ: (عبد اللَّه بن مالك ابن قدامة) بدون لفظ: (عبيد اللَّه)، وخطأها المزي.

قال المزي: وهو خطأ، صوابه: حذافة (¬1). (حدثه عن أمه العالية) بالعين المهملة (بنت سبيع) بضم السين المهملة وفتح الموحدة مصغر، وقد وثقت (أنها قالت: كانت) رواية الخطيب: كان (لي غنم بأحد) وهو الجبل المعروف (فوقع فيها الموت) الكثير. (فدخلت على ميمونة) بنت الحارث (زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فذكرت ذلك) الموت الذي وقع في غنمي (فقالت لي ميمونة) رضي اللَّه عنها (لو أخذت جلودها فانتفعت بها فقالت: أويحل) بفتح الواو (ذلكِ) بكسر الكاف (قالت: نعم) يحل ذلك، لقد (مر على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رجال من قريش) وهم (يجرون شاة لهم) الشاة تطلق على الذكر والأنثى، وكذلك الحداية والبهيمة والحية والبطة والحمامة (مثل الحمار) لفظ النسائي: مثل الحصان (¬2). يعني: بكسر الحاء، وهو الفرس العتيق، وفيه جواز جر الحيوان الميت على التراب إلى أن يرميه. (فقال لهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لو) يحتمل أن تكون "لو" للعرض نحو قوله: ليتك تنزل عندنا فتصيب خيرًا (أخذتم إهابها) فدبغتموه فانتفعتم به (قالوا: إنها ميتة) يا رسول اللَّه. (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: يطهرها الماء والقرظ) بفتح القاف والراء قيل: هو ورق السلم يدبغ به، وبه سمي سعد القرظ المؤذن. وقيل: هو حب يخرج في غلف كالعدس من شجر العضاه. ومن قال: هو ورق السلم ¬

_ (¬1) "تحفة الأشراف" 12/ 498 (18084). (¬2) "المجتبى" 7/ 174 - 175.

الذي يدبغ به الأديم فقد تسامح؛ لأن الورق يسمى الخبط يعلف للدواب الحمال، وقيل: هو شجر، وهو تسامح؛ فإنهم يقولون جنيت القرظ، والشجر لا يجنى، وإنما يجنى ثمره، وتصغير الواحدة قريظة وبها سمي بنو قريظة، وفي معنى القرظ الشث بالشين المعجمة والثاء المثلثة، وهو شجر طيب الريح، مر الطعم، ينبت في الجبال، ويؤخذ من إطلاق القرظ أنه لا يشترط طهارته، كما هو مذهب الشافعي، وقيل: يشترط طهارته، فإن كان نجسًا لم يطهر الجلد؛ لأنها طهارة من نجاسة، فلم تحصل بنجس كالاستجمار والوضوء والغسل، وقد استدل بذكر الماء مع القرظ على (¬1) أن الجلد لا يطهر بمجرد الدبغ، بل لا بد من غسله بالماء بعد الدبغ؛ لأن ما يدبغ به ينجس بملاقاة الجلد، فإذا اندبغ الجلد بقيت الآلة نجسة، فتبقى نجاسة الجلد لملاقاتها له، فلا يزول إلا بالغسل. وقيل: لا يحتاج إلى الماء؛ للحديث المتقدم: "إذا دبغ الإهاب فقد طهر" (¬2) والحديثين اللذين بعده؛ ولأنه طهر بانقلابه فلم يفتقر إلى وصول الماء إليه كالخمرة إذا انقلبت خلًّا (¬3)، والأول مذهب الشافعي والجمهور (¬4). * * * ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل، م). (¬2) سبق قريبًا برقم (4123) من حديث ابن عباس مرفوعًا. (¬3) في (ح، م): خمرًا. (¬4) انظر: "الاستذكار" 15/ 344، "البيان والتحصيل" 3/ 357، "المهذب" للشيرازي 1/ 10، "البيان" للعمراني 1/ 72، "المغني" 1/ 95 - 96.

41 - باب من روى أن لا ينتفع بإهاب الميتة

41 - باب مَنْ رَوى أَنْ لا يُنْتَفَع بِإِهابِ المَيْتَةِ 4127 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْن عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي لَيْلَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ قالَ: قُرِئَ عَلَيْنا كِتابُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِأَرْضِ جُهَيْنَةَ وَأَنا غُلامُ شابٌّ: "أَنْ لا تَسْتَمْتِعُوا مِنَ المَيْتَةِ بِإِهابٍ وَلا عَصَبٍ" (¬1). 4128 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن إِسْماعِيلَ مَوْلَى بَني هاشِمٍ، حَدَّثَنا الثَّقَفي، عَنْ خالِدٍ، عَنِ الحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ أَنَّهُ انْطَلَقَ هُوَ وَناسٌ مَعَة إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكيْمٍ -رَجُلٍ مِنْ جُهَيْنَةَ- قالَ الحَكَمُ: فَدَخَلُوا وَقَعَدْتُ عَلَى البابِ فَخَرَجُوا إِليَّ فَأَخْبَرُوني أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ عُكَيْمٍ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كَتَبَ إِلَى جُهَيْنَةَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ أَنْ لا يَنْتَفِعُوا مِنَ المَيْتَةِ بِإِهابٍ وَلا عَصَبٍ. قالَ أَبُو داوُدَ: فَإِذا دُبِغَ لا يُقالُ لَهُ إِهابٌ إِنَّما يُسَمَّى شَنّا وَقرْبَةً، قالَ النَّضْرُ بْن شُمَيْلٍ: يُسَمَّى إِهابًا ما لَمْ يُدْبَغْ (¬2). * * * باب من روى أن لا ينتفع (¬3) بإهاب الميتة [4127] (ثنا حفص بن عمر) الحوضي (ثنا شعبة، عن الحكم) (¬4) بن عتيبة الكندي مولاهم (عن عبد (¬5) الرحمن بن أبي ليلى) الأنصاري، عالم الكوفة (عن عبد اللَّه بن عكيم) بضم العين المهملة وفتح الكاف مصغر أبو ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1729)، والنسائي 7/ 175، وابن ماجه (3613)، وأحمد 4/ 310. وصححه الألباني في "الإرواء" (38). (¬2) انظر السابق. (¬3) في حاشية (ح) وصلب (ل، م): نسخة: يستمتع. (¬4) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬5) فوقها في (ح، ل): (ع).

معبد الكوفي، أدرك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ولم يره، ولم يعرف له سماع صحيح، بل سمع كتابه ومن أبي بكر وعمر (¬1) وحذيفة. (قال: قرئ) مبني للمفعول (علينا كتاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) وللنسائي: كتب إلينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2). (بأرض جهينة) وهي قبيلة من قضاعة نزلوا البصرة والكوفة (وأنا كلام شاب) فقال فيه (أن لا تستمتعوا من الميتة بإهاب ولا عصب) بفتح العين والصاد المهملتين واحد الأعصاب، وهو من أطناب المفاصل، وفيه حجة لما روي عن مالك (¬3) وأحمد (¬4) أن الجلد بعد الدباغ نجس قالا: وهو ناسخ لأحاديث: "إذا دبغ الإهاب فقد طهر" (¬5)؛ لأنه في آخر عمره -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولأنه جاء في رواية: "كنت رخصت لكم" (¬6) وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من أمر رسول اللَّه ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل، م). (¬2) "المجتبى" 7/ 175. (¬3) رواها أشهب عن الإمام مالك، ونقلها ابن عبد البر في "الاستذكار" 15/ 326، وابن رشد في "البيان والتحصيل" 1/ 101. (¬4) وعن أحمد فيه روايتين والمشهور في المذهب نجاسة الجلد بعد الدباغ، ولا خلاف في نجاسته قبل الدباغ. انظر: "المغني" 1/ 89. (¬5) رواه مسلم (366)، وسبق برقم (4123) كلاهما من حديث ابن عباس مرفوعًا. (¬6) رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" 1/ 39 (104) من حديث عبد اللَّه بن عكيم مرفوعًا. قال الزيلعي في "نصب الراية" 1/ 121 بعد ما ذكره وعزاه للطبراني في "الأوسط": في سنده فضالة بن مفضل بن فضالة المصري، قال أبو حاتم: لم يكن بأهل أن نكتب عنه العلم. قلت: لكن هذِه الرواية جاءت بلفظ: "إني كنت رخصت لكم في جلود الميتة، فلا تنتفعوا من الميتة بجلد ولا عصب"، ورواية حديث الباب بلفظ: "إهاب" بدل =

-صلى اللَّه عليه وسلم-. فإن قيل: هذا مرسل؛ لأنه من كتاب لا يعرف حامله، فأجابا بأن كتاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كلفظه، ولولا ذلك لم يكتب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لأحد، وقد كتب إلى ملوك الأطراف وإلى غيرهم فلزمتهم الحجة به، وحصل به البلاغ. وروى أبو بكر الشافعي بإسناده عن أبي الزبير، عن جابر أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تنتفعوا من الميتة بشيء" (¬1) وإسناده حسن، ولأنه جزء من الميتة، فكان نجسًا؛ لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} (¬2) وحمل أصحابنا حديث الباب على ما لم يدبغ كما سيأتي. [4128] (حدثنا محمد بن إسماعيل) بن أبي سمينة البصري (مولى بني هاشم) روى البخاري عن محمد بن أبي غالب، عنه (ثنا) عبد الوهاب بن عبد المجيد بن الصلت بن عبيد اللَّه بن الحكم بن أبي العاص (الثقفي) (¬3) أحد الأشراف (عن خالد) بن محمد الثقفي (¬4)، ثقة (عن الحكم بن عتيبة) [بضم العين وفتح المثناة فوق] (¬5). (أنه انطلق هو وناس معه إلى عبد اللَّه بن عكيم) تقدم قبله (رجل) ¬

_ = "جلد" التي في رواية الطبراني، والمحفوظ أن الإهاب هو الجلد قبل الدبغ. انظر: "السلسلة الصحيحة" 6/ 741 - 742. (¬1) رواه الطحاوي أيضًا عن الزبير، عن جابر مرفوعًا في "شرح معاني الآثار" 1/ 468 - 469. وانظر: "المغني" لابن قدامة 1/ 99. (¬2) المائدة: 3. (¬3) فوقها في (ح): (ع). (¬4) كذا في النسخ: بن محمد الثقفي. والصواب: ابن مهران الحذاء. انظر: "التاريخ الكبير" 18/ 503 (3604). (¬5) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل، م).

بالجر (من جهينة قال الحكم) بن عتيبة (فدخلوا) إليه (وقعدت على الباب) لعله قعد لعذر له أو ليحفظ متاعهم (فخرجوا إليَّ) فسألتهم (فأخبروني أن عبد اللَّه بن عكيم أخبرهم أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كتب إلى) قبيلة (جهينة) فيه جواز العمل بالكتابة (قبل موته بشهر) وفي رواية لغير المصنف: قبل بموته بشهرين (¬1)، استدل به على أن هذا ناسخ لحديث عائشة أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر أن يستمتع بجلود الميتة إذا دبغت، رواه أبو داود (¬2) والنسائي (¬3) وابن ماجه (¬4). قال النووي: أسانيده جيدة لتأخره عنه. قالوا: وإنما يعمل بالآخر من أمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وعمل أصحابنا وغيرهم بحديث عائشة، وحملوا حديث عبد اللَّه بن عكيم في قوله: (أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب) على أن المراد بالإهاب ما كان قبل الدباغ، وحديث عائشة على ما بعد الدباغ، والجمع بين الأحاديث ولو من وجه أولى من إلغاء أحدهما بالنسخ وغيره. واستدل بعضهم بحديث الباب على أنه لا ينتفع بجلد الميتة في اليابسة؛ لأن العصب لا يطلق غالبًا إلا على اليابس، والمشهور استعماله في اليابسات والمائعات إذا كان مدبوغًا، وهذا الباب في غير المدبوغ كما تقدم. ¬

_ (¬1) رواها أحمد 4/ 310 بلفظ: "قبل وفاته بشهر أو شهرين". (¬2) سبق قريبًا برقم (4124). (¬3) "المجتبى" 7/ 176. (¬4) "سنن ابن ماجه" (3612).

(قال: ) المصنف (فإذا دبغ لا يقال: إهاب) و (إنما يسمى شنًّا) بفتح الشين، وهو القربة الخلق (أو قربة). (قال أبو داود: إليه يذهب أحمد) في رواية. و(قال) المصنف أيضًا (سمعت أحمد بن شبويه) بفتح المعجمة (¬1) وتشديد الموحدة (قال: قال) أبو الحسن (النضر بن شميل) مصغر المازني البصري النحوي، شيخ مرو ومحدثها، إنما (يسمى) الجلد (إهابا ما لم يدبغ، فإذا دبغ سمي شنًّا وقربة) وقال بعضهم: هو الجلد مطلقًا، وهذا الإطلاق هو الذي يدل عليه قول أكثر الفقهاء في حديث: "إذا دبغ الإهاب فقد طهر" (¬2) وما في معناه. * * * ¬

_ (¬1) في (ل، م): الشين. (¬2) رواه مسلم (366)، وسبق برقم (4123) كلاهما من حديث ابن عباس مرفوعًا.

42 - باب في جلود النمور والسباع

42 - باب فِي جُلُودِ النُّمُورِ والسِّباعِ 4129 - حَدَّثَنا هَنّادُ بْنُ السَّري، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ أَبي المُعْتَمِرِ، عَنِ ابن سِيِرينَ، عَنْ مُعاوِيَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تَرْكَبُوا الخَزَّ وَلا النِّمارَ". قالَ وَكانَ مُعاوِيَةُ لا يُتَّهَمُ في الحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-. قالَ لَنا أَبُو سَعِيدٍ قالَ لَنا أَبُو داوُدَ أَبُو المُعْتَمِرِ: اسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ طَهْمانَ كانَ يَنْزِلُ الحِيرَةَ (¬1). 4130 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشّارٍ، حَدَّثَنا أَبُو داوُدَ، حَدَّثَنا عِمْرانُ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ زُرارَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "لا تَصْحَبُ المَلائِكَةُ رُفْقَةً فِيها جِلْدُ نَمِرٍ" (¬2). 4131 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عُثْمانَ بْنِ سَعِيدٍ الحِمْصي، حَدَّثَنا بَقِيَّةُ، عَنْ بَحِيرٍ، عَنْ خالِدٍ قالَ: وَفَدَ المِقْدامُ بْنُ مَعْدِيكَرِبَ وَعَمْرُو بْن الأَسْوَدِ وَرَجُلٌ مِنْ بَني أَسَدٍ مِنْ أَهْلِ قِنَّسْرِينَ إِلَى مُعاوِيَةَ بْنِ أَبي سُفْيانَ، فَقالَ مُعاوِيَةُ لِلْمِقْدامِ: أَعَلِمْتَ أَنَّ الحَسَنَ ابْنَ عَلي تُوُفّي فَرَجَّعَ المِقْدامُ فَقالَ لَهُ رَجُلٌ: أَتَراها مُصِيبَةً؟ قالَ لَهُ: وَلِمَ لا أَراها مُصِيبَةً وَقَدْ وَضَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- في حِجْرِهِ فَقالَ: "هذا مِنّي وَحُسَيْنٌ مِنْ عَليٍّ". فَقالَ الأَسَدي: جَمْرَةٌ أَطْفَأَها اللَّه عز وجل. قالَ: فَقالَ المِقْدامُ أَمّا أَنا فَلا أَبْرَحُ اليَوْمَ حَتَّى أُغِيظَكَ وَأُسْمِعَكَ ما تَكْرَهُ. ثُمَّ قالَ: يا مُعاوِيةُ إِنْ أَنا صَدَقْتُ فَصَدِّقْني وِإِنْ أَنا كَذَبْتُ فَكَذِّبْني قالَ: أَفْعَل. قالَ: فَأَنْشُدُكَ باللَّهِ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ؟ قالَ: نَعَمْ. قالَ: فَأَنْشُدُكَ باللَّهِ هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَنْهَى عَنْ لُبْسِ الحَرِيرِ؟ قالَ: نَعَمْ. قالَ: فَأَنْشُدُكَ باللَّهِ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عَنْ لُبْسِ ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (3656)، وأحمد 4/ 93. وصححه الألباني في "الصحيحة" تحت حديث (4722). (¬2) رواه ابن المنذر في "الأوسط" 2/ 436. وقال الألباني في "الضعيفة": منكر.

جُلُودِ السِّباعِ والرُّكُوبِ عَلَيْها؟ قالَ: نَعَمْ. قالَ: فَواللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ هذا كُلَّهُ في بَيْتِكَ يا مُعاوِيَةُ. فَقالَ مُعاوِيَةُ: قَدْ عَلِمْتُ أَنّي لَنْ أَنْجُوَ مِنْكَ يا مِقْدامُ. قالَ خالِدٌ: فَأَمَرَ لَهُ مُعاوِيَةُ بِما لَمْ يَأْمُرْ لِصاحِبَيْهِ وَفَرَضَ لابْنِهِ في المِائَتَيْنِ فَفَرَّقَها المِقْدامُ في أَصْحابِهِ، قالَ: وَلَمْ يُعْطِ الأَسَدي أَحَدًا شَيْئًا مِمّا أَخَذَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعاوِيَةَ فَقالَ: أَمّا المِقْدامُ فَرَجُلٌ كَرِيمٌ بَسَطَ يَدَهُ وَأَمّا الأَسَدي فَرَجُلٌ حَسَنُ الإِمْساكِ لِشَيْئِهِ (¬1). 4132 - حَدَّثَنا مُسَدَّدُ بْن مُسَرْهَدٍ أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ وَإِسْماعِيلَ بْنَ إِبْراهِيمَ حَدَّثاهُمُ -المَعْنَى- عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَبي المَلِيحِ بْنِ أُسامَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عَنْ جُلُودِ السِّباعِ (¬2). * * * باب في جلود النمور وفي بعض النسخ: والسباع، ولعلها رواية اللؤلؤي. [4129] (حدثنا هناد بن السري) الكوفي، شيخ مسلم (عن وكيع، عن أبي المعتمر) يزيد بن طهمان الرقاشي، صدوق (عن) محمد (ابن سيرين، عن معاوية) بن أبي سفيان الخليفة، من مسلمة الفتح. (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا تركبوا الخز) بفتح المعجمة ثم زاي أي: الركوب على الخز، والخز إن أريد به الاستعمال الأول، وهي الثياب التي تنسج من صوف وإبريسم أو المتخذ من وبر دابة فهي مباحة، وقد ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في "مسند الشاميين" 2/ 170، وفي "الكبير" 20/ 268. وصححه الألباني. (¬2) رواه الترمذي (1770)، والنسائي 7/ 176، وأحمد 5/ 74. وصححه الألباني في "المشكاة" (506).

لبسها الصحابة والتابعون، فيكون النهي عنها؛ لأجل التشبه بالعجم وزي المترفهين والمتكبرين بالتفاخر على غيرهم، وإن أريد بالخز النوع الآخر، وهو المعروف الآن فهو حرام؛ لأن جميعه معمول من الإبريسم، وعليه يحمل الحديث المتقدم: "قوم يستحلون الخز" (¬1) وفي رواية: "لا تُركبوا" بضم أوله وكسر ثالثه "الجند" بضم الجيم وسكون النون، ثم دال؛ واحد الجنود. يعني: لا تركبوا الجند الذين ترسلونهم لتنتصروا بهم على ما حرم عليكم من الخز والنمار (ولا) تركبوا على (النمار) (¬2)، وفي رواية: "النمور"، وكلاهما جمع نمر بفتح النون وكسر الميم، ويجوز التخفيف بكسر النون وسكون الميم (¬3)، وهو سبع أخبث وأجرأ من الأسود (¬4)، وهو منقط الجلد نقطًا سوداء، وفيه شبه من الأسد، إلا أنه أصغر منه، ورائحة فمه طيبة بخلاف السبع، في طبعه عداوة الأسد، بينهما سجال، وهو بعيد الوثبة، فربما وثب أربعين ذراعًا، ولا يأكل من صيد غيره، وإنما نهي عن استعمال جلوده؛ لما فيها من الزينة والخيلاء؛ ولأنه زي العجم. وفي حديث أبي أيوب أنه أتي بدابة سرجها نمور، فنزع الصفة -يعني: الميثرة- فقيل: الجديات نمور. فقال: إنما نهي عن الصفة. حكاه في "النهاية" (¬5)، وعموم النهي شامل للمذكى وغيره؛ لأنه يحرم أكله. ¬

_ (¬1) سبق برقم (4039) من حديث أبي عامر أو أبي مالك الأشعري مرفوعًا. (¬2) رواها ابن ماجه (3656). (¬3) في جميع النسخ: النون، والمثبت هو الصواب. (¬4) في (ل، م): السبع. (¬5) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 249، 5/ 118.

(قال) المصنف (وكان معاوية) بن أبي سفيان؛ صخر بن حرب (لا يتهم) مبني للمفعول (في الحديث عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) فإنه كان كامل السؤدد والرأي، كأنما خلق للملك. وقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن ملكت فاعدل" (¬1) ولي الشام لعمر بعد أخيه يزيد بن أبي سفيان، وأقره عثمان. قال ابن إسحاق كان أميرًا عشرين سنة، وخليفة عشرين سنة (¬2). [4130] (ثنا) محمد (ابن بشار، ثنا أبو داود) سليمان بن داود (الطيالسي عن عمران) بن داور القطان، أخرج له البخاري في باب وجوب الصلاة في الثياب (¬3) (عن قتادة، عن زرارة) (¬4) بن أبي أوفى (¬5)، قاضي البصرة، أم فقرأ: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8)} (¬6) فشهق فمات (عن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: لا تصحب الملائكة رفقة فيها جلد نمر) بفتح النون - كما تقدم - هذا أعم مما قبله، سواء كان في سرج فرس، أو رحل بعير، أو كان يفترش، أو غطي به السرج. قيل: النهي؛ لأنه زي العجم، أو لأن شعره لا يقبل الدباغ [عند أحد الأئمة إذا كان غير ذكي، ولعل أكثر ما كانوا يأخذون جلود النمور إذا ماتت؛ لأن اصطيادها عسير. ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 101 من حديث معاوية بلفظ: "يا معاوية، إن وليت أمرًا فاتق اللَّه -عز وجل- واعدل". (¬2) ساقطة من (م). (¬3) عقب حديث (351) معلقًا. (¬4) فوقها في (ل، ح): (ع). (¬5) كذا في الأصول: أبي. والصواب: زرارة بن أوفى. (¬6) المدثر: 8.

قال ابن الصلاح في "الفتاوى": جلد النمر نجس كله قبل] (¬1) الدباغ، سواء كان مذكى أو لا، وأما بعد الدباغ فنفس الجلد طاهر -كما تقدم- والشعر الذي عليه ممتنع؛ ولغلبة استعماله ورد الحديث بالنهي مطلقًا، وفي حديث آخر النهي عن جلود السباع أن تفترش (¬2)، ولا شك أن النمر من السباع، وهذِه الأحاديث قوية، والاحتمال المتطرق إليها غير قوي (¬3). وقيل: المراد بجلد النمر صورته. * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) سيأتي قريبًا برقم (4132)، ورواه أيضًا الترمذي (1771)، والنسائي 7/ 176، وأحمد 5/ 74، 75، والدارمي 2/ 1262 (2026) كلهم من حديث أسامة بن عمير مرفوعًا، كلهم بلفظ: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن جلود السباع" عدا الدارمي بلفظ: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن جلود السباع أن تفترش". (¬3) "فتاوى ابن الصلاح" 2/ 473 - 474 (447).

[4131] (حدثنا عمرو بن عثمان بن سعيد الحمصي) صدوق، حافظ. (ثنا بقية) بن الوليد (عن بحير) بفتح الموحدة، وكسر المهملة، ابن سعد السحولي بمهملتين الحمصي، قال دحيم والنسائي: ثقة. (عن خالد) (¬1) ابن معدان، تابعي كلاعي حمصي (قال: وفد) بفتح الواو والفاء، الوفد جمع وافد، وهم القوم يجتمعون ويردون البلاد، وكذلك الذين يقصدون الأمراء لزيادة أو استرفاد، أو ليسلموا على يده ويبايعوه (المقدام) آخره ميم (ابن معدي كرب) غير منصرف بن عمرو الكندي الصحابي (وعمرو بن الأسود) ويقال: عمير بن الأسود العنسي بالنون الداراني؛ لأنه سكن داريا، وهي من الشام، وهو ممن أدرك الجاهلية (ورجل من بني أسد) قبيلة من العرب (من أهل قنسرين) بكسر القاف، وفتح النون المشددة، وسكون المهملة، وبعد الياء نون، نسبة إلى قنسرين بلدة بقرب حلب، كان الجند ينزلها في أول الإسلام، ولم يكن لحلب معها ذكر. (إلى معاوية بن أبي سفيان) صخر بن حرب، أسلم هو وأبوه يوم الفتح (فقال معاوية للمقدام) بن معدي كرب (أعلمت أن الحسن بن علي) بن أبي طالب رضي اللَّه عنهما (توفي) في ربيع الأول سنة تسع وأربعين (فرجع) بتشديد الجيم (المقدام) يقال: رجع واسترجع إذا قال: إنا للَّه وإنا إليه راجعون. عند المصيبة - كما قال اللَّه تعالى: {إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (¬2). ¬

_ (¬1) فوقها في (ل، ح): (ع). (¬2) البقرة: 156.

(فقال له فلان (¬1): أتراها) بفتح الهمزة والتاء وفي رواية: أتعدها (مصيبة؟ ) عظيمة (قال: ولم لا أراها مصيبة وقد وضعه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في حجره؟ ! ) بفتح الحاء المهملة وكسرها (فقال: هذا مني) فيه تفضيل الحسن على الحسين، ولعله نسب الحسن إليه؛ لأنه أقرب شبهًا من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (وحسين من علي) لأنه أقرب شبهًا به، والأظهر أنه ما (¬2) جعل الحسن منه والحسين من علي إلا بوحي من اللَّه تعالى، فمثل هذا لا يكون إلا بوحي من اللَّه تعالى (فقال الأسدي: جمرة) بفتح الجيم (أطفأهما اللَّه تعالى) أي: أخمدها وأزال شرر شرورها وفتنتها، وأصل الجمرة القطعة الملتهبة من النار إذا اشتد حرها، ثم استعيرت للقبيلة والجماعة إذا تعصبت واجتمعت لشدة حرارة في قلوبهم كامنة من أمر عرض لهم على من ناوأهم لقوتهم وشدة بأسهم، وأقل الجمرة ألف فارس. (فقال المقدام) حين سمع ما قالوه في [ابن بنت] (¬3) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حين قيل مراعاة لمعاوية بن أبي سفيان لما توهموه منه من التشفي بقتله وحاشى معاوية (¬4) -رضي اللَّه عنه- أن يكون في قلبه بغضاء للحسن أو لأبيه علي -رضي اللَّه عنهم-، فإن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- مبرؤون من ذلك؛ لشهادته -صلى اللَّه عليه وسلم- لهم بأنهم كالنجوم التي يهتدى بها، ويستضاء بنورها، لاسيما وقد قال رسول ¬

_ (¬1) بعدها في (ل، م) وفوقها في (ح): رواية: رجل. (¬2) في النسخ (إنما) والجادة ما أثبتناه. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) ساقطة من (ل، م).

اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لمعاوية: "اللهم اجعله هاديا مهديا" رواه الترمذي (¬1). (أما أنا فلا أبرح) في هذا (اليوم حتى أغيظك) فيه (وأسمعك) فيه (ما تكره) كما اسمعتني ما أكره فيه (ثم قال: يا معاوية) ولم يقل: يا أمير المؤمنين (إن أنا [صدقتك) فيما أقوله (فصدقني، وإن كذبتك] (¬2) فكذبني) عاجلا (قال: أفعل) بفتح الهمز ورفع آخره، فعل مضارع أي: سأفعل ما قلت من التصديق والتكذيب. (قال: فأنشدك) بفتح الهمزة وضم الشين، أي: ذكرتك به وسألتك مقسمًا به (باللَّه) الذي تقوم السماء والأرض بأمره (هل سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ينهى (¬3) عن لبس الذهب؟ ) للرجال (قال) اللهم (نعم) سمعته ينهى عنه. (قال: فأنشدك باللَّه تعالى هل تعلم أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى) النساء (¬4) (عن لبس الحرير؟ ) إلا أصبعًا أو أصبعين (قال: نعم) علمت به (قال: فأنشدك باللَّه) العظيم (هل تعلم أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن لبس جلود السباع و) عن (الركوب عليها؟ قال: نعم) ويشبه أن قوله أولًا: (أسمعت) دون ما بعده فإنه قال فيهما: أعلمت؛ لأن تحريم لبس الذهب لما كان من مسموعاته ومروياته قال له: أسمعت؟ ولما لم ¬

_ (¬1) في "سننه" (3842)، برواية عبد الرحمن بن أبي عميرة، وقال: هذا حديث حسن غريب. وصححه الألباني في "الصحيحة" (1969). (¬2) في هامش (ح) وصلب (ل، م) قبلها: نسخة: صدقت فصدقني، وإن كذبت وعليها نسخة. (¬3) في حاشية (ح)، وصلب (م، ل): رواية: نهى. (¬4) كذا في جميع النسخ ولعل المصنف أراد: الرجال.

يسمع تحريم الحرير وجلود السباع بل علمه فيما بلغه في مروياته ولم يسمعه قال: أعلمت؟ والعلم لا يحصل بمرة، فيدل على أنه تكرر حتى وصل إلى العلم، وقد كره عمر (¬1) وعلي (¬2) الصلاة في جلود الثعالب، وكره الانتفاع بجلود السنانير عطاء وطاوس (¬3). (قال: فواللَّه لقد رأيت هذا كله) بالنصب (في بيتك يا معاوية) على أهلك، فيه أن ما في بيت (¬4) الآدمي من مكروه وحرام منسوب إلى مالكه في كونه لا ينكره، واللَّه أعلم. (فقال معاوية) بن أبي سفيان (قد علمت) بضم تاء الخطاب (أني لن أنجو منك) ولا من كلامك (يا مقدام، قال خالد) بن معدان (فأمر له) أي: أمر معاوية للمقدام بن معدي كرب (بما لم يأمر لصاحبيه) اللذين وفدا معه (وفرض لابنه) يحيى وله رواية وذكره ابن حبان في "الثقات" (¬5)، أي: أمر له بعطاء مقدر (في المائتين) تثنية مائة وفي رواية: في المئين بالجمع (ففرقها المقدام) بن معدي كرب (على أصحابه) الحاضرين (ولم يعط الأسدي) بالرفع على أنه فاعل (أحدًا شيئًا مما أخذ) من المال. (فبلغ ذلك معاوية) بالنصب مفعول (فقال: أما المقدام فرجل كريم ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة 2/ 62 (6474). (¬2) رواه ابن أبي شيبة 2/ 62 (6475). (¬3) لم أقف على أثر لعطاء بكراهة الانتفاع بجلود السنور، بل وقفت على خلاف ذلك أنه سئل عن السنور، فقال: لا بأس به. رواه ابن أبي شيبة 4/ 407 (2101). أما أثر طاوس فوقفت عليه لطاوس ومجاهد معًا، رواه ابن أبي شيبة 4/ 407 (21498). (¬4) ساقطة من (م). (¬5) 5/ 524.

بسط) بمفتوحات (يده) بالعطاء (وأما الأسدي فرجل حسن الإمساك لشيئه) أي: أحسن إمساك الشيء الذي أعطيه؛ ليصرفه بعد ذلك في مهماته وحاجاته. [4132] (حدثنا مسدد بن مسرهد) بن مسربل الأسدي، شيخ البخاري (أن إسماعيل بن إبراهيم) المعروف بابن علية (ويحيى بن سعيد) القطان (ثنا المعنى (¬1)، عن سعيد (¬2) بن أبي عروبة) مهران العدوي (عن قتادة، عن أبي المليح) بفتح الميم، وكسر اللام، عامر ويقال: عمير (بن أسامة) الهذلي (عن أبيه) أسامة بن عمير بن عامر بن أقيشر الكوفي (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن جلود السباع) أن يركب عليها. قال البيهقي: يحتمل أن النهي وقع لما يبقى عليها من الشعر؛ لأن الدباغ لا يؤثر فيه. وقال غيره: يحتمل النهي عما لم يدبغ منها، أو من أجل أنها مراكب أهل السرف والخيلاء. وزاد الترمذي في روايته: تفترش (¬3). وأخرجه عن أبي المليح عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مرسلًا، وقال: هذا أصح (¬4). * * * ¬

_ (¬1) في (ل): القعنبي. (¬2) فوقها في (ل): ع. (¬3) "سنن الترمذي" (1770). (¬4) السابق (1771).

43 - باب في الانتعال

43 - باب فِي الانْتِعالِ 4133 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبّاحِ البَزّازُ، حَدَّثَنا ابن أَبي الزِّنادِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ قالَ: كُنّا مَعَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في سَفَرٍ فَقالَ: "أَكْثِرُوا مِنَ النِّعالِ فَإِنَّ الرَّجُلَ لا يَزالُ راكِبًا ما انْتَعَلَ" (¬1). 4134 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا هَمّامٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ نَعْلَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كانَ لَها قِبالانِ (¬2). 4135 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَبُو يَحْيَى، أَخْبَرَنا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْري، حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ طَهْمانَ، عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ قالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْ يَنْتَعِلَ الرَّجُلُ قائِمًا (¬3). 4136 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبي الزِّنادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "لا يَمْشي أَحَدُكُمْ في النَّعْلِ الواحِدَةِ لِيَنْتَعِلْهُما جَمِيعًا أَوْ لِيَخْلَعْهُما جَمِيعًا" (¬4). 4137 - حَدَّثَنا أَبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسي، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ قالَ: قالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِذا انْقَطَعَ شِسْعُ أَحَدِكُمْ فَلا يَمْشِ في نَعْلٍ واحِدَةٍ حَتَّى يُصْلِحَ شِسْعَهُ وَلا يَمْشِ في خُفٍّ واحِدٍ وَلا يَأْكُلْ بِشِمالِهِ" (¬5). 4138 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا صَفْوانُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هارُونَ، عَنْ زِيادِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبي نَهِيكٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: مِنَ السُّنَّةِ إِذا جَلَسَ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2096). (¬2) رواه البخاري (5857). (¬3) رواه البيهقي في "الشعب" 8/ 301 (5861) من طريق المصنف. وصححه الألباني في "الصحيحة" (719). (¬4) رواه البخاري (5855)، ومسلم (2097). (¬5) رواه مسلم (2099).

الرَّجُلُ أَنْ يَخْلَعَ نَعْلَيْهِ فَيَضَعَهُما بِجَنْبِهِ (¬1). 4139 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبي الزِّنادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِذا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ باليَمِينِ وَإِذا نَزَعَ فَلْيَبْدَأْ بِالشِّمالِ لِتَكُنِ اليَمِينُ أَوَّلَهُما يَنْتَعِلُ وَآخِرَهُما يَنْزِعُ" (¬2). 4140 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ وَمُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ قالا: حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُحِبُّ التَّيَمُّنَ ما اسْتَطاعَ في شَأْنِهِ كُلِّهِ في طُهُورِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَنَعْلِهِ. قالَ مُسْلِمٌ وَسِواكِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ في شَأْنِهِ كُلِّهِ. قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ عَنْ شُعْبَةَ مُعاذٌ وَلَمْ يَذْكُرْ سِوِاكَهُ (¬3). 4141 - حَدَّثَنا النُّفَيْلي، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِذا لَبِسْتُمْ وَإِذا تَوَضَّأْتُمْ فابْدَؤوا بِأَيامِنِكُمْ" (¬4). * * * باب في الانتعال [4133] (حدثنا محمد بن الصباح البزاز) بزاءين، وهو مصنف "السنن" (ثنا) عبد الرحمن (ابن أبي الزناد) عبدِ اللَّه بن ذكوان المدني، ¬

_ (¬1) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (1190)، والطبراني في "الأوسط" 7/ 185 (7228)، والخطيب في "الجامع" (946)، وأبو الحسن السكري الحربي في "الفوائد المنتقاة" (84). وقال الألباني: ضعيف الإسناد. (¬2) رواه البخاري (5856)، ومسلم (2097). (¬3) رواه البخاري (168)، ومسلم (268). (¬4) رواه ابن ماجه (402)، وأحمد 2/ 354. وصححه الألباني في "المشكاة" (401).

قال يعقوب بن شيبة: ثقة، صدوق وفي حديثه ضعف (¬1). (عن موسى (¬2) بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي، أحد علماء المدينة (عن أبي الزبير) محمد بن مسلم (عن جابر) بن عبد اللَّه، رضي اللَّه عنهما (قال: كنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في سفر) ولفظ مسلم: عن جابر قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول في غزوة غزوناها: "استكثروا" (¬3) ([فقال: ] (¬4) أكثروا من النعال؛ فإن الرجل لا يزال راكبًا ما انتعل) هذا كلام بليغ، ولفظ فصيح (¬5) بحيث لا ينسج على منواله، ولا يؤتى بمثاله، وفيه إرشاد إلى مصلحة الماشي، وتنبيهه على تخفيف المشقة عنه، فإن الحافي يلقى من التعب والمشقة والألم والعثار ما يقطعه عن المشي، ويمنعه من الوصول إلى مقصوده، بخلاف المنتعل؛ فإنه يكون كالراكب في قلة التعب، ووجود الراحة، والتخلص من أذى خشونة الأرض، والتأذي بما يطأ عليه من شوك وحجارة ونحوها، ويصل إلى مقصوده سريعًا كالراكب، فلذلك شبهه بالراكب. وفيه استحباب الاستظهار في السفر بالنعال والركوة وغيرهما، مما يحتاج إليه المسافر، واستحباب وصية الأمير أصحابه بذلك. [4134] (حدثنا مسلم (¬6) بن إبراهيم) الأزدي البصري (ثنا همام، عن ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 17/ 99 (3816). (¬2) فوقها في (ح): (ع). (¬3) "صحيح مسلم" (2096). (¬4) ساقطة من الأصول، أثبتت من "السنن". (¬5) في (ل، م): صحيح. (¬6) فوقها في (ل): (ع).

قتادة، عن أنس) [بن مالك] (¬1) -رضي اللَّه عنه- (أن نعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان لها قبالان) بكسر القاف، وتخفيف الموحدة، واحدها قبال، أي: سيران، أحدهما يكون بين الأصبع الوسطى من الرجل والتي تليها، والآخر في الأصبع الأخرى (¬2)، ومنه الحديث الآخر: "أقبلوا النعال" أي: اجعلوا لها قبالا زاد في "المصابيح" مثني شراكها (¬3). ولم أجد هذِه الزيادة في الترمذي، ومثني بفتح الميم، وسكون المثلثة، (. . .) (¬4) رواه في "الشمائل" (¬5)، أي: يعطف أحد الشراكين على الآخر ويعقده ليقوى للمشي عليه. [4135] (حدثنا محمد (¬6) بن عبد الرحيم أبو يحيى) العدوي يعرف بصاعقة، شيخ البخاري (ثنا أبو أحمد) محمد بن عبد اللَّه بن الزبير (الزبيري) الكوفي، قال الترمذي في تخفيف ركعتي الفجر: ثقة، حافظ (¬7). (ثنا إبراهيم (¬8) بن طهمان) بفتح الطاء المهملة، الهروي (عن أبي الزبير) محمد بن مسلم (عن جابر) بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما. (قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن ينتعل الرجل قائمًا) الظاهر أن هذا أمر ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م، ل). (¬2) في النسخ: الآخر. والجادة ما أثبتناه. (¬3) رواها ابن ماجه (3614) من حديث ابن عباس. (¬4) كلمة غير مقروءة في النسخ. (¬5) برقم (76) من حديث ابن عباس. وصححه الألباني في "مختصر الشمائل" (61). (¬6) فوقها في (ح): (ع). (¬7) "سنن الترمذي" عقب حديث (417). (¬8) فوقها في (ح): (ع).

إرشاد؛ لأن لبسها قاعدًا أسهل له وأمكن، وربما كان القيام سببًا لانقلابه وسقوطه فأمر بالقعود له والاستعانة باليد فيه ليأمن غائلته، ويحتمل أن يختص هذا النهي بما في لبسه قائمًا تعب كالتاسومة التي يحتاج لابسها إلى وضع سيرها إلى أصبع الرجل، والوطاء الذي له شرج كالخف وما في معناه، وأما لبس القبقاب والسرموجة والوطاء الذي ليس له ساق فلا يدخل في هذا النهي لسهولة لبسه وسرعته بلا تعب، والأخذ بعموم الحديث على ظاهره أحوط؛ لإطلاق الحديث. [4136] (حدثنا عبد اللَّه بن مسلمة) القعنبي (عن مالك، عن أبي (¬1) الزناد) عبد اللَّه بن ذكوان (عن) عبد الرحمن (¬2) بن هرمز (الأعرج عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: لا يمشي أحدكم في نعل واحدة) هذا خطاب لمن انقطع شسع أحد نعليه، كما سيأتي في الحديث بعده، فنهاه نهي تأديب أن يمشي في نعل واحدة؛ لأن ذلك من باب التشويه والمثلة؛ ومخالف لزي أهل الوقار، ولأن المنتعلة تصير أرفع من الأخرى، لا سيما في القبقاب والتاسومة المرتفعة فتغير مشيه، وربما كان سببًا للعثار، وليس من المواساة إكرام إحدى الرجلين بالنعل دون الأخرى. (لينعلهما) بفتح الياء (جميعًا، أو ليخلعهما جميعًا) روي: "لينتعلهما جميعًا أو ليحفهما جميعًا" (¬3). ¬

_ (¬1) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬2) في (ل، م): عبد اللَّه. (¬3) رواها البخاري (5855) قريبًا من ذلك، بلفظ: "ليحفهما جميعًا، أو لينعلهما جميعًا".

(ليخلعهما) (¬1) بالخاء المعجمة واللام، والعين المهملة، وكذا رواية مسلم (¬2)، وفي "صحيح البخاري": "ليحفهما" (¬3) بالحاء المهلمة والفاء من الحفاء، وكلاهما صحيح، وفيه المواساة بين القدمين في خلعهما أو لبسهما، ويدخل في هذا الخف والمداس والقبقاب. [4137] (حدثنا أبو الوليد) سليمان بن داود (الطيالسي، حدثنا زهير، حدثنا أبو الزبير) محمد (عن جابر -رضي اللَّه عنه-: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إذا انقطع شسع) بكسر الشين المعجمة، وسكون السين المهملة، وهو أحد سيور النعل، وهو الذي يدخل بين الأصبعين ويدخل طرفه في الثقب الذي في صدر النعل المشدودة في الزمام، والزمام هو السير الذي يعقد فيه الشسع. (أحدكم) فيه حذف تقديره: إذا انقطع شسع نعلي أحدكم كما لمسلم (¬4) (فلا يمش في نعل واحدة حتى يصلح شسعه، ولا يمش في خف واحدة) وروي: لا يمشي (¬5) فيهما (¬6) بإثبات الياء آخره على أنه خبر في معنى النهي، وبحذفها على أنه مجزوم بالنهي، وكما أنه لا يمشي في نعل واحدة ولا يقف فيها. وكذا إذا كان راكبًا الدابة وسقطت إحدى نعليه فلينتعل (¬7) الأخرى سريعًا، وإلا فيحتفي منهما ¬

_ (¬1) ساقطة من (ح). (¬2) "صحيح مسلم" (2097). (¬3) برقم (5855). (¬4) في "صحيحه" (2091) (71). (¬5) رواها أحمد 3/ 327. (¬6) ساقطة من (م). (¬7) ساقطة من (م).

جميعًا؛ لأن فيه ترك العدل بين الجوارح. وقد اختلف العلماء في ذلك، فقال مالك بظاهر هذا الحديث أن من انقطع نعله لم يمش في الأخرى حتى يصلح أختها إلا في الوقوف الخفيف (¬1) والمشي اليسير (¬2). وقد رخص بعض السلف في المشي في نعل واحدة، قال في "شرح السنة": روى عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها مشت في نعل واحدة (¬3). ورواه الترمذي في اللباس (¬4). قال البغوي: وقد ألحق بعضهم إخراج إحدى اليدين من الكم وإرسال (¬5) الرداء على إحدى المنكبين بإحدى النعلين (¬6). [قال القرطبي (¬7): وهو قول مردود بالنصوص المذكورة] (¬8) (¬9). (ولا يأكل بشماله) فإن الشيطان يأكل ويشرب بشماله. [4138] (حدثنا قتيبة (¬10) بن سعيد) البلخي (ثنا صفوان بن عيسى) ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل، م). (¬2) نظر: "الاستذكار" 26/ 196 - 197، "المنتقى" 7/ 227. (¬3) 12/ 78. (¬4) "سنن الترمذي" (1778). (¬5) في (ل، م): وإسبال. (¬6) "شرح السنة" 12/ 78. (¬7) ساقطة من (ل، م). (¬8) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل، م)، وكلمة: (قال) ليست في النسخ الخطية الثلاث، وأثبتناها ليستقيم السياق. (¬9) "المفهم" 5/ 415 - 416. (¬10) فوقها في (ح، ل): (ع).

الزهري البصري، أخرج له مسلم (ثنا عبد اللَّه بن هارون) الحجازي، أخرج له البخاري في "الأدب" (¬1) (عن زياد (¬2) بن سعد) بن ضميرة الحجازي، ويقال: زياد بن ضميرة بن سعد. مقبول (عن أبي نهيك) بفتح النون، وكسر الهاء اسمه: عثمان بن نهيك الأزدي الفراهيدي، صاحب القراءات، أخرج له البخاري في "الأدب" (¬3) (عن ابن عباس) رضي اللَّه عنهما أنه (قال: من السنة) أي: سنة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (إذا جلس الرجل) أي: أراد أن يجلس (أن يخلع نعليه) ويبدأ بالشمال (¬4) كما سيأتي (فيضعهما) بنصب العين (بجنبه) أي: إلى جانبه الأيسر؛ فإن جهة اليمين والقبلة منزهتان عن النعل لما يطرأ عليه غالبًا من النجاسة، وإذا وضع نعليه خلف ظهره ليشتغل خاطره به خوفًا عليه من سرقة ونحوها، فالأولى أن يكون قريبًا من جهة يسراه بحيث يأمن عليه ويطمئن خاطره من جهته؛ فإن اجتماع القلب باللَّه تعالى في الصلاة ودفع ما يشوش فكره ما أمكن فذلك من كمال الصلاة. [4139] (حدثنا عبد اللَّه بن مسلمة) القعنبي (عن مالك عن أبي الزناد) عبد اللَّه بن ذكوان (عن) عبد الرحمن بن هرمز (الأعرج، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إذا انتعل أحدكم) أي: لبس نعله (فليبدأ باليمين) أي: يلبس اليمين (¬5). ¬

_ (¬1) "الأدب المفرد" (1190). (¬2) فوقها في (ح، ل): (د). (¬3) السابق. (¬4) في (ح): باليمين. (¬5) ساقطة من (ل، م).

ولفظ ابن ماجه: "فليبدأ باليمنى" (¬1). ولفظ البخاري كالمصنف (¬2). فلما كان لبس النعل صيانة للرجل من الأقذار، ووقاية من الشوك والأذى، كان البداءة باليمنى زيادة في كرامتها، كما تقدم في وضعها إلى جنبه حفظًا من سرقة ونحوها، وهذا في جلد ينتفع به يحصل له هذا الإكرام، فما ظنك بدابة ينتفع بها أو من ينفعه في دينه ودنياه. (وإذا نزع) نعليه (فليبدأ بالشمال) لتبقى النعل في الرجل إلى أن ينزع اليسرى (لِتَكُنِ اليُمْنى (¬3) أَوَّلَهُمَا (¬4) ينعل) قال الكرماني: (ينعل) جملة حالية، وهو بلفظ مذكر من الإنعال، قال: وفي بعضها: (تنعل) للمؤنث للمجهول. قال الطيبي: (أولهما) تتعلق بقوله: (ينعل)، وهو خبر كان، ذكره بتأويل العضو، وهو مبتدأ (وينعل) خبره، والجملة خبر كان (¬5). (وآخرهما ينزع) وهو كما ذكر في (أولهما ينعل). [4140] (حدثنا حفص بن عمر) الضرير (ومسلم بن إبراهيم) الأزدي الفراهيدي (قالا: ثنا شعبة، عن الأشعث (¬6) بن) أبي الشعثاء (سليم) مصغر، المحاربي (عن أبيه) (¬7) أبي الشعثاء سليم بن أسود الكوفي ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (3616). (¬2) "صحيح البخاري" (5856). (¬3) في هامش (ح)، وصلب (ل، م): روي: (ولتكن اليمين). (¬4) ساقطة من (ل، م). (¬5) "شرح الكرماني" 21/ 93 - 94. (¬6) فوقها في (ح): (ع). (¬7) فوقها في (ح، ل): (ع).

(عن مسروق، عن عائشة) رضي اللَّه عنها (قالت: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يحب التيمن) تفعل من اليمين وهو صادق بأمرين: الابتداء بالأيمن فيما له أيمن وأيسر، وفعل الشيء باليمين، وهما مرادان من الحديث، وإن كان العموم فيها مخصوصًا بصور كثيرة، وفي "المغرب" للمطرزي: تيمن ويأمن وتيامن: أخذ جانب اليمين، قال: ومنه حديث: [كان يحب] (¬1) التيامن في كل شيء (¬2). انتهى. وهذا التفسير يقتضي قصوره على أحد الأمرين السابقين، والحديث الذي أشار إليه رواه ابن حبان في "صحيحه" بزيادة: حتى في الترجل والانتعال (¬3). ويطلق التيمن على معنى التبرك يقال: تيمن به. أي: تبرك. من اليمن بضم الياء، وسكون الميم وهو البركة. (ما استطاع) أي: على حسب ما تصل إليه استطاعته (في شأنه كله) أي: في أحواله كلها، وليس هو على عمومه؛ بل تستثثى منه المستقذرات (في طهوره) بفتح الطاء؛ لأن المراد به التطهير، وهو شامل للوضوء والغسل (¬4) والتيمم وغير ذلك (وترجله) قيل: هو تسريح الشعر، يقال: شعر مرجل أي مسرح، ورجل شعره ترجيلًا كعلمه تعليمًا، والتيمن فيه إما باليد اليمنى أو بالابتداء بالشق الأيمن، واللفظ صالح لهما فيعمهما (ونعله) وفي بعض النسخ: (تنعله) كما في ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) "المغرب" ص 515. (¬3) 12/ 271 (5456) من حديث عائشة. (¬4) ساقطة من (ل، م).

الصحيحين (¬1)، والتنعل لبس النعل وهي الحذاء، والأقرب أن المراد به الابتداء باليمين من الرجلين، وإذا نزع يبتدئ بنزع الشمال. (قال مسلم) بن إبراهيم (و) في (سواكه) بالجر، والتيمن في السواك يحتمل الأمرين المتقدمين، فيؤخذ منه استحباب الابتداء في السواك بالجانب الأيمن من فمه إلى الوسط واستحباب أخذ السواك باليد اليمنى وهو الأرجح؛ لأنه عبادة، وقيل: إن كان لإزالة القلح وتغير رائحة الفم فيكون باليد اليسرى (ولم يذكر: ) في هذِه الرواية (في شأنه كله) واعلم أن هذا الحديث ليس على عمومه؛ بل المراد به ما كان من باب التكريم كلبس الثوب والسراويل والخف ودخول المسجد والخروج من الخلاء وتقليم الأظفار وقص الشارب وحلق الرأس ونحو ذلك، بخلاف المستقذر وما ليس في معناه كالخروج من المسجد والمنزل والامتخاط والاستنجاء، وكذا ما استثني من الطهارات كغسل الكفين معًا في أول الوضوء ومسح الأذنين. (قال) المصنف (ورواه معاذ) بن معاذ العنبري (عن شعبة، ولم يذكر: سواكه). في روايته. [4141] (حدثنا) عبد اللَّه بن محمد (النفيلي، ثنا زهير، ثنا الأعمش، عن أبي صالح) باذام مولى أم هانئ. (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: قال رسول اللَّه: إذا لبستم) يدخل فيه الثوب والنعل والخف واللباس وما في معنى ذلك (وإذا توضأتم) وفي معناه: ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (168)، لم أقف على هذا اللفظ في "صحيح مسلم"، وإنما وجدته بلفظ: "انتعاله إذا انتعل" وبلفظ: "نعليه" برقم (268).

الغسل والتيمم (فابدؤوا بأيامنكم) لفظ ابن ماجه: "بميامنكم" (¬1) فيه الأمر بابتداء اليمين في الوضوء أمر ندب؛ لأن اللَّه تعالى أطلق غسلهما فلم يجب فيه ترتيب، ولأنهما كالعضو الواحد؛ بدليل أن ظهور إحدى الرجلين من الخف كظهورهما، والحديث في ابتداء اليمين محمول على ما لا يستحب الإتيان به دفعة واحدة، وهو اليدان والرجلان، وفي غيرهما بالنسبة إلى العاجز كمقطوع اليد. * * * ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (402).

44 - باب في الفرش

44 - باب فِي الفُرُشِ 4142 - حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ خالِدٍ الهَمْداني الرَّمْلي، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، عَنْ أَبي هانِئٍ، عَنْ أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلي، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- الفُرُشَ فَقالَ: "فِراشٌ لِلرَّجُلِ وَفِراشٌ لِلْمَرْأَةِ وَفِراشٌ لِلضَّيْفِ والرّابعُ لِلشَّيْطانِ" (¬1). 4143 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ ح، وَحَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن الجَرّاحِ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ إِسْرائِيلَ، عَنْ سِماكٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في بَيْتِهِ فَرَأَيْتُهُ مُتَّكِئًا عَلَى وِسادَةٍ -زادَ ابن الجَرّاحِ- عَلَى يَسارِهِ. قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ إِسْحاقُ بْن مَنْصُورٍ عَنْ إِسْرائِيلَ أَيْضًا عَلَى يَسارِهِ (¬2). 4144 - حَدَّثَنا هَنّادُ بْنُ السَّري، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ إِسْحاقَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو القُرَشي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّهُ رَأى رُفْقَةً مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ رِحالُهُمُ الأَدَمُ فَقال: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى أَشْبَهِ رُفْقَةٍ كانُوا بِأَصْحابِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فلْيَنْظُرْ إِلَى هؤلاء (¬3). 4145 - حَدَّثَنا ابن السَّرْحِ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ ابن المُنْكَدِرِ، عَنْ جابِرٍ قالَ: قالَ لي رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَتَّخَذْتُمْ أَنْماطًا". قُلْتُ: وَأَنَّى لَنا الأَنْماطُ؟ قالَ: "أَما إِنَّها سَتَكُونُ لَكُمْ أَنْماطٌ" (¬4). 4146 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ قالا: حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها قالَتْ: كانَ وِسادَةُ رَسُولِ اللَّهِ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2084). (¬2) رواه الترمذي (2770)، وأحمد 5/ 102. وصححه الألباني في "مختصر الشمائل" (104). (¬3) رواه أحمد 2/ 120، وهناد في "الزهد" 2/ 418، والبيهقي في "الكبرى" 4/ 332. وقال الألباني: صحيح الإسناد. (¬4) رواه البخاري (3631)، ومسلم (2083).

-صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ ابن مَنِيعٍ: التي يَنامُ عَلَيْها بِاللَّيْلِ، ثُمَّ اتَّفَقا مِنْ أَدَمٍ حَشْوُها لِيفٌ (¬1). 4147 - حَدَّثَنا أَبُو تَوْبَةَ، حَدَّثَنا سُلَيْمانُ -يَعْني: ابن حيّانَ- عَنْ هِشامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها قالَتْ: كانَتْ ضِجْعَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْ أَدَمٍ حَشْوُها لِيفٌ (¬2). 4148 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنا خالِدٌ الحَذّاءُ، عَنْ أَبي قِلابَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قالتْ: كانَ فِراشُها حِيالَ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3). * * * باب في الفرش الفرش بضم الفاء والراء جمع فراش ككتاب وكتب، قال اللَّه تعالى: {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34)} (¬4). [4142] (حدثنا يزيد بن خالد) بن يزيد (الهمداني) بسكون الميم (الرملي) الفقيه الزاهد. (ثنا) عبد اللَّه (ابن وهب، عن أبي هانى) حميد ابن هانئ الخولاني، أخرجه مسلم. (عن أبي عبد الرحمن) عبد اللَّه بن يزيد (الحبلي) بضم الحاء المهملة والباء الموحدة، منسوب إلى بطن من المعافر من اليمن، وقيل: منسوب ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6456)، ومسلم (2082). (¬2) رواه ابن ماجه (4151)، وانظر ما قبله. (¬3) رواه ابن ماجه (957)، وأحمد 6/ 322. وصححه الألباني. (¬4) الواقعة: 34.

إلى الحبلى، وسمي بذلك لعظم (¬1) بطنه، أخرج له مسلم في مواضع. (عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما قال: ذكر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الفرش) بضم الفاء والراء جمع فراش كما تقدم ([فقال: ] (¬2) فراش للرجل، وفراش للمرأة) استدل بعضهم بهذا على أنه لا يلزم الرجل النوم مع امرأته وأن له الانفراد عنها بفراش ثان، قال النووي: والاستدلال به في هذا ضعيف؛ لأن المراد بهذا وقت الحاجة بالمرض وغيره وإن كان النوم مع الزوجة ليس واجبًا، والصواب في النوم مع الزوجة أنه إذا لم يكن لواحد منهما عذر في الانفراد فاجتماعهما في فراش واحد أفضل، وهو ظاهر فعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الذي واظب عليه، مع مواظبته -صلى اللَّه عليه وسلم- على قيام الليل فنام معها، فإذا أراد القيام لوظيفته قام وتركها فيجمع بين وظيفته وقضاء حقها المندوب وعشرتها بالمعروف، لا سيما إن عرف من حالها حرصها على هذا، ثم إنه لا يلزم من النوم معها الجماع (¬3). انتهى. (وفراش للضيف) قال القرطبي: يتعين إعداد فراش للضيف؛ لأنه من باب إكرامه والقيام بحقه (¬4). (والرابع للشيطان) قال العلماء: معناه أن ما زاد على الحاجة فاتخاذه إنما هو للمباهاة والاختيال والالتهاء بزينة الدنيا، وما كان بهذِه الصفة فهو مذموم يضاف إلى الشيطان؛ لأنه الداعي إليه بوسوسته، وقيل: إنه ¬

_ (¬1) في (ل، م): لكبر. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأثبت من "السنن". (¬3) "شرح مسلم" 14/ 60. (¬4) "المفهم" 5/ 404.

على ظاهره وأنه إذا كان لغير حاجة كان للشيطان عليه مبيت، كما أنه يستبيح النوم في البيت لا يذكر اللَّه صاحبه عند دخوله عشاء والأكل من الطعام الذي لا يذكر اسم اللَّه عليه، وهذا الحديث إنما جاء مبينًا لعائشة ما يجوز للإنسان أن يتوسع فيه ويترفه به من الفرش، إلا أن الأفضل أن يكون فراش واحد له ولزوجته، فقد كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يكن له إلا فراش واحد في بيت عائشة ينامان عليه ليلًا ويجلسان عليه بالنهار. [4143] (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا وكيع ح، وثنا عبد اللَّه بن الجراح) التميمي القهستاني، الحافظ الثقة (عن وكيع، عن إسرائيل) (¬1) ابن يونس (عن سماك) بن حرب (عن جابر بن سمرة -رضي اللَّه عنه-)، خاله سعد بن أبي وقاص. (قال: دخلت على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في بيته) بعد الاستئذان (فرأيته متكئًا على وسادة) فيه جواز إتكاء الرجل في بيته في غير وقت النوم على وسادة ودونها، وفيه أن من إكرام الزائر دخوله إلى البيت للأكل إن حضر أو للمؤانسة (زاد) عبد اللَّه (ابن الجراح) في روايته (على يساره) لعله فعل ذلك لبيان الجواز أو لعذر تداوٍ أو غيره، فإن النوم على اليسار أنفع من جهة الطب، وإنما استحب الجانب الأيمن؛ لأنه أسرع للاستيقاظ لكون القلب مرتفعًا، وسيأتي الاتكاء المنهي عنه في الأدب عن الشريد بن سويد قال: مر بي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنا جالس وقد وضعت ¬

_ (¬1) فوقها في (ح، ل): (ع).

يدي اليسرى خلف ظهري واتكأت على ألية يدي، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تقعد (¬1) قعدة المغضوب عليهم" (¬2)، وزاد ابن حبان في "صحيحه": قال ابن جريج: وضع راحتيه على الأرض (¬3). (قال) المصنف (رواه إسحاق بن منصور) السلولي الكوفي (عن إسرائيل أيضًا) وقال (على يساره). [4144] (حدثنا هناد بن السري) التميمي الكوفي، شيخ مسلم (عن وكيع، عن إسحاق بن سعيد بن عمرو) بن سعيد (القرشي) أخرج له الشيخان (عن أبيه) سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص، أخرج له الجماعة سوى الترمذي. (عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أنه رأى رفقة) وهم الجماعة يترافقون في السفر (من أهل) بلاد (اليمن) و (رحالهم) جمع رحل، كبحار جمع بحر، وهو رحل البعير الذي يركب عليه، ويطلق على كل ما يعد للرحيل في السفر من وعاء للمتاع (الأدم) بفتح الهمزة والدال جمع أديم وهو الجلد المدبوغ، ويجمع أدم بضمتين، والمراد أن رحال إبلهم معمولة من الجلود. (فقال: من أحب أن ينظر إلى أشبه رفقة كانوا) يجوز أن يكون هذا شاهدًا على جواز حذف كان والضمير الذي أسندت إليه، والتقدير: إلى أشبه رفقة (بأصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) ومنه قول الشاعر: ¬

_ (¬1) كذا في الأصول، وفي المطبوع من "سنن أبي داود": أتقعد. (¬2) سيأتي برقم (4848). (¬3) 12/ 488 (5674).

فكيف إذا مررت بدار قوم ... وجيران لنا كانوا كرام (¬1) التقدير: وجيران كرام، ووجه مشابهتهم لهم أنهم يعملون أرحال الإبل التي تحشى ويوضع عليها القتب للركوب عليها والتحميل من الجلود، وقد كثر هذا في أهل السراة من اليمن أرض جرير بن عبد اللَّه البجلي. وفيه دليل على فضيلة أهل اليمن ومكارم أخلاقهم في حسن المرافقة والمعاشرة في السفر على ما كان عليه أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويشبه أن يستأنس في كون حالهم من الجلود بقوله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ} (¬2) (¬3) فإن البيوت المتخذة من الجلود ليستظلوا بها في السفر هي من الرحال؛ فإن الرحل لا يختص برحال الإبل كما تقدم (فلينظر إلى هؤلاء) أهل اليمن، وفيه الحث على الاقتداء بأصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- والتشبه بهم ومدح من كان على طريقتهم. [4145] (حدثنا) أحمد بن عمرو (ابن السرح) المصري، شيخ مسلم (ثنا سفيان) بن عيينة. (عن) محمد (ابن المنكدر) بن عبد اللَّه المدني. ¬

_ (¬1) هذا البيت من قصيدة للفرزدق يمدح بها هشام بن عبد الملك ويهجو جريرًا، وهي من بحر الوافر، انظر: "خزانة الأدب" 9/ 222، وهذا الشاهد دليل على زيادة كان وليس على جواز خذفها مع الضمير. (¬2) وردت هذِه الآية في جميع النسخ: (واللَّه جعل لكم من جلود الأنعام. . .). (¬3) النحل: 80.

(عن جابر) بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما (قال: قال لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أتخذتم) بفتح همزة الاستفهام، والقاعدة أن همزة الاستفهام إذا دخلت على همزة الوصل المكسورة حذفت همزة الوصل؛ لأمن الالتباس مع اختلاف حركتي الهمزتين، نحو قوله تعالى: {أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا} (¬1)، {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153)} (¬2). (أنماطًا) ولفظ البخاري: "هل لكم من أنماط" (¬3). والأنماط واحدها: نمط كأسباب واحدها سبب، وهو ضرب من البسط له خمل رقيق، وقال النووي: هو ظهارة الفراش (¬4). وقيل: ثوب من صوف يطرح على الهودج، وقد يجعل سترًا. وفيه علم من أعلام النبوة. (قلت: وأنى) تحصل (لنا الأنماط؟ قال: أما إنها ستكون لكم أنماط) زاد البخاري: فأنا أقول لها -يعني: امرأته- أخري عني أنماطك. فتقول: ألم يقل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إنها ستكون لكم الأنماط فأدعها (¬5). انتهى. وفيه جواز اتخاذ الأنماط فرشًا؛ لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم ينكر اتخاذها، فإذا كانت غير حرير جاز اتخاذها للرجال والنساء، وفيه معجزة بإخباره -صلى اللَّه عليه وسلم- عما لم يكن بعد أنه سيكون، فكان كما قال، وقوله في رواية البخاري: أخري عني (¬6). يعني: أبعديه عني لما فيه من زينة الدنيا لا أنه حرام. ¬

_ (¬1) ص: 63. (¬2) الصافات: 153. (¬3) "صحيح البخارى" (3631). (¬4) "شرح مسلم" 14/ 58. (¬5) "صحيح البخاري" (3631). (¬6) السابق.

[4146] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة وأحمد بن منيع) البغوي (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير. (عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كانت وسادة) (¬1) بكسر الواو (رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) المشهور أن الوساد والوسادة المخدة جمعها وسائد، وقيل: هي الفراش؛ لقوله بعده (قال) أحمد (ابن منيع) في روايته: (التي ينام عليها بالليل) وفي رواية: التي [يتكئ عليها] (¬2) (¬3). وهما بمعنى، وفيه استعمال آلات الأدم من فراش ومخدة وجراب ونحو ذلك، وفيه اتخاذ الفرش المحشوة للنوم لكن بغير إسراف، بحيث لا تحشي ما خلقه اللَّه تعالى للبس الآدميين كقطن وكتان وصوف، بل ما لا تشتد الحاجة إليه. (ثم اتفقا من أدم) بفتح الهمزة والدال (حشوه ليف) وفي رواية: محشوة إذخرًا (¬4). ذكرها ابن ماجه (¬5). [4147] (حدثنا أبو توبة) الربيع بن نافع الحلبي، أخرج له الشيخان (ثنا سليمان (¬6) بن حيان) بفتح المهملة وتشديد المثناة تحت، الأزدي (عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير. ¬

_ (¬1) في هامش (ح)، وصلب (ل): نسخة: كان وساد. (¬2) بياض في (ح، ل) بمقدار كلمتين. (¬3) رواه مسلم (2082). (¬4) في النسخ كلها: الإذخر، والمثبت من "سنن ابن ماجه" (4152). (¬5) في "سننه" (4152) من حديث علي -رضي اللَّه عنه-. (¬6) فوقها في (ح): (ع).

(عن عائشة) رضي اللَّه عنها (قالت: كانت ضجعة) بكسر الضاد من الاضطجاع وهو النوم، كالجلسة من الجلوس، وهو ما كان يضطجع عليه، وفي الكلام حذف مضاف تقديره: ذات ضجعته، أي: ذات اضطجاعه، أو آلة اضطجاعه (رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حشوه (¬1) ليف) لفظ ابن ماجه: كان ضجاع رسول اللَّه أدمًا حشوه ليف (¬2) أدم. وأدمًا هو قاعدة العربية. [4148] (ثنا مسدد، ثنا يزيد (¬3) بن زريع) البصري (ثنا خالد الحذاء، عن أبي قلابة) عبد اللَّه بن زيد الجرمي. (عن زينب بنت (¬4) أم سلمة) واسمها زينب كما صرح به ابن ماجه، وهي: زينب بنت أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي ربيبة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولدتها أمها بأرض الحبشة. (عن أم سلمة) زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (قالت: كان فراشها حيال) بكسر الحاء المهملة وتخفيف المثناة تحت، أي: بإزاء (مسجد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) وأصل الياء من (حيال) واو فقلبت، والمسجد اسم لمكان السجود بكسر الجيم وفتحها. قال أبو شامة في كتابه "نور المسرى في تفسير آية الإسرا" (¬5): ¬

_ (¬1) في هامش (ح) وصلب (ل، م): رواية: حشوها. (¬2) "سنن ابن ماجه" (4151). (¬3) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬4) بعدها في (ح، ل): نسخة: ابنة. (¬5) في (ل، م): المسرى. والمثبت الصواب.

المسجد (¬1) في اللغة موضع السجود، وهو أحد الأسماء التي جاءت على مفعل بكسر العين، والقياس فتحها، وقيل: بالفتح لموضع السجود وبالكسر: اسم للموضع المتخذ مسجدًا. ولأبي الشيخ من حديث أم سلمة: كان فراش النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نحو ما يوضع للإنسان في قبره (¬2)، أي: قدره نحو موضع القبر. قال الغزالي: كان طول فراشه ذراعين (¬3) أو نحوه، وعرضه ذراع وشبر أو نحوه (¬4). * * * ¬

_ (¬1) في (م): الموضع. (¬2) "أخلاق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" 2/ 502 (476) (¬3) في النسخ كلها: ذراعان والصواب ما أثبتناه. (¬4) "إحياء علوم الدين" 2/ 376.

45 - باب في اتخاذ الستور

45 - باب في اتِّخاذِ السُّتُورِ 4149 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا ابن نُمَيْرٍ، حَدَّثَنا فُضَيْلُ بْنُ غَزْوانَ، عَنْ نافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَتَى فاطِمَةَ رضي اللَّه عنها فَوَجَدَ عَلَى بابِها سِتْرًا فَلَمْ يَدْخُلْ قالَ: وَقَلَّما كانَ يَدْخُلُ إِلَّا بَدَأَ بِها فَجاءَ عَلي -رضي اللَّه عنه- فَرَآها مُهْتَمَّةً فَقالَ ما لَكِ قالَتْ: جاءَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إِليَّ فَلَمْ يَدْخُلْ فَأَتاهُ عَلي -رضي اللَّه عنه- فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فاطِمَةَ اشْتَدَّ عَلَيْها أَنَّكَ جِئْتَها فَلَمْ تَدْخُلْ عَلَيْها. قالَ: "وَما أَنا والدُّنْيا وَما أَنا والرَّقْمَ". فَذَهَبَ إِلَى فاطِمَةَ فَأَخْبَرَها بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَتْ: قُلْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- ما يَأْمُرُني بِهِ. قالَ: "قُلْ لَها فَلْتُرْسِلْ بِهِ إِلَى بَني فُلانٍ" (¬1). 4150 - حَدَّثَنا واصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الأَسَدي، حَدَّثَنا ابن فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ بهذا الحَدِيثِ قالَ: وَكانَ سِتْرًا مَوْشِيّا (¬2). * * * باب في اتخاذ الستور [4149] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا) عبد اللَّه (ابن (¬3) نمير) الهمداني (ثنا فضيل (¬4) بن غزوان) الضبي مولاهم (عن نافع، عن عبد اللَّه بن عمر) رضي اللَّه عنهما (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أتى) ابنته (فاطمة) رضي اللَّه عنها (فوجد على بابها) الظاهر أنه باب البيت (سترًا فلم يدخل) إليها (قال) ابن عمر (وقلما كان) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (يدخل) إلى ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2613)، وأحمد 2/ 21. (¬2) انظر ما قبله. (¬3) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬4) فوقها في (ح، ل): (ع).

أزواجه (إلا بدأ بها) قبل أزواجه، وفيه تقديم الأولاد في البر والملاطفة على الزوجات لعظم حقهم. (فجاء علي -رضي اللَّه عنه- فرآها) أي: رأى زوجته فاطمة (مهتمة) أي: عندها هم وقلق (فقال: ما لك؟ ). فيه: أن الرجل إذا رأى زوجته في هم أو حزن فيستحب له سؤالها عنه واستعطافها ليزيل ما عندها إن قدر على إزالته. (قالت: جاء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إليَّ) أي: إلى بيتي (فلم يدخل) إلي ولا أدري ما سبب رجوعه وامتناعه من الدخول (فأتاه علي -رضي اللَّه عنه- وقال: يا رسول اللَّه، إن فاطمة) ابنتك (اشتد عليها) أي: شق عليها من أجل أنك (جئتها) أي: أتيتها (فلم تدخل عليها. قال: ) له (وما أنا) أي: كيف أكون في مكان (و) زهرة (الدنيا) فيه، وقد نهاني اللَّه تعالى عن (¬1) نظري إليها في قوله تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} (¬2). قد شدد علماء أهل التقوى في وجوب غض البصر عن لباس أهل الدنيا من الأغنياء والظلمة والمترفهين ومراكبهم وآنيتهم وغير ذلك؛ لأنهم إنما اتخذوا ذلك لعيون النظارة، فالناظر إليها معين لهم محصل لغرضهم وكالمغري لهم على اتخاذها، وفي الحديث دليل على تأديب الأولاد والزوجات والأقارب بالإعراض عنهم والامتناع عن مجالستهم والدخول [عليهم حتى يرجعوا أو يتوبوا (وما أنا والرقم؟ ) يجوز ¬

_ (¬1) ساقطة من (ح). (¬2) طه: 131.

النصب بفعل كان مقدر أي: كيف أكون أنا والرقم؟ يريد النقش والوشي، والنقش بالتطريز وغيره، والأصل فيه الكتابة، ثم استعير للنقش في الثوب والستر ونحوه، وقد استدل به بعض العلماء على كراهة الستور المعلقة على الأبواب والحيطان وغيرها (¬1) إذا كان فيها نقوش أو صورة أشجار وزروع، فإن كان ذلك فيما هو مبسوط على الأرض التي توطأ أو على الوسائد التي يتكأ عليها فهو مباح لا بأس به، وهو كالعلم في الثوب، وإن رآه الرجل في مكان أو على حائط فينصرف عنه، وإن كان في وليمة أو عند من يتعين عليه صلته أو الدخول إليه انصرف، ويكون عذرًا في جواز الرجوع والانصراف] (¬2). (فذهب) علي (إلى فاطمة فأخبرها بقول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت) له (¬3) [ارجع و] (¬4) (قل لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ما تأمرني) بتاء الخطاب (به؟ ) يا رسول اللَّه (قال: ) له (قل لها فلترسل به إلى بني فلان) فيه جواز إهداء ما لا يصلح لبسه أو أكله إلى صديقه أو قرابته، وإن لم يجز له لبسه؛ لأن الإهداء لا يلزم منه الأكل، فقد ينتفع به في بيعه (¬5) لمن يجوز له الأكل أو اللبس وأخذ ثمنه لينتفع به ونحو ذلك. ¬

_ (¬1) انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 4/ 379 (م 2063)، "المدونة" 1/ 182، "جامع الأمهات" 1/ 85، "الحاوي"، 9/ 564، "نهاية المطلب" 13/ 190، "البيان" 9/ 488، "مسائل ابن هانئ" (1773)، "الفروع" لابن مفلح 5/ 234. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) ساقطة من (ح). (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل، م). (¬5) في (م): بيته.

[4150] (حدثنا واصل بن عبد الأعلى) أبو القاسم الكوفي، شيخ مسلم (الأسدي، ثنا) محمد (ابن فضيل) الحافظ (عن أبيه) (¬1) فضيل بن غزوان الضبي مولاهم (بهذا) المذكور قبله (قال: وكان سترًا موشيا) بضم الميم وسكون الواو، يقال: وشيت الثوب وشيًا، من باب وعد، أي: رقمته ونقشته، فهو مورشيُّ، والأصل موشىًّ على مفعول، ويقال: وشَّى الثوب بالتشديد إذا نسجه على لونين أو أكثر. * * * ¬

_ (¬1) فوقها في (ح، ل): (ع).

46 - باب في الصليب في الثوب

46 - باب فِي الصَّلِيبِ في الثَّوْبِ 4151 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا أَبانُ، حَدَّثَنا يَحْيَى، حَدَّثَنا عِمْرانُ ابْنُ حِطّانَ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كانَ لا يَتْرُكُ في بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصْلِيبٌ إِلَّا قَضَبَهُ (¬1). * * * باب في الصليب في الثوب [4151] (ثنا موسى بن إسماعيل) الأزدي (ثنا أبان) فيه الصرف وعدمه (ثنا يحيى) بن أبي كثير (ثنا عمران بن حطان) بكسر الحاء، وتشديد الطاء المهملتين السدوسي، أخرج له البخاري في اللباس (¬2)، ليس لحطان في الكتب الستة عن عائشة إلا هذا الحديث، وفي البخاري [عن معاذ بن فضالة] (¬3) (¬4). (عن عائشة) رضي اللَّه عنها (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان لا يترك) لفظ البخاري: لم يكن يترك (¬5) (في بيته شيئًا) يشمل الملبوس والستور والبسط والآلات وغير ذلك (فيه تصليب) أي: على صورة الصليب الذي للنصارى من نقش في ثوب أو غيره (إلا قضبه) بفتح القاف والضاد المعجمة والباء الموحدة، أي: قطع موضع [التصليب منه دون ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5952). (¬2) في "صحيحه" حديثين: حديث برقم (5835)، وحديث برقم (5952). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م)، وبعدها في جميع النسخ بياض. (¬4) "صحيح البخاري" (5952). (¬5) السابق.

غيره، والقضب القطع. لفظ البخاري: "إلا نقضه" (¬1) أي: كسره وأبطله وغير صورة] (¬2) الصليب. وتغيير المنكر باليد من غير استئذان مالكه، زوجة كانت أو غيرها، فقد جعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم فتح مكة يهوي بالقضيب الذي بيده إلى كل صنم فيخر لوجهه ويقول: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} حتى مرَّ على ثلاثمائة وستين صنمًا (¬3). * * * ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (5952). (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) رواه البخارى (2478)، ومسلم (1781) من حديث ابن مسعود مرفوعًا.

47 - باب في الصور

47 - باب فِي الصُّوَرِ 4152 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَلي بْنِ مُدْرِكٍ، عَنْ أَبي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُجَيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلي -رضي اللَّه عنه-، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "لا تَدْخُلُ المَلائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلا كَلْبٌ وَلا جُنُبٌ" (¬1). 4153 - حَدَّثَنا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ أَخْبَرَنا خالِدٌ عَنْ سُهَيْلٍ -يَعْني: ابن أَبي صالِحٍ- عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسارِ الأَنْصاري، عَنْ زَيْدِ بْنِ خالِدٍ الجُهَني، عَنْ أَبي طَلْحَةَ الأَنْصاري قالَ: سَمِعْتُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقُول: "لا تَدْخُلُ المَلائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلا تِمْثالٌ". وقالَ: انْطَلِقْ بِنا إِلَى أُمِّ المُؤْمِنِينَ عائِشَةَ نَسْأَلُها عَنْ ذَلِكَ. فانْطَلَقْنا فَقُلْنا: يا أُمَّ المُؤْمِنِينَ إِنَّ أَبا طَلْحَةَ، حَدَّثَنا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِكَذا وَكَذا فَهَلْ سَمِعُتِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يَذْكرُ ذَلِكَ قالَتْ: لا ولكن سَأُحَدِّثُكُمْ بِما رَأَيْتُهُ فَعَلَ، خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- في بَعْضِ مَغازِيهِ وَكُنْتُ أَتَحيَّنُ قُفُولَهُ فَأَخَذْتُ نَمَطًا كانَ لَنا فَسَتَرْتُهُ عَلَى العَرَضِ فَلَمّا جاءَ اسْتَقْبَلْتُهُ فَقُلْتُ: السَّلامُ عَلَيْكَ يا رَسُولَ اللَّهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ الحَمْدُ للَّه الذي أَعَزَّكَ وَأَكْرَمَكَ فَنَظَرَ إِلَى البَيْتِ فَرَأى النَّمَطَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلي شَيْئا، وَرَأَيْتُ الكَراهِيَةَ في وَجْهِهِ، فَأَتَى النَّمَطَ حَتَّى هَتَكَهُ ثُمَّ قالَ: "إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْنا فِيما رَزَقَنا أَنْ نَكْسُوَ الحِجارَةَ واللَّبِنَ". قالَتْ: فَقَطَعْتُهُ وَجَعَلْتُهُ وِسادَتَيْنِ وَحَشَوْتُهُما لِيفًا فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَليَّ (¬2). 4154 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ بإسْنادِهِ مِثْلَهُ قالَ: فَقُلْتُ: يا أُمَّهْ، إِنَّ هذا حَدَّثَني أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: وقالَ: فِيهِ سَعِيدُ بْنُ يَسارٍ مَوْلَى بَني النَّجّارِ (¬3). ¬

_ (¬1) سبق برقم (227) وهو حديث صحيح. (¬2) رواه البخاري (3225، 3322، 4002، 5949)، ومسلم (2106). (¬3) رواه مسلم (2106)، وانظر السابق.

4155 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خالِدٍ، عَنْ أَبي طَلْحَةَ أنَهُ قالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِنَّ المَلائِكَةَ لا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ". قالَ بُسْرٌ: ثُمَّ اشْتَكَى زَيْدٌ فَعُدْناهُ فَإِذا عَلَى بابِهِ سِتْرٌ فِيهِ صُورَةٌ فَقُلْتُ لِعُبَيْدِ اللَّهِ الخَوْلاني رَبِيبِ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أَلمْ يُخْبِرْنا زَيْدٌ عَنِ الصُّوَرِ يَوْمَ الأَوَّلِ فَقالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: أَلمْ تَسْمَعْهُ حِينَ قالَ: إِلا رَقْمًا في ثَوْبٍ (¬1). 4156 - حَدَّثَنا الحَسَن بْنُ الصَّبّاحِ أَنَّ إِسْماعِيلَ بْنَ عَبْدِ الكَرِيمِ حَدَّثَهُمْ، قالَ: حَدَّثَني إِبْراهِيمُ -يَعْني: ابن عَقِيلٍ-، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ جابِرٍ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَمَرَ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ -رضي اللَّه عنه- زَمَنَ الفَتْحِ وَهُوَ بِالبَطْحاءِ أَنْ يَأْتي الكَعْبَةَ فَيَمْحُوَ كُلَّ صُورَةٍ فِيها فَلَمْ يَدْخُلْها النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حتَّى مُحِيَتْ كُلُّ صُورَةٍ فِيها (¬2). 4157 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالحِ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَني يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنِ ابن السَّبّاقِ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: حَدَّثَتْني مَيْمُونَةُ زَوْجُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام كانَ وَعَدَني أَنْ يَلْقاني اللَّيلَةَ فَلَمْ يَلْقَنَي". ثُمَّ وَقَعَ في نَفْسِهِ جَرْوُ كَلْبٍ تَحْتَ بِساطٍ لَنا فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ ماءً فَنَضَحَ بِهِ مَكانَهُ، فَلَمّا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام قالَ إِنّا لا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلا صُورَةٌ فَأَصْبَحَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأَمَرَ بِقَتْلِ الكِلابِ حَتَّى إِنَّهُ لَيَأْمُرُ بِقَتْلِ كَلْبِ الحائِطِ الصَّغِيرِ وَيَتْرُكُ كَلْبَ الحائِطِ الكَبِيرِ (¬3). 4158 - حَدَّثَنا أَبُو صالِحٍ مَحْبُوبُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنا أَبُو إِسْحاقَ الفَزاري، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبي إِسْحاقَ، عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: حَدَّثَنا أَبُو هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3226)، ومسلم (2106). (¬2) رواه أحمد 3/ 336، وابن حبان (5857). وصححه الألباني. (¬3) رواه مسلم (2105).

"أَتاني جِبْرِيلُ عليه السلام فَقالَ لي: أَتَيتُكَ البارِحَةَ فَلَمْ يَمْنَعْني أَنْ أَكُونَ دَخَلْتُ إِلَّا أَنَّهُ كانَ عَلَى البابِ تَماثِيلُ، وَكانَ في البَيْتِ قِرامُ سِتْرٍ فِيهِ تَماثِيلُ وَكانَ في البَيْتِ كَلْبٌ فَمُرْ بِرَأْسِ التمْثالِ الذي في البَيْتِ يُقْطَعُ فَيَصِيرُ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ وَمُرْ بِالسِّتْرِ فَلْيقْطَعْ فَلْيجْعَلْ مِنْهُ وِسادَتَيْنِ مَنْبُوذَتَيْنِ تُوطَآنِ وَمُرْ بِالكَلْبِ فَلْيُخْرَجْ". فَفَعَلَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَإِذا الكَلْبُ لِحَسَنٍ أَوْ حُسَيْنٍ كانَ تَحْتَ نَضَدٍ لَهُمْ فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ. قالَ أَبُو داوُدَ: والنَّضَدُ شَيء تُوضَعُ عَلَيْهِ الثِّيابُ شِبْهُ السَّرِيرِ (¬1). * * * باب في الصور [4152] (حدثنا حفص بن عمر، ثنا شعبة، عن علي (¬2) بن مدرك) النخعي الكوفي (عن أبي زرعة) (¬3) قيل: اسمه هرم. وقيل: عبد اللَّه (ابن عمرو بن جرير) بن عبد اللَّه البجلي الكوفي (عن عبد اللَّه بن نجي) بضم النون وفتح الجيم وتشديد الياء آخر الحروف الحضرمي، وثقه النسائي (¬4) (عن أبيه) نجي الحضرمي، لين. (عن علي -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: لا تدخل) بالرفع (الملائكة بيتًا فيه صورة) المراد بالصورة صورة الحيوان، واتخاذ ما فيه الصورة إن كان معلقًا على حائط أو في ثوب ملبوس أو عمامة أو نحو ذلك مما لا نعده ممتهنًا حرام، وإن كان في بساط يداس أو مخدة أو وسادة. ونحوها مما ¬

_ (¬1) رواه الترمذى (2806)، وابن حبان (5853). وصححه الألباني في "الصحيحة" (356). (¬2) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬3) فوقها في (ح): (ع). (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 16/ 220 (3614).

يمتهن فليس بحرام، ولكن هل يمنع من دخول ملائكة الرحمة ذلك البيت؟ فيه كلام سيأتي. (ولا كلب) قال الخطابي: إنما لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب مما يحرم اقتناؤه من الكلاب، أما ما لا يحرم اقتناؤه من كلب الصيد والزرع والماشية فلا يمنع دخول الملائكة بسببه (¬1). وأشار القاضي إلى نحو ما قاله الخطابي (¬2). قال النووي: والأظهر أنه عام في كل كلب فإنهم يمتنعون من الجميع؛ لإطلاق الحديث، سواء علم به صاحب البيت أم لم يعلم؛ لأن جبريل امتنع من الجرو الذي تحت الفسطاط، ولم يعلم به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3). وسيأتي فيه كلام. (ولا جنب) تقدم هذا الحديث بتمام سنده ومتنه في كتاب الطهارة (¬4). قال الخطابي: قد يقال: لم يرد بالجنابة هاهنا من أصابته جنابة فأخر الاغتسال إلى حضور وقت الصلاة، ولكنه الذي يجنب فلا يغتسل ويتهاون به ويتخذه عادة، وقد تقدم في الطهارة حديث عائشة: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء (¬5) (¬6). وفي هذا جمع بين الأحاديث. أو يحمل هذا الحديث على الجنابة من الزنا أو من وطء محرم. ¬

_ (¬1) "معالم السنن" 1/ 65. (¬2) "إكمال المعلم" 6/ 630. (¬3) "شرح مسلم" 14/ 84. (¬4) برقم (227). (¬5) سبق برقم (228). (¬6) "معالم السنن" 1/ 65.

[4153] (حدثنا وهب بن بقية) (¬1) الواسطي، شيخ مسلم (أنا خالد) (¬2) بن عبد اللَّه الطحان (عن سهيل بن أبي صالح) ذكوان السمان (عن سعيد (¬3) بن يسار) بالمثناة والمهملة (الأنصاري) المدني، مولى ميمونة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (عن زيد بن خالد الجهني) شهد الحديبية، وكان معه لواء جهينة يوم الفتح (عن أبي طلحة) زيد بن سهل (الأنصاري) النجاري مدني، سكن الشام. (قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: لا تدخل الملائكة بيتًا) الظاهر أنه لا يختص بالبيت الذي له سقف أو عليه جدار، بل يدخل فيه كل موضع وإن كان في صحراء أو عند شخص كلب أو تمثال لا تحضره الملائكة. (فيه كلب) ادعى ابن حبان أن عدم دخول الملائكة مختص ببيت يوحى فيه إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأما غيره فإن الحافظين لا يفارقان العبد. وأطال في ذلك (¬4). (ولا تمثال) أي: تمثال الأنبياء والملائكة والصالحين يتخذ من رخام ونحوه لينشطوا إلى العبادة بالنظر إليهم. وقيل: صور الآدميين من نحاس. وحرمة التماثيل شرع (¬5) محدد ناسخ لقوله تعالى: {وَتَمَاثِيلَ} (¬6) (وقال) زيد بن خالد (انطلق بنا إلى أم المؤمنين عائشة) فيه شاهد ¬

_ (¬1) في (م): منبه. (¬2) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬3) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬4) "صحيح ابن حبان" 13/ 166 - 168. (¬5) ساقطة من (م). (¬6) سبأ: 13.

للنحاة على أنه إذا اجتمع الاسم والكنية قدمت الكنية (نسألها) بالجزم جواب الأمر (عن ذلك، فانطلقنا) إليها (فقلنا: يا أم المؤمنين، إن با طلحة) الأنصاري (حدثنا عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بكذا وكذا، فهل سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يذكر ذلك؟ ) أو شيئًا منه (قالت: لا، ولكن سأحدثكم بما رأيته فعل) أي: فعله (خرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في بعض مغازيه) فيه تأخر النساء عن الغزو؛ لأن جهادهن الحج كما في البخاري (¬1)؛ ولأن مقصوده القتال، والنساء يضعفن عنه غالبًا (وكنت أتحين) أي: أطلب حين وقت (قفوله) أي: رجوعه من الغزو (فأخذت (¬2) نمطًا) بفتح النون والميم، كما تقدم قريبًا (¬3). (كان لنا فسترته على العرص) بفتح العين (¬4) وسكون الراء، ثم صاد مهملات. ولفظ مسلم: فسترته على الباب (¬5). ولفظ غيرهما: نصبت على باب حجرتي عباءة مقدمه من غزاة خيبر أو تبوك فهتك العرص (¬6). قال الهروي: المحدثون يروونه بالضاد -يعني: المعجمة- وهو بالصاد والسين، وهو خشبة توضع على البيت عرضًا إذا أرادوا تسقيفه، ثم تلقى عليه أطراف الخشب القصار، يقال: عرصت البيت تعريصًا، ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (2875) من حديث عائشة مرفوعًا. (¬2) في هامش (ح) وصلب (ل، م): روي: فاتخذت. (¬3) في حديث رقم (4145). (¬4) ورد بهامش (ح) وصلب (ل، م): وبضم العين مع الصاد المهملة. (¬5) "صحيح مسلم" (2107). (¬6) رواه النسائي في "السنن الكبرى" 5/ 306 (8950)، والبيهقي 10/ 219 عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة مرفوعًا.

وذكره أبو عبيد بالسين (¬1). وقال: والبيت المعرس الذي له عرس، وهو الحائط يجعل بين حائطي البيت لا يبلغ به أقصاه (¬2). قال ابن الأثير: والحديث جاء في "سنن أبي داود" بالضاد المعجمة، وشرحه الخطابي في "المعالم" وفي "غريب الحديث" بالصاد المهملة. وقال: قال الراوي: العرض، وهو غلط (¬3). وقال الزمخشري: إنه العرص. بالمهملة، وشرح نحو ما تقدم. قال: وقد روي بالضاد المعجمة؛ لأنه يوضع على البيت عرضًا (¬4). (فلما جاء استقبلته) من مقدمه (فقلت: السلام عليك يا رسول اللَّه ورحمة اللَّه وبركاته) فيه ملاقاة القادم من الغزو وغيره من الأسفار، وبداءة المقيم السلام على القادم، وتسليم الصغير على الكبير (الحمد للَّه) فيه: إظهار حمد اللَّه وشكره عند السلام على القادم من السفر (الذي أعزك) بالنصر على الأعداء (وأكرمك) بإنعامه. وفيه دليل على أنه يقال للمسافر هذا اللفظ ونحوه: تقبل اللَّه غزوك وغفر ذنبك. (فنظر إلى) باب (البيت فرأى النمط) قال القرطبي: هذا النمط هو الذي عبر عنه في رواية مسلم بالدرنوك بضم الدال وفتحها، وهو الستر الذي كان فيه تصاوير الخيل ذوات الأجنحة. قال: والباب يراد ¬

_ (¬1) "الغريبين" 4/ 1251 - 1252. (¬2) انظر: "تهذيب اللغة" 2/ 86، "النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/ 208. (¬3) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/ 208. (¬4) "الفائق في غريب الحديث" 1/ 202 - 203.

به هاهنا (¬1) باب السهوة المذكور في الرواية الأخرى، وهو بيت صغير يشبه المخدع. قال الأصمعي: هو شبه الطاق يجعل فيه الشيء، وهو يشبه الخزانة الصغيرة (¬2). (فلم يرد علي شيئًا) أي: لم يرد عليَّ جواب السلام ولا غيره. وفيه: استحباب هجران أهل البدع والمعاصي الظاهرة، وترك السلام عليهم، وترك رد جواب سلامهم زجرًا لهم وتأديبًا ليرجعوا عما صدر منهم. (ورأيت الكراهية) بتخفيف الياء (في وجهه) وإنما عرفت الكراهية في وجهه حين تلون وجهه وظهر الغضب فيه، ووقف عند الباب ولم يدخل كما كان يفعل قبل ذلك. وفيه من الفقه: الغضب عند رؤية المنكر ردعًا للفاعل، فإن الغضب للَّه تعالى مشروع. (فأتى النمط) فتناوله (حتى هتكه) أي: قطعه وأتلف الصورة التي فيه، وهو يدل على أن ما صنع على غير الوجه المشروع لا مالية له ولا حرمة، وأن من (¬3) كسر منها شيئًا لا يقدر على الإبطال إلا به وأتلف تلك الصور لم يلزمه ضمان ذلك. (ثم قال: إن اللَّه تعالى لم يأمرنا فيما رزقنا) ووسع علينا من فضله (أن نكسو) بإسكان واو الضمير، وأن نكسو بنصب الواو وهو الصواب، ولا ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) "المفهم" 5/ 425 - 426. (¬3) ساقطة من (م).

يجوز إثبات واو الضمير؛ لأن المضارع المبدوء بالنون يجب استتار الضمير فيه كقوله (أن لن تدعو مع اللَّه أحدًا) (¬1) به (الحجارة) يعني: الحيطان المبنية بالأحجار (واللبن) بفتح اللام وكسر الموحدة، ويجوز كسر اللام مع سكون الباء، وهو ما يعمل من الطين ليبنى به، ورواية مسلم: "الحجارة والطين" (¬2) ويفهم منه كراهية ستر الحيطان بالثياب المنقشة وغيرها؛ لأن ذلك من السرف وفضول زهرة الدنيا التي نهى اللَّه النبي أن يمد عينيه إليها نهي تنزيه لا تحريم، ومنه تنجيد البيوت بالثياب. وكذلك جاء في الرواية الأخرى: "فإني كلما دخلت [فرأيته] (¬3) ذكرت الدنيا" (¬4)، وهذا الستر هو الذي كان يصلي إليه (¬5) وتعرض له تصاويره في الصلاة، فلما تبين له مفسدته امتنع من دخول البيت حتى هتكه، وقد فعل سلمان الفارسي نحو هذا لما تزوج الكندية (¬6) وجاء ليدخل بها فوجد حيطان البيت قد سترت، [فلم يدخل] (¬7)، وقال ¬

_ (¬1) كذا في (ل، م) ويقصد بها الشارح أنها آية، ويدلل بها على بدء استتار واو الضمير إذا كان الفعل مبدوءًا بالنون، وهو خطأ، فإنه لا توجد آية بهذا اللفظ، وإنما الآية: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18]. (¬2) "صحيح مسلم" (2107). (¬3) زيادة ليست في الأصول، وأثبتناها من "صحيح مسلم". (¬4) "صحيح مسلم" (2107) (88). (¬5) ساقطة من (ل، م). (¬6) في جميع النسخ: الهندية. والمثبت من مصادر التخريج. (¬7) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل، م).

منكرا لذلك: أمحموم بيتكم أم تحولت الكعبة في كندة؟ حتى أزيل كل ذلك (¬1). ودعا ابن عمر أبا أيوب، فرأى سترًا على الجدار، فقال: ما هذا؟ فقال: غلبنا عليه النساء. فقال: واللَّه لا أطعم لك طعامًا، فرجع. ذكره البخاري (¬2). (قال) زيد (فقطعته) فيه المبادرة إلى إزالة ما نهي عنه بالتصريح أو التعريض (وجعلته وسادتين) قال القرطبي: يحتمل أن مع التقطيع أزيل شكل الصورة وبطل، فيزول الموجب للمنع (¬3)، ويحتمل أن تكون تلك الصور أو بعضها باقيًا، لكن لما امتهنت بالقعود عليها والاتكاء سومح فيها، وقد ذهب إلى كل احتمال منهما طائفة من العلماء. ثم قال: والحق أن كل ذلك محتمل، وليس أحد الاحتمالين بأولى من الآخر، فلا حجة في الحديث على واحد منهما، وإنما الذي يفيده هذا الحديث جواز اتخاذ النمارق والوسائد في البيوت (¬4). (وحشوتهما ليفًا) لا كتانًا ولا قطنًا، وفي معنى الليف الإذخر والهشيم من التبن وغيره (فلم ينكر) بكسر الكاف (ذلك عليَّ) لأنه مباح. [4154] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا جرير) بفتح الجيم، وهو ابن ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق 6/ 192 (10463)، والبيهقي 7/ 272 - 273 عن ابن جريج به. ورواه الطبراني 6/ 226 - 227 (6067) عن ابن عباس به. ورواه أبو نعيم في "الحلية" 1/ 185 عن أبي عبد الرحمن السلمي عن سلمان به. (¬2) معلقًا قبل حديث (5181)، ووصله ابن حجر في "التغليق" 4/ 424 - 425. (¬3) ساقطة من (ل، م). (¬4) "المفهم" 5/ 428.

عبد الحميد الضبي (عن سهيل) بن أبي صالح (بإسناده) المذكور، و (مثله قال) زيد بن خالد (فقلت: يا أمه) بإسكان هاء السكت (إن) أبا طلحة (هذا حدثني أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال) ذلك (وقال) فيه (سعيد بن يسار) الراوي فزاد عن أبي طلحة أنه (مولى بني النجار) قبيلة من الخزرج فيها بطون وأفخاذ وفصائل. [4155] (حدثنا قتيبة بن سعيد، ثنا الليث، عن بكير) (¬1) بن عبد اللَّه ابن الأشج المدني (عن بسر) بضم الموحدة وإسكان المهملة، هو (بن سعيد) المدني (عن زيد بن خالد) الجهني (عن أبي طلحة) الأنصاري (أنه قال: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إن الملائكة) ملائكة الرحمة كما تقدم (لا تدخل بيتًا فيه صورة) حيوان منفوشة أو حية (قال بسر) بن سعيد (ثم اشتكى زيد) بن خالد. لفظ مسلم: فمرض (¬2) (فعدناه). فيه: فضيلة عيادة المريض، لا سيما إن كان له حق التعلم أو المشيخة. (فإذا على بابه) أي: على (¬3) باب بيته (ستر فيه صورة) حيوان (فقلت لعبيد اللَّه) بالتصغير، وهو ابن الأسود (الخولاني) بفتح الخاء المعجمة (ربيب) بفتح الراء المهملة. (ميمونة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: ألم يخبرنا زيد) بن خالد الجهني (عن الصور) عنها (يوم) الوقت الماضي (الأول؟ ) وهو من باب إضافة ¬

_ (¬1) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬2) "صحيح مسلم" (2106) (86). (¬3) ساقطة من (ل، م).

الموصوف إلى صفته نحو مسجد الجامع. (فقال عبيد اللَّه) بن الأسود (ألم تسمعه حين) استثنى و (قال: إلا رقمًا) وهو النقش والكتابة. هذا يحتج به من يقول بإباحة ما كان رقمًا مطلقًا، سواء امتهن أم لا كما هو هنا، وسواء علق في حائط، وهذا مذهب القاسم (¬1) بن محمد وغيره (¬2)، وجواب الجمهور عنه أنه محمول على رقم على (¬3) صورة الشجر وغيره مما ليس بحيوان، فإنه جائز عندنا (¬4) (في ثوب؟ ) ونحوه. [4156] (حدثنا الحسن بن الصباح) الواسطي، شيخ البخاري (أن إسماعيل بن عبد الكريم) بن معقل الصنعاني، عن ابن معين: ثقة، رجل صدق (¬5). (حدثهم قال: حدثني إبراهيم بن عقيل) (¬6) بفتح المهملة الصنعاني، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬7)، وهو صدوق (عن أبيه) عقيل بن معقل اليماني، وثقه أحمد، وقال: قرأ التوراة والإنجيل والقرآن (¬8) (عن وهب بن منبه) ولم يسمع وهب من جابر شيئًا. ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) انظر: "الاستذكار" 27/ 177. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) انظر: "الحاوي" 9/ 565. (¬5) انظر: "تهذيب الكمال" 3/ 140 (463). (¬6) بعدها في جميع النسخ: مصغر، ولا يستقيم السياق مع ما بعدها. (¬7) 6/ 6. (¬8) انظر: "تهذيب الكمال" 20/ 241 (4000).

(عن جابر) بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر) بتخفيف (¬1) الميم (عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- زمن الفتح) فتح مكة، وكان في شهر رمضان سنة ثمان من الهجرة (وهو بالبطحاء) بطحاء مكة ممدود، وهو الأبطح، ويضاف إلى مكة ومنى (¬2)، وهو واحد، وهو المحصب، وهو خيف بني كنانة، وكل مسيل واسع فيه دقاق الحصا فهو أبطح وبطحاء (أن يأتي الكعبة) زادها اللَّه شرفًا. (فيمحو) بنصب الواو (كل صورة فيها) أي: كل تمثال على صورة نبي أو ملك من الملائكة أو نحو ذلك مما كان نقشًا في حائط أو له جرم أو غير ذلك مما فيه روح [(فلم يدخلها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى محيت) ومفهوم قوله: (محيت) أن يكون نقشًا في حائط] (¬3). [4157] (حدثنا أحمد بن صالح) الطبري المصري، شيخ البخاري (ثنا) عبد اللَّه (ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب) الزهري (عن) عبيد (ابن السباق) (¬4) بفتح المهملة وتشديد الموحدة الثقفي. (عن) عبد اللَّه (ابن عباس قال: حدثتني ميمونة) بنت الحارث (زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) زاد مسلم والنسائي: أصبح يومًا واجمًا فقالت ميمونة: يا رسول اللَّه، قد استنكرت هيأتك منذ اليوم (¬5). (قال) رسول ¬

_ (¬1) في (ل، م): بفتح. (¬2) ساقطة من (ل). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل، م). (¬4) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬5) "صحيح مسلم" (2105)، "المجتبى" 7/ 186.

اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (إن جبريل -عليه السلام- كان وعدني أن يلقاني الليلة) يقال من الصبح إلى الظهر: فعلت الليلة. ومن الظهر إلى الليل: فعلت البارحة. (فلم يلقني) زاد مسلم والنسائي: "أما واللَّه ما أخلفني" قال: فظل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يومه على ذلك (¬1). وفيه دليل على أن من وعد شخصًا أن يأتيه في مكان ثم حصل عذر منعه من الدخوله جاز له التخلف عنه، ولا يكون ذلك من علامات النفاق، كمن واعده أن يأتيه في مسجد فأجنب أو كانت امرأة فحاضت كان ذلك عذرًا في التخلف عن الوعد. (ثم وقع في نفسه جرو) فيه حذف مضاف، أي: وجود جرو، أي: ولد (كلب) صغير (تحت بساط لنا) ولمسلم: تحت فسطاط لنا (¬2). والفسطاط شبه الخباء، ويوضحه قوله في الحديث الآخر: تحت (¬3) سرير عائشة (¬4). (فأمر به) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (فأخرج) من البيت. قال النووي: الأظهر أن الحديث عام في كل كلب وكل صورة، حتى إن الملائكة تمتنع من كل كلب؛ لإطلاق الحديث؛ لأن هذا الجرو كان فيه عذر ظاهر؛ لأنه لم يعلم به، ومع هذا امتنع جبريل من الدخول، وعلل بالجرو، فلو كان العذر في وجود الصورة والكلب لا يمنعهم لم يمتنع جبريل (¬5). (ثم أخذ بيده ماءً فنضح به مكانه) أي: رشه بالماء ولم يغسله؛ لأن ¬

_ (¬1) السابق. (¬2) "صحيح مسلم" (2105). (¬3) في (ل، م): رواية. (¬4) رواه أحمد 6/ 142 - 143 من حديث عائشة مرفوعًا. (¬5) "شرح مسلم" 14/ 84.

النجاسة العينية لم تتحقق، بل هي مشكوك فيها، فلو تحققت النجاسة (¬1) منه للموضع لغسله، كما فعل ببول الأعرابي الذي بال في طائفة المسجد. (فلما) (¬2) زاد مسلم والنسائي: أمسى (¬3) (لقيه جبريل -عليه السلام-) زادا: فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬4): "قد كنت وعدتني أن تلقاني البارحة" (قال) أجل، ولكنا (إنا لا ندخل بيتًا فيه كلب) واختلف في المعنى الذي في الكلب المانع للملائكة من الدخول، فذهبت طائفة أنه النجاسة، وهو من حجج من قال بنجاسة الكلب كالشافعي (¬5)، وثانيها استخباث روائحها واستقذارها (ولا صورة) المراد بها التماثيل ذوات الأرواح، وسببه أن متخذها في بيته قد أشبه الكفار الذين يتخذون الصور في بيوتهم ويعظمونها، فكرهت الملائكة ذلك منه فلم تدخل بيته هجرانًا له وغضبًا عليه. (فأصبح النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأمر بقتل الكلاب) والأمر بقتل الكلاب منسوخ بحديث جابر في مسلم وغيره: أمرنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بقتل الكلاب، حتى إن المرأة تقدم من البادية بكلبها فنقتله، ثم نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن قتلها (¬6). ثم استقر الشرع على النهي (حتى إنه) بكسر الهمزة (ليأمر بقتل كلب الحائط) يعني: البستان (الصغير، وبترك) بكسر باء الجر ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل، م). (¬2) في (ل، م): رواية. (¬3) "صحيح مسلم" (2105)، "المجتبى" 7/ 186. (¬4) السابق. (¬5) "الأم" 2/ 29 ط، دار الوفاء، وانظر: "المهذب" 1/ 261. (¬6) رواه مسلم (1572)، وسبق برقم (2846)، ورواه أيضًا أحمد 3/ 333.

وروي: يترك (¬1). فعل مضارع (كلب الحائط الكبير) فرق بين الحائطين؛ لأن الكبير تدعو الحاجة إلى حفظ جوانبه، ولا يتمكن الناطور من المحافظة على ذلك بخلاف الصغير، وهذا يدل على جواز اتخاذ ما ينتفع به من الكلاب في حفظ (¬2) الدور والبساتين وغيرها. ألا ترى أن البستان الكبير لما كان يحتاج إلى حفظ جوانبه ترك له كلبه ولم يقتله، بخلاف البستان الصَّغير، فإنه أمر بقتل كلبه؛ لأن الصغير لا يحتاج إلى الحفظ، فإنه ينحفظ من غير كلب لقرب جوانبه. [4158] (حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى) الأنطاكي الفراء، قال أحمد العجلي: صاحب سنة (¬3). وقال أبو داود: ثقة لا يلتفت إلى من حكى: لا يملي إلا من كتاب (¬4). (ثنا أبو إسحاق) (¬5) إبراهيم بن محمد (الفزاري) بفتح الفاء أحد الأعلام. (عن يونس بن أبي إسحاق) السبيعي الهمداني، أخرج له مسلم في الجهاد (¬6) (عن مجاهد) صرح الترمذي بالتحديث فقال: ثنا يونس، ثنا مجاهد (¬7). ¬

_ (¬1) رواها مسلم (2105). (¬2) ساقطة من (ل، م). (¬3) "معرفة الثقات" 2/ 266 (1688). (¬4) "سؤالات الآجري لأبي داود" (1776). (¬5) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬6) وقفت عليه في الإمارة برقم (1844) (47). (¬7) "سنن الترمذي" (2806).

(ثنا أبو هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أتاني جبريل -عليه السلام- فقال لي) إني (أتيتك البارحة) يقال لما فعل من الظهر إلى الليل: فعلت البارحة: (فلم يمنعني أن أكون دخلت) زاد الترمذي: عليك البيت الذي كنت فيه (¬1) (إلا أنه كان على) باب (البيت تماثيل) الرجال (وكان في البيت قرام) بكسر القاف والتنوين وروي بحذف التنوين والإضافة (¬2)، وهو الستر الرقيق فيه نقوش مرقومة (¬3). (ستر فيه تماثيل) ولمسلم: وقد سترت سهوة لي بقرام (¬4). والسهوة الخزانة الصغيرة. ولفظ النسائي: عن أبي هريرة: استأذن جبريل على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "ادخل". فقال: كيف أدخل وفي بيتك ستر فيه تصاوير (¬5)؟ ! واختلاف الروايات يبين بعضها بعضًا. (وكان في البيت كلب) أيضًا (فمر) بضم الميم، أي: فقال جبريل للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: مر (برأس التمثال الذي (¬6) في) باب (البيت) لفظ الترمذي: فمر بالتمثال الذي بالباب (¬7) (فيقطع، فيصير كهيئة الشجرة) فيه أن الشجر ونحوه مما لا روح فيه لا يحرم صنعته ولا التكسب به، سواء الشجر المثمر وغيره، وهذا مذهب العلماء كافة إلا مجاهدًا، فإنه ¬

_ (¬1) السابق. (¬2) رواها الترمذي (2806)، وأحمد 2/ 305. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) "صحيح مسلم" (2107) (92) من حديث عائشة مرفوعًا. (¬5) "المجتبى" 8/ 216. (¬6) في حاشية (ح) وصلب (م، ل): نسخة: التماثيل التي. (¬7) "سنن الترمذي" (2806) بلفظ: فمر برأس التمثال الذي بالباب.

جعل الشجر المثمر من المكروه (¬1)؛ لقوله تعالى: "ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي" (¬2). (ومر بالستر فليقطع فليجعل (¬3) منه وسادتين) فيه أن الصورة والتمثال إذا غير بقطع رأسه لم يكن بها بأس بعد ذلك، وفيه اتخاذ الوسادتين فأكثر، للرجل واحدة وللمرأة (. . .) (¬4) (منبوذتين) أي: مطروحتين على الأرض لطيفتين. لفظ الترمذي: منتبذتين (¬5) (توطآن) على الأرض للنوم عليهما. (ومر بالكلب فليخرج ففعل) ذلك (رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فإذا الكلب لحسن) ابن علي بن أبي طالب (أو حسين) لفظ الترمذي: فكان ذلك الكلب جروًا (¬6) للحسن أو الحسين (¬7). وفيه: تربية جرو الكلب للولد الصَّغير، وقد يستدل به على طهارة الجرو، وجواز اتخاذه لغير الاصطياد (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: "الاستذكار" 27/ 180 - 181، وأثر مجاهد رواه ابن أبي شيبة 8/ 319 (25802). (¬2) حديث قدسي رواه البخاري (5953)، (7559)، ومسلم (2111) من حديث أبي هريرة مرفوعًا، واللفظ لمسلم. (¬3) في حاشية (ح) وصلب (ل): نسخة: فيجعل. (¬4) كلمة غير مقروءة في جميع النسخ. (¬5) "سنن الترمذي" (2806). (¬6) في جميع النسخ: جرو. والمثبت هو الصواب. (¬7) السابق. (¬8) وممن قال بذلك الشافعية والحنابلة، انظر: "المهذب" 1/ 261، "البيان" 5/ 55، "فتح الباري" لابن حجر 5/ 7، "الكافي" لابن قدامة 3/ 18.

(كان تحت نضد) بفتح النون والضاد المعجمة، فعل بمعنى مفعول، أي: تحت متاع البيت المنضود بعضه فوق بعض، وقيل: هو السرير، سمي بذلك لأن النضد يوضع عليه، أي: يجعل بعضه فوق بعض، وفي حديث مسروق: شجر الجنة نضيد من أصلها إلى فرعها (¬1). أي: ليس لها سوق بارزة، ولكنها منضودة بالورق والثمار من أسفلها إلى أعلاها (لهم فأمر به) أي: بالكلب (فأخرج من البيت) قال الترمذي: حديث حسن صحيح (¬2). [(قال أبو داود: النضد شيء توضع عليه الثياب شبه السرير)] (¬3). وهذا آخر كتاب اللباس * * * ¬

_ (¬1) رواه ابن المبارك في "الزهد" (1490)، وابن قتيبة في "غريب الحديث" 2/ 522، وابن أبي الدنيا في "صفة الجنة" (49)، والدينوري في "المجالسة وجواهر العلم" 3/ 83 - 84 (703) من حديث مسروق مقطوعًا، واللفظ لابن قتيبة والدينوري. (¬2) عقب حديث (2806)، قال: هذا حديث حسن. (¬3) ما بين المعقوفتين من هامش (ح).

كتاب الترجل

كتاب الترجل

1 - باب النهي عن كثير من الإرفاه

34 - الترجل 1 - باب النَّهْي عَنْ كَثِيرٍ منَ الإِرْفاهِ 4159 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ هِشامِ بْنِ حَسّانَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مغَفَّلٍ قالَ: نَهَى رَسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنِ التَّرَجُّلِ إِلا غِبًّا (¬1). 4160 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْن عَلي، حَدَّثَنا يَزِيدُ المازِني، أَخْبَرَنا الجُرَيْري، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابنِ بُريدَةَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحابِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رَحَلَ إِلَى فَضالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ وَهُوَ بِمِصْرَ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ فَقالَ: أَما إِنّي لَمْ آتِكَ زائِرًا وَلَكِنّي سَمِعْتُ أَنا وَأَنْتَ حَدِيثًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- رَجَوتُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَكَ مِنْهُ عِلْمٌ. قالَ: وَما هُوَ؟ قالَ: كَذا وَكَذا، قالَ: فَما لي أَراكَ شَعِثًا وَأَنْتَ أَمِيرٌ الأَرْضِ قالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كانَ يَنْهانا عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الإِرْفاهِ. قالَ: فَما لي لا أَرى عَلَيْكَ حِذاءً قالَ: كانَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يأْمُرُنا أَنْ نَحْتَفي أَحْيانًا (¬2). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1756)، والنسائي 8/ 132، وأحمد 4/ 86، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (501). (¬2) رواه النسائي 8/ 185، وأحمد 6/ 22، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (502).

4161 - حَدَّثَنا النُّفَيْلي، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي أُمامَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مالِكٍ، عَنْ أَبي أُمامَةَ قالَ: ذَكَرَ أَصْحابُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يومًا عِنْدَهُ الدُّنْيا فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَلا تَسْمَعُونَ أَلا تَسْمَعُونَ إِنَّ البَذاذَةَ مِنَ الإِيمانِ إِنَّ البَذاذَةَ مِنَ الإِيمانِ". يَعْني التَّقَحُّلَ. قالَ أَبُو داوُدَ: هُوَ أَبُو أُمامَةَ بْنُ ثَعْلَبَةَ الأَنْصاري (¬1). * * * بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أول كتاب الترجل [4159] (حدثنا مسدد، ثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن هشام (¬2) بن حسَّان) الأزدي مولاهم الحافظ (عن الحسن) البصري (عن عبد اللَّه بن مغفل) بضم الميم وفتح الغين المعجمة وتشديد الفاء، المزني، له ولأبيه صحبة، وعبد اللَّه شهد الحديبية (¬3) (قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الترجل) وترجيل الشعر مَشْطُهُ وتسريحه. وفيه النهي عن تسريح الشعر ودهنه كل وقت؛ لما يحصل منه من الفساد، وفيه تنظيف الشعر من القمل والدرن وغيره كل يوم لإزالة التفث؛ ولما روى الترمذي عن أنس أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يكثر دهن ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (4118)، والحاكم 1/ 9، والبيهقي في "الشعب" (6470)، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (341). (¬2) فوقها في (ح)، (ل): (ع). (¬3) انظر ترجمتهما في "أسد الغابة" 3/ 409، 5/ 255، و"الإصابة" 4/ 242، 6/ 194.

رأسه وتسريح لحيته. ذكره في "الشمائل" (¬1). (إلا غبًّا) وأصل الغب في أوراد الإبل أن ترد الماء يومًا وتدعه يومًا ثم تعود، فنقله إلى الترجل وإلى الزيارة في قوله: "زر غبًّا تزدد حبًّا" وهو أن يجيء بعد أيام، [يقال: غب الرجل: إذا جاء زائرًا بعد أيام] (¬2). قال الحسن: في كل أسبوع (¬3). ومنه الحديث: "أغبوا في عيادة المريض" (¬4) لا تعودوه في كل يوم؛ لما يجد من ثقل العواد. وفسر الإمام أحمد الغب بأن يسرحه يومًا ويدعه يومًا (¬5)، وتبعه غيره، وقيل: المراد به في وقت دون وقت. [4160] (حدثنا الحسن بن علي) الهذلي الحلواني، شيخ الشيخين (ثنا يزيد) بن هارون السلمي (أبنا) سعيد بن إياس (الجريري) بضم الجيم (عن عبد اللَّه بن بريدة) قاضي مرو، وعالمها، التابعي (أن رجلًا من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رحل إلى فضالة بن عبيد) بن نافذ بن قيس ¬

_ (¬1) "الشمائل" (33)، وضعفه الألباني في "مختصر الشمائل" (26). (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) انظر "النهاية" لابن الأثير 3/ 629، ولم أجده مسندًا عن الحسن. (¬4) أخرجه ابن أبي الدنيا في "المرض والكفارات" (212)، ومن طريقه البيهقي في "شعب الإيمان" 6/ 542، وأخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد" 11/ 334 كلهم بلفظ: "أغبوا في العيادة". والحديث ضعفه العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" 1/ 518 - 519، والألباني في "الضعيفة" (1644). (¬5) انظر: "كتاب الترجل" للخلال ص 10.

الأنصاري، شهد الخندق (¬1) وما بعدها، ثم انتقل إلى الشام، فسكن دمشق (¬2)، وبنى بها دارًا، وكان قاضيها لمعاوية، وقبره بها معروف، وكان معاوية استقضاه في خروجه إلى صفين، وذلك أن أبا الدرداء لما حضرته الوفاة قال له معاوية: من ترى لهذا الأمر؟ فقال فضالة (¬3). (وهو بمصر فقدم عليه، فقال: أما إني: لم آتك زائرًا، ولكني سمعت أنا وأنت حديثًا من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) و (رجوت أن يكون عندك منه علم) فيه: الرحلة في طلب العلم وتحقيق ما أشكل من سماعه ممن عنده منه علم، وفي معناه الرحلة لقراءة الحديث على المشايخ وتصحيحه عليهم وضبطه منهم إذا وجدوا، وهذا من إحياء السنة النبوية، "ومن أحيا سُنة قد أميتت فله من الأجر مثل أجور من عمل بها". رواه الترمذي وابن ماجه (¬4). (قال: وما هو؟ ) الحديث (قال: كذا وكذا قال) الرجل للصحابي (فما لي أراك شعِثا) بكسر العين أي: متفرق الشعر، ومنه حديث عمر أنه كان يغتسل وهو محرم وقال: إن الماء لا يزيده إلا شعثا (¬5). أي: تفرقًا، فلا ¬

_ (¬1) كذا قال، والصواب: شهد أحدًا وما بعدها: انظر ترجمته في "أسد الغابة" 4/ 363، "الإصابة" 8/ 548. (¬2) في جميع النسخ: دمشقًا. والصواب ما أثبتناه. (¬3) انظر: "الاستيعاب" 3/ 327. (¬4) "سنن الترمذي" (2677)، "سنن ابن ماجه" (209، 210). (¬5) رواه مالك في "الموطأ" 1/ 323، ومسدد كما في "إتحاف الخيرة" للبوصيري، وقال: رجاله ثقات. وصححه الألباني في "الإرواء" (1020).

يكون ملبدًا. وفي حديث الدعاء: "أسألك رحمة تلم بها شعثي" (¬1). أي: تجمع بها ما تفرق من أمري. وفيه دليل على أن اتخاذ الشعر للرجل أفضل من حلقه. وسئل أبو عبد اللَّه عن الرجل يتخذ الشعر، فقال: سنة حسنة، لو أمكننا اتخذناه (¬2). (وأنت أمير الأرض) وكان معاوية اتخذه أميرًا على الغزو. (قال: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان ينهانا عن كثير من الإرفاه) بكسر الهمزة، وسكون الراء، [وتخفيف الفاء] (¬3) وبعد الألف المقصورة هاء، وهذا هو المشهور، وفي بعض النسخ المعتمدة: الإرفة. بكسر الهمزة وضمها، وسكون الراء، وتخفيف الفاء أيضًا، لكن بحذف الألف اختصارًا، والإرفاه: التدهن والتنعم، وقيل: التوسع في المطعم والمشرب والملبس والادهان دائمًا، وهو من الرفه، وهو ورد الإبل، وذلك أن ترد الماء متى شاءت في أي وقت أرادت، والمراد بالحديث: ترك التنعم والدعة ولين العيش والترفه في معيشته؛ لأنه من زي الأعاجم والمترفين في الدنيا. (قال) الرجل (فما لي لا أرى عليك حِذاءً) بكسر الحاء المهملة، ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3419)، وابن قتيبة في "غريب الحديث" (ص 316)، وابن أبي الدنيا في (التهجد وقيام الليل) (46)، وابن خزيمة 2/ 165 (1119)، والطبراني في "الكبير" 10/ 283 (10668)، وفي "الأوسط" 4/ 15 (3696)، وفي "الدعاء" (482)، وأبو نعيم في "الحلية" 3/ 209 من حديث ابن عباس مرفوعًا، وضعفه الألباني في "الضعيفة" (2916). (¬2) انظر: "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 13/ 338 تصنيفنا (دار الفلاح). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل).

وتخفيف الذال المعجمة، مع المد، وهي النعل التي تلبس في الرجل. (قال) فضالة (كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يأمرنا أن نحتفي) أي: يمشي أحدنا حافي الرجلين غير منتعلهما (أحيانًا) وهذا من تسهيلات المبعوث بالحنيفية السمحة بالمشي حافيًا في الطرقات، ثم يصلي ولا يغسل رجليه، فقد قال أبو الشعثاء: كان ابن عمر يمشي (¬1) بمنًى في الفروث والدماء اليابسة حافيًا، ثم يدخل المسجد فيصلي ولا يغسل قدميه، وقد كان الناس في عصر الصحابة ومن بعدهم من التابعين وبعدهم يأتون المساجد حفاة في الطين. قال يحيى بن وثاب: قلت لابن عباس: الرجل يتوضأ يخرج إلى المسجد حافيًا؟ قال: لا بأس (¬2). وقال إبراهيم النخعي: كانوا يخوضون الماء والطين إلى المسجد يصلون (¬3). روى هذِه الروايات سعيد بن منصور في "سننه". قال ابن المنذر: وطئ ابن عمر بمنًى وهو حاف في ماءٍ وطينٍ، ثم صلى ولم يتوضأ. قال: وممن رأى ذلك: علقمة، وعبد اللَّه بن مغفل، وسعيد بن المسيب، والشعبي (¬4)، وأبو حنيفة (¬5)، ومالك (¬6)، ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) رواه البيهقي في "الكبرى" 2/ 434. (¬3) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 1/ 222. (¬4) انظر بعض هذِه الآثار في "مصنف عبد الرزاق" 1/ 28 (83) وما بعدها. (¬5) "الأصل" لمحمد بن الحسن 1/ 67. (¬6) "المدونة" 1/ 127.

وأحمد (¬1)، وأحد الوجهين للشافعية (¬2). قال: وهو قول عامة أهل العلم (¬3). ولأن تنجيسها فيه مشقة عظيمة منتفية بالشرع كما في أطعمة الكفار وثيابهم وثياب الفساق شربة الخمر وغيرهم، وترى كثيرًا من الموسوسين لا يطيب قلبه بالمشي حافيًا في دار ولا سوق ولا في ساحة مسجد يدخل فيه (¬4) بالنعال الجامدة، وهي سنة ثابتة كما في هذا الحديث وغيره بالأمر بالاحتفاء، ولم يقيده بما إذا كانت الأرض [متيقنة الطهارة] (¬5) ولا بغيرها، وهذا من وساوس اللعين، وتنطع الهالكين. [4161] (حدثنا) عبد اللَّه بن محمد (النفيلي، ثنا محمد بن سلمة) (¬6) الباهلي، أخرج له مسلم في "صحيحه" (عن محمد بن إسحاق) صاحب "المغازي" (عن عبد اللَّه بن أبي أمامة) الأنصاري، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬7) (عن عبد اللَّه بن كعب بن مالك) السلمي، أخرج له الشيخان (عن أبي أمامة) إياس بن ثعلبة الأنصاري. (قال: ذكر أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يومًا عنده) زينة (الدنيا) والترفع فيها بالملبس وغيره (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ألا) بالتخفيف (تسمعون، ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" 2/ 501. (¬2) انظر: "المجموع" 2/ 569. (¬3) "الأوسط" 2/ 296، 297. (¬4) ساقطة من (ل)، (م). (¬5) في (ل)، (م): طاهرة، والمثبت من (ح). (¬6) في (ل)، (م): سليمان. (¬7) "الثقات" 7/ 18.

ألا تسمعون؟ ! ) في هذا الكلام أنواع من التأكيدات أحدها: أنه أتى بـ (ألا) الدالة على العرض والتحضيض على الاستماع، كقوله تعالى: {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ}، والثاني: التأكيد بتكرير الكلمة. والثالث: التصريح بالإصغاء بالإسماع سماع فهم وانتفاع، مع أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- عالم بأنهم يسمعون لما يقوله، ويبادرون إلى امتثاله، لكن ليكون أبلغ في الموعظة، والرابع: الإتيان بلفظ (إنَّ) التي للتأكيد، وهي عوض عن إعادة الكلام مرتين. (البذاذة) بفتح الباء (¬1) الموحَّدة، والذالين المعجمتين المخففتين، وهي رثاثة الهيئة والتواضع في اللباس، [يقال: فلان بَذُّ الهيئة، وباذ الهيئة. أي: رث اللبسة، أراد التواضع في] (¬2) اللباس وترك التبجح به، قال هارون الرشيد: سألت معنًا عن البذاذة، فقال: هو الدون من اللباس. وقد جعله النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (من) كمال (الإيمان) الراسخ في القلب؛ ولهذا قال زيد بن وهب: رأيت عمر بن الخطاب خرج إلى السوق وبيده الدرة، وعليه إزار فيه أربع عشرة (¬3) رقعة، بعضها من أدم (¬4)، يعني: من جلد. وعوتب علي -رضي اللَّه عنه- في إزار مرقوع، فقال: يقتدي به المؤمن، ويخشع له ¬

_ (¬1) ساقطة من (ح). (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) في جميع النسخ: أربعة عشر. والجادة ما أثبتناه. (¬4) رواه ابن أبي خيثمة في "التاريخ الكبير" 3/ 178 (1363)، وابن أبي الدنيا في "إصلاح المال" (382)، وفي "التواضع والخمول" (130)، والبيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى" (552).

القلب (¬1). وقال عيسى -عليه السلام-: جودة الثياب خيلاء القلب (¬2). وقال طاوس: إني لأغسل ثوبي هذين، فأنكر قلبي ما داما نقيين (¬3). وإنما كان البذاذة من الإيمان؛ لأنه يؤدي إلى كسر النفس والتواضع، ولكن ليس ذلك عند كل أحد؛ بل يورث عند بعض الناس كما أن الثياب النفيسة توجب الكبر عند بعض الناس، وعلى هذا فالمحبوب الوسط من اللباس. ولهذا جاء في رواية النسائي وابن ماجه عن عمرو بن شعيب (¬4): "كلوا واشربوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة" (¬5) وتقدم رواية الترمذي: "إن اللَّه يحب أن يرى أثر نعمته على عبده" (¬6)، (إن البذاذة من الإيمان) وفي بعض النسخ تكرار ذلك ثلاث مرات. والتَّفَحُل، بالفاء والحاء المهملة، هو: التبذل دون تزين، ومنه حديث عمر لما قدم الشَّام. تفحل له أمراء الشَّام. مأخوذ من الفحل ضد الأنثى؛ لأن التزين للإناث. (قال) المصنف: البذاذة (يعني: التَّقَحُّل) بفتح التاء والقاف والحاء المهملة المشددة، وهو: يبس الجلد لسوء الحال، وقد قحل الرجل ¬

_ (¬1) رواه الإمام أحمد في "فضائل الصحابة" (923) وهناد في "الزهد" (705)، وابن أبي الدنيا في "إصلاح المال" (394)، وفي "التواضع والخمول" (133). (¬2) رواه ابن أبي الدنيا في "التواضع والخمول" (145). (¬3) رواه ابن أبي الدنيا في "التواضع والخمول" (146). (¬4) أي عن أبيه عن جده وهو عبد اللَّه بن عمرو بن العاص. (¬5) "سنن النسائي" (2559)، "سنن ابن ماجه" (3605). (¬6) "سنن الترمذي" (2819) وقال: حديث حسن.

قحلًا إذا التزق جلده بعظمه من الهزال. وفي حديث الاستسقاء: قحل -هو بالقاف- (¬1) الناس على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أي: يبسوا من شدة القحط (¬2). وفي الحديث: "لأن يعصب أحدكم -الذكر- بقِدٍّ حتى يَقْحَل خير من أن يسأل الناس في نكاح" (¬3)، يعني: حتى ييبس الذكر. و(قال) المصنف: الراوي (هو أبو أمامة) إياس (بن ثعلبة الأنصاري) كما تقدم. * * * ¬

_ (¬1) في الأصول: بالفاء. (¬2) انظر: "النهاية" لابن الأثير 4/ 18. (¬3) رواه ابن أبي خيثمة في "التاريخ الكبير" 1/ 514 (2101) والخطابي في "غريب الحديث" 2/ 175.

2 - باب ما جاء في استحباب الطيب

2 - باب ما جاءَ في اسْتِحْبابِ الطِّيبِ 4162 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْن عَلي، حَدَّثَنا أَبو أَحْمَدَ، عَنْ شَيْبانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ المُخْتارِ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: كانَتْ لِلنَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سُكَّةٌ يَتَطيَّبُ مِنْها (¬1). * * * باب ما جاء في استحباب الطيب [4162] (حدثنا نصر (¬2) بن علي) الجهضمي بن الكبير نصر بن علي الجهضمي. (ثنا أبو أحمد) (¬3) محمد بن عبد اللَّه بن الزبير الزبيري الحبال. (عن شيبان (¬4) بن عبد الرحمن) التميمي مولاهم النحوي. (عن عبد اللَّه ابن المختار) البصري أخرج له مسلم (عن موسى (¬5) بن أنس) بن مالك قاضي البصرة. (عن) أبيه (أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: كانت للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سُكَّةٌ) قال المنذري: يحتمل أن تكون السكة وعاءً للطيب، ويحتمل أن تكون قطعة من السك، وهو طيب مجموع من أخلاط. وقيل: هو نوع من الطيب (يتطيب منها) للجمع والأعياد ونحوهما، فإن لم يجد تطيب من طيب أهله، وفيه اتخاذ الطيب في البيت واستعماله وإن لم يظهر منه رائحة كريهة. * * * ¬

_ (¬1) رواه الترمذي في "الشمائل المحمدية" (217)، والبزار (7304)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (4831). (¬2) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬3) فوقها في (ح): (ع). (¬4) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬5) فوقها في (ح، ل): (ع).

3 - باب في إصلاح الشعر

3 - باب فِي إِصْلاحِ الشَّعْرِ 4163 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْن داوُدَ المَهْري، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ، حَدَّثَني ابن أَبي الزِّنادِ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ كانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ" (¬1). * * * باب في إصلاح الشعر [4163] (حدثنا سليمان بن داود) أبو الربيع (المهري) بفتح الميم، تقدم، المصري، ثقة فقيه (¬2) (أبنا) عبد اللَّه (ابن وهب، أخبرني) عبد الرحمن (بن أبي الزناد، عن سهيل بن أبي صالح) ذكوان (عن أبيه) أبي صالح السمان (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: من كان له شَعَر) بفتح العين (فليكرمه) بأن يصونه عن الأوساخ والأقذار، ويتعاهد ما اجتمع في شعر الرأس من الدرن والقمل، فالتنظيف عنه بالغسل والتدهين والترجيل مستحب، وإن لم يتفرغ لتنظيفه فيكرمه بالإزالة بالحلق ونحوه. * * * ¬

_ (¬1) رواه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (3365)، والبيهقي في "الشعب" (6455)، وصححه الألباني في "الصحيحة" (500). (¬2) انظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 11/ 409.

4 - باب في الخضاب للنساء

4 - باب فِي الخِضابِ للنِّساءِ 4164 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَلي بْنِ المُبارَكِ، عَنْ يَحْيَى بن أَبي كَثِيرٍ قالَ: حَدَّثَتْني كَرِيمَةُ بِنْتُ هَمّامٍ أَنَّ امْرَأةَ أَتَتْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها فَسَأَلَتْها عَنْ خِضابِ الحِنّاءِ. فَقالَتْ: لا بَأْسَ بِهِ وَلَكِنّي أَكْرَهُهُ كانَ حَبِيبي رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَكْرَهُ رِيحَهُ. قالَ أَبُو داوُدَ: تَعْني خِضابَ شَعْرِ الرَّأْسِ (¬1). 4165 - حَدَّثَنا مُسلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ حَدَّثَتْني غِبْطَةُ بِنْتُ عَمْرٍو المُجاشِعِيَّهُ قالَتْ: حَدَّثَتْني عَمَّتي أُمُّ الحَسَنِ، عَنْ جَدَّتِها، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها أَنَّ هِنْدًا بِنْتَ عُتْبَةَ قالَتْ: يا نَبي اللَّهِ بايِعْني. قالَ: "لا أُبايِعُكِ حَتَّى تُغيِّري كَفَّيْكِ كَأَنَّهُما كَفّا سَبُعٍ" (¬2). 4166 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصُّوري، حَدَّثَنا خالِدُ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنا مُطِيعُ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ عِصْمَةَ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها قالَتْ: أَوْمَتِ امْرَأَةٌ مِنْ وَراءِ سِتْرٍ بِيَدِها كِتابٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقَبَضَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يَدَهُ فَقالَ: "مَا أَدْري أَيَدُ رَجُلٍ أَمْ يَدُ امْرَأَةٍ". قالَتْ: بَلِ امْرَأَةٌ. قالَ: "لَوْ كُنْتِ امْرَأَةً لَغيَّرْتِ أَظْفارَكِ". يَعْني: بِالحِنّاءِ (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 117، 210، والنسائي 8/ 142، والبيهقي 7/ 311، وضعفه الألباني في "الضعيفة" 4/ 117. (¬2) رواه أبو يعلى (4754)، والبيهقي 7/ 86، وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (6169). (¬3) رواه النسائي 8/ 142، وأحمد 6/ 262، وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (4843).

باب في الخضاب للنساء [4164] (حدثنا عبيد اللَّه) بالتصغير (ابن عمر) بن ميسرة القواريري، شيخ الشيخين. (ثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن علي بن المبارك) الهُنَائي، بضم الهاء وتخفيف النون، نسبة إلى هناءة بن مالك، بطن من الأزد. (عن يحيى بن أبي كثير قال: حدثتني كريمة بنت همام) تابعية مقبولة (أن امرأة أتت عائشة رضي اللَّه عنها فسألتها عن خضاب الحناء) بالمد، والحاء مكسورة، ومطلق الخضاب شامل لخضاب الشعر والجسم، لكن تقييده في ترجمة الباب بالنساء يدل على أن المراد به الجسم، فإن خضاب اليدين والرجلين بالحناء مستحب للزوجة من النساء، وهو حرام على الرجال إلا لحاجة التداوي ونحوه (¬1). (فقالت: لا بأس به) للنساء المزوجات (ولكني أكرهه) فقد (كان ¬

_ (¬1) الجمهور على إباحة الخطاب سواء للرجال والنساء: قال السرخسي في "المبسوط" 10/ 199: وأما الخضاب فهو من علامات المسلمين، وكان أبو بكر يختضب بالحناء والكتم، ولم يفعله النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في عمره على الأصح، ولا بأس به للرجل الغازي، وأما من اختضب لأجل التزين للنساء والجواري فقد منع من ذلك بعض العلماء والأصح أنه لا بأس به. . " اهـ بتصرف. وقال الماوردي في "الحاوي الكبير" 2/ 257: وأما خضاب الشعر فمباح بالحناء والكتم. . . وقال ابن قدامة في "المغني" 1/ 125: ويستحب خضاب الشيب بغير السواد، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد أمر بالخضاب، ويستحب الخضاب بالحناء والكتم.

حبيبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) وفي بعض النسخ: حِبِّي. بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء، كرواية النسائي (¬1). (يكره ريحه) فيه أن المرأة من حق زوجها عليها أن تكره ما يكرهه وتترك فعله مراعاة لقلبه، وتحب ما يحبه وتفعله. قال المنذري: وقد وقع لنا هذا الحديث، وفيه: وليس عليكن أخواتي أن تختضبن (¬2). يعني: لكراهة زوجها له، وفي بعض النسخ: (قال أبو داود: يعني: خضاب شعر الرأس) قلت: وكذا خضاب اليدين والرجلين أيضًا لعموم اللفظ. [4165] (حدثنا مسلم (¬3) بن إبراهيم) الأزدي الفراهيدي (حدثتني غِبْطة) بكسر الغين المعجمة وسكون الباء الموحدة ثم طاء مهملة، وقيل: بفتح المعجمة وسكون المثناة ثم ظاء معجمة (بنت عمرو المجاشعية) (¬4) سكت عليها المصنف، ثم المنذري. (قالت: حدثتني عمتي أم الحسن) سكتا عليها أيضًا (عن جدتها (¬5) عن عائشة رضي اللَّه عنها أن هندَ) [غير منصرف على الأرجح كدعد] (¬6) (بنت عُتبة) بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف، [أم معاوية] (¬7)، أسلمت عام الفتح بعد إسلام زوجها أبي سفيان بن حرب، فأقرهما رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على نكاحهما. ¬

_ (¬1) "سنن النسائي" (5090). (¬2) "مختصر سنن أبي داود" 6/ 86. (¬3) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬4) قال الحافظ في "التقريب" (8649): غبطة بنت عمرو المجاشعية أم عمرو البصرية: مقبولة. (¬5) بعدها في (ح، ل) بياض مقدار كلمتين. (¬6) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل، م). (¬7) ساقط من (م).

(قالت) لما أخذ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- البيعة على النساء، ومن الشرط فيها أن {وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ} الآية: وهل تزني الحرة أو تسرق يا رسول اللَّه؟ فلما قال: {وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ} تعني: حنظلة بن أبي سفيان قد ربيناهم صغارًا وقتلتهم أنت ببدر كبارًا قالت ونحو هذا من القول، وشكت إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن زوجها أبا سفيان لا يعطيها من الطعام ما يكفيها وولدها، فقال لها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك أنت وولدك" (¬1). (يا نبي اللَّه، بايعني) وكانت منتقبة متنكرة مع النساء خوفًا من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يعرفها؛ لكونها لما قتل حمزة عم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم أحد وَثَبَتْ عليه، فشقت بطنه واستخرجت كبده، فشوت منه وأكلت فيما يقال؛ لأنه كان قد قتل أباها يوم بدر. فقال لها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-[لما تكلمت] (¬2): "وإنك لهند بنت عتبة؟ " قالت: نعم، فاعف عما سلف يا نبي اللَّه. فقال: "عفا اللَّه عنك" (¬3). (قال: لا أبايعك) وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-[ما مست] (¬4) يده يد امرأة قط إلا يد امرأة ملكها، وكان يبايع النساء بالكلام، وقال الشعبي: كان يبايع النساء وعلى يده ثوب قطوي (¬5). (حتى تغيري) لون ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5364). وانظر ترجمتها في "الاستيعاب" 4/ 474 وقال: توفيت هند في خلافة عمر. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل، م)، والمثبت من (ح). (¬3) رواه الطبري في "تاريخه" 2/ 161، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 70/ 181. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (ح). (¬5) رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 8/ 5، وأبو داود في "المراسيل" (373). وفي (ل): مطوي.

(كفيك) يعني: بالحناء تغييرًا يمنع إدراك لون البشرة، ولم يقل: تخضبي كفيك. ولهذا قال أصحابنا وغيرهم: يستحب للمرأة المزوجة وغيرها والشابة والعجوز أن تمسح يديها ووجهها بالحناء قبل الإحرام بالحج؛ لتستر البشرة؛ لأنها مأمورة بكشفهما كما تغير المرأة يديها عند المبايعة لكشف يديها بأخذ البيعة عليها. وظاهر الحديث أنها لا تغير سوى الكفين إلى الكوع، ويكره النقش والتطريف، وهو خضب بعض الأصابع للزينة (¬1)، وتجري هذا في كل موضع احتاجت فيه إلى كشف يديها لعلاج أو نحوه. (كأنهما كفا سبع) أي: رجل شجاع. [4166] (حدثنا محمد بن محمد) بن مصعب (الصُّوري) بضم الصاد المهملة، نسبة إلى مدينة صور من ساحل الشَّام، استولى عليها الإفرنج سنة عشر وخمسمائة (¬2)، وكان ثقة. (حدثنا خالد بن عبد الرحمن) الخراساني وثقوه (¬3). (حدثنا مطيع بن ميمون) العنبري، قال ابن عدي: له حديثان غير محفوظين (¬4). (عن صفية بنت عصمة) بكسر العين تابعية لا تعرف (عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: أَوْمَأَت) بفتح الهمزة قبل التاء، وفي بعض النسخ: أومت بحذف الألف، والإيماء هو الإشارة باليد أو الرأس أو العين أو الحاجب (امرأة من وراء ستر، بيدها ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل، م). (¬2) انظر: "معجم البلدان" 3/ 433. لكنه ذكر أن الإفرنج نزلوا عليها عام 518 هـ. (¬3) ساقطة من (م). وانظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 8/ 120. (¬4) "الكامل" 8/ 224 - 225.

كتابٌ) مرفوع، والظاهر أنه مبتدأ و (بيدها) جار ومجرور تقدم عليه، وهو في موضع الخبر. ويبين هذِه الرواية رواية النسائي بلفظ: إن امرأة مدت يدها إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بكتاب (إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقبض النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يده) عن أخذه، وزاد النسائي: فقالت: يا رسول اللَّه، مددت يدي إليك بكتاب فلم تأخذه (¬1). انتهى، وهذا من التأديب بالفعل؛ فإنه (¬2) ترك الأخذ منها زجرًا لها وتأديبًا. (فقال: ما أدري أيد) نفي (¬3) عن العمد (رجل) هي (أم يد امرأة؟ فقالت: بل) يد (امرأة. قال: لو كنت امرأة لغيَّرت أظفارك) يعني: لغيرت كفيك (يعني: بالحناء) لتتغير أظفارك معهما. قال بعضهم: خضاب اليد مندوب إليه للنساء ليكون فرقًا بين أكفهن وأكفِّ الرجال، وهو حرام على الرجال إلا لحاجة التداوي ونحوه، ومن فعل ذلك كان متشبهًا بالنساء، وهو داخل في الحديث الصحيح: "لعن اللَّه المتشبهين بالنساء من الرجال" (¬4)، وفي الصحيح عن أنس أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى أن يتزعفر الرجل (¬5). رواه البخاري ومسلم (¬6)، والحناء في هذا كالزعفران، ولا بأس به للصغار لا سيما في العيد ونحوه. * * * ¬

_ (¬1) "المجتبى" 8/ 142. (¬2) في جميع النسخ: فإن. والمثبت هو المناسب للسياق. (¬3) هذِه الكلمة غير واضحة في النسخ، والمثبت أقرب إلى المعنى المراد ورسمها في النسخ. (¬4) رواه البخاري (5885). (¬5) في (ل)، (م): الرجال. (¬6) "صحيح البخاري" (5846)، "صحيح مسلم" (2101).

5 - باب في صلة الشعر

5 - باب في صِلَةِ الشَّعْرِ 4167 - حَدَّثَنا عَبْد اللَّهِ بْن مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ مُعاوِيةَ بْنَ أَبي سُفْيانَ عامَ حَجَّ وَهوَ عَلَى المِنْبَرِ وَتَناوَلَ قُصَّةً مِنْ شَعْرٍ كانَتْ في يَدِ حَرَسي يَقُول: يا أَهْلَ المَدِينَةِ أَيْنَ عُلَماؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هذِه وَيَقُولُ: "إِنَّما هَلَكَتْ بَنُو إِسْرائِيلَ حِينَ اتَّخَذَ هذِه نِساؤُهُمْ" (¬1). 4168 - حَدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمُسَدَّدٌ، قالا: حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، قالَ: حَدَّثَني نافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: لَعَنَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- الواصِلَةَ والمُسْتَوْصِلَةَ والواشِمَةَ والمُسْتَوْشِمَةَ (¬2). 4169 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى وَعُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ -المَعْنَى- قالا: حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: لَعَنَ اللَّهُ الواشِماتِ والمُسْتَوْشِماتِ. قالَ مُحَمَّدٌ: والواصِلاتِ. وقالَ عُثْمانُ: والمُتَنَمِّصاتِ. ثُمَّ اتَّفَقا والمُتَفَلِّجاتِ لِلْحُسْنِ المُغيِّراتِ خَلْقَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-. فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَني أَسَدٍ يُقالُ لَها: أُمُّ يَعْقُوبَ. زادَ عثْمانُ كانَتْ تَقْرَأُ القُرْآنَ ثمَّ اتَّفَقا فَأَتَتْهُ فَقالَتْ: بَلَغَني عَنْكَ أَنَّكَ لَعَنْتَ الواشِماتِ والمُسْتَوْشِماتِ. قالَ مُحَمَّدٌ: والواصِلاتِ. وقالَ عُثْمانُ: والمُتَنَمِّصاتِ. ثُمَّ اتَّفَقا: والمُتَفَلِّجاتِ. قالَ عُثْمانُ: لِلْحُسْنِ المُغيِّراتِ خَلْقَ اللَّهِ تَعالَى. فَقالَ: وَما لي لا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَهُوَ في كِتابِ اللَّهِ تَعالَى قالَتْ: لَقَدْ قَرَأْتُ ما بَيْنَ لَوْحَي المُصْحَفِ فَما وَجَدْتهُ. فَقالَ: واللَّه لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ ثُمَّ قَرَأَ {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} قالَتْ: إِنّي أَرى بَعْضَ هذا عَلَى امْرَأَتِكَ. قالَ: فادْخُلي فانْظُرَي. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3468)، ومسلم (2127). (¬2) رواه البخاري (5937)، ومسلم (2124).

فَدَخَلَتْ، ثُمَّ خَرَجَتْ، فَقالَ: ما رَأَيْتِ وقالَ عُثْمانُ: فَقالَتْ: ما رَأَيْتُ. فَقالَ: لَوْ كانَ ذَلِكَ ما كانَتْ مَعَنا (¬1). 4170 - حَدَّثَنا ابن السَّرْحِ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، عَنْ أُسامَةَ، عَنْ أَبانَ بْنِ صالِحٍ، عَنْ مُجاهِدِ بْنِ جَبْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: لُعِنَتِ الواصِلَةُ والمُسْتَوْصِلَةُ والنّامِصَةُ والمُتَنَمِّصَةُ والواشِمَةُ والمُستَوْشِمَةُ مِنْ غَيْرِ داءٍ. قالَ أَبُو داوُدَ: وَتَفْسِيرُ الواصِلَةِ التي تَصِلُ الشَّعْرَ بِشَعْرِ النِّساءِ والمُسْتَوْصِلَة المَعْمُولُ بِها والنّامِصَة التي تَنْقُشُ الحاجِبَ حَتَّى تَرِقَّهُ والمُتَنَمِّصَةُ المَعْمُولُ بِها والواشِمَةُ التي تَجْعَلُ الخِيلانَ في وَجْهِها بِكُحْلٍ أَوْ مِدادٍ والمُسْتَوْشِمَةُ المَعْمُولُ بِها (¬2). 4171 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زِيادٍ قالَ: حَدَّثَنا شَرِيكٌ، عَنْ سالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قالَ: لا بَأْسَ بِالقَرامِلِ. قالَ أَبُو داوُدَ: كَأَنَّهُ يَذْهَب إِلَى أَنَّ المَنْهي عَنْهُ شُعُورُ النِّساءِ. قالَ أَبو داوُدَ: كانَ أَحْمَدُ يَقُولُ القَرامِلُ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ (¬3). * * * باب في صلة الشعر [4167] (حدثنا عبد اللَّه بن مسلمة) بن قعنب (عن مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري، تابعي من (¬4) أهل المدينة (أنه سمع معاوية بن أبي سفيان) في آخر قدمة قدمها ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4886)، ومسلم (2125). (¬2) رواه أحمد 1/ 251، 330، والطبراني 11/ 204 (11502)، مرفوعا وليس فيه: من غير داء، وقال الألباني في "صحيح الترغيب" (2101): حسن صحيح. (¬3) صحح إسناده الحافظ في "الفتح" 10/ 375. (¬4) ساقطة من (ح)، (ل).

المدينة (عام حج) بالناس (وهو على المنبر) أي: منبر المدينة (و) قد (تناول قُصَّة) بضم القاف، وتشديد الصاد المهملة، وهي القطعة من الشعر، من قصصت الشعر، أي: قطعته. قال الأصمعي وغيره: هي شعر مقدم الرأس المقبل على الجبهة. وقيل: شعر الناصية. (كانت في يد حرسيٍّ) بفتح الحاء والراء المهملتين، أي جندي شرطي وهو غلام الأمير. (يقول: يا أهل المدينة، أين علماؤكم؟ ) وهذا من معاوية على سبيل التذكير لأهل المدينة بما يعلمونه، والاستعانة بأهل المدينة على ما رام تغييره من ذلك، لا على جهة أن يعلمهم بما لم يعلموا؛ فإنهم أعلم الناس بأحاديث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، لا سيما في ذلك العصر. ويحتمل أن يكون ذلك منه لأن عوام أهل المدينة أول من أحدث الزور، كما قال في رواية مسلم: إنكم قد أحدثتم زي سوء (¬1). يعني: الزور، فنادى العلماء ليوافقوه على ما سمعه من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من النهي عن ذلك؛ ليزجر من أحدث ذلك من العوام. (سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ينهى عن مثل هذِه) [أي: عن تزيين الشعر بمثل هذِه الكبة الشعر الذي تبدى. (ويقول: إنما هلكت) بفتح اللام] (¬2) (بنو إسرائيل حين أتخذ هذِه) القصة (نساؤهم) فظهر منه أن ذلك كان محرمًا عليهم، وأن نساءهم ارتكبوا [ذلك المحرم، فأقرهم على ذلك رجالهم وسكتوا عن نهيهم ومنعهم من ذلك، فعوقب النساء ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2127/ 124). (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

على فعلهم والرجال على سكوتهم وإقرارهم، وعمهم العذاب] (¬1) لما ارتكبوه من العظائم. [4168] (حدثنا أحمد بن حنبل ومسدد قالا: حدثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد (¬2) اللَّه) بالتصغير ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر ابن الخطاب القرشي (حدثني نافع، عن عبد اللَّه) بن عمر رضي اللَّه عنهما (قال: لعن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الواصلة) التي تصل شعر المرأة بشعر آخر من غيرها لتكثر به شعر المرأة (والمستوصلة) هي التي تستدعي من تفعل ذلك بها (والواشمة) فاعلة الوشم، وهو أن تغرز إبرة أو مسلة في ظهر الكف أو المعصم أو الشفة حتى يسيل الدم، ثم تحشو ذلك الموضع بالكحل أو النورة فيخضر ذلك الموضع، وهو مما يستحسنه الفساق (والمستوشمة) وهي التي تطلب من يفعل ذلك بها. [4169] (حدثنا محمد بن عيسى) بن الطباع الفقيه، كان يحفظ نحو أربعين ألف حديث، وهو ثقة مأمون (¬3) (وعثمان بن أبي شيبة قالا: حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة، عن عبد اللَّه) بن مسعود -رضي اللَّه عنه-. (قال: لعن اللَّه تعالى الواشمات والمستوشمات. قال محمد) بن عيسى ابن الطباع (والواصلات، وقال عثمان) بن أبي شيبة (والمتنمِّصَات) بتاء ثم نون، وهن اللاتي يستدعين من تنتف الشعر من وجهها، ويروى بتقديم ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) فوقها في (ح): (ع). (¬3) انظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 26/ 258.

النون على التاء، ومنه قيل للمنقاش: منماص؛ لأنه ينتتف به الشعر. وهذا الفعل حرام، إلا إذا نبتت للمرأة لحية أو شارب، فلا يحرم إزالة ذلك بل يستحب. (ثم اتفقا) فقالا (والمتفلجات) بالفاء والجيم (للحُسْن) وهي التي تبرد ما بين أسنانها الثنايا والرباعيات رغبة في تحسين أسنانهن، والفلج: تفريق ما بين الثنايا والرباعيات، وتطلب بذلك المصمتة الأسنان خلقة أن تبقى فلجى بالصناعة، وقد تفعل ذلك الكبيرة تتشبه بالصغيرة، وهو حرام على الفاعلة والمفعول بها (المغيرات خلق اللَّه). قيل: النهي عن تغيير خلق اللَّه إنما هو فيما يكون باقيًا، فأما ما لا يكون باقيًا كالكحل ونحوه من التزيينات فقد أجازه مالك وغيره [من العلماء، قال أبو جعفر الطبري: في هذا الحديث دليل على أنه لا يجوز تغيير شيء مما خلق اللَّه المرأة عليه بزيادة أو نقص التماسًا للتحسين لزوج أو غيره] (¬1) كما لو كان لها سن زائدة فأزالتها، أو أسنان طوال فقطعت أطرافها (¬2). قال عياض: ويأتي على ما ذكره أن من خلق بأصبع زائدة أو عضو زائد لا يجوز له قطعة ولا نزعه؛ لأنه من تغيير خلق اللَّه، إلا أن تكون هذِه الزوائد تؤلمه ويتضرر بها، فلا بأس بنزعها عند أبي جعفر (¬3). ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) نقل هذا القول عن الطبري جماعة منهم: القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" 5/ 393، وابن حجر في "فتح الباري" 10/ 377. (¬3) في (ل)، (م): وحرير ونحوهما، وانظر: "شرح النووي على مسلم" 14/ 104.

(فبلغ ذلك) القول (امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب. زاد عثمان) ابن أبي شيبة: و (كانت تقرأ القرآن) كله (ثم أتفقا) بعد ذلك قالا (فأتته) المرأة (فقالت: بلغني عنك أنك لعنت الواشمات والمستوشمات) كما تقدم (قال محمد) بن عيسى (و) لعنت (الواصلات) للشعر. قال الليث بن سعد: النهي مختص بالوصل بالشعر ولا بأس بوصله بصوف [وخرق وغيرها] (¬1). يعني: لأنه لا يشتبه بخلق اللَّه، والأكثرون أن الوصل ممنوع بكل شيء. قال القاضي: فأما ربط خيوط الحرير الملونة ونحوها مما لا يشبه الشعر فليس بمنهي عنه؛ لأنه ليس بوصل ولا في معناه، وإنما هو للتجمل والتحسين (¬2). (وقال عثمان) بن أبي شيبة (والمتنمصات. ثم أتفقا) فقالا: (والمتفلجات) قال عثمان بن أبي شيبة (للحسن) أي: اللائي يفعلن ذلك للتحسين (المغيرات خلق اللَّه) قال القرطبي: لم يختلف العلماء في أن خصي ابن آدم لا يحل ولا يجوز، وأنه تغيير لخلق اللَّه تعالى، والشيطان هو الداعي لفعله، وكره جماعة من الحجازيين والكوفيين شراء الخصي من الصقالبة وغيرهم وقالوا: لو لم تشتروا منهم لم يخصوا شيئًا (¬3). ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" 6/ 656. (¬2) "إكمال المعلم" 6/ 652. (¬3) "الاستذكار" 27/ 73.

(قال) ابن مسعود (وما لي لا ألعن من لعن رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو) موجود (في كتاب اللَّه تعالى) فهمت المرأة من هذا القول أن لعن المذكورات في الحديث منصوص عليه في القرآن؛ ولهذا أنكرت قوله، وقالت: واللَّه (لقد قرأت) جميع (ما بين لوحي المصحف) أي: دفتيه اللتين يجعلان وقاية وصيانة له من جلد أو ورق أو غيره (فما وجدته) فيه. (فقال: واللَّه إن) لفظ الصحيحين: لئن (¬1) (كنت قرأتيه) جميعه (لقد وجدتيه) بزيادة ياء فيهما، وهي الرواية، وهي لغة معروفة فيما إذا اتصل بتاء خطاب الواحدة المؤنثة ضمير غائب حصلت الياء من إشباع الكسرة، ويعني بـ (قرأتيه): تدبرتيه وتأملتي معانيه، فإن قلت: أين لعنة اللَّه في كتابه؟ قلت: قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (¬2) ووجه الاستدلال أن المفهوم منها تحريم مخالفة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فيما أمر به ونهى عنه، وأن مخالفه (¬3) ملعون بلعنة اللَّه؛ لأنه ظالم بالمخالفة، وقد قال تعالى: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} (¬4) (ثم قرأ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ}) أي: ما قال لكم فخذوا به وأتمروا به ({وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ}) نهي تحريم أو كراهة ({فَانْتَهُوا}) عنه، فمن رضي بقوله رضي بقول اللَّه، وقد لقي عبد اللَّه بن مسعود رجلًا محرمًا وعليه ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (4886)، "صحيح مسلم" (2125). (¬2) الحشر: 7. (¬3) بعدها في (م): النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. (¬4) الأعراف: 44.

ثيابه فقال: انزع عنك هذا، فقال الرجل: أتقرأ علي بهذا آية من كتاب اللَّه تعالى؟ قال (¬1): نعم. {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (¬2). (قالت: إني أرى بعض هذا على امرأتك) زاد مسلم: الآن (¬3) (قال: فادخلي فانظري) قال: (فدخلت) على امرأة عبد اللَّه [بن مسعود] (¬4) ولم تر عليها شيئًا (ثم خرجت فقال: ما رأيت؟ ) عليها. (وقال عثمان: ) بن أبي شيبة (فقالت: ما رأيت) بضمه تاء المتكلمة. لفظ مسلم: فقالت: ما رأيت شيئًا (فقال: لو كان ذلك) بكسر الكاف (ما كانت معنا) لفظ مسلم: أما لو كان ذلك لم نجامعها (¬5). يعني: أنه رأى على امرأته قبل ذلك من المنهي عنه فنهاها فانتهت عنه وأزالته عنها، فدخلت المرأة قبل أن تزيله (¬6) فرأته عليها، ثم إنها لما جاءت بعد ذلك فدخلت فلم تر عليها شيئًا من ذلك فصدق قوله فعله، وهكذا يتعين على الرجل أن ينكر على زوجته مهما رأى عليها محرمًا، ويمتنع أن يجتمع معها في دار أو بيت وأن يجامعها وهي على الحالة المنهي عنها، وإما بهجران أو طلاق، كما قال اللَّه تعالى: {فَعِظُوهُنَّ ¬

_ (¬1) ساقطة من (م)، (ل). (¬2) رواه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (2338)، والهروي في "ذم الكلام وأهله" (256)، والآجري في "الشريعة" (100). (¬3) "صحيح مسلم" (2125). (¬4) ساقطة من (ح). (¬5) "صحيح مسلم" (2125). (¬6) ساقطة من (م).

وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} (¬1) فإذا كان هذا لأجل حق الزوج فلأن يكون لحق اللَّه أحرى وأولى. [4170] (حدثنا) أحمد بن عمرو (ابن السرح، ثنا) عبد اللَّه (ابن وهب، عن أسامة) بن زيد الليثي مولاهم، أخرج له مسلم (عن أبان ابن صالح، عن مجاهد (¬2) بن جبر) بفتح الجيم، وسكون الموحدة أبي الحجاج مولى السائب (عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: لُعِنت) بضم اللام مبني لما لم يسم فاعله (الواصلة والمستوصلة) تأوله قوم على غير وصل الشعر وهو باطل. (والنامصة والمتنمصة) رواه بعضهم: المنتمصة بتقديم النون، قال النووي: والمشهور تأخيرها (¬3). والمراد به إنما هو نتف ما في الحواجب وأطراف الوجه، أما شاربها واللحية والعنفقة فالمستحبُ إزالته. (والواشمة والمستوشمة من غير داء) قد يفعل ذلك بالبنت والصبي الصغير، فيأثم الفاعل دون المفعول لعدم تكليفه. قال أصحابنا: وهذا الموضع الذي وشم يصير نجسًا، فإن أمكن إزالته بالعلاج وجب إزالته، وإن لم يمكن إلا بالجرح، فإن خاف منه التلف أو فوت عضو أو منفعته أو شينا فاحشًا في عضو ظاهر لم تجب إزالته، وإلا وجبت. وأما قوله (من غير داء) فهو قيد في المسألة، والمعنى أن التحريم ¬

_ (¬1) النساء: 34. (¬2) فوقها في (ح)، (ل): (ع). (¬3) "شرح مسلم" 14/ 106.

المذكور هو فيما إذا كان لتحسين المرأة لزوجها لا لداء وعلة بها، فإن احتاجت إليه لداء بها وفعلته للعلاج منه أو لضرورة شرعية دعت إليه لم يحرم. (قال) المصنف (وتفسير الواصلة: التي تصل الشعر) منها (بشعر النساء) من غيرها؛ ليكثر، وقد يحتج به من يجيز الوصل بغير شعر النساء كشعر الخيل ونحوها أو بصوف أو وبر أو بخيطان ونحو ذلك كما قال بعضهم، والأكثرون كما تقدم. (والمستوصلة المعمول بها) ذلك إذا كانت مكلفة (والنامصة التي تنقش (¬1) الحاجب حتى ترقه، والمتنمصة المعمول بها، والواشمة التي تجعل الخيلان) بكسر الخاء المعجمة جمع خال كقيعان جمع قاع وجيران جمع جار، وأصل الخال هو الشامة في الجسد، ومنه: كان على خاتم النبوة خيلان (¬2)، والمراد من قول المصنف: (تجعل الخيلان) أي: تجعل في الوجه والجسد بالصناعة كالخيلان الخلقة (في وجهها) أو على شفتها أو ثديها (بكحل أو مداد) أو نورة ونحوها (والمستوشمة المعمول بها) ذلك. [4171] (حدثنا محمد بن جعفر بن زياد، ثنا شريك، عن سالم، عن سعيد بن جبير قال: لا بأس بالقرامل. [قال: أبو داود] (¬3) كأنه يذهب إلى أن المنهي عنه شعور النساء). ¬

_ (¬1) في (م): تنتف. (¬2) رواه مسلم (2346)، وغيره. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، أثبتناها من "السنن".

(قال) المصنف و (كان أحمد) بن حنبل (يقول: القرامل) بفتح القاف والراء جمع قرمل (ليس به بأس) (¬1)، وفي الحديث أنه رخص في القرامل (¬2). قال ابن الأثير: هي ضفائر من شعر أو صوف تصل به المرأة شعرها (¬3)، بحيث لا يخفى على كل أحد أنه ليس من شعرها، وإن خفي كان زورًا وبهتانا دخل في اللعنة. * * * ¬

_ (¬1) للإمام أحمد قولان في وصل المرأة رأسها بقرامل، فنقل الخلال عن المروذي أنه سأل أحمد عن ذلك فكرهه، وعن أحمد بن هاشم الأنطاكي أنه سأل الإمام أحمد عن ذلك فقال: لا تصل به شيئًا لا صوفًا ولا غيره. "كتاب الترجل" للخلال ص 68. وقد فصل الخلاف في ذلك ابن قدامة في "المغني" 1/ 130 فانظره هناك. (¬2) انظر: "العلل" لابن أبي حاتم (1450). (¬3) "النهاية" 4/ 51.

6 - باب في رد الطيب

6 - باب فِي رَدِّ الطِّيبِ 4172 - حدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلِى وَهارُونُ بْن عَبْدِ اللَّهِ -المَعْنَى- أَنَّ أَبا عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئَ، حَدَّثَهمْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبي أيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي جَعْفَرٍ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ طِيبٌ فَلا يَرُدَّهُ فَإنَّهُ طيِّبُ الرِّيحِ خَفِيفُ المَحْمَلِ" (¬1). * * * باب في رد الطيب [4172] (حدثنا الحسن بن علي وهارون بن عبد اللَّه) بن مروان البغدادي، شيخ مسلم (أن أبا (¬2) عبد الرحمن) عبد اللَّه بن يزيد (المقرئ حدثهم عن سعيد (¬3) بن أبي أيوب) المصري (عن عبيد (¬4) اللَّه) بالتصغير (ابن أبي جعفر) المصري الفقيه. (عن الأعرج، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من عرض عليه) أخذ شيء من (طيب). قال القرطبي ما معناه أن الطيب في رواية المصنف بيان للريحان الذي في رواية مسلم (¬5)، فإن المراد بالريحان كل الطيب؛ لأنه كله ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2253). (¬2) فوقها في (ح): (ع). (¬3) فوقها في (ح)، (ل): (ع). (¬4) فوقها في (ح)، (ل): (ع). (¬5) "صحيح مسلم" (2253).

خفيف المحمل طيب الريح (¬1). انتهى، ورواه أحمد (¬2) وسبعة أنفس معه بلفظ "الطيب" كرواية أبي داود، ورواية الترمذي: الدهن (¬3). ثم فسره بالطيب. فيدخل في الطيب أنواع الرياحين المشمومة وأنواع طيب العطر. (فلا يرده) بضم الدال للإتباع، ثم بيَّن العلة في عدم رده (فإنه طيب الريح) والنفس تستطيب الرائحة الطيبة (خفيف المحمل) قال القرطبي: هو بفتح الميمين، ويعني به: الحمل، وهو مصدر حمل، وبفتح الأولى وكسر الثانية هو الزمان والمكان، وقد أشار النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى قبول عطية الطيب؛ لأنه لا مؤنة لحمله، ولا منة تلحق في قبوله لجريان عادتهم بذلك (¬4). لكن المسك المنة فيه ظاهرة؛ لغلاء ثمنه. وفيه: من الفقه الترغيب في استعمال الطيب وعرضه على من يستعمله (¬5). لا سيما عند حضور الجمعة والجماعات ونحوها. * * * ¬

_ (¬1) "المفهم" 5/ 558. (¬2) "المسند" 2/ 320. (¬3) "سنن الترمذي" (2790). (¬4) "المفهم" 5/ 558. (¬5) "المفهم" 5/ 558.

7 - باب ما جاء في المرأة تتطيب للخروج

7 - باب ما جاءَ في المَرْأَةِ تَتَطيَّبُ لِلْخُرُوجِ 4173 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، أَخْبَرَنا ثابِتُ بْنُ عُمارَةَ، حَدَّثَني غُنَيْمُ بْن قَيْسٍ، عَنْ أَبي مُوسَى، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِذا اسْتَعْطَرَتِ المَرْأَةُ فَمَرَّتْ عَلَى القَوْمِ لِيَجِدُوا رِيحَها فَهي كَذا وَكَذا". قالَ قَوْلًا شَدِيدًا (¬1). 4174 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ عاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ مَوْلَى أَبي رُهْمٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: لَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ وَجَدَ مِنْها رِيحَ الطِّيبِ يُنْفَحُ وَلِذَيْلِها أعْصارٌ فَقالَ: يا أَمَةَ الجَبّارِ جِئْتِ مِنَ المَسْجِدِ؟ قالَتْ: نَعَمْ. قالَ وَلَهُ تَطيَّبْتِ قالَتْ: نَعَمْ. قالَ: إِنّي سَمِعْتُ حِبّي أَبا القاسِمِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "لا تُقْبَلُ صَلاةٌ لامْرَأَةٍ تَطيَّبَتْ لهذا المَسْجِدِ حَتَّى تَرْجِعَ فَتَغْتَسِلَ غُسْلَها مِنَ الجَنابَةِ". قالَ أَبُو داوُدَ: الإِعْصارُ غُبارٌ (¬2). 4175 - حَدَّثَنا النُّفَيْلي وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ أَبو عَلْقَمَةَ، قالَ: حَدَّثَني يَزِيدُ بْن خُصَيْفَةَ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أيُّما امْرَأَةٍ أَصابَتْ بَخُورًا فَلا تَشْهَدَنَّ مَعَنا العِشاءَ". قالَ ابن نُفَيْلٍ: "عِشاءَ الآخِرَةِ" (¬3). * * * باب في المرأة تطيب للخروج [4173] (حدثنا مسدد، ثنا يحيى) القطان (أنا ثابت بن عمارة) بضم ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2786)، والنسائي 8/ 153، وأحمد 4/ 394، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (2701). (¬2) رواه ابن ماجه (4002)، وأحمد 2/ 246، والبيهقي 3/ 133، وصححه الألباني في "الصحيحة" (1031). (¬3) رواه مسلم (444).

العين، الحنفي البصري، وثقه ابن معين وغيره (¬1) (حدثني غنيم) بضم الغين المعجمة وفتح النون، مصغر (ابن قيس) المازني، قدم على عمر ابن الخطاب، أخرج له مسلم. (عن أبي موسى) عبد اللَّه بن قيس (الأشعري -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إذا استعطرت) أي: استعملت (المرأة) العطر، وهو الطيب الذي يظهر ريحه كما يظهر عطر الرجال (فمرت على القوم) (¬2) أي: بمجلس القوم، فإن لفظ الترمذي: "فمرت بالمجلس" (¬3) (ليجدوا ريحها فهي كذا وكذا) بيَّنه النسائي، ولفظه: "فهي زانية" (¬4). زاد ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما: "وكل عين زانية" (¬5). وسماها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- زانية مجازًا؛ لأنها لما تعطرت بالروائح الطيبة الداعية إلى قلوب الرجال للفاحشة بها، وظهرت في الطرق، واجتازت بمجامع الرجال الذين (¬6) فيهم من في قلبه الميل إلى النساء، وشهوته غالبة له، فيكون ذلك سببًا لتعرضه لها وطمعه في الفاحشة بها، لا سيما إن كان مع الرائحة الطيبة إظهار زينة ثيابها، وبعض أطرافها الذي يفتتن الرجال بها، فكل هذِه أسباب داعية إلى الزنا وقائمة مقامه، وقد نهى اللَّه تعالى أمهات المؤمنين أن يخضعن بالقول ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 4/ 366. (¬2) في حاشية (ح) وصلب (ل)، (م): نسخة: بالقوم. (¬3) "سنن الترمذي" (2786). (¬4) "المجتبى" 8/ 153. (¬5) "صحيح ابن خزيمة" (1681)، و"صحيح ابن حبان" (4424). (¬6) في جميع النسخ: الذي. ولعل المثبت هو الصواب.

اللين للرجال؛ فيطمع الذي في قلبه مرض، ونهاهن عن التبرج بإظهار الزينة والتبختر في المشي، ولا شك أن استعطار المرأة بالرائحة الطيبة أقوى في الفساد من إظهار الزينة، وفي استعطارها للخروج مخالفة للشريعة في استعمالها طيب الرجال، فتدخل في لعن المتشبهات (¬1) من النساء بالرجال و (قال) في حق (¬2) التي استعطرت ومرت بمجلس الرجال (قولًا شديدًا) وهو أن سماها زانية، وأي قول أشد من الزنا. [4174] (حدثنا محمد (¬3) بن كثير) العبدي (أبنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن عاصم بن عبيد اللَّه) بالتصغير بن عاصم العمري، قال ابن معين: ضعيف. وقال ابن سعد: كثير الحديث، ولا يحتج به (¬4) (عن عبيد مولى أبي رُهم) بضم الراء، وهو عُبيد ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬5). (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-) أنه (قال: لقيته امرأة) فـ (وجد منها ريح الطيب) ظاهرًا (¬6)، وفي بعض النسخ زيادة (ينفح) أي: يظهر، وفي الحديث: "أول نفحة من دم الشهيد" (¬7) أي: أول فورة تفور من ريحه وتظهر ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: المتشبهين، والمثبت هو الصواب. (¬2) ساقطة من (ل)، (م). (¬3) فوقها في (ح)، (ل): (ع). (¬4) انظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 13/ 500، "الطبقات الكبرى" القسم المتمم 1/ 225. (¬5) "الثقات" 5/ 135. (¬6) في جميع النسخ: ظاهر. والمثبت هو الصواب. (¬7) أخرجه ابن المبارك في "الجهاد" (22)، والحاكم في "المستدرك" 3/ 494.

(ولذيلها أعصار) بفتح الهمزة، أي: غبار يرفعه الريح من الأرض، ويحتمل أن يراد (¬1) وفي رواية: عَصَرة (¬2). يعني: بمهملات، أي: رائحة تفوح وترتفع من ذيلها كما يرتفع الغبار الذي يثيره الريح، ويرفعه صاعدًا إلى السماء مستطيلًا، فشبه ريح ذيلها في ارتفاعه بارتفاع الزوبعة، ولفظ رواية ابن ماجه: إن أبا هريرة لقي امرأة متطيبة تريد المسجد (¬3) (فقال: يا أمة الجبار) ولم يقل: أمة اللَّه (¬4) إشارة إلى تذكيرها بجبروت اللَّه تعالى وعظمته وقدرته على العقوبة والانتقام منها؛ لترتدع وتحذر سطوته وشدة بطشه. (جئت) الآن (من المسجد؟ قالت: نعم. قال: وله) أي: وللخروج إليه (تطيبت) بهذِه الرائحة العبقة؟ (قالت: نعم) ولفظ ابن ماجه: قال: أين تريدين؟ قالت: المسجد (¬5). (قال: إني سمعت حِبي) بكسر الحاء، أي: حبيبي (أبا القاسم) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (يقول: لا تقبل صلاة) امرأة من الصلوات في المسجد ولا سنة ولا غيرهما (لامرأة تطيبت) بطيب الرجال الذي تظهر رائحته (لهذا المسجد) ولا لغيره من بيوت اللَّه تعالى، وما في معناها من مصلى العيد ونحوه (حتى ترجع) إلى بيتها (فتغتسل غسلها من الجنابة) كمن ¬

_ (¬1) بعدها في جميع النسخ بياض. (¬2) انظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد 4/ 199، "النهاية" لابن الأثير 3/ 484. (¬3) "سنن ابن ماجه" (4002). (¬4) في جميع النسخ: الجبار، ولعل المثبت هو الصواب. (¬5) السابق.

أصاب جسمه شيء من النجاسة ولم يعلم موضعها فإنه يغسل جميع جسمه كما يغسله، غير أن غسل الجنابة يفتقر إلى نيتها وهذا الغسل لا يفتقر إلى نية، وإن كانت النية أفضل، ويستغفر اللَّه تعالى ويتوب إليه من ذلك. وفيه: أن من فعل بيده محرمًا أو مكروهًا من بناء أو زرع شجرة تضر بالمسلمين أنه لا تصح توبته و [لا] (¬1) تقبل صلاته حتى يهدم ذلك البناء، ويقطع تلك الشجرة ويبطل فعله الذي كان فعله. [4175] (حدثنا) عبد اللَّه بن مسلمة (النفيلي (¬2) وسعيد (¬3) بن منصور) ابن شعبة الخراساني، طاف البلاد وسكن مكة، له مصنفات كثيرة، متفق على إخراجه (¬4) في الصحيحين (قالا: حدثنا عبد اللَّه بن محمد أبو علقمة) الأموي مولاهم، وثقه ابن معين والنسائي (¬5) (حدثني يزيد (¬6) بن) عبد اللَّه ابن (خصيفة) بضم الخاء المعجمة الكندي (عن بُسْر) (¬7) بضم الموحدة، وسكون المهملة (بن سعيد) المدني الزاهد. ¬

_ (¬1) ليست في الأصول، زيادة يقتضيها السياق. (¬2) كذا في (ح)، وفي (ل)، (م): (بن مسلمة القعنبي)، وكلاهما خطأ؛ والصواب: (عبد اللَّه بن محمد النفيلي) كما في "سنن أبي داود" ومصادر ترجمته. انظر "تهذيب الكمال" 16/ 88. (¬3) فوقها في (ل)، (ح): (ع). (¬4) في جميع النسخ: إخراجها، والمثبت هو الصواب، كما في "تهذيب الكمال" 11/ 81. (¬5) انظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 16/ 63. (¬6) فوقها في (ل)، (ح): (ع). (¬7) فوقها في (ل)، (ح): (ع).

(عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أيما) أي: كل (امرأة أصابت) أي: استعملت (بخورًا) بفتح الموحدة، وتخفيف الخاء، أي: تبخرت به ليصل إلى جسمها وثوبها دخان البخور فيعلق جسمه به (فلا تشهدن) بتشديد نون التوكيد أي: لا تحضرن (معنا) صلاة (العشاء، قال) عبد اللَّه (بن نفيل) في روايته (العشاء الآخرة) فيه رد لقول الأصمعي: من المحال قول العامة: العشاء الآخرة؛ لأنه ليس لنا إلا عشاء واحدة، فلا توصف بالآخرة (¬1). وإذا لم يجز حضور المرأة المتبخرة صلاة العشاء في وقت الظلمة فلأن لا تشهد صلاة الفجر والظهر ولا غيرهما بطريق الأولى كضوء النهار الذي تظهر فيه المرأة للأجانب، وهذا أحد شروط خروج المرأة للمسجد ألا تكون متطيبة، ولا متزينة، ولا ذات خلاخل يسمع صوتها، ولا ثياب فاخرة، ولا مختلطة بالرجال، ولا شابة، ونحوها ممن يفتتن بها، أو تخاف في الطريق مفسدة ونحوها. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" 2/ 103.

8 - باب في الخلوق للرجال

8 - باب فِي الخَلُوقِ للرِّجالِ 4176 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، أَخْبَرَنا عَطاءٌ الخُراساني، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمرَ، عَنْ عَمّارِ بْنِ ياسِرٍ قالَ: قَدِمْتُ عَلَى أَهْلي لَيْلًا وَقَدْ تَشَقَّقَتْ يَداي فَخَلَّقُوني بِزَعْفَرانٍ فَغَدَوْتُ عَلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلي وَلَمْ يُرَحِّبْ بي فَقالَ: "اذْهَبْ فاغْسِلْ هذا عَنْكَ". فَذَهَبْتُ فَغَسَلْتُهُ ثُمَّ جِئْتُ وَقَدْ بَقي عَلي مِنْهُ رَدْعٌ فَسَلَّمْتُ فَلَمْ يَرُدَّ عَلي وَلَمْ يُرَحِّبْ بي وقالَ: "اذْهَبْ فاغْسِلْ هذا عَنْكَ". فَذَهَبْتُ فَغَسَلْتُهُ، ثُمَّ جِئْتُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلي وَرَحَّبَ بي وقالَ: "إِنَّ المَلائِكَةَ لا تَحْضُرُ جَنازَةَ الكافِرِ بِخَيْرٍ وَلا المُتَضَمِّخَ بِالزَّعْفَرانِ وَلا الجُنُبَ". قالَ: وَرَخَّصَ لِلْجُنُبِ إِذا نامَ أَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَنْ يَتَوَضَّأَ (¬1). 4177 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْنُ عَلي، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنا ابن جُرَيْجٍ، أَخْبَرَني عُمَرُ بْنُ عطَاءِ بْنِ أَبي الخُوارِ أَنَّهُ سَمِعَ يَحْيَى بْنَ يَعمَرَ يُخْبِرُ عَنْ رَجُلٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ عَمّارِ ابْنِ ياسِرٍ -زَعَمَ عُمَرُ أَنَّ يَحْيَى سَمَّى ذَلِكَ الرَّجُلَ فَنَسي عُمَرُ اسْمَهُ- أَنَّ عَمّارًا قالَ: تَخَلَّقْتُ بهذِه القِصَّةِ. والأَوَّلُ أَتَمُّ بِكَثِيرٍ فِيهِ ذَكَرَ الغُسْلَ قالَ: قُلْتُ لِعُمَرَ: وَهُمْ حُرُمٌ؟ قالَ: لا القَوْمُ مُقِيمُونَ (¬2). 4178 - حَدَّثَنا زُهَيْرٌ بْنُ حَرْبٍ الأَسَدي، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَرْبٍ الأَسَدي، حَدَّثَنا أَبُو جَعْفَرٍ الرّازي، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ جَدَّيْهِ قالا: سَمِعْنا أَبا مُوسَى يَقُولُ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يَقْبَلُ اللَّهُ تَعالَى صَلاةَ رَجُلٍ في جَسَدِهِ شَيء مِنْ خَلُوقٍ". ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 320، والبزار (1402)، وأبو يعلى (1635)، والبيهقي 1/ 203، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (1960). (¬2) رواه أحمد 4/ 320، والبيهقي 5/ 36، وانظر الحديث السابق.

قالَ أَبُو داوُدَ: جَدّاهُ زَيْدٌ وَزِيادٌ (¬1). 4179 - حَدَّثَنا مسَدَّدٌ أَنَّ حَمّادَ بْنَ زَيْدٍ وِإسْماعِيلَ بْنَ إِبْراهِيمَ، حَدَّثاهُمْ عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ قالَ: نَهَى رَسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنِ التَّزَعْفُرِ لِلرِّجالِ وقالَ: عَنْ إِسْماعِيلَ أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ (¬2). 4180 - حَدَّثَنا هارُونُ بْن عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنا عَبْد العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأُوَيْسي، حَدَّثَنا سلَيْمانُ بْن بِلالٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ أَبي الحَسَنِ، عَنْ عَمّارِ بْنِ ياسِرٍ أَنَّ رَسولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "ثَلاثَةٌ لا تَقْربُهُمُ المَلائِكَةُ: جِيفَةُ الكافِرِ، والمُتَضَمِّخُ بِالخَلُوقِ، والجُنُبُ إِلَّا أَنْ يَتَوَضَّأ" (¬3). 4181 - حَدَّثَنا أيُّوب بْن مُحَمَّدٍ الرَّقّي، حَدَّثَنا عمَر بْنُ أيُّوبَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقانَ، عَنْ ثابِتِ بْنِ الحَجّاجِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الهَمْداني، عَنِ الوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ قالَ: لَمّا فَتَحَ نَبي اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مَكَّةَ جَعَلَ أَهْلُ مَكَّةَ يَأْتُونَه بِصِبْيانِهِمْ فَيَدْعو لَهُمْ بِالبَرَكَةِ وَيَمْسَحُ رُءُوسَهُمْ قالَ: فَجَيءَ بي إِلَيْهِ وَأَنا مُخَلَّقٌ فَلَمْ يَمَسَّني مِنْ أَجْلِ الخَلُوقِ (¬4). 4182 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْن عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ زَيْدِ، حَدَّثَنا سَلْمٌ العَلَوي، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ عَلَى رَسولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وعَلَيْهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ -وَكانَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قَلَّما يواجِه رَجُلًا في وَجْهِهِ بِشَيء يَكْرَهُه- فَلَمّا خَرَجَ قالَ: "لَوْ أَمَرتُمْ هذا أَنْ يَغْسِلَ هذا عَنْهُ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 403، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 128، وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (6359). (¬2) رواه البخاري (5846)، ومسلم (2101). (¬3) رواه البيهقي 5/ 36، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (3061). (¬4) رواه أحمد 4/ 32، والطبراني 22/ 150 (406)، والحاكم 3/ 100، والبيهقي 9/ 55، وقال الألباني في "ضعيف أبي داود": منكر. (¬5) رواه أحمد 3/ 160، والبخاري في "الأدب المفرد" (437)، والنسائي في "الكبرى" (10065)، وضعفه الألباني في "الضعيفة" (4255).

باب في الخلوق للرجال الخلوق بفتح الخاء كما سيأتي. [4176] (حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد) بن سلمة (أنا عطاء) (¬1) بن أبي مسلم (الخراساني) مولى المهلب (عن يحيى بن (¬2) يعمُر) بضم الميم قاضي مرو (عن عمار بن ياسر) أبي اليقظان المذحجي ثم العنسي، أحد السابقين الأولين. (قال: قدمت على أهلي ليلًا وقد تشققت يدايَ) ورجلاي من كثرة العمل (فخلَّقوني) أي: لطخوني بالخلوق (بزعفران) وغيره من الطيب ([فغدوت على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-] (¬3) فسلمت عليه فلم يردَّ) بفتح الدال المشددة (علي) السلام (ولم يرحب) بتشديد الحاء (بي) أي: لم يقل لي: مرحبًا كما كنت أعتاد منه، وفيه فضيلة الترحيب بالقادم والزائر كما قال -عليه السلام-: "مرحبًا بأم هانئ" (¬4) وفيه تأديب مرتكب المكروه والمحرم بالفعل، وترك رد السلام عليه كما تقدم. (فقال: اذهب فاغسل هذا) الخلوق (عنك) قال: (فذهبتُ فغسلته) عني (ثم جئت وقد بقي علي منه ردع) بالعين المهملة، أي: لطخ من بقية لون الزعفران لم يعمه كله الغسل، وفي حديث عائشة: كفن أبو ¬

_ (¬1) فوقها في (ح): (ع). (¬2) فوقها في (ح)، (ل): (ع). (¬3) ساقطة من الأصول، والمثبت من "سنن أبي داود". (¬4) أخرجه البخاري (344)، ومسلم (1702).

بكر في ثلاثة أثواب، أحدها به ردع من زعفران (¬1)، أي: لطخ لم يعم الثوب كله (فسلمت) عليه (فلم يرد علي) السلام (ولم يرحب بي) لأجل ما بقي من الخلوق وأثره (وقال: اذهب فاغسل هذا) الذي بقي (عنك. فذهبت فغسلته) جميعه حتى لم يبق له أثر يقدر على إزالته. وفيه من الفقه أن النجاسة إذا أصابت الثوب أو البدن وغسلت فإن بقي من عينها شيء لم يطهر، ولهذا أمره النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بإعادة غسل ما بقي منه، وإن لم يبق من العين شيء له وزن بل بقي أثره بلا عين فيطهران، لأن اللون عرض والنجاسة لا تخالط العرض، وإنما تخالط العين الباقية. (ثم جئت فسلمت عليه فرد علي) السلام (ورحب بي) كعادته (وقال: إن الملائكة) يعني: التي تنزل بالرحمة إلى الأرض (لا تحضر جنازة الكافر) والمشرك (بخير) يحتمل أن يكون التقدير لا تحضر جنازة الكافر بخير يبشرونها به، بل يوعدونهم بالعذاب الشديد والهوان الوبيل، ويحتمل أن تكون الباء في قوله: (بخير) للظرفية بمعنى (في) [كقوله] (¬2) تعالى: {نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} أي: في سحر، أي: لا تحضر الملائكة جنازة الكافر إلا في حصول شر ونزول بؤس بهم (ولا) جنازة (المتضمخ) أي: المتلطخ (بالزعفران) الكثير؛ لأنه متلبس بمعصية حتى يقلع عنها، ويحتمل أنها تكره ريحه أو رؤية لونه، ولا تدخل البيت الذي فيه جنب يحتمل أن يراد به الجنابة من الزنا، وقيل: الذي لا ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري" (1387). (¬2) في (ل)، (م): قوله، والمثبت أنسب.

تحضره الملائكة الذي لا يتوضأ بعد الجنابة وضوءا كاملًا، وقيل: هو الذي يتواهن في غسل الجنابة فيمكث أكثر أوقاته من الجمعة إلى الجمعة جنبا لا يغتسل إلا للجمعة، ويحتمل أن يراد به الجنب الذي لم يستعذ من الشيطان عند الجماع ولم يقل ما وردت به السنة: "اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا" (¬1)، فإن من لم يقله تحضره الشياطين، ومن حضرته الشياطين تباعدت الملائكة عنه (ولا) جنازة (جنب) أي: من مات وعليه جنابة لم يغتسل منها مع القدرة، ويحتمل أن يراد بالمتضمخ بالزعفران والجنب الحي إذا تضمخ بالزعفران والرجل والمرأة إذا نام وعليه جنابة، ويدل عليه قوله: (ورخص) إلى آخره ورخص بفتح الراء والخاء (للجنب إذا نام) أي: إذا أراد أن ينام (أو أكل أو شرب) يعني: أو أراد أن يأكل أو يشرب (أن يتوضأ) زاد الترمذي: وضوءه للصلاة (¬2)، وروى مالك في "الموطأ" عن ابن عمر: كان إذا أراد أن ينام أو يطعم وهو جنب غسل وجهه ويديه إلى المرفقين ومسح برأسه، ثم طعم أو نام (¬3). [4177] (حدثنا نصر بن علي) الجهضمي (ثنا محمد (¬4) بن بكر) البرساني الأزدي (أنا) عبد الملك (ابن جريج، أخبرني عمر بن عطاء ابن أبي الخُوَار) قال ابن ماكولا: هو بضم الخاء المعجمة وتخفيف ¬

_ (¬1) رواه البخاري (141)، ومسلم (1434) عن ابن عباسٍ رضي اللَّه عنهما. (¬2) "سنن الترمذي" (557). (¬3) "الموطأ" 2/ 66. (¬4) فوقها في (ح): (ع).

الواو وآخره راء، فهو خوار بن الصرف قبيل من حمير (¬1). انتهى، أخرج له مسلم في الصلاة. (أنه سمع يحيى بن يعمُر) بضم الميم غير منصرف (يخبر عن رجل أخبره عن عمار بن ياسر) و (زعم عمر) بن عطاء (أن يحيى) بن يعمر (سمى ذلك الرجل فنسي عمر اسمه: أن عمارًا قال: تخلقت) ثم ذكر (القصة) المذكورة (و) الحديث (الأول أتم بكثير) و (فيه ذكر) أمر (الغسل) و (قال) ابن جريج (قلت لعمر) بن عطاء بن أبي الخوار: أكانت القصة (وهم حُرُم) أي: محرمون بالحج أو العمرة (قال: لا، القوم) كانوا وهم (مقيمون) غير حجاج ولا مسافرين. [4178] (حدثنا زهير بن حرب، ثنا محمد بن عبد اللَّه بن حرب) صوابه درهم بدل حرب (¬2) (الأسدي حدثنا أبو جعفر) عيسى بن أبي عيسى ماهان مولى بني تميم (الرازي) وثقه أبو حاتم. (عن الربيع بن أنس) بصري نزل خراسان، قال أبو الحجاج المزي: ليس هو ابن أنس بن مالك. قال أبو حاتم: صدوق. (عن جدَّيهِ) زيد وزياد (قالا: سمعنا أبا موسى) الأشعري -رضي اللَّه عنه- (يقول: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا يقبل اللَّه تعالى صلاة رجل) خرج منه المرأة فإنه أبيح لها المزعفر، كما أبيح لها الذهب والحرير وغير ذلك من الزينة مما هو محرم على الرجل. ¬

_ (¬1) "الإكمال" 3/ 200. (¬2) ذكره المزي في الأوهام، وصوب أن يكون هو أبو أحمد الزبيري، انظر "تهذيب الكمال" 25/ 463.

قال النووي: هو مباح للنساء (¬1). يشبه أن يكون هذا الحديث محمولًا على المستحل للتخلق المنهي عنه، فإنه يكفر ولا تقبل له صلاة ولا غيرها، ونبه بالصلاة على غيرها، والأظهر أن هذا جار في غير المستحل أيضًا، ولا يلزم من عدم القبول عدم الصحة، فصلاة الآبق صحيحة غير مقبولة؛ لاقترانها بمعصية، ووجود شروط الصلاة وأركانها مستلزم صحتها، ولا تناقض في ذلك، أو يظهر أثر عدم القبول في سقوط الثواب وأثر الصحة في سقوط القضاء، ولا يعاقب المصلي متضمخًا بالخلوق عقوبة تارك الصلاة. قال أبو عمرو ابن الصلاح (¬2) في "فتاويه": المحفوظ من كلام أصحابنا بالعراق أن الصلاة في الدار المغصوبة صحيحة يسقط بها ¬

_ (¬1) "المجموع" 1/ 346. (¬2) لعل هذا وهم من المصنف، فإني لم أجد هذا الكلام في "فتاوى ابن الصلاح" بعد البحث والتتبع، ثم وجدته بنصه في "المجموع" للنووي 3/ 169، وعزاه إلى فتاوى الإمام أبي نصر ابن الصباغ، وهذا نص كلام النووي رحمه اللَّه تعالى: ففي الفتاوي التي نقلها القاضي أبو منصور أحمد بن محمد بن عبد الواحد عن عمه أبي نصر ابن الصباغ صاحب "الشامل" رحمه اللَّه قال: والمحفوظ من كلام أصحابنا بالعراق أن الصلاة في الدار المغصوبة صحيحة يسقط بها الفرض ولا ثواب فيها. قال النووي: قال القاضي أبو منصور: ورأيت أصحابنا بخراسان اختلفوا، منهم من قال: لا تصح صلاته، قال: وذكر شيخنا، يعني: ابن الصباغ في كتابه "الكامل": إنا إذا قلنا. . . إلخ اهـ. - فنخلص من ذلك أن الوهم وقع من المصنف في موضعين: 1 - جعل ابن الصلاح مكان ابن الصباغ. 2 - وجعل كتاب "الكامل" لشيخ ابن الصلاح، والصواب - كما ذكر النووي أنه لابن الصباغ أيضًا.

الفرض ولا ثواب فيها. قال: وذكر شيخنا في "الكامل" أنه ينبغي أن تصح ويحصل الثواب على الفعل، فيكون مثابًا على فعله عاصيًا بالمقام في المغصوب. انتهى. وعلى هذا يكون في مسألتنا مثابًا على فعل الصلاة عاصيًا بالتضمخ بالخلوق (في جسده شيء من خَلوق) بفتح الخاء وهو طيب معروف مركب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب ويغلب عليه الحمرة والصفرة. قال ابن الأثير: وقد ورد تارة بإباحته وتارة بالنهي عنه، والنهي أكثر وأثبت، وإنما نهي عنه؛ لأنه من طيب النساء وكن أكثر استعمالا له منهم، قال: والظاهر أن أحاديث النهي ناسخة (¬1). (قال) المصنف (جداه (¬2) هما زيد وزياد) كما تقدم. [4179] (حدثنا مسدد، ثنا حماد بن زيد وإسماعيل بن إبراهيم) بن عليه، وهي أمه (حدثاه عن عبد العزيز (¬3) بن صهيب) البناني الأعمى. (عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن التزعفر للرجال) قال البيهقي في "معرفة السنن": نهى الشافعي الرجل عن المزعفر وأباح له المعصفر (¬4). ¬

_ (¬1) "النهاية" 2/ 144. (¬2) في حاشية (ح)، وصلب (ل)، (م): نسخة: جديه. (¬3) فوقها في (ح): (ع). (¬4) لم أجد هذا القول في "معرفة السنن والآثار" وإنما عزاه له النووي في "شرح صحيح مسلم" 14/ 54، وفي "المجموع" 4/ 450، والعراقي في "طرح التثريب" 4/ 185، وقد يكون ساقطا من المطبوع من "المعرفة".

قال الشافعي: وإنما رخصت في المعصفر؛ لأني لم أجد أحدًا (¬1) يحكي عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- النهي عنه، إلا ما قال علي -رضي اللَّه عنه-: نهاني ولا أقول: نهاكم. قال البيهقي: وقد جاءت أحاديث تدل على النهي على العموم (¬2). (وقال) المصنف (عن إسماعيل) ابن علية: نهى (أن يتزعفر الرجل) حمل بعضهم النهي على المحرم. قال القرطبي: فيه بعد؛ لأن الرجال والنساء ممنوعون (¬3) من التطيب في الإحرام، فلا معنى لتخصيصه بالرجال، وإنما علة النهي في ذلك أنه صبغ النساء وطيب النساء (¬4). يعني: فهو كالحرير والذهب لهن. [4180] (حدثنا هارون بن عبد اللَّه) بن مروان البغدادي الحمال، شيخ مسلم (ثنا عبد العزيز بن عبد اللَّه الأويسي) الفقيه، شيخ البخاري (ثنا سليمان (¬5) بن بلال) مولى آل الصديق. (عن ثور (¬6) بن زيد) الديلي (عن الحسن بن أبي الحسن) البصري، قال المنذري (¬7) وغيره: الحسن لم يسمع من عمار، فالحديث منقطع. ¬

_ (¬1) ساقطة من (ح)، وهي في (ل)، (م): أحد. (¬2) "معرفة السنن والآثار" 2/ 451. (¬3) في النسخ الخطية: ممنوعين. والجادة ما أثبتناه. (¬4) "المفهم" 5/ 400. (¬5) فوقها في (ح)، (ل): (ع). (¬6) فوقها في (ح): (ع). (¬7) "مختصر سنن أبي داود" 6/ 93. وكذا قال الحافظ في "الفتح" 11/ 69.

وولد الحسن لسنتين بقيتا من خلافة عمر، وتوفي عمار في ربيع الآخر سنة سبع وثلاثين من الهجرة. (عن عمار بن ياسر) رضي اللَّه عنهما (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: ثلاثة لا تقربهم الملائكة) الذين ينزلون بالبركة والرحمة دون الحفظة، فإنهم لا يفارقون المكلف (جيفة الكافر) إذا نام (والمتضمخ بالخلوق) فإنه من رعونة النفس والتشبه بالنساء، أما النساء فيباح لهن كما تقدم. (والجنب إلا أن يتوضأ) وضوءه للصلاة أو يتيمم إذا لم يجد ماءً، فإنه إذا توضأ قبل أن ينام -كما رخص فيه في الحديث قبله- فإن الملائكة تقرب منه ولا تمتنع من حضوره إذا توضأ، وقيل: المراد بالوضوء الوضوء الذي قبل الاغتسال. [4181] (حدثنا أيوب بن محمد الرقي) الوزان، حجة (ثنا عمر بن أيوب) العبدي البصري (¬1)، أخرج له مسلم (عن جعفر بن برقان) بضم الموحدة الكلابي، أخرج له مسلم والأربعة. (عن ثابت بن الحجاج) الكلابي الرقي، غزا مع عوف بن مالك القسطنطينية (عن أبي موسى عبد اللَّه الهمداني) [بسكون الميم، قال الحافظ أبو القاسم الدمشقي: عندي أن عبد اللَّه الهمداني] (¬2) هو: أبو موسى (¬3). (عن الوليد بن عقبة) بن أبي معيط أبان بن عمرو، أسلم يوم الفتح ¬

_ (¬1) كذا في الأصول، والصواب: الموصلي. انظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 21/ 278. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) "تاريخ دمشق" 63/ 226.

(قال: لما فتح) بفتحات (نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مكة) في رمضان سنة ثمان (جعل أهل مكة) زادها اللَّه شرفًا (يأتونه بصبيانهم فيدعو لهم بالبركة) فيهم (ويمسح رؤوسهم) فيه: أن الرجل الصالح إذا قدم المدينة فيستحب لأهلها أن يبادروا بالإتيان بأولادهم الصغار الذكور، وقد يؤتى بالبنات الصغار، لكن الذكور أهم، ويستحب له أن يجلسهم على ركبته ويدعو لكل واحد منهم أن يبارك اللَّه تعالى فيه وينشئه نشوءًا صالحًا، وأن يمسح على رؤوسهم بيده داعيًا له. (قال) الوليد (فجيء بي إليه) إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (وأنا مخلَّق) بتشديد اللام (فلم يمَسَّني) بفتح الميم والسين المشددة (من أجل الخلوق) وفيه ترك الخلوق للصبي كالكبير، وإذا كان هذا في الزعفران فترك الصبي من لبس الحرير أولى بالمنع، وهو الذي رجحه الشيخ أبو نصر وابن الصلاح، والأصح عند الشافعية أن الصبي لا يمنع من الحرير بل للولي إلباسه (¬1). وفرق الرافعي بين ابن سبع سنين وبين من فوقها (¬2)، وعلى هذا فيفرق بين الصغير الذي في سن التمييز وما قبله فيلبس الحرير والمزعفر وبين ما فوق التمييز كالمراهق فيمنع منهما، ويدل على هذا قول ابن عبد البر في "الاستيعاب": إنه أسلم يوم فتح مكة هو وأخوه خالد بن عقبة. ثم قال: وأظنه كان قد ناهز الاحتلام (¬3). انتهى. ولما كان قد ناهز الاحتلام أجري عليه حكم الصبيان؛ لأن العادة أن ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع" 4/ 321. (¬2) "الشرح الكبير" 2/ 357. (¬3) "الاستيعاب" 4/ 1552.

أبوي الصبي وأقاربه يستصغرون الولد ويعدونه صبيًا لشدة شفقتهم عليه حتى لقد كنت مزوجًا بعض أهلي من النساء يقول: إذا دخلت على بعض أهلي أحمل وليدًا فلا تحتجب منه. وهذا مشاهد. ثم ذكر في "الاستيعاب" من تمام الحديث: فلم يمسح (¬1) -يعني: النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على رأسي، ولم يمنعه من ذلك إلا أن أمي خَلَّقَتني فلم يمسحني من أجل الخلوق. ثم قال عقب الحديث: إن الحديث منكر مضطرب لا يصح، ولا يمكن أن يكون من بعث مصدقًا في زمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صبيًّا يوم الفتح. ثم قال: ويدل على فساده أن الزبير وغيره من أهل العلم بالسير والخبر ذكروا أن الوليد وعمارة ابني عقبة خرجا ليردا أختهما أم كلثوم عن الهجرة، وكانت هجرتها في الهدنة بين النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأهل مكة. ثم قال: ومن كان غلاما مخلقا يوم الفتح ليس يجيء منه مثل هذا، وذلك واضح والحمد للَّه. قال: ولا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن فيما علمت أن قوله -عز وجل-: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} نزلت في الوليد بن عقبة، وذلك أنه بعثه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى بني المصطلق مصدقًا، فأخبر عنهم أنهم ارتدوا وأبوا من أداء الصدقة، وذلك أنهم خرجوا إليه فهابهم ولم يعرف ما عندهم وانصرف عنهم، وأخبر بما ذكرنا، فبعث إليهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خالد بن الوليد وأمره أن يتثبت منهم، فأخبروه أنهم متمسكون بالإسلام، ونزلت: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} الآية، ثم قال: ولم يَرْوِ الوليد بن عقبة سُنةً يُحتاج فيها إليه. انتهى (¬2). ¬

_ (¬1) في (م، ل): يمسني. (¬2) "الاستيعاب" 4/ 1552 - 1556.

وتابع المنذري (¬1) ابن عبد البر في هذا الإشكال. وهو فيما يظهر ليس بلازم؛ لأن الحديث ليس فيه تصريح بأنه كان صبيًّا، بل جيء به كما جيء بهم، فيحمل أنه كان بالغًا، وأرادت أمه أن تتبرك بمسح النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ودعائه له، و"حبك للشيء يعمي ويصم" (¬2)، وحبها لولدها يعميها أن هذا مختص بالصغار، ووضعها لخلوق الصبيان لشدة محبتها وشفقتها، لا سيما وقد كان كما قيل: يحب اللهو والمجون. وأيضًا فإن أبا داود المصنف لم يسبقه إلى معرفة علل الأحاديث وعلو أسانيدها أحد في زمانه؛ ولا في درجته من النسك والصلاح، وقد قال: ما وضعت في كتابي إلا الصحيح وما يشبهه ويقاربه. وقال: ما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بينته، وما لم أذكر فيه شيئًا فهو صالح، وبعضها أصح (¬3) من بعض (¬4). ومعنى قوله: صالح. أي: للاحتجاج به، وهذا الحديث لم يبين (¬5) فيه وهنًا، فهو عنده من الصحيح أو ما يقاربه، وعلى هذا فلا يلتفت إلى ما يقول أهل السير والتواريخ بغير إسناد متصل، فهم وإن اتفقوا على نقل شيء فهو لا يقاوي ما سكت عنه (¬6) أبو داود، لا سيما وهذا الحديث له شواهد كثيرة تعضده من الأحاديث الصحيحة. واللَّه أعلم. ¬

_ (¬1) "مختصر سنن أبي داود" 6/ 94. (¬2) سيأتي من حديث أبي الدرداء (5130) مرفوعًا. (¬3) في (ل، م): أقوى. (¬4) "رسالة أبي داود إلى أهل مكة" (ص 27). (¬5) في (ل، م): يثبت. (¬6) في (ل، م): عليه.

[4182] (حدثنا عُبَيْد اللَّه) بالتصغير (ابن عمر بن ميسرة) القواريري، شيخ الشيخين (ثنا حماد بن زيد، ثنا سلم) بكسر السين وسكون اللام، وهو ابن قيس (العلوي) قال ابن عدي: لم يكن من أولاد علي بن أبي طالب، إلا أن قومًا بالبصرة كانوا [يقال لهم] (¬1): بنو (¬2) علي فنسب هذا إليهم. وقال المصنف: ليس بعلوي، وكان ينظر في النجوم، وشهد عند عدي بن أرطاة على رؤية الهلال فلم يجز شهادته (¬3). وقال يحيى بن معين: ثقة (¬4). (عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- أن رجلًا دخل على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وعليه أثر صفرة) من زعفران أو نحوه (وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قلما يواجه رجلًا في وجهه بشيء يكرهه) من شدة حيائه ومكارم أخلاقه الشريفة (فلما خرج) ذلك الرجل (قال: لو أمرتم هذا) الخارج (أن يغسل) أثر الصفرة (ذا عنه) وهذا في أثر الصفرة، أما أصل الصفرة فيغسل من باب الأولى، وهذا فيما لا يعسر زواله، أما ما عسر زواله فيعفى عنه في الصفرة كما يعفى عنه من النجاسة. * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول والمثبت من "الكامل" 4/ 351. (¬2) في الأصول: بني، والمثبت الصواب. (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 11/ 237، وعزا المحقق قول أبي داود إلى "سؤالات الآجري" 3/ الورقة 26، ولم أجده في المطبوع. (¬4) انظر توثيق ابن معين له في "الكامل" لابن عدي 4/ 352، ونقل عنه أيضًا تضعيفه. انظر "تهذيب الكمال" 11/ 237.

9 - باب ما جاء في الشعر

9 - باب ما جاءَ في الشَّعَرِ 4183 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن مَسْلَمَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمانَ الأَنْباري، قالا: حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنِ البَراءِ قالَ: ما رَأَيْتُ مِنْ ذي لِمَّةٍ أَحْسَنَ في حُلَّةٍ حَمْراءَ مِنْ رَسولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- زادَ مُحَمَّدُ بْن سُلَيْمانَ: لَهُ شَعْرُ يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ. قالَ أَبُو داوُدَ: وَكَذا رَواهُ إِسْرائِيلُ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ قالَ يَضْرِب مَنْكِبَيْهِ وقالَ شُعْبَةُ: يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ (¬1). 4184 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنِ البَراءِ قالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَهُ شَعْرٌ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ (¬2). 4185 - حَدَّثَنا مَخْلَدُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنا عَبْد الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنْ ثابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قالَ: كانَ شَعْرُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ (¬3). 4186 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ، أَخْبَرَنا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: كانَ شَعْرُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى أَنْصافِ أُذُنَيْهِ (¬4). 4187 - حَدَّثَنا ابن نُفَيْلٍ، حَدَّثَنا عَبْد الرَّحْمَنِ بْنُ أَبى الزِّنادِ عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: كانَ شَعْرُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَوْق الوَفْرَةِ وَدُونَ الجُمَّةِ (¬5). * * * باب ما جاء في الشَّعَر بفتح الشين والعين. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2337)، وسلف برقم (4072). (¬2) سلف برقم (4072). (¬3) رواه البخاري (5905)، ومسلم (2338). (¬4) رواه مسلم (2338/ 96)، وانظر الحديث السابق. (¬5) رواه الترمذي (1755)، وابن ماجه (3635)، وأحمد 6/ 108، 118، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (4817).

[4183] (حدثنا عبد اللَّه بن مسلمة) القعنبي (ومحمد بن سليمان الأنباري) بتقديم النون على الباء (قالا: ثنا وكيع، عن سفيان) بن سعيد الثوري (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد اللَّه السبيعي، وسبيع بطن من همدان (عن البراء بن عازب رضي اللَّه عنهما قال: ما رأيت من ذي لمة) قال شمر: الجمة أكبر من الوفرة، والجمة إذا سقطت على المنكبين، والوفرة إلى شحمة الأذن، واللمة التي ألمت بالمنكبين (¬1). (أحسنَ) مجرور بالصفة (في حلة) وهي لا تكون إلا من ثوبين يتزر بأحدهما ويرتدي بالآخر (حمراء) فيه دليل على جواز لباس الأحمر، وقد أخطأ من كره لباسه مطلقًا، لكن إذا اختص بلباسه أهل الفسق والدعارة كره لباسه؛ لأنه تشبه بهم، و"من تشبه بقوم فهو منهم"، لكن ليس هذا مخصوصًا بالحمرة، بل هو جار في كل الألوان والأحوال (من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) هذا يدل على أنه كان أحسن الناس شعرًا وبشرًا. (زاد محمد) بن سليمان الأنباري (له شعر يضرب منكبيه) أي: يصل إليهما، والمنكب: مجتمع رأس العضد والكتف. (قال) المصنف: و (كذا رواه إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن) جده (أبي إسحاق: يضرب منكبيه. وقال شعبة) عن أبي إسحاق (يبلغ) شعره إلى (شحمة) أي ما لان من (أذنيه) في أسفلهما وهو متعلق القرط. [4184] (حدثنا حفص بن عمر) بن الحارث الحوضي شيخ البخاري (ثنا شعبة، عن أبي إسحاق السبيعي، عن البراء بن عازب) رضي اللَّه عنهما ¬

_ (¬1) انظر: "إكمال المعلم" 7/ 304.

(قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- له شعر يبلغ شحمة أذنيه) من اليمين واليسار. [4185] (حدثنا مخلد بن خالد، ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن ثابت) البناني (عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: كان شعر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) يبلغ (إلى شحمة أذنيه) كما تقدم. [4186] (حدثنا مسدد، ثنا إسماعيل) بن إبراهيم، ابن علية (أنا حميد) الطويل (عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: كان شعر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) يبلغ (إلى أنصاف أذنيه). قيل: الجمع بين هذِه الألفاظ في شعر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن ما يلي منها الأذن هي التي تبلغ شحمة أذنيه، وهي ما بين الأذن والعاتق، وما خلفه هو الذي يضرب منكبيه. وقيل: بل ذلك لاختلاف الأوقات والأحوال، فإذا ترك -صلى اللَّه عليه وسلم- تقصيرها بلغت المنكب، وإذا قصر كانت إلى أنصاف أذنيه، وبحسب ذلك يطول ويقصر. [4687] (حدثنا) عبد اللَّه بن محمد (ابن نفيل) النفيلي (ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد) عبد اللَّه بن ذكوان، قال ابن معين (¬1): هو أثبت الناس في روايته (عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير. (عن عائشة) رضي اللَّه عنها (قالت: كان شعر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فوق الوفرة) بفتح الواو، وهو ما نزل إلى شحمة الأذن (ودون الجمة) بضم الجيم وتشديد الميم، وهو قريب المنكبين. * * * ¬

_ (¬1) "تاريخ أسماء الثقات" لابن شاهين (805)، "تاريخ بغداد" 10/ 228، "تهذيب الكمال" 17/ 98.

10 - باب ما جاء في الفرق

10 - باب ما جاءَ في الفَرْقِ 4188 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَني ابن شِهابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: كانَ أَهْلُ الكِتابِ يَعْني: يَسْدِلُونَ أَشْعارَهُمْ وَكانَ المُشْرِكونَ يَفْرُقُونَ رُءُوسَهُمْ وَكانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- تُعْجِبُهُ مُوافَقَةُ أَهْلِ الكِتابِ فِيما لَمْ يؤْمَرْ بِهِ فَسَدَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- ناصِيَتَهُ ثُمَّ فَرَقَ بَعْدُ (¬1). 4189 - حَدَّثَنا يَحْيَى بن خَلَفٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدٍ -يَعْني: ابن إِسْحاقَ-، قالَ: حَدَّثَني مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها قالَتْ: كنْتُ إِذا أَرَدْتُ أَنْ أَفْرِقَ رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- صَدَعْتُ الفَرْقَ مِنْ يافُوخِهِ وَأُرسِلُ ناصِيَتَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ (¬2). * * * باب ما جاء في الفرق [4188] (حدثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (ثنا إبراهيم (¬3) بن سعد) بن إبراهيم المدني. (أخبرني ابن شهاب) الزهري (عن عُبَيد (¬4) اللَّه) بالتصغير، ابن عبد اللَّه ابن عتبة بن مسعود الفقيه الأعمى. (عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: كان أهل الكتاب) من اليهود ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3558)، ومسلم (2336). (¬2) رواه ابن ماجه (3633)، وأحمد 6/ 90، 275. (¬3) فوقها في (ح): (ع). (¬4) فوقها في (ح): (ع).

والنصارى (يعني: يسدُلون) بضم الدال على الأفصح، ويجوز الكسر (أشعارهم) أي: يرسلونها، والمراد هنا عند العلماء إرساله على الجبين واتخاذه كالقصة، يقال: سدل شعره وثوبه إذا أرسله ولم يضم جوانبه (¬1). (وكان المشركون) عباد الأوثان وغيرهم ممن ليس له كتاب (يفرقون) بضم الراء يعني: شعر (رؤوسهم) والفرق تفريق الشعر بعضه من بعض (¬2). (وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- تعجبه موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر به) استئلافًا لقلوبهم [إلى الإسلام] (¬3) وموافقة لهم، وهذا في أول الإسلام ليخالف عبدة الأوثان، فلما أعفاه اللَّه عن استئلافهم وأظهر الإسلام على الدين كله صرح بمخالفتهم في غير شيء، كصبغ الشيب. (فسدل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ناصيته) وهي شعر مقدم الرأس موافقة لهم (ثم فرق) شعره بتشديد الراء وفرق بتخفيف الراء، أي: جعل شعر رأسه فرقتين على يمين رأسه ويساره، ولم يبق منه شيء على جبينه (بعدُ) بضم الدال أي: بعد ذلك. والفرق سنة في الشعر؛ لأنه الذي رجع إليه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، والظاهر أنه بوحي (¬4)؛ لقول أنس: كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء، فسدل ثم فرق (¬5)، وظاهره أنه بأمر ¬

_ (¬1) انظر: "شرح مسلم" للنووي 15/ 90. (¬2) في (ح)، (ل): بعضهم. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل)، (م). (¬4) انظر: "شرح مسلم" للنووي 15/ 90. (¬5) قوله: كان يجب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء. لم نجد من عزاه لأنس مسندًا أو غيره سوى القرطبي في "المفهم" 6/ 124. =

من اللَّه تعالى حتى جعله نسخًا، وعلى هذا لا يجوز السدل ولا اتخاذ الناصية والجمة، وروي أن عمر بن عبد العزيز كان إذا انصرف من الجمعة أقام على باب المسجد حرسًا يجرون كل من لم يفرق شعره (¬1). [4189] (حدثنا يحيى بن خلف) الباهلي، شيخ مسلم في الإيمان والنذور. (ثنا عبد (¬2) الأعلى) بن عبد الأعلى السامي. (عن محمد بن إسحاق) صاحب "المغازي" (حدثني محمد بن جعفر ابن الزبير) بن العوام (عن عروة) بن الزبير. (عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كنت إذا أردت أن أفرق شعر رأس رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صدعت) بفتح الدال (الفرق) أي: فرقت شعره، ومنه: تصدع السحاب: تفرق، وتصدع القوم: تفرقوا، ومنه حديث: "إن المصدق يجعل الغنم صدعين ثم يأخذ منهما الصدقة" (¬3). أي: فرقتين (من يافوخه)، وهو وسط رأسه. أي: جعلته فرقتين من على يمين رأسه ومن على يساره (وأرسل ناصيته) وهي شعر مقدم رأسه (بين عينيه) وهذا كله على الجواز. وغاية ما روي عن الصحابة أنه كان ¬

_ = وإنما هذا كلام ابن عباس كما في حديث الباب. أما قوله: فسدل ثم فرق. فهو من قول أنس، ورواه عنه الحاكم في "المستدرك" 2/ 663، وتمام في "الفوائد" 1/ 102، وغيرهما. (¬1) رواه ابن عبد البر في "التمهيد" 6/ 76 - 77. (¬2) فوقها في (ل)، (ح): (ع). (¬3) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 3/ 27 عن عمر موقوفًا. ورُوي عن غيره. انظر: "المصنف" لعبد الرزاق 4/ 12، و"الأموال" لابن زنجويه 2/ 875.

منهم من فرق، ومنهم من سدل، فلم يعب السادل على الفارق، ولا الفارق على السادل، وقد صح عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه كان له لمة، فإن انفرقت فرقها، وإلا تركها (¬1)، وقد قيل: إن الفرق كان من ملة إبراهيم -عليه السلام-. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "إكمال المعلم" 7/ 302، "المفهم" 6/ 125، "شرح النووي على مسلم" 15/ 90.

11 - باب في تطويل الجمة

11 - باب فِي تَطْوِيلِ الجُمَّةِ 4190 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنا مُعاوَيةُ بْن هِشامٍ وَسُفْيانُ بْنُ عُقْبَةَ السُّوائي -هوَ أَخُو قَبِيصَةَ- وَحُمَيْدُ بْنُ خُوارٍ، عَنْ سُفْيانَ الثَّوْري، عَنْ عاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وائِلِ بْنِ حُجْرٍ قالَ: أَتَيْتُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وَلي شَعْرٌ طَوِيلٌ، فَلَمّا رَآني رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "ذُبابٌ ذُبابٌ". قالَ: فَرَجَعْت فَجَزَزْتُه ثمَّ أَتَيْتُهُ مِنَ الغَدِ فَقالَ: "إِنّي لَمْ أَعْنِكَ وهذا أَحْسَنُ" (¬1). * * * باب في تطويل الجمة وهي من شعر الرأس ما سقط على المنكبين، ومنه: كان لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جمة جعدة (¬2)، وفي الحديث: "لعن اللَّه المجممات من النساء" (¬3). وهن اللاتي يتخذن شعورهن جمة تشبهًا بالرجال. [4190] (حدثنا محمد (¬4) بن العلاء) بن كريب الهمداني (ثنا معاوية ¬

_ (¬1) رواه النسائي 8/ 131، وابن ماجه (3636)، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". (¬2) رواه ابن الجعد (1440) كما في "مسنده"، والبزار 13/ 70 (6410)، والطبراني في "الأوسط" 2/ 344، وابن عدي في "الكامل" 7/ 493. جميعهم من طريق محمد ابن القاسم الأسدي عن شعبة عن عبد العزيز عن أنس به. قال الهيثمي في "المجمع" 8/ 281: رواه البزار، وفيه محمد بن القاسم الأسدي وهو ضعيف. (¬3) ذكره ابن الجوزي في "غريب الحديث" 1/ 173، وابن الأثير في "النهاية" 1/ 300 بدون إسناد. (¬4) فوقها في (ح)، (ل): (ع).

ابن هشام) القصار الكوفي، قال المصنف: ثقة (¬1). (وسفيان بن عقبة) كوفي صدوق (السوائي) بضم السين وتخفيف الواو ممدود، نسبة إلى سواءة بن عامر بن صعصعة (وحميد بن) حماد ابن (خوار) بضم الخاء المعجمة وتخفيف الواو، ويقال فيه: ابن أبي الخوار التميمي الكوفي. قال الدارقطني: يعتبر به (¬2). وذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3)، وله ورد هذا الحديث مقرونًا فيه بسفيان بن عقبة. (عن سفيان) بن سعيد (الثوري، عن عاصم بن كليب) الجرمي، أخرج له مسلم في "صحيحه" (عن أبيه) كليب بن شهاب الجرمي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4). (عن وائل بن حجر) بتقديم الحاء المهملة، ابن ربيعة بن وائل الحضرمي، كان قيلا من أقيال حضرموت، وأبوه من ملوكهم، دعا له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "اللهم بارك في وائل وولده [وولد ولده] (¬5) " (¬6) تقدم في الصلاة في رفع اليدين. (قال: أتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولي شعر طويل، فلما رآني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: ذباب ذباب) بضم الذال المعجمة فيهما وتخفيف الباء الموحدة (¬7) وبعد ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 28/ 218 - 219. (¬2) "سؤالات البرقاني" (92). (¬3) "الثقات" 8/ 197. (¬4) السابق 7/ 256. (¬5) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬6) رواه البخاري في "التاريخ الكبير" 8/ 175، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" 4/ 59. (¬7) في (ح): المعجمة.

الألف مثلها، الذباب: الشؤم، أي: هذا الشعر الطويل شؤم، ويقال: الذباب: الشر الدائم. يقال: أصابك ذباب من هذا الأمر، وفي الحديث: "رأيت أن ذباب سيفي كسر، فأولته أنه يصاب رجل من أهلي. فقتل حمزة" (¬1) وذباب السيف طرفه الذي يضرب به. (قال: فرجعتُ فجززته) بفتح الجيم والزاي المخففة ثم زاي أخرى، أي: قصصت ما طال منه، ولفظ ابن ماجه قال: رآني النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولي شعر طويل فقال: "ذباب ذباب" فانطلقت فأخذته (¬2). وفيه فضيلة الصحابة ومبادرتهم إلى إزالة ما كره منهم، وإن كان محبوبًا إليهم. (ثم أتيته من الغد فقال) لما رآني (إني لم أعنك) بفتح الهمزة وبعد العين نون، ويقال: بالباء الموحدة بدل النون، من العيب، والعين مكسورة. يعني: بقولي: ذباب، وفيه الاعتذار لمن خشي انكسار قلبه ليتألفه وينجبر قلبه. (وهذا أحسن) وفيه الإعلام بما فيه الفضيلة والإرشاد إليه، وأن تقصيره الشعر إلى أن يصل إلى شحمة الأذن أو إلى المنكب أفضل من إطالته وإن كانت الإطالة غير محرمة. * * * ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في "الكبير" 3/ 163 (2950)، والحاكم في "المستدرك" 3/ 198. (¬2) "سنن ابن ماجه" 2/ 1200 (3636).

12 - باب في الرجل يعقص شعره

12 - باب فِي الرَّجُلِ يَعْقِصُ شَعْرَهُ 4191 - حَدَّثَنا النُّفَيْلي، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ ابن أَبي نَجِيحٍ، عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: قالَتْ أُمُّ هانِئٍ: قَدِمَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى مَكَّةَ وَلَهُ أَرْبَعُ غَدائِرَ. تَعْني: عَقائِصَ (¬1). * * * باب في الرجل يعقص شعره [4191] (حدثنا) عبد اللَّه (النفيلي، ثنا سفيان) بن عيينة (عن) عبد اللَّه (ابن أبي نجيح) (¬2) يسار (عن مجاهد قال: قالت أم هانئ) فاختة بنت أبي طالب الهاشمية رضي اللَّه عنها (قدم) لفظ ابن ماجه: دخل (¬3). (النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى مكة وله أربع غدائر) بفتح المعجمة والدال جمع غديرة، والغدائر: الذوائب (تعني: العقائص) والضفائر، قال امرؤ القيس: غدائره مستشزرات إلى العلا (¬4) والعقائص جمع عقيصة، وهي الشعر المعقوص، وأصل العقص اللي وإدخال أطراف الشعر في أصوله. وفي الحديث: "الذي يصلي ورأسه معقوص كالذي يصلي وهو مكتوف" (¬5) شبه من شعره ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1781)، وابن ماجه (3631)، وأحمد 6/ 341، وصححه الألباني في "مختصر الشمائل" (23). (¬2) فوقها في (ح)، (ل): (ع). (¬3) "سنن ابن ماجه" 2/ 1199 (3631). (¬4) "ديوان امرئ القيس" ص 114. (¬5) "صحيح مسلم" (492) من حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما.

معقوص (¬1) بالمكتوف الذي لم يتمكن من السجود لكون يديه مشدودتين (¬2) [وفيه: صحة صلاة مكفوف الشعر، وأن النهي عن كف الشعر نهي كراهة لا تحريم] (¬3) (¬4). * * * ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: معقوصًا. ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬2) في النسخ الخطية: مشدودتان. والجادة ما أثبتناه. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ح). (¬4) انظر: "فتح الباري" لابن رجب 7/ 269، و"فتح الباري" للحافظ 2/ 163.

13 - باب في حلق الرأس

13 - باب فِي حَلْقِ الرَّأْسِ 4192 - حَدَّثَنا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ وابْنُ المُثَنَّى قالا: حَدَّثَنا وَهْب بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنا أَبي قالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ أَبي يَعْقُوبَ يُحَدِّثُ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَمْهَلَ آلَ جَعْفَرٍ ثَلاثًا أَنْ يَأْتِيَهُمْ، ثُمَّ أَتاهُمْ فَقالَ: "لا تَبْكُوا عَلَى أَخي بَعْدَ اليَوْمِ". ثُمَّ قالَ: "ادْعُوا لي بَني أَخَي". فَجَيءَ بِنا كَأَنّا أَفْرُخٌ فَقالَ: "ادْعُوا لي الحَلَّاقَ". فَأَمَرَهُ فَحَلَقَ رُؤُوسَنا (¬1). * * * باب في حلق الرأس [4192] (حدثنا عقبة بن مُكرَم) بضم الميم وفتح الراء العمي البصري شيخ مسلم (و) محمد (ابن المثنى قالا: ثنا وهب (¬2) بن جرير) بن حازم (قال: ثنا أبي) (¬3) جرير بن حازم الأزدي رأى جنازة أبي الطفيل. (قال: سمعت محمد بن) عبد اللَّه بن (أبي يعقوب) (¬4) التميمي البصري (يحدث عن الحسن بن سعد) بن معبد الكوفي مولى الحسن ابن علي، أخرج له مسلم. (عن عبد اللَّه بن جعفر) بن أبي طالب بحر الجود، يقال: لم يكن في ¬

_ (¬1) رواه النسائي 8/ 182، وأحمد 1/ 204، وصححه على شرط مسلم الألباني في "أحكام الجنائز" (ص 21). (¬2) فوقها في (ح)، (ل): (ع). (¬3) فوقها في (ح)، (ل): (ع). (¬4) فوقها في (ح)، (ل): (ع).

الإسلام أسخى منه (¬1). (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمهل آل جعفر) يعني: زوجته أسماء بنت عميس ومن عندها من أقاربه (ثلاثًا) وللنسائي: ثلاثة. يعني: ثلاثة أيام (أن يأتيهم) أي: أمهلهم عن الإتيان إليهم لينهاهم عن البكاء ثلاثة أيام (ثم أتاهم) بعد مضي الثلاث من مجيء نعي جعفر الطيار الصادق. وفيه أن البكاء على الميت يمتد إلى ثلاثة أيام من حين وصول خبر الميت إذا مات عند غير أهله. (فقال: لا تبكوا على أخي) في الإسلام، وفيه أنه -عليه السلام- قال لجعفر: "أشبهت خلقي وخلقي" (¬2) فلذلك سماه أخا، ويكون قرابته منه. (بعد اليوم) الثالث (ثم قال: ) لمن حوله (ادعوا لي بني أخي) جعفر بن أبي طالب ذي الجناحين، وكان ولد له بالحبشة من أسماء بنت عميس عبد اللَّه وعون ومحمد. (فجيء بنا) يدل على أنهم كانوا صغارًا يحملون (كأنا أفرخ) جمع فرخ، وهو صغير ولد الطير، ووجه تشبيه صغار أولاد جعفر بصغار أولاد الطير أن شعرهم يشبه زغب الطير، والزغب صغار الريش أول ما يطلع فهو يشبه صغير شعر الأولاد أول ما يطلع، وفي الحديث أنه أهدي له أجر زغب (¬3). أي: قثاء صغار، فشبه ما على القثاء من ¬

_ (¬1) نقل هذا الإمام النووي عن الحافظ عبد الغني، عن بعض الأئمة. انظر: "تهذيب الأسماء واللغات" 1/ 263، وانظر أيضًا: "تهذيب الكمال" 14/ 367. (¬2) رواه البخاري (2699). (¬3) رواه أحمد في "المسند" 6/ 359، والترمذي في "الشمائل" (203).

الزغب بصغار الريش أول ما يطلع من ولد الطير. (فقال: ادعوا لي) نسخة: الحالق (الحلاق فأمره فحلق رؤوسنا) وفيه أن الكبير من أقارب الأطفال يتولى أمرهم وينظر في مصالحهم من حلق رأس وغيره. والظاهر أن أمر الحالق بحلق رؤوسهم أنهم لم يحلق رؤوسهم يوم السابع كما جاء في السنن من حلق رأس الصبي يوم سابعه وتسميته (¬1)، فلما لم يحلق رؤوسهم يوم السابع استدرك ذلك بعده؛ لما في حلق رأس الصغير من الفوائد في نفع الجسم وإزالة قذر الولادة، وغير ذلك. * * * ¬

_ (¬1) سبق برقم (2838).

14 - باب في الذؤابة

14 - باب فِي الذُّؤابَةِ 4193 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن عُثْمانَ -قالَ أَحْمَدُ: كانَ رَجُلًا صالحًا- قالَ: أَخْبَرَنا عُمَرُ بْن نافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابن عُمَرَ قالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنِ القَزَعِ والقَزَعُ أَنْ يُحلَقَ رَأْسُ الصَّبي فَيُتْرَك بَعْضُ شَعْرِهِ (¬1). 4194 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، حَدَّثَنا أيُّوبُ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عَنِ القَزَعِ وَهُوَ أَنْ يُحْلَقَ رَأْسُ الصَّبي فَتُتْرَك لَهُ ذُؤابَةٌ (¬2). 4195 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَبْد الرَّزاقِ، حَدَّثَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رَأى صَبِيًّا قَدْ حُلِقَ بَعْضُ شَعْرِهِ وَتُرِك بَعْضُهُ فَنَهاهُمْ عَنْ ذَلِكَ وقالَ: "احْلِقُوهُ كُلَّهُ أَوِ اتْرُكُوهُ كُلَّهُ" (¬3). * * * باب في الذؤابة بضم الذال وفتح الهمزة بعدها، كما سيأتي حيث ذكرها المصنف. [4193] (حدثنا أحمد بن حنبل، ثنا عثمان بن عثمان) الغطفاني قاضي البصرة، وثقه أحمد (¬4). و(قال) [أحمد] (¬5) (كان) شيخنا (رجلًا صالحًا) والصالح هو القائم بحقوق اللَّه وحقوق عباده (قال) عثمان (ثنا عمر بن نافع) أخرج له ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5920)، ومسلم (2120). (¬2) انظر الحديث السابق. (¬3) انظر حديث (4193). (¬4) "العلل" لعبد اللَّه 1/ 292. (¬5) ساقطة من الأصول، أثبتناها من "السنن".

الشيخان (عن أبيه) نافع مولى ابن عمر. (عن) مولاه عبد اللَّه (ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن القزع) مأخوذ من تقزع السحاب، وهو تقطعه، ومنه في حديث الاستسقاء: وما في السماء من قزعة (¬1). أي: قطعة من الغيم، وجمعها: قزع، ومنه حديث علي: فيجتمعون إليه كما يجتمع قزع الخريف (¬2). أي: قطع السحاب المتفرقة، وإنما خص الخريف؛ لأنه أول الشتاء، والسحاب يكون فيه متفرقًا غير متراكم ثم يجتمع بعضه إلى بعض بعد ذلك. (والقزع أن يحلق رأس الصبي فيترك بعض شعره) ويحلق بعضه. وقد حكي في "صحيح مسلم" التفسير من كلام نافع وجعل في رواية التفسير من قول عبيد اللَّه (¬3). وفي البخاري: وما القزع؟ فأشار لنا عبيد اللَّه قال: إذا حلق الصبي ترك هاهنا شعرًا وهاهنا وهاهنا، وأشار لنا عبيد اللَّه إلى ناصيته وحافتي رأسه، قيل لعبيد اللَّه: فالجارية والغلام؟ قال: لا أدري، هكذا ذكر الصبي. قال عبيد اللَّه: وعاودته. فقال: أما القصة والقفا للغلام فلا بأس بهما (¬4). وكل خصلة من الشعر قصة سواء كانت متصلة بالرأس أو ¬

_ (¬1) رواه البخاري (933)، ومسلم (897) من حديث أنس مرفوعًا. (¬2) رواه ابن أبي شيبة 7/ 452 (37142) موقوفًا على علي -رضي اللَّه عنه-. (¬3) برقم (2120). (¬4) "صحيح البخاري" (5920).

منفصلة، والمراد بها هنا شعر الناصية، يعني أن حلق القصة وشعر القفا خاصة دون غيرهما من الغلام فلا بأس به، وهذا من قول عمر بن نافع. قال النووي: المذهب كراهته مطلقًا لإطلاق الحديث (¬1). [4194] (حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد) بن سلمة. (ثنا أيوب، عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن القزع) ثم ذكر الراوي تفسيره (وهو أن يحلق رأس الصبي) كله (ويترك له) من شعره (ذؤابة) بضم الذال وفتح الهمزة بعدها والنصب، وهو الشعر المضفور من شعر الرأس. قال الجوهري: وكان الأصل في الجمع أن يقال: ذآئب؛ لأن الألف في ذؤابة كالألف في رسالة، فحقها أن يبدل منها همزة في الجمع؛ لكنهم استثقلوا أن يقع ألف الجمع بين الهمزتين فأبدلوا من الأولى واوًا (¬2). [4195] (حدثنا أحمد بن حنبل، ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رأى صبيًّا قد حُلق) بضم الحاء (بعض رأسه وترك بعضه، فنهاهم عن ذلك) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. قال القرطبي: لا خلاف في أنه إذا حلق من الرأس مواضع أنه القزع المنهي عنه، لما عرف من اللغة ونقله أئمتهم ولتفسير نافع له بذلك. واختلف فيما إذا حلق جميع الرأس وترك منه موضع كشعر الناصية، أو فيما إذا حلق موضع وحده وبقي أكثر الرأس، فمنع من ذلك مالك ¬

_ (¬1) "شرح مسلم" 14/ 101. (¬2) "الصحاح" 1/ 126.

ورآه من القزع المنهي عنه (¬1). قال النووي: مذهبنا كراهته مطلقًا للرجل والمرأة لعموم الحديث (¬2). هذا هو القزع على الصحيح، وقيل: هو أن يحلق رأس الصبي المولود ويترك على ناصيته من جانبي رأسه شعرًا. قال النووي: هو مكروه، إلا أن يكون لمداواة ونحوها. قال: وهي كراهة تنزيه. وكرهه مالك في الجارية والغلام مطلقًا (¬3). (وقال: احلقوه كله) فيه دليل على جواز حلق جميع (¬4) الرأس، قال الغزالي: لا بأس به لمن أراد التنظيف (¬5). وفيه رد على من كرهه لما رواه الدراقطني في "الأفراد" عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "لا توضع النواصي إلا في حج أو عمرة" (¬6). ويقول عمر لصبيغ: لو وجدتك محلوقًا لضربت الذي فيه عيناك بالسيف (¬7). ولحديث الخوارج: "سيماهم التحليق" (¬8). ¬

_ (¬1) "المفهم" 5/ 441. (¬2) "شرح مسلم" 14/ 101. (¬3) السابق. (¬4) ساقطة من (ل)، (م). (¬5) "إحياء علوم الدين" 1/ 188. (¬6) "أطراف الغرائب والأفراد" 2/ 386 (1698). (¬7) رواه الآجري في "الشريعة" 1/ 481 - 482 (152)، وابن بطة في "الإبانة" 1/ 414 - 415 (330)، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد" 4/ 701 - 702 (1136) من رواية السائب بن يزيد. (¬8) رواه البخاري (7562) من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا.

قال أحمد: إنما كرهوا الحلق بالموسى، أما بالمقراض فليس به بأس (¬1). لأن أدلة الكراهة تختص بالحلق (¬2). (أو اتركوه كله) ولا بأس به لمن أراد دهنه وترجيله وقام بإكرامه. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 13/ 344. (¬2) ساقطة من (م).

15 - باب ما جاء في الرخصة

15 - باب ما جاءَ في الرُّخْصَةِ 4196 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنا زَيْدُ بْنُ الحُبابِ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ ثابِتٍ البُناني، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: كانَتْ لي ذُؤابَةٌ فَقالَتْ لي أُمّي لا أَجُزُّها كانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَمُدُّها وَيَأْخُذُ بِها (¬1). 4197 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلي، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ، حَدَّثَنا الحَجّاجُ بْنُ حَسّانَ قالَ: دَخَلْنا عَلَى أَنَسِ بْنِ مالِكٍ فَحَدَّثَتْني أُخْتي المُغِيرَةُ قالَتْ: وَأَنْتَ يَوْمَئِذٍ غُلامٌ وَلَكَ قَرْنانِ أَوْ قُصَّتانِ فَمَسَحَ رَأْسَكَ وَبَرَّكَ عَلَيْكَ وقالَ: "احْلِقُوا هَذَيْنِ أَوْ قُصُّوهُما فَإِنَّ هذا زي اليَهُودِ" (¬2). * * * باب في الرخصة في ذلك [4196] (حدثنا محمد (¬3) بن العلاء) بن كريب الهمداني (ثنا زيد بن الحباب) بضم الحاء المهملة العكلي الحافظ، أخرج له مسلم (عن ميمون ابن عبد اللَّه) قال الذهبي (¬4): لعله ميمون بن أبان الذي ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬5). (عن ثابت البناني) بضم الموحدة (عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: كانت ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2226)، والطبراني 1/ 249 (712)، والبيهقي في "الشعب" (6485)، وضعفه الألباني في "المشكاة" (4462). (¬2) رواه البيهقي في "الشعب" (6483)، وضعفه الألباني في "المشكاة" (4484). (¬3) فوقها في (ح)، (ل): (ع). (¬4) في "تذهيب التهذيب" 9/ 171 (7089)، وانظر ترجمة (7083). (¬5) 7/ 472.

لي ذؤابة) بضم الذال كما تقدم (فقالت لي أمي: لا أجزُّها) عنك أبدًا فقد (كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَمُدُّها) بفتح الياء وضم الميم، أي: يبسطها بيده الكريمة (ويأخذ بها) إليه، وهذا من تلطفه بخادمه وتودده وحسن عشرته -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفيه التبرك بآثار الصالحين والاحتراص على ادخار ما لمسوه بأيديهم أو جلسوا عليه أو كان من لباسهم (¬1). ¬

_ (¬1) التبرك بآثار الصالحين من البدع التي ظهرت لا سيما في هذِه الأيام، ولو لم يكن فيه من شيء إلا فتح باب الشرك لكفى، وقد ذكر الشاطبي وغيره إجماع الصحابة على ترك التبرك بأحد سوى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وها أنا أسوق كلام الشاطبي بنصه من كتابه الماتع الجامع الفريد في البدع والأهواء "الاعتصام"؛ وذلك لأهميته وتفصيله في هذِه المسألة، فقال رحمه اللَّه 2/ 300 وهو يسوق أمثلة للبدع المشتبهة: ثبت في الصحاح عن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- كانوا يتبركون بأشياء من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ففي البخاري عن أبي جحيفة -رضي اللَّه عنه- قال: خرج علينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالهاجرة، فأتي بوضوء، فتوضأ، فجعل الناس يأخذون من فضل وضوئه فيتمسحون به. . . الحديث. وفيه: كان إذا توضأ يقتتلون على وضوئه. وعن المسور -رضي اللَّه عنه- في حديث الحديبية: وما انتخم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده. وخرج غيره من ذلك كثيرًا في التبرك بشعره وثوبه وغيرهما، حتى أنه مس بإصبعه أحدهم بيده، فلم يحلق ذلك الشعر الذي مسه -عليه السلام- حتى مات. وبالغ بعضهم في ذلك، حتى شرب دم حجامته. . . إلى أشياء كهذا كثيرة. فالظاهر في مثل هذا النوع أن يكون مشروعا في حق من ثبتت ولايته واتباعه لسنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأن يتبرك بفضل وضوئه، ويتدلك بنخامته، ويستشفى بآثاره كلها، ويرجى نحوه مما كان في آثار المتبوع الأعظم -صلى اللَّه عليه وسلم-. إلا أنه عارضنا في ذلك أصل مقطوع به في متنه، مشكل في تنزيله، وهو أن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- بعد موته -عليه السلام- لم يقع من أحد منهم شيء من ذلك بالنسبة إلى من خلفه، إذ لم يترك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعده في الأمة أفضل عن أبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه-، فهو كان =

وقيل: إن الذؤابة إنما يجوز اتخاذها للغلام إذا كانت مع غيرها من الشعور التي في الرأس، وأما إذا حلق شعره كله وترك له ذؤابة فهو القزع الذي نهى عنه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفي هذا جمع بين الأحاديث، واللَّه أعلم. [4197] (حدثنا الحسن بن علي) الهذلي الحلواني، شيخ الشيخين. (ثنا يزيد بن هارون) السلمي (ثنا الحجاج (¬1) بن حسان) الباهلي، صدوق. (قال: دخلنا على أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-، فحدثتني أختي) من النسب وهي (المغيرة) بنت حسان الباهلية (قالت) دخلنا عليه (وأنت يومئذ غلام، ولك قرنان) أي: ضفيرتان من شعر، ومنه حديث غسل الميت: ومشطنا رأسها ثلاثة قرون (¬2). ¬

_ = خليفته، ولم يفعل به شيء من ذلك، ولا عمر رضي اللَّه عنهما، وهو كان في الأمة بعده، ثم كذلك عثمان، ثم علي، ثم سائر الصحابة الذين لا أحد أفضل منهم في الأمة، ثم لم يثبت لواحد منهم من طريق صحيح معروف أن متبركا تبرك به على أحد تلك الوجوه أو نحوها، بل اقتصروا فيهم على الاقتداء بالأفعال والأقوال والسير التي اتبعوا فيها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فهو إذا إجماع منهم على ترك تلك الأشياء كلها. اهـ. ومعنى هذا الكلام نقله الشيخ سليمان بن عبد اللَّه في "تيسير العزيز الحميد" ص 150، ونقله عنه صاحب "فتح المجيد" ص 151. فلا يغرنك قول من قال بجواز ذلك كالنووي وغيره من العلماء، فإن الحق أحق أن يتبع، والحجة في قول الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- وحده، بفهم أصحابه من بعده، لاسيما وإن أجمعوا على أمر. واللَّه أعلى وأعلم. (¬1) فوقها في (ح)، (ل): (د). (¬2) رواه البخاري (1254)، ومسلم (939).

(أو قصتان) بضم القاف، وهو قريب من معناه، وهذا شك من الراوي فيما سمعه (فمسح) على (رأسك وبرك) بتشديد الراء (عليك) أي: دعا لك بالبركة. فيه استحباب الإتيان بالأولاد إلى أهل الصلاح للدعاء لهم، ومسح رأس الصبي والدعاء له. (وقال: احلقوا هذين) القرنين أو القصتين (أو قصوهما) واستقصوا قصهما واستأصلوهما بالمقص أو المقراض. فيه: إباحة ترك الذؤابتين إذا قص من طولهما والرخصة في إبقائهما إذا لم تكونا طويلتين (فإن هذا) أي: ترك قصهما (من زِي) (¬1) بكسر الزاي وتشديد الياء (اليهود) أي: من شكلهم وهيئتهم ترك قصتين من جانبي مقدم الرأس بلا استئصال كاليهود، ففي شروط عمر -رضي اللَّه عنه- على أهل الذمة أن يحلقوا مقادم رؤوسهم ليتميزوا بذلك عن المسلمين، لا سيما إذا كشفوا رؤوسهم وكانوا في الحمام، فمن فعله من المسلمين كان متشبهًا بهم، ومن تشبه بقوم فهو منهم كما تقدم (¬2)، وقيل: المنهي عنه أن يحلق رأس الصبي مستديرًا، فهكذا كان يفعله اليهود والنصارى بأولادهم مضاهاة لما يفعله الشمامسة والرهبان فيتبركون ويتفاءلون بنشوء المولود على الصلاح، فنهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن مضاهاتهم بذلك. * * * ¬

_ (¬1) في حاشية (ح) وصلب (ل)، (م): نسخة: هذا زي. (¬2) برقم (4031) من حديث ابن عمر مرفوعًا.

16 - باب في أخذ الشارب

16 - باب فِي أَخْذِ الشّارِبِ 4198 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الفِطْرَةُ خَمْسٌ أَوْ خَمْسٌ مِنَ الفِطْرَةِ الخِتانُ والاسْتِحْدادُ وَنَتْفُ الإِبْطِ وَتَقْلِيمُ الأَظْفارِ وَقَصُّ الشّارِبِ" (¬1). 4199 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبي، عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبي بَكْرِ بْنِ نافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَمَرَ بِإِحْفاءِ الشَّوارِبِ وَاعْفاءِ اللِّحَى (¬2). 4200 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْن إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا صَدَقَةُ الدَّقِيقي، حَدَّثَنا أَبُو عِمْرانَ الجَوْني، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: وَقَّتَ لَنا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- حَلْقَ العانَةِ وَتَقْلِيمَ الأَظْفارِ وَقَصَّ الشّارِبِ وَنَتْفَ الإِبْطِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مَرَّةً. قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمانَ، عَنْ أَبي عِمْرانَ، عَنْ أَنَسٍ لَمْ يَذْكُرِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ وُقِّتَ لَنا وهذا أَصَحُّ (¬3). 4201 - حَدَّثَنا ابن نُفَيْلٍ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ المَلِكِ بْنِ أَبي سُلَيْمانَ وَقَرَأَهُ عَبْدُ المَلِكِ عَلَى أَبي الزُّبَيْرِ وَرَواهُ أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ قالَ: كُنّا نُعْفي السِّبالَ إِلا في حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ. قالَ أَبُو داوُدَ: الاسْتِحْدادُ حَلْقُ العانَةِ (¬4). * * * باب في أخذ الشارب [4198] (حدثنا مسدد، ثنا سفيان، عن الزهري، عن سعيد) بن ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5889)، ومسلم (257). (¬2) رواه البخاري (5892)، ومسلم (259). (¬3) رواه مسلم (258). (¬4) رواه ابن عدي في "الكامل" 6/ 526، والبيهقي 5/ 33، والخطيب في "الكفاية" (ص 265)، وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود".

المسيب (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- يبلغ به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) هكذا حكمه حكم المرفوع (¬1)، ولفظ البخاري: عن أبي هريرة: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول (¬2): (الفطرة) يعني: من الفطرة بدليل ما بعده (خمس، أو خمس من الفطرة) قال الشيخ أبو إسحاق والماوردي: هي الدين (¬3). قال أكثر العلماء: هي السنة بدليل رواية البخاري: "من السنة قص الشارب" (¬4). وأصح ما فسر به غريب الحديث ما جاء في رواية الصحيحين أو غيرهما. (الختان) وهو واجب على الرجال والنساء، هذا هو الصحيح في المذهب (¬5)، وقال مالك (¬6) وأبو حنيفة (¬7): سنة، وذكر الختان الواجب ¬

_ (¬1) قال ابن الصلاح في "مقدمته" ص 50: من قبيل المرفوع الأحاديث التي قيل في أسانيدها عند ذكر الصحابي: يرفعُ الحديثَ، أو يبُلغُ به، أو يُنْمِيه، أو روايةً. اهـ. (¬2) "صحيح البخاري" (5891). (¬3) "الحاوي الكبير" 13/ 432، وانظر: "شرح السيوطي على سنن النسائي" 1/ 14، فقد عزا هذا القول لأبي إسحاق الشيرازي في "الخلاف"، ولعله يقصد كتابه "النكت في الخلافيات". (¬4) لم أقف عليه عند البخاري بلفظ "السنة"، وإنما وقفت عليه بلفظ: "الفطرة"، رواه البخاري (5888) من حديث ابن عمر مرفوعًا، ووقفت على هذا اللفظ "من السنة" - عند البيهقي في "سننه" 1/ 149 من حديث ابن عمر مرفوعًا أيضًا. وانظر: "فتح الباري" 10/ 339. (¬5) انظر: "نهاية المطلب" 17/ 354، "المجموع" 1/ 348، ومذهب الحنابلة أنه واجب على الرجال ومكرمة في حق النساء. انظر: "المغني" 1/ 115. (¬6) انظر: "الرسالة" لابن أبي زيد القيرواني ص 156، "التمهيد" 21/ 59. (¬7) انظر: "المبسوط" 10/ 156، "تحفة الملوك" ص 240، "العناية شرح الهداية" 1/ 57، 7/ 421.

مع كون الباقي سنة غير ممتنع، وهو كقوله تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ} (¬1) فإن: الأكل مباح والإتيان واجب، والواجب في ختان الرجل قطع الجلدة التي تغطي الحشفة بحيث تنكشف الحشفة كلها، فإن قطع بعضها وجب قطع الباقي ثانيًا، صرح به إمام الحرمين (¬2) وغيره. والواجب في المرأة قطع ما ينطلق عليه الاسم من الجلدة التي كعرف الديك فوق مخرج البول اتفق عليه أصحابنا، قالوا: ويستحب أن يقتصر في المرأة على شيء يسير، ولا يبالغ في القطع (¬3). (والاستحداد) هو استعمال الحديدة، وصار كناية عن حلق العانة، وهو متَّفقٌ على أنه سنة (¬4)، وهل يجب على المرأة إذا أمرها زوجها؟ فيه قولان، أصحهما الوجوب (¬5). والسنة فيه استعماله بالحديد كما تقدم، فلو نتفها أو قصها أو أزالها بالنورة جاز وكان تاركًا للأفضل، وهو الحلق. (ونتف الإبط) اتفق على أنه سنة بالنتف (¬6) (¬7) كما صرح به في ¬

_ (¬1) سورة الأنعام: 141. (¬2) "نهاية المطلب" 17/ 354. (¬3) انظر: "الحاوي الكبير" 12/ 293، "المجموع" 1/ 349، 2/ 148، 149. (¬4) انظر: "معالم السنن" 2/ 240، "شرح النووي على مسلم" 3/ 148، "فتح الباري" 10/ 343. (¬5) انظر: "الأم" 6/ 20. (¬6) ساقطة من (ل)، (م). (¬7) انظر تخريجات المواضع السابقة.

الحديث، فلو حلقه جاز. وحكي عن يونس بن عبد الأعلى قال: دخلت على الشافعي وعنده الذي يحلق إبطه، فقال الشافعي: قد علمت أن السنة النتف، ولكن لا أقوى على الوجع (¬1). (وتقليم الأظفار) مجمع على أنه سنة، سواء فيه الرجل والمرأة، واليدان والرجلان، ويستحب أن يبدأ باليد اليمنى قبل اليسرى، فيبدأ بمسبحة اليمنى، ثم الوسطى، ثم البنصر، ثم الخنصر، ثم الإبهام، ثم خنصر اليد اليسرى، ثم بنصرها إلى آخره، ثم خنصر الرجل اليمنى إلى أن يختم بخنصر اليسرى. كذا جزم به النووي في "شرح مسلم" (¬2). وقال العراقي في "شرح المهذب": إنه الأحسن، وإنه في رواية، وإن لم تصح فالمعنى يساعدها؛ لأن التيمن سنة، والمسبحة لأنها أشرف الأصابع؛ لكونها يشار بها إلى التوحيد، ثم الذي يليها هو الأيمن فالأيمن. قال: وأما الرجل فلا نقل فيها، فنزل على ما هو المستحب في تخليلها في الوضوء. وفي "المغني" للموفق الحنبلي حديث: "من قص أظفاره مخالفًا لم ير في عينيه رمدًا" (¬3) وفسره ابن بطة بأن يبدأ بخنصر اليمنى، ثم ¬

_ (¬1) انظر: "آداب الشافعي ومناقبه" لابن أبي حاتم 1/ 210. (¬2) 3/ 149. (¬3) ذكره السخاوي في "المقاصد الحسنة" (1163) وقال: هو في كلام غير واحد من الأئمة منهم ابن قدامة في "المغني" والشيخ عبد القادر في "الغنية"، ولم أجده، لكن الحافظ الشرف الدمياطي يأثر ذلك عن بعض مشايخه، ونص الإمام أحمد على استحبابه وقال الملا علي القاري في "الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة" =

الوسطى، ثم الإبهام، ثم البنصر، ثم المسبحة، ثم بإبهام اليسرى، ثم وسطاها، ثم خنصرها، ثم السبابة، ثم البنصر (¬1). قال ابن الرفعة: وهذِه الكيفية هي الأولى. وعن الحافظ شرف الدين الدمياطي أنه كان يفعلها في اليدين والرجلين وقال (¬2) إن هذا أمان من الرمد قال: فعلته من خمسين سنة فلم أرمد، وكان يفعله يوم الخميس، وتمسك له بسند ضعيف إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "يا علي، قص الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة يوم الخميس والغسل والطيب يوم الجمعة" (¬3). وفي "زيادات العبادي": كان سفيان الثوري يقلم أظفاره يوم الخميس فقيل له: غدًا يوم الجمعة فقال: إن السنة لا تؤخر (¬4). قال: وروي عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من أراد أن يأتيه الغني فليقلم أظفاره يوم الخميس" (¬5) وصح أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قلم أظفاره يوم السبت، ¬

_ = ص 475 بعد أن ذكر هذا الحديث: من أقبح الموضوعات. (¬1) "المغني" 1/ 118 - 119. (¬2) كلمة غير واضحة في الأصول، ولعل المثبت موافق للسياق. (¬3) رواه الديلمي في "الفردوس" 5/ 333 (8350)، والتيمي في "مسلسلاته" كما في "كنز العمال" 6/ 681 (17384) من حديث علي وضعفه الألباني في "الضعيفة" (3239)، قال: منكر. (¬4) رواه ابن المقرئ في "معجمه" (695). (¬5) ذكره الملا القاري في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" 7/ 2815 وعزا روايته للنووي والعبادي، وقال الحافظ في "الفتح" 10/ 346: ولم يثبت أيضًا في استحباب قص الظفر يوم الخميس حديث.

وذلك في حجة الوداع؛ لأن عرفة كان يوم الجمعة، ويوم الجمعة الذي تحلل فيه بالحلق والتقليم كان يوم السبت، وهو من حديث عبد اللَّه بن زيد بن عبد ربه. (وقص الشارب) أي: قص ما نبت على الشفة العليا وقبل الإطار الذي يباشر به الشرب، وهو بكسر الهمزة وتخفيف الطاء المهملة، وإطار كل شيء ما أحاط به. والمختار في قصه أن يكون بحيث يبدو طرف الشفة ولا يحفه من أصله، فقد قال مالك وجماعة: إن استئصاله مثلة (¬1). وسيأتي له تتمة. [4199] (حدثنا عبد اللَّه بن مسلمة القعنبي، عن مالك، عن أبي بكر) ذكره ابن عبد البر فيمن لم يذكر له سوى كنيته (¬2) (بن نافع عن أبيه) نافع مولى عبد اللَّه بن عمر. (عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بإحفاء) بالحاء المهملة والفاء (الشوارب) (¬3) تقدم عن مالك أن استئصاله مثلة، وخالف الكوفيون استدلالا برواية "الصحيح": "انهكوا الشوارب" (¬4). ولفظ مسلم: "أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى" (¬5) وأول على أن المراد إحفاء ما طال عن الشفتين؛ لأن المعنى في قص الشارب ¬

_ (¬1) انظر: "التمهيد" 24/ 143. (¬2) "التمهيد" 24/ 141. (¬3) بعدها في (ل)، (م): نسخة: الشارب. (¬4) "صحيح البخاري" (5893). (¬5) "صحيح مسلم" (259).

موجود بلا إنهاك، والحكمة في الإحفاء مخالفة الأعاجم؛ لرواية مسلم: "خالفوا المشركين؛ أحفوا الشَّوارب وأعفوا اللحى" (¬1). وقيل: المراد بالإحفاء مخالطة الشعر المأكل والمشرب مما يؤدي إلى الاستقذار. قال الطحاوي: لم نجد عن الشافعي في هذا شيئًا منصوصًا، وأصحابه الذين رأيناهم المزني والربيع كانا يحفيان شواربهما وذلك يدل على أنهما أخذا ذلك عن الشافعي (¬2). وقد ذكر ابن خويز منداد من المالكية موافقة الشافعي للكوفيين وقال الأثرم: رأيت أحمد بن حنبل يحفي شاربه شديدًا، وسمعته يقول -وقد سئل عن الإحفاء-: إنه السنة. وجمع بعضهم بين الأحاديث فقال: يقص الشارب ويحفى الإطار (¬3). وقال القاضي عياض: الحف من الأضداد، ويطلق على التوفير وعلى الحلق (¬4). (وإعفاء اللحية) أي: توفيرها بعدم الأخذ منها، وكان من عادة الفرس قص اللحية، فنهى الشارع عن ذلك. قال الغزالي: اختلف السلف فيما زاد من اللحية فقيل: لا بأس أن يقبض عليها ويقص ما تحت القبضة كان ابن عمر يفعله، ثم جماعة من ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" 259/ 54. (¬2) انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 4/ 382. (¬3) انظر: "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 13/ 382. (¬4) "إكمال المعلم" 2/ 63.

التابعين، واستحسنه الشعبي وابن سيرين والحسن وقتادة قالوا: يتركها عافية؛ لقوله: "وأعفوا (¬1) اللحى". قال الغزالي: والأمر في هذا قريب؛ لأن الطول المفرط قد يشوه الخلقة (¬2). قال النووي: والصحيح كراهة الأخذ منها مطلقًا، ويتركها على حالها كيف كانت؛ لحديث: "أعفوا اللحى" وأما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها. فرواه الترمذي (¬3) بإسناد ضعيف لا يحتج به، وأما الأخذ من الحاجبين إذا طالا فكان أحمد بن حنبل يفعله، وحكي أيضًا عن الحسن البصري، وقال أحمد: لا بأس بحلق ما تحت الحلق من اللحية (¬4). [4200] (حدثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي. (ثنا صدقة) بن موسى السلمي البصري (الدقيقي) بفتح الدال وكسر القافين نسبة إلى الدقيق وبيعه وطحنه، قال في "التهذيب": قال مسلم بن إبراهيم: حدثنا صدقة الدقيقي وكان صدوقًا (¬5). وروي له البخاري في "الأدب"، وله في الكتب الستة هذا الحديث، وحديث: "خصلتان [لا يجتمعان] (¬6) في جوف مسلم البخل وسوء الخلق" رواه البخاري ¬

_ (¬1) في (ل): واتركوا. (¬2) "إحياء علوم الدين" 1/ 192. (¬3) "سنن الترمذي" (2762). (¬4) "المجموع" 1/ 343. (¬5) "تهذيب الكمال" 13/ 150 (2870). (¬6) في جميع النسخ: تدخل، والمثبت من "الأدب المفرد".

في "الأدب" (¬1)، وحديث: "لا يدخل الجنة خبٌّ ولا بخيل ولا منان ولا سيِّئ الملكة، وأول من يدخل الجنة المملوك إذا أطاع اللَّه وأطاع سيده" رواه الترمذي (¬2)، وله عن أنس: سئل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أي الصيام أفضل؟ قال: "صيام شعبان تعظيمًا لرمضان" (¬3) هذا جميع ما له. (حدثنا أبو عمران) (¬4) عبد الملك بن حبيب (الجوني) بفتح الجيم (عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: وقت لنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) وفي هذِه الرِّواية بيان المرفوع في رواية مسلم: وقت لنا في قص الشارب (¬5). والتوقيت ¬

_ (¬1) "الأدب المفرد" (282)، ورواه أيضًا الترمذي (1962) كلاهما من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا. (¬2) "سنن الترمذي" (1963)، ورواه أحمد 1/ 7، والطيالسي 1/ 10 (8)، وأبو يعلى 1/ 94، 95 (93، 95) جميعهم من طريق صدقة بن موسى عن فرقد السبخي عن مرة الطيب عن أبي بكر -رضي اللَّه عنه-. (مختصرًا وبعضهم مطولًا). - قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. والحديث ضعفه الشيخ الألباني في "ضعيف الجامع" (6339)، والشيخ شعيب في "تحقيق المسند" 1/ 209. (¬3) رواه ابن أبي شيبة 2/ 346 (9763)، والبزار 13/ 301 (6890)، وأبو يعلى 6/ 154 (3421)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 83، والبيهقي 4/ 305 - 306. قال ابن الجوزي في "العلل المتناهية" 2/ 65، 66 بعد أن أخرج هذا الحديث من طريق أبي يعلى الموصلي: وهذا حديث لا يصح، قال يحيى بن معين: صدقة بن موسى ليس بشيء، وقال ابن حبان: لم يكن الحديث من صناعته فكان إذا روى قلب الأخبار فخرج عن حد الاحتجاج به. (¬4) فوقها في (ل)، (ح): (ع). (¬5) "صحيح مسلم" (258).

والتأقيت أن يجعل للشيء وقت يختص به، وهو بيان مقدار المدة كما سيأتي في (حلق العانة) وفي معناه الإزالة بالنتف والنورة وغيرهما، إلا أنه بالحديد للرجل أفضل بخلاف المرأة، فالسنة في حقها النتف، واستشكله الفاكهي بأن فيه ضررًا على الزوج باسترخاء المحل باتفاق الأطباء. وفي "الصحيح": "إذا دخلت ليلًا فلا تدخل على أهلك حتى تستحد المغيبة" (¬1) والاستحداد: استعمال الحديد وهو الموسى، والمراد بالعانة ما فوق الفرج وحواليه من الرجل والمرأة، وفي معنى ذلك كما قال ابن سريج: ما حول حلقة الدبر (¬2). وأغرب من قال: لا يجوز حلق ما حول الدبر. حكاه الفاكهي (¬3). (وتقليم الأظفار) وهو قطع ما طال منها عن اللحم، قال الجوهري: قَلَمت ظفري بالتخفيف، وقلَّمت أظفاري أي: بالتشديد للتكثير والمبالغة (¬4)، وفي مسلم من حديث عائشة: "وقص الأظفار (¬5) "، وهو تفسير للتقليم، وفي معنى ذلك الإزالة بكل شيء من الآلات من مقص وسكين ونحوهما، نعم يكره بالأسنان، وقص الشارب يعني: بالمقص، ويوضحه: "أحفوا الشوارب" (¬6) بألف القطع رباعيا، وهو ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (5246)، "صحيح مسلم" (715) من حديث جابر مرفوعًا. (¬2) انظر: "شرح مسلم" للنووي 3/ 148. (¬3) في "شرح العمدة" كما قال ابن حجر في "الفتح" 10/ 343. (¬4) "الصحاح" 5/ 2014. (¬5) "صحيح مسلم" (261). (¬6) رواه مسلم (259) من حديث ابن عمر مرفوعًا.

المبالغة في استقصاء الأخذ، ومنه: الإحفاء في المسألة إذا أكثر منها. (ونتف الإبط) وفي معناه الحلق لحصول النظافة به في كل أربعين يومًا مرة. لفظ مسلم: ألا نترك أكثر من أربعين ليلة (¬1). وهذا تحديد لأكثر المدة، ويستحب تفقد ذلك من الجمعة إلى الجمعة، وإلا فلا تحديد فيه للعلماء إلا بهذا الحديث، بل كلما كثر أزاله، ويختلف ذلك باختلاف الناس. (قال) المصنف (رواه جعفر بن سليمان) الضبعي، أخرج له مسلم هذا الحديث (¬2)، ويكفي احتجاج مسلم مع من تابعه عليه (عن أبي عمران) الجوني (عن أنس) بن مالك (لم يذكر النبي) بالنصب (-صلى اللَّه عليه وسلم-) كما تقدم لمسلم (¬3)، بل (قال: وُقّت) بضم الواو وتشديد القاف المكسورة مبني للمفعول (لنا) في قص الشارب. [4201] (حدثنا) عبد اللَّه (ابن نفيل، ثنا زهير، قال: قرأت على عبد الملك بن أبي سليمان) الفزاري الكوفي، واسم أبي سليمان ميسرة عم محمد بن عبيد اللَّه مولى فزارة، أخرج له مسلم في مواضع. (وقرأه عبد الملك) بن أبي سليمان (على أبي الزبير) محمد بن مسلم المكي (ورواه أبو الزبير، عن جابر) بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما. (قال: كنا نُعْفِي) بضم النون، وسكون العين، أي: نوفر ونترك (السبال) بكسر السين وتخفيف الموحدة، أي: ندعهما على ما خلقهما ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (258). (¬2) السابق. (¬3) "صحيح مسلم" (258).

اللَّه تعالى عليه من طول وقصر؛ لكونهما متصلين باللحية فأعطيا حكمها، والظاهر أن السبال جمع سبَلة، وهي: طرف الشارب. كرقاب جمع رقبة، وهذا من الجمع المراد به التثنية، لأن من المعلوم أن الإنسان ليس له إلا سبالان، فهو كقوله تعالى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} (¬1) لأن الحكمة في قص الشارب لمخالطة المأكل والمشرب، وهذان لا يخالطان المأكل والمشرب، فكانا كاللحية لا يزاد منها ولا ينقص. قال ابن الأثير: وفي الحديث أنه كان وافر السَّبَلة بالتحريك، يعني: الشارب، والجمع السبال، قاله الجوهري (¬2). وقال الهروي: هي الشعرات التي تحت الحنك الأسفل، والسبلة عند العرب: مقدم اللحية، وما أسبل منها على الصدر (¬3). قال: حديث أبي هريرة: "من جر سبَله من الخيلاء لم ينظر اللَّه إليه يوم القيامة" والسبَل بالتحريك الثياب المسبلة (¬4). قال الغزالي في "الإحياء": ولا بأس بترك سباليه -يعني: على ما خلقهما اللَّه تعالى- وهما طرفا الشارب (¬5). (إلا في حج أو عمرة) يعني: كنا نوفر السبلتين إلا إذا كنا في حج أو ¬

_ (¬1) سورة التحريم: 4. (¬2) في "الصحاح" 5/ 1724. (¬3) "تهذيب اللغة" 12/ 437 - 438، "الغريبين" 3/ 863. "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 339. (¬4) السابق. (¬5) 1/ 189.

عمرة، فكنا نأخذ منهما، وكان ابن عمر إذا قصر من لحيته في حج أو عمرة يقبض على لحيته ويأخذ من طرفها ما خرج عن القبضة (¬1)، وابن عمر روى: "أعفوا اللحى" (¬2). وفهم من معناه ما يأخذ من لحيته، وإذا كان هذا في اللحية فالسبال أولى بالأخذ؛ لكونه متصلًا بالشارب. وقيل في قوله تعالى: {لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} (¬3) قال محمد بن كعب: هو رمي الجمار، وذبح الذبيحة، وحلق الرأس، والأخذ من الشارب واللحية والأظفار (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5892) من حديث ابن عمر. (¬2) رواه البخاري (5893)، ومسلم (259) من حديث ابن عمر مرفوعًا. (¬3) سورة الحج: 29. (¬4) رواه الطبري في "جامع البيان عن تأويل آي القرآن" 17/ 149.

17 - باب في نتف الشيب

17 - باب فِي نَتْفِ الشَّيْبِ 4202 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى ح، وَحَدَّثَنا مسدد، حَدَّثَنا سفْيان -المَعْنَى-، عَنِ ابن عَجْلانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تَنْتِفُوا الشَّيْبَ ما مِنْ مُسْلِمٍ يَشِيبُ شَيْبَةً في الإِسْلامِ". قالَ: عَنْ سُفْيانَ: "إِلَّا كانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ القِيامَةِ". وقالَ في حَدِيثِ يَحْيَى: "إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِها حَسَنَةً وَحَطَّ عَنْهُ بِها خَطِيئَةً" (¬1). * * * باب في نتف الشيب [4202] (حدثنا مسدد، حدثنا يحيى) بن سعيد القطان (ح، وحدثنا مسدد، ثنا سفيان) الثوري (¬2) (المعنى، عن) محمد (ابن عجلان) ياقوتة العلماء. (عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده -رضي اللَّه عنهم-: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا تَنْتِفوا) بكسر التاء شعر (الشيب) فإنه (ما من مسلم يَشيبُ شَيْبَة) واحدة (في الإسلام قال) المصنف في رواية (عن سفيان) الثوري. (إلا كانت) تلك الشيبة (له نورًا يوم القيامة) توضحه رواية البزار والطبراني عن فضالة بن عبيد، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من شاب ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2821)، والنسائي 8/ 136، وابن ماجه (3721)، وأحمد 2/ 179، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (6981). (¬2) كذا في الأصول، وهو خطأ، والصواب: ابن عيينة. لأن مسددا يروي عن ابن عيينة وليس الثوري. انظر ترجمة مسدد في "تهذيب الكمال" 27/ 443.

شيبة في الإسلام كانت له نورًا يوم القيامة" فقال له رجل عند ذلك: فإن رجالًا ينتفون الشيب؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من شاء فلينتف نوره -أي: ينزع عنه نوره- يوم القيامة" (¬1). (وقال في حديث يحيى) بن سعيد القطان (إلا كتب اللَّه تعالى بها حسنة، وحط عنه بها خطيئة) زاد ابن حبان في "صحيحه": "ورفع له بها درجة" (¬2). قال أصحابنا (¬3) وغيرهم من المالكية (¬4) والحنابلة (¬5) وغيرهم: يكره نتف الشيب [لهذِه الأحاديث] (¬6)، ولما روى الخلال (¬7) في "جامعه" عن طلق بن حبيب، أن حجامًا أخذ من شارب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فرأى شيبة في لحيته، فأهوى إليها ليأخذها، فأمسك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يده وقال: "من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورًا يوم القيامة" وعلى هذا فيكره نتف الشيب للفاعل والمفعول به فإن عليه أن يمنع فاعله إن قدر كما فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. قال النووي: ولو قيل: يحرم النتف للنهي الصريح في الصحيح لم ¬

_ (¬1) "البحر الزخار" 9/ 209 (3755)، "المعجم الكبير" 18/ 304، (782)، (783). (¬2) 7/ 253 (2985) من حديث أبي هريرة مرفوعًا. (¬3) انظر: "المجموع" 1/ 344. (¬4) انظر: "المنتقى شرح الموطأ" 7/ 270، "البيان والتحصيل" 17/ 399. (¬5) انظر: "المغني" 1/ 124. (¬6) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل)، (م). (¬7) "كتاب الترجل" ص 29.

يبعد (¬1). قال: ولا فرق بين نتفه من اللحية والرأس (¬2). يعني: الشارب والعنفقة والحاجب والعذار، ومن الرجل والمرأة. * * * ¬

_ (¬1) "المجموع" 1/ 344. (¬2) السابق.

18 - باب في الخضاب

18 - باب فِي الخِضابِ 4203 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ أَبي سَلَمَةَ وَسُلَيْمانَ بْنِ يَسارٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِنَّ اليَهُودَ والنَّصارى لا يَصْبُغُونَ فَخالِفُوهُمْ" (¬1). 4204 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ وَأَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الهَمْداني قالا: حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، حَدَّثَنا ابن جُرَيْجٍ، عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: أُتي بِأَبي قُحافَةَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كالثَّغامَةِ بَياضًا فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "غيِّرُوا فذا بِشَيء واجْتَنِبُوا السَّوادَ" (¬2). 4205 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْن عَلي، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، حَدَّثَنا مَعْمَرٌ، عَنْ سَعِيدٍ الجُرَيْري، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبي الأَسْوَدِ الدِّيلي، عَنْ أَبي ذَرٍّ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ أَحْسَنَ ما غُيِّرَ بِهِ هذا الشَّيْبُ الحِنّاءُ والكَتَمُ" (¬3). 4206 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن يُونُسَ، حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ -يَعْني: ابن إِيادٍ- قالَ: حَدَّثَنا إِيادٌ، عَنْ أَبي رِمْثَةَ قالَ: انْطَلَقْتُ مَعَ أَبي نَحْوَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَإِذا هُوَ ذُو وَفْرَةٍ بِها رَدْعُ حِنّاءَ وَعَلَيْهِ بُرْدانِ أَخْضَرانِ (¬4). 4207 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنا ابن إِدْرِيسَ قالَ: سَمِعْتُ ابن أَبْجَرَ، عَنْ إِيادِ بْنِ لَقِيطٍ، عَنْ أَبي رِمْثَةَ في هذا الخَبَرِ قالَ: فَقالَ لَهُ أَبي: أَرِني هذا الذي بِظَهْرِكَ فَإِنّي رَجُلٌ طَبِيبٌ. قالَ: "اللَّهُ الطَّبِيبُ، بَلْ أَنْتَ رَجُلٌ رَفِيقٌ طَبِيبُها ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3462)، ومسلم (2103). (¬2) رواه مسلم (2102). (¬3) رواه الترمذي (1753)، والنسائي 8/ 139، وابن ماجه (6322)، وأحمد 5/ 147، 150، وصححه الألباني في "الصحيحة" (1509). (¬4) سبق برقم (4065).

الذي خَلَقَها" (¬1). 4208 - حَدَّثَنا ابن بَشّارٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ إِيادِ بْنِ لَقِيطٍ، عَنْ أَبي رِمْثَةَ قالَ: أَتَيْتُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنا وَأَبي فَقالَ لِرَجُلٍ أَوْ لأَبِيهِ: "مَنْ هذا؟ ". قالَ ابني. قالَ: "لا تَجْني عَلَيْهِ". وَكانَ قَدْ لَطَخَ لِحْيَتَهُ بِالحِنّاءِ (¬2). 4209 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ ثابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ خِضابِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَخْضِبْ ولكن قَدْ خَضَبَ أَبو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي اللَّه عنهما (¬3). * * * باب في الخضاب [4203] (حدثنا مسدد، ثنا سفيان) الثوري (¬4) (عن الزهري، عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (وسليمان بن يسار، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- يبلغ به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إن اليهود والنصارى لا يصبغون) قال النووي: بضم الباء وفتحها (¬5). (فخالفوهم) قال: مذهبنا استحباب خضاب الشيب للرجل والمرأة بصفرة أو حمرة، ويحرم خضابه بالسواد على الأصح (¬6). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 163، والطبراني 22/ 279 (715)، وصححه الألباني في "الصحيحة" (1537). (¬2) انظر الحديث السابق. (¬3) رواه البخاري (5895)، ومسلم (2341). (¬4) كذا في الأصول، وهو أيضًا خطأ، والصواب: ابن عيينة. وانظر التعليق على السند السابق. (¬5) "شرح مسلم" 8/ 95. (¬6) "شرح مسلم" 14/ 80.

وللخضاب فائدتان: إحداهما: تنظيف الشعر مما يتعلق به من الغبار والدخان، والأخرى: مخالفة أهل الكتاب. [4204] (حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح وأحمد بن سعيد الهمْداني) بسكون الميم المصري. (قالا: ثنا) عبد اللَّه (ابن وهب، أخبرني) عبد الملك (ابن جريج، عن أبي الزبير المكي، عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما قال: أُتي) بضم الهمزة (بأبي قحافة) بضم القاف وتخفيف المهملة، واسمه عثمان، وهو أبو أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنهما، أسلم يوم الفتح. (يوم فتح مكة) زادها اللَّه شرفًا (ورأسه ولحيته كالثَّغامَة) بثاء مثلثة مفتوحة، ثم غين معجمة مخففة، قال أبو عبيد: هو نبت أبيض الزهر والثمر، شبه بياض الشيب (¬1) به (¬2). قال ابن الأعرابي: هو شجر يَبْيَضُّ كأنه الثلج (¬3). (بياضًا) يعني: في بياضها (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: غيروا هذا (¬4) بشيء) من حمرة أو صفرة. وهو شامل لشعر الرأس واللحية. قال بعض العلماء: الأمر في هذا محمول على حالين: أحدهما: حيث كان عادة البلد الصبغ به، فاما إذا كان في موضع ترك فيه الصبغ فخروجه عن المعتاد شهرة يستقبح. ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل)، (م). (¬2) "غريب الحديث" 1/ 360. (¬3) انظر: "تهذيب اللغة" 8/ 97، "لسان العرب" 1/ 487. (¬4) ساقطة من (ل)، (م).

وثانيهما: اختلاف حال الناس، فرب شيبة نقية هي أجمل منها في البياض من المصبوغة وبالعكس، فمن قبحه الخضاب اجتنبه، ومن حسنه استعمله. (واجتنبوا السواد) قال النووي: قال الغزالي والبغوي وآخرون من الأصحاب: هو مكروه، وظاهر عبارتهم أنه مكروه كراهة تنزيه. ثم قال: والصحيح، بل الصواب أنه حرام. وممن صرح به صاحب "الحاوي" في باب الصلاة بالنجاسة، قال: إلا أن يكون في الجهاد. وقال في آخر "الأحكام السلطانية": يمنع المحتسب الناس من خضاب الشيب بالسواد إلا المجاهد، ودليل تحريمه هذا الحديث وحديث ابن عياض الآتي. ورخص فيه إسحاق بن راهويه للمرأة تتزين به لزوجها (¬1). [4205] (حدثنا الحسن بن علي) الحلواني (ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن سعيد) بن إياس (الجُريري) بضم الجيم نسبة إلى جرير بن عباد، ويقال: جرير بن جشم بن ثعلبة (عن عبد اللَّه (¬2) بن بريدة) قاضي مرو. (عن أبي الأسود) ظالم بن عمرو بن سفيان البصري (الدُّؤَلي) (¬3) بضم الدال وفتح الواو وهمزها، نسبة إلى الدَّيل بضم الدال وكسر الياء، وهو دابة. قال المبرد: امتنعوا أن يقولوا الديلي؛ لئلا يوالوا بين الكسرات، ¬

_ (¬1) "المجموع" 1/ 345، وانظر: "الحاوي" 2/ 257، "الأحكام السلطانية" ص 373. (¬2) فوقها في (ح): (ع). (¬3) في حاشية (ح) وصلب (ل)، (م): نسخة: الديلي.

فقالوا الدؤلي كما قالوا في النسبة إلى النمر: نَمَرِي بفتح الميم (¬1). قال السمعاني: ومسجد أبي الأسود بالبصرة إلى الساعة باقٍ، قرأت فيه الحديث على شيخنا جابر بن محمد الأنصاري (¬2). (عن أبي ذر) جندب بن جنادة الغفاري -رضي اللَّه عنه-. (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن أحسن ما غُيِّر) بضم الغين (به هذا الشيب) يعني الذي في الرأس واللحية (الحِنَّاء) بكسر الحاء وتشديد النون مع المد وزنه فعَّال (والكَتَم) بفتح الكاف والمثناة فوق، نبتة يصبغ به الشعر وغيره مع الحناء فيكسر حمرته إلى الدهمة، ويقال: هو الوسِمة بكسر السين، يعني: ورق النيل، وفي كتب الطب: الكتم من نبات الجبال، ورقه كورق الآس، يخضب به مدقوقًا، وله ثمر قدر الفلفل، يسود إذا نضج، وقد يعتصر منه دهن يستصبح به في البوادي، وقيل: إنما أراد به استعمال كل واحد من الحناء والكتم منفردًا عن غيره، فإن الحناء إذا خلط مع الكتم جاء اللون أسود، وهو منهي عنه. وقد استدل به على استحباب الخضاب بالحناء والكتم، وقد خضب أبو بكر بالحناء والكتم أيضًا (¬3). [4206] (حدثنا أحمد) بن عبد اللَّه (بن يونس) اليربوعي (ثنا عبيد اللَّه) بالتصغير (ابن إياد) بن لقيط السدوسي، أخرج له [مسلم] (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: "إنباه الرواة على أنباه النحاة" 1/ 14. (¬2) "الأنساب" 5/ 406. (¬3) رواه مسلم (2341) من حديث أنس. (¬4) في الأصول: الشيخان، والمثبت هو الصواب؛ فلم يرو له البخاري في "صحيحه" وإنما في "الأدب المفرد". وانظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 19/ 11.

(ثنا) أبي (إياد) بن لقيط السدوسي، أخرج له مسلم. (عن أبي رِمْثة) بكسر الراء، وسكون الميم، ثم ثاء مثلثة، قيل: اسمه حبيب بن حيان. وقيل: حيان بن وهب التيمي، من تيم الرباب. قال الترمذي: اسمه حبيب بن حيان (¬1)، وقيل: رفاعة بن يثربي (¬2). (قال: انطلقت مع أبي) يثربي بن عوف التيمي، وقيل: حيان كما تقدم (نحو النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإذا هو ذو وفرة) بفتح الواو وسكون الفاء، وهي شعر الرأس إذا وصل إلى شحمة الأذن، وتقدم الجمع بين الأحاديث لاختلاف أحواله -صلى اللَّه عليه وسلم-. (وبها رَدْع) بفتح الراء وسكون الدال ثم عين مهملات، أي لطخ من (حناء) لم يعمها كلها. فيه استحباب خضاب الشعر بالحناء وحده، وتلطيخه بها دون خضاب. (وعليه بُردان أخضران) لفظ الترمذي: عن أبي رمثة: رأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وعليه بردان أخضران. وترجم عليه: باب: ما جاء في الثوب الأخضر (¬3). [4207] (حدثنا) أبو كريب (محمد (¬4) بن العلاء) الهمداني الكوفي، (ثنا) عبد اللَّه (ابن إدريس) (¬5) بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي الكوفي (قال: سمعت) عبد الملك بن سعيد بن حيان (ابن أبجر) بالموحدة ¬

_ (¬1) في الأصول: وهب. والمثبت كما في "سنن الترمذي". (¬2) "سنن الترمذي" عقب حديث (2812). (¬3) "سنن الترمذي" (2812). (¬4) فوقها في (ح): (ع). (¬5) فوقها في (ح)، (ل): (ع).

والجيم، الهمداني، أخرج له مسلم، قال البخاري: له نحو أربعين حديثًا (¬1). (عن إياد بن لقيط) السدوسي، أخرج له مسلم (عن أبي رِمْثة) المذكور (في هذا الخبر) وفيه (قال: فقال له أبي: أرني هذا) الخاتم (الذي بظهرك) وفي بعض النسخ: الذي في ظهرك (فإني رجل طبيب) الطبيب في الأصل هو الحاذق بالأمور العارف بها، وبه سمي الطبيب الذي يعالج المرضى، والمتطبب الذي يعاني الطب ولا يعرفه معرفة جيدة. (قال) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (اللَّه) هو (الطبيب) فيه كراهة تسمية المعالج طبيبًا؛ لأن العارف بالآلام والأمراض على الحقيقة هو اللَّه، وهو العالم بأدويتها وشفائها، وهو القادر على شفائه دون دواء، ويدل على هذا ما روي عن أبي السفر، قال: دخل ناس من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على أبي بكر الصديق يعودونه، فقالوا: ألا نأتيك بطبيب؟ قال: قد رآني الطبيب. قالوا: فما قال لك؟ قال: قال لي: أنا الفعال لما أريد، لا يعجزني شيء أردته (¬2). (بل (¬3) أنت رجل رفيق) أي ترفق بالمريض وتتلطفه، واللَّه تعالى ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 18/ 314 (3529). (¬2) رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 3/ 198، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 30/ 410، وابن الأثير في "أسد الغابة" 3/ 325 - 326 بغير الجملة الأخيرة: "لا يعجزني شيء أردته". (¬3) ساقطة من (م).

الذي يبرئه ويعافيه، والرفق لين الجانب، وهو ضد العنف، وفي الحديث: "ما كان الرفق في شيء إلا زانه" (¬1). أي: اللطف. (طبيبها) العالم بحقيقتها وبمصالحها (الذي خلقها) خالقها وخالق كل شيء، العالم بذات الصدور: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)} (¬2). [4208] (حدثنا) محمد (بن بشار) بندار (ثنا عبد الرحمن) بن مهدي (ثنا سفيان) الثوري (¬3). (عن إياد بن لقيط، عن أبي رِمْثة -رضي اللَّه عنه- قال: أتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنا وأبي) حيان أو يثربي بن عوف كما تقدم. (فقال) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (لرجل أو لأبيه) المذكور (من هذا؟ قال: ابني) وسيأتي الحديث في الديات: قال لأبيه. دون شك، ولفظه: عن أبي رمثة: انطلقت مع أبي نحو النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لأبي: "ابنك هذا؟ " قال: إي ورب الكعبة. قال: "حقًّا". قال: أشهد به؟ قال: فتبسم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ضاحكًا من ثبت شبهي في أبي ومن حلف أبي، ثم قال: أما إنه لا يجني (¬4). (لا تجني) بفتح المثناة فوق (عليه) وقرأ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: {وَلَا تَزِرُ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 241، والبزار 13/ 359 (7002)، والضياء في "المختارة" 5/ 154 (1778) من حديث أنس مرفوعًا، واللفظ للضياء، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" 3/ 16 (2672) قال: حسن صحيح. (¬2) سورة الملك: 14. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) سيأتي برقم (4495).

وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وفي قوله: (لا تجني ولا يجنى عليك) الرد على من اعتقد أن كل واحد من الولد والوالد يؤاخذ بجناية الآخر، ومعناه لا تؤخذ بجنايته ولا يؤخذ بجنايتك. وفي الحديث دليل لمن ذهب إلى أن الأبن والأب لا يتحملان العقل عن القاتل، وإليه ذهب الشافعي (¬1). (وكان قد لطخ لحيته بالحناء) وفيه ما تقدم. [4209] (حدثنا محمد بن عبيد) بن حساب الغبري، أخرج له مسلم (ثنا حماد) (¬2) بن زيد، وكان يحفظ حديثه كله (عن ثابت) البناني (عن أنس -رضي اللَّه عنه- أنه سئل عن خضاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فذكر أنه لم يخضب) يحتمل يديه ولا رجليه، ويحتمل لم يخضب غيره (ولكن قد خضب أبو بكر وعمر رضي اللَّه عنهما) قال الطبري: الصواب أن الآثار المروية عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بتغيير الشيب وبالنهي عنه كلها صحيحة، وليس فيها تناقض، بل الأمر بالتغيير لمن شيبه كشيب أبي قحافة، والنهي لمن له شمط فقط. قال: واختلاف السلف في فعل الأمرين بحسب اختلاف أحوالهم في ذلك مع أن الأمر والنهي في ذلك ليس للوجوب بالإجماع؛ ولهذا لم ينكر بعضهم على بعض خلافه في ذلك. قال: ولا يجوز أن يقال فيهما: ناسخ ومنسوخ (¬3). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "الحاوي الكبير" 12/ 343. (¬2) فوقها في (ح): (ع). (¬3) انظر: "تهذيب الآثار" الجزء المفقود (ص 516 - 518).

19 - باب ما جاء في خضاب الصفرة

19 - باب ما جاءَ في خِضابِ الصُّفْرَةِ 4210 - حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُطَرِّفِ أَبُو سُفْيانَ، حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنا ابن أَبِي رَوّادٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كانَ يَلْبَسُ النِّعالَ السِّبْتِيَّةَ وَيُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ بِالوَرْسِ والزَّعْفَرانِ وَكانَ ابن عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ (¬1). 4211 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا إِسْحاق بْنُ مَنْصْورٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ ابْنُ طَلْحَةَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنِ ابن طاوُسٍ، عَنْ طاوُسٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: مَرَّ عَلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رَجُلٌ قَدْ خَضَبَ بِالحِنّاءِ فَقالَ: "ما أَحْسَنَ هذا". قالَ: فَمَرَّ آخَرُ قَدْ خَضَبَ بِالحِنّاءِ والكَتَمِ فَقالَ: "هذا أَحْسَنُ مِنْ هذا". قالَ: فَمَرَّ آخَرُ قَدْ خَضَبَ بِالصُّفْرَةِ فَقالَ: "هذا أَحْسَنُ مِنْ هذا كلِّهِ" (¬2). * * * باب في خضاب الصفرة [4210] (حدثنا عبد الرحيم بن مطرف) الرؤاسي، ثقة (أبو سفيان ثنا عمرو بن محمد) العنقزي، قال البخاري: العنقز المرزنجوش (¬3). أخرج له مسلم في الأطعمة (أبنا عبد العزيز بن أبي رواد) مولى المهلب، أخرج له البخاري في فضائل أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. (عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما [أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-] (¬4) كان يلبس) ¬

_ (¬1) سبق برقم (1772). (¬2) رواه ابن ماجه (3627)، والطبراني 11/ 24 (10922)، والبيهقي 7/ 310، وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود". (¬3) "التاريخ الكبير" 6/ 374 - 375 (2680). (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل)، (م).

[بفتح الموحدة] (¬1) (النعال السبتية) بكسر السين، والسبت بالكسر جلود البقر المدبوغة بالقرظ، يتخذ منها النعال، سميت بذلك، لأن شعرها قد سبت عنها، أي: حلق وأزيل، وقيل: لأنها انسبتت بالدباغ، أي: لانت، وفي تسميتهم للنعل المتخذة من السبت سبتًا (¬2) اتساع، مثل قولهم: فلان يلبس الصوف والقطن والإبريسم، أي: الثياب المتخذة منها، وقد اعترض على ابن عمر، فقيل له: إنك تلبس النعال السبتية؛ لأنها نعال أهل النعمة والسعة، فاحتج بفعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3). (ويصفر (¬4) لحيته) وفي الصحيحين من حديث ابن عمر قال: رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصبغ بها (¬5). يعني: الصفرة (¬6)، قال بعضهم: يعني: ثيابه. وهذا الحديث يرد قولهم وقول المازري: لم ينقل عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه صبغ شعره (¬7). ولعله لم يقف على هذا الحديث، أو وقف عليه ونسيه. وكذا قول ابن عبد البر: لم يكن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصبغ بالصفرة [إلا] (¬8) ثيابه. نقله عنه القرطبي ورده (¬9). ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل)، (م). (¬2) في جميع النسخ: سبت. والمثبت هو الصواب. (¬3) رواه البخاري (166)، ومسلم (1187) من حديث ابن عمر. (¬4) في (ل)، (م): يعصفر. (¬5) السابق. (¬6) في (ل)، (م): أي: بالصفرة. (¬7) "المعلم بفوائد مسلم" 1/ 331. (¬8) ساقطة من (ل)، (م). (¬9) "المفهم" 3/ 272، وانظر قول ابن عبد البر في "التمهيد" 21/ 82، 86.

قال ابن قدامة في "المغني": ولا بأس بالورس والزعفران؛ [لأن أبا مالك الأشجعي قال: كان خضابنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الورس والزعفران (¬1)] (¬2). وعن الحكم بن عمرو الغفاري قال: دخلت أنا وأخي رافع (¬3) على أمير المؤمنين عمر (¬4) وأنا مخضوب [بالحناء وأخي مخضوب] (¬5) بالصفرة. فقال عمر بن الخطاب: هذا خضاب الإسلام، وقال لأخي رافع: هذا خضاب الإيمان (¬6). (بالورس) بفتح الواو: نبت أصفر يزرع باليمن ويصبغ به، وقيل: هو صنف من الكركم. وقيل: يشبهه، وفي الحديث: وعليه ملحفة ورسية (¬7). أي: مصبوغة به. (والزعفران) ظاهر العطف يقتضي أن يصفر لحيته بالزعفران، ويحتمل أن يراد أن يكون التقدير: يصفر لحيته بالورس وثيابه بالزعفران. ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 472 من حديث أبي مالك الأشجعي قال: سمعت أبي وسألته، فقال. . . وساق متن الحديث. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) ساقطة من (ل)، (م). (¬4) ساقطة من (ل)، (م). (¬5) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل)، (م). (¬6) "المغني" 1/ 127، والحديث رواه أحمد 5/ 67، ذكره الهيثمي في "المجمع" 5/ 159، وقال: رواه أحمد، وفيه عبد الصمد بن حبيب، وثقه ابن معين، وضعفه أحمد، وبقية رجاله ثقات. (¬7) رواه ابن ماجه (466)، وأحمد 6/ 6 - 7 من حديث قيس بن سعد بلفظ: "أتيناه بملحفة ورسية".

وقد روى المصنف فيما تقدم من طرق صحاح ما يدل على أن ابن عمر كان يصبغ لحيته وثيابه (¬1) بالصفرة؛ وذلك أنه روي عن زيد بن أسلم أن ابن عمر كان يصبغ لحيته بالصفرة حتى تملأ ثيابه. فقيل له: لم تصبغ بها؟ فقال: إني رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصبغ بها، ولم يكن شيء أحب إليه منها، كان يصبغ ثيابه بها حتى عمامته، وكان ابن عمر يفعل ذلك (¬2)، وهذا يرجح ما تقدم. [4211] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا إسحاق (¬3) بن منصور) السلولي الكوفي (حدثنا محمد بن طلحة) بن مصرف اليامي الكوفي، أخرج له الشيخان. (عن حميد بن وهب) القرشي، قال [ابن حبان] (¬4): لا يحتج به (¬5). له هذا الحديث وحديث آخر فقط. (عن) عبد (¬6) اللَّه (بن طاوس، عن طاوس) العلماء (عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما: مر على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رجل قد خضب شعره بالحناء فقال: ما أحسن هذا! ) فيه مدح العالم بحضور جماعته من رآه فعل ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) سبق برقم (4064)، والحديث رواه البخاري (166)، ومسلم (1187) من طريق سعيد المقبري عن عبيد بن جريج أنه قال لعبد اللَّه بن عمر. . . وساق الحديث بنحوه مطولًا. (¬3) فوقها في (ح): (ع). (¬4) ليست في النسخ الخطية، والمثبت من مصادر ترجمته. (¬5) "المجروحين" 1/ 262. (¬6) فوقها في (ح)، (ل): (ع). فوق (عبد اللَّه) وهو ليس متنًا كما في "السنن".

مستحبًّا أو عاون فاعله؛ ليرغب في فعل الخير، وهو في معنى الأمر بالمعروف. (قال: فمر) رجل (آخر قد خضب) شعره (بالحناء والكتم) فيه ما تقدم. (فقال: هذا أحسن من هذا) الذي قبله، فيه بيان العالم الفعل الفاضل من المفضول، وأن المستحبات بعضها أفضل من بعض (فمر) رجل (آخر) بعدهما (قد خضب بالصفرة) كالزعفران ونحوه. (فقال: هذا أحسن من هذا) الذي تقدم (كله) زاد ابن ماجه: وكان طاوس يصفر (¬1). وفيه بيان مراتب الفضائل بعضها على بعض، وأن الأجر والثواب يتضاعف بتضاعفها. * * * ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (3627).

20 - باب ما جاء في خضاب السواد

20 - باب ما جاءَ في خِضابِ السَّوادِ 4212 - حَدَّثَنا أَبُو تَوْبَةَ، حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الكَرِيمِ الجَزَري، عَنْ سَعِيدِ ابْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَكُونُ قَوْمٌ يَخْضِبُونَ في آخِرِ الزَّمانِ بِالسَّوادِ كَحَواصِلِ الحَمِامِ لا يَرِيحُونَ رائِحَةَ الجَنَّةِ" (¬1). * * * باب ما جاء في خضاب السواد [4212] (حدثنا أبو توبة) بفتح المثناة فوق وبعد الواو موحدة، واسمه الربيع بن نافع الحلبي، أخرج له الشيخان. (ثنا عبيد (¬2) اللَّه) بالتصغير، ابن عمرو الجريري الرقي الحافظ. (عن عبد الكريم) لم ينسبه المصنف ولا النسائي (¬3)، فذكر بعضهم أنه عبد الكريم بن أبي المخارق أبو أمية، وهو لا يحتج بحديثه، وضعف الحديث بسببه، وذكر بعضهم أنه عبد الكريم بن مالك (الجزري) وهو من الثقات، اتفق البخاري ومسلم عليه. قال المنذري: وهو الصواب، فإنه قد نسبه بعض الرواة في هذا الحديث فقال فيه: عبد الكريم الجزري، وعبد الكريم بن أبي المخارق من أهل البصرة، نزل مكة، وأيضًا فإن [عبيد اللَّه] (¬4) الرقي ¬

_ (¬1) رواه النسائي 8/ 138، وأحمد 1/ 273، وأبو يعلى (2603)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (8153). (¬2) فوقها في (ح)، (ل): (ع). (¬3) "المجتبى" 8/ 138. (¬4) في (ل)، (م): عبد الكريم.

مشهور بالرواية عن عبد الكريم الجزري، وهو أيضًا من أهل الجزيرة (¬1). واللَّه أعلم. (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: قال: رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: يكون قوم يخضبون) بكسر الضاد (في آخر الزمان بالسواد) لفظ النسائي: "بهذا السواد" (¬2) يعني: يخضبون الشعر الأبيض باللون الأسود (كحواصل) جمع حوصلة (الحمام) والمراد بالحوصلة هنا صدره، وليس جميع الحمام حواصلها سود، بل بعض الحمام. (لا يريحون) بفتح الياء، أي: لا يشمون (رائحة الجنة) يقال: راح يريح، وراح يراح وأراح يُريح. قال في "النهاية": والثلاثة قد روي بها الحديث (¬3). انتهى. وفي هذا الحديث تهديد شديد ووعيد أكيد في خضاب الشعر الأبيض بالسواد، وهو مكروه، بل محرم كما تقدم عن النووي. * * * ¬

_ (¬1) "مختصر سنن أبي داود" 6/ 108. (¬2) "المجتبى" 8/ 138. (¬3) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 272.

21 - باب ما جاء في الانتفاع بالعاج

21 - باب ما جاءَ في الانْتِفاع بِالعاجِ 4213 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحادَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ الشّامي، عَنْ سُلَيْمانَ المَنْبِهي، عَنْ ثَوْبانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِذا سافَرَ كانَ آخِرُ عَهْدِهِ بإِنْسانٍ مِنْ أَهْلِهِ فاطِمَةَ، وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ عَلَيْها إِذا قَدِمَ فاطِمَةَ فَقَدِمَ مِنْ غَزاةٍ لَهُ وَقَدْ عَلَّقَتْ مِسْحًا أَوْ سِتْرًا عَلَى بابِها وَحَلَّتِ الحَسَنَ والحُسَيْن قُلْبَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ، فَقَدِمَ فَلَمْ يَدْخُلْ فَظَنَّتْ أَنَّ ما مَنَعَهُ أَنْ يَدْخُلَ ما رَأى فَهَتَكَتِ السِّتْرَ وَفَكَّكَتِ القُلْبَيْنِ عَنِ الصَّبِيَّيْنِ وَقَطَعَتْهُ بَيْنَهُما فانْطَلَقا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَهُما يَبْكِيانِ فَأَخَذَهُ مِنْهُما وقالَ: "يا ثَوْبانُ اذْهَبْ بهذا إِلَى آلِ فُلانٍ". أَهْلِ بَيْتٍ بِالمَدِينَةِ: "إِنَّ هُؤلاء أَهْلُ بَيْتي أَكْرَهُ أَنْ يَأْكُلُوا طيِّباتِهِمْ في حَياتِهِمُ الدُّنْيا، يا ثَوْبانُ اشْتَرِ لِفاطِمَةَ قِلادَةً مِنْ عَصَبٍ وَسِوارَيْنِ مِنْ عاجٍ" (¬1). * * * باب ما جاء في الانتفاع بالعاج (¬2) [4213] (حدثنا مسدد، ثنا عبد الوارث (¬3) بن سعيد) بن ذكوان التميمي (عن محمد (¬4) بن جحادة) بضم الجيم وفتح المهملة الكوفي. (عن حميد) (¬5) بن أبي حميد (الشامي) الحمصي، قال الذهبي عن حميد الشامي: ما أخرج له أبو داود سواه (¬6). سئل عنه يحيى بن معين ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 275، والطبراني 2/ 103 (1453)، والبيهقي 1/ 26، وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (6390). (¬2) ساقطة من (ل)، (م). (¬3) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬4) فوقها في (ح): (ع). (¬5) فوقها في (ح، ل): (ع). (¬6) "ميزان الاعتدال" 2/ 140 (2351)، "تهذيب التهذيب" 3/ 47 (1563).

وأحمد بن حميد الشامي عنه فقالا: لا نعرفه (¬1). (عن سليمان) (¬2) يقال: اسم أبيه عبد اللَّه (المنبَّهي) بضم الميم وفتح النون وتشديد الباء الموحدة، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3). (عن ثوبان) بن بجدد، ويقال: ابن جحدر. (مولى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا سافر كان آخر عهده بإنسان) من الآدميين (من) جميع (أهله، فاطمة) يجوز في فاطمة الرفع والنصب، فالرفع اسم (كان) والخبر (آخر)، والنصب على الخبر و (آخر) اسم (كان)، ووجه جوازهما كون كل منهما معرفة، ويرجح الرفع كون فاطمة أعرف، ويرجح الأول تقدمه. (و) كان (أول من يدخل عليها إذا قدم) من غزو أو سفر بعد المسجد (فاطمة) ولفظ ابن عبد البر في "الاستيعاب": كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا قدم من غزو أو سفر بدأ بالمسجد، فصلى فيه ركعتين، ثم يأتي فاطمة، ثم يأتي أزواجه (¬4). ووجه بدائه بفاطمة كونها سيدة نساء العالمين، وقالت عائشة: ما رأيت أحدًا كان أشبه كلامًا وحديثًا برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من فاطمة، وكانت إذا دخلت عليه قام إليها وقبلها ورحب بها (¬5). ¬

_ (¬1) "تاريخ الدارمي" (268)، "الجرح والتعديل" 3/ 232 (1018)، "الكامل في ضعفاء الرجال" 3/ 70 (434)، وقول أحمد بن أبي حميد الشامي عزاه للإمام أحمد بن حنبل. (¬2) فوقها في (ح، ل): (د) (¬3) 4/ 304. (¬4) "الاستيعاب" 4/ 449 والحديث رواه ابن الأعرابي في "المعانقة" (19)، والطبراني في "الكبير" 22/ 225 (595) من حديث أبي ثعلبة الخشني. قال الهيثمي في "المجمع" 8/ 263: رواه الطبراني وفيه يزيد بن سنان أبو فروة وهو مقارب الحديث مع ضعف كثير. (¬5) سيأتي برقم (5217)، ورواه أيضًا الترمذي (3872).

(فقدم من غزاةٍ) أصلها غزوة (له و) فاطمة (قد علقت مسحًا) بكسر الميم، واحد المسوح، وهو [بالفارسية فعرب] (¬1) البلاس المنسوج من الشعر (أو سترًا) بكسر السين (على بابها) أي: باب بيتها. (وحَلَّت) بفتح الحاء (¬2) المهملة وتشديد اللام من الحلي الذي يتزين به (الحسن والحسين) ولديها من علي بن أبي طالب (قُلْبين) بضم القاف وسكون اللام، السوار كما في "ديوان الأدب" (¬3)، ومنه حديث عائشة في قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (¬4) قالت: القُلْب والفتخة (¬5). وقيل: القُلْب سوار من عظم بلا نقش (من فضة، فقدم) من الغزو (فلم يدخل البيت، فظنت) فاطمة (أن (¬6) ما منعه أن يدخل) الظاهر أن لفظة (ما) موصولة بمعنى الذي، والتقدير أنها ظنت أن الذي منعه من الدخول عليها هو (ما رأى) على بابها (فهتكت) (¬7) هتكت الستر لظنها أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تأذى منه. (الستر) أي: قطعته (وفككت) وفي بعض النسخ: وفكت (القلبين عن) أيدي (الصبيين) وأصل الفك الفصل (¬8) بين الشيئين وتخليص بعضهما من بعض (وقطعته بينهما) تطييبًا لقلوبهما. فيه تأديب الولد الكبير بالإعراض عنه وترك الدخول عليه حتى يتوب ويرجع إلى اللَّه تعالى (فانطلقا إلى ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) ساقطة من (ل، م). (¬3) (ص 24). (¬4) سورة النور: 31. (¬5) رواه ابن أبي شيبة 3/ 540 (17002)، والبيهقي 7/ 86. (¬6) في هامش (ح) وصلب (ل): نسخة: أنه. (¬7) في هامش (ح) وصلب (ل، م): نسخة: وفكت. (¬8) ساقطة من (ل، م).

رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهما يبكيان) من أجل تفكيك القلبين عنهما (فأخذه منهما) رقة ورأفة (و) دفعه إلى ثوبان مولاه (قال: يا ثوبان، اذهب بهذا) يعني: الذي أخذه من الحسن والحسين (إلى آل فلان أهل) بالجر على البدل، أي: اذهب إلى (بيت بالمدينة) شرفها اللَّه تعالى، ثم ذكر علة أخذه وإرساله. (إن هؤلاء أهل) منصوب على الاختصاص (بيتي أكره أن يأكلوا) وذكر هذا الحديث الثعلبي، وفيه بعض ألفاظ توضح الحديث، ولفظه: كان أول من يدخل عليه فاطمة، فلما قدم من غزوة فأتاها، فإذا بمسح على بابها، ورأى على الحسن والحسين قلبين من فضة، فرجع ولم يدخل عليها، فلما رأت ذلك فاطمة ظنت أنه لم يدخل عليها من أجل ما رأى؛ فهتكت الستر ونزعت القلبين عن الصبيين، فقطعتهما، فبكى الصبيان، فقسمتهما بينهما نصفين، فانطلقا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. . الحديث (¬1). ولما وبخ اللَّه الكفار على تمتعهم في الدنيا باللذات في المآكل والمشارب والملابس وذمهم على ذلك آثر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه وأهل بيته وأولاده اجتناب نعيم العيش ولذته والتزين بشيء منها، وآثروا التقشف والزهد في الدنيا، وتركوا (طيباتهم في حياتهم الدنيا) امتثالًا لأمر اللَّه تعالى، ورجاء أن يكون ثوابهم في الآخرة كاملًا لم ينتقص بشيء من طيبات الدنيا. (ثم قال) لمولاه: (يا ثوبان، اشتر لفاطمة رضي اللَّه عنها قلادة من عصب) قال الخطابي: إن لم يكن الثياب اليمانية فلا أدري ما هو، ¬

_ (¬1) "الكشف والبيان" 24/ 93.

وما أدري أن القلادة تكون منها (¬1). وقال أبو موسى محمد الأصبهاني: يحتمل عندي أن الرواية إنما هي العَصَب بفتح الصاد، وهي أطناب مفاصل الحيوانات، وهو شيء مدور، فيحتمل أنهم كانوا يأخذون عصب بعض الحيوانات الطاهرة، فيقطعونه ويجعلونه شبه الخرز، فإذا يبس يتخذون منه القلائد، وإذا جاز أن يتخذ من عظام السلحفاة وغيرها الإسورة جاز أن يتخذ من عصب أشباهها خرز تنظم منها القلائد. قال: ثم ذكر لي بعض أهل اليمن أن العصب سن (¬2) دابة بحرية تسمى فرس فرعون، يتخذ منها الخرز وغير الخرز من نصاب سكين وغيره، ويكون أبيض (¬3). (وسوارين من عاج) وهو: الذَّبْل، بفتح الذال المعجمة وسكون الموحدة، وزان فَلس، أي: شيء يشبه العاج، وقيل: يتخذ من ظهر السلحفاة البحرية أو البرية. فأما العاج الذي هو الفيل فنجس عند الشافعي وإن ذكي، وفيه قول للشافعي أنه طاهر (¬4). وطاهر عند أبي حنيفة (¬5). * * * آخر كتاب الترجل وللَّه الحمد على ذلك، وصلى اللَّه على سيدنا محمد وسلم. * * * ¬

_ (¬1) "معالم السنن" 4/ 197. (¬2) في (ل): من. (¬3) "المجموع المغيث" 2/ 458 - 459. (¬4) "الأم" 2/ 30. (¬5) انظر: "المبسوط" 1/ 204.

كتاب الخاتم

كتاب الخاتم

1 - باب ما جاء في اتخاذ الخاتم

35 - الخاتم 1 - باب ما جاءَ في اتِّخاذِ الخاتَمِ 4214 - حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُطَرِّفٍ الرُّؤاسي، حَدَّثَنا عِيسَى، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: أَرادَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْ يَكْتُبَ إِلَى بَعْضِ الأَعَاجِمِ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ لا يَقْرَؤُونَ كِتابًا إِلا بِخاتَمٍ فاتَّخَذَ خاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ وَنَقَشَ فِيهِ: "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ" (¬1). 4215 - حَدَّثَنا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، عَنْ خالِدٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ بِمَعْنَى حَدِيثِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ زادَ: فَكانَ في يَدِهِ حَتَّى قُبِضَ وَفي يَدِ أَبي بَكْرٍ حَتَّى قُبِضَ، وَفي يَدِ عُمَرَ حَتَّى قُبِضَ، وَفي يَدِ عُثْمانَ فَبَيْنَما هُوَ عِنْدَ بِئْرٍ إِذْ سَقَطَ في البِئْرِ فَأَمَرَ بِها فَنُزِحَتْ فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ (¬2). 4216 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ قالا: حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَني ¬

_ (¬1) رواه البخاري (65)، ومسلم (2092). (¬2) انظر الحديث السابق.

يُونُسُ بْن يَزِيدَ، عَنِ ابن شِهابٍ، قالَ: حَدَّثَني أَنَسٌ قالَ: كانَ خاتَمُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْ وَرِقٍ فَصُّهُ حَبَشي (¬1). 4217 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: كانَ خاتَمُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- منْ فِضَّةٍ كُلُّهُ فَصُّهُ مِنْهُ (¬2). 4218 - حَدَّثَنا نُصَيْرُ بْن الفَرَجِ، حَدَّثَنا أَبُو أُسامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قالَ: اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- خاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ وَجَعَلَ فَصَّهُ مِمّا يَلي بَطْنَ كَفِّهِ وَنَقَشَ فِيهِ: "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ". فاتَّخَذَ النّاسُ خَواتِمَ الذَّهَبِ فَلَمّا رَآهُمْ قَدِ اتَّخَذُوها رَمَى بِهِ وقالَ: "لا أَلْبَسُهُ أَبَدًا". ثُمَّ اتَّخَذَ خاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ نَقَشَ فِيهِ: "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ". ثُمَّ لَبِسَ الخاتَمَ بَعْدَهُ أَبُو بَكْرٍ ثمَّ لَبِسَهُ بَعْدَ أَبي بَكْرٍ عُمَرُ، ثُمَّ لَبِسَهُ بَعْدَهُ عُثْمانُ حَتَّى وَقَعَ في بِئْرِ أَرِيسَ. قالَ أَبُو داوُدَ: وَلَمْ يَخْتَلِفِ النّاسُ عَلَى عُثْمانَ حَتَّى سَقَطَ الخاتَمُ مِنْ يَدِهِ (¬3). 4219 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا سُفْيانُ بْن عُيَيْنَةَ، عَنْ أيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ في هذا الخَبَرِ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فنَقَشَ فِيهِ: "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ". وقالَ: "لا يَنْقُشْ أَحَدٌ عَلَى نَقْشِ خاتَمي هذا". ثُمَّ ساقَ الحَدِيثَ (¬4). 4220 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا أَبُو عاصِمٍ، عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ زِيادٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ بهذا الخَبَرِ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: فالتَمَسُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2094). (¬2) رواه البخاري (5870). (¬3) رواه البخاري (5865)، ومسلم (2091). (¬4) رواه مسلم (2091/ 55).

فاتَّخَذَ عُثْمانُ خاتَمًا وَنَقَشَ فِيهِ: "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ". قالَ: فَكانَ يَخْتِمُ بِهِ أَوْ يَتَخَتَّمُ بِهِ (¬1). * * * بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أول كتاب الخاتم [4214] (حدثنا عبد الرحيم بن مطرِّف) بن أنيس (الرُّؤاسي) بضم الراء، أبو سفيان الكوفي، نزيل سروج، ثقة (ثنا عيسى) (¬2) بن يونس (عن سعيد) بن أبي عروبة. (عن قتادة، عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: أراد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يكتب) كتابًا (إلى بعضر الأعاجم) بينه البخاري في العلم من "صحاحه"، ولفظه: أراد أن يكتب (¬3). إلى كسرى وقيصر والنجاشي، ومن تراجمه عليه: باب ما يذكر في المناولة وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان (¬4). (فقيل له: إنهم لا يقرؤون) لفظ البخاري: لا يقبلون (¬5) (كتابًا إلا بخاتم) أي: إلا مختومًا بخاتم، وفيه أن ختم كتب (¬6) السلاطين والقضاة والحكام سنة متبعة لقوله: (فاتخذ خاتمًا) وإنما كانوا لا ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2091/ 55). (¬2) فوقها في (ح)، (ل): (ع). (¬3) "صحيح البخاري" (65). (¬4) وهو التبويب الذي ذكر فيه حديث (65) السابق. (¬5) "صحيح البخاري" (5872). (¬6) في (ل)، (م): كتاب.

يقرؤون كتابًا إلا مختومًا خوفًا من كشف أسرارهم وإذاعة تدبيرهم، فصار الختم للكتاب سنة لفعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. وقيل في قوله تعالى: {أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} (¬1) أنه كان مختومًا. (من فضة) كله كما سيأتي في الرواية بعده (¬2) (ونَقَشَ) بفتحات (¬3)، ولمسلم: ونقشت (¬4) (فيه) الظاهر أنه أمر بنقشه، فنسب إليه مجازًا (محمد رسول اللَّه) فيه دليل على جواز نقش اسم صاحب الخاتم على خاتمه، إلا أن يكون محمدًا، فلا يجوز النقش عليه؛ للنهي عن ذلك كما سيأتي (¬5)، ويدل على جواز نقش اسم اللَّه على الخاتم، لكن لا يدخل به الخلاء، وإن نسي فدخل يضم يده عليه. [4215] (حدثنا وهب بن بقية) الواسطي، شيخ مسلم (عن خالد) (¬6) ابن عبد اللَّه الواسطي (عن سعيد) [بن إياس الحريري] (¬7). (عن قتادة، عن أنس) بن مالك (بمعنى حديث عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق و (زاد: فكان في يده) مدة حياته (حتى قبض، و) بعده (في يد أبي بكر) الصديق (حتى قبض، و) بعده (في يد عمر حتى قبص، و) بعده ¬

_ (¬1) سورة النمل: 29. (¬2) سيأتي قريبًا برقم (4217). (¬3) بعدها في (ل)، (م): نقشه. (¬4) "صحيح مسلم" (2092). (¬5) قريبًا برقم (4219). (¬6) فوقها في (ح)، (ل): (ع). (¬7) كذا في الأصول، وهو خطأ، وصوابه: (ابن أبي عروبة)، وانظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 11/ 5.

(في يد عثمان) وفيه التبرك بما كان للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مما لبسه أو لمسه أو جلس عليه، وفيه أنه عليه السلام لم يورث، وما تركه صدقة، فهذا الخاتم لم يرثه ورثته [من بعده] (¬1)، وإنما استعمله الخلفاء من بعده ليستعملوه فيما وضع له. وفيه أن خواتيم الخلفاء والآلات التي يستعملها الحكام، وهي من بيت مال المسلمين يتعين حفظها. (فبينما هو) جالس (عند بئر) أريس كما في البخاري (¬2)، وهو معروف بالمدينة (إذ سقط) الخاتم (في البئر فأمر بها) عثمان (فنزحت) أي: استقي ماؤها جميعه، وطلب الخاتم (فلم يَقدِر) بفتح الياء وكسر الدال وبضم الياء وفتح الدال مبني للمفعول (عليه) وفيه أن يسير المال إذا ضاع يطلب، ويجتهد في طلبه كما فعل -صلى اللَّه عليه وسلم- في عقد عائشة، لا سيما إذا كان من آثار الصالحين، فيصرف في طلبه أضعاف ثمنه للتبرك به لا لكونه مالًا. [4216] (حدثنا قتيبة (¬3) بن سعيد) أبو رجاء البلخي (وأحمد بن صالح قالا: ثنا) عبد اللَّه (بن وهب، أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب: حدثني أنس -رضي اللَّه عنه- قال: كان خاتم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من وَرِقٍ) بكسر الراء وقد تسكن، ومنه حديث عرفجة لما قطع أنفه اتخذ أنفًا من ورق، فأنتن فاتخذ أنفًا من ذهب (¬4). ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل)، (م). (¬2) برقم (5879). (¬3) فوقها في (ح)، (ل): (ع). (¬4) سيأتي برقم (4232)، ورواه أيضًا الترمذي (1770)، والنسائي 8/ 163 - 164، وأحمد 5/ 23.

(فَصه) بفتح الفاء، ما يركب في الخاتم من غيره، جمعه فصوص، مثل فلس وفلوس. قال الفارابي وابن السكيت: وكسر الفاء رديء (¬1). (حبشيٌّ) يعني: حجرًا حبشيًّا من بلاد الحبش، أو على ألوان الحبش، ويحتمل أنه من الجزع أو من العقيق؛ لأن معدنهما اليمن والحبشة. [4217] (ثنا أحمد) بن عبد اللَّه (بن يونس) اليربوعي (ثنا زهير قال: ثنا حميد) بن تير (الطويل، عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: كان خاتم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من فضة كلُّه) بالرفع صفة لخاتم (فصه منه) كذا في البخاري (¬2)، قال ابن عبد البر: وهو أوضح (¬3) (¬4). وقال غيره: ليس بخلاف؛ فقد كان للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خواتم: فص أحدهما حبشي، والآخر فصه منه. قال القرطبي: وقد روي أنه تختم بفص عقيق، وكل ذلك صحيح (¬5). [4218] (حدثنا نُصَيْر) بالتصغير (ابن الفرج) الأسلمي (¬6) بفتح الهمزة واللام الثغري بالمثلثة والمعجمة، ثقة (ثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (عن عبيد اللَّه) بن عمر العدوي. (عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال: اتخذ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خاتمًا من ذهب) والحامل على اتخاذ الخاتم السبب المتقدم، وهو ¬

_ (¬1) "إصلاح المنطق" (ص 162). (¬2) "صحيح البخاري" (5870). (¬3) في (م): أفصح. (¬4) "التمهيد" 17/ 108 - 109. (¬5) "المفهم" 5/ 412. (¬6) كذا في النسخ، وهو خطأ، والصواب: الأسلي، وانظر مصادر ترجمته.

كونهم لا يقرؤون كتابًا إلا مختومًا. لعله كان في يده اليسرى؛ بدليل رواية: أنه أخذ الحرير بيده اليمنى والذهب في يده اليسرى (¬1). (وجعل فصه مما يلي بطن كفه) لفظ (¬2): جعل فصه من داخل (¬3)، أي: مما يلي باطن كفه؛ لأنه أبعد من الزهو وأصون للفص والنقشة (¬4)، وهذا هو الأولى؛ لاتباع السنة، ويجوز جعله مما يلي ظاهر اليد، وكان هذا قبل تحريم الذهب على الرجال. (ونقش فيه محمد رسول اللَّه) وفيه أنه يجوز يكون في نقش الخاتم اسم اللَّه، لكن لا يدخل به الخلاء (فاتخذ الناس خواتيم الذهب) أي: اتخذ كل واحدٍ خاتمًا، لا أن الواحد اتخذ خواتيم (فلما رآهم قد اتخذوها رمى به) من يده (وقال: لا ألبسه أبدًا) مبالغةً في تركه وترك اتخاذه، فإن ما حرم استعماله حرم اتخاذه، ولم يضيعه، ولا رمى به في الطريق ليضيعه، بل ترك لبسه ودفعه إلى من ينتفع به (¬5) من النساء، أو ينتفع بثمنه من المساكين؛ فإنه نهى عن إضاعة المال (¬6). ¬

_ (¬1) سبق برقم (4057). (¬2) كذا في جميع النسخ، ولعله: لفظ أبي عوانة، فاللفظ مذكور في "مستخرج أبي عوانة". (¬3) رواه بهذا اللفظ أبو عوانة 5/ 253 (8616 - 8618)، والحديث في الصحيحين بلفظ: "أجعل فصه من داخل" بزيادة همزة من قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو عند أبي عوانة بهذا اللفظ أيضًا من قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، رواه البخاري (6651)، ومسلم (2091). (¬4) ساقطة من (ل)، (م). (¬5) ساقطة من (ح). (¬6) رواه البخاري (6473)، ومسلم (593) من حديث المغيرة بن شعبة -رضي اللَّه عنه- مرفوعًا.

(ثم اتخذ خاتمًا) كله (من فضة ونقش فيه: محمد رسول اللَّه) قال بعضهم: يحتمل أن يكون نقش الكتابة فيه مقلوبة كما في عادة الختوم، وقال بعضهم: بل كانت كتابته مستقيمة على العادة، وإذا ختم به تظهر الكتابة مستقيمة غير مقلوبة بخلاف غيره، وأن هذا من خصائصه، وإذا ثبت هذا من خصائصه فلا محيص عنه. (ثم لبس الخاتم بعده أبو بكر -رضي اللَّه عنه- ثم لبسه بعد أبي بكر عمر، ثم لبسه بعده عثمان) في خلافته (¬1) (حتى وقع في بئر أَرِيس) بفتح الهمزة وكسر الراء، وهو بالمدينة كما تقدم بالقرب من مسجد قباء. (قال أبو داود: لم يختلف الناس على عثمان حتى سقط الخاتم من يده). [4219] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا سفيان بن عيينة، عن أيوب ابن موسى) بن الأشدق الأموي (عن نافع (¬2)، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما في هذا الخبر) المذكور (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) وفيه (فنقش فيه: محمد رسول اللَّه) كما تقدم. (وقال: لا ينقش أحد على نقش خاتمي هذا) أي: لا ينقش أحد مثل نقشه؛ لأن غيره إذا نقش مثله اختلطت الخواتم وارتفعت الخصوصية وحصلت المفسدة العامة، وقد بالغ بعض أهل الشام فمنعُوا الخواتم لغير سلطان لهذِه المفسدة (¬3) (ثم ساق الحديث) كما تقدم. ¬

_ (¬1) في (م): خلافتهم. (¬2) في (ل)، (م): عاصم. (¬3) قال النووي في "المجموع" 4/ 340 بعد أن ذكر هذا القول: فشاذ مردود بالنصوص =

[4220] (حدثنا محمد بن يحيى) بن عبد اللَّه (بن فارس) الذهلي شيخ البخاري (ثنا أبو عاصم) النبيل، هو الضحاك بن مخلد (عن المغيرة بن زياد) البجلي الموصلي، وثقه ابن معين وجماعة (¬1) (عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما بهذا (¬2) الخبر) الذي (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: فالتمسوه) أي: طلبوا الخاتم من البئر (فلم يجدوه) في البئر (فاتخذ عثمان خاتمًا) غيره (ونقش فيه: محمد رسول اللَّه) قال المصنف: لم يختلف الناس على عثمان حتى سقط الخاتم، يعني: خاتم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من يده (¬3). ثم بعد وقوعه وقع الاختلاف المشهور مع وجود الخاتم الذي أتخذه، والسر في السُّكان لا في المنزل. (قال) الراوي (فكان) عثمان (يختم به) إذا كتب كتابًا كما تقدم (أو) كان (يتختم به) في أصبعه. وهذا شك من الراوي، وفي رواية للنسائي زيادة، ولفظه: وفي يد عثمان ست سنين من عمله، فلما كثرت عليه دفعه إلى رجل من الأنصار، فكان يختم به، فخرج الأنصاري إلى قليب لعثمان، فسقط، فالتمس، فلم يوجد. . الحديث (¬4). * * * ¬

_ = وإجماع السلف، وقد نقل العبدري وغيره الإجماع فيه. (¬1) "تاريخ ابن معين" رواية الدوري (5029)، "التاريخ الكبير" 7/ 326 (1402)، "معرفة الثقات" 2/ 292 (1771)، "المعرفة والتاريخ" 2/ 452، "الكامل في ضعفاء الرجال" 8/ 74 (1837)، "تهذيب الكمال" 28/ 361 (6126). (¬2) في هامش (ح) وصلب (ل)، (م): خ: في هذا. (¬3) سبق هذا القول قريبًا عقب حديث (4218). (¬4) "المجتبى" 8/ 178 - 179.

2 - باب ما جاء في ترك الخاتم

2 - باب ما جاءَ في تَرْكِ الخاتَمِ 4221 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمانَ لُوَيْنٌ، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّهُ رَأى في يَدِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خاتَمًا مِنْ وَرِقٍ يَوْمًا واحِدًا فَصَنَعَ النّاسُ فَلَبِسُوا وَطَرَحَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَطَرَحَ النّاسُ. قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ، عَنِ الزُّهْري زِيادُ بْنُ سَعْدٍ وَشُعَيْبٌ وابْنُ مُسافِرٍ كُلُّهُمْ قالَ: مِنْ وَرِقٍ (¬1). * * * باب ما جاء في ترك الخاتم [4221] (حدثنا محمد بن سليمان) بن حبيب الأسدي (¬2) العلاف الكوفي لقبه (لُوَيْن) بضم اللام وفتح الواو، تصغير لون، كان يبيع الفرس فيقول عنه: لوين. وثقه النسائي (¬3) (عن إبراهيم (¬4) بن سعد) الزهري، العوفي، المدني (عن ابن شهاب، عن أنس -رضي اللَّه عنه- أنه رأى في يد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خاتمًا من ورق) بكسر الراء، كما تقدم (يومًا واحدًا، فصنع الناس) ولفظ مسلم: فصنع الناس الخواتم من ورق (¬5) (فلبسوه، فطرح النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خاتمه؛ فطرح الناس) خواتيمهم. قال القرطبي: هذا الحديث من رواية ابن شهاب، عن أنس. قال: ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5868)، ومسلم (2093). (¬2) في (ل)، (م): الأزدي. (¬3) "تاريخ بغداد" 5/ 295 (2797)، "المعجم المشتمل" (834)، "تهذيب الكمال" 25/ 299 (5257). (¬4) فوقها في (ح)، (ل): (ع). (¬5) "صحيح مسلم" (2093).

وهو وهم من ابن شهاب عند جميع أهل الحديث، وإنما اتفق ذلك للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في خاتم الذهب (¬1). وقال النووي: يحتمل أنهم لما علموا أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصطنع لنفسه خاتم فضة اصطنعوا لأنفسهم خواتيم فضة، وبقيت معهم خواتيم الذهب كما بقي مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى أن طرح خاتم الذهب، واستبدل الفضة، فطرحوا الذهب واستبدلوا الفضة (¬2). [(فلبسوا، وطرح النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فطرح الناس) خواتيمهم (قال: ) المصنف] (¬3) (رواه عن الزهري زياد بن سعد) (¬4) خراساني نزل مكة (وشعيب، و) عبد الرحمن بن خالد (بن مسافر) أمير مصر، أخرج له الشيخان، قال: هؤلاء (كلهم قال) الخاتم (من وَرِق) قال المنذري: قد أخرج البخاري (¬5) ومسلم (¬6) من حديث يونس بن يزيد، عن الزهري، وفيه: من ورق. فهؤلاء خمسة من ثقات أصحاب الزهري رووه عنه كذلك (¬7). انتهى. * * * ¬

_ (¬1) "المفهم" 5/ 412 - 413. (¬2) "شرح مسلم" 14/ 70 - 71. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) فوقها في (ح)، (ل): (ع). (¬5) (5868). (¬6) (2093). (¬7) "مختصر سنن أبي داود" 6/ 113.

3 - باب ما جاء في خاتم الذهب

3 - باب ما جاءَ في خاتَمِ الذَّهَبِ 4222 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا المُعْتَمِرُ قالَ: سَمِعْتُ الرّكَيْنَ بْنَ الرَّبِيعِ يُحَدِّثُ عَنِ القاسِمِ بْنِ حَسّانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ، أَنَّ ابن مَسْعُودٍ كانَ يَقُولُ: كانَ نَبي اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَكْرَهُ عَشْرَ خِلالٍ: الصُّفْرَةَ -يَعْني: الخَلُوقَ- وَتَغْيِيرَ الشَّيْبِ، وَجَرَّ الإِزارِ، والتَّخَتُّمَ بِالذَّهَبِ، والتَّبَرُّجَ بِالزِّينَةِ لِغَيْرِ مَحِلِّها، والضَّرْبَ بِالكِعابِ، والرُّقَى إِلَّا بِالمُعَوِّذاتِ، وَعَقْدَ التَّمائِمِ، وَعَزْلَ الماءِ لِغَيْرِ أَوْ غَيْرِ مَحِلِّهِ أَوْ عَنْ مَحِلِّهِ، وَفَسادَ الصَّبي غَيْرَ مُحَرِّمِهِ. قالَ أَبُو داوُدَ: انْفَرَدَ بإِسْنادِ هذا الحَدِيثِ أَهْلُ البَصْرَةِ واللَّه أَعْلَمُ (¬1). * * * باب في خاتم الذهب [4222] (حدثنا مسدد، ثنا المعتمر قال: سمعت الرُّكَين) بضم الراء المهملة وفتح الكاف، مصغر (ابن الربيع) بن عميلة بفتح المهملة الفزاري الكوفي، أخرج له مسلم في الأدب (¬2). (يحدث عن القاسم بن حَسَّان) العامري، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3). (عن عبد الرحمن بن حرملة) قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: ليس بحديثه بأس، وإنما روى حديثًا واحدًا ما يمكن أن ¬

_ (¬1) رواه النسائي 8/ 141، وأحمد 1/ 380، وأبو يعلى (5074)، والبيهقي 7/ 232، وقال الألباني في "ضعيف أبي داود": منكر. (¬2) "صحيح مسلم" (2136/ 11). (¬3) 5/ 305.

يعتبر به، ولم أسمع أحدًا ينكره أو يطعن فيه (¬1). (أن) عبد اللَّه (ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- كان يقول: كان نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يكره عشر خلال: الصفرة، يعني: الخلوق) من الزعفران في الثوب كما تقدم (وتغيير الشيب) يعني: تغيير شعر الشيب بالسواد، وأما تغييره بالصفرة أو الحمرة، فهو مأثور في حديث أبي قحافة (¬2) وغيره (¬3) (وجر الإزار) أو الثوب خيلاء، فإن اللَّه لا ينظر إليه كما تقدم (¬4). (والتختم بالذهب) للرجال، فأما النساء فيباح لهن لبس الخاتم وغيره، بل يكره لهن لبس الخاتم من فضة؛ لأنه صار شعار الرجال، وإن لبسه من فضة فيصفره بزعفران ونحوه. (والتبرج بالزينة) أي: تبرج النساء اللواتي يظهرن زينتهن ومحاسنهن ويتبخترن في مشيهن (في غير (¬5) محلها) بفتح الحاء وكسرها، كما ستأتي الرواية بالكسر، وهو تزين المرأة لزوجها، فإنه مباح لها أن تتحبب له بما يجوز لها فعله، وفي معنى الزوج السيد، فإن جاريته تتزين له، لا سيما إن اتخذها فراشًا. و(الضرب) يعني: اللعب (بالكعاب) وهي فصوص النرد، واحدها كعب وكعبة واللعب بها حرام، وكرهها عامة الصحابة، وقيل: كان ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 5/ 222 - 223 (1051). (¬2) سبق برقم (4204) من حديث جابر. (¬3) سبق برقم (4205) وما بعده من أحاديث خضاب الشعر. (¬4) سبق برقم (4085)، (4094) من حديث ابن عمر مرفوعًا، وبرقم (4093) من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا أيضًا. (¬5) في حاشية (ح): نسخة: لغير.

ابن مغفل يفعله مع امرأته على غير قمار (¬1). وقيل: رخص فيه ابن المسيب على غير قمار أيضًا (¬2). قال الماوردي: اللعب بالأربعة عشر التي للكعاب وما ضاهاها في حكم النرد بالتحريم (¬3). وقضية هذا تحريم اللعب بما تسميه العامة الطاب والدك، فإن الاعتماد فيه على ما تخرجه القصبات الأربع، ومما أظهره المردة في هذِه الأعصار أوراقًا مزوقة بنقوش يسمونها الكنحفة، يلعبون بها، فإن كان فيها عوض فحرام بلا شك؛ لأنه قمار، وإلا فهي كالنرد. (والرُّقى) بضم الراء جمع رقية، والرقاء والرقي والاسترقاء هي العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة كالحمى (¬4) والصرع ونحو ذلك من الآفات، وقد جاء في بعض الأحاديث جوازها، وفي بعضها النهي عنها، فمن الجواز قوله: "استرقوا لها؛ فإن بها النظرة" (¬5) أي: اطلبوا لها من يرقيها، ومن النهي قوله: "لا يرقون ولا يكتوون" (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: "التمهيد" 13/ 180، "النهاية في غريب الحديث والأثر" 4/ 179. (¬2) السابق. (¬3) "الحاوي الكبير" 17/ 188. (¬4) ساقطة من (م). (¬5) رواه البخاري (5739)، ومسلم (2197) من حديث أم سلمة مرفوعًا. (¬6) رواه البخاري (5705) بلفظ: "لا يسترقون ولا يكتوون"، ومسلم (220) بلفظ: "لا يرقون ولا يسترقون" بدون لفظ "يكتوون"، كلاهما من حديث ابن عباس مرفوعًا، وبلفظ الشارح هذا رواه أبو عوانة 1/ 82 (243) من حديث ابن عباس مرفوعًا أيضًا.

ووجه الجمع بين الأحاديث أن الرقى يكره منها ما كان بغير اللسان العربي وبغير أسماء اللَّه تعالى وصفاته وكلامه في كتبه المنزلة، وأن يعتقد أن الرقية نافعة بنفسها لا محالة فيتكل عليها (¬1)، وإياها أراد بقوله: "ما توكل من استرقى" (¬2)؛ ولهذا قال (الرقى) (إلا بالمعوذات) بكسر الواو كـ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} (¬3) و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} (¬4) وما في معناهما مما وردت به الشريعة في الكتاب والسنة، سموا بذلك لأنهن يعوذن صاحبها، أي: يعصمنه من كل سوء، ولذلك قال للذي رقى بفاتحة الكتاب وأخذ عليها أجرًا أو على غيرها من القرآن: "من أخذ برقية باطل فقد أخذت برقية حق" (¬5). (وعقد التمائم) وهي الخروز، جمع تميمة، وفي معناها: خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين (¬6)، فأبطلها الإسلام. وفي الحديث: "من علق تميمة فلا أتم اللَّه له" (¬7) كأنهم يعتقدون أنها تمام الدواء والشفاء. ¬

_ (¬1) وانظر: "فتح الباري" 10/ 195. (¬2) رواه الترمذي (2055)، وابن ماجه (3489)، وأحمد 4/ 251، 253 من حديث المغيرة بن شعبة مرفوعًا، واللفظ أقرب للفظ أحمد. (¬3) سورة الفلق: 1. (¬4) سورة الناس: 1. (¬5) سبق برقم (3420، 3896، 3901) من حديث خارجه بن الصلت، عن عمه مرفوعًا بلفظ "أكل" بدل "أخذ" وبلفظ: "أكلت" بدل "أخذت"، لكن لفظ الشارح هذا رواه ابن أبي شيبة 5/ 48 (23578) من حديث قيس بن أبي حازم مرفوعًا. (¬6) في جميع النسخ: العرب، والمثبت هو الصواب. (¬7) رواه أحمد 4/ 154 من حديث عقبة بن عامر مرفوعًا.

(وعزل) بفتح العين المهملة (¬1) وسكون الزاي (الماء) (¬2) وهو مني الرجل، فإن اللَّه تعالى سماه ماء بقوله تعالى: {مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} (¬3) والمراد: إبعاد المني عن فرج الزوجة (¬4) الحرة بغير إذنها إذا قارب الإنزال وإراقته خارج الفرج؛ لأن فيه قطع النسل غالبًا (لغير) محله (أو) في (غير محله) ويجوز في (محله) ضم الميم، مع كسر الحاء، وفتحها، مع فتح الميم، اسم فاعل من أحل الشيء فهو محل إذا جعله حلًّا؛ أي: ثم يجعله حرامًا وهو حلال. قال في "النهاية": يجوز أن تكون الحاء مكسورة من الحل ومفتوحة من الحلول (¬5). انتهى. ومن الكسر قوله تعالى: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (¬6). والمراد بالنهي عن عزل الرجل في الوطء فرج زوجته الحرة، وأما العزل في وطء أمته الموطوءة فإنه غير مكروه له، سواء رضيت الأمة أم لا؛ لأن عليه في حملها ضررًا؛ لكون الأمة إذا علقت منه صارت أم ولده، وامتنع بيعها، ويجوز له العزل في المملوكة، فإن فرجها محل العزل بغير إذنها. (وفساد) بالنصب عطف على ما قبله (الصبي) فقيل: المراد بالنهي فطمه قبل أوان الفطم، وقيل: أن يطأ المرأة المرضع فيعرضها ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) ساقطة من (م). (¬3) سورة الطارق: 6. (¬4) في (م): المرأة زوجته. (¬5) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 432. (¬6) سورة البقرة: 196.

للحمل، فيفسد اللبن، ويكون من ذلك فساد الصبي، وربما قطع اللبن بحملها (غير) منصوب على الحال من (يكره) والضمير في (محرمه) بضم الميم وفتح الحاء وتشديد الراء المكسورة، مجرور عائد إلى (فساد الصبي) فقط، فإنه إلى لفظ (محرمه) والمراد أن النهي في فساد الصبي ليس هو بمحرمه، بل الكراهة فيه كراهة تنزيه، فلا يعود ضمير (غير محرمه) إلا إلى (فساد الصبي) فقط. وكذا تغيير الشيب بالسواد ونحوه. * * *

4 - باب ما جاء في خاتم الحديد

4 - باب ما جاءَ في خاتَمِ الحَدِيدِ 4223 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْن عَلي وَمُحَمَّدُ بْن عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ أَبي رِزْمَةَ -المَعْنَى- أَنَّ زَيْدَ بْنَ حُبابٍ أَخْبَرَهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ السُّلَمي المَرْوَزي أَبِي طَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا جاءَ إِلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وَعَلَيهِ خاتَمٌ مِنْ شَبَهٍ فَقالَ لَهُ: "ما لي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ الأَصْنامِ". فَطَرَحَة ثمَّ جاءَ وَعَلَيْهِ خاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ فَقالَ: "ما لي أَرى عَلَيْكَ حِلْيَةَ أَهْلِ النّارِ". فَطَرَحَهُ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ أي شَيء أَتَّخِذُهُ؟ قالَ: "اتَّخِذْهُ مِنْ وَرِقٍ وَلا تُتِمَّهُ مِثْقالًا". وَلَمْ يَقُلْ مُحَمَّدٌ: عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ. وَلَمْ يَقُلِ الحَسَنُ: السُّلَمي المَرْوَزي (¬1). 4224 - حَدَّثَنا ابن المُثَنَّى وَزِيادُ بْنُ يَحْيَى والحَسَنُ بْنُ عَلي، قالُوا: حَدَّثَنا سَهْلُ ابْن حَمّادٍ أَبُو عَتّابٍ، حَدَّثَنا أَبُو مَكِينٍ نُوحُ بْنُ رَبِيعَةَ، حَدَّثَني إِياسُ بْنُ الحارِثِ بْنِ المُعَيْقِيبِ وَجَدُّهُ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ أَبُو ذُبابٍ عَنْ جَدِّهِ قالَ: كانَ خاتَمُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْ حَدِيدٍ مَلْوي عَلَيْهِ فِضَّةٌ. قالَ: فَرُبَّما كانَ في يَدِهِ قالَ: وَكانَ المُعَيْقِيبُ عَلَى خاتَمِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2). 4225 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا بِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ، حَدَّثَنا عاصِمُ بْن كُلَيْبٍ، عَنْ أَبي بُرْدَةَ، عَنْ عَلي -رضي اللَّه عنه- قالَ: قالَ لي رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قُلِ اللَّهمَّ أهْدِني وَسَدِّدْني واذْكُرْ بِالهِدايَةِ هِدايَةَ الطَّرِيقِ واذْكُرْ بِالسَّدادِ تَسْدِيدَكَ السَّهْمَ". قالَ: وَنَهاني أَنْ أَضَعَ الخاتَمَ في هذِه أَوْ في هذِه لِلسَّبّابَةِ والوُسْطَى -شَكَّ عاصِمٌ- وَنَهاني عَنِ القَسِّيَّةِ والمِيثَرَةِ. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1785)، والنسائي 8/ 172، وابن حبان (5488)، وضعفه الألباني في "المشكاة" (4396). (¬2) رواه النسائي 8/ 175، والطبراني 20/ 352 (831)، وضعفه الألبانى فى "ضعيف أبي داود".

قالَ أَبُو بُرْدَةَ: فَقُلْنا لِعَلي: ما القَسِّيَّةُ؟ قالَ: ثِيابٌ تَأْتِينا مِنَ الشّامِ أَوْ مِنْ مِصْرَ مُضَلَّعَةٌ فِيها أَمْثالُ الأُتْرُجِّ. قالَ: والمِيثَرَةُ شَيء كانَتْ تَصْنَعُهُ النِّساءُ لِبُعُولَتِهِنَّ (¬1). * * * باب في خاتم الحديد [4223] (حدثنا الحسن بن علي) الحلواني (ومحمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة) بكسر الراء وسكون الزاي، غزوان بفتح المعجمة وسكون الزاي المروزي، أخرج له البخاري (أن زيد بن حباب) بضم المهملة وبموحدتين، العكلي، كان بالكوفة، أخرج له مسلم في مواضع. (أخبرهم عن عبد اللَّه بن مسلم السلمي) بضم السين (أبي طيبة) بفتح المهملة بعدها تحتانية (المروزي) بفتح الميم والواو، قاضيها، صدوق يهم. (عن عبد اللَّه بن بريدة، عن أبيه) بريدة بن الحصيب -رضي اللَّه عنه- (أن رجلًا جاء إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وعليه خاتم من شبه) بفتح الشين المعجمة والباء، ضرب من النحاس يقال له بالفارسية: برنج (فقال له: ما لي أجد منك ريح الأصنام؟ ! ) لأن الأصنام كانت تتخذ من الشبه، ولهذا كره بعضهم الطهارة من النحاس (¬2)؛ لأن الملائكة تفر من رائحته وتكرهها، وأما وضوء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- منه فلبيان الجواز (¬3). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2078) بعد (2095). (¬2) قال العمراني في "البيان" 2/ 536: ويكره أن يتخذ خاتمًا من حديد أو رصاص أو نحاس. . . إلخ. وقد رد هذا الكلام النووي في "المجموع" كما سيأتي. (¬3) وهو ما ورد في حديث عبد اللَّه بن زيد قال: جاءنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأخرجنا له ماء في تورٍ من صُفْر فتوضأ به. رواه البخاري (197)، وأبو داود (100). =

(فطرحه) الرجل عنه (ثم جاء) بعد ذلك (وعليه خاتم من حديد فقال: ما لي أرى عليك حلية أهل النار؟ ! ) قيل: كره الحديد من أجل سهوكة ريحه، والسهك: ريح عرف الإنسان، وقيل: معنى (حلية أهل النار) أنه زي الكفار الذين هم أهل النار، فإنهم يسلسلون بالحديد ويصفدون به، يد أمامه ويد خلفه، أعاذنا اللَّه من حليتها. (فطرحه، فقال: يا رسول اللَّه، من أي شيء أتخذه؟ قال: اتخذه من ورق) وهو الفضة (ولا تتمه) بضم التاء الأولى وكسر الثانية ونصب الميم (مثقالًا) قال البغوي: النهي عن خاتم الحديد ليس نهي تحريم؛ لما روى البخاري ومسلم عن سهل بن سعد في الصداق أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "التمس ولو خاتمًا من حديد" (¬1) وقد قال أصحابنا: لا يكره لبس خاتم النحاس والرصاص ولا الحديد على الأصح (¬2). ولا يحل لبس خاتم ثقيل يزيد على مثقال (¬3)؛ للحديث، ولحصول السرف، كما لا يحل السرف في تحلية آلة الحرب كالسيف والرمح. وإطلاق الحديث يشمل أن الخاتم لا يبلغ وزنه مثقالًا سواء كان من فضة أو حديد أو نحاس أو ذهب للنساء، ولكن السرف فيما زاد على المثقال في الذهب والفضة، أما الحديد والنحاس فلا سرف فيه، لكن ¬

_ = والصُّفْر: صنف من حديد النحاس. انظر: "المجموع" 4/ 341، "فتح الباري" 1/ 291. (¬1) رواه البخاري (5121)، ومسلم (1425)، واللفظ للبخاري. (¬2) انظر: "روضة الطالبين" 2/ 69. (¬3) انظر: "البيان" للعمراني 2/ 537.

لعلة أخرى، واللَّه أعلم. (ولم يقل محمد) بن عبد العزيز في روايته عن شيخ شيخه (عبد اللَّه ابن مسلم و) كذا (لم يقل الحسن بن علي) في روايته (السلمي المروزي) أي: لم يتفقا فيما تقدم، بل ذكر أحدهما اسمه واسم أبيه، والآخر اقتصر على ذكر قبيلته وبلده. [4224] (حدثنا) محمد (ابن المثنى وزياد بن يحيى والحسن بن علي) الحلواني (قالوا: أنا سهل بن حماد، أبو عتاب) بتشديد المثناة فوق، العنقزي بسكون النون، والعنقز المرزنجوش (¬1)، أخرج له مسلم (ثنا أبو مكين) بفتح الميم (نوح بن ربيعة) الأنصاري مولاهم، صدوق (حدثني إياس بن الحارث بن معيقيب) بن أبي فاطمة الدوسي، أخرج له النسائي وسكت عليه المنذري (¬2) (وجده من قبل أمه أبو ذباب) بضم الذال المعجمة وتكرير الباء، وليس في الكتب الستة شيء فيما يظهر (عن جده) معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي، حليف بني أمية من مهاجرة الحبشة (قال: كان خاتم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) أي: أحد خواتم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أو كان خاتمه في وقت؛ فقد كان له خواتم متعددة، وبهذا يجمع بين الأحاديث لكن الظاهر أنها لم تجتمع عنده في وقت واحد. وقد قال الدارمي في "استذكاره": يكره للرجل لبس فوق خاتمين فضة، يعني: لأن الفضة يحرم استعمالها إلا ما وردت الرخصة به، ¬

_ (¬1) قال القاضي في "مشارق الأنوار" 2/ 126: العَنْقَزِي: نوع من الريحان، قيل أنه المرزنجوس ويشتبه بالعنبري أيضَا. (¬2) "مختصر سنن أبي داود" 6/ 116.

ولم ترد الرخصة إلا في خاتم واحد. (من حديد) لفظ النسائي: كان خاتم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حديدًا (¬1) (ملوي) بفتح الميم وكسر الواو المخففة وتشديد الياء، وفي بعضها: مُلَوى، بضم الميم وفتح اللام والواو المشددة، يقال: لوى عليه الشيء -بالتشديد- إذا عطفه عليه، ومنه الحديث: وجعلت خيلنا تلوي خلف ظهورنا (¬2)، بفتح التاء والواو المشددة (¬3)، أي: تتلوى، ثم حذفت إحدى التاءين. (عليه فضة) وفي غير رواية المصنف: عليه بفضة (¬4). يحتمل أن يكون التلوي عليه بالفضة إما لبيان الجواز في تحلية الخاتم بفضة وأن التحلية بالفضة لا تختص بالآت الحرب، فقد قال المتولي والغزالي في "فتاويه": يجوز للرجل لبس ما سوى الخاتم من حلي الفضة كالدملج، وإذا جاز أن يكون الدملج كله من فضة فبالأولى أن يجوز أن يكون عليه فضة، لكن الجمهور على تحريم ما سوى الخاتم من الحلي للرجل (¬5)، والأظهر أن تكون الفضة لويت عليه؛ لتزول علة النهي عنه بتلوية الفضة عليه عن مشابهة حلية أهل النار الذي جعله علة للتحريم. (قال) معيقيب (فربما كان) الخاتم (في يدي) بكسر الدال على الإفراد ¬

_ (¬1) "المجتبى" 8/ 175. (¬2) رواه مسلم (1059) (136) من حديث أنس. (¬3) ساقطة من (ل)، (م). (¬4) رواها النسائي في "الكبرى" (9530). (¬5) أباح مالك والشافعي للرجل من الحلي: المنطقة والسيف والخاتم. "المدونة" 2/ 188، "الأم" 5/ 702، وهو مذهب الحنابلة. انظر: "المغني" 4/ 225.

(قال: وكان المعيقيب) ويقال: المعيقب بحذف الياء، قيل: هو مولى سعيد بن العاص، أسلم قديمًا بمكة، وهاجر منها إلى الحبشة هجرة الثانية، وكان به جذام فعالجه عمر بن الخطاب بالحنظل فبرأ، ولم يكن في أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مجذوم (¬1) غيره. وكان (على خاتم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) من حديد الذي كان يختم به على الكتب وغيرها، والظاهر أنه كان مستمرًا في أصبع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإذا أراد أن يختم به على شيء دفعه إلى المعيقيب ليختم به، وقد كان أبو بكر استعمل معيقيبًا على بيت المال وكذا عمر بعده وعلي، وإنما كان الخاتم عند الخلفاء واحدًا فواحدًا بعده؛ لأنه صدقة على سائر المسلمين كسائر ما تركه. [4225] (حدثنا مسدد، ثنا بشر بن المفضل، ثنا عاصم بن كليب، عن أبي بردة) بن أبي موسى الأشعري (عن علي -رضي اللَّه عنه- قال: قال لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: قل: اللهم اهدني وسددني) أي: وفقني واجعلني مصيبًا في جميع أموري مستقيمًا، وأصل السداد الاستقامة والقصد في الأمور. (واذكر) بسكون الذال المعجمة وضم الكاف، أي: تذكر بالدعاء (بالهداية) لفظ مسلم: "واذكر بالهدى" (¬2) (هدايتك) إلى (الطريق) المستقيم، والهدى هنا هو الرشاد (واذكر بالسداد تسديدك السهم) لفظ مسلم: "سداد السهم" (¬3)؛ لأن هادي الطريق لا يزيغ عنها ولا يميل ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: مجذومًا. والمثبت هو الصواب. (¬2) "صحيح مسلم" (2725). (¬3) السابق.

إلى غيرها، ومسدد السهم يحرص على تقويمه، ولا يستقيم رميه حتى يقوم سهمه. قال القرطبي: وهذا الأمر منه -صلى اللَّه عليه وسلم- يدل على أن الداعي ينبغي له أن يهتم بدعائه ويستحضر معاني دعواته في قلبه، ويبالغ في ذكرها بلفظه، فإذا قال: اهدني الصراط المستقيم وسددني سداد السهم الصائب كان أبلغ وأهم من قوله: أهدني وسددني. فقط (¬1). (قال: ونهاني أن أضع الخاتم في هذِه) الأصبع (أو في هذِه) لفظ مسلم: نهاني أن أجعل خاتمي في هذِه أو التي تليها (¬2). انتهى. والمشار بهذِه وهذِه (للسبابة) سميت بذلك؛ لأن العرب كانت تشير إذا سبت أحدًا بها، وهي الآن المهللة والموحدة؛ لأنها يشار [بها] (¬3) عند توحيد اللَّه تعالى وقول: لا إله إلا اللَّه. (والوسطى) تأنيث الأوسط (شك عاصم) بن كليب في أيهما قال. وقال النووي: يكره للرجل جعل الخاتم في الوسطى والتي تليها لهذا الحديث، وهي كراهة تنزيه (¬4). وأجمع المسلمون على جعل خاتم الرجل في الخنصر (¬5). ¬

_ (¬1) "المفهم" 7/ 53 - 54. (¬2) "صحيح مسلم" (2078). (¬3) ليست في جميع النسخ، والمثبت ما يقتضيه السياق. (¬4) "شرح مسلم" 14/ 71. (¬5) قال النووي في "شرح مسلم" 14/ 71، وفي "المجموع" 4/ 340: وأجمع المسلمون على أن السنة للرجل جعل خاتمه في خنصره. =

(قال) علي بن أبي طالب (ونهاني عن القسية) بفتح (¬1) القاف وتشديد السين المهملة المكسورة، وسيأتي تفسيرها [(والمئثرة) بكسر الميم وسكون الهمز والثاء المثلثة كما تقدم، وسيأتي تفسيرها] (¬2) (قال أبو بردة) بن أبي موسى (فقلنا لعلي -رضي اللَّه عنه-: ما) هي (القسية؟ فقال) هي (¬3) (ثياب تأتينا من) بلاد (الشام أو من مصر) وجزم به في "النهاية". وزاد: نسبت إلى قرية على ساحل البحر، قريبًا من تنيس، يقال لها: القس، بفتح القاف، وهي من كتان مخلوط بحرير، وبعض أهل الحديث يكسر القاف، وقيل: أصل القسي القزي بالزاي منسوب إلى القز، وهو ضرب من الإبريسم، فأبدل من الزاي سينًا، وقيل: منسوب إلى القس وهو الصبغ لبياضه (¬4). ¬

_ = وقال قبلها في المسألة العاشرة 4/ 340: يجوز للرجل لبس خاتم الفضة في خنصر يمينه وإن شاء في خنصر يساره كلاهما صح فعله عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. . . - وذكر نحو هذا ابن مفلح في "الفروع" 4/ 151. فتلخص من هذا: أن هذا الفعل من باب السنة، وأن المصنف قد تجَّوز في نقل هذا الإجماع، أو أنه لخض كلام النووي فحاد عن الجادة، خاصة وأن النووي نفسه صرح بالكراهة التنزيهية إن لبسه في غير الخنصر، كما في شرح مسلم المشار إليه. واللَّه أعلى وأعلم. وقال أبو العباس القرطبي في "المفهم" 5/ 414: قلت: ولو تختم في البنصر لم يكلن ممنوعًا، وإنما الذي نهي عنه في حديث علي -رضي اللَّه عنه- الوسطى والتي تليها من جهة الإبهام وهي التي تسمى المسبحة والسبابة. (¬1) في (ل)، (م): بكسر. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) ساقطة من (ل)، (م). (¬4) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 4/ 59 - 60.

(مضلعة فيها) زاد البخاري: حرير (¬1) (أمثال الأترج). قال أهل اللغة وغريب الحديث: هي ثياب مضلعة بالحرير تعمل بالقس كما تقدم. (والمئثرة شيء كان تصنعه النساء لبعولتهن) أي: لأزواجهن على السرج، وقيل: هي من مراكب العجم تكون من الحرير، وتكون من الصوف وغيره. وقيل: هو أغشية للسروج تتخذ من حرير. * * * ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" قبل حديث (5838) معلقًا.

5 - باب ما جاء في التختم في اليمين أو اليسار

5 - باب ما جاءَ في التَّخَتُّمِ في اليَمِينِ أوِ اليَسارِ 4226 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن صالِحٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَني سُلَيْمانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبي نَمِرٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلي رضى اللَّه تعالى عنه عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. قالَ شَرِيكٌ: وَأَخْبَرَني أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كَانَ يَتَخَتَّمُ في يَمِينِهِ (¬1). 4227 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْنُ عَلي، حَدَّثَني أَبي، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أَبي رَوّادٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كانَ يَتَخَتَّمُ في يَسارِهِ وَكانَ فَصُّهُ في باطِنِ كَفِّهِ. قالَ أَبُو داوُدَ: قالَ ابن إِسْحاقَ وَأُسامَةَ -يَعْني: ابن زَيْدٍ- عَنْ نافِعٍ بِإِسْنادِهِ: في يَمِينِهِ (¬2). 4228 - حَدَّثَنا هَنّادٌ عَنْ عَبْدَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نافِعٍ أَنَّ ابن عُمَرَ كانَ يَلْبَسُ خاتَمَهُ في يَدِهِ اليُسْرى (¬3). 4229 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا يُونُسُ بْن بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ قالَ: رَأَيْتُ عَلَى الصَّلْتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ المطَّلِبِ خاتَمًا في خِنْصَرِهِ اليُمْنَى فَقُلْتُ: ما هذا؟ قالَ: رَأَيْتُ ابن عَبّاسٍ يَلْبَسُ خاتَمَهُ هَكَذا وَجَعَلَ فَصَّهُ عَلَى ظَهْرِها. قالَ: وَلا يَخال ابن عَبّاسٍ إِلا قَدْ كانَ يَذْكُرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كانَ يَلْبَسُ خاتَمَهُ كَذَلِكَ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه النسائي 8/ 174، والترمذي في "الشمائل" (96)، وابن حبان (5501)، وصححه الألباني في "الإرواء" 3/ 303. (¬2) رواه أبو الشيخ في "أخلاق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" (354)، والبيهقي في "الشعب" (6362)، والبغوي في "شرح السنة" (3148)، وقال الألباني في "ضعيف أبي داود": شاذ، والمحفوظ: في يمينه. (¬3) رواه البيهقي في "الشعب" (6363)، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". (¬4) رواه الترمذي (1742)، وأبو الشيخ في "أخلاق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" (332)، وقال الألباني في "الإرواء" 3/ 304: إسناده جيد.

باب في التختم في اليمين أو اليسار [4226] (حدثنا أحمد بن صالح) المصري شيخ البخاري (ثنا) محمد (ابن وهب قال: أخبرني سليمان (¬1) بن بلال) مولى آل الصديق (عن شريك) بن عبد اللَّه (بن أبي نمر) بفتح النون وكسر الميم، القرشي، أخرج له الشيخان (عن إبراهيم (¬2) بن عبد اللَّه بن حنين) بفتح النون الأولى مصغر، الهاشمي (عن أبيه) عبد اللَّه بن حنين مولى العباس أو علي (عن علي -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال شريك) بن أبي نمر (وأخبرني أبو سلمة) عبد اللَّه (بن عبد الرحمن) بن عوف القرشي، عن علي -رضي اللَّه عنه- (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يتختم في يمينه) تفاؤلًا بأن خاتمة أمره يكون من أصحاب اليمين ولحديث: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يحب التيمن في شأنه كله (¬3). (كان أبو داود لا يقرأ هذا الحديث ثم قرأه بعد) (¬4). [4227] (حدثنا نصر بن علي) الجهضمي (قال: حدثني أبي) (¬5) علي ابن نصر بن علي بن صهبان الجهضمي (ثنا عبد العزيز بن أبي روَّاد) مولى ¬

_ (¬1) فوقها في (ل)، (م): (ع). (¬2) فوقها في (ل)، (م): (ع). (¬3) رواه البخاري (426)، ومسلم (268) من حديث عائشة. (¬4) ما بين القوسين جاء في النسخ الخطية وعليه: خـ. . إلى. فيما معناه أنه زيادة في إحدى نسخ أبي داود. (¬5) فوقها في (ل)، (م): (ع).

المهلب بن أبي صفرة، أخرج له البخاري. (عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يتختم في يساره). أجمعوا على جواز التختم في اليمين واليسار (¬1)، واختلفوا أيهما (¬2)، واستحب مالك اليسار وكره اليمين (¬3) عملًا بهذا الحديث (¬4)؛ ولأن لباس الخاتم من الأفعال التي تفعل باليمين، وتتناول بها فيجعله في الشمال باليمين، إذ ليس هو من الأفعال الخسيسة (¬5)، بل يتناوله، وفي مذهبنا وجهان لأصحابنا، الصحيح أن اليمين أفضل (¬6)؛ لأنه زينة، واليمين أشرف وأحق بالزينة. (وكان فصه في باطن كفه) أي: مما يلي بطن كفه كما تقدم. (قال: ) المصنف (قال) محمد (ابن إسحاق) صاحب "المغازي" (وأسامة بن زيد) الليثي، احتج به مسلم، واستشهد به البخاري (عن نافع) يتختم (في يمينه) حجة للشافعي. [4228] (حدثنا هناد) بن السريّ (عن عبدة) (¬7) لقب غلب عليه، واسمه عبد الرحمن بن سليمان الكلابي (عن عُبيد اللَّه) بالتصغير، ابن ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع" 4/ 340. (¬2) انظر: "شرح مسلم" للنووي 14/ 71. (¬3) انظر: "الرسالة" للقيرواني ص 157، "البيان والتحصيل" 1/ 313. (¬4) قال الحافظ في "الفتح" 10/ 326: رواية اليسار في حديث نافعٍ شاذة، ومن رواها أيضًا أقل عددًا وألين حفظًا ممن روى اليمين. . . (¬5) في (ح): الحسنة. (¬6) انظر: "المجموع" 4/ 340، وقد سبق. (¬7) فوقها في (ح، ل): (ع).

عمر بن حفص (¬1) بن عمر بن الخطاب (عن نافع، أن) عبد اللَّه (ابن عمر رضي اللَّه عنهما كان يلبس) بفتح الموحدة (خاتمه في يده اليسرى) كما قال مالك (¬2). [4229] (حدثنا عبد اللَّه بن سعيد) الكندي الكوفي (ثنا يونس بن بكير) الشيباني الحافظ، قال ابن معين: صدوق (¬3). قال المصنف: يوصل كلام محمد بن إسحاق بالأحاديث (¬4). (عن محمد بن إسحاق) صاحب "المغازي" (قال: رأيت على الصَّلْتِ ابن عبد اللَّه بن نوفل بن عبد المطلب) الهاشمي، ابن عم عبد اللَّه بن الحارث الهاشمي الملقب بَبَّة، مقبول (خاتمًا في خنصره) بكسر الخاء والصاد أي: في خنصر يده (اليمنى، فقلت: ما هذا؟ قال: رأيت ابن عباس رضي اللَّه عنهما يلبس خاتمه هكذا، وجعل فصه على ظهرها) فيه دليل على جواز جعل فص الخاتم مما يلي ظاهر الكف. قال القرطبي: وقد روي أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فعله (¬5). ولعله أشار إلى هذا ¬

_ (¬1) بعدها في مصادر ترجمته: بن عاصم. (¬2) انظر: "التمهيد" 17/ 111 - 112. (¬3) "سؤالات ابن الجنيد لابن معين" (378)، ونقل هذا القول عن ابن معين الدوري في "تاريخه" (2545) بصيغة التمريض، حيث قال: قال يحيى: يونس كان صدوقًا، وكان يتبع السلطان، وكان مرجئًا، أحسب يحيى يعني يونس بن بكير. وفي موضع آخر من "تاريخ الدوري" (1306) قال: سمعت يحيى يقول: يونس بن بكير ثقة. (¬4) "سؤالات الآجري" لأبي داود (115). (¬5) "المفهم" 5/ 408.

الحديث، والمشهور إلى باطن الكف؛ لأنه أبعد عن الإعجاب به والزهو، وأقرب للتواضع، وصيانة لنقشه من الغبار؛ لئلا يدخل في نقشه فيشوش ما يختم به. (قال: ولا يخال) بفتح الياء والخاء المعجمة المخففة، أي: ولا يظن في نفسه أن (ابن عباس رضي اللَّه عنهما إلا وقد كان يذكر أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يلبس خاتمه كذلك) يجوز أن يكون فعل ذلك في وقت لبيان الجواز، وأكثر أوقاته مما يلي باطن كفه، وفي هذا الجمع بين الحديث للصحيحين، فإن الترمذي أخرج هذا الحديث (¬1). وقال البخاري: حديث محمد بن إسحاق، عن الصلت بن عبد اللَّه بن نوفل حديث حسن (¬2). * * * ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (1742). (¬2) انظر "سنن الترمذي" عقب حديث (1742).

6 - باب ما جاء في الجلاجل

6 - باب ما جاءَ في الجَلاجِلِ 4230 - حَدَّثَنا عَلي بْنُ سَهْلٍ وَإِبْراهِيمُ بْن الحَسَنِ قالا: حَدَّثَنا حَجّاجٌ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، أَخْبَرَني عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ أَنَّ عامِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -قالَ عَلي بْنُ سَهْلٍ: ابن الزُّبَيْرِ- أَخْبَرَهُ أَنَّ مَوْلاةً لَهُمْ ذَهَبَتْ بِابْنَةِ الزُّبَيْرِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ وَفي رِجْلِها أَجْراسٌ فَقَطَعَها عُمَرُ ثُمَّ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُول: "إِنَّ مَعَ كُلِّ جَرَسٍ شَيْطانًا" (¬1). 4231 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنا رَوْحٌ حَدَّثَنا ابن جُرَيْجٍ، عَنْ بُنانَةَ مَوْلاةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسّانَ الأَنْصاري، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: بَيْنَما هي عِنْدَها إِذْ دُخِلَ عَلَيْها بِجارِيَةٍ وَعَلَيْها جَلاجِلُ يُصَوِّتْنَ فَقالَتْ: لا تُدْخِلْنَها عَلي إِلَّا أَنْ تَقْطَعُوا جَلاجِلَها وقالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "لا تَدْخُلُ المَلائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ جَرَسٌ" (¬2). * * * باب في الجلاجل بفتح الجيم الأولى وكسر الثانية كما سيأتي. [4230] (حدثنا علي بن سهل) بن قادم الرملي، قال النسائي: هو نسائي ثقة، سكن الرملة (¬3) (وإبراهيم بن الحسن قالا: ثنا حجاج) بن محمد الأعور الحافظ (عن) عبد الملك (ابن جريج قال: أخبرني عمر ¬

_ (¬1) رواه أبو محمد الفاكهي في "فوائده" (52)، وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (1980). (¬2) رواه أحمد 6/ 242، وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (6201). (¬3) انظر: "المعجم المشتمل" (634)، "تهذيب الكمال" 20/ 456 (4077).

ابن حفص) المدني، مقبول، قاله ابن حجر (¬1). (أن عامر (¬2) بن عبد اللَّه، قال علي بن سهل) فزاد (ابن الزبير) بن العوام الأسدي (أخبره أن مولاة لهم ذهبت بابنة الزبير) بن العوام (إلى عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- وفي رجلها) أي: رجليها، فهو مفرد مراد به المثنى (أجراس) جمع جرس، بفتح الجيم وكذا الراء عند الجمهور، وهو الجلجل الصغير الذي يعلق في أعناق الدواب (¬3). قيل: إنما كرهه لأنه يدل على أصحابه بصوته، وكان -صلى اللَّه عليه وسلم- يحب أن لا يعلم العدو به حتى يأتيهم فجأة، أو لأن مع كل جرس شيطانا (¬4)، وقيل غير ذلك (فقطعها عمر) كلها بيده. وفيه تغيير المنكر للحاكم بيده على الفور، سواء وجده على صغير أو كبير أو دابة، وحمل الحديث على عمومه. (ثم قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: إن مع كل جرس شيطانًا) وظاهر اللفظ العموم، فيدخل فيه الجرس الكبير والصغير حتى الذي في الأذن معلق، ويكون في الرجل، والمعلق في عنق الحيوان جميعه، ويدخل فيه الجرس المتخذ من نحاس أو حديد أو من الذهب أو الفضة. [4231] (حدثنا محمد بن عبد الرحيم) [بن عبد الصمد العنبري ¬

_ (¬1) في "تقريب التهذيب" (4881). (¬2) فوقها في (ح)، (ل). (ع). (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" 1/ 145، "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 261. (¬4) في جميع النسخ الخطية: شيطان. والمثبت هو الصواب.

البصري، وثقه علي بن الحسين الجنيد] (¬1) (ثنا روح) بن القاسم (¬2)، أخرج له الشيخان. (ثنا) عبد الملك (ابن جريج عن بُنانة) بضم الباء (¬3) الموحدة وتخفيف النون الأولى (مولاة عبد الرحمن بن حبان الأنصاري) قال الحافظ ابن حجر: لا تعرف (¬4). (عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: بينما هي عندها) جالسة (إذ دُخِلَ) بضم الدال، مبني لما لم يسمَّ فاعله (عليها بجارية) صغيرة (وعليها جلاجل) بفتح الجيم الأولى وكسر الثانية، جمع جلجل، وهو الجرس وكل شيء علق في عنق دابة أو رجل حتى يصوت، وفي معناه ما يعلق في أرجل النساء وآذانهن والبنات والصبيان (يصوِّتن) الظاهر أن تصويت الجلاجل هو العلة في عدم دخول الملائكة كراهية لصوت ذلك، فإن الجلجلة هي الصوت، وكذلك صوت الجرس، وهو نظير صوت صنج الدفوف المنهي عنه. (فقالت) عائشة (لا تُدخِلْنها) بضم التاء وكسر الخاء وسكون اللام ¬

_ (¬1) كذا هذِه العبارة فيما بين المعقوفتين في (ح)، وهي ساقطة من (م)، (ل)، وهذِه الترجمة إنما هي لمحمد بن عبد الرحمن. والصواب أن يحل محل هذِه العبارة: (بن أبي زهير القرشي أبو يحيى البزاز، ثقة حافظ). وانظر "تهذيب الكمال" 26/ 5، 25/ 612. (¬2) كذا في الأصول وهو خطأ، وصوابه: عبادة. وانظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 9/ 238. (¬3) ساقطة من (ل)، (م). (¬4) "تقريب التهذيب" (8546).

وتخفيف نون الإناث (عليَّ إلا أن تَقْطَعن (¬1) جلاجلها) التي يصوتن، وروى المصنف وغيره أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الجرس من مزامير الشيطان". ذكره المصنف في الجهاد (¬2)، ومسلم في اللباس (¬3)، والنسائي في الزينة (¬4). قال أبو عمرو بن الصلاح: فإن وقع في شيء من ذلك من جهة غيره. يعني: ولم يستطع الخروج من البيت ولا المنع من دخوله البيت فليقل: اللهم إني أبرأ إليك مما فعله هؤلاء، فلا تحرمني ثمرة صحبة ملائكتك والمبيت معهم (¬5). (وقالت: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: لا تدخل الملائكة) يعني: ملائكة الرحمة، وأما ملائكة الحفظة فلا يفارقون الآدمي بسبب شيء من ذلك (بيتًا) ولا مكانًا، ولا تصحب رفقة مسافرين (فيه جرس) يصوت، وظاهر العلة بالتصويت أن الجرس إذا شد بخرقة ونحوها مما يمنع تصويته أو قطع ما يتحرك في الأذن والجلاجيل (¬6) زالت الكراهة. * * * ¬

_ (¬1) في حاشية (ح)، وصلب (ل)، (م): نسخة: تقطعوا. (¬2) سبق برقم (2556) من حديث أبي هريرة. (¬3) "صحيح مسلم" (2114) من حديث أبي هريرة أيضًا. (¬4) "السنن الكبرى" له 5/ 251 (8812) من كتاب السير من حديث أبي هريرة أيضًا. (¬5) ذكره عنه النووي في "المجموع" 4/ 272، إلا أنه قال: صحبة ملائكتك وبركتهم. (¬6) في (ل)، (م): الجلاجل.

7 - باب ما جاء في ربط الأسنان بالذهب

7 - باب ما جاءَ في رَبْطِ الأَسْنانِ بِالذَّهَبِ 4232 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ وَمُحَمَّد بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الخُزاعي -المَعْنَى- قالا: حَدَّثَنا أَبُو الأَشْهَبِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ طَرَفَةَ أَنَّ جَدَّهُ عَرْفَجَةَ بْنَ أَسْعَدَ قُطِعَ أَنْفُهُ يَوْمَ الكُلابِ فاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ وَرِقٍ فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ فَأَمَرَهُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ (¬1). 4233 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلي، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ وَأَبُو عاصِمٍ قالا: حَدَّثَنا أَبُو الأَشْهَبِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ طَرَفَةَ، عَنْ عَرْفَجَةَ بْنِ أَسْعَدَ بِمَعْناهُ. قالَ يَزِيدُ: فلْتُ لأَبي الأَشْهَبِ: أَدْرَكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ طَرَفَةَ جَدَّهُ عَرْفَجَةَ؟ قالَ: نَعَمْ (¬2). 4234 - حَدَّثَنا مُؤَمَّلُ بْنُ هِشامٍ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ، عَنْ أَبي الأَشْهَبِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ طَرَفَةَ بْنِ عَرْفَجَةَ بْنِ أَسْعَدَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَرْفَجَةَ بِمَعْناهُ (¬3). * * * باب ما جاء في ربط الأسنان بالذهب [4232] (حدثنا موسى بن إسماعيل ومحمد بن عبد اللَّه) بن عثمان (الخُزاعي) بضم الخاء المعجمة، وهو ثقة (المعنى قالا: ثنا أبو الأشهب) جعفر بن حيَّان بفتح المهملة، وتشديد المثناة تحت، العطاردي، ثقة. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1770)، والنسائي 8/ 163، وأحمد 4/ 342، وحسنه الألباني في "الإرواء" (824). (¬2) انظر الحديث السابق. (¬3) انظر حديث رقم (4232).

(عن عبد الرحمن بن طَرَفَة) بفتح المهملة والراء والفاء، ابن عرفجة التميمي، وثقه العجلي (¬1). (أن جده عرفجة) بفتح العين المهملة والفاء والجيم (بن أسعد) بن كرب بفتح الكاف التميمي (قُطع أنفه) في (يوم الكُلَاب) بضم الكاف وتخفيف اللام وآخره باء موحدة، وهي وقعة كانت في الجاهلية. قال الأصمعي: الكُلَاب: ماء لبني تميم بين الكوفة والبصرة على سبع ليالٍ من اليمامة (¬2). [قال البكري: ] (¬3) اختلف أبناء آكل المرار، وهما شرحبيل وسلمة بعد موت أبيهما، ومع شرحبيل بكر والرباب وبنو يربوع، ومع سلمة تغلب والنمر وبهراء، فقتل أبو حنش شرحبيل وانهزمت شيعته، وذلك بالكلاب، وكانت بنو تميم أيضًا لما وقع بهم كسرى بهجر، وذلك أنهم أغاروا على [لطيمته] (¬4) يوم الصفقة، فلجؤوا إلى الكلاب وقد أمنوا أن تقطع إليهم تلك الصحاري (¬5). (فاتخذ أنفًا من وَرِقٍ) أي: فضة (فأنتن عليه) الموضع مع الفضة (فأمره النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) وهذا الأمر أمر إرشاد (فاتخذ أنفًا من ذهب) وقد استدل به على أنه يجوز استعمال الذهب فيما دعت الضرورة إليه، ¬

_ (¬1) "معرفة الثقات" 2/ 80 (1049). (¬2) انظر: "تاج العروس" 2/ 386. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬5) "معجم ما استعجم" 4/ 1132.

كالأنف فيمن جُدِع أنفه، وفي معنى الأنف الأنملة، ويجوز أيضًا شد السن والأنملة ونحوها بخيط ذهب؛ لأنه أقل من الأنف المنصوص عليه (¬1). وروى الأثرم عن موسى بن طلحة (¬2) وأبي جمرة الضبعي (¬3) (¬4) وأبي رافع (¬5) وثابت البناني (¬6) أنهم شدوا أسنانهم بالذهب. [4233] (حدثنا الحسن بن علي) الحلواني (ثنا يزيد (¬7) بن هارون) السلمي الواسطي (وأبو عاصم) الضحاك المعروف بالنبيل. (قالا: حدثنا أبو الأشهب) جعفر بن الحارث (عن عبد الرحمن بن طرفة) تقدم (عن عرفجة بن أسعد بمعناه، قال يزيد) بن هارون (قلت لأبي الأشهب أدرك (¬8) عبد الرحمن بن طرفة جده عرفجة؟ ) بن أسعد (قال: نعم) أدركه. [4234] (حدثنا مؤمل بن هشام، ثنا إسماعيل) بن إبراهيم، عرف ¬

_ (¬1) انظر: "معالم السنن" 4/ 199 - 200. (¬2) رواه ابن أبي شيبة 5/ 205 (25250)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 258، وفي "شرح مشكل الآثار" 4/ 36. (¬3) في الأصول: والضبعي. وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه، انظر: "سير أعلام النبلاء" 5/ 243. (¬4) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 259، وفي "شرح مشكل الآثار" 4/ 37. (¬5) رواه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 4/ 38. (¬6) رواه ابن أبي شيبة 5/ 206 (25256). (¬7) فوقها في (ل)، (ح): (ع). (¬8) فوقها في (ح): (خـ). وبعدها في جميع النسخ: أأدرك.

بابن عُلية أمه. (عن أبي الأشهب، عن عبد الرحمن بن طرفة، عن عرفجة بن أسعد، عن أبيه) أسعد (أن عرفجة) ثم ذكر الحديث (بمعناه) المذكور. قال الحافظ الخطيب: كذا عند القاضي. قال الترمذي: حديث حسن، إنما نعرفه من حديث عبد الرحمن بن طرفة (¬1). والصواب ابن طرفة بن عرفجة. * * * ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" عقب حديث (1770).

8 - باب ما جاء في الذهب للنساء

8 - باب ما جاءَ في الذَّهَبِ لِلنِّساءِ 4235 - حَدَّثَنا ابن نُفَيْلٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، قالَ: حَدَّثَني يَحْيَى بْنُ عَبّادٍ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها قالَتْ: قَدِمَتْ عَلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حِلْيَةٌ مِنْ عِنْدِ النَّجاشي أَهْداها لَهُ فِيها خاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ فَصٌّ حَبَشي قالَتْ: فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِعُودٍ فعْرِضًا عَنْهُ أَوْ بِبَعْضِ أَصابِعِهِ ثُمَّ دَعَى أُمامَةَ ابنةَ أَبِي العاصِ ابنةَ ابنتِهِ زَيْنَبَ فَقالَ: "تَحَلَّى بهذا يا بُنيَّةُ" (¬1). 4236 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ -يَعْني: ابن مُحَمَّدٍ- عَنْ أَسِيدِ بْنِ أَبِي أَسِيدٍ البَرّادِ، عَنْ نافِعِ بْنِ عيّاشٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُحَلِّقَ حَبِيبَهُ حَلْقَة مِنْ نارٍ فَلْيُحَلِّقْهُ حَلْقَةً مِنْ ذَهَبٍ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُطَوِّقَ حَبِيبَهُ طَوْقًا مِنْ نارٍ فَلْيُطَوِّقْهُ طَوْقًا مِنْ ذَهَبٍ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُسَوِّرَ حَبِيبَهُ سِوارًا مِنْ نارٍ فَلْيُسَوِّرْهُ سِوارًا مِنْ ذَهَبٍ، ولكن عَلَيْكُمْ بِالفِضَّةِ فالعَبُوا بِها" (¬2). 4237 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعي بْنِ حِراشٍ، عَنِ امْرَأَتِهِ، عَنْ أُخْتٍ لِحُذَيْفَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "يا مَعْشَرَ النِّساءِ أَما لكنَّ فى الفِضَّةِ ما تَحَلَّيْنَ بهِ، أَما إِنَّهُ لَيْسَ مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تَحَلَّى ذَهَبًا تُظْهِرُهُ إِلَّا عُذِّبَتْ بِهِ" (¬3). 4238 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا أَبانُ بْنُ يَزِيدَ العَطّارُ، حَدَّثَنا يَحْيَى ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (3644)، وأحمد 6/ 119، وأبو يعلى (4470)، وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود". (¬2) رواه أحمد 2/ 334، 378، والبيهقي 4/ 140، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (772). (¬3) رواه النسائي 8/ 156 - 157، وأحمد 5/ 398، والدارمى (2687)، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (772).

أَنَّ مَحْمُودَ بْنَ عَمْرٍو الأَنْصاري حَدَّثَهُ أَنَّ أَسْماءَ بِنْتَ يَزِيدَ حَدَّثَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "أيُّما امْرَأَةٍ تَقَلَّدَتْ قِلادَةً مِنْ ذَهَبٍ قُلِّدَتْ في عُنُقِها مِثْلَهُ مِنَ النّارِ يَوْمَ القِيامَةِ، وَأَيُّما امْرَأَةٍ جَعَلَتْ في أُذُنِها خُرْصًا مِنْ ذَهَبٍ جُعِلَ في أُذُنِها مِثْلُهُ مِنَ النّارِ يَوْمَ القِيامَةِ" (¬1). 4239 - حَدَّثَنا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ، حَدَّثَنا خالِدٌ عَنْ مَيْمُونٍ القَنّادِ، عَنْ أَبي قِلابَةَ، عَنْ مُعاوِيةَ بْنِ أَبي سُفْيانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عَنْ رُكُوبِ النِّمارِ وَعَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ إِلَّا مُقَطَّعًا. قالَ أَبُو داوُدَ: أَبُو قِلابَةَ لَمْ يَلْقَ مُعاوِيَةَ (¬2). * * * باب في الذهب للنساء [4235] (حدثنا) (¬3) عبد اللَّه بن محمد (ابن نفيل) الحافظ النفيلي (ثنا محمد بن سلمة) بن عبد اللَّه الباهلي، أخرج له مسلم، (عن محمد بن إسحاق حدثني يحيى بن عباد) أخرج له مسلم (عن أبيه عباد (¬4) بن عبد اللَّه) بن الزبير بن العوام (عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قَدِمَتْ) بفتح الميم (على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حِليةٌ) بكسر الحاء المهملة، جمعها حِلًى مثل لحية ولحى، وربما ضم، والحلي: اسم لكل ما يتزين به من مصاغ ¬

_ (¬1) رواه النسائي 8/ 157، وأحمد 6/ 455، والبيهقي 4/ 141، وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب" (473). (¬2) رواه النسائي 8/ 161، وأحمد 4/ 93، والبيهقي 3/ 277، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" 1/ 189. (¬3) بياض في (ل) بمقدار كلمة. (¬4) فوقها في (ل)، (ح): (ع).

الذهب والفضة (من عند) أصحمة (النجاشي) كل من ملك الحبشة يقال له: النجاشي، وكل من ملك الروم: قيصر، وكل من ملك الفرس: كسرى، وكل من ملك القبط: فرعون، ومن ملك مصر: العزيز، ومن ملك اليمن: تبع، ومن ملك المسلمين: أمير المؤمنين. (أهداها له) فيه جواز قبول هدية الكافر (فيها خاتم من ذهب) لفظ ابن ماجه: أهدى النجاشي إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حلقة فيها خاتم ذهب (¬1) (فيه فص حبشي) يحتمل المراد فصه حجر من بلاد الحبش أو منسوب إليهم، أو أنه من الجزع أو العقيق، أو لأن معدنهما اليمن والحبشة. (قالت: فأخذه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعود معرضًا عنه) بوجهه، وضعه فيه، وحمله به، ولم يمسه بيده (أو) قال: أخذه (ببعض أصابعه) معرضًا عنه بوجهه الكريم امتثالًا لقوله تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِى} (¬2) وروى الأصبهاني عن البراء بن عازب قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من مد عينيه إلى زينة المترفين كان ممقوتًا في ملكوت السموات" (¬3) وفيه دليل على تحريم خواتيم الذهب للرجال، وعلى أن الرجل لا يمسه بيده، بل بعود أو غيره كما في الحديث. (ثم دعا أمامة بنت أبي العاص) لقيط -عند الأكثر- بن الربيع بن عبد العزى صهر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (ابنة ابنته زينب) بنت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (فقال: ) ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (3644). (¬2) سورة طه: 131. (¬3) "الترغيب والترهيب" (1455)، (1602). وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (1874).

لها (تحلي بهذا يا بنية) فيه دليل على إباحة الذهب للنساء فيما جرت عادتهن بلبسه كالخاتم والسوار والخلخال والقرط ونحو ذلك، فأما ما لم تجر العادة بلبسه كالمنطقة وشبهها من حلي الرجال فهو محرم وعليها زكاته، كما لو اتخذ الرجل حلي المرأة. [4236] (حدثنا عبد اللَّه بن مسلمة) القعنبي (ثنا عبد (¬1) العزيز ابن محمد) الدراوردي. (عن أسيد) بفتح الهمزة وكسر السين (ابن أبي أسيد البراد) بفتح الموحدة والراء المشددة وبعد الألف دال، وهو صدوق (عن نافع بن عياش) بالمثناة تحت والشين المعجمة، وبالموحدة وبعد الألف مهملة، روايتان، أبو محمد الأقرع المدني، ثقة فاضل. (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: من أحب أن يحلق) بضم الياء وتشديد اللام المفتوحة (حبيبه حلقة) بسكون اللام، ونصب آخره (من نار فليحلقه بحلقة من ذهب) والمعنى: فكما لا يحب أحدكم أن يحلق من يحبه بحلقة من النار فليجنبه لبس حلق من ذهب ويباعده عنها، وإن رآه لابسها فليزجره عنها، وإن لم ينزجر فلينزعها عنه كرهًا. وفي الحديث أنه نهى عن حلق الذهب (¬2). جمع حلقة، وهي: الخاتم بلا فص (ومن أحب أن يطوق حبيبه طوقًا من نار فليطوقه طوقًا من ذهب، ومن أحب أن يسور) بكسر الواو (حبيبه سوارًا) بكسر السين وضمها. ¬

_ (¬1) فوقها في (ح)، (ل): (ع). (¬2) رواه النسائي 8/ 166، 302، وأحمد 1/ 120، 138 من حديث علي مرفوعًا.

قال ابن هشام: يقال له: سوار إذا كان من ذهب، فإن كان من فضة فهو قلب. ويرده قوله تعالى: {أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ} (¬1). (من نار فليسوره سوارًا من ذهب) والمراد بحبيبه من يحبه من ولدٍ أو زوجة أو غيرهما، ويدخل فيه الصغير والكبير، وإن كان الصغير أقرب إلى المعنى؛ إذ هو الذي يلبس غالبًا؛ إذ الكبير يلبس بنفسه (ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها) المراد باللعب بالفضة تقليبها والتصرف فيها كما يشاء من أنواع التزين، وسواء فيه الرجل والمرأة؛ ولهذا سماه لعبًا كلعب الصبيان في عدم الحرج عليهم. قال بعضهم: معنى الحديث: اجعلوا الفضة في أي أنواع الحلي شئتم إذا كان التحلي للنساء، ولا يحل للرجال إلا الخاتم وتحلية السيف وغيره من آلات الحرب ما لم يصل إلى السرف. [4237] (حدثنا مسدد، ثنا أبو عوانة) (¬2) الوضاح بن عبد اللَّه اليشكري (عن منصور) [بن زاذان الواسطي] (¬3). (عن ربعي بن حراش) بكسر الحاء المهملة (عن امرأته) قال المنذري: مجهولة (¬4). قال: وفي بعض طرقه عند النسائي: عن ربعي عن امرأة (¬5). ¬

_ (¬1) سورة الإنسان: 21. (¬2) فوقها في (ل)، (ح): (ع). (¬3) كذا في الأصول، وهو خطأ، والصواب: (ابن المعتمر). انظر "تهذيب الكمال" 28/ 546، 9/ 54. (¬4) "مختصر سنن أبي داود" 6/ 124. (¬5) السابق، وانظر: "تحفة الأشراف" 12/ 474 (18043).

(عن أخت لحذيفة) ذكرها أبو عمر النمري وسماها فاطمة، قال: روي عنها حديث في كراهة تحلي النساء بالذهب، وإن صح فهو منسوخ. قال: ولحذيفة أخوات أدركن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1). هكذا ذكرها في حرف الفاء، وقال في حرف الخاء: خولة بنت اليمان أخت حذيفة، روى عنها أبو سلمة بن عبد الرحمن قالت: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا خير في جماعة النساء إلا عند ميتٍّ (¬2)، فإنهن إذا اجتمعن قلن وقلن" (¬3) (¬4). فهما عنده اثنتان. (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: يا معشر النساء أما لكن) بتخفيف الميم وتشديد النون (في الفضة ما) لفظ النسائي: خطبنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "يا معشر النساء، أما لكن في الفضة ما تحلين أما إنه ليس من إمرأة تحلت ذهبا" (¬5) (تحلين) بفتح المثناة والحاء، أصله: تتحلين، فحذفت إحدى التاءين تخفيفًا (به، أما إنه ليس منكن امرأة) بالرفع (تتحلى) بمثناتين مفتوحتين (ذهبًا) و (تظهره إلا عذبت به) قال المنذري: هذا الحديث الذي ورد فيه الوعيد على تحلي النساء بالذهب يحتمل وجوهًا من التأويل: أحدها: أنه منسوخ -يعني: كما ¬

_ (¬1) "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" 4/ 455 - 456 (3499). (¬2) في الأصول: ست. وما أثبتناه كما في مصادر التخريج. (¬3) رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 6/ 63 (3273)، والطبراني 24/ 246 (632). (¬4) "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" 4/ 393 (3361). (¬5) "المجتبى" 8/ 156 - 157.

تقدم عن ابن عبد البر- فإنه قد ثبت إباحة تحلي النساء بالذهب. الثاني: أنه في حق من تزينت به وتبرجت وأظهرته، وقال النسائي في باب الكراهة للنساء في إظهار الحلي والذهب، ثم صدره بحديث عقبة بن عامر أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يمنع أهله الحلية والحرير ويقول: "إن كنتم تحبون حلية الجنة وحريرها، فلا تلبسوهما في الدنيا" (¬1). ورواه الحاكم أيضًا، وقال: صحيح على شرطهما (¬2)، والثالث: أن هذا في حق من لا يؤدي زكاته دون من أداها، الرابع: أنه إنما منع منه في حديث الأسورة والتيجان لما رأى من غلظه، فإنه مظنة الفخر والخيلاء، وبقية الأحاديث محمولة على هذا (¬3). [4238] (حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا أبان بن يزيد العطار) البصري، أخرج له الشيخان (ثنا يحيى) بن أبي كثير (أن محمود بن عمرو) بن يزيد (الأنصاري) ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4). (حدثه أن) عمته (أسماء بنت يزيد) بن السكن الأنصارية بنت عمة معاذ -رضي اللَّه عنه-، أتت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: إني رسول من ورائي من جماعة نساء المسلمين كلهن يقلن بقولي، وعلى مثل رأيي أن اللَّه بعثك إلى الرجال والنساء، فآمنا بك واتبعناك، ونحن معشر النساء مقصورات مخدرات قواعد بيوت وموضع شهوات الرجال، وحاملات ¬

_ (¬1) "المجتبى" 8/ 156. (¬2) "المستدرك" 4/ 191. (¬3) "الترغيب والترهيب" 2/ 77، 78، 79. (¬4) 5/ 434.

أولادهم وإن الرجال فضلوا بالجماعات وشهود الجنائز والجهاد. وإذا خرجوا للجهاد حفظنا عليهم أموالهم، أفنشاركهم في الأجر يا رسول اللَّه؟ فالتفت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بجهه إلى أصحابه وقال: "هل سمعتم مقالة امرأة أحسن سؤالًا عن دينها من هذِه؟ " فقالوا: بلى يا رسول اللَّه. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "انصرفي يا أسماء وأعلمي من وراءك من النساء إن حسن تبعل (¬1) إحداكن لزوجها، وطلبها لمرضاته، واتباعها لموافقته يعدل كل ما (¬2) ذكرت للرجال"، فانصرفت أسماء وهي تهلل وتكبر استبشارًا (¬3). وقتلت يوم اليرموك تسعة بخشبة. (حدثته أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: أيما امرأة تقلدت قلادة) لفظ النسائي: "أيما امرأة تحلت بقلادة" (¬4) (من ذهب) جعلت (قلدت فى عنقها مثله (¬5) من النار) وللنسائي: "مثلها في النار يوم القيامة" (¬6). (وأيما امرأة جعلت في أذنها خرصًا) بضم الخاء وكسرها، وهو الحلقة الصغيرة من الحلي، وهو من حلي الأذن، ومنه الحديث: أنه وعظ النساء وحثهن على الصدقة، فجعلت المرأة تلقي الخرص والخاتم (¬7). ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) في (ل): كلمة، وهو خطأ. (¬3) انظر: "الاستيعاب" 4/ 350، "سير أعلام النبلاء" 2/ 296. (¬4) "المجتبى" 8/ 157. (¬5) بعدها في (ل)، (م): مثلها. وفوقها: ش، وهي مطموسة في (ح). (¬6) "المجتبى" 8/ 157 - 158 بلفظ: "مثله خرصًا من النار يوم القيامة". (¬7) رواه بهذا اللفظ مسلم (884) (2) من حديث ابن عباس.

(جعل) اللَّه عزَّ وجلَّ (في أذنها مثله) (¬1) خرصًا مثله (¬2) ([من النار] (¬3) يوم القيامة) كذا للنسائي (¬4)، حمله بعضهم على أنه قال ذلك في الزمان الأول قبل النسخ، ثم نسخ بما ثبت في الأخبار الصحيحة من إباحة التحلي بالذهب للنساء في قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها" (¬5) وقيل: هذا الوعيد فيمن لا تؤدي زكاة حليها؛ فهو مخصوص بها دون من أداها، ويأتي فيه ما تقدم في الحديث قبله. [4239] (حدثنا حميد بن مسعدة) الباهلي، شيخ مسلم (ثنا إسماعيل) [بن إبراهيم البغدادي] (¬6) (ثنا خالد) بن مهران الحذاء (عن ميمون القناد) بفتح القاف، وتشديد النون، وبعد الألف دال، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬7) وهو بصري. (عن أبي قلابة) عبد اللَّه بن زيد الجرمي (عن معاوية بن أبي سفيان) صخر بن حرب، الخليفة، سمع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن ركوب النمار) بكسر النون، جمع نمر. ¬

_ (¬1) بعدها في (ل)، (م) وهامش (ح): مثلها، وفوقها: خـ. (¬2) ساقطة من (ح). وهي مكررة في (ل). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأثبت من "السنن". (¬4) "المجتبى" 8/ 157 - 158. (¬5) رواه من حديث علي -رضي اللَّه عنه- بتمامه ابن ماجه (3595)، ومن حديث عبد اللَّه بن عمرو رواه ابن ماجه (3597)، ومن حديث أبي موسى الأشعري رواه الترمذي (1720) والنسائي 8/ 161، وأحمد 4/ 392 - 393، 4/ 394. (¬6) ما بين المعقوفتين بياض في (ح)، (ل). (¬7) 7/ 471.

وفي رواية: النمور (¬1). أي: نهى عن الركوب على جلود النمور، وهي السباع المعروفة -كما تقدم- نهى عن استعمالها؛ لما فيه من الزينة والخيلاء. وقيل: لأنها من زي العجم، وفيه تشبه بهم؛ لأنه إنما يراد به ذو الشعر، وهو لا يقبل الدباغ فلا يطهر. (وعن لبس الذهب إلا مقطعًا) قال المنذري: أبو قلابة لم يسمع من معاوية، لكن روى النسائي أيضًا عن قتادة، عن أبي شيخ أنه سمع معاوية وعنده جمع من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: أتعلمون أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن لبس الذهب إلا مقطعًا؟ قالوا: اللهم نعم (¬2). وهذا متصل، وأبو شيخ ثقة مشهور (¬3). (قال أبو داود: أبو قلابة لم يلق (¬4) معاوية) والمراد بالنهي الذهب الكثير إلا المقطع قطعًا يسيرة منه يجعل حلقة أو قرطًا أو خاتمًا للنساء، أو في سيف الرجل، وكره الكثير منه الذي هو عادة أهل السرف والخيلاء والتكبر، وقد يضبط الكثير بما كان نصابًا تجب فيه الزكاة، [واليسير بما لا تجب فيه، ويكون كره استعمال الكثير منه؛ لأن صاحبه ربما بخل بإخراج زكاته] (¬5) فيأثم بذلك عند من أوجب زكاته؛ ولهذا قال أصحابنا: الأصح تحريم المبالغة في السرف فيما أبحنا استعماله كخلخال وزنه مائة دينار، وكذا إسراف الرجل في آلة ¬

_ (¬1) رواها ابن ماجه (3656). (¬2) "المجتبى" 8/ 161. (¬3) "الترغيب والترهيب" 2/ 79. (¬4) فوقها في (ل)، (م) وهامش (ح): خـ وبعدها: يسمع من. (¬5) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

الحرب كالسروج المعوقة ونحو ذلك (¬1). ويدل على هذا ما تقدم في رواية المصنف عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: أتت امرأة من أهل اليمن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ومعها ابنة لها في يديها مسكتان من ذهب فقال: "تعطين زكاة فيها؟ " قالت: لا. قال: "أتحبين أن يسورك اللَّه سوارًا من نار؟ " (¬2) فلولا أنه علم أن [المسكتين يبلغان] (¬3) نصاب الزكاة لما قال لها: "تعطين زكاته" وبه يجمع بين الأحاديث، واللَّه تعالى بالمراد عالم. (وهذا آخر كتاب الخاتم) والحمد للَّه على مزيد فضله الدائم. وصلى اللَّه على سيدنا محمد الفاتح الخاتم (يتلوه أول كتاب الفتن) [وحسبنا اللَّه ونعم الوكيل] (¬4). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "نهاية المطلب" 3/ 285، "المجموع" 4/ 330. (¬2) سبق برقم (1563) بلفظ: "أتعطين زكاة هذا؟ " "أيسرك أن يسورك اللَّه بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ ". (¬3) في جميع النسخ: المسكتان يبلغا والجادة ما أثبتناه. (¬4) ما بين المعقوفتين بدله في (ل)، (م): أعاذنا اللَّه منها ومن كل المحن.

كتاب الفتن

كتاب الفتن

1 - باب ذكر الفتن ودلائلها

36 - الفتن 1 - باب ذكْرِ الفِتَنِ وَدَلائِلِها 4240 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي وائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قالَ: قامَ فِينا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قائِمًا فَما تَرَكَ شَيْئًا يَكُونُ في مَقامِهِ ذَلِكَ إِلَى قِيامِ السّاعَةِ إِلَّا حَدَّثَهُ حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ قَدْ عَلِمَهُ أَصْحابُهُ هؤلاء، وَإِنَّهُ لَيَكُونُ مِنْهُ الشَّيء، فَأَذْكُرُهُ كَما يَذْكرُ الرَّجُلُ وَجْهَ الرَّجُلِ إِذا غابَ عَنْهُ ثُمَّ إِذا رَآهُ عَرَفَهُ (¬1). 4241 - حَدَّثَنا هارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنا أَبُو داوُدَ الحَفَري، عَنْ بَدْرِ بْنِ عُثْمانَ، عَنْ عامِرٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "يَكُونُ في هذِه الأُمَّةِ أَرْبَعُ فِتَنٍ في آخِرِها الفَناءُ" (¬2). 4242 - حَدَّثَنا يَحْيَى بْن عُثْمانَ بْنِ سَعِيدٍ الحِمْصي، حَدَّثَنا أَبُو المُغِيرَةِ، حَدَّثَني ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6604)، ومسلم (2891). (¬2) رواه ابن أبي شيبة 21/ 254 (38723). وضعفه الألباني في "الضعيفة" (4831).

عَبْدُ اللَّهِ بْن سالِمٍ حَدَّثَني العَلاءُ بْن عُتْبَةَ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ هانِئٍ العَنْسي قالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقولُ: كُنّا قُعُودًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَذَكَرَ الفِتَنَ فَأَكْثَرَ في ذِكْرِها حَتَّى ذَكَرَ فِتْنَةَ الأَحْلاسِ فَقالَ قائِلٌ: يا رَسُولَ اللَّهِ وَما فِتْنَةُ الأَحْلاسِ؟ قالَ: "هي هَرَبٌ وَحَرْبٌ ثُمَّ فِتْنَةُ السَّرّاءِ دَخَنُها مِنْ تَحْتِ قَدَمَي رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتي يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنّي وَلَيْسَ مِنّي وَإِنَّما أَوْلِيائي المُتَّقُونَ ثُمَّ يَصْطَلِحُ النّاسُ عَلَى رَجُلٍ كَوَرِكٍ عَلَى ضِلَعٍ، ثُمَّ فِتْنَةُ الدُّهَيْماءِ لا تَدَعُ أَحَدًا مِنْ هذِه الأُمَّةِ إِلَّا لَطَمَتْهُ لَطْمَةً فَإِذا قِيلَ انقَضَتْ تَمادَتْ يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيها مُؤْمِنًا وَيُمْسي كافِرًا حَتَّى يَصِيرَ النّاسُ إِلَى فُسْطاطَيْنِ فُسْطاطِ إِيمانٍ لا نِفاقَ فِيهِ، وَفُسْطاطِ نِفاقٍ لا إِيمانَ فِيهِ فَإِذا كانَ ذاكُمْ فانْتَظِرُوا الدَّجّالَ مِنْ يَوْمِهِ أَوْ مِنْ غَدِهِ" (¬1). 4243 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا ابن أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنا ابن فَرُّوخَ أَخْبَرَني أُسامَةُ بْن زَيْدٍ أَخْبَرَني ابن لِقَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ قالَ: قالَ حُذَيْفَةُ ابْنُ اليَمانِ واللَّه ما أَدْري أَنَسي أَصْحابي أَمْ تَناسَوْا، واللَّه ما تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْ قائِدِ فِتْنَةٍ إِلَى أَنْ تَنْقَضي الدُّنْيا يَبْلُغُ مَنْ مَعَهُ ثَلاثَمِائَةٍ فَصاعِدًا إِلَّا قَدْ سَمّاهُ لَنا بِاسْمِهِ واسْمِ أَبِيهِ واسْمِ قَبِيلَتِهِ (¬2). 4244 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ نَصْرِ بْنِ عاصِمٍ، عَنْ سُبَيْعِ بْنِ خالِدٍ قالَ: أَتَيْتُ الكُوفَةَ في زَمَنِ فُتِحَتْ تُسْتَرُ أَجْلُبُ مِنْها بِغالًا فَدَخَلْتُ المَسْجِدَ فَإِذا صَدْعٌ مِنَ الرِّجالِ، وَإِذا رَجُلٌ جالِسٌ تَعْرِفُ إِذا رَأَيْتَهُ أَنَّهُ مِنْ رِجالِ أَهْلِ الحِجازِ، قالَ: قُلْتُ: مَنْ هذا؟ فَتَجَهَّمَني القَوْمُ وَقالُوا: أَما تَعْرِفُ هذا هذا حُذَيْفَةُ بْنُ اليَمانِ صاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فَقالَ حُذَيْفَةُ: إِنَّ النّاسَ كانُوا يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنِ الخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 133. وصححه الألباني في "الصحيحة" (974). (¬2) ضعفه الألباني في "المشكاة" (5393).

الشَّرِّ فَأَحْدَقَهُ القَوْمُ بِأَبْصارِهِمْ، فَقالَ: إِنّي قَدْ أَرى الذي تُنْكِرُونَ إِنّي قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ هذا الخَيْرَ الذي أَعْطانا اللَّه أَيَكُونُ بَعْدَهُ شَرٌّ كَما كانَ قَبْلَهُ؟ قالَ: "نَعَمْ". قُلْتُ فَما العِصْمَةُ مِنْ ذَلِكَ قالَ: "السَّيْفُ". فلْت: يا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ ماذا يَكُونُ قالَ: "إِنْ كانَ للَّه خَلِيفَةٌ في الأَرْضِ فَضَرَبَ ظَهْرَكَ وَأَخَذَ مالَكَ فَأَطِعْهُ وَإِلَّا فَمُتْ وَأَنْتَ عاضٌّ بِجِذْلِ شَجَرَةٍ". قُلْتُ: ثُمَّ ماذا؟ قالَ: "ثُمَّ يَخْرُجُ الدَّجّالُ مَعَهُ نَهْرٌ وَنارٌ، فَمَنْ وَقَعَ في نارِهِ وَجَبَ أَجْرُهُ وَحُطَّ وِزْرُهُ، وَمَنْ وَقَعَ في نَهْرِهِ وَجَبَ وِزْرُهُ وَحُطَّ أَجْرُهُ". قالَ: قُلْت: ثُمَّ ماذا؟ قالَ: "ثُمَّ هي قِيامُ السّاعَةِ" (¬1). 4245 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ نَصْرِ بْنِ عاصِمٍ، عَنْ خالِدِ بْنِ خالِدٍ اليَشْكُري بهذا الحَدِيثِ، قالَ: قُلْتُ: بَعْدَ السَّيْفِ؟ قالَ: "بَقِيَّةٌ عَلَى أَقْذاءٍ وَهُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ". ثُمَّ ساقَ الحَدِيثَ قالَ: كانَ قَتادَةُ يَضَعُهُ عَلَى الرِّدَّةِ التي في زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ: "عَلَى أَقْذاءٍ". يَقُولُ قَذى. وَهُدْنَةٌ". يَقُولُ صُلْحٌ: "عَلَى دَخَنٍ". عَلَى ضَغائِنَ (¬2). 4246 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبي، حَدَّثَنا سُلَيْمانُ -يَعْني: ابن المُغِيرَةِ- عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ نَصْرِ بْنِ عاصِمٍ اللَّيْثي قالَ: أَتَيْنا اليَشْكُري في رَهْطٍ مِنْ بَني لَيْثٍ فَقالَ مَنِ القَوْمُ فَقُلْنا بَنُو لَيْثٍ أَتَيْناكَ نَسْأَلُكَ، عَنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ فَذَكَرَ الحَدِيثَ قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ بَعْدَ هذا الخَيْرِ شَرٌّ قالَ: "فِتْنَةٌ وَشَرٌّ". قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ؟ هَلْ بَعْدَ هذا الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قالَ: "يا حُذَيْفَةُ تَعَلَّمْ كِتابَ اللَّهِ واتَّبعْ ما فِيهِ". ثَلاثَ مِرارٍ. قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ بَعْدَ هذا الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قالَ: "هُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 403. ورواه بنحوه البخاري (3606)، ومسلم (1847). وروى قصة الدجال البخاري (3450)، ومسلم (2934). (¬2) رواه معمر في "جامعه" 11/ 341 - 343 (20711)، وأحمد 5/ 403 مطولا. وانظر السابق وتالييه.

وَجَماعَةٌ عَلَى أَقْذاءٍ فِيها أَوْ فِيهِمْ". قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ الهُدْنَةُ عَلَى الدَّخَنِ ما هي قالَ: "لا تَرْجِعُ قُلُوبُ أَقْوامٍ عَلَى الذي كانَتْ عَلَيْهِ". قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ أَبَعْدَ هذا الخَيْرِ شَرٌّ قالَ: "فِتْنَةٌ عَمْياءُ صَمّاءُ عَلَيْها دُعاةٌ عَلَى أَبْوابِ النّارِ فَإنْ تَمُتْ يا حُذَيْفَةُ وَأَنْتَ عاضٌّ عَلَى جِذْلٍ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَتَّبعَ أَحَدًا مِنْهُمْ" (¬1). 4247 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ، حَدَّثَنا أَبُو التّيّاحِ، عَنْ صَخْرِ بْنِ بَدْرٍ العِجْلي، عَنْ سُبَيْعِ بْنِ خالِدٍ بهذا الحَدِيثِ عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "فَإِنْ لَمْ تَجِدْ يَوْمَئِذٍ خَلِيفَةً فاهْرَبْ حَتَّى تَمُوتَ فَإِنْ تَمُتْ وَأَنْتَ عاضٌّ". وقالَ: في آخِرِهِ قالَ: قُلْتُ: فَما يَكونُ بَعْدَ ذَلِكَ؟ قالَ: "لَوْ أَنَّ رَجُلًا نَتَجَ فَرَسًا لَمْ تُنْتَجْ حَتَّى تَقُومَ السّاعَةُ" (¬2). 4248 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا الأَعْمَشُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ الكَعْبَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ بايَعَ إِمامًا فَأَعْطاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ ما اسْتَطاعَ فَإِنْ جاءَ آخَرُ يُنازِعُهُ فاضْرِبُوا رَقَبَةَ الآخَرِ". قُلْتُ: أَنْتَ سَمِعْتَ هذا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: سَمِعَتْهُ أُذُناي وَوَعاهُ قَلْبَي. قُلْتُ: هذا ابن عَمِّكَ مُعاوِيَةُ يَأْمُرُنا أَنْ نَفْعَلَ وَنَفْعَلَ. قالَ أَطِعْهُ في طاعَةِ اللَّهِ واعْصِهِ في مَعْصِيَةِ اللَّهِ (¬3). 4249 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْن مُوسَى عَنْ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 386. وانظر ما قبله. وحسن إسناده الألباني في "صحيح سنن أبي داود". (¬2) رواه أحمد 5/ 403. ضعف إسناده الألباني في "الصحيحة" (1791). (¬3) رواه مسلم (1844).

شَيْبانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ أَفْلَحَ مَنْ كَفَّ يَدَهُ" (¬1). 4250 - قالَ أَبُو داوُدَ: حُدِّثْتُ، عَنِ ابن وَهْبٍ قالَ: حَدَّثَنا جَرِيرٌ بْن حازِمٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يُوشِكُ المُسْلِمُونَ أَنْ يُحاصَرُوا إِلَى المَدِينَةِ حَتَّى يَكُونَ أَبْعَدُ مَسالِحِهِمْ سَلاحَ" (¬2). 4251 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْري قالَ: وَسَلاحُ قَرِيبٌ مِنْ خَيْبَرَ. 4252 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى قالا: حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ أَبي قِلابَةَ، عَنْ أَبي أَسْماءَ، عَنْ ثَوْبانَ قالَ: قالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ زَوى لي الأَرْضَ". أَوْ قالَ: "إِنَّ رَبّي زَوى لي الأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشارِقَها وَمَغارِبَها، وَإِنَّ مُلْكَ أُمَّتي سَيَبْلُغُ ما زُوي لي مِنْها، وَأُعْطِيتُ الكَنْزَيْنِ الأَحْمَرَ والأَبْيَضَ، وَإِنّي سَأَلْتُ رَبّي لأُمَّتي أَنْ لا يُهْلِكَها بِسَنَةٍ بِعامَّةٍ، وَلا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وَإِنَّ رَبّي قالَ لي: يا مُحَمَّدُ إِنّي إِذا قَضَيْتُ قَضاءً فَإنَّهُ لا يُرَدُّ وَلا أُهْلِكُهُمْ بِسَنَةٍ بِعامَّةٍ، وَلا أُسَلِّطُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوى أَنفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ، بَيْضَتَهُمْ وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بَيْنَ أَقْطارِها أَوْ قالَ: بِأَقْطارِها حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا، وَحَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يَسْبي بَعْضًا وَإِنَّما أَخافُ عَلَى أُمَّتي الأَئِمَّةَ المُضِلِّينَ، وَإِذا وُضِعَ السَّيْفُ في أُمَّتي لَمْ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 441. وصححه الألباني في "المشكاة" (5404). (¬2) رواه ابن حبان 15/ 174 (6771)، والطبراني في "الأوسط" 6/ 286 (6432)، والحاكم 4/ 511. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (8181).

يُرْفَعْ عَنْها إِلَى يَوْمِ القِيامَةِ وَلا تَقُومُ السّاعَةُ حَتَّى تَلْحَقَ قَبائِلُ مِنْ أُمَّتي بِالمُشْرِكِينَ وَحَتَّى تَعْبُدَ قَبائِلُ مِنْ أُمَّتي الأَوْثانَ وَإِنَّهُ سَيَكُونُ في أُمَّتي كَذّابُونَ ثَلاثُونَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبي وَأَنا خاتَمُ النَّبِيِّينَ لا نَبي بَعْدي وَلا تَزالُ طائِفَةٌ مِنْ أُمَّتي عَلَى الحَقِّ". قالَ ابن عِيسَى: "ظاهِرِينَ". ثمَّ اتَّفَقا: "لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتي أَمْرُ اللَّهِ" (¬1). 4253 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن عَوْفٍ الطّائي، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن إِسْماعِيلَ حَدَّثَني أَبِي -قالَ ابن عَوْفٍ: وَقَرَأْتُ في أَصْلِ إِسْماعِيلَ-، قالَ: حَدَّثَني ضَمْضَمٌ عَنْ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِي مالِكٍ -يَعْني: الأَشْعَري- قالَ: قالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ أَجارَكُمْ مِنْ ثَلاثِ خِلالٍ أَنْ لا يَدْعُوَ عَلَيْكُمْ نَبِيُّكُمْ فَتَهْلِكُوا جَمِيعًا وَأَنْ لا يَظْهَرَ أَهْلُ الباطِلِ عَلَى أَهْلِ الحَقِّ وَأَنْ لا تَجْتَمِعُوا عَلَى ضَلالَةٍ" (¬2). 4254 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن سُلَيْمانَ الأَنْباري، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ مَنْصْورٍ، عَنْ رِبْعي بْنِ حِراشٍ، عَنِ البَراءِ بْنِ ناجِيَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "تَدُورُ رَحَى الإِسْلامِ لِخَمْسٍ وَثَلاثِينَ أَوْ سِتٍّ وَثَلاثِينَ أَوْ سَبْعٍ وَثَلاثِينَ، فَإِنْ يَهْلِكُوا فَسَبِيلُ مَنْ هَلَكَ وَإِنْ يَقُمْ لَهُمْ دِينُهُمْ يَقُمْ لَهُمْ سَبْعِينَ عامًا". قالَ: قُلْتُ: أَمِمّا بَقي أَوْ مِمّا مَضَى؟ قالَ: "مِمّا مَضَى". قالَ أَبُو داوُدَ: مَنْ قالَ: (خِراشٍ): فَقَدْ أَخْطَأَ (¬3). 4255 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَني يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ، قالَ: حَدَّثَني حُمَيْدُ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبا هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَتَقارَبُ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2889). (¬2) رواه الطبراني 3/ 292 (3440). وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (1532). (¬3) رواه أحمد 1/ 393. بجواب النبي بلفظ: "مما بقي" بدل "مما مضى". وصححه الألباني في "المشكاة" (5407).

الزَّمانُ وَيَنْقُصُ العِلْمُ وَتَظْهَرُ الفِتَنُ وَيُلْقَى الشُّحُّ وَيَكْثُرُ الهَرْجُ". قِيلَ: يا رَسُولَ اللَّهِ أَيَّةُ هُوَ؟ قالَ: "القَتْلُ القَتْلُ" (¬1). * * * بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أول كتاب الفتن باب ذكر الفتن ودلائلها [4240] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا جرير) (¬2) بن عبد الحميد الضبي (عن الأعمش، عن أبي (¬3) وائل) شقيق بن سلمة الأسدي (عن حذيفة) بن اليمان -رضي اللَّه عنه- (قال: قام فينا) أوضح هذِه الرواية الترمذي بلفظ: صلى بنا (¬4) (رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) يومًا صلاة العصر بنهار، ثم قام خطيبًا فلم يدع شيئًا يكون إلى قيام الساعة إلا أخبرنا به (¬5) (قائمًا فما ترك شيئًا يكون في مقامه) بفتح الميم (ذلك إلى قيام الساعة إلا حدثه) قال القرطبي: هذا المجرور الذي في مقامه يجوز أن يتعلق بـ (ترك)، والأليق أن يكون متعلقًا بـ (حدت) لأن الظاهر من الكلام أنه أراد أنه ما ترك شيئًا يكون إلى قيام الساعة إلا حدث به في ذلك المقام (¬6). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (7061)، ومسلم إثر حديث (2672)، وإثر حديث (2888). (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) "سنن الترمذي" (2191) من حديث أبي سعيد الخدري. (¬5) السابق. (¬6) "المفهم" 7/ 220.

وظاهر رواية الترمذي المذكورة أن هذا المقام كان من بعد صلاة العصر لا قبل ذلك، ويجوز أن يكون كانت الخطبة بعد صلاة الصبح إلى غروب الشمس، كما في حديث عمرو بن أخطب (¬1)، وفيه بعد، وعلى كل تقدير فعمومات هذِه الأحاديث يريد بها الخصوص؛ إذ لا يمكن أن يحدث في يوم ولا أيام، بل ولا في أعوام بجميع ما يحدث بعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تفصيلًا، وإنما مقصود هذِه العمومات: الإخبار عن رؤوس الفتن والمحن ورؤسائها. (حفظه من حفظه) بكسر الفاء فيهما (ونسيه من نسيه) ممن سمعه (قد علمه أصحابه) (¬2) وهو لفظ مسلم: قد علمه أصحابي (¬3) (هؤلاء) وهو الظاهر، فإن أصحابه الحاضرين هم الذين قد علموا (وإنه ليكون) أي: ليحدث (منه الشيء) قد نسيته، فيقع كما أخبر به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه) قال عبد الحق الإشبيلي: كذا وقع، قال: ووجه الكلام: كما ينسى الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه (ثم إذا رآه) يذكر ما رأى و (عرفه) وهذا من شواهد نبوته -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يقع الشيء كما أخبر به. [4241] (ثنا هارون بن عبد اللَّه) بن مروان البغدادي، شيخ مسلم (ثنا أبو داود) عمر بن سعد (الحفري) بفتح المهملة والفاء نسبة إلى الحفر، موضع بالكوفة، أخرج له مسلم في مواضع (عن بدر بن عثمان) مولى ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2892). (¬2) بعدها في (ل)، (م): رواية: أصحابي. (¬3) مسلم (2891/ 23).

عثمان بن عفان، أخرج له مسلم (عن عامر) بن شراحيل الشعبي (عن رجل، عن عبد اللَّه) بن مسعود -رضي اللَّه عنه- (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: يكون في الأمة أربع فتن) يشبه أن تكون الفتن التي بعد هذا الحديث تفسير لهذِه الأربع (في آخرها) أي في الفتنة الرابعة يكون (الفناء) بفتح الفاء والمد. يعني: الموت. [4242] (ثنا يحيى بن عثمان بن سعيد الحمصي) أخو عمرو، وهو ثقة عابد من الأبدال (ثنا أبو (¬1) المغيرة) عبد القدوس بن الحجاج الخولاني الحمصي (حدثني عبد اللَّه بن سالم) الأشعري الحمصي، قال النسائي: ليس به بأس. وقال يحيى بن حسان التنيسي: ما رأيت بالشام مثله (¬2)! (حدثني العلاء بن عتبة) اليحصبي بفتح الياء والصاد، الحمصي، صدوق، وقال أبو حاتم: صالح (¬3). (عن عمير (¬4) بن هانئ العنسي) بسكون النون الداراني. (قال: سمعت عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما يقول: كنا قعودًا عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) فيه أن الأدب مع العالم الكبير الجلوس بين يديه دون قيام؛ فإنه غير معروف عندهم، ولو كان مشروعًا لكان أحق بالقيام بين يديه (فذكر الفتن، فأكثر من ذكرها، حتى ذكر فتنة الأحلاس) بالحاء والسين المهملتين، والأحلاس جمع حلس بكسر الحاء، كحمل ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 14/ 549 (3285). (¬3) "الجرح والتعديل" 6/ 358. (¬4) فوقها في (ل): (ع).

وأحمال، وهو في الأصل: الكساء الذي على ظهر البعير تحت القتب، وأضيفت الفتنة إلى الأحلاس؛ لدوامها وطول لبثها وملازمتها، وكل من لازم شيئًا سمي حليسه، ومنه حديث أبي بكر: "كن حلس بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية" (¬1). ويقال للرجل إذا كان يلازم بيته لا يبرح (¬2) منه: هو حلس بيته. قال الخطابي: ويحتمل أن تسمى هذِه الفتنة بالأحلاس؛ لسوادها وظلمتها، والحرب ذهاب الأهل والمال (¬3). (فقال قائل: يا رسول اللَّه وما فتنة الأحلاس؟ قال: هي هرب وحرب) بفتح الحاء المهملة والراء، وهو نهب مال الإنسان وذهاب ماله، قال في "النهاية": الحرب بالتحريك: نهب مال الإنسان وتركه لا شيء له (¬4). ومنه حديث عيينة بن حصن: حتى أدخل على نسائه من الحرب والحزن ما أدخل على نسائي (¬5). ومنه حديث الزبرقان: آخره: حرب (¬6). وروي بالسكون. أي: النزاع، ومن هذا المعنى أخذ لفظ: الحرب؛ ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في "الكبير" 6/ 32 (5424)، وفي "الأوسط" 3/ 30 (2375)، والحاكم في "المستدرك" 13/ 117 - 118 بنحوه من حديث سعد بن زيد الأشهلي مرفوعًا. ونسبه هكذا لأبي بكر الزمخشري في "الفائق في غريب الحديث" 1/ 305، وابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" 1/ 423 وغيرهما. (¬2) في (ح): يخرج. (¬3) "معالم السنن" 4/ 310. (¬4) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 358. (¬5) يأتي برقم (4503). (¬6) رواه مالك في "الموطأ" 2/ 770، والبيهقي في "السنن الكبرى" 6/ 49، وفي "السنن الصغرى" 2/ 294 من قول عمر بن الخطاب. وانظر: "الإرواء" (1436).

لأن فيه ذهاب النفوس والأموال. (ثم فتنة السراء) السراء بفتح السين المهملة والراء المشددة مع المد، قال ابن الأثير والزمخشري في "الفائق": هي البطحاء (¬1). سميت بذلك، لأنها تسر العدو. وقال بعضهم: هي التي تدخل الباطن وتزلزله. قال: ولا أدري ما وجهه. وقال غيره: هو داء يأخذ الناقة في سرتها، يقال: ناقة سراء. أي: بها داء السرر. ومعناه: هي الفتنة التي يصل ضررها إلى صدور الناس لما يلحقهم من الحزن. (دخنها) بفتح الدال والخاء المعجمة ثم نون (من تحت قدمي) بفتح الميم وسكون ياء التثنية (رجل من أهل بيتي) قال في "النهاية": يعني بالدخن ظهورها وإثارتها من الأرض التي تحت أقدامهم، لا من السماء، مبدؤها من تحت قدمي رجل من أهل بيته، فشبهها بالدخان المرتفع (¬2). والدخن بالتحريك مصدر: دخنت النار بكسر الخاء تدخن دخنًا إذا ألقي عليها حطب رطب فكثر دخانها. وقيل: أصل الدخن أن يكون في لون الدابة كدورة إلى سواد، ومنه الحديث: "هدنة على دخن" (¬3) أي: على فساد واختلاف، تشبهًا بدخان الحطب الرطب؛ لما في ذلك من الفساد الباطن. ¬

_ (¬1) "الفائق في غريب الحديث" 1/ 305، "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 361. (¬2) "النهاية في غريب الحديث" 2/ 109. (¬3) يأتي قريبًا (4245، 4246) من حديث حذيفة. ورواه أحمد 5/ 386، 403، والنسائي في "الكبرى" 5/ 17 - 18. وصححه ابن حبان 13/ 298 - 299 (5963)، والحاكم 4/ 431 - 432، والألباني في "الصحيحة" (1791، 2739).

(يزعم أنه مني) ومن أهل بيتي (وليس مني) يعني أن ظهور هذِه الفتنة بواسطة رجل يدعي أنه من أهل بيتي وليس من أهلي، لأنه لو كان من أهلي لم يهيج الفتنة بين أهل ملتي، فهو وإن كان نسبه من أهل بيتي لكنه في فعله هذا ليس مني (وإنما أوليائي المتقون) أي: ليس ولي من أهل بيتي إلا من اتقى اللَّه تعالى وامتثل أمره واجتنب نواهيه. (ثم يصطلح الناس) بعد ذلك (على) تولية (رجل) مثله (كورك) بفتح الواو وكسر الراء، وهو ما فوق الفخذ (على ضلع) بكسر الضاد وفتح اللام المخففة، وهو عظم الجنب، والمراد بالورك والضلع هاهنا المثل، فهذا الرجل غير جدير للملك؛ لقلة علمه وخفة رأيه ولا مستقل به، فهو لا يثبت ملكه ولا يستقيم كما لا يقوم الضلع بالورك ولا يحمله، وإنما يقال في باب البلاغة والموافقة: هو ككف على ساعد. وكساعد في ذراع، ونحو ذلك. قال في "النهاية": أي: يصطلحون على أمرٍ واهٍ لا نظام له ولا استقامة؛ لأن الورك لا يستقيم على الضلع ولا يتركب عليه؛ لاختلاف ما بينهما وبعده (¬1). (ثم) ذكر (فتنة الدهيماء) بضم الدال وفتح الهاء، تصغير دهماء بالمد، على معنى المذمة لها والتعظيم لأمرها، كما قال لبيد: وكل أناس سوف يحدث بينهم ... دويهية تصفر منها الأنامل ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 5/ 176.

وحديث حذيفة: أتتكم الدهيماء ترمي بالرضف (¬1). يريد: الفتنة المظلمة. وقيل: أراد بالدهيماء الداهية؛ فإن من أسماء الداهية: الدهيم، زعموا أن الدهيم في الأصل اسم ناقة كان غزا عليها سبعة إخوة، فقتلوا عن آخرهم وحملوا عليها حتى رجعت بهم، فصارت مثلًا في كل داهية (لا تدع أحذا من هذِه الأمة إلا لطمته لطمة) أي تصل إلى كل واحد من هذِه (¬2) الأمة حصته من تلك الفتنة، فهي كاللطمة، وهي الضربة التي تصل إليه ببطن الكف [منها. (فإذا قيل: انقضت) الفتنة وذهبت (تمادت) تفاعل من المدى، أي، (¬3)، تطاولت وتواصلت وتأخرت، ومنه حديث كعب بن مالك: فلم يزل ذلك يتمادى بي (¬4) و (يصبح الرجل فيها) أي في تلك الفتنة، يعني: يصبح محرمًا لدم أخيه وعرضه، ويمسي مستحلًّا لهما (مؤمنًا، ويمسي) وقد صار (كافرًا) من عظم تلك الفتنة (حتى يصير الناس إلى فسطاطين) بضم الفاء. والفسطاط: الخيمة التي يجتمع الناس تحتها. أي: يصير أهل ذلك الزمان إلى فرقتين مجتمعتين: مسلم خالص، وكافر صرف، أحدهما: (فسطاط إيمان) خالص (لا نفاق فيه) أي: لا نفاق في قلب رجل من ¬

_ (¬1) رواه الحاكم في "المستدرك" 4/ 464، وأبو نعيم في "الحلية" 1/ 273: أتتكم الفتنة ترمي بالرضف. وذكره بلفظ المصنف ابن الأثير في "النهاية" 2/ 146. (¬2) ساقطة من (ل). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) رواه البخاري (4418)، ومسلم (2769).

أهل تلك الفسطاط (و) الثاني (فسطاط) أهل (نفاق) في قلوبهم وألسنتهم (لا إيمان فيه) أي: لا إيمان في قلب رجل منهم (¬1) (فإذا كان ذلكم) الزمان الذي ذكر ووجد فيكم (فانتظروا) ظهور (الدجال) سريعًا (في يومه) أي: في يوم ذلك الوقت، لم يتأخر أو وعده أن يتأخر عن ذلك اليوم، فنسأل اللَّه تعالى العافية من ذلك الزمان. [4243] (ثنا محمد بن يحيى) بن عبد اللَّه بن خالد (بن فارس) الذهلي، شيخ البخاري (ثنا) سعيد بن الحكم (ابن (¬2) أبي مريم) المصري (ثنا) عبد اللَّه (ابن (¬3) فروخ) الخراساني، قال ابن أبي مريم: هو أرضى أهل الأرض عندي (¬4). (أبنا أسامة (¬5) بن زيد) الليثي (أخبرني ابن) قيل: هو: إسحاق القبيصة (¬6) بن ذؤيب) الخزاعي، كان عالمًا ربانيًّا (عن أبيه) قبيصة (قال حذيفة بن اليمان رضي اللَّه عنهما: واللَّه ما أدري) فيه جوازُ الحلف من غير استحلاف، تأكيدٌ لليمين (أنسي أصحابي) ما سمعوه معي (أم تناسوا؟ ) أي: أروا من أنفسهم أنهم نسوا أو تناسوا (¬7). ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) فوقها في (ل): (د). (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 15/ 428 (3481). (¬5) فوقها في (ل): (ع). (¬6) فوقها في (ل): (ع). (¬7) في (ل)، (م): وتنسوا. ولعل المثبت هو الصواب.

(واللَّه ما ترك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من قائد فتنة) أي: طالبها وآت بها يقودها، كما يقاد الجمل، يكون بعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. قائد الفتنة: من يحدث بدعة أو ضلالة ويدعو إليها، لا سيما العالم بالكلام إذا حسن ارتكاب بدعة (إلى أن تنقضي الدنيا، يبلغ) عدد (من معه) أي: مع قائد الفتنة، وهو جملة صفة و (قائد) والمعنى -واللَّه أعلم- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذكر لنا كل قائد فتنة يبلغ أتباعه ثلاثمائة فما فوق ذلك يكون إلى يوم القيامة (ثلاثمائة) رجل (فصاعدًا إلا وقد سماه) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (لنا باسمه واسم أبيه واسم قبيلته) التي هو منها. قال القرطبي: دلت أحاديث هذا الباب على أن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- كان عندهم من علم الكوائن إلى يوم القيامة العلم الكبير، وأسماء قوائد الكوائن وأسماء قبائلهم، كما صرح به في الحديث لكن لم يشيعوها كلها ويشهروها؛ إذ ليست من أحاديث الأحكام، وما كان فيه شيء من ذلك حدثوا به وتقصوا عنه (¬1). ويدل على ذلك حديث أبي هريرة في الصحيحين: حفظت من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وعاءين أما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم (¬2). [4244] (حدثنا مسدد، ثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد اللَّه الحافظ (عن قتادة، عن نصر بن عاصم) الليثي النحوي، أخرج له مسلم (عن سبيع بن خالد) ويقال: خالد بن سبيع اليشكري البصري، مقبول. (قال: أتيت الكوفة في زمن فتحت تستر) بضم التاء الأولى، وفتح ¬

_ (¬1) "المفهم" 7/ 221 وفيه: حدثوا به ونقضوا عن عهدته. (¬2) رواه البخاري (120).

الثانية، بلدة من كور الأهواز من خزستان، وفتحت تستر سنة عشرين في أيام عمر -رضي اللَّه عنه-، ونال الصحابة -رضي اللَّه عنهم- شديد في فتحها؛ لأنه كانت من البلاد الحصينة، وهي المسماة بتستر، بها قبر البراء بن مالك الأنصاري، أخو أنس بن مالك، وكان البراء شهد أحدًا وما بعدها، وروى، ورد بحديث أنس: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "رب أشعث أغبر لو أقسم على اللَّه لأبره" منهم البراء بن مالك. فقال المسلمون يوم تستر: أقسم على ربك. فقال: أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم، وألحقني بنبيك. فحمل وحمل الناس معه فانهزم الفرس وقتل البراء (¬1). وقد قتل مائة، مبارزة. أريد أن (أجلب منها بغالًا) جمع بغل، وهو المتولد بين الفرس والحمار (فدخلت المسجد) الذي فيها (فإذا صدع) بفتح الصاد والدال ثم عين، مهملات، هو الشاب المعتدل، أي رجل بين الرجلين، قال بعضهم: رجل صدع. بالتسكين. وقد تحرك، قال المنذري: وهو الصواب (من الرجال) زاد في "شرح السنة": حسن الثغر (¬2). أي: ليس بعظيم اللحم ولا خفيفه، وكذلك الصدع: الوعل ليس بالعظيم ولا الصغير؛ وإنما يوصف بذلك لاجتماع القوة فيه والخفة، شبهه في نهضه إلى صعاب الأمور وخفته في الحروب حين يفضي الأمر إليه ¬

_ (¬1) رواه الحاكم 3/ 291 - 292 - وصححه- وأبو نعيم في "الحلية" 1/ 6، 350، وفي "معرفة الصحابة" 1/ 381 (1077)، والبيهقي في "شعب الإيمان" 7/ 331 (10483)، وفي "الاعتقاد" (ص 315)، والضياء في "المختارة" 7/ 217 - 218 (2659). (¬2) "شرح السنة" للبغوي 15/ 9.

بالوعل؛ لتوعله في رؤوس الجبال. (فإذا رجل جالس تعرف) (¬1) بالمثناة فوق (إذا رأيته أنه من رجال أهل الحجاز) في هيئاتهم التي يظهر منها أثر الجهد وشدة المعيشة (قال: قلت: ) لبعض الحاضرين (من هذا؟ ) الرجل (فتجهمني القوم) أي: استقبلوني بالغلظة والوجه الكريه، ومنه حديث الدعاء: "إلى من تكلني، إلى عدوٍّ يتجهمني؟ " (¬2) وفي رواية لغير المصنف: فقالوا لي: أبصريٌّ أنت؟ ولو كنت كوفيًّا لمَ تسأل عن هذا (¬3)؟ يعني: هيئته الظاهرة تغني عن السؤال عنه عند ذي النظر الصحيح. (وقالوا: أما تعرف من هذا؟ ) استفهام إنكار (هذا حذيفة بن اليمان) اسم أبيه حسيل. وقيل: حسل بن جابر بن عمرو العبسي، وقيل: اليمان لقب جدهم جروة بن الحارث. قال الكلبي: لأنه أصاب دمًا في قومه فهرب إلى المدينة، وحالف عبد الأشهل فسماه قومه: اليمان (صاحب) سر (رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) زاد في "شرح السنة": فقعدت في حدث القوم (¬4). (فقال حذيفة -رضي اللَّه عنه-: إن الناس كانوا يسألون رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن) أفعال ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) رواه الطبراني 13/ 73 (181)، 14/ 139 (14764)، والضياء في "المختارة" 9/ 179 - 180 (162) من حديث عبد اللَّه بن جعفر. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (2933). (¬3) رواه أحمد 5/ 386، والنسائي في "الكبرى" 5/ 17، وابن حبان في "صحيحه" 13/ 298 (5963). (¬4) "شرح السنة" 15/ 9 وفيه: فقعدت، وحدَّث القوم.

(الخير) ليفعلوه (وكنت أسأله عن الشر) لأجتنبه وأحذر وقوعه (فأحدقه القوم بأبصارهم) رواية البغوي: فأنكر ذلك القوم عليه (¬1). أي: رمقوه بحدقهم، والتحديق: شدة النظر إلى الشيء. (فقال: إني) واللَّه (قد أرى) (قد) هذِه للتوقيع المستقبل، كقولك: قد يقدم الغائب اليوم. إذا كنت تتوقع قدومه، والمراد هنا -واللَّه أعلم-: إني واللَّه أعلم لأتوقع رؤية (الذي (¬2) تنكرون) وقوعه قريبًا. (إني قلت: يا رسول اللَّه أرأيت هذا الخير الذي أعطانا اللَّه) تعالى على يديك (أيكون بعده شر كما كان قبله؟ قال: نعم) بعد هذا، الشرُّ هو الفتن التي وقعت بعده. (قلت: فما العصمة) أي: ما طريق النجاة (من ذلك؟ ) الشر، أي: ما الذي يمنع من هذا الشر ومن الوقوع فيه؟ (قال: السيف) يحتمل أن يكون منصوبًا على التحذير، بمعنى: أحذر السيف، كقوله تعالى: {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ} (¬3) وأجاز الفراء الرفع في: (ناقة اللَّه) وعلى هذا فيجوز رفع السيف، ويدل على هذا الاحتمال الأحاديث في الباب بعده، كحديث مسلم بن أبي بكرة: فليغمد سيفه فليضربه بحده على حده. كما سيأتي، وقيل: معنى قوله: (قال: السيف) أي: تحصل العصمة باستعمال السيف. ومعنى قوله: (السيف). كما قال قتادة: هو ما وقع على أهل الردة كما كان في زمن الصديق -رضي اللَّه عنه- كما يأتي، ¬

_ (¬1) "شرح السنة" 15/ 9. (¬2) بعدها في (ل)، (م): نسخة: ما. (¬3) الشمس: 13.

وحديث سعد: "كن كابن آدم" (¬1) وتلا: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ} وحديث أبي موسى: "واضربوا بسيوفكم الحجارة" (¬2) وحديث أبي ذر: أفلا آخذ سيفي فأضعه على عاتقه. قال: "شاركت القوم إذا" (¬3). (قلت: يا رسول اللَّه ماذا) أي: أي شيء أفعل في ذلك الوقت إن عشت فيه؟ (قال: إن كان) للَّه (خليفة) بالرفع (في الأرض فضرب ظهرك) أو غيره (وأخذ مالك) كله أو بعضه أو أكرهك على أن تعطيه إياه (فأعطه) (¬4) إياه، واحتسبه عند اللَّه تعالى [طالبًا ثوابه وأجره من اللَّه تعالى] (¬5) من غير كراهة ولا تسخط. (وإلا) أي: وإن لم يكن للَّه خليفة في الأرض (فمت) لفظ مسلم: قال: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم" قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: "فاعتزل تلك الفرق كلها حتى يدركك الموت وأنت على ذلك" (¬6) وفي رواية له: قلت: كيف أصنع يا رسول اللَّه إن أدركت ذلك؟ قال: "تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع" (¬7) فإن لم تطعه مع ضرب ظهرك ثارت الفتنة ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2194)، وأحمد 1/ 185، والضياء في "المختارة" 3/ 140 (938)، وصححه الألباني في "الإرواء" 8/ 104. (¬2) رواه ابن ماجه (3961)، وأحمد 4/ 416، وصححه ابن حبان 13/ 297 (5962). (¬3) رواه الحاكم 2/ 158 - وصححه- 4/ 424، والبيهقي 8/ 191. (¬4) بعدها في (ل): خـ: فأطعه. (¬5) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬6) مسلم (1847/ 51) وهو أيضًا عند البخاري (3606، 7084). (¬7) مسلم (1847/ 52).

وانتشرت، وفيه دليل لوجوب طاعة المتولين للإمامة بالقهر من غير إجماع ولا عهد، بل تولى الإمامة بالشوكة (وأنت عاض) بتشديد الضاد المعجمة. (بجذل) بفتح الجيم وكسرها، توضحه رواية مسلم: "ولو أن تعض على أصل شجرة" (¬1) بالباء في رواية المصنف: (بجذل) بمعنى: على، كقوله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} (¬2) أي: على قنطار، والجذل: الأصل، فإن الروايات يبين بعضها بعضًا، وفي الحديث: "يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه، ولا يبصر الجذل في عينه" (¬3) وهو أصل الشجر الذي يقطع، ومنه حديث التوبة: "ثم مرت بجذل شجرة فتعلق به زمامها" (¬4). [ومنه: "جذيلها المحكك" (¬5)] (¬6) (قلت: ثم ماذا؟ ) يكون بعد ذلك (قال: يخرج) المسيح (الدجال معه نهر) بفتح الهاء (ونار) فيه الإيمان بالدجال وخروجه حق، وهو مذهب أهل السنة، وأنه يخرج معه واديان أحدهما جنة والَاخر نار، فناره جنة وجنته نار (فمن وقع في ¬

_ (¬1) مسلم (1847/ 51). (¬2) آل عمران: 75، ووردت في الأصول: {وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ}. (¬3) رواه ابن حبان 13/ 73 (5761)، والقضاعي في "مسنده" 1/ 356 (610)، وأبو نعيم في "الحلية" 4/ 99 من حديث أبي هريرة مرفوعًا. ورواه البخاري في "الأدب المفرد" (592) من حديثه موقوفًا. والحديث صححه الألباني في "الصحيحة" (33). (¬4) رواه مسلم (2746) من حديث البراء بن عازب. (¬5) جزء من حديث رواه البخاري (6830). (¬6) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

ناره) فبما يبدو للناس (وجب أجره) على اللَّه تعالى (وحط) عنه (وزره، ومن وقع في نهره) الذي يظهر للناس أنه جنته ونعيمه (وجب وزره، وحط) أي: سقط ثواب (أجره) الذي كان عمله (قال: قلت: ثم ماذا؟ ) يكون بعد ذلك (قال: هي قيام الساعة) كما سيأتي. [4245] (ثنا محمد بن يحيى) بن عبد اللَّه بن خالد (بن فارس) الذهلي (حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، عن نصر بن عاصم) الليثي النحوي، نقط المصاحف، أخرج له مسلم. (عن خالد بن خالد) الصحيح أنه سبيع بن خالد، ويحتمل أن يكون اسمه خالدًا، ولقبه سبيعًا، فذكره المصنف قبل هذا بلقبه، وذكره في هذِه الرواية باسمه، وهو بصري، روى عنه جماعة، وهو مقبول كما تقدم في سبيع (اليشكري) بفتح المثناة تحت وسكون المعجمة وضم الكاف، نسبة إلى يشكر بن وائل، وهو أخو بكر وتغلب ابني وائل (بهذا الحديث) المذكور. وزاد: (قال: قلت: بعد) أن ذكر (السيف) ثم ماذا؟ (قال: تقية) أي يتقي بعضهم بعضًا ويظهرون الصلح وباطنهم خلافه، وفي رواية لغير المصنف: قلت: يا رسول اللَّه، وهل للسيف من تقية؟ قال: "نعم، تقية" (على أقذاء) بسكون القاف وتخفيف الذال المعجمة، والتقاة والتقية بمعنى، يريد أنهم يتقون بعضهم بعضًا، ويظهر الصلح والاتفاق، وباطنهم بخلاف ذلك. قال القرطبي في "التذكرة": الأقذاء جمع القذى، والقذى جمع قذاة، وهي ما يقع في العين من الأذى، وفي الشراب والطعام من

تراب أو تبن أو غير ذلك. قال: والمراد به في الحديث: الفساد الذي يكون في القلوب [يعني: أنهم يتقون بعضهم بعضا، ويظهرون خلاف ذلك (¬1) (وهدنة) بضم الهاء وسكون الدال، أي: صلح (على دخن) بفتح الدال والخاء المعجمة، أي: على بقايا في القلوب] (¬2) من الضغائن والحقد ونحو ذلك كما سيأتي. (ثم ساق الحديث) المذكور و (قال) في هذِه الرواية (كان قتادة) أحد رواة الحديث (يضعه) أي: يحمل الدخن (على الردة التي) وقعت (في زمن أبي بكر) الصديق، يعني لما توفي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وارتد ناس، فكانوا صنفين: صنف ارتدوا عن الدين ونابذوا الملة، وصنف ارتدوا عن الدين وأنكروا الشرائع وتركوا الصلاة والزكاة وغيرهما من أمور الدين، وعادوا إلى ما كانوا عليه في الجاهلية، وصنف فرقوا بين الصلاة والزكاة، فأقروا بالصلاة وأنكروا الزكاة ووجوب أدائها إلى الإمام، وهؤلاء في الحقيقة أهل بغي، وفي أمر هؤلاء وقع الخلاف ووقعت الشبهة لهؤلاء الذين ذكر الدخن فيهم، ثم فسر الراوي قوله: (على أقذاء) جمع قذى (يقول: ) معناه على (قذى) جمع قذاة، وهو ما يقع في العين والماء والشراب من تراب أو تبن، والمعنى أن اجتماعهم يقع على فساد في قلوبهم. قذى مقصور، وأصله الوسخ يقع في العين أو غيرها (وهدنة) وأصله السكون عن القتال بكلام أو إعطاء عهد ونحوه، من هدنت الصبي: ¬

_ (¬1) "التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة" (ص 1103). (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

سكنته بكلام (يقول: دخن) أي (على ضغائن) وحقد باقية في قلوبهم. [4246] (ثنا عبد اللَّه بن مسلمة) القعنبي (ثنا سليمان (¬1) بن المغيرة) البصري الجليل (عن حميد) بن هلال العبدي البصري. (عن نصر بن عاصم الليثي قال: أتينا) سبيعًا -خالد بن خالد- (اليشكري -رضي اللَّه عنه- في رهط من بني ليث) بن كنانة، أو ليث بن بكر بن عبد مناة (فقال: من القوم؟ فقلنا: أتيناك نسألك عن حديث حذيفة) بن اليمان في الفتنة، فذكر الحديث كما تقدم ثم (قال: قلت: يا رسول هل بعد هذا الخير) من (شر؟ قال) نعم (فتنة وشر) يجتمعان. (قلت: يا رسول اللَّه هل بعد هذا الشر) من (خير؟ ) يعقبه (قال: تعلم كتاب اللَّه) تعالى، أي: تعلم ألفاظه وأحكامه واتبع ما فيه، هو موافق لقوله تعالى: {اتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} (¬2)، {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} (¬3) والمعنى: اجعله إماما لك تقتدي به وتهتدي به، قال الحسن: يا ابن آدم أمرت باتباع كتاب اللَّه، واللَّه ما أنزلت آية إلا ويجب أن تعلم فيما أنزلت وما معناها. وفيه دليل على تعلم كتاب اللَّه تعالى عند فساد الزمان والتمسك بما فيه وتفهم معانيه للعمل به، ومن لم يعلم فليسأل أهل العلم عما لم يفهمه (ثلاث مرات) فيه إعادة الكلمة ثلاث مرات على المتعلم ليحفظها. (قال: قلت: يا رسول اللَّه بعد هذا الشر خير؟ قال: هدنة) أي: صلح ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) الأنعام: 106. (¬3) الزمر: 18.

على بقايا من الضغن (على دخن) لأن الهدنة: الصلح، والدخان أثر من النار، يدل على بقايا من الضغن فيها (وجماعة) يصطلحون (على أقذاء) جمع قذى، كما تقدم (فيها، أو) قال (فيهم) شك من الراوي، صلح ضغن (قلت: يا رسول اللَّه الهدنة على الدخن ما هي؟ قال: لا ترجع قلوب أقوام على) أي إلى الهدى والخير (الذي كانت عليه) قبل ذلك؛ لعدم وجود من يهتدى به من المرشدين الذين مضوا من السلف الصالح (قال: قلت: يا رسول اللَّه، هل بعد الخير) من (شر؟ قال) نعم، تقع بعد ذلك (فتنة عمياء صماء) بالمد فيهما تأنيث الأعمى والأصم، وقيل: هي التي لا يبصر فيها الحق ولا يسمع، وقيل: من الحية العمياء الصماء التي لا تقبل الدعاء (¬1) (عليها (¬2) دعاة على أبواب النار) زاد مسلم ولفظه: "دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها" (¬3). قال العلماء: هؤلاء من كان من الأمراء يدعو إلى بدعة أو ضلال آخر، كالخوارج والقرامطة وأصحاب المحنة. (فإن مت يا حذيفة وأنت عاض على جذل) شجرة تمتصها فهو (خير لك من أن تتبع) بالتشديد والتخفيف لغتان، والجذل بفتح الجيم وكسرها: أصل الشجرة إذا قطعت أغصانها، ففيه العزلة والصبر على نغص الزمان وتحمل مشاقه [(أحدًا منهم)] (¬4) فيفتنك في دينك، فنسأل ¬

_ (¬1) في "النهاية" لابن الأثير 3/ 54: الرقى. (¬2) ساقطة من النسخ. (¬3) مسلم (1847) وهو أيضًا عند البخاري (7084). (¬4) ساقطة من النسخ.

اللَّه العافية. [4247] (ثنا مسدد، ثنا عبد الوارث، ثنا أبو التياح) يزيد بن حميد (عن صخر بن بدر العجلي) بكسر العين وسكون الجيم، نسبة إلى عجل بن لجيم بن نزار، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬1). (عن سبيع بن خالد) اليشكري (بهذا الحديث) المذكور (عن حذيفة) ابن اليمان -رضي اللَّه عنه-. (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: فإن لم تجد يومئذ خليفة فاهرب) توضحه رواية مسلم: "فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام فاعتزل تلك الفرق كلها" (¬2). (حتى تموت وأنت عاض) على جذل شجرة حتى يدركك الموت (وقال في آخره: قال: قلت: يا رسول اللَّه فما يكون بعد ذلك؟ ) أي: ثم ما يحدث بعد ذلك الذي ذكرته؟ (قال: لو أن رجلًا نتج) بفتح النون والمثناة المخففة (¬3) (فرسًا) أي: تولى ولادتها عند الوضع، والناتج للإبل والخيل كالقابلة للنساء عند الطلق (لم تنتج) بفتح أوله وكسر ثالثه، أي: لم تلد ولدها، لفظ رواية الحاكم: "لم تنتج المهر فلا يركب حتى تقوم الساعة"، والمهر: ولد الفرس، فلا ترتكب بكسر الكاف من: اركب المهر يرتكب، بكسر الكاف: حان (¬4) وقت ولادته. ¬

_ (¬1) "الثقات" 6/ 473. (¬2) مسلم (1847) وهو أيضًا عند البخاري (3606، 7084). (¬3) بعدها في (ل)، (م): ش: المشددة. (¬4) في (م): جاء.

وقيل: المراد به نزول عيسى -عليه السلام-، ووقوع عدله، فلا يركب المهر؛ لضيق الزمان عن المحاربة. (حتى تقوم الساعة) فإذا ولي الإنسان (¬1) فرسًا أو ناقة أو شاة ماخضًا حتى تضع، قيل: نتجها ينتجها نتجًا، مثل: ضرب يضرب ضربًا. [4248] (ثنا مسدد، ثنا عيسى بن يونس) ابن أبي إسحاق، أحد الأعلام (ثنا الأعمش، عن زيد بن وهب) الجهني، هاجر ففاتته رؤية رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بأيام (عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة) الصائدي، أخرج له مسلم في الصلاة وغيرها (عن عبد اللَّه بن عمرو) بن العاص رضي اللَّه عنهما. (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: من بايع إمامًا) على الإنفاذ له. هذا بعض حديث ذكره مسلم وغيره، ولفظه: عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة قال: دخلت المسجد فإذا عبد اللَّه بن عمرو بن العاص جالس في ظل الكعبة والناس مجتمعون عليه، فأتيته فجلست إليه، فقال: كنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في سفر فنزلنا منزلًا، فمنا من يصلح خباءه، ومنا من ينتضل، ومنا من هو في جَشَرِه، إذ نادى منادي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: الصلاة جامعة. فاجتمعنا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "إنه لم يكن نبي قبلُ إلا كان حقًّا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذِه جعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء فتنة فيرقق بعضها (¬2) بعضًا، ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) في جميع النسخ: (بعضهم)، والمثبت من "الصحيح".

وتجيء فتنة فيقول المؤمن: هذِه تهلكني. ثم تنكشف، وتجيء الفتنة، فيقول المؤمن: هذِه هذِه. فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن باللَّه واليوم الآخر، وليأت إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه، ومن بايع إمامًا" (¬1). (فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه) قال القرطبي: يدل على أن البيعة لا يكتفى فيها بمجرد عقد اللسان فقط، بل لا بد من الضرب باليد، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} (¬2) ولكن ذلك للرجال فقط كما سيأتي إن شاء اللَّه تعالى، ولا بد من التزام البيعة بالقلب وترك الغش والخديعة؛ فإنها من أعظم العبادات، ولا بد فيها من النية والنصيحة، والصفقة أصلها الضرب بالكف على الكف، أو بأصبعين على الكف، وهو الكف (¬3) كما تقدم في الصلاة (¬4). (فليطعه ما استطاع) أي: على قدر استطاعته وطاقته (فإن جاء) إمام (آخر ينازعه فاضربوا رقبة) لفظ مسلم: "فاضربوا عنق" (¬5) (الآخر) قال النووي: معناه: ادفعوا الثاني فإنه خارج على الإمام، فإن لم يندفع إلا بحرب وقتال فقاتلوه، فإن دعت المقاتلة إلى قتله جاز قتله ولا ضمان فيه؛ فإنه ظالم متعد في قتاله (¬6). ¬

_ (¬1) مسلم (1844). (¬2) الفتح: 10. (¬3) هكذا في النسخ، وفي "المفهم": التصفيق. (¬4) "المفهم" 4/ 52 - 53. (¬5) مسلم (1844). (¬6) "مسلم بشرح النووي" 12/ 234.

(قلت) أ (أنت) لفظ مسلم: فقلت: أنشدك اللَّه أأنت (¬1) (سمعت هذا من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ قال: سمعته أذناي ووعاه قلبي) استحلاف عبد الرحمن له زيادة في الاستيثاق لا أنه كذبه ولا اتهمه. (قلت) له (ابن عمك معاوية) ووجهه أن عبد اللَّه بن عمرو قرشي سهمي، ومعاوية بن أبي سفيان قرشي أموي، فلهذا قال (ابن عمك) (يأمرنا أن نفعل ونفعل) أوضحه في رواية مسلم، ولفظه: يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ونقتل أنفسنا، واللَّه يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} (¬2) فسكت ساعة ثم (¬3) (قال: أطعه في طاعة اللَّه واعصه في معصية اللَّه) هذا كقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فإن أمر بمعصية اللَّه فلا سمع ولا طاعة" (¬4) وهذا فيه دليل على طاعة المتولين بالقهر من غير إجماع ولا عهد، والأحاديث الصحيحة فيها حجة على منع الخروج على أمراء الجور ولزوم طاعتهم كما سيأتي. [4249] (ثنا محمد بن يحيى) بن عبد اللَّه (بن فارس) الذهلي (ثنا عبيد (¬5) اللَّه) بالتصغير (ابن موسى) العنسي أحد الأعلام (عن شيبان، عن الأعمش، عن أبي صالح) السمان. ¬

_ (¬1) مسلم (1844). (¬2) النساء: 29. (¬3) مسلم (1844). (¬4) رواه البخاري (2955، 7144)، ومسلم (1839) من حديث ابن عمر. (¬5) فوقها في (ل): (ع).

(عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: ويل للعرب) زاد مسلم: فقال: خرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يومًا فزعًا محمرًّا وجهه يقول: "لا إله إلا اللَّه، ويل للعرب" (¬1) (من شر قد اقترب) هذا سنة على الاختلاف في الفتن والهرج الواقع في العرب، وأول ذلك قتل عثمان؛ ولذلك أخبر عنه بالعرب، وقد (أفلح من كف يده) عن القتال ولسانه عن الكلام في الفتن؛ لكثرة خطر ذلك، ووقوع نكاله في اختلاف الفرق، لأن قتل المسلمين غير جائز (¬2). [4252] (ثنا سليمان (¬3) بن حرب) الواشحي البصري، قاضي مكة (ومحمد بن عيسى) الطباع (¬4) (قالا: ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة) الجرمي، واسمه: عبد اللَّه بن زيد (عن أبي أسماء) (¬5) عمرو ابن مرثد (¬6) الرحبي (عن ثوبان) مولى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. (قال رسول اللَّه: إن اللَّه تعالى زوى) بفتح الزاي والواو المخففة (لي الأرض -أو قال) (¬7) شك من الراوي. (إن ربي زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها) أي: جمعها لي ¬

_ (¬1) مسلم (2/ 2880)، وهو أيضًا عند البخاري (7135). (¬2) الحديثان رقم (4255، 4251) سيأتي شرحهما ص 519 - 521. (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) في (ل)، (م): سورة. وهو خطأ. فابن سورة هو الإمام الترمذي لم يرو عنه أبو داود إنما الثابت عكس ذلك، والمثبت من ترجمة الإمام أبي داود. (¬5) فوقها في (ل): (ع). (¬6) ساقطة من (م). (¬7) من هنا يبدأ سقط في (م) سنشير إليه عند نهايته.

حتى أبصرت ما تملكه أمتي من أقصى المشارق والمغارب منها، وظاهر هذا اللفظ يقتضي أن اللَّه تعالى قوى إدراك بصره، ورفع عنه الموانع المعتادة، فأدرك البعيد من موضعه الذي هو فيه كما أدرك بيت المقدس من مكة، وجعل يخبرهم عن آياته وهو ينظر إليه، ويحتمل أن يكون قربها اللَّه له فرآها، قال القرطبي: والأول أولى. (وإن ملك) بضم الميم (أمتي سيبلغ ما زوي) أي: جمع (لي منها) هذا الخبر قد وجد مخبره كما قال، وكان ذلك من دلائل نبوته، وذلك أن ملك أمته اتسع إلى أن بلغ أقصى بحر طنجة الذي هو منتهى عمارة المغرب إلى أقصى المشرق وما وراء خراسان والنهر وكثير من بلاد السند والهند ولم يتسع ذلك الاتساع من جهة الجنوب والشمال، ولذلك لم يذكر -عليه السلام- أنه أريه، ولا أخبر أن ملك أمته سيبلغه. (وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض) يعني بهما: كنز كسرى وقيصر ملكي العراق والشام، وقصورهما وبلادهما، والمراد بالأحمر الذهب، وبالأبيض الفضة، وعبر بالأحمر عن كنز قيصر ملك الروم؛ لأن الغالب كان عندهم الذهب، وبالأبيض عن كنز كسرى؛ لأن الغالب كان عندهم الفضة والجوهر، وقد وجد ذلك في زمن الفتوح في خلافة عمر، فإنه سيق إليه تاج كسرى وحليته وما كان في بيوت أمواله وما حوته مملكته مع سعتها وعظمها، وكذلك فعل اللَّه بقيصر لما فتح بلاده. (وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة بعامة) الباء زائدة والتقدير بسنة عامة كما في مسلم. قال القرطبي: صحت الرواية في مسلم "بعامة"

قال: وكأنها زائدة؛ لأن "عامة" صفة لـ "سنة" فكأنه قال: سنة عامة. ويعني بالسنة الجدب العام الذي يكون به الهلاك العام ويكون قد أبدل عامة من سنة بإعادة العامل، تقول: مررت بأخيك بعمرو، ومنه قوله تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ} (¬1) ويسمى الجدب والقحط سنة، ويجمع سنين كما قال تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ} (¬2) أي: بالجدب المتوالي (¬3). والمعنى: لا تهلك أمتي بقحط عام، بل إن وقع قحط فيكون في ناحية يسيرة بالنسبة إلى باقي بلاد الإسلام لتمتاز بلاد الجدب من بلاد الخصب. (وأن لا يسلط عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم) وبيضة المسلمين جماعتهم ومعظمهم، وبيضة القوم ساحتهم، وعلى هذا فيكون معنى الحديث أن اللَّه تعالى لا يسلط العدو على كافة المسلمين حتى يستبيح جميع ما عندهم وما حازوه من البلاد والأرض ولو اجتمع عليهم كل من بين أقطار الأرض وجوانبها. (وإن ربي) رحمهم و (قال لي: يا محمد) لعمرك (إني إذا قضيت) في سابق علمي (قضاء) حكمت فيه بوعد أو وعيد ([فإنه] (¬4) لا يرد) قضاؤه ولا يخلف وعده (ولا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم) أي: من ¬

_ (¬1) الأعراف: 75. (¬2) الأعراف: 135. (¬3) "المفهم" 7/ 217. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل)، والمثبت من "السنن".

غيرهم (فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من) بفتح الميم، أي: جميع الذين (بين أقطارها، أو قال) شك الراوي، اجتمع عليهم (بأقطارها) أي: جوانب الأرض ونواحيها من البلاد والأماكن (حتى يكون بعضهم يهلك) بضم الياء (بعضا، وحتى يكون بعضهم يسبي) بفتح أوله (بعضا). قال القرطبي: ظاهر (حتى) الغاية، فيقتضي ظاهر هذا الكلام أنه لا يسلط عليهم عدوهم فيستبيحهم إلا إذا كان منهم إهلاك بعضهم لبعض، وسبي بعضهم لبعض، وحاصل هذا أنه إذا كان من المسلمين ذلك تفرقت جماعتهم واشتغل بعضهم ببعض عن جهاد العدو، فقويت شوكة العدو واستولى كما شاهدنا في زماننا هذا في المشرق والمغرب، وذلك أنه لما اختلفت ملوك المشرق وتجادلوا استولى كفار الترك على جميع عراق المعجم، ولما اختلفت ملوك المغرب وتجادلوا استولت الإفرنج على جميع بلاد الأندلس والجزر القريبة منها، وها هم قد طمعوا في بلاد الإسلام، فنسأل اللَّه أن يدرك المسلمين باللطف والنصر. ولا يصح أن تكون (حتى) بمعنى (كي) لفساد المعنى، فتدبره (¬1). (وإنما أخاف على أمتي) من (الأئمة) الأئمة جمع إمام، وهو الذي يدعو الناس إلى ضلالة بالقول أو الفعل أو اعتقاد يعتقده (المضلين) الذين تولوا الولايات بغير علم، فحكموا بغير علم فضلوا وأضلوا، فهم ضالون عن الحق [مضلون] (¬2) لغيرهم، وقد يدخل فيهم العلماء الذين لا يعملون بعلمهم، وجهلاء الصوفية الذين صاروا مشايخ يقتدى ¬

_ (¬1) "المفهم" 7/ 218. (¬2) في (ل): مضلين. والمثبت هو الصواب.

بهم، فيلعب بهم الشيطان وبمن يقتدي بهم، إلا من وفقه اللَّه تعالى (فإذا وضع) بضم الواو وكسر الضاد (السيف في أمتي) بالقتل (لم يرفع عنها) لفظ ابن ماجه: "عنهم" (¬1). (إلى يوم القيامة) هل يتسلسل فيهم وإن قل؟ أو كان في بعض الجهات دون بعض لم ينقطع؟ (ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي) لفظ ابن ماجه: "ستلحق قبائل من أمتي" (¬2) وواحد القبائل قبيلة، وهم بنو أب أو جد وإن علا (بالمشركين) أي: ينزلون بهم فيصيرون منهم بالردة ونحوها (وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان) كما كانت تعبدها في الجاهلية، وقد ارتد قبائل في خلافة أبي بكر، حتى لم يكن يسجد للَّه تعالى في بسيط الأرض إلا في ثلاثة مساجد: مسجد مكة، ومسجد المدينة، ومسجد عبد القيس في البحرين. (وإنه سيكون في أمتي) لفظ ابن ماجه: "وإن بين يدي الساعة دجالين" (¬3) (كذابون ثلاثون) لفظ ابن ماجه: "قريب من ثلاثين" (¬4) (كلهم يزعم أنه نبي) مرسل، قال القرطبي: وقد جاء عددهم معينا في حديث حذيفة: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- "يكون في أمتي كذابون دجالون سبع وعشرون، منهم أربع نسوة" أخرجه الحافظ أبو نعيم، وقال: هذا حديث غريب تفرد به معاوية بن هشام (¬5). ¬

_ (¬1) ابن ماجه (3952). (¬2) السابق. (¬3) في "ل": دجالون، والمثبت من "سنن ابن ماجه" (3952). (¬4) ابن ماجه (3952). (¬5) "التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة" (ص 1226)، "حلية الأولياء" 4/ 179.

قال القاضي عياض: عد من تنبأ من زمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى الآن ممن استشهر بذلك وعرف، واتبعه جماعة على ضلالته فوجد هذا العدد فيهم، ومن طالع كتب الأخبار والتواريخ عرف صحة هذا (¬1). (وأنا خاتم النبيين) أي: آخر الأنبياء (لا نبي بعدي) وإنما ينزل عيسى -عليه السلام- في آخر الزمان داعيًا إلى شريعة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، والإجماع على ذلك، ولم يخالف إلا من لا يعتد بقوله من الزنادقة والفلاسفة، وأما ما رواه ابن جرير الطبري في "تهذيب الآثار": "غير إنه لا نبي بعدي إن شاء اللَّه". فهذِه الزيادة قال الحاكم في "الإكليل": وضعها محمد بن سعيد المصلوب، ولو صحت فهي محمولة على عيسى -عليه السلام-. وتأولها ابن عبد البر على الرؤيا؛ لأنه لم يبق بعده من أجزاء النبوة غيرها. من هنا إلى آخره في "صحيح مسلم" (ولا تزال طائفة من أمتي) الطائفة: الجماعة، وهم العصابة كما في الحديث الآخر (على الحق. قال) محمد (ابن عيسى) في رواية (ظاهرين) على الحق. (ثم اتفقا) بعد ذلك (لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر اللَّه) وهم الذين قال اللَّه فيهم: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181)} (¬2) ومعنى (ظاهرين) منصورين غالبين لمن خالفهم، وأمر اللَّه: قيام الساعة، وقد اختلف: فيمن هذِه الطائفة؟ وأين هم؟ فقال علي بن المديني: هم الغرب. استدل برواية من روى: هم أهل المغرب، وشبه الغرب بالدلو العظيمة. وروى الدارقطني في "فوائده" حديث سعد بن أبي وقاص وقال فيه: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق في المغرب حتى تقوم ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" 8/ 232. (¬2) الأعراف: 181.

الساعة ويأتي أمر اللَّه" ورواه الطبري وقال: هم أهل بيت المقدس. قال القرطبي: في هذا الحديث دلالة على صحة الإجماع؛ لأن الأمة إذا اجتمعت فقد دخلت فيهم العصابة، ولا تعارض بين هذا الحديث وبين قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق" (¬1) وبين قوله: "لا تقوم الساعة وفي الأرض من يقول: اللَّه" (¬2) كما في حديث عقبة بن عامر (¬3). [4253] (ثنا محمد بن عوف الطائي) الحمصي، ثقة حافظ (ثنا محمد ابن إسماعيل) بن عياش بالتحتانية، ثم المعجمة، العنسي، عابوا عليه أنه حدث عن أبيه بغير سماع (حدثني أبي) إسماعيل بن عياش، عالم الشاميين، قال البخاري: إذا حدث عن أهل حمص فصحيح (¬4)، وهنا حدث (عن ضمضم) الحمصي (قال) محمد (ابن عوف: ) في روايته. (وقرأت في أصل إسماعيل) بن عيالش (حدثني ضمضم بن زرعة) الحمصي. قال عثمان بن سعيد الدارمي، عن يحيى بن معين: ثقة (¬5). وذكره ابن حبان في "الثقات" (¬6). (عن شريح) بن عبيد الحضرمي بحمص، صدوق (عن أبي مالك الأشعري) [سعد بن طارق] (¬7) -رضي اللَّه عنه-. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1924) عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص موقوفًا. (¬2) رواه مسلم (148) من حديث أنس. (¬3) "المفهم" 3/ 764. (¬4) "التاريخ الكبير" 1/ 369. (¬5) "تاريخ ابن معين" رواية الدارمي (ص 135) (443). (¬6) "الثقات" 6/ 485. (¬7) كذا في الأصول، وهو خطأ؛ وإنما أبو مالك الأشعري، مختلف في اسمه فقيل: الحارث بن الحارث، وقيل: عبيد، وقيل: عبيد اللَّه، وقيل: عمرو. وغير ذلك، =

(قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن اللَّه تعالى أجاركم من ثلاث خلال) أي: خصال (لا يدعو عليكم نبيكم -صلى اللَّه عليه وسلم-) دعوة (فتهلكوا) بكسر اللام (جميعًا) كما دعا نوح على قومه فهلكوا جميعهم، بل كان كثير الدعاء لهم، واختبأ دعوته المستجابة لأمته يوم القيامة، ونهى عن الدعاء فقال: "لا تدعوا على أهاليكم" (¬1). (وأن لا يظهر) بضم أوله، وكسر ثالثه، أي: لا يعلي (أهل) دين (الباطل) وهو الكفر (على) دين (أهل الحق) يعني: أهل الإسلام بالغلبة والقهر، بل يعلي دين الإسلام على جميع الأديان. قيل: ذلك عند نزول عيسى -عليه السلام-، فلا يبقى أهل دين إلا دخل في الإسلام. وقال السدي: ذلك عند خروج المهدي، لا يبقى أحد إلا دخل في الإسلام، إما بعز عزيز أو بذل ذليل. وقيل: المراد بإظهار أهل الحق بالحجج الواضحة والبراهين اللائحة؛ لأن حجج دين الإسلام أقوى الحجج وبراهينه أقطع الدلائل، فما تحاج مؤمن وكافر إلا ظهرت حجة المسلم على الكافر، وكبت (¬2) اللَّه الكافر وأدحض حجته. (وألا تجتمعوا على ضلالة) لفظ الترمذي: "لا تجتمع هذِه الأمة على ضلالة" (¬3) وزاد ابن ماجه: "فإذا وقع الاختلاف فعليك بالسواد ¬

_ = وانظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 34/ 245. وانظر ترجمة سعد بن طارق أبي مالك الأشجعي في "تهذيب الكمال" 10/ 269. (¬1) سبق برقم (1532) من حديث جابر بمعناه. (¬2) في (ل): ويكبت. والمثبت هو الصواب. (¬3) "سنن الترمذي" (2167) بلفظ: "إن اللَّه لا يجمع أمتي -أو قال: أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- على ضلالة".

الأعظم" (¬1) مع الحق وأهله، وقد استدل به الغزالي وغيره من الأصوليين على كون الإجماع حجة. [4254] (ثنا محمد بن سليمان الأنباري) بتقديم النون على الموحدة، وثقه الخطيب (¬2) (ثنا عبد (¬3) الرحمن) بن مهدي البصري (عن سفيان) الثوري (عن منصور) بن المعتمر (عن ربعي بن حراش) بكسر الحاء المهملة (عن البراء (¬4) بن ناجية) الكاهلي، ثقة (عن عبد اللَّه ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: تدور) قال الحربي: ويروى: تزول. قال القرطبي: كأن (يزول) أقرب؛ لأن (رحى الإسلام) تزول عن ثبوتها واستقرارها، ودوران الرحى كناية عن الحرب والقتال، شبهها بالرحى الدوارة التي تطحن الحب؛ لما يكون فيها من قبض الأرواح وهلاك الأنفس و (تدور) تكون بما يحبون ويكرهون، قال في "الفائق": دارت رحى الحرب إذا قامت على ساقها (¬5). (لخمس وثلاثين) من الهجرة، وفي هذِه السنة قام أهل مصر وحصروا عثمان -رضي اللَّه عنه- (أو ست وثلاثين) وفيها خرج سبعة أشهر. قال الخطابي: يريد -واللَّه أعلم- أن هذِه المدة إذا انقضت حدث في الإسلام أمر عظيم يخاف على أهله بذاك الهلاك، يقال للأمر إذا تغير واستحال: دارت رحاه. وهذا إشارة إلى انقضاء مدة الخلافة. (فإن يهلكوا) بكسر اللام، أي: إن هلك المسلمون في المحاربة في ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (3950). (¬2) "تاريخ بغداد" 5/ 292. (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) فوقها في (ل): (د). (¬5) "الفائق في غريب الحديث" 2/ 49.

هذا القدر من الزمان (فسبيل) بالرفع خبر مبتدأ محذوف، أي: فهي سبيل (من هلك) أي: فالهلاك سبيل كل الخلائق، كما هلك من الأمم السالفة (وإن يقم لهم دينهم) أي: وإن لم يهلكوا بل بقوا واستقام دينهم، أي: ملة الإسلام وسلطانه؛ كقوله تعالى: {لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} (¬1) أي: في سلطانه وملكه، وذلك من لدن بايع الحسن معاوية إلى انقضاء بني أمية من المشرق بنحو (سبعين عامًا) وبعد انقضاء مدة بني أمية (يقم لهم) انتقلت الخلافة إلى بني العباس. (قال: قلت: أَمِمَّا) يعني: هل مدة السبعين من الزمن الذي (بقي) بكسر القاف (أو) هي (مما مضى؟ قال) بل هي (مما مضى) وسلف من الزمان المتقدم. [4255] (ثنا أحمد بن صالح) المصري (ثنا عنبسة) بن خالد الأيلي، أخرج له مسلم في باب وفود الأنصار (قال: حدثني) عمي (يونس) (¬2) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب، قال: حدثني حميد بن عبد الرحمن) بن عوف، وأمه أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، من المهاجرات (أن أبا هريرة -رضي اللَّه عنه-، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: يتقارب الزمان) قيل: معناه: قصر الأعمار وقلة البركة فيها، وقيل: هو دنو زمان الساعة. وقيل: هو قصر مدة الأيام على ما روي: "إن الزمان يتقارب، حتى تكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كالساعة، والساعة كاحتراق السعفة". وأخرجه الترمذي (¬3). وقال حماد بن سلمة: سألت أبا سنان عن قوله: "يتقارب الزمان تكون السنة ¬

_ (¬1) يوسف: 76. (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) (2332) من حديث أنس. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (7422).

كالشهر؟ " قال: ذاك من استلذاذ العيش (¬1). قال الخطابي: يريد -واللَّه أعلم- زمان خروج المهدي ووقوع الأمنة في الأرض بما يبسطه من العدل فيها، كما سيأتي، فيستلذ العيش عند ذلك، وتستقصر مدته، ولا يزال الناس يستقصرون مدة أيام الرخاء وإن طالت وامتدت وشمتطيلون أيام المكروه وإن قصرت وقلت. (وينقه) بفتح أوله (العلم) أي: يقل. وفي رواية للبخاري: "يرفع فيها العلم" (¬2) ورفع العلم وقلته ترك العمل به، كما قال عبد اللَّه بن مسعود: ليس حفظ القرآن بحفظ الحروف ولكن إقامة حدوده. ذكره ابن المبارك (¬3)، وخرج الترمذي عن سالم بن أبي الجعد، عن زياد بن لبيد قال: ذكر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- شيئًا، فقال: "ذلك عند أول ذهاب العلم" قلت: يا رسول اللَّه، وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا؟ قال: "ثكلتك أمك، أوليس هؤلاء اليهود والنصارى يقرؤون التوراة والإنجيل لا يعملون بشيء منها" (¬4). وفي رواية له: "إن شئت لأحدثنك بأول علم يرفع من الناس: الخشوع، يوشك أن تدخل مسجد جماعة فلا ترى فيه رجلا خاشعًا" (¬5) وفي مسند زياد بن لجيد ¬

_ (¬1) ذكره البغوي في "شرح السنة" 15/ 28. (¬2) البخاري (7062 - 7064) من حديث ابن مسعود وأبي موسى. ورواه مسلم (2672). (¬3) "الزهد" 2/ 57. (¬4) بل رواه ابن ماجه (4048). قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" 4/ 193 - 194: ليس لزياد عند ابن ماجه سوى هذا الحديث، وليس له رواية في شيء من الخمسة الأصول ورجال إسناده ثقات: لا أنه منقطع. قلت: وهو بنحوه في "سنن الترمذي" (2653) من حديث أبي الدرداء، وفيه ذكر زياد بن لبيد. (¬5) "سنن الترمذي" (2653) من حديث أبي الدرداء.

بإسناد صحيح على ما ذكره ابن ماجه (¬1)، وهو يبين أن المقصود برفع العلم العمل به. وروى الطبراني: "تعلموا الفرائض" وعلموه الناس فإنه أول شيء ينزع من أمتي" (¬2) ولا يعارض هذا ما تقدم؛ فإن الخشوع من علم القلوب، والفرائض من علم الظاهر، فافترقا (وتظهر الفتن) وفي البخاري: "لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان عظيمتان دعواهما واحدة" (¬3) يريد فتنة معاوية وعلي رضي اللَّه عنهما بصفين، قال أبو بكر ابن العربي: وهذا أول خطب طرق الإسلام. (ويلقى الشح) والبخل في قلوب الناس عن إخراج ما وجب عليهم من الحقوق، فإن قيل: الحرص والبخل ثابت في القلوب في جميع الأوقات؟ قلت: المراد غلبته وكثرته بحيث يراه جميع الناس، ومعنى (يلقى) يتلقى ويتعلم ويتراضى به، كقوله تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} (¬4) (ويكثر الهرج) والهرج بلسان الحبشة القتل. (قيل: يا رسول اللَّه، أيه) هي (أي) الاستفهامية، اتصلت بها هاء السكت، ويحتمل أن يكون الأصل (أيها) ثم حذفت الألف كما حذفت الألف في: (أيما) في رواية البخاري، فإن روايته: قالوا: يا ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (4048). (¬2) "المعجم الأوسط" 5/ 272 (5293) من حديث أبي هريرة. ورواه أيضًا ابن ماجه (2719)، والحاكم 4/ 332. وضعفه الألباني في "الإرواء" (1665). (¬3) البخاري (3658، 6935) من حديث أبي هريرة. وهو أيضًا عند مسلم (157). (¬4) البقرة: 37.

رسول اللَّه، أيم هو؟ أي (¬1): أي شيء (هو؟ ) الهرج (قال) هو (القتل القتل) برفع اللام فيهما، وفي البخاري: "الهرج" بلسان الحبشة: [القتل] (¬2)، وهو إدراج من أبي موسى الأشعري، آخر الحديث. قوله: (أيه هو؟ ) قال المنذري: أيم هو؟ يريد: ما هو، ولعله: أيما هو، مخففة الياء، وحذفت الألف كما أيش في موضع: أي شيء. [4250] (ثنا الحارث) (¬3) بن مسكين، فقيه ثقة حجة، عاش نيفا وتسعين سنة (ثنا) عبد اللَّه (ابن وهب قال: حدثني جرير بن حازم، عن عبد اللَّه بن محمد) بن عبد اللَّه بن أبي فروة، أخرج له مسلم. (عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: يوشك) بكسر الشين، وفتحها لغة رديئة (المسلمون أن يحاصروا) بفتح الصاد، مبني لما لم يسم فاعله، والأصل يحاصر الكفار المسلمين، حتى يلجئوهم (إلى المدينة) زادها اللَّه شرفًا (حتى يكون أبعد) بالنصب خبر (كان) قدم (مسالحهم) بالسين والحاء المهملتين جمع مسلحة بفتح الميم واللام، وهي كالثغر والمرقب، يكون فيه أقوام يرقبون العدو، لئلا يطرقهم على غفلة، فإذا رأوه أعلموا أصحابهم ليتأهبوا له؛ سموا مسلحة لأنهم يكونون ذوي سلاح؛ أو لأنهم يسكنون المسلحة، وهي كالثغر والمرقب، وفي حديث الدعاء: "بعث اللَّه له مسلحة يحفظونه ¬

_ (¬1) البخاري (7061). (¬2) مثبتة من البخاري، وانظر: "صحيح البخاري" (7065). (¬3) كذا في الأصول: ثنا الحارث. وفي "السنن"، و"تحفة الأشراف" 6/ 124: حدثت عن ابن وهب. ولعل ما ذكره المصنف في نسخته من "السنن" أو هو في حفظه من روايات الحديث الأخرى، واللَّه أعلم.

من الشيطان" (¬1) ومنه الحديث الآخر: "كان أدنى مسالح فارس إلى العَرَب العُذَيْب" (¬2). وقال القرطبي: المسالح: المطالع. ويقال: هم القوم يستعد بهم في المراصد ويرتبون لذلك (سِلَاحِ) قال أبو عبيد البكري في حرف السين المهملة من "معجم البلدان": هو بكسر أوله وبالحاء المهملة (¬3). كالخفراء، يحني: المسلمون والكفار ويجتمعون بين المدينة وسلاح، ثم ذكر الحديث، ولفظه: "حتى يكون أبعد مسالحهم بسلاح" يعني: بزيادة باء الجر على سلاح، وقال عبدة: هو مبني على الكسر عند الحجازيين، وغير منصرف عند بني تميم. [4251] (ثنا أحمد بن صالح، عن عنبسة، عن يونس، عن الزهري [قال: وسلاح]) (¬4) موقع (قريب من خيبر) وخيبر بينها وبين المدينة ثمانية بُرُد مشي ثلاثة أيام. * * * ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3534)، والنسائي في "الكبرى" 6/ 149 من حديث عمارة بن شبيب السبئي. قال الألباني في "صحيح الترغيب" (473): حسن لغيره. (¬2) ذكره الجوهري في "الصحاح" 1/ 376، وابن الأثير في "النهاية" 2/ 389 وغيرهما. (¬3) "معجم ما استعجم" 3/ 744. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل) والمثبت من "السنن".

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

شَرْحُ سُنَنِ أَبِي دَاوُد لِابْنِ رَسْلَان [17]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ جميعُ الحقوقِ مَحْفوظَة لِدَارِ الفَلَاحِ وَلَا يجوز نشر هَذَا الْكتاب بِأَيّ صِيغَة أَو تَصْوِيره PDF إِلَّا بِإِذن خطي من صَاحب الدَّار الْأُسْتَاذ/ خَالِد الرَّباط الطَّبْعَةُ الأُولَى 1437 هـ - 2016 م رَقم الْإِيدَاع بدَارِ الكتُب 17164/ 2015 دَارُ الفَلَاحِ لِلبحثِ العِلمي وتَحْقِيق التُّرَاثِ 18 شَارِع أحمس - حَيّ الجامعة - الفيوم ت: 01000059200 [email protected] تطلب منشوراتنا من: • دَار الْعلم - بلبيس - الشرقية - مصر • دَار الأفهام - الرياض • دَار كنوز إشبيليا - الرياض • مكتبة وتسجيلات ابْن الْقيم الإسلامية - أَبُو ظَبْي • دَار ابْن حزم - بيروت • دَار المحسن - الجزائر • دَار الْإِرْشَاد - استانبول • دَارُ الفَلَاحِ - الفيوم

2 - باب في النهي عن السعي في الفتنة

2 - باب في النَّهْي عَنِ السَّعْي في الفِتْنَةِ 4256 - حَدَّثَنَا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عُثْمانَ الشَّحّامِ قالَ: حَدَّثَنِي مُسْلِمُ بْنُ أَبي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: قالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّها سَتَكونُ فِتْنَةٌ يَكُونُ المُضْطَجِعُ فِيها خَيْرًا مِنَ الجالِسِ والجالِسُ خَيْرًا مِنَ القائِمِ والقائِمُ خَيْرًا مِنَ الماشي والماشي خَيْرًا مِنَ السَّاعَي". قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ ما تَأْمُرُني قالَ: "مَنْ كَانَتْ لَهُ إبلٌ فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ وَمَنْ كانَتْ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ وَمَنْ كانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِهِ". قالَ: فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيء مِنْ ذَلِكَ؟ قالَ: "فَلْيَعْمِدْ إِلَى سيْفِهِ فَلْيَضْرِبْ بِحَدِّهِ عَلَى حَرَّةٍ ثُمَّ لِيَنْجُ ما اسْتَطَاعَ النَّجاءَ" (¬1). 4257 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خالِدٍ الرَّمْلي، حَدَّثَنَا مُفَضَّلٌ، عَنْ عيَّاشٍ، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَشْجَعي أَنَّهُ سَمِعَ سَعْدَ بْنَ أَبي وَقّاصٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي هَذَا الحَدِيثِ قالَ: فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ دَخَلَ عَليَّ بَيْتي وَبَسَطَ يَدَهُ لِيَقْتُلَنِي قالَ: فَقالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كُنْ كابْنَي آدمَ". وَتَلا يَزِيدُ: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ} الآيَةَ (¬2). 4258 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمانَ، حَدَّثَنَا أَبي، حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ خِراشٍ، عَنِ القاسِمِ بْنِ غَزْوانَ، عَنْ إِسْحاقَ بْنِ راشِدٍ الجَزَري، عَنْ سَالِمٍ، حَدَّثَنىِ عَمْرُو بْن وابِصَةَ الأَسَدي، عَنْ أَبِيهِ وابِصَةَ، عَنِ ابن مَسْعُودٍ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ، فَذَكَرَ بَعْضَ حَدِيثِ أَبي بَكْرَةَ قالَ: "قَتْلاها كُلُّهُمْ فِي النَّارِ". قالَ فِيهِ: قُلْتُ: مَتَى ذَلِكَ يا ابن مَسْعُودٍ؟ قالَ: تِلْكَ أَيَّامُ الهَرْجِ حَيْثُ لَا يَأْمَنُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ. قُلْتُ: فَما تَأْمُرُني إِنْ أَدْرَكَني ذَلِكَ الزَّمانُ قالَ: تَكُفَّ لِسانَكَ وَيَدَكَ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2887). (¬2) رواه الترمذي (2194)، وأحمد 1/ 185. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (2431).

وَتَكُونُ حِلْسًا مِنْ أَحْلَاسِ بَيتِكَ. فَلَمّا فتِلَ عُثْمانُ طارَ قَلْبي مَطارَهُ فَرَكِبْتُ حَتَّى أَتَيْتُ دِمَشْقَ فَلَقِيتُ خُرَيْمَ بْنَ فاتِكٍ فَحَدَّثْتُهُ فَحَلَفَ باللَّهِ الذي لا إله إِلَّا هُوَ لَسَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كَما حَدَّثَنِيهِ ابن مَسْعُودٍ (¬1). 4259 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوارِثِ بْن سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَرْوانَ، عَنْ هُزَيْل، عَنْ أَبي مُوسَى الأَشْعَري قَالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ بَيْنَ يَدي السّاعَةِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيها مُوْمِنًا وَيُمْسي كافِرًا وَيُمْسي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كافِرًا القاعِدُ فِيها خَيْرٌ مِنَ القَائِمِ والمَاشي فِيها خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، فَكَسِّرُوا قِسِيَّكُّمْ وَقَطِّعُوا أَوْتارَكُمْ واضْربُوا سُيُوفَكُمْ بِالحِجارَةِ فَإِنْ دُخِلَ -يَعْني: عَلَى أَحَدٍ مِنْكُمْ- فَلْيَكُنْ كَخَيْرِ ابني آدَمَ" (¬2). 4260 - حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسي، حَدَّثَنَا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ رَقَبَةَ بْنِ مَصْقَلَةَ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبي جُحَيْفَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -يَعْنِي ابن سَمُرَةَ- قالَ: كُنْتُ آخِذًا بِيَدِ ابن عُمَرَ في طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ المَدِينَةِ إِذْ أَتَى عَلَى رَأْسٍ مَنْصُوبٍ فَقَالَ: شَقَي قَاتِل هذا. فَلَمَّا مَضَى قالَ: وَما أَرى هذا إِلَّا قَدْ شَقي، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "مَنْ مَشَى إِلَى رَجُلٍ مِنْ أُمَّتي لِيَقْتُلَهُ فَلْيَقُلْ هَكَذا فَالقَاتِلُ في النَّارِ والمَقْتُولُ في الجَنَّةِ". قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ الثَّوْري، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سُمَيْرٍ أَوْ سُمَيْرَةَ، وَرَواهُ لَيْثُ بْنُ أَبي سُلَيْمِ، عَنْ عَوْنٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سُمَيْرَةَ. قالَ أَبُو داوُدَ: قالَ لِى الحَسَنُ بْنُ عَلي، حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ -يَعْني: بِهَذَا الحَدِيثِ-، ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 448. وصححه الألباني في "الصحيحة" (3254). (¬2) رواه ابن ماجه (3961)، وأحمد 4/ 416. وقال الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (2742): صحيح لغيره.

عَنْ أَبِي عَوانَةَ وقالَ: هُوَ في كِتابي ابن سَبْرَةَ، وَقالُوا: سَمُرَةَ: وَقالُوا: سُمَيْرَةَ. هذا كَلامُ أَبي الوَلِيدِ (¬1). 4261 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمّادُ بْن زَيْدٍ، عَنْ أَبي عِمْرانَ الجَوْني، عَنِ المُشَعَّثِ ابْنِ طَرِيفٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبي ذَرٍّ قالَ: قالَ لي رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا أَبا ذَرٍّ". قُلْتُ: لَبَّيكَ يا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ. فَذَكَرَ الحَدِيثَ، قالَ فِيهِ: "كَيْفَ أَنْتَ إِذا أَصابَ النّاس مَوْتٌ يَكُونُ البَيْتُ فِيهِ بِالوَصِيفِ". قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. أَوْ قالَ ما خارَ اللَّه لِي وَرَسُولُهُ. قالَ: "عَلَيْكَ بِالصَّبْرِ". أَوْ قالَ: "تَصْبِرُ". ثُمَّ قالَ لي: "يا أَبا ذَرٍّ". قُلْتُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ. قالَ: "كَيْفَ أَنْتَ إِذا رَأَيْتَ أَحْجَارَ الزَّيْتِ قَدْ غَرِقَتْ بِالدَّمِ". قُلْتُ: ما خارَ اللَّهُ لي وَرَسُولُهُ. قالَ: "عَلَيْكَ بِمَنْ أَنْتَ مِنْهُ". قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ أفَلَا آخُذُ سَيفي وَأَضَعُهُ عَلَى عاتِقي؟ قالَ: "شارَكْتَ القَوْمَ إِذًا". قُلْتُ: فَما تَأْمُرُنَي؟ قالَ: "تَلْزَمُ بَيْتَكَ". قُلْتُ: فَإِنْ دَخِلَ عَلي بَيْتي قالَ: "فَإِنْ خَشِيتَ أَنْ يَبْهَرَكَ شُعاعُ السَّيْفِ فَأَلْقِ ثَوْبَكَ عَلَى وَجْهِكَ يَبُوءُ بِإِثْمِكَ وَإِثْمِهِ". قالَ أَبُو داوُدَ: لَمْ يَذْكرِ المُشَعَّثَ في هذا الحَدِيثِ غَيْرُ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ (¬2). 4262 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الواحِدِ بْنُ زِيادٍ، حَدَّثَنَا عاصِمٌ الأَحْوَلُ، عَنْ أَبي كَبْشَةَ قالَ: سَمِعْت أَبَا مُوسَى يَقُول: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيها مُؤْمِنًا وَيُمْسي كافِرًا وَيُمْسي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كافِرًا القاعِدُ فِيها خَيْرٌ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 96. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (4664). (¬2) رواه ابن ماجه (3958)، وأحمد 5/ 163. وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود".

مِنَ القائِمِ والقائِمُ فِيها خَيْرٌ مِنَ المَاشِي والمَاشِي فِيها خَيْرٌ مِنَ السَّاعَي". قالُوا: فَما تَأْمُرُنَا؟ قالَ: "كُونُوا أَحْلاسَ بُيُوتِكُمْ" (¬1). 4263 - حَدَّثَنَا إِبْراهِيمُ بْنُ الحَسَنِ المِصِّيصي، حَدَّثَنَا حَجّاجٌ -يَعْني: ابن مُحَمَّدٍ- حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، قالَ: حَدَّثَنِي مُعاوِيَةُ بْنُ صالِحٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جُبَيْرٍ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ المِقْدادِ بْنِ الأَسْوَدِ قالَ: ايْمُ اللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الفِتَنَ إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الفِتَنَ إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الفِتَنَ وَلَمَنِ ابْتُلي فَصَبَرَ فَواهًا" (¬2). * * * باب النهي عن السعي في الفتن [4256] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا وكيع، عن عثمان) أبي سلمة (الشحام) بفتح الشين المعجمة، والحاء المهملة، البصري العدوي، يقال: اسم أبيه: ميمون، أو: عبد اللَّه، أخرج له مسلم هذا الحديث (قال: حدثني مسلم بن أبي بكرة، عن أبيه) أبي بكرة نفيع بن الحارث -رضي اللَّه عنه-. (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إنها ستكون فتنة) لفظ الصحيحين: "ستكون فتن" (¬3) (يكون المضطجع فيها خيرًا من الجالس والجالس) فيها (خيرًا من القائم، والقائم خيرًا من الماشي، والماشي خيرًا من الساعي) إليها، ¬

_ (¬1) انظر تخريج حديث (4259). وقد صححه الألباني. (¬2) رواه البزار 6/ 46 (2112)، والطبراني 20/ 252 (598). وصححه الألباني في "الصحيحة" (975). (¬3) البخاري (3601، 7081، 7082)، مسلم (2886) من حديث أبي هريرة. ومسلم (2887) من حديث أبي بكرة.

زاد البخاري: "من تشرف لها تستشرفه" (¬1)، ولمسلم: "تكون فتنة؛ النائم فيها خير من اليقظان، واليقظان فيها خير من القائم. . فمن وجد ملجأ أو معاذا فليستعذ" (¬2). قال النووي: معناه بيان عظيم خطرها، والحث على تجنبها، والهرب منها ما استطاع، ومن التسبب في شيء منها، وإن شرها وفتنتها تكون على حسب التعلق بها (¬3). يعني: وعلى قدر دخوله فيها وحرفته في دخولها يكون شرها عليه، وكلما قلل من حركتها كان شره أقل، وكلما كثر كان شره أكثر. (قال) أبو بكرة: (يا رسول اللَّه، ما تأمرني؟ ) أن أفعل فيها إذا نزلت أو وقعت (قال: من كانت له إبل فليلحق بإبله) لينجو منها (ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه) من الإعراض عن الفتن والفرار منها إلى ما كان له من إبل أو غنم أو أرض أو نحو ذلك. (فمن لم يكن له شيء من ذلك) كله (قال: فليعمد) بكسر الميم (إلى سيفه فليضرب بحده) أي: بحد سيفه (على حرة) بفتح الحاء المهملة، والراء المشددة، مع تنوين آخره، والحرة الحجارة السود، وهذا موافق لرواية مسلم قال: "يعمد إلى سيفه فيدق على حده بحجر" (¬4) هذا محمول على ظاهره وهو كسر حد السيف حقيقة؛ لأنه إذا فعل ¬

_ (¬1) البخاري (3601، 7081، 7082)، مسلم (2886). (¬2) مسلم (2886/ 12). (¬3) "مسلم بشرح النووي" 18/ 9. (¬4) مسلم (2887).

ذلك سد على نفسه باب القتال إذ لم يكن له شيء يستعين به على الدخول فيها فيفر منها ويسلم من شرها. (ثم لينجو) (¬1) بنفسه (ما استطاع) لفظ مسلم: "ثم ينجو إن استطاع" (النجاء) وفي بعض نسخ مسلم: "ثم لينج" (¬2) بحذف واو العلة لكونه مجزومًا بلام الأمر وهو القاعدة، والمعنى: ثم ليطلب النجاة بنفسه ويسرع بالفرار من الفتن إن وجد إلى ذلك سبيلا. وقد قال بظاهر هذا الحديث جماعة من السلف فاجتنبوا جميع ما وقع بين الصحابة من الخلاف والقتال، منهم: أبو بكرة راوي الحديث ومحمد بن مسلمة اتخذ سيفًا من خشب وقال: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمره بذلك (¬3). وأقام بالربذة. [4257] (ثنا يزيد بن خالد) بن يزيد (الرملي) الفقيه الزاهد الثقة (ثنا المفضل) بن فضالة قاضي مصر (عن عياش) بالمثناة تحت، والشين المعجمة، وهو ابن عباس القتباني، أخرج له مسلم. (عن بكير) بالتصغير ابن عبد اللَّه بن الأشج (عن بسر) (¬4) بضم الموحدة، وسكون المهملة (ابن سعيد) المدني (عن حسين بن عبد الرحمن الأشجعي) وثق. (أنه سمع سعد بن أبي وقاص) -رضي اللَّه عنه- يقول (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذا ¬

_ (¬1) كذا في الأصول، وفي المطبوع: لينج. (¬2) مسلم (2887). (¬3) رواه الطبراني 19/ 232 (517). وقال الهيثمي في "المجمع" 7/ 301: فيه من لم أعرفه. (¬4) فوقها في (ل): (ع).

الحديث) وزاد (قال) سعد (فقلت: يا رسول اللَّه، أرأيت إن دخل علي) أحد في (بيتي، وبسط) إلي (يده ليقتلني) ما أصنع معه؟ (قال: فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: كن) مع من يدخل عليك (كابني) أي: كخير ابني (آدم) كما سيأتي في الرواية بعده، أي: كن كهابيل بن آدم حين قال لأخيه لما دخل عليه ليقتله: لئن بدأتني بالقتل فما أنا بالذي أبدؤك بالقتل؛ إني أخاف اللَّه رب العالمين في قتلك. (وتلا يزيد) بن خالد الرملي شيخ المصنف قوله تعالى: ({لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي} الآية) (¬1) إلى آخرها. [4258] (حدثنا عمرو بن عثمان) بن سعيد الحمصي، صدوق حافظ (ثنا أبي) عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي، ثقة من العابدين. (ثنا شهاب بن خراش) بكسر الخاء المعجمة، ابن حوشب الشيباني، عن يحيى بن معين: ثقة. وعنه وعن النسائي: لا بأس به (¬2). روى له المصنف هذا الحديث واحد فقط. (عن القاسم (¬3) بن غزوان) مقبول (عن إسحاق بن راشد) الأموي مولاهم (الجزري) بفتح الجيم والزاي، أخرج له البخاري في تفسير براءة (¬4) وفي الطب (¬5) والاعتصام. (عن سالم) قال: (حدثني عمرو بن وابصة الأسدي) صدوق (عن أبيه ¬

_ (¬1) المائدة: 28. (¬2) "تاريخ ابن معين" رواية الدارمي (ص 130) (413). (¬3) فوقها في (ل): (د). (¬4) البخاري (4677). (¬5) عقب حديث (5715).

وابصة) بن معبد الأسدي الصحابي (عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول. فذكر بعض حديث أبي بكرة) المذكور، وزاد (قال: قتلاها) جمع قتيل، أي: قتلى الفتن التي يكثر فيها الهرج في آخر الزمان. (كلهم في النار) قال القرطبي: هذا الحديث محمول على ما إذا كان القتال على الدنيا، يعني: وعلى حظوظ الأنفس، قال: وقد جاء هكذا منصوصا فيما سمعناه من بعض مشايخنا: "إذا اقتتلتم على الدنيا فالقاتل والمقتول في النار" خرجه البزار، ومما يدل على صحة هذا ما خرجه مسلم في "صحيحه" عن أبي هريرة قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس زمان لا يدري القاتل فيما قتل، ولا المقتول فيما قتل". فقيل: فكيف يكون ذلك؟ قال: "الهرج، القاتل والمقتول في النار" (¬1) فبين هذا الحديث أن القاتل إذا كان على جهالة من طلب دنيا أو اتباع هوى فالقاتل والمقتول في النار، فأما قتال يكون على تأويل ديني كقتال الصحابة فلا (¬2). (قال فيه: قلت: متى ذاك يا ابن مسعود؟ قال: تلك أيام الهرج) كما تقدم (حيث لا يأمن الرجل جليسه) أن يقتله ويغرر به. (قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك الزمان؟ ) الذي ذكرت فيه الفتن. (قال: تكف لسانك) عن الكلام في الفتنة (ويدك) عن القتال فيها (وتكون حلسًا) بكسر الحاء المهملة، وأصله الكساء الذي على ظهر ¬

_ (¬1) مسلم (2907/ 54). (¬2) انظر: "التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة" (ص 1104 - 1105).

البعير تحت القتب (من أحلاس بيتك) لفظه الخبر ومعناه الأمر (¬1). أي: كف لسانك وكن حلس بيتك كما يأتي في حديث، أي: الزم بيتك للجلوس فيه كلزوم الحلس لظهر الدابة، وكل من لازم شيئًا وثبت فيه فهو حلسه، ومنه حديث أبي بكر؛ قام إليه بنو فزارة، فقالوا: يا خليفة رسول اللَّه، نحن أحلاس الخيل -يريدون لزومهم لظهورها- فقال: "نعم، أنتم أحلاسها ونحن فرسانها" (¬2). (فلما قتل عثمان طار قلبي) أي: مال إلى جهة يهواها ويتعلق بها (مطاره) منصوب على المصدر، أو على حذف حرف الجر، والمطار موضع الطيران (فركبت حتى أتيت دمشق) بكسر الدال، وفتح الميم، وفيه الرحلة لطلب الحديث والعلوم والسؤال عما أشكل عليه (فلقيت) بها (خريم) بضم الخاء المعجمة وفتح الراء المهملة، مصغر (ابن فاتك) بالفاء، وبعد الألف مثناة فوق مكسورة، ثم كاف، غير منصرف، الأسدي. وقيل: فاتك لقب لأبيه أخرم، أبي يحيى، شهد بدرًا مع أخيه سبرة، وفي الحديث أنه نزل دمشق. (فحدثته) بهذا الحديث (فحلف باللَّه الذي لا إنه إلا هو لسمعه) أي: لقد سمع هذا الحديث (من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كما حدثنيه) عبد اللَّه (بن مسعود). [4259] (ثنا مسدد، ثنا عبد الوارث بن سعيد) بن ذكوان التميمي مولاهم البصري (عن محمد بن جحادة) بضم الجيم، الأودي، الكوفي ¬

_ (¬1) في (ل): الخبر. ولعل المثبت مراد المصنف. (¬2) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 61/ 319 بنحوه. وقد ورد الجزء الأخير منه في خبر آخر رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 24/ 291 عن الضحاك.

(عن عبد الرحمن بن ثروان) بفتح المثلثة، أبي قيس الأودي، أخرج له البخاري (عن هزيل) بفتح الزاي، مصغر، ابن شرحبيل الأودي، الكوفي، أخرج له البخاري في الفرائض (¬1) (عن أبي موسى) عبد اللَّه ابن قيس (الأشعري -رضي اللَّه عنه- قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن بين يدي الساعة فتنًا) جمع فتنة، وللترمذي: "بادروا بالأعمال فتنا" (¬2) (كقطع الليل المظلم) قطع جمع قطعة، وهي الطائفة من الليل، أراد أن كل فتنة سوداء مظلمة، وشبه الفتن بالليل المظلم تعظيما لشأنها وعظم خطرها. (يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي) وقد صار (كافرًا، ويمسي) الرجل (مؤمنًا) باللَّه تعالى (ويصبح كافرًا) فيه إخبار عن سرعة تغير أحوال الناس في الفتن؛ لكثرة ما يشاهدون من الأهوال العظيمة. زاد الترمذي: "يبيع أحدهم دينه بعرض من الدنيا" (¬3) (القاعد فيها خير من القائم) والقائم فيها خير من الماشي (والماشي فيها خير من الساعي) فيها بالبدن وغيره (فكسروا) بتشديد السين للمبالغة (قسيكم) بكسر القاف والسين، جمع قوس (وقطعوا) بتشديد الطاء (أوتاركم) أي: أوتار القسي (واضربوا) حد (سيوفكم بالحجارة) من القلب. أي: أضربوا الحجارة بسيوفكم، كقولهم: عرضت الناقة على الحوض. وفيه ترك المحاربة في أيام الفتن؛ لأنه قتال في مسلمين بغير تأويل صحيح. وفيه إفساد آلات الجهاد؛ لأن اقتناءها وإبقاءها قد يؤدي إلى ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (6736). (¬2) "سنن الترمذي" (2190). (¬3) السابق.

استعمالها، ولأن ما حرم استعماله حرم اتخاذه على هيئة الاستعمال كما في آلات الملاهي، وعلى هذا فلو كسرها غير المالك لم يكن عليه أرش النقص (فإن دخل) مبني للمفعول. أي: دخل داخل أحد (يعني: على أحد منكم) ليقتله (فليكن كخير ابني آدم -عليه السلام-) أي: يكون كهابيل الذي فرض اللَّه عليه كما قتل أن لا يمتنع ممن أراد قتله، وقيل: كان حرامًا عليه قتل من أراد قتله، أما الامتناع ممن أراد قتله فلا. [4260] (ثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك (الطيالسي، ثنا أبو عوانة) الوضاح (عن رقبة) بفتح الراء والقاف والباء الموحدة (ابن مصقلة) ويقال بالسين بدل الصاد، العبدي الكوفي، أخرج له البخاري في النكاح (¬1) (عن عون بن أبي جحيفة) واسمه وهب السوائي الكوفي (عن عبد الرحمن) بن سمير، بضم السين المهملة مصغر، مقبول، ووهم من زعم أن له صحبة. (قال: كنت آخذ) بضم الخاء والذال (بيد) عبد اللَّه (ابن عمر رضي اللَّه عنهما في طريق من طرق المدينة) زادها اللَّه شرفًا (إذ أتى) أي: مر (على رأس) بالتنوين (منصوب) أي: قتل صاحبه، ونصب. أي: رفع رأسه على شيء، ليرتدع بذلك أمثاله (قال: شقي) [بفتح] (¬2) الشين ضد سعد (قاتل هذا) الرأس المنصوب (فلما مضى قال: وما أرى هذا) يعني: القاتل (إلا) و (قد شقي) تأكيد لما تقدم. (سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: من مشى) بفتح الشين (إلى رجل من ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (5069). (¬2) في النسخ: بضم.

أمتي ليقتله) بغير حق (فليقل) من أريد قتله (هكذا) يحتمل أن يكون معناه: يضم يديه إلى صدره ويكف عن القتال، واللَّه أعلم. ويؤيده الحديث الذي بعده (فالقاتل في النار) إن لم يتب إلى اللَّه تعالى وأراد اللَّه تعذيبه، ويحتمل أن يكون المراد: فالقاتل مستحق النار إن لم يكن عفو (والمقتول) ظلمًا (في الجنة) إذا صبر واحتسب (قال) المصنف: (رواه) سفيان بن سعيد (الثوري، عن عون) بن أبي جحيفة. (عن عبد الرحمن بن سمير أو سميرة) بالتصغير فيهما (ورواه ابن أبي سليم) أبو بكر القرشي، مولاهم، وكان ذا صلاة وصيام وعلم كثير، وبعضهم احتج به (عن عون) بن أبي جحيفة. (عن عبد الرحمن ابن سمير) وجهًا واحدًا (قال) المصنف (¬1) (قال لي الحسن بن علي) الجهضمي. (ثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي (يعني بهذا الحديث) المذكور. (عن أبي عوانة قال: هو) مكتوب (في كتابي) عبد الرحمن (بن سبرة) بالباء الموحدة (وقالوا: سميرة هذا كلام أبي [الوليد]) (¬2) وذكر البخاري في "تاريخه الكبير" عبد الرحمن هذا، وذكر الخلاف في اسم أبيه، وقال: حديثه في الكوفيين، وذكر له هذا الحديث مقتصرًا منه على المسند (¬3). وقال الدارقطني: تفرد به أبو عوانة، عن رقبة، عن عون بن ¬

_ (¬1) هنا انتهى السقط المشار إليه سالفًا من (م). (¬2) كذا بالسنن، وفي النسخ الخطية: داود. (¬3) "التاريخ الكبير" 5/ 241.

أبي جحيفة عنه، يعني: عن عبد الرحمن بن سميرة (¬1). [4261] (ثنا مسدد، ثنا حماد بن زيد، عن أبي عمران) عبد الملك بن حبيب (الجوني) بفتح الجيم (عن المشعث) بتشديد العين المهملة، بعدها ثاء (¬2) مثلثة، ويقال: منبعث، بسكون النون، وفتح الموحدة، وكسر المهملة، ثم ثاء مثلثة (ابن طريف) قاضي هراة، مقبول (عن [عبد الوارث]) (¬3) (¬4) ابن أخي أبي ذر الغفاري، وهو عن أبي ذر -رضي اللَّه عنه- قال: كنت رديفًا خلف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يومًا على حمار، فلما جاوز بيوت المدينة قال: "كيف بك يا أبا ذر إذا كان بالمدينة جوع تقوم عن فراشك ولا تبلغ مسجدك حتى يجهدك الجوع" قلت: اللَّه ورسوله أعلم. قال: "تعفف يا أبا ذر" (¬5). (عن أبي ذر) جندب بن جنادة -رضي اللَّه عنه- (قال: قال لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: يا أبا ذر. قلت: لبيك وسعديك، فذكر الحديث) المذكور (وقال فيه: كيف) بك (أنت إذا أصاب الناس موت) كثير حتى (يكون) لفظ ابن ماجه: "يقوم" (¬6) (البيت فيه) المراد بالبيت هنا: القبر. ¬

_ (¬1) في (م): سبرة. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) كذا في الأصول، وهو خطأ. والصواب (عبد اللَّه بن الصامت)، وليس في تلاميذ أبي ذر من اسمه عبد الوارث ولا في شيوخ المشعث كذلك. انظر: "تهذيب الكمال" 15/ 120، 28/ 8، 33/ 294. (¬4) فوقها في (ل): (م 4). (¬5) رواه معمر في "الجامع" 11/ 351 (20729)، ومن طريقه البغوي في "شرح السنة" 15/ 11 (4220). (¬6) "سنن ابن ماجه" (3958).

قال الخطابي: قد يحتج بهذا الحديث من يذهب إلى وجوب قطع النباش، ووجهه أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سمى القبر بيتًا، فدل على أنه حرز كالبيوت التي يسرق منها (¬1) (بالوصيف) بكسر الصاد المهملة، وهو الخادم، يريد أن الناس يشتغلون عن دفع موتاهم، حتى لا يوجد فيهم من يحفر قبر الميت ويدفنه، إلا أن يعطي وصيفًا أو قيمته، ويجوز أن يكون معناه: أن المواضع تضيق عليهم، حتى إنهم يبتاعون لموتاهم القبور كل قبر بوصيف (قلت: اللَّه ورسوله أعلم، أو قال) أبو ذر: أفعل (ما خار) بالخاء المعجمة (اللَّه تعالى لي ورسوله) لفظ رواية البغوي يوضحه، ولفظه: "كيف بك يا أبا ذر إذا كان بالمدينة موت يبلغ البيت العبد حتى إنه يباع القبر بالعبد" قال: قلت: اللَّه ورسوله أعلم (¬2). لفظ المصنف: (ما خار اللَّه لي) أي: اختاره، فعل ما استخاره اللَّه تعالى ورسوله لي ورضياه، ثم (قال: عليك بالصبر) على الجوع، ولا تأكل حرامًا، إغراء، ذهب ابن عصفور إلى أن الباء زائدة في المبتدأ، والتقدير: فعليك بالصوم. فهو خبر لا أمر، ويؤخذ منه وجوب الصبر؛ لأن ذلك ظاهر هذِه الصيغة، ولم يدخل ابن مالك هذِه الصيغة في الإغراء، بل ذكره من أحكام اسم الفعل، فقال: والفعل من أسمائه عليكا ... وهكذا دونك مع إليكا (¬3) ¬

_ (¬1) "معالم السنن" 4/ 314. (¬2) "شرح السنة" 15/ 11. (¬3) "الألفية" (ص 54).

إذا كان أصله الجار والمجرور أو الظرف، ومعنى: عليك الصبر. أي: الزمه وداوم عليه؛ لتستعين به على شرور الفتن، كما قال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ} (¬1) (أو قال: تصبر) على كثرة الفتن ما استطعت. (ثم قال لي: يا أبا ذر. قلت: لبيك وسعديك) يا رسول اللَّه. ولابن ماجه زيادة، ولفظه: قال: "تصبر" قال: "كيف أنت وجوع يصيب الناس حتى تأتي مسجدك فلا تستطيع أن ترجع إلى فراشك، أو لا تستطيع أن تقوم من فراشك إلى مسجدك؟ " قال: قلت: اللَّه ورسوله أعلم. قال: "عليك بالعفة" (¬2) (قال: كيف أنت) أي: كيف حالك (إذا رأيت أحجار الزيت قد عرقت بالدم؟ ) لفظ ابن ماجه: "كيف أنت وقتل يصيب الناس حتى تغرق أحجار الزيت بالدم" (¬3). ورواية البغوي: "كيف بك يا أبا ذر إذا كان بالمدينة قتل يغمر بالدمماء أحجار الزيت" (¬4) أي: يسترها، و (عرقت) بفتح العين المهملة، وقاف بعد الراء. قال القرطبي: عرقت لزمت، والعروق: اللزوم (¬5). والمعنى أن الدم لزم أحجار الزيت عند وقوع الفتن، كما يلزم العرق للجسم إذا حصل له مشقة وتعب. ¬

_ (¬1) البقرة: 45. (¬2) "سنن ابن ماجه" (3958). (¬3) السابق. (¬4) "شرح السنة" 15/ 12. (¬5) "التذكرة" (ص 1135).

قال القرطبي: ويروى: غرقت أي: بالغين المعجمة (¬1). قلت: وله وجه، وهو أن الحجارة غرقت في الدم، كما يغمر الغريق الماء، وتعضده رواية البغوي: "يغمر بالدماء" (¬2) تغمر الدماء أحجار الزيت، وأحجار الزيت اسم موضع بالمدينة قريب من الزوراء، وهو موضع صلاة الاستسقاء. وذكر عمر بن شبة في كتاب "المدينة" على ساكنها السلام: ثنا محمد ابن يحيى عن ابن أبي فديك قال: أدركت أحجار الزيت ثلاثة أحجار مواجهة بيت ابن أم كلاب، وهو اليوم يعرف ببيت بني أسد فَعَلَا الكنس الحجارة فاندفنت. قال: وحدثنا محمد بن يحيى قال: أخبرني أبو ضمرة الليثي، عن عبد الرحمن بن الحارث بن عبيد، عن هلال ابن طلحة الفهري أن حبيب بن مسلمة الفهري كتب إليه أن كعبًا سألني أن أكتب له إلى رجل من قومي عالم بالأرض قال: فلما قدم كعب جاءني بكتابه ذلك فقال: أعالم أنت بالأرض؟ قلت: نعم. وكانت أحجار بالزوراء يصفون عليها الزياتون رواياهم، فأقبلت حتى جئتها، فقلت: هذِه أحجار الزيت. فقال كعب: لا واللَّه ما هذِه صفتها في كتاب اللَّه، انطلق أمامي فإنك أهدى بالطريق مني. فانطلقنا حتى جئنا بني عبد الأشهل، فقال: يا بلال، إني أجد أحجار الزيت في كتاب اللَّه فاسأل القوم عنها وهم متوافرون. فسألهم عن أحجار الزيت وقال: إنها ستكون بالمدينة ملحمة (¬3). ¬

_ (¬1) "التذكرة" (ص 1135). (¬2) "شرح السنة" 15/ 12. (¬3) "تاريخ المدينة المنورة" 1/ 307 - 308.

وقال بعضهم: قد وقعت هذِه الوقعة في أيام يزيد بن معاوية، توجه إليها مسلم بن عقبة المري في عسكر، ونزل مسلم بالحرة بالقرب من المدينة واستباح حرمتها، وقيل: وقتل رجالها ثلاثة أيام، وقيل: خمسة. ثم توجه إلى مكة فمات بالطريق. (قلت) أختار (ما خار اللَّه لي ورسوله. قال: عليك بمن أنت منه) لفظ ابن ماجه: "الحق بمن أنت منه" (¬1). لفظ البغوي: "تأتي من أنت منه" (¬2). فلفظه خبر ومعناه الأمر، أي: انضم إلى الفئة التي أنت منها وإليها. قلت: ويحتمل أن يراد: الزم تراب بيتك الذي خلقت منه، وبدل عليه قوله بعده: "تلزم بيتك (¬3) فلا تخرج منه" (قلت: يا رسول اللَّه، أفلا آخذ سيفي فأضعه على عاتقي؟ قال: شاركت القوم إذن) أي: إذا وضعت السيف على عاتقك فقد شاركت المحاربين في الفتن في إثمهم. (قلت: فما تأمرني؟ قال: تلزم بيتك) لفظه خبر ومعناه الأمر، أي: الزم بيتك لتسلم، وإنما نهاه عن المحاربة؛ لأن أهل تلك الحرب كلهم مسلمون. (قلت: فإن دخل) بضم الدال وكسر الخاء (عليَّ) في (بيتي؟ قال: فإن خشيت أن يبهرك) بفتح أوله وثالثه (شعاع السيف) أي: يغلبك صفوه وبريقه الباهر الشديد الإضاءة. ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (3958). (¬2) "شرح السنة" 15/ 12. (¬3) ساقطة من (م).

ومنه الحديث في وقت صلاة الضحى: "إذا بهرت الشمس الأرض" (¬1) أي: غلب الأرض نورها وضوؤها (فألق) بفتح الهمزة (ثوبك على وجهك) من شدة ضوئه (يبوء بإتمك وإثمه) هذا موافق لقوله تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} (¬2) وهذا يؤيده ما تقدم في الحديث قبله: "كن كخير ابني آدم" فعن ابن عباس وابن مسعود وناس من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} أي: بإثم قتلي إلى إثمك الذي في عنقك قبل ذلك (¬3). قال الطبري: الصواب (¬4) أن تأويله: إني أريد أن تنصرف بخطيئتك في قتلك إياي. ومعنى {وَإِثْمِكَ} فهو إثمه بغير قتله معصية اللَّه في أعمال سواه. قال: وإنما قلنا ذلك؛ لأن اللَّه أخبر أن كل عامل جزاء عمله عليه، وإن كان هذا حكمه في خلقه فغير جائز أن يكون آثام القاتل مأخوذًا بها القاتل. فإن قيل: كيف جاز أن يريد بذلك المقتول؟ فمعناه: إني أريد أن تبوء بإثم قتلي إن قتلتني لأني لا أقتلك، وهذا الحديث يدل على أن حكم هذِه الآية في زمن الفتنة حكم بني آدم (¬5). ثم قال الطبري: في آيات قتل قابيل هابيل كلها مثل ضربه اللَّه لبني آدم، وحرض به المؤمنين من أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على استعمال العفو ¬

_ (¬1) ذكره ابن الأثير في "النهاية" 1/ 165 وغيره. (¬2) المائدة: 29. (¬3) رواه الطبري في "جامع البيان" 4/ 533 (11733). (¬4) ساقطة من (م). (¬5) "جامع البيان" 4/ 534.

والصفح عن اليهود الذين كانوا يهمون بقتل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وضرب مثل اليهود في غدرهم ومثل المؤمنين في العفو عنهم بابني آدم المقربين قرابينهم الذين ذكرهم اللَّه، ثم مثل (¬1) لهم على التأسي بالفاضل منهما دون الطالح، وبذلك جاء الخبر عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. ثم قال: حدثنا محمد بن عبد الأعلى، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه قال: قلت لبكر بن عبد اللَّه: أما بلغك أن نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن اللَّه ضرب لكم ابني آدم مثلًا فخذوا خيرهما ودعوا شرهما" قالوا: بلى (¬2). (قال) المصنف: (لم يذكر المشعث) بتشديد العين كما تقدم (في هذا الحديث غير حماد بن زيد) بن درهم الإمام الأزدي. [4262] (ثنا محمد بن يحيى بن فارس، ثنا عفان (¬3) بن مسلم) الصفار الحافظ (ثنا عبد الواحد بن زياد، ثنا عاصم الأحول، عن أبي كبشة) قال أبو القاسم في "الإشراف": أظنه البراء بن قيس السكوني (¬4) البصري، مقبول. (قال: سمعت أبا موسى الأشعري -رضي اللَّه عنه- يقول: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن بين أيديكم فتنًا كقطع الليل المظلم) فيه ما تقدم. (يصبح الرجل) أو المرأة (فيها مؤمنًا) ثابت الإيمان (ويمسي) وقد ¬

_ (¬1) بعدها في (ل): ذلك. (¬2) "جامع البيان" 4/ 540. (¬3) فوقها في (ل): (ح). (¬4) انظر: "تحفة الأشراف" 6/ 473.

صار من الفتن التي شاهدها (كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا) يشبه أن يكون سمى من أصبح مؤمنًا بانسحاب الإيمان المتقدم، أو أنه يصبح يجدد إيمانه بذكر الشهادتين أول نهاره، وحمله على هذا هو الحقيقة، والأول مجاز. (القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي) إليها بإسراع (قالوا: فما تأمرنا يا رسول اللَّه؟ قال: كونوا أحلاس بيوتكم) أي: لازموا بيوتكم وانضموا إليه كما ينضم الحلس ويلازم ظهر البعير. وأمره -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذا الحديث والذي قبله وتسليم النفس للقتل كابن آدم، قال طائفة: هذا عند اجتماع الفتن؛ فإن النهوض فيها غير جائز لقتالهم المسلمين لغير تأويل صحيح. قالوا: وعليه أن يستسلم للقتل إن أريدت نفسه ولا يدفع عنها، وحملوا الأحاديث على ظواهرها، وربما احتجوا من جهة النظر بأن كل فريق من المقتتلين في الفتنة يقاتل على تأويل، وإن كان في الحقيقة خطأ فهو عند نفسه محق وغير جائز لأحد قتله، وسبيله سبيل حاكم من المسلمين يقضي بقضاء مما اختلف فيه العلماء على ما يراه صوابًا، فغير جائز لغيره من الحكام نقضه إذا لم يخالف بقضائه ذلك كتابًا ولا سنة ولا جماعة، فكذلك المقتتلون في الفتنة، كل حزب منهم عند نفسه محق، فغير جائز قتالهم، وإن قصدوا القتل فغير جائز دفعهم. وعلى هذا عمران بن حصين وابن عمر، وقد روي عنهما وعن غيرهما منهم: عبيدة السلماني أن من اعتزل الفريقين ودخل بيته فأتى

من يريد قتله فعليه دفعه عن نفسه؛ لقوله -عليه السلام-: "من أريدت نفسه وماله فقتل فهو شهيد" قالوا: فالواجب على من أريدت نفسه وماله ظلمًا دفع ذلك (¬1) مهما وجد سبيلًا إلى ذلك، قال القرطبي: وهذا هو الصحيح من القولين إن شاء اللَّه تعالى (¬2). [4263] (ثنا إبراهيم بن الحسن المصيصي) بكسر الميم، نسبة إلى المصيصة بلدة على ساحل البحر بالشام، ينسب إليها جماعة، منهم: نصر اللَّه بن عبد القوي، ولد باللاذقية، ونشأ بالمصيصة، ثم انتقل إلى صور، وإبراهيم ثقة ثبت (ثنا حجاج بن محمد) الأعور الحافظ (ثنا الليث بن سعد قال: حدثني معاوية بن صالح) الحضرمي الحمصي قاضي الأندلس، أخرج له مسلم. ([أن عبد الرحمن بن جبير) الحضرمي، أخرج له مسلم] (¬3) (حدثه عن أبيه) جبير بن نفير بنون وفاء، مصغر، ابن مالك بن عامر الحضرمي الحمصي، أخرج له الشيخان (عن المقداد بن) عمرو بن ثعلبة الكندي، تبناه (الأسود) بن عبد يغوث؛ فنسب إليه (وايم اللَّه) قسم جمع يمين (لقد سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: إن السعيد) كل السعيد (لمن جنب) بضم الجيم، وكسر النون المشددة (الفتن) أي: تجنبها وتباعد عنها ولزم بيته، كما تقدم. (إن السعيد لمن تجنب الفتن وإن السعيد لمن تجنب الفتن) كرره ثلاثًا ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) "التذكرة" (ص 1137 - 1138). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

مبالغة في التأكيد على التباعد عن الفتن واعتزال فرقها، كما تقدم (و) إن (لمن ابتلي) اللام المفتوحة جواب القسم، و (من) بفتح الميم شرطية، و (ابتلي) في موضع جزم بها (فصبر) معطوف عليه، أي: من وقع في الفتنة وصبر على ظلم الناس له ولغيره واحتمل أذاهم ولم يحاربهم ولا دافع عن نفسه حتى قتل (فواهًا) الفاء جواب الشرط، و (واهًا) بالتنوين اسم فعل، أي: فطوبى له بما حصل له من الأجر، قال في "النهاية": قيل: معنى هذِه الكلمة: التلهف، وقد يوضع موضع الإعجاب بالشيء، يقال: واهًا له. وقد ترد بمعنى التوجع، يقال فيه: آهًا. يعني بهمزة وتنوين (هًا)، ومنه حديث أبي الدرداء: ما أنكرتم من زمانكم فبما غيرتم من أعمالكم، إن يكن خيرًا فواهًا واهًا، وإن يكن شرًّا فآهًا آهًا (¬1). والألف فيها غير مهموزة (¬2). * * * ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في "معجم الشاميين" 1/ 38 (26)، وأبو نعيم في "الحلية" 5/ 249. قال الهيثمي في "المجمع" 10/ 231: رواه الطبراني وإسناده حسن. (¬2) "النهاية" 5/ 144.

3 - باب في كف اللسان

3 - باب فِي كَفِّ اللِّسَانِ 4264 - حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بْن شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِي ابن وَهْبٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قالَ: قالَ خَالِدُ بْنُ أَبي عِمْرانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ البَيْلَمَانِي، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "سَتَكُونُ فِتْنَةٌ صَمَّاءُ بَكْمَاءُ عَمْياءُ مَنْ أَشْرَفَ لَها اسْتَشْرَفَتْ لَهُ وَإِشْرافُ اللِّسانِ فِيها كَوُقُوعِ السَّيْفِ" (¬1). 4265 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْن زَيْدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ طاوُسٍ عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: زِيادٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّها سَتَكُونُ فِتْنَةٌ تَسْتَنْظِفُ العَرَبَ قَتْلاها في النَّارِ، اللِّسانُ فِيها أَشَدُّ مِنْ وَقْعِ السَّيْفِ". قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ الثَّوْري، عَنْ لَيْثٍ عَنْ طاوُسٍ عَنِ الأَعْجَمِ (¬2). 4266 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن عِيسَى بْنِ الطَّبّاعِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْن عَبْدِ القُدُّوسِ قالَ: زِيادٌ سِيمِينْ كُوشْ. * * * باب في كف اللسان [4264] (ثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث) الفهمي، شيخ مسلم (عن) عبد اللَّه (ابن وهب، حدثني الليث) بن سعد (عن يحيى بن سعيد) ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في "الأوسط" 8/ 308 (8717). وقوله: "من أشرف لها استشرفت له" رواه البخاري (3601)، ومسلم (2886) من حديث أبي هريرة مرفوعًا. وضعفه الألباني في "ضعيف سنن أبي داود". (¬2) رواه الترمذي (2178)، وابن ماجه (3967)، وأحمد 2/ 211. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (3229).

ابن قيس الأنصاري (قال: قال خالد بن أبي عمران) التونسي قاضي إفريقية، أخرج له مسلم (عن عبد الرحمن بن البيلماني) بفتح الموحدة وسكون التحتانية ثم لام، مولى عمر، مدني نزل حران، قال أبو حاتم: لين الحديث (¬1). ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2). (عن عبد الرحمن بن هرمز) الأعرج (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم قال: ستكون فتنة) هذِه (كان) التامة، أي: ستحدث فتنة (صماء بكماء عمياء) أراد أنها لا تسمع ولا تنطق ولا تبصر، فهي لذهاب حواسها لا تدرك شيئًا ولا تقلع ولا ترتفع، وقيل: شبهها لاختلاطها. وقيل: البريء فيها والسقيم بالأصم الأخرس الأعمى الذي لا يهتدي إلى شيء، فهو يخبط خبط عشواء. وقيل: هي كالحية الصماء التي لا تقبل لسعتها الرقي، ولا يستطيع أحد أن يأمر فيها بمعروف أو ينهى عن المنكر، بل إن تكلم بحق آذاه الناس وقالوا: ما صلح أن يتكلم إلا أنت! . (من أشرف) بسكون الشين المعجمة (لها استشرفت له) أي: من تطلع لها وقرب منها تطلعت تلك الفتنة له، وجرته إلى نفسها وأوقعته في مهالكها (وإشراف اللسان فيها) يعني: إطالة اللسان بالكلام فيها (كوقوع السيف) في المحاربة به. [4265] (ثنا محمد بن عبيد) مصغر، وهو ابن حساب بكسر الحاء وتخفيف السين المهملة، الغبري بضم المعجمة وتخفيف الموحدة، ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 5/ 216 (1018). (¬2) "الثقات" 5/ 91.

البصري، أخرج له مسلم (ثنا حماد بن زيد، ثنا ليث) بن أبي سليم القرشي مولاهم الكوفي، قال شيخنا ابن حجر: صدوق (¬1). (عن طاوس) القراء، ابن كيسان (عن رجل يقال له: زياد) بن سليم العبدي، مولاهم، عرف بالأعجم لشاعر، قال ابن حجر: مقبول (¬2). (عن عبد اللَّه بن عمر (¬3) رضي اللَّه عنهما: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إنها ستكون (¬4) فتنة تستنظف العرب) هو بالظاء المعجمة، من يستنظف، قال ابن الأثير في "النهاية" في باب النون والظاء المعجمة: تستنظف العرب أي: تستوعبهم هلاكًا، يقال: استنظفت للشيء إذا أخذته كله. ومنه: استنظفت ما عنده واستغنيت عنه (¬5). وعجبت من القرطبي في "التذكرة"؛ حيث ذكرها بالطاء المهملة وفسرها وقال: لم أقف فيه على شيء لغيري (¬6). ولعله لم يكن عنده "النهاية"، أو راجعها في الطاء المهملة ولم يراجع الظاء المعجمة، وقال عقب الحديث: قوله: (تستنطف) أي: ترمي، مأخوذ من نطف الماء أي: قطر، والنطفة: الماء الصافي قل أو كثر، أي: إن هذِه الفتنة تقطر قتلاها في النار، أي: ترميهم فيها؛ لاقتتالهم على الدنيا، ¬

_ (¬1) "تقريب التهذيب" (5685). (¬2) "تقريب التهذيب" (2081). (¬3) كذا في الأصول، والصواب: عمرو. وهو ما في "سنن أبي داود". (¬4) ساقطة من (م). (¬5) "النهاية" 5/ 79. (¬6) "التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة" (ص 1131).

واتباع الشيطان والهوى. (وقتلاها) بدل من (العرب)، هذا المعنى الذي ظهر لي. انتهى كلامه (¬1). ومعنى قوله: قتلاها بدل. أي: قتلاها في محل النصب من العرب الذي هو مفعول (تستنظف)، وهو بدل اشتمال، ويجوز أن يكون (قتلاها) مبتدأ، و (في النار) الخبر (اللسان) يعني الكذب باللسان (فيها) أي: أتته في الفتنة عند أئمة الجور، ونقل الأخبار التي يتولد منها الفساد في الأرض (أشد) ضررًا (من وقع السيف) في القتال، فربما يحصل بالكلمة من اللسان من النهب والقتل والخلاف (¬2) والمفاسد العظيمة ما لا يحصل من الضرر بالسيف، وينشأ من اللسان أكثر مما ينشأ من السيف؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة: "إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب" (¬3). (قال) المصنف (رواه) سفيان (الثوري عن ليث) بن أبي سليم (عن طاوس، عن) زياد (الأعجم) قال المنذري والقرطبي: وحكي أيضًا أنه زياد سيمين كوش (¬4). ومعناه: أذن الفضة؛ لأن سيمين هو الفضة، وكوش: الأذن. وقال الترمذي: سمعت محمد بن إسماعيل -يعني: البخاري- ¬

_ (¬1) السابق. (¬2) في (م): والجدال. (¬3) البخاري (6477، 6478)، مسلم (2988). (¬4) "مختصر السنن" 6/ 148.

يقول: لا يعرف لزياد بن سيمين كوش عن عبد اللَّه بن عمر غير هذا الحديث الواحد (¬1)، وروي مرفوعًا. ولفظ ابن ماجه: "إياكم والفتن، فإن اللسان فيها مثل وقع السيف" (¬2). [4266] (ثنا محمد بن عيسى الطباع، قال: حدثنا عبد اللَّه بن عبد القدوس قال: زياد سيمين كوش) بكسر المهملة، قال المنذري: سيمين هي الفضة، وكوش هي الأذن. * * * ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" عقب حديث (2178). (¬2) "سنن ابن ماجه" (3968). وضعف إسناده البوصيري في "المصباح" 4/ 176، وقال الألباني في "الضعيفة" (2479): ضعيف جدًّا.

4 - باب ما يرخص فيه من البداوة في الفتنة

4 - باب ما يُرَخَّصُ فِيهِ مِنَ البَدَاوَةِ في الفِتْنَةِ 4267 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْن مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْري قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرُ مالِ المُسْلِمِ غَنَمًا يَتْبَعُ بِها شَعَفَ الجِبَالِ وَمَواقِعَ القَطْرِ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الفِتَنِ" (¬1). * * * [باب] (¬2) ما يرخص فيه من البداوة [4267] (ثنا عبد اللَّه بن مسلمة) القعنبي (عن مالك، عن عبد الرحمن ابن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن [أبي] (¬3) صعصعة) الأنصاري المازني، أخرج له البخاري في الإيمان (¬4) والصلاة (¬5) [والتوحيد (¬6) (عن أبيه) عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة المازني، أخرج له البخاري في الإيمان] (¬7) والزكاة. (عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري -رضي اللَّه عنه-: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: يوشك) أي: يسرع ويقرب (أن يكون خير مال المسلم غنما) فيه فضيلة ¬

_ (¬1) رواه البخاري (19). (¬2) ساقطة من (ل، م) والمثبت من "السنن". (¬3) ساقطة من (ل، م)، والمثبت من مصادر التخريج. (¬4) "صحيح البخاري" (19). (¬5) "صحيح البخاري" (659). (¬6) "صحيح البخاري" (7374). (¬7) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

اقتناء الغنم وبركة مخالطتها، وأنها خير الأموال، لا سيما أيام الفتنة؛ فإنه خير ما ارتحل صاحبها [. . .] (¬1) إلى جهة قصده مع ما يستعين به مما فيها من المنافع كاللبن والسمن والصوف واللحم، وغير ذلك من المنافع، مما قد اجتمع في اللبن من كونه يغني عن المأكول والمشروب، وتتصل له هذِه المنافع مع ارتحاله إلى الصحاري ورؤوس الجبال؛ ليرعاها وينتفع بها، وفيه التصريح بأن أفضل الأموال التي تقتنى في آخر الزمان الغنم، ويدخل فيه البياض والسواد، ويحتمل أن يكون الإبل والبقر في معناها. (يتبع بها) أي: معها، فالباء بمعنى مع، كقوله: اذهب بسلام. أي: مع سلامة (شعف) بفتح الشين المعجمة والعين المهملة وبالفاء، جمع شعفة بالتحريك، وهي رأس الجبل، وشعفة كل شيء أعلاه، وهذا هو المشهور في الرواية، ورواه بعضهم بضم الشين وآخره باء موحدة، أي: أطرافها ونواحيها وما انفرج منها، والشعبة ما انفرج بين الجبلين. (الجبال ومواقع القطر) في الأراضي السهلة، ومواقع جمع موقع، وهو موضع وقوع المطر، وفيه الحث على السكنى في المواضع المخصبة والارتحال عن المواضع المجدبة، وعلى طلب السكن في مواضع الرخص وترك بلاد الغلاء والقحط، وأن مع الرخص في الأسعار يطيب عيش المؤمن. (يفر بدينه من الفتن) فيه الحث على الفرار من الفتن حيث كانت؛ ¬

_ (¬1) كلمة غير مقروءة في (ل) وساقطة من (م).

ليسلم للمسلم دينه، وفيه الحث على العزلة والتغرب عن الأوطان، فإنه أسلم للدين، وفيه علم من أعلام نبوته -صلى اللَّه عليه وسلم- في إخباره عما يكون في آخر الزمان ويوجد، كما أخبر به، وفيه إرشاد أمته في حياته وبعد وفاته، وهذا من النصح للرعية. * * *

5 - باب في النهى عن القتال في الفتنة

5 - باب فِي النَّهْى عَن القِتَالِ في الفِتْنَةِ 4268 - حَدَّثَنَا أَبُو كامِلٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ وَيُونُسَ، عَنِ الحَسَنِ عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قالَ: خَرَجْتُ وَأَنا أُرِيدُ -يَعْني: في القِتالِ- فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرَةَ فَقالَ: ارْجِعْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُول: "إِذا تَواجَهَ المُسْلِمَان بِسَيْفَيْهِمَا فَالقَاتِلُ والمَقْتُولُ فِي النّارِ". قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ هذا القَاتِلُ فَمَا بَالُ المَقْتُولِ؟ قالَ: "إِنَّهُ أَرادَ قَتْلَ صاحِبِهِ" (¬1). 4269 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُتَوَكِّلِ العَسْقَلاني، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ الحَسَنِ بإسْنادِهِ وَمَعْناهُ مُخْتَصَرًا. قالَ أَبُو داوُدَ: لِمُحَمَّدٍ -يَعْني: ابن المُتَوَكِّلِ- أَخٌ ضَعِيفٌ يُقال لَهُ الحُسَيْنُ (¬2). * * * باب في النهي عن القتال في الفتنة [4268] (حدثنا أبو كامل) فضيل بن الحسين الجحدري، أخرج له مسلم في الحج وغيره (ثنا حماد بن زيد، عن أيوب و) عن (يونس، عن الحسن) البصري (عن الأحنف بن قيس) التميمي (قال: خرجت وأنا أريد، يعني: قتال) لفظ مسلم: خرجت وأنا أريد هذا الرجل (¬3). وأوضح منها رواية البخاري: خرجت بسلاحي ليالي الفتنة (¬4) (فلقيني أبو بكرة) نفيع بن الحارث. لفظ البخاري: فاستقبلني أبو بكرة، فقال: أين تريد؟ قلت: ¬

_ (¬1) رواه البخاري (13)، ومسلم (2888). وانظر ما بعده. (¬2) رواه مسلم (2888). (¬3) "صحيح مسلم" (2888). (¬4) "صحيح البخاري" (7083).

أريد نصرة ابن عم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1). يعني: علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- على قتال معاوية. (قال: ارجع؛ فإني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: إذا تواجه المسلمان) أي: ضرب كل واحد منهما وجه الآخر. أي: ذاته. ولمسلم: "إذا التقى المسلمان" (¬2). وفي رواية له: "إذا المسلمان حمل أحدهما على أخيه السلاح فهما في جرف جهنم، فماذا قتل أحدهما صاحبه دخلا جميعًا" (¬3) (فالقاتل والمقتول) منهما (في النار) أي: مستحقان لها، وقد يعفو اللَّه تعالى عنه. فإن قلت: علي ومعاوية كلاهما كان مجتهدًا، وغاية ما في الباب أن معاوية كان مخطئًا في اجتهاده، وله أجر واحد وقد كان لعلي أجران. فالجواب: أن المراد بما في الحديث المتواجهان بلا دليل من الاجتهاد ونحوه، وهذا في غير الصحابة؛ لأنهم إنما قاتلوا على التأويل. قال القرطبي: هذا الحديث محمول على ما إذا كان القتال على الدنيا أو على مقتضى الأهواء (¬4). فإن قلت: مساعدة الإمام الحق ودفع البغاة واجب، فلم منع أبو بكرة الأحنف بن قيس منها؟ فالجواب: لعل الأمر لم يكن بعد ظاهرًا عليه. ¬

_ (¬1) السابق. (¬2) "صحيح مسلم" (2888/ 15). وهو عند البخاري بهذا اللفظ (31/ 6875). (¬3) "صحيح مسلم" (2888/ 16). (¬4) "المفهم" 7/ 215.

(قال: قيل: يا رسول اللَّه، هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه أراد قتل صاحبه) قال النووي: فيه دلالة للمذهب الصحيح الذي عليه الجمهور أن من يرى المعصية وأصر على النية يكون آثمًا وإن لم يفعلها ولا تكلم بها، بل هم (¬1) بفعلها (¬2). [4269] (ثنا محمد بن المتوكل) أبي السري (¬3) (العسقلاني) حافظ، وثق (ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن أيوب، عن الحسن بإسناده) المذكور (ومعناه) لكنه ذكره (مختصرًا). * * * ¬

_ (¬1) في (م): تكلم. (¬2) "مسلم بشرح النووي" 18/ 12. (¬3) كذا في النسخ، وصوابه: ابن أبي السري. بزيادة: ابن. وانظر "تهذيب الكمال" 26/ 355.

6 - باب في تعظيم قتل المؤمن

6 - باب فِي تَعْظِيمِ قَتْلِ المُؤْمِنِ 4270 - حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْن الفَضْلِ الحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ خَالِدِ ابْنِ دِهْقانَ قالَ: كُنَّا في غَزْوَة القُسْطَنْطِينِيَّةِ بِذُلُقْيَةَ فَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ فِلَسْطِينَ -مِنْ أَشْرافِهِمْ وَخِيارِهِمْ يَعْرِفونَ ذَلِكَ لَهُ يُقال لَهُ هانِئُ بْن كُلْثُومِ بْنِ شَرِيكٍ الكِناني- فَسَلَّمَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زَكَرِيّا وَكانَ يَعْرِفُ لَهُ حَقَّهُ. قالَ لَنَا خالِدٌ: فَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْن أَبِي زَكَرِيّا قالَ: سَمِعْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ تَقولُ: سَمِعْتُ أَبا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُول: "كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ إِلَّا مَنْ ماتَ مُشْرِكًا أَوْ مُؤْمِنٌ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا". فَقالَ هانِئُ بْنُ كُلْثُومٍ: سَمِعْتُ مَحْمُودَ بْنَ الرَّبِيعِ يُحَدِّثُ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّهُ قالَ: "مَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا فاعْتَبَطَ بِقَتْلِهِ لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلا عَدْلًا". قالَ لَنَا خالِدٌ: ثُمَّ حَدَّثَنِي ابن أَبي زَكَرِيّا، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبي الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "لَا يَزَالُ المُؤْمِنُ مُعْنِقًا صَالِحًا ما لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا فَإِذا أَصَابَ دَمًا حَرامًا بَلَّحَ". وَحَدَّثَ هانِئُ بْنُ كَلْثُوم، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عُبَادَةَ بْن الصَّامِتِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِثْلَهُ سَواءً (¬1). 4271 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن عَمْرٍو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُبارَكٍ، حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خالِدٍ أَوْ غَيْرُهُ قالَ: قالَ خَالِدُ بْنُ دِهْقَانَ سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ يَحْيَى الغَسّاني، عَنْ قَوْلِهِ: "اعْتَبَطَ بِقَتْلِهِ". قالَ: الذِينَ يُقاتِلُونَ في الفِتْنَةِ فَيَقْتُلُ أَحَدُهُمْ فَيَرى أَنَّهُ عَلَى هُدى ¬

_ (¬1) رواه البزار 7/ 162 - 163 (2729، 2730)، وابن حبان 13/ 318 (5980)، والطبراني في "مسند الشاميين" 2/ 264، 265، 266 (1308، 1309، 1311)، والبيهقي 8/ 21. وصححه الألباني في "الصحيحة" (511).

لا يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ -يَعْني- مِنْ ذَلِكَ. قالَ أَبُو داوُدَ: وقالَ: فاعْتَبَطَ يَصُبُّ دَمَهُ صَبًّا (¬1). 4272 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْن إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبي الزِّنادِ، عَنْ مُجالِدِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ خَارِجَةَ بْنَ زَيْدٍ قالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ ثابِتٍ فِي هذا المَكانِ يَقُول: أُنْزِلَتْ هذِه الآيَةُ {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} بَعْدَ التي فِي الفُرْقَانِ {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ (¬2). 4273 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَوْ حَدَّثَنِي الحَكَمُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قالَ: سَأَلْتُ ابن عَبَّاسٍ فَقالَ: لَمَّا نَزَلَتِ التي في الفُرْقَانِ {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} قالَ مُشْرِكُو أَهْلِ مَكَّةَ: قَدْ قَتَلْنا النَّفْسَ التي حَرَّمَ اللَّهُ وَدَعَوْنَا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَأَتَيْنا الفَواحِشَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} فهذِه لأُوُلَئِكَ قالَ: وَأَمّا التي في النِّساءِ {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} الآيَةُ قالَ: الرَّجُلُ إِذَا عَرَفَ شَرائِعَ الإِسْلَامِ ثُمَّ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ لا تَوْبَةَ لَهُ. فَذَكَرْتُ هذا لِمُجاهِدٍ فَقالَ: إِلَّا مَنْ نَدِمَ (¬3). 4274 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنَا حَجّاجٌ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي يَعْلَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ في هذِه القِصَّةِ في {الَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} أَهْلُ الشِّرْكِ قالَ: وَنَزَلَ {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} (¬4). ¬

_ (¬1) الألباني في "صحيح سنن أبي داود": صحيح مقطوع. (¬2) رواه النسائي 7/ 87، والبيهقي 8/ 16. قال الألباني في "الصحيحة" (2799): حسن صحيح. (¬3) رواه البخاري (3855)، ومسلم (3023). (¬4) رواه البخاري (4810)، ومسلم (122).

4275 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيانُ، عَنِ المُغِيرَةِ ابْنِ النُّعْمانِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مؤْمِنًا متَعَمِّدًا} قالَ ما نَسَخَها شَيء (¬1). 4276 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْن يُونُسَ، حَدَّثَنَا أَبُو شِهابٍ، عَنْ سُلَيْمانَ التَّيْمِي، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ في قَوْلِهِ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} قالَ: هي جَزَاؤُهُ فَإِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَتَجاوَزَ عَنْهُ فَعَلَ (¬2). * * * باب في تعظيم قتل المؤمن [4270] (ثنا مؤمل (¬3) بن الفضل الحراني) ثقة (ثنا محمد بن شعيب) ابن شابور الدمشقي، قال دحيم: ثقة. (عن خالد (¬4) بن دهقان) بكسر الدال، الدمشقي، ثقة (قال: كنا في غزوة القسطنطينية) بضم القاف وضم الطاء الأولى، وكان اسم موضعها: طوالة، ولما كثرت حروف هذا الاسم وكثر استعماله خففت بالإضافة الثانية، من أعظم مدائن الروم (بذلقية) قال في "النهاية" في باب الذال المعجمة: هو بضم الذال وسكون القاف وفتح الياء تحتها نقطتان، مدينة بالروم (¬5). يعني: واللام مضمومة إتباعًا للذال. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4590)، ومسلم (3023). (¬2) رواه الطبري في "جامع البيان عن تأويل آي القرآن" 5/ 217، والبيهقي 8/ 16. قال الألباني في "صحيح سنن أبي داود": حسن مقطوع. (¬3) فوقها في (ل): (د). (¬4) فوقها في (ل): (د). (¬5) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 166.

(فأقبل رجل من أهل فلسطين) بكسر الفاء وفتح اللام من مدن الشام، قاعدتها بيت المقدس (من أشرافهم وخيارهم يعرفون له ذلك) ويشهدون لشرفه وعظم منزلته (يقال له: هانئ بن كلثوم بن شريك الكناني) أو الكندي الفلسطيني، صدوق، من فضلاء تابعي أهل الشام وكبرائهم، عرضت عليه إمرة فلسطين، فامتنع منها؛ لاشتغاله بالعبادة، أرسل عن عمر وغيره وكان على رأس المئة. (فسلم على عبد اللَّه بن أبي زكريا) الفقيه التابعي الشامي الجليل، قال الأوزاعي: لم يكن بالشام رجل يفضل عليه، وكان يقول: ما عالجت شيئًا من العبادة أشد من السكوت، وعالجت لساني عشرين سنة قبل أن يستقيم لي. وقال: لو خيرت بين أن أعمر مئة سنة في طاعة اللَّه، أو أن أقبض في ساعتي لاخترت أن أقبض؛ شوقًا إلى اللَّه وإلى رسوله وإلى الصالحين من عباده. لا يتكلم إلا أن يسأل، قال: ما مسست دينارًا ولا درهمًا قط، ولا اشتريت شيئًا قط ولا بعته. وكان [له] (¬1) إخوة يكفونه، مات سنة سبع عشرة ومئة (¬2) (وكان يعرف له حقه) وارتفاع منزلته (قال لنا خالد) بن دهقان (فحدثنا عبد اللَّه بن أبي زكريا) المذكور (قال: سمعت أم الدرداء) الصغرى واسمها: [هجيمة، وقيل] (¬3): جهيمة بنت حيي الأوصابية الحميرية الدمشقية، ليست لها صحبة (تقول: سمعت ¬

_ (¬1) ليست في (ل)، (م)، والمثبت من مصادر ترجمته. (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 14/ 520. (¬3) ساقطة من (م).

سيدي) يعني: زوجها (أبا الدرداء) عويمر بن زيد بن قيس الأنصاري، أول مشاهده أحد، روي عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "عويمر حكيم [أمتي] " (¬1) وقال له أبو ذر: ما حملت ورقاء ولا أقلت خضراء أعلم منك يا أبا الدرداء (¬2). (يقول: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: كل ذنب عسى اللَّه تعالى أن يغفره) فإن عسى للترجي من عفو اللَّه تعالى، وهو موافق لقوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (¬3) (إلا من مات مشركًا) فإنه لا يغفر له؛ لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} يعني: مع عدم التوبة {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} يجب أن يكون مع التوبة أيضًا؛ لظاهر التفريق بين الشرك أو غيره، فأفاد ذلك جواز غفرانه لكل معصية غير الشرك. (أو مؤمن يقتل مؤمنًا متعمدًا) أي: مستحلًّا لقتله، فهو أيضًا يؤول إلى الكفر إجماعًا، وأما القاتل غير المستحل فهو في المشيئة كما قالت الجماهير وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي. (فقال هانئ بن كلثوم) بن شريك الكناني (سمعت محمود بن الربيع) ابن سراقة الأنصاري الخزرجي، له رؤية؛ لأنه عقل المجة التي مجها ¬

_ (¬1) رواه الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" كما في "بغية الباحث" (1019)، وكما في "المطالب العالية" 16/ 501 (4080) من حديث أبي المثنى المليكي. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (5530). (¬2) رواه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 7/ 27، ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 47/ 122. (¬3) النساء: 48.

رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في فيه (¬1). (يحدث عن عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- أنه سمعه يحدث عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: من قتل مؤمنًا) متعمدًا (فاعتبط بقتله) تفسير ما يأتي في كلام المصنف يدل على أنه من الغبطة، بالغين المعجمة وهي الفرح والسرور، وشرح الخطابي له يدل على أنه من العبطة بالعين المهملة (¬2)، ولهذا ذكره في "النهاية" في باب العين المهملة، قال: وهو من قتله ظلمًا بلا قصاص (¬3). ولا جناية كانت منه ولا جريرة توجب قتله، لم يقبل اللَّه صلاته، ومنه حديث: "من اعتبط مؤمنًا قتلًا فإنه قود" (¬4) أي: من قتل مؤمنًا بلا جناية منه فإن القاتل يقاد به ويقتل، وكل من مات بغير علة فقد اعتبط، ومات فلان عبطة أي شابا صحيحًا، ومنه شعر أمية (¬5): من لم يمت عبطة يمت هرمًا ... للموت كأس (وكل الناس) (¬6) ذائقها (لم يقبل اللَّه منه صرفًا ولا عدلًا) أي: نافلة ولا فريضة، وقيل غير ¬

_ (¬1) رواه البخاري (839، 1185، 6422)، ومسلم (33/ 265). (¬2) انظر: "معالم السنن" 4/ 315. (¬3) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/ 172. (¬4) رواه النسائي 8/ 57، وفي "الكبرى" 4/ 245، والدارمي 3/ 1518 (2397)، والبيهقي 4/ 89 من حديث عمرو بن حزم. وصححه ابن حبان 14/ 501 (6559)، والحاكم في "المستدرك" 1/ 394 - 396. (¬5) ساقطة من (م). (¬6) هكذا في النسخ، وفي مصادر التخريج: والمرء. انظر: "عيون الأخبار" لابن قتيبة 2/ 405، والكامل للمبرد 1/ 62، و"خزانة الأدب" 3/ 47.

ذلك: الصرف: التوبة والعدل. (قال لنا خالد) بن دهقان (ثم حدثنا) عبد اللَّه (بن أبي زكريا، عن أم الدرداء) هجيمة (عن أبي الدرداء) عويمر -رضي اللَّه عنه- (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: لا يزال المؤمن معنقًا) بضم الميم وسكون العين المهملة وكسر النون ثم قاف، أي: مسرعًا في طاعة اللَّه تعالى (صالحًا) أي: منبسطًا في عمله (ما لم يصب دمًا حرامًا) انقطع توفيقه للعمل الصالح فيقف، وقيل: أراد الإسراع في يوم القيامة إلى الجنة، وضعف بقوله في الحديث بعده: "ما لم يصب دمًا حرامًا" وإصابة الدم الحرام يوم القيامة لا تقع، ومنه: "المؤذنون أطول إعناقًا يوم القيامة" (¬1) بكسر الهمزة، الإعناق أي: أكثر إسراعًا وأعجل وصولًا إلى الجنة، يقال: أعنق في مشيه إعناقًا إذا أسرع فيه. (فإذا أصاب دمًا حرامًا بلَّح) بفتح الموحدة وتشديد اللام ثم حاء مهملة. قال التوربشتي: الرواية في هذا الحديث بتشديد اللام، أي: انقطع، من الإعياء، فلم يقدر على السير والحركة فيه، وقد أبلحه السير فانقطع به، يريد به وقوعه في الهلاك بإصابة الدم الحرام، وقد تخفف اللام، وهي لغة قليلة، ومنه الحديث: "استنفرتهم فبلحوا عليَّ" (¬2) أي: أبوا النفور معي، كأنهم قد أعيوا عن الخروج منه وإعانته. (وحدث هانئ بن كلثوم، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) حدثنا (مثله سواء) وهذِه الرواية ¬

_ (¬1) رواه مسلم (387) من حديث معاوية. (¬2) جزء من حديث طويل رواه البخاري (2731 - 2732).

تعضد الرواية المتقدمة. [4271] (ثنا عبد الرحمن بن عمرو) أبو زرعة البصري الحافظ، ثقة إمام (عن محمد بن مبارك، حدثنا صدقة بن خالد) الدمشقي، أخرج له البخاري في مناقب أبي بكر -رضي اللَّه عنه- (¬1) (أو غيره قال: قال خالد بن دهقان) بكسر الدال (سألت يحيى بن يحيى) بن قيس (الغساني) سيد أهل الشام في زمانه، قال ابن سعد: عالم بالفتيا والقضاء (¬2) (عن قوله) في الحديث (اعتبط بقتله. قال: هم الذين يقاتلون في الفتنة، فيقتل أحدهم) مبني للفاعل، أي: يقتل أحدهم القتيل في الفتنة ظلمًا وعدوانًا (فيرى) قاتله (أنه على هدى) فيفرح بقتل خصمه المؤمن الذي هو أخوه في الإسلام، ويحصل له السرور لحسن حاله (¬3) في قتل أخيه المؤمن (ولا يستغفر اللَّه) تعالى من إراقة دم أخيه بغير جرم ولا يتوب إليه. (يعني من ذلك) الذنب العظيم الذي فيه، فمن كانت هذِه حاله لا يقبل اللَّه منه صرفًا ولا عدلًا؛ لفرحه بمعصيته. [4272] (ثنا مسلم بن إبراهيم) التبوذكي (¬4) (ثنا حماد) بن سلمة (ثنا عبد الرحمن بن إسحاق) بن عبد اللَّه المدني، الملقب عباد، أخرج له مسلم في الطب (¬5). ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (3661). وروى له في موضع آخر (5590) في كتاب الأشربة. (¬2) "الطبقات الكبرى" 7/ 466. (¬3) بعدها في (م): لا يقبل اللَّه منه حرفًا ولا عدلًا. (¬4) كذا في (ل)، و (م)، وهو خطأ، والصواب: (الأزدي) وانظر "تهذيب الكمال" 27/ 487 (ت 5916). (¬5) مسلم (2225).

(عن أبي الزناد) عبد اللَّه بن ذكوان (عن مجالد بن عوف) الحجازي الحضرمي، صدوق (أن خارجة بن زيد) الأنصاري الفقيه (قال: سمعت) أبي (زيد بن ثابت في هذا المكان يقول: أنزلت هذِه الآية: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا}) يعني (بعد) الآية (التي في) سورة (الفرقان) وهي ({وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ}) قتلها ({إِلَّا بِالْحَقِّ}) مذهب الشافعي أن الاستثناء العائد بعد معطوفات يعود إلى جميع ما تقدمه. (بستة أشهر) وتوافق هذِه الرواية عن زيد بن ثابت الرواية عن ابن عباس في "صحيح البخاري" عن المغيرة بن النعمان قال: سمعت سعيد بن جبير قال: إنه اختلف فيها أهل الكوفة، فرحلت فيها إلى ابن عباس فسألته عنها فقال: نزلت هذِه الآية: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} هي آخر ما نزل وما نسخها شيء (¬1). وعلى هذِه الرواية أن هذِه الآية محكمة ليست منسوخة بكون من قتل مؤمنًا متعمدًا مخلدًا في النار، وهو خلاف مذهب الجمهور، والجواب عنه أن المراد بالخلود في الآية المكث الطويل، إذ قد ثبت أنه لا يخلد في النار من في قلبه مثقال ذرة خردل من إيمان. قال القرطبي: ذهب المعتزلة إلى ما روي عن زيد بن ثابت وابن عباس، وقالوا: الوعيد على قتل المؤمن متعمدًا نافذ حتمًا على كل قاتل، وجمعوا بين قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} وبين هذِه الآية بأن تقدير الآية: يغفر ما دون ذلك ¬

_ (¬1) البخاري (4590)، وهو عند مسلم أيضًا (3523).

لمن يشاء إلا من قتل مؤمنًا متعمدًا، قال: وذهب جماعة من العلماء منهم: عبد اللَّه بن عمر -وهو مروي عن زيد بن ثابت وابن عباس- إلى أن القاتل له توبة، روى يزيد بن هارون قال: أخبرنا أبو مالك الأشجعي عن سعد بن عبيدة قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: أَلِمَنْ قتل مؤمنًا متعمدًا توبة؟ قال: لا إلا النار. قال: فلما ذهب قال له جلساؤه: هكذا كنت تفتينا أن لمن قتل توبة مقبولة؟ قال: إني لأحسبه رجلًا مغضبًا يريد أن يقتل مؤمنًا. قال: فبعثوا في أثره فوجدوه كذلك، وهذا مذهب أهل السنة، وأن هذِه الآية مخصوصة (¬1). كما سيأتي. [4273] (ثنا يوسف بن موسى) بن راشد القطان الموفي (¬2)، شيخ البخاري (ثنا جرير، عن منصور) بن المعتمر (عن سعيد بن جبير أو) قال (حدثني الحكم) بن عتيبة، بفتح المثناة فوق، مصغر، الكوفي. (عن سعيد بن جبير قال: سألت ابن عباس رضي اللَّه عنهما فقال: لما أنزلت التي في الفرقان: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}) لفظ مسلم: عن ابن عباس: نزلت هذِه الآية بمكة: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} إلى قوله: {مُهَانًا} فقال مشركو أهل مكة: وما يغني عنا الإسلام (¬3) و (قد قتلنا النفس التي حرم اللَّه) إلا بالحق (ودعونا مع اللَّه إلهًا آخر) لفظ الصحيحين: وعدلنا ¬

_ (¬1) "الجامع لأحكام القرآن" 5/ 333. (¬2) كذا في (ل)، و (م)، وهو خطأ، والصواب: الكوفي. كما في مصادر ترجمته. (¬3) مسلم (2023/ 19).

باللَّه (¬1) (وأتينا الفواحش) يعني: الزواني. (فأنزل اللَّه تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ}) باللَّه ({وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا}) أي: إلا من ترك المعاصي ودخل فيها وعمل الأعمال الصالحة ({فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ}) يجعل اللَّه للتائب يوم القيامة مكان كل سيئة عملها وتاب منها حسنة، وقيل: التبديل (¬2) واقع في الدنيا، يوفق اللَّه التائب لأعمال الخير عوضًا عما كان يفعل من المعاصي. (فهذِه) الآية (لأولئك) المشركين الذين آمنوا باللَّه تعالى. (وأما) الآية (التي) في سورة (النساء) وهي: ({وَمَنْ يَقتُلْ}) هذا شرط ({مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا}) جوابه: ({فَجَزَأَؤُهُ جَهَنَّمُ} الآية قال: ) هو (الرجل إذا عرف شرائع الإسلام) لفظ مسلم: قال: فأما من دخل في الإسلام وعقله (¬3) (ثم قتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم) و (لا توبة له) فهذا القاتل لا توبة له. قال سعيد بن جبير: (فذكرت هذا) الذي قاله ابن عباس (لمجاهد فقال: ) مجاهد (إلا من ندم) وتاب. قال النحاس: فإن ندم وتاب فقد بين اللَّه أمره بقوله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ} فهذا لا مخرج عنه (¬4). يعني مع عفو اللَّه تعالى عنه. ¬

_ (¬1) البخاري (4765)، مسلم (2023/ 19). (¬2) ساقطة من (م). (¬3) مسلم (2023/ 19). (¬4) في (م): له. "معاني القرآن" 2/ 166.

[4274] (ثنا أحمد بن إبراهيم) البغدادي، أخرج له مسلم. (ثنا حجاج) بن محمد الأعور (عن ابن جريجٍ، حدثني يعلى) بن مسلم، أخرج له الشيخان، وزعم بعض الشراح أنه وقع (¬1) عند أبي داود: يعلى بن حكيم. ولم أر ذلك في شيء من نسخه، وهو في البخاري غير منسوب، وفي مسلم: يعلى بن مسلم (¬2). ويعلى بن مسلم بصري الأصل، سكن مكة، مشهور بالرواية عن سعيد بن جبير، ورواه ابن جريجٍ عنه، وقد روى يعلى بن حكيم أيضًا عن سعيد بن جبير، وروى عنه ابن جريجٍ، لكن ليس المراد هنا. (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما) أنه قال (في هذِه القصة) في قوله تعالى: ({وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} قال: ) هم (أهل الشرك) من أهل مكة وغيرهم، توضحه رواية النسائي عن ابن عباس: إن قومًا قتلوا (¬3). لفظ البخاري في التفسير: إن ناسًا من أهل الشرك قتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا، وانتهكوا. فأتوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالوا: يا محمد، إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن، لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة؟ فأنزل (¬4): {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} إلى: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} قال: يبدل اللَّه شركهم إيمانا وزناهم إحصانا (¬5). ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) مسلم (122). (¬3) "المجتبى" 7/ 86. (¬4) في (ل): فنزلت. (¬5) هو عند النسائي 7/ 86.

(قال: ونزل) قوله تعالى: ({يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ}) يعني: بالشرك والزنا وإراقة الدماء ({لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}) وذلك أنهم ظنوا أن لا توبة لهم، وفي رواية الطبراني: يا رسول اللَّه، إنا أصبنا ما أصاب وحشي؟ قال: "هي للمسلمين عامة" (¬1). وروى أحمد والطبراني في "الأوسط" عن ثوبان: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: يقول (¬2): "ما أحب أن لي بهذِه الآية الدنيا وما فيها: {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} " (¬3). [4275] (ثنا أحمد بن حنبل، ثنا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان اللؤلؤي (ثنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن المغيرة بن النعمان، عن سعيد ابن جبير، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: {وَمَنْ يَقتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا} ما نسخها شيء) أي: بل هي محكمة كما تقدم في رواية البخاري أنها لم ينسخها شيء. [4276] (ثنا أحمد) بن عبد اللَّه (بن يونس) اليربوعي (ثنا أبو شهاب) عبد ربه بن نافع الخياط، أخرج له الشيخان (عن سليمان) بن طرخان (التيمي) نزل فيهم بالبصرة فنسب إليهم، ثقة عابد، له مناقب جمة، استعار من رجل فروة فلبسها ثم ردها إليه، قال الرجل: فما زلت أجد ¬

_ (¬1) "المعجم الكبير" 1/ 197 (11480). قال الهيثمي في "المجمع" 10/ 215: فيه أبين بن سفيان وهو ضعيف. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) "المسند" 5/ 275، "المعجم الأوسط" 1/ 62 (174). وهو حديث ضعفه الألباني في "الضعيفة" (4409).

فيها ريح المسك. (عن أبي مجلز) بكسر الميم، وسكون الجيم [ثم لام مفتوحة] (¬1) ثم زاي، اسمه لاحق بن حميد التابعي -رضي اللَّه عنه- (في قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ} قال: هي جزاؤه) أي: يستحق أن يجازى بعذاب جهنم إن جوزي (فإن شاء اللَّه تعالى أن يتجاوز عنه فعل) ذلك تفضلًا منه وعفوًا. قال النووي: الصواب في معنى الآية أن جزاءه جهنم، وقد يجازى به، وقد يجازى بغيره، وقد لا يجازى، بل يعفى عنه، فإن قتل عمدًا مستحلا بغير حق فهو كافر (¬2) مرتد يخلد في جهنم بالإجماع، وإن كان غير مستحل بل معتقد تحريمه فهو فاسق (¬3) عاص مرتكب كبيرة، جزاؤه جهنم خالدًا فيها، لكن بفضل اللَّه، فأخبر أنه لا يخلد من مات موحدًا فيها، ولا يخلد هذا، ولكن قد يعفى عنه، فلا يدخل النار أصلًا، وقد لا يعفى عنه، بل يعذب كسائر عصاة الموحدين ويخرج معهم إلى الجنة، ولا يخلد في النار، فهذا هو الصواب في معنى الآية (¬4). * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ليس في (ل)، (م)، وأثبتناه ليستقيم السياق. (¬2) في (م): فاسق. (¬3) في (م): كافر. (¬4) "مسلم بشرح النووي" 17/ 83.

7 - باب ما يرجى في القتل

7 - باب ما يُرْجَى فِي القَتْلِ 4277 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلالِ بْنِ يِسافٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَذَكَرَ فِتْنَةً فَعَظَّمَ أَمْرَها فَقُلْنا أَوْ قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ لَئِنْ أَدْرَكَتْنا هذِه لَتُهْلِكَنّا. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كَلَّا إِنَّ بِحَسْبِكُمُ القَتْلُ". قالَ سَعِيدٌ: فَرَأَيْتُ إِخْواني قُتِلُوا (¬1). 4278 - حَدَّثَنَا عُثْمانُ بْن أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشامٍ، حَدَّثَنَا المَسْعُودِي، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي مُوسَى قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أُمَّتي هذِه أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ لَيْسَ عَلَيْها عَذابٌ في الآخِرَةِ، عَذابُها في الدُّنْيا الفِتَنُ والزَّلازِلُ والقَتْلُ" (¬2). * * * باب ما يرجى في القتل [4277] (ثنا مسدد، ثنا أبو الأحوص سلام) بالتشديد (بن سليم، عن منصور، عن هلال بن يساف) غير منصرف، أخرج له مسلم (عن سعيد بن زيد) أحد العشرة المشهود لهم بالجنة. (قال: كنا عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فذكر فتنة) تكون بعده (فعظم) بتشديد الظاء (أمرها) لكثرة ما يحصل فيها من الأهوال الشداد. (فقلنا أو قالوا) شك من الراوي هل سمع من شيخه: فقلنا أو قالوا (يا ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة 21/ 40 (38286)، وأحمد 1/ 189. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (2038). (¬2) رواه أحمد 4/ 410، 418. وصححه الألباني في "الصحيحة" (959).

رسول اللَّه لئن أدركتنا هذِه) الفتنة (لتهلكنا) بفتح اللام الأولى وكسر الثانية، وتشديد نون التوكيد، أي: ليعمنا الهلاك فيها. (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: كلا) معناها الجحد، أي: لا واللَّه لا ضرر عليكم في دينكم إذا كرهتم ما صنع المفسدون وتبرأتم من ذلك حسب ما يلزمكم، وأما لم تأمروا ولم تكرهوا هلكتم جميعكم، كما قال تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} (¬1) بل تعم بشؤمها من تعاطى ورضيها، هذا بفساده، وهذا برضاه، وروي عن بعض (¬2) الصحابة أنه قال: إن الرجل إذا رأى منكرًا لا يستطيع النكير عليه، فليقل: اللهم هذا منكر لا أرضاه. فإذا قال ذلك فقد أدى ما عليه، فأما إذا سكت عليه فكلهم عاصٍ. (إن بحسبكم) (إن) بتشديد نون التوكيد، و (بحسبكم) جار ومجرور والباء زائدة، وفي بعض النسخ: "إن حسبكم" (القتل) قال ابن الأثير: أي: إن القتل كافيكم ومقنعكم (¬3). أي: لكون كثرة القتل وإهلاك جميع الناس عند ظهور الفتن والإعلان بالمعاصي كافيا في رفع الحرج عن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل على الإنسان تحريضه نفسه، ويكف عن التحرك في القتال، ويكون القتل طهرة للمؤمنين ونقمة للفاسقين؛ لقوله -عليه السلام-: "ثم بعثوا على نياتهم" وفي رواية: "أعمالهم". (قال سعيد) بن زيد (فرأيت إخواني) قد (قتلوا) في الفتنة، كما أخبر ¬

_ (¬1) الأنفال: 25. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) "جامع الأصول" 10/ 37.

-صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان القتل طهرة لهم؛ فإن القاتل والمقتول من الصحابة في الجنة؛ لأنهم مجتهدون، ويحتمل أن تكون (إن) بالتخفيف شرطية و (يحبسكم) مضارع حبس، والمعنى: أن تحبسكم في بيوتكم كثرة القتل في المؤمنين من غير جرم ولا ذنب عليكم فيه ولا إثم بسبب تأخركم عن نصرة المظلوم. [4278] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا كثير بن هشام) الرقي، أخرج له مسلم (ثنا) عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن عتبة بن عبد اللَّه بن مسعود (المسعودي) الكوفي، قال الحاكم: محله الصدق. وأخرج له في "المستدرك". (عن سعيد بن أبي بردة) الكوفي (عن أبيه) أبي بردة عامر بن أبي موسى الأشعري (عن أبي موسى) الأشعري -رضي اللَّه عنه-. (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمتي هذِه أمة مرحومة) خصص بـ (هذِه) التي هي اسم إشارة للموجودين من أمته، وهم أهل قرنه عموم أمته -صلى اللَّه عليه وسلم- التي تعم الموجودين والقرون الحادثة بعده، وفي هذا تشريف (¬1) وتمييز فضله لقرنه الذي هو فيهم أنهم لا عذاب عليهم في الآخرة، كما خصص في الحديث قبله بضمير الخطاب الذي هو للموحدين في قوله: (إن حسبكم) في دفع العذاب عنكم في الآخرة القتل في الدنيا؛ إذ هو طهرة لكم، وفي معنى القرن (¬2) [الموحدون التابعون] (¬3) لهم بإحسان، كما قال تعالى: ¬

_ (¬1) بعدها في (م): الحديث. (¬2) في (م): العرب. (¬3) في (ل)، (م): الموحدين التابعين. ولعل الصواب ما أثبتناه.

{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} الآية (¬1)، وأما غيرهم من أمته فإنه إذا قتل أو زنى أو سرق يستحق العذاب في الآخرة، إلا أن يتوب أو يعفو اللَّه عنه، كما تقدم، هذا ما ظهر لي، ويحتمل غير ذلك، واللَّه أعلم. وقوله: (أمة مرحومة) أي: جماعة مخصوصة بالرحمة الشاملة، فإن الأمة تطلق على الجماعة؛ بل على الواحد المنفرد بدين، كقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قس بن ساعدة يبعثه اللَّه يوم القيامة أمة وحده" (¬2). (ليس عليها عذاب في الآخرة) لا في جهنم ولا فيما قبلها، بل كلهم رضي اللَّه عنهم وغفر لهم، لكن (عذابها في الدنيا) كثرة (الفتن) التي كانت في زمانهم (¬3) (والزلازل) فقد وقعت في زمن الصحابة وصلُّوا لها، قال البيهقي: صح عن ابن عباس، عن عبد اللَّه بن الحارث عنه أنه صلى في زلزلة بالبصرة فأطال (¬4). ورواه ابن أبي شيبة من هذا الوجه أن ابن عباس صلى بهم في زلزلة (¬5) أربع سجدات ركع فيها ستا (¬6). وروى أيضًا من طريق شهر بن حوشب أن المدينة زلزلت في عهد ¬

_ (¬1) التوبة: 100. (¬2) رواه بنحوه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 73/ 253 - 257 مطولًا. (¬3) في (ل)، (م): زمانهن. ولعل المثبت هو الصواب. (¬4) رواه البيهقي 3/ 343. (¬5) بعدها في (م): كانت. (¬6) "المصنف" 2/ 222 (8333).

النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "إن ربكم يستعتبكم فأعتبوه" (¬1). وقال الشافعي: روي عن علي أنه صلى في زلزلة جماعة (¬2)، ثم قال: إن صح قلت به. (و) كثرة (القتل) كما في الوقعة بين علي ومعاوية وغير ذلك. وهذا آخر كتاب الفتن * * * ¬

_ (¬1) "المصنف" 2/ 222 (8334). قال الحافظ في "التلخيص الحبير" 2/ 94: هذا مرسل ضعيف. (¬2) "الأم" 8/ 412 وما بعده موجود بمعناه.

كتاب المهدي

كتاب المهدي

1 - باب

37 - المهدي 1 - باب 4279 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمانَ، حَدَّثَنَا مَرْوانُ بْنُ مُعاوِيةَ، عَنْ إِسْماعِيلَ -يَعْني: ابن أَبي خالِدٍ-، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُول: "لا يَزالُ هذا الدِّينُ قائِمًا حَتَّى يَكُونَ عَلَيْكُمُ اثْنا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ تَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الأُمَّةُ". فَسَمِعْتُ كَلَامًا مِنَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمْ أَفْهَمْهُ قُلْتُ لأَبِي: ما يَقُولُ؟ قالَ: "كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ" (¬1). 4280 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عامِرٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "لا يَزالُ هذا الدِّينُ عَزِيِزًا إِلَى اثْنَي عَشَرَ خَلِيفَةً". قالَ: فَكَبَّرَ النَّاسُ وَضَجُّوا ثُمَّ قالَ: كَلِمَةً خَفِيَّةً قُلْتُ لأَبَي: يا أَبَةِ ما قالَ؟ قالَ: "كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ" (¬2). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (7222)، ومسلم (1821). (¬2) رواه مسلم (1821). وانظر السابق والآتي.

4381 - حَدَّثَنَا ابن نُفَيْلٍ، حَدَّثَنَا زهَيْرٌ، حَدَّثَنَا زِيادُ بْن خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ ابْنُ سَعِيدِ الهَمْدانِي، عَنْ جابِرِ بْنِ سَمُرَةَ بهَذا الحَدِيثِ زادَ فَلَمّا رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ أَتَتْهُ قُرَيْشٌ فَقالُوا: ثُمَّ يَكُونُ ماذا قالَ: "ثُمَّ يَكُونُ الهَرْجُ" (¬1). 4382 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدٍ حَدَّثَهُمْ، ح وَحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن العَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ -يَعْني: ابن عيّاشٍ، ح وَحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيانَ ح وَحَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا زائِدَةُ ح وَحَدَّثَنا أَحْمَدُ ابْن إِبْراهِيمَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْن مُوسَى، عَنْ فِطْرٍ -المَعْنَى واحِدٌ- كُلُّهُمْ عَنْ عاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيا إِلَّا يَوْمٌ". قالَ زائِدَةُ في حَدِيثِهِ: "لَطَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ اليَوْمَ". ثُمَّ اتَّفَقُوا: "حَتَّى يَبْعَثَ فِيهِ رَجُلًا مِنِّي". أَوْ: "مِنْ أَهْلِ بَيْتي يُواطِئُ اسْمُهُ اسْمي واسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبَي". زادَ في حَدِيثِ فِطْرٍ: "يَمْلأُ الأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا كَما مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا". وقالَ: فِي حَدِيثِ سُفْيانَ: "لا تَذْهَبُ أَوْ لا تَنْقَضي الدُّنْيا حَتَّى يَمْلِكَ العَرَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتي يُواطِئُ اسْمُهُ اسْمِي". قالَ أَبُو داوُدَ: لَفْظُ عُمَرَ وَأَبي بَكْرٍ بِمَعْنَى سُفْيانَ (¬2). 4383 - حَدَّثَنَا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا الفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا فِطْرٌ، عَنِ القاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ عَلي -رضي اللَّه تعالى عنه- عَنِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدَّهْرِ إِلَّا يَوْمٌ لَبَعَثَ اللَّهُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَمْلأُها عَدْلًا كَما مُلِئَتْ جَوْرًا" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 92. وحسن إسناده الألباني في "الصحيحة" (1075). (¬2) رواه الترمذي (2230)، وأحمد 1/ 376. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (5304). (¬3) رواه أحمد 1/ 99. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (5305).

4284 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْن جَعْفَرٍ الرَّقِّي، حَدَّثَنَا أَبُو المَلِيحِ الحَسَنُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ زِيادِ بْنِ بَيانٍ، عَنْ عَلي بْنِ نُفَيْلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسيَّبِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يقُول: "المَهْدي مِنْ عِتْرَتي مِنْ وَلَدِ فاطِمَةَ". قالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ: وَسَمِعْتُ أَبا المَلِيحِ يُثْنِي عَلَى عَلي بْنِ نُفَيْلٍ وَيَذْكُرُ مِنْهُ صَلاحًا (¬1). 4285 - حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ تَمَّامِ بْنِ بَزِيعٍ، حَدَّثَنَا عِمْرانُ القَطَّانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْري قالَ: قالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المَهْدي مِنِّي أَجْلَى الجَبْهَةِ أَقْنَى الأَنْفِ يَمْلأُ الأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا كَما مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا يَمْلِكُ سَبْعَ سِنِينَ" (¬2). 4286 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُعاذُ بْنُ هِشامٍ، حَدَّثَنِي أَبي، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ صالِحٍ أَبِي الخَلِيلِ، عَنْ صاحِبٍ لَهُ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَالَ: "يَكُونُ اخْتِلافٌ عِنْدَ مَوْتِ خَلِيفَةٍ فَيَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ هارِبًا إِلَى مَكَّةَ فَيَأْتِيهِ ناسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَيُخْرِجُونَهُ وَهُوَ كارِهٌ فَيُبايِعُونَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ والمَقَامِ وَيُبْعَثُ إِلَيْهِ بَعْثٌ مِنَ الشَّامِ فَيُخْسَفُ بِهِمْ بِالبَيْداءِ بَيْنَ مَكَّةَ والمَدِينَةِ فَإِذَا رَأى النَّاسُ ذَلِكَ أَتَاهُ أَبْدالُ الشّامِ وَعَصائِبُ أَهْلِ العِراقِ فَيُبايِعُونَهُ بَيْنَ الرُّكْنٍ والمَقامِ ثُمَّ يَنْشَأُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَخْوالُهُ كَلْبٌ فَيَبْعَثُ إِلَيْهِمْ بَعْثًا فَيَظْهَرُون عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ بَعْثُ كَلْبٍ والخَيْبَةُ لِمَنْ لَمْ يَشْهَدْ ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (4086). وصححه الألباني في "المشكاة" (5453). (¬2) رواه أحمد 3/ 17. ورواه الترمذي (2232)، وابن ماجه (4083)، وأحمد 3/ 21، 6/ 23 بنحو هذا اللفظ. وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (6736).

غَنِيمَةَ كَلْبٍ فَيَقْسِمُ المَالَ وَيَعْمَلُ فِي النَّاسِ بِسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَيُلْقي الإِسْلامُ بجِرانِهِ إِلَى الأَرْضِ فَيَلْبَثُ سَبْعَ سِنِينَ ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلّي عَلَيْهِ المُسْلِمُونَ". قالَ أَبُو داوُدَ: قالَ بَعْضُهُمْ عَنْ هِشامٍ: "تِسْعَ سِنِينَ". وقالَ بَعْضُهُمْ: "سَبْعَ سِنِينَ" (¬1). 4287 - حَدَّثَنَا هَارُونُ بْن عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ قَتادَةَ بهذا الحَدِيثِ وقالَ: "تِسْعَ سِنِينَ". قالَ أَبُو داوُدَ: وقالَ غَيْرُ مُعَاذٍ عَنْ هِشامٍ: "تِسْعَ سِنِينَ" (¬2). 4288 - حَدَّثَنَا ابن المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عاصِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو العَوّامِ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي الخَلِيلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحَارِثِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بهذا الحَدِيثِ وَحَدِيثُ مُعاذٍ أَتَمُّ (¬3). 4289 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ عبَيْدِ اللَّهِ ابن القِبْطِيَّةِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِقِصَّةِ جَيْشِ الخَسْفِ قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ بِمَنْ كانَ كارِهًا؟ قالَ: "يُخْسَفُ بِهِمْ ولكن يُبْعَثُ يَوْمَ القِيامَةِ عَلَى نِيَّتِهِ" (¬4). 4290 - قالَ أَبُو داوُدَ: حُدِّثْتُ عَنْ هَارُونَ بْنِ المُغِيرَةِ، قالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ خالِدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قالَ: قالَ عَلي -رضي اللَّه عنه- وَنَظَرَ إِلَى ابنهِ الحَسَنِ فَقالَ: إِنَّ ابني هذا سَيِّدٌ كَما سَمَّاهُ النَّبِيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وسَيَخْرُجُ مِنْ صُلْبِهِ رَجُلٌ يُسَمَّى بِاسْمِ نَبِيِّكُمْ يُشْبِهُهُ في الخُلُقِ وَلا يُشْبِهُهُ في الخَلْقِ. ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 316. وانظر الحديث الآتي. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (1965). (¬2) ضعفه الألباني في "ضعيف سنن أبي داود". وانظر السابق. (¬3) انظر الحديث قبل السابق. (¬4) رواه مسلم (2882).

ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ يَمْلأُ الأَرْضَ عَدْلًا (¬1). 4290/ م - وقالَ هَارُون، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْن أَبي قَيْسٍ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنْ أَبي الحَسَنِ، عَنْ هِلالِ بْنِ عَمْرٍو، قالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا -رضي اللَّه عنه- يَقُولُ: قالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ وَراءِ النَّهْرِ يُقالُ لَهُ الحارِثُ بْنُ حَرّاثٍ عَلَى مُقَدِّمَتِهِ رَجُلٌ يُقالُ لَهُ: مَنْصُورٌ، يُوَطِّئُ أَوْ يُمَكِّنُ لآلِ مُحَمَّدٍ كَمَا مَكَّنَتْ قُرَيْشٌ لِرَسُولِ اللَّهِ، -صلى اللَّه عليه وسلم- وجَبَ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ نَصْرُهُ". أَوْ قالَ: "إِجَابَتُهُ" (¬2). * * * بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أول كتاب المهدي وسيأتي. [4279] (ثنا عمرو بن عثمان) بن سعيد الحمصي، صدوق حافظ (ثنا مروان (¬3) بن معاوية) بن الحارث الفزاري (عن إسماعيل (¬4) بن أبي خالد) الكوفي، وكان طحانًا (عن أبيه) أبي خالد، يقال: اسمه سعد. ويقال: هرمز. البجلي الأحمسي الكوفي، أخرج له البخاري في كتاب "الأدب". (عن جابر بن سمرة) بن جنادة بن جندب العامري السوائي (قال: ¬

_ (¬1) رواه نعيم بن حماد في "الفتن" (1113). وضعفه الألباني في "المشكاة" (5458). (¬2) رواه الديلمي كما في "مسند الفردوس" (8930). وضعفه الألباني. (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) فوقها في (ل): (ع).

سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: لا يزال هذا الدين قائمًا) أي: لا تزال الشهادة بوحدانية اللَّه تعالى ولرسوله بالرسالة ظاهرة (حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة) لفظ الترمذي: "يكون من بعدي اثنا عشر أميرًا" الحديث، وقال: حديث حسن صحيح (¬1). (كلهم تجتمع عليه) أي: على إمارته (الأمة) وقال (فسمعت كلامًا من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم أفهمه، قلت لأبي) فإنه كان يليني، وهو سمرة بن جنادة بن جندب بن حجير السوائي (ما يقول؟ ) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (قال: ) يقول: (كلهم من قريش) قيل: أشار رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى ما يكون بعده وبعد أصحابه؛ لأن حكم أصحابه مرتبط بحكمه، وأشار بذلك إلى مدة ولاية بني أمية، ويكون المراد بالدين الملك والولاة إلى أن يذهب اثنا عشر خليفة، ثم تنتقل الإمارة، وهذا على شرح الحال في استقامة السلطنة، لا على طريق المدح، فأولهم: يزيد بن معاوية، ثم ابنه معاوية بن يزيد، ولا يذكر ابن الزبير؛ لأنه من الصحابة، ولا مروان؛ لكونه بويع له بعد ابن الزبير، ثم عبد الملك، ثم الوليد، ثم سليمان، ثم عمر بن عبد العزيز، ثم يزيد بن عبد الملك، ثم هشام بن عبد الملك، ثم الوليد ابن عبد الملك، ثم يزيد بن الوليد، ثم إبراهيم بن الوليد (¬2)، ثم مروان بن محمد. ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (2223). (¬2) في (ل)، (م): محمد. وليس في خلفاء بني أمية إبراهيم بن محمد إنما إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن مروان، بويع بالخلافة بعد أخيه يزيد. وليس فيهم إبراهيم غيره. انظر: "سير أعلام النبلاء" 5/ 676.

وقيل: أراد اثني عشر خليفة في جميع مدة الخلافة إلى يوم القيامة يعملون بالصواب. [4280] (ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا وهيب) بن خالد الباهلي (ثنا داود) بن أبي هند دينار البصري (عن عامر) بن شراحيل الشعبي. (عن جابر بن سمرة -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: لا يزال هذا الدين) لفظ مسلم: "لا يزال الإسلام" (¬1) (عزيزًا) زاد مسلم: "منيعًا" (¬2) وفي رواية له: "لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلًا" (¬3) (إلى اثني عشر خليفة) أي: لا يزال عز دين الإسلام ظاهرا (¬4) إلى أن تنقضي مدة إمارة اثني عشر خليفة. (قال: فكبر الناس) تعظيمًا للَّه تعالى (وضجوا) الضجيج هو الصياح عند المكروه والجزع مما سيحدث. (ثم قال كلمة خفيفة) ولمسلم: ثم تكلم بكلام خفي عليَّ (¬5). وله في رواية: قال كلمة لم أفهمها (¬6). (قلت لأبي: يا أبةِ ما قال؟ قال: كلهم من قريش) قال القاضي عياض: قد يوجه هنا سؤلان: أحدهما: أنه قد جاء في حديث آخر: ¬

_ (¬1) مسلم (1821/ 7). (¬2) مسلم (1821/ 9). (¬3) مسلم (1821/ 6). (¬4) في (ل)، (م): ظاهرة. ولعل المثبت هو الصواب. (¬5) مسلم (1821/ 5). (¬6) مسلم (1821/ 7).

"الخلافة بعدي ثلاثون، ثم تكون ملكًا" وهذا مخالف لحديث الاثني عشر خليفة؛ فإنه لم يكن في ثلاثين (¬1) سنة إلا الخلفاء الراشدون الأربعة والأشهر التي بويع فيها الحسن بن علي. قال: والجواب عن هذا أن المراد في حديث: "الخلافة ثلاثون سنة" (¬2) خلافة النبوة، وقد جاء مفسرًا في بعض الروايات: "خلافة النبوة بعدي ثلاثون سنة، ثم تكون ملكًا" (¬3) ولم يشترط هذا في الاثني عشر. والسؤال الثاني: أنه قد ولي الخلافة أكثر من هذا العدد. قال: وهذا اعتراض باطل؛ لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يقل: لا يلي إلا اثنا عشر خليفة. بصيغة الحصر، وإنما قال: "يلي" وقد ولي هذا العدد، ولا يضر كونه ولي بعدهم غيرهم، ويحتمل أن يكون المراد (¬4) مستحقي الخلافة العادلين (¬5). [4281] (ثنا) عبد اللَّه (ابن نفيل، ثنا زهير، ثنا زياد بن خيثمة) الكوفي، أخرج له مسلم. (ثنا الأسود (¬6) بن سعيد الهمداني) كوفي صدوق (عن جابر بن سمرة بهذا الحديث) المذكور (وزاد: فلما رجع) جابر بن سمرة (إلى منزله أتته قريش) أي: جما عة منهم (فقالوا: ثم يكون ماذا؟ قال: ثم يكون) بعد ذلك (الهرج) وهو القتل كما تقدم. ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): ثلاثون. والصواب ما أثتناه. (¬2) رواه نعيم بن حماد في "الفتن" (249)، والبزار 9/ 280 (3828). (¬3) رواه ابن حماد 15/ 392 (6943). (¬4) ساقطة من (م). (¬5) "إكمال المعلم" 6/ 216 - 217. (¬6) فوقها في (ل): (د).

[4282] (ثنا مسدد) بن مسرهد (أن عمر بن عبيد) (¬1) الطنافسي (حدثهم ح، وحدثنا) أيضًا (محمد بن العلاء) أبو كريب (ثنا أبو بكر بن عياش) بالمثناة تحت، والشين المعجمة، الأسدي الكوفي، أخرج له البخاري قال (وثنا) أيضًا (مسدد، ثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن سفيان) الثوري، قال (وثنا أحمد بن إبراهيم) البغدادي، أخرج له مسلم (ثنا عبيد اللَّه بن موسى، أنا زائدة) (¬2) بن قدامة، قال (وحدثنا أحمد بن إبراهيم، حدثني عبيد اللَّه بن موسى، عن فطر) بكسر الفاء، وسكون الطاء المهملة، ثم راء، هو ابن خليفة المخزومي مولاهم، أخرج له البخاري في الأدب من "الصحيح". (المعنى واحد) عنده (كلهم عن عاصم) بن بهدلة، وهو أبو النجود الأسدي، أحد القراء السبعة (عن زر) بن حبيش (عن عبد اللَّه) بن مسعود -رضي اللَّه عنه- (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم) واحد (قال زائدة) بن قدامة الثقفي الكوفي (لطول اللَّه) تعالى له (ذلك اليوم حتى يبعث) اللَّه تعالى (فيه رجل مني أو) شك من الراوي (من أهل بيتي) لفظ الترمذي: "لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي" (¬3) (يواطئ) بهمزة بعد الطاء، أي: يوافق (اسمه اسمي) ويواطئ (اسم أبيه اسم أبي) فيقال له: محمد بن عبد اللَّه. كما أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- هو محمد بن عبد اللَّه. ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) "سنن الترمذي" (2235).

و (زاد في حديث فطر) بن خليفة (يملأ الأرض) كلها (قسطًا وعدلًا كلما ملئت) قبله (ظلمًا وجورًا) القسط بكسر القاف هو العدل، والجور هو الظلم، وجاء هاهنا: قسطًا وعدلًا وجورًا وظلمًا. فيحتمل أن يكون الجمع بينهما من باب الترادف، كقوله (¬1): فألفى قولها كذبا (¬2) ومينا فالمين هو الكذب، فجمع بين اللفظين المترادفين مبالغة (وقال في حديث سفيان: ) بن سعيد الثوري (لا تذهب) الدنيا (أو) قال: (لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب) يريد أنه يملك العرب والعجم جميعًا، إلا أنه اقتصر على ذكر العرب دون العجم؛ لقلة العجم كانوا في ذلك الزمان (رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي) حكى القرطبي أن اسمه أحمد بن عبد اللَّه (¬3) (قال) المصنف و (لفظ عمر) بن عبيد (وأبي بكر) بن عياش (بمعنى) حديث (سفيان) الثوري. [4283] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا الفضل بن دكين، ثنا فطر) بن خليفة (عن القاسم بن أبي بزة) بفتح الموحدة، وتشديد الزاي، ثم هاء، واسم أبي بزة يسار المكي، مولى بني مخزوم القارئ (عن أبي الطفيل) عامر بن واثلة الليثي، ولد عام أحد، كان من شيعة علي، آخر من مات من الصحابة مطلقًا؛ قال مسلم: مات سنة مائة (¬4). ¬

_ (¬1) بعدها في (ل)، (م): تعالى. وهو خطأ بين. (¬2) ساقطة من (ل)، (م) والمثبت من كتب الشعر والأدب. (¬3) "التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة" (ص 1198). (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 14/ 81.

(عن علي، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: لو لم يبق من الدهر إلا يوم) (¬1) واحد (لبعث اللَّه) فيه (رجلًا من أهل بيتي) تكون الملائكة بين يديه، ويملك الأرض (يملؤها عدلًا كما ملئت جورًا) وظلمًا. [4284] (ثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا عبد اللَّه بن جعفر) بن غيلان (الرقي، ثنا أبو المليح الحسن بن عمر) الرقي (عن زياد بن بنان) الرقي، صدوق قانت للَّه تعالى (عن علي بن نفيل) النهدي الحراني، أخرج له مسلم. (عن سعيد بن المسيب، عن أم سلمة) هند زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (قالت: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: من عترتي) العترة: ولد الرجل لصلبه. رواية ابن ماجه بلفظ: "المهدي من ولد فاطمة" (¬2). قال المنذري: هو معروف من كلام سعيد بن المسيب (¬3). قال القرطبي (¬4): الأحاديث في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة أصح من رواية ابن ماجه: "لا مهدي إلا عيسى ابن مريم" (¬5) فإن فيه مجهولا (¬6)، فالحكم لها دونه. قال: ويحتمل أن يكون: لا مهدي إلا عيسى [أي: لا مهدي كاملا معصوما ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): يومًا واحدًا. والمثبت هو الصواب كما في "السنن". (¬2) "سنن ابن ماجه" (4086). (¬3) "مختصر سنن أبي داود" 6/ 160. (¬4) "التذكرة" (ص 1205). (¬5) "سنن ابن ماجه" (4039). وهو حديث صححه الحاكم في "المستدرك" 4/ 440. لكن قال الألباني في "الضعيفة" (77): منكر. (¬6) في (ل)، (م): مجهول.

إلا عيسى] (¬1). وعلى هذا يجمع بين الأحاديث ويرتفع التعارض (¬2). (قال عبد اللَّه بن جعفر) الرقي (سمعت أبا المليح) الحسن بن عمر (يثني على علي بن نفيل) النهدي (ويذكر منه صلاحًا). قال أبو حاتم الرازي: علي بن نفيل جد النفيلي لا بأس به (¬3). [4285] (ثنا سهل بن تمام بن بزيع) بفتح الموحدة، وكسر الزاي، السعدي البصري، صدوق، ذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: يخطئ (¬4). (ثنا) أبو العوام (عمران القطان) البصري، استشهد به البخاري، ووثقه عفان بن مسلم (¬5) (عن قتادة، عن أبي نضرة) بفتح النون، وسكون المعجمة، اسمه المنذر بن مالك العبدي، فصيح بليغ يخطئ. (عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه-: قال رسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: المهدي مني) أي: من أهل بيتي كما تقدم (أجلى) مقصور (الجبهة) أي: منحصر الشعر عن مقدم الرأس، وهو أبلغ في النعت من الأجلح (أقنى الأنف) والقنا مقصور هو احديداب في الأنف. وقيل: القنا في الأنف طوله ورقة أرنبته (يملأ الأرض قسطًا كما ملئت جورًا وظلمًا). زاد عبد الرزاق: "يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدع ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) "التذكرة" (ص 1206). (¬3) "الجرح والتعديل" 6/ 206. (¬4) "الثقات" 8/ 290. (¬5) انظر: "تهذيب الكمال" 22/ 328 (4489).

السماء من قطرها شيئًا إلا صبته مدرارًا، ولا تدع الأرض من نباتها شيئًا إلا أخرجته، حتى تتمنى الأحياء أن لا موت" (¬1) (يملك سبع سنين) أوضح منه رواية المصنف: "يكون في أمتي المهدي، إن قصر فسبع وإلا فتسع" (¬2). [4286] (ثنا محمد بن المثنى، ثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي) هشام الدستوائي (عن قتادة، عن صالح أبي الخليل) بفتح الخاء المعجمة، هو أبو الخليل صالح بن أبي مريم الضبعي، أخرج له الشيخان (عن صاحب له) هو عبد اللَّه بن الحارث كما سيأتي مصرحًا به في الحديث بعده (عن أم سلمة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: يكون اختلاف عند موت خليفة) وروى الحاكم في "المستدرك": ذكر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بلاء يصيب هذِه الأمة حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم، فيبعث اللَّه رجلًا من عترتي (¬3). (فيخرج رجل من أهل المدينة هاربًا إلى مكة) مما أصاب الناس من البلاء (فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه) من بيته (وهو كاره، فيبايعونه بين الركن والمقام) على الإسلام والنصرة، والمبايعة باليد واللسان (ويبعث إليه بعثًا من الشام) هاربين إلى مكة أيضًا (فيخسف بهم) ذكره ¬

_ (¬1) "جامع معمر" 11/ 371 (20770). (¬2) رواه الترمذي (2232)، ورواه ابن ماجه (4083)، وأحمد 3/ 26 من حديث أبي سعيد الخدري. وصححه الحاكم في "المستدرك" 4/ 557، والألباني في "الصحيحة" (711). (¬3) "المستدرك" 4/ 464. ورواه معمر في "الجامع" 11/ 371 (20770)، ومن طريقه البغوي في "شرح السنة" 15/ 84 - 85 (4280) من حديث أبي سعيد الخدري.

في "التذكرة" أن [أبا الحسن] (¬1) أحمد بن جعفر ذكر في كتاب "الملاحم" خبر السفياني مطولًا، وأنه الذي يخسف بجيشه. قال: واسمه عتبة بن هند، وهو الذي يقوم في أهل دمشق، فيقول: يا (¬2) أهل دمشق، أنا رجل منكم وأنتم خاصتنا، جدي معاوية بن أبي سفيان. وذكر عجائب، وأن جيشه الذي يخسف به تبلعهم الأرض إلى أعناقهم، وتبقى رؤوسهم خارجة، ويبقى جميع خيلهم (¬3) وأثقالهم وخزائنهم (¬4). (بالبيداء) بالمد، وفي الحديث: "بالبيداء بين المسجدين" (بين مكة والمدينة) أي: بين مسجد مكة والمدينة، والبيداء هي الشرف الذي أمام ذي الحليفة، وهو أرض ملساء. وخرج ابن ماجه: "يخسف بأوسطهم وينادي آخرهم أولهم، ثم يخسف بهم فلا يبقى منهم إلا الشريد الذي يخبر بهم" (¬5). (فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال الشام) قال في "النهاية": هم الأولياء والعباد، الواحد بدل كحمل، أو بديل كحميل (¬6). وقال ابن دريد (¬7): الواحد بديل، سموا بذلك لأنهم كلما مات منهم ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) ساقطة من (م). (¬3) في (م): حملهم. (¬4) "التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة" ص 1194 - 1195. (¬5) "سنن ابن ماجه" (4063). وهو عند مسلم أيضًا (2883). (¬6) "النهاية" 1/ 107. (¬7) "جمهرة اللغة" 1/ 300.

واحد بدل بآخر (¬1). وفي الحديث إشارة إلى أن الأبدال مسكنهم الشام، ويدل عليه حديث علي: "الأبدال بالشام والنجباء بمصر والعصائب بالعراق" (¬2). (وعصائب أهل العراق) والعصائب في الأصل جمع عصابة، وهم الجماعة من الناس من العشرة إلى الأربعين لا واحد لها من لفظها. والمراد بالعصائب في العراق أن التجمع للحروب يكون بالعراق. وقيل: أراد جماعة من العباد والزهاد فسماهم عصابة؛ ولهذا قرنهم بالأبدال، وكانوا يسمون السيد المطاع معصبًا؛ لأنه يعصب بالتاج، أو تعصب به أمور الناس أي: ترد إليه وتدار به كما تدار العصابة بالرأس. (فيبايعونه) أي: يبايعون المهدي (ثم ينشأ) بفتح أوله وثالثه وهمز آخره. أي: يبتدئ للخروج عليه، ومنه الحديث: كان إذا رأى ناشئًا في أفق السماء (¬3). أي: سحابًا ابتدأ ولم يتكامل اجتماعه. (رجل من قريش أخواله كلب) وقريش وكلب يجتمعون في كنانة، فإن قريشًا أولاد النضر بن كنانة على قول أكثر الناس، وكلب بن عون بن كعب بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناف بن كنانة. (فيبعث إليهم بعثا فيظهرون عليهم) الضمير في (يظهرون) للمبايعين، ¬

_ (¬1) "النهاية" 5/ 22. (¬2) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 1/ 296 بنحوه. (¬3) يأتي برقم (5099) من حديث عائشة. ورواه أيضًا أحمد 6/ 137، 190، 222، والبخاري في "الأدب المفرد" (686)، والنسائي في "الكبرى" 1/ 561 - 562، 6/ 227، والبغوي في "شرح السنة" 4/ 389 (1151). وصححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد".

والضمير في (عليهم) لبعث القرشي. يعني: إذا ظهر المهدي (¬1) ودعا إلى دين الحق ظهر قرشي أخواله كلب، وهو منازع له باغ عليه حاسد (وذلك بعث كلب) واتفق أن أمة تكون من قبيلة كلب، فتكون تلك القبيلة أخواله فينتصرون لابن أختهم فتتقاتل شيعة الكلبي مع شيعة القرشي، فتغلب شيعة المهدي على بني كلب جيش القرشي. (والخيبة) كل الخيبة (لمن لم يشهد غنيمة) بني كلب ويأخذ من أموالهم (فيقسم) مبني للفاعل. أي: يقسم (المال) الحاصل من غنيمة بني كلب على القسمة المشروعة (ويعمل في الناس) ويحكم فيهم (بسنة نبيهم) محمد (-صلى اللَّه عليه وسلم- ويلقي) بضم الياء أوله، وكسر القاف (الإسلام بجرانه) بكسر الجيم، وتخفيف الراء (إلى الأرض) وأصل الجران باطن عنق البعير، وقيل: جيران البعير مقدم عنقه من مذبحه إلى منحره، وأصله في البعير إذا مد عنقه على وجه الأرض، فيقال: ألقى بجرانه. وإنما يفعل ذلك إذا طال مقامه في مناخه واستراح، فضرب الجران مثلًا للإسلام إذا استقر قراره ولم يكن فيه تهيج، بل جرت أحكامه على العدل والاستقامة. (فيلبث) ملكه في الأرض (سبع سنين ثم يتوفى) بعد أن يستفتح قسطنطينية وكنيسة الذهب التي احتمل إليها الذهب على سبعين ألف عجلة، وترد تلك الأموال إلى بيت المقدس. (ويصلي عليه المسلمون) ويدفن في مقبرة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. (قال: ) المصنف ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): المدني. ولعل المثبت ما أراده المصنف.

(وقال بعضهم، عن هشام: ) الدستوائي: فيلبث (تسع سنين وقال بعضهم: سبع سنين). وخرج الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال: خشينا أن يكون بعد نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- حدث، فسألنا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "إن في أمتي المهدي، يخرج يعيش خمسًا أو سبعًا أو تسعًا" زَيْدٌ الشاكُّ. قال: قلنا: وما ذاك؟ قال: "سنين" قال: "فيجيء إليه الرجل فيقول: يا مهدي أعطني. فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله" وقال: حديث حسن (¬1). [4287] (ثنا هارون بن عبد اللَّه) بن مروان البغدادي شيخ مسلم (ثنا عبد (¬2) الصمد) بن عبد الوارث العنبري (عن همام، عن قتادة بهذا الحديث) المذكور (وقال: تسع سنين) بتقديم المثناة على السين. (قال) المصنف و (قال غير معاذ) بن هشام (عن هشام) الدستوائي (تسع سنين) أيضًا. [4288] (قال: ثنا) محمد (ابن المثنى، ثنا عمرو بن عاصم) الكلابي (ثنا أبو العوام) عمران بن داور، أخرج له البخاري تعليقًا في باب وجوب الصلاة في الثياب (¬3)، كما أفاده البلقيني. (ثنا قتادة، عن أبي الخليل) صالح (عن عبد اللَّه بن الحارث) بن نوفل المدني، لقبه ببة، حنكه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬4). ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (2232). (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) بعد حديث (351). (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 14/ 396 (3216).

(عن أم سلمة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بهذا) الحديث (وحديث معاذ) [بن جبل] (¬1) (أتم) من هذا. [4289] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا جرير، عن عبد العزيز بن رفيع) الكوفي (عن عبيد اللَّه) بالتصغير (ابن قبطية) أخرج له مسلم (عن أم سلمة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بقصة جيش الخسف) بالبيداء، وزاد (قلت: يا رسول اللَّه، فكيف بمن كان كارهًا؟ ) لذلك (قال: يخسف بهم) جميعًا، (لكن يبعث) كل واحد (يوم القيامة على نيته). وفي الصحيحين: "يغزو جيش الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم، وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم، قال: يخسف بأولهم وآخرهم، ثم يبعثون على نياتهم" (¬2). وفي البخاري عن ابن عمر: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا أنزل اللَّه بقوم عذابًا أصاب العذاب من كان فيهم، ثم بعثوا على أعمالهم" (¬3). [4290] (قال) المصنف (حدثت عن هارون بن المغيرة) البجلي (¬4) ثقة يتشيع (حدثنا عمرو بن أبي قيس) الرازي الأزرق، وثق وله أوهام (عن شعيب بن خالد) البجلي عم يحيى بن العلاء، وقيل: خاله. وكان قاضيًا بالري على أهل الذمة، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬5) وقال ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) البخاري (2118)، مسلم (2884) من حديث عائشة. (¬3) البخاري (7108). وهو أيضًا عند مسلم (2879). (¬4) بعدها في (ل)، (م) بياض بمقدار كلمة. (¬5) "الثقات" 6/ 439.

النسائي: ليس به بأس (¬1). (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد اللَّه السبيعي، أحد الأعلام (قال علي -رضي اللَّه عنه- ونظر إلى ابنه الحسن) سبط رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (فقال: إن ابني هذا سيد كما سماه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) و (سيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم -صلى اللَّه عليه وسلم- يشبهه) أي: يشبه أباه الحسنَ بنَ علي (في الخلق) بفتح الخاء، وسكون اللام، وكان الحسن بن علي -رضي اللَّه عنه- أحد الخمسة المشبهين بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهم: جعفر بن أبي طالب، والحسن بن علي، والقثم بن العباس، وأبو سفيان بن الحارث أخو (¬2) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من الرضاعة، والسائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب. وإلى السائب هذا ينسب الإمام الشافعي، وقد نظمهم بعضهم فقال: بخمسة شبه المختار من مضر ... يا حسن ما خولوا من شبهه الحسن بجعفر وابن عم المصطفى قثم ... وسائب وأبي سفيان والحسن (¬3) (ولا يشبهه في الخلق) العظيم الذي مدحه اللَّه تعالى به، فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} (¬4) (ثم ذكر قصة) حديث (يملأ الأرض عدلًا) كما تقدم. ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 12/ 521 (2748). (¬2) في (ل)، (م): أخا. والجادة ما أثبتناه. (¬3) انظر: "جامع الآثار في السير ومولد المختار" 4/ 415 من مطبوعاتنا. (¬4) القلم: 4.

[4290 م] (وقال هارون) بن المغيرة (ثنا عمرو بن أبي قيس، عن مطرف (¬1) بن طريف) الكوفي [(عن الحسن بن أبي الحسن)] (¬2) (عن هلال بن عمرو) الكوفي، مجهول، وهو منقطع، قال فيه المصنف: هارون يعني: ابن المغيرة. وقال الحافظ أبو القاسم الدمشقي: هلال ابن عمرو غير مشهور عن علي (¬3). (قال: سمعت عليًّا -رضي اللَّه عنه- يقول: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: يخرج رجل من وراء النهر) قال المنذري: يشبه أن يكون المراد بالنهر هاهنا على تقدير الصحة جيحون نهر بلخ من خراسان، وكثيرًا ما يعبر به عما وراء النهر، فيقال: بلد كذا من وراء النهر. ويؤيد هذا ما رويناه عن محمد ابن الحنفية -رضي اللَّه عنه- أنه قال: تخرج راية من خراسان، ثم تخرج أخرى ثيابهم بيض على مقدمه رجل من تميم يوطئ للمهدي سلطانه، يكون بين خروجه وبين أن يسلم للمهدي سلطانه اثنان وسبعون شهرًا (¬4). هذا آخر كلامه، فيكون مما وراء النهر ويظهر أمره بخراسان. (يقال له: الحارث) في الحديث: "أصدق الأسماء الحارث" (¬5) لأن ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) كذا في الأصول، وهو خطأ، وصوابه: (عن أبي الحسن) مجهول)، وانظر: "تهذيب الكمال" 33/ 247. (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 30/ 345 (6628). (¬4) رواه نعيم بن حماد في "الفتن" 1/ 310 (894)، والداني في "السنن الواردة في الفتن" 5/ 1055 (573). (¬5) يأتي برقم (4950) من حديث أبي وهب الجشمي. ورواه أيضًا أحمد 4/ 345، والبخاري في "الأدب المفرد" (814)، وأبو يعلى 13/ 111 (7169)، والطبراني =

الحارث هو الكاسب، والإنسان لا يخلو من كسب خير أو شر طبعًا واختيارًا من جبلته ([بن] (¬1) حراث) بتشديد الراء للمبالغة في العمل والسعي في الأرض. وفي حديث معاوية للأنصار: ما فعلت نواضحكم؟ قالوا: حرثناها أي: يوم بدر (¬2). أهزلناها من شدة العمل. (على مقدمته) بكسر الدال وفتحها، وهي الجماعة التي تتقدم الجيش، ثم استعيرت لكل شيء فقيل: مقدمة الكتاب ومقدمة الكلام بكسر الدال (يقال له: منصور) وهذا الرجل وجماعته يخرجون من المشرق كما في رواية ابن ماجه عن عبد اللَّه بن الحارث بن جزء الزبيدي قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي" (¬3) يعني: سلطانه. (يوطئ) بتشديد الطاء المهملة المكسورة بعدها همزة، هكذا في أكثر النسخ، وهو الموافق لرواية ابن ماجه. أي: يمهد له أمور المملكة ¬

_ = 22/ 380 (949)، والبيهقي 9/ 306. والحديث أعله ابن القطان الفاسي في "البيان" 4/ 383 - 384. (¬1) ساقطة من (ل)، (م) وأثبتناها من "السنن". (¬2) ذكره ابن فارس في "المجمل" 1/ 230، وفي "معجم المقاييس" 2/ 49، والزمخشري في "الفائق" 2/ 383، وابن الجوزي في "غريب الحديث" 1/ 200، وابن الأثير في "النهاية" 1/ 360. (¬3) "سنن ابن ماجه" (4088). ورواه أيضًا البزار فى "مسنده" 9/ 243 (3784). وضعف البوصيري إسناده في "المصباح" 4/ 205، وضعفه الألباني في "الضعيفة" (4826).

والسلطنة ويذللها له؛ ليتمكن من بسط العدل، ومنه الحديث: "ألا أخبركم بأحبكم إليَّ وأقربكم مني مجالس يوم القيامة؟ الموطؤون أكنافًا الذين يألفون ويؤلفون" (¬1) وحقيقته من التوطئة وهي التمهيد والتذليل، وفراش وطيء: لا يؤذي جثب النائم. أراد الذين جوانبهم وطئة يتمكن فيها من نصاحتهم ولا يتأذى، فإذا كان السلطان بهذِه المثابة كثر أتباعه وقويت مملكته. وفي حديث عمار أن رجلًا وشى به إلى عمر فقال: اللهم إن كان كذب فاجعله موطأ العقب (¬2). أي: كثير الأتباع. دعا عليه بأن يكون سلطانًا أو مقدمًا تكثر أتباعه ويمشون عقبه في المشي. وفي بعض النسخ: الموطن. آخره نون بدل الهمزة، وفسره بعضهم بأن التوطين جعل الوطن للشخص، ويستعمل في معنى تهيئة الأسباب له. ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في "مكارم الأخلاق" (6)، والبيهقي في "شعب الإيمان" 6/ 270 (8118)، وأبو القاسم الأصبهاني في "الترغيب والترهيب" 2/ 87 (1213). وضعف الحافظ العراقي في "المغني" 1/ 464 (1759) إسناده. وفي الباب عن أبي سعيد الخدري. رواه الطبراني في "الأوسط" 4/ 356 (4422)، وفي "الصغير" 1/ 362 (605)، والبيهقي في "الشعب" 6/ 232 - 233 (7984). وصححه الألباني في "الصحيحة" (751)، وحسنه في "صحيح الجامع" (1231). وأبي هريرة: رواه الطبراني في "الأوسط" 7/ 350 (7697)، وفي "الصغير" 2/ 89 (835)، وأبو القاسم الأصبهاني في "الترغيب والترهيب" 3/ 242 (2441). وضعفه الحافظ العراقي في "المغني" 1/ 468 (1774). (¬2) رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 3/ 256، وابن أبي شيبة في "المصنف" 5/ 256 (25806)، وأبو داود في "الزهد" (265)، والطبري في "تهذيب الآثار" 1/ 298 (503)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" 1/ 142، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 43/ 448 - 449. وفيه: (موطأ العقبين).

(أو يمكن) شك من الراوي، ويدل على هذِه الثانية قوله: (لآل محمد) يعني المهدي وأتباعه (كما مكنت قريش لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) فإن المهاجرين (¬1) والأنصار وطؤوا لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقريش أخرجوه من مكة كما قال تعالى: {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} (¬2) فلم قال: (كما مكنت قريش لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ ) فالجواب: المراد بقريش من آمن منهم وعضده وأعانه ممن آمن من قريش، أو المراد أبو طالب، فإنه أول من مكنه وشد منه وعضده. (وجب على كل مؤمن نصره) كما وجب على من كان في زمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نصرته، وتجب نصرة كل من دعا إلى اللَّه ليحتمي بهم ويقوى على إظهار الدعوة وحفظ الشريعة (أو قال: إجابته) أي: إجابة دعوته وتقوية شوكته كما قال تعالى: {يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ} (¬3). وهذا آخر كتاب المهدي * * * ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): المهاجرون. والمثبت هو الصواب. (¬2) التوبة: 40. (¬3) الأحقاف: 31.

كتاب الملاحم

كتاب الملاحم

1 - باب ما يذكر في قرن المئة

38 - الملاحم 1 - باب ما يُذْكَرُ فِي قَرْنِ المِئَةِ 4291 - حَدَّثَنَا سُلَيْمانُ بْن داوُدَ المَهْري، أَخْبَرَنَا ابن وَهْبٍ أَخْبَرَني سَعِيدُ بْنُ أَبي أَيُّوبَ، عَنْ شَراحِيلَ بْنِ يَزِيدَ المَعافِري، عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيما أَعْلَمُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِه الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِئَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَها دِينَها". قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ الإِسْكَنْدَرانِي لَمْ يَجُزْ بِهِ شَراحِيلَ (¬1). ¬

_ (¬1) رواه ابن وهب في "الرجال" كما في "الكامل" لابن عدي 1/ 255، ورواه أيضًا الطبراني في "الأوسط" 6/ 323 (6527)، والحاكم 4/ 521، وابن عدي في "الكامل" 1/ 205. قال ابن عدي: وهذا الحديث لا أعلم يرويه غير ابن وهب عن سعيد بن أبي أيوب، ولا عن ابن وهب غير هؤلاء الثلاثة، لأن هذا الحديث في كتاب "الرجال" لابن وهب، ولا يرويه عن ابن وهب إلا هؤلاء. وصححه الألباني في "المشكاة" (247).

أول كتاب الملاحم بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ باب ما يذكر في قدر المئة [4291] (ثنا سليمان بن داود المهري) بفتح الميم وسكون الهاء نسبة إلى مهرة بن حيدان من قبيلة قضاعة، وهو ثقة فقيه (أبنا عبد اللَّه بن وهب، أخبرني سعيد بن أبي أيوب) الخزاعي مولاهم المصري ابن مقلاص، ثقة صدوق (¬1) (عن شراحيل) بفتح الشين المعجمة (بن يزيد المعافري) بفتح الميم والعين المهملة، ثقة صدوق (عن أبي علقمة) المصري الهاشمي مولى بني هاشم، أخرج له مسلم. (عن أبي هريرة فيما أعلم عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إن اللَّه تعالى يبعث) أي: يحيى ويقيم (لهذِه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها) أي: يصحح لها أحكام دينها، ويشهد لذلك رواية أحمد بن حنبل، وذكر بعض أصحابنا أن على رأس المئة الأولى عمر بن الخطاب (¬2)، والثانية الإمام الشافعي، والثالثة أبو العباس ابن سريج، والرابعة أبو سهل الصعلوكي، والخامسة حجة الإسلام الغزالي، والسادسة ابن الخطيب، والسابعة ابن دقيق العيد، والثامنة شيخنا سراج الدين البلقيني، واستشهد له برؤيا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) ورد في حاشية (ل): لعله: ابن عبد العزيز.

والظاهر أن هذا لا يختص بالشافعية ولا بواحد، بل يكون على رأس كل مئة سنة جماعة، فإن (من) تصلح للجمع والفرد، وعلى هذا فيكون على رأس كل مئة من الشافعية من ذكر، ومن الحنفية والمالكية والحنابلة من يجدد اللَّه به الدين، وكذلك من الحكام بإظهار العدل في الرعية وإقامة حدود اللَّه تعالى، وكذلك من الأبدال والأقطاب، وفي الحديث إشارة إلى وقوع الفتن والشرور آخر كل مئة حتى يبلى الدين وتندرس أحكامه، فيظهر اللَّه تعالى لهذِه الأمة من يجدد ما بلي منه واندرس. (قال: ) المصنف (رواه عبد الرحمن بن شريح) بضم الشين المعجمة وآخره حاء مهملة، المعافري بفتح الميم والمهملة (الإسكندراني) المصري (لم يجزمه) (¬1) أي: لم يجزم شيخه (شراحيل) بن يزيد المعافري برفعه إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. * * * ¬

_ (¬1) بعدها في (ل، م): نسخة: لم يجز به.

2 - باب ما يذكر من ملاحم الروم

2 - باب ما يُذْكَرُ مِنْ مَلاحِمِ الرُّومِ 4292 - حَدَّثَنَا النُّفَيْلي، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا الأَوْزاعي، عَنْ حَسّانَ ابْنِ عَطِيَّةَ قالَ: مالَ مَكْحُولٌ وابْنُ أَبي زَكَرِيّا إِلَى خالِدِ بْنِ مَعْدانَ وَمِلْت مَعَهُمْ فَحَدَّثَنا عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنِ الهُدْنَةِ قالَ: قالَ جُبَيْرٌ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى ذي مِخْبَرٍ -رَجُلٍ مِنْ أَصْحابِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَأَتَيْنَاهُ فَسَأَلَهُ جُبَيْرٌ عَنِ الهُدْنَةِ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "سَتُصَالِحُونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا فَتَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوًّا مِنْ وَرائِكُمْ فَتُنْصَرُونَ وَتَغْنَمُونَ وَتَسْلَمُونَ ثُمَّ تَرْجِعُونَ حَتَّى تَنْزِلُوا بِمَرْج ذي تُلُولٍ فيَرْفَعُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ النَّصْرانِيَّةِ الصَّلِيبَ فَيَقُولُ: غَلَبَ الصَّلِيبُ، فيَغْضَبُ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ فَيَدُقُّهُ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَغْدِرُ الرُّومُ وَتَجْمَعُ لِلْمَلْحَمَةِ" (¬1). 4293 - حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ الفَضْلِ الحَرَّانِيّ، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو، عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ بهذا الحَدِيثِ زادَ فِيهِ: "وَيَثُورُ المُسْلِمُونَ إِلَى أَسْلِحَتِهِمْ فَيَقْتَتِلُونَ فَيُكْرِمُ اللَّهُ تِلْكَ العِصَابَةَ بِالشَّهادَةِ". قالَ أَبُو داوُدَ: إِلَّا أَنَّ الوَلِيدَ جَعَلَ الحَدِيثَ عَنْ جُبَيْر عَنْ ذي مِخْبَرٍ عَنِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-. قالَ أَبُو داوُدَ: وَرَواهُ رَوْحٌ وَيَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ وَبِشْرُ بْنُ بَكْرٍ عَنِ الأوْزَاعِيّ كَمَا قالَ عِيسَى (¬2). * * * باب ما يذكر من ملاحم الروم [4292] (ثنا) عبد اللَّه (النفيلي، ثنا عيسى (¬3) بن يونس) بن أبي ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (4089)، وأحمد 4/ 91. وسبق مختصرًا برقم (2767). وصححه الألباني في "المشكاة" (5428). (¬2) رواه ابن حبان (6708)، (6709). وانظر السابق. (¬3) فوقها في (ل): ع.

إسحاق (ثنا) عبد الرحمن (الأوزاعي، عن حسان (¬1) بن عطية) المحاربي (قال: مال) أبو عبد اللَّه (مكحول) الدمشقي من علماء الشام (¬2) وتابعيهم (و) عبد اللَّه (ابن أبي زكريا) الخزاعي (إلى خالد (¬3) بن معدان) الكلاعي (وملت معهم) إليه (فحدثنا عن جبير بن نفير) الحضرمي، أخرج له مسلم (قال: قال جبير بن نفير: انطلق بنا إلى ذي مخبر) بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة. أي: ذو خبرة. وقال الأوزاعي: ذو مخمر بالميم بدل الباء، وهو حبشي، ابن أخي النجاشي، خدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وعده ابن عبد البر من موالي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬4) (رجل) بالجر على البدل (من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) ومن خدامه كما تقدم. (فأتيناه فسأله جبير) بن نفير (عن الهدنة) بضم الهاء وسكون الدال، وهو مصالحة العدو على ترك القتال. وتقدم هذا الحديث في الجهاد، وترجم عليه: باب في صلح العدو (¬5). (فقال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: ستصالحون الروم صلحًا آمنًا) ضبطه بعضهم بمد الهمزة وكسر الميم. أي: آمنًا فيه المسلمون والكفار، ويجوز أن يكون بقصر الهمزة وسكون الميم مصدر، يعني: يأمن فيه المسلمون والكفار على أهليهم وأموالهم. ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): ع. (¬2) في (م): الشافعية. (¬3) فوقها في (ل): ع. (¬4) "الاستيعاب" 2/ 56 (724). (¬5) سبق برقم (2767).

قال القرطبي: روي مرفوعًا عن حذيفة أن اللَّه تعالى يرسل ملك الروم وهو الخامس من آل هرقل يقال له: ضمارة، وهو صاحب الملاحم، فيرغب إلى المهدي في الصلح، وذلك لظهور المسلمين على المشركين، فيصالحه إلى سبعة أعوام، فيضع عليهم الجزية عن يد وهم صاغرون، ولا يبقى لرومي حرمة، ويكسرون الصليب، ويرجع المسلمون إلى دمشق (¬1). (فتغزون أنتم وهم عدوًّا) يكون (من ورائكم) قيل: يعني: عددهم أكثر من عددكم (فتنصرون) عليهم (وتسلمون) من القتل (ثم ترجعون) أنتم وهم (حتى تنزلوا بمرج) أي: بروضة فيها تلول (بمرج) بالتنوين، وهي أرض فيها نبات كثير تمرج فيها الدواب. أي: تخلى وتسرح حيث شاءت مختلطة (ذي تلول) بضم التاء جمع تل. أي: في المرجة تلول، وهو الموضع المرتفع (فيرفع من أهل النصرانية) لفظ ابن ماجه: "فيرفع رجل من أهل الصليب صليبًا" (¬2). وسبب رفع الصليب أن هذا الرجل يرى أبناء الروم وبناتهم في القيود والأغلال فتعز نفسه فيرفع الصليب ويرفع صوته، فيقول: ألا من كان يعبد الصليب فلينصره ويحتمِ له. (الصليب) للنصارى جمعه صلبان وصلب، مثل بريد وبرد (فيقول: غلب الصليب) ملة الإسلام. فيغضب لذلك رجل من المسلمين. زاد ابن ماجه: "فيقوم إليه فيدقه" (¬3). أي: فيكسر الصليب ويدقه حتى ¬

_ (¬1) "التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة" (ص 1158). (¬2) "سنن ابن ماجه" (4089). (¬3) "سنن ابن ماجه" (4089).

يصير رضاضا، غضبًا وحمية لدين الإسلام (فعند ذلك تغدر) بكسر الدال (الروم) وهم أهل الغدر والفساد غالبًا، ويسمون بني الأصفر (وتجمع) بفتح المثناة فوق والميم. أي: تجمع العساكر (للملحمة) بفتح الميمين. أي: للحرب. والملحمة: الحرب وموضع القتال، والجمع الملاحم، مأخوذ من اشتباك الناس واختلاطهم فيها كاشتباك لحمة الثوب بالسدى. وقيل: هي مشتقة من اللحم لكثرة لحوم القتلى فيها، ومن أسمائه -عليه السلام-: نبي الملحمة. يعني: نبي القتال، وهو كقوله: "بعثت بالسيف" (¬1). زاد ابن ماجه: "فيجتمعون للملحمة فيأتون تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفًا". انتهى (¬2). والغاية هي الراية. [4293] (ثنا مؤمل بن الفضل الحراني) قال أبو حاتم: ثقة رضى (¬3). (ثنا الوليد) (¬4) بن مسلم عالم أهل الشام (ثنا أبو عمرو) عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي. (عن حسان بن عطية) المحاربي (بهذا الحديث) و (زاد فيه: ويثور المسلمون إلى أسلحتهم فيقتتلون، فيكرم اللَّه تلك العصابة) الجماعة من ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 50، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 1/ 213 (231). من حديث ابن عمر. قال الشيخ أحمد شاكر في "شرح المسند" 7/ 121 - 122 (5114 - 5115): إسناده صحيح. وصححه الألباني في "الإرواء" (1269). (¬2) "سنن ابن ماجه" (4089). (¬3) "الجرح والتعديل" 8/ 375. (¬4) فوقها في (ل): ع.

العشرة إلى الأربعين (بالشهادة) في سبيل اللَّه (إلا أن الوليد) بن مسلم (جعل الحديث عن جبير) بن نفير (عن ذي مخبر، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) كما تقدم. (قال: ) المصنف (ورواه روح ويحيى بن حمزة) الحضرمي قاضي دمشق (وبشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة (بن بكر التنيسي) أخرج له البخاري (عن الأوزاعي كما قال عيسى) بن يونس بن أبي إسحاق. * * *

3 - باب في أمارات الملاحم

3 - باب فِي أَماراتِ المَلاحِمِ 4294 - حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ العَنْبَري، حَدَّثَنَا هاشِمُ بْنُ القاسِمِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ ثابِتِ بْنِ ثَوْبانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ مالِكِ بْنِ يُخامِرَ، عَنْ مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ قالَ: قالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "عُمْرانُ بَيْتِ المَقْدِسِ خَرابُ يَثْرِبَ، وَخَرابُ يَثْرِبَ خُرُوجُ المَلْحَمَةِ، وَخُرُوجُ المَلْحَمَةِ فَتْحُ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، وَفَتْحُ القُسْطَنْطِينِيَّةِ خُرُوجُ الدَّجّالِ". ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى فَخِذِ الذي حَدَّثَ -أَوْ مَنْكبِهِ- ثمَّ قالَ: إِنَّ هذا لَحَقٌّ كَمَا أَنَّكَ ها هُنا أَوْ كَما أَنَّكَ قَاعِدٌ. يَعْني مُعاذَ بْنَ جَبَلٍ (¬1). * * * باب في أمارات الملاحم [4294] (ثنا عباس) بالموحدة والسين المهملة، وهو ابن عبد العظيم، أبو الفضل (العنبري) شيخ مسلم، وأخرج له البخاري تعليقًا (ثنا هاشم بن القاسم) أبو النضر الحافظ (ثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان) العنسي الزاهد قال دحيم وغيره: ثقة (¬2). (عن أبيه) ثابت بن ثوبان، ثقة، فقيه (عن مكحول، عن جبير بن نفير، عن مالك بن [عامر الأصبحي جد مالك الإمام] (¬3) عن معاذ بن جبل -رضي اللَّه عنه- قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: عمران) بضم العين (بيت المقدس ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة 21/ 202 (38632)، وأحمد 5/ 232، 245. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (4096). (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 17/ 12. (¬3) كذا في الأصول، وهو خطأ، والصواب: (يخامر الألهاني الحمصي)، وانظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 27/ 166.

خراب) وفيه حذف المضاف، تقديره عمارة بيت المقدس أمارة خراب، كقوله تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ} (¬1) ومنه قول الشاعر: فإنما هي إقبال وإدبار (¬2) أي: ذات إقبال وإدبار. ويدل على هذا التقدير ذكر ترجمة المصنف: باب أمارات الملاحم. (يثرب) قد يؤخذ منه جواز تسمية المدينة يثرب، خلافًا لمن كرهه مستدلا بما روي عنه -عليه السلام- أنه قال: "من قال للمدينة يثرب فليستغفر اللَّه ثلاثًا" (¬3). وأما تسمية اللَّه لها فأجيب عنه بأن إطلاقه عليها باعتبار أنه إخبار عن مقالة الكفار، وذلك أن مكانًا بالمدينة كان لرجل من العمالقة فسماه يثرب. ويثرب مضارع ثرب بفتح الثاء والراء إذا لام وعتب ووبخ، ثم سميت المدينة باسم ذلك المكان، ولهذا جاءت الكراهة عند من قال؛ لأنه من التثريب كما قال تعالى حكاية عن يعقوب: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} (¬4). قال السهيلي: ثرب بالتشديد مبالغة وتكثير من ثرب بالتخفيف، وأما تسميته -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة هنا يثرب؛ لما فيه من مناسبة ذكر التثريب وهو الحزن ¬

_ (¬1) البقرة: 177. (¬2) عجز بيت للخنساء. انظر: "الكامل" للمبرد 2/ 349، "المقتضب" له 3/ 189. (¬3) رواه أحمد 4/ 285، وأبو يعلى في "المسند" 3/ 247 (1688)، والروياني في "المسند" 1/ 240 (346) من حديث البراء بن عازب. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (4607). (¬4) يوسف: 92.

واللوم على خرابها، ألا ترى أنها لما كانت عامرة في زمانه -صلى اللَّه عليه وسلم- سماها طابة؛ لطيب المقام فيها في ذلك الوقت، بخلاف أيام خرابها لما شقت الإقامة في الخرب المستهدم سماها يثرب (وخراب) مدينة (يثرب) أمارة (خروج الملحمة) والملحمة وقوع القتال، سمي بذلك لاشتباك المقتتلين بعضهم في بعض كلحمة الثوب (وخروج الملحمة فتح قسطنطينية) بضم القاف والطاء كما تقدم، وفتح القسطنطينية خروج الدجال، يوافق ترتيب هذا الحديث رواية البخاري عن عوف بن مالك قال: أتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم فقال: "اعدد ستًّا بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال، حتى يعطى الرجل مئة دينار فيظل ساخطًا، ثم فتنة لا يبقى بيت إلا دخلته" (¬1). ووفق الموافقة أن فتح بيت المقدس سبب عمرانها، وخراب يثرب وخروج الملحمة سبب موتان القتلى الذي تأخذكم كقعاص الغنم، فإن القعاص هو الموت المعجل، وفتح القسطنطينية هو سبب استفاضة المال حتى يعطى الرجل المال العظيم فيسخط به، ثم الفتنة التي لا تبقي بيتًا إلا دخلته، وهي فتنة المسيح الدجال التي أمرنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن نستعيذ منها. (ثم ضرب) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (بيده على فخذ الذي حدثه، أو) ضرب (منكبه، ثم قال إن هذا لحق كما أنك هاهنا. أو قال: إن هذا حق كما أنك قاعد) ¬

_ (¬1) البخاري (3176).

عندي الآن (يعني) أن المضروب على فخذه هو (معاذ بن جبل) الذي حدثه بهذا الحديث، فشبه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تحقيق ما أخبر عنه من أمارات الساعة أنه واقع كتحقيق وقوع وجود معاذ عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أو قعوده عنده، وفيه تشبيه المخبر عنه بالمغيبات بما يعلم بالضرورة، وهو نظير قوله تعالى في حق الرزق الذي كتبه اللَّه لابن آدم: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23)} (¬1) فشبهه بنطق الآدمي المعلوم بضرورة السمع. * * * ¬

_ (¬1) الذاريات: 23.

4 - باب في تواتر الملاحم

4 - باب فِي تَوَاتُرِ المَلاحِمِ 4395 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلي، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ ابْنِ أَبِي مَرْيمَ، عَنِ الوَلِيدِ بْنِ سُفْيانَ الغَسَّانِي عَنْ يَزِيدَ بْنِ قُطَيْبٍ السَّكُونِي، عَنْ أَبِي بَحْرِيَّةَ، عَنْ مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ قالَ: قالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المَلْحَمَةُ الكُبْرى وَفَتْحُ القُسْطَنْطِينِيَّةِ وَخُرُوجُ الدَّجّالِ في سَبْعَةِ أَشْهُرٍ" (¬1). 4396 - حَدَّثَنَا حَيْوَة بْن شُرَيْحٍ الحِمْصِي، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، عَنْ بَحِيرٍ، عَنْ خالِدٍ، عَنِ ابن أَبي بِلالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "بَيْنَ المَلْحَمَةِ وَفَتْحِ المَدِينَةِ سِتُّ سِنِينَ وَيَخْرُجُ المَسِيحُ الدَّجَّالُ في السّابِعَةِ". قالَ أَبُو داوُدَ: هَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ عِيسَى (¬2). * * * باب تواتر الملاحم [4295] (ثنا عبد اللَّه بن محمد) بن نفيل (النفيلي، ثنا عيسى بن يونس، عن أبي بكر) بن عبد اللَّه (بن أبي مريم) الغساني الشامي. قيل: اسمه بكير. وقيل: عبد السلام. وقيل: اسمه كنيته. كان قد سرق بيته فاختلط (عن الوليد بن سفيان) بن أبي مريم الغساني الشامي، وثق (عن يزيد بن قطيب) بضم القاف مصغر (السكوني) مقبول (عن أبي بحرية) بفتح الباء الموحدة وسكون الحاء المهملة وبعد الراء ياء ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2238)، وابن ماجه (4092)، وأحمد 5/ 234. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (5945). (¬2) رواه ابن ماجه (4093)، وأحمد 4/ 189. وضعفه الألباني في "المشكاة" (5426).

مشددة مثناة تحت، واسمه عبد اللَّه بن قيس السكوني الحمصي، شهد خطبة عمر بالجابية، وثقه ابن معين وغيره (¬1). (عن معاذ بن جبل -رضي اللَّه عنه- قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) وقوع (الملحمة الكبرى) تأنيث أكبر، يعني: هي أكبر الملاحم التي قبلها وأعظمها مصيبة وأكثر قتلى (وفتح القسطنطينية) ويروى قسطنطينة بحذف الياء، وهو أكثر. قال هشام بن الكلبي في كتاب "البلدان": سميت القسطنطينية باسم ملك من ملوكهم (وخروج الدجال في سبعة أشهر) أي: أنها متقارب بعضها من بعض. [4296] (ثنا حيوة بن شريح) الحضرمي (الحمصي) شيخ البخاري (ثنا بقية) بن الوليد (عن بحير) بفتح الباء الموحدة وكسر الحاء المهملة، وهو ابن سعد السحولي، وهو حجة (عن خالد) (¬2) بن معدان الكلاعي (عن) عبد اللَّه (ابن أبي بلال) الخزاعي وثق (عن عبد اللَّه بن بسر) بضم الموحدة وسكون المهملة -رضي اللَّه عنه-. (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: بين الملحمة الكبرى) ويشبه أن تكون التي جاءت في رواية مسلم: "فيقتتلون مقتلة. إما قال: لا يرى مثلها. وإما قال: لم ير مثلها، حتى إن الطائر ليمر بجنباتهم فما يخلفهم حتى يخر ميتًا فيتعاد بنو الأب كانوا مئة فلا يجدونه بقي منهم إلا الرجل الواحد، فبأي غنيمة يفرح أو أي ميراث يقاسم؟ ! فبينما هم كذلك إذ سمعوا بناس هم أكثر من ذلك، فجاءهم الصريخ أن الدجال خلفهم في ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 15/ 456 (3493). (¬2) فوقها في (ل): (ع).

ذراريهم". انتهى (¬1). فعلى هذا يكون قوله: "فبأي غنيمة يفرح؟ " يكون إشارة إلى غنيمة فتح المدينة المذكورة في قوله: (وفتح المدينة) وهي مدينة القسطنطينية التي لم يصيبوا غنيمة مثل غنيمتها حتى يقتسموا أموالها بالأترسة (ست سنين ويخرج المسيح الدجال في) السنة (السابعة قال: ) المصنف لتعارض هذين الحديثين عنده (هذا) الحديث (أصح من حديث عيسى) ابن يونس الذي قبله. وقد يجمع بين الحديثين بأن المراد في الذي قبله سبعة أشهر من سبع سنين بتكرر الشهر الذي في السنة الأولى في الثانية والثالثة إلى آخرها، وبهذا يزول التعارض، فإن حمل كل حديث على معنًى أولى من إبطال أحدهما. * * * ¬

_ (¬1) مسلم (2899).

5 - باب في تداعي الأمم على الإسلام

5 - باب فِي تَداعِي الأُمَمِ عَلَى الإِسْلَامِ 4297 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْراهِيمَ الدِّمَشْقي، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، حَدَّثَنَا ابن جابِرٍ، حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ السَّلامِ، عَنْ ثَوْبانَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَداعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَداعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِها". فَقالَ قائِلٌ وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ قالَ: "بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ المَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الوَهَنَ". فَقالَ قائِلٌ: يا رَسُولَ اللَّهِ وَما الوَهَنُ؟ قالَ: "حُبُّ الدُّنْيا وَكَراهِيَةُ المَوْتِ" (¬1). * * * باب في تداعي الأمم على الإسلام [4297] (حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم) بن عمرو بن ميمون (الدمشقي) قاضي الأردن وفلسطين شيخ البخاري (ثنا بشر) بكسر الموحدة وسكون الشين (¬2) المعجمة (بن بكر) التنيسي، أخرج له البخاري (ثنا) عبد الرحمن بن يزيد (ابن جابر) (¬3) الأزدي الداراني (حدثني أبو عبد السلام) صالح بن رستم الهاشمي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4) (عن ثوبان) مولى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وليس في الكتب الستة لأبي عبد السلام غير هذا الحديث فقط. ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 278. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (8183). (¬2) ساقطة من (ل). (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) "الثقات" 4/ 375.

(قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: يوشك الأمم) قال بعضهم: المراد بالأمم أمم الكفر يدعو بعضهم بعضًا إلى قتالكم، كما يدعى الآكلون للأكل (أن تداعى عليكم) في المجيء إليكم (كما تداعى) أصله في كلا الموضعين تتداعى بتاءين حذفت إحداهما تخفيفًا. أي: تجتمع عليكم الأمم ويدعو بعضهم بعضًا في [المجيء عليكم كما تتداعى (الأكلة) بفتح الهمزة والكاف جمع آكل بالمد (¬1) كذا قال بعضهم أنه] (¬2) الرواية مثل: كملة جمع كامل، وبررة جمع بار، ولعله مطرد في جمع فاعل (إلى قصعتها) بفتح القاف، فيقال: القصعة لا تكسر، والجراب لا يفتح، والمراد أن الأمم يدعو بعضهم بعضًا إلى هذِه الأمة كما يدعو الأكلون بعضهم بعضًا إلى الأكل من القصعة الموضوعة لأكل ما فيها كما في المأدبة الجفلى. (فقال قائل) من الحاضرين (ومن قلة) أهل الإسلام (نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم يومئذ غثاء) بضم الغين المعجمة وتخفيف المثلثة، كقوله تعالى: {غُثَاءً أَحْوَى} (¬3) وهو ما يبقى فوق السيل يحمله من الزبد والوسخ والبؤورات والهشيم، فشبه -صلى اللَّه عليه وسلم- أراذل الناس وسقطهم بالذين يكونون في ذلك الزمان بغثاء (السيل) الذي يحمله إذا جرى مما لا ينتفع به [كما لا ينتفع] (¬4) بأراذل ذلك الزمان ¬

_ (¬1) بعدها في (ل) مع المد. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) الأعلى: 5. (¬4) ساقطة من (م).

(ولينزعن) أي: واللَّه ليخرجن (اللَّه من صدور عدوكم المهابة) يعني الإجلال والتعظيم والخوف الذي كان في قلوب العدو (منكم) والرعب الذي كان يصدع قلوبهم (¬1) ويرهبها. (وليقذفن) اللَّه تعالى (في قلوبكم الوهن) وهو الضعف. يعني: ضعف القلب والجبن عن قتال الكفار (¬2) والفشل (فقال قائل) من الحاضرين، يحتمل أن يكون هو القائل الأول أو غيره (وما الوهن؟ ) أي: وما سبب هذا الوهن الذي يحصل للمسلمين؟ (قال) سببه (حب الدنيا وكراهية الموت) لأن من أحب الدنيا وركن إلى مساكنها وملابسها وشهواتها كره مفارقة ذلك، وكان ذلك سبب كراهية حلول الموت بساحته، فإنه قاطع للذاته مفرق بينه وبين أحبابه، فجبن بذلك عن القتال المؤدي إلى إزهاق روحه، ومهما قلل من الدنيا واستعمل فيها الخشونة وإن عليه الموت، فأحب لقاء اللَّه. * * * ¬

_ (¬1) في الأصول: قلوبكم. والمثبت الصواب. (¬2) ساقطة من (م).

6 - باب في المعقل من الملاحم

6 - باب فِي المَعْقِلِ مِنَ المَلَاحِمِ 4298 - حَدَّثَنَا هِشامٌ بْنُ عَمّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا ابْنِ جَابِرٍ، حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَرْطَاةَ قالَ: سَمِعْتُ جُبَيْرَ بْنَ نُفَيْرٍ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبي الدَّرْداءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِنَّ فُسْطاطَ المُسْلِمِينَ يَوْمَ المَلْحَمَةِ بِالغُوطَةِ إِلَى جانِبِ مَدِينَةٍ يُقالُ لَها دِمَشْقُ مِنْ خَيْرِ مَدائِنِ الشّامِ" (¬1). 4299 - قالَ أَبُو داوُدَ: حُدِّثْتُ، عَنِ ابن وَهْبٍ، قالَ: حَدَّثَنِي جَرِيرُ بْن حَازِم، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يُوشِكُ المُسْلِمُونَ أَنْ يُحاصَرُوا إِلَى المَدِينَةِ حَتَّى يَكُونَ أَبْعَدَ مَسالِحِهِمْ سَلاحُ" (¬2). 4300 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْري قالَ: وَسَلاحُ قرِيبٌ مِنْ خَيْبَرَ (¬3). * * * باب كراهية المعقل (¬4) المعقل: الحصن، واحدة معاقل، وفي حديث ظبيان أن ملوك حمير ملكوا معاقل الأرض وقرارها (¬5). أي: ملكوا ما يتحصنون به من ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 197. وصححه الألباني في "المشكاة" (6281). (¬2) سبق برقم (4250). وصححه الألباني في "المشكاة" (5427). (¬3) سبق برقم (4251). قال الألباني في "صحيح سنن أبي داود": صحيح الإسناد مقطوع. (¬4) بعدها في (ل)، (م): نسخة: في المعقل. (¬5) رواه ابن شبة في "تاريخ المدينة" 2/ 552 - 554.

المخاوف، وهي الحصون. [4298] (ثنا هشام بن عمار) السلمي الدمشقي، شيخ البخاري (ثنا يحيى بن حمزة) بفتح الحاء المهملة والزاي الحضرمي، قاضي دمشق (ثنا) عبد الرحمن بن يزيد (ابن جابر) الأزدي (حدثني زيد بن أرطاة) الفزاري، ثقة (قال: سمعت جبير بن نفير يحدث عن أبي الدرداء) عويمر -رضي اللَّه عنه-. (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إن فسطاط) بضم الفاء (المسلمين) أصل الفسطاط الخيمة الكبيرة، والمراد به هنا معقل المسلمين، كما بوب عليه المصنف. أي: ملجؤهم وحصنهم الذي يتحصنون به من الفتن دمشق. وقد جاء مبينًا في رواية أبي بكر ابن أبي شيبة: "معقل المسلمين من الملاحم" (¬1). (يوم الملحمة) دمشق، ومعقلهم من الدجال بيت المقدس، ومعقلهم من يأجوج ومأجوج الطور [(بالغوطة) قال في "النهاية": الغوطة اسم البساتين والمياه التي حول دمشق، وهي غوطتها (¬2)] (¬3). (إلى جانب مدينة يقال لها: دمشق) بفتح الميم، وهي عربية أو معربة؟ قولان: قال أبو عبيد البكري في "معجم البلدان": سميت بدماشق بن نمروذ بن كنعان، فإنه هو الذي بناها، وكان آمن بإبراهيم ¬

_ (¬1) "المصنف" 4/ 224 (19440)، 6/ 413 (32455) عن أبي الزاهر. (¬2) "النهاية" 3/ 396. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

-عليه السلام- وصار معه، وكان أبوه نمروذ دفعه إليه لما رأى له من الآيات (¬1). وهذا يدل على أنها معربة. وقيل: هي من قول العرب: ناقة دمشق اللحم. إذا كانت خفيفة. والمرأة السريعة في العمل الخفيفة، ويقال: دمشق الضرب دمشقة: إذا ضرب ضربًا خفيفًا سريعًا. وهذا الحديث يدل على فضيلة دمشق وعلى فضيلة سكناها في آخر الزمان، وأنها حصن من الفتن، ومن فضائلها أنه دخلها عشرة آلاف عين رأت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كما أفاده ابن عساكر في "تاريخه" (¬2). ومن فضائلها ما شهد به قوله (من خير مدائن الشأم) بهمزة ساكنة مثل رأس، وتجوز مخففة بحذفها، وفيه لغة أخرى بمد الهمزة، وعن ابن الكلبي: سمي بذلك لأن قومًا من بني كنعان بن حام شاموا إليها. وقيل: سميت شامًا بسام بن نوح، واسمه بالسريانية شام، وحد الشام طولًا من العريش إلى الفرات، وجزم ابن حبان في "صحيحه" بأن أول الشام بالس، ولآخره العريش. وأما عرضه فمن جبل طيء من نحو القبلة إلى بحر الروم. ونقل النووي في القطعة التي على "سنن أبي داود" (¬3) أن باب الكعبة مستقبل مطلع (¬4) الشمس، فمن استقبله كان اليمن على يمينه والشام على شماله، فسمي بذلك، ودخله نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- قبل النبوة، ودخله بعدها مرتين ¬

_ (¬1) "معجم ما استعجم" 2/ 556. (¬2) "تاريخ دمشق" 1/ 327. (¬3) "الإيجاز في شرح سنن أبي داود السجستاني" (ص 83). (¬4) ساقطة من (م).

إحداهما ليلة الإسراء والثانية في غزوة تبوك (¬1). [4299] (قال: ) المصنف (حدثت) مبني لما لم يسم فاعله (عن) عبد اللَّه (ابن وهب قال: حدثني جرير) بفتح الجيم، وهو ابن حازم، رأى جنازة أبي الطفيل (عن عبد اللَّه بن عمر) بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب. قال ابن عدي: لا بأس به صدوق (¬2). (عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: يوشك المسلمون أن يحاصروا) بفتح الصاد (إلى المدينة) وينضمون إليها، ولا يستطيعون الخروج إلى حصن غيرها (حتى يكون أبعد مسالحهم) جمع مسلح أو مسلحة، وهو كالثغر والمرقب، يكون فيه أقوام يرقبون العدو؛ لئلا يطرقهم على غفلة، سموا بذلك؛ لأنهم يكونون ذوي سلاح كما تقدم. وتقدم أن سلاح بكسر السين موضع قريب من خيبر. [4300] (حدثنا أحمد بن صالح) المصري (عن عنبسة، عن يونس، عن الزهري قال) و (سلاح) موضع (قريب من خيبر) فليراجع. * * * ¬

_ (¬1) كذا قال المصنف في نقله عن النووي كما في النسختين اللتين بين أيدينا (ل، م) وفيه إشكالات أولها أنه إذا كان باب الكعبة مستقبل مطلع الشمس كان مستقبله اليمن على شماله والشام على يمينه، ثم كيف يدخل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الكعبة في غزوة تبوك، وتبوك كانت قبل الروم. وقد وجدت بعض كلام النووي في القطعة التي له على أبي داود ونصه، وقيل: لأن باب الكعبة مشتمل فسمي كذلك شامًا. وقيل: إن البيت لما كان اليمن عن يمينه والشام عن شماله فسميت بذلك. انتهى. قلت: فلعل المصنف قرأ (مشتمل) (مستقبل) فأضاف إليها مطلع الشمس. (¬2) "الكامل في ضعفاء الرجال" 5/ 237.

7 - باب ارتفاع الفتنة في الملاحم

7 - باب ارْتِفاعِ الفِتْنَةِ فِي المَلاحِمِ 4301 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهّابِ بْن نَجْدَةَ، حَدَّثَنَا إِسْماعِيلُ، ح وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْن سَوّارٍ، حَدَّثَنَا إِسْماعِيلُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمانُ بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ جابِرٍ الطّائي -قالَ هَارُونُ في حَدِيثِهِ- عَنْ عَوْفِ بْنِ مالِكٍ قالَ: قالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَنْ يَجْمَعَ اللَّهُ عَلَى هذِه الأُمَّةِ سَيْفَيْنِ سَيْفًا مِنْهَا وَسَيْفًا مِنْ عَدُوِّها" (¬1). * * * [4301] (حدثنا عبد الوهاب بن نجدة) بفتح النون، وسكون الجيم الحوطي من جبلة الساحل، وثقه يعقوب بن شيبة (¬2) (ثنا إسماعيل بن عياش) بالمثناة والشين المعجمة (¬3)، قال دحيم: إذا حدث عن الشاميين فهو غاية (¬4). وحديثه هنا عن الشاميين. (ح، وحدثنا هارون بن عبد اللَّه) بن مروان البغدادي، شيخ مسلم (ثنا الحسن بن سوار) بفتح المهملة، وتشديد الواو، وحدث عنه أحمد وصدقه (ثنا إسماعيل) بن عياش (ثنا سليمان بن سليم) مصغر الشامي القاضي بحمص، ثقة، عابد (عن يحيى بن جابر الطائي) قاضي حمص، أخرج له مسلم. ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 26. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (5221). (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 18/ 519 (3607). (¬3) مكانها في (ل) بياض بمقدار كلمة. (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 3/ 163 (472).

(قال هارون) بن عبد اللَّه (في حديثه: عن عوف بن مالك) بن أبي عوف الأشجعي، كانت معه راية أشجع يوم فتح مكة. (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لن يجمع اللَّه تعالى على هذِه الأمة سيفين: سيفًا) بدل مما قبله (منها) أي: من هذِه الأمة في قتال بعضهم لبعض في أيام الفتن والملاحم، وكل باغ من البغاة (وسيفا من عدوها) من الكفار الذين يقاتلونهم في الجهاد، فمن خصائص هذِه الأمة ورحمة اللَّه تعالى لها أن لا يجتمع قتال كفار ومسلمين في وقت واحد بل إما كفارًا وإما مسلمين، ولو كانوا في قتال مسلمين ووقع قتال كفار رجع المسلمون عن القتال واجتمعوا على قتال الكفار، لتكون كلمة اللَّه هي العليا. * * *

8 - باب في النهي عن تهييج الترك والحبشة

8 - باب فِي النَّهْي عَنْ تَهْيِيجِ التُّرْكِ وَالحَبَشَةِ 4302 - حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّمْليّ، حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ، عَنِ السَّيْباني، عَنْ أَبي سُكَيْنَةَ -رَجُلٍ مِنَ المُحَرَّرِينَ- عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحابِ النَّبِيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّهُ قالَ: "دَعُوا الحَبَشَةَ ما وَدَعُوكُمْ، واتْرُكُوا التُّرْكَ ما تَرَكُوكُمْ" (¬1). * * * باب في النهي عن تهييج الترك والحبشة [4302] (ثنا عيسى بن محمد) أبو عمير ابن النحاس (الرملي) حافظ، عابد، فقيه (ثنا ضمرة) بن ربيعة الفلسطيني الرملي، روى له البخاري في "الأدب" والأربعة (عن) يحيى بن أبي عمرو (السيباني) بفتح المهملة نسبة إلى سيبان بطن من حمير، وهو ثقة (عن أبي سكينة) بضم السين المهملة مصغر، سماه عبد الحق في "الأحكام الكبرى" زياد بن مالك (¬2)، وكذا سماه الذهبي (¬3)، وقال: الأظهر أن حديثه مرسل. (رجل) بالجر (من المحررين) بفتح الحاء المهملة، وتشديد الراء المفتوحة بعدها، وكسر التي بعدها يعني: الموالي، وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا جاءه شيء لم يبدأ بأول من المحررين؛ لأنهم قوم لا ديوان لهم، وإنما يدخلون في جملة مواليهم (عن رجل من أصحاب ¬

_ (¬1) رواه النسائي 6/ 43. وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (3384). (¬2) "الأحكام الوسطى" 2/ 348. (¬3) "ميزان الاعتدال" 2/ 283 (2963) وفيه: زياد بن مليك.

النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: دعوا الحبشة) أي: اتركوهم (ما ودعوكم) أي: مدة ما تركوا محاربتكم. قال ابن سيده في "المحكم": الحبش جنس من السودان. قال: والحبشة ليس بصحيح في القياس؛ لأنه لا واحد له على مثال فاعل، فيكون على فعلة (¬1). وقال ابن دريد: الحبشة على غير قياس (¬2). والحديث حجة عليهما، وقد حكى الجوهري حبشة (¬3). وفي قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- رد على ما زعمت النحاة أن العرب أماتت ماضي ودع ومصدره واسم الفاعل، وقد ورد الماضي عن أفصح العرب في هذا الحديث، وكذا جاء في كلام اللَّه تعالى في قراءة مجاهد وابن أبي عبلة (¬4) ويزيد النحوي: (ما وَدَعَك ربك) بتخفيف الدال كما في الحديث، وكذا جاء المصدر في الحديث: "لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات" (¬5)، وكلام اللَّه وكلام أفصح الفصحاء متبوع لا تابع، بل فصحاء العرب عن آخرهم بالإضافة إليه كلا شيءٍ. (واتركوا الترك ما تركوكم) أي: ما داموا في ديارهم ولم يتعرضوا لكم، ووجه تخصيص جهتي الحبشة والترك أن الحبشة بلادهم وعرة ذات حر عظيم، ويقال: إن نهر النيل الواصل إلى مصر من بلادهم ¬

_ (¬1) "المحكم" 3/ 115. (¬2) "الاشتقاق" (ص 193). (¬3) "الصحاح" 3/ 999. (¬4) في (ل)، (م): علية، وهو خطأ. والمثبت الصواب كما في كتب القراءات. (¬5) رواه مسلم (865) من حديث ابن عمر وأبي هريرة.

يأتي، فإذا شاؤوا حبسوه، وبين المسلمين وبينهم مهاد عظيمة ومفاوز شاقة، فلم يكلف الشارع المسلمين دخول ديارهم؛ لعظم ما يحصل لهم من التعب والمشقة في ذلك، ولأن الحبشة ستأتي إلى الكعبة وتستخرج كنز الكعبة كما سيأتي في الباب الذي بعده، فلا يطاقون. وأما الترك فبأسهم شديد، وبلادهم أيضًا بعيدة، وطباعهم غليظة، وقلوبهم قاسية لا تفقه ذوائق الإيمان، وبلادهم باردة جدًّا لا تخلو غالبًا عن الثلوج، والعرب بلادهم حارة جدًّا، فلم يكلفهم تلك البلاد التي لا يستطيعون الإقامة بها ولا معاشرة ما لا يوافق طباعهم، فلهذا ترك هذين الجنسين دون غيرهم، وأما إذا دخلوا بلاد الإسلام قهرًا والعياذ باللَّه تعالى، واستباحوا دماء المسلمين وأموالهم كما وقع من الططر وغيرهم، فلا يباح لأحد ترك قتالهم والذب عن أبضاعهم وأنفسهم، فإن قتالهم في هذِه الحالة فرض عين، وفي الحالة الأولى غير فرض، واللَّه أعلم. * * *

9 - باب في قتال الترك

9 - باب في قِتَالِ التُّرْكِ 4303 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ -يَعْني الإِسْكَنْدَراني- عَنْ سُهَيْل -يَعْني ابن أَبي صالِحٍ- عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "لَا تَقُومُ السّاعَةُ حَتَّى يُقاتِلَ المُسْلِمُونَ التُّرْكَ قَوْمًا وُجُوهُهُمْ كالمَجانِّ المُطْرَقَةِ يَلْبَسُونَ الشَّعْرَ" (¬1). 4304 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ وابْنُ السَّرْحِ وَغَيْرُهُما، قالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رِوايَةً -قالَ ابن السَّرْحِ- أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "لا تَقُومُ السّاعَةُ حَتَّى تُقاتِلُوا قَوْمًا نِعالُهُمُ الشَّعْرُ وَلا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقاتِلُوا قَوْمًا صِغارَ الأَعْيُنِ ذُلْفَ الأَنُفِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ المَجانُّ المُطْرَقَةُ" (¬2). 4305 - حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْن مُسافِرٍ التِّنِّيسيّ، حَدَّثَنَا خَلَادُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا بَشِيرُ ابْن المُهاجِرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْن بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في حَدِيثِ: "يُقاتِلُكُمْ قَوْمٌ صِغَارُ الأَعْيُنِ". يَعْني التُّرْكَ قالَ: تَسُوقُونَهُمْ ثَلاثَ مِرارٍ حَتَّى تُلْحِقُوهُمْ بِجَزِيرَةِ العَرَبِ فَأَمَّا فِي السِّياقَةِ الأُولَى فَيَنْجُو مَنْ هَرَبَ مِنْهُمْ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَيَنْجُو بَعْضٌ وَيَهْلِكُ بَعْضٌ وَأَمَّا فِي الثّالِثَةِ فَيُصْطَلَمُونَ". أَوْ كَما قالَ (¬3). * * * باب في قتال الترك [4303] (حدثنا قتيبة) بن سعيد (ثنا يعقوب) بن عبد الرحمن القاري ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2928)، ومسلم (2912). (¬2) رواه البخاري (2929)، ومسلم (2912). وانظر السابق. (¬3) رواه أحمد 5/ 348 - 349. إلا أنه قال في هذِه الرواية: "إن أمتي يسوقها قوم عراض الوجوه. . . ". فجعل المسوق هم أمة الإسلام لا الترك. وضعفه الألباني في "المشكاة" (5431).

(الإسكندراني) أخرج له الشيخان (عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك، قومًا) بدل نكرة من معرفة كقوله تعالى: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ} (¬1). (وجوههم كالمجان) بفتح الميم، وتخفيف الجيم، وتشديد النون جمع مجن بكسر الميم وهو الترس (المطرقة) بضم الميم، وإسكان الطاء وتخفيف الراء، هذا هو المشهور في الرواية، وحكي فتح الطاء، وتشديد الراء، وصوبه في "المشارق" (¬2) والمعروف الأول، وهو إلباس الجلد فوق الجلد، يقال: طارقت النعل: إذا ركبت جلدًا على جلد وخرزته عليه، ومعناه: وجوه الترك في عرضها ونتوء وجناتها كالأتراس (¬3) المطرقة (يلبسون) أي: نعالهم (الشعر) أي: ينتعلون في لبس أرجلهم الشعر ويمشون فيه، وهو أنهم يصنعون من الشعر حبالا ويخيطونها نعالًا كما يصنعون منها ثيابًا لما في بلادهم من الثلج العظيم. [4304] (ثنا قتيبة) بن سعيد (و) أحمد بن عمرو (ابن السرح وغيرهما قالوا: ثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- رواية) الأصح أنه بمعنى الرفع. (قال ابن السرح: ) في روايته (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: لا تقوم الساعة حتى ¬

_ (¬1) العلق: 15 - 16. (¬2) "مشارق الأنوار" 1/ 319. (¬3) في (ل)، (م): بالأتراس. والمثبت أنسب للسياق.

تقاتلوا قومًا نعالهم الشعر) قال القرطبي: يحتمل أن شعورهم كثيفة طويلة، فهي إذا سدلوها صارت ذوائبها -لوصولها إلى أرجلهم- كالنعال (¬1). وإذا سدلوها على أبدانهم صارت كاللباس الذي يلبسوه، قال: والقول المتقدم أظهر من هذا، يعني: لكونه حملًا على الحقيقة. قال ابن دحية: إنما كانت نعالهم من ضفائر الشعر أو من جلود مشعرة لما في بلادهم من الثلج العظيم الذي لا يكون في بلد كبلادهم، ويكون من جلد الذئب وغيره. (ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قومًا صغار الأعين، ذلف) بالذال المعجمة والمهملة والمعجمة أصوب، وهي مضمومة، واللام ساكنة (الآنُف) بمد الهمزة المفتوحة، وضم النون، هكذا في بعض النسخ المعتمدة وفي بعضها "الأنوف" (¬2)، وكلاهما جائز، فإن الأنف يجمع على أنف كفلس وأفلس وعلى أنوف كفلس وفلوس، والمراد بـ (ذلف الأنف): فطس الأنوف قصارها مع انبطاح، يقال: أنف أذلف: إذا كان فيه غلظ وانبطاح. قال النووي: وقد وجدوا في زماننا بهذِه الصفات (¬3). وقاتلهم المسلمون ثلاث مرات. (كأن وجوههم المجان المطرقة) حكى القرطبي عن شيخه أبي إسحاق ¬

_ (¬1) "المفهم" 7/ 247. (¬2) رواه ابن ماجه (4097)، وأحمد 2/ 530، والحاكم في "المستدرك" 4/ 473 - 475، والبيهقي 9/ 175. (¬3) "مسلم بشرح النووي" 18/ 37.

الحمزي أن الصواب فيه: المطْرقة. بسكون الطاء، وفتح الراء أي: التي أطرقت بالعقب. أي: البست حتى غلظت كأنها ترس على ترس. ثم قال: وهذا ما نقلناه عن الخطابي (¬1) وقاله أهل اللغة (¬2). [4305] (ثنا جعفر بن مسافر) بن راشد (التنيسي) بكسر التاء المثناة فوق، وكسر النون المشددة، نسبة إلى بلدة بديار مصر، وسميت بتنيس ابن حام بن نوح، وهو صدوق (ثنا خلاد بن يحيى) بن صفوان السلمي، روى عنه البخاري في الغسل والصلاة والذبائح (ثنا بشير) بفتح الموحدة، وكسر المعجمة (بن المهاجر) الغنوي أخرج له مسلم في الحدود (¬3) (ثنا عبد اللَّه بن بريدة، عن أبيه) بريدة بن الحصيب -رضي اللَّه عنه- (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديث: يقاتلكم قوم صغار الأعين. يعني: الترك) ثم (قال: تسوقونهم ثلاث مرات) سوق الدواب (حتى تلحقوهم بجزيرة العرب). قال الأصمعي: هي ما بين عدن إلى (¬4) أطراف الشام طولًا، ومن جدة وما والاها من شاطئ البحر إلى ريف العراق عرضًا. وقال أبو عبيدة: هي ما بين حفر أبي موسى إلى أقصى تهامة طولًا، وأما العرض فما بين يبرين إلى منقطع السماوة. ونقل البكري أن جزيرة العرب مكة والمدينة واليمن واليمامة (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: "معالم السنن" 4/ 319. (¬2) "التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة" (ص 1164). (¬3) "صحيح مسلم" (1695/ 23). (¬4) في (ل، م): من. وهو خطأ، والمثبت هو الصواب. (¬5) انظر: "معجم ما استعجم" 1/ 5.

(فأما في السياقة الأولى فينجو من هرب منهم، و) أما السياقة (الثانية فينجو بعض) من هرب منهم (ويهلك) بكسر اللام (بعض، وأما في) السياقة (الثالثة فيصطلمون) بضم (¬1) الياء، وسكون الصاد، وفتح الطاء المهملتين، ثم لام مفتوحة مبني لما لم يسم فاعله، والاصطلام افتعال من الصلم، وهو القطع المستأصل، يقال: اصطلمت أذنه إذا استأصلت قطعها، ومنه حديث الهدي والضحايا: "ولا المصطلمة" (¬2). ورواه الإمام أحمد في "مسنده" بزيادة ولفظه: حدثنا أبو نعيم، ثنا بشير بن المهاجر قال: حدثني عبد اللَّه بن بريدة، عن أبيه قال: كنت جالسًا عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فسمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إن أمتي يسوقها قوم عراض الوجوه، صغار الأعين، كأن وجوههم الحجف ثلاث مرات، حتى تلحقوهم بجزيرة العرب، أما السياقة الأولى فينجو من هرب منهم، وأما السياقة الثانية فيهلك بعض وينجو بعض، وأما السياقة الثالثة فيصطلمون كلهم من بقي منهم" قالوا: يا رسول اللَّه من هم؟ قال: "هم الترك. قال: أما والذي نفسي بيده ليربطون خيولهم إلى سواري مساجد المسلمين". قال: فكان بريدة لا يفارقه بعيران أو ثلاثة ومتاع السفر والأسقية بعد ذلك للهرب مما سمع من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من البلاء من الترك (¬3). ¬

_ (¬1) في (ل، م): بفتح. وهو خطأ كما هو واضح من كلام المصنف بعد. (¬2) رواه ابن الأعرابي في "المعجم" 1/ 325 (606)، والطبراني في "الأوسط" 4/ 48 (3578) من حديث ابن عباس. وصححه الحاكم في "المستدرك" 4/ 226. (¬3) "المسند" 5/ 348. ورواه البزار في "البحر الزخار" 10/ 288 (4399) مختصرًا.

قال أبو الخطاب عمر بن دحية: هذا سند صحيح، أسنده إمام السنة والصابر على المحنة أحمد بن حنبل، عن الإمام المجتمع على ثقته أبي نعيم الفضل بن دكين، وبشير بن المهاجر ثقة، رأى أنس بن مالك (¬1). قال القرطبي: والحديث يدل على خروجهم وقتالهم المسلمين وقتلهم، وقد وقع ذلك على نحو ما أخبر به -صلى اللَّه عليه وسلم-، فخرج منهم في هذا الوقت أمم لا يحصيهم إلا اللَّه، ولا يردهم عن المسلمين إلا اللَّه، حتى كأنهم يأجوج ومأجوج أو مقدمتهم (¬2). قال الحافظ ابن دحية: فخرج في جمادى الأولى سنة سبع عشرة وستمئة جيش من الترك يقال لهم: الططر. عظم في قتلهم الخطب والخطر، وقضي لهم من قتل النفس المؤمنة الوطر. (أو كما قال) هذا مما يستعمله المحدثون إذا شك الراوي في شيء من ألفاظ الحديث. * * * ¬

_ (¬1) قال الهيثمي في "المجمع" 7/ 311: رواه أحمد والبزار باختصار، ورجاله رجال الصحيح. (¬2) "المفهم" 7/ 248.

10 - باب في ذكر البصرة

10 - باب فِي ذِكْرِ البَصْرَةِ 4306 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الوارِثِ، حَدَّثَنِي أَبي، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْن جُمْهانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ بْنُ أَبي بَكْرَةَ قالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "يَنْزِلُ ناسٌ مِنْ أُمَّتِي بِغَائِطٍ يُسَمُّونَهُ البَصْرَةَ عِنْدَ نَهْرٍ يُقالُ لَهُ دِجْلَةُ يَكُونُ عَلَيْهِ جِسْرٌ يَكْثُرُ أَهْلُها وَتَكُونُ مِنْ أَمْصارِ المُهاجِرِينَ". قالَ ابن يَحْيَى: قالَ أَبُو مَعْمَرٍ: "وَتَكُونُ مِنْ أَمْصارِ المُسْلِمِينَ فَإِذا كانَ في آخِرِ الزَّمانِ جاءَ بَنُو قَنْطُوراءَ عِراضُ الوُجُوهِ صِغارُ الأَعْيُنِ حَتَّى يَنْزِلُوا عَلَى شَطِّ النَّهْرِ فيَتَفَرَّقُ أَهْلُها ثَلاثَ فِرَقٍ فِرْقَةٌ يَأْخُذُونَ أَذْنابَ البَقَرِ والبَرِّيَّةِ وَهَلَكُوا وَفِرْقَةٌ يَأْخُذُونَ لأَنْفُسِهِمْ وَكَفَرُوا وَفِرْقَةٌ يَجْعَلُونَ ذَرارِيَّهُمْ خَلْفَ ظُهُورِهِمْ وَيُقاتِلُونَهُمْ وَهُمُ الشُّهَداءُ" (¬1). 4307 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّبّاحِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا مُوسَى الحَنَّاط -لا أَعْلَمُهُ إِلَّا ذَكَرَهُ- عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَالَ لَهُ: "يا أَنَسُ إِنَّ النَّاسَ يُمَصِّرُونَ أَمْصارًا وَإِنَّ مِصْرًا مِنْها يُقالُ لَهُ البَصْرَةُ أَوِ البُصَيْرَةُ فَإِنْ أَنْتَ مَرَرْتَ بِها أَوْ دَخَلْتَها فَإِيَّاكَ وَسِبَاخَها وَكِلاءَهَا وَسُوقَها وَبابَ أُمَرائِها وَعَلَيْكَ بِضَواحِيها فَإنَّهُ يَكُونُ بِها خَسْفٌ وَقَذْفٌ وَرَجْفٌ وَقَوْمٌ يَبِيتُونَ يُصْبِحُونَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ" (¬2). 4308 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ المُثَنَّى حَدَّثَنِي إِبْراهِيمُ بْن صَالِحِ بْنِ دِرْهَمٍ قالَ: ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة 21/ 137 (38506)، وأحمد 5/ 44. وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (8170). (¬2) رواه أبو يعلى في "معجم شيوخه" (273)، والطبراني في "الأوسط" 6/ 167 (6095). وصححه الألباني في "المشكاة" (5433).

سَمِعْتُ أَبي يَقُول انْطَلَقْنَا حَاجِّينَ فَإِذا رَجُلٌ فَقالَ لَنَا إِلَى جَنْبِكُمْ قَرْيَةٌ يُقَال لَها الأُبُلَّةُ قُلْنا نَعَمْ. قالَ مَنْ يَضْمَن لي مِنْكُمْ أَنْ يُصَلِّي لي في مَسْجِدِ العَشّارِ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعًا وَيَقُولَ هذِه لأَبي هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ خَلِيلي أَبا القاسِمِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُول: "إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مِنْ مَسْجِدِ العَشّارِ يَوْمَ القِيامَةِ شُهَداءَ لا يَقُومُ مَعَ شُهَداءِ بَدْرٍ غَيْرُهُمْ". قالَ أَبُو داوُدَ: هَذَا المَسْجِدُ مِمّا يَلي النَّهْرَ (¬1). * * * باب ذكر البصرة [4306] (حدثنا محمد بن يحيى بن فارس) الذهلي (ثنا عبد الصمد (¬2) بن عبد الوارث) التنوري الحافظ (حدثني أبي) عبد الوارث ابن عبد الصمد التنوري، أخرج له مسلم (حدثنا سعيد (¬3) بن جمهان) بضم الجيم وإسكان الميم، الأسلمي صدوق (ثنا مسلم بن أبي بكرة) الثقفي أخرج له مسلم في الفتن (¬4). (قال: سمعت أبي) أبا بكرة نفيع بن الحارث الثقفي -رضي اللَّه عنه- (يحدث أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: ينزل ناس من أمتي بغائط) أي: ببطن مطمئن من الأرض (يسمونه البصرة) ويقال لها: المؤتفكة؛ لأنها ائتفكت بأهلها ¬

_ (¬1) رواه خليفة بن خياط في "تاريخه" ص 128 - 129، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" 1/ 55، وابن عدي في "الكامل" 3/ 460، والبيهقي في "الشعب" (4115). وضعفه الألباني في "المشكاة" (5434). (¬2) فوقها في (ل): ع. (¬3) فوقها في (ل): ع. (¬4) "صحيح مسلم" (2887).

في أول الدهر. أي: انقلبت. ويقال لها: قبة الإسلام، والبصرة: مدينة السلام بغداد؛ لأنها شط الدجلة وجسرها في وسطها وسماها بصرة؛ لأن ببغداد موضعا (¬1) خارج المدينة قريبًا من بابها يسمى باب البصرة، فسمى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بغداد باسم بعضها، ويقال لها: البصيرة. ويقال لها: قبة الإسلام. وهي في الأصل الحجارة الرخوة تضرب إلى البياض، وسميت البصرة؛ لأن المسلمين لما قدموها رئي الحصا من بعيد، فقالوا: إن هذِه أرض بصرة. يعني: حصبة. وبنى البصرة عتبة بن غزوان في سنة تسع عشرة من الهجرة في خلافة عمر، قيل: إنه لم يعبد بأرضها صنم (عند نهر) بفتح الهاء (يقال له: دجلة) بكسر الدال، وهو النهر المشهور بالعراق ولا يدخلها الألف واللام؛ لأنه معرفة بخلاف الفرات. قال أبو الفتوح الهمذاني: سميت دجلة لكثرة مائها، ومنه اشتقاق الدجال لكثرة جموعه. وقيل: المراد بالنهر نهر بغداد، فإنها شط الدجلة وجسرها في وسطها (يكون عليه جسر) عظيم تمشي عليه القوافل (يكثر أهلها) أي: أهل البصرة أول ما سكنها الناس سنة ثمان عشرة من الهجرة (وتكون من أمصار المهاجرين). و(قال) محمد (ابن يحيى) بن فارس (قال أبو معمر) عبد اللَّه بن عمرو ابن أبي الحجاج ميسرة المقرئ، مولاهم البصري المقعد حدث عنه المصنف والبخاري، وهو روى هذا الحديث عن عبد الوهاب ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): موضع. والمثبت هو الصواب.

(وتكون) البصرة (من أمصار المسلمين) أعصرا كثيرة (فإذا كان في آخر الزمان جاء بنو قنطورا) بفتح القاف وسكون النون وضم الطاء المهملة. قال المنذري: وهو مقصور غير ممدود كما حكاه ابن قوطية، وكانت قنطورا جارية إبراهيم الخليل -عليه السلام-، ولدت له أولادًا منهم الترك والصين والبصرة، وهم من ولد يافث، وهم أصناف كثيرة أصحاب حصون ومدن، منهم قوم في رؤوس الجبال والبراري، ليس لهم عمل غير الصيد، وهم يأكلون الرخم والغربان، وليس لهم دين، وملكهم يقال له: خاقان. (عراض الوجوه صغار الأعين حتى ينزلوا على شط النهر فيتفرق) بفتح المثناة تحت، ثم المثناة فوق وتشديد الراء (أهلها) أي: أهل بغداد من أعيانهم وعلمائهم (ثلاث فرق: فرقة) بالنصب بدل من ثلاث، ويجوز رفعها على حذف خبر مبتدأ (يأخذون أذناب البقر) يقال: أخذ في الشيء الفلاني إذا شرع فيه. والمراد أن فرقة منهم إذا لقوا العدو هربوا بأبقارهم ومواشيهم، واستاقوها أمامهم، وأخذوا حال سوقها طالبين النجاة لهم ولمواشيهم وأبقارهم من عدوهم (و) طالبين (البرية) القفراء؛ لينجوا من عدوهم، ويجوز أن يكون المراد أنهم يشتغلون بالزراعة خلف أذناب البقر، ويشتغلون عن القتال بالزراعة في البرية القفراء. قيل: وقعت هذِه الوقعة في زمن المعتصم باللَّه ومن معه من أهل بغداد سنة ست وخمسين وستمئة، كما ذكر في الحديث. (وفرقة يأخذون لأنفسهم) الأمان من عدوهم؛ ليسلموا من القتل

(وكفروا) باللَّه تعالى ودخلوا في دينهم، وفي بعض النسخ كما في رواية: "وهلكوا" بدل (كفروا) وسبب هلاكهم أنهم سلموا أنفسهم وطلبوا أمان من لا وفاء له، بل شيمتهم الغدر (وفرقة يجعلون ذراريهم) بتشديد الياء وتخفيفها، وأصلها الهمز، لكنهم لم يستعملوه إلا بغير همز (خلف ظهورهم) ويجعلون أنفسهم وقاية أزواجهم وذراريهم (ويقاتلونهم) حتى استشهدوا فقتلوا في سبيل اللَّه (وهم الشهداء) وفيه: أن من قتل في الدفع عن أولاده وأولاد أولاده المذكور والإناث فهو شهيد، وكذا من قتل في الدفع عن زوجته. [4307] (ثنا عبد اللَّه بن الصباح) البصري العطار، شيخ البخاري في الصلاة والبيوع والتعبير (¬1) (ثنا عبد العزيز بن عبد الصمد) العمي (ثنا موسى) بن أبي عيسى (الحناط) بفتح الحاء المهملة وتشديد النون، واسم أبيه ميسرة، أخرج له مسلم (لا أعلمه ذكره إلا عن موسى بن أنس) بن مالك الأنصاري، قاضي البصرة، مات بعد أخيه النضر، وهو تابعي، وثقه ابن سعد وغيره، وهو قليل الحديث (¬2). (عن) أبيه (أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال له: يا أنس، إن الناس يمصرون) بتشديد الصاد المكسورة، أي: يضعون أساس مصر من الأمصار ويبنونه مثل: يمدنون المدن (أمصارا) جمع مصر (وإن مصرا منها يقال له: البصرة) يدل على أنها محدثة إسلامية، كما تقدم أنها بنيت في خلافة عمر بعد وقف السواد، ولهذا دخلت في حده. ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (600) الصلاة، (7017) التعبير. (¬2) "الطبقات الكبرى" 7/ 192.

وأنكر الزجاج فتح الباء مع حذف الهاء، ومع إثباتها يجوز فتح الباء وكسرها، وكذا البصري في الإضافة (أو البصيرة) بالتصغير، ويقال لها: تدمر، والمؤتفكة؛ لأنها ائتفكت بأهلها في أول الدهر، قاله صاحب "المطالع" (¬1). قال أبو سعد السمعاني: ويقال لها: قبة الإسلام، وخزانة العرب (¬2). قال ابن دريد: وتسمى الرعناء؛ لأنها تشبه برعن الجبل (¬3). (فإن أنت مررت بها أو دخلتها فإياك وسباخها) بالنصب على التحذير. أي: أحذر نفسك من سباخها، فحذف الفعل، فصار الضمير المتصل منفصلًا، وهو (إياك) المعنى: يا أنس، إن الناس ينشئون أمصارًا كثيرة ويسكنون فيها، وإن مصرًا منها يقال له: البصرة. فإن اتفق نزولك فيها فاحذر سباخها وكلاءها. والسباخ جمع سبخة بإسكان الباء ككلاب جمع كلبة، والسبخة هي الأرض التي تعلوها الملوحة ولا تكاد تنبت إلا بعض الشجر (وكلاءها) بالتشديد والمد، وهو شاطئ النهر، والموضع الذي تربط فيه السفن. وقال المهلبي: كلاء يصرف ولا يصرف. وقال الجوهري: وناس يجعلون كلاء البصرة اسمًا (¬4) من كلَّ على فعلاء ولا يصرفونه. والمعنى أنه موضع تكل فيه الريح عن عملها في غير هذا الموضع. انتهى كلام الجوهري (¬5). ¬

_ (¬1) "مطالع الأنوار" بتحقيقنا 1/ 587. (¬2) "الأنساب" 2/ 253. (¬3) "جمهرة اللغة" 2/ 773، "الاشتقاق" (ص 525). (¬4) في (ل، م): اسم. والجادة ما أثبتناه، وهو ما في "الصحاح" للجوهري. (¬5) "الصحاح" 5/ 1812.

والمعنى أنه يدفع الريح عن السفن، وقيل: سمي بذلك لأنهم يحلون سفنهم هناك. أي: يحبسونها، وروي في غير أبي داود: "وجبلها" بدل: (كلاءها) ومنه الحديث: "من مشى على الكلاء قذفناه في الماء" (¬1)، ومنه: سوق الكلاء بالبصرة، وهذا مثل ضربه لمن عرض بالقذف شبهة في معارضة التصريح بالماشي على شاطئ النهر، وإلقاؤه في الماء إيجاب القذف عليه وإلزامه بالحد. قال سيبويه: كلاء فعال: مثل خباز بالتشديد (¬2)، وعلى هذا فهو مذكر مصروف. (و) إياك و (سوقها وأبواب أمرائها) وتحذير رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنسًا من هذِه المواضع المذكورة في البصرة إشارة إلى أن تلك المواضع فيها أقوام من أهل القدر، والخسف وغيره من العذاب يكون للمكذبين بالقدر، والدليل على ما روي عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- يكون في أمته خسف ومسخ، وذلك في المكذبين بالقدر (¬3). (وعليك بضواحيها) إغراء كقوله -عليه السلام-: "فعليه بالصوم" (¬4) فضواحيها مفعول به، والباء زائدة عند الأخفش، جمع ضاحية، وهي الناحية البارزة للشمس، يقال: هم ينزلون بالضواحي. أي: ظاهر البلدة، ومنه قيل: قريش بالضواحي. أي: نازلون بظاهر مكة. ¬

_ (¬1) ذكره ابن قتيبة في "غريب الحديث" 3/ 764، وابن الجوزي في "غريب الحديث" 2/ 298، وابن الأثير في "النهاية" 4/ 194 ولم يذكر أنه حديث. (¬2) "الكتاب" 4/ 257. (¬3) رواه الترمذي (2153)، وابن ماجه (4061) من حديث ابن عمر. ورواه ابن ماجه (4062)، وأحمد 2/ 163 من حديث ابن عمرو. وانظر: "الصحيحة" (1787). (¬4) رواه البخاري (1905، 5066)، ومسلم (140) من حديث ابن مسعود.

وروي أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لأنس: "البصرة إحدى المؤتفكات فانزل في ضواحيها" (¬1) (فإنه يكون بها) الباء بمعنى (في) أي: يكون فيها. أي: بنفس مدينة البصرة دون ضواحيها (خسف) الخسف هاهنا هو الذهاب في الأرض كما قال تعالى: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ} (¬2) ويحتمل أن يراد بالبصرة بغداد كما تقدم، وسماها البصرة؛ لأن في بغداد موضعًا (¬3) يقال له: باب البصرة، فسمى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بغداد باسم بعضها، ويدل على ذلك ما ذكره أرطاة بن المنذر كما حكاه القرطبي، قال رجل لابن عباس وعنده حذيفة بن اليمان: أخبرني عن تفسير قوله تعالى: {حم (1) عسق (2)} فأعرض عنه حتى أعاد عليه ثلاثًا، فقال: يا (¬4) حذيفة، أنا أنبئك بها، نزلت في رجل من أهل بيته يقال له: عبد الإله، أو عبد اللَّه، ينزل على نهر من أنهار المشرق يبني عليه مدينتين يشق النهر بينهما شقا، فإذا أراد اللَّه زوال ملكهم وانقطاع دولتهم بعث على إحداهما نارًا ليلًا، فتصبح سوداء مظلمة، ثم يخسف اللَّه بها وبهم (¬5). قيل: هذا الخسف يكون للمكذبين؛ لما روي في الحديث: "يكون في أمتي خسف ومسخ" وذلك في المكذبين بالقدر، ولم يقع بعد، ¬

_ (¬1) ذكره الزمخشري في "الفائق" 3/ 387، وابن الجوزي في "غريب الحديث" 2/ 372، وابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" 1/ 56، 3/ 78، 4/ 359. (¬2) القصص: 81. (¬3) في (ل)، (م): موضع. والمثبت هو الصواب. (¬4) هكذا في (ل، م)، والصواب حذفها. (¬5) "الجامع لأحكام القرآن" 2/ 16، "التذكرة" ص 1171.

فليحذر، فذلك قوله: {حم (1) عسق} أي: عزيمة من عزائم اللَّه وفتنة وقضاء حتم. أي: حم ما هو كائن، عين عدلًا منه، سين سيكون، ق واقع في هاتين المدينتين (¬1). ونظير هذا التفسير ما روى جرير بن عبد اللَّه البجلي، قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "تبنى مدينة بين دجلة ودجيل يجتمع فيها جبابرة الأرض يجبى إليها الخزائن يخسف بها" (¬2). وفي رواية: "يخسف بأهلها" (¬3) فهي أسرع ذهابًا في الأرض من الوتد الجيد في الأرض الرخوة. وقرأ ابن عباس: (حم سق) بغير عين، وكذلك هو في مصحف عبد اللَّه بن مسعود (¬4)، حكاه الطبري (¬5)، وذكر القشيري والثعلبي (¬6) في تفسيرهما أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لما نزلت هذِه الآية عرفت الكآبة في وجهه، فقيل له: ما أحزنك؟ قال: "أخبرت ببلايا تنزل بأمتي من خسف وقذف ونار تحشرهم ونار (¬7) تقذفهم في البحر، ¬

_ (¬1) انظر: "جامع البيان" للطبري 11/ 127 (30607)، "تفسير القرطبي" 16/ 2. (¬2) رواه أبو عمرو الداني في "السنن الواردة في الفتن" 3/ 718 (350)، والخطيب في "تاريخ بغداد" 1/ 55. وهو حديث ضعيف رواه ابن الجوزي في "الموضوعات" 2/ 330 (898 - 899). (¬3) رواه المحاملي في "الأمالي" (385)، والداني في "السنن" 4/ 904 (469)، والخطيب 1/ 56. وهو ضعيف أيضًا رواه ابن الجوزي في "الموضوعات" 2/ 331 (901). (¬4) انظر: "مختصر في شواذ القرآن" (ص 134). (¬5) "جامع البيان" 11/ 127. (¬6) "الكشف والبيان" 8/ 302. (¬7) هكذا في (ل)، (م)، وفي مصادر التخريج: ريح.

وآيات متتابعات بنزول عيسى، وخروج الدجال" (¬1). (وقذف) القذف المراد الريح الشديدة الباردة، أو قذف الأرض للموتى بعد الدفن بالحجارة، الرمي بها من السماء كما فعل بقوم لوط، ويحتمل أن يراد بالقذف النار كما تقدم في رواية الثعلبي: "ونار (¬2) تقذفهم في البحر". (ورجف) بسكون الجيم، والرجفة الزلزلة، والرجفان: الاضطراب، والتحرك أن تتحرك الأرض وترجف بأهلها، وقد وقع كثيرًا كما تقدم (وقوم يبيتون) بضم أوله وفتح ثالثه. أي: يأتيهم العذاب ليلًا والتبييت هو أن يقصد في الليل بغتة من غير أن يعلم و (يصبحون) وقد مسخوا (قردة وخنازير) قال ابن قيم الجوزية في "إغاثة اللهفان": إن المسخ على صورة القردة والخنازير واقع في هذِه الأمة ولا بد، وهو واقع في طائفتين علماء السوء الكاذبين على اللَّه ورسوله الذين قلبوا دين اللَّه وشرعه، فقلب اللَّه صورهم كما قلبوا دينه (¬3)، والمجاهرين المتهتكين بالفسق والمحارم، ومن لم يمسخ في الدنيا مسخ في قبره، أو يوم القيامة (¬4). قال: وفي حديث أبي هريرة: "يمسخ قوم في هذِه الأمة في آخر ¬

_ (¬1) "التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة" (ص 1171 - 1172)، "الجامع لأحكام القرآن" 16/ 2 - 3. (¬2) هكذا في (ل، م) وفي مصادر التخريج: ريح. (¬3) في (م): دين اللَّه. (¬4) "إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان" 1/ 345.

الزمان قردة وخنازير" قالوا: يا رسول اللَّه، أليس يشهدون أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدًا رسول اللَّه؟ قال: "بلى، ويصلون ويصومون ويحجون" قالوا: فما بالهم؟ قال: "اتخذوا المعازف والدفوف والقينات، فباتوا على شربهم ولهوهم، فأصبحوا وقد مسخوا قردة وخنازير" وفي حديث جبير بن نفير: "ليبتلين آخر هذِه الأمة بالرجف، فإن تابوا تاب اللَّه عليهم، وإن عادوا عاد اللَّه عليهم بالرجف والقذف والمسخ". وقال مالك بن دينار: بلغني أن ريحًا تكون في آخر الزمان وظلمة، فيفزع الناس إلى علمائهم فيجدونهم وقد مسخوا قردة وخنازير (¬1). ذكر هذِه الأحاديث والآثار بأسانيدها ابن أبي الدنيا في كتاب "ذم الملاهي" (¬2) وقد تقدم شيء من ذلك. [4308] (ثنا محمد بن المثنى، حدثني إبراهيم بن صالح بن درهم) بفتح الهاء، وسيأتي، الباهلي البصري، فيه لين (قال: سمعت أبي) صالح ابن درهم أبا الأزهر البصري، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3) وليس له في الكتب الستة إلا هذا الحديث. (يقول: انطلقنا حاجين) بتشديد الجيم المكسورة. أي: قاصدين الحج (فإذا) للمفاجأة (رجل) بالرفع مبتدأ نكرة، فإن من مسوغات الابتداء بالنكرة أن تقع بعد (إذا) الفجائية؛ لأنها من خواص الابتداء، وشاهده: ¬

_ (¬1) "إغاثة اللهفان" 1/ 345. (¬2) "ذم الدنيا" 1/ 29، 33، 37 (8، 13، 21). (¬3) "الثقات" 4/ 376.

حَسِبْتُكَ فِي الوَغَى بُرْدَي (¬1) حُرُوبٍ ... إذَا خَوَرٌ لَدَيكَ فَقُلْتُ سُحْقَا (¬2) وخبر هذا النكرة الذي في الحديث محذوف تقديره: فإذا رجل جالس بين القوم. (فقال لنا) إن (إلى جنبكم قرية يقال لها: الأبلة) بضم الهمزة والباء الموحدة وتشديد اللام المفتوحة، ثم تاء تأنيث، بلد معروفة إلى جانب البصرة، سميت باسم امرأة كانت تسكنها [يعني: تنزل فيها] (¬3). قال الحازمي: هي قرب البصرة [في جانبها البحري، وهي أقدم من البصرة (¬4). والأبلة واحدة جنان الدنيا وهي أربعة: الأبلة، البصرة] (¬5) وغوطة دمشق وسلعة سمرقند وشعب بواد كرمان. وقال الأصمعي: هو اسم نبطي في الأصل، وذلك أنهم كانوا يصنعون فيها، فإذا كان الليل وضعوا أدواتهم عند امرأة يقال لها: هوبى أو لبى. فماتت المرأة، فسميت الأبلة بذلك، هكذا قال القالي في "البارع". وقال يعقوب: الأبلة الفِدرة من التمر (¬6). وقال البكري: هي من طساسيج دجلة، وأصل الأبلة المتلبد من ¬

_ (¬1) في (ل، م): من ذا. (¬2) انظر "حاشية الصبان على شرح الأشموني" 1/ 303. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) "الأماكن" 1/ 33. (¬5) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬6) "إصلاح المنطق" (ص 127).

التمر، فهو إذا فعلة من قوله تعالى: {طَيْرًا أَبَابِيلَ} (¬1) أي: جماعات، ومثله الأفرة من أفر إذا قفز ووثب (¬2). ونسب إلى الأبلة جماعة من المحدثين، منهم شيبان بن فروخ الأبلي (¬3). (قلنا: نعم. قال: من يضمن لي) برفع (يضمن) و (من) للاستفهام الذي للطلب والسؤال لا للشرط فهي كما يقول الفقير: من يعطيني درهما؟ (منكم أنه يصلي) ولو ركعتين (في مسجد العشار) وذكر المصنف هذا الحديث في باب البصرة يدل على أنه في أرضها، وكذا قوله: (إلى جنبكم (¬4) إلى قرية يقال لها: الأبلة) وهي إلى جانب البصرة. كما تقدم. (قال) المصنف: (هذا المسجد مما يلي النهر) وهو بفتح العين المهملة وتشديد الشين المعجمة وبعد الألف راء. (ركعتين أو أربعًا) أو أكثر من ذلك (ويقول) بالرفع عطف على (يصلي هذِه لأبي هريرة) فيه: دلالة على جواز الصلاة عن الغير وبه قال [. . . .] (¬5) والقاعدة أن العبادات البدنية لا تصح النيابة في شيء منها كالصلوات والتسبيح والتحميد والتكبير والأذان وقراءة القرآن، وكذا القولية والقلبية كالعرفان والإيمان باللَّه تعالى، وكل ما يجب الإيمان به لا تصح النيابة فيه؛ لأن الغرض بها تعظيم الإله وليس ¬

_ (¬1) الفيل: 3. (¬2) "معجم ما استعجم" 1/ 98. (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 12/ 598 (2785). (¬4) في (ل)، (م): إن جئتم. والمثبت من "سنن أبي داود" كما مر آنفًا. (¬5) بياض في (ل، م) بمقدار عشر كلمات.

المستنيب غيره معظما بتعظيم النائب عنه، واستثني من ذلك الحج والعمرة في حق العاجزين إما بالموت أو الهرم أو مرض لا يرجى زواله، وعلى قول الجمهور يحتمل أن يكون التقدير: مثل أجر هذِه الصلاة (¬1) لأبي هريرة الذي دلني على الصلاة في هذا المسجد، ورغبني فيه، ودعاني إلى فعله. لرواية مسلم وغيره: "من دعا إلى هدًى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص من أجورهم شيئًا" (¬2) لا سيما وأبو هريرة هو راوي هذا الحديث فعمل به هنا، واللَّه أعلم. ثم قال (سمعت خليلي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: إن اللَّه تعالى يبعث من مسجد العشار يوم القيامة شهداء) قد يؤخذ منه جواز دفن الشهداء والصالحين في رحبات المسجد، ويحتمل أن يكون المسجد جعل بعد دفنهم (لا يقوم مع شهداء) أهل (بدر غيرهم) وذكر البخاري هذا الحديث في "التاريخ الكبير" في ترجمة إبراهيم وقال: لا يتابع عليه (¬3). تقدم في الحديث قبله أن الفرقة الذين يجعلون ذراريهم خلف ظهورهم ويقاتلون عنهم أنهم شهداء، وذكر في هذا الحديث زيادة فضيلتهم، وأن شهداء آخر الإسلام يحشرون مع شهداء أوله وإن كانوا دونهم في الفضيلة. * * * ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) مسلم (2674)، ويأتي برقم (4609). ورواه الترمذي (2674)، وابن ماجه (206). (¬3) "التاريخ الكبير" 1/ 293.

11 - باب النهي عن تهييج الحبشة

11 - باب النَّهْي عَنْ تهْيِيجِ الحَبَشَةِ 4309 - حَدَّثَنَا القَاسِمُ بْنُ أَحْمَدَ البَغْدادي، حَدَّثَنَا أَبُو عامِرٍ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ عَبدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "اتْرُكُوا الحَبَشَةَ ما تَرَكُوكُمْ فَإِنَّهُ لا يَسْتَخْرِجُ كَنْزَ الكَعْبَةِ إِلَّا ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الحَبَشَةِ" (¬1). * * * باب النهي عن تهييج الحبشة [4309] (ثنا القاسم بن أحمد البغدادي) مقبول (ثنا أبو (¬2) عامر) عبد الملك بن عمرو العقدي (عن زهير (¬3) بن محمد) التميمي المروزي (عن موسى بن جبير) الأنصاري الحذاء، ثقة. (عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف) واسم أبي أمامة أسعد ولد زمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (عن عبد اللَّه بن عمرو) بن العاص رضي اللَّه عنهما. (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: اتركوا الحبشة ما تركوكم) تقدم، ثم بين علة تركهم (فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة) أي: ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 371، وسلف برقم (4302) عن رجل من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. ورواه البخاري (1591)، ومسلم (2909) من حديث أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: "يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة". وضعفه الألباني في "المشكاة" (5429). (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) فوقها في (ل): (ع).

وتخرب الكعبة كما في الصحيحين (¬1). و(السويقتين) تصغير الساق وإحداهما سويقة وصغرهما لدقتهما ورقتهما، وهي صفة سوق الحبشة غالبًا، وقد وصفه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديث آخر بقوله: "كأني به أسود أفحج يقلعها حجرًا حجرًا" (¬2) ويأخذ الكنز مع ما فيها من الآلات، والفحج: تباعد ما بين الساقين. ولا يعارض هذا قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا} (¬3) لأن تخريب الكعبة على يدي هذا الحبشي إنما يكون عند خراب الدنيا، ولعل هذا الوقت الذي لا يبقى فيه إلا شرار الناس فيكون حرمًا أَمنًا مع بقاء الدين وأهله. * * * ¬

_ (¬1) البخاري (1591، 1596)، مسلم (2909). (¬2) رواه البخاري (1595) من حديث ابن عباس. (¬3) العنكبوت: 67.

12 - باب أمارات الساعة

12 - باب أَماراتِ السّاعَةِ 4310 - حَدَّثَنا مُؤَمَّلُ بْن هِشامٍ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ، عَنْ أَبي حَيّانَ التَّيْمي، عَنْ أَبي زُرْعَةَ قالَ: جاءَ نَفَرٌ إِلَى مَرْوانَ بِالمَدِينَةِ فَسَمِعُوهُ يُحَدِّثُ في الآياتِ أَنَّ أَوَّلَها الدَّجّالُ قالَ: فانْصَرَفْتُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَحَدَّثْتُهُ فَقالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَمْ يَقُلْ شَيْئًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقول: "إِنَّ أَوَّلَ الآياتِ خُرُوجًا طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِها أَوِ الدّابَّةُ عَلَى النّاسِ ضُحًى فَأَيَّتُهُما كانَتْ قَبْلَ صاحِبَتِها فالأُخْرى عَلَى أَثَرِها". قالَ عَبْدُ اللَّهِ -وَكانَ يَقْرَأُ الكُتُبَ-: وَأَظُنُّ أَوَّلَهُما خُرُوجًا طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِها (¬1). 4311 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَهَنّادٌ -المَعْنَى- قالَ مُسَدَّدٌ: حَدَّثَنا أَبُو الأَحْوَصِ، حَدَّثَنا فُراتٌ القَزّازُ، عَنْ عامِرِ بْنِ واثِلَةَ -وقالَ هَنّادٌ: عَنْ أَبي الطُّفَيْلِ- عَنْ حُذَيْفَةَ ابْنِ أَسِيدٍ الغِفاري قالَ: كُنّا قُعُودًا نَتَحَدَّثُ في ظِلِّ غُرْفَةٍ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَذَكَرْنا السّاعَةَ فارْتَفَعَتْ أَصْواتُنا فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَنْ تَكُونَ -أَوْ لَنْ تَقُومَ- السّاعَةُ حَتَّى يَكُونَ قَبْلَها عَشْرُ آياتٍ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِها وَخُرُوجُ الدّابَّةِ وَخُرُوجُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ والدَّجّالُ وَعِيسَى ابن مَرْيَمَ والدُّخانُ وَثَلاثُ خُسُوفٍ خَسْفٌ بِالمَغْرِبِ وَخَسْفٌ بِالمَشْرِقِ وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ العَرَبِ وَآخِرُ ذَلِكَ تَخْرُجُ نارٌ مِنَ اليَمَنِ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ تَسُوقُ النّاسَ إِلَى المَحْشَرِ" (¬2). 4312 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ أَبي شُعَيْبٍ الحَرّاني، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن الفُضَيْلِ، عَنْ عُمارَةَ، عَنْ أَبي زُرْعَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تَقُومُ السّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِها فَإِذا طَلَعَتْ وَرَآها النّاسُ آمَنَ مَنْ عَلَيْها فَذاكَ حِينُ (لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ في إِيمانِها ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2941). (¬2) رواه مسلم (2901).

خَيْرًا". الآيَةَ (¬1). * * * باب أمارات الساعة [4310] (ثنا مؤمل بن هشام) اليشكري البصري شيخ البخاري (ثنا إسماعيل) بن إبراهيم، وهو ابن علية (عن أبي حيان) بتشديد التحتانية يحيى بن سعيد بن حيان (التيمي، عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير بن عبد اللَّه البجلي. (قال: جاء نفر) ثلاثة (إلى مروان بالمدينة) توضحه رواية مسلم عن أبي زرعة قال: جلس إلى مروان بن الحكم بالمدينة ثلاثة نفر من المسلمين (¬2) (فسمعوه) وهو (يحدث في الآيات) يعني: في أمارات الساعة (أن أولها) خروج (الدجال قال: فانصرفت إلى عبد اللَّه بن عمرو) بن العاص (فحدثته) بذلك (فقال عبد اللَّه: ) بن عمرو (لم يقل) زاد مسلم: مروان (¬3) (شيئًا) يعني يعتمد عليه، قد (سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: ) حديثا لم أنسه بعد، سمعته يقول: (إن أول الآيات خروجًا: طلوع الشمس من مغربها). قال العلماء: الحكمة في طلوع الشمس من مغربها أن إبراهيم -عليه السلام- قال للنمروذ: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4635)، ومسلم (157). (¬2) مسلم (2941). (¬3) مسلم (2941).

الَّذِي كَفَرَ} (¬1) وأن الملحدة والمنجمين عن آخرهم ينكرون ذلك ويقولون: هو غير كائن. فيطلعها اللَّه تعالى يومًا من المغرب؛ ليري المنكرين قدرته من أن الشمس في ملكه، إن شاء أطلعها من المشرق، وإن شاء أطلعها من المغرب. قال القرطبي: وعلى هذا يحتمل أن يكون رد التوبة والإيمان على من آمن من المنكرين كذلك المكذبين لخبر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأما المصدقون لذلك فتقبل توبتهم وينفعهم إيمانهم قبل ذلك، واللَّه أعلم (¬2). (أو الدابة) كذا على الشك، وفي بعض النسخ "والدابة" بواو العطف، ولفظ مسلم: "وخروج الدابة" (¬3)، وكذا ابن ماجه (¬4) (على الناس ضحى) أي: تخرج ضحى أول النهار (فأيهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على أثرها) بفتح الهمزة والثاء وبكسر الهمزة وسكون الثاء لغتان، والأولى لغة القرآن ولفظ ابن ماجه: "فأيهما خرجت قبل الأخرى فالأخرى منها قريب" (¬5). وقد اختلفت الروايات في أول الآيات (¬6)، فروي أن طلوع الشمس ¬

_ (¬1) البقرة: 258. (¬2) "الجامع لأحكام القرآن" 7/ 148، "التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة" (ص 1347). (¬3) مسلم (2941). (¬4) "سنن ابن ماجه" (4069). (¬5) السابق. (¬6) في (م): الأمارات.

أولها كما في الحديث، وقيل: خروج الدجال كما حدث مروان. قال القرطبي: وهذا القول أولى القولين وأصح؛ لقوله عليه السلام: "إن الدجال خارج فيكم لا محالة. ." الحديث بطوله، فلو كانت الشمس قبل ذلك من مغربها لم ينفع اليهود إيمانهم أيام عيسى عليه السلام، ولو لم ينفعهم لما صار الدين واحدًا. قال: وقد تقدم أن أول الآيات الخسوفات (¬1). يعني: الزلازل. (قال عبد اللَّه) [بن عمرو (وكان)] (¬2) يعني: عبد اللَّه (يقرأ الكتب) المنزلة (وأظن أولهما خروجًا طلوع الشمس من مغربها) على ما غلب على ظنه. [4311] (ثنا مسدد وهناد) بن السري (المعنى قال مسدد: حدثنا أبو (¬3) الأحوص) سلام بن سليم الحنفي مولاهم الكوفي (ثنا فرات) (¬4) بضم الفاء، وهو ابن (¬5) عبد الرحمن (القزاز) بفتح القاف، وتشديد الزاي الأولى (عن عامر بن واثلة) أبي الطفيل الكناني (قال هناد: ) بن السري (عن أبي الطفيل) عامر بن وائلة، آخر من مات ممن رأى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وصحبه وحدث عنه (عن حذيفة بن أسيد) بفتح الهمزة، وكسر ¬

_ (¬1) "التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة" (ص 1347 - 1348). (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) فوقها في (ل): (ع). (¬5) كذا في الأصول، وهو خطأ، والصواب: ابن أبي. بزيادة: أبي. وانظر: "تهذيب الكمال" 23/ 150.

المهملة، ابن خالد (الغفاري) بكسر المعجمة ممن بايع تحت الشجرة -رضي اللَّه عنه-. (قال: كنا قعودًا نتحدث في ظل غرفة) بضم الغين المعجمة، وهي العلية (لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فذكرنا الساعة) وآياتها (فارتفعت أصواتنا) لفظ مسلم: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في غرفة ونحن أسفل منه، فاطلع إلينا، فقال: "ما تذكرون؟ " قلنا: الساعة (¬1). (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لن تكون أو لن تقوم حتى يكون) ولمسلم: "حتى تروا" (¬2) (قبلها عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها) كما تقدم (وخروج الدابة) المذكورة في قوله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ} (¬3) قال المفسرون: هي دابة عظيمة تخرج من صدع في الصفا، وعن ابن عمرو بن العاص أنها الجساسة المذكورة في حديث الدجال. (وخروج يأجوج ومأجوج) فيأجوج أمة لها أربعمئة أمير، وكذلك مأجوج، لا يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف فارس من ولده على ثلاثة أصناف، ثلث على طول الأرز، وثلث مربع، طوله وعرضه سواء، وهم أشد، وثلث يلتحف أذنه ويفترش الأخرى (¬4). (وخروج الدجال و) نزول (عيسى بن مريم) عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، واضعًا كفيه على أجنحة ملكين، فلا يحل لنفس كافر ¬

_ (¬1) مسلم (2901/ 40). (¬2) مسلم (2901/ 39). (¬3) النمل: 82. (¬4) في (ل): الأولى. وفي (م): الآخر. ولعل المثبت هو الصواب.

يجد ريح نفسه إلا مات ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه (والدخان) بتخفيف الخاء. قال النووي: هذا الحديث يؤيد قول من قال: إن الدخان دخان يأخذ بأنفاس الكفار، ويأخذ المؤمن كهيئة الزكام، وأنه لم يأت بعد، وإنما يكون قريبًا من قيام الساعة. وأنكر قول ابن مسعود أنه عبارة عما نال قريشًا من القحط حتى كانوا يرون بينهم وبين السماء كهيئة الدخان، ووافق ابن مسعود جماعة (¬1). (وثلاث خسوف: خسف بالمغرب، وخسف بالمشرق، وخسف بجزيرة العرب) وتقدم حدها. قال القرطبي: هذِه الخسوفات وقع بعضها في زمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ذكره ابن وهب، وذكر أبو الفرج ابن الجوزي أنه وقع بعراق المعجم زلازل وخسوفات هائلة، هلك بسببها خلق كثير، ثم قال القرطبي: وقد وقع ذلك عندنا بشرق الأندلس فيما سمعناه من بعض مشايخنا بقرية يقال لها: قطرطندة (¬2). (وآخر ذلك تخرج نار من اليمن من قعرة) قال: النووي: هكذا في الأصول (قعرة) بالهاء والقاف مضمومة، ومعناه من أقصى أرض (عدن)، وعدن مدينة مشهورة باليمن. قال المازري (¬3): سميت عدنا من العدون، وهو الإقامة؛ لأن تبعًا ¬

_ (¬1) "مسلم بشرح النووي" 18/ 27. (¬2) "التذكرة" (ص 1263 - 1264). (¬3) في "شرح النووي" 18/ 28: الماوردي.

كان يحبس فيها أصحاب الجرائم (¬1)، ولفظ ابن ماجه: "ونار تخرج من قعر عدن أبين" (¬2). قال الطبري (¬3): إن عدنا (¬4) وأبين هما ابنا عدنان أخو معد، وقيل: سميت بعدن بن سبأ بن نقشان بن إبراهيم خليل الرحمن، وهذِه النار (تسوق الناس إلى) أرض (المحشر) وليست هذِه النار متعلقة بالحشر؛ بل هي آية من أشراط الساعة. [4312] (ثنا أحمد) بن عبد اللَّه (بن أبي شعيب) مسلم (الحراني) شيخ (¬5) البخاري (ثنا [مؤمل بن الفضل السدوسي] (¬6) (عن عمارة) (¬7) بضم العين ابن القعقاع الضبي (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير ابن عبد اللَّه البجلي. (عن أبي هريرة قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها) كما تقدم (فإذا طلعت ورآها الناس آمن) كل (من عليها) أي: إذا طلعت حصل لجميع من على وجه الأرض من التصديق الضروري ¬

_ (¬1) "مسلم بشرح النووي" 18/ 28. (¬2) "سنن ابن ماجه" (4055). (¬3) في (م): القرطبي. (¬4) في (ل)، (م): عدن. وقد صرفها المصنف في الفقرة السابقة. (¬5) كذا في الأصول، وهو خطأ، وصوابه: روى له. وانظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 1/ 367 - 368. (¬6) كذا في الأصول، وهو خطأ، والصواب: (محمد بن الفضيل الضبي)، وانظر "تهديب الكمال" 26/ 293، 29/ 184. (¬7) فوقها في (ل): (ع).

بأمور القيامة، الذي لا يكلونه (فذاك حين لا ينفع نفسًا إيمانها) أو لا ينفع الإيمان صاحبه؛ لكونه رأى أمور الآخرة معاينة؛ لأن اللَّه لو بعث على كل من لم يؤمن عذابًا لاضطر الناس إلى الإيمان وسقط التكليف والجزاء. (لم تكن آمنت من قبل) ظهور الآيات، هذِه الجملة الفعلية في محل نصب صفة لقوله: (نفسًا). (أو كسبت في إيمانها خيرًا) جملة (كسبت في إيمانها خيرًا) فعلية في محل نصب عطف على قوله: (آمنت). * * *

13 - باب حسر الفرات عن كنز

13 - باب حَسْرِ الفُراتِ عَنْ كَنْزٍ 4313 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن سَعِيدٍ الكِنْدي، حَدَّثَني عُقْبَةُ بْن خالِدٍ السَّكُوني، حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عاصِمٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يُوشِكُ الفُراتُ أَنْ يَحْسِرَ عَنْ كَنْزٍ مِنْ ذَهَبٍ فَمَنْ حَضَرَهُ فَلا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا" (¬1). 4314 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الكِنْدي، حَدَّثَني عُقْبَةُ -يَعْني: ابن خالِدٍ- حَدَّثَني عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ أَبِي الزِّنادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قالَ: "يَحْسِرُ، عَنْ جَبَلٍ مِن ذَهَبٍ" (¬2). * * * باب حسر الفرات عن كنز [4313] (ثنا عبد (¬3) اللَّه بن سعيد) الحافظ أبو سعيد (الكندي) الكوفي (حدثني عقبة (¬4) بن خالد السكوني) الحافظ (ثنا عبيد اللَّه) بالتصغير ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب (عن خبيب) (¬5) بضم الخاء المعجمة مصغر (ابن عبد الرحمن) الخزرجي (عن حفص بن عاصم) بن عمر بن الخطاب. (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: يوشك) بكسر الشين. أي: ¬

_ (¬1) رواه البخاري (7119)، ومسلم (2894). (¬2) رواه البخاري (7119)، ومسلم (2894). وانظر السابق. (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) فوقها في (ل): (ع). (¬5) فوقها في (ل): (ع).

يقرب ويسرع، نهر (الفرات) بضم الفاء هو النهر المشهور، مطلعه من بلاد الروم، ومقطعه في أعمال البصرة (أن يحسر) بفتح الياء المثناة تحت، وكسر السين. أي: يكشف لذهاب مائه، ومنه حسرت المرأة عن وجهها. أي: كشفت، وكأن هذا إنما يكون إذا أخذت الأرض تقيء ما في جوفها (عن كنز من ذهب) والكنز أصله ما أودع في الأرض من الأموال، فإذا خرج منه الواجب لم يبق كنزًا، وإن كان مكنوزا في الأرض. (فمن حضره فلا يأخذ منه شيئا) نهي أصله التحريم؛ لأنه ليس ملكًا لأحد، وليس بمعدن ولا ركاز، فحقه أن يكون في بيت المال؛ ولأنه لا يوصل إليه إلا بقتل النفوس المحرمة، فيحرم الإقدام على أخذه، قاله القرطبي (¬1). [4314] (ثنا عبد اللَّه بن سعيد الكندي) تقدم (حدثني عقبة بن خالد، حدثني عبيد اللَّه) بن عمر (عن أبي الزناد) ذكوان (¬2) (عن الأعرج) وهو عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مثله) كما ذكر (إلا أنه قال: يحسر عن جبل من ذهب) وهو بيان لقدر الكنز أنه قدر جبل عظيم. * * * ¬

_ (¬1) "المفهم" 7/ 229. (¬2) كذا في الأصول، وصوابه: (عبد اللَّه بن ذكوان)، انظر: "تهذيب الكمال" 14/ 476.

14 - باب خروج الدجال

14 - باب خُرُوجِ الدَّجّالِ 4315 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْن عَمْرٍو، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعي بْنِ حِراشٍ قالَ: اجْتَمَعَ حُذَيْفَةُ وَأَبُو مَسْعُودٍ فَقالَ حُذَيْفَةُ: لأنَا بِما مَعَ الدَّجّالِ أَعْلَمُ مِنْهُ إِنَّ مَعَهُ بَحْرًا مِنْ ماءٍ وَنَهْرًا مِنْ نارٍ فالَّذي تَرَوْنَ أَنَّهُ نارٌ ماءٌ والَّذي تَرَوْنَ أَنَّهُ ماءٌ نارٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَأَرادَ الماءَ فَلْيَشْرَبْ مِنَ الذي يَرى أَنَّهُ نارٌ فَإِنَّهُ سَيَجِدُهُ ماءً. قالَ أَبُو مَسْعُودٍ البَدْري: هَكَذا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ (¬1). 4316 - حَدَّثَنا أَبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسي، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتادَةَ قالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مالِكٍ يُحَدِّثُ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّهُ قالَ: "ما بُعِثَ نَبي إِلَّا قَدْ أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الدَّجّالَ الأَعْوَرَ الكَذّابَ أَلا وَإِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبًا كافِرٌ" (¬2). 4317 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ: ك ف ر (¬3). 4318 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ الحَبْحابِ، عَنْ أَنَسِ ابْنِ مالِكٍ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذا الحَدِيثِ قالَ: "يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُسْلِمٍ" (¬4). 4319 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، حَدَّثَنا حُمَيْدُ بْنُ هِلالٍ، عَنْ أَبي الدَّهْماءِ، قالَ: سَمِعْتُ عِمْرانَ بْنَ حُصَيْنِ يُحَدِّثُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ سَمِعَ بِالدَّجّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ فَواللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهْوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ مِمّا يُبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهاتِ أَوْ لِما يُبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهاتِ". هَكَذا قالَ (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3450)، (7130)، ومسلم (2934)، (2935). (¬2) رواه البخاري (7131)، ومسلم (2933). (¬3) رواه مسلم (2933). وانظر السابق والآتي. (¬4) رواه مسلم (2933). وانظر سابقيه. (¬5) رواه ابن أبي شيبة 21/ 188 (38614)، وأحمد 4/ 431. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (6301).

4320 - حَدَّثَنا حَيوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، حَدَّثَنا بَقِيَّةُ، حَدَّثَني بَحِيرٌ، عَنْ خالِدِ بْنِ مَعْدانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ جُنادَةَ بْنِ أبِي أُمَيَّةَ، عَنْ عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِنّي قَدْ حَدَّثْتُكُمْ عَنِ الدَّجّالِ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ لا تَعْقِلُوا إِنَّ مَسِيحَ الدَّجّالِ رَجُلٌ قَصِيرٌ أَفْحَجُ جَعْدٌ أَعْوَرُ مَطْمُوسُ العَيْنِ لَيْسَ بِناتِئَةٍ وَلا جَحْراءَ فَإِنْ أُلْبِسَ عَلَيْكُمْ فاعْلَمُوا أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ". قالَ أَبُو داوُدَ: عَمْرُو بْن الأَسْوَدِ وَلي القَضاءَ (¬1). 4321 - حَدَّثَنا صَفْوان بْنُ صالِحٍ الدِّمَشْقي المُؤَذِّنُ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ، حَدَّثَنا ابن جابِرٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْن جابِرٍ الطّائي، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّوّاسِ بْنِ سَمْعانَ الكِلابي قالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- الدَّجّالَ فَقالَ: "إِنْ يَخْرُجْ وَأَنا فِيكُمْ فَأَنا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ واللَّه خَلِيفَتي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَواتِحَ سُورَةِ الكَهْفِ فَإِنَّها جِوارُكُمْ مِنْ فِتْنَتِهِ". قُلْنا: وَما لُبْثُهُ في الأَرْضِ؟ قالَ: "أَرْبَعُونَ يَوْمًا، يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسائِرُ أَيّامِهِ كَأَيّامِكُمْ". فَقُلْنا: يا رَسُولَ اللَّهِ هذا اليَوْمُ الذي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينا فِيهِ صَلاةُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؟ قالَ: "لا اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ ثُمَّ يَنْزِلُ عِيسَى ابن مَرْيَمَ عِنْدَ المَنارَةِ البَيْضاءِ شَرْقي دِمَشْقَ فَيُدْرِكُهُ عِنْدَ بابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ" (¬2). 4322 - حَدَّثَنا عِيسَى بْن مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنا ضَمْرَةُ، عَنِ السَّيْبانيّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي أُمامَةَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نَحْوَهُ وَذَكَرَ الصَّلَواتِ مِثْلَ مَعْناهُ (¬3). 4323 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْن عُمَرَ، حَدَّثَنا هَمّامٌ، حَدَّثَنا قَتادَةُ، عَنْ سالِمِ بْنِ أَبِي ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 324، والنسائي في "السنن الكبرى" (7764). وصححه الألباني في "المشكاة" (5485). (¬2) رواه مسلم (2937). (¬3) رواه ابن ماجه (4077). وصححه الألباني في "ظلال الجنة" (429).

الجَعْدِ عَنْ مَعْدانَ بْنِ أَبي طَلْحَةَ، عَنْ حَدِيثِ أَبي الدَّرْداءِ يَرْوِيهِ عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آياتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجّالِ". قالَ أَبُو داوُدَ: وَكَذا قالَ هِشامٌ الدَّسْتَوائي، عَنْ قَتادَةَ إِلَّا أَنَّهُ قالَ: "مَنْ حَفِظَ مِنْ خَواتِيمِ سُورَةِ الكَهْفِ". وقالَ شُعْبَةُ، عَنْ قَتادَةَ: "مِنْ آخِرِ الكَهْفِ" (¬1). 4324 - حَدَّثَنا هُدْبَةُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا هَمّامُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ آدَمَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "لَيْسَ بَيْني وَبَيْنَهُ نَبي -يَعْني عِيسَى- وَإِنَّهُ نازِلٌ فَإِذا رَأَيْتُمُوهُ فاعْرِفُوهُ رَجُلٌ مَرْبُوعٌ إِلَى الحُمْرَةِ والبَياضِ بَيْنَ مُمَصَّرَتَيْنِ كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ فَيُقاتِلُ النّاسَ عَلَى الإِسْلامِ فيَدُقُّ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الخِنْزِيرَ وَيَضَعُ الجِزْيَةَ وَيُهْلِكُ اللَّهُ في زَمانِهِ المِلَلَ كُلَّها إِلَّا الإِسْلامَ وَيُهْلِكُ المَسِيحَ الدَّجّالَ فَيَمْكُثُ في الأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ يُتَوَفَّى فَيُصَلِّي عَلَيْهِ المُسْلِمُونَ" (¬2). * * * باب خروج الدجال [4315] (ثنا الحسن بن عمرو) السدوسي، قال شيخنا ابن حجر: هو صدوق، لم يصب الأزدي في تضعيفه، وكأنه اشتبه عليه (¬3). (ثنا جرير) بفتح الجيم (عن منصور، عن ربعي بن حراش) بكسر الحاء المهملة (قال: اجتمع حذيفة) بن اليمان (و) عقبة بن عمرو (أبو ¬

_ (¬1) رواه مسلم (809). (¬2) رواه أحمد 2/ 437، وابن حبان (6814)، (6821). وأصله في "صحيح البخاري" (2222) (3394)، (3442)، و"صحيح مسلم" (155) (168)، (2365)، (2897). (¬3) "تقريب التهذيب" (1268).

مسعود رضي اللَّه عنهما فقال حذيفة) بن اليمان (واللَّه لأنا بما مع الدجال أعلم) بالرفع خبر المبتدأ (منه) أي: إن الدجال لا يعلم حقيقة ما معه من الجنة والنار، ولا من النهرين. يعني: أنه يظنهما كما يراه غيره فيظن جنته جنة وناره نارا على الحقيقة، والأمر على خلاف ما يظنه، فيكون يدلس عليه فيهما، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- علم حقيقة كل واحد منهما؛ ولذلك بينه (إن معه بحرًا) لفظ مسلم: "نهرًا" (¬1) (من ماء ونهرًا) بفتح الهاء (من نار، فالذي يرون أنه نار ماء) بالرفع خبر (أن) (وأن) سدت مسد مفعولي (يرون) (والذي يرون أنه ماء نار) بالرفع أيضًا. قال العلماء: هذا من جملة فتنته امتحن اللَّه به عباده؛ ليحق الحق ويبطل الباطل، ثم يفضحه ويظهر للناس عجزه (فمن أدرك ذلك منكم فليشرب من الذي يرى أنه نار، فإنه سيجده ماء) زاد مسلم: "عذب طيب" (¬2). وله في رواية: "فليأت النهر الذي يراه نارًا، وليغمض ثم ليطأطئ رأسه فيشرب منه، فإنه ماء بارد" (¬3) (قال أبو مسعود: ) عقبة بن عمرو البدري لنزوله ببدر الموضع لا لشهوده الوقعة، وقد قيل: إنه شهدها (هكذا سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول). [4316] (حدثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك (الطيالسي، حدثنا شعبة، عن قتادة قال: سمعت أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- يحدث عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه ¬

_ (¬1) مسلم (2934 - 2935/ 108). (¬2) مسلم (2934 - 2935/ 107). (¬3) مسلم (2933/ 105).

قال: ما بعث نبي إلا وقد أنذر أمته من الدجال) وخوفهم منه لعظم فتنته، وكثرة الشبهات الموقعة في الفتنة، أعاذنا اللَّه تعالى منه (الأعور) أعور عين اليمين (الكذاب) فيما يدعيه (ألا وإنه أعور) لا ينصرف (وإن ربكم ليس بأعور) تنبيه للعقول القاصرة أو الغافلة عن الحق على أن من كان ناقصًا في ذاته عاجزًا عن إزالة نقصه لم يصلح أن يكون إلهًا؛ لعجزه وضعفه، ومن كان عاجزًا عن إزالة نقصه كان أعجز عن نفع غيره وعن دفع مضرته (وإن بين عينيه مكتوبًا: كافر) ذكر القاضي خلافا، منهم من قال: كتابة حقيقية، ومنهم من قال: هي مجاز وأشار إلى سمات الحدث عليه، واحتج بقوله: "يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب" (¬1). [4317] (ثنا محمد بن المثنى، عن محمد بن جعفر) غندر (عن شعبة) وقال: مكتوب بين عينيه (ك ف ر) زاد مسلم: أي: كافر (¬2). [4318] (ثنا مسدد، ثنا عبد (¬3) الوارث) بن سعيد التميمي (عن شعيب (¬4) بن الحبحاب) بفتح الحاءين المهملتين بينهما موحدة، الأزدي (عن أنس -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذا الحديث) و (قال: ) فيه (يقرؤه كل مسلم) كاتب وغير كاتب. وفي رواية: "كل مؤمن" (¬5) وفي هذا نعمة عظيمة للمسلمين بقراءة المكتوب بين عينيه؛ ليعرف كفره ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2933/ 105). (¬2) رواه مسلم (2933/ 102). (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) فوقها في (ل): (ع). (¬5) رواها مسلم (2933/ 105).

وكذبه، ويخفي اللَّه علامة كفره عن الكافر إذا أراد اللَّه شقاوته وفتنته، ولا امتناع في ذلك. [4319] (ثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (ثنا جرير) بن حازم (ثنا حميد (¬1) بن هلال) العدوي البصري (عن أبي الدهماء) بفتح الدال، اسمه قرفة، بكسر القاف وسكون الراء بعدها فاء، ابن بهيس بموحدة ومهملة آخره، مصغر، أخرج له مسلم في الفتن (¬2). (قال: سمعت عمران بن حصين رضي اللَّه عنهما) يحدث (قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من سمع بالدجال فلينأ) بنون ساكنة بعدها همزة، أي: فليبعد عنه ما استطاع (فواللَّه إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن) موحد للَّه تعالى (فيتبعه) على ضلالة (مما) أي: من كثرة ما (يبعث) بضم أوله وفتح ثالثه (به) أي: مما ينثره من الشبهات في كل شيء يريه، فقد لبسه (من الشبهات) [المشتبهة على من رآها أنه على الحق، كإحيائه الأموات حتى يتبعه، ويدخل فيما هو فيه من الخطأ. وفي بعضها إسقاط (به). (أو لما) شك من الراوي، أي: يتبعه لأجل ما (يبعث به من الشبهات)] (¬3) يعني: أن الرجل يحسب أنه مؤمن باللَّه فيتبعه من أجل ما يظهر معه من الشبهات المخيلة لسحره وتمويهه من إحياء الأموات وغيره، فإذا أخبر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن بعض أمته يتبع الدجال وأكده باليمين ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) مسلم (126/ 2946). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

فينبغي لكل من سمع بخروجه أن لا يأمن من فتنته، بل يبعد عنه بعد ما بين المشرقين، فلعله يسلم من غوائل فتنته؛ فإنها أعظم الفتن الواقعة، يهلك بها من هلك، والمعصوم منها من عصمه اللَّه تعالى (هكذا قال) في روايته. [4320] (ثنا حيوة (¬1) بن شريح) [أبو زرعة التجيبي فقيه مصر] (¬2) (ثنا بقية) بن الوليد (حدثني بحير) بفتح الباء الموحدة وكسر الحاء المهملة، وهو ابن سعد أبو خالد السحولي الحمصي. قال دحيم والنسائي: ثقة. وقال ابن حنبل: ليس بالشام أثبت من جرير إلا أن يكون بحير (¬3). (عن خالد بن معدان، عن عمرو بن الأسود) العنسي الداراني، أخرج له الشيخان (عن جنادة) بضم الجيم وتخفيف النون (بن أبي أمية) كثير الأزدي الصحابي، سأل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الهجرة فقال: "لا تنقطع ما دام الجهاد" (¬4)، وله حديث آخر بمفرده في صوم الجمعة (¬5). وروى الصنابحي أنه أم قومًا، فلما قام إلى الصلاة قال: أترضون؟ ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) كذا في الأصول، وهو خطأ، وصوابه: (أبو العباس الحضرمي)، وانظر: "تهذيب الكمال" 7/ 482، 478. (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 4/ 20 (642). (¬4) رواه سعيد بن منصور في "السنن" 2/ 171 (2354)، وأحمد 4/ 62، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 7/ 42 (2630). قال الهيثمي في "المجمع" 5/ 251: رجاله رجال الصحيح. وصححه الحافظ في "الإصابة" 1/ 245 - 246، والألباني في "الصحيحة" (1674). (¬5) رواه ابن قانع في "معجم الصحابة" 1/ 155، والحاكم في "المستدرك" 3/ 608 وصححه، وكذا الحافظ في "الإصابة" 1/ 245 - 246.

ثم قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "من أم قومًا وهم له كارهون فإن صلاته لا تجاوز ترقوته" (¬1). قال البخاري: توفي سنة سبع وستين (¬2). (عن عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- أنه حدثهم أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إني قد حدثتكم عن الدجال حتى خشيت ألا تعقلوا) ما حدثتكم عنه من كثرته (إن مسيح) الرجل (الدجال) فهو من إضافة الموصوف إلى صفته، كقولهم: مسجد الجامع، وصلاة الأولى. واختلف في لفظة المسيح على ثلاثة وعشرين قولا، ذكرها ابن دحية في "مجمع البحرين" وقال: لم أر من جمعها قبلي. وذكر بسنده إلى أبي الحسن القابسي، وقد سأله الحافظ المقرئ أبو عمرو الداني: كيف تقرأ المسيح الدجال؟ قال: بفتح الميم وتخفيف السين، مثل المسيح ابن مريم، لأن عيسى ابن مريم عليه السلام كان لا يمسح ذا عاهة إلا برئ، ولا ميتًا إلا حيي، والدجال مسحت عينه، قال القابسي: ومن الناس من يقرؤه بكسر الميم وتثقيل السين فيفرق بذلك. وحكى الأزهري أنه يقال: مسيح بالتشديد على وزن فعيل (¬3). قال ابن عبد البر: ومنهم من يقول بالخاء المعجمة، وهذا كله خطأ (¬4) إذ لا فرق بينهما كما ثبت عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه نطق به، ¬

_ (¬1) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 11/ 292. وضعف إسناده الحافظ في "الإصابة" 1/ 245، وقال الألباني في "الصحيحة" 5/ 419: إسناده ضعيف جدًا. (¬2) "التاريخ الكبير" 2/ 232 (2297). (¬3) "تهذيب اللغة" 4/ 3389. (¬4) "التمهيد" 14/ 188.

ونقله الصحابة المبلغون عنه. (رَجُل قصير أفحج) بتقديم المهملة على الجيم، والفحج تباعد ما بين الفخذين، ومنه حديث الذي يخرب الكعبة: "كأني به أسود أفحج يقلعها حجرًا حجرًا" (¬1) (جعد) الشعر (أعور) وصفة عوره أنه (مطموس العين) قال في "النهاية": أي: ممسوحها من غير بخص (¬2). (ليس) عينه (بناتئة) بهمزة بعد المثناة (فوق) (¬3)، أي: مرتفعة (ولا جحراء) بتقديم الجيم على الحاء. أي: منخسفة. قال ابن الأثير في الجيم والخاء المعجمة: عين الدجال ليست بناتئة ولا جحراء، يعني: ليست ضيقة، لها غمص ورمص (¬4). قال الأزهري: ومنه قيل للمرأة: جخراء. إذا لم تكن نظيفة المكان. قاله الخطابي، وقال في "النهاية": أي غائرة منحجرة في نقرتها. وقال الأزهري: هي بالخاء المعجمة. وذكرها الهروي في باب الحاء (¬5) المهملة، وقال: إن كانت هذِه اللفظة محفوظة فمعناها أنها ليست بصلبة منحجرة. قال: وقد رويت: جحراء بتقديم الجيم (¬6). قال القرطبي: حاصل كلام القاضي عياض (¬7) أن كل واحدة من عيني ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1595) عن ابن عباس. (¬2) "النهاية" 3/ 139. (¬3) في النسخ: (تحت) والمثبت الصواب. (¬4) "النهاية" 1/ 242. (¬5) ساقطة من (م). (¬6) "الغريبين" 1/ 409. (¬7) "إكمال المعلم" 1/ 522.

الدجال عوراء، إحداهما بما أصابها حتى ذهب إدراكها، والثانية عوراء بأصل (¬1) خلقتها معيبة، فيكون الدجال على هذا أعمى أو قريبًا منه. (فإن ألبس) بضم الهمزة وكسر الموحدة، أي: التبس (عليكم) حاله (فاعلموا أن ربكم ليس أعور) تقدم. (قال) المصنف (عمرو بن الأسود) العنسي، ولي القضاء (¬2). [4321] (ثنا صفوان بن صالح) بن صفوان بن زباد الثقفي (المؤذن) بمسجد الجامع بدمشق (الدمشقي) مولى عبد الرحمن بن أم الحكم، قال أبو عبيد الآجري عن المصنف: حجة (¬3). (ثنا الوليد) (¬4) بن مسلم، عالم أهل الشام (حدثني) عبد الرحمن بن يزيد (ابن (¬5) جابر) الأزدي الداراني (حدثني يحيى بن جابر الطائي) قاضي حمص، أخرج له مسلم (عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه) جبير ابن نفير الحضرمي، أخرج له مسلم. (عن النواس بن سمعان) بكسر السين المهملة وفتحها، وفد سمعان على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأعطاه نعليه، فقبلهما منه وزوجه أخته، وبالكسرتين سمع، وهو سبع يتولد بين الذئب والضبع، وهو أخبث منهما. (الكلابي) بكسر الكاف وبعد اللام ألف وباء موحدة، نسبة إلى كلاب ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) بعدها بياض في (ل)، (م) بمقدار ثلاث كلمات. (¬3) "سؤالات أبي عبيد الآجري للإمام أبي داود" (1569). (¬4) فوقها في (ل): (ع). (¬5) فوقها في (ل): (ع).

ابن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن قيس عيلان بن مضر. (قال: ذكر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الدجال فقال: إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه) أي: إن يخرج في عهدي فأنا مخاصمه ومغالبه بإقامة الحجة (دونكم وإن يخرج ولست) موجودًا (فيكم فامرؤ حجيج نفسه) أي: فكل امرئ يحاجج عن نفسه بما أعلمته من صفته ورد كذبه عليه في دعواه الإلهية، وهو خبر في معنى الأمر. وفيه النظر عند المشكلات والتمسك بالأدلة الواضحات، وظاهر هذا الحديث يدل على أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يبين له وقت خروجه، غير أنه كان يتوقع خروجه وبقربه وبقرب أمره، حتى يظنوا أنه في النخل القريب منهم. (واللَّه خليفتي على كل مسلم) في إعانته عليه وتقوية حجته عليه (فمن أدركه منكم فليقرأ فواتح سورة الكهف) أي: عشرة آيات من أولها كما سيأتي (فإنها جواركم) أي: تجيركم وتخلصكم (من) شر (فتنته) وضلاله. (قلنا: وما) قدر (لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يومًا: يوم) منها (كسنة) والظاهر أنه الأول (ويوم) بعده (كشهر، ويوم كجمعة) وظاهر هذا أن اللَّه تعالى يخرق العادة في تلك الأيام فيبطئ بالشمس عن حركتها المعتادة في أول يوم من تلك الأيام، حتى يكون أول يوم كمقدار سنة معتادة، ويبطئ بالشمس دون ما قبله حتى يكون كمقدار شهر، وبالثالث حتى يكون كمقدار جمعة، وهذا ممكن ولا سيما وذلك الزمان تنخرق فيه العوائد كثيرًا، لا سيما على يدي الدجال، وتأوله بعضهم على أنه يهجم عليكم غم عظيم لشدة البلاء وأيام البلاء طويلة، ثم يتناقص ذلك الهم في اليوم الثاني، ثم يتناقص في اليوم

الثالث كما يتناقص حزن الميت، ثم يعتاد البلاء كما يقول الرجل: اليوم عندي [سنة] (¬1). كما قال: وليل (¬2) المحب بلا آخر ورده ابن الجوزي بقولهم: (أتكفينا فيه صلاة يوم وليلة؟ قال: لا، اقدروا له قدره) (وسائر أيامه) بعد ذلك (كأيامكم) المعتادة (فقلنا له: يا رسول اللَّه، هذا اليوم الذي كسنة) من سنينا (أتكفينا فيه صلاة) مفرد في معنى الجمع أي صلوات (يوم وليلة؟ ) وهي خمس صلوات (قال: لا) تكفيكم بل (اقدروا له) بكسر الدال، أي: قدروا له (قدره) يعني: قدروا الأوقات المعلومة لليوم والليلة للصلوات الخمس على قدرها في الزمان الذي يكون فيه. قال الإسنوي في "طراز المحافل في ألغاز المسائل": يتصور أن تجب على المكلفين أجمعين في اليوم والليلة، وهو من طلوع الشمس أول يوم إلى طلوعها ثاني يوم من غير نذر أكثر من خمس صلوات أداءً لا قضاءً، وإن شئت قلت: أكثر من ألف صلاة، وصورته خروج الدجال. ثم ذكر هذا الحديث. قال: وهذا الذي نص عليه في الحديث لا يخفى مجيئه أيضًا في الأحكام المتعلقة بالأيام كإقامة الأعياد وصوم رمضان ومواقيت الحج ويوم عرفة وأيام منًى ومدة الآجال كالسلم والإجارة والإيلاء والعنة والمعتدة وغيرها، فتفطن لذلك ¬

_ (¬1) ليست في (ل)، (م)، والمثبت من "المفهم". (¬2) في النسخ الخطية: ويوم. ولم نجد البيت بهذِه اللفظة، والمثبت من كتب اللغة والأدب.

وامتحن بجميعها، فقل مثلًا: امرأة مات عنها زوجها (¬1) وليست بحامل، ومع ذلك فإنها تعتد من طلوع الشمس إلى زوالها، وكذا في مدة الإيلاء والعدة ونحوهما، وأيضًا فالقياس أن يصلي الوتر والتراويح نهارًا، وأن يسر في المغرب والعشاء والصبح؛ لأنه لا يزيد على القضاء، وحينئذٍ فامتحن بذلك كله، وقل: مغرب تفعل في النهار أداء؟ وكذا تقول في الوتر والتراويح، وتقول أيضًا: مغرب يصليها الإمام والمنفرد أداء لا قضاء، ومع ذلك يسر بها؟ ويقع الامتحان أيضًا بعكس هذا كله في الليل، فيقال مثلًا: ظهر وقعت ليلًا، وهي أداء لا قضاء، وهكذا باقي الفرائض والضحى وسنة الفجر؟ وتقول: ظهر وعصر وعشاء وقعت أداء، ومع ذلك تجهر بها، ويفطر في رمضان والشمس طالعة؟ واعلم أن الأيام مختلفة في الطول والقصر باعتبار الفصول، فينظر في الفصل الذي وقع ذلك عقبه، ثم توزع الأوقات على نسبة الأيام الواقعة بعد ذلك الفصل. (ثم ينزل عيسى ابن مريم) صلوات اللَّه عليه (عند المنارة) بفتح الميم، وهي التي يؤذن عليها (البيضاء شرقي) نصب على الظرف (دمشق) بفتح الميم، وحكى صاحب "المطالع" كسر الميم (¬2). قال النووي: وهذِه المنارة موجودة اليوم شرقي دمشق كما في الحديث. وهذا الحديث من فضائل دمشق (¬3). ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) "مطالع الأنوار" 3/ 61 بتحقيقنا. (¬3) "مسلم بشرح النووي" 18/ 67.

(فيدركه عند باب لد) بضم اللام وتشديد الدال المهملة، يريد أنه بلد، وهو بفلسطين من أرض الشام إلى جانب الرملة، ولهذا تضاف إليها فيقال: رملة لد. كما قال كثير: حَمَوْا مَنْزِلَ الأمْلاكِ مِنْ مَرْجِ راهطٍ ... وَرَمْلَةِ لُدٍّ أنْ تُبَاحَ سُهُولُهَا وهذا لا يدل على أن لد أكبر من الرملة، ولا أنها وجدت قبلها، بل بنيت الرملة قبل لد وعمرت، ثم كثر فيها الخلق فخربت، وعمرت لد إلى جانبها فصارت تضاف، ثم عمرت لد، وخربت لد والرملة اليوم هي القاعدة، ولد إلى جانبها كقرية من قراها. وأنشد ابن الأعرابي: فَبتُّ كأنَّني أُسْقَى شَمُولًا ... تكُرُّ غَرِيبةً من خَمْرِ لُدِّ وخرج منها جماعة من العلماء، منهم إسحاق بن يسار اللُّدِّي، روى عنه جماعة. (فيقتله) بباب لد، وهذِه فيه فضيلة للرملة ولد وفلسطين؛ لكون الدجال يقتل عندهم، ففيه إشارة إلى أنهم يساعدون المسيح على قتل الدجال. [4322] (ثنا عيسى بن محمد) النحاس الرملي، حافظ عابد (ثنا ضمرة) بن ربيعة الفلسطيني الرملي، روى له البخاري في "الأدب" (عن) أبي زرعة يحيى بن [أبي] (¬1) عمرو (السيباني) بفتح السين ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصول والمثبت من مصادر ترجمته. انظر: "تهذيب الكمال" 31/ 480.

المهملة وسكون المثناة تحت وتخفيف الباء الموحدة، نسبة إلى سيبان، بطن من حمير، وهو ثقة (عن عمرو بن عبد اللَّه) السيباني بفتح المهملة أيضًا الحمصي، وثق (عن أبي أمامة) صدي بن عجلان الباهلي -رضي اللَّه عنه- (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نحوه، وذكر الصلوات) الخمس في اليوم والليلة مثل معناه المذكور. [4323] (ثنا حفص بن عمر) بن الحارث الحوضي، شيخ البخاري (ثنا همام، ثنا قتادة، عن سالم بن أبي الجعد) رافع الأشجعي مولاهم الكوفي، ثقة (عن معدان) بن أبي طلحة (عن حديث (¬1) أبي الدرداء يرويه عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) ولفظ مسلم: عن معدان بن أبي طلحة اليعمري، عن أبي الدرداء أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2). (قال: من حفظ) بكسر الفاء (عشر آيات من أول سورة الكهف) قيل: سبب ذلك ما في أولها من العجائب والآيات (عصم من فتنة الدجال) أي: من قرأها وتدبر ما فيها من الآيات لم يفتتن بالدجال كما يفتتن غيره؛ لأنه لم يستغرب أمر الدجال ولم يهله رؤية ذلك، وقيل: لقوله تعالى: {لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ} (¬3) تمسكًا بتخصيص الناس والشدة واللدنية باللَّه تعالى، وهو مناسب لما يكون من الدجال من دعوى الإلهية واستيلائه وعظم فتنته، وقيل: {لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ} يهون بأس الدجال عند بأس اللَّه تعالى وعذابه. ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) مسلم (809). (¬3) الكهف: 2.

(قال) المصنف (كذا قال هشام) بن أبي عبد اللَّه (الدستوائي) كان يتجر في الثياب الدستوائية (عن قتادة إلا أنه قال: من حفظ) عشر آيات (من خواتيم سورة الكهف) من قوله تعالى: {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا} (¬1) (وقال: شعبة) في روايته (من آخر الكهف) قيل: لما في آخرها من المعاني المناسبة لحال الدجال. قيل: من قرأ هذِه الآيات وحفظها وتدبرها ووقف على ما فيها من المعاني تحذر منه وأمن من فتنته. وقيل: هذِه من خصائص هذِه السورة كلها، فقد روي: "من حفظ سورة الكهف ثم أدرك الدجال لم يُسلط عليه" (¬2) وهذا فيه جمع بين روايتي (أولها وآخرها)، ويكون ذكر العشر على جهة الاستدراج في حفظها كلها كما في الأمر بالوضوء؛ ليستدرج منه إلى الغسل من الجنابة. [وقيل: إن قوله: {وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا} (¬3) يهون الصبر على فتن الدجال] (¬4) بما يحصل من تعذيبه، وقوله: {وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100)} (¬5) فإن فيه ما ¬

_ (¬1) الكهف: 102. (¬2) رواه نعيم بن حماد في "الفتن" 2/ 563 - 564 (1579، 1582)، والنسائي في "السنن الكبرى" 6/ 236، والحاكم في "المستدرك" 1/ 563، 4/ 510، والبيهقي في "الشعب" 3/ 112 (3038) مرفوعًا وموقوفًا عن أبي سعيد الخدري. وصححه الحاكم مرفوعًا وموقوفًا. (¬3) الكهف: 2. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬5) الكهف: 100.

يهون ما يظهره الدجال من ناره، وقوله: {الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي} (¬1) تنبيه على أحوال تابعي الدجال، إذ قد عموا عن ظهور الآيات التي تكذبه، والكهف: الغار الواسع في الجبل، والصغير منها يسمى الغار. [2324] (ثنا هدبة بن خالد) القيسي البصري، أخرج له الشيخان (ثنا همام بن يحيى، عن قتادة، عن عبد الرحمن بن آدم) صاحب السقاية مولى أم برثن، أخرج له مسلم. (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: ليس بيني وبينه نبي. يعني: عيسى ابن مريم) لا خلاف بين الأئمة أنه ليس بين النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وبين عيسى ابن مريم -فيما أعلم- نبي مرسل ولا غير مرسل، بل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- آخر الأنبياء كما تقدم (وأنه نازل) عند المنارة البيضاء شرقي دمشق كما تقدم قبله (فإذا رأيتموه فاعرفوه) بما أصفه لكم أنه (رجل مربوع) ولفظ رواية أبي داود الطيالسي في "مسنده": ثنا هشام، عن قتادة، عن عبد الرحمن بن آدم، عن أبي هريرة: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الأنبياء (¬2) إخوة لعلات، أمهاتهم شتى (¬3)، ودينهم واحد، وأنا أولى بعيسى ابن مريم؛ لأنه لم يكن بيني وبينه نبي، فإنه رجل مربوع" (¬4). (إلى الحمرة) أي: لونه بين الحمرة (والبياض بين ممصرتين) بضم ¬

_ (¬1) الكهف: 101. (¬2) بعدها في (ل)، (م): إلا الآباء. وهو خطأ ليس في رواية الحديث. (¬3) ساقط من (م). (¬4) "مسند أبي داود الطيالسي" 4/ 301 (2698).

الميم الأولى وفتح الثانية والصاد المهملة المشددة، والممصر من الثياب هي التي فيها صفرة خفيفة، وصباغها ليس بمشبع (كأن رأسه يقطر) منه الماء (وإن لم يصبه بلل) ولمسلم: "فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، بين مهرودتين واضعًا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفع رأسه تحدر منه جمان كاللؤلؤ". انتهى (¬1). ومهرودتين بمعنى ممصرتين، والماء الذي يقطر هو من العرق، كما في الحديث الآخر: "كأنما خرج من ديماس" (¬2) يعني: الحمام. (فيقاتل) الدجال وغيره من (الناس على) دين (الإسلام) والتمسك به (فيدق الصليب) أي: يكسر صليب النصارى (ويقتل الخنزير) قال بعضهم: كم صليب كسره المسلمون! وكم خنزير قتلوه! لكن المراد هنا كسر كل صليب وقتل كل خنزير في الأرض كلها. (ويضع الجزية) أي: يسقط حكمها فلا يقبل منهم إلا الإسلام، وقيل: يضعها على كل كافر؛ لغلبته وظهوره. وقيل: يقتل كل من كان يؤديها (¬3) لنقضهم العهد وخروجهم مع الدجال. وقيل: لا يبقى في الناس من يحتاج إلى المال، وإنما تؤخذ الجزية فتصرف في المصالح، فإذا لم يبق للدين خصم عدمت الوجوه التي تصرف فيها الجزية؛ فسقطت لذلك. (ويهلك) بضم الياء، أي: يهلك (اللَّه تعالى في زمانه الملل) التي في ¬

_ (¬1) مسلم (2937). (¬2) رواه البخاري (3394، 3437)، ومسلم (168) من حديث أبي هريرة. (¬3) في (م): يوفيها.

الأرض (كلها) حتى لا يبقى (إلا) ملة (الإسلام، ويهلك) اللَّه تعالى (المسيح الدجال) بباب لد كما تقدم. (فيمكث) عيسى عليه السلام (في الأرض أربعين سنة) وفي "مسند أبي داود الطيالسي": "يهلك اللَّه مسيح الضلالة الأعور الكذاب، وتقع الأمنة في الأرض حتى يرعى الأسد مع الإبل والنمر مع البقر والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات فلا يضر بعضهم بعضًا، يبقى في الأرض أربعين سنة" (¬1) (ثم) يموت (يتوفى، فيصلي عليه المسلمون) ويدفنونه. وقال كعب الأحبار: إن عيسى عليه السلام يمكث في الأرض أربعين سنة، تكثر الخيرات على يديه، وتنزل البركات في الأرض، حتى إن العنبة ليأكل منها الرجل حاجته ويفضل، وإن عيسى عليه السلام يتزوج بامرأة من آل فلان ويرزق منها ولدين، فيسمي أحدهما محمدًا والآخر موسى عليه وعليهما السلام، ثم يقبض اللَّه روح عيسى عليه السلام، ويذوق (¬2) الموت، ويدفن إلى جانب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الحجرة. وقد قيل: إنه يدفن بالأرض المقدسة مدفن الأنبياء عليهم السلام. * * * ¬

_ (¬1) "مسند الطيالسي" 4/ 301 (2698). (¬2) في (م): ويرزق.

15 - باب في خبر الجساسة

15 - باب فِي خَبَرِ الجَسّاسَةِ 4325 - حَدَّثَنا النُّفَيْلي، حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنا ابن أَبي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْري، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ فاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَخَّرَ العِشاءَ الآخِرَةَ ذاتَ لَيْلَةٍ ثُمَّ خَرَجَ فَقالَ: "إِنَّهُ حَبَسَني حَدِيثٌ كانَ يُحَدِّثُنِيهِ تَمِيمٌ الدّاري، عَنْ رَجُلٍ كانَ في جَزِيرَةٍ مِنْ جَزائِرِ البَحْرِ فَإِذا أَنا بِامْرَأَةٍ تَجُرُّ شَعْرَها قالَ: ما أَنْتِ؟ قالَتْ: أَنا الجَسّاسَةُ، اذْهَبْ إِلَى ذَلِكَ القَصْرِ. فَأَتَيْتُهُ فَإِذا رَجُلٌ يَجُرُّ شَعْرَهُ مُسَلْسَلٌ في الأَغْلالِ يَنْزُو فِيما بَيْنَ السَّماءِ والأَرْضِ فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ؟ قالَ: أَنا الدَّجّالُ خَرَجَ نَبي الأُمِّيِّينَ بَعْدُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قالَ: أَطاعُوهُ أَمْ عَصَوْهُ قُلْتُ: بَلْ أَطاعُوهُ. قالَ: ذاكَ خَيْرٌ لَهُمْ" (¬1). 4326 - حَدَّثَنا حَجّاجُ بْن أَبي يَعْقُوبَ، حَدَّثَنا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنا أَبي قالَ: سَمِعْتُ حُسَيْنًا المُعَلِّمَ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن بُرَيْدَةَ، حَدَّثَنا عامِرُ بْنُ شَراحِيلَ الشَّعْبي، عَنْ فاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قالَتْ: سَمِعْتُ مُنادي رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُنادي أَنِ الصَّلاةَ جامِعَةٌ. فَخَرَجْتُ فَصَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَلَمّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- الصَّلاةَ جَلَسَ عَلَى المِنْبَرِ وَهُوَ يَضْحَكُ قالَ: "لِيَلْزَمْ كُلُّ إِنْسانٌ مُصَلَّاهُ". ثمَّ قالَ: "هَلْ تَدْرُونَ لِمَ جَمَعْتُكُمْ؟ ". قالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قالَ: "إِنّي ما جَمَعْتُكُمْ لِرَهْبَةٍ وَلا رَغْبَةٍ ولكن جَمَعْتُكُمْ أَنَّ تَمِيمًا الدّاريَّ كانَ رَجُلًا نَصْرانِيّا فَجاءَ فَبايَعَ ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (3180)، (3181)، وأبو يعلى في "معجم شيوخه" (157)، والطبراني 24/ 372 (923). نقل الترمذي في "علله الكبير" 2/ 828 عن البخاري أنه سأله عن حديث الجساسة، فقال البخاري: يرويه الزهري عن أبي سلمة عن فاطمة بنت قيس، وحديث الشعبي عن فاطمة بنت قيس في الدجال هو حديث صحيح. وقال الألباني في "صحيح أبي داود": صحيح قصة الدجال.

وَأَسلَمَ وَحَدَّثَني حَدِيثًا وافَقَ الذي حَدَّثْتُكُمْ عَنِ الدَّجّالِ حَدَّثَني أَنَّهُ رَكِبَ في سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ مَعَ ثَلاثِينَ رَجُلًا مِنْ لَخْمٍ وَجُذامٍ فَلَعِبَ بِهِمُ المَوْجُ شَهْرًا في البَحْرِ وَأَرْفَئُوا إِلَى جَزِيرَةٍ حِينَ مَغْرِبِ الشَّمْسِ فَجَلَسُوا في أَقْرَبِ السَّفِينَةِ فَدَخَلُوا الجَزِيرَةَ فَلَقِيَتْهُمْ دابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرَةُ الشَّعْرِ قالُوا: وَيْلَكِ ما أَنْتِ؟ قالَتْ: أَنا الجَسّاسَةُ انْطَلِقُوا إِلَى هذا الرَّجُلِ في هذا الدَّيْرِ فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالأَشْواقِ. قالَ: لَمّا سَمَّتْ لَنا رَجُلًا فَرِقْنا مِنْها أَنْ تَكُونَ شَيْطانَةً فانْطَلَقْنا سِراعًا حَتَّى دَخَلْنا الدَّيْرَ فَإِذا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسانٌ رَأَيْناهُ قَطُّ خَلْقًا وَأَشَدُّهُ وَثاقًا مَجْمُوعَةٌ يَداهُ إِلَى عُنُقِهِ". فَذَكَرَ الحَدِيثَ، وَسَأَلهُمْ عَنْ نَخْلِ بَيْسانَ وَعَنْ عَيْنِ زُغَرَ وَعَنِ النَّبي الأُمّي قالَ: إِنّي أَنا المَسِيحُ وَإِنَّهُ يُوشِك أَنْ يُؤْذَنَ لي في الخُرُوجِ. قالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَإِنَّهُ في بَحْرِ الشّامِ أَوْ بَحْرِ اليَمَنِ لا بَلْ مِنْ قِبَلِ المَشْرِقِ ما هُوَ". مَرَّتَيْنِ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ قِبَلَ المَشْرِقِ قالَتْ: حَفِظْتُ هذا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-. وَساقَ الحَدِيثَ (¬1). 4327 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن صُدْرانَ، حَدَّثَنا المُعْتَمِرُ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بْنُ أَبي خالِدٍ، عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عامِرٍ قالَ: حَدَّثَتْني فاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ صَعِدَ المِنْبَرَ وَكانَ لا يَصْعَذ عَلَيْهِ إِلَّا يَوْمَ جُمْعَةٍ قَبْلَ يَوْمَئِذٍ ثُمَّ ذَكَرَ هذِه القِصَّةَ. قالَ أَبُو داوُدَ: وابْن صُدْرانَ بَصْري غَرِقَ في البَحْرِ مَعَ ابن مِسْوَرٍ لَمْ يَسْلَمْ مِنْهُمْ غَيْرُهُ (¬2). 4328 - حَدَّثَنا واصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، أَخْبَرَنا ابن فُضَيْلٍ، عَنِ الوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُمَيعٍ، عَنْ أبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جابِرٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- ذاتَ يَوْمٍ عَلَى المِنْبَرِ: "إِنَّهُ بَيْنَما أُناسٌ يَسِيرُونَ في البَحْرِ فَنَفِدَ طَعامُهُمْ فَرُفِعَتْ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2942). وانظر ما قبله وما بعده. (¬2) انظر سابقيه.

لَهُمْ جَزِيرَةٌ فَخَرَجُوا يُرِيدُونَ الخُبْزَ فَلَقِيَتْهُمُ الجَسّاسَةُ". قُلْت لأَبي سَلَمَةَ: وَما الجَسّاسَةُ؟ قالَ: امْرَأَةٌ تَجُرُّ شَعْرَ جِلْدِها وَرَأْسِها. قالَتْ: في هذا القَصْرِ، فَذَكَرَ الحَدِيثَ، وَسَأَلَ عَنْ نَخْلِ بَيْسانَ وَعَنْ عَيْنِ زُغَرَ قالَ: هُوَ المَسِيحُ فَقالَ لي ابن أَبي سَلَمَةَ: إِنَّ في هذا الحَدِيثِ شَيْئًا ما حَفِظْتُهُ قالَ شَهِدَ جابِرٌ أَنَّهُ هُوَ ابن صَيّادٍ قُلْتُ: فَإِنَّهُ قَدْ ماتَ. قالَ: وَإِنْ ماتَ. قُلْتُ: فَإِنَّهُ أَسْلَمَ. قالَ: وَإِنْ أَسْلَمَ. قُلْتُ: فَإِنَّهُ قَدْ دَخَلَ المَدِينَةَ. قالَ: وَإِنْ دَخَلَ المَدِينَةَ (¬1). * * * باب في خبر الجساسة [4325] (ثنا) عبد اللَّه (النفيلي، ثنا عثمان بن عبد الرحمن) بن مسلم الحراني الطرائفي، وثقه ابن معين (ثنا) محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة (ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن فاطمة بنت قيس) الفهرية أخت الضحاك، من المهاجرات، عاشت إلى زمن ابن الزبير. (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أخر العشاء الآخرة) يرجح القول بأن تأخيرها إلى ثلث الليل أو نصفه أفضل، وهو أحد قولي الشافعي (¬2) (ذات ليلة، ثم خرج فقال: إنه حبسني) فيكم، وفيه مشروعية اعتذار الكبير للصغير، وبيان عذره (حديث كان يحدثنيه تميم الداري) لأنه من دارين، هو ¬

_ (¬1) رواه أبو يعلى 4/ 119 - 120 (2164)، 129 - 130 (2178)، 142 - 143 (2200). قال الألباني في "ضعيف أبي داود": ضعيف الإسناد. (¬2) انظر: "الحاوي" 2/ 25.

نسبة إلى أحد أجداده الدار فلينتبه. قاله مقاتل بن حيان، وهي قرية من بلاد فارس على شاطئ البحر، وهي مرفأ سفن الهند، منها أنواع الطيب، يقال: مسك دارين، وطيب دارين، وليس بدارين طيب. (عن رجل كان في جزيرة من جزائر البحر) زاد في رواية: "لا يعرفونها" (¬1) (فإذا بامرأة) سيأتي في الحديث الذي بعده أنها دابة. فيحتمل أن يجمع بين الحديثين أن للدجال جاسوستين دابة وامرأة، ويحتمل أن المرئي في كلا الحديثين شيطان أو شيطانة، وهي شخص واحد، ففي هذا الحديث أنه رآها على صورة امرأة، وفي الحديث الآتي أنه رآها على صفة دابة، فإن الشيطان يتمثل في أي صورة شاء. (تجر شعرها) يعني: على الأرض فيسترها، فلا يرى قبلها من دبرها، ولا يعرف ذكر هي أم أنثى (قال: ) لها (ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة) سميت بذلك؛ لأنها تتجسس الأخبار للدجال (اذهب إلى ذلك القصر) قال: (فأتيته فإذا) هو (رجل يجر شعره) على الأرض من طوله، وهو (مسلسل في الأغلال) يعني: فأتيت القصر والرجل، فإذا رجل مقيد بالسلاسل والأغلال التي في عنقه (ينزو) أي: يثب ويضطرب، والتنزي تسرع الإنسان للشر. (فيما بين السماء والأرض) أي: هو مع كونه مقيدًا بالسلاسل والأغلال ومعلقًا بين السماء والأرض يضطرب ويتحرك؛ ليسعى في إثارة الشرور والفتن. ¬

_ (¬1) رواها ابن ماجه (4074)، وأحمد 6/ 373، 416 وغيرهما.

(فقلت: من أنت؟ قال: أنا) المسيح (الدجال) ثم قال: أ (خرج نبي الأميين) يعني: العرب، سموا أميين؛ لأن الكتابة فيهم عزيزة أو قليلة، ومنه قوله تعالى: {الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} (¬1) (بعد؟ ) بضم الدال. (قلت: نعم، قال) أ (أطاعوه) فحذفت همزة الاستفهام، وهو كثير (أم عصوه؟ ) فيما جاءهم به (قلت: بل أطاعوه) وصدقوه (قال: ذاك خير لهم) فيه صدق نبوته -صلى اللَّه عليه وسلم- وعظم فضيلته، فإن الفضل ما شهد به الأعداء. [4326] (ثنا حجاج بن أبي يعقوب) يوسف الشاعر الثقفي حافظ رجال، أخرج له مسلم (ثنا عبد (¬2) الصمد) بن عبد الوارث (ثنا أبي) (¬3) عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان التنوري. (قال: سمعت حسين) (¬4) بن محمد (¬5) (المعلم، قال: ثنا عبد اللَّه (¬6) ابن بريدة) بضم الموحدة مصغر، ابن الحصيب، قاضي مرو (ثنا عامر بن شراحيل الشعبي، عن فاطمة بنت قيس) وكانت من المهاجرات الأول رضي اللَّه عنها. (قالت: سمعت منادي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ينادي) هو كالمؤذن للمكتوبة (أن) بفتح الهمزة، وتخفيف النون (الصلاة) بالنصب على الإغراء ¬

_ (¬1) الجمعة: 2. (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) كذا في (ل)، (م)، وصوابه: حسينًا. كما في "السنن". (¬5) كذا في الأصول، وهو خطأ، صوابه: ذكوان. انظر: "تهذيب الكمال" 6/ 372. (¬6) فوقها في (ل): (ع).

(جامعة) نصب على الحال، ويجوز رفعهما على المبتدأ والخبر، والتقدير على نصبهما: احضروا الصلاة حال كونها جامعة. ويجوز رفع الأول ونصب الثاني على تقدير: هذِه الصلاة في حال كونها جامعة، ويجوز عكسه، وهو نصب الأول ورفع الثاني على تقدير: احضروا الصلاة وهي جامعة، فهي أربع صور، وعلى تقديرات الأربع محل الجملة نصب؛ لكونها مفعول (ينادي). (فخرجت) زاد مسلم: إلى المسجد (¬1). والحديث الذي قبله مصرح بأن ذلك كان بعد صلاة العشاء الآخرة (فصليت مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) صلاة العشاء الآخرة (فلما قضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلاته) وكنت في النساء اللاتي تلي ظهور القوم (جلس) بعد صعوده (على المنبر) بكسر الميم. فيه استحباب الخطبة على مرتفع؛ ليكون أبلغ في سماع كلامه. وفيه الجلوس على المنبر، أي: صعوده (وهو يضحك) وكان ضحكه -صلى اللَّه عليه وسلم- تبسمًا (ثم قال: ليلزم كل إنسان) منكم (مصلاه) الذي صلى فيه. فيه أن السنة في استماع خطبة ونحوها ألا ينتقل من مصلاه؛ بل يستمع الخطبة فيه، وكذا يصلي الجمعة في المكان الذي سمع الخطبة فيه، ولم أجد من ذكر هاتين المسألتين. (ثم قال: أتدرون لم جمعتكم؟ ) في هذا الوقت (قالوا: اللَّه ورسوله أعلم) فيه استعمال هذا الأدب إذا سأله شيخه أو معلمه عن شيء أن يقول كما قال لجبريل: "ليس المسؤول بأعلم من السائل" (¬2). ¬

_ (¬1) مسلم (2942). (¬2) رواه البخاري (50، 4777)، ومسلم (8).

(قال: إني) واللَّه (ما جمعتكم لرهبة) أي: لخوف منكم (ولا رغبة) بالنصب ولا لطلب شيء أقصده إليكم (ولكن جمعتكم) من أجل (أن تميمًا الداريَّ) قيل: إنه نسبة إلى الدار، وهو بطن من لخم (كان رجلًا نصرانيًّا) بفتح النون. (فجاء فبايع وأسلم) لعل إسلامه كان سبب ضحكه -صلى اللَّه عليه وسلم- وتبسمه (وحدثني حديثًا وافق الذي) كنت (حدثتكم عن الدجال) وهذا معدود من مناقب تميم الداري؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- روى عنه هذا الحديث. وفيه شاهد على رواية الفاضل عن المفضول، ورواية المتبوع عن تابعه، وفيه قبول خبر الواحد. (حدثني أنه ركب في سفينة بحرية) أي: من سفن البحر. ولفظ الترمذي: أن ناسًا من أهل فلسطين ركبوا سفينة في البحر (¬1) (مع ثلالين رجلًا من لخم) بسكون الخاء المعجمة (وجذام) بضم الجيم، وتخفيف الذال المعجمة، قبيلتان من اليمن، واسم لخم مالك بن الحارث بن مرة بن أدد، وجذام هو الصدف بن أسلم بن زيد بن مالك ابن زيد بن حضرموت الأكبر. (فلعب بهم الموج شهرًا في البحر وأُرفِئوا) بكسر الفاء، وضم الهمزة بعدها، وأرفؤوا بفتح أي: لجؤوا (إلى جزيرة في البحر) يقال: أرفأت السفينة إذا قربتها من الشط، وذلك الموضع مرفأ، وأرفأت إليه: لجأت إليه (حين) وفي بعض نسخ مسلم المعتمدة: حيث. ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (2253).

(مغرب) بالرفع (الشمس) فيحتمل أن يكون المراد أنهم لجؤوا إلى الجزيرة عند غروب الشمس، وعلى رواية (حيث) يكون التقدير أنهم لجؤوا إلى جزيرة في الجهة التي تغرب فيها الشمس. (فجلسوا في أقرب) بضم الراء جمع قارب، بكسر الراء وفتحها، وهو جمع على غير القياس، لكنه صحيح في السماع، والقياس في جمع قارب قوارب، ويشهد له ما رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه": فقعدوا في قوارب (¬1) (السفينة) والقارب سفينة صغيرة تكون مع الكبيرة، ينصرف فيها ركاب السفينة لقضاء حوائجهم، وقيل: المراد بأقرب السفينة أخرياتها وما قرب منها للنزول، ويؤيده أن ابن ماهان روى هذا الحرف فقال: في أخريات السفينة، وفي بعضها: في آخر السفينة. (فدخلوا الجزيرة فلقيتهم دابة) تقدم الجمع بينها وبين الرواية المتقدمة: امرأة (أهلب) بفتح الهمزة واللام (كثير الشعر) والأهلب: الغليظ الشعر، والهلب: ما غلظ من الأرض، ومنه الهلبة، وهو شعر الخنزير الذي يخرز به، وذكر (أهلب) حملًا على المعنى، فكأنه قال: حيوان أهلب، ولو راعى لفظ (دابة) لقال: هلباء؛ لأن قياس (أهلب) من المذكر هلباء من المؤنث، كأحمر وحمراء. (قالوا: ) لها (ويلك ما أنت؟ ) استفهموها ظنًّا منهم أنها ممن لا يعقل، فلما كلمتهم فرقوا منها (قالت: أنا الجساسة) للدجال؛ لأنها تتجسس له الأخبار (انطلقوا إلى هذا الرجل) الذي (في هذا الدير) ¬

_ (¬1) "المصنف" 7/ 497 - 498 (37509)، 7/ 510 (37625).

والجساسة مشتقة من الجاسوس. وقد روي عن عبد اللَّه بن عمرو أن هذِه الدابة هي دابة الأرض التي تخرج للناس في آخر الزمان (¬1)، ولفظ ابن ماجه: "فإذا هم بشيء أهدب أسود كثير الشعر، قالوا له: ما أنت؟ قال: أنا الجساسة. قالوا: أخبرينا. قالت: ما أنا بمخبرتكم شيئًا ولا سائلتكم، ولكن هذا الدير قد رمقتموه فأتوه، فإن فيه رجلًا بالأشواق إلى أن تخبروه" (¬2) (فإنه إلى خبركم بالأشواق) الكثيرة. (قال: فلما سمت لنا رجلًا) وتكلمت (فرقنا) بكسر الراء، أي: خفنا (منها) وذعرنا خوفًا (من أن تكون شيطانة) من الجن (فانطلقنا سراعًا) أي: مسرعين (حتى دخلنا الدير، فإذا فيه أعظم) بالرفع (إنسان رأيناه قط) أي: في الزمن الماضي (خلقًا) بفتح الخاء (وأشده) بالرفع، أي: أشد إنسان رأيناه موثوقا (وثاقًا مجموعه) بالنصب على الحال (يداه إلى عنقه) بالسلاسل والأغلال ما بين ركبتيه إلى عنقه. وقال الترمذي: فإذا رجل موثق بسلسلة (¬3) (فذكر الحديث) المذكور، وزاد: (وسألهم عن نخل بيسان) بفتح الباء الموحدة، والسين المهملة، زاد الترمذي: التي بين الأردن وفلسطين (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أبو عمرو الداني في "السنن الواردة في الفتن" 6/ 1254 (697). (¬2) "سنن ابن ماجه" (4074). قال الألباني في "ضعيف سنن ابن ماجه" (883): ضعيف المسند صحيح المتن دون بعض الجمل. (¬3) "سنن الترمذي" (2253). (¬4) السابق.

وقال أبو الخطاب ابن دحية: كانت بيسان مدينة هي قصبة الغور، وفيها سوق كبيرة، وعين تسمى عين فلوس، يسقى منها. قال أبو داود: نخلات من نخل بيسان أينعن جميعًا ونبتهن توأم. حكى أبو عبيد البكري عن الزبير أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مر بماء يقال له: بيسان. في غزوة ذي قرد، فسأل عنه، فقيل: اسمه بيسان، وهو مالح، فقال: "بل هو نعمان، وهو طيب" فغير رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- اسمه، وغير اللَّه الماء فاشتراه طلحة بن عبيد اللَّه، ثم تصدق [به] (¬1) فأخبر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "ما أنت يا طلحة إلا فيَّاض" فسمي بذلك الفيَّاض (¬2). وروي عن رجاء بن حيوة أنه قال لعروة بن رويم: اذكر لي رجلين من صالح أهل بيسان، فبلغني أن اللَّه اختصهم برجلين من الأبدال، لا ينقص منهم رجل (¬3) إلا أبدل اللَّه مكانه رجلًا (¬4). وسألهم (عن عين زغر) هو بزاي مضمومة، ثم غين معجمة مفتوحة، ثم راء، غير منصرف للعلمية والعدل عن زاغر، كعمر معدول عن عامر، وهي بلدة معروفة في الجانب القبلي من الشام. وقال ابن الكلبي: زغر امرأة نسبت إليها هذِه العين. قال حاتم: ¬

_ (¬1) ليست في (ل، م)، والمثبت من "معجم ما استعجم". (¬2) "معجم ما استعجم" 1/ 292. والخبر رواه من طريق الزبير بن بكار ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 25/ 93. (¬3) في (ل)، (م): رجلًا. والمثبت هو الصحيح. (¬4) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 1/ 336، 11/ 410.

سَقَى اللَّهُ رَبُّ النَّاسِ سحًّا ودِيمَةً ... جَنُوبَ السَّراةِ (¬1) من مَآبٍ إلى زُغَرْ والسراة (¬2): من ناحية الشام، ومآب موضع هناك. قال ابن سهل الأحول: سميت بزغر بنت لوط، فعلى هذا فالمرأة هي التي استوطنتها (¬3) أو اتخذت أرضها دارًا فنسبت إليها (¬4). (وعن النبي الأمي) الذي لا يكتب ولا يحسب ثم (إني أنا المسيح الدجال، وأنه يوشك أن يؤذن لي في الخروج) ثم (قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: وإنه في بحر الشام) قاله على الظن، ثم عرض الشك له فقال: (أو) إنه في (بحر اليمن) أو قصد إبهام ذلك، ثم نفى ذلك كله وأضرب عنه بالتحقيق فقال: (لا بل) هو (من قبل المشرق) ثم أكد ذلك بقوله: (ما) الزائدة (هو) صلة للكلام ليست بنافية، والمراد إثبات أنه في جهة المشرق، وأكد ذلك بالتكرار (مرتين) يفيد كونه بالمشرق (وأومأ) بهمز آخره (بيده قبل) جهة (المشرق) والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بشر يظن ويشك، كما يسهو وينسى، إلا أنه لا يتمادى ولا يقر على شيء من ذلك، بل يرشد إلى التحقيق، ويسلك به سواء الطريق، والحاصل من هذا أنه عليه السلام ظن أن الدجال المذكور في بحر الشام، ثم عرض له أنه في بحر اليمن؛ لأنه يتصل ببحر اليمن، فجوز ذلك، ثم أطلعه العليم الخبير على تحقيق ذلك فحقق وأكد. ¬

_ (¬1) و (¬2) في "معجم ما استعجم" الشراة. (¬3) في (ل، م): استيطنتها. (¬4) "معجم ما استعجم": 2/ 699.

(قالت) فاطمة بنت قيس (حفظت هذا من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. وساق الحديث) بتمامه. [4327] (ثنا محمد بن) إبراهيم بن (صدران) بضم الصّاد المهملة وسكون الدال وتخفيف الراء وبعد الألف نون، المؤذن أبو جعفر البصري، صدوق. (ثنا المعتمر بن أبي خالد) (¬1) سعد البجلي الأحمسي مولاهم الكوفي (عن مجالد) (¬2) بتخفيف الجيم ابن سعيد الهمداني الأنصاري (عن عامر) بن شراحيل الشعبي (قال: حدثتني فاطمة بنت قيس) من المهاجرات رضي اللَّه عنها (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى الظهر ثم صعِد) بكسر العين (المنبر وكان لا يصعَد) بفتح العين (عليه إلا يوم جمعة قبل يومئذ) أي: قبل اليوم الذي ذكر فيه هذِه القصة (ثم ذكر هذِه القصة) المذكورة. (قال) المصنف: محمد بن إبراهيم (ابن صدران) بضم المهملة وسكون الدال (بصري) سليمي بفتح السين نسبة إلى سَليم وهو درب شرقي بغداد عند الرصافة (غرق في البحر مع (¬3) ابن مسور) بكسر الميم وسكون السين (¬4) لم يسلم منهم غيره. ¬

_ (¬1) كذا في النسخ، والصواب: (ثنا المعتمر، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد) كما في "سنن أبي داود". (¬2) فوقها في (ل): (ع). يعني روى له الجماعة، وهو خطأ من المصنف إنما روى له الجماعة إلا البخاري وقد ضعفه ابن معين، وقال الحافظ: ليس بالقوي وقد تغير آخر عمره. انظر: "تهذيب الكمال" 27/ 219. (¬3) بعدها في (ل)، (م) بياض. (¬4) بعدها في (ل)، (م) بياض.

[4328] (ثنا واصل بن عبد الأعلى) شيخ مسلم (ثنا) محمد (ابن فضيل) (¬1) بن غزوان الضبي (عن الوليد بن عبد اللَّه بن جُميع) مصغر الزهري، أخرج له مسلم في الجهاد (¬2) (عن أبي سلمة) عبد اللَّه (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري (عن جابر) بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما. (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذات يوم على المنبر: بينما أناس) "من أهل فلسطين" كما في الترمذي (¬3) (يسيرون في البحر فنفد) بكسر الفاء (طعامهم) أي: فرغ (فرفعت) مبني للمفعول، أي: ظهرت (لهم جزيرة) مرتفعة (فخرجوا) من السفينة (يريدون الخبر) بفتح الخاء والموحدة، أي: يطلبون معرفة الخبر الذي يحصل لهم به الخير، ويحتمل خلاف هذا واللَّه أعلم (فلقيتهم الجساسة). قال الوليد بن جُميع: (قلت لأبي سلمة) بن عبد الرحمن (وما) هي (الجساسة؟ قال) هي (امرأة تجر شعر جلدها و) شعر (رأسها) على الأرض حتى لا يعرف قبلها من دبرها، وهل هي آدمي أو غيره. (قالت: ) انطلقوا لتنظروا ما (في هذا القصر) فإنه إلى خبركم بالأشواق (فذكر الحديث) المذكور (وسأل عن نخل بيسان) بفتح الباء كما تقدم (وعين زغر) غير منصرف و (قال: هو المسيح) الدجال. (فقال لي) أخو سلمة وزينب وهو (ابن أبي سلمة: ) عبد اللَّه هو وأبوه صحابيان (إن في هذا الحديث شيئًا ما حفظته) بكسر الفاء (قال: ) فيه ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) مسلم (1787). وفي موضع ثانٍ (2779) في صفات المنافقين وأحكامهم. (¬3) "سنن الترمذي" (2253).

(شهد جابر) بن عبد اللَّه (أنه) أي: أن المسيح الدجال هو صاف (ابن صياد). وروى مسلم عن محمد بن المنكدر قال: رأيت جابر بن عبد اللَّه يحلف باللَّه أن ابن صياد الدجال، فقلت له: أتحلف على ذلك؟ قال: إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فلم ينكره النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1). (قلت: فإنه) يعني: ابن صياد (قد مات) بالمدينة. قال النووي: روي أنهم لما أرادوا الصلاة عليه كشفوا عن وجهه حتى رآه الناس، وقيل لهم: اشهدوا. وقال في الرواية الآتية بعد هذا عن جابر أنه قال: فقدنا [ابن صياد يوم] (¬2) الحرة: إن إسناده صحيح، وإنه يبطل رواية من روى أنه مات بالمدينة وصلي عليه (¬3). (قال: ) جابر (وإن مات، قلت: فإنه أسلم) لما كبر وظهرت منه علامة الخير من الحج والجهاد مع المسلمين (قلت: فإنه قد دخل المدينة) في حال إسلامه وهو متوجه إلى مكة (قال: وإن دخل المدينة) قال النووي: لا دلالة في هذِه الاحتجاجات؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إنما أخبر عن صفاته وعن فتنته وخروجه في الأرض (¬4)، واللَّه أعلم. * * * ¬

_ (¬1) مسلم (2929). وهو عند البخاري (7355) وسيأتي برقم (4331). (¬2) مكانها بياض في (م)، وغير مقروءة في (ل)، والمثبت هو الموافق لما سيأتي من رواية أبي داود. (¬3) "مسلم بشرح النووي" 18/ 47. (¬4) "مسلم بشرح النووي" 18/ 46.

16 - باب في خبر ابن صائد

16 - باب فِي خَبرِ ابن صائِدٍ 4329 - حَدَّثَنا أَبُو عاصِمٍ خُشَيْشُ بْن أَصْرَمَ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ سالِمٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مَرَّ بِابْنِ صَائِدٍ في نَفَرٍ مِنْ أَصْحابِهِ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الغِلْمانِ عِنْدَ أُطُمِ بَني مَغالَةَ وَهُوَ غُلامٌ فَلَمْ يَشْعُرُ حَتَّى ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- ظَهْرَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ قالَ: "أَتَشْهَدُ أَنّي رَسُولُ اللَّهِ". قالَ: فَنَظَرَ إِلَيْهِ ابن صَيّادٍ فَقالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الأُمِّيِّينَ. ثُمَّ قالَ ابن صَيّادٍ لِلنَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أَتَشْهَدُ أنّي رَسُولُ اللَّهِ فَقالَ لَهُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "آمَنْتُ باللَّهِ وَرُسُلِهِ". ثُمَّ قالَ لَهُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما يَأْتِيكَ؟ ". قالَ يَأْتِيني صادِقٌ وَكاذِبٌ. فَقالَ لَهُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خُلِّطَ عَلَيْكَ الأَمْرُ". ثُمَّ قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنّي قَدْ خَبَّأْتُ لَكَ خَبِيئَةً". وَخَبَّأَ لَهُ (يَوْمَ تَأْتي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) قالَ ابن صَيّادٍ: هُوَ الدُّخُّ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ". فَقالَ عُمَرُ: يا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لي فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- "إِنْ يَكُنْ فَلَنْ تُسَلَّطَ عَلَيْهِ". يَعْني الدَّجّالَ: "وَإِلَّا يَكُنْ هُوَ فَلا خَيْرَ في قَتْلِهِ" (¬1). 4330 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ، حَدَّثَنا يَعْقوبُ -يَعْني: ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ- عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نافِعٍ قالَ: كانَ ابن عُمَرَ يَقُولُ واللَّه ما أَشُكُّ أَنَّ المَسِيحَ الدَّجّالَ ابن صَيّادٍ (¬2). 4331 - حَدَّثَنا ابن مُعاذٍ، حَدَّثَنا أبِي، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْراهِيمَ، عَنْ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1354)، ومسلم (2930). (¬2) رواه أبو عوانة 1/ 130 (387)، والفاكهي في "فوائد" (49)، وابن بشران في "الأمالي" (96)، والجماعيلي في "أخبار الدجال" (10). وصححه الألباني في "المشكاة" (5501).

مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ قالَ: رَأَيْتُ جابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَحْلِفُ باللَّهِ أَنَّ ابن صائِدٍ الدَّجّالُ فَقُلْتُ: تَحْلِفُ باللَّهِ؟ فَقالَ: إِنّي سَمِعْتُ عُمَرَ يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَلَمْ يُنْكِرْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1). 4332 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ -يَعْني: ابن مُوسَى- حَدَّثَنا شَيْبانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سالِمٍ، عَنْ جابِرٍ قالَ: فَقَدْنا ابن صَيّادٍ يَوْمَ الحَرَّةِ (¬2). 4333 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ -يَعْني: ابن مُحَمَّدٍ- عَنِ العَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تَقُومُ السّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ ثَلاثُونَ دَجّالُونَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ" (¬3). 4334 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعاذٍ، حَدَّثَنا أَبي، حَدَّثَنا مُحَمَّدٌ -يَعْني ابن عَمْرٍو-، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تَقُومُ السّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ ثَلاثُونَ كَذّابًا دَجّالًا كُلُّهُمْ يَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ" (¬4). 4335 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الجَرّاحِ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْراهِيمَ قالَ: قالَ عَبِيدَةُ السَّلْماني بهذا الخَبَرِ قالَ: فَذَكَرَ نَحْوَهُ فَقُلْتُ: لَهُ أَتَرى هذا مِنْهُمْ -يَعْني المُخْتارَ- فَقالَ عَبِيدَةُ أَما إِنَّهُ مِنَ الرُّءُوسِ (¬5). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (7355)، ومسلم (2929). (¬2) رواه ابن أبي شيبة 21/ 237 (38686). وصححه الألباني في "المشكاة" (5502). (¬3) رواه البخاري (7121)، ومسلم بإثر حديث (2923). (¬4) رواه ابن أبي شيبة 21/ 254 (38722)، وأحمد 2/ 450. وانظر السابق. وحسن إسناده الألباني في "صحيح أبي داود". (¬5) قال الألباني في "ضعيف أبي داود": ضعيف مقطوع.

[باب في] (¬1) خبر ابن صائد ويقال: ابن صياد كما تقدم. [4329] (ثنا أبو عاصم خشيش) بمعجمات مصغر (بن أصرم) النسائي، حافظ ثبت (ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن الزهري، عن سالم) بن عبد اللَّه (عن) والده عبد اللَّه (ابن عمر رضي اللَّه عنهما أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مر بابن صياد في نفر من الصحابة) يعني من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (فيهم عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- وهو يلعب مع الغلمان) لفظ الصحيح: مع الصبيان (¬2). (عند أطم) بضم الهمزة والطاء، وهو الحصن، يجمع على آطام (بني مغالة) بفتح الميم وتخفيف الغين المعجمة وهذا هو المشهور، وفي بعضها: ابن مغالة. وفي رواية لمسلم: بني معاوية (¬3). بضم الميم وبالعين المهملة، وبنو مغالة كل ما كان على يمينك إذا وقفت آخر البلاط مستقبل مسجد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبنو جديلة ما كان عن يسارك، وبنو معاوية هم بنو جديلة. (وهو غلام) زاد مسلم: وقد قارب ابن صياد يومئذ الحلم (¬4). (فلم يشعر حتى ضرب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ظهره بيده) ولفظ الصحيحين: فلما دخل عليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- النخل طفق يتقي بجذوع النخل وابن صياد ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ليس في (ل، م). وأثبتناه من "السنن". (¬2) البخاري (1354)، مسلم (2930). (¬3) مسلم (2930). (¬4) مسلم (2930). وهو أيضًا عند البخاري (6173).

في قطيفة له. ذكره البخاري في الجهاد وبوب عليه باب ما يجوز من الاحتيال والحذر ممن يخشى معرته (¬1). (ثم قال: أتشهد أني رسول اللَّه؟ قال: فنظر إليه ابن صياد فقال: أشهد أنك رسول الأميين) أي: رسول إلى العرب؛ لأن الغالب فيهم عدم الكتابة والحساب (ثم قال ابن صياد للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أتشهد أني رسول اللَّه؟ ) إن قيل: كيف لم يقتله النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مع أنه ادعى بحضرته النبوة والرسالة؟ فالجواب من وجهين ذكرهما البيهقي وغيره: أحدهما: أنه كان (¬2) غير بالغ، واختار القاضي عياض هذا الجواب (¬3). والثاني: أنه في أيام (¬4) مهادنة اليهود وحلفائهم، وجزم الخطابي بهذا الجواب؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد قدومه المدينة كتب بينه وبين اليهود كتاب صلح على أن لا يهاجوا ويتركوا على أمرهم، وكان ابن صياد منهم أو دخيلًا فيهم (¬5) (فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: آمنت باللَّه ورسله) هو قريب من رواية البخاري: "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا آمنا باللَّه" (¬6). وقال محمد بن سيرين: إذا قيل لك أنت مؤمن؟ فقل: آمنا باللَّه وما أنزل إلينا (¬7). (ثم قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: ما يأتيك؟ ) لفظ مسلم: فرفضه (¬8) رسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، ¬

_ (¬1) البخاري (3033)، ومسلم (2931). (¬2) ساقطة من (م). (¬3) "إكمال المعلم" 8/ 467. (¬4) ساقطة من (م). (¬5) "معالم السنن" 4/ 322 - 323. (¬6) البخاري (4485). (¬7) رواه ابن بطة في "الإبانة الكبرى" 2/ 879 (1207). (¬8) ساقطة من (م).

فقال: "آمنت باللَّه ورسله" ثم قال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ماذا ترى؟ " (¬1) وهو بمعنى: "ما يأتيك؟ " (قال: يأتيني صادق وكاذب) أي قال: يأتيني التابع من الشياطين كما كان (¬2) يأتي الكهان، فتارة (¬3) يصدق فيما يقوله لي، وتارة يكذب، وهذِه حالة الكهان. (فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خلط) بضم الخاء وكسر اللام (عليك الأمر) أي: الذي يأتيك به شيطانك التابع مخلط من الصدق والكذب، فلا يستقيم حالك (ثم قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إني قد خبأت لك خبيئة) بكسر الباء الموحدة ومد الهمزة التي بعد الياء، والخبأ: اسم لما يخبأ ويعمى أمره. (وخبأ) بتخفيف الباء بعدها همزة أي: ستر عنه، ومنه الخابية، وخبأته بالتشديد للتكثير والمبالغة (له) قوله تعالى: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} وذلك أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- دعا على قومه لمّا كذبوه فقال: "اللهم سبعًا كسني يوسف" (¬4) فأجدبت الأرض، وأصاب قريشًا المجاعة، فكان الرجل لما به من الجوع يرى بينه وبين السماء كالدخان من شدة الجوع. (قال) صاف (ابن صياد: هو الدخ) قال الداودي: كانت في (¬5) يده سورة الدخان مكتوبة، وعلى هذا فيكون قوله: (الدخ). يعني به: الدخان، قالوا: وهي لغة معروفة في الدخان وأنشدوا: ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2930). (¬2) ساقطة من (م). (¬3) في (ل، م): فيأمره. ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬4) رواه البخاري (804، 1006)، ومسلم (675) من حديث أبي هريرة: "اللهم اجعلها سنين كسني يوسف". (¬5) ساقطة من (م).

عند رواق البيت يغشى الدُّخا (¬1) وحكى هذِه اللغة في "الصحاح" (¬2)، قال القرطبي: ووجدته في كتاب للشيخ: الدخ ساكن الخاء مصححًا عليه، أعني: الذي جاء في الحديث قال: وكأنه على الوقف. قال: وأما الذي في الشعر وهو مشدد الخاء، وكذلك قراءته في الحديث فيما أعلم. وقيل: الدخ نبت موجود بين النخيل والبساتين خبأه له (¬3). (فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: اخسأ) بهمزة آخره، زجر للكلب ولمن يذل ويهان (فلن تعدو) بفتح الواو (قدرك) أي: لن تجاوز حالة الكهان الكذابين فيما جرى على لسانك من إلقاء الشيطان إليه فلا يليق بك إلا ذلك. وقيل: المراد أنك لن تسبق قدر اللَّه فيك وفي أمرك. (فقال عمر: يا رسول اللَّه، إيذن) بياء ساكنة بعد (¬4) الهمزة يجب إبدالها من الهمزة (لي فأضرب) مضارع منصوب بأن المحذوفة لأنه جواب الأمر جاء بعد الفاء فنصب، وإن حذفت الفاء فالجزم لا غير، كرواية مسلم: دعني أضرب عنقه (¬5). فيه استئذان الإمام في إقامة الحد وأن الحد يكون بضرب العنق. (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن يكن) هو (فلن تسلط عليه. يعنى: الدجال) ¬

_ (¬1) هو عجز بيت لأعرابية تصف زوجها، وكان قد كبر، وصدره: وكانَ أَكلًا قاعِدًا وشخا ويروى: (دائما) بدلا من (قاعدا). انظر: "البرصان والعميان" للجاحظ ص 333، "إعراب القرآن وبيانه" 5/ 357. (¬2) "الصحاح" 1/ 442. (¬3) "المفهم" 7/ 264 - 265. (¬4) في (ل، م): قبل. (¬5) رواه البخاري (1354)، ومسلم (2924/ 86).

وهذا يدل على أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يصح له شيء من أمر كونه هو الدجال أم لا، وليس هذا نقصًا في حق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأنه لم يكن يعلم إلا ما علمه اللَّه، وهذا مما لم يعلمه اللَّه له ولا هو مما يرهق إلى علمه حاجة لا شرعية ولا عادية ولا مصلحة، ولعل اللَّه تعالى قد علم في إخفائه مصلحة فأخفاه، والذي يجب الإيمان به أنه لا بد من خروج الدجال، ويدعي الإلهية، وأنه كذاب أعور كما في الأحاديث الصحيحة الكثيرة التي حصل بها العلم القطعي (وإن لا يكن) لفظ مسلم: "وإن لم يكنه" (¬1) (فلا خير) لك (في قتله) لأنه صبي. وقيل: لأنه كان لقومه عهد من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لما عاهد يهود المدينة أو لأنه من حلفاء بني النجار. [4330] (ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا يعقوب بن عبد الرحمن) القاري المدني، أخرج له الشيخان. (عن موسى بن عقبة، عن نافع قال: كان) عبد اللَّه (بن عمر رضي اللَّه عنهما يقول: واللَّه، ما أشك في أن المسيح الدجال) هو (ابن صياد) قال البيهقي في كتاب "البعث والنشور": اختلف الناس في أمر ابن صياد اختلافًا كثيرًا: هو الدجال أم لا ومن ذهب إلى أنه غيره احتج بحديث تميم الداري في قصة الجساسة، ويجوز أن توافق صفة ابن صياد صفة الدجال كما ثبت في الصحيحين: إن أشبه الناس بالدجال عبد العزى ابن قطن (¬2). وليس هو هو، وكان أمر ابن صياد فتنة ابتلى اللَّه بها عباده. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1453، 3055)، ومسلم (2930). (¬2) البخاري (3440، 3441، 7026، 7128)، مسلم (169) من حديث ابن عمر. ورواه مسلم (2937) من حديث النواس بن سمعان.

[4331] (ثنا عبيد اللَّه) بالتصغير، شيخ مسلم وغيره (وهو ابن معاذ قال: حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري (ثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري. (عن محمد بن المنكدر قال: رأيت جابر بن عبد اللَّه يحلف باللَّه إن) بكسر الهمزة، لأنه بعد القسم، صاف (ابن صياد) هو (المسيح الدجال. فقلت) أ (تحلف باللَّه؟ ) تعالى على ما لا يتحقق. (فقال: إني سمعت عمر) بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- (يحلف على ذلك عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) فيه أن من سمع من يقتدى به يحلف على صحة شيء جاز له أن يحلف أنه صحيح، أو على بطلان شيء جاز له أن يحلف على بطلانه. قال النووي: استدل جماعة بحلف عمر بحضرة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن ابن صياد هو الدجال على جواز اليمين بالظن، وأنه لا يشترط فيه اليقين، وهذا متفق عليه عند أصحابنا، حتى لو رأى بخط أبيه الميت أن له عند فلان كذا، وغلب على ظنه أنه خط والده ولم يتيقن ذلك، جاز له الحلف على استحقاقه (¬1). (فلم ينكره رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) عليه، قال البيهقي: سكوت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على حلف عمر محمول على أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان كالمتوقف في أمره، ثم بعد ذلك جاءه البيان، يعني: بوحي أو غيره، أنه غيره، كما صرح به في حديث تميم الداري. هذا كلام البيهقي، وقد اختار أنه غيره. [4332] (ثنا أحمد بن إبراهيم) البغدادي الدورقي شيخ مسلم (ثنا ¬

_ (¬1) "مسلم بشرح النووي" 18/ 53.

عبيد اللَّه بن موسى) العبسي الحافظ. ([حدثنا] (¬1) شيبان) بن [عبد اللَّه] (¬2) النحوي. (عن) سليمان (الأعمش، عن سالم) بن [عبد اللَّه] (¬3) (عن جابر) بن عبد اللَّه. (قال: فقدنا) بفتح القاف (ابن صياد يوم الحرة) بفتح الحاء المهملة والراء المشددة، كان بها يوم مشهور، أوقع اللَّه فيه بأهل المدينة مسلم بن عقبة المري فاستباح حرمتها، وقتل رجالها وعاث فيها ثلاثة أيام، وكان نزوله بعسكره في الحرة القريبة منها حرة النار، وكانت الوقعة في ذي الحجة سنة ثلاث وستين من الهجرة، وعقبها مات يزيد بن معاوية، وسميت الحرة؛ لشدة حرها ووهج الشمس فيها. قال النووي: هذا الحديث إسناده صحيح. وقول جابر: (فقدنا ابن صياد يوم الحرة) لا يبطل رواية من روى أنه مات بالمدينة وصلي عليه (¬4). [4333] (ثنا عبد اللَّه بن مسلمة) القعنبي (ثنا عبد العزيز بن محمد) الدراوردي (عن العلاء) بن عبد الرحمن مولى الحرقة، أحد علماء المدينة، أخرج له مسلم والأربعة. (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني، أخرج له مسلم. (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا تقوم الساعة حتى يخرج ¬

_ (¬1) ليست في (ل، م) والمثبت من "السنن". (¬2) كذا في الأصول، وصوابه: (عبد الرحمن). كما في "تهذيب الكمال" 12/ 592. (¬3) كذا في الأصول، وصوابه: (أبي الجعد). كما في "تهذيب الكمال" 10/ 130. (¬4) "مسلم بشرح النووي" 18/ 47.

ثلاثون دجالون). حكى ابن دحية أن للعلماء في الدجال عشرة أوجه: أحدها: الدجال: الكذاب. قاله الخليل، ودجله: كذبه، سمِّي بذلك؛ لأنه يدجل الحق بالباطل (¬1). جمعه: دجالون ودجاجلة. ثانيها: الدجال مأخوذ من الدجل، وهو طلي البعير بالقطران، سمي بذلك؛ لأنه يغطي الحق بكذبه، كما يغطي الرجل جرب بعيره بالدجالة، وهي القطران. قاله الأصمعي. ثالثها: سمي بذلك لضربه نواحي الأرض، يقال: دجل الرجل إذا فعل ذلك. رابعها: أنه من التغطية، لأنه يغطي الأرض بجموعه، والدجل: التغطية. قال ابن دريد: كل شيء غطيته فقد دجلته، ومنه دجلة بغداد؛ لانتشارها على الأرض وتغطية ما فاضت عليه (¬2). خامسها: سمي (¬3) دجالًا لقطعه الأرض، إذ يطأ جميع البلاد، والدجالة الرفقة العظيمة، أنشد في "المجمل": دجالة من أعظم الرفاق (¬4) سادسها: سمي دجالًا؛ لأنه يغير الناس بشره، كما يقال: لطخني فلان بشره. ¬

_ (¬1) "العين" 6/ 80. (¬2) "جمهرة اللغة" 1/ 449. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) "مجمل اللغة" (ص 347).

سابعها: الدجال: المحرف. ثامنها: الدجال المموِّه، قاله ثعلب، يقال: سيف مدجل إذا طلي بالذهب. تاسعها: الدجال: ماء الذهب الذي يطلى به الشيء فيحسن ظاهره، وباطنه خرب. عاشرها: الدجال فريد السيف. (كلهم يزعم أنه رسول اللَّه) ولمسلم: "إن بين يدي الساعة كذابين، فاحذروهم" (¬1) وهذا كما وقع في زمانه وبعد زمانه. [4334] (ثنا عبيد اللَّه بن معاذ قال: ثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري (ثنا محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص الليثي (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن. (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابًا دجالًا) ودجال مبالغة في الكذب والدجل (كلهم) أي: كل واحد منهم (يكذب على اللَّه تعالى وعلى رسوله) قال النووي: وقد وجد من هؤلاء خلق كثير في الأعصار السالفة، فأهلكهم اللَّه تعالى، وكذلك يفعل بمن بقي منهم (¬2). [4335] (ثنا عبد اللَّه بن الجراح) التميمي القهستاني بضم القاف والهاء وسكون السين المهملة نسبة إلى قوهستان، وهي ناحية بخراسان بين هراة ونيسابور، وهو ثقة. ¬

_ (¬1) مسلم (1822). (¬2) "مسلم بشرح النووي" 18/ 46.

(عن جرير، عن مغيرة) بن مقسم الضبي (عن إبراهيم) النخعي (قال: قال عبيدة) بفتح العين وكسر الموحدة، وهو ابن عمرو (السلماني) بسكون اللام، وحكي فتحها (بهذا الخبر) و (قال) فيه (فذكر نحوه، فقلت: أترى هذا منهم؟ يعني: المختار) بن (¬1) عبيد الثقفي، ولد عام الهجرة، وليست له صحبة، وكان كما قيل فيه: المختار غير مختار وله أخبار غير مرضية جدًّا (فقال عبيدة) السلماني (أما إنه من الرؤوس) أي: من رؤوس الدجاجلة (الكذابين) وأكابرهم (المبتدعين في الشريعة) وفيه التحذير من مجالسة أهل الفساد والتباعد عنهم. * * * ¬

_ (¬1) كذا في (ل، م). وصوابه: (بن أبي) كما في مصادر ترجمته.

17 - باب الأمر والنهي

17 - باب الأَمْرِ والنَّهْي 4336 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن مُحَمَّدٍ النُّفَيْليُّ، حَدَّثَنا يُونُسُ بْنُ راشِدٍ، عَنْ عَلي بْنِ بَذِيمَةَ، عَنْ أَبي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ أَوَّلَ ما دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَني إِسْرائِيلَ كانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ يا هذا اتَّقِ اللَّهِ وَدَعْ ما تَصْنَعُ فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ لَكَ ثُمَّ يَلْقاهُ مِنَ الغَدِ فَلا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ فَلَمّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ". ثمَّ قالَ: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَاسِقُونَ} ثُمَّ قالَ: "كَلَّا واللَّه لَتَأْمُرُنَّ بِالمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدي الظّالِمِ وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الحَقِّ أَطْرًا وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الحَقِّ قَصْرًا" (¬1). 4337 - حَدَّثَنا خَلَفُ بْنُ هِشامٍ، حَدَّثَنا أَبُو شِهابٍ الحَنّاطُ، عَنِ العَلاءِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سالمٍ، عَنْ أَبي عُبَيْدَةَ، عَنِ ابن مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بِنَحْوِهِ زادَ: "أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّهُ بِقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ ثُمَّ لَيَلْعَنَنَّكُمْ كَما لَعَنَهُمْ". قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ المُحارِبي، عَنِ العَلاءِ بْنِ المسَيَّبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو ابْنِ مُرَّةَ، عَنْ سالِمٍ الأَفْطَسِ، عَنْ أَبي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، ورَواهُ خالِدٌ الطَّحّانُ، عَنِ العَلاءِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبي عُبَيْدَةَ (¬2). 4338 - حَدَّثَنا وَهْبُ بْن بَقِيَّةَ، عَنْ خالِدٍ، ح وَحَدَّثَنا عَمْرُو بْن عَوْنٍ، أَخْبَرَنا هُشَيْمٌ -المَعْنَى- عَنْ إِسْماعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ قالَ: قالَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3047)، وابن ماجه (4006 م)، وأحمد 1/ 391. ورواه الترمذي (3048)، وابن ماجه (4006) عن أبي عبيدة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مرسلا. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (1105). (¬2) ضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود". وانظر ما قبله.

عَلَيْهِ يا أَيُّها النّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَؤُونَ هذِه الآيَةَ وَتَضَعُونَها عَلَى غَيْرِ مَواضِعِها {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} قالَ: عَنْ خالِدٍ وَإِنّا سَمِعْنا النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُول: "إِنَّ النّاسَ إِذا رَأَوُا الظّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقابٍ". وقالَ عَمْرٌو: عَنْ هُشَيْمٍ وَإِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "ما مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالمَعاصي ثُمَّ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا ثُمَّ لا يُغَيِّرُوا إِلَّا يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ مِنْهُ بِعِقابٍ". قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ كَما قالَ خالِدٌ أَبُو أُسامَةَ وَجَماعَة. وقالَ شُعْبَةُ فِيهِ: "ما مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالمَعاصي هُمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَعْمَلُهُ" (¬1). 4339 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو الأَحْوَصِ، حَدَّثَنا أَبُو إِسْحاقَ -أَظُنُّهُ- عَنِ ابن جَرِيرٍ، عَنْ جَرِيرٍ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "ما مِنْ رَجُلٍ يَكُونُ في قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالمَعاصي يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا عَلَيْهِ فَلا يُغَيِّرُوا إِلَّا أَصابَهُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَمُوتُوا" (¬2). 4340 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ وَهَنّادُ بْن السَّري، قالا: حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِسْماعِيلَ بْنِ رَجاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ، وَعَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طارِقِ بْنِ شِهابٍ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْري قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "مَنْ رَأى مُنْكَرًا فاسْتَطاعَ أَنْ يُغَيِّرَهُ بِيَدِهِ فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ". وَقَطَعَ هَنّادٌ بَقِيَّةَ الحَدِيثِ -وَفّاهُ ابن العَلاءِ-: "فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ بِلِسانِهِ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2168)، (3057)، وابن ماجه (4005)، وأحمد 1/ 2، 5، 7، 9، وابن حبان (304). وصححه الألباني في "الصحيحة" (1564). (¬2) رواه ابن ماجه (4009)، وأحمد 4/ 361، وابن حبان (300)، (302). قال الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (2316): حسن لغيره.

فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمانِ" (¬1). 4341 - حَدَّثَنا أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمان بْن داوُدَ العَتَكي، حَدَّثَنا ابن المُبارَكِ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبي حَكِيمٍ، قالَ: حَدَّثَني عَمْرُو بْن جارِيَةَ اللَّخْمي، حَدَّثَني أَبُو أُمَيَّةَ الشَّعْباني قالَ: سَأَلْتُ أَبا ثَعْلَبَةَ الخُشَني فَقُلْتُ: يا أَبا ثَعْلَبَةَ كَيْفَ تَقُولُ في هذِه الآيَةِ {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}؟ قالَ: أَما واللَّه لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْها خَبِيرًا سَأَلْتُ عَنْها رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ: "بَلِ ائْتَمِرُوا بِالمَعْرُوفِ وَتَناهَوْا عَنِ المُنْكَرِ حَتَّى إِذا رَأَيْتَ شُحّا مُطاعًا وَهَوًى مُتَبّعًا وَدُنْيا مُؤْثَرَةً وَإِعْجابَ كُلِّ ذي رَأي بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ -يَعْني بِنَفْسِكَ- وَدَعْ عَنْكَ العَوامَّ فَإِنَّ مِنْ وَرائِكُمْ أَيّامَ الصَّبْرِ الصَّبْرُ فِيهِ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الجَمْرِ لِلْعامِلِ فِيهِمْ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ". وَزادَني غَيْرُهُ قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْهُمْ قالَ: "أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ" (¬2). 4342 - حَدَّثَنا القَعْنَبيُّ أَنَّ عَبْدَ العَزِيزِ بْنَ أَبي حازِمٍ حَدَّثَهُمْ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمارَةَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "كَيْفَ بِكُمْ وَبِزَمانٍ". أَوْ: "يُوشِكُ أَنْ يَأْتي زَمانٌ يُغَرْبَلُ النّاسُ فِيهِ غَرْبَلَةً تَبْقَى حُثالَةٌ مِنَ النّاسِ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وَأَماناتُهُمْ واخْتَلَفُوا فَكانُوا هَكَذا". وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصابِعِهِ فَقالُوا: وَكَيْفَ بِنا يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قالَ: "تَأْخُذُونَ ما تَعْرِفُونَ وَتَذَرُونَ ما تُنْكِرُونَ وَتُقْبِلُونَ عَلَى أَمْرِ خاصَّتِكُمْ وَتَذَرُونَ أَمْرَ عامَّتِكُمْ". قالَ أَبُو داوُدَ: هَكَذا رُويَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ (¬3). ¬

_ (¬1) حديث صحيح. وسبق برقم (1140). (¬2) رواه الترمذي (3058)، وابن ماجه (4014)، وابن حبان (385). قال الألباني في "ضعيف أبي داود": ضعيف، لكن فقرة أيام الصبر ثابتة. (¬3) رواه ابن ماجه (3957)، وأحمد 2/ 221. وانظر ما بعده. وصححه الألباني في "الصحيحة" (205).

4343 - حَدَّثَنا هارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنا الفَضْل بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنا يُونُسُ بْنُ أَبي إِسْحاقَ، عَنْ هِلالِ بْنِ خَبّابٍ أَبي العَلاءِ، قالَ: حَدَّثَني عِكْرِمَةُ، حَدَّثَني عَبْدُ اللَّهِ ابْن عَمْرِو بْنِ العاصِ قالَ: بَيْنَما نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِذْ ذَكَرَ الفِتْنَةَ فَقالَ: "إِذا رَأَيْتُمُ النّاسَ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وَخَفَّتْ أَماناتُهُمْ وَكانُوا هَكَذا". وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصابِعِهِ قالَ: فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: كَيْفَ أَفْعَل عِنْدَ ذَلِكَ جَعَلَني اللَّهُ فِداكَ؟ قالَ: "الزَمْ بَيْتَكَ وامْلِكْ عَلَيْكَ لِسانَكَ وَخُذْ بما تَعْرِفُ وَدَعْ ما تُنْكِرُ وَعَلَيْكَ بِأَمْرِ خاصَّةِ نَفْسِكَ وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ العامَّةِ" (¬1). 4344 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبادَةَ الواسِطي، حَدَّثَنا يَزِيدُ -يَعْني: ابن هارُونَ- أَخْبَرَنا إِسْرائِيلُ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن جُحادَةَ، عَنْ عَطِيَّةَ العَوْفي، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْري قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَفْضَلُ الجِهادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطانٍ جائِرٍ". أَوْ: "أَمِيرٍ جائِرٍ" (¬2). 4345 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن العَلاءِ، أَخْبَرَنا أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنا مُغِيرَةُ بْنُ زِيادٍ المَوْصِلي، عَنْ عَدي بْنِ عَدي، عَنِ العُرْسِ بْنِ عَمِيرَةَ الكِنْدي عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِذا عُمِلَتِ الخَطِيئَةُ في الأَرْضِ كانَ مَنْ شَهِدَها فَكَرِهَها". وقالَ مَرَّةً: " أَنْكَرَها": "كَمَنْ غابَ عَنْها وَمَنْ غابَ عَنْها فَرَضِيَها كانَ كَمَنْ شَهِدَها" (¬3). 4346 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا أَبُو شِهابٍ عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ زِيادٍ، عَنْ عَدي ابْنِ عَدي، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نَحْوَة قالَ: "مَنْ شَهِدَها فَكَرِهَها كانَ كمَنْ غابَ ¬

_ (¬1) انظر السابق. (¬2) رواه الترمذي (2174)، وابن ماجه (4011)، وأحمد 3/ 19. وصححه الألباني في "المشكاة" (3705). (¬3) رواه ابن قانع في "معجم الصحابة" 2/ 309، والطبراني 17/ 139 (345)، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" 1/ 333. وحسنه الألباني في "المشكاة" (5141).

عَنْها" (¬1). 4347 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ وَحَفْصُ بْنُ عُمَرَ قالا: حَدَّثَنا شُعْبَةُ -وهذا لَفْظُهُ- عَنْ عَمْرِو بْنِ مرَّةَ، عَنْ أَبِي البَخْتَريّ، قالَ: أَخْبَرَني مَنْ سَمِعَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ وقالَ سُلَيْمان حَدَّثَني رَجُلٌ مِنْ أَصْحابِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "لَنْ يَهْلِكَ النّاسُ حَتَّى يَعْذِرُوا أَوْ يُعْذِرُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ" (¬2). * * * باب الأمر والنهي [4336] (حدثنا عبد اللَّه بن محمد النفيلي، ثنا يونس بن راشد) أبو إسحاق، قاضي حران، صدوق. (عن علي بن بذيمة) بفتح الباء الموحدة، وكسر الذال المعجمة الخفيفة بعدها تحتانية ساكنة، الجذري، ثقة، رمي بالتشيع. (عن أبي عبيدة) عامر (عن) أبيه (عبد اللَّه بن مسعود)، ولم يسمع من أبيه، فهو منقطع. (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل) لعل المراد بالنقص نقص الدين، فإن المعاصي إذا كثرت ضعف الدين ونقص، ودليله لفظ رواية الترمذي في سورة المائدة: "لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا" (¬3). (كان الرجل) ¬

_ (¬1) مرسل. انظر السابق. (¬2) رواه أحمد 4/ 260. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (5231). (¬3) "سنن الترمذي" (3047).

العالم (يلقى أخاه) على معصية (فيقول: يا هذا، اتق اللَّه تعالى) لفظ ابن ماجه: "كان الرجل يرى أخاه على الذنب فينهاه عنه" (¬1) (ودع ما تصنع) من المعصية (فإنه لا يحل لك) ما تصنعه (ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك) الذي رأى منه (أن يكون أكيله وشريبه وقعيده) لفظ ابن ماجه: "وخليطه" (¬2) الذي يصاحبك في الأكل والشرب والقعود والمخالطة فهو فعيل بمعنى مفاعل. ولفظ الترمذي: "فجالسوهم في مجالسهم وواكلوهم وشاربوهم" (¬3). (فلما فعلوا ذلك ضرب اللَّه قلوب بعضهم ببعض) أي: سود اللَّه قلوب من لم يعص بشؤم من عصى، فصارت قلوب الجميع قاسية سوداء مدلهمة بعيدة عن قبول الخير والرحمة بسبب معصية من عصى، وامتناع من لم يعص عن مخالطة من عصى ومصاحبته. وفي الحديث دليل على النهي عن مخالطة المجرمين في الأكل والشرب والقعود والنوم والحديث، ونحو ذلك، والأمر بتركهم وهجرهم، ويدل على ذلك قوله تعالى: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} (¬4) وأكد ذلك بقوله تعالى: {تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ} (¬5) قال حذاق أهل العلم: ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (4006). (¬2) السابق. (¬3) "سنن الترمذي" (3047). (¬4) المائدة: 79. (¬5) المائدة: 80، وفي (ل، م): لبئس ما كانوا يفعلون.

ليس من شرط الناهي أن يكون سليمًا من المعصية، بل ينهى العصاة بعضهم بعضًا، قال: لأن قوله تعالى: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} يقتضي اشتراكهم في الفعل. ثم زاد ابن ماجه: "نزل فيهم القرآن" (¬1) (وقال: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا}) فيه دليل على جواز لعن الكافر وإن كانوا من أولاد الأنبياء، فيلعنون بمفردهم، لأن شرف النسب لا يمنع إطلاق اللعنة في حقهم، قاله القرطبي (¬2). (من بني إسرائيل) يعني: من بني يعقوب عليه السلام، وإسرائيل هو يعقوب، ولم يمنع كونهم من النبي المرسل يعقوب أن يلعنوا، فإن من بطأ به عمله لم يلحق به نسبه {عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ} ابن النبي ملك بعد هلاك طالوت ({وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ}) أي: لعنوا في زابور داود وإنجيل عيسى عليه السلام، فإن الزابور لسان داود، والإنجيل لسان عيسى، أي: لعنهم اللَّه في الكتابين. قال مجاهد وقتادة وغيرهما: لعنتهم مسخهم قردة وخنازير، فالذين لعنوا على لسان داود [قردة، والذين على لسان عيسى خنازير (¬3). قال ابن عباس: الذين لعنوا على لسان داود] (¬4) أصحاب السبت، والذين لعنوا على لسان عيسى الذين كفروا بالمائدة بعد نزولها (¬5). ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (4006). (¬2) "الجامع لأحكام القرآن" 6/ 252. (¬3) رواه عنهما الطبري في "جامع البيان" 4/ 656 - 657 (12304، 12306). (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬5) رواه الطبري في "جامع البيان" 4/ 656 (12301 - 12302، 12305).

(إلى قوله تعالى) {وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ} ({فَاسِقُونَ}) أي: خارجون عن الإيمان بنبيهم، ثم قال: زاد ابن ماجه والترمذي: وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- متكئًا فجلس (¬1)، وقال (كلا) أي: حقًّا (واللَّه لتأمرن بالمعروف ولتنهون) بضم الواو (عن المنكر، ولتأخذن) بضم الذال (على يد الظالم) أي: ولتمنعنه عما يريد أن يفعله من الظلم، كأنه يقول: أمسكوا يده لتمتنع عن أن تمتد لظلم (ولتأطرنه) بكسر الطاء، وضم الراء، وتشديد النون، أي: تعطفوه على الحق وتردونه عن الجور وتقهروه وتلزموه (على) اتباع (الحق أطرا) بفتح الهمزة، وسكون الطاء المهملة مع القصر والتنوين، ومنه حديث صفة آدم عليه السلام: "أنه كان طوالا فأطر اللَّه منه" (¬2). أي: ثناه وعطفه وقصره ونقص من طوله، يقال: أطرت القوس آطرها: إذا حنيتها [وأطرت] (¬3) الشيء فانأطر وتأطر أي: انثنى. قال في "النهاية" في حديث الباب: ومن غريب ما يحكي نفطويه، قال: إنه بالظاء المعجمة من باب ظأر بالهمز، ومنه الظئر: المرضعة، وجعل الكلمة مقلوبة فقدم الهمزة على الظاء (¬4). (أو لتقصرنه) بضم الصاد المهملة والراء، أي: تحبسوه (على) اتباع (الحق قصرًا) يقال: قصرت فلانًا على فعل الشيء. إذا حبسته على فعله، ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (3048)، "سنن ابن ماجه" (4006). (¬2) ذكره ابن الأثير في "النهاية" 1/ 53 وغيره. (¬3) ليست في (ل)، (م)، والمثبت من كتب اللغة. (¬4) "النهاية" 1/ 53.

وألزمته إياه، ومنعته من فعل غيره، والمراد: إنكم لا تخلصون من العذاب حتى تمنعوا الظلمة والفسقة من الظلم والفسق وتردوهم من الباطل إلى الحق. [4337] (ثنا خلف بن هشام) البغدادي المقرئ شيخ مسلم (ثنا أبو شهاب) عبد ربه بن نافع (الحناط) بفتح الحاء المهملة ونون، أخرج له الشيخان (عن العلاء بن المسيب) بن رافع الأسدي، أخرج له الشيخان (عن عمرو بن مرة، عن ابن عجلان) الأفطس الحراني، أخرج له البخاري (عن أبي عبيدة) عامر. (عن) أبيه عبد اللَّه (بن مسعود -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بنحوه) وزاد في هذِه الرواية (وليضربن) بفتح اللام وبفتح الباء الموحدة (اللَّه تعالى بقلوب بعضهم) أي: ضرب بسواد قلوب الظلمة والفسقة على قلوب بعض ممن لم يظلم ولم يفسق، فصار على قلوبهم كالحجاب الحاجز عنه الهداية والطاعة، فلا تصل إلى قلوبهم فيستوون حتى يعمهم اللَّه تعالى بعذاب من عنده (ثم) والذي نفسي بيده (ليلعننكم) بفتح لام جواب القسم وياء المضارعة والعين ونون التوكيد المثقلة. يعني: الذين تركوا النهي عن المنكر وصاحبوهم وخالطوهم (كما لعنهم) أي: كما لعن الذين كفروا وفسقوا على لسان داود وعيسى ابن مريم. (قال) المصنف: (رواه) عبد الرحمن (المحاربي) أخرج له الشيخان. (عن العلاء بن المسيب، عن عبد اللَّه بن عمرو بن مرة، عن سالم) بن عجلان (الأفطس) الحراني. (عن أبي عبيدة) عامر (عن) أبيه (عبد اللَّه) ابن مسعود، و (رواه

خالد) (¬1) بن عبد اللَّه الواسطي (الطحان) أحد العلماء (عن العلاء) بن المسيب (عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة) عن ابن مسعود. [4338] (حدثنا وهب بن بقية، عن خالد) الطحان (ح، وحدثنا عمرو ابن عون أنا هشيم المعنى، عن إسماعيل) بن أبي خالد سعد الأحمسي (عن قيس بن أبي حازم) عوف الأحمسي. (قال: قال أبو بكر) الصديق -رضي اللَّه عنه- (بعد أن حمد اللَّه تعالى وأثنى عليه) فيه ابتداء كل ذي بال بحمد اللَّه تعالى والثناء عليه والصلاة على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذِه الآية وتضعونها [على] (¬2) غير موضعها) زاد الترمذي وابن ماجه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} (¬3) ({عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}) احفظوها من ملامسة المعاصي فإنما ألزمكم اللَّه تعالى بها ({لَا يَضُرُّكُمْ}) ضلال ({مَنْ ضَلَّ}) عن الطاعة إلى المعصية ({إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}) أنتم. (قال) وهب (عن خالد) الطحان، وزاد: (وإنا) بتشديد النون (سمعنا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: إن الناس إذا رأوا الظلم) لفظ ابن ماجه: "إذا رأوا المنكر" (¬4) (فلم يأخذوا على يديه) أي يمنعوه من الظلم أو المنكر (أوشك) بفتح الهمزة والشين (أن يعمهم اللَّه تعالى بعقاب) من عنده. (وقال عمرو) بن عون (عن هشيم) بن بشير السلمي الواسطي وقال: ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) ساقطة من (ل)، (م)، أثبتناها من "السنن". (¬3) "سنن الترمذي" (2168، 3057)، "سنن ابن ماجه" (4005). (¬4) "سنن ابن ماجه" (4005).

(وإني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول (¬1) ما من قوم يعمل) بضم أوله، وفتح ثالثه (فيهم بالمعاصي، ثم يقدروا) كذا الرواية، والقاعدة في العربية ثم يقدرون كما سيأتي في الرواية الآتية (على أن يغيروا، ثم لم يغيروا) المعاصي (إلا يوشك) بضم الياء، وكسر الشين (أن يعمهم اللَّه تعالى منه بعقاب) ولفظ النسائي: إني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إن القوم إذا رأوا المنكر فلم يغيروه عمهم اللَّه تعالى بعقاب" (¬2). (قال) المصنف (ورواه -كما قال خالد-) الطحان (أبو أسامة) حماد ابن أسامة (وجماعة) كثيرة (وقال شعبة فيه) أي: في هذا الحديث (ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي) و (هم) يعني: من لم يعمل المعاصي بل عمل فيهم غيرهم (أكثر ممن يعمله) إلا أوشك أن يعمهم اللَّه تعالى منه بعقاب. وفي معنى هذِه الرواية ما رواه ابن ماجه عن أبي إسحق عن عبيد اللَّه ابن جرير عن أبيه قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أعز منهم وأمنع لا يغيرون إلا عمهم اللَّه بعقاب" (¬3) فإن معنى أعز وأمنع أي: أكثر قوة، والمراد واللَّه أعلم أن من لم يعمل إذا كانوا أكثر (¬4) ممن يعمل كانوا في الغالب قادرين على أن يغيروا المنكر كما سيأتي في الحديث بعده وكما تقدم. [4339] (ثنا مسدد، ثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي (ثنا أبو ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) "السنن الكبرى" 6/ 339. (¬3) "سنن ابن ماجه" (4009). ورواه أيضًا 4/ 361، 366. (¬4) ساقطة من (م).

إسحاق (¬1) عمرو بن عبد اللَّه السبيعي (عن ابن جرير) بفتح الجيم، قال المنذري: لم يسم، وقد روى المنذر بن جرير عن أبيه أحاديث، واحتج به مسلم (¬2) (عن جرير) بن عبد اللَّه البجلي. (قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: ما من رجل يكون في قوم يعمل) بضم أوله، وفتح ثالثه (فيهم بالمعاصي، يقدرون على أن يغيروا عليه) معصيته (فلا يغيروا إلا أصابهم اللَّه تعالى بعقاب) من عنده (من قبل أن يموتوا) المعنى: ما من رجل صالح يكون مقيمًا في قوم يعمل بعضهم المعاصي ويقدرون أن يغيروا على بعضهم العاصين معصيتهم، والرجل الصالح مقيم بينهم بين أظهرهم لا ينكر بقلبه، وينهى بلسانه، فإن لم يمنعوا ولا هجروا تلك البلدة وارتحل منها - كما في قصة أصحاب السبت حين هجروا وقالوا: لا نساكنكم. إلا عمه وإياهم العذاب، ثم بعثوا على نياتهم. زاد عماد ابن كثير على "أطراف شيخه المزي": رواه المنذر بن جرير عن أبيه رفعه (¬3). انتهى. وليس لمنذر بن جرير عن أبيه في أبي داود غير هذا الحديث، وحديث اللؤلؤي، وحديث: كنت مع جرير بالبوازيج فجاء الراعي (¬4). ذكره في اللقطة، وما قاله المنذري هنا غريب (¬5)، تقدم عنه أن ابن ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) "مختصر السنن" 6/ 187. (¬3) "التكميل في الجرح والتعديل" 1/ 182. (¬4) سلف برقم (1720). (¬5) في (ل، م): غريبًا.

جرير راوي هذا الحديث لم يسم اسمه، ثم قال بعده: وقد روى المنذر ابن جرير عن أبيه أحاديث، واحتج به مسلم. انتهى (¬1)، وهذا عجيب منه فإنه قال في "الترغيب والترهيب" عقب الحديث: رواه ابن ماجه وابن حبان والأصبهاني وغيرهم عن أبي إسحاق عن عبيد اللَّه بن جرير عن أبيه (¬2). ولهذا قال شيخنا الذهبي عن ابن جرير: كأنه عبيد اللَّه (¬3). ولعل المنذري رأى أن الذي روى عنه ابن ماجه وابن حبان والأصبهاني غير الذي روى عنه المصنف، وكذا فهمه المزي، فإنه ذكر في "الأطراف" في مسند جرير ابنَه عبيد اللَّه، وعزا لابن ماجه رواية هذا الحديث عنه، ثم في آخر الترجمة: وعن ابن لجرير عن جرير. وذكر هذا الحديث وعزاه للمصنف خاصة (¬4)، ومجموع هذِه الأحاديث على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يجب إلا للقادر، ومن القدرة على التغيير أن [يكون] (¬5) المنكر أكثر قوة وعددًا وأشد منعة حتى يقدر على منع من يريد المعصية وردعه بالفعل، ومن عجز عن ذلك فعليه هجرهم وترك مخالطتهم، فإن لم يرجعوا وإلا ارتحل عنهم إلى أرض اللَّه الواسعة. [4340] (ثنا محمد بن العلاء وهناد بن السري قالا: ثنا أبو معاوية) ¬

_ (¬1) "مختصر السنن" 6/ 187. (¬2) "الترغيب والترهيب" 3/ 161. (¬3) انظر: "تذهيب التهذيب" 11/ 10. (¬4) "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف" 2/ 426. (¬5) زيادة يقتضيها السياق.

محمد بن خازم الضرير. (عن الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء) أخرج له مسلم (عن أبيه) رجاء بن ربيعة الزبيدي الكوفي، أخرج له مسلم (عن أبي سعيد) الخدري -رضي اللَّه عنه- (ح، و) روى شعبة (¬1) (عن قيس (¬2) بن مسلم) الجدلي الكوفي. (عن طارق بن شهاب، عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول) وقد تقدم هذا الحديث بلفظه في كتاب صلاة العيدين في باب الخطبة بهذا المسند، فقال: عن أبي سعيد الخدري قال: أخرج مروان المنبر في يوم عيد، فبدأ بالخطبة قبل الصلاة، فقام رجل فقال: يا مروان خالفت السنة، أخرجت المنبر في يوم عيد، ولم يخرج فيه، وبدأت بالخطبة قبل الصلاة. فقال أبو سعيد الخدري: من هذا؟ قالوا: فلان بن فلان، فقال: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "من رأى منكم منكرا: " الحديث (¬3)، كما تقدم شرحه. [4341] (حدثنا أبو الربيع سليمان بن داود العتكي) شيخ الشيخين (ثنا عبد اللَّه (¬4) ابن المبارك) بن واضح المروزي (عن عتبة بن أبي حكيم الهمداني) بسكون الميم الشامي صدوق، وثقه غير واحد، لكنه يخطئ كثيرًا. ¬

_ (¬1) كذا في الأصول، وصوابه: (الأعمش). (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) سلف برقم (1140). (¬4) فوقها في (ل): (ع).

(حدثني عمرو بن جارية) بالجيم (اللخمي) بسكون الخاء المعجمة، نسبة إلى لخم، قبيلة من اليمن، وهو مقبول (حدثني أبو أمية) بتشديد المثناة تحت، واسمه يُحْمِد بضم المثناة تحت، وسكون الحاء المهملة وكسر الميم. وقيل: بفتح أوله والميم (الشعباني) بفتح الشين المعجمة، وسكون المهملة، وتخفيف الموحدة، نسبة إلى شعبان بن عمرو بن قيس، قبيلة من حمير، وهو ثقة شامي. (قال: سألت أبا ثعلبة) جرثوم (الخشني -رضي اللَّه عنه- فقلت: يا أبا ثعلبة كيف تقول في هذِه الآية) {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} ({عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}؟ ) {لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} (قال: أما) بتخفيف الميم (واللَّه لقد سألت عنها خبيرًا) ثم فسر الخبير (سألت عنها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) وفي هذا إشارة إلى أن هذِه الآية مما ينبغي السؤال والبحث عنها والتفتيش عما يراد بها، وفيه أن السائل عنها وعن غيرها لا يسأل إلا من يكون عارفا خبيرًا بما يسأل عنه، ويجوز أن ينصب (خبيرًا) على الحال، أي: أسأل عنها في حال كون المسؤول خبيرًا بكل شيء، عالمًا به، كاملًا في العلوم، كقوله تعالى: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} (¬1). (فقال: بل) حرف إضراب من إطلاق معنى الآية إلى تقييدها بغاية ينتهى إليها، والمعنى: لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتلزموا أمر أنفسكم فقط. (بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت) ما يأتي وصفه فعليك بخاصة نفسك، الزمها دون غيرها (شحًّا) بخلًا (مطاعًا) مفعول من أطاع. يعني: إذا بلغ الناس في ¬

_ (¬1) الفرقان: 59.

البخل أن يطيعوه ويعملوا به في منع الحقوق الواجبة وفروض الكفاية والمرغب فيها كالكفارات والزكوات وتجهيز الموتى والمرغب فيه كصدقة التطوع وما أشبه ذلك، وإطعام الجائع، وكسوة العاري، وصلة الرحم، وإكرام الضيف، ونحو ذلك. (وهوًى متبعًا) أي: يتبع كل أحد هوى نفسه فيما تأمره به من سوء في مأكول ومشروب وملبوس ومنكوح وغير ذلك من المستلذات (ودنيا مؤثَرة) بسكون الهمزة، وفتح المثلثة، أي: يختار الناس الحياة الدنيا الفانية، كالإكثار من جمع المال والمواشي والأبنية وغير ذلك؛ لأنها عجلت لهم أطعمتها وأسقيتها ونساؤها على نظير ذلك مما يدخر لهم في الآخرة (وإعجاب كل ذي رأي برأيه) فيرى ما يظهر من الرأي من تلقاء نفسه حسنًا، وإن لم يكن في الشرع حسنًا، ولا يراجع العلماء فيما يحتاج إلى فعله، ولا يزنه بميزان الشرع إن كان عالمًا، بل يرى كل آرائه صوابًا من غير دليل شرعي. وفي هذا رد على المعتزلة في قولهم: إن العقل يحسن ويقبح - زاد البغوي في "شرح السنة" و"المصابيح": "ورأيت أمرًا لا بد لك منه" (¬1)، ولفظ ابن ماجه "لا يدان لك" (¬2) والمراد، ورأيت أمرًا لا بد لك أن تقع فيه إن خالطتهم. (فعليك) يعني: حينئذٍ (بنفسك) توضحه رواية الترمذي: "فعليك بخاصة نفسك" (¬3) يعني: مرها بالمعروف وانهها عن المنكر (ودع ¬

_ (¬1) "شرح السنة" 14/ 347. (¬2) "سنن ابن ماجه" (4014). (¬3) "سنن الترمذي" (3058).

عنك) أمر (العوام) بتشديد الميم، فإنهم لا ينفع فيهم أمر بمعروف ولا نهي عن منكر (فإن من ورائكم) أي: قدامكم وأمامكم، فهو كقوله تعالى: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ} (¬1)، وقوله تعالى: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ} (¬2) (أيام) بالنصب ويجوز الرفع. (الصبر) مضاف إليه أي: لا طريق لكم في ذلك الزمان الذي يظهر فيه المنكر وينكر فيه المعروف إلا الصبر على البلاء الذي يصيبكم (الصبر) بالرفع مبتدأ (فيه) أي: صبر المتمسك فيه على دينه يشق عليه ويتأذى ممن ينهاه عن المنكر (مثل) صبر (من يقبض) (¬3) بيده (على الجمر) من النار لما يلحقه من عظم المشقة (للعامل فيهم) أي: في أهل ذلك الزمان. وللترمذي وابن ماجه: "للعامل فيهن" (¬4) أي: في تلك الأيام من الأجر الكثير (مثل) بالرفع (أجر خمسين رجلًا يعملون مثل عمله) ولما كان الضمير في (عمله) مبهما فيما يعود، سألوه عن البيان. قال عبد اللَّه ابن المبارك: (وزادني غيره) أي: غير عتبة بن أبي حكيم الهمداني. (قال) أبو ثعلبة: (يا رسول اللَّه) أ (أجر خمسين) رجلًا (منهم؟ ) أو منا (قال: أجر خمسين رجلًا منكم) أي: من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- لقلة من يساعده ويعينه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيره من شرائع الدين، وكثرة من يتعرض لأذاه باللسان واليد لقيامه بالحق. ¬

_ (¬1) المؤمنون: 100. (¬2) الكهف: 79. (¬3) بعدها في (ل)، (م): مثل قبض. ولعلها نسخة. (¬4) "سنن الترمذي" (3058)، "سنن ابن ماجه" (4014).

[4342] (ثنا) عبد اللَّه (القعنبي أن عبد العزيز بن أبي حازم) المديني (حدثهم عن أبيه) سلمة بن دينار المديني الأعرج، (عن عمارة بن عمرو) ابن حزم الأنصاري وثق. (عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي اللَّه عنهما أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: كيف (¬1) بكم وبزمان أو) شك من الراوي (يوشك) بضم الشين أي: يشرع (أن يأتي زمان يغربل) مبني للمفعول (الناس غربلة) هو عبارة عن موت الأخيار وبقاء الأشرار الأراذل، والشيء المغربل المنقى، كأنه نقي بالغربال ومنه حديث مكحول: أتيت الشام فغربلتها (¬2). أي: كشفت حال من بها من العلماء الأخيار وخيرتهم، كأنه جعلهم في غربال فانتقى الجيد من الرديء وفرق بينهما. (تبقى حثالة) بضم الحاء المهملة وتخفيف الثاء المثلثة (من الناس) وهي الرديء الساقط من كل شيء قشر، ومنه حثالة الشعير والأرز والتمر وكل ذي قشر ومنه الحديث أنه قال لعبد اللَّه بن عمرو (¬3): "كيف أنت إذا بقيت في حثالة من الناس" (¬4). ويقال: حثالة وحفالة بالثاء المثلثة والفاء معًا. وروى ابن ماجه عن أبي هريرة قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- "لتنتقون كما ينقى التمر من أغفاله وليذهبن خياركم وليبقين شراركم فموتوا إن استطعتم" (¬5). ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) سلف برقم (2759). وصححه الحاكم في "المستدرك" 2/ 134. (¬3) في (ل)، و (م): عمر، والمثبت من مصادر التخريج. (¬4) رواه البخاري (480). (¬5) "سنن ابن ماجه" (4038). وانظر: "الصحيحة" (1781).

وخرج البخاري عن مرداس الأسلمي قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يذهب الصالحون الأول فالأول ويبقى حفالة كحفالة الشعير والتمر لا يباليهم اللَّه بالة" (¬1) وفي رواية: "لا يعبأ اللَّه بهم" (¬2). (قد مرجت) بفتح الميم وكسر الراء، والجيم، أي: اختلطت واختلفت (عهودهم و) فشلت وخفت (أماناتهم) ومنه حديث: "كيف أنتم إذا مرج الدين" (¬3) أي: فسد وتلفت أسبابه. (فاختلفوا) فيما بينهم (فكانوا هكذا) ولفظ النسائي: "خفت أماناتهم وكانوا هكذا وهكذا" (¬4) (وشبك بين أصَابعه)، تشبيك الأصابع كناية عن ملابسة الخصومات والدخول والخوض فيها، كما تدخل الأصابع بعضها في بعض. (فقالوا: كيف بنا) يوضحه رواية النسائي: كيف نصنع عند ذلك (¬5) (يا رسول اللَّه؟ ) جعلنا اللَّه فداك، وزاد النسائي: (قال: ) "الْزَم بيتك واملِك (¬6) عليك لسانك" (¬7) (وتأخذون) من الشريعة (ما تعرفون ¬

_ (¬1) البخاري (6434). (¬2) البخاري (4156). (¬3) رواه أحمد 6/ 333، وابن وضاح في "البدع" (228)، والدينوري في "المجالسة وجواهر العلم" 8/ 55 (3362)، والطبراني 24/ 10 (14)، 24/ 26 (67) من حديث ميمونة. وصححه الألباني في "الصحيحة" (2744). (¬4) هو الحديث التالي (4343)، وهو في "عمل اليوم والليلة" لابن السني (439). (¬5) "السنن الكبرى" 6/ 59. (¬6) في (م): وأمسك. (¬7) "السنن الكبرى" 6/ 59.

وتذرون) أي: تتركون (ما تنكرون) من أحكام الشريعة (وتقبلون على) عمل ما (أمر) تم به في (خاصتكم) أي: خاصة أنفسكم (وتذرون أمر عامتكم) أي: تتركون الأمر الذي يتعلق بغيركم من عامة الناس كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك. [4343] (ثنا هارون بن عبد اللَّه) بن مروان البغدادي شيخ مسلم، (ثنا الفضل بن دكين، ثنا يونس بن أبي إسحاق) [أبو] (¬1) إسرائيل السبيعي الكوفي، أخرج له مسلم (عن هلال بن خباب) بفتح الخاء المعجمة، وتشديد الموحدة الأولى (أبي العلاء) العبدي مولاهم البصري ثقة. (قال: حدثني عكرمة، قال: حدثني عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي اللَّه عنهما قال: بينما نحن حول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذ ذكر) أمر (الفتنة التي في آخر الزمان) من أمارات الساعة (فقال: إذا رأيتم الناس قد مرجت عهودهم) لعل العهد هنا هو حفظ الدين ورعاية حرمته (وخفت) وقلت (أماناتهم وكانوا هكذا) وهكذا (وشبك بين أصابعه) كما تقدم، (قال: فقمت إليه فقلت: كيف أفعل عند ذلك؟ ) يا رسول اللَّه (جعلني اللَّه تعالى فداك) فيما يطرأ من المكاره (قال: الزم بيتك) لا تخرج منه إلا لحاجة أكيدة (واملك) بكسر اللام (عليك لسانك) أي: أمسكه عما لا يعنيك ولا تخرجه من فيك وتجره إلا بما يكون لك لا عليك. وللطبراني "طوبى لمن ملك لسانه" (¬2) (وخذ ما تعرف) من أمورك ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل، م)، والمثبت من مصادر ترجمته. (¬2) "المعجم الأوسط" 3/ 21 (2340)، "المعجم الصغير" 1/ 140 (212)، "مسند الشاميين" 1/ 313 (548 - 549) من حديث ثوبان. =

(ودع ما تنكر) من أحوالك (وعليك بأمر خاصة) بتشديد الصاد (نفسك ودع عنك أمر العامة) أي: اعتزل عن عامة الناس واعمل بما تختص به دون غيرك، وتثبت في الفتن ما استطعت. [4344] (ثنا محمد بن عبادة) بفتح العين المهملة والباء الموحدة (الواسطي) شيخ البخاري، (ثنا يزيد بن هارون) السلمي الواسطي (ثنا إسرائيل، ثنا محمد بن جحادة) بضم الجيم (عن عطية) بن سعد (العوفي) أبي الحسن. قال الحافظ ابن حجر: صدوق يخطئ كثيرًا (¬1). (عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه-، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أفضل الجهاد) وفي رواية للترمذي: "إن من أعظم الجهاد" (¬2) (كلمة عدل عند سلطان) قيل: إنما صار أفضل الجهاد؛ لأن من جاهد العدو مترددًا بين رجاء وخوف، فلا يدري هل يغلب العدو أو يغلب، والمتكلم بما يغضب السلطان الظالم مقهور في يده فهو إذا قال الحق في النهي عن الظلم متعرض للتلف والهلاك، فصار ذلك أفضل أنواع الجهاد من أجل غلبة الخوف. قلت: والأظهر أن فيه (من) التبعيضية مقدرة، والتقدير: من أفضل الجهاد، بدليل رواية الترمذي: "إن من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان" (¬3)، ونظيره قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" (¬4) فإن ¬

_ = قال الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (2740، 2855): حسن لغيره. (¬1) "تقريب التهذيب" (4616). (¬2) "سنن الترمذي" (2174). (¬3) "سنن الترمذي" (2174). (¬4) رواه البخاري (5027) من حديث عثمان.

التقدير: من خيركم من تعلم القرآن وعلمه. (جائر) الجور في الحكم هو: الظلم (أو) قال: عند (أمير جائر) وروى أبو الشيخ ابن حيان من حديث جابر: "سيد الشهداء حمزة ابن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه، فقتله" (¬1). [4345] (ثنا محمد بن العلاء، ثنا أبو بكر) بن عياش الكوفي (المقرئ) أخرج له البخاري (ثنا مغيرة بن زياد) البجلي (الموصلي) قال جماعة عن ابن معين: ثقة (¬2). وقال المصنف: صالح. (عن عدي (¬3) بن عدي) بن عميرة بفتح العين، الكندي، ثقة، ناسك، فقيه (عن العرس) بضم العين المهملة وسكون الراء بعدها سين مهملة، وهو ابن عميرة بفتح العين الكندي، أخو عدي وهو صحابي، العرس هذا والعرس بن قيس صحابيان. (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) لم يرو للعرس من الكتب الستة سوى المصنف هذا الحديث خاصة (إذا عملت) بضم العين (الخطيئة في الأرض كان من شهدها) أي: حضرها (فكرهها. وقال مرة) أخرى (أنكرها) ورواية ابن عدي عن أبي هريرة: "من حضر معصية فكرهها" (¬4) قال الغزالي: ¬

_ (¬1) رواه الحاكم في "المستدرك" 3/ 195 وصححه. وصححه أيضًا الألباني في "الصحيحة" (374). (¬2) "تاريخ ابن معين" رواية الدوري 4/ 411 (5029). (¬3) فوقها في (ل): (س، ق). (¬4) "الكامل في ضعفاء الرجال" 9/ 82 - 83. ورواه أيضًا البيهقي 7/ 266 وقال: تفرد به يحيى بن أبي سليمان وليس بالقوي. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (5559).

معنى الحديث أن يحضر لحاجة ويتفق جريانها بين يديه، فأما الحضور قصدًا فممنوع بدليل الحديث المتقدم: "ما من قوم عملوا المعاصي، وفيهم من يقدر أن ينكر عليهم فلم يفعل إلا يوشك أن يعمهم اللَّه بعذاب من عنده" انتهى (¬1). والمراد أن يكرهها بقلبه، والأفضل أن يضيف إلى القلب اللسان، فيقول: اللهم إن هذا منكر لا أرتضيه. أو يقول كما حكاه اللَّه تعالى: {أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ}. يعني: من كذا وكذا، كما تقدم في الحديث؛ حيث لم يقدر على إبطاله. (كمن غاب عنها) وكرهها (ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها) ولابن عدي: "ومن غاب عنها فأحبها كان كمن حضرها" (¬2) يعني: في مشاركة إثم المعصية، وإن بعدت المسافة بينهما، والصورة الأولى فيها إعطاء الموجود حكم المعدوم [والثانية فيها حكم المعدوم] (¬3) حكم الموجود. [4346] (ثنا أحمد) بن عبد اللَّه (بن يونس) اليربوعي (ثنا أبو شهاب) الأصغر واسمه عبد ربه بن نافع الحناط الكوفي، نزيل المدائن (عن [معاوية] (¬4) بن زياد) تابعي (عن عدي بن عدي) تقدم هو ابن عميرة ابن أخي العرس (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) كما تقدم (نحوه) بفتح الواو. ¬

_ (¬1) "إحياء علوم الدين" 2/ 309. (¬2) تقدم تخريجه قبل حديث. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) كذا في الأصول، وهو خطأ، صوابه: (المغيرة) انظر: "تهذيب الكمال" 28/ 359.

و (قال: ) في هذِه الرواية (من شهدها) أي: حضرها (فكرهها) من غير شك (كان كمن غاب عنها) وفيه أنه يتعين على المكلف أن يغيب عن مكان الظلم والمعصية. قال الغزالي: لا يجوز حضور المواضع التي يشاهد فيها المنكر، ولا يقدر على تغييره (¬1). [4347] (ثنا سليمان بن حرب) قاضي مكة (وحفص بن عمر قالا: ثنا شعبة وهذا لفظه عن عمرو بن مرة عن أبي البختري) (¬2) بفتح الموحدة وسكون الخاء المعجمة وفتح المثناة فوق، وهو سعيد بن فيروز الطائي مولاهم الكوفي. (قال: أخبرني من سمع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقال سليمان: ) بن حرب (قال: حدثني رجل من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: لن يهلك الناس حتى يَعْذِروا أو يُعْذِروا) شك من الراوي. قال في "الفائق": يجوز ضم الياء وفتحها (¬3) (من أنفسهم) يقال: أعذر فلان من نفسه: إذا أمكن منها، يعني: أنهم لا يهلكون حتى تكثر ذنوبهم وعيبوهم فيستوجبون العقوبة، ويكون لمن يعذبهم عذر، كأنهم قاموا بعذره في ذلك، ومن فتح الياء فهو من عذرته، وهو بمعناه، وحقيقة عذرت: محوت الإساءة وطمستها، ويجوز مع ضم الياء فتح الذال وكسرها، فأما كسر الذال فمن أعذر، أي: صار ذا ذنب، محتاج إلى العذر، يعني: لن يهلك الناس حتى تكثر ذنوبهم ¬

_ (¬1) "إحياء علوم الدين" 2/ 342. (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) "الفائق في غريب الحديث" 2/ 401.

[ومن معناها التبيين] (¬1) أي: حتى تكثر ذنوب أنفسهم لا ذنوب غيرهم. وأما فتح الذال فهو مضارع المجهول مِنْ أُعذر إذا أزال عذر أحد، يعني: جعلهم اللَّه بحيث لا يقدرون على العذر، بأن يبعث لهم الرسل، ويبين لهم الرشاد من الضلال، والحرام من الحلال ولم يؤمنوا، أو آمنوا إلا أنهم أكثروا الذنوب ولم يتوبوا، فحينئذٍ أهلكهم. قال الإمام التوربشتي: عذر وأعذر. إذا كثرت ذنوبه. ولفظ الحديث: (يَعذروا أو (¬2) يُعذروا) من الإعذار، بذلك يروونه، ويجوز فيه فتح المضارعة. * * * ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) في (ل)، (م): على. والمثبت من "سنن أبي داود". وهو الموافق لما سبق.

18 - باب قيام الساعة

18 - باب قيامِ السّاعَةِ 4348 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْري، قالَ: أَخْبَرَني سالِمُ بْن عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو بَكْرِ بْن سُلَيْمانَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قالَ: صَلَّى بِنا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- ذاتَ لَيْلَةٍ صَلاةَ العِشاءِ في آخِرِ حَياتِهِ فَلَمّا سَلَّمَ قامَ فَقالَ: "أَرَأَيْتُمْ لَيْلَتَكُمْ هذِه فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِئَةِ سَنَةٍ مِنْها لا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ". قالَ ابن عُمَرَ: فَوَهَلَ النّاسُ في مَقالَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- تِلْكَ فِيما يَتَحَدَّثُونَ، عَنْ هذِه الأَحادِيثِ عَنْ مِئَةِ سَنَةٍ وَإِنَّما قالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ اليَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ، يُرِيدُ أَنْ يَنْخَرِمَ ذَلِكَ القَرْن (¬1). 4349 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنا حَجّاجُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، حَدَّثَني مُعاوِيَةُ بْنُ صالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي ثَعْلَبَةَ الخُشَني قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَنْ يَعْجِزَ اللَّهُ هذِه الأُمَّةَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ" (¬2). 4350 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عُثْمانَ، حَدَّثَنا أَبُو المُغِيرَةِ، حَدَّثَني صَفْوانُ، عَنْ شُرَيْحِ ابْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبي وَقّاصٍ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِنّي لأَرْجُو أَنْ لا تُعْجِزَ أُمَّتي عِنْدَ رَبِّها أَنْ يُؤَخِّرَهُمْ نِصْفَ يَوْمٍ". قِيلَ لِسَعْدٍ: وَكَمْ نِصْفُ يَوْمٍ؟ قالَ: خَمْسُمِئَةِ سَنَةٍ (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (116)، ومسلم (2537). (¬2) رواه الطبري في "تاريخه" 1/ 16، والطبراني 22/ 215 - 216 (576). وصححه الألباني في "الصحيحة" (1643). (¬3) رواه أحمد 1/ 170، والحاكم 4/ 470. وصححه الألباني.

[4348] (ثنا أحمد بن حنبل، ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري قال: أخبرني سالم بن عبد اللَّه) بن عمر (وأبو بكر بن سليمان) بن أبي خيثمة القرشي أخرج له الشيخان. (أن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما قال: صلى بنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذات ليلة صلاة العشاء) وفي بعض نسخ (¬1) البخاري: صلاة العشاء وهي التي يدعو الناس العتمة ثم انصرف فأقبل علينا فقال: "أرأيتكم ليلتكم هذِه" (¬2) (في آخر حياته) قال القرطبي: أخبر قبل موته بشهر (¬3). وقد صرح به مسلم في رواية جابر (¬4). (فلما سلم من صلاته قام فقال) استدل لما قاله عليه السلام في هذا الحديث على ما بوب عليه، فقال: باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء (¬5). وفي هذا التبويب: (والخير) [ما يدل] (¬6) على أن السمر المنهي عنه إنما هو فيما لا ينبغي من الباطل واللغو. (أرأيتكم ليلتكم هذِه، فإن على رأس مئة سنة منها) وفي رواية مسلم: عن جابر أنه سمع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قبل وفاته بشهر يقول: "ما من نفس منفوسة اليوم تأتي عليها مئة سنة وهي حية يومئذ" (¬7) وفي رواية له قال ذلك لما ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل). (¬2) البخاري (564). (¬3) "المفهم" 6/ 489 - 490. (¬4) مسلم (2538). (¬5) البخاري (600). (¬6) ليست في (ل)، (م): والسياق يقتضيها. (¬7) مسلم (2538).

رجع من تبوك (¬1)، والأحاديث يفسر بعضها بعضًا. (لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد) وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة بإخباره عن المغيبات التي لم تحدث، والمراد أن كل نفس منفوسة كانت تلك الليلة على الأرض لا تعيش بعدها أكثر من مئة سنة، سواء قل عمرها قبل ذلك أم لا، وليس فيه نفي عيش أحد (¬2) يوجد بعد تلك الليلة فوق مئة سنة، ومعنى "نفس منفوسة" أي: مولودة. وفيه احتراز من الملائكة. وقد احتج بهذِه الأحاديث من شذ من المحدثين فقال: الخضر ميت. والجمهور على حياته، وتأولوا هذا الحديث على أنه كان في البحر لا على وجه الأرض، وأن الحديث عام مخصوص. قال القرطبي في قوله في رواية مسلم: "نفس منفوسة": أراد بني آدم، ولا يتناول هذا الملائكة ولا الجن؛ إذ لم يصح عنهم أنهم كذلك ولا الحيوان غير العاقل إذ قد قال في الحديث: (على وجه الأرض)، وهذا إنما يقال بأصل وضعه على من يعقل، فتعين أن المراد بنو آدم. قال: والخضر وإن كان حيًّا كما يقال فليس مشاهدًا للناس، ولا ممن يخالطهم حتى يخطر ببالهم حالة مخاطبتهم، فمثل هذا العموم لا يتناول عيسى ابن مريم عليه السلام؛ لأنه حي بنص القرآن ومعناه، وكذا لم يتناول الدجال مع أنه حي؛ بدليل ما تقدم من حديث الجساسة، وقد يقال: لم يتناول هذا العموم عيسى عليه السلام؛ لأن اللَّه قد رفعه، فليس على ظهر الأرض، ¬

_ (¬1) مسلم (2539/ 219). (¬2) ساقطة من (م).

والألف واللام في قوله: (على وجه الأرض) للعهد، ليست للجنس؛ لأن الأرض التي يتخاطبون بها ويخبرون عن الكون فيها هي أرض العرب دون يأجوج ومأجوج وأقاصي جزائر المسند والهند مما لا يعلم علمه (¬1). (قال عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما: فوهل) بفتح الهاء (الناس) أي: غلطوا، يقال: وهل. بفتح الهاء يهل بكسرها وهلًا، كضرب يضرب ضربًا، أي: غلط وذهب وهمه إلى خلاف الصواب، وأما وهلت بكسر الهاء أوهل بفتحها وهلًا بفتحها فمعناه: فزعت (في مقالة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، تلك فيما يتحدثون عن هذِه الأحاديث عن مئة سنة) والمراد بها (وإنما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض. يريد) بذلك (أن ينخرم ذلك القرن) أي: ينقطع وينقضي، وقد رفع الصحابي، وهو ابن عمر إشكال الحديث بقوله هذا، وقد جاء في مسلم من حديث جابر بلفظ (¬2) لا إشكال فيه، فقال: "ما من نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مئة سنة وهي حية يومئذٍ" (¬3) وهذا صريح في المراد. [4349] (ثنا موسى بن سهل) الرملي، شامي الأصل، ثقة (ثنا حجاج بن إبراهيم) الأزرق البغدادي، نزيل طرسوس ومصر، ثقة (ثنا) عبد اللَّه (ابن وهب، حدثني معاوية بن صالح) بن حدير الحمصي، ¬

_ (¬1) "المفهم" 6/ 490. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) مسلم (2538).

قاضي الأندلس، أخرج له مسلم (عن عبد الرحمن بن جبير) أخرج له مسلم في غير موضع (عن أبيه) جبير بن نفير الحضرمي، أخرج له مسلم. (عن أبي ثعلبة) جرثوم (الخشني -رضي اللَّه عنه-: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لن يُعجز) بضم الياء وكسر الجيم (اللَّه هذِه الأمة) المراد به أغنياؤها كما سيأتي في الحديث بعده، (من نصف يوم) وهو خمسمئة كما سيأتي بعده. [4350] (ثنا عمرو بن عثمان) بن سعيد الحمصي، صدوق حافظ (ثنا أبو (¬1) المغيرة) عبد القدوس بن الحجاج الخولاني (حدثني صفوان) بن عمرو بن هرم السكسكي، أخرج له البخاري في "الأدب" والباقون (عن شريح بن عبيد) الشامي الحمصي، قال النسائي: ثقة (¬2) (عن سعد بن أبي وقاص -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إني لأرجو أن لا يعجز) بفتح الياء وكسر الجيم، يقال: عجز عن الشيء عجزًا كضربَ يَضربُ ضربًا، وأعجزه الشيء، وأعجزت زيدًا وجدته عاجزًا (أمتي) أي: لا يعجز أغنياء أمتي عن الصبر على الوقوف للحساب (عند ربها أن) بفتح الهمزة وسكون النون (يؤخرهم) عن لحاق فقراء أمتي السابقين إلى الجنة (نصف يوم) من أيام الآخرة. (قيل لسعد: ) بن أبي وقاص (وكم نصف ذلك اليوم؟ ) الذي ذكرته (قال: خمسمئة سنة) تمسك الطبري بهذا الحديث على أنه بقي من الدنيا بعد هجرة المصطفى نصف يوم، وهو خمسمئة سنة، قال: ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 12/ 446 (2726).

وتقوم الساعة ويعود الأمر إلى ما كان قبل أن يكون شيء غير الباري ولم يبق غير وجهه. ورد عليه الداودي قال: وقت الساعة لا يعلمه إلا اللَّه، ويكفي في الرد عليه أن الأمر بخلاف قوله: فقد مضت خمسمئة وثلاثمئة، لكن حديث أبي داود ليس صريحًا في أنها لا تؤخر أكثر من ذلك، واللَّه أعلم. كما قال: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} (¬1) يعني من عددكم، فإن هذا اليوم الذي هو كألف سنة [مما تعدون] (¬2) بالنسبة إلى الكفار قليل، فإن مقداره عليهم خمسون (¬3) ألف سنة، وإنه ليخفف على من اختاره اللَّه تعالى حتى يصير كمقدار ركعتي الفجر المسنونة. وهذا آخر (كتاب الملاحم) بحمد اللَّه تعالى ذي الفضائل والمراحم، وصلى اللَّه على سيدنا محمد البشير النذير الفاتح الخاتم، وصلى اللَّه على محمد وآله وسلم يتلوه كتاب الحدود * * * ¬

_ (¬1) الحج: 47. (¬2) ساقطة من (ل). (¬3) في (ل، م): خمسين. والجادة ما أثبتناه.

كتاب الحدود

كتاب الحدود

1 - باب الحكم فيمن ارتد

39 - الحدود 1 - باب الحُكْمِ فِيمَنِ ارْتَدَّ 4351 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بْنُ إِبْراهِيمَ، أَخْبَرَنا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ عَلِيّا عليه السلام أَحْرَقَ ناسًا ارْتَدُّوا عَنِ الإِسْلام فَبَلَغَ ذَلِكَ ابن عَبّاسٍ فَقالَ: لَمْ أَكُنْ لأَحْرِقَهُمْ بِالنّارِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "لا تُعَذِّبُوا بِعَذابِ اللَّهِ". وَكُنْتُ قاتِلَهُمْ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فاقْتُلُوهُ". فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيّا عليه السلام فَقالَ: وَيْحَ ابن عَبّاسٍ (¬1). 4352 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: قالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يَحِلُّ دَمُ رَجُلٍ مُسْلِم يَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللَّهُ وَأَنّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدى ثَلاثٍ الثَّيِّبُ الزّاني والنَّفْسُ بِالنَّفْسِ والتّارِكُ لِدِينِهِ المُفارِقُ لِلْجَماعَةِ" (¬2). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3017). (¬2) رواه البخاري (6878)، ومسلم (1676).

4353 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سِنانٍ الباهِلي، حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ طَهْمانَ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدى ثَلاثٍ رَجُلٌ زَنَى بَعْدَ إِحْصانٍ فَإِنَّهُ يُرْجَمُ وَرَجُلٌ خَرَجَ مُحارِبًا للَّه وَرَسُولِهِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ أَوْ يُصْلَبُ أَوْ يُنْفَى مِنَ الأَرْضِ أَوْ يَقْتُلُ نَفْسًا فَيُقْتَلُ بِها" (¬1). 4354 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمُسَدَّدٌ قالا: حَدَّثَنا يَحْيَى بْن سَعِيدٍ -قالَ مُسَدَّدٌ- حَدَّثَنا قُرَّة بْن خالِدٍ قالَ: حَدَّثَنا حُمَيْدُ بْن هِلالٍ، حَدَّثَنا أَبُو بُرْدَةَ قالَ: قالَ أَبُو مُوسَى أَقْبَلْتُ إِلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وَمَعي رَجُلانِ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ أَحَدُهُما عَنْ يَمِيني والآخَرُ عَنْ يَساري فَكِلاهُما سَأَلَ العَمَلَ والنَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ساكِتٌ فَقالَ: "ما تَقُولُ يا أَبا مُوسَى". أَوْ: "يا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ". قُلْتُ: والَّذي بَعَثَكَ بِالحَقِّ ما أَطْلَعاني عَلَى ما في أَنْفُسِهِما وَما شَعَرْتُ أَنَّهُما يَطْلُبانِ العَمَلَ. قالَ: وَكَأنّي أَنْظُرُ إِلَى سِواكِهِ تَحْتَ شَفَتِهِ قَلَصَتْ قالَ: "لَنْ نَسْتَعْمِلَ -أَوْ لا نَسْتَعْمِلُ- عَلَى عَمَلِنا مَنْ أَرادَهُ ولكن اذْهَبْ أَنْتَ يا أَبا مُوسَى أَوْ يا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ". فَبَعَثَهُ عَلَى اليَمَنِ ثمَّ أَتْبَعَهُ مُعاذَ بْنَ جَبَلٍ قالَ: فَلَمّا قَدِمَ عَلَيْهِ مُعاذٌ قالَ انْزِلْ. وَأَلْقَى لَهُ وِسادَةً فَإِذا رَجُلٌ عِنْدَهُ مُوثَقٌ قالَ: ما هذا؟ قالَ: هذا كانَ يَهُودِيّا فَأَسْلَمَ، ثُمَّ راجَعَ دِينَهُ دِينَ السُّوءِ. قالَ: لا أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ قَضاء اللَّهِ وَرَسُولِهِ. قالَ: اجْلِسْ نَعَمْ. قالَ: لا أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ قَضاءُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. ثَلاثَ مَرّاتٍ فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ، ثمَّ تَذاكَرا قِيامَ اللَّيْلِ فَقالَ أَحَدُهُما مُعاذُ بْن جَبَلٍ أَمّا أَنا فَأَنامُ وَأقُومُ -أَوْ أَقُومُ وَأَنامُ- وَأَرْجُو في نَوْمَتي ما أَرْجُو في قَوْمَتَي (¬2). 4355 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلي، حَدَّثَنا الحِمّاني -يَعْني عَبْدَ الحَمِيدِ بْنَ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1676). (¬2) رواه البخاري (6923)، ومسلم (1733/ 15) كتاب الإمارة.

عَبْدِ الرَّحْمَنِ- عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى وَبُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي بُرْدَةَ، عَنْ أَبي بُرْدَةَ، عَنْ أَبي مُوسَى قالَ: قَدِمَ عَلي مُعاذٌ وَأَنا بِاليَمَنِ وَرَجُلٌ كانَ يَهُودِيّا فَأَسْلَمَ فارْتَدَّ عَنِ الإِسْلامِ فَلَمّا قَدِمَ مُعاذٌ قالَ: لا أَنْزِلُ عَنْ دابَّتي حَتَّى يُقْتَلَ. فَقُتِلَ. قالَ أَحَدُهُما: وَكانَ قَدِ اسْتُتِيبَ قَبْلَ ذَلِكَ (¬1). 4356 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن العَلاءِ، حَدَّثَنا حَفْصٌ، حَدَّثَنا الشَّيْباني، عَنْ أَبي بُرْدَةَ بهذِه القِصَّةِ قالَ: فَأُتي أَبُو مُوسَى بِرَجُلٍ قَدِ ارْتَدَّ، عَنِ الإِسْلامِ فَدَعاهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْها فَجاءَ مُعاذٌ فَدَعاة فَأَبَى فَضرِبَ عُنُقُهُ. قالَ أَبُو داوُدَ: وَرَواهُ عَبْدُ المَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبي بُرْدَةَ لَمْ يَذْكر الاسْتِتابَةَ، وَرَواهُ ابن فضَيْلٍ عَنِ الشَّيْباني عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي مُوسَى وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الاسْتِتابَةَ (¬2). 4357 - حَدَّثَنا ابن مُعاذٍ، حَدَّثَنا أَبي، حَدَّثَنا المَسْعُودي، عَنِ القاسِم بهذِه القِصَّةِ قالَ: فَلَمْ يَنْزِلْ حَتَّى ضُرِبَ عُنُقُهُ وَما اسْتَتابَهُ (¬3). 4358 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن مُحَمَّدٍ المَرْوَزي، حَدَّثَنا عَلي بْن الحُسَيْنِ بْنِ واقِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوي عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: كانَ عَبْدُ اللَّهِ بْن سَعْدِ بْنِ أَبي سَرْحٍ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فأَزَلَّهُ الشَّيطانُ فَلَحِقَ بِالكُفّارِ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْ يُقْتَلَ يَوْمَ الفَتْحِ فاسْتَجارَ لَهُ عُثْمان بْن عَفّانَ فَأَجارَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬4). 4359 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ المفَضَّلِ، حَدَّثَنا أَسْباطُ بْنُ نَصْرٍ قالَ: زَعَمَ السُّدّي، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعْدٍ قالَ: لَمّا كانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ ¬

_ (¬1) انظر حديث رقم (4354). (¬2) انظر حديث رقم (4354). (¬3) انظر حديث رقم (4354). (¬4) رواه النسائي 7/ 107، والبيهقي 8/ 196. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود".

اخْتَبَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْن سَعْدِ بْنِ أَبي سَرْحٍ عِنْدَ عُثْمانَ بْنِ عَفّانَ فَجاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ بايعْ عَبْدَ اللَّهِ. فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى فَبايَعَهُ بَعْدَ ثَلاثٍ ثمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحابِهِ فَقالَ: "أَما كانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلَى هذا حَيْثُ رَآني كَفَفْتُ يَدي عَنْ بَيْعَتِهِ فَيَقْتُلَهُ". فَقالُوا ما نَدْري يا رَسُولَ اللَّهِ ما في نَفْسِكَ أَلا أَوْمَأْتَ إِلَيْنا بِعَيْنِكَ قالَ: "إِنَّهُ لا يَنْبَغي لِنَبي أَنْ تَكُونَ لَهُ خائِنَةُ الأَعْيُنِ" (¬1). 4360 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ، حَدَّثَنا حُمَيْدُ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنِ الشَّعْبي، عَنْ جَرِيرٍ قالَ: سَمِعْنَا النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "إِذا أَبَقَ العَبْدُ إِلَى الشِّرْكِ فَقَدْ حَلَّ دَمُهُ" (¬2). * * * كتاب الحدود باب ما جاء في الحكم فيمن ارتد [4351] (ثنا أحمد بن حنبل) قال (ثنا إسماعيل بن إبراهيم) ابن علية الإمام قال (أخبرنا أيوب) بن جدعان (¬3) (عن عكرمة أن عليًّا -رضي اللَّه عنه- أحرق ناسًا ارتدوا عن الإسلام). رواية البخاري: أتي علي بزنادقة فأحرقهم (¬4). (فبلغ ذلك ابن عباس، فقال: لم أكن لأُحرقَهم) بضم الهمزة ونصب ¬

_ (¬1) صحيح، وسبق برقم (2683). (¬2) رواه النسائي 7/ 102 - 103، وأحمد 4/ 365. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (276). (¬3) كذا في (ل)، (م)، وهو خطأ، والصواب: (كيسان). فهو أيوب بن أبي تميمة كيسان. (¬4) "صحيح البخاري" (6922).

القاف بـ (أن) المقدرة (بالنار؛ إن (¬1) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) نهى عن ذلك فـ (قال: لا تعذبوا بعذاب اللَّه) وروى البيهقي في "المعرفة" من حديث عمران (بن نوفل) (¬2) بن يزيد بن البراء عن أبيه، عن جده، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من حرق حرقناه، ومن غرق غرقناه" (¬3) وإنما أحرق بالنار؛ لأنه لم يبلغه حديث النهي (كنت قاتلهم) رواية الترمذي: لو كنت أنا لقتلتهم (¬4). (بقول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من بدل دينه) سواء (¬5) كان التبديل إلى دين أهل الكتاب أو غيرهم، وسواء في المبدل الحر والعبد والذكر والأنثى، بشرط أن يكون مكلفًا، نص عليه الشافعي (¬6)، لأن اللفظ يدخل فيه، فإن لفظة (مَنْ) شاملة للجميع؛ لأنها من ألفاظ الجنس، فاستغرقت الجنس، فشمل الذكور والإناث، وقال اللَّه تعالى في حكم الإناث: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ} (¬7) ولو قال: مَنْ دخل داري فله درهم. استحقه من دخل من ذكر أو أنثى حر أو عبد. (فاقتلوه) أي: بضرب الرقبة كما دلت عليه رواية "الموطأ": "من غير ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): لأن، والمثبت من مطبوع "سنن أبي داود". (¬2) هكذا في النسخ، وفي "التلخيص الحبير" 4/ 65، "البدر المنير" 8/ 659، بينما عند البيهقي: عمران بن يزيد. (¬3) "معرفة السنن والآثار" 12/ 409 - 410 (17185) وهو في "السنن الكبرى" له 8/ 43، و"الصغرى" (3167). قال البيهقي: وفي هذا الإسناد بعض من يجهل. وضعفه الألباني في "الإرواء" (2233). (¬4) "سنن الترمذي" (1458). (¬5) ساقطة من (م). (¬6) "مختصر المزني" 5/ 165. (¬7) سورة النساء: 124.

دينه فاضربوا عنقه" (¬1). والمباشر لقتله الإمام أو نائبه، فإن قتله غيره عزر لافتئاته، نص عليه الشافعي في "المختصر" (¬2). (فبلغ ذلك عليًّا، فقال: وَيْحَ) بالنصب: كلمة ترحم، قال الخطابي: معناه المدح والإعجاب بقوله (¬3) (ابن) بالجزم (أم عباس) زاد الترمذي: فبلغ ذلك عليًّا، فقال: صَدَقَ ابن عباس (¬4). ويح أم ابن عباس، وهو الأصل. قال بعضهم: واعجبًا من علي؛ فقول ابن عباس يدل على أنه لم يكن قد بلغه النسخ، ولو بلغه قال به، ولولا ذلك لأنكر على ابن عباس. [4352] (ثنا عمرو بن عون) الواسطي البزاز. الحافظ شيخ البخاري، قال أبو زرعة: قل من رأيت أثبت منه (¬5)! . (قال: ثنا أبو معاوية) محمد بن خازم (عن الأعمش، عن عبد اللَّه بن مرة) الخارفي ثقة (عن مسروق، عن عبد اللَّه) بن مسعود -رضي اللَّه عنه- (قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه). قوله: (دم امرئ) فيه حذف مضاف، أي: إجراء دم امرئ. ¬

_ (¬1) "الموطأ" 2/ 736 عن زيد بن أسلم مرسلًا. (¬2) "مختصر المزني" 5/ 165. (¬3) "معالم السنن" 3/ 252. (¬4) "سنن الترمذي" (1458). (¬5) "الجرح والتعديل" 6/ 252.

وقوله: (يشهد أن لا إله إلا اللَّه) كالتفسير لقوله: (مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب) الذكر والأنثى فيه سواء، قال ابن السكيت: وذلك إذا كانت المرأة دخل بها، أو كان الرجل قد دخل بامرأته (¬1). (الزاني) أكثر النسخ بغير ياء بعد النون، وهي لغة صحيحة، قرئ بها في السبع في قوله تعالى: {الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} (¬2) وغيره. (والنفس بالنفس) النفس: تذكر وتؤنث، قال اللَّه تعالى: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} ثم قال: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي} (¬3) فأول الآية يدل على التأنيث، وآخرها يدل على التذكير. وقد تعلق أبو حنيفة وأصحابه بهذا العموم فقالوا: يقتل المسلم بالذمي والحر بالعبد (¬4)، والجمهور على خلافه، وأنه عموم أريد به الخصوص في المماثلين، وهذا مذهب مالك (¬5) والشافعي (¬6) وأحمد (¬7)، وقد وافقنا الحنفية على تخصيص هذا العموم، وأخرجوا منه صورًا، منها: إذا قتل السيد عبده فإنه لا يقتل به عندهم (¬8)، وإن ¬

_ (¬1) "إصلاح المنطق" (ص 241). (¬2) الرعد: 9. انظر: "الحجة للقراء السبعة" 5/ 13. (¬3) الزمر: 56، 59. (¬4) انظر: "بداية المبتدي" (ص 240). (¬5) "المدونة" 4/ 603. (¬6) "الأم" 6/ 21. (¬7) انظر: "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 12/ 31 - 40. (¬8) انظر: "النتف" للسغدي 2/ 663.

كان متعمدًا كما يقوله مالك والشافعي وأحمد، ومنها إذا قتل الأب ابنه، قال أبو حنيفة: لا يقتل به (¬1). (والتارك لدينه المفارق للجماعة) يتناول كل [من يرتد] (¬2) عن الإسلام وكل خارج عن الجماعة ببدعة أو بغي أو غيرهما، وكذا الخوارج، وهذا عام يختص منه الصائل وغيره، واختلف العلماء في المرأة هل تقتل بالردة أم لا؟ ومذهب أبي حنيفة: لا تقتل (¬3)، ومذهب غيره: تقتل (¬4). وقد يكون قوله: (المفارق للجماعة) بمعنى المخالف لأهل الإجماع، فيكون متمسكًا لمن يقول: مخالف الإجماع كافر. ونسب هذا إلى بعض الناس، وليس هذا بالهين. [4353] (ثنا محمد بن سنان الباهلي قال: ثنا إبراهيم بن طهمان) الخراساني، من أئمة الإسلام، فيه إرجاء. (عن عبد العزيز (¬5) بن رفيع) بالكوفة (عن عبيد (¬6) بن عمير) الليثي (عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه إلا بإحدى ثلاث: رجل) بالجر، ويجوز الرفع (زنى بعد إحصان) والإحصان عبارة عن ¬

_ (¬1) انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 5/ 106 (م 2226)، "النتف" 2/ 633. (¬2) في (ل): مرتد. (¬3) انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 3/ 471 (م 1624)، "بداية المبتدي" (ص 122). (¬4) انظر "الأوسط" لابن المنذر 13/ 465. (¬5) فوقها في (ل): (ع). (¬6) فوقها في (ل): (ع).

ثلاث خصال: التكليف، والحرية، والإصابة في نكاح صحيح، فلا تقوم الإصابة في ملك اليمين مقامه في النكاح. والإحصان في اللغة المنع، قال اللَّه تعالى: {لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ} (¬1)، وقال: {فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ} (¬2) والإحصان قيد للثيب المطلق في الحديث قبله، وكذا مقيد لرواية مسلم (¬3): "الثيب الزاني" (¬4). (فإنه يرجم) والرجم هنا مطلق، وهو مقيد بما في الحديث قبله: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني" (¬5) فإنه يقتضي القتل إلى أن يموت (ورجل خرج محاربًا للَّه ورسوله) أي: عاصيًا لهما غير طائع، وكل من عصاك فهو حرب، والمراد بالمحاربين الخارجين على الإمام وعلى جماعة المسلمين، يخيفون السبيل، ويسعون في الأرض الفساد (فإنه يقتل) إن سفك الدماء وكف عن الأموال. (أو) ليست للإباحة بل هي قرينة للحكم باختلاف الجناية، فكل واحد بقدر فعله (يصلب) ثلاثًا بعد القتل ويترك إذا قتل وأخذ المال. قال أبو عبيد: سألت محمد بن الحسن عن قوله: {أَوْ يُصَلَّبُوا} (¬6) قال: هو أن يصلب حيًّا ثم يطعن بالرماح حتى يقتل، وهو رأي أبي حنيفة (¬7). ¬

_ (¬1) الأنبياء: 80. (¬2) الحشر: 14. (¬3) بعدها في (م): في الحديث قبله. (¬4) "صحيح مسلم" (1676/ 26)، وكذا هو عند البخاري (6878). (¬5) السابق. (¬6) المائدة: 33. (¬7) انظر: "المبسوط" 9/ 196.

(أو ينفى من الأرض) إذا أخاف السبيل ولم يأخذ المال ولم يقتل، والأصح عند الشافعي أن النفي راجع إلى رأي الإمام بما فيه المصلحة من حبس وتغريب، وقيل: يغربه بنفسه إلى حيث يرى، وإن عين صوبا منع من العدول إلى غيره. قال ابن الأنباري: وأكثر اللغويين أن المراد بالنفي الحبس والسجن، واحتجوا بأن المسجون بمنزلة المخرج من الدنيا، وأنشدوا من قول بعض المسجونين: خرجنا عن الدنيا ونحن من أهلها ... فلسنا من الأحياء فيها ولا الموتى إذا جاءنا السجان يومًا بحاجةٍ ... عجبنا وقلنا جاء هذا من الدنيا (¬1) (أو قتل نفسًا) بغير حق (فيقتل بها) كما قال اللَّه تعالى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (¬2). [4354] (ثنا أحمد بن حنبل ومسدد قالا: ثنا يحيى (¬3) بن سعيد) القطان (قال مسدد) و (ثنا قرة بن خالد) السدوسي الثبت (قال: ثنا حميد بن هلال) العدوي، قال قتادة: ما كانوا يفضلون عليه أحدًا في العلم (¬4). ¬

_ (¬1) انظر "معجم الأدباء" 1/ 423. (¬2) المائدة: 45. (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 7/ 403.

(قال: ثنا أبو بردة) [عامر بن قيس أخو] (¬1) أبي موسى الأشعري، عن أبي موسى (قال أبو موسى) الأشعري (أقبلنا إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ومعي رجلان) رواية مسلم: دخلت على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنا ورجلان من [بني] (¬2) عمي (¬3). (من الأشعريين، أحدهما عن يميني والآخر عن يساري) فيه أن من الأدب إذا مشى ثلاثة أن يكون كبيرهم في الوسط ويكتنفه الآخران، ومن يليه في الرتبة يكون على يمينه والآخر على يساره. (فكلاهما سأل العمل) وفي رواية لمسلم: فقال أحد الرجلين (¬4): يا رسول اللَّه، أمرنا على بعض ما ولاك اللَّه تعالى. وقال الآخر مثل ذلك (¬5). (والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ساكت) رواية مسلم: والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يستاك (¬6). (فقال: [ما تقول] يا أبا موسى أو يا عبد اللَّه بن قيس؟ ) الشك من الراوي. قال (قلت: والذي بعثك بالحق نبيًّا ما أطلعاني على ما في أنفسهما) فيه جواز اليمين من غير استحلاف (وما شعرت أنهما يطلبان العمل) يشبه أنهما سألا أن يكونا عاملين على الصدقة. وفيه الاعتذار عما يظن به أنه فعله، والحلف على أنه لم يفعله. قال (وكأني انظر إلى سواكه تحت شفته) العليا وقد (قَلَصَتْ) بفتح اللام، أي: ارتفعت لاستياكه على لحم أسنانه العُليا. ¬

_ (¬1) كذا في الأصول، وهو خطأ، والصواب: (عامر بن عبد اللَّه بن قيس بن). (¬2) ليست في النسختين، وأثبتناها من "الصحيح". (¬3) صحيح مسلم" (1733). (¬4) في (م): الزوجين. (¬5) "صحيح مسلم" (1733). (¬6) مسلم (1733/ 15).

وفيه استحباب إجراء السواك الرطب على لثة الأسنان العليا، ثم على السفلى، وعلى اللسان. (قال: لن نستعمل أو لا نستعمل على عملنا من أراده) رواية مسلم: فقال: "إنا واللَّه لا نولي على هذا العمل أحدا سأله، ولا أحدا حرص عليه" (¬1) قال العلماء: والحكمة في أنه لا يولي من سأل الولاية أنه يوكل إليها، ولا يكون معه إعانة كما صرح به في حديث عبد الرحمن (¬2)، وإذا لم يكن معه إعانة لا يكون كفؤا، ولا يولى غير الكفؤ؛ لأن فيه تهمة للطالب والحريص. (ولكن اذهب أنت (¬3) يا أبا موسى أو يا عبد اللَّه (¬4) بن قيس. فبعثه على اليمن، ثم أتبعه معاذ بن جبل) زاد الطبراني: فأمرهما أن يعلما الناس القرآن (¬5). (فلما قدم معاذ) بن جبل (عليه) ليزوره (قال: انزل. وألقى له وسادة) فيه إكرام الضيف بالوساد والفراش والمطهرة ونحو ذلك مما يحتاج إليه. (فإذا رجل عنده موثق) زاد الطبراني: بالحديد (¬6). فيه حبس من وجب قتله في قصاص أو ردة ونحوهما، وربطه وإيثاقه بالحديد ونحوه؛ لئلا ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1733/ 14). (¬2) رواه البخاري (6622)، ومسلم (1652) من حديث عبد الرحمن بن سمرة. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) في (م): عبد الرحمن. (¬5) "المعجم الكبير" 20/ 43 (66). (¬6) "المعجم الكبير" 20/ 43 (66).

يهرب (قال: ما هذا؟ قال: كان يهوديًّا فأسلم، ثم راجع دينه دين السوء) زاد مسلم: فتهوَّد (¬1). (قال: لا أجلس حتى يقتل، قضاء اللَّه ورسوله) مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هذا قضاء اللَّه وقضاء رسوله، أو يكون مبتدأ حذف خبره، أي: قضاء اللَّه ورسوله بالتقديم على حقي. (ثلاث مرات ثلاث مرات) تكرر ذلك. زاد الطبراني: فقال -يعني: أبا موسى-: أوبعثنا نعذب الناس، إنما نعلمهم دينهم ونأمرهم بما ينفعهم (¬2). (فأمر به فقتل) أوضح الطبراني كيفية القتل فقال: والذي بعث محمدًا بالحق لا أبرح حتى أحرقه بالنار (¬3). فقال أبو موسى: إن لنا عنده بقية. فقال: واللَّه لا أبرح أبدًا. قال: فأتي بحطب، فألهب فيه، وكتفه وطرحه. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح (¬4). وفيه دليل على وجوب قتل المرتد، وقد أجمعوا على قتله، وقتله بضرب الرقبة كما تقدم، ورواية الطبراني بالتحريق يقوي ما تقدم عن علي أول الباب. واختلفوا في استتابته وفي قدرها، فقال مالك (¬5) والشافعي (¬6) ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1733/ 15). (¬2) "المعجم الكبير" 20/ 43 (66). (¬3) السابق. (¬4) "مجمع الزوائد" 6/ 261. (¬5) "الموطأ" رواية أبي مصعب 2/ 504، وقال في الزنديق: لا يستتاب. (¬6) "الأم" 2/ 568.

وأحمد (¬1) والجماهير: يستتاب. ونقل ابن القطان المالكي إجماع الصحابة عليه (¬2). وقال طاوس (¬3) والحسن (¬4) والماجشون المالكي وأبو يوسف (¬5): لا يستتاب. والأصح عند الشافعي أن الاستتابة واجبة، وأنها في الحال. وله قول: أنها ثلاثة أيام، وبه قال مالك (¬6) وأبو حنيفة (¬7) وأحمد (¬8). (ثم تذاكرا) فضيلة (قيام الليل، فقال أحدهما معاذ) بالرفع عطف بيان (ابن جبل: أما أنا فأنام وأقوم) أي: أنام بنية القيام للعبادة عند التيقظ وإجمام النفس للعبادة ونشاطها للطاعة. (أو أقوم) يعني: للصلاة (وأنام) شك من الراوي (وأرجو من نومتي) من الأجر والثواب (ما أرجو في قومتي) أي: صلاتي. زاد الطبراني: وكان معاذ أفضل منه. وروى النسائي وابن ماجه بسند صحيح: "من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل فغلبته عيناه فنام حتى يصبح كتب له ما نوى، ¬

_ (¬1) انظر: "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 12/ 321 - 325. (¬2) "الإقناع" 3/ 1080 (2013). (¬3) انظر: "الأوسط" 13/ 460. (¬4) السابق. (¬5) ينظر: "مختصر اختلاف العلماء" 3/ 501 (1651) قاله أبو يوسف في الزنديق. (¬6) انظر: "البيان والتحصيل" 16/ 379. (¬7) انظر "السير الصغير" (ص 197) (281) إذا طلب التأجيل يؤجل. (¬8) انظر "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 12/ 322.

وكان نومه صدقة من اللَّه عليه" (¬1). [4355] (ثنا الحسن بن علي) بن عفان، قال أبو حاتم: صدوق (¬2)، (قال: ثنا الحماني) بكسر الحاء المهملة، وتشديد الميم، وبعد الألف نون، من بني حمان وعامتهم بالكوفة (يعني: عبد الحميد بن عبد الرحمن) (¬3) بن طلحة بن عبيد اللَّه القرشي نزيل الكوفة، قال أبو داود: ليس به بأس. وقال أبو حاتم: صالح الحديث صحيح الحديث (¬4). (وبريد) (¬5) بضم الموحدة مصغر (ابن عبد اللَّه بن أبي بردة، عن أبي بردة) عامر بن أبي موسى الأشعري (عن) أبيه (أبي موسى) عبد اللَّه بن قيس الأشعري. (قال: قدم عليَّ مُعاذ) بن جبل (وأنا) مقيم (باليمن) زائرًا، وإذا (رجل كان يهوديًّا فأسلم، فارتد) أتى بفاء التعقيب، يدل على أن ردَّته كانت عقب إسلامه (عن الإسلام، فلما قدم معاذ -رضي اللَّه عنه-) ورآه موثقًا بالحديد (قال: لا أنزل عن دابتي حتى يقتل) فيه: امتناع الضيف من النزول عند ¬

_ (¬1) "المجتبى" 3/ 258، "السنن الكبرى" 1/ 456 (1459)، "سنن ابن ماجه" (1344) من حديث أبي الدرداء. (¬2) كذا في (ل)، (م) وهو خطأ إنما هو الحسن بن علي بن محمد الخلال قال ابن حجر: ثقة حافظ له تصانيف، وقال الذهبي: ثبت حجة. أما الحسن بن علي بن عفان فلم يرو له إلا ابن ماجه. انظر: "تهذيب الكمال" 6/ 257, 259. (¬3) كذا في (ل)، (م)، وفي "السنن" زيادة: (عن طلحة بن يحيى). (¬4) "الجرح والتعديل" 4/ 477. (¬5) فوقها في (ل): (ع).

المضيف حتى يزيل ما ظهر له عدم جوازه، وإذا رأى معصية ظاهرة فهو أحرى بعدم جواز النزول عنده. (فقتل) فيه ما تقدم (قال أحدهما) لعله إحدى (¬1) الروايتين عن أبي موسى (وكان) المرتد (قد استتيب قبل ذلك) فلم يتب. فيه دليل على استتابة المرتد، وهو قول أكثر أهل العلم، منهم عمر (¬2) وعلي (¬3) وعطاء (¬4) والنخعي (¬5) ومالك والثوري (¬6) والأوزاعي (¬7) والشافعي وأصحاب الرأي، وهو الصحيح عند الشافعي وأحمد بن حنبل (¬8)، وفي رواية عنهما أن الاستتابة مستحبة للحديث المتقدم، ولم يذكر استتابته، ولأنه لو قبل الاستتابة لم يضمن، ولو حرم قتله لضمن. وقال عطاء: إن كان مسلمًا أصليًّا لم يستتب، وإن أسلم ثم ارتد استتيب (¬9). ¬

_ (¬1) في النسخ الخطية: أحد. والمثبت هو الصواب. (¬2) رواه مالك في "الموطأ" رواية أبي مصعب 2/ 503، وابن أبي شيبة 10/ 137 (29588). (¬3) رواه عبد الرزاق 6/ 104 (10138)، ورواه ابن أبي شيبة 10/ 138 (29589). (¬4) رواه ابن أبي شيبة 10/ 139 (29595). (¬5) رواه عبد الرزاق 10/ 166 (18697)، وابن أبي شيبة 10/ 138 (29592). (¬6) رواه عبد الرزاق 10/ 166 (18697). (¬7) ينظر "الأوسط" 13/ 460. (¬8) سبق تخريج أقوال أصحاب المذاهب الأربعة قريبا. (¬9) ينظر "المغني" 12/ 267.

[4356] (ثنا محمد بن العلاء قال: ثنا حفص) بن غياث النخعي قال (ثنا) سليمان بن أبي سليمان (الشيباني) الكوفي مولى بني شيبان (عن أبي بردة -رضي اللَّه عنه- بهذِه القصة) المتقدمة. (قال: فأتي أبو موسى) الأشعري (برجل قد ارتد عن الإسلام، فدعاه عشرين ليلة قبل قدوم معاذ أو قريبًا منها) ويروى أن أبا موسى استتابه شهرين، والصحيح المشهور عند الشافعي استتابة المرتد والمرتدة في الحال، وإن أصرَّا قتلا بلا تأخير؛ لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من بدل دينه فاقتلوه" (¬1) فأتى بفاء التعقيب. وإذا أردنا قتله بعد الاستتابة وإصراره فقال: أمهلوني حتى تنحل شبهتي. فالصحيح لا يمهل، بل يقال: أسلم ونزيل شبهتك. (فجاء معاذ فدعاه) إلى الإسلام (فأبى؛ فضرب عنقه) هذا هو الصحيح في قتل المرتد أنه تضرب رقبته، لا بالإحراق كما تقدم. (قال أبو داود: رواه عبد الملك بن عمير) الكوفي، رأى عليًّا. (عن أبي بردة ولم يذكر الاستتابة) في روايته (ورواه) محمد (ابن المفضل عن الشيباني، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه) أبي بردة بن أبي موسى (عن أبي موسى، ولم يذكر فيه الاستتابة) أيضًا. [4357] (ثنا) عبيد اللَّه (ابن معاذ) قال (ثنا أبي) معاذ [بن معاذ] (¬2) العنبري قال (ثنا) عبد الرحمن بن عبد اللَّه (المسعودي عن القاسم) بن عبد الرحمن (بهذِه القصة، قال: فلم ينزل حتى ضرب عنقه وما ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3017، 6922) من حديث ابن عباس. (¬2) ساقطة من (م).

استتابه) أي: لم يعرضها عليه. [4358] (ثنا أحمد بن محمد) بن موسى (المروزي) قال (ثنا علي ابن الحسين بن واقد، عن أبيه) الحسين بن واقد قاضي مرو، وثقه ابن معين (¬1) وغيره (عن يزيد) من الزيادة، ابن أبي سعيد المروزي النحوي، متقن عابد. (عن عكرمة، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: كان عبد اللَّه بن سعد بن أبي السرح) بن الحارث العامري القرشي أخو عثمان بن عفان من الرضاعة، أسلم قبل الفتح وهاجر، وكان (يكتب) الوحي (لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأزله الشيطان) قال أبو علي الفارسي [في قوله تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا}] (¬2): يحتمل تأويلين: أحدهما: ألبسهما الزلة وحملهما عليها. والآخر: أن يكون أزل من زل الذي يراد به غيره وقد نسب للإنسان الزلة إلى الشيطان كقوله تعالى: {إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ} (¬3) (فلحق بالكفار) أي: عاد إلى كفار قريش بمكة بعدما ارتد مشركًا. (فأمر به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يقتل) وأهدر دمه (يوم الفتح) أي: فتح مكة (فاستجار له) أي: طلب له الأمان وأن يجار من القتل (عثمان بن عفان) لأن أم عبد اللَّه أرضعت عثمان، وغيبه عثمان حتى أتى به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعدما اطمأن الناس (فأجاره رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) من القتل. ¬

_ (¬1) "تاريخ ابن معين" رواية الدارمي (290)، رواية الدوري 4/ 354 (4750). (¬2) ما بين المعقوفتين ليس في (ل)، (م)، أثبتناه ليستقيم السياق. (¬3) آل عمران: 155.

[4359] (ثنا عثمان بن أبي شيبة قال: ثنا أحمد بن المفضل) الكوفي، شيعي صدوق. قال (ثنا أسباط بن نصر) الهمداني، وثقه ابن معين (¬1) (قال: زعم السدي عن مصعب بن سعد) بن أبي وقاص (عن) أبيه (سعد) بن أبي وقاص. (قال: لما كان يوم (¬2) فتح مكة اختبأ عبد اللَّه بن أبي سرح عند عثمان ابن عفان -رضي اللَّه عنه-) فيه: أمان المشرك الذي يطلب الأمان؛ ليرى حال الإسلام، وإجارته من القتل ما دام في دار الإسلام، وإخفاؤه عند من استجاره، ولهذا كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يعطي الأمان لمن جاءه مسترشدًا أو حاجة، وجاءه يوم الحديبية جماعة من الرسل من قريش منهم عروة ابن مسعود ومكرز وسهيل وغيرهم واحدًا بعد واحد فرأوا من أحوال المسلمين ما بهرهم، وكان ذلك من أكثر أسباب هداية أكثرهم. (فجاء به) لما دعا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الناس إلى البيعة (حتى أوققه على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: يا رسول اللَّه، بايع عبد اللَّه) بن أبي سرح (فرفع) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (رأسه فنظر إليه) ثم خفض رأسه ونظر إلى الأرض، ثم رفع رأسه فنظر إليه، ثم طأطأ رأسه ونظر إلى الأرض يفعل ذلك (ثلاثًا، كل ذلك) يطلب منه المبايعة و (يأبى) أن يبايعه [(فبايعه بعد ثلاث) مرات. (ثم أقبل على أصحابه) يلومهم على تأخرهم عن قتله] (¬3) (فقال: أما كان فيكم رجل رشيد؟ ! ) أي: يهتدي إلى سبيل الحق وفعل الجميل، ¬

_ (¬1) "تاريخ ابن معين" رواية الدارمي (143)، رواية الدوري 3/ 266 (1251). (¬2) ساقطة من (م). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

وفي ذلك توبيخ لهم حين لم يكن أحد منهم يفهم ما أراده. قال أبو مالك: رشيد. ناهٍ عن المنكر، ورشيد أي: ذو رشد أو مرشد كالحكيم بمعنى المحكم. وفيه دليل على جواز استعمال كلام اللَّه تعالى في كلام في نظم أو نثر. (يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله؟ ) قبل أن يبايعه (فقالوا: ما ندري يا رسول اللَّه ما في نفسك) وفي الرواية المتقدمة في كتاب الحدود: فقال الأنصاري: يا رسول اللَّه، انتظرتك فلم تومض لي (ألا) بالتخفيف والتشديد أي: هلا (أومأت إلينا بعينك؟ فقال: إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين) وتقدم في الجهاد. قال الضحاك: خائنة الأعين الغمز. قال ابن الأثير: خائنة الأعين كناية عن الرمز والإشارة، كأنها مما تخونه العين، أي: تسرقه، لأنها كالسرقة من الحاضرين (¬1). وفيه: دليل على ما قاله العلماء أنه كان يحرم عليه -صلى اللَّه عليه وسلم- خائنة الأعين، وهي الإيماء إلى مباح من قتل أو ضرب على خلاف ما يظهر ويشعر به الحال. زاد البغوي في "التهذيب": ثم أبيح له إذا أراد سفرًا أن يوري بغيره وقوله: ثم أبيح له. يشير إلى أنه كان محظورًا ثم أبيح -كما تقدم- الخدعة في الحرب كسائر الناس. ¬

_ (¬1) "جامع الأصول" 8/ 374.

[4360] (ثنا قتيبة بن سعيد قال: ثنا حميد بن عبد الرحمن عن أبيه) [عبد اللَّه المسعودي] (¬1). (عن أبي إسحاق) [سليمان بن أبي سمليمان فيروز الشيباني] (¬2). (عن) عامر (الشعبي، عن جرير -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-[يقول] (¬3): إذا أبق) بفتح الباء وكسرها لغتان مشهورتان، الفتح أفصح وبها جاء القرآن: {إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140)} (¬4) (العبد) أو الجارية (إلى) أرض (الشرك) وفي رواية لغيره: "أيما عبد أبق من مواليه ولحق بالعدو" (¬5) (فقد حل دمه) وفي رواية لمسلم: "إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة" (¬6). وفي أخرى موقوفًا عليه: "أيما عبد أبق من مواليه فقد كفر حتى يرجع إليهم" (¬7). وفي رواية للنسائي: "لم تقبل له صلاة، وإن مات مات كافرًا" (¬8) فأبق غلام لجرير فضرب عنقه. انتهى. ¬

_ (¬1) كذا في الأصول، وهو خطأ، والصواب: (عبد الرحمن الرؤاسي)، وانظر: "تهذيب الكمال" 7/ 375، 17/ 72. (¬2) كذا في الأصول، وهو خطأ، والصواب: (عمرو بن عبد اللَّه السبيعي)، وانظر "تهذيب الكمال" 22/ 102، 11/ 444. (¬3) من "سنن أبي داود". (¬4) الصافات: 145. (¬5) رواه أحمد 4/ 364، وأبو عوانة في "المستخرج" 1/ 36 (72)، والطبراني 2/ 327 (2366). (¬6) "صحيح مسلم" (70). (¬7) مسلم (68). (¬8) "المجتبى" 7/ 102، "السنن الكبرى" 7/ 102.

فقد أجرى جرير راوي الحديث [الحديث] (¬1) على ظاهره، وهذا محمول عند الجمهور على من أبق مستحلا لذلك، فإذا فعله كان كافرًا حقيقة ويضرب عنقه، وإن كان غير مستحل له فتقول بظاهره الخوارج الذين يقولون بتخليد أهل المعاصي في النار، والخوارج يزيدون على التخليد فيحكمون بكفره حقيقة، وشبهتهم ظاهر هذا الحديث وأمثاله، وقد ثبتت الدلائل القاطعة الواضحة على بطلان مذهبهم، وهو محمول على قول الجمهور على كفران النعمة؛ فإنه قابل إحسان سيده وترك حقه بالإساءة، ومن كان كذلك صدق عليه اسم الكافر وعلى فعله أنه كفر لغة، ويحتمل أنه يقال: أطلق الكفر لأنه تشبه بالكفار بذهابه إلى بلادهم، وقصدها دون بلاد الإسلام. * * * ¬

_ (¬1) ليست في النسخ الخطية، والسياق يقتضيها.

2 - باب الحكم فيمن سب النبي -صلى الله عليه وسلم-

2 - باب الحُكْمِ فِيمَنْ سَبَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- 4361 - حَدَّثَنا عَبّادُ بْنُ مُوسَى الخُتَّليُّ، أَخْبَرَنا إِسْماعِيل بْنُ جَعْفَرٍ المَدَنيُّ، عَنْ إِسْرائِيلَ، عَنْ عُثْمانَ الشَّحَّامِ، عَنْ عِكْرِمَةَ قالَ: حَدَّثَنا ابن عَبّاسٍ أَنَّ أَعْمَى كانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ تَشْتُمُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وَتَقَعُ فِيهِ فَيَنْهاها فَلا تَنْتَهي وَيَزْجُزها فَلا تَنْزَجِرُ، قالَ: فَلَمّا كانَتْ ذاتَ لَيْلَةٍ جَعَلَتْ تَقَعُ في النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وَتَشْتِمُهُ فَأَخَذَ المِغْوَلَ فَوَضَعَهُ في بَطْنِها واتَّكَأَ عَلَيْها فَقَتَلَها فَوَقَعَ بَيْنَ رِجْلَيْها طِفْلٌ فَلَطَخَتْ ما هُناكَ بِالدَّمِ فَلَمّا أَصْبَحَ ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَجَمَعَ النّاسَ فَقالَ: "أَنْشُدُ اللَّهَ رَجُلًا فَعَلَ ما فَعَلَ لي عَلَيْهِ حَقٌّ إِلَّا قامَ". فَقامَ الأَعْمَى يَتَخَطَّى النّاسَ وَهُوَ يَتَزَلْزَل حَتَّى قَعَدَ بَيْنَ يَدي النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ أَنا صاحِبُها كانَتْ تَشْتِمُكَ وَتَقعُ فِيكَ فَأَنْهاها فَلا تَنْتَهي، وَأَزْجُرُها فَلا تَنْزَجِز، وَلي مِنْها ابنانِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤَتَيْنِ، وَكانَتْ بي رَفِيقَةً، فَلَمّا كانَتِ البارِحَةَ جَعَلَتْ تَشْتِمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ، فَأَخَذْتُ المِغْوَلَ فَوَضَعْتُهُ في بَطْنِها، واتَّكَأْتُ عَلَيْها حَتَّى قَتَلْتُها. فَقالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَلا اشْهَدُوا أَنَّ دَمَها هَدَرٌ" (¬1). 4362 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الجَرّاحِ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبي، عَنْ عَلي -رضي اللَّه عنه- أَنَّ يَهُودِيَّةً كانَتْ تَشْتِمُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وَتَقَعُ فِيهِ فَخَنَقَها رَجُلٌ حَتَّى ماتَتْ فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- دَمَها (¬2). 4363 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ عَنْ يُونُسَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ح وَحَدَّثَنا هارُون بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَنُصَيْرُ بْنُ الفَرَجِ قالا: حَدَّثَنا أَبُو أُسامَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ¬

_ (¬1) رواه النسائي 7/ 107، والطبراني 11/ 351 (11984)، والدارقطني 3/ 112، والبيهقي 4/ 354. وصححه الألباني في "الإرواء" 5/ 92. (¬2) رواه البيهقي 7/ 60، وصححه الألباني في "الإرواء" 5/ 91.

مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبي بَرْزَةَ قالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبي بَكْرٍ -رضي اللَّه عنه- فَتَغَيَّظَ عَلَى رَجُلٍ فاشْتَدَّ عَلَيْهِ فَقلْتُ: تَأْذَن لي يا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَضْرِبُ عُنُقَهُ قالَ: فَأَذْهَبَتْ كَلِمَتي غَضَبَهُ فَقامَ فَدَخَلَ فَأَرْسَلَ إِلَي فَقالَ ما الذي قُلْتَ آنِفًا؟ قُلْتُ: ائْذَنْ لي أَضْرِبْ عُنُقَهُ. قالَ أَكُنْتَ فاعِلًا لَوْ أَمَرْتُكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قالَ: لا واللَّه ما كانَتْ لِبَشَرٍ بَعْدَ مُحَمَّدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم-. قالَ أَبُو داوُدَ: هذا لَفْظُ يَريدَ قالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: أي: لَمْ يَكُنْ لأَبي بَكْرٍ أَنْ يَقْتلَ رَجُلًا إِلَّا بإِحْدى الثَّلاثِ التي قالَها رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، كُفْرٌ بَعْدَ إِيمانٍ، أَوْ زِنًا بَعْدَ إِحْصانٍ، أَوْ قَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ، وَكانَ لِلنَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْ يَقْتُلَ (¬1). * * * باب الحكم فيمن سب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- [4361] (ثنا عباد بن موسى الختلي) بضم الخاء المعجمة، والتاء المثناة المفتوحة، وثق (قال: ثنا إسماعيل بن جعفر المدني، عن إسرائيل) روى له الشيخان (عن عثمان) أبي سلمة (الشحام) يقال: ابن عبد اللَّه. ويقال: ابن ميمون. قال الذهبي: له حديث واحد في "صحيح مسلم" في الفتنة أخرجه شاهدًا (¬2). (عن عكرمة قال: ثنا ابن عباس رضي اللَّه عنهما أن أعمى كانت له أم ولد تشتم) بكسر التاء الثانية، أي: تسبه (النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وتقع فيه) قال الجوهري: الوقيعة في الناس الغيبة (¬3). ¬

_ (¬1) رواه النسائي 7/ 108 - 109، وأحمد 1/ 9، 10، والحاكم 4/ 354. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". (¬2) "صحيح مسلم" (2887). (¬3) "الصحاح" 3/ 1302.

(فينهاها) عن ذلك (فلا تنتهي) قال النووي: ينبغي لمن سمع غيبة مسلم أن يردها ويزجر قائلها، فإن لم ينزجر بالكلام زجره بيده، فإن لم يستطع باليد ولا باللسان فارق ذلك المجلس. فإن سمع غيبة شيخه أو استاذه أو غيرهما ممن له عليه حق أو كان من أهل الفضل والصلاح كان الاعتناء به أكثر (¬1). فما الظن بمن سمع غيبة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ ! (ويزجرها فما تنزجر) عما هي عليه (فلما كان ذات ليلة جعلت تقع في النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وتشتمه، فأخذ المعول) بكسر الميم، وسكون العين المهملة، وفتح الواو، وقال ابن الأثير: هو آلة ذات نصل دقيق يكون منحنيا في مثل عكازة ونحوها (¬2). وقال الجوهري: المعول: الفأس العظيمة التي ينقر بها الصخر، والجمع المعاول (¬3). (فوضعه في بطنها واتكأ) بهمز آخره (فقتلها، ووقع بين رجليها طفل) قال عبد الحق: الطفل هو عبد اللَّه بن يزيد الخطمي (¬4). (فلطخت) وفي رواية: فلطخ (ما هناك بالدم) أي: من حركتها وشدة اضطرابها عند القتل. (فلما أصبح ذكر ذلك للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) فيه: ذكر الإنسان ما يعرض له من الأمور المهمة لشيخه ووالده ونحوهما، ولا يخفي عليه ذكر شيء يحتاج إلى تعلم أحكامه. ¬

_ (¬1) "الأذكار" (ص 544 - 545). (¬2) "جامع الأصول" 10/ 258. (¬3) "الصحاح" 5/ 1778. (¬4) قاله قبله أبو داود عن مصعب الزبيري في "سؤالات أبي عبيد الآجري له" (571).

(فجمع الناس) هذا تشريع من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لأمته ليقتدوا به (فقال: أنشد اللَّه) بضم الشين ونصب (اللَّه) (رجلًا) أي: أسأله باللَّه أو أذكر اللَّه تعالى رجلًا (فعل) البارحة (ما فعل) و (لي عليه حق) التعظيم (إلا قام) في هذا المجلس (فقام الأعمى يتخطى الناس وهو يتزلزل) أي: يضطرب في مشيته (حتى قعد بين يدي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: يا رسول اللَّه، أنا صاحبها) يعني: الذي تولى قتلها، و (كانت تشتمك) بكسر التاء (وتقع فيك، فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر، ولي منها ابنان مثل) بالرفع (اللؤلؤتين) بهمزتين بعد اللامين تثنية لؤلؤة (وكانت بي رفيقة) أي: ترفق به في الخدمة، وفي بعض النسخ: وكانت لي رفيقة. باللام بدل الباء. (فلما كان البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك، فأخذت المعول، فوضعته في بطنها واتكأت عليه حتى قتلتها) به (فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: ألا) بالتخفيف (اشهدوا) بما أقول (أن دمها هدر) بفتح الدال كما ضبطه النووي بخطه في "المنهاج" وحكى إسكانها، وهو الذي وجوده مثل عدمه، يقال: ذهب دمه هدرًا وأهدر دمه إذا لم يأخذ بثأره ولا تمكن غريمه من أخذ ثأره. وفيه: أن سب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ارتداد عن الإسلام؛ فيجب قتله سواء كان مازحًا أو جادًّا، وإذا وجب قتل من سب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فمن سب اللَّه تعالى أولى بالارتداد ووجوب القتل. واختلفوا في قبول توبة المرتد هل تقبل توبته [أم لا] (¬1)؛ فقال أبو حنيفة في أظهر الروايتين عنه ومالك وأحمد ¬

_ (¬1) ساقطة من (م).

في أظهر الروايتين: لا تقبل (¬1). وقال الشافعي وأحمد وأبو حنيفة في الروايتين الأخريين عنهما: تقبل توبته، وإذا قبلت توبته فلا يترك حتى يؤدب أدبًا يزجره عن ذلك. [4362] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، و [عبد الرحمن] (¬2) الجراح) وثقه النسائي وغيره (عن جرير) بفتح الجيم وهو ابن عبد الحميد. (عن المغيرة، عن الشعبي، عن علي أن يهودية كانت تشتم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وتقع فيه، فخنقها رجل حتى ماتت) فيه: جواز القتل بالخنق لمن أهدر دمه. (فأبطل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دمها) نقل الإمام أن من سب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بما هو قذف صريح كفر باتفاق العلماء، وأن أبا بكر الفارسي قال في كتاب "الإجماع": إنه لو تاب لم يسقط القتل عنه؛ لأن حد قذفه -صلى اللَّه عليه وسلم- القتل، وحد القذف لا يسقط بالتوبة، وادعى فيه الإجماع. ووافقه الشيخ أبو بكر القفال، وقال الأستاذ أبو إسحاق: إنه كفر بالسب، فإذا تاب سقط القتل عنه. وقال الصيدلاني: إذا تاب زال القتل وجلد ثمانين. قال الإمام: ولا يتجه عندنا إلا مسلكان: أحدهما: ما قاله الفارسي، وهو في نهاية الحسن؛ فإنه متعلق بتعظيم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا تصح التوبة عما يتعلق بحق آدمي، وهذا مراد الفارسي. والمسلك الآخر: أنه ردة، والتوبة عنه كالتوبة عن الردة، والوقيعة ¬

_ (¬1) ينظر "التلقين" 2/ 199، "مسائل الكوسج" (2486). (¬2) كذا في الأصول، والصواب: عبد اللَّه. وانظر "تهذيب الكمال" 14/ 361.

فيه -صلى اللَّه عليه وسلم- كذكر اللَّه تعالى بالسوء. ثم أشار إلى ضعف قول الصيدلاني (¬1). والذي اقتضاه كلام الفارسي (¬2) وغيره ما نسبه إلى الأستاذ أبي إسحاق، وهو ظاهر المذهب. [4363] (ثنا موسى بن إسماعيل قال: ثنا حماد) بن سلمة (عن يونس) بن عبيد (عن حميد بن هلال) التابعي (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وثنا هارون ابن عبد اللَّه) بن مروان البغدادي الحمال، سمي بذلك لأنه حمل رجلًا على ظهره انقطع بطريق مكة (ونصير) مصغر (ابن الفرج) الثغري الزاهد الثقة (قالا: ثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن يزيد بن زريع) الحافظ، قال أحمد: إليه المنتهى في التثبت بالبصرة (¬3). (عن يونس بن عبيد) أحد أئمة البصرة الأثبات. ([عن عبيد] (¬4)، عن حميد بن هلال، عن عبد اللَّه بن مطرف) بن عبد اللَّه العامري، قيل: مات قبل أبيه (عن أبي برزة) نضلة الأسلمي (قال: كنت) يومًا (عند أبي بكر) الصديق -رضي اللَّه عنه- (فتغيظ على رجل، فاشتد عليه) أي: رفع صوته عليه أو حمل عليه. (فقلت: تأذن) أصله بهمزة الاستفهام، أي: أتأذن (لي يا خليفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أضرب) بالجزم (عنقه؟ قال: فأذهبت [كلمتي غضبه]) (¬5) ¬

_ (¬1) "نهاية المطلب" 18/ 46 - 48 بتصرف. (¬2) في الأصول: الدارمي. والمثبت الصواب. (¬3) انظر: "الجرح والتعديل" 9/ 264، "تهذيب الكمال" 32/ 124، وللمزيد انظر "جامع علوم الإمام أحمد" 19/ 528، 531. (¬4) كذا في النسخ، وهو خطأ، فالصواب بدونها. (¬5) ما بين المعقوفتين من (م).

الذي كان به (فقام فدخل) بيته (فأرسل إلي) فجئته (فقال (¬1) ما الذي قلت) لي (آنفًا) بالمد، ويجوز القصر، أي: قريبًا (قلت: ائذن لي أضرب) بالجزم جواب الأمر (عنقه. قال: أكنت فاعلًا لو أمرتك؟ ) بضرب عنقه (قلت: نعم. قال: لا واللَّه، ما كان) ينبغي (لبشر بعد محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-). فيه: أنه لا يكفر من سب أحدًا من الصحابة، ولا يضرب عنقه، لمن يعزر تعزيزا بالغًا، ويطال سجنه. ونقل القاضي حسين في باب إمامة المرأة في الصلاة أن من سب الشيخين أو الختنين هل يكفر أو يفسق؟ وجهان: قال: ومن لم يكفره من أهل الأهواء والبدع لا يقطع بخلوده في النار، وهل يقطع بدخوله إياها؟ قال الأذرعي: والقطع بالدخول (¬2) بعيد، واللَّه أعلم. (قال أبو داود: وهذا لفظ يزيد) بن زريع. * * * ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) ساقطة من (م).

3 - باب ما جاء في المحاربة

3 - باب ما جاءَ في المُحارِبَةِ 4364 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ قَوْمًا مِنْ عُكْلٍ -أَوْ قالَ: مِنْ عُرَيْنَةَ- قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فاجْتَوَوُا المَدِينَةَ فَأَمَرَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بلِقاحٍ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوالِها وَأَلْبانِها، فانْطَلَقُوا فَلَمّا صَحُّوا قَتَلُوا راعي رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- واسْتاقُوا النَّعَمَ فَبَلَغَ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- خَبَرُهُمْ مِنْ أَوَّلِ النَّهارِ فَأَرْسَلَ النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في آثارِهِمْ فَما ارْتَفَعَ النَّهارُ حَتَّى جِيءَ بِهِمْ فَأَمَرَ بِهِمْ فَقُطِعَتْ أَيْدِيهِم وَأَرْجُلُهُمْ وَسُمِّرَ أَعْيُنُهُمْ وَأُلْقُوا في الحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلا يُسْقَوْنَ. قالَ أَبُو قِلابَةَ: فهؤلاء قَوْمٌ سَرَقُوا وَقَتَلُوا وَكَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَحارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ (¬1). 4365 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ بِإسْنادِهِ بهذا الحَدِيثِ قالَ فِيهِ: فَأَمَرَ بِمَسامِيرَ فَأُحْمِيَتْ فَكَحَلَهُمْ وَقَطَّعَ أَيْدِيَهُم وَأَرْجُلَهُمْ وَما حَسَمَهُمْ (¬2). 4366 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ الصَّبّاحِ بْنِ سُفْيانَ قالَ: أَخْبَرَنا، ح وَحَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عُثْمانَ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ، عَنِ الأَوْزاعيُّ، عَنْ يَحْيَى -يَعْني: ابن أَبي كَثِيرٍ-، عَنْ أَبي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ بهذا الحَدِيثِ قالَ فِيهِ: فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- في طَلَبِهِمْ قافَةً فَأُتي بِهِمْ. قالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبارَكَ وَتَعالَى في ذَلِكَ: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} الآيَةَ (¬3). 4367 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، أَخْبَرَنا ثابِتٌ وَقَتادَةُ وَحُمَيْدٌ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (233)، ومسلم (1671). (¬2) انظر حديث رقم (4364). (¬3) انظر حديث رقم (4364).

عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ ذَكَرَ هذا الحَدِيثَ قالَ أَنَسٌ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَحَدَهُمْ يَكْدِمُ الأَرْضَ بِفِيهِ عَطَشًا حَتَّى ماتُوا (¬1). 4368 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن بَشّارٍ، حَدَّثَنا ابن أَبي عَديٍّ، عَنْ هِشامٍ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ بهذا الحَدِيثِ نَحْوَهُ زادَ: ثمَّ نَهَى عَنِ المُثْلَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْ خِلافٍ. وَرَواهُ شُعْبَةُ، عَنْ قَتادَةَ وَسَلَّامِ بْنِ مِسْكِينٍ عَنْ ثابِتٍ جَمِيعًا عَنْ أَنَسٍ لَمْ يَذْكُرا: مِنْ خِلافٍ. وَلَمْ أَجِدْ في حَدِيثِ أَحَدٍ: قَطَعَ أَيْدِيَهُم وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلافٍ. إِلَّا في حَدِيثِ حَمّادِ بْنِ سَلَمَةَ (¬2). 4369 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن صالِحٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَني عَمْرٌو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبي هِلالٍ، عَنْ أَبي الزِّنادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ -قالَ أَحْمَدُ: هُوَ يَعْني عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ- عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ ناسًا أَغارُوا عَلَى إِبِلِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فاسْتاقُوها وارْتَدُّوا عَنِ الإِسْلامِ وَقَتَلُوا راعي رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مُؤْمِنًا فَبَعَثَ في آثارِهِمْ فَأُخِذُوا فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ. قالَ: وَنَزَلَتْ فِيهِمْ آيَةُ المُحارَبَةِ وَهُمُ الذِينَ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَسُ بْن مالِكٍ الحَجّاجَ حِينَ سَأَلَهُ (¬3). 4370 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَني اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ العَجْلانِ، عَنْ أَبي الزِّنادِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمّا قَطَعَ الذِينَ سَرَقُوا لِقاحَهُ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ بِالنّارِ عاتَبَهُ اللَّهُ تَعالَى في ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} الآيَةَ (¬4). ¬

_ (¬1) انظر حديث رقم (4364). (¬2) انظر حديث رقم (4364). (¬3) رواه النسائي 7/ 100، والطبراني 12/ 324 (13247)، والبيهقي 8/ 282. وقال الألباني في "صحيح أبي داود": حسن صحيح. (¬4) رواه النسائي 7/ 100. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود".

4371 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قالَ: أَخْبَرَنا ح وَحَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا هَمّامٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قالَ: كانَ هذا قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الحُدُودُ. يَعْني: حَدِيثَ أَنَسٍ (¬1). 4372 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ ثابِتٍ، حَدَّثَنا عَليُّ بْنُ حُسَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْويِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} إِلَى قَوْلِهِ: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} نَزَلَتْ هذِه الآيَة في المُشْرِكِينَ فَمَنْ تابَ مِنْهُمْ قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ لَمْ يَمْنَعْهُ ذَلِكَ أَنْ يُقامَ فِيهِ الحَدُّ الذي أَصابَهُ (¬2). * * * باب في المحاربة [4364] (ثنا سليمان بن حرب قال: ثنا حماد) بن زيد الأزدي الحمصي أبو إسماعيل البصري (عن أبي قلابة) (¬3) عبد اللَّه بن زيد التابعي المشهور. (عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- أن قومًا من عكل) بضم العين، وإسكان الكاف، زاد البخاري في كتاب الجهاد: فقال: أن رهطًا من عكل ثمانية (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5686). (¬2) رواه النسائي 7/ 101. وقال الألباني في "الإرواء" 8/ 93: إسناده جيد. (¬3) كذا في النسخ، وقبلها في "سنن أبي داود": (عن أيوب) وهو الصواب. (¬4) "صحيح البخاري" (3018).

(أو قال: من عرينة) بضم العين المهملة، وفتح الراء، وبعد ياء التصغير نون، قبيلة معروفة، وهم ناس من بني سليم، وناس من بجيلة، وناس من بني عرنة (قدموا على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) من البحرين، وروى ابن جرير -مسند- عن أنس: كانوا أربعة من عرينة، وثلاثة من عكل. انتهى (¬1)، وعلى ما تقدم يكون واحد من بجيلة تتمة الثمانية. وذكر في رواية أخرى عن جرير: قدم على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قوم من عرينة حفاة مضرورين (¬2). وروى ابن أبي حاتم بسنده عن أنس: كان رهط من عرينة أتوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وبهم جهد، مصفرة ألوانهم، عظيمة بطونهم (¬3). (فاجتووا المدينة) بالجيم والمثناة فوق، أي: استوخموها كما في الرواية الأخرى (¬4)، يعني: لم توافقهم، يعني: وكرهوها، مشتق من الجوى، وهو داء في الجوف (¬5). وفي رواية لمسلم: أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نفر من عرينة، فأسلموا وبايعوا وقد وقع بالمدينة الموم وهو البرسام (¬6) (فأمر لهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بلقاح) جمع لقحة بكسر اللام، ¬

_ (¬1) "جامع البيان" 4/ 549 (11819). (¬2) "جامع البيان" 4/ 548 (11815). (¬3) رواه ابن أبي حاتم في "تفسير القرآن العظيم" كما في "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير 5/ 188. ورواه أيضًا أبو عوانة في "المستخرج" 4/ 83 (6110)، وابن عدي في "الكامل" 4/ 433. (¬4) رواه البخاري (4192، 5727). (¬5) بعدها في النسخ: فأمرهم. (¬6) مسلم (1671/ 13).

وهي الناقة ذات الدر. وفي رواية: من إبل الصدقة (¬1). (وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها، فانطلقوا، فلما صحوا قتلوا راعي (¬2) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-). وفي رواية أبي بكر ابن مردويه عن سلمة بن الأكوع: كان للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- غلام يقال له: يسار. فنظر إليه يحسن الصلاة، فأعتقه، فبعثه في لقاح له بالحرة، فكان بها، قال: فأظهر قوم الإسلام من عرينة وجاؤوا وهم مرضى موعوكون، قد عظمت بطونهم. قال: فبعث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى يسار، فكانوا يشربون أبوال الإبل حتى أنطوت بطونهم، ثم عدوا على يسار فذبحوه، وجعلوا الشوك في عينيه (¬3). (واستاقوا النعم، فبلغ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خبرهم من أول النهار، فأرسل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في آثارهم) زاد ابن مردويه: خيلًا من المسلمين أميرهم كرز بن جابر الفهري (¬4) (فما ارتفع النهار حتى) لحقهم و (جيء بهم، فأمر بهم فقطعت أيديهم) بسكون الياء قبل الهاء (وأرجلهم) بالرفع (وسمر) بفتح السين ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6802)، ومسلم (1671/ 9). (¬2) ساقطة من (م). (¬3) رواه ابن مردويه كما في "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير 5/ 191. ورواه أيضًا الطبراني 7/ 6 (6223). قال الحافظ ابن كثير: غريب جدًا. وقال الهيثمي في "المجمع" 6/ 294: فيه موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي وهو ضعيف. (¬4) "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير 5/ 191. وهو أيضًا عند الطبراني 7/ 6 (6223).

والميم المخففة، قال النووي: ضبطناه في بعض المواضع في البخاري: سمَّر، بتشديد الميم، ومعنى: (سمر أعينهم) أي: كحلها بمسامير محمية (¬1) (أعينهم) وفي "صحيح مسلم" أنهم سملوا أعين الرعاء (¬2). فكان ما فعل بهم قصاصًا. وقيل: كان هذا قبل نزول الحدود والنهي عن المثلة. (وألقوا في الحرة) بفتح الحاء المهملة، وأصلها الحجارة السود. وفي رواية ابن جرير عن أنس: سمل أعينهم ولم يحسمهم، وتركهم يتلقمون الحجارة بالحرة (¬3). (يستسقون فلا يسقون) أي: يطلبون الماء فلا يسقون (¬4). وليس فيه أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بذلك. قال القاضي: أجمع المسلمون على أن من وجب عليه القتل فاستسقى لا يمنع الماء قصدًا؛ فيجتمع عليه عذابان (¬5). لمن المرتد لا حرمة له في سقي الماء ولا غيره. وقيل: عاقبهم اللَّه بذلك لإعطاشهم آل بيت محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومن دعائه: "عطَّش اللَّه من عطش آل محمد" (¬6). (قال أبو قلابة) عبد اللَّه بن زيد الراوي (فهؤلاء قوم سرقوا) لقاح النبي ¬

_ (¬1) "مسلم بشرح النووي" 11/ 155. (¬2) "صحيح مسلم" (1671/ 14). (¬3) "جامع البيان" 4/ 549 (11819). (¬4) في (ل)، (م): يسقوا. والجادة ما أثبتناه. (¬5) "إكمال المعلم" 5/ 464. (¬6) رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 1/ 495، ومن طريقه أبو إسماعيل البغدادي في "تركة النبي" (ص 107) عن سعد بن المسيب قال: لما أمسى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. . .

-صلى اللَّه عليه وسلم- (وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم) أي: قتلوا راعي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكفروا باللَّه بعد أن أسلموا كما تقدم. (وحاربوا اللَّه ورسوله) والمحاربة هي المضادة والمخالفة، وهي صادقة على الكفر وعلى قطع الطريق وإخافة السبل. [4365] ثنا موسى (¬1) بن إسماعيل قال: ثنا وهيب) (¬2) مصغر، ابن خالد الباهلي (عن أيوب) بن أبي تميمة (بإسناده، بهذا الحديث) المذكور فيه (قال فيه: فأمر بمسامير، فأحميت بالنار، فكحلهم) بها (وقطع أيديهم وأرجلهم) من خلاف (وما حسمهم) أي: كواهم، والحسم: كي العرق بالنار لينقطع الدم. [4366] (ثنا محمد بن الصباح بن سفيان) الجرجرائي، وجرجرايا بين واسط وبغداد، وثقه أبو زرعة (¬3) وغيره (¬4). (قال: أنا. وثنا عمرو بن عثمان) الحمصي، صدوق حافظ (عن الوليد) بن مسلم (عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي قلابة، عن أنس بهذا الحديث، قال فيه: فبعث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في طلبهم، فأتي بهم) فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم (فأنزل اللَّه في ذلك: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}) استدل به على أن هذِه الآية نزلت في المرتدين من العرنيين حين ارتدوا كما تقدم، وجاء ¬

_ (¬1) في (م): محمد. (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) "الجرح والتعديل" 7/ 289. (¬4) ساقطة من (م).

في رواية عمر أيضًا. قال به الإمام من أصحابنا، وزعم أن العرنيين قطاع الطريق؛ وحينئذ فيتجه ما قاله الشافعي أن الآية نزلت في قطاع الطريق، وهو قول الفقهاء وجمهور المفسرين كما حكاه في "المطلب" قال: وعلى هذا فالآية كما قال الإمام تبعًا للقاضي ناسخة للمثلة (¬1). ويؤيده أنه جاء في الرواية الآتية: ثم نهى عن المثلة. {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ} يحتمل أن يكون المعنى: يسعون في الأرض بمحاربتهم، أو يضيفون فسادًا إلى المحاربة {فَسَادًا} منصوب على أنه مفعول له، أو هو مصدر في موضع الحال، أي: يسعون في الأرض في حال فسادهم، أو مصدر من معنى: يسعون، على معنى أنَّ {يَسْعَوْنَ} في الأرض يفسدون، ولما كان السعي في الأرض للفساد جعل فسادًا، أي: إفسادًا (الآية) إلى آخرها. [4367] (ثنا موسى (¬2) بن إسماعيل) التبوذكي الحافظ قال (ثنا حماد) ابن سلمة (قال: ثنا ثابت، وقتادة، وحميد) بن هلال. (عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-) و (ذكر هذا الحديث) المتقدم و (قال) فيه (فلقد رأيت أحدهم يكدم) بضم الدال، ويجوز الكسر (الأرض بفيه) أي: يعض على الأرض بفيه كما يكدم الحمار (عطشًا) منصوب على أنه مفعول له، أي: لكثرة ما به من العطش. ويجوز أن يكون مصدرًا في موضع الحال، أي: يكدم الأرض في حال عطشه الشديد (حتى ¬

_ (¬1) "نهاية المطلب" 17/ 297. (¬2) فوقها في (ل): (ع).

ماتوا) من شدة العطش. قال طائفة من السلف: كان هذا قبل نزول الآية في المحاربين، ثم نزلت الحدود بعد ذلك على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ونهي عن المثلة كما سيأتي، فنسخ هذِه الآية حديث العرنيين، روي هذا عن ابن سيرين (¬1) وسعيد بن جبير (¬2) وأبي الزناد (¬3). وقالت طائفة: حديث العرنيين غير منسوخ، وفيهم نزلت آية المحاربين، وإنما فعل ذلك بهم قصاصًا؛ لأنهم فعلوا مثل ذلك في الرعاء. ذكره جماعة. [4368] (ثنا محمد بن بشار قال: ثنا) محمد بن إبراهيم (ابن أبي عدي) البصري، وثقوه (عن هشام) بن أبي عبد اللَّه الدستوائي. (عن قتادة، عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- بهذا الحديث نحوه) و (زاد: ثم نهى عن المثلة) بضم الميم، وهي تشويه الخلقة، كقطع الأنف والأذن والأيدي، وفيه دليل على جواز نسخ السنة بالقرآن، قال (¬4) ابن السمعاني وذكر الشافعي في "الرسالة" ما يدل على أن نسخ السنة بالقرآن لا يجوز (¬5). ولوح في موضع آخر بالجواز، فخرجه أكثر أصحابنا على قولين: أحدهما: لا يجوز، وهو الأظهر من مذهبه. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5686). (¬2) "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ" (ص 198). (¬3) ينظر: "الناسخ والمنسوخ" للنحاس 2/ 277. (¬4) ساقطة من (م). (¬5) "الرسالة" (ص 106).

والثاني: يجوز. وهو الأولى بالحق (¬1). قال الزركشي: ولو تأمل عقب كلامه بأن له غلط هذا [الفهم] (¬2)، وإنما مراد الشافعي أدن الرسول إذا سن سنة -كما في قصة العرنيين أنه سمر أعينهم كما تقدم- ثم أنزل اللَّه في كتابه: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية، ففيه نسخ الحديث في سمل الأعين وغيره، فلا بد أن يسن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سنة أخرى موافقة للكتاب تنسخ سنته الأولى -وهي هنا نهيه عن المثلة، فإنها موافقة لآية المحاربة- لتقوم الحجة على الناس في كل حكم بالكتاب والسنة. كما في نسخ سمل الأعين وغيره في العرنيين بآية المحاربة وحديث: نهى عن المثلة. ومراد الشافعي أنه لا تكون سنة منفردة تخالف الكتاب. والحاصل أن الشافعي يشترط لوقوع نسخ السنة بالقرآن سنة معاضدة للكتاب ناسخة، فكأنه يقول: لا تنسخ السنة إلا بالكتاب والسنة معًا؛ لتقوم الحجة على الناس بالأمرين، ولئلا يتوهم متوهم انفراد أحدهما عن الآخر، فإن الكل من اللَّه، والأصوليون لم يقعوا على مراد الشافعي ذلك، وهذا أدب عظيم من الشافعي (¬3). [4369] (ثنا أحمد بن صالح، ثنا عبد اللَّه (¬4) بن وهب) قال يونس بن عبد الأعلى: عُرض على ابن وهب القضاء، فجنن نفسه ولزم بيته، فاطلع ¬

_ (¬1) "قواطع الأدلة في أصول الفقه" لأبي المظفر السمعاني 3/ 176 - 177. (¬2) "البحر المحيط في أصول الفقه" للزركشي 5/ 275. (¬3) ليست في الأصول، والمثبت من "البحر المحيط". (¬4) فوقها في (ل): (ع).

عليه زيد بن سعد وهو يتوضأ في صحن داره، فقال له: يا أبا محمد، لم لا تخرج إلى الناس تقضي بينهم بكتاب اللَّه وسنة رسوله؟ ! فرفع رأسه وقال: إلى هاهنا انتهى عقلك! أما علمت أن العلماء تحشر مع الأنبياء، وأن القضاة يحشرون مع السلاطين (¬1). وقرئ على ابن وهب كتابه في أهوال يوم القيامة، فخر مغشيًّا عليه، فلم يتكلم بكلمة حتى مات بعد أيام (¬2). (قال: أخبرني عمرو) بن الحارث بن يعقوب الأنصاري مولاهم، أحد الأعلام (عن سعيد بن أبي هلال) الليثي، نشأ بالمدينة ثم رجع إلى مصر في خلافة هشام (عن أبي الزناد) عبد اللَّه بن ذكوان (عن عبيد اللَّه) مصغر (ابن عبد اللَّه) بن عتبة بن مسعود الفقيه الأعمى. (قال أحمد) إنما (هو) يعني (عبد اللَّه بن عبيد اللَّه) بالتصغير (ابن عمر ابن الخطاب. عن) عبد اللَّه (بن عمر رضي اللَّه عنهما أن ناسًا) من عكل وعرينة (أغاروا على إبل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فاستاقوها، فارتدوا عن الإسلام وقتلوا) يسارا، رواية الطبراني: فذبحوه وجعلوا الشوك في عينيه، ثم طردوا الإبل (¬3). (راعي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مؤمنًا) منصوب على الحال من راعي، والحال في الحقيقة صفة لصاحبه، وفي "أحكام عبد الحق": أنهم كانوا قطعوا ¬

_ (¬1) روى هذا الخبر أبو الفتوح الطائي في "الأربعين" (ص 183). (¬2) رواه الحاكم في "المستدرك" 4/ 572، ومن وجه آخر أبو نعيم في "الحلية" 8/ 324. (¬3) "المعجم الكبير" 7/ 6 (6223).

أيدي الراعي ورجليه وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه حتى مات، وكان عبدًا نوبيًّا رآه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي فأعتقه (¬1). (فبعث في آثارهم) زاد الطبراني: خيلًا من المسلمين، أميرهم كرز ابن جابر الفهري، فلحقوهم (¬2). (فأخذوا، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل) بفتح السين المهملة والميم، أي: فقأ (أعينهم) وأذهب ما فيها. وقيل: هو بمعنى سمر، والراء تبدل من اللام. (قال: ونزلت فيهم آية المحاربة) {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (وهم الذين أخبر عنهم أنس بن مالك الحجاج) بن يوسف الثقفي (حين سأله) عن أشد ما عاقب به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. [4370] (ثنا أحمد بن عمرو بن السرح قال: أنا ابن وهب قال: أخبرني الليث بن سعد، عن محمد بن العجلان) المدني الفقيه، ثقة (عن أبي الزناد) عبد اللَّه بن ذكوان -رضي اللَّه عنه- (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لما قطع الذين سرقوا لقاحه، وسمل أعينهم بالنار) أي: كحلها بمسامير محمية كما تقدم (عاتبه اللَّه تعالى في ذلك) أي: في سمل أعينهم بالنار. (فأنزل اللَّه: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا}) قال ابن عطية: {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} تبيين للحرابة، أي: ويسعون بحرابتهم. قال: ويجوز أن يكون {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} مضافًا إلى الحرابة ({أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا}) {أَوْ تُقَطَّعَ} التشديد ¬

_ (¬1) "الأحكام الوسطى" 4/ 74. (¬2) "المعجم الكبير" 7/ 6 (6223).

في هذِه الثلاثة قراءة الجمهور، وهو للتكثير بالنسبة إلى الذين يوقع بهم الفعل. والتخفيف في ثلاثتها قراءة الحسن ومجاهد وابن محيصن (¬1). (الآية) إلى آخرها. [4371] (ثنا محمد بن كثير قال: أنا. وثنا موسى بن إسماعيل قال: ثنا همام) بتشديد الميم، ابن يحيى العوذي الحافظ، قال أحمد: ثبت في كل المشايخ (¬2). (عن قتادة، عن محمد بن سيرين قال: كان هذا) الحكم (قبل أن تنزل الحدود. يعني: حديث أنس) المتقدم في العرنيين. [4372] (ثنا أحمد بن محمد بن ثابت) الخزاعي، ثقة قال: (حدثنا علي بن حسين، عن أبيه) الحسين بن واقد قاضي مرو (عن يزيد) بن أبي سعيد (النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ} محاربة اللَّه غير ممكنة، فيحتمل على حذف مضاف، أي: يحاربون أولياء اللَّه ({وَرَسُولَهُ}) أو تجعل المحاربة بمعنى المخالفة، أي: يخالفون أحكام اللَّه ورسوله، وإلا لزم أن تكون محاربة اللَّه ورسوله جمعًا بين الحقيقة والمجاز، فإذا جعل ذلك على حذف مضاف، أو حملًا على قدر مشترك اندفع ذلك. وقال ابن عباس: المحاربة هنا الشرك (¬3) ({وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ}) أي: تقطع اليد اليمنى من الرسغ، والرجل الشمال من المفصل. ¬

_ (¬1) "المحرر الوجيز" 4/ 427. (¬2) ينظر: "الجرح والتعديل" 9/ 108، "تهذيب الكمال" 30/ 305. (¬3) ينظر: "البحر المحيط" لأبي حيان 4/ 240.

وروي عن علي أنه كان يقطع اليد من الأصابع، ويبقي الكف، والرجل من نصف القدم، ويبقي العقب (¬1). ({أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ}) قال ابن عطية: الظاهر أن الأرض في هذِه الآية هي الأرض التي وقعت فيها النازلة، وقد جنب الناس قديمًا الأرض التي أصابوا فيها الذنب، ومنه حديث الذي ناء بصدره نحو الأرض المقدسة (¬2). قال السدي: هو أن يطالب المحارب بالخيل والرجل حتى يؤخذ فيقام عليه حد اللَّه أو يخرج من دار الإسلام. قال مالك: لا يضطر مسلم إلى دار الشرك (¬3). (إلى قوله تعالى: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} نزلت هذِه الآية في المشركين) وبه قال الحسن وعطاء (¬4). (فمن تاب منهم) بالإسلام (قبل أن يقدر عليه؛ لم يمنعه ذلك من أن يقام عليه الحد الذي أصابه) قال ابن عطية: هذا من حيث رأيا (¬5) الوعيد بعد المتاب، وهذا ضعيف، والعلماء [على] (¬6) أن الآية في المؤمنين، ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق 10/ 185 (18760). (¬2) "المحرر الوجيز" 4/ 428. والحديث المشار إليه حديث الذي قتل تسعة وتسعين إنسانًا. رواه البخاري (3470). (¬3) ينظر: "المحرر الوجيز" 4/ 427 - 428. (¬4) رواه الطبري في "تفسيره" 6/ 220، عن الحسن وعكرمة. (¬5) قول ابن عطية هنا تعليق على قول الزهري وقتادة. (¬6) ساقطة من (ل)، (م)، والمثبت من "المحرر الوجيز".

وأن المحارب إذا تاب قبل القدرة عليه فقد أسقط (¬1) عنه حكم المحاربة، ولا نظر للإمام فيه إلا كما ينظر في سائر المسلمين، فإن طلبه أحد بدين أو دم نظر فيه وأقاد منه إذا كان الطالب وليًّا، ولذلك يتبع بما وجد عنده من مال الغير وبقيمة ما استهلك من الأموال، وهذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي (¬2). وروى ابن جرير عن عامر الشعبي قال: جاء رجل من مراد إلى أبي موسى وهو على الكوفة في إمرة عثمان بعدما صلى المكتوبة، فقال: يا أبا موسى، هذا مقام العائذ بك، أنا فلان ابن فلان المرادي، وإني كنت حاربت اللَّه ورسوله، وسعيت في الأرض فسادًا، وإني تبت من قبل أن يقدر علي. فقام أبو موسى فقال: إن هذا فلان، وإنه كان حارب اللَّه وسعى في الأرض فسادًا، وإنه تاب من قبل أن يقدر عليه، فمن لقيه فلا يتعرض له إلا بخير، فإن يك صادقًا فسبيل من صدق، وإن يك كاذبًا تدركه ذنوبه. فأقام الرجل ما شاء اللَّه، ثم إنه خرج فأدركه اللَّه بذنوبه فقتله (¬3)، ثم قال ابن جرير: إن عليًّا الأسدي حارب وأخاف السبيل وأصاب الدم والمال، فطلبه الأئمة والعامة، فامتنع ولم يقدر عليه حتى جاء تائبًا، وذلك أنه سمع رجلًا يقرأ هذِه الآية: {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} إلى آخر الآية (¬4)، ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): أسقطها. والمثبت من "المحرر الوجيز". (¬2) "المحرر الوجيز" 4/ 429 - 430. (¬3) "جامع البيان" 6/ 222. (¬4) الزمر: 53.

فوقف عليه فقال: يا عبد اللَّه، أعد قراءتها. فأعادها عليه، فغمد سيفه، ثم جاء تائبًا حتى قدم المدينة من السحر، فاغتسل، ثم أتى مسجد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فصلى الصبح، ثم قعد إلى أبي هريرة في غمار أصحابه، فلما أسفر عرفه الناس وقاموا إليه، فقال: لا سبيل لكم (¬1) علي، جئت تائبًا من قبل أن تقدروا علي. فقال أبو هريرة: صدق. وأخذ بيده أبو هريرة حتى أتى (¬2) مروان بن الحكم في إمرته على المدينة في زمن معاوية. فقال: هذا علي جاء تائبًا، ولا سبيل لكم عليه، ولا قتل. قال: ثم خرج علي (¬3) تائبًا مجاهدًا في سبيل اللَّه في البحر، فلقوا الروم، فقربوا [سفينته إلى] (¬4) سفينة من سفنهم فاقتحم علي الروم في سفينهم، فهربوا منه إلى شقها الآخر؛ فمالت بهم وبه؛ فغرقوا جميعًا (¬5). * * * ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) ساقطة من (م). (¬3) ساقطة من (م). (¬4) ساقطة من (ل)، (م)، والمثبت من "تفسير الطبري". (¬5) "جامع البيان" 6/ 223.

4 - باب في الحد يشفع فيه

4 - باب في الحَدِّ يُشْفَعُ فِيهِ 4373 - حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ خالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ الهَمْداني، قالَ: حَدَّثَني ح وَحَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّقَفي، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها أَنَّ قرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ التي سَرَقَتْ، فَقالُوا مَنْ يُكَلِّمُ فِيها؟ يَعْني رَسولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-. قالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ إِلا أُسامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَكَلَّمَهُ أُسامَةُ فَقالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا أُسامَةُ أَتَشْفَعُ في حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ". ثُمَّ قامَ فاخْتَطَبَ فَقالَ: "إِنَّما هَلَكَ الذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كانُوا إِذا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَها" (¬1). 4374 - حَدَّثَنا عَبّاسُ بْن عَبْدِ العَظِيمِ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها قالَتْ: كانَتِ امْرَأَةٌ مَخْزُومِيَّةٌ تَسْتَعِيرُ المَتاعَ وَتَجْحَدُهُ، فَأَمَرَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بِقَطْعِ يَدِها وَقَصَّ نَحْوَ حَدِيثِ اللَّيثِ قالَ: فَقَطَعَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يَدَها (¬2). قالَ أَبُو داوُدَ: رَوى ابن وَهْبٍ هذا الحَدِيثَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْري وقالَ: فِيهِ كَما قالَ اللَّيْثُ: إِنَّ امْرَأَةً سَرَقَتْ في عَهْدِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في غَزْوَةِ الفَتْحِ (¬3). وَرَواهُ اللَّيْثُ، عَنْ يُوِنُسَ، عَنِ ابن شِهابٍ بِإِسْنادِهِ فَقالَ: اسْتَعارَتِ امْرَأَةٌ (¬4). وَرَوى مَسْعُودُ بْنُ الأَسْوَدِ عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نَحْوَ هذا الخَبَرِ قالَ سُرِقَتْ قَطِيفَةٌ مِنْ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3475)، ومسلم (1688). (¬2) رواه البخاري (3475)، ومسلم (1688)، وعبد الرزاق 10/ 201 (18830). (¬3) "السنن الكبرى" للبيهقي 8/ 486. (¬4) السابق. (¬5) رواه أحمد 6/ 181، والبخاري في "الأدب المفرد" (465)، والنسائي في "الكبرى" (7294)، وابن حبان (94). وصححه الألباني في "الصحيحة" (638).

قالَ أَبُو داوُدَ: وَرَواهُ أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جابِرٍ أَنَّ امْرَأَةً سَرَقَتْ فَعاذَتْ بِزَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1). 4375 - حَدَّثَنا جَعْفَرُ بْنُ مُسافِرٍ وَمُحَمَّدُ بْن سُلَيْمانَ الأَنْباري قالا: أَخْبَرَنا ابن أَبِي فُدَيْكٍ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ زَيْدٍ -نَسَبَهُ جَعْفَرٌ إِلَى سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ-، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبي بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَقِيلُوا ذَوي الهَيْئاتِ عَثَراتِهِمْ إِلَّا الحُدُودَ" (¬2). * * * باب في الحد يشفع فيه [4373] (ثنا يزيد بن خالد بن عبد اللَّه بن موهب الهمداني، وثنا قتيبة ابن سعيد الثقفي قال: ثنا الليث، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضي اللَّه عنها أن قريشا أهمهم شأن المخزومية) وهي فاطمة (المرأة) بنت الأسود بن عبد الأسد قتله حمزة يوم بدر (التي سرقت) قال القرطبي: هذا هو الصحيح أن هذِه المرأة سرقت وقطعت يدها لأجل سرقتها، لا لأجل جحد المتاع، ويدل على صحة ذلك أربعة أوجه: أولها: أن رواية من روى أنها سرقت أكثر، وأشهر من رواية من قال أنها كانت تجحد المتاع. وثانيها: أن معمرًا وغيره ممن روى هذِه القضية متفق على أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال -حيث أنكر على أسامة-: "لو أن فاطمة سرقت لقطعت يدها". ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1689/ 11). (¬2) رواه أحمد 5/ 409، وابن ماجه (2548)، والطبراني في "الكبير" 20/ 333 (791)، والبيهقي في "كبرى" 8/ 487.

ثم أمر بيد المرأة فقطعت، وهذا يدل دلالة قاطعة على أن المرأة قطعت في السرقة؛ إذ لو كان قطعها لأجل جحد المتاع، لكان ذكر السرقة هنا لاغيًا لا فائدة له، وإنما كان يقول: لو أن فاطمة جحدت المتاع لقطعت يدها. وثالثها: إن جاحد المتاع خائن، ولا قطع على خائن عند جمهور العلماء خلافًا لما ذهب إليه أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه (¬1)؛ لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم- فيما رواه الترمذي من حديث جابر مرفوعًا: "ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع" وقال: هذا حديث حسن صحيح (¬2). وهذا نص ولأنه لو كان في جحد المتاع قطع لكان يلزم القطع على كل من جحد شيئًا من الأشياء ثم ثبت عليه، وهذا لا قائل به فيما أعلم. ورابعها] (¬3): أنه لا تعارض بين رواية من روى سرقت، ولا بين رواية من روى جحدت ما استعارت، إذ يمكن أن يقال: إن المرأة فعلت الأمرين، لكن قطعت في السرقة لا في الجحد كما شهد به سياق الحديث، فتأمله (¬4). (فقالوا: من يكلم فيها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قالوا: ومن يجترئ) بسكون ¬

_ (¬1) "مسائل الكوسج" (2414)، قال ابن قدامة: واختلفت الرواية عن أحمد في جاحد العارية، فعنه: عليه القطع. . . وعنه: لا قطع عليه. "المغني" 12/ 416 - 417. (¬2) "سنن الترمذي" (1448). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من النسخ الخطية، والمثبت من "المفهم". (¬4) انتهى من "المفهم" 5/ 77 - 78.

الجيم وهمز آخره، أي: يتجاسر عليه بطريق الإدلال عليه. (إلا أسامة بن زيد حب) بكسر الحاء، أي: محبوبه، وهي منقبة ظاهرة لأسامة -رضي اللَّه عنه- (رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فكلمه أسامة) في ذلك (فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: يا أسامة، أتشفع في حد من حدود اللَّه؟ ! ) فيه: إنكار على أسامة، وظاهره يفهم تحريم الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام، فيحرم على الشافع وعلى المشفع، وقد ذكر الدارقطني عن عروة بن الزبير قال: شفع الزبير في سارق، فقيل له: حتى تبلغه الإمام. فقال: إذا بلغ الإمام فلعن اللَّه الشافع والمشفع. كما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1). وكذا رواه الطبراني في "الأوسط" و"الصغير" (¬2)، لكن في إسناده أبو غزية محمد بن موسى الأنصاري وضعف، لكن وثقه الحاكم (¬3). وعن ابن عمر: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من حالت شفاعته في حد من حدود اللَّه فقد ضادّ اللَّه في أمره" (¬4) وفيه رجاء بن صبيح، لكن وثقه ابن حبان (¬5). وأما الشفاعة قبل بلوغ الإمام فقد أجازها أكثر أهل العلم؛ لما جاء ¬

_ (¬1) "سنن الدارقطني" 3/ 205. (¬2) "المعجم الأوسط" 2/ 380 (2284)، "المعجم الصغير" 1/ 111 (158). (¬3) قاله الهيثمي في "مجمع الزوائد" 6/ 259. (¬4) رواه أبو داود (3597)، والبيهقي 6/ 135، وصححه الحاكم 4/ 383، وليس فيه رجاء بن صبيح، والذي فيه رجاء رواه الطبراني في "الأوسط" 8/ 252 (8552) من حديث أبي هريرة. (¬5) "الثقات" 6/ 306.

في الستر على المسلم مطلقًا. لكن قال مالك ذلك فيمن لم يعرف منه أذى للناس (¬1). وأما الشفاعة فيما ليس فيه حد ولا حق لآدمي وإنما فيه التعزير فجائز بلغ الإمام أم لا. (ثم قام فاختطب) أي: خطب، وتأتي افتعل موافقة للمجرد كثيرًا، نحو: اقتدر بمعنى قدر، واستمع بمعنى سمع، واقترن بمعنى قرن. (فقال: إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد) تهديد ووعيد شديد على ترك القيام بالحدود وعلى ترك التسوية فيها بين الدّنيء والشريف والقوي والضعيف، ولا خلاف في وجوب ذلك، وفيه حجة لمن قال: إن شرع من قبلنا شرع لنا. (وايم اللَّه) الصحيح عند النحاة أنها ليست جمع يمين، بل مفردة، وأن ألفها ألف وصل بلام التعريف وضم آخره، وحكم القسم الخفض (¬2) كما ضم لعمرك. (لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) فيه إخبار عن مُقدر يفيد القطع بأمر محقق، وهو وجوب إقامة الحد على البعيد والقريب والبغيض والحبيب، لا تنفع في ذريته شفاعة، ولا تحول دونه قرابة ولا جماعة. زاد مسلم: ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها (¬3). وفيه تقديم. ¬

_ (¬1) "المدونة" 4/ 531. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) مسلم (1688/ 9).

وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه: كان عمر إذا نهى الناس عن [شيء جمع أهله فقال: إني نهيت الناس عن] (¬1) كذا وكذا، والناس ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم، فإن وقعتم وقعوا، وإن هبتم هابوا، وإني واللَّه لا أوتى برجل منكم أو امرأة وقع في شيء مما نهيته عنه إلا ضعفت له العقوبة لمكانه مني (¬2). وفيه: قالت عائشة: فحسنت توبتها بعد ذلك وتزوجت، وكانت تأتي بعد ذلك، فأرفع حاجتها إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3). [4374] (ثنا عباس) بالباء الموحدة والسين المهملة (بن عبد العظيم) العنبري شيخ مسلم (ومحمد بن يحيى قالا: ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: كانت امرأة مخزومية) سيأتي أنها فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد كما ذكره ابن عبد البر (¬4) وغيره. (تستعير المتاع وتجحده) إذا طلبته صاحبته (فأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقطع يدها، وقص نحو حديث الليث) المتقدم و (قال) فيه: فقطع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يدها. كذلك، وإن رواية من روى أنها سرقت أكثر وأشهر. وأيضًا أن معمرًا وغيره ممن روى هذِه القصة متفق على أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال حين أنكر على أسامة: "لو أن فاطمة سرقت لقطعت يدها". وأيضًا فإن جاحد المتاع خائن، ولا قطع على خائن عند جمهور ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) "جامع معمر" 11/ 343 (20713). (¬3) رواه البخاري (2648، 4304)، ومسلم (1688/ 9). (¬4) "الاستيعاب" 4/ 446 (3487).

العلماء، خلافًا لما ذهب إليه أحمد وإسحاق بن راهويه (¬1)، لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم- فيما روى الترمذي من حديث جابر مرفوعًا: "ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع" وقال: حديث حسن صحيح (¬2). وهذا نص. (قال أبو داود: روى) عبد اللَّه (ابن وهب هذا الحديث عن يونس عن الزهري وقال فيه كما قال الليث: إن امرأة سرقت في عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في غزوة الفتح) فتح مكة. (ورواه الليث، عن يونس، عن ابن شهاب بإسناده فقال: استعارت امرأة) وهي من بني عبد الأشهل أو من بني أسد. رواه ابن ماجه. وفي رواية [أخرى لأبي داود: ] (¬3) استعارت امرأة حليا على ألسنة أناس يعرفون ولا تعرف هي، فباعته، فأخذت، فأتي بها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأمر بقطع يدها. وهي التي شفع فيها أسامة بن زيد. (وروى مسعود بن الأسود) بن حارثة بن نضلة القرشي العدوي، المعروف بابن العجماء الصحابي، أخو مطيع بن الأسود، وكانا من المهاجرين، شهد مسعود بيعة الرضوان، واستشهد يوم مؤتة، روت عنه بنته عائشة (¬4). (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نحو هذا الخبر) و (قال) فيه (سرقت قطيفة) وهي كساء ¬

_ (¬1) "مسائل الكوسج" (2414). (¬2) "سنن الترمذي" (1448). (¬3) انظر: "الاستيعاب" 3/ 1390، (2372)، "أسد الغابة" 5/ 151 (4873). (¬4) في النسخ الخطية بياض، ولعل المثبت مراد المصنف، إذ الرواية ستأتي في "السنن" قريبا برقم (4396).

ذو خمل، جمعها قطائف، وهي الخميلة أيضًا (من بيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) رواية أحمد: قطيفة نفديها بأربعين أوقية (¬1). (قال أبو داود: ورواه أبو الزبير) محمد بن مسلم المكي التابعي (عن جابر -رضي اللَّه عنه- أن امرأة سرقت، فعاذت) بالذال المعجمة، أي: التجأت (بزينب بنت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) لتشفع فيها، وهذا قبل أن تصل إلى الحاكم. * * * ¬

_ (¬1) "المسند" 6/ 329.

باب الستر على أهل الحدود (¬1) [4375] (ثنا جعفر بن مسافر) التنيسي، صدوق (ومحمد بن سليمان الأنباري) بنون ثم باء موحدة، مات 234. (قالا: ثنا) محمد بن إسماعيل (ابن أبي فديك عن عبد الملك بن زيد، نسبه جعفر بن مسافر إلى سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل) المدني، قال النسائي: ليس به بأس (¬2). (عن محمد بن أبي بكر) بن حزم الأنصاري قاضي المدينة، ووالد قاضي بغداد عبد الملك بن محمد. (عن عمرة) وكانت في حجر عائشة، وهي هي بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة (¬3). (عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أقيلوا) أي: تجاوزوا وسامحوا (ذوي الهيئات). فسره الشافعي بمن لم يظهر منه ريبة وقال: سمعت من يعرف هذا الحديث يقول: يتجافى الرجل ذو الهيئة عن عثرته ما لم يكن حدًّا (¬4). (عثراتهم) بفتح المثلثة، أي: سقطاتهم وزلاتهم، يريد: عيوبهم، وفي ذلك إشارة إلى ترك التعزير عند ظهور المصلحة، ولذلك أناطه بذوي الهيئات؛ إذ المصلحة في الترك تلازمهم، ولأنه تأديب، فجاز ¬

_ (¬1) سيتكرر هذا الباب قبل حديث رقم (4377)، ومحل هذا الباب هنا غير موجود في المطبوع من "سنن أبي داود". (¬2) "تهذيب الكمال" 18/ 308 (3527). (¬3) "تهذيب الكمال" 35/ 241 (7895)، "سير أعلام النبلاء" 4/ 507. (¬4) "الأم" 7/ 368.

تركه كتأديب الأب والمعلم. (إلا الحدود) بالنصب، فإنها لا تترك. قال الماوردي: التعزير يوافق الحد في كونه شرع زجرًا وتأديبًا للصلاح، ويختلف بحسب الذنب، لكنهما مختلفان من ثلاثة أوجه: أحدها: أن تعزير ذوي الهيئات أخف من تعزير غيرهم، وهم متفقون في الحد. والثاني: تجوز الشفاعة في التعزير والعفو عنه في الجملة، ولا يجوز في الحد. والثالث: إن تلف في التعزير ضمن، أي: على الأصح، ولو تلف من الحد كان هَدَرًا (¬1). * * * ¬

_ (¬1) لم أجده بنصه، لكنه في "الحاوي الكبير" 7/ 435 فصَّل في بعض هذا.

5 - باب العفو عن الحدود ما لم تبلغ السلطان

5 - باب العَفْوِ عَن الحُدُودِ ما لَمْ تَبْلُغِ السُّلْطانَ 4376 - حَدَّثَنا سُلَيْمان بْنُ داوُدَ المَهْري، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ قالَ: سَمِعْتُ ابن جُرَيْجٍ يُحَدِّثُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "تَعافَوُا الحُدُودَ فِيما بَيْنَكُمْ فَما بَلَغَني مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ" (¬1). * * * باب العفو عن الحد ما لم يبلغ السلطان [4376] (ثنا سليمان بن داود) بن حماد بن سعد (المهري) بفتح الميم، قال (ثنا) عبد اللَّه (بن وهب قال: سمعت) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج يحدث عن عمرو بن شعيب، عن أبيه) شعيب ابن محمد بن عبد اللَّه بن عمرو. (عن) جده الأعلى (عبد اللَّه بن عمرو بن العاص) صرح بالرواية عن جده الأعلى ليكون الحديث متصلًا، إذ لو قال كما تقول في غير عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده لاحتمل أن يريد بجده الأدنى؛ فيكون الحديث مرسلًا (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: تعافوا) بفتح الفاء وضم الواو من غير همز (الحدود) أي: اعفوا عن الحدود وأظهروا العفو عن ¬

_ (¬1) رواه النسائي 8/ 70، والطبراني في "الأوسط" 6/ 210 (6212) ثم قال: لا يروي هذا الحديث عن ابن جريج إلا إسماعيل بن عياش، وفيه نظر، فها هي رواية ابن وهب عنه، ورواه النسائي في "الكبرى" 7/ 12 (7332) عن الحارث بن مسكين عن ابن وهب به، والدارقطني 3/ 113، والحاكم 4/ 383. وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (2954).

الحدود (فيما بينكم) وليأمر بعضكم بعضًا بالعفو عن الجاني قبل أن يبلغ الإمام، كما قال تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (¬1) إذا أوصى بعضهم بعضًا بالصبر حتى يظهر فيهم. قال ابن مالك: يأتي تفاعل لتخييل ترك الفعل، وإن لم يكن فاعلًا كقولهم: تغافل وتطارش، وإن [لم] (¬2) يكن عنده غفلة ولا طرش، بل المقصود إظهار الفعل بغيره. وقد روى الترمذي عن عائشة قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة" (¬3). وروى الطبراني عن القاسم: قال عبد اللَّه -يعني: ابن مسعود-: ادرؤوا الحدود والقتل عن عباد اللَّه ما استطعتم (¬4) (¬5) (فما بلغني من حد فقد وجب) إقامة الحد فيه، وحرمت الشفاعة فيه، كما أنه يحرم الشفيع فيه بلا خلاف. * * * ¬

_ (¬1) البلد: 17. (¬2) ساقطة من النسخ، والسياق يقتضيها. (¬3) "سنن الترمذي" (1424)، "العلل الكبير" 2/ 595. ورواه أيضًا الدارقطني 3/ 84، والحاكم في "المستدرك" 4/ 384، والبيهقي في "السنن الكبرى" 8/ 413، 414، 9/ 207، وفي "السنن الصغير" 3/ 202 قال في "الخلافيات" كما في "مختصر الخلافيات" 4/ 432: هذا الحديث مشهور بين الفقهاء، وإسناده ضعيف. وأعله ابن الملقن في "البدر المنير" 8/ 612 - 613، والحافظ في "التلخيص" 4/ 104. وضعفه الألباني في "الإرواء" (2355). (¬4) بعدها في (م): فإن كان له مخرج فخلوا سبيله. (¬5) "المعجم الكبير" 9/ 341 (9695).

6 - باب في الستر على أهل الحدود

6 - باب فِي السَّتْرِ عَلَى أَهْلِ الحُدُودِ 4377 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ يَزِيدَ ابْنِ نُعَيْمٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ ماعِزًا أَتَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَأَقَرَّ عِنْدَهُ أَرْبَعَ مَرّاتٍ فَأَمَرَ بِرَجْمِهِ وقالَ لِهَزّالٍ: "لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ كانَ خَيْرًا لَكَ" (¬1). 4378 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى عَنِ ابن المُنْكَدِرِ أَنَّ هَزّالًا أَمَرَ ماعِزًا أَنْ يَأْتي النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَيُخْبِرَهُ (¬2). * * * باب في الستر على أهل الحدود [4377] (ثنا مسدد قال: ثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن سفيان) الثوري (عن زيد بن أسلم) الفقيه (عن يزيد بن نعيم) بضم النون مصغر (عن أبيه) نعيم بن هزال -بفتح الهاء وتشديد الزاي- الأسلمي. (أن ماعزا أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) وهو ماعز بن مالك الأسلمي، معدود في المدينة (فأقر عنده) بالزنا (أربع مرات) فيه حجة لأبي حنيفة (¬3) وأحمد (¬4) أن الحد لا يجب إلا على من أقر بالزنا أربع مرات، وبهذا ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 216 - 217، والنسائي في "الكبرى" (7274)، (7275)، (7276)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" 14/ 534 (29379)، والحاكم 4/ 363. وصححه الألباني في "الصحيحة" (3460). (¬2) رواه أحمد، والنسائي في "الكبرى"، والحاكم، وصححه الألباني، وقد سبق. (¬3) ينظر: "مختصر اختلاف العلماء" 3/ 283 (1398)، "النتف في الفتاوى" 2/ 634، "المبسوط" 9/ 91. (¬4) "مسائل الكوسج" (2491).

قال الحكم (¬1) وابن أبي ليلى (¬2). وقال الحسن (¬3) ومالك (¬4) والشافعي (¬5): يجب بإقراره مرة. لكن قال أحمد: سواء أقر في مجلس واحد أو مجالس متفرقة. وقال أبو حنيفة (¬6): لا يقبل إقراره إلا في أربعة مجالس من مجلس المقر، فلو أقر عن يمين الحاكم ويساره وأمامه وورائه كان أربعة مجالس [قُبل عند الحنفية، قال أبو حنيفة: لا يثبت الرجم إلا في أربعة مجالس؛ لأن ماعزا أقر في أربعة مجالس] (¬7) وقال أحمد: إن الحديث الصحيح إنما يدل على أنه أقر أربعًا في مجلس واحد. وسيأتي كيف إقراره وحجة الشافعي ومن تابعه. (فأمر برجمه) فيه دليل على جواز الوكالة في الحدود، وأنه يجوز للإمام أن يبعث رجلًا واحدًا يقوم مقامه في إقامة الحدود وتنفيذ الأحكام وقبول الشهود. (وقال لهزال) بفتح الهاء وتشديد الزاي والد نعيم بن هزال راوي الحديث. وقال مالك في "الموطأ": عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن ¬

_ (¬1) انظر: "الأوسط" 12/ 449. (¬2) انظر: "الأوسط" 12/ 450. (¬3) انظر: "الأوسط" 12/ 449. (¬4) "المدونة" 4/ 482. (¬5) "الأم" 7/ 335. (¬6) انظر: "النتف" 2/ 634، "المبسوط" 9/ 91. (¬7) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

المسيب أنه قال: بلغني أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لرجل من أسلم يقال له: هزال (¬1). (لو سترته) بردائك (بثوبك لكان خيرًا لك) ثم قال: قال يحيى بن سعيد: فحدثت هذا الحديث في مجلس فيه يزيد بن نعيم بن هزال الأسلمي، فقال يزيد: هزال جدي، وهذا الحديث حق (¬2). وسيأتي ما يدل على ذلك. وفي الحديث دليل على فضيلة الستر على أخيه المسلم وحسن الظن به، وقد جاءت في الستر على المسلمين أحاديث كثيرة، منها ما رواه الطبراني، عن لقيط بن أرطاة السكوني أن رجلًا قال له: [إن] (¬3) لنا جارا يشرب الخمر، ويأتي القبيح، فأرفع أمره إلى السلطان؟ قال: لقد قتلت تسعة وتسعين مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما أحب أني قتلت مثلهم، وأني كشفت قناع مسلم. أنتهى (¬4). وستر المؤمن على نفسه أولئ من ستره على غيره، واللَّه الموفق. [4378] (ثنا محمد بن عبيد) بن حساب الغبري البصري شيخ مسلم (عن حماد (¬5) بن زيد) الأزدي أحد الأعلام (¬6)، وكان يحفظ حديثه كالماء ¬

_ (¬1) "الموطأ" 2/ 821. (¬2) ساقطة من النسخ الخطية، والمثبت من "المعجم الكبير". (¬3) "الموطأ" 2/ 821. (¬4) "المعجم الكبير" 19/ 217 (484). قال الهيثمي في "المجمع" 6/ 246: فيه مسلمة بن علي وهو ضعيف. (¬5) فوقها في (ل): (ع). (¬6) بعدها في النسختين بياض بمقدار كلمتين، ويصلح أن يكون: كان ضريرا. كما في ترجمته في "تهذيب الكمال" ووجود (ض) في موضعها في (م).

(قال يحيى) (¬1) بن سعيد الأنصاري قاضي السفاح. (عن محمد بن المنكدر أن هزالًا) قال اللالكائي: كان المنكدر خال عائشة فشكا إليها الحاجة، فقالت له: إن لي شيئًا يأتيني أبعث به إليك. فجاءها عشرة آلاف، فبعثتها إليه، فاشترى منها جارية، فولدت له محمدًا وأبا بكر وعمر، ومحمد من مشاهير التابعين، روى عن أبيه وغيره. (أمر) أي: هو الذي أمر (ماعزًا أن يأتي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فيخبره) بما وقع منه، فأنكر عليه وأخبره بأن يتستر عليه. ولو أمره بكتم ذلك على نفسه كان أفضل. * * * ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع).

7 - باب في صاحب الحد يجيء فيقر

7 - باب فِي صاحِبِ الحَدِّ يَجَيءُ فَيُقِرُّ 4379 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا الفِرْيابي، حَدَّثَنا إِسْرائِيلُ، حَدَّثَنا سِماكُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ امْرَأَةً خَرَجَتْ عَلَى عَهْدِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تُرِيدُ الصَّلاةَ فَتَلَقّاها رَجُلٌ فَتَجَلَّلَها فَقَضَى حاجَتَهُ مِنْها فَصاحَتْ وانْطَلَقَ فَمَرَّ عَلَيْها رَجُلٌ فَقالَتْ: إِنَّ ذاكَ فَعَلَ بي كَذا وَكَذا وَمَرَّتْ عِصابَةٌ مِنَ المُهاجِرِينَ فَقالَتْ: إِنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ فَعَلَ بي كَذا وَكَذا. فانْطَلَقُوا فَأَخَذُوا الرَّجُلَ الذي ظَنَّتْ أَنَّهُ وَقَعَ عَلَيْها فَأَتَوْها بِهِ فَقالَتْ: نَعَمْ هُوَ هذا. فَأَتَوْا بِهِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَلَمّا أَمَرَ بِهِ قامَ صاحِبُها الذي وَقَعَ عَلَيْها فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ أَنا صاحِبُها. فَقالَ: "اذْهَبي فَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكِ". وقالَ لِلرَّجُلِ قَوْلًا حَسَنًا. قالَ أَبُو داوُدَ: يَعْني: الرَّجُلَ المَأْخُوذَ وقالَ لِلرَّجُلِ الذي وَقَعَ عَلَيْها: "ارْجُمُوهُ". فَقالَ: "لَقَدْ تابَ تَوْبَةً لَوْ تابَها أَهْلُ المَدِينَةِ لَقُبِلَ مِنْهُمْ". قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ أَسْباطُ بْنُ نَصْرٍ أَيْضًا عَنْ سِماكٍ (¬1). * * * باب في صاحب الحد يجيء فيقر [4379] (ثنا محمد بن يحيى) بن عبد اللَّه بن خالد (بن فارس) الذهلي الحافظ شيخ البخاري، روى عنه في مواضع، لكن لم يثبته، فتارة يقول: محمد. وتارة يقول: محمد بن عبد اللَّه. وتارة يقول: محمد بن خالد. وكان أمير المؤمنين في الحديث. (قال: ثنا) محمد بن يوسف بن واقد (الفريابي) بكسر الفاء، وبعد ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1454)، وأحمد 6/ 399. وصححه الألباني في "الصحيحة" (900).

الراء ياء مثناة تحت، منسوب إلى فرياب من خراسان. (قال: ثنا إسرائيل) بن يونس (قال: ثنا سماك بن حرب عن علقمة بن وائل، عن أبيه) وائل بن حجر الكندي الصحابي، قال الترمذي: علقمة بن وائل سمع من أبيه، وهو أكبر من عبد الجبار، وعبد الجبار لم يسمع من أبيه (¬1). (أن امرأة) [. . .] (¬2) (خرجت على عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تريد الصلاة، فتلقاها رجل، فتجللها) بفتح الجيم واللام المشددة الأولى، قال ابن الأثير: أي: غشيها (¬3). يعني: أكرهها وغلبها وعلا عليها بالوطء. قال الجوهري: تجلله أي: علاه، وجلل الفرس ألبسها الجل (¬4). وبوب الترمذي على هذا الحديث: باب المرأة إذا استكرهت على الزنا (¬5). (فقضى حاجته منها) كرهًا (فصاحت) فيه: الاستغاثة لمن أكره على معصية من زنا أو شرب خمر وغير ذلك (وانطلق) عنها حين صاحت. (ومر عليها رجل) أي: غير الذي وطئها (فقالت: إن ذاك) الرجل (فعل بي كذا وكذا) كناية عما يستقبح. (ومرت عصابة من المهاجرين فقالت: إن ذاك الرجل فعل بي كذا ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" 4/ 56. (¬2) في (ل)، (م) بياض بمقدار كلمة. (¬3) "جامع الأصول" 3/ 504. (¬4) "الصحاح" 4/ 1661. (¬5) "سنن الترمذي" (1454).

وكذا. فانطلقوا معه، فأخذوا الرجل) يعني: الثاني الذي مر عليها (الذي ظنت أنه وقع عليها، فأتوها به) وقالوا: هو ذا؟ . (فقالت: نعم هو ذا. فأتوا به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما أمر به) ليرجم. ليس في الحديث أنه سئل عن الزنا، ولا أنه اعترف ولا أنكر، وأقيمت عليه بينة [وأدلة الكتاب والسنة على أنه لا بد من بينة] (¬1) أو إقرار؛ أما البينة فلقوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} (¬2) وأما الإقرار فلقوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في الحديث: "فإن اعترفت فارجمها" (¬3) وعلى هذا فالحديث محمول على أنه لما أتي به وسئل اعترف أو أقيمت عليه بينة. (قال صاحبها الذي وقع عليها) فاعترف بما وقع ليخلص المتهم بالرجم من العقوبة؛ لئلا يجتمع عليه معصيتان، معصية الزنا ومعصية عقوبة هذا المظلوم. (فقال: يا رسول اللَّه، أنا صاحبها) الذي فعلت بها (فقال لها: اذهبي؛ فقد غفر اللَّه لك) أي: رحمها بإيهام الرجل الذي وقع عليها بالاعتراف، ليسقط عنها إثم الذي اتهمته بإكراهها على الزنا، وهو بريء، ولعلها لما أكرهها الرجل على الزنا حصل لها دهشة عن رؤيته، فلما رأت الرجل المار ظنته إياه، وأخبرت بما غلب على ظنها أنه إياه. (وقال للرجل) الذي اتهمته لما وقع عليها (قولًا حسنًا) أي: طيبا ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) النور: 4. (¬3) رواه البخاري (2314 - 2315)، ومسلم (1697 - 1698) من حديث زيد بن خالد وأبي هريرة.

(فقالوا للرجل الذي وقع عليها) يشبه أن يكون المراد الرجل الذي (¬1) ظنت أنه وقع واتهمته (ارجمه) أي: معنا، ورواية الترمذي: قال للرجل الذي وقع عليها: "ارجموه" (¬2). وعلى هذا فاللام في قوله: (للرجل) بمعنى (عن) فإن الخطاب بالرجم ليس هو للرجل، بل للصحابة. فاللام كقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا} (¬3) أي: عن الذين آمنوا {وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ} (¬4) أي: قالت أولاهم عن أخراهم، إذ الخطاب مع اللَّه لا معهم، وقال أبو حيان: اللام في {أُولَاهُمْ} لام السبب، أي: لأجل أولاهم، بخلاف اللام التي في قوله: {لِأُخْرَاهُمْ} فإنها لام التبليغ (¬5). نحو: قلت لك: اصنع كذا. فإن الخطاب مع أخراهم فيه دليل لما قاله العلماء وصرح به الماوردي في "الحاوي" أن الرجل إذا أكره امرأة على الزنا وزنى بها مكرهة وجب عليه الحد دونها (¬6)، وهذا متفق عليه؛ لهذا الحديث. وأما المهر فمختلف فيه: فمذهب الشافعي أن عليه لها مهر مثلها بما أصاب منها (¬7). ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) "سنن الترمذي" (1454). (¬3) العنكبوت: 12. (¬4) الأعراف: 39. (¬5) "البحر المحيط" 4/ 296. (¬6) "الحاوي" 13/ 239. (¬7) انظر: "الحاوي" 6/ 65، "نهاية المطلب" 17/ 204.

وقال أبو حنيفة: لا مهر عليه، احتجاجًا بنهي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن مهر البغي (¬1) (¬2). وأما المضطرة إلى الزنا ففي "سنن البيهقي" أن عمر أتي بامرأة جهدها العطش، فمرت على راع، فاستسقته، فأبى أن يسقيها إلا أن تمكنه من نفسها؛ ففعلت. فشاور الناس في رجمها، فقال عليٌّ: هذِه مضطرة أرى أن يخلى سبيلها. ففعل (¬3). وقال محب الدين الطبري: لم أر في المضطرة نقلًا، والذي ظهر لي لا يجوز لها تمكينه، وصوبه المتأخرون، وخالف إباحة الميتة للمضطر (¬4)؛ فإن الاضطرار ههنا إلى نفس المحرم، وهنا الاضطرار ليس إلى نفس المحرم، وإنما جعل المحرم وسيلة إليه، وهو لا تندفع به الضرورة؛ لأنه قد يصر على المنع بعد وطئها. (وقال: لقد تاب) يعني: المرجوم باعترافه (توبة لو تابها أهل المدينة) النبوية جميعهم. وفيه: جواز (لو) في الكلام (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2237، 2282، 5346، 5761)، ومسلم (1567) من حديث أبي مسعود الأنصاري. (¬2) انظر: "المبسوط" 9/ 53. (¬3) "السنن الكبرى" 8/ 411. (¬4) من (م). (¬5) قال ابن دقيق في "إحكام الأحكام" 2/ 87 وهو يجمع بين أحاديث النهي وأحاديث الإباحة في لفظ "لو": وقد قيل في الجمع بينهما: إن كراهتها في استعمالها في التلهف على أمور الدنيا إما طلبًا أو هربا؛ لما فيه من عدم التوكل على اللَّه، وأما إذا =

وفيه أن توبة الزنا لا تسقط عنه حكم الزنا، وكذا حكم حد السرقة والشرب، وهذا أصح القولين في مذهبنا (¬1) ومذهب مالك (¬2). والثاني: أنها تسقط ذاك، ولم يذكر في هذا الحديث الصلاة على المرجوم، وقد يستدل به الزهري على ما ذهب إليه من أنه لا يصلى على المرجوم وقاتل نفسه (¬3)، وقال [مالك (¬4) و] (¬5) أحمد (¬6): يكره للإمام ولأهل الفضل دون [باقي الناس] (¬7). قالا: ويصلي عليه غير الإمام وغير أهل الفضل. وقال الشافعي وآخرون: يصلي عليه الإمام وأهل الفضل (¬8). (لقبل منهم) توبتهم بأجمعهم (قال أبو داود: رواه أسباط بن نصر) الهمداني، توقف فيه أحمد (عن سماك) بن حرب، صدوق. * * * ¬

_ = استعملت في تمني القربات فلا كراهة في هذا أو ما يقرب منه. قلت: وعلى الثاني يحمل هذا الحديث. واللَّه أعلم. (¬1) "الأم" 7/ 59، وانظر: "الحاوي" 13/ 370، واستدل الشافعي رحمه اللَّه بحديث ماعزٍ فإنه لم يأت للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلا وقد تاب قبل أن يأتيه. (¬2) انظر: "البيان والتحصيل" 16/ 384، "الذخيرة" 10/ 218. (¬3) رواه عبد الرزاق 3/ 535 (6616). (¬4) "المدونة" 1/ 254، 4/ 508. (¬5) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬6) المشهور في المذهب أنه يُصلَّى على أهل الكبائر والمرجوم في الزنا، قال أحمد: ما يُعلم أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ترك الصلاة على أحد إلا على قاتل نفسه والغال. انظر: "المغني" 3/ 508. (¬7) في (م): الباقي. (¬8) انظر: "نهاية المطلب" 3/ 38، "المحلى" 3/ 399، "المبسوط" 9/ 94.

8 - باب في التلقين في الحد

8 - باب فِي التَّلْقِينِ في الحَدِّ 4380 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ عَنْ إِسْحاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي طَلْحَةَ، عَنْ أَبي المُنْذِرِ مَوْلَى أَبي ذَرٍّ، عَنْ أَبي أُمَيَّةَ المَخْزومي أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أُتي بِلِصٍّ قَدِ اعْتَرَفَ اعْتِرافًا وَلَمْ يُوجَدْ مَعَهُ مَتاعٌ فَقالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما إِخالُكَ سَرَقْتَ". قالَ: بَلَى. فَأَعادَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَ وَجَيءَ بِهِ فَقالَ: "اسْتَغْفِرِ اللَّهَ وَتُبْ إِلَيْهِ". فَقالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ. فَقالَ: "اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ". ثَلاثًا. قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ عَمْرُو بْنُ عاصِمٍ، عَنْ هَمّامٍ، عَنْ إِسْحاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: عَنْ أَبي أُمَيَّةَ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصارِ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1). * * * باب في التلقين في الحد [4380] (ثنا موسى بن إسماعيل قال: ثنا حماد) بن سلمة، ثقة (عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة) حجة (عن أبي المنذر مولى أبي ذر) الصحابي، مجهول، لم يرو عنه إلا إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة، قاله عبد الحق (¬2). والعجب من إمام الحرمين حيث قال في "النهاية": إن هذا حديث متفق على صحته (¬3). ولم يرد اصطلاح المحدثين اتفاق الصحيحين، بل مراده أنه مسند، ولا شك في إسناده مرفوعًا من حديث أبي أمية. ¬

_ (¬1) رواه النسائي 8/ 67، وابن ماجه (2597)، وأحمد 5/ 293. وضعفه الألباني في "الإرواء" (2426). (¬2) "الأحكام الوسطى" 4/ 98. (¬3) "نهاية المطلب في دراية المذهب" 17/ 280.

(عن أبي أمية) قال ابن الأثير: لا يعرف اسمه (¬1) (المخزومي) عداده في أهل الحجاز. (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أتي بلص) بكسر اللام (قد اعترف) بالسرقة (اعترافًا ولم يوجد معه متاع) يعني: المال الذي اتهم بسرقته. (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما إخالك) بكسر الهمزة على الأفصح، وفتحها لغة أسد، وكسر حرف المضارعة على خلاف القاعدة. و (إخال) يتعدى إلى مفعولين كأظن. فالكاف مفعول، و (سرقت) جملة فعلية في موضع نصب على المفعول الثاني. وزاد البغوي بعد قوله: "أسرقت": [قال: لا (¬2). ويتبع في ذلك الإمام على ما ذكره البزدوي في تتمة الحديث عقيب قوله: "ما إخالك سرقت"] (¬3) قل: لا. وهذِه الزيادة لم يصححها أئمة الحديث. قال ابن الصلاح: لكن روى الحافظ البيهقي بإسناده موقوفًا على أبي الدرداء أنه أتي بجارية سرقت فقال لها: أسرقتي؟ قولي: لا. قالت: لا. فخلى عنها (¬4). وروى هذا الحديث في "المراسيل" من حديث محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، وزاد: فقطعوه وحسموه، ثم أتوه به، فقال: "تب إلى اللَّه" (¬5). ووصله الدارقطني والحاكم والبيهقي بذكر أبي ¬

_ (¬1) "أسد الغابة" 6/ 21. (¬2) "شرح السنة" 10/ 293. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) "السنن الكبرى" 8/ 479. (¬5) "مراسيل أبي داود" (244).

هريرة (¬1)، وفيه تلقين الرجوع عن الإقرار لا إنكاره بعد أن أقر به. واقتصر الرافعي في باب حد الزنا على الاستحباب (¬2)، وكلام الماوردي (¬3) والقاضي صريح في استحبابه، ونص الشافعي يدل عليه (¬4)، وكلام البغوي (¬5) وإمامه يدل على الجواز. وحاصل المسألة أن فيها أربعة أوجه: أصحها الاستحباب. والثاني: الجواز. والثالث: المنع، والرابع: إن كان المطلوب يجهل حكم ذلك جاز له، وإلا فلا يجوز (¬6). وإذا قلنا بالاستحباب أو الجواز فلا نقول له: ارجع عن إقرار، بل نعرض ونقول: لعلك لم تسرق، ولعلك كنت، لعلك أخذت بإذن المالك، لعلك أخذت من غير حرز. وهذا لا يختص بحد السرقة، بل يجري في كل حد للَّه تعالى. (قال: بلى. فأعاد عليه) المقالة (مرتين أو ثلاثًا) لم يقل النسائي في روايته: مرتين أو ثلاثًا. كل ذلك يعترف بالسرقة. (فأمر به فقطع) رواية النسائي: "اذهبوا به فاقطعوه" (¬7) (وجيء به) بعد قطعه (فقال: ) له ¬

_ (¬1) "سنن الدارقطني" 3/ 102، "المستدرك" 4/ 281، "السنن الكبرى" 8/ 471، وصححه ابن الملقن في "البدر المنير" 8/ 674، وانظر: "إرواء الغليل" (2431). (¬2) "الشرح الكبير" 11/ 150 - 151. (¬3) "الحاوي" 13/ 334. (¬4) "الأم" 7/ 340. (¬5) "التهذيب" 7/ 333 - 334. (¬6) انظر: "الشرح الكبير" 11/ 232 - 233. (¬7) "السنن الكبرى" 4/ 328، "المجتبى" 8/ 67.

(استغفر) بكسر الراء في الوصل لالتقاء الساكنين (اللَّه تعالى وتب إليه) قد يستدل به من يقول: إن المحدود يبقى عليه تبعات متعلقات بأحوال الآخرة؛ فيستغفر اللَّه ويتوب منها. (فقال: أستغفر اللَّه تعالى وأتوب إليه. فقال: اللهم تب عليه) قال ذلك (ثلاثا) ثلاث مرات، وفي رواية ابن ماجه: مرتين (¬1). فيه: الدعاء بالتوبة والاستغفار لمن أذعن إلى فعل الخير وانقاد إليه. (قال أبو داود: رواه عمرو بن عاصم عن همام عن إسحاق بن عبد اللَّه قال: عن أبي أمية رجل من الأنصار عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) (¬2). * * * ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (2597). (¬2) رواه الدولابي في "الكنى والأسماء" 1/ 36 (94)، 3/ 1067 عن عمرو بن عاصم عن همام عن إسحاق بن عبد اللَّه، عن أبي المنذر البراد عن أبي أمية رجل من الأنصار به.

9 - باب في الرجل يعترف بحد ولا يسميه

9 - باب فِي الرَّجُلِ يَعْترِفُ بِحَدٍّ ولا يُسَمِّيهِ 4381 - حَدَّثَنا مَحْمُودُ بْن خالِدٍ، حَدَّثَنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الواحِدِ، عَنِ الأَوْزاعيِّ، قالَ: حَدَّثَني أَبُو عَمّارٍ، حَدَّثَني أَبُو أُمامَةَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ إِنّي أَصَبْتُ حَدّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ. قالَ: "تَوَضَّأْتَ حِينَ أَقْبَلْتَ". قالَ: نَعَمْ. قالَ: "هَلْ صَلَّيْتَ مَعَنا حِينَ صَلَّيْنا". قالَ: نَعَمْ. قالَ: "اذْهَبْ فَإِنَّ اللَّهَ تَعالَى قَدْ عَفا عَنْكَ" (¬1). * * * باب في الرجل يعترف بحد ولا يسميه [4381] (ثنا محمود بن خالد) بن يزيد السلمي الدمشقي، وثقه أبو حاتم (¬2) والنسائي (¬3). (قال: ثنا عمر بن عبد الواحد) السلمي الدمشقي. (عن) [عامر بن شراحيل] (¬4) (الأوزاعي قال: حدثنى أبو عمار) شداد ابن [عبد الرحمن] (¬5) القرشي، روى له البخاري في "الأدب" وغيره. (قال: ثنا أبو أمامة) صدي بن عجلان الباهلي. (أن رجلًا أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه، إني أصبت حدًّا ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2764، 2765). (¬2) "الجرح والتعديل" 8/ 292. (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 27/ 295. (¬4) كذا في (ل)، (م): . وهو خطأ بين؛ فالأوزاعي هو: عبد الرحمن بن عمرو. أما عامر بن شراحيل فهو الشعبي. انظر: "تهذيب الكمال" 17/ 307، 14/ 28. (¬5) كذا في (ل)، (م)، وهو خطأ، وصوابه: عبد اللَّه. انظر "تهذيب الكمال" 12/ 399.

فأقمه عليَّ) رواية ابن جرير من طريق (سليم) (¬1) بن عامر عن أبي أمامة أن رجلًا جاء إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: يا رسول، أقم فيَّ حد اللَّه. مرة أو مرتين، فأعرض عنه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم أقيمت الصلاة، فلما فرغ من الصلاة قال: "أين هذا الرجل القائل: أقم فيَّ حد اللَّه" قال: أنا ذا. قال: "أتممت الوضوء" (¬2). (قال: توضأت حين أقبلت؟ ) يعني: وأتممت الوضوء كما في رواية ابن جرير المذكورة. (قال: نعم. قال: هل صليت معنا حين صلينا؟ قال: نعم. قال فاذهب، فإن اللَّه قد غفر لك) رواية ابن جرير قال: "فإنك من خطيئتك كما ولدتك أمك، ولا تعد". وأنزل اللَّه على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)} (¬3) (¬4). (وعفا عنك) هو محمول على أنه أراد بالحد اللغوي المانع، أو أنه أراد به ما دون الوطء مما يوجب التعزير. وقد روى الدارقطني بسنده إلى معاذ أنه كان قاعدًا عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فجاءه رجل فقال: يا رسول اللَّه، ما تقول في رجل أصاب من امرأة لا ¬

_ (¬1) في الأصول: سليمان. والمثبت من "تفسير الطبري"، و"المعجم الكبير" للطبراني. (¬2) "تفسير الطبري" 12/ 623، ورواه الطبراني في "الكبير" 8/ 160 (7675)، وفي "مسند الشاميين" 3/ 82 (1840). (¬3) "تفسير الطبري" 12/ 623. (¬4) هود: 114.

تحل له، فلم يدع شيئًا يُصيبه الرجل من امرأته إلا قد أصابه منها غير أنه لم يجامعها. فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "توضأ وضوءًا حسنًا، ثم قم فصل" فأنزل اللَّه هذِه الآية: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} فقال معاذ: هي له خاصة أم للمسلمين عامة؟ قال: "بل للمسلمين عامة" (¬1). ورواه ابن جرير عن عبد الملك بن عمير به (¬2). * * * ¬

_ (¬1) "سنن الدارقطني" 1/ 134. (¬2) "تفسير الطبري" 12/ 623.

10 - باب في الامتحان بالضرب

10 - باب في الامْتِحانِ بِالضَّرْبِ 4382 - حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهّابِ بْنُ نَجْدَةَ، حَدَّثَنا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنا صَفْوانُ، حَدَّثَنا أَزْهَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الحَرازي أَنَّ قَوْمًا مِنَ الكَلاعِيِّينَ سُرِقَ لَهُمْ مَتاعٌ فاتَّهَمُوا أُناسًا مِنَ الحاكَةِ فَأَتَوُا النُّعْمانَ بْنَ بَشِيرٍ صاحِبَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَحَبَسَهُمْ أَيّامًا ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُمْ فَأَتَوُا النُّعْمانَ فَقالُوا: خَلَّيْتَ سَبِيلَهُمْ بِغَيْرِ ضَرْبٍ وَلا امْتِحانٍ. فَقالَ النُّعْمان ما شِئْتُمْ إِنْ شِئْتُمْ أَنْ أَضْرِبَهُمْ فَإِنْ خَرَجَ مَتاعُكمْ فَذاكَ وِإلَّا أَخَذْتُ مِنْ ظُهُورِكُمْ مِثْلَ ما أَخَذْتُ مِنْ ظُهُورِهِمْ. فَقالُوا هذا حُكْمُكَ فَقالَ هذا حُكْمُ اللَّهِ وَحُكْمُ رَسُولِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-. قالَ أَبُو داوُدَ: إِنَّما أَرْهَبَهُمْ بهذا القَوْلِ أي: لا يَجِبُ الضَّرْبُ إِلَّا بَعْدَ الاعْتِرافِ (¬1). * * * باب في الامتحان بالضرب [4382] (حدثنا عبد الوهاب بن نجدة) الحوطي من جبلة الساحل، وثقه يعقوب بن شيبة (¬2) (قال: حدثنا بقية) بن الوليد من رواة مسلم (قال: ثنا صفوان) بن عمرو بن هرم السكسكي الحمصي، روى له البخاري في "الأدب" (قال: ثنا أزهر بن عبد اللَّه الحرازي) بفتح الحاء المهملة، وتخفيف الراء، وبعد الألف زاي، منسوب إلى حراز بن عوف بن عدي، هذا هو الصواب. وقال الدارقطني: هو الحرَّاني بالراء المشددة والنون، حديثه في الشاميين، تابعي صالح الحديث. ¬

_ (¬1) رواه النسائي 8/ 66. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود". (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 18/ 519 (3607).

(أن قومًا من الكلاعيين) بفتح الكاف، وتخفيف اللام بطن من ذي الكلاع بن حمير (سرق لهم متاع، فاتهموا ناسًا من الحاكة) جمع حائك (فأتوا النعمان بن بشير صاحب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) ابن سعد بن ثعلبة الأنصاري لأبيه ولأمه عمرة بنت رواحة صحبة. سكن الكوفة، وكان واليًا عليها زمن معاوية بن أبي سفيان، ثم ولي حمص، فدعا لعبد اللَّه ابن الزبير، فطلبه أهل حمص، فقتلوه. (فحبسهم أيامًا) جمع، أقله ثلاثة أيام، وفيه جواز حبس الإمام إذا رأى ذلك. (ثم خلى سبيلهم) فيه أن الإمام إذا رأى حبس قوم اتهموا في سرقة أو قتل أو غيرهما فحبسهم فله أن يطلقهم في عصبة من اتهم إذا لم يثبت عليهم شيء. (فأتوا النعمان، فقالوا: خليت سبيلهم بغير ضرب ولا امتحان) يقول: فعلت كذا، وفعلت كذا. فلا يزال به يقول. (فقال) لهم (النعمان: ما شئتم إن شئتم أن أضربهم، فإن خرج متاعهم (¬1) فذاك، وإلا أخذت) لهم (من ظهوركم) أخذًا (مثل ما أخذت من ظهورهم) فيه جواز ضرب الإمام من استحق العقوبة على ظهره على قدر ما يراه الإمام باجتهاده. (فقالوا: هذا حكمك؟ ) أي: رأي ظهر لك باجتهادك أنه المصلحة؟ (فقال: هذا حكم اللَّه وحكم رسوله) وفيه جواز مراجعة الإمام. * * * ¬

_ (¬1) بعدها في (ل)، (م): متاعكم. وفوقها: نسخة.

11 - باب ما يقطع فيه السارق

11 - باب ما يُقْطَعُ فِيهِ السّارِقُ 4383 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْري قالَ: سَمِعْتُهُ مِنْهُ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كانَ يَقْطَعُ في رُبْعِ دِينارٍ فَصاعِدًا (¬1). 4384 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ وَوَهْبُ بْن بَيانٍ قالا: حَدَّثَنا، ح وَحَدَّثَنا ابن السَّرْحِ، قالَ: أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَني يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "تُقْطَعُ يَدُ السّارِقِ في رُبْعِ دِينارٍ فَصاعِدًا". قالَ أَحْمَدُ بْن صالِحٍ القَطْعُ في رُبْعِ دِينارٍ فَصاعِدًا (¬2). 4385 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنا مالِكٌ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَطَعَ في مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلاثَةُ دَراهِمَ (¬3). 4386 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا ابن جُرَيْجٍ، أَخْبَرَني إِسْماعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ أَنَّ نافِعًا مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُمْ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ سَرَقَ تُرْسًا مِنْ صُفَّةِ النِّساءِ ثَمَنُهُ ثَلاثَةُ دَراهِمَ (¬4). 4387 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْن أَبي السَّريُّ العَسْقَلانيُّ -وهذا لَفْظُهُ وَهُوَ أَتَمُّ- قالا: حَدَّثَنا ابن نُمَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ موسَى، عَنْ عَطاءٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَدَ رَجُلٍ في مِجَنٍّ قِيمَتُهُ دِينارٌ أَوْ عَشرَةُ دَراهِمَ. قالَ أَبُو داودَ: رَواهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ وَسَعْدانُ بْن يَحْيَى عَنِ ابن إِسْحاقَ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6789)، ومسلم (1684). (¬2) متفق عليه، وقد سبق. (¬3) رواه البخاري (6795)، ومسلم (1686). (¬4) متفق عليه، وقد سبق.

بِإِسْنادِهِ (¬1). * * * باب ما يقطع فيه السارق [4383] (ثنا أحمد بن حنبل قال: ثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري قال) الزهري (سمعته منه عن عمرة) بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، وكانت في حجر عائشة (عن عائشة رضي اللَّه عنها أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان) يدل على التكرار (يقطع) اليد (في ربع دينار) من الذهب الخالص، فلا قطع فيما دونه، وإذا سرق ما سوى الذهب من فضة أو غيرها قوم به، فإن بلغ ربع دينار قطع، وإلا فلا. ولو سرق ذهبًا مغشوشًا فإن بلغ خالصه نصابًا قطع، وإلا فلا (فصاعدًا) منصوب على الحال. [4384] (ثنا أحمد بن صالح ووهب بن بيان) بفتح الباء الموحدة وتخفيف المثناة تحت الواسطي، ثقة (¬2). (ثنا ابن سرح (¬3) قال: ثنا) عبد اللَّه (ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب، عن عروة وعمرة، عن عائشة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: تقطع يد السارق) وهو آخذ المال خفية، أصله من المسارقة، وهي إذا ارتقب غفلته لينظر إليه. والسرقة الشرعية كبيرة موجبة للقطع إجماعًا. ¬

_ (¬1) رواه النسائي 8/ 83، والدارقطني 3/ 191، والحاكم 4/ 378 - 379. وقال الألباني في "ضعيف أبي داود": شاذ. (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 31/ 118 (6751). (¬3) كذا في الأصول، وقبلها في "سنن أبي داود": (قالا: حدثنا ح، و).

(في ربع دينار) وهو المثقال، والمعتبر وزن مكة (فصاعدًا. قال أحمد ابن صالح) الحافظ الطبري شيخ البخاري (القطع في ربع) بضم الباء، ويجوز إسكانها (دينار فصاعدًا) أي: فما فوقه كما في رواية لمسلم (¬1)، خلافًا لمن قال: لا يعتبر النصاب ويجب القطع بكل قليل وكثير (¬2). وهو مذهب الحسن البصري وسعيد بن المسيب والزهري وأهل الظاهر والخوارج. وبه قال أبو عبد الرحمن ابن بنت الشافعي من أصحابنا، وهذِه الأحاديث حجة عليهم. [4385] (ثنا عبد اللَّه بن مسلمة قال: ثنا مالك عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قطع في مجن) بكسر الميم وفتح الجيم، وهو الترس (ثمنه ثلاثة دراهم) وسئلت عائشة: ما ثمن المجن؟ قالت: ربع دينار (¬3). وفيه حجة لمالك أن النصاب ربع دينار أو ثلاثة دراهم وما سواهما يقوَّم بالدراهم. ومذهبه أن الثلاث دراهم إن كانت قيمة ربع دينار قطع به، وإلا فلا (¬4). [4386] (حدثنا أحمد بن حنبل قال: ثنا عبد الرزاق قال: أنا) عبد الملك (ابن جريج قال: أخبرني إسماعيل (¬5) بن أمية) بن عمرو بن ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1684/ 3). (¬2) انظر: "الأوسط" 12/ 282، "المحلى" 12/ 344، "المغني" 12/ 418، "روضة الطالبين" 10/ 110. (¬3) رواه عنها النسائي 8/ 80، وفي "الكبرى" 4/ 339، والبيهقي 8/ 447. (¬4) "المدونة" 4/ 526 - 527. (¬5) فوقها في (ل): (ع).

سعيد الأموي، ثقة، له نحو ستين حديثًا (¬1). (مولى (¬2) عبد اللَّه بن عمر حدثه أن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما حدثهم (¬3) أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قطع يد رجل سرق ترسًا من صفة) بضم الصاد وتشديد الفاء، وهو مكان مظلل من الدار يجلسن فيه ويعتدن القعود فيه (ثمنه ثلاثة دراهم) إطلاقه يقتضي أن القطع يحصل بما ثمنه ثلاثة دراهم، وإن لم تكن قيمته ربع دينار، وحمله الشافعي على أنه كانت قيمته ربع دينار جمعًا بين الأحاديث (¬4). [4387] (ثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن أبي السري) هو ابن المتوكل (العسقلاني وهذا لفظه، وهو أتم، قالا: ثنا) عبد اللَّه (ابن نمير عن محمد بن إسحاق، عن أيوب بن موسى) بن الأشرف أحد الفقهاء. (عن عطاء، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: قطع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يد رجل في مجن قيمته دينار أو عشرة دراهم) استدل به الحنفية على أن النصاب الذي تقطع فيه اليد دينار أو عشرة دراهم (¬5). وبما روى الدارقطني من رواية الحجاج بن أرطاة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تقطع يد السارق في أقل من ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 3/ 45 - 46 (426). (¬2) كذا في الأصول، وقبلها في "سنن أبي داود": (أن نافعا). (¬3) ساقطة من (م). (¬4) "الأم" 7/ 320، قال: وذلك أن الصرف كان على عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- اثنى عشر درهما بدينار. أي أن الثلاثة دراهم تساوي ربع دينار. (¬5) انظر: "المبسوط" 9/ 137.

عشرة دراهم" (¬1) وبأنه حق يتعلق بمال فلا يتعلق بربع دينار كالزكاة. وأجاب الشافعية عنه بأن رواية عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده لا حجة فيها ما لم يبين جده (¬2). قال الماوردي: ولو صح أمكن تأويله على عشرة دراهم قيمتها ربع دينار، لأن النقود كانت مختلفة وأوزانها مختلفة (¬3). وعن هذا الحديث بأنه لا يعمل به لو انفرد فكيف مع معارضة الأحاديث الصحيحة الصريحة في التقدير بربع دينار؟ ! وعن القياس بالمعارضة بأنه حق يتعلق بالمال؛ فوجب أن لا يتقدر بعشرة دراهم كالزكاة. (قال أبو داود: ورواه محمد بن سلمة) بفتح السين ابن عبد اللَّه المرادي، أخرج له مسلم (وسعدان بن يحيى) وهو سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي (عن ابن إسحاق بإسناده). * * * ¬

_ (¬1) "سنن الدارقطني" 3/ 192. (¬2) هذا الكلام على إطلاقه مردود، فالأئمة يحتجون بمثل هذا الحديث حتى قال البخاري: رأيت أحمد بن حنبل، وعلي بن عبد اللَّه، والحميدي، وإسحاق بن إبراهيم -ابن راهويه- يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه. وقال محمد بن بن علي الجوزجاني: قلت لأحمد بن حنبل: عمرو بن شعيب سمع من أبيه شيئًا؛ قال: يقول: حدثني أبي. قلت: فأبوه سمع من عبد اللَّه بن عمرو؟ قال: نعم، أراه قد سمع. وانظر: "التاريخ الكبير" 6/ 342، و"تهذيب الكمال" 22/ 64. (¬3) "الحاوي" 13/ 272.

12 - باب ما لا قطع فيه

12 - باب ما لا قَطْعَ فِيهِ 4388 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبّانَ أَنَّ عَبْدًا سَرَقَ وَدِيّا مِنْ حائِطِ رَجُلٍ فَغَرَسَة في حائِطِ سَيِّدِهِ فَخَرَجَ صاحِبُ الوَديِّ يَلْتَمِسُ وَدِيَّه فَوَجَدَهُ فاسْتَعْدى عَلَى العَبْدِ مَرْوانَ بْنَ الحَكَمِ وَهُوَ أَمِيرُ المَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ فَسَجَنَ مَرْوان العَبْدَ وَأَرادَ قَطْعَ يَدِهِ فانْطَلَقَ سَيِّدُ العَبْدِ إِلَى رافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "لا قَطْعَ في ثَمَرٍ وَلا كَثَرٍ". فَقالَ الرَّجُلُ: إِنَّ مَرْوانَ أَخَذَ غُلامي وَهُوَ يُرِيدُ قَطْعَ يَدِهِ وَأَنا أُحِبُّ أَنْ تَمْشيَ مَعي إِلَيْهِ فَتخْبِرَهُ بِالَّذي سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَمَشَى مَعَهُ رافِعُ بْنُ خَدِيجٍ حَتَّى أَتَى مَرْوانَ بْنَ الحَكَمِ فَقالَ لَهُ رافِعٌ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "لا قَطْعَ في ثَمَرٍ وَلا كَثَرٍ". فَأَمَرَ مَرْوانُ بِالعَبْدِ فَأُرْسِلَ. قالَ أَبُو داوُدَ: الكَثَرُ الجُمّارُ (¬1). 4389 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى ابْنِ حَبّانَ بهذا الحَدِيثِ قالَ: فَجَلَدَهُ مَرْوانُ جَلَداتٍ وَخَلَّى سَبِيلَهُ (¬2). 4390 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنِ ابن عَجْلانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الثَّمَرِ المُعَلَّقِ فَقالَ: "مَنْ أَصابَ بِفِيهِ مِنْ ذي حاجَةٍ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً فَلا شَيء عَلَيْهِ، وَمَنْ خَرَجَ بِشَيء مِنْهُ فَعَلَيْهِ غَرامَةُ مِثْلَيْهِ والعُقُوبَةُ، وَمَنْ سَرَقَ ¬

_ (¬1) رواه مالك 2/ 839، الترمذي (1449)، والنسائي 8/ 86 - 87، وابن ماجه (2593)، وأحمد 3/ 463. وصححه الألباني في "الإرواء" (2414). (¬2) رواه أصحاب السنن وأحمد، وصححه الألباني، وقد سبق.

مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ يُؤويَهُ الجَرِينُ فَبَلَغَ ثَمَنَ المِجَنِّ فَعَلَيْهِ القَطْعُ، وَمَنْ سَرَقَ دُونَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ غَرامَةُ مِثْلَيْهِ والعُقُوبَةُ". قالَ أَبُو داوُدَ: الجَرِينُ الجُوخانُ (¬1). * * * باب ما لا قطع فيه [4388] (ثنا عبد اللَّه بن مسلمة، عن مالك بن أنس) الإمام (عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن منقذ بن عمرو الأنصاري التابعي. (أن عبدًا سرق وديًّا) بفتح الواو، وكسر الدال المهملة، وتشديد المثناة تحت، وهو صغار النخل التي تخرج في أصولها صغارًا فتغرس (من حائط) أي: بستان من نخل؛ لأن له تحوطة (رجل فغرسه في حائط سيده، فخرج صاحب الوَديِّ يلتمس وَديَّه) قال ابن الأثير: الودي: الغرس من غروس النخل قبل أن يكبر (¬2) (فوجده فاستعدى) صاحب الودي (على العبد مروان) أي: استغاث به عليه؛ لأجل مظلمته منه، واسم العبد السارق: قتيل. وقيل: فيل (¬3) (بن الحكم) بن أبي العاص ابن أمية (وهو أمير المدينه) ولم ير النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأن النبي كان نفى أباه إلى الطائف فلم يزل بها حتى ولي عثمان، فرده إلى المدينة، وقدمها مع أبيه، ومات بدمشق سنة خمس وستين (يومئذ) ¬

_ (¬1) رواه أصحاب السنن وأحمد، وحسنه الألباني، وقد سبق برقم (1710). (¬2) "جامع الأصول" 3/ 568. (¬3) انظر: "المستفاد من مبهمات المتن والإسناد" لابن العراقي 2/ 1144.

أي: يوم استعداه صاحب الوَديِّ (فسجن مروان العبد) فيه دليل على جواز اتخاذ السجن للأمير والقاضي للحاجة إليه في التعزير واستيفاء الحق من المماطلين، ويدل عليه ما روى البيهقي من حديث نافع بن عبد الحارث أنه اشترى من صفوان بن أمية [دار السجن] (¬1) لعمر بن الخطاب بأربعة آلاف (¬2). وعلقه البخاري (¬3)، وروي في حديثٍ عن ابن عباس: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من مات في حبس ليلة مظلومًا؛ خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه". وحكى الماوردي عن عمر بن عبد العزيز والليث بن سعد أنه لا يجوز أن يُحبس أحدٌ في دَيْنٍ؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ما حبس في دين قط (¬4). والحديث المتقدم غريب، حكاه الأذرعي ثم قال: والقول بالوجوب وجه ظاهر؛ لأن الحاجة ماسة إليه؛ لأن من الخصوم ما لا يقدر على ملازمته، والتوكيل به يشق، وفي الحديث دليل على أن للحاكم أن يحبس العبد بغير إذن سيده، وتقدم في حديث أزهر أن النعمان بن بشير حبس المتهمين أيامًا ثم خلى سبيلهم. (وأراد قطع يده) بسبب سرقة الوَدِيِّ (فانطلق سيده إلى رافع بن خديج) بن رافع بن عدي الأوسي من أهل المدينة شهد أحدًا والخندق وأكثر المشاهد، ولم يشهد بدرًا لصغره. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين مثبت من "صحيح البخاري" قبل حديث (2423)، و"سنن البيهقي" 6/ 34. (¬2) "السنن الكبرى" 6/ 56، وفيه: بأربعمائة. (¬3) "صحيح البخاري" قبل حديث (2423). (¬4) "الحاوي" 6/ 333.

(فسأله عن ذلك فأخبره أنه سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: لا قطع) خبر في معنى الأمر، أي: لا تقطعوا اليد (في ثمر) بفتح الثاء المثلثة والميم، وهو المعلق على رأس الشجرة قبل أن يقطع، قال اللَّه تعالى: {انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ} (¬1) فإذا قطع فهو الرطب (ولا) في (كثر) (¬2) بفتح الكاف والثاء المثلثة وهو جمار النخل قبل أن يصير تمرًا، وقد وقع مفسرًا في رواية "الموطأ" والنسائي (¬3)، وفي "الموطأ" عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن أبي حسين: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا قطع في ثمر معلق، ولا في حريسة جبل" (¬4) وهو مصغر، والحريسة (¬5)، بحاء مهملة وسين مهملة أيضًا، والجبل: بفتح الجيم والباء الموحدة. قال في "نهاية الغريب": الحريسة: فعيلة بمعنى: مفعولة، أي: أن لها من يحرسها ويحفظها (¬6). فلا قطع فيها. وضبط صاحب "الجمهرة" الكثر بإسكان الثاء (¬7). وفي الكثر قول آخر: أنه الفسيل، حكاه الماوردي (¬8). واستدل أبو حنيفة بهذا الحديث على أنه لا يجب القطع بسرقة شيء ¬

_ (¬1) الأنعام: 99. (¬2) في (ل)، (م): كثب. والمثبت من "السنن". (¬3) "الموطأ" 2/ 839، "السنن الكبرى" 4/ 346، "المجتبى" 8/ 87. (¬4) "الموطأ" 2/ 831. (¬5) في (م): (والحرسية). (¬6) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 367. (¬7) "جمهرة اللغة" 1/ 422. (¬8) "الحاوي" 13/ 274.

من الفواكه الرطبة سواء كانت محرزة أو غير محرزة، وقاس عليها الألبان، وفرق بين رطب الفواكه ويابسها في وجوب القطع (¬1). وسوى بين طري اللحم وقديده، وطري السمك ومملوحه في عدم القطع، وحمل الشافعي هذا الحديث على ما لم يحرز (¬2). كما سيأتي في الحديث بعده، ولأن ثمارهم كانت بارزة مشتهاة للناس، والجمار المذكور في الحديث جمار النخل وهو شحمه. (فقال الرجل: إن مروان أخذ غلامي) لفظ "الموطأ": أخذ غلامًا لي (¬3). ولم يقل: عبدي؛ لورود النهي عنه (¬4). (وهو يريد قطع يده) بهذِه السرقة (وأنا أحب أن تمشي معي إليه فتخبره) بالنصب عطفًا على ما قبله (بالذي سمعت من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فمشى) بفتح الميم والشين (معه رافع بن خديج حتى أتى مروان بن الحكم) فيه: مشي الشاهد إلى بيت القاضي؛ ليشهد عنده، ولا يكفي بعث الحاكم إلى من يسمع كلامه وشهادته، وإن كان الشاهد ذا (¬5) منزلة ورفعة أكثر من الحاكم، فإن أتى القاضي إليه أو استناب في سماع الدعوى جاز. ¬

_ (¬1) انظر: "النتف في الفتاوى" 2/ 651، "المبسوط" 9/ 180، "بدائع الصنائع" 7/ 69. (¬2) "الأم" 7/ 333، 376. (¬3) "الموطأ" 2/ 839. (¬4) فيما رواه البخاري (2552)، ومسلم (2249) من حديث أبي هريرة. (¬5) في (ل)، و (م) ذو. والجادة ما أثبتناه.

(فقال له رافع) بن خديج بعد أن سلَّم عليه (سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: لا قطع في ثمر ولا كثر) زاد مالك في "الموطأ": بيد، فمشى معه رافع إلى مروان فقال: أخذت غلامًا لهذا؟ فقال: نعم. فقال: فما أنت صانع به؟ قال: أردت قطع يده فقال له رافع: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا قطع في ثمر ولا كثر" (¬1) انتهى. فيه حجة لمن لم ير القطع. وحجة الشافعي: ما روى ابن وهب، عن مالك في الرجل يدخل الحائط فيأكل من التمر أو يجده ساقطًا، قال: لا يأكل منه، إلا أن يعلم أن نفس صاحبه تطيب بذلك. (فأمر مروان بالعبد فأرسل) أي: أخرج من السجن وأطلق. (قال أبو داود: الكثر: الجمار) كما تقدم تفسيره. [4389] (ثنا محمد بن عبيد) بن حساب الغبري (قال: ثنا حماد) بن زيد (قال: ثنا يحيى) بن سعيد [قال: ثنا] (¬2) (عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح المهملة والموحدة، كما تقدم. (بهذا الحديث قال: فجلده مروان) بن الحكم (جَلَدَات) بفتح اللام، قال ابن مالك: وقد تسكن عين فعلات جمع فعلة إذا كان مصدرًا كحسرات، تشبيهًا بجمع فعلة صفة؛ لأن المصدر قد يوصف به. وقال أبو الفتح: السكون في ظبيات أسهل من رفضات؛ لاعتلال اللام، ورفضات أسهل من تمرات؛ لأن المصدر يشبه الصفة (¬3). ¬

_ (¬1) "الموطأ" 2/ 839. (¬2) كذا في (م)، و (ل)، ولا وجه لها. (¬3) انظر: "المحتسب" 1/ 56.

فيه دليل على وجوب التعزير فيما لا حدَّ فيه ولا كفارة، كسرقة ما دون النصاب مما لا قطع فيه ولا حد، وكارتكاب مقدمات ما يوجب الحد إذا لم يتصل به، كمباشرة الأجنبية فيما دون الفرج، ومباشرة الصبي، والأخذ في قطع الطريق على المذهب، وكونه ردًّا لقطاع الطريق، والقذف بغير الزنا، وتعاطي مقدمات شرب الخمر، ونحو ذلك. (وخلَّى سبيله) ولم يذكر فيه غرامة ولا قطع، ولو كان ثَمَّ شيء لنُقِل. [4390] (ثنا قتيبة بن سعيد قال: ثنا الليث عن) محمد (ابن عجلان) القرشي (عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده) الأعلى (عبد اللَّه بن عمرو بن العاص زمنه، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه سئل عن الثمر) بفتح الثاء والميم (المعلق) على الأشجار. (فقال: من أصاب) منه (بفيه) أي: من أكل منه بفمه (من ذي) أي: صاحب (حاجة) أي: وهو محتاج إليه لجوع ونحوه، (غير) منصوب على الاستثناء من الضمير المستتر في (أصاب) (متخذ منه خُبنة) بضم الخاء المعجمة، وإسكان الباء الموحدة ثم نون، هو ما تحمله في حضنك -بكسر الحاء المهملة- كذا فسره الجوهري وابن الأثير (¬1)، قال الجوهري: والحضن ما دون الإبط إلى الكشح (¬2). قال: وخبنت الطعام إذا غيبته واستعددته للشدة. قال ابن الأثير: وقيل: الخبنة هو: أن تأخذه في خبنة ثوبك وهو ذيله ¬

_ (¬1) "الصحاح" 5/ 2101، "النهاية" 1/ 400. (¬2) "الصحاح" 5/ 2101.

وأسفله (¬1). قال الجوهري: يقال: خبنت الثوب وغيره أخبنه خبنًا إذا عطفته (¬2). (فلا شيء عليه) محمول عند الشافعي ما إذا علم أو ظن رضا المالك به، وأحمد يجيزه وإن سخط المالك. قال ابن هبيرة في "الإفصاح": اختلفوا فيمن سرق ثمرًا معلقًا على النخل والشجر إذا لم يكن محرزًا بحرز؛ فقال أبو حنيفة (¬3) والشافعي: يجب عليه قيمته. وأحمد: يجب قيمته دفعتين. قال: وأجمعوا على أنه يسقط القطع على سارقه (¬4). انتهى. وقال أبو ثور (¬5): إن كان من ثمر أو بستان محرز ففيه القطع، وبه قال ابن المنذر (¬6)، إذ لم يصحح حديث رافع بن خديج المتقدم. وهذان الحديثان مخصصان لآية السرقة وما فيها من العموم، ولأن البستان ليس حرزًا لغير الثمر، فكذا لا يكون حرزًا للثمر، كما لو لم يكن محوطًا، فأما إذا كانت نخلة أو شجرة في دار محرزة، فسرق منها نصابًا، ففيه القطع؛ لأنه سرق من حرز، واعتذر بعض أصحاب الشافعي عن الحديث بأنه كان في أول الإسلام ثم نُسِخ. (ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه) (¬7) إذا لم تبلغ قيمته ربع دينار ¬

_ (¬1) "النهاية" 2/ 9. (¬2) "الصحاح" 5/ 2107. (¬3) قبلها في "الإفصاح": مالك. (¬4) "الإفصاح" 2/ 272. (¬5) "الأوسط" 12/ 302. (¬6) "الأوسط" 12/ 302. (¬7) في (ل)، و (م): مثله. والمثبت من "السنن".

(والعقوبة) بالتعزير على ما يراه الحاكم من ضرب أو حبس أو غير ذلك. (ومن سرق منه شيئًا بعد أن يؤويه الجرين) بفتح الجيم وكسر الراء، وهو موضع تجفيف الثمار، ويقال له: الجرن، وهو له كالبيدر للحنطة. (يبلغ) ما سرق منه (ثمن المجن) المذكور قبله وهو ما قيمته ربع دينار. (فعليه القطع) كما تقدم. * * *

13 - باب القطع في الخلسة والخيانة

13 - باب القَطْعِ في الخُلْسَةِ والخِيانَةِ 4391 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْنُ عَليٍّ، أَخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، حَدَّثَنا ابن جُرَيْجٍ قالَ: قالَ أَبُو الزُّبَيْرِ قالَ جابِرُ بْن عَبْدِ اللَّهِ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَيْسَ عَلَى المُنْتَهِبِ قَطْعٌ وَمَنِ انْتَهَبَ نُهْبَةً مَشْهُورَةً فَلَيْسَ مِنّا" (¬1). 4392 - وَبِهَذا الإِسْنادِ قالَ: قالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَيْسَ عَلَى الخائِنِ قَطْعٌ" (¬2). 4393 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْن عَليٍّ، أَخْبَرَنا عِيسَى بْن يُونُسَ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بِمِثْلِهِ زادَ: "وَلا عَلَى المُخْتَلِسِ قَطْعٌ". قالَ أَبُو داوُدَ: هَذانِ الحَدِيثانِ لَمْ يَسْمَعْهُما ابن جُرَيْجٍ مِنْ أَبي الزُّبَيْرِ وَبَلَغَني عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قالَ إِنَّما سَمِعَهُما ابن جُرَيْجٍ مِنْ ياسِينَ الزَّيّاتِ. قالَ أَبُو داوُدَ: وَقَدْ رَواهُما المُغِيرَةُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3). * * * باب القطع في الخلسة والخيانة الخلسة (¬4) بضم الخاء المعجمة: الاسم من قولك: خلست الشيء، واختلسته من صاحبه إذا استلبته منه وهربت، يقال: الفرصة خلسة. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1448)، والنسائي 8/ 88، وابن ماجه (2951)، وأحمد 3/ 380. وصححه الألباني في "الإرواء" (2403). (¬2) رواه أصحاب السنن وأحمد، وصححه الألباني، وقد سبق. (¬3) رواه أصحاب السنن وأحمد، وصححه الألباني، وقد سبق. (¬4) ساقطة من (م).

[4391] (ثنا نصر بن علي) الجهضمي (قال: أبنا محمد بن بكر) بن عثمان البرساني، وثقه أبو داود وغيره. (قال: ثنا) عبد الملك (ابن جريج قال: قال أبو الزبير) محمد بن مسلم المكي التابعي (قال جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ليس على المنتهب) قال ابن الأثير: رواه عشرة من الحفاظ الكبار عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر. (قطع)؛ لأنه ليس بسارق؛ لأن السرقة أخذ الشيء خفية مع الاستتار، ومنه مسارقة النظر، وقوله تعالى: {إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ} (¬1). والمنتهب إنما يأخذ الشيء جهرًا وقهرًا من صاحبه. (ومن انتهب نُهبة) بضم النون، والنهبى اسم لما ينتهب من المال (مشهورة) أي: ذات شهرة ورفعة قدر، كما ينتهبه الفساق في الفتن من المال العظيم القدر مما يستعظمه الناس ويشتهر أمره بينهم. (فليس منا) ظاهره التبرؤ المطلق، فيحمل على ظاهره في حق المستحل لذلك، فإنه يكفر بذلك ويخرج عن الإسلام، ويتأول في حق غير المستحل (¬2) بأنه ليس على طريقة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا على طريقة أهل دينه، فإن ذلك ظلم، وطريقة أهل الدين: العدل وترك الظلم، ويقرر هذا: "من لم يأخذ من شاربه فليس منا" (¬3) وفي هذا وعيد عظيم، ¬

_ (¬1) الحجر: 18. (¬2) في الأصول: المستحق، والمثبت الصواب. (¬3) رواه الترمذي (2761)، وأحمد 4/ 366، 368، والبزار في "البحر الزخار" 10/ 237 (4332)، والنسائي في "الكبرى" 1/ 566 , 5/ 406، والخلال في =

وتحذير شديد من هذا الانتهاب المذكور، وهذا بخلاف ما لم يستعظمه الناس، ولا يشتهر ذكره بينهم كالتمرة والزبيبة والفلس. [4392] (وبهذا الإسناد) المتقدم (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ليس على الخائن) وهو الذي يؤتمن أمانة كوديعة ونحوها فيخون فيها، أو يستعير شيئًا أو يرتهنه أو يأخذه مضاربة فيجحده فلا قطع عليه؛ لأن المالك ائتمنه. ورواه ابن الجوزي في "العلل" من طريق مكي بن إبراهيم عن ابن جريج، وقال: لم يذكر فيه الخائن غير علي (¬1). وليس كذلك فقد أخرجه ابن حبان من غير طريقه؛ بل من حديث سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر بلفظ: "ليس على المختلس ولا على الخائن" (¬2) (قطع). [4393] (ثنا نصر بن علي قال: أنا عيسى (¬3) بن يونس) بن أبي إسحاق، أحد الأعلام (عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، بمثله) و (زاد: ولا على المختلس [قطع]) (¬4) وهو الذي ¬

_ = "السنة" 5/ 3 (1451)، والطبراني في "الكبير" 5/ 185 (5033 - 5036)، وفي "الأوسط" 3/ 238 (3027)، وفي "الصغير" 1/ 176 (278) من حديث زيد بن أرقم. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (6533). (¬1) "العلل المتناهية" 2/ 308 - 309، وليس فيه: غير علي. (¬2) "صحيح ابن حبان" 10/ 311 (4458). (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) ساقطة من (ل)، (م)، والمثبت من "السنن".

يأخذ الشيء بسرعة كالخاطف والمستلب، وفرقوا بين المنتهب والمختلس. فالمنتهب (¬1): من يأخذ الشيء عيانًا معتمدًا على قوته. والمختلس: من يأخذ الشيء عيانًا معتمدًا على الهرب. وقد يكون مع غفلة، ولا يقطعان؛ لأنهما غير سارقين، فإن السرقة عبارة عن المأخوذ خفية. (قال أبو داود: هذان الحديثان لم يسمعهما ابن جريج (¬2) من أبي الزبير) وكذا قال ابن أبي حاتم في "العلل" عن أبيه: لم يسمعه ابن جريج من أبي الزبير. ثم حكى ما نقله أبو داود (¬3). (وبلغني عن أحمد بن حنبل -رضي اللَّه عنه-: إنما سمعهما ابن جريج من ياسين) ابن معاذ (الزيات) وهو ضعيف تركه النسائي وغيره (¬4). (قال أبو داود: وقد رواهما المغيرة بن مسلم، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) وأسنده النسائي من حديث المغيرة، ورواه عن سويد بن نصر، عن ابن المبارك، عن ابن جريج، أخبرني أبو الزبير. قال النسائي: رواه عيسى بن يونس والفضل بن موسى وابن وهب ومخلد بن يزيد وجماعة، فلم يقل واحد منهم: عن ابن جريج، حدثني أبو الزبير. ولا أحسبه سمعه منه (¬5). ¬

_ (¬1) من هامش (ل)، وفوقها: لعله. وبها يستقيم الكلام. (¬2) في (ل)، (م): جرير. (¬3) "علل ابن أبي حاتم" 1/ 449. (¬4) "الضعفاء والمتروكين" (652). (¬5) "السنن الكبرى" 4/ 347.

وأعله ابن القطان بأنه من معنعن أبي الزبير عن جابر (¬1). وهو غير قادح، فقد أخرج عبد الرزاق في "مصنفه" عن ابن جريج، وفيه التصريح بسماع أبي الزبير عن جابر (¬2). وله شاهد من حديث عبد الرحمن بن عوف رواه ابن ماجه بإسناد صحيح (¬3)، وآخر من رواية الزهري عن أنس، أخرجه الطبراني في "الأوسط" في ترجمة أحمد بن القاسم (¬4)، ورواه ابن الجوزي في "العلل" من حديث ابن عباس وضعفه (¬5). * * * ¬

_ (¬1) "بيان الوهم والإيهام" 5/ 799. (¬2) "المصنف" 10/ 209 (18858): أخبرنا عبد الرزاق عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد اللَّه. (¬3) "سنن ابن ماجه" (2592). قال ابن الملقن في "البدر المنير" 8/ 664: رجاله رجال الصحيح إلا شيخ ابن ماجه محمد بن عاصم المعافري المصري، فإن ابن ماجه انفرد بإخراج حديثه لكنه ثقة، وثقه يونس ولا نعلم فيه جرحًا. وقال الحافظ في "التلخيص" 4/ 123: إسناده صحيح. وكذا قال البوصيري في "المصباح" 3/ 113 وزاد: رجاله ثقات، وكذا قال الألباني في "الإرواء" 8/ 65: وزاد: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير محمد بن عاصم بن جعفر المصري، وهو ثقة. (¬4) "المعجم الأوسط" 1/ 162 (509). قال الحافظ في "الدراية" 2/ 110: رجاله ثقات. (¬5) "العلل المتناهية" 2/ 308 (1325).

14 - باب من سرق من حرز

14 - باب مَنْ سَرَقَ مِنْ حِرْزٍ 4394 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ حَمّادِ بْنِ طَلْحَةَ، حَدَّثَنا أَسْباطٌ، عَنْ سِماكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ حُمَيْدِ ابن أُخْتِ صَفْوانَ، عَنْ صَفْوانَ بْنِ أُمَيَّةَ قالَ: كُنْتُ نائِمًا في المَسْجِدِ عَلَى خَمِيصَةٍ لي ثَمَنُ ثَلاثِينَ دِرْهَمًا فَجاءَ رَجُلٌ فاخْتَلَسَها مِنّي فَأُخِذَ الرَّجُلُ فَأُتي بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَأَمَرَ بِهِ لِيُقْطَعَ. قالَ: فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَنَقْطَعُهُ مِنْ أَجْلِ ثَلاثِينَ دِرْهَمًا أَنا أَبِيعُهُ وَأُنْسِئُهُ ثَمَنَها قالَ: "فَهَلَّا كانَ هذا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَني بِهِ". قالَ أَبُو داوُدَ: وَرَواهُ زائِدَةُ، عَنْ سِماكٍ عَنْ جُعَيْدِ بْنِ حُجَيْرٍ قالَ: نامَ صَفْوانُ. وَرَواهُ مُجاهِدٌ وَطاوُسٌ أَنَّهُ كانَ نائِمًا فَجاءَ سارِقٌ فَسَرَقَ خَمِيصَةً مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ. وَرَواهُ أَبُو سَلَمَةَ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ قالَ: فاسْتَلَّهُ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ فاسْتَيْقَظَ فَصاحَ بِهِ فَأُخِذَ. وَرَواهُ الزُّهْريُّ، عَنْ صَفْوانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: فَنامَ في المَسْجِدِ وَتَوَسَّدَ رِداءَهُ فَجاءَة سارِقٌ فَأَخَذَ رِداءَهُ فَأُخِذَ السّارِقُ فَجِيءَ بِهِ إِلَى النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1). * * * باب من سرق من حرز [4394] (حدثنا محمد بن يحيى بن فارس قال: أنبأنا عمرو بن حماد ابن طلحة) القناد (¬2) شيخ مسلم (قال: ثنا أسباط) (¬3) بن نصر الهمداني، وثقه ابن معين (¬4). ¬

_ (¬1) رواه النسائي 8/ 69، وأحمد 3/ 401، والحاكم 4/ 380. وصححه الألباني في "الإرواء" (2317). (¬2) في النسخ: القناط. (¬3) فوقها في (ل): (م، عو). (¬4) "تاريخ ابن معين" رواية الدارمي (ص 70) (143)، رواية الدوري 3/ 266 (1251).

(عن سماك بن حرب، عن حميد) بن حجير (ابن أخت صفوان) ما حدث عنه سوى سماك بن حرب (عن) خاله (صفوان بن أمية) بن خلف القرشي، قتل أبوه يوم بدر كافرًا، وأسلم هو بعد فتح مكة، وشهد اليرموك، استعار منه -صلى اللَّه عليه وسلم- سلاحًا فقال: طوعًا أو كرهًا؟ ووهب له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من الغنائم فأكثر، حتى قال: أشهد ما طابت بهذا إلا نفسُ نبي، فأسلم (¬1)، قيل: إنه قنطر في الجاهلية، أي: صار له قنطار من الذهب (¬2). (قال: كنت نائمًا في المسجد على خميصة لي) هي (ثمن) بالرفع (ثلاثين درهمًا، فجاء رجل فاختلسها مني) أي: سرقها من تحت رأسي، وأنا نائم، فاستيقظت وصحت به (فأُخذ) بضم الهمزة، وكسر الخاء (الرجل، فأُتي به النبيُّ) بالرفع (-صلى اللَّه عليه وسلم- فأمر به ليقطع، قال: فأتيته، فقلت: أتقطعه) أي: تقطع يده (من أجل ثلاثين درهمًا؟ ! ) أي: من أجل سرقة ثلاثين درهمًا (أنا أبيعه) إياها (وأنسئه) بضم الهمزة أوله وسكون النون، وهمزة بعدها، أي: أُؤَخر (ثمنها) عليه إلى أجل، قال الجوهري: نسأت الشيء نسأً: أخرته، وكذا أنسأته، فعلت وأفعلت (¬3) بمعنًى (¬4). ¬

_ (¬1) رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" القسم المتمم (ص 399)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 24/ 104 - 105. (¬2) انظر: "تاريخ دمشق" 24/ 119، وعزاه لأبي عبيدة. (¬3) في (ل)، (م): افتعلت، والمثبت هو الصواب كما في "الصحاح". (¬4) "الصحاح" 1/ 76.

(قال: فهلا كان هذا قبل أن تأتيني به؟ ! ) أي: فهلا فعلت ما فعلت من البيع والنسيئة، وأسقطت مطالبتك قبل أن تأتيني به، وقد استدل بهذا الحديث على ما ذهب إليه مالك (¬1) والشافعي (¬2) وأحمد (¬3) على أن ملك السارق إذا طرأ على المسروق بعد إخراجه من الحرز لم يسقط القطع عن السارق، سواء اتفق ذلك قبل رفع الأمر إلى الحاكم أو بعده، خلافًا لأبي حنيفة فإن عنده يسقط به القطع (¬4). لكن قال عبد الحق: قد روي هذا الحديث من وجوه ولا نعلمه يتصل بوجه يحتج به (¬5). قال الأصحاب: ولو كانت الهبة بعد السرقة تدفع القطع لأمرنا بها ورفع القطع، وألحقوا بالهبة سائر التمليكات (¬6). قال القمولي وغيره: وفي الاستدلال بهذا الحديث نظر، فإنه إنما يدل على أن ذلك لا يؤثر بعد الرفع إلى الحاكم دون ما قبله، واستدلوا أيضًا بأن الاعتبار في العقوبات بحال الجناية، ألا ترى أنه لو زنى بجارية ثم ملكها لم يسقط الحد (¬7)؟ ! لكن لو طرأ الملك قبل الرفع إلى الحاكم، فإن فرعنا على الصحيح أن استيفاء القطع يتوقف ¬

_ (¬1) انظر: "البيان والتحصيل" 16/ 227. (¬2) "الأم" 7/ 325، 375. (¬3) انظر: "المغني" 12/ 451. (¬4) انظر: "المبسوط" 8/ 79، "بدائع الصنائع" 7/ 88. ووافق أبو يوسف الجمهور في القول بالقطع. (¬5) "الأحكام الوسطى" 4/ 94. (¬6) انظر: "الشرح الكبير" 11/ 180. (¬7) انظر: "الشرح الكبير" 11/ 180.

على دعوى المسروق منه، ومطالبته بالمال، فقد تعذر استيفاء القطع لعدم المطالبة في مدة بقاء الملك، وقد زال الملك قبل المطالبة، وإن قلنا: لا يتوقف على ذلك -وهو قول أبي إسحاق- فمفهوم كلام الرافعي أنه يستوفى (¬1)، وقال القاضي أبو الطيب: يسقط القطع. وهو مفهوم حديث صفوان المذكور، وقد استؤنس لسقوط القطع بالحديث المتقدم: "تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حدٍّ فقد وجب" (¬2) استيفاؤه (¬3). (قال أبو داود: ورواه زائدة) بن قدامة (عن سماك) بن حرب (عن جُعيد) بضم الجيم وفتح العين المهملة مصغرًا (ابن حجير) بضم الحاء، تصغير حجر. (قال: نام صفوان) في المسجد فتوسد رداءه، فجاء سارق فأخذه من تحت رأسه، هذا لفظ رواية الشافعي، ورواه مالك وأصحاب السنن والحاكم من طرق منها: عن طاوس عن صفوان، ورواه (¬4) ابن عبد البر وقال: إن سماع طاوس من صفوان ممكن؛ لأنه أدرك زمن عثمان (¬5). (ورواه مجاهد وطاوس) عن صفوان (أنه كان نائمًا) في المسجد على خميصة (فجاء سارق فسرق خميصة من تحت رأسه) الحديث (ورواه أبو ¬

_ (¬1) انظر: "الشرح الكبير" 11/ 230. (¬2) سلف برقم (4376) من حديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص. (¬3) انظر: "الحاوي" 13/ 202. (¬4) في الأصول: وروى. (¬5) انظر: "التمهيد" 11/ 219.

سلمة) عبد اللَّه (بن عبد الرحمن) بن عوف القرشي الزهري المدني، وقيل: اسمه إسماعيل. (قال: واستله من تحت رأسه، واستيقظ فصاح به، فأخذ) ورواه مالك عن الزهري، عن عبد اللَّه بن صفوان، عن أبيه أنه طاف بالبيت وصلى، ثم لفَّ رداءه من برد فوضعه تحت رأسه، فنام، فأتى لص واستله من تحت رأسه، فأخذه. . فذكر الحديث (¬1). (ورواه الزهري، عن صفوان بن عبد اللَّه) بن صفوان التابعي. قال من (. . .) (¬2) طواف وهو المحفوظ، وكذا هو في "الموطأ" (¬3) (قال: فنام في المسجد وتوسد رداءه [فجاءه سارق فأخذ رداءه] (¬4) فأخذ) صفوان (السارق فجاء به إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-). وفي رواية للنسائي: أن رجلًا سرق بردة له فرفعه إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأمر بقطعه، فقال: يا رسول اللَّه، قد تجاوزت عنه. قال: "أفلا كان قبل أن تأتينا به؟ ! "، فقطعه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬5). قال أبو سعيد الإصطخري: صاحَب إذن القضاء في حديث صفوان هذا فوائد منها: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل الحرز كما يعرف من حرز الناس ¬

_ (¬1) هذِه رواية ابن ماجه (2595) والباقون يوردون الحديث عن الزهري عن صفوان بن عبد اللَّه بن صفوان عن جده. (¬2) بياض في (ل)، (م). (¬3) "الموطأ" 2/ 834. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل)، (م) وأثبتناه من "السنن". (¬5) "المجتبى" 8/ 68، "السنن الكبرى" 4/ 328 - 329.

لأموالهم، فإن رداء صفوان كان محرزًا بنوم صفوان عليه ووضعه تحت رأسه، فإن الشيء محفوظ بالنوم عليه أو تحت رأسه أو لابسه، وإن الأحكام للنائم في هذا كالمستيقظ. ومنها: أنه لم يُقَوِّم رداء صفوان، لأنه كان معلومًا عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأنه كان يساوي أكثر من ربع دينار. ومنها: يحكم بعلمه؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يَدْعُ له المقومين كما قال في المجن: فقومت بثلاثة دراهم. ومنها أنه لم يحك أن السارق أقر بسرقة ذلك أو قامت عليه بينة؛ لأن ذلك معلوم متعارف، فإن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يحكم إلا بأحد هذين. ومنها أن للشاهد إذا شهد بسرقة شيء من حرز، والسارق يجحد ذلك، أنه لا قطع حتى يحضر المالك بذلك الشيء فيدعيه؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "فهلا قبل أن تأتيني به" أي: تسقط مطالبتك فلا تطالبه بشيء وقد وهبته وملكته. * * *

15 - باب في القطع في العارية إذا جحدت

15 - باب فِي القَطْعِ في العارِيَةِ إِذا جُحِدَتْ 4395 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ وَمَخْلَدُ بْنُ خالِدٍ -المَعْنَى- قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ -قالَ مَخْلَدٌ: عَنْ مَعْمَرٍ-، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ امْرَأَةً مَخْزُومِيَّةً كانَتْ تَسْتَعِيرُ المَتاعَ وَتَجْحَدُهُ فَأَمَرَ النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِها فَقُطِعَتْ يَدُها. قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ جُوَيْرِيةُ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَوْ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبي عُبَيْدٍ زادَ فِيهِ وَأَنَّ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قامَ خَطِيبًا فَقالَ: "هَلْ مِنِ امْرَأَةٍ تائِبَةٍ إِلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَرَسُولِهِ". ثَلاثَ مَرّاتٍ وَتلْكَ شاهِدَةٌ فَلَمْ تَقُمْ وَلَمْ تَتَكَلَّمْ. قالَ أَبُو داوُدَ: وَرَواهُ ابن غَنْجٍ عَنْ نافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبي عُبَيْدٍ قالَ: فِيهِ فَشَهِدَ عَلَيْها (¬1). 4396 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا أَبُو صالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، قالَ: حَدَّثَني يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ قالَ: كانَ عُرْوَةُ يُحَدِّثُ أَنَّ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها قالَتِ: اسْتَعارَتِ امْرَأَةً -تَعْني- حُلِيّا عَلَى أَلْسِنَةِ أُناسٍ يُعْرَفُونَ وَلا تُعْرَفُ هي فَباعَتْهُ فَأُخِذَتْ فَأُتي بِها النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَأَمَرَ بِقَطْعِ يَدِها وَهي التي شَفَعَ فِيها أُسامَةُ بْنُ زَيْدٍ وقالَ: فِيها رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- ما قالَ (¬2). 4397 - حَدَّثَنا عَبّاسُ بْنُ عَبْدِ العَظِيمِ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: كانَتِ امْرَأَةٌ مَخْزُومِيَّةٌ تَسْتَعِيرُ المَتاعَ وَتَجْحَدُهُ فَأَمَرَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بِقَطْعِ يَدِها وَقَصَّ نَحْوَ حَدِيثِ قُتَيْبَةَ، عَنِ اللَّيْثِ عَنِ ابن شِهابٍ زادَ فَقَطَعَ النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَدَها (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه النسائي 8/ 70، وأحمد 2/ 151، والبيهقي 8/ 281. وصححه الألباني في "الإرواء" (2405). (¬2) متفق عليه، وسبق برقم (4373). (¬3) متفق عليه، وسبق برقم (4374).

باب في القطع في العارية إذا جحدت [4395] (ثنا الحسن بن علي ومخلد بن خالد) العسقلاني شيخ مسلم (المعنى، قالا: ثنا عبد الرزاق قال: أنا معمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما: أن امرأة مخزومية) هذِه المرأة هي فاطمة بنت أبي الأسود بنت أخي أبي سلمة بن عبد الأسد، ذكره عبد الغني، وقيل: هي أم عمرو بنت سفيان بن عبد الأسد، ذكره عبد الرزاق (¬1). (كانت تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بها فقطعت يدها) استدل به أحمد على قطع الخائن والغاصب والمستعير (¬2)، ومذهب الشافعي (¬3) أن المستعير والغاصب لم يأخذ من حرز؛ بل من يد مالكه، والقطع لا يكون إلا فيما أخذ من حرز. وأجابوا عن الحديث بأن القطع ليس بجحد ما استعارته ولا للاختلاس والخيانة، بل لما تقدم لها من السرقة، وذكر استعارتها المتاع وجحودها له تعزيرا لها، لا لأنها قطعت فيه فجزاها اعتيادها الخيانة على السرقة، وقد جاء في روايةٍ: أنها سرقت قطيفة من بيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: "المصنف" 10/ 202. (¬2) المقطوع به في مذهب أحمد أن الخائن والغاضب لا يقطعان، واختلفت الرواية عن أحمد في جاحد العارية فقال مرة بالقطع وهو قول إسحاق، وقال أخرى: لا يقطع وهو اختيار الخرقي وابن شاقلا وأبي الخطاب وسائر الفقهاء، وصححه الموفق ابن قدامة. انظر: "المغني" 12/ 416. (¬3) "الأم" 7/ 383، 538. (¬4) رواه البيهقي في "السنن الكبرى" 8/ 487.

(قال أبو داود: رواه جويرية) بن أسماء، وهو ثقة (عن نافع، عن ابن عمر أو) [رواه نافع] (¬1) (عن صفية بنت أبي عبيد) الثقفية أخت المختار، وزوجة ابن عمر و (زاد فيه: ) أي: في هذا الحديث (وأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قام خطيبًا) فيه القيام للخطبة إذا كان قادرًا (فقال: هل من امرأة تائبة إلى اللَّه تعالى و) إلى (رسوله) فيه الندب إلى التوبة، والرجوع إلى اللَّه من الذنوب، والستر على المسلمين بإبهام من وقع منه الذنب، وترك التصريح باسمه وتعيينه؛ فلذلك ندب إلى التوبة بحضور مرتكب المعصية وسماعه؛ ليرجع إلى اللَّه تعالى، ويجدد التوبة المكفرة للذنب، وقد تقدم أنها تابت بعد القطع، وحسنت توبتها. (ثلاث مرات) فقد كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا لتفهم عنه، وتحفظ وتنقل (وتلك) أي: المرأة المخزومية (شاهدة) أي: حاضرة سامعة لما قاله النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (فلم تقم ولم تتكلم) فيه القيام لمخاطبة العلماء والحكام. (ورواه) محمد بن عبد الرحمن (ابن عَنج) بفتح العين المهملة، وإسكان النون، ثم جيم، المدني، نزل مصر، قال أبو داود: نزل مصر. روى عنه الليث نحو ستين حديثًا، قال أبو حاتم: صالح الحديث، لا أعلم روى عنه غير الليث (¬2). (عن نافع، عن صفية بنت أبي عبيد) و (قال فيه: فشُهد) بضم الشين، وكسر الهاء (عليها) أي: لما أنكرت. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) "الجرح والتعديل" 7/ 318.

فيه: بيان لما أبهم في الأحاديث قبله أن المخزومية سرقت، فأمر بقطعها، وأن القطع لا يثبت إلا بأحدى (¬1) ثلاث حجج: الشهادة، واليمين المردودة، والإقرار (¬2). والشهادة تثبت في القطع في السرقة برجلين كسائر العقوبات غير الزنا، كما لو علق الطلاق أو العتق بغصب مالٍ أو سَرقة في المستقبل، فشهد بالغصب أو السرقة رجل وامرأتان ثبت المال ولا يحكم بوقوع الطلاق والعتق. [4396] (ثنا محمد بن يحيى) بن عبد اللَّه بن خالد (بن فارس) الذهلي النيسابوري الحافظ شيخ البخاري. (قال: ثنا أبو صالح) كاتب الليث (عن الليث قال: حدثني يونس، عن ابن شهاب قال: كان عروة يحدث أن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: ) إن امرأة من بني مخزوم (استعارت امرأة -تعني: حَلْيًا) بفتح الحاء، وسكون اللام، وتخفيف الياء (على ألسنة أناس يُعرفون) بضم الياء (ولا تعرف هي) بضم أوله، وفتح ثالثه، أي: الناس التي تأخذ على ألسنتهم يُعرفون وهي لا تُعرف، وفي رواية النسائي: على ألسنة جاراتها (¬3). فيه جواز إعارة حلي الذهب والفضة واللؤلؤ وغير ذلك، وجواز ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): بأحد. والجادة ما أثبتناه. (¬2) انظر: "الشرح الكبير" 11/ 227، 228، 235. (¬3) "المجتبى" 8/ 70، "السنن الكبرى" 4/ 330 - 331.

الإعارة لمن لا تعرفه. (فباعته) فعُلم حالها (فأُخذت) بضم الهمزة، وكسر الخاء (فأتي بها إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) فأنكرت، فشُهد عليها (فأمر بقطع يدها) وفي رواية للنسائي: ثم قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قم يا بلال، فخذ بيدها فاقطعها" (¬1). (وهي التي شفع) بفتح الفاء (فيها أسامة بن زيد) إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (وقال فيها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما قال) فيما تقدم في باب الحد يشفع فيه. [4397] (ثنا عباس) بالباء الموحدة (ابن عبد العظيم) العنبري شيخ مسلم، والبخاري تعليقًا (ومحمد بن يحيى قالا: ثنا عبد الرزاق قال: أنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) بلالًا (بقطع يدها، وقص (¬2) نحو حديث قتيبة) بن سعيد المتقدم (عن الليث، عن) محمد (ابن شهاب، زاد: فقطع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يدها) فيه إسناد الفعل إلى من أمر به ولم يفعله. * * * ¬

_ (¬1) "المجتبى" 8/ 71، "السنن الكبرى" 4/ 331. (¬2) ساقطة من (م).

16 - باب في المجنون يسرق أو يصيب حدا

16 - باب فِي المَجْنُونِ يَسْرِقُ أَوْ يُصِيبُ حَدًّا 4318 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْن هارُونَ، أَخْبَرَنا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حَمّادٍ عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنِ الأَسوَدِ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ عَنِ النّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ المُبْتَلَى حَتَّى يَبْرَأَ وَعَنِ الصَّبي حَتَّى يَكْبَرَ" (¬1). 4319 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي ظَبْيانَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: أُتي عُمَرُ بِمَجْنُونَةٍ قَدْ زَنَتْ فاسْتَشارَ فِيها أُناسًا فَأَمَرَ بِها عُمَرُ أَنْ تُرْجَمَ، فَمرَّ بِها عَلَى عَلي بْنِ أَبي طالِبٍ رِضْوانُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَقالَ: ما شَأْنُ هذِه؟ قالُوا: مَجْنُونَةُ بَني فُلانٍ زَنَتْ فَأَمَرَ بِها عُمَرُ أَنْ تُرْجَمَ. قالَ: فَقالَ ارْجِعُوا بِها ثُمَّ أَتاهُ فَقالَ يا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ أَما عَلِمْتَ أَنَّ القَلَمَ قَدْ رُفِعَ عَنْ ثَلاثَةٍ: عَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يَبْرَأَ، وَعَنِ النّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبيِّ حَتَّى يَعْقِلَ؟ قالَ: بَلَى. قالَ: فَما بال هذِه تُرْجَمُ؟ قالَ: لا شَيء. قالَ: فَأَرْسِلْها. قالَ: فَأَرْسَلَها. قالَ: فَجَعَلَ يُكَبِّرُ (¬2). 4400 - حَدَّثَنا ئوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ نَحْوَهُ، وقالَ أَيْضًا: حَتَّى يَعْقِلَ. وقالَ: وَعَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ. قالَ: فَجَعَلَ عُمَرُ يُكَبِّرُ (¬3). 4401 - حَدَّثَنا ابن السَّرْحِ، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَني جَرِيرُ بْنُ حازِمٍ، عَنْ سُلَيمانَ بْنِ مِهْرانَ، عَنْ أَبي ظَبْيانَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: مُرَّ عَلَى عَلي بْنِ أَبي طالِبٍ ¬

_ (¬1) رواه النسائي 6/ 156، وابن ماجه (2041)، وأحمد 6/ 100. وصححه الألباني في "الإرواء" (297). (¬2) رواه الترمذي (1423)، وابن ماجه (2042)، وأحمد 1/ 116، 118، 140, 154، وأبو يعلى (587)، وابن حبان (143). وصححه الألباني في "الإرواء" (297). (¬3) رواه أصحاب السنن ما عدا النسائي، وسبق برقم (4399).

-رضي اللَّه عنه- بِمَعْنَى عُثْمانَ. قالَ: أَوَما تَذْكُرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ: عَنِ المَجْنُونِ المَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنِ النّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبي حَتَّى يَحْتَلِمَ"؟ . قالَ: صَدَقْتَ، قالَ: فَخَلَّى عَنْها سَبِيلَها (¬1). 4402 - حَدَّثَنا هَنّادٌ، عَنْ أَبي الأَحْوَصِ، ح وَحَدَّثَنا عُثْمان بْن أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ -المَعْنَى- عَنْ عَطَاءِ بْنِ السّائِبِ، عَنْ أَبي ظَبْيانَ -قالَ هَنّادٌ: الجَنْبيُّ- قالَ: أُتي عُمَرُ بِامْرَأَةٍ قَدْ فَجَرَتْ فَأَمَرَ بِرَجْمِها فَمَرَّ عَليٌّ -رضي اللَّه عنه- فَأَخَذَها فَخَلَّى سَبِيلَها فَأُخْبِرَ عُمَرُ قالَ: ادْعُوا لي عَلِيّا. فَجاءَ عَليٌّ -رضي اللَّه عنه- فَقالَ: يا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، لَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ: عَنِ الصَّبي حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنِ النّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ المَعْتُوهِ حَتَّى يَبْرَأَ". وَإِنَّ هذِه مَعْتُوهَةُ بَني فلانٍ لَعَلَّ الذي أَتاها أَتاها وَهي في بَلائِها. قالَ: فَقالَ عُمَرُ: لا أَدْرِي. فَقالَ عَلي -عليه السلام-: وَأَنا لا أَدْرَي (¬2). 4403 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا وُهَيْبٌ، عَنْ خالِدٍ، عَنْ أَبي الضُّحَى، عَنْ عَلي -عليه السلام-، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ: عَنِ النّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبي حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ". قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ ابن جُرَيْجٍ عَنِ القاسِمِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَليٍّ -رضي اللَّه عنه- عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- زادَ فِيهِ: "والخَرِفِ" (¬3). * * * باب في المجنون يسرق أو يصيب حدًّا [4398] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: ثنا يزيد (¬4) بن هارون) ¬

_ (¬1) و (¬2) و (¬3) رواه أصحاب السنن ما عدا النسائي، وسبق برقم (4399). (¬4) فوقها في (ل): (ع).

السلمي أحد الأعلام (قال: ثنا حماد بن سلمة، عن حماد) بن أبي سليمان مسلم، مولى إبراهيم (عن) مولاه (إبراهيم) [بن أبي موسى الأشعري] (¬1) (عن الأسود، عن عائشة رضي اللَّه عنها أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: رُفع القلم عن ثلاث) (¬2) و (رُفع القلم) مجاز عن عدم التكليف؛ لأنه يكتب فعل الخير، قاله ابن حبان (عن النائم حتى يستيقظ) من نومه، وفي معناه المغمى عليه. (وعن المبتلى) أي: بالجنون (حتى يبرأ) من جنونه فيفيق (وعن الصبي حتى يَكبَر) بفتح أوله وثالثه. فإتيان المصنف بهذا الحديث عقب الحدود يفهم أن المجنون والصبي إذا سرقا لا قطع عليهما لهذا الحديث (¬3). [4399] (ثنا عثمان بن أبي شيبة قال: ثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي ظبيان) بفتح الظاء المعجمة وكسرها، حكاهما ابن الأثير (¬4)، وهو: حصين، بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين، ابن جندب المذحجي تابعي مشهور. (عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: أتي عمر -رضي اللَّه عنه- بمجنونة قد زنت فاستشار فيها أناس) (¬5) فيه: مشاورة أهل الفقه والعلم فيما يحدث ¬

_ (¬1) كذا في الأصلين، وهو خطأ، والصواب: (بن يزيد النخعي)، وانظر ترجمة حماد بن أبي سليمان، والأسود. "تهذيب الكمال" 7/ 269، 3/ 233. (¬2) بعدها في (ل): ثلاثة. وفوقها: (ح). (¬3) وهو مذهب الشافعي وغيره، "الأم" 7/ 374 - 375، وانظر: "الحاوي الكبير" 13/ 378. (¬4) "جامع الأصول" 12/ 312. (¬5) بعدها في (ل)، (م): نسخة: أناسًا.

من الوقائع قبل الحكم. (فأمر بها عمر أن ترجم) لعموم الأحاديث السابقة والآية (فمر بها على علي بن أبي طالب فقال: ما شأن هذِه؟ ) المرأة (قالوا: مجنونة بني فلان) قد (زنت فأمر بها عمر -رضي اللَّه عنه- أن ترجم، فقال: ارجعوا بها) وأخروها إلى أن أراجعه. (فأتاه) أي: أتى إلى عمر (فقال: يا أمير المؤمنين، أما علمت أن القلم قد رفع عن ثلاثة: عن المجنون حتى يبرأ) من جنونه ([وعن النائم حتى يستيقظ] (¬1)، وعن الصبي حتى يعقل). تنبيه: الرواية الآتية: "وعن الصبي حتى يحتلم"، وهو وقت كمال العقل (قال: بلى) علمت (قال: فما بال) بالرفع (هذِه) المرأة (ترجم؟ قال: لا شيء) عليها (فأَرْسِلها. قال: فأَرْسَلها) عمر، ورجع عما كان أمر به، لما تبين له الصواب. (قال: فجعل) علي -رضي اللَّه عنه- (يكبر) اللَّه تعالى على الهداية والتوفيق إلى الصواب، ومعنى التكبير هنا: تعظيم اللَّه تعالى والثناء عليه، ولا يختص ذلك بلفظ التكبير، ولكن (اللَّه أكبر) هو الأصل في ذلك، قال اللَّه تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (¬2). [4400] (ثنا يوسف بن موسى) بن راشد القطان، شيخ البخاري (قال: ثنا وكيع، عن الأعمش نحوه. وقال) فيه (أيضًا) عن الصبي (حتى يعقل) أي: يتكامل عقله، كما تقدم (وقال) فيه (وعن المجنون ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من الأصلين، والمثبت من "سنن أبي داود". (¬2) البقرة: 185.

حتى يفيق) بضم أوله، و (قال) فيه أيضًا (فجعل عمر يكبر) اللَّه تعالى. [4401] (ثنا) أحمد بن عمرو (ابن السرح) شيخ مسلم (قال: ثنا) عبد اللَّه (ابن وهب قال: أخبرني جرير) بفتح الجيم (بن حازم) الأزدي ثقة، لما اختلط حجبه ابنه. (عن سليمان بن مهران، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: مُرَّ على علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-. بمعنى) حديث (عثمان) ابن [أبي] (¬1) شيبة المتقدم، و (قال) فيه (أوَ) بفتح الواو (مَا تذكر أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: رفع القلم عن ثلاثة: ). ثم فسر الثلاثة (عن المجنون المغلوب على عقله) فزال تثبت صاحبه في الأمور، قيل: سمي العقل عقلًا؛ لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك، أي: يحبسه عن ذلك. (وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم) وفي معناه بلوغه بالسن خمسة عشر. ([قال: صدقت] (¬2)، فخلى سبيلها) أي: أطلقها. [4402] (ثنا هناد) بن السري شيخ مسلم (عن أبي الأحوص) سلام بن سليم. (وثنا عثمان بن أبي شيبة قال: ثنا جرير) بن [حازم] (¬3). (المعنى، عن عطاء بن السائب، عن أبي ظبيان عن ابن عباس). وروي عن أبي ظبيان عن علي وعمر. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصلين، والمثبت هو الصواب. (¬2) في (م): قال: فخل قالت: صدقت. وفوق (فخل): خـ. (¬3) كذا في الأصول، وهو خطأ، والصواب: (عبد الحميد)، وهو ما في مصادر ترجمته، انظر "تهذيب الكمال".

(قال هناد: الجنبي) بفتح الجيم وسكون النون نسبة إلى جنب بطن من مراد. (قال: أُتي عمر -رضي اللَّه عنه- بامرأة قد فجرت) أي: زنت، وأصل الفجور: الميل عن الاستواء. (فأمر) عمر (برجمها، فمر علي -رضي اللَّه عنه-) عليها (فأخذها فخلى سبيلها، فأُخبر) بضم الهمزة، وكسر الباء (عمر) بذلك (فقال: ادعوا لي عليًّا، فجاء علي -رضي اللَّه عنه- فقال) له علي -رضي اللَّه عنه- (يا أمير المؤمنين لقد علمت أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ) بالسن أو الاحتلام (وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المعتوه) وهو المجنون. قال الجوهري: العته التجنن والرعونة، يقال: رجل معتوه، بيِّن العته (¬1). يعني: بضم العين وإسكان التاء، ذكره أبو عبيد في المصادر التي لا يشتق منها الفعل (حتى يبرأ) من عتهه ويفيق. (وإن هذِه معتوهة بني فلان لعل الذي أتاها أتاها وهي في بلائها) فيه أنه من كان يجن في وقت ويفيق في آخر فمتى زال عقله التحق بالمجنون في سلب ولاياته واعتبار أقواله وأفعاله المالية وغيرها، فإن احتمل أن يكون ما فعله في الجنون، وفي الإفاقة ولم تظهر أمارة تدل على شيء من ذلك فهو محل النظر ويحتمل أن يقال: الأصل السلامة من الجنون. (فقال عمر: لا أدري، وقال علي: وأنا واللَّه لا أدري) فيه فضيلة (لا أدري) للعالم. ¬

_ (¬1) "الصحاح" 6/ 2239.

[4403] (ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا وهب) (¬1) [بن بقية] (¬2) (عن خالد) [بن خالد] (¬3). (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح الهمداني الكوفي العطار، وثقه ابن معين وأبو زرعة (¬4)، روى (عن علي) مرسلًا، قال أبو زرعة: حديث أبي الضحى عن علي مرسل (¬5)، ومات أبو الضحى في خلافة عمر بن عبد العزيز. (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: رُفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ) قال السبكي: والمغمى عليه كالنائم فيما يظهر (¬6). وفي "التتمة": أن المغمى عليه بالمرض، وهو الذي تكون أعضاؤه مسترخية وعقله غير كامل كالمجنون في الحكم، وجعلوه في الوكالة كالجنون يبطلها (¬7). قال السبكي: والمختار خلافه (¬8). وصرح الغزالي بأنه ليس ممن ¬

_ (¬1) كذا في الأصول، وصوابه: وهيب. (¬2) كذا في الأصول، وهو خطأ، والصواب: (بن خالد بن عجلان)، انظر "تهذيب الكمال" 31/ 164. (¬3) كذا في الأصول، وهو خطأ، والصواب: (بن مهران الحذاء)، انظر "تهذيب الكمال" 8/ 177. (¬4) "الجرح والتعديل" 8/ 186. (¬5) "المراسيل" لابن أبي حاتم، (ص 218). (¬6) "إبراز الحكم من حديث رفع القلم" (ص 92). (¬7) في (م): مطلقًا. (¬8) "إبراز الحكم من حديث رفع القلم" (ص 92).

يولى عليه، وهذا هو الحق. (وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل. قال أبو داود: رواه ابن جريج، عن القاسم بن يزيد، عن علي) مرسلًا (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وزاد فيه) و (الخرف) بفتح الخاء المعجمة وكسر الراء، هو من فسد عقله لكبره. * * *

17 - باب في الغلام يصيب الحد

17 - باب فِي الغُلامِ يُصِيبُ الحَدَّ 4404 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، أَخْبَرَنا عَبْدُ المَلِكِ بْن عُمَيْرٍ، حَدَّثَني عَطِيَّهُ القُرَظيُّ قالَ: كُنْتُ مِنْ سَبْي بَني قُرَيْظَةَ فَكانُوا يَنْظُرُونَ فَمَنْ أَنْبَتَ الشَّعْرَ قُتِلَ، وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ لَمْ يُقْتَلْ فَكُنْتُ فِيمَنْ لَمْ يُنْبِتْ (¬1). 4405 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ بهذا الحَدِيثِ قالَ: فَكَشَفوا عانَتي فَوَجَدُوها لَمْ تَنْبُتْ فَجَعَلُوني في السَّبْي (¬2). 4406 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، قالَ: أَخْبَرَني نافِعٌ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عُرِضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ ابن أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْهُ وَعُرِضَهُ يَوْمَ الخَنْدَقِ وَهُوَ ابن خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجازَهُ (¬3). 4407 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا ابن إِدْرِيسَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قالَ: قالَ نافِعٌ: حَدَّثْت بهذا الحَدِيثِ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ فَقالَ: إِنَّ هذا الحَدُّ بَيْنَ الصَّغِيرِ والكَبِيرِ (¬4). * * * باب في الغلام يصيب الحد [4404] (ثنا محمد بن كثير) العبدي (قال: أنا سفيان) الثوري (قال: ثنا عبد الملك بن عمير قال: حدثني عطية القرظي) بضم القاف من سبي ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1584)، والنسائي 6/ 155، 8/ 92، وا بن ما جه (2541)، وأحمد 4/ 310. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". (¬2) رواه أصحاب السنن وأحمد، وسبق برقم (4404). (¬3) متفق عليه، وسبق برقم (2957). (¬4) متفق عليه، وسبق برقم (2957).

بني قريظة، قال ابن عبد البر: لا أقف على اسم أبيه (¬1). رأى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وسمع منه. (قال: كنت من سبي بني قريظة) وما لعطية غير هذا الحديث الواحد. (فكانوا ينظرون فمن أنبت الشعر) يعني: الخشن دون الضعيف الذي قد يوجد في الصغار. (قتل) رواية النسائي: فمن كان محتلمًا أو أنبتت عانته قُتل (¬2). قال الشافعي: حد البلوغ في أهل الشرك الذين يقتل بالغهم ويترك غير بالغهم أن ينبتوا الشعر، وذلك أنهم في الحال الذي يقتل بالغهم يتدافعون البلوغ لئلا يقتلوا، وغير شهود (¬3) عليهم، فلو شهد عليهم أهل الشرك لم يكونوا ممن تجوز شهادتهم (¬4). (ومن لم ينبت) بضم أوله، يعني: ينبت الشعر الخشن (لم يقتل) وفي رواية: جعل في السبي. وللترمذي: خلي سبيله. وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم، وقال: على شرط الصحيح (¬5). وقد استدل بهذا الحديث مالك (¬6) والشافعي (¬7) وأحمد (¬8) على أن ¬

_ (¬1) "الاستيعاب" 3/ 181. (¬2) "المجتبى" 6/ 155، "السنن الكبرى" 3/ 359. (¬3) في (م): شهودًا. (¬4) "الأم" 5/ 640. (¬5) "سنن الترمذي" (1584)، "صحيح ابن حبان" 11/ 103 (4780)، "المستدرك" 2/ 123. (¬6) "المدونة" 4/ 547، وانظر: "التلقين" 2/ 168، "الذخيرة" 4/ 230. (¬7) "الأم" 5/ 640. (¬8) انظر: "المغني" 6/ 597.

إنبات العانة معتبر، وهو علم من أعلامه. وقال الشافعي: هو علم في المشركين يميز به بين الذرية والمقاتلة. وقال أبو حنيفة: لا اعتبار به أصلًا (¬1). وهل هو بلوغ أو دليل على البلوغ؟ قولان: أظهرهما الثاني (¬2). ولو قال: تعجلت الإنبات بدواءٍ ونحوه لم يقبل في دفع الجزية، ويقبل ذلك منه بيمينه في دفع الجزية عنه إذا كان من المشركين لسهولة الجزية، وخطر الدم، وعلى القول بأنه علامة في حق الكفار فقط، قال الجوزي: إنه علامة في الرجال دون النساء؛ لأنهن لا يقتلن إذا سبين، واستدل الجوزي لكونه علامة بأنه لو شهد شاهدان أنه لم يبلغ بعد العلم بإنباته لم ترد شهادتهما، والصحيح أنه لا يكون علامة على بلوغ المسلم. (فكنت فيمن لم ينبت) بضم أوله، قال الجوهري: أنبت الغلام أي: نبتت عانته (¬3). والظاهر أن الهمزة فيه للصيرورة، نحو أجرب الرجل صار ذا جرب، وأفرد صار ذا أفراد، وفيه دليل [على أن الكافر إذا] (¬4) تحمل الرواية في حال كفره، ثم أسلم وأدى، صحت روايته وقبلت على الصحيح، كما لو تحمل صغيرًا فأدى في كبره كابن عباس وابن الزبير والنعمان بن بشير. [4405] (ثنا مسدد قال: ثنا أبو عوانة) الوضاح (عن عبد الملك بن ¬

_ (¬1) انظر: "المبسوط" 10/ 27. (¬2) انظر: "الحاوي" 2/ 314، "نهاية المطلب" 6/ 434. (¬3) "الصحاح" 1/ 268، 2/ 699. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

عمير) عن عطية القرظي (بهذا الحديث) المتقدم (قال: فكشفوا عانتي) فيه دليل على وجوب القتل إذا رآه الإمام، إذ لو لم يجب لم يجز كشف العورة. (فوجدوها لم تَنبت) بفتح أوله، وضم ثالثه. رواية أحمد: كنت عرضت على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم قريظة فشكوا فيَّ، فأمر بي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن ينظروا إليَّ هل أنبتُّ بعد، قال: فنظروا فلم يجدوني أنبتُّ، فخلوا عني وألحقوني بالسبي (¬1). أي: فجعلوني في السبي والذرية، وأعطيت حكمهم. وروى الطبراني في "الكبير" و"الصغير" من حديث أسلم الأنصاري قال: جعلني النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على أسارى قريظة، فكنت انظر في فرج الغلام فإن رأيته قد أنبت ضربت عنقه، وإن لم أره قد أنبت جعلته في مغانم المسلمين (¬2). لكنه ضعيف (¬3). [4406] (ثنا أحمد بن حنبل قال: ثنا يحيى، عن عبيد اللَّه) بالتصغير [ابن عمر] (¬4) (قال: أخبرني نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة) بإسكان الشين (سنة) وفي رواية للبيهقي: عرضت على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم بدر وأنا ابن ثلاث عشرة (¬5). والمراد ¬

_ (¬1) "المسند" 4/ 383، 5/ 311. (¬2) "المعجم الكبير" 1/ 334، "المعجم الصغير" 1/ 122 (181)، وهو أيضًا في "المعجم الأوسط" 2/ 163 (1585). (¬3) وضعف إسناده الحافظ في "التلخيص" 3/ 94. (¬4) ساقطة من (م). (¬5) "السنن الكبرى" 6/ 92.

بقوله: (ابن أربع عشرة) أي: طعنت فيها بعد استكمال ثلاث عشرة. (ولم يجزه) أي: لم يجعله رجلًا له حكم الرجال المقاتلين في القسم وغيره. (وعرضه يوم الخندق) فيه دليل على أن غزوة الخندق كانت سنة أربع من الهجرة، وهو الصحيح، وذلك في شهر شوال، وقال جماعة من أهل السير والتواريخ كانت في جمادى سنة خمس. قال النووي: وهذا الحديث يرده؛ لأنهم أجمعوا على أن أحدًا كانت سنة ثلاث، فتكون الخندق سنة أربع؛ لأنها جعلها في هذا الحديث بعدها بسنة (¬1). (وهو ابن خمس عشرة) (¬2) قال الواقدي في "المغازي": كان ابن عمر في الخندق ابن خمس عشرة (¬3). وأنبت فيها. (فأجازه) أي: أثبته في الرجال المقاتلين. [4407] (ثنا عثمان بن أبي شيبة قال: ثنا) عبد اللَّه (ابن إدريس، عن عبيد اللَّه) عن نافع، عن ابن عمر (قال: قال نافع) زاد مسلم: فقدمت على عمر بن عبد العزيز وهو يومئذ خليفة (¬4) (حدثت بهذا الحديث (¬5) عمر بن عبد العزيز فقال: إن هذا الحد بين الصغير والكبير) زاد مسلم: فكتب إلى ¬

_ (¬1) "مسلم بشرح النووي" 13/ 12. (¬2) في (م): خمسة عشرة، وفي (ل): خمسة عشر. والمثبت من "السنن". (¬3) "المغازي" 2/ 453. (¬4) "صحيح مسلم" (1868). وكذا هو عند البخاري (2664). (¬5) في هامش (ل): هذا الحديث وفوقها: خـ.

عماله أن يفرضوا لمن كان ابن خمس عشرة سنة، ومن كان دون ذلك جعل في العيال (¬1). وهذا دليل لتحديد البلوغ بخمس عشرة سنة، وهو مذهب الشافعي (¬2) وأحمد (¬3) وغيرهم قالوا باستكمال خمس عشرة سنة قمرية يصير مكلفًا وإن لم يحتلم، ويكتب ما له وعليه، وتجب عليه العبادات وغيرها، وتقام عليه الحدود، ويستحق سهم الرجل من الغنيمة، ويقتل إن كان من أهل الحرب. * * * ¬

_ (¬1) مسلم (1868) (¬2) انظر: "الأوسط" لابن المنذر 4/ 451. (¬3) انظر: "الكافي" لابن عبد البر 2/ 110.

18 - باب السارق يسرق في الغزو أيقطع

18 - باب السّارِق يَسْرِقُ في الغَزْوِ أَيُقْطَعُ 4408 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَني حَيْوَة بْن شُرَيْحٍ، عَنْ عَيّاشِ بْنِ عَبّاسٍ القِتْبانيِّ، عَنْ شُيَيْمِ بْنِ بَيْتانَ وَيَزِيدَ بْنِ صُبْحٍ الأَصْبَحيِّ، عَنْ جُنادَةَ ابْنِ أَبي أُمَيَّةَ قالَ: كُنّا مَعَ بُسْرِ بْنِ أَرْطاةَ في البَحْرِ فَأُتى بِسارِقٍ يُقالُ لَهُ: مِصْدَرٌ. قَدْ سَرَقَ بُخْتِيَّةً فَقالَ قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يقُول: "لا تُقْطَعُ الأَيْدي في السَّفَرِ". وَلَوْلا ذَلِكَ لَقَطَعْتُهُ (¬1). * * * باب في الرجل (¬2) يسرق في الغزو (¬3) [4408] (ثنا أحمد بن صالح قال: ثنا) عبد اللَّه (ابن وهب قال: أخبرني حيوة بن شريح) التجيبي، فقيه مصر وزاهدها ومحدثها (عن عياش) بالياء المثناة تحت والشين المعجمة (¬4) بعد الألف (ابن عباس) بالموحدة، والسين المهملة (القتباني) بكسر القاف وسكون المثناة فوق ثم باء موحدة، من رواة مسلم (عن شييم) بضم الشين المعجمة وفتح الياء الأولى مصغرًا (ابن بيتان) تثنية بيت. قال الدارمي: عثمان، قلت ليحيى بن معين عنه، قال: ثقة (¬5). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1450)، والنسائي 8/ 91، وأحمد 4/ 181. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (7397). (¬2) في (م) وبعدها في (ل): السارق. وفوقها: خـ. (¬3) في "السنن": (الرجل يسرق في الغزو أيقطع). (¬4) ساقطة من (م). (¬5) "تاريخ ابن معين" (412).

(ويزيد) من الزيادة (بن صبح) بضم المهملة، وسكون الموحدة (الأصبحي) بفتح الهمزة، ثقة (عن جنادة) بضم الجيم وتخفيف النون (بن أبي أمية) واسم أبي أمية: مالك الأزدي، من صغار الصحابة، شهد فتح مصر، ولي البحر لمعاوية (¬1). (قال: كنا مع بسر) بضم الباء (¬2) الموحدة وإسكان السين المهملة (بن أبي أرطاة) واسم أبي أرطاة: عمير، وقيل: عويمر بن عمران العامري القرشي، قيل: إنه لم يسمع من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لصغره، وأهل الشام يثبتون له سماعًا، قال الواقدي: ولد قبل وفاة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بسنتين (¬3). (في البحر) في غزو الروم (فأتي: بسارق يقال له: مصدع) (¬4) بكسر الميم، وفتح الدال (قد سرق بختية) بضم الباء الموحدة، واحدة البخت، نوع من الإبل معروفة. (فقال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: لا تقطع الأيدي في السفر) أي: سفر الغزو. ورواية الترمذي: "لا تقطع الأيدي في الغزو" (¬5). (ولولا ذلك لقطعته) قال الترمذي: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، منهم: الأوزاعي؛ لا يرون أن يقام الحد بحضرة العدو؛ مخافة أن ¬

_ (¬1) انظر: "سير أعلام النبلاء" 4/ 63. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) انظر: "الطبقات الكبرى" 7/ 287 (3724)، "معرفة الصحابة" لابن منده 1/ 309 (1168). (¬4) في "السنن": مصدر. (¬5) "سنن الترمذي" (1450).

يلحق من يقام عليه الحد بالعدو، فإذا خرج الإمام من أرض الحرب (¬1)، ورجع إلى دار الإسلام أقام الحد على من أصابه، كذلك قال الأوزاعي (¬2). وهذا لا يختص بحد السرقة، بل يجري حكمه فيما في معناه من حد الزنا، وحد القذف، وغير ذلك. [واللَّه أعلم] (¬3). * * * ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): البحر. (¬2) "سنن الترمذي" بعد حديث (1450). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل).

19 - باب في قطع النباش

19 - باب فِي قَطْعِ النَّبّاشِ 4409 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْن زَيْدٍ، عَنْ أَبي عِمْرانَ، عَنِ المُشَعَّثِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصّامِتِ، عَنْ أَبي ذَرٍّ قالَ: قالَ لي رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا أَبا ذَرٍّ". قُلْتُ: لَبَّيْكَ يا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ. فَقالَ: "كَيْفَ أَنْتَ إِذا أَصابَ النّاسَ مَوْتٌ يَكُونُ البَيْتُ فِيهِ بِالوَصِيفِ". يَعْني القَبْرَ. قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ أَوْ ما خارَ اللَّهُ لي وَرَسُولُهُ. قالَ: "عَلَيْكَ بِالصَّبْرِ". أَوْ قالَ: "تَصْبِرُ". قالَ أَبُو داوُدَ: قالَ حَمّادُ بْنُ أَبي سُلَيْمانَ: يُقْطَعُ النَّبّاشُ؛ لأنَّهُ دَخَلَ عَلَى المَيِّتِ بَيْتَهُ (¬1). * * * باب في قطع النباش [4409] (ثنا مسدد قال: ثنا حماد بن زيد، عن أبي عمران) الجوني (عن المشعث) بضم الميم، وإسكان الشين المعجمة، وفتح العين المهملة المشددة، ثم ثاء مثلثة (بن طريف) قاضي هراة، ثقة، وفي "ثقات ابن حبان" (¬2)، ويقال فيه: منبعث. بإسكان النون ثم باء موحدة. قال الذهبي: وهو تصحيف. (عن عبد اللَّه بن الصامت، عن أبي ذر) الغفاري (-رضي اللَّه عنه- قال: قال لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: يا أبا ذر. قلت: لبيك يا رسول اللَّه وسعديك) فيه التأديب مع أهل العلم والأكابر في حسن الجواب بأن يقول: لبيك وسعديك. ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه، وأحمد، والحاكم، وسبق برقم (4261). (¬2) "الثقات" 7/ 524.

فإنها أفضل من جواب: نعم. (قال: كيف أنت إذا أصاب الناس) بالنصب (موت) كثير (يكون البيت فيه) أي: لكثرة الموت حتى يباع البيت، يعني: القبر الذي يقبر فيه - لكثرة الأموات وقلة من يحفر القبور (بالوصيف؟ ) بفتح الواو وكسر الصاد المهملة، وهو العبد الذي يباع. (يعني: ) بالبيت موضع (القبر) أو القبر المحفور في الأرض المسبلة. (قلت: اللَّه ورسوله أعلم. أو ما خار اللَّه) أي: اختاره اللَّه (ورسوله) فيه حسن الأدب في الخطاب إذا سأله أستاذه عن شيء أن يضيف العلم إلى اللَّه ورسوله لا إلى نفسه. (قال: عليك) في ذلك الزمان (بالصبر) الجميل. (أو قال: تصبر) هو مثال لما جاء من تفعل للتكلف لما لم يكن مطبوعًا عليه نحو: تصبَّر وتشجَّع وتسخَّى، أي: تكلف الصبر والشجاعة والسخاء، فمن تصبَّر صبره اللَّه تعالى، وأعانه على الصبر. (قال أبو داود: قال حماد بن أبي سليمان: ) مسلم مولى إبراهيم بن أبي موسى الأشعري (يقطع) يد (النباش) للقبور؛ (لأنه دخل على الميت بيته) أي: قبره الذي هو حرز للميت، كما أن بيت الحي حرز له؛ خلافًا لأبي حنيفة (¬1). ويدل على وجوب القطع ما روى الدارقطني من حديث عمرة عن ¬

_ (¬1) وبه أيضًا قال محمد بن الحسن، خلافًا لأبي يوسف فقال: يقطع لأن القبر حرز. انظر: "النتف في الفتاوى" 2/ 648، "المبسوط" 9/ 159. - ومذهب الشافعي القطع، كأبي يوسف. "الأم" 7/ 380.

عائشة: سارق موتانا كسارق أحيائنا (¬1). وروي عنه عليه السلام أنه أمر بقطع المختفي (¬2). قال الأصمعي: المختفي: النباش عند أهل الحجاز. وإذا قلنا بالصحيح أنه يقطع فمحله إذا كان القبر في بيت محروس، وكذا القبور في مقابر المسلمين على أطراف البلد على الأصح، فإن كان القبر في مفازة فالأصح لا قطع كالدار البعيدة عن العمران، وكذا محله إذا كان الكفن شرعيًّا، فإن كان زائدًا عن الخمسة، أو كان مع الكفن غيره فسُرق الزائد، أو غير الكفن، فلا قطع. * * * ¬

_ (¬1) رواه البيهقي في "معرفة السنن والآثار" 12/ 409 (17183). (¬2) رواه البيهقي 8/ 469 عن عائشة أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لعن المختفي والمختفية.

20 - باب في السارق يسرق مرارا

20 - باب فِي السّارِق يَسْرِقُ مِرارًا 4410 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَقِيلٍ الهِلاليُّ، حَدَّثَنا جَدّي، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ ثابِتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: جَيءَ بِسارِقٍ إِلَى النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ: "اقْتُلُوهُ". فَقالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّما سَرَقَ. فَقالَ: "اقْطَعُوهُ". قالَ: فَقُطِعَ ثُمَّ جِيءَ بِهِ الثّانِيَةَ فَقالَ: "اقْتُلُوهُ". فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّما سَرَقَ. فَقالَ: "اقْطَعُوهُ". قالَ: فَقُطِعَ ثُمَّ جِيءَ بِهِ الثّالِثَةَ فَقالَ: "اقْتُلُوهُ". فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّما سَرَقَ. قالَ: "اقْطَعُوهُ". ثُمَّ أُتَى بِهِ الرّابِعَةَ فَقالَ: "اقْتُلُوهُ". فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّما سَرَقَ. قالَ: "اقْطَعُوهُ". فَأُتِيَ بِهِ الخامِسَةَ فَقالَ: "اقْتُلُوهُ". قالَ جابِرٌ: فانْطَلَقْنا بِهِ فَقَتَلْناهُ، ثُمَّ اجْتَرَرْناهُ فَألقَيْناهُ في بِئْرٍ وَرَمَيْنا عَلَيْهِ الحِجارَةَ (¬1). * * * باب السارق يسرق مرارًا [4410] (ثنا محمد بن عبد اللَّه بن عبيد) (¬2) بضم العين مصغرًا (ابن عقيل) بفتح العين (الهلالي) قال النسائي: لا بأس به (¬3). (قال: حدثني جدي) عبيد بن عقيل الهلالي البصري المعلم، قال: ¬

_ (¬1) رواه النسائي 8/ 90، والبيهقي 8/ 272. وقال النسائي: هذا حديث منكر ومصعب بن ثابت ليس بالقوي في الحديث. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود". (¬2) في (م)، (ل): عقيل، والمثبت من "السنن". (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 506 (5360).

أبو حاتم: صدوق (¬1). (عن مصعب بن ثابت بن عبد اللَّه بن الزبير) الأسدي قال أبو حاتم: صدوق كثير الغلط (¬2). (عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما قال: جيء بسارق إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: اقتلوه) يعني: أصلًا (قالوا: يا رسول اللَّه إنما سرق) لا غير (فقال (¬3): اقطعوه. قال: فقطع) أي: قطعت يده اليمنى (ثم جيء به الثانية فقال: اقتلوه. قالوا: يا رسول اللَّه إنما سرق) فقط (قال: اقطعوه) فقطعت رجله اليسرى. (ثم جيء به الثالثة قال: اقتلوه. قالوا: يا رسول اللَّه، إنما سرق قال اقطعوه) فقطعت يده اليسرى (ثم أتي به الرابعة فقال: اقتلوه. فقالوا: يا رسول اللَّه إنما سرق. فقال: اقطعوه) فقطعت رجله اليمنى (¬4) (فأتي به الخامسة، فقال: اقتلوه، قال جابر -رضي اللَّه عنه-: فانطلقنا به، فقتلناه) استدل به للقول القديم أنه في المرة الخامسة يرجم بالحجارة حتى يموت (¬5). لكن قال النسائي: هذا الحديث ليس بصحيح (¬6). ولو صح لكان منسوخًا بالحديث المتقدم: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث" أو محمولًا على أنه قتله بزنا أو باستحلال. ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 5/ 411 (1908). (¬2) "الجرح والتعديل" 8/ 304. (¬3) في (م): فقالوا. (¬4) في (ل): اليسرى. (¬5) انظر: "نهاية المطلب" 17/ 261. (¬6) "السنن الكبرى" 4/ 349.

قال الشافعي (¬1): وهذا مما لا اختلاف فيه عند أحد من أهل العلم، وقد أمر بقتله من أول ما سرق؛ ولذلك قال الغزالي في "البسيط": وما ينسب إلى القديم فمرجوع عنه. قال الماوردي: وقد أجمعت الصحابة على أنه لا يقتل (¬2). قال ابن عبد البر: وهذا يدل على أن ما حكاه أبو مصعب، عن عثمان وعمر بن عبد العزيز أنه يقتل، لا أصل له (¬3). (ثم اجتررناه) بفتح التاء والراء الأولى (فألقيناه في بئر ورمينا عليه الحجارة) وفي رواية النسائي: مثله إلى قوله: في الخامسة: "اقتلوه" قال: فانطلقنا به إلى مربد الغنم، فاستلقى على ظهره، ثم كشر بيده ورجله -وكشر أي: تحرك- فانصدعت الإبل، ثم حملوا عليه الثانية، ففعل مثل ذلك، ثم حملوا عليه الثالثة ففعل مثل ذلك، فرميناه بالحجارة فقتلناه، ثم ألقيناه في بئر، ثم رمينا عليه الحجارة. انتهى (¬4). ومربد الغنم: الذي تجتمع فيه. قال ابن هبيرة: اتفقوا على أنه إذا عاد فسرق ثانيًا وجب عليه أن تقطع رجله اليسرى وأنها تقطع من مفصل الكعب ثم تحسم (¬5). ¬

_ (¬1) على الجديد من مذهبه، وهو المشهور: أنه إن عاد في الخامسة لا يقتل بل يعزر أيضًا. "الأم" 7/ 381، وانظر: "روضة الطالبين" 10/ 149. (¬2) "الحاوي" 13/ 325. (¬3) "الاستذكار" 7/ 549. (¬4) "المجتبى" 8/ 90، "السنن الكبرى" 4/ 349. (¬5) "الإفصاح" 2/ 283.

واختلفوا فيما إذا سرق في المرة الثالثة، فقال أبو حنيفة (¬1) وأحمد في إحدى الروايتين: لا يقطع أكثر من يد ورجل، بل يحبس، وعن أحمد رواية أخرى: أنه يقطع في الثالثة والرابعة (¬2)، وهو مذهب مالك (¬3) والشافعي (¬4)، فتقطع في الثالثة يسرى يديه، وفي الرابعة يمنى رجليه. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "المبسوط" 9/ 166، واستندوا في هذا الحكم على الاستحسان. (¬2) انظر: "الكافي" 5/ 370. (¬3) "المدونة" 4/ 539. (¬4) "الأم" 7/ 381.

21 - باب في السارق تعلق يده في عنقه

21 - باب فِي السّارقِ تُعَلَّقُ يَدُهُ في عُنُقِهِ 4411 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ، حَدَّثَنا عُمَرُ بْنُ عَلي، حَدَّثَنا الحَجّاجُ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ قالَ: سَأَلْنا فَضالَةَ بْنَ عُبَيدٍ، عَنْ تَعْلِيقِ اليَدِ في العُنُقِ لِلسّارِقِ أَمِنَ السُّنَّةِ هُوَ؟ قالَ: أُتي رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِسارِقٍ فَقُطِعَتْ يَدُهُ، ثمَّ أُمِرَ بِها فَعُلِّقَتْ في عُنُقِهِ (¬1). * * * باب في تعليق يد السارق في عنقه [4411] (ثنا قتيبة بن سعيد قال: ثنا عمر بن علي) بن عطاء مولى ثقيف المقدمي، رجلًا صالحًا مدلسًا موثقًا، مات (190) (¬2) (قال: ثنا حجاج) بن أرطاة (عن مكحول، عن عبد الرحمن بن محيريز) بالتصغير الجمحي (قال: سألنا) بسكون اللام (فضالة) بفتح الفاء (بن عبيد) بن نافذ العمري الأوسي، أول مشاهده أحد، ثم شهد ما بعدها، وبايع تحت الشجرة، ثم انتقل إلى دمشق فسكنها، وقضى بها لمعاوية زمن خروجه إلى صفين (¬3). (عن تعليق اليد في العنق للسارق: أمن السنة هو؟ قال: أُتي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بسارق فقطعت يده، ثم أمر بها فعلقت في عنقه) استدل به على أن ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1447)، والنسائي 8/ 92، وابن ماجه (2587)، وأحمد 6/ 19. وضعفه الألباني في "الإرواء" (2432). (¬2) انظر: "سير أعلام النبلاء" 8/ 513. (¬3) انظر: "الطبقات الكبرى" 7/ 281 - 282 (3708).

المقطوعة يده للسرقة تعلق في رقبته تنكيلًا له وزجرًا له ولغيره عن السرقة. قال القمولي: وهذا المعنى يكفي في مشروعيته، وإن لم يصح الخبر. وذكر الإمام أن من الأصحاب من لم ير التعليق، ولم يصحح الخبر (¬1). لكن رواه أيضًا النسائي وابن ماجه والترمذي وقال: حسن غريب (¬2). والحسن يحتج به وإن كان غريبًا. وعلى المشهور فالذي عليه الأكثرون أنها تعلق ساعة (¬3). وقال الإمام (¬4) والبغوي (¬5): تعلق في عنقه ثلاثة أيام، ولا يحبس السارق ولا يشهر في الناس بعد ذلك. * * * ¬

_ (¬1) "نهاية المطلب" 17/ 264. (¬2) "سنن الترمذي" (1447)، "المجتبى" 8/ 92، "سنن ابن ماجه" (2587). (¬3) انظر: "الحاوي" 13/ 324، "المهذب" 2/ 283. (¬4) "نهاية المطلب" 17/ 265. (¬5) الذي في "تهذيب البغوي" 7/ 385: إنه عضو يعلق ساعة، كما قال الشيرازي في "المهذب".

22 - باب بيع المملوك إذا سرق

22 - باب بَيْع المَمْلُوكِ إِذا سَرَقَ 4412 - حَدَّثَنا مُوسَى -يَعْني: ابن إِسْماعِيلَ- حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِذا سَرَقَ المَمْلُوكُ فَبِعْهُ وَلَوْ بِنَشٍّ" (¬1). * * * [4412] (ثنا موسى بن إسماعيل قال: ثنا أبو عوانة) الوضاح (عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه) أبي سلمة عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن عوف الزهري. (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2): إذا سرق المملوك) عبدًا كان أو أمةً (فبعه ولو) معناها هنا التقليل نحو: "ولو بظلف محرق" (¬3)، "ولو بشق تمرة" (¬4)، ذكره ابن السمعاني في "القواطع" (¬5) وغيره، والحق أن التقليل مستفاد مما بعد (لو) لا من الصيغة، قاله الزركشي. (بنش) بفتح النون، وتشديد المعجمة، والنش النصف من كل شيء، ¬

_ (¬1) رواه النسائي 8/ 91، وابن ماجه (2589)، وأحمد 2/ 336، والبخاري في "الأدب المفرد" (165). وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (546). (¬2) بعدها في (ل)، (م): قال. (¬3) سلف برقم (1667) من حديث أم بجير. ورواه أيضًا الترمذي (665)، والنسائي 5/ 81، 86. (¬4) رواه البخاري (1413)، مسلم (1016) من حديث عدي بن حاتم. (¬5) "قواطع الأدلة" 1/ 60.

فلعل المراد هنا بالنصف: نصف درهم، أو نصف أوقية، وهي عشرون درهمًا، والمراد أن العبد إذا سرق يباع، ويبين (¬1) البائع أنه سرق، ويستبدل به غيره. * * * ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): يعين، ولعل المثبت الأقرب للمراد.

23 - باب في الرجم

23 - باب في الرَّجْمِ 4413 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ ثابِتٍ المَرْوَزيُّ، حَدَّثَني عَليُّ بْن الحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوي، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسِ قالَ: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} وَذَكَرَ الرَّجُلَ بَعْدَ المَرْأَةِ ثُمَّ جَمَعَهُما فَقالَ: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} فَنَسَخَ ذَلِكَ بِآيَةِ الجَلْدِ فَقالَ: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (¬1). 4414 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن مُحَمَّدِ بْنِ ثابِتٍ، حَدَّثَنا مُوسَى -يَعْني: ابن مَسْعُودٍ- عَنْ شِبْلٍ، عَنِ ابن أَبي نَجِيحٍ عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: السَّبِيلُ الحَدُّ. قالَ سُفْيان: (فَآذُوهُما) البِكْرانِ (فَأَمْسِكُوهُنَّ في البُيُوتِ) الثَّيِّباتِ (¬2). 4415 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبي عَرُويَةَ، عَنْ قَتادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ حِطّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقاشيِّ، عَنْ عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خُذُوا عَنّي خُذُوا عَنّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الثَّيِّبُ بالثَّيِّبُ جَلْدُ مِائَةٍ وَرَمْي بِالحِجارَةِ والبِكْرُ بِالبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْي سَنَةٍ" (¬3). 4416 - حَدَّثَنا وَهْبُ بْن بَقِيَّةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الصَّبّاحِ بْنِ سُفْيانَ قالا: حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الحَسَنِ بإِسْنادِ يَحْيَى وَمَعْناهُ قالا: "جَلْدُ مِائَةٍ والرَّجْمُ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه الطبراني 11/ 87 (11134)، والبيهقي 8/ 210. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود". (¬2) رواه البيهقي 8/ 210. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود": حسن مقطوع. (¬3) رواه مسلم (1690). (¬4) رواه مسلم (1690).

4417 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن عَوْفٍ الطّائيُّ، حَدَّثَنا الرَّبِيعُ بْنُ رَوْحِ بْنِ خُلَيْدٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ خالِدٍ -يَعْني: الوَهْبي- حَدَّثَنا الفَضْل بْن دَلْهَمٍ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ المُحَبَّقِ، عَنْ عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بهذا الحدِيثِ فَقالَ ناسٌ لِسَعْدِ بْنِ عُبادَةَ يا أَبا ثابِتٍ قَدْ نَزَلَتِ الحُدُودُ، لَوْ أَنَّكَ وَجَدْتَ مَعَ امْرَأَتِكَ رَجُلًا كَيْفَ كُنْتَ صانِعًا؟ قالَ: كُنْتُ ضارِبَهُما بِالسَّيْفِ حَتَّى يَسْكُتا، أَفأَنا أَذْهَبُ فَأَجْمَعُ أَرْبَعَةَ شهَداءَ؟ فَإِلَى ذَلِكَ قَدْ قَضَى الحاجَةَ. فانْطَلَقُوا فاجْتَمَعُوا عِنْدَ رَسولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ أَلَمْ تَرَ إِلَى أَبي ثابِتٍ قالَ: كَذا وَكَذا؟ ! فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كَفَى بِالسَّيْفِ شاهِدًا". ثُمَّ قالَ: "لا لا، أَخافُ أَنْ يَتَتايَعَ فِيها السَّكْرانُ والغَيْرانُ". قالَ أَبُو داوُدَ: رَوى وَكِيعٌ أَوَّلَ هذا الحَدِيثِ، عَنِ الفَضْلِ بْنِ دَلْهَمٍ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ المُحَبَّقِ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. وَإِنَّما هذا إِسْنادٌ حَدِيثِ ابن المُحَبَّقِ أَنَّ رَجُلًا وَقَعَ على جارِيَةِ امْرَأَتِهِ. قالَ أَبُو داوُدَ: الفَضْلُ بْنُ دَلْهَمٍ لَيْسَ بِالحافِظِ كانَ قَصّابًا بِواسِطَ (¬1). 4418 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن مُحَمَّدٍ النُّفَيْلي، حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنا الزُّهْريُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبّاسٍ أَنَّ عُمَرَ -يَعْني: ابن الخَطّابِ-رضي اللَّه عنه- خَطَبَ فَقالَ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- بالحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الكِتابَ، فَكانَ فِيما أَنْزَلَ عَلَيْهِ آيَةُ الرَّجْمِ فَقَرَأْناها وَوَعَيْناها، وَرَجَمَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَرَجَمْنا مِنْ بَعْدِهِ، وِإِنّي خَشِيتُ -إِنْ طالَ بِالنّاسِ الزَّمانُ- أَنْ يَقُولَ قائِلٌ: ما نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ في كِتابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَها اللَّهُ تَعالَى، فالرَّجْمُ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ إِذا كانَ مُحْصَنًا إِذا قامَتِ البَيِّنَةُ أَوْ كانَ حَمْلٌ أَوِ اعْتِرافٌ، وايْمُ اللَّهِ لَوْلا أَنْ يَقُولَ النّاسُ زادَ عُمَرُ في كِتابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَكَتَبْتُها (¬2). ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (2606). وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (4174). (¬2) رواه البخاري (6829)، ومسلم (1691).

باب في الرجم [4413] (ثنا أحمد بن محمد بن ثابت) بن شبويه (المروزي) من كبار الأئمة، توفي سنة (230) (قال: حدثني علي بن الحسين، عن أبيه) الحسين بن واقد قاضي مرو (عن يزيد) بن أبي سعيد المروزي (النحوي) متقن عابد، قتله أبو مسلم (¬1). (عن عكرمة، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال) اللَّه تعالى ({وَاللَّاتِي يَأْتِينَ}) أي: يفعلن، يقال: أتيت أمرًا قبيحًا أي: فعلته. ({الْفَاحِشَةَ}) الفعلة القبيحة، وهي مصدر عند أهل اللغة كالعاقبة والعافية، يقال: فحش الرجل فحشًا وفاحشةً، إذا جاء بالقبيح من القول والفعل. قال الواحدي: أجمعوا على أن الفاحشة هنا الزنا (¬2). قال أبو مسلم بن بحر الأصبهاني: المراد بالفاحشة هنا المساحقة، جعل حدهن الحبس إلى أن يمتن أو يتزوجن، ونزلت: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ} (¬3) في اللواط، والتي في النور في الزانية والزاني، وخالف في هذا جمهور المفسرين، وبناه على أصل له، وهو أنه يرى أنه ليس في القرآن ناسخ ولا منسوخ (¬4). ({مِنْ نِسَائِكُمْ}) قال ابن عطية: إضافة في معنى الإسلام؛ لأن ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 32/ 143 (6994). (¬2) "التفسير البسيط" 6/ 379. (¬3) النساء: 16. (¬4) انظر هذا الكلام بنصه في "البحر المحيط" لأبي حيان 3/ 194.

الكافرة قد تكون من نساء المؤمنين ولا يلحقها هذا الحكم (¬1). وليس المراد (¬2) هنا إلا المؤمنات، كقوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] ({فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ}) أمر باستشهاد أربعة تغليظًا على المدعي وسترًا لهذِه المعصية، وقيل: يترتب على كل واحد شاهدان منكم، أي: من المسلمين، وجاز دخول الفاء في {فَاسْتَشْهِدُوا} وهو في موضع الخبر، وإن كان لا يجوز: زيد فاضربه؛ لأن المبتدأ أجري مجرى الشرط، أي: وإن أتين الفاحشة أحد من نسائكم فاستشهدوا، ({فَإِنْ شَهِدُوا}) أي: شهدوا أربعة منكم عليهن، والمخاطب بهذا الأمر هم الأزواج ({فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ}) أي: احبسوهن في السجون وهذا أمر كانوا يستعملونه في أول الإسلام، إذا كان الزانيان ثيبين حبسا في البيوت ومنعا من مخالطة الناس، وإذا كانا بكرين أوذيا بالتوبيخ والتعنيف، فيقال لهما: انتهكتما حرمة اللَّه وعصيتماه. وما أشبهه، وهذا كان على سبيل الحد لهن، وأن ذلك كان حدهن حتى نسخ ({حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ}) أي: ملك الموت، وقد صرح بالمضاف المحذوف في هذِه الآية قوله تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ} (¬3) ({أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا}) والسبيل الذي جعله اللَّه لهن هنا الناسخ كما سيأتي. (وذكر الرجل بعد) ذكر (المرأة) في سورة النور، وبدأ بالمرأة؛ لأنها ¬

_ (¬1) "المحرر الوجيز" 3/ 526. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) السجدة: 11.

على ما قيل أدخل في الشهوة من الرجل (ثم جمعهما) أي ذكر النساء ثانيًا مجتمعين مع الرجال (فقال: {وَاللَّذَانِ}) وغلب المذكر على المؤنث ({يَأْتِيَانِهَا}) أي: الفاحشة ({مِنْكُمْ}) وعلى قول أبي مسلم المتقدم (¬1) أنها في اللوطة تكون التثنية للذكور فقط، ويؤيده ظاهر التئنية، وظاهر {مِنْكُمْ} إذ ذاك في الحقيقة هو للذكور، والجمهور أن {وَاللَّذَانِ} أُريد به: الزاني والزانية ({فَآذُوهُمَا}) رتب الأذى على إتيان الفاحشة، وهو مقيد بالشهادة على إتيانها، بينت في الآية السابقة، وهو شهادة أربعة، والمراد بالأذى المأمور به يدل على مطلق الأذى؛ بالقول أو الفعل أو بهما. قال ابن عباس: يؤذيان بالتعيير ويضربان بالنعال وما أشبهه (¬2). وقال قوم: بالفعل دون القول. ({فَإِنْ تَابَا}) أي: من الفاحشة ({وَأَصْلَحَا}) العمل فيما بعد ذلك ({فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا}) أي: اتركوهما وأعرضوا عن أذاهما (فنسخ ذلك) أي: الإعراض عنهما (بآية الجلد) التي في النور (فقال فيها ({الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي}) فـ (أل) فيهما للعموم في جميع الزناة ({فَاجْلِدُوا}) يقال: جلده، أي: إصابة (¬3) جلده بالضرب، كما تقول: رأسه وظهره وبطنه، أي: ضرب رأسه وظهره وبطنه، وهذا مطرد في أسماء الأعيان الثلاثية العضوية، ويندرج في هذا العموم الكافر والعبد، لكن العبد أخفر، ولا يندرج فيه المجنون ولا الصبي بإجماع. ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) رواه الطبري في "تفسيره" 4/ 296. (¬3) في (ل)، (م): أصحاب. ولعل المثبت أقرب إلى المراد.

({كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}) واتفقوا على أن الأمة تجلد خمسين (¬1). وكذا العبد على مذهب الجمهور (¬2)، وقال أهل الظاهر: يجلد العبد مئة (¬3). والظاهر اندراج الذميين في الزاني والزانية، فيجلدان عند أبي حنيفة (¬4) والشافعي (¬5)، وإذا كانا محصنين يرجمان عند الشافعي (¬6)، وقال مالك: لا حد عليهما (¬7). [4414] (ثنا أحمد بن محمد بن ثابت) المذكور قبله (قال: ثنا موسى (¬8) بن مسعود) أبو حذيفة النهدي البصري، قال أحمد: من أهل الصدق (¬9). وقال العجلي: ثقة صدوق (¬10). روى عن سفيان بضعة عشر ألف حديث، يقال: إن الثوري تزوج أمه لما قدم البصرة. (عن شبل) بكسر الشين المعجمة، ابن عباد، بالباء الموحدة، المكي، قرأ على ابن كثير، قال أبو داود: ثقة، إلا أنه يرى القدر. (عن) عبد اللَّه (ابن أبي نجيح) يسار المكي، ثقة. ¬

_ (¬1) انظر: "الأوسط" 12/ 539. (¬2) "المدونة" 2/ 553، "الأم" 7/ 339، وانظر: "النتف في الفتاوى" 1/ 268، "المغني" 12/ 331. (¬3) انظر: "المحلى" 12/ 181. (¬4) انظر: "بدائع الصنائع" 7/ 35. (¬5) "الأم" 7/ 350. (¬6) "الأم" 5/ 709. (¬7) "المدونة" 4/ 530. (¬8) فوقها في (ل): (ح). (¬9) انظر: "الجرح والتعديل" 8/ 163. (¬10) "الثقات" 2/ 305 (1822).

(عن مجاهد قال: السبيل) هو (الحد) المخلص من الحبس الطويل. [4415] (ثنا مسدد قال: ثنا يحيى) (¬1) بن سعيد القطان (عن سعيد ابن أبي عروبة) واسمه مهران العدوي، قال عبد الرحمن بن أبي حاتم، عن أبيه: سعيد بن أبي عروبة ثقة، وكان أعلم الناس بحديث قتادة" (¬2). (عن قتادة، عن الحسن، عن حطان) بفتح الحاء المهملة، وبعد الألف نون (ابن عبد اللَّه الرقاشي) بفتح الراء، تابعي جليل، بصري. (عن عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: خذوا عني، خذوا عني) أي: أقيموا عني تفسير السبيل في قوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} (¬3) واعملوا به، وذلك أن مقتضى هذِه الآية أن من زنى حبس في بيت إلى (¬4) أن يموت، كما قاله ابن عباس (¬5) في النساء، وكان ذلك الحبس هو حد الزنا؛ لأنه يحصل به إيلام الجاني وعقوبته بأن يمنع من التصرف من ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) "الجرح والتعديل" 4/ 66. (¬3) النساء: 15. (¬4) في (م): إلا. (¬5) روى الطبري في تفسيره 4/ 292، من طريق معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذِه الآية قال: فكانت المرأة إذا زنت حبست في البيت حتى تموت ثم أنزل اللَّه تعالى آية النور، فإن كانا محصنين رجما، فهذا سبيلهما الذي جعل اللَّه لهما. فالمشهور عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن هذِه الآية آية النساء نسختها آية النور. واللَّه أعلم.

النكاح وغيره، وذلك عقوبة وزجر، فحقيق أن يسمى ذلك الحبس حدًّا، غير أن ذلك الحكم كان ممدودًا إلى غاية، وهو أن يبين اللَّه لهن سبيلًا غير الحبس، فلما بلغ وقت بيانه المعلوم عند اللَّه أوضحه اللَّه تعالى لنبيه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبلغه لأصحابه، وهذا نحو قوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (¬1) فإذا جاء الليل انتهى حكم الصيام لانتهاء غايته لا لنسخه. قال القرطبي: وبهذا يعلم بطلان قول من قال: إن الحبس في البيوت منسوخ بالحد المذكور في النور في حق الثيب بالرجم المجمع عليه، وهذا ليس بصحيح؛ لما ذكرنا، ولأن الجمع بين الحبس والجلد (¬2) والرجم ممكن فلا تعارض، وهو (¬3) شرط النسخ مع علم المتأخر عن المتقدم كما تقرر في كتب الأصول (¬4). (قد جعل اللَّه لهن سبيلًا) رواية أحمد: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا نزل عليه الوحي كرب لذلك وتربد وجهه، فأنزل اللَّه عليه ذات يوم، فلما سري عنه قال: "خذوا عني قد جعل اللَّه. . . . " (¬5). (الثيب بالثيب) تفسير للسبيل المذكور في الآية، والمراد بالثيب المحصن وهو البالغ العاقل الحر الواطئ وطأً مباحًا في عقد صحيح، هذِه شروط الإحصان، وقد اختلف في بعضها، فالثيب المحصن إذا ¬

_ (¬1) البقرة: 187. (¬2) في (ل)، (م): والحد. والمثبت من "المفهم" 5/ 81. (¬3) في (ل)، (م): ومنه. المثبت من "المفهم" 5/ 81. (¬4) "المفهم" 5/ 81. (¬5) "المسند" 5/ 318، 320، 327.

زنى بالثيبة المحصنة أو بالبكر التي ليست بمحصنة فهو شبيه بالتقييد الذي يخرج مخرج الغالب، ويستوي في الثيب الرجل والمرأة، والمسلم والكافر، والرشيد [و] (¬1) المحجور عليه بسفه. (جلد مئة ورجم بالحجارة) هذا حجة القائلين بأنه يجمع في حد الثيب بين الجلد والرجم، وبه قال علي بن أبي طالب والحسن البصري وإسحاق بن راهويه وداود، وبعض أصحاب الشافعي (¬2)، وقال جماهير العلماء (¬3): الواجب الرجم وحده؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- اقتصر على رجم الثيب في أحاديث كثيرة منها قصة ماعز والمرأة الغامدية، وفي قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها" (¬4). قالوا: وحديث الجمع بين الجلد والرجم منسوخ بأنه كان في أول الأمر. (والبكر) من لم يجامع في نكاح صحيح (بالبكر) ليس البكر ثابتًا على سبيل الاشتراط؛ بل حد البكر جلد مئة وتغريب عام، سواء زنى ببكر أو ثيب كما تقدم. ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل)، (م)، ولا يستقيم السياق بدونها. (¬2) انظر: "الأوسط" 12/ 427، "نهاية المطلب" 17/ 178. (¬3) وهو مذهب الأحناف والمالكية والمشهور عن الشافعي، وعن أحمد الروايتين. انظر: "المبسوط" 9/ 26، "الرسالة" للقيرواني ص 128، "بداية المجتهد" 4/ 1719، "الأم" 8/ 190، "الأوسط" 12/ 429، "المغني" 12/ 313. (¬4) رواه البخاري (2314 - 2315)، ومسلم (1697 - 1698) من حديث أبي هريرة وزيد بن خالد.

(جلد مئة وتغريب سنة) أي: يغرب مسافة القصر؛ لأن المقصود إيحاشه بالبعد عن الأهل والوطن، ولا يحصل ذلك بما دون مسافة القصر هذا هو الصحيح، والثاني -وبه قال ابن أبي هريرة- أنه يكفي مطلق الغربة ولو دون مسافة القصر (¬1)، وهو مقتضى إطلاق الحديث، والثالث: حكاه المتولي: أنه يكفي تغريبه إلى مسافة العدو (¬2). وهل يجوز أن يزاد على مسافة القصر؟ المشهور: نعم، وقد روي أن أبا بكر وعمر غربا إلى فدك، وعمر غرب إلى الشام، وعثمان إلى مصر (¬3). [4416] (ثنا وهب بن بقية) الواسطي، ثقة (ومحمد بن الصباح بن سفيان) الجرجرائي، وجرجرايا بين واسط وبغداد (¬4). (قالا (¬5): ثنا هشيم) بن بشير السلمي، ثقة ثبت كثير التدليس والإرسال الخفي (عن منصور) (¬6) بن زاذان الواسطي (عن الحسن بإسناد يحيى) عن حطان، عن عبادة (ومعناه) المتقدم (قالا: ) (¬7) فيه (جلد مئة والرجم) فجمع بينهما أيضًا، والجمع منسوخ كما تقدم (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: "البيان" 12/ 388. (¬2) انظر: "الروضة" 10/ 88. (¬3) انظر: "البيان" 12/ 388، "الروضة" 10/ 88. (¬4) "معجم البلدان" 2/ 123. (¬5) في (ل)، (م): قال، والمثبت من "السنن". . (¬6) فوقها في (ل): (ع). (¬7) في "السنن": قال. (¬8) لم يتعرض المصنف بالشرح للحديث رقم (4417) ولا أشار إليه.

[4418] (ثنا عبد اللَّه بن محمد) بن علي بن نفيل (النفيلي) بضم النون وفتح الفاء (قال: ثنا هشيم قال: ثنا الزهري، عن عبيد اللَّه) بالتصغير (ابن عبد اللَّه بن عتبة) الفقيه الأعمى، معلم عمر بن عبد العزيز (¬1). (عن عبد اللَّه بن عباس، أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- خطب) وهو على منبر رسول -صلى اللَّه عليه وسلم- (فقال: إن اللَّه تعالى بعث محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- بالحق) أي: بالصدق فيما اختلف فيه، أو بالصدق فيما جاء به من الأحكام أو بالحجج والبراهين القاطعة، والباء تحتمل السببية، أي: بسبب إثبات الحق، وتحتمل الحال، أي: بعث محمدًا محقًّا، نحو: خرج زيد بسلاحه، أي: متسلحًا. (وأنزل عليه الكتاب) يعني: القرآن، وهو مثال للعلم بالغلبة كالمدينة والعقبة، وعدى الفعل في (نزل) (¬2) بـ (على) لما فيها من الاستعلاء، كأن كتاب اللَّه تعالى تجلله وغشاه. (فكان فيما أنزل عليه آية الرجم) يعني: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة. وفي ترك الصحابة كتابة هذِه الآية، دلالة ظاهرة على أن المنسوخ لا يكتب في المصحف، وهذا نص من عمر على أن هذا كان قرآنًا يتلى، وفي آخره ما يدل على أنه نسخ كونها من القرآن، وبقي حكمها معمولًا به، وهو الرجم. (فقرأناها ووعيناها) زاد مسلم: وعقلناها (¬3). وهذا تأكيد لكون هذِه ¬

_ (¬1) "سير أعلام النبلاء" 4/ 475 - 476. (¬2) في (ل): ترك. (¬3) "صحيح مسلم" (1691).

الآية كانت قرآنًا يتلى ويحفظ ويفهم معناها، وقد قال ذلك عمر بن الخطاب بمحضر من الصحابة وفي معدن الوحي، وشاعت هذِه الخطبة في المسلمين وتناقلها الركبان، ولم يسمع في الصحابة ولا من بعدهم من أنكر شيئًا مما قاله عمر ولا راجعه في حياته ولا من بعد موته، فكان ذلك إجماعًا منهم على كونه قرآنًا وعلى صحة هذا النوع من النسخ، وهو نسخ التلاوة مع بقاء الحكم، والنسخ على ثلاثة أقسام: نسخ التلاوة والحكم، ونسخ الحكم مع بقاء التلاوة، ونسخ التلاوة مع بقاء الحكم (¬1)، كما في هذا الموضع، وفروع هذا وأمثلته مقرر في كتب الأصول، وكتب الناسخ والمنسوخ. (ورجم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ورجمنا من بعده) يعني: نفسه وأبا بكر رضي اللَّه عنهما (وإني خشيت إن طال بالناس الزمان أن يقول قائل: ما نجد آية الرجم في كتاب اللَّه تعالى فيضلوا) بفتح الياء، يعني: عن الهدى (بترك فريضة أنزلها اللَّه تعالى) وهذا الذي خشيه عمر وتوقعه قد وقع بعده للخوارج والنَّظَّام، فإنهم أنكروا الرجم، فهم ضالون بشهادة عمر -رضي اللَّه عنه-، وهذا من الحق الذي جعله اللَّه على لسان عمر وقلبه -رضي اللَّه عنه-، ومما يدل على أن عمر كان محدثًا بكثير مما غاب عنه، كما شهد له بذلك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. (فالرجم حق) أي: ثابت بكتاب اللَّه تعالى قبل نسخه، وقد رجم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ماعزًا والغامدية وغيرهما. (إذا كان محصنًا) أي: جامع في نكاح صحيح وهو حر عاقل، سواء ¬

_ (¬1) انظر: "الانتصار" للباقلاني 1/ 410، "البرهان" للزركشي 2/ 35.

كان جامع بوطء شبهة أو نكاح فاسد، حلالًا كان الوطء أو حرامًا، بأن وطئ في حال الحيض أو الإحرام أو نهار رمضان، أو في عدة وطء الشبهة، ولا يشترط أن يكون الواطئ ممن ينزل كالشيخ الهرم (¬1). (إذا قامت البينة) بشهادة أربعة (أو كان حمل) استدل به مالك على أن المرأة التي ليس لها زوج إذا وُجِدَتْ حبلى أنه يثبت عليها الحد وهو الرجم [إذا] (¬2) كانت محصنة (¬3). ودليل الشافعي ومذهب الجمهور (¬4) أن حملها يجوز أن يكون من وطء شبهة أو إكراه وأنه عموم معارض بفعله، فقد روي أنه أتي بامرأة حامل، فسألها، فقالت: لم أحس حتى ركبني رجل. فقال عمر: دعوها. قال الأصحاب: لكن يسأل عن حملها فإن قالت: إنه من زنا، حُدت بالرجم أو الجلد كما تقدم، وإن قالت: إنه من وطء شبهة، فلا. قال الماوردي: لا يجوز أن تسأل قبل الوضع عما يوجب الحد وكذا بعده إن كان الولد ميتًا، فإن وضعته حيًّا سئلت، لما يتعلق به من حق الولد (¬5). ولو سئلت فسكتت، قال الأصحاب: لا حد عليها (¬6)، لما ¬

_ (¬1) في (ل): الهم. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل)، (م). (¬3) انظر: "الاستذكار" 24/ 64، "بداية المجتهد" 4/ 1728. (¬4) انظر: "الأوسط" 12/ 527، "الحاوي" 13/ 227، "البيان" 12/ 359، "المغني" 12/ 377. (¬5) "الحاوي" 13/ 228. (¬6) انظر: "الروضة" 10/ 91.

تقدم. (أو اعتراف) بالزنا، إطلاقه يقتضي أنه يكفي في الإقرار مرة واحدة، خلافًا لأبي حنيفة (¬1) ومالك (¬2) في رواية وأحمد (¬3)، وهذا الحديث، وقوله في العسيف: "فإن اعترفت فارجمها" (¬4) فعلق -هنا وفي العسيف- الحكمَ بمقتضى الاعتراف، ولو اشترط فيه التكرار لبينه، وأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. قال الماوردي: وقد فعل ذلك أبو بكر وعمر ولم يخالفهما أحد من الصحابة فكان إجماعًا (¬5). ولأن الإقرار مرة يكفي في إسقاط الحد عن القاذف، فكذا في إيجاب الحد على المقذوف، إذ لا يجوز أن يثبت زيادة في بعض الأحكام دون بعض، أو الرجوع عن الإقرار يسقط الحد (¬6)، وبه قال أبو حنيفة (¬7) وأحمد (¬8) خلافًا لمالك في رواية عنه؛ لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ادرؤوا الحدود بالشبهات" (¬9) ورجوعه شبهة لاحتمال صدقه فيه. ¬

_ (¬1) انظر: "المبسوط" 9/ 91. (¬2) انظر: "الذخيرة" 12/ 61. (¬3) انظر: "الكافي" 5/ 427، "المغني" 12/ 354. (¬4) رواه البخاري (2724 - 2725)، ومسلم (1697 - 1698). (¬5) "الحاوي" 13/ 207. (¬6) "الأم" 7/ 392، انظر: "المهذب" 2/ 345، "نهاية المطلب" 15/ 119. (¬7) انظر: "المبسوط" 9/ 94. (¬8) انظر: "المغني" 14/ 127. (¬9) انظر: "البدر المنير" 8/ 611، و"الإرواء" (2316) وقد ضعفه.

(وايم اللَّه، لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب اللَّه تعالى، لكتبتها) زاد في "الموطأ": لكتبته بيدي: الشيخ والشيخة. . إلى آخره (¬1). وهذا يدل على أن القرآن قد انحصرت حروفه وكلماته، فلا يقبل الزيادة والنقصان. * * * ¬

_ (¬1) "الموطأ" 2/ 824.

24 - باب رجم ماعز بن مالك

24 - باب رَجْمِ ماعِزِ بْن مالِكٍ 4419 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمانَ الأَنْباري، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عَنْ هِشامِ بْنِ سَعْدٍ، قالَ: حَدَّثَني يَزِيدُ بْنُ نُعَيْمِ بْنِ هَزّالٍ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: كانَ ماعِزُ بْن مالِكٍ يَتِيمًا في حِجْرِ أَبي. فَأَصابَ جارِيَةً مِنَ الحَيِّ فَقالَ لَهُ أَبي: ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فأَخْبِرْهُ بِما صَنَعْتَ لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ لَكَ، وَإِنَّما يُرِيدُ بِذَلِكَ رَجاءَ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَخْرَجًا فَأَتاهُ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ إِنّي زَنَيْتُ فَأَقِمْ عَلي كِتابَ اللَّهِ. فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَعادَ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ إِنّي زَنَيْتُ فَأَقِمْ عَليَّ كِتابَ اللَّهِ. حَتَّى قالَها أَرْبَعَ مِرارٍ. قالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّكَ قَدْ قُلْتَها أَرْبَعَ مَرّاتٍ فَبِمَنْ؟ ". قالَ بِفُلانَةَ. قالَ: "هَلْ ضاجَعْتَها؟ ". قالَ: نَعَمْ. قالَ: "هَلْ باشَرْتَها؟ ". قالَ: نَعَمْ. قالَ: "هَلْ جامَعْتَها؟ ". قالَ: نَعَمْ. قالَ: فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ فَأُخْرِجَ بِهِ إِلَى الحَرَّةِ. فَلَمّا رُجِمَ فَوَجَدَ مَسَّ الحِجارَةِ جَزِعَ فَخَرَجَ يَشْتَدُّ فَلَقِيَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ وَقَدْ عَجَزَ أَصْحابُهُ فَنَزَعَ لَهُ بِوَظِيفِ بَعِيرٍ فَرَماهُ بِهِ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ أَتَى النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقالَ: "هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّهُ أَنْ يَتُوبَ فَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ" (¬1). 4420 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْن عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ إِسْحاقَ قالَ: ذَكَرْتُ لِعاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتادَةَ قِصَّةَ ماعِزِ بْنِ مالِكٍ فَقالَ لي: حَدَّثَني حَسَن بْن مُحَمَّدِ بْنِ عَليِّ بْنِ أَبي طالِبٍ، قالَ: حَدَّثَني ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فَهَلَّا تَرَكْتُمُوهُ". مَنْ شِئْتُمْ مِنْ رِجالِ أَسْلَمَ مِمَّنْ لا أَتَّهِمُ. قالَ: وَلَمْ أَعْرِفْ هذا الحَدِيثَ، قالَ: فَجِئْتُ جابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَقُلْتُ: إِنَّ رِجالًا مِنْ أَسْلَمَ يُحدِّثونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ لَهُمْ حِينَ ذَكَرُوا لَهُ جَزَعَ ماعِزٍ مِنَ الحِجارَةِ حِينَ أَصابَتْهُ: "أَلَّا تَرَكْتُمُوهُ". وَما أَعْرِفُ الحَدِيثَ؟ ¬

_ (¬1) رواه أحمد، والنسائي في "الكبرى"، والحاكم، وصححه الألباني، وقد سبق برقم (4377).

قالَ: يا ابن أَخي أَنا أَعْلَمُ النّاسِ بهذا الحَدِيثِ كُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَ الرَّجُلَ، إِنّا لَمّا خَرَجْنا بِهِ فَرَجَمْناهُ فَوَجَدَ مَسَّ الحِجارَةِ صَرَخَ بِنا: يا قَوْمِ رُدُّونِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَإِنَّ قَوْمي قَتَلُوني وَغَرُّوني مِنْ نَفْسي وَأَخْبَرُوني أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- غيْرُ قاتِلي، فَلَمْ نَنْزِعْ عَنْهُ حَتَّى قَتَلْناهُ، فَلَمّا رَجَعْنا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَأَخْبَرْناهُ قالَ: "فَهَلَّا تَرَكْتُمُوهُ وَجِئْتُمُوني بِهِ". لِيَسْتَثْبِتَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْهُ، فَأَمّا لِتَرْكِ حَدٍّ فَلا قالَ: فَعَرَفْتُ وَجْهَ الحَدِيثِ (¬1). 4421 - حَدَّثَنا أَبُو كامِلٍ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنا خالِدٌ -يَعْني: الحَذّاءَ- عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ ماعِزَ بْنَ مالِكٍ أَتَى النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالَ: إِنَّهُ زَنَى. فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَأَعادَ عَلَيْهِ مِرارًا فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَسَأَلَ قَوْمَهُ: "أَمَجْنُونٌ هُوَ". قالُوا: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. قالَ: "أَفَعَلْتَ بِها". قالَ: نَعَمْ. فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ فانْطُلِقَ بِهِ فَرُجِمَ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ (¬2). 4422 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ سِماكٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قالَ: رَأَيْتُ ماعِزَ بْنَ مالِكٍ حِينَ جِيءَ بِهِ إِلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رَجُلًا قَصِيرًا أَعْضَلَ، لَيْسَ عَلَيْهِ رِداءٌ، فَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ مَرّاتٍ أَنَّهُ قَدْ زَنَى. فَقالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فَلَعَلَّكَ قَبَّلْتَها". قالَ: لا واللَّه إِنَّهُ قَدْ زَنَى الآخِرُ. قالَ: فَرَجَمَهُ ثُمَّ خَطَبَ فَقالَ: "أَلا كُلَّما نَفَرْنا في سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ خَلَفَ أَحَدُهُمْ لَهُ نَبِيبٌ كَنَبِيبِ التَّيْسِ يَمْنَحُ إِحْداهُنَّ الكُثْبَةَ، أَما إِنَّ اللَّهَ إِنْ يُمَكِّنّي مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ إِلا نَكَلْتُهُ عَنْهُنَّ" (¬3). 4423 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سِماكٍ قالَ: ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 381، والنسائي في "الكبرى" (7207). وقال الألباني في "الإرواء" 7/ 354: إسناده جيد. (¬2) رواه الطبراني 11/ 340 (11945). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". (¬3) رواه مسلم (1692).

سَمِعْتُ جابِرَ بْنَ سَمُرَةَ بهذا الحَدِيثِ، والأَوَّلُ أَتَمُّ قالَ: فَرَدَّة مَرَّتَيْنِ. قالَ سِماكٌ فَحَدَّثْتُ بِهِ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ فَقالَ: إِنَّهُ رَدَّهُ أَرْبَعَ مَرّاتٍ (¬1). 4424 - حَدَّثَنا عَبْدُ الغَني بْن أَبى عَقِيلٍ المِصْري، حَدَّثَنا خالِدٌ -يَعْني ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ- قالَ: قالَ شُعْبَةُ فَسَأَلْتُ سِماكًا عَنِ الكُثْبَةِ. فَقالَ: اللَّبَن القَلِيلُ (¬2). 4425 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ سِماكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِماعِزِ بْنِ مالِكٍ: "أَحَقٌّ ما بَلَغَني عَنْكَ". قالَ: وَما بَلَغَكَ عَنّي قالَ: "بَلَغَني عَنْكَ أَنَّكَ وَقَعْتَ عَلَى جارِيَةِ بَني فُلانٍ". قالَ: نَعَمْ. فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ (¬3). 4426 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْن عَلي، أَخْبَرَنا أَبُو أَحْمَدَ أَخْبَرَنا إِسْرائِيلُ، عَنْ سِماكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: جاءَ ماعِزُ بْنُ مالِكٍ إِلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فاعْتَرَفَ بِالزِّنا مَرَّتَيْنِ فَطَرَدَهُ، ثمَّ جاءَ فاعْتَرَفَ بِالزِّنا مَرَّتَيْنِ فَقالَ: "شَهِدْتَ عَلَى نَفْسِكَ أَرْبَعَ مَرّاتٍ اذْهَبُوا بِهِ فارْجُمُوهُ" (¬4). 4427 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، حَدَّثَني يَعْلَى، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ح وَحَدَّثَنا زهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُقْبَة بْنُ مُكْرَمٍ قالا: حَدَّثَنا وَهْبُ بْن جَرِيرٍ، حَدَّثَنا أَبى قالَ: سَمِعْتُ يَعْلَى بْنَ حَكِيمٍ يُحَدِّث، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ لمِاعِزِ بْنِ مالِكٍ: "لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ غَمَزْتَ أَوْ نَظَرْتَ". قالَ: لا. قالَ: "أَفَنِكْتَها". قالَ: نَعَمْ. قالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ مُوسَى عَنِ ابن ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1692). (¬2) رواه أحمد 5/ 103. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". (¬3) رواه مسلم (1693). (¬4) رواه النسائي في "الكبرى" (7173). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".

عَبّاسٍ وهذا لَفْظُ وَهْبٍ (¬1). 4428 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلي، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، قالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الصّامِتِ ابن عَمِّ أَبي هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: جاءَ الأَسْلَمي إِلَى نَبي اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أنَّهُ أَصابَ امْرَأَةً حَرامًا أَرْبَعَ مَرّاتٍ كُلُّ ذَلِكَ يُعْرِضُ عَنْهُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَأَقْبَلَ في الخامِسَةِ فَقالَ: "أَنِكْتَها". قالَ: نَعَمْ. قالَ: "حَتَّى غابَ ذَلِكَ مِنْكَ في ذَلِكَ مِنْها". قالَ: نَعَمْ. قالَ: "كَما يَغِيبُ المِرْوَدُ في المُكْحُلَةِ والرِّشاءُ في البِئْرِ". قالَ: نَعَمْ. قالَ: " فَهَلْ تَدْري ما الزِّنا". قالَ: نَعَمْ أَتَيْتُ مِنْها حَرامًا ما يَأْتي الرَّجُلُ مِنِ امْرَأَتِهِ حَلالًا قالَ: "فَما تُرِيدُ بهذا القَوْلِ". قال: أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنَي. فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ فَسَمِعَ النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحابِهِ يَقُولُ أَحَدُهُما لِصاحِبِهِ انْظُرْ إِلَى هذا الذي سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلَمْ تَدَعْهُ نَفْسُهُ حَتَّى رُجِمَ رَجْمَ الكَلْبِ. فَسَكَتَ عَنْهُما، ثُمَّ سارَ ساعَةً حَتَّى مَرَّ بِجِيفَةِ حِمارٍ شائِلٍ بِرِجْلِهِ فَقالَ: "أَيْنَ فُلانٌ وَفُلانٌ". فَقالا: نَحْنُ ذانِ يا رَسُولَ اللَّهِ. قالَ: "انْزِلا فَكُلا مِنْ جِيفَةِ هذا الحِمارِ". فَقالا: يا نَبي اللَّهِ مَنْ يَأْكُلُ مِنْ هذا؟ قالَ: "فَما نِلْتُما مِنْ عِرْضِ أَخِيكُما آنِفًا أَشَدُّ مِنْ أَكْلٍ مِنْهُ، والَّذي نَفْسي بِيَدِهِ إِنَّهُ الآنَ لَفي أَنْهارِ الجَنَّةِ يَنْقَمِسُ فِيها" (¬2). 4429 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ، حَدَّثَنا أَبُو عاصِمٍ، حَدَّثَنا ابن جُرَيْجٍ، قالَ: أَخْبَرَنا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنِ ابن عَمِّ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ بِنَحْوِهِ زادَ واخْتَلَفُوا فَقالَ بَعْضُهُمْ: رُبِطَ إِلَى شَجَرَة وقالَ بَعْضُهُمْ: وَقَفَ (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6824). (¬2) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (737)، والنسائي في "الكبرى" (7164)، وأبو يعلى (6140)، وابن حبان (4399)، (4400). وضعفه الألباني في "الضعيفة" (2957). (¬3) سبق برقم (4428).

4430 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن المتَوَكِّلِ العَسْقَلاني والحَسَنُ بْنُ عَليٍّ قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ جاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فاعْتَرَفَ بِالزِّنا فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ اعْتَرَفَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، حَتَّى شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهادات فَقالَ لَهُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَبِكَ جُنُونٌ؟ ". قالَ: لا. قالَ: "أَحْصَنْتَ؟ ". قالَ: نَعَمْ. قالَ: فَأَمَرَ بِهِ النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَرُجِمَ في المُصَلَّى فَلَمّا أَذْلَقَتْهُ الحِجارَةُ فَرَّ فَأُدْرِكَ فَرُجِمَ حَتَّى ماتَ فَقالَ لَهُ النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- خَيْرًا وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ (¬1). 4431 - حَدَّثَنا أَبُو كامِلٍ، حَدَّثَنا يَزِيدُ -يَعْني: ابن زُرَيْعٍ- ح وَحَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيّا -وهذا لَفْظُهُ- عَنْ داوُدَ، عَنْ أَبي نَضْرَةَ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ قالَ: لَمّا أَمَرَ النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِرَجْمِ ماعِزِ بْنِ مالِكٍ خَرَجْنا بِهِ إِلَى البَقِيعِ فَواللَّهِ ما أَوْثَقْناهُ وَلا حَفَزنا لَهُ وَلَكِنَّهُ قامَ لَنا. -قالَ أَبُو كامِلٍ قالَ: - فَرَمَيْناهُ بِالعِظامِ والمَدَرِ والخَزَفِ فاشْتَدَّ واشْتَدَدْنا خَلْفَهُ حَتَّى أَتَى غرْضَ الحَرَّةِ فانْتَصَبَ لَنا فَرَمَيْناهُ بِجَلامِيدِ الحَرَّةِ حَتَّى سَكَتَ، قالَ: فَما اسْتَغْفَرَ لَهُ وَلا سَبَّهُ (¬2). 4432 - حَدَّثَنا مُؤَمَّلُ بْنُ هِشامٍ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ، عَنِ الجُرَيْري، عَنْ أَبي نَضْرَةَ قالَ: جاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَحْوَهُ وَلَيْسَ بِتَمامِهِ قالَ: ذَهَبُوا يَسُبّونَهُ فَنَهاهُمْ قالَ: ذَهَبُوا يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ فَنَهاهُمْ قالَ: "هُوَ رَجُلٌ أَصابَ ذَنْبًا حَسِيبُهُ اللَّهُ" (¬3). 3344 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبي بَكْرِ بْنِ أبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى بْنِ الحارِثِ، حَدَّثَنا أَبي عَنْ غَيْلانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنِ ابن بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- اسْتَنْكَهَ ماعِزًا (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6820)، ومسلم بعد حديث (1691). (¬2) رواه مسلم (1694). (¬3) رواه أبو عوانة في "المستخرج" (6286). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود". (¬4) رواه مسلم (1695).

4434 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحاقَ الأَهْوازيُّ، حَدَّثَنا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنا بَشِيرُ بْن المُهاجِرِ، حَدَّثَني عَبْدُ اللَّهِ بْن بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: كُنّا أَصْحابَ رَسُولِ اللَّهِ نَتَحَدَّثُ أَنَّ الغامِدِيَّةَ وَماعِزَ بْنَ مالِكٍ لَوْ رَجَعا بَعْدَ اعْتِرافِهِما أَوْ قالَ: لَوْ لَمْ يَرْجِعا بَعْدَ اعْتِرافِهِما لَمْ يَطْلبْهُما وَإِنَّما رَجَمَهُما عِنْدَ الرّابِعَةِ (¬1). 4435 - حَدَّثَنا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ داوُدَ بْنِ صُبَيْحٍ، قالَ عَبْدَةُ، أَخْبَرَنا حَرَمي بْن حَفْصٍ، قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غلاثَةَ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْن عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ أَنَّ خالِدَ بْنَ اللَّجْلاجِ حَدَّثَهُ أَنَّ اللَّجْلاجَ أَباهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كانَ قاعِدًا يَعْتَمِل في السُّوقِ فَمَرَّتِ امْرَأَةٌ تَحْمِلُ صَبِيّا فَثارَ النّاسُ مَعَها وَثُرْتُ فِيمَنْ ثارَ فانْتَهَيْتُ إِلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وَهُوَ يَقُول: "مَنْ أَبُو هذا مَعَكِ؟ ". فَسَكَتَتْ فَقالَ شابٌّ حَذْوَها أَنا أَبُوهُ يا رَسُولَ اللَّهِ. فَأَقْبَلَ عَلَيْها فَقالَ: "مَنْ أَبُو هَذا مَعَكِ". قالَ الفَتَى: أَنا أَبُوهُ يا رَسُولَ اللَّهِ. فَنَظَرَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى بَعْضِ مَنْ حَوْلَهُ يَسْأَلُهُمْ عَنْهُ فَقالُوا ما عَلِمْنا إِلَّا خَيْرًا. فَقالَ لَهُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَحْصَنْتَ ". قالَ: نَعَمْ. فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ. قالَ: فَخَرَجْنا بِهِ فَحَفَرْنا لَهُ حَتَّى أَمْكَنّا ثُمَّ رَمَيْناهُ بِالحِجارَةِ حَتَّى هَدَأَ فَجاءَ رَجُلٌ يَسْأَلُ عَنِ المَرْجُومِ فانْطَلَقْنا بِهِ إِلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقُلْنا: هذا جاءَ يَسْأَلُ عَنِ الخَبِيثِ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَهُوَ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ". فَإذا هُوَ أَبُوهُ فَأَعَنّاهُ عَلَى غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَدَفْنِهِ وَما أَدْري قالَ: (والصَّلاةِ عَلَيْهِ) أَمْ لا. وهذا حَدِيثُ عَبْدَةَ وَهُوَ أَتَمُّ (¬2). 4436 - حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ عَمّارٍ، حَدَّثَنا صَدَقَة بْنُ خالِدٍ، ح وَحَدَّثَنا نَصْرُ بْنُ ¬

_ (¬1) رواه النسائي في "الكبرى" (7202)، (7271)، وأحمد 5/ 347، والحاكم 4/ 385، وضعفه الألباني في "الإرواء" (2359). (¬2) رواه أحمد 3/ 479، والنسائي في "الكبرى" (7184)، (7203)، 19/ 219 (488). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود".

عاصِمٍ الأَنْطاكي، حَدَّثَنا الوَلِيدُ، جَمِيعًا قالا: حَدَّثَنا مُحَمَّدٌ -قالَ هِشامٌ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشُّعَيْثي- عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الجُهَني، عَنْ خالِدِ بْنِ اللَّجْلاجِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بِبَعْضِ هذا الحَدِيثِ (¬1). 4437 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا طَلْقُ بْن غَنّامٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ السَّلامِ ابْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنا أَبُو حازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّ رَجُلًا أَتاهُ فَأَقَرَّ عِنْدَهُ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ سَمّاها لَهُ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إلَى المَرْأَةِ فَسَأَلَها عَنْ ذَلِكَ فَأَنْكَرَتْ أَنْ تَكُونَ زَنَتْ فَجَلَدَهُ الحَدَّ وَتَرَكَها (¬2). 4438 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قالَ: حَدَّثَنا ح وَحَدَّثَنا ابن السَّرْحِ -المَعْنَى- قالَ: أَخْبَرَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن وَهْبٍ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، عَنْ أَبي الزُّبَيرِ عَنْ جابِرٍ أَنَّ رَجُلًا زَنَى بِامْرَأَةٍ فَأَمَرَ بِهِ النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فجُلِدَ الحَدَّ، ثُمَّ أُخْبِرَ أَنَّهُ مُحْصَنٌ فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ. قالَ أَبُو داوُدَ: رَوى هذا الحَدِيثَ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ البُرْسانيُّ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ مَوْقُوفًا عَلَى جابِرٍ. وَرَواهُ أَبُو عاصِمٍ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ بِنَحْوِ ابن وَهْبٍ لَمْ يَذْكُرِ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: إِنَّ رَجُلًا زَنَى فَلَمْ يَعْلَمُ بإِحْصانِهِ فَجُلِدَ، ثُمَّ عَلِمَ بِإِحْصانِهِ فَرُجِمَ (¬3). 4439 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَبُو يَحْيَى البَزّازُ، أَخْبَرَنا أَبُو عاصِمٍ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، عَنْ أَبي الزُّبَيرِ، عَنْ جابِرٍ أَنَّ رَجُلًا زَنَى بِإمْرَأَةٍ فَلَمْ يَعْلَمْ بإحْصانِهِ فَجُلِدَ ¬

_ (¬1) سبق برقم (4435). (¬2) رواه أحمد 5/ 339، والطبراني 6/ 179 (5924)، والحاكم 4/ 370، والبيهقي 8/ 228. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". (¬3) رواه النسائي في "الكبرى" (7211)، وابن الجارود في "المنتقى" (818)، والدارقطني 3/ 169. وقال النسائي: لا أعلم أن أحدا رفع هذا الحديث غير أبي وهب. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود".

ثُمَ عَلِمَ بإِحْصانِهِ فَرُجِمَ (¬1). * * * [4419] (ثنا محمد بن سليمان) وهو ابن أبي داود (الأنباري) بتقديم النون على الباء الموحدة، وثقه الخطيب (¬2). (قال: ثنا وكيع، عن هشام بن سعد) من رواة مسلم، قال أحمد: لم يكن بالحافظ (¬3). (قال: أخبرني يزيد بن نعيم) بضم النون مصغر (ابن هزال) بفتح الهاء والزاي المشددة (عن أبيه) نعيم بن هزال بن ذباب، كما تقدم. (قال: كان ماعز بن مالك) الأسلمي معدودًا في المدنيين (يتيمًا في حجر أبي) هزال بن ذباب (فأصاب جارية من الحي) وهي أمة هزال الأسلمي، اسمها فاطمة (فقال له أبي) هزال (ائت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأخبره بما صنعت) أي: بجميع ما فعلته في أمر الجارية (لعله يستغفر لك) أي: يدعو لك بالمغفرة (وإنما يريد بذلك رجاء أن يكون له مخرجًا) أي: من الكرب الذي حصل له في الدنيا بسبب ما وقع منه ومن العقاب في الآخرة. (قال: فأتاه فقال: يا رسول اللَّه إني زنيت فأقم علي كتاب اللَّه) أي: حكم اللَّه الذي أنزله في كتابه. (فأعرض عنه) فيه أنه جائز للخصم أن يقول ¬

_ (¬1) رواه النسائي في "الكبرى" (7212). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود". (¬2) "تاريخ بغداد" 2/ 387. (¬3) انظر: "الجرح والتعديل" 9/ 61.

للإمام العدل: احكم بيننا بالحق؛ لأنه قال لنبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أقم عليَّ كتاب اللَّه)، وقد علم أنه لا يقيم عليه إلا حكم اللَّه كما جاء في "الصحيح": اقض بيننا بكتاب اللَّه (¬1). ولم ينكر ذلك عليه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولم يتغير كما تغير حكام أهل هذا الزمان، وقد قال الملكان لداود عليه السلام: {فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ} (¬2)، وذلك إذا لم يُرِد السائل التعريض ولا أنه يجوز عليه. (حتى قالها أربع مرات) احتج به أبو حنيفة وسائر الكوفيين وأحمد وموافقوهم في أن الإقرار بالزنا لا يثبت ويرجم به المقر حتى يقر أربع مرات (¬3)، كما تقدم. (فقال: إنك قد قلتها أربع مرات، فَبمن؟ ) بكسر باء الجر الداخلة على (مَنْ) والتقدير (¬4): فَبِمَن زنيت؟ (قال: بفلانة) وسماها (قال: هل ضاجعتها؟ قال: نعم. قال: هل باشرتها؟ قال: نعم) وفي رواية للبخاري، وفي الرواية الآتية: "لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت" (¬5) وهذا كالتعريض له بالرجوع عن إقراره. (قال: هل جامعتها؟ ) لما ذكر له مقدمات الجماع فأقر بها ذكر له ما هو أصرح من ذلك، وفي الرواية الآتية ما هو أصرح من هذا وهو: "أنكتها؟ " (¬6). ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (2695 - 2696). (¬2) ص: 22. (¬3) سبق الإشارة إلى هذِه المسألة. (¬4) ساقطة من (م). (¬5) "صحيح البخاري" (6824)، سيأتي برقم (4427). (¬6) يأتي برقم (4427).

(قال: نعم، قال: فأمر به فرجم) فيه أن للإمام أن يستنيب ويوكل في إقامة الحدود وفي التعزيرات (فأخرج به إلى الحرة) وهي كل أرض ذات حجارة سود، وفي الرواية، وهي رواية البخاري: أنه رجم بالمصلى (¬1)، وفي رواية لمسلم: في عرض الحرة (¬2). أي: جانبها. (فلما رجم) فيه الاقتصار على الرجم دون الجلد، وهذا يبين المتقدمة الجامعة بينهما، تقدم في قوله: جلد مئة والرجم (فوجد مس الحجارة) وفي رواية في "الصحيح" وغيره: فلما أصابته الحجارة. أي: ووجد ألمها. (فخرج يشتد) بتشديد الدال، أي: يعدو جريًا (فلقيه عبد اللَّه بن أنيس) بضم الهمزة وفتح النون مصغر، الجهني الأنصاري المدني، قال ابن الكلبي: كان مهاجريًّا، أنصاريًّا، عقبيًّا. وقال ابن إسحاق: هو من قضاعة. (وقد عجز) بفتح الجيم المشددة. (أصحابه) وفي رواية أبي سعيد الآتية: فاشتد واشتددنا خلفه. وفي رواية البزار: فلقيه رجل من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (فنزع له) أي: رماه (بوضيف) (¬3) بكسر الضاد المعجمة وهو الحق (بعير) أي: حقه، قال الجوهري: الوظيف (¬4): مستدق الذراع والساق من الإبل (¬5). (فرماه فقتله) رواية البزار: فتلقاه بلحي جمل فضربه فقتله (¬6). ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (5270). (¬2) "صحيح مسلم" (1694). (¬3) في "السنن": بالظاء. (¬4) في (م): الوضيف. (¬5) "الصحاح" 4/ 1439. (¬6) "البحر الزخار" 10/ 196 (4283).

(ثم أتى) عبد اللَّه بن أنيس (النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فذكر ذلك له، فقال: هلا تركتموه) زاد في الرواية الآتية: "وجئتموني به" (¬1) (لعله أن يتوب) يدل على أن ما كان من حقوق اللَّه تعالى يكفي الخروج من إثمه التوبة والاستغفار، وإن كان فيه حد. (فيتوب) بالنصب (اللَّه عليه) أي: فيقبل اللَّه توبته، الذي هداه إليها. [4420] (ثنا عبيد اللَّه) بالتصغير (ابن عمر بن ميسرة) البصري القواريري، متفق عليه (عن يزيد بن زريع، عن محمد بن إسحاق قال: ذكرت لعاصم بن عمر بن (¬2) قتادة) بن النعمان (¬3)، وكان علامة بالمغازي، وُثق. (قصة ماعز بن مالك، فقال لي: حدثني حسن بن محمد بن علي [الحسين بن علي] (¬4) بن أبي طالب قال: حدثني ذلك من قول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) فقال: (فهلا تركتموه؟ ) فيه التحريض على أن المقر بالزنا إذا هرب يخلى سبيله في الحال ولا يتبع (¬5). ¬

_ (¬1) (4420). (¬2) في (ل)، (م): عن. (¬3) في (ل)، (م): عثمان. (¬4) كذا هذِه الزيادة في (ل)، (م)، وفيها نظر، وانظر: "تهذيب الكمال" 13/ 529. (¬5) قال ابن عبد البر في "التمهيد" 12/ 113: وقد جعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هروبه -أي: ماعزًا- رجوعًا وقال: فهلا تركتموه. اهـ. وقال في "الاستذكار" 24/ 98: وقد أجمع العلماء على أن الحد إذا وجب بالشهادة وأقيم بعضه ثم رجع الشهود قبل أن يقام الحد أو قبل أن يتم: أنه لا يقام عليه ولا يتم ما بقي منه بعد رجوع الشهود، فكذلك الإقرار والرجوع، وباللَّه التوفيق. اهـ.

(من شئت) (¬1) بكسر الشين المعجمة وسكون الهمزة بعده من المشيئة (من رجال أسلم ممن لا أتهم) في حديثه. (قال) [محمد بن علي بن الحسين] (¬2) بن علي بن أبي طالب. (ولم أعرف الحديث، قال: فجئت جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما، فقلت: إن رجالًا من أسلم يحدثون أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لهم، حين ذكروا له جزع ماعز) بن مالك الأسلمي وفراره (من الحجارة) وهربه (حين أصابته: ألَّا) بتشديد اللام وتخفيفها بمعنى: هلَّا، وبعضهم يقول: إن أصلها: هلا، لكن أبدلت الهمزة من الهاء، كما في: أرقت وهرقت (تركتموه) من الرجم حين خرج (وما أعرف الحديث) الذي ذكره لي. (قال: يا ابن أخي، أنا أعلم الناس بهذا الحديث) فيه إظهار العالم فضله؛ ليكون أوقع في القلوب (كنت فيمن رجم) هذا (الرجل) يعني: ماعز بن مالك. (إنا) بكسر الهمزة (لما خرجنا به) إلى الحرة قرب المصلى (فرجمناه فوجد مس الحجارة، صرخ بنا: يا قوم ردوني إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) فيه دليل على أن ماعزًا لما وجد ألم الحجارة صرخ بردوده إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فاستنبط منه كثير من العلماء أن المعترف بما يجب عليه من الحد، إن رجع عن إقراره مطلقًا لم يُحَد. وممن ذهب إلى هذا: عطاء ويحيى بن يعمر والزهري وحماد ¬

_ (¬1) في "السنن": شئتم. وهي ما في هامش (ل)، وعليها: (ح). (¬2) كذا في النسختين، والصواب: (الحسن بن محمد).

والثوري والشافعي (¬1) وأحمد (¬2) والنعمان (¬3) ومالك (¬4) في رواية القعنبي. وقيل: لا ينفعه رجوعه مطلقًا. وبه قال سعيد بن جبير والحسن وابن أبي ليلي وهي رواية ابن عبد الحكم. وقال أشهب: إذا جاء بعذر قُبل ذلك منه، وإلا لم يقبل (¬5). (فإن قومي قتلوني وغرروني) (¬6) بتشديد الراء من الغرور (من نفسي) أي: جرؤوني على الإقرار وحسنوه لي (وأخبروني أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- غير) بالرفع بمعنى: ليس (قاتلي، فلم ننزع) بكسر الزاي (عنه) أي: لم نتركه (حتى قتلناه) بالجناية، كذا في رواية الطبراني في "الأوسط" (¬7). (فلما رجعنا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأخبرناه بأمره قال: فهلا تركتموه وجئتموني به؟ ليستثبت منه) أي: ليتحقق أمره لأي شيء هرب، أهرب راجعًا عما أقر به، أم فرارًا من الحجارة؟ ! وفي روايةٍ (¬8) "ألا تركتموه لأنظر في أمره" (¬9). (فأما) ترك قتله (لترك حد) عنه (فلا) استدل به على أنه رجوع إذا ¬

(¬1) "الأم" 7/ 392. (¬2) انظر: "المغني" 14/ 127. (¬3) انظر: "المبسوط" 9/ 94. (¬4) انظر: "الاستذكار" 24/ 97. (¬5) انظر هذِه الأقوال في: "الأوسط" 12/ 452، وما بعدها. (¬6) في "السنن": غروني. (¬7) في (ل): سننه. وبعدها بياض بمقدار كلمتين. (¬8) بعدها في (ل): بياض بمقدار كلمتين. (¬9) رواه النسائي في "السنن الكبرى" 4/ 291 بنحوه.

شرع في رجمه وهرب لا يسقط عنه الحد بذلك، بل الحد باقٍ عليه، ولهذا لم تلزمهم ديته مع أنهم قتلوه بعد هربه. (قال: ) حسن بن محمد (فعرفت وجه الحديث) وعلمت معناه. [4421] (ثنا أبو كامل) فضيل الجحدري (قال: ثنا يزيد بن زريع قال: ثنا خالد -يعني: الحذاء- عن عكرمة، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما: أن ماعز بن مالك) الأسلمي (أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأعرض عنه، فأعاد عليه مرارًا، فأعرض عنه، فسأل قومه: أمجنون هو؟ ) وهذا أوجبه ما ظهر على السائل من الحال التي تشبه حال المجنون، وذلك أنه جاء إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- منفش الشعر، ليس عليه رداء، يقول: زنيت فطهرني. كما صح في الرواية، حكاه القرطبي. ثم قال: وإلا فليس من المناسب أن ينسب الجنون إلى من أتى عليه هيئة العقلاء، وأتى بكلام منتظم مفيد، لا سيما إذا كان فيه طلب الخروج من مأثم (¬1). (قالوا) (¬2) يعني: أهله (ليس به بأس) وفي رواية لـ "الموطأ": فبعث إلى أهله، فقال: " أيشتكي؟ أبه جنة؟ " قالوا: لا. قال: "أبكر هو أم ثيب؟ " قالوا: ثيب (¬3). فيه أنَّ على الإمام أن يسأل المقر إن كان محصنًا أو غير محصَن؛ لأن اللَّه تعالى قد فرق بين حد المحصن والبكر. ¬

_ (¬1) "المفهم" 5/ 89. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) "الموطأ" 2/ 820.

قال ابن بطال: فواجب على الإمام أن يقف على ذلك، كما يجب عليه إذا أشكل احتلام المقر أن يسأله عن ذلك، ثم بعد ذلك يلزمه (¬1) تصديق كل واحد منهما؛ لأن الحد لا يقام إلا باليقين، ولا يحل فيه التجسس (¬2) (قال: أفعلت بها؟ قال: نعم. فأمر به فرجم) قال النسائي: ليس في شيء من الأحاديث قدر الحجر الذي رمي به. قال مالك: لا يرمى بالصخور العظام (¬3)، ويأمر الإمام بذلك، ولا يتولاه بنفسه (¬4). (فانطلق به فرجم، ولم يصل عليه). قال مالك: لا يرفع عنه الرمي (¬5) حتى يموت، ويخلى بينه وبين أهله يغسلونه ويصلون عليه، ولا يصلي عليه الإمام؛ ليكون ردعًا لأهل المعاصي، ولئلا يجترئ الناس على مثل فعله إذا رأوا أن الإمام لا يصلي لعظم ذنبه (¬6). ومذهب الشافعي (¬7) وأبي (¬8) حنيفة (¬9) يصلي عليه. [4422] (ثنا مسدد (¬10) قال: ثنا أبو عوانة، عن سماك) بن حرب (عن ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) "شرح ابن بطال" 8/ 447. (¬3) انظر: "الذخيرة" 12/ 76. (¬4) "المدونة" 4/ 507. (¬5) في (م): الرجم. (¬6) "المدونة" 4/ 508. (¬7) انظر: "البيان" 3/ 85. (¬8) في (ل)، (م): أبو. (¬9) انظر: "المبسوط" 9/ 52، 94، "الاختيار لتعليل المختار" 4/ 85. وهو مذهب الحنابلة أيضًا، انظر: "المغني" 3/ 508. (¬10) فوقها في (ل): (ع).

جابر بن سمرة) بن جنادة العامري، وهو ابن أخت سعد بن أبي وقاص، أمه خالدة بنت أبي وقاص، نزل الكوفة ومات بها سنة أربع وستين (¬1). (قال: رأيت ماعز بن مالك) الأسلمي (حين جيء به إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رجلًا قصيرًا (¬2) أعضل) بالعين المهملة والضاد المعجمة، أي: مشتد الخلق، قاله النووي (¬3)، وقال ابن الأثير: هو الكثير العضل من اللحم (¬4). قال الجوهري: العضل جمع عضلة الساق، وكل لحمة مجتمعة مكتنزة فهي عضلة (¬5). (ليس عليه رداء، فشهد على نفسه أربع مرات أنه قد زنى، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: فلعلك قبلتها) أي: فلعلك أردت بالزنا أنك قبلتها أو لمستها بشهوة، وفيه تعريض القاضي للمقر برجوعه. (قال: لا واللَّه إنه قد زنى الأخِر) بقصر الهمزة وكسر الخاء، وبعضهم يمد الهمزة، وهو خطأ، وكذا فتح الخاء خطأ، ومعناه: الأبعد، وهو على الذم، وقيل: الأرذل واللئيم والشقي. (قال: فرجمه، ثم خطب) أي: من العشي، كما في روايةٍ. (فقال: ألا كلما نفرنا) بإسكان الراء، أي: انطلقنا غزاة (في سبيل اللَّه خلف) بفتح ¬

_ (¬1) هكذا ذكر المصنف، وقد اختلف في سنة وفاته، ونقل الحافظ عن البغوي وابن حبان: سنة أربع وسبعين، وقال: وهو أشبه بالصواب. اهـ انظر: "تهذيب التهذيب". (¬2) بعدها في (ل): نسخة: رجل قصير. (¬3) "مسلم بشرح النووي" 12/ 62. (¬4) "النهاية" 3/ 253. (¬5) "الصحاح" 5/ 1766.

الخاء المعجمة واللام، أي: تخلف وأقام بعدنا (أحدهم له نبيب) بفتح النون وكسر الباء الأولى وبعدها ياء مثناة تحت ثم باء موحدة أيضًا، يقال: نبَّ التيس إذا هاج في طلب الأنثى (كنبيب التيس) عند السفاد (يمنح) بفتح الياء المثناة تحت والنون، أي: يعطي (إحداهن) من النساء (الكثبة) بضم الكاف وإسكان الثاء المثلثة بعدها باء موحدة، يعني: القليل من الطعام. (أما) بتخفيف الميم لاستفتاح الكلام (إن) بتشديد النون (اللَّه إنْ) بإسكان النون، وهو حرف نفي بمعنى ما (يمكِّنِّي من أحد منهم إلا نكلته) (¬1) بفتح النون والكاف المشددة، أي: صرفته (عنهن) بعقوبة أصيبه بها ليعتبر به، فيمتنع عن هذِه الفاحشة. [4423] (ثنا محمد بن المثنى، عن محمد بن جعفر) المعروف بغندر، ربيب شعبة (عن شعبة، عن سماك قال: سمعت جابر بن سمرة) المذكور قبله بحديث. (بهذا الحديث و) الحديث (الأول أتم، قال) فيه (فرده) أي: ردَّ ماعزًا (¬2) (مرتين. قال سماك: فحدثت به سعيد بن جبير، فقال: إنه رده أربع مرات) كما تقدم. [4424] (ثنا عبد الغني) بن رفاعة (بن أبي عقيل) اللخمي (المصري) توفي (255) (قال: ثنا خالد بن عبد الرحمن) الخراساني أبو الهيثم. (قال: قال شعبة: فسألت (¬3) سماكًا عن الكثبة، قال: اللبن القليل.) قدر ¬

_ (¬1) في (ل) بعدها: نسخة: لأنكلنه. (¬2) في (ل)، (م): ماعز. (¬3) في (م): فسأل.

حلبة، وكل ما جمعته من طعام أو غيره، لبنًا كان أو غيره فهو كثبة. [4425] (ثنا مسدد قال: ثنا أبو عوانة، عن سماك بن حرب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لماعز بن مالك) الأسلمي (أحق ما بلغني عنك؟ ) يشبه أن يكون سأله؛ ليستحيي من ذكره بين يدي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فينكر. (قال: وما بلغك عني؟ قال: بلغني عنك أنك وقعت على جارية بني فلان) فيه استعمال الكناية في الخطاب، حيث لم يقل: زنيتَ ولا غيرها من الصرائح، وفيه تسمية (جارية) ولم يقل: أمة بني فلان؛ لورود النهي عنه، فكلنا عبيد وإماء (قال: نعم. فشهد أربع شهادات) ويعرض عنه في كل مرة منها (¬1)، كما تقدم. (فأمر به، فرجم) فيه أن الرجم يثبت على من زنى بالأمة المحرمة التي هي ملك لأجنبي، كما يثبت على الزاني بالحرة، وليس فيه أنه رجم الجارية، فقد يستدل به لمذهب ابن عباس والحسن وابن جبير متمسكين بقوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ} (¬2) كما سيأتي. [4426] (ثنا نصر بن علي قال: أخبرنا أبو أحمد) محمد بن عبد اللَّه بن الزبير الأسدي الزبيري، كان يصوم الدهر، فكان إذا تسحر برغيف لم يصدع، فإذا تسحر بنصف رغيف يصدع من نصف النهار إلى آخره، وإن لم يتسحر صدع يومه أجمع (¬3)، والظاهر أن يصدع من الصداع وهو وجع ¬

_ (¬1) في (م)، (ل): منهما. (¬2) النساء: 25. (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 476 - 480، "سير أعلام النبلاء" 9/ 529 - 531.

الرأس (قال: ثنا إسرائيل (¬1)، عن سماك، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: جاء ماعز إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فاعترف بالزنا مرتين، فطرده) عنه، قد يستدل به مالك وأحمد على أنه لا يجب الحد بإقراره مرتين ولا ثلاثا (¬2)، ولا بد من أربع مرات، ولو في مجلس واحد أو مجلسين، كما في الحديث؛ ولهذا طرده؛ لعدم وجوب الحد عليه، ولا يثبت به حجة أبي حنيفة؛ لأنه يشترط في أربع مرات أن يكون في أربعة (¬3) مجالس، وإقراره هنا في مجلسين. وأجاب الشافعي والأصحاب بأنه طرده ليستبين حاله؛ لاحتمال أن يكون به جنون أو غيره كما تقدم. وورد في رواية أنه طرده حتى لم يُرَ. (ثم جاء) في مجلس (فاعترف بالزنا مرتين) أخريين (فقال: شهدت على نفسك أربع مرات، اذهبوا به فارجموه) وفي رواية للبزار: "فإن كان صحيحًا فارجموه" (¬4). وذكر الشارع الشهادة على نفسه أربع مرات قبل ذكر الفاء السببية يقوي حجة القائلين باشتراط التكرار أربع مرات؛ لأن ذكره وصف الشهادة أربع مرات مع الحكم -وهو الرجم- مشعر بأنه هو العلة للرجم، وإلا لكان ذكره عبثًا، وهذا هو الأكثر في وصف الشارع، وإلا لاقتصر على قوله: (ارجموه)، ولم يذكر الشهادة أربع مرات، فعلى ما تقدم يكون التقدير: ارجموه؛ لأنه أقر على ¬

_ (¬1) في (م): إسماعيل. (¬2) في (ل)، (م): ثلاث. (¬3) في (ل)، (م): أربع. (¬4) "البحر الزخار" 10/ 196 (4283).

نفسه أربع مرات ولو لم تكن الأربع من تمام العلة، لقال: ارجموه؛ لأنه أقر، وهذا هو النوع الثاني من قياس الأسماء. [4427] (ثنا موسى بن إسماعيل (¬1)، ثنا جرير قال: ثنا يعلى (¬2) عن عكرمة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-وثنا زهير بن حرب وعقبة بن مكرم) بضم الميم، وفتح الراء، العمي (قالا (¬3): ثنا وهب بن جرير) بفتح الجيم (قال: ثنا أبي) جرير بن (¬4) حازم الأزدي، حضر جنازة أبي الطفيل بمكة، وهو ثقة، ولما اختلط حجبه ولده (¬5). (قال: سمعت يعلى بن حكيم يحدث عن عكرمة، عن ابن عباس أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لماعز بن مالك: لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت) تعريضًا له؛ ليقول هذِه الألفاظ، فلو أنه قال: نعم قبلت أو غمزت، لسقط الحد عنه؛ لأن الزنا يقع على التقبيل والغمز والنظر بشهوة. (قال: لا. قال: أَفَنِكْتَها؟ ) فلما أتى ماعز بلفظ مشترك لم يحده -عليه السلام- حتى وقف على صحيح ما أتاه وحقيقته بغير إشكال؛ ليرتفع المجاز وغيره من الاحتمالات؛ لأن من سنته -عليه السلام- درء الحدود بالشبهات، فلما أفصح وبين ما فعله، أمر برجمه، وهذا يدل على أن الحدود لا تقام إلا بالإفصاح دون الكنايات للأثر (قال: نعم، فعند ذلك أمر ¬

_ (¬1) بعدها في (م)، (ل) بياض بمقدار كلمة لعلها التبوذكي. (¬2) بعدها بياض في (م)، (ل) بمقدار كلمتين ولعله: بن حكيم. (¬3) في (م)، (ل): قال. (¬4) ساقطة من (م). (¬5) انظر: "الطبقات الكبرى" 7/ 205 (3273)، "سير أعلام النبلاء" 7/ 98 - 99.

برجمه) أي: عند الإفصاح بالحقيقة أمر برجمه. (ولم يذكر موسى: عن ابن عباس، وهذا لفظ وهب) بن جرير. [4228] (ثنا الحسن بن علي) الخلالى الحافظ، نزيل مكة، متفق عليه (¬1) (قال: ثنا عبد الرزاق، عن) عبد الملك (ابن جريج (¬2) قال: أخبرني أبو الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس (أن عبد الرحمن بن الصامت) وعند النسائي: ابن هضاض، وقيل: ابن الهضاب (¬3) (ابن عم أبي هريرة أخبره أنه سمع) ابن عمه أو عمه، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4). (أبا هريرة -رضي اللَّه عنه- يقول: جاء) ماعز بن مالك (الأسلمي) إلى (نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فشهد على نفسه) بعدما سأله كما تقدم (أنه أصاب امرأة) أي: جارية ([من جهينة] (¬5) حرامًا، أربع مرات) أو شهادات (كل ذلك يعرض عنه) بضم الياء من (يعرض) وإعراضه عنه لعله يرجع عن إقراره. (فأقبل) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (في) المرة (الخامسة) عليه (فقال: أنكتها؟ قال: نعم) فيه استعمال الصرائح عند الحاجة (قال) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (حتى غاب ذلك) يعني: الذكر (منك في ذلك) يعني: الفرج (منها؟ قال: نعم. كما يغيب المرود) بكسر الميم (في المكحلة) بضم الميم والحاء (و) كما يدخل (الرشاء) بكسر الراء والمد، هو الحبل الذي ¬

_ (¬1) انظر: "سير أعلام النبلاء" 11/ 398. (¬2) في (م): جرير. (¬3) "السنن الكبرى" 4/ 288. (¬4) "الثقات" 5/ 97. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من (ل).

يربط في الدلو، جمعه: أرشية. قال مجنون ليلى: لقد علقت محبتكم بقلبي (¬1) ... كما علقت بأرشية دلاء (في البئر؟ قال: نعم) قال القرطبي: هذا منه -صلى اللَّه عليه وسلم- أخذ لماعز بغاية النص الصريح الرافع لجميع الاحتمالات كلها تحقيقًا للأسباب، وسعيًا في صيانة الدماء عن الانصباب، وقد أخذ جماعة من العلماء من هذا الحديث أن شهود الزنا إذا شهدوا به يصفون الزنا كما وصف ماعز، فيقول الحاكم للشاهد: رأيت فرجه في فرجها كالمرود في المكحلة والرشاء في البئر؟ معاوية والزهري ومالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي (¬2). (قال: هل تدري ما الزنا؟ قال: نعم، أتيت منها حرامًا ما يأتي الرجل) أي: كما يأتي الرجل امرأته في الحلال، فحذفت كاف التشبيه؛ للمبالغة في التشبيه وتأكيده حين حكم على المشبه بأنه المشبه به، لا أنه مثله، ونظيره في حذف كاف التشبيه للمبالغة قوله تعالى: {وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} (¬3) أي: كمر السحاب، كما مثل به في تخليص المعاني. (من امرأته حلالًا) وفيه سؤال القاضي عن الزنا الذي أقر به، هل يجهل تحريمه أم لا؟ (قال: فما تريد بهذا القول؟ قال: أريد أن تطهرني) أي: من الذنب ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) "المفهم" 5/ 91. (¬3) النمل: 88.

الذي وقعت فيه (فأمر به فرجم فسمع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه) وفي رواية البزار: فقال أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إلى النار (¬1). (انظر إلى هذا الذي ستر اللَّه عليه ذنبه فلم تَدَعه) بفتح التاء والدال أي: تتركه (نفسه حتى رُجِم رَجْمَ) منصوب على المصدر (الكلب) فيه دليل على أن رجم الكلب بالحجر كان جائزًا عندهم مشهورًا فيما بين الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، لكن يجوز الرجم لكل الكلاب أو للمؤذي منها والسعر (فسكت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عنهما) فيه دليل على جواز تأخير بيان الحكم إلى وقت الحاجة، فإنه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يبين لهما حكم تحريم الغيبة حتى مر بجيفة الحمار (ثم سار) فيه دليل على أن قصة ماعز وقعت في السفر لا في الإقامة، وقد روى الإمام أحمد والبزار من رواية أبي ذر: كنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في سفر فأتاه رجل، فقال: إن الأخِر زنى فأعرض عنه. . الحديث (¬2). (ساعة حتى مر) هو وأصحابه (بجيفة حمار شائلًا) (¬3) منصوب على الحال، وصاحب الحال هو المضاف إليه، وتصلح هذِه المسألة أن تكون شاهدًا لمسألتين ذكرهما النحاة: إحداهما: أن شرط صاحب الحال أن تكون معه معرفة، لكن يجوز تنكيره في مواضع: ¬

_ (¬1) "البحر الزخار" 10/ 196. (¬2) "المسند" 5/ 179، "البحر الزخار" 9/ 427. (¬3) في هامش (ل): نسخة: شائل.

أحدها: أن يضاف إلى نكرة كما في الحديث؛ فإن (حمار) مضاف إليه، وهو صاحب الحال، وقد جاء نكرة، والأصل أن يكون معرفة؛ لأنه في الأصل مبتدأ، وقد مثل له النحاة قوله تعالى: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً} (¬1). المسألة الثانية: أن يكون الحال منصوبًا من المضاف، إذا المضاف كان عاملًا في المضاف إليه، أو يكون المضاف كجزء من المضاف إليه، كقوله تعالى: {أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} (¬2) لكن يجوز هنا أن يكون الحال منصوبًا من (جيفة) لا من (حمار)، وذكر (شائلًا) باعتبار الجيفة لا باعتبار (حمار)؛ لأن الجيفة هي جيفة الحمار (رجله) (¬3) منصوب باسم الفاعل الذي هو (شائلًا)؛ لأنه يحمل عمل الفعل، والتقدير: الحمار الذي شال رجله. ورواية ابن حبان: مر بجيفة حمار شائل برجله (¬4) (فقال: أين فلان وفلان؟ ) فيه أن الإنسان إذا احتاج إلى ذكر أحد لبيان حكم أو أمر يحتاج إليه، وكان في التصريح باسمه تنقيص له أن يكني عنه إذا ذكره ولا يصرح باسمه، فإن المقصود يحصل مع عدم التصريح، فيقال مثلًا: صلى رجل اليوم، ووقع في صلاته خلل من جهة كذا وكذا، وهو مبطل للصلاة. (قالا: نحن ذانِ يا رسول اللَّه) فيه بيان الأدب في مخاطبة الأكابر من العلماء والصالحين، بأن يتبع الجواب بما فيه تعظيم كقوله في الجواب إذا دعاه: نعم أو لبيك يا سيدي الشيخ، ونحو ذلك. ¬

_ (¬1) فصلت: 10. (¬2) النحل: 123. (¬3) قبلها في (ل): برجله. وفوقها: (خـ). (¬4) "صحيح ابن حبان" 10/ 245.

(فقال: انزلا، فكلا من جيفة هذا الحمار) هو كقوله تعالى: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} (¬1) لكن لما كانت غيبة الميت المرجوم أقبح من غيبة الحي؛ لأنهم أفضوا إلى ما قدموا، وكان الميت قد صار جيفة بموته شبه غيبته بأكل جيفة حمار ميت، ولما كانت غيبة أخيه الحي دون ذلك شبهها بأكل لحم أخيه الميت من غير ذكر الجيفة. (فقالا: يا نبي اللَّه من يأكل من هذا؟ ) ورواية الحافظ أبي يعلى: قالا: غفر اللَّه لك يا رسول اللَّه، وهل يؤكل هذا؟ ! (¬2). (قال: فما نلتما من عرض أخيكما آنفًا) بالمد والقصر لغتان قرئ بهما في السبع (¬3)، أي: قريبًا (أشد) بالرفع خبر المبتدأ الذي هو (ما)، أي: أشد عند اللَّه إثمًا (من أكل) بإسكان الكاف جار ومجرور، ورواية أبي يعلى: "أشد أكلًا" (¬4) (منه)، ورواية ابن حبان: "أشد من أكل هذِه الجيفة" (¬5) وفي هذا الحديث والآية الزجر الأكيد، وأن تحريم غيبة الميت أشد من تحريم أكل جيفة الحمار، وفي هذا التنفير عنها، والتحذير منها كما قال -عليه السلام-: "العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يرجع فيه" (¬6). وفي الباب أحاديث كثيرة ليس هذا موضعها. ¬

_ (¬1) الحجرات: 12. (¬2) "مسند أبي يعلى" 10/ 524. (¬3) قرأها بقصر الهمزة ابن كثير وحده في رواية مضر عن البزي، وقرأ قنبل عن ابن كثير بالمد كالجماعة. انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص 60. (¬4) "مسند أبي يعلى" 10/ 524. (¬5) "صحيح ابن حبان" 10/ 245. (¬6) رواه البخاري (2589)، ومسلم (1622) من حديث ابن عباس.

(والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة يَتَقَمَّس) يتقمس بفتح التاء الفوقانية والقاف والميم المشددة أي: يغوص فيها وينغمس، والقاموس: معظم الماء، وقاموس (¬1) البحر: معظمه (فيها) فجزاه اللَّه تعالى على إرادته التطهير من ذنبه بالانغماس في أنهار الجنة اللاتي يتطهر بمثلهن في الدنيا من الحدث والخبث، وليذهب عنه ببرودة انغماسه في الماء زوال ما حصل له من حرارة الضرب بالحجارة وخروجه روحه. [4430] (ثنا محمد بن المتوكل) بن عبد الرحمن (العسقلاني) مولى بني هاشم. قال ابن معين: ثقة (¬2). (والحسن بن علي قالا: ثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة) قيل: اسمه: عبد اللَّه بن عبد الرحمن (عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما أن رجلًا من أسلم جاء إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فاعترف بالزنا، فأعرض عنه حتى شهد على نفسه أربع شهادات) (أربعَ) منصوب على المصدر؛ لأن المصدر أضيف إليه (فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أبك جنون؟ قال: لا) سأله ليستثبت أمره. (قال: أُحصنت؟ ) بضم الهمزة، وكسر الصاد على الأشهر، وهي قراءة الجمهور في قوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ} (¬3) (قال: نعم) سأله عن الإحصان؛ لأن اللَّه فرق في حكمه بين المحصن وغيره، فاحتيج إلى ¬

_ (¬1) في (ل): قابوس. (¬2) "سؤالات ابن الجنيد" لابن معين (554). (¬3) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر مضمومة الألف، وقرأ الكسائي وحمزة بفتح الهمزة، واختلف فيها على عاصم. انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص 331.

السؤال، وكما يجب عليه إذا أشكل احتلام المقر أن يسأله عن ذلك، كما أن من أقر بمبهم يستفهم؛ ليبين قدره، وللمقر أن يبين ما أقر به بأقل أحواله ويقبل منه، فإذا أقر بمال قبل تفسيره بأقل متمول كفلس ونحوه، وكذا لو أقر بالزنا وفسره بما يطلق عليه الاسم من قبلة، ولمس بشهوة، وغمز بعين ونحو ذلك كما تقدم. (فأمر به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فرجم في المصلى) وفي رواية: بالمصلى (¬1)، أي: مصلى الجنائز. قال البخاري وغيره من العلماء: فيه دليل على أن مصلى الجنائز والأعياد إذا لم يكن وقف مسجد ألا يثبت له حكم المسجد إذ لو كان له حكم المسجد لجنب من الرجم فيه، وتلطخه بالدماء، والميتة. وفي رواية أخرى: فخرجنا به إلى بقيع الغرقد (¬2). وهو بالمدينة. وهذا يدل على أن قصة ماعز كانت في الإقامة، والغرقد شجر من شجر البادية كان في ذلك الموضع فنسب إليه وأزيلت تلك الشجرة، واتخذ موضعه مقبرة، وذكر الدارمي من أصحابنا أن المصلى الذي للعيد ونحوه إذا لم يكن مسجدًا هل يثبت له حكم المسجد؟ فيه وجهان: أصحهما: ليس له حكم المسجد. (فلما أذلقته) بالذال المعجمة والقاف (الحجارة) أي: أصابته بحدها، وذلق كل شيء حَدُّه، ومنه: لسان ذليق (فرَّ) بتشديد الراء، أي: هرب من ألم الضرب (فأُدرك) بضم الهمزة، وكسر الراء (فرجم حتى مات، فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خيرًا) أي: قال قولًا خيرًا، وفي رواية ¬

_ (¬1) رواها البخاري (6820). (¬2) رواه مسلم (1694).

للبزار وغيره: فقال أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: إلى النار. وقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كلا، إنه قد تاب توبة [لو تابها] (¬1) أمة من الأمم لقبل منهم" (¬2) (ولم يصل عليه) استدل به على أن المحدود لا يصلي عليه الإمام كما تقدم (¬3). [4431] (ثنا أبو كامل قال: ثنا يزيد بن زريع) (¬4) أبو معاوية الحافظ، قال أحمد: إليه المنتهى في التثبت بالبصرة (¬5). (وثنا أحمد بن منيع، عن يحيى بن زكريا) بن أبي زائدة الوادعي الحافظ (¬6) (وهذا لفظه عن داود) ابن أبي هند البصري أحد الأعلام (عن أبي نضرة) بالنون والضاد المعجمة المنذر بن مالك العبدي، ثقة من جلة التابعين (¬7) (عن أبي سعيد -رضي اللَّه عنه- قال: لما أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- برجم ماعز بن مالك) الأسلمي (خرجنا به إلى البقيع) بفتح الباء الموحدة، وهو بقيع الغرقد كما تقدم قريبًا، قال: (فواللَّه ما أوثقناه) بالرباط الوثيق (ولا حفرنا له) استدل به على أن الرجل لا يحفر له، قال الوزير ابن هبيرة: اتفقوا على أن الرجل المرجوم لا يحفر له (¬8). قال القرطبي: المواضع الثلاثة التي اضطرب فيها في حديث ماعز ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) "البحر الزخار" 10/ 196. (¬3) سبقت هذِه المسألة مرارًا، وخلاصتها: أنه يصلي عليه عند الأحناف والشافعية والمشهور عن أحمد، ومنع المالكية صلاة الإمام عليه. واللَّه أعلم. (¬4) فوقها في (ل): (ع). (¬5) انظر: "الجرح والتعديل" 9/ 263 - 264. (¬6) انظر: "ميزان الاعتدال" 4/ 374 (9505). (¬7) انظر: "ميزان الاعتدال" 4/ 181 (8762)، "سير أعلام النبلاء" 4/ 529. (¬8) "الإفصاح" 2/ 269.

في الحفر له، ففي بعضها أنه حفر له، وفي بعضها أنه لم يحفر له، وفي بعضها أنه هو الذي بدأ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالسؤال، وفي بعضها أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ابتدأه فقال: "ما حديث بلغني عنك" (¬1) وفي بعضها أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى عليه، وفي بعضها أنه لم يصل عليه، وكذلك في الاستغفار له، ثم قال: وكلها في الصحيح (¬2). واللَّه أعلم بالسقيم من الصحيح قال القمولي: وإذا تعارضت الروايتان تسقطان، ويرجع إلى غيرهما. قال الماوردي في "الأحكام السلطانية": إن رجم بالبيِّنة. حفر له حفرة إلى وسطه لمنعه من الهرب، وإن رجم بالإقرار لم يحفر له (¬3). والمشهور عند الشافعي: لا يحفر للرجل عند رجمه سواء ثبت زناه بالبينة أو بالإقرار (¬4). قال البلقيني في "التصحيح": وفي "صحيح مسلم" من حديث بريدة: فلما كان الرابعة حفر له حفرة، ثم أمر به فرجم (¬5). قال: ويمكن الجمع بين الروايتين أنه حفر له حفرة صغيرة فلما رجم خرج منها هاربًا؛ لأنها لم تكن عميقة، ولا تكون إحدى الروايتين معارضة للأخرى. (ولكنه قام لنا) باختياره لنضربه الحد (قال أبو كامل: قال: فرميناه ¬

_ (¬1) رواها مسلم (1693) بلفظ: "أحق ما بلغني عنك؟ " وهي في حديث (4425) من "السنن". (¬2) "المفهم" 5/ 102. (¬3) "الأحكام السلطانية" (ص 329). (¬4) انظر: "المهذب" 2/ 271، "البيان" 12/ 391، "الشرح الكبير" 11/ 157، "الروضة" 10/ 99. (¬5) "صحيح مسلم" (1695/ 23).

بالعظام والمدر) وهو التراب الأحمر المنعقد (والخزف) بفتح [الخاء والزاي المعجمتين] (¬1) فلق الفخار المكسرة. قال البلقيني: الحديث يدل على أنه لا تضييق في ذلك، وأنه بحسب ما يجده الراجمون. (فاشتد) أي: عدا جريًا (واشتددنا خلفه حتى أتى عُرض) بضم العين (الحرة) بفتح الحاء المهملة، وهي أرض ذات حجارة، أي: جانب الحرة، وهي هنا اسم لأرض بظاهر المدينة (وانتصب لنا) قائمًا (فرميناه بجلاميد الحرة) واحدها جلمود بضم الجيم، والجلمد والجلمود: الصخر العظام. قال الرافعي (¬2) والنووي (¬3): الرجم بحجارة معتدلة. قال البلقيني: الصواب أن الرجم بحسب ما يجده الراجمون في ذلك الموضع، ولكن لا يبتدأ بصخرة عظيمة يموت بها في أول الحال، ولا يستمرون بالحصا الصغيرة، والحديث يدل على هذا. وذكر الماوردي أن الاختيار في الحجر الذي يرجم به أن يكون ملء الكف، لا يكون أكبر منه، ولا يكون أصغر منه، كالحصاة فيطول عليه، ويكون موقف الرامي (¬4) منه بحيث لا يبعد عنه فتخطئه ولا يدنو منه فتؤلمه. (حتى سكت) هو بالتاء المثناة فوق، هذا هو المشهور في الروايات. قال القاضي عياض: ورواه بعضهم: سكن، بالنون، والأول أصوب، ¬

_ (¬1) في (م): الخاء المعجمة والزاي المعجمة. (¬2) "الشرح الكبير" 11/ 156. (¬3) "الروضة" 10/ 99. (¬4) في (ل): الزاني.

ومعناهما: مات (¬1). (قال: فما استغفر له) لوقوع المعصية منه، وإن أقيم عليه الحد ولا دعا له (ولا سبه) فإنه لم يكن سبابًا ولا سخابًا في الأسواق، ولكن يغفر ويصفح. [4432] (ثنا مؤمل بن هشام) اليشكري، وثقه أبو داود (¬2) (قال: ثنا إسماعيل عن) سعيد بن إياس (الجريري) بضم الجيم، وفتح الراء الأولى، مصغر (¬3) منسوب إلى جرير بن عباد (عن أبي نضرة) أيضًا (قال: جاء (¬4) رجل إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بنحوه، وليس) الحديث (بتمامه) و (قال: ذهبوا يسبونه فنهاهم) عن سب الأموات و (قال: ذهبوا يستغفرون له فنهاهم) عن الاستغفار له، ثم بين سبب النهي و (قال: هو رجل أصاب ذنبًا، حسيبه) أي: كافيه (اللَّه) ونعم الحسيب والوكيل. [4433] (ثنا محمد بن أبي بكر بن أبي شيبة قال: ثنا يحيى بن يعلى بن الحارث قال: ثنا أبي) (¬5) الحارث المحاربي (عن غيلان) بن جامع المحاربي (عن علقمة بن مرثد عن) [عبد اللَّه] (¬6) (ابن بريدة) بضم الموحدة مصغر (عن أبيه) بريدة بن الحصيب. ¬

_ (¬1) "مشارق الأنوار" 2/ 215. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 29/ 187 (6325). (¬4) ساقطة من (م). (¬5) كذا في النسخ، والصواب أن يزاد بعدها: يعلى بن. (¬6) كذا في الأصول، وهو خطأ، والصواب: سليمان. انظر "تهذيب الكمال" 11/ 370.

(أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- استنكه ماعزًا) أي: أمره لينكه ليشم ريح فيه؛ ليعلم أشارب هو أو غير شارب؛ لما ارتاب في أمره، وهذا الاستنكاه؛ ليستثبت أمره من جهة اعترافه بالزنا، فإن الحد عندنا لا يثبت بالاستنكاه (¬1)، ووجود الرائحة منه بالنكهة؛ لاحتمال كونه غالطًا أو مكرهًا، [أو يكون] (¬2) أكل نبقًا، أو أكل شراب التفاح أو السفرجل، فإنَّ رائحة هذِه كرائحة الخمر، وأجيب عن استنكاه ماعز، بأنه استغرب حاله [فاستنكهه ليعرف حاله] (¬3) فيلغي إقراره، لا ليترتب عليه حد الرائحة، وأجيب عن جلد عمر ابنه: عبيد اللَّه بالتصغير اعتمادًا على الرائحة، بأنه سأله عن الرائحة فأقرَّ بأنه شرب الطلاء، فقال: إن كان مسكرًا حددتك (¬4). [4434] (ثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي) البزاز، صدوق (قال: ثنا أبو أحمد) محمد بن عبد اللَّه بن الزبير بن عمر بن درهم الزبيري (قال: ثنا بشير) بفتح الموحدة، وكسر المعجمة (ابن المهاجر) الغنوي: ثقة فيه شيء (قال: حدثني عبد اللَّه بن بريدة، عن أبيه) بريدة بن الحصيب (قال: كنا أصحاب) بالنصب على الاختصاص (رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نتحدث أن الغامدية وماعز بن مالك لو رجعا بعد اعترافهما -أو قال: لو لم يرجعا بعد اعترافهما- لم يطلبهما) رواية أحمد في قصة ماعز، وفي ¬

_ (¬1) انظر: "الحاوي" 10/ 420، 13/ 409، "الإقناع" 1/ 171، "نهاية المطلب" 17/ 330، "البيان" 12/ 528. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) انظر: "البيان" 12/ 529.

آخرها: كنا نتحدث أصحاب نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن ماعز بن مالك لو جلس في رحله بعد اعترافه ثلاث مرات لم نطلبه، فإن الستر أفضل وأولى (¬1). (وإنما رجمهما عند) أي: بعد (الرابعة) الحديث. [4435] (ثنا عبدة بن عبد اللَّه) الخزاعي، شيخ البخاري (ومحمد بن داود بن صبيح) بفتح الصاد المهملة وكسر الباء الموحدة وسكون المثناة تحت، المصيصي، قال أبو داود: كان عاقلًا ورعًا، لم يكتب عن فلان لحال المحنة، ما رأيت أعقل منه (¬2)! (قال عبدة: إن) بكسر الهمزة (حرمي بن حفص) القسملي (قال: ثنا محمد بن عبد اللَّه بن علانة) بضم العين المهملة وقبل الهاء ثاء مثلثة ابن مالك العقيلي، قال ابن سعد: ثقة إن شاء اللَّه، ولاه المهدي قضاء العسكر (¬3). يقال له: قاضي الجن؛ لأنه [قضى] (¬4) بئرًا بين حران وحصن مسلمة، كان من شرب منها خبطته الجن، فوقف عليها، فقال: أيها الجن، إنا قد قضينا بينكم وبين الإنس، فلهم النهار ولكم الليل، فكان من استقى منها بالنهار لم يصبه شيء (¬5). (قال: ثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز) ثقة توفي قبل الخمسين ومئة (أن خالد بن اللجلاج) بفتح اللام، العامري، كان يفتي مع مكحول. ¬

_ (¬1) "المسند" 5/ 347. (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 176، وفلان الذي لم يكتب عنه هو: أبو كريب، كما سماه المزي في "التهذيب". (¬3) "الطبقات الكبرى" 7/ 323، 483. (¬4) ساقطة من النسخ الخطية، والمثبت مستفاد من كتب التراجم. (¬5) انظر: "سير أعلام النبلاء" 7/ 309.

(حدثه أن) أباه (¬1): (اللجلاج) الصحابي العامري (أباه أخبره أنه كان قاعدًا يعتمل) أي: يتحرك في عمله (في السوق، فمرت امرأة تحمل صبيًّا) فيه جواز خروج المرأة إلى السوق ومشيها إذا كان لحاجة (فثار الناس) بالثاء المثلثة أي: وثبوا للذهاب (معها وثرت) بضم الثاء المثلثة (فيمن ثار) إلى الذهاب معها والناس معها (فانتهيت إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو يقول) وفي رواية: "فقال لها": (من أبو هذا الذي معك؟ ) بكسر الكاف (فسكتت المرأة، فقال شاب حذوها) بفتح الحاء المهملة وإسكان الذال المعجمة وفتح الواو على الظرف أي: بإزائها. (أنا أبوه يا رسول اللَّه، فأقبل عليها) مرة ثانية (فقال: من أبو هذا؟ ) الصبي الذي (معك؟ ) بكسر الكاف، فسكتت [المرة الثانية] (¬2) (فقال الفتى: أنا) هو ذا (أبوه يا رسول اللَّه) زاد رزين: فطهرني (فنظر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى بعض من حوله يسألهم (¬3) عنه) ليستثبت أمره (فقالوا: ما علمنا) عليه (¬4) (إلا خيرًا) فيه البحث والسؤال عما يحتاج إليه من أحوال الناس، وأما غيره فهو تجسس وفضول، وفيه التثبت في الشهادة والإقرار، والسؤال عن حال الشاهد والمقر إذا لم يعلم حالهما، واللَّه أعلم. (فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أحصنت؟ ) بضم الهمزة أي: بزوجة دخلت بها، ¬

_ (¬1) بعدها في (م): خالد. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل). (¬3) في هامش (ل): فسألهم. (¬4) ساقطة من (م).

ويحتمل فتح الهمزة. والصاد المهملة، ومنه قوله تعالى: {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} (¬1). (قال نعم. فأمر به) فيه أنَّ للإمام أن يستنيب (¬2) في إقامة الحدود، ولا يتوقف استيفاؤه على حضور الإمام، سواء ثبت بالبينة أو الإقرار. وقال أبو حنيفة: يجب حضور الإمام، ويبدأ هو بالرجم إن ثبت بالإقرار (¬3). (فرجم) يشبه أن يكون المعنى: ليرجم (قال: فخرجنا به من عنده فحفرنا) يدل على أن الحفر للرجل، وأما حديث أبي سعيد المتقدم: فما حفرنا (¬4). (له) يدل على أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يأمر بذلك. قال البلقيني: حديث اللجلاج: حفرنا له وحديث بريدة: "فلما كان الرابعة حفرنا له حفرة، ثم أمر به فرجم (¬5). فإن معناه: أمر بحفر حفرة له، فإنهم إنما يفعلون ذلك بأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فظهر بذلك أن الحفر للرجل جائز لا منع منه. فيتخير الإمام، إن شاء حفر له، وإن شاء لم يحفر له. ثم قال: فالتخيير للإمام هو الموافق لمقتضى الأحاديث الصحيحة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولو بلغ الشافعي -رضي اللَّه عنه- الحديثان اللذان فيهما الحفر لقال بهما: إما تخييرًا أو سنة. وأما جزم جمع من الأصحاب بأنه لا ¬

_ (¬1) النساء: 24. (¬2) في (م): يستثبت. (¬3) انظر: "المبسوط" 9/ 51، "بدائع الصنائع" 7/ 59. (¬4) رواه أحمد 3/ 61، والنسائي في "السنن الكبرى" 4/ 288، والبيهقي في "السنن الكبرى" 8/ 380، 384. (¬5) رواه مسلم (1695).

يحفر للرجل فهو مخالف السنة الصحيحة الثابتة. فإن قيل: أكثر طرق ماعز ليس فيها حفر. قلت: ليس فيها نفيه إلا في حديث أبي سعيد، وقد تقدم ما فيه. وتقدم تفريق الماوردي بين ثبوته عليه بالإقرار أو البينة كما في "الأحكام السلطانية" (¬1). وقاعدة الإمام الشافعي اتباع السنة، ولا ينبغي أن نثبت في مذهبه ما يخالف السنة. انتهى. وقال القرطبي: لم يبلغ مالكًا من أحاديث الحفر شيء، فلم يقل به، لا في المرأة، ولا في حق الرجل، لا هو ولا أصحابه. انتهى (¬2). وقال أشهب: إن حفر له -وأحب إليَّ- أن تخلى يداه (¬3). وقال ابن وهب: يفعل الإمام من ذلك ما أحب. وعند الحنابلة: لا يحفر للرجل ولا للمرأة (¬4). وفي "الهداية" للحنفية: لا يحفر للرجل؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يحفر لماعز (¬5) (حتى أمكنا) أي: له في الأرض بحيث لا يقدر على الهرب. ويدل عليه رواية البيهقي في حديث بريدة: فحفر له حفرة فجعل فيها إلى صدره (¬6). ¬

_ (¬1) "الأحكام السلطانية" (ص 329). (¬2) "المفهم" 5/ 92. (¬3) انظر: "الذخيرة" 12/ 76. (¬4) "مسائل الإمام أحمد" برواية أبي داود ص 304، وانظر: "المغني" 12/ 311. (¬5) "الهداية في شرح بداية المبتدي" 2/ 385. (¬6) "السنن الكبرى" 8/ 384.

لكن قال البلقيني: لم يجئ حديث في الحفر له ولا لغيره أنه أهيل عليه التراب بحيث لا يتمكن من الخروج أصلًا ولا يتمكن من حركة. قال: ولم ينص الشافعي على شيء يتعلق بالحفر، لا للرجل ولا للمرأة، ولم يذكر في ذلك خبرًا ولا أثرًا. ثم ذكر حديث اللجلاج. (ثم رميناه بالحجارة حتى هدأ) بفتح الهمزة آخره، أصله من هدأ المريض إذا برأ وسكن ألمه، ويقال لمن مات: قد هدأ. لأنه سكن أيضًا. وظاهر الحديث أن الرجم يستمر وإن خرجت روحه إلى أن تسكن حركته واضطرابه (فجاء رجل يسأل عن المرجوم) بعد قتله (فانطلقنا إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) رواية رزين: ثم جاء شيخ يسأل عن الغلام المرجوم، فأتينا به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وسؤال الشيخ عن المرجوم لا يجب عليه به شيء يوجب انطلاقهم به، لكنهم انطلقوا به -واللَّه أعلم- لاحتمال أن يكون عليه حكم لم يعلموا به؛ ولهذا أقرهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. (فقلنا (¬1): هذا جاء (¬2) يسأل عن الخبيث) سموه خبيثًا؛ لوقوع المعصية منه قبل الحد؟ لأن الخبائث المعاصي. قال ابن الأعرابي: الخبيث في كلام العرب المكروه، أي: والقبيح من قولٍ أو فعل، فإن كان من الكلام فهو من الشتم، وإن كان من المِلَل فهو الكفر، وإن كان (¬3) من الطعام فهو الحرام، وإن كان من الشراب فهو الضار (¬4). ¬

_ (¬1) في (م): فقلت. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) ساقطة من (ل). (¬4) انظر: "تاج العروس" 3/ 204.

(فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) زاد رزين في روايته: "لا تقولوا، فوالذي نفسي بيده" (لهو أطيب عند اللَّه من ريح المسك) أي: يوم القيامة، [قال ابن الصلاح] (¬1) لأنه يوم الجزاء (¬2). وفيه تظهر فضيلة إقراره في الدنيا وتحمله مشاق عذاب الدنيا الذي هو أهون من عذاب الآخرة، فعوضه اللَّه على صبره ذلك بأن جعل ريحه في الآخرة في رائحة عمله في الميزان أطيب من مسك الدنيا، وفيه دليل على فضيلة المسك وكونه أطيب طيب الدنيا. (فإذا هو أبوه) أي: أبو الغلام المرجوم، ثم شرع في تجهيزه (فأعناه على غسله وتكفينه ودفنه) فيه دليل على ما قاله أصحابنا أن المقتول حدًّا يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين بلا طمس كمن قتل قصاصًا (¬3). (وما أدري هل قال: والصلاة عليه أم لا؟ ) هذا شك من الراوي، والمذهب أن يصلى عليه كما تقدم (وهذا حديث عبدة) بن عبد اللَّه (وهو أتم) من حديث داود بن صبيح، واللَّه أعلم. [4436] (ثنا هشام بن عمار) الدمشقي المقرئ (. . .) (¬4) دمشق شيخ البخاري. (قال: ثنا صدقة بن خالد) القرشي الأموي مولى أم البنين أخت ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) "فتاوى ابن الصلاح" ص 107. (¬3) انظر: "نهاية المطلب" 3/ 38، "الشرح الكبير" 2/ 426، "الروضة" 2/ 119. (¬4) بياض في (ل)، (م) بمقدار كلمة، ولعلها: خطيب. كما في كتب التراجم والرجال.

معاوية بن أبي سفيان، قاله البخاري وأبو حاتم (¬1). وقيل: مولى أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز. قاله هشام بن عمار (¬2)، روى له البخاري. (وثنا نصر بن عاصم الأنطاكي، قال: ثنا الوليد) [أبو بشر] (¬3) ابن مسلم (جميعًا قالا: ثنا محمد) ولم يذكر نصر بن عاصم (قال هشام) ابن عمار (محمد بن عبد اللَّه) بن المهاجر (الشعيثي) بضم الشين المعجمة وفتح العين المهملة وبعد ياء التصغير ثاء مثلثة (¬4)، شعيث من بني تميم (عن مسلمة بن عبد اللَّه الجهني، عن خالد بن اللجلاج، عن أبيه) اللجلاج العامري (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ببعض هذا الحديث المتقدم). [4438] (ثنا قتيبة بن سعيد، قال: وثنا ابن السرح، قال: أنا عبد اللَّه ابن وهب، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر أنَّ رجلًا زنى بامرأة فأمر به إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) فاعترف أو أقيمت عليه البينة (فجلد الحد) وهو مئة جلدة إذا لم يعلم بإحصانه (ثم أخبر أنه محصن) ببينة شرعية (فرجم) إن كان يجب الجمع بين الجلد والرجم فقد أتي ببعض الواجب، فيجب إتمامه. [4439] (ثنا محمد بن عبد الرحيم) بن أبي الزهير العدوي (أبو يحيى) البغدادي (البزاز) بزايين معجمتين الحافظ (¬5)، عرف ¬

_ (¬1) "التاريخ الكبير" 4/ 295، "الجرح والتعديل" 4/ 430. (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 13/ 129. (¬3) كذا في الأصول، وهو خطأ، والصواب: أبو العباس. انظر: "تهذيب الكمال" 31/ 86. (¬4) بعدها كلمة غير واضحة في المخطوط. (¬5) ساقطة من (م).

بصاعقة (¬1)؛ لأنه كان جيد الحفظ، شيخ البخاري (المعنى) بالسند المتقدم (عن جابر -رضي اللَّه عنه- أن رجلًا زنى بامرأة فلم يعلم بإحصانه فرجم) (¬2) بالحجارة، لأنه تبين أنه محصن، كما لو زنى وهو بكر فلم يحد حتى زنى وهو محصن، فإنه يجلد ثم يرجم بالحجارة. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 5 (5417)، "سير أعلام النبلاء" 12/ 295. (¬2) في "السنن": فجلد ثم علم بإحصانه.

25 - باب المرأة التي أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- برجمها من جهينة

25 - باب المَرْأَةِ التي أَمَرَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بِرَجْمِها مِنْ جُهَيْنَةَ 4440 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْن إِبْراهِيمَ أَنَّ هِشامًا الدَّسْتَوائي وَأَبانَ بْنَ يَزِيدَ حَدَّثاهُمُ - المَعْنَى- عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبي قِلابَةَ، عَنْ أَبي المُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ امْرَأَةً -قالَ: في حَدِيثِ أَبانَ مِنْ جُهَيْنَةَ- أَتَتِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالَتْ: إِنَّها زَنَتْ وَهي حُبْلَى. فَدَعا النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وَليّا لَها فَقالَ لَهُ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَحْسِنْ إِلَيْها فَإِذا وَضَعَتْ فَجِئْ بِها". فَلَمّا أَنْ وَضَعَتْ جاءَ بِها فَأَمَرَ بِها النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فشُكَّتْ عَلَيْها ثِيابُها ثُمَّ أَمَرَ بِها فَرُجِمَتْ، ثُمَّ أَمَرَهمْ فَصَلَّوْا عَلَيْها فَقالَ عُمَر: يا رَسولَ اللَّهِ تُصَلّي عَلَيْها وَقَدْ زَنَتْ قالَ: "والَّذي نفْسي بِيَدِهِ لَقَدْ تابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِّمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، وَهَلْ وَجَدْتَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جادَتْ بِنَفْسِها؟ ". لَمْ يَقُلْ: عَنْ أَبانَ فَشُكَّتْ عَلَيْها ثِيابُها (¬1). 4441 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن الوَزِيرِ الدِّمَشْقيّ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ، عَنِ الأَوْزاعي قالَ: فَشُكَّتْ عَلَيْها ثِيابُها. يَعْني فَشُدَّتْ (¬2). 4442 - حَدَّثَنا إِبْراهِيم بْنُ مُوسَى الرّازي، أَخْبَرَنا عِيسَى بْنُ يُونسَ، عَنْ بَشِيرِ ابْنِ المُهاجِرِ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ امْرَأَةً -يَعْني: مِنْ غامِدَ- أَتَتِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَتْ: إِنّي قَدْ فَجَرْتُ. فَقالَ: "ارْجِعَي". فَرَجَعَتْ فَلَمّا كانَ الغَدُ أَتَتْهُ فَقالَتْ: لَعَلَّكَ أَنْ تَرُدَّني كَما رَدَدْتَ ماعِزَ بْنَ مالِكٍ فَواللَّهِ إِنّي لحُبْلَى. فَقالَ لَها: "ارْجِعَي". فَرَجَعَتْ فَلَمّا كانَ الغَدُ أَتَتْهُ فَقالَ لَها: "ارْجِعي حَتَّى تَلِدِي". فَرَجَعَتْ فَلَمّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبي فَقالَتْ: هذا قَدْ وَلَدْتُهُ. فَقالَ لَها: "ارْجِعي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ". فَجاءَتْ بِهِ وَقَدْ فَطَمَتْهُ وَفي يَدِهِ شَيء يَأْكُلُهُ فَأَمَرَ بِالصَّبي فَدُفِعَ إِلَى رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ وَأَمَرَ بِها فَحُفِرَ لَها وَأَمَرَ بِها فَرُجِمَتْ وَكانَ خالِدٌ فِيمَنْ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1696). (¬2) صححه الألباني في "صحيح أبي داود".

يَرجُمُها فَرَجَمَها بِحَجَرٍ فَوَقَعَتْ قَطْرَةٌ مِنْ دَمِها عَلَى وَجْنَتِهِ فَسَبَّها فَقالَ لَهُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَهْلًا يا خالِدُ، فَوالَّذي نَفْسي بِيَدِهِ لَقَدْ تابَتْ تَوْبَةً لَوْ تابَها صاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ". وَأَمَرَ بِها فَصُلِّيَ عَلَيْها فَدُفِنَتْ (¬1). 4443 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا وَكِيعُ بْنُ الجَرّاحِ، عَنْ زَكَرِيّا أَبي عِمْرانَ قالَ: سَمِعْتُ شَيْخًا يُحَدِّثُ عَنِ ابن أَبي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رَجَمَ امْرَأَةً فَحُفِرَ لَها إِلَى الثَّنْدُوَةِ. قالَ أَبو داوُدَ: أَفْهَمَني رَجُلٍ عَنْ عُثْمانَ. قالَ أَبُو داوُدَ: قالَ الغَسّاني جُهَيْنَةُ وَغامِدٌ وَبارِقٌ واحِدٌ (¬2). 4444 - قالَ أَبُو داوُدَ: حُدِّثْتُ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الوارِثِ، قالَ: حَدَّثَنا زَكَرِيّا بْنُ سُلَيْمٍ، بإسْنادِهِ نَحْوَهُ، زادَ: ثُمَّ رَماها بِحَصاةٍ مِثْلَ الحُمّصَةِ ثُمَّ قالَ: "ارْمُوا واتَّقُوا الوَجْهَ". فَلَمّا طَفِئَتْ أَخْرَجَها فَصَلَّى عَلَيْها وقالَ في التَّوْبَةِ نَحْوَ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ (¬3). 4445 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن مَسْلَمَةَ القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خالِدٍ الجُهَنيِّ أَنَّهُما أَخْبَراهُ أَنَّ رَجُلَيْنِ أخْتَصَما إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ أَحَدُهُما: يا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ بَيْنَنا بِكتابِ اللَّهِ. وقالَ الآخَرُ وَكانَ أَفْقَهَهُما: أَجَلْ يا رَسولَ اللَّهِ فاقْضِ بَيْنَنا بِكِتابِ اللَّهِ وائْذَنْ لي أَنْ أَتَكَلَّمَ. قالَ: "تَكَلَّمْ". قالَ إِنَّ ابني كانَ عَسِيفًا عَلَى هذا -والعَسِيفُ الأَجَيرُ- فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ فَأَخْبَرُوني أَنَّما عَلَى ابني الرَّجْمَ فافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شاةٍ وَبِجارِيَةٍ لي ثُمَّ إِنّي سَأَلْتُ أَهْلَ العِلْمِ فَأَخْبروني أَنَّما عَلَى ابني جَلْدُ مِائَةٍ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1695). (¬2) رواه أحمد 5/ 36، 42، 43، والبزار (3665)، والنسائي في "الكبرى" (7196). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". (¬3) انظر حديث رقم (4443).

وَتَغْرِيبُ عامٍ، وإنَّما الرَّجْمُ عَلَى امْرَأَتِهِ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَما والَّذي نَفْسي بِيَدِهِ لأَقْضِيَنَّ بَيْنكُما بِكِتابِ اللَّهِ، أَمّا غَنَمُكَ وَجارِيَتُكَ فَرَدٌّ إِلَيْكَ". وَجَلَدَ ابنهُ مِائَةً وَغَرَّبَهُ عامًا وَأَمَرَ أُنَيْسًا الأَسْلَميَّ أَنْ يَأْتي امْرَأَةَ الآخَرِ فَإِنِ اعْتَرَفَتْ رَجَمَها فاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَها (¬1). * * * باب في المرأة التي أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- برجمها من جهينة [4440] (ثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي الفراهيدي شيخ البخاري (أن هشامًا) هو ابن أبي عبد اللَّه (الدستوائي) كان يبيع الثياب الدستوائية، ودستوا من الأهواز (¬2) (وأبان بن يزيد حدثاهم المعنى) حدثاهم (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي قلابة عن أبي المهلب) عمرو بن معاوية (¬3) الجرمي. (عن عمران بن حصين: أن امرأة، قال في حديث أبان) بن يزيد (من جهينة) سيأتي أنها من غامد، والجمع بينهما سيأتي قريبًا. (أنها أتت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: إنها زنت، وهي حبلى) من الزنا، اعتراف منها من غير تكرار تطلب منها دليل على عدم اشتراطه كما تقدم (فدعا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) ولم يستفصلها كما استفصل ماعزًا؛ لأنها لم يظهر عليها ما يوجب ارتيابا في قولها، ولا شكًّا في حالها بخلاف ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2314)، ومسلم (1697). (¬2) انظر: "معجم ما استعجم" 2/ 551 - 552. (¬3) في (ل)، (م): ملوح. ولعل المصنف يعني: مطرح هو مطرح بن يزيد أبو المهلب، وهذا لم يرو له إلا ابن ماجه من أصحاب الكتب الستة.

حال ماعز، فإنه ظهر ما يشبه الجنون، فلذلك استفصله النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ليستثبت أمره، كما تقدم، قاله القرطبي (¬1). (وليًّا لها، فقال له: أحسن إليها) هذا الإحسان له سببان: أحدهما: الخوف عليها من أقاربها أن تحملهم الغيرة ولحوق العار بهم أن يؤذوها، فأوصى بالإحسان إليها تحذيرًا لهم من ذلك، والثاني: أمر به رحمة لها؛ إذ قد تابت، وحرض بالإحسان إليها لما في نفوس الناس من النفرة من مثلها وإسماعها الكلام المؤذي ونحو ذلك. (فإذا وضعت فجئ بها) هو كالتعريض في أنها تسلمها منه فيردها إليه كما تسلمها، فهي كالأمانة تحت يده. (فلما أن (¬2) وضعت) حملها (جاء بها) إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (فأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بها فشكت) بضم الشين وتشديد الكاف (عليها ثيابها) أي: جمع بعضها إلى بعض بشوك أو خيوط، ومنه الشك، وهي: الإبرة العظيمة، وشككت الصيد بالرمح أي: خرقته وانتظمته به، قال النووي: وفي بعضها: فشدت، فهي بالدال بدل الكاف، وهي بمعنى الأول، وفي هذا استحباب جمع ثيابها عليها وشدها بحيث لا تنكشف في تقلبها وتكرر اضطرابها (¬3). (ثم أمر بها فرجمت) فيه دلالة لمذهب الشافعي ومالك وموافقهما أنه لا يلزم الإمام حضور الرجم، وكذا لو ثبت بشهود لم يلزمهم الحضور (ثم ¬

_ (¬1) "المفهم" 5/ 93. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) "مسلم بشرح النووي" 11/ 205.

أمرهم فصلوا عليها) فيه حجة لمالك على أن الإمام لا يصلي على المقتول حدًّا، وحجة الشافعي، رواية مسلم: ثم أمر بها فصلى (¬1). قال القاضي عياض: بفتح الصاد واللام عند جماهير رواة مسلم (¬2). (فقال عمر: يا رسول اللَّه تصلي عليها) أصله: أتصلي عليها. بهمزة الاستفهام، كما في رواية مسلم ثم حذفت (وقد زنت؟ فقال: والذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم) فيه أن الزنا توبته تأخذ الجرمية، ولهذا مدح توبتها وتضاعف أجرها، وهذا هو الصحيح عند الإمام (¬3) والبغوي (¬4) والرافعي (¬5) وغيرهم، وهو الجديد من مذهب الشافعي (¬6) أنه لو تابت بعد الزنا لم يسقط عنها (¬7) الحد بالتوبة، وبه قال أبو حنيفة (¬8)؛ لئلا يتخذ ذلك ذريعة إلى إسقاط الحدود وإبطال الزواجر، ويدل عليه الحديث: "من أبدى لنا صفحته أقمنا عليه حد اللَّه تعالى" (¬9) وأما ما ورد في بعض رواية ماعز: "هلا رددتموه؛ لعله يتوب" فهو محمول على الرجوع عن الإقرار بالزنا، بخلاف ما ثبت بالشهادة ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1697 - 1698). (¬2) "إكمال المعلم" 5/ 523. (¬3) "نهاية المطلب" 17/ 187. (¬4) "التهذيب" 7/ 336. (¬5) "الشرح الكبير" 11/ 259. (¬6) "الأم" 8/ 136. (¬7) في (ل، م): عنه. والمثبت الصواب. (¬8) انظر: "المبسوط" 10/ 110. (¬9) رواه الحاكم في "المستدرك" 4/ 244، 383.

عليه (وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها) للَّه تعالى؟ ! فيه: أن من صدر منه الزنا فاعترف به، وأحد منه الحد أفضل من غيره (لم يقل) في روايته (عن أبان) بن يزيد (فشكت عليها ثيابها) وذكر باقي الحديث. [4441] (ثنا محمد بن الوزير) بن الحكم (الدمشقي) وثقه أبو حاتم والدارقطني (¬1) (قال: ثنا الوليد، عن الأوزاعي قال: فشكت عليها ثيابها، يعني: فشدت) عليها ثيابها كما تقدم. [4442] (ثنا إبراهيم بن موسى الرازي، أخبرنا عيسى، عن بشير بن المهاجر) الغنوي (عن عبد اللَّه بن بريدة، عن أبيه) بريدة بن الحصيب (أن امرأة يعني: من غامد) بالغين المعجمة، وهو: عمرو بن كعب بن الحارث. قال الطبري: سمي غامدًا؛ لأنه كان بين قوم شيء فأصلح بينهم، ويعتمد كل ما كان من ذلك، وتقدم قريبًا أن المرأة من جهينة، ولا تباعد بين ذلك، فإن غامدًا قبيلة من جهينة، قاله عياض (¬2). وجهينة من الأزد، وبهذا تتفق الروايات. (أتت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالت: إني فجرت) أي: زنيت، وأصل الفجور: الميل، كما تقدم (فقال: ارجعي، فرجعت) إلى منزلها (فلما كان الغد) بكسر الدال وضمها، كما تقدم (أتته، فقالت: لعلك تردني، كما رددت ماعز بن مالك) الأسلمي (فواللَّه إني لحبلى) من الزنا (فقال لها: ارجعي، فرجعت، فلما كان الغد أتته، فقال لها) أيضًا (ارجعي حتى تلدي، فرجعت، فلما ولدت أتته بالصبي). ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 8/ 115، "سؤالات البرقاني للدارقطني" (45). (¬2) "إكمال المعلم" 5/ 521.

وفي قوله: (حتى تلدي) دليل على أن الجنين وإن كان من زنا له حرمة، وأن الحامل لا تحد حتى تضع حملها، وهذا مما لا خلاف فيه، إلا شيء روي عن أبي حنيفة على خلاف عنه فيه (¬1). وإذا قلنا: فهل تحبس؟ ظاهر الحديث أنها لا تحبس؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يحبسها. وفصَّل الإمام في ذلك فقال: إن ثبت زناها بالإقرار احتمل أن تحبس كما يحبس المريض إلى البرء (¬2)؛ لأنها إن كانت لا تستسلم فصعب عليها الرجوع كما في الحديث، ويحتمل أن يقال: تحبس، فإن رجعت عن الإقرار خلينا سبيلها، وجزم البغوي (¬3) بالأول، وقياس هذا إن ثبت الزنا بالبينة حبست (فقالت: قد ولدته، فقال: ارجعي، فأرضعيه) بفتح الهمزة وكسر الضاد (حتى تفطميه) بفتح التاء وكسر الطاء، فيه أن الأم إذا وضعت لا يقتص منها بعد وضعها حتى تسقي ولدها اللبأ، ويستغني عنها بلبن غيرها، وفيه أن الحمل يعرف ويحكم به، وهذا هو الصحيح في مذهبنا (¬4). وقد اختلف العلماء فيما إذا سقته اللبأ، واستغنى عنها بلبن غيرها، فقال أبو حنيفة (¬5) ومالك (¬6): لا ينتظر بها إلى أن تكفل ولدها. قال ¬

_ (¬1) المشهور في مذهب الأحناف هو أن الحامل لا تحد حتى تضع حملها. انظر: "النتف في الفتاوى" 1/ 293، "تحفة الفقهاء" 3/ 143، "الهداية" 2/ 387. (¬2) "نهاية المطلب" 16/ 157، 17/ 193. (¬3) "التهذيب" 7/ 331 - 332. (¬4) انظر: "الروضة" 4/ 160. (¬5) انظر: "النتف في الفتاوى" 2/ 634. (¬6) "المدونة" 4/ 514.

القرطبي: وهذا قول من لم (¬1) تبلغه هذِه الرواية، يعني: الصحيحة في مسلم وغيره التي فيها تأخير الغامدية إلى أن فطمت ولدها، وقد روي عن مالك أنها لا ترجم حتى تجد من يكفل ولدها بعد الرضاع، قال: وهو مشهور قول مالك (¬2). قال النووي: والمشهور من مذهب الشافعي وأحمد ومذهب مالك أنها لا ترجم حتى تجد من يرضعه، فإن لم تجد أرضعته حتى تفطمه ثم رجمت (¬3). وهذا الحديث محمول على أنه وجد من يرضعه ويكفله كما سيأتي. (فجاءت به وقد فطمته) قال أهل اللغة: الفطام: قطع الإرضاع؛ لاستغناء الولد عنه (وفي يده شيء يأكله) وفي رواية لمسلم: فلما فطمته أتت بالصبي في يده كسرة خبز (¬4) (فأمر بالصبي، فدفع إلى رجل من المسلمين) يكفله فكفله هذا الرجل. مصلحة ورفقًا بها ومساعدتها على تعجيل طهارتها بالحد، لما رأى من حرصها التام على تعجيل ذلك (فأمر بها فحفر لها). وقد اختلف أصحاب الشافعي في الحفر للمرأة، فقالت طائفة: يحفر لها مطلقًا لهذا الحديث؛ لأن الغامدية كانت معترفة، وعلى ذلك جرى الشيخ أبو إسحاق (¬5) والبغوي (¬6)، وقال آخرون: الأمر فيه إلى خيرة ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) "المفهم" 5/ 97. (¬3) "مسلم بشرح النووي" 11/ 202. (¬4) "صحيح مسلم" (1695). (¬5) "المهذب" 2/ 271. (¬6) "التهذيب" 7/ 326.

الإمام، إن شاء حفر، وإن شاء لم يحفر، سواء قتلت بالبينة أو بالإقرار، قاله القاضي أبو الطيب؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حفر للغامدية، ولم يحفر للجهنية، وكان الزنا ثبت عليهما بإقرارهما، ولم يذكر أبو الطيب دليلًا على التخيير في التي ثبت زناها بالبينة، وكأن دليله القياس على من ثبت زناها بالإقرار، والذي صححه النووي (¬1) تبعًا للرافعي (¬2): إن ثبت زناها بالبينة استحب أن يحفر لها، وإن ثبت بالإقرار فلا يمكنها الهرب، وإن رجعت في قولها (¬3) الأشبه -وهو المنسوب للشيخ أبي حامد- هذا التفصيل. قال البلقيني: ولا يحمل بمجرد ما يقول الرافعي الأشبه أن يخالف السنة الصحيحة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بمجرد توجيه لا بيان له، قال الرافعي: وجه استحباب الحفر إذا ثبت بالبينة بقوله: (لئلا تنكشف). وهذا المعنى يعم صورة الإقرار أيضًا. ثم قال: والأصح عندنا استحباب الحفر للمرأة، سواء ثبت ذلك بإقرارها أو بالبينة. قال: وأما قضية الجهنية، فإنه لم يجئ فيها أنه لم يحفر لها، وإنما جاء أنها رجمت، ولا يلزم من ذلك أنه لم يحفر لها. (وأمر بها فرجمت فكان خالد) بن الوليد (فيمن رجمها) يدل على تعدد الراجمين. قال أصحابنا: يستحب أن يستوفى الحد بحضرة ¬

_ (¬1) "الروضة" 10/ 99. (¬2) "الشرح الكبير" 11/ 157. (¬3) في (ل)، (م): قوله. والجادة ما أثبتناه.

جماعة أقلهم أربعة؛ لأنه أعظم في التنكيل (فرجمها بحجر) تقدم أن الماوردي قال: الاختيار أن يكون الحجر ملء الكف (¬1). (فوقعت قطرة من دمها) يدل على شدة بأس خالد -رضي اللَّه عنه-، وقوة رميته، كما كانت شدته في قتال الكفار (على وجنته) يدل على أنه لم يكن بعيدًا منها. قال أصحابنا: يستحب أن يكون موقف الرامي (¬2) بحيث لا يبعد عن المرجوم فتخطئه رميته، ولا يدنو منه فتؤلمه (¬3). ورواية مسلم: فتنضح الدم على وجه خالد (¬4). أي: تطاير متفرقًا، لكن لم يصب خالدًا منها غير قطرة. (فسبها) أي: شتمها (فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: مهلًا يا خالد) أي: كف عن سبها، ففيه دليل على أن من أقيم عليه الحد لا يسب ولا يؤذى بتقريع كلام ونحوه، فيجمع بين التعذيب الجسماني والروحاني، بل يقال: إن التعذيب بالسب والتقريع عند كثير من الناس أعظم من عقوبة الجسم. (فوالذي نفسي بيده) فيه الحلف بهذِه اليمين (لقد تابت توبة لو تابها صاحب مَكْسٍ) وهو الذي يؤخذ من الناس مما لا يلزمهم شرعًا من الوظائف المالية بالقهر والجبر، ولا شك في أنه من أعظم الذنوب وأكبرها وأفحشها، فإنه غصب وظلم وعسف على الناس وإشاعة للمنكر، وعمل به ودوام عليه (لغفر له) الظاهر أن هذا من باب ¬

_ (¬1) "الحاوي" 13/ 203. (¬2) في (ل)، (م): الإمام، ولعل المثبت الصواب. (¬3) انظر: "الحاوي" 13/ 203. (¬4) "صحيح مسلم" (1695/ 23).

المبالغة في قبول توبتها وعظم ثوابها، وإلا فالمكس من أقبح المعاصي والذنوب الموبقات وانتهاكه لحرمة اللَّه تعالى، وأخذ أموال الناس بغير حقها ودفعها لمن لا يستحقها، بل ليستعين بها على المعاصي، ويتجرأ على مظالم الناس، ومثل هذا لا يصح منه التوبة إلا برد المظالم إلى أربابها، وهو بعيد الخلاص منه؛ لكثرة الحقوق، وانتشارها في الناس، وعدم معرفة المظلومين، لكن الكرم واسع والقبول لا مانع منه ولا دافع. (وأمر بها فصلي عليها) قال القاضي عياض: هي بفتح الصاد واللام عند جماهير رواة "صحيح مسلم". قال: وعند الطبري بضم الصاد، وكذا هو في رواية ابن أبي شيبة وأبي داود. قال: ولم يذكر مسلم صلاته -صلى اللَّه عليه وسلم- على ماعز، وذكرها البخاري (¬1). (ودفنت) فيه أن المقتول في الحد أو القصاص يدفن في مقابر المسلمين بلا طمس، إلا إذا كان في بلاد الكفار فإنه يطمس لئلا يؤذى. [4443] (ثنا عثمان بن أبي شيبة قال: ثنا وكيع بن الجراح، عن زكريا أبي عمران) بن سليم، بصري صدوق. (قال: سمعت شيخًا يحدث عن) عبد الرحمن (ابن أبي بكرة، عن أبيه) أبي بكرة نفيع بن الحارث. (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رجم امرأة فحفر لها إلى الثندوة) بثاء مثلثة، وإسكان النون، وضم الدال، هو: الثدي. ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" 5/ 523.

قال ابن السكيت: هو اللحم الذي حول الثدي (¬1). قال الجوهري: الثندؤة للرجل بمنزلة الثدي للمرأة، فإذا ضممت أوله همزت بعد الدال فيكون فعللة، وإذا فتحته لم تهمز فيكون فعولة، مثل: ترقوة (¬2). (قال أبو داود: أفهمني رجلٌ ابن) بالنصب، أي: أفهمني ذكر ابن أبي بكرة، و (رجل) بالرفع: فاعل (أفهمني) (عن عثمان) بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم (¬3). [4444] (قال أبو داود: حدثت عن عبد الصمد بن عبد الوارث) التنوري، حافظ حجة (قال: ثنا زكريا بن سليم) البصري (بإسناده) المتقدم (نحوه) و (زاد) في روايته (ثم رماها بحصاة مثل الحمصة) بكسر الحاء (¬4)، وكسر البصريون ميمه، وفتحها الكوفيون. قال المبرد: بالكسر، وثعلب: بالفتح، ومعلوم أن المبرد إمام البصريين في زمنه، وثعلب إمام الكوفيين. قوله: (مثل الحمصة) مخالف لما قاله الإمام في "النهاية" وتبعه الرافعي والنووي، ومن بعدهما: أن الرمي يكون بحجارة معتدلة، فإن مقتضاه أنه لا يجوز الرمي بصخرة كبيرة فتقتله لما فيه من فوات التنكيل، ولا يجوز أن يطول عليه بحصيات خفيفة؛ لأن فيه زيادة تعذيب. قال شيخنا البلقيني: هذا الذي ذكر الإمام ممنوع، بل يرمي ¬

_ (¬1) "إصلاح المنطق" (ص 113). (¬2) "الصحاح" 1/ 38. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) في (ل): الحمصة.

بالخفيف والثقيل على حسب ما وجد. وتقدم في رواية رواها مسلم: فرميناه بجلاميد الحرة (¬1). وهي: الحجارة الكبار بحسب ما وجدوا، وجاء في رواية عبد الرزاق عن ابن جريج: أن ماعزًا لم يقتل حتى رماه عمر بن الخطاب بلحي بعير فأصاب رأسه فقتله (¬2). وفي رواية للبيهقي: أنَّ عبد اللَّه بن أنيس رماه بوظيف حمار (¬3). وكل هذا بحسب ما يجده الرامي كما تقدم، وعلى هذا فيحمل كلام الأصحاب: لا يجوز الرمي بصخرة كبيرة على أنه لا يبتدأ بالصخرة الكبيرة ولا يستمر على الحصيات الصغار وحدها. (ثم قال: ارموا واتقوا الوجه) أي: ارموا إلى جميع البدن فإنه محل الرجم، واتقوا الوجه يعني: ما استطعتم، (فلما طفئت) بهمزة بعد الفاء، أي: خرجت روحها (أخرجها) من الحفرة (وصلى عليها) هو وأصحابه، وفيه الصلاة على المحدود (وقال في) ذكر (التوبة) "لقد تابت توبة لو تابها" إلى آخره (نحو حديث بريدة) المتقدم. [4445] (ثنا عبد اللَّه بن مسلمة القعنبي، عن مالك، عن) محمد (ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود) الهذلي أحد الفقهاء السبعة (عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني) من جهينة بن زيد، الصحابي (¬4). (أنهما أخبراه أن رجلين اختصما إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال أحدهما: يا ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1694). (¬2) "مصنف عبد الرزاق" 7/ 321 (13339). (¬3) "السنن الكبرى" 8/ 382. (¬4) في (ل، م): الصحابة، ولعل الصواب المثبت.

رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- اقض بيننا بكتاب اللَّه) يراد به حكم اللَّه إن كانت هذِه القضية وقعت بعد نسخ تلاوة الرجم، كما تقدم، وإن كانت قبل ذلك فكتاب اللَّه محمول على حقيقته، وفيه أنه يجوز للخصم أن يقول للإمام العادل: احكم بيننا بالحق؛ لأنه علم أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يقضي إلا بما أمره اللَّه في كتابه، ولم ينكر ذلك عليه. (وقال الآخر وكان أفقههما) إنما كان أفقههما؛ لأنه ترفق ولم يستعجل وتلطف بالاستئذان في القول، بخلاف الأول قال: (أجل) بفتح الجيم وسكون اللام، جواب مثل نعم، إلا أنه أحسن من نعم في التصديق، ونعم أحسن منه في الاستفهام (يا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فاقض بيننا بكتاب اللَّه، وأذن لي أن أتكلم) فيه حسن الأدب بطلب الإذن قبل الكلام. (قال: تكلم. قال: إنَّ ابني كلان عسيفًا) أي: أجيرًا (على هذا) الرجل، أي: أجيرًا عنده (والعسيف: الأجير) جمعه عسفاء كأجير وأجراء، وفقيه وفقهاء (فزنى بامرأته) لم يكن هذا من الأب قذفًا لابنه ولا للمرأة لاعترافهما بالزنا على أنفسهما، زاد مسلم: (فأخبروني أن) ما (على ابني الرجم فافتديت منه بمئة شاة) عن الرجم الذي أخبروني أنه عليه (وجارية) زاد البخاري: بمئة شاة ووليدة (¬1). (لي، ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني) فيه أن العالم قد يفتي في مصر وفيه من هو أعلم منه، ألا ترى أنه سأل أهل العلم ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بين أظهرهم، وكذلك كان الصحابة يفتون في زمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفي سؤاله ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (2724 - 2725)، وكذا عند مسلم (1697 - 1698).

أهل العلم ورجوعه إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دليل على أنه يجوز للرجل ألا يقتصر على قول واحد من العلماء. (أنما على ابني جلد مئة وتغريب عام) لأنه لم يحصن (وأنما الرجم على امرأته) لأنها محصنة، فيه استماع الحكم من أحد الخصمين وصاحبه غائب، ألا ترى أن المرأة لم تحضر سؤاله، وفيه الفتوى دون خصمه، ألا ترى أنّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد أفتاهما والمرأة غائبة، وكانت إحدى الخصمين. (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: والذي نفسي بيده لأقضينَّ بينكما بكتاب اللَّه) قال النووي: يحتمل أن المراد: بحكم اللَّه، وقيل: هو إشارة إلى قوله تعالى: {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} وفسَّر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- السبيل بالرجم في حق المحصن كما تقدم، وقيل: هو إشارة إلى آية: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما، فقد سبق أنه مما نسخت تلاوته وبقي حكمه (¬1) (أما غنمك وخادمتك فردّ عليك) (¬2) أي: مردودة عليك، أي: يجب ردها إليك، وفي هذا أن الصلح الفاسد يرد، وأن أخذ المال فيه باطل يجب رده، وأن الحدود لا تقبل الفداء. (وجلد ابنه مئة) جلدة (وغربه عامًا) وهو محمول على أن الابن كان بكرًا، وعلى أنه اعترف، وإلا فإقرار الأب عليه لا يقبل، أو يكون هذا إفتاء جواب لاستفتائه، أي: إن كان ابنك زنى وهو بكر فعليه الجلد والتغريب (وأمر أنيسًا) مصغرًا لأنس، وهو: ابن الضحاك (الأسلمي) ¬

_ (¬1) "مسلم بشرح النووي" 11/ 206. (¬2) في (ل)، (م): إليك. وعليها: نسخة.

على الأصح. (أن يأتي امرأة الآخر) ويسألها (فإن اعترفت (¬1) رجمها) بالزنا فارجمها، أي: إن (¬2) شهدت على نفسها بالزنا، وهذا مبني على أنَّ أنيسًا كان حاكمًا أو كان (¬3) رسولًا لها ليستفصلها، ويدل على هذا قوله في آخر الحديث (فاعترفت، فأمر بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فرجمت) وهذا يدل على أن أنيسًا إنما سمع إقرارها، وأنَّ تنفيذ الحكم إنما كان من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. (فاعترفت فرجمها) بأمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. * * * ¬

_ (¬1) في (ل): اعترف. وعليها نسخة. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) ساقطة من (م).

26 - باب في رجم اليهوديين

26 - باب فِي رَجْمِ اليَهُودِيَّيْنِ 4446 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قالَ: قَرَأْتُ عَلَى مالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّهُ قالَ إِنَّ اليَهودَ جاءُوا إِلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَذَكُروا له أنَّ منْهُمْ وامْرَأَةً زَنَيا فَقالَ لَهُم رَسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما تَجِدُونَ في التَّوْراةِ في شَأْنٍ الزِّنا؟ ". فَقالُوا: نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ. فَقالَ عَبْدُ اللَّهِ بْن سَلامٍ كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيها الرَّجْمَ. فَأَتَوْا بِالتَّوْراةِ فَنَشَرُوها، فَجَعَلَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ، ثُمُّ جَعَلَ يَقْرَأُ ما قَبْلَها وَما بَعْدَها فَقالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْن سَلامٍ ارْفَعْ يَدَكَ. فَرَفَعَها فَإِذا فِيها آيَة الرَّجْمِ، فَقالُوا صَدَقَ يا مُحَمَّدُ فِيها آيَة الرَّجْمِ. فَأَمَرَ بِهِما رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَرُجِما. قالَ عَبْدُ اللَّهِ بْن عُمَرَ: فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَحْني عَلَى المَرأَةِ يَقِيها الحِجارَةَ (¬1). 4447 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ الواحِدِ بْن زِيادٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ مُرَّةَ، عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ قالَ: مَرُّوا عَلَى رَسولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِيَهُودي قَدْ حُمِّمَ وَجْهُهُ وَهُوَ يُطافُ بِهِ فَناشَدَهمْ ما حَدُّ الزّاني في كِتابِهِمْ؟ قالَ: فَأَحالُوهُ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَنَشَدَهُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما حَدُّ الزّاني في كِتابِكُمْ؟ ". فَقالَ: الرَّجْمُ ولكن ظَهَرَ الزِّنا في أَشْرافِنا فَكَرِهْنا أَنْ يُتْرَكَ الشَّرِيفُ وَيُقامَ عَلَى مَنْ دُونَهُ فَوَضَعْنا هذا عَنّا. فَأَمَرَ بِهِ رَسول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَرُجِمَ، ثُمَّ قالَ: "اللَّهُمَّ إِنّي أَوَّلُ مَنْ أَحْيا ما أَماتُوا مِنْ كِتابِكَ" (¬2). 4448 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن العَلاءِ، حَدَّثَنا أَبو مُعاوِيةَ، عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ مُرَّةَ، عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ قالَ: مرَّ عَلَى رَسولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَهُوديٍّ مُحَمَّمٍ مَجْلُودٍ، فَدَعاهُمْ فَقالَ: "هَكَذا تَجِدُونَ حَدَّ الزّانَي؟ ". فَقالُوا: نَعَمْ. فَدَعا رَجُلًا مِنْ عُلَمائِهِمْ قالَ لَهُ: "نَشَدْتُكَ باللَّهِ الذي أَنْزَلَ التَّوْراةَ عَلَى مُوسَى هَكَذا تَجِدُونَ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1329)، ومسلم (1699). (¬2) رواه مسلم (1700).

حَدَّ الزّاني في كِتابِكُمْ؟ ". فَقالَ اللَّهمَّ لا وَلَوْلا أنَّكَ نَشَدْتَني بهذا لَمْ أُخْبِرْكَ، نَجِدُ حَدَّ الزّاني في كِتابِنا الرَّجْمَ، وَلَكِنَّهُ كَثُرَ في أَشْرافِنا فَكُنّا إِذا أَخَذْنا الرَّجُلَ الشَّرِيفَ تَرَكْناهُ وَإذا أَخَذْنا الرَّجُلَ الضَّعِيفَ أَقَمْنا عَلَيْهِ الحَدَّ، فَقُلْنا: تَعالَوْا فَنَجْتَمِعَ عَلَى شَيء نُقِيمُهُ عَلَى الشَّرِيفِ والوَضِيعِ، فاجْتَمَعْنا عَلَى التَّحْمِيمِ والجَلْدِ وَتَرَكْنا الرَّجْمَ. فَقالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللَّهُمَّ إِنّي أَوَّلُ مَنْ أَحْيا أَمْرَكَ إِذْ أَماتُوهُ". فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ فَأَنْزَلَ اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} إِلَى قَوْلِهِ: {يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا} {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} في اليَهودِ إِلَى قَوْلِهِ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} في اليَهُودِ إِلَى قَوْلِهِ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} قالَ: هي في الكُفّارِ كُلُّها يَعْني هذِه الآيَةَ (¬1). 4449 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن سَعِيدٍ الهَمْداني، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، حَدَّثَني هِشامُ بْنُ سَعْدٍ؛ أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ حَدَّثَهُ، عَنِ ابن عُمَرَ قالَ: أَتَى نَفَرٌ مِنْ يَهُودَ فَدَعَوْا رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى القُفِّ فَأَتاهُمْ في بَيْتِ المِدْراسِ، فَقالوا يا أَبا القاسِمِ إِنَّ رَجُلًا مِنّا زَنَى بِامْرَأَةٍ فاحْكُمْ بَيْنَهُمْ فَوَضَعوِا لِرَسولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وِسادَةً فَجَلَسَ عَلَيْها ثمَّ قالَ: "ائْتُوني بِالتَّوْراةِ". فَأُتي بِها، نَزَعَ الوِسادَةَ مِنْ تَحْتِهِ فَوَضَعَ التَّوْراةَ عَلَيْها ثمَّ قالَ: "آمنْتُ بِكِ وَبِمَنْ أَنْزَلَكِ". ثُمَّ قالَ: "ائْتُوني بِأَعْلَمِكُمْ". فَأُتي بِفَتًى شابٍّ. ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ الرَّجْمِ نَحْوَ حَدِيثِ مالِكٍ عَنْ نافِعٍ (¬2). 4450 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْري قالَ: حَدَّثَنا رَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ، ح وَحَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَنا يُونُسُ، قالَ: قالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ: سَمِعْتْ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ مِمَّنْ يَتَّبعُ العِلْمَ وَيَعِيهِ -ثمَّ اتَّفَقا- وَنَحْنُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ فَحَدَّثَنا عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ -وهذا حَدِيثُ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1700). (¬2) حسنه الألباني في "الإرواء" 5/ 94.

مَعْمَرٍ، وَهوَ أَتَمُّ- قالَ: زَنَى رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ وامْرَأَةٌ فَقالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: اذْهَبُوا بِنا إِلَى هذا النَّبي فَإِنَّهُ نَبي بُعِثَ بِالتَّخْفِيفِ، فَإِنْ أَفْتانا بِفُتْيا دُونَ الرَّجْمِ قَبِلْناها واحْتَجَجْنا بِها عِنْدَ اللَّهِ قُلْنا فُتْيا نَبي مِنْ أَنْبِيائِكَ، قالَ: فَأَتَوُا النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وَهُوَ جالِسٌ في المَسْجِدِ في أَصْحابِهِ فَقالوا يا أَبا القاسِمِ ما تَرى في رَجُلٍ وامْرَأَةٍ زَنَيا؟ فَلَمْ يُكَلِّمْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى أَتَى بَيْتَ مِدْراسِهِمْ فَقامَ عَلَى البابِ فَقالَ: "أَنْشُدُكُمْ باللَّهِ الذي أَنْزَلَ التَّوْراةَ عَلَى مُوسَى ما تَجِدُونَ في التَّوْراةِ عَلَى مَنْ زَنَى إِذا أُحْصِنَ". قالوا يُجَمَّمُ وَيُجَبَّهُ وَيُجلَدُ - والتَّجْبِيَة أَنْ يُحْمَلَ الزّانِيانِ عَلَى حِمارٍ وَتُقابَلَ أَقْفِيَتُهُما وَيُطافَ بِهِما قالَ: وَسَكَتَ شابٌّ مِنْهُمْ فَلَمّا رَآهُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سَكَتَ أَلظَّ بِهِ النِّشْدَةَ فَقالَ اللَّهمَّ إِذْ نَشَدْتَنا فَإنّا نَجِدُ في التَّوْراةِ الرَّجْمَ. فَقالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فَما أَوَّلُ ما ارْتَخَصْتُمْ أَمْرَ اللَّهِ". قالَ: زَنَى ذُو قَرابَةٍ مَعَ مَلِكٍ مِنْ ملُوكِنا فَأَخَّرَ عَنْهُ الرَّجْمَ ثُمَّ زَنَى رَجُلٍ في أُسْرَةٍ مِنَ النّاسِ فَأَرادَ رَجْمَهُ فَحالَ قَوْمُهُ دُونَهُ وَقالُوا لا يُرْجَمُ صاحِبنا حَتَّى تَجَيءَ بِصاحِبِكَ فَتَرجُمَهُ فاصْطَلَحُوا عَلَى هذِه العقُوبَةِ بَيْنَهُمْ. فَقالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فَإنّي أَحْكُمُ بِما في التَّوْراةِ". فَأَمَرَ بِهِما فَرُجِما. قالَ الزُّهْري: فَبَلَغَنا أَنَّ هذِه الآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِمْ {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} كانَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْهُمْ (¬1). 4451 - حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ يَحْيَى أَبو الأَصْبَغِ الحَرّاني، قالَ: حَدَّثَني مُحَمَّدٌ -يَعْني ابن سَلَمَةَ- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنِ الزُّهْري قالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ يُحَدِّثُ سَعِيدَ بْنَ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: زَنَى رَجُلٌ وامْرَأَةٌ مِنَ اليَهُودِ وَقَدْ أُحْصِنا حِينَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- المَدِينَةَ وَقَدْ كانَ الرَّجْم مَكْتُوبًا عَلَيْهِمْ في التَّوْراةِ فَتَرَكُوهُ وَأَخَذوا بِالتَّجْبِيَةِ يُضْرَبُ مِائَةً بِحَبْلٍ مَطْلي بِقارٍ وَيُحْمَل عَلَى حِمارٍ وَجْهُهُ مِمّا يَلي دُبُرَ الحِمارِ فاجْتَمَعَ أَحْبارٌ مِنْ أَحْبارِهِمْ فَبَعَثُوا قَوْمًا آخَرِينَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق (13330)، وقد سبق برقم (488) مختصرا. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود".

فَقالوا: سَلُوهُ، عَنْ حَدِّ الزّاني. وَساقَ الحَدِيثَ قالَ: فِيهِ قالَ: وَلَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ دِينِهِ فَيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ فَخُيِّرَ في ذَلِكَ قالَ: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} (¬1). 4452 - حَدَّثَنا يَحْيَى بْن موسَى البَلْخي، حَدَّثَنا أَبُو أُسامَةَ قالَ: مُجالِدٌ أَخْبَرَنا، عَنْ عامِرٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: جاءَتِ اليَهُودُ بِرَجُلٍ وامْرَأَةٍ مِنْهمْ زَنَيا، فَقالَ: "ائْتُوني بِأَعْلَمِ رَجُلَيْنِ مِنْكُمْ" فَأَتَوْهُ بِابْنَى صُورِيا، فَنَشَدَهما: "كَيْفَ تَجِدانِ أَمْرَ هَذَيْنِ في التَّوْراةِ". قالا: نَجِدُ في التَّوْراةِ إِذا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَكَرَهُ في فَرْجِها مِثْلَ المِيلِ في المُكْحُلَةِ رُجِما. قالَ: "فَما يَمْنَعُكُما أَنْ تَرْجُمُوهُما؟ ". قالا: ذَهَبَ سُلْطانُنا فَكَرِهْنا القَتْلَ فَدَعا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِالشُّهُودِ، فَجاءُوا بِأَرْبَعةٍ فَشَهِدوا أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَكَرَهُ في فَرْجِها مِثْلَ المِيلِ في المُكْحُلَةِ فَأَمَرَ رَسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِرَجْمِهِما (¬2). 4453 - حَدَّثَنا وَهْبُ بْن بَقِيَّةَ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْراهِيمَ والشَّعْبي عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نَحْوَهُ لَمْ يَذْكُرْ فَدَعا بِالشُّهُودِ فَشَهِدُوا (¬3). 4454 - حَدَّثَنا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنِ ابن شُبْرُمَةَ، عَنِ الشَّعْبي بِنَحْوٍ مِنْهُ (¬4). 4455 - حَدَّثَنا إِبْراهِيم بْنُ حَسَنٍ المِصِّيصيُّ، حَدَّثَنا حَجّاجُ بْن مُحَمَّدٍ، قالَ: حَدَّثَنا ابن جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبا الزُّبَيْرِ سَمِعَ جابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: رَجَمَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رَجُلًا مِنَ اليَهُودِ وامْرَأَةً زَنَيا (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 8/ 247، وانظر الحديث رقم (4450). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود". (¬2) رواه ابن ماجه (2328)، وأبو يعلى (2136)، والدارقطني 4/ 169. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". (¬3) رواه ابن أبي شيبة (29423) عن الشعبي وحده مرسلا. وقال الألباني في "صحيح أبي داود": صحيح لغيره. (¬4) انظر الحديث رقم (4453). (¬5) رواه مسلم (1701).

باب رجم اليهوديَّين [4446] (ثنا عبد اللَّه بن مسلمة، قال: قرأت على مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر أنه قال: إن اليهود جاؤوا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فذكروا له أن رجلًا وامرأة منهم زنيا، فقال لهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ما تجدون في التوراة في شأن الزنا؟ ) قال العلماء: هذا السؤال لهم ليس لتقليدهم ولا لمعرفة الحكم منهم، وإنما هو لإلزامهم بما يعتقدونه في كتابهم، ولعله -صلى اللَّه عليه وسلم- قد أوحي إليه أن الرجم في التوراة الموجودة في أيديهم ولم يغيروه كما غيروا أشياء، أو أنه أخبره بذلك من أسلم منهم، ولهذا لم يخف عليه ذلك (¬1) حين أنكروه (فقالوا: نفضحهم) على رؤوس الناس كما سيأتي (ويجلدون) مبني للمفعول، أي: مئة جلدة. (فقال عبد اللَّه بن سلام) بتخفيف اللام ابن الحارث، من بني قينقاع الإسرائيلي، من ولد يوسف بن يعقوب عليهما السلام، وكان اسمه الحُصين، فسماه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: عبد اللَّه، وهو أحد الأحبار (كذبتم، إن فيها الرجم) لا ما زعمتم يا معشر اليهود (فأتوا) بفتح الهمزة والتاء، أي: جاؤوا بها (بالتوراة) وهذِه أعظم محاجة أن يؤمروا بإحضار كتابهم الذي فيه شريعتهم، فإنه ليس فيه ما ادعوه، بل هو مصدق لما أخبر به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من الرجم، ويروى أنهم لم يتجاسروا أولًا على الإتيان بالتوراة لظهور افتضاحهم بإتيانها، بل بهتوا، وذلك لعادتهم في ¬

_ (¬1) ساقطة من (م).

كثير من أحوالهم لما ألزموا بإتيانها أتوا بها على أن (¬1) يستروا ما يكذبهم منها، وفي استدعاء التوراة منهم وتلاوتها الحجة الواضحة على صدق رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في نبوته، إذ كان أميًّا لم يقرأ الكتب ولا يعرف أخبار الأمم السالفة، ثم شرع يحاجهم ويستشهد عليهم بما في كتابهم، ولا يجدون من إنكاره محيصًا. (فنشروها) أي: فتحوها وبسطوها (وقرؤوها، حتى إذا أتوا على آية الرجم فجعل أحدهم) يعني: الفتى الذي كان يقرأ، وهو عبد اللَّه بن صوريا (¬2). (يضع يده على آية الرجم، ثم جعل يقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد اللَّه بن سلام: ارفع يدك) فيه الاستعانة في كل أمر بمن هو خبير به، لقوله: "استعينوا على كل صنعة بصالح أهلها" (¬3) أو كما قال (فرفعها، فإذا فيها) أي: في التوراة في الموضع الذي كان تحت يده (الرجم، فقالوا: صدق) عبد اللَّه بن سلام. (يا محمد، فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فرجما) قد يحتج بهذا الحديث من يرى على الإمام إقامة الحد على الزناة من أهل الذمة، وهو قول أبي حنيفة (¬4)، وأحد قولي الشافعي (¬5)، وقال ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): أنهم. (¬2) وقد جاء مصرحًا باسمه في رواية البيهقي كما في "السنن الكبرى" 8/ 247. (¬3) قال أبو المحاسن الطرابلسي في "اللؤلؤ الموضوع" (42): لم يرد بهذا اللفظ. (¬4) انظر: "المبسوط" 9/ 57. (¬5) انظر: "الحاوي" 13/ 250.

مالك (¬1): لا يتعرض لهم الإمام ويردهم إلى أهل دينهم، إلا أن يظهر ذلك منهم بين المسلمين فيمنعوا من ذلك. قال القرطبي: ولا حجة لمن خالف مالكًا في هذا الحديث؛ لأنهم حكموا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فحكم بما خبره اللَّه تعالى فيه (¬2). (قال عبد اللَّه بن عمر) بن الخطاب (فرأيت الرجل يحنو) قال القرطبي: حكي بعض مشايخنا [أن صوابها: يجنأ] (¬3) بفتح الياء وسكون الجيم وهمزة، وحكاها عن أبي عبيد -أظنه: القاسم بن سلام (¬4) - قال: والذي رأيته في "الغريبين" للهروي: يُجنئ عليها. بياء مضمومة، وسكون الجيم، وكسر النون، وهمزة بعدها، قال: أي: يكب عليها يقال: أجنأ عليه يجنئ إذا أكب عليه يقيه شيئًا (¬5). ثم قال: وتحصل من حكاية أبي عبيد والجوهري أنه يقال: جنأ مهموزًا ثلاثيًّا ورباعيًّا (¬6). قال: وقد وقع هذا اللفظ في "الموطأ": فرأيت الرجل يُجنئ على المرأة يقيها الحجارة (¬7). رويناه: يحنى. بياء مفتوحة وبحاء مهملة من ¬

_ (¬1) "المدونة" 4/ 484، 508، وانظر: "الكافي" 2/ 1073. (¬2) "المفهم" 5/ 115. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) "المفهم" 5/ 116. (¬5) "الغريبين في القرآن والحديث" ص 371، "المفهم" 5/ 116. (¬6) "المفهم" 5/ 117. (¬7) "الموطأ" 2/ 819.

الحنو (¬1). قال: وهو الصواب (¬2). (على المرأة) ثم فسره أي: (يقيها الحجارة) وفيه دليل لوجوب حد الزنا على الكافر، وأنه يصح نكاحه؛ لأنه لا يجب الرجم إلا على محصن، فلو لم يصح نكاحه لم يثبت إحصانه ولم يرجم. وفيه أنَّ الكفار مخاطبون بفروع الشرائع. [4448] (ثنا محمد بن العلاء قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عبد اللَّه بن مرة) بضم الميم وتشديد الراء، روى له الجماعة. (عن البراء بن عازب رضي اللَّه عنهما قال: مُرَّ) (¬3) بضم الميم مبني للمفعول. (على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بيهودي محمم) بضم الميم وفتح الحاء المهملة، أي: مسود وجهه، والحميم: الفحم، واحدته حميمة، وفي رواية لمسلم: نسود وجوههما ونخالف بين وجوههما ويطاف بهما (¬4). (فدعاهم فقال: هكذا تجدون حد الزنا (¬5)؟ ! فقالوا: نعم. فدعا رجلًا من علمائهم، قال: نشدتك باللَّه) ولابن ماجه: "أنشدك باللَّه" (¬6) (الذي أنزل التوراة على موسى) لأنهم يعتقدون صحتها وتعظيمها، فيه تحليف ¬

_ (¬1) "المفهم" 5/ 116. (¬2) السابق. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) "صحيح مسلم" (1699). (¬5) ساقطة من (م). (¬6) "سنن ابن ماجه" (2558).

الكافر بما يعتقد تعظيمه. (أهكذا تجدون حد الزنا) (¬1) زاد أحمد: "في كتابكم" (¬2) ليس هذا استفهامًا حقيقيًّا ليصدقهم بما قالوا، بل ليقيم الحجة عليهم. (فقال: اللهم لا) واللَّه (ولولا أنك نشدتني بهذا) القسم (لم أخبرك) بأننا نجد في كتابنا (نجد حد الزاني في كتابنا الرجم، ولكنه كثر) الزنا (في أشرافنا) ورواية البزار والطبراني: وإنا كنا (¬3) قومًا شببة، وكان نساؤنا حسنة وجوهها، وإن ذلك كثر فينا، فلم نقم له (¬4). (فكنا إذا أخذنا الرجل الشريف تركلناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد) ولعل مثل هذا أن يقع في هذِه الأمة. (فقلنا: تعالوا) قرأ الحسن وأبو السمال بضم اللام، ووجهه أن أصله: تعاليوا. كما تقول: تجادلوا، نقلت الضمة من الياء التي أصلها الواو إلى اللام قبلها بعد حذف فتحتها فبقيت الياء ساكنة، وواو الضمير ساكنة، فحذفت الياء؛ لالتقاء الساكنين، وهذا تعليل شذوذ (فيجتمع) بنصب العين جواب الأمر، رواية ابن ماجه: تعالوا حتى نجتمع (¬5). رواية أحمد: تعالوا حتى نجعل شيئًا (¬6). ¬

_ (¬1) في (ل) بعدها: الزاني. وفوقها: نسخة، وفي (م): نسخة: الزاني. (¬2) "المسند" 4/ 286. (¬3) في (ل)، (م): ولكنا. وهو خطأ والمثبت من "المعجم الكبير". (¬4) "المعجم الكبير" 11/ 321 (11875) من حديث ابن عباس. (¬5) "سنن ابن ماجه" (2558) وفيه: تعالوا فلنجتمع. (¬6) "مسند أحمد" 4/ 286.

(على شيء نقيمه على الشريف) منا (والوضيع. فاجتمعنا على التحميم) وهو تسويد الوجه (والجلد، وتركنا الرجم) الذي فيه إزهاق النفس. (فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: اللهم إني أول من أحيا أمرك) فيه فضيلة من أحيا حكمًا من أحكام اللَّه تعالى كان قد أميت وترك، أو سنة من سنن الشريعة قد اندرست (إذ أماتوه) [فيه التحذير من التسبب في تغيير حكم من أحكام الشريعة أو إبطاله والملازمة على تركه أو إهماله] (¬1). (فأمر به فرجم) استدل به الشافعي على أنَّ الكافر إذا وطئ في نكاح صحيح عندهم كان محصنًا؛ لأنه لم يرجمه إلا وهو محصن (¬2)، وقال النخعي والحسن البصري: لا يكونان محصنين حتى يجامعها في الإسلام (¬3). وهو قول مالك (¬4) والكوفيين (¬5)، قالوا: الإسلام من شروط الإحصان. قالوا: وإنما رجم اليهودي الزاني بحكم التوراة [حين سأل الأحبار عن ذلك، وربما كان ذلك بسبب تنفيذ (¬6) الحكم عليهم بكتابهم التوراة] (¬7) وكان أول دخوله المدينة، ثم نسخ بعد ذلك حكمه، وبقي حكمه بالرجم. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) "الأم" 5/ 709. (¬3) انظر: "الأوسط" 8/ 465. (¬4) "المدونة" 2/ 205، 209، وانظر: "الذخيرة" 10/ 226. (¬5) انظر: "المبسوط" 9/ 39، وانظر أيضًا: "الأوسط" 8/ 464. (¬6) كلمة غير واضحة في (ل). (¬7) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

(فأنزل اللَّه: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ}) استدل به على أن الحديث سبب لنزول هذِه الآية، وهذا قول ابن عباس وجماعة، وفي الآية أقاويل كثيرة غير هذا، موضعها كتب التفسير ({لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ} أي: لا تهتم لمسارعة اليهود بإظهار ما يلوح منهم من آثار الكفر، ومسارعتهم في الكفر وقوعهم وتهافتهم فيه ({فِي}) إظهار ({الْكُفْرِ}) (إلى قوله تعالى: {إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا}) إشارة إلى التحميم والجلد في الزنا اللذين اجتمعوا على فعله، والفاعل المحذوف في {أُوتِيتُمْ} هو الرسول أي: إن أتاكم الرسول بهذا ({فَخُذُوهُ}) واعلموا أنه الحق واعملوا به ({وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ}) أي: وإن أتاكم محمد بخلافه ({فَاحْذَرُوا}) وإياكم من قبوله، فهو الباطل، وقيل: فاحذروا أن تسألوه بعد هذا، والظاهر الأول؛ لأنه مقابل لقوله: {فَخُذُوهُ} فالمعنئ: وإن لم تؤتوه وأتاكم بغيره فاحذروا قبوله. (إلى قوله جل ثناؤه: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ}) سياق الآية أنه خطاب لليهود، وفيهم أنزلت، وليس في الإسلام منها شيء، وذهب ابن مسعود (¬1) وغيره إلى أنها عامة في اليهود وغيرهم، ولكن كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق، فظلم المسلم ليس مثل ظلم الكافر، وكذا كفره وفسقه، واحتجت الخوارج بهذِه الآية على أن كل من عصى فهو كافر، وقالوا: هي نص في كل من حكم بغير ما أنزل اللَّه فهو كافر، وكل من أذنب فقد حكم بغير ما أنزل اللَّه فوجب أن ¬

_ (¬1) رواه عنه الطبري في "تفسيره" 6/ 257، والواحدي في "الوسيط" 2/ 192، وانظر: "زاد المسير" لابن الجوزي 1/ 552، و"تفسير القرطبي" 6/ 190.

يكون كافرًا، وأجيبوا بأنها نزلت في اليهود فتكون مختصة بهم كما في الحديث، وضُعِّف بأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. (إلى قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}) نزلت (في اليهود) أيضًا، وناسب ذكر الظلم هنا للباء في القصاص، وعدم التسوية في القصاص، وإشارة إلى ما كانوا قروره من عدم التساوي بين بني النضير وبني قريظة بخلاف الآيات التي قبلها التي ذكر بعدها {الْكَافِرُونَ}؛ لأنها جاءت عقب قوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ} (¬1) ففي ذلك إشارة إلى أنه لا يحكم بجميعها، بل يخالف رأينا (¬2)؛ ولهذا جاء: {وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا} فناسب ذكر الكافرين عقب ذلك (إلى قوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}) ناسب هنا ذكر الفسق؛ لأنه خروج من أمر اللَّه إذ تقدم قبله قوله (¬3): {وَلْيَحْكُمْ} وهو أمر كما قال: {اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} (¬4) أي: خرج من طاعة أمره (¬5) (قال: هي في الكفار كلها) ليست في المسلمين منها شيء، قال القفال: هي لموصوف واحد، كما تقول: من أطاع اللَّه فهو المسلم، ومن أطاع اللَّه فهو المؤمن، ومن أطاع اللَّه فهو المتقي (يعني: هذِه الآية) في مؤمن واحد. ¬

_ (¬1) المائدة: 44. (¬2) رسمت في (ل)، (م): رأسًا. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) الكهف: 50. (¬5) في (م): ربه.

[4449] (ثنا أحمد بن سعيد الهمداني) بإسكان الميم، أبو جعفر المصري، قال النسائي: ليس بالقوي (¬1). (قال: ثنا) عبد اللَّه (ابن وهب قال: حدثني هشام بن سعد) روى له مسلم، وهو مولى لآل أبي لهب بن عبد المطلب (أنَّ زيد (¬2) بن أسلم) الفقيه العمري (حدثه عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال: أتى نفر من اليهود فدعوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى القُفِّ) بضم القاف وتشديد الفاء: ما غلظ من الأرض في ارتفاع، وهو أيضًا: البناء حول فم البئر قاله الجوهري (¬3) وغيره، وقيل: واد من أودية المدينة عليه ماء. (فأتاهم في بيت المدراس) بكسر الميم موضع الدرس والقراءة، اضطربت الرواية في هذا الحديث، ففي رواية البراء المتقدمة: أنه مر على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فدعاهم (¬4). وفي هذا الحديث: أنهم أتوا إليه فدعوه. وقال هنا: (أتاهم في بيت المدراس) وفي الحديث الذي بعده: أتوه وهو جالس في المسجد (¬5). وهي متقاربة في المعنى، ولا بعد في ذلك؛ لأنَّ ذلك كله حكاية عن قضية وقعت، فعبَّر كل واحد منهم بما تيسر له، والكل صحيح، فيجمع بين الروايات بأنه كان في المسجد أولًا وجاؤوا إليه وهو فيه، ثم بعد ذلك مشى معهم إلى بيت المدراس بعد أن سألوه عن ذلك على ما رواه ابن عمر. ¬

_ (¬1) انظر: "المعجم المشتمل" (31)، "تهذيب الكمال" 1/ 314. (¬2) فوقها في (م): (ع). (¬3) "الصحاح" 4/ 1418. (¬4) الحديث السابق (4448). (¬5) الآتي (4450).

(فقالوا: يا أبا القاسم، إن رجلًا منا زنى بامرأة، فاحكم) (¬1) قال ابن عطية: الأمة مجمعة على أن حاكم المسلمين يحكم بينهم أي: إذا جاؤوا إليه في التظالم، وأما نوازل الأحكام التي لا تظالم فيها فهي التي يتخير فيها الحاكم (¬2). (فوضعوا لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وسادة) ليجلس عليها (فجلس عليها) فيه أن من أكرم بالوسادة لا يردها ولو كانت من كافر، وفي الحديث: "ثلاثة لا ترد: [الوسائد] (¬3) " (¬4) (ثم قال: ائتوا (¬5) بالتوراة) فيه الدليل على المطالبة بإقامة الحجج على الأحكام الشرعية (فأتي بها، فنزع الوسادة) قد يحتج به من لا يرى القيام بكتب اللَّه المنزلة [(من تحته فوضع التوراة عليها) فيه: تعظيم كتب اللَّه المنزلة] (¬6). (ثم قال: آمنت بك وبمن أنزلك) امتثالًا لأمر اللَّه تعالى في غير آية من الآيات الدالات على الإيمان باللَّه وملائكته وكتبه ورسله، لكن لمؤمن أهل الكتاب خصوصية، وذلك أنهم مؤمنون بما [في أيديهم] (¬7) ¬

_ (¬1) بعدها في (ل): بينهم. وفوقها: خـ. (¬2) "المحرر الوجيز" 4/ 451. (¬3) ساقطة من (م)، وموضعها في (ل) بياض، والمثبت من "سنن الترمذي". (¬4) رواه الترمذي (2790)، ومن طريقه البغوي في "شرح السنة" 12/ 88 (3173)، من حديث ابن عمر. قال الحافظ في "الفتح" 5/ 209: إسناده حسن، إلا أنه ليس على شرط البخاري. وصححه الألباني في "الصحيحة" (619). (¬5) بعدها في (ل) وهامش (م): ائتوني، وفوقها: خـ. (¬6) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬7) في (ل): بأيديهم.

مفصلًا، وأما غيرهم فإنما يحصل له الإيمان بما تقدم مجملًا كما جاء في "الصحيح": "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالذي أنزل إلينا، وأنزل إليكم" (¬1). (ثم قال: ائتوني بأعلمكم) وفي الرواية الآتية: "ائتوني بأعلم رجلين منكم" (فأتي بفتى شاب) وفي رواية الطبراني: فأتي بشاب فصيح (¬2). كما سيأتي (ثم ذكر قصة الرجم) على (نحو حديث مالك، عن نافع). [4450] (حدثنا محمد بن يحيى) بن عبد اللَّه الذهلي شيخ البخاري (قال: ثنا عبد الرزاق قال: أنا معمر، عن الزهري قال: ثنا رجل من مزينة، وحدثنا أحمد بن صالح قال: ثنا عنبسة قال: ثنا يونس قال محمد بن مسلم: ) الزهري (سمعت رجلًا من مزينة ممن يتبع العلم) أي: أهل العلم فيحفظه (ويعيه) سبق في الأقضية في باب: كيف يحلف الذمي (¬3). (ثم اتفقا و) قال كل منهما: (نحن عند سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- وهذا حديث معمر، وهو أتم، قال: زنى رجل من اليهود وامرأة، فقال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى هذا (¬4) النبي) الذي بعث (فإنه نبي (¬5) بعث بالتخفيف) والتيسير؛ لقوله: "يسروا ولا تعسروا" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (7362) من حديث أبي هريرة. (¬2) "المعجم الكبير" 11/ 321 (11875). (¬3) (3624، 3625). (¬4) ساقطة من (م). (¬5) ساقطة من (م). (¬6) رواه البخاري (69)، ومسلم (1734) من حديث أنس.

(فإن أفتانا بفتيا) يقال: فتوى وفتيا بالضم في الأولى، والفتح في الثانية (دون الرجم) الذي فيه إزهاق النفس (قبلناها واحتججنا بها عند اللَّه) فيه ذم من كانت بينه وبين شخص خصومة في مالٍ أو دم وذهب إلى العالم ليسأله؛ لعل أن يكون عنده حيلة يبطل بها حق من بينه وبينه الخصومة، فإن دله على حيلة أخذ منه فتواه بذلك؛ ليدفع بها خصمه عند الحاكم إذا ادعى عليه، ويقول: هذِه فتيا فلان العالم. كما في الحديث (قلنا: ) هذِه (فتيا (¬1) نبي من أنبيائك) الذي أرسلته إلينا. (قال: فأتوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو جالس في المسجد) فيه فضيلة ملازمة المساجد وكثرة الجلوس فيها والتردد إليها، وفيه الجلوس في المسجد للإفتاء والتعليم، وأما القضاء في المسجد فقال بعض أصحابنا: لا يكره الجلوس في المسجد له، كما لا يكره للإفتاء والتعليم. والصحيح أنه يكره اتخاذه مجلسًا للحكم؛ لأنه ينزه عن رفع الأصوات وحضور الحيَّض والكفار والمجانين. (في أصحابه، فقالوا: يا أبا القاسم) فيه جواز دخول الكفار المسجد إذا أذن له (ما ترى في رجل وامرأة) منهم (زنيا؟ فلم يكلمهم كلمة) في المسجد (حتى أتى بيت مدراسهم) بكسر الميم كما تقدم (فقام على الباب) ولم يدخل (فقال: أنشدكم) بفتح الهمزة وضم الشين، أي: أسألكم (باللَّه الذي أنزل التوراة على موسى) وفي رواية أبي بكر عبد اللَّه بن الزبير الحميدي في "مسنده": "أنشدكم بالذي فلق البحر لبني ¬

_ (¬1) ساقطة من (م)، (ل).

إسرائيل، وظلل علكيم الغمام، وأنجاكم من آل فرعون، وأنزل المن والسلوى على بني إسرائيل" (¬1) (ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن؟ ) بضم الهمزة وكسر الصاد، وبفتح الهمزة والصاد قراءتان، وهي قراءة أكثر القراء السبعة في قوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ} (¬2) وفيه دلالة لمذهب الشافعي على الإحصان في الكفر خلافًا للمالكية كما تقدم. (قالوا: يحمم) بضم الياء (ويجبه) بفتح الجيم وتشديد الباء المكسورة (ويجلد) بكسر اللام (والتجبيه أن يحمل الزانيان على حمار ويقابل) بضم الياء المثناة تحت أوله وفتح الموحدة قبل اللام (أقفيتهما) يوضحه رواية مسلم: ويخالف بين وجوههما (¬3). (ويطاف بهما) وهيئة هذا الفعل إنما كان مما اخترعه اليهود وابتدعوه وجعلوه عوضًا عن حكم الرجم، وذلك لم يقل به أحد في أهل الإسلام في الزنا، وإنما عمل به بعض أهل العلم في شاهد الزور، فرأى أن يسود وجهه ويجلد ويحلق رأسه ويطاف به. قال القرطبي: وروي ذلك عن عمر بن الخطاب (¬4)، وقد روي ذلك عن بعض قضاة البصرة، ولم يره مالك رحمه اللَّه (¬5). (قال: وسكت شاب منهم، فلما رآه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) قد (سكت ألظَّ) بفتح ¬

_ (¬1) "مسند الحميدي" 2/ 352 (1331). (¬2) انظر: "الحجة للقراء السبعة" 3/ 151. (¬3) "صحيح مسلم" (1699). (¬4) رواه عبد الرزاق 8/ 327 (15394)، وابن أبي شيبة 14/ 510 (29306). (¬5) "المفهم" 5/ 115.

الهمزة واللام وبالظاء المعجمة المشددة، أي: ألزمه القسم وألح عليه، ومنه الحديث: "ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام" (¬1) أي: الزموه وأكثروا من قوله، يقال: هو ملظ بفلان. أي: لا يفارقه. وقيل: الإلظاظ: الإلحاح (به النشدة) بكسر النون وسكون الشين المعجمة، أي: السؤال، من نشدته باللَّه أنشده إذا سألته باللَّه، كأنك ذكرته باللَّه ليرجع إليه، والنشدة بالكسر يراد به الهيئة التي أنشده عليها، فإن فِعلة يستعمل للهيئة والحال، بخلاف فَعلة بفتح الفاء، فإنه يراد بها المرة الواحدة. قال أبو حيان: فإن كان المصدر قد وضع على فِعلة بكسر الفاء، نحو: نشدتُ الضالة نشدة، بكسر النون إذا طلبتها، فإن فِعلة لا تدل على الهيئة منه بفعلة، بل يفهم ذلك من قرينة حال أو من نعت ينعت به. (فقال: اللهم إذ نشدتنا فإنا نجد في التوراة الرجم) فيه معجزة ظاهرة للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأنه أمي لا يقرأ أخبار الأمم المتقدمة، ومع ذلك حاجهم على ما في كتابهم واعترفوا بما أخبر به. (فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: فما أول ما ارتخصتم) بفتح الخاء المعجمة وإسكان الصاد المهملة (به) افتعلتم، من الرخصة، بمعنى: اتخذها، نحو: استوى: اتخذ سواء، ومنه: اطبخ واذبح واكتال واتزن، و (ما) الداخلة ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3525)، والبزار في "البحر الزخار" 13/ 180 (6625)، وأبو يعلى في "المسند" 6/ 445 (3833)، والطبراني في "الدعاء" (93 - 94) من حديث أنس. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (1250)، وفي الباب عن ربيعة بن عامر.

على (ارتخصتم) يحتمل أن تكون زمانية أي: ما أول زمان اتخذتم فيه هذِه الرخصة التي تركتم فيها (أمر اللَّه تعالى قال: زنى ذو قرابة من ملك من ملوكنا فأخر) بفتح الهمزة والخاء الملك (عنه) أي: عن قرابته (الرجم، ثم زنى رجل في أسرة) بضم الهمزة، وسكون السين المهملة. (من الناس) ليس له قرابة من الملك. قال ابن الأثير: أسرة الرجل: قومه الذي يتقوى بهم، من الأسر، وهو القوة (¬1). قال المبرد: الأسر: القوى كلها، وأصله عند العرب القد الذي يشد به الأقتاب. يقال: شد اللَّه أسيرة فلان أي: قوته، قال اللَّه تعالى: {وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ} (¬2) (فأراد رجمه) لعدم قرابته منه (فحال قومه) الذين يتقوى بهم (دونه (¬3)، وقالوا: لا يرجم (¬4) صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه، فاصلحوا على (¬5) هذِه العقوبة (¬6) بينهم) وهي: التحميم والتجبيه. (فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: فإني أحكم بما في التوراة) فيه دليل لما ذهب إليه مالك أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حكم بالرجم عملًا بالتوراة (¬7) (فأمر بهما فرجما) فيه أن الصلح الذي أحل حرامًا أو حرم حلالًا غير جائز، ولهذا أبطل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ما كانوا اصطلحوا، فأمر بهما فرجما الذكر والأنثى، فيه ¬

_ (¬1) "جامع الأصول" 3/ 545. (¬2) الإنسان: 28. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) بعدها في (ل)، (م): لا ترجم، ولعله يعني أنها نسخة. (¬5) ساقطة من (م). (¬6) بعدها في (ل)، (م): فاصطلحوا على هذِه العقوبة، ولعله يعني أنها نسخة. (¬7) انظر: "الذخيرة" 12/ 71.

دليل على رجم الفاعل والمفعول. (قال الزهري: فبلغنا أن هذِه الآية أنزلت (¬1) فيهم: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ}) قال قتادة: ذكر لنا أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يقول لما نزلت هذِه الآية: "نحن اليوم نحكم على اليهود، وعلى من سواهم من أهل الأديان" (¬2). وفي الآية ترغيب لليهود أن يكونوا كمتقدمتهم من مسلمي أحبارهم، وتنبيه للمنكرين لوجوب الرجم. ({فِيهَا هُدًى وَنُور}) قال جماعة: الهدى والنور سواء وكرر للتأكيد. وقال قوم: ليسا سواء، فالهدى محمول على بيان الأحكام، والنور بيان التوحيد والنبوة والمعاد ({يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ}) ظاهر قوله: ({النَّبِيُّونَ}) الجمع. قالوا: وهم من لدن موسى إلى عيسى. وقال الحسن والسدي: هو محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3)، وذلك حين حكم على اليهود بالرجم، وذكره بلفظ الجمع كقوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} (¬4) ({الَّذِينَ أَسْلَمُوا}) ونبه بهذا الوصف على أن اليهود والنصارى بعداء من هذا الوصف الذي هو الإسلام، وإن كان دين الأنبياء كلهم قديمًا وحديثًا (كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- منهم) من هذِه الأنبياء الذين أسلموا. ¬

_ (¬1) بعدها في (ل)، (م): نزلت. وفوقها (ح). (¬2) رواه الحارث بن أبي أسامة في "المسند" كما في "بغية الباحث" (709)، وكما في "إتحاف الخيرة المهرة" 6/ 205 (5687)، وكما في "المطالب العالية" 14/ 613 (2588)، والطبري في "جامع البيان" 8/ 450 (12012). (¬3) انظر: "تفسير الطبري" 8/ 449، 451. (¬4) النساء: 54.

[4451] (ثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبع) (¬1) بالعين المهملة (الحراني) ثقة، توفي سنة (235) (قال: حدثني [محمد بن] (¬2) سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري قال: سمعت رجلًا من مزينة يحدث سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: زنى رجل وامرأة من اليهود وقد أحصنا) بفتح الهمزة والصاد أي: وطئا في عقد صحيح عندهم. (حين قدم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة، وكان الرجم مكتوبًا عليهم في التوراة فتركوه) لما تقدم (وأخذوا بالتجبية) يحتمل أن يكون أصله الهمز كما قال الخطابي (¬3)، من جبأته عن الأمر كععت، فانجبأ أي: كع عنه وانزجر، والتجبيه أن (يضرب مئة) ضربة (بحبل مطلي) أصله مطلوي، فالتقى الواو والياء في كلمة واحدة وسبقت إحداهما سكونًا عند عارض، فقلبت الواو ياءً، وأدغمت إحداهما في الأخرى، كما في هين وميت، الأصل: هيون وميوت (بقار) نوع من الزفت، قيل: هو القطران. (ويحمل على حمار، ووجهه مما يلي دبر الحمار) تقدم أنَّ هذا مما اخترعته اليهود فيما بينهم (فاجتمع أحبار من أحبارهم) أي: علماء من علمائهم. (فبعثوا قومًا آخرين) منهم (إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالوا: سلوه) واسألوه لغتان، والثانية هي الأصل (عن حد الزنا، وساق الحديث) المتقدم، وزاد ¬

_ (¬1) في مصادر ترجمته: (الأصبغ) بالغين المعجمة. (¬2) ساقطة من الأصول، والمثبت من "سنن أبي داود". (¬3) "معالم السنن" 3/ 282.

فيه (قال فيه: وقال: ولم يكونوا من أهل دينه، فيحكم) بشريعته (بينهم، فخير في ذلك، وقال: {فَإِنْ جَاءُوكَ} أي: يتحاكمون إليك ({فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ}) {وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ}، {فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا} أي: فلا عليك أن لا تحكم بينهم؛ لأنهم لا يقصدون بتحاكمهم إليك اتباع الحق، بل ما وافق هواهم. قال ابن عباس وجماعة: هي منسوخة بقوله: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} (¬1). [4452] (ثنا يحيى بن موسى البلخي) السختياني شيخ البخاري (قال: ثنا أبو أسامة، أنا مجالد) بن سعيد الهمداني (عن عامر) الشعبي (عن جابر بن عبد اللَّه قال: جاءت اليهود برجل منهم وامرأة زنيا) ذكر الطبري وغيره أنَّ الزانيين كانا من فدك وخيبر، وكانوا حربًا لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- واسم المرأة الزانية: بسرة، وكانوا بعثوا إلى يهود المدينة ليسألوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال لهم: سلوا. وكذا رواه أبو بكر عبد اللَّه بن الزبير الحميدي في "مسنده" عن جابر بن عبد اللَّه، ثم قالوا: سلوا محمدًا عن ذلك، فإن أمركم بالجلد فخذوا عنه، وإن أمركم بالرجم فلا تأخذوه عنه. فسألوه (¬2) (فقال: ائتوني بأعلم رجلين منكم) فيه أن البلد إذا تعدد فيها المفتون (¬3) يسأل أعلمهم وأكثرهم صلاحًا وزهدًا. ¬

_ (¬1) انظر: "تفسير البغوي" 3/ 59. (¬2) "المسند" 2/ 352 (1331). (¬3) في (ل): المفتيين. وفي (م): المفتيون. وهما خطأ، والصواب لغة ما أثبتناه.

(فأتوه بابن صوريا) رواية الحميدي: فجاؤوا برجل أعور يقال له: ابن صوريا (¬1). وفي رواية الطبراني عن ابن عباس: فأتوه برجلين أحدهما شاب فصيح والآخر شيخ قد سقط حاجباه على عينيه حتى يرفعهما بعصابة (¬2). (فنشدهما كيف يجدان أمر هذين في التوراة؟ ) رواية البزار: في توراة اللَّه تعالى (¬3). (قالا: نجد في التوراة: إذا شهد أربعة) أي: أربعة رجال (أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة) كذا رواه البزار من طريق مجالد أيضًا (¬4)، وصححهما ابن عدي (رجما) رواية البزار: رجموه (¬5). (قال: "فما يمنعكما أن ترجموهما؟ ". قالا: ذهب سلطاننا، فكرهنا القتل) لئلا تذهب قوتنا (فدعا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالشهود) الأربعة (فجاؤوا أربعة فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة) بضم الميم والحاء، فيه دلالة لما قاله أصحابنا وغيرهم: إنه يشترط في شهود الزنا أن يذكروا مفسرًا، فيقولون: رأيناه أدخل ذكره أو قدر الحشفة في فرج فلانة على سبيل الزنا. ولا يكفي إطلاق الزنا، فقد يظنون المفاخذة زنا، وقد تكون الموطوءة جارية ابنه أو مشتركة بينه وبين غيره، بخلاف ما لو ادعت وطء شبهة وطلبت المهر، فإنه يكفي ¬

_ (¬1) السابق. (¬2) "المعجم الكبير" 11/ 321 (11875). (¬3) "كشف الأستار" 2/ 219 (1558). (¬4) السابق. (¬5) "كشف الأستار" 2/ 219 (1558).

شهادتهم على الوطء، ولا يشترط قولهم: رأينا ذاك منه في ذاك منها؛ لأن المقصود هنا المال. وقد وقع في كلام الغزالي وغيره أنَّ الشاهد يقول: رأينا ذكره في فرجها كالميل في المكحلة (¬1). لهذا الحديث، وهذا التشبيه زيادة بيان وليس بشرط، صرح به القاضي أبو سعيد، كما نقله الرافعي (¬2) والنووي (¬3) وأقراه على ذلك. (فأمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- برجمهما) فيه أنه يجب على المرأة المحصنة الرجم، كما يجب على الرجل. [4453] (ثنا وهب بن بقية، عن هشيم) بن بشير، حافظ بغداد، متفق عليه (عن المغيرة) بن مسلم القسملي، صالح الحديث صدوق (عن إبراهيم) النخعي (والشعبي، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) مرسلًا؛ إذ لم يذكرا جابرًا (نحوه) و (لم يذكر) فيه (فدعا بالشهود فشهدوا). [4454] (ثنا وهب بن بقية، عن هشيم، عن ابن شبرمة، عن الشعبي بنحو منه). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "الحاوي" 17/ 62. (¬2) "الشرح الكبير" 13/ 47. (¬3) "الروضة" 11/ 253.

27 - باب في الرجل يزني بحريمه

27 - باب فِي الرَّجُلِ يَزْني بِحَرِيمِهِ 4456 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا خالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنا مطَرِّفٌ، عَنْ أَبي الجَهْمِ، عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ قالَ: بَيْنا أَنا أَطوفُ عَلَى إِبِل لي ضَلَّتْ إِذْ أَقْبَلَ رَكْبٌ أَوْ فَوارِسُ مَعَهُمْ لِواءٌ، فَجَعَلَ الأَعْرابُ يُطِيفونَ بي لِمَنْزِلَتي مِنَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إِذْ أَتَوْا قُبَّةً، فاسْتَخْرَجُوا مِنْها رَجُلًا فَضَرَبُوا عُنُقَهُ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَذَكَروا أَنَّهُ أَعْرَسَ بِامْرَأَةِ أَبِيهِ (¬1). 4457 - حَدَّثَنا عَمْرْو بْنُ قُسَيْطٍ الرَّقّي، حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبي أُنَيْسَةَ، عَنْ عَدي بْنِ ثابِتٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ البَراءِ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: لَقِيتُ عَمّي وَمَعَهُ رايَةٌ فَقُلْتُ لَهُ: أَيْنَ ترِيدُ؟ قالَ: بَعَثَني رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةَ أَبِيهِ فَأَمَرَني أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ وَآخُذَ مالَهُ (¬2). * * * باب في الرجل يزني بحريمه [4456] (ثنا مسدد قال: ثنا خالد بن عبد اللَّه) الواسطي الطحان (قال: ثنا مطرف، عن أبي الجهم) بفتح الجيم وسكون الهاء، واسمه: سليمان بن الجهم مولى البراء بن عازب (عن البراء بن عازب رضي اللَّه عنهما قال: بينما أنا أطوف يومًا على إبل لي ضلت إذ أقبل ركب) الركب: أصحاب الإبل في السفر، دون الدواب، وهم العشرة فما ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 295، والنسائي في "الكبرى" (5490)، والحاكم 2/ 192. وصححه الألباني في "الإرواء" 8/ 21. (¬2) رواه الترمذي (1362)، والنسائي 6/ 109، وابن ماجه (2607)، وأحمد 4/ 292، والحاكم 2/ 191. وصححه الألباني في "الإرواء" (2351).

فوقها (أو فوارس) غير منصرف جمع فارس، وهو شاذ في القياس؛ لأن فواعل إنما هو جمع فاعلة مثل: ضاربة (¬1) وضوارب، أو جمع فاعل إذا كان صفة للمؤنث مثل: حائض وحوائض، أو لغير الآدميين مثل: حائط وحوائط، والفارس راكب الفرس مثل: لابن صاحب لبن. (معهم لواء) جمعه: ألوية. قال الجوهري: الألوية دون الأعلام والبنود (¬2) (فجعل الأعراب يطيفون) بضم الياء وكسر الطاء (بي) قال في "الجمهرة": طاف بالشيء: دار حوله، وأطاف به أي: ألم به (¬3) (لمنزلتي من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذ أتوا قبة) بضم القاف وتشديد الموحدة (واستخرجوا منها رجلًا) رواية (¬4) دخلوا بيت رجل من العرب (فضربوا عنقه، فسألت عنه) وفي رواية: فسألت عن دينه. (فذكروا أنه أعرس) كناية عن الجماع، ومنه المعرس (بامرأة أبيه) فيه حجة على أنَّ من زنى بامرأة أبيه وجب (¬5) عليه الحد، وكذا كل من زنى بمحرم من محارمه بغير عقد ولا شبهة عقد بلا خلاف، وفي كلام الغزالي (¬6) يقتضي أن خلاف أبي حنيفة (¬7) يطرده. وحجتنا على إقامة ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): ضارب، والمثبت هو الصواب في الوزن الصرفي. (¬2) "الصحاح " 6/ 2486. (¬3) "جمهرة اللغة" 2/ 921. (¬4) بياض في (ل)، و (م) بمقدار كلمة. (¬5) ساقطة من (م). (¬6) "الوسيط" 6/ 445. (¬7) مذهب أبي حنيفة أن من تزوج امرأة لا يحل له نكاحها فدخل بها لا حد عليه سواء كان عالمًا بالتحريم أم لا، وعليه العقوبة، وخالفه الصاحبان فيما إذا كان عالمًا =

الحد على من نكح محرمًا بنسب أو رضاع أو مصاهرة قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} (¬1) فإن الفاحشة في عرف الشرع الزنا، وإذا كان زنا دخل في قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} (¬2) وكذا فيما وردت به السنة كهذا الحديث. [4457] (ثنا عمرو بن قسيط) أو قسط (الرقي) مات (233). (قال: ثنا عبيد (¬3) اللَّه) بالتصغير (بن عمرو) الرقي، لم يكن أحد ينازعه في الفتوى (عن زيد بن أبي أنيسة، عن عدي (¬4) بن ثابت) بن قيس الأنصاري قاص الشيعة وإمام مسجدهم بالكوفة (عن جده) لأمه (عبد اللَّه بن يزيد) الخطمي (¬5)، شهد الحديبية وهو ابن سبع عشرة (¬6) سنة. (عن البراء) بن عازب رضي اللَّه عنهما (قال: لقيت عمي) الحارث بن عمير (ومعه) لواء قد عقده له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كذا لأحمد (¬7) (راية فقلت: أين تريد؟ قال: بعثني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى رجل نكح امرأة أبيه، فأمرني) ¬

_ = بالتحريم فعليه الحد. انظر: "المبسوط" 9/ 85. (¬1) النساء: 22. (¬2) النور: 2. (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) فوقها في (ل): (ع). (¬5) ساقطة من (م). (¬6) في (ل)، (م): سبعة عشر. وهو خطأ، والمثبت هو الصواب. (¬7) "المسند" 4/ 292.

رواية الترمذي عن البراء: مرَّ بي خالي أبو بردة بن نيار ومعه لواء (¬1). (أن أضرب عنقه) زعم السهيلي أن نكاح نساء الآباء كان معمولًا به في الجاهلية؛ ولهذا قال: {إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} قال: وقد فعل ذلك كنانة بن خزيمة: تزوج بامرأة أبيه فأولدها ابنه النضر بن كنانة (¬2)، وعلى كل تقدير فهو (¬3) حرام في هذِه الأمة شنيع غاية التشنيع؛ ولهذا قال تعالى: {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا} أي: بغضًا، أي: يؤدي إلى مقت الابن أباه، بعد أن يتزوج بامرأته، فإن الغالب أن من تزوج امرأة يبغض من كان تزوجها قبله، ولهذا حرمت أمهات المؤمنين، فإن حقه -صلى اللَّه عليه وسلم- كالأب، بل أعظم من حق الآباء بالإجماع، بل حبه مقدم على حب النفوس (وآخذ ماله). * * * ¬

_ (¬1) في (ل)، و (م) الحارث والمثبت من "سنن الترمذي" (1362). (¬2) "الروض الأنف" 2/ 229. (¬3) من هنا يبدأ سقط من نسخة (م) سنشير إلى نهايته بعد صفحات.

28 - باب في الرجل يزني بجارية امرأته

28 - باب فِي الرَّجُل يَزْني بِجارِيَةِ امْرَأَتِهِ 4458 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا أَبانُ، حَدَّثَنا قَتادَةُ، عَنْ خالِدِ بْنِ عُرْفُطَةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ سالِمٍ أَنَّ رَجُلًا يُقال لَهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن حُنَيْنٍ وَقَعَ عَلَى جارِيَةِ امْرَأَتِهِ، فَرُفِعَ إِلَى النُّعْمانِ بْنِ بَشِيرٍ وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الكُوفَةِ، فَقالَ: لأَقْضِيَنَّ فِيكَ بِقَضِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِنْ كَانَتْ أَحَلَّتْها لَكَ جَلَدْتُكَ مِائَةً، وإِنْ لَمْ تَكنْ أَحَلَّتْها لَكَ رَجَمْتُكَ بِالحِجارَةِ. فَوَجَدُوهُ قَدْ أَحَلَّتْها لَهُ فَجَلَدَة مِائَةً. قالَ قَتادَةُ: كَتَبْتُ إِلَي حَبِيبِ بْنِ سالِمٍ فَكَتَبَ إِلَى بهذا (¬1). 4459 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشّارٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبي بِشْرٍ عَنْ خالِدِ بْنِ عُرْفطَةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ سالِمٍ، عَنِ النُّعْمانِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الرَّجُلِ يَأْتي جارِيَةَ امْرَأَتِهِ قالَ: "إِنْ كانَتْ أَحَلَّتْها لَهُ جُلِدَ مِائَةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَحَلَّتْها لَهُ رَجَمْتُهُ" (¬2). 4460 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاق أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ عَنْ قَتادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ المُحَبَّقِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَضَى في رَجُلٍ وَقَعَ عَلَي جارِيَةِ امْرَأَتِهِ إِنْ كانَ اسْتَكْرَهَها فَهي حُرَّةٌ، وَعَلَيْهِ لِسَيِّدَتِها مِثْلُها، فَإِنْ كانَتْ طاوَعَتْهُ فَهي لَهُ، وَعَلَيْهِ لِسَيِّدَتِها مِثْلُها. قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ وَعَمْرُو بْن دِينارٍ وَمَنْصُورُ بْنُ زاذانَ وَسَلَّامٌ عَنِ الحَسَنِ هذا الحَدِيثَ بِمَعْناهُ لَمْ يَذْكرْ يُونُسُ وَمَنْصُورٌ قَبِيصَةَ (¬3). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1451)، والنسائي 6/ 123 - 124، وابن ماجه (2551)، وأحمد 4/ 275 - 276. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود". (¬2) رواه أصحاب السنن، وضعفه الألباني، وسبق برقم (4458). (¬3) رواه النسائي 6/ 124، وأحمد 3/ 476، 5/ 6، والبيهقي 8/ 240. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود".

4461 - حَدَّثَنا عَلي بْنُ الحَسَنِ الدِّرْهَمي، حَدَّثَنا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ المُحَبَّقِ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نَحْوَهُ إِلا أَنَّهُ قالَ: وَإِنْ كانَتْ طاوَعَتْهُ فَهي حُرَّةٌ وَمِثْلُها مِنْ مالِهِ لِسَيِّدَتِها (¬1). * * * باب في الرجل يزني بجارية امرأته [4458] (ثنا موسى بن إسماعيل قال: ثنا أبان، قال: ثنا قتادة، عن خالد بن عرفطة) بضم العين والفاء، وأصله واحدة العرفط، وهو شجر، وثق. (عن حبيب بن سالم) روى عن مولاه النعمان بن بشير وغيره، وهو تابعي. (أن رجلًا يقال له: عبد الرحمن بن حنين) بضم الحاء المهملة وفتح النون الأولى مصغر، الكلبي، يلقب بقرقور بضم القافين (وقع على جارية امرأته، فرفع أمره إلى النعمان بن بشير، وهو أمير على الكوفة) زمن معاوية بن أبي سفيان، ثم ولي حمص (فقال: لأقضين فيك بقضية رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، إن كانت أحلتها لك) أي: جعلتها لك حلالًا ثم وقعت عليها (جلدتك مئة) جلدة (وإن لم تكن أحلتها لك رجمتك بالحجارة) اتفق العلماء على أنه لا يجوز للرجل أن يطأ جارية زوجته وإن أذنت. واختلفوا هل يجب عليه الحد مع التحريم؟ فقال أبو حنيفة: إن قال: ظننت أنها تحل لي. فلا حد عليه، وإن ¬

_ (¬1) رواه النسائي 6/ 125. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود".

قال: علمت أنها حرام. حُدَّ (¬1). وقال مالك (¬2) والشافعي (¬3): يجلد مئة، وإن كان محصنًا رجم، وأخذ أحمد بهذا الحديث (¬4). وقال: فإن علقت من هذا الوطء، فهل يلحقه النسب؟ روايتان، إحدهما (¬5): يلحق به؛ لأنه وطء لا يجب به الحد، فلحق به النسب، كوطء الجارية المشتركة. والأخرى كمذهب الشافعي: لا يلحق به (¬6)، واستدل الشافعي بهذا الحديث على إيجاب الحد في الحالين، وصرف هذا التفصيل المذكور لصرائح الأدلة الصحيحة بخلافه، فإن هذا الحديث مضطرب لا حجة في تفصيله. (فوجدوه أحلتها له فجلد مئة) وسكتوا عما إذا أحلتها لغير زوجها أو أحلت نفسها. والظاهر أنه لا اعتبار به، وقد جزم الغزالي (¬7) بإيجاب الحد فيما إذا أباحت المرأة للواطئ نفسها أو أمتها. وقال في كتاب الرهن: إذا أذن الراهن في وطء الجارية المرهونة، وعلم بالتحريم، فهو زان والمرأة لا يجوز لها أن تنكح نفسها ولا أمتها ¬

_ (¬1) انظر: "المبسوط" 9/ 53. (¬2) انظر: "الكافي" 2/ 1074، "بداية المجتهد" 4/ 1717. (¬3) "الأم" 8/ 469. إلا أن يكون جاهلًا، فعذره الشافعي بجهله. وانظر: "الأوسط" 12/ 495. (¬4) "مسائل أحمد" برواية ابنه صالح (245). (¬5) في (ل)، و (م) أحدهما. والجادة ما أثبتناه. (¬6) انظر: "المغني" 12/ 347. ومذهب الأحناف أنه لا يثبت بحال. انظر: "المبسوط" 7/ 177. (¬7) "الوسيط" 6/ 445.

حتى تختص بإباحة الجواري، لفساد عبادتهن في النكاح، وإن صح المنقول عن عطاء في المرهونة، فلا فرق في سقوط الحد بين أن تكون الإباحة من رجل أو امرأة لنفسها أو أمتها (¬1). (قال قتادة: كتبت إلى حبيب بن سالم) مولى النعمان بن بشير (فكتب إليَّ بهذا) الحديث. [4459] (ثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر) غندر (عن شعبة، عن أبي بشر) جعفر بن إياس (¬2). (عن خالد بن عرفطة، عن حبيب ابن سالم، عن النعمان بن بشير، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الرجل يأتي جارية امرأته قال: إن كانت أحلتها له) وعلم بالتحريم (جلد مئة جلدة، وإن لم تكن أحلتها له رجمته) لأنها لما أحلتها له أوقع ذلك شبهة في الوطء تسقط الرجم وزيد في تعزيره حتى بلغ حد الزاني البكر؛ ردعًا له، نحو مذهب مالك. [4460] (ثنا أحمد بن صالح، قال: ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن قتادة، عن الحسن، عن قبيصة بن حريث) بضم الحاء المهملة وآخرها ثاء مثلثة مصغر، وعند الترمذي حريث بن قبيصة، مات 67 هـ. (عن سلمة بن المحبق) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة المكسورة ثم قاف، ويقال: ابن ربيعة بن المحبق، واسم المحبق: صخر بن عتبة الصحابي (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قضى في رجل وقع على جارية امرأته إن كان استكرهها فهي حرة، وعليه لسيدتها مثلها). ¬

_ (¬1) "الوجيز" 1/ 333. (¬2) في الأصول: بيان بن بشر المؤدب، وهو خطأ، انظر: "تهذيب الكمال" 33/ 76.

أخذ به ابن مسعود والحسن فقالا: إن كان استكرهها فعليه غرم مثلها وتعتق (¬1). (وإن كانت طاوعته فهي) ملك (له وعليه لسيدتها) غرم (مثلها) واستدلا بهذا الحديث، قال ابن المنذر: اختلف في الرجل يطأ جارية زوجته. قال مالك والشافعي: يرجم إن كان محصنا. وقال الزهري والأوزاعي: يحد ولا يرجم. وروينا عن ابن مسعود: إن كان استكرهها عتقت وغرم لسيدتها مثلها، وإن كانت طاوعته أمسكها وغرم لها مثلها (¬2). وبه قال الحسن البصري، ولا يثبت خبر سلمة بن المحبق. وقال أصحاب الرأي: إن أقر بذلك نحده، وإن قال: ظننتها تحل لي لم نحده. وروى أبو عمر ابن عبد البر (¬3) هذا الحديث وصححه وذكر شهرته عن الحسن. لكن قال النسائي: ليس في هذا الباب شيء صحيح يحتج به (¬4). (ورواه يونس بن عبيد وعمرو بن دينار ومنصور بن زاذان وسلام) بتشديد اللام ابن مسكين الأزدي روى له الشيخان، كان من أعبد أهل زمانه (عن الحسن هذا الحديث بمعناه) و (لم يذكر يونس ومنصور قبيصة) بن حريث. ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق في "المصنف" 7/ 343 (13419)، والطبراني 9/ 339 (9687) عن ابن مسعود. (¬2) تقدم. وانظر: "الأوسط". (¬3) "الاستذكار" 24/ 149 - 150. (¬4) "السنن الكبرى" 4/ 298.

[4461] (حدثنا علي بن حسين) بن مطر (الدرهمي) بكسر الدال البصري، وثقه النسائي (¬1). (قال: ثنا عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن سلمة بن المحبق عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نحوه إلا أنه قال) فيه (وإن كانت طاوعته فهي) ملك له (ومثلها) يغرمه (من ماله لسيدتها) فيه أمور تخالف الأصول منها: إيجاب المثل في الحيوان، واستجلاب الملك بالزنا، وإسقاط الحد عن البدن، وإيجاب العقوبة بالمال، وهذِه كلها أمور منكرة لا تخرج على مذهب أحد من الفقهاء، وخليق أن يكون الحديث منسوخا. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 20/ 404 (4051).

29 - باب فيمن عمل عمل قوم لوط

29 - باب فِيمَنْ عمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ 4462 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن مُحَمَّدِ بْنِ عَلي النُّفَيْليُّ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبي عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فاقْتُلُوا الفاعِلَ والمَفْعُولَ بِهِ" (¬1). قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ سُلَيْمانُ بْنُ بِلالٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبي عَمْرٍو مِثْلَهُ وَرَواهُ عَبّادُ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ رَفَعَهُ، وَرَواهُ ابن جُرَيْجٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ داوُدَ ابْنِ الحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ رَفَعَهُ. 4463 - حَدَّثَنا إِسْحاقُ بْنُ إِبْراهِيمَ بْنِ راهَوَيْهِ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاق، أَخْبَرَنا ابن جُرَيْجٍ، أَخْبَرَني ابن خُثَيْمٍ قالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ وَمُجاهِدًا يُحَدِّثانِ، عَنِ ابن عَبّاسٍ في البِكْرِ يُوجَدُ عَلَى اللُّوطِيَّةِ. قالَ: يُرْجَمُ (¬2). قالَ أَبُو داوُدَ: حَدِيثُ عاصِمٍ يُضَعِّف حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ أَبي عَمْرٍو. * * * باب فيمن عمل عمل قوم لوط [4462] (ثنا عبد اللَّه بن محمد بن علي النفيلي قال: ثنا عبد العزيز بن محمد) الدراوردي أخرج له البخاري مقرونا بغيره، ومسلم (عن عمرو بن أبي عمرو) مولى المطلب. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1456)، وابن ماجه (2561)، وأحمد 1/ 300. وصححه الألباني في "الإرواء" (2349). (¬2) رواه عبد الرزاق (13491)، والنسائي في "الكبرى" (7338)، والدارقطني 3/ 125، والبيهقي 8/ 232. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".

(عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط؛ فاقتلوا الفاعل والمفعول به) استدل به على أنهما يقتلان محصنين كانا أو غير محصنين، وهو أحد الأقوال الثلاثة عند الشافعي (¬1)، وبه قال مالك (¬2) وأحمد في أظهر روايتيه (¬3). والقول الثاني وهو المرجح المعمول به عند الشافعي (¬4) أن حده حد الزنا، فيرجم إن كان محصنا، ويجلد ويغرب إن لم يكن محصنا؛ لأنه حد يجب بالوطء، فيختلف بالبكارة والثيوبة كالإتيان في القبل، ولأنه إيلاج فرج في فرج، فيجب به الغسل فكان كالقبل، ويحتج به أيضًا لما رواه البيهقي من حديث أبي موسى والطبراني في "الكبير" من وجه آخر عن أبي موسى، وأخرجه أبو داود الطيالسي أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان" (¬5). والثالث: تخرج من أحد الأقوال في إتيان البهيمة أن الواجب فيه التعزير، وبه قال أبو حنيفة (¬6)؛ لأنه لا يجب المهر بالإيلاج فيه فلا يجب الحد كإتيان البهيمة. قال الرافعي: ومنهم من لا يثبت هذا القول (¬7)، وهو الذي رواه ¬

_ (¬1) انظر: "الحاوي" 13/ 222. (¬2) "المدونة" 4/ 485. (¬3) انظر: "الكافي" 5/ 377. (¬4) انظر: "المهذب" 2/ 268. (¬5) "السنن الكبرى" 8/ 406، "المعجم الأوسط" 4/ 266 (4157). (¬6) انظر: "المبسوط" 9/ 102. (¬7) "الشرح الكبير" 11/ 140.

الربيع. (قال أبو داود: ورواه سليمان بن بلال، عن عمرو بن أبي عمرو مثله) كما تقدم (ورواه عباد بن منصور، عن عكرمة، عن ابن عباس رفعه، ورواه) عبد الملك (ابن جريج، عن إبراهيم، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس رفعه) ورواه الترمذي وابن حبان وابن ماجه والبيهقي من حديث عكرمة، عن ابن عباس (¬1)، ورواه الحاكم وابن ماجه من حديث أبي هريرة (¬2)، وإسناده ألين (¬3). [4463] (ثنا إسحاق بن إبراهيم بن) مخلد بن (راهويه) بضم الهاء والواو مفتوحة على الأصل، وسكنها المحدثون فرارا من لفظة (ويه) التي للصوت والندب. (قال: ثنا عبد الرزاق قال) عبد الملك (ابن جريج قال: أخبرني) عبد اللَّه بن عثمان (ابن خثيم قال: سمعت ابن جبير ومجاهدا يحدثان عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما في البكر يوجد) دون بحث عنه ولا تجسس (على اللوطية) (¬4)، وهو إتيان دبر الذكر، وهو من أكبر ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (1456)، "صحيح ابن حبان" 10/ 265 (4417)، "سنن ابن ماجه" (2561)، "السنن الكبرى" 8/ 403. (¬2) "المستدرك" 4/ 355، "سنن ابن ماجه" (2562)، ورواه أيضًا أبو يعلى الموصلي في "المسند" 12/ 42 (6687)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 9/ 445 (3833). (¬3) وضعف إسناده البوصيري في "المصباح" 3/ 106. (¬4) هنا انتهى السقط من (م) المشار إليه آنفا.

الفواحش، وأول من فعله قوم (¬1) لوط؛ ولذلك سمي لواطًا، يقال: لاط الرجل ولاوط إذا عمل عمل قوم لوط. قيل: إن إبليس لاط بنفسه لما أهبط من الجنة فردًا لا زوجة له؛ فكانت ذريته منه. (قال: يرجم) فيه حجة للقول الأول أنه يقتل، سواء كان بكرًا أو محصنًا (قال أبو داود: حديث عاصم يضعف حديث عمرو بن أبي عمرو) المتقدم ذكره. * * * ¬

_ (¬1) ساقطة من (م).

30 - باب فيمن أتى بهيمة

30 - باب فِيمَنْ أَتَى بَهِيمَةً 4464 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن مُحَمَّدٍ النُّفَيْلي، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَني عَمْرُو بْن أَبى عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فاقْتُلُوهُ واقْتُلُوها مَعَهُ". قالَ: قُلْتُ لَهُ: ما شَأْن البَهِيمَةِ؟ ! قالَ: ما أُراهُ إِلَّا قالَ ذَلِكَ؛ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُؤْكَلَ لْحَمُها وَقَدْ عُمِلَ بِها ذَلِكَ العَمَل. قالَ أَبُو داوُدَ: لَيْسَ هذا بِالقَوَيِّ (¬1). 4465 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن يُونُسَ أَنَّ شَرِيكًا وَأَبا الأَحْوَصِ وَأَبا بَكْرِ بْنَ عَيّاشٍ حَدَّثوهُمْ، عَنْ عاصِمٍ، عَنْ أَبي رَزِينٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: لَيْسَ عَلَى الذي يَأْتي البَهِيمَةَ حَدٌّ. قالَ أَبُو داوُدَ: كَذا قالَ عَطاءٌ، وقالَ الحَكَمُ: أَرى أَنْ يُجلَدَ وَلا يَبْلُغَ بِهِ الحَدَّ. وقالَ الحَسَنُ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ الزاني. قالَ أَبُو داوُدَ: حَدِيثُ عاصِمٍ يُضَعِّفُ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ أَبي عَمْرٍو (¬2). * * * باب فيمن أتى بهيمة [4464] (ثنا عبد اللَّه بن محمد النفيلي قال: ثنا عبد العزيز بن محمد) الدراوردي (قال: حدثني عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1455)، وأحمد 1/ 269، والنسائي في "الكبرى" (7340). وصححه الألباني في "الإرواء" (2348). (¬2) رواه الترمذي بعد حديث (1455)، وعبد الرزاق (13497)، والنسائي في "الكبرى" (7341)، والحاكم 4/ 356. وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود".

رضي اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من أتى بهيمة فاقتلوه) استدل به على أنَّ في إتيان البهيمة القتل كاللواط؛ لأنه فرج في فرج حرام لا يباح بحال، وليس محل الاستمتاع فهو كدبر الرجل، فعلى هذا يتأتى فيه الأقوال الثلاثة في اللواط، لكن الصحيح هنا أنه يجب في إتيان البهيمة التعزير للحديث الآتي. (واقتلوها معه) فيه حجة للقول بأن البهيمة تقتل، وهو أحد أقوال الشافعي، سواء كانت له أو لغيره، وسواء كانت ممن يؤكل لحمها أو لا، وعلى الواطئ قيمتها لصاحبها [إن لم تكن له (¬1)، وهو مذهب أحمد (¬2)، والقول الثاني وهو الأصح عند الشافعية: تقتل المأكولة] (¬3) دون غيرها، سواء أتاها في دبرها أو في قبلها، وقيل: إن أتاها في دبرها لم نقتلها. وهل يحل أكلها، إذا كانت مأكولة وذبحت؟ وجهان: أصحهما: نعم (¬4). قال البلقيني: وما ذكره النووي في "الروضة" من تصحيح أنها تقتل إن كانت مأكولة دون غيرها ممنوع، فإن التفريع إن كان على أن الفاعل يقتل مطلقًا، فقضية الخبر أنه يجب قتل البهيمة مطلقًا عملًا بالخبر، وإن كان على أنَّ الفاعل إنما يقتل بمجرد القياس على اللوطي فإنها لا تقتل ¬

_ (¬1) انظر: "الحاوي" 13/ 225، "نهاية المطلب" 17/ 199. (¬2) انظر: "المغني" 12/ 351. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). . (¬4) انظر: "الحاوي" 13/ 225، "البيان" 12/ 372، "الروضة" 10/ 92.

مطلقًا، وإن كان التفريع على أنه [كحد الزنا بمجرد القياس على فرج المرأة، فلا تقتل البهيمة مطلقًا، وإن كان التفريع على أنه] (¬1) يعزر فلا تقتل قطعًا. ومن الغريب عن أحمد بن حنبل أنه يعزر مع قتل البهيمة، وهذا عجيب، فإن العمل بالحديث يقتضي قتلها، وترك الخبر والعدول إلى التعزير يقتضي عدم قتلها، فتعزير الواطئ وقتل البهيمة لا وجه له. ثم قال: وأما عندنا فالأصح أنها تقتل مطلقًا؛ لأن الخبر قد احتججنا به [وحملناه على الحصر من جهة القياس، فيكون ذلك مقتضيًا لقتل البهيمة مطلقًا، وإن احتججنا بالخبر] (¬2) ولم نخصه بالقياس قتلت مطلقًا، وهو مقتضى نص الشافعي الذي حكاه الماوردي عن كتاب اختلاف علي وابن مسعود. (قال: ) عكرمة (قلت له) أي: لابن عباس (ما شأن البهيمة؟ ) تقتل (قال: ما أُراه) بضم الهمزة أي: أظنه (قال ذلك إلا أنه كره أن يؤكل لحمها) استدل به على أن البهيمة تقتل ولا يؤكل لحمها؛ لأنها تذكر الفاحشة وفاعلها فيؤدي إلى قذفه بإتيانها. والأحاديث وردت بالستر على المسلمين، ومن أتاها من المسلمين فيستر. قال البلقيني: وهذا المعنى لا يفترق فيه الحال بين أن تكون مأكولة أو غير مأكولة. والمعنى الثاني في قتلها أن لا تأتي بخلق مشوه يشبه بعضه الآدمي وبعضه البهيمة. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

قال الماوردي: وقد قيل: إن بعض الرعاة أتى بهيمة فأتت بولد مشوه (¬1). وعلى هذا فلا فرق بين المأكولة وغيرها أيضًا، ويدل على المعنى الأول قوله: (و) يقال: هذا لحم التي (قد عمل بها ذلك العمل) القبيح، فربما أدى ذلك إلى الوقوع في العامل وسبه. [4465] (ثنا أحمد بن يونس أن شريكًا وأبا الأحوص) سلام بن سليم (وأبا بكر) المقرئ (ابن عياش) بالمثناة والمعجمة (حدثوهم عن عاصم) ابن بهدلة بن (¬2) أبي النجود أحد القراء السبعة. (عن أبي رزين) بفتح الراء أوله، وكسر الزاي، ونون آخره، واسمه: مسعود بن مالك الأسدي (عن ابن عباس قال: ليس على الذي يأتي البهيمة حد). قال الترمذي في هذا الحديث: حديث عاصم أصح من الحديث الأول. قال: والعمل على هذا عند أهل العلم، وهو قول أحمد وإسحاق (¬3). لكن يستغفر اللَّه كثيرًا، ولو عزره الحاكم كان حسنًا، ويدل على هذا ما رواه أبو داود في "المراسيل" عن القاسم بن (¬4) عبد الرحمن الشامي في حديث قال فيه: "لا تقتل مجثمة (¬5) ليست ¬

_ (¬1) "الشرح الكبير" 13/ 225. (¬2) كذا في (ل)، (م)، وهو خطأ، وصوابه بحذف: (بن)، فكنية بهدلة أبو النجود. انظر "تهذيب الكمال" 13/ 473. (¬3) "سنن الترمذي" عقب حديث (1455). (¬4) في "المراسيل": مولى. (¬5) في "المراسيل": بهيمة.

لك بها حاجة" (¬1) وروي النهي عن ذبح الحيوان إلا لمأكله (¬2). وأجيب بأن هذا وإن صح محمول على ذبحه لغير سبب شرعي جمعًا بين الحديثين، وأما إذا وجد سبب شرعي من صيال ونحوه فإنه يذبح بحسب الإمكان بدفع صياله، وهذا لغير مأكله. (قال أبو داود: وكلذلك قال عطاء، وقال الحكم: ) بن عتيبة الكندي (أرى أن يجلد ولا يبلغ) بالنصب، وهو تعزير، (وقال الحسن: ) البصري (هو بمنزلة الزاني) فيحد حده؛ إن كان بكرًا جلد، وإن كان محصنًا رجم، واللَّه أعلم. * * * ¬

_ (¬1) "المراسيل" (316). (¬2) من ذلك ما رواه النسائي 7/ 206، 239، وأحمد 2/ 166، وغيرهما من حديث عبد اللَّه بن عمرو أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما من إنسان قتل عصفورًا فما فوقها بغير حقها إلا سأله اللَّه -عز وجل- عنها" قيل: يا رسول اللَّه، وما حقها؟ قال: "يذبحها فيأكلها، ولا يقطع رأسها يرمي بها" وصححه ابن الملقن في "البدر المنير" 9/ 376.

31 - باب إذا أقر الرجل بالزنا ولم تقر المرأة

31 - باب إِذا أَقَرَّ الرَّجُلُ بالزِّنا وَلَمْ تُقِرَّ المَرْأَةُ 4466 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا طَلْقُ بْنُ غَنّامٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ السَّلامِ ابْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنا أَبُو حازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّ رَجُلًا أَتاهُ فَأَقَرَّ عِنْدَهُ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ سَمّاها لَهُ فَبَعَثَ رَسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى المَرْأَةِ فَسَأَلَها عَنْ ذَلِكَ فَأَنْكَرَتْ أَنْ تَكُونَ زَنَتْ فَجَلَدَهُ الحَدَّ وَتَرَكَها (¬1). 4467 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ هارُونَ البُرْدي، حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ القاسِمِ بْنِ فَيّاضٍ الأَبْناوي، عَنْ خَلَّادِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابن المُسَيَّبِ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَكْرِ بْنِ لَيْثٍ أَتَى النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَأَقَرَّ أنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ أَرْبَعَ مَرّاتٍ فَجَلَدَهُ مِائَةً وَكانَ بِكْرًا، ثُمَّ سَأَلَهُ البَيِّنَةَ عَلَى المَرْأَةِ فَقالَتْ: كَذَبَ واللَّه يا رَسُولَ اللَّهِ، فَجَلَدَهُ حَدَّ الفِرْيَةِ ثَمانِينَ (¬2). * * * باب إذا أقر الرجل بالزنا ولم تقر المرأة [4466] (ثنا عثمان بن أبي شيبة قال: أنا طلق) بفتح الطاء، وسكون اللام (بن غنام) النخعي، روى له البخاري، وهو ابن عم حفص بن غياث. (قال: ثنا عبد السلام بن حفص) صدوق، وثقه ابن معين (¬3)، [قال ¬

_ (¬1) رواه أحمد، والطبراني، والحاكم، وصححه الألباني، وسبق برقم (4437). (¬2) رواه النسائي في "الكبرى" (7348)، وابن الجارود في "المنتقى" (851)، وأبو يعلى (2649)، والدارقطني 3/ 169، والحاكم 4/ 370. وقال الألباني في "ضعيف أبي داود": منكر. (¬3) "تاريخ ابن معين" رواية الدوري 2/ 364.

ابن معين: ] (¬1) له أحاديث مستقيمة. (قال: ثنا أبو حازم) بالحاء المهملة، سلمة بن دينار الأعرج المديني، مولى الأسود بن سفيان المخزومي، من عبَّاد أهل المدينة وثقاتهم، من المشهورين من تابعيهم. (عن سهل بن سعد) الساعدي (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن رجلًا أتاه (¬2) فأقر عنده أنه (¬3) زنى بامرأة فسماها له، فبعث رسول اللَّه إلى المرأة) فأتته (فسألها عن ذلك) إطلاقه يدل على أن المرأة يجوز لها الخروج من بيتها؛ لسماع الدعوى إذا طلبها الحاكم من غير إذن زوجها إن كانت متزوجة، أو وليها إن لم يكن لها زوج، هذا إذا لم تكن مخدرة لا تعتاد الخروج لحاجاتها، إذ لو استأذنت زوجًا أو غيره لذكر في الحديث. (فأنكرت أن تكون زنت) فيه أنه يكفي في المقذوف الإنكار، ولا يطالب بشيء إلا بالبينة أو الاعتراف (فجلده الحد) أي: حد القذف وهو ثمانون جلدة على الحر المكلف المختار (وتركها) أي: ترك المرأة بلا جلد. [4467] (ثنا محمد بن يحيى بن فارس) بن ذؤيب الذهلي الحافظ أحد الأعلام، شيخ البخاري (قال: ثنا موسى بن هارون) القيسي (البردي) بضم الباء الموحدة، وفتح الراء، البُنّي بضم الباء الموحدة، وتشديد النون (قال: ثنا هشام بن يوسف) الصنعاني قاضي صنعاء، روى له البخاري. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) بعدها في النسخ بياض بمقدار كلمتين. (¬3) في (ل): أني.

(عن القاسم بن فياض الأبناوي) الصنعاني، وثقه أبو داود. (عن) عمه (خلاد بن عبد الرحمن، عن ابن المسيب، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أن رجلًا من) بني (بكر بن ليث) هذا الحديث ذكره المصنف باختصار، وذكره بطوله أبو يعلى والطبراني ولفظهما: بينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يخطب الناس يوم الجمعة إذ أتاه رجل من بني ليث. (أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأقر أنه زنى بامرأة أربع مرات) ابن بكر بن عبد مناة ابن كنانة، يتخطى الناس حتى اقترب إليه، فقال: يا رسول اللَّه، أقم عليَّ الحد، فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اجلس" فجلس، ثم قام الثانية، فقال: "اجلس" فجلس، ثم قام الثالثة، فقال مثل ذلك، فقال: "وما حدك؟ " قال: أتيت امرأة حرامًا، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لرجال من أصحابه فيهم علي والعباس وزيد بن حارثة وعثمان بن عفان: "انطلقوا به، فاجلدوه مئة جلدة" ولم يكن الليثي تزوج (فجلدوه مئة وكان بكرًا) فقالوا: يا رسول اللَّه، ألا تجلد التي (¬1) خبث بها؟ فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ائتوني به مجلودًا" فلما أتوا به قال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من صاحبتك؟ " قال: فلانة امرأة من بني بكر، فدعا بها فسألها، فقالت: كذب واللَّه ما أعرفه، وإني مما قال بريئة، اللَّه على ما أقول من الشاهدين. (ثم سأله البينة على المرأة، فقالت: كذب واللَّه يا رسول اللَّه) فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من يشهد على أنك خبثت بها، فإنها تنكر، فإن كان لك شهداء (¬2) جلدتها حدًّا، وإلا جلدناك حد الفرية" فقال: يا رسول اللَّه ما ¬

_ (¬1) في الأصول: الذي. والمثبت من مصادر التخريج. (¬2) في (ل)، (م): شاهدًا. والمثبت من مصادر التخريج.

لي من يشهد (¬1). (فجلده رسول اللَّه حد الفرية) بكسر الفاء: الافتراء بالكذب، والمراد به هاهنا: القذف (ثمانين) على الحر، وعلى الرقيق والمكاتب والمبعض أربعون جلدة، وروي في "الموطأ" أن عمر بن عبد العزيز جلد عبدًا في فرية ثمانين. قال أبو الزناد: فسألت عبد اللَّه بن عامر بن ربيعة عن ذلك، فقال: أدركت عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان والخلفاء، هلم جرا، فما رأيت أحدًا جلد عبدًا في فرية أكثر من أربعين (¬2). * * * ¬

_ (¬1) "مسند أبي يعلي" 5/ 58 (2649)، "المعجم الكبير" 10/ 292 (10701). (¬2) "الموطأ" 2/ 828.

32 - باب في الرجل يصيب من المرأة دون الجماع فيتوب قبل أن يأخذه الإمام

32 - باب فِي الرَّجُلِ يُصِيبُ مِن المَرْأَةِ دُونَ الجِماعِ فيَتُوبُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهُ الإِمامُ 4468 - حَدَّثَنا مُسَدَّدُ بْن مُسَرْهَدٍ، حَدَّثَنا أَبُو الأَحْوَصِ، حَدَّثَنا سِماكٌ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ والأَسْوَدِ قالا: قالَ عَبْدُ اللَّهِ: جاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ: إِنّي عالَجْتُ امْرَأَةً مِنْ أَقْصَى المَدِينَةِ، فَأَصَبْتُ مِنْها ما دُونَ أَنْ أَمَسَّها، فَأَنا هذا فَأَقِمْ عَلي ما شِئْتَ. فَقالَ عُمَرُ: قَدْ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْكَ لَوْ سَتَرْتَ عَلَى نَفْسِكَ. فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- شَيْئًا فانْطَلَقَ الرَّجُلُ فَأَتْبَعَهُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رَجُلًا فَدَعاهُ فَتَلا عَلَيْهِ {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ، فَقالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: يا رَسُولَ اللَّهِ أَلَهُ خاصَّةً أَمْ لِلنّاسِ كافَّةً؟ فَقالَ: "بَلْ لِلنَّاسِ كافَّةً" (¬1). * * * باب في الرجل يصيب من المرأة دون الجماع فيتوب قبل أن يأخذه الإمام [4468] (ثنا مسدد قال: ثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم (قال: ثنا سماك، عن إبراهيم) بن يزيد النخعي (عن) خاله (الأسود وعلقمة قالا: قال عبد اللَّه) بن مسعود (جاء رجل إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: يا رسول اللَّه، إني عالجت امرأة) قال النووي: أي: تناولتها واستمتعت بها (¬2) (من أقصى المدينة) أي: من أبعد جوانبها، وفي رواية ابن جرير من رواية ابن مسعود: وجدت امرأة في بستان، ففعلت بها كل شيء، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2763). (¬2) "مسلم بشرح النووي" 17/ 80.

قبلتها ولزمتها، غير أني لم أجامع (¬1). (فأصبت منها ما دون أن أمسها) بفتح الميم والسين، المراد بالمس هنا الجماع، ومعناه: استمتعت بالقبلة والمعانقة ومس اليد وغير ذلك من جميع أنواع الاستمتاع إلا الجماع (فأنا هذا، فأقم عليَّ ما شئت) فيه جواز الاعتراف في الدنيا بما وقع منه خوفًا من عذاب الآخرة. زاد ابن جرير: فلم يقل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شيئًا. (فقال عمر -رضي اللَّه عنه-: قد ستر اللَّه عليك) فيه جواز كلام من دون الإمام، إذا سئل عن شيء فلم يتكلم فيه بشيء (لو سترت على نفسك) فيه فضيلة ستر الإنسان على نفسه، ويدل عليه رواية مالك في "الموطأ" من مراسيل ابن شهاب عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "من بلي بشيء من هذِه القاذورات فليستتر" (¬2) (ولم يرد عليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شيئًا) لينتظر -واللَّه أعلم- ما يوحى إليه في أمره (فأتبعه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رجلًا فدعاه وتلا عليه: ) هذِه الآية ({وَأَقِمِ الصَّلَاةَ}). لا خلاف أن المأمور بإقامتها الصلوات الخمس المكتوبة، وإقامتها: دوامها، وقيل: أداؤها على تمامها، وقيل: فعلها في أفضل أوقاتها ({طَرَفَيِ النَّهَارِ}) منصوب على الظرف، وظرف الشيء يقتضي أن يكون من الشيء، فالذي يظهر أنهما الصبح والعصر؛ لأنهما طرفا النهار. وقال مجاهد ومحمد بن كعب: الطرف الأول: الصبح، والثاني: الظهر والعصر. وجعل الظهر من الطرف الثاني ليس بواضح، ¬

_ (¬1) "جامع البيان" 12/ 135. (¬2) "الموطأ" 2/ 825.

إنما الظهر نصف النهار، والوسط لا يسمى طرفًا، إلا بمجاز بعيد. ولا تجعل العرب طرف النهار إلا بمجاز، إنما هو طرف الليل. ({وَزُلَفًا}) جمع زلفة، كظلم جمع ظلمة. وقرأ ابن محيصن بإسكان اللام كبسر جمع بسرة، فهي اسم جنس. قال الليث: الزلفة: طائفة. ({مِنَ}) أول ({اللَّيْلِ}) وقال ثعلب: الزلفة: أول ساعة من الليل (¬1). وقال أبو عبيدة (¬2) والأخفش وابن قتيبة (¬3): الزلف: ساعات الليل، وآناؤه وكل ساعة. وأصل الكلمة من الزلفى وهي: القربة، يقال: أزلفه فازدلف أي: قربه فاقترب. (إلى آخر الآية فقال رجل من القوم: ) روى ابن منده في "الصحابة" (¬4) أن السائل عمرو بن غزية، وأن القائل له خاصة عمر بن الخطاب، وذكر النسائي في "تفسيره" أن السائل هو أبو اليسر كعب بن عمرو الأنصاري (¬5) (أله خاصة) [نصب على المصدر] (¬6) (أم للناس؟ ) عامة (قال: بل (¬7) للناس كافة) هكذا تستعمل (كافة) حالًا، أي: كلهم، ولا تضاف فيقال: كافة الناس. ولا الكافة. بالألف واللام، فهو معدود في ¬

_ (¬1) انظر: "فقه اللغة" 1/ 37. (¬2) "مجاز القرآن" 1/ 300. (¬3) "غريب القرآن" ص 210. (¬4) لم أقف عليه في المطبوع الذي بين يدي وقد رواه بنحوه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" 4/ 1950 في ترجمة عمرو بن غزية. (¬5) "السنن الكبرى" 6/ 366. (¬6) ما بين المعقوفتين من (م). (¬7) ساقطة من (م)، وفوقها في (ل): (ح). وليست في "السنن".

تصحيف العوام. فيه دلالة على أن الصلوات تكفر المعاصي، وروى (¬1) البزار من حديث ابن عباس، فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صل أربع ركعات" فأنزل اللَّه تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} الآية (¬2). ورجاله رجال الصحيح (¬3). * * * ¬

_ (¬1) في (م): وذكر. (¬2) "كشف الأستار" 3/ 52 - 53 (2219). (¬3) قاله الهيثمي في "المجمع" 7/ 39.

33 - باب في الأمة تزني ولم تحصن

33 - باب فِي الأَمَةِ تَزْني وَلَمْ تُحْصَنْ 4469 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خالِدٍ الجُهَني أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- سُئِلَ عَنِ الأَمَةِ إِذا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَنْ قالَ: "إِنْ زَنَتْ فاجْلِدُوها، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فاجْلِدُوها، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فاجْلِدُوها، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَبِيعُوها وَلَوْ بِضَفِيرٍ". قالَ ابن شِهابٍ: لا أَدْري في الثّالِثَةِ أَوِ الرّابِعَةِ والضَّفِيرُ الحَبْلُ (¬1). 4470 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، حَدَّثَني سَعِيدُ بْنُ أَبي سَعِيدٍ المَقْبُري، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِذا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَحُدَّها وَلا يُعَيِّرْها ثَلاثَ مِرارٍ، فَإِنْ عادَتْ في الرّابِعَةِ فَلْيَجْلِدْها وَلْيَبِعْها بِضَفِيرٍ أَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ" (¬2). 4471 - حَدَّثَنا ابن نُفَيْلٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبي سَعِيدٍ المَقْبُري، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بهذا الحَدِيثِ قالَ في كُلِّ مَرَّةٍ: "فَلْيَضْرِبْها كِتابُ اللَّهِ وَلا يُثَرِّبْ عَلَيْها". وقالَ في الرّابِعَةِ: "فَإِنْ عادَتْ فَلْيَضْرِبْها كِتابُ اللَّهِ، ثُمَّ لْيَبِعْها وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ" (¬3). * * * باب في الأمة تزني ولم تحصن [4469] (ثنا عبد اللَّه بن مسلمة، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2153)، ومسلم (1701). (¬2) رواه مسلم (1703). (¬3) رواه البخاري (2152)، ومسلم (1703).

رضي اللَّه عنهما، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سُئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن) اختلفوا في تأويل قوله: (لم تحصن) فقيل: لم تعتق، ويكون فائدته أنها لو زنت وهي مملوكة فلم يجلدها سيدها حتى عتقت لم يكن له سبيل إلى جلدها، والإمام هو الذي يقيم ذلك عليها إذا ثبت عنده، وقيل: ما لم تتزوج. وفائدة ذلك أنها إذا تزوجت لم يكن للسيد أن يجلدها لحق الزوج؛ إذ قد يضره ذلك، وهذا مذهب مالك، إذا لم يكن الزوج ملكًا للسيد، فلو كان جاز للسيد ذلك؛ لأن حقهما حقه. وقيل: لم تسلم. وفائدته أن الكافرة لا تحد، وإنما تعزر وتعاقب، وعلى هذا فيكون الجلد المأمور به في هذا الحديث على جهة التعزير لا الحد. (قال: إن زنت فاجلدوها) قال النووي: مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد وجماهير علماء هذِه الأمة، وجوب جلد الأمة إذا زنت، سواء كانت مزوجة أم لا. وقال جماعة من السلف: لا حد على من لم تكن مزوجة من الإماء والعبيد، ممن قاله ابن عباس وطاوس وعطاء وابن جريج وأبو عبيد (¬1). (ثم إن زنت فاجلدوها) أمر الأسياد (¬2) بجلد الإماء الزواني والعبيد، وبه قال الجمهور خلا أبي حنيفة وأصحابه فإنهم قالوا: لا يقيم الحد إلا السلطان (¬3). وهذا الحديث وغيره حجة عليهم. وفي معنى حد الزنا سائر ¬

_ (¬1) "مسلم بشرح النووي" 11/ 214. (¬2) في (م): الإنسان. (¬3) انظر: "بدائع الصنائع" 7/ 57.

الحدود، وفيه: أن العبد والأمة لا يرجمان، سواء كانا مزوجين أم لا؛ لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (فاجلدوها) ولم يفرق بين مزوجة وغيرها. (ثم إن زنت فاجلدوها) فيه: أن الزاني إذا زنى حد، ثم إن زنى ثانيا يلزمه حد آخر، فإن زنى ثالثًا لزمه حد آخر، هكذا أبدا، فأما إذا زنى مرات ولم يحد لواحدة منهن فيكفيه حد واحد. (ثم إن زنت فبيعوها) هذا البيع المأمور به مستحب ليس بواجب عندنا وعند الجمهور، وقال داود وأهل الظاهر: هو واجب تمسكًا بظاهر الأمر (¬1). والجمهور صرفوه عن ظاهره تمسكا بالأصل الشرعي؛ وهو أنه لا يجبر أحد على إخراج ملكه لملك آخر بغير الشفعة، ولو وجب ذلك عليه لجبر عليه، ولم يجبر عليه فلا يجب. (ولو) للتقليل والتحقير (بضفير) بفتح الضاد المعجمة، وكسر الفاء، وبالراء في آخره، وهو الحبل كما سيأتي، وفيه: جواز بيع الشيء الثمين بثمن حقير، وهذا مجمع عليه؛ إذا كان البائع عالما به، فإن كان جاهلًا به فكذلك عندنا وعند الجمهور، وقد استنبط بعض العلماء من هذا الحديث جواز البيع بالغبن الفاحش؛ لأنه بيع خطير بثمن يسير، وهذا ليس بصحيح؛ لأن الغبن المختلف فيه [إنما هو مع الجهالة من المغبون] (¬2)، وإذا باعها سيدها لزمه أن يبين عيبها وهو الزنا، فإنه عيب لا يحل كتمه فإن قيل: إذا كان المقصود إبعاد الزانية فلا يجوز لأحد شراؤها؛ لأنها مما قد أمر بإبعادها. ¬

_ (¬1) انظر: "المحلى" 12/ 78. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من "المفهم" 5/ 121، لا يستقيم السياق إلا بها.

والجواب أنها مال فلا يضاع؛ للنهي عن إضاعة المال ولو أطلقت وسُيبت لكان ذلك إغراء لها بالزنا وتمكينًا منه فلم يبق إلا بيعها، ولعل السيد الثاني يُعفها بالوطء، أو يبالغ في التحرز بها فيمنعها من ذلك، وذكر البيع مثال لا شرط في المسألة ولو وهبها أو عتقها أو زوجها لفقير يكون كفؤًا لها كان أولى، واللَّه أعلم. (قال) محمد (ابن شهاب) أحد الرواة (لا أدري) هل قال: بيعوها (في الثالثة أو الرابعة. والضفير) المذكور (الحبل) المضفور فعيل بمعنى مفعول. [4470] (ثنا مسدد قال: ثنا يحيى) بن سعيد. (عن عبيد اللَّه (¬1) قال: حدثني سعيد بن أبي سعيد (¬2) المقبري) كان جارًا للمقبرة. (عن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إذا زنت أمة أحدكم فيلجلدها، ثلاثا البتة، ولا يعيرها) لا يجمع بين العقوبة باليد وباللسان (ثلاث مرار) والتثليث وردت به السنة في مواضع كثيرة من الطهارات وغيرها (فإن عادت في الرابعة فليجلدها وليبعها ولو بضفير أو بحبل من شعر) لأنه أكثر حبالهم، وهذا خرج مخرج التقليل والتزهيد في الجارية الزانية، فكأنه قال: بعها بما تيسر. [4471] (ثنا ابن نفيل) بضم النون مصغر (قال: ثنا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه) أبي ¬

_ (¬1) في الأصول: بن حسن، وهو خطأ، والمثبت من "سنن أبي داود"، وهو عبد اللَّه بن عمر العمري. (¬2) فوقها في (ل): (ع).

سعيد (عن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بهذا الحديث قال في كل مرة: فليضربها، كتاب اللَّه) (¬1) منصوب بحذف حرف الجر، أي: بكتاب اللَّه كما في "الصحيح" فلما حذف حرف الجر انتصب (كتاب اللَّه) المذكور في قوله تعالى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} (¬2) يعني: الحرائر المذكورات في قوله تعالى: {فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (¬3) (ولا يثرب) بالثاء المثلثة أي: لا يعير كما في الرواية السابقة، أي: لا يعيرها بالزنا، وروى ثعلب عن ابن الأنباري، عن أبي العباس: التثريب: التوبيخ. يقال: ثرب وأثرب إذا وبخ، ومنه قوله تعالى: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ} (¬4)، وروى ابن الأنباري عن أبي العباس: ثرب فلان على فلان إذا عدد عليه ذنوبه، قال الشاعر: وعفوت عنهم عفو غير مثرب ... وتركتهم لعقاب يوم سرمد قال أبو حيان في الآية: أي: لا أثرب بكم اليوم الذي هو مظنة التثريب، فما ظنكم بغيره من الأيام (¬5)؟ ! (عليها، وقال في الرابعة: فإن عادت) إلى الزنا (فليضربها، كتاب اللَّه) أي: لا يزيد على ما ورد في كتاب اللَّه تعالى لا بضرب ولا بتثريب (ثم ¬

_ (¬1) بعدها في (ل)، (م): بكتاب اللَّه. (¬2) النساء: 25. (¬3) النور: 2. (¬4) يوسف: 92. (¬5) "البحر المحيط" 5/ 343.

ليبعها ولو بحبل من شعر) هو مثال لا شرط، والمقصود: ولو بشيء يسير، ولعله ذكر الحبل الشعر دون غيره؛ لأنه ذكره بعد الضرب، وهو آلة الضرب. * * *

34 - باب في إقامة الحد على المريض

34 - باب فِي إِقامَةِ الحَدِّ عَلَى المَرِيضِ 4472 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن سَعِيدٍ الهَمْدانيُّ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَني يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ، قالَ: أَخْبَرَني أَبُو أُمامَةَ بْنُ سَهْلٍ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بَعْضُ أَصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنَ الأَنْصارِ أَنَّهُ اشْتَكَى رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى أُضْني فَعادَ جِلْدَةً عَلَى عَظْمٍ، فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ جارِيَةٌ لِبَعْضِهِمْ فَهَشَّ لَها فَوَقَعَ عَلَيْها، فَلَمّا دَخَلَ عَلَيْهِ رِجالُ قَوْمِهِ يَعُودُونَهُ أَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ، وقالَ: اسْتَفْتُوا لي رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فإِنّي قَدْ وَقَعْتُ عَلَى جارِيَةٍ دَخَلَتْ عَلَيَّ. فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَقالُوا: ما رَأَيْنا بِأَحَدٍ مِنَ النّاسِ مِنَ الضُّرِّ مِثْلَ الذي هُوَ بِهِ لَوْ حَمَلْناهُ إِلَيْكَ لَتَفَسَّخَتْ عِظامُهُ ما هُوَ إِلا جِلْدٌ عَلَى عَظْمٍ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْ يَأْخُذوا لَهُ مِائَةَ شِمْراخٍ فَيَضْرِبُوهُ بِها ضَرْبَةً واحِدَةً (¬1). 4473 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا إِسْرائِيلُ، حَدَّثَنا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ أَبي جَمِيلَةَ، عَنْ عَلي -رضي اللَّه عنه- قالَ: فَجَرَتْ جارِيةٌ لآلِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ: "يا عَليُّ انْطَلِقْ فَأَقِمْ عَلَيْها الحَدَّ". فانْطَلَقْتُ فَإِذا بِها دَمٌ يَسِيلُ لَمْ يَنْقَطِعْ فَأَتَيْتُهُ، فَقالَ: "يا عَليُّ أَفَرَغْتَ؟ ". قُلْتُ: أَتَيْتُها وَدَمُها يَسِيلُ. فَقالَ: "دَعْها حَتَّى يَنْقَطِعَ دَمُها، ثُمَّ أَقِمْ عَلَيْها الحَدَّ، وَأَقِيمُوا الحُدُودَ عَلَى ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ". قالَ أَبُو داوُدَ: وَكَذَلِكَ رَواهُ أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى، وَرَواهُ شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى فَقالَ فِيهِ: "لا تَضْرِبْها حَتَّى تَضَعَ". والأَوَّلُ أَصَحُّ (¬2). * * * ¬

_ (¬1) رواه ابن الجارود في "المنتقى" (817)، والبيهقي 10/ 64. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". (¬2) رواه مسلم (1705).

باب في إقامة الحد على المريض [4472] (ثنا أحمد بن سعيد الهمداني قال: ثنا ابن وهب قال: أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي. (عن ابن شهاب قال: أخبرني أبو أمامة) أسعد (بن سهل بن حنيف أنه أخبره بعض أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من الأنصار) رواه ابن ماجه، وزاد في "شرح السنة": أن سعد بن عبادة (¬1). ورواه البيهقي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن سعيد بن سعد (¬2) بن عبادة وهو أنصاري قال: كان بين أبياتنا رجل (¬3). (أنه اشتكى رجل منهم حتى أُضني) بضم الهمزة، وسكون الضاد المعجمة، وكسر النون. أي: من المرض، قال ابن الأثير: أضني الرجل، أي: نزل به الضنا، وهو السقم والمرض (¬4). قال الجوهري: أضناه المرض. أي: أثقله (¬5). (فعاد جلده جلدًا) بالنصب والتنوين، أي: صار جسمه من شدة الضنا جلدة راكبة (على عظم) فليس على عظمه غير الجلدة لا لحم ولا غيره، (فدخلت عليه جارية لبعضهم) أي: لرجل من الأنصار (فهش) بفتح الهاء ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (2574)، "شرح السنة" 10/ 303 (2591). (¬2) في (ل)، (م): سعد بن سعيد، وهو خطأ، والمثبت من "السنن الكبرى" ومصادر ترجمته فهو صحابي بن صحابي أخو قيس بن سعد بن عبادة. (¬3) "السنن الكبرى" 8/ 400. (¬4) "جامع الأصول" 3/ 607. (¬5) "الصحاح" 6/ 2410.

(لها) أي: ارتاح ونشطت نفسه لها واشتهتها (فوقع عليها، فلما دخل عليه رجال من قومه يعودونه) فيه: فضيلة عيادة المريض جماعة، وأن العيادة للرجال دون النساء (أخبرهم بذلك وقال: استفتوا لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-). فيه: الاستنابة في الاستفتاء لمن عجز عن الذهاب إلى المفتي (فإني قد وقعت على جارية دخلت علي) فيه جواز دخول الجارية إلى بيوت الجيران؛ لأخذ متاع ونحوه، وإن كان في الدار رجل إذا كان فيها نساء ثقات أو زوجته ونحوها من محارمه. (فذكروا ذلك لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقالوا: ما رأينا بأحد من الناس من الضر) ضرًّا (مثل) بالنصب الضرر (الذي هو به) من شدة المرض (لو حملناه إليك لتفسخت عظامه) بعضها من بعض (ما هو إلا جلد على عظم) أي: لصق جلده على عظمه ويبس عليه. (فأمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) أي: أمرهم (أن يأخذوا له مئة شمراخ) أي: عرجون عليه مئة شمراخ فأكثر من الشماريخ التي يكون عليها البسر، رواية الترمذي عن أبي أمامة بن سهل أيضًا: فأرسل إليه فأتي به محمولا، فوضع بين يديه فاعترف، فدعا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بإثكال فضربه (¬1). والإثكال بكسر الهمزة، وبالثاء المثلثة هو العرجون الذي يكون عليه الرطب بمنزلة العنقود للعنب، وهو العثكال بكسر العين ويقال فيهما: عثكول وأثكول. (فيضربوه بها ضربة واحدة) فيه حجة لمذهب الشافعي (¬2) ومن وافقه ¬

_ (¬1) هو عند النسائي في "المجتبى" 8/ 242. (¬2) "الأم" 7/ 382، وانظر: "نهاية المطلب" 17/ 190.

على أن من وجب عليه حد الجلد وكان مريضا لا يرجى زوال مرضه كالسل والزمانة والجذام، أو كان نحيفًا ضعيف الخلقة لا يحتمل السياط لا يؤخر جلده، إذ لا غاية تنتظر، لكن لا يضرب بالسياط؛ لئلا يهلك؛ بل يضرب بعثكال عليه مئة شمراخ فأكثر إن كان حرًّا، وخمسون شمراخًا (¬1) إن كان رقيقًا ضربة واحدة، ويشترط أن تمسه الشماريخ كلها، أو يتلبس بعضها على بعض بحيث يحصل بسببها على المضروب ويناله ألمها، ولو كان على الشمراخ خمسون شمراخا ضربناه إذا كان حرًّا به ضربتين ولا يتعين الضرب بالعثكال، بل يقوم مقامه أطراف الثياب ونحوها، ولو كان يحتمل كل يوم ضربة بالسياط لم يفرق السياط؛ بل يحد في الحال بالعثكال. وقال مالك: يضرب بالسياط متفرقة على الأيام. وقال أبو حنيفة: يجمع مئة سوط ويضرب بها ضربة واحدة، والحديث حجة للشافعي؛ ولأنه يقرر في الشرع أن الضرب بالعثكال يبر به الحالف في حق الصحيح، قال الإمام: والذي أراه أنه يضرب بالسوط الخفيف؛ لأنه أقرب إلى صورة الحد (¬2). [4473] (ثنا محمد بن كثير قال: أنا إسرائيل، قال: ثنا عبد الأعلى) ابن عامر الثعلبي ضعفه أحمد (¬3) (عن أبي جميلة) (¬4) بفتح الجيم ميسرة بن ¬

_ (¬1) في (ل)، (م) شمراخ. والجادة ما أثبتناه. (¬2) "نهاية المطلب" 17/ 192. (¬3) "العلل" 1/ 127. (¬4) ساقطة من (م).

يعقوب الطُّهوي بضم الطاء المهملة، وفتح الهاء، قاله ابن الأثير (¬1)، الكوفي، صاحب راية علي -رضي اللَّه عنه-. (عن علي -رضي اللَّه عنه- قال: فجرت جارية لآل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) قال القرطبي: هذِه الرواية أحسن من رواية مسلم: فإن أمة لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- زنت (¬2). وأليق بحال من ينتسب لحضرة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وملكه، استشهادا لما شهد اللَّه له به من الطهارة لذلك الجناب الكريم كما قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} (¬3) قال: والظاهر أن هذِه الجارية كانت لبعض عشيرته، ويليق بمن كان في مثل هذا البيت الكريم. ومن صح [له] (¬4) هذا الملك الشريف أن يقع منه فاحشة الزنا، هذا واللَّه من البعد على الغاية القصوى، فإن العبد من طينة سيده، وهذا مع احتمال أن يراد بآل محمد نفسه كقوله: "لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل (¬5) داود" (¬6) ولعل هذِه الأمة كانت قريبة عهد بالجاهلية، ولكن الأول أليق وأسلم (¬7). (فقال: يا علي، انطلق فأقم عليها الحد) فيه: جواز إقامة النيابة في ¬

_ (¬1) "جامع الأصول" 12/ 548. (¬2) "صحيح مسلم" (1705). (¬3) الأحزاب: 33. (¬4) ساقطة من الأصول. والمثبت من "المفهم". (¬5) ساقطة من (م). (¬6) رواه البخاري (5048)، ومسلم (793/ 236). (¬7) انتهى من "المفهم" 5/ 124 - 125.

إقامة الحدود. (فانطلقت فإذا بها دم يسيل لم ينقطع) رواية مسلم والترمذي: فإذا هي قريبة عهد بنفاس فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها (¬1) (فأتيته) وزاد: فذكرت ذلك للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2) (فقال: يا علي، أفرغت؟ ) عليها (قلت: أتيتها ودمها يسيل) ولم ينقطع. (فقال: دعها حتى ينقطع دمها) ورواية مسلم والترمذي: فقال: "أحسنت" (¬3) وفي ترك علي جلدها تسويغ الاجتهاد، ألا ترى أن عليا -رضي اللَّه عنه- ترك ظاهر الأمر بالجلد مخافة أمر آخر، هو أولى بالمراعاة فحسنه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- له وصوبه، ولو كان الأمر على ما ارتكبه أهل الظاهر من الأصول الفاسدة لجلدها وإن هلكت، وفيه أن الجلد واجب على الأمة الزانية، وأن النفساء والمريضة يؤخر جلدها إلى البرء. (ثم أقم عليها الحد) إذا انقطع دمها، فيه تأخير الحد إلى الانقطاع، بخلاف الصلاة إذا دخل وقتها فإنه يصليها المريض قاعدًا، وإن لم يستطع فمضطجعًا، والفرق بينهما أن الصلاة وقتها محدود قصير وفعلها في وقتها، وبعد خروج الوقت قضاء فلم تؤخر عن وقت الأداء، لفوات فضيلتها، وليس في الحد شيء من ذلك فأخر. (وأقيموا) والخطاب فيه للأسياد (الحدود) يعم جميع الحدود، لكن اختلفوا في بعضها: ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1705)، "سنن الترمذي" (1441). (¬2) السابق. (¬3) السابق.

فقال مالك (¬1) في المشهور عنه والشافعي (¬2) وأحمد (¬3): للسيد أن يقيم على عبده وأمته الحد إذا قامت البينة عنده بذلك، وأقر بين يديه بحد الزنا والقذف وشرب الخمر، وغير ذلك. قال الشافعي: إن أحسن سماع البينة سمع، وإلا رفع إلى من يستمع، ثم أقام هو الحد. وقال أبو حنيفة: ليس له ذلك، بل يرده إلى الإمام (¬4). والحديث حجة عليه. فإن كانت الأمة ذات زوج فاختلفوا، فقال أحمد وأبو حنيفة: ليس ذلك للسيد بحال؛ بل هو إلى الإمام. وقال الشافعي: ذلك إلى الإمام بكل حال. وروى الطبراني عن إبراهيم أن معقل بن مقرن المزني جاء إلى عبد اللَّه فقال: إن جارية له زنت. فقال: اجلدها خمسين جلدة. قال: ليس لها زوج. قال: إسلامها إحصانها (¬5). ورجاله رجال الصحيح إلا أن إبراهيم لم يلق ابن مسعود (¬6). (على ما ملكت إيمانكم) يدخل فيها العبيد والإماء مزوجين أو غير مزوجين (قال أبو داود: وكذلك رواه أبو الأحوص عن عبد الأعلى، ورواه شعبة عن عبد الأعلى، فقال فيه): قال: (لا تضربها حتى تضع) أي: ما في بطنها من الولد وما معه، ويحمل الدم الذي يسيل منها أنه ما تجده ¬

_ (¬1) انظر: "التمهيد" 9/ 105، "الذخيرة" 12/ 85. (¬2) "الأم" 7/ 340 - 341. (¬3) انظر: "المغني" 12/ 334. (¬4) انظر: "المبسوط" 9/ 80. (¬5) "المعجم الكبرى" 9/ 340 (9691). (¬6) قاله الهيثمي في "مجمع الزوائد" 6/ 270.

الحامل عند الطلق، وسمي في مسلم نفاسًا (¬1)؛ باعتبار ما يصير إليه أمرها من النفاس (والأول أصح) إسنادًا من إسناد (¬2) هذا. * * * ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1705). (¬2) في (م): أسانيد.

35 - باب في حد القذف

35 - باب فِي حَدِّ القَذْفِ 4474 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّقَفي وَمالِكُ بْن عَبْدِ الواحِدِ المِسْمَعي -وهذا حَدِيثُهُ- أَنَّ ابن أَبي عَدي حَدَّثَهُمْ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها، قالَتْ: لَمّا نَزَلَ عُذْري قامَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عَلَى المِنْبَرِ فَذَكَرَ ذاكَ وَتَلا -تَعْني: القُرْآنَ- فَلَمّا نَزَلَ مِنَ المِنْبَرِ أَمَرَ بِالرَّجُلَيْنِ والمَرْأَةِ فَضرِبُوا حَدَّهُمْ (¬1). 4475 - حَدَّثَنا النُّفَيْلي، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ بهذا الحَدِيثِ لَمْ يَذْكُرْ عائِشَةَ، قالَ: فَأَمَرَ بِرَجُلَيْنِ وامْرَأَةٍ مِمَّنْ تَكَلَّمَ بِالفاحِشَةِ حَسّانَ بْنِ ثابِتٍ وَمِسْطَحِ بْنِ أُثاثَةَ. قالَ النُّفَيْلي: وَيَقُولُونَ: المَرْأَةُ حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ (¬2). * * * باب في حد القذف [4474] (ثنا قتيبة (¬3) بن سعيد) بن جميل (الثقفي) مولاهم البغلاني بغلان بلخ (ومالك بن عبد الواحد) أبو غسان (المسمعي) بكسر الميم الأولى، شيخ مسلم (وهذا حديثه، أن) محمد بن إبراهيم (ابن أبي عدي حدثهم عن محمد بن إسحاق، عن عبد اللَّه (¬4) بن أبي بكر) بن ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3181)، وابن ماجه (2567)، وأحمد 6/ 35، والنسائي في "الكبرى" (7351). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود". (¬2) رواه البيهقي 8/ 250. وقال الألباني في "صحيح أبي داود": حسن لغيره. (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) فوقها في (ل): (ع).

محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري (عن عمرة) بنت عبد الرحمن خالة أبيه ثقة كثيرة الحديث. (عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: لما نزل عذري) بالبراءة (قام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) خطيبًا على المنبر (فذكر ذلك) لأصحابه (وتلا) عليهم (تعني: القرآن): {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} (¬1) الآيات في إظهار براءة من تكلم فيه على رؤوس الناس، والزجر عن الوقوع في أعراض المسلمين. (فلما نزل من المنبر أمر بالرجلين والمرأة) الآتي ذكرهم (فضربوا حدهم) أي: حد الفرية، وهو ثمانون جلدة، إذا كان القاذف حرًّا للآية والإجماع (¬2)، وفيه أن الثمانين تجب على المرأة كما تجب على الرجل، لكن بشرط أن يكونا بالغين عاقلين غير مكرهين. [4475] (ثنا النفيلي، قال: ثنا محمد بن سلمة) بن عبد اللَّه الباهلي من رواة مسلم (عن محمد بن إسحاق) عن عبد اللَّه (بهذا الحديث) المتقدم (ولم يذكر عائشة) فيما تلاه من القرآن. (قال: فأمر برجلين وامرأة ممن تكلم بالفاحشة) روى الطبراني بسنده إلى سعيد بن جبير: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ} (¬3) يعني: أن تفشو ويظهر الزنا {فِي الَّذِينَ آمَنُوا}. يعني: صفوان وعائشة (¬4). ¬

_ (¬1) النور: 11. (¬2) انظر: "مراتب الإجماع" ص 134، "بداية المجتهد" 4/ 1733. (¬3) النور: 19. (¬4) "المعجم الكبير" 23/ 146 (214).

والذي تكلم بالفاحشة (حسان بن ثابت) بن المنذر الأنصاري الخزرجي من فحول الشعراء في الجاهلية والإسلام، شاعر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (ومِسطح) بكسر الميم (ابن أثاثة) بفتح الهمزة، وتخفيف الثاء المثلثة ابن عبادة بن المطلب القرشي، شهد بدرًا وأحدًا والمشاهد التي بعدها. (قال) عبد اللَّه (النفيلي: ويقولون: المرأة حمنة) بفتح الحاء المهملة (بنت جحش) أخت زينب زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الأسدية، وكانت تحت مصعب ابن عمير فقتل عنها يوم أحد، فتزوجها طلحة بن عبيد اللَّه. * * *

36 - باب الحد في الخمر

36 - باب الحَدِّ في الخَمْرِ 4476 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلي وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى -وهذا حَدِيثُهُ- قالا: حَدَّثَنا أَبُو عاصِمٍ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلي بْنِ رُكانَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمْ يَقِتْ في الخَمْرِ حَدّا. وقالَ ابن عَبّاسٍ: شَرِبَ رَجُلٌ فَسَكِرَ فَلُقي يَمِيل في الفَجِّ، فانْطُلِقَ بِهِ إِلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَلَمّا حاذى بِدارِ العَبّاسِ انْفَلَتَ فَدَخَلَ عَلَى العَبّاسِ فالتَزَمَهُ فَذكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَضَحِكَ وقالَ: " أَفَعَلَها؟ ! ". وَلَمْ يَأْمُرْ فِيهِ بِشَيء. قالَ أَبُو داوُدَ: هذا مِمّا تَفَرَّدَ بِهِ أَهْلُ المَدِينَةِ حَدِيثُ الحَسَنِ بْنِ عَلي هذا (¬1). 4477 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا أَبُو ضَمْرَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الهادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْراهِيمَ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أُتي بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ فَقالَ: "اضْربُوهُ". قالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمِنّا الضّارِبُ بِيَدِهِ، والضّارِبُ بِنَعْلِهِ، والضّارِبُ بِثَوْبِهِ، فَلَمّا انْصَرَفَ قالَ بَعْضُ القَوْمِ: أَخْزاكَ اللَّهُ. فَقالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تَقُوُلوا هَكَذا لا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطانَ" (¬2). 4478 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ داوُدَ بْنِ أَبي ناجِيَةَ الإِسْكَنْدَرانيُّ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَني يَحْيَى بْن أَيُّوبَ وَحَيْوَةُ بْن شُرَيْحٍ وابْن لَهِيعَةَ، عَنِ ابن الهادِ بِإِسْنادِهِ وَمَعْناهُ قالَ فِيهِ بَعْدَ الضَّرْبِ: ثُمَّ قالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لأَصْحابِهِ: "بَكِّتُوهُ". فَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ يَقُولُونَ: ما اتَّقَيْتَ اللَّهَ، ما خَشِيتَ اللَّهَ، وَما اسْتَحَيْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- ثمَّ أَرْسَلُوهُ وقالَ في آخِرِهِ: "ولكن قُولُوا: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ". وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 322، والنسائي في "الكبرى" (5290)، (5291)، والحاكم 4/ 373. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود". (¬2) رواه البخاري (6777).

الكَلِمَةَ وَنَحْوَها (¬1). 4479 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا هِشامٌ، ح وَحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ هِشامٍ -المَعْنَى- عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جَلَدَ في الخَمْرِ بِالجَرِيدِ والنِّعالِ وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ -رضي اللَّه عنه- أَرْبَعِينَ، فَلَمّا وَلى عُمَرُ دَعا النّاسَ فَقالَ لَهُمْ: إِنَّ النّاسَ قَدْ دَنَوْا مِنَ الرِّيفِ -وقالَ مُسَدَّدٌ: مِنَ القُرى والرِّيفِ- فَما تَرَوْنَ في حَدِّ الخَمْرِ؟ فَقالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: نَرى أَنْ تَجْعَلَهُ كَأَخَفِّ الحُدُودِ. فَجَلَدَ فِيهِ ثَمانِينَ. قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ ابن أَبى عَرُوبَةَ، عَنْ قَتادَةَ، عَنِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّهُ جَلَدَ بِالجَرِيدِ والنِّعالِ أَرْبَعِينَ. وَرَواهُ شُعْبَة، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: ضَرَبَ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوَ الأَرْبَعِينَ (¬2). 4480 - حَدَّثَنا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ وَمُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ -المَعْنَى- قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْن المُخْتارِ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ الدّاناجُ، حَدَّثَني حُضَيْنُ بْن المُنْذِرِ الرَّقاشيُّ -هُوَ أَبُو ساسانَ- قالَ: شَهِدْتُ عُثْمانَ بْنَ عَفّانَ وَأُتى بِالوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ فَشَهِدَ عَلَيْهِ حُمْرانُ وَرَجُلٌ آخَرُ، فَشَهِدَ أَحَدُهُما أَنَّهُ رَآهُ شَرِبَها -يَعْني: الخَمْرَ- وَشَهِدَ الآخَرُ أَنَّهُ رَآهُ يَتَقَيَّؤُها فَقالَ عُثْمان: إِنَّهُ لَمْ يَتَقَيَّأْها حَتَّى شَرِبَها. فَقالَ لِعَلي -رضي اللَّه عنه-: أَقِمْ عَلَيْهِ الحَدَّ. فَقالَ عَلي لِلْحَسَنِ: أَقِمْ عَلَيْهِ الحَدَّ. فَقالَ الحَسَنُ: وَلِّ حارَّها مَنْ تَوَلَّى قارَّها. فَقالَ عَلي لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ: أَقِمْ عَلَيْهِ الحَدَّ. قالَ: فَأَخَذَ السَّوْطَ فَجَلَدَهُ وَعَليٌّ يَعُدُّ فَلَمّا بَلَغَ أَرْبَعِينَ قالَ: حَسْبكَ جَلَدَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَرْبَعِينَ -أَحْسِبُهُ قالَ: - وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ، وَعُمَرُ ثَمانِينَ وَكُلٌّ سُنَّةٌ وهذا أَحَبُّ إِليَّ (¬3). 4481 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا، يَحْيَى عَنِ ابن أَبي عَرُوبَةَ، عَنِ الدّاناجِ، عَنْ ¬

_ (¬1) سبق برقم (4477). (¬2) رواه البخاري (6773)، ومسلم (1706). (¬3) رواه مسلم (1707).

حُضَيْنِ بْنِ المُنْذِرِ، عَنْ عَلي -رضي اللَّه عنه- قالَ: جَلَدَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- في الخَمْرِ وَأَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ، وَكَمَّلَها عُمَرُ ثَمانِينَ وَكُلٌّ سُنَّةٌ. قالَ أَبُو داوُدَ: وقالَ الأَصْمَعي: وَلِّ حارَّها مَنْ تَوَلَّى قارَّها وَلِّ شَدِيدَها مَنْ تَوَلَّى هَيِّنَها. قالَ أَبُو داوُدَ: هذا كانَ سَيِّدَ قَوْمِهِ حُضَيْنُ بْنُ المُنْذِرِ أَبُو ساسانَ (¬1). * * * باب الحد في الخمر [4476] (ثنا الحسن بن علي ومحمد بن المثنى وهذا حديثه، قال: ثنا أبو عاصم) الضحاك ابن مسلم (¬2) يعرف بالنبيل؛ لأن شعبة حلف أن لا يحدث الحديث شهرًا، فبلغ ذلك أبا عاصم فقصده، فدخل مجلسه وقال: حدث وغلامي العطار حر لوجه اللَّه كفارة عن يمينك. فأعجبه ذلك، وقال: أنت نبيل. (عن) عبد الملك (ابن جريج، عن محمد بن علي) بن يزيد (بن ركانة) المطلبي ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3). (عن عكرمة، عن ابن عباس أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يقت) بفتح الياء، وكسر القاف المخففة، وسكون التاء المثناة، أي: لم يوقت كما في رواية النسائي، يقال: وقت بالتخفيف يقت. وقرأ (¬4) الحسن وأبو جعفر: ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1707). (¬2) كذا في الأصول، وهو خطأ، والصواب: مخلد. انظر "تهذيب الكمال" 13/ 281. (¬3) "الثقات" 7/ 364، 9/ 34. (¬4) في (ل)، و (م): قال. وهو خطأ.

{وُقتت} بضم الواو وتخفيف القاف (¬1)، أي: عين لها وقتها الذي يشهدون فيه على الأمم (في الخمر حدًّا) قال الإمام: لو علمت الصحابة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حدًّا محدودًا لما عملت فيه برأيها ولا خالفته كما لم تفعل ذلك في سائر الحدود؛ ولعلهم فهموا أنه -عليه السلام- جلد نحو الأربعين على موجب اجتهاده في ذلك الرجل على ما يراه، ولا يصل به الأربعين (¬2). (وقال ابن عباس: شرب رجل) خمرًا (فسكر) منه (فلقي) بضم اللام، وكسر القاف المخففة، وهو (يميل) من السكر ميلا كثيرًا (في الفج) بتشديد الجيم، وهي الطريق الواسع (فانطلق به إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-)، فيه: أن من فعل فعلا يوجب الحد، يؤتى به إلى الحاكم وإن لم يأمر الحاكم بإتيانه. (فلما حاذى بدار العباس) بن عبد المطلب، يحتمل أن تكون الباء زائدة للتأكيد. رواية النسائي: فلما أن حاذوا به دار العباس (¬3). أي: صاروا بإزائها (انفلت) منهم (فدخل على العباس) مستجيرًا به (فالتزمه) وتمسك به (فذكر ذلك للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فضحك) أي: تبسم تعجبًا من خوفه وسرعة دخوله على عمه. (وقال: أفعلها؟ ! ) استفهام إنكار، أي: أفعل الفعلة القبيحة المنكرة؟ (ولم يأمر فيه بشيء) فيه: حجة للكوفيين؛ لأنه لما عرف دار العباس ¬

_ (¬1) انظر: "المحتسب" 2/ 344. (¬2) "نهاية المطلب" 17/ 333. (¬3) "السنن الكبرى" 3/ 254.

وعرف قرابته من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، دل على أنه لا يحد؛ لأن عندهم لا حد إلا على من (¬1) يعرف الرجل من المرأة. (قال أبو داود: هذا) (¬2) الحديث (مما تفرد به أهل المدينة) دون غيرهم. [4477] (ثنا قتيبة بن سعيد قال: ثنا أبو ضمرة) أنس بن عياض (عن يزيد) بن عبد اللَّه (بن) أسامة (الهاد عن محمد (¬3) بن إبراهيم) التيمي الفقيه. (عن أبي سلمة، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أتي برجل قد شرب) يعني: الخمر (فقال: اضربوه) إطلاقه يقتضي الضرب على جميع جسده؛ ليأخذ كل عضو منه حظه، لكن يتقى الوجه؛ لحديث مسلم (¬4). (قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده و) منا (الضارب بثوبه) أي: بطرف ثوبه إن كان له (و) منا (الضارب بنعله) إن كان له نعل، أي: ضرب كل منهم على حسب ما تيسر فعله. فيه: دليل على أصح من الأوجه الثلاثة، أنه يجوز الضرب بالأيدي والنعال وأطراف الثياب والسياط وغيرها، ولا يتعين السوط؛ لأنه الأصل، وبه ورد الحديث، والثاني: يتعين السوط؛ لما روى أبو يعلى بسنده إلى أبي جعفر قال: جلد علي رجلا من قريش الحد في ¬

_ (¬1) بعدها في (م): لم. (¬2) ليست في (ل)، (م)، أثبتناها من "السنن". (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) "صحيح مسلم" (2612) من حديث أبي هريرة، وهو عند البخاري (2559): =

الخمر أربعين جلدة بسوط له طرفان (¬1). والعامل لهذا الحديث على أنه كان هذا في أول زمان الإسلام، والثالث: أنه يتعين ما عدا السوط كما في الحديث (فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاه اللَّه. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا تقل (¬2) هكذا) فإن قيل: هذا معارض بما في الحديث أنه لعن شارب الخمر وعاصرها، ولعن كثيرًا من أهل المعاصي غيرهم، فالجواب: لا تعارض بحمد اللَّه تعالى، ووجه لعنته لأهل المعاصي يريد الملازمين لها؛ ليرتدع بذلك من فعلها أو سلك سبيلها والذي نهى عنه في هذا الحديث، والجارية التي زنت لا تثريب؛ لأن هذا أخذ منه الحد الذي جعله اللَّه تعالى تطهيرًا من الذنوب، فنهى عن لعنته؛ خشية أن يوقع الشيطان في قلبه وقلب سامعه أن من لعن بحضرة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولم يغير ذلك ولا نهى عنه فإنه يستحق العقوبة في الآخرة، وإن فاتته (¬3) العقوبة في الدنيا فينفره ذلك ويغويه. (لا تعينوا عليه الشيطان) أي: لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم كما في رواية البخاري (¬4)، قال المهلب: فيه بيان قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن" (¬5) يريد وهو مستكمل الإيمان، فليس بخارج عن الملة بشربه الخمر ولا بمعصية من المعاصي بقوله: "لا ¬

_ (¬1) "مسند أبي يعلى" 1/ 448 (599). (¬2) بعدها في (ل)، (م): لا تقولوا. وفوقها: خ. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) "صحيح أبي هريرة" (6781) من حديث أبي هريرة. (¬5) رواه البخاري (5578)، ومسلم (57) من حديث أبي هريرة.

تعينوا الشيطان على أخيكم" (¬1) فسماه أخًا في الإسلام، والمؤمن لا يلعن أخاه. [4478] (ثنا محمد بن داود بن أبي ناجية) بالنون والجيم المهري (الإسكندراني) وثقه النسائي (قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني يحيى (¬2) بن أيوب) الغافقي (وحيوة بن شريح و) عبد اللَّه (ابن لهيعة) بفتح اللام (عن) يزيد (ابن الهاد) عن محمد (بإسناده) المتقدم (ومعناه) المذكور. (وقال فيه بعد الضرب: ثم قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لأصحابه: بكتوه) بتشديد الكاف المكسورة، والتبكيت كالتقريع والتعنيف باللسان كما قالت الصحابة (فأقبلوا عليه يقولون) له (أما اتقيت اللَّه؟ ) أما خفت اللَّه؟ (أما خشيت) بكسر الشين (اللَّه وما استحييت) بسكون الحاء وتكرير المثناة تحت (من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ ثم أرسلوه وقال في آخره: ولكن قولوا: اللهم اغفر له اللهم ارحمه) أمرهم بالدعاء له زيادة على ما حصل له من التطهير؛ لأنه لما طهر بالحد استحق الدعاء له. (وبعضهم يزيد) على بعض (الكلمة) والكلمتين (ونحوها). [4479] (ثنا مسلم بن إبراهيم قال: ثنا هشام) الدستوائي (وثنا مسدد قال: ثنا يحيى) بن سعيد (عن هشام المعنى، عن قتادة، عن أنس بن مالك أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جلد في) حد شرب (الخمر بالجريد والنعال) والأيدي وأطراف الثياب كما تقدم. فيه دلالة على أنه لا يتعين في حد الخمر ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6781). (¬2) فوقها في (ل): (ع).

الضرب بالسياط، وهو مذهب الشافعي (¬1) وبعض أصحاب أحمد (¬2)، خلافًا لمالك (¬3) وأبي حنيفة (¬4). (وجلد أبو بكر أربعين) فيه وفي حديث علي الآتي: أن حد الخمر أربعون للحر؛ ولهذا كان علي يقول: في نفسي من حد شارب الخمر ثمانين شيء، ولو مات وديته؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يسنه. وحكى ابن عبد البر قولًا للشافعي أنه ثمانون كمذهب الأئمة الثلاثة (¬5)، واختاره ابن المنذر من أصحابنا. (فلما ولي) بفتح الواو، ورُوي بضمها مع تشديد اللام (عمر -رضي اللَّه عنه- دعا الناس) أي: استشار أناسا كما في رواية مسلم (¬6). (فقال لهم: إن الناس قد دنوا من الريف) وهي أرض الزرع والخصب، والجمع أرياف، يقال: أرفأت الأرض. إذا أخصبت، ورفأت الماشية. إذا رعت الريف وأريفنا، أي: صرنا إلى الريف. من "الصحاح" (¬7)، ويعني بذلك أن بلاد الشام وغيرها لما فتحت وكثرت الكروم والبساتين والمدائن فشا في الناس شرب الخمر، فشاور عمر الصحابة في التشديد في العقوبة. ¬

_ (¬1) انظر: "الأوسط" 13/ 23، "الحاوي" 13/ 412، "البيان" 12/ 527. (¬2) انظر: "المغني" 12/ 508 - 509. (¬3) "المدونة" 4/ 514. (¬4) انظر: "النتف في الفتاوى" 2/ 646، "المبسوط" 9/ 71. (¬5) "الاستذكار" 24/ 269. (¬6) "صحيح مسلم" (1706/ 35). (¬7) "الصحاح" 4/ 1367.

(وقال مسدد) دنا الناس (من القرى والريف) فجمع بينهما كما في رواية مسلم (¬1)، ووجد زمن خلافة عمر -رضي اللَّه عنه-، قال عمر: (فما ترون في حد الخمر؟ ) أي: شاور الصحابة في التشديد في العقوبة في الخمر لما كثرت الأعناب، واشتهر شرب الخمر في الناس، فتفاوضوا في ذلك (فقال عبد الرحمن بن عوف: نرى) أن تزيد فيه (أن تجعله كأخف الحدود) أي: حدود الأحرار (فجلد فيه ثمانين) جلدة، واتفقوا على إلحاقه بحد القذف؛ لأنه أخف الحدود. وفي "الموطأ" أن عمر لما استشارهم قال علي: نرى أن تجلده ثمانين؛ فإنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى (¬2). فصرح بكيفية الإلحاق، وحاصلها أنه صرح بأنه أقام السكر مقام القذف؛ لأنه لا يخلو عنه غالبًا، فأعطاه حكمه، وصار الحكم معللا بالمظنة؛ لأنه مظنة الافتراء كما أن السفر مظنة المشقة. (قال أبو داود: رواه) سعيد (ابن أبي عروبة) مهران أبو (¬3) النضر اليشكري (عن قتادة) عن أنس (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه جلد بالجريد والنعال أربعين) في قوله: (جلد (¬4) بالجريد والنعال) تقييد لإطلاق الجلد المذكور في رواية معاوية الآتية: "إذا شربوا الخمر فاجلدوهم" (¬5) ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (36/ 1706). (¬2) "الموطأ" 2/ 842. (¬3) في (ل)، (م): أبي. وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه. (¬4) ساقطة من (م). (¬5) يأتي برقم (4482).

على القاعدة المقررة عند أهل الأصول من حمل المطلق على المقيد، وفي ذلك رد لما استدل به القائلون بتعيين السياط للضرب؛ أن حديث معاوية: "إذا شربوا الخمر فاجلدوهم"، أن المفهوم من إطلاقه الضرب بالسياط؛ لأنه المفهوم من الإطلاق، وهذا المفهوم لا يعمل به إلا إذا لم [ترو] (¬1) رواية مقيدة للإطلاق كما في هذا الحديث (ورواه شعبة، عن قتادة، عن أنس، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: ضرب بجريدتين نحو الأربعين). [4480] (ثنا مسدد بن مسرهد) بن مسربل، قال أحمد العجلي: كان أبو نعيم يسألني عن اسمه ويقول: هذِه رقية العقرب (¬2). قال البخاري: مسدد بن مسرهد [بن مسربل بن مرعبل] (¬3)، مات سنة ثمان وعشرين ومائتين (¬4) (وموسى بن إسماعيل المعنى قالا: ثنا عبد العزيز بن المختار) [رواية مسلم] (¬5) عبد بن المختار (¬6) (قال: ثنا عبد اللَّه) بن فيروز مولى (الداناج) هو بالدال المهملة والنون والجيم، الدانا بحذف الجيم، والداناه بالهاء، ومعناه بالفارسية: العالم (قال: ثنا حضين) بضم الحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة (ابن المنذر الرقاشي) بفتح الراء وتخفيف القاف الذهلي البصري، وليس في الصحيحين بالضاد ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل)، (م) ووضعناها ليستقيم السياق. (¬2) "الثقات" 2/ 272. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) "التاريخ الكبير" 8/ 72. (¬5) ساقطة من (م). (¬6) الذي في "صحيح مسلم": عبد العزيز (1707).

المعجمة غيره، لكن في غيره عمران الحضين الشجري، لكن له حديث منكر، ومحمد بن الحضين الجزري، عن مزاحم بن العوام، روى عنه أحمد البزار و (هو أبو ساسان) بسينين مهملتين، وهو من كبار التابعين وشاعر فارس. (قال: شهدت عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه- وأتي بالوليد بن عقبة) بن أبي معيط [واسم أبي معيط] (¬1) أبان بن أبي عمرو، وهو أخو عثمان بن عفان لأمه، (فشهد عليه حُمران) بضم الحاء المهملة كاتب عثمان -رضي اللَّه عنه- (ورجل آخر (¬2)، فشهد أحدهما أنه رآه شربها) بهمزة قبل الهاء (يعني: الخمر وشهد الآخر أنه رآه يتقيؤها) بهمزة قبل الهاء، أي: يتقيأ الخمر. (فقال عثمان: إنه لم يتقيأها حتى شربها) هذِه من دلالة اللزوم، فإن التقيؤ للشيء يلزم منه أن يكون شربه، وفيه دليل لمالك وموافقيه في أن من تقيأ الخمر يحد حد الشارب (¬3)، ومذهبنا (¬4) أنه لا يحد بمجرد ذلك (¬5)؛ لاحتمال أن يكون شربها جاهلًا كونها خمرًا، أو مكرهًا عليها، أو غير ذلك من الأعذار المسقطة للحد ودليل مالك هنا قوي، فإن الصحابة اتفقوا على جلد الوليد بن عقبة في هذا الحديث، وقد ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) بعدها في (ل)، (م) بياض بمقدار ثلاث كلمات. (¬3) بل إن مذهب مالك أن من شهد على رائحته بأنها خمر فإنه يجلد. "المدونة" 4/ 523. (¬4) انظر: "الحاوي الكبير" 13/ 409، "البيان" 12/ 528. (¬5) انظر: "الحاوي الكبير" 13/ 409، "البيان" 12/ 528.

يجيب عنه أصحابنا، بأن عثمان علم شرب الوليد فقضى بعلمه، ولعله كان مذهبه الجواز في قضاء القاضي بعلمه في الحدود، أو يجاب بأنه شهد عنده غير حمران. وفيه من الفقه تلفيق الشهادتين إذا أدت إلى معنى واحد، فإن أحدهما شهد برؤية الشرب، والآخر بما يستلزم الشرب، كالشهادة على البيع والإقرار به، أو على القتل والإقرار به. (فقال لعلي: أقم عليه الحد) فيه: الاستنابة في إقامة الحد (فقال عليٌّ للحسن) ابنه (أقم عليه الحد)، فيه دلالة على أنه يجوز (¬1) للوكيل أن يوكل فيما وكل فيه، وهو رواية عن أحمد بن حنبل (¬2) وإن لم يأذن له في التوكيل، ومذهب أبي حنيفة (¬3) والشافعي (¬4) ورواية عن أحمد: لا يجوز؛ لأنه استنابه فيما يمكنه عمله، فلم يكن له أن (¬5) يوليه من يستنيبه (فقال الحسن: ولِّ حارها من تولى قارها) القار: البارد، وهو ضد الحار، وسيأتي تفسيره عن الأصمعي. (فقال علي لعبد اللَّه بن جعفر) بن أبي طالب بن عبد المطلب (أقم عليه الحد) الذي عليه (قال: فأخذ السوط فجلده) به (وعلي -رضي اللَّه عنه- يعد) عليه، فيه التصريح بأن عليًّا هو الآمر لعبد اللَّه، فكأنه غضب على الحسن من أجل توقفه، فيما أمره به على طريق الوكالة. قد يؤخذ من ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) انظر: "المغني" 7/ 207. (¬3) "الأصل" 4/ 542، انظر: "المبسوط" 11/ 175. (¬4) "الأم" 4/ 489. (¬5) ساقطة من (م).

قوله: (وعلي يعد) أن في حد الخمر عددًا معلومًا، وأنه لا يكتفى بعدد الضارب، بل يعد معه من كان حاضرًا، (فلما بلغ) عبد اللَّه في الحد (أربعين) سوطًا (قال: ) علي -رضي اللَّه عنه- (حسبك) أي: أمسك كما في رواية مسلم (¬1)، واعلم أنه وقع هنا، وفي رواية مسلم ما ظاهره أن عليًّا جلد الوليد بن عقبة أربعين (¬2)، ووقع في "صحيح البخاري" من رواية عبد اللَّه بن عدي بن الخيار أن عليًّا حده ثمانين وهي قضية واحدة (¬3). قال القاضي عياض: المعروف من مذهب علي الجلد في الخمر ثمانين كما سبق عن "الموطأ"، ويجمع بين الرواية هنا وفي مسلم وبين رواية البخاري بما روي أنه جلده الأربعين بسوط له رأسان، فضربه برأسه أربعين، فيكون جملتها ثمانين (¬4). (جَلَدَ) بفتحات (النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أربعين) قال ابن حزم في "الإعراب": صح أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- جلد في الخمر أربعين، وورد من طرق لا تصح أنه جلد ثمانين (أحسبه) أي: أظنه (قال: وجلد أبو بكر أربعين) في الخمر كما تقدم وسيأتي. (وعمر) في صدر من خلافته (ثمانين) قال ابن دحية في كتاب "وهج الجمر في تحريم الخمر": صح عن عمر أنه قال: لقد هممت أن أكتب في المصحف أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جلد في الخمر ثمانين. وهذا لم يسبق إلى ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1707). (¬2) السابق. (¬3) "صحيح البخاري" (3696). (¬4) "إكمال المعلم" 5/ 545.

تصحيحه أحدهم، حكى ابن الطلاع أن في "تصنيف عبد الرزاق" أنه -عليه السلام- جلد في الخمر ثمانين. (وكل) من الأربعين والثمانين (سنة) ثم قال: (وهذا أحب إلي) قال القاضي: يحتمل أن يكون (وهذا أحب إلي) عائدًا إلى الثمانين التي فعلها عمر -رضي اللَّه عنه- (¬1). [4481] (ثنا مسدد قال: ثنا يحيى) بن سعيد (عن) سعيد (ابن أبي عروبة عن) عبد اللَّه (الداناج) تقدم. (عن حضين) بفتح الضاد المعجمة (بن المنذر، عن علي -رضي اللَّه عنه- قال: جلد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الخمر) أربعين (و) جلد (أبو بكر) في الخمر (أربعين وكملها عمر) في صدر من خلافته (ثمانين) باجتهاده بعد أن استشار الصحابة، وقال علي: نرى أن تجعله ثمانين. كما سيأتي (وكل سنة) قال النووي: هذا دليل على أن عليًّا كان معظمًا لآثار عمر -رضي اللَّه عنه- وأن حكمه وقوله سنة، وأمره حق، وكذلك أبو بكر، خلاف ما يقوله الشيعة (¬2). (قال أبو داود: قال الأصمعي: ) نسبة إلى أصمع بن مُظهر بضم الميم وفتح الظاء المعجمة وتشديد الهاء (ول حارها من تولى قارها) أي: (ول شديدها) أي: شدة إقامة الحد والحركة فيه، والحر يكون مع الحركة كما أن البرد يكون مع السكون (من تولى هينها) أي: الحكم في إمرة المسلمين، وتناول حلاوة ما فيها من الأمر والنهي وما فيها من اللذة، ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" 5/ 545. (¬2) "مسلم بشرح النووي" 11/ 219.

والضمير عائد إلى الخلافة والإمارة، والمعنى: ليتولى عثمان هذا الحد بنفسه أو بعض أقاربه وخواصه الأدنين، واللَّه أعلم. ([قال أبو داود] (¬1): هذا كان سيد قومه حضين بن المنذر). * * * ¬

_ (¬1) ساقطة من (م)، وفي (ل) أنه ورد في نسخة بدونها.

37 - باب إذا تتابع في شرب الخمر

37 - باب إِذا تَتَابَعَ في شُرْبِ الخَمْرِ 4482 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا أَبانُ، عَنْ عاصِمٍ، عَنْ أَبي صالِحٍ ذَكْوانَ، عَنْ مُعاوِيَةَ بْنِ أَبي سُفْيانَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِذا شَرِبُوا الخَمْرَ فاجْلِدُوهُمْ، ثُمَّ إِنْ شَرِبُوا فاجْلِدُوهُمْ، ثُمَّ إِنْ شَرِبُوا فاجْلِدُوهُمْ، ثُمَّ إِنْ شَرِبُوا فاقْتُلُوهُمْ" (¬1). 4483 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ بهذا المَعْنَى، قالَ: وَأَحْسِبُهُ قالَ في الخامِسَةِ: "إِنْ شَرِبَها فاقْتُلُوهُ". قالَ أَبُو داوُدَ: وَكَذا في حَدِيثِ أَبي غُطَيْفٍ في الخامِسَةِ (¬2). 4484 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْن عاصِمٍ الأَنْطاكيُّ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْن هارُونَ الواسِطيُّ، حَدَّثَنا ابن أَبي ذِئْبٍ، عَنِ الحارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِذا سَكِرَ فاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إِنْ سَكِرَ فاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إِنْ سَكِرَ فاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عادَ الرّابِعَةَ فاقْتُلُوهُ". قالَ أَبُو داوُدَ: وَكَذا حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِذا شَرِبَ الخَمْرَ فاجْلِدُوهُ، فَاِنْ عادَ الرّابِعَةَ فاقْتُلُوهُ". قالَ أَبُو داوُدَ: وَكَذا حَدِيثُ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنْ شَرِبُوا الرّابِعَةَ فاقْتُلُوهُمْ". وَكَذا حَدِيثُ ابن أَبي نُعْمٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنِ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1444)، وابن ماجه (2573)، وأحمد 4/ 95، 96، 101، والبيهقي 8/ 313. وصححه الألباني في "الصحيحة" (1360). (¬2) رواه أحمد 2/ 136، والحاكم 4/ 371، والبيهقي 8/ 313. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (6309).

النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَكَذا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- والشَّرِيدِ، عَنِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَفي حَدِيثِ الجَدَليِّ، عَنْ مُعاوِيَةَ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "فَإِنْ عادَ في الثّالِثَةِ أَوِ الرّابِعَةِ فاقْتُلُوهُ" (¬1). 4485 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبّيُّ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، قالَ الزُّهْريُّ: أَخْبَرَنا عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ فاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عادَ فاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عادَ فاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عادَ في الثّالِثَةِ أَوِ الرّابِعَةِ فاقْتُلُوهُ". فَأُتي بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ فَجَلَدَهُ، ثُمَّ أُتي بِهِ فَجَلَدَهُ، ثُمَّ أُتي بِهِ فَجَلَدَهُ، ثُمَّ أُتي بِهِ فَجَلَدَهُ، وَرُفِعَ القَتْلُ فَكانَتْ رُخْصَةً. قالَ سُفْيانُ: حَدَّثَ الزُّهْريُّ بهذا الحَدِيثِ وَعِنْدَهُ مَنْصُورُ بْن المُعْتَمِرِ وَمُخَوَّلُ بْنُ راشِدٍ، فَقالَ لَهُما: كُونا وافِدي أَهْلِ العِراقِ بهذا الحَدِيثِ. قالَ أَبُو داوُدَ: رَوى هذا الحَدِيثَ الشَّرِيدُ بْنُ سُوَيْدٍ، وَشُرَحْبِيلُ بْنُ أَوْسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَأَبُو غُطَيْفٍ الكِنْديُّ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ (¬2). 4486 - حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بْنُ مُوسَى الفَزاريُّ، حَدَّثَنا شَرِيكٌ، عَنْ أَبي حُصَيْنٍ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَلي -رضي اللَّه عنه- قالَ: لا أَدِي -أَوْ ما كُنْتُ لأَدِي- مَنْ أَقَمْتُ عَلَيْهِ حَدّا إِلَّا شارِبَ الخَمْرِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمْ يَسُنَّ فِيهِ شَيْئًا إِنَّما هُوَ شَيء قُلْناهُ نَحْنُ (¬3). ¬

_ (¬1) رواه النسائي 8/ 313، وابن ماجه (2572)، وأحمد 2/ 291، 504، وابن الجارود في "المنتقى" (831). وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (603). (¬2) رواه عبد الرزاق (17084)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/ 161، والبيهقي 8/ 314. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود". (¬3) رواه البخاري (6778)، ومسلم (1707).

4487 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ داوُدَ المَهْري المِصْري ابن أَخي رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَنا أُسامَةُ بْن زَيْدٍ أَنَّ ابن شِهابٍ حَدَّثَهُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ قالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- الآنَ وَهُوَ في الرِّحالِ يَلْتَمِسُ رَحْلَ خالِدِ بْنِ الوَلِيدِ، فَبَيْنَما هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أُتي بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الخَمْرَ فَقالَ لِلنّاسِ: "اضْرِبُوهُ". فَمِنْهُمْ مَنْ ضَرَبَهُ بِالنِّعالِ، وَمِنْهُمْ مَنْ ضَرَبَهُ بِالعَصا، وَمِنْهُمْ مَنْ ضَرِبَهُ بِالمِيتَخَةِ -قالَ ابن وَهْبٍ: الجَرِيدَة الرَّطْبَة- ثمَّ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- تُرابًا مِنَ الأَرْضِ فَرَمَى بِهِ في وَجْهِهِ (¬1). 4488 - حَدَّثَنا ابن السَّرْحِ قالَ: وَجَدْتُ في كِتابِ خالي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الحَمِيدِ، عَنْ عُقَيْلٍ أَنَّ ابن شِهابٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَزْهَرِ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ قالَ: أُتي النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بشارِبٍ وَهُوَ بِحُنَيْنٍ فَحَثَى في وَجْهِهِ التُّرابَ، ثُمَّ أَمَرَ أَصْحابَهُ فَضَرَبُوهُ بِنِعالِهِمْ وَما كانَ في أَيْدِيهِمْ حَتَّى قالَ لَهُمُ: "ارْفَعُوا". فَرَفَعُوا فَتُوُفّي رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- ثُمَّ جَلَدَ أَبُو بَكْرٍ في الخَمْرِ أَرْبَعِينَ، ثمَّ جَلَدَ عُمَرُ أَرْبَعِينَ صَدْرًا مِنْ إِمارَتِهِ، ثُمَّ جَلَدَ ثَمانِينَ في آخِرِ خِلافَتِهِ، ثُمَّ جَلَدَ عُثْمانُ الحَدَّيْنِ كِلَيْهِما ثَمانِينَ وَأَرْبَعِينَ، ثُمَّ أَثْبَتَ مُعاوِيَةُ الحَدَّ ثَمانِينَ (¬2). 4489 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ، حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا أُسامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ قالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- غَداةَ الفَتْحِ وَأَنا غُلامٌ شابٌّ يَتَخَلَّلُ النّاسَ يَسْأَلُ عَنْ مَنْزِلِ خالِدِ بْنِ الوَلِيدِ، فَأُتيَ بِشارِبٍ فَأَمَرَهُمْ فَضَرَبُوهُ بِما في أَيْدِيهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ ضَرَبَهُ بِالسَّوْطِ، وَمِنْهُمْ مَنْ ضَرَبَهُ بِعَصًا، وَمِنْهُمْ مَنْ ضَرَبَهُ بِنَعْلِهِ، وَحَثَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- التُّرابَ، فَلَمّا كانَ أَبُو بَكْرٍ أُتيَ بِشارِبٍ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 351، والنسائي في "الكبرى" (5282) - (5286)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/ 155، والدارقطني 3/ 157 - 158، والبيهقي 8/ 319. وقال الألباني في "صحيح أبي داود": حسن صحيح. (¬2) سبق برقم (4487).

فَسَأَلَهُمْ عَنْ ضَرْبِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- الذي ضَرَبَهُ فَحَزَرُوهُ، أَرْبَعِينَ فَضَرَبَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ، فَلَمّا كانَ عُمَرُ كَتَبَ إِلَيْهِ خالِدُ بْن الوَلِيدِ: إِنَّ النَّاسَ قَدِ انْهَمَكُوا في الشُّرْبِ وَتَحاقَروا الحَدَّ والعُقُوبَةَ. قالَ: هُمْ عِنْدَكَ فَسَلْهُمْ. وَعِنْدَهُ المُهاجِرُونَ الأَوَّلُونَ فَسَأَلَهُمْ فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنْ يَضْرِبَ ثَمانِينَ. قالَ: وقالَ عَليٌّ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذا شَرِبَ افْتَرى، فَأَرى أَنْ يَجْعَلَهُ كَحَدِّ الفِرْيَةِ. قالَ أَبُو داوُدَ: أَدْخَلَ عُقَيْلُ بْنُ خالِدٍ بَيْنَ الزُّهْري وَبَيْنَ ابن الأَزْهَرِ في هذا الحَدِيثِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَزْهَرِ عَنْ أَبِيهِ (¬1). * * * [4482] (ثنا موسى بن إسماعيل قال: ثنا أبان عن عاصم، عن أبي صالح) ذكوان السمان الزيات (عن معاوية بن أبي سفيان) واسم أبي سفيان صخر بن جندب (¬2) القرشي الأموي، أحد الذين كتبوا لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إذا شربوا الخمر فاجلدوهم) أي: أربعين جلدة (ثم إن شربوا) ثانيًا (فاجلدوهم، ثم إن شربوا) ثالثًا (فاجلدوهم) الحد (ثم إن شربوا) الخمر رابعًا (فاقتلوه). رواه أحمد من رواية عبد اللَّه بن عمرو، وزاد: قال عبد اللَّه: ائتوني برجل قد شرب الخمر في الرابعة فلكم علي أن أقتله (¬3). قال الترمذي: سمعت محمدًا -يعني: البخاري- يقول: حديث أبي صالح، عن معاوية، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذا أصح من حديث أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: وإنما كان هذا في أول الأمر ثم ¬

_ (¬1) سبق برقم (4487). (¬2) كذا في (ل)، (م)، وهو خطأ، وصوابه: حرب. (¬3) "المسند" 2/ 191.

نسخ بعد، هكذا روى محمد بن إسحاق عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد اللَّه، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه" قال: ثم أتي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد ذلك برجل قد شرب الخمر في الرابعة فضربه ولم يقتله، وكذلك روى الزهري، عن قبيصة بن ذؤيب، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نحو هذا، قال: فرفع القتل وكانت رخصة، والعمل على هذا الحديث عند عامة أهل العلم، لا [نعلم بينهم] (¬1) اختلافًا في القديم والحديث، وما تقوى بهذا [ما روي] (¬2) عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من أوجه كثيرة أنه قال: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه" (¬3). [4483] (ثنا موسى بن إسماعيل قال: ثنا حماد، عن حميد بن يزيد، عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال بهذا المعنى) المتقدم (قال: وأحسبه قال في) المرة (الخامسة) عن الخمر (إن شربها فاقتلوه. قال أبو داود: كذا في حديث أبي غطيف) بضم الغين المعجمة، وفتح الطاء المهملة، مصغر، الهذلي ويقال: غطيف هو ابن الحارث، رواه عنه الطبراني في "الكبير" (¬4)، أو غضيف بالضاد بدل ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): يقبله منهم. (¬2) ساقطة من (ل)، (م). (¬3) انتهى من "سنن الترمذي" بعد حديث (1444). والحديث رواه البخاري (6878)، ومسلم (1676). (¬4) 18/ 264 (662).

الطاء، عن عبد اللَّه. وروى عن عمر أيضًا حديثه في طهارة الحدث من كتاب الصلاة. و(قال في الخامسة: إن شربها فاقتلوه) قال عبد الحق في "الأحكام": رواية أبي داود: (في الخامسة) لا تصح إنما الصحيح: (في الرابعة) (¬1). [4484] (ثنا نصر بن عاصم الأنطاكي) له رحلة ومعرفة (قال: ثنا يزيد بن هارون الواسطي، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن) خاله (الحارث (¬2) بن عبد الرحمن) القرشي العامري، عنه ابن أخيه بَسْ (¬3)، وكان صدوقا صالحًا (عن أبي سلمة) عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن سكر فاجلدوه، ثم إن سكر فاجلدوه، ثم إن سكر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه) قال أبو محمد بن أبي حاتم في كتاب "الجرح والتعديل" وفي باب في الكنى منه: أبو الرمداء (¬4) البلوي روى عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أن رجلا شرب الخمر أربع مرات فأمر به فضربت عنقه (¬5). (قال أبو داود: وكذا في حديث عمر بن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبيه) أبي سلمة بن عبد الرحمن (بن أبي نعم) (¬6) بضم النون ¬

_ (¬1) "الأحكام الوسطى" 4/ 102. (¬2) فوقها في (ل): عو. (¬3) كذا في النسخ ومعناها: حسب. انظر "لسان العرب" مادة: بسس. (¬4) في (م)، (ل): الرمْد. والمثبت من "الجرح والتعديل". (¬5) "الجرح والتعديل" 9/ 369. (¬6) كذا في (ل)، (م)، وفيه سقط كبير بين عبد الرحمن وابن أبي نعم، هو كما في "سنن أبي داود": (أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: إذا شرب =

وإسكان العين المهملة البجلي، السيد الجليل الزاهد التابعي المشهور. (عن ابن عمر، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وذكر في حديث عبد اللَّه بن عمرو عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- والشريد) بفتح الشين المعجمة، وكسر الراء، وآخره (¬1) الدال (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) الحديث بمعناه (وفي حديث الجدلي) بفتح الجيم، والدال المهملة منسوب إلى جديلة قيس (عن معاوية، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: فإن (¬2) عاد في الثالثة أو الرابعة فاقتلوه). [4485] (ثنا أحمد بن عبدة) بفتح العين، وسكون الباء الموحدة (الضبي) المصري شيخ مسلم (قال: ثنا سفيان، قال الزهري: أخبرنا عن قبيصة بن ذؤيب) ولد في أول سنة من الهجرة جعله ابن عبد البر من الصحابة (¬3)، وغيره لم يثبته من الصحابة، بل جعله في الطبقة الثانية من تابعي الشام. (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد في الثالثة أو الرابعة فاقتلوه) زاد أحمد في روايته: قال الزهري: فأتي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بسكران في الرابعة فخلى سبيله (¬4). قال البغوي: في قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في الأحاديث المتقدمة: (فاقتلوه)، هذا ¬

_ = الخمر فاجلدوه فإن عاد في الرابعة فاقتلوه. قال أبو داود: وكذا حديث سهيل بن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إن شربوا الرابعة فاقتلوهم وكذا حديث ابن أبي نعم). (¬1) في (م): وآخر، وفي (ل): حر. (¬2) في هامش (ل): إن. وفوقها (ح). (¬3) "الاستيعاب" 3/ 336 (2124). (¬4) "المسند" 2/ 291.

أمر لم يذهب إليه أحد من العلماء قديمًا ولا حديثًا أن شارب الخمر يقتل (¬1). (فأتي برجل قد شرب) الخمر (فجلده، ثم أتي به) قد شرب الخمر (فجلده، ثم أتي به) في الثالثة قد شرب (فجلده، ثم أتي به فجلده) في الرابعة (ورفح) عنه (القتل، وكانت) هذِه القتلة الجلدة الرابعة، (رخصة) بالنصب خبر كان، رواية البزار: وكان ذلك ناسخًا للقتل (¬2). وروى النسائي من حديث جابر: فضرب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نعيمان أربع مرات، فرأى المسلمون أن الحد قد وقع، وأن القتل قد رفع (¬3). (قال سفيان: ) بن عيينة (حدث الزهري بهذا الحديث وعنده منصور بن المعتمر) السلمي (ومُخَوَّل) بضم الميم وفتح الخاء المعجمة، وتشديد الواو (بن راشد) النهدي (فقال لهما: كونا وافدي) أي: واردي (أهل العراق)، رسولين إليهم، والجمع وفد، مثل صاحب وصحب (بهذا الحديث) فبلغاهم إياه ففعلوا ذلك. [4486] (ثنا إسماعيل بن موسى الفزاري) صدوق شيعي (قال: ثنا شريك) بن عبد اللَّه النخعي (عن أبي حَصين) بفتح الحاء، وكسر الصاد المهملتين، عثمان بن عاصم (عن عمير بن سعيد) النخعي متفق عليه (عن علي -رضي اللَّه عنه- قال: لا أدي (¬4) -أو ما كنت لأدي (¬5) - من أقمت ¬

_ (¬1) "شرح السنة" 10/ 334. (¬2) "البحر الزخار" 12/ 235. (¬3) "السنن الكبرى" 3/ 257. (¬4) في (ل)، (م): أدري. (¬5) في (ل)، (م): أدري.

عليه حدًّا) فيموت وأجد (¬1) في نفسي منه (إلا شارب الخمر) زاد مسلم؛ لأنه إذا مات وديته (¬2). (فإن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يسن فيه شيئًا) أي: حدًّا محدودًا يدل على أن ما كان فيه حد محدود فأقامه الإمام على وجهه فمات المحدود بسببه لم يلزم الإمام شيء منه لا عليه ولا على عاقلته، ولا بيت المال، وهذا مجمع عليه؛ لأن الإمام قام بما وجب عليه، والميت قتيل اللَّه، وأما حد الخمر فقد ظهر أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يحد فيه حدًّا معلومًا (إنما هو شيء قلناه نحن) معاشر الصحابة وقصرناه على عدد محدود وهو الثمانون، فوجد على نفسه من ذلك شيئًا. [4487] (ثنا سليمان بن داود المهري) بفتح الميم المصري، ثقة فقيه (قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني أسامة بن زيد أن ابن شهاب حدثه عن عبد الرحمن بن أزهر) بن عوف الزهري ابن أخي عبد الرحمن بن عوف، شهد حنينًا، قال النسائي: لا نعلم أن الزهري سمع من عبد الرحمن بن أزهر شيئًا. وروى الحديث عن عبد الرحمن بن أزهر بن عبد يغوث. (قال: كأني انظر إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الآن) مبالغة في تحقق ما رواه (وهو في الرحال) بالحاء المهملة، أي: مساكن القوم (يلتمس رحل) أي: مسكن (خالد بن الوليد، فبينما هو كذلك إذ أتي برجل قد شرب الخمر فقال للناس: ألا اضربوه) إنما يأمر بضربه إذا شهدت بينة أو اعترف المضروب (فمنهم من) أي: منهم جماعة (ضربه) أي: ضربوه ¬

_ (¬1) في (ل): فآخذ. والمثبت من (م). (¬2) "صحيح مسلم" (1707).

(بالنعال، ومنهم من ضربه بالعصا، ومنهم من ضربه بالمتيخة) بكسر الميم، وتشديد المثناة فوق، وسكون المثناة تحت، ثم خاء معجمة، وقيل: بفتح الميم، مع التشديد، أصلها من متخ اللَّه رقبته بالسهم [ومتخه] (¬1) إذا ضربه بالجريد، وقيل: من متخه بالعذاب (¬2). قال أبو سليمان: كذا قال: الميتخة الياء الساكنة قبل الفوقانية، وهي أيضًا المتيخة بالتاء من فوق قبل الياء، وسميت متيخة؛ لأنها تتوخ أي: تأخذ في المضروب في قولك: تاخت أصبعي في الطين (¬3). (قال ابن وهب: ) هي (الجريدة الرطبة) وفي رواية الطبراني من رواية أزهر بن عبد الرحمن: فضربوه بنعالهم، وبما كان في أيديهم (¬4). كما في الرواية الآتية (ثم أخذ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ترابًا من الأرض فرمى به في وجهه) مبالغة في إنكار فعله، كما أمر بأن يحثى التراب في أفواه النائحات، ويحتمل أن يراد برمي التراب في وجهه أن الحاصل من وطئه الخبيثة فلا ينتسب إليه الولد، ولا يلحق به. [4488] (ثنا ابن السرح قال: وجدت في كتاب خالي عبد الرحمن بن عبد الحميد) بن سالم المهري. (عن عقيل) بضم العين مصغر، ابن خالد بن عقيل بفتح العين الأيلي مولى عثمان بن عفان، حافظ جليل، حدث عن التابعين، قال شيخنا ابن ¬

_ (¬1) زيادة ليست في (ل)، (م)، أثبتناها من "اللسان" ليستقيم السياق. (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 4/ 292. (¬3) "معالم السنن" 3/ 294. (¬4) "المعجم الكبير" 1/ 335 (1003)، "المعجم الأوسط" 2/ 258 (1916).

حجر: هو ثبت حجة (¬1). ليس لهم عُقيل بالضم غير عقيل هذا، ويحيى بن عقيل وعقيل بن صالح (أن ابن شهاب أخبره أن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن الأزهر، أخبره عن أبيه) عبد الرحمن بن الأزهر بن عوف. (قال: أتي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بشارب) خمر (وهو بحنين فحثا) أي: رمى. كما في الرواية السابقة، يقال: حثا يحثو ويحثي لغتان (في وجهه التراب، ثم أمر أصحابه فضربوه بنعالهم، وبما كان في أيديهم) من عصا، وجريد وأطراف ثياب، ونحو ذلك على ما تقدم (حتى قال لهم: ارفعوا) أيديكم عن الضرب (فرفعوا. فتوفي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) زاد الطبراني: وتلك سنته (¬2). (ثم جلد أبو بكر -رضي اللَّه عنه- في الخمر أربعين) جلدة (ثم جلد عمر -رضي اللَّه عنه- أربعين) بعده (صدرًا من إمارته) أي: من أول زمن إمارته (ثم جلد ثمانين في آخر خلافته، ثم جلد عثمان الحدين) أي: حد الخمر وحد الافتراء (كليهما) بسكون الياء، ولغة كنانة بالألف بدل الياء، أعربه إعراب المقصور (ثمانين و) جلد أيضًا (أربعين) مرة أخرى (ثم أثبت معاوية الحد ثمانين). وفي نسخة زيادة حديث أوله: [4489] (ثنا الحسن بن علي، ثنا عثمان بن عمر، ثنا أسامة بن زيد، عن الزهري، عن عبد الرحمن [بن أزهر] (¬3) قال: رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- غداة الفتح وأنا غلام شاب -يتخلل الناس يسأل عن منزل خالد بن الوليد، ¬

_ (¬1) "تقريب التهذيب" (4665). (¬2) "المعجم الكبير" 1/ 335 (1003)، "المعجم الأوسط" 2/ 258 (1916). (¬3) ساقطة من (م).

فأتي بشارب، فأمرهم فضربوه بما في أيديهم، فمنهم من ضربه بالسوط، ومنهم من ضربه بعصا، ومنهم من ضربه بنعله، وحثا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- التراب، فلما كان أبو بكر أتي بشارب فسألهم عن ضرب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الذي ضرب، فحزروه أربعين، فضرب [أبو بكر] (¬1) أربعين، فلما كان عمر كتب إليه خالد بن الوليد: إن الناس قد انهمكوا في الشرب، وتحاقروا الحد والعقوبة. قال: هم عندك فسلهم. وعنده المهاجرون الأولون، فاجتمعوا على أن يضرب ثمانين، وقال علي: إن الرجل إذا شرب افترى فأرى أن يجعله حد الفرية. قال أبو داود: أدخل عقيل بن خالد بين (¬2) الزهري وبين ابن الأزهر في هذا الحديث عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن الأزهر، عن أبيه) نسخة. (إذا شرب الخمر فاجلدوه) أربعين جلدة (فإن عاد) الثانية فاجلدوه، فإن عاد الثالثة فاجلدوه، [فإن عاد] (¬3) (الرابعة فاقتلوه) لفظ رواية أحمد: "ثم إذا شرب الرابعة فاضربوا عنقه" (¬4) وهو بيان لقوله: (فاقتلوه) يعني: بضرب عنقه، وهو منسوخ بحديث: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث" كما تقدم. (قال أبو داود: وكذا) في (حديث سهيل) بن أبي صالح (عن) أبيه (أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، عن النبي: ) أنه قال: ¬

_ (¬1) ساقط من (م). (¬2) ساقط من (م). (¬3) ساقط من (م). (¬4) "المسند" 4/ 96.

(إن شربوا) قال المنذري: وقع لنا حديث سهيل من حديث عبد الرزاق، عن معمر، عن سهيل. وفيه قال: فحديث ابن المنكدر فقال: قد ترك ذاك، قد أتي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بابن لعثمان فجلده ثلاثًا، ثم أتي به في الرابعة فجلده، ولم يزد، قال: وكذا حديث ابن أبي نعم، وحديث عبد اللَّه بن عمر. * * *

38 - باب في إقامة الحد في المسجد

38 - باب فِي إِقامَةِ الحَدِّ في المَسْجِدِ 4490 - حَدَّثَنا هِشامُ بْن عَمّارٍ، حَدَّثَنا صَدَقَةُ -يَعْني: ابن خالِدٍ- حَدَّثَنا الشُّعَيْثيُّ، عَنْ زُفَرَ بْنِ وَثِيمَةَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزامٍ أَنَّهُ قالَ: نَهَى رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْ يُسْتَقادَ في المَسْجِدِ، وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ الأَشْعارُ، وَأَنْ تُقامَ فِيهِ الحُدُودُ (¬1). * * * باب في إقامة الحد في المسجد [4490] (ثنا هشام بن عمار، قال: ثنا صدقة بن خالد) القرشي، مولى أم البنين أخت معاوية (قال: ثنا محمد بن عبد اللَّه) بن المهاجر (الشعيثي) بضم الشين المعجمة، وفتح العين المهملة، وبعد ياء التصغير ثاء مثلثة، من شعيث بلعنبر، وثقه دحيم (عن زفر بن وثيمة) بفتح الواو، وكسر الثاء المثلثة، ابن مالك المصري، وثقه ابن معين (¬2) ودحيم. (عن حكيم بن حزام -رضي اللَّه عنه-، قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يستقاد) أي: يؤخذ القود (في المسجد) من القاتل، رواية الترمذي: "لا تقام الحدود في المساجد" (¬3) ولفظ ابن ماجه: نهى أن يجلد الحد في المسجد (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 434، والدارقطني 3/ 85، والحاكم 4/ 378، والبيهقي 8/ 328. وحسنه الألباني في "الإرواء" (2327). (¬2) انظر: "تاريخ دمشق" 19/ 45. (¬3) "سنن الترمذي" (1401). (¬4) "سنن ابن ماجه" (2600).

فيه: النهي عن قتل القاتل بمن قتله في المسجد، وبه قال أبو حنيفة (¬1) ومالك (¬2) والشافعي (¬3) وأحمد (¬4)، وكان ابن أبي ليلى يرى إقامته في المسجد (¬5)، والحديث حجة عليه؛ ولأن المساجد لم تبن لهذا، ولا نأمن أن يحدث من المحدود حدث في المسجد فينجسه ويؤذيه، وقد أمر اللَّه تعالى بتطهيره، قال اللَّه تعالى: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ} (¬6) (وأن تنشد فيه الأشعار) (¬7)؛ لأن المساجد إنما بنيت للصلاة وقراءة القرآن، وذكر اللَّه تعالى (وأن تقام فيه) شيء من (الحدود) لما تقدم؛ ولأن عليا أتي بسارق فقال: يا قنبر أخرجه من المسجد فاقطع يده (¬8). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "المبسوط" 16/ 107، "بدائع الصنائع" 7/ 60. (¬2) "المدونة" 4/ 485. (¬3) "الأم" 8/ 389. (¬4) "مسائل الكوسج" (2695). (¬5) انظر: "الأم" 8/ 389، و"الأوسط" 12/ 484. (¬6) البقرة: 125. (¬7) بعدها في (ل): أو أن وفوقها: خـ. (¬8) رواه ابن أبي شيبة 10/ 42 (29239).

39 - باب في التعزير

39 - باب فِي التَّعْزِيرِ 4491 - حَدَّثَنا قُتَيْبَة بْن سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبي حَبِيبٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ يَسارٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبي بُرْدَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "لا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشْرِ جَلَداتٍ إِلَّا في حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ" (¬1). 4492 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن صالِحٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَني عَمْرٌو أَنَّ بُكَيْرَ بْنَ الأَشَجِّ حَدَّثَهُ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ يَسارٍ، قالَ: حَدَّثَني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن جابِرٍ أَنَّ أَباهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبا بُرْدَةَ الأَنْصاريَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ. فَذَكَرَ مَعْناهُ (¬2). * * * باب في التعزير [4491] (ثنا قتيبة بن سعيد، قال: ثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن بكير) بضم الباء مصغر (ابن عبد اللَّه بن الأشج، عن سليمان بن يسار، عن عبد (¬3) الرحمن بن جابر بن عبد اللَّه) أبي عتيق. (عن أبي بردة) بن نيار -رضي اللَّه عنه- (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: لا يجلد فوق عشر جلدات) بفتح اللام وإسكانها (إلا في حد من حدود اللَّه تعالى) ذهب إليه من أصحابنا ابن سريج وأبو علي الطبري وابن أبي هريرة، وصاحب ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6848). (¬2) رواه البخاري (6850)، ومسلم (1708). (¬3) فوقها في (ل): (ع).

"التقريب"، وقال: الخبر صحيح ولو بلغ الشافعي لقال به (¬1). وقال البيهقي: هو أحسن (¬2). ونص عليه أحمد (¬3) في مواضع ما يصار إليه، واختاره البغوي في "تعليقه"، ودعوى النسخ فيه بعيد. قال مالك: يجوز أن يزاد التعزير على الحد إذا رأى الإمام (¬4)؛ لما روي أن معن بن زائدة عمل خاتمًا على نقش خاتم (¬5) بيت المال، ثم جاء به صاحب بيت المال [إلى عمر بن الخطاب] (¬6) فضربه مئة وحبسه، وكلم فيه فضربه مئة أخرى. ولا يبلغ به عند الشافعي أدنى الحدود، أي: في حق المعزر على الأصح، لا أقل الحدود مطلقًا، وعند أبي حنيفة لا يبلغ به أدنى حد مشروع (¬7). [4492] (ثنا أحمد بن صالح قال: ثنا ابن وهب (¬8) قال: أخبرني عمرو أن بكير) بن عبد اللَّه (بن الأشج حدثه عن سليمان بن يسار) بالسين المهملة الهلالي. (قال: حدثنا عبد الرحمن بن جابر أن أباه) جابر بن عبد اللَّه (حدثه أنه ¬

_ (¬1) انظر: "الحاوي" 13/ 439، "البيان" 12/ 532، "الروضة" 10/ 174. (¬2) "السنن الكبرى" 10/ 142. (¬3) "مسائل أحمد" برواية ابنه صالح ص 200. (¬4) انظر: "الذخيرة" 12/ 120. (¬5) ساقطة من (م). (¬6) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل)، (م)، وأثبتناه من مصادر التخريج. (¬7) انظر: "المبسوط" 24/ 35. (¬8) ساقطة من (ل)، (م)، والمثبت من "سنن أبي داود".

سمع أبا بردة) بن نيار (الأنصاري يقول: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول. فذكر معناه) أي: معنى الحديث الذي قبله. * * *

40 - باب في ضرب الوجه في الحد

40 - باب في ضَرْبِ الوَجْهِ في الحَدِّ 4493 - حَدَّثَنا أَبُو كامِلٍ، حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ عُمَرَ -يَعْني ابن أَبي سَلَمَةَ- عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِذا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَّقِ الوَجْهَ" (¬1). * * * [باب في ضرب الوجه في الحد] (¬2) [4493] (حدثنا أبو كامل) الجحدري (قال: ثنا أبو عوانة، عن عمر ابن أبي سلمة، عن أبيه) أبي سلمة عبد اللَّه بن عبد الرحمن [بن عوف] (¬3) التابعي، (عن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه) كذا رواية مسلم (¬4)، وفي رواية للبخاري: نهى أن تضرب الصورة (¬5). وزاد مسلم في روايته: "فإن اللَّه خلق آدم على صورته" (¬6) قال المزني في "المختصر": ويتقي الجلاد الفرج والوجه (¬7). وفي الحديث: "البينة وإلا حد في ظهرك" (¬8) وفي قول للشافعي: ويتقي ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2559)، ومسلم (2612). (¬2) الترجمة ليست في النسخ، أثبتناها من "السنن". (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) "صحيح مسلم" (2612/ 12). (¬5) "صحيح البخاري" (5541). (¬6) "صحيح مسلم" (2612/ 115). (¬7) "مختصر المزني" 5/ 176. (¬8) رواه البخاري (2671، 4747) من حديث ابن عباس.

الرأس؛ فإنه موضع شريف، وقيل: مقتل والأصح -وعزاه الرافعي للأكثرين- المنع؛ لما رواه ابن أبي شيبة عن أبي بكر -رضي اللَّه عنه- أنه قال للجلاد: أضرب الرأس فإن الشيطان في الرأس (¬1). وذكره أبو بكر الرازي في كتاب "أحكام القرآن" من طريق المسعودي (¬2). آخر كتاب الحدود [بحمد الرحيم الودود] (¬3) وصلى اللَّه على سيدنا محمد وأصحابه الركع السجود، وسلم تسليما (¬4) كثيرًا. * * * ¬

_ (¬1) "المصنف" 6/ 5 (29024). (¬2) "أحكام القرآن" لأبي بكر الجصاص الرازي 3/ 240. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) ساقطة من (ل).

كتاب الديات

كتاب الديات

1 - باب النفس بالنفس

40 - كتاب الديات 1 - باب النَّفْسِ بالنَّفْسِ 4494 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ -يَعْني: ابن مُوسَى-، عَنْ عَلي ابْنِ صالِحٍ، عَنْ سِماكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: كانَ قُرَيْظَةُ والنَّضِيرُ -وَكانَ النَّضِيرُ أَشْرَفَ مِنْ قُرَيْظَةَ- فَكانَ إِذا قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْظَةَ رَجُلًا مِنَ النَّضِيرِ قُتِلَ بِهِ وَإِذا قَتَلَ رَجُلٌ مِنَ النَّضِيرِ رَجُلًا مِنْ قُرَيْظَةَ فُودي بِمِائَةِ وَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ، فَلَمّا بُعِثَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قَتَلَ رَجُلٌ مِنَ النَّضِيرِ رَجُلًا مِنْ قُرَيْظَةَ فَقالُوا: ادْفَعُوهُ إِلَيْنا نَقْتُلْهُ. فَقالُوا: بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَأَتَوْهُ، فَنَزَلَتْ: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} والقِسْطُ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ ثُمَّ نَزَلَتْ: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} (¬1). قالَ أَبُو داوُدَ: قُرَيْظَةُ والنَّضِيرُ جَمِيعًا مِنْ وَلَدِ هارُونَ النَّبي -عليه السلام-. * * * ¬

_ (¬1) رواه النسائي 8/ 18، وابن أبي شيبة 14/ 321 - 322 (28549)، والبزار في "المسند" 11/ 71 (4775)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 11/ 316 (4468)، والدارقطني 3/ 198، والبيهقي 8/ 24 من طريق عبيد اللَّه، به. =

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كتاب: الديات * * * باب النفس بالنفس [4494] (ثنا محمد بن العلاء) [قال: (ثنا] (¬1) عبيد (¬2) اللَّه) بالتصغير (ابن موسى) العبسي، أحد الأعلام (عن علي بن صالح، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: كان قريظة والنضير) قبيلتان من يهود خيبر، وقد دخلوا في العرب على نسبهم إلى هارون أخي موسى عليهما السلام. (وكان النضير أشرف من قريظة) وأعظم منزلة، وكانت النضير قهرت قريظة واستعلت عليها في الجاهلية (فكان إذا قتل رجل من قريظة رجلا من النضير قتل به) وأقيم عليه الذي أمر اللَّه تعالى به في التوراة، كما قال تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (¬3) سواء كان دونه أو أفضل منه وأشرف (وإذا قتل رجل من النضير رجلًا من قريظة) لم يقتل ¬

_ = وصححه ابن الجارود في "المنتقى" (772)، وابن حبان 11/ 442 (5057)، والحاكم 4/ 366 - 367، والضياء في "المختارة" 12/ 29 (21)، وقال الحافظ الذهبي في "المهذب" (12338): علي بن صالح احتج به مسلم. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". (¬1) في (م): (ابن). (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) المائدة: 45.

به، وأخذت الدية، وإن لم يرض مستحق القتل إلا بالقصاص (فودي) بضم الفاء، وكسر الدال، أي: أعطي المستحق لدم القتيل فداءه (بمائة وسق) بفتح الواو، وكسرها لغتان، وإن لم يرض المستحق، وكان شرعهم القصاص أو العفو، وما كان فيهما الدية، فخالفوا حكم اللَّه [تعالى (من تمر)] (¬1)؛ لأنه كان أكثر أموالهم، وأفضل أقواتهم، والتنكير في التمر يدل على أنه لا يشترط أعلى أنواع التمر، بل أي تمر كان وإن كان رديئًا. (فلما بعث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قتل رجل من النضير رجلا من قريظة فقالوا) لبني النضير (ادفعوه) يعني: القاتل (إلينا نقتله) بجزم اللام جواب الأمر، رواية النسائي: لنقتله (¬2). بزيادة اللام [ونصب اللام] (¬3) الأصلية بـ (أن) المقدرة (فقالوا) لهم (بيننا وبينكم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) وذلك بعد أن اختلفوا، وكادت الحرب تهيج بينهما، ثم اصطلحوا على أن يجعلوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بينهم، كما رواه الطبراني وأحمد (¬4)، لكن في سنده عبد الرحمن بن أبي الزناد ضعيف، وقد وثق، وبقية رجال أحمد ثقات (¬5). (فأتوه) يعني: القبيلتين، زاد أحمد والطبراني: فأخبر اللَّه رسوله ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) في "السنن الكبرى" 4/ 217، و"المجتبى" 8/ 18: (نقتله) بغير لام. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) "المعجم الكبير" 10/ 302 (10732)، "المسند" 1/ 246 (2212) من حديث ابن عباس. (¬5) قاله الهيثمي في "مجمع الزوائد" 7/ 16. وصححه الألباني في "الصحيحة" (10975).

بأمرهم كله وما أرادوا (¬1) (فنزلت) هذِه الآية: ({وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ}) أي: بالعدل والاحتياط، كما حكم بالرجم في الأحاديث المتقدمة (والقسط) المأمور به (النفس بالنفس) تعلق أبو حنيفة وغيره بهذا فقالوا: يقتل المسلم بالذمي؛ لأنه نفس بنفس (¬2). وحجة الشافعي (¬3) والجمهور قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يقتل مسلم بكافر" (¬4) وأيضًا فإن هذا الحديث وغيره يدل على أن الآية إنما نزلت في الرد على اليهود في المفاصلة بين قريظة والنضير وغيرهما من القبائل، وقال الشافعية: هذا شرع لمن قبلنا، وشرع من قبلنا ليس شرعًا لنا. (ثم نزلت: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ}) منصوب بما بعده، وهو ({يَبْغُونَ})، وقرأ ابن وثاب والنخعي: (أفحكمُ) بالرفع، على معنى (¬5) يبغونه (¬6)، فحذف الهاء كما حذفها أبو النجم في قوله: قد أصبحت أم الخيار تدَّعي ... عليَّ ذنبًا كله لم أصنع (¬7) ¬

_ (¬1) "المسند" 1/ 246، "المعجم الكبير" 10/ 302 (10732). (¬2) انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 5/ 157، "بدائع الصنائع" 7/ 237، "تبيين الحقائق" 6/ 103. (¬3) انظر: "الحاوي الكبير" 12/ 11، "نهاية المطلب" 16/ 12، "البيان" 11/ 305 - 306. (¬4) رواه البخاري (111) من حديث علي. (¬5) ساقطة من (م). (¬6) انظر: "مختصر في شواذ القرآن" ص 39، "المحتسب" 1/ 210 - 211. (¬7) ذكره سيبويه في "الكتاب" 1/ 85، وابن هشام في "مغني اللبيب" ص 265.

فيمن روى (كلُّه) بالرفع، وقيل: ليس المراد بالحكم نفس الحكم؛ بل المراد الحاكم، والحكم والحاكم واحد، وكأنكم تريدون به الكاهن وما أشبهه من حكام الجاهلية، فيكون المراد بالحكم الشياع والجنس، إذ لا يراد به حاكم بعينه، وقرأ ابن عامر: (تبغون) بالمثناة من فوق (¬1)، وروى سفيان بن عيينة، عن [ابن] (¬2) أبي نجيح، عن طاوس قال: كان إذا سألوه عن الرجل يفضل بعض ولده على بعض [فيقرأ هذِه الآية: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} (¬3). وكان طاوس يقول: ما لأحد أن يفضل بعض ولده على بعض] (¬4)، فإن فضل لم ينفذ وفسخ. وروي عن أحمد مثله (¬5)، وكرهه الثوري وابن المبارك وإسحاق، وأجاز ذلك مالك والشافعي (¬6). (قال أبو داود: قريظة والنضير جميعًا من ولد هارون النبي عليه السلام) فنسبهما واحد، ودينهما واحد، وبلدهما واحد، فلا يفضل بعضهم في الدية وغيرها. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "الحجة للقراء السبعة" 3/ 228. (¬2) ساقطة من (ل): (م)، أثبتناها من مصادر التخريج. (¬3) رواه سعيد بن منصور في "التفسير" 4/ 1499 (764). (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬5) "مسائل الإمام أحمد" رواية أبي داود (1331)، رواية عبد اللَّه (1169)، (1400). (¬6) انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 4/ 142 - 143، "التمهيد" 7/ 225 - 227، "الحاوي الكبير" 7/ 544.

2 - باب لا يؤخذ الرجل بجريرة أخيه أو أبيه

2 - باب لا يُؤْخَذُ الرَّجُلُ بِجَرِيرَةِ أَخِيهِ أَوْ أَبِيهِ 4495 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن يُونُسَ، حَدَّثَنا عُبَيْد اللَّهِ -يَعْني: ابن إِيادٍ- حَدَّثَنا إِيادٌ، عَنْ أَبي رِمْثَةَ قالَ: انْطَلَقْت مَعَ أَبي نَحْوَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ثُمَّ إِنَّ رسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ لأَبي: "ابْنُكَ هذا؟ ". قالَ: إي وَرَبِّ الكَعْبَةِ. قالَ: "حَقًّا؟ ". قالَ: أَشْهَدُ بِهِ. قالَ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- ضاحِكًا مِنْ ثَبْتِ شَبَهي في أَبي وَمِنْ حَلْفِ أَبي عَلَيَّ. ثُمَّ قالَ: "أَما إِنَّهُ لا يَجْني عَلَيْكَ وَلا تَجْني عَلَيْهِ". وَقَرَأَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (¬1). * * * باب لا يؤخذ أحد بجريرة أخيه أو أبيه [4495] (ثنا أحمد بن) عبد اللَّه بن (يونس) اليربوعي الحافظ شيخ الشيخين (قال: ثنا عبيد اللَّه) بالتصغير (ابن إياد) بن لقيط السدوسي، متفق عليه (ثنا إياد، عن أبي رمثة) بكسر الراء، وسكون الميم، وبالثاء المثلثة، واسمه رفاعة بن يثربي بفتح الياء تحتها نقطتان، وسكون الثاء المثلثة، وبالراء، والباء الموحدة، التيمي، من تيم الرباب بكسر الراء، وتخفيف الباء الموحدة الأولى. ¬

_ (¬1) رواه النسائي 8/ 472، وأحمد 2/ 226، 227، والدارمي 3/ 1542 - 1543 (2433، 2434)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 2/ 366 (1140)، والطبراني 22/ 279، 281 (714، 720، 724)، والبيهقي 8/ 27، 345 من طرق عن إياد بن لقيط العجلي، به. وصححه ابن حبان 13/ 337 (5995)، والحاكم 2/ 426، وابن الملقن في "البدر المنير" 8/ 472، والألباني في "الإرواء" 7/ 333، وفي "الصحيحة" (749).

(قال: انطلقت مع أبي) اليثربي (نحو النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال لأبي: أبنك هذا؟ ) بهمزة الاستفهام المفتوحة، وحذفت همزة الوصل التي في (ابنك)؛ لأن القاعدة أن همزة الاستفهام إذا دخلت على همزة الوصل (¬1) المكسورة حذفت همزة الوصل (¬2)، استغناء بهمزة الاستفهام، نحو: (أبنك هذا؟ ) وكقوله تعالى: {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153)} (¬3) وفي رواية النسائي: أتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مع أبي فقال: "من هذا معك؟ " قال: ابني (¬4). (قال: إي ورب الكعبة) فيه: جواز الحلف من غير استحلاف [(قال: حقًّا؟ ) مصدر مؤكد لغيره، والتقدير: أتحقه حقًّا، وقولنا موكد لغيره. لأن الجملة قبله تصلح] (¬5) للحقيقة ولغيرها؛ لأن قوله قبله (¬6): "إي ورب الكعبة" هو ابني، يحتمل أن يريد ابني حقيقة، ويحتمل أن يريد المجاز، على معنى أنه عندي في المحبة والشفقة عليه بمنزلة ابني، فلهذا قال بعده: "حقًّا" ليدفع المجاز قبله، فعلى هذا صار حقًّا مؤكدًا لما قبله، ودافعًا للمجاز فيه. (قال: أشهد به. فتبسم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ضاحكًا) حال مؤكدة للعامل؛ ¬

_ (¬1) في النسختين: الاستفهام. وهو خطأ. (¬2) في (ل): الأصل. (¬3) الصافات: 153. (¬4) "سنن النسائي" 8/ 53. (¬5) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬6) ساقطة من (م).

لأنها دلت على معنى العامل فيها وهو الضمير في (تبسم) وخالفته لفظًا وإن كان معناهما واحدًا (¬1)؛ فإن التبسم هو الضحك، قال الزجاج: أكثر ضحك الأولياء التبسم (¬2). فقوله: "ضاحكًا"، أي: متبسمًا، وقالت عائشة: ما رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ضاحكًا، حتى أرى لهواته، إنما كان يتبسم (¬3). وكان تبسمه -صلى اللَّه عليه وسلم- تعجبًا. (من ثبت) بفتح المثلثة، وإسكان الموحدة، أي: من ثبوت (شبهي في أبي ومن حلف أبي) أنني ابنه وهو لا يستحلفه (عليَّ) أني ابنه (ثم قال: أما إنه) بكسر الهمزة (لا يجني عليك) أي: لا تؤاخذ بجنايته (ولا تجني عليه) أي: ولا أنت تؤاخذ بجنايته، وإنما يؤاخذ كل أحد بجناية نفسه، ويدل على هذا ما بعده. (ثم قرأ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}) أي: لا تؤاخذ نفس آثمة بإثم أخرى، يعني: لا يؤخذ أحد بذنب أحد، ولا يؤاخذ أحد بجريرة أخيه ولا أمه ولا أبيه، كما كثر وقوعه في ظلمة أهل هذا الزمان، إذا جنى أحد جناية وهرب يطالب به أبوه وأخوه (¬4) وعمه وذووه. * * * ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): واحد. والجادة ما أثبتاه. (¬2) "معاني القرآن وإعرابه" 4/ 112. (¬3) رواه البخاري (6092)، ومسلم (899/ 16). (¬4) ساقطة من (م).

3 - باب الإمام يأمر بالعفو في الدم

3 - باب الإِمامِ يَأْمُرُ بِالعَفْوِ في الدَّمِ 4496 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّاد، أَخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحاقَ، عَنِ الحارِثِ بْنِ فُضَيْلٍ، عَنْ سُفْيانَ بْنِ أَبي العَوْجاءِ، عَنْ أَبي شُرَيْحٍ الخُزاعي أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ أُصِيبَ بِقَتْل أَوْ خَبْلٍ فَإنَّهُ يَخْتارُ إِحْدى ثَلاثٍ إِمّا أَنْ يَقْتَصَّ، وَإِمّا أَنْ يَعْفُوَ، وَإِمّا أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ، فَإنْ أَرادَ الرّابِعَةَ فَخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ وَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ" (¬1). 4497 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا عبد اللَّهِ بْنُ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ المُزَني، عَنْ عطَاءِ بْنِ أَبي مَيْمونَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: ما رَأَيْت النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رُفِعَ إِلَيْهِ شَيء فِيهِ قِصاصٌ إِلا أَمَرَ فِيهِ بِالعَفْوِ (¬2). 4498 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، أَخْبَرَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، حَدَّثَنا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قتِلَ رجُلٌ على عَهْدِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فرفِعَ ذَلِكَ إِلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَدَفَعَهُ إِلَى وَلي المَقْتُولِ، فَقالَ القاتِل: يا رَسُولَ اللَّهِ واللَّه ما أَرَدْتُ قَتْلَهُ. قالَ: فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- للْوَلَيِّ: "أَما إِنَّهُ إِنْ كانَ صادِقًا ثُمَّ قَتَلْتَهُ دَخَلْتَ النّارَ". قالَ: فَخَلَّى سَبِيلَهُ. قالَ: وَكانَ مَكْتُوفًا بِنِسْعَةٍ فَخَرَجَ يَجُرُّ نِسْعَتَهُ فَسُمّي: ذا النِّسْعَةِ (¬3). 4499 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ الجُشَمي، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَوْفٍ، حَدَّثَنا حَمْزَةُ أَبُو عُمَرَ العائِذي، حَدَّثَني عَلْقَمَةُ بْنُ وائِلٍ، حَدَّثَني وائِلُ بْنُ ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (2623)، وابن أبي شيبة 14/ 330 (28575)، وأحمد 4/ 31، والدارمي 3/ 1517 (2396)، وابن الجارود في "المنتقى" (774)، والطبراني 22/ 189 - 190 (497 - 494)، والدارقطني 3/ 96، والمزي في "تهذيب الكمال" 11/ 176 - 177 من طريق الحارث بن فضيل، به. وضعفه الألباني في "الإرواء" 7/ 278. (¬2) رواه النسائي 8/ 37، وابن ماجه (2692). وصححه الألباني. (¬3) رواه الترمذي (1407)، والنسائي 8/ 13، وابن ماجه (2695) وصححه الألباني.

حُجْرٍ قالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إِذْ جَيءَ بِرَجُلٍ قاتِلٍ في عُنُقِهِ النِّسْعَةُ، قالَ: فَدَعا وَلي المَقْتُولِ فَقالَ: "أَتَعْفُو؟ ". قالَ: لا. قالَ: "أَفَتَأْخُذُ الدِّيَةَ؟ ". قالَ: لا. قالَ: "أَفَتَقْتُلُ؟ ". قالَ: نَعَمْ. قالَ: "اذْهَبْ بِهِ". فَلَمّا وَلَّى قالَ: "أَتَعْفُو؟ ". قالَ: لا. قالَ: "أَفَتَأْخُذُ الدِّيَةَ؟ ". قالَ: لا. قالَ: "أَفَتَقْتُلُ؟ ". قالَ: نَعَمْ. قالَ: "اذْهَبْ بِهِ". فَلَمّا كانَ في الرّابِعَةِ قالَ: "أَما إِنَّكَ إِنْ عَفَوْتَ عَنْهُ يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِ صاحِبِهِ". قالَ: فَعَفا عَنْهُ. قالَ: فَأَنا رَأَيْتُهُ يَجُرُّ النِّسْعَةَ (¬1). 4500 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قالَ: حَدَّثَني جامِع بْنُ مَطَرٍ، حَدَّثَني عَلْقَمَةُ بْنُ وائِلٍ بإِسْنادِهِ وَمَعْناهُ (¬2). 4501 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الطّائي، حَدَّثَنا عَبْدُ القُدُّوسِ بْن الحَجّاجِ، حَدَّثَنا يَزِيد بْنُ عطَاءٍ الواسِطي، عَنْ سِماكٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: جاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بِحَبَشي فَقالَ: إِنَّ هذا قَتَلَ ابن أَخَي. قالَ: "كَيْفَ قَتَلْتَهُ؟ ". قالَ ضَرَبْتُ رَأْسَهُ بِالفَأْسِ وَلَمْ أُرِدْ قَتْلَهُ. قالَ: "هَلْ لَكَ مالٌ تُؤَدّي دِيَتَهُ؟ ". قالَ لا. قالَ: "أَفَرَأَيْتَ إِنْ أَرْسَلْتُكَ تَسْأَلُ النّاسَ تَجْمَعُ دِيَتَهُ". قالَ لا. قالَ: "فَمَوالِيكَ يُعْطُونَكَ دِيَتَهُ؟ ". قالَ: لا. قالَ لِلرَّجُلِ: "خُذْهُ". فَخَرَجَ بِهِ لِيَقْتُلَهُ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَما إِنَّهُ إِنْ قَتَلَهُ كانَ مِثْلَهُ". فَبَلَغَ بِهِ الرَّجُلُ حَيث يَسْمَعُ قَوْلَهُ، فَقالَ: هُوَ ذا فَمُرْ فِيهِ ما شِئْتَ. فَقالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَرْسِلْهُ -وقالَ مَرَّةً: دَعْهُ- يَبُوءُ بِإِثْمِ صاحِبِهِ وَإِثْمِهِ فَيَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النّارِ". قالَ: فَأَرْسَلَهُ (¬3). 4502 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْن زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبي أُمامَةَ بْنِ سَهْلٍ قالَ: كُنّا مَعَ عُثْمانَ وَهُوَ مَحْصُورٌ في الدّارِ وَكانَ في الدّارِ مَدْخَلٌ مَنْ دَخَلَهُ سَمِعَ كَلامَ مَنْ عَلَى البَلاطِ، فَدَخَلَهُ عُثْمانُ فَخَرَجَ إِلَيْنا وَهُوَ مُتَغَيِّرٌ لَوْنُهُ فَقالَ: إِنَّهُمْ لَيَتَواعَدُونَني بِالقَتْلِ آنِفًا. قلْنا: يَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ يا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ. قالَ: وَلِمَ يَقْتلونَني؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1680). (¬2) و (¬3) السابق.

إلَّا بِإِحْدى ثَلاثٍ كُفْرٌ بَعْدَ إِسْلامٍ أَوْ زِنًا بَعْدَ إِحْصانٍ أَوْ قَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ". فَواللَّهِ ما زَنَيْتُ في جاهِلِيَّةٍ وَلا إِسْلامٍ قَطُّ وَلا أَحْبَبْتُ أَنَّ لي بِدِيني بَدَلًا مُنْذُ هَداني اللَّهُ وَلا قَتَلْتُ نَفْسًا فَبِمَ يَقْتلُونَني (¬1). قالَ أَبُو داوُدَ: عُثْمانُ وَأَبُو بَكْرٍ رضي اللَّه عنهما تَرَكا الخَمْرَ في الجاهِلِيَّةِ. 4503 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحاقَ، فَحَدَّثَني مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ قالَ: سَمِعْتُ زِيادَ بْنَ ضُمَيْرَةَ الضَّمْري ح، وَحَدَّثَنا وَهْبُ بْن بَيانٍ وَأَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الهَمْداني قالا: حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ أَخْبَرَني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي الزِّنادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحارِثِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّهُ سَمِعَ زِيادَ بْنَ سَعْدِ بْنِ ضُميْرَةَ السُّلَمي -وهذا حَدِيثُ وَهْبٍ وَهُوَ أَتَمُّ- يُحَدِّثُ عُروَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ قالَ مُوسَى: وَجَدِّهِ وَكانا شَهِدا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- حُنَيْنًا، ثُمَّ رَجَعْنا إِلَى حَدِيثِ وَهْبٍ أَنَّ مُحَلِّمَ بْنَ جَثّامَةَ اللَّيْثي قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَشْجَعَ في الإِسْلامِ وَذَلِكَ أَوَّلُ غِيَرٍ قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَتَكَلَّمَ عُيَيْنَةُ في قَتْلِ الأَشْجَعي لأَنَّهُ مِنْ غَطَفانَ وَتَكَلَّمَ الأَقْرَعُ بْنُ حابِسٍ دُونَ مُحَلِّمٍ لأَنَّهُ مِنْ خِنْدِفَ فارْتَفَعَتِ الأَصْواتُ وَكَثُرَتِ الخُصُومَةُ واللَّغَطُ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا عُيَيْنَةُ أَلا تَقْبَلُ الغِيَرَ". فَقالَ عُيَيْنَةُ: لا واللَّه حَتَّى أُدْخِلَ عَلَى نِسائِهِ مِنَ الحَرْبِ والحَزَنِ ما أَدْخَلَ عَلَى نِسائَي. قالَ: ثُمَّ ارْتَفَعَتِ الأَصْواتُ وَكَثُرَتِ الخُصُومَةُ واللَّغَطُ، فَقالَ: رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا عُيَيْنَةُ أَلا تَقْبَلُ الغِيَرَ". فَقالَ عُيَيْنَةُ مِثْلَ ذَلِكَ أَيْضًا إِلَى أَنْ قامَ رَجُلٌ مِنْ بَني لَيْثٍ يُقالُ لَه مُكَيْتِلٌ عَلَيْهِ شِكَّةٌ وَفي يَدِهِ دَرَقَةٌ فَقالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنّي لَمْ أَجِدْ لِما فَعَلَ هذا في غُرَّةِ الإِسْلامِ مَثَلًا إِلَّا غَنَمًا وَرَدَتْ فَرُمي أَوَّلُها فَنَفَرَ آخِرُها اسْنُنِ اليَومَ وَغَيِّرْ غَدًا، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2158)، والنسائي 7/ 91، وابن ماجه (2533)، وأحمد 1/ 61، 65، 70. وصححه ابن الملقن في "البدر المنير" 8/ 344، والألباني في "صحيح أبي داود".

-صلى اللَّه عليه وسلم-: "خَمْسُونَ في فَوْرِنا هذا وَخَمْسُونَ إِذا رَجَعْنا إِلَى المَدِينَةِ". وَذَلِكَ في بَعْضِ أَسْفارِهِ وَمُحَلِّمٌ رَجُلٌ طَوِيلٌ آدَمُ وَهُوَ في طَرَفِ النّاسِ فَلَمْ يَزالُوا حَتَّى تَخَلَّصَ فَجَلَسَ بَيْنَ يَدى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وعَيْناهُ تَدْمَعانِ فَقالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنّي قَدْ فَعَلْتُ الذي بَلَغَكَ وِإنّي أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ تَبارَكَ وَتَعالَى فاسْتَغْفِرِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لي يا رَسُولَ اللَّهِ. فَقالَ رسول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَقَتَلْتَهُ بِسِلاحِكَ في غُرَّةِ الإِسْلامِ اللَّهُمَّ لا تَغْفِرْ لِمُحَلِّمٍ". بِصَوْتٍ عالٍ، زادَ أَبو سَلَمَةَ: فَقامَ وَإِنَّهُ لَيَتَلَقَّى دُمُوعَهُ بِطَرَفِ رِدائِهِ (¬1). قالَ ابن إِسْحاقَ: فَزَعَمَ قَوْمُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- اسْتَغْفَرَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ. قالَ أَبُو داوُدَ: قالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: الغِيَرُ: الدِّيَةُ. * * * باب في الإمام يأمر بالعفو في الدم [4496] (ثنا موسى بن إسماعيل) قال (ثنا حماد) بن سلمة قال (أنا محمد بن إسحاق، عن الحارث بن فضيل) بالتصغير، الخطمي، ثقة. (عن سفيان بن أبي العوجاء) السلمى الحجازي، قال البخاري: في حديثه نظر. (عن أبي شريح) خويلد بن عمرو العدوي (الخزاعي) أسلم قبل الفتح، وكان يحمل أحد ألوية بني كعب بن خزاعة يوم الفتح. (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: من أصيب بقتل) توضحه رواية الدارقطني عن أبي شريح أيضًا: "من أصيب بدم" (¬2) (أو خبل) ثم قال: والخبل: العرج (¬3). ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (2625)، وأحمد 5/ 112، 6/ 10. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود". (¬2) "سنن الدارقطني" 4/ 86. (¬3) السابق.

قال ابن الأثير: الخبل بإسكان الباء: الفساد (¬1). وفي الأصل والمراد به في الحديث: قطع الأعضاء كاليد والرجل ونحو ذلك، يقال: لنا في بني فلان دماء وخبول. يريد: الخبول: قطع الأيدي والأرجل. (فإنه يختار إحدى ثلاث: إما أن يقتص) أي: يجرح مثل جرحه، أو يقطع مثل قطعه، يقال: أقص الحاكم فلانًا من فلان: أتاه (¬2) به فاقتص منه (وإما أن يعفو) أي: عن الجاني ويترك حقه للَّه تعالى، وروى الإمام أحمد بسند فيه مجالد، عن رجل من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من أصيب بشيء في جسده فتركه للَّه تعالى كان كفارة له" (¬3) وروى عدي بن ثابت قال: هشم رجل فم رجل على عهد معاوية، فأعطي ديته، فأبى أن يقبل حتى أعطي ثلاثًا، فقال رجل: إني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "من تصدق (¬4) بدم أو دية كان كفارة له من يوم ولد إلى يوم تصدق" (¬5) ورجاله رجال الصحيح غير عمران بن ظبيان، وقد وثقه ابن حبان (¬6). (وإما أن يأخذ الدية) عن القتل (وإن أراد الرابعة) وهو أن يقبل أخذ الدية أو العفو ثم يغدر فيقتل (فخذوا على يديه) أي: امنعوه، وعبر باليدين لأن غالب عمل الآدمي بهما. ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 8. (¬2) في (ل)، (م): فأتاه. وما أثبتناه يتسق مع السياق. (¬3) "المسند" 5/ 412. قال الألباني في "صحيح الترغيب" (2461): حسن لغيره. (¬4) في (م): تصدم. (¬5) رواه أبو يعلى في "المسند" 12/ 284 (6869). (¬6) قاله الهيثمي في "المجمع" 6/ 302. وضعفه الألباني في "الضعيفة" 9/ 463.

وفيه التحذير مما كانت الجاهلية تفعله، قال الحسن: كان الرجل في الجاهلية إذا قتل قتيلًا فر إلى قومه، فيجيء قومه فيصالحون بالدية، فيقول ولي المقتول: أنا أقبل الدية. حتى يأمن القاتل، ليخرج (¬1) فيقتله، ثم يرمي إليهم بالدية. ثم تلا قوله تعالى: ({فَمَنِ اعْتَدَى}) رواية الدارقطني: "فإن قبل شيئا من ذلك ثم عدا" (¬2) ({بَعْدَ ذَلِكَ}) أي: بعد قبول الدية أو العفو ({فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ}) أي: مؤلم، واختلف العلماء فيمن قتل بعد أخذ الدية فقال جماعة من العلماء منهم مالك والشافعي: هو كمن قتل ابتداءً، إن شاء الولي قتله، وإن شاء عفا عنه وعذابه في الآخرة (¬3). وقال قتادة وعكرمة والسدي وغيرهم: عذابه أن يقتل البتة (¬4). ولا يمكن الحاكم الولي من العفو. وسيأتي له تتمة (¬5). [4497] (ثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي شيخ البخاري. قال (ثنا [عبد اللَّه بن بكر] (¬6) بن عبد اللَّه المزني) بفتح الزاي، وكسر النون. (عن عطاء بن أبي ميمونة) البصري (عن أنس بن مالك قال: ما رأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رفع إليه شيء فيه قصاص إلا أمر فيه بالعفو) فيه: أنه لا بد في القصاص من الرفع إلى الإمام؛ لأن أمر الدماء حظر؛ ولأن الصحابة لم ¬

_ (¬1) في (م): فيخرج فيخرج. (¬2) "سنن الدارقطني" 4/ 86. (¬3) انظر: "المحرر الوجيز" 2/ 90، "تفسير القرطبي" 2/ 237. (¬4) رواها عنهم الطبري في "جامع البيان" 2/ 112. (¬5) سيأتي في شرح الحديث رقم (4507). (¬6) في (ل، م): عبيد بن بكير. وهو خطأ.

يعملوا بإطلاق الآية وهي قوله تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} (¬1). [4498] (ثنا عثمان بن أبي شيبة) قال (ثنا أبو معاوية) قال (ثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قتل رجل على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فرفع ذلك) الرجل (إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: فدفعه) حين ثبت القتل عليه بالبينة أو الإقرار (إلى ولي المقتول) رواية الترمذي: فدفع القاتل إلى وليه (¬2). فيه دليل على أن القصاص لا يستوفى إلا بإذن الإمام، وإن كان قد حكم للمستحق بالقصاص كما قال المتولي؛ لأن أمر الدماء حظر، ولأن وجوبه مفتقر إلى الاجتهاد لاختلاف الناس في شرائط الوجوب والاستيفاء (فقال القاتل: واللَّه يا رسول اللَّه ما أردت قتله) فيه أن القاتل إذا ادعى في القتل الخطأ وأنه لم يقصد قتله لا يقبل منه ظاهرًا ولا يسقط به القصاص. (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- للولي: أما إنه إن كان صادقا ثم قتلته) أي: إن علمت صدقه ثم قتلته (دخلت النار) فيه: التعريض بالعفو عنه، وأن يمينه بأنه لم يقصد قتله شبهة، والحدود تدرأ بالشبهات كما تقدم (فخلى) بفتح الخاء (سبيله) بنصب اللام؛ لأن في رواية الترمذي: فخلاه الرجل (¬3). أي: خلى سبيله كما تقدم (قال: وكان مكتوفًا) فيه إمساك من وجب ¬

_ (¬1) الإسراء: 33. (¬2) "سنن الترمذي" (1407). (¬3) "سنن الترمذي" (1407) وفيه: فخلى عنه الرجل.

عليه الحد أو القصاص وربطه وشد يديه إلى خلف بالكتاف وهو حبل أو سير ونحوهما (بنسعة) بكسر النون، وهي الحبل أو السير الذي يربط به المكتوف، قال (فخرج يجر نسعته) على الأرض (فسمي: ذا النسعة) فيه ذكر الإنسان ونداؤه إذا لم يعرف اسمه بما لا يتأذى به ولا يكرهه وهو ملتبس به فيقول: "يا صاحب السبتية" أو "يا صاحب السبتيتين"، كما في الحديث (¬1)، أو رأيت ذا النسعة، أو صاحب الحوت، كما قال تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا} (¬2) ونحو ذلك. [4499] (ثنا عبيد اللَّه بن عمر بن ميسرة الجشمي) بضم الجيم نسبة إلى جشم قبيلة، قال (ثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن عوف) بن أبي جميلة الأعرابي، قال (ثنا حمزة) بن عمرو (أبو عمر العائذي) نسبة إلى عائذ اللَّه، روى له مسلم، قال (حدثني علقمة [بن وائل]) (¬3) قال (حدثني) أبي (وائل بن حجر قال: كنت عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذ جيء برجل قاتل) رواية مسلم: أتي برجل قتل رجلًا (¬4). (في عنقه النسعة) بكسر النون، وهي ما ضفر من الأدم كالحبال، جمعها أنساع، فإذا فتل ولم يضفر فهو الجديل، والجدل الفتل. وفيه من الفقه: العنف على الجاني، وأخذ الناس له حتى تحضره إلى الإمام، فلو لم يفعل ذلك لفر الجناة ولفاتوا، أو لتعذر نصر المظلوم ¬

_ (¬1) سلف برقم (3230) من حديث بشير بن الخصاصية. ورواه أيضًا النسائي 4/ 96، وابن ماجه (1568)، وأحمد 5/ 83، 84، 224. وصححه ابن حبان 7/ 441 - 442 (3170). (¬2) الأنبياء: 87. (¬3) من المطبوع. (¬4) مسلم (1680/ 33).

وتغيير المنكر، قاله القرطبي (¬1). وفي رواية مسلم: إذ جاء رجل يقود آخر بنسعة، فقال: يا رسول اللَّه، هذا قتل أخي. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أقتلته؟ " فقال: إنه لو لم يعترف أقمت عليه البينة. قال: نعم قتلته. قال: "كيف قتلته؟ " قال: كنت أنا وهو نختبط من شجرة، فسبني فأغضبني، فضربته بالفأس على قرنه (¬2). كما سيأتي. (قال: فدعا ولي المقتول، فقال: أتعفو؟ ) عنه (قال: لا) فيه جواز الاستشفاع وإن رفع الأمر إلى الحاكم، وإن رفعت حقوق الآدميين إلى الإمام، بخلاف حقوق اللَّه تعالى فإنه لا تجوز الشفاعة فيها إذا بلغت الإمام. (قال: فتأخذ الدية؟ ) فيه السعي في الإصلاح بين الناس، والشفاعة في ترك بعض الحق إذا لم يترك الجميع (قال: لا. قال: فتقتل؟ قال: نعم. قال: أذهب به. فلما ولى) ليقتله (قال: أفتعفو؟ ) قال: أفتأخذ الدية؟ قال: لا. قال: أفتقتل؟ قال: نعم. قال: اذهب. فلما ولى قال: أتعفو عنه؟ ) في رواية مسلم: قال ابن أشوع: إنما سأله أن يعفو عنه فأبى (¬3). (قال: لا. قال أفتاخذ الدية؟ قال: لا) فيه: تكرار السؤال أو الشفاعة ثلاثًا من الإمام (قال: أفتقتل؟ قال: نعم. قال: أذهب به. فلما كان) المرة (الرابعة قال: أما إنك إن عفوت عنه فإنه يبوء) بالمد، أي: ينقلب ويرجع ¬

_ (¬1) "المفهم" 5/ 52. (¬2) "صحيح مسلم" (1680). (¬3) "صحيح مسلم" (1680/ 33).

(بإثمه) أي: يصير عليه إثم نفسه، وأكثر ما تستعمل: باء بكذا. في الشر، ومنه قوله تعالى: {وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} (¬1) (وإثم صاحبه) قال القرطبي: أحسن ما قيل فيه -واللَّه أعلم- أن المقتول ظلمًا يغفر له ذنوبه عند قتل القاتل له، والولي يغفر له عند عفوه عن القاتل، فصار ذهاب ذنوبهما بسبب القاتل؛ فلذلك قيل عنه: إنه باء بذنوب كل واحد منهما، واللَّه أعلم (¬2). (قال: فعفا عنه) لما سمع أن المغفرة في العفو عن القاتل (قال: فأنا رأيته) ذاهبًا (يجر النسعة) التي كانت في عنقه (¬3). [4501] (ثنا محمد بن عوف) بن سفيان (الطائي) الحافظ، وثقه النسائي (¬4) قال (ثنا عبد القدوس بن الحجاج) قال (ثنا يزيد بن عطاء الواسطي) البزاز، قال ابن عدي: مع لينه حسن الحديث (¬5). (عن سماك، عن علقمة بن وائل، عن أبيه) وائل بن حجر (قال: جاء رجل إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بحبشي) أي: برجل أسود من بلاد الحبشة يقوده بنسعة (فقال) يا رسول اللَّه (إن هذا قتل ابن أخي) رواية مسلم: إن هذا قتل أخي (¬6). فيه من الفقه: سماع الدعوى في الدم قبل إثبات الموت والولاية، ثم لا يثبت الحكم حتى يثبت كل ذلك، فإن قيل: فقد ¬

_ (¬1) البقرة: 61. (¬2) "المفهم" 5/ 58. (¬3) لم يتعرض الشارح رحمه اللَّه لشرح حديث رقم (4500). (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 239. (¬5) "الكامل في ضعفاء الرجال" 9/ 163. (¬6) "صحيح مسلم" (1680).

حكم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على القاتل في هذا الحديث من غير إثبات ولاية المدعي؟ فالجواب أن ذلك كان معلومًا عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وعند غيره، فاستغنى عن إثباته لشهرته. (قال: كيف قتلته؟ ) في رواية مسلم قال: نعم قتلته. قال: "كيف قتلته؟ " (¬1) فيه: سؤال استكشاف الإمام عن كيفية القتل لإمكان أن يكون خطأ أو عمدًا، ففيه من الفقه: وجوب البحث عن تحقيق الأسباب التي تبنى عليها الأحكام ولا يكتفى بالإطلاق (قال) زاد مسلم: كنت أنا وهو نختبط من شجرة، فسبني فأغضبني (¬2) فـ (ضربت رأسه بالفأس) زاد مسلم: علي قرنه فقتلته (¬3). (ولم أرد قتله. قال: هل لك مال تؤدي ديته؟ ) عن نفسك. فيه دليل على أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- ألزمه القصاص بحكم إقراره، وأن قتله كان عمدًا، إذ لو كان خطأ لما طالبه بالدية، ولطالب بها العاقلة (قال: لا. قال: أفرأيت إن أرسلتك تسأل الناس، أتجمع ديته؟ قال: لا) فيه جواز تأخير القصاص عند رجاء العفو عنه. أو من يدفع الدية عنه. وفيه: تمكين الجاني من سؤال الناس أن يعينوه على تحصيل ديته، وجواز سؤال الناس عند الحاجة (قال: فمواليك) فيه دليل على أنه كان رقيقًا ومعتوقًا وله موالي من أعلى ومن أسفل (يعطونك) بضم أوله (ديته؟ ) رواية مسلم: "أفترى قومك يشترونك؟ " قال: أنا أهون على قومي ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1680). (¬2) مسلم (1680). (¬3) مسلم (1680).

من ذلك (¬1). (قال: لا) فيه: جواز أخذ الدية في قتل العمد، وهذا كله إنما عرضه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على القاتل بناء منه على أنه إذا تيسر له ما يؤدى إلى أولياء المقتول سألهم في العفو عنه، ففيه السعي في مصالح عباد اللَّه تعالى (قال للرجل: خذه) فيه تسليم الجاني إلى من يستحق القصاص ليستوفي بنفسه؛ لأن القصاص مضبوط إذا كان المستحق، وليس له ذلك في الطرف على الأصح، لأنه قد يجور عليه فيقطع في غير موضعه، فيزيد في إتلافه، فان قال الجاني: أنا أقيد من نفسي. فالأصح أنه لا يجاب؛ لأن الموفى لا يستوفي، كالبائع لا يتولى قبول البيع لغيره. ([فخرج به ليقتله] (¬2) فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أما إنه إن قتله كان مثله) ظاهره أنه قتله، قال القاضي: معنى قوله: فهو مثله أي: قاتل مثله (¬3). وأنكره القرطبي فقال: قوله حين انطلق ليقتله: "القاتل والمقتول في النار" (¬4) هذِه الرواية مفسرة لقوله: إن قتله فهو مثله؛ لأنها ذكرت بدلًا منها. قال: فعلى مقتضى قوله: فهو مثله. أي: هو في النار مثله، ولا يلتفت لقول من قال: إن ذلك إنما قاله للولي لما علمه منه من معصيته يستحق بها دخول النار (¬5). قال النووي: الصحيح في تأويله أنه مثله ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1680). (¬2) من المطبوع. (¬3) "إكمال المعلم" 5/ 487. (¬4) رواه البخاري (31)، ومسلم (2888) من حديث أبي بكرة. (¬5) "المفهم" 5/ 56.

في أنه لا فضل ولا منة لأحدهما على الآخر؛ لأنه استوفى منه حقه، بخلاف ما لو عفا عنه، فإنه له الفضل والمنة عليه، وجزيل ثوابه في الآخرة، وجميل الثناء في الدنيا، وقيل (¬1): هو مثله في أنه قاتل، وإن اختلفا في التحريم والإباحة، إذ لا يلزم من المثلية المساواة (¬2). قال (فبلغ به الرجل) إلى (حيث سمع قوله) إن قتله كان مثله (فقال: هو ذا فمر فيه ما شئت. فقال) له (رسول اللَّه: أرسله) بفتح الهمزة ([وقال مرة: دعه] (¬3) يبوء بإثم صاحبه وإثمه) قال ذلك لمصلحة الجاني؛ ليتخلص من القتل، ولما كان في التعريض بالخلود في النار مثله، وقد قال الصيمري وغيره من علماء أصحابنا وغيرهم: يستحب للمفتي إذا رأى مصلحة في التعريض للمستفتي، أن يعرض تعريضًا يحصل به المقصود، مع أنه صادق فيه، قالوا: ومثاله أن يسأله إنسان عن القاتل: هل له توبة؟ ويظهر للمفتي بقرينة أنه إن أفتى بأن له توبة ترتب عليه مفسدة؛ وهو أن السائل يستهون القتل بكونه يجد بعد ذلك منه مخرجًا، فيقول المفتي والحالة هذِه: صح عن ابن عباس أنه لا توبة للقاتل، فهو صادق في أنه يصح عن ابن عباس، وإن كان المفتي لا يعتقد ذلك ولا يوافق ابن عباس في هذِه المسألة. لكن السائل إنما يفهم من موافقة ابن عباس؛ فيكون سببًا لزجره، فهذا وما أشبه ذلك كمن يسأل عن الغيبة في (¬4) الصوم: هل يفطر بها؟ فيقول: جاء في ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) "مسلم بشرح النووي" 11/ 173. (¬3) من المطبوع. (¬4) في النسخ: عن.

الحديث: "الغيبة تفطر الصائم" (¬1). فكذا في هذا الحديث (فيكون من أصحاب النار) ويكون المراد إن فعل بعد قتله فعلًا يستحق به النار، ونحو ذلك من الأمثلة (قال) فخاف مما سمعه من الوعيد في قتله (فأرسله) وعفا عنه. [4502] ([حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن يحيى ابن سعيد] (¬2)، عن أبي أمامة بن سهل قال: كنا مع عثمان وهو محصور في الدار، وكان في الدار مدخل من دخله سمع كلام من على البلاط، فدخل عثمان، فخرج إلينا وهو متغير لونه فقال: إنهم يتواعدونني بالقتل آنفًا. قلنا: يكفيكهم اللَّه. قال: ولم يقتلونني؟ سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: رجل كفر بعد إسلامه، أو زنى بعد إحصانه، أو قتل نفسًا بغير نفس فيقتل به، فواللَّه ما زنيت في جاهلية ولا إسلام، ولا أحببت أن لي بديني بدلًا منذ هداني، ولا قتلت نفسًا، فبم يقتلونني؟ قال أبو داود: عثمان وأبو بكر تركا الخمر في الجاهلية) هذا الحديث في نسخة. [4503] (ثنا موسى بن إسماعيل) قال (ثنا حماد، قال محمد) يعني (ابن إسحاق: فحدثني [محمد بن] (¬3) جعفر بن الزبير) بن العوام بن خويلد الأسدي وثقه النسائي (¬4) (قال: سمعت زياد) بن سعد (بن ضميرة) ويقال: ¬

_ (¬1) انظر: "الدراية في تخريج أحاديث الهداية" 1/ 286. (¬2) ما بين المعقوفين مستدرك من "السنن". (¬3) من المطبوع. (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 24/ 579 (5115).

[زياد بن سعد بن ضميرة] (¬1)، ويقال: زيد الحجازي (الضمري ح، وحدثنا وهب بن بيان) الواسطي (وأحمد بن سعيد الهمداني) بإسكان الميم، أبو جعفر المصري. (قالا: ثنا ابن وهب) قال (أخبرني عبد الرحمن بن) عبد اللَّه (أبي الزناد) بنون بعد الزاي، أبو (¬2) محمد (عن عبد الرحمن بن الحارث) المخزومي. (عن محمد بن جعفر) بن الزبير (أنه سمع زياد بن سعد بن ضميرة السلمي) بضم السين (وهذا حديث وهب، وهو أتم، يحدث) بحديث (عروة بن الزبير، عن أبيه) سعد بن ضميرة (قال موسى) بن إسماعيل (وجده) أي: أبوه وجده وهما سعد وضميرة (¬3) (وكانا) أي: ضميرة بن سعد السلمي، ويقال: الضمري، والد زياد بن ضميرة بن سعد، هكذا قال ابن عبد البر (¬4)، والأصح أن سعدًا والد زياد (شهدا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬5) حنينًا) أي: غزوة حنين، قال المزي في "التهذيب": شهد ضميرة وابنه سعد حنينًا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬6). (ثم رجعنا إلى حديث وهب) بن بيان (أن مُحَلِّم) بضم الميم، وفتح الحاء المهملة، وتشديد اللام (ابن جثامة الليثي) أخو الصعب بن جثامة، ¬

_ (¬1) كذا بالنسخ، وهو خطأ، وصوابه: زياد بن ضميرة بن سعد. انظر: "تهذيب الكمال" 9/ 474 (2047). (¬2) في (ل)، (م): أبي. والجادة ما أثبتناه فهو بدل من عبد الرحمن. (¬3) بعدها في النسخ: بن ضميرة. (¬4) "الاستيعاب" 2/ 302 (1267). (¬5) من المطبوع. (¬6) "تهذيب الكمال" 10/ 268.

ولما مات محلم دفنوه، فلفظته الأرض مرة بعد مرة، فألقي بين جبلين وجعلت عليه حجارة، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن الأرض تقبل من هو شر منه، ولكن اللَّه أراد [أن يريكم] (¬1) آية في قتل المؤمن" (¬2) (قتل رجلًا من أشجع) بالشين المعجمة، قبيلة من غطفان، وهو عامر بن الأضبط كما ذكره المستغفري (في الإسلام وذلك أول غِيَر) بكسر الغين المعجمة، وفتح المثناة تحت، جمع الغيرة، يريد بالغير الدية، وجمعها أغيار، مثل ضلع وأضلاع، قال أبو بكر: سميت الدية: غيرًا؛ لأنها غيرت عن القود إلى غيره، وسيأتي تفسيرها. (قضى به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فتكلم عيينة) بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، وهو من المؤلفة قلوبهم، وكان من الأعراب الجفاة وكان سيدًا في قومه مطاعًا (في قتل الأشجعي؛ لأنه من غطفان) فإن عيينة فزاري، وفزارة أبو حي من غطفان، كما قال الجوهري (¬3). (وتكلم الأقرع بن حابس) بن عقال بكسر العين المهملة، وتخفيف القاف التميمي الدارمي، لقب بالأقرع لقرع كان في رأسه، والقرع: انحسار (¬4) الشعر، قاله ابن دريد (¬5)، وكان من المؤلفة قلوبهم، وكان شريفًا في الجاهلية والإسلام (دون محلم؛ لأنه من خندف) بكسر ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) رواه بنحوه ابن ماجه (3930)، والطبراني 18/ 226 (562) من حديث عمران بن حصين. وحسن إسناده البوصيري في "مصباح الزجاجة" 4/ 163. (¬3) "الصحاح" 2/ 781. (¬4) في الأصول: خضاب. والمثبت من "الاشتقاق". (¬5) "الاشتقاق" (ص 239).

الخاء المعجمة والدال المهملة، لأن الأقرع تميمي، وتميم هو ابن مر ابن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر، وخندف امرأة إلياس بن مضر، واسمها: ليلى بنت عمران، فنسب ولد إلياس إليها؛ لأنها أمهم. (فارتفعت الأصوات، وكثرت الخصومة واللغط، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) ثانيًا (يا عيينة، ألا تقبل) منهم (الغير) يعني: الدية، فيه تعريض الإمام بالعفو عن الدية دون تصريح (فقال عيينة: لا واللَّه) لا أقبلها (حتى أدخل على نسائه من الحرب) بفتح الحاء والراء المهملتين، ثم باء موحدة، قال ابن الأثير: الحرب: نهب مال الإنسان، وتركه لا شيء له (¬1). والحرب: الغصب، يقال: حربه إذا أخذ ماله، والمراد به الهم والحزن، فإن من أخذ ماله وبقي لا شيء له فإنه يحزن ويهتم. (والحزن) مثل (ما أدخل على نسائي قال: ثم ارتفعت الأصوات وكثرت الخصومة واللغط) وهو الجلبة (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) ثانيًا (يا عيينة: ألا تقبل) منهم (الغير؟ ) فيه: تكرار الشفاعة والتعريض بها دون التصريح (فقال عيينة مثل ذلك أيضًا) واستمرت الخصومة واللغط بينهم (إلى أن قام رجل من بني ليث يقال له: مكيتل) بضم الميم، وفتح الكاف، وبعد ياء التصغير مثناة فوق، تصغير مكتل، وهو الزنبيل، وكان مكيتل قصيرًا مجموعًا (¬2) (عليه شكة) بكسر الشين المعجمة، وتشديد الكاف، هو السلاح، يقال: رجل شاكي السلاح إذا لبس سلاحًا تامًّا، وقوم شكاك في الحديد، وشككته بالرمح أي: خرقته (وفي يده درقة) أي: ¬

_ (¬1) "النهاية" 1/ 358. (¬2) في (ل)، (م) قصير مجموع.

حجفة (فقال: يا رسول اللَّه إني لم أجد في ما فعل هذا في غرة) بضم الغين، وتشديد الراء (الإسلام) أي: أوله، وغرة كل شيء أوله، أراد أول الأمر الذي جاء به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وحكم به من شرائع الإسلام، (مثلًا إلا غنمًا) بدلًا مما قبله، لأن الاستثناء جاء بعد نفي (وردت) مياه عذبة أو ربيعًا خصبًا (فرمي) بضم الراء وكسر الميم (أولها) بشيء (فنفر آخرها) أي: آخر الغنم، معناه -واللَّه أعلم- أن العرب في أول الإسلام [تنفر من] (¬1) ترك القود، كما تنفر الغنم من الرمي والضرب. قال ابن الأثير: معنى قول مكيتل أن مثل محلم في قتلته الرجل، وطلبه أن لا يقتص منه ويؤخذ منه الدية والوقت في أول الإسلام وصدره كمثل هذِه الغنم، يعني: إن جرى الأمر مع (¬2) أولياء هذا القتيل على ما يريد محلم، ثبط الناس عن الدخول في الإسلام معرفتهم أن القود يغير بالدية، والعرب خصوصا لهم حراص على درك الثأر، وفيه الأنفة من قبول الدية، ثم حث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بقوله: (اسنن) بضم الهمزة والنون، وفيه: حث على الإقادة منه في هذا (¬3) (اليوم وغير غدًا) بفتح الغين، وتشديد الياء، يريد: إن لم تقتص منه غيرت سنتك، ولكنه أخرج الكلام على الوجه الذي يهيج المخاطب، ويحثه على الإقدام والجرأة على المطلوب منه (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: خمسون في فورنا) بفتح الفاء: في أول وقتنا (هذا) وفور كل شيء ¬

_ (¬1) مكررة في (ل)، (م). (¬2) في (ل)، (م): على منع. والمثبت من "النهاية" 3/ 400. (¬3) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/ 400.

أوله (وخمسون) (¬1) بعيرًا، خمس عشرة (¬2) حقة وخمس عشرة (¬3) جذعة وعشرون خلفة، أي: حوامل (إذا رجعنا إلى المدينة) من سفرهم (وذلك) كان (في بعض أسفاره) زاد المستغفري: فقبلوا الدية، ثم قالوا: أين صاحبكم يستغفر له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فقالا: فقام (محلم) وهو (رجل [طويل] (¬4) آدم) بالمد أي: يضرب لونه إلى السواد من شدة سمرته، زاد المستغفري: ضرب عليه حلة له كأنه تهيأ فيها للقتل والضرب النحيف (وهو) كان (في طرف الناس، فلم يزالوا) يفسحون له (حتى تخلص فجلس بين يدي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وعيناه تدمعان) بفتح التاء والميم (فقال: يا رسول اللَّه، إني قد فعلت الذي بلغك) عني (وإني أتوب إلى اللَّه تعالى، فاستغفر اللَّه لي يا رسول اللَّه. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) له "ما اسمك؟ " فقال: أنا محلم بن جثامة فقال (¬5): "أقتلته بسلاحك في غرة الإسلام؟ " قال: نعم. فرفع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يديه ثم قال ثلاثا -كذا للمستغفري-: (اللهم لا تغفر لمحلم) بن جثامة (بصوت عال) أي: ليسمع الحاضرين، والظاهر أنه إنما شدد عليه ودعا عليه، ولم يستغفر له حتى اعترف كما استغفر له، لأنه أول من قتل في الإسلام، أو أول من أظهره، وقد أشار إلى العلة قبل الدعاء عليه في قوله: (أقتلته بسلاحك [في غرة الإسلام] (¬6)، زاد ابن سلمة) هذِه ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل)، (م)، وكتب بدلا منها: بعيرًا. (¬2) و (¬3) في (ل)، (م): خمسة عشر. والجادة ما أثبتناه. (¬4) من المطبوع. (¬5) رواه بهذه الزيادة أحمد 5/ 112، 6/ 10، والبيهقي 9/ 195. (¬6) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل).

الزيادة ذكرها المستغفري في روايته عن سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير (فقام وإنه ليتلقى دموعه بطرف ردائه، قال ابن إسحاق: فزعم قومه أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: استغفر له بعد ذلك) رواية المستغفري: قال: فأما نحن بيننا فنقول: إنا لنرجو أن يكون رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد استغفر له، وأما ما ظهر من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فهذا. ثم قال الإمام الخطيب المستغفري في "دلائل النبوة": أخبرني أبو علي زاهر بن أحمد قال: أخبرني أبو لبابة محمد بن المهدي قال: أخبرني عمار قال: أخبرني سلمة قال: فحدثني محمد بن إسحاق، عن عمرو بن عبيد، عن الحسن البصري قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لمحلم بن جثامة حين جلس بين يديه "قال: آمنت باللَّه. ثم قتلته؟ ! " ثم قال له تلك المقالة قال: فواللَّه ما مكث محلم إلا سبعًا حتى مات، قال: فدفن فلفظته الأرض، والذي نفس الحسن بيده [ثم أعادوا له فلفظته الأرض، ثم أعادوا له فلفظته الأرض، والذي نفس الحسن بيده] (¬1) فلما غلب قومه عمدوا به إلى ضدين، فسطحوا له بينهما، ثم رجموا عليه الحجارة حتى واروه، فبلغ ذلك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "أما إن الأرض لتطابق على من هو شر منه، ولكن اللَّه قد أراد أن يعظكم في جرم ما بينكم بما أراكم منه". (قال أبو داود: قال النضر بن شميل: الغير: الدية). * * * ¬

_ (¬1) ما بين القوسين ساقط من (ل).

4 - باب ولي العمد يأخذ الدية

4 - باب وَلِي العَمْدِ يَأْخُذُ الدِّيَةَ 4504 - حَدَّثَنا مُسَدَّدُ بْنُ مسَرهَدٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا ابن أَبي ذِئْبٍ، قالَ: حَدَّثَني سَعِيدُ بْنُ أَبي سَعِيدٍ قالَ: سَمِعْتُ أَبا شُرَيْحٍ الكَعْبي يَقُولُ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَلا إِنَّكُمْ يا مَعْشَرَ خُزاعَةَ قَتَلْتُمْ هذا القَتِيلَ مِنْ هُذَيْلٍ وَإِنّي عاقِلُهُ فَمَنْ قُتِلَ لَهُ بَعْدَ مَقالَتي هذِه قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ: أَنْ يَأْخُذُوا العَقْلَ، أَوْ يَقْتُلُوا" (¬1). 4505 - حَدَّثَنا عَبّاسُ بْنُ الوَلِيدِ بْنِ مَزْيَدٍ، أَخْبَرَنا أَبي، حَدَّثَنا الأَوْزاعي، حَدَّثَني يَحْيَى ح، وَحَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن إِبْراهِيمَ، حَدَّثَني أَبُو داوُدَ، حَدَّثَنا حَرْبُ بْنُ شَدّادٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ أَبي كَثِير، حَدَّثَني أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنا أَبُو هُرَيْرَةَ قالَ: لَمّا فُتِحَتْ مَكَّةُ قامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ: "مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِمّا أَنْ يُودى أَوْ يُقادَ". فَقامَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ يُقالُ لَهُ: أَبُو شاهٍ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ اكْتُبْ لي -قالَ العَبّاسُ: اكْتُبُوا لي- فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اكْتُبُوا لأَبي شاهٍ" (¬2). وهذا لَفْظُ حَدِيثِ أَحْمَدَ. قالَ أَبُو داوُدَ: اكْتُبُوا لي يَعْني: خُطْبَةَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. 4506 - حَدَّثَنا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ راشِدٍ، حَدَّثَنا سُلَيْمان بْن مُوسَى، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "لا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكافِرٍ وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا دُفِعَ إِلَى أَوْلِياءِ المَقْتُولِ فَإِنْ شاؤوا قَتَلُوهُ وَإِنْ شاؤوا أَخَذُوا الدِّيَةَ" (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1406)، وأحمد 4/ 32، 6/ 384. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وصححه الألباني في "الإرواء" (2220). (¬2) رواه البخاري (112)، ومسلم (1355). (¬3) تقدم عند المصنف ضمن الحديث (2751). =

باب ولي العمد يرضى بالدية [4504] (ثنا مسدد بن مسرهد) قال (ثنا يحيى بن سعيد) قال (ثنا) محمد بن عبد الرحمن (ابن أبي ذئب) قال (ثنا سعيد بن أبي سعيد) المقبري، قال (سمعت أبا شريح) خويلد بن عمر (الكعبي) الخزاعي كان يحمل أحد ألوية بني كعب يوم الفتح (¬1). (يقول: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ألا إنكم (¬2) يا معشر خزاعة) قبيلة كبيرة من الأزد، إنكم (قتلتم هذا القتيل) هو خبر في معنى الإنكار عليهم (من هذيل) بالذال المعجمة حي من مضر (وإني عاقله) أي: مؤد عنه عقله، أي: ديته، وسميت الدية عقلا؛ لأن الذي يؤدي العاقلة يعقل الإبل بفناء المقتول (فمن قتل له بعد مقالتي هذِه قتيل) فإن قلت: قتل القتيل محال؛ لأنه لا يقتل إلا الحي؟ قلت: المراد: القتيل بهذا القتل لا بقتل سابق؛ لأن قتل القتيل محال، ومثله يذكر في علم الكلام، قالوا: لا يمكن إيجاد موجود؛ لأن الموجود إما أن يوجد في حال وجوده فهو تحصيل الحاصل، وإما حال العدم، فهو جمع بين النقيضين، فيجاب باختيار الشق الأول إذ ليس إيجاد للوجود بوجود سابق؛ ليكون تحصيل الحاصل، بل إيجادًا له بهذا الوجود، وكذا ¬

_ = ورواه الترمذي (1387)، وابن ماجه (2626، 2659)، وأحمد 2/ 194. وحسنه الألباني في "الإرواء" (2199). (¬1) انظر: "الوافي بالوفيات" 13/ 276، "تهذيب الكمال" 5/ 164 (5997). (¬2) ساقطة من (م).

حديث: "من قتل قتيلا فله سلبه" (¬1) وقيل: كذا قوله تعالى: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} (¬2) (فأهله) أي: أهل المقتول (بين خيرتين) بكسر الخاء، هو نص في التخيير، وحجة لمذهب الشافعي [كما سيأتي (بين أن يأخذوا) أي: يأخذ أهله (العقل) وهو الدية كما تقدم (أو يقتلوا) يعني: القاتل قصاصًا، وفيه حجة للشافعي] (¬3) في أن الولي بالخيار بين القتل قصاصًا وبين أخذ الدية، وأن له إجبار الجاني على أي الأمرين شاء (¬4)، وقال مالك: ليس للولي إلا القتل أو العفو، وليس له الدية إلا أن يرضى الجاني، وفيه دلالة لمن يقول: القاتل عمدًا يجب عليه أحد الأمرين؛ الدية أو القصاص، وهو أحد قولي الشافعي، والثاني أن الواجب القصاص لا غير، وإنما تجب الدية بدله بالاختيار. [4505] (ثنا عباس) بالباء الموحدة، والسين المهملة (ابن الوليد [بن مزيد]) (¬5) قال (أخبرني [أبي]) (¬6) الوليد بن مزيد، العذري بضم العين المهملة، وإسكان الذال المعجمة، ثقة، وابنه صدوق، قال (ثنا الأوزاعي) قال (ثنا يحيى) بن أبي كثير (وحدثنا أحمد بن إبراهيم) الدورقي قال (ثنا أبو داود) الطيالسي قال (ثنا حرب بن شداد) قال (ثنا يحيى بن أبي كثير) قال (حدثني أبو سلمة) عبد اللَّه (بن عبد الرحمن) ابن عوف قال (ثنا أبو هريرة قال: لما فتحت مكة قام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3142)، ومسلم (1751) من حديث أبي قتادة. (¬2) البقرة: 2. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) انظر: "نهاية المطلب" 16/ 137. (¬5) و (¬6) من المطبوع.

فقال) رواية الترمذي و"الصحيح": لما فتح اللَّه على رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- مكة قام في الناس فحمد اللَّه وأثنى عليه (¬1) وقال (من قتل له قتيل فهو) أي: فولي القتيل (بخير النظرين) أي: يخير الولي فيما يراه (إما أن يودى) أي: يعطى الدية (وإما أن يقاد) (¬2) بالقاف، والقود: القصاص، يقال: أقدت القاتل بالمقتول إذا اقتصصت منه، ومفعول ما لم يسم فاعله ضمير فيه يرجع إلى المقتول، وفي رواية لمسلم: "يفادى" بالفاء، يقال: فداه وفاداه إذا أعطى فداءه، ورواية القاف أصوب؛ لأن الفداء والعقل واحد، وفيه تنازع المفعولين على مفعول واحد كما ذكر في التنازع. (فقام رجل من أهل اليمن يقال له: أبو شاهٍ) بهاء في الدرج والوقف، قالوا: ولا يعرف اسم أبي شاه هذا، وإنما يعرف بكنيته، وهو كلبي يمني (فقال: يا رسول اللَّه، اكتب لي) فقال رجل من قريش وهو العباس. فيه سؤال العالم في كتابه ما سمع منه، فإن العلم صيد والكتابة قيده. (فقال رسول اللَّه: اكتبوا لأبي شاه) قال ابن بطال: فيه إباحة كتابة العلم، وكره قوم كتابة العلم؛ لأنها سبب لضياع الحفظ والتهاون فيه اعتمادًا على كونه مكتوبًا عنده كما هو الواقع في هذا الزمان، فإن العلماء صاروا يتفاخرون بكثرة الكتب عندهم دون الحفظ، والحديث حجة لجواز الكتابة مع الحفظ، ومن الحجة أيضًا ما اتفقوا عليه من كتابة المصحف الذي هو أصل العلم، وكان للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كتاب يكتبون ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (2434)، "صحيح مسلم" (1355)، "سنن الترمذي" (1405). (¬2) بعدها في (ل)، (م): أو يفاد. وفوقها في (ل): (ح).

الوحي الذي ينزل عليه، وقال الشعبي: إذا سمعت شيئًا فاكتبه، ولو في الحائط (¬1). وفي "صحيح مسلم": "لا تكتبوا عني غير القرآن فمن كتب عني غير القرآن فليمحه" (¬2) وأجيب عنه بأنه في حق من يترك الحفظ ويتكل على الكتابة، أو كان النهي حين اختلاطه بالقرآن، فلما أمن ذلك باستشهار القرآن أذن بالكتابة (وهذا لفظ رواية (¬3) أحمد) بن إبراهيم (قال أبو داود: اكتبوا لي. يعني: خطبة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) يوم فتح مكة. * * * ¬

_ (¬1) "شرح ابن بطال" 1/ 188. (¬2) "صحيح مسلم" (2004) من حديث أبي سعيد الخدري. (¬3) في المطبوع: حديث.

5 - باب من قتل بعد أخذ الدية

5 - باب مَنْ قَتَلَ بَعْدَ أَخْذِ الدِّيَةِ 4507 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، أَخْبَرَنا مَطَرٌ الوَرّاقُ -وَأَحْسَبُهُ- عَنِ الحَسَنِ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: قالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا أُعْفي مَنْ قَتَلَ بَعْدَ أَخْذِهِ الدِّيَةَ" (¬1). * * * باب هل (¬2) يقتل بعد أخذ الدية [4507] (ثنا موسى بن إسماعيل) قال (ثنا حماد) قال (أنا مطر) بن طهمان (الوراق) مولى علي، وكان يكتب المصاحف. (وأحسبه) قال (عن الحسن، عن جابر بن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا أعفى) هو دعاء عليه، وهو بفتح الفاء، أي: لا كثر ماله ولا استعفى. قال المنذري: وفي نسخة بعيدة بضم الهمزة وكسر الفاء، أي: لا أترك القتل (عمن قتل بعد أخذ الدية) من قوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} (¬3) أي: ترك، بل أقتله البتة، ولا أمكن الولي من العفو عنه، وبه قال قتادة وعكرمة والسدي وغيرهم، وقال جماعة منهم مالك والشافعي: هو كمن قتل ابتداء، إن شاء الولي قتله، وإن شاء ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 363، والبيهقي 8/ 54. وانظر "السلسلة الضعيفة" (4767). (¬2) بعدها في (ل)، (م): من. وفوقها في (ل): (ح)، وهو هكذا في بعض نسخ "السنن" كما نبه عليه الشيخ شعيب في نشرته 6/ 559. (¬3) البقرة: 178.

عفا عنه (¬1). قال ابن المنذر: وبه أقول؛ لأن القاتل لما عفا صار دمه محرمًا كسائر الدماء. وقال الحسن: بل ترد إليه الدية، ويبقى إثمه إلى عذاب الآخرة. وقال عمر بن عبد العزيز: أمره إلى الإمام يفعل فيه ما شاء من العقوبة أو غيرها (¬2). وفي الحديث دلالة على ذلك، ويكون تقدير الحديث: لا أحكم بالعفو عمن قتل بعد أخذ الدية، بل اجعل أمره إلى اجتهاد الإمام. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "المحرر الوجيز" 2/ 90، "تفسير القرطبي" 2/ 237. (¬2) الأثران عن الحسن وعمر بن عبد العزيز رواهما ابن المنذر في "تفسيره" 2/ 113 بنحوه.

6 - باب فيمن سقى رجلا سما أو أطعمه فمات، أيقاد منه؟

6 - باب فِيمَنْ سَقَى رَجُلًا سَمًّا أَوْ أَطْعَمَهُ فَماتَ، أَيُقادُ مِنْهُ؟ 4508 - حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبي، حَدَّثَنا خالِدُ بْنُ الحارِثِ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ هِشامِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ، أَنَّ امْرَأَةً يهودِيَّةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِشاةٍ مَسْمُومَةٍ فَأَكَلَ مِنْها، فَجَيءَ بِها إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَسَأَلَها عَنْ ذَلِكَ فَقالَتْ: أَرَدْتُ لأَقْتُلَكَ. فَقالَ: "ما كانَ اللَّهُ لِيُسَلّطَكِ على ذَلِكَ". أَوْ قالَ: "عَلَي. قالَ: فَقالُوا: ألا نَقْتُلُها؟ قالَ: "لا". فَما" زِلْت أَعْرِفُها في لَهَواتِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1). 4509 - حَدَّثَنا داوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، حَدَّثَنا عَبّاد بْنُ العَوّامِ ح وَحَدَّثَنا هارُون بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمانَ، حَدَّثَنا عَبّادٌ، عَنْ سُفْيانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ سَعِيدٍ وَأَبي سَلَمَةَ -قالَ هارُونُ: -، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ امْرَأَةً مِنَ اليَهُودِ أَهْدَتْ إِلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- شاةً مَسْمُومَةً قالَ: فَما عَرَضَ لَها النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2). قالَ أَبُو داوُدَ: هذِه أُخْتُ مَرْحَبٍ اليَهُودِيَّةُ التي سَمَّتِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. 4510 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ داوُدَ المَهْري، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، قالَ: أَخْبَرَني يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ قالَ: كانَ جابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يُحدِّثُ أَنَّ يهودِيَّةً مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ سَمَّتْ شاةً مَصْلِيَّةً ثُمَّ أَهْدَتْها لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- الذِّراعَ فَأَكَلَ مِنْها وَأَكَلَ رَهْطٌ مِنْ أَصْحابِهِ مَعَه، ثُمَّ قالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ". وَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى اليَهُودِيَّةِ فَدَعاها فَقالَ لَها: "أَسَمَمْتِ هذِه الشّاةَ؟ ". قالَتِ اليَهُودِيَّةُ مَنْ أَخْبَرَكَ؟ قالَ: "أَخْبَرَتْني هذِه في يَدَي". لِلذِّراعِ. قالَتْ: نَعَمْ. قالَ: "فَما أَرَدْتِ إِلَى ذَلِكَ؟ ". قالَتْ: قلْتُ: إِنْ كانَ نَبِيًّا فَلَنْ يَضُرَّهُ وإنْ لَمْ يَكُنِ اسْتَرَحْنا مِنْهُ. فَعَفا عَنْها رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَلَمْ يُعاقِبْها، وَتُوُفّي بَعْضُ أَصْحابِهِ الذِينَ أَكَلُوا مِنَ الشّاةِ واحْتَجَمَ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2617)، ومسلم (2190). (¬2) رواه الحاكم في "المستدرك" 3/ 219، والبيهقي 8/ 46. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود".

رسول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- على كاهِلِهِ مِنْ أَجْلِ الذي أَكَلَ مِنَ الشّاةِ، حَجَمَهُ أَبو هِنْدٍ بِالقَرْنِ والشَّفْرَةِ، وَهوَ مَوْلًى لِبَني بَياضَةَ مِنَ الأَنْصارِ (¬1). 4511 - حَدَّثَنا وَهْبُ بْن بَقِيَّةَ، حَدَّثَنا خالِدٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبي سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَهْدَتْ لَهُ يهودِيَّةٌ بِخَيْبَرَ شاةً مَصْلِيَّةً، نَحْوَ حَدِيثِ جابِرٍ، قالَ: فَماتَ بِشْرُ بْن البَراءِ بْنِ مَعْرُورٍ الأَنْصاري، فَأَرْسَلَ إِلَى اليَهودِيَّةِ: "ما حَمَلَكِ عَلَى الذي صَنَعْتِ؟ ". فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ جابِرٍ، فَأَمَرَ بِها رسول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقُتِلَتْ وَلَمْ يَذْكُرُ أَمْرَ الحِجامَةِ (¬2). 4512/ 1 - حَدَّثَنا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، عَنْ خالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هرَيْرَةَ قالَ: كانَ رسول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقْبَلُ الهَدِيَّةَ وَلا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ (¬3). 4512/ 2 - وَحَدَّثَنا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ في مَوْضِعٍ آخَرَ، عَنْ خالِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبي سَلَمَةَ وَلم يَذْكُرْ أَبا هرَيْرَةَ قالَ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقْبَل الهَدِيَّةَ وَلا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ. زادَ فَأَهْدَتْ لَهُ يهودِيَّةٌ بِخَيْبَرَ شاةً مَصْلِيَّةً سَمَّتْها فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْها وَأَكَلَ القَوْمُ، فَقالَ: "ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ فَإِنَّها أَخْبَرَتْني أَنَّها مَسْمُومَةٌ". فَماتَ بِشْر بْنُ البَراءِ بْنِ مَعْرُورٍ الأَنْصاري فَأَرْسَلَ إِلَى اليهودية: "ما حَمَلَكِ عَلَى الذي صَنَعْتِ؟ ". قالَتْ: إِنْ كُنْتَ نَبِيّا لَمْ يَضُرَّكَ الذي صَنَعْتُ، وَإنْ كُنْتَ مَلِكًاَ أَرَحْتُ النّاسَ مِنْكَ. فَأَمَرَ بِها رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقُتِلَتْ، ثُمَّ قالَ: في وَجَعِهِ الذي ماتَ فِيهِ: "ما زِلْتُ أَجِدُ مِنَ الأَكْلَةِ التي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ، فهذا أَوانُ قَطَعَتْ أَبْهَرَي" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه الدارمي 1/ 208 (69)، والبيهقي 8/ 46. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود". (¬2) رواه البيهقي 8/ 46، وقد روي مرفوعًا. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". (¬3) رواه بنحوه البخاري (2576)، ومسلم (1077). (¬4) صححه الألباني في "صحيح أبي داود".

4513 - حَدَّثَنا مَخْلَدُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا عبد الرَّزّاقِ، حَدَّثَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْري، عَنِ ابن كَعْبِ بْنِ مالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أُمَّ مُبَشِّرٍ قالَتْ لِلنَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في مَرَضِهِ الذي ماتَ فِيهِ: ما يُتَّهَمُ بِكَ يا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنّي لا أَتَّهِمُ بِابْني شَيْئًا إِلَّا الشّاةَ المَسْمُومَةَ التي أَكَلَ مَعَكَ بِخَيْبَرَ. وقالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَأَنا لا أَتَّهِمُ بِنَفْسي إلَّا ذَلِكَ فهذا أَوانُ قَطَعَتْ أَبْهَرَي". قالَ أَبُو داوُدَ: وَربَّما حَدَّثَ عَبْدُ الرَّزّاقِ بهذا الحدِيثِ مُرْسَلًا، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْري، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وَرُبَّما حَدَّثَ بِهِ عَنِ الزُّهْري، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مالِكٍ. وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزّاقِ أَنَّ مَعْمَرًا كانَ يُحَدِّثُهُمْ بِالحَدِيثِ مَرَّةً مُرْسلًا فَيَكْتُبُونَهُ وَيُحَدِّثهُمْ مَرَّةً بِهِ فَيُسنِدُهُ فَيَكْتُبُونَهُ وَكُلٌّ صَحِيحٌ عِنْدَنا. قالَ عَبْدُ الرَّزّاقِ: فَلَمّا قَدِمَ ابن المُبارَكِ عَلَى مَعْمَرٍ أَسْنَدَ لَه مَعْمَرٌ أَحادِيثَ كانَ يُوقِفُها (¬1). 4514 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا إِبْراهِيم بْن خالِدٍ، حَدَّثَنا رَباحٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مالِكٍ، عَنْ أُمِّهِ أَنَّ أُمَّ مُبَشِّرٍ، قالَ أَبُو سَعِيدِ بْنُ الأَعْرابي: كَذا قالَ: عَنْ أُمِّهِ. والصَّوابُ: عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّ مُبَشِّرٍ دَخَلَتْ عَلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَذَكَرَ مَعْنَى حَدِيثِ مَخْلَدِ بْنِ خالِدٍ نَحْوَ حَدِيثِ جابِرٍ، قالَ: فَماتَ بِشْرُ بْنُ البَراءِ بْنِ مَعْرورٍ، فَأَرْسَلَ إِلَى اليَهُودِيَّةِ فَقالَ: "ما حَمَلَكِ عَلَى الذي صَنَعْتِ؟ ". فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ جابِرٍ، فَأَمَرَ بِها رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقُتِلَتْ، وَلَمْ يَذْكُرِ الحِجامَةَ (¬2). * * * باب فيمن سقى رجلًا سما فمات، أيقاد منه؟ [4508] (ثنا يحيى بن حبيب بن عربي) الحارثي، روى عنه مسلم في ¬

_ (¬1) رواه ابن حزم في "المحلى" 11/ 25. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". (¬2) رواه أحمد 6/ 18. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".

مواضع قال (ثنا خالد (¬1) بن الحارث) الهجيمي قال أحمد: إليه المنتهي في التثبت (¬2). قال (ثنا شعبة، عن هشام (¬3) بن زيد عن) جده (أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- أن امرأة يهودية) وهي زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم كما في "مغازي موسى بن عقبة" و"دلائل النبوة" للبيهقي (¬4)، وهي أخت مرحب اليهودي (أتت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بشاة (¬5) مسمومة) ظاهره أنها أتته بها على وجه الهدية، فإنه كان يقبل الهدية ويثيب عليها (¬6)، ويحتمل أن تكون ضيافة (فأكل منها) سيأتي أنه أكل الذراع وأن بشر بن البراء أكل معه فلم يضر ذلك السم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- طول حياته غير ما أثر بلهواته. (فجيء بها إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فسألها عن ذلك) وفي رواية الطبراني: "أخبرتني هذِه الشاة أنها مسمومة" (¬7) ولهذا الحديث طرق كثيرة في علامات النبوة (فقالت: أردت لأقتلك) سيأتي في رواية: إنما فعلت ذلك لأنك إن كنت نبيًّا لم يضرك (فقال: ما كان اللَّه ليسلطك على ذلك أو قال: علي) فيه بيان عصمته -صلى اللَّه عليه وسلم- من الناس كلهم، كما قال تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (¬8). (فقالوا: ألا نقتلها؟ ) هو بالنون في أكثر النسخ، وفي بعضها بتاء ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 8/ 37. (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) "دلائل النبوة" 4/ 263. (¬5) بعدها في (ل): مشوية. وفوقها: (خ). (¬6) فيما رواه البخاري (2585). من حديث عائشة. (¬7) "المعجم الكبير" 2/ 34. (¬8) المائدة: 67.

الخطاب (قال: لا) هذِه رواية أنس أنه لم يقتلها (¬1). وقد وافقه على ذلك أبو هريرة فيما رواه عنه ابن وهب (قال: فما زلت أعرفها في لهوات رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) أي: أعرف أثرها إما بتغير لون اللهوات وإما بنتوء أو تحفير فيها، واللهوات بفتح اللام والهاء: جمع لهاة بفتح اللام، وهي اللحمة الحمراء المعلقة في أصل الحنك، قاله الأصمعي، وقيل: ما بين منقطع اللسان إلى منقطع أصل الفم من أعلاه. [4509] (ثنا داود بن رشيد) بضم الراء، مصغر، الخوارزمي شيخ مسلم، قال (ثنا عباد (¬2) بن العوام) الواسطي (وثنا هارون (¬3) بن عبد اللَّه) البزاز البغدادي الحافظ قال (ثنا سعيد بن سليمان) قال (ثنا عباد) بن العوام. (عن سفيان بن حسين) الواسطي، مولى عبد اللَّه بن خازم الواسطي، كان مؤدبا مع المهدي، ومات بالري، استشهد به البخاري في "الصحيح" (¬4)، وروى له في "القراءة خلف الإمام" (¬5)، وفي "الأدب"، ومسلم في مقدمة كتابه (¬6) (عن الزهري، عن سعيد وأبي سلمة، قال هارون) أظنه: ابن محمد الرشيد (¬7). (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن امرأة من اليهود) قال النووي: هي أخت مرحب اليهودي (¬8). كما تقدم (أهدت إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- شاة مسمومة) فأكل ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2617)، ومسلم (2190). (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) فوقها في (ل): (م). (¬4) (1066، 2191، 7000). (¬5) (24). (¬6) باب النهي عن الحديث بكل ما سمع. (¬7) كذا قال المصنف. وإنما هو هارون بن عبد اللَّه شيخ أبي داود المتقدم في السند. (¬8) "مسلم بشرح النووي" 14/ 179.

منها (فما عرض) بفتح الراء، أي: تعرض (لها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. قال أبو داود: هذِه) المرأة هي (أخت مرحب اليهودية) بفتح الميم والحاء المهملة (التي سمت) بتشديد الميم (النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-). [4510] (ثنا سليمان بن داود المهري) بفتح الميم قال (ثنا ابن وهب) قال (أخبرني يونس عن) محمد (ابن شهاب قال: كان جابر بن عبد اللَّه يحدث أن يهودية من أهل خيبر) لما فتحت خيبر، واليهودية هي زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم، كذا ذكره المستغفري في روايته (سمت) أي: جعلت سمًّا في لحم الذراع من (شاة) حين سألت: أي عضو من الشاة أحب إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فقيل لها: الذراع. فأكثرت فيها من السم، وسمت سائر الشاة. رواه المستغفري (مصلية) بفتح الميم [وتشديد الياء] (¬1)؛ أي: مشوية، وفي مرسل الزهري أنها أكثرت السم في الكتف والذراع (¬2)، صليت اللحم بتخفيف اللام، أي: شويته (¬3). (ثم أهدتها لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) فوضعتها بين يدي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (فأخذ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) منها (¬4) (الذراع)؛ لأنه كان يحبها (فأكل منها) رواية المستغفري: فلاك منها مضعة فلم يسغها، ومعه بشر بن البراء بن معرور، فأخذ منها كما أخذ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأما بشر فأساغها، وأما رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فلفظها. وفي "مغازي موسى بن عقبة" أن لونه -صلى اللَّه عليه وسلم- صار في الحال كالطيلسان، ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) رواه الطبراني 2/ 35 (1204) عن عروة عن قوله. (¬3) انظر: "المخصص" لابن سيده 1/ 419، "مشارق الأنوار" 2/ 45. (¬4) قبلها في (م): فأكل.

يعني: أصفر شديد الصفرة (وأكل رهط من أصحابه معه) وروى المستغفري من رواية أبي سعيد الخدري: فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اذكروا اسم اللَّه وكلوا" قال: فأكلنا فلم يضر أحدًا منا (ثم قال لهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ارفعوا أيديكم) أي: من الأكل فإنها تخبرني أنها مسمومة. (وأرسل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى اليهودية فدعاها فقال لها: أسممت) بفتح همزة الاستفهام والسين والميم الأولى، أي: جعلت فيها سمًّا (هذِه الشاة) وظاهر قوله: "هذِه الشاة" يعم كل جزء منها، ويدل عليه ما تقدم عن المستغفري أنها سمت سائر الشاة. (قالت اليهودية: من أخبرك؟ قال: أخبرتني هذِه) التي (في يدي) وأشار (للذراع، قالت) له (نعم) فيه معجزات ظاهرة وآيات باهرة دالات على صحة معجزته وصدق نبوته، أهمها ما أظهره اللَّه تعالى من تكليم الجماد له، ولم يؤثر فيه السم، وعلم ما غيب عنه من الشر، وفيه دلالة على أن السموم لا تؤثر بذاتها بل بإذن اللَّه تعالى، كما أن النار لا تحرق بذاتها بل بإذن اللَّه تعالى، ألا ترى أن السم أثر في بِشْرٍ ولم يؤثر فيه. (قال: فما أردت إلى ذلك؟ ) بكسر الكاف، يشبه أن يكون معناه: ما دعاك إلى ذلك. فضمنت "أردت" معنى: "دعاك"، كما ضمنت "افتعل" من "دعا" بمعنى: "أردت" في قوله تعالى: {وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} (¬1)، أي: يريدون ويشتهون (قالت: قلت: إن كان نبيًّا لم يضره، وإن لم يكن نبيًّا ¬

_ (¬1) يس: 57.

استرحنا منه، فعفا عنها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ولم يعاقبها) في ذلك الوقت بسببه، فإنه سيأتي في رواية أبي سلمة أنه أمر بها فقتلت. قال القرطبي: ويصح الجمع بأن يقال: إنه لم يقتلها أولًا بما فعلت من تقديم السم إليهم حتى مات بشر، فدفعها إليهم فقتلوها (¬1) (وتوفي) بضم التاء والواو (بعض أصحابه) وهو بشر بن البراء، كما تقدم (الذين أكلوا من الشاة) المسمومة، لا يعارض هذا ما تقدم عن الإمام المستغفري في روايته: فأكلنا منها فلم يضر أحدًا منا؛ لاحتمال أن يكون بعض أصحابه الذين توفوا حين أكلوا منها لم يمتثلوا أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من ذكر اسم اللَّه تعالى الذي كان سببًا لعدم تأثير السم فيهم ببركة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويدل على ذلك: "وتوفي بعض أصحابه الذين أكلوا". ولم يقل: توفي أصحابه الذين أكلوا. ويكون قوله في رواية المستغفري: فلم يضر أحدًا منا. أي: ممن ذكر اسم اللَّه تعالى عند التسمية. (واحتجم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على كاهله) وهو ما بين كتفيه، وقيل: على موضع العنق من الصلب (من أجل) أكله (الذي أكل من الشاة) المسمومة، فيه دلالة على استحباب التداوي، واستحباب الحجامة والتداوي بها؛ وأنها تكون في الموضع الذي يقتضيه الحال (حجمه أبو هند) اختلف في اسمه، فالمشهور أن اسمه يسار بمثناة تحت ثم سين مهملة، وقيل: اسمه سالم [بن أبي سالم] (¬2). وقيل: عبد اللَّه بن هند. وقيل: سنان، وغلبت كنيته، وكان مولى لفروة بن عمرو البياضي، فابتاعه ¬

_ (¬1) "المفهم" 5/ 576. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- منصرفه من الحديبية، وعتقه، وقال في حقه: "إنما أبو هند من الأنصار فأنكحوه وانكحوا إليه يا بني بياضة" (¬1). (بالقرن) بفتح القاف وإسكان الراء، أي: بقرن الثور، جعل كالمحجمة ونحوه، وهو أولى من الكأس النحاس الذي يحتجم به في هذا الزمان؛ لما يتجمع فيه من الصدأ والزهومة (والشفرة) بفتح الشين المعجمة، يعني: السكين، وفي معناها الحديدة التي يجرح بها العضو ليخرج الدم (وهو) يعني: أبا هند (مولًى) لفروة بن عمرو، كما تقدم (¬2) (لبني بياضة [من الأنصار]) (¬3) فابتاعه وأعتقه، كما تقدم قريبًا -رضي اللَّه عنه-. [4511] (ثنا وهب بن بقية) قال (ثنا خالد) بن عبد اللَّه (عن محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص مولى الحرقة (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن ابن عوف (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أهدت له يهودية بخيبر) لما فتحت (شاة مصلية نحو حديث جابر) المتقدم. (قال: فمات بشر) بكسر الموحدة (ابن البراء بن معرور) بفتح الميم وسكون العين المهملة، ابن صخر بن خنساء (الأنصاري) الخزرجي، أول من بايع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ليلة العقبة الثانية في قول قوم، وأول من استقبل الكعبة في الصلاة من الخزرج وغيرهم، وأول من أوصى بثلث ماله، وهو أحد النقباء الاثني (¬4) عشر وأولهم موتًا (فأرسل إلى اليهودية) وقال لها (ما ¬

_ (¬1) سلف برقم (2102) من حديث أبي هريرة بنحوه، وصححه الحاكم في "المستدرك" 2/ 165، وجود إسناده الحافظ في "بلوغ المرام" 2/ 75. (¬2) بعدها في (ل، م): من، وانظر: "الاستيعاب" لابن عبد البر 4/ 1772، "أسد الغابة" 6/ 316 (6329). (¬3) من المطبوع. (¬4) في (ل، م): الاثنا.

حملك على الذي صنعت؟ ، فذكر نحو حديث جابر) المتقدم (فأمر بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقتلت) فيه دليل على قتل من قتل بالسم قصاصًا، وعن الحنفية: إنما تجب فيه الدية (¬1)، ومحل ذلك إذا استكرهه اتفاقًا، فإن دس عليه كما في الحديث، ففيه الخلاف، فإن ثبت أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قتل اليهودية ببشر بن البراء فيحتج به القائل بالقصاص، قيل: إن بشرًا مات بالسم في الحال، وقيل: بعد حول. وفيه من الفقه أن القتل بالسم كالقتل بالمحدد الذي يوجب القصاص، وهو قول مالك (¬2) إذا استكرهه على شربه فيقتل مثل ذلك، [وقال الكوفيون: لا قصاص في ذلك] (¬3) وفيه الدية على عاقلته قالوا: ولو دسه له في طعام أو شراب لم يكن عليه شيء ولا على عاقلته، قال الماوردي من أصحابنا: لو قتله بسيف مسموم فهل يقتله بمثله؟ فيه وجهان في "الحاوي" أصحهما: نعم. ولو أنهشه حية فهل يقاد بمثلها؟ فيه وجهان، قال: فإن كانت تلك الحية موجودة [لم يُعدل] (¬4) إلى غيرها (¬5) (ولم يذكر أمر الحجامة) التي حجمها أبو هند، كما تقدم (¬6). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "المبسوط" 26/ 153، "بدائع الصنائع" 7/ 235. (¬2) انظر: "البيان والتحصيل" 16/ 62. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬5) "الحاوي" 12/ 143. (¬6) لم يتعرض الشارح لشرح أحاديث (4512/ 1، 2، 4513، 4514).

7 - باب من قتل عبده أو مثل به أيقاد منه؟

7 - باب مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ أَوْ مَثَّلَ بِهِ أَيُقادُ مِنْهُ؟ 4515 - حَدَّثَنا عَلي بْنُ الجَعْدِ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ ح وَحَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْناهُ وَمَنْ جَدَعَ عَبْدَهُ جَدَعْناهُ" (¬1). 4516 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنا مُعاذُ بْنُ هِشامٍ، حَدَّثَني أَبي، عَنْ قَتادَةَ بإِسْنادِهِ مِثْلَهُ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ خَصَي عَبَدَهُ خَصَيْناهُ". ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ شُعْبَةَ وَحَمّادٍ (¬2). قالَ أَبُو داوُدَ: وَرَواهُ أَبُو داوُدَ الطَّيالِسي، عَنْ هِشامٍ مِثْلَ حَدِيثِ مُعاذٍ. 4517 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلي، حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ عامِرٍ، عَنِ ابن أَبي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتادَةَ بإِسْنادِ شُعْبَةَ مِثْلَهُ. زادَ: ثُمَّ إِنَّ الحَسَنَ نَسي هذا الحَدِيثَ فَكانَ يقُولُ: "لا يُقْتَلُ حُرٌّ بِالعَبْدٍ" (¬3). 4518 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا هِشامٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنِ الحَسَنِ قالَ: لا يُقادُ الحُرُّ بِالعَبْدِ (¬4). 4519 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ تَسْنِيمٍ العَتَكي، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنا سَوّارٌ أَبُو حَمْزَةَ، حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قالَ: جاءَ رجُلٌ مُسْتَصْرِخٌ إِلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ جارِيَةٌ لَهُ: يا رَسُولَ اللَّهِ. فَقالَ: "وَيْحَكَ ما لَكَ؟ ". ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1414)، والنسائي 8/ 20، 21، 26، وا بن ماجه (2663)، وأحمد 5/ 10، 11، 12، 18، 19. قال ابن عبد الهادي في "المحرر" (1106): إسناده صحيح إلى الحسن، وقد اختلفوا في سماعه من سمرة. (¬2) رواه النسائي 8/ 20، 26، وأحمد 4/ 18. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (4592). (¬3) رواه ابن ماجه (2663). وقال الألباني: صحيح مقطوع. (¬4) رواه البيهقي (2680). وقال الألباني في "صحيح أبي داود": صحيح مقطوع.

قالَ: شَرّا أَبْصَرَ لِسَيِّدِهِ جارِيَةً لَهُ فَغارَ فَجَبَّ مَذاكِيرَهُ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "عَلَي بِالرَّجُلِ". فَطُلِبَ فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اذْهَبْ فَأَنْتَ حُرٌّ". فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ على مَنْ نُصْرَتي؟ قالَ: "على كُلِّ مُؤْمِنٍ". أَوْ قالَ: "كُلِّ مُسْلِمٍ" (¬1). قالَ أَبُو داوُدَ: الذي عُتِقَ كانَ اسْمُهُ رَوْحُ بْنُ دِينارٍ. قالَ أَبُو داوُدَ: الذي جَبَّهُ زِنْباعٌ. قالَ أَبُو داوُدَ: هذا زِنْباعٌ أَبُو رَوْحٍ كانَ مَوْلَى العَبْدِ. * * * باب من قتل عبده أو مثل به أيقاد منه؟ [4515] (ثنا علي بن الجعد) بن عبيد الجوهري الهاشمي، روى عنه البخاري اثني عشر حديثًا قال (ثنا شعبة، وحدثنا موسى بن إسماعيل) قال (ثنا حماد، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: من قتل عبده) فيه دليل على (¬2) جواز قول: عبدي وأمتي. وإن كان ورد النهي عنه (¬3) (قتلناه) به، أخذ به الثوري فقال: إذا قتل السيد عبده أو عبد غيره قتل به لهذا الحديث، وأجاب الجمهور عن هذا الحديث على تقدير صحته بأنه منسوخ، قاله البيهقي في "الخلافيات" (¬4) وروى البيهقي وكذا الدارقطني من رواية ابن عباس: "لا يقتل حر بعبد" (¬5). كما ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (2680). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود". (¬2) ساقطة من (م). (¬3) رواه البخاري (2552) ومسلم (2249) من حديث أبي هريرة. وسيأتي عند أبي داود برقم (4975). (¬4) انظر: "مختصر خلافيات البيهقي" 4/ 335 - 336. (¬5) "سنن الدارقطني" 4/ 153، "السنن الكبرى" 8/ 63. =

سيأتي عن الحسن (¬1)، وروى البيهقي عن علي: من السنة أن لا يقتل حر بعبد (¬2). وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن أبا بكر وعمر كانا لا يقتلان الحر بعبد (¬3). ورواه أحمد، وروى الدارقطني من هذا الوجه مرفوعًا بلفظ: إن رجلًا قتل عبدًا متعمدًا فجلده النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ونفاه سنة ومحا اسمه من المسلمين ولم يقده به (¬4) (ومن جدع عبده) [قال] (¬5) الجوهري: الجدع: قطع الأنف وقطع الأذن أيضًا (¬6) وقطع اليد والشفة، تقول منه: جدعته فهو أجدع (¬7) (جدعناه) أي: فعلنا به مثل ما فعل به من الجدع، هو على تقدير صحته منسوخ كما تقدم. قال ابن المنذر: الحديث ليس بثابت (¬8). وقال أحمد: الحسن لم يسمع من سمرة إنما هي صحيفة (¬9). وقال أحمد: إنما سمع الحسن ¬

_ = وضعف إسناده البيهقي، وابن الملقن في "البدر المنير" 8/ 368 - 369، وفي "خلاصة البدر" 2/ 263، والألباني في "الإرواء" (2211). (¬1) يأتي قريبًا (4517). (¬2) "السنن الكبرى" 8/ 63. ورواه أيضًا الدارقطني 4/ 154. وضعفه ابن الملقن في "البدر المنير" 8/ 369، والألباني في "الإرواء" (2211). (¬3) رواه عبد الرزاق في "المصنف" 9/ 490 (18139)، وابن أبى شيبة فى "المصنف" 5/ 413 (27515)، والدارقطني 4/ 155، والبيهقي 8/ 63. (¬4) "سنن الدارقطني" 3/ 143. (¬5) ساقطة من النسخ، والمثبت يلزمه السياق. (¬6) ساقطة من (م). (¬7) "الصحاح" 3/ 1193. (¬8) "الأوسط" 13/ 50. (¬9) المسند" 5/ 10، وانظر: "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 16/ 474.

من سمرة ثلاثة أحاديث ليس هذا منها. [4516] (ثنا محمد بن المثنى) قال (ثنا معاذ بن هشام) بن أبي عبد اللَّه، قال علي بن المديني: سمعت معاذ بن هشام يقول: سمع أبي من قتادة عشرة آلاف حديث (¬1). قال ابن معين: صدوق ليس بحجة (¬2). قال (ثنا أبي) أبو عبد اللَّه الدستوائي (عن قتادة، بإسناده) المتقدم (مثله، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من خصى عبده خصيناه) وهو قطع الأنثيين مع جلدتهما، وقيل: هو سل الأنثيين، حرمة النفس أعظم من الخصيتين فإذا لم يقتل بالنفس فبالأولى أن لا يقتل بما دونها. حكى الترمذي عن بعضهم: إذا قتل عبده لا يقتل به، وإذا قتل عبد غيره قتل به. قال: وهو قول سفيان الثوري (¬3). ومذهب الشافعي والجمهور ليس بين الحر والعبد قصاص في النفس ولا فيما دون النفس (¬4)، حتى قال (ثم ذكر مثل حديث شعبة وحماد) المتقدم. (قال أبو داود: [ورواه أبو داود]) (¬5) سليمان بن داود (الطيالسي، عن هشام) الدستوائي (مثل حديث معاذ) المذكور. [4517] (وثنا الحسن بن علي) الخلال قال (ثنا سعيد (¬6) بن عامر) الضبعي، أحد الأعلام (عن) سعيد (ابن أبي عروبة، عن قتادة بإسناد ¬

_ (¬1) "تاريخ ابن معين" رواية الدوري 2/ 572. (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 28/ 142. (¬3) "سنن الترمذي" عقب حديث (1414). (¬4) "الأم" ط. دار الوفاء 7/ 62. (¬5) ساقطة من (ل)، و (م) وأثبتناه من "السنن". (¬6) فوقها في (ل): (ع).

شعبة) المتقدم (مثله) و (زاد: ثم إن الحسن نسي هذا الحديث) المتقدم (فكان يقول: لا يقتل حر بعبد) فقد أفتى بخلاف الحديث المتقدم، ذهب قوم إلى أن الراوي إذا خالف ما رواه لا يقبل حديثه، وفصل بعض الحنفية فقالوا: إن كانت المخالفة قبل الرواية فلا يرد، وإن كان بعده فيرد، وإن جهل التاريخ لم يرد؛ لجواز التقدم عليه (¬1). [4518] (ثنا مسلم بن إبراهيم) قال (ثنا هشام، عن قتادة، عن الحسن قال: لا يقاد الحر بالعبد) هذا مذهب الجمهور، حتى قال أصحابنا: إن الحر لا يقتل بمن شك في حريته، ولا بمن لا يعلم أنه حر أو عبد لوجود الشبهة التي تدرأ بها الحدود. [4519] (ثنا محمد بن الحسن بن تسنيم) بفتح المثناة فوق وسكون السين المهملة وكسر النون ثم ياء قبل الميم، الأزدي (العتكي) نزيل الكوفة، ثبت. قال (ثنا محمد (¬2) بن بكر) البرساني بضم الموحدة، وبرسان من الأزد وكان ظريفًا صاحب أدب، قال ([أنا] (¬3) سوار) بن داود (أبو حمزة) بالحاء المهملة والزاي الصيرفي البصري، قال (ثنا عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده) يحتمل أن يريد بجده الأدنى الحقيقي وهو محمد فيكون حديثه مرسلًا، [فإن محمدًا تابعي، ويحتمل أن يريد جده الأعلى المجازي، وهو عبد اللَّه، فيكون متصلا] (¬4) والأكثرون على الاحتجاج به، حملًا على جده الأعلى. ¬

_ (¬1) انظر: "أصول السرخسي" 2/ 8، "التقرير والتحبير" لابن أمير حاج 2/ 266. (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) في الأصول: أبو. وهو خطأ. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

(قال: جاء رجل) هو سيد زنباع بكسر الزاي وإسكان النون أبو روح بفتح الراء كما في رواية أحمد (¬1)، وهو فلسطيني، قال في "الاستيعاب": زنباع بن روح قدم على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقد جب غلامًا له، فأعتقه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالمثلة (¬2). (مستصرخ) مرفوع على الصفة، ولا يجوز نصبه على الحال؛ لأن صاحب الحال نكرة فلو قال (¬3): جاء زنباع. لجاز النصب (إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) أي: مستغيث به؛ ليقوم بالأمر الذي استغاثه فيه، وأصله من رفع الصوت بذلك، ومنه: كان يقوم إذا سمع الصارخ. (فقال جارية) بالرفع مبتدأ وجاز الابتداء بالنكرة؛ لأنه موصوف بقوله: (له) أي: لسيده، وعاد الضمير على غير مذكور؛ لأنه معلوم أن العبد لا يملك جارية ولا غيرها، والخبر محذوف تقديره: أبصرها مع غلام. كما في رواية أحمد (¬4) (يا رسول اللَّه) وفي الكلام حذف تقديره: فدعا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- غلامه فوجده مجبوبًا مجدوع الأنف (فقال) له (ويحك، [مالك]) (¬5) يقال لمن وقع في أمر لا يستحقه: ويحك. ولمن وقع في أمر يستحقه: ويلك. (قال) قال: وظاهر رواية أحمد أن المستصرخ الذي جاء هو الغلام؛ فإنه قال: عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص أن زنباعًا أبا روح وجد غلامًا له مع جارية له فجدع أنفه وجبه، فأتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "من فعل هذا ¬

_ (¬1) "المسند" 2/ 182. (¬2) "الاستيعاب" 2/ 132. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) "المسند" 2/ 182. (¬5) ساقطة من النسختين، والمثبت من "السنن".

بك؟ " فقال: زنباع. فدعاه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "ما حملك على هذا؟ " فقال: كان من أمره كذا وكذا (¬1)، قال (شر) (¬2) مفعول مقدم، هو مبتدأ حذف خبره لدلالة ما قبله عليه، تقديره: له شر. ثم فسر الشر فقال: (أبصر لسيده جارية له) فرآه سيده (فغار) منه (فجب) أي: قطع، يقال: جب وأجب بمعنى: قطع (مذاكيره) جمع ذكر وهو على [غير] (¬3) قياس، وتقدم في رواية أحمد: وجدع أنفه (¬4). (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) للعبد (علي بالرجل) أي: بسيده الذي جبه (فطلب) بضم الطاء (فلم يقدر عليه) حين هرب (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) للعبد (اذهب فأنت) فيه سماع الدعوى على الغائب، وطلب المدعى عليه والحكم عليه إذا كان بمسافة بعيدة أو كان حاضرًا ولم يقدر عليه، بل اختفى، وفيه الحكم على الغائب في القصاص قصاص النفس أو الطرف، ولا يجوز في حق اللَّه، وأنه لا يحتاج في الدعوى على غائب نصب المسخر لينكر عن الغائب (حر) فيه أن السيد إذا مثل بعبده ولو بقطع أنملة منه أنه يعتق عليه، ونقله بعض العلماء عن "المدونة" (¬5) قال القاضي عياض: أجمع العلماء على أنه لا يجب إعتاق العبد من لطمة ونحوها من الأمر الخفيف واختلفوا فيما كثر من ¬

_ (¬1) "المسند" 2/ 182. (¬2) بعدها في (ل): شرًا، وفوقها (ح). (¬3) ليست في النسختين. (¬4) "المسند" 2/ 182. (¬5) "المدونة" 2/ 444.

ذلك بغير موجب لذلك، أو حرقه بنار أو قطع عضو مما فيه مثلة، فذهب مالك وأصحابه والليث إلى عتق العبد على سيده بذلك، ويكون ولاؤه له، وقال أكثر العلماء: لا يعتق عليه (¬1). والحديث حجة. (فقال: يا رسول اللَّه، على من نصرتي؟ ) أي: من ينصرني ويتولى نصرتي ويقوم بي ويكون ولائي له ([قال] (¬2) على كل مؤمن. أو قال) على (كل مسلم) شك من الراوي، وفيه أن ولاء هذا الممثل به لكل المسلمين لا لمن مثل به؛ لأن الولاء لا يثبت إلا لمن له عليه نعمة ومن قطع عضوًا ومثل به لا إنعام له عليه، وأن الولاء إنما هو لصاحب النعمة، ورواية أحمد فيها زيادة، فإن فيها: فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اذهب فأنت حر". فقال: يا رسول اللَّه، مولى من أنا؟ فقال: "مولى اللَّه ورسوله". قال: وأوصى به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المسلمين، فلما قبض رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جاء إلى أبي بكر فقال: وصية رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. فقال: نعم، نجري عليك النفقة وعلى عيالك فأجراها عليه حتى قبض أبو بكر، فلما استخلف عمر جاءه فقال: وصية رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. قال: نعم، أين [تريد؟ ] (¬3) قال: مصر. فكتب عمر إلى صاحب مصر أن يعطيه أرضًا يأكلها (¬4). ورواة رواية أحمد ثقات (¬5). * * * ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" 5/ 428. (¬2) من المطبوع. (¬3) ساقطة من النسخ، والمثبت من "المسند". (¬4) "المسند" 2/ 182. (¬5) قاله الهيثمي في "المجمع" 6/ 315.

8 - باب القسامة

8 - باب القَسامَةِ 4520 - حَدَّثَنا عُبَيْد اللَّهِ بْن عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ -المَعْنَى- قالا: حَدَّثَنا حَمّادُ بْن زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبي حَثْمَةَ وَرافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ مُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ انْطَلَقا قِبَلَ خَيْبَرَ فَتَفَرَّقا في النَّخْلِ، فَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ فاتَّهَمُوا اليَهودَ، فَجاءَ أَخُوهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن سَهْلٍ وابْنا عَمِّهِ حُويِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ، فَأَتَوُا النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَتَكَلَّمَ عبد الرَّحْمَنِ في أَمْرِ أَخِيهِ وَهُوَ أَصْغَرهُمْ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الكُبْرَ الكُبْرَ". أَوْ قالَ: "لِيَبْدَإِ الأَكْبَرُ". فَتَكلَّما في أَمْرِ صاحِبِهِما فَقالَ رسول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ على رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ". قالوا: أَمْرٌ لَمْ نَشْهَدْهُ كَيْفَ نَحْلِفُ؟ قالَ: "فَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِأَيْمانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ". قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ قَوْمٌ كُفّارٌ. قالَ: فَوَداهُ رسول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْ قِبَلِهِ. قالَ: قالَ سَهْلٌ دَخَلْتُ مِرْبَدًا لَهُمْ يَوْمًا فَرَكَضَتْني ناقَةٌ مِنْ تِلْكَ الإِبِلِ رَكْضَةً بِرِجْلِها. قالَ حَمّادٌ: هذا أَوْ نَحْوَهُ (¬1). قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ بِشْرُ بْن المُفَضَّلِ وَمالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قالَ: فِيهِ: "أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ أَوْ قاتِلِكُمْ؟ " وَلَمْ يَذْكُرْ بِشْرٌ دَمًا. وقالَ عَبْدَةُ: عَنْ يَحْيَى كَمَا قالَ حَمّادٌ، وَرَواه ابن عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى فَبَدَأَ بِقَوْلِهِ: "تُبرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا يَحْلِفُونَ". وَلَمْ يَذْكرِ الاسْتِحْقاقَ. قالَ أَبُو داوُدَ: وهذا وَهَمٌ مِنِ ابن عُيَيْنَةَ. 4521 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ أَخْبَرَني مالِكٌ، عَنْ أَبي لَيْلَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أبي حَثْمَةَ أَنَّه أَخْبَرَهُ هوَ وَرِجالٌ مِنْ كُبَراءِ قَوْمِهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ خَرَجا إِلَى خَيْبَرَ مِنْ جَهْدٍ أَصابَهُمْ، فَأُتي محَيِّصَةُ فَأُخْبِرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قَدْ قتِلَ وَطُرِحَ في فَقِيرٍ أَوْ عَيْنٍ فَأَتَى ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3173، 6142)، ومسلم (1669).

يهَودَ فَقالَ: أَنْتُمْ واللَّه قَتَلْتُمُوهُ. قالُوا: واللَّه ما قَتَلْناهُ. فَأَقْبَلَ حَتَّى قَدِمَ على قَوْمِهِ فَذَكَرَ لَهُمْ ذَلِكَ ثُمَّ أَقْبَلَ هُوَ وَأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ -وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ- وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ فَذَهَبَ مُحَيِّصَةُ لِيَتَكَلَّمَ وَهُوَ الذي كانَ بِخَيْبَرَ فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كَبِّرْ كَبِّرْ". يُرِيدُ السِّنَّ فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَيِّصَةُ فَقالَ رسول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِمّا أَنْ يَدُوا صاحِبَكُمْ وَإِمّا أَنْ يُؤْذَنُوا بِحَرْبٍ". فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِذَلِكَ فَكَتَبُوا إِنّا واللَّه ما قَتَلْناهُ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِحُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ: "أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ؟ ". قالُوا: لا. قالَ: "فَتَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ". قالُوا: لَيْسُوا مُسْلِمِينَ فَوَداهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْ عِنْدِهِ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مِائَةَ ناقَةٍ حَتَّى أُدْخِلَتْ عَلَيْهِمُ الدّارَ. قالَ سَهْلٌ: لَقَدْ رَكَضَتْني مِنْها ناقَةٌ حَمْراءُ (¬1). 4522 - حَدَّثَنا مَحْمُودُ بْنُ خالِدٍ وَكَثِيرُ بْنُ عُبَيْدٍ قالا: حَدَّثَنا ح وَحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبّاح بْنِ سُفْيانَ أَخْبَرَنا الوَلِيدُ، عَنْ أَبي عَمْرٍو، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّهُ قَتَلَ بِالقَسامَةِ رَجُلًا مِنْ بَني نَصْرِ بْنِ مالِكٍ بِبَحْرَةِ الرُّغاءِ عَلَى شَطِّ لِيَّةِ البَحْرَةِ قالَ: القاتِلُ والمَقْتُولُ مِنْهُمْ. وهذا لَفْظُ مَحْمُودٍ: بِبَحْرَةٍ أَقامَهُ مَحْمُودٌ وَحْدَهُ عَلَى شَطِّ لِيَّةِ البَحْرَةِ (¬2). * * * باب القتل بالقسامة [4520] (ثنا عبيد اللَّه) بالتصغير (ابن عمر بن ميسرة) البصري القواريري (ومحمد بن عبيد، المعنى، قالا: ثنا حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، عن بشير) بضم الباء الموحدة وفتح الشين المعجمة مصغر (بن يسار) بفتح الياء تحتها نقطتان وتخفيف السين المهملة، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (7192)، ومسلم (1669). (¬2) رواه البيهقي 8/ 127. وقال الألباني: ضعيف معضل.

الأنصاري المدني، مولى بني حارثة. (عن سهل بن أبي حثمة) بسكون المثلثة (ورافع بن خديج) بن رافع الخزرجي الأوسى، شهد أحدًا والخندق وأكثر المشاهد. (أن محيصة) بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء، وتخفيفها لغة (بن مسعود) بن كعب بن عدي الأنصاري الحارثي، كان أكبر من أخيه حويصة (وعبد اللَّه بن سهل) الأنصاري الحارثي (انطلقا قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة (خيبر) رواية "الصحيح": إلى خيبر وهم يومئذ صلح (¬1). (فتفرقا في النخل) لحاجتهما (فقتل عبد اللَّه بن سهل فاتهم اليهود) في قتله (فجاء أخوه عبد الرحمن بن سهل) الأنصاري، وكان له فهم وعلم (وابنا عمه حويصة ومحيصة) بتخفيف الياء وتشديدها، والمشهور التشديد، وعلى الوجهين فهما مصغران (¬2)، والأربعة بنو عم بعضهم لبعض (فأتوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فتكلم عبد الرحمن في أمر أخيه) المقتول (وهو أصغرهم) سنًّا (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: الكُبْر) بضم الكاف وإسكان الباء (الكُبْر) قال في "ديوان الأدب ": يقال: الولاء للكبر (¬3). أي: أقربهم إلى الجد الأكبر "الكبر الكبر" منصوبان بفعل محذوف تقديره: قدموا الأكبر، وفي بعضها: "الكبر" بكسر الكاف وفتح الباء، أي: كبر الكبير في السن ونحوها، قال النووي: وفي بعض نسخ مسلم: ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (2702، 3173). (¬2) في (ل)، و (م) مصغرين. (¬3) "معجم ديوان الأدب" 1/ 154.

"للكبر" باللام، وهو صحيح (¬1). والمعنى: أن عبد اللَّه هو المقتول وأخوه عبد الرحمن، فلما أراد عبد الرحمن أخو المقتول أن يتكلم قال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أي: ليتكلم الأكبر منك، واعلم أن حقيقة الدعوة إنما هي (¬2) لأخيه عبد الرحمن ولا حق فيها لابني عمه، وإنما أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يتكلم الأكبر وهو حويصة؛ لأنه لم يكن المراد بكلامه حقيقة الدعوى سماع صورة القصة وكيف جرت، فإذا أراد حقيقة الدعوى تكلم صاحبها، ويحتمل أن عبد الرحمن وَكَّلَ حويصة ومحيصة في الدعوى ومساعدته أو أمر بتوكيله، وفي هذا فضيلة السن عند التساوي في الفضائل، ولهذا نظائر، فإنه تقدم في الإمامة وفي النكاح ندبا وغير ذلك. (أو قال: ليتكلم (¬3) الأكبر) منكما؛ فيه تعظيم الشيوخ وتوقيرهم (فتكلما في أمر صاحبهما) المقتول، وفيه تسمية الميت صاحبًا باعتبار ما كان عليه قبل الموت، وقد اختلف الأصوليون في إطلاق اسم الصحبة عليه بعد انقضائها، ثلاثة أقوال أقربها كما قال الآمدي أن إطلاق اسم (¬4) الصاحب عليه قبل انقضاء الصحبة حقيقة، وبعد الانقضاء مجاز (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: يقسم) أي: يحلف. نقل الرافعي عن الأئمة أن القسامة في اللغة اسم للأولياء الذين ¬

_ (¬1) "مسلم بشرح النووي" 11/ 146. (¬2) في (ل)، (م): هيه. وهو خطأ، وما أثبتناه هو الصواب. (¬3) في مطبوعات "السنن": ليبدأ. (¬4) ساقطة من (ل).

يحلفون على استحقاق دم المقتول، وفي لسان الفقهاء اسم للأيمان (¬1)، والصحيح أنها اسم للأيمان عند بعضهم (خمسون) دليل على استحقاق هذا العدد من الأيمان، فلا يجزئ فيها أقل من ذلك. فإن كان المستحقون خمسين حلف كل واحد منهم يمينًا واحدة، فإن كانوا أقل من ذلك أو نكل من لا يجوز عفوه ردت الأيمان عليهم بحسب عددهم (منكم) الخطاب لجميع الأولياء. واستدل الرافعي والنووي على أصح القولين عند الشافعي على أن الخمسين يمينًا توزع على الأولياء على قدر مواريثهم، والقول الثاني: أن كل واحد منهم يحلف خمسين يمينًا، واحتجا للأصح بأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "يحلف خمسون منكم" (¬2) فلم يوجب على الجماعة إلا الخمسين (¬3). قال الإسنوي: والاستدلال به سهو؛ لأن الوارث إنما هو أخو القتيل، وهو أخو عبد الرحمن بن سهل، وحويصة ومحيصة عماه، والحالف إنما هو الوارث، وإنما عبر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بقوله: "يحلفون" لأن الحلف وإن صدر من واحد لكن بعد اتفاق من العمين فإنهما قد حضرا معهما خائضين في القصة، فعبر عن اتفاقهم على الحلف بالحلف مجازًا، وهو مجاز سائغ حسن. قال: والإمام قد نبه على ما قلناه، فكيف ذهل عنه الرافعي؟ ! انتهى، وإذا زاد الأولياء على الخمسين هل يحلف كل منهم يمينًا، أو يقتصر منهم على خمسين؟ ¬

_ (¬1) "الشرح الكبير" 11/ 12. (¬2) انظر: "شرح معاني الآثار" 3/ 201، "شرح مشكل الآثار" 11/ 513. (¬3) "الشرح الكبير" 11/ 28، "روضة الطالبين" 10/ 18.

وهذا هو الموافق لقوله: "يحلف خمسون منكم" و (من) للتبيين (على رجل منهم) أنه قتله (فيدفع) الرجل إليهم (برمته) بضم الراء، والمراد به هنا الحبل الذي يربط في رقبة القاتل ويسلم فيه إلى ولي المقتول. وفيه دليل على أن الولي أو الأولياء إذا أقسموا في محل اللوث وكانت الدعوى قتل العمد على ما ذهب إليه الشافعي في القول القديم أن القصاص يجب بالقسامة، والقول الجديد أنه لا يجب القصاص، بل تجب الدية في مال القاتل حالة، وعلى الجديد مؤول عند أصحابنا على أنه يسلم إليهم برمته ليستوفوا منه الدية لكونها ثبتت عليه لا ليقتص منه (¬1). (قالوا) هذا أمر (لم نشهده) أي: لم نحضره (كيف نحلف) عليه، فيه دليل على أن الأيمان في القسامة على القطع وهو الأصل في الأيمان، إلا أن يتعذر ذلك في القسامة على القطع، وهو الأصل في الأيمان، إلا أن يتعذر ذلك فيها، وسبب ذلك أن الحالف جازم في دعواه، فلا يحلف إلا على ما تحققه كالشاهد، غير أنه لا يشترط في تحقيق ذلك الحضور والمشاهدة، إذ قد يحصل التحقيق من الأخبار بقرائن الأحوال إذا احتفت به. (قال: فتبرئكم يهود) أي: يبرؤون إليكم مما طالبتموهم به، وتبرؤون أنتم منهم إذ ينقطع طلبكم عنهم شرعًا. وفيه دليل على أن من توجهت عليه يمين فنكل عنها أنه لا يقضى عليه بمجرد النكول حتى يرد اليمين على الآخر ويحلف. وهو قول ¬

_ (¬1) انظر: "الحاوي الكبير" 13/ 35، "البيان" للعمراني 13/ 223.

مالك (¬1) والشافعي (¬2)، وقال أبو حنيفة (¬3) وأحمد (¬4): يقضى عليه دون رد اليمين. وقال ابن أبي ليلى: يؤخذ باليمين (¬5). (بأيمان) بفتح الهمزة جمع يمين (خمسين منهم) فيه دليل على أن اليمين المردودة لا تكون أقل من خمسين يمينًا من خمسين رجلًا إذا كان المدعى عليهم خمسين، فإن كانوا أقل من ذلك حلفوا خمسين يمينًا وردت اليمين عليهم بحسب عددهم. (قالوا: يا رسول اللَّه) كيف نقبل أيمان كما في رواية (¬6) (قوم كفار) هذا استبعاد لصدقهم، وتقرير (¬7) لإقدامهم على الكذب، وجرأتهم على الأيمان الفاجرة، أي: ما هم عليه من الكفر والعداوة للمسلمين بجرأتهم على الأيمان الكاذبة، قال القرطبي: لا خلاف أعلمه في أن الكافر إذا توجهت عليه يمين أنه يحلفها (¬8). ويدل على صحة يمين الكافر والفاسق قوله قبل: "فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم". (فوداه) بتخفيف الدال أي: أعطى ديته (رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من قبله) بكسر القاف، وفتح الباء، أي: من عنده كما في رواية، وإنما فعل ذلك على ¬

_ (¬1) انظر: "البيان والتحصيل" 15/ 446، "الذخيرة" 11/ 76. (¬2) انظر: "الحاوي الكبير" 16/ 317، "البيان" للعمراني 13/ 88، "روضة الطالبين" 12/ 47. (¬3) انظر: "المبسوط" 17/ 29، "بدائع الصنائع" 6/ 230، "تبيين الحقائق" 4/ 294. (¬4) انظر: "المغني" 14/ 233. (¬5) انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 3/ 383. (¬6) رواها البخاري (3173)، ومسلم (1669/ 1، 3). (¬7) ساقطة من (م). (¬8) "المفهم" 5/ 15.

مقتضى كرم خلقه، وعظيم مروءته، وجلبًا للمصلحة، ودفعًا للمفسدة، ودفعًا لثائرة الشر، وتأليفًا للأغراض المتنافرة عند تعذر الوصول إلى استيفاء الحق، وهذا اللفظ الذي هو "من قبله" أو من عنده (¬1). ظاهر في أن الإبل التي دفعها كانت من ماله، وهذا أصح من رواية من روى أنها كانت من إبل الصدقة؛ إذ قيل: إنها غلط من بعض الرواة، إذ ليس هذا من تصرف الزكاة. (قال) حماد بن زيد (قال سهل) بن أبي حثمة (دخلت مربدًا لهم) بفتح الميم، وكسر الباء الموحدة (¬2)، وهو الموضع الذي تجتمع فيه الإبل وتحبس، والربد الحبس ([يومًا] (¬3) فركضتني) أي: وقصتني [أو رفستني] (¬4)، والرفس بالسين المهملة: الضرب بالرجل (ناقة من تلك الإبل) التي أخذت في الدية، وفيه دليل على أن الأصل في الدية الإبل؛ لأن اللَّه تعالى أوجب دية مجملة في قوله تعالى: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} (¬5)، وبينها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في قوله: "في النفس مائة من الإبل" رواه النسائي وصححه ابن حبان والحاكم (¬6). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (7192)، ومسلم (1669/ 4). (¬2) المشهور في المربد الكسر ثم السكون وفتح الباء ودال مهملة والمذكور على غير القياس. انظر: "معجم البلدان" 5/ 97. (¬3) من المطبوع. (¬4) ليست في النسخ، وأثبتها ليستقيم السياق. (¬5) النساء: 92. (¬6) "المجتبى" 8/ 57، 59 - 60، "السنن الكبرى" 4/ 245 - 247، "صحيح ابن حبان" 14/ 501 (6559)، "المستدرك" 1/ 395 - 396.

(ركضة) منصوب على المصدر (برجلها. قال حماد) بن زيد (هذا) اللفظ الذي سمعته (أو نحوه) بالرفع، قد يستدل به من يجوِّز رواية الحديث بالمعنى. (قال أبو داود: ورواه بشر بن المفضل ومالك، عن يحيى بن سعيد) و (قال (¬1) فيه) قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (أتحلفون خمسين يمينًا؟ ) فهم الشافعي منه أنه لا يحلف إلا الورثة الذين يستحقون المال (¬2). (وتستحقون دم صاحبكم) فجعل الحالف هو المستحق، ومعلوم أن غير الوارث لا يستحق شيئًا، يدل على أن المراد حلف من يستحق الدية، وقد استدل بقوله: "دم (¬3) صاحبكم" أن بالقسامة يستحق القصاص بالدم (أو قاتلكم؟ ) شك من الراوي، ومعناه على الروايتين إن ثبت حقكم على من حلفته عليه، وهل ذلك الحق قصاص أو دية؟ فيه الخلاف. (ولم يذكر بشر) بن المفضل (دمًا) يدل على أن الأصح من مذهب الشافعي أن المستحق بالقسامة الدية لا القصاص، لرواية مسلم: "إما أن يدوا صاحبكم وإما أن يؤذنوا بحرب" (¬4) وقال عدة من رواة الحديث: (وقال عبدة) بن عبدة الكلابي (عن يحيى، كما قال حماد) بن زيد. (ورواه) سفيان (ابن عيينة عن يحيى) بن سعيد (فبدأ) بهمز آخره، أي: ابتدأ في روايته (بقوله: تبرئكم يهود) مرفوع غير منون، لأنه لا ¬

_ (¬1) في النسخ: قالا. بالتثنية والمثبت من المطبوع. (¬2) "الأم" 7/ 229. ط. دار الوفاء. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) "صحيح مسلم" (1669/ 6).

ينصرف، إذ المراد يهود الطائفة أو القبيلة، فاجتمع فيه علتان وهما العلمية والتأنيث (بخمسين يمينًا يحلفون) أنهم لم يقتلوه (ولم يذكر الاستحقاق) في روايته. (قال أبو داود: [وهذا] (¬1) وهم [من] (¬2) ابن عيينة) يعني: التبدئة. قال شيخنا ابن حجر: وقد وافق وهيب بن خالد بن عيينة على روايته، أخرجه أبو يعلى (¬3). [4521] (ثنا أحمد بن عمرو بن السرح) قال (أنا) عبد اللَّه (ابن وهب) قال (أخبرني) سمعت (مالك) بن أنس يقول (حدثني أبو ليلى) عبد اللَّه بن سهل كذا قيل اسمه، وهو ثقة (ابن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن سهل) الأنصاري (عن سهل بن أبي حثمة أنه أخبره هو ورجال) رواية مسلم: أنه أخبره عن رجال (¬4) (من كبراء قومه أن عبد اللَّه بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد) بفتح الجيم، وهو الشدة والمشقة (أصابهم (¬5) فأُتي) بضم الهمزة، وكسر التاء (محيصة فأخبر) بضم الهمزة، وكسر الباء (أن عبد اللَّه بن سهل) الحارثي (قد قتل) في رواية البزار: قتل تحت الليل (¬6) (وطرح في فقير) على لفظ الفقير من الآدميين، وهي هنا البئر القريبة القعر، الواسعة الفم، وقيل: هي ¬

_ (¬1) و (¬2) من المطبوع. (¬3) انظر: "التلخيص الحبير" 4/ 39. (¬4) "صحيح مسلم" (1669). (¬5) ساقطة من (م). (¬6) "البحر الزخار" 3/ 238: فقد تحت الليل.

الحفيرة العميقة التي تحفر للفسيلة (¬1) من صغار النخل، وقيل: هي حوض في أصل النخلة تشرب منه النخلة، والأول هو الموافق لما عطف عليه بقوله (أو عين) ماء (فأَتَى) بفتح الهمزة والتاء محيصة (يهود) بالنصب بلا تنوين؛ لأنه لا ينصرف كما تقدم. (فقال) لهم (أنتم واللَّه قتلتموه) فأنكروا و (قالوا: واللَّه ما قتلناه). فيه أنه تجوز اليمين باللَّه تعالى على ما يغلب عليه ظنه بقرائن دلت عليه، وإلا فلا (فأقبل حتى قدم على قومه) بني حارثة (فذكر لهم ذلك) كله (ثم أقبل هو وأخوه حويصة وهو أكبر منه) أي: كان حويصة أكبر سنًّا من محيصة، وأسلم بعده (وعبد الرحمن بن سهل) ابن أخيهما وهما عمَّاه، وفي رواية: ابنا عمه، وهو الصحيح، إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، كذا في رواية "الموطأ" (¬2) (فذهب محيصة ليتكلم) بالوكالة عن عبد الرحمن (وهو الذي كان) حاضرًا (بخيبر) حين قتل عبد اللَّه، غير أنه كان أصغر من محيصة. (فقال [له] (¬3) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: كبر كبر) قرأناه في رواية مسلم وغيره بفتح الكاف، وتشديد الباء المكسورة، وصرح به ابن الأثير فقال: كبِّر كبِّر (¬4). أمر بتقديم الأكبر (¬5). في بعض النسخ المعتمدة الصحيحة في "الموطأ": "كبر كبر" ¬

_ (¬1) في (م) موضعها بياض. (¬2) "الموطأ" 2/ 877 - 878. (¬3) من المطبوع. (¬4) ساقطة من (ل). (¬5) "جامع الأصول" 10/ 280.

بسكون الباء فيهما، ويشبه أن يكون مع السكون ضم الكاف كما تقدم في "الكبر الكبر" والكبر بضم الكاف، وإسكان الباء جمع أكبر كحمر جمع أحمر، أو مصدر، أو مفرد بمعنى الأكبر (يريد) كبر (السن) أي: قدم للكلام قبلك من هو أكبر سنا منك، وفيه من الفقه أن المشتركين في طلب حق ينبغي لهم أن يقدموا للكلام واحدًا منهم، وأحقهم بذلك أسنهم، إذا كانت له أهلية القيام بذلك، وقدم السن لا يستحق التقديم به إلا من حيث القدم في الإسلام، والسبق إليه، وممارسة أحواله، والفقه فيه، ولو كان الشيخ عريا عن ذلك لاستحق التأخير، وقد قدم وفد على عمر بن عبد العزيز فتقدم شاب للكلام فقال له عمر: كبر كبر. فقال: يا أمير المؤمنين، لو كان الأمر بالسن لكان هنا من هو أولى بالخلافة منك. فقال: تكلم. فتكلم فأبلغ وأوجز. (فتكلم حويصة) لكونه أكبر في السن بالوكالة عن عبد الرحمن؛ لأنه وأخاه كانا وكيلين (ثم تكلم محيصة) ليجلي الواقعة؛ لأنه كان حاضرًا (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) بعد سماع المدعين (إما أن يدوا) بفتح المثناة تحت (صاحبكم) أي: يدفعوا (¬1) الدية عنه. قال القرطبي: هذا الكلام من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على جهة التأنيس والتسلية لأولياء المقتول، وعلى جهة الإخبار بالحكم على تقدير ثبوت القتل عليهم، لا أن ذلك كان حكمًا من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على اليهود في حال غيبتهم، فإنه بعد لم يسمع منهم، ولا حضروا حتى يسألهم؛ ولذلك كتب إليهم بعد أن صدر منهم ذلك القول، ثم إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد أن ¬

_ (¬1) في (ل)، و (م) تدعوه. ولعل المثبت مراد المصنف.

سمع الدعوى لم يستحضر المدعى عليهم إليه، وفيه من الفقه أن مجرد الدعوى لا توجب إحضار المدعى عليه؛ لأن في إحضاره مبالغة من إشغاله وتضييعا لماله من غير موجب ثابت (¬1). (وإما أن يؤذنوا) روي عن عبيد اللَّه بكسر الذال المعجمة، وعن غيره بفتحها، روايتان، أي: وإما أن يعلموا أنهم ممتنعون من أحكامنا اللازمة لهم فينتقض عهدهم ويصيرون حربا لنا (بحرب) من اللَّه يحتمل أن يريد نفس الحرب بنقض العهد ويحتمل أن يكون المراد المبالغة في التهديد دون نفس المحاربة، وكل من عصى اللَّه ولم يستحل فقد حارب اللَّه كما في الحديث: "من أهان لي وليًّا فقد بارزني بالمحاربة" (¬2) وحديث جابر: "من لم يدع الكبائر فليأذن بحرب من اللَّه تعالى" (¬3). (فكتب إليهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في ذلك) (¬4) فيه أنه يستحب للقاضي أن يتخذ كاتبا مسلمًا، وأنه إذا لم يكن في بلد المدعى عليه [قاضٍ ولا أحد] (¬5) يسمع الدعوى أن يكتب إلى المدعى عليه، وإن كان كافرًا (¬6) (فكتبوا) إليه (إنا) بكسر الهمزة؛ لأنها جاءت بعد ما هو في معنى ¬

_ (¬1) "المفهم" 5/ 9. (¬2) رواه بنحوه البخاري (6502) من حديث أبي هريرة. (¬3) سلف برقم (3406) بلفظ: "من لم يذر المخابرة فليأذن بحرب من اللَّه ورسوله". ورواه أيضًا أبو يعلى في "المسند" 4/ 27 (2030). وصححه ابن حبان 11/ 611 (5200). (¬4) بعدها في (ل)، (م): نسخة: بذلك، وهو موافق للمطبوع. (¬5) في (ل)، (م): قاضيًا ولا أحدًا. والجادة ما أثبتناه. (¬6) ساقطة من (م).

القول، وهو كتب، وكذا تكسر -واللَّه أعلم- إذا جاءت في كل ما هو معنى القول، وهو لفظ ونطق وتكلم، ونحو ذلك، ولم أجد من ذكره (واللَّه ما قتلناه) فيه جواز العمل بما في الكتاب إذا علمت صحته والحكم به. (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن: أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟ ) رواية الطبراني: فأمرهم أن يحلفوا خمسين يمينا خمسون رجلًا أن يهود قتلته غيلة، ويستحقون بذلك الذي يزعمون أنه الذي قتل صاحبهم (¬1) (قالوا: لا) رواية الطبراني: فنكلت بنو حارثة عن الأيمان (¬2). (قال: فتحلف لكم يهود) بالرفع بلا تنوين أي: خمسين يمينا (قالوا: ليسوا) بـ (مسلمين) ظاهره أن الأيمان لا تكون إلا من المسلمين، وتقدم أنها تقبل من الكفار والفسقة ونحو ذلك (فوداه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من عنده) إصلاحًا منه وجبرًا لخاطرهم، وإلا فاستحقاقهم لم يثبت (فبعث إليهم) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الدية عنهم (بمائة (¬3) ناقه) فيه أن الأفضل في الدية الإناث (حتى أدخلت عليهم الدار) فيه إرسال الدية إلى دار المستحق معقولة (فقال سهل) بن أبي حثمة (لقد ركضتني) منها (ناقة حمراء) يقال: إن الأفضل في الدية وغيرها من النياق الحمر. [4522] (ثنا محمود بن خالد) بن يزيد السلمي قال أبو حاتم: كان ¬

_ (¬1) "المعجم الكبير" 10/ 304 (10737). (¬2) السابق. (¬3) قبلها (ل)، (م): مائة. وفوقها: (خـ)، وهو ما في مطبوعات "السنن".

ثقة رضًا (¬1). (وكثير بن عبيد) الحمصي إمام جامع حمص ([قالا: حدثنا. وحدثنا] (¬2) محمد بن الصباح بن سفيان) الجرجراي بالقصر (¬3) (أن الوليد) ابن مسلم الشامي (أخبرهم عن أبي عمرو) عبد الرحمن الأوزاعي (عن عمرو بن شعيب) ابن محمد صاحب الصحيفة. (عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قتل بالقسامة رجلا من بني نصر بن مالك) قبيلة من الأزد (ببحرة) بفتح الباء الثانية، وسكون الحاء المهملة (الرغاء) بضم الراء، وتخفيف الغين المعجمة. قال ابن الأثير: هي البلدة (¬4). والعرب تسمي القرية البحرة، وفي الحديث: هذِه البحيرة. بالتصغير يعني: مدينة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (على شط لية) قال المنذري: لية موضع قبل الطائف كثير السدر، وهي بفتح اللام، وتشديد الياء آخر الحروف، وفتح الياء وهاء تأنيث (¬5). وبكسر اللام والياء المثناة تحت (البحرة) بفتح الباء الموحدة (قال: القاتل والمقتول منهم) الظاهر أن "منهم" تعود على بني نصر بن مالك (وهذا لفظ محمود) بن خالد (ببحرة أقامه محمود وحده [على شط لية البحرة]) (¬6) ولم يذكر المضاف إلى (بحرة) وهي الرغاء، وذكرها كثير ومحمد. * * * ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 8/ 292. (¬2) من المطبوع. (¬3) كذا في النسخ، وفي مصادر الترجمة: الجرجرائي بالهمز والمد، انظر: "تهذيب الكمال" 11/ 358. (¬4) "جامع الأصول" 10/ 292، "النهاية" 1/ 100. (¬5) "مختصر سنن أبي داود" 6/ 319. (¬6) من المطبوع.

9 - باب في ترك القود بالقسامة

9 - باب في تَرْك القَوَدِ بِالقَسامَةِ 4523 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبّاحِ الزَّعْفَراني، حَدَّثَنا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ عُبَيدٍ الطّائي، عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسارٍ زَعَمَ أَنَّ رَجلًا مِنَ الأَنْصارِ يُقالُ لهُ: سَهْلُ ابْنُ أَبي حَثْمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ نَفَرًا مِنْ قَوْمِهِ انْطَلَقُوا إِلَى خَيْبَرَ فَتَفَرَّفوا فِيها فَوَجَدُوا أَحَدَهُمْ قَتِيلًا فَقالُوا لِلَّذِينَ وَجَدُوهُ عِنْدَهُمْ: قَتَلْتُمْ صاحِبَنا؟ فَقالوا: ما قَتَلْناهُ وَلا عَلِمْنا قاتِلًا. فانْطَلَقْنا إِلَى نَبي اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: فَقالَ لَهُمْ: "تَأْتُوني بِالبَيِّنَةِ على مَنْ قَتَلَ هذا؟ ". قالُوا ما لَنا بَيِّنَةٌ. قالَ: "فَيَحْلِفُونَ لَكُمْ". قالوا: لا نَرضَى بِأَيْمانِ اليَهُودِ. فَكَرِهَ نَبي اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْ يُبْطِلَ دَمَه، فَوَداهُ مِائَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ (¬1). 4524 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلي بْنِ راشِدٍ، أَخْبَرَنا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبي حَيّانَ التَّيْمي، حَدَّثَنا عَبايَةَ بْنُ رِفاعَةَ، عَنْ رافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قالَ: أَصْبَحَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصارِ مَقْتُولًا بِخَيْبَرَ فانْطَلَقَ أَوْلياؤُهُ إِلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ فَقالَ: "لَكُمْ شاهِدانِ يَشْهَدانِ على قَتْلِ صاحِبِكُمْ". قالوا: يا رسول اللَّهِ، لَمْ يَكُنْ ثَمَّ أَحَدٌ مِنَ المُسْلِمِينَ، وإنَّما هُمْ يَهُودُ وَقَدْ يَجْتَرِئُونَ على أَعْظَمَ مِنْ هذا. قالَ: "فاخْتارُوا مِنْهُمْ خَمْسِينَ فاسْتَحْلِفُوهُمْ". فَأَبَوْا فَوَداهُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْ عِنْدِهِ (¬2). 4525 - حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الحَرّاني حَدَّثَني مُحَمَّدٌ -يَعْني: ابن سَلَمَةَ- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْراهِيمَ بْنِ الحارِثِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بُجَيْدٍ قالَ: إِنَّ سَهْلًا واللَّه أَوْهَمَ الحَدِيثَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كَتَبَ إلى يَهُودَ: "أَنَّهُ قَدْ وُجِدَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ قَتِيلٌ فَدُوهُ". فَكَتَبُوا: يَحْلِفُونَ باللَّهِ خَمْسِينَ يَمِينًا ما قَتَلْناهُ وَلا عَلِمْنا قاتِلًا. قالَ: فَوَداهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْ عِنْدِهِ مِائَةَ ناقَةٍ (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6898)، ومسلم (1669). (¬2) رواه البيهقي 8/ 134، 10/ 148، وابن عبد البر في "التمهيد" 23/ 210، والمزي في "تهذيب الكمال" 6/ 217 - 218. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". (¬3) رواه البيهقي 8/ 120 - 121، وابن عبد البر في "التمهيد" 23/ 207 - 208. =

4526 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلي، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْري, عَنْ أَبي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسُلَيْمانَ بْنِ يَسارٍ، عَنْ رِجالٍ مِنَ الأَنْصارِ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ لِلْيَهودِ وَبَدَأَ بِهِمْ: "يَحْلِفُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ رَجُلًا". فَأَبَوا، فَقالَ لِلأَنْصارِ: "اسْتَحِقُّوا". قالُوا: نَحْلِفُ عَلَى الغَيْبِ يا رَسُولَ اللَّهِ، فَجَعَلَها رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- دِيَةً عَلَى يَهُودَ لأَنَّهُ وُجِدَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ (¬1). * * * باب في ترك القود بالقسامة [4523] (ثنا الحسن بن محمد بن الصباح) أبو علي (الزعفراني) روى عنه البخاري في غير موضع، قال (ثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال (ثنا سعيد بن عبيد) أبو هذيل (الطائي) الكوفي، روى له الجماعة سوى ابن ماجه (عن بشير) بضم الموحدة وفتح الشين المعجمة (بن يسار) بفتح المثناة تحت وتخفيف المهملة، الأنصاري [المدني مولى بني حارثة، من ثقات التابعين (زعم أن رجلًا من الأنصار يقال له: سهل بن أبي حثمة) واسم أبي حثمة: عبد اللَّه بن ساعدة بن عامر الأنصاري] (¬2) الأوسي، ولد سنة ثلاث من الهجرة، سكن الكوفة (أخبره أن نفرًا من قومه) بني حارثة (انطلقوا إلى خيبر) وهم يومئذ صلح (فتفرقوا فيها) أي: بين نخيلها (فوجدوا أحدهم) عبد اللَّه بن سهل (قتيلًا) يتشحط في ¬

_ = وقال الألباني: منكر. (¬1) رواه البيهقي 8/ 121، وابن عبد البر 23/ 207. وأعله البيهقي، وقال الألباني: حديث شاذ. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

دمه (فقالوا للذين وجدوه عندهم: قتلتم صاحبنا؟ فقالوا: ما قتلناه ولا علمنا) له (قاتلًا) فيه أن الحالف على فعل غيره يحلف على نفي العلم. (قال: فانطلقوا (¬1) إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) فذكروا له ذلك كما تقدم. (قال: فقال لهم: تأتوني) أصله: أتأتوني. فحذفت همزة الاستفهام (بالبينة) تشهد (على من قتل) بفتح القاف والتاء، أي: على من قتل فحذف الضمير العائد على الموصول، وفي هذِه الرواية دليل لما ذهب إليه الكوفيون وكثير من البصريين والمدنيين والأوزاعي، وروي عن الزهري وعمر ابن الخطاب، بأن القسامة يبدأ فيها بالمدعى عليهم، متمسكين بهذا الحديث، وبقوله -صلى اللَّه عليه وسلم- للمدعي: "شاهداك أو يمينه" (¬2) وخالفهم الجمهور وقالوا: يبدأ المدعون في القسامة في الأيمان، وأجابوا عن هذا الحديث بأن الصحيح المشهور المعروف من حديث حويصة ومحيصة تبدئة المدعين بالأيمان، وهي رواية الحفاظ بالطرق المسندة المستفيضة، قالوا: وأما رواية أبي داود هذِه الرواية، فهي من المراسيل التي ليست معروفة عند المحدثين. (قالوا: ما لنا) عليهم (بينة. قال (¬3): فيحلفون لكم) خمسين يمينًا أنهم لم يقتلوه (قالوا: لا نرضى بأيمان اليهود. فكره رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يُبطل) بضم أوله وكسر الطاء ([دمه] (¬4) فوداه) بـ (مائة من إبل الصدقة) أنكر هذِه الرواية بعضهم وادعى أنها غلط من بعض الرواة؛ إذ ليس هذا ¬

_ (¬1) في حاشية (ل): فانطلقنا. وفوقها: (ح)، وهو ما في المطبوع. (¬2) رواه البخاري (2515، 2669)، ومسلم (138) من حديث ابن مسعود. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) من المطبوع.

من مصرف الزكاة حتى تؤخذ ديته من مال الصدقة، والأولى أن لا يغلَّط الراوي العدل الجازم بالرواية ما أمكن، وتحمل هذِه الرواية على تأويلات: أحدها: أنه تسلف ذلك من مال الصدقة حتى يؤديها من الفيء. وثانيها: أن يكون أولياء القتيل مستحقين الزكاة فأعطاها لهم في صورة الدية تسكينًا لنفرتهم وجبرًا لهم؛ لأنهم مستحقون لهما، وللإمام أن يفعل ذلك إذا رآه. وثالثها: أنه أعطاهم تلك من سهم المؤلفة قلوبهم استئلافًا لقلوبهم واستجلابًا لليهود. ورابعها: قول من قال: إنه يجوز صرف الصدقة في مثل هذا؛ لأنه من المصالح العامة مستدلين بهذا الحديث، قال القرطبي: وهذا أبعد الوجوه؛ لقوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} الآية (¬1). [4524] (ثنا الحسن بن علي بن راشد) الواسطي، صدوق ثقة، قال (أنا هشيم) (¬2) بن بشير (عن أبي حيان) بالحاء المهملة والمثناة تحت، واسمه يحيى بن سعيد (التيمي) إمام، مات (145) قال (ثنا عباية) بفتح المهملة وتخفيف الباء الموحدة (بن رفاعة) بن رافع الأنصاري الحارثي (عن رافع بن خديج) بن رافع الأنصاري الحارثي الأوسي لم يشهد بدرًا؛ لصغره، وشهد أحدًا (قال: أصبح رجل من الأنصار بخيبر قتيلا) (¬3) أي: مقتولًا يتشحط في دمه فدفنه محيصة ابن عمه (فانطلق) ¬

_ (¬1) التوبة: 60، "المفهم" 5/ 16. (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) بعدها في (ل)، (م): مقتولًا. وفوقها: خ وهو ما في المطبوع وفيها: مقتولا بخيبر.

هو وأخوه حويصة وعبد الرحمن أخو المقتول وهم (أولياؤه إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فذكروا ذلك) كله (له) -صلى اللَّه عليه وسلم- (فقال) أ (لكم شاهدان يشهدان على قاتل صاحبكم) فيه حجة لما اتفق عليه العلماء أن القصاص في النفس والجراح والحدود، وكلها لا تثبت إلا بشهادة رجلين ولا مدخل للنساء فيها، واستثني منها حد الزنا، فلا بد فيه من أربع. وفيه دليل على أنه يجوز الشهادة على الإقرار والقتل فإذا قال الشاهد: أشهد على إقرار فلان، أو قتل فلان. قبلت شهادته خلافًا لابن أبي الدم من أصحابنا فإنه قال: لا تصح الشهادة على الإقرار؛ لأنه معنًى من المعاني، ولا يصح إلا على فاعل الفعل، ويرجح ما قاله ابن أبي الدم أن أكثر النسخ هنا "يشهدان على قتل صاحبكم" كما ذكر، ويدل على هذا رواية: " أقم شاهدين يشهدان على من قتله" (¬1). (قالوا: يا رسول اللَّه لم يكن ثم) بفتح الثاء المثلثة أي هنالك (أحد من المسلمين) فيه دلالة على أن شرط الشاهد الإسلام، وأن الكفار لا تقبل شهادتهم مطلقًا. وقال أبو حنيفة: تقبل شهادة بعضهم على بعض (¬2). وقال أحمد: تقبل شهادتهم على المسلمين في الوصية وفي السفر خاصة، ويحلف الشاهدان مع شهادتهما (¬3) (وإنما هم يهود) خيبر (وقد ¬

_ (¬1) رواه النسائي في "المجتبى" 8/ 12، وفي "السنن الكبرى" 4/ 212. (¬2) انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 3/ 340، "المبسوط" 16/ 133 - 134، "بدائع الصنائع" 6/ 280. (¬3) انظر: "المغني" 14/ 170.

يجترئون) بإسكان الجيم وهمزة بعد الراء، يفتعلون من الجرأة، وهي: الجسارة (على أعظم من هذا) الأمر (فاختاروا منهم خمسين) رجلًا (فاستحلفهم) بفتح التاء والفاء، يوضح هذا رواية البزار: فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اختاروا منهم خمسين رجلًا فيحلفون باللَّه جهد أيمانهم ثم خذوا منهم الدية" (¬1) ففعلوا ([فأبوا] (¬2) فوداه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من عنده) ويحتمل أن يكون من بيت المال. [4525] (ثنا عبد العزيز بن يحيى) أبو الأصبغ الحراني، ثقة قال (حدثني محمد بن سلمة) بن عبد اللَّه الباهلي، ثقة له فضل ورواية وفتوى (عن محمد (¬3) بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث) التيمي المدني التابعي الجليل (عن عبد الرحمن بن بجيد) بضم الباء الموحدة وفتح الجيم، مصغر، الأنصاري الحارثي المدني، صحب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقيل: لا صحبة. قال ابن عبد البر: لم يسمع منه فيما أحسب، وفي صحبته نظر (¬4). (قال: إن سهلًا) يعني: ابن أبي حثمة (واللَّه أوهم الحديث) يقال: أوهمت الشيء إذا أتيت بلفظ يسبق إلى وهم السامع والمراد غيره (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كتب إلى يهود أنه قد وجد بين أظهركم قتيل فدوه) بضم الدال، أي: أعطوا ديته إن كنتم قتلتموه (فكتبوا يحلفون [باللَّه] (¬5) ¬

_ (¬1) "البحر الزخار" 3/ 238 (1026). (¬2) من المطبوع. (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) "الاستيعاب" 2/ 367. (¬5) من المطبوع.

خمسين يمينًا: ما قتلناه ولا علمنا) له (قاتلًا) وروى الطبراني أن القسامة كانت في الجاهلية، وكانوا يتورعون عن أيمان الصبر، فلما بعث اللَّه محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- بالقسامة كان المسلمون هم أهيب لها (¬1). (قال: فوداه (¬2) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من عنده) بـ (مائة ناقة) حمراء. [4526] (ثنا الحسن بن علي) الخلال قال (ثنا عبد الرزاق) قال (أخبرنا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة) عبد اللَّه (بن عبد الرحمن) ابن عوف (وسليمان بن يسار، عن رجال من الأنصار، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لليهود وبدأ بهم) في الأيمان (يحلف منكم خمسون رجلًا) فيه دلالة أيضًا على ما تقدم عن الكوفيين وكثير من البصريين أنه يبدأ بيمين المدعى عليهم، فإن هذا هو الأصل في باب الدعاوى الذي نبه الشرع على حكمته بقوله: "لو أعطي الناس بدعواهم لادعى رجال دماء قوم وأموالهم، لكن البينة على المدير واليمين على من أنكر" (¬3). وأجيب عن التمسك بهذا الأصل بأن هذا استثني من الأصل بما رواه الدارقطني عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "البينة على المدعي واليمين على من أنكر إلا في القسامة" (¬4) وتتعذر إقامة البينة على القتل غالبًا؛ فإن القاصد للقتل إنما يطلبه بالخلوة والغيلة، بخلاف سائر الحقوق. ¬

_ (¬1) "المعجم الكبير" 10/ 304 (10737). (¬2) في (ل)، (م): فداه. والمثبت من "السنن". (¬3) رواه البخاري (4552)، ومسلم (1711) من حديث ابن عباس. (¬4) "سنن الدارقطني" 3/ 111.

(فأبوا) بفتح الموحدة، أي: امتنعوا عن الأيمان؛ لأنهم كانوا يتورعون عنها كما تقدم (فقال للأنصار) احلفوا (تستحقوا) الدية عليهم (قالوا: نحلف (¬1) على الغيب يا رسول اللَّه) وأقرهم عليه (فجعلها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- دية على يهود). ثم بين العلة الموجبة للدية عليهم (لأنه وجد بين أظهرهم) روى الطبراني بمعناه، وقال في آخره: فقضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعقله على يهود؛ لأنه وجد بين أظهرهم، وفي ديارهم (¬2). حكي عن أحمد في رواية عنه أن الدية تجب عليهم؛ لأن الدم لا يبطل، ووجوبها في بيت المال يفضي إلى إبطال الدم وإسقاط حق المدعين، وفي رواية أخرى عنه كمذهب أبي حنيفة أنهم يحبسون إلى أن يحلفوا (¬3). * * * ¬

_ (¬1) في (م) وبعدها في (ل): لا نحلف. (¬2) "المعجم الكبير" 10/ 304. (¬3) انظر: "المغني" 12/ 206، "مختصر اختلاف العلماء" 5/ 177، "المبسوط" 26/ 111.

10 - باب يقاد من القاتل

10 - باب يُقادُ مِنَ القاتِلِ (¬1) 4527 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا هَمّامٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ جارِيَةً وُجِدَتْ قَدْ رُضَّ رَأْسُها بَيْنَ حَجَرَيْنِ، فَقِيلَ لَها: مَنْ فَعَلَ بِكِ هذا؟ أَفُلانٌ؟ أَفُلانٌ؟ حَتَّى سُمّي اليَهُودي فَأَوْمَتْ بِرَأْسِها فَأُخِذَ اليهودي فاعْتَرَفَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْ يُرَضَّ رَأْسُهُ بِالحِجارَةِ (¬2). 4528 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا عبد الرَّزّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ يهودِيّا قَتَلَ جارِيَةً مِنَ الأَنْصارِ عَلَى حُلي لَها، ثُمَّ أَلْقاها في قَلِيبٍ وَرَضَخَ رَأْسَها بِالحِجارَةِ فَأُخِذَ فَأُتي بِهِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ حَتَّى يَمُوتَ، فَرُجِمَ حَتَّى ماتَ (¬3). قالَ أَبُو داودَ: رَواهُ ابن جُرَيْجٍ عَنْ أَيُّوبَ نَحْوَهُ. 4529 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا ابن إِدْرِيسَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ هِشامِ ابْنِ زَيْدٍ، عَنْ جَدِّهِ أَنَسٍ أَنَّ جارِيَةً كانَ عَلَيْها أَوْضاحٌ لَها فَرَضَخَ رَأْسَها يَهُودي بِحَجَرٍ، فَدَخَلَ عَلَيْها رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَبِها رَمَقٌ فَقالَ لَها: "مَنْ قَتَلَكِ؟ فُلانٌ قَتَلَكِ؟ ". فَقالَتْ: لا. بِرَأْسِها. قالَ: "مَنْ قَتَلَكِ؟ فُلانٌ قَتَلَكِ؟ ". قالَتْ: لا. بِرَأْسِها. قالَ: "فُلانٌ قَتَلَكِ". قالَتْ: نَعَمْ. بِرَأْسِها. فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقُتِلَ بَيْنَ حَجَرَيْنِ (¬4). * * * باب يقاد من القاتل بغير حديدة ¬

_ (¬1) كذا في نشرة الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد والحوت ومكنز، وفي نشرة الشيخ شعيب: باب يقاد من القاتل أو يقتل بحجر بمثل ما قتل، وفي نسخة المصنف كما سيأتي: باب يقاد من القاتل بغير حديدة. (¬2) رواه البخاري (2413، 2746، 6867، 6884). (¬3) رواه مسلم (1672). (¬4) رواه البخاري (5295، 6877)، ومسلم (1672).

[4527] (ثنا محمد بن كثير) قال (ثنا همام، عن قتادة، عن أنس -رضي اللَّه عنه- أن جارية وجدت) بالمدينة (قد رض) بالضاد المعجمة (رأسها) والرض هو الدق والكسر دون إبانة (بين حجرين) سيأتي في رواية: فدخل عليها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وبها رمق (¬1) (فقيل لها: من فعل بك هذا) الذي بك (أفلان، أفلان؟ ) فيه حذف تقديره: أقتلك فلان أقتلك فلان؟ فإن قيل: ما فائدة السؤال منها ولا يثبت بإقرارها شيء عليه. فالجواب: أن فائدته أن يعرف المتهم من غيره فيطالب، فإن أقر ثبت عليه القتل، وإن أنكر فالقول قوله مع يمينه، ولا يلزمه شيء بمجرد قول المجروح. هذا مذهب الشافعي (¬2) والجمهور، ومذهب مالك: ثبوت القتل على المتهم بمجرد قول المجروح (¬3)، واستدل بهذا الحديث، وأجاب الشافعي بأنه لم يقتل اليهودي إلا باعترافه (¬4) كما سيأتي. (حتى سمي) بضم السين، وكسر الميم (اليهودي فأومأت برأسها) أي: نعم، فيه دلالة على العمل بإشارة القادر على النطق وغير الأخرس وأن حكمه حكم النطق، وبوب عليه البخاري: باب الإشارة في الطلاق والأمور (¬5). (فأخذ اليهودي) فسئل (فاعترف) بأنه قتل، استدل به الشافعي على أن قول المقتول بأنه قتله أو إشارته بقتله لا يقبل، وأن اليهودي لم يقتل إلا باعترافه (¬6) (فأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يرض رأسه بالحجارة) فيه دليل ¬

_ (¬1) (4529). (¬2) انظر: "البيان" 13/ 239. (¬3) انظر: "الذخيرة" 12/ 330. (¬4) انظر: "شرح مسلم" للنووي 11/ 159. (¬5) "صحيح البخاري" (5295). (¬6) بعدها في (م): كما سيأتي.

على أن الجاني عمدًا يقتل قصاصًا على الصفة التي قتل، فإن قتل بسيف قتل بسيف، وإن قتل بحجر أو خشب أو نحوها قتل بمثله؛ لأن اليهودي رضها فرضَّ رأسه؛ لقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (¬1). [4528] (ثنا أحمد بن صالح) قال (ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة) عبد اللَّه بن زيد. (عن أنس -رضي اللَّه عنه- أن يهوديًّا قتل جارية من الأنصار على حَلْي) بفتح الحاء، وإسكان اللام، أي: حلي فضة، وهي الأوضاح كما سيأتي (ثم ألقاها في قليب) وهي البئر قبل أن تنطوي بالحجارة، وقال أبو عبيد: هي البئر العادية القديم (¬2). جمع القليل: أقلبة، والكثير: قلب بضم القاف واللام، ككثيب وكثب (ورض (¬3) رأسها بالحجارة) أي: رجم رأسها بالحجارة في البئر حتى ماتت (فأخذ) اليهودي (فأتي به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأمر به أن يرجم) هو محمول عند الجمهور على أنه اعترف كما تقدم في الرواية السابقة، وفي رواية في الصحيحين: فأمر به فرجم باعترافه. وفيه دليل على قتل الرجل بالمرأة، وهو قول الجمهور، خلافًا لمن شذ فقال: لا يقتل بها. وهو قول عطاء والحسن، وروي عن علي -رضي اللَّه عنه- (¬4) (حتى يموت، فرجم حتى مات) فيه ¬

_ (¬1) البقرة: 194. (¬2) "غريب الحديث" 2/ 404. (¬3) في المطبوع: ورضخ. (¬4) روى هذِه الآثار ابن أبي شيبة في "المصنف" 14/ 187 - 188 (28054 - 28056).

حجة على أبي حنيفة في قوله: لا يقاد إلا بالسيف (¬1). (قال أبو داود: ورواه) عبد الملك (ابن جريج عن أيوب نحوه) أي: بنحو الرواية المتقدمة. [4529] (ثنا عثمان بن أبي شيبة) قال (ثنا ابن إدريس، عن شعبة، عن هشام بن زيد) بن أنس (عن جده أنس) بن مالك -رضي اللَّه عنه- (أن جارية كان عليها أوضاح) جمع وضح بفتح الواو والضاد المعجمة، وهو الحلي من الفضة، مأخوذ من الوضح وهو البياض، ومنه أنه أمر بصيام الأوضاح. الأواضح. يعني: الأيام البيض (لها فرضخ) بالضاد والخاء المعجمتين انكسر (رأسها يهودي بحجر) فأتى أهلها إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأخبروه (فدخل عليها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وبها رمق) أي: بقية روح (فقال لها: من قتلك؟ ) أ (فلان قتلك؟ ) فيه جواز سؤال الجريح عمن جرحه ليعرف المتهم فيطالب (فقالت: لا. برأسها) فيه التجوز بتسمية الإشارة بالرأس قولًا كما قال الشاعر: فقالت له العينان سمعًا وطاعةً ثم (قال) ثانيًا ([من قتلك]) (¬2) هل (فلان قتلك؟ ) فيه جواز تكرار السؤال (قالت: لا. برأسها. قال: فلان قتلك؟ قالت: نعم. برأسها) أي: أومأت برأسها لما ذكر لها القاتل ولم تقدر على الكلام بلسانها، ومن قال من الرواة: إنها قالت: نعم. فإنما عبر عما فهم عنها من الإشارة بالقول؛ فإنها تنزل منزلة القول، وفيه جواز ذكر من اتهم ¬

_ (¬1) انظر: "المبسوط" 26/ 122، "بدائع الصنائع" 7/ 245. (¬2) من المطبوع.

وعرضهم على المقتول واحدًا بعد واحد بعينه واسمه، وإن لم تقم دلالة على لطخه أكثر من أنه يحتمل ذلك، ولا يكون ذلك غيبة ولا استباحة عرض، وفي نسخة قاضي المارستان عن شيوخه بسنده إلى أنس أن جارية خرجت عليها أوضاح، فأخذها يهودي، فرضخ رأسها وأخذ ما عليها، فأتي بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وبها رمق. . الحديث، من رواية يزيد، عن شعبة (¬1). وفيه قتل الكبير بالصغير؛ لأن الجارية اسم لمن لم تبلغ من النساء كالغلام من الرجال، وهذا لا يختلف فيه. (فأمر به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقتل بين حجرين) فيه أن من قتل بشيء قتل به، وقد اختلف فيه، فمذهب الجمهور أنه يقتل بمثل ما قتل به ما لم يقتله بفسق كاللوطية وإسقاء الخمر والحرق بالنار، وذهب أبو حنيفة والشعبي والنخعي (¬2) إلى أنه لا قود إلا بالسيف؛ لما رواه الطبراني أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا قود إلا بالسيف" (¬3) وهو ضعيف عند المحدثين؛ لأن في سنده سليمان بن أرقم، وهو متروك (¬4). * * * ¬

_ (¬1) "مشيخة قاضي المارستان" 2/ 664 (171). (¬2) رواه عنهما ابن أبي شيبة 14/ 240 - 241 (28296 - 28298). (¬3) "المعجم الكبير" 10/ 89 (10044) من حديث ابن مسعود. (¬4) وفي الباب عن أبي بكرة والنعمان بن بشير وأبي هريرة وغيرهم، وضعفه بالجملة الألباني في "الإرواء" (2229).

11 - باب أيقاد المسلم بالكافر؟

11 - باب أيُقادُ المُسْلِمُ بِالكافِرِ؟ 4530 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ وَمُسَدَّدٌ قالا: حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنا سَعِيدُ بْنُ أَبي عَروبَةَ، عَنْ قَتادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبّادٍ قالَ: انْطَلَقْتُ أَنا والأَشْتَرُ إِلَى عَلي عليه السلام فَقُلْنا: هَلْ عَهِدَ إِلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- شَيْئًا لَمْ يَعْهَدْهُ إِلَى النّاسِ عامَّةً؟ قالَ: لا، إِلَّا ما في كِتابي هذا. قالَ مُسَدَّدٌ: قالَ: فَأَخْرَجَ كِتابًا. وقالَ أَحْمَدُ: كِتابًا مِنْ قِرابِ سَيْفِهِ، فَإِذا فِيهِ: "المُؤْمِنُونَ تَكافَأُ دِماؤُهُمْ، وَهُمْ يَدٌ على مَنْ سِواهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْناهُمْ، أَلا لا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكافِرٍ، وَلا ذُو عَهْدٍ في عَهْدِهِ، مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فَعَلَى نَفْسِهِ، وَمَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْ آوى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ والمَلائِكَةِ والنّاسِ أَجْمَعِينَ" (¬1). قالَ مُسَدَّدٌ عَنِ ابن أَبي عَرُوبَةَ: فَأَخْرَجَ كِتابًا. 4531 - حَدَّثَنا عُبَيْد اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرِو ابْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ عَلي، زادَ فِيهِ: "وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصاهُمْ وَيَرُدُّ مُشِدُّهُمْ على مُضْعِفِهِمْ وَمُتَسَرِّيهِمْ على قاعِدِهِمْ" (¬2). * * * باب إيقاد المسلم بالكافر [4530] (ثنا أحمد بن حنبل ومسدد قالا: ثنا يحيى بن سعيد) قال (ثنا سعيد بن أبي عروبة) مهران، أحد الأعلام البصريين (عن قتادة، ¬

_ (¬1) رواه النسائي 8/ 19، وأحمد 1/ 122. قال الشيخ أحمد شاكر في "شرح المسند" 2/ 213 (993): إسناده صحيح. وقال الألباني في "الإرواء" 7/ 267: رجاله ثقات رجال الشيخين. (¬2) تقدم برقم (2751). ورواه ابن الجارود في "المنتقى" (1073)، والبيهقي 8/ 29. وصححه الألباني في "الإرواء" (2208).

عن الحسن، عن قيس بن عباد) بضم المهملة، وتخفيف الموحدة، -رضي اللَّه عنه- (قال: انطلقت أنا والأشتر) النخعي، من أمراء علي -رضي اللَّه عنه- (إلى علي) بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- (فقلنا) له (هل عهد إليك) أي: أوصاك (نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شيئا لم يعهده) قال اللَّه تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ} (¬1) (إلى الناس عامة؟ ) العامة خلاف الخاصة (قال: لا، إلا ما في كتابي هذا. قال مسدد) في روايته (فأخرج كتابًا [وقال أحمد: كتابًا] (¬2) من قراب) بكسر القاف (سيفه) أي: وهو وعاء من جلد يدخل فيه السيف بغمده، وقيل: هو غمده الذي يوضع فيه. والظاهر أن سبب اقتران الكتاب بالسيف الإشعار بأن مصالح الدين ليست بالسيف وحده، بل بالقتل بالسيف تارة وبالدية تارة وبالعفو أخرى (فإذا فيه: المؤمنون تتكافأ) بهمز آخره، أي: تتساوى (دماؤهم) في القصاص والديات، الشريف والمشروف، فيقتل السلطان بسائس الدواب وآحاد الرعية، والكفؤ المثل، قال اللَّه تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} (¬3). (وهم يد) أي: يد واحدة (على من سواهم) أي: أنهم مجتمعون يدًا واحدة على غيرهم من أرباب الملل والأديان، فلا يسع أحدا منهم أن يتقاعد عن نصرة أخيه المسلم، بل يكونوا كعضو واحد إذا اشتكى بعضه تداعى له سائر الجسد (ويسعى بذمتهم) أي (¬4): بأمانهم ¬

_ (¬1) يس: 60. (¬2) من المطبوع. (¬3) الإخلاص: 4. (¬4) ساقطة من (ل).

وعهدهم (أدناهم) أي: إن أدنى المسلمين إذا أعطى أحدًا أمانًا أو عهدًا كان على الباقين موافقته، وأن لا ينقضوا عهده، ولا ذمته (ألا لا يقتل مؤمن بكافر) فيه دليل على أن المسلم لا يقتل بالذمي (¬1) قصاصًا، وعليه مالك والشافعي وأحمد (¬2)، وذهبت الحنفية إلى أنه يقتل به (¬3)؛ لما روى عبد الرحمن بن البيلماني أن رجلًا من المسلمين قتل رجلًا من أهل الذمة، فأمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بقتله (¬4). قال البيضاوي: إنه منقطع لا احتجاج به، ولأنه روي أن الكافر الذي في الحديث كان رسولًا فيكون مستأمنًا لا ذميًّا، والمستأمن لا يقتل به المسلم وفاقًا، ثم إن صح الحديث فهو منسوخ؛ لأنه روي أنه كان قبل الفتح وقال -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم الفتح في خطبة خطبها على درجة البيت الشريف: "لا يقتل مؤمن بكافر" (¬5) (ولا ذو عهد) أي: ولا يقتل ¬

_ (¬1) في (م): بالكافر. وفي هامشها: بالذمي. (¬2) انظر: "الذخيرة" للقرافي 12/ 320، "الحاوي الكبير" 12/ 11، "روضة الطالبين" 9/ 150، "المغني" لابن قدامة 11/ 465 - 466. (¬3) انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 5/ 157، "بدائع الصنائع" 7/ 237. (¬4) رواه أبو داود في "المراسيل" (250)، وابن أبي شيبة في "المصنف" 5/ 408 (27460)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/ 195، والدارقطني 3/ 135، والبيهقي 8/ 56. وقال الألباني في "الضعيفة" (460): منكر. (¬5) رواه أحمد 2/ 180، 215، وابن الجارود في "المنتقى" (1052)، والبيهقي في "السنن الكبرى" 8/ 54، وفي "السنن الصغير" 3/ 210، والبغوي في "شرح السنة" 10/ 202 - 203 (2542) من حديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص. وصححه ابن خزيمة 4/ 26 (2280).

مشرك أعطي أمانًا وعهدًا حتى دخل دار الإسلام، فلا يقتل ما دام (¬1) (في عهده) وأمانه حتى يعود إلى مأمنه، وقيل: تقديره: ولا يقتل ذو عهد في عهده بكافر. ومعنى ذلك وبيانه أن له تأويلين مقتضى اختلاف المذهبين. فأما من ذهب إلى أن المسلم لا يقتل بالكافر مطلقا معاهدًا كان أو غير معاهد، وهو مذهب الشافعي (¬2) فإنه حمل اللفظ على ظاهره ولم يضمنه شيئًا، فقال: "لا يقتل مسلم بكافر" والكافر من خالف ملة الإسلام سواء كان مشركًا أو كتابيًّا معاهدًا أو غير معاهد. فأما قوله: "ولا ذو عهد في عهده" فمعناه عند الشافعي: نهي عن قتل المعاهد، قال: وفائدة ذكره هنا بعد قوله: "لا يقتل مسلم بكافر" لأنه لما نفى القود عن المسلم إذا قتل الكافر عقبه بقوله: "ولا ذو عهد في عهده" لئلا يتوهم متوهم أنه قد نفى عنه القود بقتله الكافر، فيظن أن المعاهد لو قتله كان حكمه كذلك (¬3)، فقال: ولا يقتل ذو عهد في عهده ويكون الكلام معطوفًا على ما قبله منتظمًا في سلكه من غير تقدير شيء، وأما من ذهب إلى أن المسلم يقتل بالذمي -وهو أبو حنيفة- فاحتاج إلى أن يضمر في الكلام شيئًا مقدرًا ويجعل فيه تقديمًا وتأخيرًا، فيكون التقدير: لا يقتل مسلم ولا ذو عهد في عهده بكافر. فكأنه قال: ولا يقتل مسلم ولا كافر بمعاهد بكافر قد يكون معاهدًا وغير معاهد. ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): أيام. والتصحيح من حاشية (ل). (¬2) انظر: "الحاوي الكبير" 12/ 11. (¬3) "الأم" ط. دار الوفاء 9/ 135.

(من أحدث حدثًا) بفتح الدال، والحدث الأمر الحادث، والمراد أن من أحدث في الدين أمرًا حادثًا ليس منه ولا على طريقته وشريعته (فعلى نفسه) أي: فهو مردود عليه، أي: يرجع وباله عليه لا على غيره، كما في الحديث: "من أحدث (¬1) في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" (¬2) أي: مردود عليه (ومن أحدث حدثا) قال ابن الأثير: الحدث: الجناية والجرم. (أو آوى) بالمد، أي: ضم إليه (محدثًا) وهو الذي وقعت منه جناية وإثم، وحماه من أن يقتص منه ما وقع فيه (فعليه لعنة اللَّه) أي: إبعاده من رحمته، وأصل اللعن الطرد والإبعاد. وقيل: اللعنة من العباد الطرد، ومن اللَّه تعالى العذاب (والملائكة والناس أجمعين) وأجاز الحسن رفع (الملائكة) و (الناس) و (أجمعون)، وتأويلها: أولئك جزاؤهم أن يلعنهم اللَّه ويلعنهم الملائكة ويلعنهم الناس أجمعون، كما تقول: كرهت قيام زيد وعمرو وخالد. فيعطف على المعنى لا على اللفظ. قال ابن العربي: قال لي كثير من أشياخي: إن الكافر المعين لا يجوز لعنه؛ لأن حاله عند الوفاة لا يعلم، وقد شرط اللَّه في إطلاق اللعنة الموت على الكفر (¬3). وأما لعن العاصي مطلقًا فيجوز إجماعًا؛ لما في الحديث: "لعن اللَّه السارق يسرق البيضة" (¬4) فإن قيل: ليس ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): أخذ. (¬2) رواه البخاري (2697)، ومسلم (1718) من حديث عائشة. (¬3) "أحكام القرآن" 1/ 74. (¬4) رواه البخاري (6783، 6799)، ومسلم (1687) من حديث أبي هريرة.

يلعنهم جميع الناس، لأن (¬1) قومهم لا يلعنونهم. فالجواب أن اللعنة من أكثر الناس يطلق عليها لعنة جميع الناس تغليبًا لحكم الأكثر على الأقل. وقال السدي: كل أحد يلعن الظالم، فإذا لعن الكافر الظالم فقد لعن نفسه (¬2). (قال مسدد عن ابن أبي عروبة). [4531] (ثنا عبيد اللَّه) بالتصغير (ابن عمر) القواريري، حدت بمائة ألف حديث، قال (ثنا هشيم، عن يحيى بن سعيد، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. ذكر نحو حديث علي) بن أبي طالب. و(زاد فيه: ويجير) أي: من استجاره، ويمنعه من الظلم (عليهم) من (أقصاهم) إلى أدناهم، والمراد أن المسلمين كعضو واحد ونفس منفردة، فإذا أعطى أحد منهم -ولو كان أدناهم- الأمان لحربي أو غيره نفَّذ غيره من المسلمين كبيرهم وصغيرهم أمانه، ولا يجوز لأحد منهم أن ينقض ذمته وعهده، ولو كان عبدًا أو أمة. (ويرد مشدهم) بضم الميم، وكسر الشين المعجمة، وتشديد الدال، وهو الذي دوابُّه قوية شديدة (على مضعفهم) بضم الميم، وكسر العين، الذي دوابه ضعاف، يقال: هو ضعيف مضعف، فالضعف في بدنه والمضعف في دابته، [كما يقال: فلان قوي مقوى. فالقوي في نفسه، ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): لا. (¬2) ذكره القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" 2/ 174، ورواه بنحوه الطبري في "جامع البيان" 2/ 58.

والمقوى في دابته] (¬1) والظاهر أن الهمزة في أضعف وأقوى للصيرورة كما يقال: أحصد الزرع. أي: صار ذا سنبل يحصد، وألام إذا صار ذا فعل يلام عليه، وأصرم النخل صار ذا تمر يصلح للصرام (ومتسريهم) بفتح التاء، والسين، وتشديد الراء المكسورة، المتسري هو الذي خرج في السرية إلى قصد العدو، وهم طائفة من الجيش توجهوا إلى الغزو، والمعنى أنه يرد من مضى في السرية من سهمه الذي حصل له من الغنيمة (على قاعدهم) أي: القاعد منهم، فهذا من باب المواساة، كما أن الغني يواسي الفقير في الإقامة. * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

12 - باب في من وجد مع أهله رجلا أيقتله؟

12 - باب فِي مَنْ وَجَدَ مَعَ أَهْلِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ؟ 4532 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَبْدُ الوَهّابِ بْن نَجْدَةَ الحَوْطي -المَعْنَى واحِدٌ- قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبادَةَ قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، الرَّجُلُ يَجِدُ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتلُهُ؟ قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا". قالَ سَعْدٌ: بَلَى والَّذي أَكْرَمَكَ بِالحَقِّ. قالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اسْمَعُوا إِلَى ما يَقُولُ سَيِّدُكمْ". قالَ عَبْدُ الوَهّابِ: "إِلَى ما يَقُولُ سَعْدٌ" (¬1). 4533 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبادَةَ قالَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: أَرَأَيْتَ لَوْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتي رَجلًا أُمْهِلُهُ حَتَّى أتي بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ؟ قالَ: "نَعَمْ" (¬2). * * * باب من وجد رجلًا مع أهله فقتله [4532] (ثنا قتيبة بن سعيد وعبد الوهاب بن نجدة) بفتح النون، وإسكان الجيم (الحوطي) بفتح الحاء المهملة، وإسكان الواو، وثقه يعقوب بن شيبة و (المعنى واحد، قالا: ثنا عبد العزيز بن محمد) الدراوردي، صدوق، من علماء المدينة، غيره أقوى منه، أخرج له البخاري مقرونًا بغيره (عن سهيل) بن أبي صالح (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان (عن أبي هريرة أن سعد بن عبادة -رضي اللَّه عنه- قال: يا رسول اللَّه، الرجل يجد مع أهله) أي: امرأته، كما صرح به في رواية (¬3)، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1498). (¬2) رواه مسلم (1498). (¬3) وهو ما في مطبوعاتنا.

وفي معناه: لو وجد مع ابنته أو أخته أو غيرهما من المحارم (رجلًا أيقتله؟ ) فيه السؤال قبل وقوعه؛ [لاحتمال وقوعه] (¬1) (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا) نفى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ونهى عنه لعظم خطره وكثرة مفسدته، والنهي عن القتل لا يقتضي النهي عما دونه، فإنه يجب عليه النهي عن ذلك المنكر والزجر الأكيد والتوعد الشديد على فعله. (قال سعد: بلى والذي أكرمك بالحق) قال الماوردي وغيره: ليس هو ردًّا لقول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ومخالفة من سعد بن عبادة لأمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإنما هو إخبار عن حالة الإنسان عند رؤيته الرجل الأجنبي مع امرأته واستيلاء الغضب عليه، فإنه حينئذ يعالجه بالسيف وإن كان عاصيًا (¬2) (قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: اسمعوا إلى ما يقول سيدكم) أي: إذا كان السيد منكم يقول كذا فما يقوله الجاهل ويفعله، وأما السيد فقال عكرمة: هو الذي لا يغلبه الغضب (¬3). وقيل: سيدكم في الحلم. وقيل: السيد الشريف. ومن فسر السؤدد بالحلم فقد أحرز معنى السؤدد. (قال عبد الوهاب) بن نجدة في روايته: انظروا (إلى ما يقول سعد) "إنه لغيور، وأنا أغير منه، واللَّه أغير مني" (¬4)، ومعنى قوله: "اسمعوا إلى ما يقول" أي: تعجبوا منه ومن شدة غيرته. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي 10/ 131. (¬3) رواه الطبري في "جامع البيان" 255. (¬4) رواه بهذا اللفظ مسلم (1498/ 16).

[4533] (ثنا عبد اللَّه بن مسلمة) القعنبي (عن مالك، عن سهيل بن أبي صالح، عن [أبيه] (¬1) ذكوان) الزيات (عن أبي هريرة أن سعد بن عبادة) سيد الخزرج (قال لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أرأيت (¬2) لو وجدت مع امرأتي رجلًا) أجنبيًّا (أمهله؟ ) بفتح الهمزة (¬3)، أي: أمهله؟ عندها (¬4) (حتى آتي بأربعة شهداء؟ ! ) أحرار (¬5) بالِغينَ عقلاء (قال: نعم) ذهب أحمد بن حنبل إلى أنه إذا وجد رجلًا يزني بامرأته فلم ينزجر إلا بالقتل فقتله فلا قصاص عليه ولا قود، قال: وإن قتل رجلا وادعى أنه وجده مع امرأته فأنكر وليه فالقول قول الولي؛ لأن الأصل عدم ما يدعيه القاتل (¬6). وهو مذهب الشافعي أيضًا (¬7). * * * ¬

_ (¬1) من المطبوع. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) كذا قال الشارح، والمعروف المشهور أنه بضم الهمزة رباعي. (¬4) ساقطة من (م). (¬5) ساقطة من (م). (¬6) انظر: "المغني" 12/ 535. (¬7) انظر: "البيان" 12/ 77، "روضة الطالبين" 10/ 190.

13 - باب العامل يصاب على يديه خطأ

13 - باب العامِلِ يُصابُ على يَدَيْهِ خَطَأ 4534 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ سُفْيانَ، حَدَّثَنا عبد الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بَعَثَ أَبا جَهْمِ بْنَ حُذَيْفَةَ مُصَدِّقًا فَلاجَّهُ رَجُلٌ في صَدَقَتِهِ فَضَرَبَهُ أَبُو جَهْمٍ فَشَجَّه، فَأَتَوُا النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالُوا: القَوَدَ يا رَسُولَ اللَّهِ. فَقالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَكُمْ كَذا وَكَذا". فَلَمْ يَرْضَوْا، فَقالَ: "لَكُمْ كَذا وَكَذا". فَلَمْ يَرْضَوْا فَقالَ: "لَكُمْ كَذا وَكَذا". فَرَضُوا. فَقالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنّي خاطِبٌ العَشِيَّةَ عَلَى النّاسِ وَمُخْبِرُهُمْ بِرِضاكُمْ". فَقالُوا: نَعَمْ. فَخَطَبَ رسول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ: "إِنَّ هؤلاء اللَّيْثِيِّينَ أَتَوْني يُرِيدُونَ القَوَدَ، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِمْ كَذا وَكَذا فَرَضُوا أَرَضِيتُمْ؟ ". قالوا: لا. فَهَمَّ المُهاجِرونَ بِهِمْ فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْ يَكُفُّوا عَنْهُمْ فَكَفُّوا ثُمَّ دَعاهُمْ فَزادَهُمْ فَقالَ: "أَرَضِيتُمْ؟ ". فَقالوا: نَعَمْ. قالَ: "إِنّي خاطِبٌ عَلَى النّاسِ وَمُخْبِرُهُمْ بِرِضاكُمْ". قالوا: نَعَمْ. فَخَطَبَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ: "أَرَضِيتُمْ؟ ". قالوا: نَعَمْ (¬1). * * * باب العامل يصاب على يديه خطأ [4534] (ثنا محمد بن داود بن سفيان) روى عنه أبو داود. قال (ثنا عبد الرزاق) قال (ثنا معمر، عن الزهري، عن عروة) بن الزبير (عن عائشة رضي اللَّه عنها أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعث أبا جهم) عامر (بن حذيفة) القرشي العدوي. (مصدقا) بضم الميم، وفتح الصاد المخففة، وتشديد الدال، أي: عاملا على الصدقة (فلاجَّه) بتشديد الجيم (رجل) الرجل هو خالد ابن ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (2638). وصححه الألباني.

البرصاء أخو الحارث ابن البرصاء، واسم أبيه مالك، أي: تمادى معه في الخصومة، يقال منه: لججت في الأمر، بكسر الجيم تلج بفتحها (¬1) لجاجًا، وفي رواية أخرى رجحها بعضهم: [فلاحاه] (¬2) أي: نازعه وخاصمه، رواية ابن عبد البر (فلاحَّه) بتشديد المهملة (رجل) من فريضة (في صدقته) الواجبة عليه (فضربه أبو جهم فشجه) أي: جرحه في وجهه أو رأسه، أي: نازعه في زمام سعد. (فأتوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالوا: القَودَ) منصوب بفعل محذوف تقديره: خذ القود منه (القود) بفتح الواو فيهما، وهو قتل القاتل بمن قتله، فكأنه يقوده للقتل (يا رسول اللَّه. فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: لكم كذا وكذا) أي: عوض عن القود الواجب لكم عليه، فيه أن القصاص ليس بلازم، بل إذا وقع الرضا بدون القصاص من دية أو عفو فذلك مباح، وأما قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} (¬3) فالمراد إذا أردتم، فإن لم ترضوا، فالقصاص هو الواجب عند التشاحح. (فلم يرضوا) بما ذكره لهم (فقال: لكم كذا وكذا) وفيه زيادة عما ذكر أولًا، فلم يرضوا بما زادهم، فيه دليل على أخذ القود من الوالي والعامل والسلطان كما يؤخذ من غيرهم، [كما تقدم] (¬4): "المؤمنون تتكافأ دماؤهم" (¬5) فالأمير والمأمور في القود سواء. ¬

_ (¬1) أي اللام. (¬2) ساقطة من النسخ، والمثبت كي يستقيم السياق. (¬3) البقرة: 178. (¬4) ساقطة من (م). (¬5) سلف برقم (2751) من حديث عبد اللَّه بن عمرو، ورواه ابن ماجه (2685).

قال القرطبي: ثبت عن أبي بكر أنه قال لرجل شكا إليه أن عاملًا قطع يده: لئن كنت صادقًا لأقيدنك منه (¬1). ولفظ أبي داود الطيالسي عن أبي فراس: خطب عمر بن الخطاب: ألا من ظلمه أمير فليرفع ذلك إليَّ أقيد (¬2) منه (¬3). [فلم يرضوا] (¬4). بزيادة على ما قبله، (فرضوا) فيه إرضاء المشجوج إذا لم يرض بدية الشج بأكثر من الدية، ولم يرد إلا القصاص، كما أن المشتري إذا لم يرض مالك السلعة بقيمتها له إرضاء المالك ولو بأضعاف القيمة. (فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: إني خاطب) لكم (العشية) بالنصب على الظرفية (على) رؤوس (الناس ومخبرهم) يجوز مع ضم الميم، إسكان الخاء، وتخفيف الباء، وفتح الخاء (¬5) مع تشديد الباء، يقال: أخبر وخبر لغتان بمعنًى واحد (برضاكم. فقالوا: نعم. فخطب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) عشية ذلك اليوم. (فقال) في خطبته (إن هؤلاء الليثيين) نسبة إلى بني ليث (أتوني يريدون القود) من عاملي (فعرضت عليهم) الدية (كذا وكذا فرضوا) فقال لهم (أرضيتم؟ قالوا: لا) فيه إظهار أمر من يخاف إنكاره وتكثير الشهود عليه، وفيه حجة لمن رأى وقوف الحاكم عن الحكم بعلمه؛ ¬

_ (¬1) "الجامع لأحكام القرآن" 2/ 238. (¬2) في (ل)، (م): أقود. والمثبت من "مسند الطيالسي". (¬3) "مسند أبي داود الطيالسي" 1/ 58 (54). (¬4) من المطبوع. (¬5) في (ل)، (م): الميم. وهو خطأ.

لأن تجويز القضاء بعلمه (¬1) يفضي إلى تهمة، ومذهب الشافعي أن القاضي يحكم بعلمه في الأموال والقصاص لا في حدود اللَّه تعالى، وفصل أبو حنيفة فقال: ما علمه قبل ولايته لم يحكم به، وما علمه بعد ولايته حكم به (¬2) (فهم المهاجرون بهم) أي: بالوقوع فيهم بما أنكروا رضاهم بحضرة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (فأمرهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يكفوا عنهم فكفوا) وهذا من عظيم حلمه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفيه أن مستحقي الدية إذا أنكروا الرضا يقبل منهم؛ فإن الرضا خفي في القلب، لكن الاعتراف باللسان دليل على حصوله كما في البيع (ثم دعاهم فزادهم) رواية ابن عبد البر (¬3): فهم المهاجرون فنزل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأعطاهم، ثم صعد (¬4) فخطب الناس (فقال: أرضيتم؟ قالوا: نعم. قال: إني خاطب على الناس ومخبرهم برضاكم. قالوا: نعم) [رضينا (فخطب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) ثانيًا (فقال: أرضيتم؟ قالوا: نعم)] (¬5) فيه حجة على أن الحاكم لا يحكم بعلمه؛ لأنهم لما رجعوا عن رضاهم الأول لم يلزمهم به ولم يحكم عليهم بعلمه، بل زادهم ثانيًا. * * * ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) انظر: "الأم" 7/ 534 - 535، "الحاوي الكبير" 16/ 321 - 322، "نهاية المطلب" 18/ 580، "البيان للعمراني" 13/ 102 - 104، "روضة الطالبين" 11/ 156، "مختصر اختلاف العلماء" 3/ 369، "المبسوط" 16/ 105. (¬3) "التمهيد" 22/ 217، "الاستذكار" 22/ 11. (¬4) ساقطة من (م). (¬5) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

14 - باب القود بغير حديد

14 - باب القَوَدِ بغَيْرِ حَدِيدٍ (¬1) 4535 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنا هَمّامٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ جارِيَةً وُجِدَتْ قَدْ رُضَّ رَأْسُها بَيْنَ حَجَرينِ، فَقِيلَ لَها: مَنْ فَعَلَ بِكِ هذا؟ أَفُلانٌ؟ أَفُلانٌ؟ حَتَّى سُمّي اليَهُودي، فَأَوْمَتْ بِرَأْسِها، فَأُخِذَ اليَهُودي، فاعْتَرَفَ فَأَمَرَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْ يُرَضَّ رَأْسُهُ بِالحِجارَةِ (¬2). * * * ¬

_ (¬1) سقط هذا الباب من نسخنا، وقد أشار في "عون المعبود" 12/ 173: أنه قد وجد هذا الباب مع حديثه في نسخة واحدة، وقد تقدم حديث الباب في باب يقاد من القاتل بهذا الإسناد واللفظ. (¬2) تقدم برقم (4527).

15 - باب القود من الضربة وقص الأمير من نفسه

15 - باب القَوَدِ مِنَ الضَّرْبَةِ وَقَصِّ الأَمِيرِ مِنْ نَفْسِهِ 4536 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، عَنْ عَمْرٍو -يَعْني: ابن الحارِثِ- عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ عُبَيْدَةَ بْنِ مُسافِعٍ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْري قالَ: بَيْنَما رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقْسِمُ قَسْمًا أَقْبَلَ رَجُلٌ فَأَكَبَّ عَلَيْهِ، فَطَعَنَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِعُرْجُونٍ كانَ مَعَهُ فَجُرِحَ بِوَجْهِهِ، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تَعالَ فاسْتَقِدْ". فَقالَ: بَلْ عَفَوْتُ يا رَسُولَ اللَّهِ (¬1). * * * باب هل يقاد من اللطمة؟ (¬2) [4536] (ثنا أحمد بن صالح) قال (ثنا) عبد اللَّه (ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن بكير) بن عبد اللَّه (بن الأشج) إمام ثبت (عن عبيدة) بفتح العين (بن مسافع) بالسين المهملة، الديلي، وثقه ابن حبان (¬3) (عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: بينما رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقسم) بفتح الياء، وكسر السين (قسمًا) بفتح القاف مصدر بمعنى القسمة، وأما القسم بكسر القاف فهو النصيب (أقبل رجل فأكب عليه) يشبه أن يكون المراد أنه أكب على المال الذي يقسم ليأخذ منه، وأكب من غريب اللغة فإنه يقال في المتعدي منه: كبه اللَّه. وفي اللازم القاصر: أكب. بالهمز، والقاعدة في الأفعال أن الثلاثي ¬

_ (¬1) رواه النسائي 8/ 32، وأحمد 3/ 28. وضعفه الألباني. (¬2) كذا في الأصول والذي في مطبوع أبي داود: باب القود من الضربة وقص الأمير من نفسه. (¬3) "الثقات" 5/ 145، 7/ 163.

إذا دخلت عليه همزة التعدية تعدى إلى المفعول بالهمزة كما يتعدى بالتضعيف. (فطعنه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعرجون) بضم العين، وهو الشمراخ المعوج الذي يكون فيه عيدان البسر. قال الطبري في "خلاصة سير سيد البشر": كان له -صلى اللَّه عليه وسلم- مخصرة تسمى العرجون (¬1)، فلعلها المرادة هنا (كان معه فجرح) الرجل الذي أكب عليه (بوجهه) أي: في وجهه، فالباء بمعنى (في)، كقوله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ} (¬2) زاد النسائي: فصاح الرجل (¬3) (فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: تعال) بفتح اللام تفاعل من العلو، وهي كلمة قصد بها أولًا تحسين الأدب مع المدعو، ثم اطردت حتى صار الإنسان يقولها لعدوه وللبهيمة (فاستقد) بكسر القاف، أي: خذ القود. بوب المصنف على هذا الحديث في بعض النسخ: باب القود بغير حديد (فقال: بل عفوت) عنك (يا رسول اللَّه). * * * ¬

_ (¬1) "خلاصة سير سيد البشر" لمحب الدين الطبري ص 173. (¬2) آل عمران: 123. (¬3) "السنن الكبرى" 4/ 227.

4537 - حَدَّثَنا أَبُو صالِحٍ، أَخْبَرَنا أَبُو إِسْحاقَ الفَزاري، عَنِ الجُرَيْري، عَنْ أَبي نَضْرَةَ، عَنْ أَبي فِراسٍ قالَ: خَطَبَنا عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ -رضي اللَّه عنه- فَقالَ: إِنّي لم أَبْعَثْ عُمّالي لِيَضْرِبُوا أَبْشارَكُمْ، وَلا لِيَأْخُذُوا أَمْوالَكُمْ، فَمَنْ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ فَلْيَرْفَعْهُ إِلَى أَقُصُّهُ مِنْهُ. قالَ عَمْرُو بْنُ العاصِ: لَو أَنَّ رَجُلًا أَدَّبَ بَعضَ رَعِيَّتِهِ أَتَقُصُّه مِنْهُ؟ قالَ: إي والَّذي نَفْسي بِيَدِهِ أَقُصُّهُ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَقَصَّ مِنْ نَفْسِهِ (¬1). * * * باب القصاص من النفس (¬2) [4537] (ثنا أبو صالح) محبوب بن موسى، قال (ثنا أبو إسحاق) إبراهيم بن محمد (الفزاري، عن) سعيد بن إياس (الجريري) بضم الجيم، وفتح الراء الأولى (¬3)، مصغر (عن أبي نضرة) بالضاد المعجمة، المنذر بن مالك العوفي، من جلة التابعين (عن أبي فراس) بكسر الفاء، وتخفيف الراء، الربيع بن زياد الحارثي، التابعي. وقيل: إن الربيع بن زياد رجل آخر، وأما أبو فراس هذا فهو النهدي، فلا يعرف اسمه. (قال: خطبنا عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- فقال: إني لم (¬4) أبعث عمالي ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 41، وابن الجارود (844)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 9/ 151 (3528)، والحاكم في "المستدرك" 4/ 438، والبيهقي 8/ 48، 9/ 29. وقال الشيخ أحمد شاكر في "شرح المسند" 1/ 278 (286): إسناده حسن. (¬2) هكذا عند الشارح، وفي مطبوعاتنا جاء هذا الحديث ضمن الباب السابق. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) قبلها في (ل)، (م): لا أبعث. وفوقها في (ل): خ.

ليضربوا أبشاركم) جمع بشرة، وهي ظاهر الجلد، فيه أن العامل ليس له أن يضرب على أخذ الصدقة؛ بل من امتنع من دفع ما عليه رفع أمره إلى ولي الأمر (ولا ليأخذوا أموالكم) أي: الزائدة على ما وجب عليهم (فمن فعل) بضم الفاء، وكسر العين (به) شيء من (ذلك فليرفعه) مجزوم بلام الأمر الساكنة، ويجوز كسرها (إلي). قال القرطبي في "التفسير": اتفق أئمة الفتوى على أنه لا يجوز لأحد أن يقتص من أحد حقه في القتل دون السلطان، وليس للناس أن يقتص بعضهم من بعض، فإنما ذلك للسلطان أو من ينصبه السلطان [لذلك، ولهذا جعل اللَّه السلطان] (¬1) ليقبض أيدي الناس بعضهم عن بعض (¬2) (أقصه) ويجوز ضم الصاد على الإتباع، وفتحها بضم الهمزة، وكسر القاف، أي: آخذ له (¬3) منه القصاص، يقال: أقص الحاكم فلانًا من فلان (منه، فقال عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنه-: لو أن رجلًا أدب بعض رعيته) رواية أبي داود الطيالسي عن أبي فراس أيضًا قال: خطب عمر بن الخطاب فقال: ألا (¬4) من ظلمه أمير فليرفع ذلك إليَّ أقده منه. فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين، لئن أدب رجل منا من أهل رعيته (¬5). (أَتُقِصُّه) بفتح همزة الاستفهام، وضم التاء، وكسر القاف، وضم الصاد فقط (منه؟ قال: إي) بكسر الهمزة بمعنى: نعم (والذي نفسي ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) "الجامع لأحكام القرآن" 2/ 237. (¬3) و (¬4) ساقطة من (م). (¬5) "مسند الطيالسي" 1/ 58 (54).

بيده لأُقِصه) (¬1) بضم الهمزة، وكسر القاف، رواية الطيالسي المتقدمة: كيف لا أقصه (¬2)؟ ! (وقد رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أقص من نفسه) قال القرطبي: أجمع العلماء على أن على السلطان أن يقتص من نفسه إن تعدى على أحد من رعيته، إذ هو واحد منهم، وإنما له مزيد النظر كالوصي والوكيل، وذلك لا يمنع القصاص، وليس بينه وبين العامة فرق في أحكام اللَّه تعالى؛ لقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} (¬3). * * * ¬

_ (¬1) في نشرة الشيخ شعيب: ألا أقصه؟ ! . (¬2) "مسند الطيالسي" 1/ 58 (54). (¬3) "الجامع لأحكام القرآن" 2/ 238.

16 - باب عفو النساء عن الدم

16 - باب عَفْوِ النِّساءِ عَنِ الدَّمِ 4538 - حَدَّثَنا داوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ، عَنِ الأَوْزاعي أَنَّهُ سَمِعَ حِصْنًا أَنَّهُ سَمِعَ أَبا سَلَمَةَ يُخبِرُ عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّهُ قالَ: "عَلَى المُقْتَتِلِينَ أَنْ يَنْحَجِزُوا الأَوَّلَ فالأَوَّلَ وَإِنْ كانَتِ امْرَأَةً" (¬1). قالَ أَبُو داوُدَ: بَلَغَني أَنَّ عَفْوَ النِّساءِ في القَتْلِ جائِزٌ إِذا كانَتْ إِحْدى الأَوْلِياءِ، وَبَلَغَني عَنْ أَبي عُبَيدٍ في قَوْلهِ: "يَنْحَجِزُوا": يَكُفُّوا عَنِ القَوَدِ. * * * [4538] (ثنا داود بن رشيد) بالتصغير الخوارزمي مولى بني هاشم ببغداد، روى عنه مسلم قال (ثنا الوليد، عن الأوزاعي أنه سمع حصنًا) بكسر الحاء المهملة، وهو: حصن بن عبد الرحمن التراغمي الدمشقي. قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: لا أعلم أحدًا نسبه، ولم يرو عنه إلا الأوزاعي فقط (¬2). قال الدراقطني: يعتبر به (¬3). وليس له في "السنن" غير هذا الحديث. (أنه سمع أبا سلمة) عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن عوف (يخبر عن عائشة رضي اللَّه عنها، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: على المقتتلين) بكسر التاء الثانية، وأراد بالمقتتلين أولياء المقتول الطالبين للقود. قال الخطابي: يحتمل أن تكون الرواية: (المقتتَلين) بفتح التاءين، يقال: اقتتل فهو مقتتل، غير أن هذا إنما يستعمل أكثره فيمن قتله ¬

_ (¬1) رواه النسائي 8/ 38. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (3874). (¬2) "الجرح والتعديل" 3/ 305. (¬3) "سؤالات البرقاني" (117).

الحب (¬1) (أن ينحجزوا) بإسكان النون وكسر الجيم وضم الزاي من الحجز وهو المنع والكف، يقال: حجزه فانحجز (الأولي فالأولى) (¬2) بفتح الهمزة وياء بعد اللام، يعني: الأقرب إلى المقتول فالأقرب، كقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فلأولى رجل ذكر" (¬3)، وفي بعض النسخ بفتح الهمزة وتشديد الواو، وهي رواية النسائي (¬4). (وإن كانت) أي: وإن كان مستحق القصاص (امرأة، قال أبو داود: بلغني أن عفو النساء في القتل جائز إذا كانت) المرأة (أحد (¬5) الأولياء) قال (وبلغني عن أبي عبيد) القاسم بن سلام (في قوله: ينحجزوا) أي (يكفوا) (¬6) الأقرب فالأقرب إلى المقتول (عن) طلب (القود) وهو القصاص، ويأخذوا وبعضهم -ولو امرأة- بالعفو على دية أو مجانًا، فيه فضيلة عفو أقرب الأولياء عن القود، فإذا عفا الأدنى وهو الأقرب أو أحد المتساويين سقط القصاص، وبقي لمن بقي حصته من الدية، وإن كان العافي (¬7) أنزل لم يسقط القود بعفوه، وفيه دليل على أن عفو النساء جائز. قال ابن المنذر: قالت طائفة: عفو كل ذي سهم جائز، هذا قول ¬

_ (¬1) "معالم السنن" 4/ 20. (¬2) في المطبوع: الأول فالأول. (¬3) رواه البخاري (6732، 6735، 6737)، ومسلم (1615) من حديث ابن عباس. (¬4) "المجتبى" 8/ 38. (¬5) في المطبوع: إحدى. (¬6) قلت: وما بلغه عن أبي عبيد مسطر في كتابه "غريب الحديث" 2/ 161. (¬7) مكانها بياض في (م).

عطاء والنخعي ومجاهد والشافعي وأحمد، وقالت طائفة: ليس للنساء عفو، كذا قال الحسن البصري وقتادة والزهري وابن شبرمة والليث بن سعد والأوزاعي (¬1). * * * ¬

_ (¬1) "الأوسط" 13/ 113 - 115. وانظر: "الأم" ط. دار الوفاء 7/ 33، "المغني" لابن قدامة 11/ 581، "مصنف عبد الرزاق" 10/ 13 - 15، "مصنف ابن أبي شيبة" 14/ 200 - 201.

17 - باب من قتل في عميا بين قوم

17 - باب مَنْ قُتِلَ في عمِّيّا بَيْن قَوْمٍ (¬1) 4539 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنا حَمّاد، ح وَحَدَّثَنا ابن السَّرْحِ، حَدَّثَنا سُفْيانُ -وهذا حَدِيثُهُ- عَنْ عَمْرٍو، عَنْ طاوُسٍ قالَ: مَنْ قُتِلَ. وقالَ ابن عُبَيْدٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ قُتِلَ في عِمِّيّا في رَمْي يَكُونُ بَيْنَهُمْ بِحِجارَةٍ، أَوْ ضَرْبٍ بِالسِّياطِ، أَوْ ضَرْبٍ بِعَصًا فَهُوَ خَطَأٌ وَعَقْلُهُ عَقْلُ الخَطَإِ، وَمَنْ قُتِلَ عَمْدًا فَهُوَ قَوَدٌ". وقالَ ابن عُبَيْدٍ: "قَوَدُ يَدٍ". ثُمَّ اتَّفَقا: "وَمَنْ حالَ دُونَهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَغَضَبُهُ لا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلا عَدْلٌ". وَحَدِيثُ سُفْيانَ أَتَمُّ (¬2). 4540 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبي غالِبِ، حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمانَ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ كَثِيرٍ، حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ دِينارٍ، عَنْ طاوُسٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَذَكَرَ مَعْنَى حَدِيثِ سُفْيانَ (¬3). * * * [4539] (ثنا محمد بن عبيد) بن حساب، قال (ثنا حماد) بن زيد (وثنا) [عبد اللَّه] (¬4) (ابن السرح) قال (ثنا سفيان، وهذا حديثه. عن عمرو) بن دينار (عن طاوس) بن كيسان مرفوعًا (قال) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (من قتل) بضم القاف وكسر التاء في عميا، الحديث (وقال) محمد ¬

_ (¬1) لم يذكر الشارح هذا التبويب، وقال الشيخ شعيب معلقا على هذا التبويب 6/ 596: هذا التبويب أثبتناه من (ص). (¬2) رواه البيهقي 8/ 45. وصححه الألباني بما بعده. (¬3) رواه النسائي 8/ 39، وابن ماجه (2635). وجود إسناده الحافظ الذهبي في "تنقيح التحقيق" 2/ 332، وقواه الحافظ في "بلوغ المرام" (1171). والحديث صححه الألباني. (¬4) كذا في الأصول، وهو خطأ، والصواب: (أحمد بن عمرو)، وانظر "تهذيب الكمال" 1/ 415.

(ابن عبيد) في روايته (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من قتل في عميا) بكسر العين والميم المشددة بعدها ياء (¬1) مثناة تحت ثم ألف التأنيث كما جاءت هاء التأنيث في عمية، في رواية الطبراني والبزار من رواية طاوس عن أبي هريرة: "من قتل في عمية رميًا يكون بينهم بحجر أو عصا أو سوط فهو خطأ" (¬2). قال أحمد بن حنبل: هو الأمر الأعمى كالعصبية لا يستبين ما وجهه. قال إسحاق: هذا في تجارح القوم بعضهم بعضًا (¬3)، وكان أصله من التعمية وهو التلبيس، والمعني: أن يعمى أمر القتيل فلا يدرى من قتله، قال الخطابي: عميا وزنه فعيلا (¬4) (في رمي) بفتح الراء وسكون الميم (يكون بينهم بحجارة) بالحجارة هذا وما بعده تفسير للعمية (أو) ضرب (بالسياط أو ضرب بعصا) ويدل على هذا التقدير رواية عبد الرزاق من طريق طاوس عن ابن عباس: "من قتل رميًا بحجر أو ضربًا بعصا أو سوط" (¬5) (فهو خطأ) اتفقوا على أن القتل خطأ لا قصاص فيه، إلا ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل). (¬2) "المعجم الأوسط" 1/ 79 (226)، "البحر الزخار" 11/ 33 (4714) لكنه عن طاوس عن ابن عباس، وفيهما: فعليه عقل الخطأ، ومن قتل عمدًا فهو قود. قال الهيثمي في "المجمع" 6/ 286: فيه حمزة النصيبي، وهو متروك. وحديث ابن عباس رواه النسائي 8/ 40، وابن ماجه (2635) وغيرهما. كما عند المصنف. (¬3) "مسائل أحمد رواية الكوسج" 2/ 225 (2394)، وانظر: "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 12/ 171 - 172. (¬4) "معالم السنن" 4/ 20. (¬5) "مصنف عبد الرزاق" 9/ 279 (17203).

إذا كانت بينة، لكن اختلفوا في كيفية الخطأ وحكمه، وعند الشافعي حكمه حكم القسامة إن ادعوه على رجل بعينه أو طائفة بعينها، وإلا فلا عقل ولا دية (وعقله عقل الخطأ) أي: تحمله العاقلة كما تحمل دية قتل خطأ، وهذا عند الشافعي في الدية التي ثبتت بالقسامة، وأن هذا عنده لوث؛ لأن الظاهر أنَّ القبيلتين إذا وقع بينهما الشيطان وتراموا بالحجاة أو السلاح أن أهل كل قبيلة لا يقتلون بعضهم فيكون لوثًا. قال ابن حزم في "المحلى": هذا الحديث صحيح وبه أقول، فإن فيه أن من قتل في عمية أو عميا فهو خطأ، عقله عقل خطأ، وهذا قتل لا يعرف قاتله، فليس فيه إلا الدية، وديته دية قتل الخطأ، قال: وهذا خلاف قول الشافعي والحنفي فإنهم يغلظون فيه الدية في الإبل بخلاف عقل الخطأ (¬1). (ومن قتل عمدًا فهو قود) أي: فيه القود، وهو: القصاص (قال) محمد (ابن عبيد) ومن قتل عمدًا فهو (قود يد) وهكذا رواية طاوس عن ابن عباس، أي: يعطي الدية عن يد، أي: مواتية مطيعة غير ممتنعة؛ لأن الممتنع لم يعط يده (ثم اتفقا) فيما بعده فقالا: (ومن حال دونه) أي: حال بين مستحق القتل وبين القاتل (فعليه لعنة اللَّه وغضبه) وغضب اللَّه: عدم رضاه هارادة عقوبته (لا يقبل منه صرف) أي: فريضة (ولا عدل) أي: نافلة، وقيل بالعكس (وحديث سفيان) بن ¬

_ (¬1) "المحلى" 10/ 380.

عيينة (أتم). [4540] (ثنا محمد بن أبي غالب) القرشي (¬1) الطيالسي. روى عنه البخاري (¬2) قال (ثنا سعيد (¬3) بن سليمان) بن (¬4) سعدويه نزيل بغداد حج ستين حجة (عن سليمان بن كثير) العبدي، قال (حدثنا عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فذكر معنى حديث سليمان) (¬5) ولفظه: "فمن قتل في عميا أو رمْيًا بحجر يكون بينهم بحجر أو بسوط أو بعصا فعقله عقل خطأ، ومن قتل عمدًا فقود يد". * * * ¬

_ (¬1) كذا في الأصول، وهو خطأ، والصواب: القومسي. (¬2) "صحيح البخاري" (6272، 7554). (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) كذا في الأصول، والصواب: (سعدويه) بدون: (بن). (¬5) كذا في النسخ، وفي مطبوعات "السنن" سفيان.

18 - باب الدية كم هي؟

18 - باب الدّيَةِ كَمْ هي؟ 4541 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْن إِبْراهِيمَ قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن راشِدٍ ح، وَحَدَّثَنا هارُونُ ابْنُ زَيْدِ بْنِ أَبي الزَّرْقاءِ، حَدَّثَنا أَبي، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن راشِدٍ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَضَى أَنَّ مَنْ قُتِلَ خَطَأً فَدِيَتُهُ مِائَةٌ مِنَ الإِبِلِ: ثَلاثُونَ بِنْتَ مَخاضٍ، وَثَلاثُونَ بِنْتَ لبُونٍ، وَثَلاثُونَ حِقَّةً، وَعَشْرَةٌ بَني لَبُونٍ ذَكَرٍ (¬1). 4542 - حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمانَ، حَدَّثَنا حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قالَ: كانَتْ قِيمَةُ الدِّيَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- ثَمانَمِائَةِ دِينارٍ أَوْ ثَمانِيَةَ آلافِ دِرْهَمٍ، وَدِيَةُ أَهْلِ الكِتابِ يَوْمَئِذٍ النِّصْفُ مِنْ دِيَةِ المُسْلِمِينَ قالَ: فَكانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ حَتَّى اسْتُخْلِفَ عُمَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَقامَ خَطِيبًا فَقالَ: أَلا إِنَّ الإِبِلَ قَدْ غَلَتْ. قالَ: فَفَرَضَها عُمَرُ على أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينارٍ، وَعَلَى أَهْلِ الوَرِقِ اثْنَي عَشَرَ أَلفًا، وَعَلَى أَهْلِ البَقَرِ مِائَتَي بَقَرَةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الشّاءِ أَلْفَي شاةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الحُلَلِ مِائَتَي حُلَّةٍ. قالَ: وَتَرَكَ دِيَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَمْ يَرفَعْها فِيما رَفَعَ مِنَ الدِّيَةِ (¬2). 4543 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، أَخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْن إِسْحاقَ، عَنْ عَطاءِ بْنِ أَبي رَباحٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَضَى في الدِّيَةِ على أَهْلِ الإِبِلِ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ، وَعَلَى أَهْلِ البَقَرِ مِائَتَي بَقَرَةٍ، وَعَلى أَهْلِ الشّاءِ أَلفَي شاةٍ، وَعَلى أَهْلِ الحُلَلِ مِائَتَي حُلَّةً، وَعَلَى أَهْلِ القَمْحِ شَيْئًا لَمْ يَجْفَظْهُ مُحَمَّدٌ (¬3). ¬

_ (¬1) رواه النسائي 8/ 42، وابن ماجه (2630). وحسنه الألباني. (¬2) رواه البيهقي 8/ 77، 101. وحسنه الألباني في "الإرواء" (2247). (¬3) رواه ابن أبي شيبة 14/ 29 (27264)، والبيهقي 8/ 78. وضعفه الألباني.

4544 - قالَ أَبُو داوُدَ: قَرَأْتُ عَلَى سَعِيدِ بْنِ يَعْقُوبَ الطّالقاني قالَ: حَدَّثَنا أَبُو تُمَيْلَةَ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحاقَ قالَ: ذَكَرَ عَطاءٌ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ مُوسَى. قالَ وَعَلى أَهْلِ الطَّعامِ شَيْئًا لا أَحْفَظُهُ (¬1). 4545 - حَدَّثَنا مُسَدَّد، حَدَّثَنا عَبْدُ الواحِدِ، حَدَّثَنا الحَجّاجُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ خِشْفِ بْنِ مالِكٍ الطّائي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "في دِيَةِ الخَطَإِ عِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ بَني مَخاضٍ ذُكُرٌ". وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ (¬2). 4546 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمانَ الأَنْباري، حَدَّثَنا زَيْدُ بْن الحُبابِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسِ أَنَّ رجُلًا مِنْ بَني عَدي قُتِلَ، فَجَعَلَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دِيَتَهُ اثْنَي عَشَرَ أَلْفًا (¬3). قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ ابن عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لَم يَذْكُرِ ابن عَبّاسٍ. * * * باب الدية كم هي؟ [4541] (ثنا (¬4) هارون بن زيد بن أبي الزرقاء) الموصلي نزيل الرملة، ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 8/ 78. وضعفه الألباني في "الإرواء" (2244). (¬2) رواه الترمذي (1386)، والنسائي 8/ 43، وابن ماجه (2631)، وأحمد 1/ 384، 450. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (4020). (¬3) رواه الترمذي (1388)، والنسائي 8/ 44، وابن ماجه (2629). وضعفه الألباني في "الإرواء" (2245). (¬4) في مطبوع "السنن" قبلها: حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا محمد بن راشد. ح و. وقال شعيب في نشرته: طريق مسلم بن إبراهيم أثبتناه من (هـ)، وأشار إلى أنه في رواية ابن الأعرابي، وذكره المزي في "التحفة" 6/ 315 (8709) ونسبه لابن داسه =

ثقة، قال (ثنا أبي) زيد بن أبي الزرقاء الزاهد المحدث، صدوق. قال ابن عمار: لم أر في الفضل مثله قال (ثنا محمد بن راشد) المكحولي، عن مكحول فنسب إليه. (قال أبو داود: وأنا لحديث هارون) بن زيد (أتقن (¬1) عن سليمان بن موسى) القرشي فقيه أهل الشام في زمانه، جلس بعد مكحول فكان يأخذ كل يوم في باب من العلم فلا يقطعه حتى يفرغ منه ثم يأخذ في باب غيره. (عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قضى أن من قتل خطأ فديته مائة من الإبل) رواه الترمذي، وفي أوله: "من قتل متعمدًا دفع إلى أولياء المقتول، فإن شاؤوا قتلوا، وإن شاؤوا أخذوا الدية" (¬2) وهي (ثلاثون بنت مخاض) سميت بذلك؛ لأن أمها حامل بآخر قد لحقت بالمخاض وهو الحمل، والمخض: الحمل، ومنه: مخض اللبن لإخراج الزبد وهو تحريكه. (وثلاثون بنت لبون) سميت بذلك؛ لأن أمها ذات لبن، أي: حان لأمها أن تضع ثانيًا، ويصير لها لبن، وإن لم ترضع. (وثلاثون حقة) بكسر الحاء الأنثى والذكر حق سميت بذلك؛ لأنها استحقت أن تركب ويحمل عليها وأن يطرقها الفحل. (وعشرة ابن) (¬3) بالرفع (لبون ذكر) قيل: ذكر للتأكيد، وقيل: ليخرج ¬

_ = وابن الأعرابي. (¬1) هذه القطعة من قول أبي داود ليست في مطبوعات "السنن". (¬2) "سنن الترمذي" (1387). (¬3) في المطبوع: بني.

الخنثي. قال الخطابي: هذا الحديث لا أعرف أحدًا قال به من الفقهاء (¬1). قال القرطبي: وما قاله الخطابي من أنه لا يعلم من قال به فقد حكاه ابن المنذر عن طاوس ومجاهد إلا أن مجاهدا جعل مكان بنات المخاض ثلاثين جذعة (¬2)، ورواية الترمذي المتقدمة "ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة، وما صالحوا عليه" (¬3). وذلك لتشديد القتل. [4542] (ثنا يحيى بن حكيم) بفتح الحاء، المقومي حجة ورع حافظ، قال (ثنا عبد الرحمن بن عثمان) أبو بحر البكراوي، قال علي (¬4) بن المديني: كان يحيى بن سعيد حسن الرأي فيه، قال (ثنا حسين) بن ذكوان (المعلم) البصري (عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده -رضي اللَّه عنه- قال: كانت قيمة الدية على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ثمانمائة دينار، أو ثمانية آلاف درهم). قوله: "كانت قيمة الدية" يريد قيمة الإبل التي هي الأصل في الدية، وإنما قومها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على أهل القرى؛ لعزة الإبل عندهم، ولئلا يؤدي إلى التنازع والاختلاف في قيمة الإبل الواجبة عند عدمها، وظاهر هذا التقويم أن الدينار مقابل بعشرة دراهم بدليل أن نصاب الذهب عشرون مثقالا ونصاب الفضة مائة درهم إلا في الجزية فإنه مقابل باثني عشر درهمًا؛ لقضاء عمر به على الغني أربعة دنانير أو ¬

_ (¬1) "معالم السنن" 4/ 21. (¬2) "الجامع لأحكام القرآن" 5/ 320، "الأوسط" 13/ 159. (¬3) "سنن الترمذي" (1387). (¬4) في (ل)، (م): يحيى. والمثبت هو الصواب.

ثمانية وأربعين درهمًا، وظاهر الحديث التخيير بين الدنانير والدراهم لكن الذي عليه الجمهور أن على أهل الذهب دنانير، وعلى أهل الفضة دراهم، كما سيأتي في الحديث بعده (ودية أهل الكتاب) تشمل الذميين والمهادنين والمستأمنين وتشمل اليهود والنصارى وكذا السامرة، لكن يدخل فيه الحربي وله حكم غير حكم أهل الذمة (يومئذٍ) أي: يوم عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حين قومها (النصف من دية المسلمين) استدل به الإمام مالك وأحمد بن حنبل أنَّ دية الحر الكتابي نصف دية المسلم، ونساؤهم على النصف من دمائهم، وهو مذهب عمر بن عبد العزيز وعروة، وعند أبي حنيفة: ديتهم كدية المسلم. ومذهب الشافعي: أن ديتهم كثلث دية مسلم نفسًا وجرحًا (¬1)؛ لأن العلماء اختلفوا في قدرها، واتفقوا على أنه لا أقل من الثلث، وما زاد عنه معلوم ببراءة الذمة فلا يعدل عنه إلا بخبر لازم، ويعضد البراءة أن عمر وعثمان قضيا في دية اليهودي والنصراني بثلث دية المسلم (¬2)، فلذلك أوجبنا الأقل كما أجمع عليه، وهي قاعدة الأصوليين الأخذ بأقل ما قيل. (قال: وكان ذلك) الأمر (كذلك حتى استخلف عمر -رضي اللَّه عنه- فقام خطيبًا) ¬

_ (¬1) انظر: "المبسوط" 26/ 84، "بدائع الصنائع" 7/ 254، "مختصر اختلاف العلماء" 5/ 155، "الذخيرة" 12/ 356، "الأم" 9/ 134، "الأوسط" لابن المنذر 13/ 171، "المغني" 12/ 51. (¬2) أثر عمر رواه عبد الرزاق 10/ 93 (18479)، وابن أبي شيبة 14/ 179 (28025)، وابن المنذر في "الأوسط" 13/ 171. وأثر عثمان رواه ابن أبي شيبة 14/ 180 (28030)، وابن المنذر في "الأوسط" 13/ 172.

على الناس (فقال: ألا إن الإبل قد غلت) قيمتها (ففرضها عمر على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني (¬1) عشر ألفًا) فيه دليل للجديد من مذهب الشافعي: أن الواجب في الدية إذا عدمت الإبل قيمتها بالغة ما بلغت (¬2)، وكلما زادت القيمة زادت الدية، وإذا هانت نقص من قيمتها، وفيه دليل على أن قيمة الدينار اثنا عشر درهمًا؛ لأن عمر فرض الجزية على الغني أربعة دنانير أو ثمانية وأربعين درهما، وعلى المتوسط دينارين أو أربعة وعشرين درهمًا وعلى الفقير دينارًا أو اثني عشر درهمًا (و) فرض (على أهل البقر مائتي بقرة) ظاهره أن كل بقرتين تعدل بعيرًا، وهذا محمول على أنَّ هذِه كانت قيمة البعير بقرتين، ولا يكون هذا مخالفًا لقاعدة الأضحية والهدي في الحج. فقد روى الترمذي عن ابن عباس: كنا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في سفر، فحضر الأضحى فاشتركنا في البقرة سبعة، وفي البعير عشرة (¬3). وفي رواية أبي داود: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "البقرة عن سبعة، والجزور عن سبعة" (¬4)، وفي رواية "الموطأ" والصحيحين عن جابر: نحرنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة (¬5). ففي هذِه الأحاديث أن البقرة تعدل البعير أو تقاربه، وليس في شيء ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): اثنا. والجادة ما أثبتناه. (¬2) انظر: "نهاية المطلب" 16/ 607، "منهاج الطالبين" 3/ 140. (¬3) "سنن الترمذي" (1501). (¬4) سلف برقم (2808). (¬5) "صحيح مسلم" (1318)، "الموطأ" 2/ 486.

منها: البقرة عن خمسة والبعير عن عشرة، كما في هذا الحديث، فلعل هذا لتغير القيم في كل زمان. (وعلى أهل الشاء ألفي شاة) ومضمون هذا أن الشاة كانت قيمتها ستة دراهم أو نصف دينار. (وعلى أهل الحلل مائتي حلة) يدل على أنَّ قيمة الحلة خمسة دنانير، ومن الدراهم ستون درهمًا، وتقدم أنَّ الحلة لا تكون إلا من ثوبين: إزار ورداء، وسميت بذلك؛ لأنَّ كل واحد يحل على الآخر. (قال: وترك دية أهل الذمة) المذكورة (لم يرفعها) في روايته (فيما رفع) غيرها (من الدية) فيما تقدم. [4543] (ثنا موسى بن إسماعيل) قال (ثنا حماد) قال (أنا محمد بن إسحاق، عن عطاء بن أبي رباح) بفتح الراء وتخفيف الباء الموحدة التابعي الجليل (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قضى في الدية على أهل الإبل مائة) بالنصب (من الإبل وعلى أهل البقر مائتي بقرة) قال ابن حزم في "المحلى": روينا من طريق سعيد بن منصور، حدثنا هشيم، أنا محمد بن إسحاق، سمعت عطاء بن أبي رباح يحدث أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فرض الدية في أموال المسلمين ما كانت فجعلها في الإبل مائة بعير، وفي البقر مائة بقرة، وفي الغنم ألفي شاة، وعلى أهل الذهب الذهب، وعلى أهل الورق الورق (¬1). (وعلى أهل الشاء ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة) فتكون ¬

_ (¬1) "المحلى" 10/ 398.

قيمة كل بقرة أو حلة ستين درهمًا، وقيمة كل شاة ستة دراهم لتساوي الأبدال كلها، وكل حلة ثوبان فتكون أربعمائة برد (و) قضى (على [أهل] (¬1) القمح شيئًا لم يحفظه محمد) بن إسحاق. [4544] (قال أبو داود: قرأت على سعيد بن يعقوب) أبي بكر (الطالقاني) قال الأثرم: رأيته عند أحمد بن حنبل يذاكره الحديث (¬2)، وقال النسائي: ثقة (¬3). وقال أبو حاتم: صدوق (¬4). (قال: ثنا أبو تميلة) بضم التاء المثناة مصغر، واسمه: يحيى بن واضح الأنصاري المروزي الحافظ، وهو صدوق. قال (ثنا محمد بن إسحاق، قال: وذكر عطاء) بن أبي رباح (عن جابر بن عبد اللَّه قال: فرض رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فذكر مثل حديث موسى) بن إسماعيل (قال) فيه (وعلى أهل الطعام شيئًا لا أحفظه) فلما نسي قدره ذكر شيئًا إذ هي أعم الأشياء، قال المنذري: حديث منقطع، لم يذكر من حدثه عن عطاء فهي رواية مجهول (¬5). [4545] (ثنا مسدد) قال (ثنا [عبد الوهاب]) (¬6) قال (ثنا الحجاج) بن أرطاة (عن زيد بن جبير) الطائي، ثقة (عن خشف) بكسر الخاء المعجمة ¬

_ (¬1) من المطبوع. (¬2) انظر: "بحر الدم" لابن عبد الهادي (372)، "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 17/ 146. (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 11/ 123. (¬4) "الجرح والتعديل" 4/ 75. (¬5) "معالم السنن" 6/ 348. (¬6) كذا في الأصول، وهو خطأ، والصواب: (عبد الواحد) كما في "سنن أبي داود".

وإسكان الشين (بن مالك الطائي) تفرد النسائي بتوثيقه (¬1) (عن عبد اللَّه بن مسعود قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في دية الخطأ عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون بني مخاض ذكر) رواه أحمد وأصحاب السنن والبزار والدارقطني والبيهقي كلهم من حديث ابن مسعود مرفوعًا لكن بلفظ: "بني مخاض" (¬2) ولم يذكروا "بني لبون"، وبسط الدارقطني القول في "السنن" في هذا الحديث ورواه من طريق أبي عبيدة عن أبيه موقوفًا وفيه: عشرون بني لبون. وقال: هذا إسناد حسن. وضعف الأول من أوجه عديدة، وقوى رواية أبي عبيدة بما رواه عن إبراهيم النخعي وعن ابن مسعود مرفوعًا بلفظ (¬3) على وقفه (¬4). وتعقبه البيهقي بأن الدارقطني وهم فيه، والجواد قد يعثر، لكن رد البيهقي على نفسه فقال: وقد رأيته في كتاب ابن خزيمة -وهو إمام- من رواية وكيع عن سفيان فقال: "بني لبون" (¬5) كما قال الدارقطني، فانتفى أن يكون الدارقطني غيره. قال ابن المنذر في قول عبد اللَّه الذي ضعفه الدارقطني: وبه أقول؛ لأنه أقل ما قيل، والحديث مرفوع رويناه عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فوافق هذا ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 8/ 249. (¬2) "المسند" 1/ 450، "سنن الترمذي" (1386)، "سنن النسائي الكبرى" 4/ 234، "سنن ابن ماجه" (2631)، "سنن الدارقطني" 3/ 173، "سنن البيهقي الكبرى" 8/ 75. (¬3) ساقطة من (ل). (¬4) "سنن الدراقطني" 3/ 173. (¬5) "السنن الكبرى" 8/ 75.

القول (¬1). [4546] (ثنا محمد بن سليمان) بن أبي داود (الأنباري) وثقه الخطيب (¬2)، قال (ثنا زيد بن الحباب) بضم الحاء المهملة، وتكرير الموحدة الكوفي، روى له مسلم (عن محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أنَّ رجلا من بني عدي قتل فجعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ديته اثني عشر ألفًا) وقال ابن عيينة: عن عمرو مرسلًا. قال ابن أبي حاتم عن أبيه: المرسل أصح (¬3). وتبعه عبد الحق (¬4)، وصوب النسائي أيضًا إرساله، وهذا محمول عند الشافعي على ما إذا عدمت الإبل حسًّا بأن لم يوجد في الموضع الذي وجبت فيه، أو شرعًا بأن زادت على ثمن مثلها، والمراد بالاثني عشر ألفًا من غالب نقد البلد كما صرح به الرافعي في كتاب البيع حيث قال: وتقويم المتلفات يكون بغالب نقد البلد (¬5). وقضية كلام أصحابنا أنه لا يعدل إلى النقد مع وجود الإبل، وهو المشهور، وعن أبي الطيب ابن سلمة أن القديم: يتخير بين المائة والنقد حكاه الضمري في "شرح الكفاية" عن القديم. (قال أبو داود: رواه ابن عيينة، عن عمرو) بن دينار (عن عكرمة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) مرسلًا و (لم يذكر ابن عباس). * * * ¬

_ (¬1) "الأوسط" 13/ 160. (¬2) "تاريخ بغداد" 5/ 292. (¬3) "علل ابن أبي حاتم" (1390). (¬4) "الأحكام الوسطى" 4/ 56 - 57. (¬5) "الشرح الكبير" 4/ 47.

19 - باب دية الخطإ شبه العمد

19 - باب دِيَةِ الخَطَإِ شِبْهِ العَمْدِ 4547 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ وَمُسَدَّدٌ -المَعْنَى- قالا: حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ خالِدٍ، عَنِ القاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- خَطَبَ يَوْمَ الفَتْحِ بِمَكَّةَ فَكَبَّرَ ثَلاثًا ثُمَّ قالَ: "لا إله إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ صَدَقَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأَحْزابَ وَحْدَهُ". إِلى ها هُنا حَفِظتُهُ عَنْ مُسَدَّدٍ، ثُمَّ اتَّفَقا: "أَلا إِنَّ كُلَّ مَأْثُرَةٍ كانَتْ في الجاهِلِيَّةِ تُذْكَرُ وَتُدْعَى مِنْ دَمٍ أَوْ مالٍ تَحْتَ قَدَمَي إلَّا ما كانَ مِنْ سِقايَةِ الحاجَّ وَسِدانَةِ البَيْتِ". ثُمَّ قال: "أَلا إِنَّ دِيَةَ الخَطَإِ شِبْهِ العَمْدِ ما كانَ بِالسَّوْطِ والعَصا مِائَةٌ مِنَ الإِبِلِ مِنْها أَرْبَعُونَ في بُطُونِها أَوْلادُها". وَحَدِيثُ مُسَدَّدٍ أَتَمُّ (¬1). 4548 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا وُهَيْبٌ، عَنْ خالِدٍ بهذا الإِسْنادِ نَحْوَ مَعْناهُ (¬2). 4549 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ، عَنْ عَلي بْنِ زَيْدٍ، عَنِ القاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بِمَعْناهُ قالَ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَوْمَ الفَتْح -أَوْ فَتْحِ مَكَّةَ- عَلَى دَرَجَةِ البَيْتِ أَوِ الكَعْبَةِ (¬3). قالَ أَبُو داوُدَ: كَذا رَواهُ ابن عُيَيْنَةَ أَيْضًا عَنْ عَلي بْنِ زَيْدٍ، عَنِ القاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ورَواه أَيُّوبُ السَّخْتِياني، عَنِ القاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مِثْلَ حَدِيثِ خالدٍ وَرَواهُ حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلي بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يَعْقُوبَ ¬

_ (¬1) رواه النسائي 8/ 40، 42، وابن ماجه (2627)، وأحمد 2/ 164، 3/ 410، 5/ 411. وصححه الألباني في "الإرواء" (2197). (¬2) رواه ابن حبان 13/ 364 (6011). (¬3) رواه النسائي 8/ 42، وابن ماجه (2628)، وأحمد 2/ 11، 36. وصححه الألباني في "الإرواء" (2197).

السَّدُوسي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقَوْلُ زَيْدٍ وَأَبى مُوسَى مِثْلُ حَدِيثِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وَحَدِيثِ عُمَرَ -رضي اللَّه عنه-. 4550 - حَدَّثَنا النُّفَيْلي، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ ابن أَبى نَجِيحٍ، عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: قَضَى عُمَرُ في شِبْهِ العَمْدِ ثَلاثِينَ حِقَّةَ وَثَلاثِينَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعِينَ خَلِفَةً ما بَيْنَ ثَنِيَّةِ إِلي بازِلِ عامِها (¬1). 4551 - حَدَّثَنا هَنّادٌ، حَدَّثَنا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنْ عاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلي -رضي اللَّه عنه- أَنَّهُ قالَ: في شِبْهِ العَمْدِ أَثَلاثٌ: ثَلاثٌ وَثَلاثُونَ حِقَّةَ وَثَلاثٌ وَثَلاثُونَ جَذَعَةَ وَأَرْبَعٌ وَثَلاثُونَ ثَنِيَّةَ إِلَى بازِلِ عامِها كُلُّها خَلِفَةٌ (¬2). 4552 - وَبِهِ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنْ عَلْقَمَةَ والأَسْوَدِ قالَ عَبْدُ اللَّهِ في شِبْهِ العَمْدِ: خَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةَ، وَخَمْسٌ وَعِشرُونَ جَذَعَةَ، وَخَمْسٌ وَعِشرُونَ بَناتِ لَبُونٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بَناتِ مَخاضٍ (¬3). 4553 - حَدَّثَنا هَنّادٌ، حَدَّثَنا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنْ عاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ قالَ: قالَ عَلي -رضي اللَّه عنه- في الخَطإِ أَرْباعًا خَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بَناتِ لبُونٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بَناتِ مَخاضٍ (¬4). 4554 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ، عَنْ أَبي عِياضٍ، عَنْ عُثْمانَ بْنِ عَفّانَ وَزَيْدِ بْنِ ثابِتٍ في المُغَلَّظَةِ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 49. قال الشيخ أحمد شاكر في "شرح المسند" 1/ 305 (348): إسناده ضعيف لانقطاعه. وقال الألباني: ضعيف الإسناد موقوف. (¬2) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 14/ 38 (27295). وقال الألباني: ضعيف الإسناد. (¬3) رواه البيهقي 8/ 69. وقال الألباني: ضعيف الإسناد. (¬4) رواه ابن أبي شيبة 14/ 36 (27287)، والدارقطني 3/ 177، والبيهقي 8/ 74. وضعفه الألباني.

أَرْبَعُونَ جَذَعَةً خَلِفَةً وَثَلاثُونَ حِقَّةً وَثَلاثُونَ بَناتِ لَبُونٍ وَفي الخَطإِ ثَلاثُونَ حِقَّةً وَثَلاثُونَ بَناتِ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ بَنُو لَبُونٍ ذُكُورٍ وَعِشْرُونَ بَناتِ مَخاضٍ (¬1). 4555 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَني، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ في الدِّيَةِ المُغَلَّظَةِ فَذَكَرَ مِثْلَهُ سَواءً. قالَ أَبُو داوُدَ: قالَ أَبُو عُبَيدٍ وَعَنْ غَيْرِ واحِدٍ إِذا دَخَلَتِ النّاقَةُ في السَّنَةِ الرّابِعَةِ فَهُوَ حِقٌّ والأُنْثَى حِقَّةٌ لأنَّهُ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ وَيُرْكَبَ فَإِذا دَخَلَ في الخامِسَةِ فَهُوَ جَذَعٌ وَجَذَعَةٌ فإِذا دَخَلَ في السّادِسَةِ وَأَلقَى ثَنِيَّتَهُ فَهُوَ ثَني وَثَنِيَّةٌ فإذا دَخَلَ في السّابِعَةِ فَهُوَ رَباعٌ وَرَباعِيَةٌ فإذا دَخَلَ في الثّامِنَةِ وَأَلقَى السِّنَّ الذي بَعْدَ الرَّباعِيَةِ فَهُوَ سَدِيسٌ وَسَدَسٌ فَإِذا دَخَلَ في التّاسِعَةِ وَفَطَرَ نابُهُ وَطَلَعَ فَهُوَ بازِل فإِذا دَخَلَ في العاشِرَةِ فَهُوَ مُخْلِفٌ، ثُمَّ لَيْسَ لَهُ اسْمٌ ولكن يُقالُ بازِلُ عامٍ وَبازِلُ عامَيْنِ، وَمُخْلِفُ عامٍ ومُخْلِفُ عامَيْنِ إِلى ما زادَ. وقالِ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: بِنْتُ مَخاضٍ لِسَنَةٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ لِسَنَتَيْنِ، وَحِقَّةٌ لِثَلاثٍ وَجَذَعَةٌ لأَرْبَعٍ والثَّني لِخمْسٍ وَرَباعٌ لِسِتٍّ وَسَدِيس لِسَبْعٍ وَبازِلٌ لِثَمانٍ. قالَ أَبُو داوُدَ: قالَ أَبُو حاتِمٍ والأَصْمَعي: والجَذُوعَةُ وَقْتٌ وَلَيْسَ بِسِنٍّ. قالَ أَبُو حاتِمٍ: قالَ بَعْضُهُمْ فإِذا أَلقَى رَباعِيَتَهُ فَهُوَ رَباعٌ وإِذا أَلقَى ثَنِيَّتَهُ فَهُوَ ثَني. وقالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إِذا أُلقِحَتْ فَهي خَلِفَةٌ فَلا تَزالُ خَلِفَةً إِلَى عَشْرَةِ أَشْهُرٍ، فَإِذا بَلَغَتْ عَشْرَةَ أَشْهُرٍ فَهي عُشَراءُ. قالَ أَبُو حاتِمٍ: إِذا أَلْقَى ثَنِيَّتَهُ فَهُوَ ثَني وَإِذا أَلْقَى رَباعِيَتَهُ فَهُوَ رَباعٌ (¬2). * * * باب دية الخطأ شبه العمد أكثر النسخ بإسقاط باب الخطأ. ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 8/ 69، 74. وصححه الألباني. (¬2) رواه البيهقي 8/ 69، 74. قال الألباني: صحيح الإسناد.

[4547] (ثنا سليمان بن حرب ومسدد -المعنى- قالا: ثنا حماد) بن زيد (عن خالد) الحذاء (عن القاسم بن ربيعة) هو: ابن عبد اللَّه بن ربيعة الغطفاني (عن عقبة بن أوس، عن عبد اللَّه بن عمرو) بن العاص -رضي اللَّه عنه- (أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خطب يوم الفتح بمكة) على درج البيت كما سيأتي (فكبر اللَّه) تعالى ([ثلاثًا] (¬1) ثم قال: لا إله إلا اللَّه وحده) لا شريك له (صدق وعده) في قوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} (¬2) (ونصر عبده) محمدًا (¬3) -صلى اللَّه عليه وسلم- (وهزم الأحزاب [وحده]) (¬4) أي: الجموع المحزبة يوم فتح مكة من قبائل شتى (إلى هاهنا حفظته) بكسر الفاء، قال اللَّه تعالى: {وَحَفِظْنَاهَا} (¬5) (عن مسدد، ثم اتفقا) في الرواية فقالا: (ألا إن كل مأثرة) بإسكان الهمزة وضم المثلثة. قال ابن الأثير: المآثر المروية عن العرب وهي مكارم أخلاقها التي تحدث بها عنها (¬6). قال في "المجمل": المأثرة: المكرمة؛ لأنها تؤثر، أي: تذكر (¬7). زاد الجوهري: ويأثرها قرن بعد قرن يتحدثون بها (¬8). ¬

_ (¬1) من المطبوع. (¬2) الفتح: 27. (¬3) بعدها في (م): رسول اللَّه. وكتب فوقها (ح). (¬4) من المطبوع. (¬5) الحجر: 17. (¬6) "جامع الأصول" 4/ 413. (¬7) "مجمل اللغة" 1/ 86. (¬8) "الصحاح" 2/ 575.

(كانت في الجاهلية تذكر وتدعى) بضم التاء وتشديد الدال، أي: على أحد (من دمٍ أو مال) فهي موضوعة (تحت قدميَّ) بفتح الميم وتشديد الياء على التثنية، وروي بكسر الميم وتخفيف الياء على الإفراد (إلا ما كان من سقاية الحاج) أي: إلا ما كان من افتخار أهل سقاية الحاج، يعني: ما كانوا يسقونه الحجيج من الزبيب المنبوذ في الماء. وقرأ ابن الزبير وغيره سُقاة الحاج بضم السين وحذف الياء جمع ساقي (وسدانة) بكسر السين (البيت) أي: خدمته، والبيت: بيت اللَّه الحرام، والسدانة مصدر سَدَن يَسْدُن سِدَانة، ككتب يكتب كتابة، وكانت خدمة الكعبة في الجاهلية لبني عبد الدار، والسقاية في بني هاشم، وأقرها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ثم انتقلت الخدمة لبني شيبة والسقاية لبني العباس. (ثم قال: ألا إن دية الخطأ شبه العمد) والقاعدة أنَّ المشبه أعلى من المشبه به وأعظم منه في المقصود، فإن حملناه على ظاهره في أن دية الخطأ كشبه العمد، فإن شبه العمد وإن وافق الخطأ في العدد وهو مائة من الإبل لكن ديته مغلظة كما سيأتي أكثر من الخطأ، ويحتمل أن يراد بشبه تشبيه العمد بالخطأ لكن دية الخطأ أعلى؛ لكونها متفقًا عليها، وشبه العمد مختلف فيه، إذ خالف فيه مالك (¬1) وغيره، وعلى هذا فيكون هذا من التشبيه المقلوب كقول الشاعر: ¬

_ (¬1) "المدونة" 4/ 558.

وبدا الصباح كأنَّ غرته ... وجه الخليفة حين يمتدح (¬1) فإن المراد في البيت أن وجه الخليفة أوضح بياضًا من غرة الصبح، وقد اختلف العلماء في شبه العمد، فنفاه مالك والليث بن سعد وابن حزم (¬2). قال أبو عمر (¬3): وقال بقولهم جماعة من الصحابة والتابعين؛ لأن اللَّه تعالى لم يجعل في كتابه العزيز إلا قسمين: عمد وخطأ، وذلك في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} وقال في المتعمد: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} ولم يجعل في القتل قسمًا ثالثًا. قال ابن المنذر: وممن أثبت شبه العمد الشعبي والحكم وحماد والنخعي وقتادة وسفيان الثوري وأهل العراق والشافعي. قال: وروينا ذلك عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب. وهذا الحديث من أعظم الأدلة على ثبوت شبه العمد (¬4). (شبه العمد ما كان بالسوط والعصا) هذان مثالان لشبه العمد، فإن ضرب السوط والعصا متردد بين العمد والخطأ، فالضرب بهما يشبه العمد لكون الضرب بهما مقصود الفعل، ويشبه الخطأ؛ لأنهما لا يقصد بضربهما القتل المزهق؛ فلشبهه بالعمد غلظت الدية ولشبهه ¬

_ (¬1) البيت لمحمد بن وهب الحميري من قصيدة يمدح بها الخليفة المأمون. انظر: "عيار الشعر" ص 118، "الصناعتين" للعسكري ص 455، "معاهد التنصيص" 2/ 57. (¬2) "المحلى" 10/ 383. (¬3) انظر: "الاستذكار" 25/ 248. (¬4) "الأوسط" 13/ 76 - 77.

بالخطأ ارتفع القصاص، فلم تجب إلا الدية، وهي (مائة من الإبل) مثلثة على العاقلة (منها أربعون) حوامل (في بطونها أولادها) ويثبت حملها بأهل خبرة ممن يعاني قنية الإبل وسياستها وثلاثون حقة وثلاثون جذعة، وهذا الحديث حجة للشافعي (¬1) ورواية عن أحمد (¬2)، وهو قول عطاء (¬3) ومحمد بن الحسن (¬4) أنها مثلثة كدية العمد في أسنانها، لكنها تخالف العمد في أمرين: أحدهما: أنها على العاقلة لا على الجاني. والثاني: أنه يجب في آخر كل حول ثلثها، ويعتبر ابتداء السنة من حين حكم الحاكم كمدة العُنَّة. (وحديث مسدد أتم) من حديث سليمان (¬5). [4549] (ثنا مسدد) قال (ثنا عبد الوارث، عن علي بن زيد) بن جدعان التيمي أحد علماء التابعين، قال منصور بن زاذان: لما مات الحسن قلنا لابن جدعان: اجلس مجلسه. (عن القاسم بن ربيعة) الجوشني، ذكر لقضاء البصرة (عن ابن عمر، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بمعناه) ولفظه (قال: خطب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم الفتح أو) قال (فتح مكة) شك من الراوي (على درجة البيت) الحرام، [(أو الكعبة)] (¬6) فيه: أنه لا يشترط أن تكون الخطبة على منبر، بل السنة أن تكون على ¬

_ (¬1) "الأم" 7/ 257. (¬2) "المغني" 12/ 15 - 16. (¬3) رواه عبد الرزاق 9/ 284 (17221)، وابن أبي شيبة 14/ 39 (27301). (¬4) "الأصل" 4/ 444. (¬5) لم يتعرض الشارح لشرح الحديث التالي لهذا (4548). (¬6) من المطبوع.

موضعٍ عالٍ أو الكعبة. (قال أبو داود: كذا رواه) سفيان (ابن عيينة أيضًا، عن علي بن زيد، عن القاسم بن ربيعة، عن ابن عمر، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ورواه) أيضًا (أيوب السختياني، عن القاسم بن ربيعة، عن عبد اللَّه بن عمر مثل حديث خالد) كما تقدم. (ورواه حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن يعقوب) بن أوس (السدوسي، عن عبد اللَّه بن عمر، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) ورواه النسائي وابن ماجه أيضًا (¬1)، وصححه ابن حبان (¬2)، وقال ابن القطان: هو صحيح ولا يضره الاختلاف (¬3). [(وقول زيد وأبي موسى مثل حديث النبي، وحديث عمر رضي اللَّه عنه)] (¬4). [4550] (ثنا النفيلي) قال (ثنا سفيان) عن عبد اللَّه (بن أبي نجيح، عن مجاهد قال: قضى عمر في شبه) بكسر الشين، وإسكان الباء، وبفتحهما كمِثْل ومَثَل (العمد ثلاثين حقة، وثلاثين جذعة، وأربعين خَلِفة) بفتح الخاء المعجمة، وكسر اللام، وبالفاء، هي: الحامل. قال أبو عبيد: إنها الحامل (¬5) من ابتداء حملها إلى عشرة أشهر، ثم هي عشار. ¬

_ (¬1) "المجتبى" 8/ 42، "سنن ابن ماجه" (2628). (¬2) "صحيح ابن حبان" 13/ 364 (6011). (¬3) "بيان الوهم والإيهام" 5/ 410. (¬4) من المطبوع. (¬5) "غريب الحديث" 1/ 410.

قال جمهور أهل اللغة: هي اسم للواحدة، والجمع منها مخاض، كما جاء في جمع امرأة نساء، وهو من غير لفظه. وقال الجوهري: جمعها خِلَف بكسر الخاء وفتح اللام (¬1). وكذا قال في "المحكم": جمعها خلف (¬2). وقال صاحب "المغيث": يقال: خلفت إذا حملت، وأخلفت إذا حالت ولم تحمل (¬3). (ما بين ثنية) إبل، وهي بنت ثلاث سنين فما فوقها (إلى بازل) بالباء الموحدة، وكسر الزاي، وهي التي دخلت في السنة التاسعة، الأنثى والذكر بلا هاء، ولا يزال بازلًا حتى يدخل في السنة العاشرة، فإذا دخل فيها فهو مخلف، ثم ليس بعد ذلك اسم مخصوص، ولكن يقال: بازل عام وبازل (عامها) ومخلف عام ومخلف عامين وبعد ذلك إلى أن يصير عَوْدًا بفتح العين، وإسكان الواو، وفي هذا الحديث دلالة على أن الخلفة تختص بسن، وهو مروي عن المغيرة وأبي موسى (¬4)، وذكره في "البيان" (¬5) مرفوعًا، ومثله لا يقال إلا توقيفًا (¬6)، والأصح في مذهب الشافعي أنه لا يختص بسن. [4551] (ثنا هناد) قال (ثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن ¬

_ (¬1) "الصحاح" 4/ 1355. (¬2) "المحكم" 5/ 197. (¬3) "المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث" 1/ 608. (¬4) رواه عبد الرزاق 9/ 284 (17219)، وابن أبي شيبة 14/ 38 (27297)، وابن المنذر في "الأوسط" 13/ 152. (¬5) "البيان" للعمراني 11/ 482. (¬6) في (م)، (ل): توفيقًا.

عاصم بن ضمرة، عن علي -رضي اللَّه عنه- أنه قال: في شبه العمد أثلاث) أي: أسنانها ثلاثة أنواع (ثلاث وثلاثون حقة، وثلاث وثلاثون جذعة، وأربعة وثلاثون ثنية) وهي التي تلقي ثنيتها (¬1)، والثنية بنت ثلاث سنين فما فوقها (إلى بازل عامها) البازل هو الذي دخل في السنة التاسعة، ثم لا يزال بازل عام إلى أن يدخل في السنة العاشرة، سمي بذلك؛ لأنه بزل سنه أي: طلع (وكلها خلفة). [4553] (ثنا هناد) قال (ثنا أبو الأحوص، عن سفيان، عن أبي إسحاق) السبيعي. (عن عاصم بن ضمرة) بفتح الضاد المعجمة، السلولي الكوفي، قال أحمد بن عبد اللَّه العجلي (¬2)، وعلى بن المديني: ثقة. (قال: قال علي -رضي اللَّه عنه-: في الخطأ أرباعًا؛ خمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة، وخمس وعشرون بنات لبون، وخمس وعشرون بنات مخاض) فيه دلالة لما روي عن علي والحسن والشعبي والحارث العكلي وإسحاق: أنَّ دية الخطأ أرباع كدية العمد سواء (¬3)؛ لأنه حق يتعلق بجنس الحيوان، فلا يعتبر فيه الحمل كالذكورة والأضحية؛ ولأنه أشبه العمد. [4554] (ثنا محمد بن المثنى) قال (ثنا محمد بن عبد اللَّه) (¬4) بن ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) "الثقات" 2/ 8. (¬3) انظر هذِه الآثار في "الأوسط" لابن المنذر 13/ 158 - 159. (¬4) فوقها في (ل): (ع).

المثنى قال (ثنا [سعيد]) (¬1) ابن أبي عروبة. (عن قتادة، عن عبد ربه) بن يزيد، ويقال: ابن أبي يزيد، لم يرو عنه غير قتادة، قال ابن المديني: مجهول (عن أبي عياض) لم يذكره مسلم في "الكنى". (عن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت) قالا (في) الدية (المغلظة) ذكر أصحاب الشافعي وأحمد أن الدية تغلظ بثلاثة أشياء: أحدها: وقوع القتل في حرم مكة. والثاني: في الأشهر الحرم. والثالث: أن يصادف القتل رحمًا محرمًا كالأم والأخت (¬2)، ولا تغلظ بالإحرام على الأصح؛ لأن حرمته غير مؤبدة (أربعون جذعة) وهي ما كملت الرابعة، ودخلت في الخامسة (خلفة) أي: حوامل (وثلاثون حقة، وثلاثون بنات لبون) ومذهب الشافعي: أنَّ التغليظ لا يكون إلا في الخطأ (¬3)، أما العمد وشبه العمد، فلا يظهر فيهما تغليظ (¬4)؛ لئلا يجتمع تغليظان، والمغلظ لا يغلظ، كالمكبر لا يكبر، وإذا انتهى الشيء إلى غايته في التغليظ لا يغلظ كالأيمان في القسامة لا تغلظ، وغسلات الكلب لا تثلث. (وفي الخطأ ثلاثون حقة، وثلاثون بنات لبون، وعشرون بني (¬5) لبون ¬

_ (¬1) مستدركة من المطبوع. (¬2) "الأم" 7/ 278، "المغني" 12/ 23. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) "الأم" 7/ 278. (¬5) في النسخ: بنو. والجادة المثبت.

ذكورًا، وعشرون بنات مخاض) مذهب الشافعي: أن دية الخطأ تغلظ بالتثليث، ويلحقها التخفيف من جهتين: كونها على العاقلة لا على الجاني، وكونها مؤجلة لا حالَّة (¬1)، فإن تجردت عن أسباب التغليظ خففت بوجه ثالث، وهو التخميس كما في الحديث. [4555] (ثنا المثنى) قال (ثنا محمد بن عبد اللَّه) قال (ثنا سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن زيد بن ثابت -رضي اللَّه عنه- في الدية المغلظة، فذكر مثله سواء) بلفظه المتقدم. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "الحاوي الكبير" 12/ 215، "روضة الطالبين" 9/ 256.

باب أسنان الإبل (¬1) (قال أبو عبيد) القاسم بن سلام (وغير واحد) (¬2) من أئمة اللغة وغيرهم (إذا دخلت الناقة في السنة الرابعة فهي (¬3) حق) بكسر الحاء للذكر (والأنثى حقة) سمي بذلك (لأنه يستحق أن يحمل عليه) الحمل (ويركب) ظهره، وأن يطرق الأنثى الفحل (فإذا) كملت الرابعة و (دخل في) السنة (الخامسة فهو) أي: فالذكر (جذع) بفتح الذال المعجمة (و) الأنثى (جذعة) وهي آخر الأسنان المنصوص عليها في الزكاة. (فإذا) كملت الخامسة و (دخل في) السنة (السادسة) ولو لحظة (وألقى ثنيته) وهي واحدة الثنايا من السن، والثني في الظلف والحافر في السنة الثالثة، وفي الحق في السنة السادسة (فهو ثني و) الأنثى (ثنية) وهما أول الأسنان المجزئة من الإبل في الأضحية (وإذا دخل في) السنة (السابعة فهو) أي: الذكر (رباع) بتخفيف الباء [(و) الأنثى (رباعية) بتخفيف الياء] (¬4) (فإذا دخل في الثامنة وألقى السن التي بعد الرباعية فهو سديس) بفتح السين، وكسر الدال، بعدها ياء (وسدس) بفتح السين ¬

_ (¬1) كذا بوب الشارح، وهو غير موجود في مطبوعة الشيخ شعيب ومطبوعة الشيخ محيي الدين عبد الحميد ونشرة دار مكنز، وأن ما سيشرحه هو من قول أبي داود بعد حديث (4555)، وأثبت هذا الباب على هذا النحو الحوت في نشرته، وعلق في الحاشية قائلا: هذا الباب زيادة في (د)، وسقط من بعض النسخ المطبوعة. (¬2) كذا في النسخ الخطية، وهو ما في طبعتي محيي الدين والحوت، وفي طبعة الشيخ شعيب: عن غير واحد. وفي طبعة مكنز: وعن غير واحد. (¬3) كذا في النسخ، وفي المطبوع: فهو. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

والدال، وسدوس وسديس. قال الجوهري: السدس: البعير إذا ألقى السن الرباعية، وذلك في السنة الثامنة، وبعضهم يقول للسدس: سديس، كما يقال للعشر: عشير، والسدس بالتحريك التي قبل البازل، يستوي فيه المذكر والمؤنث؛ لأن الإناث في الأسنان كلها بالهاء إلا السدس والسديس والبازل (¬1). (فإذا دخل في التاسعة وفطر نابه) أي: شق (وطلع فهو بازل) يقال: بزل البعير. أي: شق نابه، والبازل للذكر والأنثى، وربما بزل في السنة الثامنة (فإذا دخل في) السنة (العاشرة فهو مخلف) بكسر اللام، والأنثى مخلف أيضًا بغير هاء في قول الكسائي، ومخلفة بالهاء في قول أبي زيد النحوي، حكاه عنهما ابن قتيبة (¬2) وغيره. (ثم ليس له) بعد ذلك (اسم) مخصوص (ولكن يقال: بازل عام وبازل عامين) وكذلك ما زاد (ومخلف عام ومخلف عامين إلى ما زاد) وإذا كثر فهو عَوْد بفتح العين، وإسكان الواو، ثم دال مهملة. (وقال النضر بن شميل) المازني البصري النحوي شيخ مرو، ثقة إمام، صاحب السُّنة (بنت مخاض لسنة) كاملة (وبنت لبون لسنتين) كملتا ودخلت في الثالثة (وحقة لثلاث) سنين (وجذعة لأربع) سنين (وثني لخمس، ورباع) بفتح الراء، والباء المخففة (لست) سنين، وسدس (وسديس لسبع) سنين (وبازل لثمان) كما تقدم. (قال أبو حاتم) السجستاني (و) [علي بن حمزة] (¬3) (الأصمعي: ¬

_ (¬1) "الصحاح" 3/ 937. (¬2) "أدب الكاتب" ص 151. (¬3) كذا في النسخ، وهو خطأ، والصواب: (عبد الملك بن قريب)؛ فعلي بن حمزة هو =

الجذوعة) بضم الجيم والذال المعجمة (وقت) من الزمان يحصل فيه السن (وليس بسن) من أسنان الإبل ([قال أبو حاتم: قال بعضهم] (¬1): فإذا ألقى) البعير (رباعيته) بفتح الراء والباء، وتخفيف المثناة تحت (فهو رباع) جمعه: ربعان مئل: غزال وغزلان، وهو من ذوات الخف في السنة الرابعة، وللغنم في السنة الثانية وللبقر، وروي الحافر في السنة الخامسة، [(وإذا ألقى ثنيته فهو ثني)] (¬2). (قال أبو عبيد: إذا لقحت) بكسر القاف الناقة أي: حملت (فهي خلفة) بكسر اللام كما تقدم (فلا تزال خلفة إلى عشرة أشهر) من الحمل (فإذا بلغت ذلك (¬3) فهي عشراء) بضم العين، وفتح الشين والراء، مع المد، جمعها عشار. قال اللَّه تعالى: {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4)} (¬4) فالعشار هي: النوق الحوامل التي في بطونها أولادها، الواحدة عشراء، وإذا وضحت لتمام سنة من يوم حملت فهي عشراء، فهي أحسن ما يكون، ولا يعطلها قومها إلا عند مشاهدة أهوال يوم القيامة (قال أبو حاتم: إذا ألقى ثنيته) من الأسنان (فهو ثني، وإذا ألقى رباعيته فهو رباع) كما تقدم قريبًا وقبله في الزكاة، اللَّه أعلم. * * * ¬

_ = الكسائي، أما الأصمعي فاسمه عبد الملك بن قريب. (¬1) من المطبوع. (¬2) من المطبوع. (¬3) كذا في النسخ، وفي مطبوع "السنن": عشرة أشهر. (¬4) التكوير: 4.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

شَرْحُ سُنَنِ أَبِي دَاوُد لِابْنِ رَسْلَان [18]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ جميعُ الحقوقِ مَحْفوظَة لِدَارِ الفَلَاحِ وَلَا يجوز نشر هَذَا الْكتاب بِأَيّ صِيغَة أَو تَصْوِيره PDF إِلَّا بِإِذن خطي من صَاحب الدَّار الْأُسْتَاذ/ خَالِد الرَّباط الطَّبْعَةُ الأُولَى 1437 هـ - 2016 م رَقم الْإِيدَاع بدَارِ الكتُب 17164/ 2015 دَارُ الفَلَاحِ لِلبحثِ العِلمي وتَحْقِيق التُّرَاثِ 18 شَارِع أحمس - حَيّ الجامعة - الفيوم ت: 01000059200 [email protected] تطلب منشوراتنا من: • دَار الْعلم - بلبيس - الشرقية - مصر • دَار الأفهام - الرياض • دَار كنوز إشبيليا - الرياض • مكتبة وتسجيلات ابْن الْقيم الإسلامية - أَبُو ظَبْي • دَار ابْن حزم - بيروت • دَار المحسن - الجزائر • دَار الْإِرْشَاد - استانبول • دَارُ الفَلَاحِ - الفيوم

20 - باب ديات الأعضاء

20 - باب دِياتِ الأَعْضاءِ 4556 - حَدَّثَنا إِسْحاقُ بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا عَبْدَةُ -يَعْني: ابن سُلَيْمانَ- حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ أَبي عَرُوبَةَ، عَنْ غالِبٍ التَّمّارِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ مَسْرُوقِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ أَبي مُوسَى، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "الأَصابعُ سَواءٌ عَشْرٌ عَشْرٌ مِنَ الإِبِلِ" (¬1). 4557 - حَدَّثَنا أَبُو الوَلِيدِ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ غالِبٍ التَّمّارِ، عَنْ مَسْرُوقِ بْنِ أَوْسٍ، عَنِ الأَشْعَري، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "الأَصابعُ سَواءٌ". قُلْتُ: عَشْرٌ عَشْرٌ. قالَ: "نَعَمْ" (¬2). قالَ أَبُو داودَ: رَواهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ غالِبٍ قالَ: سَمِعْتُ مَسْرُوقَ ابْنَ أَوْسٍ، وَرَواهُ إِسْماعِيلُ قالَ: حَدَّثَني غالِبٌ التَّمّارُ بإسْنادِ أَبي الوَليدِ وَرَواهُ حَنْظَلَةُ ابْن أَبي صَفِيَّةَ، عَنْ غالِبٍ بإِسْنادِ إِسْماعِيلَ. 4558 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى ح وَحَدَّثَنا ابن مُعاذٍ، حَدَّثَنا أَبي ح وَحَدَّثَنا نَصْرُ بْنُ عَلي، أَخْبَرَنا يَزِيد بْنُ زرَيْعٍ كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هذِه وهذِه سَواءٌ". قالَ: يَعْني: الإِبْهامَ والخِنْصَرَ (¬3). 4559 - حَدَّثَنا عَبّاسٌ العَنْبَري، حَدَّثَنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الوارِثِ، حَدَّثَني شُعْبَةُ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "الأَصابعُ سَواءٌ، والأَسْنانُ سَواءٌ الثَّنِيَّةُ والضِّرْسُ سَواءٌ، هذِه وهذِه سَواءٌ" (¬4). ¬

_ (¬1) انظر التخريج السابق. (¬2) رواه النسائي 8/ 56، وابن ماجه (2654)، وأحمد 4/ 397، 398. وصححه الألباني في "الإرواء" (2272). (¬3) رواه البخاري (6895). (¬4) رواه ابن ماجه (2650). وصححه الألباني في "الإرواء" (2277).

4560 - قالَ أَبُو داوُدَ: وَرَواه النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، عَنْ شُعْبَةَ بِمَعْنَى عَبْدِ الصَّمَدِ. قالَ أَبُو داوُدَ: حَدَّثَناهُ الدّارِمي، عَنِ النَّضْرِ (¬1). 4560/ م - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ حاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ، حَدَّثَنا عَلي بْنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنا أَبُو حَمْزَةَ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوي، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الأَسْنانُ سَواءٌ والأَصابعُ سَواءٌ" (¬2). 4561 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبانَ، حَدَّثَنا أَبُو تُمَيْلَةَ، عَنْ حُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوي، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَصابِعَ اليَدَيْنِ والرّجْلَيْنِ سَواءً (¬3). 4562 - حَدَّثَنا هُدْبَةُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا هَمّامٌ، حَدَّثَنا حُسَينٌ المُعَلِّمُ، عَنْ عَمْرِو ابْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ في خُطْبَتِهِ وَهُوَ مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إِلَى الكَعْبَةِ: "في الأَصابعِ عَشْرٌ عَشْرٌ" (¬4). 4563 - حَدَّثَنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنا يَزِيد بْنُ هارُون، حَدَّثَنا حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "في الأَسْنانِ خَمْسٌ خَمْسٌ" (¬5). 4564 - قالَ أَبُو داودَ: وَجَدْتُ في كِتابي عَنْ شَيْبانَ -وَلم أَسْمَعْهُ مِنْهُ- فَحَدَّثْناهُ أَبُو بَكْرٍ -صاحِبٌ لَنا ثِقَةٌ- قالَ: حَدَّثَنا شَيْبان، حَدَّثَنا مُحَمَّدٌ -يَعْنى: ابن راشِدٍ-، عَنْ سُلَيْمانَ -يَعْني: ابن مُوسَى-، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قالَ: ¬

_ (¬1) رواه البيهقي 8/ 90، وابن عبد البر في "التمهيد" 17/ 379، وراجع ما قبله. (¬2) راجع سابقيه. (¬3) رواه الترمذي (1391) بنحوه. وصححه الألباني في "الإرواء" (2271). (¬4) رواه النسائي 8/ 57، وابن ماجه (2653)، وأحمد 2/ 179، 189، 207، 215. وجود إسناده الحافظ في "الفتح" 12/ 225، وقال الألباني: حسن صحيح. (¬5) رواه النسائي 8/ 55. وصححه الألباني في "الإرواء" (2276).

كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُقَوِّمُ دِيَةَ الخَطَإِ على أَهْلِ القُرى أَرْبَعَمِائَةِ دِينارٍ، أَوْ عَدْلَها مِنَ الوَرِق، يُقَوِّمُها عَلَى أَثْمانِ الإِبِلِ، فَإِذا غَلَتْ رَفَعَ في قِيمَتِها وَإِذا هاجَتْ رُخْصًا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِها، وَبَلَغَتْ على عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- ما بَيْنَ أَرْبَعِمِائَةِ دِينارٍ إِلَى ثَمانِمِائَةِ دِينارٍ، أَوْ عَدْلَها مِنَ الوَرِق ثَمانِيَةَ آلافِ دِرْهَمٍ وَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَلَى أَهْلِ البَقَرِ مِائَتَي بَقَرَةٍ، وَمَنْ كانَ دِيَةُ عَقْلِهِ في الشّاءِ فَأَلْفَي شاةٍ، قالَ: وقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ العَقْلَ مِيراثٌ بَيْنَ وَرَثَةِ القَتِيلِ عَلَى قَرابَتِهِمْ فَما فَضَلَ فَلِلْعَصَبَةِ". قالَ: وَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- في الأَنْفِ إِذا جُدِعَ الدِّيَةَ كَامِلَةً، وَإِنْ جُدِعَتْ ثَنْدُوَتُهُ فَنِصْفُ العَقْلِ خَمْسُونَ مِنَ الإِبِلِ، أَوْ عَدْلُها مِنَ الذَّهَبِ، أَوِ الوَرِق، أَوْ مِائَةُ بَقَرَةٍ، أَوْ أَلْفُ شاةٍ، وَفي اليَدِ إِذا قُطِعَتْ نِصْفُ العَقْلِ، وَفي الرِّجْلِ نِصْفُ العَقْلِ، وَفي المَأْمُومَةِ ثُلُثُ العَقْلِ ثَلاثٌ وَثَلاثُونَ مِنَ الإِبِلِ وَثُلْثٌ، أَوْ قِيمَتُها مِنَ الذَّهَبِ، أَوِ الوَرِق، أَوِ البَقَرِ، أَوِ الشّاءِ والجائِفَةُ مِثْلُ ذَلِكَ. وَفي الأصَابِعِ في كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرٌ مِنَ الإِبِلِ، وَفي الأَسْنانِ في كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنَ الإِبِلِ وَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّ عَقْلَ المَرْأَةِ بَيْنَ عَصَبَتِها مَنْ كَانُوا لا يَرِثُونَ مِنْها شَيْئًا إِلَّا مَا فَضَلَ عَنْ وَرَثَتِها، فَإنْ قُتِلَتْ فَعَقْلُها بَيْنَ وَرَثَتِها وَهُمْ يَقْتُلُونَ قاتِلَهُمْ وقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَيْسَ لِلْقاتِلِ شَيء وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وارِثٌ فَوارِثُهُ أَقْرَبُ النّاسِ إِلَيْهِ وَلا يَرِثُ القاتِلُ شَيْئًا". قالَ مُحَمَّدٌ: هذا كُلُّهُ حَدَّثَني بِهِ سُلَيْمانُ بْنُ مُوسَى، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1). قالَ أَبُو داوُدَ: مُحَمَّدُ بْن راشِدٍ مِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ هَرَبَ إِلَى البَصْرَةِ مِنَ القَتْلِ. 4565 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّد بْن بَكّارِ بْنِ بِلالٍ العامِلي، أَخْبَرَنا مُحَمَّدٌ -يَعْني: ابن راشِدٍ-، عَنْ سُلَيْمانَ -يَعْني: ابن مُوسَى-، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "عَقْلُ شِبْهِ العَمْدِ مُغَلَّظٌ مِثْلُ عَقْلِ العَمْدِ وَلا يُقْتَلُ صاحِبُهُ". قالَ: وَزادَنا خَلِيلٌ عَنِ ابن راشِدٍ: "وَذَلِكَ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 27. وحسنه الألباني في "الإرواء" 6/ 117 - 118.

أَنْ يَنْزُوَ الشَّيْطانُ بَيْنَ النّاسِ فَتَكُونَ دِماءٌ في عِمِّيّا في غَيْرِ ضَغِينَةٍ وَلا حَمْلِ سِلاحٍ" (¬1). 4566 - حَدَّثَنا أَبُو كامِلٍ فُضيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ، أَنَّ خالِدَ بْنَ الحارِثِ حَدَّثَهُمْ قالَ: أَخْبَرَنا حُسَينٌ -يَعْني: المُعَلِّمَ-، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، أَنَّ أَباهُ أَخْبَرَهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "في المَواضِحِ خَمْسٌ" (¬2). 4567 - حَدَّثَنا مَحْمُودُ بْنُ خالِدٍ السُّلَمي، حَدَّثَنا مَرْوانُ -يَعْني: ابن مُحَمَّدٍ-، حَدَّثَنا الهَيْثَمُ بْن حُمَيْدٍ، حَدَّثَني العَلاءُ بْنُ الحارِثِ، حَدَّثَني عَمْرو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- في العَيْنِ القائِمَةِ السّادَّةِ لِمَكانِها بثُلُثِ الدِّيَةِ (¬3). * * * باب ديات الأعضاء [4556] (ثنا إسحاق بن إسماعيل) الطالقاني، ثقة، قال (ثنا عبدة بن سليمان) الكلابي المقرئ، قال أحمد: ثقة وزيادة مع صلاحه (¬4). قال (ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن غالب) بن مهران (التمار) صالح الحديث. ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 183، 217، 224، والبيهقي 8/ 70. وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (4016). (¬2) رواه الترمذي (1390)، والنسائي 8/ 57، وابن ماجه (2655)، وأحمد 2/ 179، 189، 207، 215. وصححه الألباني في "الإرواء" (2285). (¬3) رواه النسائي 8/ 55. وحسن إسناده الألباني في "الإرواء" (2293). (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 18/ 533.

(عن حميد بن هلال، عن مسروق بن أوس) الحنظلي، غزا في خلافة عمر (¬1)، ذكره ابن حبان في "صحيحه" (¬2). (عن أبي موسى -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: الأصابع) أي: أصابع اليدين والرجلين كما سيأتي في رواية ابن عباس (سواء) أي: في الدية (عشر) أي: عشرة أبعرة (عشر) أي: في كل أصبع عشرة (من الإبل) قال ابن قدامة: في كل أصبع من اليد والرجل عشرة من الإبل، هو قول عامة العلماء، منهم: مالك والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي وأصحاب الحديث، لا نعلم فيه خلافا إلا رواية عن عمر: أنه قضى في الإبهام بثلاث عشرة، وفي التي تليها ثنتي عشرة، وفي الوسطى بعشر، وفي التي تليها بتسع، وفي الخنصر بست (¬3). [4557] (ثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي، روى عنه البخاري (قال: ثنا شعبة، عن غالب) بن مهران (التمار، عن مسروق ابن أوس، عن) أبي موسى (الأشعري -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: الأصابع سواء) لأنها ذو عدد من جنس واحد تجب فيه الدية، وكانت سواء في الدية كالأسنان وسائر الأعضاء ([قلت] (¬4): عشر عشر) من الإبل في كل أصبع (قال: نعم) كلها سواء، فيه حجة على ما روي عن عمر قبله، وقد روي عنه أنه لما أخبر بكتاب كتبه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لآل ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) "صحيح ابن حبان" (6013)، ولعل المصنف يقصد "الثقات" فإنه فيه 5/ 456. (¬3) "المغني" 12/ 148 - 149. (¬4) من المطبوع.

حزم: في كل أصبع مما هنالك عشر من الإبل (¬1). أخذ به، وترك قوله الأول. (قال أبو داود: رواه محمد بن جعفر) غندر الحافظ ربيب شعبة (عن شعبة، عن غالب) التمار (قال: سمعت مسروق بن أوس) الحنظلي. (ورواه إسماعيل) ابن علية (قال: حدثني غالب التمار بإسناد أبي الوليد، ورواه حنظلة بن أبي صفية، عن غالب بإسناد إسماعيل) ابن علية. [4558] (ثنا مسدد) قال (ثنا يحيى. وثنا) عبيد اللَّه بالتصغير (ابن معاذ قال: ثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري (وحدثني نصر بن علي الجهضمي) قال (أنا يزيد بن زريع) أبو معاوية الحافظ (كلهم عن شعبة، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: هذِه وهذِه سواء. يعني: الإبهام والخنصر) بكسر أوله وثالثه، وفتح الصاد، أخذ من الاختصار؛ لصغرها، ونونها زائدة. وفيه دليل على أن الأصابع لا تفاضل بينها، وإن تفاوتت المنفعة اعتبارًا بمطلق الاسم، ولو تفاضلت بالمنافع لفضلت اليمنى على اليسرى. وعن مجاهد: في الإبهام خمس عشرة، وفي التي تليها ثلاث عشرة، [وفي التي تليها ثلاث عشرة] (¬2) وفي التي تليها ثمان، وفي التي تليها سبع. [4559] (ثنا عباس) بن عبد العظيم بن إسماعيل بن توبة (العنبري) ¬

_ (¬1) رواه مالك في "الموطأ" 2/ 849، والنسائي 8/ 60. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

روى عنه البخاري تعليقًا (¬1) (ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، حدثني شعبة، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: الأصابع سواء) قال ابن حزم: هذا النص يقتضي أن أصابع اليدين والرجلين سواء لعموم ذكر الأصابع، ولا يخرج عن هذا العموم، إلا ما أخرجه نص أو إجماع. قال: وروي عن عمر أنه قضى في الإبهام والتي تليها نصف دية اليد (¬2) (والأسنان سواء) في كل سن خمس من الإبل (الثنية) جمعها ثنايا، وهي الأربعة التي تقابل الأنف: ثنتان من الأعلى، وثنتان من أسفل (والضرس) بكسر الضاد واحد الأضراس، وهي اثنا عشر يقال لها: الطواحن (سواء) في الدية (هذِه وهذِه) أي: الثنية والضرس (سواء) وإن اختلفت منفعتهما. قال مالك في "الموطأ": عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول؛ قضى عمر بن الخطاب في الأضراس ببعير بعير، وقضى معاوية في الأضراس بخمسة أبعرة خمسة أبعرة. قال سعيد بن المسيب: فالدية تنقص في قضاء عمر، وتزيد في قضاء معاوية، فلو كنت أنا لجعلت في الأضراس بعيرين بعيرين، فتلك الدية سواء (¬3). وعن عطاء نحوه، وعن أحمد بن حنبل رواية في جميع الأسنان والأضراس (¬4)، فتتعين هذِه الرواية على أنَّ في كل سن خمسًا من ¬

_ (¬1) البخاري (6412). (¬2) "المحلى" 10/ 438. (¬3) "الموطأ" 2/ 861. (¬4) انظر: "المغني" 12/ 131.

الإبل؛ لورود الحديث به، فيكون في الأسنان ستون بعيرًا؛ لأن فيه اثني عشر سنا: أربع ثنايا، وأربع رباعيات، وأربعة أنياب، فيها خمس خمس، وفيه عشرون ضرسًا في كل جانب عشرة، خمسة من فوق، وخمسة من أسفل، فيكون فيه أربعون بعيرًا في كل ضرس بعيران، وحجة من قال هذا: أنه ذو عدد، وتجب فيه الدية، فلم ترد ديته على دية الأسنان كالأصابع والأجفان وسائر ما في البدن، ولأنها تشتمل على منفعة جنس، فلم تزد ديتها على الدية كسائر منافع الجنس، ولأن الأضراس تختص بالمنفعة دون الجمال، والأسنان فيها منفعة وجمال، فاختلف في الأرش، لكن هذا الحديث فيه نص دافع لهذا كله. (قال أبو داود: ورواه النضر بن شميل) المازني النحوي شيخ مرو (عن شعبة بمعنى) حديث (عبد الصمد) بن عبد الوارث (قال أبو داود: حدثناه) (¬1) أبو جعفر أحمد بن سعيد بن صخر (الدارمي) ووهم ابن عساكر حيث قال: عبد اللَّه الدارمي، فقد بينه كما قلناه أبو الحسن بن العبد في روايته (عن النضر) بن شميل. [4560] (ثنا محمد بن حاتم بن بزيع) بفتح الموحدة، وكسر الزاي البصري، وثقه النسائي (¬2). (ثنا علي بن الحسن) بن شقيق العبدي (أنا أبو حمزة) بحاء مهملة، وزاي، السكري محدث مرو (عن يزيد) بن أبي سعيد المروزي ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): حدثاه. والمثبت من "السنن". (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 16.

(النحوي) متقن عابد، قتله أبو مسلم. (عن عكرمة، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: الأسنان سواء) وفي هذا نص كما تقدم، فأما ما ذكر من المعنى المتقدم خالف القياس فيه، وخالف التسوية الثابتة في كل سن خمس بقياس سائر الأعضاء من جنس واحد، فكأن التسوية مع موافقة الأخبار وقول أكثر أهل العلم أولى، وأما قول عمر: في ضرس بعير. كما تقدم، فيخالف القياسين جميعًا (والأصابع سواء) كما تقدم. قال الماوردي: لو جاز التفاضل بينها لتفاوت المنفعة لكان ذلك في أصابع الرجلين، ولفضلت القوية على الضعيفة، والكبيرة على الصغيرة، ولم يقل به أحد اعتبارًا بمطلق الاسم (¬1). [4561] (ثنا عبد اللَّه بن عمر بن محمد بن أبان) بن صالح، الكوفي مشكدانة، روى عنه مسلم. (ثنا أبو تميلة) يحيى بن واضح (عن حسين المعلم) كذا قال اللؤلؤي، وهو وهم، والصواب ما في باقي الروايات: عن يسار المعلم، وقد رواه كذلك اللؤلؤي في كتاب "المفرد" فقال: عن يسار المعلم (عن يزيد) بن أبي سعيد (النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: جعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أصابع اليدين والرجلين سواء) هذا في الأصلية، وأما الأصبع الزائدة والسن الزائدة ففيها حكومة. [4562] (ثنا هدبة بن خالد) قال (ثنا همام) بن يحيى العدوي قال (ثنا ¬

_ (¬1) "الحاوي" 12/ 279.

حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال في خطبته وهو مسند ظهره إلى الكعبة) فيه أن المفتي والمدرس والمعلم القرآن وغيره إذا جلس للإفتاء أو التدريس أو التعليم يستدبر القبلة، ويجلس وجهه إلى من يأخذ عنه (في الأصابع عشر عشر) الأحسن قراءته بفتح العين للرواية المتقدمة "عشر من الإبل" ويمكن ضم العين، ويراد عشر الدية؛ ولهذا حذفت الهاء، فإنَّ الهاء تحذف من المؤنث لكنه لا يتعين؛ لأنه يجوز التذكير والتأنيث إذا لم يذكر العدد. [4563] (ثنا زهير بن حرب أبو خيثمة) النسائي الحافظ محدث بغداد، روى عنه الشيخان. (ثنا يزيد بن هارون) قال (ثنا حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده -رضي اللَّه عنهم-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: في الأسنان: خمس خمس) من الإبل، ولم يفصل، فدخل في عمومها الأضراس؛ لأنها أسنان؛ لأن كل دية وجبت في جملة كانت مقسومة على العدد دون المنافع كالأصابع والأجفان والشفتين، وقد أومأ ابن عباس إلى هذا فقال: لا أعتبرها بالأصابع، وإنما يجب هذا في سن من ثغر، وهو الذي أبدل أسنانه وبلغ حدًّا إذا قلع سنه لم يعد بدله، فأما سن الصبي الذي لم يثغر، فلا يجب بقلعها في الحال شيء. هذا قول مالك والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي، لا أعلم فيه خلافًا؛ لأن العادة عود سنه كنتف شعره (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: "المدونة" 4/ 574، "الأم" 7/ 314، "بدائع الصنائع" 7/ 316، "المغني" 12/ 132 - 133.

[4564] (قال أبو داود: وجدت في كتابي عن شيبان) بن فروخ الأبلي (ولم أسمعه منه، فحدثناه أبو بكر) أحمد بن محمد الأبلي العطار (صاحب لنا ثقة قال: ثنا شيبان) بن فروخ قال (ثنا محمد بن راشد) المكحولي. (عن سليمان بن موسى) القرشي الأموي، قال عطاء: هو سيد شباب أهل الشام. قال أبو مسهر: كان أعلى أصحاب مكحول. (عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقوِّم دية الخطأ على أهل القرى) أي: لعسر تحصيلها عليهم (أربعمائة دينار أو عدلها) العدل بفتح العين هو الذي يساوي الشيء قيمة وقدرًا، وإن لم يكن من جنسه، والعدل هو الذي يساوي الشيء من جنسه. وروى الطبراني عن السائب أن عمر قال: ليس كل الناس يجدون الإبل، قوم للإبل أربعة آلاف درهم (¬1) (من الورق) بفتح الواو، وكسر الراء، وهو الفضة الخالصة (ويقومها على أثمان الإبل) التي لو كانت موجودة لوجب تسليمها، والمعتبر في القيمة قيمة يوم وجوب التسليم كما صرح به أصحابنا في باب العاقلة، والمراد بأثمان الإبل نقد البلد الذي يجب فيه التحصيل دنانير أو ورقًا، وينبغي أن يقوم بالنقد الغالب إن كان في البلد نقدان، كما صرح به الرافعي في كتاب البيع (¬2). وفي "فتاوى القفال" في أرش الجناية يجب أن يكون ذهبًا خالصًا، أو فضة يعني: خالصة بخلاف العوض في العقد؛ لأن تقدير الأرش من ¬

_ (¬1) "المعجم الكبير" 7/ 150 (6664): فقوموا الإبل أوقية أوقية فكانت أربعة آلاف درهم. (¬2) "الشرح الكبير" 4/ 47.

الشرع، وقد كان الذهب خالصًا، فيصرف إليه أرش جنايته (فإذا غلت الإبل رفع في قيمتها) بقدر ما ارتفع (وإذا هاجت) أي: هانت ورخصت يرخص (رخصا) وأصله من هاج النبت إذا يبس عشبه واصفر. قال ابن الأثير: من هاج الفحل إذا طلب الضراب، وذلك مما يهزله، فحينئذ يقل ثمنه لذلك (¬1) (نقص) بتخفيف القاف (من قيمتها) بقدر ما نقص (وبلغت) قيمتها على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (ما بين أربعمائة دينار) إذا رخصت (إلى ثمانمائة دينار) وهذا قدرها إذا غلت (أو عدلها) أي: عدل الثمانمائة دينار (من الورق) المراد بها هنا الفضة الخالصة (ثمانية آلاف درهم) وقد استدل أصحابنا بهذا الحديث على أنَّ الواجب في الدية إذا عدمت الإبل قيمتها ما بلغت، وأنها في حال رخص الإبل أقل منها في حال غلائها. (وقضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على أهل البقر مائتي بقرة) كما تقدم. وفي "المراسيل" لأبي داود عن عطاء أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قضى على أهل الإبل مائة من الإبل، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاء ألفي شاة (¬2). (ومن كان ديه عقله) أي: عاقلته التي يتحملها عنه واجبة (في) أهل (الشاء) بالمد والهمز، الجوهري يقول: ثلاث شياه إلى العشر (¬3)، فإذا ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 5/ 286، "جامع الأصول" 4/ 425. (¬2) لم أجده في "المراسيل"، وقد سلف برقم (4543). (¬3) في (ل)، (م): العشرين. والمثبت من "الصحاح".

جاوزت فبالتاء (¬1)، فإذا جاوزت قلت: هذِه شاء كثيرة، والنسبة إلى الشاء شويّ (¬2) (فألفي شاة) وفي بعض النسخ: "فألفا شاة" بالرفع على أنه مبتدأ حذف خبره المقدم عليه، تقديره: فعليه ألفا شاة، كقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} (¬3) (ألفي) منصوب مفعول (قضى) وقضى عليه ألفي شاة، والشاة هي: الواحدة من الغنم، تقع على الذكر والأنثى من الضأن والمعز، وروى الطبراني في حديث طويل عن أسامة بن زيد: ليس كل الناس يجدون الإبل، قوموا الإبل. فقومت فجعل على أهل الإبل مائة من الإبل، وعلى أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الحلل مائتي حلة، كل حلة خمسة دنانير، وعلى أهل الضأن ألف ضانية، وعلى أهل المعز ألفي ماعزة، وعلى أهل البقر مائتي بقرة (¬4). (وقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إنَّ العقل) يعني: الدية، أصلها أنَّ القاتل كان إذا قتل قتيلًا جمع الدية من الإبل فعقلها، يعقلها بفناء أولياء المقتول؛ ليقبلوها منه، فسمى الدية عقلًا، وأصل الدية الإبل ثم قومت (ميراث) أي: تقسم كما يقسم ميراث الميت (بين ورثة القتيل على) حسب (قرابتهم) الأقرب فالأقرب (فما فضل) عن فرائضهم، ويدل على ذلك رواية النسائي: "العقل ميراث بين ورثة القتيل على فرائضهم فما فضل" (فللعصبة) (¬5) أي: فللأقرب فالأقرب من العصبة، كما في ¬

_ (¬1) في النسخ: فبالهاء. والمثبت من "الصحاح". (¬2) في النسخ: شاوي. والمثبت من "الصحاح" 6/ 2238. (¬3) البقرة: 196. (¬4) "المعجم الكبير" 7/ 150 (6664) عن السائب بن يزيد. (¬5) "المجتبى" 8/ 42، "السنن الكبرى" 4/ 234.

الحديث: "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر" الحديث (¬1) (قال: وقضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الأنف إذا جدع) بالدال المهملة، أي: قطع جميعه واستوعب. وفي كتاب عمرو بن حزم: "وفي المارن إذا أوعب جدعًا" (¬2) (الدية كاملة) قال الشافعي: ومعلوم أن الأنف غضروف، وهو المارن، وهو: ما لان من الأنف؛ لأن العظم لا يقدر على قطعه (¬3)، ولا فرق بين الأخشم وغيره؛ لأن الشم ليس منه، وعبارة البويطي موضع اللحم كله (وإن جدعت ثندوته) بفتح الثاء المثلثة كما تقدم، وهي في اللغة مغرز الثدي، فإن فتحت الثاء لم تهمز آخره، وإن ضممتها همزت. قال ابن الأثير: إن أريد بها روثة الأنف، فقد قال أكثر الفقهاء: إن فيها ثلث الدية. وقال بعضهم: فيها النصف، كما في الحديث (¬4). والروثة بالثاء المثلثة: طرف الأنف، يقال: فلان يضرب بلسانه روثة أنفه (فنصف العقل) أي: نصف الدية، واعلم أن الإمامين العظيمين الخطابي وابن الأثير حملا الثندوة على طرف الأنف؛ لأن فيها ضميرًا يعود على الأنف (¬5)، وفيه حمل اللفظ على غير معناه الأصلي، فإن ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6732)، ومسلم (1615) من حديث ابن عباس. (¬2) رواه النسائي في "الكبرى" 4/ 245: وفي الأنف إذا أوعب جدعًا مائة من الإبل. (¬3) "الأم" 7/ 291. (¬4) "جامع الأصول" 4/ 425. (¬5) "معالم السنن" 4/ 27، "جامع الأصول" 9/ 246، "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 223.

الثندوة عند أئمة اللغة والفقهاء وغيرهم وفي العرف المتبادر إليه المعنى هي أنها للرجل بمنزلة الثدي للمرأة، كذا قال الجوهري (¬1) وغيره، وقال الأصمعي: هي مغرز الثدي. أي: من المرأة. وقال ابن السكيت: هي اللحم التي حول الثدي (¬2). وعلى هذا فيكون الضمير عائدًا على صاحب الأنف لا على الأنف بمفرده، لأن المحكوم عليه في الحديث هو صاحب الأنف إذا قطع أنفه، لا على الأنف بمفرده، وإذا قلنا: إن المراد به ثدي المرأة، فلا خلاف أن فيه نصف الدية، وإن حملناه على ثدي الرجل، فهو أيضًا حجة على القول القديم للشافعي أن فيه نصف الدية، ورجحه بعض الشافعية -رضي اللَّه عنهم-، وهو مذهب إسحاق وأحمد بن حنبل (¬3)، وهو جار على القاعدة الكلية أن ما وجب فيه الدية من المرأة وجب فيه من الرجل كاليدين وسائر الأعضاء؛ ولأنهما عضوان في البدن يحصل بهما الجمال، فليس في البدن غيرهما من جنسهما فوجب فيهما الدية كاليدين، ومما حملني على مخالفة هذين الإمامين أني وجدت في بعض نسخ رواية ابن داسة مفسرًا في الأصل، فقال: وإن جدعت ثندوته فنصف العقل. يعني: الثدي، وأيضًا فحمل الحديث على قول هؤلاء الأئمة أولى من حمله على قول حكاه ابن المنذر في "الاختلاف" ولم يسم قائله، واللَّه أعلم. ¬

_ (¬1) "الصحاح" 1/ 38. (¬2) "إصلاح المنطق" (ص 113). (¬3) انظر: "الأوسط" لابن المنذر 13/ 280 - 281، "الحاوي الكبير" 12/ 292، "روضة الطالبين" 9/ 285، "مسائل أحمد رواية الكوسج" 2/ 227، "المغني" 12/ 143.

(خمسون من الإبل) على ما سبق تفصيله (أو عدلها) بفتح العين كما تقدم (من الذهب أو الورق) ظاهره أنَّ أي شيء أحضره من عليه الدية من القاتل أو العاقلة من الذهب أو الفضة يلزم الولي أخذه، ولم يكن له المطالبة بغيره؛ لأن كلًّا منهما يجزئ، فكانت الخيرة إلى من وجبت عليه كخصال الكفارة، وسيأتي الجبران في الزكاة، وعلى الجديد من مذهب الشافعي فهذا الحديث محمول على ما إذا عدمت الإبل (¬1) حسًّا أو وجدت بأكثر من قيمة المثل (أو مائة بقرة، أو ألف شاة) على أهل البقر أو الشاء، كما تقدم. (وفي اليد إذا قطعت) من الكف، والمراد باليد الكف مع أصابعها الخمس؛ لأنها المعبر عنها باليد شرعًا، كما قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (¬2) وقد قطع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من مفصل الكف. رواه الدارقطني من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده (¬3). وقال أبو عبيد بن حربويه: إنما تجب نصف الدية إذا قطعت من الإبط (نصف العقل) أي: نصف الدية، ويجب النصف في اليد الواحدة، سواء لفظ الأصابع فقط، أو لفظ الأصابع مع الكف. (وفي الرجل) يعني: القدم إذا قطع مع أصابعها الخمس؛ لأنها المعبر عنها بالرجل، كما في اليد (نصف العقل) ويأتي فيه خلاف ابن حربويه (وفي المأمومة) وهي التي تبلغ الرأس، وهي الخريطة المحيطة ¬

_ (¬1) انظر: "نهاية المطلب" 16/ 607، "منهاج الطالبين" 3/ 140. (¬2) المائدة: 38. (¬3) "سنن الدارقطني" 3/ 204.

بالدماغ، وجمعها: مآيم كمكاسر، ويقال فيها: الآمة بمد الهمزة وتشديد الميم (ثلث العقل) قال في "البحر": وهو إجماع، وقال ابن المنذر: ولم يخالف فيه إلا مكحول، فأوجب ثلثيها (¬1) إذا كان عمدًا (¬2) (ثلاث وثلاثون من الإبل، وثلث) بعير هذا تفسير لثلث العقل (أو قيمتها) إذا عدمت حسًّا أو شرعًا بأن وجدت بأكثر من قيمة المثل (من الذهب أو الورق) والمراد به هنا الفضة الخالصة (أو البقر أو الشاء) على أهل كل منهما. (والجائفة) والجائفة هي التي تصل إلى الجوف، وهي: كل جرح ينفذ إلى جوف كبطن وصدر وثغرة نحر وجنب وجبين في الوجه (مثل ذلك) أي: ثلث العقل، ولا فرق بين أن يجيف بحديدة أو خشبة محددة، ولا بين أن تكون الجائفة واسعة أو ضيقة حتى لو غرز فيه إبرة فوصلت إلى الجوف فقد أجافه، وقيل: إنما يعطى حكم الجائفة إذا قال أهل الخبرة أنه يخاف الهلاك منه، وبه أجاب ابن القطان، والصواب الأول. (وفي الأصابع في كل أصبع) فيه عشر لغات: تثليث الهمزة مع تثليث الباء، والعاشرة أصبوع بالواو وضم الهمزة على وزن أسلوب، كذا قيده ابن السيد في "شرح أدب الكاتب" وذكر أن أفصح اللغات إصبَع بكسر وفتح الباء (عشر من الإبل) كما تقدم. (وفي الأسنان) بفتح الهمزة وهي في غالب الفطرة اثنان وثلاثون، منها أربع ثنايا، وهي الواقعة في مقدم الفم، ويليهما أربع من أعلى، ¬

_ (¬1) في النسخ: ثلثاها. والمثبت هو الصواب. (¬2) "الأوسط" 13/ 199.

وأربع من أسفل، يقال لها: الرباعيات، ثم أربعة (¬1) ضواحك، ثم أربعة (¬2) أنياب، وأربعة (¬3) نواجذ، واثنا عشر ضرسًا يقال لها: الطواحين، كذا قاله الرافعي (¬4). قال الإسنوي: وما ذكره في النواجذ مع الأضراس يقتضي أن النواجذ ليست آخر الأسنان وهي آخرها، وفي كل من الأسنان (خمس من الإبل) فلا يقبل فيها معيب ولا أعجف (في كل سن) من الأسنان. (وقضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّ عقل المرأة) أي: دية المرأة خطأ كان أو شبه عمد، يلزم عاقلتها، وتقسم (بين عصبتها) الذين يرثونها بالنسب إذا كانوا ذكورًا مكلفين كما يقتسمون ميراثها إذا ماتت. (من) مختصة بمن يعقل (كانوا) قد يؤخذ من الواو التي هي ضمير جمع المذكر أنَّ الإناث لا عقل عليهم، ويدخل في عموم (من) الآباء والبنون، فإنهم يسمون عصبة، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة (¬5)، كما يتحملون الأعمام؛ ولأنهم في الميراث أحق العصبات فيرثون فكذا يفعلون هنا، ومذهب الشافعي أنهم ليسوا من العاقلة (¬6)؛ لحديث أبي هريرة الآتي في اللتين اقتتلتا من هذيل (¬7)؛ ولأن الأبوين يفرض لهما الثلث في صور فليسوا بعصبة (لا يرثون منها) معناه -واللَّه أعلم-: لا ¬

_ (¬1) و (¬2) و (¬3) في النسخ: أربع. (¬4) "الشرح الكبير" 10/ 375. (¬5) انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 5/ 150، "المغني" لابن قدامة 12/ 39. (¬6) انظر: "المهذب" للشيرازي 2/ 212، "الحاوي" 12/ 344. (¬7) يأتي برقم (4576).

ترث العصبة منها (شيئًا) إذا ماتت، ولا أصحاب فروض (إلا ما فضل عن ورثتها) ذوي الفروض المقدرة إن كانوا. (وإن قتلت) المرأة (فعقلها) يقسم (بين ورثتها) على الفريضة الشرعية (وهم) أي: ورثتها المذكورين (يقتلون قاتلهم) أي: قاتل مورثهم (قال) جد عمرو بن شعيب (وقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ليس للقاتل شيء) من الدية؛ لأنه لا يأمن أن يكون الإرث سببًا للقتل، فاقتضت المصلحة حرمانه سواءً كان عامدًا أو خطأً مضمونًا بقصاص أو دية أو كفارة، أو غير مضمون بمباشرة أو سبب، وقيل: إن القاتل خطأ يرث من الدية كمذهب مالك (¬1)، حكاه ابن أبي الدم، وقال: لا أعرف أين وجلله، فالمعروف حكايته عن أبي ثور. (وإن لم يكن) هي تامة بمعنى يوجد (له وارث فوارثه أقرب الناس إليه) بعد القاتل، كالرجل يقتل أباه، وليس للأب وارث غير ابنه الذي قتله، فيرثه ابن الأبن دون الأبن القاتل (ولا يرث القاتل شيئًا) من أبيه المقتول. (قال محمد) بن راشد: [قال أبو داود: محمد بن راشد من أهل دمشق هرب إلى البصرة من القتل] (¬2). (وهذا كله حدثني به سليمان بن موسى، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) كما تقدم. ¬

_ (¬1) في "المدونة" 4/ 347: يرث من المال ولا يرث من الدية. (¬2) العبارة فيما بين المعقوفين جاءت في مطبوعات "السنن" في آخر الحديث، بعد العبارة الآتية.

[4565] (ثنا محمد بن يحيى بن فارس) بن ذؤيب الذهلي، أحد الأعلام، رآه أبو عمرو الخفاف في النوم، فقال: ما فعل اللَّه بعلمك؟ قال: كتبه بماء الذهب، ورفعه في عليين. روى عنه البخاري أحاديث، قال (ثنا محمد بن بكار بن بلال العاملي) الدمشقي قاضيها، قال (أنا محمد بن راشد، عن سليمان بن موسى، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: عقل) أي: دية (شبه العمد) وهو العمد من وجه دون وجه، كالضرب بسوط، أو عصا خفيفة، ولم يوال بين الضربات (مغلظ) بالتثليث وانتفاع أسنانها، وهي ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة، أي: حاملًا، لكنها مخففة بكونها مؤجلة في ثلاث سنين؛ لأن شبه العمد متردد بين الخطأ والعمد، فأعطي مثل الخطأ في التأجيل و (مثل عقل العمد) في التثليث (ولا يقتل صاحبه) أي: لا يجب القصاص على قاتل شبه العمد، وإذا لم يقتل صاحب شبه العمد، فلأن لا يقتل في الخطأ أولى، وإذا لم يقتل فيهما تعين القتل للعمد سواء مات في الحال أو بعده، وسواء النفس والطرف. (قال: وزادنا خليل) قال المنذري: لم ينسب (¬1). (عن) محمد (بن راشد: وذلك أن) بفتح الهمزة (ينزو) بفتح الياء وضم الزاي ونصب الواو، أي: يثب ويتحرك (الشيطان) ومعنى: "أن ينزو" أي: لئلا ينزو. قال أبو عبيد: فحدثت الكسائي بحديث رواه ابن عمر عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬

_ (¬1) "مختصر سنن أبي داود" 6/ 364.

أنه قال: "لا يدعون أحدكم على ولده أن يوافق من اللَّه إجابة"، فاستحسنه. قال النحاس: والمعنى عند أبي عبيد: لئلا يوافق من اللَّه، وهذا القول عند البصريين خطأ لا يجيزون إضمار (لا)، والمعنى عندهم: كراهية أن ينزو الشيطان، وكراهية أن يوافق ثم حذفت، كما قال: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} (¬1) بوسوسته. (بين الناس) فيوقع الفتنة بينهم (فتكون) بالمثناة فوق، و (كان) تامة. أي: فيحدث وتوجد (دماء في عميا) قال إسحاق: هذا في تجارح القوم، وقتل بعضهم بعضًا (¬2)، وكان أصله من التعمية وهو التلبيس، ذكره الدارقطني، والمعنى: أن يقتل في الجهالة وحظوظ النفس التي يوقعها الشيطان بينهم بوسوسته وحمية الجاهلية (في غير ضغينة) حقد يقع في القلب، وعداوة متقدمة لها أصل تأسيس من الشيطان، وليست معتبرة عند العقلاء (ولا حمل سلاح) واصطفاف في حرب، بل برمي حجارة، ويوضحه رواية النسائي: "قتل الخطأ شبه العمد بالسوط والعصا مائة من الإبل" (¬3). [4566] (ثنا أبو كامل فضيل بن حسين) الجحدري (أن خالد بن الحارث) الهجيمي، إليه المنتهى في التثبت. ¬

_ (¬1) يوسف: 82. (¬2) "مسائل أحمد وإسحاق" رواية الكوسج 2/ 225، وانظر: "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 12/ 171 - 172. (¬3) "المجتبى" 8/ 40، "السنن الكبرى" 4/ 231 - 232.

(حدثهم قال: ثنا الحسين المعلم، عن عمرو بن شعيب أن أباه أخبره، عن عبد اللَّه بن عمرو) بن العاص رضي اللَّه عنهما (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال في المواضح) بفتح الميم والواو المخففة جمع موضحة بضم الميم وكسر الضاد المعجمة يعني: الشجة التي توضح العظم وتبدي وضحه، أي: بياضه (خمس) من الإبل. وفي كتاب عمرو بن حزم "في الموضحة خمس من الإبل" (¬1)، والمراد بالمواضح موضحة الوجه والرأس دون موضحة ما سواهما كالعضد والساق، فليس فيه إلا الحكومة، والمراد موضحة الحر المسلم الذكر، وهذِه الخمس نصف عشر ديته، فتراعى هذِه النسبة في حق غيره من الأنوثة والكفر والرق، فيجب في موضحة اليهودي نصف عشر ديته، وهو بعير وثلثان، وفي المرأة بعيران ونصف. [4567] (ثنا محمود بن خالد) بن يزيد (السلمي) قال (ثنا مروان بن محمد) بن حسان الأسدي الدمشقي، الطاطري، وهي ثياب نسب إليها من الكرابيس من رجال مسلم. قال أبو سليمان الداراني: ما رأيت شاميًّا خيرًا من مروان، قيل: ولا معلمه سعيد بن عبد العزيز، ولا يحيى بن حمزة؟ قال: ولا معلمه ولا يحيى؛ لأن سعيدًا كان على بيت المال، ويحيى كان على القضاء (¬2). ¬

_ (¬1) رواه مالك في "الموطأ" 2/ 849، والنسائي 8/ 57، 59 - 60، وفى "الكبرى" 4/ 245، 246، 247، وصححه ابن حبان 14/ 501 (6559)، والألباني في "الإرواء" (2284). (¬2) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 57/ 317.

قال (ثنا الهيثم بن حميد) الغساني، ثقة قدري. قال (حدثني العلاء بن الحارث) قال (حدثني عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده -رضي اللَّه عنهم- قال: قضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في العين القائمة) أي: بحالها وهيئتها في موضعها لم تنتقل منه لا أنها لا تبصر، ولعله من: قام الماء إذا جمد، ثم فسر القائمة بأنها (السَّادة) بتشديد السين والدال المهملتين، أي: سادة (لمكانها) يعني أن مكانها غير فارغ، وإنما ذهب ضوؤها (بثلث الدية) قال ابن حزم في "المحلى" بعد رواية هذا الحديث: قال بهذا طائفة من السلف، كما حدثنا يونس بن عبد اللَّه، حدثنا أحمد بن عبد الرحيم، ثنا أحمد بن خالد، عن محمد بن عبد السلام، ثنا محمد بن بشار، ثنا يحيى بن سعيد القطان، ثنا هشام الدستوائي، ثنا قتادة بن عبد اللَّه بن بريدة، عن يحيى بن يعمر، عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب قضى في العين العوراء إذا طمست، واليد الشلاء إذا قطعت، والسن السوداء إذا سقطت: ثلث ديتها. وعن ابن عباس في العين العوراء إذا خسفت ثلث الدية. انتهى (¬1). حكاه القرطبي عن عمر ومسروق والزهري وإسحاق، وحكى عن زيد ابن ثابت فيها مائة دينار، وقال مالك والشافعي وأبو ثور والنعمان: فيها حكومة. قال ابن المنذر: وبه نقول؛ لأنه أقل ما قيل (¬2). * * * ¬

_ (¬1) "المحلى" 10/ 421. (¬2) "الجامع لأحكام القرآن" 6/ 194، "الأوسط" لابن المنذر 13/ 218.

21 - باب دية الجنين

21 - باب دِيَةِ الجَنِينِ 4568 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمَرىِ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ نَضْلَةَ، عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ كانَتا تَحْتَ رَجُلٍ مِنْ هُذَيْلِ، فَضَرَبَتْ إِحْداهُما الأُخْرى بِعَمُودٍ فَقَتَلَتْها وَجَنِينَها، فاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ: كَيْفَ نَدي مَنْ لا صاحَ وَلا أَكَلَ وَلا شَرِبَ وَلا اسْتَهَلَّ؟ ! . فَقالَ: "أَسَجْعٌ كَسَجْعِ الأَعْرابِ؟ ! ". وَقَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ وَجَعَلَهُ عَلَى عاقِلَةِ المَرْأَةِ (¬1). 4569 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ بإسْنادِهِ وَمَعْناهُ. وَزادَ فَجَعَلَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دِيَةَ المَقْتُولَةِ عَلَى عَصَبَةِ القاتِلَةِ وَغُرَّةً لمِا في بَطْنِها (¬2). قالَ أَبُو داوُدَ: وَكَذَلِكَ رَواهُ الحَكَمُ، عَنْ مُجاهِدٍ، عَنِ المُغِيرَةِ. 4570 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ وَهارُونُ بْنُ عَبّادٍ الأَزْدي -المَعْنَى- قالا: حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عَنْ هِشامٍ، عَنْ عُروَةَ، عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّ عُمَرَ اسْتَشارَ النّاسَ فِى إِمْلاصِ المَرْأَةِ، فَقالَ المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَضَى فِيها بِغرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ. فَقالَ: ائْتِني بِمَنْ يَشْهَدُ مَعَكَ. فَأَتاهُ بِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ. زادَ هارُونُ: فَشَهِدَ لَهُ، يَعْني: ضَربَ الرَّجُل بَطْنَ امْرَأَتِهِ (¬3). قالَ أَبُو داوُدَ: بَلَغَني عَنْ أَبي عُبَيْدٍ إِنَّما سُمّي إِمْلاصًا لأَنَّ المَرْأَةَ تَزْلِقُهُ قَبْلَ وَقْتِ الوِلادَةِ، وَكَذَلِكَ كلُّ ما زَلَقَ مِنَ اليَدِ وَغَيْرِهِ فَقَدْ مَلِصَ. 4571 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا وُهَيْبٌ، عَنَ هِشامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ المُغِيرَةِ، عَنْ عُمَرَ بِمَعْناهُ. قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ وَحَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1682). (¬2) رواه مسلم (1682). (¬3) رواه البخاري (6907)، ومسلم (1683).

أَنَّ عُمَرَ قالَ (¬1). 4572 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ المِصِّيصي، حَدَّثَنا أَبُو عاصِمٍ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، قالَ: أَخْبَرَني عَمْرُو بْن دِينارٍ أَنَّهُ سَمِعَ طاوُسًا، عَنِ ابن عَبّاسٍ، عَنْ عُمَرَ أنَّهُ سَأَلَ عَنْ قَضِيَّةِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في ذَلِكَ، فَقامَ إِلَيْهِ حَمَل بْنُ مالِكِ بْنِ النّابِغَةِ فَقالَ: كُنْتُ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ فَضَرَبَتْ إِحْداهُما الأُخْرى بِمِسْطَحٍ فَقَتَلَتْها وَجَنِينَها، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- جَنِينِها بِغُرَّةٍ وَأَنْ تُقْتَلَ (¬2). قالَ أَبُو داوُدَ: قالَ النَّضْرُ بْن شُمَيْلٍ: المِسْطَحُ هُوَ الصَّوْبَجُ. قالَ أَبُو داوُدَ: وقالَ أَبُو عُبَيْدٍ: المِسْطَحُ عُودٌ مِنْ أَعْوادِ الخِباءِ. 4573 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن مُحَمَّدٍ الزُّهْري، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ طاوُسٍ قالَ: قامَ عُمَرُ -رضي اللَّه عنه- عَلَى المِنْبَرِ فَذَكَرَ مَعْناهُ لَمْ يَذْكر وَأَنْ تُقْتَلَ. زادَ بِغرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ. قالَ: فَقالَ عُمَرُ: اللَّهُ أَكْبَرُ لَوْ لَمْ أَسْمَعْ بهذا لَقَضَيْنا بِغَيْرِ هذا (¬3). 4574 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّمّارُ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ طَلْحَةَ حَدَّثَهُمْ قالَ: حَدَّثَنا أَسْباطٌ، عَنْ سِماكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ في قِصَّةِ حَمَلِ بْنِ مالِكٍ قالَ: فَأَسْقَطَتْ غُلامًا قَدْ نَبَتَ شَعْرُهُ مَيِّتًا وَماتَتِ المَرْأَةُ، فَقَضَى عَلَى العاقِلَةِ الدِّيَةَ. فَقالَ عَمُّها: إِنَّها قَدْ أَسْقَطَتْ يا نَبي اللَّهِ غُلامًا قَدْ نَبَتَ شَعْرُهُ. فَقالَ أَبُو القاتِلَةِ: إِنَّهُ كاذِبٌ، إِنَّهُ واللَّه ما اسْتَهَلَّ وَلا شَرِبَ وَلا أَكَلَ فَمِثْلُهُ يُطَلُّ؟ فَقالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَسَجْعَ الجاهِلِيَّةِ وَكَهانَتَها أَدِّ في الصَّبي غُرَّةً". قالَ ابن عَبّاسٍ: كانَ اسْمُ إِحْداهُما مُلَيْكَةَ، والأُخْرى أُمَّ غُطَيفٍ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6908، 7317، 7318). (¬2) رواه ابن ماجه (2641)، وأحمد 1/ 364، 4/ 79. وصححه الألباني. (¬3) رواه البيهقي 8/ 43. وقال الألباني: ضعيف الإسناد. (¬4) رواه النسائي 8/ 51. وضعفه الألباني.

4575 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الواحِدِ ابْنُ زِيادٍ، حَدَّثَنا مُجالِدٌ قالَ: حَدَّثَنا الشَّعْبي، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ قَتَلَتْ إِحْداهُما الأُخْرى، وَلكُلِّ واحِدَةٍ مِنْهُما زَوْجٌ وَوَلَدٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- دِيَةَ المَقْتُولَةِ عَلَى عاقِلَةِ القاتِلَةِ وَبَرَّأَ زَوْجَها وَوَلَدَها. قالَ: فَقالَ عاقِلَةُ المَقْتُولَةِ مِيراثُها لَنا، قالَ: فَقالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا، مِيراثُها لِزَوْجِها وَوَلَدِها" (¬1). 4576 - حَدَّثَنا وَهْبُ بْنُ بَيانٍ وابْنُ السَّرْحِ قالا: حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَني يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ وَأَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: اقْتَتَلَتِ امْرَأَتانِ مِنْ هُذَيْلٍ فَرَمَتْ إِحْداهُما الأُخْرى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْها، فاخْتَصَمُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- دِيَةَ جَنِينِها غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ وَليدَةٌ، وَقَضَى بِدِيَةِ المَرْأَةِ عَلَى عاقِلَتِها وَوَرَّثَها وَلَدَها وَمَنْ مَعَهُمْ، فَقالَ: حَمَلُ بْنُ مالِكِ بْنِ النّابِغَةِ الهُذَلي: يا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ أَغْرَمُ دِيَةَ مَنْ لا شَرِبَ وَلا أَكَلَ وَلا نَطَقَ وَلا اسْتَهَلَّ فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ؟ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّما هذا مِنْ إِخْوانِ الكُهّانِ". مِنْ أَجْلِ سَجْعِهِ الذي سَجَعَ (¬2). 4577 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنِ ابن المسَيَّبِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ في هذِه القِصَّةِ قالَ: ثُمَّ إِنَّ المَرْأَةَ التي قَضَى عَلَيْها بِالغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِأَنَّ مِيراثَها لِبَنِيها وَأَنَّ العَقْلَ عَلَى عَصَبَتِها (¬3). 4578 - حَدَّثَنا عَبّاسُ بْنُ عَبْدِ العَظِيمِ، حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنا يُوسُفُ بْن صُهَيْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ امْرَأَةً حَذَفَتِ امْرَأَةً فَأَسْقَطَتْ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَجَعَلَ في وَلَدِها خَمْسَمِائَةِ شاةٍ، وَنَهَى يَوْمَئِذٍ عَنِ الحَذْفِ. ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (2648). وصححه الألباني. (¬2) رواه البخاري (5758، 6910)، ومسلم (1681). (¬3) رواه البخاري (6740، 6909)، ومسلم (1681).

قالَ أَبُو داوُدَ: كَذا الحَدِيث: خَمْسَمِائَةِ شاةٍ. والصَّوابُ: مِائَةُ شاةٍ. قالَ أَبُو داوُدَ: هَكَذا قالَ عَبّاسٌ وَهُوَ وَهَمٌ (¬1). 4579 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْن مُوسَى الرّازي، حَدَّثَنا عِيسَى، عَنْ مُحَمَّدٍ -يَعْني: ابن عَمْرٍو-، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- في الجَنِينِ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ فَرَسٍ أَوْ بَغْلٍ (¬2). قالَ أَبُو داوُدَ: رَوى هذا الحَدِيثَ حَمّادُ بْن سَلَمَةَ وَخالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍ ولَمْ يَذْكُرا أَوْ فَرَسٍ أَوْ بَغْلٍ. 4580 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سِنانٍ العَوَقي، حَدَّثَنا شَرِيكٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْراهِيمَ وَجابِرٍ، عَنِ الشَّعْبي قالَ: الغُرَّةُ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ. قالَ أَبُو داوُدَ: قالَ رَبِيعَةُ: الغرَّة خَمْسُونَ دِينارًا (¬3). * * * باب دية الجنين [4568] (ثنا حفص بن عمر النمري) بن الحارث بن سخبرة النمري، روى عنه البخاري في غير ما موضع، قال (ثنا شعبة، عن منصور) منصور وما بعده من رجال مسلم. (عن إبراهيم عن عبيد) بالتصغير (ابن نضيلة) بضم النون وفتح الضاد المعجمة مصغر (عن المغيرة بن شعبة -رضي اللَّه عنه- أن امرأتين كانتا) قال القرطبي: وقد ذكر الحديث ابن أبي أسامة، عن أبي المليح مرسلًا قال: إن حمل ¬

_ (¬1) رواه النسائي 8/ 46. وضعفه الألباني. (¬2) رواه البخاري (5758، 5759، 6904)، ومسلم (1681). (¬3) رواه ابن أبي شيبة 14/ 146 (27850). قال الألباني: ضعيف الإسناد مقطوع.

بن مالك كانت له امرأتان: مليكة، وأم عفيف، فضربت إحداهما الأخرى، فأصابت قلبها فماتت، وألقت جنينًا ميتًا. انتهى (¬1). وفي رواية ابن عباس أن الضاربة أم عفيف (¬2) بنت سروع (¬3)، والمضروبة مليكة بنت ساعد. وقال ابن عبد البر: مليكة بنت عويمر (¬4) (تحت رجل من هذيل) قيل: هو حمل بن مالك كما سيأتي (فضربت إحداهما الأخرى) أي: في قبلها، كما تقدم (بعمود) رواية مسلم: بعمود فسطاط (¬5). والفسطاط: الخيمة. قال القرطبي: لا تباعد فيما بين هذِه الرواية، ورواية: فرمت إحداهما الأخرى بحجر. الآتية، إذ يحتمل أن تكون جمعت ذلك عليها، فأخبر أحدهما بإحدى الآلتين، والثاني بالأخرى (¬6) (فقتلتها) وما في بطنها (فاختصموا (¬7) إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) سيأتي في الرواية الآتية: ¬

_ (¬1) "المفهم" 5/ 65. وانظر: "بغية الباحث" (523)، "إتحاف الخيرة المهرة" 4/ 192 (3408)، "المطالب العالية" 9/ 169 (1902). (¬2) كذا في (ل)، وفي (م): عقيق، والصواب: غطيف؛ كما في مصادر التخريج لرواية لابن عباس وكما سيأتي في حديث (4574). (¬3) كذا في (ل، م) والصواب: مسروح. انظر: "تهذيب الأسماء واللغات" 2/ 371، "التاريخ الكبير" لابن أبي خيثمة 1/ 389، و"الإصابة" 8/ 438. (¬4) "الاستيعاب" 4/ 467 (3532). (¬5) "صحيح مسلم" (1682). (¬6) "المفهم" 5/ 59 - 60. (¬7) مقابلها في حاشية (ل): فاختصمتا.

فقضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- دية جنينها غرة أو وليدة (¬1) (فقال أحد الرجلين) هو حمل بن مالك كما سيأتي إن شاء اللَّه (كيف ندي) بفتح النون وكسر الدال، أي: نعطي دية (من لا صاح) والرواية الآتية: من لا استهل (¬2). ومعناهما: رفع الصوت عند السقوط ببكاء ونحوه (ولا أكل، ولا شرب ولا أستهل) أي: رفع صوته، فمثل هذا يطل. (فقال: أسَجع) بفتح السين المهملة وسكون الجيم (كسجع الأعراب؟ ! ) والسجع الكلام المقفى، والجمع: أسجاع وأساجيع. قال العلماء: إنما ذم سجعه لوجهين: أحدهما: أنه عارض به حكم الشرع ورام إبطاله. والثاني: أنه تكلفه في مخاطبته، وهذان الوجهان من السجع مذمومان، وأما السجع الذي كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقوله في بعض الأوقات، وهو مشهور في الحديث، فليس من هذا؛ لأنه لا يعارض به حكم الشرع، ولا تكلفه، فلا نهي فيه، بل هو حسن، ويدل على هذا قوله: "كسجع الأعراب" وأشار إلى أنَّ بعض السجع هو المذموم ([وقضى فيه] (¬3) غرة) (¬4) بالنصب: مفعول (قضى) لأنه بمعنى أوجب، وغرة المال خياره. قال ابن فارس: غرة كل شيء أكرمه وأنفسه (¬5). وأطلقت هاهنا على ¬

_ (¬1) يأتي قريبًا برقم (4576). (¬2) (4576). (¬3) من "السنن". (¬4) كذا قال، وفي المطبوع: بغرة. (¬5) "مجمل اللغة" 1/ 681.

الإنسان؛ لأن اللَّه تعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم. قال ابن عبد البر: معناه الأبيض؛ ولذلك سميت غرة، فلا يوجد فيها الأسود؛ ولهذا اختار مالك أن تكون من الحمر (¬1)، والذي قاله أبو عمر خلاف ما اتفق عليه الفقهاء أنه يجزئ فيها البيضاء والسوداء، ولا تتعين البيضاء، وإنما المعتبر عندهم أن تكون قيمتها عشر دية الأم، أو نصف عشر دية الأب (وجعله على عاقلة المرأة) أي: على أولياء المرأة الضاربة، وهذا نص على أن الغرة يقوم بها العاقلة، وبه قال الكوفيون (¬2) والشافعي (¬3)، وهو أحد قولي مالك، وقيل: إنه على الجاني (¬4). قال القرطبي: وهو المشهور من مذهب مالك، وقاله أهل البصرة (¬5). [4569] (ثنا عثمان بن أبي شيبة) قال (ثنا جرير، عن منصور بإسناده ومعناه، وزاد: فجعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دية المقتولة على عصبة القاتلة) وقد احتج بظاهر الحديث من رأى أنه لا يستقاد ممن قتل بمثقل، وإنما عليه الدية وهم الحنفية (¬6)، ولا حجة لهم في ذلك لما تقدم من أنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد أقاد ممن قتل بحجر، كما تقدم في حديث اليهودي الذي رضَّ رأسها بين ¬

_ (¬1) "المدونة" 4/ 634 - 635. (¬2) انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 5/ 175، "المبسوط" 26/ 87، "بدائع الصنائع" 7/ 255. (¬3) "الأم" 7/ 267. (¬4) قال في "المدونة" 4/ 630: لا تحمله العاقلة، وإنما هو في مال الجاني. (¬5) "المفهم" 5/ 63. (¬6) انظر: "المبسوط" 26/ 122.

حجرين (¬1)، ولقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (¬2)، والمماثلة بالمثقل ممكنة، وفيه دلالة على أنَّ العاقلة تحمل الدية، وقد أجمع المسلمون على أنها تحمل دية الخطأ، وما زاد على الثلث فاختلفوا في الثلث، فإن قيل: كيف ألزم العاقلة الدية والقتل عمد، والعاقلة لا تحمل عمدًا، ولا صلحًا، ولا اعترافًا؟ فالجواب أنَّ هذا الحديث قد خرجه النسائي من حديث حمل ابن مالك، وقال فيه: فقضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في جنينها بغرة، وأن تقتل بها (¬3). وهو طريق صحيح، وهذا نص في أنه قضى بالقصاص من العاقلة ووجه التعليق، وبه يحصل الجواب على التحقيق أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قضى بقتل القاتلة أولًا، ثم إن العصبة والأولياء أصطلحوا على أن يلتزم (¬4) العصبة الدية، ويعفو الأولياء، فقضى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالدية على العصبة لما التزموها، واللَّه أعلم. (وغرة لما في بطنها) وهو عبد أو أمة، كما سيأتي (وكذلك رواه الحكم) بن عتيبة (عن مجاهد، عن المغيرة). [4570] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، وهارون بن عباد الأزدي المعنى، ثنا وكيع، عن هشام) بن عروة (عن) أبيه (عروة) كذا في مسلم (¬5) (عن المسور بن مخرمة -رضي اللَّه عنهما- أن عمر) بن الخطاب (استشار ¬

_ (¬1) سبق برقم (4527). (¬2) البقرة: 194. (¬3) "المجتبى" 8/ 21، "السنن الكبرى" 4/ 219. (¬4) في (ل، م): التزم. والمثبت هو الصواب. (¬5) "صحيح مسلم" (1683).

الناس) فيه استشارة الكبير ممن هو دونه، ومشاورة القاضي الفقهاء (في إملاص المرأة) كذا وقع هنا بالفٍ قبل الميم، وكذا ذكره الحميدي (¬1) وغيره، وإملاص مصدر ملصت المرأة الجنين إذا أزلقته قبل وقت الولادة، وكل ما زلق من اليد فهو ملص، والمرأة مجرورة بالإضافة، وهو الفاعل في المعنى والمفعول محذوف وهو الجنين، وحكاه الهروي عن (ابن عمر في إملاص) (¬2) المرأة الجنين. (فقال: المغيرة بن شعبة: شهدت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قضى فيها بغرة عبدٍ أو أمة) روي: (غرةٍ) بالتنوين، و (عبد) بالجر على البدل، وروي بغير تنوين وخفض (عبد) بالإضافة، ومعناهما متقارب، وإن اختلف توجيههما النحوي، وذكر صاحب "المطالع" الوجهين ثم قال: الصواب رواية التنوين (¬3)، ويوضحه رواية البخاري في "صحيحه" في باب دية جنين المرأة: قضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالغرة عبد أو أمة (¬4). وقد فسر الغرة في الحديث بعبد أو أمة (أو) (¬5) هنا للتقسيم، لا للشك. (فقال) له عمر (ائتني بمن يشهد لك) (¬6) على هذا ليس في هذا شك في عدالة المغيرة، وإنما هو استزادة يقين وطمأنينة نفس، ولا حجة فيه لمن يشترط العدد في قبول أخبار الآحاد؛ لأن عمر قد قبل خبر الضحاك ¬

_ (¬1) "الجمع بين الصحيحين" 3/ 419 - 420. (¬2) في النسخ: عمر في امرأة. والمثبت كما في "الغريبين" 6/ 1861. (¬3) "مطالع الأنوار" 5/ 137. (¬4) "صحيح البخاري" (6904). (¬5) في (ل)، (م): الواو. والمثبت هو الصواب. (¬6) بعدها في (م): معك. وفوقها: نسخة. وهو ما في المطبوع.

وغيره من غير استظهار (فأتاه محمد (¬1) بن مسلمة) بفتح الميم، هو: ابن خالد الأوسي (زاد هارون) بن عباد (فشهد له، يعني) أنه (ضرب الرجل بطن امرأته) الرواية المتقدمة هي الموافقة لما في الصحاح وعلى تقدير صحة هذِه الرواية، فليس فيها التصريح بأنها ألقت جنينها. (قال أبو داود: وبلغني عن أبي عبيد) القاسم (إنما سمي إملاصًا؛ لأن المرأة) الحامل تملصه، أي: تسقطه و (تزلقه) بضم التاء، وكسر اللام، من بطنها (قبل وقت الولادة، وكذلك كل ما زلق) بكسر اللام (من اليد وغيره فقد ملص) بكسر اللام، تقول: ملص الشيء من يدي وانملص، أي: أفلت، وتدغم النون في الميم وتقول في حبل الدلو: رشاء ملص، إذا كانت اليد تزلق عليه، ولا تستمكن من القبض عليه (¬2). [4571] (ثنا موسى بن إسماعيل) قال (ثنا وهيب) بن خالد (عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير (عن المغيرة) بن شعبة (عن عمر -رضي اللَّه عنه- بمعناه، ورواه حماد بن زيد وحماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه أن (¬3) [عمر] (¬4) قال) الحديث. [4572] (وثنا محمد بن مسعود المصيصي) بكسر الميم، قال (ثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد الشيباني (عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار) أنه (سمع طاوسًا، عن ابن عباس، عن عمر) بن الخطاب، ¬

_ (¬1) كذا في النسخ، وفي المطبوع: بمحمد. (¬2) انظر: "الصحاح" 3/ 1057. (¬3) من المطبوع. (¬4) كذا في النسخ، وفي المطبوع: بمحمد.

وللنسائي أن عمر استشار (¬1) الناس عن حديث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في دية الجنين فقام حمل (¬2). وروى البيهقي عن طاوس أن عمر قال: أُذَّكِّر اللَّه امرأ (¬3) سمع من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- شيئًا في الجنين، فقام حمل (¬4). وهذا يدل على أنَّ حملا (¬5) عاش إلى خلافة عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-. (أنه سأل عن قضية) بكسر الضاد المعجمة (النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في ذلك، قال: فقام حمل) بفتح الحاء المهملة والميم (ابن مالك بن النابغة) الذهلي. (قال: كنت بين امرأتين) من هذيل، وفي رواية: أنَّ امرأتين من بني لحيان. وهما واحد؛ لأن لحيان قبيل من هذيل، وفي رواية: امرأتين لي (¬6). فدل على أنهما زوجتاه، وهو ظاهر قوله هنا: "كنت بين امرأتين" وفي رواية البيهقي: كانت امرأتان ضرتان بينهما سخب فرمت إحداهما الأخرى بحجر. . الحديث (¬7). وفيه قال ابن عباس: كان اسم إحداهما مليكة والأخرى أم غطيف (¬8). (فضربت إحداهما الأخرى بمسطح) بكسر الميم، وسكون السين المهملة، وسيأتي تفسيره (فقتلتها وجنينها) سمي بذلك لاستتاره في ¬

_ (¬1) كلمة غير مقروءة في (ل)، (م)، وأثبتناها من "سنن النسائي". (¬2) "المجتبى" 8/ 21، "السنن الكبرى" 4/ 218 - 219. (¬3) في النسخ: أحد. والمثبت من "سنن البيهقى". (¬4) "سنن البيهقي" 8/ 114. (¬5) في (ل)، (م): حمل. والجادة ما أثبتناه. (¬6) رواها ابن ماجه (2641)، والدارقطني 3/ 115، والبيهقى 8/ 77. (¬7) "السنن الكبرى" 8/ 199. (¬8) السابق.

بطن أمه، وإن خرج حيًّا فهو ولد، وإن خرج ميتًا فهو سقط (فقضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في جنينها بغرة) وهي عبد أو أمة (وأن تقتل) المرأة الجانية قصاصًا. (قال النضر بن شميل: المسطح هو: الضريح) (¬1) بفتح المعجمة، وآخره حاء مهملة، أصله اسم شجر، فلعل المسطح كان عودًا منه (وقال أبو عبيد: المسطح عود من أعواد الخباء) الذي هو الفسطاط، وعن النضر بن شميل: المسطح عود يرقق به الخبز. [4573] (ثنا عبد اللَّه بن محمد) بن المسور (الزهري) قال (ثنا سفيان) ابن عيينة (عن عمرو) بن دينار (عن طاوس) بن كيسان اليماني. (قال: قام عمر) بن الخطاب (-رضي اللَّه عنه- على المنبر، فذكر معناه) و (لم يذكر) فيه (أن تقتل) و (زاد: بغرة عبد أو أمة) فيه التنوين أو الإضافة وجهان كما تقدم (فقال عمر: اللَّه أكبر) فيه التكبير عند التعجب، كما يقال: سبحان اللَّه! للتعجب (لو لم أسمع بهذا) القضاء (لقضينا بغير هذا). [4574] (ثنا سليمان بن عبد الرحمن التمار) الكوفي مات (252) (أن عمرو بن) حماد بن (طلحة) القناد، صدوق يرمى بالرفض (حدثهم قال: ثنا أسباط) بن نصر الهمداني (عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- في قصة حمل) بفتح الحاء المهملة، والميم (ابن مالك) بن النابغة. (قال) فيها (فاسقطت) المرأة الحبلى (غلامًا قد نبت شعره ميتًا وماتت المرأة) في هذا نص على تأخر موتها عن الضرب والإسقاط، وفيها أيضًا ¬

_ (¬1) بعدها في (ل)، (م): نسخة: الصوبج. وهو ما في المطبوع.

أن الجنين خرج ميتًا، والأولى محتملة لأن يكون خرج، ولئلا يكون خرج، وبينهما فرقان، فإنه إذا مات في بطنها ولم يخرج فلا شيء فيه عند كافة العلماء؛ لأنه لم يتحقق موته، ولأنه كالعضو منها، ولم ينفصل عنها، فلا شيء فيه، وأجمع أهل العلم على أنَّ [في] (¬1) الجنين الذي يسقط من ضرب أمه حيًّا (¬2) ثم يموت الدية كاملة في الخطأ وفي العمد بعد القسامة. (فقضى على العاقلة الدية) إن قيل: كيف ألزم العاقلة الدية، والقتل عمد، والعاقلة لا تحمل عمدًا؟ وقد تقدم هذا السؤال، والجواب عنه قريبًا (قال عمها) حاكيًا للقصة (إنها قد أسقطت) بفتح الهمزة والقاف -يعني: الولد- الذي في بطنها (يا نبي اللَّه غلامًا) مفعول (أسقطت) (قد نبت شعره) يريد أنه قد تكامل شعرا وبشرًا. (فقال أبو القاتلة) واسمه مسروح، كما في رواية الطبراني، وأنَّ ابنته أم عفيف (¬3)، وكانت تحت حمل بن النابغة، لكن في روايته: فقال أخوها العلاء بن مسروح: يا رسول اللَّه (¬4) (إنه كاذب، إنه واللَّه ما استهل) قال القاضي عياض: استهل المولود: رفع صوته عند الولادة، وكل شيء رفع صوته فقد استهل، ومنه: أهلَّ للحج؛ لأنه رفع الصوت بالتلبية (¬5) (ولا شرب، ولا أكل، فمثله) أي: مثل ذلك (يطل) ¬

_ (¬1) ليست في النسخ، أثبتناها ليستقيم السياق. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) "المعجم الكبير" 17/ 141. (¬4) السابق. (¬5) "مشارق الأنوار" 2/ 269.

قال القرطبي: رويناه باثنتين من تحت، أي: وتشديد اللام، بمعنى: يهدر، ولا يطلب به، ورويناه بباءٍ موحدة من البطلان، أي: هو ممن ينبغي أن يبطل. قال: والمعنيان يرجعان إلى شيء واحد، أي: هذا لا ينبغي أن يكون فيه شيء. انتهى (¬1). وهذا يقتضي أنه لم يرضع أيضًا. (فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أسجع) بفتح همزة الاستفهام التي للإنكار، والسين المهملة، مع إسكان الجيم، وهو تواطؤ فواصل الكلام المنثور على حرف واحد، هكذا حده في "شرح المفتاح" (الجاهلية وكهانتها؟ ! ) أي: أسجع كما كانت الكهان يسجعون حين يخبرون عن المغيبات، كما ذكر ابن إسحاق وغيره، من سجع شِق وسطيح وغيرهما، وهي عادة مستمرة. قيل: إنما أنكر عليه السجع؛ لأنه جاء به في مقابلة حكم اللَّه مستبعدًا له، ولم يذمه من حيث السجع؛ لوروده في الكتاب والسنة (أدِّ) بفتح الهمزة، وتشديد الدال، أي: أعط وادفع (في الصبي) الذي سقط ميتًا (غرة) عبد أو أمة (قال ابن عباس: كان اسم إحداهما مليكة) بضم الميم مصغر (والأخرى: أم كطيف) بضم الغين المعجمة مصغر، ورواية الطبراني عن عويمر قال: كانت أختي مليكة، وامرأة منا يقال لها: أم عفيف بنت مسروح تحت حمل بن النابغة، فضربت أم عفيف مليكة بمسطح بيتها وهي حامل (¬2). [4575] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا يونس (¬3) بن محمد) المؤدب ¬

_ (¬1) "المفهم" 5/ 64. (¬2) "المعجم الكبير" 17/ 141 (352). (¬3) فوقها في (ل): (ع).

البغدادي الحافظ (ثنا عبد الواحد بن زياد) العبدي مولاهم البصري (ثنا المجالد) بن سعيد الهمداني، من رجال مسلم (ثنا الشعبي عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما أنَّ امرأتين من هذيل) ورواية الطبراني عن أبي المليح الهذلي، عن أبيه قال: كان فينا رجل يقال [له] (¬1): حمل بن مالك له امرأتان، إحداهما هذلية والأخرى عامرية، فضربت الهذلية بطن العامرية بعمود خباء أو فسطاط (¬2). (قتلت إحداهما الأخرى، ولكل واحدة منهما زوج وولد) أي: بيت (قال: فجعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- دية المقتولة على العاقلة (¬3)، وبرأ زوجها) حمل بن مالك (وولدها) وفي معناه ولد الولد وإن سفل، فإنهم لا يجب عليهم شيء من الدية، واستثنوا من العصبة هم والأصول والآباء والأجداد؛ لأنهم أبعاض الجاني، فكما لا يتحمل الجاني لا تتحمل أبعاضه؛ لأنهم جزء منه (قال: فقال عاقلة المقتولة: ميراثها لنا) لأنا عاقلتها نتحمل عنها الدية (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا) بل (ميراثها لزوجها وولدها) رواية الترمذي: فقضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بأن ميراثها لبنيها وزوجها، وأن عقلها على عصبتها (¬4). كما سيأتي. فيه أنَّ الزوج والأولاد من مستحقي الفرض، والتعصيب مقدم على العاقلة. [4576] (ثنا وهب بن بيان) الواسطي (وابن السرح قالا: ثنا) عبد اللَّه ¬

_ (¬1) ليست في النسخ. (¬2) "المعجم الكبير" 1/ 193 (514). (¬3) كذا بالنسخ، وفي "السنن": عاقلة القاتلة. (¬4) "سنن الترمذي" (2111).

(ابن وهب) قال (أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: اقتتلتا (¬1) امرأتان من هذيل) وفي رواية لمسلم: من بني لحيان (¬2). ولا مخالفة؛ لأن لحيان فخذ من هذيل، ولهذا صدق أن يقال على القاتلة أنها هذلية لحيانية (فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها) تقدم أنه لا منافاة بينها وبين الرواية المتقدمة: بمسطح أو بعمود خباء. إذ يحتمل أن تكون جمعت ذلك عليها، فأخبر أحدهما بالحجر، والآخر بالعمود. (فاختصموا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- دية) منصوب بـ (قضى)؛ لأنها بمعنى أوجب -كما تقدم- أو ألزم (جنينها) مضاف إليه (غرة) بدل مما قبله منصوب، ويجوز الرفع على إضمار مبتدأ، أي: هي غرة، ويجوز التنوين وغيره (عبد) إن قرئ (غرة) بلا تنوين، فـ (عبد) مجرور على الإضافة، ومع التنوين في (عبد) النصب والرفع كما في (غرة) (أو وليدة) معطوف على (عبد) فيجوز فيها الثلاثة الأوجه التي في (عبد) و (أو) فيه للتنويع أو التخيير، لا للشك، يعني بالوليدة: الأمة، كما في الرواية المتقدمة مكان الوليدة (وقضى بدية المرأة) المقتولة (على عاقلتها) هذا يوهم خلاف المراد، والتقدير: قضى بدية المرأة المقتولة على عاقلة القاتلة [ويدل على هذا التقدير الرواية المتقدمة: فجعل دية المقتولة على عصبة القاتلة] (¬3) (وورثها ولدها) ¬

_ (¬1) في المطبوع: اقتتلت. (¬2) "صحيح مسلم" (1681/ 35). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

أي: أولادها العصبة (ومن معهم) الزوج، ولم يختلف في أن الزوج يرث هنا من دية زوجته فرضه، وإن كانوا قد أختلفوا فيه: هل يرث من دية الجنين أم لا؟ . (فقال حمل بن مالك بن النابغة الهذلي: يا رسول اللَّه، كيف أغرم دية) فيه دلالة على أنه غارم، وليس بوارث؛ ولهذا قال الليث بن سعد وربيعة: إن الغرة للأم خاصة (من لا شرب ولا أكل) قدم الشرب على الأكل ليحصل السجع بمماثلة اللام التي في (يطل) (ولا نطق ولا استهل) أي: رفع صوته بالبكاء (فمثل ذلك يطل) المعروف في نسخ أبي داود بضم المثناة تحت، وتشديد اللام، ورجحه الخطابي (¬1)، والأكثر بالموحدة. (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إنما هذا من إخوان الكهان) جمع كاهن (من أجل سجعه الذي سجع) يعني: أنه تشبه بالكهان، فسجع كما يسجعون حين يخبرون عن المغيبات، كما تقدم. [4577] (ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا الليث، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- في هذِه القصة) المذكورة (قال: ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت) قال العلماء: هذا الكلام يوهم خلاف مراده، فالصواب أن المرأة التي ماتت هي المجني عليها، وهي أم الجنين، لا الجانية، كما تقدم، فيحمل المراد على أن المراد بقوله: "التي قضى عليها بالغرة". أي: التي قضى لها بالغرة، فـ (على) بمعنى (اللام)، كما أنَّ (اللام) تأتي بمعنى (على) في قوله تعالى: ¬

_ (¬1) "معالم السنن" 4/ 31.

{يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ} (¬1) أي: على الأذقان، وهم يحملون الشيء على نظيره. (فقضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بأنَّ ميراثها لبنيها، وأنَّ العقل على عصبتها) كذا في مسلم (¬2). قال النووي: أي: على عصبة القاتلة (¬3). [4578] (ثنا عباس) بالباء الموحدة، والسين المهملة (بن عبد العظيم) العنبري من حفاظ البصرة، روى عنه البخاري في الأيمان وغيرها، ومسلم قال (ثنا عبيد اللَّه) بالتصغير (ابن موسى) العبسي، كان عالمًا بالقراءات رأسًا فيه، قال العجلي: ما رأيته رافعًا رأسه ولا ضاحكًا قط (¬4). (ثنا يوسف بن صهيب، عن عبد اللَّه بن بريدة، عن أبيه) بريدة بن الحصيب الأسلمي. (أنَّ امرأة خذفت امرأة فأسقطت) جنينها (فرفع ذلك إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فجعل في ولدها خمسمائة شاة، ونهى يومئذٍ) أي: يوم رفع إليه إسقاط المرأة من الخذف، ثم حذف وعوض التنوين عنه (عن الخذف) وظاهره أن قصة المرأة كانت سببًا للنهي عن الخذف. قال ابن الأثير: الخذف بالخاء المعجمة أي: تأخذ حصًا أو نوًى فتجعلها بين سبابتيك ترميها، أو تأخذ محذفة من خشب، فترمي بين إبهامك والسبابة (¬5). (قال أبو داود: هكذا) قال عباس في (الحديث خمسمائة شاة) وفي ¬

_ (¬1) الإسراء: 107. (¬2) "صحيح مسلم" (1681/ 35). وكذا هو في البخاري (6740، 6909). (¬3) "مسلم بشرح النووي" 11/ 177. (¬4) "الثقات" 2/ 114 رواية. (¬5) "جامع الأصول" 7/ 36، "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 16.

رواية الطبراني: فيه غرة عبد أو أمة أو خمسمائة. لكن لم يذكر "شاة"، وهو وهم (والصواب: مائة شاة) قال ابن قدامة في "المغني": جاء في حديث أبي هريرة: قضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الجنين بغرة عبد أو أمة أو فرس أو بغل، [وجعل ابن سيرين مكان الفرس مائة شاة، ونحوه قال الشعبي؛ لأنه روي في حديث عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه جعل في ولدها مائة شاة (¬1). [4579] (ثنا إبراهيم بن موسى الرازي) قال (ثنا عيسى) بن يونس (عن محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الجنين بغرة عبد أو أمة أو فرس (¬2) أو بغل) ذهب عروة وطاوس ومجاهد إلى أن في الجنين غرة عبد أو أمة أو فرس؛ لأن الفرس اسم لذلك، أي: للغرة التي في وجهها. قال ابن قدامة: وسنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قاضية على ما خالفها، وذكر الفرس والبغل في الحديث وهم، انفرد به عيسى بن يونس عن سائر الرواة، والظاهر أنه وهم فيه، وهو متروك في البغل بغير خلاف، فكذلك في الفرس. انتهى (¬3). وروى الطبراني عن شيخه المقدام بن داود بإسناده إلى أبي المليح ¬

_ (¬1) "المغني" 12/ 64. (¬2) أثر عروة رواه ابن أبي شيبة 14/ 144 (27838)، وأثر طاوس رواه عبد الرزاق 10/ 57 (18340)، وابن أبي شيبة 14/ 145 (27842)، وأثر مجاهد رواه ابن أبي شيبة 14/ 145 (27842)، (27843). (¬3) "المغني" 12/ 64.

عن أبيه: فقضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في المرأة بالعقل، وفي الجنين بغرة عبد أو أمة أو بفرس أو بعشرين من الإبل أو كذا وكذا من الغنم (¬1). (قال أبو داود: روى هذا الحديث حماد بن سلمة وخالد بن عبد اللَّه، عن محمد بن عمرو) بن علقمة (ولم يذكرا: أو فرس أو بغل) المذكورين قبله. [4580] (ثنا محمد بن سنان العوقي) بفتح الواو، وكسر القاف، الباهلي، والعوقة حي من الأزد نزل فيهم، روى عنه البخاري (¬2)، آخر من حدث عنه أبو مسلم (¬3) (عن شريك) بن عبد اللَّه القاضي (عن مغيرة، عن إبراهيم) بن يزيد النخعي (وجابر، عن الشعبي قال: الغرة) يعني (خمسمائة درهم) حكى القرطبي عن الثوري وأبي حنيفة أنهما قالا: الغرة خمسمائة درهم؛ لأن دية أمة عندهم خمسمائة درهم (¬4) و (قال ربيعة) بن أبي عبد الرحمن (الغرة خمسون دينارًا) هذا مذهب ربيعة في واجب الغرة، وأما بالتقدير فقدرها جماعة من الصحابة بخمسين دينارًا أو ستمائة درهم، لكن هل هذا مع عدم الإبل أو مع وجودها؟ هذا محل الخلاف. * * * ¬

_ (¬1) "المعجم الكبير" 1/ 193 (513). (¬2) "صحيح البخاري" (335). (¬3) هو إبراهيم بن عبد اللَّه الكجي. (¬4) "المفهم" 5/ 61.

22 - باب في دية المكاتب

22 - باب فِي دِيَةِ المُكاتَبِ 4581 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَحَدَّثَنا إِسْماعِيلُ، عَنْ هِشامٍ وَحَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا يَعْلَى بْن عُبَيْدٍ، حَدَّثَنا حَجّاجٌ الصَّوّافُ جَمِيعًا عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبي كَثِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- في دِيَةِ المُكاتَبِ يُقْتَلُ يُودى ما أَدى مِنْ مُكاتَبَتِهِ دِيَةَ الحُرِّ وَما بَقي دِيَةَ المَمْلُوكِ (¬1). 4582 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِذا أَصابَ المُكاتَبُ حَدًّا أَوْ وَرِثَ مِيراثًا يَرِثُ عَلَى قَدْرِ ما عَتَقَ مِنْهُ" (¬2). قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَلي، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وَأَرْسَلَهُ حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ وَاسْماعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَجَعَلَهُ إِسْماعِيلُ ابن عُلَيَّةَ قَوْلَ عِكْرِمَةَ. * * * باب دية المكاتب [4581] ([حدثنا مسدد، حدثنا يحيى بن سعيد، وحدثنا إسماعيل عن هشام و] (¬3) ثنا عثمان بن أبي شيبة) قال (ثنا يعلى (¬4) بن عبيد) الطيالسي (¬5)، ثقة عابد. ¬

_ (¬1) رواه النسائي 8/ 46. وصححه الألباني. (¬2) رواه الترمذي (1259). وصححه الألباني. (¬3) ما بين المعقوفين مستدرك من المطبوع، ولعله لم يكن في نسخة الشارح من "السنن". (¬4) فوقها في (ل): (ع). (¬5) كذا في الأصول، وهو خطأ، والصواب: (الطنافسي)، وانظر ترجمته في "تهذيب =

قال (ثنا حجاج) (¬1) بن أبي عثمان (الصواف) البصري، ثقة ([جميعًا] (¬2) عن يحيى (¬3) بن أبي كثير) اليمامي. (عن عكرمة، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: قضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في دية المكاتب يقتل) أي: أنه إذا قتله أحد (يودى) بضم الياء، وإسكان الواو، وفتح الدال المهملة، أي: يؤخذ من ديته كما يؤخذ من دية الحر بقدر (ما أدى) بفتح الهمزة، وتشديد الدال، أي: بمقدار ما أعطى ودفع (من) دين (مكتابته) (¬4) الصحيحة، قال الخطابي: لم يقل بهذا الحديث فيما بلغنا إلا إبراهيم النخعي، وروي [عن] (¬5) علي، وإذا صح الحديث وجب القول به إذا لم يكن منسوخًا أو معارضًا بما هو أولى منه (¬6)، وفيه نظر فقد حكي هذا القول عن أحمد ابن حنبل (¬7). (دية الحر) من غيره (وما بقي) مما لم يؤده من دين الكتابة ففيه (دية المملوك) بحسابه، وعن علي: تجري العتاقة في المكاتب في أول ¬

_ = الكمال" 32/ 389. (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) من "السنن"، وسقوطها يدلل أن نسخة الشارح من "السنن" لم يكن فيها إلا إسناد واحد. (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) في النسخ: كتابته. والمثبت من المطبوع. (¬5) ساقطة من (م)، ومكانها في (ل) بياض، ولم يذكرها في (م). والمثبت من "معالم السنن". (¬6) "معالم السنن" 4/ 34. (¬7) انظر: "المغني" 12/ 58 - 59.

نجم (¬1). يعني: أنه يعتق منه بقدر ما أدى، وعنه أنه قال: يرث ويحجب ويعتق منه بقدر ما أدى. واحتج بهذا الحديث. [4582] (ثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي، شيخ البخاري قال (ثنا حماد بن سلمة، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إذا أصاب المكاتب حدًّا) أي: فيحد بقدر ما عتق منه بحسابه، وهذا فيما إذا كان الحد فيما يتبعض كالضرب ونحوه (أو ورث ميراثًا يرث على قدر ما عتق منه) وفي رواية: "إذا أصاب المكاتب حدًّا أو ميراثًا ورث بحساب ما عتق منه، وأقيم عليه الحد بحساب ما عتق منه" (¬2). (رواه وهيب) (¬3) بن خالد الباهلي، لم يكن بعد شعبة أعلم بالرجال منه (عن أيوب) بن أبي تميمة (عن عكرمة، [عن علي عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأرسله حماد بن زيد وإسماعيل عن أيوب عن عكرمة] (¬4) عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وجعله إسماعيل ابن علية) من (قول عكرمة) عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-. * * * ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 4/ 318 (20578). (¬2) رواه النسائي في "السنن الكبرى" 3/ 196 (5021)، 4/ 184 (6390)، والدارقطني 4/ 121، والبيهقي 10/ 325، والضياء في "المختارة" 11/ 278 - 279 (275). (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) ما بين القوسين مستدرك من "السنن".

23 - باب في دية الذمي

23 - باب فِي دِيَةِ الذِّمّيِّ 4583 - حَدَّثَنا يَزِيدُ بْن خالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ الرَّمْلي، حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "دِيَةُ المُعاهِدِ نِصْفُ دِيَةِ الحُرِّ" (¬1). قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ أُسامَةُ بْن زَيْدٍ اللَّيْثي وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن الحارِثِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ مِثْلَهُ. * * * باب في دية الذمي [4583] (ثنا يزيد بن خالد بن موهب) بفتح الميم والهاء (الرملي) قال ([حدثنا] (¬2) عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق. (عن محمد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده -رضي اللَّه عنهم-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: دية المعاهد) بفتح الهاء. قال الجوهري: المعاهد: الذمي (¬3). وهذا هو الموافق لما بوب عليه المصنف (نصف دية الحر) المسلم، فيه حجة على أن دية أهل الكتاب على نصف دية المسلم، وهو محكي عن عمر بن عبد العزيز وعروة ابن الزبير وعمرو بن شعيب راوي الحديث (¬4)، وبه قال مالك (¬5) ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1413)، والنسائي 8/ 44، 45، وابن ماجه (2644)، وأحمد 1/ 271، 2/ 204، 216. وحسنه الألباني. (¬2) ساقطة من (ل)، (م)، والمثبت من "السنن". (¬3) "الصحاح" 2/ 516. (¬4) انظر: "الأوسط" لابن المنذر 13/ 171. (¬5) "المدونة" 4/ 627.

وأحمد بن حنبل (¬1)، وقال أبو حنيفة والثوري: ديته كدية المسلم (¬2). وروي ذلك عن عمر وعثمان وابن مسعود ومعاوية (¬3)، وقال الشافعي: دية اليهودي والنصراني ثلث دية المسلم (¬4). وحجته أن ذلك أقل ما قيل كما تقدم قريبًا. (قال أبو داود: ورواه أسامة بن زيد [الليثي] (¬5) وعبد الرحمن بن الحارث) بن عبد اللَّه بن عياش المخزومي، قال ابن سعد: ثقة (¬6). (عن عمرو بن شعيب) عن أبيه، عن جده (مثله) أي: مثل ما تقدم. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" 12/ 51. (¬2) انظر: "بدائع الصنائع" 7/ 254. (¬3) روى هذِه الآثار عبد الرزاق 10/ 95 - 97. (¬4) "الأم" 7/ 259. (¬5) مستدركة من "السنن". (¬6) "الطبقات الكبرى" القسم المتمم (ص 269) (148).

24 - باب في الرجل يقاتل الرجل فيدفعه عن نفسه

24 - باب في الرَّجُلِ يُقاتِلُ الرَّجُلَ فَيَدْفَعُه عَنْ نفْسِهِ 4584 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، قالَ: أَخْبَرَني عَطَاءٌ، عَنْ صَفْوانَ بْنِ يَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ قالَ: قاتَلَ أَجِيرٌ لي رَجُلًا فَعَضَّ يَدَهُ فانْتَزَعَها فَنَدَرَتْ ثَنِيَّتُهُ فَأَتَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَأَهْدَرَها وقالَ: "أَتُرِيدُ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ في فِيكَ تَقْضَمُها كالفَحْل". قالَ: وَأَخْبَرَني ابن أَبي مُلَيْكَةَ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ أَبا بَكْرٍ -رضي اللَّه عنه- أَهْدَرَها وقالَ: بَعُدَتْ سِنُّهُ (¬1). 4585 - حَدَّثَنا زِيادُ بْن أَيُّوبَ أَخْبَرَنا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنا حَجّاجٌ وَعَبْدُ المَلِكِ، عَنْ عَطاءٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ بهذا زادَ، ثُمَّ قالَ يَعْني النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لِلْعاضِّ: "إِنْ شِئْتَ أَنْ تُمَكِّنَهُ مِنْ يَدِكَ فَيَعَضَّها ثُمَّ تَنْزِعُها مِنْ فِيهِ". وَأَبْطَلَ دِيَةَ أَسْنانِهِ (¬2). * * * باب في الرجل يقاتل الرجل فيدفع (¬3) عن نفسه [4584] (ثنا مسدد) قال (ثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء) بن أبي رباح (عن صفوان بن يعلى) روى له الجماعة سوى ابن ماجه (عن أبيه) يعلى بن أمية التميمي، حليف قريش، وهو ابن منية، شهد حنينًا والطائف، وأسلم يوم الفتح، وكان عامل عمر على نجران (قال: قاتل أجير) وهو الذي يستأجر للعمل (لي رجلًا فعض يده فنزعها (¬4) فندرت) رواية البخاري: فوقعت (¬5) (ثنيتاه) فإن قيل: المفرد ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1848، 2265)، ومسلم (1674). (¬2) قال الألباني: صحيح الإسناد. وانظر ما قبله. (¬3) بعدها: فيدفعه. وفوقها (ح)، وهو ما في المطبوع. (¬4) في النسخ: فانتزعها. (¬5) "صحيح البخاري" (6892)، مسلم (1673) من حديث عمران بن حصين.

خلاف المثنى. فالجواب أن ذكر القليل لا ينفي الكثير، أو أراد بالتثنية الجنس (فأتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) رواية الصحيحين: فاختصموا إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1). (فأهدرها) أي: حكم أن لا ضمان على المعضوض ولا دية إذا لم يقدر على خلاص يده إلا بقلع سنه. (وقال: أتريد أن يضع) الرجل (يده في فيك تقضمها) بفتح الضاد على اللغة الفصيحة (كالفحل) أي: تعضها كما يعض الفحل، كما يجيء مبينًا في الرواية الآتية، يقال: قضمت الدابة شعيرها، تقضمه بفتحها: إذا أكلت بأطراف أسنانها، وخضمته، بالخاء المعجمة: إذا أكلته بفيها كله. ويقال: الخضم: أكل الرطب واللين، والقضم: أكل اليبس (قال: وأخبرني) عبد اللَّه بن عبيد اللَّه -بالتصغير- بن عبد اللَّه (ابن أبي مليكة، عن جده) زهير بن عبد اللَّه بن جدعان، كذا سمى (¬2) ابن أبي داود المؤلفِ والد ابن أبي مليكة، والحاكم، وأثبت صحبته ابن عبد البر (¬3)، وفي كتاب الزبير بن بكار ما يشعر بأن الضمير في "جده" يعود على "عبيد اللَّه" (أن أبا بكر -رضي اللَّه عنه- أهدرها) أي: أبطل حكم الثنية (وقال: نفذت) بفتح النون والفاء والذال المعجمة (سنة) أي: مضت سنة من سنن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- التي سنها لها. وفي بعض النسخ: نفذت سنه. بكسر السين. أي: بعض الأسنان، وهذا يقوي ما تقدم بأن المراد من أن الثنية الجنس. وفي رواية: بعدت. بفتح الموحدة وبشد ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (6892) من حديث عمران بن حصين. (¬2) في النسخ: سماه. ولعل المثبت أليق بالمعنى. (¬3) "الاستيعاب" 4/ 324 - 325.

العين وفتح الدال، و (سنه) بكسر السين وتشديد النون. [4585] (ثنا زياد بن أيوب) الطوسي، روى عنه البخاري (أخبرني هشيم) بن بشير السلمي، حافظ بغداد (ثنا حجاج وعبد الملك، عن عطاء، عن يعلى بن أمية) بضم الهمزة، وتخفيف الميم مصغر، وهو أبوه، وينسب إلى منية بضم الميم، وسكون النون، وفتح المثناة تحت، وهي أمه (بهذا) و (زاد: ثم قال -يعني: النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- للعاض) على يد الآخر (إن شئت أن تمكنه من يدك فيعضها) بفتح العين، ونصب الضاد المعجمة عطف على ما قبله (ثم) بعد العض (تنتزعها (¬1) من فيه، وأبطل) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (دية أسنانه) فيه نص صريح على إسقاط القصاص والدية في ذلك، ولم يقل أحد بالقصاص فيما يظهر، وإنما الخلاف في الضمان، فأسقطه أبو حنيفة وبعض المالكية والشافعي (¬2). قال القرطبي: مشهور مذهب مالك الضمان. قال: وترك بعضهم القول بالضمان على ما إذا أمكنه نزع يده برفق فانتزعها بعنف، وحمل بعضهم الحديث على أنه كان متحرك الثنايا، ثم قال: ولا ينبغي أن يعدل عن صريح الحديث، وقد روي عن مالك والشافعي في الجمل الصائل لم يكن فيه ضمان، لأنه مأمور بالدفع عن نفسه، ومن فعل ما أمر لم يلزمه ضمان (¬3). * * * ¬

_ (¬1) بعدها في (ل)، (م): خـ: تنزعها. وهو ما في المطبوع. (¬2) انظر: "المبسوط" 30/ 162، "الأم" 8/ 352. (¬3) "المفهم" 5/ 33.

25 - باب فيمن تطبب ولا يعلم منه طب فأعنت

25 - باب فِيمَنْ تَطَبَّبَ ولا يُعْلَمُ مِنْهُ طِبٌّ فَأَعْنَتَ 4586 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْن عاصِمٍ الأَنْطاكي وَمُحَمَّدُ بْنُ الصَّبّاحِ بْنِ سُفْيانَ أَنَّ الوَلِيدَ ابْنَ مُسْلِمٍ أَخْبَرَهُمْ عَنِ ابن جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ تَطَبَّبَ وَلا يُعْلَمُ مِنْهُ طِبٌّ فَهُوَ ضامِنٌ". قالَ نَصْرٌ: قالَ: حَدَّثَني ابن جُرَيْجٍ (¬1). قالَ أَبُو داوُدَ: هذا لَمْ يَرْوِهِ إِلا الوَلِيدُ لا نَدْري هُوَ صَحِيحٌ أَمْ لا. 4587 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنا حَفْصٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ، حَدَّثَني بَعْضُ الوَفْدِ الذِينَ قَدِمُوا عَلَى أَبي قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَيُّما طَبِيبٍ تَطَبَّبَ عَلَى قَوْمٍ لا يُعْرَفُ لَهُ تَطَبُّب قَبْلَ ذَلِكَ فَأَعْنَتَ فَهُوَ ضامِنٌ". قالَ عَبْدُ العَزِيزِ: أَما إِنَّهُ لَيْسَ بِالنَّعْتِ إِنَّما هُوَ قَطْعُ العُرُوقِ والبَطُّ والكَي (¬2). * * * باب من تطبب فيما لا يعلم منه طب بغير علم [4586] (ثنا نصر بن عاصم الأنطاكي) له رحلة ومعرفة (ومحمد بن الصباح بن سفيان) الجرجرائي، وجرجرايا ما بين واسط وبغداد (أن الوليد ابن مسلم) عالم الشام، يقال: من كتب مصنفاته صلح للقضاء وهي سبعون كتابًا. ¬

_ (¬1) رواه النسائي 8/ 52، وابن ماجه (3466). وصححه الألباني في "الصحيحة" (635). (¬2) رواه ابن أبي شيبة 14/ 212 (28164). قال الألباني في "الصحيحة" 2/ 227: إسناده حسن لولا أنه مرسل مع جهالة المرسل.

(أخبرهم عن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: من تطبب) أي: تعاطى علم الطب وتعدى بمعالجة المريض بما يقتل غالبًا، فحصل منه التلف في النفس أو العضو (ولا يعلم منه) معرفة، ولم يعلم منه (طب) ولا يكون ذا درجة وسطى من معرفة حقيقة الطب وأنواعه، وأقسام أمراضه، ويشخص داء العليل، ومعرفة المفردات وطبائعها (فهو ضامن) لما أتلفه، فقد تدق حقيقة المرض وتغمض فيقع الخطأ للطبيب، بأن يظن العلة من مادة حارة وتكون باردة من أصلها، أو يظن المادة باردة وهي حارة، فيقابل البارد بالبارد فيقع الخطأ. ويدخل في تعاطي الطب طب الآدميين وطب البهائم، وهو البيطرة، وربما دخل فيه طب الأديان، فمن تعاطى المشيخة وجلس لها ولا يعرف أمراض القلوب، فربما وقع منه الفساد. وكذا كل من تعاطى علما (¬1) لا يعرفه، كمن تعاطى خياطة الملبوس مثلًا وفصل قماشًا وخاطه وهو لا يعرفه، فإنه لا يكون ضامنًا لما أفسده، وهذِه مصيبة قد عمت، فنسأل اللَّه العافية. وهذا الحديث يتناول من تطبب بوصفه وقوله كالطبائعي، وبمروده وهو الكحال وبمبضعه ومراهمه كالجرائحي، وبموساه وهو الحالق، وبريشته وهو الفاصد، وبمحاجمه كالحجام، وبخلعه ووصله كالمجبر، وبقربته كالحاقن، واسم الطبيب يقع على هؤلاء كلهم. ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): علم. والمثبت هو الصواب.

(قال نصر) بن عاصم (قال) الوليد بن مسلم (حدثني ابن جريج. قال أبو داود: هذا لم يروه إلا الوليد) بن مسلم (لا ندري هو صحيح أم لا) لأنه من غريب الأفراد، أي: انفرد الوليد بروايته عن ابن جريج لم يروه عنه [غيره] (¬1) فلم نعرف صحته. [4587] (ثنا محمد بن العلاء) قال (ثنا حفص) بن غياث (ثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز) قال (حدثني بعض الوفد الذين قدموا على أبي) يعني: والده عمر بن عبد العزيز -رضي اللَّه عنه-. (قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أيما) مبتدأ وخبره ما بعد فاء الجزاء، وهو جملة اسمية. أي: شرطية تفيد العموم في إفراد ما أضيفت إليه من ذوي العلم، لا بمعنى أنها تدل على جميع العقلاء، بل على مبهم من العقلاء المتطببين التي أضيفت إليهم مما لا يتناهى عددهم و (ما) المتصلة بها زائدة للتأكيد (طبيب) مضاف إليه (تطبب على قوم) أي: جعل طبيبًا عليهم و (لا يعرف) بضم المثناة تحت (له تطبب) متقدم (قبل ذلك، فأعنت) بفتح الهمزة والنون والتاء، أي: أفسد المريض بتطببه (فهو ضامن) جملة اسمية في موضع رفع خبر المبتدأ، والمراد أن المتعاطي علمًا أو عملًا يضمن ما تلف. (قال عبد العزيز) بن عمر (أما) بتخفيف الميم (إنه ليس) أي: إن الضمان ليس هو (بالنعت) أي: لا يجب على المتطبب بمجرد الوصف للدواء الذي يحصل به التلف (إنما) أي: إنما الضمان (هو) ¬

_ (¬1) ساقطة من (م)، ومكانها في (ل) بياض.

في (قطع العروق (¬1) [والبط والكي]) (¬2) بالحديد، وما في معناه؛ لأن وصف الطبيب سبب للتلف، والسبب هو الذي يؤثر في التلف [ولا يحصله، وقطع العروق مباشرة، فإن المباشرة هي التي تؤثر في التلف] (¬3) وتحصله، ومثل الفقهاء السبب كشهادة الزور على القتل والمباشرة بحز الرقبة، والقاعدة عندهم إذا اجتمع سبب ومباشرة، فالضمان على المباشر دون المسبب. * * * ¬

_ (¬1) بعدها في (ل)، (م): نسخة: العرق. (¬2) مستدركة من "السنن". (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

26 - باب في دية الخطإ شبه العمد

26 - باب فِي دِيَةِ الخَطَإِ شِبْهِ العَمْدِ 4588 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْن حَرْبٍ وَمُسَدَّدٌ -المَعْنَى- قالا: حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ خالِدٍ، عَنِ القاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍ وأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ مُسَدَّدٌ: - خَطَبَ يَومَ الفَتْحِ، -ثُمَّ اتَّفَقا- فَقالَ: "أَلا إِنَّ كُلَّ مَأْثُرَةٍ كانَتْ في الجاهِلِيَّةِ مِنْ دَمٍ أَوْ مالٍ تُذْكَرُ وَتُدْعَى تَحْتَ قَدَمَيَّ إِلَّا ما كانَ مِنْ سِقايَةِ الحاجِّ وَسِدانَةِ البَيْتِ". ثُمَّ قالَ: "أَلا إِنَّ دِيَةَ الخَطَإِ شِبْهِ العَمْدِ ما كانَ بِالسَّوْطِ والعَصا مِائَةٌ مِنَ الإِبِلِ مِنْها أَرْبَعُونَ في بُطُونِها أَوْلادُها" (¬1). 4589 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا وُهَيْبٌ عَنْ خالِدٍ بهذا الإِسْنادِ نَحْوَ مَعْنَاهُ (¬2). * * * باب في دية الخطأ التي هي شبه العمد [4588] (ثنا سليمان بن حرب ومسدد المعنى، قالا: ثنا حماد (¬3) عن القاسم بن ربيعة، عن عقبة بن أوس، عن عبد اللَّه بن عمرو أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال مسدد: خطب. ثم اتفقا قال: ألا إن كل مأثرة كانت في الجاهلية من دم أو مال. .) الحديث، تقدم في بابه قبل سبع أوراق. [قطع العروق التي يخرج منها الدم يحصل بالفصد والحجامة وغيرهما "والبط" بالرفع هو بط الدمل والقرح ونحوهما، وهو الشق "والكي" وكي الجرح المقطوع أو كي العضو العليل، وقد ثبت في ¬

_ (¬1) تقدم برقم (4547). (¬2) تقدم برقم (4548). (¬3) كذا في الأصول، وبعدها في "سنن أبي داود": عن خالد.

الصحيح من حديث جابر أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعث إلى أبي بن كعب طبيبًا فقطع له عرقًا وكواه عليه (¬1)] (¬2). * * * ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2207). (¬2) ما بين المعقوفتين هو تتمة للحديث السابق، وليس مكانها هنا، وهذا الباب مكرر بعد أربعة أبوبا بشرح مختلف.

27 - باب في جناية العبد يكون للفقراء

27 - باب فِي جِنايَةِ العَبْدِ يَكُونُ لِلْفُقَراءِ 4590 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا مُعاذُ بْنُ هِشامٍ، حَدَّثَني أَبي، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَبي نَضْرَةَ، عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ غُلامًا لأُناسٍ فُقَراءَ قَطَعَ أُذُنَ غُلامٍ لأُناسٍ أَغْنِياءَ فَأَتَى أَهْلُهُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ إِنّا أُناسٌ فُقَراءُ. فَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِ شَيْئًا (¬1). * * * باب في [جناية العبد] (¬2) يكون للفقراء [4590] (حدثنا أحمد بن حنبل) قال (ثنا معاذ بن هشام) قال (ثنا أبي) هشام بن أبي عبد اللَّه أبو بكر الدستوائي. أي: كان يبيع الثياب الدستوائية، ودستواء من الأهواز (عن قتادة، عن أبي نضرة) بسكون الضاد المعجمة، اسمه المنذر بن مالك العبدي، من تابعي البصرة (عن عمران بن حصين رضي اللَّه عنهما أن غلامًا لأناس فقراء) ظاهر لفظ الغلام أنه دون البلوغ، وظاهر اللام في قوله: "لأناس" أن يكون مملوكًا، وإذا كان صغيرًا رقيقًا فليس عليه قصاص؛ لأنه غير مكلف ولا على ملاكه؛ لأنهم فقراء، لكن مذهب الشافعي وجماعة أن المال يتعلق برقبة العبد (¬3)، ويخير سيده بين أن يسلمه للبيع وبين أن يفديه، ¬

_ (¬1) رواه النسائي 8/ 25، وأحمد 4/ 438. قال ابن عبد الهادي في "المحرر" (1110): رواته ثقات مخرج لهم في الصحيح. وقال الحافظ في "بلوغ المرام" (1166): إسناده صحيح. وصححه الألباني. (¬2) في (ل)، (م): جنايته العمد. والمثبت هو الصواب كما في "السنن". (¬3) "الأم" 7/ 41.

وفي الحديث التصريح بأن أسياده فقراء، فيحمل على أن العبد أعجمي يرى وجوب طاعة السيد في كل شيء، فضمان المال على هذا على [سيده وإن كان] (¬1) سيده فقيرًا، فلا يطالب في الحال، بل ينتظر إلى ميسرة. (قطع أذن غلام لأناس أغنياء فأتى أهله إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالوا: يا رسول اللَّه، إنا أناس فقراء. فلم يجعل عليه شيئًا) أي: في الحال كما تقدم، الحديث رواه النسائي في القود (¬2)، ومعناه أن الغلام الجاني كان حرًّا وجنايته خطأ وعاقلته فقراء، ويشبه أن الغلام المجني عليه أيضًا [كان] (¬3) حرًّا؛ لأنه لو كان عبدًا لم يكن لاعتذار أهله بالفقر معنًى، لأن العاقلة تحمل عنه. * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) "المجتبى" 8/ 25، "السنن الكبرى" 4/ 221. (¬3) ليست في النسخ وأثبتناها كي يستقيم السياق.

28 - باب فيمن قتل في عميا بين قوم

28 - باب فِيمَنْ قَتَلَ في عِمِّيّا بَيْنَ قَوْمٍ 4591 - قالَ أَبُو داوُدَ: حُدِّثْتُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمانَ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ كَثِيرٍ، حَدَّثَنا عَمْرُو بْن دِينارٍ، عَنْ طاوُسٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ قُتِلَ في عِمَّيّا أَوْ رَمْيًا يَكُونُ بَيْنَهُمْ بِحَجَرٍ أَوْ بِسَوْطٍ فَعَقْلُهُ عَقْلُ خَطَإٍ وَمَنْ قُتِلَ عَمْدًا فَقَوْدُ يَدَيْهِ، فَمَنْ حالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ والمَلائِكَةِ والنّاسِ أَجْمَعِينَ" (¬1). * * * باب من قتل في عِمِّيَّا بين قوم [4591] (حدثت عن سعيد بن سليمان) بن سعدويه الضبي الواسطي (عن سليمان بن كثير) العبدي، قال أبو حاتم: يكتب حديثه (¬2). (عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس [رضي اللَّه عنهما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ] (¬3) من قتل في عميَّا) قال في "مختصر المطالع" و"المشارق": عميّا: مقصور، يقال: قتيل عميَّا إذا لم يعلم قاتله (¬4). وقد تقدم فيه غير هذا (أو رميا يكون [بينهم] (¬5) بحجر) عطف "رميًا" بالنصب على قوله "في عميَّا" فإن محله النصب. (أو بسوط فعقله عقل خطأ) لا قصاص فيه، بل الدية (ومن قتل عمدًا ¬

_ (¬1) راجع ما تقدم برقم (4539، 4540). (¬2) "الجرح والتعديل" 4/ 138. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) "مشارق الأنوار" 2/ 88. (¬5) من "السنن".

فقود يديه) عبر باليدين عن الجملة، لأن القتل يقع بهما غالبًا، تقديره: ومن قتل عمدًا فقوده. أي: القصاص فيه على عاقلته (فمن حال بينه وبينه فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين) تقدم. * * *

29 - باب في الدابة تنفح برجلها

29 - باب فِي الدَّابَّةِ تَنْفَحُ بِرِجْلِها 4592 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنا سُفْيانُ بْنُ حُسَينٍ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "الرِّجْلُ جُبارٌ". قالَ أَبُو داوُدَ: الدّابَّةُ تَضْرِبُ بِرِجْلِها وَهُوَ راكِبٌ (¬1). * * * [باب في الدابة تنفح برجلها تنفح بفتح التاء والفاء، ثم حاء مهملة] (¬2) أي: تضرب برجلها. [4592] (ثنا عثمان بن أبي شيبة) قال (ثنا محمد بن يزيد) قال (ثنا سفيان [بن حسين] (¬3)، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: الرجل) بكسر الراء. أي: إذا رمت (¬4) الدابة إنسانًا برجلها (جبار) بضم (¬5) الجيم وتخفيف الباء الموحدة. ¬

_ (¬1) رواه البزار في "المسند" 1/ 232 (7799)، والنسائي في "الكبرى" 3/ 412 (4788)، وأبو عوانة 4/ 159 (6371)، والطبراني في "الأوسط" 5/ 156 (4929)، وفي "الصغير" 2/ 39 (742)، والدارقطني 3/ 152، 179، والبيهقي 8/ 343، وابن الجوزي في "التحقيق" 2/ 339 (1860). قال الحافظ في "الفتح" 12/ 258: راويه ضعيف. وضعفه الألبانى فى "الإرواء" (1526). (¬2) ما بين المعقوفتين جاء في (م) كما يلي: باب: في الدابة تبعج برجلها. تبعج بفتح التاء والباء، ثم عين مهملة. (¬3) من المطبوع. (¬4) في (م): رمحت. (¬5) في النسخ: بخفض. وهو خطأ، والمثبت هو الصواب كما ضبطه أهل اللغة.

أي: هدر لا قود فيه ولا دية. وفي البخاري عن ابن سيرين: كانوا لا يضمنون من النفحة (¬1) ويضمنون من رد العنان (¬2). والفرق بينهما أن راكب الدابة لا يمكنه التحفظ من ضرب رجلها، ويمكنه التحفظ من عنانها، العجماء هي البهيمة، سميت بذلك لأنها لا تتكلم. * * * ¬

_ (¬1) في (م): البعجة. (¬2) "صحيح البخاري" قبل حديث (6913).

30 - باب العجماء والمعدن والبئر جبار

30 - باب العَجْماءُ والمَعْدِنُ والبِئْرُ جُبارٌ 4593 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ وَأَبي سَلَمَةَ سَمِعا أَبا هُرَيْرَةَ يُحدِّثُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "العَجْماءُ جَرْحُها جُبارٌ والمَعْدِنُ جُبارٌ والبِئْرُ جُبارٌ وَفي الرِّكازِ الخُمُسُ" (¬1). قالَ أَبُو داوُدَ: العَجْماءُ: المُنْفَلِتَةُ التي لا يَكُونُ مَعَها أَحَدٌ وَتَكُونُ بِالنَّهارِ وَلا تَكُونُ بِاللَّيْلِ. * * * [4593] (ثنا مسدد، ثنا سفيان) بن حسين (¬2) [قال الشافعي: حديث "الرجل جبار" غلط (¬3). قال الدارقطني: لم يرو "الرجل" غير سفيان بن حسين (¬4)] (¬5) (عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة، سمعا أبا هريرة يحدث عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: العجماء) تقدم (جرحها) بفتح الجيم هو المصدر، وبالضم الاسم، أي: إتلافها هدر [(جبار)] (¬6)، سواء كانت مرسلة أو عليها راكبها، وفيه تفصيل في كتب الفقه (والمعدن) بكسر الدال، من عدن بالمكان إذا أقام به ولم يبرح منه، ومنه جنات عدن، ومعناه أن الرجل يحفر بئرًا في مكان يسوغ له فيه الحفر، أو يحفر ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1499، 2355، 6912، 6913)، ومسلم (1710). (¬2) كذا في النسخ. وهو خطأ، والصواب: ابن عيينة كما في ترجمة مسدد. (¬3) نقله عنه البيهقي في "السنن الكبرى" 8/ 595. (¬4) "سنن الدارقطني" 3/ 152. (¬5) ما بين المعقوفتين صوابه أن يكون بعد كلمة (سفيان) في السند السابق. (¬6) ساقطة من النسخ أثبتناها من "السنن".

معدنًا فيمر مار فيقع فيه فيموت، أو يستأجر أجيرًا فيموت في حفر البئر، أو يقع فيه، فلا ضمان على حافره. (جبار، والبئر جبار، وفي الركاز الخمس) الركاز المركوز كالكتاب المكتوب، وفي الشرع: دفين الجاهلية، وفيه الخمس. (قال أبو داود: العجماء المنفلتة التي لا يكون معها أحد) فإتلافها هدر (وتكون بالنهار لا تكون بالليل) فإن عليه حفظها بالليل. * * *

31 - باب في النار تعدى

31 - باب فِي النّارِ تَعَدَّى 4594 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُتَوَكِّلِ العَسْقَلاني، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ ح، وَحَدَّثَنا جَعْفَرُ بْن مُسافِرٍ التِّنِّيسي، حَدَّثَنا زَيْدُ بْنُ المُبارَكِ، حَدَّثَنا عَبْدُ المَلِكِ الصَّنْعاني كِلاهُما عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "النّارُ جُبارٌ" (¬1). * * * [4594] (ثنا محمد بن المتوكل العسقلاني، ثنا عبد الرزاق، ح. وثنا جعفر بن مسافر التنيسي) بكسر التاء والنون المشددة (ثنا زيد بن المبارك، ثنا عبد الملك الصنعاني (¬2)، عن معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هربرة قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: النار) أي: إذا أوقد نارًا في أرضه [فعرض لها ريح] (¬3) فحملها إلى أرض غيره، فأتلفت شيئا لا ضمان عليه (جبار) هدر. * * * ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (2676)، والنسائي في "الكبرى" 3/ 413 (5789). وصححه الألباني في "الصحيحة" (2381). (¬2) كذا في النسخ، وبعدها في "السنن": (كلاهما). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

32 - باب القصاص من السن

32 - باب القِصاصِ من السِّنِّ 4595 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا المُعْتَمِرُ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: كَسَرَتِ الرُّبَيِّعُ أُخْتُ أَنَسِ بْنِ النَّضْرِ ثَنِيَّةَ امْرَأَةٍ فَأَتَوُا النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقَضَى بِكِتابِ اللَّهِ القِصاصَ، فَقالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ: والَّذي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لا تُكْسَرُ ثَنِيَّتها اليَوْمَ. قالَ: "يا أَنَسُ كتابُ اللَّهِ القِصاصُ". فَرَضُوا بِأَرْشٍ أَخَذُوهُ، فَعَجِبَ نَبي اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وقالَ: "إِنَّ مِنْ عِبادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ" (¬1). قالَ أَبُو داوُدَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ قِيلَ لَهُ: كَيْفَ يُقْتَصُّ مِنَ السِّنِّ؟ قالَ: تُبْرَدُ. * * * باب القصاص من السن [4595] (ثنا [مسدد]) (¬2) الحافظ ([حدثنا] (¬3) المعتمر) بن سليمان (عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك قال: كسرت الربيع) بضم الراء وفتح الباء وتشديد الياء، عمة أنس بن مالك (أخت أنس بن النضر، ثنية امرأة، فأتوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقضى بكتاب اللَّه القصاص، فقال أنس بن النضر) بن ضمضم النجاري: (والذي بعثك بالحق لا تكسر سنها (¬4) اليوم. فقال: يا أنس، كتاب) منصوب، وهو ما وضع فيه المصدر موضع الفعل، أي: كتب اللَّه القصاص، أو على الإغراء (اللَّه ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2703)، ومسلم (1675). (¬2) من "سنن أبي داود". (¬3) من "سنن أبي داود". (¬4) بعدها في (ل)، و (م): فتعجب.

القصاص) منصوب بدل من "كتاب" (فرضوا بأرش أخذوه، فعجب (¬1) نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) من ذلك (وقال: إن من عباد اللَّه من لو أقسم على اللَّه لأبره) أي: لأبر قسمه، ولا يخيبه؛ لكرامته عليه، فيه الثناء على الآدمي إذا لم يخف عليه الفتنة. (قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل قيل له: كيف يقتص من السن؟ قال: يبرد) بضم الياء المثناة تحت وإسكان الباء الموحدة. أي: يكون القصاص بالمبرد؛ ليؤمن أخذ الزيادة، خلافًا للشافعي (¬2). * * * ¬

_ (¬1) في المطبوع: ثنيتها. (¬2) "الأم" 9/ 167، "مختصر اختلاف العلماء" 5/ 112.

باب في دية الخط شبه العمد (¬1) [4588/ م] (ثنا سليمان بن حرب) تقدم الباب بكماله في باب الدية كم هي. إلى قوله (منها أربعون، في بطونها أولادها) وفيه زيادة على ما هنا (فكبر ثلالًا، ثم قال: لا إله إلا اللَّه، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) إلى هنا. رواه مسدد. وبه يتم كتاب الديات بحمد اللَّه والسلام على محمد [وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا] (¬2) [في يوم الجمعة سابع محرم سنة 846. يتلوه كتاب السنة] (¬3). * * * ¬

_ (¬1) هذا الباب سبق قبل عدة أبواب بشرح مختلف. (¬2) مكان ما بين المعقوفتين في (م) كلمة غير مقروءة. (¬3) ما بين المعقوفتين من (ل).

كتاب السنة

كتاب السنة

1 - باب شرح السنة

41 - كتاب السنة 1 - باب شَرْحِ السُّنَّةِ 4596 - حَدَّثَنا وَهْبُ بْن بَقِيَّةَ، عَنْ خالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "افْتَرَقَتِ اليَهُودُ عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفَرَّقَتِ النَّصارى عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتي عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً" (¬1). 4597 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قالا: حَدَّثَنا أَبو المُغِيرَةِ، حَدَّثَنا صَفْوانُ، ح وَحَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عُثْمانَ، حَدَّثَنا بَقِيَّة، قالَ: حَدَّثَني صَفْوانُ نَحْوَهُ، قالَ: حَدَّثَني أَزْهَرُ بْن عَبْدِ اللَّهِ الحَرازي، عَنْ أَبي عامِرٍ الهَوْزَني، عَنْ مُعاوِيةَ بْنِ أَبي سُفْيانَ أنَّهُ قامَ فِينا فَقالَ: أَلا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قامَ فِينا فَقالَ: "أَلا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الكِتابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَإِنَّ هذِه المِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ ثِنْتانِ وَسَبْعُونَ في النّارِ وَواحِدَةٌ في الجَنَّةِ وَهي الجَماعَةُ". ¬

_ (¬1) رواه الترمذى (2640)، وابن ماجه (3991)، وأحمد 2/ 332. وصححه الألباني في "الصحيحة" (203).

زادَ ابن يَحْيَى وَعَمْرٌو في حَدِيثَيْهِما: "وَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ أُمَّتي أَقْوامٌ تَجارى بِهِمْ تِلْكَ الأَهْواءُ كَما يَتَجارى الكَلْبُ لِصاحِبِهِ". وقالَ عَمْرٌو: "الكَلْبُ بِصاحِبِهِ لا يَبْقَى مِنْهُ عِرْقٌ وَلا مَفْصِلٌ إِلَّا دَخَلَهُ" (¬1). * * * بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [أول كتاب] شرح [السنة] [4596] (ثنا وهب بن بقية، عن خالد) بن عبد اللَّه الواسطي الطحان (عن محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص الليثي، أخرج له الشيخان (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: افترقت اليهود على إحدى) وسبعين فرقة (أو اثنتين وسبعين فرقة) اقتصر ابن ماجه على إحدى وسبعين فرقة، دون شك، وزاد: "فواحدة في الجنة وسبعون في النار" (¬2). (وتفرقت النصارى على إحدى) وسبعين (أو اثنتين وسبعين فرقة) ولفظ ابن ماجه: "افترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، فإحدى وسبعين في النار وواحدة في الجنة" (¬3)، ولفظ الترمذي: "والنصارى مثل ذلك" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 102، الدارمي في "سننه" (2560). وصححه الألباني في "الصحيحة" (204). (¬2) "سنن ابن ماجه" (3992) من حديث عوف بن مالك. (¬3) السابق. (¬4) "سنن الترمذي" (2640).

(وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة) زاد ابن ماجه: "والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة وثنتان وسبعون فرقة في النار" (¬1). [4597] (ثنا أحمد بن حنبل ومحمد بن يحيى قالا: ثنا أبو المغيرة) (¬2) عبد القدوس بن الحجاج الخولاني (ثنا صفوان) بن عمرو السكسكي، أخرج له البخاري في "الأدب" (¬3) والباقون. (ح، وثنا عمرو بن عثمان، ثنا بقية) بن الوليد (حدثني صفوان) السكسكي (نحوه، قال: حدثني أزهر بن عبد اللَّه) بن جميع (الحرازي) بفتح الحاء والراء المخففة، وبعد الألف زاي، نسبة إلى حراز بطن من ذي الكلاع، نزل أكثرهم حمص، وهو صدوق، تكلموا فيه بأنه ناصبي، وجزم البخاري بأنه ابن سعيد (¬4). (عن أبي عامر) عبد اللَّه بن لحي، بضم اللام وبالمهملة مصغر (الهوزني) بفتح الهاء والواو نسبة إلى هوزن بن عوف، بطن من ذي الكلاع، من حمير، وهو ثقة مخضرم حمصي. (عن معاوية بن أبي سفيان) صخر بن حرب الأموي، هو وأبوه ممن أسلم يوم الفتح. (أنه قام فينا فقال: ألا إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قام فينا) يومًا (فقال: ألا إن ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (3992). (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) "الأدب المفرد" (87). (¬4) "التاريخ الكبير" 1/ 456 (1462).

من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة) وفي رواية لابن ماجه: "إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة" (¬1). (وإن هذِه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في النار) قيل: إن تفصيلها: عشرون منهم روافض، وعشرون من الخوارج، وعشرون قدرية، وسبعة مرجئة، وفرقة نجارية، وهم أكثر من عشر فرق، لكن يعدون واحدة، وفرقة ضرارية، وفرقة جهمية، وثلاث فرق كرامية، فهذِه ثنتان وسبعون (¬2). (وواحدة في الجنة، وهي الجماعة) توضحه رواية الترمذي: "تفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدة" قالوا: من هي يا رسول اللَّه؟ قال: "ما أنا عليه وأصحابي" (¬3). وفيه دليل على فضيلة الاعتصام بالسنة والتمسك بها، لا سيما عند كثرة البدع وظهور الأهواء المضلة في هذِه المسألة. (زاد) محمد (ابن يحيى) أحد الرواة (وعمرو) بن عثمان (في حديثهما: وإنه) هذِه الهاء التي في (إن) هي ضمير الشأن والقصة (سيخرج من أمتي) يجوز أن يراد بالأمة أمة الدعوة، فيندرج سائر أرباب الملل الذين ليسوا على قبلتنا، ويجوز أن يراد بالأمة من أجاب الدعوة، فيدخل فيه جميع أهل القبلة دون غيرهم. وقيل: فيه دليل على أن هذِه الفرق كلها غير خارجين عن الدين؛ إذ قد جعلهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (3993) من حديث أنس. (¬2) انظر: "الفرق بين الفرق" (ص 19). (¬3) "سنن الترمذي" (2641) من حديث عبد اللَّه بن عمرو.

من أمته، وفيه أن المتأول لا يخرج من الملة وإن أخطأ في تأويله (¬1). (أقوام تجارى) بفتح التاء والجيم، أي: تتجارى (بهم) فحذفت إحدى التاءين تخفيفًا (تلك الأهواء) أي: يتواقعون في الأهواء الفاسدة ويتداعون فيها، تشبيهًا بجري الفرس، ومنه حديث الرياء: "من طلب العلم ليجاري به العلماء" (¬2)، أي: يجري معهم في المناظرة والجدال؛ ليظهر علمه إلى الناس رياء وسمعة (كما يتجارى) أي: يجري [(الكلب لصاحبه)] (¬3). (وقال عمرو) بن عثمان: كما يتجارى (الكلب) بفتح الكاف واللام، قال في "النهاية": هو داء معروف يعرض للكلب، فمن عضه قتله (¬4) (بصاحبه) إذا عضه الكلب. قال ابن الجوزي: علامته في الآدمي المعضوض أن يظهر عليه بعد أيام شيء من الفكر الفاسدة والأحلام الرديئة والوسواس، واختلاط في العقل، وتسيح أطرافه، فيهرب من الضوء ويأخذه الفواق والعطش ويبكي، وربما نبح كالكلاب، وربما بال شيئًا فيه لحمية كأنها حيوانات أو كلاب صغار، قال: ومن لم يدر هل الكلب الذي عضه ¬

_ (¬1) انظر: "معالم السنن" 4/ 273. (¬2) رواه الترمذي (2654)، وابن حبان في "المجروحين" 1/ 133، وابن عدي في "الكامل" 1/ 541، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 50/ 176 - 177 من حديث كعب بن مالك. وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (6383). (¬3) من "السنن". (¬4) "النهاية" 1/ 264.

كلب أم لا، فليأخذ لقمة يلطخها بما يسيل من جراحته ويطرحها للكلاب، فإن عافتها فهي عضة كلب، وعلامته في الكلب حمرة العينين ودلع اللسان وسيل ريقه وأنفه وتطأطؤ رأسه ونفور الكلاب منه، ولا يزال يدخل ذنبه بين رجليه، فإذا رأى إنسانًا ساوره. (لا يبقى منه) أي: ممن به داء الكلب (عرق ولا مفصل) بكسر الميم (إلا دخله) يعني: كما يدخل داء الكلب في جميع أعضاء الآدمي، فكذا البدعة تدخل في جميع الأعضاء وتتمكن من أعضائه بحيث لا تخرج منه غالبًا. * * *

2 - باب النهي عن الجدال واتباع متشابه القرآن

2 - باب النَّهْي عَنِ الجِدالِ واتِّباعِ مُتَشابِهِ القُرْآنِ 4598 - حَدَّثَنا القَعْنَبي، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْن إِبْراهِيمَ التُّسْتَري، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي مُلَيْكَةَ، عَنِ القاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها قالَتْ: قَرَأَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- هذِه الآيَةَ: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} إِلَى {أُولُو الْأَلْبَابِ} قالَتْ: فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فَإذا رَأَيْتُمُ الذِينَ يَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الذِينَ سَمَّى اللَّهُ فاحْذَرُوهُمْ" (¬1). * * * باب مجانبة أهل الأهواء (¬2) [4598] (ثنا) عبد اللَّه بن مسلمة (القعنبي، ثنا يزيد بن إبراهيم التستري) بضم الفوقانية الأولى وسكون المهملة (عن عبد اللَّه بن أبي مليكة، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قرأ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هذِه الآية: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ}) المحكم باصطلاح الأصوليين هو: المشترك بين النص والظاهر، والمتشابه هو: ما اشترك بين المجمل والمؤول (¬3). وقيل: المحكم المتضح المعنى، والمتشابه ما استأثر اللَّه بعلمه (¬4)، (إلى) قوله تعالى: ({أُولُو الْأَلْبَابِ}) (¬5) أي: ما يتعظ بالقرآن وينتفع به ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4547)، ومسلم (2665). (¬2) كذا في النسخ، وقد ضم الشارح هذا الحديث واللذين بعده في باب واحد. (¬3) انظر: "الإبهاج في شرح المنهاج" للسبكي 1/ 216، "نهاية السول" (ص 90). (¬4) انظر: "مختصر الروضة" 2/ 43، 47. (¬5) آل عمران: 7.

إلا ذوو العقول السليمة. (قالت) عائشة (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: فإذا رأيتم الذين يتبعون ما) أي: يسألون عما (تشابه منه) ويجادلون فيه (فأولئك الذين سمى اللَّه) تعالى. أي: عناهم اللَّه (فاحذروهم) ولا تجالسوهم أيها الأمة، فما أجدرهم بالاجتناب، لأنهم طالبون لفتنة الناس في عقائدهم كالإيمان بالقدر ونحوه من علم الصفات مما لم يطلعنا عليه، قال ابن عباس: هم الخوارج (¬1). * * * ¬

_ (¬1) ذكره البدر العيني في "شرح البخاري" 18/ 139، وروي مرفوعًا من حديث أبي أمامة -رضي اللَّه عنه-، رواه أحمد 5/ 262 وضعفه الشيخ شعيب في تعليقه عليه 36/ 594.

3 - باب مجانبة أهل الأهواء وبغضهم

3 - باب مُجانَبَةِ أَهْلِ الأَهْواءِ وَبُغْضِهِمْ 4599 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا خالِدُ بْن عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ أَبي زِيادٍ، عَنْ مُجاهِدٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبي ذَرٍّ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَفْضَلُ الأَعْمالِ الحُبُّ في اللَّهِ والبُغْضُ في اللَّهِ" (¬1). 4600 - حَدَّثَنا ابن السَّرْحِ، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ، قالَ: أَخْبَرَنا يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ قالَ: فَأَخْبَرَني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ -وَكانَ قائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمي- قالَ: سَمِعْت كَعْبَ بْنَ مالِكٍ -وَذَكَرَ ابن السَّرْحِ قِصَّةَ تَخَلّفِهِ عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في غَزْوَةِ تَبُوكَ- قالَ: وَنَهَى رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- المُسْلِمِينَ عَنْ كَلامِنا أَيُّها الثَّلاثَةُ حَتَّى إِذا طالَ عَلي تَسَوَّرْت جِدارَ حائِطِ أَبي قَتادَةَ وَهُوَ ابن عَمّي فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَواللَّهِ ما رَدَّ عَلي السَّلامَ. ثُمَّ ساقَ خَبَرَ تَنْزِيلِ تَوْبَتِهِ (¬2). * * * [4599] (ثنا مسدد، ثنا خالد (¬3) بن عبد اللَّه) الواسطي الطحان (ثنا يزيد بن أبي زياد) الكوفي مولى بني هاشم، أخرج له مسلم في الأطعمة (عن مجاهد، عن رجل) لعله الحكم بن سفيان، أو سفيان بن الحكم الثقفي، فإنه روى عنه هكذا في النضح بعد الوضوء (¬4). (عن أبي ذر) جندب بن جنادة -رضي اللَّه عنه- (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أفضل الأعمال الحب في اللَّه والبغض في اللَّه) وكذا روى الإمام أحمد حديث ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 146. وصححه الألباني في "الصحيحة" (1310). (¬2) سبق برقم (2773) وهو متفق عليه. (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) سلف برقم (166) باب في الانتضاح.

البراء بن عازب رضي اللَّه عنهما: "أوثق عرى الإيمان الحب في اللَّه والبغض في اللَّه" (¬1) وفيه ليث بن أبي سليم مختلف فيه، والخرائطي في "مكارم الأخلاق" بسند ضعيف (¬2). فيه دليل على أنه يجب أن يكون للرجل أعداء يبغضهم في اللَّه كما يكون له أصدقاء وإخوان يحبهم في اللَّه، بيانه أنك إذا أحببت إنسانًا لأنه مطيع للَّه ومحبوب عند اللَّه، فإن عصاه فلا بد أن تبغضه؛ لأنه عاص للَّه وممقوت عند اللَّه، فمن أحب بسبب فبالضرورة يبغض لضده، وهذان وصفان متلازمان لا ينفصل أحدهما عن الآخر، وهو مطرد في الحب والبغض في العادات، ولذلك قال اللَّه تعالى لموسى -عليه السلام-: هل واليت لي وليا، وهل عاديت لي عدوًّا (¬3). ¬

_ (¬1) "المسند" 4/ 286. ورواه أيضًا أبو داود الطيالسي في "المسند" 2/ 110 (783)، والروياني في "المسند" 1/ 270 (399)، وابن عبد البر في "التمهيد" 17/ 431. قال البوصيري في "الإتحاف" 1/ 96: مدار طرقهم عن ليث بن أبي سليم وهو ضعيف. (¬2) "مكارم الأخلاق" (761) من حديث ابن مسعود. ورواه أيضًا الطيالسي في "المسند" كما في "إتحاف الخيرة المهرة" 5/ 434 (4954)، والبيهقي في "السنن" 10/ 233. وكذا ضعف إسناده الحافظ العراقي في "المغني" 1/ 467 (6772). (¬3) رواه أبو نعيم في "الحلية" 10/ 316 - 317، وابن عبد البر في "التمهيد" 17/ 432، 433 - 434، والخطيب في "تاريخ بغداد" 3/ 420 من حديث ابن مسعود، وفيه: (نبي من الأنبياء) دون ذكر موسى -عليه السلام-. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (3337).

[4600] (ثنا) أحمد بن عمرو (ابن السرح، ثنا) عبد اللَّه (ابن وهب قال: أخبرني يونس، عن) محمد (ابن شهاب قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب بن مالك) أخرج له الشيخان. (أن) والده (عبد اللَّه بن كعب) بن مالك (وكان قائد كعب) بن مالك الخزرجي السلمي (من بنيه) أي: دون بقية أولاده (حين عمي قال: سمعت كعب بن مالك) الحديث. (وذكر) أحمد (ابن السرح قصة تخلفه عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في غزوة تبوك) وهي غزوة العسرة (قال: ونهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المسلمين عن كلامنا). قال القرطبي: فيه دليل على وجوب هجران من ظهرت معصيته فلا يسلم عليه إلى أن يقلع ويظهر توبته (¬1). وقال السفاقسي: فيه دليل على أن للإمام أن يؤدب بعض أصحابه بالهجران وإن جاوز ذلك ثلاثة أيام. (أيها الثلاثة) قال القرطبي (¬2): (الثلاثة) مرفوع على الصفة و (أي)، ويجوز نصبه على الاختصاص [والظاهر أن (الثلاثة) خبر للمبتدأ الذي هو (أيها) وجملة المبتدأ والخبر في محل نصب على الاختصاص] (¬3). وحكى سيبويه: اللهم اغفر لنا العصابة (¬4). والثلاثة هم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية (¬5). ¬

_ (¬1) "المفهم" 7/ 98. (¬2) السابق. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) "الكتاب" 2/ 232. (¬5) ذكرهم البخاري في روايته (4418).

(حتى إذا طال عليَّ) ذلك من جفوة الناس (تسورت) أي: وثبت على سور (جدار حائط) الحائط: البستان المحوط بالجدار (أبي قتادة) وفيه دليل على جواز دخول الإنسان بستان صديقه وقريبه الذي يعلم أو يظن أنه لا يكره ذلك، بشرط أن يعلم أنه ليس هناك امرأة مكشوفة، واسم أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري الخزرجي السلمي (وهو ابن عمي) زاد البخاري: وأحب الناس إلي (¬1) (فسلمت عليه، فواللَّه ما رد علي السلام) إنما لم يرد عليه السلام لعموم النهي عن كلام الثلاثة، وفيه دليل على أنه لا يسلم على المبتدعة، وفيه أنه لا حرج على الإنسان في ترك رد السلام على أهل الأهواء والبدع والمعاصي، وفيه دليل على أن من حلف أن لا يكلم إنسانًا فسلم عليه أو رد سلامه كان حانثًا (¬2). (ثم ساق) كعب بن مالك (خبر تنزيل) اللَّه تعالى (توبته) في قوله تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ} وإلى آخر الآية (¬3). * * * ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (4418)، وهي أيضًا عند مسلم (2769). (¬2) انظر: "شرح مسلم" للنووي 17/ 93. (¬3) التوبة: 117.

4 - باب ترك السلام على أهل الأهواء

4 - باب تَرْكِ السَّلامِ عَلَى أَهْلِ الأَهْواءِ 4601 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، أَخْبَرَنا عَطاءٌ الخُراساني، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ عَمّارِ بْنِ ياسِرٍ قالَ: قَدِمْتُ عَلَى أَهْلي وَقَدْ تَشَقَّقَتْ يَداي فَخَلَّقُوني بِزَعْفَرانٍ فَغَدَوْتُ عَلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلي وقالَ: "اذْهَبْ فاغْسِلْ هذا عَنْكَ" (¬1). 4602 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ ثابِتٍ البُناني، عَنْ سُمَيَّةَ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها أَنَّهُ اعْتَلَّ بَعِيرٌ لِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَي وَعِنْدَ زَيْنَبَ فَضْلُ ظَهْرٍ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِزَيْنَبَ: "أَعْطِيها بَعِيرًا". فَقالَتْ: أَنا أُعْطي تِلْكَ اليَهُودِيَّةَ؟ ! فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَهَجَرَها ذا الحِجَّةَ والمُحَرَّمَ وَبَعْضَ صَفَرٍ (¬2). * * * باب ترك السلام على أهل الأهواء [4601] (ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد) بن سلمة (أنا عطاء) (¬3) ابن أبي مسلم (الخراساني) مولى المهلب بن أبي صفرة. (عن يحيى بن يعمر، عن عمار بن ياسر -رضي اللَّه عنه- قال: قدمت) بسكون الميم (على أهلي) ليلًا (وقد تشققت يداي، فخلقوني بزعفران، فغدوت على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فسلمت عليه، فلم يرد عليَّ وقال: اذهب فاغسل هذا) الخلوق (عنك) الحديث. ¬

_ (¬1) سبق برقم (4176). (¬2) رواه ابن ماجه (1973)، وأحمد 6/ 95. وضعفه الألباني. (¬3) فوقها في (ل): (ع).

تقدم بتمامه في باب الخلوق للرجال، من كتاب الترجل (¬1). [4602] (ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد، عن ثابت البناني) بضم الموحدة، نسبة إلى بنانة بن سعد بن لؤي بن غالب، وصارت بنانة محلة بالبصرة لنزول هذِه القبيلة بها، وقال الزبير بن بكار: كانت بنانة أمة لسعد ابن لؤي حضنت بنيه فغلبت عليهم (عن سمية) البصرية، وهي مقبولة، لم أقف لها على نسب. (عن عائشة رضي اللَّه عنها) قالت (أنه اعتل) بفتح المثناة فوق، أي: مرض (بعير لصفية بنت حيي) بن أخطب، أعتقها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وتزوجها (وعند زينب) بنت جحش زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، طلقها زوجها زيد بن حارثة فتزوجها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (فضل ظهر) أي: ظهر دابة في السفر فاضل عن قدر حاجة صاحبه. (فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لزينب: أعطيها) بفتح همزة القطع أوله وسكون الياء (¬2) بعد الطاء، أي: أعطي صفية بنت حيي (بعيرًا) عوض البعير الذي اعتل لها. فيه فضيلة شفاعة الزوج عند إحدى زوجاته أن تهب أو تعير ضرتها المحتاجة كإركاب بعير ونحوه لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر عنده" (¬3). (فقالت) زينب: (أنا أعطي) بضم الهمزة (تلك اليهودية) وكانت ¬

_ (¬1) سلف برقم (4176). (¬2) في (ل)، (م): تاء التأنيث. والمثبت ما يقتضيه السياق. (¬3) رواه مسلم (1728) من حديث أبي سعيد الخدري.

إسرائيلية من سبط هارون بن عمران -صلى اللَّه عليه وسلم-. قال ابن عبد البر: روينا أن جارية لها أتت عمر بن الخطاب فقالت له: إن صفية تحب السبت وتصل اليهود. فبعث إليها عمر فسألها، فقالت: أما السبت فإني لم أحبه منذ أبدلني اللَّه عنه يوم الجمعة، وأما اليهود فإن لي فيهم رحمًا وأنا أصلها (¬1). وروي أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل على صفية وهي تبكي، فقال لها: "ما يبكيكي؟ " قالت: بلغني أن عائشة وحفصة (¬2) ينالان مني ويقولان: نحن خير من صفية، نحن بنات عم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأزواجه. فقال: "ألا قلت لهن: كيف تكن خيرًا مني وأبي هارون وعمي موسى وزوجي محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬3). (فغضب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) على زينب بنت جحش لقولها في صفية بنت حيي: "تلك اليهودية" (فهجرها) لذلك، والظاهر أن هذا الهجر هو الإعراض عن فراشها يشق أمره على الزوجة التي تحت زوجها، فيكون ذلك سببًا لعودها إلى الصلاح (ذا الحجة) بكسر الحاء (والمحرم) شهران كاملان (وبعض) شهر (صفر) وفي هذا الحديث رد لما حكاه القرطبي عن العلماء أن غاية هجر الزوجة شهرا، واستدل ¬

_ (¬1) "الاستيعاب" 4/ 427. (¬2) في (ل)، (م): صفية. والصواب ما أثبتناه. (¬3) رواه الترمذي (3892)، والطبراني في "الكبير" 24/ 75 (196)، وفي "الأوسط" 8/ 236 (8503)، والحاكم في "المستدرك" 4/ 29. قال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه من حديث صفية إلا من حديث هاشم الكوفي، وليس إسناده بذاك. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (4963).

بفعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حين أسر إلى حفصة فأفشته إلى عائشة رضي اللَّه عنهما وتظاهرتا عليه، وآلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن لا يدخل على أزواجه شهرًا. قالت عائشة: فلما مضى تسع وعشرون ليلة أعدهن دخل عليَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبدأ بي وقال: "الشهر تسع وعشرون" (¬1) انتهى (¬2). فقد زاد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذا الحديث الذي رجاله رجال مسلم إلا سمية، وهي مقبولة، لكني لم أقف لها على نسب، لكن إذا جاز الهجر زائدًا على الشهر كما في الحديث فلا يبلغ به الأربعة الأشهر التي ضربها اللَّه أجلًا عذرًا للمولي من زوجته. * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2468)، ومسلم (1479). (¬2) "المفهم" 4/ 264.

5 - باب النهى عن الجدال في القرآن

5 - باب النَّهْى عَنِ الجِدالِ في القُرْآنِ 4603 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا يَزِيدُ -يَعْني: ابن هارُونَ- أَخْبَرَنا مُحَمَّدُ ابْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "المِراءُ في القُرْآنِ كُفْرٌ" (¬1). * * * باب النهي عن الجدال [4603] (ثنا أحمد بن حنبل، ثنا يزيد (¬2) يعني: ابن هارون) السلمي الواسطي (ثنا محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص، أخرج له الشيخان (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: المراء في القرآن) قيل: المراء هنا الشك؛ لقوله تعالى: {فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ} (¬3) وقيل: المراء هنا الجدال (¬4). وهو المناسب لتبويب المصنف عليه، وحد المراء هو كل اعتراض على كلام الغير بإظهار خلل فيه، إما في اللفظ وإما في المعنى، بأن يقول: ليس كما قلت فيه، وقد أخطأت. قال في "النهاية": المماراة: المجادلة على مذهب الشك والريبة، ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 286، وابن حبان (74). وصححه الألباني. (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) هود: 17. (¬4) انظر: "معالم السنن" 4/ 275.

ويقال للمجادلة: مماراة؛ لأن كل واحد منهما يستخرج ما عند صاحبه ويمتريه، كما يمتري الحالب اللبن من الضرع (¬1). قال أبو عبيد: ليس وجه هذا الحديث عند فاعل الاختلاف في التأويل، ولكنه على الاختلاف في اللفظ، وهو أن يقول الرجل على حرف، فيقول الآخر: ليس هو هكذا، ولكنه على خلافه، وكلاهما منزول مقروء به، فإذا جحد كل واحد منهما قراءة صاحبه لم يؤمن أن يقع منه في ذلك (¬2). (كُفر) لأنه نفى حرفًا أنزله اللَّه على نبيه، وقيل: إنما جاء هذا في الجدال والمراء في الآيات التي فيها القدر ونحوه من المعاني على مذهب أهل الكلام وأصحاب الأهواء والآراء دون ما تضمنته من الأحكام وأبواب الحلال والحرام، فإن ذلك قد جرى بين الصحابة فمن بعدهم من العلماء، وذلك فيما يكون الغرض فيه والباعث عليه ظهور الحق؛ ليتبع دون الغلبة والتعجيز (¬3). * * * ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 4/ 322. (¬2) "غريب الحديث" 2/ 11. (¬3) انظر: "معالم السنن" 4/ 275.

6 - باب في لزوم السنة

6 - باب في لُزُومِ السُّنَّةِ 4604 - حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهّابِ بْن نَجْدَةَ، حَدَّثَنا أَيُو عَمْرِو بْن كَثِيرِ بْنِ دِينارٍ، عَنْ حَرِيزِ بْنِ عُثْمانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي عَوْفٍ، عَنِ المِقْدامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّهُ قالَ: "أَلا إِنّي أُوتِيتُ الكِتابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بهذا القُرْآنِ، فَما وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَما وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرامٍ فَحَرِّمُوهُ أَلا لا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الحِمارِ الأَهْلي، وَلا كُلُّ ذي نابٍ مِنَ السَّبُعِ، وَلا لُقَطَةُ مُعاهِدٍ، إِلَّا أَنْ يَسْتَغْني عَنْها صاحِبُها، وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُ، فَإنْ لَمْ يَقْرُوهُ فَلَهُ أَنْ يُعْقِبَهُمْ بِمِثْلِ قِراهُ" (¬1). 4605 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ وَعَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّدٍ النُّفَيْلي، قالا: حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ أَبي النَّضْرِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي رافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الأَمْرُ مِنْ أَمْري مِمّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ فَيَقُولُ: لا نَدْري، ما وَجَدْنا في كِتابِ اللَّهِ اتَّبَعْناهُ" (¬2). 4606 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبّاحِ البَزّازُ، حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْن سَعْدٍ، ح وَحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ المَخْرَمي وَابْراهِيمُ بْن سَعْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْراهِيمَ، عَنِ القاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ أَحْدَثَ في أَمْرِنا هذا ما لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ". قالَ ابن عِيسَى: قالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ صَنَعَ أَمْرًا عَلَى غَيْرِ أَمْرِنا فَهُوَ رَدٌّ" (¬3). 4607 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا الوَليدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنا ثَوْرُ بْن يَزِيدَ، قالَ: حَدَّثَني خالِدُ بْنُ مَعْدانَ، قالَ: حَدَّثَني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن عَمْرٍو السُّلَمي وَحُجْرُ بْنُ ¬

_ (¬1) سبق برقم (3804)، وهو صحيح. (¬2) رواه أحمد 6/ 8، وابن حبان (13)، والحاكم 1/ 109. (¬3) رواه البخاري (2697)، ومسلم (1718).

7 - باب لزوم السنة

حُجْرٍ قالا: أَتَيْنا العِرْباضَ بْنَ سارِيةَ وَهُوَ مِمَّنْ نَزَلَ فِيهِ: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} فَسَلَّمْنا وَقلْنا: أَتَيْناكَ زائِرِينَ وَعائِدِينَ وَمُقْتَبِسِينَ. فَقالَ العِرْباضُ: صَلَّى بِنا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- ذاتَ يَوْمٍ، ثمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنا فَوَعَظَنا مَوْعِظَةَ بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْها العُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْها القُلُوبُ، فَقالَ قائِلٌ: يا رَسُولَ اللَّهِ، كَأَنَّ هذِه مَوْعظَةُ مُوَدِّعٍ فَماذا تَعْهَدُ إِلَيْنا؟ فَقالَ: "أُوصِيكُمْ بِتَقْوى اللَّهِ والسَّمْعِ والطّاعَةِ وإنْ عَبْدًا حَبَشِيّا، فَإنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدي فَسَيَرى اخْتِلافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتي وَسُنَّةِ الخُلَفاءِ المَهْدِيِّينَ الرّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِها وَعَضُّوا عَلَيْها بِالنَّواجِذِ، وِإيّاكُمْ وَمُحْدَثاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ" (¬1). 4608 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنِ ابنِ جُرَيْجٍ، قالَ: حَدَّثَني سُلَيْمانُ -يَعْني: ابن عَتِيقٍ-، عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبِ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "أَلا هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ". ثَلاثَ مَرّاتٍ (¬2). 7 - باب لُزُوم السُّنَّةِ 4609 - حَدَّثَنا يَحْيَى بْن أَيُّوبَ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ -يَعْني: ابن جَعْفَرٍ- قالَ: أَخْبَرَني العَلاءُ -يَعْني: ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ-، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ دَعا إِلَى هُدًى كانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شيْئًا، وَمَنْ دَعا إِلَى ضَلالَةٍ كانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثامِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثامِهِمْ شيْئًا" (¬3). 4610 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ عامِرِ بْنِ سَعْدِ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: قالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ أَعْظَمَ المُسْلِمِينَ في المُسْلِمِينَ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2871)، وابن ماجه (44)، وأحمد 4/ 126. (¬2) مسلم (2670). (¬3) رواه مسلم (2674).

جُرْمًا مَنْ سَأَلَ، عَنْ أَمْرٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ عَلَى النّاسِ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ" (¬1). 4611 - حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ خالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ الهَمْداني، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابن شِهابٍ أَنَّ أَبا إِدْرِيسَ الخَوْلاني عائِذَ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ عُمَيْرَةَ وَكانَ مِنْ أَصْحابِ مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ أَخْبَرَهُ قالَ: كانَ لا يَجْلِسُ مَجْلِسًا لِلذِّكْرِ حِينَ يَجْلِسُ إِلَّا قالَ: اللَّه حَكَمٌ قِسْطٌ، هَلَكَ المُرْتابُونَ. فَقالَ مُعاذ بْنُ جَبَلٍ يَوْمًا: إِنَّ مِنْ وَرائِكُمْ فِتَنًا يَكْثُرُ فِيها المالُ وَيُفْتَحُ فِيها القُرآنُ حَتَّى يَأْخُذَهُ المُؤْمِنُ والمُنافِقُ والرَّجُلُ والمَرْأَةُ والصَّغِيرُ والكَبِيرُ والعَبْدُ والحُرُّ، فَيُوشِكُ قائِلٌ أَنْ يَقُولَ: ما لِلنّاسِ لا يَتَّبِعُوني وَقَدْ قَرَأْتُ القُرْآنَ، ما هُمْ بِمُتَّبِعيَّ حَتَّى أَبْتَدِعَ لَهُمْ غَيْرَهُ فَإِيّاكُمْ وَما ابْتُدِعَ، فَإنَّ ما ابْتدِعَ ضَلالَةٌ وَأُحَذِّرُكُمْ زَيْغَةَ الحَكِيمِ، فَإِنَّ الشَّيْطانَ قَدْ يَقُولُ كَلِمَةَ الضَّلالَةِ عَلَى لِسانِ الحَكِيمِ، وَقَدْ يَقُول المُنافِقُ كَلِمَةَ الحَقِّ. قالَ: قُلْتُ لِمُعاذٍ: ما يُدْرِيني رَحِمَكَ اللَّه أَنَّ الحَكِيمَ قَدْ يَقُولُ كَلِمَةَ الضَّلالَةِ وَأَنَّ المُنافِقَ قَدْ يَقُول كَلِمَةَ الحَقِّ؟ قالَ: بَلَى اجْتَنِبْ مِنْ كَلامِ الحَكِيمِ المُشْتَهِراتِ التي يُقالُ لَها: ما هذِه وَلا يُثْنِيَنَّكَ ذَلِكَ عَنْهُ، فَإِنَّهُ لَعَلَّهُ أَنْ يُراجِعَ، وَتَلَقَّ الحَقَّ إِذا سَمِعْتَهُ، فَإنَّ عَلَى الحَقِّ نُورًا (¬2). قالَ أَبُو داوُدَ: قالَ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْري في هذا: وَلا يُنْئِيَنَّكَ ذَلِكَ عَنْهُ. مَكانَ: يُثْنِيَنَّكَ. وقالَ صالِحُ بْن كَيْسانَ، عَنِ الزُّهْري في هذا المُشَبَّهاتِ: مَكانَ: المُشْتَهِراتِ. وقالَ: لا يُثْنِيَنَّكَ. كَما قالَ عُقَيْلٌ. وقالَ ابن إِسْحاقَ، عَنِ الزُّهْري قالَ: بَلَى ما تَشابَهَ عَلَيْكَ مِنْ قَوْلِ الحَكِيمِ، حَتَّى تَقُولَ ما أَرادَ بهذِه الكَلِمَةِ. 4612 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن كَثِيرٍ قالَ: حَدَّثَنا سُفْيانُ قالَ: كَتَبَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ يَسْأَلُهُ عَنِ القَدَرِ. ح، وَحَدَّثَنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمانَ المُؤَذِّنُ قالَ: حَدَّثَنا أَسَدُ ابْن مُوسَى قالَ: حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ دُلَيْلٍ قالَ: سَمِعْتُ سُفْيانَ الثَّوْري يُحَدِّثُنا عَنِ النَّضْرِ ح وَحَدَّثَنا هَنّادُ بْنُ السَّري، عَنْ قَبِيصَةَ قالَ: حَدَّثَنا أَبُو رَجاءٍ، عَنْ أَبي الصَّلْتِ -وهذا ¬

_ (¬1) رواه البخاري (7289)، ومسلم (2358). (¬2) رواه عبد الرزاق 11/ 363، (20750)، والحاكم 4/ 460. وصححه الألباني.

لَفْظُ حَدِيثِ ابن كَثِير وَمَعْناهُمْ قالَ: كَتَبَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ يَسْأَلُهُ عَنِ القَدَرِ، فَكَتَبَ أَمّا بَعْدُ أُوصِيكَ بِتَقْوى اللَّهِ والاقْتِصادِ في أَمْرِهِ واتِّباعِ سُنَّةِ نَبِيِّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَتَرْكِ ما أَحْدَثَ المُحْدِثُونَ بَعْدَ ما جَرَتْ بِهِ سُنَّتُهُ وَكُفُوا مُؤْنَتَهُ، فَعَلَيْكَ بِلُزُومِ السُّنَّةِ فَإِنَّها لَكَ بإذْنِ اللَّهِ عِصْمَةٌ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَبْتَدِعِ النّاسُ بِدْعَةٌ إِلا قَدْ مَضَى قَبْلَها ما هُوَ دَلِيلٌ عَلَيْها أَوْ عِبْرَةٌ فِيها فَإنَّ السُّنَّةَ إِنَّما سَنَّها مَنْ قَدْ عَلِمَ ما في خِلافِها وَلَم يَقُلِ ابن كَثِيرٍ مَنْ قَدْ عَلِمَ. مِنَ الخَطَإِ والزَّلَلِ والحُمْقِ والتَّعَمُّقِ فارْضَ لِنَفْسِكَ ما رَضي بِهِ القَوْمُ لأَنْفُسِهِمْ، فَإِنَّهُمْ عَلَى عِلْمٍ وَقَفُوا، وَبِبَصَرٍ نافِذٍ كَفَوْا، وَهُمْ عَلَى كَشْفِ الأُمُورِ كانُوا أَقْوى وَبِفَضْلِ ما كانُوا فِيهِ أَوْلَى، فَإِنْ كانَ الهُدى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ لَقَدْ سَبَقْتُمُوهُمْ إِلَيْهِ وَلَئِنْ قُلْتُمْ إِنَّما حَدَثَ بَعْدَهُمْ. ما أَحْدَثَهُ إِلا مَنِ اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِهِم وَرَغِبَ بِنَفْسِهِ عَنْهُمْ فَإِنَّهُمْ هُمُ السّابِقُونَ، فَقَدْ تَكَلَّمُوا فِيهِ بِما يَكْفي وَوَصَفوا مِنْه ما يَشْفي فَما دُونَهُمْ مِنْ مَقْصَرٍ وَما فَوْقَهُمْ مِنْ مَحْسَرٍ وَقَدْ قَصَّرَ قَوْمٌ دُونَهُمْ فَجَفَوْا، وَطَمَحَ عَنْهُمْ أَقْوامٌ فَغَلَوْا، وإِنَّهُمْ بَيْنَ ذَلِكَ لَعَلَى هُدًى مُستَقِيمٍ كَتَبْتَ تَسْأَلُ عَنِ الإِقْرارِ بِالقَدَرِ، فَعَلَى الخَبِيرِ بإِذْنِ اللَّهِ وَقَعْتَ ما أَعْلَمُ ما أَحْدَثَ النّاسُ مِنْ مُحْدَثَةٍ وَلا ابْتَدَعُوا مِنْ بِدْعَةٍ هي أَبْيَنُ أثَرًا وَلا أَثْبَتُ أَمْرًا مِنَ الإِقْرارِ بِالقَدَرِ لَقَدْ كَانَ ذَكَرَهُ في الجاهِلِيَّةِ الجُهَلاءُ يَتَكَلَّمُونَ بِهِ في كَلامِهِمْ وَفي شِعْرِهِمْ يُعَزُّونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ عَلَى ما فاتَهُمْ، ثُمَّ لَمْ يَزِدْهُ الإِسْلامُ بَعْدُ إِلا شِدَّةً وَلَقَدْ ذَكَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- في غَيْرِ حَدِيثٍ وَلا حَدِيثَيْنِ، وَقَدْ سَمِعَهُ مِنْهُ المُسْلِمُونَ فَتَكلَّمُوا بِهِ في حَياتِهِ وَبَعْدَ وَفاتِهِ يَقِينًا وَتَسْلِيمًا لِرَبِّهِمْ وَتَضْعِيفًا لأَنْفُسِهِمْ أَنْ يَكُونَ شَيء لَمْ يُحِطْ بِهِ عِلْمُهُ وَلم يُحْصِهِ كِتابُهُ وَلم يَمْضِ فِيهِ قَدَرُهُ وِانَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَفي مُحْكَمِ كِتابِهِ مِنْهُ اقْتَبَسُوهُ وَمِنْهُ تَعَلَّموهُ. وَلَئِنْ قُلْتُمْ: لِمَ أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ كَذا، وَلم قالَ كَذا؟ لَقَدْ قَرَءُوْا مِنْهُ ما قَرَأْتُمْ وَعَلِمُوا مِنْ تَأْوِيلِهِ ما جَهِلْتُمْ وَقالُوا بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ بِكِتابٍ وَقَدَرٍ وَكُتِبَتِ الشَّقاوَةُ، وَما يُقَدَّرْ يَكُنْ، وَما شاءَ اللَّهُ كانَ وَما لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَلا نَمْلِكُ لأَنْفُسِنا ضَرّا وَلا نَفْعًا، ثُمَّ رَغَبُوا بَعْدَ ذَلِكَ وَرَهِبُوا (¬1). ¬

_ (¬1) رواه الفريابي في "القدر" (446)، وابن وضاح في "البدع" (74)، والآجري في =

4613 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ قالَ: حَدَّثَنا سَعِيدٌ -يَعْني: ابن أَبي أَيُّوبَ-، قالَ: أَخْبَرَني أَبُو صَخْرٍ، عَنْ نافِعٍ قالَ: كانَ لابْنِ عُمَرَ صَدِيقٌ مِنْ أَهْلِ الشّامِ يُكاتِبُهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْن عُمَرَ إِنَّهُ بَلَغَني أَنَّكَ تَكَلَّمْتَ في شَيء مِنَ القَدَرِ فَإِيّاكَ أَنْ تَكْتُبَ إِلَي، فَإنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقول: "إِنَّهُ سَيَكُونُ في أُمَّتي أَقْوامٌ يُكَذِّبُونَ بِالقَدَرِ" (¬1). 4614 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الجَرّاحِ، قالَ: حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ خالِدٍ الحَذّاءِ قالَ: قلْتُ لِلْحَسَنِ: يا أَبا سَعِيدٍ أَخْبِرْني عَنْ آدَمَ، لِلسَّماءِ خلِقَ أَمْ لِلأَرْضِ؟ قالَ: لا بَلْ لِلأَرْضِ. قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوِ اعْتَصَمَ فَلَمْ يَأْكُلْ مِنَ الشَّجَرَةِ؟ قالَ: لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ. قلْتُ: أَخْبِرْني عَنْ قَوْلِهِ تَعالَى: {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} قالَ: إِنَّ الشَّياطِينَ لا يَفْتِنُونَ بِضَلالَتِهِمْ إِلَّا مَنْ أَوْجَبَ اللَّهَ عَلَيْهِ الجَحِيمَ (¬2). 4615 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، حَدَّثَنا خالِدٌ الحَذّاءُ، عَنِ الحَسَنِ في قَوْلِهِ تَعالَى: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} قالَ: خَلَقَ هؤلاء لهذِه وهؤلاء لهذِه (¬3). 4616 - حَدَّثَنا أَبُو كامِلٍ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ، حَدَّثَنا خالِدٌ الحَذّاءُ قالَ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ: {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} قالَ: إِلَّا مَنْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعالَى عَلَيْهِ أَنَّهُ يَصْلَى الجَحِيمَ (¬4). 4617 - حَدَّثَنا هِلالُ بْن بِشْرٍ، قالَ: حَدَّثَنا حَمّادٌ، قالَ: أَخْبَرَني حُمَيْدٌ، قالَ: كانَ ¬

_ = "الشريعة" 2/ 930 (529). وقال الألباني: صحيح مقطوع. (¬1) رواه أحمد 2/ 90، والحاكم 1/ 84، والبيهقي 10/ 205. وحسنه الألباني. (¬2) رواه الفريابي في "القدر" (319)، والآجري في "الشريعة" 2/ 713 - 714 (529)، والطبري في "التفسير" 23/ 109. وحسن إسناده الألباني. (¬3) رواه عبد اللَّه في "السنة" 2/ 430 (950)، والفريابي في "القدر" (62)، والآجري في "الشريعة" 2/ 719 - 720 (313). وصححه الألباني. (¬4) سبق برقم (4614).

الحَسَنُ يَقُولُ لأَنْ يُسقَطَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الأَرْضِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَقُولَ الأَمْرُ بِيَدَي (¬1). 4618 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، قالَ: حَدَّثَنا حَمّادٌ، حَدَّثَنا حُمَيْدٌ، قالَ: قَدِمَ عَلَيْنا الحَسَنُ مَكَّةَ فَكَلَّمَني فُقَهاءُ أَهْلِ مَكَّةَ أَنْ أُكَلِّمَهُ في أَنْ يَجْلِسَ لَهُمْ يوْمًا يَعِظُهُمْ فِيهِ. فَقالَ: نَعَمْ. فاجْتَمَعُوا فَخَطَبَهُمْ فَما رَأَيْتُ أَخْطَبَ مِنْة فَقالَ رَجُلٌ: يا أَبا سَعِيدٍ: مَنْ خَلَقَ الشَّيْطانَ؟ فَقالَ: سُبْحانَ اللَّهِ! هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ؟ خَلَقَ اللَّهُ الشَّيْطانَ وَخَلَقَ الخَيْرَ وَخَلَقَ الشَّرَّ. قالَ الرَّجُلُ: قاتَلَهُمُ اللَّهُ كَيفَ يَكْذِبُونَ عَلَى هذا الشَّيْخِ (¬2). 4619 - حَدَّثَنا ابن كَثِيرٍ، قالَ: أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنِ الحَسَنِ: {كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} قالَ: الشِّرْكُ (¬3). 4620 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قالَ: أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ رَجُلٍ قَدْ سَمّاهُ غَيْرِ ابن كَثِيرٍ، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ عُبَيْدٍ الصِّيدِ، عَنِ الحَسَنِ في قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} قالَ: بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الإِيمانِ (¬4). 4621 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنا سُلَيْمٌ، عَنِ ابن عَوْنٍ قالَ: كُنْتُ أَسِيرُ بِالشّامِ فَناداني رَجُلٌ مِنْ خَلْفي، فالتَفَتُّ فَإِذا رَجاءُ بْنُ حَيْوَةَ فَقالَ: يا أَبا عَوْنٍ ما هذا الذي يَذْكُرُونَ عَنِ الحَسَنِ؟ قالَ: قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَكْذِبُونَ عَلَى الحَسَنِ كَثِيرًا (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البيهقي في "القضاء والقدر" (510) من طريق أبي داود، وابن بطة في "الإبانة" 4/ 179 - 180 (1665). (¬2) البيهقي في "القضاء والقدر" (505) من طريق أبي داود، وابن بطة في "الإبانة" 4/ 181 - 182 (1671). (¬3) رواه عبد الرزاق في "التفسير" 2/ 345 - 346، والبيهقي في "القضاء والقدر" (509). (¬4) عبد الرزاق في "التفسير" 2/ 133، وابن أبي شيبة 19/ 395 (36452). وقال الألباني: ضعيف الإسناد مقطوع. (¬5) عبد اللَّه في "العلل" (2124)، وابن بطة فى "الإبانة الكبرى" 4/ 187. وقال الألباني: صحيح الإسناد مقطوع.

4622 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ، قالَ: حَدَّثَنا حَمّادٌ، قالَ: سَمِعْتُ أَيُّوبَ يَقُولُ: كَذَبَ عَلَى الحَسَنِ ضَرْبانِ مِنَ النّاسِ قَوْمٌ القَدَرُ رَأْيُهُمْ وَهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُنَفِّقوا بِذَلِكَ رَأْيَهُمْ، وَقَوْمٌ لَهُ في قلُوبِهِمْ شَنَآنٌ وَبُغْضٌ يَقُولُونَ: أَلَيْسَ مِنْ قَوْلِهِ كَذا أَلَيْسَ مِنْ قَوْلِهِ كَذا (¬1). 4623 - حَدَّثَنا ابن المُثَنَّى أَنَّ يَحْيَى بْنَ كَثِيرٍ العَنْبَري حَدَّثَهُمْ قالَ: كانَ قُرَّةُ بْنُ خالِدٍ يَقُولُ لَنا: يا فِتْيانُ لا تُغْلَبُوا عَلَى الحَسَنِ فَإنَّه كانَ رَأْيُهُ السُّنَّةَ والصَّوابَ (¬2). 4624 - حَدَّثَنا ابن المُثَنَّى وابْن بَشّارٍ قالا: حَدَّثَنا مُؤَمَّلُ بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْن زَيْدٍ، عَنِ ابن عَوْنٍ قالَ: لَوْ عَلِمْنا أَنَّ كَلِمَةَ الحَسَنِ تَبْلُغُ ما بَلَغَتْ لَكَتَبْنا بِرُجُوعِهِ كِتابًا وَأَشْهَدْنا عَلَيْهِ شُهُودًا وَلَكِنّا قُلْنا كَلِمَةٌ خَرَجَتْ لا تُحْمَلُ (¬3). 4625 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْن حَرْبٍ، قالَ: حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ قالَ: قالَ لي الحَسَنُ: ما أَنا بِعائِدٍ إِلَى شَيء مِنْهُ أَبَدًا (¬4). 4626 - حَدَّثَنا هِلالُ بْنُ بِشْرٍ، قالَ: حَدَّثنا عُثْمانُ بْنُ عُثْمانَ، عَنْ عُثْمانَ البَتّي قالَ: ما فَسَّرَ الحَسَن آيَةً قَطُّ إِلَّا عَلَى الإِثْباتِ (¬5). * * * باب في لزوم السنة [4604] (ثنا عبد الوهاب بن نجدة) الحوطي، وثقه يعقوب بن ¬

_ (¬1) رواه ابن بطة في "الإبانة الكبرى" 4/ 185، واللالكائي في "شرح أصول أعتقاد أهل السنة والجماعة" 4/ 754. وقال الألباني: صحيح لغيره. (¬2) ابن بطة في "الإبانة الكبرى" 4/ 183. وصححه الألباني. (¬3) رواه ابن بطة في "الإبانة الكبرى" 4/ 188. وصححه الألباني. (¬4) ابن بطة في "الإبانة الكبرى" 4/ 188. وصححه الألباني. (¬5) ابن بطة في "الإبانة الكبرى" 4/ 187. وصححه الألباني.

شيبة (¬1) (ثنا أبو عمرو) عثمان بن سعيد (بن كثير بن دينار) القرشي، مولاهم الحمصي، ثقة عابد (عن حريز) بفتح الحاء المهملة (ابن عثمان) الرحبي، ورحبة بطن من حمير، الحمصي، أخرج له البخاري في ذكر بني إسرائيل (¬2) (عن عبد الرحمن بن أبي عوف) أحد العشرة (¬3) (عن أبي المقدام (¬4) بن معدي كرب) غير منصرف. (عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: ألا) بتحفيف اللام حرف تنبيه (إني أوتيت الكتاب) يعني: القرآن كما في رواية (¬5) (ومثله) بالنصب (معه) أي: أحكام ومواعظ وأمثال تماثل القرآن في كونها واجبة القبول وفي المقدار، قال البغوي في "شرح السنة": أراد -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه أوتي من الوحي غير المتلو والسنن التي لم ينطق القرآن بنصها، مثل ما أوتي من المتلو، قال اللَّه تعالى: {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} (¬6) فالكتاب هو القرآن، والحكمة هي السنة، وأوتي مثله من البيان، فإن بيان الكتاب إلى الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال اللَّه تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (¬7) انتهى (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 18/ 519 (3607). (¬2) "صحيح البخاري" (3546) كتاب المناقب، باب صفة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. (¬3) عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي، وليس كما توهم المصنف أنه الصحابي الجليل المبشر بالجنة، قال الحافظ في "التقريب" (3974): ثقة من الثانية، يُقال أدرك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. (¬4) الصواب: المقدام، وليس: أبي المقدام. (¬5) رواها أحمد 4/ 130. (¬6) البقرة: 129. (¬7) النحل: 44. (¬8) "شرح السنة" 1/ 202.

وقوله: "أوتيت" يحتمل أن يكون أوتي ليلة المعراج، أو أوتي بالإلهام أو في المنام، أو نفث جبريل في روعه (ألا) بالتخفيف (يوشك) بكسر الشين (رجل شبعان) غير منصرف للوصف وزيادة الألف والنون، وفيه ذم الشبع لما ينشأ عليه من البطر والبلادة، ومن كثرة الأكل، والشبع يكنى به عن ذلك (على أريكته) متعلق بمحذوف صفة أو حال تقديره متكئ أو متكئا، أي: متكئ عليها؛ لرواية ابن ماجه: "يوشك الرجل متكئًا على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب اللَّه، فما وجدناه من حلال استحللناه، وما وجدناه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مثل ما حرم اللَّه" (¬1)، والأريكة السرير في الحجلة من دونه ستر، ولا يسمى منفردًا أريكة، وقيل: هو ما اتكئ عليه من سرير أو فراش أو منصة (¬2). (يقول) ليس فيه شاهد على حذف (أن) من خبر (أوشك) فإنه نادر كما في خبر عسى (عليكم بهذا القرآن) أي: الزموه وتمسكوا به دون غيره (فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه) أي: ما وجدتم في القرآن من حلال فاعتقدوا حله وما وجدتم فيه من حرام فاعتقدوا تحريمه دون غيره، وقد تعلق بهذا الحديث الخوارج والروافض، وأخذوا بظاهر القرآن وتركوا السنن التي تضمنت بيان القرآن، وقالوا: ليست هذِه في كتاب اللَّه، فتجبروا على اللَّه وضلوا عن السبيل، كيف وقد قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (12). (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 40.

نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (¬1)، وقد جاء في هذا الحديث بعد قوله: "فحرموه": "ألا وإن ما حرم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مثل ما حرم اللَّه" كما تقدم عن رواية ابن ماجه (ألا لا يحل لكم) أكل (لحم الحمار الأهلي) هذا مما حرم بالسنة دون الكتاب، ولهذا فصله عما قبله بقوله: "ألا لا يحل" قال ابن عبد البر: لا خلاف بين علماء المسلمين في تحريم الحمر الأهلية، وعن ابن عباس وعائشة أنهما كانا يقولان بظاهر قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} (¬2)، وتلاها ابن عباس وقال: ما خلا هذا فهو حرام (¬3). (ولا كل ذي ناب من السبع) أي: السباع التي تعدو بنابها فتضرب به وتفترس فتكسر الآدمي وغيره، وأكثر العلماء على تحريمه إلا الضبع (¬4). وقال الشعبي وسعيد بن جبير وبعض أصحاب مالك: هو مباح لظاهر الآية، لكن حديث أبي ثعلبة الخشني المتفق عليه: نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن كل ذي ناب من السباع (¬5). فخص عموم الآية، فيدخل فيه الأسد والنمر والفهد والذئب والقرد والنمس (ولا) تحل (لقطة معاهد) بفتح الهاء الذي بينه وبين المسلمين ¬

_ (¬1) الحشر: 7. (¬2) الأنعام: 145. (¬3) "التمهيد" 10/ 123. (¬4) لما رواه أبو داود (3801)، والترمذي (851)، والنسائي 5/ 191، وابن ماجه (3236)، أن عبد الرحمن بن أبي عمار قال: سألت جابر بن عبد اللَّه عن الضبع أصيد هو؟ قال: نعم، قلت: آكلها. قال: نعم. قلت: أشيء سمعتَ من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قال: نعم. (¬5) البخاري (5527)، مسلم (1936).

عهد (إلا أن يستغني) أي: إلا أن يتركها صاحبها ويبرئ ذمة ملتقطها. والمراد أن المعاهد لا يحل ما ضاع منه لملتقطه إلا بعد تعريفه سنة (عنها صاحبها) أي: يتركها لمالكها، فهو كقوله تعالى: {فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ} (¬1)، أي: تركهم اللَّه تعالى، والمراد أن المعاهد كالمسلم لا تحل لقطته إلا أن يتركها صاحبها، وذكر المعاهد لئلا يتواهن في لقطته كما قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من ظلم ذميًّا" (¬2) (ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه) بفتح الياء، تقول: قريت الضيف قرًى. مثل قليته قلًى. قيل: كان هذا في أول الإسلام، كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يبعث الجيوش إلى الغزو فيمرون بأحياء العرب، وليس هناك سوق يشترون منه الطعام ولا زاد معهم، فأوجب ضيافتهم؛ لئلا ينقطع الغزو، فلما قوي الإسلام وانتشر أمره نسخ الوجوب. وقيل: هذا في حق المضطر فإطعامه بقدر سد الرمق واجب، فعلى هذا لا يكون منسوخًا. (فإن لم يقروه) بفتح الياء (فله أن يعقبهم) بضم أوله (بمثل قراه) أي: للضيف أن يأخذ منهم قدر قراه عوضًا عن ذلك حين حرموه، وهذا في المضطر الذي لا يجد طعامًا ويخاف على نفسه التلف، يقال: عقبهم مشددًا ومخففًا، وأعقبهم إذا أخذ بدلًا عما فاته، وقد تقدم في الزكاة والأطعمة. [4611] (¬3) (ثنا يزيد بن عبد اللَّه بن موهب) بفتح الميم والهاء ¬

_ (¬1) التغابن: 6. (¬2) انظر ما سلف (3052). (¬3) هكذا تقدم شرح هذا الحديث وبعده شرح حديث (4605).

(الهمداني) بسكون الميم، الرملي، الثقة الزاهد، وهو يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد اللَّه (ثنا الليث عن عقيل) (¬1) بضم العين المهملة، مصغر، [وهو ابن] (¬2) خالد الأيلي (عن) محمد (ابن شهاب) الزهري. (أن أبا إدريس الخولاني) بفتح الخاء المعجمة، نسبة إلى خولان قبيلة نزلت الشام، وهو خولان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة، واسمه (عائذ اللَّه) بالذال المعجمة ابن عبد اللَّه، ولد عام حنين، وهو من كبار التابعين. (أن يزيد بن عميرة) بفتح العين المهملة وكسر الميم، الحمصي الزبيدي أو الكندي، ثقة من كبار التابعين نزل الكوفة (وكان من) كبار (أصحاب معاذ بن جبل -رضي اللَّه عنه-) قال ابن عبد البر: سماع أبي إدريس من معاذ عندنا صحيح (¬3). (أخبره، قال: كان) أبو إدريس الخولاني (لا يجلس مجلسًا [للذكر] (¬4) حين يجلس) له (إلا قال) قبل أن يتكلم (اللَّه حكم) والحكم هو الحاكم الذي سلم له الحكم كله ورد إليه (قسط) بكسر القاف، كذا الرواية هنا، والمشهور في غيره المقسط، ومعناه: العادل في حكمه. (هلك المرتابون) من الارتياب، وهو الشك. أي: هلك من ارتاب في شيء مما جاء عن اللَّه على لسان رسوله، والظاهر أنه خبر في معنى الدعاء، والمراد: اللهم أهلكهم، كقوله تعالى: {قَاتَلَهُمُ ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) ساقطة من (م). (¬3) من "السنن". (¬4) "الاستيعاب" 4/ 157.

اللَّهُ} (¬1) وغفر اللَّه لفلان. (فقال معاذ بن جبل -رضي اللَّه عنه- يومًا) من الأيام (إن من ورائكم) أي: أمامكم وقدامكم، كقوله تعالى: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ} (¬2) (فتنا) كثيرة (يكثر فيها المال) حتى لا يجد من يقبله حتى يعطى الفقير المال الكثير فيقول: لا حاجة لي به [لو جئتني] (¬3) بالأمس قبلته (ويفتح) بضم التحتانية أوله وفتح ثالثه، أي: يسهل اللَّه (فيها) حفظ (القرآن) وييسره على من قرأه بعد أن كان صعبًا (¬4)، ويخفف على من كان يتتعتع فيه مع أن اللَّه يسره للحفظ في أول الإسلام، ولولا ذلك ما طاق العباد أن يتكلموا بكلام اللَّه العظيم، وهذا بخلاف كتب أهل الأديان نحو التوراة والإنجيل، فإنهم إنما يتلونه نظرًا، ولا يكادون يحفظون كتبهم من أولها إلى آخرها كما يحفظ القرآن، ومن ورود الفتح بمعنى التسهيل حديث: "أوتيت مفاتيح خزائن الأرض" (¬5) فالمراد به ما سهل اللَّه للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولأمته من افتتاح البلاد الذي كان ممتنعًا (حتى يأخذه) أي: يحفظه (المؤمن والمنافق) فلا يختص حفظه بالمتقي الطائع (والرجل والمرأة، والصغير والكبير، والحر والعبد) هذا علم من أعلام النبوة إذ أخبر بما وقع بعده، ولقد شوهد قديمًا وحديثًا حفظ النساء القرآن، وكذا حفظ الصغار القرآن جميعه مع عدة من كتب غيره، يعرضها عن ظهر قلب يجري في حفظها جري الجواد. ¬

_ (¬1) التوبة: 30. (¬2) الكهف: 79. (¬3) و (¬4) مكانها بياض في (م). (¬5) رواه البخاري (2977)، ومسلم (523) من حديث أبي هريرة.

(فيوشك) أي: يشرع (قائل) من حفاظ القرآن (أن يقول: ما للناس لا يتبعوني) فيما أقول ويعظموني (وقد قرأت القرآن) كله عن ظهر قلب، وقرأت كذا وكذا من كتب الشريعة. قال أبو بكر محمد الطرسوسي في كتاب "البدع": مما ابتدعه الناس في القرآن الاقتصار على حفظ حروفه دون التفقه فيه. روى مالك في "الموطأ" أن عبد اللَّه بن عمر مكث في سورة البقرة ثمان سنين يتعلمها (¬1). لأنه كان يتعلم فرائضها وأحكامها، وحلالها وحرامها، ووعدها ووعيدها، وناسخها ومنسوخها، وغير ذلك من أحكامها. وعن مالك في "العتبية" قال: كتب إلى عمر بن الخطاب من العراق يخبرونه أن رجالًا جمعوا كتاب اللَّه، فكتب عمر أن افرض لهم في الديوان، قال: وكثر من يطلب القرآن، فكتب إليه من قابل إنه قد جمع القرآن سبعمائة رجل، فقال: إني لأخشى أن يشرعوا في القرآن قبل أن يتفقهوا في الدين، فكان لا يعطيهم شيئًا. قال مالك: معناه: مخافة أن يتأولوه غير تأويله. وهذا هو حال المقرئين في هذِه الأعصر، فإنك تجد أحدهم يروي القرآن بمائة رواية وينفق حروفه تنفيق القدح، وهو أجهل الجاهلين بأحكامه، فلو سألته عن حقيقة النية في الوضوء ومحلها وتفريقها على أعضاء الوضوء لم تجد جوابًا، وهو يتلو عمره: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} (¬2) بل لو سألته: ما أمر اللَّه على الوجوب أو ¬

_ (¬1) "الموطأ" 1/ 205. (¬2) المائدة: 6.

الندب (¬1) أو الاستحباب، أم الإباحة؟ لم تجد جوابًا. وسئل مالك عن صبي ابن سبع سنين جمع القرآن، فقال: ما أرى ما هذا ينبغي لظاهر هذا الحديث. ووجه إنكاره ما تقرر في الصحابة من كراهة الشرع حفظ القرآن دون التفقه فيه، ومن ذلك حديث مالك عن ابن مسعود: إنكم في زمن كثير فقهاؤه، قليل قراؤه، تحفظ فيه حدود القرآن وتضيع حروفه، قليل من يسأل، كثير من يعطي (¬2). وقال الحسن: إن هذا القرآن قد قرأه عبيد وصبيان (¬3). يعني: ونساء لا علم عندهم بتأويله، قال اللَّه تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (¬4)، وما تدبر آياته إلا اتباعه، أما واللَّه ما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول: واللَّه لقد قرأت القرآن كله، ما أسقطت منه حرفًا. وقد واللَّه أسقطه كله؛ ما رئي القرآن له في خلق ولا عمل، فمتى كان القراء يقولون مثل هذا، فلا كثرهم اللَّه. قال الحسن: لقد قرأ القرآن ثلاثة نفر: فرجل قرأ القرآن فأعده بضاعة يطلب بها ما عند الناس، وقوم قرؤوا القرآن فنفقوه كما ينفق القدح، وأقاموا حروفه وضيعوا حدوده، واستدروا به ما عند الولاة، واستطالوا به على أهل بلادهم، وما أكثر هذا في حملة القرآن، لا ¬

_ (¬1) مكانها بياض في (م). (¬2) "الموطأ" 1/ 173. قال الألباني في "الصحيحة" 7/ 575: صحيح معضل. (¬3) رواه سعيد بن منصور في "التفسير" 2/ 422 (135)، ومن طريقه البيهقي في "الشعب" 4/ 209 (2408). (¬4) ص: 29.

كثرهم اللَّه! ورجل قرأ القرآن فجعله على داء قلبه، فهملت عيناه، وسهر ليله وتسربل الحزن، وارتدى الخشوع، فبهم يسقي اللَّه الغيث ويدفع البلاء، وهذا في الناس أقل من الكبريت الأحمر (¬1). فمن حفظ القرآن ولم يفهمه ولا عمل بما فيه كان كما قال الشاعر: زَوَامِلُ للأَشْعارِ لا عِلْمَ عِنْدَهُمُ ... بِأحَكامِها إِلَّا كعِلْمِ الأَباعِرِ لَعَمْرُكَ ما يَدْرِي البَعِيرُ إِذا غَدَا ... بأَسْفَارِه أو رَاحَ ما في الغَرائِرِ (ما هم بمتبعيَّ) بتشديد ياء النسب آخره (حتى ابتدع لهم غيره) وقد كثرت البدع وفشت في الخلق حتى لا مطمع لأحد في حصرها؛ لأنها خطأ وباطل، والخطأ لا تنحصر سبله، وإنما الذي تنحصر مداركه وتنضبط مآخذه، وهو الحق؛ لأنه أمر واحد. (وإياكم وما ابتدع) مبني للمفعول، فيه تحذير من البدع المضلة كما سيأتي (فإن) كل (ما ابتدع ضلالة) وأصل البدعة من الاختراع، وهو الشيء يحدث من غير أصل سبق، ولا مثال احتذي، ولا ألف مثله، ومنه قولهم: أبدع اللَّه الخلق. أي خلقهم على غير مثال سبق، ومنه: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (¬2). ونظير هذا ما رواه المصنف وغيره: "إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة" (¬3) فالمراد بهذِه ¬

_ (¬1) رواه بنحوه البيهقي في "شعب الإيمان" 2/ 531 (2621). (¬2) البقرة: 117. (¬3) سلف قريبًا برقم (4607).

البدعة ما خالف الشريعة ولم يوافق السنة، فإنه في حيز الذم والإنكار، وما كان واقعًا تحت عموم ما ندب اللَّه إليه وحث عليه أو رسوله فهو في حيز المدح، لقوله -عليه السلام-: "من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها" (¬1) ومن هذا النوع [قول عمر] (¬2) في التراويح جماعة: نعمت البدعة هذِه (¬3). فلما كانت داخلة في أفعال الخير سماها بدعة ومدحها. وقد قسم ابن عبد السلام البدعة إلى خمسة أقسام: واجبة كنظم أدلة المتكلمين للرد على الملاحدة، ومندوبة كتصنيف كتب العلم وبناء المدارس والربط، ومباح كالتبسط في أنواع الأطعمة، وحرام، ومكروه، وهما ظاهران، فهو عام، والمراد غالب البدع (¬4). (وأحذركم زيغة الحكيم) وهو ما مال فيه عن الحق وعدل عنه، وقد روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا حليم إلا ذو عثرة، ولا حكيم إلا ذو تجربة" (¬5) (فإن الشيطان قد يقول كلمة) من (الضلالة على لسان الحكيم) كأن يتكلم الشيطان بكلمة الضلالة، فيسمعها الناس ويظهر لهم أنها من الحكيم، وذلك محنة من اللَّه يمتحن بها عباده، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1017). (¬2) ساقطة من (م). (¬3) رواه مالك في "الموطأ" 1/ 114، والبيهقي في "شعب الإيمان" 3/ 177 (3269). (¬4) "قواعد الأحكام في مصالح الأنام" 2/ 204، وقد مَثل للبدعة المحرمة بالمذاهب المنحرفة كالقدرية والجهمية والمرجئة. .، ومثل للبدعة المكروهة بزخرفة المسجد وتزويق المصحف. (¬5) "سنن الترمذي" (2033). ورواه أحمد 3/ 8، 69. وصححه الحاكم في "المستدرك" 4/ 293، وابن حبان في "صحيحه" 1/ 421 (193).

ويحتمل أن الشيطان يوسوس للحكيم في قلبه بكلمة الضلالة فيسبق لسانه إليها على سبيل السهو والذهول عما ينطق به لسانه؛ ليضل اللَّه بتلك الكلمة من يشاء، ثم إن الحكيم قد يهتدي إلى ما جرى على لسانه فيرجع إلى الحق، وقد يشتهر عنه فلا يستطيع إبطالها. (وقد يقول المنافق) أو الكافر (كلمة الحق) والصواب بأن يجريها اللَّه على لسانه وإن لم يكن من أهلها، ولعل هذا هو السر في قوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} (¬1) ولم يقل: من يتقي اللَّه تعالى. بل يدخل في السنة المؤمن والمنافق، كما روي عن علي -رضي اللَّه عنه- أنه قال لرجل خرج من الحمام: طهرت فلا نجست. فلم يجبه، وهناك مجوسي فقال: هلا أجبت أمير المؤمنين؟ ! قال: بأي شيء أجيبه؟ قال: قل له: سعدت فلا شقيت. فقال علي: الحكمة ضالة المؤمن، خذوها ولو من أفواه المشركين (¬2). (قال: قلت لمعاذ) بن جبل (ما يدريني) بضم أوله ([رحمك اللَّه] (¬3) أن الحكيم قد يقول كلمة الضلالة وأن المنافق قد يقول كلمة الحق؟ ) أي: بأي شيء أعلم كلمة الحق من الباطل؟ (قال: بلى) إن أردت معرفة الصواب من ذلك. (اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات) التي اشتهرت بين الناس وظهر ¬

_ (¬1) البقرة: 269. (¬2) ذكره النووي في الأذكار 1/ 431، وقال: هذا المحل لم يصح فيه شيء. وأما المرفوع منه وهو: "الحكمة ضالة المؤمن" فرواه الترمذي (2687) وقال: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وإبراهيم بن الفضل المخزومي يضعف في الحديث من قبل حفظه. (¬3) من "السنن".

شنعها في الشريعة وقبحها مع اشتباه حقيقتها فهي (التي يقال) فيها (ما هذِه؟ ) الكلمة (ولا يثنينك) (¬1) بفتح أوله وسكون المثلثة وتشديد نون التوكيد الثقيلة، أي: لا يصرفنك ويصدنك (ذلك عنه) أي: عن متابعة الحكيم الذي أرجح كلامه الحكمة الصادرة عن العقل الكامل والفهم الثاقب (فإنه لعله أن يراجع) بكسر الجيم، أي: يرجع إلى الحكمة والصواب (وتلق) بفتح المثناة فوق واللام والقاف المشددة (الحق) أي: استقبلته بكليتك وخذه وتفهمه واعمل به، وعلمه للمحتاج إليه (إذا سمعته) من الحكيم أو غيره (فإن على الحق نورًا) أي: كلمة الحق لها نور وضوء كضوء النهار، كما أن كلمة الباطل عليها ظلمة كظلمة الليل ينكرها القلب كما يقبل كلمة الحق. (قال) المصنف (قال معمر) في روايته (عن الزهري في هذا) الحديث (ولا يثانيك) بضم أوله وتخفيف المثلثة وكسر النون وسكون التحتانية، وروي: ولا ينئينك (¬2). بضم المثناة تحت وسكون النون بعدها وكسر الهمزة وفتح المثناة الثانية وتشديد نون التوكيد، من النأي، وهو البعد، قال اللَّه تعالى: {وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} (¬3) أي: لا تطردنك وتبعدنك تلك الكلمة من الضلالة التي تكلم بها الشيطان على لسانه (ذلك عنه) أي: عن اتباعه (مكان يثنينك) ذلك عنه. و(قال صالح بن كيسان) في روايته (عن الزهري في هذا) الحديث ¬

_ (¬1) ورد في صلب (ل)، (م): نسخة: يثنيك. (¬2) هو ما في المطبوع. (¬3) الأنعام: 26.

(المشبهات) بفتح الشين والموحدة المشددة، وفي بعضها: المشتبهات بزيادة المثناة. أي: المشتبهات اللائي أشتبه أمرها على كثير من الناس لترددها بين معان محتملة حتى يقول القائل: ما هذِه؟ (مكان المشتهرات) كما تقدم (وقال) في هذِه (لا يثنيك كما قال عقيل) بالتصغير فيما تقدم. (وقال) محمد (ابن إسحاق) بن يسار، أخرج له مسلم (عن الزهري قال: بلى ما تشابه) بفتح المثناة فوق وتخفيف الشين (عليك من قول الحكيم) وهو الذي يحتمل أن يكون كلمة حق وكلمة باطل (حتى يقول) السامع للكلمة (ما أراد بهذِه الكلمة) فما كان من هذا المشتبه فاجتنبه حتى يتضح أمره، ولا يصدنك ذلك عن الحكيم. [4605] (ثنا أحمد بن محمد بن حنبل وعبد اللَّه بن محمد النفيلي قالا: ثنا سفيان) بن عيينة (عن أبي النضر) سالم بن أبي أمية (عن عبيد اللَّه) بالتصغير (ابن أبي رافع، عن أبيه) أبي رافع مولى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: ألا) (¬1) بتخفيف اللام (ألفين) بضم الهمزة وكسر الفاء وتشديد النون، أي: لا أجدن. من قوله تعالى: {بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} (¬2) ويجوز: (لا ألفين) بفتح الهمزة والقاف، والمعنى متقارب، فقوله: (لا ألفين) نفي في معنى النهي، كقوله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)} (¬3). ¬

_ (¬1) بعدها في (ل): خـ: لا ألفين، وهو ما في المطبوع. (¬2) البقرة: 17. (¬3) الواقعة: 79.

(أحدكم متكئًا على أريكته) قال الأزهري: كل ما يتكأ عليه فهو أريكة (يأتيه الأمر من أمري) قال البغوي: أريد بهذِه الصفة أصحاب الترف والدعة الذين لزموا البيوت وقعدوا عن طلب العلم (¬1). يعني: من مظانه (مما أمرت به) هو بدل من "أمري" الذي قلته (أو نهيت عنه، فيقول: لا ندري) نتبين القرآن (ما وجدناه في كتاب اللَّه) تعالى (اتبعناه) وما لا فلا، وأراد بهذِه الصفة أصحاب الترفه والدعة الذين لزموا البيوت والنوم على السرر المرتفعة والعوالي المترفهات الذين غذوا بالنعيم ونشؤوا عليه، فألهاهم ذلك عن طلب الحديث والرحلة في تحصيله والتردد إلى مشايخه والتفهم فيه، والبحث عن معانيه والجمع بين الكتاب والسنة، وفيه النهي عن الاتكاء على الأرائك والمداومة عليه، والإعراض عن الأحاديث النبوية، ورد الأحاديث التي قصر في تحصيلها، فمن لم يقبل الأحاديث ويعمل بها، فكأنه لم يقبل القرآن ولا عمل بقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (¬2). [4606] (ثنا محمد بن الصباح البزاز) بزاءين، أبو [جعفر] (¬3) التاجر الدولابي مصنف "السنن" (ثنا إبراهيم بن سعد) سيأتي. (وثنا محمد بن عيسى) بن سورة (¬4) (ثنا عبد اللَّه [بن جعفر] (¬5) ¬

_ (¬1) "شرح السنة" 1/ 201. (¬2) الحشر: 7. (¬3) ساقطة من النسخ، والمثبت كما في مصادر ترجمته. (¬4) كذا في (ل)، (م)، وهو خطأ، والصواب: (الطباع)، فابن سورة هو الإمام الترمذي، ولم يرو عنه أبو داود، إنما الثابت العكس. (¬5) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

المخرمي) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وتخفيف الراء، نسبة إلى جده، فإنه عبد اللَّه بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة من أهل المدينة، أخرج له مسلم. (وإبراهيم بن سعد) الزهري المدني (عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن (¬1) بن عوف الزهري (عن القاسم (¬2) بن محمد) التيمي الفقيه. (عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من أحدث في أمرنا ما ليس فيه فهو رد) أي: مردود عليه باطل غير معتد به، وهذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام، وهو من جوامع كلمه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو صريح في رد كل البدع الحادثة المخالفة لقواعد الشرع والمخترعات التي أحدثت بعده، وفي الحديث دليل على ما قاله الأصوليون أن النهي يقتضي الفساد، ومن قال: لا يقتضي الفساد يقول: هذا خبر واحد، فلا يكفي في إثبات هذِه القاعدة العظيمة، قال النووي: وهذا جواب فاسد (¬3). (قال) محمد (ابن عيسى) في روايته (قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: من صنع أمرًا على غير أمرنا) أي: على غير أصول شريعتنا وسننا (فهو رد) أي: مردود عليه لا يعمل به ولا يلتفت إليه، وقد اختلف حال المنهيات في الشرع، فبعضها يصح كالطلاق في الحيض، وبعضها لا يصح كبيع الملاقيح والمضامين، وبعضها مختلف فيه كالبيع وقت النداء، وعدة ¬

_ (¬1) في (م): اللَّه. (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) "مسلم بشرح النووي" 12/ 16.

هذا كتب الأصول. [4607] (ثنا أحمد بن حنبل، ثنا الوليد (¬1) بن مسلم) عالم أهل الشام (ثنا ثور بن يزيد) الحمصي الحافظ، أخرج له البخاري (حدثني خالد بن معدان، حدثني عبد الرحمن بن عمرو) بن عبسة (السلمي) بضم السين من بني سليم، صدوق (وحجر) (¬2) بضم الحاء المهملة وسكون الجيم، ثم راء (ابن حجر) بضم الحاء أيضًا الكلاعي بفتح الكاف وتخفيف اللام، الحمصي، مقبول. (قالا: أتينا العرباض بن سارية) السلمي (وهو ممن نزل فيه) قوله تعالى: ({وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ}) وهم نفر من قبائل شتى ({لِتَحْمِلَهُمْ}) وكانوا سألوه أن يحملهم على الدواب ليغزوا عليها ({قُلْتَ}) لهم ({لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ}) لأن الشقة بعيدة والرجل يحتاج إلى بعيرين بعير يركبه وبعير يحمل ماءه وزاده، وكان العرباض من بني سليم من النفر الذين طلبوا أن يحملهم، وكان من فقهاء أهل الصفة (فسلمنا) على العرباض (وقلنا) له (أتيناك زائرين) مثنى الزائر المتفقد حال صاحبه من محبة لا من سبب طرأ عليه (وعائذين) العائذ بالذال المعجمة المستجير بالشخص المتفقد إذا كان شاكيا من شيء أصابه، فهو فاعل بمعنى المفعول، كقولهم: سر كاتم (ومقتبسين) جمع مقتبس، والمقتبس الذي يطلب نورًا ليستضيء به. والمراد هنا الطالبين علمًا يستضيئون به من ظلمة الجهل، ومنه ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع)، وقبلها في النسخ زاد: أبو. وهو خطأ. (¬2) فوقها في (ل): (د).

الحديث: "من اقتبس علمًا من النجوم اقتبس شعبة من السحر" (¬1). (فقال العرباض: صلى بنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذات يوم) من الأيام (ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت) بفتح الذال المعجمة والراء، أي: جرت (منها العيون) أي: عيون الحاضرين (ووجلت) بكسر الجيم، أي: خافت؛ لأن الموعظة كانت موعظة تخويف ووعيد (منها القلوب، فقال قائل: يا رسول اللَّه كأن هذِه موعظة مودع) أي: كأنك تودعنا بهذِه الخطبة البليغة (فماذا تعهد إلينا) أي: فماذا الذي توصينا به، لفظ ابن ماجه: فاعهد إلينا (¬2). (فقال: أوصيكم بتقوى اللَّه والسمع والطاعة) هو ظاهر في وجوب السمع والطاعة للأئمة والأمراء والقضاة، ولا خلاف فيه إذا لم يأمروا بمعصية (وإن) بسكون النون، وروي: "إن عبدًا حبشيًّا" تقديره: وإن كان عبدًا حبشيًّا (عبد حبشي) كذا بالرفع كما في الترمذي (¬3)، وفي بعض النسخ المعتمدة: "وإن عبدًا حبشيًّا" كما في مسلم، وكلاهما جائز، وتقدير الرفع: وإن تأمر وولي عليكم عبد، كقوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ} (¬4) تقديره: وإن استجارك أحد. وتقدير النصب: وإن كان المتأمر ¬

_ (¬1) سلف برقم (3905) من حديث ابن عباس. ورواه ابن ماجه (3726)، وأحمد 1/ 311. وهو حديث صحح إسناده الحافظ العراقي في "المغني" 2/ 1029 (3747)، والشيخ أحمد شاكر في "شرح المسند" 4/ 302 (2841)، وصححه الألباني في "الصحيحة" (793). (¬2) "سنن ابن ماجه" (42). (¬3) "سنن الترمذي" (2676)، وفي المطبوع: بالنصب. (¬4) التوبة: 6.

الحاكم (¬1) عبدًا حبشيًّا، فإن حذف (كان) مع اسمها كثير، ومنه قول الشاعر: قد قيل ما قيل إن صدقًا وإن كذبًا ... فما اعتذارك في قول إذا قيلا وزاد مسلم: "مجدع الأطراف" (¬2)، وهذا مبالغة في وصف هذا العبد بالصفة، وهذا مبالغة على عادة العرب في تمثيلهم المعاني وتأكيدها، كما قال عليه السلام: "من بنى مسجدًا ولو مفحص قطاة" (¬3) [ومفحص القطاة] (¬4) لا يصلح للمسجد، وإنما تمثيل للصغر، وفيه دليل على جواز تأمير العبد فيما دون الإمامة الكبرى؛ لأن الاتفاق على أن الإمام الأعظم لا بد أن يكون حرًّا، وكذا القاضي؛ لأنها مناصب دينية تتعلق بها أحكام شرعية. (فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا) هذا علم من أعلام النبوة في وقوع الاختلاف الذي بعده (فعليكم بسنتي) فيه الحث على شدة الملازمة للسنة؛ لأن من أراد أن يأخذ أخذًا شديدًا يمسكه بكلتا يديه (وسنة الخلفاء المهديين) أمره -صلى اللَّه عليه وسلم- بسنة الخلفاء لأمرين: أحدهما: ¬

_ (¬1) في (م): الحكم. (¬2) مسلم (648/ 240، 1837). (¬3) رواه ابن ماجه (738) من حديث جابر. قال الحافظ العراقي في "المغني" 1/ 106 (402): سنده صحيح، وفي الباب عن أبي ذر وابن عباس وعائشة. وأصله في البخاري (450)، ومسلم (533) من حديث عثمان بن عفان. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

التقليد لمن عجز عن النظر. والثاني: الترجيح عند اختلاف الصحابة، نبه عليه في "الموطأ" المهدي الذي هداه اللَّه تعالى الحق (الراشدين) والمراد بـ "المهديين الراشدين" الخلفاء الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وإن كان اللفظ عامًّا في كل من سار سيرهم من الأئمة (تمسكوا بها) بيديكم (وعضوا عليها بمالنواجذ) أي: احترصوا على ملازمة السنة كما يلزم العاض على الشيء بنواجذه؛ خوفا من ذهابه وتفلته منه، والنواجذ بالجيم والذال المعجمة: هي الأنياب، وقيل: الأضراس التي هي آخر الأسنان. ويسمى ضرس الحلم؛ لأنه نبت بعد البلوغ، أي: أمسكوها وعضوا عليها بجميع الفم والأسنان، ولا تأخذوها بأطراف الأسنان، وقد يكون معناه الصبر على ما يصيبه من المضض في ذات اللَّه تعالى. (وإياكم ومحدثات) بخفض التاء علامة جمع المؤنث، والمحدثات جمع محدثة (الأمور، فإن كل محدثة) بفتح الدال (بدعة، وكل) بالرفع (بدعة ضلالة) زاد ابن ماجه: "وقد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها، ولا يزيغ عنها بعدي إلا هالك" (¬1)، والمحدث على قسمين: محدث ليس له أصل إلا الشهرة والعمل بشهوة النفس وإرادتها، وهذا باطل، ومحدث على قواعد الأصول وممهد عليها، فليس ذلك ببدعة ولا ضلالة. [4608] (ثنا مسدد، ثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن) عبد الملك ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (43).

(ابن جريج، حدثني سليمان بن عتيق) بفتح المهملة المدني، أخرج له مسلم، ومن قال فيه: عتيك. فقد وهم. (عن طلق بن حبيب، عن الأحنف بن قيس، عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: ألا هلك المتنطعون) وهم المتعمقون في الشيء المبالغون في الحرص فيما لا تبلغه عقولهم على مذاهب أهل علم الكلام فيما لا يعنيهم، ومنه المتجاوزون علم الشريعة وحدودها بالوسوسة وتلاعب الشيطان (ثلاث مرات) كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاث مرات؛ لتفهم عنه وتحفظ (¬1). * * * ¬

_ (¬1) رواه بنحوه البخاري (95).

باب لزوم السنة [4609] (ثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي العابد، شيخ مسلم (ثنا إسماعيل بن جعفر) المدني (أخبرني العلاء بن عبد الرحمن) مولى الحرقة، أحد علماء المدينة، أخرج له مسلم (عن أبيه) عبد الرحمن ابن يعقوب، مولى الحرقة الجهني، أخرجه له مسلم (عن أبي هريرة -صلى اللَّه عليه وسلم- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص) بفتح الياء، وضم القاف، كما قال: {لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا} (¬1) (ذلك من أجورهم شيئًا) يعني: إذا أعطي المتبوع مثل أجر من تبعه وعمل بما دعاه إليه لا يحصل من ذلك نقص في أجر العامل، لكن الظاهر أنه لا يتساوى من عمل بمن لم يعمل، لكن يقال: إن أجر العامل مضاعف ثوابه، وأجر من دعا إلى العمل ولم يعمل كامل من غير مضاعفة الثواب. (ومن دعا إلى ضلالة) أي: دل عليها ورغب في فعلها (فإن (¬2) عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا) وهذا صريح في استحباب سن الأمور الحسنة وتحريم سن الأمور السيئة، وأنه من سن سنة حسنة كان له مثل (¬3) أجر كل من يعمل بها إلى يوم القيامة، ومن دعا إلى هدى كان له مثل أجور كل من تبعه، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه مثل آثام كل من تبعه (¬4)، سواء كان ذلك الهدى والضلالة هو ¬

_ (¬1) التوبة: 4. (¬2) في المطبوع: كان. (¬3) في (ل)، (م): من. والمثبت هو ما يقتضيه السياق. (¬4) ورد في معنى هذا الكلام حديث، رواه مسلم (2674).

الذي ابتدأه، أو كان مسبوقًا إليه، وسواء كان ذلك تعليم علم أو عبادة أو أدب أو تجنب محرم أو مكروه، فإن الهداية كما تكون بالفعل تكون بالترك، وسواء عمل بها التابع في حياة الدال على العمل أو بعد موته. [4610] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري، عن عامر بن سعد) بن أبي وقاص (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص -رضي اللَّه عنه- (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن أعظم المسلمين في المسلمين جرمًا) قال ابن مالك في "مثلثه": الجرم بضم الجيم: الإثم (¬1). وقال القرطبي: الجرم والجريمة: الذنب (¬2). قال القاضي عياض: المراد بالجرم هنا الحدث على المسلمين لا أنه الجرم الذي هو الإثم المعاقب عليه؛ لأن السؤال كان مباحًا، ولهذا قال عليه السلام: "سلوني" (¬3). قال النووي: وهذا الذي قاله القاضي ضعيف، بل باطل، والصواب الذي قاله الخطابي وصاحب "التحرير" وجماهير العلماء في شرح هذا الحديث أن المراد بالجرم هنا الإثم والذنب، قالوا: وهذا الحديث فيمن سأل تكلفًا أو تعنتا فيما لا حاجة به إليه، فأما من سأل لضرورة، [بأن] (¬4) وقعت له مسألة فسأل عنها، فلا إثم عليه ولا عيب؛ لقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} (¬5). ¬

_ (¬1) "الإعلام بمثلث الكلام" (ص 33). (¬2) "المفهم" 6/ 166. (¬3) "إكمال المعلم" 7/ 329، والحديث رواه البخاري (92)، ومسلم (2360) من حديث أبي موسى، وفي الباب عن غيره. (¬4) ليست في (ل)، (م) والمثبت من "شرح النووي". (¬5) النحل: 43. "مسلم بشرح النووي" 15/ 110.

قال القرطبي: أدب اللَّه الصحابة بقوله تعالى: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} (¬1) بترك السؤال عما ليس بمهم، وخصوصًا عما تقدم من أحوال الجاهلية التي عفا عنها، ولما سمعت الصحابة هذا كله انتهت عن سؤال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلا في أمر لا يجدون منه بدًّا، ولذلك قال أنس: نهينا أن نسأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن شيء، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل العاقل من أهل البادية، فيسأله ونحن نسمع (¬2) (¬3). (من سأل عن شيء (¬4) لم يحرم) بضم أوله، وتشديد الراء، أي: لم يحرمه اللَّه تعالى ولا رسوله (فحرم) بضم الحاء وتشديد الراء المكسورة (على الناس من أجل مسألته) أي: عوقب لأجل سؤاله تعنتا وعبثًا بتحريم ما سأل عنه، والتحريم إذا وقع يعم السائل عنه وغيره، وهذا من أعظم الجرائم، وهو تحريم ما كان معفوًّا عنه، إذ فيه التشديد في الشريعة. قال القرطبي: هذا الحديث (¬5) صريح في أن السؤال الذي على هذا الوجه ويحصل للمسلمين الحرج منه هو من أعظم الذنوب (¬6). من حديث ابن كثير زيادة خمسة عشر حديثًا أو أربعة عشر ليست من رواية الخطيب ولا اللؤلؤي، وهي ثابتة عند ابن داسة وابن الأعرابي. * * * ¬

_ (¬1) المائدة: 101. (¬2) رواه مسلم (12). (¬3) "المفهم" 6/ 165 - 166. (¬4) في المطبوع: أمر. (¬5) ساقطة من (م). (¬6) "المفهم" 6/ 166.

8 - باب في التفضيل

8 - باب فِي التَّفْضِيلِ 4627 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا أَسْوَدُ بْنُ عامِرٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ ابْنُ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ عُبَيدِ اللَّهِ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قالَ: كُنّا نَقُولُ في زَمَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لا نَعْدِلُ بِأَبي بَكْرٍ أَحَدًا ثُمَّ عُمَرَ ثُمَّ عُثْمانَ ثُمَّ نَتْرُكُ أَصْحابَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لا نُفاضِلَ بَيْنَهُمْ (¬1). 4628 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَنا يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ قالَ: قالَ سالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: إِنَّ ابن عُمَرَ قالَ: كُنّا نَقُولُ وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- حَي: أَفْضَلُ أُمَّةِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعْدَهُ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمانُ -رضي اللَّه عنهم- أَجْمَعِينَ (¬2). 4629 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، حَدَّثَنا جامِعُ بْنُ أَبي راشِدٍ، حَدَّثَنا أَبُو يَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدِ ابن الحَنَفِيَّةِ قالَ: قُلْتُ لأَبَي: أي النّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قالَ: أَبُو بَكْرٍ. قالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ عُمَرُ. قالَ: ثُمَّ خَشِيتُ أَنْ أَقُولَ: ثُمَّ مَنْ؟ فَيَقُولَ: عُثْمانُ، فَقلْتُ: ثُمَّ أَنْتَ يا أَبَةِ؟ قالَ: ما أَنا إِلا رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ (¬3). 4630 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ مِسْكِينٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدٌ -يَعْني: الفِرْيابي- قالَ: سَمِعْتُ سُفْيانَ يَقُولُ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ عَلِيًّا عليه السلام كانَ أَحَقَّ بِالوِلايَةِ مِنْهُما فَقَدْ خَطَّأَ أَبا بَكْرٍ وَعُمَرَ والمُهاجِرِينَ والأَنْصارَ، وَما أُراهُ يَرْتَفِعُ لَهُ مَعَ هذا عَمَلٌ إِلَى السَّماءِ (¬4). 4631 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ فارِسٍ، حَدَّثَنا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنا عَبّادٌ السَّمّاكُ قالَ: ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3697). (¬2) رواه أحمد في "فضائل الصحابة" (64). وصححه الألباني. (¬3) رواه البخاري (3671). (¬4) رواه أبو نعيم في "الحلية" 7/ 31. وقال الألباني: صحيح الإسناد مقطوع.

سَمِعْتُ سُفْيانَ الثَّوْري يَقُولُ: الخُلَفاءُ خَمْسَةٌ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمانُ وَعَلي وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ -رضي اللَّه عنهم- (¬1). * * * باب في التفضيل [4627] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا أسود (¬2) بن عامر) شاذان (ثنا عبد العزيز بن أبي سلمة) دينار الماجشون (عن عبيد اللَّه) بالتصغير بن (عبد اللَّه) (¬3). (عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال: كنا نقول في زمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا نعدل بأبي بكر) الصديق (أحدًا) من الصحابة. (ثم) بعده (عمر) بفتحة هي علامة الجر؛ لأنه غير منصرف (ثم عثمان) كذا للبخاري (¬4)، ولفظ الترمذي: كنا نقول ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حي: أبو بكر وعمر وعثمان (¬5). واستدل أهل السنة بهذا الحديث على تقديم عثمان على علي، ورواه الطبراني بلفظ أصرح في التفضيل وزاد فيه اطلاعه [-صلى اللَّه عليه وسلم- ¬

_ (¬1) رواه البغوي في "الجعديات" (1904)، وابن الأعرابي في "معجمه" (1659)، وابن المقرئ في "معجمه" (632)، واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" 8/ 1473. وقال الألباني: ضعيف الإسناد مقطوع. (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) كذا في النسخ، وهو خطأ، والصواب: (عمر)، انظر: "تهذيب الكمال" 19/ 124 (3668)، 18/ 152 (3455). (¬4) "صحيح البخاري" (3655). (¬5) "سنن الترمذي" (3707).

وتقريره، ولفظه: كنا نقول ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-] (¬1) حي: أفضل هذِه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر وعثمان، فيسمع ذلك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ولا ينكره (¬2). (ثم نترك أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لا نفاضل) (¬3) بضم النون وكسر الضاد المعجمة (بينهم). قال أبو منصور البغدادي: أصحابنا مجمعون على أن أفضل الصحابة الخلفاء الأربعة، ثم الستة الباقون إلى تمام العشرة ثم البدريون. وأما هذا الحديث فقال الخطابي: إنه أراد به الشيوخ وذوي الأسنان منهم الذين كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا حزبه أمر شاورهم فيه، وكان علي -رضي اللَّه عنه- في زمانه حديث السن، ولم يرد ابن عمر رضي اللَّه عنهما الازدراء بعلي ولا تأخيره في الفضيلة، ودفعه عنها بعد عثمان، فإن فضله مشهور لا ينكره ابن عمر ولا غيره من الصحابة (¬4). وقال غيره: لا بد من نحو هذا التأويل وألا يلزم منه نقص كبير من القواعد المقررة من عدم تقديمه العشرة على غيرهم، وأهل بدر وبيعة الرضوان وأصحاب الهجرتين ونحوهم على سائرهم. قال الكرماني: ولا حجة في لفظ: (كنا نترك) ولئن سلمنا فقد عارضه دليل أقوى منه على أفضليته، ولئن سلمنا مساواته فهو لا يدل على أنه كان في جميع أزمنة حياة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلعله كان في أولها، ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) "المعجم الكبير" 12/ 285 (13132)، "مسند الشاميين" 3/ 40 (1764). (¬3) قبلها في (ل)، (م): نسخة: نفضل. (¬4) "معالم السنن" 4/ 279 - 280.

وقد ظهر في آخرها فضله عليهم (¬1). [4628] (ثنا أحمد بن صالح) الطبري المصري، شيخ البخاري (ثنا عنبسة، ثنا يونس، عن ابن شهاب قال: قال سالم بن عبد اللَّه: إن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال: كنا نقول ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حي) بين أظهرنا (أفضل أمة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعده أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان) زاد الطبراني: فيسمع ذلك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ولا ينكره (¬2). كما تقدم. [4629] (ثنا محمود (¬3) بن كثير) العبدي (ثنا سفيان) بن سعيد الثوري (ثنا جامع بن أبي راشد) أخو الربيع بن أبي راشد (ثنا أبو يعلى) المنذر بن يعلى الثوري، الكوفي (عن محمد ابن الحنفية) منسوب إلى أمه، وهو ابن علي بن أبي طالب. (قال: قلت لأبي) وهو علي بن أبي طالب (أي الناس خير بعد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قال: أبو بكر) الصديق -رضي اللَّه عنه- (قال: قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر. قال: ثم خشيت أن أقول) له (ثم من؟ فيقول: عثمان. فقلت: ثم أنت يا أبة) فإن قلت: لم خشي ابن الحنفية من الحق؟ فالجواب: لعله قاله بناء على ما غلب على ظنه أن عليًّا خير من عثمان، كما ذهب إليه أهل الكوفة، فخاف أن أباه عليًّا يقول: عثمان خير مني. ويكون ذلك القول منه على سبيل الهضم والتواضع، ويفهم منه هو بيان الواقع، فيضطرب حال الاعتقاد فيه. ¬

_ (¬1) "البخاري بشرح الكرماني" 14/ 233. (¬2) تقدم عما قليل. (¬3) كذا في النسخ، وهو خطأ، والصواب: (محمد) كما في "السنن".

(قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين) أي: لا أتفضل على عثمان ولا غيره من الصحابة -رضي اللَّه عنهم-. [4630] (ثنا محمد بن مسكين) بن نميلة اليمامي، شيخ الشيخين (ثنا محمد يعني) محمد بن يوسف (الفريابي) بكسر الفاء وسكون الراء ثم مثناة تحت وبعد الألف موحدة، وفرياب، ويقال: فارياب، مدينة بالترك. (قال: سمعت سفيان) الثوري (يقول: من زعم أن عليًّا -رضي اللَّه عنه- كان) هو (أحق بالولاية منهما) أي: من أبي بكر وعمر (فقد خطأ) بفتح الخاء والطاء المشددة (أبا بكر وعمر) في أخذهما الخلافة مع وجود علي (و) خطَّأ (المهاجرين والأنصار) حين قالوا بولايتهما وعقدوا البيعة لهما. (وما أراه) بضم الهمزة، أي: أظنه (يرتفع له مع هذا عمل) صالح (إلى السماء) أي: زاعم هذا لا يرتفع عمله إلى السماء، بل يؤخر حتى يتوب، كما أن المتشاحنين لا يرتفع لهما عمل حتى يصطلحا فيقال: "أخرا هذين حتى يصطلحا" (¬1) فلا يصعد لهما عمل، ولا يعرض على اللَّه تعالى، كما جاء في الحديث الآخر أن الملائكة تصعد بصحائف الأعمال فتعرضها على اللَّه تعالى، فيقول اللَّه تعالى: ضعوا هذا واقبلوا هذا (¬2). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2565) من حديث أبي هريرة. (¬2) رواه البزار في "البحر الزخار" 14/ 9 (7388)، والطبراني في "الأوسط" 6/ 183 (6133)، والدارقطني 1/ 76، وأبو القاسم الأصبهاني في "الترغيب والترهيب" 1/ 125 (122)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 55/ 184، 73/ 108 - 109، وأبو طاهر السلفي في "معجم السفر" (327) من حديث أنس. والحديث ضعفه الألباني في "الضعيفة" (2672، 5154).

[4631] (ثنا محمد بن يحيى بن فارس) الذهلي (ثنا قبيصة، ثنا عباد السماك) مجهول، قال في "الميزان": روى عنه قبيصة، لا ندري من هو (¬1). (قال: سمعت سفيان) الثوري (يقول: الخلفاء) المهديون (خمسة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز) بن مروان، اجتنب أعمال أهل بيته وترك لعن أبي تراب، وتوفي في شهر رجب سنة إحدى ومائة بعد مكثه ثلاثين (¬2) شهرًا في الخلافة. * * * ¬

_ (¬1) "ميزان الاعتدال" 2/ 380 (4151). (¬2) ساقطة من (م).

9 - باب في الخلفاء

9 - باب فِي الخُلَفاءِ 4632 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، قالَ مُحَمَّدٌ: كَتَبْبُهُ مِنْ كِتابِهِ، قالَ: أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: كانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَجُلًا أَتَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ: إِنّي أَرى اللَّيْلَةَ ظُلَّةً يَنْطِفُ مِنْها السَّمْنُ والعَسَلُ، فَأَرى الِنّاسَ يَتَكَفَّفُونَ بِأَيْدِيهِمْ، فالمُسْتَكْثِرُ والمُسْتَقِلُّ، وَأَرى سَبَبًا واصِلًا مِنَ السَّماءِ إِلَى الأَرْضِ، فَأَراكَ يا رَسُولَ أَخَذْتَ بِهِ فَعَلَوْتَ بِهِ ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلا بِهِ ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلا بِهِ ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فانْقَطَعَ، ثُمَّ وُصِلَ فَعَلا بِهِ. قالَ أَبُو بَكْرٍ: بِأَبي وَأُمّي لَتَدَعَنّي فَلأَعْبُرَنَّها. فَقالَ: "اعْبُرْها". قالَ: أَمّا الظُّلَّةُ فَظُلَّةُ الإِسْلامِ وَأَمّا ما يَنْطِفُ مِنَ السَّمْنِ والعَسَلِ. فَهُوَ القُرْآنُ لِينُهُ وَحَلاوَتُهُ وَأَمّا المُسْتَكْثِرُ والمُسْتَقِلُّ فَهُوَ المُسْتَكْثِرُ مِنَ القُرْآنِ والمُسْتَقِلُّ مِنْهُ وَأَمّا السَّبَبُ الواصِلُ مِنَ السَّماءِ إِلَى الأَرْضِ فَهُوَ الحَقُّ الذي أَنْتَ عَلَيْهِ تَأْخُذُ بِهِ فَيُعْلِيكَ اللَّهُ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ بَعْدَكَ رَجُلٌ فَيَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ اَخَرُ فَيَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَيَنْقَطِعُ، ثُمَّ يُوصَلُ لَهُ فَيَعْلُو بِهِ، أي رَسُولَ اللَّهِ لَتُحَدِّثَنّي أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ؟ . فَقالَ: "أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا". فَقالَ: أَقْسَمْتُ يا رَسُولَ اللَّهِ لَتُحَدِّثَنّي ما الذي أَخْطَأْتُ؟ . فَقالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تُقْسِمْ" (¬1). 4633 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنا سُلَيْمانُ ابْنُ كَثِيرٍ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابن عَبّاسٍ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بهذِه القِصَّةِ، قالَ: فَأَبَى أَنْ يُخْبرَهُ (¬2). 4634 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصاري، حَدَّثَنا الأَشْعَثُ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَبي بَكْرَةَ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ ذاتَ يَوْمٍ: "مَنْ رَأى مِنْكُمْ ¬

_ (¬1) سبق برقم (3268). (¬2) سبق برقم (3269).

رُؤْيا؟ ". فَقالَ رَجُلٌ: أَنا رَأَيْتُ كَأَنَّ مِيزانًا نَزَلَ مِنَ السَّماءِ فَوُزِنْتَ أَنْتَ وَأَبُو بَكْرٍ فَرُجِحْتَ أَنْتَ بِأَبي بَكْرٍ، وَوُزِنَ عُمَرُ وَأَبُو بَكْرٍ فَرُجِحَ أَبُو بَكْرٍ، وَوُزِنَ عُمَرُ وَعُثْمانُ فَرُجِحَ عُمَرُ، ثُمَّ رُفِعَ المِيزانُ. فَرَأَيْنا الكَراهِيَةَ في وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1). 4635 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ عَلي بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ ذاتَ يَوْمٍ: "أَيُّكُمْ رَأى رُؤْيا؟ ". فَذَكَرَ مَعْناهُ وَلَمْ يَذْكرِ الكَراهِيَةَ. قالَ: فاسْتاءَ لَها رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَعْني: فَساءَهُ ذَلِكَ. فَقالَ: "خِلافَةُ نُبُوَّةٍ ثُمَّ يُؤْتي اللَّهُ المُلْكَ مَنْ يَشاءُ" (¬2). 4636 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْن عُثْمانَ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، عَنِ الزُّبَيْدي، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبانَ بْنِ عُثْمانَ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "أُري اللَّيْلَةَ رَجُلٌ صالِحٌ أَنَّ أَبا بَكْرٍ نِيطَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَنِيطَ عُمَرُ بِأَبي بَكْرٍ وَنِيطَ عُثْمانُ بِعُمَرَ". قالَ جابِرٌ: فَلَمّا قُمْنا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قُلْنا: أَمّا الرَّجُلُ الصّالِحُ فَرَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَأَمّا تَنَوُّطُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ: فَهُمْ وُلاةُ هذا الأَمُرِ الذي بَعَثَ اللَّه بِهِ نَبِيَّهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3). قالَ أَبُو داوُدَ: وَرَواهُ يُونُسُ وَشُعَيْبٌ لَمْ يَذْكُرا عَمْرًا. 4637 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن المُثَنَّى، قالَ: حَدَّثَني عَفّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّ رَجُلًا قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إِنّي رَأَيْتُ كَأَنَّ دَلْوًا دُلّي مِنَ السَّماءِ فَجاءَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ بِعَراقِيها فَشَرِبَ شرْبًا ضَعِيفًا، ثُمَّ جاءَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِعَراقِيها فَشَرِبَ حَتَّى تَضَلَّعَ، ثُمَّ جاءَ عُثْمانُ فَأَخَذَ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2287)، وأحمد 5/ 44. وصححه الألباني. (¬2) انظر سابقه. (¬3) رواه أحمد 3/ 355، وابن أبي عاصم في "السنة" (1134)، وابن حبان (6913). وضعفه الألباني في "المشكاة" (6086).

بِعَراقِيها فَشَرِبَ حَتَّى تَضَلَّعَ، ثُمَّ جاءَ عَلي فَأَخَذَ بِعَراقِيها فانْتَشَطَتْ وانْتَضَحَ عَلَيْهِ مِنْها شَيء (¬1). 4638 - حَدَّثَنا عَلي بْنُ سَهْل الرَّمْلي، حَدَّثَنا الوَلِيدُ، حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ عَنْ مَكْحُولٍ قالَ: لَتَمْخُرَنَّ الرُّومُ الشّامَ أَرْبَعِينَ صَباحًا لا يَمْتَنِعُ مِنْها إِلَّا دِمَشْقُ وَعَمّانُ (¬2). 4639 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ عامِرٍ المُرّي، حَدَّثَنا الوَليدُ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن العَلاءِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبا الأَعْيَسِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَلْمانَ يَقُولُ: سَيَأْتي مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِ العَجَمِ يَظْهَرُ عَلَى المَدائِنِ كُلِّها إِلَّا دِمَشْقَ (¬3). 4640 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، حَدَّثَنا بُرْدٌ أَبُو العَلاءِ، عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَوْضِعُ فُسْطاطِ المُسْلِمِينَ في المَلاحِمِ أَرْضٌ يُقالُ لَها: الغُوطَةُ" (¬4). 4641 - حَدَّثَنا أَبُو ظَفَرٍ عَبْدُ السَّلامِ، حَدَّثَنا جَعْفَرٌ، عَنْ عَوْفٍ قالَ: سَمِعْتُ الحَجّاجَ يَخْطُبُ وَهُوَ يَقُولُ: إِنَّ مَثَلَ عُثْمانَ عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ عِيسَى ابن مَرْيَمَ، ثُمَّ قَرَأَ هذِه الآيَةَ يَقْرَؤُها وَيَفُسِّرُها: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} يُشِيرُ إِلَيْنا بِيَدِهِ وَإلَى أَهْلِ الشّامِ (¬5). 4642 - حَدَّثَنا إِسْحاقُ بْنُ إِسْماعِيلَ الطّالقاني حَدَّثَنا جَرِيرٌ، ح، وَحَدَّثَنا زُهَيْرُ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 21، وابن أبي عاصم في "السنة" (1141)، والروياني (863). وضعفه الألباني. (¬2) رواه نعيم بن حماد في "الفتن" (1257). وقال الألباني: ضعيف الإسناد مقطوع. (¬3) رواه نعيم بن حماد في "الفتن" (1258). (¬4) رواه أحمد في "فضائل الصحابة" (1712) عن مكحول عن جبير بن نفير. وصححه الألباني. (¬5) رواه ابن أبي شبية 16/ 98 (31260)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 12/ 159. وضعفه الألباني.

ابْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنِ المُغِيرَةِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خالِدٍ الضَّبّي قالَ: سَمِعْتُ الحَجّاجَ يَخْطُبُ فَقال فِى خُطْبَتِهِ: رَسُولُ أَحَدِكُمْ فِى حاجَتِهِ أَكْرَمُ عَلَيْهِ أَمْ خَلِيفَتُهُ في أَهْلِهِ؟ فَقُلْتُ في نَفْسي: للَّه عَلِى أَلَّا أُصَلّي خَلْفَكَ صَلاةً أَبَدًا وإِنْ وَجَدْتُ قَوْمًا يُجاهِدُونَكَ لأُجاهِدَنَّكَ مَعَهُمْ. زادَ إِسْحاقُ في حَدِيثِهِ قالَ: فَقاتَلَ في الجَماجِم حَتَّى قُتِلَ (¬1). 4643 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ عاصِمٍ قالَ: سَمِعْتُ الحَجّاجَ وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ يَقُولُ: اتَّقُوا اللَّهَ ما اسْتَطَعْتمْ لَيْسَ فِيها مَثْنَوِيَّةٌ، واسْمَعُوا وَأَطِيعُوا لَيْسَ فِيها مَثْنَوِيَّةٌ لأَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَبْدِ المَلِكِ، واللَّه لَوْ أَمَرْتُ النّاسَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ بابٍ مِنْ أَبْوابِ المَسْجِدِ فَخَرَجُوا مِنْ بابٍ آخَرَ لَحَلَّتْ لي دِماؤُهُمْ وَأَمْوالُهُمْ، واللَّه لَوْ أَخَذْتُ رَبِيعَةَ بِمُضَرَ لَكانَ ذَلِكَ لي مِنَ اللَّهِ حَلالًا، وَيا عَذِيري مِنْ عَبْدِ هُذَيْلٍ يَزْعُمُ أَنَّ قِراءَتَهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، واللَّه ما هي إِلَّا رَجَزٌ مِنْ رَجَزِ الأَعْرابِ ما أَنْزَلَها اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ عليه السلام وَعَذِيري مِنْ هذِه الحَمْراءِ يَزْعُمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَرْمي بِالحَجَرِ فَيَقُولُ إِلَى أَنْ يَقَعَ الحَجَرُ: قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ، فَواللَّهِ لأَدَعَنَّهُمْ كالأَمْسِ الدّابِرِ. قالَ: فَذَكَرْتُهُ لِلأَعْمَشِ فَقالَ: أَنَا واللَّه سَمِعْتُهُ مِنْهُ (¬2). 4644 - حَدَّثَنا عُثْمان بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا ابن إِدْرِيسَ، عَنِ الأَعْمَشِ قالَ: سَمِعْتُ الحَجّاجَ يَقُولُ عَلَى المِنْبَرِ: هذِه الحَمْراءُ هَبْرٌ هَبْرٌ أَما واللَّه لَقَدْ قَرَعْتُ عَصًا بِعَصًا لأَذَرَنَّهُمْ كالأَمْسِ الذّاهِبِ يَعْني: المَوالَي (¬3). 4645 - حَدَّثَنا قَطَنُ بْنُ نُسَيْرٍ، حَدَّثَنا جَعْفَرٌ يَعْني: ابن سُلَيْمانَ ح، حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ داوُدَ، عَنْ شَرِيكٍ عَنْ سُلَيْمانَ الأَعْمَشِ قالَ: جَمَّعْتُ مَعَ الحَجّاجِ فَخَطَبَ ¬

_ (¬1) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 12/ 158. وقال الألباني: ضعيف الإسناد مقطوع. (¬2) رواه ابن أبي الدنيا في "الإشراف في منازل الأشراف" (63)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 12/ 159. وقال الألباني: صحيح الإسناد. (¬3) صححه الألباني.

فَذَكَرَ حَدِيثَ أَبي بَكْرِ بْنِ عَيّاشٍ قالَ فِيها: فاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا لِخَلِيفَةِ اللَّهِ وَصَفِيِّهِ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ مَرْوانَ. وَساقَ الحَدِيثَ قالَ: وَلَوْ أَخَذْتُ رَبِيعَةَ بِمُضَرَ وَلَمْ يَذْكُرْ قِصَّةَ الحَمْراءِ (¬1). 4646 - حَدَّثَنا سَوّارُ بْن عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ بْن سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهانَ، عَنْ سَفِينَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خِلافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلاثُونَ سَنَةً ثُمَّ يُؤْتي اللَّهُ المُلْكَ -أَوْ مُلْكَهُ- مَنْ يَشاءُ". قالَ سَعِيدٌ: قالَ لي سَفِينَةُ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ أَبا بَكْرٍ سَنَتَيْنِ وَعُمَرَ عَشْرًا وَعُثْمانَ اثْنَتَي عَشْرَةَ وَعَلي كَذا. قالَ سَعِيدٌ: قُلْتُ لِسَفِينَةَ: إِنَّ هؤلاء يَزْعُمُونَ أَنَّ عَلِيّا عليه السلام لَمْ يَكُنْ بِخَلِيفَةٍ. قالَ: كَذَبَتْ أَسْتاهُ بَني الزَّرْقاءِ. يَعْني: بَني مَرْوانَ (¬2). 4647 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْن عَوْنٍ، حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، عَنِ العَوّامِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ سَعِيدِ ابْنِ جُمْهانَ، عَنْ سَفِينَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خِلافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ يُؤْتي اللَّهُ المُلْكَ مَنْ يَشاءُ أَوْ مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ" (¬3). 4648 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، عَنِ ابن إِدْرِيسَ أَخْبَرَنا حُصَيْنٌ، عَنْ هِلالِ بْنِ يِسافٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ظالِمٍ وَسُفْيانَ، عَنْ مَنْصُورِ، عَنْ هِلالِ بْنِ يِسافٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ ظالِمٍ المازِني قالَ: ذَكَرَ سُفْيانُ رَجُلًا فِيما بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ظالِمٍ المازِني قالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ قالَ: لَمّا قَدِمَ فُلانٌ الكُوفَةَ أَقامَ فَلانٌ خَطِيبًا فَأَخَذَ بِيَدي سَعِيدُ بْن زَيْدٍ فَقالَ: أَلا تَرى إِلَى هذا الظّالِمِ؟ فَأَشْهَدُ عَلَى التِّسْعَةِ إِنَّهُمْ في الجَنَّةِ وَلَوْ شَهِدْتُ عَلَى العاشِرِ لَمْ إِيثَمْ -قالَ ابن إِدْرِيسَ: والعَرَبُ تَقُولُ: آثَمْ- قُلْتُ: وَمَنِ التِّسْعَةُ؟ قالَ: قالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَهُوَ عَلَى حِراءٍ: "اثْبُتْ حِراءُ إِنَّهُ لَيْسَ ¬

_ (¬1) قال الألباني: صحيح إلى الحجاج الظالم. (¬2) انظر الآتي. (¬3) رواه الترمذي (2226)، وأحمد 5/ 220. وصححه الألباني في "الصحيحة" (459).

عَلَيْكَ إِلَّا نَبي أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ". قُلْتُ وَمَنِ التِّسْعَةُ؟ قالَ: رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمانُ وَعَلي وَطَلْحَةُ والزُّبَيْرُ وَسَعْدُ بْنُ أَبي وَقّاصٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ. قُلْتُ: وَمَنِ العاشِرُ؟ فَتَلَكَّأَ هُنَيَّةً، ثُمَّ قالَ: أَنا (¬1). قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ الأَشْجَعي، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلالِ بْنِ يِسافٍ، عَنِ ابن حَيّانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ظالِمٍ بإِسْنادِهِ. 4649 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمَري، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنِ الحُرِّ بْنِ الصَّيّاحِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَخْنَسِ أَنَّهُ كانَ في المَسْجِدِ فَذَكَرَ رَجُلٌ عَلِيّا عليه السلام فَقامَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ فَقالَ: أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنّي سَمِعْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ: "عَشْرَةٌ في الجَنَّةِ، النَّبي في الجَنَّةِ، وَأَبُو بَكْرٍ في الجَنَّةِ، وَعُمَرُ في الجَنَّةِ، وَعُثْمانُ في الجَنَّةِ، وَعَلي في الجَنَّةِ، وَطَلْحَةُ في الجَنَّةِ، والزُّبَيْرُ بْنُ العَوّامِ في الجَنَّةِ، وَسَعْدُ بْنُ مالِكٍ في الجَنَّةِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ في الجَنَّةِ". وَلَوْ شِئْتَ لَسَمَّيتُ العاشِرَ. قالَ: فَقالُوا: مَنْ هُوَ؟ فَسَكَتَ قالَ: فَقالُوا: مَنْ هُوَ؟ فَقالَ: هُوَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ (¬2). 4650 - حَدَّثَنا أَبُو كامِلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الواحِدِ بْنُ زِيادٍ، حَدَّثَنا صَدَقَةُ بْن المُثَنَّى النَّخَعي، حَدَّثَني جَدّي رِياحُ بْنُ الحارِثِ قالَ: كُنْتُ قاعِدًا عِنْدَ فُلانٍ في مَسْجِدِ الكُوفَةِ وَعِنْدَهُ أَهْلُ الكُوفَةِ، فَجاءَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، فَرَحَّبَ بِهِ وَحَيّاهُ وَأَقْعَدَهُ عِنْدَ رِجْلِهِ عَلَى السَّرِيرِ، فَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ يُقالُ لَهُ: قَيْسُ بْنُ عَلْقَمَةَ فاسْتَقْبَلَهُ فَسَبَّ وَسَبَّ، فَقالَ سَعِيدٌ: مَنْ يَسُبُّ هذا الرَّجُلُ؟ قالَ: يَسُبُّ عَلِيّا. قالَ: أَلا أَرى أَصْحابَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُسَبُّونَ عِنْدَكَ ثُمَّ لا تُنْكِرُ وَلا تُغَيِّرُ أَنا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُول وَإِنّي لَغَني أَنْ أَقُولَ عَلَيْهِ ما لَمْ يَقُلْ فَيَسْأَلُني عَنْهُ غَدًا إِذا لَقِيتُهُ: "أَبُو ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3757)، والنسائي في "الكبرى" (8156)، وابن ماجه (133، 134)، وأحمد 1/ 188. وصححه الألباني. (¬2) رواه الترمذي (3748)، والنسائي في "الكبرى" (8210)، وابن ماجه (133)، وأحمد 1/ 188. وصححه الألباني في "المشكاة" (6118).

بَكْرٍ في الجَنَّةِ وَعُمَرُ في الجَنَّةِ". وَساقَ مَعْناهُ ثُمَّ قالَ: لَمَشْهَدُ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَغْبَرُّ فِيهِ وَجْهُهُ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِ أَحَدِكُمْ عُمْرَهُ وَلَوْ عُمِّرَ عُمْرَ نُوحٍ (¬1). 4651 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، ح وَحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى -المَعْنَى- قالا: حَدَّثَنا سَعِيدُ بْن أَبي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مالِكٍ حَدَّثَهُمْ أَنَّ نَبي اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- صَعِدَ أُحُدًا فَتَبِعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمانُ فَرَجَفَ بِهِمْ فَضَرَبَهُ نَبي اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِرِجْلِهِ وقالَ: "اثْبُتْ أُحُدُ نَبي وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدانِ" (¬2). 4652 - حَدَّثَنا هَنّادُ بْنُ السَّري، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ المُحارِبي، عَنْ عَبْدِ السَّلامِ ابْنِ حَرْبٍ، عَنْ أَبي خالِدٍ الدّالاني، عَنْ أَبي خالِدٍ مَوْلَى آلِ جَعْدَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَتاني جِبْرِيلُ فَأَخَذَ بِيَدي فَأَراني بابَ الجَنَّةِ الذي تَدْخُلُ مِنْهُ أُمَّتَي". فَقالَ أَبُو بَكْرٍ: يا رَسُولَ اللَّهِ وَدِدْتُ أَنّي كُنْتُ مَعَكَ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَما إِنَّكَ يا أَبا بَكْرٍ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتَي" (¬3). 4653 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ وَيزِيدُ بْن خالِدٍ الرَّمْلي أَنَّ اللَّيْثَ حَدَّثَهُمْ، عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّهُ قالَ: "لا يَدْخُلُ النّارَ أَحَدٌ مِمَّنْ بايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ" (¬4). 4654 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ، ح وَحَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ سِنانٍ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْن هارُونَ، أَخْبَرَنا حَمّادُ بْن سَلَمَةَ، عَنْ عاصِمٍ، عَنْ أَبي صالِحٍ، عَنْ ¬

_ (¬1) انظر الأحاديث السابقة. (¬2) رواه البخاري (3675). (¬3) رواه عبد اللَّه بن أحمد في زوائده على "فضائل الصحابة" (258، 593)، وابن الأعرابي في "معجمه" (2370)، والطبراني في "الأوسط" 3/ 93 (2594). وضعفه الألباني في "الضعيفة" (1745). (¬4) رواه الترمذى (3860)، والنسائي في "الكبرى" (11508)، وأحمد 3/ 350. ورواه مسلم (2496) من حديث جابر عن أم مبشر. وإسناد أبي داود صححه الألباني في "صحيح الجامع" (7680).

أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ مُوسَى: "فَلَعَلَّ اللَّهَ". وقالَ ابن سِنانٍ-: "اطَّلَعَ اللَّهُ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقالَ: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ" (¬1). 4655 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن عُبَيْدٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ ثَوْرٍ حَدَّثَهُمْ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قالَ: خَرَجَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- زَمَنَ الحُدَيْبِيَةِ فَذَكَرَ الحَدِيثَ. قالَ: فَأَتاهُ -يَعْني: عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ- فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَكلَّما كَلَّمَهُ أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ والمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قائِمٌ عَلَى رَأْسِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وَمَعَهُ السَّيْفُ وَعَلَيْهِ المِغْفَرُ، فَضَرَبَ يَدَهُ بِنَعْلِ السَّيْفِ وقالَ: أَخِّرْ يَدَكَ عَنْ لْحِيَتِهِ. فَرَفَعَ عُرْوَةُ رَأْسَهُ فَقالَ: مَنْ هذا؟ قالُوا: المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ (¬2). 4656 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ أَبُو عُمَرَ الضَّرِيرُ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْن سَلَمَةَ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ إِياسٍ الجُرَيْري أَخْبَرَهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ العُقَيْلِي، عَنِ الأَقْرَعِ مُؤَذِّنِ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ قالَ: بَعَثَنىِ عُمَرُ إِلَى الأُسْقُفِّ فَدَعَوْتُهُ فَقالَ لَهُ عُمَرُ: وَهَلْ تَجِدُني في الكِتابِ؟ قالَ: نَعَمْ. قالَ: كَيْفَ تَجِدُني؟ قالَ: أَجِدُكَ قَرْنًا. فَرَفَعَ عَلَيْهِ الدِّرَّةَ فَقالَ: قَرْنُ مَهْ؟ فَقالَ: قَرْنٌ حَدِيدٌ أَمِينٌ شَدِيدٌ. قالَ: كَيْفَ تَجِدُ الذي يَجَيءُ مِنْ بَعْدي؟ فَقالَ: أَجِدُهُ خَلِيفَةً صالِحًا غَيْرَ أَنَّهُ يُؤْثِرُ قَرابَتَهُ. قالَ عُمَرُ: يَرْحَمُ اللَّه عُثْمانَ ثَلاثًا فَقالَ: كَيْفَ تَجِدُ الذي بَعْدَهُ؟ قالَ: أَجِدُهُ صَدَأَ حَدِيدٍ. فَوَضَعَ عُمَرُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ فَقالَ: يا دَفْراهُ يا دَفْراهُ. فَقالَ: يا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ: إِنَّهُ خَلِيفَةٌ صالِحٌ وَلَكِنَّهُ يُسْتَخْلَفُ حِينَ يُسْتَخْلَفُ والسَّيْفُ مَسْلُولٌ والدَّمُ مُهْراقٌ (¬3). قالَ أَبُو داوُدَ: الدَّفْرُ: النَّتْنُ. * * * ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 295، والدارمي (2803)، وابن حبان (4798). وصححه الألباني في "الصحيحة" (2732). (¬2) رواه البخاري (2731، 2732). (¬3) رواه ابن أبي شيبة 17/ 62 (32663)، واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (2658). وضعفه الألباني.

باب في الخلفاء [4632] (ثنا محمد بن يحيى بن فارس، ثنا عبد الرزاق، قال محمد) ابن يحيى بن فارس (كتبته من كتابه: أنا معمر، عن الزهري، عن عبيد اللَّه ابن عبد اللَّه) بن عتبة بن مسعود (عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: كان أبو هريرة يحدث أن رجلًا أتى إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: إني أرى الليلة) في المنام (ظلة) وهي السحابة التي يستظل بها من تحتها (ينطف) بكسر الطاء، ويجوز الضم، أي: تقطر، والنطفة: القطرة من المائع (منها السمن والعسل، فأرى الناس يتكففون بأيديهم) أي: يأخذون بأكفهم، ويحتمل أن يكون معناه: يأخذون من ذلك كفايتهم. قال القرطبي: وهذا أليق بقوله: فالمستكثر من ذلك والمستقل (¬1). (فالمستكثر) منهم (والمستقل، وأرى سببًا) والسبب: الحبل، كقوله تعالى: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} (¬2) (واصلًا من السماء إلى الأرض) والواصل الموصول، فاعل بمعنى مفعول (فأراك يا رسول اللَّه أخذت به فعلوت [به]) (¬3) إلى السماء [(ثم أخذ به رجل آخر فعلا به) إلى السماء] (¬4). (ثم أخذ به رجل آخر) ثالث (فعلا به) وارتفع (ثم أخذ به رجل آخر فانقطع) هذا الرجل عثمان؛ لأنه أخذ السبب فانقطع ولم يوصل له ¬

_ (¬1) "المفهم" 6/ 31. (¬2) الحج: 15. (¬3) من "السنن". (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

بالخلافة، فإنه قتل؛ وإنما وصل لغيره، وهو علي -رضي اللَّه عنه- (ثم وصل) بضم الواو وكسر الصاد مبني للمجهول (فعلا به) إلى السماء (قال أبو بكر -رضي اللَّه عنه-: بأبي وأمي) أي: أفديك بأبي وأمي من المكاره والمساوئ، واللَّه (لتدعني) بفتح اللام جواب القسم، وتشديد نون التوكيد (فلأعبرنها) هذِه الفاء زائدة، وتصح أن تكون هذِه اللام لام الأمر. قال القرطبي: ولا تكون لام القسم؛ لما يلزم من فتحها، ومن دخول نون التوكيد في فعلها (¬1). قال ابن بطال: فيه أنه لا بأس للتلميذ أن يقسم على أستاذه أن يدعه يفتي في المسألة؛ لأن هذا القسم إنما هو بمعنى الرغبة والتدرب، وفيه جواز فتوى المفضول بحضرة الفاضل إذا كان مشارًا له بالعلم والإصابة (¬2). (فقال: اعبرها) بسكون العين وضم الموحدة (قال: أما الظلة فظلة الإسلام) لأن الظلة نعمة من نعم اللَّه على أهل الجنة، وكذلك كانت على بني إسرائيل، وكذلك كانت تظل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أينما مشى قبل نبوته، تقي الأذى وتنعم المؤمنين في الدنيا والآخرة (وأما ما ينطف من السمن والعسل فهو القرآن لينه) بكسر اللام (وحلاوته) الظاهر أن اللين عائد على السمن، والحلاوة العسل، فأما اللين فظاهر في الزبد والسمن، وأما العسل فاللَّه جعله شفاء للناس، وقال في القرآن: {وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} (¬3)، [وهو أبدًا حلو على الأسماع كحلاوة ¬

_ (¬1) "المفهم" 6/ 31. (¬2) "شرح ابن بطال" 9/ 562. (¬3) يونس: 57.

العسل على المذاق، وكذلك جاء في الحديث: "إن في السمن شفاء] (¬1) من كل داء" (¬2). (وأما المستكثر والمستقل فهو المستكثر من) حفظ (القرآن) وتلاوته (والمستقل منه) أي: من حفظه وتلاوته والفهم منه (وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض) وهو الحبل (فهو الحق الذي أنت عليه) وتدعو إليه (تأخذ به) أي: تتمسك به (فيعليك) أي: يرفعك (اللَّه) ويعلي قدرك في الدنيا والآخرة. (ثم يأخذ به بعدك رجل) وهو أبو بكر الصديق (فيعلو به) ويرتفع به قدره (ثم يأخذ به رجل) وهو عمر بن الخطاب (آخر فيعلو به) ويرتفع (ثم يأخذ به رجل آخر) وهو عثمان (فينقطع) به (ثم يوصل) الحبل (له فيعلو به) قال بعضهم: إن المنام (¬3) يدل على خلع عثمان؛ لأنه الثالث الذي أخذ السبب فانقطع، غير أنه لم يوصل له بعود الخلافة فإنه قيل: إنما وصل لغيره، وهو علي -رضي اللَّه عنه-. قال القرطبي: وهذا إنما يصح إذا لم يرو في الحديث [له] (¬4) على ما نبه عليه القاضي، فإنه قال ليس فيها [له] (¬5) وإنما هو وصل فقط، وعلى هذا فيمكن أن ينسب الخطأ إلى هذا المعنى؛ لأنه تأول الوصل له ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) رواه البغوي في "الجعديات" (2683)، والبيهقي 9/ 345 من حديث مليكة بنت عمرو الجعفية. وصححه الألباني في "الصحيحة" (1533). (¬3) في (ل)، (م): الإمام. والمثبت من "إكمال المعلم" 7/ 225. (¬4) و (¬5) زيادة من "المفهم".

ولغيره، لكن الرواية الصحيحة والموجود في الأصول التي وقفت عليها ثبوت له، وأنه وصل له بالشهادة والكرامة التي أعدها اللَّه تعالى له في الدار الآخرة (¬1) (أي) حرف نداء، والتقدير كما في الصحيحين: يا (¬2) (رسول اللَّه، لتحدثني، أصبت أم أخطأت؟ ) فيما عبرته (فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: أصبت بعضًا وأخطأت بعضًا. قال: أقسمت يا رسول اللَّه لتحدثني) بفتح اللام جواب القسم (ما الذي أخطأت) فيه. واختلف العلماء في "أصبت بعضًا وأخطأت بعضًا" قال ابن قتيبة وآخرون: معناه: أصبت بيان تفسيرها وصادفت حقيقة تأويلها، وأخطأت في مبادرتك تفسيرها في غير أن آمرك به. وقال آخرون: الخطأ في سؤاله ليعبرها (¬3). قال القرطبي: إنما لم يعين ذلك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأنه ليس من الأحكام التي أمر بتبليغها ولا أرهقت إليه حاجة، ولعله [لو عين] (¬4) ما أخطأ فيه لأفضى (¬5) ذلك إلى الكلام في الخلافة ومن تتم له ومن لا تتم، فتتألم لذلك قلوب وتنفر نفوس، وتطرأ منه مفاسد، فسد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ذلك الباب، واللَّه أعلم (¬6). ¬

_ (¬1) "المفهم" 6/ 32. (¬2) البخاري (7046)، مسلم (2269). (¬3) انظر: "شرح مسلم" للنووي 15/ 29. (¬4) ما بين المعقوفين ساقط من (ل)، (م)، والمثبت من "المفهم". (¬5) ساقطة من (م). (¬6) "المفهم" 6/ 33.

(فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا تقسم) قوله لأبي بكر: "لا تقسم" مع أنه قد أقسم، معناه: لا تعد إلى القسم، ففيه دليل على أن إبرار القسم ليس بواجب، وإنما هو مندوب إليه إذا لم يعارضه ما هو أولى منه. [4633] (ثنا محمد بن يحيى بن فارس، ثنا محمد بن كثير) العبدي (قال: ثنا) أخي (سليمان بن كثير) العبدي، وكان أكبر من أخيه محمد بخمسين سنة، قال النسائي: ليس به بأس إلا في الزهري (¬1). وقال أبو حاتم: يكتب حديثه (¬2). قال الذهبي: وقد روى أيضًا عن عمرو بن دينار، وحدث عنه ابن مهدي وعفان وطائفة، وخرجوا له في الدواوين الستة (¬3). (عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه) بن عتبة (عن ابن عباس، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بهذِه القصة) المذكورة بمعناه، و (قال) في زيادته (فأبى أن يخبره) يعني: بما أخطأ فيه. [4634] (ثنا محمد بن المثنى، ثنا محمد (¬4) بن عبد اللَّه) بن المثنى ابن عبد اللَّه بن أنس بن مالك (الأنصاري، حدثنا الأشعث) بن عبد اللَّه بن جابر الحداني البصري الأعمى. قال الذهبي: وثقه النسائي، وما رأيت أحدًا ضعفه (¬5). (عن الحسن) البصري (عن أبي بكرة) نفيع بن الحارث ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 12/ 56. (¬2) "الجرح والتعديل" 4/ 138. (¬3) "ميزان الاعتدال" 2/ 221. (¬4) فوقها في (ل): (ع). (¬5) "تذهيب تهذيب الكمال" 1/ 398.

من فضلاء الصحابة (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال ذات يوم: من رأى منكم رؤيا؟ ) فقد روى البخاري في الجنائز عن سمرة: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا صلى أقبل علينا بوجهه فقال: "من رأى منكم الليلة رؤيا؟ " فإن رأى أحد رؤيا قصها، فيقول ما شاء اللَّه. فسألنا يومًا، فقال: "هل رأى أحد منكم رؤيا؟ " قلنا: لا. قال: "لكني رأيت الليلة رجلين أتياني. . " الحديث (¬1). (فقال رجل: أنا رأيت كأن ميزانًا نزل من السماء فوزنت) فيه (أنت وأبو بكر) الصديق (فرجحت أنت بأبي بكر -رضي اللَّه عنه-، ووزن عمر وأبو بكر) لفظ الترمذي: ووزن أبو بكر وعمر (¬2) (فرجح أبو بكر) على عمر، وفيه رجحان فضيلة أبي بكر على عمر وتقدمه عليه في الخلافة وغيرها (ووزن عمر وعثمان فرجح عمر) وفيه: فضيلة عمر على عثمان كما هو المعروف. (ثم رفع الميزان، فرأينا الكراهة في وجه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) معنى ترجح كل واحد من الذين وزنوا أن الراجح في الميزان أفضل من المرجوح، وإنما ساءه -واللَّه أعلم- من الرؤيا التي ذكرها ما عرفه من تأويل رفع الميزان، فإن فيه احتمالا؛ لاحتمال ريبة الأمر في زمان القائم به بعد عمر -رضي اللَّه عنه- عما كان عليه من النفاذ والاستعلاء والتمكن بالتأييد، ويحتمل أن يكون المراد من الوزن موازنة أيامهم لما كان يطرأ فيها من رونق الإسلام، ثم إن الموازنة إنما تراعى في الأشياء المقاربة مع مناسبة ما، فيظهر الرجحان، فأما إذا تباعدت كل التباعد لم يبق ¬

_ (¬1) البخاري (1386). (¬2) "سنن الترمذي" (2287).

للموازنة معنى يوجد، فلهذا رفع الميزان. قيل: وإنما لم يوزن عثمان على علي؛ لأن خلافة علي تكون مع افتراق الصحابة فرقتين: فرقة معه، وفرقة مع معاوية، فلا تكون خلافة مستقرة متفقًا عليها. [4635] (ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد) بن جدعان البصري، أخرج له مسلم في الجهاد (¬1) (عن عبد (¬2) الرحمن بن أبي بكرة) أول مولود بالبصرة (عن أبيه) أبي بكرة نفيع بن الحارث (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-[قال ذت يوم: أيكم رأى رؤيا]؟ (¬3)، فذكر معناه، ولم يذكر) فيه (الكراهية) و (قال) فيه (فاستاء) بمد الهمزة، بوزن استاك، يقال: استاء فلان بمكان. إذا ساءه ذلك (لها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. يعني: فساءه ذلك) وهو مما جاء فيه افتعل من السوء، بمعنى فعل المجرد، نحو: اقتدر بمعنى قدر، واستمع بمعنى سمع. (فقال: خلافة نبوة) قال النووي في قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكًا": لم يكن في ثلاثين سنة إلا الخلفاء الراشدون الأربعة والأشهر التي بويع فيها الحسن بن علي رضي اللَّه عنهما، قال: والمراد في حديث: "الخلافة ثلاثون سنة" خلافة النبوة، قال: وقد جاء مفسرًا في بعض الرواية: "خلافة النبوة بعدي ثلاثون سنة، ثم تكون ملكًا" انتهى (¬4). ولعل المراد بخلافة النبوة: خلافة العدل، ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1789). (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) ما بين المعقوفين مستدرك من "السنن". (¬4) "مسلم بشرح النووي" 12/ 201.

وإظهار العدل كالخلفاء الأربعة وعمر بن عبد العزيز المنزلون منزلة النبوة في إظهار الحق. (ثم يؤتي اللَّه) تعالى (الملك من يشاء) أي: يعطي اللَّه من يشاء النصيب الذي قسمه له من الملك والحكم. [4636] (ثنا عمرو بن عثمان) بن سعيد الحمصي، صدوق حافظ (ثنا محمد بن حرب) الخولاني الحمصي (عن) محمد بن الوليد (الزبيدي) أخرج له الشيخان (عن ابن شهاب، عن عمرو بن أبان بن عثمان) الأموي، مقبول. (عن جابر بن عبد اللَّه أنه كان يحدث أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: أري) بضم الهمزة وكسر الراء، مبني للمجهول (¬1) (الليلة) نصب على الظرف (رجل) بالرفع نائب عن الفاعل (¬2) (صالح) والصالح هو القائم بحقوق اللَّه وحقوق عباده (أن أبا بكر) الصديق -رضي اللَّه عنه- (نيط) بكسر النون (برسول اللَّه) أي: عُلق، والياء الساكنة بدل من الواو، يقال: نطت هذا الأمر بفلان أنوطه، وقد نيط به فهو منوط. (ونيط عمر بأبي بكر، ونيط عثمان بعمر، قال جابر) بن عبد اللَّه (فلما قمنا من عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قلنا) فيما بيننا (أما الرجل الصالح فرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأما تنوط) بتشديد الواو المضمومة، أي: تعلق (بعضهم ببعض فهم ولاة هذا الأمر) من الأمراء والحكام (الذي بعث اللَّه به نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم-) وهو الحكم والقضاء بين الخلق بالشريعة المحمدية. ¬

_ (¬1) في (م): للمفعول. (¬2) في (م): الرجل.

(قال) المصنف (رواه يونس) بن يزيد الأيلي (وشعيب) بن أبي حمزة دينار، عن الزهري (لم يذكرا عمرًا) بل ذكراه عن جابر، فيكون الحديث منقطعًا؛ لأن الزهري لم يسمع من جابر بن عبد اللَّه. [4637] (ثنا محمد بن المثنى، حدثني عفان بن مسلم) الصفار الحافظ (ثنا حماد بن سلمة، عن أشعث بن عبد الرحمن) الجرمي، وثقه ابن معين (¬1) (عن أبيه) عبد الرحمن الأزدي الجرمي، مقبول ([عن سمرة بن جندب] (¬2) أن رجلًا قال: يا رسول اللَّه: رأيت كأن دلوًا دلي) أرسل، وأدليت الدلو: أرسلتها في البئر (من السماء، فجاء أبو بكر فاخذ بعَرَاقِيها) بفتح العين المهملة، والراء المخففة، وكسر القاف، جمع عرقوة بفتح العين، كترقوة جمعها تراقي، وعرقوة الدلو هي الأعواد التي تجعل على فم الدلو كالصليب تشد في عرى الدلو ليعلق بها الحبل، وقد عرقت الدلو إذا ركبت العرقوة فيها. (فشرب) منها (شربًا ضعيفًا) ضعف شربه -رضي اللَّه عنه- إشارة إلى قصر مدة ولايته، فإن خلافته كانت سنتين ونصفًا (ثم جاء عمر فأخذ بعراقيها) بكسر القاف كما تقدم (فشرب حتى تضلع) يعني: فشرب حتى روي وتمدد جنبه وأضلاعه، وهو إشارة إلى طول ولايته، فإنه ولي عشر سنين وشيئًا، فذلك تضلعه. (ثم جاء عثمان فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع) أي: روي من الشرب وتملأت ضلوعه وأجنابه كعمر (ثم جاء علي -رضي اللَّه عنه- فأخذ ¬

_ (¬1) "تاريخ ابن معين" رواية الدارمي (113). (¬2) مستدركة من "السنن".

بعراقيها فانتشطت) أي: انحلت وسال ماؤها. (وانتضح عليه منها) أي: من مائها (شيء) وانتشاط الدلو هنا اضطرابها حتى ينتضح ماؤها على الشارب، وهو إشارة إلى ما حصل في زمانه من اضطراب أمر الصحابة واختلافهم. [4646] (¬1) (ثنا سوار) بفتح السين المهملة، وتشديد الواو، وبعد الألف راء، وهو (ابن عبد اللَّه) بن سوار العنبري، ثقة (ثنا عبد (¬2) الوارث بن سعيد) بن ذكوان التميمي (عن سعيد بن جمهان) بضم الجيم وإسكان الميم، الأسلمي البصري، صدوق. (عن سفينة) واسمه مهران، مولى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: خلافة النبوة ثلانون سنة، ثم يؤتي اللَّه الملك [أو ملكه]) (¬3) بعد ذلك (من يشاء) تقدم في الحديث قبله رواية مسلم وما يتعلق (قال سعيد) بن جمهان (قال لي سفينة) مولى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (أمسك) بفتح همزة القطع (عليك) أي: أمسك عدد أعوام الخلافة (أبو (¬4) بكر سنتين) يعني: ونصفًا، خلافة (وعمر عشرًا) أي: عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام (و) خلافة (عثمان اثنتي عشرة) سنة، وقيل غير ذلك (وعلي كذا) أي: أربع سنين وتسعة أشهر وثمانية أيام، فالجملة قريب من ثلاثين، وهي خلافة النبوة. (قال سعيد) بن جمهان (قلت لسفينة) زاد الترمذي: فحسبناها ثلاثين سنة، قال سعيد: قلت له (¬5) (إن هؤلاء يزعمون) أن الخلافة فيهم، و (أن ¬

_ (¬1) الأحاديث من [4638] على [4645] لم يتعرض لها المصنف بالشرح. (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) من "السنن". (¬4) كذا في النسخ، وفي المطبوع: أبا. (¬5) "سنن الترمذي" (2226) وفيه: (فوجدناها).

عليًّا -رضي اللَّه عنه- لم يكن بخليفة) لفظ الترمذي: فقلت له: إن بني أمية يزعمون أن الخلافة فيهم (¬1) (قال: كذبت أستاه) جمع است، وأصل الاست: سته، بفتح السين وسكون التاء، فجمع على الأصل، فحذفت الهاء من آخر سته، وعوض منها الهمزة أوله، وأصل الاست: العجز، فيقال: رجل مستهًا إذا كان ضخم الأليتين، ومنه حديث الملاعنة: "إن جاءت به مستهًا مجعدًا فهو لفلان" (¬2)، ويطلق الاست على حلقة الدبر، ويشبه أن يكون المراد هنا بالأستاه حلقات دبرهم، وهو على حذف مضاف تقديره: كذبت أصوات أستاههم، فشبه كلامهم الكذب بضراط الإست ([بني الزرقاء] (¬3) يعني: بني مروان) (¬4). [4648] (ثنا محمد بن العلاء، عن) عبد اللَّه (بن إدريس) (¬5) بن يزيد الكوفي (أنبا حصين) (¬6) بضم الحاء، وفتح الصاد المهملتين، وهو ابن عبد الرحمن السلمي الكوفي (عن هلال بن يساف) أخرج له مسلم (عن عبد اللَّه بن ظالم) المازني، وُثق (وسفيان، عن منصور) بن المعتمر. (عن هلال بن يساف، عن عبد اللَّه بن ظالم المازني، ذكر سفيان رجلًا فيما بينه) أي: بين هلال بن يساف وبين عبد اللَّه، ورواه النسائي عن فلان ¬

_ (¬1) السابق. (¬2) بهذا اللفظ ذكره ابن الأثير في "النهاية" 2/ 342. وروى البيهقي في "السنن" 7/ 407 عن ابن عباس: أن رجلًا جاء إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. . . والذي رميت به خدلًا إلى السواد جعدًا قططًا مستهًا. (¬3) من "السنن". (¬4) الحديث [4647] لم يتعرض له المصنف بشرح. (¬5) و (¬6) فوقها في (ل): (ع).

[بن] (¬1) حيان، عن عبد اللَّه بن ظالم (¬2). (وبين عبد اللَّه بن ظالم المازني قال) عبد اللَّه بن ظالم (سمعت سعيد ابن زيد ابن عمرو بن نفيل) بن عبد العزى بن أبي رياح القرشي العدوي أحد العشرة من السابقين الأولين. (قال: لما قدم فلان) إلى (الكوفة) أميرًا (أقام فلانًا) أي: أقام الأمير فلانًا (خطيبًا) يخطب بهم، وفي بعض النسخ: أقام فلان يعني: فلانًا خطيبًا (فأخذ بيدي) بكسر الدال على الإفراد (سعيد) بالرفع؛ لأنه فاعل الأخذ (بن زيد) بن عمرو بن نفيل. (فقال: ألا ترى إلى هذا الظالم؟ ! ) سماه ظالمًا؛ لمجاوزته الحد حيث عدل في الخطابة عن سعيد بن زيد أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ومن أفضل السابقين الأولين، وأقام للخطابة والإمامة غيره، والأظهر أنه إنما سماه ظالمًا؛ لأنه لما خطب سبَّ علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-، كما سيأتي (فأشهد) بفتح همزة المضارعة (على التسعة) التي عد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (إنهم في الجنة) وقوله: "إنهم في الجنة" معناه أنهم من أهل الجنة (ولو شهدت على العاشر) أي: شهدت له بأنه من أهل الجنة (لم إيثم) بكسر الهمزة، وسكون المثناة تحت، وكسر الهمزة لغة لبعض العرب في (أأثم) وذلك أنهم يكسرون حرف المضارعة. قال أبو جعفر الطوسي: هي لغة هذيل في نحو: تعلم، كما قرئ (ولا تِركنوا) بكسر التاء، وسمع بعض العرب يقول في المسعى: إنك ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل)، (م). (¬2) "السنن الكبرى" 5/ 58 - 59.

تِعلم ما لا نِعلم. بكسر التاء والنون، ونحو: تِنطلق، الذي ماضيه بهمزة وصل، ومنه قرئ: (يوم تِبيض وجوه وتِسود وجوه) (¬1)، وقرأ عبيد بن عمير وزر بن حبيش: (إياك نِستعين) بكسر النون (¬2)، وعلى هذِه اللغة لما كسرت الهمزة في (إأثم) انقلبت الهمزة الأصلية ياءً. (قال) عبد اللَّه (ابن إدريس: والعرب) أي: جمهورهم وأكثرهم (تقول) لم (آثم) بمد الهمزة، كما {نَسْتَعِينُ} وبفتح أوله قراءة الجمهور. (قلت: ومن) بفتح الميم استفهامية (التسعة؟ قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو على حرا) يوضحه لفظ الترمذي: قيل: وكيف ذلك؟ قال: كنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بحراء، فقال (¬3): وحراء تمد وتقصر، وتذكر وتؤنث، وتصرف ولا تصرف، والأعرف الصحيح أنه مذكر ممدود ومصروف، وهو جبل على ثلاثة أميال من مكة. (اثبت حرا) لفظ البخاري: عن أنس: صعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أُحُدًا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان (¬4). ولفظ مسلم: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير، فتحركت الصخرة، فقال: "اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد" (¬5). وفي رواية له: "اسكن حراء"، ¬

_ (¬1) وهي قراءة يحيى بن وثاب، انظر: تفسير الثعلبي "الكشف والبيان" 9/ 135. (¬2) انظر: "البحر المحيط" 1/ 23. (¬3) "سنن الترمذي" (3757). (¬4) البخاري (3697). (¬5) مسلم (2417/ 50).

وزاد: سعد بن أبي وقاص (¬1). (إنه ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد) بـ (أو) التي للتقسيم والتنويع، فالنبي: إشارة إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، والصديق: إشارة إلى أبي بكر، والشهيد: إشارة إلى الباقين؛ فأما عمر فقتله العلج، وأما عثمان فقتل مظلومًا، وعلى غيلة، وأما طلحة والزبير فقتلا يوم الجمل منصرفين عنه تاركين له، وأما أبو عبيدة فمات بالطاعون وهو شهادة. (قلت: ومن التسعة؟ قال) أولهم (رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، و) ثانيهم (أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة) بن عبيد [اللَّه بن عثمان بن كعب بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي (والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن] (¬2) بن عوف، قلت: ومن) هو (العاشر؟ فتلكأ) بتشديد الكاف المفتوحة، وهمزة بعدها، أي: تبطأ في الجواب وتوقف فيه (هنية) بهمزة بعد الياء وتبدل ياء وتدغم في الياء التي قبلها وهو تصغير: هنة، ويقال: هنيهة أيضًا، ومعناه القليل من الزمان. (ثم قال: أنا) فيه رد على من كره أن يقول الإنسان: أنا، قال: لأن أول من قالها إبليس، والصحيح جوازه؛ لوروده في الكتاب والسنة. (قال) المصنف: (رواه) عبيد اللَّه بن عبيد الرحمن بتصغير العبيدين (الأشجعي) الكوفي، أخرج له الشيخان (عن سفيان) الثوري (عن منصور، عن هلال بن يساف، عن ابن حيان) بفتح الحاء المهملة (¬3) ¬

_ (¬1) السابق. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) ساقطة من (م).

وتشديد المثناة تحت، قال شيخنا ابن حجر: لم يُسَم، ويقال: اسمه حيان بن غالب (¬1). (عذن عبد اللَّه بن ظالم) المازني (بإسناده) المذكور. [4649] (ثنا حفص بن عمر) الأزدي (النمري) بفتح النون والميم شيخ البخاري (ثنا (¬2) شعبة، عن الحر) بضم الحاء المهملة وتشديد الراء (ابن الصياح) النخعي ثقة (عن عبد الرحمن بن الأخنس أنه كان في المسجد) الظاهر أنه مسجد الكوفة. (فذكر رجل) في خطبته (عليًّا) وسبه (فقام سعيد بن زيد) بن عمرو بن نفيل (فقال: أشهد على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أني سمعته وهو يقول: عشرة) لا يدل على نفي من سواهم أنه ليس في الجنة؛ لأن مفهوم العدد ليس بحجة. و(في الجنة: النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-[في الجنة] (¬3) وأبو بكر) الصديق (في الجنة، وعمر) بن الخطاب (في الجنة، وعثمان) بن عفان (في الجنة، [وعلي) بن أبي طالب (في الجنة] (¬4) وطلحة) بن عبيد اللَّه الخير (في الجنة، والزبير بن العوام في الجنة، وسعد بن) أبي وقاص، واسمه (مالك) بن وهيب بن عبد مناف الزهري ([في الجنة] (¬5) وعبد الرحمن بن عوف في الجنة) قال (ولو شئت لسميت العاشر، قال) عبد الرحمن بن الأخنس (فقالوا: من هو؟ ¬

_ (¬1) "تقريب التهذيب" (8466). (¬2) في (م): ابن. (¬3) ليست في النسخ، أثبتناها من "السنن". (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬5) ليست في النسخ، أثبتناها من "السنن".

فسكت، قال: فقالوا) له ثانيًا (من هو؟ قال: [هو] (¬1) سعيد بن زيد) ابن عمرو بن نفيل. ورواه الترمذي، وقال: حديث حسن إلا أنه لم يذكر لفظه (¬2). [4650] (حدثنا أبو كامل) فضيل بن الحسين الجحدري، شيخ مسلم (ثنا عبد الرحمن بن زباد) بن أنعم قاضي أفريقية (¬3) (ثنا صدقة بن المثنى) ابن رياح بن الحارث (النخعي) الكوفي، قال أبو عبيد الآجري عن المصنف: ثقة (عن) جده (¬4) (رباح) بكسر الراء، وتخفيف المثناة تحت (ابن الحارث) النخعي الثقة. (قال: كنت قاعدًا عند فلان في مسجد الكوفة، وعنده أهل الكوفة) وفلان المبهم هو المغيرة بن شعبة (فجاء سعيد [بن زيد] (¬5) بن عمرو ابن نفيل -رضي اللَّه عنه-، فرحب به) قال له: مرحبًا، ومعناه: لقيت رحبًا وسعة (وحياه) أي: دعا له بالبقاء والحياة، وقيل: هو من استقبال (¬6) المحيا، وهو الوجه، وقيل: سلم عليه (¬7)، وفي الحديث: إن الملائكة قالت لآدم عليه السلام: "حياك اللَّه وبياك" (¬8). ¬

_ (¬1) من "السنن". (¬2) بعد حديث (3757). (¬3) هكذا ذكر المصنف، والصواب أنه (عبد الواحد بن زياد العبدي). (¬4) في المطبوع: حدثني جدي. (¬5) ساقطة من (م). (¬6) في النسخ: استقبل. (¬7) بعدها في (ل)، (م): فهو. وباقي الكلام: فهو من التحية: السلام. كما في "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 471، "لسان العرب" مادة: حيا. (¬8) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 7/ 420.

(وأقعده عند رجله) يشبه أن المراد: أقعده أمامه عند ركبتيه وفخذه، فإن الرجل تطلق على الفخذ وما اتصل به، كما قيل في حديث الصعب ابن جثامة أنه أهدى إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رجل حمارٍ وهو محرم (¬1). قيل: أراد فخذه، وقيل: أحد شقيه (¬2)، ويحتمل أن المراد: أقعده عند شقه، يعني: إلى جانبه، واللَّه أعلم، فإني لم أجد من ضبطها ولا تكلم عليها (على السرير) إكرامًا له (فجاء رجل من أهل الكوفة يقال له: قيس بن علقمة (¬3) فاستقبله فسب وسب، فقال سعيد) بن زيد (من يسب هذا الرجل؟ ) وفي رواية: فقال سعيد: يا مغيرة من يسب؟ (¬4) (قال: يسب عليًّا -رضي اللَّه عنه-. قال: ألا أرى أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يسبون عندك ثم لا تنكر) ذلك (ولا تغيره) وفيه الإنكار على من سمع سب من هو غائب أو سمع غيبته وسكت، ولم يرد عن عرض أخيه. (أنا سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول، وإني) واللَّه (لغني) عن (أن أقول عليه ما لم يقل، فيسألني عنه غدًا) يوم القيامة (إذا لقيته) وفيه أن الأموات يعرفون بأحوال الأحياء، لا سيما الأنبياء والرسل والشهداء، سمعته يقول: (أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وساق) الحديث و (معناه، ثم قال) واللَّه (لمشهد رجل منهم [مع رسول اللَّه] (¬5) يغبر) ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1194/ 53). (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 204. (¬3) بعدها بياض في (ل)، (م). (¬4) انظر: "السنة" لابن أبي عاصم 2/ 619. (¬5) من "السنن".

بسكون الغين المعجمة، وفتح الباء الموحدة وتشديد الراء (فيه وجهه) أي: ينكمش وتظهر فيه الكآبة والتحزن، لما يظهر فيه عند إثارة الغبار من الغبرة، وذلك لما يسمعون من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من مواعظ القرآن والتخويفات المهولة، ومنه حديث مشاجع: فخرجوا مغبرين (¬1). (خير من عمل أحدكم) من صيام أحدكم وقيام نهاره (¬2) (ولو عُمِّرَ عُمْرَ نوح) بن لمك بن متوشلخ بن إدريس، فقد قيل: إن نوحًا أرسل وهو ابن ثلاثمائة وخمسين سنة، ومكث في قومه يدعوهم إلى اللَّه ألف سنة إلا خمسين سنة، وعاش بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سنة. [4651] (ثنا مسدد، ثنا يزيد (¬3) بن زريع) البصري الحافظ (وثنا مسدد، ثنا يحيى) بن سعيد القطان (المعنى قالا: ثنا سعيد بن أبي عروبة) مهران اليشكري (عن قتادة، أن أنس بن مالك حدثهم أن نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صعد) بكسر العين (أحدًا فتبعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجف) بفتح الجيم، أي: تحرك واضطرب (بهم، فضربه نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- برجله، وقال: اثبت) يا (أحد) جبل بالمدينة، سمي بذلك لتوحده وانقطاعه عن جبال أخر هناك، وقد اتفق صعوده -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه جبل أحد وحراء حال تزلزلهما تحتهم -رضي اللَّه عنهم-. وهذا علم من أعلام النبوة في إخباره بالغيوب التي تقع وانخراق العادات له في تمييز الجمادات لإدراكه الكلام حال مخاطبتها فإنما ¬

_ (¬1) ذكره ابن الأثير في "النهاية" 3/ 337 وغيره. (¬2) كذا في النسخ، وقوامه: من صيام أحدكم نهاره وقيام ليله. (¬3) فوقها في (ل): (ع).

عليك (نبي) رسول اللَّه (وصديق) أبو بكر (وشهيدان) عمر وعثمان -رضي اللَّه عنهم-. [4652] (ثنا هناد بن السري، عن عبد (¬1) الرحمن بن محمد المحاربي) براء مكسورة قبل الموحدة، الكوفي (عن عبد (¬2) السلام بن حرب) النهدي الكوفي (عن أبي خالد) يزيد بن عبد الرحمن (الدالاني) نسبة إلى دالان بن سابقة بن ناسح (¬3) بطن من همدان، كان ينزل في بني دالان، فنسب إليهم وليس منهم، وثقه أبو حاتم الرازي (¬4). (عن أبي خالد) (¬5) لا يعرف اسمه، وهو (مولى آل جعدة) ابن هبيرة المخزومي القرشي (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أتاني جبريل عليه السلام فأخذ بيدي فأراني باب الجنة الذي تدخل منه أمتي) لعل هذا كان في ليلة الإسراء حين عرج به جبريل إلى السموات ثم إلى سدرة المنتهى، وفي بيت المقدس إلى جانب الصخرة مكان يتبرك به يسمى باب الجنة، فلعل جبريل أراه باب الجنة من أبواب السماء الذي تصعد منه أعمال هذِه الأمة، وهو بعيد. (فقال أبو بكر -رضي اللَّه عنه-: يا رسول اللَّه وددت) بكسر الدال الأولى (أني كنت معك) تلك الليلة (حتى انظر إليه) فيه مشروعية تمني رؤية أماكن الخير والسعادة (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل) من أبواب (الجنة من أمتي) هذِه خصيصة من خصائص أبي بكر ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) في (ل)، (م): (ياسر)، والمثبت من "تهذيب الكمال" 33/ 274. (¬4) "الجرح والتعديل" 9/ 277. (¬5) فوقها في (ل): (د).

الصديق مما لم يشاركه فيها أحد من الصحابة ولا من دونهم، ولأبي بكر -رضي اللَّه عنه- خصائص تزيد على الثلاثين هذِه منها، وهي كونه أول من يدخل الجنة من هذِه الأمة، كما أنه أول من أسلم من الرجال وأول من وضع الحجر في مسجد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأول من أعتق المعذبين في سبيل اللَّه مثل بلال وغيره من العبيد والإماء، وأول من جمع بين اللوحين، وأول من دعا إلى الإسلام برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأول من هاجر مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى المدينة، وأول من عوقب في سبيل اللَّه فإنه لما أسلم أخبرت قريش بإسلامه فثار إليه المشركون يضربونه ووطئوه بأقدامهم حتى أن الملعون عتبة بن ربيعة جعل يضربه بنعلين مخصوفين ويُحَرِّفُهُما بوجهه حتى لم يعرف أنفه من وجهه، وأول من صلى مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من الرجال، وأول من غير رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- اسمه، كان اسمه عبد الكعبة، فسماه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عبد اللَّه، ولعله كُني بأبي بكر لابتكاره في هذِه الخصال فإنه كان أولًا فيها. [4653] (ثنا قتيبة بن سعيد ويزيد بن خالد) بن يزيد (الرملي) الثقة الزاهد (أن الليث حدثهم عن أبي (¬1) الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس المكي (عن جابر) بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما (عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: لا يدخل النار) زاد مسلم: "إن شاء اللَّه" (¬2). قال العلماء: لا يدخل النار (أحد ممن بايع) قطعًا؛ لقوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} (¬3) فإن من ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) "صحيح مسلم" (3496). (¬3) الفتح: 18.

رضي اللَّه عنه لا يُدخله النار، والمبايعون كانوا ألفًا وأربعمائة، واستثناؤه في رواية مسلم بـ "إن شاء اللَّه" استثناء في واجب وقوعه؛ لأن اللَّه أعلم بحصوله بقوله في الآية: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} ولغيره من الأحاديث، فصار (إن شاء اللَّه) للتبرك، لا للشك، فهو كقوله: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} (¬1). (تحت الشجرة) وهي شجرة بيعة الرضوان وكانت بالحديبية، بايعوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على الموت أو على ألا يفروا على خلاف بين الرواة، ثم إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صالح أهل مكة فكفى اللَّه المؤمنين القتال، وأحرز لهم الثواب وأثابهم فتحًا قريبًا ورضوانًا عظيمًا. [4654] (ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد بن سلمة، وثنا أحمد بن سنان) القطان الواسطي، شيخ الشيخين. (ثنا يزيد بن هارون) قال: (ثنا حماد بن سلمة، عن عاصم، عن أبي صالح) السمان (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: قال موسى) بن إسماعيل في روايته (فلعل اللَّه) تعالى (وقال) أحمد (بن سنان) فلعل (اطلع (¬2) اللَّه على أهل بدر، فقال) لهم (اعملوا ما شئتم) فيه إباحة كل الأعمال والتخيير فيما شاؤوا من الأفعال (¬3)، وذلك في الشريعة محال، إذ المعلوم من قواعدها أن التكاليف بالأوامر والنواهي متوجه ¬

_ (¬1) الفتح: 27. (¬2) ورواية موسى بن إسماعيل التي فيها الترجي هي الموافقة لما في "صحيح البخاري" (3007) وفي غير ما موضع، و"صحيح مسلم" (2494/ 161) من حديث علي. (¬3) في (م): الأعمال.

على كل من كان موصوفًا بشرائطها إلى موته (¬1)، ولما لم يصح ذلك الظاهر اضطر إلى تأويله (¬2)، فقال أبو الفرج ابن (¬3) الجوزي: ليس قوله: "اعملوا ما شئتم" للاستقبال، وإنما هو للماضي، تقديره: أي عمل كان لكم (فقد غفرت) ذلك (لكم) ويدل على ذلك شيئان: أحدهما: لو كان للمستقبل لقال: شاء، غفر. والثاني: أنه كان يكون إطلاقًا في الذنوب، ولا وجه لذلك، ويوضح هذا أن القوم خافوا من العقوبة مما بعد، فقال عمر: يا حذيفة، هل أنا منهم (¬4)؟ واستشكله القرطبي بأن (اعملوا) صيغته صيغة الأمر، وهي موضوعة للاستقبال، ولم تضع العرب صيغة الأمر موضع الماضي لا بقرينة، ولا بغير قرينة، هكذا نَصَّ عليه النحويون، وصيغة الأمر إذا وردت بمعنى الإباحة، إنما هي بمعنى الإنشاء والابتداء، لا بمعنى الماضي (¬5). والمراد بالغفران في الآخرة [فقد جلد] (¬6) مسطح في الحد، وكان بدريًّا. [4655] (ثنا محمد بن عبيد) بن حساب الغبري، شيخ مسلم (أن محمد بن ثور) الصنعاني العابد، ثقة (حدثهم عن معمر، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة) بن نوفل الزهري، أمه ¬

_ (¬1) في (ل، م): موتها. والمثبت من "المفهم". (¬2) انظر: "المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم" 9/ 234. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) "كشف المشكل من حديث الصحيحين" 1/ 142. (¬5) "المفهم" 6/ 441. (¬6) بياض في (م) بمقدار كلمتين.

عاتكة أخت عبد الرحمن بن عوف (قال: خرج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- زمن الحديبية) بتخفيف الياء قرية قريبة من مكة، سميت ببئر هناك. (فذكر الحديث) بطوله، و (قال) فيه (فأتاه يعني: عروة بن مسعود) الثقفي، فجلس بين يديه (فجعل يكلم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) ويقول: يا محمد جمعت أرباب الناس ثم جئت بهم، إنها قريش خرجت معها العوذ المطافيل (¬1)، قد لبسوا جلود النمور يعاهدون اللَّه لا تدخلها عليهم غرة أبدًا، واللَّه لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك غدًا، وأبو بكر الصديق خلف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قاعدًا، فقال: امصص بظر اللات (¬2)، أنحن ننكشف عنه؟ ! فقال: من هذا يا محمد؟ قال: "ابن أبي قحافة" قال: أما واللَّه لولا يد لك كانت عندي لكافأتك بها، وجعل يكلم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3) (فكلما كلمه) كلمة (أخذ بلحيته) يتناولها بيده (والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) في الحديد (ومعه السيف، وعلىه المغفر) قال الأصمعي: هو زَرَدٌ ينسج من الدروع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة (¬4). وقال غيره: هو غطاء الرأس من السلاح كالبيضة وشبهها من الحديد. ¬

_ (¬1) العوذ المطافيل: هي الإبل مع أولادها، فالعوذ جمع عائذ وهي الناقة إذا وضعت، والمُطْفِل هي الناقة القريبة العهد بالنتاج معها طفلها، كما قال ابن الأثير في: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/ 130. (¬2) امصص بظر اللات: كلمة سب تستعملها العرب لمن تقابحه وتسبه وأكثر ما يضيفون ذلك للأم. انظر: "مشارق الأنوار" 1/ 88. (¬3) رواه البخاري (2731 - 2732). (¬4) انظر: "السلاح" لأبي عبيد ابن سلام (ص 29).

(فضرب) المغيرة (يده) أي: يد عروة بن مسعود حين تناول لحية رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقرعها (بنعل السيف) وهي الحديدة التي تكون في أسفل السيف، وكانت نعل سيف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من فضة (فقال: أخر يدك عن لحيته) واكففها عن وجه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قبل ألا تصل إليك (فرفع عروة رأسه) إلى المغيرة (فقال: من هذا؟ ) وما رفع رأسه إليه إلا أنه كان جالسًا والمغيرة واقف. وفيه: مشروعية الوقوف على رأس الأمير بالسلاح بحضرة رسول الكفار، وإظهار عز الإسلام؛ ليوقع الرعب في قلوبهم، وفيه ملازمة الآداب الكبيرة، وتعظيم الملوك بحضرتهم. (قالوا) هو (المغيرة بن شعبة) وفي رواية لغير المصنف: فقال عروة: من هذا يا محمد؟ قال: "هو ابن أخيك المغيرة بن شعبة". قال: أي غدر! وهل غسلت عورتك إلا بالأمس (¬1)؟ ! كذا وقع في الخبر، قالوا: وإنما هو عم أبيه، هو المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود، فعروة وأبو عامر أخوان (¬2). * * * ¬

_ (¬1) رواها أحمد 4/ 323. (¬2) الحديث رقم (4656) لم يتعرض له المصنف بالشرح.

10 - باب في فضل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

10 - باب فِي فَضْلِ أَصْحاب رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- 4657 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْن عَوْنٍ، قالَ: أَنْبَأَنا، ح، وَحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، قالَ: حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ زرارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ قالَ: قالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خَيْرُ أُمَّتي القَرْنُ الذِينَ بُعِثْتُ فِيهِمْ ثُمَّ الذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الذِينَ يَلُونَهُمْ واللَّه أَعْلَمُ أَذَكَرَ الثّالِثَ أَمْ لا، ثُمَّ يَظْهَرُ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلا يُسْتَشْهَدُونَ، وَينْذِرُونَ وَلا يُوفُونَ، وَيَخُونُونَ وَلا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَفْشُو فِيهِمُ السِّمَنُ" (¬1). * * * باب في فضل أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- [4657] (ثنا عمرو بن عون) بالنون آخره، الواسطي شيخ البخاري (ح، وثنا مسدد، ثنا أبو عوانة) (¬2) الوضاح بن عبد اللَّه (عن قتادة، عن زرارة (¬3) بن (¬4) أوفى) أبي حاجب الحرشي قاضي البصرة (عن عمران ابن حصين رضي اللَّه عنهما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: خير أمتي القرن) بسكون الراء (الذين بعثت فيهم) والقرن من الناس: أهل زمان واحد، قال الشاعر: إذا ذهب القرن الذي أنت فيهم ... وخلفت في قرن فأنت غريب (¬5) ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2651)، ومسلم (2535). (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) في (م): (أبي). (¬5) عزاه الراغب في "محاضرات الأدباء" 2/ 360 إلى أبي محمد التيمي.

قيل: مقدار زمانه ثمانون سنة، وقيل: ستون. (ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) يعني أن هذِه القرون الثلاثة أفضل مما بعدها إلى يوم القيامة، وهذِه القرون في نفسها متفاضلة الأول ثم الذي بعده، ثم الذي بعده، هذا ظاهر الحديث. فأما أفضلية الصحابة وهم القرن الأول على من بعدهم فلا يخفى ولا يلتفت إلى قول من زعم أنه يكون فيمن بعدهم أفضل منهم أو مساوٍ لهم، وأما أفضلية من بعدهم بعضهم على بعض فبحسب قربهم من القرن الأول، وبحسب ما يظهر على أيديهم من إعلاء كلمة الدين ونشر العلم وفتح الأمصار. قال عمران: لا أدري (واللَّه أعلم، أذكر) القرن (الثالث، أم لا) وهذا الذي شك فيه عمران قد حققه عبد اللَّه بن مسعود بعد قرنه ثلاثًا (¬1)، وكذلك في حديث أبي سعيد في البعوث، فإنه (¬2) ذكر أنهم أربعة. (ثم يظهر قوم يشهدون ولا يستشهدون) أي يبدؤون بالشهادة قبل أن تطلب منهم، وذلك لهوًى لهم ورغبة في ذلك، ومن كان كذلك رُدت شهادته ولم تقبل، وأما حديث: "خير الشهود الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها" (¬3) فالمراد به شهادة الحسبة وهي الشهادة بحقوق اللَّه تعالى فيأتي إلى القاضي ويشهد بها، فهذا ممدوح، وأما حديث الباب فكما تقدم، ويحتمل أن يراد بقوله: "يشهدون ولا يستشهدون" أنهم يشهدون ¬

_ (¬1) انظر حديثه في "صحيح البخاري" (2652)، "مسلم" (2533). (¬2) في (ل)، و (م): فإنهم. والمثبت مناسب للسياق. (¬3) رواه مسلم (17819) من حديث زيد بن خالد الجهني.

بالزور، فيكون معناه: شهدوا بما لم يشهدوا به ولا شاهدوه، والأول أولى؛ لأنه أصل الكلمة. (وينذرون) بكسر الذال، ويجوز الضم (ولا يوفون) قال النووي: وفي رواية: "يفون" (¬1)، وهما صحيحان، يقال: وفى وأوفى، وفيه وجوب وفاء النذر، ولا خلاف فيه، وإن كان ابتداء النذر منهيًّا عنه (¬2) (ويخونون) من ائتمنهم (و) هم (لا يؤتمنون) على نفس ولا مال. (ويفشو) ولفظ مسلم: "ويظهر" (¬3) (فيهم السمن) أي يغلب عليهم نهمة الأكل والشهوات، فيكثرون الأكل، ويظهر فيهم السمن، وقد يأكلون الأدوية المسمنة؛ ليسمنوا لمحبة السمن عندهم لهم ولنسائهم وأولادهم، ومن كان هذا حاله خرج عن الأكل الشرعي ودخل في الأكل المذموم الذي قال فيه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما ملأ آدمي وعاء شرًا من بطن، حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان ولا بد فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه" (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواها مسلم (2535). (¬2) "مسلم بشرح النووي" 16/ 88. (¬3) مسلم (2535). (¬4) رواه الترمذي (2380)، وابن ماجه (3349)، وأحمد 4/ 132، والنسائي في "الكبرى" 6/ 268 - 269 من حديث المقدام بن معدي كرب الكندي. وصححه ابن حبان في "صحيحه" 2/ 449 (674)، والحاكم في "المستدرك" 4/ 121، 331 - 332، والألباني في "الإرواء" (1983).

11 - باب في النهي عن سب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

11 - باب فِي النَّهْي عَنْ سَبِّ أَصْحابِ رَسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- 4658 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تَسُبُّوا أَصْحابي، فَوالَّذي نَفْسي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا ما بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلا نَصِيفَهُ" (¬1). 4659 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا زائِدَةُ بْنُ قُدامَةَ الثَّقَفي، حَدَّثَنا عُمَرْ بْنُ قَيْسٍ الماصِرُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبي قُرَّةَ قالَ: كانَ حُذَيْفَةُ بِالمَدائِنِ، فَكانَ يَذْكرُ أَشْياءَ قالَها رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لأُناسٍ مِنْ أَصْحابِهِ في الغَضَبِ، فَيَنْطَلِقُ ناسٌ مِمَّنْ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ حُذَّيْفَةَ فَيَأْتُونَ سَلْمانَ فَيَذْكُرُونَ لَهُ قَوْلَ حُذَيْفَةَ فَيَقُولُ سَلْمانُ: حُذَيْفَةُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُ. فَيَرْجِعُونَ إِلَى حُذَيْفَةَ فَيَقُولُونَ لَهُ: قَدْ ذَكَرْنا قَوْلَكَ لِسَلْمانَ فَما صَدَّقَكَ وَلا كَذَّبَكَ. فَأَتَى حُذَيْفَةُ سَلْمانَ وَهُوَ في مَبْقَلَةٍ فَقالَ: يا سَلْمانُ، ما يَمْنَعُكَ أَنْ تُصَدِّقَني بِما سَمِعْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فَقالَ سَلْمانُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كانَ يَغْضَبُ فَيَقُولُ في الغَضَبِ لِناسٍ مِنْ أَصْحابِهِ. وَيَرْضَى فَيَقُولُ في الرِّضا لِناسٍ مِنْ أَصْحابِهِ، أَما تَنْتَهي حَتَّى تُوَرِّثَ رِجالًا حُبَّ رِجالٍ، وَرِجالًا بُغْضَ رِجالٍ وَحَتَّى تُوقِعَ اخْتِلافًا وَفُرْقَةً، وَلَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- خَطَبَ فَقالَ: "أَيُّما رَجُلٍ مِنْ أُمَّتي سَبَبْتُهُ سَبَّةً، أَوْ لَعَنْتُهُ لَعْنَةً في غَضَبي، فَإِنَّما أَنا مِنْ وَلَدِ آدَمَ أَغْضَبُ كَما يَغْضَبُونَ، وَإِنَّما بَعَثَني رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ، فاجْعَلْها عَلَيْهِمْ صَلاةً يَوْمَ القِيامَةِ". واللَّه لَتَنْتَهِيَنَّ أَوْ لأَكْتُبَنَّ إِلَى عُمَرَ (¬2). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3673)، ومسلم (2541). (¬2) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (234)، وأحمد 5/ 437. وصححه الألباني.

باب النهي عن سب أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- [4658] (ثنا مسدد، ثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (عن الأعمش، عن أبي صالح) السمان (عن أبي سعيد) الخدري (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا تسبوا أصحابي) سب الصحابة -رضي اللَّه عنهم- حرام من فواحش المحرمات، سواء من لابس الفتن منهم وغيره؛ لأنهم مجتهدون في تلك الحروب متأولون. قال القاضي: سب أحدهم من المعاصي الكبائر (¬1)، ومذهبنا (¬2) ومذهب الجمهور (¬3) أنه يعزر ولا يقتل، وقال بعض المالكية: يقتل، ولا يختلف في أن من قال: إنهم كانوا على كفر أو ضلال. كافر يقتل؛ لأنه أنكر معلومَّا ضروريًّا من الشرع، فقد كذب اللَّه ورسوله فيما أخبرا عنهم، وكذلك الحكم فيمن كفر أحد الخلفاء الأربعة، أو ضللهم ومن سبهم بغير قذف فيجلد الجلد الموجع، وينكل التنكيل الشديد، قال ابن حبيب: ويخلد سجنه إلى أن يموت (¬4). (فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) بفتح النون وكسر الصاد وسكون المثناة تحت، وهو لغة في النصيف، والمعنى: لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ ثوابه في ذلك ثواب نفقة أحد أصحابي ولا نصف مد أحدهم، وهذا يؤيد تفضيل ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" 7/ 580 - 581. (¬2) انظر: "الحاوي الكبير" 17/ 173. (¬3) انظر: "شرح مسلم" للنووي 16/ 93، "المغني" 14/ 148. (¬4) انظر: "المفهم" 6/ 494.

الصحابة كلهم على من بعدهم جميعهم، وسبب تفضيل نفقتهم أنها كانت في وقت الضرورة وضيق الحال في أول الإسلام وضعفه دون من بعدهم، وهذا مع ما كان في قلوبهم من النور والخشوع والتواضع والإيثار والجهاد في اللَّه حق جهاده، وفضيلة الصحبة ولو لحظة لا يوازيها عمل والفضائل لا تؤخذ بقياس. [4659] (ثنا أحمد) بن عبد اللَّه (بن يونس) اليربوعي (ثنا زائدة بن قدامة) أبو الصلت (الثقفي) الكوفي (ثنا عمرو (¬1) بن قيس الماصر) بكسر الصاد المهملة وتخفيف الراء، سمي بذلك؛ لأنه أول من مصر الفرات، ثقة رمي بالإرجاء (عن عمرو بن أبي قرة) بالقاف والراء المشددة، سلمة بن معاوية بن وهب الكندي الكوفي، ثقة مخضرم. (قال: كان حذيفة) بن اليمان، اسم أبيه: حسيل، وهو صاحب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (بالمدائن) مدينة قديمة على دجلة تحت بغداد، بينهما سبعة فراسخ، ولاه عليها عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-. (فكان يذكر) لمن عنده (أشياء قالها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لأناس من أصحابه في) حالة (الغضب، فينطلق ناس ممن سمع ذلك من حذيفة) بن اليمان (فيأتون سلمان) الفارسي -رضي اللَّه عنه- (فيذكرون له قول حذيفة -رضي اللَّه عنه-، فيقول سلمان: حذيفة أعلم) منا (بما يقول) عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. (فيرجعون إلى حذيفة) بن اليمان (فيقولون [له] (¬2): قد ذكرنا قولك [لسلمان]) (¬3) الذي قلته لنا (فما صدقك) فيما قلت (ولا كذبك، فأتى ¬

_ (¬1) كذا في (ل)، (م)، والصواب: (عمر). (¬2) و (¬3) من "السنن".

حذيفة) إلى (سلمان، وهو في مبقلة) بفتح الميم، وهو الموضع ينبت فيه البقل، وهو كل نبات اخضر به الأرض، قاله ابن فارس (¬1)، يقال: أبقلت الأرض، إذا خرج بقلها فهي باقل، ولا يقال: مبقل، كما قالوا: أدرس الشجر فهو دارس، ولم يقولوا: مدرس، وهو من النوادر. والباقلاء: الفول. (فقال: يا سلمان) الخير، وكان سلمان بالمدائن أيضًا، وقد روى شعبة، عن سماك بن حرب، سمعت النعمان بن حميد يقول: دخلت مع خالي على سلمان بالمدائن وهو يعمل الخوص، فسمعته يقول: أشتري خوصًا بدرهم فأعمله فأبيعه بثلاثة دراهم، فأعيد درهمًا فيه وأنفق درهمًا على عيالي، وأتصدق بدرهم، ولو أرسل إلي عمر فثهاني عنه ما انتهيت (¬2) (ما يمنعك أن تصدقني بما سمعت من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فقال سلمان: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يغضب، فيقول في الغضب لناس من أصحابه) أي: كان يحصل له الغضب، فيقول في حال غضبه لأناس من أصحابه بما يحصل به الزجر والردع على سبيل التأديب لهم، وليس فيه ضرر لهم، كقوله ليتيمة أم سليم (¬3): "لا كبر سنك" أي: لا كبر سنك كبرة تعودي بها إلى أرذل العمر، كما كان -صلى اللَّه عليه وسلم- يتعوذ من أن يرد إلى أرذل العمر (¬4). ¬

_ (¬1) "مجمل اللغة" 1/ 130. (¬2) رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 4/ 89، ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 21/ 433 - 434. (¬3) في (ل)، (م): أم سلمة. والصواب ما أثبتناه، والحديث رواه مسلم (2603). (¬4) ورد في حديث رواه البخاري (2822)، و"مسلم" (2706).

وقوله: "عقرى حلقى" (¬1)، و"تربت يمينك" (¬2) مما هو جارٍ على اللسان حال الغضب من غير قصد الوقوع للمخاطب به. (ويرضى فيقول في) حال (الرضا لناس من أصحابه) ممن وقع منه فسق قاصر بينه وبين اللَّه: لا تلعنوه، ونحوه، كقوله (¬3) لشارب الخمر المضروب: لعنه اللَّه ما أكثر ما يشرب: "لا تكن عونًا للشيطان على أخيك" (¬4)، وما في معناه إشارة إلى أن الرفق في حقه أولى من العنف والتغليظ، ثم قال لحذيفة (أما تنتهي) عن هذا الكلام (حتى تورث رجالًا) من أصحابك (حب رجال) ليسوا بمرضيين، (و) تورث (رجالًا) من أصحابك (بغض رجال) مرضيين (وحتى توقع) بين أصحابك (اختلافًا) بينهم (وفرقة) بضم الفاء، من اختلاف كلمتهم، وتشعب أهويتهم (وقد علمت) يا حذيفة (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خطب) يومًا (فقال: أيما رجل) بالجر (من أمتي سببته سبة) واحدة (أو لعنته لعنة) واحدة (في) حال (غضبي) عليه (فإنما أنا) رجل (من بني آدم) (¬5) مجبول على جبلتهم (أغضب كما يغضبون) وأرضى كما يرضون. ولفظ مسلم: "اللهم إني بشر أغضب كما يغضب البشر، فأي المسلمين لعنته أو سببته أو جلدته، فاجعل ذلك له كفارة ورحمة" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1561)، ومسلم (1211) من حديث عائشة. (¬2) رواه البخاري (130)، ومسلم (313) من حديث أم سليم. (¬3) بعدها في (ل) بياض بمقدار كلمة. (¬4) رواه البخاري (6781) من حديث أبي هريرة. (¬5) بعدها في (ل)، (م): نسخة: ولد آدم. (¬6) "صحيح مسلم" (2601/ 91).

(وإنما بعثني (¬1) رحمة للعالمين) هو موافق لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} (¬2). (فاجعلهما (¬3) عليهم صلاة يوم القيامة) والصلاة هنا بمعنى الرحمة كقوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} (¬4)، فإن قيل: كيف يجوز أن يصدر من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سب أو لعن لغير مستحقه وهو معصوم من مثل ذلك في الغضب والرضا، فالجواب: أن هذا أشكل على العلماء وراموا التخلص من ذلك بأوجه، أصحها وجه واحد، وهو أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إنما يغضب لما يرى من المغضوب عليه من مخالفة الشرع، فغضبه للَّه تعالى، لا لنفسه ولا ينتقم لها، وقد تقرر عند أهل الأصول أن الظاهر من غضبه تحريم الفعل المغضوب من أجله، وعلى هذا فيجوز له أن يؤدب المخالف بالسب واللعن والدعاء عليه بالمكروه، وذلك بحسب مخالفة المخالف، غير أن ذلك المخالف قد يكون ما صدر منه فلتة أوجبتها غفلة أو غلبة نفس أو شيطان، وله فيما بينه وبين اللَّه عمل خالص وحال صادق، يرفع اللَّه بسبب ذلك أثر ما صدر عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من القول أو الفعل، وعبر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عنه بقوله: "فأيما رجل من أمتي سببته أو لعنته أو دعوت عليه بدعوة ليس لها بأهل أن تجعلها له طهورًا" (¬5). ¬

_ (¬1) بعدها في (ل)، (م): نسخة: بعثتني. (¬2) الأنبياء: 107. (¬3) بعدها في (ل): نسخة: فاجعلها. (¬4) البقرة: 157. (¬5) رواه مسلم (2603).

(واللَّه لتنتهين) بكسر الهاء وفتح التاء وتشديد نون التوكيد (أو لأكتبن إلى عمر) بن الخطاب الذي ولاك. (قال) (¬1) المصنف (فيحمل عليه برجال) من أصحابه (فكفر) سلمان -رضي اللَّه عنه- (عن يمينه) التي حلفها (ولم يكتب) بذلك (إلى عمر) بن الخطاب (وكفر) عن يمينه (قبل الحنث) فإنه انتهى عما كان يقوله، فلم يقع اليمين عليه، فأخرج سلمان الكفارة قبل أن تقع عليه اليمين. (قال) المصنف: التكفير (قبل) الحنث (وبعد) الحنث (جائز) لكن التكفير قبل الحنث إنما يجوز إذا كانت الكفارة لغير الصوم، وأما بالصيام فلا يجوز التكفير به قبل الحنث، لأنه عبادة بدنية فلم يجز تقديمها على وقت وجوبها كالصلاة وصوم رمضان، وهذا هو الصحيح، وقيل: يجوز لعموم قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرًا مثها فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير" (¬2) وعلى الصحيح وهو جواز التقديم في غير الصيام، فالأولى أن لا يقدم بل يؤخر حتى يحنث، للخروج من خلاف أبي حنيفة -رضي اللَّه عنه- (¬3). * * * ¬

_ (¬1) من هنا إلى نهاية الشرح ليس في نسخ المطبوع. (¬2) رواه البخاري (6622)، ومسلم (1652) من حديث عبد الرحمن بن سمرة. (¬3) "الأصل" 3/ 242، قال السرخسي في "المبسوط" 8/ 147: ولا يجوز التكفير بعد اليمين قبل الحنث عندنا، واستدل بما رواه البخاري (2622) ومسلم (1652) من حديث عبد الرحمن بن سمرة أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال له: "وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير".

12 - باب في استخلاف أبي بكر -رضي الله عنه-

12 - باب في اسْتِخْلافِ أَبي بكْرٍ -رضي اللَّه عنه- 4660 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن مُحَمَّدٍ النُّفَيْلي، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، قالَ: حَدَّثَني الزُّهْري، حَدَّثَني عَبْدُ المَلِكِ بْنُ أَبي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحارِثِ بْنِ هِشامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ قالَ: لَمّا اسْتُعِزَّ بِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَأَنا عِنْدَهُ في نَفَرٍ مِنَ المُسْلِمِينَ دَعاهُ بِلالٌ إِلَى الصَّلاةِ فَقالَ: "مُرُوا مَنْ يُصَلّي لِلنّاسِ". فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَمَعَةَ فَإِذا عُمَرُ في النّاسِ وَكانَ أَبُو بَكْرٍ غائِبًا فَقُلْتُ: يا عُمَرُ قُمْ فَصَلِّ بِالنّاسِ فَتَقَدَّمَ فَكَبَّرَ، فَلَمّا سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- صَوْتَهُ -وَكانَ عُمَرُ رَجُلًا مُجْهِرًا- قالَ: "فَأَيْنَ أَبُو بَكْرٍ يَأْبَى اللَّهُ ذَلِكَ والمُسْلِمُونَ يَأْبَى اللَّهُ ذَلِكَ والمُسْلِمُونَ". فَبَعَثَ إِلَى أَبي بَكْرٍ فَجاءَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى عُمَرُ تِلْكَ الصَّلاةَ فَصَلَّى بِالنّاسِ (¬1). 4661 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا ابن أَبي فُدَيْكٍ، قالَ: حَدَّثَني مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَمْعَةَ أَخْبَرَهُ بهذا الخَبَرِ قالَ: لَمّا سَمِعَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صَوْتَ عُمَرَ قالَ ابن زَمَعَةَ: خَرَجَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حَتَّى أَطْلَعَ رَأْسَهُ مِنْ حُجْرَتِهِ ثُمَّ قالَ: "لا لا لا لِيُصَلِّ لِلنّاسِ ابن أَبي قُحافَةَ". يَقُول ذَلِكَ مُغْضَبًا (¬2). * * * باب في استخلاف أبي بكر -رضي اللَّه عنه- [4660] (ثنا عبد اللَّه بن محمد النفيلي، ثنا محمد بن سلمة) بفتح السين واللام، وهو ابن عبد اللَّه الباهلي، أخرج له مسلم (عن محمد ابن إسحاق) صاحب المغازي (حدثني الزهري، حدثني عبد (¬3) الملك ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 322، وابن أبي عاصم في "السنة" (1160)، والطحاوي في "شرح المشكل" 11/ 13 (4253). وصححه الألباني. (¬2) انظر سابقه. (¬3) فوقها في (ل): (ع).

بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام) المخزومي (عن أبيه) (¬1) أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة، أحد الفقهاء السبعة (عن عبد اللَّه بن زمعة) بسكون الميم وفتحها، ابن الأسود بن المطلب الأسدي، من أشراف قريش، وكان يأذن على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. (قال: لما استعز) بضم المثناة فوق وكسر العين المهملة وتشديد الزاي، أي: اشتد به المرض وأشرف على الموت. قال المنذري: استعز: اشتد به المرض، وأشرف [على الموت] (¬2). (برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) يقال: عز، يعز بالفتح، إذا غلب، واستعز به المرض وغيره إذا اشتد عليه، ثم بنى الفعل للمفعول به الذي هو الجار والمجرور، ومنه قوله تعالى: {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} (¬3)، أي: غلبني في الاحتجاج. (وأنا عنده في نفر) كثير (من المسلمين، دعاه بلال) ابن حمامة مؤذن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (إلى الصلاة) بالناس (قال: مروا من يصلي) وفي بعض النسخ: "مروا أبا بكر يصلي" (للناس، فخرج عبد اللَّه بن زمعة -رضي اللَّه عنه-، فإذا عمر) جالس (في الناس، وكان أبو بكر) الصديق -رضي اللَّه عنه- (غائبًا) في ذلك الوقت. (فقلت: يا عمر، قم فصل بالناس) الفرض (فتقدم) عمر (فكبر) تكبيرة الإحرام (فلما سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صوته) بتكبيرة الإحرام (وكان عمر -رضي اللَّه عنه- رجلًا مجهرًا) بضم الميم وسكون الجيم وكسر الهاء، أي: صاحب جهر ورفع لصوته، قال الجوهري: رجل مجهر، بكسر ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) في (ل): عليه. (¬3) ص: 23.

الميم، إذا كان من عادته أن يجهر بكلامه (¬1). وفي الحديث: فإذا امرأة جهيرة (¬2). أي: عالية الصوت (قال: فأين أبو بكر؟ ) الصديق (يأبى اللَّه) تعالى (ذلك والمسلمون، يأبى اللَّه ذلك والمسلمون، يأبى اللَّه ذلك والمسلمون) (¬3) والإباء: أشد الامتناع. قال الخطابي: فيه دليل على خلافة أبي بكر -رضي اللَّه عنه-؛ لأن قوله عليه السلام: "يأبى اللَّه ذلك والمسلمون" معقول منه أنه لم يرد نفي جواز الصلاة خلف عمر بن الخطاب، فإن الصلاة خلف عمر ومن دونه من المسلمين جائزة، وإنما أراد به الإمامة التي هي دلالة الخلافة والنيابة عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في القيام بأمر الأمة (¬4). فعلى ما قال الخطابي فالمراد بالمسلمين في الحديث: أهل العقد والحل من العلماء والرؤساء ووجوه الناس الذين يتيسر حضورهم دون غيرهم، فلو تعلق العقد والحل بواحد مطاع كفى عن غيره، وشرط أهل العقد والحل صفات الشهود المعتبرة، وفي الحديث: إشارة إلى رضا المؤمنين بالإمام في الصلاة وغيرها واللَّه أعلم. (فبعث إلى أبي بكر) بن أبي قحافة (فجاء بعد أن صلى عمر) بالناس (تلك الصلاة) كلها (فصلى) أبو بكر (بالناس) ثانيًا. وفيه أن من صلى مع ¬

_ (¬1) "الصحاح" 2/ 618. (¬2) روى ابن الجوزي في "المنتظم" 7/ 357: حدثنا أحمد بن محمد القرشي، قال: حدثنا إبراهيم بن عيسى، قال: حدثني موسى بن عبد الملك -أبو عبد الرحمن المروزي- قال: قال مالك بن دينار: بينا أنا أطوف بالبيت إذا أنا بامرأة جهيرة. . (¬3) في مطبوع "السنن" أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قالها مرتين، لا ثلاثًا كما ذكر الشارح. (¬4) "معالم السنن" 4/ 285.

إمام ثم جاء إمام أفضل منه استحب إعادة الصلاة معه، وتكون الأولى هي المكتوبة والثانية نافلة. [4661] (ثنا أحمد بن صالح، ثنا) محمد بن إسماعيل (بن أبي (¬1) فديك) دينار الديلي (حدثني موسى بن يعقوب) بن عبد اللَّه بن وهب الأسدي، وثقه ابن معين (¬2)، وقال المصنف: صالح. (عن عبد الرحمن بن إسحاق) بن عبد اللَّه القرشي العامري، أخرج له مسلم (عن ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة) بن مسعود (أن عبد اللَّه بن زمعة) بن الأسود، وكان جده الأسود بن عبد المطلب من المستهزئين الذين قال اللَّه فيهم: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95)} (¬3) ذكروا أن جبريل رمى في وجهه بورقة فعمي. (أخبره بهذا الخبر) و (قال) فيه (لما سمع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صوت عمر) ابن الخطاب (قال ابن زمعة -رضي اللَّه عنه-: خرج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) لما سمع صوت عمر برأسه (حتى أطلع رأسه (¬4) من حجرته) إلى المسجد. (ثم قال: لا لا لا) فيه تكرير الكلام مبالغة في الزجر (ليصل بالناس) أبو بكر (ابن أبي قحافة) يعني: ثانيًا، ثم يستبد بالصلاة (يقول ذلك مغضبًا) (¬5) بفتح الضاد، يعني: من صلاة عمر دون أبي بكر. * * * ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) "تاريخ ابن معين" رواية الدوري 3/ 157 (672). (¬3) الحجر: 95. (¬4) بعدها في (ل): نسخة: اطلع برأسه. (¬5) بعدها في (ل)، (م): نسخة: قاله مغضبًا.

13 - باب ما يدل على ترك الكلام في الفتنة

13 - باب ما يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الكَلامِ في الفِتْنَةِ 4662 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَمُسْلِمُ بْن إِبْراهِيمَ، قالا: حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ عَلي بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَبي بَكْرَةَ، ح وَحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصاري، قالَ: حَدَّثَني الأَشْعَثُ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَبي بَكْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِلْحَسَنِ بْنِ عَلَيٍّ: "إِنَّ ابني هذا سَيِّدٌ، وَإِنّي أَرْجُو أَنْ يُصْلِحَ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنْ أُمَّتَي". وقالَ في حَدِيثِ حَمّادٍ: "وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ عَظِيمَتَيْنِ" (¬1). 4663 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلي، حَدَّثَنا يَزِيدُ، أَخْبَرَنا هِشامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ قالَ: قالَ حُذَيْفَةُ: ما أَحَدٌ مِنَ النّاسِ تُدْرِكُهُ الفِتْنَةُ إِلَّا أَنا أَخافُها عَلَيْهِ إِلا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَإِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "لا تَضرُّكَ الفِتْنَةُ" (¬2). 4664 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، أَخْبَرَنا شُعْبَةُ، عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبي بُرْدَةَ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ ضُبَيْعَةَ قالَ دَخَلْنا عَلَى حُذَيْفَةَ فَقالَ: إِنّي لأَعْرِفُ رَجُلًا لا تَضُرُّهُ الفِتَنُ شَيْئًا. قالَ: فَخَرَجْنا فَإِذا فُسْطاطٌ مَضْرُوبٌ فَدَخَلْنا فَإِذا فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَسَأَلْناه عَنْ ذَلِكَ فَقالَ: ما أُرِيدُ أَنْ يَشْتَمِلَ عَلى شَيء مِنْ أَمْصارِكُمْ حَتَّى تَنْجَلي عَمّا انْجَلَتْ (¬3). 4665 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبي بُرْدَةَ، عَنْ ضُبَيْعَةَ بْنِ حُصَيْنٍ الثَّعْلَبي، بِمَعْناهُ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2704). (¬2) رواه ابن أبي شيبة 21/ 88 (38393)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (728). وصححه الألباني في "المشكاة" (6242). (¬3) رواه ابن بطة في "الإبانة الكبرى" (729)، والحاكم 3/ 433 - 434، وأبو نعيم في "المعرفة" 1/ 157. وقال الألباني: صحيح بما قبله. (¬4) انظر ما قبله.

4666 - حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بْنُ إِبْراهِيمَ الهُذَلي، حَدَّثَنا ابن علَيَّةَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبادِ قالَ: قُلْتُ لِعَلي -رضي اللَّه عنه-: أَخْبِرْنا عَنْ مَسِيرِكَ هذا أَعَهْدٌ عَهِدَهُ إِلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَمْ رَأي رَأَيْتَهُ؟ فَقالَ: ما عَهِدَ إِلَي رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِشَيء وَلَكِنَّهُ رَأي رَأَيْتُهُ (¬1). 4667 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا القاسِمُ بْنُ الفَضْلِ، عَنْ أَبي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تَمْرُقُ مارِقَةٌ عِنْدَ فُرْقَةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ يَقْتُلُها أَوْلَى الطّائِفَتَيْنِ بِالحَقِّ" (¬2). * * * باب ما يدل على ترك الكلام في الفتنة [4662] (ثنا مسدد ومسلم بن إبراهيم) الفراهيدي (ثنا حماد) بن سلمة (عن علي بن زيد) بن جدعان التيمي، أخرج له مسلم (عن الحسن) البصري (عن أبي بكرة) نفيع بن الحارث -رضي اللَّه عنه- قال: (وثنا محمد بن المثنى، عن محمد بن عبد اللَّه الأنصاري، حدثني الأشعث) ابن عبد الملك الحمراني، استشهد به البخاري (عن الحسن) البصري (عن أبي بكرة) نفيع -رضي اللَّه عنه-. (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- للحسن بن علي) بن أبي طالب (إن ابني هذا سيد) استحق السيادة والشرف بنسبه الشريف، وبكونه أوقع اللَّه الصلح على يديه وحسم الفتنة التي بين المسلمين. ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 148، وعبد اللَّه بن أحمد في "السنة" (1266). وقال الألباني: صحيح الإسناد. (¬2) رواه مسلم (1065/ 150).

(وإني أرجو أن يصلح اللَّه به) فيه فضيلة السعي بين المسلمين في حسم الفتنة والإصلاح بينهم (بين فئتين من أمتي) وهي الوقعة بين الحسن ومعاوية (عظيمتين) (¬1) قال زهير بن معاوية: ثنا أبو روق الهمداني، ثنا أبو العريف قال: كنا مقدمة الحسن بن علي في اثني عشر ألفًا تقطر أسيافنا من الجد على قتال أهل الشام، وكان علينا أبو العمرطة، فلما جاءنا صلح الحسن كأنما كسرت ظهورنا من الغيظ، فلما قدم الكوفة قال له سفيان بن الليل: السلام عليك يا مذل المؤمنين. فقال: لا تقل ذلك يا أبا عامر، إني كرهت أن أقتلهم على الملك (¬2). (وقال في حديث حماد) بن سلمة (ولعل اللَّه أن يصلح به بين فئتين) كذا للبخاري (¬3)، واستعمل (لعل) استعمال (عسى) لاشتراكهما في الرجاء، ولهذا دخلت (أن) في خبرها. (من المسلمين) وفيه أن كلًّا من الفريقين لم يخرج بما وقع منه في تلك الفتنة من قول أو فعل أو نية عن الإسلام، ولا عن أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- إذ جعلهم -صلى اللَّه عليه وسلم- مسلمين، وهكذا سبيل كل متأول إذا كان فيما تأوله شبهة، وإن كان مخطئًا فيها، إذ من المعلوم أن إحدى الفرقتين كانت مخطئة والأخرى مصيبة. ¬

_ (¬1) ليست في المطبوع. (¬2) رواه الفسوي في "المعرفة والتاريخ" 3/ 317، والحاكم في "المستدرك" 3/ 175، والخطيب في "تاريخ بغداد" 10/ 305، وابن عبد البر في "الاستيعاب" 1/ 438، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 13/ 279. (¬3) البخاري (2704).

(عظيمتين) وصفهما بالعظيمتين؛ لأن المسلمين كانوا فرقتين، فرقة معه وفرقة مع معاوية، وكان الحسن يومئذ أحق الناس بهذا الأمر، فدعاه تقواه وورعه إلى ترك الملك الذي وقع فيه النزاع والدنيا رغبة في ثواب اللَّه ورضًا بما أعده لتارك ذلك، ولم يكن ذلك لعلة ولا لذلة فقد بايعه على الموت أربعون ألفًا. قال أبو روق: كان أصحاب الحسن يقولون له: يا عار المسلمين، فيقول: العار خير من النار (¬1). فصالح معاوية رعاية لمصلحة دينه ومصلحة الأمة، وكفى شرفًا وفضلًا، فلا أسود ممن سماه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سيدًا. [4663] (ثنا الحسن بن علي) الخلال، شيخ الشيخين (ثنا يزيد) (¬2) ابن هارون الواسطي، أحد الأعلام. (ثنا هشام) بن حسان (عن محمد) بن سيرين (قال: قال حذيفة) بن اليمان، قال الذهبي: رواية ابن سيرين عن حذيفة مرسلة؛ لأنه أقدم من لحق من الصحابة زيد بن ثابت. (ما أحد من الناس تدركه الفتنة) التي أخبر عنها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (إلا أنا أخافها عليه) أن تصيبه (إلا محمد بن مسلمة) بن سلمة الأنصاري الخزرجي، شهد بدرًا والمشاهد (فإني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: لا تضرك الفتنة) وهو عام في كل الفتن [قال العلماء] (¬3)، وكان محمد بن ¬

_ (¬1) رواه ابن عبد البر في "الاستيعاب" 1/ 438. (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

مسلمة ممن اجتنب ما وقع بين الصحابة من الفتن والخلاف والقتال، وأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمره إذا كان ذلك أن يتخذ سيفًا من خشب ففعل وأقام بالربذة، وكان من أعلام نبوته -صلى اللَّه عليه وسلم- حيث أخبر أنه يعيش إلى وقوع الفتنة، وأنه يجتنب الفتنة والدخول فيها فيسلم، فكان كما أخبر. [4664] (ثنا عمرو بن مرزوق) الباهلي، روى عنه البخاري مقرونًا (ثنا شعبة، عن الأشعث بن سليم) بالتصغير، وهو أشعث بن أبي الشعثاء سليم المحاربي (عن أبي بردة) عامر بن أبي موسى الأشعري (عن ثعلبة بن ضبيعة) بضم الضاد المعجمة وفتح الموحدة، مصغر، الثعلبي، ويقال فيه: ضبيعة بن حصين الثعلبي، كما سيأتي، وهو المشهور، وقال في "التهذيب": قال البخاري (¬1): قال الثوري: هو ضبيعة (¬2). وكذا ذكره شيخنا في ضبيعة بن حصين، وقال: هو مقبول (¬3). (قال: دخلنا على حذيفة) بن اليمان (فقال: إني لأعرف رجلًا لا تضره الفتن شيئًا، قال: فخرجنا) من عنده (فإذا فسطاط) بضم الفاء على أشهر اللغات الست، وهو بيت (مضروب) من شعر. وروى المزي هذا الحديث من طريق عالية ذكرها في "التهذيب" بزيادةٍ، ولفظه: أخبرني أبو بردة بن أبي موسى، عن ضبيعة بن حصين قال: كنا جلوسًا مع حذيفة بن اليمان فذكرنا الفتنة، فقال: إني لأعرف رجلًا لا تضره الفتنة شيئًا. قلنا: من هو؟ قال: محمد بن ¬

_ (¬1) "التاريخ الكبير" (3068). (¬2) "تهذيب الكمال" 13/ 257 (2914). (¬3) "تقريب التهذيب" (2964).

مسلمة الأنصاري. قال: فلما مات حذيفة وكانت الفتنة خرجت فيمن خرج من الناس، فإذا أنا بفسطاط له، قلت له: يرحمك اللَّه إنك رجل من خيار المسلمين وصالحيهم وتترك بلدك ودارك وأهلك! قال: قد تركتها مخافة الشر حتى تنجلي (¬1). (فدخلنا) الفسطاط (فإذا فيه محمد بن مسلمة) الأنصاري (فسألناه عن ذلك) أي: عن تركه بلده وداره وأهله (فقال: ما أريد أن يشتمل علي شيء) يشبه أن يكون (يشتمل) بالمثناة تحت أوله، و (عليَّ) بتشديد الياء آخره، و (شيء) بالرفع. والتقدير: ما أحب أن يجمعني فيه شيء (من أمصاركم) وواحد الأمصار: مصر، وهو البلد، وقيل: هو اسم لكل مجموع الأقطار والحدود وهو اسم [في الأصل] (¬2) اسم للمحصور (¬3)، مثل النقص بمعنى المنقوص. (حتى تنجلي) بالمثناة فوق وكسر اللام المخففة (عما انجلت) فيه الفرار من الفتن والرحلة من بلده إلى البادية يتتبع مواقع القطر، وذلك إذا عمت الفتن في البلاد المسكونة. [4665] (ثنا مسدد، ثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد اللَّه اليشكري (عن أشعث بن سليم) بضم السين المحاربي [(عن أبي بردة) عامر (¬4)]. ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 13/ 257 - 258: . . . شيبان، عن أشعث بن أبي الشعثاء، قال: كنا جلوسًا مع حذيفة بن اليمان. . . (¬2) ساقطة من (م). (¬3) موضعها بياض في (م). (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

(عن ضبيعة) بضم الضاد المعجمة، وفتح الموحدة، تصغير ضبعة، الحيوان المعروف (ابن حصين) بمهملتين (¬1) (الثعلبي) بالثاء المثلثة والعين المهملة، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2)، وليس له في السنن (¬3) غير هذا الحديث (بمعناه) المتقدم دون لفظه. [4666] (ثنا إسماعيل بن إبراهيم) أبو معمر (الهذلي) القطيعي شيخ الشيخين، (ثنا) إسماعيل بن إبراهيم وهو (ابن علية، عن يونس، عن الحسن) البصري (عن قيس بن عباد) بضم العين المهملة، وتخفيف الموحدة، البصري، أخرج له الشيخان. (قال: قلت لعلي) بن أبي طالب (-رضي اللَّه عنه-: أخبرنا عن مسيرك هذا) في هذِه الفتنة (أعهد) بفتح همزة الاستفهام والعين المهملة (عهده إليك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) يعني: أوصية أوصاك بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأمرك بها (أم رأي رأيته؟ ) باجتهادك من عندك. (فقال: ما عهد إلي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بشيء) من ذلك (ولكنه رأي رأيته) من تلقاء نفسي، فيه جواز مراجعة الإمام فيما يقوله ويفعله وسؤاله عن دليله ومستنده. [4667] (ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا القاسم بن الفضل) الأزدي، أخرج له مسلم في الزكاة وغيرها (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك العوقي، والعوقة بطن من عبد القيس (عن أبي سعيد) الخدري -رضي اللَّه عنه-. ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): بمهملان. ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬2) "الثقات" 4/ 390. (¬3) في (م): الستة.

(قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: تمرق) بفتح المثناة فوق وسكون الميم وضم الراء (مارقة) أي: تخرج فرقة مرقت من دين الإسلام وخرقته وجاوزته مروق السهم من الرمية التي يرمى إليها، والمراد به الخوارج (عند فرقة) بضم الفاء، أي: عند افتراق وتنازع يحصل (من المسلمين) بعضهم من بعض (يقتلها) أي: يقتل الفئة المارقة من الدين (أولى الطائفتين بالحق) أي: أقرب الطائفتين إلى اتباع الحق وقبوله والعمل به، كما في علي بن أبي طالب مع معاوية فقد ندم بعض الصحابة على التخلف عن نصرة علي بن أبي طالب كعبد اللَّه بن عمر، فإنه قال عند موته: ما آسى على شيء ما آسى على تركي قتال الفئة الباغية (¬1). يعني: فرقة معاوية. * * * ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي الدنيا في "المحتضرين" (213)، وابن زبر الربعي في "وصايا العلماء عند حضور الموت" (ص 63)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 31/ 196 - 197 من طريق سعيد بن جبير. ورواه الدارقطني في "المؤتلف والمختلف" 3/ 1529، والسهمي في "تاريخ جرجان" (ص 282) من طريق عطاء. ورواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 4/ 186، والفسوي في "المعرفة والتاريخ" 3/ 84، والطبراني 13/ 145 - 146 (13824 - 13825)، وابن عبد البر في "الاستيعاب" 3/ 82 - 83 من طريق حبيب بن أبي ثابت. ثلاثتهم عن ابن عمر به. وعن حبيب بن أبي ثابت عنه منقطع، كما قاله الحافظ الذهبي في "السير" 3/ 231.

14 - باب في التخيير بين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

14 - باب فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ الأَنْبِياءِ علَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ 4668 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنا عَمْرٌو -يَعْني: ابن يَحْيَى-، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْري قالَ: قالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تُخَيِّرُوا بَيْنَ الأَنْبِياءِ" (¬1). 4669 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْن عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَبي العالِيَةِ، عَنِ ابن عَبّاسٍ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "ما يَنْبَغي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ: إِنّي خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى" (¬2). 4670 - حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الحَرّاني، قالَ: حَدَّثَني مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ إِسْماعِيلَ بْنِ أَبي حَكِيمٍ، عَنِ القاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قالَ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "ما يَنْبَغي لِنَبي أَنْ يَقُولَ إِنّي خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى" (¬3). 4671 - حَدَّثَنا حَجّاجُ بْنُ أَبي يَعْقوبَ وَمُحَمَّدُ بْن يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، قالا: حَدَّثَنا يَعْفوبُ، قالَ: حَدَّثَنا أَبي، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ: والَّذي اصْطَفَى مُوسَى. فَرَفَعَ المُسْلِمُ يَدَهُ فَلَطَمَ وَجْهَ اليَهُودي، فَذَهَبَ اليَهُودي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَأَخْبَرَهُ فَقالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تُخَيِّرُوني عَلَى مُوسَى فَإِنَّ النّاسَ يُصْعَقُونَ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذا مُوسَى باطِشٌ في جانِبِ العَرْشِ، فَلا أَدْري أَكانَ مِمَّنْ صَعِقَ فَأَفاقَ قَبْلي، أَوْ كانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ عزَّ وجلَّ" (¬4). قالَ أَبُو داوُدَ: وَحَدِيثُ ابن يَحْيَى أَتَمُّ. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2412، 6916)، ومسلم (2374/ 163). (¬2) رواه البخاري (3413)، ومسلم (2377). (¬3) انظر السابق. (¬4) رواه البخاري (2411)، ومسلم (2373).

4672 - حَدَّثَنا زِيادُ بْن أَيُّوبَ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ مُخْتارِ بْنِ فُلْفُلٍ يَذْكرُ عَنْ أَنَسٍ قالَ: قالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يا خَيْرَ البَرِيَّةِ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ذاكَ إِبْراهِيمُ" (¬1). 4673 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عُثْمانَ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ، عَنِ الأَوْزاعي، عَنْ أَبي عَمّارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَرُّوخَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَنا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، وَأَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ، وَأَوَّلُ شافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ" (¬2). 4674 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُتَوَكِّلِ العَسْقَلاني وَمَخْلَدُ بْنُ خالِدٍ الشَّعِيري -المَعْنَى- قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ ابن أَبي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبي سَعِيدٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما أَدْري أَتُبَّعٌ لَعِينٌ هُوَ أَمْ لا، وَما أَدْري أَعُزَيْزٌ نَبي هُوَ أَمْ لا" (¬3). 4675 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، قالَ: أَخْبَرَني يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابِ أَنَّ أَبا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبا هُرَيْرَةَ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُول: "أَنا أَوْلَى النّاسِ بِابْنِ مَرْيَمَ، الأَنْبِياءُ أَوْلادُ عَلَّاتٍ، وَلَيْسَ بَيْني وَبَيْنَهُ نَبَيٌّ" (¬4). * * * باب في التخيير بين الأنبياء [4668] (ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا وهيب) (¬5) بن خالد الباهلي (ثنا ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2396). (¬2) رواه البخاري (4712)، ومسلم (2278). (¬3) رواه الحاكم 1/ 36، 2/ 14، والبيهقي في "الكبرى" 8/ 329. وصححه الألباني في "الصحيحة" (2217). (¬4) رواه البخاري (3442)، ومسلم (2365). (¬5) فوقها في (ل): (ع).

عمرو بن يحيى) بن عمارة الكوفي (¬1) (عن أبيه) يحيى بن عمارة بن أبي حسن المازني، أخرج له البخاري في الإيمان (¬2). (عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا تخيروا بين الأنبياء) كذا للبخاري في باب ما يذكر من الإشخاص والخصومة (¬3). ولمسلم في المنافق (¬4). قال البكري: أجمعت الأمة على أن الأنبياء بعضهم أفضل من بعض، فيحمل الحديث على تخيير وتفضيل يؤدي إلى انتقاص نبي من الأنبياء عليهم السلام. [4669] (ثنا حفص بن عمر، ثنا شعبة، عن قتادة، عن أبي العالية) البرَّاء بفتح الموحدة، وتشديد الراء، البصري، سمي بذلك؛ لأنه كان يبري النبل، واسمه: زياد بن فيروز، أخرج له الشيخان. (عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: ما ينبغي لعبد أن يقول: إني) لفظ البخاري في آخر سورة النساء: "ما ينبغي أن يقول: أنا" (¬5) (خير من يونس) والضمير في قوله: "إني" أو " أنا" على الروايتين راجع إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقيل: يعود إلى القائل: إني. ويريد: لا يقول أحد من بعض الجهلة المجتهدين في العبادة أو العلم أو غير ذلك أنه خير من يونس؛ لأنه لو بلغ من الفضائل ما بلغ لم يبلغ درجة النبوة، وعلى عود الضمير على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فمحمول على وجهين: ¬

_ (¬1) كذا في النسخ، وهو خطأ، والصواب: (المدني)، انظر: "تهذيب الكمال" 22/ 295 (4475). (¬2) البخاري (22). (¬3) البخاري (2412). (¬4) مسلم (2374/ 163) كتاب: الفضائل، باب: من فضائل موسى عليه السلام. (¬5) البخاري (4603) باب قوله: {إِنَّا أَوْحَيْنَا. . .} إلى قوله: {وَيُونُسَ وَهَارُونَ. . .}.

أحدهما: أنه قال هذا قبل أن يعلم أنه أفضل منه أو من غيره من الأنبياء، والثاني: أنه قاله على طريق التواضع ونفي العجب (¬1). (ابن متى) بفتح الميم وتشديد التاء (¬2) المثناة فوق، مقصور، اسم أبيه على الأصح. [4670] (ثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني) أبو الأصبغ، ثقة (حدثني محمد (¬3) بن سلمة) بفتح السين واللام، الحراني (عن محمد بن إسحاق) ابن يسار صاحب "المغازي" (عن إسماعيل بن حكيم) كذا في نسخ أبي داود، والصحيح ما في مسلم وغيره إسماعيل بن أبي حكيم (¬4)، وهو أخو إسحاق بن أبي حكيم، وكان كاتبًا لعمر بن عبد العزيز (عن القاسم بن محمد، عن عبد اللَّه بن جعفر) بن أبي طالب الهاشمي، ولد بالحبشة (قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: ما ينبغي لنبي) عام في كل الأنبياء (أن يقول: إني خير من يونس بن متى) ولا من غيره، قيل: فيه منع التفضيل في حق النبوة والرسالة، فإن الأنبياء فيها على حد واحد، وإنما التفاضل في زيادة الأحوال والكرامات، وأما النبوة نفسها فلا تفاضل فيها. [4671] (ثنا حجاج بن أبي يعقوب) يوسف الثقفي ابن الشاعر، شيخ مسلم (¬5) (ومحمد بن يحيى بن فارس) الذهلي (قالا: ثنا يعقوب) (¬6) بن إبراهيم بن سعد الزهري (ثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري (عن ابن شهاب، عن أبي سلمة) عبد اللَّه ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" 6/ 452. (¬2) من (م). (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) قلت: وهو ما في مطبوعات "سنن أبي داود". (¬5) ساقطة من (م). (¬6) فوقها في (ل): (ع).

(ابن عبد الرحمن) بن عوف الزهري (وعبد الرحمن) بن هرمز (الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رجل من اليهود) قيل: اسمه فنحاص. (والذي اصطفى) في البخاري: زيادة، ولفظه: عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: بينما يهودي يعرض سلعته أعطي بها شيئًا كرهه فقال: لا والذي اصطفى (¬1) (موسى) على البشر، فسمعه رجل من الأنصار فقام (فرفع المسلم يده فلطم وجه اليهودي) قيل: الرجل الذي لطم اليهودي هو أبو بكر الصديق، لكن قوله في رواية البخاري: من الأنصار (¬2). يخالف هذا، إلا أن تكونا قضيتين (¬3). (فذهب اليهودي إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأخبره) لفظ البخاري: فقام، فلطم وجهه وقال: تقول: والذي اصطفى موسى على البشر، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بين أظهرنا! فذهب إليه، فقال: أبا القاسم، إن لي ذمةً وعهدًا، فما بال فلان لطم وجهي؟ ! فقال: "لم لطمت وجهه؟ " فذكره، فغضب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬4). (فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا تخيروني على موسى) لفظ البخاري: "لا تفضلوني على أنبياء اللَّه تعالى" (فإن الناس يصعقون) أي: يموتون من شدة الفزع، وعظم نفخة الصور، وللصحيحين: "لا تفضلوا بين أنبياء اللَّه؛ فإنه ينفخ في الصور فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء اللَّه، ثم نفخ فيه أخرى" (¬5). ¬

_ (¬1) البخاري (3414). (¬2) السابق. (¬3) انظر: "فتح الباري" 1/ 312. (¬4) البخاري (3414). (¬5) البخاري (3414)، مسلم (2373).

(فأكون أول من يفيق) أي: أول من يبعث من قبره (فإذا موسى عليه السلام باطش) أي: آخذ، كما في مسلم (¬1)، والبطش تناول الشيء بقوة وسرعة (في جانب) قائمة (العرش) وللبخاري في الديات: "فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش" (¬2)، وفي آخر: "فأكون أول من تنشق عنه الأرض" (¬3)، فإن قلت: السياق يقتضي تفضيل موسى على سيدنا محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، فالجواب: لئن سلمنا هذا فلا يقتضي إلا تفضيله من هذا الوجه، وهذا لا ينافي كونه أفضل مطلقًا. (فلا أدري أكان ممن صعق [فأفاق] (¬4) قبلي أو كان ممن استثنى اللَّه) قال القاضي: هذا من أشكل الأحاديث؛ لأن موسى قد مات، فكيف تدركه الصعقة، وإنما يصعق الأحياء، وقوله: "ممن استثنى اللَّه تعالى" يدل على أنه كان حيًّا، ولم يأت أن موسى رجع إلى الحياة، ولا أنه حي كما جاء في عيسى، وقد قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق" (¬5)، قال القاضي: فيحتمل أن هذِه الصعقة صعقة فزع بعد البعث حين تشق السموات والأرض، فتنظم الآيات والأحاديث (¬6). (قال) المصنف (حديث) محمد (ابن يحيى) بن فارس (أتم) من حديث الحجاج. ¬

_ (¬1) مسلم (2373). وهو عند البخاري (2411، 3408، 6517، 7472). (¬2) البخاري (6917). (¬3) البخاري (2412). (¬4) ساقطة من (ل)، (م)، والمثبت من "سنن أبي داود". (¬5) رواه البخاري (1339، 3407)، ومسلم (2372). (¬6) "إكمال المعلم" 7/ 356 - 357.

[4672] (ثنا زياد بن أيوب) الطوسي شيخ البخاري (ثنا عبد (¬1) اللَّه بن إدريس) بن يزيد الأودي (عن مجاهد (¬2) بن فلفل، يذكر عن أنس) لفظ مسلم: عن مختار بن فلفل، عن أنس بن مالك (¬3) (قال رجل لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: يا خير البريئة) بالهمز، وتسهل الهمزة ياءً كما سهلوا همزة (خابية) من (خبأت) مهموزًا، والبرية في الوجهين فعيلة بمعنى مفعولة. (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ذاك إبراهيم) عليه السلام، وهذا معارض لقوله عليه السلام: "أنا سيد ولد آدم" (¬4)، ولم أعلم في غير موضع من الكتاب والسنة أنه أفضل ولد آدم، وقد انفصل عن (¬5) هذا بوجهين: أن ذلك كان منه على سبيل التواضع مع الأنبياء، والثاني: أنه قال ذلك قبل أن يعلم منزلته عند اللَّه، ثم لما علم بأنه أكرم وأفضل، فأخبر به. [4673] (ثنا عمرو بن عثمان) بن سعيد الحمصي، صدوق (ثنا الوليد) (بن مزيد العذري) (¬6)، ثقة (عن الأوزاعي، عن أبي عمار) شداد (¬7) بن عبد اللَّه مولى معاوية، أخرج له مسلم (عن عبد اللَّه بن فروخ) مولى عائشة، أخرج له مسلم. ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) كذا في (ل)، (م)، وهو خطأ، والصواب: (مختار) كما في "السنن". (¬3) مسلم (2369). (¬4) رواه مسلم (2278) من حديث أبي هريرة. (¬5) ساقطة من (م). (¬6) كذا في النسخ، وهو خطأ، والصواب: ابن مسلم القرشي، انظر: "تهذيب الكمال" 31/ 86 (6737)، 22/ 144 (4408). (¬7) في (م): (بندار).

(عن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنا سيد ولد آدم) والمعنى أنا سيد أولاد بني آدم، والسيد هو الذي يفوق قومه في الخير، وقيل: هو الذي يفزع إليه في النوائب والشدائد؛ فيقوم بأمرهم ويتحمل عنهم مكارههم، وزاد في مسلم: "يوم القيامة" (¬1) وتقييده بيوم القيامة، مع أنه سيدهم في الدنيا والآخرة، فلأن يوم القيامة يظهر فيه السؤدد عيانًا لكل أحد، ولا يبقى منازع ولا معاند، وهذا قريب من معنى قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (¬2) و {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} (¬3) مع أن الملك له سبحانه قبل ذلك، لكن كان في الدنيا من يدعي الملك ومن يضاف إليه الملك مجازًا، وفي الحديث دليل على تفضيله -صلى اللَّه عليه وسلم- على الخلق كلهم؛ لأن مذهب أهل السنة أن الآدميين أفضل من الملائكة، وهو -صلى اللَّه عليه وسلم- أفضل الآدميين بهذا الحديث وغيره (¬4). (وأول من تنشق عنه الأرض) لفظ مسلم: "أول من ينشق عنه القبر" (¬5) والمراد أنه أول من يعجل إحياؤه مبالغة في الكرامة، وتخصيصًا له بتعجيل جزيل إنعامه. (وأول شافع) أي: لا يتقدمه شافع (¬6) لا من الملائكة ولا من النبيين المرسلين ولا غيرهم من الآدميين المؤمنين في جميع أقسام الشفاعة العامة لأهل الموقف خاصة لا يكون لغيره. ¬

_ (¬1) مسلم (2278). (¬2) الفاتحة: 4. (¬3) غافر: 16. (¬4) انظر: "مشكل الحديث وبيانه" لابن فورك ص 491، "شرح مسلم" للنووي 15/ 37، 17/ 3، "عمدة القاري" 5/ 167. (¬5) مسلم (2278). (¬6) ساقطة من (م).

(وأول مشفع) تقبل شفاعته. وهذِه الخصائص والفضائل التي حدث بها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن نفسه إنما كان ذلك منه؛ لأنها من جملة ما أمر بتبليغه لما يترتب عليه من وجوب اعتقاد ذلك، وليرغب في الدخول في دينه، وليعلم قدر نعمة اللَّه عليه. [4674] (ثنا محمد بن المتوكل) أبي السري (العسقلاني) حافظ، وثق (ومخلد بن خالد الشعيري) بفتح الشين المعجمة وكسر العين، العسقلاني، نزيل طرسوس، أخرج له مسلم (المعنى، قالا: ثنا عبد الرزاق، أبنا معمر، عن) محمد (¬1) بن عبد الرحمن (بن أبي ذئب) العامري (عن سعيد بن أبي سعيد) كيسان المقبري. (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ما أدري تبع) هو ملك في الزمان الأول، قيل: اسمه أسعد أبو كرب، سمي تبعًا؛ لكثرة أتباعه، قال الثعلبي وغيره: كان تبع يعبد النار، فأسلم ودعا قومه إلى الإسلام وهم قوم حمير، وكان أسعد الحميري من التبابعة آمن بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قبل أن يبعث بسبعمئة سنة. (ألعين) الهمزة للاستفهام، ولعين بمعنى ملعون، فعيل بمعنى مفعول، مثل خضيب بمعنى مخضوب، وأما الحديث المرفوع: "لا تلعنوا تبعًا فإنه كان قد أسلم" (¬2)، وفي حديث: "لا تسبوا تبعًا فإنه ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) رواه أحمد 5/ 340، والروياني في "المسند" 2/ 232 (1113)، والطبراني في "الكبير" 6/ 203 (6013)، وفي "الأوسط" 3/ 323 (3290)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 11/ 5، 6، وابن الجوزي في "المنتظم" 1/ 416 من حديث سهل ابن سعد الساعدي. =

أول من كسا الكعبة" (¬1) فيحتمل أنه قال: "ألعين" قبل أن يعلم ثم أعلمه اللَّه أنه قد أسلم فنهى عن سبه ولعنه. والتبابعة ملوك اليمن، قيل: كان لا يسمى تبعًا حتى يملك حضرموت وسبأ وحمير. (هو أم لا) أي: لا أدري أمات مسلمًا فلا يجوز لعنه أو كافرًا فيجوز لعنه. (وما أدري أعزير نبي هو) من الأنبياء عليهم السلام (أم لا) فذكر الثعلبي أنه كان بعد رفع عيسى عليه السلام (¬2)، وروينا في "سنن اللالكائي" أن عزيرًا تكلم في القدر، فنهي، ثم تكلم، فقيل له: لتمسكن أو لأمحونك من النبوة، فمحي (¬3). وذكر أيضًا أن عزيرًا قال فيما يناجي ربه: يا رب تخلق خلقا تضل (¬4) من تشاء، وتهدي من تشاء. فقيل له: أعرض عن هذا فعاد، قيل له: أعرض عن هذا فقيل له في الثالثة: إن لم تعرض عن هذا لأمحونك من النبوة، إني لا أُسأل عما أفعل وهم يُسألون (¬5). انتهى. ¬

_ = قال البوصيري في "الإتحاف" 5/ 359: إسناده حسن. ورواه الطبراني في "الكبير" 11/ 296 (11790)، وفي "الأوسط" 2/ 112 (1419)، والخطيب في "تاريخ بغداد" 3/ 423 من حديث ابن عباس. قال الحافظ في "الفتح" 8/ 571 عن إسناد هذا الحديث: إسناده أصلح من إسناد سهل. وانظر: "الصحيحة" (2423). (¬1) أورد عبد الرزاق في "المصنف" 5/ 89 (9086) عن ابن جريج قال: بلغنا أن تبعًا أول من كسا الكعبة الوصائل فسترت بها. (¬2) الذي في "الكشف والبيان" للثعلبي في تفسير سورة التوبة آية 30، أنه من علماء اليهود، وروى ذلك عن ابن عباس في خبر طويل. (¬3) "شرح أصول أعتقاد أهل السنة" 4/ 804 (1342). (¬4) ساقطة من (م). (¬5) "شرح أصول أعتقاد أهل السنة" 4/ 804 (1343). =

[4675] (ثنا أحمد بن صالح) الطبري المصري، شيخ البخاري، (أنا) عبد اللَّه (ابن وهب) المصري (أخبرني يونس، عن ابن شهاب، أن أبا سلمة) عبد اللَّه (بن عبد الرحمن) بن عتبة (¬1). (أخبره أن أبا هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: أنا أولى الناس) أي: أخص وأقرب، كقوله عليه السلام: "فلأولى عصبة" (¬2) أي: أقرب وأحق (بابن مريم) أي: بعيسى كما في رواية مسلم وغيره، زاد في رواية مسلم بلفظ: "أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الأولى والآخرة" (¬3) قالوا: كيف يا رسول اللَّه؟ أي: ما وجه الأولوية؟ قال: (الأنبياء أولاد علات) ولمسلم: "الأنبياء إخوة من علات" (¬4). وأولاد العلات بفتح العين المهملة وتشديد اللام هم الإخوة لأب من أمهات شتى، وأما الإخوة من الأبوين فيقال لهم: أولاد الأعيان، وفي حديث علي: يتوارث بنو الأعيان من الإخوة دون بني العلات. أي: يتوارث الإخوة للأب والأم وهم الأعيان دون الإخوة للأب إذا اجتمعوا معهم؛ لأن الذي تزوجها على أولى كانت قبلها ناهل ثم علَّ (¬5) من هذِه، والعلل الشرب الثاني، يقال: علل بعد نهل. كذا في ¬

_ = ورواه أيضًا أبو نعيم في "الحلية" 6/ 50، والبيهقي في "الأسماء والصفات" 1/ 447 (369)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 40/ 334. (¬1) كذا في (ل)، (م)، والصواب: عوف. (¬2) رواه البخاري (6737، 6746)، ومسلم (1615/ 4) عن ابن عباس مرفوعًا: "فلأولى رجل ذكر". (¬3) مسلم (2365/ 145). (¬4) مسلم (2365/ 145). (¬5) في (ل، م): (على)، والمثبت من "الصحاح".

"الصحاح" (¬1). وقال غيره: سموا بذلك؛ لأنهم أولاد ضرائر، والعلات: الضرائر. ولمسلم زيادة، ولفظه: "الأنبياء إخوة من علات وأمهاتهم شتى" (¬2). (وليس بيني وبينه نبي) أي: عيسى لما كان قريب الزمان من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولم يكن بينهما نبي، كانا كأنهما في زمان واحد، بخلاف غيرهما، ويستفاد من قوله (¬3): "ليس بيني وبينه نبي" إبطال قول من قال أنه كان بعد عيسى عليه السلام أنبياء ورسل، فقد قال بعض الناس: إن الحواريين كانوا أنبياء، وأنهم أرسلوا إلى الناس بعد عيسى، قال القرطبي: وهو قول أكثر النصارى (¬4). * * * ¬

_ (¬1) "الصحاح" 5/ 1773. (¬2) مسلم (2365/ 145). (¬3) في (م): قولهم. (¬4) "المفهم" 6/ 176.

15 - باب في رد الإرجاء

15 - باب فِي رَدِّ الإِرْجاءِ 4676 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، أَخْبَرَنا سُهَيْلُ بْن أَبي صالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينارٍ، عَنْ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "الإِيمانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ، أَفْضَلُها قَوْلُ لا إله إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْناها إِماطَةُ العَظْمِ عَنِ الطَّرِيقِ والحَياءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمانِ" (¬1). 4677 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَني يَحْيَى بْن سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَني أَبُو جَمْرَةَ، قالَ: سَمِعْتُ ابن عَبّاسٍ قالَ: إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ القَيْسِ لَمّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَمَرَهُمْ بِالإِيمانِ باللَّهِ قالَ: "أَتَدْرُونَ ما الإِيمانُ باللَّهِ؟ ". قالُوا: اللَّه وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قالَ: "شَهادَةُ أَنْ لا إله إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقامُ الصَّلاةِ، وَإِيتاءُ الزَّكاةِ، وَصَوْمُ رَمَضانَ، وَأَنْ تُعْطُوا الخُمُسَ مِنَ المَغْنَمِ" (¬2). 4678 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بَيْنَ العَبْدِ وَبَيْنَ الكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاةِ" (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (9)، ومسلم (35). (¬2) رواه البخاري (53)، ومسلم (17). (¬3) رواه مسلم (82).

16 - باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه

16 - باب الدَّلِيلِ عَلى زِيادَةِ الإِيمانِ وَنُقْصانِهِ 4679 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ، عَنِ ابن الهادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "ما رَأَيْتُ مِنْ ناقِصاتِ عَقْلٍ وَلا دِينٍ أَغْلَبَ لِذي لُبٍّ مِنْكُنَّ". قالَتْ: وَما نُقْصانُ العَقْلِ والدِّينِ؟ قالَ: "أَمّا نُقْصانُ العَقْلِ فَشَهادَةُ امْرَأَتَيْنِ شَهادَةُ رَجُلٍ، وَأَمّا نُقْصانُ الدِّينِ: فَإِنَّ إِحْداكُنَّ تُفْطِرُ رَمَضانَ، وَتُقِيمُ أَيّامًا لا تُصَلِّي" (¬1). 4680 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمانَ الأَنْباري وَعُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ المَعْنَى قالا: حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ سِماكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: لَمّا تَوَجَّهَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى الكَعْبَةِ قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ الذِينَ ماتُوا وَهُمْ يُصَلُّونَ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} (¬2). 4681 - حَدَّثَنا مُؤَمَّل بْن الفَضْلِ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ شابُورٍ، عَنْ يَحْيَى ابْنِ الحارِثِ، عَنِ القاسِمِ، عَنْ أَبي أُمامَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّهُ قالَ: "مَنْ أَحَبَّ للَّه، وَأَبْغَضَ للَّه، وَأَعْطَى للَّه وَمَنَعَ للَّه، فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإِيمانَ" (¬3). 4682 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَكْمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيمانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (79/ 132). (¬2) رواه الترمذي (2964)، وأحمد 1/ 304، والدارمي (1271). وصححه الألباني. (¬3) رواه الطبراني في "الكبير" 8/ 134 (7613)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (845)، واللالكائي في "شرح أصول أعتقاد أهل السنة والجماعة" (1618). وصححه الألباني في "الصحيحة" (380). (¬4) رواه الترمذي (1162)، وأحمد 2/ 527، والدارمي (2834). وحسنه الألباني في "الصحيحة" (284).

4683 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ قالَ: وَأَخْبَرَني الزُّهْري، عَنْ عامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبي وَقّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، قالَ: أَعْطَى رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- رِجالًا وَلَمْ يُعْطِ رَحُلًا مِنْهُمْ شَيْئًا، فَقالَ سَعْدٌ: يا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطيْتَ فُلانًا وَفُلانًا وَلَمْ تُعْطِ فلانًا شَيْئًا وَهُوَ مُؤْمِنٌ؟ فَقالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَوْ مُسْلِمٌ". حَتَّى أَعادَها سَعْدٌ ثَلاثًا والنَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقول: "أَوْ مُسْلِمٌ". ثمَّ قالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنّي أُعْطي رِجالًا وَأَدَعُ مَنْ هُوَ أَحَبُّ إِلَي مِنْهُمْ لا أُعْطِيهِ شَيْئًا مَخافَةَ أَنْ يُكَبُّوا في النّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ" (¬1). 4684 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنا ابن ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ قالَ: وقالَ الزُّهْري: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} قالَ: نَرى أَنَّ الإِسْلامَ الكَلِمَةُ والإِيمانَ العَمَلُ (¬2). 4685 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، ح وَحَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ بَشّارٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ المَعْنَى قالا: حَدَّثَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ عامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قَسَّمَ بَيْنَ النّاسِ قَسْمًا فَقُلْتُ أَعْطِ فلانًا فَإِنَّهُ مُؤْمِنٌ. قالَ: "أَوْ مُسْلِمٌ، إِنّي لأُعْطي الرَّجُلَ العَطاءَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَي مِنْهُ مَخافَةَ أَنْ يُكَبَّ عَلَى وَجْهِهِ" (¬3). 4686 - حَدَّثَنا أَبُو الوَليدِ الطَّيالِسي، حَدَّثَنا شُعْبَةُ قالَ: واقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَني عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ ابن عُمَرَ يُحدِّثُ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّهُ قالَ: "لا تَرْجِعُوا بَعْدي كُفّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (27)، ومسلم (150). (¬2) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 233، وعبد اللَّه بن أحمد في "السنة" (752)، والخلال في "السنة" 4/ 11، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (1201)، وابن منده في "الإيمان" 1/ 316. وقال الألباني: صحيح الإسناد مقطوع. (¬3) رواه البخاري (27)، ومسلم (150). (¬4) رواه البخاري (6868)، ومسلم (66).

4687 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنْ فضَيْلِ بْنِ غَزْوانَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَيُّما رَجُلٍ مُسْلِمٍ أَكْفَرَ رَجُلًا مُسْلِمًا فَإِنْ كانَ كافِرًا، وَإِلَّا كانَ هُوَ الكافِرَ" (¬1). 4688 - حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنا الأَعْمَشُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَهُوَ مُنافِقٌ خالِصٌ، وَمَنْ كانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْهُنَّ كانَ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْ نِفاقٍ حَتَّى يَدَعَها إِذا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذا عاهَدَ غَدَرَ، وَإِذا خاصمَ فَجَرَ" (¬2). 4689 - حَدَّثَنا أَبُو صالِحٍ الأَنْطاكي، أَخْبَرَنا أَبُو إِسْحاقَ الفَزاري، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يَزْني الزّاني حِينَ يَزْني وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُها وَهُوَ مُؤْمِنٌ والتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ" (¬3). 4690 - حَدَّثَنا إِسْحاقُ بْن سُوَيْدٍ الرَّمْلي، حَدَّثَنا ابن أَبي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنا نافِعٌ -يَعْني: ابن يَزِيدَ-، قالَ: حَدَّثَني ابن الهادِ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبي سَعِيدٍ المَقْبُري حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعِ أَبا هُرَيرَةَ يَقُول: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِذا زَنَى الرَّجُلُ خَرَجَ مِنْهُ الإِيمانُ، كان عَلَيْهِ كالظُّلَّةِ، فَإِذا انْقَطَعَ رَجَعَ إِلَيْهِ الإِيمانُ" (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6104)، ومسلم (60/ 111). (¬2) رواه البخاري (34)، ومسلم (58). (¬3) رواه البخاري (6810)، ومسلم (57). (¬4) رواه محمد بن نصر في "تعظيم قدر الصلاة" (536)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (976)، وابن منده في "الإيمان" (519)، والحاكم 1/ 22. وصححه الألباني.

باب في رد الإرجاء بكسر الهمزة من الإرجاء وهو التأخير، والمرجئة فرقة من فرق الإسلام يعتقدون أنه لا يضر مع الإيمان معصية، كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة، سموا مرجئة لاعتقادهم أن اللَّه أرجأ تعذيبهم على المعاصي. أي: أخره عنهم. [4676] (ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد) بن سلمة (أنا سهيل (¬1) ابن أبي صالح) السمان (عن عبد اللَّه بن دينار، عن أبي صالح) السمان ذكوان (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: الإيمان) الإيمان في هذا الحديث يراد به الأعمال بدليل أنه ذكر فيه أعلى الأعمال وأدناها، وهما عملان فيما بينهما أيضًا من قبيل الأعمال، إذ الوسط من جنس الطرفين، وتسمية الأعمال إيمانًا مجازًا توسعًا، لأنها تكون عن الإيمان غالبًا. (بضع) من العدد بكسر الباء، وفتحها قليل، والمشهور في استعمال العرب، البضع من الثلاث إلى العشر (وسبعون) هكذا جاء بأنه بضع وسبعون من غير شك، فقد جاء الشك في مسلم وغيره بأنه بضع وسبعون أو بضع وستون (¬2)، والجزم بالسبعين هنا جاء هنا، فالسند الصحيح أولى بالعمل من المشكوك فيه، ومقصود هذا الحديث أن الأعمال الشرعية تسمى إيمانًا، وأنها منحصرة في هذا العدد غير أن ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) مسلم (35/ 58).

الشرع لم يعين ذلك العدد لنا ولا فصله، وقد تكلف بعض المتأخرين فتصفح خصال الشريعة وعدها حتى انتهى بها إلى هذا العدد، ولا يلزم ذلك؛ لإمكان الزيادة والنقصان. وزاد في الصحيحين: "شعبة" (¬1)، وذكر الترمذي هذا الحديث وسمى الشعبة بابًا، فقال: "الإيمان بضع وسبعون بابًا" (¬2)، والشعبة الخصلة، فالمراد أن الإيمان ذو خصال محدودة. (أفضلها) أي: أفضل شعب الإيمان (قول: لا إله إلا اللَّه) وهي أعلاها؛ لأن كلمة التوحيد منها يتشعب الإيمان، وهي قطب أركان الإسلام (وأدناها: إماطة) أي: إزالة (العظم عن الطريق) وفي معناه الحجر والشوك وكل ما يؤذي المسلمين في طريقهم، ولهذا جاء في رواية الصحيحين: "إماطة الأذى عن الطريق" (¬3) وهو عام في كل ما يؤذي، والعظم فرد من أفراد ما يؤذي، فمن رفع عظمًا أو حجرًا أو شوكة من طريق المسلمين، وقال في حال رفعها [من الطريق] (¬4): لا إله إلا اللَّه، فقد جمع بين الأعلى والأدنى، وبين فضيلة اللسان واليد. (والحياء شعبة من الإيمان) كما قال الجنيد: رؤية الآلاء، أي: النعم، ورؤية التقصير يتولد بينهما حالة تسمى الحياء، وإنما جعل من الإيمان، وإن كان غريزة؛ لأنه قد يكون تخلقًا واكتسابًا كسائر أعمال ¬

_ (¬1) البخاري (9)، مسلم (35). (¬2) "سنن الترمذي" (2614). (¬3) هي عند مسلم (35/ 58). (¬4) ساقطة من (م).

البر، وقد يكون غريزة، ولكن استعماله على قانون الشريعة يحتاج إلى نية وعمل، وأول الحياء وأولاه من اللَّه تعالى، وهو ألا يراك حيث نهاك، وذلك لا يكون إلا عن معرفة باللَّه ومراقبة، وهي المعبر عنها بقوله: "أن تعبد اللَّه كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" (¬1). [4682] (¬2) (ثنا أحمد بن حنبل، ثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص الليثي (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أكمل المؤمنين) أي: من أكمل المؤمنين (إيمانًا) كما صرح به في رواية الترمذي والحاكم وقال: صحيح على شرطيهما. لكن من رواية عائشة (¬3)، ولفظ البخاري: "إن من خيارلم أحسنكم أخلاقًا" (¬4). (أحسنهم أخلاقا) (¬5) جمع خلق، وهو عبارة عن أوصاف الإنسان التي يعامل بها غيره ويخالطه، وهي منقسمة إلى محمودة ومذمومة، فالمحمود منها صفات الأنبياء والأولياء والصالحين كالصبر عند المكاره، والحلم عند الجفاء، وتحمل الأذى، والإحسان للناس والتودد لهم، والمسارعة في قضاء حوائجهم، والرحمة بهم، والشفقة عليهم، واللين في القول، والتثبت في الأمور، ومجانبة المفاسد والشرور، والقيام على ¬

_ (¬1) رواه البخاري (50، 4777)، ومسلم (9، 10) من حديث أبي هريرة. (¬2) الحديث رقم (4677) سيأتي بعد الحديث (4685). (¬3) "سنن الترمذي" (2612)، "المستدرك" 1/ 53. (¬4) البخاري (3559)، مسلم (2321) من حديث عبد اللَّه بن عمرو. (¬5) في (ل، م): (خلقا) نسخة. وهو ما في المطبوع.

نفسك لغيرك. قال الحسن البصري: حقيقة حسن الخلق بذل المعروف، وكف الأذى وطلاقة الوجه. قال القاضي: إن حسن الخلق منه ما هو غريزة، ومنه ما هو مكتسب بالتخلق والاقتداء بغيره (¬1). [4678] (ثنا أحمد بن حنبل، ثنا وكيع، ثنا سفيان، عن أبي الزبير) محمد بن مسلم المكي (عن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: قال (¬2) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: بين العبد وبين الكفر) لفظ مسلم: "بين الرجل وبين الشرك والكفر" (¬3) (ترك الصلاة) مذهب الشافعي (¬4) ومالك (¬5) والجماهير من السلف والخلف (¬6) أن تارك الصلاة لا يكفر بل يفسق ويستتاب، فإن تاب وإلا قتلناه حدًّا كالزاني المحصن، ولكنه يقتل بالسيف. فذهب جماعة من السلف إلى أنه يكفر، وهو مروي عن علي وهو إحدى الروايتين، وبه قال عبد اللَّه بن المبارك وإسحاق بن راهويه، وابن حبيب من المالكية، وهو وجه لبعض أصحابنا من الشافعية. وقال أبو حنيفة والمزني: لا يكفر ولا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلي (¬7)، وتأول القائلون بأنه لا يكفر وهذا الحديث بأنه يستحق بترك ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" 7/ 285. (¬2) جاءت كلمة: قال. في (ل)، (م) قبل كلمة: بين. الآتية. (¬3) مسلم (82). (¬4) "الأم" 2/ 563. (¬5) انظر: "البيان والتحصيل" 1/ 475. (¬6) انظر: "التمهيد" 4/ 225، "المغني" 3/ 351. (¬7) انظر: "النتف في الفتاوى" 2/ 694.

الصلاة عقوبة الكافر وهي القتل، أو أنه محمول على المستحل، أو على أنه قد يؤول به إلى الكفر، أو أن فعله في الترك كفعل الكفار. [4679] (ثنا أحمد بن عمرو بن السرح، ثنا) عبد اللَّه (ابن وهب، عن بكر بن المضر) (¬1) بن محمد القرشي المصري أخرج له الشيخان (عن) يزيد بن عبد اللَّه بن أسامة (بن الهاد) الليثي. (عن عبد اللَّه بن دينار، عن عبد اللَّه بن عمر (¬2) رضي اللَّه عنهما أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: ما رأيت) هذا بعض حديث وأوله في الصحيحين (¬3) من حديث أبي سعيد الخدري قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا معشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار، فإني رأيتكن أكثر أهل النار" فقالت امرأة منهن جزلة: وما لنا يا رسول اللَّه أكثر أهل النار؟ قال: "تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيتُ" وهذا لفظ مسلم (من ناقصات عقل ولا دبن) أصل العقل العلم، ويطلق على الهدوء والوقار في الأمور، وأما العقل المشروط في التكليف فليس هذا موضع ذكره، والدين هنا يراد به العبادات، وليس نقصان ذلك في حقهن ذمًّا لهن، وإنما ذكر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ذلك من أحوالهن على معنى التعجب من الرجال حين يغلبهم من نقص عن درجتهن ولم يبلغ كمالهم، وذلك هو صريح قوله: "ما رأيت من ناقصات عقل ودين" (أغلب لذي لب) واللب ¬

_ (¬1) كذا في (ل)، (م)، والصواب: (مضر) بلا ألف ولام. (¬2) في (م): (عمرو). (¬3) البخاري (304، 1462)، مسلم (80) عن أبي سعيد الخدري، مسلم (79) عن ابن عمر.

العقل سمي بذلك؛ لأنه خلاصة الإنسان ولبه ولبابه، ومنه قلب الحب لبا ولبابا، وقيل: سمي عقلًا، لأنه يعقل صاحبه، أي: يمنعه من التورط في المهالك، والمراد باللب هنا العقل الكامل. (منكن قلن) (¬1) لفظ مسلم (¬2): فقالت، يعني: المرأة الجزلة: يا رسول اللَّه (وما نقصان العقل والدين؟ ) أي: وما المراد بنقص العقل والدين؟ . (قال: أما نقصان العقل فشهادة امرأتين) تعدل بـ (شهادة رجل) واحد، قال المنذري: نبه -صلى اللَّه عليه وسلم- بهذا على ما رواه، وهو ما نبه اللَّه عليه في كتابه بقوله تعالى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} (¬3) أي: أنهن قليلات الضبط. انتهى. وكذا هن كثيرات الغلط؛ لأن الغالب على طبع النساء النسيان، ولعل هذا هو السر في تسميتهن نساءً؛ لغلبة النسيان على طبعهن، وذلك لكثرة البرد والرطوبة على مزاجهن، واجتماع المرأتين في الشهادة أبعد في الغفلة من صدوره من الواحدة، فلهذا أقيمت المرأتان مقام الرجل الواحد؛ لقلة نسيانه، إذ الغالب على طبعه الحرارة الغريزية واليبس، واللَّه أعلم. (وأما) علامة (نقصان الدين فإن إحداكن تفطر) في شهر (رمضان) أي: يحرم عليها الصوم ويجب عليها الفطر مع نية القضاء (وتقيم ¬

_ (¬1) في المطبوع: قالت. (¬2) مسلم (79). (¬3) البقرة: 282.

أيامًا) في بيتها (لا) يجوز لها أن (تصلي) وقد استشكل بعضهم وصف النساء بنقصان الدين لتركهن الصلاة والصوم المحرم عليهن فعله حالة الحيض، وليس بمشكل بل هو ظاهر فإن الطاعات تسمى إيمانًا ودينًا، فإذا ثبت بهذا علمنا أن من كثرت عبادته زاد إيمانه ودينه ومن نقصت عبادته نقص دينه، ثم نقص الدين قد يكون على وجه يأثم به كمن ترك الصلاة والصوم ونحوهما من الواجبات بغير عذر، وقد يكون على وجه هو مكلف فيه كترك الحائض الصلاة والصوم. [4680] (ثنا محمد بن سليمان الأنباري) بتقديم النون على الباء (وعثمان بن أبي شيبة [المعنى] (¬1) قالا: [ثنا] (¬2) وكيع، عن سفيان) الثوري (عن سماك) ابن حرب (عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما توجه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) في صلاته من جهة بيت المقدس (إلى الكعبة، قالوا: يا رسول اللَّه، فكيف) زاد الترمذي: بإخواننا (¬3) (الذين ماتوا وهم) كانوا (يصلون إلى) جهة (بيت المقدس؟ ) ستة أو سبعة عشر شهرًا (فأنزل اللَّه تعالى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}) أي: صلاتكم إلى بيت المقدس، فسمى الصلاة إيمانًا، وفي هذا إبطال قول المرجئة أن الصلاة ليست من الإيمان بل الإيمان التصديق بالقلب فقط. [4683] (¬4) (ثنا محمد بن عبيد) بن حساب الغبري البصري شيخ ¬

_ (¬1) و (¬2) من "السنن". (¬3) "سنن الترمذي" (2964). (¬4) الحديث (4681) سيأتي بعد الحديث (4685)، والحديث (4682) سبق بعد الحديث (4676).

مسلم (ثنا محمد بن ثور) الغساني العابد، وثقه ابن معين والنسائي (¬1) (عن معمر قال) أبو (¬2) ثور (وأخبرني) معمر (عن الزهري، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص) أخرج له مسلم (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص. (قال: أعطى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رجالًا) لفظ البخاري: أعطى رهطًا وسعد جالس فترك (¬3) (ولم يعط رجلًا منهم شيئًا) وهو أعجبهم إليَّ (فقال [سعد] (¬4): يا رسول اللَّه، أعطيت فلانًا وفلانًا [ولم تعط فلانًا] (¬5) شيئًا وهو مؤمن، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أو مسلم) قال القرطبي: الرواية بسكون الواو، وقد غلط من فتحها وأحال المعنى؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يرد استفهامه، وإنما أشار له إلى القسم الآخر المختص بالظاهر الذي يمكن أن يُدرك، فجاء بـ (أو) التي للتقسيم والتنويع (¬6). (حتى أعادها سعد ثلاثًا، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول) في كل كلمة (أو مسلم) وفي قوله: "أو" التي للتقسيم دليل على صحة الفرق بين حقيقتي الإيمان والإسلام، وإنما هما قسمان، فالإيمان من أعمال الباطن، والإسلام من أعمال الجوارح الظاهرة، وفيه رد على غلاة المرجئة والكرامية حيث حكموا بصحة الإيمان لمن نطق بالشهادتين ولم يعتقد بقلبه، وهو قول باطل قطعًا؛ لأنه توسيع للنفاق. ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 24/ 561 (5108). (¬2) كذا في (ل)، (م)، والصواب: (ابن). (¬3) البخاري (27)، مسلم (150/ 237). (¬4) من "السنن". (¬5) ساقطة من (م). (¬6) "المفهم" 1/ 366.

(ثم قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: إني لأعطي رجالًا وأدع من هو أحب إليَّ منهم، لا أعطيه) من هذا المال (شيئًا مخافة أن يكبوا في النار على وجوههم) المراد: إني لأعطي رجالًا أخاف عليهم من ضعف إيمانهم أن يكفروا ويرتدوا، وأترك عطاء من هو أحب إلي (¬1) منه لما أعلمه من طمأنينة قلبه وصلابة إيمانه. قال النووي: وفي الحديث (¬2): الشفاعة إلى ولاة الأمور فيما ليس بمحرم، وفيه مراجعة المسؤول في الأمر الواحد، وفيه تنبيه المفضول الفاضل على ما يرى المصلحة، وفيه الأمر بالتثبت وترك القطع بما لا يعلم القطع به، وفيه أن الإمام يصرف المال في مصالح المسلمين الأهم فالأهم، وفيه أنه لا يقطع لأحد بالجنة إلا من ثبت فيه نص كالعشرة. انتهى (¬3). وفيه خوف الراعي على رعيته في وقوعهم بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة. [4684] (ثنا محمد بن عبيد، ثنا أبو (¬4) ثور، عن معمر قال: وقال الزهري) في روايته هذِه الآية ({قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا}) أي: لم تصدقوا بقلوبكم ({وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا}) بألسنتنا وانقدنا واستسلمنا مخافة القتل والسبي. (قال: نُرى) بضم النون وفتح الراء، أي: نظن ونعتقد التفريق بين ¬

_ (¬1) في (م): إليه. (¬2) في (ل)، (م): حديث. والمثبت هو ما يقتضيه السياق. (¬3) "مسلم بشرح النووي" 2/ 181. (¬4) كذا في (ل)، (م)، والصواب: (ابن) كما في "السنن".

الإيمان والإسلام، وذلك (أن الإسلام) هو (الكلمة) النطق بكلمة التوحيد وهي أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه (و) أن (الإيمان) هو (العمل) بالجوارح كالصلاة والزكاة والحج، ونحو ذلك. [4685] (ثنا أحمد بن حنبل، ثنا عبد الرزاق، ح، وثنا) أيضًا (إبراهيم بن بشار) بالموحدة والمعجمة، الرمادي البصري، قال النسائي، وغيره [ليس بالقوي (¬1)] (¬2) (ثنا سفيان) بن عيينة (المعنى، قال (¬3): ثنا معمر، عن الزهري، عن عامر بن سعد، عن أبيه) سعد بن أبي وقاص -رضي اللَّه عنه- (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قسم بين الناس) يحتمل أن يكون قسَّم بنفسه أو أمر من قسم من مال بين مال المسلمين (قسمًا) بفتح القاف، قدَّره وجزأه أجزاءً وأعطاه للمستحقين. (فقلت) يا رسول اللَّه (أعط فلانًا فإنه مؤمن) إن شاء اللَّه (قال: أو) هو (مسلم) واللَّه (إني لأعطي الرجل العطاء) الكثير من المال (وغيره أحب إلي) وأفضل عندي (منه) وذلك لأجل (مخافة) بالنصب مفعول له (أن يكب على وجهه) أي: أعطيه لأتألف قلبه بالإعطاء؛ خوفًا من أن يكفر إذا لم يعط، فيكبه اللَّه في النار على وجهه يوم القيامة. [4677] (ثنا أحمد بن محمد [بن حنبل] (¬4)، ثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن شعبة) قال (حدثني أبو جمرة) بالجيم والراء، واسمه نصر ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 56 (155). (¬2) ساقطة من (م). (¬3) كذا في (ل)، (م)، والصواب: (قالا) كما في "السنن". (¬4) ساقطة من (م).

ابن عمران بن عصام. (قال: سمعت ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: إن وفد) وهم الجماعة المختارة من القوم ليتقدموهم في لقي العظماء والسير إليهم في المهمات، واحدهم وافد، ووفد (عبد القيس) هؤلاء تقدموا قبائل عبد القيس للمهاجرة إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكانوا أربعة عشر راكبًا، الأشج العصري رئيسهم. (لما قدموا على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرهم بالإيمان باللَّه) تعالى، اعتقادًا بالقلب ونطقًا باللسان، ثم (قال) هل (تدرون ما) هو (الإيمان باللَّه تعالى؟ قالوا: اللَّه ورسوله أعلم) فيه: حسن الأدب مع الشيخ والمعلم برد العلم إلى اللَّه ورسوله. (قال: ) تفسيرًا للمراد بالإيمان الذي أمروا به وهو (شهادة ألا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه) ذكر البخاري هذا الحديث في مواضع كثيرة من "صحيحه"، وقال فيه في بعضها: "شهادة ألا إله [إلا اللَّه] (¬1) وحده لا شريك له"، وذكره في باب: إجازة خبر الواحد (¬2). (وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تعطوا الخمس) بضم الميم وإسكانها مثل الربُع والثمن (من المغنم) فيه اتخاذ الخمس في المغانم وإن لم يكن الإمام في السرية الغازية، وإنما لم يذكر الحج في أركان الإيمان؛ لأنهم لم يكن لهم إليه سبيل من أجل كفار ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) "صحيح البخاري" (7266) كتاب أخبار الآحاد، باب وصاة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وفود العرب أن يبلغوا من وراءهم. والباب الذي ذكره المصنف هو قبل هذا بعدة أبواب.

مضر الذين يحولون بينهم وبين الحج، أو لأن وجوب الحج على التراخي، واللَّه أعلم. [4681] (ثنا مؤمل بن الفضل) الحراني، ثقة (ثنا محمد بن شعيب بن شابور) بالشين المعجمة والباء الموحدة، الأموي الدمشقي، صدوق صحيح الكتاب (عن يحيى بن الحارث) الذماري، إمام جامع دمشق، قرأ القرآن على واثلة وابن عامر، وهو ثقة (عن القاسم) بن عبد الرحمن الشامي مولى بني أمية، لم يسمع من صحابي سوى أبي أمامة، صدوق. [(عن أبي أمامة)] (¬1) صدي بن عجلان الباهلي -رضي اللَّه عنه- (عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من أحب للَّه) أجمعت الأمة على [أن] (¬2) الحب للَّه تعالى ولرسوله فرض، ولا يفسد الحب بالطاعة؛ لأن الطاعة تبع الحب وثمرته، فلا بد أن يتقدم الحب للَّه ثم بعد ذلك يطيع المحبوب، وللترمذي: "أحبوا اللَّه لما يغذيكم (¬3) به من نعمه، وأحبوني بحب اللَّه تعالى" (¬4). (وأبغض للَّه) ليس المراد بالحب هنا حب الطبع، ولا بالبغض بغض الطبع، فإن طبع الإنسان حب نفسه، فكما أن الحب هو ميل الطبع إلى المحبوب، فإذا تأكد ذلك الميل وقوي سُمي عشقًا، فكذلك (¬5) البغض ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) زيادة يقتضيها السياق. (¬3) في "سنن الترمذي" (3789): يغذوكم. (¬4) "سنن الترمذي" (3789). وقال: حديث حسن غريب. وصححه الحاكم في "المستدرك" 3/ 149 - 150، والضياء في "المختارة" 12/ 348 (383). (¬5) في (ل، م): فذلك. والمثبت هو الأنسب للسياق.

هو عبارة عن نفرة الطبع عن المبغوض، فإذا قوي سُمي مقتًا، فكما يجب على الإنسان إذا رأى من هو ملازم على طاعة اللَّه تعالى أن يحبه للَّه، فكذا إذا رآه بعد ذلك مخالفًا للَّه تعالى في أوامره ونواهيه يجب عليه بغضه للَّه تعالى. (وأعطى) شخصًا (للَّه تعالى ومنع) عطاءه (للَّه تعالى فقد استكمل الإيمان) لمن حصلت فيه هذِه الخصال الأربع، فقد زالت منه الخصال النفسانية وظهرت فيه الخصال الرحمانية وخدمة المحبة والإعطاء على ضدهما كثير فيهما، إذ هذِه الصفات علامة على كمال إيمانه؛ لأن المحبة لأجل اللَّه لا تقع إلا بعد محبة اللَّه (¬1)، فإذا أحبه أحب من يحبه، وإذا أبغضه أبغض من يبغضه، ومن أحب اللَّه تعالى على الحقيقة أطاعه قطعًا، كما قال الشاعر: لو كان حبك صادقًا لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع [4686] (ثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك (الطيالسي، ثنا شعبة، قال واقد) بن محمد بن زيد (بن عبد اللَّه) فهو منسوب لجد أبيه (أخبرني عن أبيه) (¬2) محمد بن زيد بن عبد اللَّه بن عمر العمري المدني (أنه سمع) جده عبد اللَّه (ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- يحدث عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: لا ترجعوا بعدي) قال الطبري: معناه: بعد فراقي من موقفي هذا، وكان هذا يوم النحر بمنى في حجة الوداع. (كفارًا) قال أبو حاتم ابن حبان: لم يرد به الكفر الذي يخرج عن الملة، ولكن معنى هذا الخبر أن الشيء إذا كان له أجزاء يُطلق اسم الكل على بعض تلك الأجزاء، فكما أن الإيمان له شُعب، ¬

_ (¬1) لفظ الجلالة ليس في (م). (¬2) فوقها في (ل): (ع).

ويطلق اسم الإسلام على مرتكب شعبة منها لا بالكلية كذلك يطلق اسم الكفر على تارك شعبة من شعب الإسلام لا الكفر كله (¬1). (يضرب) قال النووي: الرواية (يضربُ) بالرفع للباء، هكذا هو الصواب، وكذا رواه المتقدمون والمتأخرون، وبه يصح المقصود هنا، ونقل القاضي عياض أن بعض العلماء ضبطه بإسكان الباء، قال القاضي: وهو إحالة للمعنى، والصواب الضم (¬2). وكذا قال أبو البقاء، أنه يجوز جزم الباء على تقدير شرط مضمر، أي: أن ترجعوا يضرب (¬3) (بعضكم رقاب بعض) في معناه سبعة أقوال، أظهرها وهو اختيار القاضي عياض أنه فعل كفعل الكفار، والثاني: المراد: كفر النعمة، والثالث: أنه يقرب من الكفر ويؤدي إليه. والرابع: لا يكفر بعضكم بعضًا فتستحلوا قتال بعضكم رقاب بعض (¬4). [4687] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا جرير) (¬5) بفتح الجيم (عن فضيل (¬6) بن غزوان) بفتح الغين المعجمة وسكون الزاي الضبي مولاهم (عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أيما رجل مسلم أكفر رجلًا مسلمًا) أي: نسبه إلى الكفر، أو قال له: يا كافر. (فإن كان كافرًا وإلا) فقد اجتمع في هذا الحديث شاهدان على حذف جملة جواب الشرط، وعلى حذف جملة الشرط، والأول حذف جملة ¬

_ (¬1) "صحيح ابن حبان" 13/ 269. (¬2) "مسلم بشرح النووي" 2/ 55. (¬3) "إعراب ما يشكل من ألفاظ الحديث" للعكبري ص 108. (¬4) "إكمال المعلم" 1/ 324. (¬5) في (ل، م): جريج. والمثبت من "السنن". (¬6) فوقها في (ل): (ع).

الجواب، والتقدير: فإن كان كافرًا فهو صادق في دعواه، ومن حذف الجواب قوله تعالى: {فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ} (¬1) التقدير: فافعل، ومنه قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ} (¬2) قال الزمخشري: تقديره: ألستم ظالمين (¬3). والثاني تقديره: وإن لم يكن كافرًا كان هو الكافر، ومنه قول الشاعر: فطلقها فلست لها بكفء ... وإلا يعل مفرقك الحسام (¬4) (كان هو الكافر) والمراد أن من نسب أخاه المسلم إلى الكفر، أو ناداه: يا كافر. فإما أن يصدق عليه أو يكذب في قوله، فالمنسوب إلى الكفر باق على كفره، وهو صادق، وأما إن كذب عليه عاد عليه الكفر بتكفيره أخاه المسلم. والكفر صنفان: أحدهما: الكفر بأصل الإيمان، وهو ضده، والآخر الكفر بفرع من فروع الإسلام، فلا يخرج به عن أصل الإيمان. قال أصحابنا: يحرم تحريمًا مغلظا أن يقول لمسلم: يا كافر. قال المتولي: من قال لمسلم: يا كافر. من غير تأويل صار القائل كافرًا (¬5). وروى الطبراني والبزار في حديث: "إذا قال لمسلم: يا كافر؛ فقد كفر أحدهما" (¬6) وروى البزار بإسناد رجاله ثقات عن عمران بن حصين ¬

_ (¬1) الأنعام: 35. (¬2) الأحقاف: 10. (¬3) "الكشاف" 4/ 197. (¬4) نسبه الزجاجي في "الأمالي" (ص 82) إلى الأحوص بن محمد الشاعر. (¬5) انظر: "روضة الطالبين" 10/ 65. (¬6) "المعجم الكبير" 10/ 224 (10544). وانظر: "مجمع الزوائد" 8/ 73.

قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر فهو كقتله" (¬1). [4688] (ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا عبد (¬2) اللَّه بن نمير) الهمداني (ثنا الأعمش، عن عبد (¬3) اللَّه بن مرة) الخارفي (عن مسروق، عن عبد اللَّه ابن عمرو) بن العاص. (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أربع) خصال (من كن فيه فهو منافق خالص) أي: شديد الشبه بالمنافقين بسبب ارتكابه هذِه الخصال. قال بعض العلماء: وهذا فيمن كانت هذِه الخصال غالبة عليه، فأما من ندر ذلك منه فليس داخلًا فيه. قال النووي: هذا هو المختار في معنى هذا الحديث (¬4). وحكى الخطابي قولًا آخر أن معناه التحذير للمسلم أن يعتاد هذِه الخصال التي يخاف عليه أن تفضي به إلى حقيقة النفاق. (ومن كانت فيه خلة) بفتح الخاء، أي: خصلة واحدة (منهن كان فيه خلة من نفاق (¬5) حتى يدعها) [لفظ البخاري: "ومن كان فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها" (¬6)] (¬7) يعني: فإذا تركها خرج من ¬

_ (¬1) "البحر الزخار" 9/ 17 (3519). ورواه أيضًا أحمد بن منيع في "مسنده" كما في "إتحاف الخيرة المهرة" 6/ 59 (5333)، وكما في "المطالب العالية" 11/ 851 (2715)، والطبراني 18/ 193 - 194 (463). وصححه الألباني في "الصحيحة" (3385). (¬2) و (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) "مسلم بشرح النووي" 2/ 47. (¬5) ورد بعدها في (ل، م): نسخة: النفاق. (¬6) البخاري (34، 3178). (¬7) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

النفاق (إذا حدث كذب) فنفاقه في حق من يحدثه لا أن نفاقه يكون في حق كل المسلمين. (وإذا وعد) مسلمًا بوعد (أخلف) في وعده ولم يف بما وعد به، فإن العدة دين (وإذا عاهد) مسلمًا بعهد (غدر) أي: نقض عهده (وإذا خاصم) أحدًا (فجر) عليه ومال عن الحق، وأصل الفجور الميل عن الحق، ومن الفجور القول بالباطل والكذب في حق من يخاصمه، وخصال النفاق كثيرة في كتاب اللَّه تعالى وسنة رسوله. [4689] (ثنا أبو صالح) محبوب بن موسى (الأنطاكي) ثقة (ثنا أبو (¬1) إسحاق) إبراهيم بن محمد بن الحارث (الفزاري) قال ابن السمعاني (¬2): بفتح الفاء والزاي نسبة إلى فزارة بن ذبيان قبيلة كبيرة من قيس عيلان. (عن الأعمش، عن أبي صالح) ذكوان السمان. (عن أبي هريرة، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق) السارق (¬3) (حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن) اختلف العلماء في معنى هذا الحديث، والقول الصحيح الذي قاله المحققون أن معناه: لا يفعل هذِه المعاصي وهو كامل الإيمان، وهذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء ويراد بها نفي كماله نحو: "لا عيش إلا عيش الآخرة" (¬4) وإنما تأولنا هذا التأويل لحديث أبي ذر وغيره: "من قال: لا إله إلا اللَّه دخل الجنة ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) "الأنساب" 10/ 212. (¬3) ساقطة من (ل). (¬4) رواه البخاري (3795)، ومسلم (1805) من حديث أنس بن مالك.

وإن زنى وإن سرق" (¬1) مع قوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} (¬2) (¬3). (والتوبة معروضة) وهذا إرشاد منه -صلى اللَّه عليه وسلم- لمن وقع في كبيرة أو كبائر إلى الطريق التي يتخلص بها من الكبائر، وهي التوبة التي عرضها اللَّه تعالى على العباد، حيث أمرهم بها وأوجبها عليهم، وأخبر سبحانه عن نفسه أنه يقبلها، كل ذلك فضل من اللَّه ولطف بالعبد لما علم من ضعفه عن مقاومة الحوامل على المخالفات التي هي النفس والهوى والشيطان الإنسي والجني، وأيضًا فإنه أوجب على النصحاء أن يعرضوها على أهل المعاصي ويحثوهم عليها و (بعد) مبني على الضم لقطعه عن الإضافة، والتقدير: والتوبة معروضة بعد ارتكاب الكبائر على العباد. [4690] (ثنا إسحاق بن) إبراهيم بن (سويد الرملي) ثقة (ثنا) (يزيد من الزيادة) (¬4) (ابن أبي مريم) الدمشقي، إمام الجامع زمن الوليد، أخرج له البخاري (أبنا نافع يعني: ابن يزيد) الكلاعي، أخرج له مسلم. (حدثني) يزيد بن عبد اللَّه بن أسامة (ابن (¬5) الهاد) الليثي. (أن سعيد بن أبي سعيد) كيسان (المقبري، حدثه أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إذا زنى الرجل خرج منه) نور (الإيمان) وقيل: ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5827)، ومسلم (94/ 154). (¬2) النساء: 48. (¬3) انظر: "شرح مسلم" للنووي 2/ 41. (¬4) كذا في النسخ، وهو خطأ مركب عجيب، والصواب: (سعيد)، انظر: "تهذيب الكمال" 10/ 391 (2253). (¬5) فوقها في (ل): (ع).

ينزع منه بصير طاعة اللَّه، وقيل: ينزع منه اسم المدح [الذي] (¬1) يسمى به أولياء اللَّه المؤمنين. وقيل: يخرج منه كمال الإيمان ولم يفارقه، بل وقف فوق رأسه حتى يعود إليه و (كان عليه كالظلة) (¬2) وهي ما أظل الآدمي من جبل أو سحابة أو غيرهما، {عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ} (¬3) وهي سحابة أظلتهم، فلجؤوا إليها إلى ظلها من شدة الحر، فأطبقت عليهم وأهلكتهم. (فإذا انقطع) وفي رواية: "فإذا أقلع" (¬4) أي: خرج، بدليل رواية الترمذي: "فإذا زنى العبد خرج منه الإيمان، فكان فوق رأسه كالظلة، فإذا خرج (¬5) من ذلك العمل عاد إليه الإيمان" (¬6) (رجع إليه الإيمان) قيل: معناه: أمن من عذاب اللَّه. وقيل: يصدق حقيقة التصديق بما جاء في ذلك من الوعيد، وإذا رجع إليه الإيمان فيرجع ناقصًا عما كان قبل خروجه منه، فإن الإيمان ينقص بالمعصية كما يزيد بالطاعة. * * * ¬

_ (¬1) زيادة يقتضيها السياق ليست في (ل)، (م). (¬2) بعدها في (ل): نسخة: كان عليه الظلة. (¬3) الشعراء: 189. (¬4) رواه اللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" 6/ 1088 (1864). (¬5) مكانها بياض في (ل)، (م)، والمثبت من "سنن الترمذي". (¬6) "سنن الترمذي" (2625).

17 - باب في القدر

17 - باب فِي القَدَرِ 4691 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أَبي حازِمٍ، قالَ: حَدَّثَني بِمِنًى عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "القَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هذِه الأُمَّةِ إِنْ مَرِضُوا فَلا تَعُودُوهُمْ وَإِنْ ماتُوا فَلا تَشْهَدُوهُمْ" (¬1). 4692 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُمَرَ مَوْلَى عُفْرَةَ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصارِ، عَنْ حُذَيْفَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لِكُلِّ أُمَّةٍ مَجُوسٌ وَمَجُوسُ هَذِه الأُمَّةِ الذِينَ يَقُولُونَ: لا قَدَرَ، مَنْ ماتَ مِنْهُمْ فَلا تَشْهَدُوا جَنازَتَهُ، وَمَنْ مَرِضَ مِنْهُمْ فَلا تَعُودُوهُمْ، وَهُمْ شِيعَةُ الدَّجّالِ، وَحَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُلْحِقَهُمْ بِالدَّجّالِ" (¬2). 4693 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ زُرَيْعٍ وَيَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ حَدَّثاهُمْ، قالا: حَدَّثَنا عَوْفٌ، قالَ: حَدَّثَنا قَسامَةُ بْن زُهَيْرٍ، قالَ: حَدَّثَنا أَبُو مُوسَى الأَشْعَري قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَها مِنْ جَمِيعِ الأَرْضِ، فَجاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الأَرْضِ، جاءَ مِنْهُمُ: الأَحْمَرُ والأَبْيَضُ والأَسْوَدُ وَبَيْنَ ذَلِكَ، والسَّهْلُ والحَزْنُ والخَبِيثُ والطَّيِّبُ". زادَ في حَدِيثِ يَحْيَى: "وَبَيْنَ ذَلِكَ". والإِخْبارُ في حَدِيثِ يَزِيدَ (¬3). 4694 - حَدَّثَنا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ، حَدَّثَنا المُعْتَمِرُ، قالَ: سَمِعْتُ مَنْصُورَ بْنَ المُعْتَمِرِ يُحَدِّثُ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبِيبٍ أَي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمي، ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (92)، وأحمد 2/ 86، وابن أبي عاصم في "السنة" (338). وحسنه الألباني في "ظلال الجنة" 1/ 149. (¬2) رواه أحمد 5/ 406، والطيالسي (435)، وابن أبي عاصم في "السنة" (329). وضعفه الألباني في "الضعيفة" (5714)، وفي "ظلال الجنة" 1/ 145. (¬3) رواه الترمذي (2955)، وأحمد 4/ 40. وصححه الألباني في "الصحيحة" (1630).

عَنْ عَليٍّ -رضي اللَّه عنه- قالَ: كُنّا في جَنازَةٍ فِيها رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- ببَقِيِعِ الغَرْقَدِ، فَجاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَجَلَسَ وَمَعَهُ مِخْضَرَةٌ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِالمِخْصَرَةِ في الأَرْضِ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقالَ: "ما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ ما مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلَّا قَدْ كَتَبَ اللَّهُ مَكانَها مِنَ النّارِ أَوْ مِنَ الجَنَّةِ إِلَّا قَدْ كُتِبَتْ شقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً". قالَ: فَقالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: يا نَبي اللَّهِ، أَفَلا نَمْكُثُ عَلَى كِتابِنا وَنَدَعُ العَمَلَ فَمَنْ كانَ مِنْ أَهْلِ السَّعادَةِ لَيَكونَنَّ إِلَى السَّعادَةِ، وَمَنْ كانَ مِنْ أَهْلِ الشِّقْوَةِ لَيَكونَنَّ إِلَى الشِّقْوَةِ؟ قالَ: "اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ، أَمّا أَهْلُ السَّعادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِلسَّعادَةِ، وَأَمّا أَهْلُ الشِّقْوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِلشِّقْوَةِ". ثمَّ قالَ نَبيُّ اللَّهِ: "فَأَمّا مَنْ أَعْطَى واتَّقَى وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى وَأَمّا مَنْ بَخِلَ واسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالحُسْنَى. فَسَنيسِّرُهُ لِلْعُسْرى" (¬1). 4695 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعاذٍ، حَدَّثَنا أَبِي، حَدَّثَنا كَهْمَسٌ، عَنِ ابن بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، قالَ: كانَ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ في القَدَرِ بِالبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الجُهَني فانْطَلَقْتُ أَنا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحِمْيَريُّ حاجَّيْنِ أَوْ مُعْتَمِرَيْنِ، فَقُلْنا: لَوْ لَقِينا أَحَدًا مِنْ أَصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فسَأَلْناهُ عَمّا يَقُولُ هؤلاء في القَدَرِ. فَوَفَّقَ اللَّه لَنا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ داخِلًا في المَسْجِدِ فاكْتَنَفْتُهُ أَنا وَصاحِبي، فَظَنَنْتُ أَنَّ صاحِبي سَيَكِلُ الكَلامَ إِلَي فَقُلْت: أَبا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنا ناسٌ يَقْرَءُونَ القُرْآنَ وَيتَفَقَّرُونَ العِلْمَ يَزْعُمُونَ أَنْ لا قَدَرَ والأَمْرُ أُنُفٌ. فَقالَ: إِذا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنّي بَرَيءٌ مِنْهُمْ وَهُمْ بُرَآءُ مِنّي والَّذي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَوْ أَنَّ لأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ ما قَبِلَهُ اللَّهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالقَدَرِ، ثُمَّ قالَ: حَدَّثَني عُمَرُ بْن الْخطّابِ، قالَ: بَيْنا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِذْ طَلَع عَلَيْنا رَجُلٌ شَدِيدُ بَياضِ الثِّيابِ، شَدِيدُ سَوادِ الشَّعْرِ لا يُرى عَلَيْهِ أَثرُ السَّفَرِ وَلا نَعْرِفُهُ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وقالَ: يا مُحَمَّدُ أَخْبِرْني عَنِ الإِسْلامِ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الإِسْلامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إله إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتي ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1362)، ومسلم (2647).

الزَّكاةَ، وَتَصُومَ رَمَضانَ، وَتَحُجَّ البَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا". قالَ: صَدَقْتَ. قالَ: فَعَجِبْنا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ. قالَ: فَأَخْبِرْني عَنِ الإِيمانِ. قالَ: "أَنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ واليَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ". قالَ: صَدَقْتَ. قالَ: فَأَخْبِرْني عَنِ الإِحْسانِ قالَ: "أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَراهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَراهُ فَإِنَّهُ يَراكَ". قالَ: فَأَخْبِرْني عَنِ السّاعَةِ. قالَ: "ما المَسْؤُولُ عَنْها بِأَعْلَمَ مِنَ السّائِلِ". قالَ: فَأَخْبِرْني عَنْ أَماراتِها. قالَ: "أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَها، وَأَنْ تَرى الحُفاةَ العُراةَ العالَةَ رِعاءَ الشّاءِ يَتَطاوَلُونَ في البُنْيانِ". قالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ ثَلاثًا، ثُمَّ قالَ: "يا عُمَرُ هَلْ تَدْري مَنِ السّائِلُ". قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قالَ: "فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ" (¬1). 4696 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ عُثْمانَ بْنِ غِياثٍ، قالَ: حَدَّثَني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ وَحُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قالَ: لَقِينا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَذَكَرْنا لَهُ القَدَرَ وَما يَقُولُونَ فِيهِ فَذَكَرَ نَحْوَهُ، زادَ قالَ: وَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنْ مُزَيْنَةَ أَوْ جُهَينَةَ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ فِيما نَعْمَل أَفي شَيء قَدْ خَلا أَوْ مَضَى أَوْ شَيء يُسْتَأْنَفُ الآنَ؟ قالَ: "في شَيء قَدْ خَلا وَمَضَى". فَقالَ الرَّجُلُ أَوْ بَعْضُ القَوْمِ: فَفِيمَ العَمَلُ؟ قالَ: "إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ يُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَإِنَّ أَهْلَ النّارِ يُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ النّارِ" (¬2). 4697 - حَدَّثَنا مَحْمُودُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا الفِرْيابي، عَنْ سُفْيانَ قالَ: حَدَّثَنا عَلْقَمَةُ ابْنُ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ بُريدَةَ، عَنِ ابن يَعْمَرَ بهذا الحَدِيثِ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، قالَ: فَما الإِسْلامِ؟ قالَ: "إِقامُ الصَّلاةِ وَإِيتاءُ الزَّكاةِ، وَحَجُّ البَيْتِ، وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضانَ، والاغْتِسالُ مِنَ الجَنابَةِ". قالَ أَبُو داوُدَ: عَلْقَمَةُ مُرْجِئٌ (¬3). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (8). (¬2) رواه مسلم (8/ 3). (¬3) رواه ابن خزيمة (1). وانظر الأحاديث السابقة.

4698 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنْ أَبي فَرْوَةَ الهَمْدانيِّ، عَنْ أَبي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبي ذَرٍّ وَأَبي هُرَيْرَةَ قالا كانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَجْلِسُ بَيْنَ ظَهْري أَصْحابِهِ، فَيَجِيءُ الغَرِيبُ فَلا يَدْري أَيُّهُمْ هُوَ حَتَّى يَسْأَلَ، فَطَلَبْنا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْ نَجْعَلَ لَهُ مَجْلِسًا يَعْرِفُهُ الغَرِيبُ إِذا أَتاهُ قالَ: فَبَنَيْنا لَهُ دُكّانًا مِنْ طِينٍ، فَجَلَسَ عَلَيهِ، وَكُنّا نَجْلِسُ بِجَنْبَتَيهِ، وَذَكَرَ نَحْوَ هذا الخَبَرِ، فَأَقْبَلَ رَجُلٌ فَذَكَرَ هَيْئَتَهُ حَتَّى سَلَّمَ مِنْ طَرْفِ السِّماطِ، فَقالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ يا مُحَمَّد. قالَ: فَرَدَّ عَلَيْهِ النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1). 4699 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ أَبي سِنانٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ خالِدٍ الحِمْصي، عَنِ ابن الدَّيْلَمي قالَ: أَتَيْتُ أُبَى بْنَ كَعْبٍ، فَقُلْتُ لَهُ: وَقَعَ في نَفْسي شَيء مِنَ القَدَرِ فَحَدِّثْني بِشَيء لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُذْهِبَهُ مِنْ قَلْبَي. فَقالَ: لَوْ أَنَّ اللَّهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَواتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ عَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظالِمٍ لَهُمْ، وَلَوْ رَحِمَهُمْ كانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمالِهِمْ، وَلَوْ أَنْفَقْتَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهبًا في سَبِيلِ اللَّهِ ما قَبِلَهُ اللَّهُ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالقَدَرِ، وَتَعْلَمَ أَنَّ ما أَصابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَأَنَّ ما أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَلَوْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ هذا لَدَخَلْتَ النّارَ. قالَ: ثمَّ أَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقالَ مِثْلَ ذَلِكَ، قالَ: ثُمَّ أَتَيْت حُذَيْفَةَ بْنَ اليَمانِ فَقالَ مِثْلَ ذَلِكَ، قالَ: ثُمَّ أَتَيْتُ زَيْدَ بْنَ ثابِتٍ فَحَدَّثَني عَنِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِثْلَ ذَلِكَ (¬2). 4700 - حَدَّثَنا جَعْفَرُ بْنُ مُسافِرٍ الهُذَلي، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ حَسّانَ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ ابْنُ رَباحٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ أَبي عَبْلَةَ، عَنْ أَبي حَفْصَةَ قالَ: قالَ عُبادَةُ بْن الصّامِتِ لابْنِهِ: يا بُنَيَّ إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الإِيمانِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ ما أَصابَكَ لَمْ يَكنْ ¬

_ (¬1) رواه النسائي 8/ 101، وإسحاق بن راهويه (165). وصححه الألباني في "الإرواء" تحت حديث رقم (3). (¬2) رواه ابن ماجه (77)، وأحمد 5/ 185. وصححه الألباني في "المشكاة" (115).

لِيُخْطِئَكُ وَما أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "إِنَّ أَوَّلَ ما خَلَقَ اللَّهُ القَلَمَ فَقالَ لَهُ: اكْتُبْ. قالَ: رَبِّ وَماذا أَكْتُبُ؟ قالَ: اكْتُبْ مَقادِيرَ كُلِّ شَيء حَتَّى تَقُومَ السّاعَةُ". يا بُنَي إِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "مَنْ ماتَ عَلَى غَيْرِ هذا فَلَيْسَ مِنِّي" (¬1). 4701 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا سُفْيانُ ح وَحَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن صالِحٍ المَعْنَى، قالَ: حَدَّثَنا سُفْيان بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ سَمِعَ طاوُسًا يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبا هُرَيْرَةَ يُخْبِرُ عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى فَقالَ مُوسَى يا آدَمُ أَنْتَ أَبُونا خَيَّبْتَنا وَأَخْرَجْتَنا مِنَ الجَنَّةِ. فَقالَ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى اصْطَفاكَ اللَّهُ بِكَلامِهِ وَخَطَّ لَكَ التَّوْراةَ بِيَدِهِ، تَلُومُني عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ عَليَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَني بِأَرْبَعِينَ سَنَةً. فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى". قالَ أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ: عَنْ عَمْرٍو، عَنْ طاوُسٍ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ (¬2). 4702 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، قالَ: حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، قالَ: أَخْبَرَني هِشامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ قالَ: قالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ مُوسَى قالَ: يا رَبِّ أَرِنا آدَمَ الذي أَخْرَجَنا وَنَفْسَهُ مِنَ الجَنَّةِ، فَأَراهُ اللَّهُ آدَمَ فَقالَ: أَنْتَ أَبُونا آدَمُ؟ فَقالَ لَهُ آدَمُ: نَعَمْ. قالَ: أَنْتَ الذي نَفَخَ اللَّهُ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَعَلَّمَكَ الأَسْماءَ كُلَّها وَأَمَرَ المَلائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ؟ قالَ: نَعَمْ. قالَ: فَما حَمَلَكَ عَلَى أَنْ أَخْرَجْتَنا وَنَفْسَكَ مِنَ الجَنَّةِ؟ فَقالَ لَهُ آدَمُ: وَمَنْ أَنْتَ قالَ: أَنا مُوسَى. قالَ: أَنْتَ نَبي بَني إِسْرائِيلَ الذي كَلَّمَكَ اللَّهُ مِنْ وَراءِ الحِجابِ لَمْ يَجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ رَسُولًا مِنْ خَلْقِهِ؟ قالَ: نَعَمْ. قالَ: أَفَما وَجَدْتَ أَنَّ ذَلِكَ كانَ في كِتابِ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ؟ قالَ: نَعَمْ. قالَ: فَفِيمَ تَلُومُني في شَيء سَبَقَ مِنَ اللَّهِ تَعالَى فِيهِ القَضاءُ قَبْلَي؟ ". قالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3319)، وأحمد 5/ 317. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (2018). (¬2) رواه البخاري (6614)، ومسلم (2652).

عِنْدَ ذَلِكَ: "فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى" (¬1). 4703 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ أَنَّ عَبْدَ الحَمِيدِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الخَطّابِ أَخْبَرَهُ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسارٍ الجُهَني أَنَّ عُمَرَ ابْنَ الخَطّابِ سُئِلَ عَنْ هذِه الآيَةِ {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ} قالَ: قَرَأَ القَعْنَبي الآيَةَ. فَقالَ عُمَرُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- سُئِلَ عَنْها فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ خَلَقَ آدَمَ ثمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ فاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقالَ: خَلَقْتُ هؤلاء لِلْجَنَّةِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ يَعْمَلُونَ، ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ فاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً، فَقالَ خَلَقْتُ هؤلاء لِلنّارِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ النّارِ يَعْمَلُونَ". فَقالَ رَجُلٌ يا رَسُولَ اللَّهِ فَفِيمَ العَمَلُ؟ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ إِذا خَلَقَ العَبْدَ لِلْجَنَّةِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمالِ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيُدْخِلَهُ بِهِ الجَنَّةَ وَاذا خَلَقَ العَبْدَ لِلنّارِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النّارِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمالِ أَهْلِ النّارِ فَيُدْخِلَهُ بِهِ النّارَ" (¬2). 4704 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُصَفَّى، حَدَّثَنا بَقِيَّةُ، قالَ: حَدَّثَني عُمَرُ بْن جُعْثُمَ القُرَشي، قالَ: حَدَّثَني زَيْدُ بْن أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُسْلِمِ ابْنِ يَسارٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ رَبِيعَةَ قالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ بهذا الحَدِيثِ وَحَدِيثُ مالِكٍ أَتَمُّ (¬3). ¬

_ (¬1) رواه الدارمي في "الرد على الجهمية" (294)، وابن أبي عاصم في "السنة" (137)، وأبو يعلى 1/ 209 (243). وصححه الألباني في "الصحيحة" (1702). (¬2) رواه الترمذي (3075)، والنسائي في "الكبرى" (11190)، وأحمد 1/ 44، ومالك في "الموطأ" 2/ 898 (2). وضعفه الألباني في "الضعيفة" (3071)، وقال في تعليقه على "الطحاوية" (ص 240): صحيح لغيره، إلا مسح الظهر فلم أجد له شاهدا. (¬3) انظر ما قبله.

4705 - حَدَّثَنا القَعْنَبي، حَدَّثَنا المُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَقَبَةَ بْنِ مَصْقَلَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الغُلامُ الذي قَتَلَهُ الخَضِرُ طُبعَ كافِرًا، وَلَوْ عاشَ لأَرْهَقَ أَبَويْهِ طُغْيانًا وَكُفْرًا" (¬1). 4706 - حَدَّثَنا مَحْمُودُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا الفِرْيابي، عَنْ إِسْرائِيلَ، حَدَّثَنا أَبُو إِسْحاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: حَدَّثَنا أُبَي بْنُ كَعْبٍ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ في قَوْلِهِ: {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ}: "وَكانَ طُبعَ يَوْمَ طُبعَ كافِرًا" (¬2). 4707 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرانَ الرّازي، حَدَّثَنا سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قالَ: قالَ ابن عَبّاسٍ: حَدَّثَني أُبَي بْن كَعْبٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "أَبْصَرَ الخَضِرُ غُلامًا يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيانِ فَتَناوَلَ رَأْسَهُ فَقَلَعَهُ فَقالَ مُوسَى: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً}. الآيَةَ (¬3). 4708 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمَري، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، ح وَحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ -المَعْنَى واحِدٌ والإِخْبارُ في حَدِيثِ سُفْيانَ-، عَنِ الأَعْمَشِ قالَ: حَدَّثَنا زَيْدُ بْن وَهْبٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن مَسْعُودٍ قالَ: حَدَّثَنا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَهُوَ الصّادِقُ المَصْدُوقُ: "إِنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ في بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُبْعَثُ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِماتٍ فَيُكْتَبُ رِزْقُهُ وَأَجَلُهُ وَعَمَلُهُ، ثُمَّ يُكْتَبُ شَقي أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى ما يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَها إِلَّا ذِراعٌ، أَوْ قِيدُ ذِراعٍ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النّارِ فَيَدْخُلُها، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2661). (¬2) انظر ما قبله. (¬3) رواه البخاري (122)، ومسلم (2380).

وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النّارِ حَتَّى ما يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَها إِلَّا ذِراعٌ، أَوْ قِيدُ ذِراعٍ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتابُ فيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيَدْخُلُها" (¬1). 4709 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ قالَ: حَدَّثَنا مُطَرِّفٌ، عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ قالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: يا رَسُولَ اللَّهِ أَعُلِمَ أَهْلُ الجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ النّارِ قالَ: "نَعَمْ". قالَ: فَفِيمَ يَعْمَلُ العامِلُونَ قالَ: "كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ لَهُ" (¬2). 4710 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ المُقْرِئُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قالَ: حَدَّثَني سَعِيدُ بْنُ أَبي أَيُّوبَ، قالَ: حَدَّثَني عَطاءُ بْنُ دِينارٍ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ شَرِيكٍ الهُذَلي، عَنْ يَحْيَى بْنِ مَيْمُونٍ الحَضْرَميِّ، عَنْ رَبِيعَةَ الجُرَشيِّ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنْ عُمَرَ ابْنِ الخَطّابِ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "لا تُجالِسُوا أَهْلَ القَدَرِ وَلا تُفاتِحُوهُمْ" (¬3). * * * باب في القدر [4691] (ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا عبد العزيز بن أبي حازم) المديني. (قال: حدئني بمنى) أي: في منى، وهي على فرسخ من مكة، والغالب عليه التذكير، فيصرف (عن أبيه) (¬4) سلمة بن دينار المديني ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6594)، ومسلم (2643). (¬2) رواه البخاري (6596)، ومسلم (2649). (¬3) رواه أحمد 1/ 30، والفريابي في "القدر" (227)، وأبو يعلى 1/ 212 (245)، وابن حبان (79)، والآجري في "الشريعة" (543). وضعفه الألباني في "المشكاة" (108). (¬4) فوقها في (ل): (ع).

الأعرج. (عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما) والحديث منقطع، لأن أبا حازم لم يسمع من ابن عمر، وقد وصله الفريابي في كتاب "القدر" فرواه من طريق زكريا بن منظور، عن أبي حازم عن نافع، عن ابن عمر به (¬1). وزكريا قال ابن معين: ليس به بأس (¬2). وبهذا علم خطأ ابن الجوزي في ذكره في "الموضوعات" (¬3). وقد أخرجه الحاكم في "مستدركه" وقال: صحيح على شرط الصحيح إن صح سماع أبي حازم من ابن عمر (¬4). (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: القدرية مجوس هذِه الأمة) قيل: إنما جعلهم مجوسًا لمضاهاة مذهبهم مذهب المجوس في قولهم بالأصلين وهما النور والظلمة، يزعمون أن الخير من فعل النور والشر من فعل الظلمة، وكذا القدرية يضيفون الخير إلى اللَّه والشر إلى الإنسان والشيطان، ومذهب أهل السنة أن اللَّه تعالى خالقهما معًا، فلا يكون شيء منهما إلا بمشيئته وتقديره، فهما مضافان إلى اللَّه خالقهما إيجادًا وإلى الفاعلين لهما عملًا واكتسابًا. (إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم) أي: فلا تحضروا غسلهم ولا الصلاة عليهم ولا دفنهم، والصلاة عليهم مبنية على أقوال ¬

_ (¬1) "القدر" (218). (¬2) "تاريخ ابن معين" رواية الدارمي (340)، رواية الدوري (1011). (¬3) "الموضوعات" 1/ 451 - 452 (533 - 534) من حديث أبي هريرة. (¬4) "المستدرك" 1/ 85.

تكفيرهم، فمن كفرهم لم يجوز الصلاة عليهم، ومن لم يكفر جوز الصلاة، بل هي فرض كفاية. وقيل: إنما قال هذا عليه السلام تقبيحًا لاعتقادهم وزجرهم عن هذا الاعتقاد، وليس بنهي للصلاة عليهم. قيل: الصلاة عليهم كالصلاة على غيرهم من الفساق. [4692] (ثنا محمد (¬1) بن كثير) العبدي (أبنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن عمر بن محمد) بن زيد العمري بعسقلان. (عن عمر) بن عبد اللَّه المدني (مولى غفرة) بضم الغين المعجمة وسكون الفاء. كذا ضبطه شيخنا ابن حجر (¬2). يقال: أدرك ابن عباس، عامة حديثه مرسل، وثقه ابن سعد (¬3). (عن رجل من الأنصار) مجهول (عن حذيفة) بن اليمان -رضي اللَّه عنه-. (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم -: لكل أمة (¬4) مجوس) ومجوس كلمة فارسية، والواحد منها مجوسي كيهودي من يهود. قال ابن عطية: روي أنه بحث في المجوس نبي اسمه زرادشت (¬5). (ومجوس الأمة) الطائفة (الذين يقولون: لا قدر) أي: لم يقدر اللَّه الأشياء في القدم، ولم يتقدم علمه سبحانه بالأشياء قبل وقوعها، بل هي مستأنفة العلم، أي: إنما يعلمها سبحانه بعد وقوعها، وكذبوا ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) "تقريب التهذيب" (4934). (¬3) "الطبقات الكبرى" القسم المتمم (252). (¬4) ساقطة من (ل). (¬5) "المحرر الوجيز" 6/ 457.

على اللَّه سبحانه وتعالى وجل عن أقوالهم الباطلة علوًّا كبيرًا، ومذهب أهل الحق إثبات القدر، ومعناه أن اللَّه تعالى قدر الأشياء في القدم قبل أن يخلق الخلق وعلم سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده سبحانه وعلى صفات مخصوصة، فهي تقع لا محالة على حسب ما قدرها سبحانه. (من مات منهم لا تشهدوا جنازته ومن مرض منهم فلا تعودوهم) وعلى هذا فهو مخصص لعموم حديث: "عودوا المريض" (¬1) يعني: إلا القدرية (وهم شيعة) بكسر الشين وسكون التحتانية (الدجال) أي: أولياؤه وأعوانه على فتنته، وأصل الشيعة الفرقة من الناس (وحق على اللَّه) أي: محقق عند اللَّه أن يقع لا محالة (أن يلحقهم) أي: يلحق القدرية (بالدجال) في نزول العذاب بهم كما ينزل به لمشابهتهم له في الكذب على اللَّه تعالى. [4693] (ثنا مسدد أن يزيد بن زريع ويحيى بن سعيد) القطان. (حدثاهم قالا: ثنا عوف) بن أبي جميلة، الأعرابي، ثقة، روى له مسلم. (ثنا قسامة) [بفتح] (¬2) القاف وتخفيف السين المهملة (ابن زهير) المازني، ثقة. (ثنا أبو موسى الأشعري، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن اللَّه تعالى خلق آدم عليه السلام من قبضة قبضها من جميع) أجزاء (الأرض) ظاهره أنه خلق من الأرض الأولى، وهو خلاف ما ذهب إليه وهب من أنه خلق رأس آدم ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3046، 5174، 5373، 5649) من حديث أبي موسى الأشعري. (¬2) زيادة يقتضيها السياق.

من الأولى، وعنقه من الثانية، وصدره من الثالثة، ويده من الرابعة، وبطنه من الخامسة، وفخذاه ومذاكيره وعجزه من السادسة، وساقاه وقدماه من السابعة. وقال ابن عباس: خلقه اللَّه من أقاليم الدنيا، فرأسه من تربة الكعبة، وقدماه من تربة الدهناء، وبطنه وظهره من تربة الهند، ويداه من تربة المشرق، ورجلاه من تربة المغرب. وقال غيره: خلق اللَّه آدم من ستين نوعًا من أنواع الأرض: من التراب الأبيض، والأسود، والأحمر، والأصفر. (فجاء بنو آدم) لأجل ذلك (على قدر) تكون ألوان (الأرض) أي: لونها وطبعها، فيخلق من الحمراء من لونه أحمر، ومن سهلها سهل الخلق ذو اللين والرفق فـ (جاء منهم الأحمر والأبيض والأسود) والأصفر (و) ما هو (بين ذلك) من سائر الألوان. قيل: خلق آدم من ستين نوعًا من أنواع الأرض وطبائعها، فلذلك (¬1) جاءت أولاده مختلفي (¬2) الألوان والطباع، قيل: ولهذا المعنى أوجب اللَّه في الكفارة إطعام ستين مسكينًا، ليكون بعدد أنواع بني آدم، ليعم الجميع بالصدقة. (و) جاء منهم (السهل) الخلق من الأرض السهلة (والحزن) بفتح الحاء المهلمة وسكون الزاي، ضد السهولة. أي: جاء غليظ الطبع خشنه ويابسه، من حزن الأرض، وهو الغليظ الخشن، والحزونة: ¬

_ (¬1) في (ل): فذلك. (¬2) في (ل): مختلفين.

الخشونة. وفي حديث ابن المسيب أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أراد أن يغير اسم جده حزن ويسميه سهلًا، فأبى وقال: لا أغير اسمًا سمانى به أبى. قال: فما زالت فينا (¬1) تلك الحزونة بعد (¬2). (و) جاء (الخبيث) من الأرض الخبيثة (و) جاء الرجل (الطيب) من الأرض الطيبة، وقد ضرب اللَّه مثل المؤمن والكافر والطيب والخبيث، فمثل المؤمن مثل البلد الطيب الزاكي يخرج نباته. أي: زرعه بإذن ربه سهلًا، والذي خبث مثل الكافر كمثل الأرض السبخة الخبيثة التي لا يخرج نباتها وغلتها إلا نكدًا. أي: عسرًا قليلًا بعناء ومشقة، وكذا المؤمن يعطي العطاء بسهولة كسهولة طبعه، والبخيل لا يعطي إلا بتكلف وتكلف كثير. (وزاد في حديث يحيى) بن سعيد (و) لفظ (الإخبار) بكسر الهمزة (في حديث يزيد) بن زريع دون يحيى. [4694] (ثنا مسدد بن مسرهد، ثنا المعتمر، سمعت منصور بن المعتمر يحدث عن سعد) بسكون العين (ابن عبيدة) بضم العين وفتح الموحدة مصغر (السلمي) الكوفي. (عن عبد اللَّه (¬3) بن حبيب) بن ربيعة (أبي عبد الرحمن (¬4) السلمى) بضم السين وفتح اللام، مقرئ الكوفة. ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) رواه البخاري (6190، 6193). (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) فوقها في (ل): (ع).

(عن علي -رضي اللَّه عنه-: كنا في جنازة فيها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ببقيع الغرقد) وهي مقبرة بالمدينة أضيفت إلى الغرقد، وهو ما عظم من العوسج لغرقد [كان فيه] (¬1)، فذهب الشجر وبقي الاسم. (فجاء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فجلس ومعه مخصرة) زاد مسلم: وقعدنا حوله (¬2). والمخصرة بكسر الميم، وهو ما اختصره الإنسان بيده من عصا أو عكازة أو مقرعة أو قضيب. قال القتيبي: التخصير إمساك القضيب باليد، وكانت الملوك تتخصر بقضبان لها تشير بها وتصل بها كلامهم. قال الشاعر: إذا وصلوا أيمانهم بالمخاصر (¬3) (فجعل ينكت) بالمثناة آخره (بالمخصرة في الأرض) في هذا الحديث سنة حضور الجنائز، وجواز القعود عند القبر وتعليم العلم، والكلام بالمواعظ عند القبور ونكته بالمخصرة؛ لتؤثر في الأرض. وفيه إشارة إلى إحضار قلب الحاضر معه للمعاني التي ينطق بها. قال ابن بطال: نكته عليه السلام بالمخصرة في الأرض هو أصل ما أفتى به أهل العلم من تحريك الأصبع في الصلاة للتشهد (¬4). وترجم المصنف (¬5) على هذا الحديث في الجنائز باب موعظة ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): فيه كان. (¬2) مسلم (2647). وكذا عند البخاري (1362، 4948). (¬3) نسبه الزمخشري في "أساس البلاغة" 1/ 249 إلى حسان. (¬4) "شرح ابن بطال" 3/ 348. (¬5) البخاري.

المحدث عند القبر (¬1). (ثم رفع رأسه) فيه إطراق الرأس حال الجلوس عند القبر. (فقال: ما منكم من أحد) أو قال (ما من نفس منفوسة) أي: مولودة، يقال: نفست المرأة، ونفست بفتح (¬2) النون وضمها إذا ولدت، وإذا حاضت فبفتح النون لا غير (إلا) و (قد كتب مكانها) بضم النون، ولفظ البخاري: "ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده" (¬3) (من النار أو) من (الجنة) فيه الرد على القدرية وثبوت القدر، وأن أعمال العباد قد كتبت وفرغ منها و (إلا قد كتبت شقية أو سعيدة) بنصب (شقية أو سعيدة) ويجوز رفعهما، وهذا الحديث أصل لأهل السنة في أن الشقاء والسعادة خلق اللَّه تعالى، بخلاف قول القدرية الذين يقولون: إن الشر ليس بخلق اللَّه تعالى. (قال) علي -رضي اللَّه عنه- (فقال رجل من القوم: يا نبي اللَّه، أفلا (¬4) نمكث على كتابنا) لفظ البخاري: أفلا نتكل على كتابنا (¬5). والمراد: أفلا نعتمد على ما في كتاب ربنا مما قدره اللَّه علينا فيه. (وندع العمل) بما يرضي اللَّه تعالى أو السعي (¬6) فيه (فمن كان من ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (1362). (¬2) ساقطة من (م). (¬3) "صحيح البخاري" (4945، 4946، 4949، 6605، 7552). (¬4) بعدها في (ل): خـ: أو لا. (¬5) "صحيح البخاري" (1362، 4948، 4949). (¬6) غير واضحة في (ل)، (م).

أهل السعادة ليكونن) [بفتح اللام] (¬1) (إلى) عمل أهل (السعادة، ومن كان منا من أهل الشقوة) بكسر المعجمة (ليكونن إلى الشقوة) يوضحه لفظ الصحيحين: فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى أهل السعادة، ومن كان منا من أهل الشقاء فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة (¬2) (قال: اعملوا فكل) أحد (ميسر) زاد في الصحيحين: "لما خلق له" (¬3). (أما أهل السعادة فييسرون للسعادة) أي: لعمل أهل السعادة (وأما أهل الشقوة فييسرون للشقوة) كما صرحت به الأحاديث (ثم قال) أي: قرأ كما في "الصحيح" (¬4) (نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى}) ماله في سبيل اللَّه ({وَاتَّقَى}) ربه فاجتنب محارمه ({وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)}) بالخلف من اللَّه تعالى لما ينفقه. وقال جماعة: صدق بالحسنى، بـ (لا إله إلا اللَّه) وقيل: صدق بالجنة، بدليل قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى} (¬5) ({فَسَنُيَسِّرُهُ}) أي: سنهيئه في الدنيا ({لِلْيُسْرَى}) وقيل: للخلة اليسرى. وقيل: للعمل بالنفقة في أفعال الخير ({وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ}) بالنفقة في أفعال الخير ({وَاسْتَغْنَى}) عن ربه، فلم يرغب في ثوابه الذي وعده ({وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9)}) كما تقدم ({فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)}) أي: للعمل بما لا يرضي اللَّه حتى يستوجب به النار، فكأنه قال: يخذله ويؤديه إلى الأمر ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) البخاري (1362، 4948)، مسلم (2647). (¬3) البخاري (4949)، مسلم (2647/ 7). (¬4) البخاري (4945، 4948، 4949، 6605)، مسلم (2647). (¬5) يونس: 26.

العسير، وهو العذاب. [4695] (ثنا عبيد اللَّه) بالتصغير (ابن معاذ) بن معاذ، شيخ مسلم وغيره (ثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري. (ثنا كهمس) بفتح الكاف والميم، أبي الحسن التميمي. (عن) عبد اللَّه (ابن بريدة، عن يحيى بن يعمر) بفتح الميم، ويقال بضمها، وهو غير مصروف لوزن الفعل والعلمية، قال: (كان أول من تكلم في القدر بالبصرة معبد) بن خالد (الجهني) وكان يجالس الحسن البصري، فسلك أهل البصرة بعد مسلكه، والمراد أول من قال بنفي القدر، فابتدع ذلك وخالف صواب أهل السنة في إثبات القدر الذي قدره اللَّه في القدم (¬1). (فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري) بكسر الحاء البصري، أفقه أهل البصرة (حاجين) بفتح الجيم، وجوز الكسر (أو) كانا (معتمرين) بفتح الراء. (فقلنا: لو لقينا) بسكون الياء (أحذا من أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فسألناه عما يقول هؤلاء) القدرية (في القدر) اسم لما صدر مقدرًا عن فعل القادر (فوفق) بفتح الواو والفاء المشددة أي: جعله (اللَّه) وفقا (لنا) وهو من الموافقة، وفي "مسند أبي يعلى الموصلي": فوافق لنا (¬2). بزيادة ألف. والموافقة: المصادفة. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 28/ 244، "سير أعلام النبلاء" 4/ 185. (¬2) لم أقف عليه في "مسند أبي يعلى"، ورواه ابن منده في "الإيمان" 1/ 133 (8).

(عبد اللَّه بن عمر) بن الخطاب (داخلًا في المسجد) للصلاة (فاكتنفته أنا وصاحبي) بكسر الموحدة أي: صرنا في ناحيته، ثم فسره في رواية مسلم فقال: أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله (¬1). وكنفا الطائر جناحاه. وفي هذا سنة على أدب الجماعة في مشيهم مع فاضلهم، وهو أنهم يكتنفونه ويحفون به. (فظننت أن صاحبي سيكل الكلام) معه (إليَّ) ومعناه أنه يسكن ويفوض الكلام إليَّ؛ لجرأتي وإقدامي وبسطة لساني، فقد جاء عنه في رواية: لأني كنت أبسط لسانًا (¬2). (فقلت) له: يا (أبا عبد الرحمن (¬3)، إنه قد ظهر قبلنا) بكسر القاف، وفتح الموحدة. (ناس (¬4) يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم) بتقديم القاف على الفاء على المشهور، ومعناه يطلبونه ويتبعونه، يقال: اقتفر أثره إذا تتبعه. وقرأها أبو العلاء ابن ماهان بتقديم الفاء وتأخير القاف. أي: إنهم يخرجون غامضه، ويبحثون عن أسراره. وروي في غير كتاب مسلم: يتقفون. بواو مكان الراء، من قفوت أثره. أي: تتبعته، ومنه القفا، وكلها واضحة المعنى (يزعمون أن لا ¬

_ (¬1) مسلم (8). (¬2) رواه ابن منده في "الإيمان" (11)، واللالكائي في "شرح الأصول" 4/ 645 (1037)، والبيهقي في "القضاء والقدر" (186). (¬3) بعدها في (ل)، (م): نسخة يا أبا عبد الرحمن. (¬4) بعدها في (ل)، (م): نسخة: أناس.

قدر، و) أن (الأمر أنف) بضم الهمزة والنون. أي: مستأنف لم يسبق به قدر ولا علم من اللَّه تعالى، وإنما يعلمه بعد وقوعه، وأنف كل شيء أوله، ومنه أنف الوجه؛ لأنه أول الأعضاء في السجود، ومنه قوله تعالى: {مَاذَا قَالَ آنِفًا} (¬1) أي: هذِه الساعة المستأنفة. (فقال) ابن عمر (إذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم) فيه التبرؤ من أهل البدع والفجور (وهم برآء مني) أي: مما أعتقده. (والذي يحلف به عبد اللَّه بن عمر) هذِه كناية عن الحلف باسم اللَّه، فإنه هو الذي كان يحلف به غالبًا، ولم يتلفظ به إجلالًا لأسماء اللَّه تعالى عن أن تتخذ عرضة لكثرة الأيمان بها (لو أن لأحدهم مثل) جبل (أحد ذهبًا فأنفقه) في سبيل اللَّه (ما قبل اللَّه (¬2) تعالى منه) شيئًا، وهذا ظاهر في تكفير القدرية الأولى الذين نفوا تقدم علم اللَّه تعالى بالكائنات، والقائل بهذا كافر بلا خلاف، وهؤلاء الذين ينكرون القدر هم الفلاسفة، ويجوز أنه لم يرد بهذا التكفير المخرج عن الملة، فيكون من قبيل كفران النعم، إلا أن قوله: (ما قبل اللَّه منه) ظاهر في التكفير، وأن إحباط الأعمال إنما يكون بالكفر، إلا أنه يجوز أن يقال في المسلم: لا يقبل عمله بمعصيته وإن كان صحيحًا، كما أن الصلاة في الدار المغصوبة والثوب المغصوب صحيحة غير محوجة إلى القضاء، وهي غير مقبولة ولا ثواب فيها على المختار عن أصحابنا، واللَّه أعلم. (حتى يؤمن بالقدر) خيره وشره (ثم قال: حدثني) أبي (عمر بن ¬

_ (¬1) محمد: 16. (¬2) بعدها في (ل): نسخة: قبله اللَّه.

الخطاب -رضي اللَّه عنه- قال: بينا (¬1) نحن عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) بينا هذِه هي (بين) الظرفية زيد عليها الألف؛ لتكفها عن عمل الخفض (إذ طلع علينا رجل) إذ هذِه للمفاجأة، كما أن (إذا) في قوله تعالى: {إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} (¬2) للمفاجأة (شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر) فيه لبس البياض لمن لحيته سوداء، كما يلبس السواد من لحيته بيضاء، فإن الشيء يستملح مع ضده. وفيه دليل على استحباب تحسين الثياب وحسن الهيئة والنظافة؛ للدخول على العلماء والفضلاء والملوك، فإن جبريل أتى في صورة آدمي ليعلم الناس بكلامه ولبسه وهيئته، (لا يرى عليه) قال النووي: ضبطناه بالياء المثناة تحت المضمومة (¬3). يعني: ورفع (أثر السفر) وضبطه أبو حازم العبدري بالنون المفتوحة يعني: ونصب (أثر) وكذا هو في "مسند أبي يعلى الموصلي" (¬4) وكلاهما صحيح (ولا نعرفه) بالنون المفتوحة أوله، وهذا يرجح رواية النون في (نرى) (حتى جلس إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه) وروى النسائي هذا الحديث، وزاد فيه زيادة حسنة فقال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بين ظهراني أصحابه، فيجيء الغريب فلا يدري أيهم (¬5) هو حتى يسأل، فبنينا له دكانا من طين يجلس عليه، وإنا لجلوس عنده ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في مجلسه إذ ¬

_ (¬1) يعدها في (ل)، (م): نسخة: بينما. (¬2) الروم: 48. (¬3) "مسلم بشرح النووي" 1/ 157. (¬4) رواه أحمد 1/ 51، وأبو نعيم في "المستخرج" 1/ 99 (74). (¬5) في (ل)، (م): أهو. والمثبت من "سنن النسائي".

أقبل رجل أحسن الناس وجهًا، وأطيب الناس ريحًا حتى سلم من طرف السماط (¬1)، فقال: السلام عليكم يا محمد. فرد عليه السلام، فقال: أدنو يا محمد؟ . قال: "ادن" فما زال (¬2) يقول: أدنو مرارًا ويقول: "ادن" حتى وضع يده على ركبتي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3). وذكر نحو ما يأتي. وفيه من الفقه في قوله: (السلام عليكم) فعم، ثم قال: (يا محمد) فخص. وفيه الاستئذان في القرب من الإمام مرارًا وإن كان الإمام في موضع مأذون فيه، وفيه جواز اختصاص العالم بموضع مرتفع من المسجد إذا دعت إلى ذلك ضرورة تعليم، وقد بين فيه أن جبريل وضع يديه على ركبتي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فارتفع الإجمال الذي في قوله: (ووضع كفيه على فخذيه) وإنما فعل جبريل ذلك -واللَّه أعلم- ليبين جواز هذا للسائل وتنبيهًا على ما ينبغي للسائل من قوة النفس عند السؤال، وعدم المبالاة بما يقطع عليه خاطره، وعلى ما ينبغي للمسؤول من الصفح عن السائل وإن تعدى بترك الإذن وبيان الإجمال بما ورد في "السنن" من الروايات أولى من غيره، فإن النووي بين إجمال الحديث بأن الرجل الداخل وضع كفيه على فخذي نفسه وجلس على هيئة المتعلم (¬4). ولو راجع النووي النسائي لما فسر الحديث بغير الرواية الواردة في "السنن". ¬

_ (¬1) في هامش (ل): أي: الجماعة. (¬2) في (ل)، (م): بال. والمثبت من "سنن النسائي". (¬3) "المجتبى" 8/ 101. (¬4) "مسلم بشرح النووي" 1/ 157.

(وقال: يا محمد) على ما يناديه الأعراب من البادية، ولعل هذا قبل نزول الآية في قوله: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} (¬1) (أخبرني عن الإسلام قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدًا رسول اللَّه) لفظ ابن ماجه: "الإسلام شهادة أن لا إله إلا اللَّه، وأني رسول اللَّه، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان وحج البيت" (¬2). (وتقيم) بالنصب (الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا. قال: صدقت. قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه) سبب تعجبهم أن هذا خلاف عادة السائل الجاهل، إنما هذا كلام خبير بالمسؤول عنه، ولم يكن في ذلك الوقت يعلم هذا غير النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (ثم قال: أخبرني عن الإيمان. قال: أن تؤمن باللَّه وملائكته وكتبه ورسله) قال البغوي: جعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الإسلام اسمًا لما ظهر من الأعمال، وجعل الإيمان اسمًا لما بطن من الاعتقاد (¬3) (واليوم الآخر) الإيمان باليوم الآخر هو التصديق بيوم القيامة وما اشتملت عليه من الإعادة بعد الموت والنشر والحشر والميزان والصراط والجنة والنار (وتؤمن بالقدر) أي: تصدق (¬4) بسابق القضاء والقدر (خيره وشره). قال الخطابي: قد يحسب كثير من الناس أن معنى القضاء والقدر ¬

_ (¬1) النور: 63. (¬2) "سنن ابن ماجه" (63). (¬3) "شرح السنة" 1/ 10. (¬4) في النسخ: تصديق.

إجبار اللَّه سبحانه وتعالى العبد وقهره على ما قدره وقضاه، وليس الأمر كما يتوهمونه، وإنما معناه الإخبار عن تقدم علم اللَّه سبحانه عما يكون من اكتساب العباد وصدورها عن تقدير منه وخلق لها خيرها وشرها (¬1). (قال: صدقت) زاد ابن ماجه: فعجبنا منه يسأله ويصدقه (¬2). (قال: فأخبرني عن الإحسان) الألف واللام فيه للعهد الذي ذكر في كتاب اللَّه تعالى كقوله تعالى: {وَأَحْسَنُوا} لأن الإحسان لما تكرر في القرآن وعظم ثوابه سأل عنه جبريل؛ ليعلم الناس حيث لم يعرفوه. (قال: أن تعبد اللَّه تعالى كأنك تراه) هذا من جوامع كلمه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأنا لو قدرنا أن أحدنا قام في عبادة وهو يعاين ربه سبحانه لم يترك شيئًا مما يقدر عليه من الخشوع وحسن السمت واجتماعه بظاهره وباطنه على الاعتناء بتتميمها على أحسن وجوهها إلا أتى به، ومقصود الكلام الحث على الإخلاص في العبادة ومراقبة العبد ربه في إتمام الخشوع وغيره، وقد ندب أهل الحقائق إلى مجالسة الصالحين؛ ليكون ذلك مانعًا من تلبسه بشيء من النقائص احترامًا لهم، فكيف بمن لا يزال اللَّه مطلعًا عليه في سره وعلانيته؟ ! (فإن لم تكن تراه فإنه يراك) وهذِه مرتبة دون ما قبلها، وهو أن يغلب على المتعبد أن الحق سبحانه مطلع عليه ومشاهد له في جميع حركاته على ظاهره وباطنه، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219)} (¬3) وهاتان الحالتان ثمرة معرفة اللَّه تعالى ¬

_ (¬1) "معالم السنن" 4/ 297. (¬2) "سنن ابن ماجه" (63). (¬3) الشعراء: 218 - 219.

وخشيته، ولذلك فسر الإحسان في رواية أبي هريرة: "أن تخشى اللَّه كأنك تراه" (¬1) فعبر عن المسبب باسم السبب. (قال: فأخبرني عن الساعة) أي: عن يوم القيامة (قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل) فيه: أنه ينبغي للعالم والمفتي وغيرهما إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: لا أعلم. وأن ذلك لا ينقصه أن يستبدل به على ورعه وتقواه ووفور علمه. وفي قوله: (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل) زيادة فائدة ليست في: لا أدري، فإن التقدير لا يعلم بها السائل ولا المسؤول بخلاف: لا أدري، فإن فيه نفي علم المسؤول دون السائل (قال: فأخبرني عن أماراتها) بفتح الهمزة، والأمارة بإثبات الهاء وحذفها هي: العلامة (قال: أن تلد الأمة ربتها) فالأمة السرية، وكثرة السراري من علامة الساعة. وفي رواية لمسلم: "ربها" (¬2) ومعنى: ربها: سيدها، وربتها: مالكتها. قال أكثر العلماء: هو إخبار عن كثرة السراري وأولادهن من الأسياد، فإن الولد من سيدها بمنزلة سيدها؛ لأن مال الإنسان صائر إلى ولده، وقد يتصرف فيه في الحال تصرف المالكين إما بتصريف اللَّه له بالإذن، وإما بما يعلمه من قرينة الحال أو عرف الاستعمال، وقيل: معناه أن الإماء يلدن الملوك، فتكون أمه من جملة رعيته وهو سيدها وسيد غيرها من رعيته، وهذا قول إبراهيم الحربي. وقيل: معناه: أن تبيع السادة أمهات أولادهم، ويكثر ذلك فيتداول ¬

_ (¬1) رواه البخاري (50)، ومسلم (9). (¬2) مسلم (9)، وهو عند البخاري (50).

الإملاك المستولدة، فربما يشتريها ابنها أو ابنتها ولا يشعر بذلك (¬1)، فيصير ولدها ربها (¬2). وعلى هذا فالذي يكون من العلامات غلبة الجهل بتحريم أمهات الأولاد والاستهانة بالأحكام الشرعية، وعلى هذا قول من يرى تحريم بيع أمهات الأولاد، وهم الجمهور، ويصح أن يحمل ذلك على بيعهن في حال حملهن، وهو محرم بالإجماع. وقيل: معنى الحديث أن يكثر العقوق في الأولاد، فيعامل الولد أمه معاملة السيد أمته من الإهانة والسب (¬3)، ويكثر ذلك إذا تميز الولد بمال كثير اكتسبه (¬4) وهي فقيرة، أو تعلم علمًا كثيرًا، أو تولى منصب حكم، والأم ليست بتلك الصفة ولا من أهله، ويشهد لهذا المعنى قوله في حديث أبي هريرة: "المرأة". مكان (الأمة)، وقوله عليه السلام: "حتى يكون الولد غيظا" (¬5). (وأن ترى الحفاة) جمع حاف، وهو الذي لا يلبس في رجليه شيئًا (العراة) جمع عار، وهو الذي لا يلبس على جسده شيئًا (العالة) ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي 1/ 159. (¬3) "شرح الأربعين النووية" لابن دقيق (ص 31). (¬4) كلمة غير واضحة في الأصول، ولعل المثبت الصواب. (¬5) رواه الطبراني في "الكبير" 10/ 228 (10556)، "الأوسط" 5/ 127 (4861) من حديث ابن مسعود. وضعف إسناده الحافظ العراقي في "المغني" (1879). وفي الباب عن غيره.

بتخفيف اللام، جمع عائل، وهو الفقير (¬1)، والعيلة الفقر، وهذِه الأوصاف هي الغالبة على أهل البادية. ومقصود الحديث الإخبار عن تبدل الحال وتغيره كما سيأتي (رعاء) بكسر الراء وبالمد جمع راع، ويقال فيهم: رعاة، بضم الراء، وزيادة الهاء بلا مد (الشاء) جمع شاة، وهو من الجمع الذي بينه وبين واحده الهاء، كشجر جمع شجرة، وإنما خص رعاء الشاء بالذكر؛ لأنهم أهل البادية كما تقدم، والمراد أن أهل البادية وأشباههم من أهل الحاجة والفاقة تبسط لهم الدنيا حتى يتباهوا، و (يتطاولون في) ارتفاع (البنيان) وحسن نقشه وتنميقه وتزيينه (¬2). ومقصود الحديث أن أضعف أهل البادية وهم رعاة الشاة ينقلب بهم الحال إلى أن يصيروا ملوكًا مع ضعفهم. ويؤيد هذا حديث: "لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع" (¬3) وقد شوهد هذا عيانًا وصدق إخباره -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفيه دليل على كراهية ما لا تدعو الحاجة إليه من تطويل البناء وتشييده، وفي الحديث: "يوجر ابن آدم في كل شيء إلا ما يضعه في هذا التراب" (¬4). (ثم انطلق، فلبثت) كذا في الأصول بزيادة تاء المتكلم. وفي مسلم: ¬

_ (¬1) في (م): الصغير. (¬2) كلمة غير واضحة في الأصول، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬3) رواه الترمذي (2209)، وأحمد 5/ 389، ونعيم بن حماد في "الفتن" 1/ 203 (554)، وابن بشران في "الأمالي" (283)، وأبو عمرو الداني في "السنن الواردة في الفتن" 4/ 802 (407) من حديث حذيفة. (¬4) رواه البخاري (5672)، ومسلم (2681).

فلبث. بحذفها (ثلاثا) أي: ثلاث ليال. وفي "شرح السنة" للبغوي: بعد ثالثة (¬1). وهذا بيان لما أجمل في رواية مسلم وغيره: فلبث مليًّا. لكن ظاهر هذا مخالف لرواية مسلم وغيره: ثم أدبر الرجل فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ردوا عليَّ الرجل" فأخذوا يردوه (¬2)، فلم يروا شيئًا، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هذا جبريل" (¬3) فيحتمل الجمع بينهما أن عمر لم يحضر قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لهم في الحال، بل كان قد قام من المجلس، فأخبر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الحاضرين في الحال، وأخبر عمر بعد ثلاث (¬4). (ثم قال: يا عمر، تدري من السائل؟ قلت: اللَّه ورسوله أعلم. قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم) يعني: قواعد دينكم. وفيه أن الإسلام والإيمان والإحسان تسمى كلها دينًا. [4696] (ثنا مسدد، ثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عثمان بن غياث) الراسبي البصري أخرج له الشيخان (حدثني عبد اللَّه بن بريدة، عن يحيى بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن) الحميري (قالا: لقينا) في المسجد (عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما فذكرنا له القدر وما يقولون) هؤلاء القدرية (فيه، فذكر نحوه) أي: نحو ما تقدم في الحديث، و (زاد) في هذِه الرواية (قال) يحيى بن يعمر (وسأله رجل من مزينة) قبيلة معروفة، ومزينة بنت كلب بن وبرة بن تغلب أم عثمان، وأوس، ¬

_ (¬1) "شرح السنة" 1/ 9. (¬2) كذا في الأصول، والجادة: يردونه. (¬3) مسلم (9). (¬4) في (ل)، (م): بلال.

وهي قبيلة كبيرة منها عبد اللَّه بن مغفل -فاعل ومفعول-، المزني، ومغفل والنعمان وسويد بنو مقرن المزني (أو) من قبيلة (جهينة) قبيلة من قضاعة (فقال: يا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: فيم) أي: في أي شيء (نعمل؟ ! ) لفظ مسلم: فيم العمل اليوم (¬1)؟ ! . وفي رواية: أرأيت ما يعمل الناس ويكدحون فيه (¬2)؟ ! . ومقتضى هذا السؤال أن جميع ما يقع ويصدر من أعمال الآدميين من أمر الدنيا والآخرة، وما يترتب عليه الثواب (أفي شيء قد خلا أو) قال: قد (مضى أو) في (شيء يستأنف الأن؟ ! ‍) يعني: هل سبق في علم اللَّه تعالى بوقوعه ومضى، وخلا ونفذت مشيئته، أو ليست كذلك بل أفعالنا مستأنفة صادرة عنا بقدرتنا ومشيئتنا، والثواب والعقاب مرتب عليها بحسبها، وهذا المذهب الثاني هو مذهب القدرية، وقد أبطل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- هذا المذهب حيث (قال) بل (في شيء قد خلا) فيما سبق من علم اللَّه تعالى (ومضى) في أزل الآزال وجرت به المقادير، وجفت به أقلام الكتبة في اللوح المحفوظ فقال (فقال الرجل: أو) قال (بعض القوم) الحاضرين (ففيم العمل؟ ) يا رسول اللَّه (قال: إن) من شؤونهم أنهم (من أهل الجنة) في الآخرة، فإنهم (ييسرون) أي: يهيئ اللَّه لهم (لعمل أهل الجنة) وهي أفعال الخير (وإن أهل النار) الذين سبق في علم اللَّه أنهم من أهلها (ييسرون لعمل أهل النار) فطوبى لمن قضى اللَّه له بالخير ويسره [عليه، وويل لمن قضى عليه بالشر ¬

_ (¬1) مسلم (2648). (¬2) مسلم (2650).

ويسره] (¬1) له، فغيب اللَّه عنا المقادير ومكننا من الفعل والترك دفعًا للمقادير، وخاطبنا بالأمر والنهي خطاب المستقلين ولم يجعل التمسك بسابق القدر حجة للمقصرين، ولا عذرا (¬2) للمعتذرين. [4697] (ثنا محمود بن خالد) السلمي الدمشقي، ثبت (ثنا) محمد ابن يوسف (الفريابي) (¬3) بكسر الفاء وسكون الراء، وفرياب، ويقال: فارياب: مدينة بالترك (عن سفيان) الثوري (ثنا علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن يحيى بن يعمر بهذا الحديث) المذكور، (يزيد) في بعض هذِه الرواية (وينقص) منها (قالس) الرجل الداخل (فما الإسلام؟ ) الألف واللام للعهد الذكري المتكرر في كتاب اللَّه. (قال: إقام الصلاة، وإيتاء الزكلاة، وحج البيت، وصوم (¬4) رمضان، والاغتسال من الجنابة) فيه: أن الإسلام لا يختص بالأركان الخمسة، بل منه أداء الخمس من المغنم، ومنه الاغتسال من الجنابة. يعني: والحيض والنفاس، وكذا سائر الطاعات؛ لكونها من كمال الإسلام. (قال: ) المصنف (علقمة) بن مرثد (مرجئ) [بضم الميم] (¬5) أي: ممن يذهب إلى الإرجاء، فهو من المرجئة، وقد اتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج به. [4698] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا جرير) بفتح الجيم (عن أبي ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) في (ل)، (م): عذر. والمثبت من "المفهم". (¬3) فوقها في (م): (ع). (¬4) بعدها في (ل)، (م): شهر. وفوقها: نسخة. (¬5) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

فروة) الأكبر، واسمه عروة بن الحارث (الهمداني) بسكون الميم، أخرج له الشيخان (عن أبي زرعة) قيل: اسمه هرم. وقيل: عبد اللَّه. وقيل: عبد الرحمن (بن عمرو بن جرير) بفتح الجيم، ابن عبد اللَّه البجلي. (عن أبي ذر) جندب الغفاري (وأبي هريرة رضي اللَّه عنهما قالا: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يجلس بين ظهراني) بفتح الظاء والراء، وسكون الياء قال الأصمعي وغيره: يقال: جلس بين ظهريهم وظهرانيهم، بفتح النون، معناه: جلس بينهم. وقال غيره: العرب تضع الاثنين موضع الجمع كما هنا. (أصحابه فيجيء الغريب فلا يدري أيهم) أي بالرفع متعلق عن العمل (هو) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (حتى يسأل) عنه (فطلبنا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) أي: أسعفناه بما يحتاج إليه، وهو (أن نجعل له مجلسًا) يجلس عليه كي (يعرفه الغريب إذا أتاه) ليسأله (قال: فبنينا له دكانًا) وهي الدكة المبنية للجلوس، والنون مختلف فيها، فمنهم من يجعلها أصلًا، ومنهم من يجعلها زائدة، وذكره الجوهري وغيره في (دكن) يدل على أن نونه أصلية، فقال: الدكان واحد الدكاكين، وهي الحوانيت، فارسي معرب (¬1). (فجلس عليه) فيه: تمييز الأمير والمدرس والمفتي بشيء يعرف به إذا جلس عليه إذا احتيج إلى ذلك (وكنا نجلس بجنبتيه) بفتح الجيم والنون [الموحدة، أي: إلى جانبيه، وجنبة الوادي جانبه، وفي الحديث: "وعلى جنبتي الصراط" (¬2)] (¬3) (وذكر نحو هذا الخبر المذكور، فأقبل رجل، فذكر هيئته) أي: هيئة الرجل الداخل، ¬

_ (¬1) "الصحاح" 5/ 2114. (¬2) في حديث رواه مسلم (195). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

ولفظ النسائي: إذ أقبل رجل أحسن الناس وجهًا، وأطيب الناس ريحًا، كأن ثيابه لم يمسها دنس (¬1). (حتى سلم من طرف السماط) بكسر السين المهملة الجماعة من الناس والنخل، والمراد به في هذا الحديث الجماعة الذين كانوا جلوسًا على جانبيه (فقال: السلام عليكم يا محمد) فيه من الفقه ابتداء الداخل بالسلام على جميع من دخل عليه وإقباله على رأس القوم، فإنه قال: (السلام عليكم) فعم، ثم قال: (يا محمد) فخص (قال: فرد عليه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) السلام. فيه أن من خص في سلام الجماعة واحدًا تعين عليه الرد، وفيه: أن من سلم على جماعة فالكبير فيهم أولى بالرد من غيره، وتقدمت زيادة النسائي. [4699] (ثنا محمد بن كثير) العبدي (ثنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن أبي سنان) سعيد بن سنان الشيباني الكوفي، نزيل الري، وثقه الدارقطني (¬2)، ومن قبله ابن معين (¬3)، روى أبو داود الطيالسي عنه، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: يا رسول اللَّه، الرجل يعمل عملًا يسره، فإن أطلع عليه أعجبه. قال: "له أجران: أجر السر، وأجر العلانية" (¬4). وروي عن أبي حصين، عن ¬

_ (¬1) "المجتبى" 8/ 101. (¬2) "سؤلات السلمي" للدارقطني (ص 181 - 182). (¬3) "تاريخ ابن معين" رواية الدوري 4/ 364. (¬4) "مسند أبي داود الطيالسي" 4/ 176 (2552). ومن طريق أبي داود رواه الترمذي (2384)، وابن ماجه (4226)، والبزار في "البحر الزخار" 15/ 350 (8921). وصححه ابن حبان 2/ 99 (375)، لكن ضعفه الألباني في "الضعيفة" (4344) وغيره.

شقيق، عن حذيفة قال: كنا نؤمر بالسواك إذا قمنا من الليل (¬1). وقال ابن عدي: له أفراد (¬2). (عن وهب بن خالد الحمصي) الحميري، ثقة. (عن) عبد اللَّه بن فيروز (ابن الديلمي) المقدسي، ثقة. (قال: أتيت أبي بن كعب) بن قيس، أبو المنذر، أقرأ الأمة (فقلت له) قد (وقع في نفسي شيء من) هذا (القدر) زاد ابن ماجه: فخشيت أن يفسد علي ديني وأمري (¬3) (فحدثني) من ذلك (بشيء لعل اللَّه أن) ينفعني به و (يذهبه من قلبي. فقال: لو أن اللَّه عذب) جميع (أهل سمواته وأهل أرضه) لكان قد (عذبهم وهو غير ظالم لهم) قد يحتج بهذا المذهب أهل السنة في أن للَّه تعذيب المطيع؛ لأن في السماوات ملائكة مطيعين {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (¬4)، وفي الأرض أولياء مقربون، فلو عذب ملائكته وأولياءه لكان غير ظالم؛ لأنه تصرف في ملكه. وأنكر المعتزلة ذلك بناء على أصلهم في التقبيح العقلي؛ لئلا يظلمهم. والظلم على اللَّه محال، ويرد عليهم الحديث، وأنه متصرف في ملكه وخلقه عنه، والمستحيل في ملكه يستحيل وصفه بالظلم سبحانه، ولأن الظلم إنما صار ظلما؛ لأنه منهي عنه، ولا يتصور في أفعاله تعالى ما ينهى عنه. (ولو رحمهم) أي: رحم أهل السماوات والأرض لـ (كانت رحمته ¬

_ (¬1) رواه النسائي 3/ 212، والبزار في "البحر الزخار" 7/ 275 (2860). وأعله ابن طاهر المقدسي في "ذخيرة الحفاظ" 4/ 1887. (¬2) "الكامل في ضعفاء الرجال" 4/ 405. (¬3) "سنن ابن ماجه" (77). (¬4) التحريم: 6.

إياهم) لهم (خيرًا لهم من أعمالهم) أما كون رحمة اللَّه خيرًا من أعمال طائعي الملائكة والأولياء، فلأن أعمال تعبداتهم التي يفعلونها لا تفي بالنعم المؤثرة عليهم من ربهم ناجزًا (¬1) بل لا تفي بأقلها، وما كان من النعم رحمة من اللَّه، فهو خير من النعم التي هي ثواب أعمالهم، فمن أضل سبيلًا ممن يوجب على اللَّه ثواب أعمال العباد، وهي عوض بما ينجز من النعم، وأما كون رحمة اللَّه خيرا من أعمال العصاة أولي (¬2) من ذلك، بل ترك العقوبة خير لهم من أعمال معاصيهم (ولو أنفقت مثل) جبل (أحد ذهبًا في سبيل اللَّه ما قبله اللَّه منك حتى تؤمن بالقدر) خيره وشره، تقدم في الحديث قبله. (وتعلم أن ما أصابك) في دين أو دنيا من خير أو شر أو فرح أو سرور أو سبب من أسباب ذلك (لم يكن ليخطئك) شيء منه؛ لأنه سبق حكمه في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الخلق بخمسين ألف عام، فهو كائن لا محالة. (وما أخطأك) من رزق أو غيره (لم يكن) في سابق علم اللَّه المكنون قبل خلق الخلق (ليصيبك) منه شيء، يقال: أن لا شيئا تفعل غيره أو حصل له سواه أخطأ، ويكمل هذا المعنى: لا يؤمن أحدكم أو لا يكمل إيمانه حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، ومن فهم سر هذا الحديث لم يحزن لمصيبة جاءته أو مكروه أصابه ولا يفرح بمال أصابه أو عز حصل له؛ لأن عدم وقوع ذلك كان ممتنعًا، فالممتنع لا ينبغي أن يحزن على فواته، والواجب ¬

_ (¬1) كلمة غير واضحة بالأصول. (¬2) كذا في الأصول: وولي. ولعل المثبت الصواب.

لا يفرح بحصوله الحزن عليه ولا الفرح به، اللهم إلا أن يتعلق بالحزن والفرح سبب شرعي فيفرح لما يصيبه من عبادة ويحزن، فإنه كان من عبادة كان معتادًا لها (ولو مت على غير هذا) العلم الواجب اعتقاده (لدخلت النار) أجارنا اللَّه تعالى منها. (قال) عبد اللَّه بن الديلمي (ثم أتيت عبد اللَّه بن مسعود) فسألته (فقال مثل ذلك، ثم أتيت حذيفة بن اليمان) فسألته (فقال مثل ذلك، ثم أتيت زيد بن ثابت) فسألته (فحدثني عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مثل ذلك) فيه: أن ما كان من واجبات الاعتقاد، فينبغي تكرر البحث فيه والسؤال عنه؛ لتزول عنه ظلمة الشكوك، ويستضيء له نور اليقين الذي هو الدين كله. [4710] (ثنا أحمد بن حنبل، ثنا عبد (¬1) اللَّه) بن يزيد (أبو عبد الرحمن) المقرئ. (حدثني سعيد بن أبي أيوب) مقلاص، الخزاعيُّ مولاهم (حدثني عطاء بن دينار) الهذلي، وثقه المصنف (عن حكيم بن شريك) المصري، وثق (عن يحيى بن ميمون الحضرمي) قاضي مصر، صالح (عن ربيعة بن الغاز) الجرشي، وقيل: ربيعة بن عمرو، مختلف في صحبته، وهو جد هشام بن الغاز، وكان يفتي الناس زمن معاوية، وقتل بمرج راهط. (عن أبي هريرة، عن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: لا تجالسوا أهل القدر) هذا الحديث رواه الحاكم (¬2) وجعله شاهدًا لحديث: "القدرية مجوس هذِه الأمة، إن مرضوا فلا تعودوهم" (¬3) (ولا تفاتحوهم) أي: لا تحاكموهم. وقيل: لا تبدؤوهم ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) "المستدرك" 1/ 85. (¬3) "المستدرك" 1/ 85.

بالمجادلة والمناظرة في الاعتقاديات؛ لئلا يقع أحدكم في شك، فإن لهم قدرة على المجادلة بغير الحق، والأول أظهر، لقوله تعالى: {رَبَّنَا افْتَحْ} (¬1) أي: لا ترفعوا الأمر إلى حاكمهم، وقيل: لا تبدؤوهم بالسلام. قال ابن عباس: ما كنت أدري ما قوله تعالى: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ} حتى سمعت بنت ذي يزن تقول لزوجها: تعال أفاتحك. أي: أحاكمك (¬2). [4700] (ثنا جعفر بن مسافر الهذلي) التنيسي، صدوق (ثنا يحيى بن حسان) التنيسي، أخرج له الشيخان (ثنا الوليد بن رباح) قال الذهبي وغيره: هذا الاسم مقلوب، والصواب: رباح بن الوليد الذماري، وهو صدوق (عن إبراهيم بن أبي عبلة) العقيلي المقدسي، أخرج له الشيخان. (عن أبي حفصة) ويقال: أبي حفص. الحبشي الشامي، اسمه حبيش ابن شريح. (قال: قال عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- لابنه: يا بني إنك لن تجد حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك) تقدم في الحديث قبله: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إن أول ما خلق اللَّه تعالى القلم" وهو الذي يكتب به الذكر، وهو قلم من نور طوله ما بين السماء والأرض، يقال: لما خلق اللَّه القلم -وهو أول ما خلقه- نظر إليه فانشق نصفين. ¬

_ (¬1) الأعراف: 89. (¬2) رواه الطبري في "جامع البيان" 6/ 3، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 5/ 1523 (8733)، 8/ 2790 (15782)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" 1/ 164 (107).

(قال له: اكتب. قال: رب، وما أكتب؟ ) ظاهره أن هذا القلم ليس هو جمادًا (¬1) كسائر الأقلام، بل فيه حياة وعقل ولسان يتكلم به (قال: اكتب مقادير كل شيء) لفظ الترمذي. قال: "اكتب القدر ما كان وما هو كائن إلى الأبد" (¬2). قال ابن عباس: كتب كل ما يكون قبل أن يكون، وكل ما هو كائن (حتى تقوم الساعة) يعني كتب كل ما يكون إلى يوم القيامة. أي: جرى على اللوح المحفوظ بذلك. (يا بني، إني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: من مات على غير) (¬3) اعتقاد (هذا) الذي ذكرته (فليس مني) أي: ليس على ملتي؛ لما روى الترمذي وابن ماجه عن ابن عباس قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب: المرجئة والقدرية" (¬4). [4701] (ثنا مسدد، ثنا سفيان، وحدثنا أحمد بن صالح المعنى قالا (¬5): ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار) أنه (سمع طاوسًا يقول: سمعت أبا هريرة يخبر عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: احتج آدم وموسى) عليهما السلام زاد مسلم: "عند ربهما" (¬6) وظاهر هذا اللقاء وهذِه ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): جماد. بالرفع، والجادة ما أثبتناه. (¬2) "سنن الترمذي" (2155). (¬3) بعدها في (ل): نسخة: خلاف. وجاءت في (م) بعد كلمة: اعتقاد. (¬4) "سنن الترمذي" (2149)، "سنن ابن ماجه" (62). (¬5) كذا في (ل)، (م)، وهو خطأ، والصواب: (قال) كما في "السنن". (¬6) مسلم (2652/ 15).

المحاجة أنهما التقيا بأشخاصهما، وهذا كما تقرر في الأنبياء من إحيائهم بعد الموت كالشهداء، بل هم أولى بذلك، ويجوز أن يكون ذلك لقاء أرواح، وقد قال بكل قول من هذين طائفة من علمائنا، وروى بعضهم هذا الحديث، وزاد فيه أن هذا اللقاء كان بعد أن سأل موسى "فقال: يا رب، أرنا آدم الذي أخرجنا ونفسه من الجنة. فأراه اللَّه إياه، فقال له: أنت آدم؟ فقال: نعم. . " وذكر الحديث (¬1). (فقال موسى: يا آدم، أنت أبونا) وقد (خنتنا) في أكلك من الشجرة التي نهيت عن أكلها، وحصلت الخيانة لأولاده؛ لأن الضرر وصل إلى أولاده بحرمانهم سكن الجنة، وفي بعض النسخ: خيبتنا. وهي رواية مسلم (¬2). أي: أوقعتنا في الخيبة وهي الحرمان والخسران، وقد خاب يخيب. ومعناه: كنت سبب خيبتنا. (وأخرجتنا من الجنة) بأكلك من الشجرة (فقال آدم: أنت موسى) الذي (اصطفاك اللَّه) أي: اختارك على أهل زمانك (بكلامه) والمراد تخصيص اللَّه موسى بكلامه له من غير واسطة، وذلك أن من أخذ العلم عن العالم المعظم من غير واسطة أجل رتبة ممن أخذه عن واحد عنه. وفي هذا دليل على فضيلة علو الإسناد في الحديث بقلة الوسائط، فإن أقرب الأسانيد إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أعز رتبة وأجل منزلة من البعيد (وخط لك التوراة بيده) في اليد المذهبان المذكوران في مواضع: أحدهما: الإيمان بها ولا يتعرض لتأويلها مع أن ظاهرها غير ¬

_ (¬1) الحديث الآتي. (¬2) مسلم (2652). وهي عند البخاري (6114).

مراد؛ لأن اللَّه منزه عن الجارحة. والثاني: تأويلها على القدرة كما تقدم (¬1). أ (تلومني على أمر قدره اللَّه تعالى علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة) المراد بالتقدير هنا الكتابة في اللوح المحفوظ أو في صحف التوراة وألواحها. أي: كتبه عليَّ قبل خلقي بأربعين سنة، ولا يصح أن يراد به حقيقة القدر، فإن علم اللَّه وما قدره على عباده وأراده من خلقه أزلي لا أول له ويستحيل تقديره بالزمان، إذ الحق سبحانه بصفاته القديمة موجود ولا زمان ولا مكان، وهذِه (الأربعين) تقديرية، فإن الزمان ¬

_ (¬1) ما ذكره المصنف من أن معنى (اليد) فيه مذهبان، نقول: كلاهما خطأ سواء الأول أو الثاني. أما الأول: فإنه يُقصد به أن التأويل هو ترك التعرض للمعنى، وهو خطأ؛ لأن المعروف من مذهب الصحابة والسلف الصالح وخلفهم ومن بعدهم أنهم يفوضون الكيفية لا المعنى، فيقولون في صفات اللَّه -كصفة اليد مثلًا- نثبتها للَّه عزَّ وجلَّ على ظاهرها مع عدم التعرض لكيفيتها، وتنزيه اللَّه عزَّ وجلَّ من مشابهة الخلق، ولذلك فإن اللَّه عزَّ وجلَّ قد ذى في كتابه ما يُرد به على المعطلة والمشبهة في قوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}. أما الثاني: فهو مذهب الأشاعرة ومن تبعهم من المبتدعة أمثالهم، وهو باطل، ونقول لهم: (قل ءأنتم أعلم أم اللَّه). وقد توافرت الأدلة على إثبات صفة اليد للَّه عزَّ وجلَّ، فقد أطال وأفاد وأجاد الإمام الحافظ إمام الأئمة وشيخ الإسلام: ابن خزيمة رحمه اللَّه في كتابه "التوحيد" (ص 53) من إثبات صفة اليد للَّه عزَّ وجلَّ، فانظرها هناك فإنه كاف شاف. وانظر أيضًا ما كتبه شيخ الحنابلة وإمام المجتهدين ابن قدامة المقدسي في كتيبه -صغير الحجم عظيم النفع- المسمى بـ "لمعة الاعتقاد" فإنه جمع فيه دررًا من عقيدة السلف في الأسماء والصفات، وباللَّه التوفيق.

الذي يعبر عنه بالسنين والأيام إنما هو راجع إلى أعداد حركات الأفلاك وسير الشمس والقمر في المنازل والبروج السماوية. (فحج آدم) بالرفع موسى عليهما السلام أي: غلبه بالحجة؛ لأنه أعتذر بما سبق له من القدر عما صدر منه من المخالفة، وقبل عذره، وقامت بذلك حجته، لكن لو صح هذا للزم عليه أن يحتج به كل من عصى، يعتذر بذلك فبقي عذره وبقيت حجته، فحينئذ يكون للعصاة على اللَّه الحجة، وهو مناقض لقوله تعالى: {فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} (¬1) وقد اختلف العلماء في تأويل هذا الحديث، فقيل: إنما غلبه آدم بالحجة؛ لأن آدم أب وموسى ابن [ولا يجوز] (¬2) لوم الابن أباه وعتبه وهو بعيد. وقيل: إنما كان ذلك لأن موسى كان قد علم من التوراة أن اللَّه تعالى قد جعل تلك الأكلة سبب إهباطه من الجنة وسكناه الأرض ونشر نسله فيها؛ ليكلفهم ويمتحنهم ويريد على ذلك ثوابهم وعقابهم الأخروي، وهذا إبداء حكمة تلك الأكلة. وقيل: إنما توجهت حجته عليه لأنه قد علم من التوراة بأن اللَّه تاب عليه واجتباه وأسقط عنه اللوم والعتب، فلوم موسى وعتبه له مع علمه بأن اللَّه قدر المعصية وقضى بالتوبة وبإسقاط اللوم والمعاتبة حتى صارت المعصية كأن لم تكن وقع في غير محله، فكان هذا من موسى نسبة جفاء مع أبيه في حال صفاء، كما قال بعض أهل الإشارات: ذكر ¬

_ (¬1) الأنعام: 149. (¬2) ساقطة من الأصول، والمثبت من "المفهم".

الجفاء في حالة الصفاء جفاء. وهذا أشبه الوجوه. (قال أحمد بن صالح) شيخ المصنف (عن عمرو) بن دينار (عن طاوس) بأنه (سمع أبا هريرة -رضي اللَّه عنه-). [4702] (ثنا أحمد بن صالح، ثنا) عبد اللَّه (ابن وهب، أخبرني هشام ابن سعد) القرشي المدني مولًى لآل أبي لهب بن عبد المطلب، أخرج له مسلم في مواضع (عن زيد بن أسلم) مولى عمر بن الخطاب (عن أبيه) أسلم بن (¬1) خالد، مولى عمر بن الخطاب، كان من سبي عين التمر، ابتاعه عمر بن الخطاب بمكة. (أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن موسى عليه السلام قال: يا رب أرنا آدم الذي أخرجنا و) أخرج (نفسه) بالنصب (من الجنة) المراد بهذِه الجنة جنة الخلد وجنة الفردوس التي هي دار الجزاء في الآخرة، وهي موجودة من قبل آدم. هذا مذهب أهل الحق. (فأراه اللَّه تعالى) إياه (آدم عليه السلام فقال) له (أنت أبونا آدم؟ ! ) فيه: تسمية جد الجد أبًا مجازًا (فقال له آدم: نعم) أنا أبوكم (قال أنت الذي نفخ اللَّه فيك من روحه) يحتمل أن تكون (من) زائدة على المذهب الكوفي و (نفخ) بمعنى: خلق. أي: خلق فيك روحه، وأضاف الروح إليه تخصيصًا وتشريفًا كما قال: {بَيْتِيَ} ويحتمل تأويلًا آخر والتسليم للمتشابهات أسلم وهي طريقة السلف الصالح (وعلمك الأسماء كلها) أي: علمه أسماء الأشياء جميعها جليلها وحقيرها، حتى القصعة والقصيعة، فهو أول من تكلم باللغات، وأول من تكلم بالعربية من الملائكة جبريل، ¬

_ (¬1) كذا في النسخ، والصواب: (أبو)، انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 529 (407).

ومن أولاد إبراهيم إسماعيل عليه السلام، تكلم بها وهو ابن عشر سنين. (وأمر الملائكة فسجدوا لك؟ ! ) مستقبلين وجهك بالسجود، فإن السجود لا يكون إلا للَّه تعالى، وإنما أمروا بالسجود له معاقبة لهم على قولهم: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} (¬1). (قال: نعم. قال: فما حملك على أن أخرجتنا و) أخرجت (نفسك من الجنة؟ ) أي: كنت السبب في إخراجنا وإخراجك من الجنة التي هي دار النعيم المقيم. (فقال له آدم: ومن) هو (أنت؟ قال: أنا موسى) بن عمران (قال: أنت نبي بني إسرائيل) وإسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، سمي بذلك لأنه أسرى ذات ليلة حين هاجر إلى اللَّه، فمعنى إسرائيل: سر إلى اللَّه (الذي كلمك اللَّه تعالى من وراء حجاب) يريد أنه كلمه بكلام يسمعه من حيث لا يراه كما يرى سائر المتكلمين وليس ثم حجاب يفصل موضعًا من موضع، فيدل ذلك على تحديد المحجوب، فهو بمنزلة ما يسمع من وراء حجاب حيث لم ير المتكلم. و(لم يجعل بينك وبينه رسولًا من خلقه؟ ) أي: لم يكلمك برسالة ملك من الملائكة بينك وبينه (¬2) كما في غيرك (قال: نعم. قال: أفما وجدت) هذا استفهام تقرير (أن ذلك) الذي ذكرته (كان) مقدرًا علي (في كتاب اللَّه) يعني: التوراة (قبل أن أخلق؟ ! ) وكان موسى قد علم من التوراة أن اللَّه قد جعل تلك الأكلة سبب إهباطه من الجنة وسكناه ¬

_ (¬1) البقرة: 30. (¬2) في (ل، م): وبينك. والصواب ما أثبتناه.

الأرض (قال: نعم) وجدت ذلك. (قال: فلم (¬1) تلومني في شيء سبق من اللَّه تعالى فيه القضاء) والتقدير (قبلي) (¬2). أي: قبل أن أوجد أو يوجد أحد من خلق اللَّه (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عند ذلك: فحج آدم موسى فحج آدم موسى عليهما السلام) فيه: إعادة الكلام؛ ليكون أبلغ في الإعلام. [4703] (ثنا) عبد اللَّه بن مسلمة بن قعنب (القعنبي، عن مالك، عن زيد بن (¬3) أبي أنيسة) الرهاوي، شيخ الجزيرة (أن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أخبره عن مسلم بن يسار) وهو مسلم بن أبي مريم المدني، أخرج له الشيخان (¬4) (أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- سئل عن هذِه الآية: ({وَ}) أذكر ({وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ}) {مِنْ ظُهُورِهِمْ} بدل من {بَنِي آدَمَ} المعنى: (¬5) {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} قال سعيد بن جبير: لما خلق اللَّه آدم مسح ظهره فأخرج من ظهره كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة. ¬

_ (¬1) بعدها في (ل، م): نسخة: فيم. (¬2) بعدها في (ل، م): نسخة: قبل. (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) كذا قال رحمه اللَّه وهو خطأ؛ فمسلم بن يسار هذا رجل جهني يروي عن عمر، وابن أبي مريم رجل آخر، اسم أبي مريم: يسار المري، مولى الأنصار، وقيل: مولى بني سليم، وقيل: مولى بني أمية، يروي عن سعيد بن المسيب وغيره، وهو الذي أخرجه له الشيخان، لا مسلم بن يسار الجهني المذكور في إسنادنا هذا. انظر: "تهذيب الكمال" 27/ 541 (5944)، 27/ 556 (5951). (¬5) ساقطة من (م).

(قال) المصنف (قرأ) عبد اللَّه (القعنبي) هذِه (الآية) وقال (فقال عمر) ابن الخطاب (سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سئل عنها) أي: عن هذِه الآية (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن اللَّه تعالى خلق آدم عليه السلام ثم مسح ظهره بيمينه) في اليمين المذهبان المتقدمان في اليد (فاستخرج منه) أي: من صلبه بدليل قوله تعالى {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7)} (¬1) (ذرية) قال مقاتل: إن اللَّه مسح صفحة ظهر آدم اليمنى، فأخرج منه ذرية بيضاء كهيئة الذر يتحركون. (فقال: خلقت هؤلاء للجنة) أي: ليكونوا من أهل الجنة (وبعمل أهل الجنة يعملون) أي: ييسرون لعمل أهل الجنة (ثم مسح) صفحة (ظهره) اليسرى (فاستخرج منه ذرية) سوداء كهيئة الذر (فقال: خلقت هؤلاء للنار) ولا أبالي (وبعمل أهل النار) وهي المعاصي (يعملون) لا يجدون عنه محيصًا. (فقال رجل: يا رسول اللَّه، ففيم العمل؟ ) هذا السؤال هو الذي تضمنه قوله: أفلا نمكث على كتاب ربنا وندع العمل؟ (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن اللَّه تعالى إذا خلق العبد) السعيد (للجنة) كما سبق في أم الكتاب (استعمله) أي: هيأ له أفعال الخير وخلق له قدرة على الطاعة، فيعمل (بعمل أهل الجنة حتى يموت) وهو (على عمل من أعمال أهل الجنة) فيه: أنه ليس للجنة عمل واحد لا يدخلها إلا من عمل به، بل لها أعمال متعددة من صلاة، وصوم، وحج، وجهاد، وغير ذلك، لكن الظاهر أن للجنة أبوابًا (¬2) مشتركة وأبوابا (¬3) مختصة ¬

_ (¬1) الطارق: 7. (¬2) في (ل، م): أبواب. والصواب ما أثبتناه. (¬3) في (ل، م): أبواب. والصواب ما أثبتناه.

بأعمال منها: باب يقال له: الريان لا يدخل منه (¬1) إلا الصائمون، وباب لا يدخل منه إلا التائبون ونحو ذلك (فيدخل به (¬2) الجنة) برحمته لا بعمله (وإذا خلق) اللَّه (العبد) الشقي (للنار استعمله) في دنياه (بعمل أهل النار) لا يتعدى ما كتب له (حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار) وللنار أعمال كثيرة كما للجنة، ولها أبواب مختصة ومشتركة كما للجنة (فيدخله) بضم الياء ونصب اللام. أي: يدخله بعمله (النار) جزاء له. [4704] (ثنا محمد بن المصفى) بن بهلول القرشي الحمصي. قال أبو حاتم: صدوق (¬3). وقال النسائي: صالح (¬4). (ثنا بقية) بن الوليد (حدثني عمر بن حفص (¬5) القرشي، حدثني زيد بن أبي أنيسة) تقدم، وما بعده (عن عبد الحميد بن عبد الرحمن) بن زيد بن الخطاب (عن مسلم بن يسار، عن نعيم بن ربيعة) الأزدي. قال الحافظ ابن حجر: مقبول. من كبار التابعين (¬6). انتهى. وقد وصلت هذِه الرواية الانقطاع الذي في الإسناد الذي قبله بين مسلم بن يسار وبين عمر بن الخطاب، فإنه لم يسمع منه شيئًا (قال: كنت عند عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- بهذا الحديث). قال المصنف: (وحديث مالك أتم) من حديث عمر بن جعثم. ¬

_ (¬1) في (م): يدخله. (¬2) بعدها في (ل، م): نسخة: يدخله. (¬3) "الجرح والتعديل" 8/ 104. (¬4) "تهذيب الكمال" 26/ 465 (5613). (¬5) كذا في (ل)، (م)، وهو خطأ، والصواب: (جعثم)، انظر "تهذيب الكمال" 21/ 287 (4209). (¬6) "تقريب التهذيب" (7169).

[4705] (ثنا) عبد اللَّه (القعنبي، ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه) سليمان بن طرخان التيمي، نزل فيهم بالبصرة، أحد السادة، ومناقبه جمة (عن رقبة) بقاف وموحدة مفتوحتين (ابن مصقلة) العبدي الكوفي، أخرج له الشيخان (عن أبي إسحاق) (¬1) عمرو بن عبد اللَّه السبيعي الهمداني. (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب -رضي اللَّه عنه- قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرًا) قال القاضي عياض: هذا حجة بينة لأهل السنة لصحة مذهبهم في الطبع والرين والأكنة والأغشية والحجب، وأشباه هذِه الألفاظ الواردة في الشرع على أفعال اللَّه بقلوب (¬2) أهل الكفر والضلال، ومعنى ذلك عندهم خلق اللَّه تعالى ضد الإيمان وضد الهدى، هذا على أصل أهل السنة أن العبد لا قدرة له إلا ما أراده اللَّه تعالى، خلافًا للمعتزلة والقدرية القائلين بأن للعبد فعلًا من قبل نفسه وقدرة على الهدى والضلال، والخير والشر (¬3). وقد يحتج بهذا من يقول: أطفال الكفار في النار، والثاني: يتوقف عن الكلام فيه، والصحيح أنهم في الجنة، ويقولون في جواب هذا الحديث: معناه: علم اللَّه لو بلغ لكان كافرًا. (ولو عاش لأرهق أبويه) أي: لو عاش حتى أدرك أبويه لأرهقهما (طغيانًا وكفرًا) أي: حملهما عليهما وألحقهما بهما، والمراد بالطغيان هنا الزيادة في الضلال، وهذا الحديث من دلائل أهل الحق في أن اللَّه ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) مكانها بياض في (م). (¬3) "إكمال المعلم" 7/ 374 - 375.

تعالى عالم بما كان [وبما يكون] (¬1) وبما لا يكون لو كان كيف كان يكون. [4706] (ثنا محمود بن خالد) بن يزيد الدمشقي السلمي. قال أبو حاتم: ثقة رضا (¬2). (ثنا) محمد بن يوسف (الفريابي) بكسر الفاء (عن إسرائيل، ثنا أبو إسحاق) السبيعي (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، ثنا أبي بن كعب -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول في قوله تعالى: {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ}) وكان الولد (طبع يوم طبع) أي: خلق يوم خلق. وفي الحديث: "كل الخلال يطبع عليها المؤمن إلا الخيانة والكذب" (¬3) والطباع ما ركب في الإنسان من جميع الأخلاق التي لا يكاد يزاولها من الشر والخير والكفر وغيره (كافرًا) فلو عاش لحمل أبويه على الطغيان وغيره بالعقوق وسوء صنيعه. [4707] (ثنا محمد بن مهران) بكسر الميم (الرازي) أبو جعفر شيخ الشيخين (ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو) بن دينار (عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس: حدثني أبي بن كعب -رضي اللَّه عنهم-، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: أبصر الخضر غلاما يلعب مع الصبيان فتناول رأسه فقطعه) (¬4) ظاهره أنه ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) "الجرح والتعديل" 8/ 292 (1342). (¬3) رواه أحمد 5/ 252، وابن أبي عاصم في "السنة" (114) من حديث أبي أمامة. وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب" (1748). ورواه أبو يعلى في "المسند" 2/ 67، وفي "المعجم" (167)، والبيهقي في "السنن" 10/ 197، وفي "الشعب" 4/ 207 (4809)، والضياء في "المختارة" 3/ 258 (1062) من حديث سعد بن أبي وقاص. وهذا أصح من سابقه؛ قال الحافظ في "الفتح" 10/ 508: إسناده قوي. (¬4) بعدها في (ل)، (م): نسخة: فقلعه.

اقتلعه من جسده بغير حديدة ولا آلة (فقال موسى عليه السلام: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً}) قرئ: {زَكِيَّةً} و (زاكية)، وهي الطاهرة من الذنوب؛ لأنه لم يبلغ الحنث أو لأنه لم يره أذنب (الآية) إلى آخرها. [4708] (ثنا حفص بن عمر النمري) بفتح الميم، الحوضي (ثنا شعبة، وثنا محمد بن كثير) العبدي (ثنا سفيان) الثوري (المعنى واحد، والإخبار) بكسر الهمزة (في حديث سفيان عن الأعمش، قال: ثنا زيد ابن وهب) الجهني، هاجر ففاتته رؤية رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بأيام (ثنا عبد اللَّه ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-، ثنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو الصادق) في قوله (المصدوق) فيما يأتي به من الوحي الكريم. (إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يومًا) يعني: أن المني يقع في الرحم حين انزعاجه بالقوة الشهوانية الدافعة مبثوثا متفرقا، فيجمعه اللَّه في محل الولادة من الرحم في مدة أربعين يومًا، وقد جاء في حديث ابن مسعود تفسير (يجمع في بطن أمه) أن النطفة إذا وقعت في الرحم فأراد اللَّه أن يخلق منها بشرًا طارت في بشر المرأة تحت كل ذي ظفر وشعر، ثم تمكث أربعين يومًا، ثم تصير دمًا في الرحم، فذلك جمعها بعد التفرق. (ثم يكون علقة مثل ذلك) والعلق: الدم الجامد (ثم يكون مضغة) وهو قدر ما يمضغه الماضغ من لحم أو غيره (مثل ذلك) أي: يجتمع حتى يصير مضغة في قدر أربعين يومًا (ثم يبعث) اللَّه (إليه ملك) بفتح اللام، وهو الموكل بالرحم، كما في حديث أنس أن اللَّه قد وكل بالرحم ملكًا (¬1). (فيؤمر بأربع كلمات) ظاهره أن الملك يؤمر بأن ¬

_ (¬1) رواه البخاري (318)، ومسلم (2646).

يكتب الأربع كلمات، ثم الأربع التي يكتبها. (فيكتب) بفتح التحتانية وضمها مبني للفاعل أو المفعول (رزقه وأجله وعمله) هذِه ثلاثة (ثم يكتب) بفتح التحتانية وضمها مبني للفاعل أو المفعول (شقي أو سعيد) وكتابة هذِه الأربع لا تكون إلا بعد أن يسأل الملك عن ذلك، فيقول: يا رب ما الرزق؟ ما الأجل؟ ما العمر؟ وهل شقي أو سعيد؟ وقد روى يحيى بن زكريا بن أبي زائدة [عن داود] (¬1)، عن عامر، عن علقمة، عن ابن مسعود، وعن ابن عمر أن النطفة إذا استقرت في الرحم أخذها ملك بكفه، فقال: أي رب أذكر أم أنثى؟ شقي أم سعيد؟ ما الأجل؟ ما الأثر؟ بأي أرض تموت؟ فيقال له: انطلق إلى أم الكتاب فإنك تجد قصة هذِه النطفة، فينطلق فيجد قصتها في أم الكتاب، فتلحق فتأكل رزقها، وتطأ أثرها، فإذا جاء (¬2) أجلها قبضت فدفنت في المكان الذي قدر لها. (ثم ينفخ فيه الروح) بعد أن تتشكل المضغة بشكل ابن آدم وتتصور بصورته كما قال تعالى: {فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا} (¬3) فنفخ الروح هو المعني بقوله: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} (فإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة) ظاهر الحديث أن عمله هذا يكون صحيحًا يقرب صاحبه إلى الجنة بسبب العمل (حتى يشرف) عليها و (ما يكون بينه وبينها إلا ذراع أو قيد) بكسر القاف. أي؟ قدر (ذراع فيسبق عليه) القدر الذي في (الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) فالأعمال بالسوابق لكن السابقة مستورة عنا والخاتمة ظاهرة. ¬

_ (¬1) و (¬2) ساقطة من (م). (¬3) المؤمنون: 14.

قال القرطبي: هذا العامل المذكور لم يكن عمله صحيحًا في نفسه، وإنما كان رياءً وسمعة، ولهذا جاء في رواية البخاري في غزوة خيبر (¬1): إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار (¬2). (حتى ما يكون بينها وبينه إلا ذراع أو قيد ذراع) المراد بالذراع التمثيل للقرب من موته ودخول عقبيه إلى تلك الدار، والمراد أن هذا الحديث قد يقع في النادر من الناس لا أنه الغالب فيهم، ومن لطف اللَّه [أن] (¬3) انقلاب الناس من الشر إلى الخير كثير، ومن الخير إلى الشر في غاية الندور، ويستفاد من هذا الحديث الاجتهاد في الإخلاص والتحرز من الرياء، وترك العجب بالأعمال، والركون إليها خوفًا من سوء الخاتمة. (فيسبق عليه الكتاب) من اللوح المحفوظ (فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) أي: فيموت وهو على عمل أهل النار فيدخلها بعمله الذي ختم له به. [4709] (ثنا مسدد، ثنا حماد بن زيد، عن يزيد) بن أبي يزيد الضبعي (الرشك) بكسر الراء هو بالفارسية ومعناه القسام، كان يقسم الدور، ومسح مكة قبل أيام الموسم فبلغ كذا، ومسح أيام الموسم فإذا قد زاد كذا (¬4) (أبنا مطرف، عن عمران بن حصين رضي اللَّه عنهما قال: قيل لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يا رسول اللَّه) وفي بعض النسخ بحذف: (يا رسول اللَّه) ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (4202، 4207). (¬2) "المفهم" 6/ 653 - 654. (¬3) زيادة يقتضيها السياق. (¬4) انظر: "الجرح والتعديل" 9/ 297.

(أعلم) بفتح همزة الاستفهام، وضم العين، وكسر اللام، مبني للمجهول؛ لكونه معلومًا للسامع، وفيه حذف تقديره: أعلم اللَّه تعالى من هو من (أهل الجنة) ممن هو (من النار؟ قال: نعم) ولفظ مسلم كلفظ المصنف (¬1)، ولفظ البخاري: قال رجل: يا رسول اللَّه، أيعرف أهل الجنة من أهل النار؟ وبوب عليه باب جف القلم على علم اللَّه وقوله تعالى: {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} (¬2) وقال أبو هريرة: قال لي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "جف القلم بما أنت لاق" وقال ابن عباس في قوله تعالى: {وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} (¬3) أي: سبقت لهم السعادة (¬4). وفي هذا الحديث وما معه من النصوص إدحاض حجة القدرية أنه قد سبق علم اللَّه تعالى بكل ما يعمله الآدميون من أهل الجنة الذين تمسكوا بالطاعة، ومن أهل النار الذين تمسكوا بالكفر والمعصية، وأخبر اللَّه أنه قد فرغ من الحكم على كل نفس، وكتب القلم كل ما يصير إليه العبد من خير أو شر في أم الكتاب، وجف مداده على المقدور من علم اللَّه، فمنهم من هداه اللَّه على علم به، ومنهم من أضله على علم به، وعرف كل ما يصير إليه أمره، وبين اللَّه ذلك في كتابه حيث يقول: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} (¬5) فعرفنا أنه كان بنا عالمًا حين خلق آدم من طينة الأرض المختلفة كما تقدم، وأحاط علمًا بما يقع من تلك الطينة لكل شخص من أشخاص أولاده إلى يوم ¬

_ (¬1) مسلم (2649). (¬2) الجاثية: 23. (¬3) المؤمنون: 61. (¬4) البخاري (6596) وما قبله. (¬5) النجم: 32.

القيامة. (قال: ففيم) ولفظ البخاري: فلم (¬1). ولمسلم قال: قيل: ففيم (¬2) (يعمل العاملون؟ ) أي: لأي شيء يعمل العاملون؛ ولأي شيء يجتهد المجتهدون؟ ولم لا يدعون العمل ويتكلون على ما سبق لهم؟ فرد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عليهم هذا و (قال: ) بل يعمل (كل) أحد، فكل امرئ (ميسر لما خلق له) من خير أو شر. قال المهلب: فيه حجة لأهل السنة على المجبرة من أهل القدر، وذلك قوله: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له" من عمله الخير أو الشر (¬3). * * * ¬

_ (¬1) البخاري (6596). (¬2) مسلم (2648). (¬3) انظر: "شرح ابن بطال" 10/ 300.

18 - باب في ذراري المشركين

18 - باب في ذَراري المُشْرِكِينَ 4711 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ أَبي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سُئِلَ عَنْ أَوْلادِ المُشْرِكِينَ، فَقالَ: "اللَّهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا عامِلِينَ" (¬1). 4712 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهّابِ بْن نَجْدَةَ، حَدَّثَنَا بَقِيَّة ح وَحَدَّثَنا مُوسَى بْن مَرْوانَ الرَّقِّيُّ وَكَثِيرُ بْن عُبَيْدٍ المَذْحِجيُّ قالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حَرْبٍ -المَعْنَى-، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي قَيْسٍ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ ذَراري المُؤْمِنِينَ فَقالَ: "هُمْ مِنْ آبائِهِمْ". فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ بِلَا عَمَلٍ؟ قالَ: "اللَّهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا عامِلِينَ". قلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ فَذَراري المُشْرِكِينَ؟ قالَ: "مِنْ آبائِهِمْ". قُلْتُ: بِلَا عَمَلٍ؟ قالَ: "اللَّهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا عامِلِينَ" (¬2). 4713 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيانُ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ، قالَتْ: أُتِيَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بِصَبي مِنَ الأَنْصارِ يُصَلّي عَلَيْهِ قالَتْ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، طُوبَى لهَذَا لَمْ يَعْمَلْ شَرًّا وَلَمْ يَدْرِ بِهِ. فَقالَ: "أَوَغَيْرَ ذَلِكِ يا عائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الجَنَّةَ وَخَلَقَ لَها أَهْلًا، وَخَلَقَهَا لَهُمْ وَهُمْ في أَصْلابِ آبائِهِمْ، وَخَلَقَ النَّارَ وَخَلَقَ لَها أَهْلَا، وَخَلَقَها لَهُمْ وَهُمْ في أَصْلابِ آبائِهِمْ" (¬3). 4714 - حَدَّثَنَا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ فَأَبَواهُ يُهَوِّدَانِهِ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1383)، ومسلم (2665). (¬2) رواه أحمد 6/ 84، وإسحاق بن راهويه (1671)، والفريابي في "القدر" (170)، والآجري في "الشريعة" (405). وقال الألباني: صحيح الإسناد. (¬3) رواه مسلم (2662).

وَيُنَصِّرانِهِ، كَما تَناتَجُ الإِبِلُ مِنْ بَهِيمَةٍ جَمْعاءَ هَلْ تُحِسُّ مِنْ جَدْعاءَ؟ ". قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ مَنْ يَمُوتُ وَهُوَ صَغِيرٌ قالَ: "اللَّهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا عامِلِينَ" (¬1). 4715 - قالَ أَبُو داوُدَ: قرِئَ عَلَى الحارِثِ بْنِ مِسْكِينٍ وَأَنا أَسْمَعُ أَخْبَرَكَ يُوسُفُ ابْن عَمْرٍ وأَخْبَرَنَا ابن وَهْبٍ، قالَ: سَمِعْتُ مالِكًا قِيلَ لَهُ إِنَّ أَهْلَ الأَهْوَاءِ يَحْتَجُّونَ عَلَيْنا بِهَذا الحَدِيثِ. قالَ مالِكٌ: احْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِآخِرِهِ. قالُوا: أَرَأَيْتَ مَنْ يَمُوتُ وَهُوَ صَغِيرٌ؟ قالَ: "اللَّهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا عامِلِينَ" (¬2). 4716 - حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلي، حَدَّثَنَا حَجّاجٍ بْن المِنْهَالِ، قالَ: سَمِعْتُ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ يفَسِّرث حَدِيثَ: "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ". قالَ: هذا عِنْدَنا حَيْثُ أَخَذَ اللَّه عَلَيْهِمْ العَهْدَ في أَصْلابِ آبائِهِمْ حَيْث قالَ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} (¬3). 4717 - حَدَّثَنَا إِبْراهِيمُ بْن مُوسَى الرَّازيّ، حَدَّثَنَا ابن أَبي زائِدَةَ، قالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عامِرٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الوائِدَةُ والمَوْؤُودَةُ في النّارِ". قالَ يَحْيَى ابْنُ زَكَرِيّا: قالَ أَبي: فَحَدَّثَني أَبُو إِسْحاقَ أَنَّ عامِرًا حَدَّثَهُ بِذَلِكَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابن مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬4). 4718 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ أَبي قالَ: "أَبُوكَ في النّارِ". فَلَمّا قَفَّى قالَ: "إِنَّ أَبي وَأَباكَ في النَّارِ" (¬5). 4719 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ، عَنْ ثابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: قالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ الشَّيْطانَ يَجْري مِنِ ابن آدَمَ مَجْرى ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1359)، ومسلم (2658). (¬2) قال الألباني: صحيح الإسناد مقطوع. (¬3) قال الألباني: صحيح الإسناد مقطوع. (¬4) رواه البزار 5/ 36 (1596)، وابن حبان (7480). وصححه الألباني. (¬5) رواه مسلم (203).

الدَّمِ" (¬1). 4720 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْن سَعِيدٍ الهَمْداني، أَخْبَرَنَا ابن وَهْبٍ، قالَ: أَخْبَرَنِي ابن لَهِيعَةَ وَعَمْرُو بْنُ الحارِثِ وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَطاءِ بْنِ دِينارٍ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ شَرِيكٍ الهُذَلِي، عَنْ يَحْيَى بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ رَبِيعَةَ الجُرَشي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "لا تُجالِسُوا أَهْلَ القَدَرِ وَلا تُفاتِحُوهُمُ الحَدِيثَ" (¬2). * * * باب في ذراري المشركين [4711] (ثنا مسدد، ثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد اللَّه (عن أبي بشر) جعفر بن إياس اليشكري (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سئل عن أولاد) وللصحيحين وللمصنف في رواية: عن ذراري (¬3) (المشركين) ولمسلم: عن أطفال المشركين، عمن يموت منهم صغيرًا (¬4). وفي أطفال المشركين ثلاثة أقوال، فقال الأكثرون: هم في النار تبعًا لآبائهم، حكاه النووي (¬5)، وتوقف قوم. قال القرطبي: ذهب قوم -أحسبهم من غير أهل السنة- أنهم يكونون في برزخ (¬6). قال ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2174). (¬2) سبق قريبًا برقم (4710)، وهو ضعيف. (¬3) البخاري (1384، 6598)، مسلم (2659). (¬4) مسلم (2659/ 27). (¬5) "مسلم بشرح النووي" 16/ 208. (¬6) "المفهم" 6/ 678.

النووي (¬1): والصحيح الذي ذهب إليه الأكثرون أنهم في الجنة. ويستدل له بأشياء منها حديث إبراهيم الخليل حين رآه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وحوله أولاد الناس، قالوا: يا رسول، وأولاد المشركين؟ قال: "وأولاد المشركين" رواه البخاري في "صحيحه" (¬2)، ومنه قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (¬3) ولا يتوجه على المولود التكليف، ويلزمه قول الرسول حتى يبلغ، وهذا متفق عليه. (فقال: اللَّه أعلم بما كانوا عاملين) ليس فيه تصريح بأنهم في النار، وحقيقة لفظه: واللَّه أعلم بما كانوا يعملون لو بلغوا أو لم يبلغوا، والتكليف لا يكون إلا بالبلوغ. ولمسلم زيادة ولفظه: "واللَّه أعلم بما كانوا عاملين إذ خلقهم" (¬4) ومعناه: واللَّه أعلم بما جبلهم وطبعهم عليه، فمن خلقه اللَّه على جبلة المطيعين كان من أهل الجنة، ومن خلقه على جبلة الكفار من الفسقة والمخالفة كان من أهل النار، وهذا كما تقدم في غلام الخضر: "طبع يوم طبع كافرًا" (¬5). [4712] (ثنا عبد الوهاب بن نجدة) الحوطي من جبلة الساحل، وثقه يعقوب بن شيبة (¬6) (ثنا بقية) بن الوليد (قال) المصنف (وثنا موسى بن ¬

_ (¬1) "مسلم بشرح النووي" 16/ 208. (¬2) "صحيح البخاري" (7047). (¬3) الإسراء: 15. (¬4) مسلم (2660). (¬5) تقدم قريبًا برقم (4705، 4706). (¬6) انظر: "تهذيب الكمال" 18/ 519.

مروان الرقي) قال ابن السمعاني: بفتح الراء، وتشديد القاف، نسبة إلى الرقة مدينة على طرف الفرات، والرقة الأولى خربت، والذي تسمى اليوم الرقة كانت تسمى أولًا الرافقة، لها تاريخ، ينمسب إليها كثير من العلماء، منهم أبو مروان الرقي. انتهى (¬1). وهو صدوق. (وكثير بن عبيد) مصغر (المذحجي) قال ابن السمعاني: بفتح الميم، وسكون الذال -يعني: المعجمة- وكسر الحاء المهملة بعدها جيم، نسبة إلى مذحج قبيل كثير من اليمن (¬2). واسم مذحج مالك بن أدد بن زيد، قيل له: مذحج؛ لأنه ولد على أكمة حمراء باليمن، يقال لها: مذحج. فسمي بها، وهو ثقة (قالا: ثنا محمد بن حرب) الأبرش، ولي قضاء دمشق (المعنى، عن محمد بن زياد) الألهاني الحمصي (عن عبد اللَّه بن أبي قيس) ويقال: ابن قيس البصري الحمصي، أخرج له مسلم (¬3). (عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قلت: يا رسول اللَّه، ذراري المؤمنين؟ ) مبتدأ خبره محذوف تقديره: ما حكمهم؟ الذراري واحدها ذرية بوزن فعيلة من الذراع لأن اللَّه أخرج الخلق من صلب آدم -عليه السلام- كالذر حين أشهدهم على أنفسهم. وقيل: مأخوذ من ذرأ اللَّه الخلق: خلقهم. والذرية نسل الثقلين، قال الخليل: سموا ذرية؛ لأن اللَّه ذرأهما على الأرض كما ذرأ الزراع البذر، والذرية أصلها الأبناء وقد تطلق على الآباء، كقوله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ} (¬4) يعني: ¬

_ (¬1) "الأنساب" 6/ 156. (¬2) "الأنساب" 12/ 161. (¬3) (307/ 26). (¬4) يس: 41.

آباءهم. والمراد هنا البنون والبنات والخناثى والمجانين. (قال) هم (من آبائهم) جار ومجرور. أي: مخلوقين من آبائهم، فيعلم حكمهم من آبائهم، أو هم يعدون من جملة آبائهم، فيلحقون بهم في الإيمان، كما أنهم ملحقون بمنازلهم في الجنة وإن لم يستأهلوها؛ لحديث ابن عباس: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن اللَّه ليرفع ذرية المؤمن حتى يلحقهم به (¬1) فَإن كانوا دونه في العمل؛ لتقر بهم عينه" ثم قرأ: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وأتبعناهم ذرياتهم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتهمْ) (¬2) (¬3) ليجمع اللَّه لهم أنواع السرور باجتماع أولادهم ونسلهم، وقوله تعالى: {بِإِيمَانٍ} أي: بسبب إيمان عظيم رفيع المحل، وهو إيمان الآباء ألحقنا بدرجتهم ذرياتهم وإن لم يستأهلوها (¬4) تفضلًا عليهم وعلى آبائهم؛ ليتم سرورهم وتكمل نعمتهم. (فقلت: يا رسول اللَّه) يلحقون بآبائهم (بلا عمل؟ ) يستحقونه به (قال: ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): بهم. والمثبت هو الصواب. (¬2) هي قراءة أبي عمرو البصري، انظر "السبعة" لابن مجاهد ص 612. (¬3) رواه البزار في "البحر الزخار" كما في "كشف الأستار" 3/ 70 (2660)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار" 3/ 106 (1075)، وابن عدي في "الكامل" 7/ 162، وأبو نعيم في "الحلية" 4/ 302، والبيهقي في "القضاء والقدر" (637)، والبغوي في "معالم التنزيل" 7/ 389. وصححه الألباني في "الصحيحة" (2490). ورواه الطبري في "جامع البيان" 11/ 487، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 3/ 107، والحاكم في "المستدرك" 2/ 469، والبيهقي في "السنن" 10/ 268، وفي "القضاء والقدر" (636)، وفي "الاعتقاد" (ص 166) عن ابن عباس، قوله. (¬4) في (ل)، (م): يستأهلونها. والمثبت هو الصواب.

اللَّه أعلم بما كانوا عاملين) لو بلغوا، كما تقدم قريبًا (قلت: يا رسول اللَّه فذراري) مبتدأ مشدد الياء، ويجوز تخفيفها كما في أثافيَّ وأثافي، وكراسيَّ وكراسي (المشركي؟ قال) هم (من آبائهم) كما في الإيمان؛ لرواية علي بن أبي طالب: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن المؤمنين وأولادهم في الجنة، والمشركين وأولادهم في النار" ثم قرأ: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وأتبعناهم ذرياتهم) الآية (¬1). (قلت: بلا عمل) هو نكرة في معرض النفي، فيعم كل عمل. أي: بغير عمل أصلًا لا قليل ولا كثير. (قال: اللَّه أعلم) بما سبق في علمه إذ جبلهم وطبعهم في الأزل، وقد احتج بهذا الحديث من قال: إن أولاد المشركين في النار مع آبائهم. قال القرطبي: ولا حجة فيه، لوجهين: أحدهما: أن المسألة علمية، وهذا خبر واحد، وليس نصًا (¬2) في الفرض. وثانيهما: سلمناه، لكنا نقول ذلك في أحكام الدنيا، وعنها سئل وعليها خرج الحديث، وذلك أنهم قالوا: يا رسول اللَّه، إنا نبيت أهل الدار من المشركين وفيهم الذراري. فقال: "هم من آبائهم" يعني: في جواز القتل في حال التبييت وفي غير ذلك من أحكام آبائهم الدنيوية، واللَّه أعلم (¬3) (بما كانوا عاملين) يحتمل أن يكون قاله قبل أن يعلمه اللَّه أنهم في الجنة مع أولاد المؤمنين. وقيل: (بما كانوا عاملين). أي: ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 134 - 135. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (5791). (¬2) في (ل، م): أيضًا، والمثبت من "المفهم". (¬3) "المفهم" 6/ 678 - 679.

على [أي] (¬1) دين يميتهم لو عاشوا فبلغوا العمل، فأما إذ عدم منهم العمل فهم في رحمة اللَّه. [4713] (ثنا محمد بن كثير) العبدي (أبنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن طلحة بن يحيى) بن عبيد اللَّه، أخرج له مسلم (عن) عمته (عائشة بنت طلحة) بن عبيد اللَّه، وأمها أم كلثوم بنت الصديق (عن) خالتها (عائشة أم المؤمنين قالت: أتي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بصبي من الأنصار) ولفظ مسلم: دعي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى جنازة صبي من الأنصار (¬2). وفي رواية له: توفي صبي (¬3) (أن يصلي عليه) (¬4). فيه: أن الصبي يصلى عليه كما يصلى على البالغ. (قالت: ) عائشة (قلت: يا رسول اللَّه، طوبى) اسم الجنة. وقيل: شجرة فيها، وأصلها فعلى من الطيب، فلما ضمت الطاء انقلبت الياء واوًا (لهذا) الصبي (لم يعمل شرًّا) قط (ولم يدر) بفتح الياء وسكون الدال (به) أي: لم يعلم به. ولفظ مسلم: طوبى لهذا عصفور من عصافير الجنة لم يعمل السوء ولم يدركه (¬5). (قال: أو) بإسكان الواو للإضراب عن الأول أو التقسيم. يعني: إما له (طوبى) أو (غير) بالرفع (ذلك) بكسر الكاف؛ لأن المخاطب مؤنث، قبل أن ينكر عليها بأن حكمت له بطوبى، بل أنكر لمبادرتها إلى الجواب ¬

_ (¬1) ليست في (ل)، (م)، والسياق يقتضيها. (¬2) مسلم (2662/ 31). (¬3) مسلم (2662/ 30). (¬4) بعدها في (ل)، (م): نسخة: فصلى عليه. (¬5) مسلم (2662/ 31).

والجزم بأنه من أهل الجنة دون تعليق بالمشيئة، ولم يرض ذلك منها لما فيه بالحكم من الغيب والقطع بإيمان أبوي الصبي أو أحدهما، إذ هو تبع لهما، ويحتمل أنه قال ذلك قبل أن يعلم حكم أولاد المؤمنين. ومنه إرشاد الأمة إلى التوقف عند الأمور المبهمة والسكوت عنها إلى أن يرد الحكم. (يا عائشة، إن اللَّه تعالى خلق الجنة وخلق لها أهلًا، وخلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم) لا يعارض هذا ما تقدم أنه يكتب وهو في بطن أمه شقي أو سعيد؛ لما تقرر من أن قضاء اللَّه وقدره راجع إلى علمه وقدرته، وهما أزليان لا أول لهما، ومقصود هذِه الأحاديث كلها أن قدر اللَّه سابق على حدوث المخلوقات، وأن اللَّه يظهر من ذلك ما شاء لمن شاء متى شاء قبل وجود الأشياء (وخلق النار) ظاهره أنه خلقها والجنة قبل خلق الموجودات (وخلق لها) أي: لأجل دخولهم فيها (أهلًا) معينين عند اللَّه تعالى (وخلقها لهم وهم) هذِه الواو واو الحال. أي: خلقها لهم في حال كونهم في أصلاب آبائهم وآباء آبائهم وإن علوا. [4714] (ثنا) عبد اللَّه بن مسلمة (القعنبي، عن مالك، عن أبي الزناد) عبد اللَّه بن ذكوان المدني (عن) عبد الرحمن (الأعرج، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: كل مولود (فإنه (يولد على الفطرة) وهي لغة: الخلقة، والمراد بقوله تعالى: {فِطرَتَ اللَّهِ} (¬1) أي: خلقة اللَّه. بدليل ¬

_ (¬1) الروم: 30.

قوله: {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} والمراد به هاهنا ما يراد به في الآية الشريفة، وهي الدين؛ لأنه قد اعتورها البيان من أول الآية، وهي قوله: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ} ومن آخرها، وهو ذلك الدين القيم. "الكشاف" {فِطْرَتَ اللَّهِ} منصوب بالزموا مقدرًا، ومعناه أنه خلقهم قابلين للتوحيد ودين الإسلام، لكونه على مقتضى العقل والدين الصحيح حتى لو تركوا وطغيانهم لما اختاروا عليه دينا (¬1). وقوله: على مقتضى العقل. فيه دسيسة اعتزالية في تحسين العقل. (فأبواه يهودانه وينصرانه) أي: كل مولود تلده أمه سالمًا من اليهودية والنصرانية وليس قوله: (كل مولود يولد على الفطرة) بيانا (¬2) أنه على الإيمان العام، وإنما فيه أنه يولد على تلك الفطرة التي لم يظهر منها إيمان ولا كفر، لكن لما حملهم آباؤهم على دينهم ظهر منهم ما حملوهم عليه من يهودية أو نصرانية، لما أراد اللَّه إمضاء ما علمه وقدره في كل واحد منهم بما أجرى لهم في بدء الأمر من كفر وإيمان، ختم لهم بما سبق عليه الكتاب الأول. (كما تناتج) بفتح التاء والنون المخففة والتاء التي بعد الألف. أي: كما تتوالد. أصله بتاءين ثم حذفت إحداهما تخفيفًا (الإبل من بهيمة جمعاء) بفتح الجيم والمد. أي: مجتمعة الأعضاء سليمة من النقص في الأطراف، سميت بذلك لاجتماع السلامة في الأعضاء. قال الكرماني: لفظ: (كما) إما حال. أي: يهودان المولود بعد أن ¬

_ (¬1) "الكشاف" 3/ 509 - 510. (¬2) في (ل)، (م): بيان. والمثبت هو الصواب.

خلق على الفطرة شبيهًا بالبهيمة التي جدعت بعد سلامتها، وإما صفة مصدر محذوف. أي: يغيرانه تغييرًا مثل تغييرهم البهيمة السليمة (¬1). (هل تحس) بضم التاء. أي: هل ترى فيها من جدعاء. يعني: أن البهيمة تولد كاملة الأعضاء سليمة من الآفات، فلو تركت على أصل خلقتها لبقيت كاملة الأعضاء سليمة من العيوب، ليس بها جدع ولا غيره، لكن يتصرف فيها بجدع الأنف ووسم الأذن، ونحو ذلك، فتطرأ عليها آلافات والنقائص، فتخرج عن الأصل، وكذلك ولد الآدمي يولد سليم الفطرة، ثم يطرأ عليه النقص كما يطرأ على البهيمة. (قالوا: يا رسول اللَّه، أفرأيت من يموت وهو صغير؟ ) أي: قبل أن يهود أو يمجس أو ينصر (قال: اللَّه أعلم بما كانوا عاملين) قيل: على أي دين كان يميتهم لو عاشوا فبلغوا العمل، فأما إذ عدم منهم العمل، فهم في رحمة اللَّه التي ينالها من لا ذنب له، وقيل: يحتمل تفسيره الآية المتقدمة {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} فهذا إقرار عام يدخل فيه أولاد المشركين والمسلمين، فمن مات قبل دخول الحنث ممن أقر بهذا الإقرار من أولاد الناس كلهم، فهو على إقراره المتقدم لا يقضى له بغيره؛ لأنه لم يدخل عليه ما ينقضه. [4715] (ثنا) المصنف (قال: قرئ) بضم القاف (على الحارث بن مسكين) الأموي، وكان فقيهًا على مذهب مالك، حمله المأمون أيام ¬

_ (¬1) "شرح الكرماني على البخاري" 7/ 133.

المحنة إلى بغداد وسجنه؛ لأنه لم يجب إلى القول بخلق القرآن، فلم يزل محبوسًا إلى أن ولي المتوكل فأطلقه. قال النسائي: ثقة مأمون (¬1). (وأنا أسمع) شاهد، فقيل له (أخبرك يوسف بن عمرو) المصري، تلميذ مالك والليث وغيرهما (قال: أنا) عبد اللَّه (ابن وهب قال: [سمعت مالكا) وقد (قيل له: إن أهل الأهواء) جمع هوى، وهو ميل النفس وانحرافها، ثم] (¬2) استعمل في الانحراف عن الحق و (أهل الأهواء) المذمومة كالخوارج (يحتجون علينا) أي: على أهل السنة بهذا الحديث المذكور. يعني بأوله: " فأبواه يهودانه وبمجسانه". (قال مالك) بن أنس (احتج عليهم بآخره) بمد الهمزة. أي: بآخر الحديث، حيث (قالوا: أرأيت من يموت وهو صغير) لم يهود ولم يمجس ولم يعمل (قال: اللَّه أعلم بما كانوا عاملين) حيث لم يعلق الحكم إلا بما سبق في علم اللَّه في الأزل، فهو العالم بما كان وما يكون لو كان كيف كان يكون. [4716] (ثنا الحسن بن علي) الخلال (ثنا حجاج بن منهال) الأنماطي شيخ البخاري (قال: سمعت حماد بن سلمة -رضي اللَّه عنه- يفسر حديث) أبي هريرة (كل مولود) رفع على الحكاية (يولد على الفطرة) إلى آخره (قال: هذا عندنا) تفسيره (حيث أخذ اللَّه عليهم العهد) وهم (في أصلاب آبائهم) كالذر (حيث قال) اللَّه لهم ({أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}) فإنه إقرار منهم عام يدخل فيه أولاد المسلمين والمشركين كما تقدم قريبًا. ¬

_ (¬1) انظر: "تاريخ بغداد" 8/ 217، "تهذيب الكمال" 5/ 281 (1044). (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

[4717] (حدثنا إبراهيم بن موسى) بن يزيد الفراء الحافظ. قال أبو زرعة: كتبت عنه مائة ألف حديث. وعن أبي بكر بن أبي شيبة مائة ألف (¬1)، وهو شيخ الشيخين (ثنا يحيى بن أبي زائدة، حدثني أبي) (¬2) زكريا بن أبي زائدة، صاحب الشعبي (عن عامر) بن شراحيل الشعبي. (قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) وهذا مثال للمعضل، فإنه سقط منه راويان من موضع واحد، وهو التابعي والصحابي كما سيأتي في الرواية بعده (الوائدة) بهمزة مكسورة قبل الدال، وهي الأم التي تئد ولدها. أي: تدفنه حيًّا، وكان الرجل إذا ولد له بنت فأراد أن يستحييها ألبسها جبة من صوف أو شعر ترعى له الإبل والغنم في البادية، وإن أراد قتلها تركها حتى إذا كانت سداسية أو آن وقت زواجها فيقول لأمها: طيبيها وزينيها حتى أذهب بها إلى أحمائها، وقد حفر لها بئرًا في الصحراء، فيبلغ بها البئر، فيقول لها: انظري فيها، ثم يدفعها من خلفها ويهيل عليها التراب حتى يستوي البئر بالأرض، وذلك قوله تعالى: {أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ} (¬3). وسبب ذلك الخوفُ من لحوق العار بهنَّ أو الخوف من الإملاق، كما قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} (¬4) وكانوا يقولون: إن الملائكة بنات اللَّه، فألحقوا البنات به، فهو أحق بهن، (والموؤودة) ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 219 (254). (¬2) فوقها في (ل)، (م): (ع). (¬3) النحل: 59. (¬4) الإسراء: 31.

هي البنت المدفونة حية، سميت بذلك لما يطرح عليها من التراب فيوئدها أي: يثقلها حتى تموت، من قولهم: وأد البنت يئدها، وهو مقلوب من أأد يوئد إذا أثقل. قال اللَّه تعالى: {وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا} (¬1) (في النار) هذا الحديث له سبب، وهو أن ابني مليكة الجعفيين، واسم أحدهما سلمة بن يزيد بن مشجعة لما أسلما وفدا على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقالا له: إن أمنا وأدت بنتًا لها. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الوائدة والموؤودة في النار" (¬2) أما الأم فلأنها كانت كافرة وأما البنت فلاحتمال كونها بالغة كافرة أو غير بالغة لكن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أخبر أنها من أهل النار إما بوحي أو غيره، فلا يجوز الحكم على أطفال الكفار بأن يكونوا من أهل النار بهذا الحديث؛ لأن هذِه واقعة عين في شخص معين، فلا يجوز إجراؤه في جميع الموؤدين، بل حكمهم على المشيئة بما سبق في علم اللَّه تعالى، وقد يحتج بهذا الحديث من يقول: إن أولاد المشركين في النار فيأخذ بعمومه، والصحيح لا حجة فيه لوروده على سبب كما تقدم. (قال يحيى) بن أبي زائدة (قال أبي) زكريا بن أبي زائدة (فحدثني أبو إسحاق) عمرو بن عبد اللَّه السبيعي الهمداني (أن عامرًا) بن شراحيل الشعبي (حدثه بذلك) ووصله (عن علقمة) بن قيس (عن) عبد اللَّه (ابن مسعود عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) بهذا الحديث. ¬

_ (¬1) البقرة: 255. (¬2) رواه أحمد 3/ 478، والنسائي في "السنن الكبرى" 6/ 507، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 4/ 421 (2474)، وابن بشران في "الأمالي" (1470)، والبيهقي في "القضاء والقدر" (620)، وابن عساكر في "المعجم" 2/ 902. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (2447).

[4718] (ثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (ثنا حماد) بن سلمة (عن ثابت) البناني (عن أنس) بن مالك -رضي اللَّه عنه- (أن رجلا) وهو حصين بن عبيد بن خلف الخزاعي والد عمران بن حصين، وقيل: هو أبو رزين لقيط بن عامر العقيلي. (قال: يا رسول اللَّه، أين أبي؟ قال: أبوك في النار) كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى أصحابه عن كثرة السؤال، والابتداء بسؤال ما لا حاجة إليه، وما لم يقع؛ لمعان منها: أنه ربما كان في الجواب ما يكرهه السائل ويسوؤه كما في الحديث، ولهذا نزل قوله تعالى: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} (¬1). (فلما قَفَّى) بفتح الفاء المشددة، أي: ولى بقفاه منصرفًا، قيل: هذا من أعظم حسن خلقه -صلى اللَّه عليه وسلم- الكريم الذي مدحه اللَّه تعالى به، وذلك أنه لما رآه ولى منصرفًا وقد شق ذلك عليه وعظم عليه ما أخبره لاطفه وسلاه تطييبًا لقلبه (وقال: إن أبي وأباك في النار) ولعل هذا قبل أن يحيى اللَّه تعالى والديه ويسلما على يديه على ما خرجه أبو بكر الخطيب وأبو حفص عمر بن الشاهين في "الناسخ والمنسوخ" (¬2) بإسناديهما عن ¬

_ (¬1) المائدة: 101. (¬2) "ناسخ الحديث ومنسوخه" (ص 489) وقال الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية" 3/ 429: وأما الحديث الذي رواه السهيلي وذكر أن في إسناده مجهولين إلى أبي الزناد عن عروة عن عائشة. . . فإنه حديث منكر جدًّا، وإن كان ممكنا بالنظر إلى قدرة اللَّه تعالى، لكن الذي ثبت في الصحيح يعارضه. وقال القاري في "مرقاة المفاتيح" 4/ 1256: الجمهور على أن والديه -صلى اللَّه عليه وسلم- ماتا كافرين، وهذا الحديث أصح ما ورد في حقهما -أي: حديث "أستأذنت ربي في =

عائشة قالت: حج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حجة الوداع. وقال فيه عن والدته: "فسألت اللَّه أن يحييها فأحياها فآمنت به" وذكر السهيلي (¬1) بإسناده أن اللَّه تعالى أحيا له أباه وأمه وآمنا به. وجعله ابن شاهين ناسخًا لما قبله. قال القرطبي: وليس إحياؤهما وإيمانهما به ممتنعا (¬2) عقلا ولا شرعًا، فقد ورد في الكتاب إحياء قتيل بني إسرائيل، وكان عيسى -عليه السلام- يحيى الموتى، وكذلك -صلى اللَّه عليه وسلم- أحيا اللَّه على يديه جماعة من الموتى (¬3). [4719] (حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد، عن ثابت، عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن الشيطان يجري من) أي: في عروق (ابن آدم) فـ (من) بمعنى (في) كقوله تعالى: {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ} (¬4) وقوله: {يَوْمِ الْجُمُعَةِ} (¬5)، ويجوز أن تكون لبيان الجنس وهو الأكثر. (مجرى) اسم مكان من جرى يجري، يعني: أنه يجري في أمكنة (الدم) وقيل: أراد أن كيد الشيطان ووساوسه تجري في عروق ابن آدم مثل مجرى الدم من غير إحساس له بجريان، وذكر الدم لأن الآدمي لا يبقى بدونه فكذلك وساوسه قل أن يسلم منها آدمي، فيجري ¬

_ = أن أزور قبر أمي فلم يأذن لي. . . "، ولا يصح حديث إحياؤهما، وعلى تقدير صحته لا يصلح أن يكون معارضًا لحديث مسلم، مع أن الحفاظ طعنوا فيه. . . . (¬1) انظر: "الروض الأنف" 1/ 190. (¬2) في (ل)، (م): ممتنع. والمثبت هو الصواب. (¬3) "التذكرة" للقرطبي 1/ 141. (¬4) فاطر: 40. (¬5) الجمعة: 9.

الشيطان في عروق ابن آدم كما يجري الدم فيها، وقد تقدم هذا الحديث مبسوطا في الاعتكاف، وفي رواية: "فضيقوا مسالكه بالصوم" لينقمع الشيطان بسد مسالكه وتضييق مجاريه؛ لئلا يحوم حول القلب ويقرب منه فيفسده، ويقذف في القلوب أنواع الشرور وأسباب المهالك. [4720] (حدثنا أحمد (¬1) بن سعيد) بن بشر (الهمداني) المصري صدوق (حدثنا) عبد اللَّه (ابن وهب أخبرني) عبد اللَّه (ابن لهيعة) الحضرمي، قاضي مصر (وعمرو (¬2) بن الحارث) المصري أحد الأعلام (وسعيد (¬3) بن أبي أيوب، عن عطاء بن دينار، عن حكيم بن شريك الهذلي، عن يحيى بن ميمون، عن ربيعة الجرشي) بضم الجيم. (عن أبي هريرة، عن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: ولا تجالسوا أهل القدر ولا تفاتحوهم) وقد تقدم (الحديث) إلى آخره في حديث في كتاب القدر قبله من طريق أحمد بن حنبل، عن عبد اللَّه أبو عبد الرحمن، عن سعيد بن أبي أيوب [إلى آخره (¬4)] (¬5). * * * ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (د). (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) سلف قريبًا برقم (4710). (¬5) ساقطة من (م).

19 - باب في الجهمية

19 - باب فِي الجَهْمِيَّةِ 4721 - حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا سُفْيانُ، عَنْ هِشامٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يَزالُ النَّاسُ يَتَساءَلُونَ حَتَّى يُقَالَ هذا: خَلَقَ اللَّه الخَلْقَ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ، فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ: آمنْتُ باللَّهِ" (¬1). 4722 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا سَلَمَة -يَعْني: ابن الفَضْلِ-، قالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ -يَعْني: ابن إِسْحاقَ-، قالَ: حَدَّثَنِي عُتْبَةُ بْن مُسْلِمٍ مَوْلَى بَني تَيْمٍ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: فَذَكَرَ نَحْوَهُ قالَ: "فَإِذا قَالُوا ذَلِكَ فَقُولُوا {اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} ثُمَّ لْيَتْفُلْ عَنْ يَسارِهِ ثَلاثًا وَلْيَسْتَعِذْ مِنَ الشَّيطانِ" (¬2). 4723 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبّاحِ البَزَّارُ، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمِيرَةَ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، عَنِ العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ قالَ: كُنْتُ في البَطْحاءِ في عِصابَةٍ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَمَرَّتْ بِهِمْ سَحابَةٌ فَنَظَرَ إِلَيْها فَقالَ: "ما تسَمُّونَ هذِهِ". قالُوا: السَّحابَ. قالَ: "والمُزْنَ؟ ". قالُوا: والمُزْنَ. قالَ: "والعَنانَ؟ ". قالُوا: والعَنانَ. قالَ أَبُو داوُدَ: لَمْ أُتْقِنِ العَنانَ جَيِّدًا. قالَ: "هَلْ تَدْرُونَ ما بُعْدُ ما بَيْنَ السَّماءِ والأَرْضِ". قالُوا: لا نَدْرِي. قالَ: "إِنَّ بُعْدَ ما بَيْنَهُمَا إِمَّا واحِدَةٌ أَوِ اثْنَتَانِ أَوْ ثَلاثٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً، ثمَّ السَّماءُ فَوْقَها كَذَلِكَ". حَتَّى عَدَّ سَبْعَ سَمَواتٍ: "ثُمَّ فَوْقَ السّابِعَةِ بَحْرٌ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ مِثْلُ ما بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَماءٍ، ثُمَّ فَوْقَ ذَلِكَ ثَمانِيَةُ أَوْعالٍ بَيْنَ أَظْلافِهِمْ وَرُكبِهِمْ مِثْلُ ما بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَماءٍ ثُمَّ عَلَى ظُهُورِهِمُ العَرْشُ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلاهُ مِثْلُ ما بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَماءٍ ثُمَّ اللَّهُ تَبارَكَ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (134). (¬2) رواه النسائي في "الكبرى" (10497). وصححه الألباني في "الصحيحة" (118).

وَتَعالَى فَوْقَ ذَلِكَ" (¬1). 4724 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْن أَبِي سُرَيْجٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ قالا: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ أَبي قَيْسٍ، عَنْ سِماكٍ بإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ (¬2). 4725 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصٍ، قالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا إِبْراهِيمُ بْنُ طَهْمانَ، عَنْ سِماكٍ بإِسْنَادِهِ وَمَعْنَى هذا الحَدِيثِ الطَّوِيلِ (¬3). 4726 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْن حَمّادٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَأَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الرِّباطي قالُوا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قالَ أَحْمَدُ: كَتَبْنَاهُ مِنْ نُسْخَتِهِ وهذا لَفْظُهُ قالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قالَ: سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ يُحَدِّثُ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ جُبَيْرِ ابْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَعْرابِي فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ جَهِدَتِ الأَنْفُسُ وَضَاعَتِ العِيال وَنُهِكَتِ الأَمْوَالُ وَهَلَكَتِ الأَنْعَامُ فاسْتَسْقِ اللَّهَ لَنا فَإِنّا نَسْتَشْفِعُ بِكَ عَلَى اللَّهِ وَنَسْتَشْفِعُ باللَّهِ عَلَيْكَ. قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَيْحَكَ أَتَدْري ما تَقُولُ؟ " وَسَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَما زَالَ يُسَبِّحُ حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ في وُجُوهِ أَصْحابِهِ، ثُمَّ قالَ: "وَيْحَكَ! إِنَّهُ لا يُسْتَشْفَعُ باللَّهِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ شَأْنُ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَيْحَكَ أَتَدْري ما اللَّهُ؟ إِنَّ عَرْشَهُ عَلَى سَمَواتِهِ لَهَكَذا". وقالَ بِأَصابِعِهِ مِثْلَ القبَّةِ عَلَيْهِ: "وَإِنَّهُ لَيَئِطُّ بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ بِالرّاكِبِ". قالَ ابن بَشَّارٍ في حَدِيثِهِ: "إِنَّ اللَّهَ فَوْقَ عَرْشِهِ وَعَرْشُهُ فَوْقَ سَمَواتِهِ". وَساقَ الحَدِيثَ. وقالَ عَبْدُ الأَعْلَى وابْنُ المُثَنَّى وابْنُ بَشّارٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ وَجُبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ. قالَ أَبُو داوُدَ: والحَدِيث بإِسْنادِ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ هُوَ الصَّحِيح وافَقَهُ عَلَيْهِ جَماعَةٌ مِنْهُمْ يَحْيَى بْن مَعِين وَعَلي بْنُ المَدِيني وَرَواهُ جَماعَةٌ عَنِ ابن إِسْحَاقَ كَمَا قالَ أَحْمَدُ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3320)، وابن ماجه (193). وضعفه الألباني في "الضعيفة" (1247). (¬2) انظر السابق. (¬3) انظر سابقيه.

أَيْضًا، وَكانَ سَماعُ عَبْدِ الأَعْلَى وابْنِ المُثَنَّى وابْنِ بَشَّارٍ مِنْ نُسْخَةٍ واحِدَةٍ فِيما بَلَغَنَي (¬1). 4727 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْن حَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قاَلَ: حَدَّثَنِي إِبْراهِيمُ بْن طَهْمَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "أُذِنَ لي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلائِكَةِ اللَّهِ مِنْ حَمَلَةِ العَرْشِ: إِنَّ ما بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِمِائَةِ عامٍ" (¬2). 4728 - حَدَّثَنَا عَلي بْنُ نَصْرِ وَمُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ النَّسائي -المَعْنَى- قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْن يَزِيدَ المُقْرِئُ، حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ -يَعْني: ابن عِمْرانَ- حَدَّثَنِي أَبُو يُونُسَ سُلَيْمُ ابْنُ جُبَيْرٍ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ قالَ: سَمِعْتُ أَبا هُرَيْرَةَ يَقْرَأُ هذِه الآيَةَ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} إِلَى قَوْلِهِ تَعالَى: {سَمِيعًا بَصِيرًا} قالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَضَعُ إِبْهامَهُ عَلَى أُذُنِهِ والَّتي تَلِيهَا عَلَى عَيْنِهِ. قالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقْرَؤُها وَيَضَعُ إِصْبَعَيْهِ قالَ ابن يُونُسَ قالَ المُقْرِئُ يَعْني {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} يَعْني: أَنَّ للَّه سَمْعًا وَبَصَرًا. قالَ أَبُو داوُدَ: وهذا رَدٌّ عَلَى الجَهْمِيَّةِ (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه الدارمي في "الرد على الجهمية" (71)، وابن أبي عاصم في "السنة" (575)، والبزار 8/ 354 (3432)، وابن خزيمة في "التوحيد" 1/ 239، وأبو عوانة في "المستخرج" (2517)، والآجري في "الشريعة" (667)، والطبرانى فى "الكبير" 2/ 554. وضعفه الألباني في "المشكاة" (5727). (¬2) رواه ابن طهمان في "مشيخته" (21)، وأبو الشيخ في "العظمة" 2/ 731، والبيهقي في "الأسماء والصفات" 2/ 284. وصححه الألباني في "الصحيحة" (151). (¬3) رواه ابن خزيمة في "التوحيد" 1/ 97، وابن حبان (265)، والطبراني في "الأوسط" 9/ 132 (9334). وصححه الألباني في "قصة المسيح الدجال" (ص 64).

باب في الجهمية بفتح الجيم نسبة إلى جهم بن صفوان (¬1)، وله مذهب في الأصول معروف ينتسب إليه خلق كثير. ومن قوله: إن اللَّه تعالى لا يوصف بشيء ولا أنه حي عالم. وزعم أن وصفه بذلك يقتضي التشبيه، واللَّه متعالٍ عن التشبيه. تعالى اللَّه عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا. [4721] (ثنا هارون بن معروف) الخزاز الضرير شيخ مسلم (ثنا سفيان) بن عيينة (عن هشام) بن عروة القرشي (عن أبيه) عروة بن الزبير، كان صائم الدهر ومات وهو صائم. (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا يزال الناس يتساءلون) أي: يسأل بعضهم بعضا (حتى يقال: ) ولمسلم: "لا يزال الناس يسألونكم عن العلم حتى يقولوا: " (¬2) وله في رواية: "لا يزالون يسألونك يا أبا هريرة" (¬3) وذكره البخاري في بدء الخلق في صفة إبليس، ولفظه: "هذا اللَّه خلق كل شيء فمن خلق اللَّه؟ ! " (¬4). (هذا) اللَّه خلق كل شيء وقد (خلق) بفتح اللام فعل ماضٍ (اللَّه الخلق) يعني: المخلوقات جميعها (فمن خلق اللَّه؟ ! ) زاد مسلم في رواية: قال -يعني: أبا هريرة- فبينا أنا في المسجد إذ جاءني ناس من ¬

_ (¬1) ترجم له الذهبي في "السير" 6/ 26، والصفدي في "الوافي بالوفيات" 11/ 160 وغيرهما. (¬2) مسلم (135). (¬3) السابق. (¬4) البخاري (3276).

الأعراب فقالوا: يا أبا هريرة، هذا اللَّه فمن خلق اللَّه؟ قال: فأخذ حصًى بكفه فرماهم ثم قال: قوموا، صدق لخيلي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1). (فمن وجد من ذلك) الوسواس (شيئًا فليقل: آمنت باللَّه) أمر بتذكر الإيمان الشرعي والإعراض عن هذا الخاطر الباطل واشتغال القلب بالإيمان الحقيقي؛ لتمحى تلك الشبهات وتضمحل تلك الترهات، وهذِه كلها أدوية للقلوب السليمة الصحيحة المستقيمة التي تعرض الشبهات لها ولا تمكث فيها، فإذا استعملت هذِه الأدوية على نحو ما أمر الشارع به بقيت القلوب على صحتها وانحفظت سلامتها، فأما القلوب التي تمكنت منها أمراض الشبه ولم تقدر على دفع ما حصل بها بهذِه الأدوية المذكورة فلابد من مشافهتها بالدليل العقلي والبرهان القطعي، كما فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-[حين] (¬2) خالطته شبهة الإبل الجرب حين قال له: "لا عدوى" فقال أعرابي: فما بال الإبل تكون في الرمل كالظباء فإذا دخل فيها البعير الأجرب أجربها؟ ! فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فمن أعدى الأول" (¬3) فاستأصل (¬4) الشبهة من أصلها، وموضع هذا أصول الدين. [4722] (حدثنا محمد بن عمرو) بن زنيج بزاي ونون وجيم، مصغر، الرازي، أخرج له مسلم (ثنا سلمة بن الفضل) الأبرش ¬

_ (¬1) مسلم (135). (¬2) زيادة يقتضيها السياق. (¬3) رواه البخاري (5717، 5770، 5775)، ومسلم (2220) من حديث أبي هريرة. (¬4) بعدها في الأصول قطع ولا وجه لها.

الأنصاري، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬1)، وأخرج له الترمذي وابن ماجه في التفسير (حدثني محمد بن إسحاق) بن يسار رأى أنسًا -رضي اللَّه عنه- (عن عتبة بن مسلم) التجيبي (¬2) (مولى بني تيم) إمام جامع مصر، ثقة (عن أبي سلمة) عبد اللَّه (بن عبد الرحمن) بن عتبة (¬3). (عن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: فذكر نحوه) وزاد: (فإذا قالوا ذلك فقولوا) عند الوسوسة: هو ({اللَّهُ أَحَدٌ}) أي: لا ثاني له، وفي قراءة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (اللَّه أحد) بغير: {قُلْ هُوَ} كما في هذا الحديث، ورواية هذا الحديث تدل على هذا {اللَّهُ الصَّمَدُ} هو فعل بمعنى مفعول من صمد إليه إذا قصده، والمعنى هو السيد الذي يصمد إليه كل الخلائق في جميع حوائجهم. ({لَمْ يَلِدْ}) لأنه لا يجانس حتى يكون له من جنسه صاحبة فيتوالدا، ودل على هذا المعنى قوله تعالى: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} (¬4) ({وَلَمْ يُولَدْ}) لأن كل مولود محدث ({وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)}) أي: لم يكافئه أحد، أي: لم يماثله ولم يشابهه (ثم ليتفل) التفل بالمثناة والفاء: نفخ معه أدنى بزاق، وهو أكثر من النفث، وهو عبارة عن كراهية هذا الخاطر ونفور (¬5) طبعه ¬

_ (¬1) "الثقات" 8/ 287. (¬2) كذا في النسخ، وهو خطأ، والصواب: (التيمي)، انظر: "تهذيب الكمال" 19/ 323 (3785)، 20/ 222 (3987). (¬3) كذا في (ل)، (م)، والصواب: (عوف). (¬4) الأنعام: 101. (¬5) كلمة غير واضحة.

عنه، كمن وجد ريح جيفة منتنة فكره ريحها وتفل من نتنها، وجاء التفل هنا ثلاثًا أوله البزق، ثم التفل، ثم النفث، ثم النفخ (عن يساره) لأنها جهة الشيطان التي يأتي منها، أو لإكرام اليمين (ثلاثًا) أي: يتفل ثلاث مرات ليكون أبلغ؛ ليطرد الشيطان ويعلمه أنه كره وسوسته وليس مطيعًا له (ويستعيذ) باللَّه (من الشيطان) أي: ليلتجئ بصدق النية إلى اللَّه تعالى ليعينه عليه، ويدفع شر وسوسته عنه. [4723] (ثنا محمد بن الصباح) التاجر البزاز، مصنف "السنن" شيخ الشيخين (ثنا الوليد) بن عبد اللَّه (بن أبي ثور) الهمداني الكوفي، لا يحتج بحديثه؛ لأنهم ضعفوه (عن سماك) بن حرب، استشهد به البخاري، في "الجامع" وروى له في "القراءة خلف الإمام" (¬1) (عن عبد اللَّه بن عميرة) بفتح العين وكسر الميم، الكوفي. قال البخاري: لا يحكم له بسماع من الأحنف (¬2). لكن الترمذي حسن حديثه (¬3)، وذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4)، ورواه أبو بكر بن خزيمة في كتاب "التوحيد" (¬5) وهو قد التزم أنه لا يذكر فيه إلا ما صح من الأحاديث (¬6)، وفي سنده الوليد ابن أبي ثور. قال البخاري: عبد اللَّه بن عميرة لا يعرف له سماع من الأحنف. ¬

_ (¬1) في حديث رقم (185). (¬2) "التاريخ الكبير" 5/ 159. (¬3) انظر حديث رقم (3320). (¬4) "الثقات" 4/ 339. (¬5) "التوحيد" 1/ 234. (¬6) انظر "مقدمة التوحيد" 1/ 11.

(عن الأحنف بن قيس، عن العباس بن عبد المطلب) بن هاشم عم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان أسن منه بسنتين، حضر بدرًا مكرها فأسر ثم أسلم، وقيل: كان يكتم إسلامه. (قال: كنت) جالسًا (في البطحاء) بالمد، وهو موضع بين مكة ومنى، وهو إلى منى أقرب، وهو الأبطح، وهو بطحاء مكة، وهو المحصب، وهو خيف بني كنانة وأصل البطحاء: المسيل المتسع فيه دقاق الحصا (في عصابة) وهي الجماعة من الناس من العشرة إلى الأربعين و (فيهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) جالس (فمرت بهم سحابة) ابن ماجه: فمرت به (¬1) (فنظر إليها) لفظ الترمذي: إذ مرت عليهم سحابة فنظروا إليها فقال: "هل تدرون ما اسم هذِه؟ " (¬2). (فقال: ما تسمون هذِه؟ قالوا: السحاب. قال: و) يسمى (المزن. قالوا: والمزن) والمزن جمع، واحده: مزنة، تصغيرها: مزينة، وبها سميت القبيلة، والنسبة إليها مزني بحذف ياء التصغير. وقيل: المزنة السحابة البيضاء، والبرد حب المزن. (قال: والعنان) بفتح العين المهملة، والنون المخففة (قالوا: والعنان) ومنه حديث: "لو بلغت خطيئتك عنان السماء" (¬3) مشتق من قولهم: عنَّ لك الشيء: اعترض، وفي هذا فضيلة علم اللغة وتعلم الأسماء الكثيرة ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (193). (¬2) "سنن الترمذي" (3320). (¬3) جزء من حديث رواه الترمذي (3540)، والطبراني في "الأوسط" 4/ 315 (4305)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" 2/ 231، والضياء في "الأحاديث المختارة" 4/ 399 (1571) من حديث أنس بن مالك، وصححه الألباني في "الصحيحة" (127).

للشيء الواحد مترادفة أو مع اختلاف المعاني. وفيه تعليم ذلك لمن لم يسأل عنه. (قال) المصنف (لم أتقن) بضم الهمزة، وكسر القاف من الإتقان، يعني: رواية قوله: و (العنان) إتقانا (جيدًا) وقد أتقنها الترمذي وابن ماجه وابن خزيمة (¬1) ثم (قال: هل تدرون) كم (بُعد) بضم الموحدة (ما بين السماء والأرض؟ قالوا: لا ندري) في رواية ابن ماجه: قال أبو بكر (¬2). (قال: إن بعد ما بينهما) لفظ ابن ماجه: قال: "بينكم وبينها" (¬3) (قال: إما) بكسر الهمزة (واحدة أو ثنتان أو ثلاث وسبعون سنة، ثم السماء) التي (فوقها كذلك حتى عد) هن (سبع سموات) كذلك، وعلى تقدير صحة هذا الحديث فليس هذا القدر الذي ذكره -صلى اللَّه عليه وسلم- للتحديد، وعلى تقدير كونه تحديدًا فإن المشهور الذي رواه الترمذي في تفسير سورة الحديد عن أبي هريرة: بينما نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جالس وأصحابه إذ أتى عليهم سحاب فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أتدرون ما هذا؟ " قالوا: اللَّه ورسوله أعلم. قال: "هذا العنان هذا زوايا الأرض يسوقه اللَّه تعالى إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه" ثم قال: "هل تدرون ما فوقكم؟ " قالوا: اللَّه ورسوله أعلم. قال: "فإنها الرقيع سقف محفوظ وموج مكفوف" ثم قال: "هل تدرون كم بينكم ¬

_ (¬1) انظر: "سنن الترمذي" (3320)، "سنن ابن ماجه" (193)، "التوحيد" لابن خزيمة 1/ 234. (¬2) "سنن ابن ماجه" (193). (¬3) السابق.

وبينها؟ " قالوا: اللَّه ورسوله أعلم. قال: "بينكم وبينها خمسمائة سنة" ثم قال: "هل تدرون ما فوق ذلك" قالوا: اللَّه ورسوله أعلم. قال: "فإن بين كل سماءين خمسمائة سنة" حتى عدَّ سبع سموات بين كل سماءين كما بين السماء والأرض (¬1). وعلى تقدير صحة الحديثين فيمكن أن يكون مسير الخمسمائة بطيئا ومسيرة الثلاث والسبعين سريعًا بأن يكون الخمسمائة بسير الإبل، والثلاث وسبعون بسير أجاويد الخيل، ونحو ذلك، ويحتمل غير ذلك، وقيل: ليس هذا القدر المذكور في الحديث تحديدا بل تقريبًا (ثم فوق) السماء (السابعة بحر بين أسفله وأعلاه مثل) بالرفع، وللترمذي: "كما" (¬2) (بين سماء إلى سماء) والظاهر أن هذا بحر ماء، ويحتمل أن يكون من برد أو غيره. (ثم فوق ذلك ثمانية أوعال) والأوعال بالعين المهملة تيوس الجبال، واحدها وعِل بكسر العين، وهو العنز الوحشي. وفي الحديث: "في الوعل شاة" (¬3) يعني: إذا قتله المحرم، وهذِه الثمانية أوعال هي تفسير قوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} (¬4) قيل: ثمانية أوعال، أي: ملائكة على صورة الأوعال. ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (3298)، ورواه أيضًا أحمد 2/ 370. قال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجه وفيه الحسن لم يسمع عن أبي هريرة. (¬2) "سنن الترمذي" (3320). (¬3) ذكره ابن الأثير في "النهاية" 5/ 207، وغيره. (¬4) الحاقة: 17.

(بين أظلافهم) أي: بين ظِلف أحدهم بكسر الظاء المعجمة، وسكون اللام، وهو للبقر والغنم والظباء، بمنزلة الحافر للدابة (وركبهم مثل) بالرفع مبتدأ مؤخر (ما بين سماء إلى سماء، [ثم على ظهورهم) (¬1) أي: الأوعال (العرش) عرش الرحمن، وهذا الحديث رواه أبو بكر ابن خزيمة (¬2)، وهو ملتزم ألا يذكر إلا ما صح من الأحاديث (¬3). وأوله رواية ابن ماجه: "العرش بين أعلاه وأسفله كما بين سماء إلى سماء، ثم اللَّه فوق ذلك تبارك وتعالى" (¬4). (بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء] (¬5) ثم اللَّه تعالى) أي: حكمه وعظمته وقدرته فوق ذلك العرش، لا بحسب المكان تعالى اللَّه عما يقول الجاهلون علوًّا كبيرًا. [4724] (ثنا أحمد بن أبي سريج) بالسين المهملة وبعد الياء جيم، وهو ابن الصباح شيخ البخاري (أنا عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن سعد) الدشتكي الرازي صدوق (ومحمد بن سعيد قالا: أبنا عمرو بن أبي قيس، عن سماك) بن حرب (بإسناده ومعناه) المذكورين. [4725] (ثنا أحمد بن حفص، حدثني أبي) عبد اللَّه السلمي (¬6) (ثنا ¬

_ (¬1) بعدها في (ل): ظهورهن. ولعلها نسخة. (¬2) "التوحيد" 1/ 251. (¬3) انظر مقدمة "التوحيد" 1/ 11. (¬4) "التوحيد" 1/ 234، "سنن ابن ماجه" (193). (¬5) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬6) كذا في النسخ، وفيه سقط، والصواب: (حفص بن عبد اللَّه السلمي) كما في مصادر ترجمة ابنه.

إبراهيم بن طهمان، عن سماك بإسناده ومعناه) في (هذا الحديث الطويل) المذكور. [4726] (ثنا عبد الأعلى بن حماد) الباهلي مولاهم النرسي، شيخ الشيخين (ومحمد بن المثنى، ومحمد بن بشار، وأحمد بن سعيد الرباطي) المروزي (قالوا: ثنا وهب (¬1) بن جرير) بفتح الجيم، الأزدي الحافظ (قال أحمد) بن سعيد (كتبناه من نسخته وهذا لفظه قال: حدثني أبي) (¬2) جرير بن حازم الأزدي، رأى جنازة أبي الطفيل (قال: سمعت محمد بن إسحاق) بن يسار صاحب "المغازي" (يحدث عن يعقوب بن عتبة) بن المغيرة بن الأخنس، الثقفي، ثقة، من العلماء (عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم) مقبول، وليس له في الكتب الستة غير هذا الحديث (عن أبيه) (¬3) محمد النوفلي، عاش إلى سنة مائة (عن جده) جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل أحد أشراف قريش وحكمائها، كان يؤخذ عنه النسب وأخذه عن أبي بكر، أسلم بعد الحديبية. (قال: أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أعرابي فقال: يا رسول اللَّه جُهدت) بضم الجيم، وكسر الهاء، مبني للمجهول (الأنفس) أي: حصل لها المشقة الشديدة، يقال: جهد الرجل إذا وجد مشقة وجهد الناس فهم مجهودون، إذا أجدبوا، وفي حديث الدعاء: "أعوذ بك من جهد البلاء" (¬4) أي: الحالة الشاقة (وضاعت) بفتح الضاد المعجمة أي: ¬

_ (¬1) و (¬2) و (¬3)، فوقها في (ل): (ع). (¬4) رواه البخاري (6347)، ومسلم (2707) من حديث أبي هريرة: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يتعوذ من جهد البلاء ودرك الشقاء. . .

تلِفت من الجوع، وفي رواية: جاعت (العيال، ونهكت) بضم النون، وكسر الهاء، أي: نقصت (الأموال) من الجدب (وهلكت) بفتح اللام (الأنعام) وهي الإبل والبقر والغنم، وأصلها الإبل لنعومة جسمها، (فاستسق اللَّه تعالى لنا) والاستسقاء طلب السقيا والسقي من السماء (فإنا نستشفع بك على اللَّه) والاستشفاع طلب الشفاعة، أي: نطلب الشفاعة بك لحرمتك على اللَّه تعالى ([ونستشفع] (¬1) باللَّه عليك) فتكون (على) بمعنى (إلى) أي: نجعلك شفيعنا إلى اللَّه تعالى؛ ليحصل مقصودنا، وينجح أملنا. (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ويحك) بالنصب، كلمة ترحم (أتدري ما تقول؟ ! ) استفهام إنكار عليه لكثرة مبالغة في وصفه (وسبح رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) أي: قال: سبحان اللَّه سبحان اللَّه (فما زال يسبح اللَّه تعالى) أي: يكرر التسبيح (حتى عرف) بضم العين، وكسر الراء، مبني للمجهول، (ذلك) الذي كرهه منهم (في وجوه أصحابه) أي: ما زال يكرر التسبيح حتى عرف التغير في وجوه أصحابه كأنهم توسموا منه أنه غضب من هذا السؤال فخافوا من غضب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، حتى رق لهم وأشفق عليهم، فقطع التسبيح وبين عظمة الرب سبحانه (ثم قال) للأعرابي (ويحك إنه لا يستشفع) بضم أوله، وفتح ثالثه (باللَّه تعالى على أحد من خلقه) فإنه أعظم من ذلك؛ بل يستشفع بخلقه عليه؛ لأن الشافع في الغالب دون المشفوع إليه، والشفاعة فيما يتعلق بأمور الدنيا والآخرة هي سؤال الشافع المشفوع إليه في تجاوزه وصفحه عن ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل)، (م)، والمثبت من "السنن".

صاحب الجريمة (شأن اللَّه تعالى) أي: أمر اللَّه وخطبه (أعظم من ذلك) وأجل قدرًا (ويحك أتدري ما اللَّه؟ ! ) قال الخطابي (¬1): معنى قوله: (أتدري ما اللَّه)؟ ! معناه: أتدري ما عظمة اللَّه وجلاله؟ ! وأشار إلى أن ظاهر الحديث فيه نوع من الكيفية، والكيفية عن اللَّه وعن صفاته منتفية، وإنما هو كلام تقرير أريد به تقرير عظمة اللَّه، وجلاله -سبحانه وتعالى- منزه عن الكيفية ثم قال: (إن عرشه) تعالى (على سماواته) أي: العرش فوق السماوات (لَهكذا) بفتح اللام، التي هي جواب القسم محذوف (وقال) أي: أشار -صلى اللَّه عليه وسلم- (بأصابعه) الخمس فجعلها (مثل) بالنصب (القبة). قال البيهقي: التشبيه بالقبة إنما وقع للعرش المظلة عليه (¬2). أي: العرش مظلل على سطح السماوات كالقبة المظلة على السقف من البيت ونحوه، ولا يجوز إعادة الضمير في (عليه) على اللَّه تعالى كما يزعم المبطلون (وأنه) أي: أن العرش (ليئط به أطيط الرحل) وهو في الأصل قتب البعير، أي: للعرش صوت مثل صوت قتب البعير (بالراكب) الثقيل عليه من عظم مهابة اللَّه وجلاله، ومنه الحديث الآخر: "العرش على منكب إسرافيل وإنه ليئط أطيط الرحل الجديد" (¬3) يعني: كور الناقة، والعادة أن أطيط الرحل بالراكب إنما يكون لقوة ما فوقه وعجزه عن احتماله، وفي الحديث: "أطت السماء وحق لها أن تئط" (¬4) يعني: أن ما في السماء من الملائكة قد أثقلها ¬

_ (¬1) "معالم السنن" 4/ 302. (¬2) "الأسماء والصفات" 2/ 319. (¬3) ذكره ابن الأثير في "النهاية" 1/ 54. (¬4) رواه الترمذي (2312)، وأحمد 5/ 173، والبيهقي 7/ 52، وفي الشعب 1/ 484 =

حتى أطت، وهذا مثل وإنذار بكثرة الملائكة وهو تقرير أريد به تقرير عظمة اللَّه (¬1) تعالى. قال أبو بكر ابن فورك: ذلك يرجع إلى العرش، وليس فيه ما يدل على أن اللَّه تعالى مماس (¬2) له مماسة الراكب للرحل، بل فائدته أنه يسمع للعرش أطيط وصوت كأطيط الرحل إذا ركب عليه، ويحتمل تأويلا آخر أيضًا، وهو أن يقول: معناه أطيط الملائكة ضجيجهم بالتسبيح حول العرش. والمراد به الطائفون، وهذا سائغ كما قال: استبَّ بعدك يا كليب المجلس (¬3) والمراد أهل المجلس، وكذلك تقول: بنو فلان هم الطريق. والمراد به الواطئون الطريق (¬4). (قال محمد بن بشار في حديثه) الذي رواه (إن اللَّه تعالى فوق عرشه) إن (فوق) بمعنى (على) عند كافة العرب، وفي كتاب اللَّه قال اللَّه تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} (¬5) قال ابن عباس: إن اللَّه لما كان موصوفًا علي ¬

_ = (783)، والبغوي في "شرح السنة" 14/ 370 (4172)، وأبو القاسم الأصبهاني في "الترغيب والترهيب" 1/ 314 (526) من حديث أبي ذر. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب وصححه الحاكم في "المستدرك" 2/ 510، 4/ 578، والألباني في "الصحيحة" (1722). (¬1) ساقطة من (م). (¬2) في الأصول: مماسا. والصواب ما أثبتناه. (¬3) عزاه المبرد في "الكامل" 1/ 251 إلى مهلهل بن ربيعة، وهو يرثي أخاه كليبًا. (¬4) "مشكل الحديث وبيانه" (ص 454). (¬5) النحل: 50.

متعال علو المرتبة في القدرة حسن أن يقال [له: (من] (¬1) فوقهم)؛ ليدل على أنه في أعلى مراتب القادرين فمن قال: إن اللَّه فوق العرش كفوقية المخلوقين فقد الحد، وخص العرش بالذكر دون غيره؛ لأنه أعظم المخلوقات (وعرشه فوق سماواته) كما تقدم (وساق الحديث) المذكور. (وقال عبد الأعلى) بن حماد (وابن المثنى) (¬2) ومحمد (ابن بشار، عن يعقوب بن عتبة، وجبير بن محمد بن جبير) بن مطعم (عن أبيه، عن جده) جبير بن مطعم (والحديث بإسناد أحمد بن سعيد هو) الرباطي (الصحيح) إن شاء اللَّه، قاله المصنف، وروى ابن خزيمة هذا الحديث في "التوحيد" عن جبير بن مطعم (¬3)، قال: و (وافقه عليه جماعة منهم يحيى بن معين وعلي بن المديني، ورواه جماعة عن) محمد (ابن إسحاق كما قال) أحمد بن سعيد (أيضًا). (قال) المصنف (وكان سماع عبد الأعلى وابن المثنى وابن بشار من نسخة واحدة) كتبوها كلهم (فيما بلغني) عنهم. [4727] (ثنا أحمد بن حفص) قاضي نيسابور شيخ البخاري وغيره (حدثني أبي) حفص بن عبد اللَّه بن راشد السلمي، قاضي نيسابور أخرج له البخاري (حدثني إبراهيم بن طهمان، عن موسى بن عقبة، عن محمد ابن المنكدر، عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أذن) بضم الهمزة وكسر الذال (لي أن أحدث) أمتي. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين في الأصول: لمن. (¬2) ساقطة من (ل)، (م)، والمثبت من "سنن أبي داود". (¬3) "التوحيد" 1/ 239.

فيه أن علم الغيب مختص باللَّه تعالى، عنده علمه فلا يحيط به ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا بإذنه [فكما أنه لا يحيط بشيء منه أحد إلا بإذنه، ذلك لا يحدث به للمخلوقين إلا بإذنه] (¬1) فلولا أن اللَّه أذن للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يحدث عن هذا الملك إلا بعدما أذن اللَّه له في ذلك بوحي أو غيره (عن ملك) بفتح اللام (من ملائكة اللَّه) تعالى الكرام (من) الثمانية الذين هم (حملة العرش) على صورة الأوعال (إن ما بين شحمة أذنيه إلى عاتقه) وهو مجمع العضد (مسيرة) الفرس الجواد (سبعمائة عام) فما ظنك بطوله وعظم جثته. قال الزمخشري عن حملة العرش: يروى: ثمانية أملاك أرجلهم في تخوم الأرض السابعة، والعرش فوق رؤوسهم، وهم مطرقون مسبحون (¬2). * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) "الكشاف" 4/ 455.

20 - باب في الرؤية

20 - باب فِي الرُّؤْيَةِ 4729 - حَدَّثَنَا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ وَوَكِيعٌ وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنْ إِسْماعِيلَ بْنِ أَبي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- جُلُوسًا فَنَظَرَ إِلَى القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ لَيْلَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَقالَ: "إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَما تَرَوْنَ هذا، لا تُضَامُّونَ في رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها فافْعَلُوا". ثُمَّ قَرَأَ هذِه الآيَةَ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} (¬1). 4730 - حَدَّثَنَا إِسْحاقُ بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنَا سُفْيانُ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَة يُحَدِّثُ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ ناسٌ: يا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَرى رَبَّنا يَوْمَ القِيامَةِ قالَ: "هَلْ تُضارُّونَ في رُؤْيَةِ الشَّمْسِ في الظَّهِيرَةِ لَيْسَتْ في سَحابَةٍ". قالُوا: لا. قالَ: "هَلْ تُضارُّونَ في رُؤْيَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ لَيْسَ في سَحابَةٍ". قالُوا: لا. قالَ: "والَّذي نَفْسي بيَدِهِ لا تُضارُّونَ في رُؤْيَتِهِ إِلَّا كَمَا تُضارُّونَ في رُؤْيَةِ أَحَدِهِما" (¬2). 4731 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ، ح وَحَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعاذٍ، حَدَّثَنَا أَبي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ -المَعْنَى-، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطاءٍ، عَنْ وَكِيعٍ قَالَ مُوسَى: ابن عُدُسٍ، عَنْ أَبي رَزِينٍ قالَ مُوسَى العُقَيْلي: قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ أَكُلُّنا يَرى رَبَّهُ قالَ ابن مُعاذٍ: مُخْلِيًا بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ؟ وَما آيَةُ ذَلِكَ في خَلْقِهِ قالَ: "يَا أَبا رَزِينٍ أَلَيْسَ كلُّكُمْ يَرى القَمَرَ؟ ". قالَ ابن مُعاذٍ: "لَيْلَةَ البَدْرِ مُخْلِيًا بِهِ". ثُمَّ اتَّفَقا. قُلْت: بَلَى. قالَ: "فَاللَّه أَعْظَمُ". قالَ ابن مُعاذٍ: قالَ: "فَإِنَّمَا هُوَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ فاللَّه ¬

_ (¬1) رواه البخاري (554)، ومسلم (633). (¬2) رواه البخاري (806)، ومسلم (182).

أَجَلُّ وَأَعْظَمُ" (¬1). * * * باب في الرؤية [4729] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، ووكيع (¬2)، وأبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (عن إسماعيل بن أبي (¬3) خالد) سعد الأحمسي الكوفي (عن قيس بن أبي حازم) تابعي كبير فاتته الصحبة بليال (عن جرير بن عبد اللَّه) البجلي -رضي اللَّه عنه- (قال: كنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جلوسًا فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة) لفظ البخاري: كنا عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذ نظر إلى القبلة ليلة البدر (¬4). (فقال) أما (إنكم سترون ربكم كما ترون هذا) القمر (لا تضامون) يروى بضم التاء وخفة الميم من الضيم، وهو التعب والظلم، أي: لا يظلم بعضكم بعضًا، ولا يتعبه بالزحام عند النظر إليه، ويروى بفتح التاء، وتشديد الميم، أصله: تتضاممون فحذفت إحدى التاءين تخفيفًا، أي: لا يضامم بعضكم بعضا بالزحام كما يفعله الناس من المزاحمة عند طلب الشيء الخفي الذي لا يسهل إدراكه (في رؤيته) المراد تشبيه الرؤية بالرؤية لا تشبيه المرئي بالمرئي تعالى اللَّه تعالى عن ذلك. ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (180)، وأحمد 4/ 11. وضعفه الألباني في "المشكاة" (5658). (¬2) كذا في النسخ، وقبلها في "سنن أبي داود" (4729): (حدثنا جرير). (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) البخاري (573).

(فإن استطعتم أن لا تغلبوا) بلفظ المجهول (على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها) وهاتان الصلاتان هما الصبح والعصر، وخصهما النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالذكر؛ لأن الصبح يغلب فيها النوم، والعصر يشتغل الناس عنها بالمعاملات والحرف، ومثله حديث: "من صلى البردين دخل الجنة" (¬1) وفي الحديث أن رؤية اللَّه ممكنة وأنها سترى في الآخرة للمؤمنين كما هو مذهب الجماعة، ومعنى الحديث أنكم ترونه رؤية محققة لا شك فيها ولا مشقة ولا خفاء كما ترون القمر كذلك، وفيه زيادة شرف الصلاتين لتعاقب الملائكة في وقتيهما، ومن حافظ على هاتين الصلاتين مع ما فيهما من التثاقل بلذة النوم والتشاغل بإتمام الوظائف، فلأن يحافظ على غيرهما بطريق الأولى (فافعلوا) فإن قيل: ما المراد بفعل الأمر ولا يصح أن يراد افعلوا الاستطاعة، وافعلوا عدم المغلوبية فالجواب أن عدم المغلوبية كناية عن الإتيان بالصلاة، فإنه لازم الإتيان بها فكأنه قال: ائتوا بالصلاة فاعلين لها. (ثم قرأ هذِه الآية فسبح) كذا هنا وفي "الصحيح" بالفاء (¬2)، والتلاوة: {وَسَبِّحْ} بالواو، لا بالفاء ({بِحَمْدِ رَبِّكَ}) فيه وجهان أحدهما ليس تسبيحنا تسبيحًا، بل تستحق بحمدك وجلالك هذا التسبيح. والثاني: إنا نسبحك بحمدك فلولا إنعامك علينا بالتوفيق لم نستطع هذا التسبيح، كما قال داود: يا رب كيف أقدر أن أشكرك وأنا لا أصل إلى شكر نعمتك إلا بنعمتك؟ ! فأوحى اللَّه إليه: الآن ¬

_ (¬1) رواه البخاري (574)، ومسلم (635) من حديث أبي موسى الأشعري. (¬2) البخاري (573).

شكرتني؛ إذ عرفت أن كل ذلك مني. {قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ} وهي صلاة الصبح {وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} وهي صلاة العصر. وفي قوله: إن استطعتم أن لا تغلبوا عن صلاة يرد على من قال: المراد بالتسبيح قول: سبحان اللَّه؛ لأنه الحقيقة. [4730] (حدثنا إسحاق بن إسماعيل) الطالقاني، ثقة (عن سفيان) بن عيينة (عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان (أنه سمعه يحدث عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال ناس: يا رسول اللَّه أنرى) لفظ مسلم: هل نرى (¬1) (ربنا يوم القيامة؟ قال) نعم. (هل تضارون) روي بتشديد الراء وتخفيفها، والتاء مضمومة فيهما، ومعنى المشدد: هل تضاررون غيركم في حال الرؤية بزحمة أو مخالفة في الرؤية أو غيرها لخفائه كما تفعلون في أول ليلة من الشهر (في رؤية الشمس في الظهيرة) أي: في وقت شدة حرها ووهجها (ليست في سحابة؟ ! ) تسترها وتستر من حرها (قالوا: لا. قال: هل تضارون في [رؤية] (¬2) القمر) ومعنى التخفيف: هل يلحقكم في رؤيته ضير؟ وهو الضرر (ليلة البدر) أي: ليلة كماله، وهو مصدر بدر إلى الشيء في الأصل، و (ليس فيه سحابة؟ ! ) لفظ مسلم: "ليس فيها" (¬3) أي: في تلك الليلة. (قالوا: لا. قال: والذي نفسي بيده لا تضارون في رؤيته) أي: في ¬

_ (¬1) مسلم (182) وكذا عند البخاري (806) وفي غير موضع. (¬2) ليست في (ل)، (م)، والمثبت من "سنن أبي داود". (¬3) مسلم (183) وكذا عند البخاري (4581) من حديث أبي سعيد الخدري.

رؤية اللَّه تعالى (إلا كما تضارون في رؤية أحدهما) معناه: تشبيه الرؤية في الرؤية في الوضوح، وزوال الشك والمشقة والاختلاف، لا المرئي في المرئي، وأجمع أهل السنة على أن المؤمنين يرون اللَّه في الآخرة (¬1). [4731] (ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد) بن سلمة (وثنا عبيد اللَّه) بالتصغير (ابن معاذ) بن معاذ (ثنا أبي) معاذ العنبري (ثنا شعبة المعنى، عن يعلى بن عطاء) الطائفي، أخرج له مسلم (¬2) (عن وكيع بن عدس) بمهملات وضم الأولى والثانية. (قال موسى) بن إسماعيل في روايته عن وكيع (ابن حدس) بمهملات وضم أوله وثانيه، وقد يفتح ثانيه، ويقال بالعين بدل الحاء، وهو الأشهر، وهو أبو مصعب العقيلي بفتح العين الطائفي مقبول تابعي، لكن جل روايته عن كبار التابعين. (عن أبي رزين) بفتح الراء واسمه لقيط بن عامر، ويقال: لقيط بن صبرة. قال ابن عبد البر: فمن قال: لقيط بن صبرة. نسبه إلى جده، وهو لقيط بن عامر بن صبرة (قال موسى) بن إسماعيل في روايته عن أبي رزين: (العقيلي) بضم العين نسبة إلى عقيل قبيلة معروفة، فإنه لقيط بن عامر بن المنتفق بن عامر ابن عقيل. (قال: قلت: يا رسول اللَّه، أَكُلُّنا يرى ربه؟ ) يوم القيامة (قال) عبيد اللَّه (ابن معاذ) في روايته (مخليا) (¬3) بضم الميم، وسكون الخاء المعجمة، ¬

_ (¬1) نقل الاجماع الأشعري في "رسالته إلى أهل الثغر" (ص 134). (¬2) (1835، 2231/ 126). (¬3) قبلها في (ل)، (م): مَخْليًا.

وكسر اللام، يقال: خلوت به ومعه وإليه، واختليت به إذا انفردت (به) أي: يراه كلهم. (يوم القيامة) منفردًا لنفسه، كقوله "لا تضارون في رؤيته" (¬1) (وما آية) بمد الهمزة، أي: ما علامة (ذلك في خلقه؟ ) بفتح الخاء المعجمة، وسكون اللام، فيحتمل أن تكون (في) بمعنى اللام، كقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن امرأة دخلت النار في هرة" (¬2) والتقدير واللَّه أعلم: وما العلامة لخلقه التي يعرفونه بها، وفي "صحيح مسلم": "فيأتيهم اللَّه في صورة غير صورته التي يعرفون فيقول: أنا ربكم. فيقولون: هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء عرفناه، فيأتيهم اللَّه في صورته التي يعرفون فيقول: أنا ربكم. فيقولون: أنت ربنا" (¬3). قال العلماء: معناه: يتجلى اللَّه لهم على الصفة التي يعرفونه بها، وإنما يعرفونه بصفة، وإن لم تكن تقدمت لهم رؤية له سبحانه؛ لأنهم يرونه لا يشبه شيئًا من مخلوقاته، وقد علموا أنه لا يشبه شيئًا من مخلوقاته فيعلمون أنه ربهم (¬4). كما روي أن موسى لما كلمه ربه عرف ذلك؛ لأنه سمع كلامه بجميع أعضائه وحواسه من جميع جهاته؛ لا أنه سمع كلامه من جهة واحدة كالآدميين. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (7439) من حديث أبي سعيد الخدري، ومسلم (2968) من حديث أبي هريرة. (¬2) رواه البخاري (3318)، ومسلم (2242) من حديث ابن عمر. (¬3) "صحيح مسلم" (182). (¬4) انظر: "شرح مسلم" للنووي 3/ 20.

(قال: يا أبا رزين، أليس كلكم يرى القمر) عيانا دون شك ولا ريب ويعرف أنه القمر (قال) عبيد اللَّه (ابن معاذ ليلة البدر مخليا) تقدم (به، ثم اتفق) يعني: حمادًا وعبيد اللَّه بن معاذ (قلت: بلى. قال: فاللَّه تعالى أعظم. قال ابن معاذ: قال: فإنما هو) يعني واللَّه أعلم-: الرائي للَّه تعالى (خلق) بفتح الخاء، وسكون اللام، وتنوين آخره (من) بعض (خلق) بفتح الخاء وسكون اللام، وجر آخره (اللَّه) أي: إن من رأى اللَّه من جملة مخلوقات اللَّه الذين خلقهم لا يكون لهم علامة على معرفته؛ لأنهم مخلوقون، والعلامة مخلوقة. والمخلوق لا يعرف أنه الخالق لتضاد ما بينهما. (فاللَّه أجل وأعظم) من ذلك، بل إنما تتصور معرفته سبحانه بأنه لا يشبه شيئًا من مخلوقاته، قال فإنما هو كما تقدم، ويحتمل غير ذلك من التأويلات التي اختص اللَّه بها أو يطلع عليها بعض أصفيائه الراسخين في العلم، واللَّه أعلم بالمراد، والتسليم في معرفة المتشابهات أسلم كما هي طريقة السلف، وأهل الاقتداء من الخلف، وإنما ذكرت ما ذكرته على سبيل التقريب والاحتمال، فإني لم أر من تكلم فيه، فليعم القارئ المعذرة ويستر العورة ويسامح في الجرأة في الكلام بما لا يعلم. [4728] (¬1) (ثنا علي بن نصر) الجهضمي شيخ مسلم (ومحمد بن يونس النسائي) وثقه المصنف وغيره (المعنى ثنا) أبو عبد الرحمن (عبد اللَّه بن يزيد) القصير مولى عمر بن الخطاب (المقرئ) وكان يقول: أنا بين التسعين إلى المائة، أقرأت القرآن بالبصرة ستا وثلاثين سنة، وهاهنا بمكة خمسًا وثلاثين سنة، وكان أخذ القراءة عن نافع بن أبي ¬

_ (¬1) هذا الحديث في المطبوع داخل في الباب السابق.

نعيم، وله اختيار القراءة (¬1) (ثنا حرملة بن عمران) التجيبي، أخرج له مسلم (قال: حدثني أبو يونس سليم) مصغر (ابن جبير مولى أبي هريرة) الدوسي المصري، روى له البخاري في "الأدب" ومسلم وغيره. (قال: سمعت أبا هريرة -رضي اللَّه عنه- يقرأ هذِه الآية: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ}) وهي شاملة لكل أمانة، وأمهاتها في الأحكام: الوديعة واللقطة والرهن والعارية ({إِلَى أَهْلِهَا}) يعني: أربابها، فالسمع أمانة والبصر أمانة واللسان أمانة إلى غير ذلك (إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}) و (رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) يقرأ هذِه الآية و (يضع إبهامه على أذنه) اليمنى (و) السبابة التي (تليها على عينه) اليمنى، قال الخطابي: وضعه أصبعيه على أذنيه وعينه عند قراءته: {سَمِيعًا بَصِيرًا} معناه: إثبات صفة السمع والبصر للَّه تعالى لا إثبات الأذن والعين؛ لأنهما جارحتان واللَّه تعالى منزه عن الجارحة، فهو موصوف بصفاته العليا، منفي عنه ما لا يليق به من صفات الآدميين ونعوتهم، ليس بذي جوارح ولا بذي أجزاء وأبعاض ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير (¬2). (قال أبو هريرة -رضي اللَّه عنه-: رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقرؤها ويضع أصبعه) يعني: الإبهام والتي تليها، ولو قرئ: أصبعيه. -على التثنية كما تقدم- لكان له وجه، وكذا هو في بعض النسخ المعتمدة. قلت: وفي وضعه أصبعيه على أذنه وعينه عند قراءته الآية -وأولها: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في "سير أعلام النبلاء" 10/ 167. (¬2) "معالم السنن" 4/ 303 - 304.

تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ} - معنى آخر: وهو أنه أشار بالآية إلى أن الأذن أمانة والعين أمانة، وقد أمر اللَّه أن تؤدى الأمانات فيهما، وفي بقية الأعضاء، وقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كلكم راع وكلكم مسوول عن رعيته" (¬1) فجميع ذلك أمانة ومسؤول عن أمانته، فكل آدمي عليه أن يؤدي حق أمانتي العين والأذن الذي اؤتمن عليهما. (قال) محمد (ابن يونس: قال) أبو عبد الرحمن (المقرئ: [يعني: أن اللَّه سميع بصير، يعني: أن للَّه سمعا وبصرًا. قال أبو داود] (¬2): وهذا) الحديث (رد على الجهمية) في مذهبهم أن اللَّه لا يوصف بالسمع ولا بالبصر، ولا بأنه حي ولا عالم ولا شيء من ذلك، يزعم أن وصفه بذلك ووصف غيره به يقتضي التشبيه بينهما تعالى اللَّه عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا. * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (893)، ومسلم (1829) من حديث ابن عمر. (¬2) ما بين الحاصرتين مستدرك من مطبوعة "السنن"، وقد أشار الشيخ شعيب في نشرته 7/ 110 إلى أن مقالة المقرئ هذه من نسخة.

21 - باب في الرد على الجهمية

21 - باب فِي الرَّدِّ عَلَى الجَهْمِيَّةِ 4732 - حَدَّثَنَا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ وَمحَمَّد بْنُ العَلاءِ أَنَّ أَبا أُسامَةَ أَخْبَرَهُمْ عَنْ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ قالَ: قالَ سَالِمٌ: أَخْبَرَني عَبْدُ اللَّهِ بْن عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَطْوي اللَّهُ السَّمَواتِ يَوْمَ القِيامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ اليُمْنَى ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ أَيْنَ الجَبّارُونَ؟ أَيْنَ المُتَكَبِّرُون؟ ثُمَّ يَطْوي الأَرَضِينَ ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ". قالَ ابن العَلاءِ: "بِيَدِهِ الأُخْرى، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ أَيْنَ الجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ المُتَكَبِّرُونَ؟ " (¬1). 4733 - حَدَّثَنَا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَنْ أَبي عَبْدِ اللَّهِ الأَغَرِّ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَماءِ الدُّنْيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرِ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ ! مَنْ يَسْأَلُني فَأُعْطِيَهُ؟ ! مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ " (¬2). * * * [4732] (ثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء أن أبا أسامة) حماد ابن أسامة الكوفي (أخبرهم عن عمر بن حمزة) بن عبد اللَّه بن عمر أخرج له مسلم في هذا الحديث وغيره. (قال: قال) عمي (سالم) بن عبد اللَّه (أخبرنى عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: يطوي اللَّه تعالى السموات) وفي الصحيحين زيادة، وهو: "يقبض اللَّه الأرض" (يوم القيامة) "ويطوي السماء بيمينه" (¬3) وفي وصف الأرض بالقبض والسماء بالطي إشارة إلى سعة ¬

_ (¬1) رواه البخاري (7412)، ومسلم (2788). (¬2) سبق برقم (1315). (¬3) البخاري (7412)، مسلم (2788).

السماء على الأرض؛ لأن الطي لا يستعمل إلا في الشيء الطويل بخلاف قبض الشيء باليد، لكن هذا مخالف لما قاله القاضي عياض: أن (يطوي) و (يقبض) و (يأخذ) (¬1) كلها (¬2) بمعنى الجمع؛ لأن السموات مبسوطة والأرض مدحوة، فعاد كله إلى ضم بعضها إلى بعض. انتهى (¬3). وقال اللَّه تعالى: ({يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُابِ}) وفي قراءة: {لِلْكُتُبِ} (¬4) قيل: السجل الكاتب، تقديره: كطي الكاتب الورقة المكتوبة لأجل ما كتب فيها (¬5)، لكن رواية المصنف الآتية: "ثم (¬6) يطوي الأرضين" يؤيد ما قاله القاضي "يوم القيامة" (ثم يأخذهن) بعد كمال الطي والقبض (بيده اليمنى) وإطلاق اليد على اللَّه تعالى متأول على القدرة (¬7)، وكنى عن ذلك باليد؛ لأن أفعالنا تقع باليدين فخوطبنا بما نفهمه؛ ليكون أوضح وأوكد في النفوس، وذكر اليمين ليتم المثال؛ لأنا نتناول باليمين ما كان للإكرام وهو موافق لقوله تعالى: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} (¬8). ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) في (ل)، (م): كلمة. والمثبت من "إكمال المعلم". (¬3) "إكمال المعلم" 8/ 319. (¬4) الأنبياء: 104، وهي قراءة حمزة والكسائي وحفص. انظر: "حجة القراءات" (ص 471). (¬5) ساقطة من (م). (¬6) في (ل)، (م): يوم. والمثبت من "سنن أبي داود". (¬7) سبق وأن نقضنا هذا المذهب، وذكرنا أنه مخالف لمذهب الصحابة والتابعين، ومن بعدهم، ونسأل اللَّه أن يوفقنا للصواب. (¬8) الزمر: 67.

(ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ) فيه تهديد عظيم لملوك الأرض والمتكبرين في الدنيا على الناس بغير حق والمتجبرين على عباده، (ثم يطوي) اللَّه (الأرضين) بفتح الراء جمع أرض، وجمع السلامة في الأرض شاذ في العربية؛ لأنه لم يستوف الشروط لكونه غير علم ولا صفه بل هو نكرة لاسم جنس مؤنث، وجمع الأرضين يرجح أن الأرض سبع كالسموات، وقد صرح بذلك الحديث الصحيح: "طوق به إلى سبع أرضين" (¬1) (ثم يأخذهن) بعد الطي (قال) محمد (ابن العلاء) يأخذهن (بيده الأخرى) يعني: الشمال، كما في رواية مسلم (¬2). قال النووي: معلوم أن السماوات أعظم من الأرض، فأضافها إلى اليمين، والأرضين إلى الشمال، ليظهر التقريب في الاستعارة، وإن كان اللَّه -سبحانه وتعالى- لا يوصف بأن شيئًا أخف عليه من شيء، ولا أثقل من شيء (¬3) (ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ) والجبروت والكبرياء لا يكونان إلا للَّه تعالى، من نازعه فيهما قصمه، كما في الحديث (¬4). [4733] (ثنا) عبد اللَّه بن مسلمة (القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب) الزهري (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وعن أبي عبد اللَّه) سلمان (الأغر) فالزهري روى عن أبي سلمة وأبي عبد اللَّه الأغر وهما ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2452)، ومسلم (1610) من حديث سعيد بن زيد. ورواه أيضًا (2453)، ومسلم (1612) من حديث عائشة. (¬2) مسلم (2788): (بشماله). (¬3) "مسلم بشرح النووي" 17/ 132. (¬4) سلف برقم (4090) وانظر تخريجه هناك.

رويا (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: ينزل ربنا -عز وجل- كل ليلة إلى سماء الدنيا) هذا مما يوهم التشبيه إذ ذكر الرب بما لا يليق به ظاهره من الانتقال والحركة، ويجب تأويله على الوجه الذي يليق بصفاته، وهو أن يريد إقباله على أهل الأرض بالرحمة والاستعطاف بما يجري في قلوب أهل الخير منهم، بالتنبيه والتذكير لما سبق لهم في الأزل من التوفيق للطاعة، حتى يحملهم على الإقبال على الطاعة، كما قد مدح اللَّه المستغفرين بالأسحار. فيحتمل أن يراد بالنزول ظهور أمره المضاف إليه في سماء الدنيا، كما يقال: ضرب الأمير اللص، ونادى الأمير في البلد، وإنما أمر بذلك، فأضيف إليه الفعل على أنه عن أمره ظهر، وبأمره حصل، وإذا كان محتملًا في اللغة لم ينكر أن يكون للَّه تعالى ملائكة يأمرهم بالنزول إلى سماء الدنيا في ذلك الوقت، ذكر هذا أبو بكر ابن فورك ثم قال: وقد روى لنا بعض أهل النقل ما يؤيد هذا وهو ضم الياء من "ينزل". وذكر أنه ضبطه عمن سمعه من الثقات الضابطين، وإذا كان كذلك مضبوطًا، فوجهه ظاهر (¬1). ¬

_ (¬1) "مشكل الحديث وبيانه" (ص 205)، وكل ما ذكره المصنف عن ابن فورك وغيره لا يقوي حجة في مدافعة النص الواضح الظاهر، إذ من أوَّل صفة النزول هذا التأويل الهزيل الضعيف قاصر الفهم حيث قاس صفات الخالق على المخلوق، ونرد عليه فنقول: النزول صفة حقيقية ثابتة للَّه تعالى على الوجه اللائق به ولا تشبه صفات المخلوقين. وإذا كان ثَمَّ فرق بين أنواع المخلوقات وتباين بين الكائنات، فإنه ولا شك قطعًا أن التباين بين الخالق والمخلوق أولى حتى وإن اشتركا في اسم الصفة، واللَّه أعلم.

قال: وقد سئل عن هذا الخبر الأوزاعي. فقال: يفعل اللَّه ما يشاء. وهذا إشارة منه إلى ما تقدم، وكذا قال مالك (¬1) في هذا الخبر: ينزل أمره في كل سحر فأما ما هو فهو دائم لا يزول، ولسنا ننكر تسمية اللَّه بأسماء أفعاله إذا ورد التوقيف بها، كما في قوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} (¬2) وقوله تعالى: {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ} (¬3). (حين يبقى ثلث الليل الآخر) فيه حجة لمن قال: أفضل التهجد الثلث الآخر من الليل؛ لما رواه المصنف عن عمرو بن عبسة قلت: يا رسول اللَّه، أي الليل أسمع؟ قال: "جوف الليل الآخر، فصل ما شئت" (¬4) (فيقول: من يدعوني فأستجيب؟ ) بالنصب وكذا ما بعده؛ لأنه جواب الاستفهام (له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ ) والفرق بين المعاني الثلاثة من وجهين: أحدهما: أن المراد ما جلب التلاؤم أو دفع غير الملائم، فأتى أولا بالدعاء الشامل لهما، وهو الدعاء ثم عقبه بطلب ما يلائم ثم يدفع ما ¬

_ (¬1) قال ابن عبد البر في "الاستذكار" 8/ 152: وقد قال قوم: إنه ينزل أمره وتنزل رحمته ونعمته، وهذا ليس بشيء. . . ولو صح هذا عن مالك كان معناه أن الأغلب من استجابة دعاء من دعاه من عباده في رحمته وعفوه يكون ذلك الوقت. وقال في "التمهيد" 7/ 145: أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والإيمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لا يكيفون شيئًا من ذلك ولا يجدون فيه صفة محصورة. . . والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب اللَّه وسنة رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- وهم أئمة الجماعة، والحمد للَّه. ا. هـ. (¬2) الذاريات: 47. (¬3) الشمس: 14، "مشكل الحديث وبيانه" (ص 205 - 206). (¬4) تقدم برقم (1277).

يلائم وهو ستر الذنب الذي وقع منه، وعدم المؤاخذة به. والثاني: أن المقصود واحد، واختلاف العبارات لتحقيق القصة وتأكيدها، وفي الحديث الحث على الدعاء، والسؤال بتذلل، والاستغفار من الذنوب في الثلث الأخير، وأن الصلاة فيه والدعاء وطلب التوبة أفضل من غيره. * * *

22 - باب في القرآن

22 - باب فِي القُرْآنِ 4734 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا إِسْرائِيلُ، حَدَّثَنا عُثْمان بْنُ المُغِيرَة، عَنْ سالِمٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: كانَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى النّاسِ في المَوْقِفِ فَقالَ: "أَلا رَجُلٌ يَحْمِلُني إِلَى قَوْمِهِ فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُوني أَنْ أُبَلِّغَ كَلامَ رَبِّي" (¬1). 4735 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ داوُدَ المَهْريُّ، أَخْبَرَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن وَهْبٍ، قالَ: أَخْبَرَني يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابن شِهابٍ، قالَ: أَخْبَرَني عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ وَعَلْقَمَةُ بْن وَقّاصٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْن عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حَدِيثِ عائِشَةَ وَكُلُّ حَدَّثَني طائِفَةً مِنَ الحَدِيثِ قالَتْ: وَلَشَأْني في نَفْسي كانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّه في بِأَمْرٍ يُتْلَى (¬2). 4736 - حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنا إِبْراهِيمُ بْن مُوسَى، أَخْبَرَنا ابن أَبي زائِدَةَ، عَنْ مُجالِدٍ، عَنْ عامِرٍ -يَعْني: الشَّعْبي-، عَنْ عامِرِ بْنِ شَهْرٍ قالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّجاشي فَقَرَأَ ابن لَهُ آيَةً مِنَ الإِنْجِيلِ فَضَحِكْتُ، فَقالَ: أَتَضْحَك مِنْ كَلامِ اللَّهِ (¬3). 4737 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ المِنْهالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: كانَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يُعَوِّذُ الحَسَنَ والحُسَيْنَ: "أُعِيذُكُما بِكَلِماتِ اللَّهِ التّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ وَهامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّةٍ". ثُمَّ يَقُولُ: "كانَ أَبُوكُمْ يُعَوِّذُ بِهِما إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ". ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2925)، والنسائي في "الكبرى" (7727)، وابن ماجه (201)، وأحمد 3/ 390. وصححه الألباني في "الصحيحة" (1947). (¬2) رواه البخاري (4750)، ومسلم (2770). (¬3) رواه أحمد 3/ 428، وابن أبي شيبة في "المسند" 2/ 15 (528)، وأبو يعلى 12/ 275 (6864). وصححه الألباني.

قالَ أَبُو داوُدَ: هذا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ القُرْآنَ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ (¬1). 4738 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ الرِّازيُّ وَعَليُّ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ إِبْراهيمَ وَعَليُّ بْنُ مُسْلِمٍ قالُوا: حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيةَ، حَدَّثَنا الأَعْمَشُ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِذا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالوَحْي سَمِعَ أَهْلُ السَّماءِ لِلسَّماءِ صَلْصَلَةً كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفا فَيُصْعَقُونَ فَلا يَزالُونَ كذَلِكَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ جِبْرِيلُ حَتَّى إِذا جاءَهُمْ جِبْرِيلُ فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ". قالَ: "فَيَقُولُونَ: يا جِبْرِيلُ ماذا قالَ رَبُّكَ؟ فيَقُولُ: الحَقَّ. فيَقُولُونَ: الحَقَّ الحَقَّ" (¬2). * * * باب في القرآن [4734] (ثنا محمد بن كثير) العبدي (ثنا إسرائيل، ثنا عثمان بن المغيرة) الثقفي، أخرج له البخاري (عن سالم) بن أبي الجعد الغطفاني الأشجعي مولاهم الكوفي، ثقة، وكان يرسل كثيرًا. (عن جابر بن عبد اللَّه قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يعرض) بفتح الياء ([نفسه] (¬3) على) قبائل العرب من (الناس بالموقف) بكسر القاف، وهو موضع الوقوف بعرفة وغيره من مواضع اجتماع الناس ومواسمهم وأسواقهم كعكاظ ومجنة (فقال) أي: فيقول كما في رواية الترمذي (ألا) (¬4) بالتخفيف معناه العرض، وهو طلب بلين (رجل) مرفوع بفعل ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3371). (¬2) رواه عبد اللَّه بن أحمد في "السنة" (536، 537)، والدارمي في "الرد على الجهمية" (308)، ومحمد بن نصر في "تعظيم قدر الصلاة" (217)، وابن خزيمة في "التوحيد" 1/ 350، وابن حبان (37). وصححه الألباني. (¬3) من "السنن". (¬4) "سنن الترمذي" (2925).

محذوف تقديره: ألا يحملني رجل، وجوز الحامل فيه وفي نحوه النصب، والتقدير: ألا تروني رجلا (يحملني) معه (إلى قومه) لأبلغهم رسالة ربي (فإن) قومي (قريشًا قد منعوني أن أبلغ) إليهم ما أنزل إلي من (كلام ربي) وهذا بعدما نزل عليه: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} (¬1) أي: أظهر التبليغ إلى الناس؛ لأنه كان في أول الإسلام يخفيه خوفًا من المشركين، فلما أمره اللَّه بإظهار التبليغ في هذِه الآية، وأعلمه أنه يعصمه من الناس، فلما أظهر التبليغ منعته كفار قريش وصناديد كفار مكة وآذوه صار يعرض نفسه على قبائل العرب؛ ليحملوه إلى مكان لا يمنعونه من تبليغ الرسالة. وفي الحديث دليل على أن العالم لا يجلس في بيته إلى أن يأتوا الناس إليه ليسألوه، بل عليه إذا قدر على إظهار العلم أن ينشره للمتعلمين، فإن منع في بلد من إظهار علمه أو لم يقبل قوله ولم يشتهر علمه، فيرتحل إلى غير تلك البلد من البلاد التي يتمكن من إظهار علمه فيها، بل قال الغزالي: على العالم أن يخرج إلى القرى التي حول بلده، ويأخذ معه قوته، ويدخل إلى كل قرية ليعلمهم ما جهلوه، ثم ينتقل إلى أخرى (¬2). كما كان يفعل بعض مشايخنا. [4735] (ثنا سليمان بن داود المهري) بفتح الميم، ثقة ثقة (ثنا عبد للَّه بن وهب، أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب) الزهري (أخبرني عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن وقاص، ¬

_ (¬1) المائدة: 67. (¬2) "إحياء علوم الدين" 2/ 436.

وعبيد اللَّه) بالتصغير (بن عبد اللَّه) بن عمر (عن حديث عائشة رضي اللَّه عنها وكل حدثني طائفة من الحديث) الذي في قصة الإفك. (قالت: و) اللَّه (لشأني في نفسي كان) هو (أحقر من أن) وفيه فضيلة احتقار الآدمي نفسه وكسرها والنظر في عيوبها، وإن كان عند الناس معظمًا فلا يغتر بهذا (يتكلم اللَّه) تعالى في كتابه العزيز (فيَّ) في امرأة من الأعراب (بأمر) أي: حكم على ما يظهر (يتلى) في كتاب اللَّه تعالى ويتعبد بتلاوته يرفع اللَّه بذكرها حين تواضعت باحتقار نفسها، فمن تواضع رفعه اللَّه، ومن لم ينتصر لنفسه انتصر اللَّه له، لا سيما وقد رفع اللَّه قدرها، أي: رفع بأن صارت زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، بل أحظى نسائه عنده. [4736] (ثنا إسماعيل بن عمر) قال شيخنا ابن حجر: كأنه القطربلي قال: وهو مقبول (¬1). (أبنا إبراهيم (¬2) بن موسى) الفراء الحافظ (ثنا) يحيى ابن زكريا (ابن أبي زائدة، عن مجالد) بن عمير (¬3) الهمداني الكوفي، أخرج له مسلم (ثنا عامر) بن شراحيل (الشعبي، عن عامر بن شهر) بفتح الشين المعجمة الهمداني، يكنى أبا الكنود، بفتح الكاف، وضم النون، وهو أول من اعترض على الأسود العنسي وكابره، وكان أحد عمال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على اليمن. ¬

_ (¬1) "تقريب التهذيب" (470). (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) كذا في النسخ، والصواب: (بن سعيد بن عمير)، انظر: "تهذيب الكمال" 27/ 219 (5780).

قال في "الاستيعاب": لم يرو عنه غير الشعبي. قال: ولست أحفظ له إلا حديثًا واحدًا حسنًا (¬1). (قال) سمعت كلمتين: من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كلمة ومن النجاشي كلمة؛ سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "انظروا قريشًا فخذوا من قولهم ودعوا فعلهم" (¬2) و (كنت عند النجاشي) الظاهر أنه أصحمة ملك الحبشة. (فقرأ ابن له آية من الإنجيل) وفي "الاستيعاب" زيادة في الحديث ولفظه: كنت عند النجاشي جالسًا، فجاء ابن له من الكتَّاب فقرأ آية من الإنجيل فعرفتها وفهمتها (¬3). وظاهره أن الإنجيل فيه آيات مفصلات كما في القرآن (فضحكت. فقال: أتضحك من كلام اللَّه؟ ! ) زاد في "الاستيعاب": فواللَّه إن مما أنزل اللَّه على عيسى ابن مريم أن اللعنة تكون في الأرض [إذا كان] (¬4) أمراؤها الصبيان (¬5). وفي الحديث تعظيم كتب اللَّه المنزلة غير القرآن، والتأذن بسماعها ما لم يدخلها تحريف. [4737] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا جرير، عن منصور، عن المنهال ابن عمرو) الأسدي مولاهم، أخرج له البخاري (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يعوذ الحسن والحسين) ابني علي بن أبي ¬

_ (¬1) "الاستيعاب" 340 - 341. (¬2) "الاستيعاب" 2/ 341، والحديث هذا رواه أيضًا أحمد 4/ 260، وأبو يعلى 12/ (6864)، وصححه ابن حبان 10/ 445 (4585). (¬3) "الاستيعاب" 2/ 341. (¬4) زيادة من "الاستيعاب" 2/ 341 يقتضيها السياق. (¬5) "الاستيعاب" 2/ 341.

طالب وابني فاطمة ابنته وريحانته (¬1) في الدنيا بهذِه الكلمات: (أعيذكما بكلمات اللَّه التامة) زاد الطبراني في "الأوسط": "من شر ما خلق وذرأ وبرأ" (¬2) ثم قيل: (الكلمات) هاهنا القرآن و (التامة) قيل: الكاملة، وكمالها بزيادة بركتها وفضلها، وأنها لا يدخلها نقص ولا عيب كما يدخل كلام الآدميين. وقيل: معنى (التامة) النافعة الشافية مما يتعوذ به (من كل شيطان وهامة) وكل عات متمرد من الجن والإنس والدواب فهو شيطان، والهامة بتشديد الميم قيل: هي الحية، وكل ذي سم يقتل، وأما ما له سم لا يقتل كالعقرب والزنبور فهو السامة، وقيل: الهامة كل نسمة تهم للآدمي بسوء وضرر. (ومن كل عين لامة) بتشديد الميم، أي: ذات لم، ولم يقل: ملمة، وهي من ألممت بالشيء؛ ليوافق لفظ هامة فيكون أخف على اللسان، وفي حديث الجنة: ولولا أنه شيء قضاه اللَّه لألم أن يذهب بصره لما يرى فيها (¬3). أي: يقرب. (ثم يقول: كان أبوكم) يعني: الجد الأعلى إبراهيم عليه السلام (يعوذ بهما) ولده (إسماعيل) وولده (إسحاق) ورواه الحافظ قطب الدين أبو بكر ¬

_ (¬1) في (ل): وريحانتيه. (¬2) "المعجم الأوسط" 2/ 376 (2275). (¬3) رواه أبو القاسم البغوي في "مسند ابن الجعد" (2569)، وابن المبارك في "الزهد والرقائق" (1450)، وأبو نعيم في "صفة الجنة" 2/ 123 (280)، والبيهقي في "البعث والنشور" (246) من حديث علي مطولًا. وصححه الضياء في "المختارة" 2/ 162 - 163 (542).

محمد القسطلاني في كتاب "الأدوية الشافية والأدعية الكافية" عن ابن مسعود قال: كنا عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذ مر الحسن والحسين وهما صبيان فقال: "هاتوا ابني حتى أعوذهما بما عوذ به إبراهيم إسماعيل وإسحاق" فضمهما إلى صدره، وقال: "أعيذكما بكلمات اللَّه التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة" (¬1) ثم قال: وكان إبراهيم -يعني: النخعي- يستحب أن يقرن فاتحة الكتاب بهذِه الكلمات ويقول لمنصور بن المعتمر: عوذ بها، فإنها تنفع من العين ومن الفزع، ومن كل وجع (¬2). [4738] (ثنا أحمد بن أبي سريج) بالسين المهملة، وهو ابن الصباح (الرازي) شيخ البخاري (وعلي بن الحسين بن إبراهيم، وعلى بن مسلم قالوا: ثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (¬3) (ثنا الأعمش، عن مسلم) بن صبيح الهمداني (عن مسروق، عن عبد اللَّه) بن مسعود -رضي اللَّه عنه-. (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إذا تكلم اللَّه تعالى بالوحي) فيه رد على المعتزلة الذين نفوا كلام اللَّه، وقالوا: الكلام لا يعقل منا إلا بأعضاء ولسان، ¬

_ (¬1) رواه البزار في "البحر الزخار" 4/ 304 (1483). وقال: هذا الحديث أخطأ فيه محمد بن ذكوان، رواه عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد اللَّه، وإنما الصواب ما رواه منصور عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. قال الهيثمي في "المجمع" 10/ 187 - 188: رواه البزار، ورجاله وثقوا. (¬2) روى هذا الخبر بتمامه هكذا ابن سعد في "الطبقات الكبرى" القسم المتمم 1/ 390، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 13/ 224. (¬3) ساقطة من (م).

والباري سبحانه لا يجوز أن يكون له أعضاء ولا آلات الكلام إذ ليس بجسم، وهذا الحديث يرد عليهم، ولفظ البخاري: "إذا قضى اللَّه الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله" (¬1) وقولهم: إن الكلام لا يعقل منا إلا بأعضاء فهذا قياس فاسد؛ لأن المخلوق لا يقاس بالخالق والحق متكلم بكلام دون صوت ولسان وأعضاء، وكما أنا لا نعرف حقيقته القدمية فكذا لا نعرف حقيقة كلامه القديم. (سمع) بكسر الميم المخففة (أهل السماء للسماء) التي تليها أي: لأهل السماء التي أعلى منها مما يلي كلام اللَّه وقضاءه (صلصلة) الصلصلة صوت الأجرام الصلبة بعضها على بعض، كصوت الحديد ونحوه إذا حرك، يقال: صل الحديد وصلصل، ومنه حديث خبيب: أنهم سمعوا صلصلة بين السماء والأرض (¬2). (كجر السلسلة) الحديد (على الصفا) جمع صفاة وهي الحجر الأملس الصفوان، ولفظ البخاري: "كأنه سلسلة على صفوان" (¬3) ¬

_ (¬1) البخاري (4701، 4800، 7481) من حديث أبي هريرة. (¬2) رواه أبو داود الطيالسي في "المسند" 2/ 712 (1468)، وأحمد في "المسند" 5/ 286، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 2/ 142 (863)، والبزار في "البحر الزخار" كما في "كشف الأستار" (1833)، والطبراني 22/ 288 (741)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" 5/ 2952 (6893) من حديث أبي عبد الرحمن الفهري مطولًا. قال الحافظ البوصيري في "الإتحاف" 5/ 251: إسناده صحيح. (¬3) البخاري (4800).

(فيصعقون) أي: يغشى منهم من شدة هول ما سمعوه (فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل حتى إذا) (حتى) هذِه حرف ابتداء، نظير قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ} (¬1) و (إذا) في موضع نصب فجوابها وهو فزع (جاءهم جبريل فزع) أي: كشف (عن قلوبهم) الفزع، وانتبهوا من غشيتهم عند مجيء جبريل (فيقولون: يا جبريل ماذا قال ربك؟ فيقول: قال الحق. الحق) بالنصب وأعيد للتأكيد والمبالغة في أن قوله (الحق)، وهو ضد الباطل، ويشبه جواز رفع الأول ونصب الثاني، ويكون الأول (الحق) اسم من أسماء اللَّه تعالى، والتقدير: قال الحق سبحانه الحق الحق (فيقولون: الحق الحق). * * * ¬

_ (¬1) آل عمران: 152.

23 - باب في الشفاعة

23 - باب فِي الشَّفاعَةِ 4739 - حَدَّثَنا سُلَيْمان بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا بِسْطامُ بْنُ حُرَيْثٍ، عَنْ أَشْعَثَ الحُدّاني، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "شَفاعَتي لأَهْلِ الكَبائِرِ مِنْ أُمَّتي" (¬1). 4740 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنِ الحَسَنِ بْنِ ذَكْوانَ، حَدَّثَنا أَبُو رَجاءٍ، قالَ: حَدَّثَني عِمْرانُ بْنُ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النّارِ بِشَفاعَةِ مُحَمَّدٍ فَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ ويُسَمَّوْنَ الجَهَنَّمِيِّينَ" (¬2). 4741 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي سُفْيانَ، عَنْ جابِرٍ قالَ: سَمِعْتُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ يَأْكُلُونَ فِيها ويَشْرَبُونَ" (¬3). * * * باب في الشفاعة [4739] (ثنا سليمان بن حرب، ثنا بسطام) بكسر الموحدة (بن حريث) بضم الحاء، وفتح الراء، وسكون ياء التصغير، ثم مثلثة، الأصفر البصري، ثقة (عن أشعث) بن عبد اللَّه بن جابر (الحداني) بمهملتين مضمومة، ثم مشددة، الأزدي، نسبة إلى حدان بطن من الأزد، صدوق. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2435)، وأحمد 3/ 213، والطيالسي (2138). وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (3649). (¬2) رواه البخاري (6566). (¬3) رواه مسلم (2835).

(عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: شفاعتي) لعل هذِه الإضافة بمعنى (أل) التي للعهد، والتقدير: الشفاعة التي أعطانيها اللَّه تعالى ووعدني بها لأمتى ادخرتها (لأهل الكبائر) الذين استوجبوا النار بذنوبهم الكبائر (من أمتي) ومن شاء اللَّه، فلا يدخلون بها النار، وأخرج بها ممن ادخلته كبائر ذنوبه النار ممن قال: لا إله إلا اللَّه، محمد رسول اللَّه، وروى الترمذي هذا الحديث وقال: حديث حسن صحيح (¬1). ثم قال: وقال محمد بن علي -يعني: الرازي عن جابر- قال لي جابر: يا محمد، ومن لم يكن من أهل الكبائر فما له وللشفاعة؟ ! أي (¬2): أنى يحتاج إلى الشفاعة فإن حسابه يذهب صغائر ذنوبه كما قال تعالى: ميوإِنَّ الْحَسَتَتِ {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (¬3) واللَّه تعالى أعلم. [4740] (ثنا مسدد، ثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن الحسن بن ذكوان) البصري أخرج له البخاري. (ثنا أبو رجاء) (¬4) عمران بن ملحان العطاردي (حدثني عمران بن حصين رضي اللَّه عنهما، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: يخرج قوم من النار) زاد البخاري: "بعدما مسهم منها سفع" (¬5) (بشفاعة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-) وفي هذا رد على بعض المعتزلة من الخوارج الخروج من النار بالشفاعة وتعلقوا مذاهبهم في تخليد المذنبين في النار، واحتجوا بقوله تعالى: {فَمَا ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (2435). (¬2) "سنن الترمذي" عقب حديث جابر (2436). (¬3) هود: 114. (¬4) فوقها في (ل): (ع). (¬5) "صحيح البخاري" (6559).

تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)} (¬1) وبقوله تعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} (¬2) وأجاب أهل السنة بأن هذِه الآيات في حق الكفار جمعًا بين الأدلة، فإن الأحاديث الصحيحة صريحة في إخراج من استوجب النار (فيدخلون) بفتح الياء وضم الخاء (الجنة ويسمون الجهنميين) (¬3) بفتح الجيم، وللبخاري: "فيسميهم أهل الجنة الجهنميين" (¬4) وهذِه التسمية بالجهنميين للتمييز عمن لم يدخل النار لا لاحتقارهم والازدراء بهم، فإن مثل هذا لا يحصل في دار النعيم. [4741] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي سفيان) (¬5) طلحة بن نافع الواسطي (عن جابر) بن عبد اللَّه (قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون) وكذا في "صحيح مسلم" (¬6) وهذا مذهب أهل السنة وعامة المسلمين أن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ويتمتعون بذلك وبغيره من ملاذ نعيمها تنعمًا دائمًا لا انقطاع له أبدًا، وأن تنعمهم بذلك على هيئة تنعم أهل الدنيا إلا ما بينهما من التفاضل في اللذة التي لا تشارك نعيم الدنيا إلا في التسمية، خلافًا للمبتدعة. * * * ¬

_ (¬1) المدثر: 48. (¬2) غافر: 18. (¬3) بعدها في (ل)، (م): الجهنميون، وفوقها: خـ. (¬4) البخاري (6559). (¬5) فوقها في (ل): (ع). (¬6) "صحيح مسلم" (2835).

24 - باب في ذكر البعث والصور

24 - باب فِي ذِكْرِ البَعْثِ والصُّورِ 4742 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا مُعْتَمِرٌ قالَ: سَمِعْتُ أَبي قالَ: حَدَّثَنا أَسْلَمُ، عَنْ بِشْرِ بن شَغافٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "الصُّورُ قَرْنٌ يُنْفَخُ فِيهِ" (¬1). 4743 - حَدَّثَنا القَعْنَبي، عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبي الزِّنادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "كُلَّ ابن آدَمَ تَأْكُلُ الأَرْضُ إِلَّا عَجْبَ الذَّنَبِ، مِنْهُ خُلِقَ، وَفيهِ يُرَكَّبُ" (¬2). * * * باب في خلق الجنة والنار (¬3) [4742] (حدثنا مسدد، حدثنا معتمر) (¬4) بن سليمان (سمعت أبي) (¬5) سليمان بن طرخان التيمي، ولم يكن تيميًّا بل نزل فيهم (ثنا أسلم) العجلي البصري، ثقة، رأى أبا موسى الأشعري (عن بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة (ابن شغاف) بفتح المعجمتين وبعد الألف فاء، بصري، وثقه ابن معين (¬6) وغيره (عن عبد اللَّه بن عمرو) بن العاص. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2430)، والنسائي في "الكبرى" (11312)، وأحمد 2/ 162. وصححه الألباني في "الصحيحة" (1080). (¬2) رواه البخاري (4814)، ومسلم (2955). (¬3) كذا في النسخ الخطية، وعلق الشيخ في نشرته 7/ 121 بعد أن أثبت باب: ذكر البعث والصور. علق عليه في الحاشية: هذا التبويب أثبتناه من (هـ) ولم يبوب لحديثي هذا الباب في (أ، ب، ج)، وإنما أوردا في باب خلق الجنة. (¬4) و (¬5) فوقها في (ل): (ع). (¬6) "تاريخ ابن معين" رواية الدارمي (185).

(عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: الصور قرن) على هيئة البوق دائرة رأسه كعرض السماوات والأرض، وإسرافيل واضع فاه عليه [شاخص] (¬1) ببصره نحو العرش، ينتظر أن يؤذن له حتى (ينفخ فيه)، فإذا نفخ فيه صعق من في السماوات ومن في الأرض، أي: ماتوا. ولأبي الشيخ في كتاب "العظمة" من حديث أبي هريرة: "إن اللَّه تعالى لما فرغ من خلق السماوات والأرض خلق الصور فأعطاه إسرافيل، فهو واضعه على فيه، شاخص ببصره إلى العرش ينتظر متى يؤمر" (¬2) وفي رواية لأبي الشيخ: "ما طرف صاحب الصور وقد وكل به، مستعد، ينظر نحو العرش، مخافة أن يؤمر قبل أن يرتد إليه طرفه، كأن عينيه كوكبان دريان" (¬3) وإسنادهما جيد (¬4). [4743] (ثنا) عبد اللَّه (القعنبي، عن مالك، عن أبي الزناد) عبد اللَّه ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): شاخصا. والمثبت هو الصواب. (¬2) "العظمة" 3/ 821 (386). قال الحافظ العراقي في "المغني" 2/ 1240 - 1241: قال البخاري: لم يصح. (¬3) "العظمة" 3/ 843 (391). ورواه أيضًا اللالكائي في "شرح الأصول" 6/ 233 (2185)، وأبو نعيم في "الحلية" 4/ 99. وصححه الحاكم في "المستدرك" 4/ 558 - 559 وزاد الذهبي في "التلخيص" 4/ 559 أنه على شرط مسلم. وجوَّد إسناده الحافظ العراقي في "المغني" 2/ 1240 - 1241، وحسن الحافظ إسناده في "الفتح" 11/ 368. وصححه الألباني في "الصحيحة" (1078). (¬4) قاله الحافظ العراقي في "المغني" 2/ 1241.

ابن ذكوان المدني. (عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: كل) جسد (ابن آدم يأكل التراب) (¬1) لفظ مسلم: "يأكله التراب" (¬2) وله في رواية: "ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظمًا واحدًا، وهو عجب الذنب" (¬3). (إلا عجب) بفتح العين، وسكون الجيم، بعدها باء موحدة، ويروى بالميم بدل الباء، وحكى اللحياني تثليث العين فيهما فحصل فيه ست لغات، وفسروه بأنه عظم كالخردلة في أسفل الصلب عند العجز، وهو رأس العصعوص، وفي "صحيح ابن حبان" وقيل: وما هو يا رسول اللَّه؟ قال: "مثل حبة خردلة منه ينشأ" (¬4) (الذنب) أصل موضع ذنب الطائر، والصحيح المشهور أن عجب الذنب لا يبلى عملًا بهذا الحديث، ويشهد له ما صح في الحديث أنه ينزل من السماء ماء (¬5) فينبتون كما ينبت البقل (¬6). ¬

_ (¬1) في "السنن": تأكل الأرض. (¬2) "صحيح مسلم" (2955/ 142). (¬3) مسلم (2955/ 141). (¬4) "صحيح ابن حبان" 7/ 409 (3140) من حديث أبي سعيد الخدري وصححه أيضًا الحاكم في "المستدرك" 4/ 608. ورواه أحمد 3/ 28، وأبو يعلى في "المسند" 2/ 523 (1382)، وحسن إسناده الهيثمي في "المجمع" 10/ 332. لكن أعله الزيلعي في "تخريج أحاديث الكشاف" 3/ 357، وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (2085). (¬5) بياض في (ل)، (م) بمقدار كلمة، والمثبت من كتب التخريج. (¬6) رواه البخاري (4935)، ومسلم (2955) من حديث أبي هريرة.

وخالف المزني صاحب الشافعي فقال: يبلى أيضًا (¬1)، واستدل بقوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26)} (¬2) ووافقه ابن قتيبة فقال: إنه آخر ما يبلى من الميت (¬3). ولم يتعرضوا لوقت فناء العجب، هل هو عند فناء العالم أو قبل ذلك، وكلاهما يحتمل. (منه خلق) أي: أول ما يخلق من الآدمي ثم يكمل خلق الآدمي منه، (وفيه) ولمسلم في رواية: "ومنه" (¬4). فيحتمل أن يكون (في) بمعنى (من) كقول الشاعر (¬5): وهل يعمن من كان أحدث عهده ... ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال (يركب) أي: يركب خلق الآدمي من عجب الذنب تارة أخرى، ولمسلم زيادة توضحه ولفظه: "ومنه يركب الخلق يوم القيامة" (¬6) يعني: عند الحشر. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" 8/ 553. (¬2) الرحمن: 26. (¬3) "غريب الحديث" 2/ 604، "أدب الكاتب" (ص 149). (¬4) مسلم (2955/ 141). (¬5) هو امرؤ القيس. انظر "ديوان امرئ القيس" (ص 27). (¬6) مسلم (2955/ 141). وهي عند البخاري (4935).

25 - باب في خلق الجنة والنار

25 - باب في خَلْقِ الجَنَّة والنّارِ 4744 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "لَمّا خَلَقَ اللَّهُ الجَنَّةَ قالَ لِجِبْرِيلَ: اذْهَبْ فانْظُرْ إِلَيْها. فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْها ثُمَّ جاءَ فَقالَ: أي رَبِّ وَعِزَّتِكَ لا يَسْمَعُ بِها أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَها، ثُمَّ حَفَّها بِالمَكارِهِ ثُمَّ قالَ: يا جِبْرِيلُ اذْهَبْ فانْظُرْ إِلَيْها. فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْها، ثُمَّ جاءَ فَقالَ: أى رَبِّ وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لا يَدْخُلَها أَحَدٌ. قالَ: فَلَمّا خَلَقَ اللَّهُ النّارَ قالَ: يا جِبْرِيلُ اذْهَبْ فانْظُرْ إِلَيْها. فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْها، ثُمَّ جاءَ فَقالَ: أي رَبِّ وَعِزَّتِكَ لا يَسْمَعُ بِها أَحَدٌ فَيَدْخُلُها. فَحَفَّها بِالشَّهَواتِ، ثُمَّ قالَ: يا جِبْرِيلُ اذْهَبْ فانْظُرْ إِلَيْها. فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْها، ثُمَّ جاءَ فَقالَ: أي رَبِّ وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لا يَبْقَى أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَها (¬1). * * * [4744] (حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد) بن سلمة (عن محمد ابن عمرو) بن علقمة بن وقاص، روى له البخاري مقرونًا بغيره، ومسلم في المتابعات، والأربعة (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: لما خلق اللَّه تعالى الجنة) فيه أن الجنة مخلوقة كما هو مذهب أهل السنة (قال لجبريل، اذهب فانظر إليها) زاد الترمذي: "وإلى ما أعددت لأهلها فيها" (¬2) (فذهب فنظر إليها) وإلى ما أعد اللَّه لأهلها فيها (ثم جاء فقال: أي رب، وعزتك لا يسمع بها أحد إلا) ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2560)، والنسائي في "الكبرى" 7/ 3، وأحمد 2/ 332. وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (3669). (¬2) "سنن الترمذي" (2560).

اشتاق إليها، واجتهد، في دخولها فـ (دخلها) بإرادتك (ثم حفها بالمكاره) وهو نظير رواية مسلم: "حفت الجنة بالمكاره" (¬1). وهذا من الكلام البليغ الذي انتهى نهايته، وذلك أنه مثل المكاره بالحفاف، والمكاره جمع مكرهة، وهو ما يكرهه الإنسان ويشق عليه، والحفاف هو الدائر بالشيء المحيط به، الذي لا يتوصل إلى ذلك إلا بعد أن يتخطاه. وفائدة هذا أن الجنة لا تنال إلا بارتكاب المكاره وقطع مفاوزها، والصبر على مرارة ما تكرهه النفس كما في إسباغ الوضوء على المكاره. رواه مالك ومسلم (¬2)، وهو أن يتوضأ بالماء الشديد البرودة في زمن البرد، ومع العلل التي يتأذى معها بمس الماء، ومع التعب الشديد في تحصيل الماء الذي يتوضأ به. (ثم قال: يا جبريل اذهب) إلى الجنة (فانظر إليها) وإلى ما حفها (فذهب فنظر إليها) وإلى ما أعد اللَّه لأهلها فيها وما حفها به من المكاره (ثم جاء فقال: أي رب وعزتك لقد خشيت) بفتح الخاء (¬3) من الخشية إذ رأيت المكاره التي حفت به (أن لا) يقتحم أحد هذِه المكاره الشديدة حتى (يدخلها أحد) من خلقك. (قال: فلما خلق) اللَّه (النار قال: يا جبريل اذهب فانظر إليها) زاد الترمذي: "وإلى ما أعددت لأهلها فيها" (¬4) (فذهب فنظر إليها) وإلى ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2822). (¬2) "الموطأ" 1/ 161، "صحيح مسلم" (251). (¬3) بدلها في (ل): المعجمة. (¬4) "سنن الترمذي" (2560).

ما أعد اللَّه لأهلها (ثم جاء فقال: وعزتك) يا رب (لا يسمع بها أحد فيدخلها) يعني: إلا كره أن يدخلها (فحفها) لفظ الترمذي: "فأمر بها فحفت" (¬1) (بالشهوات) زاد مسلم: "وحفت النار بالشهوات" (¬2) أي: جعلها محفوفة ومحجوبة فحجابها أتباع الشهوات كما سيأتي، (ثم قال: يا جبريل، اذهب فانظر إليها) وإلى ما هي محفوفة به (فذهب فنظر إليها فقال: أي رب، وعزتك لقد خشيت أن لا يبقى أحد) لفظ الترمذي: "ألا ينجو منها" (¬3) (إلا دخلها) أي: خشيت أن لا يبقى أحد ممن سمع بها إلا غلبته شهوته المحرمة أو المكروهة فيتناولها، واقتحم حجاب النار فدخلها. قال النووي: وأما الشهوات المباحة فلا مدخل لها في هذا (¬4). يعني: لأن ما أباحه اللَّه لا يعاقب بدخول النار فاعله، قال: لكن يكره الإكثار منها، مخافة أن تجر إلى المحرمة، أو تقسي القلب، أو تجر بشغل عن الطاعات، أو تخرج إلى الاعتناء بتحصيل الدنيا، ونحو ذلك، وفيه تنبيه على أنه لا ينجو منها إلا من تجنب الشهوات، ومن عجلت له طيبات شهوات الدنيا اقتحم حجابها فدخل فيها، أعاذنا اللَّه من ذلك. * * * ¬

_ (¬1) السابق. (¬2) "صحيح مسلم" (2822). (¬3) "سنن الترمذي" (2560). (¬4) "مسلم بشرح النووي" 17/ 165.

26 - باب في الحوض

26 - باب فِي الحَوْضِ 4745 - حَدَّثَنا سُلَيْمان بْن حَرْبٍ وَمُسَدَّدٌ، قالا: حَدَّثَنا حَمّادُ بْن زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ أَمامَكُمْ حَوْضًا ما بَيْنَ ناحِيَتَيْهِ كَما بَيْنَ جَرْباءَ وَأَذْرُحَ" (¬1). 4746 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمَري، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبي حَمْزَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قالَ: كُنّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَنَزَلْنا مَنْزِلًا فَقالَ: "ما أَنْتُمْ جُزْءٌ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ جُزْءٍ مِمَّنْ يَرِد عَلي الحَوْضَ". قالَ: قُلْتُ: كَمْ كُنْتُمْ يُوْمَئِذٍ؟ قالَ: سَبْعَمِائَةٍ أَوْ ثَمانَمِائَةٍ (¬2). 4747 - حَدَّثَنا هَنّادُ بْنُ السَّري، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ المُخْتارِ بْنِ فُلْفُلٍ قالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مالِكٍ يَقُول: أَغْفَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِغْفاءَةً فَرَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا فَإِمّا قالَ لَهُمْ وَإِمّا قالُوا لَهُ: يا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ ضَحِكْتَ فَقالَ: "إِنَّهُ أُنْزِلَتْ عَلي آنِفًا سُورَةٌ". فَقَرَأَ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} حَتَّى خَتَمَها، فَلَمّا قَرَأَها قالَ: "هَلْ تَدْرُونَ ما الكَوْثَرُ؟ ". قالُوا: اللَّه وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قالَ: "فَإِنَّهُ نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبّي عَزَّ وَجَلَّ في الجَنَّةِ وَعَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ عَلَيْهِ حَوْضٌ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتي يَوْمَ القِيامَةِ آنِيَتُهُ عَدَدُ الكَواكِبِ" (¬3). 4748 - حَدَّثَنا عاصِمُ بْن النَّضْرِ، حَدَّثَنا المُعْتَمِرُ قالَ: سَمِعْتُ أَبي قالَ: حَدَّثَنا قَتادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: لَمّا عُرِجَ بِنَبي اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- في الجَنَّةِ -أَوْ كَما قالَ- عُرِضَ لَهُ نَهْرٌ حافَتاة الياقُوتُ المُجَيَّبُ أَوْ قالَ: المُجَوَّفُ فَضَرَبَ المَلَكُ الذي مَعَهُ يَدَهُ فاسْتَخْرَجَ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6577)، ومسلم (2299). (¬2) رواه أحمد 4/ 367، والطيالسي (712)، والبغوي في "الجعديات" (85)، وعبد ابن حميد (266). وصححه الألباني في "الصحيحة" (123). (¬3) سبق برقم (784).

مِسْكًا فَقالَ مُحَمَّدٌ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِلْمَلَكِ الذي مَعَهُ: "ما هذا؟ ". قالَ: هذا الكَوْثَرُ الذي أَعْطْاكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (¬1). 4749 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا عَبْدُ السَّلامِ بْن أَبي حازِمٍ أَبُو طالُوتَ قالَ: شَهِدْتُ أَبا بَرْزَةَ دَخَلَ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيادٍ فَحَدَّثَني فُلانٌ سَمّاهُ مُسْلِمٌ وَكانَ في السِّماطِ، فَلَمّا رَآهُ عُبَيْدُ اللَّهِ قالَ: إِنَّ مُحَمَّدِيَّكُمْ هذا الدَّحْداحُ فَفَهِمَها الشَّيْخُ فَقالَ ما كُنْتُ أَحْسِبُ أنّي أَبْقَى في قَوْمٍ يُعَيِّرُوني بِصُحْبَةِ مُحَمَّدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ لَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ: إِنَّ صُحْبَةَ مُحَمَّدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم- لكَ زَيْنٌ غَيْرُ شَيْنٍ، ثُمَّ قالَ: إِنَّما يُعِثْتُ إِلَيكَ لأَسْأَلكَ عَنِ الحَوْضِ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَذْكُرُ فِيهِ شَيْئًا؟ فَقالَ أَبُو بَرْزَةَ: نَعَمْ لا مَرَّةً وَلا ثِنْتَيْنِ وَلا ثَلاثًا وَلا أَرْبَعًا وَلا خَمْسًا، فَمَنْ كَذَّبَ بِهِ فَلا سَقاهُ اللَّهُ مِنْهُ، ثُمَّ خَرَجَ مُغْضَبًا (¬2). * * * باب في الحوض [4745] (ثنا سليمان بن حرب ومسدد قالا: ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن أمامكم حوضًا) قال عياض: أحاديث الحوض صحيحة، والإيمان به فرض، والتصديق به من الإيمان، وهو على ظاهره عند أهل السنة والجماعة، وحديثه متواتر النقل، رواه خلائق من الصحابة (¬3) (ناحيتيه) بالنصب بدل من (حوضًا) أي: ناحيتي عرضه (كما بين جربا) بفتح الجيم، وسكون الراء المهملة، بعدها باء موحدة، ثم ألف مقصورة ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4964)، وانظر ما قبله. (¬2) رواه أحمد 4/ 421، وابن أبي عاصم في "السنة" (702). وصححه الألباني. (¬3) "إكمال المعلم" 7/ 260.

على المشهور عند الجمهور. قال المنذري: مدينة من أرض الشام، وقيل: هي فلسطين، وقد تمد. قال الحازمي: كان أهل جربا يهودًا كتب لهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الأمان (¬1) لما قدم عليه يحنة بن رؤبة صاحب أيلة بقوم منهم (¬2)، ومن أهل (أذرح) وأذرح بهمزة مفتوحة، ثم ذال معجمة ساكنة، ثم راء مضمومة، ثم جاء مهملة على المشهور عند الجمهور، وروايته بالجيم تصحيف، وزاد مسلم: قال الراوي: هما قريتان بينهما مسيرة ثلاثة أيام (¬3). قال البكري: أذرح مدينة تلقاء الشراة من أداني الشام (¬4). يعني في قبلة الشوبك، بينها وبين الشوبك نحو نصف يوم، وتبوك في قبلة أذرح بينهما نحو أربع عشرة مرحلة، وبأذرح بايع الحسن بن علي معاوية بن أبي سفيان وأعطاه معاوية مائة ألف دينار، وأذرح افتتحت صلحًا على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهي من بلاد الصلح التي كان يؤدى إليه الجزية منها. [4746] (ثنا حفص بن عمر النمري) بفتح الميم (ثنا شعبة، عن عمرو ابن مرة) الجملي، أحد الأعلام (عن أبي حمزة) بالحاء المهملة والزاي، اسمه طلحة بن يزيد مولًى للأنصار، وأخرج له البخاري في مناقب أتباع الأنصار (عن زيد بن أرقم -رضي اللَّه عنه- قال: كنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) في بعض ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) "الأماكن" 1/ 202. (¬3) "صحيح مسلم" (2299). (¬4) "معجم ما استعجم" 1/ 130.

أسفاره. (فنزلنا منزلا فقال: ما أنتم جزء من مائة ألف جزء ممن يرد علي الحوض) "من أمتي" وهذِه الزيادة ذكرها المزي في "التهذيب" بسند له وقع عاليا (¬1) (قال) حمزة (قلت) لزيد. كذا صرح به في "التهذيب" (¬2) (كم كنتم يومئذ؟ قال: سبعمائة أو ثمانمائة) وفي هذا شرف عظيم، ومنزلة رفيعة لهذِه الأمة في كثرتها إذ يتتابع الإسلام ويكثر حتى يصير الحر (¬3) الواحد منهم الزائد على سبع مائة أو ثمان يكون جزءًا من مائة ألف جزء، وفي هذا أيضًا معجزة ظاهرة في إخباره عما سيقع من كثرة أمته، فإنهم عند موته لم يبلغوا هذا القدر، ولا قريبا بل ولا عشره، واللَّه أعلم. ويؤيد هذا قوله: "أنا أكثر الأمم (¬4) تابعًا" (¬5). [4747] (ثنا هناد بن السري) شيخ مسلم (ثنا محمد بن فضيل) (¬6) بن غزوان الضبي مولاهم (عن المختار بن فلفل قال: سمعت أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- يقول: أغفى) بفتح الهمزة والفاء، لفظ مسلم: بينا (رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) بين أظهرنا إذ أغفى (إغفاءة) (¬7). بالمد، أي: نام نومة خفيفة. ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 13/ 449. (¬2) السابق. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) في حاشية (ل): لعله الأنبياء. (¬5) رواه البخاري (4981، 7274)، ومسلم (152) من حديث أبي هريرة. (¬6) فوقها في (ل): (ع). (¬7) "صحيح مسلم" (400).

(فرفع رأسه) من النوم (متبسمًا فإما قال لهم وإما قالوا له) رواية مسلم تزيل هذا الشك، ولفظه: فقلنا: (يا رسول اللَّه) ما أضحكك (¬1) (مم (¬2) ضحكت؟ فقال: إنه أنزل علي آنفًا) بالمد، والقصر لغة قرئ بها في السبع (¬3)، ومعناها: قريبًا ومن قوله: (أنزلت علي آنفًا) وكذا ما بعده وهو سورة (فقرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} حتى ختمها) فلما ختمها (قال: هل تدرون ما الكوثر؟ قلنا: اللَّه ورسوله أعلم. قال: فإنه نهر وعدنيه ربي في الجنة) إلى هنا تقدم في باب الجهر ببسم اللَّه الرحمن الرحيم، من كتاب الصلاة (¬4). (وعليه خير كثير عليه حوض) يوضحه رواية مسلم بلفظ: "عليه خير كثير هو حوض" (¬5) فبين أن الخير الكثير هو الحوض الذي يصب من النهر إليه ميزابان يصبان فيه (ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد الكواكب) وفي مسلم زيادة ولفظه: "آنيته عدد النجوم فيختلج العبد منهم، فأقول: رب إنه من أمتي. فيقال: ما تدري ما أحدث بعدك" (¬6) ويشبه أن يكون المراد من قوله: (آنيته عدد الكواكب) تحديد العدد؛ بل الكثرة العظيمة، فإن من يذكر عددا كثيرا يقول: عدد نجوم السماء، وعدد رمل عالج. ¬

_ (¬1) السابق. (¬2) بعدها في (ل)، (م)، لم. وأعلاها: خ. (¬3) قرأ ابن كثير بالقصر والباقون بالمد. انظر: "الحجة للقراء السبعة" 6/ 192. (¬4) سلف برقم (784). (¬5) مسلم (400). (¬6) السابق.

[4748] (ثنا عاصم بن النضر) البصري الأحول شيخ مسلم (ثنا المعتمر) بن سليمان (قال: سمعت أبي) سليمان بن طرخان التيمي من كبار التابعين (ثنا قتادة، عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: لما عُرج) بضم العين، وكسر الراء مبني للمجهول. (بنبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) وفي بعض النسخ: عرج. بفتح العين والراء مبني للفاعل، وحذف الداخلة على (نبي اللَّه) (في الجنة أو كما قال). هذا مما ينبغي للمحدث إذا توقف في لفظ مرويه أن يقول آخره: أو كما قال، أو نحو ذلك وشبهه، وهذا التوقف الذي حصل للراوي في هذا يزيله رواية الترمذي، فإن فيه: عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بينا أنا أسير في الجنة إذ" (¬1) (عرض له) فيها (نهر) بفتح الهاء عظيم (حافتاه الياقوت) الأحمر، وللبخاري: "شاطئاه در مجوف" (¬2) وله: "لما عرج بني إلى السماء أتيت على نهر حافتاه قباب اللولؤ المجوف" (¬3). وللترمذي: "حافتاه من ذهب ومجراه على الدر والياقوت" (¬4) (المجيَّب) بضم الميم، وفتح الجيم، وتشديد الياء آخر الحروف، بعدها باء موحدة، كذا ضبطه المنذري، وقال: معناه: المقور. من قولهم: جيب مجيَّب ومجوَّب، أي: مقور، وذكر الخطابي أنه ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (3360). (¬2) "صحيح البخاري" (4965). (¬3) البخاري (4964). (¬4) "سنن الترمذي" (3361) من حديث ابن عمر.

المجيب بفتح الميم وكسر الجيم وسكون الياء، آخر الحروف، وهو الأجوف، وأصله من جبيت الشيء إذا قطعته، وانقلاب الياء عن الواو كثير في كلامهم (¬1). وقال المنذري: الذي جاء في البخاري: "اللولؤ المجوف" (¬2) وهو معروف، قال: وفي "سنن أبي داود": المجيب (أو قال: المجوف) على الشك، والذي في "معالم السنن": المجيب أو المجوب بالباء فيهما على الشك، وقال: معناه: الأجوف (¬3) (فضرب الملك) بفتح اللام، يحتمل أن يكون هذا الضرب بأمر من اللَّه تعالى أو من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأن الملائكة لا تفعل شيئا إلا بأمر (الذي معه) الظاهر أنه جبريل (يده) في طينه أو طيبه، (فاستخرج) منه (مسكا) أذفر (فقال محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- للملك الذي معه: ما هذا؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك اللَّه) وأنعم عليك لقوله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)} (¬4). [4749] (ثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي الفراء (¬5) لم يسمع بغير البصرة (ثنا عبد السلام بن أبي حازم) شداد البصري، كنيته (أبو طالوت) العبدي، وثقه ابن معين وغيره (¬6) (قال: شهدت أبا برزة) نضلة ¬

_ (¬1) "معالم السنن" 4/ 206. (¬2) "صحيح البخاري" (4964). (¬3) "معالم السنن" 4/ 206. (¬4) الكوثر: 1. (¬5) كذا في النسخ، وهو خطأ، والصواب: (الفراهيدي). انظر: "تهذيب الكمال" 27/ 487 (5916). (¬6) انظر: "تهذيب الكمال" 18/ 64 (3417).

ابن عبيد بن الحارث الأسلمي، نزل البصرة، وله بها دار، مات بعد ولاية ابن زياد، وقد (دخل على عبيد اللَّه بن زياد) عامل الكوفة والبصرة بعد أبيه زياد المعروف بابن سمية (¬1) قال عبد السلام (فحدثني فلان) باسمه، قال شيخنا ابن حجر: هو عمه، ولم أقف على اسمه. انتهى (¬2)، وقد (سماه مسلم) بن إبراهيم الفراء للمصنف فنسيه (وكان في السماط) بكسر السين المهملة، وأصله الجماعة من الناس والنخل المصفوفون، والمراد به في الحديث -واللَّه أعلم- الجماعة الذين كانوا صفين عن جانبي عبيد اللَّه بن زياد، ثم سمي المستطيل (¬3) الذي يؤكل عليه سماطا؛ لأن الآكلين يكونون عليه صفين. (فلما رآه عبيد اللَّه) بن زياد (قال) عنه (إن محمديكم) (¬4) أي: صاحب محمدكم رواية (هذا الدحداح هذا الدحداح) بمهملات، والدحداح: القصير السمين، نظيره ما قال الحجاج عامل الكوفة والبصرة لزيد بن أرقم بن زيد الأنصاري الخزرجي، وكان من أكابر الصحابة: إن محمديكم هذا الدحداح. وفي صفة أبرهة صاحب الفيل: كان قصيرًا دحداحًا (¬5). (ففهمها الشيخ) المحمدي (فقال) واللَّه (ما كنت أحسب أني أُبقى) بضم الهمزة وتشديد القاف المفتوحة. أي: ما كنت أحسب أني أعيش إلى أن أبقى. رواية الطبراني عن أبي مسلم الكجي، عن ¬

_ (¬1) مكانها بياض في (ل)، وليست في (م). والمثبت من مصادر الترجمة. (¬2) "تقريب التهذيب" (8514). (¬3) ساقطة من (م). (¬4) بعدها في (ل): محدثكم ولعلها نسخة. (¬5) رواه الأزرقي في "أخبار مكة" 1/ 136.

مسلم بن إبراهيم بلفظ: ما كنت أحب (في) زمن (قوم يعيروني بصحبة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال له عبيد اللَّه) بن زياد لما رآه تغير من قوله وغضب. (إن صحبة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- لك زين) لمن قاربها وظفر بسعادتها (غير شين) أي: عيب، وقد شانه يشينه إذا عابه. (قال) عبيد اللَّه بن زياد (إنما بعثت إليك لأسألك عن) حديث (الحوض) الذي من الكوثر، هل (سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يذكر فيه شيئا) حتى أرويه عنك (فقال أبو برزة) الأسلمي (نعم) سمعته (لا مرة ولا ثنتين) رواية: ولا مرتين (ولا ثلاثا ولا أربعا ولا خمسًا) بل أكثر من ذلك (فمن كذب به) أي: بوجود الحوض (فلا سقاه اللَّه تعالى منه) يوم القيامة، فيه جواز الدعاء على من كذب بشيء مما ثبت في السنة ومن نسي عوقب بعدم الانتفاع به (ثم خرج مغضبًا) بفتح الضاد، وفيه مفارقة من وقعت منه معصية وترك الجلوس معه تأديبًا له وزجرًا له إذا لم يخف من وقوع فتنة، وهذا الحديث ثلاثي الإسناد، وليس في أبي داود ثلاثي سواه. * * *

27 - باب في المسألة في القبر وعذاب القبر

27 - باب فِي المَسْأَلَةِ في القَبْرِ وَعذابِ القَبْرِ 4750 - حَدَّثَنا أَبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسي، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنِ البَراءِ بْنِ عازِب أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِنَّ المُسْلِمَ إِذا سُئِلَ في القَبْرِ فَشَهِدَ أَنْ لا إله إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} (¬1). 4751 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمانَ الأَنْباري، حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهّابِ بْنُ عَطَاءٍ الخَفّافُ أَبُو نَصْرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: إِنَّ نَبي اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- دَخَلَ نَخْلًا لِبَني النَّجّارِ فَسَمِعَ صَوْتًا فَفَزِعَ فَقالَ: "مَنْ أَصْحابُ هذِه القُبُورِ؟ ". قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ ناسٌ ماتُوا في الجاهِلِيَّةِ. فَقالَ: "تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِنْ عَذابِ النّارِ وَمِنْ فِتْنَةِ الدَّجّالِ". قالُوا: وَمِمَّ ذاكَ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قالَ: "إِنَّ المُؤْمِنَ إِذا وُضِعَ في قَبْرِهِ أَتاهُ مَلَكٌ فَيَقُولُ لَهُ: ما كُنْتَ تَعْبُدُ فَإِنِ اللَّهُ هَداهُ قالَ: كُنْتُ أَعْبُدُ اللَّهَ. فَيُقالُ لَهُ: ما كُنْتَ تَقُولُ في هذا الرَّجُلِ فَيَقُولُ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ فَما يُسْأَلُ عَنْ شَيء غَيْرَها فَيُنْطَلَقُ بِهِ إِلَى بَيْتٍ كانَ لَهُ في النّارِ فَيُقالُ لَهُ: هذا بَيْتُكَ كانَ لَكَ في النّارِ ولكنَّ اللَّهَ عَصَمَكَ وَرَحِمَكَ فَأَبْدَلَكَ بِهِ بَيْتًا في الجَنَّةِ فَيَقُولُ: دَعُوني حَتَّى أَذْهَبَ فَأُبَشِّرَ أَهْلَي. فَيُقالُ لَهُ: اسْكُنْ. وَإِنَّ الكافِرَ إِذا وُضِعَ في قَبْرِهِ أَتاهُ مَلَكٌ فيَنْتَهِرُهُ فَيَقُولُ لَهُ: ما كُنْتَ تَعْبُدُ؟ فَيَقُولُ: لا أَدْرَي. فَيُقالُ لَهُ: لا دَرَيْتَ وَلا تَلَيْتَ. فَيُقالُ لَهُ: فَما كُنْتَ تَقُولُ في هذا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: كُنْتُ أَقُولُ ما يَقُولُ النّاسُ. فَيَضْرِبُهُ بِمِطْراقٍ مِنْ حَدِيدٍ بَيْنَ أُذُنَيْهِ فيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُها الخَلْقُ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ" (¬2). 4752 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمانَ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهّابِ بِمِثْلِ هذا الإِسْنادِ نَحْوَهُ، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1369)، ومسلم (2871). (¬2) رواه البخاري مختصرا (1338)، وأحمد 3/ 233.

قالَ: "إِنَّ العَبْدَ إِذا وُضِعَ في قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحابُهُ إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعالِهِمْ فَيَأْتِيهِ مَلَكانِ فَيَقُولانِ لَهُ". فَذَكَرَ قَرِيبًا مِنْ حَدِيثِ الأَوَّلِ، قالَ فِيهِ: "وَأَمّا الكافِرُ والمُنافِقُ فَيَقُولانِ لَهُ". زادَ: "المُنافِقُ". وقالَ: "يَسْمَعُها مَنْ يَلِيهِ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ" (¬1). 4753 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، ح وَحَدَّثَنا هَنّادُ بْنُ السَّري، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ -وهذا لَفْظُ هَنّادٍ- عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ المِنْهالِ، عَنْ زاذانَ، عَنِ البَراءِ ابْنِ عازِبٍ قالَ: خَرَجْنا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- في جَنازَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصارِ فانْتَهَيْنا إِلَى القَبْرِ وَلَمّا يُلْحَدْ فَجَلَسَ رِسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَجَلَسْنا حَوْلَهُ كَأَنَّما عَلَى رُءُوسِنا الطَّيْرُ وَفي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ في الأَرْضِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقالَ: "اسْتَعِيذُوا باللَّهِ مِنْ عَذابِ القَبْرِ". مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا -زادَ في حَدِيثِ جَرِيرٍ ها هُنا- وقالَ: "وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعالِهِمْ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ حِينَ يُقالُ لَهُ: يا هذا مَنْ رَبُّكَ؟ وَما دِينُكَ؟ وَمَنْ نَبِيُّكَ؟ ". قالَ هَنّادٌ قالَ: "وَيَأْتِيهِ مَلَكانِ فَيُجْلِسانِهِ فَيَقُولان لَهُ: مَنْ رَبُّكَ فيَقُولُ: رَبّي اللَّهُ. فَيَقُولانِ لَهُ: ما دِينُكَ فَيَقُولُ: دِيني الإِسْلامُ. فَيَقُولانِ لَهُ: ما هذا الرَّجُلُ الذي بُعِثَ فِيكُمْ قالَ: فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-. فَيَقُولان: وَما يُدْرِيكَ؟ فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتابَ اللَّهِ فَآمنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ". زادَ في حَدِيثِ جَرِير: "فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} ". الآيَةَ. ثُمَّ اتَّفَقا قالَ: "فَيُنادي مُنادٍ مِنَ السَّماءِ: أَنْ قَدْ صَدَقَ عَبْدي فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الجَنَّةِ وافْتَحُوا لَهُ بابًا إِلَى الجَنَّةِ وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الجَنَّةِ". قالَ: "فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِها وَطِيبِها". قالَ: "وَيُفْتَحُ لَهُ فِيها مَدَّ بَصَرِهِ". قالَ: "وَإِنَّ الكافِرَ". فَذَكَرَ مَوْتَهُ قالَ: "وَتُعادُ رُوحُهُ في جَسَدِهِ وَيَأْتِيهِ مَلَكانِ فَيُجْلِسانِهِ فَيَقُولانِ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: هاهْ هاهْ هاهْ لا أَدْرَي. فَيَقُولانِ لَهُ: ما دِينُّكَ؟ فَيَقُول: هاهْ هاهْ لا أَدْرَي. فَيَقُولانِ: ما هذا الرَّجُلُ الذي بُعِثَ فِيكمْ؟ فَيَقُولُ: هاهْ هاهْ لا أَدْرَي. فَيُنادي مُنادٍ مِنَ السَّماءِ: أَنْ كَذَبَ فَأَفْرِشُوهُ ¬

_ (¬1) سبق برقم (3231).

مِنَ النّارِ وَأَلْبِسُوهُ مِنَ النّارِ وافْتَحُوا لَهُ بابًا إِلَى النّارِ". قالَ: "فيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّها وَسَمُومِها". قالَ: "وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلاعُهُ". زادَ في حَدِيثِ جَرِير قالَ: "ثُمَّ يُقَيَّضُ لَهُ أَعْمَى أَبْكَمُ مَعَهُ مِرْزَبَّةٌ مِنْ حَدِيدٍ لَوْ ضُرِبَ بِها جَبَلٌ لَصارَ تُرابًا". قالَ: "فيَضْرُبهُ بِها ضَرْبَةً يَسْمَعُها ما بَيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ فَيَصِيرُ تُرابًا". قالَ: "ثُمَّ تُعادُ فِيهِ الرُّوحُ" (¬1). 4754 - حَدَّثَنا هَنّادُ بْن السَّري، حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنا المِنْهالُ، عَنْ أَبي عُمَرَ: زاذانَ قالَ: سَمِعْتُ البَراءَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: فَذَكَرَ نَحْوَهُ (¬2). * * * باب في المسألة في القبر وعذاب القبر [4750] (ثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك (الطيالسي، ثنا شعبة، عن علقمة (¬3) بن مرثد) الحضرمي الكوفي (عن سعد (¬4) بن عبيدة) بالتصغير السلمي الكوفي (عن البراء بن عازب رضي اللَّه عنهما أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إن المسلم إذا سئل في القبر) لفظ البخاري: "إذا أقعد المؤمن في قبره أُتي" (¬5) بضم الهمزة، وكسر التاء يعني: أتاه الملكان منكر ونكير فيسألانه، والسؤال وجوابه لا يصحان إلا لحي، فيجب اعتقاد ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 287، والطيالسي (789). وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (3558). (¬2) انظر السابق. (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) فوقها في (ل): (ع). (¬5) "صحيح البخاري" (1369).

الحياة في تلك الأجساد وسماعهم الكلام، والكلام في جواب السؤال، ولا يمتنع من ذلك كون الميت تفرقت أجزاؤه كما يشاهد في العادة، أو أكلته السباع، أو حيتان البحر، ونحو ذلك، فكما أن اللَّه يعيده للحشر، وهو قادر على ذلك، فكذا يعيد الحياة إلى جزء منه أو أجزاء إذا أكلته السباع. فإن قيل: فنحن نشاهد الميت على حاله في قبره، فكيف يسأل ويقعد ويضرب بمطارق ولا يظهر له أثر؟ فالجواب: أن ذلك غير ممتنع، بل له نظير في العادة، وهو النائم، فإنه يجد لذة وآلاما لا [نحس نحن شيئا] (¬1) منها (فشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه) أو ما في معناه نحو: اللَّه ربي ومحمد -صلى اللَّه عليه وسلم- نبيي (فذلك قول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ}) أي: يلقن اللَّه المؤمن عند السؤال في قبره كلمة الحق الثابتة عليه. [4751] (حدثنا محمد بن سليمان الأنباري) بتقديم النون على الباء (ثنا عبد الوهاب بن عطاء الخفاف) البصري (أبو نصر) العجلي نزل بغداد، أخرج له مسلم (عن سعيد) بن أبي عروبة. (عن قتادة، عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: إن نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل نخلا لبني النجار) رواية أحمد في ثلاثياته: دخل حائطًا من حيطان المدينة لبني النجار (¬2). وأفاد أن النخل كانت في المدينة قبيلة من الخزرج وفيها بطون وأفخاذ قيل له: النجار؛ لأنه اختتن به؛ وقيل: لأنه ضرب رجلا بقدوم فنسب إليه. ¬

_ (¬1) مكانها بياض في (م). (¬2) "المسند" 3/ 103.

(فسمع صوتًا) زاد أحمد: من قبر (¬1). مزعجًا (ففزع) من شدته، لفظ أحمد: فسأله عنه: متى دفن؟ (¬2). (فقال: من أصحاب هذِه القبور؟ ) الظاهرة بينا ونحوه، (فقالوا: يا رسول اللَّه) هم (ناس ماتوا في) أيام (الجاهلية) ودفنوا في هذِه القبور. (فقال: تعوذوا باللَّه من عذاب القبر) (¬3) يشبه أنه أمرهم بالاستعاذة من النار لما أطلعه اللَّه على أصحاب القبور، يعذبون بالنار. أجارنا اللَّه منها. لفظ رواية أحمد: قالوا: يا رسول اللَّه دفن هذا في الجاهلية. فأعجبه ذلك، وقال: "لولا أن لا تدافنوا لدعوت اللَّه أن يسمعكم عذاب القبر" (¬4) انتهى. قوله: فأعجبه ذلك. أي: لكون من سمع صوته ليس من المسلمين، ولهذا سأل عن أصحابها ليعلم أعمالهم التي استحقوا بها النار، فيحذر من الوقوع فيه. (ومن فتنة الدجال) ووجه المناسبة لما تقدم أنه لما أمر بالتعوذ من النار استطرد منه إلى التعوذ من فتنة الدجال في الواديين الذين يخرجان معه أحدهما جنة والآخر نار فناره جنة وجنته نار، ومن فتنته كما ذكر القرطبي وغيره أن معه ملكين (¬5) يشبهان نبيين من الأنبياء لو شئت سميتهما بأسمائهما فيقول الدجال: ألست بربكم؟ ألست أحيي وأميت؟ ! فيقول أحد الملكين: كذبت. فلا يسمعه أحد من الناس. ¬

_ (¬1) "المسند" 3/ 103. (¬2) السابق. (¬3) بعدها في (ل)، (م): النار. وفوقها: خ. (¬4) "المسند" 3/ 103. (¬5) في الأصول: ملكان: والجادة المثبت.

فيقول الآخر: صدقت. فيسمعه الناس، فيظنون أنه صدق الدجال، فذلك فتنته (¬1) (قالوا: ومم ذلك يا رسول اللَّه؟ ) أي: لأي شيء أمرتنا بالاستعاذة، فأرادوا أن يفهموا المعنى الذي أمروا منه بالتعوذ (قال: إن الميت (¬2) إذا وضع في قبره) وتولى عنه أصحابه (أتاه ملك) بفتح اللام، وسيأتي في الحديث بعده: "يأتيه ملكان" فأفرد هنا لكونه المتكلم دون غيره، وثنى في الحديث الذي بعده لكونهما اثنين (¬3)، وإن كان المتكلم واحدًا (فيقول له: ما كنت تعبد؟ ) فيه: أن الناس يفتنون في قبورهم بعد أن يحيوا فيها، ويسألون عمن كانوا يعبدون، وأن الإيمان بهذا واجب (فإن) بكسر النون من الشرطية لالتقاء الساكنين (اللَّه) فيه حذف، تقديره: فإن يكن اللَّه تعالى قد (هداه) الصراط المستقيم وثبته بالقول الثابت (قال) إني (كنت أعبد اللَّه) أي: وأعرفه وأؤمن به، فمن لوازم العبادة تقدم المعرفة؛ لأن عبادة من لا يعرف ممتنعة (فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ ) يعني بالرجل: النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإنما يقوله بهذِه العبارة التي ليس فيها تعظيم للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- امتحانًا للمسؤول، لئلا يتفكر تعظيمه عن عبارة السائل. (فيقول: هو عبد اللَّه ورسوله) فيه: أن الشهادة بالوحدانية لا بد معها من الشهادة بالرسالة، وقد يؤخذ منه أنه لو قيل للكافر: ما تقول في محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد أنه رسول اللَّه. وقام الضمير ¬

_ (¬1) "التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة" (ص 1278). (¬2) كذا في النسخ، وفي "السنن": المؤمن. (¬3) في (ل)، (م): اثنان. والمثبت هو الصواب.

مقام التصريح بمحمد -صلى اللَّه عليه وسلم-. (فما يسأل) الميت (عن شيء غيرها) بالجر، لكن في رواية البراء بن عازب الآتية (¬1) فيقول: -يعني الملك- "وما يدريك؟ فيقول: جاءنا بالبينات من ربنا فآمنت وصدقت" (فينطلق) بفتح الياء وكسر اللام (به) الملك (إلى بيت كان له في النار فيقال له) لعل القائل هذا غير الملك الذي سأل (هذا بيتك) الذي (كان لك) أضيف إليه البيت مجازًا وإن لم يكن دخله (في النار) قد (ولكن) بتشديد النون وتخفيفها (اللَّه) تعالى (عصمك) أي: منعك من دخوله (ورحمك) بفضله (فأبدلك) هذِه الفاء السببية، أي: فبسبب رحمته لك وفضله عليك أبدلك (به بيتا في الجنة) فائدة القول له تعريف قدر نعمة اللَّه عليه العظيمة فيما صرف عنه من عذاب جهنم وفيما أوصل إليه من كرامة الجنة، وناهيك بها كرامة (فيقول) لهم (دعوني حتى أذهب فأبشر أهلي) فيه: أن لذة الآدمي بما أنعم عليه لا تكمل إلا إذا علم أقاربه بذلك؛ ليدخل السرور عليهم كما دخل عليه، فيكون سرورهم به زيادة في سروره، ويحتمل أن يقال: إنما طلب بشارة أهله ليقتدوا به في إيمانه وعبادته، ويكون علمهم بحاله سببًا لاكتساب مثل عمله لأنفسهم، والوجهان محتملان في قوله تعالى: {يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) مَا غَفَرَ لِي رَبِّي} (¬2). (فيقال له: اسكن) في بيتك، فإن الرجوع إليهم مستحيل (وإن الكافر) أو المنافق (إذا وضع في قبره أتاه ملك) قال القرطبي: لا يعارض ما في ¬

_ (¬1) في الأصول: الآتي. والجادة المثبت. (¬2) يس: 26 - 27.

هذِه الرواية من سؤال ملك، وما في الرواية الآتية من سؤال ملكين، بل الكل صحيح المعنى بالنسبة إلى الأشخاص، فرب شخص يأتيانه جميعًا ويسألانه في حال واحد عند انصراف الناس؛ ليكون السؤال عليه أهون والفتنة في حقه أشد وأعظم، وذلك بحسب ما اقترف من الآثام واجترح من سيئ الأعمال، وآخر يأتيانه قبل انصراف الناس عنه. قال: ويحتمل وجهًا آخر، وهو أن الملكين يأتيان جميعا، ويكون السائل آخرهما في الإتيان، فيكون الراوي اقتصر على الملك السائل دون غيره، كما تقدم (¬1). (فينتهره) أي: يستقبله بما يكره (فيقول له: ما كنت تعبد؟ ) في حياتك (فيقول: لا أدري) وللترمذي من رواية أبي هريرة: وإن كان منافقًا قال (¬2): سمعت الناس يقولون قولًا فقلت مثله: لا أدري (¬3). (فيقال له: لا دريت ولا تليت) قال في "النهاية": هكذا يرويه المحدثون، والصواب: ولا ائتليت (¬4). أي: ولا استطعت أن تدري. يقال: ما آلوه. أي: ما أستطيعه، وهو افتعلت منه، وقيل: معناه: ولا قرأت. أي: لا تلوت، هكذا أصله بالواو، وإنما قلبت بالإتباع ما دريت ليزدوج الكلام مع دريت، وقد جاء من حديث البراء: "لا دريت ولا تلوت" على الأصل على ما رواه الإمام أحمد بن حنبل (¬5). ¬

_ (¬1) "التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة" (ص 357 - 358). (¬2) في الأصول: فقال. والمثبت من "سنن الترمذي". (¬3) "سنن الترمذي" (1071). (¬4) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 195. (¬5) "المسند" 4/ 295.

أي: لم تدر ولم تتل القرآن، فلم تنتفع بدرايتك ولا تلاوتك. قال الأزهري ويروى: "ولا أتليت". يدعو عليه أن لا تتلو إبله. أي: لا يكون لها أولاد تتلوها (¬1). (فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ ) تقدم (فيقول: كنت أقول) فيه مثل (ما يقول الناس. فيضربه) الملك. وفيه دليل على إبطال التقليد في أمر التوحيد وما يتبعه من الشريعة للآباء وغيرهم من الناس وترك اتباع الرسل فيما جاؤوا به كصنيع أهل الأهواء في تقليدهم كبراءهم وتركهم اتباع الرسل في الدين (بمطراق) بكسر الميم لغة في المطرق الذي يضرب به، وجمعه مطارق، وفي الصحيحين: "ويضرب بمطارق" (¬2) (من حديد بين أذنيه) لكونه من أعظم المقاتل، ولأن ذلك في الرأس الذي هو محل العقل الذي يعقل به عند بعضهم، ومحل السمع الذي يسمع به، والبصر الذي يبصر به، واللسان الذي ينطق به، فلما كان محل المخالفة كانت العقوبة به دون غيره. وزاد البخاري: "ضربة" (¬3) يعني: واحدة (فيصيح صيحة يسمعها الخلق) بالنصب، كلهم، لفظ البخاري: "يسمعها من يليه" (¬4) (غير الثقلين) وهما الجن والإنس، فكل نفيس خطير ثقل، فسماهما ثقلين إعظامًا لقدرهما. [4752] (ثنا محمد بن سليمان) الأنباري (ثنا عبد الوهاب) الخفاف (بمثل هذا الإسناد نحوه) و (قال) فيه (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه ¬

_ (¬1) "تهذيب اللغة" 14/ 320. (¬2) "صحيح البخاري" (1374). (¬3) و (¬4) السابق.

أصحابه [إنه] (¬1) ليسمع قرع نعالهم) فيه حجة لمن يقول: إن الميت يسمع كلام الأحياء كما يسمع قرع النعال. قال الطبري: وليس في قوله تعالى: {مَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} (¬2) حجة على دفع ما صحت به الأحاديث التي في هذا، ولا في قوله عليه السلام في أهل القليب: "ما أنتم بأسمع منهم" (¬3)؛ لأن في قوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} و {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} (¬4) محتملان من التأويل، منها أن التقدير أن اللَّه لا يسمع الموتى بطاقتك وقدرتك، أو كان خالق السمع عندي، ولكن اللَّه هو الذي يسمعهم إذا شاء. والثاني: أن يكون المعنى: فإنك لا تسمع الموتى إسماعًا ينتفعون به، قد انقطعت عنهم الأعمال، وخرجوا من دار العمل إلى دار الجزاء، فلا ينفعهم دعاؤك إياهم إلى الإيمان باللَّه (فيأتيه ملكان فيقولان له. فذكر قريبًا من حديث الأول) فيه أن اللَّه يرد الحياة إلى المكلف، ويجعل له من العقل كما كان ليعقل ما يسأل عنه فيجيب عنه، ولقد قال عمر بن الخطاب: لما أخبر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بسؤال الملكين: أيرجع إلي عقلي؟ قال: "نعم" قال: إذًا أكفيكهما (¬5)، واللَّه لئن ¬

_ (¬1) من "السنن". (¬2) فاطر: 22. (¬3) رواه البخاري (1370) من حديث ابن عمر، ورواه مسلم (2873) من حديث أنس. (¬4) النمل: 80. (¬5) إلى هذا الحد رواه الحارث بن أبي أسامة في "المسند" كما في "بغية الباحث" (281)، وكما في "إتحاف الخيرة المهرة" 2/ 492 (1955)، وكما في "المطالب العالية" 18/ 471 (4531)، والآجري في "الشريعة" 3/ 1291 (861)، والبيهقي =

سألاني لأسألهما، فأقول لهما: أنا ربي اللَّه، فمن ربكما أنتما (¬1)؟ وخرج الحكيم الترمذي بمعناه، و (قال فيه: فأما الكافر والمنافق) فسوى بينهما في الضرب بالمطراق (فيقولان له) ما كنت تقول في هذا الرجل؟ و (زاد) ذكر (المنافق وقال) في هذِه الرواية (يسمعها من يليه غير) بالنصب (الثقلين) لفظ البخاري: "يسمعها من يليه إلا الثقلين" (¬2) يعني: الجن والإنس، سميا به لثقلهما على الأرض. [4753] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا جرير، ح. وحدثنا هناد بن السري، ثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (وهذا لفظ هناد) بن السري (عن الأعمش، عن المنهال) بن عمرو الأسدي، أخرج له البخاري حديثًا واحدًا (¬3) (عن زاذان) بالزاي والذال المعجمتين الكندي، أخرج له مسلم. (عن البراء بن عازب رضي اللَّه عنهما قال: خرجنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر) الذي يدفن فيه (ولما (¬4) يلحد) فهي هنا من حروف الجزم، كقوله تعالى: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ ¬

_ = في "إثبات عذاب القبر" (103) من طريق إبراهيم بن سعد عن أبيه عن عطاء بن يسار قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لعمر بن الخطاب. . . الحديث. قال الحافظ العراقي في "المغني" 2/ 1236، والحافظ البوصيري في "الإتحاف" 2/ 492: مرسل ورجاله ثقات. وقال الحافظ في "المطالب" 18/ 471: رجاله ثقات مع إرساله. (¬1) هذِه الزيادة ذكرها القرطبي في "التذكرة" (ص 369) ولم أجدها مسندة، واللَّه أعلم. (¬2) "صحيح البخاري" (1338). (¬3) "صحيح البخاري" (2371). (¬4) في الأصول: ولم.

جَاهَدُوا مِنْكُمْ} (¬1) ومعنى: (لما (¬2) يلحد): لم يجعل فيه اللحد، وهو الذي يعمل في جانب القبر من جهة اليمين، ليوضع فيه الميت؛ لأنه [قد أميل به] (¬3) عن وسط القبر إلى جانبه. (فجلس رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وجلسنا حوله) ظرف، الجهات المحيطة به يمينًا وشمالًا (كأنما على رؤوسنا الطير) وصفهم بالسكون والوقار، تقول: لم يكن فيهم طيش ولا خفة. وذلك لأن الطير لا يكاد يقع إلا على شيء ساكن. قال الجوهري: كأن على رؤوسهم إذا سكنوا من هيبته، وأصله أن الغراب يقع على رأس البعير فيلقط من الحلمة، فلا يحرك البعير رأسه، لئلا ينفر عنه الغراب. انتهى (¬4). ويحتمل أن يكون شبههم بمن قعد على رأسه طائر، فهو يبالغ في السكون، لئلا يتحرك فينفر عنه الطائر. (وفي يده عود ينكت) بالمثناة آخره (به الأرض) أي: يضرب بطرفه الأرض، ليؤثر فيه، وهو فعل المفكر في أمر عظيم يحدث نفسه به، وناهيك بذكر الموت وعظم خطره والتفكر فيه (فرفع رأسه) وفي رواية: فجعل يرفع بصره وينظر إلى السماء ويخفض بصره وينظر إلى الأرض، ثم قال: "أعوذ باللَّه من عذاب القبر" (¬5) (ثم قال: استعيذوا ¬

_ (¬1) آل عمران: 142. (¬2) في الأصول: ولم. (¬3) مكانها بياض في (م). (¬4) "الصحاح" 2/ 728. (¬5) رواه الطيالسي في "المسند" 2/ 114 (789)، ومن طريقه البيهقي في "إثبات عذاب القبر" (20). =

باللَّه من عذاب القبر) قاله (مرتين أو ثلاثًا) و (أو) هنا للشك من الراوي. وفيه إثبات عذاب القبر وفتنته ووجوب الإيمان به، خلافًا للمعتزلة في إنكارهم ذلك، وفيه تكرير الاستعاذة والدعاء بما يخاف منه. (زاد) ابن أبي شيبة (في حديث جرير هاهنا: وقال: إنه ليسمع خفق نعالهم) كذا رواية البخاري في الحديث قبله، والخفق: الضرب، ولا يستعمل الخفق إلا في الضرب بالشيء العريض، ومنه سميت الدرة مخفقة. يعني: سمع صوت ضربها للأرض (إذا ولوا مدبرين) عنه بعد دفنه (حين يقال له) وفي بعض النسخ: حتى يقال له (يا هذا) الرجل، وأما المرأة فالظاهر أنه يقال لها: يا هذِه (من ربك؟ ) الذي تعبده (وما دينك؟ ) الذي كنت عليه وتعتقده (ومن نبيك؟ ) الذي كنت تتمسك بشريعته. (قال هناد) بن السري (قال (¬1): ويأتيه ملكان) وللترمذي: ملكان أسودان أزرقان، يقال لأحدهما: منكر. والآخر: نكير (¬2) (فيجلسانه) هذا مما أنكرته الملحدة ومن تمذهب من الإسلاميين بمذهب الفلاسفة، وقالوا: هذا يخالف مقتضى العقول، ومن افترسته السباع ونهشته الطيور وتفرقت أجزاؤه في بطون الحيتان ومدارج الرياح، كيف تجتمع أجزاؤه ويتصور جلوسه وسؤاله؟ وجوابهم من أوجه: ¬

_ = قال البوصيري في "الإتحاف" 2/ 436: رواه أبو داود الطيالسي بسند الصحيح. (¬1) ساقطة من (م). (¬2) "سنن الترمذي" (1071).

أحدها: ما ذكره القاضي أستاذ الأمة، وهو أن المدفونين في القبور يسألون، والذين دفنوا على وجه الأرض، وأن اللَّه يحجب الملكين عما يجري عليهم كما حجبهم عن رؤية الملائكة ورؤية الأنبياء عليهم السلام، ومن أنكر ذلك فلينكر نزول جبريل على الأنبياء، وقد قال تعالى في وصف الشيطان: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} (¬1). وقال أبو المعالي: المرضي عندنا أن الجلوس والسؤال يقع على أجزاء يحلمها اللَّه من القلب أو غيره فيحييها ويوجه السؤال عليها، وذلك غير مستحيل عقلًا، وليس هذا بأبعد من الذر الذي أخرجه اللَّه من صلب آدم وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟ . (فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي اللَّه. فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام) الذي رضيه اللَّه لنا دينًا (فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث) أي: بعثه اللَّه (فيكم؟ ) رسولًا (فيقول: هو رسول اللَّه) وإنما كان السؤال عن هذِه الثلاث دون غيرها، لأن من أتى بهذِه الثلاث ورضي بها فقد ذاق طعم الإيمان؛ وتحقق كمال إيمانه، فإن ارتكب المعاصي الكبائر لم يقدح في إيمانه؛ لأن فيها معرفة اللَّه ومعرفة رسوله ومعرفة منة الإسلام، وقد جمع -صلى اللَّه عليه وسلم- هذِه الثلاث في رواية مسلم: "ذاق طعم الإيمان من رضي باللَّه ربا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد -صلى اللَّه عليه وسلم- رسولًا" (¬2). (فيقولان) له (ما يدريك؟ ) أنه رسول اللَّه (فيقول: قرأت كتاب اللَّه ¬

_ (¬1) الأعراف: 27. (¬2) "صحيح مسلم" (34).

تعالى فآمنت به) قيل: المعنى: قرأت كتاب اللَّه فوجدت فيه: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} (¬1) فعرفت اللَّه، ووجدت أن الدين عند اللَّه الإسلام، فرضيت به، ووجدت: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} (¬2) فشهدت برسالته إلى غير ذلك من الآيات، فكأنه آمن بالثلاثة قبل قراءة القرآن إيمانًا اعتقاديًّا مجملًا، فلما قرأ القرآن استدل به على ما تقدم به إيمانه، فوجد حلاوته، وازداد يقينه، فإن قيل: هذا الحديث يدل على أن الرجل يعرف صدق الرسول بالقرآن، وهو لا يستقيم؛ لأنه ما لم يعرف صدق الرسول لا يعلم أن القرآن كلام اللَّه. وأجيب: أن القرآن أعظم المعجزات فصدق الرسول عليه السلام منه (وصدقت) من لم يفرق بينهما، وجعل الإيمان هو التصديق جعله مما كرر معناه لاختلاف لفظه تأكيدًا واتباعًا للمعنى، كما قال تعالى: {مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} (¬3) وقوله: {أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ} (¬4). (زاد في حديث جرير) بن عبد اللَّه (فذلك) الإشارة إلى جريان لسانه بالصدق؛ لأن اللَّه تعالى أخبر أنه يثبت المؤمنين بكلمتي الشهادة في الدنيا وفي القبر (قول اللَّه عز وجل: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ}) الذي تثبت به الحجة والبرهان في قلب صاحبه فاعتقده، واطمأنت إليه نفسه (الآية) إلى آخرها (ثم اتفقا) يعني: أبا معاوية وجريرًا (قال: فينادي ¬

_ (¬1) غافر: 62. (¬2) الحشر: 7. (¬3) البقرة: 159. (¬4) الزخرف: 80.

مناد من) جهة (السماء) ينادي عن اللَّه تعالى (أن صدق عبدي) (أن) هنا تفسيرية بمعنى قوله تعالى: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا} (¬1) (أن) تكون مصدرية تقدر هي وما بعدها بالمصدر المجرور. أي: بحرف الجر المحذوف الداخل عليها، ويكون حرف الجر وما بعده علة لما بعده، وحرف الجر اللام. أي: لأن صدق عبدي [والتقدير: لأجل صدق عبدي] (¬2) فيما قاله بلسانه وعقد عليه قلبه. (فأفرشوه) بألف القطع، وكسر الراء، الأصل: أفرشوا له. فحذف حرف الجر. أي: أعجلوا فراشًا من فرش (الجنة) ولو كان من الثلاثي لكان من حقه أن يروى بألف الوصل. قال النووي: لم نجد الرواية إلا بالقطع (وافتحوا له بابًا إلى الجنة) ليرى منزلته فيها (وألبسوه) بفتح الهمزة، وكسر الباء، من ألبسه [إذا كساه] (¬3) لباسًا من لباس الجنة (قال: فيأتيه من روحها) بفتح الراء، هو نسيم الريح (وطيبها) أي: طيب رائحتها العطرة (ويفتح) بضم أوله، وفتح المثناة الفوقانية ثالثه، وفي بعض النسخ: (ويفسح) بالسين المهملة بدل التاء، وهو أظهر من جهة المعنى (له فيها) فيه حذف تقديره: يفتح باب إلى الجنة، وينظر في الجنة (مد بصره) الأصوب أن (مد) منصوب على المصدر أي: فسحًا قدر مد بصره. المد: القدر. يريد أنه يفسح له في الجنة قدر ما ينتهي إليه نظره، وهو تمثيل لسعة ما ¬

_ (¬1) الأعراف: 43. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) ساقطة من (م).

ينظر في الجنة من أنهارها وأشجارها وثمارها وقصورها وغرفها، وغير ذلك (قال: وإن الكافر. فذكر) كذلك (موته، وتعاد روحه في جسده) يجوز في (تعاد) المثناة فوق وتحت، وهو الصريح في أن روح الكافر إذا خرجت عند موته عادت إلى جسده، ولكن من قعود، وقد روى الحافظ أبو نعيم عن أبي جعفر محمد بن علي، عن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "فإذا جاء ملك الموت فقبض روحه، فإذا أدخل حفرته رد الروح في جسده" (¬1)، "يأتيه ملكان أسودان أزرقان" كما للترمذي (¬2) (فيجلسانه، فيقولان) له: (من ربك؟ فيقول: هاه هاه) بالقصر وسكون الهاء فيهما، وهي كلمة لا معنى لها، ولكنها كلمة تقال عند تحير المتكلم، وعجزه عن الجواب، وندامته على ما سلف (لا أدري) من ربي (فيقولان له) و (ما دينك؟ ) الذي كنت عليه (فيقول: هاه هاه لا أدري) ما أقول؛ لعظم حيرته وشدة دهشته. (فيقولان: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ ) تقدم (فيقول: هاه هاه لا أدري، فينادي مناد من السماء أن) تفسيرية أو مصدرية كما تقدم (كذب) أي: جحد بما علم؛ لأنهم يعلمون أن ربهم اللَّه، ولم يقل: عبدي كما تقدم في المؤمن؛ لأن الوصف بالعبودية وإضافتها إلى اللَّه نوع تشريف يختص بالمؤمن دون الكافر. (فأفرشوه) بهمزة قطع كما تقدم. أي: فراشًا (من النار، وألبسوه) لباسًا (من النار وافتحوا له) من قبره (بابًا إلى النار. قال: فيأتيه من ¬

_ (¬1) "حلية الأولياء" 3/ 190. (¬2) "سنن الترمذي" (1071).

حرها) أي: حر لهبها (وسمومها) بفتح السين بوزن رسول هو ريح حرها، ويقال للريح التي تهب بالنهار حارة: سموم. وبالليل: حرور. (قال: ويضيق) بضم أوله، وفتح ثالثه المشدد (عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه) أي: يتحول كل ضلع عن موضعه الذي كان عليه، وينتقل عنه بشدة العصرة. و(زاد في حديث جرير) بن عبد الحميد (قال: ثم يقيض) بضم أوله، وفتح القاف، وتشديد الياء المفتوحة. أي: يقدر (له) ويسبب، وأصل الكلمة من القيض، وهو القشر الأعلى من البيض، فقوله: قيض اللَّه لي فلانًا. أي: أباحه لي وسخره حتى استولى عليه استيلاء القيض على البيض (أعمى أبكم) ولفظ أبي داود الطيالسي: "أصم أبكم" (¬1). والمراد أنه يقدر له ويوكل بعقوبته من هو أعمى لا عين له حتى يرى عجزه وضعفه وجريان دمعه، و (أصم) لا يسمع صوته وبكاءه فيرحمه ويعطف عليه، و (أبكم): أي: أخرس لا يفهم كلامه. (معه مرزبة) بتخفيف الباء لا غير، والمحدثون يشددونها، والصواب التخفيف، وإنما تشدد الباء إذا أبدلت الهمزة من الميم، فقيل: إرزبة، وهي مدقة تدق بها الحنطة، ومطرقة للحدادين كبيرة (من حديد لو ضرب بها جبل لصار ترابًا) أو قال: "صار رميمًا" كما للطيالسي (¬2) (فيضربه ضربة يسمعها ما بين المشرق والمغرب إلا الثقلين) وللطيالسي: "يسمعها الخلائق إلا الثقلين" (¬3). ¬

_ (¬1) و (¬2) "مسند الطيالسي" 2/ 114. (¬3) السابق.

قال أبو محمد عبد الحق: حدثني الفقيه أبو الحكم بن برجان من أهل العلم والعمل رحمه اللَّه أنهم دفنوا ميتًا بقريتهم من شرق إشبيلية، فلما فرغوا من دفنه قعدوا ناحية يتحدثون ودابة ترعى قريبًا منهم، فإذا الدابة قد أقبلت مسرعة إلى القبر فجعلت أذنها عليه، كأنها تسمع، ثم ولت فارة ثم عادت إلى القبر، فجعلت أذنها عليه كأنها تسمع، ثم ولت فارة كذلك، فعلت مرة بعد أخرى، فذكرت الحديث (¬1). وقوله: "إنهم ليعذبون عذابًا تسمعه البهائم" (¬2) (فيصير ترابًا، قال: ثم تعاد فيه الروح) ثم يضرب بالمرزبة ضربة أخرى هكذا. [4754] (ثنا هناد بن السري، ثنا عبد اللَّه بن نمير، ثنا الأعمش، حدثنا المنهال، عن أبي عمر زاذان) الكندي (قال: سمعت البراء) بن عازب (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فذكر نحوه) كما تقدم. * * * ¬

_ (¬1) "العاقبة في ذكر الموت" (ص 247). (¬2) رواه البخاري (6366)، ومسلم (586) من حديث عائشة.

28 - باب في ذكر الميزان

28 - باب فِي ذِكْرِ المِيزانِ 4755 - حَدَّثَنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْراهِيمَ وَحُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، أَنَّ إِسْماعِيلَ بْنَ إِبْراهِيمَ حَدَّثَهُمْ قالَ: أَخْبَرَنا يُونُسُ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عائِشَةَ: أنَّها ذَكَرَتِ النّارَ فَبَكَتْ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما يُبْكِيكِ؟ ". قالَتْ: ذَكَرْتُ النّارَ فَبَكَيْتُ فَهَلْ تَذْكُرُونَ أَهْلِيكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَمّا في ثَلاثَةِ مَواطِنَ فَلا يَذْكُرُ أَحَدٌ أَحَدًا: عِنْدَ المِيزانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَيَخِفُّ مِيزانُهُ أَوْ يَثْقُلُ، وَعِنْدَ الكِتابِ حِينَ يُقالُ: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} حَتَّى يَعْلَمَ أَيْنَ يَقَعُ كتابُهُ أَفي يَمِينِهِ أَمْ في شِمالِهِ أَمْ مِنْ وَراءِ ظَهْرِهِ، وَعِنْدَ الصِّراطِ إِذا وُضِعَ بَينَ ظَهْري جَهَنَّمَ". قالَ يَعْقُوبُ: عَنْ يُونُسَ وهذا لَفْظُ حَدِيثِهِ (¬1). * * * باب في الميزان [4755] (ثنا يعقوب (¬2) بن إبراهيم) الدورقي (وحميد بن مسعدة أن إسماعيل بن إبراهيم) ابن علية الإمام (حدثهم: أنا يونس، عن الحسن) البصري. (عن عائشة أنها ذكرت) يومًا (النار فبكت) من حرها (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ما يبكيك؟ ) أي: ما سبب بكائك؟ وفيه تفقد الأولاد والزوجات، والسؤال عن أحوالهم العارضة ليشير عليهم بما فيه مصلحتهم، وتعليمهم ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 101، والبزاز في "الغيلانيات" (912)، والآجري في "الشريعة" (906)، والحاكم 4/ 578. وضعفه الألباني في "المشكاة" (5560). (¬2) فوقها في (ل): (ع).

ما يحتاجون (قالت: ذكرت النار) وشدة رؤيتها عند العرض عليها (فبكيت) فيه شدة خوف الصحابة -رضي اللَّه عنهم- مع عظم منزلتهم، وناهيك بعائشة ومنزلتها عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. (فهل تذكرون أهاليكم) يحتمل أن تريد بالأهل نفسها، والتقدير: هل تذكرني في (يوم القيامة؟ ) كما في حديث أم سلمة: "ليس بك على أهلك هوان" (¬1) أراد بالأهل نفسه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفي التعبير بالأهل إشارة إلى طلبها ذكرها بالشفاعة لها يوم القيامة لكونها زوجته في الدنيا، وللزوجة حق على زوجها، وفيه أيضًا طلب ذكر بقية أهله يوم القيامة، وهن ضراتها، وهذا من كمال فتوتها. (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أما) بتشديد الميم (في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحدًا) لعظم هولها وشدة روعها إلا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإنه وافق في هذِه المواطن للرواية التي ذكرها رزين العبدري عن عائشة قالت: قلت: يا رسول اللَّه، هل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ قالت أو قيل له: فأين نجدك؟ قال: "لا أخطئ ثلاثة مواطن: عند الميزان، وعند الصراط، وعند الحوض" (¬2) (عند الميزان) إذا وضع ووزنت الأعمال (حتى يعلم أيخف ميزانه أو يثقل، وعند الكتاب حين) هذِه الرواية المشهورة، وفي بعضها: "حتى" (يقال له: {هَاؤُمُ}) أي: تعالوا ({اقْرَءُوا}) وأهل اللغة يقولون في تفسيرها: ها هاؤم اقرؤوا ({كِتَابِيَهْ}) وهذِه الهاء هاء الوقف (حتى يعلم أين يقع كتابه أ) يقع (في يمينه؟ ) فيكون من ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1460). (¬2) ذكره ابن الأثير في "جامع الأصول" 10/ 474.

أصحاب اليمين (أم) يقع (في شماله؟ ) فيكون من أصحاب الشمال (أم) يؤتى كتابه (من وراء ظهره؟ ) قال ابن السائب: يلوي يده اليسرى خلف ظهره ثم يعطى كتابه. وقيل: ينزع من صدره إلى خلف ظهره، ثم يعطى كتابه، وظاهر هذا أن كل من أوتي كتابه بشماله فهو من وراء ظهره، وظاهر الحديث أن من يؤتى كتابه بشماله على قسمين: أحدهما: كتابه بشماله لا من وراء ظهره. والثاني: بشماله من رواء ظهره. (و) الموطن الثالث (عند الصراط إذا وضع) الصراط (بين ظهري) (¬1) بفتح الظاء والراء (جهنم) أي: على ظهور جهنم كالجسر، والعرب تضع الاثنين موضع الجمع (قال يعقوب) بن إبراهيم شيخ المصنف (عن) شيخه (يونس) بن عبيد العبدي البصري (وهذا لفظ حديثه) دون حميد. * * * ¬

_ (¬1) بعدها في (ل)، (م): ظهراني، وعليها: خ.

29 - باب في الدجال

29 - باب فِي الدَّجّالِ 4756 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ خالِدٍ الحَذّاءِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُراقَةَ، عَنْ أَبي عُبَيْدَةَ بْنِ الجَرّاحِ قالَ: سَمِعْتُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبي بَعْدَ نُوحٍ إِلَّا وَقَدْ أَنْذَرَ الدَّجّالَ قَوْمَهُ وإنّي أُنْذِرُكمُوهُ". فَوَصَفَهُ لَنا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وقالَ: "لَعَلَّهُ سَيُدْرِكُهُ مَنْ قَدْ رَآني وَسَمِعَ كَلامي". قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ قُلُوبُنا يَوْمَئِذٍ أَمِثْلُها اليَوْمَ قالَ: "أَوْ خَيْرٌ" (¬1). 4757 - حَدَّثَنا مَخْلَدُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ سالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: قامَ النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في النّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِما هُوَ أَهْلُهُ فَذَكَرَ الدَّجّالَ فَقالَ: "إِنّي لأُنْذِرُكُمُوهُ وَما مِنْ نَبي إِلَّا قَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ لَقَدْ أَنْذَرَهُ نُوحٌ قَوْمَهُ وَلَكِنّي سَأَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ نَبي لِقَوْمِهِ: إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ" (¬2). * * * باب في الدجال قيل: سمي دجالًا؛ لأنه يغطي الحق بسحره كما يغطي الرجل جرب بعيره بالدجال، وهو الكساء، وقد تقدم غير هذا. [4756] (ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد) بن سلمة (عن خالد الحذاء، عن عبد اللَّه بن شقيق) العقيلي، أخرج له مسلم (عن عبد اللَّه ابن سراقة) الأزدي الدمشقي (¬3)، قيل: هو ابن المعتمر العدوي ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2234)، وأحمد 1/ 195، وابن حبان (6778). وضعفه الألباني. (¬2) رواه البخاري (3057)، ومسلم (2931). (¬3) في "تهذيب الكمال" 15/ 8 - 9: البصري.

الصحابي، وذكر البخاري أن الأزدي لا يعرف له سماع من أبي عبيدة (¬1) (عن أبي عبيدة) عامر بن عبد اللَّه (بن الجراح) أمين الأمة. وفي لفظ: عن عبد اللَّه بن سراقة قال: خطبنا أبو عبيدة بن الجراح. (قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: إنه لم يكن نبي) من الأنبياء (بعد نوح عليه السلام إلا وقد أنذر الدجال قومه، وإني أنذركموه) أي: أخوفكم فتنته، فاستعيذوا باللَّه من فتنته (فوصفه لنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقال: لعله سيدركه من قد رآني وسمع) بواو الجمع، ولفظ الترمذي: أو سمع (¬2) (كلامي) وهذا إن صح محمول على رؤية الخضر عليه السلام المعمر مع أن لفظة (لعل) ليست لليقين بل هي للممكن، وهي هنا للإشفاق من المكروه، كقولك: لعل الرقيب حاصل. وأحسن ما قيل فيه أن معنى (سمع كلامي) أي: وصل إليه الأحاديث المروية عني وإن كان بعد طول زمان، واللَّه أعلم. (قالوا: يا رسول اللَّه، كيف قلوبنا يومئذ؟ ) يشبه أن يكون المعنى: هل هي باقية على إيماننا اليوم أم يضعف إيمانها بمشاهدة ما يأتي به في الفتن؟ فلهذا قال (أمثلها اليوم؟ ) في بقاء إيمانها (قال) بل مثلها (أو خير) (¬3) مما هي اليوم وأقوى إيمانا. [4757] (ثنا مخلد بن خالد) الشعيري، شيخ مسلم (حدثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه) عبد اللَّه بن عمر ¬

_ (¬1) "التاريخ الكبير" 5/ 97. (¬2) "سنن الترمذي" (2234). (¬3) ورد بعدها في (ل)، (م): نسخة: أو أخير.

رضي اللَّه عنهما (قال: قام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الناس) خطيبًا (فأثنى على اللَّه) تعالى بما هو أهله) فيه: استحباب البداءة بالحمد للَّه والثناء عليه لكل خطيب ومدرس وخاطب ونحو ذلك (فذكر الدجال، فقال: إني لأنذركموه وما من نبي إلا وقد أنذره قومه) وإنما كان هذا من الأنبياء لما علموا من عظيم فتنته وشدة محنته؛ لأنهم لما لم يعين واحد منهم وقت خروجه توقع كل منهم خروجه في زمن أمته، فبالغ في التحذير، واللَّه (لقد أنذره نوح) وما بعده من الأنبياء (قومه) وفائدة هذا الإنذار الإيمان بوجوده والعزم على معاداته ومخالفته وإظهار تكذيبه وصدق الالتجاء إلى اللَّه تعالى في التعوذ من فتنته، وهذا على مذهب أهل السنة خلافًا لمن أنكره من الخوارج وأبي علي الجبائي وبعض المعتزلة، وإن اشتد وزعم أن ما عنده مخارق ليست صحيحة، ولو كانت صحيحة لم يكن فرق (¬1) بين النبي والمتنبي، وهذا هذيان منه لا يلتفت إليه، وهذا إنما يلزم لو ادعى النبوة، إنما يدعي الإلهية. (ولكني سأقول لكم فيه قولًا لم يقله) لم يصرح به (نبي لقومه: إنه أعور) هذا تشبيه للعقول القاصرة أو الغافلة على أن من كان ناقصًا في ذاته بعور ونحوه، وهو عاجز عن إزالة نقصه لم يصلح أن يكون إلها لعجزه وضعفه، ومن كان عاجزًا عن إزالة نقصه كان أعجز عن إزالة نقص غيره (وإن اللَّه ليس بأعور) لينزه الإله عن النقص العاجز. * * * ¬

_ (¬1) في الأصول: فرقًا. والجادة ما أثبتناه على أن (كان) تامة.

30 - باب في قتل الخوارج

30 - باب في قَتْلِ الخَوارِجِ 4758 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن يُونُسَ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَيّاشٍ وَمَنْدَلٌ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبي جَهْمٍ، عَنْ خالِدِ بْنِ وَهْبانَ، عَنْ أَبي ذَرٍّ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ فارَقَ الجَماعَةَ شِبْرًا فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإِسْلامِ مِنْ عُنُقِهِ" (¬1). 4759 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلي، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا مطَرِّفُ بْنُ طَرِيفٍ، عَنْ أَبي الجَهْمِ عَنْ خالِدِ بْنِ وَهْبانَ، عَنْ أَبي ذَرٍّ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كَيْفَ أَنْتُمْ وَأَئِمَّةٌ مِنْ بَعْدي يَسْتَأْثِرُونَ بهذا الفَيء". قُلْتُ: إِذًا والَّذي بَعَثَكَ بِالحَقِّ أَضَعُ سَيْفي عَلَى عاتِقي ثمَّ أَضْرِبُ بِهِ حَتَّى أَلْقاكَ أَوْ أَلْحَقَكَ. قالَ: "أَوَلا أَدُلُّكَ عَلَى خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ تَصْبِرُ حَتَّى تَلْقانِي" (¬2). 4760 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَسُلَيْمانُ بْنُ داوُدَ -المَعْنَى- قالا: حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ المُعَلَّى بْنِ زِيادٍ وَهِشامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ ضَبَّةَ بْنِ مِحْصَنٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "سَتَكُونُ عَلَيْكُمْ أَئِمَّةٌ تَعْرِفُون مِنْهُمْ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ أَنْكَرَ". قالَ أَبُو داوُدَ: قالَ هِشامٌ: "بِلِسانِهِ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ كَرِهَ بِقَلْبِهِ فَقَدْ سَلِمَ ولكن مَنْ رَضي وَتابَعَ". فَقِيلَ: يا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلا نَقْتُلُهُمْ؟ قالَ ابن داوُدَ: "أَفَلا نُقاتِلُهُمْ". قالَ: "لا ما صَلَّوْا" (¬3). 4761 - حَدَّثَنا ابن بَشَّارٍ، حَدَّثَنا مُعاذُ بْنُ هِشامٍ، قالَ: حَدَّثَني أَبى، عَنْ قَتادَةَ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 180، وابن أبي عاصم في "السنة" (892)، والبزار 9/ 445 (4058)، والحاكم 1/ 117. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (6410). (¬2) رواه ابن ماجه (4220)، وأحمد 5/ 179. وضعفه الألباني. (¬3) رواه مسلم (1854/ 64).

قالَ: حَدَّثَنا الحَسَنُ، عَنْ ضَبَّةَ بْنِ مِحْصَنٍ العَنَزيِّ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بِمَعْناهُ قالَ: "فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ". قالَ قَتادَةُ: يَعْني مَنْ أَنْكَرَ بِقَلْبِهِ وَمَنْ كَرِهَ بِقَلْبِهِ (¬1). 4762 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ زِيادِ بْنِ عَلاقَةَ، عَنْ عَرْفَجَةَ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "سَتَكُونُ في أُمَّتي هَناتٌ وَهَناتٌ وَهَناتٌ فَمَنْ أَرادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ المُسْلِمِينَ وَهُمْ جَمِيعٌ فاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كائِنًا مَنْ كانَ" (¬2). * * * باب في الخوارج [4758] (ثنا أحمد) (¬3) بن عبد اللَّه (بن يونس) اليربوعي (ثنا زهير، وأبو بكر (¬4) بن عياش) بالمثناة والمهملة (¬5)، وهو ابن سالم الأسدي (ومندل) بفتح الميم، ابن علي العنزي الكوفي، واسمه عمرو، سكت عليه المصنف والمنذري (عن مطرف، عن أبي جهم) سليمان بن جهم مولى البراء بن عازب [وثق (عن خالد بن وهبان) ابن خالة أبي ذر (عن أبي ذر) جندب بن جنادة] (¬6) -رضي اللَّه عنه-. (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من فارق الجماعة) أي: جماعة المسلمين (شبرًا ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1854). (¬2) رواه مسلم (1852). (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) فوقها في (ل): (ع). (¬5) كذا في الأصول، وهو خطأ، والصواب: (والمعجمة). (¬6) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

فقد خلع) نزع (ربقة) بكسر الراء وسكون الموحدة بعدها قاف (الإسلام من عنقه) والربقة في الأصل عروة في حبل تجعل في عنق البهيمة أو يدها تمسكها، فاستعار خلعها من ترك السنة واتباع البدعة ومفارقة جماعة المسلمين، وكنى بالربقة عما يشد المسلم به نفسه من عرى الإسلام. أي: حدوده وأحكامه وأوامره ونواهيه. وتجمع الربقة على ربق، ككسرة وكسر. ويقال للحبل الذي فيه الربقة: ربق، جمعه رباق وأرباق. [4759] (ثنا عبد اللَّه بن محمد النفيلي، ثنا زهير، ثنا مطرف بن طريف، عن أبي الجهم) سليمان (عن خالد بن وهبان، عن أبي ذر) جندب -رضي اللَّه عنه- (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: كيف) تكونون (أنتم وأئمة) بالرفع (من بعدي يستأثرون بهذا الفيء؟ ) الذي حصل من الكفار بلا قتال من دونكم، فلا يجعلون لكم في الفيء نصيبًا. وفيه أن الطاعة للأمراء واجبة وإن استأثروا بالأموال دون الناس ظلما، بل وعلى أشد من ذلك، فإنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لحذيفة: "فاسمع وأطع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك" (¬1). (قلت: إذن) يا رسول اللَّه (والذي بعثك بالحق) (¬2) نبيًّا (أضع سيفي على عاتقي) للقتال به (ثم أضرب به حتى ألقاك) إذا قتلت على الحوض يوم العطش الأكبر (أو ألحقك) بالنصب، إذا مت، فلما كان المقتول شهيدًا تصل روحه إلى الجنة، والاجتماع بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عبر باللقي بعد ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1847/ 52). (¬2) ساقطة من (م).

(حتى) فقال: ثم أضرب بالسيف حتى أقتل فألقاك، ولما كان الذي يقاتل فلم يقتل شهيدًا حتى يموت عبر باللحاق؛ لتأخر روحه عن وصول الجنة والاجتماع بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. (قال: أولا) بفتح الواو للعطف بعد همزة الاستفهام (أدلك على) ما هو (خير) لك (من ذلك؛ تصبر) على جور الظلمة الذين يستأثرون بالدنيا (حتى تلقاني) فجعل الصبر في زمان الفتن على جور الحكام بمنزلة الشهيد يلقاه عند موته. [4760] (ثنا مسدد وسليمان بن داود) العتكي، أخرج له الشيخان (المعنى قالا: ثنا حماد بن زيد، عن المعلى بن زياد) القردوسي أخرج له مسلم (وهشام بن حسان، عن الحسن) البصري (عن ضبة) بفتح الضاد المعجمة والباء الموحدة المشددة (بن محصن) بكسر الميم (العنزي) بفتح العين المهملة والنون، أخرج له الشيخان. (عن أم سلمة) هند (زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ستكون عليكم أئمة) ولمسلم: "يستعمل عليكم أمراء" (¬1) (تعرفون منهم) أي: تعرفون منهم أشياء من المعروف الذي يؤمر به (وتنكرون) منهم أشياء تعرفون أنه من المنكر المنهي عنه (فمن أنكر) عليهم (قال هشام) بن حسان (بلسانه) لعجزه عن الإنكار بيده (فقد برئ) أي: تبرأ من فعل المنكر وفاعله (ومن) أنكر عليهم (كره بقلبه) لعجزه عن الإنكار باليد واللسان (فقد سلم) من إثمه وعقوبته ومن مؤاخذة اللَّه تعالى على ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1854/ 63).

الإقرار على المنكر (ولكن) والعقوبة على (من) رأى المنكر ولم ينكره بيده ولا لسانه ولا قلبه و (رضي) بالمنكر (وتابع) على فعله، فهو المؤاخذ والمعاقب عليه، وإن لم يفعل ولا أمر به. وفيه دليل على أن من عجز عن إزالة المنكر لا يأثم بمجرد السكوت عليه، بل يأثم بالرضا بفعله، أو بأن لا يكرهه بقلبه بالمتابعة عليه. (قيل: يا رسول اللَّه، أفلا نقتلهم؟ ) لفظ مسلم: قالوا: يا رسول اللَّه، ألا نقاتلهم (¬1)؟ وكذا (قال) سليمان (ابن داود: أفلا نقاتلهم؟ ) على فعل ذلك (قال: لا ما صلوا) الصلوات الخمس. أي: ما أقاموا فيكم الصلاة المعهودة بحدودها وأحكامها وأظهروا فعلها. وقيل: معناه: ما داموا على كلمة الإسلام، كما عبر بالمصلين عن المسلمين في قوله عليه السلام: "نهيت عن قتل المصلين" (¬2) أي: المسلمين. والأول أظهر. [4761] (ثنا) محمد (ابن بشار) الملقب بندار (ثنا معاذ بن هشام) الدستوائي (قال: حدثني أبي) هشام الدستوائي (عن قتادة، ثنا الحسن) البصري (عن ضبة بن محصن العنزي) تقدم. (عن أم سلمة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بمعناه) و (قال) فيه (فمن كره) المنكر بقلبه لعجزه عن إزالته بيده ولسانه (فقد برئ) من إثم المؤاخذة به (ومن أنكر) على فاعله (فقد سلم) من العقوبة والمؤاخذة (قال قتادة) أحد الرواة، وهم أعرف بمعاني ما رووه (يعني: من أنكر) فعله (بقلبه، ¬

_ (¬1) مسلم (1854/ 63). (¬2) سيأتي برقم (4928)، ورواه البيهقي 8/ 224، وفي "السنن الصغرى" 1/ 200 (597) من حديث أبي هريرة.

ومن كره) ذلك (بقلبه) فقد برئ. [4762] (ثنا مسدد، ثنا يحيى) بن سعيد (عن شعبة، عن زياد بن علاقة) بكسر المهملة وبالقاف الثعلبي بالمثلثة (عن عرفجة) بن شريح، ويقال: صريح بضم الصاد وفتح الراء الأشجعي، وبعد ياء التصغير حاء مهملة. (قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: سيكون في أمتي هنات وهنات وهنات) أي: شرور وتضاد، يقال: في فلان هنات. أي: خصال شر، ولا تقال في الخير. و (هنات) بفتح الهاء والنون المخففة جمع هنة هي كناية عن نكرة بمعنى شيء، ويطلق على كل شيء، والمراد بها هنا أنه ستكون أمور منكرة وتحدث أمور عظيمة، وهذا من معجزات النبوة، فإنه قد ظهر ووجد كما أخبر، (فمن أراد أن يفرق أمر المسلمين وهم جميع) أي: مجتمعة على إمام واحد (فاضربوه بالسيف كائن (¬1) من كان) أي: لا يحترم فاعل ذلك لشرفه ونسبه ولا يهاب لكثرة عشيرته ونسبه، بل يبادر بقتله قبل استحكام فساده وظهور شره، ففيه الأمر بقتال من خرج على الإمام أو أراد أن يفرق كلمة المسلمين، ونحو ذلك، وينهى عن ذلك أولًا، فإن لم ينته قوتل، فإن لم يندفع شره إلا بقتله فقتل كان هدرًا. * * * ¬

_ (¬1) كذا في الأصول، وفي "السنن": كائنًا. بالنصب.

31 - باب في قتال الخوارج

31 - باب فِي قِتالِ الخَوارِجِ 4763 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى -المَعْنَى- قالا: حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبِيدَةَ: أَنَّ عَلِيًّا ذَكَرَ أَهْلَ النَّهْرَوانِ فَقالَ: فِيهِمْ رَجُلٌ مُودَنُ اليَدِ، أَوْ مُخْدَجُ اليَدِ، أَوْ مَثْدُونُ اليَدِ لَوْلا أَنْ تَبْطَرُوا لَنَبَّأْتُكمْ ما وَعَدَ اللَّه الذِينَ يَقْتُلُونَهُمْ عَلَى لِسانِ مُحَمَّدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم-. قالَ: قُلْتُ: أَنْتَ سَمِعْتَ هذا مِنْهُز قالَ: إي وَرَبِّ الكَعْبَةِ (¬1). 4764 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابن أَبي نُعْمٍ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْري قالَ: بَعَثَ عَلي عليه السلام إِلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بِذُهَيْبَةٍ في تُرْبَتِها فَقَسَّمَها بَيْنَ أَرْبَعَةٍ: بَيْنَ الأَقْرَعِ بْنِ حابِسٍ الحَنْظَلي، ثُمَّ المُجاشِعي وَبَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الفَزاري، وَبَيْنَ زَيْدِ الخَيْلِ الطّائي، ثُمَّ أَحَدِ بَني نَبْهانَ، وَبَيْنَ عَلْقَمَةَ بْنِ عُلاثَةَ العامِري، ثُمَّ أَحَدِ بَني كِلابٍ، قالَ: فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ والأَنْصارُ، وقالَتْ: يُعْطي صَنادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ وَيَدَعُنا. فَقالَ: "إِنَّما أَتَأَلَّفُهُمْ". قالَ: فَأَقْبَلَ رَجُلٌ غائِرُ العَيْنَيْنِ مُشْرِفُ الوَجْنَتَيْنِ ناتِئُ الجَبِينِ كَثُّ اللِّحْيَةِ مَحْلُوقٌ قالَ: اتَّقِ اللَّهَ يا مُحَمَّدُ. فَقالَ: "مَنْ يُطِعِ اللَّهَ إِذا عَصَيْتُهُ أَيَأْمَنُني اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ وَلا تَأْمَنُوني؟ ! ". قالَ: فَسَأَلَ رَجُلٌ قَتْلَهُ أَحْسِبُهُ خالِدَ بْنَ الوَلِيدِ قالَ: فَمَنَعَهُ. قالَ: فَلَمَّا وَلَّى قالَ: "إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هذا، أَوْ في عَقِبِ هذا قَوْمًا يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لا يُجاوِزُ حَناجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلامِ مُرُوقَ السَّهْم مِنَ الرَّمِيَّةِ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلامِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثانِ، لَئِنْ أَنا أَدْرَكْتُهُمْ قَتَلْتهُمْ قَتْلَ عادٍ" (¬2). 4765 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْنُ عاصِمٍ الأَنْطاكي، حَدَّثَنا الوَلِيدُ وَمُبَشِّرٌ -يَعْني: ابن إِسْماعِيلَ الحَلَبي-، عَنْ أَبي عَمْرٍو قالَ: -يَعْني: الوَليدَ- حَدَّثَنا أَبُو عَمْرٍو، قالَ: حَدَّثَني قَتادَةُ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْري وَأَنَسِ بْنِ مالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1066). (¬2) رواه البخاري (4351، 7432)، ومسلم (1064).

"سَيَكُونُ في أُمَّتي اخْتِلافٌ وَفُرْقَةٌ، قَوْمٌ يُحْسِنُونَ القِيلَ وَيُسِيئُونَ الفِعْلَ وَيَقْرَءُونَ القُرْآنَ لا يُجاوِزُ تَراقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لا يَرْجِعُونَ حَتَّى يَرْتَدَّ عَلَى فُوقِهِ هُمْ شَرُّ الخَلْقِ والخَلِيقَةِ طُوبَى لِمَنْ قتَلَهُمْ وَقَتَلُوهُ، يَدْعُونَ إِلَى كِتابِ اللَّهِ وَلَيْسُوا مِنْهُ في شَيء مَنْ قاتَلَهُمْ كانَ أَوْلَى باللَّهِ مِنْهُمْ". قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ ما سِيماهُمْ؟ قالَ: "التَّحْلِيقُ" (¬1). 4766 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلي، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَحْوَهُ قالَ: "سِيماهُمُ التَّحْلِيقُ والتَّسْبِيدُ، فَإذا رَأَيْتُمُوهُمْ فَأَنِيمُوهُمْ". قالَ أَبُو داوُدَ: التَّسْبِيدُ اسْتِئْصالُ الشَّعْرِ (¬2). 4767 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، حَدَّثَنا الأَعْمَشُ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، قالَ: قالَ عَليٌّ: إِذا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- حَدِيثًا فَلأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّماءِ أَحَبُّ إِلَي مِنْ أَنْ أَكذِبَ عَلَيْهِ، وإذا حَدَّثْتُكُمْ فِيما بَيْني وَبَيْنَكُمْ فَإِنَّما الحَرْبُ خُدْعَةٌ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "يَأْتي في آخِرِ الزَّمانِ قَوْمٌ حُدَثاءُ الأَسْنانِ، سُفَهاءُ الأَحْلامِ يَقُولُونَ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ البَرِيَّةِ يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلامِ كَما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لا يُجاوِزُ إِيمانُهُمْ حَناجِرَهُمْ، فَأَيْنَما لَقِيتُمُوهُمْ فاقْتُلُوهُمْ، فَإنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ القِيامَةِ" (¬3). 4768 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلي، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ أَبي سُلَيْمانَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، قالَ: أَخْبَرَني زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ الجُهَنِيُّ: أنَّهُ كانَ في الجَيشِ الذِينَ كانُوا مَعَ عَلي عليه السلام الذِينَ سارُوا إِلَى الخَوارِجِ، فَقالَ عَلي عليه السلام: أَيُّها النّاسُ إِنّي ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 224، والمروزي في "السنة" (52)، أبو يعلى 5/ 426 (3117)، والحاكم 2/ 148. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3668). (¬2) رواه ابن ماجه (175)، وانظر ما قبله. (¬3) رواه البخاري (3611)، ومسلم (1066/ 154).

سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتي يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لَيْسَتْ قِراءَتُكُمْ إِلَى قِراءَتِهِمْ شَيْئًا، وَلا صَلاتُكُمْ إِلَى صَلاتِهِمْ شَيْئًا، وَلا صِيامُكُمْ إِلَى صِيامِهِمْ شَيْئًا، يَقْرَءُونَ القُرْآنَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ وَهُوَ عَلَيْهِمْ لا تُجاوِزُ صَلاتُهُمْ تَراقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلامِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لَوْ يَعْلَمُ الجَيْشُ الذِينَ يُصِيبُونَهُمْ ما قُضي لَهُمْ عَلَى لِسان نَبِيِّهِمْ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَنَكَلُوا عَلَى العَمَلِ وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّ فِيهِمْ رَجُلًا لَهُ عَضُدٌ وَلَيْسَتْ لَهُ ذِراعٌ عَلَى عَضُدِهِ مِثْلُ حَلَمَةِ الثَّدي عَلَيْهِ شَعَراتٌ بِيضٌ". أَفتَذْهَبُونَ إِلَى مُعاوِيةَ وَأَهْلِ الشَّامِ وَتَتْرُكُونَ هؤلاء يَخْلُفُونَكُمْ في ذَرارِيِّكُمْ وَأَمْوالِكُمْ؟ واللَّه إِنّي لأَرْجُو أَنْ يَكُونُوا هؤلاء القَوْمَ، فَإِنَّهُمْ قَدْ سَفَكُوا الدَّمَ الحَرامَ، وَأَغارُوا في سَرْحِ النّاسِ فَسِيرُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ. قالَ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ: فَنَزَّلَني زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ مَنْزِلًا مَنْزِلًا حَتَّى مَرَّ بِنا عَلَى قَنْطَرَةٍ قالَ: فَلَمّا التَقَيْنا وَعَلَى الخَوارِجِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ الرّاسِبي فَقالَ لَهُمْ: ألقُوا الرِّماحَ وَسُلُّوا السُّيُوفَ مِنْ جُفُونِها فَإِنّي أَخافُ أَنْ يُناشِدُوكُمْ كَما ناشَدُوكُمْ يَوْمَ حَرُوراءَ قالَ: فَوَحَّشُوا بِرِماحِهِمْ واسْتَلُّوا السُّيوفَ وَشَجَرَهُمُ النّاسُ بِرِماحِهِمْ، قالَ: وَقَتَلُوا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضِهِمْ. قالَ: وَما أُصِيبَ مِنَ النّاسِ يَوْمَئِذٍ إِلا رَجُلانِ فَقالَ عَلي عليه السلام: التَمِسُوا فِيهِمُ المُخْدَجَ فَلَمْ يَجِدُوا قالَ: فَقامَ عَلي -رضي اللَّه عنه- بِنَفْسِهِ حَتَّى أَتَى ناسًا قَدْ قُتِلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَقالَ: أَخْرِجُوهُمْ فَوَجَدُوهُ مِمّا يَلي الأَرْضَ، فَكَبَّرَ وقالَ: صَدَقَ اللَّهُ وَبَلَّغَ رَسُولُهُ. فَقامَ إِلَيْهِ عَبِيدَةُ السَّلْماني فَقالَ: يا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، واللَّه الذي لا إله إِلا هُوَ لَقَدْ سَمِعْتَ هذا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ: إي واللَّه الذي لا إله إِلا هُوَ حَتَّى اسْتَحْلَفَهُ ثَلاثًا وَهُوَ يَحْلِفُ (¬1). 4769 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ مُرَّةَ قالَ: حَدَّثَنا أَبُو الوَضِيءِ قالَ: قالَ عَلي عليه السلام: اطْلُبُوا المُخْدَجَ. فَذَكَرَ الحَدِيثَ فاسْتَخْرَجُوهُ مِنْ تَحْتِ القَتْلَى في طِينٍ قالَ أَبُو الوَضَيءِ: فَكَأنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ حَبَشي عَلَيْهِ قُرَيْطَقٌ لَهُ إِحْدى يَدَيْنِ مِثْلُ ثَدى المرْأَةِ عَلَيْها شُعَيْراتٌ مِثْلُ شُعَيْراتِ التي تَكونُ عَلَى ذَنَبِ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1066/ 156).

اليَرْبُوعِ (¬1). 4770 - حَدَّثَنا بِشْرُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا شَبابَةُ بْنُ سَوّارٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبي مَرْيَمَ قالَ: إِنْ كانَ ذَلِكَ المُخْدَجَ لَمَعَنا يَوْمَئِذٍ في المَسْجِدِ نُجالِسُهُ بِاللَّيْلِ والنَّهارِ، وَكانَ فَقِيرًا وَرَأَيْتُهُ مَعَ المَساكِينِ يَشْهَدُ طَعامَ عَلي عليه السلام مَعَ النّاسِ وَقَدْ كَسَوْتُهُ بُرْنُسًا لي. قالَ أَبُو مَريمَ: وَكانَ المُخْدَجُ يُسَمَّى نافِعًا ذا الثُّدَيَّةِ وَكانَ في يَدِهِ مِثْلُ ثَدي المَرْأَةِ عَلَى رَأْسِهِ حَلَمَةٌ مِثْلُ حَلَمَةِ الثَّدى عَلَيْهِ شُعَيْراتٌ مِثْلُ سِبالَةِ السِّنَّوْرِ. قالَ أَبُو داوُدَ: وَهُوَ عِنْدَ النّاسِ اسْمُهُ حَرْقُوسُ (¬2). * * * باب في قتال الخوارج [4763] (حدثنا محمد بن عبيد) بن حساب الغبري، أخرج له مسلم (ومحمد بن عيسى المعنى قالا: حدثنا حماد) بن زيد (عن أيوب، [عن محمد] (¬3) عن عبيدة) بفتح العين (¬4) المهملة، وهو السلماني (أن عليا -رضي اللَّه عنه- ذكر أهل النهروان) بفتح النون وسكون الهاء وفتح الراء المهملة وكسرها، كذا ضبطه أبو عبيد البكري قال: وبضم الراء أيضًا. قال: ويقال: إنها بضم النون والراء معًا، أربع لغات، والهاء فيهن ساكنة (¬5). وهي بليدة من نواحي بغداد بالقرب منها، أي: حين ذكر الخوارج وأوقع بهم ما أوقع في الوقعة المعروفة. ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 139، والطيالسي (164)، وأبو يعلى 1/ 374 (480). وقال الألباني: صحيح الإسناد. (¬2) قال الألباني: ضعيف الإسناد. (¬3) من "السنن". (¬4) من (م). (¬5) "معجم ما استعجم" 4/ 1336 - 1337.

(فقال) لما قتل الخوارج من الحرورية: انظروا، فإن (فيهم رجل مودن) بضم الميم وسكون الواو وفتح الدال المهملة، ويقال بالهمز وتركه. أي: ناقص (اليد) من قولهم: ودنت الشيء وأودنته إذا نقصته، ويقال أيضًا: ودين اليد ومثدون اليد ومخدوج اليد، ومثدون اليد معناه: صغير اليد مجتمعها كثندوة الثدي بالمهملة (أو مخدج) بضم الميم وإسكان الخاء المعجمة وفتح الدال (اليد) أي: ناقصها (أو مثدون) وأصلها: مثنود فقدمت الدال على النون كما قالوا: جبذ وجذب، وغاب في الأرض وغبا، أي: ناقص اليد، وهذِه الألفاظ الثلاثة شك من الراوي، والذي يجمع صفات هذِه اليد ما جاء في حديث زيد بن وهب الذي قال فيه: "وآية ذلك أن فيهم رجلًا له عضد ليس له ذراع، على رأس عضده مثل حلمة الثدي، عليه شعرات بيض" (¬1). قال القرطبي: وهذِه الرواية هي أحسن الروايات وأكملها وأبينها (¬2). وفي رواية مسلم أن الحرورية لما خرجت قالوا: لا حكم إلا للَّه. قال علي: كلمة حق أريد بها باطل. إني لأعرف صفتهم، يقولون الحق بألسنتهم لا يجوز هذا منه، وأشار إلى حلقه، من أبغض خلق اللَّه إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، منهم أسود إحدى يديه طبي شاة أو حلمة ثدي، فلما قتلهم علي قال: انظروا. فنظروا فلم يجدوا شيئًا. فقال: ارجعوا فواللَّه ما كذبت ولا كذبت مرتين أو ثلاثًا، ثم وجدوه في خربة، فأتوا به ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1066/ 156). (¬2) "المفهم" 3/ 116.

فوضعوه بين يديه (¬1). (لولا أن تبطروا) بسكون الموحدة وفتح الطاء المهملة، إليه (لنبأتكم) بفتح النون وتشديد الموحدة. أي: أخبرتكم (ما وعد اللَّه الذين يقتلونهم) بالتحتانية، وهذا الوعد وصل إلينا (على لسان محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-)، ولمسلم: "فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجر". انتهى (¬2). وهذا تصريح بوجوب قتال الخوارج والبغاة. قال القاضي: أجمع العلماء على أن الخوارج وأشباههم من أهل البدع والبغي متى خرجوا على الإمام وخالفوا رأي الجماعة وشقوا العصا وجب قتالهم بعد إنذارهم، قال اللَّه تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} (¬3). (قال) عبيدة السلماني (قلت) لعلي -رضي اللَّه عنه- (أنت سمعت هذا منه؟ ) أي: من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (قال: إي ورب الكعبة) إي ورب الكعبة إي ورب الكعبة. كذا مكرر في مسلم (¬4). [4764] (حدثنا محمد بن كثير) العبدي (ثنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن أبيه) سعيد بن مسروق الثوري الكوفي (عن) عبد الرحمن (ابن أبي (¬5) نعم) بضم النون، البجلي الزاهد (عن أبي سعيد) سعد (¬6) بن مالك ¬

_ (¬1) مسلم (1066/ 157). (¬2) مسلم (1066)، وهو كذلك عند البخاري (6930). (¬3) "إكمال المعلم" 3/ 613. (¬4) مسلم (1066/ 155). (¬5) فوقها في (ل): (ع). (¬6) ساقطة من (م).

(الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: بعث علي -رضي اللَّه عنه-) زاد مسلم: وهو باليمن (¬1). من الخمس (إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بذهيبة) على التصغير، كذا في البخاري ومسلم (¬2). قال النووي: أكثر نسخ مسلم: بذهبة بفتح الذال، وكذا نقله القاضي (¬3). وهو تأنيث الذهب، كأنه ذهب به إلى معنى القطعة. (في تربتها) زاد مسلم: في أديم مقروظ (¬4). أي: جلد مدبوغ (فقسمها بين أربعة) رجال (بين الأقرع بن حابس) بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع (الحنظلي، ثم المجاشعي) التميمي، وفد بعد الفتح في وفد بني تميم، قال ابن دريد: اسمه فراس، لقب بالأقرع لقرع برأسه (¬5). وكان أحد الأشراف وأحد المؤلفة (وبين عيينة بن بدر) وفي بعض نسخ مسلم وغيره: عيينة بن حصن، وكلاهما صحيح، فحصن أبوه وبدر جد أبيه، فينسب تارة إلى أبيه وتارة إلى جد أبيه لشهرته، ولهذا نسبه إليه الشاعر: فما كان بدر ولا حابس فهو عيينة بن حصن بن حذيفة بن زيد بن عمرو (الفزاري) بفتح الفاء وتخفيف الزاي، نسبة إلى فزارة بن ذبيان قبيلة من قيس عيلان (وبين زيد الخيل) كذا للبخاري ومسلم (¬6)، وفي رواية لمسلم: زيد الخير (¬7). ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1064)، وكذا هو عند البخاري (7432). (¬2) السابق. (¬3) "مسلم بشرح النووي" 7/ 161. (¬4) "صحيح مسلم" (1064/ 144). (¬5) "الاشتقاق" (ص 239). (¬6) البخاري (4351)، مسلم (1064/ 144). (¬7) مسلم (1064/ 143، 146).

وكلاهما صحيح، فإنه كان يقال في الجاهلية: زيد الخيل، فسماه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: زيد الخير (الطائي ثم أحد بني نبهان) فهو نبهاني، وهو زيد بن مهلهل بن زيد، أثنى عليه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأقطعه أرضين -بفتح النون غير منصرف- وكان شاعرًا خطيبًا بليغًا، مات آخر خلافة عمر (وبين علقمة ابن علاثة) بضم العين المهملة وبالثاء المثلثة [بن عوف] (¬1) (العامري [ثم] (¬2) أحد بني كلاب) الكلابي، ارتد وانهزم، ثم أسلم وحسن إسلامه، واستعمله عمر على حوران فمات بها. (قال: فغضبت قريش والأنصار وقالت (¬3): يعطي صناديد أهل نجد) أي: سادتها، واحدهم صنديد بكسر الصاد (ويدعنا) وفي رواية لمسلم: فقال رجل من أصحابه: كنا أحق بهذا من هؤلاء (¬4) (فقال) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (إنما أتألفهم) ولفظ مسلم: "إنما فعلت ذلك لأتألفهم (¬5) " (¬6). (قال: فأقبل رجل غائر العينين) أي: عيناه داخلتان في رأسه لاصقتان (¬7) بقعر الحدق (مشرف) أي (¬8): مرتفع (الوجنتين) الوجنة يقال فيها: أجنة وهي [ما نتأ من] (¬9) لحم الخد (ناتئ) بهمزة آخره ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) من "السنن". (¬3) قبلها في (ل): وقال. وعليها: خ. (¬4) مسلم (1064/ 144). (¬5) ساقطة من (م). (¬6) مسلم (1064/ 143). (¬7) في (ل)، (م): لاصقتين. والجادة ما أثبتناه. (¬8) من (م). (¬9) زيادة يقتضيها السياق انظر: "المحكم" 7/ 560، "لسان العرب" 13/ 443.

(الجبين) هو جانب الجبهة، ولكل إنسان جبينان يكتنفان الجبهة (كث اللحية) بكسر اللام: كثيفها قصير شعرها (محلوق) الرأس، كذا في الصحيحين (¬1)، استدل به بعضهم على كراهة حلق الرأس، ولا كراهة، لأن حلق الرأس علامة تكون بحرام وتكون بمباح. (قال: اتق اللَّه يا محمد) وقائل هذا عبد اللَّه ذو الخويصرة مصغر الخاصرة التميمي، يقال: اسمه حرقوص (فقال) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (من يطع اللَّه إذا عصيته؟ ) الظاهر أن (من) استفهامية أشربت (¬2) معنى النفي، كقوله تعالى: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} (¬3) والمعنى: ما يغفر أحد إلا اللَّه، ومعنى الحديث: ما يطيع اللَّه أحد إن عصيته (أيأمنني اللَّه تعالى على أهل الأرض ولا تأمنوني؟ ! ) أنتم عليهم. أي: يجعلني اللَّه أمينًا على أهل الأرض ولا تجعلوني؟ ! ويحتمل أن يراد: أيجعلني اللَّه أمينًا على وحيه ولا تجعلوني أمينًا على دنياكم؟ ! (قال: فسأل رجل) زاد في الصحيحين: من القوم (¬4). ولفظ مسلم: فاستأذن رجل من القوم في قتله، يرون أنه خالد (¬5). (قتله) أي: يأذن له في أن يقتله (أحسبه خالد بن الوليد) [فإن قلت] (¬6) ذكر البخاري في باب من ترك قتال الخوارج للتألف، وأن لا ينفر الناس ¬

_ (¬1) البخاري (4351)، مسلم (1064). (¬2) مكانها في (م) بياض. (¬3) آل عمران: 135. (¬4) البخاري (7432)، مسلم (1064). (¬5) "صحيح مسلم" (1064). (¬6) ساقطة من (م).

عنه، أنه عمر بن الخطاب (¬1). قلت: لا تنافي بينهما لاحتمال وقوعه منهما (قال) بأن يكون كل منهما قال وأجيب بغير ما أجيب به الآخر (فمنعه) وللبخاري في باب بعث علي إلى اليمن، قال خالد بن الوليد: ألا أضرب عنقه؟ قال: "لا لعله أن يكون يصلي" فقال خالد: فكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه، قال: "إني لم أومر (¬2) أن أنقب قلوب الرجال ولا أشق بطونهم" (¬3). (قال: فلما ولى) مدبرًا (قال: إن) فيه حذف تقديره أنه يخرج (من ضئضئ) بكسر الضادين المعجمتين وسكون الهمزة الأولى (هذا) أي: من أصله، يقال: هو من ضئضئ صدق. أي: من أصل صدق. قال ابن فارس: الضئضئ: كثرة النسل وبركته، ذكره في باب الضاد المعجمة (¬4). قال الصفاقسي: وروي بالصاد غير معجمة (أو) قال: (في عقب) بفتح المهملة وكسر القاف وتخفف بالسكون، وهو الولد وولد الولد وإن سفل ([هذا] (¬5) قومًا (¬6) يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم) الحناجر: الحلوق، جمع حنجر، وهي الحلاقيم أيضًا. والمعنى أنهم ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (6933). (¬2) في (ل)، (م): أمر. والمثبت من "صحيح البخاري". (¬3) "صحيح البخاري" (4351). (¬4) "مجمل اللغة" 1/ 569. (¬5) من "السنن". (¬6) بعدها في (ل)، (م): قوم. ولعلها نسخة.

لا يفهمونه ولا يعرفون معناه، فيعملون به ويرفع إلى اللَّه تعالى فيما يرفع من العمل الصالح، وقيل: معناه لم يتمكن في قلوبهم شيء من الإيمان واليقين به، وإنما يحفظونه بالألسن، فنسبه إلى ما يقاربه، وهي الحنجرة مجازًا (يمرقون من الإسلام) أي: يخرجون من دين الإسلام. ولفظ "الصحيح": "يخرجون من الدين" (¬1) وبهذا اللفظ سمي الخوارج مارقة؛ لأنهم مرقوا من الدين وفارقوا جماعته وخرجوا على خيار المسلمين ببدعتهم (مروق السهم من الرمية) والرمية بمعنى المرمية، فعيلة بمعنى مفعولة (يقتلون أهل الإسلام ويدعون) أي: يتركون قتل (أهل الأوثان). واللَّه (لئن أنا) واللَّه (أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد) فإن قيل: لم منع خالدًا من قتله، وقد أدركه وأوجب قتلهم؟ فالجواب أنه إنما منعه لعلمه بأن اللَّه سبحانه يستمضي قضاءه حتى يخرج من نسله من يستحق القتل لسوء فعله، فيكون أدل على الحكمة وأبلغ في المصلحة. وأجاب الكرماني بأنه إنما أراد إدراك طائفتهم وزمان كثرتهم وخروجهم على الناس بالسيف، وإنما أنذر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن سيكون ذلك، وقد كان كما قال وأولهم في زمن علي -رضي اللَّه عنه- (¬2). [4765] (ثنا نصر بن عاصم الأنطاكي) لين الحديث (ثنا الوليد) بن يزيد (¬3) (ومبشر يعني: ابن إسماعيل الحلبي) ثقة (عن أبي عمرو) عبد ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1067). (¬2) "شرح الكرماني على صحيح البخاري" 14/ 7. (¬3) كذا في الأصول، وهو خطأ، والصواب: (مسلم) كما في ترجمة نصر بن عاصم.

الرحمن ابن عمرو الأوزاعي (قال -يعني: الوليد-) بن يزيد (ثنا أبو عمرو) عبد الرحمن الأوزاعي (قال: حدثني قتادة) بن دعامة. (عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه-) ولم يدركه ولا سمع منه (و) سمع من (أنس بن مالك، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: سيكون في أمتي اختلاف) بينهم (وفرقة) من معجزات النبوة إذ أخبر بما سيقع، وقد وقع كما أخبر و (قوم) منهم (يحسنون القيل) القول (ويسيؤون الفعل) أي: يحسنون في أقوالهم فهي مستقيمة في الظاهر ويسيؤون في أفعالهم، فهي غير مستقيمة، ولا مرضية (ويقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم) التراقي جمع ترقوة، وهي العظم الذي بين ثغرة (¬1) النحر والعاتق، وهما ترقوتان من الجانبين، وزنها فعلوة (¬2) بالفتح، والمعنى أن قراءتهم لا يرفعها اللَّه ولا يقبلها، فكأنها لم تجاوز حلوقهم، وهي بمعنى: "لا يجاوز حناجرهم" كما تقدم. (يمرقون من الدين مروق) أي: كمروق السهم، فحذف حرف التشبيه (السهم من الرمية) بتشديد الياء وهو الصيد المرمي، وقد تقدم (لا يرجعون) إلى الدين (حتى يرتد) أي: يرد السهم (على فوقه) بضم الفاء وسكون الواو وبالقاف، والفوق هو الحد الذي في السهم يجعل فيه الوتر، وقد يعبر به عن السهم. قيل: المعنى أنهم لا يرجعون إلى الدين حتى يرد السهم إلى مكانه بنفسه دون فاعل، وهذا مستحيل، فهو كقولهم في التوبة النصوح. أن يتوب ثم لا يعود إلى الذنب كما لا ¬

_ (¬1) في (م): نقرة. (¬2) في (ل)، (م): فعولة. والمثبت هو الصواب.

يعود اللبن إلى الضرع، وقوله تعالى: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} (¬1) ويكون من باب الاستعارة. ويحتمل أن يكون ارتداد السهم إلى فوقه كناية عن القتال. والمعنى أنهم لا يردون إلى الدين إلا بالقتال بالسهام، فإن الدين لم يقم إلا بالسيف والسهام وما في معناهما، وهؤلاء (هم شر الخلق) أو من شر الخلق. والخلق: الناس (والخليقة) البهائم. وقيل: الخلق والخليقة بمعنىى واحد، ويريد بهما جميع الخلائق. (طوبى) قيل: هي شجرة في الجنة، وأصلها فعلى بكسر الفاء، فلما ضمت الطاء انقلبت الياء واوًا (لمن قتلهم وقتلوه) الواو بمعنى (أو) التقدير: طوبى لمن قتلهم أو قتلوه، فمن قتلهم فقد أتى بفرض الكفاية في قتلهم، ومن قتلوه مات شهيدًا (يدعون إلى كتاب اللَّه) وهو القرآن، أو دين الإسلام (وليسوا منه في شيء) أي: ليسوا على شيء مما يدعون (¬2) إليه، فهو نظير قوله تعالى: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} (¬3) وقوله تعالى حكاية عن شعيب في قوله: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} (¬4) قال ابن عباس: معناه: ما أريد أن أفعل ما أنهاكم عنه (¬5). فكلا الحالين مذموم أن يأمر بشيء ولا يفعله، أو ينهى عن ¬

_ (¬1) الأعراف: 40. (¬2) في الأصول: يدعوا. والمثبت هو الصواب. (¬3) الصف: 2. (¬4) هود: 88. (¬5) انظر: "الوسيط" للواحدي 2/ 586.

شيء ويفعله (من قاتلهم (¬1) كان أولى باللَّه) أي: أحق برضى اللَّه والقرب منه (منهم) فيه: الحث على قتالهم ومدافعتهم كما تقدم (قالوا: يا رسول اللَّه، ما سيماهم؟ ) أي: علامتهم. وفيها ثلاث لغات: القصر، وهو الأفصح، وبه جاء القرآن، والمد، والثالثة السيمياء بزيادة ياء مع المد لا غير. (قال) سيماهم (التحليق) استدل به بعض الناس على كراهة حلق الرأس، ومعلوم أنه ليس بحرام، لما روى المصنف بإسناد على شرط البخاري ومسلم أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رأى صبيًّا قد حلق بعض رأسه فقال: "احلقوه كله أو اتركوه كله" (¬2) وهذا صريح في إباحة حلق الرأس لا يحتمل تأويلًا. قال أصحابنا (¬3): حلق الرأس جائز بكل حال، لكن إن شق عليه تعهده بالدهن والتسريح استحب حلقه، وإن لم يشق استحب تركه، وقد كره مالك الحلاق في غير إحرام ولا حاجة ضرورية. [4766] (حدثنا الحسن بن علي، ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن قتادة، عن أنس) بن مالك -رضي اللَّه عنه- (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) فذكر (نحوه) و (قال) في هذِه الرواية (سيماهم التحليق والتسبيد) قيل: هما بمعنًى واحد، وهو استئصال الرأس بالحلق، والأولى أن يكون لكل منهما معنًى غير الآخر فيستمر الأول على ما هو ظاهر فيه، وهو الحلق والتسبيد، على أن المراد به ترك التدهن [وغسل الرأس، ومنه حديث ¬

_ (¬1) في هامش (ل): قتلهم. ولعلها نسخة. (¬2) سلف برقم (4195) من حديث ابن عمر. (¬3) انظر: "المجموع" 1/ 347.

ابن عباس أنه قدم مسبدا رأسه، يريد ترك التدهن] (¬1) والغسل، والمراد أنهم جعلوا التحليق وترك التدهن والغسل؛ علامة لهم على رفضهم زينة الدنيا وشعارًا ليعرفوا به، كما يفعل كثير من رهبان النصارى يفحصون عن أوساط رؤوسهم جهلًا منهم بما يزهد فيه وما لا يزهد، وهذا ابتداع منهم في دين اللَّه تعالى. (والتسبيد استئصال الشعر) (¬2) هذِه في رواية (إذا رأيتموهم فأنيموهم) أي: اجعلوهم كالنيام على الأرض بالقتل بالسيف ونحوه، يقال: نامت الشاة وغيرها إذا ماتت. وأنمتها: قتلتها حتى تموت، ومنه حديث غزوة الفتح: فما أشرف لهم أحد إلا أناموه (¬3). أي: قتلوه. [4767] (حدثنا محمد بن كثير) العبدي (حدثنا سفيان، ثنا الأعمش، عن خيثمة) بفتح المعجمة وإسكان التحتانية وفتح المثلثة، ابن عبد الرحمن الجعفي، ورث مائتي ألف فأنفقها على أهل العلم (عن سويد بن غفلة) بالمعجمة والفاء المفتوحتين، ابن عوسجة الجعفي، ولد عام الفيل، قدم المدينة حين نفضت الأيدي من دفن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، شهد فتح اليرموك وخطبة عمر بالجابية. (قال: قال علي -رضي اللَّه عنه-: إذا حدثتكم عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حديثًا) واحدًا (فلأن) بفتح اللام والهمزة بعدها (أخر من السماء) إلى الأرض (أحب إليَّ من أن أكذب عليه) فيه كثرة تحذرهم في الألفاظ النبوية (وإذا حدثتكم فيما ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) ما بين القوسين جاء في "سنن أبي داود" بعد نهاية الحديث من قول المصنف. (¬3) رواه مسلم (1780).

بيني وبينكم فإنما الحرب خدعة) بتثليث الخاء المعجمة، والفتح لغة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. أي: ذات خداع، وأنا أجتهد فيها برأي. قال القاضي: فيه جواز التورية والتعريض في الحرب، فتأول الحديث على هذا، وفيه إباحة الكذب في الحرب، وإن كان الاقتصار على التعريض أفضل من التصريح بالكذب، فلا يصرح بالكذب ما دام يجد مندوحة عنه بالتعريض عنه وغيره (¬1). (سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء) لفظ مسلم: "أحداث" (¬2) (الأسنان) أي: صغارها، ويعبر بالسن عن العمر (سفهاء الأحلام) أي: ضعفاء العقول (يقولون من قول خير البرية) قال بعض علمائنا: يعني بذلك ما صدر عنهم من قولهم: لا حكم إلا للَّه. وذلك عند التحكيم، ولما سمعهم علي -رضي اللَّه عنه- قال: كلمة حق أريد بها باطل (¬3). والمراد أنهم يقولون من قول خير الخليقة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- فيما قاله من القرآن {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} (¬4) والمراد بها الإنكار على علي في حكمه (يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية) أي: كما ينفذ سهمك في الرمية التي ترمي إليها من الصيد وغيره (لا يجاوز إيمانهم حناجرهم) هو كناية عن عدم انتفاعهم بإيمانهم (فأينما ثقفتموهم (¬5) فاقتلوهم) هذا تصريح بوجوب قتال الخوارج والبغاة، ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" 3/ 619. (¬2) "صحيح مسلم" (1066). (¬3) انظر: "المفهم" 3/ 117. (¬4) الأنعام: 57. (¬5) في "السنن": لقيتموهم.

لكن بعد إنذارهم والإعذار إليهم، ولا يتبع مدبرهم، ولا يقتل أسيرهم، ولا تباح أموالهم (فإن) في (قتلهم أجر لمن قتلهم) ولمسلم زيادة: "في" (¬1). وفيه: الحث على قتل الخوارج، وأن الثواب فيه (يوم القيامة) يثقل به ميزانهم في الآخرة. [4768] (حدثنا الحسن بن علي، ثنا عبد الرزاق، عن عبد الملك بن أبي سليمان) ميسرة الفزاري الكوفي، أخرج له مسلم في مواضع (عن سلمة بن كهيل قال: أخبرني زيد بن وهب الجهني) هاجر ففاتته رؤية النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بأيام (أنه كان في الجيش الذين كانوا مع علي -رضي اللَّه عنه- الذين ساروا إلى) قتال (الخوارج) الذين خرجوا على علي -رضي اللَّه عنه-. (فقال علي -رضي اللَّه عنه-: ) في خطبته بعد حمد اللَّه والثناء عليه (أيها الناس، إني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: يخرج) عليكم (قوم من أمتي يقرؤون القرآن) رطبًا لينًا (ليست قراءتكم إلى قراءتهم شيئًا). لفظ مسلم: "بشيء" (¬2). (ولا صلاتكم إلى صلاتهم شيئًا، ولا صيامكم إلى صيامهم شيئًا) أي: لم تأتوا بقراءة مثل قراءتهم، ولا صلاة مثل صلاتهم، ولا صيام مثل صيامهم فيما يظهر للناس. (يقرؤون القرآن ويحسبون أنه لهم) أي: يحسبون أنه حجة وشاهد لهم يوم القيامة (وهو) حجة وشاهد (عليهم لا تجاوز صلاتهم تراقيهم) تقدم (يمرقون) أي: يخرجون (من الإسلام كما يمرق) بضم الراء (السهم من ¬

_ (¬1) مسلم (1066). (¬2) مسلم (1066/ 156).

الرمية) و (لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم) أي: يقاتلونهم (ما قضي لهم) بضم القاف وكسر الضاد. أي: ما حكم لهم به وأُمضي (¬1) من الثواب عند اللَّه تعالى (على لسان نبيهم) محمد (-صلى اللَّه عليه وسلم- لنكلوا) بفتح النون والكاف المخففة. أي: لامتنعوا (عن العمل) في المستقبل وتركوه، ومنه النكول في اليمين وهو الامتناع منها وترك الإقدام عليها. ولفظ رواية مسلم: "لاتكلوا" (¬2) بالمثناة فوق المشددة بدل النون. أي: لو علموا الثواب الحاصل لهم في قتالهم لاتكلوا على ثواب ذلك العمل، واعتمدوا عليه في النجاة من النار والفوز بالجنة، وإن كانت الأعمال لا تحصل ذلك، كما قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لن ينجي أحدًا منكم عمله" (¬3) لكن ذلك العمل الذي هو قتلهم الخوارج، عظيم قدره، جسيم ثوابه، بحيث لو اطلع عليه صاحبه لاعتمد عليه وظن أنه هو الذي ينجيه. (وآية ذلك) أي: علامة هذا الجيش المذكور (أن فيهم رجلًا له عضد) وهو ما بين المنكب والمرفق (وليست له ذراع، على رأس عضده) كذا لمسلم (¬4) (مثل حلمة) بفتح الحاء واللام معًا، وهو البارز على (الثدي) يلتقمه الرضيع منه، وقال الأزهري: هو الهيئة الشاخصة من ثدي الرجل (عليه شعرات) قليلة (بيض، أفتذهبون) رواية مسلم: ¬

_ (¬1) بعدها في (ل)، (م): نسخة: قضى. (¬2) مسلم (1066/ 156). (¬3) رواه البخاري (5673، 6463)، ومسلم (2816) من حديث أبي هريرة. (¬4) مسلم (1066/ 156).

"فتذهبون" (¬1) بحذف همزة الاستفهام (إلى معاوية وأهل الشام وتتركون هؤلاء) الجيش (يخلفونكم في ذراريكم) بتشديد الياء وتخفيفها، والأصل التشديد، وهو جمع ذرية، وهو النسل والعقب (وأموالكم؟ واللَّه إني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم) المذكورين (¬2) (فإنهم قد سفكوا الدم الحرام وأغاروا) أي: نهبوا ودهموا (في سرح) بمهملات (الناس) والسرح هي الإبل والمواشي التي تسرح للرعي بالغداة (فسيروا) إليهم (على اسم اللَّه) فيه دليل على جواز أن يقال: سافروا على اسم اللَّه. وافعلوا كذا على اسم اللَّه. خلافًا لمن منع (¬3) ذلك وجعله مكروهًا مستدلا بأن اللَّه تعالى علا على كل شيء ولا يعلو عليه شيء. ويدل على الجواز ما في "صحيح البخاري": "امضوا على اسم اللَّه" (¬4) وكذا قوله عليه السلام: "اذبحوا على اسم اللَّه" (¬5) وقد منع بعض العلماء أن يكون الاستعلاء لا حقيقة (¬6) ولا مجازا، نحو: اعتمدت على اللَّه، وتوكلت على اللَّه. قال: بل هي بمعنى الإضافة والإسناد (¬7). أي: أضفت توكلي وأسندته إلى اللَّه، لأن اسم اللَّه لا يستعلى عليه، بل ¬

_ (¬1) مسلم (1066/ 156). (¬2) في الأصول: (المذكورون) والجادة ما أثبتناه. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) "صحيح البخاري" (4178 - 4179) من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم. (¬5) رواه البخاري (5500)، ومسلم (1960) من حديث جندب بن سفيان البجلي. (¬6) في (ل): لا خفية. (¬7) ساقطة من (م).

يعلو كل شيء. (قال سلمة بن كهيل) عالم أهل الكوفة (فنزلني) بتشديد الزاي (زيد ابن وهب) الجهني (منزلًا منزلًا) كذا صوابه مرتين بتكرير (منزلًا) لأن معناه: أخبرني بالمنازل التي نزلها علي -رضي اللَّه عنه- مع جيشه منزلًا منزلًا بالتفصيل، فهو منصوب على الحال، وكذا جاء مرتين في كتاب النسائي (¬1)، وفي "الجمع بين الصحيحين" للحميدي (¬2)، وهو كما تقول العرب: علمته الحساب بابًا بابًا. فلا يكتفى في هذا النوع بذكر مرة واحدة؛ لأنه لا يفيد ذلك المعنى وإن كان ورد في مسلم مرة واحدة (¬3) (حتى مر بنا على قنطرة) بفتح القاف الديزجان كما جاء مبينًا في رواية النسائي (¬4)، وهناك كان القتال، وخطبهم علي -رضي اللَّه عنه- ([قال] (¬5) فلما التقينا) نحن وإياهم (وعلى) جيش (الخوارج) زاد مسلم: يومئذ (¬6) (عبد اللَّه بن وهب) رئيس الخوارج، وصل يوم النهروان سنة ست وثلاثين، والنهروان بالعراق كانت الوقعة فيه بين علي والخوارج (الراسبي) نسبة إلى راسب بالراء والسين المهملتين وباء موحدة ابن جدعان بن مالك بن نصر بن الأزد (فقال لهم) زعيم الخوارج (ألقوا) بفتح الهمزة وضم القاف (الرماح وسلوا السيوف) (¬7) وكان في هذا ¬

_ (¬1) "السنن الكبرى" 5/ 164. (¬2) "الجمع بين الصحيحين" 1/ 170 - 171. (¬3) مسلم (1066/ 156). (¬4) "السنن الكبرى" 5/ 164. (¬5) من "السنن". (¬6) مسلم (1066/ 156). (¬7) في (ل): السيف.

الرأي فتح للمسلمين وصيانة لدمائهم، وتمكين من الخوارج بحيث تمكن منهم فطُعنوا، ولم يكن لهم بما يطعنون أحدًا فقتل الخوارج عن بكرة أبيهم (من جفونها) جمع جفن بفتح الجيم، وهو غماد السيف. أي: قرابه. (فإني أخاف أن يناشدوكم) اللَّه تعالى (كما ناشدوكم يوم حروراء) بفتح الحاء المهملة وضم الراء يمد ويقصر، وهي قرية على ميلين من الكوفة، وإليها نسبت الحرورية الذين خرجوا على علي بن أبي طالب (قال: فوحشوا) بفتح الواو والحاء المهملة المشددة، ثم شين معجمة (برماحهم) أي: رموها على بعد وصيروها كالوحش بعيدة منهم، ومنه حديث: كان لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خاتم من ذهب فوحش فوحشوا الناس بخواتيمهم (¬1). (واستلوا السيوف) من جفونها (وشجرهم) بفتح الشين المعجمة والجيم المخففة (الناس برماحهم) أي: مدوها إليهم حين داخلوهم وطاعنوهم بها (قال: وقتلوا) مبني للمفعول. أي: قتل الخوارج على بكرة أبيهم بتدبير زعيمهم، فنعوذ باللَّه من تدبير يعود إلى تدمير (بعضهم) بالرفع أي: بعض القتلى (على بعض) مطروح. (قال: وما أصيب من الناس) أي: من المسلمين (يومئذ إلا رجلان) لا غير من جماعة علي -رضي اللَّه عنه- (فقال علي -رضي اللَّه عنه-: التمسوا فيهم المخدج) بضم الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الدال. أي: ناقص اليد، كما تقدم (فلم يجدوا) توضحه رواية مسلم بلفظ: فالتمسوه فلم يجدوه (¬2). ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" 6/ 371 (6646) من حديث ابن عمر. (¬2) "صحيح مسلم" (1066/ 156).

(قال: فقام علي -رضي اللَّه عنه- بنفسه حتى أتى ناسًا قد قتل بعضهم على بعض فقال: أخرجوهم) أي: أخرجوا بعضهم من بعض وفرقوا بينهم، فأخرجوا بعضهم عن بعض (فوجدوه) مطروحًا (مما يلي الأرض فكبر) أي: قال: اللَّه أكبر (وقال: صدق اللَّه تعالى) في وحيه (وبلغ رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-) الرسالة إلى الأمة (فقام إليه عبيدة) بفتح العين وكسر الموحدة، ابن عمرو، وقيل: عبيدة بن قيس الكوفي الذي أسلم في حياة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقبل وفاته بسنتين (السلماني) بإسكان اللام نسبة إلى سلمان جد قبيلة معروفة وهم بطن من مراد. (فقال: يا أمير المؤمنين آللَّه) بمد همزة الاستفهام أو الهمزة المنزلة من باء الجر على اللغة الفصحى الذي عليها أكثر القراء، ويجوز القصر مع التسهيل، وقرئ بهما في السبع، في قوله تعالى: {آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} (¬1) وغيرها (الذي لا إله إلا هو، لقد سمعت هذا من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إي) بكسر الهمزة بمعنى نعم (واللَّه الذي لا إله إلا هو، حتى استحلفه ثلاثًا وهو يحلف) له، وهذا التحليف هو لتأكيد الكلام وزيادة الطمأنينة في قلب المستحلف والسامعين، لا ليدفع به شكا (¬2) عن نفسه. [4769] (ثنا محمد بن عبيد) مصغر ابن حساب بفتح الحاء وتخفيف السين المهملة الغبري بضم المعجمة وتخفيف الموحدة البصري، شيخ مسلم (ثنا حماد بن زيد عن جميل) بفتح الجيم وكسر الميم (بن مرة) ¬

_ (¬1) يونس: 59. (¬2) ساقطة من (م).

بضم (¬1) الميم الشيباني البصري، وثقه النسائي (¬2). (ثنا أبو الوضيء) بفتح الواو وكسر الضاد المعجمة وهمزة آخره، واسمه عباد بفتح المهملة وتشديد الموحدة، ابن نسيب بضم النون وفتح المهملة وسكون ياء التصغير، ثم باء موحدة، ويقال: اسمه عبد اللَّه، وهو تابعي (قال: قال علي -رضي اللَّه عنه-: اطلبوا المخدج) بضم الميم وسكون الخاء المعجمة كما تقدم (فذكر الحديث) كما تقدم. قال (واستخرجوه من تحت القتلى) مطروحا (¬3) (في الطين قال أبو الوضيء) بتخفيف الضاد المعجمة، واسمه عباد كما تقدم (فكأني) الآن (انظر إليه حبشي عليه قريطق) تصغير قرطق بفتح القاف والطاء المهملة، وهو القباء، وهو معرب كرته، وقد تضم طاؤه، وإبدال القاف من الهاء في الأسماء المعربة كثير كالباشق والمستق (له إحدى يديه مثل ثدي المرأة عليها شعيرات مثل الشعيرات التي تكون على ذنب اليربوع) حيوان طويل الرجلين قصير اليدين جدًّا، له ذنب كذنب الفأر يرفعه صعدا، يشبه النوارة، لونه كلون الغزال، والياء في أوله زائدة؛ لأنه ليس في كلامهم فعلول. قيل: سمي يربوعًا، لأن له أربعة أجحرة، وهي النافقاء والقاصعاء والراهطاء والداماء، ولعله يريد أجحرته المشهورة وإلا فقد حكى بعضهم فيها الحاثياء والعافقاء واللغز. [4770] (حدثنا بشر) بكسر الموحدة (ابن خالد) العسكري، شيخ ¬

_ (¬1) مكانها بياض في (ل) بمقدار كلمة. (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 5/ 130 (969). (¬3) في (ل)، (م): مطروح. والمثبت هو الصواب.

الشيخين (ثنا شبابة) (¬1) بفتح الشين المعجمة وتخفيف الباءين الموحدتين (ابن سوار) بفتح السين المهملة وتشديد الواو الفزاري، مولاهم (عن نعيم) بضم النون (بن حكيم) بفتح الحاء المدائني، ثقة (عن أبي مريم) قيس الثقفي المدائني، وقد سمع من علي -رضي اللَّه عنه-. (قال: إن كان ذلك المخدج لمعنا يومئذ في المسجد) ونحن (نجالسه بالليل والنهار، وكان فقيرًا) من المال (ورأيته مع المساكين يشهد) أي: يحضر (طعام علي -رضي اللَّه عنه- مع الناس، وقد كسوته برنسًا) بضم الموحدة والنون، كل ثوب له رأس ملتزق به، دراعة كانت أو جبة أو غير ذلك، كان يلبسه العباد وأهل الخير (لي، قال أبو مريم: وكان المخدج يسمى) قال أبو داود: اسمه عند الناس حرقوص (نافعًا ذا الثدية) بضم المثلثة تصغير ثندوة، بحذف الزائد، وهو النون (وكان في يده مثل ثدي المرأة على رأسه حلمة) بفتح الحاء واللام ([مثل حلمةٍ] (¬2) الثدي) و (عليه شعيرات مثل سبالة) بكسر السين، والسبال هو طرف الشارب مما يلي اللحية، والهاء لتأنيث اللفظة. قال الجوهري: السبلة: الشارب. الجمع السبال (¬3). قال الأزهري (¬4): السبلة هي الشعرات التي تحت اللحي الأسفل، والسبلة عند العرب مقدم اللحية وما أسبل منها على الصدر (السنور) بكسر السين المهملة وفتح النون المشددة هو الهر والأنثى سنورة. * * * ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) من "السنن". (¬3) "الصحاح" 5/ 1724. (¬4) "تهذيب اللغة" 12/ 438.

32 - باب في قتال اللصوص

32 - باب فِي قِتالِ اللُّصُوصِ 4771 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ سُفْيانَ، قالَ: حَدَّثَني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَنٍ، قالَ: حَدَّثَني عَمّي إِبْراهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ أُرِيدَ مالُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَقاتَلَ فَقُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ" (¬1). 4772 - حَدَّثَنا هارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنا أَبُو داوُدَ الطَّيالِسي وَسُلَيْمانُ بْنُ داوُدَ -يَعْني أَبا أَيُّوبَ الهاشِمي- عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ ابْنِ عَمّارِ بْنِ ياسِرٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ قُتِلَ دُونَ مالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ أَوْ دُونَ دَمِهِ أَوْ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ" (¬2). * * * باب قتال اللصوص [4771] (حدثنا مسدد، حدثنا يحيى) بن سعيد (عن سفيان) الثوري (حدثني عبد اللَّه بن حسن) بن الحسن بن علي بن أبي طالب، ثقة (حدثني عمي إبراهيم بن محمد بن طلحة) بن عبيد اللَّه، أخرج له مسلم (عن عبد اللَّه بن عمرو) بن العاص رضي اللَّه عنهما. (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: من أريد) أخذ (ماله) ظلما. أي: (بغير حق فقاتل) من أراد أخذ ماله (فقتل) في مدافعته عن المال، قليلًا كان أو كثيرًا (فهو شهيد) فيه: حجة لجواز القتال عن المال والمدافعة عن ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2480)، ومسلم (141). (¬2) رواه الترمذي (1421)، والنسائي 7/ 116، وأحمد 1/ 190. وصححه الألباني في "الإرواء" (708).

أخذه وإتلافه، فإن قاتل فقتل فهو شهيد في الدار الآخرة لا في أحكام الدنيا، وإن قتل الصائل على ماله في المدافعة فلا قصاص ولا ضمان. وقد استدل به الرافعي وغيره على أنه يجوز للمقاتل دفعًا عن المال أن يصلي صلاة شدة الخوف لذلك، إن كان المال حيوانًا، بلا خلاف، وكذا إن كان غير حيوان على الأصح، لأن الذب بالقتال عن المال كالذب عن النفس؛ لهذا الحديث. قال: والثاني: لا يجوز له صلاة الخوف؛ لأن الأصل المحافظة على أركان الصلاة وشرائطها، بخلاف غير المال؛ لأنه أعظم حرمة. ويدخل في الحديث اللص الذي يدخل عليه ليلًا لأخذ ماله والمتعرض له في السفر جهرة لأخذ ماله. [4772] (ثنا هارون بن عبد اللَّه) بن مروان البغدادي شيخ مسلم (ثنا أبو داود) سليمان بن داود (الطيالسي، وسليمان بن داود يعني: أبا أيوب الهاشمي، عن إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم، أخرج له مسلم، روى عنه البغداديون (عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري (عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر) العنسي (عن طلحة بن عبد اللَّه ابن عوف) قاضي المدينة ليزيد، أخرج له البخاري (عن سعيد بن زيد) بن عمرو بن نفيل، أحد العشرة -رضي اللَّه عنهم-. (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: من قتل دون) أي: من قاتل الصائل على ماله، حيوانًا كان أو غيره فقتل في المدافعة عن (ماله) ظلما (فهو شهيد) في حكم الآخرة لا في الدنيا. أي: له ثواب شهيد عند اللَّه تعالى كما في الشهيد في سبيل اللَّه، مع ما بين الثوابين من التفاوت، وذكره البخاري

في كتاب المظالم، وبوب عليه: باب من قاتل دون ماله (¬1). ليدل على أن للإنسان أن يدفع من قصد ماله ظلمًا. (ومن قتل دون أهله) فيه: دليل على أن من قصد زوجته أو ابنته ونحوهما، وجب عليه الدفع بما أمكنه، لأنه لا مجال للإباحة فيه، وشرط في "التهذيب" أن لا يخاف على نفسه (¬2)، وهل للآحاد شهر السلاح في ذلك؟ فيه خلاف، قال الرافعي: ولم يقصد الصائل البضع وقصد أن ينال مما دونه دفع أيضًا، وإن أبى الدفع عليه كان مهدرًا، صرح به القاضي الروياني وغيره، وقال: لو وجده ينال من جاريته ما دون الفرج فله دفعه، وإن أتى على نفسه (¬3). انتهى. ولفظ الحديث يدخل فيه الزوجة والبنت والجارية، ويعم البضع فما دونه، فلو قاتل في دفع ذلك فقتل فهو شهيد إن شاء اللَّه تعالى. (أو) قتل (دون دمه) أي: قتل في الدفع عن نفسه فهو شهيد (أو) قتل (دون دينه) أي: قتل في نصرة دين اللَّه تعالى والذب عنه، وفي قتال المرتدين عن الدين (فهو شهيد) عند اللَّه. وهذا آخر كتاب السنة وأول كتاب الأدب * * * ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (2480). (¬2) "التهذيب" 7/ 432. (¬3) "الشرح الكبير" 11/ 317.

كتاب الأدب

كتاب الأدب

1 - باب في الحلم وأخلاق النبي -صلى الله عليه وسلم-

42 - الأدب 1 - باب فِي الحِلْمِ وأَخْلاقِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- 4773 - حَدَّثَنا مَخْلَدُ بْنُ خالِدٍ الشَّعِيري، حَدَّثَنا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا عِكْرِمَةُ -يَعْني: ابن عَمّارٍ-، قالَ: حَدَّثَني إِسْحاقُ -يَعْني: ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي طَلْحَةَ- قالَ: قالَ أَنَسٌ كانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا فَأَرْسَلَني يَوْمًا لحِاجَةٍ فَقُلْتُ واللَّه لا أَذْهَبُ. وَفي نَفْسي أَنْ أَذْهَبَ لما أَمَرَني بِهِ نَبي اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-. قالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى أَمُرَّ عَلَى صِبْيانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ في السُّوقِ فَإِذا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قابِضٌ بِقَفاي مِنْ وَرائي فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقالَ: "يا أُنَيْسُ اذْهَبْ حَيْثُ أَمَرْتُكَ". قُلْتُ: نَعَمْ أَنا أَذْهَبُ يا رَسُولَ اللَّهِ. قالَ أَنَسٌ: واللَّه لَقَدْ خَدَمْتُهُ سَبْعَ سِنِينَ أَوْ تِسْعَ سِنِينَ ما عَلِمْتُ قالَ لِشَيء صَنَعْتُ لِمَ فَعَلْتَ كَذا وَكَذا. وَلا لِشَيء تَرَكْتُ هَلَّا فَعَلْتَ كَذا وَكَذا (¬1). 4774 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنا سُلَيْمانُ -يَعْني: ابن المُغِيرة- عَنْ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2768)، ومسلم (2309).

ثابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قالَ: خَدَمْتُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عَشْرَ سِنِينَ بِالمَدِينَةِ وَأَنا غُلامٌ لَيْسَ كُلُّ أَمْري كَما يَشْتَهي صاحِبي أَنْ أَكُونَ عَلَيْهِ ما قالَ لي فِيها: أُفٍّ قَطُّ وَما قالَ لي: لِمَ فَعَلْتَ هذا أَوْ أَلا فَعَلْتَ هذا (¬1). 4775 - حَدَّثَنا هارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنا أَبُو عامِرٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ هِلالٍ سَمِعَ أَباهُ يُحَدِّثُ قالَ: قالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَهُوَ يُحَدِّثُنا: كانَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يَجلِسُ مَعَنا في المَجْلِسِ يُحَدِّثُنا فَإذا قامَ قُمْنا قِيامًا حَتَّى نَراهُ قَدْ دَخَلَ بَعْضَ بُيُوتِ أَزْواجِهِ فَحَدَّثَنا يَوْمًا فَقُمْنا حِينَ قامَ فَنَظَرْنا إِلَى أَعْرابي قَدْ أَدْرَكَهُ فَجَبَذَهُ بِرِدائِهِ فَحَمَّرَ رَقَبَتَهُ قالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَكانَ رِداءً خَشِنًا فالتَفَتَ فَقالَ لَهُ الأَعْرابي: احْمِلْ لي عَلَى بَعِيري هَذَيْنِ فَإِنَّكَ لا تَحْمِل لي مِنْ مالِكَ وَلا مِنْ مالِ أَبِيكَ. فَقالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لا أَحْمِلُ لَكَ حَتَّى تُقِيدَني مِنْ جَبْذَتِكَ التي جَبَذْتَني". فَكُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ لَهُ الأَعْرابي واللَّه لا أَقِيدُكَها. فَذَكَرَ الحَدِيثَ قالَ: ثُمَّ دَعا رَجُلًا فَقالَ لَهُ: "احْمِلْ لَهُ عَلَى بَعِيرَيْهِ هَذَيْنِ عَلَى بَعِيرٍ شَعِيرًا وَعَلَى الآخَرِ تَمْرًا". ثُمَّ التَفَتَ إِلَيْنا فَقالَ: "انْصَرِفُوا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ تَعالَى" (¬2). * * * بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ باب في الحلم وأخلاق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- [4773] (ثنا مخلد بن خالد الشعيري) العسقلاني نزيل طرسوس، شيخ مسلم (ثنا عمر بن يونس) اليمامي (ثنا عكرمة بن عمار) اليمامي ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2768)، ومسلم (2309). (¬2) رواه النسائي 8/ 33، وأحمد 2/ 288، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (3529)، والبيهقي في "الآداب" (140). وضعفه الألباني في "المشكاة" (3423).

الحنفي (¬1)، أخرج له مسلم. (حدثني إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة) الأنصاري المدني (قال: قال) عمي (أنس) بن مالك -رضي اللَّه عنه- (كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من (¬2) أحسن الناس خلقا) بضم الخاء واللام، لاجتماع مكارم الأخلاق فيه، فما من خلق حسن إلا وقد حاز فيه النهاية وأدرك فيه الغاية، وحسن الترمذي: "أكمل الناس إيمانًا أحسنهم خلقًا، وألطفهم بأهله" (¬3). وروى محمد بن نصر المروزي قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "حسن الخلق هو أن لا تغضب إن استطعت" (¬4) وروى الإمام أحمد: "أحسن الناس إسلامًا أحسنهم خلقًا" (¬5) وللطبراني: "إن أحبكم إليَّ أحاسنكم أخلاقًا الموطؤون اكنافًا، الذين يألفون ويؤلفون" (¬6) قال في "النهاية": حقيقته من التوطئة، وهو التمهيد والتذليل، فراش وطيء: لا يؤذي جنب النائم. والأكناف: الجوانب. أراد الذين أجانبهم وطئة يتمكن فيها من صاحبهم ولا يتأذى (¬7). ¬

_ (¬1) كذا في النسخ، وهو خطأ، والصواب: (العجلي)، انظر: "تهذيب الكمال" 20/ 256 (4008). (¬2) من "السنن". (¬3) "سنن الترمذي" (1162) من حديث أبي هريرة، وقال: حسن صحيح، (2612) من حديث عائشة، وقال: صحيح. (¬4) "تعظيم قدر الصلاة" 2/ 864 من حديث أبي العلاء بن الشخير. (¬5) "المسند" 5/ 89، وابن أبي شيبة 13/ 29 من حديث جابر بن سمرة -رضي اللَّه عنه-. (¬6) رواه في "الأوسط" 7/ 350، و"الصغير" 2/ 89 من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-. (¬7) "النهاية في غريب الحديث" 5/ 201.

(فأرسلني يومًا لحاجة، فقلت) له (واللَّه لا أذهب) إليها (وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) هذا صدر من أنس في صغره وعدم كمال تمييزه، إذ لا يصدر مثله ممن كمل تمييزه، وذلك أنه حلف باللَّه على الامتناع من فعل ما يأمره به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مشافهة وهو عازم على فعله، فجمع بين مخالفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وبين الإخبار بامتناعه والحلف باللَّه على نفي ذلك مع العزم على أنه يفعله. قال القرطبي: وفيه ما فيه، ومع ذلك فلم يلتفت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لشيء من ذلك ولا عرج عليه ولا أدبه، بل داعبه ولم يغضب، بل أخذ بقفاه وهو يضحك رفقًا به واستلطافًا له (¬1). (قال: فخرجت حتى أمر) بالنصب، ويجوز الرفع كما في قراءة نافع في قوله تعالى: {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} (¬2) والتقدير: فخرجت حتى مررت (على صبيان) لم يزل الجنس يميل إلى الجنس، فالصغير يحب رؤية الصغار والمرور بهم ويتقصد ذلك بالطبع الجبلي (وهم يلعبون) فاللعب من شأن الصبيان ومن في معناهم من النساء والرجال الضعفاء العقول، الذين يذهبون أعمارهم النفيسة في الباطل الذي لا طائل تحته، لكن في اللعب للصبيان ترويح لأذهانهم في تعليم القرآن ونحوه ونشاط لأبدانهم. (في السوق) سمي سوقًا، لقيام الناس فيه غالبًا على سوقهم. وقيل: لأن المبيعات تساق إليه، والأسواق محل الغفلة واللهو واللعب إلا لمن ¬

_ (¬1) "المفهم" 6/ 104. (¬2) البقرة: 214.

أيقظ اللَّه قلبه من سنة الغفلة، فبدنه في السوق وقلبه مع اللَّه لا يغفل مع من غفل. (فإذا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) وهو (قابض بقفاي) بفتح الياء مقصور، كقوله تعالى: {قَالَ هِيَ عَصَايَ} (¬1) (من ورائي) بالمد وسكون الياء، (فنظرت إليه) حين التفت، (وهو يضحك) تبسمًا (فقال: يا أنيس، ) تصغير أنس (اذهب) إلى (حيث أمرتك، قلت: نعم، أنا أذهب يا رسول اللَّه) إلى حيث أمرتني. ولفظ مسلم: فقال: "يا أنيس ذهبت حيث أمرتك؟ " قال: قلت: نعم (¬2). وفي الحديث فوائد وآداب كثيرة، منها: استعمال المجاز في قوله: (فأرسلني) والمراد: فأمرني أن أذهب له رسولًا في حاجة أرادها. وفيه جواز استخدام الصغير اليتيم لمن يقوم بمصالحه وتعليمه فيما لا يشق عليه. وفيه أن من أرسله شيخه أو معلمه في حاجة فيكتمها ولا يذكرها للناس، إلا إذا كان في إظهارها مصلحة بلا ضرر؛ ولهذا قال: (في حاجة) بالإبهام ولم يصرح بها. وفي قوله: (أرسلني يومًا) إشارة إلى أن استخدام اليتيم يكون في النهار دون الليل؛ لما في مشي الصبي في الليل من المفاسد. وفيه: صحة يمين الصبي وانعقادها، وفيه جواز مخالفة الخادم لمخدومه في الظاهر، وعدمه في الباطن امتثال أمره، وذلك استخراجًا لإظهار حكم المخدوم للناس وبيانه في كظم غيظه، ولولا إظهار هذِه ¬

_ (¬1) طه: 18. (¬2) "صحيح مسلم" (2310).

المخالفة لما ظهرت محاسن أخلاقه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ حيث لم يغضب لمخالفته، بل أظهر له التبسم بالضحك ملاطفة له. وفيه جواز مرور الصبي على صبيان يلعبون، وإن كان له مندوحة عن ذلك. وفيه قبض الصغير من ورائه [. . .] (¬1) عليه؛ ليجتمع عقله وفهمه الذي بسبب ترويه بلعب الصبيان ويضبط ما يقال له. وفيه التبسم والبشر في وجه الصغير؛ ملاطفة له، وإظهارًا لعدم غضبه عليه في مخالفته، وفيه تصغير اسم المنادى إذا لم يتأذ بذلك، كقوله -صلى اللَّه عليه وسلم- لعثمان: "يا عثيم" (¬2) وللمقدام ابن معدي كرب: "أفلحت يا قديم" (¬3)، وفيه جواب من قال له: أفعل كذا؟ بنعم، أو بسمع وطاعة. (قال أنس) لبيان ما جمع في رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من الخلق الكريم والحلم العظيم ولين الجانب في المخاطبة (واللَّه لقد خدمته سبع سنين أو تسع [سنين]) (¬4) السبع لم يجزم بها الراوي، بل أتى بعدها بـ (أو) التي للشك، وأما التسع فهي مشكوك بها في هذِه الرواية، لكن في رواية مسلم الجزم [بالتسع (¬5) وكذا في الرواية الآتية، وفي مسلم الجزم] (¬6) بالعشر (¬7)، وسيأتي الجمع بينهما (ما علمت) فيه حذف الضمير، ¬

_ (¬1) كلمة غير واضحة في الأصول. (¬2) رواه أحمد 6/ 250، "السنة" لابن أبي عاصم 2/ 383 (1300) من حديث عائشة. (¬3) تقدم برقم (2933) من حديث المقدام. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل)، (م) ومثبت من "السنن". (¬5) "صحيح مسلم" (2309/ 53). (¬6) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬7) "صحيح مسلم" (2309/ 51).

والتقدير: ما علمته. كما في مسلم (قال لشيء صنعت: ) أي: صنعته (لم فعلت كذا وكذا؟ ولا) علمته قال (لشيء تركت: هلا فعلت كذا وكذا) فيه منقبة لأنس -رضي اللَّه عنه- حين لم يقع منه في هذِه المدة الكبيرة ما لا يجوز فعله، إذ لو فعل شيئًا من ذلك لما أقره رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإنه لا يقر على باطل. [4774] (حدثنا عبد اللَّه بن مسلمة) القعنبي (ثنا سليمان يعني: ابن المغيرة) القيسي أبو سعيد البصري، وثق. (عن ثابت) (¬1) بن أسلم البناني كان رأسًا في العلم والعمل، لم يكن في زمانه أعبد منه. (عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: خدمت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عشر سنين) وفي "صحيح مسلم": تسع سنين، بالجزم، وأكثر الروايات: عشر، ووجه الجمع بين الروايتين أنها تسع سنين وأشهر، فإن النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- أقام بالمدينة عشر سنين تحديدًا، لا تزيد ولا تنقص، وخدمه أنس في أثناء السنة الأولى. ففي رواية التسع لم يحسب الكسر، بل اعتبر السنين الكوامل. وفي رواية الكسر حسبها سنة عاشرة، وكلاهما صحيح. وفي هذا الحديث بيان كمال خلقه -صلى اللَّه عليه وسلم- وحسن عشرته وحلمه وصفحه. (بالمدينة) والعشر تحديد. وقد روى الزهري عن أنس: قدم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة وأنا ابن عشر، وتوفي وأنا ابن عشرين سنة (¬2). وتوفي من النهار في مثله من اليوم الذي قدم فيه، يوم الاثنين. (وأنا غلام، ليس كل أمري) يقع (كما يشتهي صاحبي) -يعني: النبي ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) "صحيح البخاري" (5166)، "صحيح مسلم" (2029/ 120).

-صلى اللَّه عليه وسلم-، فإن الآراء قد تختلف (أن أكون (¬1) عليه) في صحبة، بل يقع مني ما لا يشتهي صاحبي من النقص في حقه، لكنه غير محرم ولا مكروه، وهذا توطئة لبيان كمال خلق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وحسن عشرته وصفحه عما يقع منه و (ما قال لي [فيها]) (¬2) كلمة (أف) فيها لغات: بالكسر مع التنوين وعدمه وقرئ بهما في السبع (¬3)، وأصل الأُفُّ والتُّفُّ وسخ الأظفار، وتستعمل هذِه الكلمة في كل ما يستقذر. قال الهروي: يقال لكل ما يتضجر منه ويستثقل: أفٍّ له (¬4). وفي لفظة (قط) لغات، أفصحها ضم الطاء المشددة، وهي توكيد نفي الماضي. (وما قال لي: لِمَ فعلت هذا؟ ) قط (أم ألَّا) بالتشديد بمعني هلا (فعلت هذا) كذا، والمراد أنه لم يعاتبه على فعل شيء أو تركه، وهذا من آداب الصحبة، وهو ترك العتاب على ما وقع من صديقه. [4775] (ثنا هارون بن عبد اللَّه) بن مروان البغدادي البزاز، شيخ مسلم (ثنا أبو عامر) عبد الملك بن عمرو القيسي العقدي بفتح المهملة والقاف، ثقة (ثنا محمد بن هلال) بن أبي هلال مولى بني كعب، ثقة، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬5). (أنه سمع أباه) هلال بن أبي هلال المدني، وثق. (قال: قال أبو هريرة وهو يحدث: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يجلس معنا في ¬

_ (¬1) قبلها في (ل)، (م): يكون. وأعلاها: نسخة. (¬2) من "السنن". (¬3) انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص 379، "الحجة" لأبي علي الفارسي 5/ 94. (¬4) "الغريبين" 1/ 81 - 82. (¬5) "الثقات" 7/ 438.

المجلس) في المسجد وغيره و (يحدثنا فإذا قام) من مجلسه (قمنا) كلنا لقيامه (قيامًا) فلم نزل ننظره (حتى نراه قد دخل بعض بيوت أزواجه). فيه أن من حق الكبير مع أصحابه إذا قام من مجلسه أن يقوم معه من كان جالسًا معه، كما أن من حقه إذا جاء أن يقوم له من كان جالسًا إكرامًا، فالإكرام بالقيام للكبير عند مفارقته وعند مجيئه، فليس أحدهما بأحق من الآخر. ومن حقوق الكبير إذا فارق من كان معه أن ينظر إليه وهو ماشٍ إلى أن يغيب عنه؛ لاحتمال أن تطرأ له حاجة أو يحدث له حادث فيبادر إليه. وفيه أن القيام لقيامه عام في كل الأوقات، لأن لفظة (كان) في الحديث تدل على الدوام. (فحدثنا يومًا) من الأيام (فقمنا) له (حين قام) من المجلس (فنظرنا إلى أعرابي قد أدركه) أي: قد (¬1) قصده فوصل إليه (فجبذه) مقلوب من جذب، أي: يده (بردائه) إليه، يقال: جذبه وجبذه على القلب، أي: جره بردائه إليه من خلفه (فحمر) بتشديد الميم، أي: احمرت رقبته من شدة جبذته. (قال أبو هريرة: وكان رداء خشنًا) وفي رواية للنسائي: قمنا معه حتى لما بلغ وسط المسجد أدركه رجل. . إلى آخره (¬2). (فالتفت فقال له الأعرابي: احمل لي) من مال اللَّه تعالى (على بعيريَّ) بتشديد الياء آخره للتثنية بفتح الهمزة، من أحمله الحمل إذا أعانه عليه. ¬

_ (¬1) من (م). (¬2) "سنن النسائي" 8/ 33.

وفي [رواية] (¬1): حملني بالتشديد، وفي رواية: أحملنى. في رواية: تحملني. (هذين فإنك لا تحمل لي) عليهما (من مالك ولا من مال أبيك) ولا جدك، بل من الخمس الذي تصرف منه لمصالح المسلمين (¬2). وقد بوب البخاري على ما في معنى هذا الحديث وأمثاله: باب ما كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه (¬3)، وفي جبذه (¬4) الرداء الخشن حتى أثر في رقبة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دليل على مشروعية صبر السلاطين والعلماء لجهال السؤال، واستعمال الحلم لهم والصبر على أذاهم في المال والنفس ونحوهما. (فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا) أعطيك (وأستغفر) بهمزة قطع (اللَّه) لعله استغفر من رده السائل، وهو القائل: "لا تردوا السائل ولو بظلف محرق" (¬5) رواه (. . .) (¬6) ويحتمل أنه استغفر خوفًا على السائل أن تعاجله العقوبة (لا) أحمل لك (وأستغفر اللَّه عزَّ وجلَّ لا وأستغفر اللَّه) كرر ذلك ثلاثًا تأكيدًا للكلام وردعًا للسائل. (لا أحمل لك) على بعيريك (حتى تقيدني) بضم التاء وكسر القاف، ¬

_ (¬1) زيادة يقتضيها السياق. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) "صحيح البخاري" قبل حديث (3143). (¬4) في (م): جذبه. (¬5) رواه أحمد 6/ 435 من حديث حواء جدة عمرو بن معاذ الأنصاري. ورواه النسائي 8/ 346، وعبد بن حميد في "مسنده" 1/ 441 (1527) عن ابن نجيد عن جدته عن عائشة. (¬6) بياض في (ل)، (م) بمقدار كلمتين.

أي: تعطيني القصاص من جبذتك (¬1) الرداء في رقبتي، ولعل المراد القصاص منه، وإن كان جذب الرقبة لا قصاص فيه، أن يتذكر قبيح ما وقع منه ويتوب منه ويعتذر، فإن إثمه عظيم بالنسبة إلى منسب النبوة والرسالة (من [جبذتك التي جبذتني] (¬2) الآن (فكل) مرة من (ذلك يقول له الأعرابي: واللَّه لا أقيدكها) بضم الهمزة (فذكر الحديث) المذكور، وزاد النسائي: فقال ذلك ثلاث مرات، وكل ذلك يقول: لا واللَّه لا أقيدك، فلما سمعنا قول الأعرابي أقبلنا إليه سراعًا، فالتفت إلينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "عزمت على من سمع كلامي أن لا يبرح مقامه حتى آذن له" (¬3). (قال: دعا) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (رجلًا فقال احمل (¬4) له على بعيريه هذين) احمل (على بعير) منهما (شعيرًا و) احمل (على) البعير (الآخر تمرًا) فيه دفع السيئة بالحسنة، كقوله: "وأتبع السيئة الحسنة تمحها" (¬5) وقوله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (¬6) وفيه إعطاء من يتألف قلبه من المسلمين وغيرهم، والعفو عن مرتكب كبيرة لا حدَّ فيها لجهله، وكمال خلقه -صلى اللَّه عليه وسلم-. ¬

_ (¬1) في (م): جذبك. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) "سنن النسائي" 8/ 33. (¬4) ساقطة من (م). (¬5) رواه الترمذي (1987)، وأحمد 5/ 153 من حديث أبي ذر. وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬6) المؤمنون: 96.

(ثم التفت إلينا فقال: انصرفوا) هذا أمر بعد الحظر المذكور في رواية النسائي: "عزمت على من سمع كلامي أن لا يبرح من مقامه" والمشهور عند الأصوليين أن الحظر بعد الإباحة للإباحة، كما في قوله تعالى {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} (¬1). (على بركة اللَّه تعالى) تقدم أن الاستعلاء هنا ليس هو على حقيقته، وأن المراد انصرفوا مصاحبين البَركة الشاملة. * * * ¬

_ (¬1) المائدة: 2.

2 - باب في الوقار

2 - باب فِي الوَقارِ 4776 - حَدَّثَنا النُّفَيْلي، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا قابُوسُ بْنُ أَبِي ظَبْيانَ أَنَّ أَباهُ حَدَّثَهُ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبّاسٍ أَنَّ نَبي اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِنَّ الهَدى الصّالِحَ والسَّمْتَ الصّالِحَ والاقْتِصادَ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ" (¬1). * * * باب في الوقار بفتح الواو، وهو الحلم والرزانة، ومنه الحديث: "ما سبقكم أبو بكر بصوم ولا صلاة ولكن بشيء وقر في قلبه" (¬2) أي: تمكن فيه وثبت. [4776] (حدثنا) عبد اللَّه بن محمد (النفيلي، ثنا زهير، ثنا قابوس بن أبي ظبيان) بفتح الظاء المعجمة، ويجوز الكسر، وسكون الموحدة، وتخفيف المثناة تحت. قال شيخنا ابن حجر: فيه لين (¬3). (أن أباه) (¬4) حصين، بضم الحاء وفتح الصاد، مصغر، بن جندب بن الحارث الجنبي بضم الجيم وسكون النون ثم موحدة، وجنب بطن من مذحج. ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 296، والبخاري في "الأدب المفرد" (468)، والطبراني في "الكبير" 12/ 106 (12609)، وأبو نعيم في "الحلية" 7/ 263 والبيهقي 10/ 194. وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (1992). (¬2) أورده الملا علي القاري في "الأسرار المرفوعة" (1307) وقال: وهذا من كلام أبي بكر بن عياش. (¬3) "تقريب التهذيب" (5445). (¬4) فوقها في (ل): (ع).

(حدثه قال عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما: إن نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إن الهدي) بفتح الهاء، مثل الفلس هو السيرة والهيئة والطريقة (الصالح) في الدين، وكذا في الجمال (والسمت) بفتح السين، وهو حسن الهيئة والمنظر (الصالح) في الدين والجمال (والاقتصاد) الاعتدال في الأمور من الأقوال والأعمال. (جزء من خمسة وعشرين جزءًا من النبوة) قال في "النهاية": معنى الحديث أن هذِه الخلال من شمائل الأنبياء ومن جملة خصالهم فاقتدوا بهم، وإنها جزء معلوم (¬1) من أجزاء أفعالهم، وليس المعنى أن النبوة تتجزأ، ولا أن من جمع هذِه الخلال كان فيه جزء من النبوة، فإن النبوة غير مكتسبة ولا مجتلبة بالأسباب، وإنما هي كرامة من اللَّه تعالى، ويجوز أن يكون أراد بالنبوة ما جاءت به النبوة ودعت إليه الأنبياء (¬2). رواية الترمذي: "من أربعة (¬3) وعشرين جزءًا" (¬4). قال في "شرح السنة" ما معناه: يجوز أن يكون أحدهما باعتبار توفر الخصال، والآخر عند عدم توفرها، وتخصيص هذا العدد مما يستأثر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بمعرفته، انتهى (¬5). وأن هذِه الخصال -كما مر- خمسة وعشرون جزءًا مما جاءت به النبوات، وأن من جمع هذِه الخصال تلقته الناس بالتعظيم، وألبسه اللَّه ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) "النهاية في غريب الحديث" 5/ 253. (¬3) في (ل)، (م): أربع. والمثبت من "سنن الترمذي". (¬4) "سنن الترمذي" (2010). (¬5) "شرح السنة" 13/ 177.

لباس التقوى الذي أُلْبِسَهُ أنبياؤه. وتخصيص هذا العدد مما أستأثر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بمعرفته، وقد يطلع عليه بعض أصفيائه، وهذا العدد قيل: إنه مدة الوحي إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإنه نُبِّئ على رأس الأربعين، ومات وعمره خمس وستون سنة على قول. * * *

3 - باب من كظم غيظا

3 - باب مَنْ كَظَمَ غَيْظًا 4777 - حَدَّثَنا ابن السَّرْحِ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ -يَعْني: ابن أَبي أَيُّوبَ-، عَنْ أَبي مَرْحُومٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعاذٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ كظَمَ غَيْظًا -وَهُوَ قادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ- دَعاهُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَى رُؤوسِ الخَلائِقِ يَوْمَ القِيامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ اللَّهُ مِنَ الحُورِ ما شاءَ". قالَ أَبُو داوُدَ: اسْمُ أَبي مَرْحُومٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَيْمُونٍ (¬1). 4778 - حَدَّثَنا عُقْبَة بْن مُكْرَمٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ -يَعْني: ابن مَهْدي-، عَنْ بِشْرٍ -يَعْني: ابن مَنْصُورٍ-، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلانَ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَبْناءِ أَصْحابِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنْ أَبِيهِ قالَ - قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَحْوَهُ قالَ: "مَلأَهُ اللَّهُ أَمْنًا وَإِيمانًا". لَمْ يَذْكُرْ قِصَّةَ: "دَعاهُ اللَّهُ". زادَ: "وَمَنْ تَرَكَ لُبْسَ ثَوْبِ جَمالٍ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ". قالَ بِشْرٌ: أَحْسِبُهُ قالَ: "تَواضُعًا كَساهُ اللَّهُ حُلَّةَ الكَرَامَةِ وَمَنْ زَوَّجَ للَّه تَعالَى تَوَّجَهُ اللَّهُ تاجَ المُلْكِ" (¬2). 4779 - حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْراهِيمَ التَّيْمي، عَنِ الحارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فِيكُمْ". قالُوا: الذي لا يَصْرَعُة الرِّجال. قالَ: "لا وَلَكِنَّهُ الذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ" (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2021) وابن ماجه (4186)، وأحمد 3/ 438. وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (6522). (¬2) رواه القضاعي في "مسند الشهاب" (437)، والبيهقي في "الشعب" (8304). وضعفه الألباني. (¬3) رواه مسلم (2608)، والنسائي 6/ 273، وأحمد 1/ 382.

باب من كظم غيظا [4777] (ثنا) أحمد بن عمرو (ابن السرح، ثنا) عبد اللَّه (ابن وهب، عن سعيد (¬1) بن أبي أيوب) مقلاص الخزاعي المصري (عن أبي مرحوم) عبد الرحيم بن ميمون الليثي مولاهم المصري، فيه لين (عن سهل بن معاذ) الجهني، ضعف (عن أبيه) معاذ بن أنس الجهني الصحابي -رضي اللَّه عنه- (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: من كظم غيظًا) أي: تجرعه، واحتمل سببه، وصبر عليه (وهو قادر على أن ينفذه) بضم الياء، وسكون النون، وكسر الفاء، من أنفذ حكمه إذا أمضاه، وفي حديث بر الوالدين: "الاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما" (¬2) أي: إمضاء وصيتهما بعد موتهما، والمراد أن من أمسك عن إمضاء غيظه وهو قادر على إمضائه وإيقاع ما يشفي غيظه بعدوه. وقال ابن عرفة: الكاظم: الممسك على ما في قلبه عن إمضائه. (دعاه اللَّه -عزَّ وجلَّ- على رؤوس الخلائق يوم القيامة) أي: ناداه مناد من قبل اللَّه تعالى على رؤوس الخلائق مرتفعًا بالدخول إلى الجنة (حتى يخيره [اللَّه] (¬3) في الجنة (من) أنواع (الحور العين ما شاء) منها حين تعرض عليه. [(قال أبو داود: اسم أبي مرحوم: عبد الرحمن بن ميمون)] (¬4). ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) سيأتي برقم (5142) من حديث أبي أسيد مالك بن ربيعة. (¬3) و (¬4) من "السنن".

[4778] (ثنا عقبة بن مكرم) بضم الميم، وسكون الكاف، وفتح الراء العمي، بفتح المهملة، وتشديد الميم البصري، شيخ مسلم (ثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن بشر) بكسر الموحدة، وسكون المعجمة، السليمي العابد الثقة، كان يصلي كل يوم خمسمائة ركعة (عن محمد ابن عجلان) المدني، أخرج له مسلم في مواضع. (عن سويد بن وهب) ليس له في الكتب الستة غير هذا الحديث (عن رجل من أبناء أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) هو مجهول (عن أبيه) الصحابي ولا يضر جهله؛ لأن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- كلهم عدول، ورواه البيهقي من طريق زياد بن فائد، عن سهل بن معاذ يريد ذه (نحوه) أي: بنحو ما تقدم. و(قال: ) في هذِه الرواية (ملأه اللَّه) تعالى، أي: ملأ قلبه، ويحتمل الامتلاء حقيقة في جميع جسمه (أمنًا) أي: أمانًا من مخاوف الدنيا والآخرة (وإيمانًا) ومحل الإيمان القلب، ويحتمل أن يراد بالإيمان الأعمال الصالحة الناشئة عن كمال الإيمان (لم يذكر) في هذِه الرواية (قصة: دعاه اللَّه تعالى) إلى آخره. و(زاد) في هذِه الرواية (ومن ترك لبس ثوب جمال) يشمل القميص وما فوقه والعمامة والنعل ونحو ذلك (وهو يقدر عليه) أي: وهو قادر على لبسه والتجمل (قال بشر) بن منصور (أحسبه قال: تواضعًا) للَّه تعالى (¬1) (كساه اللَّه) يوم القيامة (حلة الكرامة) أي: ألبسه من ملابس من أكرمه اللَّه في الجنة مما اختصه به من ملابس التعظيم. (ومن زوج) أخاه المسلم كريمته لاحتياجه إلى الزواج، وليعفه ¬

_ (¬1) بعدها في (ل): تواضعًا للَّه تعالى.

ويصون فرجه وبصره عن الحرام وتنكسر شهوته الجالبة لكل مفسدة (للَّه) أي: لأجل ثواب اللَّه، ولا يحصل كمال هذا الثواب إلا بأن يساعده على مؤن الزواج وما يحتاج إليه. (توجه اللَّه) تعالى في الجنة (تاج الملك) أي: ألبسه تاج الملوك الذي يصنع من الذهب، ويرصع (¬1) باللآلئ والجواهر النفيسة. [4779] (ثنا أبو بكر [بن أبي شيبة] (¬2)، ثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (عن) سليمان (الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن الحارث (¬3) بن سويد) التيمي (عن (¬4) عبد اللَّه) بن مسعود -رضي اللَّه عنه-. (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ما تعدون الصرعة) بضم الصاد، وفتح الراء (فيكم؟ ) وهو الذي يصرع الناس كثيرًا، وبالسكون هو الذي يصرعه الناس كثيرًا، وكذلك سُخَرَة وسُخْرَة. (قالوا: الذي لا يصرعه الرجال) أي: لا يصرعه أحد من الرجال. (قال: لا ولكنه الذي) ولمسلم: "ليس بذلك ولكنه الذي" وفي لفظ: "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي" (¬5) (يملك نفسه عند الغضب) أي: الشديد كل الشديد هو الذي يملك نفسه عند الغضب ويقهرها، فإنه إذا ملكها كان قد قهر أقوى أعدائه، وشر خصومه، وهي النفس، ولذلك ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) من "السنن". (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) من "السنن". (¬5) "صحيح البخاري" (6114)، "صحيح مسلم" (2609) من حديث أبي هريرة.

قال: "أعدى عدوٍّ لك نفسك التي بين جنبيك" (¬1). وهذا من الألفاظ التي نقلها عن وضعها اللغوي لضرب من التوسع والمجاز، وهو من فصيح الكلام؛ لأنه لما كان الغضبان بحالة شديدة من الغيظ، وقد ثارت عليه شهوة الغضب فقهرها بحلمه و [صرعها بثباته] (¬2) كان كالصرعة الذي يصرع الرجال ولا يصرعونه. * * * ¬

_ (¬1) رواه البيهقي في "الزهد الكبير" (355) من حديث ابن عباس. قال الألباني في "الضعيفة" (1164): موضوع. (¬2) مكانها بياض في (م).

4 - باب ما يقال عند الغضب

4 - باب ما يُقالُ عِنْدَ الغضَبِ 4780 - حَدَّثَنا يُوسُفُ بْن مُوسَى، حَدَّثَنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الحَمِيدِ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي لَيْلَى، عَنْ مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ قالَ: اسْتَبَّ رَجُلانِ عِنْدَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَغَضِبَ أَحَدُهُما غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى خُيِّلَ إِلَى أَنَّ أَنْفَهُ يَتَمَزَّعُ مِنْ شِدَّةِ غَضَبِهِ فَقالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قالَها لَذَهَبَ عَنْهُ ما يَجِدُهُ مِنَ الغَضَبِ". فَقالَ: ما هي يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قالَ: "يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ". قالَ: فَجَعَلَ مُعاذٌ يَأْمُرُهُ فَأَبَى وَمَحِكَ وَجَعَلَ يَزْدادُ غَضَبًا (¬1). 4781 - حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَدي بْنِ ثابِتٍ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ صُرَدَ قالَ: اسْتَبَّ رَجُلانِ عِنْدَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعَلَ أَحَدُهُما تَحْمَرُّ عَيْناهُ وَتَنْتَفِخ أَوْداجُهُ فَقالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنّي لأَعْرِفُ كَلِمَةً لَوْ قالَها هذا لَذَهَبَ عَنْهُ الذي يَجِدُ أَعُوذُ باللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ". فَقالَ الرَّجُلُ: هَلْ تَرى بي مِنْ جُنُونٍ (¬2). 4782 - حَدَّثَناِ أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا أَبو مُعاوِيَةَ، حَدَّثَنا داوُدُ بْن أَبي هِنْدٍ، عَنْ أَبي حَرْبِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبي ذَرٍّ قالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ لَنا: "إِذا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قائِمٌ فَلْيَجْلِسْ، فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الغَضَبُ، وَإِلَّا فَلْيَضْطَجِعْ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3452)، وأحمد 5/ 240، والطيالسي (571)، وعبد بن حميد (111)، والنسائي فى "الكبرى" (10149). وضعفه الألباني. (¬2) رواه البخاري (3282)، ومسلم (2610). (¬3) رواه أحمد 5/ 152، وأبو يعلى في "مسنده الكبير" كما في "إتحاف الخيرة" (7158)، وابن حبان (5688)، والبيهقي في "الشعب" (8284) والبغوي في "شرح السنة" (3584). وصححه الألباني.

4783 - حَدَّثَنا وَهْبُ بْن بَقِيَّةَ، عَنْ خالِدٍ، عَنْ داوُدَ، عَنْ بَكْرٍ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بَعَثَ أَبا ذَرٍّ بهذا الحَدِيثِ. قالَ أَبُو داوُدَ: وهذا أَصَحُّ الحَدِيثَيْنِ (¬1). 4784 - حَدَّثَنا بَكْز بْنُ خَلَفٍ والحَسَن بْن عَلي -المَعْنَى- قالا: حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ ابْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا أَبُو وائِلٍ القاصُّ، قالَ: دَخَلْنا عَلَى عُرْوَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ السَّعْدي فَكَلَّمَهُ رَجُلٌ فَأَغْضَبَهُ فَقامَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَدْ تَوَضَّأَ فَقالَ: حَدَّثَني أَبِي، عَنْ جَدّي عَطِيَّةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ الغَضَبَ مِنَ الشَّيْطانِ وَإِنَّ الشَّيْطانَ خُلِقَ مِنَ النّارِ، وَإِنَّما تُطْفَأُ النّارُ بِالماءِ فَإِذا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ" (¬2). * * * [4780] (حدثنا يوسف بن موسى) بن راشد القطان الكوفي، نجراني، وحدث (عن جرير (¬3) بن عبد الحميد) الضبي القاضي (عن عبد الملك بن عمير) الكوفي، رأى عليًّا (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) الأنصاري، عالم الكوفة. (عن معاذ بن جبل -رضي اللَّه عنه- قال: استب رجلان عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) أي: تسابا، وسب كل واحد منهما الآخر، والسب: الشتم (فغضب أحدهما غضبًا شديدًا) ولفظ الترمذي: حتى عرف الغضب في وجه ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة في "مسنده" كما في "الإتحاف" (7157). وصححه الألباني. (¬2) رواه أحمد 4/ 226، والبخاري في "التاريخ الكبير" 7/ 8، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1267)، والخرائطي في "مساوئ الأخلاق" (336) وابن حبان في "المجروحين" 2/ 25، والطبراني في "الكبير" 17/ 167 (443) والبيهقي في "شعب الإيمان" (8291). وضعفه الألباني في "الضعيفة" (582). (¬3) فوقها في (ل): (ع).

أحدهما. وقال في آخر الحديث: هذا حديث مرسل، وعبد الرحمن (¬1) بن أبي ليلى لم يسمع من معاذ بن جبل؛ مات معاذ في خلافة عمر بن الخطاب. وقتل عمر وعبد الرحمن بن أبي ليلى غلام ابن ست سنين. قال: وأبو ليلى اسمه يسار (¬2) (حتى خُيِّل) بضم الخاء المعجمة، مبني للمفعول من الوهم والظن (إليَّ أن أنفه يتمزع) بفتح الميم والزاي المشددة والعين المهملة، أي: يتشقق ويتقطع غضبًا. (من شدة غضبه) والمزعة بفتح الميم: القطعة من اللحم وغيره، وذكر أبو عبيد أن الصواب يتزمع بفتح الزاء، والميم المشددة، وهو الذي تراه كأنه يرعد من الغضب، والمشهور في الرواية، كما قال الأزهري وغيره: يتمزع كما تقدم، من قولهم: مزعت الشيء إذا قسمته (¬3)، وفيه حديث جابر: فقال لهم: "تمزعوا" أي: تقاسموه وفرقوه بينكم. (فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: إني) واللَّه (لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجده) (من الغضب) الشديد (فقال: ما هي) الكلمة (يا رسول اللَّه؟ قال) هي أن (يقول: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم) أي: إني أستجير بك، وألتجئ إليك من الشيطان الرجيم أن تنجيني (¬4) منه، فإنه استولى علي وتمكن مني حيث اشتد غضبي. ¬

_ (¬1) في الأصول: عبد اللَّه. وهو خطأ، والمثبت الصواب كما مر. (¬2) "سنن الترمذي" (3452). (¬3) "تهذيب اللغة" 2/ 393. (¬4) في (م): تنجدني.

وفي الحديث دليل على أن الشيطان له تأثير في تهييج الغضب وزيادته حتى يحمله على البطش بالمغضوب عليه أو إتلافه، فإذا تعوذ الغضبان باللَّه من الشيطان الرجيم وصح قصده بذلك، وعلم اللَّه صدق نيته، فهو أكرم من أن يخذل من استجار به. (قال) الراوي (فجعل معاذ) بن جبل (يأمره) بذلك (فأبى) أن يستعيذ من الشيطان؛ لعدم توفيقه (ومحك) بفتح الميم والحاء المهملة والكاف، ومضارعه يمحك بفتح الحاء كذا في "ديوان الأدب" والمحك: اللجاج (¬1). وقد محك يمحك وأمحكه غيره، ومنه حديث علي -رضي اللَّه عنه-: لا تضيق به الأمور ولا تمحكه الخصوم. (وجعل يزداد غضبًا) لجهله فهم معنى الاستعاذة، وفائدة التلفظ بها، فامتنع منه؛ لأنه من جفاة الأعراب الذين قلوبهم من الفقه والفهم خراب، ولهذا جاء في رواية الصحيحين والرواية الآتية. فقال الرجل: أمجنونًا تراني؟ (¬2) ظنًّا منه أن الذي يحتاج إلى التعوذ إنما هو المجنون. [4781] (ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم (عن الأعمش، عن عدي بن ثابت) الأنصاري (عن سليمان بن صرد) بن الجون الخزاعي، كان اسمه في الجاهلية يسارًا، فسماه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سليمان، وكان خيِّرا، عابدًا. (قال: استب رجلان عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فجعل أحدهما) يغضب و (تحمر عيناه) لفظ البخاري: احمر وجهه (¬3). وسبب احمرار العينين والوجه ¬

_ (¬1) "ديوان الأدب" ص 179. (¬2) "صحيح مسلم" (2610/ 110). (¬3) "صحيح البخاري" (6115).

أن الغضب هو غليان دم القلب، لإرادة الانتقام ممن أغضبه، فإذا غلى الدم ظهر أثر حمرته في الوجه والعينين وظاهر البدن (وتنتفخ أوداجه) هو من إطلاق صيغة الجمع على الاثنين مجازًا؛ لأنه ليس للإنسان غير ودجين فقط، وهما عرقان يحيطان بالحلقوم أو بالمريء. (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إني لأعرف كلمة لو قالها هذا لذهب عنه الذي يجد)؛ لأن الشيطان هو الذي يزين للناس الغضب ويحثهم على سرعة الانتقام، فالاستعاذة باللَّه مع صدق الالتجاء من أقوى السلاح على رفع كيده (أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم) تقدم (فقال الرجل) و (هل ترى بي من جنون؟ ! ) ظنا منه أنه لا يستعاذ إلا من الجنون، لأنه جاهل لم يفقه في دين اللَّه، وهو من جفاة الأعراب المنافقين الذين لم يخلص إيمانهم. [4782] (ثنا أحمد بن حنبل، ثنا أبو معاوية) محمد بن خازم (ثنا داود (¬1) بن أبي هند) دينار البصري، رأى أنسًا، وله نحو مائتي حديث، وكان صائم الدهر (عن أبي حرب) ذكره ابن عبد البر فيمن لم يذكر له اسم سوى كنيته (¬2) (ابن) أبي (الأسود) ظالم الديلي أخرج له مسلم (عن أبي ذر) جندب بن جنادة -رضي اللَّه عنه-. (قال: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لنا: إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس) لأن القائم متهيئ للحركة بالبطش ممن أغضبه، والقاعد دونه في هذا المعنى (فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع) لأن المضطجع ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) "الاستغنا في معرفة المشهورين من حملة العلم بالكنى" 2/ 1131.

أقل حركة من الجالس. ويشبه أن يكون النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إنما أمره بالقعود والاضطجاع؛ لئلا يبدو منه في حال قيامه وقعوده بادرة بالانتقام من عدوِّه، فيندم عليها فيما بعد، واللَّه أعلم. [4783] (ثنا وهب بن بقية) الواسطي، شيخ مسلم (عن خالد) بن عبد اللَّه الواسطي اشترى نفسه من اللَّه ثلاث مرات، بوزنه فضة (عن داود) بن أبي هند روى (عن بكر) بن عبد اللَّه المزني أبي عبد اللَّه البصري، تابعي، ثقة ثبت جليل (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعث أبا ذر -رضي اللَّه عنه- بهذا الحديث) المذكور. (قال [أبو داود]) (¬1) المصنف (وهذا) السند (أصح الحديثين) يريد المرسل أصح من غيره. وقال غيره: إنما يروي أبو حرب بن أبي الأسود، عن عمه، عن أبي ذر، ولا يحفظ سماعه من أبي ذر (¬2). [4784] (ثنا بكر بن خلف) البصري ختن أبي عبد الرحمن المقرئ، قال أبو حاتم: ثقة (¬3). وابن معين: صدوق (¬4). (والحسن بن علي، المعنى، قالا: ثنا إبراهيم بن خالد) الصنعاني المؤذن، ثقة (ثنا أبو وائل) عبد اللَّه بن بجير بفتح الموحدة، وكسر الجيم، المرادي الصنعاني، وثق (القاص) بتشديد الصاد المهملة، نسبة إلى القصص والمواعظ. ¬

_ (¬1) من "السنن". (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 33/ 231. (¬3) "الجرح والتعديل" 2/ 385. (¬4) "تهذيب الكمال" 4/ 201.

(قال: دخلنا على عروة بن محمد بن) عطية (السعدي) والي اليمن، عامل عمر بن عبد العزيز عليها، وعزل، فخرج وما معه إلا مصحفه ورمحه وسيفه، وهو مقبول (فكلمه رجل) في أمر (فأغضبه، فقام فتوضأ [ثم رجع وقد توضأ]) (¬1) وضوءه للصلاة (فقال: حدثني أبي) محمد (عن جدي عطية) بن سعد، ويقال: عطية بن عروة السعدي سعد بن بكر بن هوازن، نزل الشام، وكان مولده بالبلقاء، وهو صحابي، قدم على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في أناس من بني سعد بن بكر، وكان أصغر القوم، فخلفوه في رحالهم، ثم أتوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقضى حوائجهم، ثم قال: "هل بقي منكم أحد؟ " قالوا: يا رسول اللَّه، غلام منا خلفناه في رحالنا، فأمرهم أن يبعثوا به إليه، فأتوه فقالوا: أجب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. فأتاه، فلما رآه قال له: "ما أغناك اللَّه فلا تسأل الناس، فإن اليد العليا هي المنطية وإن اليد السفلى هي المنطاة، وإن مال اللَّه لمسوول ومنطى" قال عطية: فكلمني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بلغتي (¬2). انتهى. وكان يكلم كل أحد بلغته. ([قال: قال رسول اللَّه: ] (¬3) إن الغضب من الشيطان) وروي في غير هذا الحديث الأمر بالاغتسال مكان الوضوء، فيحمل أمر الاغتسال على الحالة الشديدة التي يكون الغضب فيها أقوى وأغلب من حالة ¬

_ (¬1) من "السنن". (¬2) رواه الطبري في "تهذيب الآثار" السفر الأول (51)، والطبراني في "مسند الشاميين" 1/ 347 (603). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من النسخ الخطية، والمثبت من "السنن".

من أمره بالوضوء، فالأقوى للإثم الأكمل، والوضوء للأضعف، ويشبه أن يكون أمر الاغتسال من كان عليه حدث أكبر، كالجنابة ونحوها، وأمر الوضوء من به حدث أصغر، ويحتمل غير ذلك، وإنما كان الغضب من الشيطان؛ لأنه السبب المحرك له بوسوسته في القلب. (وإن الشيطان خلق) مبني للمفعول (من النار) لأنه من الجان الذين قال اللَّه فيهم: {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (15)} (¬1) وكانوا سكان الأرض قبل آدم -عليه السلام-، وكان إبليس أعبدهم، فلما عصى اللَّه تعالى في ترك السجود لآدم لعنه اللَّه وجعله شيطانًا (وإنما تطفأ) بهمزة آخره (النار) أي: تخمد (بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ) وضوءه للصلاة، وإن كان على وضوء. ويشبه أن يحصل له فضيلة تجديد الوضوء الذي رواه الترمذي مرفوعًا: "من توضأ على طهر كتب اللَّه له عشر حسنات" (¬2) وخرجه ابن السكن في "صحاحه" لكن يفرق بينهما بأن تجديد الوضوء إنما يشرع من صلى بالأول فرضًا أو نفلًا، ووضوء الغضبان يجدده وإن لم يكن صلى به، وهل يقوم التيمم مقام الوضوء عند فقد الماء عند الغضب، أو في التجديد؟ لم أجده مسطورًا. * * * ¬

_ (¬1) الرحمن: 15. (¬2) "سنن الترمذي" بعد حديث (61) من حديث ابن عمر.

5 - باب في العفو والتجاوز في الأمر

5 - باب فِي العَفْو والتَّجاوُزِ في الأَمْرِ 4785 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها أَنَّها قالَتْ: ما خيِّرَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- في أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتارَ أَيْسَرَهُما ما لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كانَ إِثْمًا كانَ أَبْعَدَ النّاسِ مِنْهُ، وَما انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِنَفْسِهِ إِلا أَنْ تنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ تَعالَى فَيَنْتَقِمَ للَّه بِها (¬1). 4786 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْن زُرَيْعٍ، حَدَّثَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ عَلَيْها السَّلامُ قالَتْ: ما ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- خادِمًا وَلا امْرَأَةٍ قَطُّ (¬2). 4787 - حَدَّثَنا يَعْقُوبُ بْن إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفاوي، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -يَعْني: ابن الزُّبَيْرِ- في قَوْلِهِ (خُذِ العَفْوَ) قالَ: أُمِرَ نَبي اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنْ يَأْخذَ العَفْوَ مِنْ أَخْلاقِ النّاسِ (¬3). * * * باب التجاوز في الأمر [4785] (حدثنا عبد اللَّه بن مسلمة) القعنبي. (عن مالك، عن) محمد (ابن شهاب) الزهري (عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي اللَّه عنها أنها قالت: ما خير رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في) لفظ الصحيحين: بين (¬4) (أمرين) يجوز له فعل كل واحد منهما، أو عرضت ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3560)، ومسلم (2327). (¬2) رواه مسلم (2327)، وابن ماجه (1984)، وأحمد 6/ 31. (¬3) رواه البخاري (4643). (¬4) "صحيح البخاري" (3560)، "صحيح مسلم" (2327).

له حاجتان (إلا اختار) أي: مال إلى (أيسرهما) أي: أهونهما، وترك الأثقل أخذًا بالسهولة لنفسه، وتعليمًا لأمته، ففي هذا استحباب الأخذ بالأيسر والأرفق (ما لم يكن إثمًا) فإن كان في المخير فيه إثم لفعل حرام أو مكروه فإنه لا يميل إليه ولا يفعله أصلًا (فإن كان) المخير فيه (إثما كان -صلى اللَّه عليه وسلم- أبعد الناس) أي: أشدهم بعدًا (منه) من ذلك الإثم، وترك ما فيه إثم (¬1) وأخذ بالآخر، وإن كان أثقل من الآخر وأكثر مؤنة وكلفة عليه. قال عياض: يحتمل أن يكون تخييره -صلى اللَّه عليه وسلم- هنا من اللَّه تعالى، فيخيره فيما فيه عقوبتان، أو فيما بينه وبين الكفار من القتل وأخذ الجزية، أو في حق أمته من المجاهدة في العبادة والاقتصار، فكان يختار الأيسر في كل هذا. قال: وأما قولها: (ما لم يكن إثمًا) فيتصور إذا خيره الكفار والمنافقون، فأما إذا كان التخيير من اللَّه تعالى أو من المسلمين فيكون الاستثناء منقطعًا (¬2). (وما انتقم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لنفسه) أي: ما عاقب أحدًا على مكروه أتاه من قبله، بل كان يصبر على جهل من جهل عليه، ويحتمل جفاءه، ويصفح عمن آذاه في خاصة نفسه، كصفحه عمن قال: أعدل فإن هذِه قسمة ما أريد بها وجه اللَّه وما عدلت منذ اليوم. وكصفحه عن الأعرابي الذي جبذ رداءه كما تقدم. ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): إثمًا. والمثبت هو الصواب. (¬2) "إكمال المعلم" 7/ 291.

(إلا أن تنتهك حرمة اللَّه (¬1) تعالى) أي: ترتكب محارم اللَّه في شرعه ويبالغ في خرقها وإتيانها (فينتقم) أي: يعاقب فاعلها انتصارًا (للَّه بها) أي: بسببها، والاستثناء فيه منقطع، يعني: إذا انتهكت حرمة اللَّه انتصر للَّه وانتقم ممن ارتكب ذلك، فإن قيل: فأذاه -صلى اللَّه عليه وسلم- هو انتهاك حرمة من حرم اللَّه، فكيف ترك الانتقام ممن آذاه استئلافًا وتركًا من ينفر في دينه كما قال -عليه السلام-: "لئلا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه" (¬2). وقد قال مالك: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يعفو عمن شتمه. وإذا تقرر هذا فالمراد بانتهاك حرمه التي لا ترجع بحق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بل بحرمة اللَّه وحرمة محارمه، فإنه كان يقيم حدود اللَّه على من انتهك شيئًا منها فلا يعفو عنها، كما قال في حديث السارقة: "ولو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" قال القرطبي: لكن ينبغي أن يفهم أن صفحه عمن آذاه كان مخصوصًا به وبزمانه، وأما بعده فلا يعفى عنه (¬3). وقال عياض: أجمع العلماء على أن من سب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كفر، واختلفوا هل حكمه حكم المرتد فيستتاب، أو حكم الزنديق لا يستتاب؟ وهل قتله للكفر أو للجهر؟ وجمهورهم على أن حكمه حكم الزنديق لا تقبل توبته، وهو مشهور مذهب مالك وقول الشافعي وأحمد، وقال أبو حنيفة: هي كفر ورِدة، وتقبل توبته إذا تاب (¬4). ¬

_ (¬1) بعدها في (ل)، (م): نسخة: تنتهك حرم اللَّه. (¬2) رواه البخاري (3518)، ومسلم (1063) من حديث جابر. (¬3) "المفهم" 6/ 119. (¬4) "إكمال المعلم" 7/ 293.

[4786] (ثنا مسدد، ثنا يزيد (¬1) بن زريع) البصري. (حدثنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: ما ضرب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خادمًا) ولمسلم زيادة على هذا في أول الحديث ولفظه: "ما ضرب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شيئًا قط بيده، ولا امرأة ولا خادمًا" (¬2) وهو نكرة في معرض النفي؛ فتعم كل ذي روح من ابن آدم (¬3) ودابة وهرة ونحو ذلك. قال النووي: فيه أن من ضرب الزوجة والخادم والدابة وإن كان مباحًا للأدب فتركه أفضل (¬4)، انتهى. أما ضرب الزوجة فهو مباح في حق نفسه كنشوز المرأة ونحوه. أما ضربها لحق اللَّه تعالى كترك الصلاة وشرب الخمر ونحو ذلك فليس له ذلك بل هو للإمام، وأما ضرب السيد فله التعزير به من مملوكه في حق نفسه، وكذا في حق اللَّه تعالى؛ لأن ملكه وسلطنته فوق سلطنة الزوج على زوجته (ولا) ضرب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بيده (امرأة قط) لا لحق نفسه ولا لحق اللَّه تعالى، ولأزواجه أكرم على اللَّه من أن يصدر منهن ما يوجب حقًّا للَّه تعالى. [4787] (حدثنا يعقوب بن إبراهيم) الدورقي البغدادي. (ثنا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي) بضم الطاء المهملة وتخفيف الفاء نسبة إلى طفاوة موضع بالبصرة، وكان من أكابر أئمة البصرة، ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) "صحيح مسلم" (2328). (¬3) من (م). (¬4) "شرح مسلم" 8/ 39.

قال ابن السمعاني: كان ثقة (¬1). وقال شيخنا ابن حجر: صدوق يهم (¬2). (عن هشام بن عروة) الأسدي المدني (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد ابن العزى. (عن عبد اللَّه يعني: ابن الزبير) رضي اللَّه عنهما. (في قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ}) (¬3) وهو ضد الجهل، وهو السهل المتيسر. (قال) ابن الزبير (أمر) بضم الهمزة، مبني للمفعول (نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) في هذِه الآية (أن يأخذ) ولفظ البخاري: أمر اللَّه تعالى نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يأخذ (¬4) ([العفو من أخلاق الناس) والمعنى: أن اللَّه أمر نبيه أن يقبل الميسور السهل من أفعال] (¬5) الناس وأخلاقهم ما سهل وتيسر من أمورهم من غير كلفة ولا مشقة، ولا يكلفهم الجهد الذي يشق عليهم كي لا ينفروا، فهو كقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يسروا ولا تعسروا" (¬6) فمن أخذ من أموال الناس وطلب منهم ما يشق تولد منهم بسبب ذلك البغضاء والشحناء. وقيل في قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ} أي: خذ الفضل وما سهل وتيسر ولم يشق على القلب إخراجه من صدقاتهم؛ لتنفقها في مصارفها، وذلك قبل نزول آية الزكاة، فلما نزلت أمر أن يأخذها منهم طوعًا أو كرها، ومنه ¬

_ (¬1) "الأنساب" 9/ 77 وقد نقل توثيقه عن ابن معين. (¬2) "فتح الباري" 1/ 440 ونقله عن أبي حاتم. (¬3) الأعراف: 199. (¬4) "صحيح البخاري" (4644). (¬5) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬6) سيأتي برقم (4835) من حديث أبي موسى.

قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} (¬1) وقول الشاعر: خذي العفو مني تستديمي مودتي ... ولا تنظري في صورتي حين أغضب (¬2) * * * ¬

_ (¬1) البقرة: 219. (¬2) البيت عزاه أبو القاسم الأصبهاني في "محاضرات الأدباء" 2/ 83 لمالك بن أسماء.

6 - باب في حسن العشرة

6 - باب فِي حُسْنِ العِشْرَةِ 4788 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا عَبْدُ الحَمِيدِ -يَعْني: الحِمّاني- حَدَّثَنا الأَعْمَشُ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها قالَتْ: كانَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إِذا بَلَغَهُ عَنِ الرَّجُلِ الشَّيء لَمْ يَقُلْ: ما بالُ فُلانٍ يَقُولُ؟ ! ولكن يَقُولُ: "ما بالُ أَقْوامٍ يَقُولُونَ كَذا وَكَذا؟ ! " (¬1). 4789 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْن عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ بْن زَيْدٍ، حَدَّثَنا سَلْمٌ العَلَوي، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَعَلَيهِ أَثرُ صُفْرَه -وَكانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَلَّما يُواجِهُ رَجُلًا في وَجْهِهِ بِشَيء يَكْرَهُهُ- فَلَمّا خَرَجَ قالَ: "لَوْ أَمَرْتُمْ هذا أَنْ يَغْسِلَ ذا عَنْهُ". قالَ أَبُو داوُدَ: سَلْمٌ لَيْسَ هُوَ عَلَوِيٍّا، كانَ يُبْصِرُ في النُّجُومِ، وَشَهِدَ عِنْدَ عَدي بْنِ أَرْطاةَ عَلَى رُؤْيَةِ الهِلالِ فَلَمْ يُجِزْ شَهادَتَهُ (¬2). 4790 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْنُ عَلي، قالَ: أَخْبَرَني أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ الحَجّاجِ بْنِ فُرافِصَةَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ح وَحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن المُتَوَكِّلِ العَسْقَلاني، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا بِشْرُ بْن رافِعٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَفَعاهُ جَمِيعًا قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المُؤْمِنُ غِرٌّ كَرِيمٌ، والفاجِرُ خِبٌّ لَئِيمٌ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه الطحاوي في "مشكل الآثار" (5881)، والخرائطي في "مكارم الأخلاق" (756)، وأبو الشيخ في "أخلاق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" (153) والبيهقي في "الآداب" (165). وصححه الألباني في "الصحيحة" (2564) (¬2) رواه أحمد 3/ 133، والبخاري في "الأدب" (437)، والترمذي في "الشمائل" (341)، والنسائي في "الكبرى" (9993). وضعفه الألباني في "الضعيفة" (4255). (¬3) رواه الترمذي (1964)، والبخاري في "الأدب المفرد" (418)، وأبو يعلى =

4791 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ ابن المُنْكَدِرِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ قالَت: اسْتَأْذَنَ رَجُلٌ عَلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ: "بِئْسَ ابن العَشِيرَةِ". أَوْ: "بِئْسَ رَجُلُ العَشِيرَةِ". ثُمَّ قالَ: "ائْذَنُوا لَهُ". فَلَمّا دَخَلَ أَلانَ لَهُ القَوْلَ فَقالَتْ عائِشَةُ يا رَسُولَ اللَّهِ أَلنْتَ لَهُ القَوْلَ وَقَدْ قُلْتَ لَهُ ما قُلْتَ. قالَ: "إِنَّ شَرَّ النّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ القِيامَةِ مَنْ وَدَعَهُ -أَوْ تَرَكَهُ- النّاسُ لاتّقاءِ فُحْشِهِ" (¬1). 4792 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بِئْسَ أَخُو العَشِيرَةِ". فَلَمّا دَخَلَ انْبَسَطَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وكَلَّمَهُ فَلَمّا خَرَجَ قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ لَمّا اسْتَأْذَنَ قُلْتَ: "بِئْسَ أَخُو العَشِيرَةِ". فَلَمّا دَخَلَ انْبَسَطْتَ إِلَيْهِ. فَقالَ: "يا عائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الفاحِشَ المُتَفَحِّشَ" (¬2). 4793 - حَدَّثَنا عَبّاسٌ العَنْبَري، حَدَّثَنا أَسْوَدُ بْنُ عامِرٍ، حَدَّثَنا شَرِيكٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجاهِدٍ، عَنْ عائِشَةَ في هذِه القِصَّةِ قالَتْ: فَقالَ تَعْني النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا عائِشَةُ إِنَّ مِنْ شِرارِ النّاسِ الذِينَ يُكْرَمُونَ اتِّقاءَ أَلْسِنَتِهِمْ" (¬3). 4794 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنا أَبُو قَطَنٍ، أَخْبَرَنا مُبارَكٌ، عَنْ ثابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قالَ: ما رَأَيْتُ رَجُلًا التَقَمَ أُذُنَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَيُنَحّي رَأْسَهُ حَتَّى يَكونَ الرَّجُلُ هُوَ الذي يُنَحّي رَأْسَهُ وَما رَأَيتُ رَجُلًا أَخَذَ بِيَدِهِ فَتَرَكَ يَدَهُ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ ¬

_ = (6007)، والحاكم 1/ 43. وصححه الألباني في "الصحيحة" (935). (¬1) رواه البخاري (6532)، ومسلم (2591). (¬2) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (755). وصححه الألباني. (¬3) انظر سابقه.

الذي يَدَعُ يَدَهُ (¬1). * * * باب في حسن العشرة [4788] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا عبد الحميد) بن عبد الرحمن (الحِمَّاني) بكسر الحاء المهملة وتشديد الميم وفي آخرها نون، كذا ضبطه ابن السمعاني (¬2)، وقال: نسبة إلى حمان قبيلة من تميم نزلوا الكوفة، وضبطه مغلطاي وغيره بالضم، كما رأيته بخطه (حدثنا الأعمش، عن مسلم) (¬3) بن صبيح أبي الضحى البطين. (عن مسروق، عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا بلغه عن الرجل الشيء) بالرفع فاعل، الذي يكرهه (لم يقل: ما بال فلان) الفلاني بعينه (يقول) كذا وكذا ومعنى (ما بال فلان؟ ) أي: ما حاله؟ والبال من الألفاظ المشتركة يفسر في كل موضع بما يليق به. (ولكن يقول: ما بال أقوام) أي: ما بال رجال (يقولون: كذا كذا) وهذا فيه بيان آداب حسن العشرة أن لا يشافه أحدًا بعينه بالمخاطبة بما يكرهه، ولا يصرح باسمه الذي يعرف به؛ لشدة حيائه وإغضائه عما يشوش على من يجالسه، ويشبه أن يكون أصل هذا المعنى في كتاب اللَّه تعالى، وذلك كقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2492)، وابن ماجه (3716). وحسنه الألباني. (¬2) "الأنساب" 4/ 236. (¬3) فوقها في (ل): (ع).

وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8)} (¬1) فإنها نزلت في ناس من المنافقين معروفين، وكذا قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} (¬2) فإنها نزلت في ثعلبة ولم يعينه اللَّه (¬3)، بل قال: {وَمِنْهُمْ} وقد دخل عليه -صلى اللَّه عليه وسلم- رجل وعليه صُفرة فكرهه ولم يقل له شيئًا حتى خرج، فقال لبعض أصحابه: "لو قلتم لهذا أن ياع هذِه" (¬4) يعني: الصفرة. رواه المصنف والترمذي في "الشمائل" (¬5)، وقد جاء في الصحيحين حديث الأعرابي الذي بال في طائفة المسجد فقال: "لا تروعوه" ثم قال: "إن هذِه المساجد لا يصلح" (¬6). [4789] (حدثنا عبيد اللَّه) بالتصغير (ابن عمر بن ميسرة) القواريري شيخ الشيخين. ¬

_ (¬1) البقرة: 8. (¬2) التوبة: 75. (¬3) لا يصح أنها نزلت في ثعلبة -رضي اللَّه عنه- على الرغم من اشتهار ذلك في كتب التفسير، وهو ممن شهد بدرًا، ورضي اللَّه عنه مع أهل بدر، والقصة الطويلة الواردة في ذلك باطلة بلا ريب من وجوه عديدة، ليس هذا موضع بسطها. وقد ضعفها ابن حزم والبيهقي والقرطبي والذهبي والعراقي والهيثمي وابن حجر والمناوي والسيوطي، وغيرهم، ومن المعاصرين: الشيخ مقبل الوادعي والشيخ الألباني، وللشيخ سليم الهلالي رسالة "الشهاب الثاقب في الذب عن الصحابي الجليل ثعلبة بن حاطب". (¬4) هو الحديث الآتي مع اختلاف في لفظه، وقد رواه بهذا اللفظ أبو الشيخ في "أخلاق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" (144) من حديث أنس. (¬5) "الشمائل" (346) من حديث أنس. (¬6) "صحيح البخاري" (221)، "صحيح مسلم" (285) من حديث أنس.

(ثنا حماد بن زيد، ثنا سلم) (¬1) بفتح السين وسكون اللام هو ابن قيس (العلوي) بفتح العين واللام، قال ابن السمعاني: نسبة إلى بطن من الأزد يقال لهم: بنو علي، ثم قال: ضعفه شعبة ووثقه ابن معين (¬2). وهو بصري، وقال المصنف: شهد عند عدي بن أرطاة على رؤية الهلال فلم يجز شهادته. (عن أنس أن رجلًا دخل على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) يومًا في بيته (وعليه أثر صفرة) من زعفران أو نحوه، فكرهه منه ولم يقل له عنه شيئًا؛ لشدة حيائه وحسن عشرته (وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قلما يواجه رجلًا في وجهه) فضلًا عن المرأة (بشيء يكرهه) منه لئلا يشوش على من يجالسه كما تقدم. (فلما خرج) من عنده (قال: ) لبعض من كان معه (لو أمرتم) الظاهر أن (لو) هنا للعرض (¬3) وهو طلب بلين و (أمرتم) لفظه ماض ومعناه الاستقبال، والتقدير: لو تأمرون (هذا) الرجل (أن يغسل هذا) (¬4) الأثر الذي من صفرة (عنه) لتصيبوا خيرًا لكم وله. وفيه: دليل على النهي عن لبس المزعفر والمعصفر ونحوهما للرجل. وفيه من حسن الأدب والعشرة كما تقدم في الحديث قبله. (قال: ) المصنف (سلم ليس هو علويًّا) (¬5) أي: ليس هو من ولد علي ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (د). (¬2) "الأنساب" 9/ 357. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) قبلها في (ل)، (م): ذا. وعليها: خـ. (¬5) في الأصول: علوي. والمثبت من "سنن أبي داود".

ابن أبي طالب، و (كان ينظر في) علم (النجوم) فعاب عليه ذلك (وشهد عند عدي (¬1) بن أرطاة) الفزاري عامل عمر بن عبد العزيز. (على رؤية الهلال) لصيام شهر رمضان (فلم يجز شهادته) سئل عنه بعضهم فقال: إنه يرى الهلال قبل أن يراه الناس بيومين. وقال قتيبة عنه: إن أشفار عينيه ابيضت فكان ينظر فيرى أشفار عينيه فيظن أنه الهلال (¬2). روى له البخاري في "الأدب" عن أنس بن مالك قال: كنت أخدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكنت أدخل عليه من غير إذن، فجئت ذات يوم فدخلت عليه، فقال: "يا بني، إنه حدث أمر فلا تدخل علي إلا بإذن" (¬3). [4790] (حدثنا نصر بن علي) الجهضمي (أخبرني أبو أحمد) محمد ابن عبد اللَّه الزبيري، أخرج له الشيخان (حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن الحجاج بن فرافصة) قال ابن حجر: بضم الفاء الأولى وكسر الثانية، بعدها صاد مهملة، الباهلي البصري، صدوق (¬4). (عن رجل) قال شيخنا ابن حجر: يحتمل أنه يحيى بن أبي كثير (¬5). (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن. (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، ح، وثنا محمد (¬6) بن المتوكل العسقلاني) ¬

_ (¬1) في الأصول: علي. والمثبت من "سنن أبي داود". (¬2) انظر: "الجرح والتعديل" 4/ 263. (¬3) "الأدب المفرد" (807). قال الألباني: صحيح لغيره. (¬4) "تقريب التهذيب" (1133). (¬5) "تقريب التهذيب" ص 731. (¬6) فوقها في (ل): (د).

حافظ وثق. (حدثنا عبد الرزاق، حدثنا بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة (بن رافع) أبو الأسباط، قواه ابن معين، وقال: ليس به بأس (¬1). وقال ابن عدي: لم أجد له حديثًا منكرًا (¬2). (عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- رفعاه جميعًا قال) أبو هريرة (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: المؤمن غر) بكسر الغين المعجمة وتشديد الراء، أي: ليس بذي مكر ولا دهاء، فهو يخدع كثيرًا لانقياده ولينه، وهو ضد الخب، يقال: فتى غر وفتاة غر. يريد أن المؤمن (كريم) الأخلاق، جامع لأنواع الخير والشرف والفضائل، وطبعه الغرارة وقلة الفطنة للشر، وترك البحث عنه وليس ذلك منه لجهل ولا عجز، ولكنه كرم وحسن خلق. (والفاجر خب) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحدة، وقد تكسر خاؤه، وهو الذي عادته الدهاء والخداع، الذي يكثر دخوله في الشر ويسعى بين الناس بالفساد، ومنه الحديث المتقدم: "من خبب امرأة أو مملوكًا على مسلم فليس منا" (¬3) أي: خدعه وأفسده (لئيم) من لَؤُم بضم الهمزة لؤمًا فهو لئيم، يقال ذلك للشحيح المكار الدنيء النفس المهين؛ لأن اللؤم ضد الكرم. ¬

_ (¬1) "تاريخ ابن معين" برواية الدوري (555). (¬2) "الكامل في ضعفاء الرجال" 2/ 166. (¬3) تقدم برقم (2175) من حديث أبي هريرة.

[4791] (ثنا مسدد، ثنا سفيان) بن عيينة (عن) محمد (ابن (¬1) المنكدر) بن عبد اللَّه المدني (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: استأذن على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رجل) وهو عيينة بن حصن بن حذيفة الفزاري ولم يكن أسلم حينئذٍ، وإن كان قد أظهر الإسلام، فأراد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يبين حاله؛ ليعرفه الناس فيجتنبوه. وقيل: هو مخرمة (¬2) بن نوفل الزهري والد المسور بن مخرمة، والمشهور أنه عيينة، فقد ذكر ابن عبد البر عن إبراهيم النخعي أن عيينة (¬3) دخل على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بغير إذن، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وأين الإذن؟ " فقال: ما استأذنت على أحد من مُضر، وكانت عائشة مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: من هذِه الحميراء؟ فقال: "أم المؤمنين" فقال: ألا أنزل لك عن أجمل منها. فقالت عائشة: من هذا يا رسول اللَّه؟ قال: "هذا أحمق مطاع وهو على ما ترين سيد قومه" (¬4). (فقال: بئس) هو (ابن العشيرة) المراد بالعشيرة قبيلته (أو) قال: (بئس رجل) بفتح الراء وضم الجيم، أي: بئس هذا الرجل من (العشيرة) أي: هو شر عشيرته وأكثرهم رجولية في المعرفة والرأي وإليه يرجع أمرهم، وهذا من أعلام النبوة حيث وقع وظهر من أمره ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) في (ل)، (م): حجر. والمثبت هو الصواب. (¬3) في (ل)، (م): ابن عيينة. والمثبت هو الصواب، انظر: "الاستيعاب" 3/ 316 (2078). (¬4) "الاستيعاب" 3/ 317.

كما قال عنه. وفيه مشروعية الاستئذان قبل الدخول، وإن كان الداخل أشرف قومه وعنده أجمل من التي يستأذن لأجلها، وفي هذا الذي قاله النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذا الرجل في عيينة غيبة له. قال القرطبي: وهذا لما علمه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من حاله وأنه ممن لا غيبة له، وأنه عيينة بن حصن (¬1) كما تقدم. وقال النووي: فيه جواز غيبة الفاسق المعلن لفسقه ولمن يحتاج الناس إلى التحذير منه. انتهى (¬2)، وهذا من المواضع التي يباح فيها الغيبة مما استثني منها (ثم قال: ائذنوا له) وفيه جواز الإذن للفاسق المعلن لفسقه في دخوله الدار إذا استأذن، وأن هذا من المداراة وحسن العشرة. (فلما دخل) عليه (ألان له القول) بأن عرض عليه الإيمان بالتعريض دون التصريح، كأن يقول له بلفظ الاستفهام: هل لك أن تُسلِم لتسلم ويكون لك كذا وكذا؟ ولو أسلمت لفعلت لك كذا وكذا. وقيل: إلانة القول أن يتلطف له في الكلام بحسن الترغيب (فقالت عائشة: يا رسول اللَّه) لما دخل عليك (ألنت له القول) وتلطفت به (وقد قلت) عند استئذاته (ما قلت؟ ! ) وجيء به أسيرًا إلى أبي بكر، واللَّه أعلم بما ختم له. (قال: إن شر الناس عند اللَّه منزلة يوم القيامة من ودعه) بتخفيف الدال (أو تركه الناس) هذا شك من الراوي في اللفظين، قال: مع أن معناهما واحد، فإن كان الصحيح (ودعه) فقد تكلم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالأصل المرفوض كما قد تكلم به الشاعر الذي هو أنس بن زنيم في قوله: ¬

_ (¬1) "المفهم" 6/ 572. (¬2) "شرح مسلم" 8/ 403.

سل أميري ما الذي غيره ... عن وصالي اليوم حتى ودعه (¬1) وقد نقل عن بعض السلف أنه قرأ {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} بتخفيف الدال (¬2)، وقد صح عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه تكلم بمصدر ذلك الفعل المرفوض حين قال: "لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن اللَّه على قلوبهم" (¬3) وهذا كله يرد على من قال من النحويين أن العرب قد أماتت ماضي هذا الفعل ومصدره؛ فلا تتكلم به استغناء عنه (اتقاء) أي: من أجل اتقاء (الفحش) (¬4) بفتح الفاء وهو ما قبح من الكلام والفعال، وهذا يدل على أن عيينة بن حصن من شر الناس منزلة عند اللَّه، ولا يكون كذلك حتى يختم اللَّه له بالكفر -واللَّه أعلم-كما قاله القرطبي، ثم قال: وهذا فيه من الفقه جواز غيبة المعلن لفسقه ونفاقه، والأمير الجائر، والكافر، وصاحب البدعة، وفيه جواز مداراتهم اتقاء شرهم، لكن ما لم يؤد ذلك إلى المداهنة في دين اللَّه، والفرق بين المداراة والمداهنة أن المداراة لين القلوب وبذل شيء من الدنيا لصلاح الدنيا والدين، وهي مباحة ومستحسنة في الأحوال، والمداهنة المذمومة المحرمة في بذل الدين لصلاح الدنيا، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬

_ (¬1) أورده أبو الفرج في "الأغاني" 8/ 402، والبغدادي في "خزانة الأدب" 6/ 426. (¬2) أوردها ابن جني في "المحتسب" 2/ 364، وابن خالويه في "مختصر في شواذ القراءة" ص 175 وعزواها للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وزاد ابن جني عزوها لعروة بن الزبير. (¬3) رواه مسلم (865) من حديث أبي هريرة. (¬4) بعدها في (ل)، (م): فحشه. وعليها: خـ.

إنما بذل له من دنياه حسن عشرته والرفق في مكالمته وطلاقة وجهه ولم يمدحه بقول (¬1). [4792] (ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد) بن سلمة (عن محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص الليثي، أخرج له مسلم (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن عائشة رضي اللَّه عنها أن رجلًا أستأذن على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) في الدخول إلى بيته (فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: بئس أخو العشيرة. فلما دخل) عليه (انبسط إليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) أي: أظهر له بوجهه الانبساط والسرور بدخوله (وكلمه) كلامًا لينًا (فلما خرج) من عنده (قلت) له (يا رسول اللَّه لما استأذن) عليك بالدخول (قلت: بئس أخو العشيرة) في غيبته (فلما دخل انبسطت إليه؟ ! فقال: يا عائشة، إن اللَّه لا يحب الفاحش المتفحش) الفاحش ذو الفحش في كلامه، وقيل: الذي يأتي الفاحشة المنهي عنها. [4793] (ثنا عباس) بالموحدة والسين المهملة، وهو ابن عبد العظيم (العنبري) من حفاظ البصرة شيخ مسلم، وروى عنه البخاري تعليقًا (¬2). (ثنا أسود (¬3) بن عامر) شاذان (ثنا شريك، عن الأعمش، عن مجاهد، عن عائشة رضي اللَّه عنها في هذِه القصة) المذكورة (قالت) عائشة (فقال -تعني النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: يا عائشة، إن من شرار الناس الذين يكرمون) بضم أوله مبني للمفعول، أي: الذين يكرمهم الناس بتعظيمهم، والقيام لهم، ¬

_ (¬1) "المفهم" 6/ 573. (¬2) في "صحيحه" عقب حديثه (6412). (¬3) فوقها في (ل): (ع).

وحسن التودد والتلطف بهم؛ لأجل (اتقاء ألسنتهم) أي: أقوالهم القبيحة في أعراض الناس، وفي معنى أقوالهم أفعالهم الخبيثة التي يتأذى الناس بها، فمداراة من هذِه صفته بالمال وبالكلمة الطيبة صدقة عن الآدمي. [4794] (ثنا أحمد بن منيع) بفتح الميم وكسر النون، هو ابن عبد الرحمن البغوي سكن بغداد، أخرج له البخاري في الطب (¬1) وغيره من الستة. (ثنا أبو قطن) بفتح القاف والطاء واسمه عمرو بن الهيثم بن قطن البصري، أخرج له مسلم. (ثنا مبارك) بن فضالة القرشي العدوي مولاهم البصري، قال عفان ابن مسلم: ثقة من النساك. وعن ابن معين: ليس به بأس (¬2). (عن ثابت) البناني (عن أنس) بن مالك -رضي اللَّه عنه- (قال: ما رأيت رجلًا التقم أذن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) أي: وضع فمه على أذن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وكلمه بكلام خفي، فكأنه جعل أذنه منه بمنزلة اللقمة في الفم، وفيه: إظهار من يقتدى به التواضع للناس ليقتدى به فيه (فينحي رأسه) أي: أذنه التي هي من رأسه (حتى يكون الرجل هو الذي ينحي رأسه) عنه ابتداء (و) قال أيضًا (ما رأيت رجلًا) قط (أخذ بيده -صلى اللَّه عليه وسلم- فترك يده حتى يكون الرجل هو الذي يدع يده) منه، وروى الترمذي عن أنس: ما أخذ أحد بيده فيرسل يده حتى يرسلها الآخر (¬3). ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (5680). (¬2) "تاريخ ابن معين" (3244) وفيه قال: ثقة، وانظر: "تهذيب الكمال" 27/ 184. (¬3) "سنن الترمذي" (2490) بمعناه.

وللطبراني: من قاومه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف (¬1). قال في "النهاية": قاومه: فاعله، من القيام، أي: إذا قام معه ليقضي حاجته صبر عليه إلى أن يقضيها (¬2). وهذِه الخصال المذكورة معدودة من مكارم أخلاقه ومحاسن آدابه وملاطفة معاشرته -صلى اللَّه عليه وسلم-. * * * ¬

_ (¬1) "المعجم الكبير" 22/ 155 (414) من حديث هند بن أبي هالة. (¬2) "النهاية في غريب الحديث" 4/ 125.

7 - باب في الحياء

7 - باب فِي الحَياءِ 4795 - حَدَّثَنا القَعْنَبي، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ سالِمِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصارِ وَهُوَ يَعِظُ أَخاهُ في الحَياءِ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "دَعْهُ فَإِنَّ الحَياءَ مِنَ الإِيمانِ" (¬1). 4796 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ إِسْحاقَ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ أَبي قَتادَةَ قالَ: كُنّا مَعَ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَثَمَّ بُشَيْرُ بْن كَعْبٍ فَحَدَّثَ عِمْران بْنُ حُصَيْنٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الحَياءُ خَيْرٌ كُلُّهُ". أَوْ قالَ: "الحَياءُ كُلُّهُ خَيْرٌ". فَقالًّ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ إِنّا نَجِدُ في بَعْضِ الكُتُبِ أَنَّ مِنْهُ سَكِينَةً وَوَقارًا وَمِنْهُ ضَعْفًا. فَأَعادَ عِمْرانُ الحَدِيثَ وَأَعادَ بُشَيْرٌ الكَلامَ قالَ: فَغَضِبَ عِمْرانُ حَتَّى احْمَرَّتْ عَيْناهُ وقالَ: أَلا أَراني أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَتحَدِّثُني عَنْ كُتُبِكَ. قالَ: قُلْنا يا أَبا نُجَيْدٍ، إِيهٍ إِيهٍ (¬2). 4797 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعي بْنِ حِراشٍ، عَنْ أَبي مَسْعُودٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ مِمّا أَدْرَكَ النّاسُ مِنْ كَلامِ النُّبُوَّةِ الأُولَى إِذا لَمْ تَسْتَحِ فافْعَلْ ما شِئْتَ" (¬3). * * * باب في الحياء [4795] (ثنا) عبد اللَّه بن مسلمة (القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب) الزهري (عن سالم بن عبد اللَّه) بن عمر بن الخطاب، أحد ¬

_ (¬1) رواه البخاري (24)، ومسلم (36). (¬2) رواه البخاري (6117)، ومسلم (37). (¬3) رواه البخاري (3484)، وابن ماجه (4183)، وأحمد 4/ 121.

الفقهاء السبعة، قال ابن المسيب: كان سالم أشبه ولد عبد اللَّه بعبد اللَّه، وعبد اللَّه أشبه ولد عمر بعمر (¬1). كان سالم يلبس الثوب بدرهمين (¬2). (عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مر على رجل) يقال: مر عليه ومر به بمعنى واحد. أي: اجتاز (من الأنصار) اللام للعهد، أي: أنصار رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الذين آووه ونصروه من أصحاب المدينة (وهو يعظ أخاه) الوعظ: النصح والتذكير بالعواقب، والظاهر أن المراد بالأخ الأخ بالقرابة؛ لأنه الحقيقة. ويحتمل أن يراد بالأخ في الإسلام على ما هو عرف الشرع، فهو مجاز لغوي أو حقيقة عرفية (في الحياء) بالمد، وهو تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به ويذم، وهو مشتق من الحياة. (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: دعه) وسبب النهي أنه سمعه يزجره عن الحياء ويقول له: لا تستحي، فنهاه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقال: "دعه يستحي" (فإن الحياء من) كمال (الإيمان) لأن الحيي يخاف فضيحة الدنيا وعقوبة الآخرة فينزجر عن المعاصي ويمتثل الطاعات كلها بكثرة حيائه، وجعل الحياء من الإيمان؛ لأنه قد يكون تخلقا واكتسابًا كسائر أعمال البر، وقد تكون غريزة، لكن استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى اكتساب ونية، فهو من كمال الإيمان وباعثا على أفعال الخير. [4796] (ثنا سليمان بن حرب، ثنا حماد) بن سلمة، أو حماد بن ¬

_ (¬1) رواه الفسوي في "المعرفة والتاريخ" 1/ 556، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 20/ 54. (¬2) رواه أبو داود في "الزهد" (430) من رواية مالك.

زيد، فإن كلا منهما روى عنه سليمان وروى (عن إسحاق بن سويد) بن هبيرة، أخرج له الشيخان. (عن أبي قتادة) تميم بن نذير بضم النون مصغر، وقيل: ابن زبير. وقيل: اسمه نذير، ابن قنفذ، قيل؛ إن له صحبة. (قال: كنا مع عمران بن حصين) بن عبيد الخزاعي أسلم عام خيبر (وثم) بفتح الثاء المثلثة، اسم إشارة إلى المكان بمعنى هناك (بشير) بضم الموحدة وفتح الشين المعجمة مصغر، العدوي عدي بن [عبد مناة] (¬1) قيل: جاء بشير إلى ابن عباس فجعل يحدث ويقول: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وجعل ابن عباس لا ينظر إليه ولا يعبأ بحديثه، فقال: ما لي أراك لا تسمع حديثي عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ ! فقال ابن عباس: إنا كنا إذا سمعنا رجلًا يقول: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعبة والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف. أخرجه مسلم (¬2)، ووثقه النسائي وغيره (¬3)، وليس لنا بشير مصغر إلا هذا وبشير بن هلال. (فحدث عمران بن حصين وقال) ولفظ مسلم: أن أبا قتادة حدث قال: كنا عند عمران بن حصين في رهط وفينا بشير بن كعب فحدثنا عمران يومئذٍ (¬4)، وقال: (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: الحياء خير كله) قال أبو ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): منا. والمثبت هو الصواب، كما في مصادر الترجمة. (¬2) مقدمة "صحيح مسلم" ص 10. (¬3) انظر: "التعديل والتجريح" 1/ 430، "تهذيب الكمال" 4/ 185. (¬4) "صحيح مسلم" (37/ 61).

القاسم القشيرى: الحياء رؤية الآلاء، وهي النعم، ورؤية التقصير، يتولد منهما حالة (¬1) تسمى الحياء (¬2). (أو قال) شك من الراوي (الحياء كله خير) لكونه باعثا على أفعال البر ومانعًا من المعاصي، وأول الحياء وأولاه الحياء من اللَّه تعالى، وهو أن لا يراك حيث نهاك، وذلك لا يكون إلا عن معرفة باللَّه تعالى ومراقبة له حاصلة، وهي الحالة المعبر عنها: "أن تعبد اللَّه كلأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" (¬3). وروى الترمذي: "استحيوا من اللَّه حق الحياء" فقالوا: إنا نستحى والحمد للَّه. فقال "ليس ذاك، لكن الاستحياء من اللَّه حق الحياء أن تحفظ الرأس وما حوى، والبطن وما وعى، وتذكر الموت والبلى، فمن فعل ذلك فقد استحيا من اللَّه حق الحياء" (¬4). وقد يفرط الحياء على بعض الناس فيحمله على أن [لا] (¬5) يواجه أحدًا بالحق ويترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويحمله على المداهنة في الحق وغير ذلك مما هو معروف في العادة، وكل هذا الحياء مذموم ويحرم استعماله ويجب الانكفاف عنه، وهذا الحياء ليس بحياء حقيقة، وهو أحق باسم الخور والجبن والعجز والمهانة. ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) "الرسالة القشيرية" ص 218 وعزا الكلام للجنيد. (¬3) تقدم برقم (4695) من حديث ابن عمر. (¬4) "سنن الترمذي" (2458) من حديث ابن مسعود. (¬5) ليست في (م) ومكانها في (ل) بياض بمقدار كلمة، والمثبت ما يقتضيه السياق.

وإنما حقيقة الحياء خلق يبعث على ترك القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق. (فقال بشير بن كعب) العدوي (إنا نجد في بعض الكتب) زاد مسلم: والحكمة (إن منه سكينة ووقارًا) زاد مسلم: للَّه تعالى (وأن منه ضعفًا) بفتح الضاد وضمها لغتان مشهورتان، ومعنى كلامه أن منه ما يحمل صاحبه على أن يكون يوقر الناس ويتوقر هو في نفسه، والوقار بفتح الواو الحلم والرزانة، ومنه ما يحمل صاحبه على ضعف الهمة، وأن يسكت عن كثير مما يتحرك الناس فيه من الأمور التي لا تطيق المروءات (فأعاد عمران) بن حصين (الحديث) الذي تقدم (وأعاد بشير) بن كعب (الكلام) أيضًا (قال: فغضب عمران بن حصين حتى احمرت عيناه) قال النووي: هكذا رويناه في "سنن أبي داود": (احمرت) من غير ألف وهو الظاهر (¬1)، وأما الرواية التي في أصول مسلم: حتى احمرتا عيناه (¬2). فهو صحيح على لغة أكلوني البراغيث، وقوله تعالى: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} (¬3) وأشباهه. (وقال: ألا) بتخفيف اللام (أراني) بفتح الهمزة (أحدثك عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) زاد مسلم: وتعارض فيه (وتحدثني عن كتبك) وسبب غضب عمران وإنكاره على بشير كونه قال، ومنه ضعف بعد سماعه قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه خير كله، فكأنه عارضه بما يخالفه من كلام الحكماء، وقيل: ¬

_ (¬1) "شرح مسلم" 2/ 8. (¬2) "صحيح مسلم" (37/ 61). (¬3) طه: 62.

أنكر عليه؛ لأنه خاف أن يخلط بالسنة ما ليس منها، فسد الذريعة بالإنكار لئلا يتطرق بذلك في قلبه ريب ومرض (قال: قلنا) لفظ مسلم: فما زلنا نقول: (يا أبا نجيد) بضم النون وفتح الجيم، وهي كنية عمران بن حصين كني بابنه نجيد، وله شعر يوم الفتح ذكر في السيرة (إنه إنه) (¬1) كذا الرواية ولفظ مسلم: إنه منا، إنه لا بأس به. وهذا يوضح رواية المصنف والمراد أنه ليس ممن يتهم بنفاق وزندقة أو بدعة. [4797] (حدثنا عبد اللَّه بن مسلمة) القعنبي (ثنا شعبة، عن منصور) ابن المعتمر الكوفي (عن ربعي بن حراش) بكسر الحاء المهملة (عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو البدري -رضي اللَّه عنه-. (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن مما أدرك الناس) روي بالرفع والنصب، فالرفع (¬2) على تقدير (¬3) أن [مما أدركه الناس، أو] (¬4) مما بلغ الناس (من كلام النبوة الأولى) أي: مما اتفق عليه الأنبياء عليهم السلام، وما من نبي إلا وقد ندب إليه وحث عليه، ولم ينسخ فيما نسخ من شرائعهم وذلك لأنه أمر أطبقت عليه العقول وتلقته بالقبول. (إذا لم تستح) هذِه الجملة الشرطية اسم على تقدير قول هذا اللفظ، أو هي خبر (إنْ) على تأويل (من) البعضية بلفظ، والتقدير أن بعض ما أدرك الناس من كلام النبوة قولهم: إذا لم تستحي (فافعل) وفي رواية للبخاري: "فاصنع" (¬5) أمر بمعنى الخبر، أي: صنعت (ما شئت) ¬

_ (¬1) قبلها في (ل)، (م): إيه إيه. وعليها: خـ. (¬2) و (¬3) ساقطة من (م). (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬5) "صحيح البخاري" (3484).

وقيل: المشهور في معناه إذا لم تستحي من العيب ولم تخش العار مما تفعله فافعل ما تحدثك به نفسك من أغراضها حسنًا كان أو قبيحًا، فإن اللَّه يجازيك عليه. فلفظه أمر ومعناه توبيخ وتهديد، وفيه إشعار بأن الذي يردع الإنسان عن مواقعة السوء هو الحياء، فإذا انخلع عنه كان كالمأمور بارتكاب كل ضلالة وتعاطي كل سيئة. وقيل: يحمل الأمر على بابه، فكأنه يقول: إذا كنت آمنًا في فعلك أن تستحي منه يجزيك على فعله كما يفعل سالك الصواب، وليس هو عندك من الأفعال التي يستحيى منها، فاصنع منها ما شئت. وقيل: معناه: انظر إلى ما تريد أن تفعله فإن كان مما لا يستحيى منه بحسب الدين فافعل، وإن كان مما يستحيى منه فدعه عنك. * * *

8 - باب في حسن الخلق

8 - باب فِي حُسْنِ الخُلُقِ 4798 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا يَعْقُوبُ -يَعْني: الإِسْكَنْدَراني-، عَنْ عَمْرٍو عَنِ المطَّلِبِ، عَنْ عائِشَةَ رَحِمَها اللَّهُ قالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "إِنَّ المُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصّائِمِ القائِمِ" (¬1). 4799 - حَدَّثَنا أَبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسي وَحَفْصُ بْن عُمَرَ قالا: حَدَّثَنا ح وَحَدَّثَنا ابن كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا شُعْبَةُ، عَنِ القاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ عَطَاءٍ الكَيْخاراني، عَنْ أُمِّ الدَّرْداءِ، عَنْ أَبي الدَّرْداءِ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "ما مِنْ شَيء أَثْقَلُ في المِيزان مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ". قالَ أَبُو الوَلِيدِ قالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً الكَيْخارانَيَّ. قالَ أَبُو داوُدَ: وَهُوَ عَطَاءُ بْنُ يَعْقوبَ وَهُوَ خالُ إِبْراهِيمَ بْنِ نافِعٍ، يُقالُ: كَيْخاراني وَكَوْخارانيٌّ (¬2). 4800 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمانَ الدِّمَشْقي أَبُو الجَماهِرِ قالَ: حَدَّثَنا أَبُو كَعْبٍ أَيُّوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدي، قالَ: حَدَّثَني سُلَيْمانُ بْنُ حَبِيب المُحارِبي، عَنْ أَبي أُمامَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَنا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ في رَبَضِ الجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ المِراءَ وَإِنْ كانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ في وَسَطِ الجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الكَذِبَ وَإِنْ كانَ مازِحًا، وَبِبَيْتٍ في أَعْلَى الجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي الدنيا في "التواضع والخمول" (166)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (4427)، وابن حبان (480)، وتمّام في "فوائده" (1071)، والبيهقي في "الشعب" (7988). وصححه الألباني. (¬2) رواه الترمذي (2003)، وأحمد 6/ 446، وابن حبان (481). وصححه الألباني في "الصحيحة" (876). (¬3) رواه الروياني (1200)، والدولابي في "الكنى" (1643)، والطبراني 8/ 98 (7488)، وابن بطة في "الإبانة" (533)، وتمام في "فوائده" (343). قال الألباني في "حجة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" ص 24: رواه أبو داود بسند حسن عن أبي أمامة.

4801 - حَدَّثَنا أَبُو بَكْرٍ وَعُثْمان ابنا أَبي شَيْبَةَ قالا: حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خالِدٍ، عَنْ حارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ الجَوّاظُ وَلا الجَعْظَرِيُّ". قالَ: والجَوّاط الغَلِيظُ الفَظُّ (¬1). * * * باب في حسن الخلق [4798] (ثنا قتيبة بن سعيد) البلخي (ثنا يعقوب) بن عبد الرحمن (الإسكندراني) أخرج له الشيخان (عن عمرو) بن أبي عمرو مولى المطلب، صدوق، قال أحمد: ليس به بأس (¬2). (عن) مولاه (المطلب) بن عبد اللَّه بن حنطب المخزومي المدني، قال أبو زرعة: ثقة أرجو أن يكون سمع من عائشة. وقال أبو حاتم: لم يدرك عائشة، ويشبه أن يكون أدرك جابرا، وعامة حديثه مراسيل (¬3). (عن عائشة قالت: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه) روى الترمذي عن عبد اللَّه بن المبارك أنه وصف حسن الخلق فقال: هو بسط الوجه وبذل المعروف وكف الأذى (¬4). (درجة الصائم القائم) ويوضحه رواية الحاكم: "إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجات قائم الليل وصائم النهار" (¬5) ورواية الطبراني من ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4915)، ومسلم (2853). (¬2) انظر: "العلل" رواية عبد اللَّه (1525، 3203)، "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 18/ 392. (¬3) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم 8/ 359. (¬4) "سنن الترمذي" (2005). (¬5) "المستدرك" 1/ 60.

حديث أبي أمامة بلفظ: "إن الرجل ليدرك بحسن الخلق" (¬1) فضيلة مجبول عليها المؤمن أو مكتسب لها وهي مستمرة في الليل والنهار، فبالليل تدرك أعلى درجات الليل وهو القيام في التهجد، وأدركت في النهار أعلى درجات النهار وهي الصيام في شدة الهواجر. [4799] (ثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك (الطيالسي وحفص بن عمر قالا: ثنا، ح، وثنا محمد بن كثير) العبدي (ثنا شعبة، عن القاسم بن أبي بزة) بفتح الباء الموحدة والزاي، وهو ابن نافع المكي. (عن عطاء) بن نافع (الكيخاراني) بفتح الكاف، وسكون الياء تحتها نقطتان وفتح الخاء -يعني: المعجمة- وسكون الألفين بينهما راء مفتوحة وبعدهما نون، هذِه النسبة إلى كيخاران، وهي قرية من قرى اليمن، كذا ضبطه ابن السمعاني، قال: ومن زعم أنه سمع معاذًا فقد وهم (¬2). وقال أبو العباس المستغفري: كيخاران من قرى مرو. ثم قال: وهذا ليس صحيحا (¬3) فإن هذِه القرية لا تعرف بمرو، وإنما هي من اليمن. انتهى. (قال أبو داود: وهو عطاء بن يعقوب، وهو خال إبراهيم، ويقال: كيخران) بفتح الكاف والخاء مع حذف الألف (وكورخان) بضم الكاف، وثقه ابن معين (¬4). (عن أم الدرداء) الصغرى اسمها هجيمة، ويقال: جهيمة بنت حيي ¬

_ (¬1) "المعجم الكبير" 8/ 169. (¬2) "الأنساب" 1/ 192 - 193. (¬3) في (ل)، (م): صحيح. والمثبت هو الصواب. (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 20/ 121.

الأوصابية، ويقال: الوصابية ووصاب بطن من حمير، وكانت فقيهة، وهي أم بلال بن أبي الدرداء. (عن) زوجها (أبي الدرداء) عويمر، حكيم الأمة، ومن الذين أوتوا العلم، شهد ما بعد أحد من المشاهد -رضي اللَّه عنه-. (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: ما من شيء) زاد الترمذي: "يوضع" (¬1) (في الميزان) من حسنات الأعمال التي توزن (أثقل) يجوز بالرفع على أنه صفة لمحل (ما من شيء) ويجوز النصب صفة على لفظ (شيء) المجرور، إلا أنه لا ينصرف للصفة ووزن الفعل (من حسن الخلق) لأنه أفضل أعمال بني آدم. ولفظ أبي الشيخ: "ألا أدلك على أفضل العبادة، وأخفها على البدن، وأثقلها في الميزان، وأهونها على اللسان" (¬2). (قال أبو الوليد) الطيالسي (قال: سمعت عطاء الكيخاراني) بفتح الكاف كما تقدم. [4800] (حدثنا محمد بن عثمان) التنوخي (الدمشقي) الكفرسوسي (أبو الجماهر) قال عثمان بن سعيد الدارمي: هو أوثق من أدركنا بدمشق، ورأيت أهل دمشق مجتمعين على صلاحه (¬3). (ثنا أبو كعب أيوب بن محمد) والمشهور أيوب بن موسى (السعدي) البلقاوي بفتح الموحدة وسكون اللام ثم قاف، صدوق (حدثني سليمان ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (2003). (¬2) "طبقات المحدثين بأصبهان" 4/ 303. (¬3) انظر: "تاريخ دمشق" 24/ 205، و"تهذيب الكمال" 26/ 100.

ابن حبيب المحاربي) أخرج له البخاري في الجهاد (¬1) (عن أبي أمامة) صدي بن عجلان الباهلي -رضي اللَّه عنه-. (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنا زعيم) أي: ضامن وكفيل، ومنه قوله تعالى: {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} (¬2) (ببيت) أي: بقصر في الجنة، ومنه حديث: "بشر خديجة ببيت في الجنة من قصب" (¬3) (في ربض) بفتح الموحدة وبالضاد المعجمة (الجنة) قال في "النهاية": هو ما حولها خارجًا عنها تشبيهًا بالأبنية التي تكون حول المدن وتحت القلاع (¬4). انتهى. وظاهر السياق أن ربض الجنة أسفلها (لمن ترك المراء) وحد المراء هو كل اعتراض على كلام الغير بإظهار خلل فيه، إما في اللفظ، وإما في المعنى، وإما في قصد المتكلم (وإن كان) في اعتراضه (محقًّا) وترك المراء بترك الإنكار والاعتراض، فكل كلام سمعته فإن كان حقًّا فصدق به، وإن كان باطلًا ولم يكن متعلقًا بأمور الدين فاسكت عنه. والطعن في كلام الغير تارة يكون من لفظه بإظهار خلل فيه من جهة النحو أو من جهة اللغة والعربية أو من جهة النظم والترتيب، وإما في المعنى بأن يقول: أخطأت في قولك كذا وكذا، وإما في قصده بأن يقول: هذا الكلام حق لكن ليس قصدك فيه الحق، إنما أنت صاحب غرض. قال في "النهاية": يقال للمجادلة: مماراة لأن كل واحد منهما ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (2909). (¬2) يوسف: 72. (¬3) رواه البخاري (1792) من حديث عبد اللَّه بن أبي أوفى. (¬4) "النهاية في غريب الحديث" 2/ 185.

يستخرج ما عند صاحبه، ويمتريه كما يمتري الحالبُ اللبن من الضرع (¬1). ولفظ رواية الترمذي: "من ترك المراء وهو مبطل بنى اللَّه له بيتًا في ربض الجنة، ومن تركه وهو محق بنى له في وسطها" (¬2) وإنما حصل له هذا لشدة ذلك على النفس، وكثير ما طبعت عليه من الشبقية المحبة للقهر والغلبة على الغير، وأكثر ما يغلب ذلك في المذاهب والعقائد، فإن المراء طبع، فإذا علم أو ظن أن له عليه ثوابًا اشتد حرصه عليه وتعاون الطبع والشرع، وذلك خطأ محض. (و) أنا زعيم (ببيت) أي: قصر (في وسط الجنة) والوسط بفتح السين: منزلة وسطى بين الربض والأعلى، ويستعمل الوسط بمعنى الخير، ومنه الحديث: "الوالد أوسط أبواب الجنة" (¬3) (لمن ترك الكذب) من كلامه (وإن كان) فيه (مازحًا) فالمزح مطايبة وانبساط مع الجليس؛ لتطييب قلبه ومؤانسته، وهو مشتق من زحت الشيء عن موضعه وأزحته عنه إذا نحيته؛ لأنه تنحية له عن حد القول. ومما يصلح للمزاح (¬4) ما رواه الزبير بن بكار في كتاب "الفكاهة والمزاح" عن الضحاك بن سفيان الكلابي قال: عندي امراتان أحسن من هذِه الحميراء أفلا أنزل لك عن إحداهما فتتزوجها؟ وعائشة ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 4/ 322. (¬2) "سنن الترمذي" (1993) من حديث أنس وقال: حديث حسن. (¬3) رواه أحمد 6/ 447، "الترمذي" (1900)، (3794) من حديث أبي الدرداء. وصححه الألباني في "الصحيحة" (914). (¬4) ساقطة من (م).

جالسة قبل أن يضرب الحجاب، فقالت: هي أحسن أم أنت؟ قال: بل أنا أحسن منهما وأكرم. فضحك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأنه كان دميمًا (¬1). وروى ابن ماجه والحاكم من حديث صهيب أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-[قال لصهيب وبه رمد: "تأكل التمر وأنت رمد؟ " قال: إنما آكل على الشق الآخر. فتبسم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-] (¬2) (¬3). (و) أنا زعيم (ببيت في أعلى الجنة من حسن) بتشديد السين (خلقه) قال الغزالي: تكلم الناس في حقيقة الخلق الحسن، وإنما تعرضوا لثمرته ولم يستوعبوها، وكشف الغطاء فيه أن الخلق والخُلق عبارتان عن الظاهر والباطن، فيراد بالخلق الصورة الظاهرة وبالخلق الصورة الباطنة، لأن الإنسان مركب من جسد مدرك بالبصر ومن روح مدرك بالبصيرة، والمدرك بالبصيرة أعظم، لأن اللَّه عظم أمره بالإضافة إلى نفسه فقال: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72)} (¬4) فنبه على أن الجسد منسوب إلى الطين، والروح منسوب إلى ¬

_ (¬1) قال العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء": أخرجه الزبير بن بكار في "الفكاهة" من رواية عبد اللَّه بن الحسن مرسلا أو معضلا، وللدارقطني نحو هذه القصة مع عييينة ابن حصن الفزاري بعد نزول الحجاب من حديث أبي هريرة. انتهى. قال ابن القيم في "المنار المنيف" ص 60: قال المزي: كل حديث في ذكر الحميراء باطل إلا حديثا في الصوم في "سنن النسائي الكبرى". (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) "سنن ابن ماجه" (3443)، "المستدرك" 3/ 399 ثقات. قال البوصيري في "زوائد ابن ماجه" (1136): إسناد صهيب صحيح، ورجاله ثقات. وحسنه الألباني في "صحيح ابن ماجه" (2776). (¬4) ص: 71 - 72.

اللَّه، والخلق عبارة عن هيئة للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة، فإن صدرت منها الأفعال الجميلة المحمودة عقلًا وشرعًا سميت الهيئة خلقا حسنا. [4801] (حدثنا أبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة قالا: ثنا وكيع، عن سفيان) بن سعيد الثوري (عن معبد بن خالد) الجدلي القيسي الكوفي (عن حارثة بن وهب) الخزاعي. (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا يدخل الجنة الجواظ) بفتح الجيم وتشديد الواو وبالظاء المعجمة (ولا الجعظري) بفتح الجيم وسكون العين وفتح الظاء المعجمة وكسر الراء وتشديد ياء النسب، كذا في "ديوان الأدب" للفارابي (¬1)، وهو الفظ الغليظ المتكبر. وقيل: هو الذي يتمدح وينتفخ بما ليس عنده أو فيه قصر. (قال) المصنف: قال شيخنا: لعل تفسير الجواظ من سفيان (¬2). (الجواظ) هو (الغليظ) الطبع (الفظ) والفظ هو السيئ الخلق، يقال: فلان أفظ من فلان. أي: أصعب خلقًا وأشرس. والمراد بعدم دخول من هذِه [صفته] (¬3) الجنة أنه لا يدخلها مع السابقين كالسهل العريكة وصاحب الخلق الحسن، بل يتأخر دخوله عن دخولهم، أنه (¬4) تلا قوله تعالى: {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ} إلى قوله: ¬

_ (¬1) "ديوان الأدب" ص 132. (¬2) "فتح الباري" 8/ 663. (¬3) زيادة يقتضيها السياق. (¬4) يعني: عن عبد اللَّه بن عمرو.

{زَنِيمٍ} (¬1) وقال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول، لفظ رواية الطبراني والحاكم: "أهل النار كل جعظري جواظ متكبر، وأهل الجنة الضعفاء المغلوبون" (¬2). ولفظ أحمد: "ألا أخبركم بشر عباد اللَّه؟ ! الفظ المستكبر، ألا أخبركم بخير عباد اللَّه؟ ! الضعيف المستضعف ذو الطمرين لا يوبه له لو أقسم على اللَّه لأبره" (¬3). * * * ¬

_ (¬1) القلم: 12 - 13. (¬2) "المعجم الكبير" 7/ 129 (6589)، "المعجم الأوسط" 3/ 283 (3157)، "المستدرك" 2/ 499 من حديث عبد اللَّه بن عمرو. (¬3) "مسند أحمد" 5/ 407 من حديث حذيفة.

9 - باب في كراهية الرفعة في الأمور

9 - باب فِي كَراهِيَةِ الرِّفْعَةِ في الأُمُورِ 4802 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ ثابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قالَ: كانَتِ العَضْباءُ لا تُسْبَقُ فَجاءَ أَعْرابي عَلَى قَعُودٍ لَهُ، فَسابَقَها فَسَبَقَها الأَعْرابي فَكَأَنَّ ذَلِكَ شَقَّ عَلَى أَصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالَ: "حَقٌّ عَلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنْ لا يَرْفَعَ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيا إِلَّا وَضَعَهُ" (¬1). 4803 - حَدَّثَنا النُّفَيْلي، حَدَّثَنا زهَيْرٌ، حَدَّثَنا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ بهذِه القِصَّةِ عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنْ لا يَرْتَفِعَ شَيء مِنَ الدُّنْيا إِلا وَضَعَهُ" (¬2). * * * باب في كراهة الرفعة من (¬3) الأمور [4802] (ثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (حدثنا حماد) بن سلمة (عن ثابت) البناني. (عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: كانت العضباء) اسم علم على ناقة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- منقول من قولهم: ناقة عضباء. أي: مشقوقة الأذن، ولم تكن مشقوقة الأذن، وقيل: كانت مشقوقة (¬4). قال الزمخشري: هو منقول من قولهم: ناقة عضباء. وهي القصيرة اليد (¬5). وقال الحربي: الجدع والعضب والخرم والحضرمة كله في الأذن. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2872). (¬2) رواه البخاري (2872). (¬3) بعدها في (ل)، (م): في. وفوقها: خـ. (¬4) ساقطة من (م). (¬5) "الفائق في غريب الحديث" 2/ 173.

(لا تسبق) في الجري (فجاء أعرابي على قعود له) والقعود من الإبل ما يقتعده الإنسان للركوب والحمل. وقال الأزهري: لا يكون القعود إلا الذكر، ولا يقال للأنثى: قعودة (¬1). وقال الجوهري: القعود من الإبل هو البكر حين يركب، أي: يمكن ظهره من الركوب، وأدنى ذلك أن يأتي عليه سنتان إلى أن يثني، فإذا أثنى سمي جملًا (¬2). يعني: حتى يدخل في السنة السادسة (فسابقها (¬3) فسبقها الأعرابي) بقعوده. وفيه أن المسابقة على الدواب سنة، وقيل: مباح. والمذهب سنة؛ لأن لفظ رواية البخاري: كان للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ناقة يقال لها: العضباء. لا تسبق ولا تكاد تسبق. الحديث ذكره في الجهاد (¬4). وهذا يشعر بالاستمرار دون ما فعله مرة للإباحة، وفيه اقتناء السوابق من الخيل والدواب والاعتناء بالسوابق في السفر وغيره؛ لأن فيه فوائد كثيرة بخلاف غيرها. وفيه جواز سبق المفضول للفاضل وأنه ليس فيه كراهة ولا سوء أدب، وفيه جواز مسابقة الأمير لآحاد الناس. (فكأن ذلك شق على أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) فيه تعظيم العلماء والأئمة وطلب الغلبة والنصرة لهم والتحزن عند انتقاص منزلتهم، وللبخاري زيادة ولفظه: فشق ذلك على المسلمين حتى عرفه (¬5). يعني: النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في وجوههم. ¬

_ (¬1) "تهذيب اللغة" 1/ 205. (¬2) "الصحاح" 2/ 25. (¬3) قبلها في (ل)، (م): يسابقها. وعليها: خـ. (¬4) "صحيح البخاري" (2872) من حديث أنس. (¬5) السابق.

(فقال: حق على اللَّه) هو من باب التفضل والإحسان، فإن اللَّه لا يجب عليه شيء (أن لا يرفع) بضم أوله مبني للمجهول، ولفظ البخاري: "أن لا يرتفع" (¬1) (شيء) من الدنيا (إلا وضعه) فيه أن الدنيا لا تستمر على حال وأن البقاء السرمدي في الآخرة، فلا بد في الدنيا من علو وتعظيم واشتغال وإهانة وعز وذل وغناء وفقر وصحة وسقم إلى غير ذلك مما هو مشاهد. [4803] (حدثنا) عبد اللَّه بن محمد (النفيلي، ثنا زهير، ثنا حميد) بن أبي حميد الطويل (عن أنس -رضي اللَّه عنه- بهذِه القصة) المذكورة (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) أنه (قال: إن حقًّا على اللَّه تعالى أن [لا] (¬2) يرفع شيء من) هذِه (الدنيا) القذرة في زمن (إلا وضعه) في زمن آخر، فالعاقل ينبغي له أن لا يركن إلى شيء ولا يرتفع به على غيره، فإن جميع ما في الدنيا كظل زائل وإلى الفناء آيل، ولهذا لم يعده الفقهاء من أقسام الكفاءة، وفي الحديث تنبيه على ترك الفخر بما هو عند اللَّه في منزلة الصفة، فحق على العاقل ترك الترفع به. * * * ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (2872). (¬2) ساقطة من الأصول، أثبتناها من "السنن".

10 - باب في كراهية التمادح

10 - باب في كَراهِيةِ التَّمادُحِ 4804 - حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بْن أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَن إِبْراهِيمَ، عَنْ هَمّامٍ قالَ: جاءَ رَجُلٌ فَأَثْنَى عَلَى عُثْمانَ في وَجْهِهِ فَأَخَذَ المِقْدادُ بْنُ الأَسْوَدِ تُرابًا فَحَثا في وَجْهِهِ وقالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِذا لَقِيتُمُ المَدّاحِينَ فاحْثُوا في وُجُوهِهِمُ التُّرابَ" (¬1). 4805 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن يُونُسَ، حَدَّثَنا أَبُو شِهابٍ، عَنْ خالِدٍ الحَذّاءِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا أَثْنَى عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ لَهُ: "قَطَعْتَ عُنُقَ صاحِبِكَ". ثَلاثَ مَرّاتٍ ثُمَّ قالَ: "إِذا مَدَحَ أَحَدُكُمْ صاحِبَهُ لا مَحالَةَ فَلْيَقُلْ: إِنّي أَحْسِبُهُ كَما يُرِيدُ أَنْ يَقُولَ وَلا أُزَكِّيهِ عَلَى اللَّهِ" (¬2). 4806 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا بِشْرٌ -يَعْني: ابن المُفَضَّلِ- حَدَّثَنا أَبُو مَسْلَمَةَ سَعِيدُ بْن يَزِيدَ، عَنْ أَبي نَضْرَةَ، عَنْ مطَرِّفٍ قالَ: قالَ أَبي: انْطَلَقْتُ في وَفْدِ بَني عامِرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقُلْنا: أَنْتَ سَيِّدُنا. فَقالَ: "السَّيِّدُ اللَّهُ تَبارَكَ وَتَعالَى". قُلْنا: وَأَفْضَلُنا فَضْلًا وَأَعْظَمُنا طَوْلًا. فَقالَ: "قُولُوا بِقَوْلِكُمْ أَوْ بَعْضِ قَوْلِكُمْ وَلا يَسْتَجْرِيَنَكُمُ الشَّيْطانُ" (¬3). * * * باب في كراهية التمادح [4804] (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع، حدثنا سفيان) ¬

_ (¬1) رواه مسلم (3002). (¬2) رواه البخاري (2662)، ومسلم (3000). (¬3) رواه أحمد 4/ 24، والبخاري في "الأدب المفرد" (211)، والنسائي في "الكبرى" (10076). وصححه الألباني.

الثوري (عن منصور) بن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن همام) بن الحارث النخعي. (قال: جاء رجل فأثنى على عثمان في وجهه) لفظ مسلم: أن رجلًا جعل يمدح عثمان فعمد المقداد فجثا على ركبتيه، وكان رجلًا ضخمًا، فجعل يحثو في وجهه الحصباء. فقال له عثمان: ما شأنك؟ (¬1). (فأخذ المقداد بن) عمرو (الأسود) الكندي، وكان من السابقين (ترابًا فحثا في وجهه) قال القرطبي: كان هذا الرجل أكثر من المدح حتى صدق عليه أنه مداح، ولذلك عمل المقداد بظاهر هذا الحديث فحثا في وجهه التراب، ولعل هذا الرجل كان ممن اتخذ المدح عادة وحرفة، فصدق عليه مداح، وإلا فلا يصدق ذلك على من مدح مرة أو مرتين، وقد بين الصحابي بفعله أن مراد الشرع من هذا الحديث حمله على ظاهره، فعاقب المداح برمي التراب في وجهه، وهم أقعد بالحال وأعلم بالمقال (¬2). (وقال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إذا لقيتم) هو أعم من رواية مسلم: "إذا رأيتم" فإن الرؤية لا تحصل للأعمى بخلاف اللقي، فإنه يشمل الأعمى وغيره (المداحين) من أبنية المبالغة، فإنها لا تحصل إلا من كثر منه المدح حتى صار عادة له، بخلاف المادح، فإنه يطلق على من مدح ولو مرة. (فاحثوا في وجوههم التراب) تأول هذا غير الصحابي؛ لأنه رأى أن ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (3002/ 69). (¬2) "المفهم" 6/ 628 - 629.

ظاهره جفاء، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يأمر بالجفاء، فقيل: معناه خيبوهم ولا تعطوهم شيئًا؛ لأن من أعطى التراب لم يعط شيئًا كما جاء في الحديث الآخر: "إذا جاء صاحب الكلب يطلب ثمنه فاملأ كفه ترابًا" (¬1) أي: خيبه ولا تعطه شيئًا. وقريب منه: "وللعاهر الحجر" (¬2). وقيل: إن معناه أعطه ولا تبخل عليه، فإن مآل كل ما يعطى إلى التراب، كما قال: وكل الذي فوق التراب تراب وقيل: معناه التنبيه للممدوح على أن يتذكر أن المبتدأ والمنتهى التراب، فليعرضه على نفسه؛ لئلا يعجب الممدوح بالمدح، وقد أثنى رجل على علي فقال: اللهم اغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني خيرًا مما يظنون (¬3). ولئلا يفرط المداح في مدحه ويطري فيه، وربما انتهى إلى الكذب، لا سيما المداح بالشعر، فإن الشعراء في كل واد يهيمون، وإنهم يقولون ما لا يفعلون. [4805] (حدثنا أحمد) بن عبد اللَّه (بن يونس) اليربوعي (حدثنا أبو شهاب) عبد ربه، الحناط (عن) خالد (الحذاء، عن عبد الرحمن بن أبي ¬

_ (¬1) تقدم برقم (3482) من حديث ابن عباس. (¬2) تقدم برقم (2273) من حديث عائشة. (¬3) أورده الغزالي في "الإحياء" 3/ 161، ولم أقف عليه مسندا عن علي -رضي اللَّه عنه-، لكنه ورد مسندا عن عدي بن أرطأة قال: كان الرجل من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا زُكي قال، فذكره، رواه البخاري في "الأدب المفرد" (761) وصححه الألباني. وروي أيضًا مسندا عن بعض السلف: رواه البيهقي في "الشعب" (4534). وعزاه في "كنز العمال" للعسكري في "المواعظ" من قول أبي بكر -رضي اللَّه عنه-.

بكرة، عن أبيه) نفيع بن الحارث بن كلدة. (أن رجلًا أثنى) لفظ مسلم: مدح (على رجل عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) ولمسلم أنه ذكر عنده رجل فقال: يا رسول اللَّه، ما من رجل بعد رسول اللَّه أفضل منه في كذا وكذا (¬1). (فقال له) زاد في الصحيحين: "ويحك" (¬2) (قطعت عنق صاحبك) وفي رواية: "قطعتم ظهر الرجل" (¬3) ومعناه: أهلكتموه، وهذِه استعارة من قطع العنق الذي هو القتل؛ لاشتراكهما في الهلاك، لكن هلاك هذا الممدوح في دينه. وقد جاء عنه -عليه السلام-: "إياكم والمدح فإنه الذبح" (¬4) ويعني بذلك أن الممدوح إذا كثر عليه من ذلك يخاف عليه من العجب بنفسه والكبر على غيره فيهلك دينه، وإذًا المدح مظنة الهلاك الديني عند كثير من الناس فيحرم، لكن هذِه المظنة لا تتحقق إلا عند الإكثار منه لا مع الندرة (ثلاث مرات) فيه: إعادة الكلام ثلاث مرات تأكيدًا وتحريضًا على العمل به (ثم قال: إذا مدح أحدكم صاحبه) ولمسلم: "أخاه" (لا محالة) بفتح الميم، أي: لا تحول عنه (فليقل: إني أحسبه) كذا (كما تريد أن تقول) وظاهر هذا أنه لا ينبغي للإنسان أن يمدح أحدًا ما ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (3000/ 66). (¬2) "صحيح البخاري" (6061)، "صحيح مسلم" (3000). (¬3) رواها البخاري (2663)، ومسلم (3001) من حديث أبي موسى الأشعري. (¬4) رواه ابن الزفتي في "جزء حديث هشام بن عمار" (56)، وأحمد 4/ 98، والطبري في "تهذيب الآثار" 1/ 83 (136)، والديلمي في "الفردوس" 1/ 384 (1543)، والقضاعي 2/ 94 (953)، والبيهقي في "الشعب" 6/ 501 (4528) من حديث معاوية.

وجد من ذلك مندوحة، فإن لم يجد بدًّا من ذلك مدح بما يعلمه من أوصافه وبما يظنه، ويحترز من الجزم والقطع بشيء من ذلك (ولا أزكيه (¬1) على اللَّه) لفظ الصحيحين: "ولا أزكي أحدًا على اللَّه" (¬2) أي: لا أقطع بأنه كذلك عند اللَّه؛ فإن اللَّه تعالى هو المطلع على السرائر، العالم بعواقب الأمور وخفيات الضمائر. [4806] (ثنا مسدد، ثنا بشر -يعني: ابن المفضل- ثنا أبو مسلمة (¬3) سعيد بن يزيد) بن مسلمة الأزدي البصري القصير (عن أبي نضرة) المنذر ابن مالك العبدي، أخرج له مسلم (عن مطرف) بن عبد اللَّه (قال: قال أبي) عبد اللَّه بن الشخير الحرشي. (انطلقت (¬4) في وفد بني عامر إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) وهي قبيلة معروفة (فقلت: أنت سيدنا) وفي رواية عند المصنف: أنت سيد قريش (فقال: السيد اللَّه) أي: السؤدد في الحقيقة هو للَّه تعالى، فهو الذي يستحق السيادة، وإنما منعهم مع قوله: "أنا سيد ولد آدم" (¬5) لأنهم حديثو (¬6) عهد بالإسلام، وكانوا يحسبون أن السيادة بالنبوة فأرشدهم إلى الأدب، فقال: ادعوني نبيًّا ولا تسموني سيدًا. فكأنه كره أن يحمد في وجهه وأحب التواضع للَّه تعالى، ومنه الحديث لما قالوا له: أنت ¬

_ (¬1) بعدها في (ل)، (م): يزكه. وعليها: خـ. (¬2) "صحيح البخاري" (2662)، "صحيح مسلم" (3000). (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) بعدها في (ل)، (م): انطلقنا، وفوقها: خـ. (¬5) تقدم برقم (4673) من حديث أبي هريرة. (¬6) في (ل)، (م): حديث. ولعل المثبت أصوب لغة.

سيدنا. فقال: "قولوا بقولكم" أي: ادعوني نبيًّا ورسولًا كما سماني اللَّه تعالى، ولا تسموني سيدًا كما تسمون رؤساءكم، فإني لست كأحدكم ممن يسودكم في أسباب الدنيا، ولهذا قال في الحديث: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر" (¬1) وقال لبني قريظة "قوموا إلى سيدكم" (¬2). وفي قوله تعالى: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} (¬3) دليل على جواز إطلاق السيد من يسود قومه كما يجوز أن يسمى عزيزًا وكريمًا. (قلنا: و) أنت (أفضلنا فضلا) أي: أكثرنا فضيلة وعلمًا (و) أنت (أعظمنا طولًا) أي: قدرة على العطاء والبذل (فقال: قولوا بقولكم) أي: بقول أهل دينكم وشريعتكم وادعوني نبيًّا ورسولًا كما سماني اللَّه تعالى، ولا تسموني سيدًا كما تسموا أكابركم ورؤساءكم (أو) قال: قولوا: (بعض قولكم) فيه حذف واختصار، والتقدير: دعوا بعض قولكم واتركوه فحذف الفعل وبقي المفعول كقوله تعالى: {انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ} (¬4) أي: وأتوا خيرًا لكم، أو المراد الاقتصار في المقال من غير إفراط. (ولا يستجرينكم) بفتح الياء والتاء وسكون الجيم وكسر الراء وتشديد نون التوكيد (الشيطان) يستفعل من الجري بفتح الجيم وتشديد ياء النسب، والجري: الرسول والوكيل، ومنه حديث أم إسماعيل: ¬

_ (¬1) السابق دون قوله: "ولا فخر"، وهذِه الزيادة رواها الترمذي (3148، 3615)، وابن ماجه (4308) من حديث أبي سعيد. (¬2) يأتي برقم (5215) من حديث أبي سعيد الخدري. (¬3) آل عمران: 39. (¬4) النساء: 171.

فأرسلوا جريًّا (¬1). أي: رسولًا، والمعنى: لا يستغلبنكم الشيطان ويستتبعنكم فيتخذ كلا منكم جريًّا له، وذلك أنهم كانوا مدحوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وبالغوا وأطروا (¬2) في مدحه، فكره لهم المبالغة في النهي ونهاهم، يريد بما يحضركم من القول بما فيه الاقتصار، ولا تتكلفوا فيه كأنكم وكلاء الشيطان ورسله تنطقون على لسانه، وسمي الجري جريًّا؛ لأنه يجري مجرى موكله. * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3364) من حديث ابن عباس. (¬2) في (م): وأفرطوا.

11 - باب في الرفق

11 - باب في الرِّفْقِ 4807 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ يُونُسَ وَحُمَيْدٍ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ ويُعْطي عَلَيْهِ ما لا يُعْطي عَلَى العُنْفِ" (¬1). 4808 - حَدَّثَنا عُثْمان وَأَبُو بَكْرٍ ابنا أَبي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الصَّبّاحِ البَزّازُ قالُوا: حَدَّثَنا شَرِيكٌ، عَنِ المِقْدامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: سَأَلْتُ عائِشَةَ عَنِ البَداوَةِ فَقالَتْ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَبْدُو إِلَى هذِه التِّلاعِ وَإِنَّهُ أَرادَ البَداوَةَ مَرَّةً فَأَرْسَلَ إِلَي ناقَةً مُحَرَّمَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ فَقالَ لَي: "يا عائِشَةُ ارْفُقي فَإِنَّ الرِّفْقَ لَمْ يَكُنْ في شَيء قَطُّ إِلَّا زانَهُ، وَلا نُزِعَ مِنْ شيء قَطُّ إِلَّا شانَهُ". قالَ ابن الصَّبّاحِ في حَدِيثِهِ: مُحَرَّمَةٌ يَعْني: لَمْ تُرْكَبْ (¬2). 4809 - حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ وَوَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ جَرِيرٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الخَيْرَ كُلَّهُ" (¬3). 4810 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْن مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبّاحِ، حَدَّثَنا عَفّانُ، حَدَّثَنا عَبْدُ الواحِدِ، حَدَّثَنا سُلَيْمان الأَعْمَشُ، عَنْ مالِكِ بْنِ الحارِثِ. قالَ الأَعْمَشُ: وَقَدْ سَمِعْتهُمْ يَذْكُرُونَ عَن مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ. قالَ الأَعْمَشُ: وَلا أَعْلَمُهُ إِلا عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 87، وابن أبي شيبة في "المصنف" (25820)، وعبد بن حميد في "المنتخب" (504)، والبخاري في "الأدب المفرد" (472)، والدارمي 2/ 323، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1091). وصححه الألباني. (¬2) رواه مسلم (2594/ 78). (¬3) رواه مسلم (5292).

قالَ: "التُّوَدَةُ في كُلِّ شَيء إِلَّا في عَمَلِ الآخِرَةِ" (¬1). * * * باب في الرفق [4807] (حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد، عن يونس وحميد) ابن أبي حميد الطويل (عن الحسن) البصري (عن عبد اللَّه بن مغفل) بفتح الغين المعجمة والفاء المشددة -رضي اللَّه عنه-. (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إن اللَّه رفيق) بعباده، من الرفق والرأفة، فهو فعيل بمعنى فاعل، كرحيم بمعنى راحم (يحب الرفق) وهو اللين والتسهيل في الأمور، أي: يأمر به ويحض عليه، وحب اللَّه للطاعة شرعه لها وترغيبه فيها. وقد اختلف العلماء في أسماء اللَّه تعالى هل الأصل فيها التوقيف؟ فلا يسمى إلا بما سمى به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله أو أجمع الأمة عليه؟ ففي الحديث تصريح بتسميته سبحانه رفيقًا وجميلًا يحب الجمال، أو الأصل جواز تسميته تعالى بكل اسم حسن وإن لم يؤذن فيه من الشرع، إلا إذا منع منه مانع شرعي؟ ومراد الخلاف: هل الألف واللام في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (¬2) للجنس؟ فيعم كل اسم حسن وإن لم يرد التصريح به، أو للعهد الذي ¬

_ (¬1) رواه أبو يعلى (792)، والحاكم 1/ 63، والبيهقي في "الزهد" (714)، والخطيب في "الجامع" (97). وصححه الألباني في "الصحيحة" (1794). (¬2) الأعراف: 180.

ورد بخصوصه الشرع؟ وعلى أنها للعهد هل تقتبس أسماؤه من أخبار الآحاد أو لا بد من التواتر أو الإجماع؟ والصحيح قبول الآحاد؛ لأن إطلاق الأسماء على اللَّه حكم شرعي عملي، فيكتفى فيه بخبر الواحد. (ويعطي عليه) في الدنيا من الثناء الحسن الجميل وفي الآخرة من الثواب الجزيل (ما لا يعطي على العنف) بضم العين وفتحها، وهو التشديد والتصعيب في الأشياء، ويحتمل أن يكون الرفيق في حق اللَّه بمعنى الحليم، فإنه لا يعجل بعقوبة العصاة، بل يمهل ليتوب إليه من سبقت له السعادة، ويخالف فيزداد إثمًا من سبقت له الشقاوة. قال القرطبي: وهذا المعنى أليق بالحديث، فإنه السبب الذي خرج عليه الحديث، وذلك أن اليهود سلموا على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالوا: السام عليك. فقالت عائشة: بل عليكم السام واللعنة. فقال لها -صلى اللَّه عليه وسلم-. . الحديث (¬1). [4808] (ثنا عثمان وأبو بكر ابنا أبي شيبة ومحمد بن الصباح البزاز) بزاءين معجمتين (قالوا: ثنا) القاضي (شريك، عن المقدام بن شريح) أخرج له مسلم (عن أبيه) شريح بن هانئ بن يزيد بن نهيك المذحجي الكوفي، أدرك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولم يره، وكان من كبار أصحاب علي، وشهد الحكمين بدومة الجندل، وأخرج له مسلم والأربعة. (قال: سألت عائشة عن البِداوة) بكسر الباء على الأظهر، وهي الخروج إلى البادية، كما تقدم الحديث بتمامه في أول كتاب الجهاد ¬

_ (¬1) "المفهم" 6/ 577.

مع شرحه (¬1). (قالت: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يبدو إلى هذِه التلاع) بكسر التاء، وهي مجاري الماء من فوق إلى أسفل (وإنه أراد البداوة مرة فأرسل إلى ناقة محرمة) (¬2) بفتح الحاء والراء المهملتين، وهي التي لم تركب ولم تذلل (من إبل الصدقة، فقال: يا عائشة، ارفقي فإن الرفق لم يكن في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء قط إلا شانه. قال) محمد (ابن الصباح في حديثه: محرمة، يعني: لم تركب) ولم تذلل بالركوب والحمل، فأمر -صلى اللَّه عليه وسلم- بالرفق بهذِه الناقة الصغيرة، وأن لا يكلفها ما لا تطيق وما (¬3) يشق عليها. [4809] (ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو معاوية) محمد (¬4) بن خازم الضرير (عن الأعمش، عن تميم بن سلمة) بفتح السين أوله، السلمي الكوفي، أخرج له مسلم (عن عبد الرحمن بن هلال) العبسي، أخرج له مسلم (عن جرير) بن عبد اللَّه البجلي -رضي اللَّه عنه-. (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من يحرم الرفق) في أموره (يحرم الخير كله) أي: يفضي ذلك به إلى أن يحرم خير الدنيا والآخرة، فإن مدار الأفعال كلها على التسهيل والتيسير من الآدمي ومن غيره من الدواب ومن غيرهم. ¬

_ (¬1) سبق برقم (2478). (¬2) بعدها في (ل)، (م): بناقة محرمة. وعليها: خـ. (¬3) بعدها في الأصول: لا. وهو خطأ. (¬4) ساقطة من (م).

[4810] (ثنا الحسن بن محمد بن الصباح) الزعفراني، شيخ البخاري (ثنا عفان) (¬1) بن مسلم الصفار (حدثنا عبد (¬2) الواحد) بن زياد العبدي (حدثنا سليمان) بن مهران (الأعمش، عن مالك بن الحارث) السلمي الرقي، وثقه ابن معين وغيره (¬3)، ولم يذكر الأعمش فيه من حدثه، ولم يجزم برفعه، وذكر محمد بن طاهر الحافظ هذا الحديث بهذا الإسناد. وقال: في روايته انقطاع وشك. (قال الأعمش: وقد سمعتهم يذكرون) هذا الإسناد (عن مصعب (¬4) ابن سعد، عن أبيه) سعد بن أبي وقاص. (قال الأعمش: ولا أعلمه إلا) (¬5) مرفوعًا (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) أنه (قال: التؤدة) بضم التاء وهمزة مفتوحة، وهي التاني والتثبت وترك العجلة والتثبيت (في كل شيء) هو فضل ونعمة من اللَّه، يعطيه من شاء من عباده، ويدل على هذا رواية أبي يعلى: [. . .] (¬6) "التأني من اللَّه، والعجلة من الشيطان" (¬7). وأصل التاء في التؤدة مبدلة من الواو (إلا في الآخرة) هذا عام في كل أعمال الآخرة أن المبادرة إليها أفضل من ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) "الجرح والتعديل" 8، 207 (909)، "معرفة الثقات" (1669)، "الثقات" لابن حبان 7/ 460. (¬4) فوقها في (ل)، (ع). (¬5) ليست في (ل)، (م)، والمثبت من "سنن أبي داود". (¬6) مكانها بياض في (ل) بمقدار كلمة. (¬7) "مسند أبي يعلى" 7/ 247 (4256) من حديث أنس مرفوعًا.

التأخير، بخلاف [حالات] (¬1) الاستثناء المعدودة، كما روى المزي في "التهذيب" في ترجمة محمد بن موسى عن مشيخة من قومه أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الأناة في كل شيء إلا في ثلاث: إذا صيح في خيل اللَّه، وإذا نودي بالصلاة، وإذا كانت الجنازة" (¬2). وفي حديث حاتم الأصم: العجلة من الشيطان إلا في خمسة، فإنها من سنن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إطعام الطعام وتجهيز الميت، وتزويج البكر، وقضاء الدين، والتوبة من الذنب (¬3). * * * ¬

_ (¬1) زيادة يقتضيها السياق. (¬2) "تهذيب الكمال" 26/ 531. (¬3) أورده العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" 1/ 364 (1371)، والعجلوني في "كشف الخفاء" 1/ 296.

12 - باب في شكر المعروف

12 - باب فِي شُكْرِ المَعْرُوفِ 4811 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا الرَّبِيعُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيادٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "لا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لا يَشْكُرُ النّاسَ" (¬1). 4812 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ ثابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ المُهاجِرِينَ قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، ذَهَبَتِ الأَنْصارُ بِالأَجْرِ كُلِّهِ. قالَ: "لا ما دَعَوْتُمُ اللَّهَ لَهُمْ وَأَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ" (¬2). 4813 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا بِشْرٌ، حَدَّثَنا عُمارَةُ بْنُ غَزِيَّةَ، قالَ: حَدَّثَني رَجُلٌ مِنْ قَوْمي، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ أُعْطي عَطاءً فَوَجَدَ فَلْيَجْزِ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يجِدْ فَلْيُثْنِ بِهِ فَمَنْ أَثْنَى بِهِ فَقَدْ شَكَرَهُ، وَمَنْ كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرَهُ". قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ يَحْيَى بْن أَيُّوبَ، عَنْ عُمارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ شُرَحْبِيلَ، عَنْ جابِرٍ. قالَ أَبُو داوُدَ: وَهُوَ شُرَحْبِيلُ، يَعْني: رَجُلًا مِنْ قَوْمي، كَأَنَّهُمْ كَرِهُوهُ فَلَمْ يُسَمُّوهُ (¬3). 4814 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الجَرّاحِ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1954)، وأحمد 2/ 295، والطيالسي (2613)، والبخاري في "الأدب المفرد" (218)، وابن حبان (3407). وصححه الألباني في تعليقه على "الأدب المفرد". (¬2) رواه الترمذي (2487)، وأحمد 3/ 205، وابن أبي شيبة في "الأدب" (232)، والبخاري في "الأدب المفرد" (217). وصححه الألباني. (¬3) رواه الترمذي (2034)، وعبد بن حميد في "المنتخب" (1147)، والبخاري في "الأدب المفرد" (215)، وأبو يعلى (2137)، والطبري فى "تهذيب الآثار" مسند عمر (102)، وابن حبان (3415). وصححه الألباني في "الصحيحة" (617).

سُفْيانَ، عَنْ جابِرٍ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ أَبْلَى بَلاءً فَذَكَرَهُ فَقَدْ شَكَرَهُ، وَإِنْ كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرَهُ" (¬1). * * * باب في شكر المعروف [4811] (ثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي، شيخ البخاري (ثنا الربيع بن مسلم) البصري الجمحي، أخرج له مسلم في غير موضع. (عن محمد (¬2) بن زياد) القرشي الجمحي، مولى آل عثمان بن مظعون. (عن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: لا يشكر اللَّه من لا يشكر الناس) روي في هذا الحديث أربع إعرابات: رفع اسم اللَّه والناس، ونصبهما، ورفع الأول ونصب الثاني، وعكسه. فرفعهما يلي حذف المفعولين من الأول والثاني، والتقدير: من لا يشكره الناس لا يشكره اللَّه تعالى. ونصبهما على حذف الفاعلين، ومعناه: من لا يشكر الناس بالثناء عليهم لا يشكر اللَّه تعالى، فإن العبد قد أمر بذلك. ورفع الأول ونصب الثاني على معنى: لا يكون من اللَّه شكر إلا من يشكر الناس. والرابع وهو نصب (اللَّه) ورفع (الناس) على معنى لا يشكر اللَّه من لا ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2034)، وعبد بن حميد في "المنتخب" (1147)، والبخاري في "الأدب المفرد" (215)، وأبو يعلى (2137)، والطبري في "تهذيب الآثار" مسند عمر (102)، وابن حبان (3415) بنحوه. صححه الألباني في "الصحيحة" (617). (¬2) فوقها في (ل): (ع).

يشكره الناس، يثنون (¬1) عليه بالمعروف فإنهم شهداء اللَّه في الأرض، فمن شهدوا عليه وأثنوا عليه خيرًا قبل اللَّه منه عمله وأوجب له الجنة. قال في "النهاية": معنى الحديث أن اللَّه لا يقبل شكر العبد على إحسانه إليه إذا كان العبد لا يشكر إحسان الناس إليه، ويكفر معروفهم لاتصال أحد الأمرين بالآخر. وقيل: معناه: أن من كان من طبعه وعادته كفران نعمة الناس (¬2) وترك الشكر لهم كان من عادته كفر نعمة اللَّه وترك الشكر له. وقيل: معناه أن من لا يشكر الناس كان كمن لا يشكر اللَّه وإن شكره، كما تقول: لا يحبني من لا يحبك، أي: إن محبتك مقرونة بمحبتي، فمن أحبني يحبك، ومن لم يحبك فكأنه لم يحبني (¬3). انتهى. قال ذو (¬4) النون المصري: الشكر من فوقك بالطاعة، ولنظيرك بالمكافأة، ولمن دونك بالإحسان والإفضال (¬5). [4812] (ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد) بن سلمة (عن ثابت) البناني (عن أنس) بن مالك. (أن المهاجرين قالوا: يا رسول اللَّه، ذهب الأنصار بالأجر كله) هذا الأجر هو كثرة البذل والعطاء وحسن المواساة وكثرة الإيثار على ¬

_ (¬1) في الأصول: يثنوا. والجادة ما أثبتناه. (¬2) في (م): اللَّه. (¬3) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 493. (¬4) في (ل)، (م): ذا. والمثبت هو الصواب. (¬5) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" 1/ 340، "الكشف والبيان" 1/ 117.

أنفسهم، ويدل على ذلك رواية النسائي عن أنس: قال المهاجرون: يا رسول اللَّه، ذهبت الأنصار بالأجر كله، ما رأينا أحسن بذلا (¬1) لكثير ولا أحسن مواساة في قليل منهم، ولقد كفونا المؤنة (¬2). (قال: لا) أي: لم يذهبوا بكل الأجر (ما دعوتم اللَّه تعالى لهم وأثنيتم عليهم) خيرًا، فإن الثناء يطلق على الخير والشر، والظاهر أن الدعاء إذا انفرد عن الثناء، وكذا الثناء إذا انفرد، والأولى الجمع بينهما كما في الحديث: "الدعاء والثناء يزيد بزيادة البذل والهدية، وينقص بنقصه". ويدل على ذلك رواية المصنف والحاكم وابن حبان في صحيحيهما في حديث: "ومن آتى إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه" (¬3)، وروى الطبراني في "الكبير" عن أم حكيم بنت وداع بفتح الواو قالت: يا رسول اللَّه، ما جزاء الغني من الفقير؟ قال: "النصيحة والدعاء له" (¬4). [4813] (حدثنا مسدد، ثنا بشر، ثنا عمارة) بضم العين (بن غزية) بفتح الغين المعجمة وكسر الزاي وتشديد المثناة تحت، المازني، أخرج له مسلم. ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): بذل. (¬2) "سنن النسائي الكبرى" 6/ 53 (9938). (¬3) تقدم برقم (1672)، وسيأتي برقم (5109)، "صحيح ابن حبان" 8/ 199 (3408)، "المستدرك" 2/ 64. (¬4) "المعجم الكبير" 25/ 162 (392). وقال الهيثمي في "المجمع" 4/ 176: رواه الطبراني، وفيه من لا يعرف.

(حدثني رجل من قومي) وهو شرحبيل كما سيأتي. (عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من أعطي) بضم الهمزة (عطاء) من هبة ونحوها (فوجد) عنده شيئًا يكافئه به من المال (فليجز) بفتح الياء وسكون الجيم وكسر الزاي، أي: فليجاز (به) أي: يكافئه بجميع ما صنع إليه أو أعطاه، أو بما يقدر عليه ويدعو له ويثنيه على ما بقي، قال الجوهري: يقال: جزيته بما صنع جزاء، وجازيته بمعنى (¬1). (فإن لم يجد) ما يكافئ به ولا بعضه (فليثن) بضم المثناة تحت، أي: يثني عليه على معروفه له. وفي هذا رد لما قال بعضهم: المعطي في الحقيقة هو اللَّه، والمعطي لا يمدح؛ لأنه آلة كما لا يمدح السكين إذا قطعت. ويمكن أن يفرق بينهما أن المعطي مكتسب واللَّه هو الخالق لفعله والمقدر والمدبر له والملهم، بخلاف السكين حيث لا اكتساب لها بل هي محض آلة والفاعل بها مكتسب، ولو قلنا لبطلت الحدود والعقاب والثواب على الأفعال، ويدل على المكافأة قوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} (¬2) فإن العموم فيها شامل للهدية والعاطس والرد على المشمت والهبة. قال ابن خويز منداد: يجوز أن تحمل هذِه الآية على الهبة إذا كانت للثواب (¬3)، فمن وهب له هبة على الثواب فهو بالخيار، إن شاء ردها، ¬

_ (¬1) "الصحاح" 6/ 2302. (¬2) النساء: 86. (¬3) انظر: "بدائع الصنائع" 6/ 128.

وإن شاء قبلها وأثاب عليها قيمتها، ونحوه قول أصحاب أبي حنيفة: التحية هنا الهدية (¬1)، لقوله: {أَوْ رُدُّوهَا} ولا يمكن رد السلام بعينه، وظاهر هذا الكلام يقتضي رد التحية بعينها، ومما يدل على المكافأة ما رواه الطبراني عن شيخه من رواية عائشة قالت: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كثيرًا ما يقول لي: "ما فعلت أبياتك؟ " فأقول: وأي أبياتي تريد، فإنها كثيرة؟ فيقول في الشكر من أبيات: يجزيك أو يثني عليك وإن من ... أثنى عليك بما فعلت فقد جزى فيقول: "يا عائشة، إذا حشر اللَّه الخلائق يوم القيامة قال لعبد من عباده اصطنع إليه عبد من عباده معروفا: هل شكرته؟ فيقول: يا رب، علمت أن ذلك منك فشكرتك عليه. فيقول: لم تشكرني إن لم تشكر من أجريت ذلك على يديه" (¬2). (فمن أثنى به) يقال: أثنيت عليه بخير، وأثنيت عليه خيرًا، وأثنيت عليه شرًّا وبشرٍّ (فقد شكره) لأن الثناء إظهار للنعمة، قال بعضهم: إذا ¬

_ (¬1) انظر: "الذخيرة" للقرافي 6/ 272. (¬2) رواه الطبراني في "الأوسط" 4/ 50 (3580)، "الصغير" 1/ 276 (454)، "مسند الشاميين" 1/ 175 (298) (298). قال الهيثمي في "المجمع" 8/ 109: رواه الطبراني في "الصغير"، "الأوسط" عن شيخه ذاكر بن شيبة العسقلاني، ضعفه الأزدي. ورواه أيضًا ابن أبي الدنيا في "اصطناع المعروف" ص (53)، والخطابي في "غريب الحديث" 2/ 195، والخرائطي في "فضيلة شكر اللَّه" 1/ 92، والبيهقي في "شعب الإيمان" 6/ 521 (8138).

قصرت يداك عن المكافأة فليصل لسانك بالشكر، والشكر عند أهل التحقيق الاعتراف بنعمة المنعم على وجه الخضوع. (ومن كتمه) فلم يذكره وأخفاه (فقد كفره) ورواه ابن حبان في "صحيحه" عن شرحبيل، عن جابر بلفظ: "من أولي معروفًا فلم يجد له خيرًا إلا الثناء فقد شكره، ومن كتمه فقد كفره، ومن تحلى بباطل فهو كلابس ثوبي زور" (¬1). ورواه أحمد عن عائشة بلفظ: "من أتي إليه معروف فليكافئ به، ومن لم يستطع فليذكره، فإن ذكره فقد شكره، ومن تشبع بما لم يعط فهو كلابس ثوبي زور" (¬2). وروى عبد اللَّه بن أحمد في زوائده بإسناد لا بأس به عن النعمان بن بشير قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من لم يشكر الناس لم يشكر اللَّه، والتحدث بنعمة اللَّه شكر، وتركها كفر، والجماعة رحمة، والفرقة عذاب" (¬3) وسيأتي معنى كفر النعمة. (قال) المصنف (رواه يحيى بن أيوب) الغافقي المصري، أخرج له مسلم في مواضع (عن عمارة بن غزية) تقدم. (عن شرحبيل) بن سعد الأنصاري الخطمي مولاهم المدني، أخرج له البخاري في "الأدب"، وذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4). ¬

_ (¬1) "صحيح ابن حبان" 8/ 203 (3415). (¬2) "المسند" 6/ 90. (¬3) "المسند" 4/ 375. (¬4) 4/ 365.

(عن جابر) بن عبد اللَّه. (قال) المصنف (وهو شرحبيل. يعني: رجلًا من قومي، كأنهم كرهوه فلم يسموه) وكذا مالك بن أنس كره الرواية عنه وكنى عنه في حديثين رواهما عنه، أنه بلغه عن جابر بن عبد اللَّه أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من لم يجد ثوبين فليصل في ثوب واحد" (¬1) وحديث: "إذا عاد الرجل المريض خاض في الرحمة، حتى إذا قعد عنده قرَّت فيه" (¬2). [4814] (ثنا عبد اللَّه بن الجراح) التميمي القهستاني، ثقة (ثنا جرير (¬3) بن عبد الحميد الضبي (عن الأعمش، عن أبي سفيان) طلحة ابن نافع القرشي (عن جابر) بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما. (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: من أبلي) بضم الهمزة وكسر اللام (بلاء) أي: أنعم عليه بنعمة، ومنه قول كعب: ما علمت أحدًا أبلاه اللَّه في صدق الحديث (¬4). أي: أنعم عليه. والبلاء يستعمل في الخير والشر؛ لأن ¬

_ (¬1) "الموطأ" 1/ 141. (¬2) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (522)، وقال الألباني: صحيح. ورواه ابن أبي الدنيا في "المرض والكفارات" (61) من حديث أنس. ورواه أحمد 3/ 260، وابن أبي الدنيا في "المرض والكفارات" (217)، والطبراني في "الكبير" 19/ 102 (204)، "الأوسط" 1/ 277 (903) من حديث كعب بن مالك، ورواه الطبراني في "الصغير" 1/ 101 (139) من حديث أبي هريرة. ورواه الطبراني في "الكبير" 11/ 197 (11481)، والبيهقي في "الشعب" 11/ 408 (8747) من حديث ابن عباس. ورواه الطبراني في "الكبير" 19/ 159 (353) من حديث كعب بن عجرة. وأبو نعيم في "الحلية" 5/ 253 من حديث أبي الدرداء. (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) رواه البخاري (4418).

أصله الاختبار والمحنة، وأكثر ما يستعمل في الخير، قال اللَّه تعالى: {بَلَاءً حَسَنًا} (¬1). (فذكره فقد شكره) من آداب النعمة أن يذكر المعطي، فإذا ذكره فقد شكره، ومع الذكر يدعو له ويثني عليه، ويكون شكره ودعاؤه بحيث لا يخرجه عن كونه واسطة، ولكنه طريق من وصول النعمة إليه، وذلك لا ينافي رواية: "النعمة من اللَّه" وقد أثنى اللَّه على عباده في مواضع على أعمالهم، وهو خالقها وفاطر القدرة عليها كقوله تعالى: {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} (¬2) ومن تمام الشكر أن يستر عيوب العطاء إن كان فيه عيب ولا يحقره (وإن كتمه فقد كفره) أي: ستر نعمة العطاء وغطاها وجحدها، قال اللَّه تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)} (¬3)، والكفر في اللغة التغطية، ومنه قوله تعالى: {أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ} (¬4) أي: الزراع، سموا بذلك لأنهم يغطون الحب الذي زرعوه بالتراب. * * * ¬

_ (¬1) الأنفال: 17. (¬2) ص: 30. (¬3) إبراهيم: 7. (¬4) الحديد: 20.

13 - باب في الجلوس في الطرقات

13 - باب فِي الجُلُوسِ في الطُّرُقاتِ 4815 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ -يَعْني: ابن مُحَمَّدٍ-، عَنْ زَيْدٍ -يَعْني: ابن أَسْلَمَ-، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْري أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِيّاكُمْ والجُلُوسَ بِالطُّرُقاتِ". فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، ما بُدٌّ لَنا مِنْ مَجالِسِنا نَتَحَدَّثُ فِيها. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنْ أَبَيْتُمْ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ". قالُوا: وَما حَقُّ الطَّرِيقِ يا رَسُولَ اللَّهِ قالَ: "غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذى، وَرَدُّ السَّلامِ، والأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ، والنَّهْي عَنِ المُنْكَرِ" (¬1). 4816 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا بِشْرٌ -يَعْني: ابن المفَضَّلِ- حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ إِسْحاقَ، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُري، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذِه القِصَّةِ قالَ: "وَإِرْشادُ السَّبِيلِ" (¬2). 4817 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عِيسَى النَّيْسابُوري، أَخْبَرَنا ابن المُبارَكِ، أَخْبَرَنا جَرِيرُ بْن حازِمٍ، عَنْ إِسْحاقَ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنِ ابن حُجَيْرٍ العَدَوي قالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذِه القِصَّةِ قالَ: "وَتُغِيثُوا المَلْهُوفَ، وَتَهْدُوا الضّالَّ" (¬3). 4818 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ الطَّبّاعِ وَكَثِيرُ بْنُ عُبَيْدٍ قالا: حَدَّثَنا مَرْوانُ -قالَ ابن عِيسَى: قالَ- حَدَّثَنا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ قالَ: جاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2465)، ومسلم (2121). (¬2) رواها أيضًا البخاري في "الأدب المفرد" (1014)، وأبو يعلى (6603) وابن حبان (596)، والحاكم 4/ 265. وصححه الألباني في تعليقه على "الأدب المفرد". (¬3) رواه الطحاوي في "المشكل" (165). وحسنه الألباني في "الصحيحة" 4/ 84.

-صلى اللَّه عليه وسلم-: فَقالَتْ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لي إِلَيْكَ حاجَةً. فَقالَ لَها: "يا أُمَّ فُلانٍ، اجْلِسي في أي نَواحي السِّكَكِ شِئْتِ حَتَّى أَجْلِسَ إِلَيْكِ". قالَ: فَجَلَسَتْ فَجَلَسَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلَيْها حَتَّى قَضَتْ حاجَتَها. وَلَمْ يَذْكُرِ ابن عِيسَى: حَتَّى قَضَتْ حاجَتَها. وقالَ كَثِيرٌ: عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ (¬1). 4819 - حَدَّثَنا عُثْمان بْن أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْن هازونَ، أَخْبَرَنا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ امْرَأَةً كانَ في عَقْلِها شَيء بِمَعْناهُ (¬2). * * * باب في الجلوس في الطرقات [4815] (ثنا عبد اللَّه بن مسلمة) القعنبي (ثنا عبد العزيز، يعني: ابن محمد) الدراوردي (عن زيد بن أسلم) الفقيه العمري. (عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إياكم والجلوس) بالنصب على التحذير بفعل واجب الحذف، التقدير: احذروا الجلوس (بالطرقات) (¬3) لفظ البخاري: "على الطرقات" (¬4) ولفظ مسلم: عن أبي طلحة: كنا قعودا (¬5) بالأفنية نتحدث، فجاء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقام علينا فقال: "إياكم ومجالس الصعدات، اجتنبوا ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2326). (¬2) رواه مسلم (2326). (¬3) بعدها في (ل)، (م): نسخة: في الطرقات. (¬4) "صحيح البخاري" (2465). (¬5) في (ل)، (م): قعود.

مجالس الصعدات" فقلنا: لغير بأس نتذاكر ونتحدث (¬1). فيه: دليل على كراهة الجلوس على الطرقات للحديث ونحوه، وهو محمول على ما إذا لم يكن إلى ذلك حاجة. (قالوا: يا رسول اللَّه، ما بد لنا) لفظ البخاري: ما لنا بد (من مجالسنا، نتحدث فيها) بالمصالح والخير ونتذاكر العلم والدين وغير ذلك من المصالح، فأما لغير مصلحة فلا؛ لما في ذلك من التعرض للفتن والإثم بمرور النساء والمردان وغير ذلك، وقد يمتد إليهن نظر أو فكر فيهن أو ظن سوء فيهن، أو في غيرهن من المارين، ومن أذى الناس احتقار من يمر أو غيبته، وإهمال رد السلام، وغير ذلك مما يطول ذكره. (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن أبيتم) زاد البخاري: "إلا المجالس" (فأعطوا الطريق حقه) يعني: ما يتعين على الجالس فيه من الأحكام (قالوا: وما حق الطريق يا رسول اللَّه؟ ) (¬2) فيه السؤال عن بيان الجواب المبهم. (قال: غض البصر) عن نظر المحارم من النساء والمرد وما لا يجوز النظر إليه (وكف الأذى) بأن لا يؤذي أحدًا بجلوسه في الطريق (¬3) بإقامة أحد من مكانه ولا بالقعود فوقه ولا بالتضييق عليه، ولا يجلس قبالة باب جاره فيتأذى بذلك (ورد السلام) على من سلم عليه، ولو صبيًّا؛ حيث ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2161). (¬2) ساقطة من (ل). (¬3) في (م): الطرقات.

يجب الرد (والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر) ونحو ذلك من الأسباب التي لو خلا في بيته لسلم منها. [4816] (ثنا مسدد، ثنا بشر بن المفضل، ثنا عبد الرحمن بن إسحاق) القرشي، أخرج له مسلم (عن سعيد) بن أبي سعيد، كيسان (المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذِه القصة) و (قال) في هذِه الرواية (وإرشاد السبيل) وأوضح من هذا رواية الترمذي: "من هدى (¬1) زقاقا كان له مثل عتق رقبة" (¬2). والمراد أن يرشد المار ويدله على الطريق التي تؤديه إلى مقصده. [4817] (ثنا الحسن بن عيسى النيسابوري) الماسرجسي، أخرج له مسلم، وعد في مجلسه بباب الطاق اثنا عشر ألف محبرة (ثنا) عبد اللَّه (ابن المبارك) وكان مولاه (ثنا جرير بن حازم، عن إسحاق بن سويد) ابن هبيرة العدوي التميمي، أخرج له الشيخان (عن ابن حجير) بضم الحاء المهملة وفتح الجيم وسكون ياء التصغير ثم راء مهملة، ويقال: ابن حجيرة (العدوي) قال شيخنا ابن حجر: لم يسم، وهو مستور (¬3). قال البزار: هذا الحديث لا نعلم أسنده إلا جرير بن حازم عن إسحاق بن سويد، ولا نعلم رواه عن جرير مسندًا إلا ابن المبارك وروى هذا الحديث حماد بن زيد، عن إسحاق بن سويد مرسلًا (¬4). ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) "سنن الترمذي" (1957). (¬3) "تقريب التهذيب" (8461). (¬4) "مسند البزار" 1/ 473.

(قال: سمعت عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذِه القصة) و (قال: وتغيثوا) بالغين المعجمة والثاء المثلثة، أي: تعينوا وتنصروا (الملهوف) يطلق على المضطر والمظلوم والمتخسر، ويحتمل أن يقرأ: تعينوا بالعين المهملة والنون، من الإعانة والنصرة (وتهدوا) (¬1) بفتح التاء (الضال) أي: تعرفوا من لم يهتد إلى مقصدِهِ طريقَهُ، ويدخل في الملهوفِ والضالِّ المسلمُ والكافرُ والبصيرُ والأعمى. قال الأزهري وغيره: لا يقع الضال إلا على الحيوان (¬2). إنسانًا كان أو غيره، ويشمل الحر والعبد. [4818] (ثنا محمد بن الطباع) ثقة مأمون، كان يحفظ نحوًا (¬3) من أربعين ألف حديث (وكثير بن عبيد، قالا: ثنا مروان) بن معاوية الفزاري (قال) محمد (ابن عيسى) في روايته (ثنا حميد) الطويل (عن أنس) بن مالك -رضي اللَّه عنه- (قال: جاءت امرأة إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: يا رسول اللَّه، إن لي إليك حاجة) فيه: خروج المرأة من بيتها لسؤال العالم ونحوه، وليس في الحديث استئذان زوجها (فقال لها: يا أم فلان) نداؤها بكنيتها يدل على أنه كان يعرفها. (اجلسي) فيه جواز جلوس المرأة في الطريق إذا كان لحاجة وإن ضيق على بعض المارين (في أي نواحي السكك) جمع سكة، وهي: الزقاق، سميت بذلك لاصطفاف الدور فيها، فإن أصل السكة الطريق ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): تهتدوا. والمثبت من "سنن أبي داود". (¬2) "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" ص 174. (¬3) في (ل)، (م): نحو. والمثبت هو الصواب.

المصطفة من النخل، ومنه الحديث: "خير المال سكة مأبورة" (¬1) (شئت حتى أجلس إليك) فيه: تخيير صاحب الحاجة في الجلوس في أي مكان شاء حيث لا فساد. وفيه جواز حديث المرأة الأجنبية والجلوس معها في الطريق وإن لم يكن محرم، بخلاف السفر معها. وفيه أن من انتظر أحدًا يأتي إليه فالأفضل له الجلوس، [سواء وعده من ينتظره بالمجيء إليه أم لا. وفيه أن من جاء إلى شخص جالس فالأفضل] (¬2) أن يجلس معه ليواسيه في الجلوس. وفيه جواز الجلوس في الشارع للاستراحة (¬3)، وأن الأصل في منفعته للمارين فيه. وفيه أن لفظة (أي) للعموم في الأمكنة والأزمنة، ويشمل عمومه الجلوس في وسط الطريق أو جانبه، وإذا علم جواز الجلوس علم من باب الأولى جواز المرور، وكما يجوز الجلوس والمرور للمسلم يجوز للذمي. وحاول ابن الرفعة وجهًا في الجواز بإذن الإمام لا مطلقا؛ إلحاقًا بالموات في وجه، وجواز الجلوس والمرور لا يختص بالشارع في البناء، بل يجوز ذلك في الصحاري والفلوات للمسافرين، ولهم النزول بدوابهم وآلاتهم حيث لا يضر المجتاز (فجلست) في السكة في ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 468، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 2/ 424 (1216)، والطبراني 7/ 91 (6470)، والبيهقي 10/ 64 من حديث سويد بن هبيرة مرفوعًا. قال الهيثمي في "المجمع" 5/ 258: رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد ثقات. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (2926). (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) ساقطة من (م).

الحال كما دلت عليه فاء التعقيب. (فجلس النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إليها) واستمر جالسًا عندها (حتى قضت حاجتها) وفي هذا بيان ما كان عليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من الرفق بالرعية والرحمة والشفقة عليهم وجبر قلوبهم كما قال: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} (¬1) بل كانت الرحمة شاملة للكافر والحيوانات الدواب وغيرها، لكن المؤمن أبلغ. (لم يذكر) محمد (ابن عيسى) بن الطباع في روايته (حتى قضت حاجتها) بل (قال كثير) بن عبيد الحمصي، وكانت له معرفة ورحلة (عن حميد) الطويل (عن أنس -رضي اللَّه عنه-). [4819] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا يزيد بن هارون، ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت) البناني. (عن أنس -رضي اللَّه عنه- أن امرأة كان [في] (¬2) عقلها شيء) من اختلال عقلها (بمعناه) أي: ذكره بمعنى ما تقدم، وقد ذكره مسلم بسنده المذكور، لكن أبو بكر ابن أبي شيبة مكان أخيه عثمان، ولفظه: عن أنس أن امرأة كان في عقلها شيء فقالت: يا رسول اللَّه، إن لي إليك حاجة. فقال: "أم فلان، انظري أي السكك شئت حتى أقضي لك حاجتك" (¬3) فخلا معها في بعض الطرق حتى قضت حاجتها. قال النووي: فيه بيان تواضعه، بوقوفه مع المرأة الضعيفة وقوله: ¬

_ (¬1) الأحزاب: 43. (¬2) ساقطة من (ل)، (م) والمثبت من "سنن أبي داود". (¬3) رواه مسلم (2326) من حديث أنس.

خلا معها في بعض الطريق. أي: وقف معها في طريق مسلوك ليقضي حاجتها ومسألتها، ولم يكن ذلك من الخلوة بالأجنبية، فإن هذا كان في ممر الناس، ومشاهدتهم إياه وإياها، ولكن لا يسمعون كلامها؛ لأن مسألتها مما لا يظهره (¬1). * * * ¬

_ (¬1) "شرح مسلم" 15/ 82.

14 - باب في سعة المجلس

14 - باب فِي سَعَةِ المَجْلِسِ 4820 - حَدَّثَنا القَعْنَبي، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي المَوالِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي عَمْرَةَ الأَنْصاري، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْري قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "خَيْرُ المَجالِسِ أَوْسَعُها". قالَ أَبُو داوُدَ: هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبي عَمْرَةَ الأَنْصارَيُّ (¬1). * * * [4820] (ثنا) عبد اللَّه بن مسلمة (القعنبي، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الموال) قال قتيبة: هو ابن يزيد بن أبي الموال (¬2). أبو محمد مولى علي بن أبي طالب، الهاشمي، أخرج له البخاري (¬3) في غير موضع (¬4). (عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري) شيخ مالك (عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: خير المجالس) للذكر والصلاة والجهاد والقراءة (أوسعها) لأن من اتسع مكانه تمكن من الصلاة والقراءة وجميع حركاته، بخلاف ضيق المكان، فإن المصلي فيه لا يتمكن من المجافاة في الركوع والسجود، ولا من القراءة والذكر ونحو ذلك. ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 18، والبخاري في "الأدب المفرد" (1136)، والحاكم 4/ 269، والبيهقي في "الشعب" (8241)، والقضاعي في "مسند الشهاب" (1222). وصححه الألباني في "الصحيحة" (832). (¬2) انظر: "التاريخ الكبير" 5/ 355. (¬3) في (م): مسلم والبخاري. والمثبت من (ل)، وهو الصواب. (¬4) "صحيح البخاري" (353، 370، 1162، 7390).

ومن فوائد سعة المجلس إذا أتى إليه من يريد إكرامه تفسح له فأجلسه إلى جانبه. وللطبراني: "أكرم المجالس ما اتسع" (¬1). (قال: ) المصنف (هو عبد الرحمن بن عمرو بن أبي عميرة الأنصاري) النجاري، يقال: ولد في عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. * * * ¬

_ (¬1) كذا في الأصول، والذي في "المعجم الكبير" 11/ 337 (766) "المعجم الأوسط" 8/ 189 (8361) من حديث ابن عمر: "أكرم المجالس ما استقبل به القبلة". قال الهيثمي في "المجمع" 8/ 59: رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه حمزة بن أبي حمزة، وهو متروك.

15 - باب في الجلوس بين الظل والشمس

15 - باب فِي الجُلُوسِ بينَ الظِّلِّ والشَّمْسِ 4821 - حَدَّثَنا ابن السَّرْحِ وَمَخْلَدُ بْن خالِدٍ قالا: حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، قالَ: حَدَّثَني مَنْ سَمِعَ أَبا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قالَ أَبُو القاسِمِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِذا كانَ أَحَدُكُمْ في الشَّمْسِ". وقالَ مَخْلَدٌ: "في الفَئ". "فَقَلَصَ عَنْهُ الظِّلُّ وَصارَ بَعْضُهُ في الشَّمْسِ وَبَعْضُهُ في الظِّلِّ فَلْيَقُمْ" (¬1). 4822 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ إِسْماعِيلَ، قالَ: حَدَّثَني قَيْسٌ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ جاءَ وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَخْطُبُ فَقامَ في الشَّمْسِ فَأَمَرَ بِهِ فَحُوِّلَ إِلَى الظِّلِّ (¬2). * * * باب في الجلوس بين الظل والشمس [4821] (حدثنا) أحمد بن عمرو (ابن السرح ومخلد بن خالد) الشعيري العسقلاني نزيل طرسوس، شيخ مسلم (قالا: ثنا سفيان) بن عيينة (عن محمد بن المنكدر قال: حدثني من سمع أبا هريرة يقول: قال أبو القاسم -صلى اللَّه عليه وسلم-: إذا كان أحدكم في الشمس. وقال مخلد) بن خالد الشعيري. ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 383، والحميدي (1138) ومسدد كما في "إتحاف الخيرة" (5460)، والفاكهي في "أخبار مكة" (66)، والبزار في "مسنده" (8809) والبيهقي 3/ 236. وصححه الألباني في "الصحيحة" (837). (¬2) رواه أحمد 3/ 426، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (5257)، والبخاري في "الأدب المفرد" (1174)، وابن حبان (2800)، والحاكم 4/ 271. وصححه الألباني في "الصحيحة" (833).

إذا كان أحدكم (في الفيء) وهو الظل، وأكثر ما يستعمل بعد الزوال، وقبل الزوال لا يسمى فيئًا (فقلص) بفتحات، واللام مخففة (عنه الظل) أي: ارتفع عنه بعضه وبقي بعضه عليه، وأكثر ما يقال فيما يكون إلى فوق، يقال: قلص الظل، وقلص الماء. إذا ارتفع في البئر، وقلص الدرع وتقلصت. (وصار بعضه في الشمس وبعضه في الظل فليقم) إلى الظل؛ لأنه مجلس الشيطان كما في رواية أحمد بإسناد حسن (¬1)، ورواه الحاكم بلفظ: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يجلس الرجل بين الظل والشمس (¬2). زاد في "شرح السنة" على رواية المصنف: عن أبي هريرة موقوفًا: مجلس الشيطان (¬3). قيل: ولأنه نصفه في الظل. وفيه مخالفة السنة. [4822] (حدثنا مسدد، ثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن إسماعيل) بن أبي خالد الأحمسي، مولاهم الكوفي (حدثني قيس) من كبار التابعين مخضرم، ويقال: له رؤية. (عن أبيه) أبي حازم الأحمسي، كوفي، اختلف في اسمه، فقيل: عوف بن الحارث. وقيل: عبد عوف بن الحارث. وقيل: حصن بن عوف. (أنه جاء ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يخطب، فقام في الشمس، فأمر به فحول إلى الظل) رواه في "الاستيعاب" بلفظ: رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يخطب، فقمت ¬

_ (¬1) "المسند" 3/ 413 عن رجل من أصحاب النبي. (¬2) "المستدرك" 4/ 272. (¬3) "شرح السنة" 12/ 301.

في الشمس، فأومأ بيده إلى الظل (¬1). وفي هذا الحديث دلالة على أن السنة لمستمع خطبة الجمعة وغيرها الجلوس أو الوقوف في الظل دون الشمس، ويدل عليه قوله تعالى: {ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ} (¬2) وقد عد بعض متأخري الشافعية من سنن الوقوف بعرفة أن يتضحى للشمس، وأن لا يستظل إلا لمشقة أو حاجة. وفيه: دلالة على كلام الخطيب في أثناء الخطبة، لكن رواية "الاستيعاب": أومأ. تدل على أنه لم يتكلم، بل أشار، فليحمل على. . . (¬3). * * * ¬

_ (¬1) "الاستيعاب" 4/ 192. (¬2) القصص: 24. (¬3) كذا في (ل)، (م) وبعدها فيهما بياض بمقدار كلمة.

16 - باب في التحلق

16 - باب في التَّحَلُّقِ 4823 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنِ الأَعْمَشِ، قالَ: حَدَّثَني المُسَيَّبُ بْنُ رافِع، عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ، عَنْ جابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- المَسْجِدَ وَهُمْ حِلَقٌ فَقالَ: "ما لي أَراكُمْ عِزِينَ" (¬1). 4824 - حَدَّثَنا واصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنِ ابن فُضَيْلٍ، عَنِ الأَعْمَشِ بهذا قالَ: كَأَنَّهُ مُجِبُّ الجَماعَةَ (¬2). 4825 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الوَرْكاني وَهَنّادٌ أَنَّ شَرِيكًا أَخْبَرَهُمْ عَنْ سِماكٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قالَ: كُنّا إِذا أَتَيْنا النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جَلَسَ أَحَدُنا حَيْثُ يَنْتَهَي (¬3). * * * باب في التحلق [4823] (ثنا مسدد، ثنا يحيى) القطان (عن الأعمش، حدثني المسيب بن رافع) الكاهلي الضرير (عن تميم بن طرفة) بفتح الطاء والراء المهملتين والفاء (¬4)، الطائي، أخرج له مسلم (عن جابر بن سمرة) بن جنادة العامري، خاله سعد بن أبي وقاص. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (430). (¬2) رواه من طريقه البيهقي في "الآداب" (252). (¬3) رواه الترمذي (2725)، وأحمد 5/ 91، والطيالسي (780)، والبخاري في "الأدب المفرد" (1141)، والنسائي في "الكبرى" (5899)، وأبو يعلى (7453)، وابن حبان (6433). وصححه الألباني في "الصحيحة" (330). (¬4) في (ل)، (م): والقاف. والمثبت هو الصواب.

(قال: دخل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المسجد) رواية مسلم أتم، ولفظه: خرج علينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "ما لي أراكم [رافعي] (¬1) أيديكم كأنها أذناب خيل شمس، اسكنوا في الصلاة" قال: ثم خرج علينا فرآنا حلقا (¬2). بكسر الحاء وفتحها لغتان، جمع حلقة بإسكان اللام. (فقال: ما لي أراكم عزين) أي: حلقا حلقا متفرقين وجماعة جماعة (¬3)، وهو بتخفيف الزاي، جمع عزة، وأصله: عزوت. فحذفت الواو، وجمعت جمع سلامة على غير قياس، كأن كل فرقة تعتزي إلى غير من تعتزي إليه الأخرى. قال اللَّه تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37)} (¬4) وكان المشركون يتحلقون حول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حلقًا حلقًا، ومعناه: النهي عن التفرق، والأمر بالاجتماع في مجلس واحد. [4824] (حدثنا واصل بن عبد الأعلى) شيخ مسلم (عن) محمد (ابن فضيل) (¬5) بن غزوان الضبي (عن الأعمش بهذا) الذي تقدم، و (قال: كأنه يحب) اجتماع (الجماعة) في مجلس واحد دون التفرق؛ لحديث: "الجماعة رحمة والفرقة عذاب" (¬6). ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، والمثبت من "صحيح مسلم". (¬2) "صحيح مسلم" (430). (¬3) ساقطة من (م). (¬4) المعارج: 37. (¬5) فوقها في (ل): (ع). (¬6) رواه عبد اللَّه بن أحمد في زوائد "المسند" 4/ 217، 375، والبزار 8/ 226 (3282)، وابن أبي عاصم في "السنة" 2/ 136 (93)، والطبراني 21/ 84 (84)، والقضاعي في "الشهاب" 1/ 43 (15) من حديث النعمان بن بشير مرفوعا. قال =

واجتماع المصلين على إمام أفضل، وما كثر جمعه في الصلاة والذكر والدعاء أفضل. [4825] (ثنا محمد بن جعفر الوركاني) شيخ مسلم (وهناد) بن السري (أن) القاضي (شريكًا أخبرهم عن سماك) بن حرب (عن جابر ابن سمرة -رضي اللَّه عنه- قال: كنا إذا أتينا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جلس أحدنا حيث ينتهي) به المجلس بعد أن يسلم. فيه: أنهم كانوا يتراصون في الجلوس على ترتيبهم في المجيء أولًا فأول كما ترص الحجارة للبناء، وكذا في الصلاة والجهاد. * * * ¬

_ = الهيثمي في "المجمع" 5/ 217 - 218: رواه عبد اللَّه بن أحمد والبزار والطبراني، ورجالهما ثقات. وقال الشوكاني في "الفوائد المجموعة" (85): قال في "المقاصد" (389): في سنده ضعف، لكن له شواهد. وانظر: "كشف الخفاء" (1074)، وأورده الألباني في "الصحيحة" (667) وحسنه في "ظلال الجنة" (93).

17 - باب الجلوس وسط الحلقة

17 - باب الجُلُوسِ وَسْطَ الحَلْقَةِ 4826 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا أَبانُ، حَدَّثَنا قَتادَةُ، قالَ: حَدَّثَني أَبُو مِجْلَزٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَعَنَ مَنْ جَلَسَ وَسَطَ الحَلْقَةِ (¬1). * * * [4826] (ثنا موسى بن إسماعيل) المنقري (ثنا أبان) بن يزيد (ثنا قتادة، حدثني أبو (¬2) مجلز) بكسر الميم، اسمه لاحق بن حميد السدوسي البصري (عن حذيفة) بن اليمان -رضي اللَّه عنه-. (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لعن من جلس وسط) بفتح السين، وحقيقة الوسط ما تساوت أطرافه (الحلقة) بسكون اللام. لفظ الترمذي: عن أبي مجلز أن رجلًا قعد وسط حلقة، فقال حذيفة: ملعون على لسان محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- أو لعن اللَّه على لسان محمد- من قعد وسط الحلقة (¬3). قال بعضهم: هذا محمول على من أتى حلقة قوم فتخطئ رقابهم وجلس وسط الحلقة ولم يقعد حيث انتهى به المجلس، فحصلت له اللعنة لتأذي الحاضرين به، لأنه إذا تخطى رقابهم تأذوا به، وإذا جلس وسط الحلقة حال بين الأحبة وحجب بعضهم عن رؤية بعض، فيتضررون بذلك، ولا يساوي بين الجالسين في الإكرام، حيث يواجه قومًا بوجهه ويولي آخرين ظهره. * * * ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2753)، وأحمد 5/ 384، والطيالسي (435)، والبزار (2957)، والحاكم 4/ 281، والبيهقي 3/ 234. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (638). (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) "سنن الترمذي" (2753) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

18 - باب في الرجل يقوم للرجل من مجلسه

18 - باب فِي الرَّجُلِ يَقُومُ لِلرَّجُلِ مِنْ مَجْلِسِهِ 4827 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبي عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى آلِ أَبي بُرْدَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبي الحَسَنِ قالَ: جاءَنا أَبُو بَكْرَةَ في شَهادَةٍ، فَقامَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ مَجْلِسِهِ، فَأَبَى أَنْ مجلِسَ فِيهِ وقالَ: إِنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عَنْ ذا، وَنَهَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْ يَمْسَحَ الرَّجُلُ يَدَهُ بِثَوْبِ مَنْ لَمْ يَكْسُهُ (¬1). 4828 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ حَدَّثَهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَقِيلِ بْنِ طَلْحَةَ قالَ: سَمِعْتُ أَبا الخَصِيبِ، عَنِ ابن عُمَرَ قالَ: جاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقامَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ مَجْلِسِهِ، فَذَهَبَ لِيَجْلِسَ فِيهِ، فَنَهاهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-. قالَ أَبُو داوُدَ: أَبُو الخَصِيبِ اسْمُهُ زِيادُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (¬2). * * * [4827] (ثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي (حدثنا شعبة، عن عبد (¬3) ربه بن سعيد) الأنصاري، أخي (¬4) يحيى (عن أبي عبد اللَّه مولى لآل أبي بردة) قال أبو بكر البزار: لم يسم (¬5). وسماه أبو أحمد الكرابيسي: مولى أبي موسى الأشعري. قال المنذري: وهو صحيح؛ لأن أبا بردة إما أن يكون أخا أبي ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 44، والحاكم 4/ 272، والبيهقي 3/ 332. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (2692). (¬2) حسنه الألباني. وأصله في البخاري (911)، ومسلم (277). (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) في (ل)، (م): أخو. والمثبت هو الصواب. (¬5) "مسند البزار" 9/ 24.

موسى أو ولد أبي موسى (¬1). (عن سعيد بن أبي الحسن) أخي الحسن البصري (قال: جاءنا أبو بكرة) نفيع بن الحارث (في شهادة) يؤديها (فقام له رجل من مجلسه) فيه أن من سبق إلى مكان [هو أحق به ما لم يفارقه لا يسقط حقه منه بالقيام فيه دون المفارقة بالانتقال عنه، ولا يسقط حقه منه بإذنه لغيره في الجلوس فيه. (فأبى) أي: امتنع أبو بكرة (من الجلوس فيه، وقال: إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن ذا) الجلوس، وأصل النهي يقتضي التحريم؛ لأن من سبق لمكان] (¬2) اختص به دون غيره إلى أن يقوم باختياره من فراغ غرضه فكأنه قد ملك منفعة ما اختص به من ذلك، فلا يجوز أن يحال بينه وبين ما يملكه (قال: ونهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يمسح الرجل) وكذا المرأة والصبي في معناهما (يده) من الطعام (بثوب) أي: في ثوب (من لم يكسه) بضم السين وكسرها. وفيه: جواز مسح اليد بالمنديل ونحوه، لكن السنة مسحها بعد أن يلعقها بنفسه، أو يلعقها أخاه ممن لا يتقذر بذلك. والمراد أنه لا يمسح يده إلا في ثوب من له عليه فضل ونعمة كثوب كساه له من زوجة أو جارية أو خادم [أو ولد] (¬3) أو ولد ابن وإن سفل، أو والد أو صديق، ونحو ذلك ممن يحب ذلك ويسر به ولا يتقذرون به، وكذا من في معناهم ¬

_ (¬1) "مختصر أبي داود" 7/ 183. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

من تلميذ يعتقد بركته ويود مسحه؛ ليتبرك بآثار يده، وهذا إذا علم ذلك منه وتحققه، أو غلب على ظنه، فإن شك في ذلك فلا، كما في الأكل من طعام الصديق أو ركوب دابة بغير إذنه، ويحتمل أن يكون هذا النهي مخصوصا (¬1) بمن لم يأذن له، أما من أذن له في المسح في منديل الزفر فجائز وإن لم يكن له عليه فضل. * * * باب الرجل يقوم للرجل عن مجلسه [4828] (ثنا عثمان بن أبي شيبة أن محمد بن جعفر) غندر (حدثهم عن شعبة، عن عقيل) بفتح العين، ابن طلحة السلمي، ثقة (قال: سمعت أبا الخصيب) بفتح الخاء المعجمة وكسر الصاد المهملة، سيأتي. (عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال: جاء رجل إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقام له رجل) من جلسائه (عن مجلسه) الذي هو أحق به (فذهب) الرجل (ليجلس فيه) مكانه (فنهاه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) وكان ابن عمر إذا قام له رجل عن مجلسه لم يجلس فيه (¬2). قال النووي: وهذا ورع منه، وليس قعوده فيه حرامًا إذا قام برضاه، لكنه تورع عنه لوجهين: أحدهما أنه ربما استحيا منه إنسان فقام له من مجلسه من غير طيب قلبه، فسد ابن عمر الباب؛ ليسلم من هذا. والثاني: أن الإيثار بالقرب مكروه، أو خلاف الأولى، وكان ابن عمر ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): مخصوص. والمثبت هو الصواب. (¬2) رواه البخاري (6270)، ومسلم (2177/ 29).

يمتنع من ذلك؛ لئلا يرتكب أحد بسببه مكروها، أو خلاف الأولى بأن يتأخر عن موضعه من الصف الأول ويؤثره به، وشبه ذلك؛ يعني: كمن أراد أن يغتسل بماء مباح له وقد ضاق وقت الصلاة فأراد أن يؤثر غيره بالتقدم بالغسل ليدرك الصلاة ويتأخر هو ليغتسل بعده ويصلي في بعض الوقت أو خارجه (¬1). قال أصحابنا: إنما يحمد الإيثار بحظوظ النفوس (¬2) وأمور الدنيا دون القرب، ومما استدل به على امتناع الإيثار بالقرب حديث الأعرابي حين استأذنه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يسقي من عن شماله فقال: والذي بعثك بالحق، لا أؤثر بنصيبي منك أحدًا (¬3). وعند المتصوفة جواز الإيثار بالقرب، واستدلوا بحديث الأعرابي وقول الراوي: فتله رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في يده كالكاره لذلك (¬4). (قال: ) المصنف (أبو الخصيب اسمه زياد بن عبد الرحمن) القيسي، وثق. * * * ¬

_ (¬1) "شرح مسلم" 7/ 315. (¬2) في (م): النفس. (¬3) رواه البخاري (2451)، ومسلم (2030) من حديث سهل بن سعد. (¬4) السابق. وانظر: "شرح مسلم" للنووي 13/ 201، "فتح الباري" 11/ 64.

19 - باب من يؤمر أن يجالس

19 - باب مَنْ يُؤْمَرُ أَنْ يُجالَسَ 4829 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا أَبانُ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَثَلُ المُؤْمِنِ الذي يَقْرَأُ القُرْآنَ مَثَلُ الأُتْرُجَّةِ رِيحُها طَيِّبٌ وَطَعْمُها طَيِّبٌ، وَمَثَلُ المُؤْمِنِ الذي لا يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ طَعْمُها طَيِّبٌ وَلا رِيحَ لَها، وَمَثَلُ الفاجِرِ الذي يَقْرَأُ القُرْآنَ كمَثَلِ الرَّيْحانَةِ رِيحُها طَيِّبٌ وَطَعْمُها مُرٌّ، وَمَثَلُ الفاجِرِ الذي لا يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ الحَنْظَلَةِ طَعْمُها مُرٌّ وَلا رِيحَ لَها، وَمَثَلُ الجَلِيسِ الصّالِحِ كَمَثَلِ صاحِبِ المِسْكِ إِنْ لَمْ يُصِبْكَ مِنْهُ شَيء أَصابَكَ مِنْ رِيحِهِ وَمَثَلُ جَلِيسِ السُّوءِ كَمَثَلِ صاحِبِ الكِيرِ إِنْ لَمْ يُصِبْكَ مِنْ سَوادِهِ أَصابَكَ مِنْ دُخانِهِ" (¬1). 4830 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى -المَعْنَى- ح وَحَدَّثَنا ابن مُعاذٍ، حَدَّثَنا أَبِي، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بهذا الكَلامِ الأَوَّلِ إِلَى قَوْلِهِ: "وَطَعْمُها مُرٌّ". وَزادَ ابن مُعاذٍ قالَ: قالَ أَنَسٌ: وَكُنّا نَتَحَدَّث أَنَّ مَثَلَ جَلِيسِ الصّالِحِ، وَساقَ بَقِيَّةَ الحَدِيثِ (¬2). 4831 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّبّاحِ العَطّارُ، حَدَّثَنا سَعِيدُ بْن عامِرٍ، عَنْ شُبَيْلِ ابْنِ عَزْرَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَثَلُ الجَلِيسِ الصّالِحِ". فَذَكَرَ نَحْوَهُ (¬3). ¬

_ (¬1) رواه النسائي في "الكبرى" (6700)، والقضاعي في "مسند الشهاب" (1381). وصححه الألباني. وأصله في البخاري (5427)، ومسلم (797). (¬2) رواه البخاري (5020)، ومسلم (797). (¬3) رواه البزار (6470)، والحاكم 4/ 280، والقضاعي في "مسند الشهاب" (1381)، والخطيب في "الكفاية" (ص 60). وقال الألباني: صحيح لغيره.

4832 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنا ابن المُبارَكِ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ سالِمِ بْنِ غَيْلانَ، عَنِ الوَلِيدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ، أَوْ عَنْ أَبي الهَيْثَمِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "لا تُصاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلا يَأْكُلْ طَعامَكَ إِلَّا تَقَيٌّ" (¬1). 4833 - حَدَّثَنا ابن بَشّارٍ، حَدَّثَنا أَبُو عامِرٍ وَأَبُو داوُدَ قالا: حَدَّثَنا زهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قالَ: حَدَّثَني مُوسَى بْن وَرْدانَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخالِلُ" (¬2). 4834 - حَدَّثَنا هارُونُ بْن زَيْدِ بْنٍ أَبي الزَّرْقاءِ، حَدَّثَنا أَبي، حَدَّثَنا جَعْفَرٌ -يَعْني: ابن بُرْقانَ- عَنْ يَزِيدَ -يَعْني: ابن الأَصَمِّ-، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ قالَ: "الأَرْواحُ جُنُود مُجَنَّدَةٌ فَما تَعارَفَ مِنْها ائْتَلَفَ، وَما تَناكَرَ مِنْها اخْتَلَفَ" (¬3). * * * باب من يؤمر أن يجالس [4829] (ثنا مسلم بن إبراهيم) لم يسمع بغير البصرة (ثنا أبان، عن قتادة، عن أنس -رضي اللَّه عنه-: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن) جميعه أو غالبه، وفي رواية للبخاري: "يقرأ القرآن ويعمل به" (¬4). (مثل الأترجة) (¬5) بضم الهمزة والراء، روي عن أبي كبشة الأنماري ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2395)، وأحمد 3/ 38، وابن حبان (560)، والحاكم 4/ 128. وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (7341). (¬2) رواه الترمذي (2378)، وأحمد 2/ 303، والطيالسي (2696)، وإسحاق بن راهويه (351)، وعبد بن حميد (1431). وصححه الألباني في "الصحيحة" (927). (¬3) رواه مسلم (2638). (¬4) "صحيح البخاري" (5059) من حديث أبي موسى. (¬5) بعدها في (ل، م): الأترنجة. وعليها: خـ.

قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يعجبه النظر إلى الأترج (¬1). (ريحها طيب) قال ابن البيطار: رائحة الأترج تصلح فساد الهواء والوباء (¬2). قال هلال بن العلاء: المراد بالأترج التفاح الأحمر. قال في "النهاية": لم أره لغيره (¬3). وفيه عدول عن ظاهر اللفظ (وطعمها طيب) لا سيما إذا كان مع العسل. قال مسروق: دخلت على عائشة رضي اللَّه عنها وعندها رجل مكفوف تقطع له الأترج وتطعمه إياه بالعسل، فقلت لها: من ذا؟ فقالت: ابن أم مكتوم الذي عاتب اللَّه فيه نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬4). (ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن) أو يقرؤه ولا يعمل به (كمثل التمرة) اليابسة. وفي معناها: الرطبة (طعمها طيب) كما أن المؤمن قلبه طيب بالإيمان الذي في قلبه (ولا ريح لها) يشم، كما أن المؤمن لا صوت له يسمع بالقرآن الذي صوته طيب (ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة) المشمومة (ريحها طيب وطعمها مر، ومثل الفاجر) وفي رواية للترمذي: "مثل المنافق" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه الطبراني 22/ 339 (850). قال الهيثمي في "المجمع" 4/ 67: رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه أبو سفيان الأنماري، وهو ضعيف. قال الألباني في "ضعيف الجامع" (4580): موضوع. (¬2) "الجامع لمفردات الأدوية والأغذية" 1/ 15. (¬3) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 446. (¬4) رواه الطبراني في "الأوسط" 9/ 155 (9404)، والبيهقي في "الشعب" 6/ 286 (8178). (¬5) "سنن الترمذي" (2865) من حديث أبي موسى. وقال: هذا حديث حسن صحيح.

(الذي لا يقرأ القرآن) ولا يعمل به (كمثل الحنظلة) قال ابن عباس: ما في الدنيا ثمرة حلوة ولا مرة إلا وهي في الجنة، حتى الحنظل. روى الترمذي: عن أنس عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة" قال: هي الحنظلة (¬1). (طعمها مر ولا ريح لها) فهي كالكلمة الخبيثة. (ومثل الجليس) الرجل (الصالح) كذا الرواية، وهو من إضافة الشيء إلى صفته كمسجد الجامع، والرجل الصالح هو القائم بحقوق اللَّه وحقوق عباده (كمثل صاحب المسك) ولمسلم: "كحامل المسك" (¬2) (إن لم يصبك منه شيء أصابك من ريحه) ومقصود هذا التمثيل الحض على صحبة العلماء والفضلاء وأهل الدين والصلاح (¬3)، وهو الذي يزيدك نطقه علمًا وفعله أدبًا ونظره خشية للَّه تعالى. (ومثل جليس) الرجل (السوء) وفي رواية لغير المصنف: "الجليس السوء" (¬4) وهو الأفصح والأحسن (كمثل صاحب الكير) وفي "الصحيح": "نافخ الكير" (¬5) وهو منفخ الحداد، وهو جلد أو زق غليظ ذو حافات، وفي "الصحيح": "المدينة كالكير تنفي خبثها" (¬6) وأما الكور فهو المبني من الطين (إن لم يصبك شيء من سواده أصابك من دخانه). ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (3119) من حديث أنس. (¬2) "صحيح مسلم" (2628) من حديث أبي موسى. (¬3) من (م). (¬4) رواه البخاري (2101)، ومسلم (2628) من حديث أبي موسى. (¬5) "صحيح البخاري" (5534)، "صحيح مسلم" (2628) من حديث أبي موسى. (¬6) "صحيح البخاري" (1883)، "صحيح مسلم" (1383) من حديث جابر مرفوعا.

وفيه الزجر عن مخالطة أهل الشر والفساد، وكذا الحريصون على الدنيا، فإن صحبتهم سم قاتل؛ لأن الطباع مجبولة على التشبه والاقتداء، بل الطبع يسرق من الطبع من حيث لا يدري صاحبه، فالجليس الشرير إن لم يصبك شيء من شره أصابك بالطبع بعض طباعه القبيحة، فاكتسبتها بمجالسته وأنت لا تدري. [4830] (ثنا) عبيد اللَّه (ابن معاذ) شيخ مسلم، كان يحفظ نحو عشرة آلاف حديث (ثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري (عن شعبة، ح. وحدثنا مسدد، ثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن شعبة، عن قتادة، عن أنس) ابن مالك (عن أبي موسى) الأشعري. (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بهذا الكلام الأول إلى قوله: طعمها مر. وزاد) عبيد اللَّه (ابن معاذ: قال أنس: وكنا نتحدث) فيما بيننا (أن مثل جليس الصالح. وساق بقية الحديث) المذكور. [4831] (ثنا عبد اللَّه بن الصباح العطار) أخرج له الشيخان (ثنا سعيد ابن عامر) الضبعي، شيخ البصرة أربعين سنة (عن شبيل) بضم الشين المعجمة مصغر (ابن عزرة) بفتح المهملة بعدها زاي ساكنة ثم راء، الضبعي، وهو أبو عمرو النحوي البصري من أئمة العربية، ليس له في الكتب الستة سوى هذا الحديث قال ابن معين: هو ثقة (¬1). وذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2). (عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: مثل الجليس الصالح، فذكر نحوه) قال المزي في "التهذيب": وقع لنا هذا الحديث عاليا جدًّا، ثم ذكر لفظه: "مثل الجليس الصالح مثل العطار إن لم يصبك من عطره - ¬

_ (¬1) انظر: "الجرح والتعديل" 4/ 381. (¬2) 4/ 369.

أو قال: - يعطيك من عطره أصبت من ريحه، ومثل الجليس السوء مثل القين، إن لم يحرق ثوبك أصابك من ريحه" (¬1) والقين: الحداد والصائغ، ومنه حديث خباب: كنت قينًا في الجاهلية (¬2). [4832] (ثنا عمرو بن عون) الواسطي، شيخ البخاري (ثنا) عبد اللَّه (ابن المبارك، عن حيوة بن شريح، عن سالم بن غيلان) بفتح الغين المعجمة التجيبي المصري، صدوق (عن الوليد بن قيس) التجيبي، وثق. (عن أبي سعيد) سعد بن مالك الخدري، قال سالم (أو عن أبي الهيثم) سليمان بن عمرو بن عبد الملك العتواري المصري، أخرج له البخاري في "الأدب" (عن أبي سعيد) وكذا رواه على الشك الترمذي بلفظ: حدثنا سالم بن غيلان أن الوليد بن قيس أخبره أنه سمع أبا سعيد الخدري قال سالم: أو عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد أنه سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3). (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) أنه (قال: لا تصاحب إلا مؤمنًا) تقيًّا، فإن صحبة الكافر والفاسق الذي لا يتقي اللَّه تعالى تغير الطباع، والطبع يسرق من الطبع من حيث لا يدري صاحبه كما تقدم، فمصاحبة الحريص تزيد حرصا على الدنيا، ومصاحبة الزاهد تزهد، فكذلك يكره صحبة طلاب الدنيا ويستحب صحبة الراغبين في الآخرة، وكذلك حذر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن مجالسة الموتى وهم الأغنياء (¬4)، وأعظم بركة صحبة المتقي أن ترجو شفاعته يوم القيامة إذا حصلت له النجاة كما قال تعالى: ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 12/ 374. (¬2) رواه البخاري (2091). (¬3) "سنن الترمذي" (2395). (¬4) رواه أبو نعيم في "الحلية" 2/ 351 عن محمد بن واسع قال: أربع يمتن القلب الذنب على الذنب. . به.

{فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101} (¬1) ولأنه قد يرى منه خصلة حميدة في مخالطته فتنبعث نفسه إلى العمل بها والتشبه به، وغير ذلك من الفوائد. (ولا يأكل طعامك إلا تقي) ليكون ما تطعمه إياه عونًا له على الطاعة، وهذا في طعام الإحسان والمواساة والكرم دون طعام المضطر والجائع والضيف، فعن بعض الأنبياء (¬2) أنه استضافه نصراني فلم يطعمه؛ لكفره، فلما ولى عنه النصراني أوحى اللَّه إليه أن له كذا وكذا يكفر بي وأنا أطعمه، فهلا أطعمته ساعة واحدة. فدعا النصراني وأطعمه فسأله النصراني عن سبب منعه أولًا ودعائه ثانيًا، فذكر له ما أوحى اللَّه إليه، فأسلم، وقد مدح اللَّه إطعام الكافر بقوله: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} (¬3) ومعلوم أن الأسير كافر غير مؤمن ولا تقي، وإنما حذر من مخالطة غير المتقي ومؤاكلته؛ لأن ذلك يفضي إلى التآلف ومودة القلوب، وغير المتقي لا يؤالف ولا يتخذ جليسًا. [4833] (ثنا) محمد (ابن بشار، حدثنا أبو عامر) عبد الملك بن عمرو العقدي (وأبو داود) الطيالسي (قالا: حدثنا زهير (¬4) بن محمد) التميمي المروزي (حدثني موسى بن وردان) العامري القاص، صدوق. (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: الرجل) يحشر (على دين ¬

_ (¬1) الشعراء: 100، 101. (¬2) يتضح من السياق أنه سيدنا محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، حيث إنه هو النبي الذي بعث بعد سيدنا عيسى -صلى اللَّه عليه وسلم-. (¬3) الإنسان: 8. (¬4) فوقها في (ل): (ع).

خليله) ويروى: "المرء بخليله" (¬1) والخليل الصديق، فعيل بمعنى مُفاعِل، وقد يكون بمعنى مفعول، سمي الخليل خليلًا لأن محبته تخللت القلب فصارت خلاله أي: في باطنه. قال الشاعر: قد تخللت مسلك الروح مني ... فلذلك سمي الخليل خليلًا (¬2) وقيل: هو مشتق من الخلة وهي الحاجة والفقر؛ لأن الأخ يفتقر إلى خليله ويحتاج إليه في مهماته وحوائجه. (فلينظر أحدكم من يخالل) أي: فلينظر أحدكم بعين بصيرته إلى أمور من يريد صداقته وأحواله، فمن رآه فرضي دينه صادقه، ومن سخط عليه في دينه فليجتنبه، ومن رآه يرى له مثل ما يرى له صحبه. وروى ابن عدي في "الكامل" من حديث أنس -رضي اللَّه عنه-: "لا خير في صحبة من لا يرى مثل ما يرى له" (¬3). فأقل درجات الأخوة والصداقة النظر بعين المساواة والكمال في رؤية الفضل للأخ، ولذلك قال أبو معاوية الأسود: إخواني كلهم خير مني. قيل: وكيف؟ قال: كلهم يرى لي الفضل على نفسه، ومن ¬

_ (¬1) رواه أبو عبيد في "غريب الحديث" 1/ 344. (¬2) هذا بيت من الخفيف لبشار بن برد، كما في "ديوانه" ص 97. (¬3) "الكامل" 4/ 225 مرفوعا ورواه أيضًا من حديث سهل بن سعد 4/ 221، وأبو الشيخ: في "الأمثال" (47)، وابن حبان في "روضة العقلاء" 1/ 126، والخطابي في "غريب الحديث" 1/ 561، و"العزلة" (97). قال الشوكاني في "الفوائد المجموعة" 1/ 260: قال الصغاني: موضوع.

فضلني على نفسه فهو خير مني (¬1). قال سفيان: إذا قيل لك: أنت شر الناس فغضبت. . أي: ينبغي لك أن تكون معتقدًا (¬2) ذلك في نفسك أبدًا. [4834] (ثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء) الموصلي، نزيل الرملة، صدوق (ثنا أبي) زيد بن أبي الزرقاء يزيد التغلبي، نزيل الرملة (ثنا جعفر. يعني: ابن برقان) بضم الموحدة، الكلابي الرقي، أخرج له مسلم. (عن يزيد بن الأصم) العامري (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- يرفعه) إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (قال) زاد مسلم: "الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم [في الجاهلية] (¬3) خيارهم في الإسلام إذا فقهوا" (¬4). و(الأرواح جنود مجندة) أي: أجناد مجندة، وقيل: أجناس مختلفة وجموع مجتمعة. ويعني بذلك أن الأرواح وإن اتفقت في كونها أرواحًا فإنها تتميز بأمور متنوعة وأحوال مختلفة، فتتشاكل أشخاص النوع الواحد وتتباين وتتناسب بسبب ما اجتمعت فيه من المعنى الخاص لذلك النوع للمناسبة، وكذلك تشاهد أشخاص كل نوع تألف نوعها وتنفر من مخالفها، فالأرواح المجبولة على الخير والرحمة والشفقة على عباد اللَّه والعدل فيهم تميل بطبعها إلى من كان فيه ذلك المعنى، وتألفه [وتأنس به] (¬5) وتسكن إليه وتنفر ممن اتصف بنقيضه، ¬

_ (¬1) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 6/ 18. (¬2) في الأصل: معتقد، والمثبت متسق لغة. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) "صحيح مسلم" (2638/ 160). (¬5) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

وهكذا في الجفاء والقسوة، ولذلك تجد في كلام الناس الجنس يميل إلى الجنس، والشكل يألف الشكل، ولهذا قال بعد: (فما تعارف منها) (¬1) أي: تناسب بصفاته (ائتلف) بعضه إلى بعض، لأمر جعلها اللَّه تعالى عليه وخلقها. وقيل: لأنها خلقت مجتمعة ثم فرقت في أجسادها، فمن وافق الثقة تألف به واجتمع عليه. (وما تناكر منها) أي: تباعد وتنافر وخالف وصفه (اختلف) أي: وقع فيه الاختلاف. وقيل: إن معنى ذلك هو ما تعرف اللَّه به إليها من صفاته ودلها عليه من لطفه في أفعاله، فكل روح عرف من الآخر أنه تعرف إلى اللَّه بمثل ما تعرف هو به ألفه. وقال الخطابي: هو ما خلقها اللَّه عليه من السعادة والشقاوة في المبدأ الأول (¬2). ويستفاد من الحديث أن الإنسان إذا وجد من نفسه نفرة ممن له فضيلة أو صلاح فتش عن الموجب لتلك النفرة، وبحث عنه بنور العلم، فإنه ينكشف له فيتعين عليه أن يسعى في إزالة ذلك وفي تصفيته بالرياضة والسياسة والمجاهدة الشرعية حتى يتخلص من ذلك الوصف المذموم فيميل لأهل الفضائل والعلوم، وكذلك إذا وجد من نفسه ميلًا من فيه شر أو وصف مذموم. * * * ¬

_ (¬1) بعدها في (ل، م): تقارب. وعليها: خ. (¬2) "معالم السنن" 4/ 107.

20 - باب في كراهية المراء

20 - باب فِي كَراهيَةِ المِراءِ 4835 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا أَبُو أُسامَةَ، حَدَّثَنا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قالَ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِذا بَعَثَ أَحَدًا مِنْ أَصْحابِهِ في بَعْضِ أَمْرِهِ قالَ: "بَشِّرُوا وَلا تُنَفِّرُوا وَيَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا" (¬1). 4836 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى عَنْ سُفْيانَ، قالَ: حَدَّثَني إِبْراهِيمُ بْنُ المُهاجِرِ، عَنْ مُجاهِدٍ، عَنْ قائِدِ السّائِبِ، عَنِ السّائِبِ قالَ: أَتَيْتُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَجَعَلُوا يُثْنُونَ عَلي وَيَذْكُرُوني فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَنا أَعْلَمُكُمْ". يَعْني بِهِ. قُلْتُ: صَدَقْتَ بِأَبي أَنْتَ وَأُمّي كُنْتَ شَرِيكي فَنِعْمَ الشَّرِيك، كُنْتَ لا تُداري وَلا تُمارِي (¬2). * * * باب في كراهية المراء [4835] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (ثنا بريد (¬3) بن عبد اللَّه) هو بضم الموحدة وفتح الراء المهملة، ثم ياء التصغير (عن جده) أبي بردة عامر بن أبي موسى الأشعري (عن) أبيه (أبي موسى) الأشعري -رضي اللَّه عنه-. (قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا بعث أحدًا من أصحابه في بعض أمره) أو بعث سرية أو جيشًا أو أمر عليهم أميرًا (قال) ولمسلم عن سعيد بن أبي ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3038)، ومسلم (1732). (¬2) رواه ابن ماجه (2287)، وأحمد 3/ 425، والفاكهي في "أخبار مكة" (2155)، والنسائي في "الكبرى" (10071)، والطبراني في "الكبير" (6619)، والحاكم 2/ 61، والبيهقي في "السنن" 6/ 78. وصححه الألباني. (¬3) فوقها في (ل): (ع).

بردة، عن أبيه، عن جده أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعثه ومعاذا إلى اليمن فقال: " [يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا] (¬1) وتطاوعا ولا تختلفا" (¬2). (بشروا) بالموحدة والشين المعجمة، أي: بشروا من لقيتموهم بجسيم فضل اللَّه وعظيم ثوابه (ولا تنفروا) بذكر التخويف وأنواع الوعيد والعقاب المحض اللازم من غير ضمه إلى شيء من البشارة بعفو اللَّه تعالى ومغفرته (ويسروا) بالمثناة تحت والسين المهملة، أي: اعملوا بالتيسير في أموركم (ولا تعسروا) فيها وتشددوا. [4836] (ثنا مسدد، ثنا يحيى) القطان (عن سفيان) بن سعيد الثوري (حدثني إبراهيم بن المهاجر) البجلي الكوفي، أخرج له مسلم. (عن مجاهد، عن قائد السائب) بن أبي السائب وابنه، قاله المنذري (¬3). (عن السائب) بن أبي السائب صيفي بن عابد بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، شريك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قبل المبعث فيما قيل، وقيل: بل ذاك أبوه واختلف في إسناده فقيل: أسلم يوم الفتح، وهو من المؤلفة قلوبهم وممن حسن إسلامه، وحكى ابن عبد البر عن ابن عباس أن السائب [ابن أبي السائب] (¬4) ممن هاجر مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأعطاه يوم الجعرانة من غنائم حنين، ثم قال: وهذا أولى ما عول عليه في هذا ¬

_ (¬1) في الأصول: (يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا). والمثبت من "صحيح مسلم". (¬2) "صحيح مسلم" (1733). (¬3) "مختصر سنن أبي داود" 7/ 187. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

الباب (¬1). يعني: بخلاف ما قال ابن إسحاق أنه قتل يوم بدر كافرًا (¬2)، وذكر غيره قتله الزبير بن العوام. (قال: أتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فجعلوا يثنون) بضم أوله (عليَّ ويذكرون (¬3) بكل خير، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنا أعلمكم. يعني: به) فيه: كراهية مدح الإنسان في وجهه، وإبطال المادح من مدحه بالتعرض دون التصريح، فإن المراد: واللَّه لا تمدحوه، فإني أعلم بحاله منكم. وفيه ثناء الحاضرين عند الكبير أو الحاكم على من حضر إليه، والإعلام بحاله. (قلت: صدقت) يا رسول اللَّه (بأبي أنت وأمي) أي: أفديك بأبي وأمي (كنت شريكي فنعم الشريك) سياق هذا الكلام يدل على أن (كنت شريكي فنعم الشريك) من كلام السائب، وكلام ابن عبد البر يدل على أنه من كلام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإنه روى عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نعم الشريك كان أبو السائب، لا يشاري ولا يماري" (¬4) ويحتمل أن تكون قضيتين. ومعنى "لا يشاري": لا يلح عليه في أمر، قد شرى، واستشرى: إذا لج في الأمر. وقيل: لا يشار من الشر، أي: لا يشارره. فقلب إحدى الراءين ياءً. قال في "النهاية": والأول أوجه؛ لحديث أم زرع: ركب شريا (¬5). ¬

_ (¬1) "الاستيعاب" 2/ 141. (¬2) انظر: "الروض الأنف" 3، 104. (¬3) بعدها في (ل)، (م): ويذكرونني. وعليها: خـ. (¬4) "الاستيعاب" 2/ 141. (¬5) رواه البخاري (5189)، ومسلم (2448).

أي: ركب فرسًا يستشري في سيره، يعني: يلج ويجد (¬1). وروى الترمذي عن ابن عباس، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تمار أخاك ولا تمازحه، ولا تعده موعدًا فتخلفه" (¬2). (كنت لا تداري) بسكون الياء، وأصله بالهمز؛ لأنه من الدرء والدفع؛ لمناسبة ما بعده وممازحته وهو يماري، وله نظائر معروفة، والمعنى: لا تمانع في شيء ولا تخالف فيه ولا تشاغب. يصفه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بحسن الخلق والسهولة في المعاملة، ومنه الحديث أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يصلي فجاءت بهمة تمر بين يديه، فما زال يدارئها (¬3). أي: يدافعها. ويروى بغير همز، من المداراة، وهي محمودة في الشريعة؛ لحديث: "رأس العقل بعد الإيمان باللَّه مداراة الناس" (¬4) والمداراة ملاينة الكلام للناس وحسن صحبتهم؛ لئلا ينفروا عنه. (ولا تماري) (¬5) تقدم الكلام فيه قريبًا، ويحتمل أن يكون المراد المماراة في القرآن لحديث: "لا تماروا في القرآن، فإن مراءه كفر" (¬6) ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 468 - 469. (¬2) "سنن الترمذي" (1995)، وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وضعفه العجلوني في "كشف الخفاء" 2/ 360، والألباني في "ضعيف الجامع" (6274). (¬3) تقدم برقم (4603) من حديث أبي هريرة. (¬4) رواه هنَّاد في "الزهد" 2/ 590 (1249)، وابن أبي الدنيا في "مداراة الناس" (2)، "العقل والفضل" (28)، وأبو القاسم التميمي في "الترغيب والترهيب" 3/ 224 (2397)، والبيهقي في "الشعب" 11/ 24 (8089) عن سعيد بن المسيب مرسلًا. (¬5) في (ل)، (م): تمار. والمثبت من "سنن أبي داود". (¬6) رواه الطبراني في "الأوسط" 4/ 197 (3961)، والمستغفري في "فضائل القرآن" =

وهو المجادلة على طريق التشكيك والريبة، وقيل: إنما جاء ذم المراء في الآيات التي فيها ذكر القدر، وأما الجدال فيما تضمنته الآيات من الأحكام وأبواب الحلال والحرام فإن ذلك قد جرى بين الصحابة فمن بعدهم من العلماء، وذلك فيما يكون الغرض منه والباعث عليه ظهور الحق ليتبع دون الغلبة والتعجيز للغير. * * * ¬

_ = (244) من حديث عبد اللَّه بن عمرو. قال الهيثمي في "المجمع" 1/ 157: رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف جدًّا. ورواه الطبراني في "الكبير" 5/ 152 (4916) من حديث زيد بن ثابت. قال الهيثمي في "المجمع" 1/ 157: رواه الطبراني في "الكبير" ورجاله موثقون.

21 - باب الهدي في الكلام

21 - باب الهَدي في الكَلامِ 4837 - حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الحَرّاني، قالَ: حَدَّثَني مُحَمَّدٌ -يَعْني: ابن سَلَمَةَ-، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِذا جَلَسَ يَتَحَدَّثُ يُكْثِرُ أَنْ يَرْفَعَ طَرْفَهُ إِلَى السَّماءِ (¬1). 4838 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ مِسْعَرٍ قالَ: سَمِعْتُ شَيْخًا في المَسْجِدِ يَقُولُ: سَمِعْتُ جابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: كانَ في كَلامِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- تَرْتِيلٌ أَوْ تَرْسِيلٌ (¬2). 4839 - حَدَّثَنا عُثْمانُ وَأَبُو بَكْرٍ ابنا أَبي شَيْبَةَ قالا: حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ أُسامَةَ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ رَحِمَها اللَّهُ قالَتْ: كانَ كَلامُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كَلامًا فَصْلًا يَفْهَمُهُ كُلُّ مَنْ سَمِعَهُ (¬3). 4840 - حَدَّثَنا أَبُو تَوْبَةَ قالَ زَعَمَ الوَلِيدُ، عَنِ الأَوْزاعي، عَنْ قُرَّةَ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كُلُّ كَلامٍ لا يُبْدَأُ فِيهِ بِالحَمْدُ للَّه فَهُوَ أَجْذَمُ". قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ يُونُسُ وَعُقَيْلٌ وَشُعَيْبٌ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ، عَنِ الزُّهْري، ¬

_ (¬1) رواه الخطيب في "تاريخ بغداد" 2/ 82. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (3474). (¬2) رواه ابن المبارك في "الزهد" (147)، وابن أبي شيبة في "الأدب" (64)، وابن سعد في "الطبقات" 1/ 375، وابن أبي الدنيا في "الصمت" (656)، والبيهقي 3/ 294. وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (4823). (¬3) رواه الترمذي (3639)، وأحمد 6/ 257. وصححه الألباني في "الصحيحة" (2097). ورواه بنحوه البخاري (3567)، ومسلم (2493).

عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مُرْسَلًا (¬1). * * * باب الهدي في الكلام الهدي بفتح الهاء وسكون الدال هو السيرة والهيئة والطريق، وفي الحديث: "الهدي الصالح والسمت الصالح جزء (¬2) من خمسة وعشرين جزءًا من النبوة" (¬3). وفي البخاري: خير الهدي هدي محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬4). يعني: الخلال التي هي من شمائل الأنبياء ومن جملة خصالهم. [4837] (ثنا عبد العزيز بن يحيى) أبو الأصبغ (الحراني) بفتح الحاء وتشديد الراء المهملتين وبعد الألف نون، ثقة. (حدثني محمد بن سلمة) بن عبد اللَّه الباهلي الحراني، أخرج له مسلم. (عن محمد بن إسحاق) صاحب "المغازي" (عن يعقوب بن عتبة) الثقفي، ثقة، من العلماء (عن عمر بن عبد العزيز، عن يوسف بن عبد اللَّه بن سلام) بتخفيف اللام (عن أبيه) عبد اللَّه بن سلام، حبر الأمة. ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (1894)، وأحمد 2/ 359، والنسائي في "الكبرى" (10329). وضعفه الاْلباني في "المشكاة" (3151). (¬2) ساقطة من (م). (¬3) تقدم برقم (4776) من حديث ابن عباس. (¬4) "صحيح البخاري" (6098) من قول عبد اللَّه بن مسعود بلفظ: أحسن الهدي، وروي مرفوعا عن جابر في "مسند أبي يعلي" (2119).

(قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا جلس يتحدث) مع أصحابه (يكثر أن يرفع طرفه إلى السماء) يشبه أن فيه إشارة إلى أن ما أحدثكم عن اللَّه وحي يوحى إليَّ لا من هوى نفسي، فتمسكوا به واعملوا. ويحتمل أن يكون في رفع بصره إشارة منه إلى أصحابه أن يتفكروا في هذا البناء العجيب العظيم المرتفع على غير عمد تحته ولا علاقة من فوقه، بل هو واقف بقدرة اللَّه تعالى، فهو من أعظم الدلائل على وحدانية اللَّه تعالى، قال: ولهذا كان -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا استيقظ من النوم رفع طرفه إلى السماء وقرأ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (¬1) (¬2). [4838] (ثنا محمد بن العلاء) بن كريب الكوفي (ثنا) محمد (ابن بشر) (¬3) بن الفرافصة العبدي (عن مسعر) بكسر الميم ابن كدام الهلالي الكوفي (قال: سمعت شيخا في المسجد) لعله محمد بن عبد اللَّه. (يقول: سمعت جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما يقول: كان في كلام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ترتيل) ترتيل القراءة والكلام والمشي هو التأني والتمهل وترك العجلة وتبيين الحروف والحركات، يشبه بالثغر المرتل وهو المشبه بنور الأقحوان، يقال: رتل القراءة والكلام وترتل فيهما. (أو ترسيل) شك من الراوي، والترتيل والترسيل بمعنى، يقال: ترسل الرجل في كلامه ومشيه. إذا لم يعجل، وهو والترتيل سواء، ¬

_ (¬1) آل عمران: 190. (¬2) تقدم برقم (1367) من حديث ابن عباس بلفظ: قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران. (¬3) فوقها في (ل): (ع).

ومنه حديث عمر: إذا أذنت فترسل (¬1). أي: تأن ولا تعجل. [4839] (ثنا عثمان وأبو بكر ابنا أبي شيبة قالا: ثنا وكيع، عن سفيان) الثوري (عن أسامة) بن زيد الليثي، أخرج له مسلم (عن الزهري، عن عروة) بن الزبير. (عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كان كلام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كلامًا فصلًا) أي: بينا ظاهرًا يفصل بين الحق والباطل، والفصيح في اللغة المنطلق اللسان في القول، الذي يعرف جيد الكلام من رديئه، يحتمل أن يكون المعنى فيه أنه كان يفصل في كلامه بين كل حرفين ليبين الحروف، أو بين كل كلمتين ليبين الكلام (يفهمه كل من سمعه) وهذا هو أحسن الكلام وأفصحه. [4840] (حدثنا أبو توبة) الربيع بن نافع الحلبي، ثقة حافظ، من الأبدال (قال: زعم الوليد) بن مسلم القرشي الدمشقي (عن) عبد الرحمن (الأوزاعي، عن قرة) بن عبد الرحمن بن حيويل بمهملة مفتوحة، ثم تحتانية ثم واو مكسورة ثم تحتانية، المعافري المصري، يقال: اسمه يحيى. صدوق، له مناكير (عن الزهري، عن أبي سلمة) ابن عبد الرحمن. (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد) بالرفع على الحكاية (للَّه) وفي رواية: "كل أمر ذي بال لا يبدأ ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة 1/ 195 (2234) وأبو نعيم الفضل بن دكين في "فضائل الصلاة" (226)، والدارقطني 1/ 238 مرفوعا.

بالحمد للَّه" (¬1) وفي رواية: "بحمد اللَّه" (¬2) وفي رواية: "لا يبدأ فيه بذكر اللَّه" (¬3) وفي رواية: "ببسم اللَّه الرحمن الرحيم" (¬4) وأكثر هذِه الروايات في كتاب "الأربعين" للحافظ عبد القاهر الرهاوي، وروي مرسلا، ورواية الموصول إسنادها جيد كما سيأتي. والمراد بالكلام في هذا الحديث ما بينه في الرواية الأخرى: الكلام الذي له بال، ومعنى (له بال) أي: حال وشأن يهتم بأمره الآدمي ويعتني به من الأمور المهمة، بخلاف التسمية، فإنها فيما يهتم به ويعتنى وما لا يهتم به، بل في جميع الأمور، وعلى هذا فتكون التسمية أعم من الحمد، فما يهتم به يجمع فيه بين التسمية أولًا، ثم الحمد للَّه، وما لا يهتم به، فسمى عليه دون الحمد، فيقتصر عند إغلاق الباب وإطفاء المصباح وتغطية الإناء على التسمية فقط، ولهذا قال أصحابنا وغيرهم: يستحب تقديم حمد اللَّه تعالى والثناء عليه [لكل خطيب] (¬5) ومدرس وواعظ ومتكلم في أي علم، كان وداع في طلب شيء أو دفعه، كما جاء في كتاب اللَّه من الابتداء بالحمد للَّه والثناء قبل الدعاء بالهداية والاستعانة. ¬

_ (¬1) رواها الخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي" (1220). (¬2) رواها النسائي في "الكبرى" 6/ 127 (10328)، وابن حبان في "صحيحه" 1/ 173 (1, 2). (¬3) رواها النسائي في "الكبرى" 6/ 128 (10258) عن الزهري مرسلًا. ورواه الدارقطني في "السنن" 1/ 229 عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة موصولًا. (¬4) رواها الخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي" (1219). (¬5) ساقطة من (م).

(فهو أجذم) بسكون الجيم وفتح الذال المعجمة أي: مقطوع البركة، يقال: منه جذم بكسر الذال يجذم بفتحها فهو أجذم إذا تهافتت أعضاؤه من الجذام، وهو الداء المعروف، لكن قال الجوهري: لا يقال للمجذوم: أجذم (¬1). وفي الحديث: "من لقن القرآن ثم نسيه لقي اللَّه يوم القيامة وهو أجذم" (¬2) أي: مقطوع اليد من الجذم القطع، وسيأتي هذا المعنى في الحديث بعده. (قال) المصنف (رواه يونس وعقيل) بضم العين، وهو ابن خالد الأيلي (وشعيب) بن أبي حمزة (وسعيد بن عبد العزيز) بن يحيى التنوخي، أخرج له مسلم (عن الزهري عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مرسلًا). * * * ¬

_ (¬1) "الصحاح" 5/ 1884. (¬2) رواه أحمد 5/ 285، وأبو عبيد في "فضائل القرآن" (287)، وسعيد بن منصور 1/ 87، والبزار 9/ 192 (3745)، والطبراني في "الكبير" 6/ 23 (5390)، والبيهقي في "الشعب" 3/ 356 (1817) من حديث سعد بن عبادة مرفوعًا. قال الهيثمي في "المجمع" 5/ 205: رواه أحمد والبزار والطبراني وفيه رجل لم يسم، وبقية أحد إسنادي أحمد رجالها رجال الصحيح.

22 - باب في الخطبة

22 - باب فِي الخُطْبَةِ 4841 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَمُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ الواحِدِ بْنُ زِيادٍ، حَدَّثَنا عاصِمُ بْن كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيها تَشَهُّدٌ فَهي كاليَدِ الجَذْماءِ" (¬1). * * * باب في الخطبة [4841] (ثنا مسدد وموسى بن إسماعيل) أبو سلمة التبوذكي، الحافظ (قالا: ثنا عبد الواحد بن زياد) العبدي، مولاهم البصري (ثنا عاصم بن كليب، عن أبيه) كليب (¬2) بن شهاب الجرمي، روى له الأربعة، وقد وثق. (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: كل خطبة) لجمعة أو عيد، أو كسوف أو خطبة نكاح أو نحو ذلك (ليس فيها تشهد) وروي في غير المصنف: "شهادة" (¬3). وسمي تشهدًا؛ لأن فيه: أشهد. ومعنى أشهد: أعلم وأبين. والظاهر أن المراد به الشهادة للَّه تعالى بالوحدانية، وفي معناه ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (8697)، وأحمد 2/ 302. وصححه الألباني. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) رواها أحمد 2/ 302، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" 9/ 43، والبيهقي في "السنن" 3/ 209، و"الدعوات الكبير" (2).

الشهادة لمحمد -صلى اللَّه عليه وسلم- بالرسالة، ويحتمل أن يكون (أشهد) لفظ مشترك على كلتا (¬1) الشهادتين (فهي كاليد) إن قلنا: المراد بالتشهد الشهادة بالوحدانية فهو مشبه باليد اليمنى، والشهادة بالرسالة مشبه باليد اليسرى، وشبه الشهادة باليد لأنها من الخطبة بمنزلة اليد من الآدمي، ويحتمل أن يكون -صلى اللَّه عليه وسلم- كنى باليد عما تحويه وتشتمل عليه من الخير الكثير مع اعتقاد المعنى. (الجذماء) بفتح الجيم، وسكون المعجمة، مع المد، فالمذكر أجذم والمؤنث جذماء، والظاهر أن هذا من باب فعل، والمراد به مفعول [أي: كاليد المجذومة، وقد قال النحاة: إن فَعل الواقع موقع مَفْعُولٍ] (¬2) لا يؤنث بالتاء، فلا يقال: كف خضيبة، بل خضيب. بحذفها على المشهور، فإن كان لا يؤنث بالمد أيضًا فلعل المد هنا على غير المشهور، ومعنى الجذماء أي: المقطوعة البركة، وقد يعبر باليد عن الحجة. * * * ¬

_ (¬1) في الأصول: كلا. والجادة ما أثبتناه. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

23 - باب في تنزيل الناس منازلهم

23 - باب فِي تَنْزيلِ النّاسِ مَنازِلَهُمْ 4842 - حَدَّثَنا يَحْيَى بْن إِسْماعِيلَ وابْن أَبي خَلَفٍ، أَنَّ يَحْيَى بْنَ اليَمانِ أَخْبَرَهُمْ عَنْ سُفْيانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبي ثابِتٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبي شَبِيبٍ أَنَّ عائِشَةَ عَلَيْها السَّلامُ مَرَّ بِها سائِلٌ فَأَعْطتْهُ كِسْرَةً، وَمَرَّ بِها رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيابٌ وَهَيْئَةٌ فَأَقْعَدَتْهُ فَأَكَلَ، فَقِيلَ لَها في ذَلِكَ, فَقالَتْ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَنْزِلُوا النّاسَ مَنازِلَهُمْ". قالَ أَبُو داوُدَ: وَحَدِيث يَحْيَى مُخْتَصَرٌ. قالَ أَبُو داوُدَ: مَيْمُونٌ لَمْ يُدْرِكْ عائِشَةَ (¬1). 4843 - حَدَّثَنا إِسْحاقُ بْن إِبْراهِيمَ الصَّوّافُ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن حُمْرانَ، أَخْبَرَنا عَوْفُ بْن أَبي جَمِيلَةَ، عَنْ زِيادِ بْنِ مِخْراقٍ، عَنْ أَبي كِنانَةَ، عَنْ أَبي مُوسَى الأَشْعَري قالَ: قالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ إِكْرامَ ذي الشَّيْبَةِ المُسْلِمِ وَحامِلِ القُرْآنِ غَيْرِ الغالي فِيهِ والجافي عَنْهُ، وَإِكْرامَ ذي السُّلْطانِ المُقْسِطِ" (¬2). * * * باب في تنزيل الناس منازلهم [4842] (ثنا يحيى بن إسماعيل و) محمد بن أحمد (ابن أبي خلف) محمد البغدادي، شيخ مسلم. (أن يحيى بن اليمان) الكوفي، صدوق (أخبرهم عن سفيان) الثوري (عن حبيب (¬3) بن أبي ثابت) قيس بن دينار ¬

_ (¬1) رواه أبو يعلى في "مسنده" (4826)، وأبو نعيم في "الحلية" 4/ 379، والبيهقي في "شعب الإيمان" (10489). (¬2) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (357)، والبزار 8/ 74 (3070)، والبيهقي 8/ 163 من طريق أبي داود. وحسنه الألباني في "المشكاة" (4972). (¬3) فوقها في (ل): (ع).

الأسدي الكاهلي. (عن ميمون بن أبي شبيب) الربعي، أبو نصر الكوفي، صدوق. (أن عائشة رضي اللَّه عنها مر بها سائل) حمل بعضهم السائل على طالب العلم، ولهذا قيل (مر بها سائل) (فأعطته) (¬1) فيه مشروعية إطعام المار بالطريق وإن لم يسأل، لا سيما إذا كان الممرور به يأكل (كسرة) بكسر الكاف، وهي القطعة المكسورة من الخبز، والجمع كسر بكسر الكاف، مثل سدرة وسدر. وفيه فضيلة إطعام الفقير وغيره الكسرة من الخبز ولو بغير أدم إذا لم يتيسر غيرها، وكذا التمرة الواحدة والزبيبة والبصلة ونحو ذلك، ولا يمتنع من إعطاء شيء من ذلك احتقارًا له، فقد ورد ذم ذلك وحصول الإثم عليه. (ومر بها رجل عليه ثياب) فاخرة (وهيئة) بزة في حسن صورته وتنظيف ثيابه وسمته في المشي والحركة ونحو ذلك. (فأقعدته) فيه أن من سنة الضيافة أن يقعد الضيف للأكل ولا يدعه يأكل قائمًا، وكذا الأفضل إقعاده للأكل دون إعطائه ما يأكله في بيته، فإن الأكل في بيت صاحب الطعام فيه فضيلة وبركة لصاحبه. (فأكل) فيه طواعية الضيف لصاحب الطعام في جلوسه إذا أمره بالجلوس، وأكله إذا أمره، وقد يؤخذ منه أن وضع الطعام كاف في الإذن، إذ ليس في الحديث أنها أذنت له في الأكل، وفيه أن الضيف يأكل وإن كان ممتلئا من الطعام، وفيه جواز الأكل للرجل من بيت المرأة وإن كان صاحب المنزل غائبًا إذا لم تكن ريبة ولا خوف (¬2) من ¬

_ (¬1) بعدها في (ل)، (م): فأطعمته. وعليها: خـ. (¬2) في (ل)، (م): خوفا. ولعل المثبت هو الصواب.

مفسدة في الدين والدنيا، وفيه الأكل من طعام أهل الخير للتبرك؛ إذ كانت عائشة ممن يتبرك بها. وفيه أكل الرئيس من طعام الفقراء وإن كان دون حقه ودون ما يليق به تواضعًا للَّه تعالى؛ إذ قد مر الحسن بن علي بقوم من المساكين الذين يسألون الناس على قارعة الطريق، وقد نثروا كسرًا على الأرض في الرمل وهم يأكلون، وكان على بغلته فسلم عليهم، فقالوا له: هلم الغداء يا ابن رسول اللَّه. فقال: نعم، إن اللَّه لا يحب المتكبرين. فنزل وقعد معهم على الأرض وأكل، ثم سلم عليهم فركب، وقال: قد أجبتكم فأجيبوني (¬1). (فقيل لها في ذلك) أي: في إطعامها الأول كسرة ولم تجلسه، وأكرمت الثاني بالجلوس عندها وتقديم الطعام له، ولم تسو بينهما في الإكرام كما في الخصمين عند الحاكم. (فقالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) فيه أن العالم إذا فعل شيئًا يخفى أمره وسئل عن ذلك أن يستدل بالحديث النبوي؛ إذ هو من أقوى الحجج الشرعية، وهو أبلغ من ذكر الحكم (¬2) دون دليل. (أنزلوا الناس) هذِه الرواية تدل على أن الأرجح في رواية مسلم: أمرنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن ننزل الناس منازلهم (¬3). أن يقرأ: (نُنْزِل) بضم النون الأولى وسكون الثانية، مضارع أنزل، والرواية المشهورة: نُنَزِّل بضم الأولى وفتح الثانية وتشديد الزاي، ويدل على هذا تبويب المصنف: (باب تنزيل الثاس) فإنه مصدر نزَّل ¬

_ (¬1) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 14/ 181. (¬2) في (م): الحكمة. (¬3) "مقدمة مسلم" ص 5. من رواية عائشة، قال: ذكر عن عائشة. .

بالتشديد، وهما لغتان نزل وأنزل (¬1) (منازلهم) والمراد بالحديث الحض على مراعاة مقادير الناس ومراتبهم ومناصبهم وتفضيل بعضهم على بعض في الإكرام في المجالس وفي القيام والمخاطبة والمكاتبة وغير ذلك من الحقوق. قال النووي: وهذا في بعض الأحكام أو أكثرها، وقد سوى الشرع بينهم في القصاص والحدود وأسبابها (¬2). انتهى. وفي التعازير يعزر كل أحد بما يليق به، وقد ميز الشرع بينهم بقوله: "ليلني منكم ذوو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم" (¬3) فيقدم في القرب منه الأفضل فالأفضل من البالغين والعقلاء إكرامًا لهم، فيعامل الإمام كل أحد بما يلائم منصبه في الدين والعلم والشرف والمرتبة، فإن اللَّه أعطى (¬4) كل ذي حق حقه. قال الإمام مسلم قبل هذا الحديث (¬5): فلا يقصر بالرجل العالي القدر عن درجته، ولا يرفع متضع القدر في العلم فوق منزلته، ويعطى كل ذي حق حقه، من قول اللَّه تعالى: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} (¬6) وقد أخذ المحدثون من هذا أن عليهم أن يبذلوا وسعهم في تبيين رجال الأسانيد ونقد رجالهم وتمييز صالحهم من طالحهم. (قال: ) المصنف (وحديث يحيى) بن إسماعيل كذا صوابه، وعند اللؤلؤي: ابن اليمان. (مختصر) كان اقتصر فيها على قوله: (أنزلوا ¬

_ (¬1) مكانها بياض في (م). (¬2) "شرح مسلم" 1/ 55. (¬3) رواه مسلم (432، 432 م) من حديث أبي مسعود وعبد اللَّه بن مسعود مرفوعا. (¬4) و (¬5) ساقطة من (م). (¬6) مقدمة "صحيح مسلم" ص 4 - 5.

الناس منازلهم) دون ما قبله من القصة. و(قال: ) المصنف (ميمون) بن أبي شبيب (لم يدرك) زمن (عائشة رضي اللَّه عنها) وعلى هذا فالحديث منقطع، وقد ظهر للمصنف من هذا الحديث ما لم يظهر لمسلم، ولو ظهر له ذلك لما استدل به، إلا أن يكون يرى العمل بالمراسيل، ولفظ مسلم: ذكر عن عائشة (¬1)، وهو مشعر بضعفه، ولفظه ليس جازمًا بصحته، وبالنظر إلى أنه أورده إيراد الأصول لا إيراد الشواهد، ومع ذلك فقد حكم الحاكم في كتاب "علوم الحديث" بصحته (¬2)، ورواه البزار في "مسنده" وقال: هذا الحديث لا يعلم عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلا من هذا الوجه، وقد روي عن عائشة من غير هذا الوجه موقوفًا. قال النووي: وقوله (ميمون لم يدرك عائشة) فيه نظر، فإنه كوفي متقدم قد أدرك المغيرة بن شعبة، ومات المغيرة قبل عائشة. وعند التعاصر مع إمكان التلاقي كان في ثبوت الإدراك، فلو ورد عن ميمون أنه قال: لم ألق عائشة استقام لأبي داود الحديث بعدم إدراكه، وهيهات ذلك. هذا كلام ابن الصلاح (¬3). قال شيخنا ابن حجر (¬4): مات سنة ثلاث وثمانين في وقعة الجماجم (¬5). [4843] (ثنا إسحاق بن إبراهيم) بن محمد الباهلي (الصواف) شيخ ¬

_ (¬1) السابق. (¬2) "معرفة علوم الحديث" ص 95. (¬3) انظر: "الشذا الفياح" 2/ 537. (¬4) ورد في هامش (ل): حش: هو كلام ابن حبان نقله عنه المزي في "تهذيبه" وتبعه. (¬5) "تقريب التهذيب" (7046).

البخاري (حدثنا عبد اللَّه بن حمران) بن عبد اللَّه بن حمران الأموي البصري، أخرج له مسلم. (ثنا عوف بن أبي جميلة) (¬1) يقال: اسمه معاوية بن قرة ولم يثبت، بل ثبت أنه القرشي، قال المنذري: ذكر غير واحد أنه سمع من أبي موسى (¬2) (عن أبي موسى) عبد اللَّه بن قيس الأشعري -رضي اللَّه عنه-. (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن من إجلال اللَّه تعالى) أي: من تعظيمه وتبجيله (إكرام ذي الشيبة) البيضاء (المسلم) أي: تعظيم الشيخ الكبير الذي عمره في الإسلام والإيمان، وطعمه في طفوليته وغذيه واستمر عليه حتى طعن في السن [حتى ابيضت شيبته] (¬3) في الإيمان، فتعظيمه وتوقيره في المجالس وتقديمه في الصلاة على غيره وفي اللحد في القبر والرفق به والشفقة عليه من كمال تعظيم اللَّه لحرمته عند اللَّه تعالى. (وحامل القرآن) أي: قارئه، سماه حاملًا له لما يحمل عليه (¬4) في حفظه من الدرس والمشقة، وفي تفهمه وتدبره والعمل بما فيه، فهو حامل لمشاق كثيرة تزيد على الأحمال الثقيلة (غير الغالي فيه) يعني: المتجاوز للحد في التشدد في العمل به وتتبع ما خفي منه واشتبه من معانيه وانكشف عن علله الدقيقة التي لا يصل إليها عقله بما يبتدعه في الدين ليضل ويضل غيره، ويجاوز حدود قراءته ومخارج حروفه ومدوده. (و) لا (الجافي عنه) والجافي أي: التارك له البعيد عن تلاوته ¬

_ (¬1) كذا في النسخ، وبعدها في "سنن أبي داود": (عن زياد بن مخراق، عن أبي كنانة). (¬2) "مختصر سنن أبي داود" 7/ 191. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) من (م).

والعمل بما فيه من الجفاء، وهو البعد عن الشيء، فجفاه إذا بعد عنه، وفي الحديث: "اقرؤوا القرآن، ولا تجفوا عنه" (¬1) أي: تعاهدوه ولا تبعدوا عن تلاوته حتى تنسوه، لا سيما من أعرض عنه بكثرة النوم والبطالة والإقبال على الدنيا والشهوات، بل ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذ الناس نائمون، وبنهاره إذ الناس مفطرون، وببكائه إذ الناس يضحكون، وبصمته إذ الناس يخوضون، فما أقبح بحامل القرآن أن يتلفظ (¬2) بأحكامه وهو لا يفهم ما يقول! فما حال مثل هذا إلا كمثل الحمار يحمل أسفارًا. (وإكرام ذي السلطان المقسط) بضم الميم (¬3). أي: العادل في حكمه بين رعيته، وروى أبو عبيد بسنده في "فضائل القرآن" عن طلحة بن عبيد اللَّه بن كريز: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن اللَّه يحب معالي الأخلاق، وإن من إعظام جلال اللَّه إكرام ثلاثة: الإمام المقسط، وذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير المغالي فيه ولا الجافي عنه" (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 328 وأبو يعلى 3/ 88 (1518) والطبراني في "الأوسط" 3/ 86 (2574) من حديث عبد الرحمن بن شبل. ورواه الطبراني في "الكبير" 19/ 407 (985) من حديث أبي هريرة. وضعف الدارقطني في "العلل" 9/ 278 حديث أبي هريرة، وصحح حديث عبد الرحمن بن شبل. وقال الهيثمي 4/ 170: رواه أحمد وأبو يعلى باختصار، والطبراني في "الكبير" و"الأوسط" ورجاله ثقات. وصححه الألباني في "الصحيحة" (260). (¬2) في (م): يتغلظ. (¬3) في (م): أوله. (¬4) "فضائل القرآن" (52).

24 - باب في الرجل يجلس بين الرجلين بغير إذنهما

24 - باب فِي الرَّجُلِ يَجْلسُ بَينَ الرَّجُلَيْنِ بِغَيْرِ إِذْنِهِما 4844 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ -المَعْنَى- قالا: حَدَّثَنا حَمّادٌ، حَدَّثَنا عامِرٌ الأَحْوَلُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ -قالَ ابن عَبْدَةَ-، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "لا يُجْلَسُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ إِلَّا بِإِذْنِهِما" (¬1). 4845 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ داوُدَ المَهْري، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ، قالَ: أَخْبَرَني أُسامَةُ ابْنُ زَيْدٍ اللَّيْثي، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "لا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إِلَّا بِإِذْنِهِما" (¬2). * * * باب في الرجل يجلس بين الرجلين بغير إذنهما [4844] (ثنا محمد بن عبيد) بن حساب الغبري البصري، شيخ مسلم (وأحمد بن عبدة الضبي، قالا: ثنا حماد) بن زيد (ثنا عامر) بن عبد الواحد (الأحول) أخرج له مسلم (عن عمرو بن شعيب قال) أحمد (ابن عبدة: عن أبيه، عن جده) تقدم. (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: لا يُجلَس) بضم أوله، مبني للمجهول (بين رجلين) وكذا المرأة بين المرأتين، والصبي بين صبيين (إلا بإذنهما) الظاهر أن النهي عن الجلوس بين الاثنين بغير إذنهما يوقع في أنفسهما انتقاصهما واحتقارهما؛ تفاؤلا بحصول الفرقة بينهما، إذ فرق بينهما ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (4952)، وأحمد 2/ 213، والبخاري في "الأدب المفرد" (1142). وحسنه الألباني في "الصحيحة" (2385). (¬2) رواه الترمذي (4952)، وأحمد 2/ 213، والبخاري في "الأدب المفرد" (1142). وحسنه الألباني في "الصحيحة" (2385).

في الجلوس، وربما احتاجا إلى كلام فيسمع كلامهما والسر الذي بينهما، ويؤدي ذلك إلى التنافر والتهاجر، فنهي عن ذلك إلا بإذنهما، ويحتمل أن يكون ذلك كان في أول الإسلام حين كان المنافقون يجالسونهم ويخشى منهم الاطلاع على أحوال المؤمنين. [4845] (ثنا سليمان بن داود المهري) بفتح الميم، أبو الربيع المصري، ثقة فقيه (ثنا) عبد اللَّه (ابن وهب، أخبرني أسامة بن زيد الليثي) و (أخر له) (¬1) مسلم (عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن) جده محمد بن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، فروايته هنا عن جده المجازي (عبد اللَّه بن عمرو) بن العاص صار السند متصلا، وارتفع احتمال الإرسال بأن يروي عن جده الحقيقي محمد بن عبد اللَّه. (عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: لا يحل لرجل) ولا لامرأة (أن يفرق بين اثنين) هذا الحديث أعم مما قبله؛ فإنه يدخل فيه الفرقة الحقيقية بين الجسدين، والمعنوية بأن ينقل بينهما كلاما يوجب التهاجر بينهما والمعاداة بما نقل بينهما من النميمة، وتدخل فيه التفرقة بين الجالسين والقائمين والمضطجعين، وكذا إذا اختلف في القيام والجلوس والاضطجاع (إلا بإذنهما) بصريح اللفظ والإشارة المفهمة، والظاهر أنه إذا علم أو غلب على ظنه رضاهما كان حكمه حكم الإذن، فإن شك فلا. * * * ¬

_ (¬1) في الأصول: أخرجه.

25 - باب في جلوس الرجل

25 - باب في جُلُوسِ الرَّجُلِ 4846 - حَدَّثَنا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن إِبْراهِيمَ، قالَ: حَدَّثَني إِسْحاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصاري، عَنْ رُبَيْحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْري أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كانَ إِذا جَلَسَ احْتَبَى بِيَدِهِ. قالَ أَبُو داوُدَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْراهِيمَ شَيْخٌ مُنْكَرُ الحَدِيثِ (¬1). 4847 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ وَمُوسَى بْن إِسْماعِيلَ قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسّانَ العَنْبَري قالَ: حَدَّثَتْني جَدَّتاي صَفِيَّةُ وَدُحَيْبَةُ ابنتا عُلَيْبَةَ -قالَ مُوسَى: بِنْتُ حَرْمَلَةَ- وَكانَتا رَبِيبَتَي قَيْلَةَ بِنْتِ مَخْرَمَةَ، وَكانَتْ جَدَّةَ أَبِيهِما أَنَّها أَخْبَرَتْهُما أَنَّها رَأَتِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وَهُوَ قاعِدٌ القُرْفُصاءَ: فَلَمّا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- المُخْتَشِعَ -وقالَ مُوسَى: المُتَخَشِّعَ في الجِلْسَةِ- أُرْعِدْتُ مِنَ الفَرَقِ (¬2). * * * باب في جلوس الرجل [4846] (ثنا سلمة بن شبيب) روى عنه الجماعة سوى البخاري (حدثنا عبد اللَّه بن إبراهيم) الغفاري المدني (حدثني إسحاق بن محمد الأنصاري) مجهول، تفرد عنه الغفاري. (عن رُبيح) بضم الراء المهملة وفتح الباء الموحدة وسكون المثناة ¬

_ (¬1) رواه الترمذي في "الشمائل المحمدية" (130)، وأبو الشيخ في "أخلاق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" (782)، والبيهقي في "السنن الكبرى" 3/ 334. وصححه لغيره الألباني في "السلسلة الصحيحة" (827). (¬2) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (1178)، والترمذي في "الشمائل" (127)، والبيهقي في "السنن الكبرى" 3/ 333. وصححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد" (902).

تحت (¬1) بعدها حاء مهملة (بن عبد الرحمن) بن أبي سعيد الخدري، قال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به (¬2). قال المنذري: قال محمد بن عبد اللَّه بن عمار: ثقة (¬3). (عن أبيه) عبد الرحمن (عن جده أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا جلس) مع أصحابه في غير الصلاة (احتبى) والاحتباء أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه يجمعهما بثوب يحيط بذلك مع ظهره ليشد ساقيه إلى بطنه، وهي جلسة الأعراب، ومنه الحديث: "الاحتباء حيطان العرب" (¬4) أي: ليس في البراري حيطان يستندون إليها، فاذا أرادوا أن يستندوا احتبوا؛ لأن الاحتباء يمنعهم من السقوط ويصير لهم كالجدار، والثوب الذي يحتبون (¬5) به يسمى الحبوة، وهذِه الحبوة تستعملها الصوفية؛ لأنها تمنعهم من النوم على الأرض مضطجعين؛ فإنهم ينامون محتبين؛ ليكون نومهم خفيفًا لا يستغرقون فيه ولا ينتقض وضوؤهم إذا ناموا مع الاحتباء؛ لتمكن مقعدهم من الأرض. (بيده) أي: بيديه جميعًا عوضًا عن الثوب، كما جاء في البخاري عن ابن عمر: رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بفناء الكعبة محتبيًا بيديه (¬6). وفي هذا بيان تقلله -صلى اللَّه عليه وسلم- من الدنيا وشدة عيشه وتخشنه، وتعوضه عن ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) "الكامل" 4/ 112. (¬3) الذي في "مختصر سنن أبي داود" 7/ 192: قال الإمام أحمد: ربيح ليس بالمعروف. (¬4) رواه الرامهرمزي (117)، والقضاعي في "الشهاب" 1/ 75 (68) عن معاذ بن جبل مرفوعا. (¬5) في (ل، م): يحتبوا. والمثبت هو الصواب. (¬6) "صحيح البخاري" (6272).

الحبوة التي تصنع في هذا الزمان بأنواع النقوش والتحاريم والمغالاة في حسنها بيديه الكريمتين، كما كان عيسى -عليه السلام- يتعوض عن المشط بأصابع يديه يخلل بهما لحيته، وكانت الصحابة -رضي اللَّه عنهم- يستعملون الآلة الواحدة بمنافع كثيرة، فيستغنون بها عن آلات كثيرة، وكل هذا تقلل من الدنيا، "كن في الدنيا كأنك غريب" [كما في الحديث] (¬1)؛ إذ الغريب المسافر يتقلل من الآلات ما أمكنه؛ لثقل حمله على الدواب، واللَّه الموفق. (قال) المصنف (عبد اللَّه بن إبراهيم) بن أبي عمرو (منكر الحديث). وقال ابن حبان: يضع الحديث (¬2). وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه (¬3). [4847] (حدثنا حفص بن عمر) الحوضي، شيخ البخاري (وموسى ابن إسماعيل، قالا: ثنا عبد اللَّه بن حسان) أبو الجنيد (العنبري) البصري، أخرج له البخاري في كتاب "الأدب". (حدثني جدتاي صفية ودحيبة) بضم الدال وفتح الحاء المهملتين وسكون ياء التصغير ثم موحدة (ابنتا عليبة) بضم العين المهملة وبعد ياء التصغير باء موحدة، العنبرية، مقبولة (قال موسى) بن إسماعيل: هي (بنت حرملة) قال الذهبي: جدها حرملة (¬4). لا أبوها، وهو حرملة ابن عبد اللَّه بن إياس التميمي، ذكره البخاري في كتاب "الأدب" (¬5)، ¬

_ (¬1) ساقط من (م)، والحديث رواه البخاري (6416) من حديث ابن عمر. (¬2) نسبه في "المجروحين" 2/ 37 إلى الوضع، وانظر: "تهذيب الكمال" 14/ 275. (¬3) "الكامل" 5/ 319. (¬4) "الكاشف" 2/ 507 (6990). (¬5) "الأدب المفرد" (222).

وهو صحابي (وكانتا ربيبتي قيلة) بفتح القاف وسكون التحتانية (بنت مخرمة) العنبرية، وقيل: (وكانت جدة أبيهما) وربتهما وحضنتهما. (أنها أخبرتهما أنها رأت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) وقد مر طرف من هذا الحديث في إقطاع الأرضين من كتاب الخراج والإمارة، بلفظ: أنها أخبرتهما قالت: قدمنا على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. . . الحديث بطوله (¬1)، قال في "الاستيعاب": قد شرح حديثها أهل العلم بالغريب، وهو حديث حسن (¬2). (وهو قاعد القرفصاء) بضم القاف والفاء، قال الفراء: إذا ضممت مددت، وإذا كسرت قصرت، وهي جلسة المحتبي بيديه، قال البخاري في باب الاحتباء باليد: وهو القرفصاء (¬3). وهي جلسة المستوفز، وهي أن يجلس على أليتيه ويلصق فخذيه ببطنه، ويحتبي بيديه يضعهما على ساقيه كما يحتبي بالثوب، تكون [يداه مكان] (¬4) الثوب. قالت: (فلما رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المختشع) بضم الميم وسكون الخاء، وهو معرفة في معنى النكرة، أي: رأيته مختشعًا. (وقال موسى) بن إسماعيل (المتخشع) بتقديم التاء على الخاء، وهما بمعنى واحد، يقال: خشع واختشع وتخشع، والخشوع أثر الخوف والسكون والخضوع للَّه، وأصله النظر إلى الأرض وخفض الصوت. قال الليث: الخشوع قريب المعنى من الخضوع، إلا أن الخضوع في البدن، والخشوع في القلب والبصر والصوت (¬5). ¬

_ (¬1) تقدم برقم (3070). (¬2) "الاستيعاب" 4/ 459. (¬3) "البخاري" قبل حديث (6272). (¬4) مكانها في (م) بياض بمقدار كلمة. (¬5) انظر: "إكمال المعلم" 8/ 563.

(في الجلسة) بكسر الجيم هي الهيئة، والجلسة بالفتح: المرة الواحدة من الجلوس (أُرعدت) بضم الهمزة مبني لما لم يسمَّ فاعله يعني: فرائصي، أي: أرجفت واضطربت (من الفرق) بفتح الفاء والراء، أي: من شدة الخوف والفزع، وفيه ما كان عليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وجمع فيه من حسن السمت وكثرة الخشوع والخضوع والأخلاق الجميلة، حتى كان يخافه ويرتجف منه من رآه من شدة المهابة التي أعطيها وأوقعها اللَّه في قلوب من شاهده، حتى كان يسكِّنهم، فلقد قال للذي أرعدت [فرائصه] (¬1) عند رؤيته: "إني ابن امرأة تأكل القديد" (¬2) إلى غير ذلك، وكذا مهابته إذا ذكر، فقد كان جعفر بن محمد كثير الدعاء والتبسم، فإذا ذُكر عنده النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- اصفر لونه [وتغير لونه] (¬3)، وما كان يتحدث عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلا على طهارة. وكان عبد الرحمن بن القاسم إذا ذكر عنده النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يُنظر إلى لونه كأنه ينزف منه الدم، ويجف لسانه في فمه (¬4). * * * ¬

_ (¬1) زيادة يقتضيها السياق. (¬2) رواه الطبراني في "الأوسط" 2/ 64 (1265)، والحاكم 2/ 467 من حديث جرير ابن عبد اللَّه. قال الهيثمي في "المجمع" 9/ 20: رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه من لم أعرفهم. ورواه ابن ماجه (3312)، وأبو الشيخ في "أخلاق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" (132)، والحاكم 3/ 48 من حديث أبي مسعود. قال البوصيري في "زوائده" (1084): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات. وانظر: "السلسلة الصحيحة" (1876). (¬3) ساقطة من (م). (¬4) انظر: "الشفا بتعريف حقوق المصطفى -صلى اللَّه عليه وسلم-" 2/ 42.

26 - باب في الجلسة المكروهة

26 - باب فِي الجِلْسَةِ المَكْرُوهَةِ 4848 - حَدَّثَنا عَلي بْنُ بَحْرٍ، حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا ابن جُرَيْجٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ، عَنْ أَبِيهِ الشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ قالَ: مَرَّ بي رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَأَنا جالِسٌ هَكَذا وَقَدْ وَضَعْتُ يَدي اليُسْرى خَلْفَ ظَهْري واتَّكَأْتُ عَلَى أَلْيَةِ يَدي فَقالَ: "أَتَقْعُدُ قِعْدَةَ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ" (¬1). * * * باب [الجلسة المكروهة] (¬2) [4848] (حدثنا علي بن بحر) بفتح الموحدة وسكون الحاء المهملة، ابن البَرِّي بفتح الموحدة وتشديد الراء المهملة المكسورة، حافظ، ثقة، فارسي الأصل (حدثنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق، أحد الأعلام. (ثنا) عبد الملك (ابن جريج، عن إبراهيم بن ميسرة) المكي (عن عمرو بن الشريد) بفتح الشين المعجمة وكسر الراء المخففة، أخرج له الشيخان (عن أبيه الشريد بن سويد) الثقفي، قيل: إنه من حضرموت، فخالف ثقيفًا، وشهد الحديبية. روى عمرو بن الشريد [عن أبيه] (¬3) قال: استنشدني النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من شعر أمية بن أبي الصلت (¬4). (قال: مر بي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنا جالس هكذا) ثم بَيَّن جلسته التي كان ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 388، وابن حبان (5674). وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (3066). (¬2) بياض في (م). (¬3) ما بين المعقوفتين ليس في الأصول، وأثبتناه من "صحيح مسلم". (¬4) رواه مسلم (2255).

عليها (وقد وضعت يدي) بسكون ياء المتكلم، ويجوز تحريكها بالفتح (اليسرى خلف ظهري واتكأت) بهمزة ساكنة بعد الكاف (على ألية) بفتح الهمزة وسكون اللام (يدي) بكسر الدال، وألية اليد هي اللحمة التي في أصل الإبهام، والصرة هي اللحمة التي في أصل الخنصر ومنه الحديث: فتفل في عين علي ومسحها بألية إبهامه (¬1). وحديث البراء: السجود على أليتي الكف (¬2). أراد ألية الإبهام وصرة الخنصر فغلب، كالقمرين والعمرين. (قال: أتقعد) استفهام إنكار وتوبيخ (قعدة) بكسر القاف الهيئة والحالة، وأما فتح القاف فللمرة الواحدة من القعود (المغضوب عليهم؟ ) يحتمل أن يكون الألف واللام للعهد المذكور في قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} (¬3)، وهم اليهود، فلعل هذِه القعدة من عادتهم، ويحتمل أن يكون المغضوب عليهم هم الغاضبين للَّه تعالى، ويحتمل أن تكون هذِه القعدة قعدة المتكبرين أو المبتدعين، ويحتمل غير ذلك. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "الغريبين" 1/ 99، "الفائق في غريب الحديث والأثر" 1/ 53، "غريب الحديث" لابن الجوزي 1/ 39، "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 64. (¬2) رواه أحمد 4/ 294، وابن خزيمة 1/ 323 (639) والحاكم 1/ 227، والبيهقي 2/ 107 مرفوعا. قال الهيثمي في "المجمع" 2/ 125: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. وانظر: "الصحيحة" (2966). (¬3) الفاتحة: 7.

27 - باب النهي عن السمر بعد العشاء

27 - باب النَّهْي عَنِ السَّمَرِ بَعْدَ العِشاءِ 4849 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ عَوْفٍ، قالَ: حَدَّثَني أَبُو المِنْهالِ، عَنْ أَبي بَرْزَةَ قالَ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَنْهَى عَنِ النَّوْمِ قَبْلَها والحَدِيثِ بَعْدَها (¬1). * * * باب النهي عن السمر بعد العشاء [4849] (حدثنا مسدد، حدثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عوف) الأعرابي (حدثني أبو (¬2) المنهال) (عبد الرحمن بن مطعم المكي) (¬3) (عن أبي برزة) نضلة بن عبيد الأسلمي. (قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن النوم قبلها) قال ابن الصلاح: كراهة النوم تعم سائر الأوقات (¬4). وكأن مراده بعد دخول الوقت كما يشعر به كلامهم في العشاء، ويحتمل أن يكره بعد المغرب وإن لم يدخل وقت العشاء؛ لخوف الاستغراق أو التكاسل، وكذا قبيل الغروب لا سيما على الجديد، فيظهر تحريمه بعد الغروب، ويستثنى من الكراهة إذا غلبه النوم أو النعاس مع امتداد الوقت. (والحديث بعدها) أي: بعد فعل العشاء؛ لأن الحديث بعدها قد ¬

_ (¬1) رواه البخاري (547)، ومسلم (647). (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) كذا في النسخ، وهو خطأ، والصواب: (سيار بن سلامة الرياحي)؛ ذاك رجل آخر يكنى أبا المنهال أيضًا. انظر: "تهذيب الكمال" 22/ 437 (4545)، 12/ 308 (2667)، 29/ 407 (6437). (¬4) "فتاوى ابن الصلاح" ص 229.

يستغرق ويطول، فيشتغل عن قيام الليل وصلاة الصبح أو غيره من مصالح الآخرة، وقيل: الكراهة لئلا يلغو في الكلام فيختم عمله بسيئ، والنوم أخو الموت. قال القرطبي: ويظهر في كراهته أن اللَّه جعل الليل سكنًا أي: يسكن فيه، فإذا تحدث الإنسان فيه فقد جعله كالنهار، وخالف حكمة اللَّه تعالى (¬1). وقيد أصحابنا الكراهة بحديث لا خير فيه، أما ما فيه خير كمذاكرة العلم وأحاديث الصالحين والحديث مع الضيف للمؤانسة ونحو ذلك. قال النووي: والمراد بالحديث الذي يكره بعدها ما كان مباحًا فرب غير هذا الوقت، أما المكروه في غيرها فهو هنا أشد كراهة (¬2). * * * ¬

_ (¬1) "المفهم" 2/ 271. (¬2) "المجموع" 3/ 44.

29 - باب في التناجي

29 - باب فِي التَّناجي 4851 - حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بْن أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوَيةَ -يَعْني: ابن سَلَمَةَ-، عَنِ الأَعْمَشِ، ح وَحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يَنْتَجي اثْنانِ دُونَ الثّالِثِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ" (¬1). 4852 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صالِحٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِثْلَهُ. قالَ أَبُو صالِحٍ: فَقُلْتُ لابْنِ عُمَرَ: فَأَرْبَعَةٌ؟ قالَ: لا يَضُرُّكَ (¬2). * * * باب في التناجي [4851] (ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (عن الأعمش، ح، وحدثنا مسدد، ثنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق أحد الأعلام (ثنا الأعمش، عن) أبي وائل (شقيق) بن سلمة الأسدي (عن عبد اللَّه) بن مسعود -رضي اللَّه عنه-. (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ألا لا ينتجي) بسكون النون وكسر الجيم على وزن يفتعل، وبها قرأ حمزة في قوله: (وينتجون) (¬3)، ورواية الصحيحين: ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6290)، ومسلم (2184). (¬2) رواه أحمد 2/ 43، والبخاري في "الأدب المفرد" (1170)، وابن حبان (584). وصححه الألباني في "الصحيحة" (1402). (¬3) انظر: "السبعة" ص 628، "الحجة للقراء السبعة" 6/ 278.

"لا يتناجى" (¬1)، وبها قرأ جمهور القراء في {وَيَتَنَاجَوْنَ} (¬2)، وأصل الروايتين من النجوى، وهي السِّرُّ. (اثنان دون الثالث) خصَّ الثلاثة بالذكر؛ لأنه أقل عدد يتأتى فيه ذلك المعنى، وقد نبه في آخر الحديث على التعليل بقوله: (فإن ذلك يحزنه) كما قال في الآية: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} (¬3)، والمراد أن الثالث يقع في نفسه ما يحزن لأجل ذلك بأن يقدر في نفسه أن الحديث عنه بما يكره، أو أنهم لم يروه أهلا لأن يشركوه في حديثهم، إلى غير ذلك من وساوس الشيطان وحديث النفس، وحصل ذلك كله من بقائه وحده، فإذا كان غيره أمن ذلك. وفي معنى مناجاة الاثنين كلامهما بلسان لا يعرفه الثالث، كالتركي والعجمي، فإنه لا يفهم ما يتحدثون به، ويحزنه سماع ذلك، وهذا الحديث يعم جميع الأزمان والأحوال. وإليه ذهب ابن عمر ومالك وغيرهما من الجمهور، وذهب بعض الناس إلى أن ذلك كان في أول الإسلام؛ لأن ذلك كان حال المنافقين، يتناجى المنافقون دون المؤمنين، فلما فشا الإسلام سقط ذلك. وقال بعضهم: ذلك خاص بالسفر وفي المواضع التي لا يأمن الرجل فيها صاحبه، فأما في الحضر وبين العمارة فلا. قال القرطبي: وكل ذلك تحكم وتخصيص لا دليل عليه، والصحيح ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (6290)، "صحيح مسلم" (2184). (¬2) المجادلة: 8. (¬3) المجادلة: 10.

ما صار إليه الجمهور (¬1). [4852] (ثنا مسدد، ثنا عيسى بن يونس، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح) السمان (عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) فذكر (مثله). و (قال أبو صالح) ذكوان (فقلت لابن عمر: فأربعة؟ ) إذا كانوا (قال: لا يضرك) الناجي حينئذٍ. قال النووي: هذا نهي تحريم، فيحرم على الجماعة المناجاة دون واحد منهم، إلا أن يأذن، ومذهب ابن عمر وأصحابنا أن النهي عام في كل الأزمان وفي الحضر والسفر (¬2). * * * ¬

_ (¬1) "المفهم" 5/ 525. (¬2) "شرح مسلم" 7/ 322.

30 - باب إذا قام من مجلس ثم رجع

30 - باب إِذا قامَ مِنْ مَجْلِسٍ ثُمَّ رَجَعَ 4853 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبي صالِحٍ قالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبي جالِسًا وَعِنْدَهُ غُلامٌ، فَقامَ ثمَّ رَجَعَ فَحَدَّثَ أَبي، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِذا قامَ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسٍ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ" (¬1). 4854 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازي، حَدَّثَنا مُبَشِّرٌ الحَلَبي، عَنْ تَمّامِ بْنِ نَجِيح، عَنْ كَعْبٍ الإِيادي قالَ: كُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى أَبي الدَّرْداءِ فَقالَ أَبُو الدَّرْداءِ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِذا جَلَسَ وَجَلَسْنا حَوْلَهُ فَقامَ فَأَرادَ الرُّجُوعَ نَزَعَ نَعْلَيْهِ أَوْ بَعْضَ ما يَكُونُ عَلَيْهِ فَيَعْرِفُ ذَلِكَ أَصْحابُهُ فَيَثْبُتُونَ (¬2). * * * باب إذا قام من مجلس ثم رجع [4853] (ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد) بن سلمة (عن سهيل بن أبي صالح) السمان (قال: كنت عند أبي) أبي صالح ذكوان (جالسًا وعنده غلام، فقام) الغلام من مجلسه فمشى (ثم رجع) إليه (فحدث أبي) أبو صالح. (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إذا قام الرجل) وفي معناه: المرأة والصبي (من مجلس) مباح من مسجد ومدرسة ورباط وخانقاه. (ثم رجع إليه) يفهم أنه إذا لم يرجع إليه، بل ذهب في حاجة له فإنه يسقط حقه. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2179). (¬2) رواه ابن حبان في "الثقات" 5/ 335، والطبراني في "الأوسط" 1/ 135 (424)، والبيهقي 6/ 151 من طريق أبي داود. وضعفه الألباني في "السلسلة الضعيفة" (5767).

(فهو أحق به) في تلك الصلاة التي جلس لأجلها، وكذا من كان في مجلس علم فهو أحق به في ذلك المجلس، سواء كان معلِّما أو متعلِّما، فإن كان قد قعد فيه غيره فله أن يقيمه، وعلى القاعد أن يفارقه لهذا الحديث، هذا هو الصحيح عند أصحابنا (¬1)، وأنه يجب على من قعد فيه أن يفارقه إذا رجع الأول، وإن امتنع من ذلك فللحاكم والناظر في ذلك أن يقهره ويزعجه عنه، قال بعض العلماء: هذا مستحب ولا يجب. وهو مذهب مالك (¬2)؛ لأن موضع هذِه الأماكن الإباحة، فلا ينتقل إلى الوجوب، قال أصحابنا: [ولا فرق بين أن يقوم ويترك فيه سجادة أو منديلًا ولو غير مفروش أو لم يترك. قال أصحابنا] (¬3): وإنما يصير أحق به في تلك الصلاة وحدها، وكذا في مجلس العلم وحده دون غيرهما. [4854] (حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي) شيخ الشيخين (حدثنا مبشر) بضم الميم وفتح الموحدة وكسر الشين المعجمة المشددة، وهو ابن إسماعيل (الكلبي) (¬4) مولى الكلبيين (عن تمام) بفتح المثناة فوق والميم المشددة (ابن نجيح) الأسدي الدمشقي، نزيل حلب. قال يحيى ابن معين: ثقة (¬5). والمشهور أنه ضعيف. (عن كعب) بن ذهل (الإيادي) بكسر الهمزة وتخفيف التحتانية من الطبقة الوسطى من التابعين. ¬

_ (¬1) انظر: "الحاوي الكبير" 2/ 456. (¬2) انظر: "الكافي في فقه أهل المدينة" 2/ 1138. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) في (م): الحلبي. (¬5) "تاريخ ابن معين" رواية الدوري 4/ 429.

(قال: كنت اختلف إلى أبي الدرداء -رضي اللَّه عنه-) فيه فضيلة كثرة المراجعة إلى أهل العلم والدين، والتردد إليهم؛ للأخذ عنهم والاقتداء بهم. (فقال أبو الدرداء) عويمر -رضي اللَّه عنه- (كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا جلس) في المسجد أو غيره (وجلسنا حوله) لسماع حديثه، واغتنام رؤيته والاهتداء بهدايته ونحو ذلك (فقام) إلى حاجته (فأراد الرجوع) إليه (نزع نعليه) النعل: هي [التي] تلبس في المشي، تسمى الآن تاسومة، وهي طاق واحد، وكانت العرب تمدح برقَّة النعل، وتجعلها من لباس الملوك. وفيه أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان لا يلازم لبس النعل، بل إن وجد لبس، وإلا تركه، وفيه أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا أراد الرجوع نزع نعليه، ومشى حافيًا؛ ليستدل أصحابه بترك نعليه على أنه يرجع إليهم عن قريب. (أو) نزع (بعض ما يكون عليه) من الثياب (فيعرف ذلك أصحابه) أي: يعرف أصحابه أنه يرجع إليهم قريبًا (فيثبتون مكانهم) إلى أن يرجع إليهم، وهذا أدب (¬1) من آداب الشريعة ينبغي الاعتناء به، والمبادرة إلى العمل به لأكابر العلماء ومن يقتدى بهم من المشايخ وأهل الصلاح. وقد وفق اللَّه تعالى للعمل بهذا الحديث وقررت عند جماعتنا أنني إذا صليت بهم أو قمت عن مجالستهم وتركت في مكاني منديلًا أو فوقانيًّا من الملبوس يعرفون أني آتي لهم، فأذكرهم أو أقرأ أو أفعل شيئًا مما يحتاج إليه، وإن لم يكن شيء (¬2) شرعوا في أمورهم مستقلين بها، اللهم أرنا الحقَّ حقًّا وارزقنا اتباعه. * * * ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) في الأصول: شيئًا.

31 - باب كراهية أن يقوم الرجل من مجلسه ولا يذكر الله

31 - باب كَراهِيَةِ أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ ولا يَذْكُرُ اللَّه 4855 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبّاحِ البَزّازُ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بْن زَكَرِيّا، عَنْ سُهَيْلِ ابْنِ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ إِلَّا قامُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمارٍ وَكانَ لَهُمْ حَسْرَةً" (¬1). 4856 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنِ ابن عَجْلانَ، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُري، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّهُ قالَ: "مَنْ قَعَدَ مَقْعَدًا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ فِيهِ كانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ تِرَةً، وَمَنِ اضْطَجَعَ مَضْجَعًا لا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهِ كانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ تِرَةً" (¬2). * * * باب كراهة أن يقوم الرجل من مجلسه ولا يذكر اللَّه [4855] (ثنا محمد بن الصباح البزاز) بزاءين معجمتين، مصنف "السنن" (ثنا إسماعيل بن زكريا) البغدادي (عن سهيل بن أبي صالح) السمان (عن أبيه) ذكوان (عن أبي هريرة، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ما من قوم) القوم مخصوص بالرجال، والظاهر أن النساء إذا [اجتمعن ولم يذكرن] (¬3) اللَّه فإنهن أسوأ حالًا من الرجال غالبًا؛ فيتناولهن الذم، ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3380)، وأحمد 2/ 389. وصححه الألباني في "الصحيحة" (77). (¬2) رواه النسائي في "الكبرى" (10237)، والطبراني في "مسند الشاميين" (1324)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (ص 674)، والبيهقي في "الشعب" 2/ 76 (540، 541). وصححه الألباني في "الصحيحة" (78). (¬3) في (ل)، (م): اجتمعوا ولم يذكروا، والمثبت هو الصواب.

وأما الصبيان فالظاهر أنهم لا يدخلون في ذلك. (يقومون من مجلس) كانوا يتحدثون فيه، وأما إذا لم يتحدثوا فيه فالظاهر أنه لا يحصل لهم هذا الذم كما سيأتي، والظاهر أن القوم الرجال أو النساء إذا قاموا في مقام وتحدثوا فيه كما في جلوسهم فلهم حكم الجالسين إذا قاموا من المجلس (لا يذكرون اللَّه) الأصل فيه ذكر: لا إله إلا اللَّه، وفي معناه القراءة والتسبيح والحمد والاستغفار، ونحو ذلك. (إلا قاموا) وفارقوا ذلك المجلس (عن مثل جيفة حمار) وذلك مما يخوضون من الكلام في أعراض الناس كما هو الغالب، وأما إذا تكلموا بكلام لا إثم فيه ولا عقاب -وهو نادر في هذا الزمان- فلا يقومون عن مثل جيفة حمار. (وكان لهم) أي: عليهم كما للطبراني في "الكبير": "ما من قوم اجتمعوا في مجلس فتفرقوا ولم يذكروا اللَّه إلا كان ذلك المجلس" (حسرة) "عليهم يوم القيامة" (¬1)، فيما فرطوه في مجلسهم ذلك من ذكر اللَّه تعالى، فيتحسر المؤمن يوم القيامة على كل لحظة من عمره لم يستعملها فيما يحصل له فيه ثواب، فلحظة من العمر أنفس من كنز أو دُرة ثمينة. [4856] (حدثنا قتيبة بن سعيد) البلخي (ثنا الليث، عن) محمد (ابن عجلان) المدني الفقيه، وثقه أحمد (¬2) وابن معين (¬3) (عن سعيد المقبري، ¬

_ (¬1) هو في "الأوسط" 4/ 112 (3744) من حديث عبد اللَّه بن مغفل. (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 105. (¬3) انظر: "الجرح والتعديل" 8/ 49.

عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: من قعد مقعدًا) وحده أو مع قوم (لم يذكر اللَّه تعالى فيه) بلفظه أو قلبه (كانت عليه من اللَّه تعالى ترة) بكسر التاء المثناة فوق وفتح الراء المهملة المخففة، ثم تاء تأنيث، والهاء فيه عوض عن الواو المحذوفة من الأول، أي: نقصًا، من قوله تعالى: {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} (¬1) وهذا النقص إن كان في ذلك المقعد لم يتكلم بما ينقصه في دينه، فليس هو نقص في الدين؛ بل هو نقص من عمره أذهبه فيما لا ثواب فيه، وإن تكلم فيه بما ينقصه في دينه فهو نقص في دينه، ويؤخذ من الحديث أن من جلس مجلسًا وذكر اللَّه تعالى كان ذلك الذكر كفارة لما وقع في ذلك المجلس. (ومن اضطجع مضجعًا) (¬2) بفتح الميم وكسر الجيم وفتحها، أي: على جنبه الأيمن أو الأيسر، وإن كان الأيمن أولى (لا يذكر اللَّه تعالى فيه إلا (¬3) كانت عليه من اللَّه ترة) زاد أحمد وغيره: "وما مشى أحد ممشى لا يذكر اللَّه تعالى فيه إلا كان عليه من اللَّه ترة" (¬4). * * * ¬

_ (¬1) محمد: 35. (¬2) قبلها في (ل)، (م): مضطجعًا، وعليها: خـ. (¬3) ساقطة من (ل). (¬4) "مسند أحمد" 2/ 432، ورواه أيضًا: النسائي في "الكبرى" 6/ 107 (10238)، وابن حبان 3/ 133 (853)، والطبراني في "الدعاء" (1927)، والبيهقي في "الشعب" 2/ 76 (539).

28 - باب في الرجل يجلس متربعا

28 - باب فِي الرَّجُلِ يَجْلِسُ مُتَرَبِّعًا 4850 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا أَبُو داوُدَ الحَفَري، حَدَّثَنا سُفْيانُ الثَّوْري، عَنْ سِماكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قالَ: كانَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إِذا صَلَّى الفَجْرَ تَرَبَّعَ في مَجْلِسِهِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسْناءَ (¬1). * * * باب الرجل يجلس متربعًا [4850] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أبو داود) عمر بن سعد (الحفري) بفتح الحاء المهملة والفاء المخففة والراء المهملة، نسبة إلى محلة بالكوفة يقال لها: الحفر. قال ابن دريد: الحفراء والحفيراء موضعان بين مكة والبصرة (¬2). (حدثنا سفيان) بن سعيد (الثوري، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة -رضي اللَّه عنه- قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا صلى الفجر) بأصحابه (تربع في مجلسه) الذي صلى فيه؛ لأنها أبعد في طرد النعاس، ولأنها مخالفة لهيئة الصلاة، فإذا دخل الداخل ووجد الإمام متربعًا علم أنه ليس في صلاة، ولم أجد في رواية أنه كان مستقبل القبلة، بل ورد أنه كان إذا صلى [الغداة أقبل عليهم بوجهه الكريم، فلفظ مسلم: عن جابر بن سمرة: كان إذا صلى] (¬3) الفجر جلس في مصلاه (¬4) (حتى تطلع الشمس) ¬

_ (¬1) رواه مسلم (670). (¬2) "جمهرة اللغة" 1/ 518 وفيه: الحض والضير. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) "صحيح مسلم" (670/ 287).

وترتفع كرمح، ويوضحه ما جاء في رواية: حتى تمكنه (¬1). (حسناء) بفتح الحاء والسين المهملة، هو صفة لمصدر محذوف، أي: تطلع طلوعًا حسنًا، أي: بيِّنًا. وقيل: معناه: حتى تطلع مرتفعة كرمح، كما تقدم، وهذِه رواية الأكثر، ورواه بعضهم: حِينًا. بكسر الحاء المهملة وسكون الياء المثناة تحت ثم نون، كأنه يريد مدة جلوسه، حكاه المنذري، قال: ورواه بعضهم بفتح الحاء المهملة وسكون السين المهملة، يعني: ثم ألف ممدودة على وزن فعلاء ممدود. قال: وإنما يظهر حسنها إذا أخذت في الارتفاع، فحينئذٍ تكامل ضوؤها. قيل: وفي هذا فائدتان: إحداهما: الجلوس للذكر، فإنه وقت شريف. الثاني: أنه لما تعبد الإنسان للَّه تعالى قبل طلوع الشمس بالصلاة، لزمه الجلوس بعد صلاة الصبح إلى أن تنتهي حركات الساجدين للشمس إذا طلعت (¬2)، وفيه حكمة عظيمة في تفضل اللَّه على المتعبدين بالمنع من الصلاة في هذا الوقت راحة لأبدانهم. * * * ¬

_ (¬1) رواها الطبراني في "الكبير" 11/ 359 (834)، و"الأوسط" 5/ 375 (5602) من حديث ابن عمر. (¬2) كلام المنذري هذا في حاشية "مختصر أبي داود" كما أثبته محققه 7/ 201.

32 - باب في كفارة المجلس

32 - باب فِي كَفّارَةِ المَجْلِسِ 4857 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن صالِحٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، قالَ: أَخْبَرَني عَمْرٌو أَنَّ سَعِيدَ ابْنَ أَبي هِلالِ حَدَّثَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبي سَعِيدٍ المَقْبُري حَدَّثَهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ أَنَّهُ قالَ: كَلِماتٌ لا يَتَكَلَّمُ بِهِنَّ أَحَدٌ في مَجْلِسِهِ عِنْدَ قِيامِهِ ثَلاثَ مَرّاتٍ إِلَّا كُفّرَ بِهِنَّ عَنْهُ، وَلا يَقُولهُنَّ في مَجْلِسِ خَيْرٍ وَمَجْلِسِ ذِكْرٍ إِلَّا خُتِمَ لَهُ بِهِنَّ عَلَيْهِ كَما يُخْتَمُ بِالخاتَم عَلَى الصَّحِيفَةِ: سُبْحانَكَ اللَّهمَّ وَبِحَمْدِكَ، لا إله إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ (¬1). 4858 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن صالِحٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ قالَ: قالَ عَمْرٌو: وَحَدَّثَني بِنَحْوِ ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي عَمْرٍو عَنِ المَقْبُري، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مِثْلَهُ (¬2). 4859 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ حاتِمٍ الجَرْجَرائي وَعُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ -المَعْنَى- أَنَّ عَبْدَةَ بْنَ سُلَيْمانَ أَخْبَرَهُمْ عَنِ الحَجّاجِ بْنِ دِينارِ، عَنْ أَبي هاشِمٍ، عَنْ أَبي العالِيَةِ، عَنْ أَبي بَرْزَةَ الأَسْلَمي قالَ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ بِأَخَرَةِ إِذا أَرادَ أَنْ يَقُومَ مِنَ المَجْلِسِ: "سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ". فَقالَ رَجُلٌ: يا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ لَتَقُولُ قَوْلًا ما كُنْتَ تَقُولُهُ فِيما مَضَى؟ ! قالَ: "كَفّارَةٌ لِما يَكُونُ في المَجْلِسِ" (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه ابن حبان (593)، والطبراني في "الدعاء" (1915) وقال الألباني: "ضعيف الترغيب والترهيب" (921): منكر موقوف. (¬2) رواه الترمذي (3433)، وأحمد 2/ 369، وابن حبان (594). وصححه الألباني في "المشكاة" (2433). (¬3) رواه أحمد 4/ 425، والدارمي (2658)، وابن أبي شيبة 1/ 256، والبزار (3848)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (426)، وأبو يعلى (7426)، =

باب في كفارة المجلس [4857] (ثنا أحمد بن صالح) أبو جعفر الطبري المصري شيخ البخاري (حدثنا) عبد اللَّه (ابن وهب) الفهري (أخبرني عمرو) (¬1) بن الحارث بن يعقوب الأنصاري (أن سعيد بن أبي هلال) الليثي (حدث أن سعيد بن أبي سعيد) كيسان (المقبري، حدثه عن عبد اللَّه بن عمرو ابن العاص أنه قال) مرسلًا، وسيأتي بعده وصله، قال (كلمات) هو خبر مبتدأ محذوف تقديره: هذِه الكلمات (لا يتكلم بهن أحد) رجل أو امرأة من المسلمين (في مجلسه) الذي كثر فيه لغطه، وفي رواية: "من قالها في مجلس لغو" (¬2). ويدل على هذا التقدير قوله بعده في الحديث: ولا يقولهن في مجلس خير. (عند قيامه) من مجلس اللغط (ثلاث مرات) وكذا قيده بالثلاث ابن أبي الدنيا وغيره، ولفظه: "إذا جلس أحدكم في مجلس فلا يبرحن منه حتى يقول ثلاث مرات" (¬3). وفي روايات كثيرة ليس فيها ذكر الثلاث، والإطلاق يحصل بواحدة، لكن إذا وردت كلمات مطلقة ومقيدة ¬

_ = والطبراني في "الدعاء" (1917). وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1517). (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) رواه النسائي في "الكبرى" 6/ 112 (10257)، والطبراني في "الكبير" 2/ 138 (1586)، والحاكم في "المستدرك" 1/ 536 من حديث جبير بن مطعم مرفوعا. (¬3) عزاه لابن أبي الدنيا المنذري في "الترغيب والترهيب" (2338)، ورواه أيضًا الديلمي كما في "الفردوس بمأثور الخطاب" 1/ 298 (1177).

بالثلاث فيحمل المطلق على المقيد. (إلا كُفر بهن) أي: بهؤلاء الكلمات (عنه) ما وقع من لفظه في ذلك المجلس (ولا يقولهن) أحد (في مجلس خير) من الأفعال (¬1) التي تقع في المجلس (ومجلس ذكر) من الأقوال، ظاهر هذا اللفظ أن هذا الفضل يحصل من قال الكلمات في آخر المجلس أو وسطه أو أوله، بخلاف ما تقدم في قوله (في مجلسه عند قيامه) فإنه يخص الكلمات بأن تقال قبل قيامه من المجلس. (إلا ختم له بهن عليه) أي: على الخير والذكر الذي قاله في المجلس (كما يختم بالخاتم) بكسر التاء وفتحها (على الصحيفة) صيانة عن أن تُفتح، أو يعلم أحد ما فيه، ومنه وردت الشريعة أن الحاكم إذا كتب إلى حاكم ببلد آخر أن يختم على الكتاب، ومقصود الكاتب بالختم على الكتاب أن يصونه عن تعرض أحد لفتحه، ويمنع الناظرين عن فتحه ومعرفة ما في باطنه، ثم فسر الكلمات التي تقدم ذكرهن أنهن: (سبحانك اللهم وبحمدك) سبحتك، فلولا إعانتك وإلهامك وتوفيقك ما سبحتك، وزاد في الرواية الآتية: أشهد أن (لا إله إلا أنت أستغفرك) من ذنوبي (وأتوب إليك) وسيأتي في الحديث الآتي زيادة تتعلق بهذا. [4858] (حدثنا أحمد بن صالح) الطبري شيخ البخاري (ثنا) عبد اللَّه (ابن وهب) الفهري (قال: قال عمرو) بن الحارث (وحدثني بنحو ذلك عبد الرحمن بن أبي عمرو) المدني، مقبول. ¬

_ (¬1) في (م): الأقوال.

(عن) سعيد (المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مثله) كما تقدم. [4859] (حدثنا محمد بن حاتم) بن يونس (الجرجرائي) براء ساكنة بين الجيمين المفتوحتين، وفي آخره ياء مثناة تحت، كذا ضبطه السمعاني، وقال: نسبة إلى جرجرايا (¬1) بلدة قريبة من دجلة بين بغداد وواسط (¬2). ثم هو المصيصي العابد، وثقه المصنف (¬3). (وعثمان بن أبي شيبة، المعنى، أن عبدة (¬4) بن سليمان) المقرئ (أخبرهم (¬5) عن الحجاج بن دينار) الواسطي الأشجعي، قال أحمد وابن معين: ليس به بأس (¬6). (عن أبي هاشم) (¬7) يحيى بن دينار الرماني، سمي بذلك لأنه كان ينزل قصر الرمان بواسط (عن أبي العالية) (¬8) رفيع الرياحي (عن أبي برزة) بفتح الموحدة والزاي، اسمه نضلة بفتح النون وسكون الضاد المعجمة، ابن عبيد، أسلم قديمًا وشهد فتح مكة. (الأسلمي قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول بأخرة) بفتح الهمزة المقصورة والخاء المعجمة والراء وكسر هاء التأنيث مع التنوين، أي: ¬

_ (¬1) في الأصول: جرجراء. والمثبت من "الأنساب". (¬2) "الأنساب" 3/ 240. (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 26. (¬4) فوقها في (ل): (ع). (¬5) بعدها في (ل) (م): أخبره، وعليها في (ل): خـ. (¬6) "تاريخ ابن معين" رواية الدارمي (223)، وانظر: "الجرح والتعديل" 3/ 159. (¬7) فوقها في (ل): (ع). (¬8) فوقها في (ل): (ع).

في آخر الأمر. قال في "النهاية": يجوز [أن يكون] (¬1) في آخر عمره (¬2). (إذا أراد أن يقوم من مجلسه) الذي يُكلم فيه أصحابه، ولفظ النسائي: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بأخرة إذا اجتمع إليه أصحابه فأراد أن ينهض (¬3). (سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت) قدم التسبيح وهو تنزيه اللَّه تعالى على الشهادة بالوحدانية ثم أتى بالاستغفار والتوبة (أستغفرك وأتوب إليك) زاد النسائي: "عملت سوءًا، وظلمت نفسي، فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت" (¬4)، وللنسائي والطبراني قبل: "سبحانك اللهم": "من قال: سبحان اللَّه وبحمده، سبحانك اللهم وبحمدك" إلى آخره (¬5). (فقال رجل) من القوم (يا رسول اللَّه، إنك لتقول قولا ما كنت تقوله فيما مضى؟ ! قال) هو (كفارة لما يكون في المجلس) ولفظ النسائي: قلنا: يا رسول اللَّه، إن هذِه كلمات أحدثتهن؟ قال: "أجل، جاءني جبريل فقال: يا محمد هن كفارات للمجلس" (¬6). * * * ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 29. (¬3) "سنن النسائي الكبرى" 6/ 113 (10260) من حديث رافع بن خديج. (¬4) "السنن الكبرى" 6/ 113 (10260). (¬5) "السنن الكبرى" 6/ 112 (10257)، "المعجم الكبير" 2/ 138 (1586) من حديث جبير بن مطعم. (¬6) "السنن الكبرى" 6/ 113 (10260).

33 - باب في رفع الحديث من المجلس

33 - باب فِي رَفْع الحَدِيثِ مِنَ المَجْلسِ 4860 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا الفِرْيابي، عَنْ إِسْرائِيلَ، عَنِ الوَلِيدِ -قالَ أَبُو داوُدَ: وَنَسَبَهُ لَنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ-، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ إِسْرائِيلَ في هذا الحَدِيثِ -قالَ الوَلِيدُ بْنُ أَبِي هِشامٍ-، عَنْ زَيْدِ بْنِ زائِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يُبَلّغْني أَحَدٌ مِنْ أَصْحابي عَنْ أَحَدٍ شَيْئًا فَإِنّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنا سَلِيمُ الصَّدْرِ" (¬1). * * * باب في رفع الحديث [4860] (حدثنا محمد بن يحيى) بن عبد اللَّه بن خالد (بن فارس) الذهلي، شيخ البخاري (حدثنا) محمد بن يوسف بن واقد (الفريابي) (¬2) بكسر الفاء وسكون الراء وتخفيف الياء، وفرياب، ويقال: فارياب. بالترك، وهو محدث قيسارية. (عن إسرائيل، عن الوليد) بن أبي هاشم، قال أبو حاتم الرازي: ليس بالمشهور (¬3). (قال أبو داود: ونسبه لنا زهير، عن حسين (¬4) بن محمد) بن بهرام المروذي (عن إسرائيل في هذا الحديث، قال) هو (الوليد بن أبي ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3896)، وأحمد 1/ 395، والبزار (2038). وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (6322). (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) "الجرح والتعديل" 9/ 5. (¬4) فوقها في (ل): (ع).

هشام (¬1)، عن زيد بن زائد) أو ابن زائدة، وثق (عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا يُبلغني أحد من أصحابي) فيه الخوف على أصحابه بتحذيرهم من نقل الكلام إليه، وأن تبليغه أحوال الناس وما هم عليه ربما يقع فيه نميمة أو غيبة، أو كلام فيما لا يعنيه أو الخوض في الباطل (عن أحد) من الناس كان من أصحابي أو غيرهم (شيئًا) قلَّ ولا كثر. والظاهر أن ما قال في هذا له سبب وهو أن بعض أصحابه بلَّغه شيئًا عن أحد؛ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هذا الكلام إشارة إلى أنه لا يعود، فإنه كان -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يواجه أحدًا بما قاله، بل كان يقول: "ما بال أقوام" (¬2) ونحوه كما تقدم. (فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر) من ذكر من سوى اللَّه تعالى. * * * ¬

_ (¬1) في (م): هاشم. والمثبت من (ل) وبعدها: هاشم. وعليها: خـ. (¬2) تقدم برقم (913) من حديث أنس بن مالك مرفوعًا: "ما بال أقوام يرفعون أبصارهم في صلاتهم؟ ". وتقدم برقم (4788) من حديث عائشة قالت: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا بلغه عن الرجل الشيء لم يقل: ما بال فلان يقول؟ ولكن يقول: "ما بال أقوام يقولون كذا وكذا؟ ".

34 - باب في الحذر من الناس

34 - باب فِي الحَذَرِ منَ النّاسِ 4861 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا نُوحُ بْن يَزِيدَ بْنِ سَيّارٍ المُؤَدِّبُ، حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْن سَعْدٍ قالَ: حَدَّثَنِيهِ ابن إِسْحاقَ، عَنْ عِيسَى بْنِ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الفَغْواءِ الخُزاعي، عَنْ أَبِيهِ قالَ: دَعاني رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَقَدْ أَرادَ أَنْ يَبْعَثَني بِمالٍ إِلَى أَبي سُفْيانَ يَقْسِمُهُ في قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ بَعْدَ الفَتْحِ فَقالَ: "التَمِسْ صاحِبًا". قالَ: فَجاءَني عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْري فَقالَ: بَلَغَني أَنَّكَ تُرِيدُ الخُرُوجَ وَتَلْتَمِسُ صاحِبًا. قالَ: قُلْتُ: أَجَلْ. قالَ: فَأَنا لَكَ صاحِبٌ. قالَ: فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قُلْتُ: قَدْ وَجَدْتُ صاحِبًا. قالَ: فَقالَ: "مَنْ؟ ". قُلْتُ: عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْريَّ. قالَ: "إِذا هَبَطْتَ بِلادَ قَوْمِهِ فاحْذَرْهُ فَإِنَّهُ قَدْ قالَ القائِلُ أَخُوكَ البِكْري وَلا تَأْمَنْهُ". فَخَرَجْنا حَتَّى إِذا كُنْتُ بِالأَبْواءِ قالَ: إِنّي أُرِيدُ حاجَة إِلَى قَوْمي بِوَدّانَ فَتَلْبَثُ لي. قُلْتُ: راشِدًا فَلَمّا وَلَّى ذَكَرْتُ قَوْلَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَشَدَدْتُ عَلَى بَعِيري حَتَّى خَرَجْتُ أُوضِعُهُ حَتَّى إِذا كُنْتُ بِالأَصافِرِ إِذا هُوَ يُعارِضُني في رَهْطٍ، قالَ: وَأَوْضَعْتُ فَسَبَقْتُهُ، فَلَمّا رَآني قَدْ فُتُّهُ انْصَرَفوا وَجاءَني فَقالَ: كانَتْ لي إِلَى قَوْمي حاجَةٌ. قالَ: قُلْتُ: أَجَلْ، وَمَضَيْنا حَتَّى قَدِمْنا مَكُّةَ فَدَفَعْتُ المالَ إِلَى أَبي سُفْيانَ (¬1). 4862 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ، حَدَّثَنا لَيْثٌ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّهُ قالَ: "لا يُلْدَغُ المُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ واحِدٍ مَرَّتَيْنِ" (¬2). * * * ¬

_ (¬1) رواه أحمد 289/ 5، والفاكهي في "أخبار مكة" (1606)، والبزار (291)، والبيهقي 10/ 219. وضعفه الألباني "الضعيفة" (1205). (¬2) رواه البخاري (6133)، ومسلم (2998).

باب في الحذر من الناس [4861] (حدثنا محمد بن يحيى) بن عبد اللَّه (بن فارس) الذهلي شيخ البخاري (ثنا نوح) بضم النون (ابن يزيد بن سيار (¬1) المؤدب) ثقة (حدثنا إبراهيم بن سعد) الزهري، العوفي (قال: حدثنيه) محمد (ابن إسحاق) بن يسار، أخرج له مسلم (عن عيسى (¬2) بن معمر) حجازي، لين الحديث (عن عبد اللَّه بن عمرو ابن الفغواء) بفتح الفاء وسكون المعجمة، ثم واو مخففة مع المد، وهي أم عمرو. وذكر أبو القاسم البغوي هذِه القصة عن علقمة ابن الفغواء والذي ذكره المصنف هو المشهور (الخزاعي) قال ابن حبان: عبد اللَّه بن عمرو ابن الفغواء الخزاعي، مستور (¬3). (عن أبيه) عمرو ابن الفغواء، وقيل: ابن أبي الفغواء بن عبيد اللَّه الخزاعي، وعمرو هو أخو علقمة ابن الفغواء (قال: دعاني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقد أراد أن يبعثني بمالٍ إلى أبي سفيان) بن حرب بعد أن أسلم (يقسمه في قريش بمكة بعد الفتح فقال: التمس) لك (صاحبًا) فيه دليل على أن الإنسان إذا أراد أن يسافر للغزو أو الحج أو غيرهما أن يطلب له رفيقًا مراففا راغبًا للخير كارهًا للشرِّ، إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه، وإن ضجر صبره، وإن احتاج إلى نفقة أقرضه أو واساه، وإن تيسر كونه من العلماء فهو أولى، ولا يسافر وحده، بل يحصل الرفيق قبل الطريق، وظاهر الحديث أنه يكفي واحد، ورده المصنف، وللترمذي: ¬

_ (¬1) في (م): (يسار)، والصواب ما أثبتناه. (¬2) فوقها في (ل): (د). (¬3) أورده ابن حبان في "الثقات" 5/ 39 وسكت عليه.

"خير الأصحاب أربعة" (¬1) وروى البخاري: "لو يعلم الناس ما في الوحدة ما سار راكب بليل وحده" (¬2). فالواحد يكفي، لكن الكمال أربعة. (قال: فجاءني عمرو بن أمية) بن خويلد، أبو أمية (الضمري) من بني ضمرة بن بكر بن عبد مناة، وكان من رجال العرب نجدة وجرأة، شهد بدرًا وأحدًا مشركًا، ثم أسلم بعد، وعُمِّرَ بعد، وهو الذي سار إلى قريش فأنزل خبيبًا من الخشبة، وسافر إلى الحبشة في زواج أم حبيبة. (فقال: بلغني أنك تريد الخروج) إلى مكة (و) أنك (تلتمس صاحبًا) يرافقك في الطريق. فـ (قال: قلت: ) له (أجل) بفتح الهمزة والجيم وسكون اللام بمعنى: نعم. (قال: فأنا لك صاحب) في الطريق (قال: فجئت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قلت: قد وجدت صاحبًا فقال: من؟ ) هو (قلت: عمرو ابن أمية الضمري) فيه أن الإنسان إذا أراد أن يسافر إلى جهة ووجد رفيقًا في السفر وكان له شيخ أو معلم، أو كان الحاكم يريد أن يرسله في قضية تتعلق بالمسلمين أو نحو ذلك فلا يسافر حتى يعرفه الرفيق الذي يريد أن يسافر معه، فإنه قد يعلم منه ما لا يعلم. فـ (قال: إذا هبطت ديار قوم فاحذره) فيه: أن التحذير من المحذر منه تارة يكون مطلقًا في كل وقت ومكان، وتارة يكون في مكان دون مكان؛ لأنه لما كان منفردًا معه لم يحذره منه، بل إذا وصل إلى بلاده وقوي جانبه بعشيرته الذين يعينونه على ما يريد من الفساد. ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (1555) من حديث ابن عباس مرفوعًا، وفيه: الصحابة بدل: الأصحاب. وقال الترمذي: حسن غريب لا يسنده كبير أحد غير جرير بن حازم. (¬2) "صحيح البخاري" (2998) من حديث ابن عمر مرفوعًا.

(فإنه قد قال القائل) في أمثال العرب المشهورة (أخوك البكري) لم أجد من تكلم عليه، ويحتمل أن تكون الباء مكسورة، والمراد بالبكري الذي هو بكر أمك (ولا تأمنه) وهذا على المبالغة على التحذير. أي: أخوك شقيقك تحذر منه ولا تأمنه، فضلًا عن الأجنبي، فإن التحذير منه أبلغ وأعظم. قال المنذري: (أخوك البكري) مثل مشهور للعرب، وفيه إثبات الحذر واستعمال سوء الظن هي فيمن لم تتحقق منه حسن السريرة والأمانة على المال والأهل والنفس. قال المنذري: وإن ذلك إذا كان على وجه طلب السلامة من الناس لم يأثم به صاحبه (¬1). (فخرجنا حتى إذا كنا بالأبواء) بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة وبالمد: قرية بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون (¬2) ميلا (قال: إني أريد حاجة) أذهب فيها (إني قومي بودَّان) بفتح الواو وتشديد الدال المهملة، قرية جامعة بينها وبين الأبواء نحو ثمانية أميال. وقيل: ودان هي الأبواء. (فتلبث لي قليلًا) كذا في بعض النسخ (قلت: راشدًا) منصوب بفعل محذوف؛ أي: سر راشدًا إلى أين تريد (فلما ولى ذكرت قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) ووصيته بالتحذير منه في بلاد قومه. (فشددت) بتخفيف الدال الأولى (على بعيري) كناية عن السفر (حتى خرجت) من تلك الناحية (أوضعه) بضم الهمزة وكسر الضاد، يقال: أوضع ناقته إذا حثها على السير (حتى إذا كنت بالأصافر) بفتح الهمزة ¬

_ (¬1) "مختصر سنن أبي داود" 7/ 205. (¬2) في (ل، م): وعشرين. والمثبت هو الصواب.

والصاد المهملة وكسر الفاء. قال البكري: أصافر على لفظ جمع أصفر: جبال قريبة من الجحفة ورابغ، عن يمين الطريق من المدينة إلى مكة، سميت بذلك لأنها هضبات صفر. قال كُثَيِّر: عفا رابغ من أهله فالظواهر ... فأكناف هرشى [قد عفت] (¬1) فالأصافر (¬2) (إذا هو يعارضني) في الطريق، وهو (في رهط) معه (قال: وأوضعت) أي: أسرعت في سير البعير (فسبقته) وتقدمت عليه. [(فلما رآني قد فته) بضم الفاء والتاء المشددة أي: سبقته وتقدمت عليه] (¬3) (انصرفوا) أي: انصرف الرهط الذين كانوا معه (وجاءني) بمفرده (فقال: كانت لي إلى قومي حاجة) فقضيتها (قال: قلت: أجل) أي: صدقت، ولم يذكر له تحذير النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا معارضة بالرهط، ولا شيئًا من ذلك إذ حماه اللَّه منه ببركة إعلام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفيه معجزة له -صلى اللَّه عليه وسلم- بإخباره عما سيقع. (ومضينا) في رفقة الطريق (حتى قدمنا مكة، فدفعت المال إلى أبي سفيان) بن حرب، قال ابن عبد البر: وكان هدية. [4862] (ثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي (حدثنا ليث، عن عقيل) بضم (¬4) العين (عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: لا يلدغ المؤمن) يروى على وجهين من ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، والمثبت من "معجم ما استعجم". (¬2) "معجم ما استعجم" 1/ 162، والبيت في "ديوان كثير عزة" ص 82. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) في الأصول: (بفتح). وهو خطأ، والمثبت من "مشارق الأنوار" 2/ 110.

الإعراب: أحدهما بكسر الغين على النهي؛ لالتقاء الساكنين، أي: لا يخدع المؤمن ويؤتى من ناحية الغفلة مرة بعد أخرى لعدم تفطنه فيقع في مكروه وهو لا يشعر، وليكن متيقظًا حذرًا، وهذا يصلح أن يكون في أمر الدنيا والآخرة معًا. والثاني: بضم الغين على معنى الخبر، فهو خبر في معنى النهي، والمراد: المؤمن الممدوح الحازم الذي لا يُخدع من ناحية الغفلة مرة بعد أخرى. وقيل: أراد به الخداع في أمر الآخرة دون الدنيا. (من جحر) أصل الجحر هو الثقب المستدير في الأرض، ويكون للضب واليربوع والحية وغيرها من ذوات اللدغ. (واحد مرتين) وأصل ظاهر الحديث: إن المؤمن لدغته حية أو غيرها من جحر أو سرب فليحترز منه، فالحازم لا يلدغ من جحر واحد مرتين وهذا الحديث قد صار مثلا سائرًا في ألسنة الناس، وله سبب جرى عليه هذا الكلام، وهو أن أبا عزة عمرو بن عبد اللَّه الجمحي مَنَّ عليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم بدر، لأنه كان فقيرًا ذا عيال وحاجة، ثم إن أبا عزة استنفر الناس على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بأشعاره بعد ذلك، فظفر به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بحمراء الأسد، فقال: يا محمد، أقلني. فقال: "واللَّه لا تمسح عارضيك بمكة وتقول: خدعت محمدًا مرتين" ثم أمر عاصم بن ثابت فضرب عنقه، وقال: "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين" (¬1). * * * ¬

_ (¬1) رواه ابن هشام في "السيرة" 3/ 56 بلاغا عن سعيد بن المسيب مرسلًا. =

35 - باب في هدي الرجل

35 - باب فِي هَدي الرَّجْلِ 4863 - حَدَّثَنا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، أَخْبَرَنا خالِدٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قالَ: كانَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا مَشَى كَأَنَّهُ يَتَوَكَّأُ (¬1). 4864 - حَدَّثَنا حُسَيْنُ بْنُ مُعاذِ بْنِ خلَيْفٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنا سَعِيدٌ الجُرَيْري، عَنْ أَبي الطُّفَيْلِ قالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-. قُلْت: كَيْفَ رَأَيْتَهُ قالَ: كانَ أَبْيَضَ مَلِيحًا، إِذا مَشَى كَأَنَّما يَهْوي في صَبُوبٍ (¬2). * * * باب في هدي الرَّجْل [4863] (حدثنا وهب بن بقية) الواسطي شيخ مسلم (أبنا خالد) بن الحارث البصري، أنجرج له البخاري (عن حميد) الطويل. (عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا مشى كأنه يتوكأ) أي: يعتمد على من يتكئ عليه ويعتضد به، وذلك لشدة حركته في مشيه وسرعته، وروى الترمذي عن أبي هريرة لكنه: ما رأيت أحدًا أسرع في مشيته من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، كأنما الأرض تُطوى له، كنا إذا مشينا معه نجهد أنفسنا وإنه لغير مكترث (¬3). ¬

_ = قال الألباني في "الإرواء" (1215): ضعيف، ذكره ابن إسحاق بدون إسناد. (¬1) رواه أبو يعلى (3764)، والطبراني في "الأوسط" (3145)، والحاكم 4/ 281، والبيهقي في "الآداب" (665). وصححه الألباني في "الصحيحة" (2083). (¬2) رواه ابن شبة في "تاريخ المدينة" 2/ 613، وأبو الشيخ في "أخلاق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" (222). وروى مسلم (2340) الفقرة الأولى منه. (¬3) "سنن الترمذي" (3648). قال: غريب. ورواه أيضًا أحمد في "المسند" 2/ 350 =

[4864] (ثنا حسين بن معاذ بن خليف) بضم الخاء المعجمة مصغرًا، وقيل: بالمهملة. البصري، ثقة (حدثنا عبد الأعلى، ثنا سعيد) (¬1) بن إياس (الجريري) بضم الجيم، وجرير هو ابن عباد أخو الحارث بن عباد (عن أبي عبيد، عن أبي الطفيل) (¬2) عامر بن واثلة -رضي اللَّه عنه-. (قال: رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. قلت) له (كيف رأيته؟ قال: كان أبيض) وفي حديث آخر: ليس بالأبيض الأمهق ولا بالآدم (¬3). والأمهق: هو الناصع البياض، والآدم: الأسمر اللون، وفي حديث آخر: كان أزهر اللون (¬4)؛ أي: نيره، وقيل: أزهر حسن، ومنه: زهرة الدنيا. أي: زينتها. (مليحًا إذا مشى كأنما (¬5) يهوي) أي: يهبط ويتدلى، وتلك مشية القوي، كما تقدم أنه إذا مشى كان يتوكأ، وهذِه أيضًا مشية القوي؛ يقال: هوى الشيء -بفتح الواو-، يهوي إذا نزل من فوق إلى أسفل. (في صبوب) قال في "النهاية": يروى بالفتح والضم، فالصَّبوب -بفتح الصاد-: اسم لكل ما يُصب على الإنسان من ماءٍ وغيره، مثل الطَّهور والغَسول، ومن رواه بضم الصاد على أنه جمع (¬6). ¬

_ = واللفظ له، وابن سعد في "الطبقات" 1/ 415. (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) كذا في (ل)، (م)، والصواب إسقاط: (عن أبي عبيد)، كما في "السنن". (¬3) رواه البخاري (5900)، ومسلم (2347) من حديث أنس. (¬4) رواه البخاري (3547)، ومسلم (2330/ 82) من حديث أنس. (¬5) بعدها في (ل)، (م): نسخة كأنه. (¬6) روى هذا اللفظ من حديث علي الطيالسي 1/ 142 (166)، وأحمد 2/ 144، وأبو يعلى 1/ 304 (370)، والضياء في "المختارة" 1/ 393 (750) والبغوي في "شرح =

(صبب)، وهو ما انحدر من الأرض، وقيل: الصبب والصبوب تصوب نهر أو طريق، وقد جاء في رواية: إذا مشى كأنما ينحط في صبب؛ أي: في موضع منحدر (¬1). قال المنذري: والأكثر في الرواية: كأنما ينحط في صبب. * * * ¬

_ = السنة" 1/ 794. ورواه من حديث هند بن أبي هالة الطبراني 22/ 155 (414) والبيهقي في "الشعب" 3/ 24 (1362)، والبغوي في "شرح السنة" 1/ 370. (¬1) "النهاية في غريب الحديث" 3/ 3.

36 - باب في الرجل يضع إحدى رجليه على الأخرى

36 - باب فِي الرَّجُلِ يَضَعُ إحْدى رِجْليْهِ عَلى الأُخْرى 4865 - حَدَّثَنا قُتَيْبَة بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، ح وَحَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ قالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْ يَضَعَ -وقالَ قُتَيْبَةُ: يَرْفَعَ الرَّجُلُ إِحْدى- رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرى. زادَ قُتَيْبَةُ: وَهُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ (¬1). 4866 - حَدَّثَنا النُّفَيْلي، حَدَّثَنا مالِك، ح وَحَدَّثَنا القَعْنَبي، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عَبّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ رَأى رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مُسْتَلْقِيًا، قالَ القَعْنَبي: في المَسْجِدِ واضِعًا إِحْدى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرى (¬2). 4867 - حَدَّثَنا القَعْنَبي، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ -رضي اللَّه عنه- وَعُثْمانَ بْنَ عَفّانَ كانا يَفْعَلانِ ذَلِكَ (¬3). * * * باب في الرجل يضع إحدى رجليه على الأخرى [4865] (ثنا قتيبة بن سعيد قال: ثنا الليث، ح. وثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد) بن سلمة (عن أبي الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس المكي (عن جابر) بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما. (قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يضع. وقال قتيبة) بن سعيد: أن (يرفع الرجل إحدى رجليه على الأخرى. زاد قتيبة) بن سعيد (وهو مستلقٍ على ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2099). (¬2) رواه البخاري (475)، ومسلم (2100). (¬3) رواه البخاري (475) إثر الحديث.

ظهره) ولفظ الترمذي: نهى عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد، وأن يرفع الرجل إحدى رجليه على الأخرى، وهو مستلق على ظهره (¬1). وهو يشمل ما إذا كان منفردا أو مع جماعة، وهذِه الكراهية ليست مخصوصة بالرجل؛ بل هي من المرأة والأمرد أشد كراهة وبشاعة وقبحًا. [4866] (ثنا) عبد اللَّه بن محمد بن علي بن نفيل (النفيلي) أخرج له البخاري (ثنا مالك، ح. وثنا) عبد اللَّه بن مسلمة (القعنبي، عن مالك، ثنا) محمد (ابن شهاب، عن عباد (¬2) بن تميم) بن غزية المازني (عن عمه) عبد اللَّه بن زيد بن عاصم الأنصاري المازني النجاري، ويعرف بابن أم عمارة، صاحب حديث الوضوء، بدري. (أنه رأى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مستلقيًا، قال) عبد اللَّه بن مسلمة (القعنبي: في المسجد واضعًا (¬3) إحدى رجليه على الأخرى) وجه الجمع بين الحديثين أن يحمل النهي على حالة تبدو فيها العورة؛ لأن لباسهم الأزر دون السراويلات، والغالب أن أزرهم غير سابغة، والمستلقي إذا وضع إحدى رجليه على الأخرى مع ضيق الإزار، لم يسلم من أن ينكشف شيء من عورته، وفعله -صلى اللَّه عليه وسلم- كان على حالة مستترًا فيها، وفيه جواز الاستلقاء في المسجد للراحة والنوم، ويحتمل أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- فعل هذا لحاجة طرأت له، أو كان بغير محضر جماعة، فقد علم أن جلوسه -صلى اللَّه عليه وسلم- في ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (2767) وقال: صحيح. (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) في الأصول: (واقعًا)، والمثبت من "السنن".

الجامع كان على خلاف ذلك من التربع والاحتباء، وجلسات الوقار والتواضع. [4867] (ثنا) عبد اللَّه (القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان كانا يفعلان ذلك) يعني: مع الاستتار (¬1) الكامل وبغير محضر جماعة، كما تقدم في فعله -صلى اللَّه عليه وسلم-. * * * ¬

_ (¬1) بياض في (م).

37 - باب في نقل الحديث

37 - باب فِي نَقْلِ الحَدِيثِ 4868 - حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْن آدَمَ، حَدَّثَنا ابن أَبي ذِئْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَطاءٍ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ جابِرِ بْنِ عَتِيكٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِذا حَدَّثَ الرَّجُلُ بِالحَدِيثِ ثُمَّ التَفَتَ فَهي أَمانَةٌ" (¬1). 4869 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن صالِحٍ قالَ: قَرَأْت عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نافِعٍ، قالَ: أَخْبَرَني ابن أَبي ذِئْبٍ، عَنِ ابن أَخي جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المَجالِسُ بِالأَمانَةِ إِلَّا ثَلاثَةَ مَجالِسَ سَفْكُ دَمٍ حَرامٍ أَوْ فَرْجٌ حَرامٌ أَوِ اقْتِطاعُ مالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ" (¬2). 4870 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ وَإِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى الرّازي قالا: أَخْبَرَنا أَبُو أُسامَةَ، عَنْ عُمَرَ قالَ: إِبْراهِيمُ هُوَ عُمَرُ بْن حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ العُمَري، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ سَعْدٍ قالَ: سَمِعْت أَبا سَعِيدٍ الخُدْري يَقُولُ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الأَمانَةِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ القِيامَةِ الرَّجُلَ يُفْضي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّها" (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1959)، وأحمد (3/ 324)، والطيالسي (1761)، وأبو يعلى (2212). وصححه الألباني في "الصحيحة" (1590). (¬2) رواه أحمد 3342، والخرائطي في "مكارم الأخلاق" (708). وضعفه الألباني في "الضعيفة" (1909). (¬3) رواه مسلم (1437).

باب نقل الحديث [4868] (ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي (ثنا) محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة (ابن أبي ذئب) أحد الأعلام (عن عبد الرحمن بن عطاء) المدني، وثقه النسائي (¬1). (عن عبد الملك بن جابر بن عتيك) الأنصاري المدني، وُثق (عن جابر بن عبد اللَّه) رضي اللَّه عنهما (قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إذا حدَّث الرجل بالحديث) أخاه (ثم التفت) في التفاته إعلام من يحدثه أنه يخاف أن يسمع حديثه أحد، وأنه قد خصه بسره؛ فكان الالتفات قائمًا مقام قوله: اكتم هذا عني، وهو أمانة عندك. (فهي) أي: فالكلمة التي أسرها إليه (أمانة) عنده، وفي معنى هذا الحديث النهي عن إفشاء سر الآدمي؛ لما فيه من الإيذاء البالغ والتهاون بحقوق المعارف والأصدقاء. قال الحسن: إن من الخيانة أن تحدث بسر أخيك (¬2). وإفشاء السر حرام إذا كان فيه إضرار. [4869] (حدثنا أحمد بن صالح) الطبري المصري، شيخ البخاري (قال: قرأت على عبد اللَّه بن نافع) الصائغ المدني، مولى بني مخزوم، أخرج له مسلم، قال ابن معين: ثقة (¬3). (قال: أخبرني) محمد (ابن أبي ذئب، عن ابن أخي جابر بن عبد اللَّه) ¬

_ (¬1) انظر: "ميزان الاعتدال" 3/ 293 (4919)، و"تهذيب التهذيب" 2/ 533. (¬2) رواه ابن أبي الدنيا في "الصمت" (404). (¬3) "تاريخ ابن معين" برواية الدوري (532).

قال المنذري: مجهول (¬1). (عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: المجالس بالأمانة) الباء: تتعلق بمحذوف لا بد منه ليتم به الكلام، والتقدير: المجالس تحسن، أو حسن المجالس وشرفها بأمانة حاضرها؛ لما يخص في المجالس ويقع من الأقوال والأفعال وما أشبه ذلك؛ فكأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: ليكن صاحب المجلس أمينًا لما يسمعه أو يراه، يحفظه أن ينتقل إلى من غاب عنه انتقالًا تحصل به مفسدة وفائدة الحديث النهي عن النميمة التي ربما تؤدي إلى القطيعة. (إلا) الظاهر أنه استثناء منقطع (ثلاثة) (¬2) بالنصب (مجالس: سفك) يجوز [فيه وما بعده] (¬3) الرفع خبر مبتدأ محذوف تقديره: أحدها سفك (دم) أي: إراقة دم (حرام) أي: إراقة دم سائل من مسلم بغير طريق شرعي. (أو فرج (¬4) حرام) أي: ومجلس يستحل فيه فرج حرام من امرأة أو غيرها (أو اقتطاع) أي: ومجلس فيه أخذ (مال) مسلم أو ذمي (بغير حق) شرعي يبيحه. [4870] (ثنا محمد بن العلاء) أبو كريب الهمداني، له ثلاثمائة ألف حديث (وإبراهيم بن موسى الرازي، قالا: ثنا أبو أسامة) [حماد بن ¬

_ (¬1) "مختصر سنن أبي داود" 7/ 210. (¬2) بعدها في (ل): ثلاث، وفوقها: خـ. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) قبلها في (ل)، (م): أو فرجًا، وفوقها: خـ.

أسامة] (¬1) الكوفي (عن عمر) بن حمزة بن عبد اللَّه بن عمر، أخرج له مسلم (قال إبراهيم: ) بن موسى في روايته (هو عمر بن حمزة بن عبد اللَّه العمري، عن عبد اللَّه (¬2) بن سعد) المدني (¬3) أخرج له مسلم (قال: سمعت أبا سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- يقول: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن من أعظم الأمانة) ولمسلم: "إن من أشر الناس عند اللَّه منزلة" (¬4) (عند اللَّه يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته) أي: يباشرها ويجامعها (وتفضي إليه) أي: يطلع كل واحد منهم على عورة صاحبه، وأعظم الأمانة: أوكدها وأكبرها في مقصود الشرع، والأمانة للجنس؛ أي: الأمانات، والمراد بالأمانة: ما يوكل إلى حفظ وقيامه به. (ثم ينشر سرها) أي: يكشف حالها، وهو من كشف العورة، ولا فرق بين كشف العورة بالنظر أو الوصف، وأما ذكر مجرد المجامعة من غير فائدة فمكروه؛ لأنه خلاف المروءة، وقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت" (¬5). وإن كان إليه حاجة أو ترتبت عليه فائدة بأن ينكر عليها إعراضه عنها، أو تدعي عليه العجز عن الجماع، أو نحو ذلك فلا كراهة؛ كما قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إني لأفعله أنا وهذِه" (¬6)، وقال -عليه السلام- لأبي طلحة: "أعرستم ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) كذا في (م)، والصواب: (عبد الرحمن)، كما في "السنن". (¬3) ساقطة من (م). (¬4) "صحيح مسلم" (1437). (¬5) تقدم برقم (5154) من حديث أبي هريرة. (¬6) رواه مسلم (350) من حديث عائشة.

الليلة؟ " (¬1)، وقال لجابر: "الكَيْسَ الكَيْسَ" (¬2). وفي الحديث: تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع. * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5480)، ومسلم (2144/ 23) من حديث أنس. (¬2) رواه البخاري (2097)، ومسلم (715/ 57).

38 - باب في القتات

38 - باب فِي القَتّاتِ 4871 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ قالا: حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ هَمّامٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَتّاتٌ" (¬1). * * * باب في القتَّات [4871] (ثنا مسدد وأبو بكر بن أبي شيبة قالا: ثنا أبو (¬2) معاوية) (¬3) محمد بن خازم الضرير (عن الأعمش، عن إبراهيم) النخعي (عن همام، عن حذيفة) بن اليمان رضي اللَّه عنهما. (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا يدخل الجنة قتات) القتات: النمام الذي يكون مع القوم يتحدثون فينم عليهم، والقتات: الذي يستمع على القوم وهم على غفلة لا يعلمون ثم ينم، والقساس: الذي يسأل عن الأخبار ثم ينمها، والقتات: بفتح القاف وتشديد التاء الأولى. * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6056)، ومسلم (105). (¬2) ساقطة من (م). (¬3) فوقها في (ل): (ع).

39 - باب في ذي الوجهين

39 - باب في ذي الوَجْهَيْنِ 4872 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ أَبي الزِّنادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مِنْ شَرِّ النّاسِ ذُو الوَجْهَيْنِ الذي يَأْتي هؤلاء بِوَجْهٍ وهؤلاء بِوَجْهٍ" (¬1). 4873 - حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا شَرِيكٌ، عَنِ الرُّكَيْنِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَنْظَلَةَ، عَنْ عَمّارٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ كَانَ لَهُ وَجْهانِ في الدُّنْيا كانَ لَهُ يَوْمَ القِيامَةِ لِسانانِ مِنْ نارٍ" (¬2). * * * باب في ذي الوجهين [4872] (حدثنا مسدد ثنا (¬3) سفيان) بن سعيد الثوري (عن أبي الزناد) عبد اللَّه بن ذكوان (عن الأعرج، عن أبي هريرة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: من شر الناس ذو الوجهين؛ الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه) ذو الوجهين: الذي يدخل بين الناس بالشر والفساد، فيواجه كل طائفة بما يتوجه به غيرها، ويوصل الود إليها بما يرضيها من الشر والفساد بين الطائفتين، فهو ذو الوجهين: وجه يأتي إلى طائفة فيقول لها: أنا صادق في ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6058)، ومسلم (2526). (¬2) رواه الطيالسي (644)، وابن أبي شيبة في "المصنف" 8/ 558، والدارمي 2/ 321، والبخاري في "الأدب المفرد" (1310)، وأبو يعلى (1620)، وابن حبان (5756)، والبيهقي 10/ 246. وصححه الألباني في "الصحيحة" (892). (¬3) ساقطة من (م).

محبتك دون فلان الفاعل التارك. ويأتي إلى الطائفة الأخرى فيقول لها كذلك، وأما من كان ذا وجهين في الإصلاح بين الطائفتين فيجتمع مع كل طائفة ويذكرها والطائفة الأخرى بخير، فيواجه كل طائفة بوجه خير، ويقول لكل طائفة منهما من الخير ما يقول للأخرى، فهو الذي يسمى المصلح بين الناس، وفعله ذلك يسمى الإصلاح، وإن كان كاذبًا؛ لقوله -عليه السلام-: "ليس (¬1) الكذاب الذي يصلح بين الناس فيقول خيرًا" (¬2). [4873] (ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا) القاضي (شريك، عن الركين) بضم الراء المهملة، وفتح الكاف (¬3) مصغر ابن الربيع بن عميلة الفزاري أخرج له مسلم (عن نعيم) بضم النون مصغر (ابن حنظلة) ويقال: النعمان بن ميسرة (¬4)، ويقال: ابن قبيصة، مقبول (عن عمار) بن ياسر رضي اللَّه عنهما. (قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من كان له وجهان في الدنيا) أي: يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه، على وجه الفساد (كان له يوم القيام لسانان من نار) كما كان له لسانان عند كل طائفة، ولفظ الطبراني: "ذو (¬5) ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) رواه البخاري (2692)، ومسلم (2605) من حديث أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) في (ل)، (م): (سبرة)، والمثبت هو الصواب. (¬5) في الأصول: (ذا)، وهو خطأ؛ للمخالفة اللغوية، والمثبت من "المعجم الأوسط" 6/ 234 (6278).

الوجهين في الدنيا يأتي يوم القيامة وله وجهان من نار" ولفظ ابن أبي الدنيا: "من كان ذا لسانين جعل اللَّه له يوم القيامة لسانين من نار" (¬1). ورواه الطبراني (¬2). * * * ¬

_ (¬1) "ذم الغيبة والنميمة" (144). (¬2) "المعجم الأوسط" 8/ 365 (8885). ورواه في "الكبير" 2/ 170 (1697) من حديث جندب بن عبد اللَّه.

40 - باب في الغيبة

40 - باب فِي الغِيبَةِ 4874 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبي، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ -يَعْني: ابن مُحَمَّدٍ-، عَنِ العَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قِيلَ يا رَسُولَ اللَّهِ، ما الغِيبَةُ؟ قالَ: "ذِكْرُكَ أَخاكَ بِما يَكْرَهُ". قِيلَ أَفرَأَيْتَ إِنْ كانَ في أَخي ما أَقُولُ قالَ: "إِنْ كانَ فِيهِ ما تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ما تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ" (¬1). 4875 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ سُفْيانَ، قالَ: حَدَّثَني عَلي بْنُ الأَقْمَرِ، عَنْ أَبي حُذَيْفَةَ، عَنْ عائِشَةَ، قالَتْ: قُلْتُ لِلنَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذا وَكَذا قالَ غَيْرُ مُسَدَّدٍ: تَعْني قَصِيرَةً. فَقالَ: "لَقَدْ قُلْتِ كلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِماءِ البَحْرِ لَمَزَجَتْهُ". قالَتْ: وَحَكَيْتُ لَهُ إِنْسانًا فَقالَ: "ما أُحِبُّ أَنّي حَكَيْتُ إِنْسانًا، وَأَنَّ لي كَذا وَكَذا" (¬2). 4876 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، حَدَّثَنا أَبُو اليَمانِ، حَدَّثَنا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن أَبي حُسَيْنٍ، حَدَّثَنا نَوْفَلُ بْنُ مُساحِقٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِنَّ مِنْ أَرْبَى الرِّبا الاسْتِطالَةَ في عِرْضِ المُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ" (¬3). 4877 - حَدَّثَنا جَعْفَرُ بْنُ مُسافِرٍ، حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ قالَ: حَدَّثَنا زُهَيْرٌ عَنِ العَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2589). (¬2) رواه الترمذي (2502)، وأحمد 6/ 189، وابن أبي الدنيا في "الصمت" (206)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (1080)، والخرائطي في "مساوئ الأخلاق" (206)، والبيهقي في "الشعب" (6721). وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (2834). (¬3) رواه أحمد 1/ 190، والبزار (1264)، والشاشي (208)، والطبراني 1/ 154 (357)، والبيهقي 10/ 408. وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (2532).

مِنْ أَكْبَرِ الكَبائِرِ اسْتِطالَةَ المَرْءِ في عِرْضِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَمِنَ الكَبائِرِ السَّبَّتانِ بِالسَّبَّةِ" (¬1). 4878 - حَدَّثَنا ابن المُصَفَّى، حَدَّثَنا بَقِيَّةُ وَأَبُو المُغِيرَة قالا: حَدَّثَنا صَفْوانُ، قالَ: حَدَّثَني راشِدُ بْنُ سَعْدٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَمّا عُرِجَ بي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفارٌ مِنْ نُحاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ فَقُلْتُ مَنْ هؤلاء يا جِبْرِيلُ؟ قالَ هؤلاء الذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النّاسِ، وَيَقَعُونَ في أَعْراضِهِمْ". قالَ أَبُو داوُدَ: حَدَّثَناهُ يَحْيَى بْنُ عُثْمانَ، عَنْ بَقِيَّةَ لَيْسَ فِيهِ أَنَسٌ (¬2). 4879 - حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ أَبي عِيسَى السَّيْلَحِيني، عَنْ أَبي المُغِيرَة كَما قالَ ابن المصَفَّى (¬3). 4880 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا الأَسْوَدُ بْنُ عامِرٍ، حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ ابْنُ عَيّاشٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبي بَرْزَةَ الأَسْلَمي قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسانِهِ، وَلَمْ يَدْخُلِ الإِيمانُ قَلْبَهُ لا تَغْتابُوا المُسْلِمِينَ وَلا تَتَّبِعُوا عَوْراتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنِ أتَّبَعَ عَوْراتِهِمْ يَتَّبعِ اللَّهُ ¬

_ (¬1) رواه البزار (8336)، وابن أبي الدنيا في "الصمت" (727). وضعفه الألباني. (¬2) رواه أحمد 3/ 224، وابن أبى الدنيا في "الصمت" (577)، والخرائطي في "مساوئ الأخلاق" (187)، والطبراني في "الأوسط" (8)، والبيهقي في "الشعب" (6716). وصححه الألباني في "الصحيحة" (533). (¬3) رواه أحمد 3/ 224، وابن أبى الدنيا في "الصمت" (577)، والخرائطي في "مساوئ الأخلاق" (187)، والطبراني في "الأوسط" (8)، والبيهقي في "الشعب" (6716). وصححه الألباني في "الصحيحة" (533).

عَوْرَتَهُ وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ في بَيْتِهِ" (¬1). 4881 - حَدَّثَنا حَيْوَةُ بْنُ شرَيْحٍ المِصْري، حَدَّثَنا بَقِيَّةُ، عَنِ ابن ثَوْبانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ وَقّاصِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ المُسْتَوْرِدِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ أَكَلَ بِرَجُلٍ مُسْلِم أَكْلَةً فَإِنَّ اللَّهَ يُطْعِمُهُ مِثْلَها مِنْ جَهَنَّمَ، وَمَنْ كُسي ثَوْبًا بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَكْسُوهُ مِثْلَهُ مِنْ جَهَنَّمَ، وَمَنْ قامَ بِرَجُلٍ مَقامَ سُمْعَةٍ وَرِياءٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُومُ بِهِ مَقامَ سُمْعَةٍ وَرِياءٍ يَوْمَ القِيامَةِ" (¬2). 4882 - حَدَّثَنا واصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حَدَّثَنا أَسْباطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ هِشامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرامٌ مالُهُ وَعِرْضُهُ وَدَمُهُ حَسْبُ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخاهُ المُسْلِمَ" (¬3). * * * باب في الغيبة [4874] (ثنا عبد اللَّه بن مسلمة) القعنبي (ثنا عبد العزيز بن محمد) الدراوردي (عن العلاء) بن عبد الرحمن أبي شبل مولى الحرقة، أخرج له مسلم (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني مولى الحرقة، ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 420، وابن أبي الدنيا في "الصمت" (168)، وأبو يعلى (7423)، والروياني (1312)، والبيهقي 10/ 247. وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (2340) (¬2) رواه أحمد 4/ 229، والبخاري في "الأدب المفرد" (240)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2807)، وأبو يعلى (6858). وقال الألباني في "الصحيحة" (934): وبالجملة فالحديث بمجموع هذِه الطرق صحيح. (¬3) رواه مسلم (2564).

أخرج له مسلم. (عن أبي هريرة أنه قيل: يا رسول اللَّه، ما الغيبة؟ ) لفظ مسلم: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أتدرون ما الغيبة؟ " قالوا: اللَّه ورسوله أعلم (¬1). قال القرطبي: هذا السؤال صدر بعد أن جرى ذكر الغيبة، ولا يبعد أن يكون ذلك بعد أن نزل قوله تعالى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} (¬2)، ففسر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- هذِه الغيبة المنهي عنها (¬3). (قال: ذكرك أخاك) في حال غيبته (بما يكره) أي: بكل ما يكرهه لو سمعه، وكما تكون الغيبة باللسان تكون بالقلب، فالذكر باللسان إنما حرم؛ لأن فيه تفهيم الغير وتعريفه بما يكرهه أخوك الغائب، والتعريض في هذا كالتصريح، والفعل فيه كالقول وكذا الإشارة والإيماء والغمز والرمز والكتابة وكل ما يفهم المقصود بكل ما يكرهه فهو داخل في الغيبة. قالت عائشة: دخلت علينا صفية (¬4) فلما ولَّت أومأت بيدي إلى أنها قصيرة؛ فقال -عليه السلام-: "قد اغتبتها" (¬5). وكذلك المحاكاة بأن يمشي متعارجًا كما يمشي، فهو غيبة له، ويدخل في الغيبة كل ما ذكرت به أخاك بما يكرهه لو بلغه، سواء ذكرت نقصا في بدنه، أو نسبه، أو خلقه، أو فعله، أو قوله، أو دينه، أو دنياه، أو ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2589) من حديث أبي هريرة. (¬2) الحجرات: 12. (¬3) "المفهم" 6/ 569 - 570. (¬4) مقابلها في حاشية (ل): لعلها. (¬5) رواه أحمد 6/ 206 وابن أبي الدنيا في "الصمت" (206)، وهناد في "الزهد" 2/ 568 (1190). وليس فيه أنها صفية.

داره، أو دابته، أو خادمه، فذكر البدن كالعمش والقصر والطول. والنسب: أبوه نبطي، أو فاسق، أو إسكاف. أو الخُلق بأن يقول: سيِّئ الخلق، أو بخيل، أو متكبر. والأفعال المتعلقة بالدين: سارق، كذاب، خائن، متهاون بالصلاة، لا يضع الزكاة قسمتها ولا يحسنها. وأما فعله المتعلق بالدنيا كقولك: قليل الأدب، متهاون بالناس، كثير الأكل، نؤوم. (قيل: أرأيت (¬1) إن كان بأخي ما أقول؟ قال: إن كان (¬2) فيه ما تقول فقد اغتبته) وقد تباح الغيبة لستة أسباب؛ وهي: التظلم، والاستعانة على تغيير المنكر، والاستفتاء، والتعريف، وقد يكون مجاهرًا بفسقه، وتحذير المسلمين من الشر كجرح المجروحين من الرواة والشهود، والإخبار بغيبته عند المشاورة، وإذا رأيت من يشتري شيئًا معيبًا تذكره للمشتري، ونحو ذلك. (وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته) بفتح الهاء المخففة، وتشديد التاء لإدغام تاء المخاطب في التاء التي هي لام الفعل. قال القرطبي: كذا روايته، قال اللَّه تعالى: {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} (¬3) (¬4)، قال الحسن: ذكر الغير ثلاثة أشياء: الغيبة والبهتان والإفك. والكل في كتاب اللَّه، والغيبة أن تقول عنه ما هو فيه في غيبته، والبهتان: أن تقول ما ليس ¬

_ (¬1) في "السنن": "أفرأيت". (¬2) ساقطة من (ل)، (م). (¬3) البقرة: 258. (¬4) "المفهم" 6/ 571.

فيه، والإفك: أن تقول ما بلغك (¬1). [4875] (حدثنا مسدد، حدثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن سفيان) ابن سعيد الثوري (قال: حدثني علي بن الأقمر) الوادعي (عن أبي حذيفة) سلمة بن صهيب الكوفي، أخرج له مسلم. (عن عائشة قالت: قلت للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: حسبك من صفية) أي: يكفيك من زوجتك صفية (كذا وكذا. قال غير مسدد) في روايته: إنها (قصيرة. فقال: لقد قلت كلمة) واحدة (لو مزجت بماء (¬2) البحر) يحتمل أن يراد أن ريق فمك حين قلت هذِه الكلمة المنتنة لو مزج هذا الريق اليسير النتن من الكلمة بماء البحر العظيم المتين المحيط بالدنيا وخالطه (لمزجته) لفاق ريحها على ريحه في النتن، وناهيك بماء البحر وطعمه، وهذا كله مبالغة عظيمة وزجر شديد وتحذير أكيد في ترك الغيبة والاستماع إليها. (قالت: وحكيت له إنسانًا) أي: فعلت له مثل فعله، أو قلت له مثل قوله، فقال: حكاه وحاكاه، وأكثر ما يستعمل في قبيح المحاكاة، ويقال: حكيت صفته. إذا أتيت بمثلها. (فقال: ما أحب أني حكيت إنسانًا) لفظ الترمذي: فقال: "ما يسرني أني حكيت رجلا" (¬3)، (وأن لي كذا وكذا) على حكايته. [4876] (حدثنا محمد بن عوف) الطائي، قال شيخنا ابن حجر: ثقة ¬

_ (¬1) انظر: "تفسير القرطبي" 16/ 335، و"تفسير الماوردي" 5/ 334. (¬2) بعدها في (ل)، (م): لو مزج بها وعليها: خـ. (¬3) "سنن الترمذي" (2502).

حافظ (¬1). (حدثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع البهراني الحمصي (حدثنا شعيب) (¬2) بن أبي حمزة دينار القرشي الأموي (ثنا عبد اللَّه بن) عبد الرحمن بن (أبي حسين) (¬3) القرشي النوفلي (ثنا نوفل بن مساحق) القرشي ثقة، ولي قضاء المدينة، (عن سعيد بن زيد) أحد العشرة من السابقين -رضي اللَّه عنه-. (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إن من (¬4) أربى الربى) ولابن أبي الدنيا والبيهقي: "أشد الربا" (¬5)، و"أربى الربا" (¬6)، و"أخبث الربا" (¬7) (الاستطالة في عرض المسلم) قال في "النهاية": أي: استحقاره والترفع والوقيعة فيه (¬8)، يقال: استطال في عرضه إذا رفع كلامه عليه وأطاله فيه بما ينتقصه (بغير حق). وروى أبو يعلى: "إن (¬9) أربى الربا عند اللَّه استحلال عرض مسلم" ¬

_ (¬1) "تقريب التهذيب" (6202). (¬2) و (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) فوقها في (ل): (ع). (¬5) ساقطة من (ل)، (م)، والمثبت من "السنن". (¬6) لم أجده فيما بين يدي من كتبهما. (¬7) "الصمت" (173) من حديث أبي هريرة؛ (175) من حديث أنس. وفي "ذم الغيبة" (34) من حديث أبي هريرة، و (36) من حديث أنس. ورواه البيهقي في "الشعب" 4/ 393 (5517) من حديث سعيد بن زيد، 4/ 394 (5519) من حديث ابن مسعود، 4/ 395 (5522) من حديث أبي هريرة، و 4/ 395 (5523) من حديث أنس. "شعب الإيمان" 5/ 299 (6715) من حديث ابن عباس. (¬8) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/ 145. (¬9) من (م).

ثم قرأ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا} (¬1)؛ أي: يقولون على الناس، ويكذبون عليهم بما لم يقولوه، وليس فيهم، أما إذا كان الكلام في عرض الآدمي بحق كما إذا مطله حقه وهو قادر على وفائه؛ فإن له أن يتكلم في عرضه بأن يقول: مطلني حقي وهو قادر عليه؛ كما قال -عليه السلام-: "مطل الغني ظلم" (¬2)، وفي البخاري: "لي الواجد يحل عرضه وعقوبته" (¬3) أي: مطل الواجد القادر يحل الماطل للممطول بأن يباح له الكلام في عرضه، ويباح له عقوبته بالحاكم، وهو حبسه، وذكر العلماء أن الكلام في عرض الآدمي يباح في ستة تقدمت، وبلغها العماد (¬4) إلى سبعة عشر في قصيدة له، فمن الزائد على الستة قوله: ومظهر البدعة اذكرها لمنكرها ... ومخفي البدعة اذكرها لمن جهلا ¬

_ (¬1) الأحزاب: 58، والحديث في "مسند أبي يعلى" 8/ 145 (4689) من حديث عائشة، وفيه: "أزنى الزنا" بالزاي. (¬2) تقدم برقم (3345) من حديث أبي هريرة. (¬3) أورده البخاري معلقا بصيغة تمريض قبل حديث (2401)، وقد تقدم برقم (3628) من حديث عمرو بن الشريد عن أبيه. (¬4) هو أحمد بن عماد بن يوسف الأقفهسي المعروف بابن العماد، أحد أئمة الفقهاء الشافعية في هذا العصر صنف التصانيف المفيدة نظمًا وشرحًا وله "أحكام المساجد" و"أحكام النكاح" و"حوادث الهجرة"، وغير ذلك، قال الحافظ: سمعت من نظمه ومن لفظه، وكتب عنه الشيخ برهان الدين محدث حلب من فوائده، توفي سنة ثمان وثمانمائة. "إنباء الغمر بأبناء العمر" 2/ 332.

مساوئ الخصم إن يذكره لحاكمه ... حين السؤال أو الدعوى فلا تهلا وغيبة الكافر الحربي قد سهلت ... وعكسه غيبة الذمي قد عقلا وتارك الدين لا فرض للصلاة فلا ... أخشى عليك إذا ما اغتبته خللا (¬1) [4878] (حدثنا) محمد (ابن المصفى) بهلول (¬2) الحمصي القرشي، صدوق له أوهام، وكان يدلس (حدثنا بقية) بن الوليد (وأبو (¬3) المغيرة) عبد القدوس بن الحجاج الخولاني (قالا: حدثنا صفوان) بن عمرو السكسكي الحمصي، روى له البخاري في "الأدب" والباقون (حدثني راشد بن سعد) الحمصي، ثقة، شهد صفين (وعبد الرحمن بن جبير) ابن نفير الحضرمي، ثقة. (عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لما عرج بي) ليلة الإسراء (مررت بقوم لهم أظفار من نحاس) بضم النون، زيادة في عقوبتهم لشدة قوة النحاس (يخمشون) بكسر الميم (وجوههم وصدورهم) فوجوههم مواضع الأكل، وصدورهم تقابل مواضع استقرار اللحم المأكول، فإن البطون هي الصدور (فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ ) فيه سؤال عما يراه الإنسان إذا كان له فيه فائدة دون ¬

_ (¬1) الأبيات في "آداب الأكل" للأقفهسي ص 18 والألفاظ المذكورة في هذا الموضع هو الموافق للمخطوط. (¬2) كذا في (ل)، (م)، والصواب: (بن بهلول) كما في مصادر ترجمته. (¬3) فوقها في (ل): (ع).

السؤال عما لا يعنيه (قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس) أمواتًا (ويقعون في أعراضهم) بغير حق. ([قال أبو داود: حدثناه] (¬1) يحيى بن عثمان) بن سعيد الحمصي أخو عمرو، ثقة عابد من الأبدال (عن بقية) بن الوليد، كما تقدم في السند قبله، لكن (ليس فيه أنس) بن مالك، بل مرسلا. [4879] (ثنا عيسى بن أبي عيسى) هلال بن يحيى الطائي الحمصي، صدوق (السليحي) بفتح السين، وكسر اللام، ويقال: بضم السين، وفتح اللام، وسكون المثناة تحت، ثم حاء مهملة، نسبة إلى سليح بطن من قضاعة، رجح ابن السمعاني ضم السين، وفتح اللام (¬2). وقال ابن الأثير: الصحيح فتح السين، وكسر اللام (¬3). (عن أبي المغيرة) عبد القدوس (كما قال ابن المصفى) فيما تقدم. [4880] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا الأسود (¬4) بن عامر) شاذان (ثنا أبو بكر (¬5) بن عياش) فقيل: اسمه شعبة، والصحيح أن اسمه كنيته، وهو كوفي. (عن الأعمش، عن سعيد بن عبد اللَّه بن جريج) مولى أبي برزة، وثق (عن أبي برزة) نضلة بن عبيد (الأسلمي) توفي سنة ستين. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين في (ل) وعليه: (خـ) وبعدها: حدثنا، وفي (م): حدثنا. (¬2) "الأنساب" 7/ 193. (¬3) "اللباب في تهذيب الأنساب" 2/ 131. (¬4) فوقها في (ل): (ع). (¬5) فوقها في (ل): (ع).

(قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: يا معشر من آمن بلسانه) وهو الإسلام الذي يعصم به الدم (ولم يدخل الإيمان قلبه) والإيمان محله القلب دون اللسان، والمراد: أن القلب لم يصدق اللسان فيما تلفظ به من الإسلام (لا تغتابوا المسلمين) في غيبتهم بما يكرهون. لفظ رواية ابن أبي الدنيا: "يا معشر من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه" (¬1). (ولا تتبعوا) بتشديد التاء الثانية، والباء الموحدة (عوراتهم) علامة النصب كسر التاء، والعورات: جمع عورة، وكل خلل أو عيب أو نقص في الآدمي فهو عورة، فالمؤمن لا يتبع عيوب أخيه، بل يتبع عيوب نفسه الذي يسأل عنها. (فإنه من اتبع) ولابن أبي الدنيا: "فإنه من يتبع" (¬2) (عوراتهم) ومعايبهم (يتبع) بفتح المثناتين، وفي رواية بفتح التحتانية، وسكون الفوقانية (اللَّه عورته) أي: حفظ ذنوبه ومعاصيه (و [من يتبع اللَّه عورته] (¬3) يفضحه) بضم أوله، أي: يظهرها؛ ليفتضح بها ويكشف أمره بعد ستره (في) جوف (بيته) كذا لابن أبي الدنيا، وللترمذي: "ولو في جوف رحله" (¬4) والمراد: أنه يفضحه ويكشف حاله وذنوبه في المكان الذي يستتر فيه عن الناس. [4881] (حدثنا حيوة بن شريح) الحضرمي الحمصي، شيخ ¬

_ (¬1) "الصمت" (167) من حديث البراء. (¬2) السابق. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل)، (م)، والمثبت من "السنن". (¬4) "سنن الترمذي" (2032) من حديث ابن عمر.

البخاري (حدثنا بقية) (¬1) بن الوليد (ثنا) عبد الرحمن بن ثابت (بن ثوبان) (¬2) العنسي الزاهد، قال دحيم وغيره: ثقة (¬3). (عن أبيه) ثابت بن ثوبان العنسي، ثقة فقيه (عن مكحول، عن وقاص) بتشديد القاف (ابن ربيعة) العنسي بنون ومهملة، أبو رِشدين الشامي، ثقة مقبول (عن المستورد) بن شداد بن عمرو القرشي الفهري، صحابي نزل الكوفة ثم مصر. (أنه حدثه أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: من أكل برجل) الباء في (برجل) باء السببية، أي: بسبب ذكررجل بسوء في غيبته (مسلم أكلة) هي بضم الهمزة: اللقمة التي تؤكل من الشاة وغيرها، وبالفتح المرة من الأكل مع الاستيفاء، ومعناه: أن الرجل يكون صديقًا لرجل، فيذهب إلى عدو ذلك الرجل، فيتكلم فيه بغير الجميل؛ ليجيزه عليه بجائزة من الأكل وغيره، فلا يبارك اللَّه له فيها. (فإن اللَّه يطعمه مثلها) إن كانت لقمة فلقمة، وإن كانت مرة مستوفاة من الأكل فمثلها في الصورة، لكن (من) نار (جهنم)، أجارنا اللَّه منها. (ومن كسي) بضم الكاف، وكسر السين (ثوبا برجل مسلم) أي: بسبب كلامه بغير الجميل عند عدو ذلك المسلم (فإن اللَّه تعالى يكسوه مثله) أي: مقابله (من) نار (جهنم) يوم القيامة. (ومن قام برجل) بسبب رجل (مقام سمعة ورياء) أي: مقاما يسمعه ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (4). (¬2) فوقها في (ل): (م ت ق). (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 17/ 12.

الناس ويرونه وبالغ في مدحه والثناء عليه؛ ليأخذ بذلك وجهًا عند الرجل ومكانة، كما يفعله بعض الشعراء حين يقومون ليسمعوا الناس القصيد الذي مدح الرجل به بمسمع من الناس ومرأى؛ ليقتطع بذلك قطعة من ماله. (فإن اللَّه تعالى يقوم به (¬1) مقام سمعة ورياء) أي: يأمر يوم القيامة من يقوم مقامًا (¬2) يسمعه الخلائق ويرونه (¬3) يذم القائم مقام سمعة، وإشهار قبح حاله على رؤوس الأشهاد، فإن الجزاء من جنس العمل (يوم القيامة). [4882] (ثنا واصل بن عبد الأعلى) شيخ مسلم (ثنا أسباط بن محمد) القرشي الكوفي (عن هشام بن سعد) أخرج له مسلم (عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح) السمان (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: كل المسلم) أي: كل جزء من أجزائه (على) أخيه (المسلم حرام) ثم بين أن التحريم لا يختص بأجزاء البدن فقط، بل يتعلق به من حقوقه كذلك، فمنه (ماله) بغير حق (وعرضه) وهو حسبه، قال في "النهاية": العرض: موضع المدح والذم من الإنسان، سواء كان في نفسه، أو سلفه، أو من يلزمه أمره. وقيل: هو جانبه الذي يصونه من نفسه وحسبه، ويحامي عنه أن ينتقص ويثلب (¬4). ¬

_ (¬1) بعدها في (ل)، (م): يقوم له، وعليها: خـ. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) في (ل)، (م): ويروه. والجادة ما أثبتناه. (¬4) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/ 209.

(ودمه) بغير حق، ويدخل في تحريم كل المسلم: فرجه من الزنا ونحوه، وعقله مما يزيله، ونحوها ظلمًا، وغير ذلك مما يكثر تعداده مما هو في معنى المذكورات. (حسب امرئ) بسكون السين، أي: يكفيه (من الشر) وفيه: المبالغة العظيمة في تكثير ما يحصل له من الشر بذلك (أن يحقر) بفتح الياء، وسكون الحاء، وكسر القاف، أي: يحتقر (أخاه المسلم) أي: لا يستصغره في نظره، ولا يتكبر عليه. قال المنذري: هذا هو الصواب هاهنا (¬1). وقيل فيه: "ولا يخفره" بضم الياء، وسكون الخاء المعجمة، وكسر الفاء، يقال: خفرت الرجل إذا أجَرته، وأخفرته إذا غدرته وأسلمته ونقضت عهده وذمامه (¬2). يقال: خفرته إذا أجرته وحفظته، فالهمزة في أخفرته للإزالة، أي: أزلت خفارته، كما يقال: أشكيته إذا أزلت شكواه، وهو المراد في الحديث إن شاء اللَّه تعالى. * * * ¬

_ (¬1) "مختصر سنن أبي داود" 7/ 214. (¬2) قاله في حاشية "مختصر سنن أبي داود" كما ذكر محققه 7/ 214 حاشية (2).

41 - باب من رد عن مسلم غيبة

41 - باب منْ رَدَّ عَنْ مُسْلِمٍ غِيبَةً 4883 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْماءَ بْنِ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنا ابن المُبارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمانَ، عَنْ إِسْماعِيلَ بْنِ يَحْيَى المَعافِري، عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعاذِ بْنِ أَنَسٍ الجُهَني، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ حَمَى مُؤْمِنًا مِنْ مُنافِقٍ". أُراهُ قالَ: "بَعَثَ اللَّهُ مَلَكًا يَحْمي لَحْمَهُ يَوْمَ القِيامَةِ مِنْ نارِ جَهَنَّمَ، وَمَنْ رَمَي مُسْلِمًا بِشَيء يُرِيدُ شَيْنَهُ بِهِ حَبَسَهُ اللَّهُ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ حَتَّى يَخْرُجَ مِمّا قالَ" (¬1). 4884 - حَدَّثَنا إِسْحاقُ بْنُ الصَّبّاحِ، حَدَّثَنا ابن أَبي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنا اللَّيْثُ، قالَ: حَدَّثَني يَحْيَى بْنُ سُلَيْمِ أَنَّهُ سَمِعَ إِسْماعِيلَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ جابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبا طَلْحَةَ بْنَ سَهْلِ الأَنْصاري يَقُولانِ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما مِنِ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا في مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ، وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، إِلّا خَذَلَهُ اللَّهُ في مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ وَما مِنِ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا في مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ، إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ في مَوْطِنٍ يُحِبُّ نُصْرَتَهُ". قالَ يَحْيَى: وَحَدَّثَنِيهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعُقْبَةُ بْنُ شَدّادٍ. قالَ أَبُو داوُدَ: يَحْيَى بْن سُلَيْمٍ هذا هُوَ ابن زَيْدٍ مَوْلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وَإِسْماعِيلُ بْنُ بَشِيرٍ مَوْلَى بَني مَغالَةَ، وَقَدْ قِيلَ: عُتْبَةُ بْنُ شَدّادٍ مَوْضِعَ عُقْبَةَ (¬2). * * * ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 441، وابن المبارك في "الزهد" (686)، والطبراني 20/ 194 (433)، وأبو نعيم في "الحلية" 8/ 188، والبيهقي في "الشعب" (7631). وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب" (1355). (¬2) رواه أحمد 4/ 30، وابن أبي الدنيا في "الصمت" (241)، والشاشي (1077)، والبيهقي 8/ 168، والطبراني 5/ 105 (4735). وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (5690).

باب من رد عن مسلم غيبة [4883] (ثنا عبد اللَّه بن محمد بن أسماء بن عبيد) الضبعي شيخ الشيخين (ثنا) عبد اللَّه (ابن المبارك، عن يحيى بن أيوب) الغافقي، المصري (عن عبد اللَّه بن سليمان) بن زرعة المعافري المصري، قال ابن يونس: كان يرونه من الأبدال (¬1). قال ابن حجر: صدوق يخطئ (¬2)، ([عن إسماعيل بن يحيى] (¬3) المعافري) المصري [قال ابن حجر: مجهول (¬4). (عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني]) (¬5) ضُعِّف. أخرج هذا الحديث أبو سعيد ابن يونس في "تاريخ المصريين" (¬6) (عن أبيه) معاذ بن أنس الجهني، سكن مصر وهو صحابي. (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: من حمى مؤمنًا) أي: منعه (من منافق) أو ظالم يريده بسوء في جسمه أو ماله أو دمه أو عرضه فخلصه منه ولو بكلمة وأجاره منه (أراه) بضم الهمزة، أي: أظنه (قال: بعث اللَّه) تعالى إليه حين تزفر جهنم على الخلائق (ملكًا) بفتح اللام (من الملائكة يحمي لحمه) وجميع جسمه (يوم القيامة من نار جهنم) كما حمى عبده المؤمن من الظالم (ومن رمى مسلمًا) أي: تكلم فيه (بشيء يريد شينه) ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الميزان" 2/ 349. (¬2) "تقريب التهذيب" (3370). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) "تقريب التهذيب" (495). (¬5) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬6) "تاريخ ابن يونس" جمع د عبد الفتاح فتحي 1/ 44.

بفتح الشين المعجمة (به) أي: يريد أن يعيبه به وينتقصه به، لا سيما إن كان عند ظالم. (حبسه اللَّه) يوم القيامة (على جسر) بفتح الجيم وكسرها، لغتان مشهورتان وهو الصراط تزلق عليه الأقدام ولا تستقر، فيه خطاطيف وكلاليب، وبحسبك (¬1) (جهنم) أجارنا اللَّه منها. (حتي يخرج) بفتح الياء، وضم الراء؛ أي: يخلص (مما قاله)؛ أي: من إثم ما رماه به. [4884] (ثنا إسحاق بن الصَّبَّاح) الأشعثي الكندي الكوفي نزيل مصر، مقبول (ثنا) سعيد (¬2) (ابن أبي مريم) المصري (¬3)، ثقة. (حدثنا الليث، حدثني يحيى بن سليم) الهاشمي (أنه سمع إسماعيل ابن بشير) الأنصاري مولى بني مغالة بفتح الميم (يقول: سمعت جابر بن عبد اللَّه وأبا طلحة) زيد (بن سهل الأنصاري) بدري كبير مشهور. (يقولان: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ما من امرئ يخذل) بضم الذال المعجمة، كما قال اللَّه تعالى: {وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ} (¬4) (امرأً مسلمًا) أي: يخلي بينه وبين من يظلمه ولا ينصره، قال في "النهاية": الخذل ترك ¬

_ (¬1) كذا في الأصول، ولعل الصواب: حسك، وهو نبات له ثمرة خشنة تعلق بأصواف الغنم وكل ثمرة تشبهها. "لسان العرب" (حسك). (¬2) في النسخ: بريد بالموحدة. وهو خطأ. انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 436 (359)، 10/ 391 (2253)، 24/ 255 (5016). (¬3) في النسخ الكوفي، وهو خطأ، والمثبت من "سير أعلام النبلاء" 10/ 328. (¬4) آل عمران: 160.

الإعانة والنصرة (¬1). (في موضع تنتهك فيه حرمته) أي: تناولها ووقع فيها بما لا يحل، والحرمة: ما لا يحل انتهاكه، والحرمة: المهابة (وينتقص فيها (¬2) من عرضه) العِرض تقدم قريبًا (إلا خذله اللَّه في موطن يحب فيه نصرته) ويكون فيه أحوج إلى نصرته، وهو يوم القيامة (وما من امرئ ينصر مسلمًا) ويقوم بنصرته (في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك) فيه (من حرمته إلا نصره اللَّه تعالى في موطن يحب) فيه (نصرته) ويكون أحوج الناس إليها. (قال يحيى) بن سليم (وحدثنيه عبيد (¬3) اللَّه بن عبد اللَّه بن عمر) بن الخطاب العدوي (وعقبة بن شداد، قال) المصنف (يحيى بن سليم هذا ابن زيد مولى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإسماعيل بن بشير) الأنصاري هو (مولى بني مغالة) بفتح الميم، وهي امرأة عدي بن عمرو بن مالك بن النجار، واسمه تيم اللات بن ثعلبة, (وقد قيل: عتبة بن شداد. موضع: عقبة) ابن شداد، والأول أشهر. * * * ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 16. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) فوقها في (ل): (ع).

42 - باب من ليست له غيبة

42 - باب مَنْ لَيْسَتْ لَهُ غِيبَةٌ 4885 - حَدَّثَنا عَلي بْن نَصْرٍ، أَخْبَرَنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الوارِثِ مِنْ كِتابِهِ، قالَ: حَدَّثَني أَبِي، حَدَّثَنا الجُرَيْري، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الجُشَمي، قالَ: حَدَّثَنا جُنْدُبٌ، قالَ: جاءَ أَعْرابي فَأَناخَ راحِلَتَهُ، ثُمَّ عَقَلَها، ثمَّ دَخَلَ المَسْجِدَ، فَصَلَّى خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَلَمّا سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَتَى راحِلَتَهُ فَأَطْلَقَها، ثُمَّ رَكِبَ، ثُمَّ نادى: اللَّهُمَّ ارْحَمْني وَمُحَمَّدًا، وَلا تُشْرِكْ في رَحْمَتِنا أَحَدًا. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَتَقُوُلونَ هُوَ أَضَلُّ أَمْ بَعِيرُهُ؟ أَلَمْ تَسْمَعُوا إِلَى ما قالَ". قالُوا: بَلَى (¬1). * * * باب فيمن ليست له غيبة [4885] (ثنا علي بن نصر) الجهضمي (¬2) شيخ مسلم (ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث) التنوري الحافظ، حجة (من كتابه) لا من حفظه وإملائه (حدثني أبي (¬3) عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان التميمي (ثنا) سعيد بن إياس (الجريري) (¬4) بضم الجيم مصغر (عن أبي عبد اللَّه) اسمه عياش (الجشمي) ذكره النسائي (ثنا جندب) بن عبد اللَّه البجلي العلقي صحابي (¬5) نزل الكوفة والبصرة، جليل مشهور. ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 312، والروياني (957)، والطبراني 2/ 161 (1667)، والحاكم 1/ 56. وحسنه الألباني في "الإرواء" تحت حديث رقم (171). (¬2) بعدها في (ل، م): الدستوائي، وهو خطأ. (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) فوقها في (ل): (ع). (¬5) ساقطة من (م).

(قال: جاء أعرابي فأناخ راحلته) على باب المسجد (ثم عقلها) بعقال. فيه: جواز وقوف الخيل والإبل (¬1) والبغال والحمير على باب المسجد، وإن كان يحدث منها نجاسة (ثم دخل المسجد، فصلى خلف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) في المسجد. فيه: فضيلة الصلاة داخل المسجد وإن كانت دابته على الباب ليس معها أحد يحفظها، وأن اشتغال فكره بالدابة لا يضر؛ إذ من صلى جوف المسجد ودابته على الباب لا يحفظها أحد لا بد أن يشتغل فكره بها. (فلما سلم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) من الصلاة وسلم معه (أتى راحلته فأطلقها) من عقالها (ثم ركب) عليها (ثم نادى: ) رافعًا صوته (اللهم أرحمني ومحمدًا) ولفظ البخاري في "الصحيح" في باب رحمة الناس (¬2) والبهائم (¬3)، يدل على أنه قال هذا في الصلاة، ولفظه أن أبا هريرة قال: قام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في صلاة وقمنا معه، فقال أعرابي وهو في الصلاة: اللهم آرحمني ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا. فلما سلم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال للأعرابي: "لقد حجرت واسعًا (¬4) " يريد: رحمة اللَّه تعالى (¬5). (فلا تشرك في رحمتنا أحدًا) لفظ البخاري أصرح في المقصود (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أتقولون) لعل (تقولون) بمعنى: تظنون؛ لوجود تقدم ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) في (ل)، (م): (اللَّه)، والصواب ما أثبتناه. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) ساقطة من (م). (¬5) "صحيح البخاري" (6010).

الاستفهام والفعل المضارع المصدر بتاء الخطاب من غير فصل بينه وبين الاستفهام، وشاهده قول الشاعر: متى تقول القلص الرواسما ... يحملن أم قاسم وقاسما (¬1) (هو أضل) معلق بهمزة الاستفهام المحذوفة بدلالة (أم) بعدها، فهو منصوب أولا بمعلق لنصب (أم بعيره؟ ) لأنه وإن كان له عقل يهتدي به إلى الصلاة والدين، فالبعير ينقاد لجاذبه ومالكه الذي يعلفه، ويتعهده، ويعرف من يحسن إليه ممن يسيء، ويطلب منفعته ويجتنب ما يضره، ويهتدي لمرعاه ومشربه. (ألم تسمعوا إلى ما يقول؟ ) من تحجيره رحمة اللَّه التي وسعت كل شيء وتضييقها عليه وعلى رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (قالوا: بلى) سمعنا، ولم يرجحوا إضلال الأعرابي ولا البحير أدبًا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. * * * ¬

_ (¬1) عزاه ابن قتيبة في "الشعر والشعراء" ص 691، وابن منظور في "لسان العرب" (قول، فغم) لهدبة بن خشرم.

43 - باب ما جاء في الرجل يحل الرجل قد اغتابه

43 - باب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يُحِلُّ الرَّجُلَ قدِ اغْتَابَهُ 4886 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا ابن ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتادَةَ قالَ: أَيَعْجزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ أَبِي ضَيْغَمٍ -أَوْ ضَمْضَمٍ شَكَّ ابن عُبَيْدٍ- كانَ إِذا أَصْبَحَ قالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ تَصَدَّقْت بِعِرْضي عَلَى عِبادِكَ (¬1). 4887 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمّادٌ، عَنْ ثابِتٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَيَعْجزُ أَحَدُكُم أَنْ يَكُونَ مِثْلَ أَبي ضَمْضَمٍ". قالُوا: وَمَنْ أَبُو ضَمْضَمٍ قالَ: "رَجُلٌ فِيمَنْ كان مِنْ قَبْلِكُمْ". بِمَعْناهُ قالَ: "عِرْضي لِمَنْ شَتَمَنَي". قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ هاشِمُ بْنُ القاسِمِ قالَ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ العَمّي، عَنْ ثابِتٍ قالَ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِمَعْناهُ. قالَ أَبُو داوُدَ: وَحَدِيثُ حَمّادٍ أَصَحُّ (¬2). * * * باب [ما جاء] (¬3) الرجل يتحلل الرجل قد اغتابه [4886] (حدثنا محمد بن عبيد، ثنا أبو ثور، عن معمر، عن قتادة قال: أيعجز) بكسر الجيم (أحدكم أن يكون مثل أبي ضمضم أو ضيغم ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق في "التفسير" 1/ 133. وقال الألباني: صحيح مقطوع. (¬2) رواية ابن عجلان رواه العقيلي في "الضعفاء" 4/ 93، والدارقطني في "العلل" 12/ 40. ومرفوع أنس رواه البزار (6892)، والطبراني في "مكارم الأخلاق" (53)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (65)، والبيهقي في "الشعب" (8082). وضعفه الألباني في "الإرواء" (2366). (¬3) ساقطة من (م).

شك ابن عبيد) أبو ضمضم هذا ذكره ابن عبد البر في الصحابة (¬1)، وأنكره العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء"، وقال: إنما هو من الأمم السالفة؛ بدليل رواية البزار (¬2). ورواية أبي داود هذِه (كان إذا أصبح قال: اللهم إني تصدقت بعرضي على عبادك). [4887] (ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد، عن ثابت، عن عبد الرحمن بن عجلان قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: أيعجز أحدكم أن يكون كأبي (¬3) ضمضم؟ قالوا: ومن أبو ضمضم؟ قال: رجل فيمن كان قبلكم. بمعناه. [قال] (¬4) عرضي لمن شتمني. قال أبو داود: رواه هاشم ابن القاسم. قال: عن محمد بن عبد اللَّه العمي، عن ثابت، عن أنس، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. بمعناه. قال أبو داود: وحديث حماد أصح) وهذا الحديث رواه ابن السني عن أنس بلفظ: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: قال: "أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم؟ " قالوا: ومن أبو ضمضم يا رسول اللَّه؟ قال: "كان إذا أصبح قال: اللهم إني قد وهبت نفسي وعرضي لك، فلا يشتم من شتمه، ولا يظلم من ظلمه، ولا يضرب من ضربه" (¬5). * * * ¬

_ (¬1) "الاستيعاب" 4/ 257. (¬2) "المغني عن حمل الأسفار" 2/ 825. (¬3) في "السنن": مثل أبي. (¬4) ساقطة من الأصول، أثبتناها من "السنن" لأن السياق يقتضيها. (¬5) "عمل اليوم والليلة" (65).

44 - باب في النهي عن التجسس

44 - باب في النَّهْي عَنِ التَّجَسُّسِ 4888 - حَدَّثَنَا عِيسَى بْن مُحَمَّدٍ الرَّمْلي وابْنُ عَوْفٍ -وهذا لَفْظُهُ- قالا: حَدَّثَنَا الفِرْيابي، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ راشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُعاوِيةَ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "إِنَّكَ إِنِ اتَبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُمْ". فَقالَ أَبُو الدَّرْداءِ: كَلِمَةٌ سَمِعَها مُعاوِيةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَفَعَهُ اللَّهُ تَعالَى بِها (¬1). 4889 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْن عَمْرٍو الحَضْرَمي، حَدَّثَنَا إِسْماعِيلُ بْنُ عَيّاشٍ، حَدَّثَنَا ضِمْضَمُ بْن زُرْعَةَ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ وَكَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ وَعَمْرِو بْنِ الأَسْوَدِ والمِقْدامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ وَأَبي أُمامَةَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِنَّ الأَمِيرَ إِذَا ابْتَغَى الرِّيبَةَ في النّاسِ أَفْسَدَهُمْ" (¬2). 4890 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ ابْنِ وَهْبٍ قالَ: أُتِي ابن مَسْعُودٍ فَقِيلَ: هَذَا فُلَانٌ تَقْطُرُ لْحِيَتُهُ خَمْرًا. فَقالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنّا قَدْ نُهِينا عَنِ التَّجَسُّسِ، ولكن إِنْ يَظْهَرْ لَنا شَيء نَأْخُذْ بِهِ (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (248)، وأبو يعلى (7389)، وابن حبان (5760). وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (2342). (¬2) رواه أحمد 6/ 4، وابن أبي عاصم في "السنة" (1073)، والطحاوي في "شرح المشكل" (89)، والطبراني 20/ (7515)، والحاكم 4/ 378، والبيهقي 8/ 333. وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (2343). (¬3) رواه عبد الرزاق 10/ 232 (18945)، وابن أبي شيبة 13/ 529 (27100)، والبزار (1769)، والطبراني 9/ 350 (9741). وقال الألباني: صحيح الإسناد.

باب في النهي عن التجسس [4888] (ثنا عيسى بن محمد) أبو عمير ابن النحاس (الرملي) حافظ عابد (و) محمد (ابن عوف) الطائي (وهذا لفظه. قالا (¬1): ثنا) محمد بن يوسف بن واقد (الفريابي) بكسر الفاء، وسكون الراء، وتخفيف المثناة تحت، وبعد الألف موحدة. (عن سفيان) بن عيينة (عن ثور) بفتح المثلثة، ابن يزيد الحمصي الحافظ، أخرج له البخاري. (عن راشد بن سعد) الحمصي، شهد صفين وآخر أصحابه (¬2) حريز، وهو ثقة (عن معاوية) بن أبي سفيان صخر بن حرب الأموي الخليفة، من مسلمة الفتح. (قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: إن اتبعت عورات الناس) المسلمين أو المعاهدين (أفسدتهم) عندك بما يؤدي بك التتبع إلى سوء الظن بالمسلمين ورأيتهم هالكين، والأفضل والأحرى أن تتبع عورات نفسك وتتوب إلى اللَّه، وانظر إلى الخلق نظر العبد إلى موالي مالكه وأبعرته، ولا ينظر إليهم نظر الأرباب، فإن الرب هو الذي ينظر إلى خلقه ويسترهم بستره الجميل، وكل سيد له عبد فله أن ينظر إلى أحواله، لكن لا يتبع عوراته أيضًا. (أو كدت) أي: قاربت (أن تفسدهم) ما دمت تتبع عوراتهم، فعن ¬

_ (¬1) في (م): قال. (¬2) في الأصول: الصحابة. والمثبت كما في ترجمته.

عبد الرحمن حرست مع عمر ليلة بالمدينة، فبينا نحن نمشي إذ ظهر سراج لنا، فانطلقنا نَؤُمُّهُ، فلما دنونا إذا باب مغلق على قوم لهم أصوات ولغط، فأخذ عمر بيدي وقال: أتدري بيت من هذا؟ قلت: لا. قال: هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف، وهم الآن شُرَّبٌ فما ترى؟ قلت: أرى أنا قد أتينا ما نهى اللَّه عنه؛ قال اللَّه تعالى: {وَلَا تَجَسَّسُوا} (¬1)، فرجع عمر وتركهم (¬2). قال الغزالي بعد هذِه الحكاية: وهذا يدل على وجوب الستر، وترك التتبع (¬3). أي: تتبع عورات المسلمين. وظاهر قوله تعالى: {وَلَا تَجَسَّسُوا} يدل على وجوب ترك تتبع عورات المسلمين والتستر عليهم. (فقال أبو الدرداء) عويمر (كلمة) يجوز أن تنصب من باب اشتغال العامل عن المعمول، فتنصب بفعل مقدر من جنس ما بعد، والتقدير؛ سمع كلمة (سمعها معاوية من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نفعه اللَّه تعالى بها) وفي قول أبي الدرداء هذا إشارة إلى أنه يستحب للآدمي إذا سمع كلمة من عالم أن يتمسك بها ويعمل؛ لينفعه اللَّه بها، وأن الطالب يكون حريصًا على استماع كلمة حكمة ينفعه اللَّه بها. [4889] (ثنا سعيد بن عمرو الحضرمي) حمصي، صدوق (ثنا إسماعيل بن عياش) العنسي، عالم الشاميين، قال البخاري: إذا حدث ¬

_ (¬1) الحجرات: 12. (¬2) رواه الخرائطي في "مكارم الأخلاق" 1/ 106، 112، ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 18/ 51 عن المسور بن مخرمة عن عبد الرحمن وهو ابن عوف. (¬3) "إحياء علوم الدين" 2/ 250.

عن أهل حمص فصحيح (¬1). وهو هنا عنهم (ثنا ضمضم بن زرعة) الحمصي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2)، وقال أحمد بن محمد بن عيسى صاحب "تاريخ الحمصيين": لا بأس به. (عن شريح) بضم الشين المعجمة، وبعد ياء التصغير حاء مهلمة (بن عبيد) بن شريح الحضرمي المقرائي، قال النسائي: ثقة (¬3). ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4). (عن جبير بن نفير) الحضرمي مخضرم، أخرج له مسلم (وكثير بن مرة) الحضرمي الحمصي، ثقة، وهم من عده في الصحابة (وعمرو بن الأسود) العنسي الداراني الزاهد، مخضرم، أخرج له الشيخان. (والمقدام بن معدي كرب) بن عمرو الكندي الصحابي، (وأبي أمامة) صدي بن عجلان الباهلي، وفي رواية لقاضي عكبرا زيادة: في نفر من الفقهاء. ([عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-] (¬5) قال: إن الأمير إذا ابتغى الريبة) أي: تتبع الناس بسوء الظن فيهم. قال في "النهاية": المعنى أنه: إذا اتهمهم وجاهرهم بسوء الظن أداهم ذلك إلى أرتكاب ما ظن بهم. (في الناس أفسدهم) وفسدوا. انتهى (¬6). ويشبه أن يراد أنه إذا أساء الظن بهم واتهمهم فيما ¬

_ (¬1) "التاريخ الكبير" 1/ 369. (¬2) "الثقات" 6/ 485 (8697). (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 12/ 447. (¬4) "الثقات" 4/ 353 (3306). (¬5) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل)، (م) وأثبتت من "السنن". (¬6) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 286.

ظن وتتبع ذلك فيهم حتى تحققه أدى ذلك إلى فسادهم وعدم انتظام أمورهم، وأن اللَّه نهى عن سوء الظن وأمر بالستر على المسلمين وعدم تحقيق ما يظن بهم، ولا يخفى أن حديث جبير بن نفير وكثير ابن مرة وعمرو بن الأسود مرسل. وقد اختصر المصنف هذا الحديث، ورواه أبو الأحوص محمد بن الهيثم قاضي عكبرا بتمامه، ولفظه: أن رجلا أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه، ما هذا الأمر إلا في قومك فأوصهم بنا. فقال لقريش: "إني أذكركم اللَّه أن تشققوا على أمتي بعدي" ثم قال للناس: "سيكون بعدي أمراء، فأدوا إليهم طاعتهم، وإن الأمير مثل المجن يتقى به، فإن أصلحوا وأمروكم بخير فلكم ولهم، وإن أساؤوا فيما أمروكم به فعليهم وأنتم منهم براء، إن الأمير. . . " (¬1) الحديث ثم يقولان: إنا سمعنا. يعني: المقدام وأبا أمامة. [4890] (ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير. (عن الأعمش، عن زيد) بن وهب الجهني هاجر ففاته رؤية النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بأيام. (قال: أُتِي) بضم الهمزة، وكسر التاء عبد اللَّه (ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- فقيل) له (هذا فلان تقطر لحيته خمرًا) لا يلزم الحد عند الشافعي بكون الخمر على لحيته؛ لاحتمال أنه وضع على لحيته من غير شرب مكرهًا، أو غيره ¬

_ (¬1) ورواه أيضًا ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 5/ 303 (2832)، والطبراني في "مسند الشاميين" 2/ 434 (1645) عن المقدام بن معدي كرب وأبي أمامة.

حتى لو تيقنا الخمر لم يجب الحد؛ لاحتمال أنه أكره على شربها (¬1). (فقال عبد اللَّه) بن مسعود (إنا قد نهينا عن التجسس) وسياق هذا يفهم أن هذِه القضية وقعت بعد قوله تعالى: {وَلَا تَجَسَّسُوا} (¬2)، فليس للحاكم وغيره أن يسأل عن هذا الخمر كيف وصل إلى لحيته؟ وإن كان ظاهرًا عليها، فقد جعله هذا الصحابي من التجسس المنهي عنه (ولكن أن يظهر لنا شيء) من اعترافه بشرب (. . .) (¬3) الزنا، أو شهود يشهدون عليه بالحسبة (نأخذ به)، ونأخذ منه حد ما وجب عليه. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "نهاية المطلب" 17/ 330. (¬2) الحجرات: 12. (¬3) بياض في (ل)، (م) بمقدار كلمة.

45 - باب في الستر عن المسلم

45 - باب فِي السَّتْرِ عَنِ المُسْلِمِ 4891 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ بْن إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ المُبَارَكِ عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ نَشِيطٍ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ، عَن أَبِي الهَيْثَمِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ، عَنِ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ رَأَى عَوْرَةً فَسَتَرَهَا كَانَ كَمَنْ أَحْيا مَوْءُودَةً" (¬1). 4892 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا ابن أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، قالَ: حَدَّثَنِي إِبْراهِيمُ بْنُ نَشِيطٍ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الهَيْثَمِ يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ دُخَيْنًا كاتِبَ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ قالَ: كانَ لَنا جِيرانٌ يَشْرَبُونَ الخَمْرَ فَنَهَيْتهُمْ فَلَمْ يَنْتَهُوا فَقُلْتُ لِعُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ: إِنَّ جِيرانَنَا هؤلاء يَشْرَبُونَ الخَمْرَ، وَإِنِّى نَهَيْتُهُمْ فَلَمْ يَنْتَهُوا، فَأَنَا داعٍ لَهُمُ الشُّرَطَ. فَقَالَ: دَعْهُمْ. ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى عُقْبَةَ مَرَّةً أُخْرَى فَقُلْتُ: إِنَّ جِيرانَنا قَدْ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنْ شُرْبِ الخَمْرِ وَأَنا داعٍ لَهُمُ الشُّرَطَ. قالَ: وَيْحَكَ دَعْهُمْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَذَكَرَ مَعْنَى حَدِيثِ مُسْلِمٍ. قالَ أَبُو داوُدَ: قالَ هاشِمُ بْن القَاسِمِ عَنْ لَيْثٍ في هذا الحَدِيثِ قالَ: لا تَفْعَلْ ولكن عِظْهُمْ وَتَهَدَّدْهُمْ (¬2). * * * باب في الستر على المسلم [4891] (حدثنا مسلم بن إبراهيم (الأزدي الفراهيدي، شيخ البخاري (حدثنا عبد اللَّه بن المبارك، عن إبراهيم بن نشيط) بفتح النون، وكسر الشين ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 147، والبخاري في "الأدب المفرد" (758)، والنسائي في "الكبرى" (7281). وضعفه الألباني في "الضعيفة" (1265). (¬2) رواه أحمد 4/ 147، والبخاري في "الأدب المفرد" (758)، والنسائي في "الكبرى" (7281)، وابن حبان (517). وضعفه الألباني في "الضعيفة" (1265).

المعجمة الوعلاني بالمهملة، المصري، ثقة، (عن كعب بن علقمة) التنوخي المصري، تابعي، أخرج له مسلم (عن أبي الهيثم) (¬1) كثير المصري، مولى عقبة بن عامر (عن عقبة بن عامر) الجهني -رضي اللَّه عنه-. (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: من رأى عورة) من أخيه المؤمن، وكل عيب وخلل في الآدمي فهو عورة (فسترها) عليه (كان كمن أحيا موءودة)، وفي رواية: "فكأنما استحيا موءودة في قبرها" (¬2) فالموءودة في قبرها كالعورة، وستر عورة [المسلم الظاهرة كإحياء الموءودة إلى الوجود بحيث لا يعرف أمرها كما لا تعرف عورة المسلم] (¬3). [4892] (ثنا محمد بن يحيى) بن فارس (ثنا) سعيد (ابن أبي مريم) (¬4) الحكم بن محمد بن سالم الجمحي، مولاهم المصري (ثنا الليث، حدثني إبراهيم بن نشيط) بفتح النون، كما تقدم قبله. (عن كعب بن علقمة أنه سمع أبا الهيثم) كثير المصري (يذكر أنه سمع دخينًا) بضم الدال، وفتح الخاء المعجمة مصغرًا (كاتب عقبة بن عامر قال: كان لنا جيران) بكسر الجيم (يشربون الخمر) مرات (فنهيتهم فلم ينتهوا) عن شربها. (فقلت لعقبة بن عامر -رضي اللَّه عنه-: إن جيراننا هؤلاء يشربون الخمر، وإني نهيتهم فلم ينتهوا، فأنا داعٍ لهم الشُّرط) بضم الشين المعجمة، وفتح ¬

_ (¬1) قبلها في (ل)، (م): أنه سمع أبا الهيثم، وفوقها: خـ. (¬2) رواه أحمد 4/ 153، والبيهقي في "الشعب" 7/ 105 (9651). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) فوقها في (ل): (ع).

الراء، قال في "النهاية": شرط السلطان نخبة أصحابه الذين يقدمهم على غيرهم من جنده، والنسبة إليهم شرطي (¬1) سموا بذلك؛ لأن لهم علامات يُعرفون بها من هيئة وملبس، وقيل: سموا الشرط من الشرط، وهو رذال المال؛ لأنهم استهانوا أنفسهم فصاروا رذال الناس. (فقال: دعهم) ولا تدعُ لهم الشرط ولم يذكر وجه منعه (¬2). قال دخين (ثم رجعت إلى عقبة) بن عامر (مرة أخرى، فقلت: إن جيراننا) بكسر الجيم (قد أبوا أن ينتهوا عن شرب الخمر، وأنا داع لهم الشرط. فقال: ويحك) ويح كلمة ترحم وتوجع تقال لمن وقع في شيء لا يستحقه، وتقال للتعجب، وهي منصوب على المصدر (دعهم، فإني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فذكر معنى حديث مسلم) بن إبراهيم الذي قبله، وهو: "من رأى عورة فسترها كان كمن أحيا موءودة". (قال هاشم (¬3) بن القاسم) أبو النضر الحافظ (عن ليث) بن سعد (في هذا الحديث، قال) عقبة بن عامر (لا تفعل) في دعائك الشرط، (ولكن عظهم وتهددهم) (¬4) فيه دفع الأمر با لأخف فا لأخف، فلعلهم ينزجروا بالوعظ والتهديد، فيحصل المقصود؛ فإن دعاء الشرط فيه كشف عورتهم، ووقوعهم في أيدي الظلمة يحصل منه مفسدة عظيمة. * * * ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 460. (¬2) ساقطة من (ل). (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) بعدها في (ل): نسخة: وتهددهم.

46 - باب المؤاخاة

46 - باب المُؤاخاةِ 4893 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ سالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ وَلا يُسْلِمُهُ، مَنْ كانَ في حاجَةِ أَخِيهِ فَإِنَّ اللَّهَ في حاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِها كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيامَةِ" (¬1). * * * باب المؤاخاة (¬2) [4893] (ثنا قتيبة بن سعيد) البلخي (ثنا الليث، عن عقيل، عن الزهري، عن سالم) بن عبد اللَّه (عن أبيه) عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهم- (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: المسلم أخو المسلم) أي: فيعامله ويعاشره معاملة الإخوة ومعاشرتهم في المودة والرفق والشفقة والملاطفة والتعاون في الخير، ونحو ذلك من صفاء القلوب والنصيحة في كل حال. (لا يظلمه) أي: لا ينقصه حقه، ولا يمنعه إياه، ولا يتعدى عليه في بدنه أو ماله (ولا يسلمه) بضم الياء، يقال: أسلم فلان فلانًا، إذا ألقاه إلى الهلكة ولم يحمه من عدوه، وهو عام في كل من أسلمته إلى شيء، لكنه دخله التخصيص وغلب عليه الإلقاء إلى الهلكة. (من كان في حاجة أخيه) المؤمن (كان اللَّه في حاجته) كذا رواية ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2442)، ومسلم (2580). (¬2) في (ل)، (م): المخاواة. والمثبت من "السنن" وهو الصحيح.

البخاري في باب لا يظلم المسلم المسلم (¬1)، ويؤخذ منه أن الأفضل لمن اجتمع له حاجته وحاجة أخيه المسلم أن يقدم حاجة أخيه على حاجة نفسه، فإن من كان في حاجة أخيه كان اللَّه في حاجته متولِّيًا حوائجه وأموره بالإعانة والتوفيق، وليس كذلك من كان في حاجة نفسه. (ومن فرج عن مسلم كربة) بضم الكاف هو الذي يأخذ النفس بالضيق (فرج اللَّه عنه بها كربة من كرب يوم القيامة) الشدائد العظام، وفي الحديث حض على إعانة المسلم على ما يعتريه من هموم الدنيا وضيقها وشدائد أمورها، بأن يفرج عنه غمًّا برأي يشيره عليه، برأي يخرج منه أو يقضي عنه دينًا قد أهمه، أو يوسمع على عياله إن كان في ضيق ونحو ذلك. (ومن ستر مسلمًا) في معصية وقعت وانقضت، وأما ما كان متلبسًا بها فيجب المبادرة بإنكارها ومنعه منها (ستره اللَّه يوم القيامة) يوم تظهر السرائر وتبدو القبائح. * * * ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (2442).

47 - باب المستبان

47 - باب المُسْتَبّانِ 4894 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْن مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ -يَعْني: ابن مُحَمَّدٍ-، عَنِ العَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "المُسْتَبَّانِ مَا قالا فَعَلَى البادئ مِنْهُما ما لَمْ يَعْتَدِ المَظْلُومُ" (¬1). * * * باب المستبَّان [4894] (ثنا عبد اللَّه بن مسلمة) القعنبي (ثنا عبد العزيز بن محمد) الدراوردي (عن العلاء) بن عبد الرحمن، أبو شبل، أخرج له مسلم (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحرقة، وقيل: مولى جهينة، والحرقة من جهينة. أخرج له مسلم. (¬2) (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: المستبَّان ما قالا) المستبَّان: تثنية مستب من السب، وهو الشتم والذم، وهما مرفوعان [على الابتداء] (¬3). و(ما) موصولة في موضع رفع بالابتداء أيضًا، وصلتها (قالا)، والعائد محذوف تقديره: قالاه (فعلى البادئ) دخلت الفاء على الخبر لما تضمن الاسم الموصول من معنى الشرط، نحو قوله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} (¬4)، و (ما) خبرها خبر المبتدأ الأول الذي هو (المستبَّان). ومعنى الكلام: أن المبتدئ بالسبِّ (منهما) هو المختص بإثم السب؛ لأنه ظالم به؛ إذ هو مبتدئ منهما من غير سب ولا ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2587). (¬2) كذا في (ل)، (م)، وقد سقط منهما: (عن أبي هريرة) كما في "السنن". (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) النحل: 53.

استحقاق. والثاني: منتصر، فلا إثم عليه ولا جناح؛ لقوله تعالى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)} (¬1)، ولقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)} (¬2). لكن السبب المنتصر به وإن كان مباحًا للمنتصر فعليه إثم من حيث هو سبٌّ، لكنه عائد إلى الجاني الأول؛ لأنه هو الذي أحوج المنتصر إليه وتسبب فيه، فيرجع إثمه عليه، ويسلم المنتصر من الإثم؛ لأن الشرع قد رفع عنه الإثم والمؤاخذة، لكن هذا (ما لم يعتد المظلوم) أي: ما لم يجاوز ما سبَّ به إلى غيره إما بزيادة سب آخر أو بتكرار مثل ذلك السبِّ، وذلك أن المباح في الاقتصار أن يرد مثل ما قال الجاني أو مقاربه؛ لأنه قصاص، فلو قال له: يا كلب. مثلا، فالانتصار أن يرد عليه بقوله: بل هو الكلب. فلو كرر هذا اللفظ مرتين أو ثلاثًا لكان متعديًا بالزائد على الواحد، وكذلك لو رد عليه بأفحش من الأول فيقول له: يا خنزير. مثلا، فإن كل واحد منهما مأثوم (¬3)، وهذا مقتضى قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (¬4). وعلى هذا فالصبر والعفو أفضل من الانتصار. قال اللَّه تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)} (¬5). * * * ¬

_ (¬1) الشورى: 41. (¬2) الشورى: 39. (¬3) في (ل)، (م): مأثمومًا. والصواب ما أثبتناه. (¬4) البقرة: 194. (¬5) الشورى: 43.

48 - باب في التواضع

48 - باب في التَّواضُعِ 4895 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصٍ، قالَ: حَدَّثَنِي أَبي، حَدَّثَنِي إِبْراهِيمُ بْنُ طَهْمانَ، عَنِ الحَجَّاجِ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عِياضِ بْنِ حِمارٍ أَنَّهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى أَنْ تَواضَعُوا حَتَّى لا يَبْغي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ" (¬1). * * * [باب التواضع] (¬2) [4895] (ثنا أحمد بن حفص) بن عبد اللَّه، شيخ البخاري (حدثني أبي) حفص بن عبد اللَّه بن راشد السلمي، قاضي نيسابور، أخرج له البخاري (حدثني إبراهيم (¬3) بن طهمان) الخراساني من أئمة الإسلام (عن الحجاج) بن فرافصة الباهلي البصري العابد، قال ابن شوذب: رأيته واقفًا في السوق عند أصحاب الفاكهة، فقلت: ما تصنع هاهنا؟ (¬4) قال: انظر إلى هذِه المقطوعة الممنوعة. قال أبو حاتم: هو شيخ صالح متعبد (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2865). (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م)، وهو من حاشية (ل) وفوقه: خـ. (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) في النسخ: (هذا)، والمثبت من "تهذيب الكمال" 5/ 449. (¬5) كذا في النسخ، وهذا خطأ صراح صوابه: (بن الحجاج الباهلي البصري الأحول) وهو المعروف بالرواية عن قتادة بن دعامة، ويروي عنه إبراهيم بن طهمان، أما حجاج بن فرافصة، فليس له رواية عن قتادة بن دعامة، وليس لإبراهيم بن طهمان رواية عنه. =

(عن قتادة، عن يزيد بن عبد اللَّه) بن الشخير العامري (عن عياض بن حمار) بكسر المهملة، وتخفيف الميم، المجاشعي الصحابي التميمي، له وفادة، نزل البصرة. (أنه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن اللَّه تعالى أوحى إلي) لعله وحي إلهام أو برسالة (أن: تواضعوا) (¬1) قال الحسن: التواضع: أن تخرج من بيتك فلا تلقى مسلمًا إلا رأيت له عليك فضلا (¬2). قال أبو يزيد (¬3): ما دام العبد يظن أن في الخلق من هو شر منه فهو متكبر (¬4). وقال الفضيل: التواضع: هو أن تخضع للحق، وتنقاد له، ولو سمعته من صبي قبلته، ولو سمعته من أجهل (¬5) الناس قبلته (¬6). (حتى لا يبغي أحد على أحد) أصل البغي: مجاوزة الحد، قال اللَّه ¬

_ = وحجاج بن حجاج الراوي هنا وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: ثقة من الثقات، صدوق. انظر: "تهذيب الكمال" 5/ 431 (1116)، 5/ 447 (1125)، 2/ 108 (186)، 23/ 498 (4848). وانظر أيضًا: "تحفة الأشراف" 8/ 252 (11016) ففيه قال: عن الحجاج بن الحجاج. (¬1) بعدها في (ل)، (م): أن أتواضع. وفوقها: خـ. (¬2) روى هذا الأثر: ابن أبي الدنيا في "التواضع والخمول" (116)، والبيهقي في "الشعب" 6/ 301 (8248). (¬3) في الأصول: زيد. والمثبت من "الحلية"، وهو أبو يزيد البسطامي. (¬4) رواه أبو نعيم في "الحلية" 10/ 36. (¬5) في الأصول: أجل. والمثبت من مصادر التخريج. (¬6) رواه ابن أبي الدنيا في "التواضع والخمول" (88)، وأبو عبد الرحمن السلمي في "طبقات الصوفية" 1/ 24.

تعالى: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} (¬1)، أي: إن تركوا النشوز وأطعنكم فلا تجنوا عليهن بقول ولا فعل في ظلمهن (ولا يفخر أحد على أحد) بتعدد محاسنه عليه كبرًا، والفخر المدح والتطاول على الغير، ومن فخر على أحد فقد انتقصه وتكبر عليه، والفخر يحمل صاحبه على الأنفة من القرابة الفقير، والجار الفقير، فلا يحسن إليهم ويراهم بعين الاحتقار والازدراء. * * * ¬

_ (¬1) النساء: 34.

49 - باب في الانتصار

49 - باب فِي الانْتِصارِ 4896 - حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُري، عَنْ بَشِيرِ بْنِ المُحَرَّرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ أَنَّهُ قالَ: بَيْنَما رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- جالِسٌ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ وَقَعَ رَجُلٌ بِأَبي بَكْرٍ فَآذاهُ فَصَمَتَ عنه أَبُو بَكْرٍ، ثمَّ آذاهُ الثّانِيَةَ فَصَمَتَ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ، ثمَّ آذاهُ الثّالِثَةَ فانْتَصَرَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ، فَقامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- حِينَ انْتَصَرَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَوَجَدْتَ عَلي يا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نَزَلَ مَلَكٌ مِنَ السَّماءِ يُكَذِّبُهُ بِما قالَ لَكَ، فَلَمَّا انْتَصَرْتَ وَقَعَ الشَّيْطانُ، فَلَمْ أَكُنْ لأَجْلِسَ إِذْ وَقَعَ الشَّيْطانُ" (¬1). 4897 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابن عَجْلانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبي هُرَيرَةَ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَسُبُّ أَبا بَكْرٍ وَسَاقَ نَحْوَهُ. قالَ أَبُو داوُدَ: وَكَذَلِكَ رَواهُ صَفْوانُ بْنُ عِيسَى عَنِ ابن عَجْلَانَ، كَمَا قالَ سُفْيانُ (¬2). 4898 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي ح وَحَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيسَرَةَ، حَدَّثَنَا مُعاذُ بْنُ مُعَاذٍ -المَعْنَى واحِدٌ- قالَ: حَدَّثَنَا ابن عَوْنٍ، قالَ: كُنْتُ أَسْأَلُ عَنْ الانْتِصَارِ {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} فَحَدَّثَني عَلي بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعانَ، عَنْ أُمِّ مُحَمَّدٍ امْرَأَةِ أَبِيهِ قالَ ابن عَوْنٍ: وَزَعَمُوا أَنَّها كَانَتْ تَدْخُلُ عَلَى أُمِّ المُؤْمِنِينَ قالَتْ: قَالَتْ أُمِّ المُؤْمِنِينَ: دَخَلَ عَلي رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَعِنْدَنا زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ، فَجَعَلَ يَصْنَعُ شَيْئًا بِيَدِهِ فَقُلْتُ بِيَدِهِ حَتَّى فَطنْتُهُ لَها، فَأَمْسَكَ ¬

_ (¬1) رواه البخاري في "التاريخ" 2/ 102. وقال الألباني: حسن لغيره. (¬2) رواه أحمد 2/ 436، والبزار (8495)، والطبراني في "الأوسط" 7/ 189 (7239). وصححه الألباني في "الصحيحة" (2376).

وَأَقْبَلَتْ زَيْنَبُ تَقْحَمُ لِعائِشَةَ رضي اللَّه عنها فَنَهَاها فَأَبَتْ أَنْ تَنْتَهي، فَقالَ لِعائِشَةَ: "سُبِّيها" فَسَبَّتْها فَغَلَبَتْها، فانْطَلَقَتْ زَيْنَبُ إِلَى عَلي -رضي اللَّه عنه- فَقالَتْ: إِنَّ عائِشَةَ رَضِي اللَّه عنها وَقَعَتْ بِكُمْ وَفَعَلَتْ. فَجاءَتْ فاطِمَة فَقالَ لَها: "إِنَّها حِبَّةُ أَبِيكِ وَرَبِّ الكَعْبَةِ". فانْصَرَفَتْ فَقالَتْ لَهُمْ: إِنِّي قُلْتُ لَهُ: كَذا وَكَذا. فَقالَ لَي: كَذا وَكَذا. قالَ: وَجاءَ عَلي -رضي اللَّه عنه- إِلَى النَّبِي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَكَلَّمَهُ في ذَلِكَ (¬1). * * * باب في الانتصار [4896] (ثنا عيسى بن حماد) زغبة التجيبي المصري، أخرج له مسلم في الإيمان وغيره (ثنا الليث، عن سعيد) (¬2) بن أبي سعيد (المقبري) واسم أبي سعيد كيسان (عن بشير) بفتح الموحدة، وكسر المعجمة (بن المحرر) بالمهملات، حجازي مقبول. (عن سعيد بن المسيب) مرسلًا (أنه قال: بينما رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جالس ومعه أصحابه وقع رجل بأبي بكر) الصديق -رضي اللَّه عنه-. أي: ذمه وعابه وسبه، وهي الوقيعة (فآذاه) بمد الهمزة، وتخفيف الذال المعجمة. أي: آذاه بما تكلم فيه (فصمَتَ) بفتح الميم (عنه أبو بكر -رضي اللَّه عنه-، ثم) وقع به و (آذاه الثانية، فصمت عنه أبو بكر) أيضًا. (ثم) وقع به و (آذاه الثالثة، فانتصر منه أبو بكر) بعد ظلمه له ثلاث مرات، وأخذ بحقه، وجاوبه بمثل ما قال [ولم يجاوز مثل ما قال ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 130، وإسحاق بن راهويه (1780). وضعفه الألباني في "الضعيفة" (3342). (¬2) فوقها في (ل): (ع).

له] (¬1) فالمنتصر مطيع للَّه بما أباحه له، وقد ذكر اللَّه حد الانتصار، فقال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} (¬2). (فقام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) من مجلسه (حين انتصر أبو بكر) ممن آذاه ثلاث مرات (فقال أبو بكر: أوجدت عليَّ) بفتح الهمزة والواو والجيم، أي: أغضبت عليَّ (يا رسول اللَّه؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) لما وقع فيك وآذاك (نزل ملك) بفتح اللام (من السماء) غير الحفظة (يكذبه بما قال لك) وانتصر اللَّه لك من فوق سبع سموات حين لم تنتصر لنفسك. (فلما انتصرت) لنفسك (وقع الشيطان) أي: حضر حين ذهب الملك، يقال لكل شيء يتوقع حضوره وهو آت: وقع، قال اللَّه تعالى: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1)} (¬3)، ووجه توقع حضور الشيطان حصول الغضب الموجب لحضوره وحضور كل شر. (فلم أكن لأحضر) (¬4) في المجلس (إذ وقع الشيطان) فإن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يحضر في مكان حضر فيه الشيطان، بل ينتقل منه، كما في قضية الوادي، إذ قال: إن به شيطانًا (¬5) حضر لما فاتتهم الصلاة، فارتحلوا عنه (¬6). وأما هذا الحديث فمن وقع [في] (¬7) عرضه إنسان فله حالتان: حالة جواز ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) الشورى: 40. (¬3) الواقعة: 1. (¬4) في مطبوع "السنن": لأجلس. ولعلها رواية. (¬5) في (ل)، (م): شيطان. والجادة ما أثبتناه. (¬6) أخرجه مالك في "الموطأ" 1/ 14 عن زيد بن أسلم مرسلًا، وأصل القصة سبق برقم (435) من حديث أبي هريرة. (¬7) زيادة يقتضيها السياق.

وإباحة، وهو الانتصار ممن وقع فيه دون عدوان، وحالة فضيلة وحصول ثواب على صبره، فأبو بكر استعمل فضيلة الجواز بعد ثالثة فانتصر، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أراد له حالة الفضيلة وحصول الثواب. [4897] (ثنا عبد الأعلى بن حماد) الباهلي شيخ الشيخين (ثنا سفيان) ابن عيينة (عن) محمد (ابن عجلان) المدنى الفقيه، وثقه أحمد وابن معين (¬1) (عن سعيد بن أبي سعيد) المقبري. (عن أبي هريزة أن رجلا كان يسب أبا بكر) الصديق، (وساق) الحديث (نحوه. قال) المصنف (وكذلك رواه صفوان بن عيسى) الزهري القسام، أخرج له مسلم (عن) محمد (ابن عجلان، كما قال سفيان) بن عيينة. قال المنذري: ذكر البخاري في "تاريخه" المرسل والمسند بعده، وقال: الأول أصح (¬2). [4898] (ثنا عبيد اللَّه) بالتصغير (بن معاذ) أبو عمرو العنبري، شيخ مسلم (ثنا أبي) (¬3) معاذ بن معاذ التميمي، قاضي البصرة (وثنا عبيد (¬4) اللَّه) بالتصغير (ابن عمر بن ميسرة) القواريري البصري، روى مائة ألف حديث، شيخ الشيخين (ثنا معاذ بن معاذ) العنبري (المعنى واحد قال: ثنا) عبد اللَّه (ابن عون) المزني، أحد الأعلام. (قال: كنت أسأل عن الانتصار في قوله تعالى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ¬

_ (¬1) "تاريخ ابن معين" برواية الدوري 3/ 195، وانظر: "تهذيب الكمال" 26/ 105. (¬2) "مختصر سنن أبي داود" 7/ 223، وانظر: "التاريخ الكبير" 2/ 102. (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) فوقها في (ل): (ع).

ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)} (¬1)، فحدثني علي بن زيد بن جدعان) بضم الجيم، التيمي البصري الضرير، أخرج له مسلم (عن أم محمد امرأة أبيه) أي: امرأة والد علي بن زيد بن جدعان. قيل: اسمها أمينة. وقيل: آمنة. (قال) عبد اللَّه (ابن عون: وزعموا أنها كانت تدخل على أم المؤمنين) عائشة رضي اللَّه عنها (قالت) أم محمد (قالت أم المؤمنين) عائشة (دخل عليَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وعندنا زينب بنت جحش) الأسدية أم المؤمنين، أمها عمة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- " (فجعل يصنع بيده) في زوجته عائشة (شيئًا) مما يستمتع به الرجل من زوجته، ولهذا استحيت عائشة (فقلت (¬2) بيده) لأذكره الفضيحة من زوجته زينب (حتى فطَّنته) بتشديد الطاء المهملة، وأصله لازم فتعدى بالتضعيف (لها) أي: لأمر زينب وغيرتها. وقولها: (فطنته) دليل على أنه كان ناسيًا أو غافلًا عن أمر زينب، فلما ذكرته تذكر (فأمسك) عما كان يصنع بيده. (فأقبلت زينب تقحم) بفتح التاء والقاف وتشديد الحاء المهملة، أصله: تتقحم (لها) (¬3) أي: تتعرض لشتم عائشة وتدخل عليها فيه أي: أنها أقبلت عليها، أي: تشتمها من غير روية ولا تثبت من قولهم: فلان يتقحم في الأمور: إذا كان يدخل فيها من غير تثبت. قال الجوهري: قحم في الأمر قحومًا رمى بنفسه فيه من غير روية، قال ¬

_ (¬1) الشورى: 41. (¬2) بعدها في (ل)، (م): فقلب. وعليها: خـ. (¬3) بعدها في (ل)، (م): لعائشة. وعليها: خـ.

اللَّه تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11)} (¬1). (فنهاها) أي: نهى زينب عن التقحم (فأبت أن تنتهي فقال لعائشة رضي اللَّه عنها: سبيها) بما سبتك به. (فسبتها). وفيه من الفقه إباحة الانتصار بالقول من الساب بقدر مظلمته من غير عدوان، وشرط الانتصار أن لا يتجاوز ما سب به، فإذا قال: أخزاك اللَّه. فيقول: وأنت أخزاك اللَّه. من غير زيادة (فغلبتها) في القول (فانطلقت زينب) بنت جحش رضي اللَّه عنها (إلى علي) بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- (فقالت: إن عائشة وقعت بكم) لأن أمها أميمة بنت عم عليّ -رضي اللَّه عنه-، فإن أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم؛ فلهذا قالت: (بكم) (وفعلت) وقالت. (فجاءت فاطمة) زوجة علي إلى أبيها فذكرت له (فقال لها: إنها حبة) بكسر الحاء المهملة، وتشديد الموحدة (أبيك) أي: محبوبته، والحِبُّ بالكسر: المحبوب (ورب الكعبة) فيه جواز الحلف من غير استحلاف تأكيدًا للكلام. وفيه: عظم حرمة الكعبة؛ لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أضافها إلى الرب إضافة تعظيم. وفيه: الحلف بهذِه اليمين، وأنه ينعقد به اليمين (فانصرفت) فاطمة (فقالت لهم: إني قلت له كذا وكذا، فقال لي: كذا وكذا) وفي هذِه منقبة عظيمة لعائشة رضي اللَّه عنها. (قال: وجاء علي -رضي اللَّه عنه- إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكلمه في ذلك). * * * ¬

_ (¬1) البلد: 11.

50 - باب في النهي عن سب الموتى

50 - باب فِي النَّهْي عَنْ سَبِّ المَوْتَى 4899 - حَدَّثَنَا زهَيْرُ بْن حَرْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ بْن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَدَعُوهُ لا تَقَعُوا فِيهِ" (¬1). 4900 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، أَخْبَرَنَا مُعاوِيةُ بْنُ هِشامٍ، عَنْ عِمْرانَ بْنِ أَنَسٍ المَكّي، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتاكُمْ وَكُفُّوا عَنْ مَساوِيهِمْ" (¬2). * * * باب في النهي عن سب الموتى [4899] (ثنا زهير بن حرب) النسائي الحافظ شيخ الشيخين (ثنا وكيع، ثنا هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير. (عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إذا مات صاحبكم) المؤمن الذي كنتم تجتمعون به ودفنتموه (فدعوه) من الكلام فيه (ولا تقعوا فيه) أي: لا تتكلموا فيه بسوء، فإنه قد أفضى إلى ما قدم، وسيأتي له مزيد بعده. وروي أن رجلًا من الأنصار وقع في أبي العباس؛ فلطمه العباس، ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (4233)، والدارمي (2306)، والطيالسي (1549)، والبزار 18/ 130 (90)، وابن حبان (3018). وصححه الألباني في "الصحيحة" (285). (¬2) رواه الترمذي (1019)، وابن حبان (2030). وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (739).

فجاء قومه، فلبسوا السلاح، فبلغ ذلك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فجاء، فصعد المنبر فقال: "أيها الناس، أي أهل الأرض أكرم على اللَّه؟ " فقالوا: أنت يا رسول اللَّه. فقال: "إن العباس مني وأنا منه، فلا تسبوا أمواتنا؛ فتؤذوا أحياءنا" فقالوا: نعوذ باللَّه من غضبك (¬1). [4900] (ثنا محمد (¬2) بن العلاء) أبو كريب الهمداني (ثنا معاوية بن هشام) الكوفي، أخرج له مسلم. (عن عمران بن أنس المكي) أبو أنس، لا يتابع على حديثه (عن عطاء، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: اذكروا محاسن موتاكم، وكفوا عن مساويهم) ولأحمد والنسائي: "لا تسبوا موتانا؛ فتوذوا أحياءنا" (¬3) يعني: أن الميت إذا ذكرت مساوئه انتشرت مساوئه إلى أولاده وأقاربه؛ فيلحقهم العار بذلك كما تقدم في حديث العباس. فإن قيل: هذِه الأحاديث مصرحة بالنهي عن سب الأموات، وقد جاء في الترخيص في سب الأشرار أشياء كثيرة، منها قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} (¬4) وفي الصحيح أنهم أثنوا على الجنازة المارة ¬

_ (¬1) رواه ابن سعد في "الطبقات" 4/ 24، وأحمد في "المسند" 1/ 300، و"فضائل الصحابة" 2/ 933 (1789)، والنسائي في "المجتبى" 8/ 33، والطبراني في "الكبير" 12/ 36 (12395) من حديث ابن عباس. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (2259). (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) "مسند أحمد" 1/ 300، "سنن النسائي" 8/ 33. (¬4) المسد: 1.

شرًّا ولم ينكر عليهم، وقد بوب البخاري في "صحيحه" لذلك فقال: باب ذكر شرار الموتى (¬1). وأجيب: أن النهي عن سب الأموات هو في غير المنافقين وسائر الكفار، وفي غير المظاهر بالفسق والبدعة، فهؤلاء لا يحرم ذكرهم بالشر؛ للتحذير من طريقتهم. وأما الذي أثنوا عليه شرًّا فيحمل على أنه اشتهروا بنفاق ونحوه. وقيل: النهي فيما بعد الدفن، أما قبله فسائغ ليتعظ به الفاسق. * * * ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" قبل حديث (1394).

51 - باب في النهي عن البغي

51 - باب فِي النَّهْي عَنِ البَغْي 4901 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن الصَّبّاحِ بْنِ سُفْيانَ، أَخْبَرَنَا عَلي بْن ثابِتٍ عَنْ عِكْرِمَةَ ابْنِ عَمَّارٍ، قالَ: حَدَّثَنِي ضَمْضَمُ بْنُ جَوْسٍ قالَ: قالَ أَبُو هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُول: "كَانَ رَجُلانِ في بَني إِسْرائِيلَ مُتَواخِيَيْنِ فَكانَ أَحَدُهُما يُذْنِبُ والآخَرُ مُجْتَهِدٌ في العِبادَةِ، فَكانَ لا يَزالُ المُجْتَهِدُ يَرى الآخَرَ عَلَى الذَّنْبِ فيَقُولُ: أَقْصِرْ، فَوَجَدَهُ يَوْمًا عَلَى ذَنْبٍ فَقالَ لَهُ: أَقْصِرْ. فَقالَ: خَلِّني وَرَبِّي أَبُعِثْتَ عَلي رَقِيبًا فَقالَ: واللَّه لا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ -أَوْ لا يُدْخِلُكَ اللَّهُ الجَنَّةَ-. فَقبضَ أَرْواحهما فاجْتَمَعا عِنْدَ رَبِّ العالَمِينَ فَقالَ لهَذَا المُجْتَهِدِ: أَكُنْتَ بي عالِمًا أَوْ كُنْتَ عَلَى مَا في يَدي قادِرًا؟ وقالَ لِلْمُذْنِبِ: اذْهَبْ فادْخُلِ الجَنَّةَ بِرَحْمَتي، وقالَ لِلآخَرِ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى النّارِ". قالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: والَّذي نَفْسي بِيَدِهِ لَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَوْبَقَتْ دُنْياهُ وَآخِرَتَهُ (¬1). 4902 - حَدَّثَنَا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابن علَيَّةَ، عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي بَكْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ تَعالَى لِصاحِبِهِ العُقُوبَةَ في الدُّنْيَا مَعَ ما يَدَّخِرُ لَهُ في الآخِرَةِ مِثْلُ البَغْي قَطِيعَةِ الرَّحِمِ" (¬2). * * * ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 323، والبزار (9418)، وابن حبان (5712). وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (4455). (¬2) رواه الترمذي (2511)، وابن ماجه (4211)، وأحمد 5/ 36. وصححه الألباني في "الصحيحة" (918).

باب في النهي عن البغي [4901] (ثنا أحمد (¬1) [بن الصباح بن سفيان) الجرجرائي (¬2) بجيمين مفتوحتين بينهما راء ساكنة، ثم راء خفيفة] (¬3) وثقه أبو زرعة (¬4) (ثنا علي ابن ثابت) الجزري، وثقه أحمد (¬5). (عن عكرمة بن عمار قال: حدثني ضمضم بن جوس) بفتح المعجمة (¬6) وسكون الواو، ثم مهملة، ويقال: ابن الحارث بن جوس اليمامي، ثقة. (قال: قال أبو هريرة: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: كان رجلان في بني إسرائيل) وهم أولاد يعقوب، وإسرائيل هو يعقوب -عليه السلام- (متواخيين) بالنصب خبر (كان) أي: متواخيين في اللَّه تعالى لا في النسب (فكان أحدهما يذنب) أي: يقع منه الذنب كثيرا. (و) كان (الآخر مجتهد في العبادة) أي: مواظب على عبادة اللَّه تعالى (فكان لا يزال المجتهد) في العبادة (يرى) أخاه (الآخر) مصرًّا (على الذنب؛ فيقول له) يا أخي (أقصر) بفتح الهمزة وكسر الصاد. أي: أمسك عن الذنب واتركه. فلم يقبل منه. (فوجده يومًا على ذنب) على عادته (فقال له: أقصر) بفتح الهمزة كما ¬

_ (¬1) كذا في (ل)، (م)، وهو خطأ، والصواب: (محمد) كما في "السنن". (¬2) ساقطة من (ل)، والمثبت من مصادر ترجمته. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) "الجرح والتعديل" 7/ 289 (1570)، "تهذيب الكمال" 25/ 387 (5297). (¬5) "تاريخ بغداد" 11/ 357 (6211)، "تهذيب الكمال" 20/ 337 (4032). (¬6) في النسخ المهملة، وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه.

تقدم (فقال) له (خلني وربي) فإن ربي يغفر الذنب ويقبل التوب (أبعثت) بفتح همزة الاستفهام وضم الموحدة وكسر العين وسكون الثاء المثلثة؛ أي: أبعثك اللَّه (عليَّ رقيبًا) أي: موكلا بي ترصدني في أفعالي وأقوالي، بل الرقيب عليَّ وعليك وعلى كل شيء اللَّه تعالى، واللَّه تعالى يقول: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا} (¬1). (فقال: واللَّه) قسم (لا يغفر اللَّه لك) أبدًا (أو) قال (لا يدخلنك اللَّه تعالى الجنة) أبدًا (فقبض اللَّه تعالى أرواحهما) مترتبين واحدًا بعد واحد، كما في الغالب، ويحتمل أن يكونا في وقت واحد. (فاجتمعا عند رب العالمين) أي: بين يديه للحساب (فقال لهذا المجتهد: أكنت بي) حين قلت له ما قلت (عالما؟ ) بأني لا أغفر له، وأنا الغفور الرحيم، ولا يحيط أحد بما في علمه إلا بما شاء (أو كنت على ما في يدي) يحتمل أن يكون بالتثنية والدال مفتوحة والياء مشددة، ويحتمل الإفراد وكسر الدال، والظاهر التثنية؛ لقوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} (¬2) (قادرًا) على أني لا أدخله الجنة. (وقال للمذنب: ادخل الجنة برحمتي) التي وسعت كل شيء. (وقال للآخر) يعني: المجتهد في العبادة (اذهبوا به إلى النار) وقريب من هذا رواية مسلم: أن رجلًا قال: واللَّه لا يغفر اللَّه لفلان. وأن اللَّه قال: من ذا الذي يَتَأَلَّى عليَّ، على (¬3) أني لا أغفر لفلان؟ فقد غفرت لفلان وأحبطت عملك (¬4). ¬

_ (¬1) الأحزاب: 52. (¬2) المائدة: 64. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) "صحيح مسلم" (2621) من حديث جندب.

وفيه دلالة لمذهب أهل السنة في غفران الذنوب بلا توبة إذا شاء اللَّه غفرانها، وظاهر الحديثين أن هذا المجتهد قطع وجزم بأن اللَّه لا يغفر للمذنب [فكأنه حكم علم اللَّه وحجر عليه، وبغى بتجاوز الحدود حين قطع بأن اللَّه لا يغفر للمذنب] (¬1) وهذا -واللَّه أعلم- هو وجه إدخال المصنف هذا الحديث في البغي الذي أوجب به النار، وهذِه نتيجة الجهل بأحكام الإلهية، والإدلال على اللَّه بما اعتقد أن له عنده من الكرامة والحظ والمكانة. ويستفاد من الحديث تحريم الإدلال على اللَّه تعالى، ووجوب التأدب معه في الأقوال والأفعال، وأن حق العبد أن يعامل نفسه بأحكام العبودية ومولاه بما يجب له من أحكام الإلهية والربوبية. (قال أبو هريرة: والذي نفسي بيده: لتكلم) المجتهد في العبادة (بكلمة) أي: بكلام، فإن الكلمة تطلق ويُراد بها الكلام، لكن قللها بالكلمة لعظم وبالها (أوبقت) بفتح القاف، أي: أهلكت وأفسدت عليه (دنياه وآخرته) ونظير هذِه الكلمة قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالا يهوي بها في النار سبعين خريفًا" (¬2). [4902] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا) إسماعيل (ابن علية، عن عيينة) تصغير عين (بن عبد الرحمن) بن جوشن الغطفاني، وثقه النسائي (¬3). ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) رواه البخاري (6478)، ومسلم (2988)، والترمذي (2314)، وابن ماجه (3970) من حديث أبي هريرة مرفوعًا، واللفظ للترمذي وابن ماجه. (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 23/ 79 (4675).

(عن أبيه) عبد الرحمن بن جوشن بفتح الجيم والشين المعجمة، وثقه أبو زرعة (¬1) (عن أبي بكرة) نفيع بن الحارث بن كلدة الثقفي، من فضلاء الصحابة بالبصرة. (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ما من ذنب أجدر) بسكون الجيم، أي: أحق (أن يعجل اللَّه لصاحبه العقوبة) العظيمة (في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة) من العقوبة أيضًا (مثل البغي وقطيعة الرحم) رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد (¬2). ورواه الطبراني فقال فيه: "من قطيعة الرحم والخيانة، وإن أعجل البر ثوابًا لصلة الرحم" (¬3)، وزاد ابن حبان: "وما من أهل بيت يتواصلون فيحتاجون" (¬4) وحقيقة الصلة العطف والرحمة. ولا خلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة، وقطيعتها معصية كبيرة، واختلفوا في حد الرحم التي يحرم قطيعتها، فقيل: هو كل ذي رحم محرم، بحيث لو كان أحدهما ذكرًا والآخر أنثى حرمت مناكحتهما، فعلى هذا لا يدخل أولاد الأعمام ولا أولاد الأخوال. وقيل: هو عام في كل ذي رحم من ذوي الأرحام في الميراث يستوي فيه المحرم وغيره. قال النووي: وهذا الثاني هو الصواب (¬5). * * * ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 5/ 220 (1038)، "تهذيب الكمال" 17/ 35 (3786). (¬2) "المستدرك" 2/ 356. (¬3) ذكره الهيثمي في "المجمع" 8/ 152 وعزاه للطبراني، قال: رواه الطبراني عن شيخه عبد اللَّه بن موسى بن أبي عثمان الأنطاكي، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. (¬4) "الإحسان" 2/ 182 - 183 (440). (¬5) "شرح مسلم" 16/ 113.

52 - باب في الحسد

52 - باب فِي الحَسَدِ 4903 - حَدَّثَنَا عُثْمانُ بْنُ صالِحٍ البَغْدادي، حَدَّثَنَا أَبُو عامِرٍ -يَعْني: عَبْدَ المَلِكِ ابْنَ عَمْرٍو- حَدَّثَنَا سُلَيْمانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ أَبِي أَسِيدٍ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِيّاكُمْ والحَسَدَ فَإِنَّ الحَسَدَ يَأْكُلُ الحَسَناتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الحَطَبَ". أَوْ قالَ: "العُشْبَ" (¬1). 4904 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدٌ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي العَمْياءِ أَنَّ سَهْلَ بْنَ أَبِي أُمامَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ دَخَلَ هُوَ وَأَبُوهُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مالِكٍ بِالمَدِينَةِ في زَمانِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ، وَهُوَ أَمِيرُ المَدِينَةِ، فَإِذا هُوَ يُصَلِّي صَلاةً خَفِيفَةً دَقِيقَةً كَأَنَّهَا صَلاةُ مُسافِرٍ أَوْ قَرِيبًا مِنْها فَلَمَّا سَلَّمَ قالَ أَبِي يَرْحَمُكَ اللَّهُ أَرَأَيْتَ هَذِهِ الصَّلاةَ المَكْتُوبَةَ أَوْ شَيء تَنَفَّلْتَهُ؟ قالَ: إِنَّها المَكْتُوبَةُ، وَإِنَّها لَصَلاةُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- ما أَخْطَأْتُ إِلَّا شَيْئًا سَهَوْتُ عَنْهُ فَقالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كانَ يَقُولُ: "لا تُشَدِّدُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَيُشَدَّدَ عَلَيْكُمْ، فَإِنَّ قَوْمًا شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَتِلْكَ بَقاياهُمْ في الصَّوامِعِ والدِّيارِ {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ}. ثُمَّ غَدا مِنَ الغَدِ فَقالَ أَلا تَرْكَبُ لِتَنْظُرَ وَلِتَعْتَبِرَ قالَ: نَعَمْ. فَرَكِبُوا جَمِيعًا فَإِذا هُمْ بِدِيارٍ بادَ أَهْلُها وانْقَضَوْا وَفَنَوْا خاوِيَةً عَلَى عُرُوشِهَا، فَقَالَ: "أَتَعْرِفُ هذِه الدِّيارَ؟ ". فَقُلْت: ما أَعْرَفَني بِها وَبِأَهْلِها، هذِه دِيارُ قَوْمٍ أَهْلَكَهُمُ البَغْي والحَسَدُ إِنَّ الحَسَدَ يُطْفِئُ نُورَ الحَسَناتِ والبَغْي يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ والعَيْنُ تَزْني والكَفُّ والقَدَمُ والجَسَدُ واللِّسَانُ والفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ (¬2). * * * ¬

_ (¬1) رواه عبد بن حميد (1430)، والخرائطي في "مساوئ الأخلاق" (722)، وابن بشران في "أماليه" (712)، والبيهقي في "الشعب" (6608). وضعفه الألباني في "الضعيفة" (1902). (¬2) رواه أبو يعلى (421). وصححه الألباني في "الصحيحة" (3694).

باب في الحسد [4903] (ثنا عثمان بن صالح) الخلقاني، ثقة (ثنا أبو عامر (¬1) يعني: عبد الملك بن عمرو) العقدي البصري (ثنا سليمان بن بلال) القرشي التيمي (عن إبراهيم بن أبي أسيد) بفتح الهمزة (عن أبيه) (¬2) البراد المديني، صدوق. قيل: لم يسم. قال الحافظ أبو القاسم الدمشقي في "الأشراف" جده سالم (¬3) عن أبي هريرة (¬4). قال المنذري: فإن كان جده سالمًا البراد فهو كوفي كنيته أبو عبد اللَّه، وهو ثقة (¬5). (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إياكم والحسد) بالنصب على التحذير، وحده: كراهة النعمة وحب زوالها عن المنعم عليه، وأما من لا يحب زوالها ولا يكره وجودها ودوامها ولكن يشتهي لنفسه مثلها فهذا يسمى غبطة، فأما الحسد الأول فحرام بكل حال، إلا نعمة أصابها فاجر أو كافر وهو يستعين بها على تهييج الفتنة وإفساد ذات البين وإيذاء الخلق فلا تضر كراهتك لها ومحبتك زوالها، فإنك لا تحب زوالها من حيث إنها نعمة له، بل من حيث إنها آلة الفساد. (فإن الحسد يأكل الحسنات) أي: يذهبها ويحرقها (كما تأكل النار ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) كذا في (ل)، (م)، وهو خطأ، والصواب: (جده) كما في مصادر ترجمته. (¬3) في (ل)، (م): سالمًا. ولعل المثبت هو الصواب. (¬4) انظر: "تحفة الأشراف" 11/ 100. (¬5) ذكر هذا القول محقق "مختصر سنن أبي داود" 7/ 225 في الحاشيه وقال: من هامش المنذري.

الحطب) اليابس (أو قال: ) كما تأكل النار (العشب) فلا يبقى منه شيء ينتفع به. ووجه المشابهة بينهما أن الحاسد كما يحب زوال نعمة المحسود حتى إنه لا يبقى عليه منها شيء ينتفع به، بل يذهب جميعها، كذلك حسنات الحاسد تذهبها النار، فلا يبقى له منها شيء ينتفع به، بل تذهب الحسنات جميعها، وفي هذا ذم عظيم للحسد حيث شبهه بالنار، أجارنا اللَّه منها. [4904] (حدثنا أحمد بن صالح) الطبري شيخ البخاري (ثنا عبد اللَّه ابن وهب، أخبرني سعيد (¬1) بن عبد الرحمن بن أبي العمياء) الكناني المصري في "ثقات ابن حبان" (¬2). (أن سهل بن أبي أمامة) أسعد بن سهل بن حنيف الأنصاري الأوسي المدني، روى له الجماعة سوى البخاري (حدثه أنه دخل هو وأبوه) أبو أمامة أسعد بن سهل، ولد في حياة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (على أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- بالمدينة في زمان عمر بن عبد العزيز وهو أمير المدينة -رضي اللَّه عنه- فقال: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يقول: لا تشددوا على أنفسكم) بالتعمق في الدين والعبادة، وترك الرفق في التعبد، فما شادد الدين أحد وغالبه إلا (فيشدد) اللَّه (عليكم) ويعجز عن ذلك التعمق، وينقطع عن عمله كله أو بعضه. (فإن قومًا شددوا على أنفسهم) في العبادة بما لم يقدروا على الدوام ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (د). (¬2) 6/ 354.

عليه (فشدد اللَّه عليهم) وأعجزهم عما راموه وقصدوه، وانقطعوا عن العمل. والمراد من الحديث: التحضيض على ملازمة الرفق والاقتصار على ما يطيقه العامل ويمكنه الدوام عليه. (فتلك بقاياهم) أي: بقايا هؤلاء الذين شددوا على أنفسهم (في الصوامع) أي: صوامع الرهبان (والديار) كذا للمصنف ولغيره. والديارات للنصارى جمع دير، قال الجوهري: دير النصارى أصله الواو، ويجمع على أديار (¬1). ({وَرَهْبَانِيَّةً}) انتصابه بفعل مضمر، يدل عليه ما بعده، كأنه قال: ابتدعوا رهبانية. أي: جاؤوا بها من قِبل أنفسهم، وتلك الرهبانية غلوهم في العبادة من تحملهم المشاق على أنفسهم في الامتناع من المأكل والمشرب والملبس والنكاح وتعبدهم في الجبال ({مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ}) (¬2) ما فرضناها عليهم، ولا سنها لهم نبي (¬3) مرسل، بل جاؤوا بها من قبل أنفسهم، وقد جاءت أحاديث في الصحيحين وغيرها تدل على هذا، فنسال اللَّه تعالى حسن الاتباع، ونعوذ باللَّه من شؤم الابتداع. فإن قيل: فما وجه المناسبة بين الحديث والترجمة؛ إذ ليس في الحديث ذكر الحسد؟ فالجواب: يحتمل -واللَّه أعلم- أن هؤلاء اليهود ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): ديورة. وما أثبتناه كما في "الصحاح" 2/ 661. (¬2) الحديد: 27. (¬3) ساقطة من (م).

وأصحاب الصوامع والديارات للنصارى حسدوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على النبوة وأصحابه على الإيمان به، وشددوا على أنفسهم؛ حيث لم يأخذوا بدينه اليسر، بل ترهبوا في الجبال والصوامع، وابتدعوا الرهبانية. وقد روى الحاكم أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من آمن بي وصدقني واتبعني فقد رعاها حق رعايتها، ومن لم يتبعني فأولئك هم الظالمون" (¬1) وفي بعض النسخ المعتمدة هنا زيادة: (ثم غدا من الغد فقال: ألا تركب لتنظر وتعتبر؟ قال: نعم. فركبوا جميعًا، فإذا هم بديار باد أهلها وانقرضوا وفنوا خاوية على عروشها؛ فقال: أتعرف هذِه الديار؟ قال: ما أعرفني بها وبأهلها، هذِه ديار قوم أهلكهم البغي والحسد، إن الحسد يطفئ نور الحسنات، والبغي يصدق ذلك ويكذبه، والعين تزني، والكف والقدم والجسد واللسان، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه). * * * ¬

_ (¬1) رواه الحاكم في "المستدرك" 2/ 480 من حديث ابن مسعود مطولًا مرفوعًا بغير هذا اللفظ، ولفظه: "فالمؤمنون الذين آمنوا بي وصدقوني، والفاسقون الذين كفروا بي وجحدوا بي" وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. ورواه بلفظ الشارح بلفظ "الهالكون" بدل لفظ "الظالمون" الطبراني 10/ 225 (10531) مطولًا من حديث ابن مسعود مرفوعًا أيضًا.

53 - باب في اللعن

53 - باب فِي اللَّعْنِ 4905 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسّانَ، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بْنُ رَباحٍ قالَ: سَمِعْت نِمْرانَ يَذْكرُ، عَنْ أُمِّ الدَّرْداءِ قالَتْ: سَمِعْتُ أَبا الدَّرْداءِ يَقُولُ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ العَبْدَ إِذا لَعَنَ شَيْئًا صَعِدَتِ اللَّعْنَةُ إِلَى السَّماءِ، فَتُغْلَقُ أَبْوابُ السَّماءِ دُونَها، ثُمَّ تَهبطُ إِلَى الأَرْضِ، فَتُغْلَقُ أَبْوابُها دُونَها، ثُمَّ تَأْخُذُ يَمِينًا وَشِمالًا فَإِذا لَمْ تَجِدْ مَساغًا رَجَعَتْ إِلَى الذي لُعِنَ، فَإِنْ كانَ لِذَلِكَ أَهْلًا وَإِلَّا رَجَعَتْ إِلَى قائِلِها". قالَ أَبُو داوُدَ: قالَ مَرْوانُ بْن مُحَمَّدٍ: هُوَ رَباحُ بْنُ الوَلِيدِ سَمِعَ مِنْهُ وَذَكَرَ أَنَّ يَحْيَى ابْنَ حَسّانَ وَهِمَ فِيهِ (¬1). 4906 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْن إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشامٌ، حَدَّثَنَا قَتادَةُ، عَنِ الحَسَن، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "لا تَلَاعَنُوا بِلَعْنَةِ اللَّهِ، وَلا بِغَضَبِ اللَّهِ، وَلا بِالنّارِ" (¬2). 4907 - حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبي الزَّرْقاءِ، حَدَّثَنَا أَبي، حَدَّثَنَا هِشامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبي حازِمٍ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ أُمَّ الدَّرْداءِ، قالَتْ: سَمِعْتُ أَبا الدَّرْداءِ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "لا يَكُونُ اللَّعّانُونَ شُفَعاءَ وَلا شُهَداءَ" (¬3). 4908 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبانُ ح، وَحَدَّثَنا زَيْدُ بْن أَخْزَمَ الطّائي، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْن عُمَرَ، حَدَّثَنَا أَبانُ بْنُ يَزِيدَ العَطّارُ، حَدَّثَنَا قَتادَةُ، عَنْ أَبِي ¬

_ (¬1) رواه البزار (4084)، وابن أبي الدنيا في "الصمت" (381)، والبيهقي في "الشعب" (4799). وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (1672). (¬2) رواه الترمذي (1976)، وأحمد 5/ 15، والبخاري في "الأدب المفرد" (320). وصححه الألباني في "الصحيحة" (893). (¬3) رواه مسلم (2598).

العالِيَةِ، قالَ زَيْدٌ: عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ رَجُلًا لَعَنَ الرِّيحَ -وقالَ مُسْلِمٌ: إِنَّ رَجُلًا نازَعَتْهُ الرِّيحُ رِداءَهُ عَلَى عَهْدِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَلَعَنَها- فَقالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تَلْعَنْها فَإِنَّها مَأْمُورَةٌ، وَإِنَّهُ مَنْ لَعَنَ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ رَجَعَتِ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ" (¬1). * * * باب في اللعن [4905] (ثنا أحمد بن صالح، ثنا يحيى بن حسان التنيسي) بكسر المثناة والنون، أخرج له الشيخان (ثنا الوليد بن رباح) المدني، صدوق (قال: سمعت نمران) بكسر النون وسكون الميم وبعد الألف نون، وهو ابن عتبة (الذماري) بفتح المعجمة وتخفيف الميم، مقبول (يذكر أن أم الدرداء) الصغرى، اسمها هجيمة، وقيل: جهيمة بنت حيي (¬2) الأوصابية، خطبها معاوية فلم تفعل. (قالت: سمعت أبا الدرداء) تعني: زوجها (يقول: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن العبد إذا لعن شيئًا) إنسانًا أو بهيمةً أو طيرًا أو وحشًا أو برغوثًا أو نحوه، فالكل داخل في عموم شيء، فاللعنة خطرة؛ لأنه حكم بأنه أبعد الملعون، وذلك غيب لا يطلع عليه غير اللَّه، ويطلع عليه رسوله إذا أطلعه اللَّه عليه. ويقرب من اللعن الدعاء على الإنسان بالشر، كقولك: لا صحح اللَّه جسمه، ولا سلمه اللَّه. فإنه مذموم أيضًا. (صعدت اللعنة إلى السماء) بكسر عين (صعدت) (فتغلق أبواب ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2093)، وابن حبان (5745)، والطبراني 2/ 161 (957). وصححه الألباني في "الصحيحة" (528). (¬2) ساقطة من (م).

السماء دونها) لأن أبواب السماء لا تفتح إلا للعمل الصالح؛ لقوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} (¬1)، وقوله: {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ} (¬2). (ثم تهبط) اللعنة (إلى الأرض، فتغلق أبوابها) أبواب الأرض السبعة (دونها) فلا تفتح؛ لتصل إلى سجين تحت الأرض السابعة؛ لأن صاحبها فوق الأرض (ثم تأخذ) اللعنة فتتردد (يمينًا وشمالا) في الأرض، لا تدري أين تذهب (فإذا لم تجد مساغًا) أي: مسلكًا وسبيلا تنتهي منه إلى مكان تستقر فيه (رجعت إلى الذي لعن) بضم اللام وكسر العين. (فإن كان لذلك أهلًا وإلا رجعت) بإذن ربه (إلى قائلها) ويدل على الإذن ما رواه أحمد بإسناد جيد، عن ابن مسعود قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إن اللعنة إذا وجهت إلى من وجهت إليه، فإن أصابت عليه سبيلا أو وجدت فيه مسلكًا، وإلا قالت: يا رب، وجهت إلى فلان فلم أجد فيه مسلكًا ولم أجد عليه سبيلا. فيقال: ارجعي من حيث جئت" (¬3) يعني: إلى قائلها. ونظير اللعنة من قال لأخيه: يا كافر. وللبخاري: "لا يرمي رجل رجلًا بالفسق، ولا يرميه بالكفر إلا ردت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك" (¬4) قلت: ويحتمل أن يكون من هذا ما لو قال للكافر ظنه ¬

_ (¬1) فاطر: 10. (¬2) الأعراف: 40. (¬3) "مسند أحمد" 1/ 408. (¬4) "صحيح البخاري" (6045) من حديث أبي ذر مرفوعًا.

مسلمًا: غفر اللَّه لك، أو رحمك اللَّه. فإنها تذهب إلى الكافر وليس هو أهلا، فترجع -واللَّه أعلم- إلى قائلها. (قال: ) المصنف (قال مروان بن محمد: ) بن حسان الأسدي الطاطري في الوليد بن رباح المذكور في السند (هو رباح بن الوليد سمع منه، وذكر) مروان بن محمد (أن يحيى بن حسان وهم فيه) أي: في تسميته الوليد بن رباح. [4906] (ثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي الفراهيدي (ثنا هشام) الدستوائي (ثنا قتادة، عن الحسن) البصري، تقدم الخلاف في سماع الحسن عن سمرة. (عن سمرة بن جندب -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: لا تلاعنوا) بفتح التاء والعين. أي: لا تتلاعنوا، فحذفت إحدى التاءين اختصارًا (بلعنة اللَّه تعالى (فإن اللعنة الإبعاد من رحمة اللَّه، وليس هذا من خلق المؤمنين الذين وصفهم اللَّه: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (¬1). (ولا بغضب اللَّه ولا بالنار) كذا للترمذي (¬2). ولغيرهما: "ولا بجهنم" (¬3) أي: فلا يقول أحدكم: اللهم اجعله من أهل النار. ولا: حرقك اللَّه بنار جهنم. ونحو ذلك. [4907] (حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء) الموصلي الرملي، ثقة (ثنا أبي) زيد بن أبي الزرقاء المحدث الزاهد، صدوق (ثنا هشام بن سعد) ¬

_ (¬1) الفتح: 29. (¬2) "سنن الترمذي" (1976). (¬3) رواه ابن طهمان في "مشيخته" (52) بلفظ: "ولا تدعوا بجهنم".

القرشي المدني، أخرج له مسلم. (عن أبي (¬1) حازم) سلمة بن دينار الأعرج المدني (وزيد بن أسلم أن أم الدرداء) الصغرى، هجيمة (قالت: سمعت أبا الدرداء -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: لا يكون اللعانون) بصيغة المبالغة والكثرة، وخصهم بالذكر ولم يقل: اللاعن؛ لأن الصديق قد يلعن من أمره الشرع بلعنه، وقد يقع منه اللعن فلتة وندرة، ثم يرجع ولا يخرجه ذلك عن الصديقية، واللعن فيه غاية المقاطعة والتدابر؛ ولهذا جاء في الحديث: "لعن المؤمن كقتله" (¬2) لأن القاتل يقطعه عن منافع الدنيا، وهذا يقطعه عن نعيم (¬3) الآخرة. (شفعاء) أي: لا يشفعون يوم القيامة ولا حين يشفع المؤمنون في إخوانهم الذين استوجبوا النار. ويحتمل أن المشفوع إليه إذا كان الشافع لعانا لا تقبل شفاعته؛ لأن قبول شفاعته إكرام له، واللعان لا يُكرم. (ولا شهداء) فيه ثلاثة أقوال، أصحها وأشهرها: لا يكونون شهداء يوم القيامة على الأمم بتبليغ رسلهم إليهم الرسالات. والثاني: لا يكونون (¬4) شهداء في الدنيا، أي: لا تقبل شهادتهم؛ لفسقهم. والثالث: لا يرزقون الشهادة، وهي القتل في سبيل اللَّه. ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) رواه البخاري (6105)، ومسلم (110) من حديث ثابت بن الضحاك مرفوعًا. (¬3) في (م): نسيم. (¬4) في (ل)، (م): يكون. والمثبت هو الصواب.

[4908] (حدثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي (ثنا أبان) بن يزيد العطار البصري، أخرج له البخاري (ح، وحدثنا زيد بن أخزم) بسكون الخاء المعجمة (الطائي) البصري، أخرج له البخاري. (ثنا بشر (¬1) بن عمر) الزهراني البصري (ثنا أبان بن يزيد العطار) تقدم (ثنا قتادة، عن أبي العالية) رفيع الرياحي (قال زيد) بن أخزم في روايته، احتج به البخاري (عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أن رجلًا لعن الريح. وقال مسلم) بن إبراهيم، شيخ المصنف (إن رجلا نازعته الريح) أي: جاذبته الريح في (ردائه) لتحمله وتسير به (على عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فلعنها؛ فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا تلعنها) ثم ذكر علة النهي عن لعنتها (فإنها مأمورة) مسخرة لا تسير ولا تتحرك إلا بأمر اللَّه؛ فليست بأهل للعنة. (وأنه لمن لعن شيئًا) حيوانًا أو غيره (ليس له بأهل) أي: لا يستحق اللعنة، احترازًا ممن يستحق (¬2) اللعنة {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} (¬3)، "لعن اللَّه اليهود والنصارى" (¬4) ونحو ذلك (رجعت اللعنة عليه) بتعديه بلعنه ما لا يستحق. وفي الحديث: "ما لعن أحد الأرض إلا قالت: لعن اللَّه أعصانا لربه" (¬5). * * * ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) في (ل، م): يستحل. ولعل المثبت الصواب. (¬3) هود: 18. (¬4) رواه البخاري (1330)، ومسلم (529) من حديث عائشة مرفوعًا. (¬5) رواه البيهقي في "شعب الإيمان" 4/ 302 (5187) من حديث أبي الدرداء موقوفًا.

54 - باب فيمن دعا على من ظلم

54 - باب فِيمَنْ دَعَا عَلَى مَنْ ظَلَمَ 4909 - حَدَّثَنَا ابن مُعاذٍ، حَدَّثَنَا أَبي، حَدَّثَنَا سُفْيانُ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ عَطاءٍ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها قالَتْ: سُرِقَ لَها شَيء فَجَعَلَتْ تَدْعُو عَلَيْهِ، فَقَالَ لَها رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تُسَبِّخي عَنْهُ" (¬1). * * * باب فيمن دعا على من ظلمه [4909] (ثنا) عبيد اللَّه (ابن معاذ) شيخ مسلم وغيره (ثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري (ثنا سفيان) الثوري (عن حبيب) بن أبي ثابت الأسدي. (عن عطاء عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: سرق لها شيء، فجعلت تدعو عليه) أي: على من ظلمها بالسرقة. (فقال لها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا تسبَّخي) بتشديد الباء الموحدة بعدها خاء معجمة (عنه) بدعائك عليه أي: لا تخففي عنه الإثم الذي استحقه بالسرقة بدعائك عليه. يقال: سبخ اللَّه الحمى عنك. أي: خففها، ومنه حديث علي -رضي اللَّه عنه-: أمهلنا يسبخ عنا الحَر (¬2). أي: يخففه. وقد تقدم الحديث بأبسط من هذا في الصلاة للترمذي من حديث ¬

_ (¬1) رواه أحمد 6/ 45، وإسحاق بن راهويه (1222)، والنسائي في "السنن الكبرى" (7359). وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (2468). (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 332.

عائشة: "من دعا على من ظلمة فقد انتصر (¬1) " (¬2)، وقيل: إن المظلوم ليدعو على الظالم حتى يكافئه، ثم يبقى للظالم فضلة يوم القيامة. * * * ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): استنصر. وما أثبتناه كما في "سنن الترمذي". (¬2) "سنن الترمذي" (3552) مرفوعًا. وضعفه كثير من الحفاظ، انظر: "العلل الكبير" للترمذي (681)، "تخريج أحاديث الإحياء" للعراقي 1/ 1016، "كشف الخفاء" (2473).

55 - باب فيمن يهجر أخاه المسلم

55 - باب فِيمَنْ يَهْجُرُ أَخَاهُ المُسْلِمَ 4910 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْن مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ النَّبِيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "لا تَباغَضُوا، وَلا تَحَاسَدُوا وَلا تَدابَرُوا، وَكُوُنوا عِبادَ اللَّهِ إِخْوانًا، وَلا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيالٍ" (¬1). 4911 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْن مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عَطاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثي، عَنْ أَبي أَيُّوبَ الأَنْصَاري أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخاهُ فَوْقَ ثَلاثَةِ أَيّامٍ، يَلْتَقِيانِ فَيُعْرِضُ هذا وَيُعْرِضُ هذا، وَخَيْرُهُمَا الذي يَبْدَأُ بِالسَّلامِ" (¬2). 4912 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ السَّرْخَسي أَنَّ أَبا عامِرٍ أَخْبَرَهُمْ قالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِلالٍ، قالَ: حَدَّثَنِي أَبي، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "لا يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَهْجُرَ مُؤْمِنًا فَوْقَ ثَلاثٍ فَإِنْ مَرَّتْ بِهِ ثَلاثٌ فَلْيَلْقَهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَإِنْ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامْ فَقَدِ اشْتَرَكا في الأَجْرِ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ فَقَدْ باءَ بِالإِثْمِ". زادَ أَحْمَدُ: "وَخَرَجَ المُسَلِّمُ مِنَ الهِجْرَةِ" (¬3). 4913 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن خالِدِ بْنِ عَثْمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْن المُنِيبِ -يَعْني: المَدَني- قالَ: أَخْبَرَنَا هِشامٌ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "لا يَكُونُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ مُسْلِمًا ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6065)، ومسلم (2559). (¬2) رواه البخاري (6237)، ومسلم (2560). (¬3) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (414)، والخرائطي في "مساوئ الأخلاق" (528)، والبيهقي في "الشعب" (6195). وحسنه الألباني لغيره في "صحيح الترغيب" بعد حديث (2757).

فَوْقَ ثَلاثَةٍ، فَإِذا لَقِيَهُ سَلَّمَ عَلَيْهِ ثَلاثَ مِرارٍ، كُلُّ ذَلِكَ لا يَرُدُّ عَلَيْهِ، فَقَدْ باءَ بِإِثْمِهِ" (¬1). 4914 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبّاحِ البَزّازُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْن هارُونَ أَخْبَرَنَا سُفْيانُ الثَّوْري، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي حازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخاهُ فَوْقَ ثَلاثٍ فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلاثٍ فَماتَ دَخَلَ النَّارَ" (¬2). 4115 - حَدَّثَنَا ابن السَّرْحِ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، عَنْ حَيْوَةَ، عَنْ أَبِي عُثْمانَ الوَلِيدِ ابْنِ أَبِي الوَلِيدِ، عَنْ عِمْرانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ أَبِي خِراشٍ السُّلَمي أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "مَنْ هَجَرَ أَخَاهُ سَنَةً فَهُوَ كَسَفْكِ دَمِهِ" (¬3). 4116 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "تُفْتَحُ أَبْوابُ الجَنَّةِ كُلَّ يَوْمِ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ، فَيُغْفَرُ في ذَلِكَ اليَوْمَيْنِ لِكُلِّ عَبْدٍ لا يُشْرِكُ باللَّهِ شَيْئًا، إِلَّا مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْناءُ، فَيُقالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا". قالَ أَبُو داوُدَ: النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- هَجَرَ بَعْضَ نِسائِهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وابْنُ عُمَرَ هَجَرَ ابنا لَهُ إِلَى أَنْ ماتَ. قالَ أَبُو داوُدَ: إِذا كانَتِ الهِجْرَةُ للَّه فَلَيْسَ مِنْ هذا بِشَيء وَإِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ غَطَّى وَجْهَهُ عَنْ رَجُلٍ (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه أبو يعلى (4583). وحسنه الألباني في "الإرواء" 7/ 94. (¬2) رواه أحمد 2/ 392، وأبو نعيم في "الحلية" 8/ 126. وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (2757). (¬3) رواه أحمد 4/ 220، والبخاري في "الأدب المفرد" (404)، والطبراني 22/ 308 (779)، والحاكم 4/ 163. وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (2762). (¬4) رواه مسلم (2565).

باب فيمن هجر أخاه المسلم [4910] (حدثنا عبد اللَّه بن مسلمة) القعنبي (عن مالك، عن ابن شهاب) الزهري (عن أنس بن مالك أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: لا تباغضوا) أي: تتعاطوا أسباب البغض، وهو الزهو على الغير، والفخر، وكثرة المدح، والتعيير، والمماراة، والمماحكة الكثيرة في المعالجة، ونحو ذلك مما يكثر، وإن الحب والبغض معانٍ قلبية لا قدرة للإنسان على اكتسابها، ولا يملك التصرف فيها، كما قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللهم [هذا] (¬1) قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك" (¬2) يعني: الحب والبغض. ومما يوجب التباغض كثرة المخالفة، قال بعضهم: في النهي عن التباغض إشارة إلى الأسباب الموجبة للتباغض كما تقدم. (ولا تحاسدوا) أي: لا يحسد بعضكم بعضًا، والحسد بمعنى زوال النعمة، وهو حرام، وكله مذموم بخلاف الغبطة. (ولا تدابروا) التدابر: المعاداة. وقيل: المقاطعة، لأن كل واحد يولي صاحبه دبره كما يفعل المبغض. (وكونوا عباد اللَّه إخوانا) أي: كونوا كإخوان النسب المتحابين في الشفقة والرحمة والتوادد والمواساة والمعاونة والنصيحة. ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل)، (م)، والمثبت من مصادر التخريج. (¬2) سبق برقم (2134)، ورواه أيضًا الترمذي (1140)، والنسائي 7/ 63 - 64، وابن ماجه (1971) كلهم من حديث عائشة مرفوعًا.

(ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ) مفهوم دليل خطابه أن الهجرة دون الثلاث معفو عنها؛ لأن البشر لا بد له غالبًا من سوء الخلق وغضب، فسامحه الشرع فيه في هذِه المدة؛ لأن الغضب فيها لا يكاد الإنسان ينفك عنه، ولأنه لا يمكنه رد الغضب في هذِه المدة غالبًا، وظاهر الحديث تحريم الهجرة فوق ثلاث، وأكد هذا المعنى قوله: "لا هجرة بعد ثلاث" (¬1). وقيل: إن الحديث لا يقتضي إباحة الهجرة ثلاثًا (¬2)، وهذا عند من لا يحتج بدليل الخطاب، قال أصحابنا: لو كاتبه أو راسله عند غيبته عنه هل يزول إثم الهجرة؟ فيه وجهان: أحدهما: لا يزول؛ لأنه لم يكلمه. وأصحهما: يزول؛ لزوال الوحشة (¬3). [4911] (ثنا عبد اللَّه بن مسلمة) القعنبي (عن مالك، عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي أيوب) خالد بن زيد (الأنصاري -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه) المسلم (فوق ثلاثة أيام) لما تقدم. والثلاث أقل مراتب العدد. (يلتقيان) في الطريق (فيعرض هذا) عن صاحبه (ويعرض هذا) عنه (وخيرهما الذي) يكسر نفسه (يبدأ بالسلام) أي: أفضلهما وأكثرهما ثوابًا عند اللَّه. وفيه دليل لمذهب الشافعي ومالك ومن وافقهما أن السلام باللفظ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2562) من حديث أبي هريرة مرفوعًا. (¬2) في (ل)، (م): ثلاث. والمثبت هو الصواب. (¬3) انظر: "الحاوي الكبير" 15/ 447، "المهذب" 2/ 137.

يقطع الهجرة ويرفع الإثم (¬1) فيها ويزيله (¬2). وقال أحمد وابن القاسم المالكي: إن كان يؤذيه لم يقطع السلام هجرته. يعني: مع استمرار الأذى (¬3). [4912] (ثنا عبيد اللَّه بن عمر بن ميسرة) القواريري، شيخ الشيخين (وأحمد بن سعيد) بن صخر (السرخسي) بفتح الراء وسكونها، رواه الدارمي، شيخ الشيخين (أن أبا عامر) عبد الملك العقدي أخبرهم (حدثهم قال: ثنا محمد بن هلال) المدني، قال أبو حاتم: صالح (¬4) (حدثني أبي) هلال بن أبي هلال المدني، مقبول. (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: لا يحل لمؤمن) قد يحتج به من يقول: إن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة، والأصح أنهم مخاطبون بها، وإنما قيد بالمؤمن؛ لأنه الذي يقبل خطاب الشرع وينتفع به (أن يهجر مؤمنًا فوق ثلاث) ذكر بعضهم أن هجرة أهل البدع والأهواء دائمة على ممر الأوقات والأزمان ما لم تظهر منهم التوبة والرجوع إلى الحق، وقد هجر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نساءه شهرًا (¬5)، ولما خاف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على كعب بن مالك وأصحابه أمر بهجرانهم نحو ¬

_ (¬1) بعدها في (ل) كلمة تشبه الرباطي، وفي (م) بياض بمقدار كلمة. (¬2) انظر: "التمهيد" 6/ 127، "المنتقى" 7/ 215، "الأوسط" 12/ 254، "شرح مسلم" 16/ 117. (¬3) انظر: "المنتقى" 7/ 215، "الآداب الشرعية" لابن مفلح 1/ 244. (¬4) "الجرح والتعديل" 8/ 116 (513). (¬5) رواه البخاري (5191) من حديث ابن عباس مطولًا، ورواه مسلم (1084) من حديث جابر.

خمسين يومًا (¬1)، وقد هجرت عائشة ابن الزبير مدة (¬2). (فإن مرت به ثلاث) أي: ثلاثة أيام (فليلقه) وفي بعض النسخ: "فلقيه" (فليسلم عليه) باللفظ الذي يسمعه، لا بالإشارة باليد ونحوها (وإن) سلم عليه و (رد عليه السلام فقد اشتركا في الأجر) وأكثرهما أجرًا الذي يبدأ بالسلام (وإن) سلم عليه و (لم يرد) عليه السلام (فقد باء بالإثم) أي: رجع عليه الإثم جميعه. ورواية الحاكم والطبراني تزيده إيضاحًا، وهو عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يحل الهجر فوق ثلاثة أيام، فإن التقيا فسلم أحدهما فرد الآخر اشتركا في الأجر، وإن لم يرد برئ هذا من الإثم وباء به الآخر" وأحسبه قال: "وإن ماتا وهما متهاجران لا يجتمعان في الجنة" (¬3). وللطبراني: "من هجر أخاه فوق ثلاث فهو في النار إلا أن يتداركه اللَّه برحمته" (¬4) ورواته رواة "الصحيح". (زاد أحمد) بن سعيد السرخسي في روايته (وخرج المسلم) على أخيه بالسلام (من) إثم (الهجرة) وباء الآخر بالإثم. [4913] (ثنا محمد بن المثنى، ثنا محمد بن خالد بن عثمة) بمثلثة ساكنة قبلها فتحة، ويقال: إنها أمه. وهو حنفي بصري صدوق. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4418)، ومسلم (2769) من حديث كعب بن مالك. (¬2) رواه البخاري (6073). (¬3) "المستدرك" 4/ 163. (¬4) "المعجم الكبير" 18/ 315 (815) بلفظ: "بكرمه" بدل لفظ: "برحمته".

(ثنا عبد اللَّه بن المنيب) بضم الميم وكسر النون، وآخره موحدة (يعني: المدني) الأنصاري الحارثي، صدوق (قال: أخبرني هشام بن عروة) بن الزبير (عن) أبيه (عروة) بن الزبير. (عن عائشة) رضي اللَّه عنها (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: لا) ينبغي (يكون (¬1) لمسلم أن يهجر مسلمًا فوق ثلاثة) أيام (فإذا لقيه) بعد ثلاث (سلم عليه ثلاث مرارٍ) يحتمل أن يُراد أن يأتي بثلاث تسليمات، كل تسليمة عن يوم، فكما أن الهجر ثلاث يكون السلام بعدد أيام الهجر، فإن فعل (كل ذلك) و (لا يرد عليه، فقد باء بإثمه) جميعه دون المسلم ثلاثًا فليس عليه شيء، بل على من لم يرد إثم تركه رد السلام الواجب. [4914] (ثنا محمد بن الصباح البزاز) بزاءين معجمتين. أي: التاجر (ثنا يزيد بن هارون) (¬2) السلمي الواسطي (ثنا سفيان) بن سعيد (الثوري، عن منصور) بن المعتمر (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي. (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات) على هجره (دخل النار) يعني: إذا لم يتداركه اللَّه برحمته كما رواه الطبراني برجال الصحيح، ولفظه: "من هجر أخاه فوق ثلاث فهو في النار، إلا أن يتداركه اللَّه برحمته" (¬3) والمراد: من مات مصرًّا على هجر أخيه استحق النار (¬4) ¬

_ (¬1) بعدها في (ل)، (م): يحل وفوقها: خـ. (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) سبق تخريجه قريبًا. (¬4) ساقطة من (م).

إلا أن يتغمده اللَّه برحمته. [4915] (ثنا) أحمد بن عبد اللَّه بن عمرو (ابن السرح) شيخ مسلم (ثنا) عبد اللَّه (ابن وهب، عن حيوة) بن شريح (عن أبي عثمان الوليد ابن أبي الوليد) عثمان، أخرج له مسلم. (عن عمران بن أبي أنس) العامري المصري أخرج له مسلم. (عن أبي خراش) بكسر الخاء المعجمة، وتخفيف الراء المهملة بعد الألف شين معجمة، اسمه حدرد بن أبي حدرد الأسلمي (السُّلمي) (¬1) بضم المهملة. (أنه سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: من هجر أخاه) المسلم (سنة) يعني: من هجر أخاه سنة ولم يرد عليه السلام فهو حرام، كما أن سفك الدم حرام، لا أن إثم سفك الدم وإثم المهاجرة سواء، بل إثم سفك الدم أكثر، بل المراد اشتراكهما في الإثم لا في قدره، ولا يلزم التساوي بين المشبه والمشبه به، فقد بالغ في الهجر إلى أن أكثره (فهو كسفك دمه) لأن المهجور كالميت في أنه لا يُنتفع به ولا يُكلم الهاجر، ويحتمل أن يراد أن إثم من هجر أخاه سنة كإثم من قتله، وهو الأظهر، كما في حديث الصحيح: "لعن المسلم كقتله" (¬2) واللَّه أعلم. [4916] (ثنا مسدد، ثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد اللَّه الحافظ (عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان. ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): د. (¬2) رواه البخاري (6105)، ومسلم (110) من حديث ثابت بن الضحاك مرفوعًا بلفظ: "المؤمن" بدل لفظ: "المسلم".

(عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: تفتح أبواب الجنة) قال الباجي: معنى فتحها كثرة الصفح والغفران، ورفع المنازل وإعطاء الثواب الجزيل (¬1). قال القاضي: ويحتمل أن يكون على ظاهره، وأن فتح أبوابها علامة لذلك (¬2). قلت: ويحتمل أن الذي يفتح أبواب الجنة التي لا يدخل منها إلا المتحابون في اللَّه، ويحتمل أن يفتح جميع الأبواب، وهي تزيد على العشرة، ولا تختص بالثمانية. وفي الحديث حجة لأهل السنة على قولهم: إن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان. خلافا للمبتدعة القائلين أنهما لم يخلقا بعد، ولمسلم: "تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين" (¬3) ولا منافاة بين عرض الأعمال وفتح أبواب الجنة؛ إذ قد يجمع بينهما بأن الأعمال تعرض أولًا، ثم تفتح أبواب الجنة؛ ليدخل فيها الأعمال المقبولة، وهي أعمال المصطلحين. (كل يوم اثنين وخميس) وقد خص اللَّه هذين اليومين بفتح أبواب الجنة فيهما وعرض الأعمال على اللَّه لحقيقة يعلمها سبحانه ومن اختاره. وروى الإمام أحمد: "تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم" (¬4). (فيغفر في ذلك) أي: في هذين اليومين (لكل عبد لا يشرك باللَّه شيئًا) ¬

_ (¬1) انظر: "إكمال المعلم" 8/ 33. (¬2) السابق. (¬3) "صحيح مسلم" (2565) (36) من حديث أبي هريرة مرفوعًا. (¬4) "مسند أحمد" 5/ 201 من حديث أسامة بن زيد مرفوعًا.

هذِه الذنوب التي تغفر في هذين اليومين هي الصغائر، فإن لم توجد صغائر، بل كفرتها: "رمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن، والجمعة إلى الجمعة مكفرات لما بينهن" (¬1) فيرجى من فضل اللَّه أن يكفر من الكبائر. (إلا من) كان (بينه وبين أخيه شحناء) أي: بغضاء، فالتشاحن: التباغض والعداوة، كأنه شحن قلبه بغضًا، أي: ملأه. (فيقال: أنظروا) بفتح الهمزة وكسر الظاء، أي: أَخِّروا (هذين) المتباغضين (حتى يصطلحا. قال أبو داود: النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- هجر بعض نسائه أربعين يومًا، وابن عمر هجر ابنا له إلى أن مات) ويتواددان فإن كانا متباعدين فتراسلا بالسلام والمواددة قام مقام الصلح، والظاهر أن أحدهما لو صالح الآخر وسلم عليه فلم يرد عليه ولم يصالحه فيغفر للمصالح ويؤخر من لم يصالح. (قال) المصنف (إذا كانت الهجرة) أي: إذا كان هجران الأخ (للَّه) أي: لأجل ارتكاب معاصي اللَّه أو بدعة قبيحة (فليس (¬2) من هذا) التقدير بالثلاث (بشيء) يلي استصحابه الهجران إلى أن يتوب من معصيته أو بدعته أو نحو ذلك، ولا يختلف في هذا. فإن لم يكن للَّه، بل الهجر عن غضب لأمر جائز لا تعلق له بالدين فيقدر بالثلاث. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (233) (16) من حديث أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر". (¬2) بعدها في (ل)، (م): في شيء. وفوقها: رواية.

(وإن (¬1) عمر بن عبد العزيز -رضي اللَّه عنه- غطى وجهه عن رجل)؛ لئلا ينظر إليه، وقد كان أحمد بن حنبل يترك الأكابر في أدنى كلمة، حتى هجر يحيى بن معين في قوله: إني لا أسأل أحدًا شيئًا، ولو حمل السلطان إليّ شيئًا لأخذته. وهجر الحارث المحاسبي في تصنيفه الكتاب المعروف في الرد على المعتزلة، وقال: إنك تورد أولًا شبهتهم، وتحمل الناس على التفكر فيها، ثمَّ ترد عليهم (¬2). * * * ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): وقد غطى. والمثبت من "سنن أبي داود". (¬2) انظر: "تاريخ بغداد" 9/ 104، ونقل هذا القول ابن تيمية في "درء تعارض العقل والنقل" 7/ 147 عن الغزالي في "الإحياء" ورد عليه قائلًا: هجران أحمد للحارث لم يكن لهذا السبب الذي ذكره أبو حامد، وإنما هجره لأنه كان على قول ابن كلاب الذي وافق المعتزلة. . . إلخ.

56 - باب في الظن

56 - باب فِي الظَّنِّ 4917 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبي الزِّنادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَالَ: "إِيّاكُمْ والظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ، وَلا تَحَسَّسُوا وَلا تَجَسَّسُوا" (¬1). * * * باب في الظن [4917] (ثنا عبد اللَّه بن مسلمة) القعنبي (عن مالك، عن أبي الزناد) عبد اللَّه بن ذكوان. (عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إياكم والظن) المراد: ظن السوء، فهو المنهي عنه، وعن التهمة التي لا سبب لها يوجبها، كمن يتهم بالفاحشة أو شرب الخمر أو السرقة، ولم يظهر عليه ما يقتضي ذلك. (فإن الظن أكذب الحديث) أي: فإن سوء الظن الكاذب أكثر من كذب الحديث، واللَّه أعلم. ويحتمل أن الظن السوء أعظم إثمًا من الكذب، أي: إياكم وسوء الظن، وهو الشك يعرض لك فتريد تحقيقه وتصديقه والحكم به. وقيل: أراد: إياكم وسوء الظن وتحقيقه دون مبادئ الظنون التي لا تملك وخواطر القلوب التي لا تدفع. والمراد: أن المحرم من الظن ما يصر صاحبه عليه، ويستمر في قلبه دون ما يعرض في القلب ولا يستقر، فإن هذا لا يكلف به، كما في الحديث: "تجاوز اللَّه عما تحدث به الأمة ما لم تتكلم أو تعمل" (¬2). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5143)، ومسلم (2563). (¬2) رواه البخاري (5269)، ومسلم (127) من حديث أبي هريرة مرفوعًا.

ونقل القاضي عن سفيان: الظن الذي يأثم به هو ما ظنه وتكلم به، فإن لم يتكلم لم يأثم (¬1). ويدل على كون الظن بمعنى التهمة قوله بعد هذا: "ولا تجسسوا" وذلك أنَّه قد يقع له خاطر التهمة ابتداء فيريد أن يتجسس خبر ذلك، ويبحث عنه ليحقق ما وقع له من تلك التهمة، فنهي عن ذلك؛ ولهذا جاء في الحديث: "إذا ظننت فلا تحقق" (¬2). (ولا تحسسوا ولا تجسسوا) الأول: بالحاء المهملة، والثاني: بالجيم. قال بعض العلماء: التحسس بالحاء: الاستماع لحديث القوم، وبالجيم: البحث عن العورات. وقيل: التفتيش عن بواطن الأمور، وأكثر ما يكون في السر، ومنه: الجاسوس: صاحب السر. وقيل: هما بمعنًى واحدٍ، وهو طلب معرفة الأخبار الغائبة والأحوال. وقيل: بالجيم طلب البحث عن الشيء لغيرك، وبالحاء: طلبه لنفسك. قلت: الظاهر أن التحسس بالحاء المهملة هو يعم البحث عن التحقيق بكل واحد من الحواس الخمس، وبالجيم هو البحث عن التحقيق لتحققه تحقيق من جس الشيء واجتسه ليعرف حقيقته، ومنه الجساسة، وهي الدابة التي تطلب خبر الدجال، والجاسة بالجيم لغة في الحاسّة. * * * ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" 8/ 28. (¬2) رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 4/ 17 (1962)، والطبراني 3/ 228 (3227) من حديث حارثة بن النعمان مرفوعًا. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (2526).

57 - باب في النصيحة والحياطة

57 - باب فِي النَّصِيحَةِ والحِياطَةِ 4918 - حَدَّثَنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمانَ المُؤَذِّنُ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، عَنْ سُلَيْمانَ -يَعْني: ابن بِلالٍ-، عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الوَلِيدِ بْنِ رَباحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَالَ: "المُؤْمِنُ مِرْآةُ المُؤْمِنِ، والمُؤْمِنُ أَخُو المُؤْمِنِ، يَكُفُّ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ وَيَحُوطُهُ مِنْ وَرائِهِ" (¬1). * * * باب في النصيحة [4918] (ثنا الربيع بن سليمان) المرادي المصري (المؤذن) مؤذن جامع مصر (ثنا) عبد اللَّه (ابن وهب) الفهري (عن سليمان يعني: ابن بلال) (¬2) مولى الصديق (عن كثير بن زيد) الأسلمي، المدني، قال أبو زرعة: صدوق، فيه لين (¬3) (عن الوليد بن رباح) تقدم. (عن أبي هريرة عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: المؤمن مرآة المؤمن) قال الغزالي: أي: يرى منه ما لا يرى من نفسه، فيستفيد المرء بأخيه معرفة عيوب نفسه، ولو انفرد لم يستفد، كما يستفيد بالمرآة الوقوف على عيوب صورته الظاهرة؛ فينبه الأخ الأخ على عيوبه، ويقبح ¬

_ (¬1) رواه ابن وهب في "الجامع" (237)، والبخاري في "الأدب المفرد" (239)، والبزار (8109). وصححه الألباني في "الصحيحة" (926). (¬2) بعدها في (ل)، (م): نسخة: هلال. (¬3) "الجرح والتعديل" 7/ 151 (841)، (841)، "تهذيب الكمال" 24/ 115 (4941).

القبيح، ويحسن الحسن، ويذكر له فوائد ترك القبيح، فإن لم ينزجر يخوفه بما يكرهه في الدنيا والآخرة؛ لينزجر عنه، ولكن ينبغي أن ينبهه على ذكر عيوبه سرًّا؛ بحيث لا يطلع عليه أحد، فما كان على الملأ فهو توبيخ وفضيحة، وما كان في السر فهو شفقة ونصيحة (¬1). قال الشافعي: من وعظ أخاه سرًّا فقد نصحه وزانه، ومن وعظ علانية فقد فضحه وشانه (¬2). وفيه الحث على صحبة أخ في اللَّه تعالى، كما يجعل المرآة لينظر فيها وجهه. وفيه أن يحترص أن يكون أخاه الذي يصحبه مرآة قلبه صقيلة ليس فيها غش ولا دنس، كما في المرآة، ومتى وجد من أخيه بعض كدر يبادر إلى إزالته كما يزيله من المرآة. (والمؤمن) المؤاخى في اللَّه تعالى (أخو المؤمن) أي: مثل أخيه [في] (¬3) القرابة، وهو الأخ من الأبوين، أو من الأب، أو من الرضاع. ومعنى الحديث: أن المؤمن ينبغي أن يحافظ على المؤمن محافظته على أخيه شقيقه، فيسر بسروره، ويهتم لهمه، ويعد جميع أحواله كأخيه المناسب (يكف) بفتح الياء وضم الكاف (عليه) أي: يجمع عليه معيشته ويضمها إليه. قاله في "النهاية" (¬4). (ضيعته) بفتح الضاد المعجمة وسكون المثناة تحت، وهي ما يكون ¬

_ (¬1) "إحياء علوم الدين" 2/ 182. (¬2) انظر السابق. (¬3) زيادة ليست في الأصول يقتضيها السياق. (¬4) 4/ 190.

منه معاشه من صناعة أو تجارة أو زراعة ونحو ذلك. قال شمر: ويدخل فيها الحرفة (¬1). ومنه الحديث: "أفشى اللَّه ضيعته" (¬2) أي: أكثر عليه معاشه. (ويحوطه) (¬3) أي: يحفظه ويصونه ويذب عنه، ويحدق به (من ورائه) أي: من جميع جوانبه، ويتوفر مصالحه في حياته وأهله من بعده، وكان في السلف من يتفقد عيال أخيه وأولاده بعد موته أربعين سنة، يقوم لحاجاتهم ومصالحهم، ويتردد كل يوم إليهم، فكانوا لا يفقدون من الميت إلا عينه، وكان الواحد منهم يتردد إلى باب أخيه في غيبته وحضوره، ويسأل فيقول: هل لكم زيت؟ [هل لكم ملح؟ ] (¬4) هل لكم حاجة؟ فيقوم بها من حيث لا يعرف أخوه. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "إكمال المعلم" 3/ 270. (¬2) رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" 5/ 186 (5025) من حديث أبي الدرداء مرفوعًا. أورده الهيثمي في "المجمع" 10/ 247 وقال: رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، وفيه محمد بن سعيد بن حسان المصلوب، وهو كذاب. (¬3) بعدها في (ل)، (م): رواية: ويحفظه. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

58 - باب في إصلاح ذات البين

58 - باب فِي إِصْلاحِ ذاتِ البَيْنِ 4919 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سالِمٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْداءِ، عَنْ أَبي الدَّرْداءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيامِ والصَّلاةِ والصَّدَقَةِ". قالُوا: بَلَى. قَالَ: "إِصْلاحُ ذاتِ البَيْنِ وَفَسادُ ذاتِ البَيْنِ الحالِقَةُ" (¬1). 4920 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْنُ عَلي، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْري ح، وَحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ ح، وَحَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَبُّويَةَ المَرْوَزي، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّهِ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قَالَ: "لَمْ يَكْذِبْ مَنْ نَمَى بَيْنَ اثْنَيْنِ لِيُصْلِحَ". وقالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَمُسَدَّدٌ: "لَيْسَ بِالكاذِبِ مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ النّاسِ فَقالَ خَيْرًا أَوْ نَمَى خَيْرًا" (¬2). 4921 - حَدَّثَنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمانَ الجِيزي، حَدَّثَنا أَبُو الأَسْوَدِ، عَنْ نافِعٍ -يَعْني: ابن يَزِيدَ-، عَنِ ابن الهادِ أَنَّ عَبْدَ الوَهّابِ بْنَ أَبي بَكْرٍ حَدَّثَهُ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ حُمَيْدِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّهِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ قالَتْ: ما سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُرَخِّصُ في شَيء مِنَ الكَذِبِ إِلَّا في ثَلاثٍ، كانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "لا أَعُدُّهُ كاذِبًا الرَّجُلُ يُصْلِحُ بَيْنَ النّاسِ، يَقُولُ القَوْلَ وَلا يُرِيدُ بِهِ إِلَّا الإِصْلاحَ، والرَّجُلُ يَقُولُ في الحَرْبِ، والرَّجُلُ يُحَدِّثُ امْرَأَتَهُ، والمَرْأَةُ تُحَدِّثُ زَوْجَها" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2509)، وأحمد 6/ 444، والبخاري في "الأدب المفرد" (391). وصححه الألباني في "تخريج الحلال والحرام" (408). (¬2) رواه البخاري (2692)، ومسلم (2605). (¬3) رواه أحمد 6/ 403، والبخاري في "الأدب المفرد" (385)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 5/ 479. وصححه الألباني. ورواه مسلم بعد حديث (2605) وجعله من كلام ابن شهاب.

باب في إصلاح ذات البين [4919] (ثنا محمد (¬1) بن العلاء) بن كريب الهمداني [(ثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد اللَّه] (¬2) (عن الأعمش، عن عمرو بن مرة) الجملي، أحد الأعلام (عن سالم) بن أبي الجعد، رافع الأشجعي (عن أم الدرداء) الصغرى هجيمة (عن) زوجها (أبي الدرداء) عويمر -رضي اللَّه عنه-. (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ ) المستمرات أو الكثيرات (قالوا: بلى) يا رسول اللَّه. (قال: إصلاح ذات البين) أي: إصلاح أحوال البين، يعني: ما بينكم من الأحوال حتى تكون أحوالكم أحوال صحبة وألفة واتفاق. وقيل: إصلاح ذات البين هو إصلاح الفساد والفتنة التي تكون بين القوم، وإسكان الفتنة الثائرة بين القوم أو بين اثنين، فالإصلاح إذ ذاك واجب وجوب كفاية مهما وجد إليه سبيلا. ويحصل الإصلاح بمواساة الإخوان والمحتاجين ومساعدتهم مما رزقه اللَّه، وضد إصلاح ذات البين (وفساد ذات البين) هي (الحالقة). قال اليزيدي: لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين. [4920] (ثنا نصر بن علي) الجهضمي (ثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري، ح، وثنا مسدد، ثنا إسماعيل) ابن علية (ح، وثنا أحمد بن ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) كذا في النسخ، وهو خطأ، والصواب: (ثنا أبو معاوية محمد بن خازم) كما في "سنن أبي داود".

محمد بن شبويه) بفتح الشين المعجمة وتشديد الباء الموحدة المشددة (¬1) (المروزي) بفتح الميم والواو (ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف (عن أمه) أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، من المهاجرات، القرشية الأموية. (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: لم يكذب) الكذب المذموم (من نمى) نميت الحديث أنميه: إذا بلغته على وجه الإصلاح وطلب الخير بتخفيف الميم، وإذا بلغته على وجه الإفساد والنميمة. قلت: نمَّيته بتشديد الميم. هكذا قال أبو عبيد (¬2) وابن قتيبة وغيرهما من العلماء (¬3). وقال أبو تميم الحربي: أكثر المحدثين يقول: نمى خيرًا بتخفيف الميم، وإنما هو بتشديد الميم، والتخفيف لا يجوز في النحو، ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يكن يلحن، ومن خفف الميم لزمه أن يقول: خير بالرفع (¬4). قال المنذري وابن الأثير في "النهاية": وهذا الذي قال خلاف ما قاله الأئمة في ذلك، فذكر القاسم بن سلام والأصمعي والهروي والزمخشري مخفف في الإصلاح مشدد في الإفساد (¬5)، وما قاله ليس بشيء، فإنه ينتصب نمى كما انتصب بقال، وإنما نمى متعدٍّ (¬6)، يقال: ¬

_ (¬1) كذا في (ل)، (م)، وكلمة: (المشددة) لا وجه لها. (¬2) "غريب الحديث" 1/ 203. (¬3) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 5/ 121. (¬4) انظر السابق. (¬5) "الترغيب والترهيب" 4/ 267. (¬6) في الأصول: متعدد.

نميت الحديث. إذا رفعته وأبلغته (¬1). (بين اثنين ليصلح) بينهما. بل الكاذب في إصلاح ذات البين ونحوه محسن غير مسيء. (وقال أحمد) بن محمد بن شبويه (ومسدد: ليس بالكاذب) المذموم شرعًا (من أصلح بين الناس، فقال) بينهما (خيرا أو نمى خيرًا)؛ لأن الكذب ليس حرامًا لعينه، بل لما يحصل به من الضرر للمخاطب ولغيره، فإن لم يحصل منه إلا خير (¬2) لم يكن حرامًا، بل إن همدت الفتنة الثائرة به كان فيه [خير كثير] (¬3)، وربما كان واجبًا. قال ميمون بن مهران: إن الكذب في بعض المواضع خيرٌ، أرأيت لو أن رجلًا سعى وآخر وراءه بالسيف فدخل دارًا، فانتهى إليك فقال: رأيت فلانًا؟ ألست تقول: لم أرَه؟ وما تصدق، فهذا كذب واجب. [4921] (ثنا الربيع بن سليمان الجيزي) [بالجيم والزاي، الأعرج، ثقة (ثنا أبو الأسود) النضر بن عبد الجبار بن نضير المرادي المصري] (¬4) قال أبو حاتم: صدوق عابد، شبهته بالقعنبي (¬5). (عن نافع بن يزيد) الكلاعي، ثقة (عن) يزيد بن عبد اللَّه بن أسامة (ابن الهاد) (¬6) الليثي (أن عبد الوهَّاب بن أبي بكر) رفيع، وثقه أبو ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 5/ 121. (¬2) في (ل)، (م) خيرًا. ولعل ما أثبت أصوب. (¬3) في (ل)، (م): خيرًا كثيرًا. والجادة ما أثبتناه. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬5) "الجرح والتعديل" 8/ 480 (2197). (¬6) في (ل)، (م): (عبد)، وهو خطأ، والمثبت الصواب.

حاتم (¬1) (حدثه عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف (عن أمه أم كلثوم بنت عقبة) بن أبي معيط، اسمه أبان بن أبي عمرو، ذكوان، وهي أخت عثمان بن عفان لأمه، هاجرت وبايعت، وكانت هجرتها في سنة سبع في الهدنة التي كانت بين قريش وبين رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. (قالت: ما سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يرخص في شيء من الكذب) لفظ مسلم: يرخص فيما يقول الناس كذب (¬2). (إلا في ثلاث) وفي معناها ما إذا ارتبط بالكذب غرض مقصود صحيح له أو لغيره، أما له فمثل أن يأخذه ظالم فيسأله عن ماله، فله أن ينكره، أو يأخذه السلطان فيسأله عن فاحشة بينه وبين اللَّه ارتكبها، فله أن ينكر ويقول: ما زنيت ولا سرقت ولا شربت مسكرًا. لما روى الحاكم عن ابن عمر بلفظ: "اجتنبوا هذِه القاذورات التي نهى اللَّه عنها، فمن ألم بشيء فليستتر بستر اللَّه" (¬3) وإسناده حسن. (كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: لا أعده) أي: لا أعد الكاذب في هذِه الثلاث، وما في معناها (كاذبًا) قد يؤخذ منه أنه إذا كذب في ذلك بيمين لا حنث عليه، ولم أجده مسطورًا (الرجل يصلح بين الناس) و (يقول القول) الكذب من غير تعريض (ولا يريد به إلا الإصلاح) بين الناس. وظاهر الحصر أنه لو أراد به الإصلاح وغيره من مصلحة له فيه أو لأحد من جهته أن يكون كذبًا، فقد يكون الباعث على الكذب ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 6/ 71 (367). (¬2) "صحيح مسلم" (2605). (¬3) "المستدرك" 4/ 244، 383 مرفوعًا.

حظه وغرضه الذي هو متشعب عنه في حقيقة الأمر، وإنما يتعلل ظاهرًا بالإصلاح، وهذا يكتب عليه كذبة ويحاسب عليه. (والرجل يقول) الكذب (في الحرب) لأن الحرب خدعة، وهو من الخديعة (والمرء يحدث امرأته) فيعدها بإعطاء شيء أو كسوة ونحوها، وله أن يصلح بين الضرائر من نسائه، بأن يظهر لكل واحدة أنها أحب إليه، أو كانت امرأته لا تطيعه إلا بوعد ما لا يقدر عليه، فيعدها في الحال تطييبًا لقلبها (والمرأة تحدث زوجها) بالكذب إذا احتاجت إليه، وقد اختلفوا في المراد بالكذب المباح ما هو؟ فقالت طائفة: هو على إطلاقه. وأجازوا قول ما لم يكن للمصلحة، وقالوا: الكذب المذموم ما فيه مضرة، واحتجوا بقول إبراهيم -عليه السلام-: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} (¬1)، {إِنِّي سَقِيمٌ} (¬2)، وقوله: إنها أختي (¬3). وقول منادي يوسف لأجل المصلحة: {أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} (¬4). وقال الطبري وغيره: لا يجوز الكذب الصريح في شيء من الأشياء لا في هذِه الثلاث، ولا في غيرها، تمسكًا بالقاعدة الكلية في تحريمه، وتأول هذِه الأحاديث على التورية والتعريض، وهو تأويل لا يعضده دليل، ولا تعارض بين العموم والخصوص، كما هو عن العلماء منصوص. ¬

_ (¬1) الأنبياء: 63. (¬2) الصافات: 89. (¬3) رواه البخاري (2217)، ومسلم (2371) من حديث أبي هريرة مرفوعًا. (¬4) يوسف: 70.

قال الطبري: والتورية في الكذب أن يعد زوجته أن يحسن (¬1) إليها، أو يكسوها كذا، وينوي إن قدر اللَّه، وكذا في الحرب بأن يقول لعدوه: مات إمامكم الأعظم. وينوي إمامهم في الأزمان الماضية، أو غدا يأتينا مدد. أي: طعام ونحوه، وإذا بلغ الرجل عنك شيء، فكرهت أن تكذب فقل: اللَّه يعلم ما قلت من ذلك من شيء. فيكون قولك (ما) حرف النفي عند المستمع، وعندك للإبهام. ويدل على عموم النهي عن الكذب حديث النواس بن سمعان: "ما لي أراكم تهافتون في الكذب تهافت الفراش في النار، كل الكذب مكتوب" رواه أبو بكر الخرائطي (¬2) في "مساوئ (¬3) الأخلاق" (¬4). * * * ¬

_ (¬1) مكانها في (م) بياض بمقدار كلمة. (¬2) في (ل)، (م): بن لال. وما أثبتناه كما في تخريجنا لهذا الحديث. (¬3) في (ل)، (م): مكارم. وما أثبتناه كما في تخريجنا لهذا الحديث، حيث لم أقف عليه في "مكارم الأخلاق". (¬4) برقم (160)، (185) مرفوعًا.

59 - باب في النهي عن الغناء

59 - باب فِي النَّهْي عَنِ الغِناءِ 4922 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا بِشْرٌ، عَنْ خالِدِ بْنِ ذَكْوانَ، عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْراءَ قالَتْ: جاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَدَخَلَ عَلي صَبِيحَةَ بُني بي فَجَلَسَ عَلَى فِراشي كَمَجْلِسِكَ مِنّي، فَجَعَلَتْ جُوَيْرِياتٌ يَضْرِبْنَ بِدُفٍّ لَهُنَّ، وَيَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبائي يَوْمَ بَدْرٍ إِلَى أَنْ قالَتْ إِحْداهُنَّ: وَفِينا نَبي يَعْلَمُ ما في غَدٍ. فَقالَ: "دَعي هذِه وَقُولي الذي كُنْتِ تَقُولِينَ" (¬1). 4923 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلي، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنْ ثابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- المَدِينَةَ لَعِبَتِ الحَبَشَةُ لِقُدُومِهِ فَرَحًا بِذَلِكَ، لَعِبُوا بِحِرابِهِمْ (¬2). * * * باب في النهي عن الغناء الغناء بكسر الغين المعجمة والمد، وزن كتاب، وقياسه ضم أوله؛ لأنه صوت. [4922] (ثنا مسدد، ثنا بشر) (¬3) بكسر الموحدة وسكون المعجمة، ابن المفضل بن لاحق الرقاشي، مولاهم البصري. (عن خالد (¬4) بن ذكوان) المدني، سكن البصرة. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4001). (¬2) رواه أحمد 3/ 161، وعبد الرزاق في "جامع معمر" 10/ 466 (19723)، وعبد بن حميد (1239)، وأبو يعلى (3459). وصححه الألباني في "المشكاة" (5962). (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) فوقها في (ل): (ع).

(عن الربيع) بضم الراء المهملة، وفتح الموحدة، وتشديد التحتانية المكسورة (بنت معوذ) بضم الميم وتشديد الواو المكسورة (ابن عفراء) بفتح العين المهملة والمد، الأنصارية، بايعت تحت الشجرة، وتأخرت وفاتها. (قالت: جاء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فدخل علي) بيتي (صبيحة بني) بضم الموحدة وكسر النون (بي) أي: دخل علي زوجي ليلة الزفاف، وأصله أن الرجل إذا تزوج امرأة بنى عليها قبة ليدخل بها فيها؛ فيقال: بني الرجل على أهله. وقد جاء: بنى بامرأته. وأنكر ابن السكن بنى بأهله، والأحاديث الصحيحة تدفع قوله. (فجلس على فراشي) ظاهره أن زوجها كان غائبًا. فيه: جواز جلوس الرجل على فراش صديقه وفراش زوجته في غيبته، وفيه: أن المرأة إذا تزوجت أن يتخذ لها فراشًا من صداقها أو من غيره، ومن ثم اتخذ الرجال الجهاز من الأقمشة وغيرها لبناتهم، لكن لا يجوز السرف في ذلك (كمجلسك) [بكسر] (¬1) اللام بمعنى الجلوس الآن (مني) أي: جلس بالقرب مني، وذلك بحضور الجويريات (فجعلت جويريات) جمع جارية، ولفظ [. . .] (¬2) جاريتان بلفظ التثنية (يضربن بدف) بضم الدال لغة الحجاز (لهن). قال البغوي: أما الحديث: والدف. بالفتح؛ لاختلاف فيه، سمي دفًّا؛ لأن الأصابع تدفف عليه دفيفًا، ويعني بالدف الدائر المفتوح شبه ¬

_ (¬1) ليست في (ل)، (م) والسياق يقتضيها. (¬2) بياض في (ل)، (م) بمقدار كلمة.

الغربال، ويكون فيه الجلاجل كما يعتاده العرب وبعض مفتقرة الأمصار من وضع حديد داخل الطار شبه السلاسل، وأما ما يصنعه أهل الفسق وأعوان شربة الخمور من الصنوج اللطاف التي توضع في حروف يفتح لها جوانب الدف الصغير فممنوع استعماله؛ لأنها أشد إطرابًا وتهييجًا من الملاهي المتفق على تحريمها. وترجم البخاري على هذا باب الضرب بالدف في النكاح أو الوليمة (¬1)، يعني: وكذا العيد أو قدوم الغائب وقدوم الحجيج والغزاة. (ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر) لفظ البخاري في المغازي: يندبن من قتل من آبائهن (¬2). قال النسائي: إنما هو من قتل من آبائي يوم أحد. والندب: أن تذكر النائحة الميت بأحسن أفعاله وأوصافه، والاسم منه: الندبة، بضم النون. (إلى أن قالت إحداهن) يرجح رواية: جويريات. كما في البخاري (¬3) (وفينا نبي يعلم ما في الغد) (¬4) لفظ البخاري: يعلم ما في غدٍ (¬5). (فقال: دعي هذِه) هذِه الكلمة يعني: (يعلم ما في غدٍ)؛ فإن الغيب لا يعلمه إلا اللَّه، كما قال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} (¬6). ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" قبل حديث (5147). (¬2) "صحيح البخاري" (4001). (¬3) "صحيح البخاري" (4001). (¬4) بعدها في (ل)، (م): رواية: غد. (¬5) "صحيح البخاري" (4001)، (5147). (¬6) الأنعام: 59.

وللبخاري: "مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا اللَّه: لا يعلم متى تقوم الساعة إلا اللَّه، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا اللَّه، ولا يعلم ما في غدٍ إلا اللَّه، ولا تعلم نفس بأي أرض تموت [إلا اللَّه] (¬1) " (¬2). (وقولي الذي كنتِ تقولين) يعني: من الندب المباح. قال أحمد: إذا ذكرت المرأة مثل ما حكي عن فاطمة في مثل الدعاء ونحوه فلا يكون مثل النوح، يعني: فلا بأس به. وروي عن فاطمة رضي اللَّه عنها أنها قالت: يا أبتاه، من ربه ما أدناه، يا أبتاه، إلى جبريل أنعاه، يا أبتاه، أجاب ربًّا دعاه (¬3). وروي عنها أنها أخذت قبضة من تراب قبر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فوضعتها على عينها، ثم قالت: ماذا على من شم تربة أحمد ... ألا يشم مدى الزمان غواليا صبت عليَّ مصائب لو أنها ... صبت على الأيام عدن لياليا (¬4) فظاهر هذا يقع قوله: (قولي الذي كنت تقولين) يعني: من الندب؛ يدل على الإباحة، لكن أطلق أصحابنا تحريم الندب، وهو تعداد ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) "صحيح البخاري" (1039، 4627، 4697، 4778، 7379) من حديث ابن عمر مرفوعًا. (¬3) رواه البخاري (4462) من حديث أنس، وليس فيه لفظ: "من ربه أدناه"، وبتمامه رواه الطيالسي 3/ 7 (1471) من حديث أنس أيضًا. (¬4) رواه ابن النجار في "الدرة الثمينة في أخبار المدينة" ص 139 من رواية علي -رضي اللَّه عنه-. وذكر هذِه الرواية الذهبي في "سير أعلام النبلاء" 2/ 134 وقال: لا تصح.

الشمائل؛ لظاهر الأخبار الدالة على النوح (¬1). [4923] (ثنا الحسن بن علي) الخلال (¬2) (ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن ثابت، عن أنس قال: لما قدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة) أيام العيد. ولفظ البخاري عن عائشة: رأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يسترني وأنا انظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد، فزجرهم عمر، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "دعهم. . ." (¬3). (لعبت الحبشة) وهم جيل من السودان. فيه: جواز اللعب بالحراب [في المسجد لأنه] (¬4) من آلات الجهاد، وفيه تمرين لمن أراد الجهاد، وتعلم القتال فيه؛ (لقدومه) فيه: جواز اللعب بالحراب ونحوها من آلات القتال فرحًا واستبشارًا بقدوم الغائب، وكذا يجوز ضرب الدف لقدومه؛ كما تقدم (فرحًا) أي: اللعب لأجل كثرة فرحهم بقدومه وسلامته (فلذلك لعبوا بحرابهم) وفيه: جواز استحباب استعداد آلات الحرب من العدد والسلاح وغيره. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "الأم" 2/ 638، "الحاوي" 3/ 67 - 69، "نهاية المطلب" 3/ 72. (¬2) في (ل)، (م): الجهضمي، وهو خطأ، والصواب المثبت. (¬3) "صحيح البخاري" (988)، (3530) قال البخاري فيهما: قالت عائشة. . . وساق الحديث بهذا اللفظ، قال الحافظ في "التغليق" 2/ 387: هذا مسند عند المؤلف من طريق عقيل، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة عقب حديث آخر، وقد أعاد هذا الحديث بعينه في مناقب قريش من حديث عقيل، عن الزهري وليس بمعلق، وبهذا جزم الحميدي والمزي، واللَّه أعلم. (¬4) ساقطة من (م).

60 - باب كراهية الغناء والزمر

60 - باب كَراهِيَةِ الغِناءِ والزَّمْرِ 4924 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الغُداني، حَدَّثَنا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ نافِعٍ قَالَ: سَمِعَ ابن عُمَرَ مِزْمارًا قَالَ: فَوَضَعَ أُصْبُعَيْهِ عَلَى أُذُنَيْهِ وَنَأى عَنِ الطَّرِيقِ وقالَ لي: يا نافِعُ هَلْ تَسْمَعُ شَيْئًا؟ قَالَ: فَقُلْتُ لا. قَالَ: فَرَفَعَ أُصْبُعَيْهِ مِنْ أُذُنَيْهِ وقالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَسَمِعَ مِثْلَ هذا فَصَنَعَ مِثْلَ هذا. قَالَ أَبُو عَلي اللُّؤْلُؤي: سَمِعْتُ أَبا داوُدَ يَقُولُ: هذا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ (¬1). 4925 - حَدَّثَنا مَحْمُودُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا أَبي، حَدَّثَنا مُطْعِمُ بْنُ المِقْدامِ، قَالَ: حَدَّثَنا نافِعٌ قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ ابن عُمَرَ إِذْ مَرَّ بِراعٍ يَزْمُرُ فَذَكَرَ نَحْوَهُ. قَالَ أَبُو داوُدَ: أُدْخِلَ بَيْنَ مُطْعِمٍ وَنافِعٍ سُلَيْمانُ بْنُ مُوسَى (¬2). 4926 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْراهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقّي، قَالَ: حَدَّثَنا أَبُو المَلِيحِ، عَنْ مَيْمُونٍ عَنْ نافِعٍ قَالَ: كُنّا مَعَ ابن عُمَرَ فَسَمِعَ صَوْتَ زامِرٍ فَذَكَرَ نَحْوَهُ. قَالَ أَبُو داوُدَ: وهذا أَنْكَرُها (¬3). 4927 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنا سَلَّامُ بْنُ مِسْكِينٍ، عَنْ شَيْخٍ شَهِدَ أَبا وائِلٍ في وَلِيمَةٍ، فَجَعَلُوا يَلْعَبُونَ يَتَلَعَّبُونَ يُغَنُّونَ فَحَلَّ أَبُو وائِلٍ حَبْوَتَهُ، وقالَ: ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (1901)، وأحمد 2/ 8، وابن حبان (693). وصححه الألباني في "تحريم آلات الطرب" (ص 116). (¬2) رواه ابن ماجه (1901)، وأحمد 2/ 8، وابن حبان (693). وصححه الألباني في "تحريم آلات الطرب" (ص 116). (¬3) رواه ابن ماجه (1901)، وأحمد 2/ 8، وابن حبان (693). وصححه الألباني في "تحريم آلات الطرب" (ص 116).

سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "الغِناءُ يُنْبِتُ النِّفاقَ في القَلْبِ" (¬1). * * * [باب كراهية الغناء والزمر] (¬2) [4924] (ثنا أحمد بن عبيد اللَّه) بالتصغير، شيخ البخاري (الغداني) بضم الغين المعجمة المخففة (¬3) وفتح الدال المشددة (¬4)، وبعد الألف نون نسبة إلى غدانة بن يربوع بن حنظلة، التغدن وهو التثني، والغدان: خيط يعلق عليه الثياب عرض البيت من قولهم: شعر غداني. أي: ناعم. (حدثنا الوليد بن مسلم) أخرج له مسلم وغيره (ثنا سعيد بن عبد العزيز) بن أبي يحيى التنوخي، فقيه أهل الشام، أخرج له مسلم والأربعة (عن سليمان بن موسى) القرشي الأموي، روى له مسلم في مقدمة كتابه (¬5) والأربعة (عن نافع) الفقيه مولى ابن عمر. (قال: سمع) عبد اللَّه (ابن عمر) رضي اللَّه عنهما (مزمارًا) بكسر الميم: آلة الزمر التي يزمر بها، قيل: أول من اتخذ المزامير بنو ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي الدنيا في "ذم الملاهي" (39)، والبيهقي 10/ 377. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (2430) مرفوعًا وصححه موقوفًا. (¬2) ما بين المعقوفتين ليست في (ل)، (م) وأثبتت من "السنن". (¬3) في (ل)، (م): المشددة، والجادة ما أثبتناه. (¬4) في (ل)، (م): المخففة، والجادة ما أثبتناه. (¬5) "مقدمة صحيح مسلم" (ص 15).

إسرائيل، وفي حديث أبي موسى: "لقد أعطيت مزمارًا من [مزامير] (¬1) آل داود" (¬2) وداود النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. وآل في "آل داود" مقحمة. (قال: فوضع أصبعيه على أذنيه) يحتمل أن يكون (على) بمعنى (في) الظرفية، والتقدير: فوضع أصبعيه في صماخي أذنيه حتى لا يسمع. ومن ورود (على) الظرفية [بمعنى: في] (¬3) {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ} (¬4)، {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} (¬5) [أي: في زمن ملك سليمان] (¬6)، والشيء يحمل على ضده، فكما أن (في) تستعمل بمعنى (على) نحو قوله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} (¬7)، كذلك تستعمل (على) بمعنى في (وناء) بفتح النون والهمزة، أي: بعد، مثل جأر يجأر، والنأي: البعد، وقيل: الفراق، وإن لم يكن [بعد. والمراد] (¬8) أنه بعد عن نافع ودخل في طريق آخر. وقيل: المزمار الذي سمعه ابن عمر صفارة الرعاة التي يصفرون بها. قال المنذري: وقد جاء ذلك مذكورًا في غير هذا الحديث من غير هذِه الرواية. وقال ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل)، (م)، والمثبت من مصادر التخريج. (¬2) رواه البخاري (5048)، ومسلم (793) (236) من حديث أبي موسى الأشعري مرفوعًا. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل)، (م)، والمثبت يقتضيه السياق. (¬4) القصص: 15. (¬5) البقرة: 102. (¬6) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬7) طه: 71. (¬8) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

محمد بن طاهر: قد ورد من غير هذِه الطريق أن ابن عمر سمع راعيًا. وذكره. (عن الطريق) التي هو بها إلى غيرها، وفيه أن أول صوت يسمعه، أو أول مزمار يسمعه، أو أول نظرة ينظرها غير مؤاخذ بها، بل المحرم استمراره على السماع أو النظر. قال أصحابنا: إن المحرم هو الاستماع المقصود دون السماع اتفاقًا. وقد صرح أصحابنا بأنّه لو كان في جواره ملاهٍ محرمة لا يمكنه إزالتها لا يلزمه النقلة، ولا يأثم بسماعها إلا عن قصد. وقول من قال: إن زمارة الراعي لا تتعين أنها الشبابة فإن الرعاة يصفرون (¬1) بالشعيبة وغيرها، يوهم أن ما يسمى شعيبة مباح مفروغ منه. قال الأذرعي: وهذا لم أره لأحد. والشعيبة عبارة عن قصبات صغار تحصر صفًّا، وتعرض رؤوسها، يتعاطاها بعض المجان والعجم، ولها إطراب بحسب حذق متعاطيها، وهي شبابة أو مزمار (¬2). (وقال: يا نافع، هل تسمع شيئًا؟ ) قال الدولقي: ومعنى قوله (هل تسمع) معناه: تسمع، بمعنى هل تسمع شيئًا أو لا؟ وإنما أسقط تسمع لدلالة الكلام عليه، إذ من وضع أصبعيه في أذنيه لا يسمع شيئًا، وإنما أذن له في هذا القدر لموضع الضرورة. انتهى. (قال: لا) أسمع شيئًا (فرفع) ابن عمر (أصبعيه من أذنيه) فيه أنه يجب على السامع سد أذنيه عند سماع المنكر، كما أنه يجب غض البصر عند ¬

_ (¬1) كذا بالمخطوط، وفي "الزواجر": يضربون. (¬2) "الزواجر عن اقتراف الكبائر" 2/ 344.

رؤية الصورة المحرمة، ويحتمل أن يكون سد الأذن مستحبًّا، أو الإصغاء هو الممنوع منه، كما تقدم. وقد استدل بهذا الحديث على تحريم المزمار العراقي (¬1). وأحسن صاحب "الذخائر" فنقل عن الأصحاب تحريم المزامير مطلقا، وكذا العراقيون حرموا المزامير كلها من غير تفصيل. قال الدولقي: والعجب كل العجب ممن هو من أهل العلم يزعم أن الشبابة حلال (¬2) ويحكيه وجهًا ولا مستند له إلا خيال لا أصل له. وينسبه إلى مذهب الشافعي، [ومعاذ اللَّه أن يكون ذلك مذهبًا له أو لأحد من أصحابه المعول عليهم، وقد علم أن الشافعي] (¬3) حرم سائر أنواع الزمر والشبابة (¬4). قال: والأصحاب من لدن الشافعي وإلى آخر وقت كلهم يستدل بحديث ابن عمر في زمارة الراعي، قال الأذرعي: إن كان يصفر بها كالأطفال والرعاء على غير قانون بل صفر مجرد فقريب، وإن كان على القانون المعروف بالإطراب فحرام قطعًا. لكن ظاهر الحديث يمنع هذا التفصيل؛ إذ الرعاء في زمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يكن يحدث لهم هذا القانون المعروف بالإطراب، وإنما حدث من بني أمية ومن بعدهم على ما يظهر. (فقال: كنت مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فسمع مثل هذا) الذي سمعت من المزمار ¬

_ (¬1) "المغني عن حمل الأسفار" 1/ 566 (2178). (¬2) في (ل)، (م): حلالًا. والجادة ما أثبتناه. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) انظر: "الحاوي الكبير" 17/ 191 - 192، "المهذب" 2/ 327.

(فصنع مثل هذا) أي: فوضع أصبعيه في أذنيه، ونأى عن الطريق. واحتج الجمهور بهذا الحديث على التحريم كما تقدم، واحتج من أباحها بأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يأمر ابن عمر بسد أذنيه، ولا قال ابن عمر لنافع: أتسمع؟ ولو كان ذلك منهيًّا عنه لم يأمره بالاستماع، ولو كان حرامًا لنهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الراعي عن ذلك، وصرح له بتحريمه؛ لأنه الشارع المأمور ببيان الشرائع، فدلى على أنه إنما سد أذنيه تنزيهًا أو كان في حال ذكر أو فكر، وكان السماع يشغله، وأي نية أحوجته أن يأخذ في طريق آخر، ولأن التأخير عن وقت الحاجة لا يجوز بحال. وأجيب بأن تلك الزمان لم تكن هذِه الشبابات المثقوبة التي فيها أنواع من النغمات والطرب المحرك للشهوات، وبأنه إنما لم يأمر ابن عمر -رضي اللَّه عنه- بسد أذنيه؛ لأنه قد تقرر أن أفعاله -صلى اللَّه عليه وسلم- حجة كما أقواله، فلذلك بادر ابن عمر إلى سد أذنيه تأسيًا به -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ إذ هو أشد الصحابة تأسيًا به. (قال أبو علي) اللؤلؤي (سمعت أبا داود) المصنف (يقول: هو حديث منكر) فاسد؛ لأن سليمان بن موسى الأموي الدمشقي تكلم فيه أهل النقل وتفرد بهذا الحديث عن نافع، ولم يروه عنه غيره. قال البخاري: سليمان بن موسى عنده مناكير (¬1). لكان قال عطاء بن أبي رباح: سيد شباب أهل الشام سليمان بن موسى (¬2) (¬3). ¬

_ (¬1) "التاريخ الكبير" 4/ 39 (1888). (¬2) بعدها بياض في (ل)، (م) بمقدار كلمتين. (¬3) "تهذيب الكمال" 12/ 94 - 95 (2571).

وقال ابن لهيعة: ما لقيت مثله (¬1). وقال أبو مسهر: كان أعلى أصحاب مكحول سليمان بن موسى (¬2). فقال دحيم: هو ثقة (¬3)، وهو أوثق أصحاب مكحول (¬4). وقد أخرج هذا الحديث ابن حبان في "صحيحه" (¬5)، وسئل عنه الحافظ محمد بن ناصر السلامي فقال: صحيح، وكان ابن عمر بالغًا إذ ذاك، عمره سبع عشرة سنة. * * * ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 12/ 95 (2571). (¬2) السابق، وانظر: "تاريخ أبي زرعة" ص 394. (¬3) "تهذيب الكمال" 12/ 95 (2571). (¬4) "الجرح والتعديل" 4/ 141 (615). (¬5) لم أقف عليه في "صحيح ابن حبان".

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

شَرْحُ سُنَنِ أَبِي دَاوُد لِابْنِ رَسْلَان [19]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ جميعُ الحقوقِ مَحْفوظَة لِدَارِ الفَلَاحِ وَلَا يجوز نشر هَذَا الْكتاب بِأَيّ صِيغَة أَو تَصْوِيره PDF إِلَّا بِإِذن خطي من صَاحب الدَّار الْأُسْتَاذ/ خَالِد الرَّباط الطَّبْعَةُ الأُولَى 1437 هـ - 2016 م رَقم الْإِيدَاع بدَارِ الكتُب 17164/ 2015 دَارُ الفَلَاحِ لِلبحثِ العِلمي وتَحْقِيق التُّرَاثِ 18 شَارِع أحمس - حَيّ الجامعة - الفيوم ت: 01000059200 [email protected] تطلب منشوراتنا من: • دَار الْعلم - بلبيس - الشرقية - مصر • دَار الأفهام - الرياض • دَار كنوز إشبيليا - الرياض • مكتبة وتسجيلات ابْن الْقيم الإسلامية - أَبُو ظَبْي • دَار ابْن حزم - بيروت • دَار المحسن - الجزائر • دَار الْإِرْشَاد - استانبول • دَارُ الفَلَاحِ - الفيوم

61 - باب في الحكم في المخنثين

61 - باب فِي الحُكْمِ في المُخَنَّثِينَ 4928 - حَدَّثَنا هارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، أَنَّ أَبا أُسامَةَ أَخْبَرَهُمْ عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ يُونُسَ، عَنِ الأَوْزاعي، عَنْ أَبي يَسارٍ القُرَشي، عَنْ أَبي هاشِمٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أُتي بِمُخَنَّثٍ قَدْ خَضَبَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ بِالحِنّاءِ، فَقالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما بالُ هذا؟ ". فَقِيلَ: يا رَسُولَ اللَّهِ يَتَشَبَّهُ بِالنِّساءِ. فَأُمِرَ بِهِ فَنُفي إِلَى النَّقِيعِ، فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ أَلا نَقْتُلُهُ؟ فَقالَ: "إِنّي نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ المُصَلِّينَ". قَالَ أَبُو أُسامَةَ: والنَّقِيعُ ناحِيَةٌ عَنِ المَدِينَةِ وَلَيْسَ بِالبَقِيعِ (¬1). 4929 - حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عَنْ هِشامٍ -يَعْني: ابن عُرْوَةَ-، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دَخَلَ عَلَيْها وَعِنْدَها مُخَنَّثٌ وَهُوَ يَقُولُ لِعَبْدِ اللَّهِ أَخِيها: إِنْ يَفْتَحِ اللَّهُ الطّائِفَ غَدًا دَلَلْتُكَ عَلَى امْرَأَةٍ تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمانٍ. فَقالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ". قَالَ أَبُو داوُدَ: المَرْأَةُ كانَ لَها أَرْبَعُ عُكَنٍ في بَطْنِها (¬2). 4930 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا هِشامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لَعَنَ المُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجالِ والمُتَرَجِّلاتِ مِنَ النِّساءِ وقالَ: "أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ، وَأَخْرِجُوا فُلانًا وَفُلانًا". يَعْني المُخَنَّثِينَ (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه محمد بن نصر في "تعظيم قدر الصلاة" (963)، وأبو يعلى (6126)، والدارقطني 2/ 54، والبيهقي 8/ 391. وقال الألباني في "ضعيف الترغيب" (1260): منكر. (¬2) رواه البخاري (4324)، ومسلم (2180). (¬3) رواه البخاري (5886).

باب في الحاكم في المخنثين (¬1) [4928] (ثنا هارون بن عبد اللَّه) بن مروان البغدادي، شيخ مسلم (ومحمد بن العلاء: أن أبا أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (حدثهم (¬2) عن مفضل بن (¬3) يونس) الجعفي الكوفي، ثقة، مات شابًّا (عن) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي، عن أبي يسار) بمثناة ثم سين مهملة (القرشي) تفرد به المصنف، وهو مجهول (عن أبي هاشم) الدوسي، ابن عم أبي هريرة، وتفرد به المصنف، وهو مجهول أيضًا. (عن أبي هريرة أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أتي بمخنث) بكسر النون، سمي بذلك لتثنيه في انعطافه وتكسره وتخلقه في ذلك تخلق النساء في حركاته وكلامه، وزاد بعضهم: ولا يشتهي النساء. وهو ضربان: منهم من يكون خلقة وجبلة فلا ذم عليه، ومنهم من يتعاطاه ويتكلفه، وهو المذموم. (قد خضب يديه ورجليه بالحناء) بكسر الحاء والمد (فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: ما بال هذا؟ ) فيه: المنع من استعمال الحناء إلا لضرورة (فقيل: متشبه بالنساء. فأمر به فنفي) لحديث: "لعن اللَّه المتشبهين من الرجال بالنساء" (¬4) وسيأتي له تتمة (إلى النقيع) بالنون، وهو الذي حماه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لخيله، وله هناك مسجد، يقال له: مقمل، وهو من ¬

_ (¬1) ورد في حاشية (ل): باب في حكم المخنثين. وعليها: خـ. (¬2) بعدها في (ل)، (م): أخبرهم. (¬3) فوقها في (ل): (د). (¬4) رواه البخاري (5885)، وسبق برقم (4097) وبنحو هذا اللفظ سيأتي قريبًا برقم (4930)، كل من حديث ابن عباس مرفوعًا.

ديار مزينة، وهو على عشرين فرسخًا من المدينة. (قالوا: يا رسول اللَّه، ألا تقتله؟ ) بتاء الخطاب بدل النفي (قال: إني نهيت عن قتل المصلين) مما يدل على أن المصلي لا يُقتل قوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} (¬1) أي: من القتل؛ لأنه مؤمن. ومفهوم قوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} (¬2) النهي عن قتل المؤمنين الذين يصلون. و(قال أبو أسامة) حماد بن أسامة (النقيع) بنون قبل القاف (ناحية عن المدينة) قيل: على عشرين ميلا من المدينة (وليس بالبقيع) بالباء الموحدة، وهو بقيع الغرقد بالمدينة، ولهم بقيع الزبير بالمدينة فيه دور ومنار، ولا هو بالبقيع بضم الموحدة وفتح القاف مصغر، وهو موضع وراء اليمامة، ولا بالنقيع بضم النون وفتح القاف مصغر وهو جبل بمكة كان الحارث بن عمرو بن مخزوم يحبس فيه سفهاء قومه. [4929] (ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير (عن زينب بنت أم سلمة) (¬3) هند زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهي بنت أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي. (عن أم سلمة أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل عليها وعندها (¬4) مخنث) اسمه: هيت، بكسر الهاء وإسكان التحتانية وبالمثناة فوق، وقيل: اسمه ¬

_ (¬1) التوبة: 5. (¬2) التوبة: 5. (¬3) بعدها في (ل)، (م): أبي سلمة، وعليها: خـ. (¬4) بعدها في (ل)، (م): وعندهم، وعليها: خـ.

هنب، بالنون والباء الموحدة. (وهو يقول لعبد اللَّه أخيها: ) أي: أخو أم سلمة هند زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو ابن أبي أمية بتشديد التحتانية المخزومية، أسلم وشهد الفتح، ورمي بسهم فمات يومئذٍ. يا عبد اللَّه (إن يفتح اللَّه) عليك (الطائف غدا دللتك على امرأة) هي ابنة غيلان، اسمها بادية، ضد الحاضرة، الثقفية، وقيل: بادنة من البدن، وأبوها اسمه غيلان بن سلمة الثقفي الذي أسلم وتحته عشر نسوة. ذكر بعضهم أن هيت وهنب وماتع أسماء الثلاثة من المخنثين، كانوا على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولم يرموا بالفاحشة الكبرى، إنما كان تأنيثهم لينًا في القول، وخضابًا في الأيدي والأرجل كخضاب النساء، ولعبا كلعبهم. (تقبل بأربع) عكن جمع عكنة، وهي الطي الذي يكون في البطن من السمن (وتدبر بثمانٍ) أي: لها أربع عكن تقبل بهن، من كل ناحية اثنتان، ولكل واحدة طرفان، وإذا أدبرت صارت الأطراف ثمانية. وقد تقدم الحديث بتمامه في باب قوله: {أُولِي الْإِرْبَةِ} (¬1) من كتاب اللباس (¬2). (فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أخرجوهم) يعني: المخنثين (من بيوتكم) لا يفسدوا عليكم نساءكم. [4930] (ثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي (حدثنا هشام) الدستوائي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن عكرمة، عن ابن عباس أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لعن المخنثين ¬

_ (¬1) النور: 31. (¬2) برقم (4107).

من الرجال) المتشبيهن بالنساء (والمترجلات من النساء) المتشبهات بالرجال (وقال: أخرجوهم من بيوتكم) قال العلماء: إخراجهم ونفيهم كان لثلاثة معانٍ: أحدها: أنه كان يظن أنهم من غير ذوي الإربة، وهم منهم ويكتمون ذلك. الثاني: وصفه النساء ومحاسنهن وعوراتهن بحضرة الرجال، وقد نهي أن تصف المرأة المرأة لزوجها، فكيف إذا وصفها الرجل للرجال. الثالث: أنه ظهر له منهم أنهم كانوا يطلعون على النساء وأجسامهن وعوراتهن ما لا يطلع عليه كثير من النساء، فكيف بالرجال، لا سيما أنه جاء أنهم وصفوا ما بين رجلي النساء. (وأخرجوا فلانا وفلانا. يعني: المخنثين) لما رأى من فسادهم. * * *

62 - باب في اللعب بالبنات

62 - باب فِي اللَّعِبِ بِالبَناتِ 4931 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: كُنْتُ أَلْعَبُ بِالبَناتِ فَرْبَّما دَخَلَ عَلي رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَعِنْدي الجَواري فَإِذا دَخَلَ خَرَجْنَ وَإِذا خَرَجَ دَخَلْنَ (¬1). 4932 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ أَبي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَني عُمارَةُ بْنُ غَزِيَّةَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْراهِيمَ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها قالَتْ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَوْ خَيْبَرَ وَفي سَهْوَتِها سِتْرٌ، فَهَبَّتْ رِيحٌ فَكَشَفَتْ ناحِيَةَ السِّتْرِ عَنْ بَناتٍ لِعائِشَةَ لُعَبٍ، فَقالَ: "ما هذا يا عائِشَةُ؟ ". قالَتْ: بَناتَي. وَرَأى بَيْنَهُنَّ فَرَسًا لَهُ جَناحانِ مِنْ رِقاعٍ فَقالَ: "ما هذا الذي أَرى وَسْطَهُنَّ؟ ". قالَتْ: فَرَسٌ. قَالَ: "وَما هذا الذي عَلَيْهِ؟ ". قالَتْ: جَناحانِ. قَالَ: "فَرَسٌ لَهُ جَناحانِ؟ ". قالَتْ: أَما سَمِعْتَ أَنَّ لِسُلَيْمانَ خَيْلًا لَها أَجْنِحَةٌ؟ قالَتْ: فَضَحِكَ حَتَّى رَأَيْتُ نَواجِذَهُ (¬2). * * * باب في اللعب بالبنات [4931] (ثنا مسدد، [(ثنا هشام) الدستوائي (عن أبيه) أبي عبد اللَّه، سنبر، بمهملة ثم نون ثم موحدة، على وزن جعفر] (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6130)، ومسلم (2440). (¬2) رواه النسائي في "الكبرى" (8950)، وابن حبان (5864). وصححه الألباني. (¬3) كذا جاءت هذِه العبارة في النسخ، وهو خطأ عجيب غريب، والصواب أن يحل محلها: (ثنا (حماد) بن زيد (عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير) حيث أسقط المصنف -رحمه اللَّه- (ثنا حماد) أو سقطت أو أسقطت منه، ثم ظن أن =

(عن عائشة قالت: كنت ألعب بالبنات) أي: باللعب التي تسمى بالبنات التي يلعب بها الجواري الصغار. قال القاضي: فيه جواز اتخاذ اللعب وإباحة لعب الجواري بهن (¬1). وقيل: كانت اللعب صورًا، فهذا كان قبل التحريم، وإلا فقد يسمى بهذا ما ليس بصورة، وكره مالك شرى الرجل ذلك لابنته (¬2). وقيل: الباء في قوله (نلعب (¬3) بالبنات) بمعنى (مع) أي: نلعب (¬4) مع البنات، ومن ورود الباء بمعنى (مع) قوله تعالى: {اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا} (¬5) أي: معه، {وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ} (¬6) الآية، ويدل عليه باقي الحديث: (فربما دخل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وعندي الجواري) التي ألعب معهن. ¬

_ = هشامًا هو الدستوائي، وليس لمسدد رواية عنه، وكيف يكون؟ ثم تابع تراجمه، فظن أن (عن أبيه) أبا هشام، وليس لهشام رواية عن أبيه، بل لم أجد له رواية أصلًا، إنما هشام يروي عنه ابنه معاذ بن هشام! وللمزيد ينظر: "تهذيب الكمال" 30/ 215 (6582). وجزمت أن حمادًا هنا ابن زيد؛ لأنه في ترجمة مسدد بن مسرهد من "تهذيب الكمال" 27/ 443 (5899) وجدته لا يروي إلا عن حماد بن زيد، وليس له رواية عن حماد بن سلمة، بالرغم من أن كلا الحمادين يروي عن هشام بن عروة "تهذيب الكمال" 30/ 232 (6585). وكذا جزم أنه ابن زيد المزني في "تحفة الأشراف" 12/ 142، هذا واللَّه تعالى أعلم. (¬1) "إكمال المعلم" 4/ 574. (¬2) انظر: "البيان والتحصيل" 9/ 366. (¬3) كذا في (ل)، (م)، والوارد في السنن: ألعب. (¬4) كذا في (ل)، (م)، والوارد في السنن: ألعب. (¬5) هود: 48. (¬6) المائدة: 61.

(فإذا دخل خرجن، وإذا خرج دخلن) فيه: جواز تأنس الزوجة إذا كانت صغيرة بجوارٍ تعادلهن في السنن واجتماعها بهن ومحادثتهن، لا سيما إذا كن غير بالغات. وفيه: أن من حق الزوج وأدبه إذا دخل على زوجته وعندها نسوة أن يخرجن إذا دخل؛ لأنه قد يكون يريد أن يحدثها بحديث لا يطلعن عليه، وغير ذلك من الأمور الخفية. [4932] (ثنا محمد بن عوف) الطائي، ثقة حافظ (ثنا سعيد (¬1) بن أبي مريم) الحكم بن محمد الحافظ (ثنا يحيى بن أيوب) الغافقي المصري أحد العلماء. (ثنا عمارة بن غزية أن محمد بن إبراهيم) التيمي (حدثه عن أبي سلمة) عبد اللَّه (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري. (عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قدم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من غزوة تبوك) وكانت في السنة التاسعة من الهجرة، وتبوك قرية من أدنى أرض الشام، سميت بذلك لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-[مر برجلين] (¬2) وهم يبوكون الماء المتواري في الرحل بعود ونحوه؛ ليخرج الماء من الأرض (أو) غزوة (خيبر) وكانت في السنة السابعة، سميت بذلك باسم رجل من العماليق اسمه خيبر نزلها، وقيل: لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خابر أهلها. (وفي سهوتها) بفتح السين وسكون الهاء، ثم واو مفتوحة، ثم تاء التأنيث، يحتمل أن يكون بمعنى (على) أي: على سهوتها، نظير قوله ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) غير مقروءة في (ل)، وبياض في (م)، والمثبت من كتب الشروح.

تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} (¬1) أي: عليها. والسهوة بيت صغير كما جاء في رواية لغير المصنف شبه المخدع منحدر في الأرض قليلًا، يوضع فيه الشيء. وقيل: كالصفة بين يدي البيت. وقيل: شبه الرف [(ستر) بكسر السين] (¬2). (فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات) أي: لعب كما تقدم (لعائشة) أي: (لعب) تلعب بهن، وكانت دون البلوغ (فقال: ما هذا يا عائشة؟ قالت: ) هذِه (بناتي. ورأى بينهن) أي: بين البنات [(فرسًا له جناحان من رقاع) جمع رقعة من ورق أو جلد أو نحوهما] (¬3) (فقال: ما هذا الذي أرى وسطهن؟ ) بسكون السين، أي: بينهن. وفي بعض النسخ بفتح السين (¬4). فيه: ملاطفة الصغير وحديثه بما يليق به للتأنيس، كقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا أبا عمير، ما فعل النغير؟ " (¬5) فسأله عن طائر صغير يلعب به. (قالت: ) هو (فرس. قال: وما هذا الذي عليه؟ ) أي: على جانبيه (قالت: جناحان [قال: فرس) فيه حذف همزة الاستفهام، أي: أفرس يوجد أو وجد (له جناحان؟ )] (¬6) يطير بهما. (قالت: أما سمعت أن) أي: أنه كان (لسليمان) بن داود -عليه السلام- (خيلا ¬

_ (¬1) طه: 71. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقطة من (م). (¬4) بعدها في (ل)، (م): بينهن وعليها: خـ. (¬5) رواه البخاري (6129)، (6203)، ومسلم (2150) من حديث أنس مرفوعًا. (¬6) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

لها أجنحة؟ ) تطير بها، فأما في الدنيا فلا أدري، وأما في الجنة فروى الطبراني بإسناد رجال ثقات عن عبد الرحمن بن ساعدة قال: كنت أحب الخيل، فقلت: يا رسول اللَّه، هل في الجنة خيل؟ فقال: "إن أدخلك اللَّه الجنة يا عبد الرحمن كان لك فيها فرس من ياقوت له جناحان يطير بك حيث شئت" (¬1). وللترمذي نحوه (¬2). (قالت: فضحك) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (حتى رأيت نواجذه) النواجذ من الأسنان الضواحك، وهي التي تبدو عند الضحك؛ لأنه ما كان يبدو به الضحك حتى تبدو أواخر أضراسه، كيف وقد جاء في صفة ضحكه: جُلّ ضحكه التبسم (¬3). وإن أريد بالنواجذ أواخر الأضراس فالوجه فيه أن يُراد المبالغة دون أن يراد ظهور نواجذه في الضحك. قال في "النهاية": وهو أقيس الوجهين؛ لاشتهار النواجذ بآخر الأضراس (¬4). وسبب تسميته -واللَّه أعلم- ملاطفة عائشة دون أن يقال: إن إقراره دليل وقوعه. لا سيما مع استبشاره بالضحك، إلا أن ¬

_ (¬1) ذكره الهيثمي في "المجمع" 10/ 413 وقال: رواه الطبراني، رجاله ثقات. لكن رواه الطبراني في "المعجم الكبير" 4/ 180 (4075) من حديث أبي أيوب أنه أتى أعرابي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: إني أحب الخيل، فهل في الجنة خيل؟ . . . وساق نحو الحديث. ورواه أيضًا في "المعجم الأوسط" 5/ 185 (5023) من حديث بريدة أن رجلًا سأل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه، أفي الجنة خيل؟ . . . وساق نحو الحديث. (¬2) "سنن الترمذي" (2544) من حديث أبي أيوب. (¬3) رواه الطبراني 22/ 155 - 156 (414) من رواية الحسن بن علي عن هند بن أبي هالة التميمي. (¬4) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 5/ 20.

يبين ذلك. أو يقال: سكت عليه لأنه لم يوحَ إليه بإثبات ولا نفي، ولم ينكر عليها ذلك؛ لأن في استعمال البنات ونحوها وملابستها سبب قوي في التدريب من النساء على تربية الأولاد وتفصيل ثيابها، وتعلم الخياطة، ومعرفة آلات البيت، وإصلاح أمور بيتها لزوجها. ويجوز أن يكون مخصوصًا من أحاديث النهي عن اتخاذ الصور لهذِه المصلحة الظاهرة. وقيل: إن هذا قبل تحريم الصور، فإن قصة عائشة هذِه ولعبها كان في أول الهجرة. * * *

63 - باب في الأرجوحة

63 - باب فِي الأُرْجُوحَةِ 4933 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ ح وَحَدَّثَنا بِشْرُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا أَبُو أُسامَةَ قالا: حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- تَزَوَّجَني وَأَنا بِنْتُ سَبْعِ سِنِينَ، فَلَمّا قَدِمْنا المَدِينَةَ أَتَيْنَ نِسْوَةٌ -وقالَ بِشْرٌ فَأَتَتْني أُمُّ رُومانَ- وَأَنا عَلَى أُرْجُوحَةٍ، فَذَهَبْنَ بي وَهَيَّأْنَني وَصَنَعْنَني، فَأُتي بي رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَبَنَى بي وَأَنا ابنةُ تِسْعٍ، فَوَقَفَتْ بي عَلَى البابِ فَقُلْتُ: هِيهْ هِيهْ -قَالَ أَبُو داوُدَ: أي: تَنَفَّسَتْ- فَأُدْخِلْتُ بَيْتًا فَإِذا فِيهِ نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصارِ فَقُلْنَ عَلَى الخَيْرِ والبَرَكَةِ. دَخَلَ حَدِيثُ أَحَدِهِما في الآخَرِ (¬1). 4934 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا أَبُو أُسامَةَ مِثْلَهُ، قَالَ: عَلَى خَيْرِ طائِرٍ. فَسَلَّمَتْني إِلَيْهِنَّ، فَغَسَلْنَ رَأْسي وَأَصْلَحْنَني، فَلَمْ يَرُعْني إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- ضُحًى، فَأَسْلَمْنَني إِلَيْهِ (¬2). 4935 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، أَخْبَرَنا هِشامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ عَلَيْها السَّلامُ قالَتْ: فَلَمّا قَدِمْنا المَدِينَةَ جاءَني نِسْوَةٌ وَأَنا أَلْعَبُ عَلَى أُرْجُوحَةٍ وَأَنا مُجَمَّمَةٌ، فَذَهَبْنَ بي فَهَيَّأْنَني وَصَنَّعْنَني، ثُمَّ أَتَيْنَ بي رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَبَنَى بي وَأَنا ابنةُ تِسْعِ سِنِينَ (¬3). 4936 - حَدَّثَنا بِشْرُ بْنُ خالِدٍ، أَخْبَرَنا أَبُو أُسامَةَ، حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ عُرْوَةَ بِإِسْنادِهِ في هذا الحَدِيثِ قالَتْ: وَأَنا عَلَى الأُرْجُوحَةِ وَمَعي صَواحِباتي فَأَدْخَلْنَني بَيْتًا، فَإِذا نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصارِ، فَقُلْنَ: عَلَى الخَيْرِ والبَرَكَةِ (¬4). 4937 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعاذٍ، حَدَّثَنا أَبي، حَدَّثَنا مُحَمَّدٌ -يَعْني ابن عَمْرٍو، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5133)، ومسلم (1422). (¬2) رواه البخاري (3894)، ومسلم (1422). (¬3) رواه البخاري (3894)، ومسلم (1422). (¬4) رواه البخاري (3894)، ومسلم (1422).

عَنْ يَحْيَى -يَعْني: ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حاطِبٍ- قَالَ: قالَتْ عائِشَةُ رضي اللَّه عنها: فَقَدِمْنا المَدِينَةَ فَنَزَلْنا في بَني الحارِثِ بْنِ الخَزْرَجِ قالَتْ: فَواللَّهِ إِنّي لَعَلَى أُرْجُوحَةٍ بَيْنَ عَذْقَيْنِ، فَجاءَتْني أُمّي فَأَنْزَلَتْني وَلي جُمَيْمَةٌ. وَساقَ الحَدِيثَ (¬1). * * * باب في الأرجوحة [4933] (ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد) بن سلمة (ثنا هشام بن عروة، عن) أبيه (عروة) بن الزبير (عن عائشة قالت: . . . فلما قدمنا المدينة) وللبخاري: فقدمنا المدينة، فنزلنا في بني الحارث بن خزرج، فوعكت فتمزق شعري فوفى جميمة، فأتتني أمي أم رومان وإني لفي أرجوحة (¬2). (جاءني نسوة) مع أمي (على أرجوحة) بضم الهمزة وإسكان الراء وضم الجيم، وبالمهملة، ويقال لها: مرجوحة. وهي خشبة شبه السرير توضع بين حبلين يربطان في مكانين مرتفعين ويجلس غلامان عن يمينها وشمالها على الأرض، ويحركون من فيها من الصبيان أو الجواري للعب أو لنوم الصغير، فيرفع ويأتي إلى جانب أحدهما مرة فيدفعها، ثم إلى جانب الآخر مرة فيدفعها، ويكون أيضًا حبلًا يشد طرفاه في موضع عالٍ، ثم يركبها الإنسان ويحرك وهو فيه، سمي بذلك لتحركه ومجيئه وذهابه، وهما من لعب صبيان العرب، واقتصر في "النهاية" (¬3) على هذا الثاني. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3894)، ومسلم (1422). (¬2) "صحيح البخاري" (3894). (¬3) 2/ 198.

(وأنا مجممة) بضم الميم وفتح الجيم وتشديد الميم الأولى مع الفتح والكسر، أي: لي جمة بضم الجيم تصغيرها جميمة، كما تقدم في رواية البخاري (¬1)، وهي من شعر الرأس ما سقط على المنكبين (فذهبن بي) إلى مكان (فهيأنني وصنعنني) بتشديد النون. ولمسلم: فغسلن رأسي وأصلحنني (¬2). وفيه: تنظيف العروس وتزيينها لزوجها، ويكون من أمها أو من أقاربها وأصحابها (ثم أتين بي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) وللبخاري: فأصلحن من شأني، فلم يرعني إلا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ضحى، فأسلمنني إليه (¬3) (فبنى) بتخفيف النون (بي) أي: دخل عليَّ. وأنكر جماعة أن يقال: بنى بأهله. وإنما يقال: على أهله. وجعلوا بنى بأهله من لحن العوام، وهذا الحديث وغيره من الأحاديث الصحيحة يرد عليهم (وأنا ابنة تسع) بتقديم التاء على السين (سنين) وكذا للبخاري (¬4). [4936] (ثنا بشر بن خالد) العسكري، شيخ البخاري (ثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (ثنا هشام بن عروة بإسناده) المذكور (في هذا الحديث) قبله (قالت: وأنا على الأرجوحة) راكبة (ومعي صواحباتي) جمع صاحبة (فأدخلنني بيتًا، وإذا نسوة من الأنصار) (إذا) فجائية، و (نسوة) مبتدأ خبره محذوف تقديره: فإذا نسوة حاضرات من الأنصار. ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (3894). (¬2) "صحيح مسلم" (1422). (¬3) "صحيح البخاري" (3894). (¬4) السابق.

وفيه: استحباب حضور النساء العرس؛ لأنه يتضمن إعلان النكاح، ولأنهن يؤانسنها من وحشة رؤية الزوج ويعلمنها آداب الزوجية وحقوق الزوج ومطاوعته. (فقلن: على الخير والبركة) زاد البخاري: وعلى خير طائر (¬1). وقوله: (على الخير) متعلق بمحذوف تقديره: تزوجا على الخير والبركة التي يوفقها اللَّه بينكما. وفيه: استحباب الدعاء لكل واحد من الزوجين، ومثله في حديث عبد الرحمن بن عوف: بارك اللَّه لك (¬2). [4937] (ثنا عبيد اللَّه) بالتصغير (بن معاذ، ثنا أبي) معاذ التميمي العنبري الحافظ (ثنا محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص الليثي (عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب) بالحاء المهملة ابن أبي بلتعة. (قال: قالت عائشة: فقدمنا المدينة، فنزلنا في بني الحارث بن الخزرج) بطن من الأنصار، منهم رافع بن خديج (قالت: فواللَّه، إني لعلى أرجوحة) فيه: جواز استعمال الأرجوحة، وإركاب الأطفال والجواري فيها، وما يحصل معه الرفق والتلطف بالأطفال (بين عذقتين) بفتح العين المهملة وسكون الذال المعجمة، وهي النخلة جميعها، وأما بكسر العين فهو العرجون بما فيه من الشماريخ (فجاءتني أمي) أم رومان، واسمها زينب الفراسية (فأنزلتني) من ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (3894). (¬2) رواه البخاري (2049)، (3781)، (3937)، (5072)، (5167)، (6386)، ومسلم (1427) من حديث أنس مرفوعًا.

الأرجوحة (ولي جميمة) بضم الجيم، جمع جمة، والجمع جمم، مثل غرفة وغرف (وساق الحديث) المذكور. * * *

64 - باب في النهي عن اللعب بالنرد

64 - باب فِي النَّهْي عنِ اللَّعِبِ بِالنَّرْدِ 4938 - حَدَّثَنا عَبْد اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبي هِنْدٍ، عَنْ أَبي مُوسَى الأَشْعَري أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ" (¬1). 4939 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَكَأَنَّما غَمَسَ يَدَهُ في لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ" (¬2). * * * باب في النهي عن اللعب بالنرد [4938] (ثنا عبد اللَّه بن مسلمة) القعنبي (عن مالك، عن موسى بن ميسرة) الديلي، مولاهم المدني، وثقه ابن معين (¬3) والنسائي (¬4) (عن سعيد بن أبي هند) الفزاري، مولى سمرة بن جندب. (عن أبي موسى الأشعري أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: من لعب بالنرد) بفتح النون، وكانت العرب تسمي هذِه اللعبة النردشير، وشير بمعنى: حلو، وهي لفظ فارسي معرب، ولم يجئ في كلام العرب نون بعدها راء، وهو نوع من اللعب التي يقامر بها كالشطرنج. ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (3762)، وأحمد 4/ 394. وصححه الألباني في "الإرواء" (2670). (¬2) رواه مسلم (2260). (¬3) "تاريخ الدوري" (887). (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 29/ 157 (6306).

قال بعض الحكماء: إن بعض حكماء الأوائل لما فكروا في الدنيا فوجدوها تجري على أسلوبين مختلفين، منها: ما يجري بحكم الاتفاق، ومنها ما يجري بحكم الفكر والتخيل. فوضعوا النرد مثالا لما يجري بحكم الاتفاق وتستغربه النفس وتتصداه، ووضعوا الشطرنج مثالا لما يجري بحكم السعي والتخيل والاجتهاد، وتنتهض الخواطر إلى مثله من المطلوبات (¬1). (فقد عصى اللَّه ورسوله) كذا رواه مالك (¬2) وابن حبان في "صحيحه" (¬3): {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} (¬4)، وسيأتي. [4939] (ثنا مسدد، ثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن سفيان) بن سعيد الثوري (عن علقمة بن مرثد) الحضرمي الكوفي (عن سليمان بن بُريدة) بضم الموحدة مصغر، ابن حصيب، ولد هو وأخوه عبد اللَّه في بطن واحد (عن أبيه) بريدة بن حصيب المازني، أسلم حين مر به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مهاجرًا، ثم قدم المدينة. (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: من أحب النردشير) و (شير) بمعنى حلو كما تقدم (فكأنما غمس يده) أي: وضع يده (في) الـ (لحم) ليأكل منه. وفي رواية لغيره: "فكأنما وضع يده" (¬5) وغمس اليد كناية عن مد اليد للأكل، ¬

_ (¬1) بعدها في (ل)، (م): فكأنما. وعليها: (خ). (¬2) في "الموطأ" 2/ 958. (¬3) 13/ 181 (5872). (¬4) الجن: 23. (¬5) لم أقف على رواية بلفظ: "وضع"، ولعله يقصد لفظ: "صبغ" رواها مسلم (2260).

فربما يعرض الطعام على الإنسان، فيقول: أنا أضع يدي ولا أغمسها فيه (خنزير ودمه) مبالغة، وخص الخنزير دون لحم الكلب والبغل وغيره من المحرمات لكونه أشنع من جميعها وأشد تحريمًا، وروى الإمام أحمد: "مثل الذي يلعب بالنرد ثم يقوم فيصلي مثل الذي يتوضأ بالقيح ودم الخنزير ثم يقوم فيصلي" (¬1) وفي هذِه الأحاديث دليل على تحريم اللعب به، وهو الصحيح، وفي المعنى الإجماع على تحريم اللعب بالنرد، ولعل محله إذا قامر به، ومن لم يحرمه حمل الحديث على القمار به، وقضية كلام الشافعي تحريم اللعب بما تسميه العامة: الطاب والدك (¬2)، ولما أظهره المردة في هذِه الأعصار أوراقًا مزوقة بأنواع من النقوش يسمونها كنجفة يلعبون بها، فإن كان فيها عوض فحرام بلا شك؛ لأنه قمار، وإلا فهي كالنرد. * * * ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 5/ 370 من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا. (¬2) انظر: "الأم" 7/ 514 - 515، "مختصر المزني" 5/ 257. في "الأم": قال الشافعي: يكره من وجه الخبر اللعب بالنرد أكثر مما يكره اللعب بشيء من الملاهي. ولا نحب اللعب بالشطرنج وهي أخف من النرد. اهـ. وفي "مختصر المزني": قال الشافعي: وأكره اللعب بالنرد. اهـ.

65 - باب في اللعب بالحمام

65 - باب فِي اللَّعِبِ بِالحَمامِ 4940 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- رأى رَجُلًا يَتْبَعُ حَمامَةً فَقالَ: "شَيْطانٌ يَتْبَعُ شَيْطانَةً" (¬1). * * * باب في اللعب بالحمام [4940] (ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد) بن سلمة (عن محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن. (عن أبي هريرة أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رأى رجلًا يتبع حمامة؛ فقال: شيطان يتبع شيطانة) فيه: النهي عن اللعب بالحمام ونظيره، قال شريح: اللعب بالجوز أخف من اللعب بالحمام. وهذا الحديث محمول على ما إذا تبع الحمام ليطيره ويلعب به، فإن فيه دناءة وقلة مروءة، ويتضمن أذى الجيران بإشرافه على دورهم، والأظهر أنه لا تجوز المسابقة على الطير الحمام ونحوه؛ لأنها ليست من آلات القتال. وقيل: يجوز الطيور للحاجة إليها بمعرفة الأخبار في حمل الكتب التي ترسل بها، وأما إذا اتخذ الحمام ليطلب فراخها والانتفاع بأكلها أو للتأنس بها فجائز؛ لما روى عبادة بن الصامت أن رجلًا جاء إلى ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (3765)، وأحمد 2/ 345. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3724).

النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فشكى إليه الوحشة فقال: "اتخذ زوجًا من الحمام" (¬1). وروى الطبراني أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يعجبه النظر إلى الأترج والحمام الأحمر (¬2). وكان في منزله حمام أحمر اسمه وردان. وعن ابن عباس أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "اتخذوا الحمام، فإنها تلهي الجن عن صبيانكم" (¬3). * * * ¬

_ (¬1) ذكره ابن كثير في "جامع المسانيد والسنن" 3/ 491 - 492 (5734) وعزاه للطبراني وذكر سنده كاملًا. وذكره أيضًا الهيثمي في "المجمع" 4/ 67 وقال: رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه الصلت بن الحجاج، وهو ضعيف. (¬2) "المعجم الكبير" 22/ 339 (850) من حديث أبي كبشة الأنماري. ذكره ابن الجوزي في "الموضوعات" 3/ 144 (1357) مسندًا، والهيثمي في "المجمع" 4/ 67 وقال: رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه أبو سفيان الأنماري، وهو ضعيف. (¬3) رواه ابن حبان في "المجروحين" 2/ 250، وابن عدي في "الكامل" 7/ 298، والخطيب في "تاريخ بغداد" 5/ 279، وابن الجوزي في "الموضوعات" 3/ 149 (1363) وقال: هذا حديث موضوع، والمتهم به محمد بن زياد، وقد ذكرنا آنفًا أنه كذاب يضع الحديث.

66 - باب في الرحمة

66 - باب فِي الرَّحْمَةِ 4941 - حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ وَمسَدَّدٌ -المَعْنَى- قالا: حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبي قابُوسَ مَوْلًى لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو يَبْلغ بِهِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الرّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ أرْحَمُوا أَهْلَ الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ في السَّماءِ". لَمْ يَقلْ مُسَدَّدٌ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وقالَ: قالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1). 4942 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قالَ: حَدَّثَنا ح وَحَدَّثَنا ابن كَثِيرٍ قالَ: أَخْبَرَنا شُعْبَةُ قالَ: كَتَبَ إِلَي مَنْصورٌ -قالَ ابن كَثِيرٍ في حَدِيثِهِ: وَقَرَأْتُهُ عَلَيْهِ وَقُلْتُ أَقُولُ حَدَّثَني مَنْصُورٌ فَقالَ: إِذا قَرَأْتَهُ عَلي فَقَدْ حَدَّثْتكَ بِهِ ثُمَّ اتَّفَقا-، عَنْ أَبي عُثْمانَ مَوْلَى المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: سَمِعْتُ أَبا القاسِمِ الصّادِقَ المَصْدُوقَ -صلى اللَّه عليه وسلم- صاحِبَ هذِه الحُجْرَةِ يَقُولُ: "لا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلَّا مِنْ شَقَيٍّ" (¬2). 4943 - حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بْن أَبي شَيْبَةَ وابْن السَّرْحِ قالا: حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ ابن أَبي نَجِيحٍ، عَنِ ابن عامِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو يَروِيهِ -قالَ ابن السَّرحِ- عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنا وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنا فَلَيْسَ مِنّا" (¬3). * * * باب في الرحمة ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1924)، وأحمد 2/ 160، والحميدي (602). وصححه الألباني في "الصحيحة" (925). (¬2) رواه الترمذي (1923)، وأحمد 2/ 301، والطيالسي (2652)، والبخاري في "الأدب المفرد" (374). وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (7467). (¬3) رواه الترمذي (1920)، وأحمد 2/ 222، والحميدي (597)، والبخاري في "الأدب المفرد" (354). وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (100).

[4941] (ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومسدد، المعنى قالا: ثنا سفيان، عن عمرو) بن دينار (عن أبي قابوس) لم يذكر اسمه (مولى لعبد اللَّه بن عمرو) بن العاص (عن) مولاه (عبد اللَّه بن عمرو) بن العاص، مقبول (يبلغ به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) لفظ الترمذي: قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1): (الراحمون) لمن في الأرض من آدمي وحيوان من البهائم والكلاب والحشرات وغيرهم، مما لم يؤمر بقتله بالشفقة عليهم والإحسان إليهم (يرحمهم) خالقهم (الرحمن) فيه أنه سمي الرحمن لأنه يرحم عباده الرحماء، وأنه مشتق من الرحمة، كما روى الترمذي وصححه: "قال اللَّه: أنا الرحمن، خلقت الرحم، وشققت لها اسمًا من اسمي، فمن وصلها وصلته" (¬2) خلافًا لمن زعم أنه غير مشتق، ولو كان مشتقًّا من الرحمة لم ينكره العرب حين سمعوه؛ {قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ} (¬3)، وقد كانوا لا ينكرون رحمة ربهم، ولما [كان] (¬4) العبد إنما تقع فيه الرحمة المتجددة في وقت دون وقت وحال دون حال لم تكن في صفته مبالغة، بل قال (الراحمون) بخلاف صفة اللَّه تعالى؛ فإنه بصيغة المبالغة، فقال (الرحمن). (ارحموا أهل الأرض) أي: ارحموا مِنْ أهل الأرض مَنْ تستطيعون أن ترحموه من مخلوقاته برحمتكم المتجددة الحادثة المخلوقة للَّه تعالى؛ ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (1924). (¬2) "سنن الترمذي" (1907) من حديث عبد الرحمن بن عوف مرفوعًا. (¬3) الفرقان: 60. (¬4) زيادة يقتضيها السياق.

يتفضل بها على عبده الذي يريد أن يرحمه، ورواية الترمذي: "ارحموا من في الأرض" (¬1) (يرحمكم من في السماء) أي: من رحمته عامة لأهل السماء الذين هم أكثر وأعظم من أهل الأرض التي لم يزل متصفًا بها، فإنه لم يزل رحيمًا بعباده، كما أنه لم يزل محييًا ومميتًا، ورحمته كاملة وسعت كل شيء من عباده، وإنعامه عليهم بإعطاء المحبوب والإنجاء من المكروه، فيعم في الدنيا المؤمن والكافر والبر والفاجر، ويخص في العقبى المؤمنين. (لم يقل مسدد) في روايته: أبي قابوس (مولى عبد اللَّه بن عمرو، وقال) في روايته (قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) وزاد الترمذي في روايته: "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، الرحم شجنة من الرحمن، فمن وصلها وصله اللَّه، ومن قطعها قطعه اللَّه" وقال: حديث حسن صحيح (¬2). ومعنى "شجنة من الرحمن" أي: قرابة مشتبكة كاشتباك العروق، وأصل الشجنة شعبة من غصن من غصون الشجرة، ومنه قولهم: الحديث ذو شجون. أي: ذو شعب. [4942] (ثنا حفص بن عمر) الحوضي، شيخ البخاري (ح، وثنا) محمد (بن كثير) العبدي، البصري. (قال: أبنا شعبة قال: كتب إلي منصور) بن المعتمر (فقال: إذا قرأته عليَّ (¬3) فقد حدثتك به. ثم اتفقا) في روايته (عن أبي عثمان) سعيد (مولى ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (1924). (¬2) السابق. (¬3) بعدها في هامش (ل): حدثتك به. وعليها نسخة.

المغيرة بن شعبة، عن أبي هريرة، قال: سمعت أبا القاسم الصادق المصدوق) وهو تجاه قبره -صلى اللَّه عليه وسلم- (صاحب هذِه الحجرة) وهي البيت، والجمع: حُجر وحجرات، مثل: غرفة وغرفات (يقول: لا تنزع الرحمة إلا من) قلب (شقيّ) وهو ضد السعيد، وهو إشارة إلى الشقاء في الآخرة، وقد يكون في الدنيا. ويوضحه رواية الترمذي: "من لم يرحم الناس لا يرحمه اللَّه" (¬1) و"من لم يرحمه اللَّه فهو شقي" (¬2)، والحديث الذي يليه: "من لم يرحم صغيرنا فليس منَّا" (¬3) ومن ليس منَّا شقي، وليس المراد بالرحمة رحمة أحدنا لصاحبه، بل الرحمة العامة [لرواية الطبراني] (¬4): "لن تؤمنوا حتى تراحموا" قالوا: يا رسول اللَّه، كلنا رحيم. قال: "إنه ليست رحمة أحدكم صاحبه، ولكنها رحمة العامة" (¬5). ويبين هذا رواية البخاري: جاء أعرابي إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: إنكم تقبلون الصبيان ولا نقبلهم؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أوأملك لك أن نزع اللَّه الرحمة من قلبك؟ ! " (¬6) والظاهر أن هذا الأعرابي هو ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (1922) من حديث جرير بن عبد اللَّه مرفوعًا. (¬2) لم أقف عليه في "سنن الترمذي" بهذا اللفظ، وإنما وجدته بلفظ: "لا تنزع الرحمة إلا من شقي"، رواه الترمذي (1923) من حديث أبي هريرة مرفوعًا. (¬3) الآتي برقم (4943). (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬5) ذكره الهيثمي في "المجمع" 8/ 186 من حديث أبي موسى الأشعري وقال: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح. (¬6) "صحيح البخاري" (5998) من حديث عائشة رضي اللَّه عنها.

الأقرع بن حابس التميمي. [4943] (ثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) أحمد بن عمرو (ابن السرح قالا: ثنا سفيان) بن عيينة (عن) عبد اللَّه (ابن أبي نجيح) يسار (عن ابن عامر) قال أبو القاسم الدمشقي: أظنه عبيد بن عامر أخا (¬1) عروة بن عامر (¬2). وقال غيره: اسمه عبد الرحمن. (عن عبد اللَّه بن عمرو قال: يرويه قال) أحمد (ابن السرح عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: من لم يرحم صغيرنا) يعني: الصغير من المسلمين بالشفقة عليه والإحسان إليه ومداعبته (ويعرف حق كبيرنا) بما يستحقه من التعظيم والتبجيل [(فليس منا)] (¬3) ويوضحه رواية أحمد: "ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا" (¬4) وللترمذي: "ويعرف شرف كبيرنا" (¬5) ولأحمد والترمذي وابن حبان في "صحيحه": "ليس منا من لم يوقر الكبير ويرحم الصغير، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر" (¬6). * * * ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): أخو. والجادة ما أثبتناه. (¬2) انظر: "تحفة الأشراف" 6/ 359. (¬3) ما بين المعقوفتين ليس في (ل)، (م) وأثبتناه من "سنن أبي داود". (¬4) "مسند أحمد" 5/ 323 من حديث عبادة بن الصامت مرفوعًا. (¬5) "سنن الترمذي" (1920) من حديث عبد اللَّه بن عمرو مرفوعًا. (¬6) "سنن الترمذي" (1921)، "مسند أحمد" 1/ 257، "صحيح ابن حبان" 2/ 203 (458)، 2/ 211 (464) من حديث ابن عباس مرفوعًا.

67 - باب في النصيحة

67 - باب فِي النَّصِيحَةِ 4944 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا سهَيْلُ بْنُ أَبي صالِحٍ، عَنْ عَطاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ تَمِيمٍ الدّاري قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ، إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ، إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ". قالُوا: لِمَنْ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قالَ: "للَّه وَكِتابِهِ وَرَسُولِهِ وَأَئِمَّةِ المُؤْمِنِينَ وَعامَّتِهِمْ، وَأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعامَّتِهِمْ" (¬1). 4945 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنا خالِدٌ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ جَرِيرٍ قالَ: بايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَلَى السَّمْعِ والطّاعَةِ وَأَنْ أَنْصَحَ لِكُلِّ مُسْلِمٍ -قالَ- وَكانَ إِذا باعَ الشَّيء أَوِ اشْتَراهُ قالَ: "أَما إِنَّ الذي أَخَذْنا مِنْكَ أَحَبُّ إِلَيْنا مِمَّا أَعْطَيْناكَ، فاخْتَرْ" (¬2). * * * باب في النصيحة [4944] (ثنا أحمد) بن عبد اللَّه (بن يونس) اليربوعي، الحافظ (ثنا زهير، ثنا سهيل بن أبي صالح) السمان (عن عطاء بن يزيد) الليثي (عن تميم) بن أوس بن خارجة (الداري) وقيل: هو ديري. أسلم سنة تسع. (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن الدين) أي: عماد الدين وقوامه النصيحة كقولهم: الحج عرفة. (النصيحة) مأخوذة من نصح الرجل ثوبه إذا خاطه، فشبهوا فعل الناصح فيما يتحراه من صلاح المنصوح له بما يسده من خلل الثوب. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (55). (¬2) رواه البخاري (2157)، ومسلم (56) مختصرًا.

وقيل: إنها مأخوذة عن: نصحت العسل إذا صفيته من الشمع، شبهوا تخليص المقول من الغش بتخليص العسل من الخلط. قال ابن بطال: في هذا الحديث أن النصيحة تسمى دينًا وإسلامًا، وأن الدين يقع على العمل كما يقع على القول، والنصيحة فرض لازم قدر الطاقة، إذا علم الناصح أنه يقبل نصحه ويطاع أمره وأمن على نفسه المكروه، فإن خشي أذى فهو في سعة (¬1). (إن الدين النصيحة) تأكيدات حثًّا على العمل بها (إن الدين النصيحة. قالوا: لمن يا رسول اللَّه؟ قال: للَّه) والنصيحة للَّه تعالى معناها منصرف إلى الإيمان به، ونفي الشرك عنه، وترك الإلحاد في صفاته، ووصفه بصفات الإكمال والإجلال كلها، وتنزيهه سبحانه عن جميع أنواع النقائص، والقيام بطاعته، واجتناب معصيته، والحب فيه، والبغض فيه، والإخلاص في الدعاء. (وكتابه) فالإيمان به أنه كلام اللَّه ومنزله، وأنه لا يشبهه شيء من كلام الخلق، ولا يقدر على مثله ولا سورة منه أحد من الخلق، ثم تعظيمه وتلاوته حق تلاوته، والذب عنه لتأويل الطاعنين، وتفهم علومه، والاعتبار بمواعظه. (ورسوله، وأئمة المؤمنين (¬2) وعامتهم) فتصديقه على الرسالة والإيمان بجميع ما جاء به، ونصرته حيًّا وميتًا، ومعاداة من عاداه، ¬

_ (¬1) "شرح ابن بطال" 1/ 129. (¬2) في (ل)، (م): لأئمة المسلمين. والمثبت كما في "سنن أبي داود".

ومولاة من والاه، وإحياء سنته ونشرها، واستنارة علومها، والتفقه في معانيها، والدعاء إليها (أو أئمة المسلمين) بمعاونتهم على الحق وأمرهم به، وتنبيههم برفق، وإعلامهم بما غفلوا عنه أو لم يبلغهم من حقوق المسلمين، وترك الخروج عليهم، وأن يُدعى لهم بالصلاح. (وعامتهم) وهم من عدا ولاة الأمر من الرعية بإرشادهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم، وكف الأذى عنهم. [4945] (ثنا عمرو بن عون) الواسطي الحافظ (أنا خالد) بن عبد اللَّه الطحان المزني الواسطي (عن يونس) (¬1) بن عبيد بن دينار العبدي القيسي (عن عمرو بن سعيد) البصري مولى ثقيف (عن أبي زرعة) قيل: اسمه هرم. وقيل: عبد اللَّه. وقيل: عبد الرحمن (بن عمرو بن جرير) البجلي (عن) جده (جرير) بن عبد اللَّه البجلي -رضي اللَّه عنه- (قال: بايعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) كانت مبايعته رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مرات متعددة في أوقات مختلفة، بحسب ما كان يحتاج إليه من تجديد عهد أو توكيد أمر؛ فلذلك اختلفت ألفاظها كما دلت عليه الأحاديث الآتية. (على السمع) أي: استماع قوله سماع تعقل وتفهم (والطاعة) لما أمر به أو نهى عنه، ومن الصلاة والزكاة، ولهذا في رواية: بايعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة (¬2). ولم يذكر في رواية مسلم الصوم والحج وغيرهما (¬3)؛ لدخول ذلك في السمع والطاعة. وزاد في رواية ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) رواه البخاري (57)، ومسلم (56). (¬3) "صحيح مسلم" (56).

مسلم: "فيما استطعت" (¬1). فهو كقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (¬2) إذ قد يعجز الإنسان في بعض الأحوال. وفيه: العفو عن الهفوة والسقطة وما وقع من خطأ أو تفريط. (وأن أنصح لكل مسلم) بأن أكون معهم كما قال -عليه السلام-: "أن تؤتيهم ما تحب أن يؤتى إليك، وتكره لهم ما تكره لنفسك" (¬3). وقال: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" (¬4)، وإذا كان هذا في حق المسلم فالعلماء والأئمة أولى بذلك. (قال) وكان جرير (إذا باع الشيء أو اشتراه قال: أما) بتخفيف الميم (إن الذي أخذنا) هـ (منك أحب) بالرفع (إلينا مما أعطيناك، فاختر) لنفسك الإمضاء أو الفسخ. وروى الحاكم عن أبي سباع قال: اشتريت ناقة من بلاد واثلة بن الأسقع، فلما خرجت بها أدركني يجر إزاره فقال: اشتريت؟ قلت: نعم. قال: بين لك ما فيها؟ قلت: وما فيها؟ قال: إنها لسمينة ظاهرة الصحة. قال: أردت بها سفرًا أو أردت لحمًا؟ قلت: أردت بها الحج. قال: فارتجعها؛ فإني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا يحل لأحد يبيع شيئًا إلا بين ما فيه، ولا يحل لمن يعلم ذلك إلا بينه" (¬5)، ولابن ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (56) (99). (¬2) البقرة: 286. (¬3) رواه أحمد 3/ 472 - 473 من حديث عبد اللَّه اليشكري مرفوعًا. (¬4) رواه البخاري (13)، ومسلم (45) من حديث أنس مرفوعًا. (¬5) "المستدرك" 2/ 9 - 10.

ماجه: "من باع عيبًا لم يبينه لم يزل في مقت اللَّه -أو- لم تزل الملائكة تلعنه" (¬1). وروي أن جريرًا كان إذا قام على السلعة يبيعها بصر بعيوبها ثم خير فقال: إن شئت فخذ، وإن شئت فاترك (¬2). وروي في حديث واثلة أنه قال لمشتري الناقة: إنها نقباء، وإنها لا تصلح للسير. فعاد فردها، فنقصه البائع مائة درهم (¬3). فقد فهمت الصحابة من النصح أن لا يرضى لأخيه إلا ما يرضاه لنفسه، ولم يعتقدوا ذلك من الفضائل وزيادة المقامات، بل اعتقدوا أنها من شروط الإسلام الداخلة تحت بيعته. قال الغزالي: وهذا أمر يشق على أكثر الخلق؛ فلذلك يختارون التخلي للعبادة والاعتزال عن الناس، ولن يتيسر ذلك على العبد إلا بأن يعتقد أمرين: أحدهما: أن يعلم أن تلبيسه العيوب وترويجه السلع لا يزيد في رزقه، بل يمحقه ويذهب بركته، والصدقة لا تنقصه، فإن الدرهم الواحد قد يبارك فيه حتى يكون سببًا لسعادة المرء في الدين والدنيا. الأمر الثاني: أن يعلم أن ربح الآخرة وغناها خير من ربح الدنيا، فإن فوائد أموال الدنيا تنقضي بانقضاء العمر، والخير كله في سلامة ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (2247) من حديث واثلة بن الأسقع مرفوعًا، وضعفه البوصيري في "مصباح الزجاجة" 3/ 30. (¬2) رواه الطبراني 2/ 359 (2510) من حديث جرير. (¬3) رواه أحمد 3/ 491 بنحوه من حديث واثلة بن الأسقع دون لفظ: "فنقصه البائع مائة درهم".

الدين (¬1). وروى أبو يعلى (¬2) من حديث أنس بسند ضعيف: "لا تزال لا إله إلا اللَّه تدفع عن الخلق سخط اللَّه ما لم يؤثروا صفقة (¬3) دنياهم على آخرتهم" (¬4). * * * ¬

_ (¬1) "إحياء علوم الدين" 2/ 76. (¬2) في (ل)، (م): علي. ولعلها كما أثبتناها؛ لأن أبا يعلى روى هذا الحديث كما سيأتي في تخريجه. (¬3) في (ل)، (م): صفة. وما أثبتناه كما في "شعب الإيمان" 7/ 337 (10497). (¬4) "مسند أبي يعلى" 7/ 95 (4034)، ورواه أيضًا البيهقي في "شعب الإيمان" 7/ 337 (10497) كلاهما من حديث أنس مرفوعًا.

68 - باب في المعونة للمسلم

68 - باب فِي المَعُونَةِ لِلْمُسْلِمِ 4946 - حَدَّثَنا أَبو بَكْرٍ وَعثْمان ابنا أَبي شَيْبَةَ المَعْنَى قالا: حَدَّثَنا أَبو مُعاوِيةَ قالَ عُثْمانُ وَجَرِيرٌ الرّازي: ح وَحَدَّثَنا واصِل بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حَدَّثَنا أَسْباطٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي صالِحٍ، وقالَ واصِلٌ: قالَ: حدِّثْت عَنْ أَبي صالِحٍ، ثمَّ اتَّفَقُوا، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، واللَّه في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ". قالَ أَبو داوُدَ: لَمْ يَذْكُرْ عُثْمانُ، عَنْ أَبي مُعاوَيةَ: "وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ" (¬1). 4947 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سفْيانُ، عَنْ أَبي مالِكٍ الأَشْجَعي، عَنْ رِبْعي بْنِ حِراشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قالَ: قالَ نِبِيُّكُمْ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ" (¬2). * * * باب في المعونة للمسلم [4946] (ثنا أبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة المعنى قالا: ثنا أبو (¬3) معاوية) محمد بن خازم الضرير. (قال عثمان) ابن أبي شيبة، ثنا أبو معاوية (وجرير) (¬4) بن عبد الحميد الضبي القاضي. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2699). (¬2) رواه مسلم (1005). (¬3) ساقطة من (م). (¬4) فوقها في (ل): (ع).

(ح، وثنا واصل بن عبد الأعلى) شيخ مسلم (ثنا أسباط) (¬1) بن محمد القرشي. (عن الأعمش، عن أبي صالح) السمان (وقال واصل) بن عبد الأعلى (قال: حُدثت) بضم الحاء مبني للمجهول (عن أبي صالح) السمان ذكوان (¬2) (ثم أتفقوا) في الرواية. (عن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: من نفس) أي: فرج. كما في الحديث الآخر: "من نفس عن غريمه" (¬3) أي: أخر مطالبته (عن مسلم) والظاهر أن تنفيس كربة الذمي فيها أجر (كربة) جمعها: كرب، كغرفة وغرف، وهو أن يفرج عنه همًّا أو غمًّا، بدفع مال عنه وبما تصل قدرته إليه. (من كرب الدنيا) ولو أن يدعو له ليفرج اللَّه كربه بإخلاص وصدق إذا لم يقدر بالبدن (نفس اللَّه عنه كربة من كرب يوم القيامة) ولا يبعد (¬4) أن يفرج عنه أيضًا من كرب الدنيا. (ومن يسر على معسر) بأن صبر عليه بدينه الذي أعسر عنه، أو يسر عليه عسره بوفاء دينه عنه، ويدخل فيه من شفع عند صاحب الحق ليصبر ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) من (م). (¬3) رواه ابن أبي شيبة 4/ 547 (23007)، وأحمد 5/ 300، 308، وعبد بن حميد (195)، والدارمي 3/ 1687 (2631) من حديث أبي قتادة مرفوعًا. (¬4) ورد في هامش (ل): قد ورد ذكره صريحًا في بعض طرق هذا الحديث. كتبه السخاوي.

عليه إلى ميسرة (يسر اللَّه عليه) صعاب أموره (في الدنيا والآخرة و) شدائد أهوال يوم القيامة. و(من ستر على مسلم) زاد الترمذي: "في الدنيا" (¬1) أي: ستر على شيء من معاصيه وعيوبه فلم يحرك لسانه بذكرها، ولم يذكره بما يكرهه لو سمعه (ستره اللَّه في الدنيا والآخرة). قال عياض: يحتمل وجهين: أحدهما: أن يستر معاصيه وعيوبه عن إذاعتها في أهل الموقف. والثاني: ترك محاسبته عليها (¬2) وترك ذكرها. قال: والأول أظهر كما في الحديث: "يقرره بذنوبه، ثم يقول: سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم" (¬3) (¬4) قلت: ويجوز الأمران: فلا يذيع معاصيه وعيوبه لأهل الموقف، ويترك محاسبته عليها. (واللَّه في عون العبد) أي: معينًا له وظهيرًا (ما كان) أي: [ما] (¬5) دام (العبد في عون أخيه) فما أعظم نفع هذا الحديث لمن عمل به، بأن من سعى في قضاء حاجة أخيه والقيام بها بنفسه أو بأعوانه، لا سيما إذا كان بلا سؤال المحتاج، وإذا قدمها على حاجة نفسه مع البشاشة والاستبشار وإظهار الفرح وقبول المنة أعانه اللَّه، ومن كان اللَّه في عونه ناهيك بعظم قدره وتيسر أموره. ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (1930). (¬2) ساقطة من (م). (¬3) رواه البخاري (2441)، ومسلم (2768) من حديث ابن عمر مرفوعًا. (¬4) "إكمال المعلم" 8/ 61. (¬5) ساقطة من (ل)، (م) والسياق يقتضيها للصحة اللغوية.

(ولم يذكر عثمان) بن أبي شيبة في روايته (عن أبي معاوية) محمد بن خازم (ومن يسر على معسر يسر اللَّه عليه في الدنيا والآخرة). [4947] (ثنا محمد بن كثير) العبدي (ثنا سفيان) الثوري (عن أبي مالك) سعد بن طارق (الأشجعي) الكوفي، وثقه أحمد (¬1) وابن معين (¬2) (عن ربعي بن حراش) بكسر الحاء المهملة، -رضي اللَّه عنه- (عن حذيفة) بن اليمان -رضي اللَّه عنه-. (قال: قال نبيكم) محمد (-صلى اللَّه عليه وسلم-: كل معروف) أي: كل إحسان إلى الناس وخير صغيرًا كان أو كبيرًا ما كان إذا قصد به المؤمن وجه اللَّه وصدقت نيته فهو مثل (صدقة) المال، فكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة [وكل تهليلة صدقة] (¬3)، وأمر بمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة، وتعين الرجل على متاعه صدقة، وتميط الأذى عن الطريق، وتدل على الطريق صدقة، وتمسك عن الشر بأن لا تجيب من يشارك أو يدعوك الشيطان إلى الشر فتمسك عنه صدقة. * * * ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 4/ 87 (378)، "تهذيب الكمال" 10/ 270 (2211). (¬2) السابق. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

69 - باب في تغيير الأسماء

69 - باب فِي تَغْيِيرِ الأَسْماءِ 4948 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قالَ: أَخْبَرَنا ح وَحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، قالَ: حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، عَنْ داوُدَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي زَكَرِيّاءَ، عَنْ أَبي الدَّرْداءِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيامَةِ بِأَسْمائِكُمْ وَأَسْماءِ آبائِكُمْ فَأَحْسِنُوا أَسْماءَكُمْ". قالَ أَبُو داوُدَ: ابن أَبي زَكَرِيّاءَ لَمْ يُدْرِكْ أَبا الدَّرْداءِ (¬1). 4949 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْن زِيادٍ سَبَلانُ، حَدَّثَنا عَبّادُ بْنُ عَبّادٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَحَبُّ الأَسْماءِ إِلَى اللَّهِ تَعالَى عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ" (¬2). 4950 - حَدَّثَنا هارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ سَعِيدٍ الطّالقاني، أَخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُهاجِرِ الأَنْصاري، قالَ: حَدَّثَني عَقِيلُ بْنُ شَبِيبٍ، عَنْ أَبي وَهْبٍ الجُشَمي وَكانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تَسَمَّوْا بِأَسْماءِ الأَنْبِياءِ وَأَحَبُّ الأَسْماءِ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَصْدَقُها حارِثٌ وَهَمّامٌ، وَأَقْبَحُها حَرْبٌ وَمُرَّةُ" (¬3). 4951 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْن سَلَمَةَ، عَنْ ثابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قالَ: ذَهَبْتُ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي طَلْحَةَ إِلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حِينَ وُلِدَ والنَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في عَباءَةٍ يَهْنَأُ بَعِيرًا لَهُ قالَ: "هَلْ مَعَكَ تَمْرٌ؟ ". قُلْت: نَعَمْ. قالَ: فَناوَلْتُهُ تَمَراتٍ فَأَلْقاهُنَّ في فِيهِ فَلاكَهُنَّ ثُمَّ فَغَرَ فاهُ فَأوْجَرَهنَّ إِيّاهُ فَجَعَلَ الصَّبي يَتَلَمَّظ فَقالَ النَّبي ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 194، والدارمي (2736)، وعبد بن حميد (213)، وابن حبان (5818). وضعفه الألباني. (¬2) رواه مسلم (2132). (¬3) رواه النسائي 6/ 218، وأحمد 4/ 345، والبخاري في "الأدب المفرد" (814). وقال الألباني: صحيح دون قوله: "تسموا بأسماء الأنبياء".

-صلى اللَّه عليه وسلم-: "حِبُّ الأنْصارِ التَّمْرُ". وَسَمّاهُ عَبْدَ اللَّهِ (¬1). * * * باب في تغيير الأسماء (¬2) [4948] (ثنا عمرو بن عون) الواسطي (قال (¬3): ثنا مسدد، ح، وحدثنا هشيم، عن داود بن عمرو) الأودي الدمشقي، ولي واسط، قال أبو زرعة: لا بأس به (¬4). (عن عبد اللَّه بن أبي زكريا) إياس بن يزيد الخزاعي، فقيه الشام، ثقة، عابد، لم يسمع من أبي الدرداء، فالحديث منقطع (عن أبي الدرداء) عويمر، -رضي اللَّه عنه- (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إنكم تدعون يوم القيامة) أي: تناديكم الملائكة واحدًا واحدًا: يا فلان ابن فلان، هلم إلى موقف العرض على رب العالمين. يا له [من] (¬5) موقف ترتعد فيه الفرائص، وتضطرب الجوارح، وتبهت العقول! (بأسمائكم) فلا يقال: يا عز الدين، ولا يا بدر الدين، ولا يا أبا عبد اللَّه، ولا يا أبا إسحاق، ولا ما فيه تعظيم، ولا بألقابكم القبيحة التي تكرهونها، بل بما سماه به آباؤه (وأسماء آبائكم) فيه الرد على من يقول: إنهم يدعون يوم القيامة بالنسبة إلى أمهاتهم؛ ليستر اللَّه على أولاد الزنا، ويرده أيضًا قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هذِه غدرة فلان بن فلان" خرجه ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4951)، ومسلم (2144). (¬2) بعدها في (ل)، (م): في حسن الأسماء، وعليها: خـ. (¬3) في (ل)، (م): قالا. وهو خطأ. (¬4) "الجرح والتعديل" 3/ 420 (1917)، "تهذيب الكمال" 8/ 432 (1778). (¬5) زيادة يقتضيها السياق.

البخاري قبل في الفتن عن ابن عمر (¬1) ولم أره. وقال ابن دقيق العيد: وإن ثبت أنهم يدعون بأمهاتهم؛ فقد يقال: يخص هذا من العموم. أي: يخص منه أولاد الزنا فيدعون بأمهاتهم ويبقى غيرهم على عمومه في أنهم يدعون لآبائهم، واللَّه أعلم. ويرجح الدعاء بالأم قوله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} (¬2)، قال محمد بن كعب: بأسمائهم: بأمهاتهم، وإمام جمع أم (¬3) (¬4). قال الحكماء: فيه ثلاثة أوجه من الحكمة؛ أحدها: لأجل عيسى. والثاني: إظهار شرف الحسن والحسين. والثالث: لئلا يفتضح أولاد الزنا فيفتضح الولد وليس له ذنب. (فأحسنوا أسماءكم) لتدعوا بها في عرصات القيامة على رؤوس الأشهاد، وفيه الأمر بتحسين اسم الولد، فإنه من حقوق الولد على أبيه، ويكره له أن يسميه باسم قبيح وما يتطير به. قال المنذري: وهذا الحديث منقطع؛ لأن ابن أبي زكريا الخزاعي الثقة العابد لم يسمع من أبي الدرداء (¬5). واللَّه أعلم. ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (7111) بغير هذا اللفظ مرفوعًا، ورواه بهذا اللفظ البخاري (6177)، (6178)، ومسلم (1735) من حديث ابن عمر مرفوعًا أيضًا. (¬2) الإسراء: 71. (¬3) انظر: "الكشف والبيان عن تفسير القرآن" 4/ 64، "معالم التنزيل" 5/ 110. (¬4) قال السيوطي: وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مِنْ بِدَعِ التَّفَاسِيرِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الإِمَامَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ}، جَمْعُ أُمٍّ، وَأَنَّ النَّاسَ يُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ بِأُمَّهَاتِهِمْ دون آبائهم، قال: وهذا غلط أوجبه جهل بِالتَّصْرِيفِ فَإِنَّ أُمًّا لَا تُجْمَعُ عَلَى إِمَامٍ. "الإتقان في علوم القرآن" 4/ 214. (¬5) "مختصر سنن أبي داود" 7/ 251، "الترغيب والترهيب" 3/ 352.

[4949] (ثنا إبراهيم بن زياد) البغدادي، شيخ مسلم (ثنا عباد بن عباد) بن حبيب البصري. (عن عبيد اللَّه) بن عمر، وجمع مسلم بين عبيد اللَّه بالتصغير وأخيه عبد اللَّه مع أن عبيد اللَّه هذا ثقة حافظ مجمع على الاحتجاج به، وعبد اللَّه أخوه ضعيف لا يجوز الاحتجاج به (عن نافع، عن ابن عمر: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أحب الأسماء إلى اللَّه عبد اللَّه وعبد الرحمن) فيه التسمية بهذين الاسمين وبفضلهما على سائر ما يسمى به، وفي عبد الرحمن وعبد الرحيم، وإنما كانت هذِه الأسماء أحب إلى اللَّه؛ لأنها تضمنت ما هو وصف واجب للحق تعالى وهو الإلهية والرحمانية، وما هو وصف الإنسان وواجب له، وهو العبودية والافتقار، وألحق بهذين الاسمين ما في معناهما مثل عبد الملك وعبد الصمد وعبد الوهَّاب. [4950] (ثنا هارون بن عبد اللَّه) بن مروان البغدادي الحافظ، شيخ مسلم. (ثنا هشام بن سعيد الطالقاني) بالطاء المهملة وسكون اللام وفتح القاف، وبعد الألف نون، كذا ضبطه السمعاني، وقال: نسبة إلى طالقان بخراسان بلدة بين مرو الروذ وبلخ مما يلي الجبل (¬1). وهو ثقة عابد (وقال: ثنا محمد بن المهاجر الأنصاري) الشامي، أخرج له مسلم (حدثني عقيل) بفتح العين (بن شبيب) بفتح الشين المعجمة، وثق (عن أبي وهب) لم يعرف اسمه (الجشمي) بضم الشين، الشامي (وكانت له ¬

_ (¬1) "الأنساب" 9/ 8 (2552).

صحبة) وقد تقدم في ألوان الخيل ذكره مع باقي السند (¬1). (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: تسموا بأسماء الأنبياء) لأن ذكر الأنبياء بركة، ولأن فيه نوع تعظيم وتبجيل، وفيه إشارة إلى الإيمان بهم وتصديق رسالتهم، وفيه رد على ما ورد عن عمر -رضي اللَّه عنه- أنه نهى عن التسمية بأسماء الأنبياء (¬2). قيل: إنما كره ذلك لئلا يلعن ويشتم اسم نبي، أو يقول لغائب: فعل اللَّه بفلان، أو يُصغَرُ اسمٌ من أسمائهم. وسئل أبو العالية عن شيء من ذلك فقال: إنكم تسمون أولادكم أسماء الأنبياء ثم تلعنونهم (¬3). وقال حميد بن زنجويه: لا بأس بأسماء الأنبياء، ويستحب أن يسمى بها، غير أنه يكره أن يلعن أحد (¬4) اسمه اسم نبي، أو يدعى عليه وهو غائب، فإن كان مواجهه وقال: فعل بك وفعل، ولم يسمه كان أيسر. وكره التسمي بأسماء الملائكة مثل: جبريل، وميكائيل؛ لأن عمر بن الخطاب كره ذلك، ولم يأتنا عن أحد من الصحابة ولا التابعين أنه سمى ولدًا له باسم منهم (¬5). وعن مالك كراهة التسمية بجبريل (¬6). ¬

_ (¬1) تقدم في حديث (2543)، (2544). (¬2) رواه حنبل بن إسحاق في "جزئه" (23) من رواية سالم بن أبي الجعد عن عمر -رضي اللَّه عنه-. (¬3) رواه ابن أبي شيبة 5/ 264 (25899). (¬4) في (ل)، (م): أحدًا. والجادة ما أثبتناه. (¬5) ذكر قول حميد بن زنجوبه هذا البغوي في "شرح السنة" 12/ 335 - 336 وعزاه لحميد. (¬6) انظر: "البيان والتحصيل" 18/ 59، "الذخيرة" 13/ 337.

(وأحب الأسماء إلى اللَّه عبد اللَّه وعبد الرحمن) تقدم (وأصدقهما حارث) لأن الحارث هو الكاسب، والإنسان لا يخلو من الكسب غالبًا طبعًا واختيارًا، كما قال تعالى: {إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا} (¬1)، أي: عامل إما للدنيا أو الآخرة (وهمام) هو فعال من هم بالأمر يهم إذا عزم عليه وقصد فعله، وإنما كان أصدقها؛ لأن كل أحد لابد له أن يهم بأمر، خيرًا كان أو شرًّا، ولهذا استعمل الحريري في مقاماته الحارث بن همام (وأقبحها حرب) لما في الحروب من المكاره والمشقات عند وقوع القتال (ومرة) لما في المرارة من البشاعة، وروي عن علي -رضي اللَّه عنه- قال: ولد الحسن فسميته حربًا، فجاء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "أروني ابني، ما سميته؟ " قلت: حربًا. قال: "بل هو حسن" فلما ولد الحسين سميته حربًا، قال: "بل هو حسين" فلما ولد الثالث سميته حربًا، قال: "بل هو محسن" (¬2). وروى الطبراني عن يعيش بن طخفة بكسر الطاء وإسكان الخاء المعجمة، ثم فاء، الغفاري الشامي، -رضي اللَّه عنه-، قال: دعا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يومًا بناقة ليحلبها، فقال: "من يحلبها؟ " فقال رجل: أنا. قال: "ما اسمك؟ " قال: مرة. قال: "اقعد" ثم قام آخر فقال: "ما اسمك؟ " قال: جمرة، قال: "اقعد" ثم قام يعيش فقال: "ما اسمك؟ " قال: يعيش. قال: "احلبها" (¬3). وإسناده حسن. ¬

_ (¬1) الانشقاق: 6. (¬2) رواه أحمد 1/ 98، 118، والبخاري في "الأدب المفرد" (823) وضعفه الألباني في تعليقه على "الأدب المفرد". (¬3) "المعجم الكبير" 22/ 277 (710).

[4951] (ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد، عن ثابت، عن أنس) بن مالك -رضي اللَّه عنه-. (قال: ذهبت بعبد اللَّه بن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري أخي (¬1) أنس لأمه (إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حين ولد). قال القرطبي: الأحاديث متواردة على أن إخراج الصغار في بدء ولادتهم للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان سنة معروفًا معمولًا به، فلا ينبغي لأحد (¬2) أن يعدل عنه اقتداء بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- واغتنامًا لبركة الصالحين ودعائهم (¬3). (والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في عباءة) أي: لابسًا عباءة بفتح العين والمد، ويقال فيه: عباية أيضًا بالياء بدل الهمزة، والجمع العباء. فيه: فضيلة لبس العباءة، والتواضع باللباس الدون، لا سيما ممن يُقتدى به، وأن ذلك لا يزري به، فقد كان عمر بن الخطاب أمير المؤمنين يخرج إلى السوق بيده الدرة وعليه إزار فيه [أربع عشرة] (¬4) رقعة، بعضها من أدم (¬5). وعوتب علي -رضي اللَّه عنه- في إزار مرقوع؛ فقال: يقتدي به المؤمن، ويخشع له القلب (¬6). وفيه لبس العباءة ونحوها عند تعاطي ما يدنس الثياب من الأفعال، ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): أخو. والجادة ما أثبتناه. (¬2) من (م). (¬3) "المفهم" 5/ 468. (¬4) في (ل)، (م): أربعة عشر. والجادة ما أثبتناه. (¬5) رواه أبو داود في "الزهد" (55) من رواية أنس، والدينوري في "المجالسة وجواهر العلم" 2/ 82 - 83 (214) من رواية قتادة. (¬6) رواه أحمد في "فضائل الصحابة" (923) من رواية عمرو بن قيس.

وقلع الثوب المعد للزينة (يهنأ) بفتح أوله وهمز آخره، أي: يطلبه بالعطر أن يعالجه به لجرب ونحوه. (بعيرًا) فيه: تواضع الكبير، وتعاطيه أشغاله بنفسه، وأن ذلك لا ينقص من مروءته، وقد روي أن عمر بن عبد العزيز أتاه ليلة ضيف وكان يكتب، فكان السراج ينطفئ، فقال له الضيف: أقوم إلى المصباح فأصلحه؟ فقال: ليس من كرم الرجل أن يستخدم ضيفه. فقال: أنبه الغلام. فقال: هي أول نومة نامها. فقام فأخذ البطة وملأ المصباح زيتًا. فقال الضيف: قمت أنت بنفسك يا أمير المؤمنين؟ فقال: ذهبت وأنا عمر ورجعت وأنا عمر (¬1)، وخير الناس من كان عند اللَّه متواضعًا. [(له) فيه: اقتناء الدواب من الإبل والخيل ونحوها] (¬2). (قال: هل معك تمر؟ ) فيه أن من أتى بالصغير لتحنيكه فيستصحب معه التمر ونحوه إن وجد، وإلا فإن كان عند من يحنك تمرًا فيكون من عنده، وفي الحديث أن الإتيان بالصغير وحمله للتحنيك لا يختص بوالد الصغير أو جده، بل يقوم مقامه الأخ الشقيق أو الأب أو الأم والعم ونحوه. (قلت: نعم، فناولته تمرات) بفتح الميم، ويجوز السكون. وفيه فضيلة التحنيك بالتمر عند وجوده وفي معناه الرطب، بل هو أولى منه كما في فطر الصائم، فإن لم يوجد فزبيب، فإن لم يوجد فشيء حلو، ¬

_ (¬1) رواه أبو نعيم في "الحلية" 5/ 332، والبيهقي في "الشعب" 7/ 102 - 103 (9641) برواية رجاء بن حيوة، وهو الضيف المذكور. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

كما نقله النووي عن الأصحاب (¬1)، والعسل أولى [. . .] (¬2) من غير ذلك، وما لم تمسه النار أولى، وفي "الرونق" يحنكه بتمرة أو رطبة أو موزة، والحديث يدل على أن تعدد التمر أولى، وأقله ثلاث، وإن لم يأكل الثلاث يدع ما بقي عند مرضعته. (فألقاهن في فيه فلاكهن) أي: مضغهن، واللوك: إدارة الشيء في الفم، ومنه الحديث: فلم يؤت إلا بالسويق فلكنا (¬3) (ثم فغر) بفتح الفاء والغين المعجمة (فاه) أي: فا (¬4) الصبي كما في مسلم (¬5)، ومنه الحديث عن موسى -عليه السلام-: فإذا هي حية عظيمة فاغرة فاها (¬6) (فأوجرهن إياه) أي: وضع التمر الذي لاكه في فيه، والوجور بفتح الواو: صب الدواء (¬7) في الحلق، وأوجرته إيجارًا: فعلت به ذلك، ووجرته من باب وعد لغة. ولفظ مسلم: فمجه في فيه (¬8). ¬

_ (¬1) "المجموع" 8/ 424. (¬2) بياض في (ل)، (م) بمقدار كلمة. (¬3) رواه البخاري (2981) من حديث سويد بن النعمان. (¬4) في (ل)، (م): فاه. والجادة ما أثبتناه. (¬5) "صحيح مسلم" (2144). (¬6) رواه النسائي في "السنن الكبرى" 6/ 396 (11326)، وأبو يعلى 5/ 10 (2618)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 1/ 60 (66) من حديث ابن عباس مطولًا. وذكر الهيثمي في "المجمع" 7/ 56 - 66 وقال: رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح غير أصبغ بن زيد والقاسم بن أبي أيوب، وهما ثقتان. وصحح إسناده البوصيري في "إتحاف الخيرة المهرة" (5760). (¬7) في (م): الماء. (¬8) "صحيح مسلم" (2144).

وفيه: استحباب تحنيك الطفل أول ما يولد، والظاهر أنه لا فرق بين الذكر والأنثى، وأنه يحنكه الرجل وإن كان بنتًا، والمرأة الصالحة تحنك الذكر. والتحنيك: أن يمضغ التمر ونحوه ويدلك به حنك المولود، ويفتح فاه حتى ينزل إلى جوفه شيءٌ منه. (فجعل الصبي يتلمظ) أي: يحرك لسانه ليبتلع ما في فيه من آثار التمر، والتلمظ واللمظ: فعل ذلك باللسان، يقصد به فاعله تنقية الفم من بقايا الطعام، وكذلك ما على الشفتين، وأكثر ما يفعل ذلك في شيء يستطيبه ويحبه؛ ولذلك (فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: حب الأنصار التمر) قال النووي: روي بضم الحاء وكسرها، فالكسر بمعنى المحبوب، كالذبح بمعنى المذبوح، وعلى هذا فالباء مرفوعة، أي: محبوب الإنسان التمر، وأما من ضم الحاء فهو مصدر، وفي الباء على هذا وجهان: النصب، وهو الأشهر، والرفع. فمن نصب فتقديره: انظر حب الأنصار التمر. ومن رفع فهو مبتدأ حذف خبره، أي: حب الأنصار عادة من صغرهم (¬1). (وسماه عبد اللَّه) فيه: التسمية بعبد اللَّه وعبد الرحمن الذين هما أحب الأسماء إلى اللَّه تعالى. وفيه: استحباب تفويض تسميته إلى رجل صالح أو امرأة يُرتجى بركتهما، فيختار له اسما يرتضيه، وإن كان أبواه موجودين، وفيه تسميته يوم ولادته. ¬

_ (¬1) "شرح مسلم" 14/ 123.

قال البيهقي: تسمية المولود حين يولد أصح من تسميته يوم السابع كما في الحديث (¬1). * * * ¬

_ (¬1) "السنن الكبرى" 9/ 305.

70 - باب في تغيير الاسم القبيح

70 - باب فِي تغْيِيرِ الاسْمِ القَبِيحِ 4952 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمُسَدَّدٌ قالا: حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ عبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- غَيَّرَ اسْمَ عاصِيَةَ وقالَ: "أَنْتِ جَمِيلَةُ" (¬1). 4953 - حَدَّثَنا عِيسَى بْن حَمّادٍ، أَخْبَرَنا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبي حَبِيبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطاءٍ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبي سَلَمَةَ سَأَلتْهُ ما سَمَّيْتَ ابنتَكَ؟ قالَ: سَمَّيْتُها بَرَّةَ. فَقالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عَنْ هذا الاسْمِ سُمِّيت بَرَّةَ فَقالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمُ اللَّهُ أَعْلَمُ بِأَهْلِ البِرِّ مِنْكُمْ". فَقالَ: ما نُسَمِّيها؟ قالَ: "سَمُّوها زَيْنَبَ" (¬2). 4954 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا بِشْرٌ -يَعْني: ابن المُفَضَّلِ-، قالَ: حَدَّثَني بَشِيرُ ابْنُ مَيْمُونٍ، عَن عَمِّهِ أُسامَةَ بْنِ أَخْدَري أَنَّ رَجُلًا يقال لَهُ: أَصْرَمُ كانَ في النَّفَرِ الذِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما اسْمُكَ؟ ". قالَ: أَنا أَصْرَمُ. قالَ: "بَلْ أَنْتَ زُرْعَةُ" (¬3). 4955 - حَدَّثَنا الرَّبِيعُ بْنُ نافِع، عَنْ يَزِيدَ -يَعْني: ابن المِقْدامِ بْنِ شُرَيْحٍ-، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ هانِئٍ أَنَّه لَمّا وَفَدَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مَعَ قَوْمِهِ سَمِعَهُمْ يَكْنُونَهُ بِأَبي الحَكَمِ فَدَعاهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ: "إِنَّ اللَّهَ هُوَ الحَكَمُ وَإِلَيْهِ الحُكْمُ فَلِمَ تُكْنَى أَبا الحَكَمِ؟ ". فَقالَ: إِنَّ قَوْمي إِذا اخْتَلَفوا في شَيء أَتَوْني فَحَكَمْتُ بَيْنَهمْ فَرَضي كِلا الفَرِيقَيْنِ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما أَحْسَنَ هذا، فَما لَكَ مِنَ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2139). (¬2) رواه مسلم (2142). (¬3) رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1220)، والروياني (1490)، والطبراني في "الكبير" 1/ 169 (523)، والحاكم 4/ 276. وصححه الألباني.

الوَلَدِ؟ ". قالَ: لي شُرَيْحٌ وَمُسْلِمٌ وَعَبْدُ اللَّهِ. قالَ: "فَمَنْ أَكْبَرُهُمْ؟ ". قُلْتُ: شُرَيْحٌ قالَ: "فَأَنْتَ أَبُو شُرَيْحٍ". قالَ أَبو داوُدَ: شُرَيْحٌ هذا هوَ الذي كَسَرَ السِّلْسِلَةَ، وَهوَ مِمَّنْ دَخَلَ تُسْتَرَ. قالَ أَبو داوُدَ: وَبَلَغَني أَنَّ شُرَيحًا كَسَرَ بابَ تُسْتَرَ، وَذَلِكَ أنَّهُ دَخَلَ مِنْ سِرْبٍ (¬1). 4956 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن صالِحٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ لَهُ: "ما اسْمُكَ؟ ". قالَ: حَزْنٌ. قالَ: "أَنْتَ سَهْلٌ". قالَ: لا، السَّهْلُ يوطَأ وَيُمْتَهَنُ. قالَ سَعِيدٌ فَظَنَنْت أَنَّهُ سَيُصِيبُنا بَعْدَهُ حُزُونَةٌ (¬2). قالَ أَبُو داوُدَ: وَغَيَّرَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- اسْمَ العاصِ وَعَزِيزٍ وَعَتَلَةَ وَشَيْطانٍ والحَكَمِ وَغُرابٍ وَحُبابٍ وَشِهابٍ فَسَمّاهُ هِشامًا، وَسَمَّى حَربًا سَلْمًا، وَسَمَّى المُضْطَجِعَ المُنْبَعِثَ وَأَرْضًا تُسَمَّى عَفِرَةَ سَمّاها خَضِرَةَ وَشِعْبَ الضَّلالَةِ سَمّاه شِعْبَ الهُدى، وَبَنُو الزِّنْيَةِ سَمّاهُمْ بَني الرِّشْدَةِ، وَسَمَّى بَني مُغْوِيَةَ بَني رِشْدَةَ. قالَ أَبُو داوُدَ: تَرَكْتُ أَسانِيدَها لِلاخْتِصارِ. 4957 - حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا هاشِمُ بْن القاسِمِ، حَدَّثَنا أَبُو عَقِيلٍ، حَدَّثَنا مُجالِدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ الشَّعْبي، عَنْ مَسْرُوقٍ قالَ: لَقِيتُ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ -رضي اللَّه عنه- فَقالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مَسْرُوقُ بْنُ الأَجْدَعِ. فَقالَ عُمَرُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "الأَجْدَعُ شَيْطانٌ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه النسائي 8/ 226، والبخاري في "الأدب المفرد" (811)، وابن حبان (504). وصححه الألباني. (¬2) رواه البخاري (6190). (¬3) رواه ابن ماجه (3731)، وأحمد 1/ 31، والبزار (319). ضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (4767).

4958 - حَدَّثَنا النُّفَيْلي، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا مَنْصُورُ بْنُ المُعْتَمِرِ، عَنْ هِلالِ بْنِ يِسافٍ، عَنْ رَبِيعِ بْنِ عُمَيْلَةَ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تُسَمِّيَنَّ غُلامَكَ يَسارًا وَلا رَباحًا وَلا نَجِيحًا وَلا أَفْلَحَ فَإنَّكَ تَقُولُ أَثَمَّ هُوَ فَيَقُولُ: لا إِنَّما هُنَّ أَرْبَعٌ فَلا تَزِيدَنَّ عَلَى" (¬1). 4959 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا المُعْتَمِرُ قالَ: سَمِعْتُ الرُّكَيْنَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَمُرَةَ قالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْ نُسَمّي رَقِيقَنا أَرْبَعَةَ أَسْماءٍ: أَفْلَحَ وَيَسارًا وَنافِعًا وَرَباحًا (¬2). 4960 - حَدَّثَنا أَبو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيدٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي سُفْيانَ، عَنْ جابِرِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنْ عِشْتُ إِنْ شاءَ اللَّهُ أَنْهَى أُمَّتي أَنْ يُسَمُّوا نافِعًا وَأَفْلَحَ وَبَرَكَةَ" - قالَ الأَعْمَشُ: وَلا أَدْري ذَكَرَ نافِعًا أَمْ لا "فَإِنَّ الرَّجُلَ يَقُولُ إِذا جاءَ: أَثَمَّ بَرَكَةٌ؟ فَيَقُولُونَ: لا". قالَ أَبُو داوُدَ: رَوى أَبُو الزُّبَيرِ عَنْ جابِرٍ عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نَحْوَهُ لَمْ يَذْكُرْ بَرَكَةَ (¬3). 4961 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ بْنُ عيَيْنَةَ، عَنْ أَبي الزِّنادِ عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "أَخْنَعُ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ تَبارَكَ وَتَعالَى يَوْمَ القِيامَةِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاكِ". قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ شُعَيْبُ بْنُ أَبي حَمْزَةَ، عَنْ أَبي الزِّنادِ بإِسْنادِهِ قاِلَ: "أَخْنَى اسْمٍ" (¬4). * * * باب في تغيير الاسم القبيح ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2137). (¬2) رواه مسلم (2136). (¬3) رواه بنحوه مسلم (2138). (¬4) رواه البخاري (6205)، ومسلم (2143).

[4952] (ثنا أحمد بن حنبل ومسدد قالا: ثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد اللَّه) بن عمر (عن نافع، عن ابن عمر أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- غير اسم عاصية) لفظ رواية مسلم: أن ابنة لعمر كانت يقال لها: عاصية، فسماها (¬1) (وقال: أنت جميلة) فيه أن تغيير الاسم القبيح سنة، فينبغي الاقتداء به فيها، وسبب التغيير أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يكره [الاسم القبيح] (¬2) و [لا] (¬3) يتطير به، ويحب الاسم الحسن ويتفاءل به، وإنما (¬4) كره اسم عاصية؛ لكونه من العصيان الموجب لغضب اللَّه تعالى، وإنما شعار المؤمن الطاعة المقربة إلى اللَّه تعالى، فسماها جميلة، وهي بنت عمر بن الخطاب، والصواب: أن جميلة بنت ثابت بن أفلح الأنصارية، أخت عاصم بن ثابت، وأما رواية مسلم أن ابنة لعمر. فإنما هي زوجة عمر بن الخطاب. قال الحافظ الذهبي وغيره: جميلة بنت عمر وهم، إنما هي بنت ثابت (¬5). قال في "الاستيعاب": جميلة بنت ثابت هي زوج عمر بن الخطاب ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2139) (15). (¬2) في (ل)، (م): قبيح. والمثبت هو الموافق لما في كتب الشروح. (¬3) ليست في (ل)، (م)، وأثبتناها ليستقيم السياق. (¬4) في (ل)، (م): ولما. وما أثبتناه أليق للسياق. (¬5) انظر: "أسد الغابة" 7/ 55، "تاريخ الإسلام" 5/ 138، "الإصابة في تمييز الصحابة" 4/ 262 (232). وذكر هذا القول النووي في "تهذيب الأسماء واللغات" 2/ 335 - 336 (723) وعزاه لابن الأثير وقال معقبًا عليه: وقد ذكر مسلم بن الحجاج رحمه اللَّه تعالى حديث حماد بن سلمة المذكور في "صحيحه" كما تقدم، ولا يمكن رفعه، فيحتمل أنها كانتا اثنتين. انتهى.

تكنى أم عاصم بابنها عاصم بن عمر بن الخطاب، كان اسمها عاصية، فسماها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جميلة، تزوجها عمر بن الخطاب سنة سبع من الهجرة، فولدت له عاصم بن عمر، ثم طلقها، فتزوجها يزيد بن جارية، فولدت له عبد الرحمن بن يزيد (¬1). [4953] (ثنا عيسى بن حماد) شيخ مسلم (أبنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب) سويد، أبو رجاء المصري الفقيه (عن محمد بن إسحاق) صاحب "المغازي". (عن محمد بن عمرو بن عطاء) العامري المدني (أن زينب بنت أبي سلمة) بن عبد الأسد المخزومي ربيبة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأمها أم سلمة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولدت زينب بأرض الحبشة (سألته) أي: سألت محمد بن عمرو بن عطاء، وقد صرح بذلك في رواية مسلم فقال: عن محمد بن عمرو بن عطاء قال: سميت ابنتي برة، فقالت لي زينب بنت أبي سلمة: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن هذا الاسم (¬2). (ما سميت ابنتك؟ قال: سميتها برة) فيه أن المرأة إذا كانت عالمة بشيء من أمور الدين ورأت رجلًا محتاجًا إليه فلها أن تعلمه به، وفيه أن سؤال من ولد له ولد عما يسمي به ولده ليعلمه حكم التسمية والمستحب فيها والمكروه. (فقالت: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن هذا الاسم) لما سيأتي من العلة (سميت) بضم السين وتاء المتكلم (به، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا تزكوا أنفسكم) ¬

_ (¬1) 4/ 365 (3313). (¬2) "صحيح مسلم" (2142) (19).

بأنكم أبرار أتقياء، فإنه أعلم بمن اتقى، أي: بمن بر وأطاع وأخلص العمل للَّه تعالى. وظاهره تقدم نزول هذِه الآية على هذا النهي، وفيه الاستدلال على ما أمر به أو نهي بلفظ القرآن، وفيه النهي عن تزكية الإنسان نفسه ووصفه بالصفات الجميلة. قال القرطبي: ويجري هذا المجرى في المنع ما قد كثر في هذا الزمان من نعتهم أنفسهم وأولادهم بالنعوت التي تقتضي التزكية، كزكي الدين ومحيي الدين وعز الدين، وما أشبه ذلك مما يقصد به المدح والتزكية، لكن لما كثرت قبائح المسمين بهذِه التسمية في الزمان ظهر تخلف هذِه النعوت عن أصلها؛ فصارت لا تفيد شيئًا من أصل موضوعاتها، فصار ذلك كتسمية العرب الأرض المهلكة بالمفازة (¬1). وقيل: إن إبليس اللعين لما رأى البركة التي تحصل للمسمين بأسماء محمد وأحمد وعبد اللَّه ونحو ذلك حبب إليهم أسماء التزكية، فأُبدل محمد بشمس الدين، وأحمد بشهاب الدين، وعبد اللَّه بجمال الدين؛ ليحرموا بركة أسماء أنبيائهم، فصار أي أمير أو قاضٍ أو رئيس قيل له: يا محمد؛ تغيظ، ورأى أنه احتقر، حتى يقال له: يا سيدي شمس الدين (¬2). ونحو ذلك، فنسأل اللَّه السلامة والعافية من ذلك. (اللَّه أعلم بأهل البر منكم) والطاعة للَّه تعالى، وبالزاكي المزكى الذي حسنت أفعاله وأقواله وزكاه اللَّه تعالى وجعله من أهل التقوى، فلا عبرة ¬

_ (¬1) "المفهم" 5/ 465. (¬2) ساقطة من (م).

بتزكية الإنسان نفسه، وإنما العبرة بتزكية اللَّه. (فقال: ما) لفظ مسلم: فقالوا: بمَ (¬1). (نسميها؟ قال: سموها زينب) وكذلك دخلت عليه زينت بنت جحش واسمها برة فسماها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- زينب (¬2). [4954] (ثنا مسدد، ثنا بشر بن المفضل، حدثني بشير) (¬3) بفتح الموحدة وكسر المعجمة (بن ميمون) الشقري البصري، صدوق. (عن عمه أسامة بن أخدري) بفتح الهمزة وسكون المعجمة بعدها دال مهملة مفتوحة وراء مهملة مكسورة وياء النسب، كذا ضبطه المنذري (¬4)، قال: والأخدري: الحمار الوحشي، ويشبه أن يكون سمي به، واللَّه أعلم (¬5). قال البغوي: هو بصري، روى عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حديثًا واحدًا (¬6). (أن رجلًا يقال له: أصرم) بالصاد المهملة (كان في النفر الذين أتوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) ووفدوا عليه (فقال) له (رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما اسمك؟ قال: أنا أصرم. قال: بل أنت زرعة) كره رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أصرم؛ لما فيه من معنى الصرم بضم الصاد وهو الهجر والقطيعة، يقال: صرمت الحبل ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2142) (19). (¬2) "صحيح مسلم" (2142) (18). (¬3) فوقها في (ل): د. (¬4) في "مختصر سنن أبي داود" 7/ 253. (¬5) السابق. (¬6) انظر: "معجم الصحابة" 1/ 227، "مختصر سنن أبي داود" 7/ 253.

صرمًا: قطعته، ومنه الحديث: "لا يحل لمسلم أن يصارم مسلمًا فوق ثلاث" (¬1) أي: يهجره ويقطع مكالمته. وحديث: إن الدنيا قد آذنت بصرم (¬2). أي: بانقطاع وانقضاء، وسماه زرعة بضم الزاي؛ لأنه من الزرع، وهو النبات، ونفعه عام للطير والوحش والآدمي وغيره. [4955] (ثنا الربيع بن نافع) أبو توبة الحلبي، ثقة، حافظ، من الأبدال. (عن يزيد بن المقدام بن شريح) بضم الشين المعجمة، الكوفي الحارثي، صدوق، وأخطأ عبد الحق في تضعيفه (¬3). (عن أبيه، عن جده شريح) بن هانئ الكوفي، أصله من اليمن، أدرك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولم يره، وكان من كبار أصحاب علي (عن أبيه هانئ) بن يزيد ابن نهيك المذحجي الحارثي. (أنه لمَّا وفد إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مع قومه سمعهم يكنونه) بفتح الياء وسكون الكاف (بأبي الحكم) بفتح الحاء والكاف، فقال: كنيته أبا الحكم وبأبي الحكم. قال ابن فارس: وفي كتاب الخليل: الصواب الإتيان بالباء (¬4). يعني (¬5) كما في الحديث. ¬

_ (¬1) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (402)، (407)، وأبو يعلى 3/ 126 (1557)، وابن حبان 12/ 480 (5664)، والطبراني 22/ 175، (455) من حديث هشام بن عامر الأنصاري مرفوعًا. وصححه الألباني في تعليقه على "الأدب المفرد". (¬2) رواه مسلم (2967) من حديث عتبة بن غزوان. (¬3) في "الأحكام الوسطى" 1/ 319. (¬4) "المجمل" 3/ 771. (¬5) بعدها في (م): بالباء.

(فدعاه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: إن اللَّه هو الحكم) أي: الحاكم الذي إذا حكم لم يرد حكمه وقضاؤه، وهذِه الصفة لا تليق بغير اللَّه تعالى. وفيه دلالة على أن الحكم من الأسماء المختصة باللَّه تعالى، لا يسمى به غيره، كالقدوس ونحوه، ومن أسمائه: الحكم العدل (وإليه) دون غيره (الحكم) بين عباده، وقضاؤه النافذ فيهم، وهو خير الحاكمين (فلم تكنى أبا الحكم؟ ) وللنسائي: فلم تكنى أبا الحكم؟ (¬1) (فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء) مما يقع فيه التنازع بينهم [(أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين) بما حكمت بينهم] (¬2) (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ما أحسن هذا) استدل به على أن الرجلين إذا تحاكما إلى رجل وحكماه بينهما في شيء من حقوق الآدميين ورضيا به، وكان ممن يصلح للقضاء جاز ذلك في المال وغيره كقصاص ونكاح، ونفذ حكمه عليهما سواء كان في البلد قاضٍ أم لا، فليس له الحبس، بل غايته الإثبات والحكم، ولا يشترط الرضا بعد الحكم، وإذا رفع حكمه إلى قاضٍ لم ينقضه إلا بما ينقض به قضاء غيره. وللشافعي قول: أنه لا يكون الرضا إلا بعد المعرفة بحكمه (¬3)، وليس بصحيح؛ لأنه لم يذكر المعرفة في الحديث؛ ولأن الموكل إذا رضي بتصرف وكيله فإنه يلزمه قبل المعرفة به. (فما لك من الولد؟ قال: لي شريح) وهو الراوي عنه (ومسلم، وعبد ¬

_ (¬1) "المجتبى" 8/ 226. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) انظر: "المهذب" 2/ 291، "روضة الطالبين" 11/ 122.

اللَّه) وذكرهما الذهبي في "التجريد في أسماء الصحابة" (¬1) (قال: فمن أكبرهم؟ قال: قلت: شريح. قال: فأنت أبو شريح) فيه: استحباب تكنية الرجل بأكبر أولاده؛ لهذا الحديث، ولما روى الطبراني بإسناد حسن عن أم عياش قالت: ولدت رقية لعثمان غلامًا فسماه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عبد اللَّه، وكنى عثمان بأبي عبد اللَّه (¬2). [4956] (ثنا أحمد بن صالح) الطبري، المصري، شيخ البخاري (ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب) سيد التابعين (عن أبيه) المسيب (عن جده) حزن بن أبي وهب بن عمرو المخزومي، له هجرة، وكان أحد الأشراف، وأخواه هبيرة وزيد. (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: ما اسمك؟ قال: حزن. قال: أنت سهل) وحزن بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي، وزاد البخاري بعد قوله: (أنت سهل) قال: لا أغير اسمًا سمانيه أبي. قال ابن المسيب: فما زالت الحزونة فينا بعد (¬3). وفي الحديث: دلالة على كراهة الأسماء القبيحة، فإن الحزن في اللغة هو الأرض الغليظة اليابسة التي يشق حرثها، ومنه الحزن بضم الحاء وهو الهم الذي يعتري الآدمي ويضيق به صدره، والحزونة الخشونة والصعوبة. وقيل: تغيير الاسم القبيح بضده، فإن السهل ضد الحزن، قال ¬

_ (¬1) 2/ 76 (851)، 1/ 338 (3587). (¬2) "المعجم الكبير" 25/ 92 (235). (¬3) "صحيح البخاري" (6190)، (6193).

البغوي: روي عن سهل بن سعد (¬1) أن رجلًا كان اسمه أسود، فسماه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بأبيض (¬2) (¬3). كما سمى حربًا سلمًا، وهو ضده كما سيأتي. (قال: لا) أغير اسم أبي؛ لأن (السهل) من الأرض (يوطأ) (¬4) بالمشي فيه بالنعال والدواب وغيرها (ويمتهن) أي: يداس ويبتذل من المهنة (¬5)، قاله في "النهاية" (¬6)، أي: يقصد السهل من الطريق والأرض للمشي فيها والتردد فيها لسهولة ذلك، بخلاف الأرض الخشنة اليابسة الصعبة السلوك، وفي دعائه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلًا، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلًا" (¬7) يعني: للمشي فيه. (قال سعيد) بن المسيب ([فظننت] (¬8) أنه سيصيبنا بعده) أي: يصيب أولاد حزن وذريته ونسله وعقبه من بعد قوله النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- له ذلك، أو بعد موته (حزونة) أي: صعوبة وخشونة. أي: علمت أنه سيحصل له ولنا ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): سعيد. وما أثبتناه كما في مصادر التخريج و"شرح السنة". (¬2) رواه الروياني 2/ 236 (1123)، والطبراني 6/ 204 (6016). (¬3) "شرح السنة" 12/ 342. (¬4) بعدها في (ل)، (م): يوطأ. (¬5) بعدها في (ل): وهي المهنة. (¬6) 4/ 376. (¬7) رواه ابن حبان 3/ 255 (974)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (351)، والبيهقي في "الدعوات الكبير" (235)، والضياء في "المختارة" 5/ 62 - 63 (1683 - 1686) من حديث أنس مرفوعًا، وصححه الألباني في "الصحيحة" (2886)، قال: إسناده صحيح على شرط مسلم. (¬8) ساقطة من (ل)، (م)، وأثبتت من "السنن".

من بعده الصعوبة والتعسير في أمورنا وأحوالنا؛ عقوبة مخالفة ما اختاره له من السهولة في الأمور، وهكذا ينبغي أن يكون التلميذ مع شيخه والولد مع والده، لا يخالفه فيما يشيره عليه، بل يأخذه بالقبول وإن لم يفهم حكمته، فقد ظهر لكثير من مخالفي المشايخ من العلماء والصوفية وغيرهم بالمخالفة فساد كثير. (قال) المصنف (غيَّر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) أسماء كثيرة، منها (اسم العاص) بن عامر العامري الكلابي، فسماه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: مطيعًا (¬1)، قاله الكلبي (¬2)، لاشتقاقه من العصيان، وإنما سمة المؤمن الطاعة، كما تقدم (وعزيز) قال شعبة: عن أبي إسحاق، عن خيثمة بن عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي قال: لما ولد أبي سماه أبوه عزيزًا، ثم ذكر ذلك للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "سمه عبد الرحمن" (¬3) فكره عزيزًا؛ لأن العزة للَّه مخصوصة باللَّه تعالى، لا يسمى به غيره، قال اللَّه تعالى: {فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} (¬4) وشعار العبد الذلة والاستكانة لخالقه؛ ليرحمه، فلهذا سماه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعبد الرحمن. (وعتلة) بفتح العين المهملة، وتخفيف المثناة فوق، قال في "الاستيعاب": عتبة بن عبد (¬5) السلمي له صحبة، كان اسمه عتلة، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1782) (89) من حديث مطيع بن عامر. (¬2) انظر: "الإصابة في تمييز الصحابة" 3/ 426 (8033). (¬3) رواه من هذا الطريق ابن سعد في "طبقاته" 6/ 286، والحاكم 4/ 276. (¬4) النساء: 139. (¬5) في (ل)، (م): عبيد. وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه كما في مصادر ترجمته، انظر: =

فغيره رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وسماه: عتبة، شهد خيبر (¬1). قال الواقدي: هو آخر من مات بالشام من الصحابة (¬2). فكره العتلة؛ لما فيها من الغلظة والشدة، ومنه قولهم: رجل عتل. أي: شديد غليظ جافٍ، والعتلة عمود حديد تهدم به الحيطان وتكسر به الحجارة والخشب. وقيل: حديدة كبيرة تقطع بها الحجارة والشجر. ومن صفة المؤمن اللين والسهولة، ولهذا سماه عتبة، فإنه من العتبى، ومنه الحديث: "لا يتمنين أحدكم الموت، إما محسنًا فلعله يزداد، وإما مسيئًا فلعله يستعتب" (¬3) أي: يرجع من الإساءة ويطلب رضا ربه سبحانه، وحديث: "لا بعد الموت مستعتب" (¬4) أي: ليس بعد الموت من استرضاء؛ لأن الأعمال بطلت وانقضى زمنها بالموت. (وشيطان) وروى الطبراني عن عبد اللَّه بن قرط -بضم القاف وسكون الراء- الثمالي الأزدي أنه جاء إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال له: "ما اسمك؟ " قال: شيطان بن قرط. قال: "أنت عبد اللَّه بن قرط" (¬5). ورجاله ¬

_ = "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" 3/ 150 (1787)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" 2/ 454 (5407). (¬1) 3/ 150 (1787). (¬2) انظر السابق. (¬3) رواه البخاري (5673)، (7235) من حديث أبي هريرة مرفوعًا. (¬4) رواه القضاعي في "مسند الشهاب" 2/ 204 (1189) من حديث أبي حميد مرفوعًا. (¬5) ذكره الهيثمي في "المجمع" 8/ 51 وقال: رواه الطبراني، ورجاله ثقات. اهـ. ورواه أحمد 4/ 350 من رواية مسلم بن عبد اللَّه الأزدي، وذكره أيضًا الهيثمي في "المجمع" 8/ 51 وقال: رواه أحمد، ورجاله ثقات.

ثقات، فكره اسم الشيطان؛ لأنه اسم للعاتي المتمرد من الجن والإنس والدواب، وتسمى الحية الدقيقة الخفيفة شيطانًا على التشنيع. (والحكم) بفتح الحاء والكاف، وهو ابن سعيد بن العاص بن أمية، سماه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عبد اللَّه، فكره النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تسميته بالحكم؛ لأن اللَّه هو الحكم وإليه الحكم، كما تقدم. (وغراب) كره تسميته بغراب؛ لأنه مأخوذ من الغرب، وهو البعد، ثم هو حيوان خبيث الطعم والفعل، وقد أباح رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قتله في الحل والحرم (¬1)؛ لكثرة فساده. (وحباب) بضم الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة المكررة بينهما ألف، وهو حباب بن عبد اللَّه بن أبي بن سلول، رأس المنافقين، يكنى أبا الحباب، فكره رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الحباب؛ لأنه اسم للشيطان، ويقع على الحية أيضًا كما يقال لها: شيطان، فهما مشتركان فيها، وقيل: الحباب: حية بعينها (وشهاب) لما روى الإمام أحمد عن عائشة رضي اللَّه عنها: غير النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- اسم رجل شهاب [فقال: "أنت هشام"] (¬2) (¬3) أو كما قال. ويروى أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سمى شهاب بن خرفة مسلمًا (¬4). ذكره الذهبي في "التجريد" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1198) من حديث عائشة مرفوعًا. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) مسند أحمد 6/ 75. (¬4) ساقطة من (م). (¬5) 1/ 260 (2737).

وقال في "الاستيعاب": هشام (¬1) بن عامر بن أمية بن الحسحاس الأنصاري، كان يسمى في الجاهلية: شهابًا، فغير النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- اسمه (¬2) (فسماه: هشامًا) واستشهد أبوه عامر يوم أحد، فكره رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شهابًا؛ لأن الشهاب شعلة من نار، والنار عقوبة اللَّه تعالى، وهي محرقة مهلكة، أعاذنا اللَّه منها، فسماه هشامًا كما تقدم. (وسمى حربًا) بفتح الحاء المهملة وسكون الراء ثم موحدة. (سلمًا) بكسر السين وسكون اللام، ولعل سلمًا هذا هو سلم بن عبد الرحمن الجرمي الصحابي، كره اسم الحرب؛ لما فيه من الفتن والخوف والشدائد العظام في ملاقاة العدو، وسماه باسم ضده وهو السلم، وهو الصلح والانقياد والإذعان، وفيه لغة السلم بفتح السين واللام كما قال اللَّه تعالى: {وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ} (¬3)، كما قال: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} (¬4). (وسمى: المضطجع المنبعث) من نوبة الطائف، وهو من عبيدهم، هرب كأبي بكرة، كره اسمه المضطجع؛ لأن الاضطجاع هو النوم، وهو قطع الحركة؛ إذ هو كالميت، وسماه بالمنبعث الذي هو ضد المضطجع، وهو المستيقظ، ومنه الحديث: "أتاني الليلة اَتيان فابتعثاني" (¬5) أي: أيقظاني من نومي. ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): شهاب. والمثبت من "الاستيعاب". (¬2) "الاستيعاب" 4/ 102 (2714). (¬3) النساء: 90. (¬4) البقرة: 208. (¬5) رواه البخاري (4674)، (7047) من حديث سمرة بن جندب مرفوعًا.

(وأرض) (¬1) بالرفع مبتدأ (عفرة) بفتح العين المهملة [وكسر الفاء] (¬2) وإسكانها، وهو أنه مر على أرض تسمى عفرة (سماها: خضرة) بفتح الخاء المعجمة وكسر الضاد المعجمة، كذا رواه الخطابي في "شرح السنن" (¬3)، وهو من العفرة وهو التراب الذي يعفر به، وهو أيضًا الأرض التي لا تنبت شيئًا، أخذت من العفرة، وهي لون الأرض، والمحفوظ عقرة بالقاف، كأنه كره العقر؛ لأن العاقر المرأة التي لا تحمل، وشجرة عاقر: لا تحمل. قال: ويجوز أن يكون مأخوذًا من قولهم: نخلة عقرة. إذا قطع رأسها فيبست (¬4). ومنه حديث أم زرع: وعقر جارتها (¬5). أي: هلاكها من الحسد والغيظ، وكذا ذكره في "النهاية" في عقر بالقاف (¬6)، وحكي آنفًا (¬7) عن الخطابي وجزم بالقاف. ¬

_ (¬1) بعدها في (ل): أرضًا. وعليها: خـ. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) لم أقف على روايته في "معالم السنن"، وإنما وجدت في "غريب الحديث" له 1/ 528 قال: أخبرني ابن داسة قال: قال أبو داود: غير رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- اسم. . . . . ومر بأرض تسمى عثرة فسماها خضرة. قال غير ابن داسة: عفرة. وقال غير أبي داود: غدرة. انتهى كلام الخطابي. (¬4) "أعلام الحديث" 3/ 1611. (¬5) رواه مسلم (2448) من حديث عائشة. (¬6) 3/ 272. (¬7) ساقطة من (م).

قال: ويروى بالفاء (¬1) والثاء المثلثة والدال (¬2). (وشعب) بكسر الشين المعجمة هو الطريق في الجبل، وقيل: الطريق (الضلالة سماها شعب الهدى) كره اسم الضلالة؛ لما جاء في الحديث: "لولا أن اللَّه لا يحب ضلالة العمل ما رزأناكم عقالًا" (¬3) وضلالة العمل: بطلانه وضياعه، مأخوذ من الضلال، وهو الضياع. قال اللَّه تعالى: {ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (¬4) (وبنو الزنية) بكسر الزاي، وسكون النون (سماهم بني الرشدة) بكسر الراء وسكون الشين، أشار إلى ما في الحديث أنه وفد عليه بنو مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة الذين منهم ضرار بن الأزور فقال: "من أنتم؟ " فقالوا: نحن بنو الزنية فقال: "بل أنتم بنو الرشدة" (¬5). قال الأزهري: كلام العرب المعروف: فلان بن زَنية وابن رشدة. وقيل: زِنية ورشدة، والفتح أفصح اللغتين، وغية بالفتح لا غير (¬6). وحكي الفتح والكسر في "النهاية" من غير ترجيح، قال: وهو آخر ولد ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): بالقاف. وما أثبتناه كما في "غريب الحديث" للخطابي. (¬2) انظر: "غريب الحديث" للخطابي 1/ 528. (¬3) رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 2/ 414 (1209)، والبيهقي 10/ 171 من حديث الزبيب العنبري مرفوعًا مطولًا. (¬4) الكهف: 104. (¬5) رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 1/ 292، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 25/ 153 من حديث الكلبي مرفوعًا وذكره الحافظ في "الإصابة" 1/ 341 من رواية عمر ابن شبة إلى أبي وائل، وصحح إسناده. (¬6) "تهذيب اللغة" 8/ 213.

الرجل والمرأة كالعجزة، وبنو مالك يسمون بني الزنية كذلك، وسماهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بني الرشدة تفاؤلا ونفيًا لهم عما يوهمهم من الزنية وهي الزنا، وهو نقيض الرشدة، فإنه يقال: هذا ولد رشدة إذا كان من نكاح صحيح كما يقال في ضده إذا كان من الزنا (¬1). (وسمى بني مغوية) بضم الميم وسكون الغين المعجمة وكسر الواو (بني رشدة) بكسر الراء وسكون المعجمة حين وفدوا عليه، ومنهم أبو راشد عبد الرحمن بن راشد الأزدي، سمع من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كما في "الاستيعاب" (¬2)، وكان اسمه في الجاهلية عبد العزى أبو مغوية، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أنت عبد الرحمن بن (¬3) راشد" فكره رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- اسم مغوية؛ لأنه من الغي الذي هو ضد الرشد، ويقال لكل مهلكة: مغواة. (قال) المصنف (تركت أسانيدها) أي: أسانيد هذِه الأسماء المغيرة (للاختصار). [4957] (ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا هاشم بن القاسم) أبو النضر الحافظ، صاحب سنة، تفتخر به بغداد. (ثنا أبو عقيل) بفتح العين، عبد اللَّه ابن عقيل الثقفي الكوفي ببغداد، صدوق (ثنا مجالد) بتخفيف الجيم (ابن سعيد) الهمداني، أخرج له مسلم ¬

_ (¬1) 2/ 317، 225. (¬2) 4/ 219 (2976). (¬3) في "الاستيعاب" 4/ 219 (2976): أبو.

(عن الشعبي، عن مسروق قال: لقيت عمر بن الخطاب فقال: من أنت؟ فقلت: مسروق بن الأجدع) بسكون الجيم الهمداني. (فقال عمر: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: الأجدع الشيطان) كره اسم الأجدع؛ لأن الجدع قطع الأنف والأذن ونحوها، والمجادعة: المخاصمة، ومنه حديث الصديق قال لابنه: يا غنثر فجدع وسب (¬1). أي: خاصمه وذمه. فلعله سمي الأجدع شيطانًا؛ لأنه الداعي إلى المخاصمة وقطع الأطراف والسب فيه، فسمي به، كما سمى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- المار بين يدي المصلي شيطانًا؛ فقال: "ادفعه، فإن أبي فقاتله؛ فإنَّما هو شيطان" (¬2) لأنه الداعي إلى المرور، فنسب إليه تجوزًا. [4958] (ثنا) عبد اللَّه بن محمد (النفيلي) أخرج له البخاري (ثنا زهير، ثنا منصور بن المعتمر، عن هلال بن يساف) بالتنوين (عن ربيع ابن عميلة) بضم العين المهملة وفتح الميم مصغر، الفزاري، أخرج له مسلم. (عن سمرة بن جندب -رضي اللَّه عنه-: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا تسمين غلامك) ليس المراد بالغلام العبد فقط، بل الصغير، فإنه يقال عليه غلام إلى أن يبلغ، والأنثى جارية، ولا فرق بين العبد والحر، فإن العلة تأتي فيهما. (يسارا ولا رباحًا) بفتح الراء والباء الموحدة (ولا نجيحًا ولا أفلح) وفي معناه مفلح، ثم ذكر العلة في النهي عن ذلك (فإنك تقول: أثم) ¬

_ (¬1) رواه البخاري (602)، ومسلم (2057). (¬2) رواه البخاري (509)، ومسلم (505) من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا.

بفتح المثلثة اسم إشارة للمكان (هو؟ ) [أي: أهو] (¬1) هاهنا؟ زاد مسلم: "فلا يكون" (¬2) يعني: فلا يكون هنالك (فيقول: لا) والعلة فيه أن يسمع الإنسان من هذا ما يكره، فإن ظاهره ليس عندنا يسر ولا ربح ولا نجاح ولا فلاح. (إنما هن أربع) كلمات هذا مدرج في آخر الحديث من قول سمرة بن جندب الراوي (فلا تزيدن) بضم الدال؛ لأنه نهي للجمع، أصله: لا تزيدون (عليَّ) بتشديد الياء آخره؛ أي: لا تزيدون على ما ذكرته، وليس المراد بعدم الزيادة أن النهي يختص بهذِه الأربع، فلا يقاس عليها ما في معناها، بل الحكم يتعدى إلى ما في معناها، وأن المراد بقوله: (لا تزيدن عليَّ) ذلك تحقيق أن الذي سمعه من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-[هنا هي الأربع لا أكثر منها؛ تحقيقًا لما سمعه ونفيا أن يقال عنه ما لم يسمعه من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-] (¬3). وإن سلم أن ذلك من قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لا من قول من سمعه، فإن الأصل عدم الإدراج حتى يثبت بنص، ولا نص هنا، بل سياق الكلام يدل أنه من كلام الرسول. فنقول أيضًا: ليس معناه أيضًا المنع من القياس، بل أن يزاد عليه اسم (¬4) لم يقله، فإن الفرع يلحق بأصله في الحكم لا في القول، وبيانه أنا إذا ألحقنا الزبيب بالتمر في تحريم الربا قياسًا عليه، فلا ¬

_ (¬1) ساقط من (م). (¬2) "صحيح مسلم" (2137). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) في (ل)، (م): اسمًا. والجادة ما أثبتناه.

نقول: إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إن الرِّبا في الزبيب حرام، فإنه قول كاذب، ولو كان ذلك صادقًا منطوقًا به، فحينئذٍ لا يكون فرعًا بل أصلًا. [4959] (ثنا أحمد بن حنبل، ثنا المعتمر بن سليمان قال: سمعت الركين) بضم الراء مصغر، ابن الربيع (يحدث عن أبيه) الربيع بن عميلة (عن سمرة) بن جندب -رضي اللَّه عنه-. (قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن نسمي رقيقنا) (¬1) تقدم أن النهي لا يختص بالرقيق، بل الأحرار والعبيد سواء، وإنما خصص في الحديث العبيد بالذكر؛ لأن هذِه الأسماء إنما كانت في غالب الأمر اسمًا لعبيدهم، فخرج النهي على الغالب، وما خرج على الغالب لا يعمل بمفهومه كما في قوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} (¬2) (أربعة أسماء) وهي: (أفلح، ويسارًا، ونافعًا، ورباحًا) بفتح الراء والموحدة، يحتمل أن يكون سمع الحديث مرتين، فسمعه مرة يقول: نجيحا، ومرة يقول: نافعًا، ويحتمل عند من يقول: تجوز رواية الحديث بالمعنى. أن يكون أبدل نجيحًا بنافع، فإنه بمعناه، أو قريب منه، فإن صح هذا فيكون فيه دليل على القياس على الأربعة مما في معناها. [4960] (ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا محمد بن عبيد) الطنافسي [كان يحفظ حديثه، أربعة آلاف حديث. (عن الأعمش، عن أبي سفيان) طلحة بن نافع] (¬3) الواسطي، أخرج ¬

_ (¬1) بعدها في (ل)، (م): رقيقًا، وعليها: خـ. (¬2) النساء: 23. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

له مسلم (¬1) (عن جابر) بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن عشت) فيه حذف تقديره -واللَّه أعلم-: أريد إن عشت (إن شاء اللَّه) تعالى، وفيه استحباب التعليق بالمشيئة للمستقبل (أن أنهى أمتي) ولفظ مسلم: أراد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن ينهى أن يسمى بيعلى (¬2). وقد اختلف في حديث سمرة وجابر هذا، هل بينهما معارضة في قوله في الأول: (نهى) وفي الثاني: (أريد أن أنهى إن عشت) فقيل: إن حديث جابر ناسخ لحديث سمرة، والمشهور: لا معارضة ولا نسخ؛ فإن قوله: (إن عشت أن أنهى) وأراد أن ينهى عن هذِه الأسماء، أراد أن ينهى عنه نهي تحريم، فلم ينه عنه، وأما حديث سمرة؛ فإنه نهي تنزيه لا تحريم، بمعنى أن ترك التسمية بهذِه الأسماء أولى؛ لأن التسمية تؤدي إلى التفاؤل (وبقوله) (¬3): لا. فربما أوقع السامع في شيء من الطيرة، ولبشاعة هذا اللفظ، فإن قيل: بلى المصير إلى النسخ أولى؛ فإن حديث سمرة وإن حمل على الكراهة؛ لحديث جابر كما تقدم فإن حديث جابر يقتضي الإباحة المطلقة؛ لأنه لما سكت عن النهي عن ذلك إلى حين موته، وكذلك عمر مع حصول ذلك في الموجود كثيرًا، فقد كان للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- غلام اسمه رباح، ومولى اسمه يسار، وقد سمى ابن عمر مولاه نافعًا، ومثله كثير. فالجواب: أن هذا يلزم منه أن لا يصدق قول جابر أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أراد أن ينهى ¬

_ (¬1) (2052/ 167). (¬2) "صحيح مسلم" (2138). (¬3) في (ل): بقوله. والمثبت ما يقتضيه السياق.

عن ذلك؛ فإنه قد وجد النهي، ولا بد وهو صادق، فلا بد من تأويل لفظه، وما تقدم أولى. (أن يسموا) الرقيق (نافعًا، وأفلح، وبركة) يؤخذ من هذا ترك ما يحصل منه التطير والتفاؤل، ومن لم يحصل منه التفاؤل فجائز لزوال المحذور (قال الأعمش: ولا أدري ذكر) (¬1) أبو سفيان (نافعًا أم لا؟ فإن الرجل إذا جاء) يطلب من اسمه بركة (يقول: أثم بركة؟ ) أم لا (فيقولون: لا) فربما كره ذلك وتفاءل به، فنهى عن ذلك سدًّا للذريعة. (قال) المصنف (روى أبو الزبير) محمد بن مسلم المكي (عن جابر) ابن عبد اللَّه (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نحوه) و (لم يذكر) فيه (بركة). قال المنذري: هذا الذي قاله أبو داود -رضي اللَّه عنه- في حديث أبي الزبير عن جابر فيه نظر؛ فقد أخرج مسلم في "صحيحه" هذا الحديث من حديث ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، ولفظه: أراد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن ينهى أن يسمى بيعلى وببركة وبأفلح وبيسار وبنافع، ونحو ذلك، ثم رأيته لقد سكت عنها فلم يقل شيئًا (¬2) (¬3). [4961] (ثنا أحمد بن حنبل، ثنا سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد) عبد اللَّه بن ذكوان المدني. (عن الأعرج، عن أبي هريرة يبلغ به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: أخنع) بسكون الخاء المعجمة (اسم) أي: أخنع، والخنوع: الخضوع والذل، يقال: ¬

_ (¬1) بعدها في (ل): أذكر. عليها: خـ. (¬2) "صحيح مسلم" (2138). (¬3) "مختصر سنن أبي داود" 7/ 257.

أخنعتني إليك الحاجة، ومنه في حديث القنوت: "ونخنع لك" أي: نذل لك ونخضع، وقد يقال على الفجور والريبة، فيقال: رجل خانع، أي: مريب فاجر، وهو راجع للمعنى الأول؛ لأن الفاجر المريب خانع، ذلك وأراد بالاسم هاهنا المسمى يدُلَّك ما جاء في الصحيحين: "أغيظ رجل على اللَّه يوم القيامة" (¬1) فالغيظ المضاف إلى اللَّه هو غضبه، وهو عبارة عن العقوبة. (عند اللَّه يوم القيامة) أي: أشدهم ذلا وصغارًا يوم القيامة، قال القاضي عياض: وقد يستدل به على أن الاسم المسمى (¬2) (رجل تسمى) (¬3) أي: سمي (ملك) بكسر اللام (الأملاك) أي: ملك الملوك، وحاصله أن المسمى بهذا الاسم إذا رضي به ولم يكرهه وينهى عنه قد انتهى من الكبر إلى الغاية القصوى التي لا تنبغي لمخلوق، وأنه قد تعاطى ما هو خاص بالإله الحق سبحانه، ولا يصدق هذا الاسم بالجملة إلا على اللَّه، فعوقب على ذلك بالإخساس والإذلال والغضب والعقوبة، بما لم يعاقب (¬4) به غيره من المخلوقين. وفيه التحريم الشديد والتهديد الأكيد على من سمي بذلك إذا لم يتب منه. وعن القاضي أبي الطيب وغيره في معنى ذلك: قاضي القضاة، ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2143) (21) بهذا اللفظ، وبلفظ "أخنع" رواه البخاري (6206) ومسلم (2143) (20)، وبلفظ "أخنى" رواه مسلم (6205) كلها من حديث أبي هريرة مرفوعًا. (¬2) "إكمال المعلم" 7/ 18. (¬3) بعدها في (ل)، (م): يسمى. وعليها: خـ. (¬4) ساقطة من (م).

وأقضى القضاة، وفي معناه، بل أبلغ: حاكم الحكام. (قال) المصنف (رواه شعيب (¬1) بن أبي حمزة) بالحاء المهملة والزاي، واسم أبيه دينار، وهو أموي حمصي (عن أبي الزناد بإسناده) المذكور (قال: أخنى) بالخاء المعجمة والنون ناقص لا مهموز، أي: أفحش (اسم) يقال: أخنى عليه في منطقه: إذا فحش. * * * ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع).

71 - باب في الألقاب

71 - باب فِي الأَلْقابِ 4962 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا وُهَيْبٌ، عَنْ داوُدَ، عَنْ عامِرٍ، قالَ: حَدَّثَني أَبو جُبَيْرَةَ بْنُ الضَّحّاكِ قالَ: فِينا نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ في بَني سَلِمَةَ {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ} قالَ: قَدِمَ عَلَيْنا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَلَيْسَ مِنّا رَجُلٌ إِلا وَلَهُ اسْمانِ أَوْ ثَلاثَةٌ، فَجَعَلَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "يا فُلانُ". فَيَقُولُونَ مَهْ يا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَغْضَبُ مِنْ هذا الاسْمِ فَأُنْزِلَتْ هذِه الآيَةُ: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} (¬1). * * * باب في الألقاب [4962] (ثنا موسى بن إسماعيل، أبنا وهيب) بن خالد الباهلي (عن داود) بن أبي هند البصري، عبد اللَّه الأودي، وثقه أحمد (¬2) (عن عامر) بن شراحيل الشعبي. (قال: حدثني أبو جبيرة) بفتح الجيم وكسر الموحدة وسكون المثناة بعدها راء مهملة ثم تاء التأنيث، قال المنذري: لا يعرف اسمه (¬3) (بن الضَّحَّاك) الأشهلي، وهو أخو ثابت بن الضحاك الأشهلي الأوسي، ولد أبو جبيرة بعد الهجرة، ذكره في "تجريد الصحابة" (¬4) وفي ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3268) وابن ماجه (3741)، وأحمد 4/ 260، والنسائي في "الكبرى" (11516). وصححه الألباني. (¬2) في "العلل ومعرفة الرجال" 1/ 381 (741)، قال: ثقة ثقة. (¬3) "مختصر سنن أبي داود" 7/ 259. (¬4) 2/ 154 (1792).

"الاستيعاب" (¬1). (قال: فينا نزلت) زاد ابن ماجه: معشر الأنصار (¬2) (هذِه الآية في بني سلمة) بكسر اللام، وهي قبيلة من الأنصار، وليس في سلمة بكسر اللام إلا هذِه القبيلة، وعمرو بن سلمة الجرمي ({وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ}) (¬3) أي: لا يدعو أحدهم أخاه بما يكرهه من الألقاب ولا يحدد له لقبًا ينقصه ويعيبه، والتنابز: تفاعل من النبز، والنبز بالتحريك: اللقب، وبالسكون: المصدر، قال أبو علي: معناه: لا يلقب بعضكم بعضًا بغير اسمه الذي يحب أن يُدعى به، والذي سمي به وسماه به أبواه، على جهة الذم والتعنيف. ({بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ}) (¬4) أي: بئس أن يسميه فاسقًا بعد أن آمن وتاب من فسقه الذي كان عليه، قيل: في الآية دلالة على أن من فعل ما نهى اللَّه عنه في هذِه الآية من السخرية واللمز والنبز فقد صار فاسقًا مذمومًا، وعلى أن الفاسق في حال فسقه ليس بمؤمن؛ لأن اسم الفسق إنما يلزمهم بعد اسم الإيمان، ولو كان مؤمنًا فاسقا لقال: بئس الاسم الفسوق مع الإيمان، والصحيح أن الفاسق مؤمن (¬5) حال فسقه. (قال) أبو جبيرة (قدم علينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) في بني سلمة (وليس منا ¬

_ (¬1) 4/ 185 (2919). (¬2) "سنن ابن ماجه" (3741). (¬3) الحجرات: 11. (¬4) الحجرات: 11. (¬5) في (ل)، (م): مؤمنًا. والجادة ما أثبتناه.

رجل إلا له أسمان أو ثلاثة) لفظ الترمذي: كان الرجل منا يكون له الاسمان (¬1) والثلاثة، فيُدْعَى ببعضها، فعسى أن يكره، فنزلت (¬2) (فجعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: يا فلان. فيقولون: مه) بفتح الميم مبني على السكون، اسم فعل بمعنى: اسكت واكفف عن ندائنا (¬3) بهذا الاسم (يا رسول اللَّه، إنه) أي: إن أحدنا (يغضب من هذا الاسم) [أن يدعى به] (¬4)، ولفظ ابن ماجه: فكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ربما دعاهم ببعض تلك الأسماء، فيقال: يا رسول اللَّه، إنه يغضب من هذا (¬5) (فنزلت هذِه الآية: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ}) (¬6) فقد اجتمع في الآية النهي عن التداعي باللقب القبيح، ووصفه في آخر الآية بأنه ظالم. * * * ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): الاسمين. والجادة ما أثبتناه. (¬2) "سنن الترمذي" (3268). (¬3) في (م): إيذائنا. (¬4) في (م): أي: بدعائه. (¬5) "سنن ابن ماجه" (3741). (¬6) الحجرات: 11.

72 - باب فيمن يتكنى بأبي عيسى

72 - باب فِيمَنْ يَتَكَنَّى بأَبي عِيسَى 4963 - حَدَّثَنا هارُونُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبي الزَّرْقاءِ، حَدَّثَنا أَبي، حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ -رضي اللَّه عنه- ضَرَبَ ابنا لَهُ تَكَنَّى أَبا عِيسَى وَأَنَّ المُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ تَكَنَّى بِأَبي عِيسَى فَقالَ لَهُ عُمَرُ أَما يَكْفِيكَ أَنْ تُكَنَّى بِأَبي عَبْدِ اللَّهِ فقالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كَنّاني فَقالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَدْ غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَما تَأَخَّرَ، وَإنّا في جَلْجَلَتِنا فَلَمْ يَزَلْ يُكْنَى بِأَبي عَبْدِ اللَّهِ حَتَّى هَلَكَ (¬1). * * * باب فيمن يتكنى بأبي عيسى (¬2) [4963] (ثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء) الموصلي نزيل الرملة، ثقة (ثنا أبي) زيد بن أبي الزرقاء، يزيد التغلبي نزيل الرملة، ثقة (ثنا هشام ابن سعد) القرشي المدني، مولى لآل أبي لهب، أخرج له مسلم. (عن زيد بن أسلم، عن أبيه) (¬3)، أسلم مولى عمر بن الخطاب العدوي (أن) مولاه (عمر بن الخطاب ضرب ابنا له يكنى (¬4) أبا عيسى) على تكنيته بهذِه الكنية (وأن المغيرة بن شعبة) الثقفي (تكنى بأبي ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1552)، والدولابي في "الكنى" (464)، والبيهقي 9/ 310. وصححه الألباني. (¬2) بعدها في (ل): أبا عيسى، وعليها: خـ. (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) بعدها في (ل)، (م): تكنى، وعليها: خـ.

عيسى) وقد روى أبو عمر النوقاتي في كتاب "معاشرة الأهلين" بسند ضعيف عن ابن عمر أن رجلًا سمى ابنا عيسى، وقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن عيسى لا أب له" فكره ذلك (فقال له عمر: ) بن الخطاب (أما يكفيك) أي: أما يقوم مقامه ويكفي (أن تكنى بأبي عبد اللَّه؟ ) يقال: كفاه الأمر إذا قام مقامه فيه، وفيه تغيير الاسم الذي يحصل منه الإيهام الباطل إلى ما هو أحسن منه ولا إيهام فيه. (فقال: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كناني) بتخفيف النون الأولى به (¬1) (فقال: ) عمر (إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد غفر) اللَّه (له ما تقدم من ذنبه وما تأخر) ولسنا مثله (وإنا) بكسر الهمزة وتشديد النون (في جلجتنا) بفتح الجيم واللام مع الجيم الثانية وكسر تاء التأنيث ثم نون المتكلم ومن معه، قال ابن ناصر: كذا صوابه، أي: بقينا في عدد كثير من أمثالنا من المسلمين، لا ندري ما يصنع بنا. وقيل: الجلج في لغة أهل اليمامة جباب الماء، كأنه يريد: تركنا في أمر ضيق كضيق الجباب، ومنه: لما نزلت: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} (¬2) قالت الصحابة: هنيئا لك، نحن في جلج لا ندري ما يصنع بنا (¬3). قال ابن الأعرابي: الجلاج: رؤوس الناس، واحدتها جلجة (¬4). ¬

_ (¬1) بعدها في (ل)، (م): كناني بـ. (¬2) الفتح: 1 - 2. (¬3) انظر: "الفائق في غريب الحديث" 1/ 225، "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 283. (¬4) انظر: "تهذيب اللغة" 10/ 492، "المحكم" 7/ 151، "النهاية في غريب الحديث =

المعنى: إنا بقينا في عدد رؤوس كثيرة من المسلمين (¬1)، ومنه كتاب عمر إلى عامله بمصر: أن خذ من كل جلجة من القبط كذا وكذا (¬2). أراد من كل رأس، وفي بعض النسخ: جلجيتنا. بزيادة ياء مشددة بعد الجيم. (فلم يزل) المغيرة بن شعبة (يكنى بأبي عبد اللَّه حتى هلك) [فيه أن هلك] (¬3) تستعمل للعلماء والصالحين ولا تختص بالكفار والفسقة، قال اللَّه تعالى في حق يوسف عليه الصلاة والسلام (¬4): {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ} (¬5). * * * ¬

_ = والأثر" 1/ 283. (¬1) "تهذيب اللغة" 10/ 492. (¬2) انظر: "تهذيب اللغة" 10/ 492، "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 283. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) يعني حاكيًا قول مؤمن آل فرعون. (¬5) غافر: 34.

73 - باب في الرجل يقول لابن غيره: يا بني

73 - باب فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لابْنِ غَيْرِهِ: يا بُنَي 4964 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قالَ: أَخْبَرَنا ح وَحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ قالوا: حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ أَبي عثْمانَ -وَسَمّاهُ ابن مَحْبُوبٍ الجَعْدَ-، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ لَهُ: "يا بُنَي". قالَ أَبُو داوُدَ: سَمِعْت يَحْيَى بنَ مَعِينٍ يُثْني عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ مَحْبُوبٍ وَيَقُولُ: كَثِيرُ الحَدِيثِ (¬1). * * * باب في الرجل يقول لابن غيره: يا بني [4964] (حدثنا عمرو بن عون) الواسطي، شيخ البخاري (قال: ثنا، ح، وثنا مسدد و) محمد (ابن محبوب، قالوا: ثنا أبو عوانة) الوضاح (عن أبي عثمان وسماه) محمد (ابن محبوب) أبا عثمان (الجعد) بن عثمان، ويقال: ابن دينار. البصري، شيخ ثقة. (عن أنس بن مالك أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال له: يا بني) وقال للمغيرة: "أي بني" (¬2). وفيه جواز قول الإنسان لمن هو أصغر منه: يا بني. وليس بابنه، وكذا يقول: يا ابني. دون تصغير. و: يا ولدي. وهذا مستحب للتلطف والتودد، يعني: إنك عندي بمنزلة ابني في الشفقة، كما يقال لمن هو في مثل من المتكلم: يا أخي. * * * ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2151). (¬2) رواه مسلم (2152) من حديث المغيرة مرفوعًا.

74 - باب في الرجل يتكنى بأبي القاسم

74 - باب فِي الرَّجُلِ يَتَكَنَّى بِأَبي القاسِمِ 4965 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ قالا: حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِياني، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تَسَمَّوْا بِاسْمي وَلا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتَي". قالَ أَبُو داوُدَ: وَكَذَلِكَ رَواهُ أَبو صالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ وَكَذَلِكَ رِوايَة أَبي سُفْيانَ، عَنْ جابِرٍ وَسالِمِ بْنِ أَبي الجَعْدِ، عَنْ جابِرٍ وَسُلَيْمانَ اليَشْكُري، عَنْ جابِرٍ وابْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جابِرٍ نَحْوَهُمْ وَأَنَسِ بْنِ مالِكٍ (¬1). * * * باب في الرجل يكنى بأبي القاسم [4965] (ثنا مسدد، وأبو بكر بن أبي شيبة، قالا: ثنا سفيان، عن أيوب) بن أبي تميمة (السختياني) بفتح السين، نسبة إلى عمل السختيان وبيعه، وهي الجلود (عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: تَسَموا) بتشديد الميم (باسمي) وللبخاري: "سموا" (¬2) بحذف التاء من أوله (ولا تكنوا بكنيتي) (¬3). قال النووي: وفيه مذاهب: أحدها: مذهب الشافعي: لا يحل التكني بأبي القاسم لأحد أصلًا، سواء كان اسمه محمدًا أو أحمد (¬4)، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3539)، ومسلم (2134). (¬2) "صحيح البخاري" (3539)، (6188)، (6197). (¬3) بعدها في (ل)، (م): تتكنوا، وعليها: خـ. (¬4) رواه البيهقي في "معرفة السنن والآثار" 14/ 76 (1917)، وذكره عن الشافعي النووي في "المجموع" 8/ 420.

ولم يكن لظاهر هذا الحديث (¬1). والثاني: أن هذا النهي منسوخ، وأن هذا الحكم كان في أول الأمر (¬2)، ثم نسخ، فيباح التكني اليوم بأبي القاسم لكل أحد، سواء كان اسمه [محمدًا أو أحمد أو غيره] (¬3)، وهذا مذهب مالك (¬4)، قال عياض: وبه قال جمهور السلف وفقهاء الأمصار وجمهور العلماء، وقد اشتهر أن جماعة تكنوا بأبي القاسم في العصر الأول، وفيما بعد إلى اليوم، مع كثرته وعدم الإنكار (¬5). (قال) المصنف (وكذلك رواه أبو صالح) السمان (عن أبي هريرة) وخرجه البخاري ومسلم عنه (¬6) (وكذلك رواية (¬7) أبي سفيان) طلحة بن نافع (عن جابر) وأخرجه ابن ماجه في "سننه" (¬8) أيضًا (وسالم بن أبي الجعد) رافع الأشجعي. (عن جابر) وأخرجه البخاري ومسلم (¬9) أيضًا (وسليمان) بن قيس (اليشكري) البصري (عن جابر و) محمد (بن المنكدر عن جابر نحوهم، وأنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-). * * * ¬

_ (¬1) في (م): الثاني. (¬2) في (م): الإسلام. (¬3) في (ل)، (م): محمد وأحمد وغيره. ولعل المثبت الصواب. (¬4) انظر: "المنتقى شرح الموطأ" 7/ 296، "الذخيرة" 13/ 338. (¬5) "إكمال المعلم" 7/ 8 - 9 بتصرف يسير، "شرح مسلم" للنووي 14/ 112. (¬6) "صحيح البخاري" (110)، (6197)، "صحيح مسلم" (2134). (¬7) بعدها في (ل)، (م): رواه، وعليها: خـ. (¬8) برقم (3736). (¬9) "صحيح البخاري" (3114)، "صحيح مسلم" (2133).

75 - باب من رأى أن لا يجمع بينهما

75 - باب مَنْ رَأى أَنْ لا يُجْمَعَ بَيْنهُما 4966 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْن إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا هِشامٌ، عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ تَسَمَّى بِاسْمي فَلا يَكْتَني بِكُنْيَتي، وَمَنْ تَكَنَّى بِكُنْيَتي فَلا يَتَسَمَّى بِاسْمَي". قالَ أَبُو داوُدَ: وَرَوى بهذا المَعْنَى ابن عَجْلانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ وَرُوي، عَنْ أَبي زُرْعَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ مُخْتَلِفًا عَلَى الرِّوايَتَيْنِ وَكَذَلِكَ رِوايَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي عَمْرَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ اخْتُلِفَ فِيهِ رَواهُ الثَّوْري وابْن جُرَيْجٍ عَلَى ما قالَ أَبُو الزُّبَيْرِ وَرَواهُ مَعْقِلُ بْن عُبَيْدِ اللَّهِ عَلَى ما قالَ ابن سِيرِينَ واخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى مُوسَى بْنِ يَسارٍ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَيْضًا عَلَى القَوْلَيْنِ اخْتَلَفَ فِيهِ حَمّادُ بْنُ خالِدٍ وابْنُ أَبي فُدَيْكٍ (¬1). * * * باب من رأى أن لا يجمع بينهما [4966] (ثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي (ثنا هشام) الدستوائي (عن أبي الزبير) محمد بن مسلم. (عن جابر -رضي اللَّه عنه-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: من تسمى باسمي فلا يكتني (¬2) بكنيتي، ومن اكتنى بكنيتي فلا يتسمى باسمي) استدل به من قال: إن النهي عن التكني بأبي القاسم مختص بمن اسمه محمد أو أحمد، ولا بأس بالكنية وحدها لمن لا يسمى بواحد من الاسمين، وأن النهي إنما هو عن الجمع بين اسمه وكنيته، وهو قول جماعة من السلف، ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2842)، وأحمد 2/ 312. وقال الألباني في "المشكاة" (4770): منكر. (¬2) بعدها في (ل): يتكنى، وعليها: خـ.

لهذا الحديث [ولما رواه الترمذي عن أبي هريرة أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى أن يجمع أحد بين] (¬1) اسمه وكنيته، ويسمى أبا القاسم، ثم قال: حديث حسن صحيح (¬2). (قال) المصنف و (روى بهذا المعنى) محمد (ابن عجلان) القرشي، أخرج له مسلم. [(عن أبيه) عجلان مولى فاطمة بنت عتبة بن ربيعة القرشي، أخرج له مسلم] (¬3) في حق المملوك (¬4). (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، وروى) أي: محمد بن عجلان (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير البجلي. (عن أبي هريرة مختلفًا على الروايتين، وكذلك رواية عبد الرحمن بن أبي عمرة) الأنصاري النجاري، يقال: ولد في عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال ابن أبي حاتم: ليست له صحبة (¬5). (عن أبي هريرة) و (اختلف فيه، رواه) سفيان (الثوري و) عبد الملك (ابن جريج (¬6) على ما قال أبو الزبير) محمد بن مسلم، عن عبد الكريم الجزري، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة (ورواه معقل بن عبيد اللَّه) بالتصغير، الجزري أخرج له مسلم (على ما قال) محمد (ابن سيرين، ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) "سنن الترمذي" (2841). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) "صحيح مسلم" (1662). (¬5) "المراسيل" (434) رواية عن أبيه أبي حاتم. (¬6) في (ل)، (م): جرير، والمثبت هو الصواب.

واختلف فيه على موسى بن يسار) المطلبي، أخرج له مسلم (¬1). (عن أبي هريرة، أيضًا على القولين اختلف فيه حماد بن خالد) الخياط البصري، أخرج له مسلم والأربعة (و) محمد بن إسماعيل (ابن (¬2) أبي فديك) الديلمي. * * * ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1524/ 23، 1663/ 42). (¬2) فوقها في (ل): (ع).

76 - باب في الرخصة في الجمع بينهما

76 - باب فِي الرُّخْصَةِ في الجَمْعِ بَيْنَهُما 4967 - حَدَّثَنا عُثْمانُ وَأَبُو بَكْرٍ ابنا أَبي شَيْبَةَ قالا: حَدَّثَنا أَبو أُسامَةَ، عَنْ فِطْرٍ، عَنْ مُنْذِرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ ابن الحَنَفِيَّةِ قالَ: قالَ عَلي رَحِمَهُ اللَّهُ قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ وُلِدَ لي مِنْ بَعْدِكَ وَلَدٌ أُسَمِّيهِ بِاسْمِكَ وَأُكْنِيهِ بِكُنْيَتِكَ. قالَ: "نَعَمْ". وَلَمْ يَقُلْ أَبُو بَكْرٍ قُلْتُ: قال: قالَ عَلي -عليه السلام- لِلنَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1). 4968 - حَدَّثَنا النُّفَيْلي، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرانَ الحَجَبي، عَنْ جَدَّتِهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها قالَتْ: جاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَتْ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إِنّي قَدْ وَلَدْتُ غُلامًا فَسَمَّيته محَمَّدًا وَكَنَّيتُهُ أَبا القاسِمِ فَذُكِرَ لي أنَّكَ تَكْرَهُ ذَلِكَ فَقالَ: "ما الذي أَحَلَّ اسْمي وَحَرَّمَ كُنْيَتي". أَوْ: "ما الذي حَرَّمَ كُنْيَتي وَأَحَلَّ اسْمي" (¬2). * * * باب في الرخصة في الجمع بينهما [4967] (ثنا عثمان وأبو بكر ابنا أبي شيبة، قالا: ثنا أبو أسامة) حماد ابن أسامة الكوفي. (عن فطر) بكسر الفاء وسكون الطاء المهملة، ابن خليفة المخزومي ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2843)، وأحمد 1/ 95، والبخاري في "الأدب المفرد" (843). وصححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد" (651). (¬2) رواه أحمد 6/ 135، وإسحاق بن راهويه، والبخاري في "التاريخ الكبير" 1/ 155 (1273). وضعفه الألباني في "المشكاة" (4771).

الحناط، وثقه أحمد (¬1) وابن معين (¬2) (عن منذر) بن يعلى الثوري الكوفي، وثقوه (عن محمد ابن) [علي بن] (¬3) أبي طالب (الحنفية) اسمها: خولة بنت جعفر. (قال: قال علي -رضي اللَّه عنه-: قلت: يا رسول اللَّه، إنْ ولد لي من بعدك ولد) ذكر (أسميه باسمك؟ وأكنيه) بفتح الهمزة وسكون الكاف (بكنيتك؟ قال: نعم) هذا يدل على جواز الجمع بين التسمية بمحمد والتكني بأبي القاسم، وعلى هذا فتكون الأحاديث الدالة على النهي عن الجمع بينهما مخصوصًا بحياته؛ حيث نادى رجل (¬4): يا أبا القاسم. فالتفت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال الرجل: لم أعنك. فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي" (¬5) لأن التكني بأبي القاسم أدى إلى ذلك؛ فنهى عنه، ولأن اليهود كانت تناديه بهذِه الكنية ازدراءً، (¬6) ثم تقول: لم أعنك. فحسم الذريعة بالنهي، وسيأتي له زيادة. (لم يقل أبو بكر) بن أبي شيبة (قلت) بلى (قال: قال علي للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) إلى آخره. [4968] (ثنا) عبد اللَّه بن محمد (¬7) (النفيلي، ثنا محمد بن عمران) ¬

_ (¬1) "العلل ومعرفة الرجال" 1/ 443 (993)، "الجرح والتعديل" 7/ 90 (512)، "تهذيب الكمال" 23/ 314 (4773). (¬2) "تاريخ الدوري" (1254)، (1609)، "سؤالات ابن الجنيد" (459)، "تهذيب الكمال" 23/ 314 (4773). (¬3) و (¬4) ساقطة من (م). (¬5) رواه البخاري (2121)، ومسلم (2131) من حديث أنس. (¬6) ساقطة من (م). (¬7) في (ل)، (م): مسلمة. والمثبت هو الصواب.

الحجازي (الحجبي) بفتح الحاء المهملة والجيم، ونسبته إلى حجابة بيت اللَّه الحرام، وهو مستور (عن جدته صفية بنت شيبة) حاجب بيت اللَّه، وهو شيبة بن عثمان بن أبي طلحة، العبدرية، بقيت إلى زمن الوليد (عن عائشة رضي اللَّه عنها) قال الذهبي: هو حديث عالٍ في السند، ولا يُروى عن عائشة إلا بهذا الإسناد (¬1). (قالت: جاءت امرأة إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالت: يا رسول اللَّه، إني قد ولدت غلامًا فسميته محمدًا، وكنيته أبا القاسم، فذكر لي أنك تكره ذلك) فيه: أن من فعل شيئًا أو قال قولًا ثم بلغه أنه لا يجوز، أن يسأل أهل العلم عنه، فإن كان جائزًا استمر عليه، وإن لم يجز فيتركه ويتوب إلى اللَّه تعالى منه، ويعزم أن لا يعود إليه. (فقال: ما الذي أحل اسمي وحرم كنيتي؟ أو) قال الراوي (ما الذي حرم كنيتي وأحل اسمي) في هذا الحديث أيضًا دلالة على جواز الجمع ¬

_ (¬1) لم أقف على قولة الذهبي: "هو حديث عالِ في السند"، وإنما قال في "سير أعلام النبلاء" في ترجمة صفية بنت شيبة: روت عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في "سنن أبي داود" و"النسائي"، وهذا أقوى المراسيل. اهـ، وحكم بإرساله لأنه رجح عدم رؤيتها للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- موافقًا لما نقله عن الدارقطني من توهيهه لصحبتها. ورد ابن حجر على القول بعدم رؤيتها للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في ترجمتها في "الإصابة" 4/ 348 (653) قائلًا: مختلف في صحبتها، قال: قال أبان بن صالح عن الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة قالت: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. . وأخرج ابن منده من طريق محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن أبي ثور عن صفية بنت شيبة قالت: واللَّه لكأني انظر إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حين دخل الكعبة. . الحديث. انتهى كلام الحافظ. وقوله: "لا يروى عن عائشة إلا بهذا الإسناد" قاله في "ميزان الاعتدال" 5/ 118 (8012) معزوًّا للطبراني. وقد قاله الطبراني في "المعجم الصغير" 1/ 32 (16).

بين الاسم والكنية، وتقدم أنه قول مالك (¬1)، وهو قول الجمهور، وقد تسمى جماعة كثيرة من السلف والخلف كابن الحنفية، اسمه محمد، وكنيته أبو القاسم، وكذا غيرهم سموا أولادهم باسمه وكنوهم بكنيته، فجمعوا بينهما، وكان هذا معمولًا به في المدينة وغيرها، قال القرطبي: فقد صارت أحاديث الإباحة أولى؛ لأنها إما ناسخة لأحاديث النهي، وإما مرجحة بالعمل المذكور (¬2) الكثير الموجود. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "المنتقى شرح الموطأ" 7/ 296، "الذخيرة" 13/ 338. (¬2) "المفهم" 5/ 458.

77 - باب ما جاء في الرجل يتكنى وليس له ولد

77 - باب ما جاءَ في الرَّجُلِ يَتَكَنَّى وَلَيْسَ لَهُ وَلَدٌ 4969 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، حَدَّثَنا ثابِثٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَدْخُلُ عَلَيْنا وَلي أَخٌ صَغِيرٌ يُكْنَى أَبا عُمَيْرٍ وَكانَ لَهُ نُغَرٌ يَلْعَبُ بِهِ فَماتَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ذاتَ يَوْمِ فَرَآهُ حَزِينًا، فَقالَ: "ما شَأْنُهُ؟ ". قالُوا ماتَ نُغَرُهُ فَقالَ: "يا أَبا عُمَيْرٍ ما فَعَلَ النُّغَيْرُ" (¬1). * * * باب ما جاء في الرجل يكنى وليس له ولد [4969] (ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد، ثنا ثابت) البناني (عن أنس قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يدخل علينا ولي أخ صغير يكنى: أبا عمير) بضم العين المهملة، تصغير عمر، وفيه دليل على إباحة تصغير الأسماء من الصغار والكبار، وجواز تكنية الطفل، وإذا جازت التكنية للصغير في صغره، فالرجل قبل أن يولد له أولى بذلك، (وكان له نغر) بضم النون وفتح الغين المعجمة، جمعه: نغران بضم النون كصرد وصردان، وهو طوير صغير كالعصفور، وله صوت حسن، ومنقاره أحمر (يلعب به) وقيل: إن النغر أسود اللون، أحمر المنقار، يسميه أهل المدينة: البلبل. وقيل: هو نوع من الحمر، وقيل: هو جمع واحده نغرة. وفيه: لعب الصغير بالطير، وتمكين الولي منه. (فمات، فدخل عليه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ذات يوم فرآه حزينًا) وفيه السؤال عن ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6129)، ومسلم (2150).

الصبي والخادم والزوجة، ونحو ذلك إذا رآه مهمومًا، فيسأله أو يسأل غيره؛ ليعلمه (فقال: ما شأنه؟ قالوا: مات نغره. فقال: ) يا (أبا عمير) وهو أخو أنس بن مالك لأمه، أمهما أم سليم -لا يُعرف له اسم- وقال الحاكم أبو أحمد: اسمه عبد اللَّه، وأبو عمير هو ابن أبي طلحة، واسم أبي طلحة: زيد بن سهل الأنصاري، الذي توفي وكنَّت أم سليم عند موته، حتى واقعها [أبو طلحة] (¬1) فحملت به (ما فعل) أي: ما شأنه وما حاله؟ (النغير) فيه: أن موت الطير في يد الصغير لا إثم على والده، إذ لو كان فيه شيء لما أقرهم عليه، ولكان بيَّن تحريمه أو كراهته، وفيه: جواز المجمع في الكلام دون تكلف، وجواز المزاح والدعابة ما لم يكن إثمًا، وبوب عليه البخاري: باب النية للصبي (¬2)، وباب الانبساط إلى الناس. وقال ابن مسعود: خالط الناس ودينك لا تكلمنه (¬3). والدعابة مع الأهل، ثم ذكر الحديث (¬4). وفي الحديث أيضًا كمال خلق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، واستمالة قلوب الصغار، وإدخال السرور على قلوبهم، قيل: وجواز صيد المدينة، وإظهار المحبة لأقارب الصغير ونحوه. * * * ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) "صحيح البخاري" قبل حديث (6203). (¬3) رواه الطبراني 9/ 353 (9757) بلفظ: "خالطوا الناس وصافوهم مما يشتهون، ودينكم فلا تكلمنه". (¬4) "صحيح البخاري" (6129).

78 - باب في المرأة تكنى

78 - باب فِي المَرْأَةِ تُكْنَى 4970 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَسُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ -المَعْنَى- قالا: حَدَّثَنا حَمّادٌ عَنْ، هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها أَنَّها قالَتْ: يا رَسُولَ اللَّهِ، كُلُّ صَواحِبي لَهنَّ كُنًى. قالَ: "فاكْتَني بِابْنِكِ عَبْدِ اللَّهِ". يَعْني ابن أُخْتِها قالَ مُسَدَّدٌ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قالَ: فَكانَتْ تُكَنَّى بأُمِّ عَبْدِ اللَّهِ. قالَ أَبُو داوُدَ: وَهَكَذا قالَ قرّان بْن تَمّامٍ وَمَعْمَرٌ جَمِيعًا عَنْ هِشامٍ نَحْوَهُ، وَرَواهُ أَبُو أُسامَةَ، عَنْ هِشامٍ، عَنْ عَبّادِ بْنِ حَمْزَةَ، وَكَذَلِكَ حَمّادٌ بْنُ سَلَمَةَ، وَمَسْلَمَةُ بْنُ قَعْنَبٍ، عَنْ هِشامٍ كَما قالَ أَبُو أُسامَةَ (¬1). * * * باب في المرأة تكنى [4970] (ثنا مسدد، وسليمان بن حرب المعنى، قالا: ثنا حماد، عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة رضي اللَّه عنها أنها قالت: يا رسول اللَّه، كل صواحبي) لعل المراد بالصواحب: بقية أزواجه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويدخل غيرهن من الصواحب (لهن كنى) فيه: استحباب تكنية المرأة والصغير والرجل، فإن فيه نوع إكرام، وفيه طلب المرأة من زوجها أن يكنيها، وإن كان لها أب وأم وأقارب (قال: فاكتني بابنك عبد اللَّه) فيه تكنية الرجل والمرأة بأكبر أولادهما (¬2)، كما تقدم، وإن لم يكن لها إلا ولد واحد تكنت به، فإن لم يكن لها ولد كعائشة كنيت ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (3739)، وأحمد 6/ 107، والبخاري في "التاريخ الكبير" (851). وصححه الألباني في "الصحيحة" (132). (¬2) في (ل)، (م): أولادها. ولعل المثبت هو الموافق للسياق.

باسم ابن أختها أو عمتها أو خالتها. (قال مسدد) فكانت تكنى بابن أختها أسماء، وهو (عبد اللَّه بن الزبير) رضي اللَّه عنهما، وقوله: (فاكتني بابنك) فيه دليل على جواز تسمية ابن الأخت وابن الخالة والعمة وغيرهن من الأقارب ابنا تجوزًا (فكانت تكنى بأم عبد اللَّه) وإن لم يكن عبد اللَّه ابنها. (قال) المصنف (هكذا قال) جميعًا (¬1) (قران) بضم القاف وتشديد الراء (بن تمام) الأسدي الكوفي، نزيل بغداد، صدوق، وقد يخطئ (ومعمر) بن راشد (جميعًا عن هشام) بن عروة (نحوه، ورواه أبو (¬2) أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام، عن عباد بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي، وهو ابن عبد اللَّه بن الزبير، أخرج له الشيخان. (وكذلك) قال (حماد بن سلمة ومسلمة بن قعنب) الحارثي، وثق (عن هشام) بن عروة (كما قال أبو أسامة) حماد. * * * ¬

_ (¬1) بعدها في (ل)، (م): رواه، وفوقها: خـ. (¬2) ساقطة من (م).

79 - باب في المعاريض

79 - باب فِي المَعارِيضِ 4971 - حَدَّثَنا حَيْوَةُ بْن شُرَيْحٍ الحَضْرَمي -إِمامُ مَسْجِدِ حِمْصٍ- حَدَّثَنا بَقِيَّةُ ابْنُ الوَلِيدِ عَنْ ضُبارَةَ بْنِ مالِكٍ الحَضْرَمي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سُفْيانَ بْنِ أَسِيدٍ الحَضْرَمي، قالَ: سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "كَبُرَتْ خِيانَةً أَنْ تُحَدِّثَ أَخاكَ حَدِيثًا هُوَ لَكَ بِهِ مُصَدِّقٌ وَأَنْتَ لَهُ بِهِ كاذِبٌ" (¬1). * * * باب في المعاريض جمع معراض، من التعريض، وهو خلاف التصريح من القول، يقال: عرفت ذلك في معراض كلامه، ومعرض كلامه بحذف الألف، ومنه حديث: "من عَرَّضَ عرضنا له" (¬2) أي: من عرض بالقذف عرضنا بتأديب لا يبلغ الحد، ومن صرح بالقذف حددناه. [4971] (ثنا حيوة بن شريح) الحمصي، إمام مسجد حمص (الحضرمي) الحافظ شيخ البخاري. (ثنا بقية بن الوليد، عن ضبارة) بضم أوله ثم موحدة مخففة، ابن عبد اللَّه بن أبي السليك بفتح المهملة (الحضرمي) ويقال: الألهاني، ¬

_ (¬1) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (393)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2623)، والطبراني في "الكبير" 7/ 71 (6402). وضعفه الألباني في "الضعيفة" (1251). (¬2) رواه البيهقي 8/ 43 من حديث البراء مرفوعًا، وابن أبي شيبة 5/ 497 (28371) من قول سمرة. ورواه عبد الرزاق 7/ 423 (13718) من قول عمر بن عبد العزيز.

كان يسكن اللاذقية، روى له البخاري في "الأدب" (¬1). (عن أبيه) عبد اللَّه بن مالك بن أبي السليك الحضرمي (عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير) الحضرمي، ثقة (عن أبيه) جبير بن نفير الحضرمي، ثقة. (عن سفيان بن أسيد) بفتح الهمزة وكسر السين المهملة، ويقال بالتصغير، روي له البخاري في "الأدب" (¬2)، وقال البغوي: لا أعلمه روى غير هذا الحديث (¬3). وكذا قال الذهبي (¬4)، وهو صحابي شامي حمصي. (قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: كبرت) بضم الموحدة. أي: عظم إثم (¬5) (خيانة) بالنصب على الأرجح، وهو منصوب على التمييز، ويجوز الرفع على الفاعلية، لكن النصب أقوى وأبلغ؛ لأن فيه معنى التعجب؛ كأنه [ما أكبر ذنب] (¬6) هذِه الخيانة عند اللَّه تعالى، وهو (أن تحدث) وفي رواية ذكرها المزي في "التهذيب": "كفى بها خيانة أن تحدث" (¬7) (أخاك) المؤمن المصدق لما قيل له لحسن ظنه فيه (حديثًا) عن نفسه، أو عن غيره، ويدخل فيه الوعد (هو لك به ¬

_ (¬1) "الأدب المفرد" (393). (¬2) السابق. (¬3) "معرفة الصحابة" 3/ 202. (¬4) "تجريد أسماء الصحابة" 1/ 225 (2354). (¬5) بعدها في (ل)، (م): كلمة يا. (¬6) ساقطة من (م). (¬7) 11/ 136.

مصدق) فمن [قلبه سليم] (¬1) يصدق ما قيل له، ولا يظن بأخيه المؤمن الكذب، وفي هذا الحديث إشارة إلى فضيلة من هذِه صفته (وأنت له به كاذب) فيه ذم الكذب، وإن قصد به المخبر التعريض، ويدل عليه ما روي عن ابن عباس: ما أحب بمعاريض الكلام حمر النعم (¬2). ومن كمال الصدق: الاحتراز عن المعاريض، إلا فيما تدعو الضرورة إليه والحاجة، فإن في المعاريض تفهيمًا (¬3) للكذب، وإن لم يكن اللفظ كذبًا، وعلى الجملة فالتعريض في غير موضع الحاجة مكروه كما قال الغزالي (¬4). كما روي عن أبي عبد اللَّه بن عتبة قال: دخلت مع أبي على عمر بن عبد العزيز، فخرجت وعلي ثوب، فجعل الناس يقولون: هذا كساكه أمير المؤمنين، فكنت أقول: جزى اللَّه أمير المؤمنين خيرًا. فقال: يا بني، اتقِّ الكذب، إياك والكذب (¬5). فنهاه عن ذلك؛ لأن فيه تقريرًا لهم على ظن كاذب؛ لأجل عرض المفاخرة، وهو عرض باطل لا فائدة فيه، وسمي هذا التعريض خيانة؛ لأنه بالتعريض أوقع أخاه في الظن الكاذب، فقد خان أخاه (¬6) في ظن كذبه، إذ أوقعه في ذلك، وهذا محمول على ما إذا كان لغير حاجة كما تقدم. * * * ¬

_ (¬1) في (ل): فمن قبله سليمًا، وفي (م): فمن قلبه سليمًا والمثبت هو المناسب للسياق. (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/ 212. (¬3) في (ل)، (م): تفهيم. والجادة ما أثبتناه. (¬4) "إحياء علوم الدين" 3/ 140. (¬5) انظر السابق. (¬6) في (ل)، (م): أخوه، والجادة ما أثبتناه.

80 - باب قول الرجل زعموا

80 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ زَعَمُوا 4972 - حَدَّثَنا أَبو بَكْرٍ بن أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ عَنِ الأَوْزاعي عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبي قِلابَةَ قالَ أَبُو مَسْعُودٍ لأَبي عَبْدِ اللَّهِ أَوْ قالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لأَبي مَسْعُودٍ: ما سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ فَي: "زَعَمُوا". قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا". قالَ أَبو داوُدَ: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هذا حُذَيْفَةُ (¬1). * * * باب قول الرجل: زعموا [4972] (ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع، عن الأوزاعي، عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي قلابة) عبد اللَّه بن زيد الجرمي (قال: قال أبو مسعود) عقبة بن عمرو الأنصاري البدري (لأبي عبد اللَّه) سيأتي (أو قال: ) الراوي. (قال أبو عبد اللَّه لأبي مسعود رضي اللَّه عنهما: ما سمعت رسول اللَّه يقول في زعموا؟ ) التي تستعمل في كلام الحاكي. (قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: بئس مطية) هي البعير ذكرًا كان أو أنثى، فعيلة بمعنى: مفعولة، سمي بذلك؛ لأن مطاه، أي: ظهره يركب (الرجل) وكذا المرأة (زعموا) معناه: أن الرجل إذا أراد المسير ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 119، البخاري في "الأدب المفرد" (762، 763). وصححه الألباني في "الصحيحة" (866).

إلى بلد أو الظعن في حاجة ركب مطيته، وسار حتى يقضي إربه، فشبه ما يقدمه المتكلم أمام كلامه ويتوصل به إلى غرضه من قوله: زعموا كذا وكذا بالمطية التي يتوصل بها إلى الحاجة، فإنما يقال: زعموا في حديث لا سند له ولا ثبت فيه، وإنما يحكى عن الألسن على سبيل البلاغ، قدم من الحديث ما كان هذا سبيله، وأمر بالتثبت فيما يحكيه والاحتياط فيما يرويه، فلا يروي إلا ما نقله ثقة، كما يقال: قالوا: كذا وكذا، ويزعم ناقله أنه لا إثم عليه، وإنما هو على ناقله الأول، فيكثر من الحديث، و"كفى بالمرء إثما أن يحدث بكلِّ ما سمع" (¬1). قال ابن دريد: أكثر ما يقع الزعم على الباطل (¬2). قال ابن بطال: يقال: زعم كذا إذا ذكر خبرًا لا يدري أحق هو أو باطل. ومعنى الحديث: أن من أكثر الحديث مما لا يعلم صدقه لم يؤمن عليه الوقوع في الكذب (¬3). فيثبت هذِه اللفظة مطية ليقول (¬4) ما لا يعلم، فإنها تؤدي إلى نقل الكذب. انتهى، "ومن حام حول الحمى يوشك أن يرتع فيه" (¬5). (قال) المصنف (أبو عبد اللَّه) المذكور هو (حذيفة) بن اليماني ¬

_ (¬1) رواه مسلم (5)، وسيأتي برقم (4992) من حديث أبي هريرة مرفوعًا، واللفظ لأبي داود، ولفظ مسلم (كذبًا) بدلًا من (إثمًا). (¬2) "جمهرة اللغة" 2/ 816. (¬3) "شرح ابن بطال" 9/ 330. (¬4) في (ل)، (م): ليقل. ولعل المثبت هو الصواب. (¬5) رواه البخاري (52)، (2051)، ومسلم (1599) من حديث النعمان بن بشير مرفوعًا بنحو هذا اللفظ.

العبسي، وذكر ابن عساكر أن أبا قلابة لم يسمع من واحد من أبي عبد اللَّه وأبي مسعود (¬1). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "تحفة الأشراف" 3/ 45.

81 - باب في الرجل يقول في خطبته: "أما بعد"

81 - باب فِي الرَّجل يَقُولُ في خُطْبَتِهِ: "أَمّا بَعْدُ" 4973 - حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبي حَيّانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَيّانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خَطَبَهُمْ فَقالَ: "أَمّا بَعْدُ" (¬1). * * * باب في أما بعد [4973] (ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا محمد بن فضيل) بن غزوان الضبي (عن أبي حيان) بالمهملة والمثناة تحت، اسمه: يحيى بن سعيد بن حيان التيمي. ([عن يزيد بن حيان] عن زيد بن أرقم (¬2): أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خطبهم فقال: ) في خطبته (أما بعد) فيه أن من السنة في خطبة الجمعة وغيرها: (أما بعد)، وكذا في الوعظ والمكاتبات، وقد روى اثنان وثلاثون صحابيًّا أنه كان يقول: (أما بعد) في خطبته ومواعظه وكتبه. واختلف العلماء في المبتدئ بها على أربعة أقوال: أحدها: داود -عليه السلام-، وهي فصل الخطاب الذي أوتيه، والثاني: قس بن ساعدة الإيادي، والثالث: كعب بن لؤي، والرابع: يعرب بن قحطان. * * * ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2408). (¬2) من "السنن".

82 - باب في الكرم وحفظ المنطق

82 - باب فِي الكَرْمِ وَحِفْظِ المَنْطِقِ 4974 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْن داوُدَ، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ قالَ: أَخْبَرَنا اللَّيْث بْنُ سَعْدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "لا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمُ: الكَرْمَ فَإِنَّ الكَرْمَ الرَّجُلُ المُسْلِمُ، ولكن قُولُوا: حَدائِقَ الأَعْنابِ" (¬1). * * * باب حفظ المنطق [4974] (ثنا سليمان بن داود) بن حماد، أبو الربيع المهري، قال النسائي وغيره: ثقة (¬2) (ثنا) عبد اللَّه (ابن وهب، أخبرني الليث بن سعد، عن جعفر بن ربيعة) (¬3) الكندي. (عن الأعرج، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: لا يقولن أحدكم الكَرْم) نهى عما كانت العرب تستعمله من تسمية العنب بالكرم؛ لكثرة حمله وسهولة قطعه وكثرة منافعه، وأصل الكرم: الكثرة، والكريم من الرجال: الكثير العطاء والنفع؛ يقال: رجل كرم وكرام لمن كان كذلك، وامرأة كرم ونساء كُرم وصف المصدر على حد: رجل عدل. وإنما نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن تسمية العنب بالكرم؛ لأنه لما حرم الخمر عليهم، وكانت طباعهم تحثهم على الكرم، كره -عليه السلام- أن يسمى هذا ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6182)، ومسلم (2247). (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 11/ 410 (2508). (¬3) فوقها في (ل): (ع).

المحرم باسم يهيج طباعهم إليه (¬1) عند ذكره، فيكون ذلك الوقوع في المحرم؛ كالنظر للأجنبية، وسماع صوتها، ووصفها بالحسن، وإن لم يرها تحرك الطباع؛ فنهى عنه. قال القرطبي: وهذا ليس بصحيح؛ لأن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- لم ينهَ عن تسمية المحرم الذي هو الخمر بالعنب بل عن تسمية العنب بالكرم، وإنما محمل الحديث كمحمل: "ليس المسكين بالطواف عليكم" (¬2)، و"ليس الشديد بالصرعة، وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" (¬3) أي: الأحق (¬4). (فإن الكرم) في الحقيقة هو (الرجل المسلم) أو قلب الرجل المسلم؛ وذلك لما حواه من العلوم والأعمال الصالحة، والداعية إلى الكرم والسخاء، فهو أحق باسم الكريم والكرم من العنب (¬5). قلت: وعلى هذا فالحديقة التي في جملة أشجارها العنب، أو ليس فيها عنب، تسميتها بالكرم كما هو مستعمل في بلادنا ليس بحسن؛ فإن الأحق بالكرم قلب المؤمن، وفي لفظ مسلم: "لا تسموا العنب الكرم" (¬6) وفي لفظ: "لا تقولوا الكرم" (¬7) وهذا النهي على جهة الإرشاد لما ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) رواه البخاري (1479)، ومسلم (1039) من حديث أبي هريرة مرفوعًا. (¬3) رواه البخاري (6114)، ومسلم (2609) من حديث أبي هريرة مرفوعًا. (¬4) "المفهم" 5/ 551. (¬5) انظر السابق. (¬6) "صحيح مسلم" (2247) (8). (¬7) رواه مسلم (2248) من حديث وائل بن حجر مرفوعًا.

هو الأولى في الإطلاق، كما قال -عليه السلام-: "لا تغلبنكم الإعراب على اسم صلاتكم العشاء العتمة، فإنها في كتاب اللَّه العشاء" (¬1)، فأشار إلى أن تسميتها العشاء أولى من العتمة. (ولكن قولوا: حدائق) جمع حديقة، وهي اسم لكل ما أحاط به البناء من البساتين وغيرها، ويقال للقطعة من النخل: حديقة، وإن لم يكن محاطًا بها، من التحديق، وهي: إحاطة حدقة العين بالشيء من جميع جوانبه (الأعناب) جمع كتب وعنب جمع عنبة فهو جمع الجمع، والعنبة: الحبة منه، ولا يقال إلا للطري، فإن يبس فهو زبيب. * * * ¬

_ (¬1) رواه مسلم (644) (229) من حديث ابن عمر.

83 - باب لا يقول المملوك: "ربي وربتي"

83 - باب لا يَقُولُ المَمْلُوكُ: "رَبّي وَرَبَّتَي" 4975 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ وَحَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ وَهِشامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "لا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: عَبْدي وَأَمَتي، وَلا يَقُولَنَّ المَمْلُوكُ: رَبّي وَرَبَّتي، وَلْيَقُلِ المالِكُ: فَتاي وَفَتاتي، وَلْيَقُلِ المَمْلُوكُ: سَيِّدي وَسَيِّدَتي فَإِنَّكُمُ المَمْلُوكُونَ والرَّبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ" (¬1). 4976 - حَدَّثَنا ابن السَّرْحِ، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ، قالَ: أَخْبَرَني عَمْرُو بْنُ الحارِثِ أَنَّ أَبا يُونُسَ حَدَّثَهُ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ في هذا الخَبَرِ وَلَمْ يَذْكرِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "وَلْيَقُلْ: سَيِّدي وَمَوْلاي" (¬2). 4977 - حَدَّثَنا عبيد اللَّهِ بْن عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنا مُعاذُ بْنُ هِشامٍ، قالَ: حَدَّثَني أَبي، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تَقُولُوا لِلْمُنافِقِ: سَيِّدٌ، فَإِنَّهُ إِنْ يَكُ سَيِّدًا فَقَدْ أَسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ" (¬3). * * * باب لا يقول المملوك: رَبِّي وربَّتِي [4975] (ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد، عن أيوب) بن أبي تميمة السختياني (وحبيب بن الشهيد) الأزدي (وهشام) الدستوائي (¬4) ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2552)، ومسلم (2249). (¬2) انظر ما قبله. (¬3) رواه أحمد 5/ 346، البخاري في "الأدب المفرد" (760). وصححه الألباني في "الصحيحة" (371). (¬4) كذا في النسخ، وهو خطأ، والصواب: (بن حسان)، فلا رواية لهشام الدستوائي =

(عن محمد) بن سيرين. (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: لا يقولن أحدكم: عبدي وأمتي) زاد مسلم (¬1): "كلكم عبيد اللَّه، وكل نسائكم إماء اللَّه تعالى" (¬2) لأن حقيقة العبودية إنما يستحقها اللَّه تعالى، ولأن فيها تعظيمًا لا يليق بالمخلوق استعماله لنفسه، وبينه في قوله: "فكلكم عبيد اللَّه وإماؤه" فنهى عن التطاول في اللفظ على المملوكين، فكيف بالتطاول على الأحرار؟ وكما نهى عن التطاول في (¬3) اللفظ نهى عن التطاول في الأفعال، وإسبال الإزار، والتطاول في البنيان، ونحو ذلك. (ولا يقولن المملوك: ) لسيده (ربي. و) لا لسيدته (ربتي) لأن الرب هو المالك، والقائم بالشيء، ولا يقصد (¬4) حقيقة هذا إلا للَّه تعالى، والنهي في هذا الإرشاد إلى ذكر الأولى الذي ذكره، لا إلى التحريم، ألا ترى إلى قول يوسف: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} (¬5)، [و {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} (¬6)] (¬7) و {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} (¬8)، وقوله -عليه السلام-: "أن تلد ¬

_ = عن ابن سيرين. وكذا سماه المزي في الحديث في "تحفة الأشراف" 10/ 334 (14429). انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 344 (5280). (¬1) ساقطة من (م). (¬2) "صحيح مسلم" (2249). (¬3) في (ل)، (م): عن. والمثبت هو الأليق بالسياق. (¬4) في (م): يوجد. (¬5) يوسف: 42. (¬6) يوسف: 50. (¬7) ساقطة من (م). (¬8) يوسف: 23.

الأمة ربتها" (¬1). (وليقل المالك) لغلامه (فتاي، و) لجاريته (فتاتي). وأصل الفتوة الشباب، وقد استعمل الفتى فيمن كثرت فضائله ومكارمه، كما قالوا: لا فتى إلا علي. ومنه أخذ الصوفية الفتوة المتعارفة بينهم، ومن التسمية بالفتى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ} (¬2). (وليقل المملوك: سيدي وسيدتي) والسيد من السؤدد، وهو التقدم، يقال: ساد قومه. إذا تقدمهم، ولا شك في تقدم السيد على غلامه (فإنكم المملوكون) حقيقة للَّه تعالى، والعبيد (والرب) في الحقيقة (هو اللَّه) وحده لا سواه. [4976] (ثنا) أحمد بن عمرو (ابن السرح، ثنا) عبد اللَّه (ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب، أبو أمية الأنصاري (أنَّ أبا يونس) سليم بن جبير مولى أبي هريرة، أخرج له الشيخان (حدثه عن أبي هريرة في هذا الخبر، ولم يذكر) في روايته (النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) بل (قال: وليقل: سيدي ومولاي) كذا لمسلم (¬3)، ولمسلم عن الأعمش مرفوعًا: "ولا يقل العبد لسيده مولاي" زاد أبو معاوية: قال: "اللَّه مولاكم" (¬4) والجمع بينهما: أن الأولى ألا يقول لسيده: مولاي. وإن قال له: سيدي ومولاه. فهو جائز. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (8) من حديث عمر -رضي اللَّه عنه-. (¬2) الكهف: 60. (¬3) "صحيح مسلم" (2249) (14) بلفظ "سيدي" دون لفظ "مولاي". (¬4) "صحيح مسلم" (2249) (14).

[4977] (ثنا عبيد اللَّه بن عمرو (¬1) بن ميسرة) القواريري الحافظ، أخرج له الشيخان (حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي) وهو ابن (¬2) أبي عبد اللَّه الدستوائي (عن قتادة، عن عبد اللَّه بن بريدة، عن أبيه) بريدة ابن الحصيب -رضي اللَّه عنه-. (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا تقولوا للمنافق: ) ولا للفاسق ولا للظالم: يا (سيد) فإن السيد يطلق على الرب، وأصله: سود (فإنه إن يك سيدًا) يعني: فلسيدكم منافقًا (¬3) (فقد أسخطتم ربكم) لأنه لا يرضى لكم أن يكون رئيسكم وكريمكم المتقدم عليكم منافقًا ولا فاسقًا، ويؤيده ما في الرواية لغير المصنف: "لا تقولوا للمنافق: سيد؛ فإنه إن كان سيدكم وهو منافق فحالكم دون حاله، واللَّه لا يرضى لكم ذلك". قاله في "النهاية" (¬4). * * * ¬

_ (¬1) كذا في (ل)، (م)، وهو خطأ، والصواب: (عمر)، كما في مصادر ترجمته، انظر: "تهذيب الكمال" 19/ 130. (¬2) سقطت من (ل)، (م)، والمثبت من "سير أعلام النبلاء". (¬3) كذا في (ل)، (م). (¬4) 2/ 418.

84 - باب لا يقال: خبثت نفسي

84 - باب لا يُقالُ: خَبُثَتْ نَفْسَي 4978 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، قالَ: أَخْبَرَني يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ أَبي أُمامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "لا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: خَبُثَتْ نَفْسي وَلْيَقُلْ لَقِسَتْ نَفْسَي" (¬1). 4979 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "لا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: جاشَتْ نَفْسي، ولكن لِيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسَي" (¬2). 4980 - حَدَّثَنا أَبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسي، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسارٍ عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "لا تَقُوُلوا: ما شاءَ اللَّهُ وَشاءَ فُلانٌ ولكن قُولُوا: ما شاءَ اللَّهُ ثُمَّ شاءَ فُلانٌ" (¬3). * * * باب لا يقال: خَبُثَتْ نفسي بضم الباء [4978] (ثنا أحمد بن صالح) الطبري شيخ البخاري (ثنا) عبد اللَّه (ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن أبي أمامة) أسعد (بن سهل بن حنيف، عن أبيه) سهل بن حنيف الأوسي، شهد بدرًا. (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: لا يقولن أحدكم: خبثت) بضم الموحدة ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6180)، ومسلم (2251). (¬2) رواه البخاري (6179)، ومسلم (2250). (¬3) رواه ابن ماجه (2118)، وأحمد 5/ 384، النسائي في "الكبرى" (10821). وصححه الألباني في "الصحيحة" (137).

(نفسي) كره لفظ الخبث لبشاعة اسمه تعليما للأدب في ألفاظ الآدمي القبيحة، فإن الخبث والخبيث قبيحان (وليقل: لقست نفسي) بكسر القاف؛ أي: غثت، واللقس: الغثيان، ويقال: لقست نفسه إلى الشيء إذا حرصت عليه، ونازعته إليه. قال أبو عبيد: معنى لقست وخبثت واحد، لكن كره لفظ الخبث لبشاعة لفظه (¬1). وعلمهم الأدب في المنطق. ولا يعترض على هذا بقوله: "فأصبح خبيث النفس كسلان" (¬2) محل النهي أن يضيف المتكلم الخبيث إلى نفسه، لا أن يتكلم بالخبث مطلقًا، فإذا أخبر به عن مغيب غيره جاز، ولا سيما في معرض التحذير والذم للكسل والتثاقل عن الطاعة، ومقصود الشارع الإرشاد إلى استعمال الأحسن والأولى من الألفاظ ما أمكن من غير إيجاب، كما تقدم في عبدي وأمتي قريبًا. [4979] (ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد، عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة رضي اللَّه عنها، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: لا يقولن أحدكم: جاشت) أي: غثيت، ويقال: دارت للغثيان. وقيل: ارتاعت وخافت. ومنه حديث البراء بن مالك: "وكأن نفسي جاشت" (¬3)، ومنه الحديث: جاؤوا بلحم فتجيشت أنفس أصحابه ¬

_ (¬1) "غريب الحديث" 2/ 73. (¬2) رواه البخاري (1142)، ومسلم (776) من حديث أبي هريرة مرفوعًا. (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 324.

منه (¬1). أي: غثت، وهو من الارتفاع، كأن ما في بطونهم ارتفع إلى حلوقهم (¬2)؛ فحصل الغثي. وكان الأصمعي يفرق بينهما، فيقال: جاشت؛ أي: دارت للغثيان، وجشأت (¬3): ارتفعت (¬4) (ولكن ليقل: لقست نفسي) كما تقدم. [4980] (ثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك (الطيالسي، ثنا شعبة، عن منصور، عن عبد اللَّه بن يسار) الجهني، ثقة (عن حذيفة) بن اليمان -رضي اللَّه عنه-. ([عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-] (¬5) قال: لا تقولوا: ما شاء اللَّه وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء اللَّه ثم شاء فلان) فأرشد الشارع إلى الأدب مع اللَّه تعالى في الألفاظ، فنهى عن الإتيان بالواو التي معناها التشريك؛ لئلا يجعل المشيئة مشتركة بين اللَّه وبين عبده، كما روي عن ابن عباس: أن رجلًا قال للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: ما شاء اللَّه وشئت. فقال: "جعلتني للَّه عدلًا؟ ! ما شاء اللَّه وحده" (¬6) والعدل بالفتح والكسر: المثل، ومنه حديث ابن عباس: ما يغني عنا الإسلام، وقد عدلنا باللَّه -أي: ¬

_ (¬1) انظر: "غريب الحديث" للخطابي 1/ 338، "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 324. (¬2) في (م): جيوفهم. (¬3) في (ل)، (م): جأشت. والمثبت من كتب التخريج. (¬4) انظر: "تهذيب اللغة" 11/ 134، "غريب الحديث" للخطابي 2/ 515. (¬5) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل)، (م)، المثبت من "سنن أبي داود". (¬6) رواه ابن ماجه (2117)، وأحمد 1/ 214، 224، 283، 347، والبخاري في "الأدب المفرد" (783)، واللفظ لأحمد.

أشركنا به- وجعلنا له مثلًا (¬1). وروى ابن السني عن أبي بكر الصديق أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الشرك أن تقول: أعطاني اللَّه وفلان" (¬2)، ومنه قول من قال: ما نفعني أو خلصني إلا اللَّه وفلان. وهذا بخلاف (ثم) التي للترتيب والقطع، فإنه يجوز كما في حديث الأقرع والأبرص والأعمى: "فلا بلاغ إلا باللَّه ثم بك" (¬3) وكره إبراهيم النخعي: أعوذ باللَّه وبك، وأجاز: أعوذ باللَّه ثم بك (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه مسلم (3023) (19)، وهذا القول قول المشركين. (¬2) "عمل اليوم والليلة" (286). (¬3) رواه البخاري (3464)، ومسلم (2964) من حديث أبي هريرة مرفوعًا. (¬4) رواه عبد الرزاق 11/ 27 (19811).

85 - باب

85 - باب 4981 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ سُفْيانَ بْنِ سَعِيدٍ، قالَ: حَدَّثَني عَبْدُ العَزِيزِ بْن رُفَيْعٍ، عَنْ تَمِيمٍ الطّائي، عَنْ عَدي بْنِ حاتِمٍ أَنَّ خَطِيبًا خَطَبَ عِنْدَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ: مَنْ يُطِعِ اللَّه وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِهِما. فَقالَ: "قُمْ". أَوْ قالَ: "اذْهَبْ فَبِئْسَ الخَطِيبُ أَنْتَ" (¬1). 4982 - حَدَّثَنا وَهْب بْن بَقِيَّةَ، عَنْ خالِد -يَعْني: ابن عَبْدِ اللَّه-، عَنْ خالِد -يَعني: الحَذّاءَ-، عَنْ أَبي تَمِيمَةَ، عَنْ أَبي المَلِيحِ، عَنْ رَجلٍ قالَ: كُنْتُ رَدِيفَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَعَثَرَتْ دابَّتُهُ فَقلْت تَعِسَ الشَّيْطانُ. فَقالَ: "لا تَقُلْ: تَعِسَ الشَّيْطانُ، فَإِنَّكَ إِذا قُلْتَ ذَلِكَ تَعاظَمَ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ البَيْتِ، وَيَقُولَ: بِقُوَّتي، ولكن قُلْ: بِسْمِ اللَّهِ فإِنَّكَ إِذا قُلْتَ ذَلِكَ تَصاغَرَ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ الذُّبابِ" (¬2). 4983 - حَدَّثَنا القَعْنَبي، عَنْ مالِكٍ ح وَحَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِذا سَمِعْتَ". وقالَ مُوسَى: "إِذا قالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ". قالَ أَبُو داوُدَ: قالَ مالِكٌ: إِذا قالَ ذَلِكَ تَحَزُّنًا لمِا يَرى في النّاسِ -يَعْني: في أَمْرِ دِينِهِمْ- فَلا أَرى بِهِ بَأْسًا، وَإِذا قالَ ذَلِكَ عُجْبًا بِنَفْسِهِ وَتَصاغُرًا للنّاسِ فَهُوَ المَكْرُوهُ الذي نُهي عَنْهُ (¬3). * * * ¬

_ (¬1) سبق برقم (1099). (¬2) رواه النسائي في "الكبرى" (10388). وصححه الألباني في "الكلم الطيب" (238). (¬3) رواه مسلم (2623).

باب [4981] (ثنا مسدد، ثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن سفيان بن سعيد) الثوري (حدثني عبد (¬1) العزيز بن رفيع) الكوفي (عن تميم) بن طرفة (الطائي) أخرج له مسلم (عن عدي بن حاتم) الطائي، ولد حاتم الموصوف بالجود (أن خطيبًا خطب عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: من يطع اللَّه ورسوله) زاد مسلم: (فقد رشد (¬2)، ومن يعصهما) وزاد: فقد غوى (¬3) (فقال: قم، أو قال: أذهب، فبئس الخطيب أنت) زاد مسلم: "ومن يعص اللَّه ورسوله فقد غوى" (¬4) فأنكر على الخطيب تشريكه في الضمير المقتضي للتسوية، كما أنكر على من أتى بالواو في الحديث قبله للتشريك والتسوية، وقد تقدم هذا الحديث كاملًا بسنده في أبواب صلاة الجمعة (¬5). [4982] (ثنا وهب بن بقية) الواسطي، شيخ مسلم (عن خالد (¬6) بن عبد اللَّه) بن عبد الرحمن الطحان الواسطي (عن خالد) بن مهران (يعني: الحذاء) البصري (عن أبي تميمة) طريف بن مجالد الهجيمي، أخرج له البخاري (عن أبي المليح) بفتح الميم، عامر بن أسامة، وقيل: زيد بن ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) "صحيح مسلم" (870). (¬3) السابق. (¬4) "صحيح مسلم" (870). (¬5) برقم (1099). (¬6) فوقها في (ل): (ع).

أسامة الهذلي (عن رجل) من قومه، وهو أبو عزة يسار الهذلي، وقيل: يسار بن عمرو. سكن البصرة. (قال: كنت رديف) ويقال: رِدْف بكسر الراء وسكون الدال، أي: على ردف الناقة وهو عجزها، خلفه (النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فعثرت) بفتح العين والمثلثة، ويقال للزلة: عثرة؛ لأنها سقوط في الإثم؛ يقال: عثر الرجل في ثوبه وعثرت (دابته، فقلت: تعس) بفتح العين وكسرها. قال الزمخشري: كسرها ليس بالقوي (¬1). (الشيطان) أي: انكب على وجهه فلم تجبر عثرته، وقيل: هلك. وقيل: لزمه الشر (فقال: لا تقل: تعس الشيطان) عن الأزهري عن أبي عبيد: تعسه اللَّه وأتعسه، قال شمر: لا أعرف تعسه اللَّه، ولكن يقال: تعس بنفسه، وأتعسه اللَّه (¬2) (فإنك إذا قلت ذلك؛ تعاظم حتى يكون مثل البيت) أو الجبل العظيم (ويقول: بقوتي) أوقعته ورميته. فيه أنه يكره لمن عثر في مشيته أو عثرت دابته، أو تعقد عليه خيوط يحلها، أو تعسر عليه شيء مما يتعاطاه، أن يقول: تعس الشيطان، أو لعن اللَّه إبليس، أو نحو ذلك؛ لأن هذا القول في هذِه الحال يفهم الشيطان هو الذي أعثره وأوقعه في ذلك؛ فلهذا يتعاظم، ويعجبه نسبة الأشياء إليه، ونحن مأمورون بإذلاله وإهانته، وإلصاق وجهه بالتراب تحقيرًا له. (ولكن) اذكر اللَّه و (قل: بسم اللَّه) وهذا من اللَّه؛ تنسب الأشياء كلها ¬

_ (¬1) انظر: "تاج العروس" 8/ 217. (¬2) "تهذيب اللغة" 2/ 78 وفيه: أبو عبيد عن أبي عبيدة. . . وذكر القول.

إلى اللَّه تعالى وإلى قوته وتقديره (فإنك إذا قلت ذلك) ونحوه (تصاغر حتى يكون مثل الذباب) أي: ذلَّ وانمحق وذاب حتى يغوص في الأرض عند ذكر اسم اللَّه تعالى. [4983] (ثنا) عبد اللَّه بن مسلمة (القعنبي، عن مالك، وثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه) أبي صالح السمان. (عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إذا سمعت) هلك الناس (وقال موسى) بن إسماعيل (إذا قال الرجل) أو المرأة (هلك) بفتح اللام (الناس) أو فسدت أحوال الناس، أو فسد الزمان، ونحو ذلك (فهو أهلكهم) قال أبو إسحاق إبراهيم بن سفيان صاحب مسلم الراوي عنه: لا أدري (أهلكهم) بالنصب، أو (أهلكهم) بالرفع (¬1). وهما روايتان، رفع الكاف وفتحها، والرفع أشهر كما قال النووي وغيره (¬2). ويؤيده أنه جاء في رواية في "حلية الأولياء" في ترجمة سفيان الثوري: "فهو من أهلكهم" (¬3)، قال الحميدي في "الجمع بين الصحيحين": الرفع أشهر، ومعناه: أشدهم هلاكا، وأحقهم به أو أشرهم هلاكا، وهذا محمول على ما إذا قال ذلك محقِّرًا للناس وزاريًا عليهم معجبًا بنفسه وعمله (¬4). ومن قال ذلك فهو الأحق ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" عقب حديث (2623). (¬2) "الجمع بين الصحيحين" 3/ 287 (2652)، "شرح مسلم" 16/ 175. (¬3) 7/ 141. (¬4) 3/ 287 (2652).

بالهلاك منهم، وأما من قال ذلك على سبيل الشفقة على أهل عصره وأنه هو وإياهم بالنسبة إلى من تقدمهم من أسلافهم كالهالكين (¬1) فلا يتناوله هذا الذم، عادة جارية في أهل العلم والفضل يعظمون أسلافهم ويفضلونهم على من بعدهم، وقد يكون هذا على جهة الوعظ والتذكير؛ ليقتدي اللاحق بالسابق، فيجتهد المقصر، ويتدارك المفرط، كما قال الحسن: أدركت أقواما لو رأوكم لقالوا: لا يؤمنون بيوم الحساب (¬2). وأما من قيده بالنصب فمعناه: أنه جعلهم كالهالكين، لا هالكين في الحقيقة، فقد أهلكهم بهذا القول، فإن الذي يسمعه قد ييأس من رحمة اللَّه ويهلك، وقد يغلب على القائل رأي الخوارج؛ فيهلك الناس بالخروج عليهم، ويشق العصا بالقتال؛ فيهلكون حقيقة وحسًّا. (قال مالك) بن أنس (إذا قال ذلك تحزنًا) وشفقة على الناس (لما يرى في) أحوال (الناس؛ يعني: في) أمور (دينهم) من تضييع الصلوات عن أوقاتها، وتهاونهم في الإتيان بشروطها وسننها، وقلة خشوعهم فيها، وكذا في الصيام والزكاة والحج وغير ذلك من فساد معاملاتهم. (فلا أرى به بأسًا) وهو جائز (وإذا قال ذلك عجبًا بنفسه) عليهم، وازدراءً لهم كما تقدم (وتصاغرًا (¬3) للناس) أي: إذلالًا واحتقارًا كما ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) رواه أبو نعيم في "الحلية" 2/ 134، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 19/ 525 من قول الحسن ابن أبي الحسن. (¬3) بعدها في (ل)، (م): وتصغيرًا، وعليها: خـ.

قال: لا أعرف شيئًا مما كان على عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، إلا أنهم يصلون جميعًا (¬1) (فهو المكروه الذي نهى عنه) (¬2) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وحذر منه. * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (650) من حديث أبي الدرداء موقوفًا. (¬2) قول مالك هذا انظر نحوه في "البيان والتحصيل" 17/ 280.

86 - باب في صلاة العتمة

86 - باب فِي صَلَاةِ العَتَمَةِ 4984 - حَدَّثَنَا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيانُ، عَنِ ابن أَبي لَبِيدٍ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ قالَ: سَمِعْتُ ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "لَا تَغْلِبَنَّكُمُ الأَعْرابُ عَلَى اسْمِ صَلاتِكُمْ، أَلَا وَإِنَّها العِشَاءُ وَلَكِنَّهُمْ يُعْتِمُونَ بِالإِبِلِ" (¬1). 4985 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا مِسْعَرُ بْنُ كِدامٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْدِ قالَ: قالَ رَجُلٌ -قالَ مِسْعَرٌ: أُراهُ مِنْ خُزَاعَةَ- لَيتَني صَلَّيْتُ فاسْتَرَحْتُ فَكَأَنَّهُمْ عَابُوا عَلَيهِ ذَلِكَ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "يا بِلالُ أَقِمِ الصَّلاةَ أَرِحْنا بِهَا" (¬2). 4986 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا إِسْرائِيلُ، حَدَّثَنَا عُثْمانُ بْنُ المُغِيرَةِ عَنْ سالِمِ بْنِ أَبي الجَعْدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ ابن الحَنَفِيَّةِ قالَ: انْطَلَقْتُ أَنا وَأَبِي إِلَى صِهْرٍ لَنَا مِنَ الأَنْصارِ نَعُودُهُ فَحَضَرَتِ الصَّلاةُ فَقالَ لِبَعْضِ أَهْلِهِ: يا جارِيَةُ ائْتُوني بِوَضُوءٍ لَعَلّي أُصَلّي فَأَسْتَرِيحَ قالَ: فَأَنْكَرْنا ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَقالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "قُمْ يا بِلالُ أَقِمْ فَأَرِحْنا بِالصَّلاةِ" (¬3). 4987 - حَدَّثَنَا هارُونُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي الزَّرْقاءِ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا هِشامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عائِشَةَ عَلَيْها السَّلامُ قالَتْ: ما سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَنْسُبُ أَحَدًا إِلَّا إِلَى الدِّين (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه مسلم (644). (¬2) رواه أحمد 5/ 364. وصححه الألباني في "المشكاة" (1253). (¬3) رواه أحمد 5/ 371، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 14/ 167 (5549). وصححه الألباني. (¬4) رواه أبو داود في "المراسيل" (520). =

باب في صلاة العتمة بفتح التاء. [4984] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا سفيان) بن عيينة (عن) عبد اللَّه (ابن أبي لبيد) بفتح اللام، المدني، الرجل الصالح الثقة (عن أبي سلمة) ابن عبد الرحمن (قال: سمعت) عبد اللَّه (ابن عمر رضي اللَّه عنهما، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: لا تغلبنكم) أي: الغالب على (الأعراب) من قولهم: غلب على فلان الكرم. أي: هو أكثر خصاله (على اسم) أي: تسمية (صلاتكم) فيسمونها العتمة (ألا وإنها) صلاة (العشاء) وفي البخاري: "ألا وإنها في كتاب اللَّه العشاء" (¬1) كما قال: {وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ} (¬2). (ولكنهم يعتمون) بضم أوله وكسر ثالثه (بالإبل) أي: بحلابها، كما قال الأزهري: أرباب النعم في البادية يريحون الإبل ثم ينيخونها في مراحها حتى يعتموا، أي: يدخلوا في عتمة الليل وهي ظلمته، والعتمة من الليل بعد غيبوبة الشفق إلى آخر الثلث الأول، ويقال: أعتم: إذا دخل في العتمة، وكانت الأعراب يسمون صلاة العشاء صلاة العتمة تسمية بالوقت، فنهاهم عن الاقتداء بهم، واستحب لهم التمسك (¬3) بالاسم الناطق به لسان الشريعة (¬4)، وقيل: المراد: لا ¬

_ = وقال الألباني: ضعيف الإسناد. (¬1) لم أقف على هذا اللفظ عند البخاري، وإنما رواه مسلم (644) (229). (¬2) النور: 58. (¬3) في (م): التسمية. (¬4) انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/ 180.

يغرنكم فعلهم هذا، فتؤخروا صلاتكم، ولكن صلوها إذا دخل وقتها (¬1). [4985] (ثنا مسدد، ثنا عيسى (¬2) بن يونس) بن أبي إسحاق (ثنا مِسْعَر (¬3) بن كِدَام) بكسر الكاف وتخفيف الدال، ابن ظهير الهلالي، أبو سلمة الكوفي (عن عمرو بن مرة، عن سالم (¬4) بن أبي الجعد) رافع الأشجعي. (قال: قال رجل قال مسعر أُراه) بضم الهمزة (من خزاعة) قبيلة كبيرة من الأزد (ليتني صليت فاسترحت، فكأنهم عابوا ذلك عليه) وأنكروه (فقال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: يا بلال) بن رباح، وأمه حمامة، أذن و (أقم الصلاة) فيه: أن الأفضل أن يؤذن من يقيم، كما تقدم. و (أرحنا بها) أي: لنستريح بأدائها من شغل القلب بالاهتمام بإتيانها على أكمل الحالات، فقد كان علي -رضي اللَّه عنه- إذا أذن المؤذن وحضر وقت الصلاة تزلزل وتلون، فقيل له: ما لك؟ فيقول: جاء وقت أمانة عرضها اللَّه على السموات والأرض فأبين أن يحملنها وأشفقن منها، وحملها الإنسان. ويروى عن علي بن الحسين أنه كان إذا توضأ اصفر لونه، فيقول له أهله: ما هذا؟ فيقول: أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟ (¬5). ¬

_ (¬1) السابق. (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) فوقها في (ل): (ع). (¬5) رواه ابن سعد في "طبقاته" 5/ 216.

[4986] (ثنا محمد (¬1) بن كثير) العبدي (ثنا إسرائيل، [ثنا عثمان]) ابن محمد (بن المغيرة) بن الأخنس، وثقه ابن معين (¬2) (عن سالم بن أبي الجعد) رافع الأشجعي. (عن عبد (¬3) اللَّه بن محمد) بن علي بن أبي طالب (ابن الحنفية) أخي الحسن. (قال: انطلقت أنا وأبي) محمد ابن الحنفية (إلى صهر لنا) من الصحابة، و (من الأنصار نعوده) في مرضه (فحضرت الصلاة، فقال لبعض أهله: يا جارية، ائتوني بِوَضُوْء) بفتح الواو، وهو الماء الذي يُتوضأ به (لعلي أصلي فأستريح) بالنصب جواب (لعل) كقوله تعالى: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ} (¬4) (فأنكرنا ذلك عليه) لأن ظاهره: استرحت من الصلاة ومن مشقتها وتعبها وهمها. (فقال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول) لبلال (قم يا بلال) فأذن وأقم الصلاة (فأرحنا بالصلاة) أي: أرحنا بفعلها؛ لتستريح النفس من مشقة انتظارها، وصلاة التراويح مشتقة من ذلك؛ لأن الترويحة أربع ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) كذا وهو خطأ؛ فعثمان الذي يروي عنه إسرائيل هو عثمان بن المغيرة الثقفي، أبو المغيرة الكوفي. أما عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس، الذي ذكره المصنف هنا فهو رجل آخر، يروي عن سعيد بن المسيب وسعيد المقبري والأعرج. انظر: "تهذيب الكمال" 19/ 497 (3864)، 19/ 488 (3859). (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) غافر: 36 - 37.

ركعات، فالمصلي يستريح بعدها، وقيل: كان اشتغاله -صلى اللَّه عليه وسلم- بالصلاة راحة له، فإنه يعد غيرها من الأعمال البدنية تعبًا، ويعدها راحة؛ لما فيها من طيب مناجاة اللَّه تعالى ولذة خطابه بالتلاوة، ولهذا قال: "وجعلت قرة عيني في الصلاة" (¬1) فما أقرب الراحة من قرة العين، فمن امتلأ قلبه بالأذان والدخول في الصلاة فرحًا واستبشارًا، وكان مسجونًا بالرغبة إلى المبادرة إليها، فليتحقق أنه يكون كذلك فرحًا مستبشرًا إذا سمع النداء للعرض على رب العالمين، والقيام بين يديه للمحاسبة على أعماله وأقواله، وأنه يكون من الفائزين في ذلك اليوم. [4987] (ثنا هارون بن زيد) بن أبي الزرقاء، نزيل الرملة، ثقة. (حدثنا أبي) زيد بن أبي الزرقاء يزيد التغلبي الموصلي، نزيل الرملة، ثقة (ثنا هشام بن سعد) المدني. (عن زيد بن أسلم) ولم يسمع زيد من عائشة، فالحديث منقطع، قاله المنذري (¬2). (عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: ما سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ينسب أحدًا) من أصحابه (إلا إلى) استعمال ما ورد في (الدين) أي: في دين اللَّه تعالى من الكتاب والسنة. قال المنذري: يشبه أن يكون أبو داود أدخل هذا الحديث في هذا الباب، أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان لا ينسب أحدًا إلا إلى الدين؛ ليرشدهم بذلك إلى استعمال الألفاظ الواردة في كتاب اللَّه ¬

_ (¬1) رواه النسائي 7/ 61 - 62، وأحمد 3/ 128، 285 من حديث أنس مرفوعًا. (¬2) في "مختصر سنن أبي داود" 7/ 277.

تعالى وسنة نبيه محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويصرفهم عن عبارات الجاهلية، كما فعل في العتمة (¬1). يعني: حين أرشدهم إلى أن يسموها العشاء، كما في كتاب اللَّه تعالى. ويحتمل أن يراد بالحديث أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان [لا] (¬2) ينسب أحدًا ويعتقده إلا إلى أنه متدين، ولا يظن بأحد أنه عاص للَّه تعالى، ولا يواجه أحدًا بما فيه مكروه أو قبيح، بل بما يحبه من طاعة اللَّه، ولا يقول لأحد: أنت تسميها العتمة. ولا يتوهم أنَّ فيه دليلًا (¬3) على عز الدين وزين الدين وشمس الدين كما اشتهر في التلقيب في زماننا وكثر. * * * ¬

_ (¬1) "مختصر سنن أبي داود" 7/ 277 - 278. (¬2) زيادة يقتضيها السياق. (¬3) في (ل)، (م): دليل. والجادة ما أثبتناه.

87 - باب ما روي في الترخيص في ذلك

87 - باب ما رُوي في التَّرْخِيصِ في ذَلِكَ 4988 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قالَ: كانَ فَزَعٌ بِالمَدِينَةِ، فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَرَسًا لأَبِي طَلْحَةَ فَقالَ: "ما رَأَيْنا شَيْئًا". أَوْ: "ما رَأَيْنا مِنْ فَزَعٍ وَإِنْ وَجَدْناهُ لَبَحْرًا" (¬1). * * * باب ما روي في الترخيص في ذلك [4988] (ثنا عمرو بن مرزوق الباهلي) شيخ البخاري (أبنا شعبة، عن قتادة، عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: كان فزع بالمدينة) زاد في الصحيحين: فاستعار النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فرسًا لأبي طلحة يقال: مندوب (¬2) (فركب [رسول] (¬3) اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فرسًا لأبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري. وفيه: دليل على جواز العارية، بل يستحب إذا لم يجد ما يركبه، وكان من شجعان الحرب. وفيه: [دليل على] (¬4) جواز الغزو على الفرس المستعار لذلك. وفيه: بيان شجاعته من شدة عجلته في الخروج إلى العدو قبل الناس كلهم، ولا يفعل فعل الجبان، بأن يتأخر بالركوب إلى أن يذهب مع الناس. (فقال) لما رجع: "لم تراعوا" (¬5) (ما رأينا شيئًا أو) شك من ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2627)، ومسلم (2307). (¬2) "صحيح البخاري" (2862)، "صحيح مسلم" (2307) (49). (¬3) في (م): النبي. والمثبت من "السنن". (¬4) ساقطة من (م). (¬5) "صحيح البخاري" (2908)، "صحيح مسلم" (2307).

الراوي (ما رأينا من فزع) فيه: استحباب تبشير الناس بعدم الخوف (وإن وجدناه لبحرًا) أي: واسع الجري. وفيه إباحة التوسع في الكلام والترخص فيه بتشبيه الشيء بالشيء الذي يشابهه في بعض معانيه؛ لأنه شبه جري الفرس بالبحر لاتساعه. * * *

88 - باب في التشديد في الكذب

88 - باب فِي التَّشْدِيدِ فِي الكَذِبِ 4989 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ أَخْبَرَنَا الأَعْمَشُ، ح وَحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ داوُدَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِيَّاكُمْ والكَذِبَ، فَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدي إِلَى النّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا، وَعَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدي إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ وَيَتَحَرى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا" (¬1). 4990 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، قالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "وَيْلٌ لِلَّذي يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ القَوْمَ وَيْلٌ لَهُ، وَيْلٌ لَهُ" (¬2). 4991 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابن عَجْلَانَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ مَوالِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ العَدَوي حَدَّثَهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عامِرٍ أَنَّهُ قالَ: دَعَتْنِي أُمِّي يَوْمًا وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَاعِدٌ في بَيْتِنَا، فَقَالَتْ: ها تَعالَ أُعْطِيَكَ. فَقَالَ لَها رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَما أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ". قالَتْ: أُعْطِيهِ تَمْرًا. فَقالَ لَها رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَما إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِيهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةٌ" (¬3). 4992 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، ح وَحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الحُسَيْنِ، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6094)، ومسلم (2607). (¬2) رواه الترمذي (2315)، وأحمد 5/ 2، والنسائي في "الكبرى" (11126)، وحسنه الألباني في "غاية المرام" (376). (¬3) رواه أحمد 3/ 447، وابن أبي شيبة 13/ 153 (26122). وصححه الألباني في "الصحيحة" (748).

حَدَّثَنَا عَلِى بْن حَفْصٍ قالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ ابْنِ عاصَمٍ قالَ ابن حُسَيْنٍ في حَدِيثِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "كَفَى بِالمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ ما سَمِعَ". قالَ أَبُو داوُدَ: وَلَمْ يَذْكرْ حَفْصٌ أَبَا هُرَيْرَةَ. قالَ أَبُو داوُدَ: وَلَمْ يُسْنِدْهُ إِلَّا هَذَا الشَّيْخُ يَعْني عَلي بْنَ حَفْصٍ المَدائِنِيَّ (¬1). * * * باب في الكذب [4989] (ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش، ح، وحدثنا مسدد قال: ثنا عبد اللَّه بن داود) الخريبي الهمداني، أخرج له البخاري (ثنا الأعمش، عن أبى وائل) شقيق بن سلمة الأسدي (عن عبد اللَّه) بن مسعود -رضي اللَّه عنه-. (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إياكم والكذب) بالنصب على التحذير، وبفتح الكاف وكسر الذال، ويجوز التخفيف بكسر الكاف وسكون الذال، وهو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو، سواء فيه العمد والخطأ، أو لا واسطة بينهما عند أهل السنة، والإثم في العمد. (فإن الكذب يهدي) أي: يوصل (إلى الفجور) وهو الميل عن الاستقامة والأعمال السيئة والمعاصي، منه قيل للفاجر: كذاب، وللمكذب للحق: فاجر (والفجور يهدي إلى) دخول (النار) واستحقاقها. (وإنَّ الرجل ليكذب ويتحرى) أي: يطلب (الكذبَ) ويقصده (حتى ¬

_ (¬1) رواه مسلم في مقدمة "الصحيح" (5)، وابن حبان (30)، والحاكم 1/ 112. وصححه الألباني.

يكتب عند اللَّه كذابًا) أي: يحكم له بذلك، ويستحق وصف الكذب، ويشتهر به عند اللَّه وفي الملأ الأعلى، ويلقي ذلك في قلوب (¬1) الناس وألسنتهم، ويشتهر به حتى لو صدق بعد ذلك لم يصدقوه. (وعليكم) من ألفاظ الإغراء المصرحة بالإلزام (بالصدق) باللسان بالإخبار عن الماضي والمستقبل في الوعد وغيره، والصدق في النية والإرادة، وصدق العزم على ما قال وعزم عليه، كقوله: إن رزقني اللَّه مالا تصدقت منه، وإن تعلمت العلم عملت به وعلمته، وإن لقيت العدو قاتلت في سبيل اللَّه. (فإنَّ الصدق يهدي إلى البر) أي: يوصل صاحبه إلى أن يكون من الأبرار الطائعين للَّه المخلصين. (وإن البر يهدي إلى) استحقاق (الجنة) ودخولها برحمة اللَّه، فحق على كل من فهم هذا عن اللَّه ورسوله أن يحترص على الصدق ويلازمه في الأقوال، والإخلاص في الأعمال، والصفاء في الأحوال. (وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق) وهو قصده والاعتناء بتحصيله والتلبس به (حتى يكتب عند اللَّه صديقًا) أي: يستحق الوصف ببلوغ منزلة الصديقين، وهو من وصف المبالغة في الصدق، بأن يصدق قوله بالعمل، قال بعضهم؛ الصدق يهدي إلى العمل الصالح الخالص من كل مذموم، والبر اسم جامع للخير كله. [4990] (ثنا مسدد، ثنا يحيى) القطان (عن بهز بن حكيم قال: ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): ألسنة. والمثبت كما في "شرح النووي على مسلم" 16/ 160.

حدثني أبي) حكيم بن معاوية (عن أبيه) معاوية بن حيدة بن معاوية القشيري. (قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: ويل للذي يحدث فيكذب) في حديثه (ليضحك (¬1) به القوم) الجالسين معه (ويل له، ويل له) قيل: ويل: واد في جهنم. ويدل عليه رواية الصحيحين: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسًا يهوي بها في النار سبعين خريفًا" (¬2)، ولابن أبي الدنيا من حديث أبي هريرة: "إنَّ الرجل ليتكلم بالكلمة يضحك بها جلساءه يهوي بها أبعد من الثريا" (¬3). [4991] (ثنا قتيبة) بن سعيد (ثنا الليث، عن) محمد (ابن عجلان، أن رجلا من موالي عبد اللَّه بن عامر بن ربيعة) العنزي (العدوي) أبو محمد (حدثه عن عبد اللَّه بن عامر) حليف قريش وحليف آل عمر بن الخطاب، وله ولأبيه صحبة، واستشهد عبد اللَّه يوم الطائف، وهو الأخ الأكبر (¬4). (قال: دعتني أمي) وهي ليلى بنت أبي حثمة، وكان صغيرًا يلعب حينئذٍ، قال ابن عبد البر: توفي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو ابن أربع سنين أو ¬

_ (¬1) في (م): فيضحك. والمثبت من (ل) وبعدها: فيضحك. وعليها: خـ. (¬2) "صحيح البخاري" (6477)، (6478)، ومسلم (2988) بنحو هذا اللفظ من حديث أبي هريرة مرفوعًا. (¬3) "الصمت وآداب اللسان" (71) مرفوعًا. (¬4) عبد اللَّه بن عامر هذا له أخ أكبر منه اسمه أيضًا: عبد اللَّه، هو الذي استشهد يوم الطائف. انظر: "تهذيب الكمال" 15/ 140 (3352).

خمس (¬1) (يومًا ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في بيتنا، فقالت: ها) مقصور وهي للنداء بمعنى يا، والمنادى محذوف كما جاء في رواية: فقالت لي أمي: يا عبد اللَّه تعال (¬2) (تعالَ) بفتح اللام (أعطيك) (¬3) كذا الرواية بإثبات الياء، والقاعدة عند أهل العربية: أعطِك، بحذف الياء؛ لأنها جواب الأمر، كقوله تعالى: {آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} (¬4)، وفيه وجهان: أحدهما: أنه أشبع كسرة الطاء فنشأت الياء، والثاني: أنه قدر الحركة على الياء، وجعل حرف العلة كالصحيح، وقرئ في السبع: (إنه من يتقي) (¬5) بإثبات الياء. (فقال لها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: وما أردت أن تعطيه؟ ) الظاهر أنه بسكون الياء أصلها: تعطين، فحذفت النون علامة النصب، وبقيت الياء ساكنة (قالت: أعطيه تمرًا) يأكله (فقال لها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أما إنك لو لم) تريدين أن (¬6) (تعطه (¬7) شيئًا) وفي رواية لغيره: "أما إنك لو لم تفعلي" (¬8) (كتبت عليك كذبة) وحوسبتي عليها. ¬

_ (¬1) "الاستيعاب" 3/ 63 (1604). (¬2) رواها أحمد 3/ 447، والخرائطي في "مكارم الأخلاق" (202). (¬3) بعدها في (ل)، (م): أعطك. وعليها: خـ. (¬4) الكهف: 96. (¬5) يوسف: 90. وهي قراءة ابن كثير في الوصل والوقف، وقرأها الباقون بغير ياء في الوصل والوقف. انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص 351، "الكشف عن وجوه القراءات السبع" 2/ 18. (¬6) بعدها في (ل): أن. (¬7) في (ل): تعطيه. والأصوب ما ذكر حتى يوافق اللغة في الجزم بـ "لم". (¬8) رواها أحمد 3/ 447، والخرائطي في "مكارم الأخلاق" (202).

فيه: أن الصبي إذا احتاج والده إلى وعد يعده أو وعيد يتهدده به أو تخويف فوعده وتوعده كان مباحًا، وإن كان كذبا. قال الغزالي: الكذب المباح يكتب ويحاسب عليه، ويطالب بتصحيح قصده فيه، ثم يعفى عنه؛ لأنه إنما أبيح بقصد الإصلاح، ويتطرق إليه غرور كبير، فإنه قد يكون الباعث له حظه وغرضه الذي هو [مستغن عنه وإنما يتعلل ظاهرًا بالإصلاح، فلهذا يكتب، وكل] (¬1) من أتى بكذبة فقد وقع في خطر الاجتهاد؛ ليعلم أن المقصود الذي كذب له هل هو أهم في الشرع من الصدق أم لا؟ وذلك غامض جدًّا، فالحزم في تركه، إلا أن يصيب واجبًا (¬2). انتهى. لكن قوله تعالى: {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} (¬3) فيه إشارة إلى أن المباح لا يكتب، وإنما في الكتاب صغائر المعاصي وكبائرها، إلا أن يقال: إن المباح يكتب كما هو ظاهر قوله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)} (¬4)، ثم ينسخ، فيسقط المباح، ويكتب ما فيه الثواب والعقاب، بدليل قوله تعالى: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (¬5). وقد جاء في رواية لغير المصنف عن عبد اللَّه بن عامر: جاء رسول ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ليس في (ل)، (م)، والمثبت من "إحياء علوم الدين". (¬2) "إحياء علوم الدين" 3/ 139. (¬3) الكهف: 49. (¬4) ق: 18. (¬5) الجاثية: 29.

اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى بيتنا وأنا صبي صغير، فذهبت لألعب، فقالت أمي: يا عبد اللَّه، تعال لأعطيك. . الحديث (¬1). وفي هذا دلالة على أن الأم تمنع الصبي من الخروج إلى اللعب، وتعده بالعطية، وتشغله بالأكل ونحوه، ويباح لها الكذب لتمنعه من اللعب، كما أنه يباح لها الكذب إذا كان الصبي لا يرغب فيه إلا بوعد. [4992] (ثنا حفص بن عمر) الحوضي (ثنا شعبة، ح، وثنا محمد بن الحسين) ابن إبراهيم العامري، شيخ البخاري (ثنا علي بن حفص) المدائني (ثنا شعبة، عن خُبيب بن عبد الرحمن) الخزرجي (عن حفص بن عاصم) بن عمر بن الخطاب (قال) محمد (ابن حسين عن أبي هريرة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: كفى بالمرء إثما) وفي مقدمة مسلم: "بحسب المرء من الكذب" (¬2) (أن يحدث بكل ما سمع) معناه: أن من حدث بكل ما سمع فقد كذب؛ لإخباره بما لم يكن، فإن ما يسمع في العادة فيه الصدق والكذب والحق والباطل، وينتقل عنه ما حدث به، فكان من جملة من يروي الكذب، فكان كاذبًا، وإن لم يتعمده، ولا عرف أنه كذب؛ لأن مذهب أهل الحق أن الكذب لا يشترط فيه تعمد الكذب، لكن التعمد شرط في كونه إثمًا، ولهذا قال مالك: ليس يسلم رجل حدث بكل ما سمع، ولا يكون إمامًا أبدًا (¬3). أي: إذا وجد الكذب في حديثه مرة أو مرتين فأكثر لم يوثق بحديثه، وكان ¬

_ (¬1) رواها الخرائطي في "مكارم الأخلاق" (202). (¬2) "صحيح مسلم" المقدمة (5) من حديث عمر وابن مسعود موقوفين. (¬3) رواه عنه مسلم بعد حديث رقم (5).

ذلك جرحًا له، فلا يكون إمامًا يُقتدى به، وإن كان عالمًا. (قال أبو داود: ولم يسنده إلا هذا الشيخ) يعني: علي بن حفص المدائني (ولم يذكر حفه) بن عمر الحوضي (أبا هريرة) بل رواه مرسلًا، فإن حفص بن عاصم تابعي بخلاف الطريق التي قبله، فإنه رواه عن أبي هريرة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- متصلا، وإذا ثبت أنه روي متصلا ومرسلا فالعمل على أنه متصل على الصحيح عند الفقهاء والأصوليين، ولا يضر كون الأكثرين رووه مرسلًا، فإن الوصل زيادة من ثقة، وهي مقبولة. * * *

89 - باب في حسن الظن

89 - باب فِي حُسْنِ الظَّنِّ 4993 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ، ح وَحَدَّثَنا نَصْرُ بْنُ عَلي، عَنْ مُهَنّا أَبي شِبْلٍ. قالَ أَبُو داوُدَ: وَلَمْ أَفْهَمْهُ مِنْهُ جَيِّدًا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ واسِعٍ، عَنْ شُتَيْرٍ قالَ نَصْرٌ: ابن نَهَّارٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ -قالَ نَصْرٌ: - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "حُسْنُ الظَّنِّ مِنْ حُسْنِ العِبادَةِ". قالَ أَبُو داوُدَ: مُهَنّا ثِقَةٌ بَصْريٌّ (¬1). 4994 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ عَلي بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ صَفِيَّةَ قالَتْ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مُعْتَكِفًا فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلًا فَحَدَّثْتُهُ وَقُمْتُ فانْقَلَبْت فَقامَ مَعي لِيَقْلِبَنِي -كَانَ مَسْكَنُهَا في دَارِ أُسامَةَ ابْنِ زَيْدٍ- فَمَرَّ رَجُلَانِ مِنَ الأَنْصَارِ فَلَمَّا رَأَيا النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَسْرَعَا فَقالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "عَلَى رِسْلِكُما إِنَّها صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَي". قالا: سُبْحانَ اللَّهِ يا رَسُولَ اللَّهِ! قالَ: "إِنَّ الشَّيْطانَ يَجْري مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرى الدَّمِ، فَخَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ في قُلُوبِكُمَا شَيْئًا". أَوْ قالَ: "شَرًّا" (¬2). * * * باب في حسن الطن [4993] (ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد، ح، وثنا نصر بن علي) الجهضمي (عن مُهنَّا) (¬3) بضم الميم وفتح الهاء وتشديد النون، ابن عبد ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3604)، وأحمد 2/ 297، وابن حبان (631). وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (1974). (¬2) سبق برقم (2470)، وهو حديث صحيح. (¬3) في حاشية (ل): مهنأ، وعليها: خـ.

الحميد (أبي شبل) بكسر المعجمة وسكون الموحدة، ويقال: أبو سهل، ثقة من الكبار (قال: ) المصنف (ولم أفهمه منه) فهمًا (جيدًا، عن حماد بن سلمة، عن محمد بن واسع، عن شتير) بضم الشين المعجمة ثم مثناة فوق مصغر، وقيل: هو سمير بضم السين المهملة وفتح الميم. (قال نصر) بن علي شيخ المصنف: هو شتير (بن نهار) بفتح النون وتخفيف الهاء، صوابه: ابن نهيك العبدي البصري، قال الحافظ ابن حجر: صدوق (¬1). قال البخاري: قال لي محمد بن بشار: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: ليس أحد يقول: شتير بن نهار إلا حماد بن سلمة، قال أبو نضرة: وكان من أوائل من حدث في هذا المسجد (¬2). يعني: مسجد البصرة، روى له المصنف هذا الحديث الواحد. (عن أبي هريرة قال نصر: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: حسن الظن) بالمسلمين وباللَّه تعالى (من) جملة (حسن العبادة) التي يتقرب بها إلى اللَّه تعالى، وفائدة هذا الحديث الإعلام بأن حسن الظن عبادة من العبادات الحسنة، كما أن سوء الظن معصية من معاصي اللَّه تعالى، كما قال اللَّه (¬3) تعالى: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ} (¬4)، أي: وبعضه حسن من العبادة، وقيل: معناه: من حسنت عبادته حسن ظنه، كما قيل في قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن باللَّه تعالى" (¬5). ¬

_ (¬1) "تقريب التهذيب" (2637). (¬2) "التاريخ الكبير" 4/ 201 (2490). (¬3) ليس في (م). (¬4) الحجرات: 12. (¬5) رواه مسلم (2877) من حديث جابر.

وقيل: في قوله تعالى: {وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (¬1) أي: محسنون بربكم الظن، وإطلاق الحديث يقتضي أنَّ حسن الظن بالمسلم المستور حاله من حسن العبادة، سواء مصيبًا في ظنه أو مخطئًا، ولهذا قال بعضهم في وصيته لمريده: خطؤك في حسن الظن أفضل من إصابتك في سوء الظن، فكما يجب عليك السكوت بلسانك عن مساوئ خلقه يجب عليك السكوت بقلبك عن سوء الظن، فإن سوء الظن بالمسلم غيبة بالقلب، وهي منهي عنها. ويجوز أن يكون قوله في الحديث: (من حسن العبادة) من إضافة الصفة إلى الموصوف، كمسجد الجامع، تقديره: حسن الظن من العبادة الحسنة. [4994] (ثنا أحمد (¬2) بن محمد) بن ثابت بن شبويه (المروزي) من كبار الأئمة. (ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري، عن علي بن حسين) الهاشمي زين العابدين. (عن صفية) بنت حيي، زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (قالت: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- معتكفًا) في المسجد في العشر الأواخر من رمضان (فأتيته أزوره ليلا). فيه: خروج المرأة من بيتها ليلا إلى المسجد لزيارة أب أو زوج أو قرابة أو صلاة، كما كن أزواج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يخرجن إلى المسجد متلفعات ¬

_ (¬1) آل عمران: 102. (¬2) فوقها في (ل): (د).

بمروطهن، ما يعرفهن أحد من الغلس (¬1) (¬2). (فحدثته) أي: تحدثت عنده ساعة كما في البخاري (¬3)، وفيه جواز الكلام المباح في المسجد؛ لتأنيس القادم إليه لغير الصلاة (وقمت) ثم قمت، هكذا ذكره في الرواية المتقدمة في كتاب الاعتكاف بإسناده ولفظه (¬4) (فانقلبت) أي: رجعت إلى البيت (فقام معي يتقلبني) أي: يصحبني إلى منزلي، يقال: قلبه يقلبه فانقلب هو إذا انصرف، قال اللَّه تعالى: {وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ} (¬5). ومنه حديث أبي هريرة أنه كان يقول لمعلم الصبيان: اقلبهم (¬6). أي: اصرفهم إلى منازلهم. قال بعضهم: لا خلاف في جواز خروج المعتكف فيما لا غنى به، وفيه أن من حق الزائر أن يمشى معه إلى باب داره، فإن كان امرأة أو صبيًّا أو من يخاف عليه في الطريق رجع معه، وإن لم يتيسر أرسل معه من يستأنس به ويأمن به. (وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد) بن حارثة حِبّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خازن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وعلى رحله وابن مولاه الذي تبناه (فمر رجلان من ¬

_ (¬1) في (م): الناس. (¬2) رواه البخاري (578)، ومسلم (645) من حديث عائشة. (¬3) "صحيح البخاري" (2035). (¬4) سبق برقم (2470). (¬5) العنكبوت: 21. (¬6) انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 4/ 97.

الأنصار، فلما رأيا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أسرعا) في مشيهما حياءً من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وسلما عليه. (فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: على رسلكما) بكسر الراء، أي: هينتكما، لا تعجلا، ومنه حديث عمر: إذا أذنت فترسل (¬1). أي: تأن ولا تعجل (إنها صفية بنت حيي) أمكم وأم المؤمنين، والرجل لا يستحيي من أمه وأبيه إذا مر عليهم (قالا: سبحان اللَّه! ) زاد البخاري بعد: (يا رسول اللَّه): وكبر عليهما (¬2). قال الكرماني: سبحان اللَّه: إما حقيقة، أي: أنزه اللَّه عن أن يكون رسوله متهمًا لنا بما لا ينبغي، أو كناية (¬3) عن التعجب من هذا القول (¬4). وعلى هذا ففيه دلالة على التعجب بلفظ: سبحان اللَّه، وكذا بـ: لا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر. (قال: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم) لفظ البخاري: "إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم" (¬5) أي: كمبلغ الدم وكمجراه، ووجه الشبه بين طرفي التشبيه شدة الاتصال، وحمله بعضهم على ظاهره وقال: إنه يسري في باطن الإنسان، ويجري في مجاريه مجرى ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة 1/ 195 (2234)، والدارقطني 1/ 238، والبيهقي 1/ 428 من حديث عمر موقوفًا. (¬2) "صحيح البخاري" (2035). (¬3) مكانها بياض في (م). (¬4) "شرح صحيح البخاري" للكرماني 9/ 169. (¬5) "صحيح البخاري" (2035).

دمه بقوة جعلها اللَّه فيه وقيل: هذا استعارة؛ لكثرة إغوائه ووسوسته، فكأنه لا يفارق الإنسان (¬1) كما لا يفارقه دمه. قلت: وهو ظاهر، ويكون دخوله إلى المجاري من فم الآدمي، ولذلك قال -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأمر من تثاءب أن يرده ما أستطاع، وأن يضع يده على فيه؛ لئلا يدخل الشيطان في فيه، وسبب أمره بذلك عند التثاؤب كثرة الأكل والشبع من الطعام ولو حلالا صرفًا، وكذلك هنا أخبر بأنه يجري فيه مجرى الدم، ويتمكن منه إذا حصل له سوء الظن المهلك، وكذلك يدخل في جوفه، ويجري فيه مجرى الدم عند شدة الغضب، فإن الإنسان إذا غضب تمكن منه الشيطان، ولعب به كما يلعب الصبي بالكرة. (فخشيت أن يقذف) أي: يلقي ويوقع، والقذف: الرمي بقوة، ومنه حديث عائشة: وعندها جاريتان (¬2) تغنيان بما تقاذفت به الأنصار يوم بعاث (¬3). أي: تشاتمت في أشعارها التي قالتها في تلك الحرب. (في قلوبكما شيئًا) أي: شرًّا كما في الرواية الأخرى (¬4) (أو قال: شرًّا) بوسوسته. فانظر كيف أشفق على دينهما فحرسهما من إلقاء الشيطان في قلوبهما سوء الظن المردي، وإذا انتفى سوء الظن حصل حسن الظن الذي هو من حسن العبادة، ولهذا ناسب التبويب عليه، ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) جاءت في هامش (ل) وعليها: لعله. (¬3) رواه البخاري (3931). (¬4) رواها البخاري (2175).

كما أن حسن الظن للآدمي متعين، ودفع سوء الظن ما أمكن كذلك يتعين أن يدفع عن أخيه المسلم سوء الظن، ويسعى في إيصال حسن الظن إليه. وفي الحديث: كمال شفقته -صلى اللَّه عليه وسلم- على أمته، احترز من مواضع التهم، وعلمهم الاحتراز من التهمة، ولا يتساهل العالم الورع المعروف بالدين في أحواله، فيقول: مثلي لا يظن به إلا خير (¬1). إعجابا منه بنفسه، فإن أورع الناس وأتقاهم وأعلمهم لا ينظر الناس كلهم إليه بعين واحدة، بل بعين الرضا بعضهم، وبعين السخط بعضهم، كما قال الشاعر: وعين الرضا عن كل عيب كليلة ... ولكن عين السخط تبدي المساويا (¬2) قال الشافعي: خاف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يقع في قلوبهما شيء؛ فيكفرا، وإنما قال ذلك لهما شفقًا عليهما لا على نفسه (¬3). * * * ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): خيرًا. ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬2) هذا البيت لعبد اللَّه بن معاوية بن عبد اللَّه بن جعفر بن أبي طالب، انظر: "الحيوان" 3/ 488، "الكامل في اللغة والأدب" 1/ 178. (¬3) انظر: "معالم السنن" 4/ 128.

90 - باب في العدة

90 - باب فِي العِدَةِ 4995 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو عامِرٍ، حَدَّثَنَا إِبْراهِيمُ بْن طَهْمانَ، عَنْ عَلي بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ أَبِي النُّعْمانِ، عَنْ أَبِي وَقّاصٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، عَنِ النَّبِيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِذا وَعَدَ الرَّجُلُ أَخاهُ، وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَفي لَهُ، فَلَمْ يَفِ وَلَمْ يَجِئْ لِلْمِيعادِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ" (¬1). 4996 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فارِسٍ النَّيْسابُوري، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنانٍ، حَدَّثَنَا إِبْراهِيمُ بْنُ طَهْمانَ، عَنْ بُدَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ الكَرِيمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الحَمْساءِ، قالَ: بايَعْتُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بِبَيْعِ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ وَبَقِيَتْ لَهُ بَقِيَّةٌ فَوَعَدْتُهُ أَنْ آتِيَةُ بِها في مَكانِهِ فَنَسِيتُ، ثُمَّ ذَكَرْتُ بَعْدَ ثَلاثٍ فَجِئْتُ فَإِذا هُوَ في مَكانِهِ فَقالَ: "يا فَتَى لَقَدْ شَقَقْتَ عَلي أَنا ها هُنا مُنْذُ ثَلاثٍ أَنْتَظِرُكَ". قالَ أَبُو داوُدَ: قالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى هذا عِنْدَنا عَبْدُ الكَرِيمِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ. قالَ أَبُو داوُدَ: هَكَذا بَلَغَني عَنْ عَلي بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. قالَ أَبُو داوُدَ: بَلَغَني أَنَّ بِشْرَ بْنَ السَّري رَواة عَنْ عَبْدِ الكَرِيمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ (¬2). * * * ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2633)، والطبراني في "الكبير" 5/ 199 (5080)، والبيهقي في "الشعب" (4055). وضعفه الألباني في "المشكاة" (4881). (¬2) رواه الحربي في "غريب الحديث" 3/ 944، والخرائطي في "مكارم الأخلاق" (193)، والبيهقي في "الكبرى" 10/ 198. وقال الألباني: ضعيف الإسناد.

باب في العدة [4995] (ثنا محمد بن المثنى، ثنا أبو عامر) عبد الملك بن عمرو العقدي (ثنا إبراهيم (¬1) بن طهمان) الخراساني (عن علي بن عبد الأعلى) بن عامر الثعلبي الأحول، ثقة (عن أبي النعمان) أخرج له الترمذي أيضًا (¬2)، وسكت عليه المصنف، لكنه مجهول (عن أبي وقاص) مجهول أيضًا (عن زيد بن أرقم -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إذا وعد الرجل أخاه) المسلم وعدًا (و) كان (من نيته (¬3) أن يفي فلم يَفِ) له (ولم يجئ للميعاد) لعذر منعه من الوفاء بالوعد فلا إثم عليه أي: لمكان الوعد؛ لأن الميعاد يكون زمانا ومكانًا. وفيه: أن من وعد شخصًا أن يأتيه إلى مكان في زمان فعليه أن يأتي إليه في ذلك الوقت، وإلا فقد أخلف في الوعد، ما لم يكن عذر، والظاهر أن المراد بالوعد هنا الوعد في الخير، فإنَّ الوعد يستعمل في الخير والشر، ولهذا جاء في رواية: "فلم يجد" (¬4) يقال: وعدته خيرًا، ووعدته شرًّا. ويتعدى بباء الجر، فيقال: وعده بالخير. (فلا إثم عليه) لفظ الترمذي: "فلا جناح عليه" (¬5) والحديث حجة ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) "سنن الترمذي" (2633). (¬3) بعدها في (ل)، (م): له، وعليها: خـ. (¬4) انظر: "المغني عن حمل الأسفار" 2/ 804 (2946). (¬5) "سنن الترمذي" (2633).

للجمهور أن الوفاء بالوعد ليس بواجب، سواء كان قادرًا على الوفاء به أو غير قادر، فأما إن كان عند الوعد عازما على أن لا يفي فهذا هو النفاق، ولا يكون نفاقًا إلا إذا لم يكن عذر، فأما من عزم على الوفاء وعَنَّ له عذر منعه من الوفاء لم يكن منافقًا، ولا يجري عليه ما هو صورة النفاق، ولكن ينبغي أن يحترز من صورة النفاق كما يحترز من حقيقته، فإن عبد اللَّه بن عمرو (¬1) لما حضرته الوفاة قال: إنه كان خطب إلي ابنتي رجل من قريش، وكان مني إليه سمة وعد، فواللَّه لا ألقى اللَّه بثلث النفاق، اشهدوا على أني قد زوجته ابنتي (¬2). فينبغي للإنسان أن يحترز من الوعد ما أمكن، فإن اللسان سباق إلى الوعد، ثم النفس ربما لا تسمح بالوفاء؛ فيصير الوعد خلفًا، وذلك من علامات النفاق، فإن كان ولابد من الوعد فيقول بعده: عسى. فقد قيل: إنه -عليه السلام- كان إذا وعد وعدًا قال: عسى (¬3). وكان ابن مسعود لا يعد وعدًا، إلا ويقول: إن شاء اللَّه (¬4). [4996] (ثنا محمد بن يحيى) بن عبد اللَّه بن خالد بن فارس الذهلي (النيسابوري) بفتح النون، شيخ البخاري (ثنا محمد بن سنان) العوقي بفتح العين والواو ثم قاف، أخرج له البخاري (ثنا إبراهيم بن طهمان، عن ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): عبد اللَّه بن عمر. وما أثبتناه كما في "الصمت" لابن أبي الدنيا. (¬2) رواه ابن أبي الدنيا في "الصمت" (456) من رواية هارون بن رئاب. (¬3) ذكره الغزالي في "الإحياء" 3/ 133، وقال العراقي في "مغني الأسفار" 2/ 802 (2941): لم أجد له أصلًا. (¬4) انظر: "إحياء علوم الدين" 3/ 133.

بديل) (¬1) بضم الموحدة مصغر، ابن ميسرة العقيلي، أخرج له مسلم (عن عبد الكريم (¬2) بن عبد اللَّه بن شقيق) العقيلي، وقال أبو علي سعيد بن السكن في كتاب "الصحابة": روى هذا الحديث إبراهيم بن طهمان، عن بديل بن ميسرة، عن عبد اللَّه بن شقيق، عن أبيه، عنه. ويقال: عن بديل، عن عبد الكريم المعلم. قال المنذري بعد حكايته: ويشبه أن يكون قول ابن السكن الصواب، وعبد الكريم المعلم هو ابن أبي المخارق، ولا يحتج بحديثه (¬3). انتهى. وهو من أعيان التابعين، نزل مكة، له في البخاري زيادة في أول قيام الليل (¬4)، وذكره في أول مقدمة مسلم (¬5). (عن عبد اللَّه بن شقيق) العقيلي البصري، أخرج له مسلم (عن أبيه) (¬6) شقيق العقيلي، قال في "التهذيب": روى عنه عبد اللَّه بن شقيق إن كان محفوظًا، روى له أبو داود حديثًا واحدًا (¬7). (عن عبد اللَّه بن أبي الحمساء) بفتح الحاء والسين المهملتين، العامري، من بني عامر بن صعصعة، يعد في أهل البصرة، قال ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (4). (¬2) في (م): عبد اللَّه. (¬3) "مختصر سنن أبي داود" 7/ 284. (¬4) "صحيح البخاري" (1120). (¬5) في باب: بيان أن الإسناد من الدين، وأن الرواية لا تكون إلا عن الثقات، وأن جرح الرواة بما هو فيهم جائز بل واجب. (¬6) فوقها في (ل): (د). (¬7) "تهذيب الكمال" 12/ 558.

الذهبي: ويقال: هو ابن أبي الجدعاء، قال: والأصح أنه آخر (¬1). (قال: بايعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ببيع) أي: اشتريت منه سلعة (قبل أن يبعث، وبقيت له) منه (بقية) أي: من ثمنه (فوعدته أن آتيه بها) في (مكانه فنسيت) أن آتيه (ثم ذكرت) الوعد (بعد ثلاث) أيام (فجئته، فإذا هو في مكانه) الذي بايعته فيه (فقال: يا فتى) وفيه أنه يقال لمن لا يعرف اسمه إذا ناداه: يا فتى (لقد شققت عليَّ) في تأخرك (أنا ها هنا منذ ثلاث أنتظرك) فيه: معاتبة من تأخر عن وقت الوعد، لاسيما إذا طالت المدة، وفيه ما كان عليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من الأخلاق الجميلة الشريفة، وتحمل المشاق الشديدة، ليكون صادق الوعد، كما أثنى اللَّه على نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- بأنه صادق الوعد؛ فيقال: بأنه واعد إنسانًا في موضع، فلم يرجع إليه، فبقي اثنين وعشرين يومًا في انتظاره، ولو كان هذا الذي (¬2) بايع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تأخر أكثر من ذلك لانتظره، وهذا من مكارم الأخلاق. أما الذي قاله إبراهيم وغيره: أنه إذا واعد الرجل الميعاد فلم يأته قال: ينتظره ما بينه وبين أن يدخل وقت الصلاة التي تجيء (¬3). (قال: ) المصنف (قال محمد بن يحيى) بن عبد اللَّه النيسابوري الذهلي (هذا عندنا) هو (عبد (¬4) الكريم بن عبد اللَّه بن شقيق) عن أبيه عن جده. ¬

_ (¬1) "تجريد أسماء الصحابة" 6/ 301 (3238). (¬2) ساقطة من (م). (¬3) رواه ابن أبي الدنيا في "الصمت" (460) من قول إبراهيم. (¬4) فوقها في (ل): (د).

(قال أبو داود: هكذا بلغني عن علي بن عبد اللَّه. قال أبو داود: بلغني أن بشر بن السري (¬1) رواه عن عبد الكريم بن عبد اللَّه بن شقيق) وعبد الكريم المعلم هو ابن [أبي] (¬2) المخارق، أخرج له البخاري تعليقا (¬3)، ومسلم متابعةً (¬4). * * * ¬

_ (¬1) في (ل): السني. والمثبت من "السنن". (¬2) ليست في (ل)، (م)، والمثبت من مصادر التخريج. (¬3) "صحيح البخاري" (1120). (¬4) "مقدمة صحيح مسلم" باب: أن الإسناد من الدين، وأن الرواية لا تكون إلا عن الثقات، وأن جرح الرواة بما هو فيهم جائز بل واجب.

91 - باب في المتشبع بما لم يعط

91 - باب فِي المُتَشَبِّعِ بِمَا لَمْ يُعْطَ 4997 - حَدَّثَنَا سُلَيْمانُ بْن حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ فاطِمَةَ بِنْتِ المُنْذِرِ عَنْ أَسْماءَ بِنْتِ أَبي بَكْرٍ أَنَّ امْرَأَةً قالَتْ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي جارَةً -تَعْنِي: ضَرَّةً- هَلْ عَلي جُناحٌ إِنْ تَشَبَّعْتُ لَها بِما لَمْ يُعْطِ زَوْجي؟ قالَ: "المُتَشَبِّعُ بِما لَمْ يُعْطَ كَلابِسِ ثَوْبَي زُورٍ" (¬1). * * * باب في المتشبع بما لا يعط [4997] (ثنا سليمان بن حرب) البصري قاضي مكة (ثنا حماد بن زيد، عن هشام بن عروة، عن) زوجته (فاطمة بنت المنذر) بن الزبير (عن) جدتها (أسماء بنت أبي بكر الصديق أن امرأة قالت: يا رسول اللَّه، إن لي جارة) فيه إشارة إلى أن الضرتين متجاورتين في الدارين، وتسمى جارة، وإن لم تكونا متصافتين، ومنه قول عمر: لا يغرنك أن كانت جارتك (¬2). والعرب تسمي امرأة الرجل جارته كقول الشاعر: أجارتنا بيني فإنك طالقة (¬3) (تعني: ضرة) بفتح الضاد و (هل عليَّ جناح) أي: إثم (إن تشبعت لها) أي: أظهرت لها الشبع، وليس به، وكذبت لها، واتصفت بما ليس ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5219)، ومسلم (2130). (¬2) رواه البخاري (2468)، ومسلم (1479/ 34). (¬3) نسبه الجوهري في "الصحاح" 2/ 618، 4/ 1519، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 61/ 334، وابن منظور في "لسان العرب" (طلق)، وهو صدر بيت من الطويل، عجزه: ومرموقة ما كنت فينا واقعة.

عندي، والمراد أنها سألته: هل يجوز لها أن تظهر لضرتها أن زوجها قد ملكها أو أعطاها من ماله أكثر مما تستحقه، وأكثر مما أعطى ضرتها؛ افتخارًا عليها، وأنها عنده أحظى منها (بما لم يعط زوجي) فأجابها بما يقتضي المنع من ذلك؛ لما فيه من الكذب بخلاف كذب الزوج لزوجته، بأن تقول له إحدى زوجتيه: كسوتها، وخصصتها، وأعطيتها، فيقول: ما فعلت ذلك. وهو كاذب، والفرق أن كذب الزوجة على ضرتها يوجب الشرور بين الرجل وزوجته، بخلاف كذبه لزوجته، فإنه يدفع الشرور من بينهما. و(قال: المتشبع) الذي يظهر الشبع وليس بشبعان، وكثيرا ما يأتي من هذِه الصيغة بمعنى التعاطي كالتكبر والتصنع (بما لم يعطه كلابس ثوبي زور) (¬1). فيه: نهي المرأة أن تتكابر على ضرتها بما لم يعطها زوجها؛ لأنه شبه فعلها بما نهى عنه، وهو أن يلبس الإنسان ثوبين زورًا، قال السفاقسي: وهو من وجوه: أحدها: أن تلبس المرأة ثوبي وديعة أو عارية في بيتها، أو في العرس؛ ليظن الناس أنهما لها، فلباسها لا يدوم وتفتضح بكذبها، وإنما أراد بذلك خوفا من الفساد بين زوجها وضرتها، وهو مثل الزور الذي صاحبه فيه مأثوم. وقال الداودي: إنما كره ذلك؛ لأنه يدخل بين المرأة الأخرى وزوجها البغضاء، فيصير كالسحر الذي يفرق بين المرء وزوجه. قال: ¬

_ (¬1) ساقطة من (م).

وقوله: (كلابس ثوبي زور)، أي: كالذي قال الزور مرتين، وقول الزور من الكبائر. واختلف في الثوبين: هل يحملان على الحقيقة أو المجاز؟ على قولين. [قال أبو عبيد] (¬1): هو المرائي يلبس ثياب الزهاد؛ ليظن زاهدا وليس به (¬2). وقيل: هو أن يلبس قميصًا يصل بكمه كمين آخرين؛ ليري أنه لابس كمين، وقيل: كان الرجل يكون له هيبة وصورة خشنة، فإذا احتيج إلى شهادة شهد، فلا يرد لأجل حسن ثوبيه. قلت: وفي معنى هذا الرجل يتشبع من العلم والفضيلة فيدعي العلوم الكثيرة، أو الحذق والتمهر في صنعته وليس كذلك، فيكون كشاهد زور. * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) "غريب الحديث" 2/ 253.

92 - باب ما جاء في المزاح

92 - باب ما جَاءَ فِي المِزاحِ 4998 - حَدَّثَنَا وَهْبُ بْن بَقِيَّةَ، أَخْبَرَنَا خَالِدٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقَالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ احْمِلْني. قالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّا حامِلُوكَ عَلَى وَلَدِ ناقَةٍ". قالَ: وَما أَصْنَعُ بِوَلَدِ النّاقَةِ؟ فَقالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَهَلْ تَلِدُ الإِبِلَ إِلَّا النُّوقُ" (¬1). 4999 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن مَعِينٍ، حَدَّثَنَا حَجّاجُ بْن مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْن أَبِي إِسْحاقَ، عَنْ أَبِي إِسْحاقَ، عَنِ العَيْزارِ بْنِ حُرَيْثٍ، عَنِ النُّعْمانِ بْنِ بَشِيرٍ قالَ: اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَلَى النَّبِي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَسَمِعَ صَوْتَ عائِشَةَ عالِيًا فَلَمّا دَخَلَ تَناوَلَها لِيَلْطِمَها وقالَ: لا أَرَاكِ تَرْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَجَعَلَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يَحْجُزُهُ وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُغْضَبًا فَقالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حِينَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ: "كَيْفَ رَأَيْتِني أَنْقَذْتُكِ مِنَ الرَّجُلِ". قالَ: فَمَكَثَ أَبُو بَكْرٍ أَيَّامًا ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَوَجَدَهُمَا قَدِ اصْطَلَحَا فَقالَ لَهُمَا: أَدْخِلانِي في سِلْمِكُما كَمَا أَدْخَلْتُماني في حَرْبِكُما. فَقَالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قَدْ فَعَلْنا قَدْ فَعَلْنا" (¬2). 5000 - حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ الفَضْلِ، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ العَلاءِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الخَوْلانِي، عَنْ عَوْفِ بْنِ مالِكٍ الأَشْجَعِي قالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- في غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ في قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ فَسَلَّمْتُ فَرَدَّ وقالَ: "ادْخُلْ". فَقُلْتُ أَكُلّي يا رَسُولَ اللَّهِ قالَ: "كُلُّكَ". فَدَخَلْتُ (¬3). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1991)، وأحمد 3/ 267، وأبو يعلى 6/ 412 (3776). وصححه الألباني. (¬2) رواه أحمد 4/ 271، والنسائي في "الكبرى" (8495)، والبزار 8/ 223 (3275). وقال الألباني: ضعيف الإسناد. (¬3) رواه ابن ماجه (4042)، وأحمد 6/ 24، وابن حبان (6675). وصححه الألباني.

5001 - حَدَّثَنَا صَفْوانُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْن أَبِي العاتِكَةِ قالَ: إِنَّما قالَ: أَدْخُل كُلِّي. مِنْ صِغَرِ القُبَّةِ (¬1). 5002 - حَدَّثَنَا إِبْراهِيمُ بْن مَهْدي، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عاصِمٍ، عَنْ أَنَسٍ قالَ: قالَ لي رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا ذا الأُذُنَيْنِ" (¬2). * * * باب ما جاء في المزاح [4998] (ثنا وهب بن بقية) الواسطي، شيخ مسلم (ثنا خالد) (¬3) بن عبد اللَّه الواسطى الطحان (عن حميد) (¬4) [بن حميد الطويل] (¬5) (عن أنس -رضي اللَّه عنه-: أن رجلا أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه احملني) بكسر الهمزة على بعير (قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: إنا حاملوك) لفظ الترمذي: "إني حاملك" (¬6) (على ولد الناقة) أو على ابن البعير (قال: وما أصنع بولد البعير؟ ) لأنه لا يحملني، ففهمت (¬7) من الولد أنه الصغير القريب ¬

_ (¬1) رواه البيهقي في "الكبرى" 10/ 248 من طريق أبي داود. وقال الألباني: ضعيف الإسناد مقطوع. (¬2) رواه الترمذي (1992)، وأحمد 3/ 117. وصححه الألباني. (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) فوقها في (ل): (ع). (¬5) في النسخ: بن هلال العدوي، وهو خطأ. انظر: "تهذيب الكمال" 8/ 99 (1625)، "تحفة الأشراف" 1/ 186. (¬6) "سنن الترمذي" (1991). (¬7) هكذا في النسخ: والصواب: ففهم.

العهد بالولادة، فإنه لا يحمل شيئًا. (فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: وهل تلد الإبل إلا النوق؟ ) (الإبل) بالنصب مفعول مقدم، و (النوق) بعده فاعله. أي: لا تلد الإبل العظام إلا النوق يلدنهن صغارًا ثم يكبرن، ويستحق الحمل، وأراد به ممازحة الرجل، وفيه دليل على جواز المزح أحيانًا، وعلى الندور، بشرط أن يكون حقًّا ليس فيه كذب، وأن لا يؤذي قلبًا، ولا يفرط فيه، فإن دوامه والمواظبة عليه هزل مذموم، وسبب للضحك المميت للقلب، ويورث الضغينة في بعض الأحوال، وعلىه تحمل أحاديث النهي، كرواية الترمذي عن ابن عباس: "لا تمار أخاك ولا تمازحه ولا تعده موعدة فتخلفه" (¬1). [4999] (ثنا يحيى بن معين) المري البغدادي، إمام المحدثين، أخرج له الشيخان والجماعة (ثنا حجاج (¬2) بن محمد) المصيصي الأعور (ثنا يونس بن أبي إسحاق) السبيعي، أخرج له مسلم عن أبيه، فيما أظن (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد اللَّه السبيعي، سمع من أكثر من عشرين من الصحابة (عن العيزار) بفتح العين المهملة (ابن حريث) بضم الحاء المهملة مصغر، العبدي، أخرج له مسلم في الجهاد. (عن النعمان بن بشير رضي اللَّه عنهما قال: استأذن أبو بكر -رضي اللَّه عنه- على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) فيه: استحباب الاستئذان ولو على ابنته وزوجها، كما يستأذن على أمه (فسمع صوت عائشة) ابنته (عاليًا) بحضرة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (فلما دخل) عليها (تناولها ليلطمها) بكسر الطاء، أي: ليضربها بباطن كفه. وفيه حجة ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (1995) من حديث ابن عباس. (¬2) فوقها في (ل): (ع).

لمالك (¬1) وموافقيه في الاعتماد على الصوت في الشهادة، خلافًا للشافعي (¬2). (وقال: ألا) بالتخفيف للتوبيخ والإنكار، وهو بمعنى النفي، ويؤيده أن في بعض النسخ: لا (أراك ترفعين صوتك على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) لعل هذا الحديث بعد نزول قوله تعالى: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} (¬3)، وفيه: النهي عن رفع المرأة صوتها على زوجها، لا سيما إن كان من أكابر العلماء والصالحين، وفيه: تأديب الرجل ابنته بالضرب وغيره، وإن كانت مزوجة أو لها أولاد (فجعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يحجزه) أي: يفصل بينه وبينها ويرده عن قتلها. وفيه: الشفاعة فيما يوجب التأديب بالفعل والقول؛ والشفاعة بالفعل بأن يحول بين المؤدب وبين من يؤدبه؛ ليمنعه من الضرب كما فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (وخرج أبو بكر) الصديق -رضي اللَّه عنه- (مغضبًا) بفتح الضاد. فيه: فضيلة الغضب فيما كان من جانب الدين على من فعل ما يوجبه، ولهذا أقره النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عليه، وفيه: أن من غضب على شخص وأراد تأديبه، فحالت شفاعة بينه وبين تأديبه أن يظهر من عنده ويفارقه، فإنه من كمال التأديب، بمعنى أني ما كنت أود إلا التأديب لولا الشفاعة. (فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حين خرج أبو بكر -رضي اللَّه عنه-: كيف رأيتني) الظاهر أنه بكسر تاء التأنيث (كيف أنقذتك) أي: خلصتك (من الرجل؟ ) الظاهر ¬

_ (¬1) "المدونة" 2/ 93. (¬2) "الأم" 8/ 113. (¬3) الحجرات: 2.

أن الألف واللام في (الرجل) لاستغراق خصائص الأفراد؛ نحو: زيد الرجل علمًا. أي: الكامل في العلم، وتقدير (¬1) اللفظ: أنقذتك من الكامل الرجولية في التأديب وجميع أموره، ومنه قوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} (¬2)، والظاهر أنه لم يذكرها بإنقاذها من ضربه إلا لتحمد اللَّه وتشكره على إنقاذها من ضربه. (فمكث) بضم الكاف، قال اللَّه تعالى: (فَمَكُثَ غَيْرَ بَعِيدٍ) (¬3) وفيه قراءات أُخر (أبو بكر -رضي اللَّه عنه- أيامًا ثم) جاء و (استأذن على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) الظاهر أنه جاء بعد ثلاثة أيام، فإن أقصى الهجران (¬4) ثلاث؛ لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يهجر أحدكم أخاه فوق ثلاث" (¬5) فكيف بابنته التي هي بضعة منه وتحت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. (فوجدهما قد أصطلحا) رواية البغوي: فوجدهما قد اصطلحا -وأظنها رواية النسائي في "عشرة النساء" (¬6) - في غيبته، لأن غضب أبي بكر إنما كان لأجله -صلى اللَّه عليه وسلم- (فقال) أبو بكر لهما: (أدخلاني سلمكما) ¬

_ (¬1) غير واضحة في (ل)، (م)، ولعل المثبت هو الصواب. (¬2) البقرة: 2. (¬3) النمل: 22، وضم الكاف قراءة الجمهور، وقرأ عاصم وحده {فَمَكَثَ} بفتحها انظر: "السبعة" لابن مجاهد (480)، "الحجة للقراء السبعة" لأبي علي الفارسي 5/ 22. (¬4) ساقطة من (م). (¬5) تقدم برقم (4910) من حديث أنس. (¬6) "عشرة النساء" (257) من حديث النعمان بن بشير بلفظ: ثم استأذن أبو بكر وقد اصطلح رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وعائشة.

بكسر السين وفتحها، قال اللَّه تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ} (¬1) أي: مالوا للصلح (كما أدخلتماني في حربكما) أي: غضبكما. فيه: أن من انتصر لمظلوم وغضب لغضبه ثم عفا المظلوم وصالح الظالم فيرضى المنتصر لرضا المظلوم كما غضب لغضبه، ويدخل معهما في الصلح سواء وقع الصلح في غيبته أو حضوره، والأولى أن لا يصالح المظلوم الظالم حتى يأتي المنتصر ويرضى برضاهما. (فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: قد فعلنا قد فعلنا) أي: أدخلناك في صلحنا. [5000] (ثنا مؤمل بن الفضل) الحراني، ثقة (ثنا الوليد) (¬2) بن مسلم، عالم أهل الشام (عن عبد اللَّه بن العلاء) الربعي الشامي (عن بسر) بضم الموحدة وسكون المهملة (ابن عبيد اللَّه) بالتصغير، الحضرمي (عن أبي إدريس) عائذ اللَّه بن عبد اللَّه (الخولاني عن عوف ابن مالك الأشجعي) كانت معه راية أشجع يوم فتح مكة، -رضي اللَّه عنه-. (قال: أتيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في غزوة تبوك) هذا الحديث ذكره البخاري في الجزية مطولا من حديث عوف بن مالك، قال: أتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في غزوة تبوك (¬3) وهو في قبة ولم يذكر قصة الدخول فيه، ورواه ابن ماجه في الفتن (¬4) غير منصرف (وهو في قبة) القبة: من الخيام صغير مستدير (من أدم) بفتح الهمزة والدال. أي: جلد تنزل فيه ¬

_ (¬1) الأنفال: 61. (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) "صحيح البخاري" (3176). (¬4) "سنن ابن ماجه" (4042).

العرب وأهل اليمن. (فسلمت) عليه قبل أن أدخل، فيه: تسليم الماشي على القاعد، وإن كان القاعد هو الكبير القدر (فرد) علي السلام (وقال: ادخل، فقلت: أ) أدخل (كلي) أم ببعض بدني (يا رسول اللَّه؟ فقال) ادخل (كلك) بالرفع (فدخلت) وفيه جواز المزح كما تقدم، ووجهه أن الدخول إنما يطلق على كل الجسد، لا على بعضه، ولهذا لو حلف لا يدخل بيتًا أو لا يخرج منه فأدخل بعضه كيده أو رجله أو أخرجه لم يحنث، ولو أدخلت الحائض يدها أو رجلها في المسجد لم يحرم، أو أخرج المعتكف يده أو رجله من المسجد لم يبطل اعتكافه، وهذا من المزح الذي ليس كذبًا (¬1). [5001] (ثنا صفوان بن صالح) الثقفي، مؤذن جامع دمشق ومحدثها (قال) المصنف: حجة (ثنا الوليد) بن مسلم (ثنا عثمان بن أبي العاتكة) سليمان الأزدي الدمشقي العاص، صدوق، وثقه غير النسائي. (قال: إنما قال: أدخل كلي من صغر القبة) ظن أنها لا تسعه إن دخل فيها، فلما قال له: كلك. تحقق اتساعها، أو خاف أن يضيق على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في مكانه الصغير، فلما أذن له دخل بكله، وكان يمكنه أن يدخل ببعض بدنه، ولا يضيق عليه، وعلى هذا فلا مزح حينئذٍ. [5002] (ثنا إبراهيم بن مهدي) المصيصي، وثقه أبو حاتم (¬2) (ثنا) القاضي (شريك) بن عبد اللَّه النخعي الكوفي، أخرج له البخاري في رفع ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): كذب. والمثبت هو الصواب. (¬2) "الجرح والتعديل" 2/ 138.

اليدين في الصلاة وغيره ومسلم في المتابعات (عن عاصم) (¬1) بن سليمان الأحول (عن أنس) بن مالك -رضي اللَّه عنه-. (قال: قال لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: يا ذا الأذنين) قيل: إن هذا من جملة مزحه -صلى اللَّه عليه وسلم- ولطيف أخلاقه؛ لأن كل أحد له أذنان تثنية أذن، كما قال لأم أيمن حين قالت له: إن زوجي يدعوك: "أهو الذي بعينيه بياض؟ " فقالت: لا واللَّه، فقال: "كل أحد بعينيه بياض" (¬2) أراد به البياض المحيط بالحدقة، رواه الزبير بن بكار في كتاب "الفكاهة والمزاح" ورواه ابن أبي الدنيا، وكما قال للعجوز الذي سألته: أيدخل الجنة عجوز؟ فقال: "لا"، فبكت، فقال: "إنك لست بعجوز يومئذٍ؛ قال اللَّه تعالى: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37)} (¬3) (¬4). وقيل: معنى الحديث: الحث على حسن الاستماع والوعي؛ لأن السمع بحاسة الأذن، ومن خلق اللَّه أذنين له فأغفل الاستماع ولم يحسن الوعي لم يعذر، وفيه دلالة على أنه يستحب للمحدث والعالم أن يحث جماعته على الإصغاء بكليتهم على ما يقوله والتعقل بالقلب، فإن اللَّه أعانه على ذلك بأذنين بجانبي رأسه يمينًا وشمالًا؛ ليصل ما يسمعه بهما إلى قلبه فيعقله، وعلى القول الأول أنه من جملة ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) رواه الزبير بن بكار في كتاب "الفاكه" كما في "سبل الهدى والرشاد" 7/ 182 عن زيد بن أسلم مرسلًا. (¬3) الواقعة: 35 - 37. (¬4) رواه الترمذي في "الشمائل" (205)، والبيهقي في "البعث والنشور" (382) عن الحسن مرسلًا.

مزحه، فيحمل على أنه قاله لأنس في صغره قبل البلوغ، فإنه كان أكثر مزحه مع النساء والصبيان تلطفًا بهم دون أكابر الصحابة -رضي اللَّه عنهم-. * * *

93 - باب من يأخذ الشيء على المزاح

93 - باب مَنْ يَأْخُذُ الشَّيء عَلَى المِزاحِ 5003 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشّارِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ ابن أَبي ذِئْبٍ ح، وَحَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِي، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْن إِسْحَاقَ، عَنِ ابن أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "لا يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتاعَ أَخِيهِ لاعِبًا وَلا جادًّا". وقالَ سُلَيْمان: "لَعِبًا وَلا جِدًّا". "وَمَنْ أَخَذَ عَصا أَخِيهِ فَلْيَرُدَّها". لَمْ يَقُلِ ابن بَشّارٍ: ابن يَزِيدَ، وقالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1). 5004 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمانَ الأَنْباري، حَدَّثَنَا ابن نُمَيْرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسارٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّهُمْ كانُوا يَسِيرُونَ مَعَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَنامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى حَبْلٍ مَعَهُ فَأَخَذَهُ فَفَزِعَ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا" (¬2). * * * باب من يأخذ الشيء على المزح [5003] (ثنا محمد بن بشار، ثنا يحيى) القطان ([عن ابن أبي ذئب] (¬3) ح، وثنا سليمان بن عبد الرحمن) التميمي الدمشقي، أخرج له والجماعة سوى مسلم (ثنا شعيب بن إسحاق) (¬4) بن عبد الرحمن ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2160)، وأحمد 4/ 221، البخاري في "الأدب المفرد" (241). وحسنه الألباني. (¬2) رواه أحمد 5/ 362، وابن أبي شيبة في "المسند" 2/ 427 (969). وصححه الألباني في "غاية المرام" (447). (¬3) من "السنن". (¬4) ساقطة من (م).

الأموي الدمشقي، أخرج له الشيخان (عن) محمد بن عبد الرحمن (ابن أبي ذئب، عن عبد اللَّه بن السائب بن يزيد) الكندي، وثقه النسائي وابن سعد (¬1). (عن أبيه، عن جده) يزيد بن سعيد بن ثمامة الكندي، حليف بني عبد شمس، أسلم يوم فتح مكة. (أنه سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: لا يأخذ أحدكم متاع أخيه لاعبًا وجادًّا) (¬2)، قال في "النهاية": أي: لا يأخذه على سبيل الهزل فيحبسه فيصير ذلك جدًّا، والجد بكسر الجيم ضد الهزل، يقال منه: جدي وجدا (¬3). (وقال سليمان: ) بن عبد الرحمن -أحد الرواة- في روايته (لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لعبًا ولا جدًّا) بكسر الجيم كما تقدم (ومن أخذ عصا أخيه فليردها) عليه ولا يروعه عليها، وهذا في العصاة الصغيرة التي تساق البهيمة بها، فإنها لا قيمة لها، ويتروع الإنسان لها إذا فقدها، فكيف بما فوقها من الأمتعة النفيسة. و(لم يقل) محمد (ابن بشار) في روايته (السائب بن يزيد، وقال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. . .) الحديث. [5004] (ثنا محمد بن) أبي داود (سليمان الأنباري) بتقديم النون على الموحدة، وثقه الخطيب. ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 14/ 556. (¬2) بعدها في (ل)، (م): لا يأخذن - ولا جادًا. وعليها: خـ. (¬3) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 245.

(ثنا) عبد اللَّه (ابن نمير) (¬1) بضم النون مصغر، الهمداني الكوفي (عن الأعمش، عن عبد اللَّه بن يسار) بالمثناة تحت وتخفيف المهملة، الجهني الكوفي، وثقه النسائي وغيره (¬2) (عن عبد الرحمن بن أبى ليلى) الأنصاري عالم الكوفة. (قال: حدثنا أصحاب محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- أنهم كانوا يسيرون مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) في غزوة، أو عمرة (¬3) (فنام رجل منهم فانطلق بعضهم) أي: بعض رفقته (إلى حبل معه فأخذه) (¬4) وهو نائم، فاستيقظ وطلبه فلم يجده (ففزع) عليه حين لم يجده، فيه أن الجزع على ما فات والفرح بما هو آتٍ مباح، وأما من لم يحزن على ما فات من الدنيا ولم يفرح بما أعطي فتلك درجة الصديقين. (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا يحل لمسلم أن يروع مسلمًا) والروع: الفزع والخوف، قال اللَّه تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ} (¬5) وهذِه هي العلة في أخذ متاع الغير على سبيل اللعب والهزل، فإن علم به صاحبه قال: أخذته؛ لألعب معك، وإن لم يعلم به استمر على أخذه. والنهي داخل فيمن أخذه لعبًا لا لخيانة بل هزلا، فإن الروع حاصل، وفي معنى هذا النهي كل من روع مسلمًا أو خوفه، كأن يكون في ظلمة أو ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 16/ 326. (¬3) في (ل)، (م): غيره. والجادة ما أثبتناه. (¬4) بعدها في (ل)، (م): خيل فأخذها، وعليها: خـ. (¬5) هود: 74.

غفلة، فيصعق عليه بشدة، أو يخوفه بعدو يتسلط عليه، وفي معنى هذا من يقول: الروع: السنة ما يحصل منه شيء ولا ينفع؛ لقلة المطر أو غرق لكثرة المطر، ولا بد من غلاء الأسعار، ونحو ذلك مما يروع المسلم. * * *

94 - باب ما جاء في المتشدق في الكلام

94 - باب ما جاءَ في المُتَشَدِّقِ فِي الكَلامِ 5005 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنانٍ الباهِلي -وَكانَ يَنْزِلُ العَوَقَةَ- حَدَّثَنَا نافِعُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ بِشْرِ بْنِ عاصِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -قالَ أَبُو داوُدَ: وَهُوَ ابن عَمْرٍو- قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبْغِضُ البَلِيغَ مِنَ الرِّجَالِ الذي يَتَخَلَّلُ بِلِسانِهِ تَخَلُّلَ الباقِرَةِ بِلِسانِها" (¬1). 5006 - حَدَّثَنَا ابن السَّرْحِ، حَدَّثَنَا وَهْبٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ تَعَلَّمَ صَرْفَ الكَلامِ، لِيَسْبي بِهِ قُلُوبَ الرِّجالِ أَوِ النّاسِ لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ القِيامَةِ صَرْفًا وَلا عَدْلًا" (¬2). 5007 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: قَدِمَ رَجُلَانِ مِنَ المَشْرِقِ فَخَطَبَا فَعَجِبَ النّاسُ -يَعْني: لِبَيانِهِما- فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ مِنَ البَيانِ لَسِحْرًا". أَوْ: "إِنَّ بَعْضَ البَيانِ لَسِحْرٌ" (¬3). 5008 - حَدَّثَنَا سُلَيْمانُ بْنُ عَبْدِ الحَمِيدِ البَهْرانِي أَنَّهُ قَرَأَ في أَصْلِ إِسْماعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ وَحَدَّثَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْماعِيلَ ابنهُ، قالَ: حَدَّثَنِي أَبي، قالَ: حَدَّثَنِي ضَمْضَمٌ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ قالَ: حَدَّثَنَا أَبُو ظَبْيَةَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ العاصِ، قالَ يَوْمًا وَقامَ رَجُلٌ فَأَكْثَرَ القَوْلَ، فَقَالَ عَمْرٌو: لَوْ قَصَدَ في قَوْلِهِ لَكانَ خَيْرًا لَهُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2853)، وأحمد 2/ 165. وصححه الألباني في "الصحيحة" (880). (¬2) رواه البيهقي في "الشعب" (4974) من طريق أبي داود. وضعفه الألباني في "المشكاة" (4802). (¬3) رواه البخاري (5146).

يَقُول: "لَقَدْ رَأَيْتُ أَوْ أُمِرْتُ أَنْ أَتَجَوَّزَ في القَوْلِ فَإِنَّ الجَوازَ هُوَ خَيْرٌ" (¬1). * * * باب ما جاء في المتشدق من الكلام أشار في الترجمة إلى ما رواه الترمذي وحسنه عن جابر: "إن أبعدكم مني مجلسًا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون" (¬2). والمتشدق: هو المتكلم بملء شدقه تعاظمًا واستعلاءً على غيره، والأشداق: جوانب الفم، وإنما يكون ذلك لرحب شدقيه، وفي "النهاية" المتشدقون: هم المتوسعون في الكلام من غير احتياط واحتراز، وقيل: أراد بالمتشدق المستهزئ بالناس يلوي شدقه بهم وعليهم (¬3). [5005] (ثنا محمد بن سنان) العوقي شيخ البخاري (عن نافع بن عمر) الجمحي المكي (عن بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة (ابن عاصم) بن سفيان الثقفي، ثقة (عن أبيه) عاصم بن سفيان بن عبد اللَّه الحجازي في الطبقة الأولى من تابعي أهل مكة، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4). (عن عبد اللَّه) بن عمرو بن العاص رضي اللَّه عنهما. ¬

_ (¬1) رواه البيهقي في "الشعب" (4975) من طريق أبي داود. وقال الألباني: حسن الإسناد. (¬2) "سنن الترمذي" (2018). (¬3) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 453. (¬4) "الثقات" 5/ 236.

(قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن اللَّه عزَّ وجلَّ يبغض) بضم أوله وكسر الغين (البليغ من الرجال) وهو الفصيح الطلق اللسان، والماضي منه: بَلُغ بضم اللام (الذي يتخلل) بفتح الخاء المعجمة واللام المشددة، أي: يلوي لسانه في فمه، كما تلوي البقرة لسانها فتأكل حشيشًا (¬1)، ولا تميز بين الضار والنافع، فكذلك هذا البليغ فيما يقوله في الناس بين الخير والشر، [فيترك الشر] (¬2) ويأتي بالخير كالمتقي. (بلسانه تخلل الباقرة) لغة في البقرة؛ يقال في واحدة البقر: بقرة وباقرة وباقورة، وفي كتاب الصدقة لأهل اليمن: "في ثلاثين باقورة بقرة" (¬3) والباقورة بلغة اليمن البقرة، فخاطبهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ إذ كل كتاب كتبه إلى القبائل كتبه بلغتهم، وسميت البقرة؛ لأنها تبقر الأرض. أي: تشقها بالحراثة (بلسانها) قال في "النهاية": وفي الحديث: "إن اللَّه يبغض البليغ من الرجال؛ الذي يتخلل الكلام بلسانه كما تتخلل الباقرة الكلأ بلسانها" قال: وهو الذي يتشدق في الكلام ويلف به لسانه ويفخمه، كما تلف البقرة الكلأ بلسانها (¬4). وروى الطبراني: "يلوون ألسنتهم للناس لي البقرة بلسانها المرعى؛ كذلك يلوي اللَّه ألسنتهم ووجوههم في النار" (¬5). أي: يلغون (¬6) ألسنتهم ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): حشيش. والصواب ما أثبتناه. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) رواه ابن حبان 14/ 501 (6559) من حديث عمرو بن حزم. (¬4) "النهاية في غريب الحديث" 2/ 73. (¬5) "المعجم الكبير" 22/ 70 (170) من حديث واثلة بن الأسقع. (¬6) في (ل)، (م): يفتلون. والصواب ما أثبتناه.

بالكلام ويقلبونه، كما تلف (¬1) البقرة لسانها في المرعى؛ لتخرج ما يتخلل بين أسنانها من المرعى، وفيه: ذم من يتكلف الفصاحة والسجع في كلامه؛ ليشتهر بالفصاحة (¬2) والذكاء لا سيما في المحافل ويدخل فيه الخطباء والوعاظ والمدرسون ونحوهم. [5006] (ثنا) أحمد بن عمرو (ابن السرح، ثنا) عبد اللَّه (ابن وهب، عن عبد اللَّه بن المسيب) مولى قريش المصري، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3). (عن الضحاك بن شرحبيل) بن عبد اللَّه الغافقي المصري، قال أبو زرعة: لا بأس به، صدوق (¬4). ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬5) روى له المصنف هذا الحديث فقط، وابن ماجه (¬6). قال المنذري: ذكره البخاري وابن أبي حاتم ولم يذكرا له رواية عن أحد من الصحابة، وإنما روايته عن التابعين، ويشبه أن يكون الحديث منقطعًا (¬7). حديث: توضأ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مرة (¬8). (عن أبي هريرة: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من تعلم صرف) بكسر الصاد ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): تفتل. والصواب ما أثبتناه. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) "الثقات" 5/ 49 (3795). (¬4) "الجرح والتعديل" 4/ 459. (¬5) "الثقات" 4/ 388 (3498). (¬6) "سنن ابن ماجه" (412). (¬7) "مختصر سنن أبي داود" 7/ 289. (¬8) ساقطة من (م).

(الكلام) أي: ما يتكلفه الإنسان من الزيادة فيه على قدر الحاجة، ومنه تسمية الصيرفي والصرف وهو الجيد من النقدين من رديئه، ويقال: فلان لا يحسن صرف الكلام. أي: فصل (¬1) بعضه من بعض، وإنما كره ذلك لما يدخل صاحبه من الرياء والتصنع، ولما يخالطه من الزيادة والتصنع في الكلام، وما يدخله من الكذب، ويحتمل أن يكون من علم التصريف، وهو: تصريف الألفاظ واختلاف ضروب معانيها؛ لأن عارفه بعد النحو تنصرف وجوه الناس إليه (ليسبي) منصوب بـ (أن) المقدرة، أي: لكي يستميل (به قلوب الرجال، أو) قلوب، هذا شك من الرواي (الناس) إليه، الناس أعم من الرجال، فإنه يشمل الرجال والنساء والصبيان، وفيه ذم التكلف في الكلام والتصنع فيه، وينبغي الاقتصار فيه على مقصوده بحيث يفهم منه الغرض المطلوب، فما وراء ذلك فتصنع ممنوع منه مذموم. وخرج بقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ليسبي به قلوب الرجال) من تعلم صرف الكلام؛ ليحسن به ألفاظ الخطابة والمواعظ والدروس، والتذكير من غير إفراط ولا إغرار، فان المقصود تحريك القلوب وتسويفها وقبضها وبسطها، ولرشاقة اللفظ تأثير في الأسماع وذهاب السآمة، ولهذا يدخل كثير من الوعاظ والفقهاء الأشعار في وعظهم، فأما المحاورات التي تأتي وتجري في قضاء الحاجات، فلا يليق بها السجع والتشدق، والاشتغال به من التكلف المذموم، ولا باعث له إلا الرياء، وإظهار ¬

_ (¬1) في (م): يصرف.

الفصاحة والتمييز بالبراعة، وكل ذلك مكروه في الشرع مزجور عنه. (لم يقبل اللَّه منه يوم القيامة صرفًا ولا عدلًا) الصرف: التوبة، وقيل: النافلة، والعدل: الفدية، وقيل: الفريضة. أي: لا يقبل منه فريضة ولا نافلة. [5007] (ثنا عبد اللَّه بن مسلمة) القعنبي (عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عبد اللَّه بن عمر أنه قال: قدم رجلان) وهم: الزبرقان بن بدر بن امرئ القيس السعدي، واسمه: الحصين، سمي به لحسنه؛ لأن الزبرقان: القمر، وكان يقال له: قمر نجد؛ لجماله، وكان يدخل مكة متعممًا، ولاه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صدقات قومه بني عوف (¬1) والثاني: عمرو بن الأهتم بالمثناة، اسمه: سنان بن خالد المنقري، يقال: إن قيس بن عاصم ضربه فهتم فمه، قدم على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وافد قومه بني تميم فأسلم في سنة تسع وكان خطيبًا بليغًا، شاعرًا، يقال: إن شعره كان حللا منشرة، وله وللزبرقان قصة. (من المشرق فخطبا) عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (فعجب الناس؛ يعني: لبيانهما) في خطبتيهما (فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن من البيان لسحرًا) البيان: إظهار المقصود بأبلغ لفظ، وهو من الفهم وذكاء القلب، وأصله: الكشف والظهور، وعلى هذا فيكون مدحًا وثناءً، شبهه بالسحر؛ لصرف القلوب واستمالتها إلى سماع الموعظة والإصغاء إليه، ويقال لهذا: السحر الحلال. وقيل: معناه: أن الرجل يكون عليه الحق وهو أقوم ¬

_ (¬1) انظر: "تاريخ المدينة" لابن شبة 2/ 524 - 525.

بحجته من خصمه، فينقلب الحق ببيانه إلى نفسه؛ لأن معنى السحر قلب الشيء في عين الإنسان، وليست الأعيان مقلوبة حقيقة، ألا ترى أن البليغ يمدح إنسانًا حتى يصرف قلوب السامعين إلى حبه، ثم يذمه حتى يصرفها إلى بغضه، ومنه: "البذاء والبيان شعبتان من النفاق" (¬1) أراد أنهما خصلتان منشؤهما النفاق، وأما البذاء وهو الفحش فظاهر، وأما البيان فإنما أراد منه بالذم التعمق في النطق والتفاصح وإظهار التقدم به على الناس، وكأنه نوع من الكبر والعجب (أو) قال: (إن بعض البيان لسحر) وقيل: معناه: أن صاحبه يكسب من الإثم ما يكتسبه الساحر بعمله؛ وهو أظهر في المعنى؛ لأن البيان كله ليس بمذموم؛ لأن منه ممدوحًا، ومنه مذمومًا، ولهذا حمل أول الحديث على المدح والذم، كما تقدم. [5008] (ثنا سليمان (¬2) بن عبد الحميد) بن رافع الحمصي، قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: [صديق أبي، كتب عنه أبي] (¬3) وسمعت منه بحمص وهو صدوق (¬4) (أنه قرأ في أصل) سماع (إسماعيل بن عياش) ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 269، والترمذي (2027)، والحاكم 1/ 9 - 10، والبيهقي في "الشعب" 10/ 148 من حديث أبي أمامة. قال الترمذي: حسن غريب، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقد احتجا برواته عن آخرهم. وقال العراقي في "المغني" 1/ 475 (1805): بسند ضعيف. وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي" (1650). (¬2) فوقها في (ل): (د). (¬3) في (ل)، (م): صديقي إنه كتب عنده، والمثبت من مصادر الترجمة. (¬4) "الجرح والتعديل" 4/ 130.

العنسي، عالم الشاميين، قال البخاري: إذا حدث عن أهل حمص فصحيح (¬1). وهو هنا حدث عن ضمضم الحمصي (وحدثه) بما في الأصل (محمد بن إسماعيل) العنسي (ابنه قال: حدثني أبي) إسماعيل ابن عياش. (قال: حدثني ضمضم) بن زرعة بن ثوب الحضرمي الحمصي، قال أحمد بن محمد بن عيسى صاحب "تاريخ الحمصيين": لا بأس به. وذكره ابن حبان في كتاب "الثقات" (¬2). (عن شريح بن عبيد) بن شريح الحضرمي الحمصي، عن دحيم، عن شيوخ حمص الكبار، ثقة وذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3) وقال النسائي: ثقة (¬4). (ثنا أبو ظبية) بفتح الظاء المعجمة وسكون الباء الموحدة والمثناة، قال ابن منده: يقال فيه: أبو ظبية بالظاء المعجمة والموحدة، السلفي، ثم الكلاعي، الحمصي، لم أجد من ذكر اسمه (أن عمرو ابن العاص -رضي اللَّه عنه- قال يومًا و) كان قد (قام رجل فأكثر القول) وأطال (فقال عمرو) بن العاص (لو) للتمني (قصد (¬5) في قوله) القصد بفتح القاف وسكون المهملة هو الوسط بين الطرفين في القول والفعل، والقصد ¬

_ (¬1) "التاريخ الكبير" 1/ 369 - 370 (1169). (¬2) "الثقات" 6/ 485 (8696). (¬3) "الثقات" 4/ 353 (3306). (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 12/ 447. (¬5) بعدها في (ل): قصَّد. وعليها: خـ.

من الكلام الذي ليس بطويل ولا قصير، وفي الحديث: "كانت صلاته قصدًا، وخطبته قصدًا" (¬1) ومنه الحديث: "القصد القصد (¬2) تبلغوا" (¬3) هو منصوب فيهما على المصدر المؤكد، وتكراره للتأكيد، أي: عليكم بالقصد في جميع أموركم من القول والفعل تبلغوا مقصودكم (لكان) ذلك (خيرًا له) من هذِه الإطالة، ثم ذكر الدليل على ما قاله (فإني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: لقد رأيت أو) قال: (أمرت) يشبه أن يكون بضم الهمزة وكسر الميم، أي: أمرني ربي (أن أتجوز في القول) قال المنذري: يحتمل أن يكون (أتجوز في القول) أي: أخفف. انتهى (¬4). ومنه الحديث: "من أم قومًا فليتجوز" (¬5) وحديث: "تجوزوا في الصلاة" (¬6) أي: خففوها وأسرعوا بها، وقيل: إنه من الجوز، وهو القطع والسير، من قولهم: جاز المكان إذا سار فيه وقطعه، والأول أظهر، والمراد بالتخفيف أن يأتي فيه بأقل ما يكفي، قال المنذري: ويحتمل أن يكون من قولهم: تجوز في كلامه. أي: تكلم بالمجاز. ¬

_ (¬1) تقدم برقم (1101) من حديث جابر بن سمرة. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) رواه البخاري (6463) من حديث أبي هريرة. (¬4) ذكره في هامش "مختصر سنن أبي داود" كما في المطبوع منه 7/ 289 هامش (1). (¬5) رواه البخاري (704) من حديث أبي مسعود بلفظ: "فمن أم الناس فليتجوز". (¬6) رواه أحمد 2/ 472، والبزار 11/ 245 (5024)، والطبراني في "الكبير" 9/ 258 (9282)، و"الأوسط" 2/ 203 (1728)، وأبو نعيم في "الحلية" 7/ 364 من حديث أبي هريرة، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2917).

يعني: ضد الحقيقي. قال: والأول هاهنا أظهر؛ لسياق الحديث (¬1). فإن المجاز هو خير من التطويل على السآمة والملل، ولأن من كثر قوله كثر كذبه، ومن كثر كذبه كثرت ذنوبه، ومن كثر ذنبه فالنار أولى به، وروى ابن أبي الدنيا مرسلا برجال ثقات عن عمرو بن دينار -رضي اللَّه عنه-: تكلم رجل عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأكثر (¬2) فقال: "كم دون لسانك من باب؟ " فقال: شفتاي وأسناني. فقال: "أما كان في ذلك ما يرد كلامك؟ " (¬3) يعني: الكثير، بأن تقتصر على ما يحصل به الكفاية خوفًا من السآمة والوقوع في الكذب لمن لم يقرأ في كتاب ولم يكتب. * * * ¬

_ (¬1) ذكر في هامش "مختصر سنن أبي داود" كما في المطبوع منه 7/ 289 هامش (1). (¬2) ساقطة من (م). (¬3) "الصمت" (93) وقال الحافظ العراقي في "المغني" 2/ 774، وأخرجه ابن أبي الدنيا هكذا مرسلا ورجاله ثقات.

95 - باب ما جاء في الشعر

95 - باب ما جاءَ في الشِّعْرِ 5009 - حَدَّثَنا أَبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسي، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا". قالَ أَبُو عَلي: بَلَغَني عَنْ أَبي عُبَيْدٍ أَنَّهُ قالَ: وَجْهُهُ أَنْ يَمْتَلِئَ قَلْبُهُ حَتَّى يَشْغَلَهُ عَنِ القُرْآنِ وَذِكْرِ اللَّهِ، فَإِذا كانَ القُرْآن والعِلْمُ الغالِبُ فَلَيْسَ جَوْفُ هذا عِنْدَنا مُمْتَلِئًا مِنَ الشِّعْرِ، وِإنَّ مِنَ البَيانِ لَسِحْرًا. قالَ: كَأَنَّ المَعْنَى أَنْ يَبْلُغَ مِنْ بَيانِهِ أَنْ يَمْدَحَ الإِنْسانَ فَيَصْدُقَ فِيهِ حَتَّى يَصْرِفَ القُلُوبَ إِلَى قَوْلِهِ ثُمَّ يَذُمَّهُ فَيَصْدُقَ فِيهِ حَتَّى يَصْرِفَ القُلُوبَ إِلَى قَوْلِهِ الآخَرِ، فَكَأَنَّهُ سَحَرَ السّامِعِينَ بِذَلِكَ (¬1). 5010 - حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بْن أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا ابن المُبارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْري قالَ: حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحارِثِ بْنِ هِشامٍ، عَنْ مَرْوانَ بْنِ الحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ، عَنْ أُبَي بْنِ كَعْبٍ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً" (¬2). 5011 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ سِماكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ جاءَ أَعْرابي إِلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-فَجَعَلَ يَتَكَلَّمُ بِكلامٍ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ مِنَ البَيانِ سِحْرًا وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حُكْمًا" (¬3). 5012 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا سَعِيدُ بْن مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنا أَبُو تُمَيْلَةَ، قالَ: حَدَّثَني أَبُو جَعْفَرٍ النَّحْوي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثابِتٍ، قالَ: حَدَّثَني صَخْرُ بْنُ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6155)، ومسلم (2257). (¬2) رواه البخاري (6145). (¬3) رواه الترمذي (2845)، وابن ماجه (3756)، والبخاري في "الأدب المفرد" (872)، وأحمد 1/ 269. وصححه الألباني في "الصحيحة" (1731).

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "إِنَّ مِنَ البَيان سِحْرًا، وَإِنَّ مِنَ العِلْمِ جَهْلًا، وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حُكْمًا، وَإِنَّ مِنَ القَوْلِ عِيالًا". فَقالَ صَعْصَعَةُ بْنُ صُوحانَ صَدَقَ نَبي اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَمّا قَوْلُهُ: "إِنَّ مِنَ البَيانِ سِحْرًا". فالرَّجُلُ يَكُونُ عَلَيْهِ الحَقُّ وَهُوَ أَلَحْنُ بِالحُجَجِ مِنْ صاحِبِ الحَقِّ فَيَسْحَرُ القَوْمَ بِبَيانِهِ فَيَذْهَبُ بِالحَقِّ، وَأَمّا قَوْلُهُ: "إِنَّ مِنَ العِلْمِ جَهْلًا". فَيَتَكَلَّفُ العالِمُ إِلَى عِلْمِهِ ما لا يَعْلَمُ فَيُجَهِّلُهُ ذَلِكَ وَأَمّا قَوْلُهُ: "إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حُكْمًا". فَهي هذِه المَواعِظُ والأَمْثالُ التي يَتَّعِظُ بِها النّاسُ وَأَمّا قَوْلُهُ: "إِنَّ مِنَ القَوْلِ عِيالًا". فَعَرْضُكَ كَلامَكَ وَحَدِيثَكَ عَلَى مَنْ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ وَلا يُرِيدُهُ (¬1). 5013 - حَدَّثَنا ابن أَبي خَلَفٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ -المَعْنَى- قالا: حَدَّثَنا سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ سَعِيدٍ، قالَ: مَرَّ عُمَرُ بِحَسّانَ وَهُوَ يُنْشِدُ في المَسْجِدِ فَلَحَظَ إِلَيْهِ فَقالَ: قَدْ كُنْتُ أُنْشِدُ وَفيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ (¬2). 5014 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن صالِحٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ بِمَعْناهُ، زادَ فَخَشي أَنْ يَرْمِيَهُ بِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَأَجازَهُ (¬3). 5015 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمانَ المِصِّيصي لُوَيْنٌ، حَدَّثَنا ابن أَبي الزِّنادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُرْوَةَ وَهِشامٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها قالَتْ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَضَعُ لِحَسّانَ مِنْبَرًا في المَسْجِدِ فَيَقُومُ عَلَيْهِ يَهْجُو مَنْ قالَ في رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة 13/ 280 (26531)، والبزار (2100 - كشف الأستار)، والدولابي في "الأسماء والكنى" (746). وضعفه الألباني. (¬2) رواه البخاري (3212)، ومسلم (2485). (¬3) رواه البخاري (453)، ومسلم (2485).

رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ رُوحَ القُدُسِ مَعَ حَسّانَ ما نافَحَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬1). 5016 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن مُحَمَّدٍ المَرْوَزي، قالَ: حَدَّثَني عَلي بْنُ حُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوي، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} فَنَسَخَ مِنْ ذَلِكَ واسْتَثْنَى فَقالَ: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} (¬2). * * * باب ما جاء في الشعر [5009] (ثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك (الطيالسي، ثنا شعبة، عن الأعمش، عن أبي صالح) السمان (عن أبي هريرة: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لأن) بفتح الهمزة واللام جواب قسم محذوف، تقديره: واللَّه لأن (يمتلئ) بهمزة آخره (جوت أحدكم قيحًا) زاد البخاري في رواية "يَرِيْهِ" (¬3) قال الأزهري: الوري بوزن الرمي داء يداخل الجوف (¬4). (خير) هو خبر للمبتدأ المقدر، والتقدير: واللَّه لامتلاء جوف أحدكم بالقيح خير (له من أن يمتلئ شعرًا. قال أبو علي) محمد بن أحمد اللؤلؤي صاحب المصنف. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2846)، وأحمد 6/ 72. وحسنه الألباني. وأصل الحديث في "صحيح مسلم" (2490). (¬2) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (871)، والبيهقي 10/ 239 من طريق أبي داود. وقال الألباني: حسن الإسناد. (¬3) "صحيح البخاري" (6155). (¬4) "تهذيب اللغة" 15/ 303.

(بلغني عن أبي عبيد) القاسم بن سلام، حكى الخطابي عنه أنه مكث في تثقيف كتابه أربعين سنة يسأل العلماء (أنه قال) وكذا غيره من العلماء في هذا الحديث (وجهه أن يمتلئ قلبه) بحبه والإكثار منه (حتى يشغله) بفتح أوله وثالثه إنشاد الشعر والاشتغال بأسبابه (عن) قراءة (القرآن وعن ذكر اللَّه) تعالى وغيرهما مما هو أهم منهما، أو يقضي به إلى تعاطي مجان الشعراء وسخفاتهم، فإن الغالب من أحوال من انصرف إلى الشعر بكليته أن يكون كذلك، ويصده عن ذكر اللَّه والصلاة (فإذا كان القرآن والعلم) الشريف هما (الغالب) على أحواله، فلا يضره حفظ الشعر اليسير مع هذا؛ لأن جوفه ليس ممتلئًا من الشعر (فليس جوف هذا عندنا ممتلئًا من الشعر) وقال بعضهم: المراد بالشعر في هذا الحديث ما هجي به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. قال العلماء كافة: فهذا تأويل فاسد؛ لأنه يقتضي أن المذموم من الهجاء أن يمتلئ منه قلبه دون قليله، وقد أجمع المسلمون على أن الكلمة الواحدة من هجاء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- موجبة للكفر، واستدل بعض العلماء بهذا الحديث على كراهية الشعر مطلقًا، قليله وكثيره، وإن كان لا فحش فيه، وتعلق بقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خذوا الشيطان" (¬1) وقال العلماء كافة: هو مباح ما لم يكن فيه فحش ونحوه، وقد أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بهجو الكفار والتوسع في المدح، وإن كان كذبًا، فإنه لا يلتحق في التحريم بالكذب؛ كقول الشاعر: ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2259) من حديث أبي سعيد.

ولو لم يكن في كفه غير نفسه ... لجاد بها فليتق اللَّه سائله (¬1) فإن هذِه عبارة عن الوصف بنهاية السخاء (و) وجه قوله (إن من البيان لسحرًا. فإن المعنى أن يبلغ) البليغ (من بيانه) وفصاحته (أن يمدح الإنسان فيصدق فيه) أي: يصدق في مدحه، ولا يتجاوز إلى الكذب (حتى يصرف القلوب) أي: يستميلها (إلى) محبة الممدوح بما يأتي به في (قوله) البليغ (ثم يذمه) بنصب الميم عطفًا على (يمدح). (فيصدق فيه) أي: في ذمه بحيث لا يتجاوز إلى الكذب (حتى يصرف القلوب إلى قوله الآخر) وهو بعض المذموم (فكأنه سحر السامعين) قوله (بذلك) ببيانه، وهذا كما يقال: هو السحر الحلال؛ لأن السحر قلب، وهذا فيه قلب القلوب كما تقدم. [5010] (ثنا أبو بكر بن أبي شبية، ثنا) عبد اللَّه (ابن المبارك، عن يونس، عن الزهري، ثنا أبو (¬2) بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام) بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، ويقال له: راهب قريش؛ لكثرة صلاته، أحد الفقهاء السبعة. (عن مروان بن الحكم) ولد سنة اثنتين، ولم يصح له سماع (¬3)، أخرج له البخاري هذا الحديث (عن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث) ¬

_ (¬1) البيت في "المنصف" لابن وكيع (ص 484) منسوبًا لأبي تمام، وهو في "ديوانه" 3/ 29 بشرح الخطيب التبريزي، وهو من بحر الطويل التام. (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) أي من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- انظر: ترجمته في "تهذيب الكمال" 27/ 387.

الزهري، لا تصح له رؤية. (عن أبي بن كعب -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إن من الشعر حكمة) أي: من الشعر كلامًا نافعًا يمنع من الجهل والسفه، وينهى عنهما، وقيل: أراد به المواعظ والأمثال التي ينتفع بها الناس، وكذا كل كلام صادق مطابق للحق والصواب، فإن قلت: قال اللَّه تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225)} (¬1)، حكى البخاري عن ابن عباس: أي: في كل لغو يخوضون (¬2). والجواب: أن اللَّه تعالى قال بعده: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} (¬3)، فاستثنى منهم الذين قالوا بالحكمة صدقًا وحقًّا، كما روى البيهقي حديث عائشة: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يخصف نعله، وكنت أغزل، فنظرت إليه فجعل جبينه يعرق، وعرقه يتولد نورًا فبهت، فقال: "ما لك بهت؟ " قلت: لو رآك أبو كبير الهذلي لعلم أنك أحق بشعره. قال: "وما يقول أبو كبير؟ " قلت: يقول: وَمُبَرَّإ مِنْ كُلِّ غُبَّرِ حَيْضَةٍ ... وَفَسادِ مُرضِعَةٍ ودَاءِ مَغْيلِ فَإذا نَظرتَ إلى أُسْرَةِ وجْههِ ... بَرَقَتْ كَبرقِ العارِضِ المُتَهَللِ قالت: فوضع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما كان في يده، وقام إليَّ، وقبل ما بين ¬

_ (¬1) الشعراء: 224 - 225. (¬2) "صحيح البخاري" قبل حديث (6145). (¬3) الشعراء: 227.

عيني، وقال: "جزاك اللَّه خيرًا ما سررت بشيء كسروري منك" (¬1) وقول الشاعر: ومبرأ. هو مجرور بواو رُبَّ المقدرة، وغبر بضم الغين المعجمة، وتشديد الموحدة. وسئل بعض أصحابنا: هل يجوز أن يكون الشعر صداقًا؟ فقال: إن كان كما يقول أبو الدرداء: يريد المرء أن يعطى مناه ... ويأبى اللَّه إلا ما أرادا يقول المرء فائدتي ورزقي ... وتقوى اللَّه أفضل ما استفادا (¬2) فيجوز. [5011] (ثنا مسدد، ثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد اللَّه اليشكري (عن عكرمة، عن) مولاه (ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: جاء أعرابي إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فجعل يتكلم بكلام) فصيح، ومعان بليغة (فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن من البيان سحرًا) تقدم (وإن من الشعر حكمًا) بضم الحاء وسكون الكاف، قال في "النهاية": هو بمعنى الحكمة كما تقدم، وهو مصدر حكم يحكم حكمًا، والحكم: القضاء والعلم والفقه والحكمة (¬3) بالعدل (¬4). [5012] (ثنا محمد بن يحيى) بن عبد اللَّه (بن فارس) الذهلي، شيخ ¬

_ (¬1) "سنن البيهقي" 7/ 422. (¬2) رواه أبو نعيم في "الحلية" 1/ 225، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 47/ 183، 184. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 419.

البخاري (ثنا سعيد بن محمد) بن سعيد الجرمي الكوفي، شيخ الشيخين. (ثنا أبو تميلة) (¬1) بضم المثناة فوق، مصغر، واسمه يحيى بن واضح الأنصاري (حدثني أبو جعفر (¬2) النحوي) واسمه (عبد اللَّه بن ثابت) المروزي (قال: حدثني صخر بن عبد اللَّه بن بريدة) المروزي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3). (عن أبيه، عن جده) بريدة بن الحصيب (قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: إن من البيان سحرًا، وإن من العلم جهلا، وإن من الشعر حكمًا، وإن من القول عيالًا) بكسر العين وتخفيف المثناة تحت، جمع عيل، بفتح العين وسكون المثناة تحت، وهو جمع قليل في المعيل، نحو: ضيف وضيفان، وأما الصحيح فكثير نحو: كعب وكعاب، وثوب وثياب. قال في "النهاية": وفي الحديث: "إن من القول عيلًا"، وهو عرضك حديثك وكلامك على من لا يريده وليس من شأنه، تقول: عِلت الضالة أعيلها عيلًا: إذا لم تدر أي جهة تبغيها؛ كأنه لم يهتد لمن يطلب كلامه، فعرضه على من لا يريده (¬4)، وستأتي له تتمة. (فقال صعصعة بن صوحان) بضم الصاد المهملة وبالحاء المهملة أيضًا العبدي نزيل الكوفة، تابعي، وهو أخو زيد بن صوحان وسيحان ابن صوحان، وكان خطيبًا من أصحاب علي، وشهد بيعة الجمل [هو ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) فوقها في (ل): (د). (¬3) "الثقات" 6/ 473. (¬4) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/ 331.

وأخوه زيد وسيحان، وكان سيحان الخطيب قبل صعصعة، وكانت الراية يوم الجمل] (¬1) في يده فقتل فأخذها زيد، وتوفي بالكوفة في خلافة معاوية، وكان ثقة قليل الحديث (¬2)، روى له النسائي حديثًا واحدًا في النهي عن حلقة الذهب والجعة (¬3). (صدق نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أما قوله: إن من البيان سحرًا. فالرجل يكون عليه الحق) في ذمته، وهو عالم به (وهو ألحن بالحجج) رواية مسلم: ألحن بحجته (¬4). واللحن: الميل عن جهة الاستقامة؛ يقال: فلان ألحن في كلامه (¬5) إذا مال عن صحيح المنطق، وهو أعرف بقيام الحجة، وأفطن لها من غيره، وفي الحديث: "تعلموا اللحن في القرآن" (¬6) يريد: تعلموا لغة العرب بإعرابها. (من صاحب الحق، فيسحر القوم) أو الحاكم (ببيانه، فيذهب بالحق) وهو نظير الحديث: "وإنكم تتخاصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو مما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه بشيء، فلا يأخذ منه شيئًا؛ فإنما أقطع له قطعة من ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) "الطبقات الكبرى" 6/ 221. (¬3) "سنن النسائي" 8/ 166. (¬4) "صحيح مسلم" (1713) من حديث أم سلمة، وهو في "صحيح البخاري" (2680). (¬5) في (م): بكلامه. (¬6) رواه ابن عدي في "الكامل" 1/ 324، وعبد الواحد بن عمر في "أخبار النحويين" 1/ 39، والمستغفري في "فضائل القرآن" (105)، والبيهقي في "الشعب" 3/ 551 (2102) من حديث أبي بن كعب.

نار" (¬1). (وأما قوله) إن (من العلم) ما يكون (جهلا، فيتكلف) الرجل (العالم) القول فيما لا يعلمه فيضيف (إلى علمه ما لا يعلمه فيجهله) بضم الياء وتشديد الهاء المكسورة (ذلك) أي: ينسب إلى الجهل بسبب ذلك، وقيل: هو أن يتعلم ما لا يحتاج إليه؛ كالنجوم والهندسة، وما لا يحتاج إليه من علوم الأوائل، ويدع ما يحتاج إليه في دينه من علم القرآن والسنة والفقه وغيره من فروض الأعيان والكفاية. (وأما قوله: إن من الشعر) ما يكون (حُكْمًا) بضم الحاء وسكون الكاف (فهي هذِه المواعظ والأمثال التي يتعظ بها الناس) وينتفعون بها، ومنه ما كثر استعماله من الأشعار التي على بحر البسيط والكامل والرجز في القراءات السبعة والعشرة والفقه وأسماء الرجال وعلوم الحديث ونحو ذلك. (وأما قوله) وإن (من القول عيالًا) بكسر العين وتخفيف المثناة تحت (فعرضك (¬2) كلامك من القرآن وحديثك) من السنة وغيرهما من العلوم (على من ليس هو من شأنه ولا يريده) بل ربما ثقل عنه سماعه وشق عليه، وعلى هذا فيحتمل أن يكون العيال من العول، شبه بالرجل الذي كثر عياله، وثقل عليه القيام بمؤنتهم، وهكذا القول الذي لا يريده منافعه تثقل عليه؛ لثقل مؤنة العيال الكثيرة على الفقير الذي لا تحصل لهم مؤنتهم وكفايتهم إلا بمشاق الأعمال. ¬

_ (¬1) تقدم برقم (3583) من حديث أم سلمة. (¬2) قبلها في (م): وهو.

[5013] (ثنا) محمد بن أحمد (ابن أبي خلف) القطيعي، شيخ مسلم (وأحمد بن عبدة) [الآملي، صدوق] (¬1) (المعنى، قالا: ثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سعيد) بن المسيب، قال (مر عمر) بن الخطاب. قال المنذري: سعيد بن المسيب لم يصح سماعه من عمر، فإن كان سمع من حسان بن ثابت فمتصل (¬2). (بحسان) بن ثابت بن المنذر الشاعر (وهو ينشد) بضم أوله وكسر ثالثه (في المسجد) أي: مسجد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (فلحظ إليه) أي: نظر إليه بلحظه، وهو شق عينه الذي يلي الصدغ، وأما الذي يلي الأنف فالماق والموق، فعرف أنه أنكر عليه إنشاده الشعر في المسجد (فقال: قد كنت أنشد) بضم الهمزة وكسر الشين فيه (وفيه من هو خير منك) يريد: رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كما في صحيحي البخاري ومسلم، عن البراء -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لحسان: "اهجهم وجبريل معك" (¬3) فأمره بإنشاد الشعر في هجوهم. [5014] (ثنا أحمد بن صالح) الطبري المصري شيخ البخاري (ثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-) و (زاد) في روايته (فخشي) عمر بن الخطاب من حسان -رضي اللَّه عنه- (أن يرميه برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) يشبه أن يكون المعنى فخشي أن ¬

_ (¬1) كذا في النسخ، وهو خطأ، والصواب: (الضبي، حجة) وكلاهما من مشايخ أبي داود، لكن الذي يروي عن سفيان هو الضبي، لا الآملي. انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 397 - 399 (75، 76)، "الكاشف" (60، 61). (¬2) "مختصر سنن أبي داود" 7/ 293. (¬3) "صحيح البخاري" (3213)، "صحيح مسلم" (2486).

يعيبه وينتقصه بمخالفته لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حين أنكر ما أجازه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (فأجازه) أي: أجاز عمر حسان، أي: أجازه ما أجازه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بإقراره حسانًا على إنشاده في المسجد. [5015] (ثنا محمد بن سليمان) بن حبيب لوين الكوفي، ثم (المصيصي) بكسر الميم والصاد المشددة، نسبة إلى المصيصة، مدينة على ساحل البحر بالشام، وهو ثقة (ثنا) عبد الرحمن (ابن أبي الزناد) استشهد به البخاري في "الصحيح" تعليقًا، وأخرج له مسلم في مقدمة كتابه (عن أبيه) عبد اللَّه بن ذكوان مولى قريش، المدني (عن عروة) بن الزبير (وهشام بن عروة، عن عروة) بن الزبير (عن عائشة قالت: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يضع) أي: يأمر أن يوضع (لحسان) بن ثابت (منبرًا) بكسر الميم (في المسجد، فيقوم عليه يهجو) فيه جواز إنشاد الشعر في المسجد، وعلى المنبر الذي يخطب عليه (من قال في رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) هجوًا، وفيه: مشروعية هجاء الكفار إذا تكلموا في المسلمين، أو في أميرهم. (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن روح القدس) أصله الروح المقدسة، وهو جبريل -عليه السلام-؛ سمي بذلك لأنه خلق من طهارة، قاله في "النهاية" (¬1)؛ لأن التقديس التطهير، ومنه: "لا قدست أمة لا يؤخذ لضعيفها من قويها" (¬2) ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 4/ 24. (¬2) رواه ابن قانع في "معجم الصحابة" 3/ 133، والطبراني في "الكبير" 20/ 313 (745)، وفي "الأوسط" 6/ 78، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" 5/ 2635 (6330)، وأبو القاسم التميمي في "الترغيب والترهيب" 2/ 154 (1340) من حديث أبو قابوس مخارق.

أي: لا طهرت (مع حسان) فيه فضيلة حسان -رضي اللَّه عنه-، وفضيلة من خاصم عن المسلمين ودفع عنهم شرهم، وانتصر لهم ولأميرهم. (ما نافح) بالفاء والحاء المهملة، أي: خاصم ودافع (عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) والمنافحة والمكافحة: المدافعة والمضاربة، ونفحت الرجل بالسيف: تناولته به. يريد بمنافحته هجاء المشركين، ومجاوبتهم على أشعارهم. [5016] (ثنا أحمد (¬1) بن محمد) بن ثابت بن شبويه (المروزي) بفتح الميم والواو، من كبار الأئمة (قال: حدثني علي بن حسين) المروزي، صدوق (عن أبيه) حسين بن واقد، عابد، قتله أبو مسلم ظلمًا. (عن عكرمة، عن ابن عباس) رضي اللَّه عنهما في قوله تعالى: ({وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224)}) (¬2)، أي: عادة الشعراء أن يتبعهم أهل الغي والفساد، ويجالسهم السفهاء الفسقة، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يتبعه أهل الصلاح. قال الطبري: هم شعراء المشركين، ما كان يتبعهم إلا غواة الناس (¬3). (فنسخ) بفتح النون والسين (من ذلك واستثنى) اللَّه من الشعراء شعراء المسلمين من الدينين (فقال: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}) أي: إلا المؤمنين الذين آمنوا باللَّه ورسوله، وعملوا الأعمال الصالحة، ({وَذَكَرُوا ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (د). (¬2) الشعراء: 224. (¬3) "تفسير الطبري" 9/ 489.

اللَّهَ}) ذكرًا ({كَثِيرًا}) (¬1) في كلامهم. وقال ابن زيد: ذكروا اللَّه في شعرهم، ولم يشغلهم الشعر عن ذكر اللَّه ولا عن الصلاة، {وَانْتَصَرُوا} للمسلمين {مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} أي: هجوا المشركين في مقابلة هجو المسلمين. * * * ¬

_ (¬1) الشعراء: 227.

96 - باب في الرؤيا

96 - باب فِي الرُّؤْيا 5017 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ إِسْحاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي طَلْحَةَ، عَنْ زُفَرَ بْنِ صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كانَ إِذا انْصَرَفَ مِنَ صَلاةِ الغَداةِ يَقول: "هَلْ رَأى أَحَدٌ مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤْيا؟ وَيَقُولُ: "إِنَّهُ لَيْسَ يَبْقَى بَعْدي مِنَ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيا الصّالِحَةُ" (¬1). 5018 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ عَنْ عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "رُؤْيا المُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ" (¬2). 5019 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا عَبدُ الوَهّابِ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِذا اقْتَرَبَ الزَّمانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيا المُؤْمِنِ أَنْ تَكْذِبَ وَأَصْدَقُهُمْ رُؤْبا أَصْدَقُهُمْ حَدِيثًا والرُّؤْيا ثَلاثٌ: فالرُّؤْيا الصّالِحَةُ بُشْرى مِنَ اللَّهِ، والرُّؤْيا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطانِ، وَرُؤْيا مِمّا يُحَدِّثُ بِهِ المَرْءُ نَفْسَهُ، فَإِذا رَأَى أَحَدُكُمْ ما يَكْرَهُ، فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ وَلا يُحَدِّثْ بِها النّاسَ". قالَ: "وَأُحِبُّ القَيْدَ وَأَكْرَهُ الغُلَّ، والقَيْدُ ثَباتٌ في الدِّينِ". قالَ أَبُو داوُدَ: "إِذا اقْتَرَبَ الزَّمانُ". يَعْني: إِذا اقْتَرَبَ اللَّيْلُ والنَّهارُ يَعْني: يَسْتَوِيانِ (¬3). 5020 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنا يَعْلَى بْنُ عَطاءٍ، عَنْ وَكِيعِ ابْنِ عُدُسٍ، عَنْ عَمِّهِ أَبي رَزِينٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الرُّؤْيا عَلَى رِجْلِ طائِرٍ ما لَمْ تُعَبَّرْ فَإِذا عُبِّرَتْ وَقَعَتْ". قالَ: وَأَحْسِبُهُ قالَ: "وَلا يَقُصُّها إِلَّا عَلَى وادٍّ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 325، والنسائي في "الكبرى" 4/ 382 (7621)، وابن حبان 13/ 412 (6048). وصححه الألباني في "الصحيحة" (473). (¬2) رواه البخاري (6987)، ومسلم (2264). (¬3) رواه البخاري (7017)، ومسلم (2263).

أَوْ ذي رَأي" (¬1). 5021 - حَدَّثَنا النُّفَيْلي قالَ: سَمِعْتُ زُهَيْرًا يَقول: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُول: سَمِعْتُ أَبا سَلَمَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبا قَتادَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "الرُّؤْيا مِنَ اللَّهِ والحُلْمُ مِنَ الشَّيْطانِ، فَإِذا رَأى أَحَدُكُمْ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفُثْ عَنْ يَسارِهِ ثَلاثَ مَرّاتٍ، ثُمَّ لْيَتَعَوَّذْ مِنْ شَرِّها فَإنَّها لا تَضُرُّهُ" (¬2). 5022 - حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ خالِدٍ الهَمْداني وَقُتَيْبَة بْنُ سَعِيدٍ الثَّقَفي قالا: أَخْبَرَنا اللَّيْثُ، عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّهُ قالَ: "إِذا رَأى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيا يَكْرَهُها فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسارِهِ، وَلْيَتَعَوَّذْ باللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ ثَلاثًا وَيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الذي كانَ عَلَيْهِ" (¬3). 5023 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قالَ: أَخْبَرَني يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ، قالَ: أَخْبَرَني أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبا هُرَيْرَةَ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُول: "مَنْ رَآني في المَنامِ فَسَيَراني في اليَقَظَةِ". أَوْ: "لَكَأَنَّما رَآني في اليَقَظَةِ، وَلا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطانُ بَي" (¬4). 5024 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَسُلَيْمانُ بْنُ داوُدَ قالا: حَدَّثَنا حَمّادٌ، حَدَّثَنا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ صَوَّرَ صُورَةً عَذَّبَهُ اللَّهُ بِها يَوْمَ القِيامَةِ حَتَّى يَنْفُخَ فِيها وَلَيْسَ بِنافِخٍ، وَمَنْ تَحَلَّمَ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ شَعِيرَةً، وَمَنِ اسْتَمَعَ إِلَي حَدِيثِ قَوْمٍ يَفِرُّونَ بِهِ مِنْهُ صُبَّ في أُذُنِهِ الآنُكُ يَوْمَ القِيامَةِ" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2278)، وابن ماجه (3914)، وأحمد 4/ 10. وصححه الألباني في "الصحيحة" تحت حديث رقم (120). (¬2) رواه البخاري (3292)، ومسلم (2261). (¬3) رواه مسلم (2262). (¬4) رواه البخاري (6993)، ومسلم (2266/ 11). (¬5) رواه البخاري (7042).

5025 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ ثابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ كَأَنّا في دارِ عُقْبَةَ بْنِ رافِعٍ وَأُتِينا بِرُطَبٍ مِنْ رُطَبِ ابن طابٍ فَأَوَّلْتُ أَنَّ الرِّفْعَةَ لَنا في الدُّنْيا والعاقِبَةَ في الآخِرَةِ وَأَنَّ دِينَنا قَدْ طابَ" (¬1). * * * باب ما جاء في الرؤيا [5017] (ثنا عبد اللَّه بن مسلمة) القعنبي (عن مالك، عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري، ابن أخي أنس بن مالك (عن زفر) غير منصرف (ابن صعصعة) ثقة (عن أبيه) (¬2) صعصعة بن مالك البصري، قال النسائي: ثقة (¬3). ذكره ابن حبان في "الثقات". وقال: روى عن أبي هريرة (¬4). قال في "التهذيب": وما أظنه لقيه (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2270). (¬2) فوقها في (ل): (د). (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 13/ 170. (¬4) هذا الرجل ترجمه ابن حبان في موضعين: الأول في التابعين. وذكر روايته عن أبي هريرة ورواية ابنه عنه. الثاني: في أتباع التابعين وقال: شيخ يروي المراسيل روى عنه ابن أخيه ضابئ بن بشار، ثم ذكر روايته عن أبي هريرة وقال: وما أظنه لقيه. وهو القول الذي يشير إليه المصنف آنفا. انظر: "الثقات" 4/ 383، 6/ 475 وقد تابع ابن حبان في إفرادهما البخاري في "التاريخ الكبير" 4/ 319 - 320 بينما ذكر ابن أبي حاتم واحدًا. "الجرح والتعديل" 4/ 446 وهكذا جعلهما المزي في "التهذيب" 13/ 169. (¬5) "تهذيب الكمال" 13/ 170.

(عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا انصرف من صلاة الغداة) أي: صلاة الصبح، تسمى صلاة الغداة والفجر. أي: إذا سلم منها (يقول) لأصحابه (هل رأى أحد منكم الليلة) أي: هذِه الليلة الماضية (رؤيا؟ ) ويقال: الليلة إلى وقت الزوال، وبعده: البارحة، هذا هو الأصل الحقيقة، وتطلق البارحة على ما قبل الزوال مجازًا، ولهذا جاء في "صحيح مسلم": "هل رأى أحد منكم البارحة؟ " (¬1). (ويقول: إنه ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة) لفظ البخاري: "لم يبقَ من النبوة إلا المبشرات" قالوا: وما المبشرات؟ قال: "الرؤيا الصالحة" (¬2). وفي الحديث دليل على استحباب إقبال الإمام على أصحابه بعد سلامه. وفيه: استحباب السؤال عن الرؤيا والمبادرة إلى تأويلها وتعجيلها أول النهار لهذا الحديث؛ لأن القلب أجمع؛ لأن عهد الرائي قريب لم يطرأ عليه ما يهوس الرؤيا عليه، ولأن القلب أجمع قبل اشتغاله بمعاش الدنيا. وقوله: (ليس يبقى بعدي من الوحي إلا الرؤيا الصالحة) أي: ليس يبقى في حق الوحي ومعناه إلا الرؤيا الصالحة؛ لأن الأنبياء عليهم السلام كان يوحى إليهم في منامهم كما يوحى إليهم في اليقظة، وقيل: معناه: إن الرؤيا تأتي على موافقة النبوة؛ لأنها جزء باقٍ من أجزاء النبوة، والرؤيا الصالحة هي الحسنة أو الصادقة، فهي حسنة صالحة، إما باعتبار حسن ظاهر أو حسن تأويلها. وقيدت الرؤيا ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2275) من حديث سمرة بن جندب. (¬2) "صحيح البخاري" (6990).

بالصالحة التي من اللَّه احترازًا من رؤيا الوسوسة والرؤيا التي سببها حديث النفس في اليقظة، فيراه في منامه، فرؤيا حديث النفس والوسوسة تكذبان، والتي من اللَّه تعالى لا تكذب. وفي الحديث: "الرؤيا ثلاثة: رؤيا بشرى من اللَّه، ورؤيا مما يحدث به الرجل نفسه، ورؤيا تحزين من الشيطان" (¬1). [5018] (ثنا محمد بن كثير) العبدي (ثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس) ابن مالك (عن عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: رؤيا المؤمن) وفي رواية للبخاري: "الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح" (¬2) (جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة) وذكر الطبري في "تهذيب الآثار" أحاديث كثيرة مخالفة لهذا الحديث منها حديث ابن عباس: "الرؤيا جزء من أربعين جزءًا من النبوة" وحديث ابن عباس: "جزء من خمسين جزءًا من النبوة" وحديث العباس: "جزء من خمسين جزءًا من النبوة" (¬3) وأصحها حديث: "ستة وأربعين جزءًا (¬4) " ودونها حديث السبعين جزءًا، فإنه عند ابن أبي شيبة (¬5)؛ فقيل: هذا الاختلاف راجع إلى ¬

_ (¬1) رواه البخاري (7017)، ومسلم (2263) من حديث أبي هريرة. (¬2) "صحيح البخاري" (6983) من حديث أنس. (¬3) رواه البزار كما في "كشف الأستار" 3/ 12 (2124) من حديث ابن عباس عن العباس كقطعة من حديث طويل عن أبي هريرة، وانظر "مجمع الزوائد" 7/ 173، "ضعيف الجامع" (3079). (¬4) ساقطة من (م). (¬5) "المصنف" 6/ 173 (30446) من حديث ابن عمر، 6/ 174 (30456) من حديث أبي سعيد.

اختلاف حال (¬1) الرائي، فالصالح مثلا جزء من ستة وأربعين، والفاسق جزء من سبعين، وما بينهما [لمن بينهما] (¬2)، وأما تخصيص عدد ست وأربعين فسببه أنه كان يأتي الوحي إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على ستة وأربعين نوعًا، الرؤيا نوع منها، وقد حاول الحليمي تعداد تلك الأنواع. وقيل: إنه كان -عليه السلام- بعث على رأس الأربعين، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين، فمدة الوحي ثلاث وعشرون سنة منها ستة أشهر كان يوحى إليه بمكة المشرفة في منامه والباقي في اليقظة، فصدق في الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءًا من أجزاء زمان مدة النبوة. قلت: والذي يظهر لي أن مدة الوحي -كما قالوا- ثلاث وعشرون سنة، فباعتبار الليل والنهار يكون ستة وأربعين؛ لأنه كان يوحى إليه في النوم ليلًا ونهارًا كما يوحى في اليقظة بالرسالة. وأما قول الحليمي: إن أنواع الوحي ستة وأربعون (¬3) نوعًا، فالنبوة لا تنحصر أنواعها في هذا العدد اليسير، بل ولا في المبين، إلا أن يقال: إن المراد [من] (¬4) العدد مقدمات النبوة، وأما اعتبار مدة الوحي إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ففيه نظر أيضًا؛ لأن مقتضاه أن هذا التخصيص مختص بنبوة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، والحديث إنما قال فيه: "جزءًا من النبوة"، وهو عام، ولو كان مختصًّا به لقال: جزءًا من نبوتي، واللَّه أعلم (¬5). ¬

_ (¬1) و (¬2) ساقطة من (م). (¬3) في (ل)، (م): وأربعين. ولعل المثبت هو الصواب. (¬4) زبادة يقتضيها السياق. (¬5) انظر: "فتح الباري" 1/ 20.

[5019] (ثنا قتيبة (¬1) بن سعيد) البلخي (ثنا عبد (¬2) الوهَّاب) بن عبد المجيد الثقفي (عن أيوب) بن أبي تميمة السختياني (عن محمد) بن سيرين (عن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إذا اقترب الزمان) أي: قارب أن يعتدل ليله ونهاره (لم تكد رؤيا المؤمن أن تكذب) أي: يبعد أن تكون كاذبة. وقيل: المراد: إذا قارب قيام الساعة. قال النووي: والأول أشهر (¬3). وجاء في حديث ما يؤيده من حديث أبي هريرة: "في آخر الزمان لا تكذب رؤيا المؤمن" (¬4) أي: حيث يبعث عيسى -عليه السلام-. (وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثًا) لأن صادق الحديث يتنور قلبه، ويقوى إدراكه المعاني؛ ولما في الحديث: "إن الصدق يهدي إلى البر" (¬5) وقيل: من غلب صدقه في اليقظة استصحب ذلك في منامه، والكاذب بعكس ذلك، فإن الكاذب في حديثه تتطرق العلل إلى رؤياه وحكايته أيضًا (والرؤيا) على (ثلاثة) أقسام (فالرؤيا الصالحة (التي حسن ظاهرها (¬6) (بشرى من اللَّه) أي: مبشرة بخير يأتي من عند اللَّه، ومحذرة من شر؛ لأن التحذير من الشر حسن، فتضمنته البشرى، ويقوي ذلك أنه قد جاء في رواية الترمذي: "الرؤيا ثلاثة: رؤيا من اللَّه" (¬7) مكان (بشرى من اللَّه) وأراد بذلك -واللَّه أعلم- الرؤيا الصادقة ¬

_ (¬1) و (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) "شرح مسلم" 7/ 451. (¬4) رواه الترمذي (2291)، وأحمد 2/ 269. (¬5) تقدم برقم (4989) من حديث عبد اللَّه بن مسعود. (¬6) في (ل، م): ظاهره. ولعل الصواب المثبت. (¬7) "سنن الترمذي" (2270، 2291)، وفي الموضعين بلفظ: بشرى من اللَّه.

المبشرة المحذرة. (والرؤيا تحزين) وهي (من الشيطان) ويلحق بها المفزعات والمروعات وأضغاث الأحلام، كمن رأى أن رأسه قطع، أو دخل عليه لص يأخذ ثيابه، ونحو ذلك؛ إذ كل ذلك مذموم؛ لأنها من آثار الشيطان ودواعيه، وكل ما نسب إليه مذموم. (ورؤيا مما يحدث به المرء نفسه) ويلازمه في يقظته ويهتم في أمره من الأعمال والعلوم والأقوال، فيراه في منامه وما (¬1) يقوله الأطباء من أن الرؤيا عن خلط غالب على الرائي، فيرى في نومه [ما] (¬2) يناسب ذلك الخلط، فمن غلب عليه البلغم يرى السباحة في الماء وما أشبهه؛ لمناسبة الماء طبيعة البلغم، ومن غلب عليه الصفراء رأى النيران والصعود والارتفاع؛ لمناسبة النار لطبيعة الصفراء، وهكذا في بقية الأخلاط، فهو مردود؛ لما تقدم أن الرؤيا مبشرة من اللَّه، وليس في قوة الطبيعة أن يقع على الغيب الإخبار عن أمور مستقبلة تحدث على نحو الرؤيا باتفاق العلماء. (فإذا رأى أحدكم ما يكره) مما يخاف من وقوع تأويله وتعبيره (فليقم) من مضجعه (فليصلِّ) ما تيسر من ركعتين فأكثر، فريضة كانت أو نافلة، والنافلة أولى، وليس هذا مخالفًا للرواية الآتية "فلينفث عن يساره ثلاث مرات وليتعوذ من شرها" (¬3) فإن المراد بالصلاة أن يكون النفث والتعوذ، ¬

_ (¬1) في (ل، م): ولا. والجادة المثبت. (¬2) زيادة يقتضيها السياق. (¬3) يأتي برقم (5021).

فإن الجمع بينهما ممكن، بل هو أولى. ويحتمل أن يقال: إنما اقتصر في هذا الموضع على ذكر الصلاة وحدها؛ لأنه إذا قام إلى الصلاة، احتاج إلى فعل هذِه الأمور؛ لأنه إذا قام إلى الصلاة تحول عن جنبه، وإذا تمضمض نفث بعده وبصق، وإذا قام إلى الصلاة تعوذ ودعا وتضرع إلى اللَّه في ذلك في حال هي أقرب أحوال الإجابة. (ولا يحدث بها الناس) ولا يسعى في تاويلها؛ إذ لا تأويل لها، فإنها من وساوس الشيطان التي يقصد بها التشويش على المؤمن، إما بتحزين وإما بترويع، وما أشبه ذلك، وتركه لذلك وإعراضه عنها مانع من أن يعود الشيطان لمثل ذلك. قال: ظاهره كما قال المنذري أنه من قول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال (¬1): وليس الأمر كذلك؛ لأن ذكر القيد والغل من قول أبي هريرة أدرج في الحديث كما جاء ذلك مبينًا في الروايات الثابتة (¬2). (وأحب) رؤيا (القيد) لأن القيد في الرجلين يثبت الإنسان في مكانه ويمنعه من الحركة، وإذا رآه أحدكم على رجليه كان ذلك دليلًا (¬3) على ثبوته في أمره في الحالة التي هو عليها، وإذا رآه من هو من أهل العلم والدين كان ثابتًا على تلك الحال، ولو رأى المريض قيدًا في رجليه كان ذلك دليلا على دوام مرضه. (وأكره الغل) بضم الغين، وهو طوق من حديد يجعل في العنق ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) "مختصر سنن أبي داود" 7/ 297. (¬3) في (ل)، (م): دليل. والجادة ما أثبتناه.

والجمع أغلال، وإنما كرهه؛ لأنه لا يجعل في العنق، إلا نكاية وعقوبة وقهرًا وإذلالًا؛ فيسحب به على وجهه، ويجر على قفاه، قال اللَّه تعالى: {إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72)} (¬1) وقال اللَّه تعالى: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} (¬2) و {جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ} (¬3)، وعلى الجملة فهو مذموم شرعًا وعادة، فرؤيته في المنام دليل على وقوعه للرائي، فقد يكون تأويله من واجبات يفرط فيها، أو معاصٍ ارتكبها، فهذا في دينه، وقد يكون في دنياه كشدائد تصيبه (والقيد) رؤيته (ثبات) الرائي (في الدين) وقد فسره أهل العبارة على حالين؛ فقالوا: إذا رأى القيد في رجليه وهو في الكعبة أو مسجد أو في مشهد خير وجماعة صالحين كانوا معه كان دليلا لثباته على الدين والطاعة، ولو رآه مريض أو مسجون أو مكروب في رجليه دل على ثباته فيه، واستمراره على حاله، وكذا لو رآه صاحب ولاية دل على ثبوته فيها. (قال) المصنف قوله: (إذا اقترب الزمان) أي: (الليل والنهار) أي: (يستويان) في الاعتدال لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، ويحتمل أن يراد باقتراب الموت عند كبر السن، فإن الإنسان في ذلك الوقت غالبًا يميل إلى الخير والأعمال الصالحة فتصدق رؤياه. [5020] (ثنا أحمد بن حنبل، ثنا هشيم) بن بشير السلمي (أخبرنا ¬

_ (¬1) غافر: 71 - 72. (¬2) المائدة: 64. (¬3) يس: 8.

يعلى بن عطاء) الطائفي، نزل واسط، أخرج له مسلم (عن وكيع بن عدس) بضم العين والدال المهملتين، ثم سين مهملة، وقد يفتح ثانيه، ويقال: بالحاء بدل العين وسكون الدال جائز مثل: كتب وكتب، وهو عقيلي، وثق (¬1). (عن عمه أبي رزين) لقيط بن عامر بن صبرة بكسر الباء الموحدة، العقيلي الصحابي، قال سيف: كان أميرًا على كردوس يوم اليرموك (¬2). (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: الرؤيا على رجل طائر) "ولأول عابر" (¬3). قال في "النهاية" أي: إنها على رجل قدر جار وقضاء ماضٍ من خير أو شر، وأن ذلك هو الذي قسمه اللَّه لصاحبها؛ من قولهم: اقتسموا إذا طار سهم فلان -أي: وقع سهمه- وخرج، وكل حركة من كلمة أو شيء يجري لك فهو طائر. والمراد: أن الرؤيا هي التي يعبرها (¬4) المعبر الأول، فكأنها كانت على رجل، يعني: لا تستقر في مكان ولا تثبت، وقد يكون ظاهر الرؤيا مكروهًا ويفسر بمحبوب فيقع فسقطت ووقعت بائنة حيث عبرت، كما يسقط الذي يكون على رجل طائر بأدنى حركة (¬5). (ما لم تعبر) بضم المثناة فوق وسكون العين المهملة وفتح الموحدة، ¬

_ (¬1) في "تاج العروس" للزبيدي (لقط) 10/ 401 عن سيف أن أمير كردوس يوم اليرموك هو لقيط بن عبد القيس، وقد ذكر لقيط بن عامر ولم يذكر فيه ما قاله ابن رسلان. (¬2) انظر "الكاشف" للذهبي (6057)، وفي "تقريب التهذيب" (7415) قال ابن حجر: مقبول. وقال في "الفتح" 12/ 432: حديث ضعيف فيه يزيد الرقاشي. (¬3) رواه ابن ماجه (3915)، وأبو يعلى في "مسنده" 7/ 158 (4131) من حديث أنس. (¬4) في الأصول: يعبر هذا. والمثبت من "النهاية". (¬5) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 204.

ويجوز ضم أوله وفتح ثانيه، وتشديد الموحدة، يقال: عبرت الرؤيا أعبرها، وعبرتها تعبيرًا: إذا أولتها وفسرتها وأخبرت بآخر ما يؤول إليه أمرها (فإذا عبرت) بضم أوله وتخفيف الموحدة وتشديدها كما تقدم (وقعت) كما عبرت، وللترمذي: "على رجل طائر ما لم يحدث بها، فإذا تحدث بها سقطت" (¬1) وله في رواية: "فإذا حدث بها سقطت" (¬2) فإذا احتملت الرؤيا تأويلين أو أكثر فعبرها من يعرف عبارتها وقعت على ما أولها، وانتفى عنها غيره من التأويلات. قلت: فإن عبرَها من لا يعرف عبارتها بالجهل دون علم؛ فظاهر قوله (لأول عابر) أنها تقع على تأويله، والوقت لا يحتمل مراجعة هذا والبحث عنه. (قال) الراوي (وأحسبه قال: لا يقصها إلا على واد) اسم فاعل، أصله وادد، وأدغم تشديد الدال المهملة، وهو على حذف المضاف، تقديره: إلا على ذي ودٍّ. أي: حبيب وصديق، والمودة: المحبة. و(أو ذي رأي) أي: عقل وتدبير، وتعبيره وما يوضح معنى الواد [وذو] (¬3) الرأي رواية الترمذي، ولفظه: "ولا يحدث بها إلا لبيبًا أو حبيبًا" (¬4) فإن اللبيب هو ذو [الرأي و] (¬5) الحبيب الواد (¬6). ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (2278). (¬2) "سنن الترمذي" (2279) وفيه: وقعت. بدل: سقطت. (¬3) زيادة يقتضيها السياق. (¬4) "سنن الترمذي" (2278). (¬5) زيادة يقتضيها السياق. (¬6) كذا العبارة في الأصول.

والمراد بهذين الوصفين أن الحبيب أو الصديق لا يحب أن يستقبلك في تعبيرها إلا بما تحب، ولا يخبر أداءها ولا بتأويلها، واللبيب يتثبت في تأويلها، ويؤولها بأحسن تأويل، إذ هو عارف بمواقع الألفاظ والمعاني، ولعل أن يكون في تعبيرها موعظة فيروعك عن قبيح ما أنت عليه، أو بشارة فيأمرك لتشكر اللَّه تعالى وحده (¬1). [5021] (ثنا) عبد اللَّه بن محمد (النفيلي قال: سمعت زهيرًا) يعني: [ابن معاوية] (¬2) (يقول: سمعت يحيى بن سعيد) [الأنصاري] (¬3) (يقول: سمعت أبا سلمة) بن عبد الرحمن (يقول: سمعت أبا قتادة) الحارث بن ربعي الأنصاري -رضي اللَّه عنه-. (يقول: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: الرؤيا من اللَّه) خصت الرؤيا باللَّه وإن كان كل شيء من اللَّه وبقدرته، لأن الرؤيا التي خلصت من الأضغاث وكانت صادقة التأويل موافقة لما في اللوح المحفوظ حسن أن تضاف إلى اللَّه تعالى إكرامًا لها، كما قال: {نَاقَةُ اللَّهِ} (¬4). ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): لتشرك. وهو خطأ، والمثبت من "معالم السنن" 4/ 140. (¬2) في النسخ: (ابن حرب). وهو خطأ؛ فشيخ النفيلي هو ابن معاوية، ولا رواية لعبد اللَّه بن محمد النفيلي عن زهير بن حرب. انظر: "تهذيب الكمال" 9/ 402 (2010)، 9/ 420 (2019)، 16/ 88 (3545). (¬3) في النسخ: القطان. وهو خطأ بناه المصنف على الخطأ السابق له، والصواب أنه الأنصاري فهو الذي يروي عن أبي سلمة ويروي عنه زهير بن معاوية. انظر: "تهذيب الكمال" 9/ 420 (2019)، 31/ 346 (6836)، 33/ 370 (7409). (¬4) الأعراف: 73.

(والحلم) بضم الحاء واللام، وإسكان اللام تخفيف (من الشيطان) سميت الرؤيا الكاذبة التي هي من حيز الأضغاث حلمًا، وأضيفت إلى الشيطان؛ لأنه يحضرها ويبشر بها ويلقنها للآدمي؛ ليشوش عليه ويحزنه، وهذا النوع هو المأمور بالاستعاذة منه؛ لأنه من تخييلات الشياطين، وقيل: أضيف الحلم إلى الشيطان إذا كانت مخلوقة على شاكلته وطبعه، فليحذر الرائي مكائده فلا يحزن لها ولا يتأثر بها. (فإذا رأى أحدكم) في منامه (شيئًا يكرهه فلينفث) بضم الفاء وكسرها، وفي رواية: "فليبصق على شماله" كما في البخاري (¬1)، وفي رواية لمسلم: "فليتفل" (¬2) ولعل المراد بالجميع [النفث] (¬3)، فإنه في أكثر الروايات، وهو نفخ لطيف بلا ريق، ويكون التفل والبصق محمولًا عليه مجازًا ([عن يساره] (¬4) ثلاث مرات) وللبخاري: "فإنما هي من الشيطان" (¬5)، ولعل (¬6) المراد بالنفث ترغيمًا للشيطان كما يتفل من رأى مستقذرًا، ولا أقذر من الشيطان (ثم ليتعوذ) باللَّه (من شرها) صادقًا في التجائه إلى اللَّه، ناويًا امتثال أمره -صلى اللَّه عليه وسلم- (فإنها لا تضره) وتكون هذِه الأمور سببًا لسلامته منه، ومانعًا لوقوع ذلك المكروه، كما يقال: إن الدعاء دافع للبلاء والصدقة، وكل ذلك بقضاء اللَّه ¬

_ (¬1) (6986) ولفظه: "وليبصق عن شماله". (¬2) "صحيح مسلم" (2261/ 4). (¬3) في (ل، م): التفل. والمثبت يقتضيه السياق. انظر: "شرح النووي" 15/ 18. (¬4) من المطبوع. (¬5) "صحيح البخاري" (7045) من حديث أبي سعيد. (¬6) زاد قبلها في (م): ثم ليتعوذ باللَّه من شرها.

وقدره، لكن هذِه أسباب. [5022] (ثنا يزيد بن خالد) بن يزيد بن موهب بفتح الهاء الرملي (الهمداني) الثقة الزاهد (وقتيبة بن سعيد الثقفي (¬1) قالا: ثنا الليث، عن أبي (¬2) الزبير) محمد بن مسلم المكي (عن جابر) بن عبد اللَّه الأنصاري. (عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها) مما سبيله الشيطان، وكذا مما لا سبيله مما يكرهه الرائي (فليبصق عن يساره) فإنها جهة الشيطان. زاد مسلم: "ثلاثًا" (¬3). (وليتعوذ باللَّه من الشيطان ثلاثًا ويتحول) (¬4) بالجزم عطفًا على (فليبصق) وكذا في الرواية، ورواية مسلم: "وليتحول" بلام الأمر (عن جنبه الذي كان (¬5) عليه) ليتكامل استيقاظه وينقطع عن ذلك المنام المكروه. [5023] (ثنا أحمد بن صالح) المصري، شيخ البخاري (ثنا عبد اللَّه ابن وهب قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف. (أن أبا هريرة قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: من رآني في المنام فسيراني في اليقظة) قيل: المراد بهذا من كان في عصره، أي: من رآه في المنام وفقه اللَّه للهجرة إليه، والتشرف بلقائه المبارك أن يراه يوم القيامة رؤية خاصة في القرب منه والشفاعة له، فإن جميع أمته يرونه يوم القيامة، ¬

_ (¬1) و (¬2) ساقطة من (م). (¬3) "صحيح مسلم" (2261/ 4). (¬4) في (ل، م): وليتحول. (¬5) ساقطة من (م).

من رآه في منامه في الدنيا ومن لم يره، أو يرى تصديق تلك الرؤيا في اليقظة، وصحتها وخروجها على الحق على ما تأول به. (أو) شك من الراوي (فكأنما رآني في اليقظة) حيث كنت موجودًا، فإن رآني من هو معظم لحرمتي ومشتاق إلى مشاهدتي وصل إلى مطلوبه من رؤية محبوبه فظفر بمقصوده (و) إنه (لا يتمثل الشيطان) وللبخاري: "فإن الشيطان لا يتزايا" (¬1) (بي) وله: "فإن الشيطان لا يتكونني" (¬2) ولمسلم: "فإنه لا ينبغي للشيطان أن يتشبه بي" (¬3) وهذا إخبار منه -صلى اللَّه عليه وسلم- على الغيب، وأن اللَّه منع الشيطان أن يتصور على صورته في النوم، كما استحال أن يتصور الشيطان على صورته في اليقظة، ولو وقع لاشتبه الحق بالباطل ولم يوثق بما جاء به مخافة من هذا التصور، فحماها اللَّه من الشيطان ونزغه. قال القاضي: المراد: إذا رآه على صفته المعروفة في حياته، فإن رئي على خلافها كانت رؤيا تأويل لا رؤيا حقيقة (¬4). قال النووي: وهذا باطل، بل الصحيح أنه يراه حقيقة، سواء كان على صفته أو غيرها؛ كما قاله المازري (¬5). [5024] (ثنا مسدد وسليمان بن داود) أبو الربيع العتكي، شيخ ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (6995) من حديث أبي قتادة. (¬2) "صحيح البخاري" (6997) من حديث أبي سعيد. (¬3) "صحيح مسلم" (2268/ 13) من حديث جابر. (¬4) "إكمال المعلم" 7/ 219. (¬5) "شرح مسلم" 7/ 457.

الشيخين (قالا: ثنا حماد بن زيد، ثنا أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: من صور صورة حيوان عذبه اللَّه بها يوم القيامة) يعني: أن الصورة التي صورها في الدنيا، يجعل اللَّه فيها روحًا يوم القيامة ويأمرها أن تعذبه بأنواع من العذاب (حتى ينفخ فيها) الروح. من هذا أخذ ابن عباس أن هذا الوعيد مخصوص بالصورة التي على صورة ما ينفخ فيه الروح، وأن تصوير ما ليس له روح كالأشجار والمدن، ونحو ذلك جائز، والاكتساب به مباح، وهو مذهب جمهور السلف والخلف (¬1) سوى مجاهد؛ فقال: لا يجوز تصوير شيء من ذلك، سواء كان له روح أو لم يكن متمسكًا بقول اللَّه تعالى: "ومن أظلم ممن يخلق خلقًا كخلقي فليخلقوا ذرة، فليخلقوا حبة، وليخلقوا شعيرة" (¬2) وقد استثنى الجمهور من الصور لعب البنات لمن دون البلوغ، كما تقدم. وشذ بعض الناس، فرأى إباحة هذا النهي منسوخة، واستثنى بعض المالكية ما لا يبقى كصور الشمع والحلوى والطين، وما شاكل ذلك (¬3). وهو مطالب بدليل التخصيص، وليس عليه نص، بل ولا ظاهر. (وليس بنافخ) "فيها أبدًا" (¬4). والمراد: أنه يلزم ذلك ويطوقه، وهو ¬

_ (¬1) انظر: "شرح مسلم" للنووي 14/ 90، "فتح الباري" 10/ 394، "عمدة القاري" 11/ 204. (¬2) رواه البخاري (7559)، ومسلم (2111) من حديث أبي هريرة بنحوه. وأثر مجاهد أورده القرطبي في "المفهم" 5/ 432، والنووي في "شرح مسلم" 14/ 91. (¬3) انظر: "البيان والتحصيل" 9/ 366. (¬4) رواه البخاري (2225).

عاجز عن الامتثال به، فيعذب على كل حال. ويستفاد منه: جواز التكليف بالمحال في الدنيا كما جاز ذلك في الآخرة، لكن ليس (¬1) مقصود هذا التكليف الامتثال وطلب وقوعه منه، وإنما مقصوده تعذيب فاعله المكلف، وإظهار عجزه عما تعاطاه؛ مبالغة في توبيخه، وإظهارًا لقبح فعله. (ومن تحلم) بفتح الحاء واللام المشددة، أي: من قال: إنه رأى في النوم، ما لم يرَه. يقال: حلم. بالفتح إذا رأى الرؤيا، وتحلم إذا اذ ادعى الرؤيا كاذبًا، وزاد البخاري إيضاحًا فقال: "من تحلم بحلم لم يره" (¬2) (كلف أن يعقد شعيرة) ولفظ البخاري: "كلف أن يعقد بين شعيرتين" يعني: وليس بعاقد. وقد زادت عقوبة الكاذب في منامه على الكاذب في اليقظة؛ لما صحَّ أن الرؤيا جزء من أجزاء النبوة (¬3)، والنبوة لا تكون إلا وحي حق، والكاذب في رؤياه يدعي أن اللَّه أراه ما لم يره، وأعطاه جزءًا من النبوة، ولم يعطه إياه، والكاذب على اللَّه أعظم من الكاذب على الناس، أو على نفسه، ومعنى عقد الشعيرة أنه يكلف ما لا يكون، ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) "صحيح البخاري" (7042). (¬3) روى البخاري (6988)، ومسلم (2263) من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة" وليراجع حديث (5018) والكلام عليه. ورواه البخاري (6987)، ومسلم (2264) أيضًا من حديث عبادة بن الصامت ورواه البخاري (6989) من حديث أبي سعيد بلفظ: "الرؤيا الصالحة. . . "، ورواه مسلم (2265) من حديث ابن عمر.

وهو مستحيل، فيطول عذابه في النار؛ لأن عقد الشعيرتين لا يمكنه فعله، فيستمر عذابه، وليس في الحديث دليل على تكليف ما لا يطاق؛ لأنه يوم القيامة ليس في دار تكليف، وإنما دار مجازاة على العمل في الدنيا. (ومن استمع إلى حديث قوم يفرون به منه) لفظ البخاري: "ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون أو يفرون منه" (¬1) قال الطبري: إن سأل سائل عمن استمع إلى حديث قوم لا ضرر على المتحدثين في استماعه إليهم، وللمستمع فيه نفع عظيم، إما في دينه أو في دنياه، أيجوز استماعه إليه وإن كره ذلك المتحدثون؟ فالجواب: إن المستمع لا يعلم هل له فيه نفع إلا بعد استماعه إليه، وبعد دخوله فيما كره له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فغير جائز له استماع حديثهم [وإن كان لا ضرر عليهم فيه؛ لنهيه -عليه السلام- عن الاستماع إلى حديثهم] (¬2) نهيًا عامًّا، فلا يجوز لأحد من الناس أن يستمع إلى حديث قوم يكرهون استماعه، فإن فعل ذلك أحد فأمره إلى خالقه، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، فإن قيل: أفرأيت من استمع إلى حديثهم وهو لا يعلم هل يكرهون ذلك أم لا، فهل هو داخل في الوعيد؟ فالجواب: إن الخبر إنما ورد في الوعيد لمستمع ذلك وأهله له كارهون، فأما [من] (¬3) لم يعلم كراهتهم لذلك فالصواب أن لا يستمع حديثهم إلا بإذنهم؛ لحديث النهي عن المتناجين إلا بإذنهم (¬4). ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (7042). (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) زيادة يقتضيها السياق. (¬4) رواه البخاري (6290)، ومسلم (2184) من حديث ابن مسعود، ورواه البخاري (6288)، ومسلم (2183) من حديث ابن عمر.

(صبَّ في أذنه (¬1) الآنك) بمد الهمزة وضم النون وبالكاف، وهو الرصاص المذاب الأبيض، وقيل: هو الأسود. وقيل: هو الخالص منه، ولم يجئ على أفعل واحدا غير هذا، وإنما هذا الوزن للجمع، فأما أشد فمختلف فيه هل هو واحد أو جمع؟ وقيل: يحتمل أن يكون الآنك فاعلًا لا أفعلًا، وهو أيضًا شاذ (¬2). (يوم القيامة) وهو يوم الجزاء، والظاهر أن هذِه العقوبة في النار إذا دخلها. [5025] (ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد، عن ثابت، عن أنس بن مالك أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: رأيت الليلة) لفظ مسلم: "رأيت ذات ليلة فيما يرى النائم" (¬3) (كأنا) بتشديد النون. أي: كأننا (في دار عقبة بن رافع) القرشي الفهري (برطب من رطب ابن طاب) هو نوع من أنواع تمر المدينة، منسوب إلى ابن طاب رجل من أهلها، يقال: رطب ابن طاب وتمر ابن طاب، ومنه حديث جابر: وفي يده عرجون ابن طاب (¬4). (فأولت) ذلك. فيه: دليل على تأويل الرائي ما رآه، وذكر ذلك لمن يتعلم تأويله إذا كان الرائي ممن (¬5) يقتدى به ويؤخذ عنه، وفيه بشارة لأصحابه بطيب دينهم (أن الرفعة لنا في الدنيا) كما في الآخرة (وأن ¬

_ (¬1) بعدها في (ل): أذنيه، وعليها: خـ. (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 77. (¬3) "صحيح مسلم" (2270). (¬4) تقدم برقم (485). (¬5) في (ل)، (م): مما. والجادة ما أثبتناه.

ديننا قد طاب) عيشنا منه وسلم من الكدورات. وفي هذِه الألفاظ دليل على أن تعبير الرؤيا قد يؤخذ من اشتقاق كلماته، فإنه -عليه السلام- أخذ من عقبة حسن العاقبة، ومن رافع الرفعة، ومن رطب ابن طاب لذاذة الدين وكماله. وقال أهل العبارة: إن لها أربع طرق: أحدها: ما اشتق من الأسماء، كما ذكرنا. وثانيها (¬1): ما يعبر بمثاله وشكله كدلالة معلم (¬2) الكتاب على القاضي ورائس السفينة. وثالثها: ما يعبره المعنى المقصود، ومن ذلك الشيء المرئي كدلالة فعل السوق على المعيشة، والدار على الزوجة والجارية. ورابعها: التعبير بما ذكر من القرآن، أو السنة، أو الشعر، أو أمثال العرب، كتعبير الخشب بالمنافق كقوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} (¬3)، والفأر بالفاسق؛ لأنه -عليه السلام- سماها فويسقة (¬4) (¬5). * * * ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): وثانيهما. والمثبت هو الصواب. (¬2) في (ل، م): معلوم. والجادة ما أثبتناه. نقلا عن "المفهم" 6/ 34. (¬3) المنافقون: 4. (¬4) رواه البخاري (3316) من حديث جابر بن عبد اللَّه. (¬5) انظر: "المفهم" 6/ 34.

97 - باب ما جاء في التثاؤب

97 - باب ما جاءَ في التَّثاؤُبِ 5026 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن يُونُسَ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنِ ابن أَبي سَعِيدٍ الخُدْري، عَنْ أَبِيهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِذا تَثاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ عَلَى فِيهِ فَإِنَّ الشَّيْطانَ يَدْخُلُ" (¬1). 5027 - حَدَّثَنا ابن العَلاءِ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيانَ، عَنْ سُهَيْلٍ نَحْوَهُ قالَ: "في الصَّلاةِ فَلْيَكْظِمْ ما اسْتَطاعَ" (¬2). 5028 - حَدَّثَنا الحَسَن بْنُ عَلي، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ أَخْبَرَنا ابن أَبي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُري، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ العُطاسَ، وَيَكْرَهُ التَّثاؤُبَ فَإِذا تَثاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ ما اسْتَطاعَ، وَلا يَقُلْ: هاهْ هاهْ فَإِنَّما ذَلِكُمْ مِنَ الشَّيْطانِ يَضْحَكُ مِنْهُ" (¬3). * * * باب ما جاء في التثاؤب [5026] (ثنا أحمد) (¬4) بن عبد اللَّه (بن يونس) اليربوعي (ثنا زهير، عن سهيل) بن أبي صالح السمان (عن) عبد الرحمن (ابن أبي سعيد الخدري) المدني، أخرج له مسلم. (عن أبيه) أبي سعيد سعد بن مالك الخدري -رضي اللَّه عنه-. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2995/ 57). (¬2) رواه مسلم (2995/ 59). (¬3) رواه البخاري (6223)، ومسلم (2994). (¬4) فوقها في (ل): (ع).

(قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إذا تثاءب) قال النووي: في أكثر النسخ لمسلم: "تثاوب" بالواو، وفي بعضها: "تثاءب" بالمد مخففًا مع الهمز (¬1). (أحدكم فليمسك على فيه) أصله من ثاءب الرجل فهو مثؤوب: إذا استرخى وكسل (فإن الشيطان يدخل) في فيه إذا تثاءب، فلهذا أمر بأن توضع اليد على الفم. وقيل: إنه يتقيأ في فيه إذا دخل، ولهذا أمر المتثاوب بالتفل -يعني: أو البصق وما في معناه؛ ليطرح ما ألقى الشيطان في فيه من القيء، وهذا مشعر بكراهة التثاؤب، وكراهة حال المتثاوب إذا لم يمسك. وهذا أمر إرشاد إلى محاسن الأحوال ومكارم الآداب. [5027] (ثنا) أبو كريب محمد (ابن العلاء، عن وكيع، عن سفيان، عن سهيل، نحوه) هذا رواه مسلم من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، ولفظه: (قال) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا تثاؤب أحدكم" (¬2) (في الصلاة فليكظم) أي: يحبس (ما استطاع) بإطباقه فمه. أي: مهما أمكنه؛ ليكسره بسد فمه، أو يضع يده على فيه. وفيه: دليل على جواز الفعل في الصلاة من وضع يده على فيه إذا تثاءب، وكذا ينبغي إذا تجشأ أن يدرأه ما استطاع، وكذا حيث دعت إليه حاجة، فما لم تدع إليه حاجة فيكره للمصلي وضع يده على فيه (¬3)؛ لما تقدم من رواية المصنف وابن ماجه: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يغطي الرجل ¬

_ (¬1) "شرح مسلم" 18/ 123. (¬2) "صحيح مسلم" (2995/ 58). (¬3) مكانها في (ل) بياض بمقدار كلمة.

فاه في الصلاة (¬1). قال الغزالي: فإن سقط رداؤه في الصلاة فلا ينبغي أن يسويه، وكذا طرف عمامته، فإنه مكروه إلا لضرورة (¬2). [5028] (ثنا الحسن بن علي) الحلواني شيخ الشيخين (ثنا يزيد بن هارون، ثنا) محمد بن عبد الرحمن (ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبيه) أبي سعيد كيسان المقبري. (عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن اللَّه يحب العطاس) فإنه ينشأ عن خفة البدن والدماغ واستفراغ الفضلات عنه وصفاء الروح وانفتاح السدد، والمحبة راجعة إلى سبب العطاس. (ويكره التثاؤب) قال الكرماني: التثاؤب بالهمز على الأصح. وقيل: بالواو (¬3). والكراهة منصرفة إلى سببه؛ لأن سببه امتلاء البدن وثقل النفس وكدورة الحواس، وهو يورث الكسل والغفلة، ولذلك أحبه الشيطان وضحك منه، قال مسلمة بن عبد الملك: ما تثاءب نبي قط (¬4). وإنها من علامة النبوة. (فإذا تثاءب (¬5) أحدكم فليرده ما استطاع) إما بوضع اليد على الفم، أو بتطبيق الشفتين؛ وذلك لئلا يبلغ الشيطان مراده من ضحكه عليه من تشويه ¬

_ (¬1) تقدم برقم (643)، وهو في "سنن ابن ماجه" (966) من حديث أبي هريرة. (¬2) "إحياء علوم الدين" 1/ 189. (¬3) "شرح الكرماني" 22/ 68. (¬4) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 58/ 42، ورواه الخطابي كما في "فتح الباري" 10/ 613. (¬5) بعدها في (ل)، (م): رواية: تثاوب.

صورته، أو من دخوله فمه (ولا يقول: هاه هاه) بالقصر وسكون الهاء فيهما، وهو في البخاري مرة بغير هاء بعد الألف. وللترمذي: "آه آه" (¬1) وهو حكاية صوت التثاؤب إذا بالغ فيه. قال المنذري: إنما أحب اللَّه العطاس؛ لأنه مع خفة البدن يعين على الطاعات، وكره التثاؤب لأنه يثبط عن الخيرات. (فإنما ذلكم من الشيطان) أضيف إلى الشيطان؛ لأنه يزيد النفس شهوتها ويدعوها إلى امتلاء البدن (يضحك منه) إذا تثاءب؛ لأنه كان سببه. * * * ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (2746).

98 - باب في العطاس

98 - باب فِي العُطاسِ 5029 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى عَنِ ابن عَجْلانَ، عَنْ سُمَي، عَنْ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِذا عَطَسَ وَضَعَ يَدَهُ أَوْ ثَوْبَهُ عَلَى فِيهِ، وَخَفَضَ أَوْ غَضَّ بِها صَوْتَهُ. شَكَّ يَحْيَى (¬1). 5030 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ داوُدَ بْنِ سُفْيانَ، وَخُشَيْشُ بْنُ أَصْرَمَ قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْري، عَنِ ابن المُسَيَّبِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خَمْسٌ تجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ رَدُّ السَّلامِ وَتَشْمِيتُ العاطِسِ وَإِجابَةُ الدَّعْوَةِ وَعِيادَةُ المَرِيضِ واتِّباعُ الجَنازَةِ" (¬2). * * * باب في العطاس [5029] (ثنا مسدد، ثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن) محمد (ابن عجلان) المدني الفقيه، قال الحاكم: أخرج له مسلم ثلاثة عشر حديثًا كلها في الشواهد (¬3). (عن سمي، عن أبي صالح) السمان (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا عطس) بفتح الطاء (وضع يده) الظاهر أنها اليمنى، بخلاف التثاؤب، فإن الذي يليق به اليد اليسرى، ولم أر أحدًا تعرض ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2745)، وأحمد 2/ 439. وصححه الألباني. (¬2) رواه البخاري (1240)، ومسلم (2162). (¬3) انظر: "ميزان الاعتدال" 5/ 90.

له (أو) طرف (ثوبه) أو منديله (على فيه) ولفظ الترمذي: كان إذا عطس غطى وجهه بيده أو ثوبه (¬1). والوجه أعم من الفم، فإذا غطى وجهه يغطي فاه، ولعل السبب في ذلك تغير هيئة الرجل عند العطاس، وربما خرج منه بزاق (¬2) يتناثر من فمه، فيكرهه الحاضر، وقد عطست قديمًا بحضرة بعض المشايخ فلويت وجهي عنه إلى اليمين فنهاني عنه وقال: إنه مكروه أو مذموم؛ لئلا يلتوي عرق من الرقبة عند العطاس. (وخفض) بها صوته (أو) شك الراوي (غض) واقتصر الترمذي على غض، ومعناه: خفض صوته ولم يرفعه بصيحة، بل قصر من صوته ونقصه، فإن النفس تنفر وتستوحش من شدة الصوت، وفي وصية لقمان لابنه: {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} (¬3)، وقد قيل: إن أنكر الأصوات هي العطسة الشديدة الصوت. [5030] (ثنا محمد بن داود بن سفيان) مقبول، لم يرو عنه غير المصنف (¬4). (وخُشيش) بضم الخاء وفتح الشين المعجمة الأولى، مصغر، وهو ابن أصرم النسائي، حافظ، ثبت (¬5). ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (2745). (¬2) في (م): بصاق. (¬3) لقمان: 19. (¬4) انظر: "تقريب التهذيب" (5868). (¬5) انظر: "الكاشف" (1388).

(قالا: ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن الزهري، عن) سعيد (ابن المسيب، عن أبي هريرة قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: خمس تجب) هذا أصرح من رواية الصحيحين: "حق المسلم" (¬1) وليس كلها واجبًا (¬2)، بل أولها، وهو رد السلام (للمسلم على المسلم) (¬3) أي: الحقوق المشتركة بين المسلمين عند ملاقاة بعضهم بعضًا، وفي لفظ لمسلم: "حق المسلم على المسلم ست" وزاد: "وإذا استنصحك فانصح له" (¬4) وللترمذي وابن ماجه من حديث علي: "للمسلم على المسلم ست" فذكر منها: "ويحب له ما يحب لنفسه" (¬5) قال: "وينصح له إذا غاب أو شهد" (¬6) ولأحمد من حديث معاذ: "وأن تحب للناس ما تحب لنفسك، وتكره لهم ما تكره لنفسك" (¬7) وفي الصحيحين من حديث البراء: أمرنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بسبع؛ فذكر منها: وإبرار القسم أو المقسم، ونصر المظلوم (¬8). (رد السلام) إن كان المسلَّم عليه واحدًا فرد السلام فرض عين، وإن كانوا جماعة كان الرد فرض كفاية في حقهم، كما سيأتي (وتشميت ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (1240)، "صحيح مسلم" (2162). (¬2) في (ل)، (م): واجب. ولعل المثبت هو الصواب. (¬3) كذا في (ل، م): بينما في المطبوع من "السنن" أخيه. (¬4) "صحيح مسلم" (2162/ 5). (¬5) "سنن الترمذي" (2736)، "سنن ابن ماجه" (1433). (¬6) "سنن الترمذي" (2737) من حديث أبي هريرة. (¬7) "مسند أحمد" 5/ 247. (¬8) "صحيح البخاري" (1239)، "صحيح مسلم" (2066).

العاطس) يروى بالسين المهملة والمعجمة، فمعناه بالمعجمة: أبعدك اللَّه عن الشماتة [من الأعداء] (¬1)، ومعناه بالمهملة: جعلك اللَّه على سمت حسن، أي: على هيئة أهل الخير وصفتهم. (وإجابة الدعوة) إن كانت في وليمة العرس فالجمهور يوجبونها بشروط (وعيادة المريض) وهو سنة بالإجماع سواء فيه من يعرفه ومن لا يعرفه، والقريب والأجنبي (واتباع الجنائز) (¬2) سنة بالإجماع أيضًا (¬3)، سواء فيه من يعرفه ومن لا يعرفه، وقريبه وغيرهما، والظاهر أن اتباع جنازة الغريب الذي لا يعرفه أفضل ممن يعرفه؛ إذ لا يخلص من مراءاة، فأما إن خلص منه فهو محل الخلاف. * * * ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) بعدها في (ل)، (م): الجنازة، وعليها: خـ. (¬3) انظر: "شرح مسلم" للنووي 14/ 31.

99 - باب كيف تشميت العاطس

99 - باب كَيْفَ تشْمِيتُ العاطِسِ 5031 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلالِ بْنِ يِسافٍ قالَ: كُنّا مَعَ سالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ فَعَطَسَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ، فَقالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ. فَقالَ سالمٌ، وَعَلَيْكَ وَعَلَى أُمِّكَ. ثمَّ قالَ بَعْدُ لَعَلَّكَ وَجَدْتَ مِمّا قُلْتُ لَكَ قالَ لَوَدِدْت أَنَّكَ لَمْ تَذْكُرْ أُمِّي بِخَيْرٍ وَلا بِشَرٍّ قالَ إِنَّما قُلْتْ لَكَ كَما قالَ رَسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِنّا بَيْنا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِذْ عطسَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ فَقالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَعَلَيْكَ وَعَلَى أُمِّكَ". ثُمَّ قالَ: "إِذا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ" قالَ: فَذَكَرَ بَعْضَ المَحامِدِ: "وَلْيَقُلْ لَهُ مَنْ عِنْدَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَلْيَرُدَّ -يَعْني: عَلَيْهِمْ- يَغْفِرُ اللَّهُ لَنا وَلَكُمْ" (¬1). 5032 - حَدَّثَنا تَمِيمُ بْنُ المُنْتَصِرِ، حَدَّثَنا إِسْحاقُ -يَعْني ابن يُوسُفَ-، عَنْ أَبي بِشْرٍ وَرْقاءَ، عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ هِلالِ بْنِ يِسافٍ عَنْ خالِدِ بْنِ عَرْفَجَةَ، عَنْ سالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ الأَشْجَعي بهذا الحَدِيثِ عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2). 5033 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينارٍ، عَنْ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِذا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ الحَمْدُ للَّه عَلَى كُلِّ حالٍ، وَلْيَقُلْ أَخُوهُ أَوْ صاحِبُهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَيَقُولُ هُوَ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بالَكُمْ" (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1300)، والنسائي في "الكبرى" 6/ 65 (10053)، وأحمد 6/ 7. وضعفه الألباني في "الإرواء" 3/ 246. (¬2) السابق. (¬3) رواه البخاري (6224).

باب ما جاء في تشميت العاطس [5031] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا جرير) بن عبد الحميد (عن منصور) بن المعتمر (عن هلال بن يساف) بكسر المثناة تحت، وبعضهم يفتحها، ويقال: إساف، الأشجعي، أخرج له مسلم (قال: كنا مع سالم بن عبيد) الأشجعي من أهل الصفة في سفر (فعطس رجل من القوم، فقال: السلام عليكم. فقال سالم: ) بن عبيد (وعليك وعلى أمك) السلام، فكأن الرجل وجد في نفسه. قد يؤخذ منه أن من كان جالسًا مع قوم فقال: السلام عليكم من غير مفارقتهم، ويحتمل أن يقال: إنما رد عليه السلام، وزاد أمه إنكارًا عليه. (ثم قال بعد: ) ذلك (لعلك وجدت) أي: غضبت (مما قلت لك) ولفظ الترمذي: فكأن الرجل وجد في نفسه (¬1). (قال: واللَّه لوددت) بكسر الدال الأولى (أنك لم تذكر أمي بخير ولا بشر) (¬2) كانت العرب تنفر من ذكر الرجل محارمه بحضوره. (قال: إنما قلت لك كما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) فيه الاعتذار من غضب من كلامه بالاقتداء بالشريعة والتمسك بها (إنا بينا نحن عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) جلوس (إذ عطس رجل من القوم، فقال: السلام عليكم) على ظن أنه مصيب. (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: عليك وعلى أمك) فيه تأديب الرجل بذكر ما ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (2740). (¬2) بعدها في (ل)، (م): ولا شر. وعليها: خ.

يكرهه وإسماعه إياه، ولعله إنما ذكر أمه دون أبيه؛ لأنه كان يتيمًا ولم يؤدبه إلا أمه، فذكرها بحضرة القوم تأديبًا لها، حيث لم تعلمه ما يقول إذا عطس، وما يحتاج إليه، فقد قال الأئمة: يجب على الآباء والأمهات تعليم أولادهم الشريعة وحضور المسجد والجماعات. (ثم قال: إذا عطس أحدكم فليحمد اللَّه) لفظ الترمذي: "فليقل: الحمد للَّه رب العالمين" (قال) الراوي (فذكر بعض المحامد) ورواية الترمذي تبين هذا البعض (وليقل له) من يرد عليه (من عنده: يرحمك اللَّه) أو يرحمنا اللَّه وإياكم (¬1) (وليرد -يعني: عليهم-: يغفر اللَّه لنا ولكم) فيه أنه يستحب من دعا لغيره أن يبدأ أولا بالدعاء لنفسه كقوله: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} (¬2)، {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا} (¬3). وفيه: أنه يأتي بصيغة الجمع وإن كان المخاطب واحدًا. [5032] (ثنا تميم بن المنتصر) الواسطي، ثقة ضابط (¬4) (ثنا إسحاق ابن يوسف) بن مرداس الواسطي، المعروف بالأزرق (¬5). (عن أبي بشر) واسمه (ورقاء) بن عمر اليشكري (عن منصور، عن هلال بن يساف) سئل الشيخ عبد اللَّه بن بري كم ثمَّ كلمة أولها ياء ¬

_ (¬1) رواه مالك في "الموطأ" 2/ 143 (2032)، والبخاري في "الأدب المفرد" (933) وصححه الألباني عن ابن عمر. (¬2) نوح: 28. (¬3) الحشر: 10. (¬4) انظر: "التقريب" (805). (¬5) انظر: "التقريب" (396)، وفيه أنه ثقة.

مكسورة؟ فقال: قولهم: يسار اسم اليد، ويقاظ جمع يقظان. قيل له في هلال بن يساف. فقال: الياء بدل من الهمزة، ولا تكون الياء إلا مكسورة كما كانت الهمزة. (عن خالد بن عرفجة) وأخرجه النسائي عن منصور، هذا هو الصواب عندنا، والأول خطأ (¬1). قال: ورواه عبد الرحمن بن مهدي، عن أبي عوانة، عن منصور، عن هلال، عن رجل من آل عرفطة، عن سالم. واختلف على ورقاء فيه، فقال بعضهم: خالد بن عرفجة، وقال بعضهم: خالد بن عرفطة (¬2). (عن سالم بن عبيد الأشجعي بهذا الحديث، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-). [5033] (ثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (ثنا عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن أبي سلمة) الماجشون بكسر الجيم، التيمي، أجازه المهدي بعشرة آلاف دينار، وكان إمامًا معظمًا، ثقة (¬3) (عن عبد اللَّه بن دينار، عن أبي صالح) ذكوان. (عن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لئه على كل حال) أو: "الحمد للَّه رب العالمين". كما تقدم عن ¬

_ (¬1) كذا العبارة في (ل، م) والذي في "السنن الكبرى" للنسائي 6/ 66 (10057) أن النسائي أخرج هذا الحديث من طريق منصور، عن هلال بن يساف، عن رجل، عن آخر، قال: كنا مع سالم. . الحديث، ثم قال: وهذا الصواب عندنا والأول خطأ واللَّه أعلم. اهـ. وكان قد ذكر قبله عدة أسانيد تحت عنوان ذكر الاختلاف على منصور بن المعتمر في حديث سالم بن عبيد. (¬2) قاله المنذري في "مختصر السنن" 7/ 307. (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 18/ 152 (3455).

الترمذي (¬1)، فلو اقتصر على (الحمد للَّه) جاز، وليس أفضل، ولكن الملائكة تكمله كما روى حميد بن زنجويه بإسناد صحيح [موقوف على] (¬2) ابن عباس أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا عطس الرجل فقال: الحمد للَّه. قالت الملائكة: رب العالمين. وإذا قال: رب العالمين. قالت الملائكة: يرحمك اللَّه" (¬3). (وليقل أخوه أو صاحبه: يرحمك اللَّه) والمراد بالأخ والصاحب الجالس معه، سواء كان أخًا أو أبًا أو صاحبًا، أو أجنبيًّا، أو عدوًّا (ويقول هو: يهديكم اللَّه ويصلح بالكم) أي: حالكم. والبال: القلب، يقال: خطر ببالي. أي: بقلبي، وهو محتمل، وتقدم في الحديث قبله أنه يقول: "يغفر اللَّه لنا ولكم". فإن قيل: هل يجمع بينهما؟ فالجواب: لم يأت في رواية الجمع بينهما، ولكن أن يقول هذِه مرة وهذِه مرة. * * * ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (2740). (¬2) كذا في الأصول، والصواب الأنسب للسياق: مرفوع عن. (¬3) رواه مرفوعا ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (256)، والطبراني في "الأوسط" 3/ 349 (3371)، "الدعاء" 1/ 552 (1985)، ورواه موقوفًا البخاري في "الأدب" (920).

100 - باب كم مرة يشمت العاطس؟

100 - باب كَمْ مَرَّةٍ يُشَمَّتُ العاطِسُ؟ 5034 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنِ ابن عَجْلانَ، قالَ: حَدَّثَني سَعِيدُ بْنُ أَبي سَعِيدٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: شَمِّتْ أَخاكَ ثَلاثًا فَما زادَ فَهُوَ زُكامٌ (¬1). 5035 - حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ حَمّادٍ المِصْري، أَخْبَرَنا اللَّيْثُ، عَنِ ابن عَجْلانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبي سَعِيدٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ. قالَ: لا أَعْلَمُهُ إِلا أَنَّهُ رَفَعَ الحَدِيثَ إِلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بِمَعْناهُ. قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ قَيْسٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلانَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2). 5036 - حَدَّثَنا هارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنا مالِكُ بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا عَبْدُ السَّلامِ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ إِسْحاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي طَلْحَةَ، عَنْ أُمِّهِ حُمَيْدَةَ أَوْ عُبَيْدَةَ بِنْتِ عُبَيْدِ بْنِ رِفاعَةَ الزُّرَقي، عَنْ أَبِيها، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "تُشَمِّتُ العاطِسَ ثَلاثًا، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تُشَمِّتَهُ فَشَمِّتْهُ وَإِنْ شِئْتَ فَكُفَّ" (¬3). 5037 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنا ابن أَبي زائِدَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمّارٍ، عَن إِياسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ عِنْدَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ لَهُ: "يَرْحَمُكَ اللَّهُ". ثُمَّ عَطَسَ، فَقالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الرَّجُلُ مَزْكُومٌ" (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (939)، والطبراني في "الدعاء" (1999). وقال الألباني: حسن موقوف ومرفوع. (¬2) رواه الطبراني في "الأوسط" 8/ 369 (8899)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (255). وحسنه الألباني. (¬3) رواه الترمذي (2744)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (252). وضعفه الألباني. (¬4) رواه مسلم (2993).

باب كم مرة يشمت العاطس؟ [5034] (ثنا مسدد، ثنا يحيى) القطان (عن) محمد (ابن عجلان قال: حدثني سعيد بن أبي سعيد) المقبري (عن أبي هريرة قال: ) سيأتي رفعه في رواية (سمت) بالسين المهملة والشين المعجمة، فقيل: هما بمعنى واحد. قال أبو عبيد: كل داع بخير فهو مسمت (¬1). ومشمت بالمهملة والمعجمة، وقيل: بالمهملة دعاء له بتحسين السمت، فإن الأعضاء عند ذلك يحصل فيها تغيير، وبالشين المعجمة دعاء له بأن يصرف اللَّه عنه ما يشمت به. وقيل: دعاء له بالتثبت على طاعة، مأخوذ من الشوامت وهي القوائم (¬2). (أخاك) إذا عطس وحمد اللَّه تعالى (ثلاثًا) فيه العطاس إذا تكرر من إنسان متتابعًا فالسنة أن يشمته لكل مرة عقبها، إلى أن يبلغ ثلاثًا (¬3)، هذا هو الصحيح. وقال مجاهد: يشمته مرة إذا عطس مرات (¬4). كما إذا قرأ سجدة وكررها في ساعة واحدة، فإنه يسجد لها سجدة واحدة. وقال الشاشي: يشمته في كل مرة إلا أن يعلم أنه مزكوم فيدعو له. ووافقه الرافعي (¬5). (فما زاد فهو زكام) وروى الترمذي والمصنف عن عبيد بن رفاعة ¬

_ (¬1) "غريب الحديث" 1/ 306. (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 500. (¬3) في (ل)، (م): ثلاث. والجادة ما أثبتناه. (¬4) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 5/ 271 (25977). (¬5) "الشرح الكبير" 11/ 376.

الصحابي على ما قال النووي: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "شمت العاطس ثلاثًا، فإن زاد فإن شئت فشمته وإن شئت فلا" (¬1) وقد قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: عبيد بن رفاعة ليس له صحبة (¬2). وقال البخاري في "تاريخه": روى عن أبيه رفاعة بن رافع الزرقي (¬3). والصحيح أن العطاس إذا تكرر يدعى له بالشفاء بعد الثلاث التي هي أقل عدد الجمع، فيقال: شفاك اللَّه تعالى، أو: عافاك اللَّه تعالى، وما في معناه، ولا يكون هذا من التشميت، فإن العطسة الأولى والثانية تدل (¬4) على خفة البدن والدماغ، واستفراغ الفضلات وصفاء الروح، وبعد الثالثة تدل على أن به هذِه العلة وهي الداء المعروف بالزكمة، والزكام بضم الزاي فيهما، وهذا يدل على معرفة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالطب (¬5)، وأنه بلغ الغاية القصوى منه ما لم يبلغه الحكماء المتقدمون والمتأخرون، وفيه العلل التي تحدث للبدن تعرف بأسباب وعلامات، والعطاس إذا جاوز الثلاث دل على علة الزكام، وما كان دون الثلاث فليس بزكام إلا أن يدل سبب آخر، واللَّه أعلم. [5035] (ثنا عيسى بن حماد المصري) شيخ مسلم (أنا الليث، عن) محمد (ابن عجلان، عن سعيد بن [أبي] (¬6) سعيد) المقبري، (عن أبي ¬

_ (¬1) هو الحديث الآتي (5036)، وهو في "سنن الترمذي" (2744). (¬2) "الجرح والتعديل" 5/ 406. (¬3) "التاريخ الكبير" 5/ 447. (¬4) ساقطة من (م). (¬5) ساقطة من (م). (¬6) ساقطة من (ل)، (م)، والمثبت من مصادر التخريج.

هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: لا أعلمه) أي: قال سعيد: لا أعلم أبا هريرة (إلا أنه رفع الحديث إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بمعناه) وهذا من شدة ورع التابعين والسلف الصالح -رضي اللَّه عنهم-. (قال) المصنف (رواه أبو نعيم) عبد الرحمن بن هانئ الكوفي سبط إبراهيم النخعي. قال شيخنا ابن حجر: صدوق يخطئ (¬1). (عن موسى (¬2) بن قيس) (¬3) الحضرمي الكوفي الفراء، وثقه ابن معين (¬4). وقال أبو حاتم: لا بأس به (¬5). (عن محمد بن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) قال: "سمِّت أخاك. . " الحديث. [5036] (ثنا هارون بن عبد اللَّه) بن مروان البغدادي، شيخ مسلم (ثنا مالك (¬6) بن إسماعيل) النهدي الحافظ (ثنا عبد السلام (¬7) بن حرب) النهدي، الكوفي (عن يزيد بن عبد الرحمن) بن أبى سلامة، أبو خالد الدالاني الكوفي، صدوق يخطئ (¬8). ¬

_ (¬1) "تقريب التهذيب" (4032). (¬2) فوقها في (ل): (د). (¬3) في الأصول: عيسى، وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه، كما في "السنن"، ومصادر الترجمة. (¬4) انظر: "الجرح والتعديل" 8/ 157. (¬5) "الجرح والتعديل" 8/ 157. (¬6) فوقها في (ل): (ع). (¬7) فوقها في (ل): (ع). (¬8) انظر: "تقريب التهذيب" (8072) وزاد فيه: وكان يدلس.

(عن يحيى (¬1) بن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة) الأنصاري المدني، ثقة (عن أمه حُميدة) مصغر، وهو المشهور (أو عبيدة بنت عبيد بن رفاعة الزرقي) الأنصارية المدنية، زوج إسحاق بن أبي طلحة، مقبولة (عن أبيها) عبيد بن رفاعة بن رافع بن مالك الأنصاري، ويقال فيه: عبيد اللَّه. ولد في عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ووثقه العجلي (¬2)، واختلف في صحبته كما تقدم. قال المنذري: هذا الحديث مرسل؛ لأن عبيد بن رفاعة ليست له صحبة، فأما أبوه وجده فلهما صحبة (¬3). (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: تشمت) بضم تاء الخطاب أوله (العاطس) وللترمذي بحذفها على الأمر (¬4) (ثلاثًا) زاد الترمذي: "فإن زاد" (فإن شئت فشمته (¬5)، وإن شئت فكف) وللترمذي: "وإن شئت فلا" هذا تخيير يدل على عدم الوجوب، والأفضل بعد الثالثة أن يدعى له بالشفاء، فيقال: شفاك اللَّه، أو عافاك اللَّه ونحو ذلك. [5037] (ثنا إبراهيم بن موسى) الرازي، شيخ الشيخين (ثنا) يحيى ابن زكريا (ابن أبي زائدة) الوادعي الكوفي (عن عكرمة بن عمار) الحنفي ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (د). (¬2) "تاريخ الثقات" (1076). (¬3) "مختصر سنن أبي داود" 7/ 309. (¬4) "سنن الترمذي" 5/ 85 (2744) تحقيق العلامة أحمد شاكر، وفيه: يُشَمَّتُ. مبني للمجهول، وبالياء بدل التاء. (¬5) بعدها في (ل)، (م): أن تشمته، وفوقها (خـ).

اليمامي، أخرج له مسلم (عن إياس (¬1) بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه) سلمة بن الأكوع -رضي اللَّه عنه- (أن رجلا عطس عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) فسمعه قال الحمد للَّه (فقال له: يرحمك اللَّه) وكذا يرحمنا اللَّه وإياكم (¬2) (ثم عطس) ثانية (فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) هذا (الرجل مزكوم) كذا لمسلم (¬3)، وقد خرجه الترمذي من طريق يحيى بن سعيد، عن عكرمة بن عمار، وقال له في الثالثة: "أنت مزكوم" (¬4) قال القرطبي: وهو الصحيح في الرواية (¬5) ويرجحه الحديث المتقدم بلفظ الأمر: "شمت أخاك ثلاثًا، فما زاد فهو مزكوم" (¬6). * * * ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 13/ 277 (26522) عن ابن عمر موقوفًا. (¬2) "صحيح مسلم" (2993). (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) "سنن الترمذي" (2743). (¬5) "المفهم" 6/ 624. (¬6) تقدم برقم (5034) من حديث أبي هريرة.

101 - باب كيف يشمت الذمي

101 - باب كَيْفَ يُشَمَّتُ الذِّمِّيُّ 5038 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ حَكِيمِ ابْنِ الدَّيْلَمِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: كانَتِ اليَهُودُ تَعاطَسُ عِنْدَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رَجاءَ أَنْ يَقُولَ لَها: يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ، فَكانَ يَقُولُ: "يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بالَكُمْ" (¬1). * * * باب كيف تشميت الذمي؟ [5038] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا وكيع، ثنا سفيان) الثوري (عن حكيم بن الديلمي) المدائني، صدوق (¬2). (عن أبي بردة) عامر (عن أبيه) أبي موسى الأشعري -رضي اللَّه عنه- (قال: كانت اليهود تعاطس) أصله: تتعاطس، ثم حذفت التاء الأولى، ولفظ الترمذي: كانت يتعاطسون (¬3). (عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رجاء أن يقول لها) لفظ الترمذي: يرجون أن يقول لهم (يرحمكم اللَّه، فكان يقول: يهديكم اللَّه ويصلح بالكم). فيه: أن الكافر لا يُدعى له بالرحمة ولا بالمغفرة؛ بل بالهداية وإصلاح البال، قال الشعبي: إذا عطس اليهودي، فقل: يهديك اللَّه. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2739)، وأحمد 4/ 40، والبخاري في "الأدب المفرد" (940)، والنسائي في "الكبرى" (10060). وصححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد" (723). (¬2) انظر: "تقريب التهذيب" (1472). (¬3) "سنن الترمذي" (2739).

أو: هداك اللَّه (¬1). * * * ¬

_ (¬1) رواه حرب الكرماني في "مسائله" (145/ ق).

102 - باب فيمن يعطس ولا يحمد الله

102 - باب فِيمنْ يَعْطْسُ وَلا يَحْمَدُ اللَّه 5039 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا زهَيْرٌ ح وَحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ -المَعْنَى- قالا: حَدَّثَنا سُلَيْمانُ التَّيْمي، عَنْ أَنَسٍ، قالَ: عَطَسَ رَجُلانِ عِنْدَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَشَمَّتَ أَحَدَهُما وَتَرَكَ الآخَرَ قالَ: فَقِيلَ يا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلانِ عَطَسا فَشَمَّتَّ أَحَدَهُما قالَ أَحْمَدُ: أَوْ فَسَّمَّتَّ أَحَدَهُما - وَتَرَكْتَ الآخَرَ؟ . فَقالَ: "إِنَّ هذا حَمِدَ اللَّهَ، وَإِنَّ هذا لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ" (¬1). * * * باب فيمن يعطس ولا يحمد اللَّه [5039] (ثنا أحمد) بن عبد اللَّه (بن يونس) اليربوعي (ثنا زهير، ح، وثنا محمد بن كثير) العبدي (أنا سفيان -المعنى-، ثنا سليمان) (¬2) بن طرخان (التيمي) ولم يكن من بني تيم وإنما نزل فيهم. (عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: عطس رجلان عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فشمت أحدهما وترك الآخر) لفظ البخاري: ولم يشمت الآخر (¬3). (قال: فقيل: يا رسول اللَّه، رجلان عطسا فشمت أحدهما) فيه: مراجعة العالم إذا ذكر الحكم عما لا يتضح من معناه. (قال أحمد بن يونس) شيخ المصنف (أو) شك من الراوي (فسمت أحدهما وتركت الآخر؟ ) ورواية أحمد: عطس رجلان عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6221)، ومسلم (2991). (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) "صحيح البخاري" (6221).

أحدهما أشرف من الآخر، فعطس الشريف فلم يحمد اللَّه فلم يشمته، وعطس الآخر فحمد اللَّه فشمته، فقال الشريف: عطست فلم تشمتني، وعطس هذا فشمته؟ فقال: "إن هذا ذكر اللَّه فذكرته، وأنت نسيت اللَّه فنسيتك" (¬1). (فقال: إن هذا حمد اللَّه) فشمته (وإن هذا لم يحمد اللَّه) فلم أشمته (¬2). ولفظ رواية مسلم: "إذا عطس أحدكم فحمد اللَّه فشمتوه، فإن لم يحمد اللَّه فلا تشمتوه" (¬3) قال النووي: وهذا تصريح بالأمر بالتشميت إذا حمد العاطس، وتصريح بالنهي [عن تشميته] (¬4) إذا لم يحمد اللَّه، فيكره تشميته إذا لم يحمد (¬5). قال القرطبي: وأقل درجاته أن يكون الدعاء له مكروهًا عقوبة له على غفلته عن نعمة اللَّه في العطاس؛ إذ أخرج منه ما احتقن في الدماغ من البخار (¬6). * * * ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 2/ 328 من حديث أبي هريرة. (¬2) في (ل)، (م): تشمته. ولعل المثبت هو الصواب. (¬3) "صحيح مسلم" (2992) من حديث أبي موسى. (¬4) ساقطة من (م). (¬5) "شرح مسلم" 9/ 377. (¬6) "المفهم" 6/ 623.

103 - باب في الرجل ينبطح على بطنه

103 - باب في الرَّجُلِ يَنْبَطِحُ عَلَى بَطْنِهِ 5040 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنا مُعاذُ بْنُ هِشامٍ، قالَ: حَدَّثَني أَبي، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبي كَثِيرِ قالَ: حَدَّثَنا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يَعِيشَ بْنِ طِخْفَةَ بْنِ قَيْسٍ الغِفاري قالَ: كانَ أَبي مِنْ أَصْحابِ الصُّفَّةِ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "انْطَلِقُوا بِنا إِلَى بَيْتِ عائِشَةَ". فانْطَلَقْنا فَقالَ: "يا عائِشَةُ أَطْعِمِينا". فَجاءَتْ بِحَشِيشَةِ فَأَكَلْنا، ثُمَّ قالَ: "يا عائِشَةُ أَطْعِمِينا". فَجاءَتْ بِحَيْسَةٍ مِثْلِ القَطاةِ فَأَكَلْنا، ثُمَّ قالَ: "يا عائِشَةُ اسْقِينا". فَجاءَتْ بِعُسٍّ مِنْ لَبَنِ فَشَرِبْنا ثُمَّ قالَ: "يا عائِشَةُ اسْقِينا". فَجاءَتْ بِقَدَحٍ صَغِيرٍ فَشَرِبْنا ثُمَّ قالَ: "إِنْ شِئْتُمْ بِتُّمْ، وَإِنْ شِئْتُمُ انْطَلَقْتُمْ إِلَى المَسْجِدِ". قالَ: فَبَيْنَما أَنا مُضْطَجِع في المَسْجِدِ مِنَ السَّحَرِ عَلَى بَطْني إِذا رَجُلٌ يُحَرِّكُني بِرِجْلِهِ، فَقالَ: "إِنَّ هذِه ضِجْعَةٌ يُبْغِضُها اللَّهُ". قالَ: فَنَظَرْتُ فَإِذا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1). * * * باب في الرجل ينبطح على بطنه [5040] (ثنا محمد بن المثنى، ثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي) هشام ابن أبي عبد اللَّه الدستوائي. (عن يحيى بن أبي كثير، ثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (عن يعيش بن طخفة) بكسر الطاء المهملة وسكون الخاء المعجمة، كما ضبطه المنذري (¬2)، وزاد شيخنا بعد الخاء قافًا (¬3) (الغفاري) الشامي، ووقع عند ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 429، النسائي في "الكبرى" (6695). وصححه الألباني. (¬2) انظر: "مختصر سنن أبي داود" 7/ 312، 314. (¬3) في المخطوط: قاف. والجادة المثبت.

النسائي: عن قيس بن طغفة (¬1). وعند ابن ماجه: عن قيس بن طهفة (¬2). وقال أبو عمر النمري: اختلف فيه اختلافًا كثيرا؛ فقيل: طهفة بالهاء، وقيل؛ طخفة بالخاء، وقيل: طغفة بالغين المعجمة. وقيل: طقفة بالقاف والفاء. انتهى (¬3). والطاء في الجميع مكسورة (ابن قيس الغفاري) ليس له غير هذا الحديث. (قال: كان أبي من أصحاب (¬4) الصفة) وهم فقراء المهاجرين، ومن لم يكن له منهم منزل يسكنه، وكانوا يأوون إلى موضع مظلل في مسجد المدينة يسكنونه (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: انطلقوا بنا إلى بيت عائشة) فيه ذكر المرأة عند بعض محارمها، فإن عائشة أم المؤمنين والتصريح باسمها بين يدي القوم مما يستقبح عرفًا. وفيه: أن الكبير والأمير إذا أراد أن يذهب إلى مكان بين لهم المكان الذي يقصده. وفيه: إحضار الرجل أصحابه إلى بيته، ليطعمهم فيه. (فانطلقنا، فقال: يا عائشة) فيه نداء المرأة باسمها دون كنيتها (أطعمينا) فيه أن من طلب الأكل يطلب الطعام كائنا ما كان (فجاءت بجشيشة) فيه خدمة المرأة زوجها وإن كان معه محارمها، والجشيشة: ¬

_ (¬1) هكذا ذكره المزي في "تحفة الأشراف" 4/ 209 - 210 وعزاه إليه في "الكبرى" 4/ 144 (6620) لكن فيه: طخفة. (¬2) هكذا ذكره المزي في "التحفة" 4/ 210 وعزاه لابن ماجه في "الأدب"، وهو في "السنن" (3723) إلا أنه وقع في المطبوع: وفيه: طحفة. (¬3) "الاستيعاب" 2/ 325. (¬4) بعدها في (ل): أهل. وعليها: (خـ).

بفتح الجيم وكسر الشين المعجمة الأولى، وهي أن تجش، أي: تطحن الحب من القمح، أو الشعير ونحوهما طحنا غليظًا، ثم يجعل في القدور ويلقى عليه لحم أو تمر ويطبخ، ويقال لها أيضًا: دشيشة، بفتح الدال المهملة، ومنه الحديث: أولم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على بعض أزواجه بجشيشة (¬1). (فأكلنا) قد يؤخذ منه أن وضع الطعام كاف (¬2) إذ لو أذن لهم: كلوا أو باسم اللَّه، ونحو ذلك لذكر في الحديث. (ثم قال: يا عائشة أطعمينا) لعل الطلب ثانيًا؛ لأنهم لم يشبعوا، أو لأن الحيس في معنى أكل الحلو بعد الطعام؛ لأن الذي جاءت به قليلا لا يُشبع ([فجاءت] (¬3) بحيسة) بفتح الحاء والسين المهملتين، وهي: الطعام المتخذ من التمر والأقط والسمن، وقد يجعل عوض الأقط الدقيق أو الفتيت، وهو الخبز المفتوت، فعيل بمعنى مفعول (مثل القطاة) مقصور على معنى القطعة الصغيرة منه، والقطاة: طائر من أنواع الحمام أغبر اللون أرفس البطن والظهر، قصير الذنب، ومنه أسود البطن والقوادم، أغبر الظهر، ومن شأن القطا أن يقول: قطا قطا. فسمي بحكاية ¬

_ (¬1) رواه ابن عدي في "الكامل" 3/ 176 من حديث عائشة. قال محمد بن طاهر المقدسي في "ذخيرة الحفاظ" 2/ 702: رواه الحسن بن عمرو العبدي البصري، عن القاسم بن مطيب، عن منصور ابن صفية، عن أمه، عن عائشة. وهذا يرويه الحسن عن القاسم، والقاسم عزيز الحديث. اهـ. (¬2) من هامش (ل)، وفوقها: لعله. (¬3) من المطبوع.

صوته، ويوصف بالصدق، ولهذا يقال: أصدق من القطا. ومعنى: (مثل القطا) أي: على مقدارها، لا أنها مصورة على صورتها (فأكلنا، ثم قال: يا عائشة اسقينا) بوصل الهمزة، وفي لغة بقطعها (فجاءت بعس) بضم العين وتشديد السين المهملتين، وهو القدح الكبير الضخم، يجمع على عساس وأعساس، حرز ثمانية أرطال أو تسعة، والرطل وزن مائة وثلاثين درهمًا ([من لبن] (¬1) فشربنا) أي: شربوا من العس، يدار عليهم؛ لأن الملاعق بدعة وإن كان فيها النظافة لليد. (ثم قال: يا عائشة، اسقينا، فجاءت بقدح صغير) لعله من ماء، ويحتمل أن يكون من لبن حيث لم يسقوا، فإن اللبن قد يغني عن الماء (فشربنا) فيه: أن الأكمل في الضيافة أن يجمع بين الطعام من اللحم ونحوه والحلاوة، فإنها من الطيبات، وتتم هذِه الطيبات بشرب اللبن والماء البارد عقبه. قال أبو سليمان الداراني: أكل الطيبات يورث الرضا عن اللَّه ويخلص الشكر (¬2). (ثم قال: إن شئتم بتم عندنا، وإن شئتم انطلقتم إلى المسجد) لتبيتوا فيه، أن من كمال الضيافة أن يخيرهم في المبيت في منزله أو في المسجد. وفيه دليل على جواز مبيت الغريب في المسجد، وإن تهيأ له المبيت في بيت صديقه، فإن في المبيت عند الصديق تضييقًا (¬3) عليه وعلى أهل بيته. ¬

_ (¬1) من المطبوع. (¬2) أورده الغزالي في "الإحياء" 2/ 16. (¬3) في (ل)، (م): تضييق. والجادة ما أثبتناه.

(قال: فبينما أنا مضطجع في المسجد من السحر) أي: في وقت السحر في المسجد قبل صلاة الفجر في الصفة، فإنه كان من أهلها، وقد جاء مصرحًا به في رواية (على بطني إذا رجل يحركني برجله) فيه: جواز التأديب بالتحريك بالرجل والضرب بها للنائم عن الصلاة، أو بعد صلاة الصبح، ونحو ذلك. (فقال: إن هذِه ضجعة) بكسر الضاد المعجمة وسكون الجيم وفتح العين المهملة؛ لأن المراد هنا هيئة الاضطجاع المذمومة، وهو النوم على الوجه، فهو على نحو الجلسة والركبة والغمة، وفي رواية: فركضني برجله. وقال: "هذِه نومة" (¬1) (يبغضها اللَّه) بضم الياء وكسر الغين؛ لأنه يقال: أبغضه إبغاضًا، ولا يقال: بغضه بغير ألف. وفيه: دليل على كراهة النوم على الوجه؛ لأنها نومة الشيطان، ونوم إخوانهم من الإنس، ولأنه يستقبل باسته وظهره السماء الذي هو قبلة الدعاء، ويدع وجهه الذي هو أشرف الأعضاء، ولأن أهل النار يسحبون على وجوههم، وكذلك عذابهم، وهو على أربعة أنحاء: النوم على الشق الأيمن، وهو السنة، والنوم على الشق الأيسر، وهو مما يستحبه الأطباء؛ لأنه أسرع لهضم الطعام، فإن أراد السنة والهضم فليضطجع على الأيمن قليلا، وينقلب على الأيسر، والثالث: النوم مستلقيًا على القفا ووجهه إلى السماء، وهو مباح للرجال خصوصًا للمتعبدين. ¬

_ (¬1) هذِه اللفظة رواها ابن ماجه (3723)، وابن حبان 12/ 358 (5550)، والطبراني 7/ 385 (8151)، والحاكم 4/ 271.

قال الحليمي في "المنهاج": هو مكروه للنساء؛ لأن عمر بن عبد العزيز رأى ابنته نائمة كذلك فنهاها. وفي معنى المرأة الأمرد (¬1). والرابع: النوم على الوجه، وهو مكروه. قال ابن الجوزي: النوم في القمر يغير اللون إلى الصفرة، ويثقل الرأس (¬2). (قال: فنظرت) إلى من حركني (فإذا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) قائم عند رأسي. * * * ¬

_ (¬1) حكاه عنه الأقفهسي في "آداب الأكل" ص 64. (¬2) انظر "آداب الأكل" للأقفهسي ص 64 - 65.

104 - باب في النوم على سطح غير محجر

104 - باب فِي النَّوْمِ عَلَى سَطْحٍ غيْرِ مُحَجَّرٍ 5041 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنا سالِمٌ -يَعْني: ابن نُوحٍ-، عَنْ عُمَرَ بْنِ جابِرٍ الحَنَفي، عَنْ وَعْلَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَثّابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلي -يَعْني: ابن شَيْبانَ-، عَنْ أَبِيهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ باتَ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَيْسَ لَهُ حِجارٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ" (¬1). * * * باب في النوم على سطح غير محجر [5041] (ثنا محمد بن المثنى، حدثنا سالم بن نوح) العطار، أخرج له مسلم (عن عمر (¬2) بن جابر الحنفي) اليمامي، مقبول (¬3). (عن وعلة بن عبد الرحمن بن وثاب) بفتح الواو والثاء المثلثة المشددة، اليمامي، مقبول (¬4)، أخرج له البخاري في كتاب "الأدب". (عن عبد الرحمن بن علي بن شيبان) بالشين المعجمة وسكون المثناة تحت، الحنفي اليمامي، ثقة (¬5). (عن أبيه) علي بن شيبان من محرز اليمامي الحنفي، سكن اليمامة، ووفد على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من بات) وللطبراني: "من ¬

_ (¬1) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (1192)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" 4/ 1972. وصححه الألباني. (¬2) فوقها في (ل): (د). (¬3) انظر: "تقريب التهذيب" (4871). (¬4) انظر: "تقريب التهذيب" (7409). (¬5) انظر: "تقريب التهذيب" (3960).

رقد على سطح" (¬1) وللترمذي: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن ينام الرجل على سطح (¬2). فعلى هذا لا يختص النهي بنوم الليل، بل لا فرق بين نوم الليل والنهار، ولا بالرجل دون المرأة، بل هي في معناه. (على سطح بيت) وما في معناه (ليس له حجار) بكسر الحاء المهملة وتخفيف الجيم وبعد الألف راء، جمع حجر بكسر الحاء، وهو الحائط المحيطة بالساحة، أو من الحجرة وهي حظيرة الإبل، وحجرة الدار، والمراد به ما يحجر الإنسان ويمنعه من الوقوع والسقوط، وهو حجة لما قاله الحليمي وغيره من أصحابنا وغيرهم: يكره النوم على سطح غير محوط عليه. قال المنذري: كذا في روايتنا: حجار بالراء وتبويب المصنف يدل عليه؛ فإنه قال: غير محجر. وأصل الحجر: المنع، ومنه حجر الحاكم، أي: ليس عليه ستر يمنعه من السقوط (¬3). قال في "النهاية": ويروى حجاب. بالموحدة بدل الراء، وهو كل مانع عن السقوط (¬4)، ورواه الخطابي: حجى. وقال: هو بكسر الحاء وفتحها، يعني مع فتح الجيم. ومعناه فيهما: معنى الستر، فمن قال بالكسر شبهه بالحجى العقل؛ لأن العقل يمنع الإنسان من الفساد ويحفظه من التعرض للهلاك، فشبه الستر الذي يكون على السطح المانع للإنسان من التردي والسقوط بالعقل المانع له من أفعال السوء ¬

_ (¬1) "المعجم الكبير" 13/ 87 (217) من حديث عبد اللَّه بن جعفر. (¬2) "سنن الترمذي" (3091). (¬3) "مختصر المنذري" 7/ 315. (¬4) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 342.

المؤدية إلى الردى (¬1). ومن رواه بفتح الحاء فقد ذهب على الناحية والطرق، وأحجاء الشيء نواحيه، واحدها حجى. وقال عبد الحق بعد ذكر الحديث: الحجى هنا: الحاجز الذي يمنع الماشي أن يقع منه (¬2). (فقد برئت منه الذمة) أي: إن لكل أحد من اللَّه عهدًا بالحفظ والكلاءة، وإذا نام على سطح غير محجر فقد عرض نفسه للهلاك، ولم يحترز لها بما يمنعه من السقوط، فقد خذلته ذمة اللَّه. * * * ¬

_ (¬1) "معالم السنن" 4/ 132. (¬2) "الأحكام الوسطى" 4/ 223.

105 - باب في النوم على طهارة

105 - باب في النَّوْمِ عَلَى طَهارَةٍ 5042 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، أَخْبَرَنا عاصِمُ بْنُ بَهْدَلَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبي ظَبْيَةَ، عَنْ مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "ما مِنْ مُسْلِمٍ يَبِيتُ عَلَى ذِكْرٍ طاهِرًا فَيَتَعارُّ مِنَ اللَّيْلِ فَيَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيا والآخِرَةِ إِلَّا أَعْطاهُ إِيّاهُ". قالَ ثابِتٌ البُناني قَدِمَ عَلَيْنا أَبُو ظَبْيَةَ فَحَدَّثَنا بهذا الحَدِيثِ عَنْ مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ ثابِتٌ: قالَ: فُلانٌ لَقَدْ جَهَدْتُ أَنْ أَقُولَها حِينَ أَنْبَعِث فَما قَدَرْتُ عَلَيْها (¬1). 5043 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيانَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قامَ مِنَ اللَّيْلِ فَقَضَى حاجَتَهُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ نامَ. قالَ أَبُو داوُدَ: يَعْني بالَ (¬2). * * * 106 - باب كَيْفَ يَتَوَجَّهُ 5044 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ خالِدٍ الحَذّاءِ، عَنْ أَبي قِلابَةَ، عَنْ بَعْضِ آلِ أُمِّ سَلَمَةَ قالَ: كانَ فِراشُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نَحْوًا مِمّا يُوضَعُ الإِنْسان في قَبْرِهِ، وَكانَ المَسْجِدُ عِنْدَ رَأْسِهِ (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (3881)، وأحمد 5/ 234، النسائي في "الكبرى" (10642). وصححه الألباني في "المشكاة" (1215). (¬2) رواه مسلم (304). (¬3) رواه مسدد كما في "إتحاف الخيرة" (4068)، ومن طريقه أبو الشيخ في "أخلاق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" (476). وضعفه الألباني.

باب في النوم على طهارة [5042] (حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد) بن سلمة (ثنا عاصم) ابن أبي النجود (بن بهدلة) بفتح الباء الموحدة والدال [المهملة] (¬1) بينهما هاء ساكنة، المقرئ، أخرج له الشيخان. (عن شهر بن حوشب، عن أبي ظبية) تأنيث ظبي، ويقال بالطاء المهملة، السلفي، ثم الكلاعي الحمصي، أخرج له البخاري في كتاب "الأدب" فهو مقبول (¬2) (عن معاذ بن جبل -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: ما من مسلم يبيت على ذكر) اللَّه تعالى من قراءة أو تكبير أو تهليل أو تسبيح (¬3) أو تحميد (طاهرًا) من الحدث الأكبر والأصغر، أي: على طهارة كاملة، ولو بالتيمم. (فيتعار) بالعين المهملة والراء المشددة والرفع، أي: فيستيقظ ولا يكون إلا يقظة مع كلام أو دعاء أو صوت. وقيل: معناه: تمطى وأنَّ، وقيل: يسهر ويتقلب في الفراش، وهو مأخوذ من عرار الظليم، وهو صوته، والظليم بالظاء المعجمة وهو الذكر من النعام (من الليل) في النصف الثاني. (فيسأل اللَّه خيرًا من أمر) لفظ الترمذي: "من خير" (¬4) (الدنيا والآخرة إلا أعطاه) اللَّه (إياه) ورواية الترمذي عن أبي أمامة: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬

_ (¬1) في النسخ: والذال المعجمة! (¬2) انظر: "تقريب التهذيب" (8192). (¬3) في (ل)، (م): تسميع. ولعل المثبت هو الصواب. (¬4) "سنن الترمذي" (3526) من حديث أبي أمامة الباهلي.

يقول: "من أوى إلى فراشه طاهرًا يذكر اللَّه حتى يدركه النعاس، لم ينقلب ساعة من ليل يسأل اللَّه خيرًا من خير الدنيا والآخرة إلا أعطاه اللَّه إياه" وقال: حديث حسن (¬1). وإن لم يسأل اللَّه من بات طاهرًا فالملك يسأل اللَّه له، كما روى ابن حبان في "صحيحه": "من بات طاهرًا بات في شعاره ملك، فلا يستيقظ إلا قال الملك: اللهم اغفر لعبدك فلان، فإنه بات طاهرًا" (¬2). قلت: ويشبه أن تحصل فضيلة هذِه الطهارة عند النوم بضرب اليد على الجدار التراب كما في حديث من سَلَّم عليه فلم يرد عليه السلام حتى ضرب يده بالحائط (¬3)، فإنه لم يرد صلاة حتى يتوضأ، بل أراد ذكر اللَّه في رد السلام، ولعل هذِه الفضيلة مخصوصة بنوم الليل دون النهار، ولهذا قال (من بات). (قال: ثابت البناني) بضم الموحدة، نسبة إلى بنانة بن سعد بن لؤي ابن غالب، وصارت بنانة محلة بالبصرة؛ لنزول هذِه القبيلة بها (قدم علينا) البصرة (أبو ظبية فحدثنا بهذا الحديث عن معاذ بن جبل، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال ثابت) بن أسلم (قال فلان: لقد جهدت) بكسر الهاء، أي: اجتهدت (أن أقولها حين أنبعث) أي: أستيقظ (فما قدرت عليها). [5044] (ثنا مسدد، ثنا حماد) بن زيد (عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة) عبد اللَّه بن زيد الجرمي (عن بعض آل أم سلمة قال: كان فراش ¬

_ (¬1) السابق. (¬2) "صحيح ابن حبان" 3/ 328 (1051). (¬3) رواه ابن حبان في "صحيحه" 4/ 145 (1316) من حديث ابن عمر.

النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نحوًا مما يوضع الإنسان في قبره) يحتمل أن يكون الفراش حقيقة، والتقدير: كان فراش النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يفرش على نحو ما يوضع الميت في قبره إلى القبلة، ففيه دلالة على أن السنة أن يوضع الفراش للقبلة، والنائم عليه يكون للقبلة، كما يكون في لحد القبر، ويكون متوجهًا للقبلة بكل بدنه، ويحتمل أن يكون تقدير الحديث: أن عرض فراش رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وطوله (¬1) كان على قدر الموضع الذي يدفن الإنسان فيه، ففيه دليل على عدم الإسراف في الفراش، بل يكون على قدر من ينام عليه، فإن كان واحدًا فيكون طوله وعرضه على عرض القبر، وإن كان اثنين (¬2) فيكون طوله وعرضه على عرض قبر يدفن فيه اثنان للضرورة. (وكان المسجد) والمراد به هنا: موضع صلاته وسجوده من بيته (عند رأسه) إذا نام، وفيه: أن السنة أن يكون موضع صلاته في بيته عند رأسه؛ حيث ينام، ولا يكون من جهة رجليه تعظيمًا للصلاة ومكانها عند مقابلة رجلي النائم، وفيه: أنه يشرع للمرأة وكذا للرجل أن يتخذ مكانًا مهيئا للصلاة في بيته وينظفه ويطيبه، لكن لا يصح اعتكافه فيه، وليس له تحية كالمساجد. [5043] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا وكيع، عن سفيان) الثوري (عن سلمة بن كهيل، عن كريب) أبي رشدين (عن) مولاه (ابن عباس رضي اللَّه عنهما، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قام) من نومه (من الليل، فقضى حاجته) ببول أو ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) في (ل)، (م): اثنان. والجادة ما أثبتناه.

غائط (فغسل وجهه ويديه) هذا الغسل للتنظيف، ولينشط القائم من النوم للذكر وغيره، ويذهب عنه النعاس (ثم نام) بعد ذكر اللَّه تعالى، وكذا في مسلم: فبال ثم غسل وجهه وكفيه، ثم نام. لكن زاد بعده: ثم قام إلى القربة فأطلق شِناقها، ثم صب في الجفنة أو القصعة فأكبه بيده (¬1) عليها ثم توضأ وضوءًا حسنا بين الوضوءين، ثم قام فصلى. الحديث (¬2) [(يعني بال) هذا تفسير لقوله (فقضى حاجته)] (¬3). * * * ¬

_ (¬1) في (م): بيديه. (¬2) "صحيح مسلم" (763/ 187). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

107 - باب ما يقال عند النوم

107 - باب ما يُقالُ عِنْدَ النَّوْمِ 5045 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا أَبانُ، حَدَّثَنا عاصِمٌ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خالِدٍ، عَنْ سَواءٍ، عَنْ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كانَ إِذا أَرادَ أَنْ يَرْقُدَ وَضَعَ يَدَهُ اليُمْنَى تَحْتَ خَدِّهِ ثُمَّ، يَقُولُ: "اللَّهُمَّ قِني عَذابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبادَكَ". ثَلاثَ مِرارٍ (¬1). 5046 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا المُعْتَمِرُ قالَ: سَمِعْتُ مَنْصُورًا يُحَدِّثُ، عَنْ سَعْدِ ابْنِ عُبَيْدَةَ، قالَ: حَدَّثَني البَراءُ بْن عازِبٍ قالَ: قالَ لي رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِذا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ، وَقُلِ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهي إِلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْري إِلَيْكَ وَأَلْجَأْتُ ظَهْري إِلَيْكَ رَهْبَةً وَرَغْبَةً إِلَيْكَ، لا مَلْجَأَ وَلا مَنْجَى مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، آمنْتُ بِكِتابِكَ الذي أَنْزَلْتَ وَبِنَبِيِّكَ الذي أَرْسَلْتَ". قالَ: "فَإِنْ مِتَّ مِتَّ عَلَى الفِطْرَةِ واجْعَلْهُنَّ آخِرَ ما تَقُولُ". قالَ البَراءُ: فَقْلْتُ أَسْتَذْكِرُهُنَّ فَقُلْتُ وَبِرَسُولِكَ الذي أَرْسَلْتَ. قالَ: "لا وَبِنَبِيِّكَ الذي أَرْسَلْتَ" (¬2). 5047 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى عَنْ فِطْرِ بْنِ خَلِيفَةَ، قالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ ابْنَ عُبَيْدَةَ قالَ: سَمِعْتُ البَراءَ بْنَ عازِبٍ قالَ: قالَ لي رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِذا أَوَيْتَ إِلَى فِراشِكَ وَأَنْتَ طاهِرٌ فَتَوَسَّدْ يَمِينَكَ". ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ (¬3). 5048 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ الغَزّالُ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ الأَعْمَشِ وَمَنْصُورٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ، عَنِ النَّبي ¬

_ (¬1) رواه النسائي في "الكبرى" (10597)، وأحمد 6/ 287. وقال الألباني: صحيح دون قوله ثلاث مرار. (¬2) رواه البخاري (6311)، ومسلم (2710). (¬3) السابق

-صلى اللَّه عليه وسلم- بهذا قالَ سُفْيانُ: قالَ أَحَدُهُما: "إِذا أَتَيْتَ فِراشَكَ طاهِرًا". وقالَ الآخَرُ: "تَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاةِ". وَساقَ مَعْنَى مُعْتَمِرٍ (¬1). 5049 - حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ ابْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعي، عَنْ حُذَيْفَةَ قالَ: كانَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إِذا نامَ قالَ: "اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَحْيا وَأَمُوتُ". وإِذا اسْتَيْقَظَ قالَ: "الحَمْدُ للَّه الذي أَحْيانا بَعْدَ ما أَماتَنا وإِلَيْهِ النُّشُورُ" (¬2). 5050 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبي سَعِيدٍ المَقْبُري، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِذا أَوى أَحَدُكُمْ إِلَى فِراشِهِ فَلْيَنْفُضْ فِراشَهُ بِداخِلَةِ إِزارِهِ، فَإِنَّهُ لا يَدْري ما خَلَفَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ لْيَضْطَجِعْ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ، ثُمَّ لْيَقُلْ بِاسْمِكَ رَبّي وَضَعْتُ جَنْبي وَبِكَ أَرْفَعُهُ إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسي فارْحَمْها وَإِنْ أَرْسَلْتَها فاحْفَظْها بِما تَحْفَظُ بهِ عِبادَكَ الصّالِحِينَ" (¬3). 5051 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا وُهَيْبٌ، ح وَحَدَّثَنا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، عَنْ خالِدٍ نَحْوَهُ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّهُ كانَ يَقُولُ إِذا أَوى إِلَى فِراشِهِ: "اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَواتِ وَرَبَّ الأَرْضِ وَرَبَّ كُلِّ شَيء، فالِقَ الحَبِّ والنَّوى مُنَزِّلَ التَّوْراةِ والإِنجِيلِ والقُرْآنِ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ ذي شَرٍّ أَنْتَ آخِذٌ بِناصِيَتِهِ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيء، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيء، وَأَنْتَ الظّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيء وَأَنْتَ الباطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيء". زادَ وَهْبٌ في حَدِيثِهِ: "اقْضِ عَنّي الدَّيْنَ وَأَغْنِني مِنَ الفَقْرِ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (247). (¬2) رواه البخاري (6312). (¬3) رواه البخاري (6320)، ومسلم (2714). (¬4) رواه مسلم (2713).

5052 - حَدَّثَنا العَبّاسُ بْن عَبْدِ العَظِيمِ العَنْبَري، حَدَّثَنا الأَحْوَصُ -يَعْني: ابن جَوّابٍ-، حَدَّثَنا عَمّارُ بْن رُزَيْقٍ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنِ الحارِثِ وَأَبي مَيْسَرَةَ، عَنْ عَلي رَحِمَهُ اللَّه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّهُ كانَ يَقُولُ عِنْدَ مَضْجَعِهِ: "اللَّهُمَّ إِنّي أَعُوذُ بِوَجْهِكَ الكَرِيمِ وَكَلِماتِكَ التّامَّةِ مِنْ شَرِّ ما أَنْتَ آخِذٌ بِناصِيَتِهِ اللَّهُمَّ أَنْتَ تَكْشِفُ المَغْرَمَ والمَأْثَمَ اللَّهُمَّ لا يُهْزَمُ جُنْدُكَ وَلا يُخْلَفُ وَعْدُكَ، وَلا يَنْفَعُ ذا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ سُبْحانَكَ وَبِحَمْدِكَ" (¬1). 5053 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْن هارُونَ أَخْبَرَنا حَمّادٌ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كانَ إِذا أَوى إِلَى فِراشِهِ قالَ: "الحَمْدُ للَّه الذي أَطْعَمَنا وَسَقانا وَكَفانا وَآوانا فَكَمْ مِمَّنْ لا كافي لَهُ وَلا مُئْوَيَ" (¬2). 5054 - حَدَّثَنا جَعْفَرُ بْنُ مُسافِرٍ التِّنِّيسي، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ حَسّانَ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ خالِدِ بْنِ مَعْدانَ، عَنْ أَبِي الأَزْهَرِ الأَنْماري أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كانَ إِذا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ قالَ: "بِسْمِ اللَّهِ وَضَعْتُ جَنْبي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ذَنْبي، وَأَخْسِئْ شَيْطاني، وَفُكَّ رِهاني واجْعَلْني في النَّدي الأَعْلَى". قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ أَبُو هَمّامِ الأَهْوازي، عَنْ ثَوْرٍ قالَ أَبُو زُهَيْرٍ: الأَنْمارَيُّ (¬3). 5055 - حَدَّثَنا النُّفَيْلي، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا أَبُو إِسْحاقَ، عَنْ فَرْوَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ لِنَوْفَلٍ: "اقْرَأْ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، ثُمَّ نَمْ عَلَى خاتِمَتِها فَإِنَّها بَراءَةٌ مِنَ الشِّرْكِ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه النسائي في "الكبرى" (7732)، والطبراني في "الأوسط" 7/ 37 (6779). وضعفه الألباني. (¬2) رواه مسلم (2715). (¬3) رواه الطحاوي في "شرح المشكل" 1/ 104 (112)، والطبراني في "الكبير" 22/ 298 (758)، والحاكم 1/ 540. وصححه الألباني. (¬4) رواه الترمذي (3403)، وأحمد 5/ 456، والنسائي في "الكبرى" (10636). وقال الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (605): حسن لغيره.

5056 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَيَزِيدُ بْنُ خالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ الهَمْداني، قالا: حَدَّثَنا المُفَضَّلُ -يَعْنِيانِ: ابن فَضالَةَ-، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كانَ إِذا أَوى إِلَى فِراشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِما وَقَرَأَ فِيهِما {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِما ما اسْتَطاعَ مِنْ جَسَدِهِ يَبْدَأ بِهِما عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَما أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرّاتٍ (¬1). 5057 - حَدَّثَنا مُؤَمَّلُ بْنُ الفَضْلِ الحَّرّاني، حَدَّثَنا بَقِيَّةُ، عَنْ بَحِيرٍ عَنْ خالِدِ بْنِ مَعْدانَ، عَنِ ابن أَبي بِلالٍ، عَنْ عِرْباضِ بْنِ سارِيَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كانَ يَقْرَأُ المُسَبِّحاتِ قَبْلَ أَنْ يَرْقُدَ وقالَ: "إِنَّ فِيهِنَّ آيَةً أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ آيَةٍ" (¬2). 5058 - حَدَّثَنا عَلي بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الصَّمَدِ، قالَ: حَدَّثَني أَبي، حَدَّثَنا حُسَيْنٌ عَنِ ابن بُرَيْدَةَ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كانَ يَقُولُ: إِذا أَخَذَ مَضْجَعَهُ: "الحَمْدُ للَّه الذي كَفاني وَآواني، وَأَطْعَمَني وَسَقاني، والَّذي مَنَّ عَلي فَأَفْضَلَ والَّذي أَعْطاني فَأَجْزَلَ الحَمْدُ للَّه عَلَى كُلِّ حالٍ اللَّهُمَّ رَبَّ كُلِّ شَيء وَمَلِيكَهُ وَإِلَهَ كُلِّ شَيء أَعُوذُ بِكَ مِنَ النّارِ" (¬3). 5059 - حَدَّثَنا حامِدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنا أَبُو عاصِمٍ، عَنِ ابن عَجْلانَ، عَنِ المَقْبُري، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنِ اضْطَجَعَ مَضْجَعًا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ تَعالَى فِيهِ إِلَّا كانَ عَلَيْهِ تِرَةً يَوْمَ القِيامَةِ وَمَنْ قَعَدَ مَقْعَدًا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5017). (¬2) رواه الترمذي (2921)، وأحمد 4/ 128، والنسائي في "الكبرى" (8026). قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وقال الحافظ في "الفتح" 11/ 125: وقد ورد القراءة عند النوم عدة أحاديث صحيحة، ثم ذكر حديث العرباض منها. (¬3) رواه النسائي في "الكبرى" (7694)، وأحمد 2/ 117. وقال الألباني: صحيح الإسناد.

فِيهِ إِلَّا كانَ عَلَيْهِ تِرَةً يَوْمَ القِيامَةِ" (¬1). * * * باب ما يقال عند النوم [5045] (ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا أبان) [بن صمعة] (¬2) البصري، أخرج له مسلم. (ثنا عاصم) بن بهدلة، ابن أبي النجود، المقرئ (عن معبد (¬3) بن خالد) الجدلي القيسي. (عن سواء) الخزاعي، أخو مغيث الخزاعي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4) أخرج له النسائي أيضًا (¬5). (عن حفصة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا أراد أن يرقد وضع) باطن (يده اليمنى تحت خده) الأيمن، كما يفعل بالميت في القبر، ولعل سبب هذِه الكيفية؛ ليتذكر وضعه في القبر وحيدًا. (ثم يقول: اللهم قني عذابك) أي: أجرني من عذابك في نار جهنم وغيرها (يوم تبعث عبادك) من القبور إلى أرض المحشر، ولفظ النسائي: "يوم تجمع عبادك" (ثلاث مرار) أخرجه النسائي عن البراء بن عازب ¬

_ (¬1) سبق برقم (4855)، وهو حديث صحيح. (¬2) كذا في النسخ، وهو خطأ، والصواب: (ابن يزيد العطار) فهو الذي يروي عن عاصم بن بهدلة، ويروي عنه موسى بن إسماعيل، أما ابن صمعة فلا. انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 24 (143)، 2/ 12 (138). (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) "الثقات" 4/ 347 إلا أنه جاء فيه: سواء. (¬5) انظر: "تهذيب الكمال" 12/ 230، وقال الحافظ في "التقريب" (2677): مقبول.

بلفظ: "يوم تجمع عبادك" (¬1) فيه تكرار الدعاء، وفيه أن الصلاة على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قبل الدعاء وبعده ليس بمتعين في كل دعاء، ولفظة: آمين عند الدعاء لا تتعين في كل دعاء. [5046] (ثنا مسدد ثنا المعتمر قال: سمعت منصورًا يحدث عن سعد ابن عبيدة) السلمي الكوفي (ثنا البراء بن عازب رضي اللَّه عنهما قال: قال لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إذا أتيت مضجعك) بفتح الجيم وكسرها، أي: فراشك، وللبخاري: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا أوى إلى فراشه (¬2). (فتوضأ وضوءك للصلاة) كذا في مسلم (¬3)، وفي الحديث بعده: (ثم اضطجع على شقك) بكسر الشين (الأيمن) كما يفعل في القبر كما تقدم (وقل: اللهم) في هذا الحديث ثلاث سنن مهمة مستحبة ليست بواجبة: إحداها: الوضوء عند إرادة النوم، وإن كان متوضئًا كفاه ذلك الوضوء؛ لأن المقصود النوم على طهارة؛ مخافة أن يتوفى في ليلته بالموت؛ كما قال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} (¬4)، فلما كان النوم قد يحصل فيه الموت ندب أن يستعد له بالطهارة، وليكون أصدق لرؤياه، وأبعد من تلعب الشيطان به في منامه وترويعه إياه. الثانية: النوم على الشق الأيمن؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يحب التيامن في ¬

_ (¬1) "السنن الكبرى" للنسائي 6/ 188. (¬2) "صحيح البخاري" (6315). (¬3) "صحيح مسلم" (2710). (¬4) الزمر: 42.

جميع أموره؛ ولأنه أسرع للانتباه، ويكون على الهيئة التي يموت عليها ويوضع في القبر عليها. وقيل: الحكمة في الاضطجاع على اليمين أن يتعلق القلب إلى الجانب الأيمن فلا يثقل النوم. الثالثة: هذا الدعاء: اللهم (أسلمت وجهي إليك) وفي رواية للصحيحين: "أسلمت نفسي إليك" (¬1) قال العلماء: الوجه في النفس هنا الذات، ومعنى أسلمت: سلمت، أي: سلمتها إليك وجعلتها منقادة لك طائعة لحكمك، إذ لا قدرة لي على تدبيرها، ولا على جلب ما ينفعها، ودفع ما يضرها، بل أمرها إليك مسلم، تفعل فيها ما تريد. (وفوضت أمري إليك) أي: توكلت في أمري كله، لتكفيني همه وتتولى إصلاحه (وألجأت ظهري) أي: أسندته (إليك) في جميع أموري كلها (¬2)؛ لتقويه وتعينه، كما يعتمد الإنسان بظهره إلى ما يسنده، وكل من استند إلى شيء تقوى به، واستعان (رهبة ورغبة) وفي الصحيحين: "رغبة ورهبة" بتقديم الرغبة على الرهبة، وهو أولى، والمعنى: طمعًا في رفدك وثوابك وخوفًا منك، ومن أليم عقابك و (رغبة) و (رهبة) منصوبان على المفعول له، أي: لأجل الرغبة فيما عندك والرهبة من عقابك (إليك) دون غيرك. (لا ملجأ) بهمز آخره، أي: لا اعتصام بحصن ولا بمخلوق (ولا منجى) بألف ساكنة دون همز، أي: لا مخلص من الهلاك والشرور ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (6311)، "صحيح مسلم" (2710/ 57). (¬2) في (ل)، (م): كله. ولعل المثبت هو الأنسب.

(إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت) وهو القرآن، وكذا الإيمان بما نزل قبله من الكتب على الرسل واجب (ونبيك (¬1) الذي أرسلت) في هذا جزاء له من حيث صيغة الكلام، وفيه جمع بين النبوة والرسالة، فإذا قال: رسولك الذي أرسلت، فات هذان الأمران مع ما فيه من تكرير لفظ (رسول) و (أرسلت) وأهل البلاغة يعيبونه. (قال: فإن مت مت على الفطرة) أي: على دين الإسلام، كما قال في الحديث الآخر: "من كان آخر كلامه لا إله إلا اللَّه دخل الجنة" (¬2)، (قال: واجعلهن آخر ما تقول) عند النوم. (قال البراء) بن عازب (فقلت: أستذكرهن) يوضحه رواية مسلم: فرددتهن لأستذكرهن (¬3). فيه فائدة عظيمة من يلهم العمل بها، وهو أن من سمع شيئًا من كلام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أو بعض الحكماء أو العلوم النافعة، أن يردده في نفسه؛ ليثبت في حفظه ويرسخ، بخلاف من سمع شيئًا وتركه فكأنه لم يسمعه. (و) آمنت (برسولك الذي أرسلت. قال: لا. ونبيك الذي أرسلت) اختلف العلماء في سبب إنكاره -عليه السلام- ورده اللفظ؛ قيل: إنما رده؛ لأن قوله: آمنت برسولك. يحتمل غير الرسول من حيث اللفظ، واختار المازري وغيره أن [سبب] (¬4) الإنكار أن هذا ذكر ودعاء، فينبغي ¬

_ (¬1) بعدها في (ل)، (م): وبنبيك. وعليها: خ. (¬2) تقدم برقم (3116) من حديث معاذ بن جبل. (¬3) "صحيح مسلم" (2710). (¬4) ليست في (ل)، (م) والمثبت من "شرح مسلم" للنووي.

الاقتصار على اللفظ الوارد بحروفه، وقد يتعلق الجزاء بتلك الحروف، ولعله أوصى إليه -صلى اللَّه عليه وسلم- بهذِه الكلمات، فيتعين أداؤها بحروفها (¬1). قال النووي: وهذا القول حسن. وقيل: لأن قوله: (ونبيك الذي أرسلت) فيه جزالة من حيث صنعة الكلام (¬2) كما تقدم. [5047] (ثنا مسدد، ثنا يحيى) القطان (عن فطر) بكسر الفاء وسكون الطاء المهملة بعدها راء، المخزومي مولاهم الحناط، أخرج له البخاري. (قال: سمعت سعد (¬3) بن عبيدة) بالتصغير، السلمي الكوفي (قال: سمعت البراء بن عازب رضي اللَّه عنهما قال: قال لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إذا أويت إلى فراشك) كذا رواية البخاري المتقدمة (¬4) (وأنت طاهر (¬5) فتوسد يمينك) أي: اجعل يمينك تحت رأسك كالوسادة التي تنام عليها (ثم ذكر نحوه) أي: نحو الحديث المتقدم. [5048] (ثنا محمد بن عبد الملك) بن زنجويه البغدادي (الغزال) بالغين والزاي المعجمتين، وهو ثقة (ثنا محمد بن يوسف) بن واقد الفريابي (ثنا سفيان) بن عيينة (عن الأعمش ومنصور، عن سعد بن عبيدة، عن البراء بن عازب رضي اللَّه عنهما، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بهذا) و (قال سفيان: قال أحدهما: إذا أويت فراشك طاهرًا. وقال الآخر: توضأ ¬

_ (¬1) "المعلم بفوائد مسلم" 2/ 408. (¬2) "شرح مسلم" 17/ 33. (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) "صحيح البخاري" (7488). (¬5) بعدها في (ل): طاهرًا، وعليها: خـ.

وضوءك للصلاة، وساق معنى) حديث (معتمر) عن منصور المتقدم. [5049] (ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع، عن سفيان، عن عبد الملك بن عمير) (¬1) الكوفي رأي عليًّا (عن ربعي) بن حراش (عن حذيفة) ابن اليمان -رضي اللَّه عنه- (قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا نام) أي: أراد النوم (قال: اللهم باسمك) أي: بك. فالاسم هنا هو المسمى (أحيا) بفتح الهمزة (وأموت) أي: أنت تحييني وأنت تميتني. ويحتمل أن يُراد: بذكر اسمك أحيا ما حييت، وعلىه أموت. (وإذا استيقظ قال: الحمد للَّه) فيه استحباب حمد اللَّه عند الاستيقاظ من النوم (الذي أحيانا بعد ما أماتنا) فيه: تسمية الموت تجوزًا (وإليه النشور) أي: يرجع إليه الخلائق إذا بعثوا (¬2) من قبورهم، ويجتمعون في أرض المحشر كما يرجعون إليه إذا استيقظوا من نومهم، ويجتمعون بين يدي اللَّه في الصلاة. [5050] (ثنا أحمد) بن عبد اللَّه (بن يونس) اليربوعي (ثنا زهير، ثنا عبيد اللَّه) بالتصغير (بن عمر) بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب (عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه) أبي سعيد المقبري. (عن أبي هريرة: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إذا أوى) أي: انضم (أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره) زاد مسلم: "وليسمِّ اللَّه تعالى" (¬3). داخلة الإزار: هي ما يلي الجسد من طرفي الإزار، ولعلها ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) في (ل)، (م): عاشوا. ولعل المثبت هو الصواب. (¬3) "صحيح مسلم" (2714).

اليسرى، لعله مكروه (¬1)، والمعنى: أنه يستحب من جاء إلى فراشه أن ينفضه بداخلة إزاره قبل أن يدخل فيه؛ لاحتمال أن يكون قد دخل فيه في غيبته حية أو عقرب أو غيرهما من المؤذيات، ولينفض ويده مستورة بطرف إزاره؛ لئلا يحصل في يده مكروه إن كان هناك شيء. قال القرطبي: هذا النفض بداخلة الإزار لم يظهر لنا (¬2). قلت: وما أدري ما وجه الاختصاص إذا فهم المعنى؟ ! بل يدخل فيه ما في معناه، وهو كل خرقة يلفها على يده؛ لحفظها من المؤذيات إن كانت. (فإنه لا يدري ما خلفه) بتخفيف اللام المفتوحة (عليه) أي: لا يعلم ما نزل عليه بعده، فلعل هامة دبت فصارت فيه بعده، وخلاف الشيء (¬3): بعده، ومنه حديث الدجال: "قد خلفهم في ديارهم" (¬4). (ثم ليضطجع (¬5) على شقه الأيمن) كما تقدم (ثم ليقل: باسمك ربي وضعت جنبي) كذا للبخاري: "باسمك ربِّ" (¬6) بدون ياء الإضافة. ولفظ مسلم: "وليقل: سبحانك ربي" (¬7). (وبك أرفعه) قال القرطبي: روي بالباء واللام، فالباء للاستعانة ¬

_ (¬1) كذا العبارة في (ل، م). (¬2) "المفهم" 7/ 44. (¬3) في (ل، م): التي. والمثبت كما في "النهاية في غريب الحديث" 2/ 66. (¬4) رواه مسلم (2899) من حديث عبد اللَّه بن مسعود، وفيه: ذراريهم. بدل: ديارهم. (¬5) بعدها في (ل): اضطجع، وعليها: خـ. (¬6) "صحيح البخاري" (6320). (¬7) "صحيح مسلم" (2714).

نحو: كتبت بالقلم. والتقدير: بك أستعين على وضع جنبي ورفعه (¬1). وعلى تقدير اللام: لك وضعت جنبي لتحفظه، ولك رفعته. أي: لعبادتك، ولترحمه (إن أمسكت نفسي) أي: إن أمسكت روحي عن الرجوع إلى جسدي بأن قبضت عليها بالموت (فارحمها) برحمتك التي وسعت كل شيء ([وإن أرسلتها فاحفظها] (¬2) بما تحفظ به عبادك الصالحين) (¬3) أي: بما تحفظ به الصالحين وتتولى رعايتهم وكلاءتهم ونصرتهم. [5051] (ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا وهيب، ح، وثنا وهب بن بقية) الواسطي، شيخ مسلم (عن خالد نحوه، عن سهيل) بن أبي صالح (عن أبيه) أبي صالح السمان. (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه كان يقول: إذا آوى) بمد الهمزة (إلى فراشه: اللهم رب) منصوب على النداء (السموات) السبع (ورب الأرض) وهي سبع أيضًا كما تقدم (ورب كل شيء) لفظ مسلم: "ورب العرش العظيم" (¬4) (فالق الحب والنوى) أي: شاق الحبة، فيخرج منها السنبلة والنواة، فيخرج منها النواة، ومن يمين علي -رضي اللَّه عنه- والذي فلق الحبة وبرأ النسمة (¬5). أي: شقها (منزل التوراة) وهي اسم ¬

_ (¬1) "المفهم" 7/ 44. (¬2) ما بين القوسين من المبطوع. (¬3) بعدها في (ل): الصالحين من عبادك، وعليها: خـ. (¬4) "صحيح مسلم" (2713). (¬5) رواه النسائي في "الكبرى" 5/ 47 (8153).

لكتاب موسى -عليه السلام- (والإنجيل) اسم لكتاب عيسى -عليه السلام- (والقرآن) لفظ مسلم: "والفرقان" وهو إياه، اسم لكتاب محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- الذي فرق بين الحق والباطل (أعوذ بك من شر كل ذي شر) (¬1) لفظ مسلم: "أعوذ بك من شر كل شيء" (أنت آخذ بناصيته) أي: من شر كل شيء من المخلوقات؛ لأنها كلها في سلطانه، وهو آخذ بنواصيها (أنت الأول) القديم (فليس قبلك شيء) من الموجودات ولا غيرها (وأنت الآخر) الباقي (فليس بعدك شيء) أبدًا (وأنت الظاهر) الغالب، فإن اسمه الظاهر من الظهور يعني القهر والغلبة وكمال القدرة، ومنه: ظهر فلان على فلان، ومنه قوله تعالى: {فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} (¬2). (فليس فوقك شيء) يقهرك ولا يغلبك (وأنت الباطن) الخفي اللطيف الرفيق بالخلق، العالم بالخفيات (فليس دونك شيء) أي: لا شيء ألطف منك ولا أرفق. (زاد وهب) بن بقية في حديثه (اقض عني الدين) دين الدنيا ودين الآخرة، فيدخل فيه دين الصلوات وغيرها (وأغنني) بقطع الهمزة (من الفقر) أي: أعطني ما يكفيني لأسلم من الفقر، يقال: أغن عني شرك. أي: اصرفه وكفه، ومنه قوله تعالى: {لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} (¬3). [5052] (ثنا عباس) بالموحدة (ابن عبد العظيم) العنبري من حفاظ البصرة، أخرج له مسلم (ثنا الأحوص بن جواب) بفتح الجيم وتشديد ¬

_ (¬1) بعدها في (ل): كل شيء. وعليها: خـ. (¬2) الصف: 14. (¬3) الجاثية: 19.

الواو، الضبي الكوفي، أخرج له مسلم (ثنا عمار بن رزيق) بتقديم الراء على الزاي، الضبي أبو الأحوص، أخرج له مسلم. (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد اللَّه السبيعي (عن الحارث) بن عبد اللَّه الهمداني الكوفي الأعور، عن ابن معين: ليس به بأس (¬1). وقال أبو حاتم والنسائي: ليس بالقوي (¬2). وليس له عند النسائي سوى حديثين (وأبي ميسرة) عمرو بن شرحبيل الكوفي. (عن علي -رضي اللَّه عنه-، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنه كان يقول عند مضجعه) بفتح الجيم. يعني: إذا أراد أن ينام (اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم) (¬3) أي: أعوذ بك يا كريم، فيعبر بالوجه عن الذات (وكلماتك التامة) قيل: هي القرآن، ووصف بالتمام؛ لأنه لا يجوز أن يكون في شيء من كلامه نقص أو عيب كما يكون في كلام الناس. وقيل: معنى التمام هنا أنها تنفع المتعوذ بها، وتحفظه من الآفات وتكفيه، ومنه دعاء الأذان: "اللهم رب هذِه الدعوة التامة" (¬4). وصفها بالتمام لأنها ذكر اللَّه، ويُدعى بها إلى عبادته، وذلك الذي يستحق صفة الكمال والتمام. (من شر) كل (ما أنت آخذ بناصيته) أي: أعوذ بك من شر كل ما هو في قبضتك وتناله قدرتك كيف شئت. والعرب إذا وصفت إنسانًا بالذلة ¬

_ (¬1) "تاريخ ابن معين" برواية الدوري 3/ 360. (¬2) "الجرح والتعديل" 3/ 78، وانظر قول النسائي في "تهذيب الكمال" 5/ 244. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) تقدم برقم (529) من حديث جابر بن عبد اللَّه.

قالوا: ما ناصيته إلا بيد فلان. أي: أنه مُطيع له يصرفه في كل ما شاء؛ لأن من أخذت بناصيته -وهو شعر مقدم الرأس- فقد قهرته. (اللهم أنت (¬1) تكشف المغرم) مصدر وضع موضع الاسم، ويريد به مغرم الديون والمعاصي، وقيل: المغرم والغرم هو الدين، ويريد: ما استدين فيما يكرهه اللَّه أو فيما يجوز، ثم عجز عن أدائه، فأما دين احتاج إليه وهو قادر على وفائه، فلا يسأل الكشف عنه (والمأثم) وهو الأمر الذي يأثم به الإنسان، أو هو الإثم نفسه؛ وضعًا للمصدر موضع الاسم (اللهم لا يهزم) بضم أوله، أي: لا ينكسر ولا يغلب (جندك) ألا إن جند اللَّه هم الغالبون (ولا يخلف وعدك) (¬2) فإِنَّك لا تخلفُ الميعادَ (ولا ينفع ذا الجد) بفتح الجيم على المشهور. أي: لا ينفع ذا المال والحظ والغنى (منك الجد) عندك غناه ولا ماله (سبحانك) اللهم (وبحمدك) سبحتك أنت الذي ألهمتني وأعنتني. [5053] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا يزيد بن هارون) أبو خالد السلمي (ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت) البناني (عن أنس -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا أوى إلى فراشه قال: الحمد للَّه الذي أطعمنا) فأشبعنا (وسقانا) فأروانا (وآوانا) أي: ضمنا إلى بيوتنا وفرشنا التي رزقنا إياها. (فكم ممن لا كافٍ) (¬3) بالتنوين اسم (لا)؛ لأن المقام هنا ليس هو ¬

_ (¬1) في (م): إنك. وبعدها في (ل): إنك. وعليها: خـ. (¬2) بعدها في (ل): ولا تخلف وعدك. وعليها: خـ. (¬3) قبلها في (ل): كافي. وعليها: خـ.

مقام عموم، فإن من الناس من ليست له كفاية في الرزق، ومنهم من له كفاية، ولو كانت (لا) التي لنفي الجنس لاقتضت العموم وانتصب، وكان لا كافي (له ولا مُؤْوٍ) بكسر الواو الثانية مع التنوين، كما في كافٍ، أي: لا راحم له ولا عاطف عليه. [5054] (ثنا جعفر بن مسافر التنيسي) بكسر المثناة فوق والنون المشددة، صدوق (ثنا يحيى بن حسان) التنيسي، أخرج له الشيخان. (ثنا يحيى بن حمزة) بفتح الحاء والزاي، ابن واقد البتلهي الحضرمي، قاضي دمشق (عن ثور) بن يزيد الحمصي، أخرج له البخاري (عن خالد بن معدان) الكلاعي (عن أبي الأزهر) ويقال: أبو زهير (الأنماري) بسكون النون، ويقال: النميري، كان يسكن الشام. قال البغوي: لا أدري أله صحبة أم لا؟ والصحيح أنه صحابي (¬1). (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا أخذ مضجعه) بفتح الجيم (من) جوف (الليل قال: بسم اللَّه) أي: متبركًا باسم اللَّه، أو مستعينًا باسم اللَّه (لك وضعت جنبي) وبك أرفعه كما تقدم (اللهم اغفر لي ذنبي) أي: ذنوبي كلها (وأخسئ) بهمزة آخره (شيطاني) هذا هو المعروف، والموجود في النسخ المعتمدة: وأخس. آخره سين فقط، أي: اطرده وأبعده عني؛ ومنه قوله تعالى: {قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108)} (¬2)، ويكون الخاسئ بمعنى الصاغر العمي. (وفك رهاني) بكسر الراء جمع رهن كسهم وسهام، أي؛ فك رقبتي ¬

_ (¬1) انظر: "الإصابة" 4/ 6 (24). (¬2) المؤمنون: 108.

من العذاب بما أكتسبه من الذنوب بالعمل الصالح الذي توفقني له. (واجعلني في النديِّ) بفتح النون وتشديد الياء آخره، المراد به (الأعلى) كما في رواية الحاكم، وزاد فيه: "وثقل ميزاني، واجعلني في الملأ الأعلى" (¬1). قال في "النهاية": الندي بالتشديد: النادي. أي: اجعلني مع الأعلى من الملائكة. قال: وفي رواية: "واجعلني في النداء الأعلى" (¬2) أراد نداء أهل الجنة أهل النار: {أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا} (¬3)، ومنه حديث سرية بني سليم: ما كانوا ليقتلوا عامرًا وبني سليم وهم الندي، أي: القوم المجتمعون كثيرًا (¬4). (قال) المصنف (رواه أبو همام) محمد بن الزبرقان (الأهوازي) احتج به الشيخان (عن ثور) بن يزيد كما تقدم، و (قال أبو زهير الأنماري) قال ابن عبد البر: يقال: اسمه فلان ابن شرحبيل (¬5). روى عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حديثين أحدهما هذا. [5055] (ثنا) عبد اللَّه بن مسلمة (¬6) (النفيلي، ثنا زهير، ثنا أبو إسحاق (¬7)، عن فروة بن نوفل) الأشجعي، مختلف في صحبته، ¬

_ (¬1) "المستدرك" 1/ 549. (¬2) رواها أبو نعيم في "الحلية" 6/ 98. (¬3) الأعراف: 44. (¬4) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 5/ 37، وحديث السرية رواه الخطابي في "غريب الحديث" 1/ 136. (¬5) "الاستيعاب" 4/ 226. (¬6) كذا في (ل)، (م)، وهو خطأ، والصواب: (محمد). (¬7) بعدها في (ل)، (م) بياض بمقدار كلمة.

والصواب أن الصحبة لأبيه (¬1) (عن أبيه) نوفل بن فروة الأشجعي، سكن الكوفة، له هذا الحديث فقط (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لنوفل) بن فروة (اقرأ) سورة ({قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} (¬2)، ثم نم على خاتمتها) ولفظ الترمذي: عن فروة بن نوفل أنه أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: يا رسول اللَّه، علمني شيئًا أقوله إذا أويت إلى فراشي. فقال: "اقرأ: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} فإنها أمان" (¬3). (فإنها براءة من الشرك) لأنها متضمنة البراءة من الشرك باللَّه تعالى، وهو عبادة آلهتهم وهي الأصنام، فقوله: {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2)} (¬4) نفي الشرك في الحال، وقوله: {وَلَا أَنَا عَابِد} (¬5) نفي له في الاستقبال، فمن قرأها بلسانه وصوفها بقلبه فقد برئ من الشرك في الحال والاستقبال. [5056] (ثنا قتيبة بن سعيد ويزيد بن خالد) بن عبد اللَّه (بن موهب) بفتح الميم والهاء (الهمداني) الرملي الثقة الزاهد. (ثنا المفضل يعنيان: ابن فضالة) بفتح الفاء الرعيني، قاضي مصر. (عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة) بن الزبير (عن عائشة أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا أوى إلى فراشه) فيه: استحباب اتخاذ فراش يقيه عن برودة الأرض، لكن لإسراف فيه ليس من السنة، فقد روى أبو الشيخ من حديث عائشة: دخلت عليَّ امرأة من الأنصار، فرأت فراش رسول اللَّه ¬

_ (¬1) انظر: "تقريب التهذيب" (5391). (¬2) الكافرون: 1. (¬3) "سنن الترمذي" (3403) وفيه: براءة. بدل: أمان. (¬4) الكافرون: 2. (¬5) الكافرون: 4.

-صلى اللَّه عليه وسلم- عباءة مثنية (¬1). وروى الترمذي وصححه ابن ماجه عن ابن مسعود: نام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على حصير، فقام وقد أثر [في جنبه] (¬2) (¬3). وحاصله أن غالب أحوال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه كان يفرش له فراش (كل ليلة) وربما جاء ولم يجدهم فرشوه، فيرقد على الحصير. (جمع كفيه) أي: ضم إحداهما (¬4) إلى الأخرى (ثم نفث فيهما) قال أبو عبيد: يشترط في التفل شيء يسير، ولا يكون في النفث ريق. وسئلت عائشة عن نفث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: كما ينفث آكل الزبيب لا ريق معه (¬5). (وقرأ فيهما) وليس في البخاري: (فيهما) (¬6) بل في الترمذي (¬7). ولعل فيه [تقديمًا وتأخيرًا] (¬8) إذا قلنا برواية: (فيهما) فإن القارئ إذا قرأ: ثم نفث. تحصلت بركة القراءة في النفث، أو تكون القراءة في ¬

_ (¬1) "أخلاق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" 2/ 500 (475). قال العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" 2/ 1118 (4061): فيه مجالد بن سعيد مختلف فيه. (¬2) زيادة مثبتة من "سنن الترمذي" ليتم بها السياق. (¬3) "سنن الترمذي" (2377)، "سنن ابن ماجه" (4109). (¬4) في (ل)، (م): أحدهما. ولعل المثبت هو الصواب. (¬5) رواه الحميدي في "مسنده" 1/ 274 (235)، والفسوي في "المعرفة والتاريخ" 2/ 726. (¬6) "صحيح البخاري" (6319)، لكن رواه البخاري أيضًا (5017) بنفس لفظ أبي داود. (¬7) "سنن الترمذي" (3402). (¬8) في الأصول: تقديم وتأخير.

الكفين مجازًا. ({قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} (¬1)، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)} (¬2)، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)}) (¬3) وفائدة النفث التبرك بتلك الرطوبة أو الهوى والنفس كما يتبرك بغسالة ما يُكتب من الذكر والأسماء الحسنى. وفيه: فضيلة قراءة السور كما في الفاتحة من التوحيد الذي هو ثناء على اللَّه تعالى، وأن الثناء يقدم على الدعاء والاستعاذة، ولأن المعوذات جامعات للاستعاذة من كل المكروهات جملة وتفصيلًا، ففيها الاستعاذة من شر ما خلق، فيدخل فيه كل شيء له شر، ومن شر النفاثات في العقد، وهنَّ السواحر، ومن شر الحاسدين، ومن شر الوسواس الخناس من الإنس والجن. وفيه: رد على من زعم أن النفث والتعوذ والرقى لا تجوز إلا عند حلول المرض ونزول ما يُتعوَّذ باللَّه منه، ألا ترى أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نفث وقرأ المعوذات ومسح على جسده؛ استعاذة من شر ما يحدث عليه في ليلته مما يتوقعه. (ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده) أي: ما يمكن أن تصل إليه يديه من جميع جسده؛ ليكون هذا كالدافع عنه شر الحوادث في الليل من الهوام وغيرها. (يبدأ بهما على رأسه) لأنه أفضل الأعضاء وأشرفها وأعلاها (و) ¬

_ (¬1) الإخلاص: 1. (¬2) الفلق: 1. (¬3) الناس: 1.

على (وجهه) لأنه أشرف ما في الرأس، ويمسح بهما (ما أقبل من جسده) فإنه مقدم على ما تأخر، كما أن الميامن أفضل من المياسر (يفعل ذلك ثلاث مرات) كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا فعل فعلا، أو قال قولا أعاده ثلاث مرات. [5057] (ثنا مؤمل بن الفضل الحراني) بفتح الحاء والراء المهملتين [السدوسي شيخ البخاري] (¬1). (ثنا بقية) بن الوليد (عن بحير) بفتح الموحدة وكسر الحاء المهملة، وهو ابن سعد، وهو السحولي، وهو حجة. (عن خالد بن معدان، عن) عبد اللَّه (ابن أبي بلال) الخزاعي، وثق (عن عرباض بن سارية) السلمي -رضي اللَّه عنه- (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يقرأ المسبحات) بفتح الباء (¬2) الموحدة (قبل أن يرقد) لفظ الترمذي: كان لا ينام حتى يقرأ المسبحات (¬3). (وقال: إن فيهن آية) هي (أفضل من ألف آية) ولعل هذِه الآية هي آخر الحشر؛ لما جمعت من صفات اللَّه الحسنى. وقال النسائي بعد روايته: قال معاوية، يعني: ابن صالح: إن بعض أهل العلم كانوا يجعلون المسبحات ستًّا: سورة الحديد، والحشر، والحواريين، وسورة ¬

_ (¬1) كذا هذِه العبارة في النسخ، وهو خطأ؛ فمؤمل بن الفضل الحراني هذا ليس سدوسيًّا ولا رواية للبخاري عنه، وإنما خلط المصنف بينه وبين: محمد بن الفضل، هذا هو السدوسي شيخ البخاري، المعروف بعارم. انظر: "تهذيب الكمال" 29/ 184 (6322)، 26/ 287 (5547). (¬2) من (م). (¬3) "سنن الترمذي" (3406).

الجمعة، والتغابن، و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} (¬1). ومن جعلها سبعًا زاد فيهن: سبحان الإسراء. [5058] (ثنا علي بن مسلم) الطوسي شيخ البخاري (ثنا عبد الصمد) [ابن حبيب الأزدي، قال ابن معين: لا بأس به] (¬2). (حدثني أبي) [حبيب بن عبد اللَّه الأزدي، سكت عليه المصنف والمنذري والنسائي] (¬3). (حدثني حسين) (¬4) [بن واقد المروزي، قاضي مرو] (¬5) ([عن] (¬6) ابن بريدة) بن الحصيب، قاضي مرو وعالمها (عن) عبد اللَّه (بن عمر رضي اللَّه عنهما [أنه حدثه أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-] (¬7) كان يقول: إذا أخذ مضجعه) بفتح الجيم (¬8). ¬

_ (¬1) "سنن النسائي الكبرى" 6/ 179 (10551). (¬2) كذا هذِه العبارة في النسخ، وهو خطأ، والصواب أن يحل محلها: (بن عبد الوارث ابن سعيد العنبري)، فعلي بن مسلم يوري فقط عن عبد الصمد بن عبد الوارث، وقد ترتب على هذا الخطأ خطآن لاحقان. انظر: "تهذيب الكمال" 21/ 132 (4136)، 18/ 94 (3428)، 18/ 99 (3431). (¬3) كذا في النسخ، وهو خطأ ترتب على سابقه، والصواب: (عبد الوارث بن سعيد العنبري التنوري). انظر: "تهذيب الكمال" 18/ 478 (3595). (¬4) فوقها في (ل): (ع). (¬5) كذا في النسخ، وهو خطأ، والصواب: (بن ذكوان المعلم)، فعبد الوارث بن سعيد يروي عن حسين المعلم. وانظر: "تحفة الأشراف" 5/ 443. (¬6) و (¬7) من المطبوع. (¬8) بعدها في (ل): بكسر الجيم، وفوقها (خـ)، وبعدها في (م): وكسرها.

(الحمد للَّه الذي كفاني) من الشر وغيره، وأمنني منه ومن همه (وآواني) ممدود الهمزة. أي: ضمني إلى بيت يكنني، وفراش أتدثر به وأدفأ (وأطعمني) فأشبعني (وسقاني) فأرواني (و) الحمد للَّه (منَّ) أي: تفضل (عليَّ) من النعم الكئيرة التي لا تحصى (فأفضل) من الزيادة على الكفاية. (و) الحمد للَّه (الذي أعطاني فأجزل) أي: أوسع العطاء، وهو مستفاد من جزل الحطب -بضم الزاي- إذا عظم وغلظ. (الحمد للَّه على كل حال اللهم رب) بالنصب (كل شيء ومليكه) المليك لغة في الملك (وإله كل شيء) ونظير اجتماع هذِه الأوصاف الثلاثة: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3)}، فذكر أولًا حالة التربية للصغير، ثم حالة الملك والحكم، ثم حالة العبودية. (أعوذ بك من النار) وروى البيهقي: "من قال إذا أوى إلى فراشه: الحمد للَّه الذي كفاني وآواني، والحمد للَّه الذي أطعمني وسقاني، والحمد للَّه الذي منَّ عليَّ فأفضل. فقد حمد اللَّه بجميع محامد الخلق كلهم" (¬1). [5059] (ثنا حامد (¬2) بن يحيى) البلخي، نزيل طرسوس، قال أبو حاتم: صدوق (¬3). وقال ابن حبان: من أعلم أهل زمانه بحديث سفيان ¬

_ (¬1) "شعب الإيمان" 4/ 93 (2382) من حديث أنس. (¬2) فوقها في (ل): (د). (¬3) "الجرح والتعديل" 3/ 301.

ابن عيينة، أفنى عمره في مجالسته (¬1). (ثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد (عن) محمد (ابن عجلان، عن) سعيد (المقبري، عن أبي هريرة: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من اضطجع مضجعًا) (¬2) بفتح الميم والجيم (لم يذكر اللَّه) سبحانه (فيه) بتسبيح أو تحميد أو تهليل أو قراءة أو صلاة على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (إلا كان عليه) من اللَّه (ترة) بكسر التاء وتخفيف الراء، أي: نقص، كما تقدم في كتاب الصلاة على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. وقيل: المراد بها هنا التبعة، يطالب بها، كما يبايع (¬3) الرجل صاحبه بما له عليه من التبعة، يطالب [بها] (¬4) (يوم القيامة، ومن قعد مقعدًا) بفتح الميم والقاف، أي: جلس مجلسًا (لم يذكر اللَّه) سبحانه (فيه كان عليه ترة) يطالب بها (يوم القيامة) ويحتمل أن يراد بالترة نقص من أعماله يوم القيامة. * * * ¬

_ (¬1) "الثقات" 8/ 218 (13086)، وانظر: "تقريب التهذيب" (1068) حيث قال الحافظ: ثقة حافظ. (¬2) بعدها في (ل): مضطجعا، وفوقها (خـ). (¬3) كذا في (ل، م)، ولعل الصواب: يعاتب. انظر: "مرقاة المفاتيح" 4/ 1554. (¬4) ليست في الأصول، وأثبتت ليستقيم السياق.

108 - باب ما يقول الرجل إذا تعار من الليل

108 - باب ما يَقُولُ الرَّجُلُ إِذا تَعارَّ مِنَ اللَّيْلِ 5060 - حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْراهِيمَ الدِّمَشْقي، حَدَّثَنا الوَلِيدُ قالَ: قالَ الأَوْزاعي: حَدَّثَني عُمَيْرُ بْنُ هانِئٍ، قالَ: حَدَّثَني جُنادَةُ بْنُ أَبي أُمَيَّةَ، عَنْ عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ تَعارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَقالَ حِينَ يَسْتَيْقِظُ: لا إله إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيء قَدِيرٌ، سُبْحانَ اللَّهِ والحَمْدُ للَّه، وَلا إله إِلَّا اللَّهُ واللَّه أَكْبَرُ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا باللَّهِ، ثُمَّ دَعا رَبِّ اغْفِرْ لَي". قالَ الوَلِيدُ: أَوْ قالَ: "دَعا اسْتُجِيبَ لَهُ فَإِنْ قامَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى قُبِلَتْ صَلاتُهُ" (¬1). 5061 - حَدَّثَنا حامِدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنا سَعِيدٌ -يَعْني: ابن أَبي أَيُّوبَ-، قالَ: حَدَّثَني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الوَلِيدِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كانَ إِذا اسْتَيْقَظَ مِنَ اللَّيْلِ قالَ: "لا إله إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ أَسْتَغْفِرُكَ لِذَنْبي وَأَسْأَلُكَ رَحْمَتَكَ، اللَّهُمَّ زِدْني عِلْمًا وَلا تُزِغْ قَلْبي بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَني وَهَبْ لي مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهّابُ" (¬2). * * * باب ما يقول الرجل إذا تعار من الليل [5060] (ثنا عبد الرحمن بن إبراهيم) أبو سعيد (الدمشقي) بفتح الميم، الحافظ، شيخ البخاري (ثنا الوليد) [بن يزيد العدوي، ثقة] (¬3) ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1154). (¬2) رواه النسائي في "الكبرى" (10701)، وابن حبان (5531). وضعفه الألباني. (¬3) كذا في النسخ، وهو خطأ، والصواب: (بن مسلم)، كذا سماه المزي في "تحفة الأشراف" 4/ 243. وكذا جاء مسمى في رواية البخاري (1154)، والترمذي (3414)، وابن ماجه (3878).

(قال: قال الأوزاعي: حدثني عمير (¬1) بن هانئ) العنسي الداراني. (حدثني جنادة بن أبي أمية) الأزدي الشامي، قال ابن يونس: كان من الصحابة شهد فتح مصر، وولي البحرين لمعاوية (¬2). وعده ابن سعد في كبار التابعين (¬3)، وقال في "تجريد الصحابة": كان من صغار الصحابة، ولا خلاف في صحبة أبيه (¬4). ([عن] (¬5) عبادة بن الصامت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من تعار) بفتح العين المهملة المخففة وتشديد الراء، أي: استيقظ كما تقدم قريبًا. (من الليل فقال حين يستيقظ) من جوف الليل (لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، سبحان اللَّه، والحمد للَّه) وزاد الترمذي: "ولا إله إلا اللَّه" (¬6) (واللَّه أكبر، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه، ثم دعا: رب اغفر لي) أو غيره من خير الدنيا والآخرة. (قال الوليد) بن مسلم ([أو] (¬7) قال: دعاء) شك من الراوي، بضم الدعاء ممدود منون (استجيب له) دعاؤه (فإن قام) من فراشه من قال هذا الذكر (فتوضأ) وضوءه للصلاة (ثم صلى) ولو ركعتين قائمًا أو قاعدًا (قُبلت صلاته). ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) "تاريخ ابن يونس المصري" 1/ 94. (¬3) "الطبقات الكبرى" 7/ 439. (¬4) في "تجريد الصحابة" 1/ 89 (839): له صحبة، نزل مصر، اسم أبيه كثير. (¬5) من المطبوع. (¬6) "سنن الترمذي" (3414). (¬7) المثبت من "سنن أبي داود".

ترجم البخاري عليه: باب فضل من تعار من الليل فصلى (¬1). قال ابن بطال: هو حديث شريف القدر، وفيه ما وعد اللَّه عباده على التيقظ من نومهم، لهجة ألسنتهم بشهادة اللَّه بالوحدانية والربوبية والإذعان له بالملك والاعتراف له بالحمد على جميع نعمه التي لا تُحصى، رطبة أفواههم بالإقرار له بالقدرة التي لا تتناهى، مطمئنة قلوبهم بحمده وتسبيحه وتنزيهه عما لا يليق بالإلهية (¬2) من صفات النقص، والتسليم له بالعجز عن القدرة عن نيل شيء إلا بقدرته، فوعد بإجابة من دعاه وقبول صلاته، وهو تعالى لا يخلف الميعاد، فينبغي لكل مؤمن بلغه هذا الحديث أن يغتنم العمل به، ويخلص نيته أن يرزقه اللَّه حظًّا من قيام الليل، فمن رزقه اللَّه حظًّا من قيام الليل فليكثر شكره ويسأله أن يديم له ما رزقه (¬3). [5061] (ثنا حامد بن يحيى) البلخي، صدوق (¬4) كما تقدم. (ثنا أبو عبد الرحمن) عبد اللَّه بن يزيد مولى عمر بن الخطاب المقرئ بمكة (ثنا سعيد بن أبي أيوب) المصري (حدثني عبد اللَّه بن الوليد) بن قيس التجيبي، لين الحديث (¬5). (عن سعيد بن المسيب، عن عائشة أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا استيقظ ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" قبل حديث (1154). (¬2) في (ل)، (م): بإلهه. والمثبت من "شرح ابن بطال". (¬3) "شرح ابن بطال" 3/ 148. (¬4) هذا قول أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 3/ 301 بينما قال الحافظ في "تقريب التهذيب" (1068): ثقة حافظ. (¬5) انظر: "تقريب التهذيب" (3691).

من) جوف (الليل قال: لا إله إلا اللَّه، سبحانك اللهم) وبحمدك (أستغفرك لذنبي) أي: لذنوبي كلها (وأسألك رحمتك) التي وسعت كل شيء (اللهم زدني علمًا) امتثالًا لقوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (¬1) إلى ما علمتني، فإن لك في كل شيء حكمة وعلمًا، وقيل: علمني أدبًا جميلًا لم يكن عندي. قيل: ما أمر اللَّه رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- بطلب الزيادة في شيء إلا في العلم، وهذا يدل على عظم منزلته وشرف محله. (ولا تزغ قلبي) أي: ثبته على هدايتك، وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" (¬2) وقيل: (لا تزغ قلبي) أي: لا ¬

_ (¬1) طه: 114. (¬2) رواه أحمد 3/ 112، والترمذي (2140)، والبخاري في "الأدب المفرد" (683)، وابن أبي عاصم في "السنة" (225)، والطبراني في "الدعاء" 1/ 377 (1261)، وابن منده في "التوحيد" (118، 272)، والحاكم 1/ 525 من حديث أنس. قال الترمذي: وفي الباب عن النواس بن سمعان، وأم سلمة، وعبد اللَّه بن عمرو، وعائشة، وروى بعضه الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وحديث أبي سفيان عن أنس أصح. ورواه أحمد 6/ 294، والترمذي (3522)، وابن أبي عاصم في "السنة" (232)، والطبراني في "الدعاء" 1/ 377 (1257، 1258) من حديث أم سلمة. وقال الترمذي: حديث حسن. ورواه أحمد 6/ 91، والنسائي في "الكبرى" 4/ 414 (7737)، والطبراني في "الدعاء" 1/ 377 (1259) من حديث عائشة. ورواه الترمذي (3587)، والطبراني في "الدعاء" 1/ 378 (1262) من حديث عاصم بن كليب، عن أبيه، عن جده. قال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجه. وقال الألباني: منكر بهذا السياق. =

تمله عن الهداية والقصد (بعد إذ هديتني) بهدايتك، وقيل: معناه لا تمنعني لطفك بعد إذ لطفت بي. (وهب لي من لدنك رحمة) سؤال تلطف الهبة المشعرة بالتفضل والإحسان من غير سبب ولا عمل ولا معاوضة (إنك أنت الوهَّاب) هذا كالتعليل لقوله: (وهب لي من لدنك رحمة) كقولك: حل هذا المشكل إنك أنت العالم بالمشكلات. * * * ¬

_ = والحديث بطرقه حسنه الألباني "الصحيحة" (2091).

109 - باب في التسبيح عند النوم

109 - باب فِي التَّسْبِيحِ عِنْدَ النَّوْمِ 5062 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْن عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، ح وَحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ -المَعْنَى-، عَنِ الحَكَمِ، عَنِ ابن أَبي لَيْلَى قالَ مُسَدَّدٌ: قالَ: حَدَّثَنا عَلي قالَ: شَكَتْ فاطِمَةُ إِلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ما تَلْقَى في يَدِها مِنَ الرَّحَى فَأُتِي بِسَبْى فَأَتَتْهُ تَسْأَلُهُ، فَلَمْ تَرَهُ فَأَخْبَرَتْ بِذَلِكَ عائِشَةَ فَلَمّا جاءَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَخْبَرَتْهُ فَأَتانا وَقَدْ أَخَذْنا مَضاجِعَنا فَذَهَبْنا لِنَقُومَ فَقالَ: "عَلَى مَكانِكُما". فَجاءَ فَقَعَدَ بَيْنَنا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْري، فَقالَ: "أَلا أَدُلُّكُما عَلَى خَيْرٍ مِمّا سَأَلْتُما، إِذا أَخَذْتُما مَضاجِعَكُما فَسَبِّحا ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، واحْمَدا ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، وَكَبِّرا أَرْبَعًا وَثَلاثِينَ فَهُوَ خَيْر لَكُما مِنْ خادِمٍ" (¬1). 5063 - حَدَّثَنا مُؤَمَّلُ بْن هِشامٍ اليَشْكُري، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بْنُ إِبْراهِيمَ، عَنِ الجُرَيْري، عَنْ أَبِي الوَرْدِ بْنِ ثُمامَةَ، قالَ: قالَ عَلي لابْنِ أَعْبَدَ أَلا أُحَدِّثُكَ عَنّي وَعَنْ فاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَكانَتْ أَحَبَّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ وَكانَتْ عِنْدي فَجَرَّتْ بِالرَّحَى حَتَّى أَثَّرَتْ بِيَدِها واسْتَقَتْ بِالقِرْبَةِ حَتَّى أَثَّرَتْ في نَحْرِها وَقَمَّتِ البَيْتَ حَتَّى اغْبَرَّتْ ثِيابُها، وَأَوْقَدَتِ القِدْرَ حَتَّى دَكِنَتْ ثِيابُها وَأَصابَها مِنْ ذَلِكَ ضُرٌّ فَسَمِعْنا أَنَّ رَقِيقًا أُتي بِهِمْ إِلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقُلْتُ لَوْ أَتَيْتِ أَباكِ فَسَأَلْتِيهِ خادِمًا يَكْفِيكِ. فَأَتَتْهُ فَوَجَدَتْ عِنْدَهُ حُدّاثًا فاسْتَحْيَتْ فَرَجَعَتْ فَغَدا عَلَيْنا وَنَحْنُ في لِفاعِنا فَجَلَسَ عِنْدَ رَأْسِها فَأَدْخَلَتْ رَأْسَها في اللِّفاعِ حَياءً مِنْ أَبِيها فَقالَ: "ما كانَ حاجَتُكِ أَمْسِ إِلَى آلِ مُحَمَّدٍ؟ ". فَسَكَتَتْ مَرَّتَيْنِ فَقُلْتُ: أَنا واللَّه أُحَدِّثُكَ يا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هذِه جَرَّتْ عِنْدي بِالرَّحَى حَتَّى أَثَّرَتْ في يَدِها، واسْتَقَتْ بِالقِرْبَةِ حَتَّى أَثَّرَتْ في نَحْرِها، وَكَسَحَتِ البَيْتَ حَتَّى اغْبَرَّتْ ثِيابُها، وَأَوْقَدَتِ القِدْرَ حَتَّى دَكِنَتْ ثِيابُها، وَبَلَغَنا أَنَّهُ قَدْ أَتاكَ رَقِيقٌ أَوْ خَدَمٌ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5361)، ومسلم (2727).

فَقُلْتُ لَها سَلِيهِ خادِمًا. فَذَكَرَ مَعْنَى حَدِيثِ الحَكَمِ وَأَتَمَّ (¬1). 5064 - حَدَّثَنا عَبّاسٌ العَنْبَري، حَدَّثَنا عَبْدُ المَلِكِ بْن عَمْرٍو، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ ابْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الهادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظي، عَنْ شَبَثِ بْنِ رِبْعي، عَنْ عَلي -عليه السلام-، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بهذا الخَبَرِ قالَ فِيهِ: قالَ عَلي: فَما تَرَكْتهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَّا لَيْلَةَ صِفِّينَ فَإِنّي ذَكَرْتُها مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَقُلْتُها (¬2). 5065 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "خَصْلَتانِ أَوْ خَلَّتانِ لا يُحافِظُ عَلَيْهِما عَبْدٌ مُسْلِمٌ إِلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ، هُما يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِما قَلِيلٌ، يُسَبِّحُ في دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ عَشْرًا وَيَحْمَدُ عَشْرًا، وَيُكَبِّرُ عَشْرًا فَذَلِكَ خَمْسُونَ وَمِائَةٌ بِاللِّسانِ، وَأَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ في المِيزانِ، وَيُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلاثِينَ إِذا أَخَذَ مَضْجَعَهُ وَيَحْمَدُ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ وَيُسَبِّحُ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، فَذَلِكَ مِائَةٌ بِاللِّسانِ وَأَلْفٌ في المِيزانِ". فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَعْقِدُها بِيَدِهِ قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ هُما يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَل بِهِما قَلِيلٌ قالَ: "يَأْتي أَحَدَكُمْ -يَعْني: الشَّيْطانَ- في مَنامِهِ فَيُنَوِّمُهُ قَبْلَ أَنْ يَقُولَهُ، وَيَأْتِيهِ في صَلاتِهِ فَيُذكِّرُهُ حاجَةً قَبْلَ أَنْ يَقُولَها" (¬3). 5066 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قالَ: حَدَّثَني عَيّاشُ ابْنُ عُقْبَةَ الحَضْرَمي، عَنِ الفَضْلِ بْنِ حَسَنٍ الضَّمْري أَنَّ ابن أُمِّ الحَكَمِ أَوْ ضُباعَةَ ¬

_ (¬1) سبق برقم (2988)، وهو حديث ضعيف. (¬2) رواه النسائي في "الكبرى" (10652). وضعفه الألباني كسابقه. (¬3) رواه الترمذي (3410)، والنسائي 3/ 74، وابن ماجه (926)، وأحمد 2/ 160، والبخاري في "الأدب المفرد" (1216). وصححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد" (926).

ابنتَى الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ، عَنْ إِحْداهُما أَنَّها قالَتْ: أَصابَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- سَبْيًا فَذَهَبْتُ أَنا وَأُخْتي، وَفاطِمَةُ بِنْتُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَشَكَوْنا إِلَيْهِ ما نَحْنُ فِيهِ، وَسَأَلْناهُ أَنْ يَأْمُرَ لَنا بِشَيء مِنَ السَّبْي. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "سَبَقَكُنَّ يَتامَى بَدْرٍ". ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ التَّسْبِيحِ، قالَ: عَلَى أَثَرِ كُلِّ صَلاةٍ لَمْ يَذْكُرِ النَّوْمَ (¬1). * * * باب في التسبيح عند النوم [5062] (ثنا حفص بن عمر) الحوضي، شيخ البخاري. (ثنا شعبة، وثنا مسدد، ثنا يحيى) بن سعيد القطان. ([عن شعبة] (¬2) المعنى) قالا (عن الحكم) (¬3) بن عتيبة الكندي فقيه الكوفة. ([عن ابن أبي ليلى] (¬4) قال مسدد) في روايته (قال: ثنا علي -رضي اللَّه عنه-، قال: شكت فاطمة رضي اللَّه عنها إلى) أبيها (النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ما تلقى في يدها من الرحى) لأنها تطحن عليها بيدها القمح والشعير للخبز حتى ثخن جلدها من كثرة الطحن (فأتي) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (برسبي) من الذين نهبوا وجعلوا عبيدًا وإماءً (فأتته) فاطمة (تسأله، فلم تره) لفظ البخاري: فلم تجده (¬5). (فأخبرت بذلك عائشة رضي اللَّه عنها). ¬

_ (¬1) سبق برقم (2987). (¬2) من المطبوع. (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) من المطبوع. (¬5) "صحيح البخاري" (3705).

فيه: أن المرأة إذا أتت أباها أو محرمها لحاجة فلم تجده تذكر ذلك لزوجته (¬1) لتعلمه إذا جاء، وربما شاهدت ابنته على حاجتها. (فلما جاء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أخبرته) عائشة بمجيء فاطمة (فأتانا وقد أخذنا مضاجعنا) قال السفاقسي: لم يذكر فيه أنه استأذن، فإما أن يكون قبل نزول الاستئذان، أو سكتت عنه لعلم السامع بذلك. (فذهبنا لنقوم) من مضاجعنا (فقال: مكانكما) (¬2) أي: الزماه ولا تنتقلا منه (فجاء فقعد بيننا) ومد رجليه؛ فوصلت قدماه إلى صدرها مع حائل (حتى وجدت برد قدميه على صدري) وقعود النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بين ابنته وعلي دليل على جواز مثل ذلك، وأنه لا يعاب على من فعله إذا لم يؤد ذلك إلى الاطلاع على عورة أو شيء ممنوع منه شرعًا. (فقال: ألا أدلكما على) ما هو (خير مما سألتما؟ ) لفظ البخاري: "على ما هو خير لكما من خادم؟ " (¬3) فإن قلت: لا شك أن للتسبيح ونحوه ثوابًا عظيمًا، لكن كيف يكون خيرًا بالنسبة إلى مطلوبها وهو الاستخدام؟ أجيب: لعل اللَّه تعالى بالتسبيح يعطي للمسبح قوة يقدر بها على الخدمة، [وتزداد نشاطا بما بشرت به من العوض في الآخرة فيسهل عليها الخدمة] (¬4) وتعمل أكثر مما يعمله الخادم. أو يقال: إن التسبيح في الآخرة وقوعه، والخادم في الدنيا، وأن الآخرة خير ¬

_ (¬1) في (م): لزوجها. (¬2) بعدها في (ل): على مضاجعكما، وفوقها: خـ. (¬3) "صحيح البخاري" (3113). (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

وأبقى، ويمكن أن يكون أحب لابنته ما يحب لنفسه؛ إذ كانت مضغة منه من إثبات الفقر واستعمال الصبر تعظيمًا لأجورهم. (إذا أخذتما مضاجعكما فسبحا ثلاثًا وثلاثين، واحمدا) اللَّه تعالى (ثلاثًا وثلاثين) لفظ البخاري: "إذا أخذتما مضاجعكما فكبرا ثلاثًا وثلاثين" فبدأ بالتكبير، فيدل على أنه لا يضرك بأيهما بدأت كما في رواية (¬1) (وكبرا أربعًا وثلاثين) وفي البخاري: عن ابن سيرين قال: التسبيح أربع وثلاثون (¬2). والمقصود: أن يجتمع مائة من التسبيح والتحميد والتكبير. ولمسلم رواية في معنى رواية المصنف (¬3). (فهو خير لكما من خادم) لأن التسبيح والتحميد والتكبير من الباقيات الصالحات خير من الخادم، بل خير من الدنيا بحذافيرها، قال اللَّه تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ} (¬4). [5063] (ثنا مؤمل بن هشام اليشكري) بضم الكاف نسبة إلى يشكر ابن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن جديلة، ومؤمل شيخ البخاري. (ثنا إسماعيل (¬5) بن إبراهيم) ابن علية الإمام (عن) سعيد بن إياس (الجريري) بضم الجيم البصري. (عن أبي الورد بن ثمامة) بن حزن البصري القشيري، أخرج له ¬

_ (¬1) رواها مسلم (2137) من حديث سمرة بن جندب. (¬2) "صحيح البخاري" بعد حديث (6318). (¬3) "صحيح مسلم" (2727). (¬4) الكهف: 46. (¬5) فوقها في (ل): (ع).

البخاري في كتاب "الأدب" فهو مقبول (¬1). (قال: قال علي لابن أعبُد) (¬2) بضم الموحدة، واسمه علي، قال علي ابن المديني: ليس بمعروف، ولا أعرف له غير هذا الحديث (¬3). (ألا أحدثك عني وعن فاطمة بنت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ وكانت أحب أهله إليه) أي: أحب نسائه وبناته إليه، وهذا كالتوطئة لما بعده، فإنها مع شدة حبه لها، ومحبتها إليه وزوجها تطلب الخادم فمنعها ذلك حماية لها من الدنيا وطلبًا للآخرة (وكانت عندي) أي: زوجته (فجرت بالرحى) أي: جرت الرحى بيدها (¬4) للطحن (حتى أثرت) عصا الرحى (بيدها) الخشونة وصار جسمها كالبثر (واستقت بالقربة) من الماء (حتى أثرت) أي: أثر حبل القربة (في نحرها، وقمت) بفتح القاف وتشديد الميم المفتوحة، أي: كنست، ومنه سميت الكناسة: قمامة، ومنه حديث عمر أنه قدم مكة، فكان يطوف بسككها، فيمر بالقوم فيقول: قموا فناءكم؛ حتى مر بدار أبي سفيان وقال: قموا فناءكم. قال: نعم يا أمير المؤمنين، حتى يجيء مهاننا الآن. ثم مر به فلم يضع شيئًا، فوضع الدرة بين أذنيه (¬5). (البيت حتى اغبرت ثيابها) وشعرها، وزاد بعضهم: وخبزت حتى ¬

_ (¬1) انظر: "تقريب التهذيب" (8434). (¬2) بعدها في (ل): أعبَد. وفوقها خـ. (¬3) انظر: "الجرح والتعديل" 9/ 316. (¬4) في (ل، م): بيدي، ولعل المثبت أنسب للسياق. (¬5) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 23/ 469.

تغير وجهها (¬1) (وأوقدت) تحت (القدر) النار، والقدر بكسر القاف مؤنثة، جمعها: قدور؛ كحمل وحمول (حتى دكنت) بكسر الكاف (ثيابها) أي: اتسخت واغبر لونها، والدكنة لون يضرب إلى السواد (وأصابها من ذلك ضر) بضم الضاد أي: مشقة شديدة. وخدمة المرأة لا تجب عند الشافعي (¬2). قال القرطبي: في هذا الحديث دليل على أن المرأة وإن كانت شريفة عليها أن تخدم بيت زوجها، وتقوم بعمله الخاص به، وبه قال بعض أهل العلم، ومشهور مذهب مالك الفرق بين الشريفة فلا يلزمها وبين من ليست كذلك فيلزمها. ويحمل هذا الحديث على أن فاطمة تبرعت بذلك لكمال مروءتها، ولا خلاف في استحباب ذلك من تبرع به؛ لأنه معونة للزوج (¬3). وفيه: ما كان عليه السلف الصالح من شظف العيش وشدة الحال. (فسمعنا أن رقيقًا) عبيدا أو إماء (أتي بهم إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) من السبي (فقلت) لفاطمة (لو أتيت) يحتمل أن يكون (لو) للعرض؛ كقولك: لو تنزل عندنا فتصيب خيرًا (أباك فسألتيه) أن يعطيك (خادمًا يكفيكِ) أمر الخدمة ويدع عنك ضررها. (فأتته فوجدت عنده حداثا) بضم الحاء المهملة وتشديد الدال، قال ابن الأثير: أي: جماعة يتحدثون، وهو جمع على غير قياس؛ حملا ¬

_ (¬1) هذِه الزيادة في بعض روايات أبي داود كما قال ابن حجر في "الفتح" 11/ 119. (¬2) انظر: "المهذب" 2/ 67. (¬3) "المفهم" 7/ 54.

على نظيره؛ مثل: سامر وسُمَّار، فإن السمار المتحدثون (¬1). وفي نسخة: فوجدت عنده حديثًا (فاستحيت) منهم (فرجعت) إلى بيتها (فغدا علينا ونحن في لفاعنا) بكسر اللام بعدها فاء مخففة وألف ثم عين، وهو اللحاف، واللفاع ثوب يجلل به الجسد كله، كساء كان أو غيره، وتلفع بالثوب إذا اشتمل به (¬2). وفي رواية: وقد دخلنا في لفاعنا. ومنه الحديث: كن نساء المؤمنات يشهدن الصبح ثم يرجعن متلفعات بمروطهن، ما يعرفهن أحد من الغلس (¬3)، أي: ملتحفات بأكسيتهن. (فجلس عند رأسها) بين فيه أن من دخل على قوم نيام يجلس عند رؤوسهم؛ إن: اتسع المكان؛ لأنه أشرف من الجلوس عند الرجلين. (فأدخلت) فاطمة (رأسها في اللفاع) أي: تحته (حياءً من أبيها) يشبه أن يكون لكونها نائمة مع زوجها في الفراش، أو من مجيئه إليها في حاجتها ذلك الوقت. (فقال (¬4): ما كان) حذفت التاء؛ لأن اسمها مجازي التأنيث (حاجتك أمس (¬5) إلى آل محمد؟ ) والمراد -واللَّه أعلم- إلى محمد نفسه؛ كما في حديث: "أعطي مزمارًا من مزامير آل داود" (¬6) أي: من مزامير داود ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 350. (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 4/ 261. (¬3) رواه البخاري (578)، ومسلم (645) من حديث عائشة. (¬4) مكانها في (م) بياض بمقدار كلمة. (¬5) بعدها في (ل)، (م): بالأمس. وعليها: خـ. (¬6) رواه البخاري (5048)، ومسلم (793) من حديث أبي موسى.

نفسه، و (آل) صلة زائدة. (فسكتت (¬1) مرتين) وهو يسألها (فقلت: أنا واللَّه أحدثك يا رسول اللَّه) ما كان حاجتها. وفيه: أن من استحيا من ذكر شيء أن يجيبه عنه من في معناه، وإن لم يأذن له. (إن هذِه جرت عندي بالرحى حتى أثرت في يدها، واستقت بالقربة حتى) وقد تقدم هذا الحديث بتمامه في باب بيان مواضع قسم الخمس وسهم ذوي القربى؛ ولفظه هناك: وحملت بالقربة حتى (أثرت في نحرها، وكسحت) أي: كنست (البيت حتى تغبرت ثيابها، وأوقدت) تحت (القدر حتى دكنت) بكسر الكاف، تقدم في الحديث قبله (ثيابها، وبلغنا أنه أتاك رقيق) من السبي من خمس الخمس (أو خدم) جمع خادم (فقلت لها: سليه خادمًا) وزاد في الحديث المتقدم في كتاب الخراج بلفظ: فأمرتها أن تأتيك فتستخدمك خادمًا يقيها حر ما هي فيه (¬2). (فذكر حديث الحكم) بن عتيبة (وأتم) منه، فذكر في كتاب الخراج بأتم من حديث الحكم؛ فإنه زاد: فقالت: رضيت عن اللَّه وعن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. [5064] (ثنا عباس) بالباء الموحدة والسين المهملة، ابن عبد العظيم (العنبري) شيخ مسلم (ثنا عبد الملك بن عمرو) القيسي أبو عامر العقدي ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): فسككت، وبعدها: فأسكتت، والمثبت من "سنن أبي داود". (¬2) تقدم برقم (2988).

(ثنا عبد العزيز بن محمد) الدراوردي. (عن يزيد بن الهاد، عن محمد بن كعب القرظي، عن شبث) بفتح الشين المعجمة والباء الموحدة، ثم ثاء مثلثة (ابن ربعي) ويقال فيه: شبيث اليربوعي الكوفي، مخضرم، كان مؤذن سجاح، ثم أسلم، ثم كان ممن أعان على عثمان، ثم صحب عليًّا، ثم صار من الخوارج عليه، ثم تاب، ثم حضر قتل الحسين، ثم ولي شرطة، ثم حضر قتل المختار، ومات بالكوفة. ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: يخطئ (¬1). قال البخاري: لا نعلم لمحمد بن كعب سماعًا (¬2) من شبث (¬3). (عن علي -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) قال (بهذا الخبر) و (قال فيه: قال علي -رضي اللَّه عنه-: فما تركتهن منذ سمعتهن من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) لفظ رواية مسلم: قال علي: فما تركته منذ سمعته من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. قيل له: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين (¬4). (إلا ليلة صفين) بكسر الصاد المهملة وتشديد الفاء، اسم موضع مشهور على شاطئ الفرات، كانت به الوقعة المشهورة بين علي ومعاوية، فيها وفي أمثالها لغتان: إجراء الإعراب على ما قبل النون وتركها مفتوحة؛ كجمع المذكر السالم. والثانية: أن تجعل النون حرف الإعراب، وتقرأ الياء بحالها، إعراب ما لا ينصرف، فتقول: هذِه ¬

_ (¬1) "الثقات" 4/ 371. (¬2) في (ل)، (م): سماع. والمثبت من "التاريخ الكبير". (¬3) "التاريخ الكبير" 4/ 266. (¬4) "صحيح مسلم" (2727).

صفينُ، ورأيت صفينَ، ومررت بصفينَ. وكذا تقول في قنسرين وتشرين وفلسطين (فإني ذكرتها من آخر الليل فقلتها) وفيه: قضاء الأوراد من القراءة والذكر إذا فاتت عن أول وقتها. [5065] (ثنا حفص بن عمر) الحوضي (ثنا شعبة، عن عطاء بن السائب، عن أبيه) السائب بن مالك، ويقال: ابن زيد، وهو ثقة (عن عبد اللَّه بن عمرو) بن العاص رضي اللَّه عنهما (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: خصلتان أو خلتان) قال ابن مالك في "مثلثه": الخلة بفتح الخاء -يعني: المعجمة- يعني: وزنًا ومعنًى (¬1). وفي رواية الترمذي: الاقتصار على: "خلتان" (¬2) (لا يحافظ عليهما عبد مسلم إلا دخل الجنة) ألا و (هما يسير) عملهما لا مشقة فيه ولا تعب (ومن يعمل بهما قليل) من الناس (يسبح اللَّه في دبر كل صلاة) مكتوبة (عشرًا، ويحمد عشرًا، ويكبر عشرًا، فذلك خمسون) لفظ (ومائة) لفظًا (¬3) (باللسان و) هي (ألف وخمسمائة في الميزان) يوم القيامة؛ لأن الحسنة بعشر حسنات (ويكبر أربعًا وثلاثين إذا أخذ مضجِعه) بكسر الجيم للنوم (ويحمد ثلاثًا وثلاثين، ويسبح) اللَّه (ثلاثًا وثلاثين، فذلك (¬4) مائة باللسان وألف في الميزان) وزاد الترمذي وابن حبان: "فأيكم يعمل في اليوم والليلة ألفين وخمسمائة حسنة؟ " (¬5) (فلقد رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يعقدها بيده) ¬

_ (¬1) "إكمال الإعلام بتثليث الكلام" 1/ 186. (¬2) "سنن الترمذي" (3410). (¬3) في الأصول: لفظ. والجادة ما أثبتناه. (¬4) بعدها في (ل)، (م): فتلك. وعليها: خـ. (¬5) "سنن الترمذي" (3410)، "صحيح ابن حبان" 5/ 354 (2012).

أي: يعقد هذِه الأعداد بأصابعه ويحسبها. وفيه: أن الرجال يعقدون بأصابعهم للتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل والاستغفار ونحو ذلك؛ كما يعقدن النساء؛ لما في الحديث: "يا معشر النساء سبحن وكبرن واعقدن بالأصابع؛ فإنهن مسؤولات" (¬1) يعني: أعضاء الآدمي، تسأل عما عمل بهن، فيشهدن على من فعل بهن كما تشهد الألسنة والأيدي والأرجل. (قالوا: يا رسول اللَّه، كيف هما يسير ومن يعمل بهما قليل؟ قال: يأتي أحدَكم -يعني: الشيطان- في منامه فينومه قبل أن يقوله) يوضحه رواية الترمذي: "يأتي أحدكم الشيطان وهو في مضجعه، فلا يزال ينومه حتى ينام" (¬2) يعني: قبل أن يقوله. (ويأتيه في صلاته) أي: في آخر صلاته (فيذكره حاجة) له يحتاج إلى قضائها (قبل أن يقولها). لفظ الترمذي: "يأتي أحدكم الشيطان وهو في صلاته فيقول: اذكر كذا، اذكر كذا؛ حتى ينفتل ولعله أن لا يفعل". وفي الحديث: إشارة إلى استحباب مجاهدة الشيطان إذا عرض ليمنعه من الذكر والتلاوة والعبادة. [5066] (ثنا أحمد بن صالح) المصري، شيخ البخاري (ثنا عبد اللَّه ابن وهب، حدثني عياش) بالمثناة تحت والشين المعجمة (ابن عقبة ¬

_ (¬1) لم أجده بهذا اللفظ، لكن تقدم برقم (1501) من حديث يسيرة أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرهن أن يراعين بالتكبير والتقديس والتهليل وأن لا يعقدن بالأنامل فإنهن مسؤولات مستنطقات. (¬2) "سنن الترمذي" (3410).

الحضرمي) صدوق. (عن الفضل بن حسن الضمري) بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم، نسبة إلى ضمرة رهط عمرو بن أمية الضمري، صاحب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، والفضل صدوق. (أن ابن أم الحكم) هذا هو الصحيح كما قاله محمد بن سعد وشيخنا ابن حجر وغيره. (أو ضباعة ابنتي (¬1) الزبير) بن عبد المطلب الهاشمية، قال خليفة بن خياط: حدثني غير واحد من بني هاشم أنهم لا يعرفون للزبير ابنة غير ضباعة. وقال: ضباعة هي أم حكيم (¬2). قال الحافظ أبو القاسم (¬3): وهذا وهم، فقد ذكر الزبير بن بكار أن للزبير ابنتين: ضباعة وأم حكيم، وذكر أن أم حكيم كانت تحت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وولده منها، وضباعة كانت تحت المقداد، قتل ابنها عبد اللَّه يوم الجمل مع عائشة. واسم أم الحكم صفية بنت الزبير بن عبد المطلب، ويقال: كنيتها: أم حكيم. ويقال: اسمها عاتكة، وقد اختلف في كنيتها وفي اسمها، والشك من الراوي في اسمها، وقيل: إن أم الحكم هي أخت ضباعة، والشك في الحديث هل عنها أو عن [أختها] (¬4). ¬

_ (¬1) في (ل، م): بنت. والمثبت من المطبوع. (¬2) "طبقات خليفة" (ص 621). (¬3) "تاريخ دمشق" 28/ 138. (¬4) في (ل، م): اسمها. ولعل الأنسب ما أثبتناه.

(حدثه (¬1) عن إحداهما أنها قالت: أصاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) وتقدم الحديث في الخراج في باب بيان مواضع قسم الخمس بلفظ: إن أم الحكم أو ضباعة ابنتي الزبير حدثه (¬2) عن إحداهما (¬3). وهو الظاهر (سبيًا، فذهبت أنا وأختي فاطمة بنت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فشكونا إليه ما نحن فيه) من ضرر الخدمة (وسألناه أن يأمر لنا بشيء من السبي) الذي هو من الخمس. (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: سبقكن يتامى بدر) لعل اليتامى كانوا من أهل بدر، واليتم في الناس فقد الصبي أباه قبل البلوغ، وقد يجمع اليتيم على يتامى، كأسير وأسارى، وإذا بلغ زال اسم اليتم حقيقة. (ثم ذكر قصة التسبيح) والتحميد والتكبير. ولفظ الرواية المتقدمة في الخراج زيادة على هذِه الرواية: "ولكن سأدلكن على ما هو خير لكن من ذلك: تكبرن اللَّه على إثر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين تكبيرة، وثلاثًا وثلاثين تسبيحة، وثلاثًا وثلاثين تحميدة، ولا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" قال عياش: وهما ابنتا عم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. و(قال: على إثر) بكسر الهمزة وسكون الثاء المثلثة، وبفتحهما لغتان (كل صلاة) و (لم يذكر النوم) المذكور مع الصلاة. * * * ¬

_ (¬1) في الأصول: حدثته. والمثبت من "السنن". (¬2) في الأصول: حدثته. والمثبت من "السنن". (¬3) تقدم برقم (2987).

110 - باب ما يقول إذا أصبح

110 - باب ما يَقُولُ إذا أَصْبَحَ 5067 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عاصِمٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَبا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ -رضي اللَّه عنه- قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ مُرْني بِكَلِماتٍ أَقُولُهُنَّ إِذا أَصْبَحْتُ وِإِذا أَمْسَيْتُ، قالَ: "قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّمَواتِ والأَرْضِ عالِمَ الغَيْبِ والشَّهادَةِ، رَبَّ كُلِّ شَيء وَمَلِيكَهُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا أَنْتَ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسي وَشَرِّ الشَّيْطانِ وَشِرْكِهِ". قالَ: "قُلْها إِذا أَصْبَحْتَ وَإِذا أَمْسَيْتَ وَإِذا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ" (¬1). 5068 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنا سُهَيْلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّهُ كانَ يَقُولُ إِذا أَصْبَحَ: "اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنا وَبِكَ أَمْسَيْنا، وَبِكَ نَحْيا وَبِكَ نَمُوتُ وَإِلَيْكَ النُّشُورُ". وِإِذا أَمْسَى قالَ: "اللَّهُمَّ بِكَ أَمْسَيْنا، وَبِكَ نَحْيا وَبِكَ نَمُوتُ وَإِلَيْكَ النُّشُورُ" (¬2). 5069 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبي فُدَيْكٍ، قالَ: أَخْبَرَني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ المَجِيدِ، عَنْ هِشامِ بْنِ الغازِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ مَكْحُولٍ الدِّمَشْقي، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ قالَ حِينَ يُصْبِحُ أَوْ يُمْسي: اللَّهُمَّ إِنّي أَصْبَحْتُ أُشْهِدُكَ وَأُشْهِدُ حَمَلَةَ عَرْشِكَ وَمَلائِكَتَكَ، وَجَمِيعَ خَلْقِكَ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لا إله إِلَّا أَنْتَ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ أَعْتَقَ اللَّهُ رُبْعَهُ مِنَ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3392)، وأحمد 1/ 9، والبخاري فى "الأدب المفرد" (1202)، والنسائي في "الكبرى" (7691). وصححه الألباني في "الصحيحة" (2763). (¬2) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (1199)، والترمذي (3391)، والنسائي في "الكبرى" (9836)، وابن ماجه (3868)، وأحمد 2/ 354. وصححه الألباني في "الصحيحة" (262).

النّارِ فَمَنْ قالَها مَرَّتَيْنِ أَعْتَقَ اللَّهُ نِصْفَهُ، وَمَنْ قالَها ثَلاثًا أَعْتَقَ اللَّهُ ثَلاثَةَ أَرْباعِهِ فَإِنْ قالَها أَرْبَعًا أَعْتَقَهُ اللَّهُ مِنَ النّارِ" (¬1). 5070 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا زُهَيْرُ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ بْنُ ثَعْلَبَةَ الطّائي، عَنِ ابن بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ قالَ حِينَ يُصْبِحُ أَوْ حِينَ يُمْسي اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبّي لا إله إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَني وَأَنا عَبْدُكَ وَأَنا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما صَنَعْتُ، أَبُوءُ بِنِعْمَتِكَ وَأَبُوءُ بِذَنْبي فاغْفِرْ لي إِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ. فَماتَ مِنْ يَوْمِهِ أَوْ مِنْ لَيْلَتِهِ دَخَلَ الجَنَّةَ" (¬2). 5071 - حَدَّثَنا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، عَنْ خالِدٍ ح، وَحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ قُدامَةَ بْنِ أَعْيَنَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ عَنِ الحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كانَ يَقُولُ إِذا أَمْسَى: "أَمْسَيْنا وَأَمْسَى المُلْكُ للَّه والحَمْدُ للَّه لا إله إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ". زادَ في حَدِيثِ جَرِيرٍ وَأَمّا زُبَيْدٌ كانَ يَقُولُ كانَ إِبْراهِيمُ بْن سُوَيْدٍ يَقُولُ: "لا إله إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيء قَدِيرٌ، رَبّ أَسْأَلُكَ خَيْرَ ما في هذِه اللَّيْلَةِ وَخَيْرَ ما بَعْدَها وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما في هذِه اللَّيْلَةِ وَشَرِّ ما بَعْدَها رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنَ الكَسَلِ وَمِنْ سُوءِ الكِبْرِ أَوِ الكُفْرِ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذابٍ في النّارِ وَعَذابٍ في القَبْرِ". وَإِذا أَصْبَحَ قالَ ذَلِكَ أَيْضًا: "أَصْبَحْنا وَأَصْبَحَ المُلْكُ للَّه". ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3501)، والبخاري في "الأدب المفرد" (1201)، والنسائي في "الكبرى" 6/ 6 (9837). وحسنه الحافظ ابن حجر في "نتائج الأفكار" 2/ 376، وضعفه الألباني في "الضعيفة" (1041). (¬2) رواه ابن ماجه (3872)، وأحمد 5/ 356، والنسائي في "الكبرى" 6/ 9 (9848). وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (6424). والحديث رواه البخاري (6306) من حديث شداد بن أوس.

قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ سُوَيْدٍ قالَ: "مِنْ سُوءِ الكِبْرِ". وَلَمْ يَذْكُرْ سُوءَ الكُفْرِ (¬1). 5072 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبي عَقِيلٍ، عَنْ سابِقِ بْنِ ناجِيَةَ، عَنْ أَبي سَلَّامٍ أَنَّهُ كانَ في مَسْجِدِ حِمْصٍ فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَقالُوا هذا خَدَمَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقامَ إِلَيْهِ فَقالَ: حَدِّثْني بِحَدِيثٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمْ يَتَداوَلْهُ بَينَكَ وَبَيْنَهُ الرِّجالُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "مَنْ قالَ إِذا أَصْبَحَ وَإِذا أَمْسَى: رَضِينا باللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا إِلَّا كانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُرْضِيَهُ" (¬2). 5073 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ حَسّانَ وَإِسْماعِيلُ قالا: حَدَّثَنا سُلَيْمان بْنُ بِلالٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَنْبَسَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَنّامٍ البَياضي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ قالَ حِينَ يُصْبِحُ: اللَّهُمَّ ما أَصْبَحَ بي مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْكَ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ، فَلَكَ الحَمْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ. فَقَدْ أَدى شُكْرَ يَوْمِهِ، وَمَنْ قالَ مِثْلَ ذَلِكَ حِينَ يُمْسي فَقَدْ أَدى شُكْرَ لَيْلَتِهِ" (¬3). 5074 - حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ مُوسَى البَلْخي، حَدَّثَنا وَكِيعٌ ح، وَحَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ -المَعْنَى- حَدَّثَنا ابن نُمَيْرٍ قالا: حَدَّثَنا عُبادَةُ بْن مُسْلِمٍ الفَزاري، عَنْ جُبَيْرِ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2723). (¬2) رواه ابن ماجه (3870)، وأحمد 4/ 337، والنسائي في "الكبرى" (9832). وحسنه ابن حجر في "نتائج الأفكار" 2/ 371، وضعفه الألباني في "الضعيفة" (5020). (¬3) رواه النسائي في "الكبرى" (9835)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 4/ 183 (2163)، والطبراني في "الدعوات الكبير" (41)، والبيهقي في "الشعب" 6/ 211 (4059). وضعفه الألباني في "المشكاة" (2407).

ابْنِ أَبي سُلَيْمانَ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قالَ: سَمِعْتُ ابن عُمَرَ يَقُول: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَدَعُ هؤلاء الدَّعَواتِ حِينَ يُمْسي وَحِينَ يُصْبِحُ: "اللَّهُمَّ إِنّي أَسْأَلُكَ العافِيَةَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ اللَّهُمَّ إِنّي أَسْأَلُكَ العَفْوَ والعافِيَةَ في دِيني وَدُنْيا وَأَهْلي وَمالي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَتَي. وقالَ عُثْمانُ: "عَوْراتي وَآمِنْ رَوْعاتي اللَّهُمَّ احْفَظْني مِنْ بَيْنِ يَدي وَمِنْ خَلْفي، وَعَنْ يَمِيني، وَعَنْ شِمالي وَمِنْ فَوْقي، وَأَعُوذُ بعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتالَ مِنْ تَحْتَي". قالَ أَبُو داوُدَ: قالَ وَكِيعٌ يَعْني: الخَسْفَ (¬1). 5075 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن صالِحٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قالَ: أَخْبَرَني عَمْرٌو أَنَّ سالِمًا الفَرّاءَ حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ الحَمِيدِ مَوْلَى بَني هاشِمٍ حَدَّثَهُ أَنَّ أُمَّهُ حَدَّثَتْهُ وَكانَتْ تَخْدِمُ بَعْضَ بَناتِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّ بِنْتَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حدَّثَتْها أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كانَ يُعَلِّمُها فَيَقُول: "قُولي حِينَ تُصْبِحِينَ: سُبْحانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، لا قُوَّةَ إِلَّا باللَّهِ ما شاءَ اللَّهُ كانَ، وَما لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيء قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيء عِلْمًا فَإِنَّهُ مَنْ قالَهُنَّ حِينَ يُصْبِحُ حُفِظَ حَتَّى يُمْسي، وَمَنْ قالَهُنَّ حِينَ يُمْسي حُفِظَ حَتَّى يُصْبِحَ" (¬2). 5076 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الهَمْداني قالَ: أَخْبَرَنا ح، وَحَدَّثَنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمانَ قالَ: حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، قالَ: أَخْبَرَني اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ النَّجّاري، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ البَيْلَماني، قالَ الرَّبِيعُ: ابن البَيْلَماني، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابن عَبّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّهُ قالَ: "مَنْ قالَ حِينَ يُصْبِحُ {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (3871)، وأحمد 2/ 25، والبخاري في "الأدب المفرد" (1200)، والنسائي في "الكبرى" (10401). وصححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد" (915). (¬2) رواه النسائي في "الكبرى" (9840)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (46). وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (388).

تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} إِلَى {وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} أَدْرَكَ ما فاتَهُ في يَوْمِهِ ذَلِكَ وَمَنْ قالَهُنَّ حِينَ يُمْسي أَدْرَكَ ما فاتَهُ في لَيلَتِهِ". قالَ الرَّبِيعُ: عَنِ اللَّيْثِ (¬1). 5077 - حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ وَوُهَيْبٌ نَحْوَهُ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابن أَبي عائِشٍ وقالَ حَمّادٌ: عَنْ أَبي عَيّاشٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ قالَ: إِذا أَصْبَحَ لا إله إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيء قَدِيرٌ، كانَ لَهُ عِدْلُ رَقَبَةٍ مِنْ وَلَدِ إِسْماعِيلَ، وَكُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَناتٍ وَحُطَّ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئاتٍ، وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجاتٍ، وَكانَ في حِرْزٍ مِنَ الشَّيْطانِ حَتَّى يُمْسي، وَإِنْ قالَها إِذا أَمْسَى كانَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ حَتَّى يُصْبِحَ". قالَ في حَدِيثِ حَمّادٍ: فَرَأى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِيما يَرى النّائِمُ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبا عَيّاشٍ يُحَدِّثُ عَنْكَ بِكَذا وَكَذا قالَ: "صَدَقَ أَبُو عَيّاشٍ". قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ إِسْماعِيلُ بْن جَعْفَرٍ وَمُوسَى الزَّمْعي، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابن عائِشٍ (¬2). 5078 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عُثْمانَ، حَدَّثَنا بَقِيَّةُ، عَنْ مُسْلِمٍ -يَعْني: ابن زِيادٍ- قالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مالِكٍ يَقُولُ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ قالَ حِينَ يُصْبِحُ: اللَّهُمَّ إِنّي أَصْبَحْتُ أُشْهِدُكَ، وَأُشْهِدُ حَمَلَةَ عَرْشِكَ وَمَلائِكَتَكَ، وَجَمِيعَ ¬

_ (¬1) رواه الخرائطي في "مكارم الأخلاق" (864)، والطبراني في "الكبير" 12/ 239 (12991)، وابن عدي في "الكامل" 4/ 442، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" 2/ 100. وقال الألباني: ضعيف جدا. (¬2) رواه النسائي في "الكبرى" (9855)، وابن ماجه (3867)، وأحمد 4/ 60. وصححه الألباني.

خَلْقِكَ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لا إله إِلَّا أَنْتَ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ إِلَّا غُفِرَ لَهُ ما أَصابَ في يَوْمِهِ ذَلِكَ مِنْ ذَنْبٍ، وَإِنْ قالَها حِينَ يُمْسي غُفِرَ لَهُ ما أَصابَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ" (¬1). 5079 - حَدَّثَنا إِسْحاقُ بْنُ إِبْراهِيمَ أَبُو النَّضْرِ الدِّمَشْقي، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ، قالَ: أَخْبَرَني أَبُو سَعِيدٍ الفِلَسْطِيني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسّانَ، عَنِ الحارِثِ بْنِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، عَنْ أَبِيهِ مُسْلِمِ بْنِ الحارِثِ التَّمِيمي، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّهُ أَسَرَّ إِلَيْهِ فَقالَ: "إِذا انْصَرَفْتَ مِنْ صَلاةِ المَغْرِبِ فَقُلِ اللَّهُمَّ أَجِرْني مِنَ النّارِ. سَبْعَ مَرّاتٍ فَإِنَّكَ إِذا قُلْتَ ذَلِكَ، ثُمَّ مِتَّ في لَيْلَتِكَ كُتِبَ لَكَ جِوارٌ مِنْها وَإِذا صَلَّيْتَ الصُّبْحَ فَقُلْ كَذَلِكَ فَإِنَّكَ إِنْ مِتَّ في يَوْمِكَ كُتِبَ لَكَ جِوارٌ مِنْها". أَخْبَرَني أَبُو سَعِيدٍ، عَنِ الحارِثِ أَنَّهُ قالَ: أَسَرَّها إِلَيْنا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَنَحْنُ نَخُصُّ بِها إِخْوانَنا (¬2). 5080 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْن عُثْمانَ الحِمْصي وَمُؤَمَّلُ بْنُ الفَضْلِ الحَرّاني، وَعَلي بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلي، وَمُحَمَّدُ بْنُ المُصَفَّى الحِمْصي قالُوا: حَدَّثَنا الوَلِيدُ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسّانَ الكِناني، قالَ: حَدَّثَني مُسْلِمُ بْنُ الحارِثِ بْنِ مُسْلِمٍ التَّمِيمي، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ نَحْوَهُ إِلَى قَوْلِهِ: "جِوارٌ مِنْها". إِلَّا أَنَّهُ قالَ فِيهِما: "قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَ أَحَدًا". قالَ عَلي بْنُ سَهْلٍ فِيهِ: إِنَّ أَباهُ حَدَّثَهُ وقالَ عَلي وابْنُ المُصَفَّى: بَعَثَنا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- في سَرِيَّةٍ فَلَمّا بَلَغْنا المُغارَ اسْتَحْثَثْتُ فَرَسي فَسَبَقْتُ أَصْحابي وَتَلَقّاني الحَي بِالرَّنِينِ فَقُلْتُ لَهُمْ: قُولُوا لا إله إِلا اللَّهُ تُحْرَزُوا فَقالُوها، فَلامَني أَصْحابي وَقالُوا: حَرَمْتَنا الغَنِيمَةَ، فَلَمّا قَدِمْنا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَخْبَرُوهُ بِالَّذي صَنَعْتُ فَدَعاني ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3501)، والنسائي في "الكبرى" (9838). وضعفه الألباني. (¬2) رواه أحمد 4/ 234، والنسائي في "الكبرى" (9939). وضعفه الألباني في "الضعيفة" (1624).

فَحَسَّنَ لي ما صَنَعْتُ وقالَ: "أَما إِنَّ اللَّهَ قَدْ كَتَبَ لَكَ مِنْ كُلِّ إِنْسانٍ مِنْهُمْ كَذا وَكَذا". قالَ عَبْدُ الرَّحْمَن: فَأَنا نَسِيتُ الثَّوابَ، ثُمَّ قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَما إِنّي سَأَكْتُبُ لَكَ بِالوَصاةِ بَعْدَي". قالَ: فَفَعَلَ وَخَتَمَ عَلَيْهِ فَدَفَعَهُ إِلَي وقالَ لي، ثُمَّ ذَكَرَ مَعْناهُمْ وقالَ ابن المُصَفَّى: قالَ: سَمِعْتُ الحارِثَ بْنَ مُسْلِمِ بْنِ الحارِثِ التَّمِيمي يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ (¬1). 5081 - حَدَّثَنا يَزِيدُ بْن مُحَمَّدٍ الدِّمَشْقي، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ بْنُ مُسْلِمٍ الدِّمَشْقي، وَكانَ مِنْ ثِقاتِ المُسْلِمِينَ مِنَ المتَعَبِّدِينَ، قالَ: حَدَّثَنا مُدْرِك بْن سَعْدٍ، قالَ يَزِيدُ: شَيْخٌ ثِقَةٌ، عَنْ يُونُسَ بْنِ مَيْسَرَةَ بْنِ حَلْبَسٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْداءِ، عَنْ أَبي الدَّرْداءِ -رضي اللَّه عنه- قالَ: مَنْ قالَ إِذا أَصْبَحَ وَإِذا أَمْسَى: حَسْبي اللَّهُ لا إله إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ سَبْعَ مَرّاتٍ كَفاهُ اللَّه ما أَهَمَّهُ صادِقًا كانَ بِها أَوْ كاذِبًا (¬2). 5082 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُصَفَّى، حَدَّثَنا ابن أَبي فُدَيْكٍ، قالَ: أَخْبَرَني ابن أَبي ذِئْبٍ، عَنْ أَبي أَسِيدٍ البَرّادِ عَنْ مُعاذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُبَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قالَ: خَرَجْنا في لَيْلَةِ مَطَرٍ وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ نَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِيُصَلّي لَنا فَأَدْرَكْناهُ فَقالَ: "أَصَلَّيْتُمْ؟ ". فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا فَقالَ: "قُلْ". فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا ثُمَّ قالَ: "قُلْ". فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا ثُمَّ قالَ: "قُلْ". فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ ما أَقُولُ؟ قالَ: " {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمُعَوِّذتَينِ حِينَ تُمْسي وَحِينَ تُصْبِحُ ثَلاثَ مَرّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيء" (¬3). 5083 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْماعِيلَ، قالَ: حَدَّثَني أَبي - ¬

_ (¬1) انظر ما قبله. (¬2) رواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (71)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 36/ 149. وقال الألباني في "الضعيفة" (5286): منكر. (¬3) رواه الترمذي (3575)، والنسائي 8/ 250، وأحمد 5/ 312. وحسنه الألباني.

قالَ ابن عَوْفٍ: وَرَأَيْتُهُ في أَصْلِ إِسْماعِيلَ، قالَ: حَدَّثَني ضَمْضَمٌ، عَنْ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبي مالِكٍ قالَ: قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنا بِكَلِمَةٍ نَقُولُها إِذا أَصْبَحْنا وَأَمْسَيْنا واضْطَجَعْنا فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَقولُوا: اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّمَواتِ والأَرْضِ عالِمَ الغَيْبِ والشَّهادَةِ أَنْتَ رَبُّ كُلِّ شَيء والمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ أَنَّكَ لا إله إِلَّا أَنْتَ فَإِنّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ أَنْفُسِنا وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ وَشِرْكِهِ وَأَنْ نَقْتَرِفَ سُوءًا عَلَى أَنْفُسِنا أَوْ نَجُرَّهُ إِلَى مُسْلِمٍ (¬1). 5084 - قالَ أَبُو داوُدَ: وَبِهَذا الإِسْنادِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِذا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: أَصْبَحْنا وَأَصْبَحَ المُلْكُ للَّه رَبِّ العالَمِينَ اللَّهُمَّ إِنّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ هذا اليَوْمِ: فَتْحَهُ وَنَصْرَهُ وَنُورَهُ وَبَرَكَتَهُ وَهُداهُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما فِيهِ وَشَرِّ ما بَعْدَهُ، ثُمَّ إِذا أَمْسَى فَلْيَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ" (¬2). 5085 - حَدَّثَنا كَثِيرُ بْن عُبَيْدِ، حَدَّثَنا بَقِيَّةُ بْنُ الوَلِيدِ عَنْ عُمَرَ بْنِ جُعْثُمٍ، قالَ: حَدَّثَني الأَزْهَرُ بْن عَبْدِ اللَّهِ الحَرازي، قالَ: حَدَّثَني شَرِيقٌ الهَوْزَني قالَ: دَخَلْتُ عَلَى عائِشَةَ رضي اللَّه عنها فَسَأَلْتُها بِمَ كانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَفْتَتِحُ إِذا هَبَّ مِنَ اللَّيْلِ؟ فَقالَتْ لَقَدْ سَأَلْتَني عَنْ شَيء ما سَأَلَني عَنْهُ أَحَدٌ قَبْلَكَ كانَ إِذا هَبَّ مِنَ اللَّيْلِ كَبَّرَ عَشْرًا وَحَمِدَ عَشْرًا وقالَ: "سُبْحانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ". عَشْرًا وقالَ: "سُبْحانَ المَلِكِ القُدُّوسِ". عَشْرًا، واسْتَغْفَرَ عَشْرًا، وَهَلَّلَ عَشْرًا ثُمَّ قالَ: "اللَّهُمَّ إِنّي أَعُوذُ بكَ مِنْ ضِيقِ الدُّنْيا وَضِيقِ يَوْمِ القِيامَةِ". عَشْرًا ثُمَّ يَفْتَتِحُ الصَّلاةَ (¬3). 5086 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قالَ: أَخْبَرَني ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في "الكبير" 3/ 295 (3450). وضعفه الألباني. (¬2) رواه الطبراني في "مسند الشاميين" 2/ 447 (1675). وضعفه الألباني في "الضعيفة" (5606). (¬3) رواه النسائي في "الكبرى" (10707)، والبخاري في "التاريخ الكبير" 1/ 457. وصححه الألباني.

سُلَيْمانُ بْن بِلالٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِذا كانَ في سَفَرٍ فَأَسْحَرَ يَقُولُ: "سَمِعَ سامِعٌ بِحَمْدِ اللَّهِ وَنِعْمَتِهِ وَحُسْنِ بَلائِهِ عَلَيْنا، اللَّهُمَّ صاحِبْنا فَأَفْضِلْ عَلَيْنا عائِذًا باللَّهِ مِنَ النّارِ (¬1). 5087 - حَدَّثَنا ابن مُعاذٍ، حَدَّثَنا أَبِي، حَدَّثَنا المَسْعُودي، حَدَّثَنا القاسِمُ قالَ: كانَ أَبُو ذَرٍّ يَقُولُ: مَنْ قالَ حِينَ يُصْبِحُ اللَّهُمَّ ما حَلَفْتُ مِنْ حَلِفٍ أَوْ قُلْتُ مِنْ قَوْلٍ، أَوْ نَذَرْتُ مِنْ نَذْرٍ فَمَشِيئَتُكَ بَيْنَ يَدي ذَلِكَ كُلِّهِ ما شِئْتَ كانَ، وَما لَمْ تَشَأْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى وَتَجاوَزْ لي عَنْهُ، اللَّهمَّ فَمَنْ صَلَّيْتَ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ صَلاتي، وَمَنْ لَعَنْتَ فَعَلَيْهِ لَعْنَتي كانَ في اسْتِثْناءٍ يَوْمَهُ ذَلِكَ أَوْ قالَ ذَلِكَ اليَوْمَ (¬2). 5088 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنا أَبُو مَوْدُودٍ عَمَّنْ سَمِعَ أَبانَ بْنَ عُثْمانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُثْمانَ -يَعْني: ابن عَفّانَ- يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "مَنْ قالَ بِسْمِ اللَّهِ الذي لا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيء في الأَرْضِ وَلا في السَّماءِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ثَلاثَ مَرّاتٍ، لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلاءٍ حَتَّى يُصْبِحَ، وَمَنْ قالَها حِينَ يُصْبِحُ ثَلاثَ مَرّاتٍ، لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلاءٍ حَتَّى يُمْسَيَ". قالَ: فَأَصابَ أَبانَ بْنَ عُثْمانَ الفالِجُ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ الذي سَمِعَ مِنْهُ الحَدِيثَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ فَقالَ لَهُ: ما لَكَ تَنْظُرُ إِلي؟ فَواللَّهِ ما كَذَبْتُ عَلَى عُثْمانَ وَلا كَذَبَ عُثْمانُ عَلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولكن اليَوْمَ الذي أَصابَني فِيهِ ما أَصابَني غَضِبْتُ فَنَسِيتُ أَنْ أَقُولَها (¬3). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2718). (¬2) رواه عبد الرزاق 8/ 516 (16117)، والبيهقى فى "الأسماء والصفات" (345) من طريق أبي داود. (¬3) رواه الترمذي (3388)، وابن ماجه (3869)، وأحمد 1/ 62، والبخاري في "الأدب المفرد" (660)، والنسائي في "الكبرى" (10178). وصححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد" (514).

5089 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْنُ عاصِمٍ الأَنْطاكي، حَدَّثَنا أَنَسُ بْنُ عِياضٍ، قالَ: حَدَّثَني أَبُو مَوْدُودٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبانَ بْنِ عُثْمانَ، عَنْ عُثْمانَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نَحْوَهُ لَمْ يَذْكُرْ قِصَّةَ الفالِجِ (¬1). 5090 - حَدَّثَنا العَبّاسُ بْن عَبْدِ العَظِيمِ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ المَلِكِ بْن عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الجَلِيِلِ بْنِ عَطَيَّةَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مَيْمُونٍ، قالَ: حَدَّثَني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي بَكْرَةَ أَنَّهُ قالَ لأبِيهِ: يا أَبَةِ إِنّي أَسْمَعُكَ تَدْعُو كُلَّ غَداةٍ، اللَّهُمَّ عافِني في بَدَني، اللَّهمَّ عافِني في سَمْعي، اللَّهُمَّ عافِني في بَصَري لا إله إِلا أَنْتَ تُعِيدُها ثَلاثًا حِينَ تُصْبحُ وَثَلاثًا حِينَ تُمْسي. فَقالَ: إِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَدْعُو بِهِنَّ فَأَنا أُحِبُّ أَنْ أَسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ. قالَ عَبّاسٌ فِيهِ: وَتَقُول اللَّهُمَّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الكُفْرِ والفَقْرِ اللَّهُمَّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذابِ القَبْرِ لا إله إِلَّا أَنْتَ تُعِيدُها ثَلاثًا حِينَ تُصْبِحُ وثَلاثًا حِينَ تُمْسي، فَتَدْعُو بِهِنَّ فَأُحِبُّ أَنْ أَسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ، قالَ: وقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "دَعَواتُ المَكْرُوبِ اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلا تَكِلْني إِلَى نَفْسي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لي شَأْني كُلَّهُ لا إله إِلَّا أَنْتَ". وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ عَلَى صاحِبِهِ (¬2). 5091 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المِنْهالِ، حَدَّثَنا يَزِيدُ -يَعْني: ابن زُرَيْعٍ-، حَدَّثَنا رَوْحُ ابْنُ القاسِمِ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ سُمَى، عَنْ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ قالَ حِينَ يُصْبِحُ: سُبْحانَ اللَّهِ العَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ، وَإِذا أَمْسَى كَذَلِكَ لَمْ يُوافِ أَحَدٌ مِن الخَلِاِئِقِ بِمثْلِ ما وافَى" (¬3). * * * ¬

_ (¬1) انظر السابق. (¬2) رواه أحمد 5/ 42، والبخاري في "الأدب المفرد" (701)، والنسائي في "الكبرى" (9850). وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (1210). (¬3) رواه ابن حبان (860)، والبيهقي في "الدعوات الكبير" (39). ورواه مسلم بنحوه (2692).

باب ما يقول إذا أصبح [5067] (ثنا مسدد، ثنا هشيم) (¬1) بن بشير السلمي (عن يعلى بن عطاء) الطائفي، أخرج له مسلم. (عن عمرو بن عاصم) بن سفيان الثقفي، وثقه أحمد (¬2)، ليس له في هذا الكتاب عن أبي هريرة غير هذا الحديث، وكذا عند البقية، ورواه الترمذي في الدعوات (¬3). (عن أبي هريرة: أن أبا بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- قال: يا رسول اللَّه، مرني) أي: علمني، بصيغة الأمر، ليكون أقوى في العمل به (بكلمات) جمع قلة، أي: كلمات يسيرة جامعة للمعاني الكثيرة، والفوائد السنية (أقولهن إذا أصبحت وإذا أمسيت) خص هذين الوقتين بالذكر؛ لأن الدعاء تكرر الأمر به في كتاب اللَّه بألفاظ مختلفة. (قال: قل: اللهم فاطر) منادى مضاف (السموات والأرض) أي: ابتدأهما وابتدعهما على غير مثال سبق (عالم الغيب والشهادة، رب كل شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي) اختلف العلماء في المراد بالنفس على أقوال؛ قيل: للعلماء فيها ألف قول، فقيل: هي الروح. وقيل: غيرها، والمراد به -واللَّه أعلم- هنا هو الأصل الجامع للصفات المذمومة من الإنسان، كالشهوة والغضب ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 22/ 85. (¬3) "سنن الترمذي" (3392).

ونحوهما، ومنه حديث: "أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك". رواه البيهقي في كتاب "الزهد" (¬1)، لكن فيه محمد بن عبد الرحمن بن غزوان الوضاع. (وشر الشيطان وشركله) قال النووي وغيره: رويناه على وجهين: أظهرهما وأشهرهما بكسر الشين مع إسكان الراء، من الإشراك باللَّه تعالى. [أي: ما يدعو إليه ويوسوس به، مما يؤدي إلى الإشراك باللَّه تعالى] (¬2). والثاني: بفتح الشين والراء، أي: حبائله ومصائده التي يفسد بها أحوال الناس. واحدها: شركة بفتح الشين والراء والكاف، ثم هاء (¬3). ومنه حديث: كالطير الحذر، يرى أن له في كل طريق شركًا يقع فيه (¬4). (قال: قلها إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك) بفتح الجيم وكسرها، أي: وإذا أردت النوم في مضجعك، وهو الفراش. [5068] (ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا وهيب) (¬5) بن خالد الباهلي (ثنا سهيل) بن أبي صالح (عن أبيه) أبي صالح السمان (عن أبي هريرة، عن ¬

_ (¬1) "الزهد الكبير" (343). (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) "الأذكار" (ص 78). (¬4) هذا أثر من قول ابن عباس في عمر -رضي اللَّه عنه- رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 44/ 312 من طريق ابن أبي الدنيا. (¬5) فوقها في (ل): (ع).

النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه كان يقول إذا أصبح: اللهم بك) أي: بقدرتك وإرادتك (أصبحنا، وبك أمسينا، وبك نحيا) بفتح النون (وبك نموت، وإليك النشور) إذا عاشوا بعد الموت وانتشروا في أرض المحشر يوم القيامة. لفظ الترمذي: "وإليك المصير" (¬1). (وإذا أمسى قال: اللهم بك أمسينا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك النشور) لفظ ابن ماجه: "إذا أمسيتم فقولوا: اللهم بك أمسينا، وبك أصبحنا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك (¬2) المصير" (¬3). [5069] (ثنا أحمد بن صالح) المصري الطبري، شيخ البخاري (ثنا) محمد بن إسماعيل (ابن أبي (¬4) فديك) الديلي مولاهم (أخبرني عبد الرحمن بن عبد المجيد) السهمي، قيل: مجهول (¬5). قال المنذري: عبد الرحمن بن عبد المجيد، كذا وقع في أصل سماعنا، وفي غيره، والصحيح: عبد الرحمن بن عبد الحميد (¬6)، وهو أبو (¬7) رجاء المهري مولاهم المصري المكفوف (¬8). قال ابن يونس: كان يحدث حفظًا، وكان أعمى، وذكره ابن عبد ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (3391). (¬2) في الأصول: إليه. والمثبت من "سنن ابن ماجه". (¬3) "سنن ابن ماجه" (3868). (¬4) فوقها في (ل): (ع). (¬5) انظر: "التقريب" (3934). (¬6) في (ل)، (م): عبد المجيد. والمثبت هو الصواب. (¬7) في (م): ابن. (¬8) "مختصر سنن أبي داود" 7/ 331.

المجيد في "تاريخ المصريين" وله العناية المعروفة بأهل بلده. قال: وذكر غيره أيضًا كذلك. قال شيخنا: وابن عبد الحميد (¬1) ثقة (¬2). (عن هشام بن الغاز) بفتح الغين المعجمة، وبعد الألف زاي معجمة، كذا ضبطه ابن ماكولا (¬3). (ابن ربيعة) الجرشي بضم الجيم بعدها راء مفتوحة، ثم شين معجمة الدمشقي، نزيل بغداد، ثقة عابد (عن مكحول الدمشقي) فقيه الشام، أخرج له مسلم. (عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: من قال حين يصبح أو) حين (يمسي: اللهم إني أصبحت) وحين يمسي: اللهم إني أمسيت (أشهدك، وأشهد حملة عرشك) قال البغوي: جاء في الحديث: "إن حملة العرش اليوم أربعة، فإذا كان يوم القيامة أمدهم (¬4) اللَّه بأربعة أخرى" (¬5) (وملائكتك) بالنصب، وهو من عطف العام على الخاص؛ كقوله تعالى: {إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ} (¬6). ¬

_ (¬1) في الأصول: عبد المجيد. والمثبت من "التقريب". (¬2) "تقريب التهذيب" (3931). (¬3) "الإكمال" 7/ 44. (¬4) في (ل)، (م): اتخذهم. والمثبت من كتب التخريج. (¬5) الحديث رواه الطبري في "تفسيره" 3/ 583 بإسناده عن ابن زيد قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. . . فذكره، وفي 23/ 584 بإسناده عن أبي إسحاق بلاغًا عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ورواه أبو الشيخ في "العظمة" 3/ 957 (983) عن وهب رحمه اللَّه، وانظر: "العرش" للذهبي 1/ 344 - 345. (¬6) الأنعام: 162.

وللبيهقي في "مختصر دعوات ابن خزيمة": "أشهدك وأشهد ملائكتك وحملة عرشك" (¬1) وهو أولى؛ لأن عطف الخاص على العام أكثر (و) أشهد (جميع خلقك) وللبيهقي في "مختصر الدعوات": "وأشهد من في السموات، وأشهد من في الأرض" (¬2) (أنك أنت اللَّه، لا إله إلا أنت) زاد النسائي: "وحدك لا شريك لك" (¬3) (وأن محمدًا عبدك ورسولك أعتق اللَّه ربعه من النار) واختص بالربع؛ لأنها شهادة بالوحدانية، ونفي الشرك والشركاء، كما أن {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} (¬4) براءة من الشرك كانت قراءتها تعدل ربع القرآن (¬5). وفي رواية للبيهقي: "أعتق اللَّه ثلثه من النار" (¬6)، كما أن سورة الإخلاص شهادة بالوحدانية الصرف. (ومن قالها مرتين أعتق اللَّه نصفه) من النار، ويشبه أن يكون عتق الربع والنصف في حال الدنيا، فإذا كان يوم القيامة عتق كله من النار، كما قال الفقهاء: العتق لا يتجزأ، فاللَّه تعالى أكرم من أن يحكم في شريعته أن عتق الرقيق لا يتجزأ، بل يسري إليه ولعتق جميعه، ولا يحكم بذلك في الآخرة، وكرم اللَّه أعظم من ذلك. ¬

_ (¬1) "الدعوات الكبير" 1/ 144 (193). (¬2) "الدعوات الكبير" 1/ 144 (193). (¬3) "سنن النسائي الكبرى" 6/ 6 (9837، 9838). (¬4) الكافرون: 1. (¬5) رواه أحمد 3/ 146، والترمذي (2893) من حديث أنس، ورواه الترمذي (2894)، والحاكم 1/ 565 من حديث ابن عباس. (¬6) "الدعوات" (193) من حديث أبي هريرة عن سلمان الفارسي مرفوعًا.

(ومن قالها ثلاثًا) ومات من ليلته (أعتق اللَّه ثلاثة أرباعه) من النار (فإن قالها أربعًا أعتقه اللَّه) جميعه (من النار) وهذا مما ينبغي الاعتناء به والمحافظة عليه؛ فإن لفظه سهل وثوابه عظيم النفع والقدر، رزقنا اللَّه المداومة عليه. [5070] (ثنا أحمد) بن عبد اللَّه (بن يونس) اليربوعي (ثنا زهير، ثنا الوليد بن ثعلبة) الطائي العبدي البصري، ثقة (عن) عبد اللَّه (ابن بريدة، عن أبيه) (¬1) بريدة بن الحصيب. (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: من قال حين يصبح أو حين يمسي: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك على عهد ووعدك) يعني: العهد الذي أخذه اللَّه تعالى على عباده في أصل خلقهم حين أخرجهم من أصلاب آبائهم أمثال الذر {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} (¬2)، فأقروا له في أصل خلقهم بالربوبية، وأذعنوا له بالوحدانية. والوعد هو ما وعدهم اللَّه أن من مات منهم لا يشرك باللَّه شيئًا، وأدى ما افترض اللَّه عليه أن يدخله الجنة، فينبغي لكل مؤمن أن يدعو اللَّه أن يميته على ذلك العهد وأن يتوفاه على الايمان؛ لينال ما وعده اللَّه تعالى، واقتداء بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. (ما استطعت) أي: أنا مقيم على عهدك قدر الوسع والطاقة، وإن كنت لا أقدر أن أبلغ كنه الواجب علي من ذلك، فإن اللَّه لا يكلف النفس إلا وسعها، ويتجاوز عما دون ذلك مما لا يُستطاع. ¬

_ (¬1) من المطبوع. (¬2) الأعراف: 172.

(أعوذ بك من شر) كل (ما صنعت) أي: عملته من الذنوب والمعاصي (أبوء) أي: أعترف وأقر، من قولهم: باء بحقه، أي: اعترف، وأصله اللزوم، ومنه: "باء به أحدهما" أي: التزمه ورجع به. (بنعمتك) مفرد بمعنى الجمع، أي: بنعمك السابقة ظاهرة وباطنة (وأبوء بذنبي) قال الخطابي: وفيه معنى ليس في الأول، تقول العرب: باء فلان بذنبه، إذا احتمله كرهًا لا يستطيع دفعه عن نفسه (¬1). وقال غيره: رجعت إلى الإقرار بعد الإنكار (فاغفر لي؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) كقوله تعالى: {فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} (¬2) والمغفرة معناها الستر، ونقل ابن الجوزي عن بعضهم أنها مأخوذة من الغفر، وهو نبت يداوى به الجرح، إذا ذُرَّ عليه أبرأه (¬3). (فمات من يومه أو) قالها من الليل فمات (من ليلته دخل الجنة) لفظ ابن ماجه: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من قالها في يومه وليلته فمات في ذلك اليوم أو تلك الليلة دخل الجنة إن شاء اللَّه تعالى" (¬4). فإن قلت: المؤمن وإن لم يقلها هو يدخل الجنة أيضًا. فالجواب: أن المراد أنه يدخلها ابتداءً من غير دخول النار؛ لأن كثيرا منهم يدخلون النار ثم يخرجون منها، أو لأن المؤمن يوفق ببركتها فلا يعصي اللَّه تعالى، أو لأن اللَّه يعفو عنه بسبب هذا الاستغفار. وهذا الحديث أخرجه البخاري ¬

_ (¬1) "معالم السنن" 4/ 134 - 135. (¬2) آل عمران: 135. (¬3) "نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر" (ص 90). (¬4) "سنن ابن ماجه" (3872).

والنسائي من حديث عبد اللَّه بن بريدة، عن بشير بن كعب عن شداد بن أوس بنحوه، وقال فيه: "سيد الاستغفار" (¬1). [5071] (ثنا وهب بن بقية) الواسطي، شيخ مسلم (عن خالد) بن عبد اللَّه الواسطي الطحان (ح، وثنا محمد بن قدامة بن أعين) المصيصي، ثقة (ثنا جرير، عن الحسن بن عبيد اللَّه) بالتصغير، ابن عروة النخعي الكوفي، أخرج له مسلم. (عن إبراهيم بن سويد) أخرج له مسلم، النخعي (عن عبد الرحمن بن يزيد) النخعي (عن عبد اللَّه) بن مسعود -رضي اللَّه عنه- (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يقول إذا أمسى: أمسينا وأمسى) تدبير (الملك) وتصريفه (للَّه) يتصرف فيه كيف يشاء من غير معين ولا ظهير (والحمد للَّه) على ما أمسى بي من النعم (لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأما زبيد) (¬2) بضم الزاي وفتح الموحدة مصغر، وهو ابن الحارث اليامي، فإنه (كان يقول: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) و (زاد في حديث جرير) بن عبد الحميد أحد الرواة (له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير (¬3)، رب (¬4) أسألك) من (خير ما في هذِه الليلة) أي: أسألك أن ترزقني من كل خير قدرته في هذِه ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (6306)، "المجتبى" 8/ 279. (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) هكذا في (ل، م): تكررت الزيادة مرتين مرة مع زبيد وأخرى مع جرير، بينما جاء في المطبوع من "السنن": زاد في حديث جرير: وأما زبيد كان يقول: كان إبراهيم ابن سويد يقول. . فذكره بالزيادة مرة واحدة من طريق جرير عن زبيد. (¬4) ساقطة من (م).

الليلة وأنعمت (و) من (خير ما بعدها) من الليالي. (وأعوذ بك من شر ما) أي: أعوذ بك من كل شيء قدرته (في هذِه الليلة) المستقبلة (و) من (شر ما) يأتي (بعدها، رب أعوذ بك من الكسل) وهو التثاقل في العبادة والقيام إليها بغير نشاط (ومن سوء الكبر) (¬1) يروى للمصنف. ولمسلم بروايتين، فتح الباء وإسكانها (¬2)، فبالإسكان التعظيم على الناس؛ لما يحصل من كبر النفس المحرم المؤدي إلى احتقار الناس، وبفتح الباء بمعنى كبر السن والهرم، والخرف [والرد] (¬3) إلى أرذل العمر. ذكر الخطابي الوجهين ورجح الفتح. ورواية الكبر غريبة جدًّا، قال القاضي؛ وهذا أظهر، ويعضده رواية النسائي: "وسوء العمر" (¬4). وأما رواية الكفر بالفاء بدل الباء؛ فهي مختصة برواية المصنف، وهي غريبة جدًّا ولها وجه. (رب أعوذ بك من) كل (عذاب في النار و) كل (عذاب في القبر) وزاد في رواية لمسلم: (بعد سوء الكبر) "وفتنة الدنيا" (¬5). (وإذا أصبح [قال] مثل (ذلك أيضًا: أصبحنا وأصبح الملك للَّه. .) الحديث إلى آخره. (قال) المصنف (رواه شعبة عن سلمة بن كهيل، عن إبراهيم بن سويد) النخعي، و (قال: من سوء الكبر، ولم يذكر سوء الكفر). ¬

_ (¬1) بعدها في (ل)، (م): الكفر، وعليها: خـ. (¬2) "صحيح مسلم" (2723)، وانظر "المشارق" للقاضي عياض 1/ 333. (¬3) ساقطة من (ل)، (م)، والمثبت من كتب التخريج. (¬4) "المجتبى" 8/ 256. (¬5) "صحيح مسلم" (2723/ 76).

[5072] (ثنا حفص بن عمر) الحوضي، شيخ البخاري (ثنا شعبة عن أبي عقيل) بفتح المهملة وكسر القاف، اسمه هاشم بن بلال الدمشقي، ثقة (عن سابق بن ناجية) مقبول، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬1)، ليس له غير هذا الحديث. (عن أبي سلام) بتشديد اللام، اسمه ممطور الحبشي، وليس هو من بلاد الحبشة، لكنه منسوب إلى حبش حي من حمير، وقيل: من خثعم. أخرج له مسلم، وغالب رواياته مرسلة (¬2). (أنه كان في مسجد حمص، فمر به رجل، فقالوا: هذا خدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) قال مسلم: في كتاب (¬3) "الكنى" ممطور روى عن ثوبان (¬4). فيحتمل أن يكون هو هذا الرجل المبهم في هذا الحديث، هو ثوبان ابن بجدد، مولى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإنه اشتراه وأعتقه وخدمه، ولم يزل معه سفرًا وحضرًا، ثم نزل الشام بالرملة. (فقام إليه، فقال: حدثني بحديث سمعته من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يتداوله بينك وبينه من الرجال) فيه: الاحتراص على سماع ما قرب من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سنده، والاعتناء بتحصيله وسماعه (قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: من قال إذا أصبح وإذا أمسى: رضيت باللَّه ربًّا) أي (¬5): اطمأنت بكونه ربه ¬

_ (¬1) "الثقات" 6/ 433 (8448). (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 28/ 484 (6172)، "تقريب التهذيب" (6879). (¬3) في الأصول: كل. ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬4) "الكنى" (1530). (¬5) ساقطة من (م).

نفسه، وخالطت البشاشة قلبه، فلم يطلب منه غيره (و) رضي (بالإسلام دينًا) وشريعة، فسهلت عليه شريعة ربه وطاعاته التي يتقرب بها، فاستلذ بها (وبمحمد -صلى اللَّه عليه وسلم- مرسولا) وعلامة الرضا برسالته التمسك بها والاقتداء بأفعاله وأقواله. ورواية ابن ماجه: "وبمحمد نبيًّا" وزاد بعد قوله: (أن يرضيه): "يوم القيامة" (¬1) (إلا كان حقًّا على اللَّه) أي: محققًا لا محالة (أن يرضيه) مقابلة لرضاه به وبالإسلام والرسالة كرمًا منه وامتنانًا (¬2). [5073] (حدثنا أحمد بن صالح) المصري (ثنا يحيى بن حسان) التنيسي، أخرج له الشيخان (وإسماعيل) بن أبي أويس (¬3) (قالا: ثنا سليمان بن بلال) مولى الصديق. (عن ربيعة (¬4) بن أبي عبد الرحمن) فروخ مولى المنكدر (عن عبد اللَّه (¬5) بن عنبسة) قال شيخنا ابن حجر: مقبول (¬6). وسئل عنه أبو زرعة، فقال: مدني، ولا أعرفه إلا في هذا الحديث؛ حديث: "من قال إذا أصبح" (¬7). ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (3870). (¬2) في (م): وإحسانًا. (¬3) في الأصول: عليه. وفوقها: خـ. والمثبت من الحاشية، وهو الصواب كما في ترجمة شيخه سليمان بن بلال. (¬4) فوقها في (ل): (ع). (¬5) فوقها في (ل): (د، س). (¬6) "تقريب التهذيب" (3517). (¬7) "الجرح والتعديل" 5/ 133.

(عن عبد اللَّه بن غنام) بفتح الغين المعجمة وتشديد النون (البياضي) منسوب إلى بياضة بطن من الأنصار، يعد في أهل الحجاز -رضي اللَّه عنه-. (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: من قال حين يصبح: اللهم ما أصبح بي من نعمة) أي: كل ما أصبح من النعم التي لا تُحصى. وزاد النسائي بعد قوله: (من نعمة): "أو بأحد من خلقك" (¬1). وأخرجه ابن حبان في "صحيحه" بهذِه الزيادة (¬2). (فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد) كله (ولك الشكر) كله (فقد أدى شكر) نعم (يومه) ذلك الذي هو مأمور به. (ومن قال مثل ذلك حين يمسي) يعني: يقول: اللهم ما أمسى بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد (فقد أدى شكر ليلته) أي: قام بما عليه من شكر نعم اللَّه فيها. [5074] (ثنا يحيى بن موسى البلخي) السختياني، شيخ البخاري. (ثنا وكيع، ح، وثنا عثمان) بن أبي شيبة. (ثنا) عبد اللَّه (ابن نمير) (¬3) بضم النون مصغر، الهمداني الكوفي. (ثنا عبادة (¬4) بن مسلم) كذا لابن ماجه (¬5)، وهو الصحيح (الفزاري) بفتح الفاء والزاي المخففة، نسبة إلى فزارة بن ذبيان قبيلة كبيرة من قيس ¬

_ (¬1) "سنن النسائي الكبرى" 6/ 5 (9835). (¬2) "صحيح ابن حبان" 3/ 142 (861). (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) أمامها في هامش (ل): عباد، وعليها: نسخة. (¬5) "سنن ابن ماجه" (3871).

عيلان، وعبادة وثقه ابن معين (¬1) والنسائي (¬2)، وليس له في الكتب الستة غير حديثين أحدهما هذا. (عن جبير بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم) النوفلي المدني أخو عثمان، وثقه ابن معين (¬3)، وأبو زرعة (¬4). (قال: سمعت) عبد اللَّه (ابن عمر رضي اللَّه عنهما يقول: لم يكن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يدع هؤلاء الكلمات) (¬5) لفظ ابن ماجه: هؤلاء الدعوات (¬6) (حين يمسي وحين يصبح: اللهم إني أسألك العافية) وهي أن يسلم من الأسقام والبلايا، وهي الصحة وضد المرض والسقم (في) الدين و (الدنيا والآخرة) والعافية في الآخرة أبلغ (اللهم إني أسألك العفو) وهو محو الذنوب والخطايا (والعافية في ديني) وهي سلامة الطاعة والعبادات مما يعرض لها من الآفات، والإيمان من الشكوك أو المخالفات (ودنياي) بألف ساكنة بين الياءين المفتوحتين؛ كقوله تعالى: {وَمَحْيَايَ} (¬7)، وعافية الدنيا سلامة البدن عن اعتداله الطبيعي (وأهلي ومالي) بأن تحفظ من المتلفات والنقص في غير طاعة. (اللهم استر عورتي) على الإفراد (وقال عثمان) بن أبي شيبة في ¬

_ (¬1) "تاريخ ابن معين"، رواية الدوري 3/ 371، ورواية الدارمي (484). (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 14/ 191. (¬3) "تاريخ ابن معين" رواية الدارمي (209). (¬4) "الجرح والتعديل" 2/ 513. (¬5) بعدها في الأصول: الدعوات، وعلى (الكلمات): خـ، وعلى (الدعوات): صح. (¬6) "سنن ابن ماجه" (3871). (¬7) الأنعام: 162.

روايته: "عوراتي"، واقتصر عليها ابن ماجه، وهي جمع عورة، وهي كل ما يستحيى منه إذا ظهر، ويدخل فيه ما يستحيى من ظهوره من الذنوب القبيحة والمعاصي، ويدخل في عمومه ستر العورات في الدنيا والآخرة، اللهم كما سترت عوراتنا في الدنيا استرها في الآخرة. (وآمن روعاتي) جمع روعة، وهي المرة الواحدة من الروع وهو الفزع، وفي حديث ابن عباس: إذا شمط الإنسان في عارضيه فذلك الروع (¬1) وكأنه أراد الإنذار بالموت. (اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي) من شر الإنس والجن والهوام، أو أن أتردى من بين يدي في بئر أو هوة أو يلحقني من خلفي شيء من المهالك (و) احفظني من شيء يأتيني من (عن يميني وعن شمالي) زاد ابن ماجه: "ومن فوقي" (¬2) (وأعوذ بعظمتك) من (أن أغتال من تحتي) أي: أؤخذ من تحتي بداهية لا أدري ممن هي. والاغتيال: أن يقتل من موضع لا يراه أحد ولا يعرف من قتله. (قال وكيع) بن الجراح: الاغتيال (¬3) (يعني: الخسف) خسف الأرض من تحتهم. [5075] (ثنا أحمد بن صالح) المصري (ثنا عبد اللَّه بن وهب، أخبرني عمرو) بن الحارث بن يعقوب الأنصاري (أن سالمًا الفراء) ¬

_ (¬1) لم أجده مسندًا، وقد أورده ابن الجوزي في "غريب الحديث" 1/ 421، وابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" 2/ 277. (¬2) "سنن ابن ماجه" (3871). (¬3) ساقطة من (م).

مقبول (¬1). (حدثه أن عبد الحميد مولى بني هاشم) مقبول (¬2) (حدثه أن أمه) وهي مجهولة (حدثته، وكانت تخدم بعض بنات النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن ابنة (¬3) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حدثتها أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يعلمها فيقول) فيه كما قال الأئمة: يجب (¬4) على الآباء والأمهات تعليم أولادهم البنين والبنات بعد السبع أحكام الاستنجاء والوضوء والصلاة وقراءة الفاتحة والتشهد والدعوات الجامعة لينشؤوا عليها. (قولي حين تصبحين: سبحان اللَّه وبحمده) سبحتك فلولا إنعامك بالتوفيق لنا لم نتمكن من ذلك (لا قوة) أي: لا تحصل لنا القوة على الطاعة (إلا باللَّه) وإعانته (ما شاء اللَّه) أي: كل الذي شاءه اللَّه تعالى أن يقع في الوجود (كان) واقعًا كما شاءه وأراده من غير نقص ولا زيادة، بل على الكيفية التي أراده، وفي الوقت الذي أراده. (و) كل (ما لم يشأ) أن يقع في الوجود (لم يكن) واقعًا، ولو اجتهد في تحصيل وقوعه كل المخلوقين (أعلم أن اللَّه على كل شيء قدير، وأن اللَّه قد أحاط بكل شيء علمًا) أي: أحاط علمه بكل شيء من الأشياء جليلها وحقيرها، وبلغ علمه إلى أقصاه فلا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض. ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب التهذيب" (2188). (¬2) انظر: "تقريب التهذيب" (3777). (¬3) قبلها في (ل)، (م): بنت. وعليها: خـ. (¬4) قبلها في (ل): أن.

(فإنه من قالهن حين يصبح حفظ) أي: حفظه اللَّه تعالى من كل سوء (حتى يمسي) من ليلته (ومن قالهن حين يمسي حفظ) من كل سوء أن يصيبه (حتى يصبح) من يومه. [5076] (ثنا أحمد بن سعيد) (¬1) بن بشر (الهمداني) بسكون الميم أبو جعفر المصري، صدوق (¬2) (ح، وثنا الربيع بن سليمان) الجيزي الأعرج ثقة (¬3) (النجاري) (¬4) بفتح النون، والجيم المشددة، نسبة إلى قبيلة من الخزرج يقال لهم: بنو النجار (عن محمد بن عبد الرحمن البيلماني) بفتح الموحدة واللام بينهما تحتانية ساكنة، الكوفي النحوي مولى عمر ابن الخطاب، ضعيف، قال فيه ابن معين: ليس بشيء (¬5). (قال الربيع) بن سليمان، شيخ المصنف، هو (ابن البيلماني، عن أبيه) عبد الرحمن بن البيلماني مولى عمر بن الخطاب، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬6)، وقال أبو حاتم: لين (¬7). قيل: إنه كان أشعر شعراء اليمن في عصره (¬8). (عن ابن عباس، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه من قال حين يصبح: سبحان ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (د). (¬2) انظر: "تقريب التهذيب" (38). (¬3) انظر: "تقريب التهذيب" (1893). (¬4) كذا في النسخ، وقد سقط قبلها عبارة: (قال ثنا ابن وهب قال: أخبرني الليث عن سعيد بن بشير) كما في "سنن أبي داود". (¬5) "تاريخ ابن معين" رواية الدارمي (740). (¬6) "الثقات" 5/ 91. (¬7) "الجرح والتعديل" 5/ 216. (¬8) انظر: "تهذيب الكمال" 8/ 17.

اللَّه) (¬1) كذا الرواية، وتلاوة القرآن {فَسُبْحَانَ اللَّهِ} بزيادة الفاء ({حِينَ تُمْسُونَ}) قيل لابن عباس: هل تجد الصلوات الخمس في القرآن؟ قال نعم: وتلا هذِه الآية (¬2)، فإن {تُمْسُونَ} يدخل فيه صلاة المغرب وصلاة العشاء ({وَحِينَ تُصْبِحُونَ}) (¬3) صلاة الفجر ({وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}) جملة اعتراضية بينهما، ومعناه: أن على كل من في السموات والأرض أن يحمدوه ({وَعَشِيًّا}) صلاة العصر ({وَحِينَ تُظْهِرُونَ}) (¬4) صلاة الظهر (إلى) قوله تعالى: ({وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ}) (¬5) من القبور وتبعثون (أدرك ما فاته من يومه) (¬6) من الأعمال الصالحة (ومن قالهن (¬7) حين يمسي أدرك ما فاته في ليلته) من الأعمال الصالحة والأقوال (قال الربيع) بن سليمان (عن الليث) بنحو ذلك. [5077] (ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد) بن سلمة (ووهيب نحوه، عن سهيل) بن أبي صالح (عن أبيه) أبي صالح ذكوان (عن ابن أبي عائش. وقال حماد) بن سلمة (عن أبي عياش) وهو الصحيح إن شاء اللَّه تعالى، وكذا رواية ابن ماجه والنسائي (¬8)، وكذا ذكره ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل). (¬2) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 103، والطبري في "تفسيره" 10/ 174، والطبراني 1/ 247 (10596)، والحاكم 2/ 412، والبيهقي 1/ 359. (¬3) الروم: 17. (¬4) الروم: 18. (¬5) الروم: 19. (¬6) بعدها في (ل)، (م): رواية: في يومه. (¬7) بعدها في (ل): قالها. وعليها: خـ. (¬8) "سنن النسائي الكبرى" 6/ 11، "سنن ابن ماجه" (3867).

المنذري (¬1)، واسمه زيد بن الصامت الأنصاري الزرقي (¬2)، قال: وذكره أبو أحمد الكرابيسي في كتاب "الكنى" وقال: له صحبة من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3) (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: من قال إذا أصبح: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير؛ كانت له عدل) بفتح العين، بمعنى: المثل، وقيل: بالفتح: ما عادل الشيء من جنسه، وبالكسر: ما ليس من جنسه. في بعض النسخ المعتمدة بنصب اللام. (رقبة) الرقبة في الأصل: العتق، فجعلت كناية عن جميع بدن الإنسان، تسمية للشيء ببعضه مجازًا. (من ولد إسماعيل) ولابن حبان في "صحيحه": "وكن له عدل أربع رقاب، وكن له حرسًا حتى يصبح" (¬4). (وكتب له عشر حسنات) لفظ ابن ماجه: "ورفع له عشر درجات" (¬5) (وحط عنه) من ذنوبه المكتتبة عليه. (عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكان في حرز) أي: حصن منيع (من الشيطان) يومه ذلك (حتى يمسي، وإن قالها إذا أمسى) بعد المغرب (كان له مثل ذلك حتى يصبح) و (قال في حديث حماد) بن سلمة (فرأى رجل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فيما يرى النائم، فقال: يا رسول اللَّه، ¬

_ (¬1) "مختصر سنن أبي داود" 7/ 335. (¬2) في (ل): الأزرقي، وساقطة من (م) والمثبت من مصادر التخريج. (¬3) "مختصر سنن أبي داود" 7/ 338. (¬4) "صحيح ابن حبان" 5/ 369 (2023) من حديث أبي أيوب. (¬5) "سنن ابن ماجه" (3867).

إن أبا عياش) الزرقي (يحدث عنك بكذا وكذا) لفظ ابن ماجه: يروي عنك كذا وكذا (¬1) (قال: صدق أبو عياش) فيما حدث عني. (قال) المصنف (رواه إسماعيل بن جعفر) المدني (وموسى) بن يعقوب بن عبد اللَّه بن وهب بن زمعة القرشي (الزمعي) بفتح الزاي وسكون الميم (¬2)، وفي آخرها عين مهملة، كذا ضبطه ابن السمعاني في "الأنساب" وقال: هذِه النسبة إلى جده، ثم قال: وكان ثقة (¬3). (وعبد اللَّه بن جعفر، عن سهيل، عن أبيه، عن ابن عائش) قال أبو بكر الخطيب: عند القاضي -يعني: أبا عمر- الهاشمي شيخه، عن ابن أبي عائش، وكذا عند غيره (¬4). [5079] (¬5) (ثنا إسحاق بن إبراهيم) بن يزيد (أبو النضر الدمشقي) الفراديسي، شيخ البخاري (ثنا محمد بن شعيب) بن شابور الدمشقي، من كبار محدثي الشام، الثقة. (قال: أخبرني أبو سعيد الفلسطيني) بكسر الفاء وفتح اللام، واسمه (عبد الرحمن بن حسان) الكناني، قال الدارقطني: لا بأس به (¬6). (عن الحارث بن مسلم) ويقال: مسلم بن الحارث التميمي كما سيأتي (أنه أخبره عن أبيه مسلم بن الحارث) بن بدل (التميمي) وليس ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (3867). (¬2) مقابلها في هامش (ل): وفتح الميم، ولعلها نسخة. (¬3) "الأنساب" 6/ 317. (¬4) انظر: "مختصر سنن أبي داود" للمنذري 7/ 337. (¬5) سقط الحديث رقم [5078]. (¬6) "سؤالات البرقاني" (276).

له غير هذا الحديث. (عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه أسر إليه فقال) وفيه إسرار العلم وتخصيص بعض الأصحاب بشيء على سبيل الهدية والتحفة، وليس هذا من إخفاء العلم؛ بل هو تخصيص بعض الأصحاب بشيء لينقله عنه ويشيعه عنه؛ فقال: (إذا انصرفت من صلاة المغرب) يشبه أن المراد: إذا خرج من صلاة المغرب وهو جالس (فقل: اللهم أجرني من النار -سبع مرات- فإنك إذا قلت ذلك ثم مت في ليلتك (¬1) كتب لك جوار) بكسر الجيم، أي: أمان (منها) ومن الخوف من دخولها. (وإذا صليت الصبح فقل كذلك) سبع مرات (فإنك إن مت من (¬2) يومك كتب لك جوار) روي جواز (¬3) (منها) كما تقدم. (أخبرني أبو سعيد) عبد الرحمن بن حسان الفلسطيني (عن الحارث) ابن مسلم (أنه قال: أسرها إلينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) وخصنا بها (فنحن نخص بها إخواننا) وأصحابنا ينتفعون بها. وفيه: أن الموت لا يعرف متى مجيئه، وما من ليلة إلا ويحتمل أن يموت فيها، ولا يلزم أن يتقدمه مرض ولا ألم يعرف به، وأنه ينبغي للمؤمن أن يكون على يقظة خائفا أن يموت من ليلته، فيتحفظ بالتعوذ من النار، فما من أحد إلا واردها، إلا من ينجيه اللَّه من المتقين. [5080] (ثنا عمرو بن عثمان) بن سعيد (الحمصي) صدوق حافظ ¬

_ (¬1) بعدها في (ل): من ليلتك. وعليها: خـ. (¬2) في المطبوع من "السنن": في. (¬3) رواه ابن حبان في "صحيحه" 5/ 366 (2022).

(ومؤمل بن الفضل الحراني، وعلي بن سهل) بن قادم (الرملي) سكن الرملة، قال النسائي: نسائي ثقة (¬1). (ومحمد بن المصفي الحمصي، قالوا: ثنا الوليد) بن مسلم، عالم الشام، يقال: إنه من كتب مصنفاته صلح للقضاء، وهي سبعون كتابًا. (ثنا عبد الرحمن بن حسان الكناني) الفلسطيني (حدثني مسلم بن الحارث بن مسلم التميمي) قال الدارقطني: مجهول، قليل الحديث (¬2). (عن أبيه) الحارث بن مسلم بن الحارث، أبو مسلم (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال نحوه، إلى قوله: "كتب لك" (جوار منها، إلا أنه قال فيهما) أي: عند قوله: "فقل: اللهم أجرني من النار قبل أن تكلم أحدًا) بشيء من كلام الآدميين، أما رد السلام وتشميت العاطس ونحو ذلك فلا يضر. (قال ابن سهل: إن أباه [حدثه] (¬3) وقال علي بن سهل (¬4) و) محمد (ابن المصفي: بعثنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في سرية) وهي التي تسري في آخر الليل للغزو (فلما بلغنا المغار) بضم الميم وتخفيف الغين المعجمة، موضع الإغارة، كالمقام موضع الإقامة، وهي الإغارة نفسها أيضًا؛ يقال: أغار على العدو، إغارة ومغارًا، وكذلك غار، وهم مغاورة، وفي الحديث: "من دخل إلى طعام لم يُدْعَ إليه دخل سارقًا وخرج مغيرًا" (¬5) وهو اسم فاعل من أغار: إذا نهب، شبه دخولهم عليه ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 20/ 456. (¬2) "سؤالات البرقاني" (495). (¬3) من المطبوع. (¬4) بعدها في (ل)، (م): فيه، وعليها في (ل): خـ. (¬5) تقدم برقم (3741) من حديث ابن عمر.

بدخول السارق وخروجه بمن أغار عليهم ونهبهم. (استحثثت فرسي) أي: حثثتها على العدو وحرضتها عليه (فسبقت أصحابي) إلى العدو (وتلقاني) أهل (الحي بالرنين) بفتح الراء وكسر النون الأولى، أي: بالصوت المرتفع، من قولهم: رن يرن رنينًا: إذا صوت، والرنة بفتح الراء وتشديد النون: الصوت، ورنت المرأة وأرنت: إذا صاحت، وأرنت القوس (¬1): صوتت. (فقلت لهم: قولوا: لا إله إلا اللَّه تحرزوا) بضم المثناة فوق وسكون الحاء المهملة وكسر الراء وتخفيف الزاي، ويجوز فتح الراء على البناء لما لم يسم فاعله، أي: تصونوا أنفسكم وأموالكم ودماءكم عن النهب، يقال: أحرزت الشيء أحرزه إحرازًا: إذا حفظته وضممته وصنته إليك عن الأخذ، وفي حديث يأجوج ومأجوج: "حرز عبادي إلى الطور" (¬2) أي: ضمهم إليه واجعله لهم حرزًا، وهذا نظير الحديث الصحيح: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا اللَّه، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم" (¬3). (فقالوها) أي: قالوا: لا إله إلا اللَّه، محمد رسول اللَّه (فلامني أصحابي) على ذلك (وقالوا: حرمتنا الغنيمة) أي: غنيمة أموالهم ونهبها منهم (فلما قدموا على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أخبروه بالذي صنعت) مع ¬

_ (¬1) في (ل/ م): النوق. والمثبت من حاشية (ل) وهو في كتب اللغة. انظر: "مجمل اللغة" لابن فارس 1/ 370، "الصحاح" 5/ 2127. (¬2) رواه مسلم (2937) من حديث النواس بن سمعان. (¬3) تقدم برقم (1556) من حديث أبي هريرة.

الحي الذين لقيناهم. وفيه: أن الإمام إذا جهز سرية ورجعوا إليه يخبرونه (¬1) بجميع ما وقع لهم؛ ليبين لهم الحسن مما فعلوه من القبيح (فحسن) بشديد السين المهملة (لي ما صنعت) أي: [جعل ما فعلت معهم حسنًا] (¬2) كما يقال: جود فعلي إذا جعله جيدًا. وفيه: استحباب قول الأمير والكبير ومن في معناه من فعل فعلا يستحسنه الشرع: أحسنت أو أصبت، وما في معناه، ومنه قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لأبي موسى وقد قدم عليه وهو منيخ في البطحاء: "بم (¬3) أهللت؟ " فقال: لبيك بإهلال كإهلال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. فقال: "قد أحسنت" متفق عليه (¬4)، ومنه ما رواه الطبراني بإسناد حسن قال: أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كتاب رجل، فقال لعبد اللَّه بن الأرقم: "أجب عني" فكتب جوابه، فقال: "أصبت وأحسنت" (¬5). (وقال: أما) بتخفيف الميم (إن اللَّه تعالى قد كتب لك من كل إنسان منهم) أي: من أهل الحي الذين قالوا معه (كذا وكذا) فيه ذكر ثواب من فعل جميلا وكثرة أجره؛ ليرغبه في فعل الخير، ويرغب غيره. (قال عبد الرحمن) بن حسان (فأنا نسيت الثواب) الذي ذكره (ثم قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أما إني سأكتب لك بالوصاءة) بفتح الواو وتخفيف الصاد ¬

_ (¬1) في الأصول: يخبروه. والصواب ما أثبتناه. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) في الأصول: بما. والجادة ما أثبتناه. (¬4) "صحيح البخاري" (1724)، "صحيح مسلم" (1221). (¬5) "المعجم الكبير" 14/ 407 (15035). وقال الهيثمي في "المجمع" 9/ 618: رواه الطبراني معضلًا، وإسناده حسن.

مع المد، يقال: وصيت إليه وصاءة ووصاية بالكسر والفتح لغة (بعدي. قال: ففعل) أي: كتب الكتاب (وختم عليه). وفيه: دليل على أن ختم كتاب السلطان والقضاة والحكام سنة متبعة؛ خوفًا من كشف أسرارهم، وإذاعة تدبيرهم، وقد صار ختم الكتاب سنة لفعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقيل: في قوله تعالى: {إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} (¬1): أنه كان مختومًا، وقد اتخذ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لختم الكتاب خاتمًا من فضة نقشه: محمد رسول اللَّه (¬2). (فدفعه (¬3) إلي وقال لي: ثم ذكر معناهم) أي: معنى ما ذكروه من الوصية به بعده. وفيه: أن وصية الإمام معمول بها من بعد موته إذا كانت من المصالح العامة. (وقال) محمد (ابن المصفى: سمعت الحارث بن مسلم بن الحارث التميمي يحدث عن أبيه) قيل فيه: مسلم بن الحارث. وقيل: الحارث بن مسلم. قال المنذري: صحح غير واحد أنه مسلم بن الحارث، وسئل أبو زرعة الرازي عن مسلم بن الحارث، أو الحارث بن مسلم؛ فقال: الصحيح: الحارث بن مسلم بن الحارث، عن أبيه (¬4). [5082] (¬5) (ثنا محمد بن المصفى، ثنا) محمد بن إسماعيل (ابن أبي ¬

_ (¬1) النمل: 29. (¬2) "صحيح البخاري" (65)، "صحيح مسلم" (2092) من حديث أنس. (¬3) بعدها في (ل): ودفعه، وعليها: خـ. (¬4) "مختصر سنن أبي داود" 7/ 340، "الجرح والتعديل" 3/ 87. (¬5) الحديث رقم [5081] ساقط.

فديك) الديلي (أخبرني) محمد بن عبد الرحمن (ابن أبي ذئب) العامري (عن أبي أسيد) وفي كتاب الترمذي: عن أبي سعيد البراد، وقال: هو أسيد بن أبي أسيد (¬1)، مدني. وفي كتاب النسائي: عن أسيد بن أبي (¬2). قال شيخنا ابن حجر: أبو أسيد صوابه: أبو سعيد بن أبي أسيد (¬3): يزيد، وهو صدوق، وأخرج له البخاري في "الأدب" (¬4) (البراد) بفتح الموحدة. (عن معاذ بن عبد اللَّه بن خبيب) بضم الخاء المعجمة وفتح الباء الأولى، مصغر (عن أبيه) خبيب (¬5) الجهني، حليف الأنصار. (أنه قال: خرجنا في ليلة) بالإضافة (مطر، وظلمة شديدة) وليس لعبد اللَّه بن خبيب في الكتب الستة سوى هذا الحديث. (نطلب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ ليصلي لنا (¬6)، فأدركناه) لفظ الترمذي: نطلب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي بنا، فأدركته (¬7). (فقال: أصليتم؟ فلم أقل شيئًا، فقال: قل. فلم أقل شيئًا) للمأمور بما لم يعلم ما أمر به أن يقول: لا أعلم ما أقول. وله أن يسكت كما في ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (3575)، وفيه: يصلي لنا. (¬2) "المجتبى" 8/ 250، وفيه: أبي أسيد، ولعلها سقطت من الناسخ. (¬3) "تقريب التهذيب" (7943). (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 3/ 236، "تقريب التهذيب" (510) ترجمة أسيد بن أبي أسيد. (¬5) كذا في النسخ، وسقط قبلها: عبد اللَّه بن. (¬6) في (م): معنا. (¬7) "سنن الترمذي" (3575)، وفيه: يصلي لنا.

الحديث، ومن الأول: "فقال: اقرأ. فقال: ما أنا بقارئ" (¬1). (ثم قال: قل. فلم أقل شيئًا. ثم قال: قل. قلت) في الثالثة (يا رسول اللَّه، ما أقول؟ قال: قل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)}) (¬2) وفي بعض النسخ حذف إحدى لفظتي قل اختصارًا، كما للترمذي (والمعوذتين) هما: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)} (¬3)، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)} (¬4)، وهو بكسر الواو؛ سميتا بذلك؛ لأنهما عوذتا قائلهما، أي: عصمتاه من كل سوء يناله، وصارتا له كالحصن والملجأ الذي يلتجئ إليه ويعتصم (حين تمسي وحين تصبح) أي: بعد صلاة المغرب وصلاة الفجر. ويحتمل أن يحصل الأجر من قرأهما قبل المغرب، فإنه من وقت المساء (ثلاث مرات تكفيك) كذا في النسخ: تكفيك، بثبوت الياء صفة للقول، والأظهر في القرينة حذف الياء على جواب الأمر (من كل شيء) أي: من كل سوء ومكروه في الدنيا وتعم لفظة (كل) ما يتخوف منه ويحتمل أن يراد: من كل مكروه في الدنيا والآخرة، وهو الأظهر. [5083] (ثنا محمد بن عوف) الطائي الحافظ (ثنا محمد بن إسماعيل) العنسي الحمصي قال المصنف: لم يكن بذاك (¬5). (حدثني أبي) إسماعيل بن عياش بالمثناة تحت والشين المعجمة، العنسي، عالم الشاميين. قال البخاري: إذا حدث عن الحمصيين ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3)، ومسلم (160) من حديث عائشة. (¬2) الإخلاص: 1. (¬3) الفلق: 1. (¬4) الناس: 1. (¬5) انظر: "المغني في الضعفاء" للذهبي (5297).

فصحيح (¬1). وهنا حدث عن ضمضم (قال) محمد (ابن عوف ورأيته في أصل إسماعيل) بن عياش (حدثني ضمضم) بن زرعة الحضرمي الحمصي، قال أحمد بن محمد بن عيسى، صاحب "تاريخ الحمصيين": لا بأس به، وذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2). (عن شريح) بن عبيد الحضرمي، قال النسائي: ثقة (¬3). (عن أبي مالك) عبيد. وقيل: عمرو الأشعري. (قال: قالوا: يا رسول اللَّه، حدثنا بكلمة) أي: بكلام (نقولها إذا أصبحنا و) إذا [(أمسينا و) إذا] (¬4) (اضطجعنا) للنوم. (فأمرهم أن يقولوا: اللهم) يا (فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت رب) بالرفع (كل شيء) ومليكه. (والملائكة يشهدون) يقرون ويعترفون (أنك) أنت اللَّه (لا إله إلا أنت) أي: يقرون بتوحيد اللَّه تعالى؛ لما عاينت من عظيم قدرة اللَّه تعالى. (فإنا) بتشديد النون، أي: إننا (نعوذ بك من شر) مفرد بمعنى الجمع، أي: من شرور (أنفسنا، ومن شر الشيطان الرجيم وشركه) تقدم فيه روايتان: كسر الشين وسكون الراء، أي: ما يدعو به ويوسوس من الإشراك باللَّه، وشركه بفتح الشين والراء، وهي حبائله ومصائده، واحدها شركة. ¬

_ (¬1) "التاريخ الكبير" 1/ 369. (¬2) "الثقات" 6/ 485 (8697). (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 12/ 447. (¬4) ساقطة من (م).

(وأن نقترف سوءًا) أي: نعمل ذنوبًا ونكتسبها (على أنفسنا، أو نجره) أي: نسعى في وصوله (إلى مسلم). [5084] (قال) المصنف (وبهذا الإسناد) أيضًا عن أبي مالك (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إذا أصبح أحدكم فليقل: أصبحنا وأصبح الملك) أي: تدبيره وتصريفه (للَّه رب العالمين، اللهم) إني (أسألك خير هذا اليوم) أي: من خيره (فتحه) (¬1) بالنصب بدل من (خير) يشبه أن المراد: أسألك خير هذا اليوم، وهو أن تفتح لي أبواب الرزق والرحمة فيه، فإنك أنت الفتاح الرزاق. ويحتمل أن يراد: أسألك خير القضاء الذي تقضيه وتقدره فيه على عبادك (ونصره) أي: وأسألك النصر فيه على الأعداء. (و) أسألك (نوره وبركته وهداه) أي: وأسألك الهداية فيه إلى أرشد الأمور وصوابها. (وأعوذ بك من شر ما فيه وشر ما بعده) وللدارقطني في "الأفراد" من حديث البراء: "أسألك خير هذا اليوم وخير ما بعده، وأعوذ بك من شر هذا اليوم وشر ما بعده" (¬2) (ثم إذا أمسى فليقل مثل ذلك) كله. [5085] (ثنا كثير بن عبيد) الحمصي، إمام الجامع، وأحد القراء، ثقة (ثنا بقية بن الوليد) أخرج له مسلم. (عن عمر بن جعثم) بضم الجيم وسكون العين المهملة وضم ¬

_ (¬1) بعدها في (ل)، (م): وفتحه، وفوقها: خـ. (¬2) انظر: "أطراف الغرائب والأفراد" 2/ 293 (1397)، والحديث ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" 10/ 114 وعزاه للطبراني كذلك.

المثلثة، الحمصي، مقبول (¬1) (حدثني الأزهر بن عبد اللَّه) بن جميع (الحرازي) بفتح الحاء المهملة والراء، وبعد الألف زاي، وهو حمصي صدوق، قيل: إنه ناصبي (¬2). (حدثني شريق) بفتح الشين المعجمة وكسر الراء، وبعد المثناة الساكنة قاف (الهوزني) بفتح الهاء وسكون الواو، وبعدها زاي ونون، وهو هوزن بن عوف بطن من ذي لكاع من حمير، وشريق حمصي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3) ليس له غير هذا الحديث (¬4). (قال: دخلت على عائشة فسألتها: بِمَ) أصلها: بما، فحذفت ألف (ما) الاستفهامية؛ لدخول حرف الجر عليها، والمعنى: بأي شيء (كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يفتتح) الصلاة (إذا هب من الليل؟ ) و (هبَّ) بفتح الهاء وتشديد الباء الموحدة، أي: استيقظ؛ يقال: هب من نومه إذا استيقظ. وأهببته أنا. والمراد: أي شيء كان يفتتح قيام الليل في التهجد؟ وأراد: القيام إلى الصلاة. (فقالت: لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك) فيه: ترغيب السائل في احتراصه على السؤال عما ينتفع به من أمور الدين. (كان إذا هب من الليل كبر) اللَّه (عشرًا، وحمد) بكسر الميم اللَّه تعالى (عشرًا، وقال: سبحان اللَّه وبحمده عشرًا، وقال: سبحان الملك القدوس ¬

_ (¬1) انظر: "تقريب التهذيب" (4872). (¬2) انظر: "تقريب التهذيب" (310). (¬3) "الثقات" 4/ 368. (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 12/ 459 (2733)، "التقريب" (2784) وفيه أنه مقبول.

عشرا، واستغفر) اللَّه (عشرًا، وهلل) أي: قال: لا إله إلا اللَّه (عشرًا، ثم قال: اللهم إني أعوذ بك من ضيق الدنيا) لعل المراد به ضيق الصدر؛ لما يعتريه من هموم الدنيا (وضيق يوم القيامة) ولا ضيق أشق ولا أصعب من ضيق يوم القيامة عند مشاهدة أهوالها العظام، نسأل اللَّه أن يسهلها علينا، وعلى أهالينا وإخواننا (عشرا، ثم يفتتح) أي: يدخل في صلاة الليل للتهجد (الصلاة) التي تقدر له. [5086] (ثنا أحمد بن صالح) المصري (ثنا عبد اللَّه بن وهب، أخبرني سليمان بن بلال) مولى آل الصديق (عن سهيل، بن أبي صالح، عن أبيه) أبي صالح السمان. (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا كان في سفر فأسحر) أي: استيقظ وقام في السفر، أو ركب في السحر، أو انتهى في السير إلى السحر، وهو آخر الليل (يقول: سمع سامع) روي بوجهين: أحدهما: فتح الميم من (سمع) وتشديدها. والثاني: كسرها مع تخفيفها. واختار القاضي هنا (¬1) وفي "المشارق" (¬2) وصاحب "المطالع" (¬3) التشديد، وأشار إلى أنه رواية الأكثر، قالا: ومعناه: بلغ سامع قولي هذا لغيره. وقيده الخطابي وآخرون بالكسر والتخفيف. قال: ومعناه: شهد شاهد، واستمع سامع لحمدنا ربنا على نعمه (¬4). ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" 8/ 214. (¬2) "المشارق" 2/ 221. (¬3) "المطالع" 5/ 508. (¬4) "معالم السنن" 4/ 135.

وعلى هذين التقديرين والتفسير فهو خبر بمعنى الأمر. أي: ليسمع سامع، وليبلغ بحمدنا اللَّه تعالى على نعمه، وهذا على نحو قوله: تصدق رجل بديناره، ودرهمه، أي: ليتصدق من ديناره ودرهمه. (بحمد اللَّه تعالى ونعمته) علينا (وحسن بلائه) بمعنى ابتلائه، وأصل الابتلاء الاختبار، فقد تكون نعمة، وقد تكون نقمة (اللهم صاحبنا) أي: صاحبنا بحفظك وكفايتك، وكلاءتك وهدايتك (فأفضل) رواية مسلم: "وأفضل" (¬1) بالواو، أي: تفضل (علينا) بجزيل نعمك، واصرف عنا كل مكروه (عائذًا) منصوب على الحال، أي: أقول هذا في حال استعاذتي واستجارتي (باللَّه من النار). [5088] (¬2) (ثنا عبد اللَّه بن مسلمة) القعنبي (ثنا أبو مودود) عبد العزيز ابن أبي سليمان الهذلي المدني القاص، وثقوه (¬3). (عمن سمع أبان بن عثمان) بن عفان، أخرج له مسلم (يقول: سمعت) أبي (عثمان) بن عفان -رضي اللَّه عنه- (يقول: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: من قال) حين يمسي (بسم اللَّه الذي لا يضر مع اسمه) أي: مع ذكر اسمه سبحانه (شيء) من هامة أو دابة، أو عاهة، أو شيء من مخلوقات اللَّه (في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم ثلاث مرات) متواليات أو متفرقات (لم تصبه فجاءة) بضم الفاء وفتح الجيم المخففة مع المد (بلاء) يقال: فجئه الأمر فجأة وفجاءة بالضم والمد، ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2718). (¬2) سقط حديث (5087). (¬3) في "تقريب التهذيب" (4099).

وفاجأه مفاجأة إذا جاءه بغتة من غير تقدم سبب يوجبه. وقيده بعضهم بفتح الفاء وسكون الجيم من غير مد على المرة الواحدة. (حتى يصبح، ومن قالها حين يصبح ثلاث مرات لم تصبه فجاءة بلاء حتى يمسي) من يومه ذلك. (قال) الراوي (فأصاب أبان) مفعول مقدم، ابن عثمان (الفالج) وهو مرض يحدث في إحدى شقي البدن طولا، فيبطل إحساسه وحركته، وأيما كان في الشقين، وفي كتب الطب أنه في السابع خطر، فإذا جاوز السابع انقضت حدته، فإذا جاوز الرابع عشر عُدَّ من الأمراض المزمنة (فجعل الرجل الذي سمع منه الحديث ينظر إليه) متعجبًا من أمره (فقال له: ما لك تنظر إليَّ) وإلى ما أصابني من الفالج (فواللَّه ما كذبت على عثمان) بن عفان (ولا كذب عثمان على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولكن اليوم الذي أصابني فيه ما أصابني) من الفالج (غضبت فنسيت أن أقولها) وفي رواية ابن حبان في "صحيحه" (¬1) والحاكم: أما إن الحديث كما حدثتك، ولكن لم أقله يومئذٍ ليمضي اللَّه تعالى قدره. انتهى. فيجمع بين الروايتين أنه حصل له غضب فاشتغل به فنسي أن يقولها، فلم يقله يوم أصابه ذلك الفالج، وذلك كله ليمضي اللَّه سابق قضائه وقدره في خلقه. [5089] (ثنا نصر بن عاصم الأنطاكي) بفتح الهمزة، لين الحديث. (حدثنا أنس (¬2) بن عياض) بن ضمرة، ثقة سمح. ¬

_ (¬1) "صحيح ابن حبان" (862). (¬2) فوقها في (ل): (ع).

(حدثني أبو مودود) عبد العزيز الهذلي (عن محمد بن كعب) القرظي المدني (عن أبان بن عثمان، عن عثمان) بن عفان -رضي اللَّه عنه- (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نحوه) و (لم يذكر قصة الفالج) المذكورة. [5090] (ثنا العباس بن عبد العظيم) أبو الفضل العنبري، شيخ مسلم، والبخاري تعليقًا (ومحمد بن المثنى قالا: ثنا عبد الملك بن عمرو) القيسي، أبو عامر العقدي (عن عبد الجليل بن عطية) القيسي، صدوق. (عن جعفر بن ميمون) بياع الأنماط، قال أحمد والنسائي: ليس بقوي (¬1). وقال أبو حاتم الرازي: صالح (¬2). قال يحيى بن معين مرة: بصري صالح الحديث (¬3). (حدثني عبد الرحمن بن أبي بكرة أنه قال لأبيه) أبي بكرة نفيع بن الحارث -رضي اللَّه عنه- (يا أبة، إني أسمعك (¬4) تدعو كل غداة: اللهم عافني في بدني) وفي بعض النسخ: اللهم عافني في ديني (اللهم عافني في سمعي، اللهم عافني في بصري) السمع يكون مصدر السمع، ويكون اسما للجارحة، فإن كان مصدرًا فإنه يقع على القليل والكثير، ولهذا لم يثنه، وكذا البصر، والظاهر أن المراد بالسمع الاستماع به، وبالبصر الرؤية به، فإن الانتفاع بهما هو المقصود الأعظم بهما. ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 5/ 114. (¬2) "الجرح والتعديل" 2/ 490. (¬3) "تاريخ ابن معين" رواية الدوري 4/ 239. (¬4) بعدها في (ل)، (م): سمعتك. وعليها: خـ.

(لا إله إلا أنت تعيدها ثلاثًا حين تصبح، وثلاثا حين تمسي) [لكل يوم (فقال: إني سمعت رسول اللَّه يدعو بهن) حين يمسي كل ليلة وحين يصبح كل يوم (فأنا أحب أن أستن بسنته) وأهتدي بهديه وفيه ما كان عليه الصحابة -رضي اللَّه عنهم- من الاحتراص على مواظبة ما شاهدوه من أقواله وأفعاله والاقتداء به (قال عباس) بالموحدة والسين المهملة، وهو ابن عبد العظيم (فيه ويقول) بعد ذلك (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر) والمراد بالفقر الذي استعاذ منه -صلى اللَّه عليه وسلم- هو الفقر المدقع هو الذي لا يصحبه صبر ولا ورع، حتى يتورط صاحبه بسببه فيما لا يليق بأهل الأديان، ولا بأهل المروءات، حتى لا يبالي بسبب فاقته على أي حرام وثب، ولا في أي ركاكة تورط. وقيل: المراد به فقر النفس الذي لا يرده ملك الدنيا بحذافيرها (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر) فيه إثبات عذاب القبر، وهو مذهب أهل الحق، خلافًا لبعض الملحدين] (¬1) فتدعو بهن كل يوم ثلاث مرات، وكل ليلة ثلاث مرات (فأنا أحب أن أستن بسنته) وأقتدي بهديه. (قال) الراوي (وقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: دعوات المكروب) الذي عظم همه (اللهم رحمتك أرجو) أي: لا أرجو إلا أن ترحمني برحمتك الواسعة، بأن تتولى تدبير أموري بحسن تدبيرك (فلا تكلني إلى) تدبير (نفسي) وتصريف أموري (طرفة عين) ولا أقل من ذلك (وأصلح لي شأني كله) أي: أصلح لي جميع أموري وأحوالي كلها، فإني لا ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

أستطيع إصلاحها إلا بإرادتك (لا إله إلا أنت، وبعضهم) أي: بعض الرواة (يزيد على صاحبه) وبعضهم ينقص. [5091] (ثنا محمد بن المنهال) التميمي البصري، شيخ البخاري (ثنا يزيد بن زريع، ثنا روح بن القاسم) التميمي البصري، أخرج له الشيخان (عن سهيل) بن أبي صالح (عن سمي) (¬1) القرشي المخزومي المدني (عن أبي صالح) ذكوان السمان. (عن أبي هريرة: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من قال حين يصبح: سبحان اللَّه العظيم وبحمده) هذا الكلام على اختصاره جملتان: إحداهما: جملة (سبحان اللَّه) فإنها واقعة موقع المصدر، والمصدر يدل على صدره، فكأنه قال: سبحت اللَّه التسبيح الكثير، أو التسبيح كله. والجملة الثانية: (وبحمده) فإن الباء متعلقة بمحذوف تقديره: وأثني عليه بمحامده كلها من صفات الكمال والجلال. (مائة مرة، وإذا أمسى كذلك لم يواف أحد من الخلائق بمثل ما وافى به) أي: لم يأتِ أحد من المخلوقين بمثل ما أتى به من الثواب الجزل. * * * ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع).

111 - باب ما يقول الرجل إذا رأى الهلال

111 - باب ما يقولُ الرَّجُلُ إذا رَأى الهِلالَ 5092 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا أَبانُ، حَدَّثَنا قَتادَةُ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كانَ إِذا رَأى الهِلالَ قالَ: "هِلالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ، هِلالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ، هِلالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ آمَنْتُ بِالَّذي خَلَقَكَ". ثَلاثَ مَرّاتٍ. ثُمَّ يَقُولُ: "الحَمْدُ للَّه الذي ذَهَبَ بِشَهْرِ كذا وَجاءَ بِشَهْرِ كَذا" (¬1). 5093 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ حُبابٍ أَخْبَرَهُمْ، عَنْ أَبي هِلالٍ، عَنْ قَتادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كانَ إِذا رَأى الهِلالَ صَرَفَ وَجْهَهُ عَنْهُ. قالَ أَبُو داوُدَ: لَيْسَ عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذا البابِ حَدِيثٌ مُسْنَدٌ صَحِيحٌ (¬2). * * * باب ما يقول الرجل إذا رأى الهلال [5092] (ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا أبان) بن يزيد البصري، أخرج له الشيخان (ثنا قتادة) (¬3) بن دعامة السدوسي الأعمى. (أنه بلغه أن نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا رأى الهلال قال: هلال) وروى البيهقي في كتاب "الدعوات" عن قتادة أيضًا: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا رأى الهلال كبر ثلاثًا، وهلل ثلاثًا، ثم قال: "هلال" (¬4) (خير) وهذا الحديث وما بعده رواه المصنف مرسلا، وحكى المنذري عن المصنف في رواية ابن العبد: ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق 4/ 169 (7353)، والمصنف في "المراسيل" (527)، والبيهقي في "الدعوات الكبير" (517). وقال الألباني: ضعيف الإسناد. (¬2) رواه المصنف في "المراسيل" (528). وضعفه الألباني. (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) "الدعوات الكبير" 2/ 240 (466).

ليس في هذا الباب [عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-] (¬1) حديث [مسند] (¬2) صحيح (¬3). قال العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء" (¬4): أسنده الدارقطني في "الأفراد" والطبراني في "الأوسط" (¬5) من حديث أنس. (ورشد) لعل المراد: اللهم اجعله هلال شهر يحصل فيه خير الدنيا والآخرة وإرشاد إلى سبيل الهدى والأعمال الصالحة (هلال خير ورشد، هلال خير ورشد) ثم قال: (آمنت بالذي خلقك) وفي "أمالي الميموني" أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "يا علي، إذا رأيت الهلال فكبر ثلاثًا، ثم قل: الحمد للَّه الذي خلقني وخلقك، وقدر لك منازل، وجعلك آية للعالمين" (¬6) (ثلاث مرات، ثم يقول: الحمد للَّه الذي ذهب بشهر كذا وجاء بشهر كذا) وروى ابن السني عن بشير مولى معاوية قال: سمعت عشرة من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أحدهم [حدير أبو فوزة] (¬7) الأسلمي، يقولون إذا رأوا الهلال: اللهم اجعل شهرنا الماضي خير شهر، وخير عاقبة، وأدخل علينا شهرنا هذا بالسلامة والإسلام، والأمن والإيمان، والمعافاة والرزق الحسن (¬8). [5093] (ثنا محمد (¬9) بن العلاء) أبو كريب الهمداني (أن زيد بن ¬

_ (¬1) و (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) "مختصر سنن أبي داود" 8/ 3. (¬4) 1/ 294 (1121). (¬5) 1/ 101 (311). (¬6) رواه أبو بكر الأبهري في "فوائده" ص 35 - 36 (17) من حديث علي مرفوعًا. (¬7) ما بين المعقوفتين بياض في (م). (¬8) "عمل اليوم والليلة" (646). (¬9) فوقها في (ل): (ع).

حباب) بضم الحاء المهملة وموحدتين بينهما ألف، العكلي، أخرج له مسلم. [(أخبرهم عن أبي هلال)] (¬1) محمد بن سليم الراسبي، لم يكن من بني راسب، إنما كان نازلا فيهم، صدوق، سئل عنه ابن معين فقال: ليس به بأس (¬2). (عن قتادة) مرسل أيضًا (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا رأى الهلال صرف وجهه عنه) وفي "أمالي الوبري" قال علي -رضي اللَّه عنه-: إذا رأيتم الهلال فلا تلتفتوا إليه، فإنما هو آية تقع مثل الشمس والنجوم، فإذا رآه أحدكم فلا يقومن ولا ينظر. أي: دالان على وحدانية اللَّه تعالى، وهما خلقان مسخران للَّه لا قدرة لهما على حدوث شيء، ولا على نفع ولا ضر، بخلاف ما كانت الجاهلية تعتقده. * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) "الجرح والتعديل" 7/ 273 (1484).

112 - باب ما يقول الرجل إذا خرج من بيته

112 - باب ما يَقُولُ الرَّجُلُ إذا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ 5094 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الشَّعْبي، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قالَتْ: ما خَرَجَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْ بَيْتي قَطُّ إِلَّا رَفَعَ طَرْفَهُ إِلَى السَّماءِ فَقالَ: "اللَّهُمَّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ، أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ، أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَي" (¬1). 5095 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ الحَسَنِ الخَثْعَمي، حَدَّثَنا حَجّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، عَنْ إِسْحاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ، أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِذا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقالَ: بِسْم اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا باللَّهِ". قالَ: " يُقالُ حِينَئِذٍ هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّياطِينُ فَيَقُولُ لَهُ شَيْطانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدي وَكُفي وَوُقَيَ؟ " (¬2). * * * باب ما جاء فيمن دخل (¬3) بيته ما يقول [5094] (ثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي، شيخ البخاري. (ثنا شعبة، عن منصور، عن الشعبي، عن أم سلمة) هند، زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (قالت: ما خرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من بيتي) لفظ الترمذي: [كان إذا] (¬4) ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3427)، والنسائي 8/ 268، وابن ماجه (3884)، وأحمد 6/ 306. وصححه الألباني في "المشكاة" (2442). (¬2) رواه الترمذي (3426)، والنسائي في "الكبرى" (9917). وصححه الألباني. (¬3) كذا في (ل، م)، بوب لهذا الباب والذي بعده ما جاء فيمن دخل بيته. (¬4) في (ل)، (م): ما. والمثبت من "سنن الترمذي".

خرج من بيته (¬1). ولابن ماجه: [كان إذا] (¬2) خرج [من] (¬3) منزله (¬4) (قط، إلا رفع طرفه (¬5) إلى السماء) قيل: لأنها قبلة الدعاء. وقيل: ليتفكر في خلق السموات والأرض. (فقال: اللهم إني أعوذ بك) زاد الترمذي قبله: "بسم اللَّه، توكلت على اللَّه، اللهم إنا نعوذ بك" (¬6). وروى الطبراني هذا الحديث من رواية ميمونة، أنه كان إذا خرج من بيتها يقول (¬7). فلعله كان يقول هذا في بيت أم سلمة وميمونة وأزواجه كلهن (أن أضل) بفتح الهمزة وكسر الضاد؛ أي: أضل غيري (أو أضل) بفتح الضاد مع ضم الهمزة؛ أي (¬8): يضلني غيري، وهو المروي في النسخ المعتمدة من شيطان وآدمي. (أو أزل) بفتح الهمزة وكسر الزاي؛ يعني: عن طريق الهدى قولا وفعلًا (أو أزل) بضم الهمزة وفتح الزاي؛ أي: يحملني الشيطان من الإنس والجن على الزلل، وهو الخطأ والذنب، وأوقعاني في الزلة؛ ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (3427). (¬2) في (ل)، (م): ما. والمثبت من "سنن ابن ماجه". (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل)، (م). والمثبت من "سنن ابن ماجه". (¬4) "سنن ابن ماجه" (3884). (¬5) قبلها في (ل)، (م): رأسه. ولعلها نسخة. (¬6) "سنن الترمذي" (3427). (¬7) "المعجم الكبير" 24/ 9 (11). (¬8) في (ل)، (م) بعدها: أضل غيري، ويحتمل فتح الضاد مع ضم الهمزة؛ أي. والسياق يقتضي حذفها.

كما قال تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ} (¬1)، وقال: {إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا} (¬2). (أو أظلم) بفتح الهمزة وكسر اللام؛ أي: أظلم غيري (أو أظلم) بضم الهمزة وفتح اللام؛ أي: يظلمني غيري (أو أجهل) أي: أجهل الحق والصواب من الأقوال والأفعال (أو يجهل عليَّ) بضم الياء وفتح الهاء؛ أي: يجترئ علي أحد بجهل منه. [5095] (ثنا إبراهيم بن الحسن) بن الهيثم (الخثعمي) المصيصي، ثقة، ثبت. (ثنا حجاج (¬3) بن محمد) الأعور، الحافظ (عن) عبد الملك (ابن جريج، عن إسحاق (¬4) بن عبد اللَّه بن أبي طلحة) الأنصاري المدني. (عن) عمه (أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إذا خرج الرجل) أو المرأة (من بيته فقال: بسم اللَّه، توكلت على اللَّه) سواء خرج إلى المسجد، أو إلى سفر، أو إلى السوق، ونحوه، ويدل عليه رواية الإمام بزيادة، ولفظه: "ما من مسلم يخرج من بيته يريد سفرًا أو غيره، وقال حين يخرج: [بسم اللَّه] (¬5) آمنت باللَّه، اعتصمت باللَّه" (¬6). وسمعت بعض المشايخ يخصص: "آمنت باللَّه" بمن يخرج إلى الصلاة، فإنه لم يحمله على الخروج إلى الصلاة - لاسيما في ظلمة ¬

_ (¬1) البقرة: 36. (¬2) آل عمران: 155. (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) فوقها في (ل): (ع). (¬5) ما بين القوسين ليس في (ل، م)، والمثبت من "السنن". (¬6) رواه أحمد 1/ 65 - 66 من حديث عثمان بن عفان مرفوعًا.

الليل وشدة البرد -[إلا] (¬1) الإيمان باللَّه، والتصديق بوعده ووعيده. (توكلت على اللَّه) فيما خرجت إليه (لا حول ولا قوة إلا باللَّه) تعالى (قال: يقال) له (حينئذٍ: هديت وكفيت ووقيت) يوضحه رواية بعضهم، ابن السني أو غيره: "إذا قال: بسم اللَّه. قال الملك: هديت. وإذا قال: توكلت على اللَّه. قال له الملك: كفيت. وإذا قال: لا حول ولا قوة إلا باللَّه. قال له الملك: وقيت" (¬2) زاد في "الفردوس": "وإذا قال: حسبي اللَّه ونعم الوكليل. قالت الملائكة: كفيت من كل بلاء" (¬3). ولفظ رواية ابن ماجه: "إذا خرج الرجل من باب بيته أو باب داره كان معه ملكان موكلان به، فإذا قال: بسم اللَّه. قالا: هديت. وإذا قال: لا حول ولا قوة إلا باللَّه. قالا: وقيت. وإذا قال: توكلت على اللَّه. قالا: كفيت" (¬4). (فتنحى له) أي: عنه، كما في الترمذي (¬5) (الشياطين) كلهم (فيقول) له (شيطان آخر: كيف لك برجل) يوضحه رواية ابن ماجه بلفظ: "فإذا قال: توكلت على اللَّه. قالا: كفيت. فيلقاه قريناه فيقولان: ماذا تريدان ¬

_ (¬1) ليست في (ل)، (م)، والسياق يقتضيها. (¬2) رواه بهذا اللفظ ابن شاهين في "الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك" (349)، وقوَّام السنة في "الترغيب والترهيب" 1/ 377 (653) من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا. ورواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (178) من حديث أنس مرفوعًا. (¬3) 1/ 196 (741). (¬4) "سنن ابن ماجه" (3886) من حديث أبي هريرة مرفوعًا. (¬5) "سنن الترمذي" (3426).

من رجل" (¬1) (قد هدي) إلى هذا الذكر (وكفي) حين توكل على اللَّه عن غيره (ووقي) من شر الشيطان جميعهم. * * * ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (3886) من حديث أبي هريرة مرفوعًا.

113 - باب ما يقول الرجل إذا دخل بيته

113 - باب ما يَقُولُ الرَّجُلُ إذا دَخَلَ بَيْتَهُ 5096 - حَدَّثَنا ابن عَوْفٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْماعِيلَ، قالَ: حَدَّثَني أَبي، قالَ ابن عَوْفٍ: وَرَأَيْتُ في أَصْلِ إِسْماعِيلَ، قالَ: حَدَّثَني ضَمْضَمٌ، عَنْ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبي مالِكٍ الأَشْعَري قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِذا وَلَجَ الرَّجُلُ في بَيْتِهِ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ المَوْلِجِ، وَخَيْرَ المَخْرَجِ بِسْمِ اللَّهِ وَلَجْنا، وَبِسْمِ اللَّهِ خَرَجْنا وَعَلَى اللَّهِ رَبِّنا تَوَكَّلْنا، ثُمَّ لْيُسَلِّمْ عَلَى أَهْلِهِ" (¬1). * * * [5096] (حدثنا) محمد (ابن عوف) الطائي الحمصي، وثقه النسائي (¬2) (ثنا محمد بن إسماعيل) قال المصنف: رأيته، لم يكن بذاك (¬3) (حدثني أبي) إسماعيل بن عياش العنسي، عالم الشاميين، قال البخاري: إذا حدث عن أهل حمص فصحيح (¬4). وقد حدث هنا عنهم. (قال) محمد (ابن عوف: ورأيت في أصل إسماعيل) بن عياش (حدثني ضمضم) بن زرعة الحضرمي الحمصي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬5). ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في "مسند الشاميين" 2/ 447 (1674)، والبيهقي في "الدعوات الكبير" (480) من طريق المصنف. وصححه الألباني في "الصحيحة" (225). (¬2) انظر: "المعجم المشتمل" (930)، و"تهذيب الكمال" 26/ 239 (5527). (¬3) "سؤالات الآجري لأبي داود" (1691). (¬4) "التاريخ الكبير" 1/ 369 - 370 (1191). (¬5) 6/ 485.

(عن شريح) عن (¬1) عبيد الحضرمي. قال النسائي: ثقة (¬2). (عن أبي مالك) الحارث بن الحارث. وقيل: عبيد (الأشعري، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إذا ولج) أي: دخل (الرجل بيته فليقل: اللهم إني أسألك خير المولج) بفتح الميم واللام (وخير المخرج) (¬3) بفتح الميم [وسكون] (¬4) الخاء (بسم اللَّه ولجنا، وبسم اللَّه خرجنا) أي: دخلنا ذاكرين اسم اللَّه، مستعينين بها (وعلى اللَّه ربنا) بالجر بدل من (اللَّه) (توكلنا، ثم ليسلم على أهله) فيه استحباب السلام للداخل بيته على زوجته أو أمه أو أخته أو ولده ونحو ذلك. * * * ¬

_ (¬1) كذا في (ل)، (م)، وهو خطأ، والصواب: (بن). (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 12/ 447 (2726). (¬3) في الأصول: المدخل. وهو خطأ، والمثبت من "سنن أبي داود". (¬4) زيادة يقتضيها السياق.

114 - باب ما يقول إذا هاجت الريح

114 - باب ما يقُولُ إِذا هاجَتِ الرِّيحُ 5097 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزي وَسَلَمَةُ -يَعْني: ابن شَبِيبٍ- قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْري، قالَ: حَدَّثَني ثابِتُ بْن قَيْسٍ أَنَّ أَبا هُرَيْرَةَ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ". قالَ سَلَمَةُ فَرَوْحُ اللَّهِ تَأْتي بِالرَّحْمَةِ وَتَأْتي بِالعَذابِ فَإِذا رَأَيْتُمُوها فَلا تَسُبُّوها وَسَلُوا اللَّهَ خَيْرَها واسْتَعِيذُوا باللَّهِ مِنْ شَرِّها" (¬1). 5098 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن صالِحٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنا عَمْرٌو أَنَّ أَبا النَّضْرِ حَدَّثَهُ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ يَسارٍ، عَنْ عائِشَةَ زَوْجِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّها قالَتْ: ما رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَطُّ مُسْتَجْمِعًا ضاحِكًا حَتَّى أَرى مِنْهُ لَهَواتِهِ، إِنَّما كانَ يَتَبَسَّمُ وَكانَ إِذا رَأى غَيْمًا أَوْ رِيحًا عُرِفَ ذَلكَ في وَجْهِهِ فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ النّاسُ إِذا رَأَوُا الغَيْمَ فَرِحُوا رَجاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ المَطَرُ وَأَراكَ إِذا رَأَيْتَهُ عُرِفَتْ في وَجْهِكَ الكَراهِيَةُ فَقالَ: "يا عائِشَةُ ما يُؤَمِّنُني أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذابٌ؟ قَدْ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ، وَقَدْ رَأى قَوْمٌ العَذابَ فَقالُوا: هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا" (¬2). 5099 - حَدَّثَنا ابن بَشّارٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ المِقْدامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كانَ إِذا رَأى ناشِئًا في أُفُقِ السَّماءِ تَرَكَ العَمَلَ وَإِنْ كانَ في صَلاةٍ، ثُمَّ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّها". فَإِنْ مُطِرَ قالَ: "اللَّهُمَّ صَيِّبًا هَنِيئًا" (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (3727)، وأحمد 2/ 250، والبخاري في "الأدب المفرد" (720)، والنسائي في "الكبرى" (10767). وصححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد" (558). (¬2) رواه البخاري (4828، 4829)، ومسلم (899/ 16). (¬3) رواه البخاري (1032)، وابن ماجه (3889).

باب القول إذا هاجت الريح [5097] (ثنا أحمد بن محمد) [بن ثابت بن عثمان] (¬1) (المروزي) بفتح الواو شيخ البخاري (وسلمة بن شبيب) النيسابوري، شيخ مسلم (ثنا عبد الرزاق، أبنا معمر، عن الزهري، حدثني ثابت بن قيس) الزرقي، وثق. (أن أبا هريرة قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: الريح من روح اللَّه) أي: يرسلها اللَّه تعالى من رحمته بعباده، ولطفه بهم (تأتي بالرحمة) من أراد اللَّه رحمتهم (وتأتي بالعذاب) من أراد اللَّه أن يهلكهم (فإذا رأيتموها) أي: وجدتم هبوبها (فلا تسبوها) تقدم في رواية المصنف والترمذي عن ابن عباس أن رجلا لعن الريح عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "لا تلعن الريح، فإنها مأمورة، من لعن شيئًا ليس بأهل رجعت اللعنة عليه" (¬2). (واسألوا اللَّه) من (خيرها) أي: من خير ما أرسلت به [(واستعيذوا باللَّه من شرها) أي: شر ما أرسلت به] (¬3)، فإنها مأمورة. [5098] (ثنا أحمد بن صالح) المصري (ثنا عبد اللَّه بن وهب، ثنا عمرو) (¬4) بن الحارث الأنصاري (أن أبا النضر) سالم بن أبي أمية المدني. ¬

_ (¬1) في النسخ، وهو خطأ، والصواب: موسى السمسار؛ فأحمد بن محمد بن موسى السمسار لا رواية له عن عبد الرزاق، ولا يروي عنه أبو داود. انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 433 (94)، 1/ 473 (100)، 18/ 52 (3415). (¬2) سبق برقم (4908)، ورواه الترمذي (1978). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) فوقها في (ل): (ع).

(حدثه عن سليمان بن يسار) الهلالي (عن عائشة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنها قالت: ما رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قط مستجمعًا) بكسر الميم؛ أي: مجدًّا في ضحكه، آتيًا منه بغايته، كما قال: إنما كان ضحكه تبسما (¬1). وأما حديث أبي هريرة في المجامع أهله [في رمضان] (¬2) أنه ضحك حتى بدت نواجذه (¬3)، والنواجذ آخر الأسنان، ففي الحديثين إخبار عن وقتين مختلفين، فكان أكثر أحواله -عليه السلام-[في] (¬4) ضحكه التبسم، كما قالت عائشة، وضحك في بعض أحواله ضحكًا أعلى من التبسم، وهو نادر، والاقتداء به في هذين الحالين حديث عائشة [في] (¬5) التبسم، إذ هو أكثر أحواله. (ضاحكًا حتى أرى منه لهواته) بفتح اللام والهاء، جمع لهاة، وهي اللحمات التي في سقف أقصى الحلق، بأعلى الحنجرة، ومنه حديث: الشاه المسمومة، فما زلت أعرفها في لهوات رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬6). (إنما كان) يضحك (تبسمًا) وهو الضحك القليل من غير صوت (وكان إذا رأى غيمًا) أي: سحابا في السماء (أو) وجد (ريحًا) لين هبوبه (عرف ذلك في وجهه) كراهية ذلك والخوف منه (فقلت: يا رسول اللَّه) إن (الناس إذا رأوا الغيم) في السماء (فرحوا به) كما قال ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3642) من حديث عبد اللَّه بن الحارث بن جزء. (¬2) سقط من (م). (¬3) رواه البخاري (6087)، ومسلم (1111). (¬4) و (¬5) زيادة يقتضيها السياق. (¬6) رواه البخاري (2617)، ومسلم (2190) من حديث أنس.

تعالى: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً} أي: نعمة من مطر وسعة {فَرِحُوا بِهَا} (¬1) واستبشروا (رجاء أن يكون فيها المطر) الذي هو حياة كل شيء (وأراك إذا رأيته عرفت في وجهك الكراهة) وروى أبو الشيخ ابن حيان في كتاب "أخلاق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" عن ابن عمر: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يعرف رضاه وغضبه بوجهه (¬2). وكان إذا سر استنار وجهه، كأنه قطعة قمر (¬3)، وإذا غضب احمرت عيناه ووجنتاه (¬4). (فقال: يا عائشة، ما يؤمني (¬5) أن يكون فيه عذاب؟ ) من اللَّه تعالى (قد عذب قوم بالريح) كقوم عاد وأمثالهم (وقد رأى قوم) العقيم (العذاب فقالوا: هذا عارض) وهو سحاب يعرض في ناحية من السماء، ثم تطبق السماء (ممطرنا) أي: فيه المطر. قال المفسرون: كانت عاد قد حبس عنهم المطر أيامًا، فساق اللَّه إليهم سحابة سوداء فخرجت عليهم فَلَمَّا رأوهُ مستقبلَ أوديتهمْ استبشروا، وقالوا: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} أي: غيم فيه مطر، فقال هود: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ}، ثم بيَّن فقال: {رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬6). قال ابن عباس: كانت الريح تطير بهم بين السماء والأرض حتى أهلكتهم (¬7). ¬

_ (¬1) الروم: 36 (¬2) 1/ 397 (142). (¬3) رواه البخاري (3556، 4418)، ومسلم (2769) من حديث كعب بن مالك. (¬4) انظر ما رواه البخاري (2436)، ومسلم (1722) من حديث زيد بن خالد الجهني. (¬5) بعدها في (ل): يؤمنني، وفوقها: خـ. (¬6) الأحقاف: 24. (¬7) رواه بنحو هذا اللفظ مطولًا الثعلبي في "الكشف والبيان" 5/ 461 - 462.

[5099] (ثنا محمد (¬1) بن بشار) بندار (ثنا عبد الرحمن) بن مهدي (ثنا سفيان) الثوري (عن المقدام بن شريح) الكوفي، أخرج له مسلم. (عن أبيه) شريح بن هانئ بن يزيد الحارثي، أخرج له مسلم. (عن عائشة أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا رأى ناشئًا) أي: سحابًا لم يتكامل اجتماعه واصطحابه، ومنه: نشأ الصبي. أي: ولم يتكامل خلقه، ومنه الحديث: "نشء يتحدثون القرآن بمزامير" (¬2) يريد جماعة أحداثًا، وهو جمع ناشئ. (في أفق السماء) أي: في ناحية منه (ترك العمل) الذي هو فيه (وإن كان في صلاة) أي: نافلة غير فريضة. وفيه: جواز إبطال صلاة النفل بعذر، وإن كان بغير عذر فلا؛ لقوله: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (¬3)، ويحتمل أن المراد بتركها أن يتجوز فيها ويخفف أفعالها مع التمام ولا يقطعها، فقد ذكر الرافعي في "الخصائص" أنه كان إذا تلبس بتطوع يلزمه إتمامه. (ثم يقول: اللهم إني أعوذ بك من شرها) وشر ما جاءت به (فإن مطر) ماء السحاب وهو في الرحمة، وأمطرت: بالألف لا غير في العذاب. ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) رواه أحمد 6/ 22 من حديث عوف بن مالك، والطبراني في "المعجم الأوسط" 1/ 212 (685) من حديث عابس الغفاري. ورواه أبو نعيم في "الحلية" 1/ 384 من حديث أبي هريرة موقوفًا، وكلهم بلفظ: نشءٌ يتخذون القرآن مزامير". (¬3) محمد: 33.

(قال: اللهم) اجعله (صيبًا) والصيب: المطر الشديد (هنيئًا) وكل أمر يأتيك من غير تعب ولا مشقة، فهو هنيء، وفي رواية ابن ماجه: "اللهم سيبا نافعًا" مرتين أو ثلاثًا (¬1)، والسيب بتخفيف المثناة تحت، وهو العطاء الكثير. * * * ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (3889).

115 - باب ما جاء في المطر

115 - باب ما جاءَ في المَطَرِ 5100 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُسَدَّدٌ -المَعْنَى- قالا: حَدَّثَنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمانَ، عَنْ ثابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قالَ: أَصابَنا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مَطَرٌ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَحَسَرَ ثَوْبَهُ عَنْهُ حَتَّى أَصابَهُ فَقُلْنا: يا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ صَنَعْتَ هذا؟ قالَ: "لأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ" (¬1). * * * باب ما جاء في المطر [5100] (ثنا قتيبة بن سعيد ومسدد -المعنى- قالا: ثنا جعفر بن سليمان) الضبعي، أخرج له مسلم. (عن ثابت، عن أنس قال: أصابنا -ونحن مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مطر، فخرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فحسر) أي: كشف (عن ثوبه) أي: عن بعض بدنه (حتى أصابه المطر) وأخرج الحاكم في "مستدركه" بلفظ: كان إذا أمطرت السماء حسر ثوبه عن ظهره، حتى يصيبه المطر (¬2). وفي هذا الحديث دليل لقول أصحابنا أنه يستحب عند أول مطر السنة أن يكشف عن غير عورته كساعديه وظهره؛ ليناله المطر، واستدلوا بهذا. (فقلنا: يا رسول اللَّه، لم صنعت هذا؟ ) فيه أن المفضول إذا رأى من الفاضل شيئًا لا يعرفه أن يسأله عنه؛ ليعلمه فيعمل به ويعلمه غيره (قال: ¬

_ (¬1) رواه مسلم (898). (¬2) "المستدرك" 4/ 285، وقال: صحيح على شرط مسلم.

لأنه حديث عهد بربه) أي: بتكوين ربه إياه وإيجاده، وهذا منه -صلى اللَّه عليه وسلم- تبرك بالمطر واستسقائه؛ لأن اللَّه تعالى قد سماه رحمة ومباركًا وطهورًا، وجعله سببًا لحياة الخلق ومبعدًا عن العقوبة. ويستفاد منه احترام المطر والتبرك به، وترك الاستهانة به وترك الإسراف في استعماله وإذهابه في غير منفعة. * * *

116 - باب ما جاء في الديك والبهائم

116 - باب ما جاء في الدِّيكِ والبَهائِمِ 5101 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ صالِحِ بْنِ كَيْسانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خالِدٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تَسُبُّوا الدِّيكَ فَإِنَّهُ يُوقِظُ لِلصَّلاةِ" (¬1). 5102 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِذا سَمِعْتُمْ صِياحَ الدِّيَكَةِ فَسَلُوا اللَّهَ تَعالَى مِنْ فَضْلِهِ؛ فَإِنَّها رَأَتْ مَلَكًا، وَإِذا سَمِعْتُمْ نَهِيقَ الحِمارِ، فَتَعَوَّذُوا باللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ فَإِنَّها رَأَتْ شَيْطانًا" (¬2). 5103 - حَدَّثَنا هَنّادُ بْنُ السَّري، عَنْ عَبْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْراهِيمَ، عَنْ عَطاءِ بْنِ يَسارٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِذا سَمِعْتُمْ نُباحَ الكِلابِ وَنَهِيقَ الحُمُرِ بِاللَّيْلِ فَتَعَوَّذُوا باللَّهِ، فَإِنَّهُنَّ يَرَيْنَ ما لا تَرَوْنَ" (¬3). 5104 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنْ خالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ ابْنِ أَبي هِلالٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زِيادٍ عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ح، وَحَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْن مَرْوانَ الدِّمَشْقي، حَدَّثَنا أَبي، حَدَّثَنا اللَّيْثُ بْن سَعْدٍ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الهادِ عَنْ عَلي بْنِ عُمَرَ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلي وَغَيْرِهِ، قالا: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَقِلُّوا الخُرُوجَ بَعْدَ هَدْأَةِ الرِّجْلِ، فَإِنَّ للَّه تَعالَى دَوابَّ يَبُثُّهُنَّ في الأَرْضِ". قالَ ابن مَرْوانَ: ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 192، والنسائي في "الكبرى" (10781). وصححه الألباني في "المشكاة" (4136). (¬2) رواه البخاري (3303)، ومسلم (2729). (¬3) رواه أحمد 3/ 306، والبخاري في "الأدب المفرد" (1234). وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (620).

"في تِلْكَ السّاعَةِ". وقالَ: "فَإِنَّ للَّه خَلْقًا". ثمَّ ذَكَرَ نُباحَ الكَلْبِ والحَمِيرَ نَحْوَهُ وَزادَ في حَدِيثِهِ: قالَ ابن الهادِ: وَحَدَّثَني شُرَحْبِيلُ الحاجِبُ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِثْلَهُ (¬1). * * * باب ما جاء في الديك والبهائم [5101] (ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا عبد العزيز بن محمد) الدراوردي (عن صالح بن كيسان، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة) بن مسعود، الفقيه الأعمى (عن زيد بن خالد) الجهني، شهد الحديبية، وكان معه لواء جهينة يوم الفتح. (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا تسبوا الديك؛ فإنه يوقظ للصلاة) ورواه ابن حبان في "صحيحه" إلا أنه قال: "فإنه يدعو للصلاة" (¬2). وروى البزار بإسناد لا بأس به عن ابن مسعود أن ديكًا صرخ عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فسبه رجل، فنهى عن سب الديك (¬3). وفي الصحيحين من حديث عائشة أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يقوم إذا سمع الصارخ (¬4). أي: كان يقوم للتهجد إذا سمع صياح الديك. [5102] (ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا الليث، عن جعفر بن ربيعة) الكندي ¬

_ (¬1) رواه النسائي في "الكبرى" (10778)، والبخاري في "الأدب المفرد" (1233). وصححه الألباني في "الصحيحة" (1518). (¬2) 13/ 38 - 37 (5731). (¬3) "البحر الزخار" 5/ 168 (1763). (¬4) "صحيح البخاري" (1132)، "صحيح مسلم" (741).

(عن الأعرج، عن أبي هريرة أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إذا سمعتم صياح الديكة (¬1) فاسألوا اللَّه من فضله؛ فإنها رأت ملكًا) هذا يدل على أن اللَّه خلق للديك إدراكًا يدرك به الملائكة، كما خلق للحمير إدراكًا تدرك به الشياطين، والدعاء عند رؤية الملائكة يشبه تأمين الملائكة على الدعاء والاستغفار؛ لتتوافق الدعوات، فيستجاب للداعي، ولتشهد له الملائكة بالتضرع والاستغفار والإخلاص، وفيه استحباب الدعاء عند حضور الصالحين والتبرك بهم. (وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا باللَّه من الشيطان) لأنه لما حضر، فيخاف من شره، فينبغي أن يتعوذ باللَّه من شره (فإنها رأت شيطانًا). [5103] (ثنا هناد بن السري، عن عبدة) (¬2) بن سليمان الكلابي المقرئ (عن محمد بن إسحاق) صاحب "المغازي". (عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث التيمي المدني الفقيه. (عن عطاء بن يسار، عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إذا سمعتم نباح) بضم النون (الكلاب) أي: صياحه بالليل (ونهيق الحمر بالليل) فإن فيه ينتشر الشيطان من الإنس والجن ويكثر مفاسدها (فتعوذوا باللَّه) من كل سوء. وروى ابن السني: "لن ينهق الحمار حتى يرى شيطانًا، أو يتمثل له شيطانٌ؛ فإذا كان ذلك فاذكروا الة وصلوا عليَّ" (¬3). زاد البغوي في ¬

_ (¬1) في (ل، م): الديك. والمثبت من المطبوع. (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) "عمل اليوم والليلة" (314) من حديث أبي رافع مرفوعًا.

"شرح السنة": "وأقلوا الخروج إذا هدأت الأرجل، فإن اللَّه تعالى يبث من خلقه في ليلته ما يشاء" (¬1). انتهى. وهو من قوله تعالى: {وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (¬2) أي: فيما يفرقه اللَّه في الأرض مما يدب آيات، ويأتي حديث بمعناه (فإنهن يرين) من الجن والشياطين (ما لا ترون) فإن اللَّه خصهن بذلك دون بني آدم، وهذا الحديث من أفراد المؤلف، وليس لعطاء بن يسار عن جابر في هذا الكتاب غير هذا الواحد، وما عدا ذلك فهو عطاء بن أبي رباح. [5104] (ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا الليث، عن خالد (¬3) بن يزيد) المصري الفقيه (عن سعيد (¬4) بن أبي هلال) الليثي، مولاهم (عن سعيد ابن زياد) المدني، أستشهد به البخاري تعليقًا (¬5)، ضعفه أبو حاتم (¬6) (عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما، وثنا إبراهيم بن مروان) بن محمد الطاطري بمهملتين الثانية مفتوحة (الدمشقي) ثقة (ثنا أبي) مروان ابن محمد، أخرج له مسلم. (ثنا الليث بن سعد، ثنا يزيد بن عبد اللَّه) بن أسامة (بن الهاد) الليثي (عن علي بن عمر بن حسين بن علي) العلوي، مستور (¬7)، لا صحبة ¬

_ (¬1) 11/ 392. (¬2) الجاثية: 4. (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) فوقها في (ل): (ع). (¬5) "صحيح البخاري" عقب حديث (7198). (¬6) "الجرح والتعديل" 4/ 22 (88). (¬7) انظر: "تقريب التهذيب" (4775).

[له] (¬1)، وحديثه عن أبيه عمر بن حسين بن علي بن أبي طالب، فالحديث منقطع (قالا: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أقلوا) من (الخروج) من منازلكم (بعد هدأة) بفتح الهاء وسكون الدال (الرجل) بكسر الراء وسكون الجيم، والهدأة والهُدأة هو السكون عن الحركة، أي: ما يسكن الناس عن المشي بالأرجل وينقطع الناس عن الاختلاف في الطرقات (فإن للَّه دواب) لفظة عامة تعم كل ما دب على الأرض من إنس وجن وشياطين وهوام الأرض وغيرها (يبثهن) أي: يفرقهن ينتشرن (في الأرض) بالليل للفساد. (قال) إبراهيم (ابن مروان) يبثهن (في تلك الساعة) وهي وقت هدأة الرجل، وفيه دليل على أن الفساد إذا ظهر في الأرض وانتشر يلازم الإنسان بيته، ولا يخرج منه إلا لحاجة أكيدة، أو ينتقل من تلك البلدة. (وقال: ) في روايته (فإن للَّه خلقًا) بدل (فإن للَّه دواب) (ثم ذكر نباح الكلب (¬2) والحمير ونحوه، وزاد في حديثه: قال) يزيد بن عبد اللَّه (ابن الهاد: وحدثني شرحبيل) بن سعد الأنصاري (الحاجب) ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3). (عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، مثله) كما تقدم. * * * ¬

_ (¬1) زيادة يقتضيها السياق. (¬2) بعدها في (ل)، (م): الكلاب، وعليها: خـ. (¬3) 4/ 365.

117 - باب في الصبي يولد فيؤذن في أذنه

117 - باب فِي الصَّبي يُولَدُ فَيُؤَذَّنُ في أُذُنِهِ 5105 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ سُفْيانَ، قالَ: حَدَّثَني عاصِمُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي رافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَذَّنَ في أُذُنِ الحَسَنِ بْنِ عَلي -حِينَ وَلَدَتْهُ فاطِمَةُ- بِالصَّلاةِ (¬1). 5106 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ ح، وَحَدَّثَنا يُوسُفُ ابْنُ مُوسَى، حَدَّثَنا أَبُو أُسامَةَ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها قالَتْ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُؤْتَى بِالصِّبْيانِ فَيَدْعُو لَهُمْ بِالبَرَكَةِ -زادَ يُوسُفُ- وَيُحَنِّكُهُمْ وَلَمْ يَذْكُرْ بِالبَرَكَةِ (¬2). 5107 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ أَبي الوَزِيرِ، حَدَّثَنا داوُدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَطّارُ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّ حُمَيْدٍ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها قالَتْ: قالَ لي رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هَلْ رُئي -أَوْ كَلِمَةً غَيْرَها- فِيكُمُ المُغَرِّبُونَ". قُلْتُ وَما المُغَرِّبُونَ قالَ: "الَّذِينَ يَشْتَرِكُ فِيهِمُ الجِنُّ" (¬3). * * * باب في الصبي يولد فيؤذن في أذنه [5105] (ثنا مسدد، ثنا يحيى) القطان (عن سفيان قال: حدثني عاصم بن عبيد اللَّه) بن عاصم بن عمر بن الخطاب، روى له البخاري في كتاب "أفعال العباد" (¬4) (عن عبيد اللَّه بن أبي رافع) كاتب علي (عن ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1514)، وأحمد 6/ 9. وصححه الألباني في "الإرواء" (1173). (¬2) رواه البخاري (5468، 6002، 6355)، ومسلم (286، 2147). (¬3) ضعفه الألباني في "المشكاة" (4564). (¬4) (216)، (217).

أبيه) أبي رافع إبراهيم، وقيل: أسلم القبطي، مولى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. (قال: رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أذن في أذن الحسن بن علي) كذا الرواية، وفي بعضها: في أذن الحسين بن علي (¬1). لأنه أول قدومه إلى الدنيا، فاستحب إعلامه بالتوحيد؛ ليكون أول ما يقرع سمعه، كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه من الدنيا، ولما فيه من طرد الشياطين عنه، والمراد بالأذن: اليمنى، وكذا يستحب الإقامة في الأذن اليسرى، ويقرأ في أذنه: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (¬2)، وظاهر إطلاق العلماء أنه لا فرق بين المولود الذكر والأنثى، وخصه بعضهم بالذكر، كما في الحديث. (حين ولدته فاطمة) زوجة علي -رضي اللَّه عنه- (بالصلاة) أي: أذن في أذنه بأذان الصلاة المشهور. وروى ابن السني عن الحسين بن علي: من أذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى، لم تضره أم الصبيان (¬3). وأم الفساد، وهي البالغة من الجن. [5106] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا محمد بن فضيل) (¬4) بن غزوان الضبي (وثنا يوسف بن موسى) بن راشد القطان، أخرج له البخاري (ثنا أبو أسامة) (¬5) حماد بن أسامة الكوفي (عن هشام بن عروة، عن عروة) بن ¬

_ (¬1) رواه الحاكم 3/ 179. (¬2) آل عمران: 36. (¬3) "عمل اليوم والليلة" (623) مرفوعًا. (¬4) فوقها في (ل): (د). (¬5) فوقها في (ل): (ع).

الزبير (عن عائشة، قالت: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يؤتى بالصبيان) خرج منه البنات حين يولدون (فيدعو لهم بالبركة) فيهم (زاد يوسف) بن موسى (ويحنكهم) التحنيك: أن يمضغ التمر أو الزبيب أو غيره، ثم يدلك به حنك المولود، ويفتح فاه حتى ينزل إلى جوفه شيء منه، وفي معنى التمر الرطب، فإن لم يكن، فشيء حلو؛ والعسل أولى. (ولم يذكر) يدعو لهم (بالبركة) والمستحب الجمع بينهما بأن يحنك المولود ويدعى له بالبركة. [5107] (ثنا محمد بن المثنى، حدثنا إبراهيم بن) عمر بن مطرف الهاشمي بن ([أبي] (¬1) الوزير) أخرج له البخاري (¬2). (ثنا داود بن عبد الرحمن العطار) المكي (عن) عبد الملك (ابن جريج، عن أبيه) عبد العزيز بن جريج المكي، حسن الترمذي له (¬3) (عن أم حميد) ويقال: أم حميدة، بنت عبد الرحمن، لا يعرف حالها (¬4). (عن عائشة: قال لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: هل رئي) بضم الراء وكسر الهمزة، ثم ياء مفتوحة؛ أي: هل أبصر ووجد (أو) قال (كلمة غيرها، فيكم المغَرِّبُون) بضم الميم وفتح الغين المعجمة وتشديد الراء المكسورة (¬5)، قال في "النهاية": سموا مغربين؛ لأنه دخل فيهم عرق ¬

_ (¬1) سقط من (ل، م)، والمثبت من "السنن"، ومصادر الترجمة. (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 157 (418)، "التقريب" (222)، وقال فيه: صدوق. (¬3) حديثًا في "سننه" (463). (¬4) انظر: "التقريب" (8726). (¬5) سقط من (ل، م)، والمثبت من "السنن".

غريب، أو جاءوا من نسب بعيد (¬1)؛ لانقطاعهم عن أصولهم (قلت: [وما المغربون؟ ] (¬2) قال) أولاد الزنا (الذين يشترك فيهم) أي: في وطئهم (الجن) والإنس. قال جعفر بن محمد: إن الشيطان يجلس في ذكر ابن آدم، فإذا لم يسم اللَّه أصاب معه امرأته، وأنزل في فرجها كما ينزل الرجل (¬3). أي: فقد شاركه في الوطء. وقيل: أراد مشاركة (¬4) الجن في أمرهم لهم بالزنا وتحسينه لهم حتى فعلوه، فجاء أولادهم من غير رشدة، ومنه قوله تعالى: {وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ} (¬5)، قال أبو عثمان: مشاركة الشيطان معهم في الأولاد إباحته لهم النكاح بلا ولي، ومنه حديث عمر: قدم عليه رجل فقال له: هل من مغربة خبر؟ (¬6) أي: هل من خبر جديد جاء من بلد بعيد، ويقال: هو من مغربة خبر. وفي هذا الحديث دليل على وجود الجن وأنهم يتناسلون، بخلاف الملائكة. * * * ¬

_ (¬1) بعدها في (ل)، (م): المْغرِبُون، وعليها: خـ. (¬2) 3/ 349. (¬3) ساقطة من (م). وانظر: "معالم التنزيل" 5/ 106. (¬4) في (ل)، (م): المشاركة. والمثبت هو الأليق بالسياق. (¬5) الإسراء: 64. (¬6) رواه مالك 2/ 737 من حديث عمر موقوفًا.

118 - باب في الرجل يستعيذ من الرجل

118 - باب فِي الرَّجُلِ يَسْتَعِيذُ منَ الرَّجُلِ 5108 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْنُ عَلي وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الجُشَمي قالا: حَدَّثَنا خالِدُ بْنُ الحارِثِ، حَدَّثَنا سَعِيدٌ، قالَ نَصْرٌ: ابن أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَبِي نَهِيكٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنِ اسْتَعاذَ باللَّهِ فَأَعِيذُوهُ وَمَنْ سَأَلَكُمْ بِوَجْهِ اللَّهِ فَأَعْطُوهُ". قالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: "مَنْ سَأَلَكُمْ باللَّهِ" (¬1). 5109 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَسَهْلُ بْن بَكّارٍ قالا: حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ ح، وَحَدَّثَنا عُثْمانُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ -المَعْنَى-، عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُجاهِدٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنِ اسْتَعاذَكُمْ باللَّهِ فَأَعِيذُوهُ، وَمَنْ سَأَلَكُمْ باللَّهِ فَأَعْطُوهُ". وقالَ سَهْلٌ وَعُثْمانُ: "وَمَنْ دَعاكُمْ فَأَجِيبُوهُ". ثُمَّ اتَّفَقُوا: "وَمَنْ آتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكافِئُوهُ". قالَ مُسَدَّدٌ وَعُثْمانُ: "فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فادْعُوا اللَّهَ لَهُ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنْ قَدْ كافَأْتُمُوهُ" (¬2). * * * باب في الرجل يستعيذ من الرجل [5108] (ثنا نصر بن علي) الجهضمي (وعبيد اللَّه بن عمر) بن ميسرة، شيخ الشيخين (حدثنا خالد بن الحارث) الهجيمي البصري (ثنا سعيد، قال نصر) يعني: بالتنوين، و (ابن) بالرفع ابن علي هو سعيد (ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي نهيك) وأبو نهيك اسمه عثمان بن ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 249، وأبو يعلى 4/ 412 (2536). وصححه الألباني في "الصحيحة" (253). (¬2) رواه النسائي 5/ 82، وأحمد 2/ 68، والبخاري في "الأدب المفرد" (216). وصححه الألباني في "الصحيحة" (254).

نهيك الأزدي الفراهيدي، صاحب القراءات، مقبول. (عن ابن عباس أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: من استعاذ) أي: سألكم (باللَّه) أن تلجئوه إلى ملجأ يتحصن به من عدو ونحوه (فأعيذوه) أي: أجيروه من المكروه الذي استعاذ منه. (ومن سألكم بوجه اللَّه فأعطوه) وقد جاء الحث بأعظم من هذا في إعطاء من سأل بوجه اللَّه والمنع من إعطائه، فروى الطبراني: "ملعون من سأل بوجه اللَّه، وملعون من سئل بوجه اللَّه فمنع سائله" (¬1). (قال عبيد اللَّه) القواريري في روايته (من سألكم باللَّه) فأعطوه، روى الترمذي وحسنه: "ألا أخبركم بشر الناس؟ رجل يسأل باللَّه ولا يعطي" (¬2). وروى الطبراني عن أبي أمامة أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ألا أخبركم عن الخضر؟ " قالوا: بلى يا رسول اللَّه. قال: "بينما هو ذات يوم يمشي في سوق بني إسرائيل، أبصره رجل فقال: أسألك باللَّه لما تصدقت عليَّ، فإني نظرت السماحة في وجهك، ورجوت البركة عندك؟ فقال: آمنت باللَّه، ما عندي شيء أعطيك إلا أن تأخذني فتبيعني. فقال المسكين: وهل يستقيم هذا؟ قال: نعم، لقد سألتني بأمر عظيم، أما إني لا ¬

_ (¬1) "المعجم الكبير" 22/ 377 (943) من حديث أبي عبيد مولى رفاعة بن رافع مرفوعًا. قال الهيثمي في "المجمع" 3/ 103: فيه من لم أعرفه. وقال الألباني في "صحيح الترغيب" (853): حسن لغيره. (¬2) "سنن الترمذي" (1652) من حديث ابن عباس مرفوعًا.

أخيبك بوجه ربي، بعني. فقال: فقدمه إلى السوق، فباعه بأربعمائة درهم، فمكث عند المشتري زمانا لا يستعمله. . " الحديث (¬1). [5109] (ثنا مسدد وسهل بن بكار) البصري المكفوف، شيخ البخاري (ثنا أبو عوانة) الوضاح (ح). وثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا جرير -المعنى- عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من استعاذ باللَّه فأعيذوه) من سألكم باللَّه أن تجيروه فأجيروه، قال اللَّه تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} (¬2) وقد جاء في رواية: "من استجار باللَّه فأجيروه" (¬3). (ومن سألكم باللَّه) تعالى شيئًا من أمور الدنيا والآخرة أو العلوم (فأعطوه. قال سهل) بن بكار (وعثمان) بن أبي شيبة (ومن دعاكم فأجيبوه) الدعاء إن كان لوليمة العرس، فالإجابة واجبة، لكن تسقط بأعذار، وإن كان لغيرها، فالجمهور: لا تجب الإجابة لها (¬4)، لكن ¬

_ (¬1) "المعجم الكبير" 8/ 113 (7530)، "مسند الشاميين" 2/ 13 (832). قال الهيثمي 3/ 103: رجاله موثقون، إلا أن فيه بقية بن الوليد، وهو مدلس ولكنه ثقة. وكذا قال أيضًا 8/ 212. وقال الحافظ في "الإصابة" 1/ 435: سنده حسن؛ لولا عنعنة بقية. اهـ. لكن أتى عليه الألباني فضعفه في "الضعيفة" (5353)، وفي "ضعيف الترغيب والترهيب" (507). (¬2) التوبة: 6. (¬3) رواه النسائي 5/ 82. (¬4) انظر: "التمهيد" 1/ 272، 10/ 178، "المجموع" 20/ 130.

بل تستحب لهذا الحديث وغيره، وقال أهل الظاهر: تجب الإجابة إلى كل دعوة (¬1)، وبه قال بعض السلف. (ثم اتفقا: ومن أتى إليكم) قال المنذري: (آتى) بمد الهمزة، بمعنى: أعطى، ومنه قول علي: آتى (¬2) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بحلة سيراء (¬3). وفي رواية: بعث إليَّ (¬4) (¬5). وفي النسائي أو ابن حبان: "ومن صنع إليكم معروفًا" (¬6) فالمعروف اسم جامع لكل إحسان، [ويراد بالمعروف] (¬7) أيضًا حسن الصحبة مع الناس (فكافئوه) على إحسانه بمثله أو أحسن منه. (قال مسدد وعثمان: ) بن أبي شيبة (فإن لم تجدوا) ما تكافئوه به ولا عن بعضه (فادعوا اللَّه تعالى له) وكرروا له الدعاء (حتى تعلموا) أو يغلب على ظنكم (أن قد كافيتموه) بسكون الياء، وفي رواية: "فكافئوه" وهو الأصل. وروى النسائي عن أنس قال: قال المهاجرون: يا رسول اللَّه، ذهب الأنصار بالأجر كله، ما رأينا أحسن بذلا لكثير ولا أحسن مواساة في ¬

_ (¬1) انظر: "المحلى" 9/ 450 - 451. (¬2) بعدها في (ل)، (م): أتي، وعليها: خـ. (¬3) رواه البخاري (5366). (¬4) رواه مسلم (2071) من حديث علي أيضًا. (¬5) أورد هذا القول في حاشية "مختصر سنن أبي داود" 8/ 10 محققه محمد حامد الفقي، قال: بهامش المنذري. . . وذكر القول. (¬6) هو في "صحيح ابن حبان" (3408). (¬7) في (ل)، (م): ويرد المعروف. والمثبت هو المناسب للسياق.

قليل منهم، ولقد كفونا المؤنة. قال: "أليس تثنون عليهم به، وتدعون اللَّه تعالى لهم؟ " قالوا: بلى. قال: "فذاك بذاك" (¬1). * * * ¬

_ (¬1) "السنن الكبرى" 6/ 53 (10009). ورواه أيضًا البزار في "البحر الزخار" 13/ 349 (6978)، وصححه الضياء في "المختارة" 5/ 47 - 48 (1662).

119 - باب في رد الوسوسة

119 - باب فِي رَدِّ الوَسْوَسَةِ 5110 - حَدَّثَنا عَبّاسُ بْن عَبْدِ العَظِيمِ، حَدَّثَنا النَّضْرُ بْن مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنا عِكْرِمَةُ -يَعْني: ابن عَمّارٍ- قالَ: حَدَّثَنا أَبُو زُمَيْلٍ قالَ: سَأَلْتُ ابن عَبّاسٍ فَقُلْتُ: ما شَيء أَجِدُهُ في صَدْري قالَ: ما هُوَ؟ قُلْتُ واللَّه ما أَتَكَلَّمُ بِهِ. قالَ: فَقالَ لي أَشَئ مِنْ شَكٍّ قالَ: وَضَحِكَ. قالَ: ما نَجا مِنْ ذَلِكَ أَحَدٌ، قالَ: حَتَّى أَنْزَلَ اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} الآيَةَ قالَ: فَقالَ لي إِذا وَجَدْتَ في نَفْسِكَ شَيْئًا فَقُلْ: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (¬1). 5111 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا سُهَيْلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قالَ: جاءَهُ ناسٌ مِنْ أَصْحابِهِ، فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ نَجِدُ في أَنْفُسِنا الشَّيء نُعْظِمُ أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهِ أَوِ الكَلامَ بِهِ ما نُحِبُّ أَنَّ لَنا وَأَنّا تَكَلَّمْنا بِهِ. قالَ: "أَوَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟ ". قالُوا نَعَمْ. قالَ: "ذاكَ صَرِيحُ الإِيمانِ" (¬2). 5112 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وابْن قُدامَةَ بْنِ أَعْيَنَ قالا: حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ ذَرٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدّادٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: جاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَحَدَنا يَجِدُ في نَفْسِهِ -يُعَرِّضُ بِالشَّيء- لأَنْ يَكُونَ حُمَمَةً أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، فَقالَ: "اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، الحَمْدُ للَّه الذي رَدَّ كَيْدَهُ إِلَى الوَسْوَسَةِ". قالَ ابن قُدامَةَ: "رَدَّ أَمْرَهُ". مَكانَ: "رَدَّ كيْدَهُ" (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي حاتم في "التفسير" 6/ 1985. وقال الألباني: حسن الإسناد. (¬2) رواه مسلم (132). (¬3) رواه أحمد 1/ 235، والنسائي في "الكبرى" (10503). وصححه الألباني في تحقيق كتاب "الإيمان" (ص 102).

باب في رد الوسوسة [5110] (ثنا عباس) بالموحدة والسين المهملة (ابن عبد العظيم) العنبري، من حفاظ البصرة، شيخ مسلم. (ثنا النضر (¬1) بن محمد) بن [موسى الجرشي] (¬2) (ثنا عكرمة، يعني: ابن عمار) الحنفي، اليمامي، أخرج له مسلم (قال) عكرمة (وثنا أبو زميل) سماك بن الوليد الحنفي، احتج به مسلم. (قال: سألت ابن عباس، فقلت: ما شيء أجده في صدري؟ ) مما يلقيه الشيطان في نفسي (قال: ما هو؟ قلت: واللَّه لا أتكلم) فيه أن ما لا يجوز الكلام به لا يحكى. (قال: فقال لي: أشيء (¬3) من شك؟ وضحك) أي: تبسم تعجبًا من تعظيمه ما يجده في صدره، ويستقبح أن يذكره، وهو صريح الإيمان، كما سيأتي. (قال: ما نجا من ذلك أحد) من المؤمنين (قال: حتى أنزل اللَّه) -عزَّ وجلَّ- في كتابه: ({فَإِنْ كُنْتَ}) يا محمد ({فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ}) قال ابن عباس: لم يرد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأنه لم يشك في اللَّه (¬4)، ولا في شيء مما أوحى ({فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ}) (¬5) ممن آمن من أهل ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) في (ل)، (م): حازم، أبو معاوية، وهو خطأ، انظر: "تهذيب الكمال" 29/ 402. (¬3) ورد مقابلها في هامش (ل): هل، وعليها نسخة. (¬4) عزاه السيوطي في "معترك الأقتران" 1/ 177 لابن أبي حاتم. (¬5) يونس: 94.

الكتاب كعبد اللَّه بن سلام وأصحابه فسيخبرون. وروى الشيخ (¬1) في "تفسيره": بسنده إلى سعيد بن جبير قال: لم يشك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولا سأل (¬2). وقيل: إن الحقيقة تنتفي، والمراد: فما كنت في شك مما أنزلنا فاسأل؛ لتزداد يقينًا، كإبراهيم عليه السلام (الآية) إلى آخرها. (قال) أبو زميل (فقال لي) ابن عباس (إذا وجدت في نفسك شيئًا) من ذلك (فقل: {هُوَ الْأَوَّلُ}) قبل كل شيء كان هو، ولا شيء موجود ({وَالْآخِرُ}) بعد كل شيء، يعني: الأشياء جميعها، ويبقى آخرًا كما كان أولا ({وَالظَّاهِرُ}) الغالب العالي على كل شيء، ويجوز أن يكون معناه: الظاهر بالأدلة والشواهد القوية ({وَالْبَاطِنُ}) العالم بما بطن، ويجوز أن يكون معنى الباطن أنه محتجب عن الأبصار ({وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}) (¬3) سبحانه. [5111] (حدثنا أحمد) بن عبد اللَّه (بن يونس) اليربوعي (ثنا زهير، حدثنا سهيل، عن أبيه) أبي صالح السمان (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: جاءه) يعني: النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (أناس من أصحابه، فقالوا: يا رسول اللَّه) لفظ رواية مسلم: جاء ناس من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فسألوه: إنا (¬4) (نجد في أنفسنا) يعني: من الوسوسة (الشيء نعظم) علينا (أن ¬

_ (¬1) كذا في (ل، م) ولعل الصواب: أبو الشيخ. وإن لم أقف على من عزاه إليه. (¬2) رواه الطبري في "جامع البيان عن تأويل آي القرآن" 11/ 168. (¬3) الحديد: 3. (¬4) "صحيح مسلم" (132).

نتكلم به) أي: تنفر قلوبنا من الكلام به (أو) يعظم (الكلام به) ويعظم علينا وقوعه عندنا (ما نحب أن لنا) كذا وكذا (وأنا تكلمنا به) أي: ما نحب أن يعطى لنا كذا وكذا، أو نتكلم به لتعاظم ذلك عندنا. (قال: أوقد وجدتموه؟ ) الاستفهام فيه على وجه الإنكار، أو التعجب. أي: وجدتم الذي تتعاظمون أن تتكلموا به (قالوا: نعم. قال: ذاك صريح الإيمان) [والصريح: المحض الخالص الصافي، والمعنى: استعظام الكلام به هو صريح الإيمان] (¬1) فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه من النطق به، فضلًا عن اعتقاده، إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالًا محققًا، وانتفت عنه الريبة والشكوك الباطلة. وقيل: معناه: إن الشيطان إنما يوسوس لمن أيس من إغوائه، فينكد عليه بالوسوسة؛ لعجزه عن إغوائه، بخلاف الكافر، فإنه يأتيه كيف شاء. [5112] (ثنا عثمان بن أبي شيبة و) محمد (ابن قدامة بن أعين) أبو عبد اللَّه المصيصي مولى بني هاشم. قال الدارقطني: ثقة (¬2) (ثنا جرير، عن منصور، عن ذر) بفتح الذال المعجمة، هو ابن عبد اللَّه بن زرارة، الهمداني الكوفي، وثق (¬3) (عن عبد اللَّه (¬4) بن شداد) بن الهاد الليثي. (عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: يا رسول اللَّه، ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) انظر: "تقريب التهذيب" (1840). (¬3) "علل الدارقطني" 10/ 137، "تاريخ بغداد" 3/ 189 (1231). (¬4) فوقها في (ل): (ع).

إن أحدنا يجد في نفسه يعرض بالشيء) بضم الياء وتشديد الراء المكسورة. أي: يجد في نفسه من وسوسة التعريض بشيء غير صريح (لأن) بفتح اللام والهمزة جواب قسم محذوف، أي: واللَّه لأن (يكون) الإنسان (حممة) بضم الحاء وفتح المهملتين المخففتين جمعها حمم، وهو الفحم الأسود والرماد، وكل ما احترق من النار، وفي الكلام حذف تقديره: واللَّه لأن يحترق واحدنا بالنار حتى يكون فحمًا، أحب إليه من أن يتلفظ به. (أحب إليه من أن يتكلم به. فقال: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر) فيه استحباب التكبير المكرر إذا رأى ما يحب، كما قال: "اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، خربت خيبر" (¬1)، (الحمد للَّه الذي رد كيده) لعجزه عن الإغواء بالاعتقاد الباطل، ونقله (إلى الوسوسة) الضعيفة. (قال) محمد (ابن قدامة) في روايته (رد أمره. مكان) رواية عثمان (رد كيده) أي: احتياله واجتهاده في الإغواء. * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (610) من حديث أنس.

120 - باب في الرجل ينتمي إلى غير مواليه

120 - باب في الرَّجُلِ يَنْتَمي إِلَى غَيْرِ مَوالِيهِ 5113 - حَدَّثَنا النُّفَيْلي، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا عاصِمٌ الأَحْوَلُ، قالَ: حَدَّثَني أَبُو عُثْمانَ، قالَ: حَدَّثَني سَعْدُ بْنُ مالِكٍ قالَ: سَمِعَتْهُ أُذُناى وَوَعاهُ قَلْبي مِنْ مُحَمَّدٍ عليه السلام أَنَّهُ قالَ: "مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ فالجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرامٌ". قالَ: فَلَقِيتُ أَبا بَكْرَةَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقالَ سَمِعَتْهُ أُذُناي وَوَعاهُ قَلْبي مِنْ مُحَمَّدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم-. قالَ عاصِمٌ: فَقُلْتُ: يا أَبا عُثْمانَ لَقَدْ شَهِدَ عِنْدَكَ رَجُلانِ أَيُّما رَجُلَيْنِ. فَقالَ: أَمّا أَحَدُهُما فَأَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ في سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ في الإِسْلامِ يَعْني: سَعْدَ بْنَ مالِكٍ والآخَرُ قَدِمَ مِنَ الطّائِفِ في بِضْعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا عَلَى أَقْدامِهِمْ فَذَكَرَ فَضْلًا. قالَ أَبُو عَلي: سَمِعْتُ أَبا داوُدَ قالَ: قالَ النُّفَيْلي حَيْثُ حَدَّثَ بهذا الحَدِيثِ: واللَّه إِنَّهُ عِنْدي أَحْلَى مِنَ العَسَلِ، يَعْني: قَوْلَهُ، حَدَّثَنا وَحَدَّثَني قالَ أَبُو عَلي: وَسَمِعْتُ أَبا داوُدَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُولُ: لَيْسَ لَحِدِيثِ أَهْلِ الكُوفَةِ نُورٌ قالَ: وَما رَأَيْتُ مِثْلَ أَهْلِ البَصْرَةِ كانُوا تَعَلَّمُوهُ مِنْ شُعْبَةَ (¬1). 5114 - حَدَّثَنا حَجّاجُ بْنُ أَبي يَعْقُوبَ، حَدَّثَنا مُعاوِيَةُ -يَعْني: ابن عَمْرٍو- حَدَّثَنا زائِدَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ تَوَلَّى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ والمَلائِكَةِ والنّاسِ أَجْمَعِينَ لا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ القِيامَةِ عَدْلٌ وَلا صَرْفٌ" (¬2). 5115 - حَدَّثَنا سُلَيْمان بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقي، حَدَّثَنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الواحِدِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جابِرٍ، قالَ: حَدَّثَني سَعِيدُ بْنُ أَبي سَعِيدٍ وَنَحْنُ بِبَيْرُوتَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوِ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4326)، ومسلم (63). (¬2) رواه مسلم (1508).

انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ المُتَتابِعَةُ إِلَى يَوْمِ القِيامَةِ" (¬1). * * * باب في الرجل ينتمي إلى غير مواليه [5113] (ثنا) عبد اللَّه بن محمد (¬2) (النفيلي، ثنا زهير، ثنا عاصم) (¬3) ابن سليمان البصري (الأحول) الحافظ (حدثني أبو عثمان) عبد الرحمن بن مل النهدي. (حدثني سعد بن مالك) بن أهيب، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة (قال: سمعته أذناي ووعاه قلبي) أي: حفظه. وهذا للتأكيد عند السامع. (من محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: من أدعى) أي: انتسب (إلى غير أبيه) كذا للبخاري (¬4)، ولفظ مسلم: "من ادعى أبًا في الإسلام غير أبيه" (¬5) رغبة عنه وكراهة له، وهذا إنما يفعله أهل الجفاء والجهل والكبر؛ لخسة منصب الأب ودناءته، فيرى الانتساب إليه عارًا ونقصًا في حقه، ولا شك في أن هذا محرم معلوم التحريم. (وهو يعلم أنه غير أبيه) لا بد في التحريم من هذا الشرط (فالجنة عليه حرام) أي: من فعل ذلك مستحلًّا له فهو كافر حقيقة، فيبقى الحديث على ظاهره، وأما إن كان غير مستحل -وهو الغالب في ¬

_ (¬1) رواه ابن جرير في "تهذيب الآثار" (334 - 335). (¬2) في (ل)، (م)، وهو خطأ، انظر: "تهذيب الكمال" 16/ 88. (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) "صحيح البخاري" (4326، 4327). (¬5) "صحيح مسلم" (63).

الناس- فيكون الكفر الذي في الحديث محمولا على كفران النعم، فإنه قابل إحسان والده بالإساءة، ومن كان كذلك صدق عليه اسم الكافر، وعلى فعله أنه كفر لغة، ويحتمل أن يقال: أطلق عليه ذلك؛ لأنه تشبه بالكفار أهل الجاهلية أهل الكبر والأنفة، فإنهم كانوا يفعلون ذلك. (قال: ) أبو عثمان (فلقيت أبا بكرة) نفيع بن الحارث بن كلدة (فذكرت ذلك له) أي: لأبي بكرة (فقال: سمعته أذناي ووعاه قلبي من محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-. قال عاصم) بن سليمان (فقلت: يا أبا عثمان، لقد شهد عندك رجلان أيما) بالرفع (رجلين) و (أي) هذِه مشددة، وهي دالة على معنى الكمال، فتقع صفة للنكرة؛ أي: رجلان كاملان في صفات الرجال (فقال: أما أحدهما فأول من رمى بسهم في سبيل اللَّه) تعالى (أو) أول من رمى بسهم (في الإسلام؛ يعني: سعد بن مالك) بن أبي وقاص، سابع سبعة في إسلامه، أسلم بعد ستة، وأول من رمى بسهم في سبيل اللَّه، وذلك في سرية عبيدة بن الحارث، وكان معه يومئذ المقداد بن عمرو، ودعا له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "اللهم أجب دعوته وسدد رميته" (¬1) (و) أما (الآخر) فإنه (قدم من الطائف) سمي بذلك؛ لأن رجلا من الصدف أصاب دمًا في قومه بحضرموت فخرج هاربًا حتى نزل بوج، وحالف مسعود بن معتب وكان له مال عظيم؛ فقال: هل لكم أن أبني لكم طوفًا عليكم يكون ردءًا من العرب لكم؟ فقالوا: نعم. فبناه، وهو الحائط المطيف به. ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي عاصم في "السنة" 2/ 614 (1408)، البزار 4/ 49 (1213) من حديث سعد، وصححه الحاكم في "المستدرك" 3/ 500.

(في بضعة وعشرين رجلًا) ماشين (على أقدامهم) من أهل الطائف، فأعتقهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (فذكر فضلًا) لهم -رضي اللَّه عنهم-. (قال) عبد اللَّه بن محمد (النفيلي حين حدث بهذا الحديث: ) المذكور (واللَّه إنه عندي (¬1) أحلى من العسل) وغيره من الحلوى. قال أبو داود: سمعت النفيلي يقول حين قرأ هذا الحديث: هذا واللَّه أحلى من العسل (يعني قوله: حدثنا وحدثني) أحلى من العسل يطيب سماعه إلى آخره. (قال: ) المصنف (وسمعت أحمد) بن حنبل (يقول: ليس لحديث) أي: لإسناد حديث (أهل الكوفة نور) أي: إشراق وبهجة في حسن اتساقه (قال: وما رأيت مثل) حديث (أهل البصرة كانوا تعلموه من شعبة) فإنه كان يسكن البصرة. قال أبو عبيد الآجري: سمعت أبا داود -يعني: المصنف- يقول: ليس في الدنيا أحسن حديثًا من شعبة (¬2). قال سليمان بن حرب: خرج الليث بن سعد يومًا فقوموا ثيابه ودابته وخاتمه، وما كان عليه بثمانية عشر ألف درهم، وخرج شعبة يوما فقوموا حماره وسرجه وثيابه ثمانية عشر درهمًا (¬3). [5114] (حدثنا حجاج بن أبي يعقوب) يوسف بن حجاج الثقفي، ¬

_ (¬1) بعدها في (ل)، (م): عندنا. وعليها: خـ. (¬2) "سؤالات الآجري لأبي داود" (1190). (¬3) رواه البيهقي في "الشعب" 5/ 167 (6221)، والخطيب في "تاريخ بغداد" 9/ 262، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 50/ 369.

كان أبوه شاعرًا يصحب أبا نواس، وهو شيخ مسلم، وكان يقول: جمعت أمي مائة رغيف فجعلته في جراب وانحدرت إلى شبابة بالمدائن فأقمت ببابه مائة يوم، فلما نفدت الأرغفة خرجت (¬1). (ثنا معاوية (¬2) بن عمرو) بن المهلب الأزدي الكوفي (ثنا زائدة، عن الأعمش، عن أبي صالح) السمان. (عن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: من تولى قومًا بغير إذن مواليه) قال النووي: معناه: أن ينتمي العتيق إلى ولاء غير معتقه (¬3). فإذا تولى العتيق أمر الانتماء إلى قوم بغير إذن معتقه (فعليه لعنة اللَّه) أي: يحرم عليه هذِه؛ لتفويته حق المنعم عليه بالعتق، ولأن الولاء كالنسب فيحرم تضييعه كما يحرم تضييع النسب بانتساب الإنسان إلى غير أبيه. وقد احتج به قوم على جواز التولي بإذن مواليه، والصحيح الذي عليه الجمهور أنه لا يجوز وإن أذنوا له، كما لا يجوز الانتساب إلى غير أبيه وإن أذن له، وحملوا التقييد في الحديث على الغالب؛ لأن غالب ما يقع هذا بغير إذن الموالي، فلا يكون له مفهوم يعمل به، فهو كقوله: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} (¬4)، و {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} (¬5)، (و) لَعْنَةُ (الْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) يقال: لعنه اللَّه. ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب الكمال" 5/ 468 (1131). (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) "شرح مسلم" 10/ 149. (¬4) النساء: 23. (¬5) الإسراء: 31.

أي: تبرأ منه، وتبرأ منه بثوابه (¬1)، وتبرأت منه جميع الملائكة، وتبرأ منه ومن فعله الناس، والمراد بهم المؤمنون. (لا يقبل منه يوم القيامة عدل ولا صرف) أي: فريضة ولا نافلة، كما تقدم. [5115] (ثنا سليمان بن عبد الرحمن) بن عيسى (الدمشقي) ابن بنت شرحبيل بن مسلم. قال النسائي: صدوق (¬2). قال الحاكم أبو عبد اللَّه: قلت للدارقطني: سليمان بن عبد الرحمن؟ قال: ثقة. قلت: أليس عنه مناكير؟ قال: حدث بها عن قوم ضعفاء، وإنما هو ثقة (¬3). (ثنا عمر بن عبد الواحد) السلمي الدمشقي، ثقة (عن عبد (¬4) الرحمن ابن يزيد بن جابر) الأزدي (حدثني سعيد بن أبي سعيد) كيسان المقبري (ونحن ببيروت) بيروت بفتح الباء الموحدة وسكون المثناة تحت، بلدة من بلاد الشام على الساحل، خرج منها جماعة كثيرة من العلماء منهم أبو الفضل العباس بن الوليد البيروتي. (عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: من ادعى إلى غير أبيه) وهو يعلم (أو انتمى إلى غير مواليه) إلى غير معتقيه (فعليه لعنة اللَّه تعالى المتتابعة) أي: المستمرة التتابع (إلى يوم القيامة) وأخرج ¬

_ (¬1) كذا يشبه رسمها في (ل)، وفي وضع فوقها في (م) علامة استشكال. (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 12/ 30 (2544). (¬3) "سؤالات الحاكم للدارقطني" (343). (¬4) فوقها في (ل): (ع).

البخاري ومسلم والترمذي والنسائي نحوه من حديث علي بن أبي طالب، وفيه: "فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين" (¬1) كما تقدم. * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1870)، ومسلم (1370)، وأبو داود (2034)، والترمذي (2127)، والنسائي في "السنن الكبرى" 2/ 486 (4278).

121 - باب في التفاخر بالأحساب

121 - باب فِي التَّفاخُرِ بِالأَحْسابِ 5116 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ مَرْوانَ الرَّقّي، حَدَّثَنا المُعافَى ح، وَحَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الهَمْداني، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ -وهذا حَدِيثُهُ-، عَنْ هِشامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعِيدِ ابْنِ أَبي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكمْ عُبِّيَّةَ الجاهِلِيَّةِ وَفَخْرَها بِالآباءِ مُؤْمِنٌ تَقي وَفاجِرٌ شَقي أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرابٍ لَيَدَعَنَّ رِجالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوامٍ، إِنَّما هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الجِعْلانِ التي تَدْفَعُ بِأَنْفِها النَّتْنَ" (¬1). * * * باب التفاخر بالأحساب [5116] (ثنا موسى بن مروان) البغدادي (الرقي) بفتح الراء وتشديد القاف، نزل الرقة مدينة على طرف الفرات، والرقة الأولى خربت، والتي تسمى اليوم (¬2) الرقة كانت تسمى أولًا الرافقة، ولها تاريخ (¬3)، وموسى ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4). (ثنا المعافى) بن عمران، الأزدي الموصلي، أخرج له البخاري (ح، وثنا أحمد بن سعيد الهمداني) بسكون الميم، المصري، صدوق (ثنا) عبد اللَّه (ابن وهب -وهذا حديثه- عن هشام بن سعد) أخرج له مسلم (عن ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (3955)، وأحمد 2/ 361. وصححه الألباني في "الصحيحة" (2803). (¬2) في (م): الآن. (¬3) انظر: "معجم البلدان" 3/ 15. (¬4) 9/ 161.

سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه) أبي سعيد المقبري. (عن أبي هريرة: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن اللَّه تعالى قد أذهب عنكم عبية) بضم العين المهملة وكسر الباء الموحدة المشددة المكسورة، وتشديد المثناة تحت. قال في "النهاية": تضم عينها وتكسر (¬1) -والكسر أولى- وهي فعلة أو فعيلة، فإن كانت فعولة فهي من التعبية؛ لأن المتكبر ذو تكلف وتعبية، خلاف من يسترسل على سجيته، وإن كانت فعيلة، فهي من عباب الماء، وهو أوله وارتفاعه. وقيل: إن اللام قلبت ياء، كما فعلوه في: تقضي البازي (¬2). وقال غيره: إن كانت بالكسر فهي من عباب الماء، والعبية هي للتعاظم والفخر. (الجاهلية) سموا بذلك لكثرة جهالاتهم (وفخرها بالآباء) والأجداد الذين ماتوا. وفيه: ذم الفخر على الفقراء والمساكين وغيرهم، والتطاول عليهم والتكبر، وتعداد شرف الآباء [. . .] (¬3) {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (¬4)، والناس إنما هم نوعان: (مؤمن تقي) للَّه تعالى (وفاجر شقي، أنتم) لفظ الترمذي: "والناس" (¬5) (من بني آدم) وحواء (وآدم) خلق (من تراب) وحواء خلقت من ضلع منه. ¬

_ (¬1) ساقطة من (م)، وجملة: والكسر أولى، بعدها ليست في "النهاية". (¬2) 3/ 169. (¬3) كلمة غير مقروءة في (ل)، (م)، ويشبه رسمها: كانا. (¬4) الحجرات: 13. (¬5) "سنن الترمذي" (3956).

فيه: علة للنهي عن التفاخر؛ بأن الكل اجتمعوا في أب واحد وأم واحدة، والأب الذي اجتمعوا فيه خلق من تراب يوطأ بالأرجل ويمتهن. واللَّه (ليدعن) بالمثناة تحت وفتح العين. (رجال فخرهم بأقوام) ولفظ الترمذي: "لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا" (¬1). (إنما هم) يعني: الذين يفتخرون بهم (فحم من فحم جهنم) أي: آباؤهم ممن أوقد عليهم في نار جهنم حتى صاروا فحمًا ورمادًا، فأنى يفتخر بالفحم والرماد؟ ! (أو) بسكون الواو (ليكونن) بضم النون الأولى. (أهون على اللَّه من الجِعلان) بكسر الجيم، جمع جُعل، بضم الجيم وفتح العين، ولفظ الترمذي: "أهون على اللَّه من الجعل" (¬2) ونظير هذا الجمع صرد وصردان، والجعل دويبة أكبر من الخنفساء، وأسود شديد السواد (التي تدفع بآنفها) بمد الهمزة وضم النون (¬3) جمع أنف، كفلس وأفلس (النتن) وهو الخروء، كما في رواية الترمذي: "الذي يدهده (¬4) - الدهدهة: الدحرجة- الخراء بأنفه" ليدخره له، ويسمى الجعلان: أبو جعران، ويقال: إنه يموت من ريح الورد وريح الطيب؛ لأنه لا يعيش إلا بريح النتن، وإذا مات من ريح الورد وأعيد إلى الروث، عاش. وأنشد أبو الطيب: ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (3955). (¬2) السابق. (¬3) في (ل)، (م): الفاء. والمثبت هو الصواب. (¬4) ساقطة من (م).

كما تُضِرُّ رِياحُ الوَردِ بِالجُعَلِ (¬1) فشبههم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حال افختارهم بآبائهم الذين ماتوا في الجاهلية بعد أن نهاهم بالجعل، وشبه آباءهم المفتخر بهم بالخرء، وشبه افتخارهم بهم بدفع الخراء ودحرجته بالأنف. وزاد الترمذي بسنده عن أبي هريرة أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن اللَّه قد أذهب [عنكم] (¬2) عبية الجاهلية [وفخرها] (¬3) بالآباء، مؤمن تقي، أو فاجر شقي، والناس بنو آدم، وآدم من تراب". قال الهروي: العبية بكسر العين وضمها: الكبر (¬4). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء" للراغب الأصفهاني 2/ 724. (¬2) و (¬3) ليس في (ل، م)، والمثبت من "سنن الترمذي" (3955 - 3956). (¬4) انظر: "تهذيب اللغة" 1/ 118.

122 - باب في العصبية

122 - باب فِي العَصَبِيَّةِ 5117 - حَدَّثَنا النُّفَيْلي، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا سِماكُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: مَنْ نَصَرَ قَوْمَهُ عَلَى غَيْرِ الحَقِّ فَهُوَ كالبَعِيرِ الذي رُدّي فَهُوَ يُنْزَغ بِذَنَبِهِ (¬1). 5118 - حَدَّثَنا ابن بَشّارٍ، حَدَّثَنا أَبُو عامِرٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ سِماكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وَهُوَ في قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ فَذَكَرَ نَحْوَهُ (¬2). 5119 - حَدَّثَنا مَحْمُودُ بْنُ خالِدٍ الدِّمَشْقي، حَدَّثَنا الفِرْيابي، حَدَّثَنا سَلَمَةُ بْنُ بِشْرٍ الدِّمَشْقي، عَنْ بِنْتِ واثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ أَنَّها سَمِعَتْ أَباها يَقُولُ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ ما العَصَبِيَّةُ؟ قالَ: "أَنْ تُعِينَ قَوْمَكَ عَلَى الظُّلْمِ" (¬3). 5120 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، حَدَّثَنا أَيُّوبُ بْن سُوَيْدٍ عَنْ أُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ المُسَيَّبِ يُحَدِّثُ، عَنْ سُراقَةَ بْنِ مالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ المُدْلِجي قالَ: خَطَبَنا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ: "خَيْرُكُمُ المُدافِعُ عَنْ عَشِيرَتِهِ ما لَمْ يَأْثَمْ". قالَ أَبُو داوُدَ: أَيّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ ضَعِيفٌ (¬4). 5121 - حَدَّثَنا ابن السَّرْحِ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبي أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَكّي -يَعْني: ابن ابي لَبِيبَةَ-، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي سُلَيْمانَ، عَنْ ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 389، والطيالسي (342)، وابن أبي شيبة في "المسند" 1/ 214 (316). وصححه الألباني في "المشكاة" (4904). (¬2) انظر السابق. (¬3) رواه أحمد 4/ 107، والبخاري في "الأدب المفرد" (396). وضعفه الألباني. (¬4) رواه الطبراني في "الأوسط" 7/ 107 (6993)، والبيهقي في "الشعب" 10/ 348 (7605)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" 3/ 1422. وضعفه الألباني.

جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "لَيْسَ مِنّا مَنْ دَعا إِلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنّا مَنْ قاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنّا مَنْ ماتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ" (¬1). 5122 - حَدَّثَنا أَبُو بَكْرٍ بْن أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا أَبُو أُسامَةَ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ زِيادِ بْنِ مِخْراقٍ، عَنْ أَبِي كِنانَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ابْنُ أُخْتِ القَوْمِ مِنْهُمْ" (¬2). 5123 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنا الحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنا جَرِيرُ ابْنُ حازِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ داوُدَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عُقْبَةَ، عَنْ أَبي عُقْبَةَ وَكانَ مَوْلًى مِنْ أَهْلِ فارِسَ قالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أُحُدًا فَضَرَبْتُ رَجُلًا مِنَ المُشْرِكِينَ فَقُلْتُ: خُذْها مِنّي وَأَنا الغُلامُ الفارِسي فالتَفَتَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ: "فَهَلَّا قُلْتَ: خُذْها مِنّي وَأَنا الغُلامُ الأَنْصارَيُّ" (¬3). * * * باب في العصبية [5117] (ثنا) عبد اللَّه بن محمد (¬4) (النفيلي، ثنا زهير، ثنا سماك بن حرب، عن عبد (¬5) الرحمن بن عبد اللَّه بن مسعود، عن أبيه) عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- (قال: من نصر قومه) أو أباه أو أحدًا من عشيرته (على غير الحق فهو كالبعير الذي ردي) بفتح الراء وكسر الدال المخففة من غير ¬

_ (¬1) رواه البيهقي في "الآداب" (175) من طريق المصنف. وضعفه الألباني. (¬2) رواه أحمد 4/ 396، وابن أبي شيبة 13/ 479 (27012). ورواه البخاري (6762)، ومسلم (1059) من حديث أنس. (¬3) رواه ابن ماجه (2784)، وأحمد 5/ 295 وضعفه الألباني في "المشكاة" (4903). (¬4) في (ل)، (م): مسلمة، وهو خطأ، انظر: "تهذيب الكمال" 16/ 88. (¬5) فوقها في (ل): (ع).

همز؛ أي: تردى. وروي بضم الراء وكسر الدال المشددة، قال الجوهري: يقال: ردى في البئر وتردى: إذا سقط في بئر، أو تهَوَّر من جبل (¬1). (فهو ينزع) بكسر الزاي (بذنبه) أو يجذب به [وأصل النزع الجذب والقلع؛ أي: ينزع بذنبه للناس؛ ليخرجوه من البئر، فشبه القوم بالبعير الهالك، وشبه ناصرهم بذنب البعير] (¬2). قال في "النهاية": أراد أنه وقع في الإثم وهلك كالبعير إذا تردى في البئر، وأراد (¬3) أن يخرج بذنبه فلا يقدر على خلاصه (¬4). وفي نسخة معتمدة: (يُنزع) بضم أوله. [5118] (ثنا) محمد (ابن بشار) بندار (ثنا أبو عامر) عبد الملك بن عمرو العقدي (ثنا سفيان) الثوري (عن سماك بن حرب، عن عبد الرحمن ابن عبد اللَّه بن مسعود، عن أبيه) عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه-. (قال: انتهيت إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو في قبة) صغيرة (من أدم) أي: جلد، وهي منازل أهل اليمن (فذكر نحوه) كما تقدم. [5119] (ثنا محمود بن خالد) بن يزيد (الدمشقي) قال أبو حاتم: ثقة رضًا (¬5) (ثنا) محمد بن يوسف (الفريابي) بكسر الفاء وسكون الراء، ثم ¬

_ (¬1) "الصحاح" 6/ 2355. (¬2) ما بين المعقوفتين جاء في (ل)، (م) بعد كلمة: وكسر الدال المشددة. السابقة، والصواب إثباتها في هذا الموضع الذي أثبتناها فيه. (¬3) كذا في (ل، م)، وفي "النهاية": أريد. مبني للمجهول هو وما بعده في العبارة. (¬4) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 216. (¬5) "الجرح والتعديل" 8/ 292 (1342).

مثناة تحت وبعد الألف موحدة (ثنا سلمة بن بشر) بن صيفي (الدمشقي) ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬1). (عن بنت واثلة بن الأسقع) وهي خصيلة بضم الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة، مصغر، ويقال فيها: فسيلة بضم الفاء، وفتح السين المهملة (أنها سمعت أباها يقول: قلت: يا رسول اللَّه، ما العصبية؟ قال: أن تعين قومك) أي: عشيرتك وأقاربك وأهل ودك (على الظلم) فيه: دليل على أنه لا يجوز إعانة الظالم ولو كان قريبه، ولا أن يحامي عنه، ولا يدافع. [5120] (حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح) المصري مولى بني أمية، شيخ مسلم (ثنا أيوب (¬2) بن سويد) الرملي السيباني، ذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: رديء الحفظ (¬3). قال أبو داود: ابن سويد ضعيف (¬4) (عن أسامة بن زيد) الليثي، أخرج له مسلم. (أنه سمع سعيد بن المسيب يحدث، عن سراقة بن مالك بن جعشم) بضم الجيم والشين المعجمة (المدلجي) بضم الميم وسكون الدال وكسر اللام، نسبة إلى مدلج بن مرة بن عبد مناة، بطن كبير من كنانة. (قال: خطبنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: خيركم المدافع عن عشيرته) في المهمات، في حضورهم وغيبتهم ويرد غيبتهم إذا ذكروا بما يكرهونه، ¬

_ (¬1) 8/ 286. (¬2) فوقها في (ل): (ت. ق) (¬3) 8/ 125. (¬4) "سؤالات الآجري لأبي داود" (1783).

ويرد عنهم من يظلمهم، في مال أو بدن (ما لم يأثم) أي: ما لم يكن في المدافعة إثم، أي: ما لم يظلم (¬1) المدفوع، فإن قدر على أن يدفعه بكلام وضرب، وليس له أن يقتله بالسيف، فيدفع بالأخف. قال المنذري: في سماع سعيد بن المسيب وسراقة نظر، فإن وفاة سراقة سنة أربع وعشرين على المشهور، ومولد سعيد سنة 15 (¬2). وفيه دليل على أن المدافعة عن المبطل لا تجوز، فلا يجوز لأحد أن يخاصم أو يحاجج عن أحد إلا بعد أن يعلم أنه محق، ويدل عليه قوله تعالى: {وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} (¬3). [5121] (ثنا) أحمد بن عمرو (ابن السرح، ثنا) عبد اللَّه (ابن وهب، عن سعيد بن أبي أيوب) المصري (عن محمد بن عبد الرحمن) بن لبيبة، بفتح اللام وكسر الموحدة، ويقال: ابن أبي لبيبة (المكي) وقيل: القلي (¬4). أخرج له مسلم في "صحيحه" من حديث أبي هريرة (¬5)، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬6). ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): يظلمه. ولعل المثبت هو الصواب. (¬2) "مختصر سنن أبي داود" 8/ 18. (¬3) النساء: 107. (¬4) كذا يشبه رسمها في (ل، م)، ولم أقف عليه. (¬5) كذا قال رحمه اللَّه، وهو خطأ؛ فلم يخرج مسلم لمحمد بن عبد الرحمن بن لبيبة هذا، إنما أخرج له أبو داود والنسائي من السنة، "تهذيب الكمال" 25/ 620 أما مسلم فقد روى (568) لمحمد بن عبد الرحمن بن نوفل أبي الأسود المدني، عن اْبي عبد اللَّه مولى شداد بن الهاد، عن أبي هريرة وروى (617/ 186) لمحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة. (¬6) 5/ 362، 7/ 369.

(عن عبد اللَّه بن أبي سليمان) أبي (¬1) أيوب الأموي. قيل: اسمه سليمان (عن جبير) قال المصنف في رواية ابن العبد: هذا مرسل، عبد اللَّه بن أبي سليمان لم يسمع من جبير (¬2). ومراده أن الحديث منقطع. (بن مطعم -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: ليس منا) أي: ليس على طريقتنا وسنتنا. (من دعا إلى عصبية) حمية الجاهلية (وليس منا من قاتل (¬3) عصبية) لم يقاتل للَّه، بل للتعصب والدفع عن عشيرته حمية الجاهلية إلى ذلك (وليس منا من مات على عصبية) أي: مات وهو مستمر على التعصب لعشيرته في غير حق، ومن مات في قتال نصرة قبيلته، أو غرض من الأغراض الفاسدة والأهواء الركيكة، وحمية الجاهلية، ويدخل في هذا من قاتل لنصرة أميره اتباعا له، ولا يدري أمحق هو أم مبطل. [5122] (ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (عن عوف (¬4) بن أبي جميلة) الأعرابي (عن زياد (¬5) بن مخراق) المزني، ثقة (عن أبي كنانة) القرشي، أخرج له البخاري في "الأدب" (¬6). (عن أبي موسى الأشعري -رضي اللَّه عنه-، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ابن أخت القوم منهم) استدل به من يورث ذوي الأرحام، وهو مذهب أبي حنيفة ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): أبو. والجادة ما أثبتناه. (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 15/ 66. (¬3) بعدها في (ل)، (م): على. وعليها: نسخة. (¬4) فوقها في (ل): (ع). (¬5) فوقها في (ل): (د). (¬6) "الأدب المفرد" (357).

وأحمد (¬1)، ومذهب مالك والشافعي وآخرين أنهم لا يورثون. وأجاب بأنه: ليس في هذا اللفظ ما يقتضي توريثه، وإنما معناه أن بينه وبينهم ارتباطًا وقرابة ولم يتعرض للإرث، وسياق رواية الصحيحين (¬2) تقتضي أدن المراد أنه كالواحد منهم في إفشاء سرهم بحضرته ونحو ذلك. [5123] (ثنا محمد بن عبد (¬3) الرحيم) بن أبي زهير العدوي البغدادي (ثنا الحسين بن محمد) (¬4) بن بهرام المروذي المؤدب (ثنا جرير (¬5) بن حازم) الأزدي البصري، شهد جنازة أبي الطفيل (عن محمد بن إسحاق) صاحب "المغازي" (عن داود (¬6) بن حصين) مصغر القرشي مولى عمرو بن عثمان بن عفان (عن عبد الرحمن بن أبي عقبة) الفارسي المدني، وثق (عن) أبيه (أبي عقبة) مولى الأنصار، وقيل: مولى بني هاشم بن عبد مناف، قال ابن عبد البر: اسمه رشيد (¬7) (وكان مولى من بني فارس) شهد أحدًا. (قال: شهدت مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أحدًا) أي: غزوة أحد (فضربت رجلًا من المشركين) بسيفي (وقلت: خذها مني وأنا الغلام الفارسي) وكان شهد ¬

_ (¬1) انظر: "الفروع" 5/ 453. (¬2) البخاري (6762)، ومسلم (1059) من حديث أنس. (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) فوقها في (ل): (ع). (¬5) فوقها في (ل): (ع). (¬6) فوقها في (ل): (ع). (¬7) "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" 4/ 279 (3125).

أحدًا مع مولاه جبر بن عتيك بن قيس الأنصاري (فالتفت إليَّ) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (فقال: هلا قلت: خذها مني وأنا الغلام الأنصاري) كره منه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- النسابة إلى فارس؛ لأن فارس مجوس لا كتاب لهم، وأمره بالانتساب إلى الأنصار الذين نصروا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهم من أولاد الأوس والخزرج. * * *

123 - باب إخبار الرجل الرجل بمحبته إياه

123 - باب إخْبارِ الرَّجُل الرَّجُل بِمَحَبَّتهِ إِيّاهُ 5124 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى عَنْ ثَوْرٍ، قالَ: حَدَّثَني حَبِيبُ بْن عُبَيْدٍ، عَنِ المِقْدامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ -وَقَدْ كانَ أَدْرَكَهُ-، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِذا أَحَبَّ الرَّجُلُ أَخاهُ فَلْيُخْبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ" (¬1). 5125 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا المُبارَكُ بْنُ فَضالَةَ، حَدَّثَنا ثابِتٌ البناني، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ رَجُلًا كانَ عِنْدَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ إِنّي لأُحِبُّ هذا. فَقالَ لَهُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَعْلَمْتَهُ؟ ". قالَ: لا قالَ: "أَعْلِمْهُ". قالَ: فَلَحِقَهُ فَقالَ: إِنّي أُحِبُّكَ في اللَّهِ. فَقالَ: أَحَبَّكَ الذي أَحْبَبْتَني لَهُ (¬2). 5126 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا سُلَيْمان، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصّامِتِ، عَنْ أَبي ذَرٍّ أَنَّهُ قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ يُحِبُّ القَوْمَ وَلا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعْمَلَ كَعَمَلِهِمْ. قالَ: "أَنْتَ يا أَبا ذَرٍّ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ". قالَ: فَإِنّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. قالَ: "فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ". قالَ: فَأَعادَها أَبُو ذَرٍّ فَأَعادَها رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3). 5127 - حَدَّثَنا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، حَدَّثَنا خالِدٌ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ ثابِتٍ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2392)، وأحمد 4/ 130، والبخاري في "الأدب المفرد" (542)، والنسائي في "الكبرى" (10034). وصححه الألباني في "الصحيحة" (417). (¬2) رواه النسائي في "الكبرى" (10011)، وأحمد 3/ 140. وصححه الألباني في "الصحيحة" (3253). (¬3) رواه أحمد 5/ 156، والدارمي (2829)، والبخاري في "الأدب المفرد" (351)، وابن حبان (556). وصححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد" (269).

عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: رَأَيْتُ أَصْحابَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَرِحُوا بِشَيء لَمْ أَرَهُمْ فَرِحُوا بِشَيء أَشَدَّ مِنْهُ قالَ رَجُلٌ: يا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ يُحِبُّ الرَّجُلَ عَلَى العَمَلِ مِنَ الخَيْرِ يَعْمَلُ بِهِ وَلا يَعْمَل بِمِثْلِهِ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ" (¬1). * * * باب إخبار الرجل الرجل بمحبته إياه [5124] (ثنا مسدد، ثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن ثور) بن يزيد الكلاعي الحمصي، أخرج له الشيخان (حدثني حبيب بن عبيد) الرحبي الحمصي، أخرج له مسلم. (عن المقدام بن معدي كرب) بن عمرو الكندي (وقد كان أدركه) أدرك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وله صحبة ورواية، وكان نزل حمص. (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إذا أحب الرجل أخاه) المؤمن، أو أحبت المرأة صاحبتها المؤمنة (فليخبره) أي: يعلمه بذلك (أنه يحبه) وروى ابن السني وابن حبان: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لمعاذ: "إني لأحبك" (¬2). قال الغزالي: إنما أمر الرجل بإعلامه بحبه؛ لأنه يوجب زيادة الحب، وأن الرجل إذا عرف أن أخاه يحبه أحبه بالطبع لا محالة، ثم إذا عرف أيضًا أنه يحبه ازداد حبه لا محالة، فلا يزال الحب يتزايد بين المحبين، وذلك مطلوب بالشرع (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3688)، ومسلم (2639/ 163). (¬2) "عمل اليوم والليلة" (118)، (199)، "صحيح ابن حبان" 5/ 364 (2020)، 365 - 366 (2021) من حديث معاذ -رضي اللَّه عنه-. (¬3) انظر: "إحياء علوم الدين" 2/ 181.

ورواه الترمذي بلفظ: "إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه إياه" وقال: حديث حسن صحيح (¬1). [5125] (ثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي، شيخ البخاري. (ثنا المبارك بن فضالة) بفتح الفاء العدوي، مولى آل الخطاب، وثقه عفان بن مسلم (¬2)، واستشهد به البخاري. قال أبو زرعة: إذا قال: ثنا، فهو ثقة (¬3) (ثنا ثابت البناني) بضم الباء (عن أنس بن مالك) -رضي اللَّه عنه-. (أن رجلًا كان عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فمر به رجل، فقال: يا رسول اللَّه) واللَّه (إني لأحب هذا) الرجل. (فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) هل (أعلمته؟ ) بذلك (قال: لا. قال (قم إليه (أعلمه. قال: فلحقه. فقال) يا هذا (إني أحبك في اللَّه) تقدم كلام الغزالي قبله. يعني: لا أحبك (¬4) لإحسان منك ولا لجمال فيك ولا لشرف، ولكن أحبك لأجل اللَّه (فقال: أحبك اللَّه الذي أحببتني له). رواه ابن حبان (¬5) والنسائي (¬6) بنحوه. وفيه دليل على استحباب التودد بين المؤمنين واستجلاب محبة بعضهم لبعض بالمهاداة والتواضع والإحسان، فقد جبلت القلوب على حب من أحسن إليها، فمن عرف أن أحدًا يحبه هاداه واستشاره وقص ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (2392). (¬2) "الجرح والتعديل" 8/ 338 - 339 (1557)، "تهذيب الكمال" 27/ 184 (5766). (¬3) "الجرح والتعديل" 8/ 339، "تهذيب الكمال" 27/ 187. (¬4) في (ل)، (م): لأحبك. والجادة ما أثبتناه. (¬5) في "صحيحه" 2/ 330 - 331 (571). (¬6) في "السنن الكبرى" 6/ 54 (10010).

عليه رؤياه وغير ذلك. وروى ابن السني وابن حبان عن معاذ قال: لقيني النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأخذ بيدي وقال: "يا معاذ، إني أحبك في اللَّه" قال: قلت: واللَّه وأنا أحبك في اللَّه. قال: "أفلا أعلمك كلمات تقولها في دبر صلاتك؟ اللهم أعني على ذكرك وشكرك (¬1) وحسن عبادتك" (¬2). وروى البيهقي في "شعب الإيمان" بسند ضعيف أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا أحببت [رجلا] (¬3) فاسأله عن اسمه واسم أبيه ومنزلته وعشيرته" (¬4). [5126] (ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا سليمان) (¬5) بن المغيرة البصري، مولى قيس بن ثعلبة، سيد أهل البصرة. (عن حميد (¬6) بن هلال) العدوي البصري (عن عبد اللَّه بن الصامت، عن أبي ذر) جندب بن جنادة الغفاري (¬7) -رضي اللَّه عنه-. ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) "صحيح ابن حبان" 5/ 364 - 365 (2020)، 5/ 365 - 366 (2021)، "عمل اليوم والليلة" (118)، (199). (¬3) بياض في (ل)، (م)، والمثبت من "شعب الإيمان". (¬4) "شعب الإيمان" 6/ 492 (9023) من حديث ابن عمر دون قوله: "ومنزلته وعشيرته"، وبتمام هذا اللفظ رواه الخرائطي في "مكارم الأخلاق" (772) من حديث ابن عمر مرفوعًا أيضًا. (¬5) فوقها في (ل): (ع). (¬6) فوقها في (ل): (ع). (¬7) ساقطة من (م).

(قال: يا رسول اللَّه، الرجل يحب القوم للَّه) تعالى (ولا يستطيع أن يعمل كعملهم؟ ) (¬1) ولا يلحقهم (قال: أنت يا أبا ذر مع من أحببت) فيه فضيلة حب أهل الخير والصالحين من الأحياء والأموات، ولا يشترط في الانتفاع بمحبة الصالحين أن يعمل عملهم، إذ لو عمله لكان منهم ومثلهم. (قال: فإني أحب اللَّه ورسوله) ومن أفضل محبة اللَّه ورسوله امتثال أمرهما واجتناب نهيهما، والتأديب بآداب الشريعة، فإن المحب لمن يحب مطيع (قال: فإنك) في الجنة (مع من أحببت) للَّه تعالى (قال: فأعادها أبو ذر) عليه (فأعادها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) مرارًا. فيه تكرار الكلام تأكيدًا. [5127] (ثنا وهب بن بقية، ثنا خالد) بن عبد اللَّه الواسطي، الطحان (عن يونس بن عبيد) الثقفي (¬2)، وثق (عن ثابت) البناني. (عن أنس بن مالك قال: رأيت أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فرحوا بشيء لم أرهم فرحوا بشيء أشد منه) إنما كان فرحهم بذلك أشد لأنهم لم يسمعوا أن في أعمال البر ما يحصل به ذلك المعنى من القرب من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، والكون معه في مكانه إلا حب اللَّه ورسوله، فأعظم بأمر يلحق المقصر بالمشمر، والمتأخر بالمتقدم، ولما فهم أنس أن هذا اللفظ محمول على عمومه علق به رجاءه، وحقق فيه ظنه فقال: أنا ¬

_ (¬1) بعدها في (ل)، (م): بعملهم، وعليها: نسخة. (¬2) كذا في النسخ، وهو خطأ، والصواب: (العبدي)، انظر: "تهذيب الكمال" 32/ 517.

أحب اللَّه ورسوله وأبا بكر وعمر، فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم. والوجه الذي تمسك به أنس يشمل من المحبين المؤمنين كل نفس؛ فلذلك تعلقت أطماعنا بذلك، ورجونا رحمة رب العالمين وإن كنا مقصرين. (قال رجل: يا رسول اللَّه، الرجل يحب الرجل على العمل من الخير يعمل به ولا يعمل بمثله). ويرتجي دخول الجنة بمحبته له (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: المرء مع من أحب) وصدق في حبه فيحشر معه، ويكون معه في الجنة. * * *

124 - باب في المشورة

124 - باب فِي المَشُورَةِ 5128 - حَدَّثَنا ابن المُثَنَّى، حَدَّثَنا يَحْيَى بْن أَبي بُكَيْرٍ، حَدَّثَنا شَيْبانُ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المُسْتَشارُ مُؤْتَمَنٌ" (¬1). * * * باب في المشورة المشورة بضم الشين وسكون الواو، ويقال: بسكون الشين وفتح الواو. [5128] (ثنا) محمد (ابن المثنى، ثنا يحيى (¬2) بن أبي بكير) العبدي، قاضي كرمان (ثنا شيبان) (¬3) بن عبد الرحمن التميمي النحوي (عن عبد الملك بن عمير، عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن. (عن أبي هريرة، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: المستشار مؤتمن) فكما يجب على الأمين الاجتهاد في حفظ ما ائتمنه عليه يجب عليه أن يجتهد في نصح من استشاره بما يشير به عليه، فمن استشاره في مصاهرة أحد يشير عليه بما يعلمه منه، ويجب عليه الصدق فيما يعلمه في الخاطب المستشار فيه، ومن استشاره في مشاركة شخص أو مقارضته أو مجاورته أو وضع عنده لتعليمه، فيجب عليه بذل النصيحة، فإذا علم ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2822)، وابن ماجه (3745). وحسنه الألباني في "الصحيحة" تحت حديث رقم (1641). (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) فوقها في (ل): (ع).

في المذكور خصلة يحصل منها فساد على المستشير، وجب عليه التصريح بذكرها، وهو مؤتمن في إخفاء سره، لا يذكر ما سمعه منه لأحد. قال الخطابي: ولا غرامة على المستشار (¬1) إذا وقع في الخطأ فيما أشار به (¬2). كما أن الأمين لا يغرم إذا تلفت الوديعة عنده من غير تقصير منه ولا تفريط. * * * ¬

_ (¬1) في (ل): المشير. وفي (م): المستشير. والمثبت كما في "معالم السنن". (¬2) "معالم السنن" 4/ 139.

125 - باب في الدال على الخير

125 - باب فِي الدّالِّ عَلى الخَيْرِ 5129 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي عَمْرٍ والشَّيْباني، عَنْ أَبي مَسْعُودٍ الأَنْصاري قالَ: جاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ إِنّي أُبْدِعَ بي فاحْمِلْنَي. قالَ: "لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكَ عَلَيْهِ ولكن ائْتِ فُلانًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَحْمِلَكَ". فَأَتاهُ فَحَمَلَهُ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَأَخْبَرَهُ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فاعِلِهِ" (¬1). * * * باب في الدال على الخير [5129] (ثنا محمد (¬2) بن كثير) العبدي البصري (أنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي عمرو) سعيد بن إياس (الشيباني، عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو. (الأنصاري، قال: جاء رجل إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه، إني أبدع) بضم الهمزة وكسر الدال (بي) يقال: أبدعت الناقة إذا انقطعت عن السير لكلال أو ظلع، كأنه جعل انقطاعها عما كانت مستمرة عليه من عادة السير إبداعًا؛ أي: إنشاء أمر خارج عما اعتيد منها، فكأنه قال: انقطع بي لكلال راحلتي وهلاك مركوبي (¬3) (فاحملني) على ناقة. (قال: لا أجد ما أحملك عليه) فيه الاعتذار إلى من سأله ما ليس ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1893). (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" 1/ 107.

عنده تطييبًا لقلبه (ولكن ائت فلانًا فلعله أن يحملك) على شيء عنده (فأتاه) فسأله (فحمله، فأتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأخبره) بأنه حمله، وكان ذلك في الغزو (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من دل على خير فله مثل أجر فاعله) كذا لمسلم (¬1)، وفيه فضيلة الدلالة على الخير، أي: على جهة يأتيه منها خير ينتفع به، فله مثل أجر فاعله من غير أن ينقص من أجر الفاعل، والمراد: (مثل أجر فاعله) أن له ثوابًا بذلك، كما أن لفاعله ثوابًا، ولا يلزم أن يكون قدر ثوابهما سواء، والكرم واسع. * * * ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1893).

126 - باب في الهوى

126 - باب فِي الهَوى 5130 - حَدَّثَنا حَيْوَة بْنُ شُرَيْحٍ، حَدَّثَنا بَقِيَّةُ، عَنْ أَبي بَكْرٍ بْنِ أَبي مَرْيَمَ، عَنْ خالِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الثَّقَفي، عَنْ بِلالِ بْنِ أَبي الدَّرْداءِ، عَنْ أَبي الدَّرْداءِ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "حُبُّكَ الشَّيء يُعْمي وَيُصِمُّ" (¬1). * * * باب في الهوى [5130] (ثنا حيوة بن شريح) بن يزيد، الحضرمي الحمصي، شيخ البخاري. (ثنا بقية) بن الوليد (عن) أبي بكر (ابن) عبد اللَّه بن (أبي مريم) الغساني، ليس بالقوي، لكنه [له] (¬2) علم وديانة (عن خالد بن محمد الثقفي) ثقة. (عن بلال بن أبي الدرداء) وكان أميرًا ببعض الشام، ثم قاضيًا بدمشق زمن يزيد، ليس له غير هذا الحديث. قال شيخنا ابن حجر: ثقة (¬3). (عن) أبيه (أبي الدرداء) عويمر -رضي اللَّه عنه-. (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: حبك الشيء يعمي ويصم) سئل ثعلب عن معناه فقال: يعمي العين عن نظر مساوئ المحبوب، ويصم الأذن عن استماع ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 194، وابن أبي شيبة في "المسند" 1/ 57 (49)، والبزار 10/ 62 (41225)، والطبراني في "الأوسط" 4/ 334 (4359). وضعفه الألباني في "الضعيفة" (1868). (¬2) ساقطة من (ل)، (م)، والمثبت من مصادر الترجمة. (¬3) "تقريب التهذيب" (778).

العدل فيه، وأنشأ يقول: وكذبت طرفي فيك والطرف صادق ... وأسمعت أذني فيك ما ليس تسمع (¬1) وقال غيره: يعمى ويصم عن الآخرة. وفائدته النهي عن حب ما لا ينبغي الإغراق في محبته (¬2)، فإنه يعمي ويصم عن طرق الهدى، وإن كان له سمع وبصر، ويعمي عن رؤية عيوب (¬3) محبوبه. كما قال الشاعر: وعين الرضا عن كل عيب كليلة ... ولكن عين السخط تبدي المساويا (¬4) وكذلك الإنسان أعمى أصم عن عيوب نفسه، فيحتاج إلى أخٍ صديق يبصره بعيوب نفسه؛ فإن المؤمن مرآة أخيه، كما في الحديث المتقدم (¬5). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "تاريخ بغداد" 3/ 117. (¬2) انظر: "مختصر سنن أبي داود" 8/ 31. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) هذا البيت لعبد اللَّه بن معاوية، انظر: "الحيوان" 3/ 488. (¬5) سبق برقم (4918) من حديث أبي هريرة، مرفوعًا بلفظ: "المؤمن مرآة المؤمن. . .

127 - باب في الشفاعة

127 - باب فِي الشَّفاعَةِ 5131 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ أَبي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي مُوسَى قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اشْفَعُوا إِلَيَّ لِتُؤْجَرُوا، وَلْيَقْضِ اللَّهُ عَلَى لِسانِ نَبِيِّهِ ما شاءَ" (¬1). 5132 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ قالا: حَدَّثَنا سُفْيانُ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ مُعاوِيَةَ: اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا فَإِنّي لأُرِيدُ الأَمْرَ، فَأُؤَخِّرُهُ كَيْما تَشْفَعُوا فَتُؤْجَرُوا؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا" (¬2). 5133 - حَدَّثَنا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مِثْلَهُ (¬3). * * * باب في الشفاعة [5131] (حدثنا مسدد، ثنا سفيان، عن بريد) (¬4) بضم الموحدة، مصغر (ابن أبي بردة عن أبيه) (¬5) أبي بردة عامر (عن أبي موسى) الأشعري -رضي اللَّه عنه- (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أشفعوا إليَّ) أي: شفاعة حسنة، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1432)، ومسلم (2627). (¬2) رواه النسائي 5/ 78، والطبراني في "الكبير" 19/ 348 (809). وصححه الألباني في "الصحيحة" (1464). (¬3) انظر السابق. (¬4) فوقها في (ل): (ع). (¬5) فوقها في (ل): (ع).

يقال: شفعت في فلان إلى فلان (لتؤجروا) أي: لكي تؤجروا، قبلت الشفاعة أم لا. وفي الحديث: "إني لأريد الأمر فأؤخره كي تشفعوا إلى فتؤجروا" (¬1). (وليقض اللَّه على لسان نبيه ما شاء) فيه: فضيلة الشفاعة لأرباب الحوائج، وهي مشروعة مأجور عليها فيما لا حد فيه، وفي الحد قبل أن يبلغ الإمام، فقد أجمع العلماء على تحريم الشفاعة فيما فيه تعزير سواء بلغت الإمام أم لا. * * * ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (5132)، والنسائي 5/ 78 من حديث معاوية.

128 - باب في الرجل ييدأ بنفسه في الكتاب

128 - باب فِي الرَّجُلِ يَيْدأُ بِنَفْسِهِ في الكِتابِ 5134 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ ابن سِيِرينَ -قالَ أَحْمَدُ: قالَ مَرَّةً يَعْني هُشَيْمًا-، عَنْ بَعْضِ وَلَدِ العَلاءِ أَنَّ العَلاءَ بْنَ الحَضْرَمي كانَ عامِلَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- علَى البَحْرَيْنِ فَكانَ إِذا كَتَبَ إِلَيْهِ بَدَأَ بِنَفْسِهِ (¬1). 5135 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنا المعَلَّى بْن مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنا هُشَيْمٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ ابن سِيرِينَ، عَنِ ابن العَلاءِ، عَنِ العَلاءِ -يَعْني: ابن الحَضْرَمي- أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَبَدَأَ بِاسْمِهِ (¬2). * * * باب فيمن يبدأ بنفسه في الكتاب [5134] (ثنا أحمد بن حنبل، ثنا هشيم، عن منصور) (¬3) بن زاذان الواسطي (عن) محمد (ابن سيرين، قال أحمد) بن حنبل (وقال مرة، يعني هشيمًا: عن بعض ولد العلاء بن الحضرمي، أن العلاء بن الحضرمي) واسم الحضرمي عبد اللَّه بن عباد (كان عامل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على البحرين) بلفظ التثنية، بلاد معروفة باليمن، وفيها مدن، قاعدتها هجر. قال الأزهري: إنما ثنوا البحرين؛ لأن في ناحية قراها بحيرة على باب الأحساء، وقرى هجر بينها وبين البحر الأخضر عشرة فراسخ، ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 339. وقال الألباني: ضعيف الإسناد. (¬2) رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (892)، وابن الأعرابي في "معجمه" (2081)، والحاكم 3/ 636. وضعفه الألباني. (¬3) فوقها في (ل): (ع).

وقدرت البحيرة ثلاثة أميال في مثلها، وماؤها راكد (¬1). (فكان إذا كتب إليه بدأ بنفسه) فيه أن السنة في المكاتبة والرسائل بين الناس أن يبدأ الكاتب بنفسه، فيقول: من زيد إلى عمرو، وسواء كان الكاتب دون المكتوب إليه أم أعلى منه، وهذِه المسألة مختلف فيها. قال الإمام أبو جعفر النحاس في كتابه "صناعة الكتاب": قال أكثر العلماء: يستحب أن يبدأ بنفسه -كما ذكرنا- ثم روى فيه أحاديث كثيرة وآثارًا، قال: وهذا هو الصحيح عند أكثر العلماء؛ لأنه إجماع الصحابة. قال: وسواء في هذا تصدير الكتاب والعنوان [قال: ورخص جماعة في أن يبدأ بالمكتوب إليه، فيقول في التصدير والعنوان] (¬2): إلى فلان من فلان، ثم روى بإسناده أن زيد بن ثابت كتب إلى معاوية، فبدأ باسم معاوية (¬3). وعن محمد بن الحنفية (¬4) وبكر بن عبد اللَّه (¬5) وأيوب السختياني أنه لا بأس بذلك (¬6). [5135] (ثنا محمد بن عبد الرحيم) أبو يحيى البزاز الحافظ، صاعقة، شيخ البخاري (ثنا معلى (¬7) بن منصور) الرازي الفقيه (أبنا ¬

_ (¬1) "تهذيب اللغة" 5/ 40. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) رواه ابن أبي شيبة 5/ 262 (25878) (¬4) انظر: "شرح مسلم" للنووي 12/ 108. (¬5) رواه البيهقي 10/ 130. (¬6) قاله أبو جعفر أيضًا بنحوه في كتابه "عمدة الكتاب" ص 141 - 143، وانظر: "شرح مسلم" للنووي 12/ 108. (¬7) فوقها في (ل): (ع).

هشيم (¬1)، عن منصور) بن زاذان (عن ابن سيرين، عن ابن العلاء، عن العلاء -يعني: ابن الحضرمي) -رضي اللَّه عنه-. (أنه كتب إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) فيه جواز ابتداء الصغير إلى الكبير بالمكاتبة، ولا يكون في هذا سوء أدب؛ خلافًا لمن زعم أن الصغير لا يكتب إلى الكبير إلا جوابًا لكتابه (فبدأ بنفسه) في هذا الحديث أن الصواب في العنوان أن يكتب عليه من فلان إلى فلان، ولا يكتب من فلان لفلان؛ لأنه إليه لا له إلا على مجاز، قال ابن النحاس: وهو الصواب الذي عليه أكثر العلماء من الصحابة والتابعين (¬2). * * * ¬

_ (¬1) تحرفت في (ل) إلى: شهيم. (¬2) انظر: "عمدة الكتاب" 1/ 140.

129 - باب كيف يكتب إلى الذمي

129 - باب كَيْفَ يُكْتَبُ إلَى الذِّمّي 5136 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلي وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كَتَبَ إِلَى هِرَقْلَ: "مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، سَلامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدى". قالَ ابن يَحْيَى: عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ أَبا سُفْيانَ أَخْبَرَهُ قالَ: فَدَخَلْنا عَلَى هِرَقْلَ فَأَجْلَسَنا بَيْنَ يَدَيْهِ، ثمَّ دَعا بِكِتابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَإِذا فِيهِ: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، سَلامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدى، أَمّا بَعْدُ" (¬1). * * * باب كيف يكتب إلى الذمي؟ [5136] [(ثنا الحسن بن علي) الجهضمي (ومحمد بن يحيى) بن عبد اللَّه بن فارس الذهلي، شيخ البخاري] (¬2). (قالا: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة) بن مسعود. (عن ابن عباس أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كتب إلى هرقل: من محمد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى هرقل) فيه: دعاء الكفار قبل قتالهم بالإرسال والمكاتبة، وهذا الدعاء واجب، والقتال قبله حرام. (عظيم الروم) فيه: التوقي (¬3) في المكاتبة واستعمال الشرع (¬4) فيها ¬

_ (¬1) رواه البخاري (7). (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) في (م): الترقي. (¬4) كذا في (ل، م): بينما فيما حكاه النووي وغيره: الورع. "شرح مسلم" 12/ 108.

ولا يفرط؛ فلهذا قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إلى هرقل عظيم الروم) ولم يقل: إلى ملك الروم؛ لأنه لا حكم له ولا لغيره إلا بحكم دين الإسلام، ولا سلطان لأحد إلا لمن ولاه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أو ولاه من أذن له. (سلام على من اتبع الهدى) فيه: أنه يجوز أن يسافر إلى أرض العدو بالآية والايتين ونحوهما؛ وأن يبعث بهما إلى الكفار، وإنما نهي عن المسافرة بالقرآن إلى أرض العدو؛ أي: بكلمة أو بجملة منه، وذلك أيضًا محمول على ما إذا خيف وقوعه في أيدي الكفار. (قال) محمد (ابن يحيى: عن ابن عباس، أن أبا سفيان أخبره، قال: فدخلنا على هرقل) بفتح الراء بوزن دمشق، ويقال: هرقل على وزن خندف (¬1)، وهو أعجمي تكلمت به العرب. قال الشافعي: قيصر اسمه هرقل، وقيصر لقب (¬2). وقال غيره: هو أول من ضرب الدنانير (¬3). (فأجلسنا) بفتح السين (بين يديه) فيه: مطاوعة ملوك الكفار فيما هو أدب. (ثم دعا بكتاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) فيه: أنه يجوز للمحدث والكافر مس آية أو آيات يسيرة مع غير القرآن؛ كما إذا كان مع تفسير أو فقه أو مراسلة أو كتاب متابعة أو نحوها (فإذا فيه: بسم اللَّه الرحمن الرحيم) فيه: تصدير الكتاب ببسم اللَّه الرحمن الرحيم، وإن كان المبعوث إليه كافرًا. ومنها أن قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في الحديث الآخر: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ¬

_ (¬1) انظر: "الصحاح" 5/ 1849. (¬2) انظر: "تهذيب الأسماء واللغات" 2/ 65. (¬3) انظر: "لسان العرب" 11/ 694.

بحمد اللَّه فهو أجذم" (¬1) المراد (بحمد اللَّه) ذكر اللَّه. وقد جاء في رواية: "بذكر اللَّه" (¬2) وهذا الكتاب كتاب ذو بال، بل من المهمات العظام، وبدأ فيه بالبسملة دون الحمد. (من محمد رسول اللَّه) فيه البداءة باسم الكاتب، كما تقدم قبله (إلى هرقل) بفتح اللام غير منصرف (عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد) فيه استحباب (أما بعد) في الخطب والمكاتبات، وقد ترجم البخاري لهذِه بابا في كتاب الجمعة ذكر فيه أحاديث كثيرة (¬3). * * * ¬

_ (¬1) سبق برقم (4840)، ورواه أيضًا ابن ماجه (1894) كلاهما من حديث أبي هريرة مرفوعًا. (¬2) رواها أحمد 2/ 359 من حديث أبي هريرة مرفوعًا. (¬3) "صحيح البخاري" (922) وما بعده.

130 - باب في بر الوالدين

130 - باب فِي بِرِّ الوالِدَيْنِ 5137 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، قالَ: حَدَّثَني سُهَيْلُ بْنُ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يَجْزي وَلَدٌ والِدَهُ إِلَّا أَنْ يجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ" (¬1). 5138 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنِ ابن أَبِي ذِئْبٍ، قالَ: حَدَّثَني خالي الحارِثُ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: كانَتْ تَحْتي امْرَأَةٌ وَكُنْتُ أُحِبُّها وَكانَ عُمَرُ يَكْرَهُها فَقالَ لي: طَلِّقْها فَأَبَيْتُ، فَأَتَى عُمَرُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "طَلِّقْها" (¬2). 5139 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَبَرُّ؟ قالَ: "أُمَّكَ ثُمَّ أُمَّكَ ثُمَّ أُمَّكَ ثُمَّ أَباكَ ثمَّ الأَقْرَبَ فالأَقْرَبَ". وقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يَسْأَلُ رَجُلٌ مَوْلاهُ مِنْ فَضْلٍ هُوَ عِنْدَهُ فَيَمْنَعُهُ إِيّاهُ إِلَّا دُعي لَهُ يَوْمَ القِيامَةِ فَضْلُهُ الذي مَنَعَهُ شُجاعًا أَقْرَعَ". قالَ أَبُو داوُدَ: الأَقْرَعُ الذي ذَهَبَ شَعْرُ رَأْسِهِ مِنَ السُّمِّ (¬3). 5140 - حَدَّثَنا مُحَمَّد بْن عِيسَى، حَدَّثَنا الحارِث بْنُ مُرَّةَ، حَدَّثَنا كُلَيْبُ بْنُ مَنْفَعَةَ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ أَتَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَبَرُّ؟ قالَ: "أُمَّكَ وَأَباكَ، وَأُخْتَكَ وَأَخاكَ، وَمَوْلاكَ الذي يَلي ذاكَ حَقٌّ واجِبٌ، وَرَحِمٌ مَوْصُولَةٌ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1510). (¬2) رواه الترمدي (1189)، وابن ماجه (2088)، وأحمد 2/ 42. وصححه الألباني. (¬3) رواه الترمذي (1897)، وأحمد 5/ 3، والبخاري في "الأدب المفرد" (3). وصححه الألباني في "الإرواء" (837). (¬4) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (47)، والدولابي في "الكنى والأسماء" (328). وضعفه الألباني.

5141 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زِيادٍ وقالَ: أَخْبَرَنا ح، وَحَدَّثَنا عَبّادُ بْنُ مُوسَى قالا: حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قالَ: قالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الكَبائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ والِدَيْهِ". قِيلَ يا رَسُولَ اللَّهِ: كَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ والِدَيْهِ؟ قالَ: "يَلْعَنُ أَبا الرَّجُلِ، فَيَلْعَنُ أَباهُ وَيَلْعَنُ أُمَّهُ فيَلْعَنُ أُمَّهُ" (¬1). 5142 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ مَهْدي وَعُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ -المَعْنَى- قالُوا: حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سُلَيْمانَ، عَنْ أَسِيدِ بْنِ عَلي بْنِ عُبَيْدٍ مَوْلَى بَني ساعِدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ مالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السّاعِدي قالَ: بَيْنا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِذا جاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَني سَلِمَةَ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ بَقي مِنْ بِرِّ أَبَوى شَيء أَبَرُّهُما بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِما؟ قالَ: "نَعَمِ الصَّلاةُ عَلَيْهِما والاسْتِغْفارُ لَهُما وَإِنْفاذُ عَهْدِهِما مِنْ بَعْدِهِما وَصِلَةُ الرَّحِمِ التي لا تُوصَلُ إِلَّا بِهِما، وَإِكْرامُ صَدِيقِهِما" (¬2). 5143 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسامَةَ بْنِ الهادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينارٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ أَبَرَّ البِرِّ صِلَةُ المَرْءِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ" (¬3). 5144 - حَدَّثَنا ابن المُثَنَّى، حَدَّثَنا أَبُو عاصِمٍ، قالَ: حَدَّثَني جَعْفَرُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عُمارَةَ بْنِ ثَوْبانَ أَخْبَرَنا عُمارَةُ بْنُ ثَوْبانَ أَنَّ أَبا الطُّفَيْلِ أَخْبَرَهُ قالَ: رَأَيْتُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقْسِمُ لَحْمًا بِالجِعِرّانَةِ قالَ أَبُو الطُّفَيلِ: وَأَنا يَوْمَئِذٍ غلامٌ أَحْمِل طمَ الجَزُورِ - إِذْ أَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ حَتَّى دَنَتْ إِلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَبَسَطَ لَها رِداءَهُ فَجَلَسَتْ عَلَيْهِ فَقُلْتُ مَنْ هي ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5973)، ومسلم (90). (¬2) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (35)، والطبراني في "الأوسط" 8/ 65 (7976). وضعفه الألباني في "المشكاة" (4936). (¬3) رواه مسلم (2552).

فَقالُوا هذِه أُمُّهُ التي أَرْضَعَتْهُ (¬1). 5145 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الهَمْداني، حَدَّثَنا ابن وَهْبِ، قالَ: حَدَّثَني عَمْرٌو ابْنُ الحارِثِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ السّائِبِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كانَ جالِسًا يَوْمًا فَأَقْبَلَ أَبُوهُ مِنَ الرَّضاعَةِ فَوَضَعَ لَهُ بَعْضَ ثَوْبِهِ فَقَعَدَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَقْبَلَتْ أُمُّهُ فَوَضَعَ لَها شِقَّ ثَوْبِهِ مِنْ جانِبِهِ الآخَرِ فَجَلَسَتْ عَلَيْهِ، ثمَّ أَقْبَلَ أَخُوهُ مِنَ الرَّضاعَةِ فَقامَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ (¬2). * * * باب في بر الوالدين [5137] (حدثنا محمد بن كثير) العبدي (¬3) (أبنا سفيان، حدثني سهيل بن أبي صالح، عن أبيه) أبي صالح السمان (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا يجزي) بفتح أوله (ولد والده) أي: لا يقدر على أن يكافئه بإحسانه الذي أسلفه إليه ويقضي حقه، ويدخل في الوالد الأب والأم، إذ الأم أحد الوالدين (إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه) بضم الياء. واستدل لمفهوم هذا أهل الظاهر، فقالوا: لا يعتق أحد بمجرد ¬

_ (¬1) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (1295)، والبزار 7/ 208 (2781)، وأبو يعلى 2/ 195 (900)، وابن حبان (4232). وضعفه الألباني في "ضعيف الأدب المفرد" (209). (¬2) رواه البيهقي في "الدلائل" 5/ 205 من طريق المصنف. وقال الألباني: ضعيف الإسناد. (¬3) ساقطة من (م).

الملك، بل لابد من إنشاء عتق، والصحيح عند الجمهور العتق في الأصول والفروع بمجرد الملك، سواء المسلم والكافر. قال مالك: يعتق الإخوة أيضًا. وقال أبو حنيفة: يعتق جميع الأرحام. وتأول الجمهور الحديث على أنه لما تسبب في شراه الذي يترتب العتق عليه أضيف العتق عليه (¬1). وإنما عتق الوالد بالشراء أو الملك؛ لأن العتق أفضل المجازاة. [5138] (ثنا مسدد، ثنا يحيى) القطان (عن) محمد بن عبد الرحمن (ابن أبي ذئب) (¬2) القرشي العامري (حدثني خالي الحارث) بن عبد الرحمن القرشي العامري، قال النسائي: ليس به بأس (¬3). وذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4). (عن حمزة (¬5) بن عبد اللَّه بن عمر) بن الخطاب (عن أبيه) عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنه- (قال: كانت تحتي امرأة) امرأة ابن عمر هي آمنة بنت غفار (¬6)، قاله ابن باطيش (¬7). وفي "مسند أحمد": آمنة (¬8). ¬

_ (¬1) حكى هذه الأقوال النووي في "شرح مسلم" 10/ 153. (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) انظر: "تهذيب الكمال" 5/ 256 (1027). (¬4) 4/ 134، 6/ 172. (¬5) فوقها في (ل): (ع). (¬6) في (م): عفان. وقد اختلف في اسم أبيها فهناك من قال: غفار، وآخر قال: عفان. انظر: "الطبقات" لابن سعد 8/ 269، "الإصابة" 8/ 5. (¬7) حكاه عنه النووي في "تهذيبه" 2/ 373، وابن الملقن في "البدر المنير" 8/ 71، إلا إنه جاء في "التهذيب": أمية. بدلا من آمنة. (¬8) كذا في (ل، م)، ولم أقف عليه في "المسند" لكن ذكر ابن الملقن في "البدر المنير" 8/ 71، وابن حجر في "الفتح" 9/ 347 أن اسمها في "مسند أحمد" النوار. وزاد =

(وكنت أحبها، وكان عمر يكرهها، فقال لي: طلقها) قيل: إن أول من أمر ابنه بطلاق زوجته إبراهيم الخليل عليه السلام، ومن بر الابن بأبيه أن يكره ما كره أبوه، وإن كان يحبه، وكذا من بره أن يحب ما يحب أبوه، وإن كان له كارهًا، هذا إن كان (¬1) الأب من أهل الدين، يحب في اللَّه ويبغض في اللَّه، ولم يكن ذا هوى. (فأبيت) أن أطلقها (فأتى عمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فذكر ذلك له، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: طلقها) فيه: أن الابن إذا لم يطاوع أباه فيما يأمره به استعان عليه بالحاكم، أو بأحد من أكابر البلد، والظاهر أن الأب إذا أمر ابنه بطلاق زوجته وجب عليه طلاقها؛ فقد حكى الغزالي عن أكثر العلماء أن طاعة الأبوين واجبة في الشبهات، وإن لم تجب في الحرام المحض، حتى إذا كانا يتنغصان [بانفرادك عنهما] (¬2) بالطعام، فعليك أن تأكل معهما؛ لأن ترك الشبهة ورع، ورضا الوالدين حتم (¬3). [5139] (ثنا محمد بن كثير، ثنا سفيان) الثوري (ثنا بهز بن حكيم، عن أبيه) حكيم بن معاوية (عن جده) المراد بجده معاوية بن حيدة بلا خلاف. قيل لأبي داود المصنف: بهز بن حكيم عن أبيه عن جده. ¬

_ = ابن حجر أنه رآه في "المسند"، ثم ساق إسناده من طريق الليث، عن نافع، عن ابن عمر، به، ثم عقب قائلًا: ويمكن الجمع بأن يكون اسمها آمنة ولقبها: النوار. اهـ. قلت: إسناد أحمد الذي أشار إليه الحافظ هو في "المسند" 2/ 124 إلا إني لم أجد فيه ولا في غيره اسم المرأة. فليراجع. (¬1) ساقطة من (م). (¬2) ما بين المعقوفتين محله بياض في (م). (¬3) "إحياء علوم الدين" 2/ 218.

قال: هو عندي حجة (¬1) (قلت: يا رسول اللَّه، من أبر؟ ) بفتح الهمزة والباء الموحدة وتشديد الراء مع الرفع؛ أي: من أحق بالبر؟ (قال: أمك، ثم أمك، ثم أمك) بنصب الميم في الثلاثة، ويوضحه رواية مسلم عن أبي هريرة: جاء رجل إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: "أمك" قال: ثم من؟ قال: "ثم أمك" قال: ثم من؟ قال: "ثم أمك" قال: ثم من؟ قال: "ثم أبوك" (¬2) (¬3). قوله في الرابعة: (ثم أباك) يؤيد قول من قال: إن للأم ثلاثة أرباع البر، وللأب ربعه؛ لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذكر الأم ثلاث مرات، وذكر الأب في المرة الرابعة فقط؛ لأن الأم انفردت بثلاثة أشياء: صعوبة الحمل والوضع والرضاع، فكان لها ثلاثة أرباع. وإذا تؤمل هذا المعنى شهد له العيان، وذلك أن صعوبة الحمل وصعوبة الوضع وصعوبة الرضاع، فهذِه ثلاث منازل يخلو منها الأب، وينفرد الأب (¬4) بوجوب النفقة عليه (ثم الأقرب فالأقرب) قال أصحابنا: يستحب أن يقدم في البر الأم، ثم الأب، ثم الأولاد، ثم الأجداد والجدات، ثم الإخوة والأخوات، ثم سائر المحارم من ذوي الأرحام كالأعمام والعمات. (وقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا يسأل) بفتح الياء (رجل مولاه) الظاهر أن المولى هنا المالك (من فضل) مال (هو عنده) أي: فاضلا عن ¬

_ (¬1) انظر: "ميزان الاعتدال" 1/ 354 (1326). (¬2) في (ل)، (م): أباك. والمثبت من "صحيح مسلم". (¬3) "صحيح مسلم" (2548). (¬4) في (ل)، (م): الأم. والجادة ما أثبتناه.

حاجته، والمراد: ما يفضل عن قوته وقوت من تلزمه نفقته في يومه وليلته، وفاضلا عن دينه. ويشبه أن يراد بالمسئول هنا ما يحتاج إليه الخادم من نفقة مأكول أو مشروب أو كسوة ونحو ذلك، فإن السيد لا يعاقب على منع ما زاد عن كفايته (فيمنعه إياه) من غير عذر (إلا دُعي له) أي: دُعي إلى طلبه (يوم القيامة فضله) بالرفع نائب عن الفاعل (الذي منعه) منه، وقد تحول ماله إلى صورة (شجاعًا) (¬1) يعذب به، والشجاع: الحية الذكر. وقيل: هو الذي يواثب الراجل والفارس ويقوم على ذنبه، وربما بلغ رأس الفارس (¬2)، وقيل: الشجاع كل حية (¬3) (أقرع) قال أبو داود: الأقرع الذي ذهب شعر رأسه من السَّم. وهو الذي تمعط شعر رأسه من كثرة سمه وطولى عمره (¬4). وقيل: الأبيض الرأس من كثرة الشيب (¬5). [5140] (ثنا محمد بن عيسى) بن نجيح، الحافظ (¬6)، روى عنه البخاري تعليقًا (¬7). (حدثنا الحارث بن مرة) البصري، قال ابن معين: صالح (¬8) (ثنا ¬

_ (¬1) في (ل، م): شجاع. والجادة المثبت، وهو الموافق لما في "السنن". (¬2) انظر: "شرح مسلم" للنووي 7/ 71. (¬3) انظر: "النهاية" لابن الأثير 2/ 447. (¬4) السابق 4/ 44 - 45. (¬5) كذا في (ل، م) ولعل الصواب: السم. وهو ما في شروح الحديث، انظر: "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 3/ 403، "عمدة القاري" للعيني 8/ 253 وغيرهما. (¬6) ساقطة من (م). (¬7) في "صحيحه" (1769)، (6072). (¬8) انظر: "تهذيب الكمال" 5/ 281 (1043).

كليب بن منفعة) الحنفي البصري، مقبول (¬1) (عن جده) سماه في "المعرفة": كليبًا، أيضًا (¬2). (أنه أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه، من أبر؟ ) بفتح الهمزة والباء ونصب (¬3) الراء المشددة، كما تقدم (قال: أمك وأباك وأختك) من النسب والرضاع (وأخاك) شقيقًا كان أو لأب أو أم (ومولاك) أي: معتقك (الذي يلي ذاك) أي: يلي عتقك، فبر هؤلاء (حق واجب) (¬4) عليك. (و) مما يتعين بره (رحم) الرحم: يطلق على كل قرابة وارثًا كان أو غير وارث (موصولة) أي: من أعظم القربات أن توصل الرحم، وهو كناية عن الإحسان إلى الأقربين من ذوي النسب والأصهار، والتعطف عليهم والرفق بهم ورعاية أحوالهم. [5141] (ثنا محمد بن جعفر بن زياد) [أبو عمران] (¬5) الوركاني، شيخ مسلم (ح، وثنا عباد بن موسى) الجيلي، شيخ مسلم أيضًا. (ثنا إبراهيم بن سعد) الزهري، العوفي (عن أبيه) (¬6) سعد بن إبراهيم ابن عبد الرحمن بن عوف (عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف (عن عبد اللَّه بن عمرو) بن العاص -رضي اللَّه عنه-. ¬

_ (¬1) انظر: "تقريب التهذيب" (5662). (¬2) "معرفة الصحابة" لأبي نعيم 5/ 2398. (¬3) في (ل، م): ونصب. والجادة ما أثبتناه، وهو ما تقدم في الحديث السابق. (¬4) بعدها في هامش (ل): حقًّا واجبًا ورحمة. وعليها: نسخة. (¬5) في (ل)، و (م): (ابن عمرو)، وهو خطأ، انظر: "تهذيب الكمال" 24/ 580 (5116). (¬6) فوقها في (ل): (ع).

(قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه. قيل: يا رسول اللَّه، كيف يلعن الرجل والديه؟ ! ) و (يلعن الرجل والديه) من الإسناد المجازي؛ لأنه صار سببًا لمسبة والده، فإن قلت: لم كان هذا من أكبر الكبائر؟ قيل: لأنه نوع من العقوق، وهو إساءة قبيحة في مقابلة إحسان كثير، وهو إحسان الوالدين وكفران حقوقهما، وهو من أقبح القبائح عرفًا وعادة. (قال: يلعن أبا الرجل) أو المرأة (فيلعن أباه) وجده (ويلعن أمه فيلعن أمه) فيه دليل على أن سبب الشيء قد ينزله الشرع منزلة الشيء في المنع، ومن تسبب في شيء جاز أن ينتسب إليه ذلك الشيء. وفيه حجة لمن منع بيع العنب ممن يعصره خمرًا، ومنع بيع ثياب الحرير ممن يلبسها وهي لا تحل له، ومنع بيع السلاح ممن يقطع الطريق به، ومنع بيع المملوك الأمرد ممن يعلم أنه يشتريه ليلوط به، ونحو ذلك، وفيه حجة لمالك على القول بسد الذرائع. والأصل فيه قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ} (¬1) والذريعة هي الامتناع ممن ليس ممنوعًا في نفسه مخافة الوقوع في محظور، كما في كتب الأصول. [5142] (ثنا إبراهيم (¬2) بن مهدي) المصيصي، وثقه أبو حاتم (¬3). (وعثمان بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء المعنى، قالوا: ثنا عبد (¬4) اللَّه ¬

_ (¬1) الأنعام: 108. (¬2) فوقها في (ل): (د). (¬3) "الجرح والتعديل" 2/ 139 (447). (¬4) فوقها في (ل): (ع).

ابن إدريس) بن يزيد الأزدي (عن عبد الرحمن بن سليمان) بن عبد اللَّه بن حنظلة الأنصاري، أخرج له الشيخان. (عن أسيد) بفتح الهمزة وكسر السين (ابن علي بن عبيد) الساعدي. الأنصاري، مولى بني أُسيد، بضم الهمزة [صدوق، وهو (مولى بني ساعدة) وقيل: إنه من ولد أبي أسيد، بالضم (عن أبيه) على بن عبيد الساعدي، وثق. (عن) مولاه (أبي أسيد) بضم الهمزة] (¬1) مصغر (مالك بن ربيعة) بن البدن (الساعدي) شهد بدرًا، وكان ذهب بصره. (قال: بينما نحن عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، إذ جاءه رجل من بني سلمة) بكسر اللام. ولابن ماجه: من بني سليم (¬2) (فقال: يا رسول اللَّه هل بقي) بكسر القاف، لغة القرآن (من بر أبوي شيء أبرهما) بفتح الموحدة (به بعد موتهما؟ قال: نعم، الصلاة عليهما) يحتمل أن يراد بالصلاة عليهما الدعاء لهما؛ كما قال تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} (¬3)؛ أي: ادعُ لهم، ولا يجوز أن يقال: اللهم صلِّ على أبي. ولا: على أمي. بل يقول: اللهم اغفر لهما، اللهم ارحمهما. ويحتمل أن يُراد بالصلاة الحقيقة؛ يعني: أن يؤم بالمصلين عليهما بعد موتهما إن كان من أهل الصلاة، وإن كان صغيرا عند موتهما فيصلي على قبرهما إذا صار أهلا لذلك. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) سنن ابن ماجه (3664) ط مكنز، وأشير إليها في ط. الرسالة كذلك. (¬3) التوبة: 103.

وعلى هذا، ففيه دليل على تقدم الأولاد على الأجانب، وإن كان الأجنبي إمام الجامع (والاستغفار لهما) والترحم عليهما، وهذا يرجح بأن المراد بالصلاة عليهما الدعاء (وإنفاذ) بالفاء والذال المعجمة (عهدهما) أي: إمضاء وصيتهما وما عهدا به قبل موتهما، بأن يكون بينهما وبين آخر عهد في معاونة وقضاء حاجة ونحوهما، ولم يتمكنا من ذلك حتى ماتا، فيقوم الولد به بعدهما (من بعدهما) ويثاب الولد على ذلك، لفظ ابن ماجه: "وإلفاء بعهودهما" (¬1). (وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما) أي: بسببهما، أي: تكون الرحم لا يتعين عليه صلتها إلا بكونها من جهة أحد الأبوين، كالعمة التي هي أخت الأب، والخالة التي توصل لكونها أخت الأم ونحو ذلك، فصلة العمة من بر الأب، وصلة الخالة من بر الأم، ونحو ذلك (وإكرام صديقهما) أو صديق أجداده وجداته وإخوته ونحوهم، وكذا إكرام صديقة زوجته، كإكرامه -صلى اللَّه عليه وسلم- صدائق خديجة. [5143] (حدثنا أحمد بن منيع) البغوي الحافظ (ثنا أبو النضر) هاشم ابن القاسم، الحافظ، قيصر. (ثنا الليث بن سعد، عن يزيد (¬2) بن عبد اللَّه بن أسامة بن الهاد) الليثي (عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن أبر البر) وفي رواية لمسلم: "إن من أبر البر" (¬3) (صلة المرء أهل) بالنصب مفعول ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (3664). (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) "صحيح مسلم" (2552/ 13).

(صلة) الذي هو مصدر يعمل عمل الفعل، ويقدر بأن والفعل، ويدل عليه رواية مسلم: "أبر البر أن يصل الرجل" (¬1) أهل (ود) بضم بالواو (أبيه) فيه فضيلة صلة أصدقاء الأب والإحسان إليهم وإكرامهم، وهو متضمن لبر الأب وإكرامه بسببه، ويلتحق به أصدقاء الزوجة والمشايخ؛ فإنهم في معنى الآباء، بل أعظم حرمة (بعد أن يولي) بتشديد اللام المكسورة، أي: بعد موته [والمراد أنه لا ينقطع بر الأب بعد موته كما هو قبل موته] (¬2) فقبل موته من بر الأبوين إكرام صديقهما والإحسان إليه. [5144] (ثنا) محمد (ابن المثنى، ثنا أبو عاصم) الضحاك (¬3) (حدثني جعفر بن يحيى بن عُمارة بن ثوبان) بضم العين، الحجازي، مقبول. (أبنا) عمي (عمارة بن ثوبان) الحجازي التابعي، رأى القليل من الصحابة كالاثنين والثلاثة (أن أبا الطفيل) عامر بن واثلة الليثي، ولد عام أحد، وهو آخر من مات من الصحابة (أخبره قال: رأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقسم) بفتح أوله (لحمًا بالجعرانة) بالتخفيف والتشديد، والتخفيف أصوب، وهي بين الطائف ومكة، وإلى مكة أقرب. (قال أبو الطفيل: وأنا يومئذ غلام أحمل عظم) بفتح العين (الجزور) من الإبل يقع على الذكر والأنثى، والمراد وأنا غلام أقدر على حمل (¬4) عظم الجذور الذي يقسم وحمل لحمه إلى من أمر بحمله إليه، وفيه ¬

_ (¬1) (2552/ 12). (¬2) كذا في (ل، م)، ولعل الصواب: دلالها. (¬3) في (ل، م): بينه. ولعل المثبت الصواب. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

تواضع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بتقطيعه اللحم وقسمته على المستحقين. ويدل على أن قسمة اللحم وتفريقه بين أهله ليس فيه دناءة، بل من عظم المروءة. (إذ أقبلت امرأة) تمشي (حتى دنت إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبسط لها رداءه) فيه أنه يستحب إكرام القادم عليه، لاسيما إن كان ممن له حق قديم عليه، ولو من رضاعة أو صلة، والإكرام أنواع كالقيام له، والترحب به، وبسط شيء له يجلس عليه أو شيء يتكئ عليه وإطعامه وغير ذلك. (فجلست عليه) فيه أن القادم يقبل ما أكرم به، وإن كان حسن الأدب تركه. وقد اختلف العلماء في أمتثال الأمر وسلوك الأدب، أيهما أولى؟ وفي جلوسها على ردائه -صلى اللَّه عليه وسلم- حين أمرها بالجلوس عليه ترجيح لامتثال الأمر، والحامل لها على ذلك دلالتها (¬1) عليه، وحقها في إرضاعه له في ابتداء أمره بخلاف من ليست بينها (¬2) وبينه قرابة ولا رضاع؛ لما روى الحاكم بإسناد صحيح عن أنس: دخل جرير بن عبد اللَّه على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأخذ بردته، فألقاها إليه، فقال: "اجلس عليها يا جرير" فأخذها جرير فوضعها على وجهه، وجعل يقبلها ويبكي، ثم لفها ورمى بها إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقال: ما كنت لأجلس على بردتك، أكرمك اللَّه كما أكرمتني. فنظر عليه السلام يمينًا وشمالًا، ثم قال: "إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه" الحديث أصله في الحاكم لا لفظه (¬3). فجرير امتثل ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): الوضاح. هو خطأ، انظر: "تهذيب الكمال" 13/ 281. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) "المستدرك" 4/ 291 - 292 من حديث جابر بن عبد اللَّه، لا أنس والحديث رواه ابن ماجه (3712)، والبزار في "البحر الزخار" 12/ 188 (5846)، والقضاعي في "مسند الشهاب" 1/ 444 (761)، والبيهقي في "السنن الكبرى" 8/ 291 من حديث =

الأدب، وهي امتثلت الأمر؛ لعظم حقها عليه (فقلت: من هي؟ ) هذِه (فقالوا: هذِه أمه التي أرضعته) قد يؤخذ منه أن المرضعة محرمة عليه كأمه من النسب، كما في الحديث: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" (¬1) وزاد غير المصنف بعد قوله (فبسط لها رداءه) ثم قال لها: "مرحبًا بأمي"، ثم قال لها: "اشفعي تشفعي" فقالت: قومي. فقال لها: "أمَّا حقي وحق بني هاشم فهو لك" فقام الناس من كل جانب، وقالوا: وحقنا يا رسول اللَّه. ثم وصلها بعد وأخدمها ووهبها سهمًا له بحنين (¬2)، فبيع من عثمان بن عفان بمائة ألف درهم (¬3). [5145] (ثنا أحمد (¬4) بن سعيد) بن بشر (الهمداني) بسكون الميم المصري، صدوق (حدثنا ابن وهب، حدثني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري. ¬

_ = ابن عمر مختصرًا مقتصرًا على المرفوع منه. وضعف إسناده البوصيري في "المصباح" 4/ 111. ورواه كذلك البزار في "المسند" 14/ 342 (8027)، وابن عدي في "الكامل" 3/ 400، 8/ 225. وفي الباب عن جرير بن عبد اللَّه ومعاذ وأبي قتادة وابن عباس وأنس وغيرهم، أتى عليها الألباني، وصحح لها الحديث في الصحيحة (1205). (¬1) رواه البخاري (2645)، ومسلم (1447) من حديث ابن عباس مرفوعًا. (¬2) في (ل، م): بخيبر. والمثبت من مصادر التخريج، كما ذكر أهل السير أن قدومها على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان في حنين. انظر: "الاستيعاب" 4/ 374. (¬3) رواه الحسن بن حرب في "البر والصلة" (80) من طريق محمد بن المنكدر، قال: جاءت إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. . . الحديث، مختصرًا إلى قوله: مرحبًا بأمي. والحديث ذكره بتمامه الغزالي في "الإحياء" 2/ 199/ انظر: "المغني عن حمل الأسفار" ص 658. (¬4) فوقها في (ل): (د).

(أن عمر بن السائب) بن أبي راشد المصري، مولى بني زهرة، صدوق (أنه حدثه أنه بلغه أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) وهذا الحديث معضل، فإن عمر بن السائب يروي عن التابعين (كان جالسًا يومًا، فأقبل أبوه من الرضاعة) هو الحارث بن عبد العزى بن رفاعة السعدي، من هوازن، أدرك الإسلام وأسلم بمكة (فوضع له بعض ثوبه فقعد عليه) فيه أن الوالد من الرضاعة له حق البر كما في والد النسب، وإن كان دونه في الرتبة والإكرام (ثم أقبلت أمه) من الرضاعة، وهي حليمة بنت أبي ذؤيب عبد اللَّه بن الحارث السعدية. قال الذهبي: لم يذكر الثلاثة ما يدل على إسلام حليمة إلا هذا الحديث، ثم قال: فيجوز أن تكون هذِه ثويبة مولاة أبي لهب، يقال: قد أسلمت، قال: ثم وجدت في "الاستيعاب": روى زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال: جاءت حليمة بنت عبد اللَّه أم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من الرضاعة إليه يوم حنين فقام إليها وبسط لها رداءه فجلست عليه (¬1). (فوضع لها شق) بكسر الشين (ثوبه من جانبه الآخر) إكرامًا لها (فجلست عليه، ثم أقبل أخوه من الرضاعة) عبد اللَّه بن الحارث (فقام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأجلسه بين يديه) حيث لم يبق من الثوب ما يسعه، وفيه أن من سبق إلى مكان أكرم به لم يزعج عنه، وهو أحق به ممن جاء به، لاسيما والأم أحق بالإكرام من الأخ في النسب والرضاع. * * * ¬

_ (¬1) "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" 4/ 374 (3336)، "تجريد أسماء الصحابة" (3139).

131 - باب في فضل من عال يتامى

131 - باب فِي فَضْلِ مَنْ عالَ يَتامَى 5146 - حَدَّثَنا عُثْمانُ وَأَبُو بَكْرٍ ابنا أَبي شَيْبَةَ -المَعْنَى- قالا: حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنْ أَبي مالِكٍ الأَشْجَعي، عَنِ ابن حُدَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ كانَتْ لَهُ أُنْثَى فَلَمْ يَئِدْها وَلَمْ يُهِنْها وَلَمْ يُؤْثِرْ وَلَدَهُ عَلَيْها قالَ: -يَعْني: الذُّكُورَ- أَدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ". وَلَمْ يَذْكُرْ عُثْمانُ -يَعْني: الذُّكُورَ- (¬1). 5147 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا خالِدٌ، حَدَّثَنا سُهَيْلٌ -يَعْني: ابن أَبي صالِحٍ-، عَنْ سَعِيدٍ الأَعْشَى -قالَ أَبُو داوُدَ: وَهُوَ سَعِيدُ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُكْمِلٍ الزُّهْري-، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ بَشِيرٍ الأَنْصاري، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْري قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ عالَ ثَلاثَ بَناتٍ فَأَدَّبَهُنَّ وَزَوَّجَهُنَّ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ فَلَهُ الجَنَّةُ" (¬2). 5148 - حَدَّثَنا يُوسُفُ بْن مُوسَى، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ بهذا الإِسْنادِ بِمَعْناهُ قالَ: "ثَلاثُ أَخَواتٍ، أَوْ ثَلاثُ بَناتٍ، أَوْ بِنْتانِ، أَوْ أُخْتانِ" (¬3). 5149 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ زُرِيْعٍ، حَدَّثَنا النَّهّاسُ بْن قَهْمٍ، قالَ: حَدَّثَني شَدّادٌ أَبُو عَمّارٍ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مالِكٍ الأَشْجَعي قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَنا وامْرَأَةٌ سَفْعاءُ الخَدَّيْنِ كَهاتَيْنِ يَوْمَ القِيامَةِ -وَأَوْمَأَ يَزِيدُ بِالوُسْطَى والسَّبّابَةِ- امْرَأَةٌ آمَتْ مِنْ زَوْجِها ذاتُ مَنْصِبٍ وَجَمالٍ، حَبَسَتْ نَفْسَها عَلَى يَتاماها حَتَّى بانُوا أَوْ ماتُوا" (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه أحمد 1/ 223، وابن أبي شيبة 94/ 13 (25944). وضعفه الألباني. (¬2) رواه أحمد 3/ 42، والترمذي (1916)، والبخاري في "الأدب المفرد" (79). وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (5692). (¬3) انظر السابق. (¬4) رواه أحمد 6/ 29، والبخاري في "الأدب المفرد" (141). وضعفه الألباني في "الضعيفة" (1122).

باب فيمن عال يتيمًا [5146] (ثنا عثمان وأبو بكر ابنا أبي شيبة المعنى، قالا: ثنا أبو (¬1) معاوية) (¬2) محمد بن خازم الضرير (عن أبي مالك) سعد بن طارق (الأشجعي) الكوفي، أخرج له (¬3) مسلم. (عن ابن حدير) بضم الحاء المهملة بعدها دال، ثم مثناة تحت، ثم راء. قال شيخنا ابن حجر: هو بصري لا يعرف اسمه (¬4). قال شيخنا المناوي في "تخريج المصابيح": اسم ابن حدير: زياد. قال الذهبي: ثقة عابد (¬5) (عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من كانت له أنثى) أي: بنت أو أخت شقيقة أو لأم أو لأب، أو أم أو بنت أخ أو أخت أو قرابة (فلم يئدها) بفتح المثناة تحت وكسر الهمزة، أي: لم يدفنها حية، وكانوا يدفنون البنات وهن أحياء، ومنه قوله تعالى {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} (¬6) ونهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن وأد البنات (¬7)، يقال: وأدها يئدها وأدًا (¬8)، فهي موؤودة. ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) ساقطة من (م). (¬3) "تقريب التهذيب" (8462). (¬4) "الكاشف" (1678). (¬5) التكوير: 8، 9. (¬6) رواه البخاري (2408)، ومسلم (593) من حديث المغيرة بن شعبة مرفوعًا. (¬7) ساقطة من (م). (¬8) فوقها في (ل): (خ).

(ولم يهنها) بضم أوله، بفعل ولا قول (ولم يؤثر ولده عليها قال) الراوي (يعني: الذكور). فيه حجة للصحيح من مذهب الشافعي أنه يسوي في عطية أولاده، بين الذكر والأنثى بلا تفضيل. وقال بعض أصحابنا: يعطي للذكر مثل حظ الأنثيين، كما في الميراث، فلو آثر بعض أولاده وفضله في العطية أو وهب لبعض دون بعض كره، وليس بحرام، والهبة صحيحة (¬1). وذهب أحمد إلى تحريمه (¬2)، وكما يسوي بينهم في العطية يسوي بينهم في الإكرام في المطاعم والملابس والمجالس والتلطف بالحديث ونحو ذلك. (أدخله اللَّه الجنة) يحتمل أن يراد: أدخله اللَّه الجنة مع السابقين والفائزين، وإلا فدخول الجنة مقطوع به لكل من مات على التوحيد. (ولم يذكر عثمان) بن أبي شيبة (يعني: الذكور) بل اقتصر على قوله: (ولم يؤثر ولده عليها) ولكن زيادة الثقة مقبولة. [5147] (ثنا مسدد، ثنا خالد) (¬3) بن عبد اللَّه الواسطي الطحان (ثنا سهيل يعني: ابن أبي صالح) ذكوان السمان (عن سعيد) بن عبد الرحمن ابن مكمل (الأعشى) وثق. (قال) المصنف (و) سعيد (هو سعيد بن عبد الرحمن بن مكمل) بضم الميم وإسكان الكاف وكسر الميم (الزهري) هو الأعشى والزهري والمدني، مقبول. (عن أيوب بن بشير) بضم الموحدة، ابن سعد (الأنصاري) أخو ¬

_ (¬1) انظر: "شرح مسلم" للنووي 11/ 66. (¬2) انظر: "المغني" لابن قدامة 8/ 256 - 257. (¬3) "البحر الزخار" 17/ 116 (9689) من حديث أبي هريرة مرفوعًا. =

النعمان، ولد في عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. (عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه-، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من عال ثلاث بنات) أي: قام بما يحتجن إليه من قوت وكسوة ومسكن وغيرهما (فأدبهن) بآداب الشريعة وعلمهن أمور دينهن (وزوجهن) من كفؤ عند احتياجهن إلى الزواج (وأحسن إليهن) بعد الزواج بالصلة والزيارة وغير ذلك (فله الجنة) مع السابقين، -كما تقدم- إن شاء اللَّه تعالى. وروى البزار: "من سعى على ثلاث بنات فهو في الجنة، وكان له كأجر مجاهد في سبيل اللَّه صائمًا قائمًا" (¬1). [5148] (ثنا يوسف بن موسى) بن راشد القطان الكوفي، شيخ البخاري. (ثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي (عن سهيل) بن أبي صالح (بهذا الإسناد بمعناه) و (قال) من عال (ثلاث أخوات أو ثلاث بنات أو بنتان أو أختان) وروى الحاكم بإسناد صحيح: "من كن له ثلاث بنات فصبر [على لأوائهن] (¬2) أدخله اللَّه الجنة برحمته إياهن" فقال رجل: واثنتان يا رسول اللَّه؟ قال: "واثنتان" قال رجل: يا رسول اللَّه، وواحدة؟ ¬

_ = قال الهيثمي في "المجمع" 8/ 157: فيه ليث بن أبي سليم. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (5342). (¬1) بياض في (م). (¬2) "المستدرك" 4/ 176 من حديث أبي هريرة مرفوعًا، قال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.

قال: "وواحدة" (¬1) ويؤيد هذِه الرواية حديث ابن عباس المتقدم: "من كانت له أنثى" (¬2). [5149] (ثنا مسدد، ثنا يزيد (3) بن زريع) أبو معاوية البصري (ثنا النهاس) بفتح النون وبعد الألف مهملة (ابن قهم) بفتح القاف وسكون الهاء العنسي البصري القاضي، لا يحتج بحديثه. (شداد) (¬3) بن عبد اللَّه (أبو عمار) مولى معاوية، أخرج له مسلم. (عن عوف بن مالك الأشجعي) كانت معه راية أشجع يوم الفتح (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنا وامرأة سفعاء) بفتح السين المهملة والمد (الخدين) هي التي تغير لونها إلى السواد ليس بالكثير، والكمودة من طول الأيمة وترك التزين، كأنه مأخوذ من سفع النار، وهو أن يصيب نفحها شيئًا فيسود مكانه، فلما حبست نفسها على أولادها ولم تتزين للتزويج صارت كذلك (كهاتين) أي: كأصبعي هاتين (يوم القيامة، وأومأ) أي: أشار (يزيد) بن زريع (بالوسطى والسبابة) وهي الأصبع التي تلي الإبهام؛ لأنهم كانوا في الجاهلية يشيرون بها عند السب واللعن، وتسمى المهللة، وسيأتي في الحديث بعده (امرأة) بالرفع (آمت) بمد الهمزة وتخفيف الميم مثل سارت تسير، والأيم في الأصل المرأة التي لا زوج لها، بكرًا كانت أو ثيبًا، مطلقة كانت أو متوفى عنها زوجها ¬

_ = وقال الألباني في "الضعيفة" (6861): منكر جدًا بزيادة: "وواحدة". وقال بعدما ذكر تصحيح الحاكم له: وهذا من العجائب؛ فإنه مسلسل بالعلل. (¬1) سبق قريبًا برقم (5146). (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) كذا في (ل)، (م)، وقبلها في "سنن أبي داود": (قال: حدثني).

(ذات) بالرفع (منصب) بوزن مسجد، أي: رفيعة القدر والمنزلة (وجمال حبست نفسها على يتاماها) أي: امتنعت من الزواج؛ لأن لا يهانوا أيتامها (حتى بانوا) بالموحدة والنون، أي: بعدوا عنها وفارقوها بالزواج ونحوه (أو ماتوا) فيه فضيلة ترك المرأة الزواج رعاية لحق الأيتام إذا كانت قادرة على كفالتهم بمال ونحوه. * * *

132 - باب في من ضم يتيما

132 - باب فِي مَنْ ضَمَّ يَتِيمًا 5150 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبّاحِ بْنِ سُفْيانَ أَخْبَرَنا عَبْدُ العَزِيزِ -يَعْني: ابن أَبِي حازِمٍ-، قالَ: حَدَّثَني أَبِي، عَنْ سَهْلٍ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "أَنا وَكافِلُ اليَتِيمِ كَهاتَيْنِ في الجَنَّةِ". وَقَرَنَ بَيْنَ أُصْبعَيْهِ الوُسْطَى والَّتي تَلي الإِبْهامَ (¬1). * * * باب في ضم اليتيم [5150] (ثنا محمد بن الصباح بن سفيان) الجرجرائي، قال أبو حاتم: صالح الحديث (¬2) (ثنا عبد (¬3) العزيز بن أبي حازم) المديني (حدثني أبي) (¬4) أبو حازم سلمة بن دينار الأعرج (عن سهل) بن سعد الساعدي، تأخر وعمر دهرًا. (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: أنا وكافل اليتيم) أي: القائم بأمره في التربية والمؤنة. وتحصل هذِه الفضيلة لمن كفله من مال نفسه أو من مال اليتيم بولاية شرعية. قاله النووي (¬5). واليتيم في الناس من قبل الأب، وفي البهائم من قبل الأم (كهاتين في الجنة) قال القرطبي: أي: هو معه في الجنة وبحضرته، غير أن كل واحد منهما على درجته فيها؛ إذ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5304). (¬2) "الجرح والتعديل" 7/ 289 (1570). (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) فوقها في (ل): (ع). (¬5) في "شرح مسلم" 18/ 113.

لا يبلغ درجة الأنبياء غيرهم، ولا يبلغ درجة نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- أحد من الأنبياء. وإلى هذا الإشارة بقرانه بين [إصبعيه] (¬1) (¬2). (وفرق (¬3) بين أصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام) وفرق وقرن فيهم من الجمع بينهما المعية والحضور، ومن تفاوت ما بينهما بالطول والقصر اختصاص كل واحد منهما بمنزلته ودرجته، وقد نص على هذا قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في الحديث المتقدم: "المرء مع من أحب" (¬4). * * * ¬

_ (¬1) ليست في (ل)، (م)، والمثبت من "المفهم". (¬2) "المفهم" 6/ 614. (¬3) بعدها في (ل)، (م): نسخة: وقرب. (¬4) سبق برقم (5127) من حديث أنس مرفوعًا.

133 - باب في حق الجوار

133 - باب فِي حَقِّ الجِوارِ 5151 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبي بَكْرٍ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "ما زالَ جِبْرِيلُ يُوصِيني بِالجارِ حَتَّى قُلْتُ لَيُوَرِّثَنَّهُ" (¬1). 5152 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ بَشِيرٍ أَبي إِسْماعِيلَ، عَنْ مُجاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ ذَبَحَ شاةً فَقالَ: أَهْدَيْتُمْ لِجاري اليَهُودي فَإِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُول: "ما زالَ جِبْرِيلُ يُوصِيني بِالجارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ" (¬2). 5153 - حَدَّثَنا الرَّبِيعُ بْنُ نافِعٍ أَبُو تَوْبَةَ، حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ حَيّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ جاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يَشْكُو جارَهُ فَقالَ: "اذْهَبْ فاصْبِرْ". فَأَتاهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا فَقالَ: "اذْهَبْ فاطْرَحْ مَتاعَكَ في الطَّرِيقِ". فَطَرَحَ مَتاعَهُ في الطَّرِيقِ فَجَعَلَ النّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَيُخْبِرُهُمْ خَبَرَهُ فَجَعَلَ النّاسُ يَلْعَنُونَهُ فَعَلَ اللَّهُ بِهِ وَفَعَلَ وَفَعَلَ فَجاءَ إِلَيْهِ جارُهُ فَقالَ لَهُ: ارْجِعْ لا تَرى مِنّي شَيْئًا تَكْرَهُهُ (¬3). 5154 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُتَوَكِّلِ العَسْقَلاني، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6014)، ومسلم (2624). (¬2) رواه أحمد 2/ 160، والحميدي (593)، والبخاري في "الأدب المفرد" (105). وصححه الألباني في "الإرواء" (891). (¬3) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (124)، وأبو يعلى 11/ 506 (6630)، وابن حبان (520). وصححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد" (92).

فَلا يُؤْذِ جارَهُ، وَمَنْ كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ" (¬1). 5155 - حَدَّثَنا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ أَنَّ الحارِثَ بْنَ عُبَيْدٍ حَدَّثَهُمْ، عَنْ أَبِي عِمْرانَ الجَوْني، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها قالَتْ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لي جارَيْنِ بِأَيِّهِما أَبْدَأُ قالَ: "بِأَدْناهُما بابًا". قالَ أَبُو داوُدَ: قالَ شُعْبَةُ في هذا الحَدِيثِ طَلْحَةُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ (¬2). * * * باب في حق الجوار [5151] (ثنا مسدد، ثنا حماد، عن يحيى بن سعيد) القطان (عن أبي بكر بن محمد) بن عمرو بن حزم الأنصاري، قاضي المدينة، أخرج له البخاري وغيره. (عن عمرة) (¬3) بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، من فقهاء التابعين. (عن عائشة أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: ما زال جبريل يوصيني) بالتخفيف (بالجار) لما أكد جبريل على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حق الجوار وأكثر عليه من ذلك، غلب على ظنه عليه السلام أن اللَّه تعالى يحكم بالتوارث بين الجارين، وهذا يدل على أن الجار هنا هو جار الدار لا الجار بالعهد. قد كان في أول الإسلام يرث، ثم نسخ ذلك. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6138)، ومسلم (47). (¬2) رواه البخاري (2259). (¬3) فوقها في (ل): (ع).

(حتى قلت ليورثنه) بتشديد الراء المكسورة وفتح المثلثة، [لفظ الصحيحين (¬1)] (¬2) وتأتي للمصنف: "حتى ظننت أنه سيورثه". [5152] (ثنا محمد بن عيسى) بن نجيح بن الطباع، أخرج له البخاري تعليقًا (¬3) (ثنا سفيان، عن بشير) بفتح الموحدة، ابن سلمان (أبي إسماعيل) الكندي الكوفي، أخرج له مسلم. (عن مجاهد، عن عبد اللَّه بن عمرو) بن العاص -رضي اللَّه عنه- (أنه ذبح شاة فقال: أهديتم لجاري اليهودي؟ ) أهديتم لجارنا اليهودي، وفيه دلالة على أن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- كانوا يأخذون بعموم الألفاظ، كما أخذ عبد اللَّه ابن عمرو -رضي اللَّه عنه- بعموم (¬4) (ال) التي لاستغراق الجنس في قوله: (فإني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: ما زال جبريل يوصيني بالجار) فأدخل في عموم (¬5) الجار كل من كان مجاورًا له من مسلم ذكر أو امرأة، كافرٍ ذمي أو غيره ممن هو معصوم الدم. (حتى ظننت أنه سيورثه) منه إذا مات، وحق الجوار أربعون دارًا من كل جهة. قال البيهقي: روي عن عائشة أنها قالت: يا رسول اللَّه، ما حق الجوار؟ قال: "أربعون دارًا" (¬6) وفي الحديث: "حق الجوار أربعون ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) "صحيح البخاري" (6014)، "صحيح مسلم" (2624). (¬3) في "صحيحه" (1769)، (6072). (¬4) ساقطة من (م). (¬5) في (ل)، (م): عمومه. ولعل المثبت هو الصواب. (¬6) رواه البيهقي 6/ 275. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (2698).

دارًا، هكذا وهكذا، وهكذا وهكذا" وأشار قداما وخلفًا ويمينًا وشمالًا (¬1). رواه أبو داود في "المراسيل" بسند رجاله ثقات إلى الزهري بلفظ: "أربعون دارًا جار" (¬2) ووصله الطبراني من رواية الزهري عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه (¬3). [5153] (ثنا الربيع بن نافع) الحلبي (أبو توبة) أخرج له الشيخان (ثنا سليمان (¬4) بن حيان) بفتح المهملة وتشديد المثناة تحت، أبو خالد الكوفي الأحمر. (عن محمد بن عجلان) القرشي، أخرج له مسلم (عن أبيه) عجلان مولى فاطمة بنت الوليد بن عتبة المدني، أخرج له مسلم. (عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يشكو) من (جاره) أنه يؤذيه (فقال: اذهب فاصبر) على أذاه (فأتاه مرتين أو ثلاثًا) ويأمره بالصبر، وفيه: فضيلة الصبر على الجار وإن تكرر منه الأذى ثلاث مرات، ويجامله ويداريه حسب الاستطاعة؛ لعظم حقه عليه. ¬

_ (¬1) رواه أبو يعلى 10/ 385 (5982) من حديث أبي هريرة مرفوعًا، وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" 8/ 168 وقال: رواه أبو يعلى عن شيخه محمد بن جامع العطار، وهو ضعيف. وضعفه الألباني في "الإرواء" (1659). (¬2) برقم (350) مرفوعًا. قال الحافظ في "التلخيص" 3/ 93: سنده رجاله ثقات. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (771). (¬3) "المعجم الكبير" 19/ 73 (143)، وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" 8/ 169 وقال: رواه الطبراني، وفيه يوسف بن السفر، وهو متروك. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (275). (¬4) فوقها في (ل): (ع).

(فقال: اذهب فاطرح متاعك) المتاع في اللغة: كل ما ينتفع به من أثاث البيت وملبوس ومطعوم (في الطريق) التي يمر الناس منها، والمراد إذا أمن على متاعه أو يكون عنده من يحفظه. فذهب الرجل. (فطرح متاعه في الطريق، فجعل الناس يسألونه) عن خبره (فيخبرهم خبره، فجعل الناس يلعنونه) ويدعون عليه: (فعل اللَّه به وفعل) فيه: جواز الدعاء على من يتأذى منه الناس، ويكون جهرًا؛ ليكون تأديبًا له وزجرًا عن الأذى. (فجاء إليه جاره فقال له: ارجع) إلى بيتك، فإنك (لا ترى مني) بعد هذا الوقت (شيئًا تكرهه) وفي رواية: رد متاعك، واللَّه لا أعود (¬1). وأصل الحديث أخرجه ابن حبان والحاكم من حديث أبي هريرة، وقال: صحيح الإسناد (¬2). [5154] (ثنا محمد بن المتوكل) بن عبد الرحمن (العسقلاني) مولى بني هاشم. قال ابن معين: ثقة (¬3). (ثنا عبد الرزاق، أبنا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن. (عن أبي هريرة، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فليكرم ضيفه) أي: من التزم شرائع الإسلام لزمه إكرام ضيفه، سواء كان في البدو أو الحضر. ¬

_ (¬1) أوردها الغزالي في "الإحياء" 2/ 212. (¬2) "صحيح ابن حبان" 2/ 278 (520)، "المستدرك" 4/ 165 - 166. (¬3) "سؤالات الجنيد لابن معين" (554).

وقد استدل بهذا على أن الضيافة ليست بواجبة إذ لم يستعمل هذا اللفظ في الواجب، ولأنه اقترن بإكرام الجار، وهو غير واجب. (ومن كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فلا يؤذ) بحذف الياء للنهي. ورواية مسلم بإثبات الياء (¬1) خبر بمعنى النهي، وهو أبلغ كقوله تعالى: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ} (¬2). (جاره) فيه تحريم أذى الجار تحريمًا أشد من تحريم أذى المسلم مطلقًا. (ومن كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فليقل خيرًا) أي: من كان يؤمن باللَّه الإيمان الكامل المنجي من عذاب اللَّه الموصل إلى رضوان اللَّه فلا يقل (¬3) إلا خيرًا، كأمر بمعروف أو صدقة أو إصلاح بين الناس ونحو ذلك. (أو ليصمت) [بضم الميم (¬4)] (¬5) والمراد أنه إذا أراد أن يتكلم فإن كان ما يتكلم به خيرًا محققًا يثاب عليه، واجبًا كان أو مندوبًا فليتكلم به، وإن لم يظهر له أنه خير يثاب عليه فليمسك عن الكلام، سواء ظهر أنه حرام أو مكروه أو مباح أو مستوي الطرفين، فعلى هذا يكون ترك الكلام المباح مأمورًا بتركه مندوبًا إلى الإمساك عنه؛ مخافة من انجراره إلى المحرم أو المكروه، وهذا يقع في العادة كثيرًا أو غالبًا، فإن الإنسان ليقصد الكلام بالمباح الجائز له فيستهويه الشيطان إلى ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (47/ 75). (¬2) البقرة: 233. (¬3) في الأصول: يقول. والمثبت الصواب. (¬4) في (ل): اللام. ولعل المثبت هو الصواب. (¬5) بياض في (م).

غيره استطرادًا، فالصمت سلامة، وأصون الناس لنفسه أملكهم للسانه. [5155] (ثنا مسدد وسعيد (¬1) بن منصور) بن شعبة الخراساني (أن الحارث بن عبيد) أبو قدامة الإيادي البصري المؤدب. قال النسائي وغيره: ليس بالقوي (¬2). (حدثهم عن أبي عمران) عبد الملك بن حبيب (الجوني) بفتح الجيم ثم واو ساكنة ثم نون، نسبة إلى جون، بطن من الأزد، وهو الجون بن عوف بن خزيمة بن مالك بن الأزد التابعي (عن طلحة) بن عبد اللَّه بن عثمان، احتج به البخاري، وأخرج هذا الحديث من حديثه (¬3). (عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قلت: يا رسول اللَّه، إن لي جارين بأيهما أبدأ؟ ) ترجم عليه البخاري: باب حق الجوار في قرب الباب. ولفظه: إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال: "إلى أقربهما منك بابًا" (¬4) (قال: بأدناهما بابًا) إليك وإن كان أبعد من جهة الحائط، فقد يكون أقرب، الباب تلقاء الباب وليس ملاصقك جداره. وفيه: دليل على أن الهدية إلى الأقرب بابًا أولى؛ لأنه ينظر هو أو ولده إلى ما يدخل إليك، ويعرف بأحوالك أكثر من الملاصق البعيد الباب، ومن أهدى إلى جاريه فليبدأ بأقربهما بابًا. * * * ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) انظر: "تهذيب الكمال" 5/ 260 (1029). (¬3) "صحيح البخاري" (2259)، (2595)، (6020). (¬4) "صحيح البخاري" (6020).

134 - باب في حق المملوك

134 - باب فِي حَقِّ المَمْلُوكِ 5156 - حَدَّثَنا زهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، قالا: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الفُضَيْلِ عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ أُمِّ مُوسَى، عَنْ عَلي عليه السلام قالَ: كانَ آخِرُ كَلامِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الصَّلاةَ الصَّلاةَ، اتَّقُوا اللَّهَ فِيما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ" (¬1). 5157 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ المَعْرُورِ ابْنِ سُوَيْدٍ قالَ: رَأَيْتُ أَبا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ غَلِيظٌ وَعَلَى غُلامِهِ مِثْلُهُ قالَ: فَقالَ القَوْمُ: يا أَبا ذَرٍّ لَوْ كُنْتَ أَخَذْتَ الذي عَلَى غُلامِكَ فَجَعَلْتَهُ مَعَ هذا فَكانَتْ حُلَّةً وَكَسَوْتَ غُلامَكَ ثَوْبًا غَيْرَهُ. قالَ: فَقالَ أَبُو ذَرٍّ: إِنّي كُنْتَ سابَبْتُ رَجُلًا وَكانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّة فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ فَشَكاني إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ: "يا أَبا ذَرٍّ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جاهِلِيَّةٌ". قالَ: "إِنَّهُمْ إِخْوانُكُمْ فَضَّلَكُمُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَمَنْ لَمْ يُلائِمْكُمْ فَبِيعُوهُ وَلا تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللَّهِ" (¬2). 5158 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا الأَعْمَشُ، عَنِ المَعْرُورِ ابْنِ سُوَيْدٍ قالَ: دَخَلْنا عَلَى أَبي ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ فَإِذا عَلَيْهِ بُرْدٌ وَعَلَى غُلامِهِ مِثْلُهُ فَقُلْنا: يا أَبا ذَرٍّ لَوْ أَخَذْتَ برْدَ غُلامِكَ إِلَى بُرْدِكَ فَكانَتْ حُلَّةً، وَكَسَوْتَهُ ثَوْبًا غَيْرَهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "إِخْوانُكُمْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدَيْهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمّا يَأْكُلُ وَلْيَكْسُهُ مِمّا يَلْبَسُ، وَلا يُكَلِّفْهُ ما يَغْلِبُهُ فَإِنْ كَلَّفَهُ ما يَغْلِبُهُ فَلْيُعِنْهُ". قالَ أَبُو داوُدَ: وَرَواهُ ابن نُمَيْرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ نَحْوَهُ (¬3). ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (2698)، وأحمد 1/ 78، والبخاري في "الأدب المفرد" (185). وصححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد" (118). (¬2) رواه البخاري (30)، ومسلم (1661). (¬3) رواه البخاري (6050)، ومسلم (1661).

5159 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ قالَ: حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ ح وَحَدَّثَنا ابن المُثَنَّى قالَ: حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْراهِيمَ التَّيْمي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصاري قالَ: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلامًا لي فَسَمِعْتُ مِنْ خَلْفي صَوْتًا: "اعْلَمْ أَبا مَسْعُودٍ". قالَ ابن المُثَنَّى مَرَّتَيْنِ: "للَّه أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ". فالتَفَتُّ فَإِذا هُوَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ. قالَ: "أَما إِنَّكَ لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَعَتْكَ النّارُ أَوْ: "لَمَسَّتْكَ النّارُ" (¬1). 5160 - حَدَّثَنا أَبُو كامِلٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الواحِدِ، عَنِ الأَعْمَشِ بِإِسْنادِهِ وَمَعْناهُ نَحْوَهُ قالَ: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلامًا لي أَسْوَدَ بِالسَّوْطِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَمْرَ العِتْقِ (¬2). 5161 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرّازي، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجاهِدٍ، عَنْ مُوَرِّقٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ لاءَمَكُمْ مِنْ مَمْلُوكِيكُمْ فَأَطْعِمُوهُ مِمّا تَأْكُلُونَ، واكْسُوهُ مِمّا تَكْتَسُونَ، وَمَنْ لَمْ يُلائِمْكُمْ مِنْهُمْ فَبِيعُوهُ، وَلا تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللَّهِ" (¬3). 5162 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنْ عُثْمانَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ بَعْضِ بَني رافِعِ بْنِ مَكِيثٍ، عَنْ رافِعِ بْنِ مَكِيثٍ، وَكانَ مِمَّنْ شَهِدَ الحُدَيْبِيَةَ مَعَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "حُسْنُ المَلَكَةِ نَماءٌ وَسُوءُ الخُلُقِ شُؤْمٌ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1659/ 35). (¬2) رواه مسلم (1659/ 34). (¬3) رواه أحمد 5/ 168، وسيأتي بنحوه برقم (5157). وصححه الألباني في "صحيح الجامع" تحت حديث رقم (6602). (¬4) رواه أحمد 3/ 502، ومعمر في "الجامع" 11/ 131 (20118)، وأبو يعلى 3/ 113 (1544). وضعفه الألباني في "الضعيفة" (794).

5163 - حَدَّثَنا ابن المُصَفَّى، حَدَّثَنا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ زُفَرَ، قالَ: حَدَّثَني مُحَمَّدُ بْنُ خالِدِ بْنِ رافِعِ بْنِ مَكِيثٍ، عَنْ عَمِّهِ الحارِثِ بْنِ رافِعِ بْنِ مَكِيثٍ، وَكانَ رافِعٌ مِنْ جُهَيْنَةَ قَدْ شَهِدَ الحُدَيْبِيَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "حُسْنُ المَلَكَةِ نَماءٌ، وَسُوءُ الخُلُقِ شُؤْمٌ" (¬1). 5164 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الهَمْداني وَأَحْمَدُ بْن عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ -وهذا حَدِيثُ الهَمْداني وَهُوَ أَتَمُّ- قالا: حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، قالَ: أَخْبَرَني أَبُو هانِئٍ الخَوْلاني، عَنِ العَبّاسِ بْنِ جُلَيْدٍ الحَجْري، قالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ: جاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ كَمْ نَعْفُو عَنِ الخادِمِ: فَصَمَتَ ثُمَّ أَعادَ عَلَيْهِ الكَلامَ فَصَمَتَ، فَلَمّا كانَ في الثّالِثَةِ قالَ: "اعْفُوا عَنْهُ في كُلِّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً" (¬2). 5165 - حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْن مُوسَى الرّازي، قالَ: أَخْبَرَنا ح، وَحَدَّثَنا مُؤَمَّل بْنُ الفَضْلِ الحَرّاني قالَ: أَخْبَرَنا عِيسَى، حَدَّثَنا فضَيْلٌ -يَعْني: ابن غَزْوانَ-، عَنِ ابن أَبي نُعْمٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، قالَ: حَدَّثَني أَبو القاسِمِ نَبي التَّوْبَةِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ وَهُوَ بَريءٌ مِمّا قالَ جُلِدَ لَهُ يَوْمَ القِيامَةِ حَدًّا". قالَ مُؤَمَّلٌ: حَدَّثَنا عِيسَى، عَنِ الفُضَيْلِ، يَعْني: ابن غَزْوانَ (¬3). 5166 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا فُضَيْلُ بْنُ عِياضٍ عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ هِلالِ بْنِ يِسافٍ، قالَ: كُنّا نُزُولًا في دارِ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ وَفِينا شَيْخٌ فِيهِ حِدَّةٌ وَمَعَهُ جارِيَةٌ فَلَطَمَ وَجْهَها فَما رَأَيْتُ سُوَيْدًا أَشَدَّ غَضَبًا مِنْهُ ذاكَ اليَوْمَ قالَ: عَجَزَ عَلَيْكَ إِلَّا حُرُّ وَجْهِها؟ لَقَدْ رَأَيْتُنا سابِعَ سَبْعَةٍ مِنْ وَلَدِ مُقَرِّنٍ، وَما لَنا إِلَّا خادِمٌ، فَلَطَمَ أَصْغَرُنا وَجْهَها فَأَمَرَنا النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بِعِتْقِها (¬4). ¬

_ (¬1) انظر ما قبله. (¬2) رواه الترمذي (1949)، وأحمد 2/ 90. وصححه الألباني. (¬3) رواه البخاري (6858)، ومسلم (1660). (¬4) رواه ومسلم (1658/ 32).

5167 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ سُفْيانَ، قالَ: حَدَّثَني سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ، قالَ: حَدَّثَني مُعاوِيَةُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ قالَ لَطَمْتُ مَوْلًى لَنا فَدَعاهُ أَبي وَدَعاني فَقالَ: اقْتَصَّ مِنْهُ فَإِنّا مَعْشَرَ بَني مُقَرِّنٍ كُنّا سَبْعَةً عَلَى عَهْدِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وَلَيْسَ لَنا إِلَّا خادِمٌ. فَلَطَمَها رَجُلٌ مِنّا فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَعْتِقُوها". قالُوا: إِنَّهُ لَيْسَ لَنا خادِمٌ غَيْرَها. قالَ: "فَلْتَخْدُمْهُمْ حَتَّى يَسْتَغْنُوا، فَإِذا اسْتَغْنَوْا فَلْيُعْتِقُوها" (¬1). 5168 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ وَأَبُو كامِلٍ قالا: حَدَّثَنا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ فِراسٍ، عَنْ أَبي صالِحٍ ذَكْوانَ، عَنْ زاذانَ قالَ: أَتَيْتُ ابنِ عُمَرَ وَقَدْ أَعْتَقَ مَمْلُوكًا لَهُ فَأَخَذَ مِنَ الأَرْضِ عُودًا أَوْ شَيْئًا فَقالَ: ما لي فِيهِ مِنَ الأَجْرِ ما يَسْوى هذا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "مَنْ لَطَمَ مَمْلُوكَهُ أَوْ ضَرَبَهُ فَكَفّارَتُهُ أَنْ يُعْتِقَهُ" (¬2). * * * باب في حق المملوك [5156] (ثنا زهير بن حرب) النسائي، شيخ الشيخين (وعثمان بن أبي شيبة قالا: ثنا محمد (¬3) بن الفضيل) مصغر، ابن غزوان الضبي الكوفي (عن مغيرة) بن مقسم بكسر الميم، الضبي، الكوفي (عن أم موسى) قيل: اسمها حبيبة، سرية علي بن أبي طالب. (عن علي، قال: آخر كلام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: الصلاة الصلاة) منصوبان على الإغراء بفعل محذوف لا يجوز إظهاره، تقديره: الزموا. وشبهه: الحلة الحلة. أي: البسوا. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1658/ 31). (¬2) رواه مسلم (1657). (¬3) فوقها في (ل): (ع).

قال الفراء: الصلاة الصلاة، وجميع الأسماء من المصادر وغيرها إذا نويت فيها الأمر نصبت، وأما الأسماء فقولك: اللَّه اللَّه يا قوم. ولو رفع على: هو اللَّه. فيكون خبرًا (¬1) فيه معنى الأمر، فيجوز. ومثله: يا هؤلاء الليل الليل، فبادروا (¬2). و(اتقوا اللَّه) والزموا الصلاة وراقبوه (فيما ملكت أيمانكم). وفي الصحيحين من حديث [أنس: كان آخر وصية] (¬3) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-[حين حضره الموت] (¬4): "الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم" (¬5). ولهما من حديث أبي ذر: "أطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم" (¬6). لفظ رواية مسلم، والمراد: احفظوا الصلاة بالمواظبة وما ملكت أيمانكم بحسن الملكة، والقيام بما يحتاجون إليه. وقيل: أراد -صلى اللَّه عليه وسلم- حقوق الزكاة وإخراجها من الأموال التي تملكها الأيدي، كأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أعلم بما يكون من أهل الردة، وإنكارهم وجوب الزكاة، وامتناعهم عن أدائها إلى القائم بعده بقطع حجتهم، بأن جعل آخر كلامه الوصية بالصلاة والزكاة، فقرنهما. وعلى التفسير الأول قرن بين الصلاة ونفقة المماليك؛ ليعلم أن لا ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): خبر. والجادة ما أثبتناه. (¬2) "معاني القرآن" 1/ 188. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬5) لم أقف عليه في الصحيحين، وإنما رواه ابن ماجه (2697)، وأحمد 3/ 117. (¬6) "صحيح البخاري" (30)، "صحيح مسلم" (1661) مرفوعًا.

سعة في ترك نفقتهم، كما لا سعة في ترك الصلاة. [5157] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا جرير، عن الأعمش، عن المعرور (¬1) بن سويد) الأسدي الكوفي (قال: رأيت أبا ذر) جندب بن جنادة الغفاري (بالربذة) بفتح الراء والموحدة والذال المعجمة، موضع خارج المدينة بينها وبينها ثلاث مراحل، وهي التي جعلها عمر حمى لإبل الصدقة. وروى الزهري أن عمر حمى السرف والربذة. ذكره البخاري (¬2)، وبالربذة توفي أبو ذر -رضي اللَّه عنه- وحده لما نفي من المدينة، ليس معه إلا امرأته وغلام له، كما أنذره النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- به في غزوة تبوك، فإن أبا ذر لما أبطأ عليه بعيره أخذ متاعه، فحمله على ظهره، ثم سار يتبع أثر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فنظر ناظر من المسلمين، فقال: يا رسول اللَّه، هذا رجل يمشي على الطريق، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كن أبا ذر" فلما تأمله القوم قالوا: يا رسول اللَّه، هو واللَّه أبو ذر. فقال: "يرحم اللَّه أبا ذر، يمشي وحده [ويموت وحده] (¬3) ويبعث وحده" (¬4). (وعليه برد غليظ، وعلى غلامه مثله) فيه: فضيلة كسوة الخادم مثل كسوة (¬5) السيد، فإنه أخوه في الإسلام (فقال القوم: يا أبا ذر، لو كنت ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) في "صحيحه" (2370). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) رواه الحاكم 3/ 50 - 51 من حديث ابن مسعود. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (5531). (¬5) في (ل): خدمة.

أخذت) البرد (الذي على غلامك فجعلته مع هذا) الذي عليك (فكانت حلة) بالنصب، لفظ "الصحيح": لو جمعت بينهما كانت حلة (¬1). وإنما قال (¬2) ذلك؛ لأن الحلة عند العرب لا تكون إلا من ثوبين، ولا يطلق على ثوب واحد. (وكسوته ثوبًا غيره. فقال أبو ذر: إني كنت ساببت رجلًا) وهو بلال ابن رباح مؤذن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (وكانت أمه أعجمية) وهي حمامة، ذكرها أبو عمر فيمن كان يعذب في اللَّه، فاشتراها أبو بكر فأعتقها (¬3) (فعيرته بأمه) قال بعضهم: الصحيح: عيرت فلانًا أمه، وقد جاء في شعر عدي بن زيد متعديًا بالباء (¬4)، كما في الحديث في قوله: أيها الشامت المعير بالدهر (¬5) واعتذر عن هذا البيت بأن قائله عبادي ولم يكن فصيحًا. والعباد بفتح العين قبائل شتى من بطون العرب، اجتمعوا على النصرانية بالحيرة، ولا يعتبر هذا القول، فقد صح قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أعيرته بأمه" (¬6) ونقله أبو ذر عنه وعن نفسه، فلا معنى لإنكار ذلك. (فشكاني إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا أبا ذر، إنك امرؤ فيك جاهلية) أي: فيك خصلة من خصالهم. يعني بها: تعييره بأمه، فإن الجاهلية كانوا ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1661). (¬2) كذا في (ل، م)، ولعل الصواب: قالوا. فالقائل هم القوم. (¬3) "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" 4/ 374 (3337). (¬4) ساقطة من (م). (¬5) انظر: "المجالسة وجواهر العلم" 7/ 51. (¬6) رواه البخاري (30)، (2545) من حديث أبي ذر مرفوعًا.

يعيرون بالآباء والأمهات، وذلك شيء أذهبه الإسلام، لقوله: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (¬1) وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن اللَّه أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، الناس كلهم بنو آدم، وآدم خلق من تراب" (¬2) كما تقدم. (فقال: إنهم إخوانكم) يعني: العبيد والإماء المؤمنين إخوانكم في الإيمان باللَّه وشرائع الإسلام (فضلكم اللَّه عليهم) بتمليككم إياهم، ولو شاء ملكهم إياكم. وفيه تقديم الحر على العبد في الجهاد وإمامة الصلاة، وتقديم جنازته وغير ذلك؛ لفضيلة الحرية. (فمن لم يلائمكم) بالهمز ثم يخفف بقلبه ياء، أي: من لم يوافقكم في الخدمة وحسن المعاشرة. وقوله: (فمن لم يلائمكم) إلى آخره هو من أفراد المصنف (فبيعوه) أي: أخرجوه عن ملككم بالبيع والهبة والعتق ونحو ذلك. وقد يؤخذ منه أنه لا يعتق إلا من كان قادرًا على التكسب دينًا، وقد يدل عليه قوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} (¬3) (ولا تعذبوا خلق اللَّه) فيه أن كل ما خلقه اللَّه من حيوان وغيره فلا يمتهن ولا تعذب الدواب، خصوصًا الآدمي الذي أكرمه اللَّه بالإيمان، والعلة في ذلك كونه منسوبًا إلى اللَّه تعالى، فلا يضرب الرقيق ولا يجوع ولا يعرى؛ لكونه ¬

_ (¬1) الحجرات: 13. (¬2) سبق برقم (5116)، ورواه أيضًا الترمذي (3955، 3956) كلاهما من حديث أبي هريرة مرفوعًا. (¬3) النور: 33.

غير موافق، بل يباع ويعين ما فيه من العيوب للمشتري. [5158] (ثنا مسدد، ثنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق، كان يحج سنة ويغزو سنة. (ثنا الأعمش، عن المعرور) بفتح الميم وسكون العين المهملة، ابن سويد، تقدم. (قال: دخلنا على أبي ذر -رضي اللَّه عنه-) وهو (بالربذة) التي توفي بها، كما تقدم (فإذا عليه برد) غليظ (وعلى غلامه مثله، فقلنا: يا أبا ذر، لو أخذت برد غلامك) فيه أنه يقال: غلام وخادم، ولا يقال: عبدك. فإن الخلق كلهم عبيد اللَّه وجمعته (إلى بردك فكانت حلة) بالنصب أي: لصارت حلة كاملة عليك (وكسوته ثوبًا غيره) من أي نوع كان. (قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول) هم (إخوانكم) لقوله تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (¬1) فيه أن الأخ في الدين يكرم، فإن كان أخًا في النسب أو الرضاع فيكون أعظم في الإكرام. (جعلهم اللَّه تحت أيديكم) خدمة وأتباعًا (فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليكسه) بضم السين وكسرها (من) جنس (ما يلبس) بفتح الموحدة، أي: من نوع ما يأكل وما يلبس، وهذا الأمر على الندب؛ لأن السيد إذا أطعم عبده أدنى ما يأكله، وكساه أقل مما يلبسه صفة ومقدارًا لم يذمه أحد، فإنه إذا أطعمه وكساه كفايته فقد قام بواجبه عليه، وإنما موضع الذم إذا منعه ما يقوم به أوده ويدفع به ضرره، كما نص -صلى اللَّه عليه وسلم- بقوله: "كفى بالمرء إثمًا أن يحبس عمن يملك ¬

_ (¬1) الحجرات: 10.

قوتهم" (¬1) وإنما هذا على مكارم الأخلاق وإرشاد إلى سبيل الإحسان والتواضع؛ حتى لا يرى لنفسه مزية على عبده؛ إذ الكل عبيد اللَّه، والمال مال اللَّه، وإنما ملك بعضهم لبعض، وسخر بعضهم لبعض؛ إتمامًا للنعمة، وتقييدًا للحكمة. (ولا يكلفه ما يغلبه) أي: مما لا يطيقه، وظاهره التحريم (فإن كلفه ما يغلبه فليعنه) أجمع العلماء على أنه لا يجوز أن يكلفه ما لا يطيقه، فإن كلفه ذلك لزمه إعانته بنفسه أو بغيره. قوله: (فإن كلفه) أي: إن أخطأ في إيقاع تكليفه فليرفع عنه ذلك بالإعانة، فإن لم يمكنه ذلك فليخرجه عن ملكه بالبيع والعتق وغيره. (قال) المصنف (رواه) عبد اللَّه (ابن نمير، عن الأعمش نحوه) لما تقدم. [5159] (ثنا محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني (وثنا) محمد (ابن المثنى، ثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه) (¬2) يزيد بن شريك التيمي، الكوفي (عن أبي مسعود) عقبة ابن عمرو الأنصاري البدري. (قال: كنت أضرب غلامًا لي، فسمعت من خلفي صوتًا) يقول (اعلم) بهمزة وصل وفتح اللام (أبا مسعود) منادى حذف حرف النداء منه، وفيه المبادرة بالنهي بارتفاع الصوت قبل أن يصل إلى مجلس التخاطب، وكذا المبادرة بالنهي من خلفه قبل أن يستقبله. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (996) من حديث عبد اللَّه بن عمرو مرفوعًا. (¬2) فوقها في (ل): (ع).

(قال) محمد (ابن المثنى) قال (مرتين) واللَّه (للَّه) بفتح اللام في (للَّه) جواب القسم (أقدر عليك منك عليه) أي: أقدر عليك بالعقوبة من قدرتك على ضربه، ولكنه يحلم إذا غضب، وأنت لا تقدر على الحلم والعفو عنه إذا غضبت. (فالتفت) إلى صاحب الصوت (فإذا هو النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقلت: يا رسول اللَّه: هو حر لوجه اللَّه تعالى) فيه: أن من وقعت منه سيئة من جهة شيء فليتصدق به ويخرج عنه للَّه تعالى، كمن صلى فرأى في صلاته بستانًا فالتهى به عن الخشوع في الصلاة فخرج عنه وتصدق به، وكذلك من شغله شيء حتى خرجت الصلاة فليتصدق به. وفيه: مراعاة قلب المعلم والتقرب إليه بما يدخل السرور عليه. (قال: أما واللَّه لو لم تفعل للفعتك النار) أي: شملتك من نواحيك، كما تلفع الرجل بالثوب إذا التحف به حتى جلل جميع جسده، ولفظ مسلم: "للفحتك النار" (¬1) أي: مستك، والعين تبدل من الحاء؛ لقرب مخرجهما. (أو) قال الراوي: (لمستك النار) يعني: يوم القيامة. وفيه تنبيه على أن الذي فعله من ضرب غلامه على ما لا يستحقه حرام، فكأنه تعدى في أصل الضرب بأن ضربه على ما لا يستحق، أو زاد في صفة الضرب على المستحق، ولا يختلف في أن تأديب العبد بالضرب والحبس وغيرهما جائز إذا وقع في محله وعلى صفته. ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1659).

[5160] (ثنا عبد الواحد (¬1)، عن الأعمش بإسناده) المذكور (ومعناه نحوه) و (قال: كنت أضرب غلامًا لي بالسوط) فيه: النهي عن الضرب بالسوط للغلام وغيره، وفي الحديث: "أول من يدخل النار السواطون" (¬2) قيل: هم الشرط الذين يكون معهم الأسواط يضربون بها الناس (ولم يذكر أمر العتق) المذكور. [5161] (ثنا محمد بن عمرو) أبو غسان، زنيج (الرازي) شيخ مسلم (ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن مورق) (¬3) بتشديد الراء ابن مشمرج بضم الميم وفتح المعجمة وسكون الميم وكسر الراء بعدها جيم، العجلي. (عن أبي ذر، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من لاءمكم) أصله الهمز، ثم يخفف بإبدال الياء، يقال: هو لا يلايمني. أي: لا يوافقني، وأما يلاومني بالواو فلا وجه له هنا؛ لأنه من اللوم (من مملوكيكم (¬4)، فأطعموهم مما تأكلون، واكسوهم مما تلبسون" وهو محمول على الاستحباب بإجماع المسلمين دون الإيجاب. (ومن لم يلايمكم منهم فبيعوه) أو هبوه أو أعتقوه، ونحو ذلك مما يخرج عن الملك (ولا تعذبوا خلق اللَّه) بالضرب بالسوط ونحوه. ¬

_ (¬1) كذا في (ل)، (م)، وقبلها في "سنن أبي داود": (ثنا أبو كامل). (¬2) رواه ابن أبي شيبة 7/ 261 (35890) من حديث أبي هريرة موقوفًا، والطبراني في "المعجم الأوسط" 6/ 367 (6635) من حديث أبي هريرة مرفوعًا. (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) بعدها في (ل)، (م): فأطعموه واكسوه، وعليها في (ل): خـ.

[5162] (ثنا إبراهيم بن موسى) الرازي الفراء، شيخ الشيخين (أنا عبد الرزاق، أبنا معمر، عن عثمان بن زفر) بضم الزاي وفتح الفاء، غير منصرف؛ لأنه معدول عن زافر، التيمي، قال أبو حاتم: صدوق (¬1) (عن بعض بني رافع) قال شيخنا ابن حجر (¬2): هو محمد بن خالد بن رافع (ابن مكيث) بفتح الميم وكسر الكاف وسكون المثناة تحت بعدها ثاء مثلثة (عن رافع بن مكيث) الجهني (وكان ممن شهد الحديبية) -رضي اللَّه عنه-. (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: حسن الملكة) بفتح الميم واللام، أي: حسن الصنيع إلى مماليكه والصحبة لهم بالمعروف (نماء) بفتح النون وتخفيف الميم والمد، أي: زيادة رزق وأجر وارتفاع منزلة عند اللَّه، يقال: نما الشيء ينمو نموًّا، وينمى نماءً، وهو الزيادة والكثرة. (وسوء الخلق) مع المملوك (شوم) أصل الواو في الشؤم همزة، ولكنها خففت فصارت واوًا، وغلب عليها التخفيف حتى لم ينطق بها مهموز (¬3). والشؤم ضد اليمن والبركة. ورواية الإمام أحمد: "لا يدخل الجنة سيِّئ الملكة" (¬4). [5163] (ثنا) محمد (ابن المصفَّى، ثنا بقية) بن الوليد (ثنا عثمان بن زفر، قال: حدثني محمد بن خالد بن رافع بن مكيث، عن عمه الحارث بن ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 6/ 150 (824). (¬2) "تهذيب التهذيب" 3/ 553. (¬3) "مسند أحمد" 1/ 4، 7، 12 من حديث أبي بكر مرفوعًا. (¬4) كذا في (ل، م)، ولعل الصواب: مهموزًا.

رافع بن مكيث) الجهني (وكان) أبوه (رافع من) قبيلة (جهينة قد شهد الحديبية مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، عن رسول اللَّه: حسن الملكة نماء) وفي بعض النسخ: "يمن" أي: بركة (وسوء الخلق) على المملوك (شوم). [5164] (ثنا أحمد بن سعيد) بن بشر (الهمداني) بسكون الميم المصري، صدوق (وأحمد بن عمرو بن السرح، -وهذا حديث) أحمد (الهمداني، وهو أتم-، قالا: ثنا) عبد اللَّه (ابن وهب، أخبرني أبو (¬1) هانئ) حميد بن هانئ (الخولاني عن العباس بن جليد) بضم الجيم وفتح اللام مصغر (الحجري) بفتح المهملة وسكون الجيم، مصري، ثقة. (قال: سمعت عبد اللَّه بن عمر) رضي اللَّه عنهما (يقول: جاء رجل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه، كم نعفو) لفظ الترمذي: "كم أعفو" (¬2) (عن الخادم؟ ) إذا أذنب. (فصمت) [بفتح الميم] (¬3) (ثم أعاد عليه الكلام، فصمت، فلما كان في) المرة (الثالثة قال: اعفوا) وهذِه الواو التي في آخره واو ضمير الجمع (عنه في كل يوم سبعين مرة) يحتمل أن يقال: ليس المراد بالعدد تعين العدد المحصور، فإن السبعين تستعمل لمجرد الكثرة، كما قال تعالى: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} (¬4) والمراد -واللَّه أعلم- الاستغفار الكثير دون حصر هذا القدر وعدده، وكذا المراد هنا أن ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) "سنن الترمذي" (1949). (¬3) ساقطة من (م). (¬4) التوبة: 80.

تعفو عن كل ما يقع منها زاد على السبعين أو نقص. [5165] (ثنا إبراهيم بن موسى الرازي قال: أنا، ح، وثنا مؤمل بن الفضل الحراني) أبو سعيد. قال أبو حاتم: ثقة رضًا (¬1). (ثنا عيسى) (¬2) بن يونس بن أبي إسحاق (ثنا فضيل بن غزوان) الضبي مولاهم (عن) عبد الرحمن (ابن أبي نعم) بضم النون وسكون العين المهملة، البجلي الزاهد. (عن أبي هريرة قال: حدثني أبو القاسم نبي التوبة) وفي رواية: نبي الرحمة (¬3). ومعناهما متقارب، ومقصودهما أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- جاء بالتوبة وبالتراحم، وكانت توبة من قبلنا بقتل أنفسهم، فرفع اللَّه هذا الأمر عن هذِه الأمة (-صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: من قذف مملوكه) بالزنا، كذا رواية مسلم (وهو بريء مما قال جلد له يوم القيامة) لفظ مسلم: "يقام عليه الحد يوم القيامة" (¬4). قال النووي: فيه إشارة إلى أنه لا حد على قاذف العبد في الدنيا، وهذا مجمع عليه، لكنه يعذب قاذفه، لأن العبد ليس بمحصن، وسواء في هذا كله من هو كامل الرق، وليس فيه سبب حرية والمدبر والمكاتب وأم الولد، ومن بعضه حر، هذا في حكم الدنيا، وأما في الآخرة فيستوفى له الحد من قاذفه؛ لاستواء الأحرار والعبيد في ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 8/ 375 (1713). (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) روى مسلم في "صحيحه" (2355) من حديث أبي موسى، قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يسمي لنا نفسه أسماء، وذكر منها: نبي الرحمة. (¬4) "صحيح مسلم" (1660).

الآخرة (¬1) (حدًّا) كاملًا. (قال مؤمل) بن الفضل (ثنا عيسى، عن الفضيل به) أي: بما تقدم. [5166] (ثنا مسدد، ثنا فضيل بن عياض) التميمي الخراساني، أخرج له الشيخان (عن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين، ابن عبد الرحمن، أبي الهذيل، السلمي، الكوفي (عن هلال بن يساف) بفتح الياء وكسرها وتنوين آخره، ويقال أيضًا: إساف، الأشجعي، أخرج له مسلم. (قال: كنا نزولًا في دار سويد بن مقرن) بضم الميم وتشديد الراء المكسورة، ابن عائذ المزني، أخو النعمان، هاجر هو وإخوته السبعة. (وفينا شيخ فيه حدة) بكسر الحاء وتشديد الدال، وهي كالنشاط والسرعة في الأمور، والمضاء فيها، مأخوذ من حد السيف السريع القطع والإمضاء، والمراد بالحدة هاهنا وفي حديث "الحدة تعتري خيار أمتي" (¬2) الصلابة في الدين والقصد إلى الخير، ويدل عليه رواية مسلم: عجل شيخ فلطم خادمًا له (¬3) (ومعه جارية) يعني: مملوكة له (فلطم وجهها) أي: ضرب وجهها بباطن راحته. (فما رأيت سويدًا) بن مقرن (أشد) بالنصب (كضبا منه ذلك اليوم) فيه فضيلة شدة الغضب في الدين وسرعة الغيظ للَّه تعالى. ¬

_ (¬1) "شرح مسلم" 11/ 132. (¬2) رواه أبو يعلى 4/ 337 (2450)، والطبراني 11/ 194 (11471) من حديث ابن عباس مرفوعًا. قال الألباني في "ضعيف الجامع" (2774): موضوع. (¬3) "صحيح مسلم" (1658/ 32).

و (قال) سويد (عجز) بفتح الجيم فعل ماض على اللغة الفصحى، قال اللَّه تعالى: {أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ} (¬1) (عليك إلا حرُ) بضم الحاء وتشديد الراء، وبالرفع؛ لأنه بعد استفهام توبيخي مقدر، وهو في معنى النفي، والتقدير: أعجز عليك الضرب إلا حرُ وجهها؟ ! ويجوز، قال النووي: معناه: عجزت، ولم تجد أن تضرب إلا حرَّ (¬2) (وجهها) وحرُّ الوجه: صفحته وما رق من بشرته، وحرُّ كل شيء أفضله وأرفعه، وقيل: يحتمل أن يكون مراده بقوله: (عجز عليك) أي: امتنع عليك (¬3) الضرب إلا أفضل وجهها، وكان هذا من المقلوب. (لقد رأيتنا سابع سبعة) أي: أحد سبعة (من ولد مقرن) والسبعة هم: النعمان ومعقل وعقيل وسويد وسنان وعبد الرحمن، قال ابن الصلاح: وسابع لم يسم (¬4). وقد سماه ابن فتحون في "ذيل الاستيعاب" عبد اللَّه بن مقرن، وذكر أنه كان على (¬5) ميسرة أبي بكر في قتال الردة، وإن كان الطبراني (¬6) ذكر ذلك من ولد مقرن (¬7). (وما لنا إلا خادم) واحدة، هكذا في النسخ، وفي جميع نسخ مسلم (¬8)، والخادم بلا هاء، يطلق على الجارية (¬9) كما يطلق على ¬

_ (¬1) المائدة: 31. (¬2) "شرح مسلم" 11/ 129. (¬3) السابق. (¬4) "علوم الحديث" ص 312. (¬5) ساقطة من (م). (¬6) في "الشذا الفياح": الطبري. (¬7) انظر: "الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح" 2/ 552. (¬8) في (ل، م): الخادم. والجادة المثبت، وهو ما في "شرح النووي". (¬9) "صحيح مسلم" (1658) من حديث معاوية بن سويد.

الرجل، ولا يقال: خادمة (¬1)، بالهاء إلا في لغة شاذة قليلة (¬2) (¬3). (فلطم أصغرنا وجهها، فأمرنا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعتقها) أجمع المسلمون على أن العتق ليس بواجب، وإنما هو مندوب؛ رجاء كفارة ذنبه فيه، وإزالة إثم لطمته، واستدلوا على عدم وجوب العتق بما في الحديث الآتي بعده حين أمرهم بإعتاقها، قالوا: ليس لنا خادم غيرها. قال: "فليستخدموها، فإذا استغنوا عنها فليخلوا سبيلها" (¬4). [5167] (ثنا مسدد، ثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن سفيان) الثوري (حدثني سلمة بن كهيل) الحضرمي، من علماء الكوفة (حدثني معاوية بن سويد بن مقرن) المزني (¬5). (قال: لطمت) وجه (مولى لنا) زاد مسلم: فهربت، ثم جئت قبيل الظهر فصليت خلف أبي (فدعاه أبي ودعاني) معه (فقال) للمولى (اقتص منه) زاد مسلم: فعفا (¬6). يعني: عن القصاص منه. وقوله: (اقتص منه) محمول على تطييب نفس المولى المضروب، وإلا فلا يجب القصاص في اللطمة ونحوها، وإنما واجبها التعزير، ¬

_ (¬1) في (ل، م): جارية. والجادة المثبت. هو ما في "شرح النووي". (¬2) ساقطة من (م). (¬3) قاله النووي في "شرح مسلم" 11/ 129، وكذا في "تحرير ألفاظ التنبيه" 289 دون ذكر لفظ: شاذة. هذا وقد ذكر صاحب "المحكم" وغيره أنها عربية فصيحة. انظر: "المحكم" 5/ 146. (¬4) وهذا لفظ مسلم (1658/ 31). (¬5) زاد بعدها في (ل، م): قال. (¬6) "صحيح مسلم" (1658).

لكنه تبرَّع فأمكنه من القصاص فيها، وفيه: استحباب الرفق بالموالي والخدم واستعمال التواضع معهم، وذلك من مكارم الأخلاق (فإنا معشر) أي: جماعة (بني مقرن كنا سبعة على عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) تقدم أسماؤهم قريبًا. وذكر ابن فتحون قولًا أن بني مقرن كانوا عشرة إخوة، واللَّه أعلم، وذكر الطبري أيضًا في الصحابة ضرار بن مقرن، حضر فتح الحيرة مع خالد بن الوليد -رضي اللَّه عنه- (¬1). قال الذهبي أيضًا: وهو عاشر عشرة إخوة (¬2). (وليس لنا إلا خادم) واحد (فلطمها رجل منا) لفظ مسلم: فلطمها أحدنا، فبلغ ذلك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أعتقوها) بفتح الهمزة (قالوا: إنه ليس لنا خادم غيرهما) بالنصب على الاستثناء (قال: فلتخدمهم) لفظ مسلم: "فليستخدموها" (¬3) (حتى يستغنوا) عنها، أمرهم باستخدامها بعد اللطم، دليل على أن العتق غير واجب على من لطم خادمه، إذ لو كان واجبًا عليه، لما جاز استخدامها بعد ذلك (فإذا استغنوا) عنها (فليعتقوها) بضم الياء، وهو أمر ندب كما تقدم. [5168] (ثنا مسدد وأبو كامل) الجحدري (ثنا أبو عوانة) الوضاح (عن فراس) (¬4) بكسر الفاء ومهملة بعد الألف، ابن يحيى الهمداني ¬

_ (¬1) انظر: "الشذا الفياح" 2/ 552 - 553. (¬2) "تجريد أسماء الصحابة" (2859). (¬3) "صحيح مسلم" (1658). (¬4) فوقها في (ل): (ع).

الحارثي المكتب (عن أبي صالح) السماك (ذكوان، عن زاذان) بزاي وذال معجمة ونون، أبو عمر (¬1) الكندي. (قال: أتيت) عبد اللَّه (ابن عمر رضي اللَّه عنهما، وقد أعتق مملوكًا له، فأخذ من الأرض عودًا أو شيئًا) غيره (فقال: ما لي فيه من الأجر ما يسوى هذا) كذا الرواية بفتح الياء والواو. وقال النووي: وقع في معظم (¬2) النسخ: ما يسوى. وفي بعضها: ما يساوي. بالألف (¬3) (¬4). قال: وهذِه اللغة الفصيحة المشهورة، والأولى، وهي: يسوى. عدها أهل اللغة في لحن العوام. وأجاب بعض العلماء عن هذِه اللفظة بأنها تغيير من بعض الرواة؛ لا أن ابن عمر نطق بها، وإذا صحت الرواية فلا اعتبار بقول أهل اللغة، بل لهم أن يستدلوا بها على جواز استعمالها، والمراد أنه ليس في إعتاقه أجر المعتق تبرعًا. وإنما أعتقه كفارة لضربه (¬5). و(سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: من لطم مملوكًا أو ضربه) أو قذفه (فكفارته أن يعتقه) هو محمول على أن المراد: من لطمه أو ضربه بلا ذنب وقع منه، ولا على سبيل التعليم والأدب. * * * ¬

_ (¬1) في (ل، م): عمرو، وانظر: "تهذيب الكمال" 9/ 263. (¬2) في (ل، م): بعض. والمثبت كما في "شرح النووي". (¬3) بعدها في (ل)، (م): قال: وهذِه اللغة الفصيحة: ما يساوي بالألف. ولعلها تكرار. (¬4) "شرح مسلم" 11/ 128. (¬5) السابق.

135 - باب ما جاء في المملوك إذا نصح

135 - باب ما جاءَ في المَمْلُوكِ إِذا نَصَحَ 5169 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبي، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِنَّ العَبْدَ إِذا نَصَحَ لِسَيِّدِهِ، وَأَحْسَنَ عِبادَةَ اللَّهِ فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ" (¬1). * * * باب ما جاء في المملوك إذا نصح [5169] (ثنا عبد اللَّه بن مسلمة القعنبي، عن مالك، عن نافع، عن عبد اللَّه بن عمر أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إن العبد إذا نصح) وفي رواية لمسلم: "للعبد المملوك المصلح أجران" (¬2) وفيه فضيلة ظاهرة للمملوك المصلح وهو الناصح لسيده، والنصح هو إرادة الخير للمنصوح له، وليس يمكن أن يعبر عن هذا المعنى بكلمة واحدة تجمع معناه غيرها، ونصيحة السيد طاعته فيما يأمره به وإرادة الخير له في غيبته وحضوره. (وأحسن عبادة اللَّه) أي: أتى بشرائطها وأركانها وسننها وآدابها، مع إخلاص العمل للَّه (فله أجره مرتين) أي: له أجران، أجر من نصحه لسيده، وأجر من إحسانه عبادة ربه. * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2546)، ومسلم (1664). (¬2) "صحيح مسلم" (1665) من حديث أبي هريرة مرفوعًا.

136 - باب فيمن خبب مملوكا على مولاه

136 - باب فيمَنْ خَبَّبَ مَمْلُوكًا عَلَى مَوْلاهُ 5170 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلي، حَدَّثَنا زَيْدُ بْن الحُبابِ، عَنْ عَمّارِ بْنِ رُزَيْقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ خَبَّبَ زَوْجَةَ امْرِئٍ أَوْ مَمْلُوكَهُ فَلَيْسَ مِنّا" (¬1). * * * باب فيمن خبب مملوكًا على مولاه [5170] (ثنا الحسن بن علي) الخلال (¬2). (ثنا زيد بن الحباب) بضم المهملة وتخفيف الموحدة الأولى، العكلي بضم المهملة، أخرج له مسلم. (عن عمار بن رزيق) بتقديم الراء على الزاي، أبو الأحوص الضبي، أخرج له مسلم. (عن عبد (¬3) اللَّه بن عيسى) بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي (عن عكرمة، عن يحيى بن يعمر) بضم الميم وفتحها، غير منصرف للعلمية ووزن الفعل، قاضي مرو. (عن أبي هريرة: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من خبب) أي: أفسد وخدع، والرجل الخب بفتح الخاء: الخداع والذي يسعى بين الناس، وقد تكسر ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 397، والنسائي في "الكبرى" (9214). وصححه الألباني في "الصحيحة" (324). (¬2) في (ل)، (م): الجهضمي. وهو خطأ، انظر: "تهذيب الكمال" 6/ 259. (¬3) فوقها في (ل): (ع).

خاؤه، ومنه حديث: "لا يدخل الجنة خب" (¬1) (زوجة امرئ) حرة كانت أو أمة، وفي معناه: من خبب زوج امرأة فأفسده عليها (أو مملوكه) يدخل فيه العبد والجارية، والفساد يحصل بالقول والفعل وكل ما يؤدي إلى نشوز المرأة عن زوجها. (فليس منا) أي: ليس على طريقتنا أو سنتنا. * * * ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1963)، وأحمد 1/ 4، 7، وأبو يعلى 1/ 94 - 95 (93، 95)، وابن عدي في "الكامل" 5/ 120، 7/ 141 من حديث أبي بكر الصديق مرفوعًا. وضعفه الحافظ العرافي في "المغني" 1/ 534 (2072)، والحافظ ابن حجر في "بلوغ المرام" (1537)، والشيخ أحمد شاكر في "شرح السنة" (13، 32)، والألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (1551)، وفي "ضعيف الجامع" (14481).

137 - باب في الاستئذان

137 - باب فِي الاسْتِئْذانِ 5171 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي بَكْرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ مِنْ بَعْضِ حُجَرِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقامَ إِلَيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِمِشْقَصٍ أَوْ مَشاقِصَ قالَ: فَكَأَنّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَخْتِلُهُ لِيَطْعُنَهُ (¬1). 5172 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ قالَ: حَدَّثَنا أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "مَنِ اطَّلَعَ في دارِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَفَقَأُوا عَيْنَهُ فَقَدْ هَدَرَتْ عَيْنُهُ" (¬2). 5173 - حَدَّثَنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمانَ المُؤَذِّنُ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ عَنْ سُلَيْمانَ -يَعْني: ابن بِلالٍ-، عَنْ كَثِيرٍ، عَنْ وَليدٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِذا دَخَلَ البَصَرُ فَلا إِذْنَ" (¬3). 5174 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ ح وَحَدَّثَنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا حَفْصٌ، عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ هُزَيْلٍ قالَ: جاءَ رَجُلٌ -قالَ: عُثْمانُ سَعْدُ بْنُ أَبي وَقّاصٍ- فَوَقَفَ عَلَى بابِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يَسْتَأْذِنُ فَقامَ عَلَى البابِ، قالَ عُثْمانُ: مُسْتَقْبِلَ البابِ، فَقالَ لَهُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هَكَذا عَنْكَ أَوْ هَكَذا فَإِنَّما الاسْتِئْذانُ مِنَ النَّظَرِ" (¬4). 5175 - حَدَّثَنا هارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنا أَبُو داوُدَ الحَفَري، عَنْ سُفْيانَ، عَنِ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6242)، ومسلم (2157). (¬2) رواه البخاري (6888)، ومسلم (2158). (¬3) رواه أحمد 2/ 366، والبخاري في "الأدب المفرد" (1082). وضعفه الألباني في "الضعيفة" (2586). (¬4) رواه ابن أبي شيبة في "الأدب" (23)، وأبو نعيم في "الحلية" 5/ 24، والبيهقي 8/ 339. وصححه الألباني.

الأَعْمَشِ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ سَعْدٍ نَحْوَهُ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1). * * * باب في الاستئذان [5171] (ثنا محمد بن عبيد) (¬2) بن حساب الغبري شيخ مسلم. (ثنا حماد) بن زيد (عن عبيد (¬3) اللَّه) بالتصغير (ابن أبي بكر) بن أنس ابن مالك (عن) جده (أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- أن رجلًا اطلع من بعض حجر) بضم الحاء المهملة وفتح الجيم جمع حجرة، وهي البيت، ويجمع على حجرات مثل غرفة جمعها غرف وغرفات (النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) كذا للبخاري (¬4)، ولفظ مسلم: اطلع في جحر من باب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬5). والجحر الخرق في الباب، والمراد أنه اطلع في ثقب من بعض أبواب بيوت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. (فقام إليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بمشقص) بكسر الميم وسكون المعجمة، وهي النصل العريض السهم طويله (أو) شك من الراوي قال: (بمشاقص) (¬6) جمع مشقص (قال: فكأني انظر إليه يختله) بفتح الياء وسكون الخاء المعجمة وكسر المثناة، أي: يخدعه ويراوغه ليأتيه من ¬

_ (¬1) انظر ما قلبه. (¬2) فوقها في (ل): (د). (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) "صحيح البخاري" (6242). (¬5) "صحيح مسلم" (2156/ 40) من حديث سهل بن سعد الساعدي. (¬6) بعدها في (ل)، (م): مشاقص، وعليها: نسخة.

حيث لا يشعر (ليطعنه) بضم العين، وحكي كسرها، وفي الطعن في المعاني عكسه. فيه دلالة على أنه لا يحل لأحد أن ينظر في ثقب باب دار ولا غيره مما هو متعرض فيه لوقوع بصره على امرأة أجنبية. وفي هذا الحديث جواز رمي عين المتطلع بشيء خفيف، فلو رماها بخفيف ففقأها فلا ضمان إذا كان قد نظر في بيت فيه محرم، وفيه: أنه يجوز رمي الناظر قبل إنذاره، وهو الأصح عند أصحابنا (¬1)؛ لظاهر هذا الحديث، وقد يستدل به لما قاله الأصوليون أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا هم بفعل شيء، أو أراد أن يفعله فلم يفعله أنه معدود من سنته، ويكون كما قد فعله. [5172] (ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد) بن سلمة (عن سهيل) بن أبي صالح (عن أبيه) ذكوان (قال: ثنا أبو هريرة أنه سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: من اطلع في دار قوم بغير إذنهم ففقؤوا) بضم الهمزة بعد القاف المفتوحة (عينه) أي: شقوها، والفقء الشق والبخص. ومنه حديث موسى عليه السلام أنه فقأ عين ملك الموت وصكه صكة (¬2)، أي: أغلظ له موسى في القول بأن قال له: أحرج عليك أن تدنو مني، وأحرج داري ومنزلي. فجعل هذا التغليظ شبيهًا بفقء العين، وقيل: إن هذا مما يؤمر به ولا ندخل في كيفيته. (فقد هدرت) بضم الهاء مبني للمفعول، وبفتحها مبني للفاعل (عينه) ¬

_ (¬1) انظر: "روضة الطالبين" 10/ 191 - 192. (¬2) رواه البخاري (1339)، (3407)، ومسلم (2372) من حديث أبي هريرة، ولفظ "فقأ عينه" لمسلم.

أي: ذهبت باطلة لا قصاص فيها ولا دية، ولم يطالب بثأرها. وفي رواية النسائي: "من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم ففقؤوا عينه فلا دية ولا قصاص" (¬1) وفيه دليل على جواز رميه بحصاة ونحوها قبل إنذاره كما تقدم. [5173] (حدثنا الربيع بن سليمان) المرادي المصري (المؤذن) الفقيه الحافظ، كان مؤذن جامع مصر (ثنا) عبد اللَّه (ابن وهب، عن سليمان بن بلال) القرشي التيمي المدني (عن كثير) بن زيد الأسلمي المدني، قال أبو زرعة: صدوق فيه لين (¬2) (عن وليد) بن رباح المدني، صدوق. (عن أبي هريرة أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إذا دخل البصر) أي: وقع فرأى داخل الدار (فلا إذن) أي: بطل الاستئذان؛ لفوات منفعته وفائدته. وقيل: المراد به: إذا نظر في الموضع قبل الإذن فقد ارتكب ما نهي عنه، فينبغي لرب الدار أن لا يأذن له في الدخول ويرده عقوبة له؛ ولئلا يظن الناظر أن استئذانه بعد ذلك ينفعه فيما وقع منه، فإن فائدة الاستئذان لئلا يقع بصره على امرأة أجنبية، ورواية الطبراني من حديث إسحاق بن يحيى عن عبادة: "من دخلت عينه قبل أن يستأذن فلا إذن، وقد عصى ربه" (¬3). ¬

_ (¬1) "المجتبى" 8/ 61. (¬2) "الجرح والتعديل" 7/ 151 (841)، "تهذيب الكمال" 24/ 115 (4941). (¬3) ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" 8/ 44 وقال: رواه الطبراني، وإسحاق بن يحيى لم يدرك عبادة، وبقية رجاله ثقات. وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب" (1632)، وفي "ضعيف الجامع" (5576).

وفيه أن من وقف على باب فرأي ما في داخل الدار فمعصيته كمعصية من دخل الدار بغير إذن، وذهب بعضهم إلى أن من وقف على باب دار مفتوح فرأى ما في الدار لم يجز حذفه بشيء؛ لأن التفريط من تارك باب الدار مفتوحًا. وخرج من هذا الأعمى إذا وقف على باب الدار وكان مفتوحًا، و [لو] (¬1) كان الواقف على باب الدار محرمًا للنساء التي فيها؛ فليس لمن في الدار رميه؛ إلا أن يكنَّ عرايا متجردات. وظاهر هذِه الأحاديث أنه لا فرق في الناظر من ثقب الباب أو من شق بيت أن يكون فيه نساء، أم لم يكن؛ لأنه لم يذكر أنه كان في الدار التي اطلع فيها على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نساء بل هو عام. [5174] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا جرير، ح، وثنا أبو بكر (¬2) بن أبي شيبة، ثنا حفص) بن غياث بكسر المعجمة وتخفيف الياء المثناة تحت، النخعي، قاضي الكوفة (عن الأعمش، عن طلحة) (¬3) بن مصرف الهمداني اليامي (عن هزيل) بضم الهاء وفتح الزاي مصغر، ابن شرحبيل الأزدي الكوفي الأعمى، أخرج له البخاري في الفرائض (¬4). (قال: جاء رجل. قال عثمان) بن أبي شيبة: هو (سعد) بن أبي وقاص (فوقف على باب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يستأذن، فقام على الباب، قال عثمان: ) بن أبي ¬

_ (¬1) زيادة يستقيم بها السياق، انظر: "روضة الطالبين" 10/ 193. (¬2) في (م): الوليد. وهو تحريف. (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) "صحيح البخاري" (6736).

شيبة، أي: قام (مستقبل) نصب على الحال (الباب) يشبه أنه كان مفتوحًا؛ إذ المردود لا ينظر مستقبله شيئًا. (فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: هكذا عنك) لعل المراد: تنح هكذا عن موضعك الذي هو قبالة الباب إلى الركن الأيمن أو الأيسر، كما يأتي في حديث عبد اللَّه بن بشر (¬1). (أو) تنح (هكذا، فإنما الاستئذان من) أجل (النظر) أي: إنما يشرع (¬2) الاستئذان في دخول الدار لأجل أن لا يقع بصر الرجل على عورة أهل البيت، ولأجل ألا يطلع على أحوالهم التي لا يريدون إظهارها. [5175] (ثنا هارون بن عبد اللَّه) بن مروان البغدادي البزاز الحمال، شيخ مسلم (ثنا أبو داود) عمر بن سعد (الحفري) بفتح الحاء المهملة والفاء، نسبة إلى محلة بالكوفة، يقال لها: الحفر. أخرج له مسلم. (عن سفيان) الثوري (عن الأعمش، عن طلحة بن مصرف، عن رجل) هو هزيل بن شرحبيل، كما تقدم (عن سعد) بن أبي وقاص (نحوه عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) كما تقدم. * * * ¬

_ (¬1) سيأتي برقم (5186). (¬2) في (م): يسن.

138 - باب كيف الاستئذان

138 - باب كَيْفَ الاسْتِئْذانُ 5176 - حَدَّثَنا ابن بَشّارٍ، حَدَّثَنا أبو عاصِمٍ، حَدَّثَنا ابن جُرَيْجٍ ح، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنا رَوْحٌ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، قالَ: أَخْبَرَني عَمْروٌ بْنُ أَبِي سُفْيانَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوانَ أَخْبَرَهُ، عَنْ كَلَدَةَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّ صَفْوانَ بْنَ أُمَيَّةَ بَعَثَهُ إلى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِلَبَنٍ وَجِدايَةٍ وَضَغابِيسَ -والنَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بِأَعْلَى مَكَّةَ- فَدَخَلْت وَلَمْ أُسَلِّمْ فَقالَ: "ارْجِعْ فَقُلِ السَّلامُ عَلَيْكُمْ". وَذاكَ بَعْدَ ما أَسْلَمَ صَفْوانُ بْن أُمَيَّةَ. قالَ عَمْرٌو: وَأَخْبَرَني ابن صَفْوانَ بهذا أَجْمَعَ، عَنْ كَلَدَةَ بْنِ حَنْبَلٍ وَلَمْ يَقلْ سَمِعْتُهُ مِنْهُ. قالَ أَبُو داودَ: قالَ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ أمَيَّةُ بْن صَفْوانَ وَلَمْ يَقُلْ سَمِعْتُهُ مِنْ كَلَدَةَ ابْنِ حَنْبَلٍ وقالَ يَحْيَى أَيْضًا: عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوانَ أَخْبَرَهُ أَنَّ كَلَدَةَ بْنَ الحَنْبَلِ أَخْبَرَهُ (¬1). 5177 - حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعي قالَ: حَدَّثَنا رَجُلٌ مِنْ بَني عامِرٍ أنَّهُ اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وَهُوَ في بَيْتٍ فَقالَ: أَلِجُ؟ فَقالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لِخادِمِهِ: "اخْرُجْ إلى هذا فَعَلِّمْهُ الاسْتِئْذانَ فَقُلْ لَهُ: قُلِ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟ ". فَسَمِعَهُ الرَّجُلُ، فَقالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟ فَأَذِنَ لَهُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-, فدَخَلَ (¬2). 5178 - حَدَّثَنا هَنّادُ بْنُ السَّري، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعي بْنِ حِراشٍ قالَ: حُدِّثْتُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَني عامِرٍ اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بمَعْناهُ. قالَ أَبُو داوُدَ: وَكَذَلِكَ، حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أبو عَوانَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعي وَلَمْ يَقُلْ: عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَني عامِرٍ (¬3). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2710)، وأحمد 3/ 414، والنسائي في "الكبرى" (6735). وصححه الألباني في "الصحيحة" (818). (¬2) السابق. (¬3) انظر سابقيه.

5179 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعاذٍ، حَدَّثَنا أَبي، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعي، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَني عامِرٍ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بِمَعْناهُ. قالَ: فَسَمِعْتهُ فَقُلْتُ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخلُ؟ (¬1). * * * [5176] (ثنا) محمد (ابن بشار) بندار (ثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل (ثنا) عبد الملك (ابن جريج (¬2)، ح، وثنا يحيى بن حبيب) (¬3) بن عربي، شيخ مسلم (ثنا روح) بن عبادة القيسي، صنف الكتب (عن ابن جريج (¬4). أخبرني عمرو بن أبي سفيان) الجمحي، ثقة. (أن عمرو بن عبد اللَّه بن صفوان) بن أمية، وثق (أخبره عن كلدة) بفتح الكاف واللام (بن حنبل) بفتح الحاء المهملة وسكون النون وفتح الموحدة، الغساني الصحابي (أن) أخاه لأمه (صفوان) وكان كلدة أسود، خدم صفوان وأسلم بعده (بعثه إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بلبن وجداية) بفتح الجيم، ويجوز الكسر، وتخفيف الدال المهملة وبعد الألف مثناة تحت: الصغير من أولاد الظباء ما بلغ ستة أشهر أو سبعة، ذكرًا كان أو أنثى بمنزلة الجدي من الغنم، والجمع جدايا، قال الجوهري: الجداية، والجداية يعني بالفتح والكسر: الغزال (¬5). (وضغابيس) بفتح الضاد والغين المعجمتين وبعد الألف باء موحدة ¬

_ (¬1) انظر ما قبله. (¬2) في (ل)، (م): جرير. والمثبت الصواب. (¬3) ورد في هامش (ل): بفتح المهملة. (¬4) في (ل)، (م): جرير. والمثبت الصواب. (¬5) "الصحاح" 6/ 2299.

مكسورة وسكون المثناة تحت ثم سين مهملة، وهي صغار القثاء، واحدها ضغبوس، ومنه قيل للرجل الضعيف: ضغبوس. تشبيهًا له بذلك، وامرأة ضغبة: مولعة بحب الضغابيس، وفي حديث آخر: لا بأس باجتناء الضغابيس في الحرم (¬1). وهي الثعارير أيضًا بثاء مثلثة وعين مهملة وبعد الألف راءين بينهما ياء. قال الأصمعي: الضغابيس نبت يشبه الهليون، ينبت في أصول الشام، يسلق بالخل والزيت ويؤكل (¬2). (والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بأعلى مكة، فدخلت) عليه (ولم أسلم، فقال: ارجع فقل: السلام عليكم) فيه: أن السنة لمن دخل على رجل أو جماعة أن يسلم عليهم قبل أن يتكلم، وفيه تعليم من ترك ذلك عالمًا به، وتركه إهمالًا أو ناسيًا أو جاهلًا، وأن يؤمر بالرجوع إلى أن يغيب ثم يرجع فيسلم (وذلك بعد ما أسلم صفوان بن أمية) بن خلف الجمحي المكي، قتل أبوه يوم بدر كافرًا، وأسلم هو بعد الفتح، وكان من المؤلفة. (قال عمرو) بن عبد اللَّه (أخبرني) عبد اللَّه (ابن صفوان بهذا أجمع) بالنصب (عن كلدة بن حنبل) أخو صفوان لأمه صفية بنت معمر بن حبيب بن وهب الجمحية (ولم يقل: سمعته منه. قال) المصنف (قال يحيى بن حبيب) بن عربي، أحد الرواة هو (أمية بن صفوان) بن أمية ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/ 90، والأثر رواه الأزرقي في "أخبار مكة" 2/ 144، والفاكهي 3/ 343 - 344 كلاهما عن مرة عن عطاء ومرة عن عمرو ابن دينار. (¬2) رواه ابن قتيبة في "غريب الحديث" 1/ 271.

ابن خلف عن كلدة بن حنبل (ولم يقل سمعته من كلدة) وهذا من شدة حرصهم على الألفاظ التي سمعوها، وأنهم لم يرووا بالمعنى. (وقال يحيى) بن حبيب أخي (¬1) (عمرو بن عبد اللَّه بن صفوان) بن أمية (أخبره أن بمدة بن الحنبل أخبره) بذلك، ولم يقل: سمعته من كلدة. [5177] (ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو الأحوص) (¬2) سلام بن سليم الحنفي (عن منصور) بن المعتمر (عن ربعي) بن حراش (حدثنا رجل من بني عامر) أنه (استأذن على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو في بيته -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: ألج؟ ) بكسر اللام، فيه حذف همزة الاستفهام، والتقدير: أألج؟ يعني: أأدخل؟ والولوج: الدخول. (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لخادمه: اخرج إلى هذا) الذي يستأذن (فعلمه الاستئذان) فيه: جواز الاستنابة في التعليم مع القدرة، وجواز تعليم بعض التلامذة بعضهم لبعض مع وجود الشيخ، سواء أذن الشيخ في ذلك أم لا. (فقل له: قل: السلام عليكم) وفيه: جواز الاقتصار على: السلام عليكم. دون: ورحمة اللَّه. (أأدخل؟ ) عليكم (فسمعه الرجل) من وراء الباب، وفيه: أن سنة المستأذن أن يكون بقرب الباب بحيث يسمع كلام من في البيت ويسمعون كلامه. (فقال: السلام عليكم) فيه أن السلام معرفًا أفضل من: سلام عليكم، المنكر (أأدخل؟ فأذن له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) فيه: أن السنة أن من استأذن على قوم أن يجيبه صاحب المنزل دون غيره من خادم وولد ونحوه، والمستأجر ¬

_ (¬1) كذا في (ل، م)، ولعل الصواب: أيضًا كما في مطبوع "سنن أبي داود". (¬2) فوقها في (ل): (ع).

للمنزل والمستعير في معنى صاحب المنزل؛ فإنه المستحق للمنفعة (فدخل) فقضى حاجته. [5178] (ثنا هناد بن السري) أبو السري التميمي، شيخ مسلم (عن أبي الأحوص) سلام (عن منصور) بن المعتمر (عن ربعي) بكسر الراء (بن حراش) بكسر الحاء المهملة وبعد الألف شين معجمة (قال: حدثت) بضم الحاء، مبني للمجهول (عن رجل من بني عامر) أنه (استأذن على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) فيه: مشروعية الاستئذان قبل الدخول (بمعناه) المذكور. (ثنا مسدد، ثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد اللَّه (عن منصور) بن المعتمر (ولم يقل) في هذِه الرواية (عن رجل من بني عامر) [بل أسقطه. [5179] (ثنا عبيد اللَّه) بالتصغير (بن معاذ، ثنا أبي) (¬1) معاذ بن معاذ العنبري، قاضي البصرة (ثنا شعبة، عن منصور، عن ربعي) بن حراش (عن رجل من بني عامر] (¬2) -رضي اللَّه عنه- أنه أستأذن على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بمعناه) المذكور، و (قال) فيه (فسمعته) يقول له: (فقلت: السلام عليكم). فيه: جواز الاقتداء والرواية عمن سمعه، وإن لم يره، وقد يؤخذ منه جواز سماع الرجل من المرأة من خلف ستر، كما روى الجماعة (¬3) عن الست وزيرة، عن الحجار، من وراء ستر ونحوه، ويؤخذ منه الاعتماد في الشهادة على السماع. * * * ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) كذا في (ل)، (م). ولعل الصواب: جماعة.

139 - باب كم مرة يسلم الرجل في الاستئذان؟

139 - باب كَمْ مَرّةٍ يُسَلِّمُ الرَّجُلُ في الاسْتِئْذانِ؟ 5180 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خصَيْفَةَ، عَنْ بُسْرِ ابْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْري قالَ: كُنْتُ جالِسًا في مَجْلِسٍ مِنْ مَجالِسِ الأَنْصارِ فَجاءَ أَبُو مُوسَى فَزِعًا فَقُلْنا لَهُ: ما أَفْزَعَكَ قالَ: أَمَرَني عُمَرُ أَنْ آتِيَهُ فَأَتَيْتُهُ فاسْتَأْذَنْتُ ثَلاثًا فَلَمْ يؤْذَنْ لي فَرَجَعْتُ فَقالَ ما مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَني؟ قُلْتُ قَدْ جِئْتُ فاسْتَأْذَنْتُ ثَلاثًا؟ فَلَمْ يُؤْذَنْ لي وَقَدْ قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِذا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ". قالَ: لَتَأْتِيَنّي عَلَى هذا بِالبَيِّنَةِ قالَ: فَقالَ أَبُو سَعِيدٍ: لا يَقُومُ مَعَكَ إِلَّا أَصْغَرُ القَوْمِ. قالَ: فَقامَ أَبُو سَعِيدٍ مَعَهُ فَشَهِدَ لَه (¬1). 5181 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن داوُدَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبي بُرْدَةَ، عَنْ أَبي مُوسَى أَنَّهُ أَتَى عُمَرَ فاسْتَأْذَنَ ثَلاثًا فَقالَ يَسْتَأْذِنُ أَبُو مُوسَى يَسْتَأْذِنُ الأَشْعَري يَسْتَأْذِنُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَرَجَعَ؟ فَبَعَثَ إِلَيْهِ عُمَرُ ما رَدَّكَ؟ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَسْتَأْذِنُ أَحَدُكُمْ ثَلاثًا فَإِنْ أُذِنَ لَهُ وإِلَّا فَلْيَرْجِعْ". قالَ ائْتِني بِبَيِّنَةٍ عَلَى هذا. فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقالَ هذا أُبَى فَقالَ أُبَى يا عُمَرُ لا تَكُنْ عَذابًا عَلَى أَصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ. فَقالَ عُمَرُ: لا أَكُونُ عَذابًا عَلَى أَصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2). 5182 - حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنا رَوْحٌ، حَدَّثَنا ابن جُرَيْجٍ، قالَ: أَخْبَرَني عَطَاءٌ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّ أَبا مُوسَى اسْتَأْذَنَ عَلَى عُمَرَ بهذِه القِصَّةِ. قالَ فِيهِ: فانْطَلَقَ بِأَبي سَعِيدٍ، فَشَهِدَ لَهُ فَقالَ: أَخَفي عَلي هذا مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ أَلْهاني السَّفْقُ بِالأَسْواقِ, ولكن سَلِّمْ ما شِئْتَ وَلا تَسْتَأْذِنْ (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6245)، ومسلم (2153). (¬2) رواه مسلم (2154/ 37). (¬3) رواه البخاري (2062)، ومسلم (2153).

5183 - حَدَّثَنا زَيْدُ بْنُ أَخْزَمَ، حَدَّثَنا عَبْدُ القاهِرِ بْنُ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنا هِشامٌ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ أَبي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ بهذِه القِصَّةِ، قالَ: فَقالَ عُمَرُ لأَبي مُوسَى: إِنّي لَمْ أَتَّهِمْكَ ولكن الحَدِيثَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- شَدِيدٌ (¬1). 5184 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ غَيْرِ واحِدٍ مِنْ عُلَمائِهِمْ في هذا، فَقالَ عُمَرُ لأَبي مُوسَى: أَما إِنّي لَمْ أَتَّهِمْكَ ولكن خَشِيتُ أَنْ يَتَقَوَّلَ النّاسُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2). 5185 - حَدَّثَنا هِشامٌ أَبُو مَرْوانَ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى -المَعْنَى- قالَ مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى: حَدَّثَنا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنا الأَوْزاعي قالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ أَبي كَثِيرٍ يَقُولُ: حَدَّثَني مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ زُرارَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ قالَ: زارَنا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- في مَنْزِلِنا فَقالَ: "السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ". فَرَدَّ سَعْدٌ رَدًا خَفِيًّا. قالَ قَيسٌ فَقُلْتُ: أَلا تَأْذَن لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-. فَقالَ: ذَرْهُ يُكْثِرْ عَلَيْنا مِنَ السَّلامِ فَقالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ". فَرَدَّ سَعْدٌ رَدًّا خَفِيًّا ثُمَّ قالَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ". ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- واتَّبَعَهُ سَعْدٌ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ إِنّي كُنْتُ أَسْمَعُ تَسْلِيمَكَ وَأَرُدُّ عَلَيْكَ رَدًّا خَفِيًّا لِتُكْثِرَ عَلَيْنا مِنَ السَّلامِ. قالَ: فانْصَرَفَ مَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَأَمَرَ لَه سَعْدٌ بِغِسْلٍ فاغْتَسَلَ، ثُمَّ ناوَلَهُ مِلْحَفَةً مَصْبُوغَةً بِزَعْفَرانٍ أَوْ وَرْسٍ فاشْتَمَلَ بِها، ثُمَّ رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَدَيْهِ وَهوَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَواتِكَ وَرَحْمَتَكَ عَلَى آلِ سَعْدِ بْنِ عُبادَةَ". قالَ: ثمَّ أَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنَ الطَّعامِ فَلَمّا أَرادَ الانْصِرافَ قَرَّبَ لَهُ سَعْدٌ حِمارًا قَدْ وَطَّأَ عَلَيهِ بِقَطِيفَةٍ فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ سَعْدٌ: يا قَيْسُ اصْحَبْ رَسُولَ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ قَيْسٌ: فَقالَ لي رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ارْكَبْ". فَأَبَيْتُ ثُمَّ قالَ: "إِمّا أَنْ تَرْكَبَ وَإِمّا أَنْ تَنْصَرِفَ". قالَ: فانْصَرَفْتُ. قالَ هِشامٌ أَبُو مَرْوانَ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ¬

_ (¬1) رواه ابن حبان (5806)، وانظر ما قبله. (¬2) رواه مالك في "الموطأ" 2/ 964 (3)، وانظر الأحاديث السابقة.

أَسْعَدَ بْنِ زُرارَةَ. قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الواحِدِ وابْنُ سَماعَةَ، عَنِ الأَوْزاعي مُرْسَلًا وَلَمْ يَذْكرا قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ (¬1). 5186 - حَدَّثَنا مُؤَمَّلُ بْنُ الفَضْلِ الحَرّاني -في آخَرِينَ- قالُوا: حَدَّثَنا بَقِيَّةُ بْنُ الوَلِيدِ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ قالَ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِذا أَتَى بابَ قَوْمٍ لَمْ يَسْتَقْبِلِ البابَ مِنْ تِلْقاءِ وَجْهِهِ، ولكن مِنْ رُكْنِهِ الأَيْمَنِ أَوِ الأَيْسَرِ، وَيَقُول: "السَّلامُ عَلَيْكُمُ السَّلامُ عَلَيْكُمْ". وَذَلِكَ أَنَّ الدُّورَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْها يومَئِذٍ سُتُورٌ (¬2). * * * باب كم مرة يسلم الرجل في الاستئذان؟ [5180] (ثنا أحمد بن عبدة) الضبي، شيخ مسلم (أنا سفيان) بن عيينة (عن يزيد) بن عبد اللَّه (بن خصيفة) بضم الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة، مصغر، الكوفي. (عن بسر) بضم الباء الموحدة وسكون المهملة (بن سعيد) المدني (عن أبي سعيد الخدري قال: كنت جالسًا في مجلس من مجالس الأنصار) ولمسلم: كنا في مجلس عند أبي بن كعب فأتى أبو موسى الأشعري مغضبًا (¬3). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 421، والنسائي في "الكبرى" (10157). وقال الألباني: ضعيف الإسناد. (¬2) رواه أحمد 4/ 189، والبخاري في "الأدب المفرد" (1078). وصححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد" (826). (¬3) "صحيح مسلم" (2153/ 34).

(فجاء أبو موسى) الأشعري (فزعًا، فقلنا له: ما أفزعك؟ ) وللبخاري: فجاء كأنه مذعور (¬1). والمعنى متقارب. فيه: سؤال الفزعان والغضبان عن سبب الفزع والغضب، لعل أن يكون عنده أو يديه على من يذهبه. وفيه: استئناس الفزع والتودد إلى خاطره بالسؤال. (قال: أمرني عمر) بن الخطاب (أن آتيه فأتيته، فاستأذنت ثلاثًا، فلم يؤذن لي) فيه: أن السنة في الاستئذان أن يكون ثلاث مرات، وإنما خص الثلاث بالذكر؛ لأن الغالب أن الكلام إذا كرر ثلاثًا سمع وفهم، ولذلك كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا تكلم الكلمة أعادها ثلاثًا حتى تفهم عنه. (فلم يؤذن لي، فرجعت) ثم أتيته (فقال: ما منعك أن تأتيني) وقد دعوتك. فيه: إشارة إلى أنه ما تأخر عن المجيء إليه إلا لمانع منعه، وهذا من حسن الظن بالأخ المؤمن. (قلت: قد جئت) إلى بابك (فاستأذنت ثلاثًا، فلم يؤذن لي) لفظ مسلم: فلم يردوا عليَّ (¬2)، فرجعت (¬3) (وقد قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إذا استأذن أحدكم ثلاثًا فلم يؤذن له فليرجع) فيه نص على أن المستأذن لا يزيد على ثلاث مرات، بل بعد الثلاث يرجع؛ لأنه ظهر له أن رب المنزل لا يريد الإذن، أو لعله منعه (¬4) من الجواب عذر من نوم أو ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (6245). (¬2) في (ل)، (م): عليه. والمثبت من "صحيح مسلم" (5751). (¬3) "صحيح مسلم" (2153). (¬4) ساقطة من (م).

صلاة ونحوهما، فإن كان في صلاة وسمع المستأذن لا يقطعها كما في قصة جريج العابد (¬1). (قال) عمر: واللَّه (لتأتيني على هذا بالبينة) لفظ البخاري: واللَّه لتقيمن عليه ببينة (¬2) (¬3). زاد مسلم: وإلا أوجعتك (¬4). (قال: فقال أبو سعيد: لا يقوم معك إلا أصغر القوم) لفظ البخاري: فقال أبي بن كعب: واللَّه لا يقوم معك إلا أصغر القوم. فقمت معه. لفظ مسلم: فقال أبو سعيد: أنا أصغر القوم، قال: فاذهب به. (قال: فقام أبو سعيد) الخدري (معه) قال النووي: معنى (لا يقوم معه إلا أصغر القوم) أن هذا الحديث مشهور بيننا معروف لكبارنا وصغارنا، حتى إن أصغرنا يحفظه وسمعه من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬5) (فشهد له) بما سمع من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. [5181] (ثنا مسدد، ثنا عبد اللَّه بن داود) بن عامر الهمداني، أخرج له البخاري (عن طلحة بن يحيى) بن طلحة بن عبد اللَّه (¬6)، القرشي، نزيل الكوفة، أخرج له مسلم. (عن أبي بردة) عامر (عن) أبيه (أبي موسى) عبد اللَّه بن قيس ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1206)، ومسلم (2550) من حديث أبي هريرة مرفوعًا. (¬2) في (ل): بينة. وفي (م): البينة. والمثبت كما في "صحيح البخاري". (¬3) "صحيح البخاري" (6245). (¬4) "صحيح مسلم" (2153). (¬5) "شرح مسلم" 14/ 131. (¬6) بعدها في (م): الكوفي.

الأشعري (أنه أتى عمر) بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- (فاستأذن) عليه (ثلاثًا، فقال: يستأذن أبو موسى) الأشعري، ثم قال ثانيًا: (يستأذن الأشعري) ثم قال ثالثًا: (يستأذن عبد اللَّه بن قيس) فيه: أن المستأذن يذكر في المرة الأولى كنيته التي هو مشهور بها، فإن لم يؤذن له فليذكر قبيلته التي هو مشهور بها، فإن لم يؤذن له فليذكر في الثالثة اسمه واسم أبيه كما فعل أبو موسى، وقال بعض المالكية: هو بالخيار بين أن يسمي نفسه أو لا، أو ما شاء. قال القرطبي: والأولى ما فعله أبو موسى؛ فإن فعله ذلك إن كان توقيفًا فهو المطلوب، وإن لم يكن توقيفًا فقول راوي الحديث أولى من قول غيره (¬1). يعني: لأنه أعرف بالسنة. (فلم يأذن له؛ فرجع، فبعث إليه عمر) وقال له: (ما ردك؟ ) زاد مسلم: كنا في شغل (¬2) (قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: يستأذن أحدكم ثلاثًا، فإن أذن له، وإلا فليرجع) فيه ما تقدم (قال: ائتني (¬3) ببينة على هذا) لم يقل هذا اتهامًا له في نقله، ولكن الحديث [عن] (¬4) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شديد كما سيأتي (فذهب، ثم رجع إليه فقال: هذا أبي) بن كعب (فقال أبي) بن كعب (يا (¬5) عمر، لا تكن) أوضح منه رواية ¬

_ (¬1) "المفهم" 5/ 475. (¬2) "صحيح مسلم" (2154) من حديث أبي موسى الأشعري. (¬3) بياض في (م) بمقدار كلمة. (¬4) ليست في (ل)، (م)، والسياق يقتضيها. (¬5) قبلها في (ل)، (م): أي عمر لا يكون. وعليها: نسخة.

مسلم: وقال: يا أبا المنذر، سمعت هذا من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فقال نعم. فلا تكن يا ابن الخطاب (عذابًا على أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) وزاد في لفظ له: قال: سبحان اللَّه, إنما سمعت شيئًا. قال: فأحببت أن أتثبت (¬1). وفيه دليل على ما كانت الصحابة عليه من القوة في دين اللَّه وعلى قول الحق. وفيه قبوله؛ فإن أبي بن كعب أنكر على عمر تهديده لأبي موسى، فقام بما عليه من الحق، ولما كان المقام مقام إنكار وقيام في الحق لم يخاطبه بأمير المؤمنين ولا بما فيه نوع إكرام، بل قال: يا عمر. أو: يا ابن الخطاب. [5182] (حدثنا يحيى بن حبيب) بن عدي، شيخ مسلم. (ثنا روح، ثنا) عبد الملك (ابن جريج (¬2)، أخبرني عطاء) بن أبي رباح، أسلم، عامل عمر بن الخطاب. (عن عبيد بن عمير) الليثي، قاضي مكة (أن أبا موسى) الأشعري -رضي اللَّه عنه- (استأذن على عمر) بن الخطاب (بهذِه القصة) المذكورة، و (قال فيه) زيادة (فانطلق) أبو موسى (بأبي سعيد) الخدري إلى عمر بن الخطاب (فشهد له) بما سمعه. (فقال) عمر (أخفي علي هذا من أمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ ) إنما قاله عاتبًا على نفسه وناسبًا لها إلى التقصير، ثم بين عذره بقوله: (ألهاني) عن سماع هذا الحديث (الصفق بالأسواق) أي: أشغلني البيع والاتجار في ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2154). (¬2) في (ل)، (م): جرير. والجادة ما أثبتناه.

الأسواق، وسمي البيع صفقًا؛ لأنهم كانوا يتواجبون البيع بالأيدي، فيصفق كل واحد منهما على يد صاحبه، ومنه قيل للبيعة: صفقة. قال في "النهاية": السفق بالأسواق، يروى بالسين والصاد، [والسين والصاد] (¬1) يتعاقبان مع القاف والحاء، إلا أن بعض الكلمات تكثر في الصاد، وبعضها يكثر في السين. وهكذا يروى حديث البيعة: أعطاه صفقة (¬2) يمينه. بالسين والصاد (¬3). (ولكن تسلم (¬4) ما شئت، ولا تستأذن) رخص له في السلام واحدة أو ثلاثًا (¬5)، وعدم الاستئذان إكرامًا له وجبرًا لما وقع منه في حقه؛ وكانت الصحابة -رضي اللَّه عنهم- رجاعين إلى الحق، لا سيما عمر بن الخطاب، كان وقافًا عند كتاب اللَّه وسنة رسوله، كما في قصة حين تليت عليه: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (¬6) (¬7). [5183] (ثنا زيد بن أخزم) بمعجمتين، أبو طالب الطائي البصري، شيخ البخاري. (ثنا عبد القاهر بن شعيب) بن الحبحاب، وثق (ثنا هشام) بن حسان الأزدي مولاهم (عن حميد بن هلال) بن هبيرة العدوي الهلالي البصري ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) في (ل)، (م): سفقة. والمثبت كما في "النهاية في غريب الحديث والأثر". (¬3) 2/ 376. (¬4) بعدها في (ل)، (م): سلم. وعليها: خـ. (¬5) في (ل)، (م): ثلاث. والجادة ما أثبتناه. (¬6) الأعراف: 199. (¬7) رواه البخاري (4642)، (7286) من حديث ابن عباس.

(عن أبي بردة) عامر (بن أبي موسى) الأشعري (عن أبيه) أبي موسى عبد اللَّه بن قيس -رضي اللَّه عنه- (بهذِه القصة) المذكورة. (قال: فقال عمر) بن الخطاب (لأبي موسى: ) الأشعري (إني لم أتهمك) أي: لم يكذبه ولا اتهمه فيما قال (ولكن الحديث عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) أمره (شديد) لعظم مرتبته، فخاف عمر مسارعة الناس إلى القول على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بما لم يقل كما يقول بعض المبتدعين والمنافقين عليه ما لم يقل، وأن كما وقعت قضية يوضع فيها حديث كذب عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأراد سد هذا الباب وردع غير أبي موسى إذا سمعوا هذا لا شكًّا في رواية أبي موسى، فإن من دون أبي موسى إذا بلغته هذِه القصة وكان في قلبه مرض أو أراد وضع حديث خاف من مثل قضيته؛ فامتنع من وضع الحديث والمسارعة إليه. [5184] (حدثنا عبد اللَّه بن مسلمة) القعنبي (عن مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) فروخ مولى آل (¬1) المنكدر، فقيه المدينة صاحب الرأي. (عن غير واحد من علمائهم في هذا) الشأن (فقال عمر لأبي موسى: ) الأشعري (أما إني لم أتهمك، ولكن خشيت أن يقول الناس على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) ما لم يقل، وقد يؤخذ من هذا كثرة فحص السلف الصالح ومن بعدهم -رضي اللَّه عنهم- عن أحوال الرواة في الجرح والتعديل. [5185] (ثنا هشام) بن خالد (أبو مروان) الدمشقي، ثقة (ومحمد بن المثنى المعنى، قال محمد بن المثنى: حدثنا الوليد بن مسلم، ثنا) عبد ¬

_ (¬1) ساقطة من (م).

الرحمن بن عمرو (الأوزاعي قال: سمعت يحيى بن أبي كثير يقول: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة) ولي المدينة (عن قيس بن سعد) بن عبادة الخزرجي الساعدي، من زهاد الصحابة -رضي اللَّه عنه-. (قال: زارنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في منزلنا) فيه زيارة الشيخ تلميذه، والأمير بعض رعيته إلى داره -وإن لم يدعه- تلطفًا به واستئناسًا. (فقال: السلام عليكم ورحمة اللَّه) فيه زيادة: (رحمة اللَّه) مع (السلام عليكم) وأنها أفضل من الاقتصار على: (السلام عليكم) وأفضل من ذلك: السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته. لحديث عمران بن حصين الآتي (¬1) (فرد) عليه ابن عبادة والد قيس عليه السلام (ردًّا خفيًّا) لم يسمعه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (قال) ابنه قيس له (فقال (¬2): ألا تأذن لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) فيه أنه يستحب للتابع إذا رأى من شيخه أو والده أو عالم لم يكن شيخه ممن يقتدي به شيئًا في ظاهره مخافة لما يعرفه في الشرع، أو يراه يفعل شيئًا وغيره أفضل منه أن يتلطف في سؤاله بنية الاسترشاد، أو ليسمع من كان حاضرًا فينتفع به، فإن كان فعل ذلك ثانيًا تداركه، وإلا بين له مقصوده. (فقال: ذره) أي: اتركه (يكثر علينا من السلام) لعله يشير إلى أن السلام على الإنسان دعاء له بالسلامة من الآفات ونحوها. (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) ثانيًا (السلام عليكم ورحمة اللَّه. فرد سعد) عليه السلام (ردًّا خفيًّا) بحيث لا يسمعه (ثم قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) ثالثًا (السلام ¬

_ (¬1) سيأتي برقم (5195). (¬2) كذا في (ل، م)، ولعل الصواب: فقلت. وهو ما في المطبوع من "السنن".

عليكم ورحمة اللَّه) وفي رواية البزار زيادة، ولفظه: عن أنس قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يزور الأنصار، فإذا جاء إلى دور الأنصار جاء صبيان الأنصار حوله، فيدعو لهم ويمسح رؤوسهم ويسلم عليهم، فأتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- باب سعد، فسلم عليهم فقال: "السلام عليكم ورحمة اللَّه" فرد سعد، ولم يسمع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى سلم ثلاث مرات، وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يزيد على ثلاث تسليمات، فإن أذن له، وإلا انصرف. . الحديث (¬1). وفي هذين الحديثين دليل على أن تكرار السلام ثلاثًا يكفي عنه وعن الاستئذان، كما فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حيث سلم ثلاثًا ولم يستأذن، ولما لم يؤذن له لم يزد على الثلاث، بل رجع كما تقدم. (ثم رجع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- واتبعه سعد) بن عبادة (فقال: يا رسول اللَّه، إني كنت اسمع تسليمك) في الثلاث (وأرد عليك) السلام (ردًّا خفيًّا لتكثر علينا من السلام) ولفظ البزار في الرواية المتقدمة: فاتبعه سعد، فقال: يا رسول اللَّه، بأبي أنت وأمي، ما سلمت تسليمة إلا وهي بأذني، ولقد رددت عليك ولم أُسمعك، وأحببت أن أستكثر من صلاتك ومن البركة. ثم أدخله البيت (¬2). (قال: فانصرف معه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) ودخل معه البيت (فأمر له سعد) ابنه قيسًا (بغسل) قيل: الغُسل بالضم: الماء الذي يغتسل [به] (¬3)، ¬

_ (¬1) "البحر الزخار" 13/ 292 (6872). قال الهيثمي في "المجمع" 8/ 34: رجاله رجال الصحيح. (¬2) هذا اللفظ لفظ أحمد 3/ 138، رواه من حديث أنس، لكن بلفظ: "سلامك"، بدل: "صلاتك". (¬3) ساقطة من (ل)، (م)، والمثبت يقتضيه السياق.

والغِسل بالكسر اسم لما يغسل به الرأس من خطمي وغيره، وهو هنا بضم الغين (¬1)، وهو الماء الذي يغتسل به كالآكل لما يؤكل؛ بدليل رواية ابن ماجه: عن قيس بن سعد: أتانا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فوضعنا له ماء، فاغتسل (¬2). وفيه: دليل على فضيلة إكرام الزائر بوضع ماء يغتسل به وماء يتوضأ منه، وإن لم يوجد فتراب طاهر يتيمم به، وإعطائه الطيب الذي يتطيب به بعد الاغتسال، وسواك إن احتاج إليه، ونحو ذلك مما يتطيب به ويتطهر. (فاغتسل) به (ثم ناوله ملحفة) بكسر الميم، وهي الملاءة التي تلتحف بها المرأة (مصبوغة بزعفران) لفظ ابن ماجه: بملحفة صفراء (¬3). (أو ورس) وهو نبت أصفر يصبغ به، وقد أورس المكان إذا نبت فيه (واشتمل بها) الرواية المشهورة: مصبوغة بالورس. لرواية ابن ماجه الجزم به، ولفظه: ثم أتيناه بملحفة ورسية، فاشتمل بها، فكأني انظر إلى الورس على عكنه. وبوب عليه في فقه الحديث، فقال: باب ما جاء في المنديل بعد الوضوء والغسل (¬4)، وله في رواية أخرى في اللباس: ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): اللام. ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬2) "سنن ابن ماجه" (466)، (3604). (¬3) "سنن ابن ماجه" (3604). (¬4) "سنن ابن ماجه" (466). ورواه أيضًا أحمد 6/ 6، وأبو يعلى 3/ 25 (1435)، والطبراني 18/ 349 (889)، والبيهقي في "السنن الكبرى" 1/ 186. وضعفه النووي في "الخلاصة" 1/ 124 - 125 (235)، والألباني في "ضعيف سنن ابن ماجه" (104).

فرأيت أثر الورس على عكنه (¬1). (ثم رفع رسول اللَّه يديه) للدعاء (وهو يقول: ) فيه أن من آداب الدعاء رفع اليدين فيه، وروي عن علي -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "رفع الأيدي من الاستكانة التي قال اللَّه فيها: {فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} " (¬2) (¬3). (اللهم اجعل صلواتك ورحمتك) هو موافق لقوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} (¬4) فصلوات اللَّه على عبده: عفوه ورحمته وبركته وتشريفه إياه في الدنيا والآخرة، وقال الزجاج: الصلاة من اللَّه الغفران (¬5). ويؤيد هذا كثرة اقتران المغفرة بالرحمة في آيات كثيرة، كقوله: {وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا} (¬6). وقيل: إن الصلوات الرحمة، وكررت لما ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (3604). ورواه أيضًا البزار في "البحر الزخار" 9/ 196 (3744)، والطبراني 18/ 349 (890). وضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه" (790). (¬2) المؤمنون: 76. (¬3) رواه الحاكم 2/ 537 - 538، والبيهقي 2/ 75 - 76 من طريق إسرائيل بن حاتم، عن مقاتل بن حيان، عن الأصبغ بن نباتة، عن علي. قال الذهبي معقبًا على رواية الحاكم: إسرائيل صاحب عجائب لا يعتمد عليه، وأصبغ شيعى متروك عند النسائي. وقال في "المهذب" 1/ 524: الأصبغ متروك، وإسرائيل اتهمه ابن حبان، وهذا خبر منكر جدًّا. وقال الألباني في "الضعيفة" (6008): موضوع. (¬4) البقرة: 157. (¬5) انظر: "معاني القرآن" 1/ 231، فيه: "الصلاة من اللَّه الرحمة" بدل "الغفران". (¬6) البقرة: 286.

اختلف اللفظ تأكيدًا وإتباعًا للمعنى، كما قال تعالى: {الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} (¬1)، {أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ} (¬2). (على آل سعد بن عبادة) والمراد به سعد، وفيه إشارة إلى دخول ولده وأهله في الدعاء، كما في قوله تعالى: {وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ} (¬3) أي: فرعون نفسه، واستغنى بذكره عن ذكر أتباعه. (قال: ثم أصاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من الطعام) وهو الزيت. وقد صرح به في رواية البزار، وقال فيها: فقرب إليه زيتًا. ولابن حبان في "صحيحه": أفطر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عند سعد بن عبادة (¬4)، فقال: "أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة" (¬5). رواه ابن ماجه عن عبد اللَّه بن الزبير، إلا أن عنده سعد بن معاذ بدل سعد ابن عبادة (¬6). (فلما أراد الانصراف) من عنده (قرب إليه سعد حمارًا قد وطأ) بتشديد الطاء، أي: مهد (عليه (¬7) بقطيفة) وهي كساء له خمل، جمعها قطائف ¬

_ (¬1) البقرة: 159. (¬2) الزخرف: 80. (¬3) البقرة: 50، والأنفال: 54. (¬4) ورد في هامش (ل): حـ: لم يقع في "صحيح ابن حبان" منسوبًا، بل لفظه في حديث مصعب بن ثابت، عن عبد اللَّه بن الزبير قال: أفطر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عند سعيد، والتالي مثله. (¬5) "صحيح ابن حبان" 12/ 107 (5296) رواية عبد اللَّه بن الزبير. (¬6) "سنن ابن ماجه" (1747). وضعف إسناده البوصيري في "مصباح الزجاجة" 2/ 79. (¬7) ساقطة من (م).

(فركب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) الحمار. وهذا أيضًا من إكرام الشيخ أو المعلم إذا زار تلميذه، أن يقرب إليه مركوبًا يركبه في الرجوع إلى منزله من فرس أو حمار ونحوهما، ويمهد تحته ببساط أو عباءة ونحوهما. (فقال سعد: ) لابنه (يا قيس، اصحب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) إلى منزله. وهذا أيضًا من نوع الإكرام بأن يرسل ابنه أو خادمه ونحوهما ليمشي في خدمة شيخه إلى منزله تأنيسًا له وإكرامًا. وفيه فائدة أخرى يحصل بها الإكرام وهو أن يأتي بالدابة؛ لئلا يتكلف الشيخ بإرسالها، وقد لا يجد من يرسلها معه. (قال قيس: ) فلما مشيت معه (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) تعال يا قيس (اركب) معي (فأبيت) أن أركب معه، وفيه دليل على ترجيح سلوك الأدب على امتثال الأمر، كما تقدم. (إما أن تركب) معي (وإما أن تنصرف) وهذا من مكارم أخلاقه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه كان لا يحب أن يرتفع على أحد من تلميذ أو عبد أو أمة في مأكل ولا مشرب ولا ملبس ولا مركوب. (قال: فانصرفت) عنه لما ألح عليَّ في ذلك. وفي هذا الحديث دلالة على فضيلة سعد بن عبادة وكرم شمائله؛ لأنه أكرم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بأنواع من الإكرام، كما تقدم بعضها، فإنه كان أجود الأوس والخزرج، وكان منهم أربعة يطعمون الطعام في بيت واحد قيس بن سعد بن عبادة بن دليم (¬1)، قال ابن عمر لما مر ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): ديلم. وما أثبتناه كما في ترجمة سعد بن عبادة، انظر: "الاستيعاب في معرفة الصحابة" 2/ 161 (949).

على أطم سعد لقد كان ينادي مناديه: من أراد الشحم واللحم فليأت دار دليم (¬1). فمات دليم، فنادى منادي عبادة مثل ذلك. ثم مات عبادة، فنادى منادي سعد مثل ذلك. ثم قد رأيت قيس بن سعد يفعل ذلك (¬2). (قال هشام) بن خالد (أبو مروان) شيخ المصنف. (عن محمد بن عبد الرحمن بن أسعد (¬3) بن زرارة) الأنصاري، ينسب أبوه إلى جد أمه، وهو ثقة. وبعضهم يقول: محمد بن عبد الرحمن بن أسعد, بزيادة الألف، والأصح حذفها. (قال) المصنف (رواه عمر بن عبد الواحد) السلمي الدمشقي (و) محمد (ابن سماعة) بكسر السين المهملة وتخفيف الميم، القاضي الحنفي، في رواية معتمدة: سماعة، بفتح السين. (عن الأوزاعي مرسلًا، لم يذكرا: قيس بن سعد) في روايتهم، بل حذفه. [5186] (ثنا مؤمل بن الفضل الحراني) ثقة (في) جماعة (آخرين، قالوا: ثنا بقية) بن الوليد، وقد تقدم مرات (ثنا محمد بن عبد الرحمن) بن عرق بكسر العين المهملة [وسكون الراء بعدها قاف اليحصبي أبو الوليد، صدوق. (عن عبد اللَّه بن بسر) بضم الباء الموحدة] (¬4) وسكون السين المهملة. ¬

_ (¬1) السابق. (¬2) رواه ابن أبي الدنيا في "قرى الضيف" (23)، وابن عبد البر في "الاستيعاب في معرفة الصحابة" 2/ 161. (¬3) كذا في (ل)، (م)، ولعله يقصد: سعد. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

(قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا أتى باب قوم) أي: باب أحد من قومه (لم يستقبل الباب) الذي يستأذن منه (من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر) وروى الطبراني عن عبد اللَّه بن بُسر أيضًا: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا تأتوا البيوت من أبوابها, ولكن ائتوها من جوانبها" (¬1) وفي تقديمه بالأيمن دليل على أن وقوفه في الأيمن أولى وأفضل. (ويقول: السلام عليكم. وذلك أن الدور) وهذا فيه تعليل لعدم استقباله الباب؛ لأن الدور (لم يكن عليها يومئذٍ ستور) جمع ستر، وهو كل ما يستر العيون عن الرؤية من باب أو ثوب ونحوه، ولعل هذا قبل أن تنزل آية الحجاب، فلما نزلت وضعت الستور على الأبواب. * * * ¬

_ (¬1) رواه البزار في "المسند" 8/ 429 (3499) من طريق محمد بن عبد الرحمن بن عرق اليحصبي، عن عبد اللَّه بن بسر. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 8/ 44، رواه الطبراني من طرق، ورجال هذا رجال الصحيح، غير محمد بن عبد الرحمن بن عرق، وهو ثقة. وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" 3/ 294 (4135): رواه الطبراني في "الكبير" من طرق أحدها جيد. وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب" (2731).

140 - باب الرجل يستأذن بالدق

140 - باب الرَّجُلِ يَسْتَأْذنُ بِالدَّقِّ 5187 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا بِشْرٌ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ عَنْ جابِرٍ أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في دَيْنِ أَبِيهِ فَدَقَقْتُ البابَ فَقالَ: "مَنْ هذا". قُلْتُ أَنا. قالَ: "أَنا أَنا". كَأَنَّهُ كَرِهَهُ (¬1). 5188 - حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ -يَعْني: المَقابِري- حَدَّثَنا إِسْماعِيل -يَعْني: ابن جَعْفَرٍ- حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ نافِعِ بْنِ عَبْدِ الحارِثِ قالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- حَتَّى دَخَلْتُ حائِطًا فَقالَ لي: "أَمْسِكِ البابَ". فَضرِبَ البابُ فَقُلْتُ: "مَنْ هذا". وَساقَ الحَدِيثَ. قالَ أَبُو داودَ: يَعْني حَدِيثَ أَبي مُوسَى الأَشْعَري قالَ: فِيهِ فَدَقَّ البابَ (¬2). * * * باب الرجل يستأذن بالدق [5187] (ثنا مسدد، ثنا بشر) بموحدة مكسورة ثم معجمة، وهو ابن المفضل (¬3) بن لاحق الإِمام. (عن شعبة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر) بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه-. (أنه ذهب إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في دين) كان على (أبيه) بعد وفاته، قال (فدفعت (¬4) الباب) برفق، وقد كانت الصحابة يدقون الأبواب بالأظافر. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6250)، ومسلم (2155). (¬2) رواه البخاري (3695)، ومسلم (2403). (¬3) في (ل، م): الفضل. والمثبت كما في مصادر الترجمة، انظر: "تهذيب الكمال" 4/ 147. (¬4) بعدها في (ل)، (م): خـ: فدققت.

(فقال: من هذا؟ فقلت: أنا) فيه أنه يقول: من هذا؟ . قبل أن يظهر إليه. (فقال: أنا أنا) لفظ مسلم: فخرج وهو يقول: "أنا أنا" (¬1) (كأنه كرهه) وفي الحديث فوائد، منها: جواز الاستئذان بالدق من غير [ذكر] (¬2) اسم المستأذن، إلا أن الأحسن أن يذكر اسمه، ولأن في ذكر اسمه إسقاط كلفة السؤال والجواب، وكراهة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قول جابر في جوابه: أنا أنا. لكونه لم يذكر اسمه كما تقدم، ويحتمل أن يكون لأن (أنا) لا يحصل بها تعريف، وهو الأولى. وفي معنى (أنا) ما هو مستعمل في زماننا، وهو أن يقال: نعم نعم. والذي ينبغي أن يقول: فلان. باسمه، وإن قال: أنا فلان. فلا بأس، كما قالت أم هانئ: أنا أم هانئ (¬3). ولا بأس بقوله: أنا القاضي فلان، أو: أنا الشيخ فلان. إذا لم يحصل التعريف بالاسم لخفائه. [5188] (ثنا يحيى بن أيوب) البغدادي (المقابري) العابد، شيخ مسلم (ثنا إسماعيل (¬4) بن جعفر) المدني (حدثنا محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص، أخرج له مسلم وغيره (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن نافع بن عبد الحارث) الخزاعي، استعمله عمر على مكة والطائف، وكان فاضلًا. (قال: خرجت مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى دخلت حائطًا) أي: بستانًا، ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2155). (¬2) ساقطة من (ل)، (م)، والمثبت من "المفهم" 5/ 478. (¬3) رواه البخاري (280) من حديث أم هانئ بنت أبي طالب. (¬4) فوقها في (ل): (ع).

جمعه حوائط، سمي بذلك لأن فيه ما يحوط على ما فيه من الأشجار (فقال لي: أمسك) بفتح الهمزة (الباب) أي: قف عنده؛ لئلا يدخل أحد بغير إذن (فضرب) بضم الضاد وكسر الراء، مبني لما لم يسم فاعله (فقلت: من هذا؟ ) يحتمل أن يكون أجاب [أولًا، ثم قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: من داخل البستان: وجمع بينهما بأن نافعًا كان] (¬1) عند الباب ممسكًا له والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان داخل الباب، فأجابه أولًا نافع القريب، وأعلم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالدق على الباب، فأجابه (وساق الحديث) المذكور؛ فكان نافع بوابًا للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. (قال) المصنف: (يعني: حديث أبي موسى) عبد اللَّه بن قيس الأشعري (¬2) (فدق الباب) جابر بن عبد اللَّه. * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) رواه مسلم (2403).

141 - باب في الرجل يدعى أيكون ذلك إذنه؟

141 - باب في الرَّجُلِ يُدْعَى أَيَكُونُ ذَلِكَ إِذْنَهُ؟ 5189 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ حَبِيبٍ وَهِشامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "رَسُولُ الرَّجُلِ إِلَى الرَّجُلِ إِذْنُهُ" (¬1). 5190 - حَدَّثَنا حُسَيْنُ بْنُ مُعاذٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَبي رافِعٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "إِذا دُعي أَحَدُكُمْ إلى طَعامٍ فَجاءَ مَعَ الرَّسُولِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُ إِذْنٌ". قالَ أَبُو عَلي اللُّؤْلُؤي: سَمِعْتُ أَبا داوُدَ يَقُولُ: قَتادَةُ لَمْ يَسْمَعُ مِنْ أَبي رافِعٍ شَيْئًا (¬2). * * * باب في الرجل يدعى، أيكون ذلك إذنه؟ [5189] (ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد) بن سلمة (عن حبيب) (¬3) ابن الشهيد البصري (وهشام) (¬4) بن حسان الأزدي الحافظ (عن محمد) بن سيرين. (عن أبي هريرة أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: ) إن (رسول الرجل إلى الرجل إذنه) أي: مثل إذنه له وقائم مقامه. وفي البخاري في باب إذا دعي الرجل فجاء ¬

_ (¬1) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (1076)، وابن حبان (5811). وصححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد" (824). (¬2) رواه أحمد 533، والبخاري في "الأدب المفرد" (1075). وصححه الألباني. (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) فوقها في (ل): (ع).

هل يستأذن؟ ثم روي عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "هو إذنه" (¬1). [5190] (ثنا حسين (¬2) بن معاذ) البصري، قال المصنف: هو ثبت في عبد الأعلى (¬3). (ثنا عبد (¬4) الأعلى) [بن عبد الأعلى] (¬5) الشامي (ثنا سعيد) بن أبي عروبة مهران العدوي. (عن قتادة، عن أبي رافع) نفيع الصائغ، بالصاد المهملة والهمز بعد الألف وبالغين المعجمة. (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إذا دعي أحدكم إلى طعام فجاء مع الرسول فإن ذلك له إذن) في الدخول، ولعل هذا محمول على من دعي إلى وليمة عامة، أو أعلمه الرسول أنه عنده جماعة وهو ينتظره. (قال أبو علي) محمد بن أحمد (اللؤلؤي: سمعت أبا داود) المصنف (يقول: قتادة لم يسمع من أبي رافع شيئًا) فإن قلت: هذا الحديث يدل على أن الإنسان إذا دعي يكون ذلك مقام إذنه في الدخول، وحديث البخاري في "الصحيح" يدل على أنه لا بد للمدعو من الاستئذان، ولفظ الحديث: عن أبي هريرة قال: دخلت مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فوجد ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" قبل حديث (6246) تعليقًا. (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) "سؤالات الآجري" (625). (¬4) فوقها في (ل): (ع). (¬5) ساقط من (م).

لبنًا في قدح، فقال: "أبا هر الحق أهل الصفة، فادعهم إليَّ" قال: فأتيتهم، فدعوتهم، فأقبلوا فاستأذنوا، فأذن لهم؛ فدخلوا؟ (¬1) فالجواب: قال المهلب: إذا دعي، فأتى مجيبًا للدعوة ولم تتراخ المدة، فهذا دعاؤه إذنه، وإذا دعي فأتى في [غير] (¬2) حين الدعاء، فإنه يستأذن، وكذلك إذا دعي إلى موضع لم يكن [يعلم] (¬3) أن أحدًا مأذونًا له في الدخول فيه، فإنه لا يدخل حتى يستأذن، وإن كان فيه أحد مأذون له مدعو قبله فلا بأس أن يدخل بالدعوة، وإن تراخت المدة [وكان بين ذلك زمن] (¬4) يمكن الداعي أن يتخلف في أمره أو ينصرف عنه من عنده، فلا يفتات بالدخول حتى يستأذن، وهذا أوجه الجمع بين الأحاديث (¬5). * * * ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (6246). (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل)، (م) والمثبت من "شرح ابن بطال". (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل)، (م) والمثبت من "شرح ابن بطال". (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (ل)، (م)، والمثبت من "شرح ابن بطال". (¬5) انظر: "شرح ابن بطال" 9/ 26 - 27.

142 - باب الاستئذان في العورات الثلاث

142 - باب الاسْتِئْذانِ في العَوْراتِ الثَّلاثِ 5191 - حَدَّثَنا ابن السَّرْحِ قالَ: حَدَّثَنا ح وَحَدَّثَنا ابن الصَّبّاحِ بْنِ سُفْيانَ وابْنُ عَبْدَةَ -وهذا حَدِيثُهُ- قالا: أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، سَمِعَ ابن عَبّاسٍ يَقُولُ: لَمْ يُؤْمَرْ بِها أَكْثَرُ النّاسِ آيَةُ الإِذْنِ وإنّي لآمُرُ جارِيَتي هذِه تَسْتَأْذِنُ عَلَي. قالَ أبو داوُدَ: وَكَذَلِكَ رَواهُ عَطاءٌ عَنِ ابن عَبّاسٍ يَأْمُرُ بِهِ (¬1). 5192 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ -يَعْني ابن مُحَمَّدٍ- عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَهْلِ العِراقِ قالُوا: يا ابن عَبّاسٍ كَيْفَ تَرى في هذِه الآيَةِ التي أُمِرْنا فِيها بِما أُمِرْنا وَلا يَعْمَلُ بِها أَحَدٌ قَوْلُ اللَّهِ عزَّ وجلَّ {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ} قَرَأَ القَعْنَبي إلى {عَلِيمٌ حَكِيمٌ} قال ابن عَبّاسٍ: إِنَّ اللَّه حَلِيمٌ رَحِيمٌ بِالمُؤْمِنِينَ يُحِبُّ السَّتْرَ، وَكانَ النّاسُ لَيْسَ لِبيوتِهِمْ سُتُورٌ وَلا حِجالٌ، فَرُبَّما دَخَلَ الخادِمُ أَوِ الوَلَدُ أَوْ يَتِيمَةُ الرَّجُلِ والرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ بِالاسْتِئْذانِ في تِلْكَ العَوْراتِ، فَجاءَهُمُ اللَّهُ بِالسُّتُورِ والخَيْرِ، فَلَمْ أَرَ أَحَدًا يَعْمَلُ بِذَلِكَ بَعْدُ. قالَ أَبُو داوُدَ: حَدِيثُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَعَطاءٍ يُفْسِدُ هذا (¬2). * * * ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة 9/ 461، والبيهقي في "الكبرى" 7/ 97. قال الألباني: صحيح الإسناد موقوف. (¬2) رواه ابن أبي حاتم في "التفسير" 8/ 2632، وأبو عبيد القاسم بن سلام في "الناسخ والمنسوخ" 1/ 221، والبيهقي في "شعب الإيمان" 10/ 212. قال الألباني: حسن الإسناد موقوف.

باب الاستئذان في العورات الثلاث [5191] (ثنا) أحمد بن عمرو (ابن السرح، قال: ثنا، ح، وثنا) محمد (ابن الصباح [بن سفيان]) (¬1) الجرجرائي، وثقه أبو زرعة وغيره (¬2) (و) أحمد (ابن عبدة) الضبي، روى عنه البخاري ومسلم. (وهذا حديثه: قالا: ثنا سفيان) بن عيينة (عن عبيد اللَّه بن يزيد) المكي، من الموالي. (سمع ابن عباس رضي اللَّه عنهما يقول: لم يؤمر) بفتح الميم وسكون الراء (بها) أي: بالعمل بمقتضاها من الاستئذان في العورات الثلاث كما في الآية الآتية (أكثر الناس) يعني: أن المستورة بيوتهم -وهم أكثر الناس- لم يؤمروا بهذِه الآية، وإنما أمر بها الذين بيوتهم غير مستورة، وهم أقل الناس من الصعاليك الذين لم يقدروا على الستور، واللَّه أعلم بالمراد (آية (¬3) الإذن) يعني: الاستئذان، وهي قوله تعالى: {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (¬4) وهذا يدل على أن الآية محكمة غير منسوخة، ويحتمل أن يكون المراد بقوله: (لا يؤمر بها أكثر الناس) يعني: أن أكثر الناس يتهاونون بالعمل بها، فكأنهم لم يؤمروا بها. (وإني لآمر جاريتي هذِه تستأذن علي) في الأوقات الثلاث الآتية، ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) "الجرح والتعديل" 7/ 289 (1570)، "الثقات" لابن حبان 9/ 103، "تهذيب الكمال" 25/ 387 (5287). (¬3) ورد بهامش (ل): مبتدأ مؤخر، والجملة الفعلية قبله خبر مقدم. (¬4) النور: 58.

يحتمل أن يراد على القول الثاني: إني لم أتهاون بها بل أعمل بها، وآمر جاريتي التي ملكتها أن تستأذن في العورات الثلاث. (قال) المصنف (¬1) (وكذلك رواه عطاء، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما) ثم (يأمر) اللَّه (به) أكثر الناس ممن بيوتهم مستورة، أو لم يأمر الأسياد خدمهم أن يستأذنوا في هذِه الأوقات. [5192] (ثنا عبد اللَّه بن مسلمة) القعنبي (ثنا عبد العزيز بن محمد) الدراوردي (عن عمرو بن أبي عمرو) مولى المطلب بن عبد اللَّه بن حنطب، احتج به الشيخان. (عن عكرمة أن نفرا من أهل العراق قالوا) لعبد اللَّه (يا ابن عباس، كيف ترى) في (هذِه الآية التي أمرنا فيها بما أمرنا) وهو يشق علينا. (ولا يعمل بها أحد) يحتمل أن المراد لا يعمل بها أكثر الناس كما تقدم قبله، وهي (قول اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}) أمر اللَّه بالعبيد إذا دخلوا بيوت ساداتهم أن يستأذنوا، وقيل: للعبيد والإماء ({وَ}) الأطفال من الأحرار ({وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ}) أي: لم يحتلموا بعد ({مِنْكُمْ}) أي: من إخوانكم المؤمنين، وليس من الأطفال الذين لم يظهروا على عورات النساء، وهم الذين لم يبلغوا حد الشهوة ولا يطيقون أمر النساء ولا عرفوا العورة من غيرها من الصغر، بل المراد هنا الذين عرفوا أمر النساء ولكن لم يبلغوا الحلم بعد. ¬

_ (¬1) زاد قبلها في (م): وكذا.

({ثَلَاثَ مَرَّاتٍ}) أي: في ثلاث أوقات في كل يوم وليلة ({مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ}) أي: يستأذنوا في الدخول قبل صلاة الصبح؛ لأنه وقت القيام من المضاجع وطرح ما ينام فيه من الثياب، ولبس ثياب اليقظة ({وَحِينَ تَضَعُونَ}) (¬1) عنكم ({ثِيَابَكُمْ مِنَ}) حر ({الظَّهِيرَةِ}) وهو وقت القائلة ({وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ}) لأنه وقت التجرد من ثياب اليقظة والالتحاف بثياب النوم. فالناس في الاستئذان على ثلاثة أنواع: فمنهم من يدخل في هذِه الثلاثة أوقات وفي غيرها بلا إذن، وهم الأطفال الذين لم يبلغوا حد الشهوة ولا عرفوا العورة من غيرها، سواء كانوا من أولادهم أو أولاد غيرهم. ومنهم من يستأذن في هذِه الثلاث دون غيرها، وهم: العبيد والإماء الذين في ملكهم، والأطفال الذين لم يبلغوا الصبا بالاحتلام، والبنت بالحيض أو الاحتلام، والاحتلام ليس بشرط، بل لو نزل المني في اليقظة بجماع أو غيره كان في حكم الاحتلام، وعلى هذا فذكر الاحتلام في الآية لكونه الغالب؛ فلا مفهوم للتقييد به ({ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ}) قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر بنصب الثلاثة، على أنه بدل من قوله: {ثَلَاثَ مَرَّاتٍ}، وقرأ الباقون بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف (¬2)، أي: هذِه الأوقات. ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ، وسميت هذِه الأوقات عورات؛ لأن الناس يختل سرهم ويقل تحفظهم ثيابهم فيها، فربما دخلوا وعورة أحدهم مكشوفة في هذِه الأوقات، والعورة كل ما ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): تنزعون. بدل {تَضَعُونَ}. (¬2) انظر: "السبعة في القراءات" لابن مجاهد ص 459.

يستحى من رؤيته إذا ظهر، وأصله الخلل، ومنه: أعور العين ({لَكُمْ}) ولأمثالكم ممن يأتي بعدكم ({لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ}) أي: ليس على الأسياد ولا على العبيد والإماء الذين في ملكهم دون من عداهم من مماليك الأجانب، فإنهم يستأذنون في هذِه الأوقات وفي غيرها, ولا على الأطفال من البنين والبنات الذين منهم ومن غيرهم من أولاد الأجانب، كما دل عليه قوله تعالى: {الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (¬1) فغيره يملك يمين الأسياد، ومن في معناهم من الآباء والأجداد، ولم يقيد الأطفال في قوله: {وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ} إذ لو قيده لقال: منكم. ({جُنَاحٌ}) أي: إثم وحرج ({بَعْدَهُنَّ}) أي: بعد هذِه الأوقات الثلاثة في الدخول، وأنث ({بَعْدَهُنَّ}) لتأنيث العورات، فلا إثم في الدخول عليهم في غير هذِه الأوقات الثلاث، وهما في الحقيقة وقتان، وهما: وقت القيلولة، والثاني: من بعد صلاة العشاء إلى وقت صلاة الفجر. ومفهوم الظرف في قوله ({بَعْدَهُنَّ}) أن في هذِه الأوقات عليهم الإثم إذا لم يستأذنوا. والمراد بالإثم هنا على العبيد والإماء البالغين، فأما غير البالغين من البنين والبنات والعبيد والإماء فلا إثم عليهم وليسوا مأمورين، إنما الوجوب في أمرهم على الآباء والأجداد والجدات والأسياد. ({طَوَّافُونَ}) أي: العبيد يطوفون ({عَلَيْكُمْ}) بالتردد في الدخول ¬

_ (¬1) النور: 58.

والخروج لأشغالكم بغير إذن لهم، وهذا تعليل وعذر في إباحة الدخول بغير إذن في غير الأوقات الثلاث (قرأ) عبد اللَّه بن مسلمة (القعنبي) الآية (إلى: ) قوله تعالى ({عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (¬1) قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: إن اللَّه تعالى حليم) باللام دون الكاف، كذا الرواية الصحيحة باللام (¬2). (رحيم بالمؤمنين) في أحكامه، حلم عليهم ورحمهم، حيث شق عليهم الدخول في هذِه الأوقات، فإن سبب نزول هذِه الآية على ما روي أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وجه غلاما من الأنصار يقال له: مدلج بن عمرو إلى عمر بن الخطاب في شغل له في وقت الظهيرة ليدعوه، فدخل بغير إذن وهو نائم قد انكشف عنه ثوبه، فكره ذلك عمر وشق عليه، وقال: لوددت أن اللَّه تعالى نهى أبناءنا وإماءنا وخدمنا أن لا يدخلوا علينا هذِه الساعات إلا بإذن. ثم انطلق معه إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فوجده قد أنزلت عليه هذِه الآية (¬3). وهذِه الآية إحدى موافقات عمر -رضي اللَّه عنه- التي نزلت بسببه. (يحب الستر) وروي في الحديث: "إن اللَّه حيي ستير، يحب الحياء والستر" (¬4) أي: من شأنه وإرادته يحب الستر والصون. ¬

_ (¬1) النور: 58. (¬2) في (ل، م): بلا لام. والمثبت الأنسب للسياق. (¬3) انظر: "أسباب نزول القرآن" للواحدي ص 339. (¬4) سبق برقم (4012، 4013) ورواه أيضًا النسائي 1/ 200، وأحمد 4/ 224 من حديث يعلى بن أمية مرفوعًا. وصححه النووي في "خلاصة الأحكام" 1/ 204 (514)، والألباني في "إرواء الغليل" (2335).

(وكان الناس ليس لبيوتهم ستور) تسترهم عن الرؤية (ولا حجال) جمع حجلة بفتح الحاء والجيم، بيت كالقبة يستر بالثياب، ويكون له أزرار كبار، وبواحده جاء الحديث: كان خاتم النبوة مثل زر الحجلة (¬1). وهذا هو المسمى في زماننا بالبشخانة (¬2)، ينام فيها الرجل وامرأته، وهي جميعها من ثياب كتان أو حرير ونحوه، ولها باب يزيد بأزرار كبار عند النوم (فربما دخل الخادم) عبدًا كان أو جارية (أو الولد) الصغير ابنا كان أو بنتًا (أو يتيمة الرجل) أو المرأة التي تربى عنده، كالولد (والرجل على أهله) في حالة جماع أو نحوه، فكرهوا ذلك. (فأمرهم اللَّه تعالى بالاستئذان في تلك العورات) الثلاث (فجاءهم اللَّه) أي: أمره وحكمه (بالستور) وبسط عليهم في الرزق (فلم أر أحدًا) من الناس (يعمل بذلك بعد) نزول الآية وتهاونوا بها في العمل بها، وعن الشعبي أنه قيل له: إن الناس لا يعملون بهذِه الآية. فقال: اللَّه المستعان (¬3). (قال أبو داود: حديث عبيد (¬4) اللَّه وعطاء يفسد هذا الحديث) وعن ابن عباس: ثلاث آيات (¬5). ونقله القرطبي عن قتادة، عن يحيى بن ¬

_ (¬1) رواه البخاري (190)، ومسلم (2345) من حديث السائب بن يزيد. (¬2) قال الشهاب الخفاجي: ويقال لها الناموسية، عامية معربة بشه خانه، أي: بيت البعوض. "شفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدخيل" ص 55. (¬3) رواه ابن أبي شيبة 4/ 44 (17608). (¬4) في (ل)، (م): عبد، والمثبت من "سنن أبي داود". (¬5) رواه معمر في "الجامع" 10/ 379 - 380 (19419).

يعمر: ثلاث آيات محكمات تركهن الناس: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ} (¬1)، وقوله تعالى {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} (¬2)، وقوله تعالى {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} (¬3). ولقد صدق اللَّه قائل هذا، فإن الاستئذان قد ترك من الخدم والأجانب، لا سيما في النساء، فيكون الرجل مع امرأته فلا يدري إلا والمرأة داخلة عليه في وقت القائلة وغيرها، وكذا حاضر القسمة من الميراث لا يعطى في هذا الزمان، ولا يطعم شيئًا, ولا يقال له بالمعروف، وكذا التفاخر في هذا الزمان بالآباء والأجداد وكثرة الأموال والأعوان والاتساع في المال، ولم يجعل اللَّه الإكرام [إلا بالتقوى] (¬4). * * * ¬

_ (¬1) النور: 58. (¬2) النساء: 8. (¬3) الحجرات: 13، وانظر: "الجامع لأحكام القرآن" 5/ 50. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

143 - باب في إفشاء السلام

143 - باب في إِفْشاءِ السَّلامِ 5193 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ أَبي شُعَيْبٍ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "والَّذي نَفْسي بيَدِهِ لا تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلا تُوْمِنُوا حَتَّى تَحابُّوا أَفَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى أَمْرٍ إِذا فَعَلْتُمُوهُ تَحابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ" (¬1). 5194 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللَّيْث، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبي الخَيْرِ، عَنْ عَبدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أي الإِسْلامِ خَيْرٌ؟ قالَ: "تُطْعِمُ الطَّعامَ وَتَقْرَأُ السَّلامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ" (¬2). * * * باب في إفشاء السلام [5193] (حدثنا أحمد بن أبي شعيب) مسلم الحراني، أخرج له البخاري بواسطة محمد بن يحيى في تفسير براءة (¬3). (ثنا زهير، ثنا الأعمش، عن أبي صالح) السمان (عن أبي هريرة، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: والذي نفسي بيده لا تدخلوا) هكذا الرواية بحذف النون، وهي لغة صحيحة معروفة، واللغة الفصحى عند أهل العربية إثباتها؛ لأن لفظة (لا) ليست للنهي، بل للنفي، فثبتت النون (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (54). (¬2) رواه البخاري (12). (¬3) "صحيح البخاري" (4677). (¬4) قال القاري في "مرقاة المفاتيح" 7/ 2937: لعل الوجه أن النهي قد يراد به النفي كعكسه المشهور عند أهل العلم. وقال العظيم آبادي في "عون المعبود" 9/ 2471: وفي نسخة المنذري: "لا =

(الجنة حتى تؤمنوا) والمراد بهذا الإيمان التصديق الشرعي المذكور في حديث جبريل عليه السلام، وإن لم يكن كامل الإيمان (ولا تؤمنوا (¬1) حتى تحابوا) بضم الباء الموحدة المشددة، ومعناه لا يكمل إيمانكم ولا يصلح حالكم في الإيمان إلا بالتحابب. وقال ابن الصلاح: معنى الحديث: لا يكمل إيمانكم إلا بالتحابب، ولا تدخلوا الجنة عند دخول أهلها إذا لم تكونوا كذلك (¬2). قال النووي: وهذا الذي قاله محتمل (¬3). (أفلا أدلكم على أمر إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا) بقطع الهمزة المفتوحة (السلام بينكم) وبذله للمسلمين كلهم من عرفت ومن لم تعرف، والمراد بإفشاء السلام: إظهاره وإشاعته، والسلام أول أسباب التآلف ومفتاح استجلاب المودة، وفي إفشائه إظهار شعار الإِسلام المميز لهم من غيرهم من الملل، مع ما فيه من رياضة النفس ولزوم التواضع، وإعظام حرمة المسلمين، وفيه: رفع التقاطع والتهاجر. [5194] (ثنا قتيبة (¬4) بن سعيد) البلخي (ثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير) مرثد بفتح الميم والثاء المثلثة، ابن عبد اللَّه اليزني، مفتي أهل مصر التابعي (عن عبد اللَّه بن عمرو) بن العاص (أن رجلًا سأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أي الإِسلام) قال أبو البقاء: تقديره: أي ¬

_ = تدخلون" بإثبات النون، وكذلك في رواية مسلم. (¬1) بعدها في (ل): يؤمنون، وعليها (خـ). (¬2) "صيانة صحيح مسلم" ص 218. (¬3) "شرح مسلم" 2/ 36. (¬4) فوقها في (ل): (ع).

خصال الإِسلام (¬1) (خير؟ ) أي: أفضل (قال: تطعم الطعام) قال البيهقي: يحتمل إطعام المحاويج أو الضيافة أو هما جميعًا, وللضيافة في التحابب والتأليف أثر عظيم (¬2). انتهى. لكن إطعام المحاويج أفضل؛ لأنه به قوام أبدانهم. فإن قلت: كيف يصح أن يكون: (تطعم الطعام) جوابًا لقوله: (أي الإِسلام خير؟ ) ولا يستقيم أن يقال: أن تطعم خيرًا والخير أن تطعم؟ فالجواب: هو مثل قولهم: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. فهو في تقدير المصدر، والتقدير فيها: إطعام الطعام خير، وسماعك بالمعيدي خير من رؤيته. وقرينه قوله من بعده "على من عرفت ومن لم تعرف" على أن الإطعام يكون كذلك؛ فتطعم من عرفت ومن لم تعرف، كما في إقراء السلام الذي قارنه "على من عرفت ومن لم تعرف". (وتقرأ) بفتح أوله وثالثه (السلام) المشروع (على من عرفت ومن لم تعرف) ولا تخص به من ترعى وده وله عليك فضل وتترك غيره تكبًّرا أو تهاونًا، أو مصانعة وملقًا، بل تسلم على كل أحد مراعاة لإخوة الإِسلام وتعظيمًا لشعار الشريعة، ولا ينبغي أن تكون المعادة مانعة من السلام. ولا تسلم على الكافر إجماعًا. وقد جمع في هذا الحديث بين مكارم الأخلاق المالية والبدنية، فالمالية إطعام الطعام، والبدنية إقراء السلام، وهما من نظام الشويعة. * * * ¬

_ (¬1) "إعراب ما يشكل من ألفاظ الحديث النبوي" لأبي البقاء العكبري ص 126. (¬2) "شعب الإيمان" 6/ 478.

144 - باب كيف السلام

144 - باب كَيْفَ السَّلامُ 5195 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِير، أَخْبَرَنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمانَ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ أَبي رَجاءٍ، عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ قالَ: جاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ. فَرَدَّ عليه السلام ثمَّ جَلَسَ فَقالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "عَشْرٌ". ثُمَّ جاءَ آخَرُ فَقالَ: السَّلام عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ. فَرَدَّ عَلَيْهِ فَجَلَسَ فَقالَ: "عِشْرُونَ". ثُمَّ جاءَ آخَرُ فَقالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ. فَرَدَّ عَلَيْهِ فَجَلَسَ فَقالَ: "ثَلاثُونَ" (¬1). 5196 - حَدَّثَنا إِسْحاقُ بْن سُوَيْدٍ الرَّمْلي، حَدَّثَنا ابن أَبي مَرْيَمَ قالَ: أَظُنُّ أَنّي سَمِعْتُ نافِعَ بْنَ يَزِيدَ، قالَ: أَخْبَرَني أَبُو مَرْحُومٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعاذِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بِمَعْناهُ زادَ: ثُمَّ أَتَى آخَرُ فَقالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ وَمَغْفِرَتُهُ فَقالَ: "أَرْبَعُونَ". قالَ: "هَكَذا تَكُونُ الفَضائِلُ" (¬2). * * * باب كيف السلام [5195] (ثنا محمد (¬3) بن كثير) العبدي البصري (ثنا جعفر بن سليمان) الضبعي، أخرج له مسلم (عن عوف) (¬4) بن أبي جميلة زيد (¬5) ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2689)، وأحمد 4/ 436، والبزار 9/ 62، والطبراني في "الأوسط" 6/ 108. وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (2710). (¬2) رواه البيهقي في "شعب الإيمان" 11/ 245. قال الألباني: ضعيف الإسناد. (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) فوقها في (ل): (ع). (¬5) كذا في النسخ، وهو خطأ، والصواب: (رزينة) كما في "تهذيب الكمال" 22/ 438 - 437 (4545).

العبدي البصري (عن أبي رجاء) (¬1) عمران بن ملحان العطاردي. (عن عمران بن حصين) بن عبيد الخزاعي، أسلم عام خيبر -رضي اللَّه عنه-. (قال: جاء رجل إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: السلام عليكم. فرد عليه) السلام (ثم جلس، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) هذِه (عشر) وهذا أقل ما يحصل به السلام المشروع كما يحصل بالتنكير، كقوله: سلام عليكم. فلو كان المسلم عليه واحدًا فأقله: السلام عليك. والأفضل أن يقول: السلام عليكم. إما لتعظيم المسلم عليه وإقامته مقام الجمع، أو ليتأوله مع كاتبيه الحافظين وغيرهم من الملائكة. (ثم جاء) رجل (آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة اللَّه. فرد عليه) السلام (فجلس) عنده (فقال) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: هاتان (عشرون) (¬2) حسنة. (ثم جاء) رجل (¬3) (آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته) أي: السلام عليكم من الآفات ودوامها المستمر حاصل لكم، وتطلق البركة على الزيادة، أي: وزيادة الرحمة لكم. (فرد عليه، فجلس) فيه أن السنة لمن جاء إلى شخص أن لا يجلس عنده حتى يسلم عليه ويرد عليه الجواب كما في الحديث. (فقال: ثلاثون) قد يستدل بهذا من يقول أن كمال السلام ينتهي بقوله: (وبركاته) كما يقول المسلمون كلهم في التشهد: السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته. إذ [لو] (¬4) كان أفضل منه لزادوا: ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) بعدها في (ل)، (م): رواية: عشرين. (¬3) ليست في (ل)، والمثبت من (م). (¬4) ليست في (ل)، (م)، والمثبت ما يقتضيه السياق.

ومغفرته ورضوانه. ويدل على هذا ما حكاه البغوي أن رجلًا سلم على ابن عباس فقال: السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته. ثم زاد فقال ابن عباس: إن السلام قد انتهى إلى البركة (¬1) (¬2). قال: وسلم رجل على عبد اللَّه بن عمر فقال: السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته والغاديات الرائحات. فكره ذلك (¬3) (¬4)، يعني: الزيادة الآتية في الرواية الآتية. [5196] (ثنا إسحاق بن) إبراهيم بن (سويد) أبو يعقوب (الرملي) وثقه النسائي (¬5) (ثنا) سعيد بن الحكم (ابن أبي مريم) الجمحي (قال: أظن أني سمعت نافع بن يزيد) بوزن الفعل من الزيادة، الكلاعي بفتح الكاف واللام المخففة، المصري، يقال: إنه مولى شرحبيل بن حسنة، أخرج له الشيخان في الصلاة وغيرها (¬6). (قال: أخبرني أبو مرحوم) عبد الرحيم بن ميمون المعافري نزيل مصر، قال شيخنا ابن حجر: صدوق زاهد (¬7). (عن سهل بن معاذ بن أنس) الجهني، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬8) ¬

_ (¬1) رواه مالك 2/ 959. (¬2) "شرح السنة" 12/ 257. (¬3) رواه مالك 2/ 962. (¬4) "شرح السنة" 12/ 257. (¬5) انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 366 (327). (¬6) "صحيح البخاري" (850)، (1243)، "صحيح مسلم" (1906) (154). (¬7) "تقريب التهذيب" (4059). (¬8) 4/ 321.

وروى له البخاري في "الأدب" (¬1). (عن أبيه) معاذ بن أنس الجهني، صحابي سكن مصر، لم يرو عنه غير ابنه أنس. (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بمعناه) المذكور و (زاد: ثم أتى) رجل (آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته ومغفرته) فرد عليه وجلس (فقال) النبي (أربعون) حسنة و (قال: هكذا تكون الفضائل) أي: تزيد بزيادة الألفاظ، فكلما زاد اللفظ المشروع زادت فضيلته ونما أجره وثوابه كما يكثر الثواب والأجر بزيادة الأعمال، ويكثر الثواب بزيادة المال في الصدقة وغيرها، إلا ما استثني من قوله: "سبق درهم مائة ألف درهم" فقال رجل: كيف ذاك يا رسول اللَّه؟ قال: "رجل له مال كثير، أخذ من عرضه مائة ألف درهم تصدق بها، ورجل ليس له إلا درهمان، فأخذ أحدهما، فتصدق به". رواه النسائي (¬2)، وكذا ما في معناه. ¬

_ (¬1) "الأدب المفرد" ص 22. (¬2) "المجتبى" 5/ 59، "السنن الكبرى" 3/ 48 (2319). ورواه أيضًا البيهقي في "السنن الكبرى" 4/ 181 من طريق ابن عجلان عن زيد بن أسلم عن أبي هريرة، مرفوعًا به. وصححه ابن خزيمة 4/ 99 (2443)، وابن حبان 8/ 135 (3347)، والحاكم في "المستدرك" 1/ 415، وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب" (883). ورواه أيضًا النسائي في "المجتبى" 5/ 59، وفى "السنن الكبرى" 3/ 47 (2318)، وأحمد 2/ 379 من طريق ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري والقعقاع بن حكيم عن أبي هريرة.

وعلى هذا الحديث رواية المصنف: لو قال: السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته ومغفرته ورضوانه كان له خمسون حسنة، بخلاف ما إذا زاد [ما] (¬1) لا يوافق الشريعة، كما تقدم في زيادة: الغاديات الرائحات، ونحوه. * * * ¬

_ (¬1) ليست في (ل)، (م)، والسياق يقتضيها.

145 - باب في فضل من بدأ بالسلام

145 - باب في فَضْلِ مَنْ بَدَأَ بِالسَّلامِ 5197 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فارِسٍ الذُّهْلي، حَدَّثَنا أَبُو عاصِمٍ، عَنْ أَبِي خالِدٍ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي سُفْيانَ الحِمْصي، عَنْ أَبِي أُمامَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ باللَّهِ مَنْ بَدَأَهُمْ بِالسَّلامِ" (¬1). * * * باب في فضل من بدأ بالسلام [5197] (حدثنا محمد بن يحيى [بن فارس] (¬2) الذهلي) بضم الذال المعجمة، نسبة إلى قبيلة معروفة، وهو ذهل بن ثعلبة، وهو شيخ البخاري (ثنا أبو (¬3) عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل (عن أبي خالد وهب) بن خالد الحمصي، ثقة (عن أبي سفيان) محمد بن زياد الألهاني (الحمصي) أخرج له البخاري في المزارعة (¬4) (عن أبي أمامة) صدي بن عجلان الباهلي السهمي، آخر الصحابة موتًا بالشام. (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن أولى الناس باللَّه من بدأهم بالسلام) ورواه الترمذي عن أبي أمامة أيضًا بلفظ: قيل: يا رسول اللَّه، الرجلان يلتقيان أيهما يبدأ بالسلام؟ قال: "أولاهما باللَّه" (¬5). ومعنى الروايتين ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2694)، وأحمد 5/ 254. وصححه الألباني في "الصحيحة" (3382). (¬2) زيادة من "السنن". (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) "صحيح البخاري" (2321). (¬5) "سنن الترمذي" (2694).

أن أقرب الناس من اللَّه تعالى بالطاعة من بدأ أخاه بالسلام عند ملاقاته، لأنه السابق إلى ذكر اللَّه ومذكره، كما روى البيهقي في "الشعب": عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- يرفعه إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "إذا مر الرجل بالقوم فسلم عليهم فردوا عليه كان له عليهم فضل، لأنه ذكرهم السلام، وإن لم يردوا عليه ردّ عليه ملأ خير منهم وأطيب" (¬1). قال القرطبي: الأولى بمبادرة السلام ذوو المراتب الدينية كأهل العلم والفضل؛ احترامًا لهم وتوقيرًا، بخلاف ذوي المراتب الدنيوية (¬2). * * * ¬

_ (¬1) "شعب الإيمان" 6/ 432، 433 (8782، 8783) وقد ضعفه البيهقي. ورواه أيضًا (8779) موقوفًا على ابن مسعود. قال الحافظ العراقي في "المغني" 1/ 506 - 507 (1946): سنده صحيح. (¬2) "المفهم" 5/ 483.

146 - باب من أولى بالسلام

146 - باب مَنْ أَوْلَى بِالسَّلامِ 5198 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عبد الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الكَبِيرِ والمارُّ عَلَى القاعِدِ والقَلِيلُ عَلَى الكَثِيرِ" (¬1). 5199 - حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبي، أَخْبَرَنا رَوْحٌ، حَدَّثَنا ابن جُرَيْجٍ، قالَ: أَخْبَرَنا زِيادٌ أَنَّ ثابِتًا مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يُسَلِّمُ الرّاكِبُ عَلَى الماشَي". ثُمَّ ذَكَرَ الحَدِيثَ (¬2). * * * باب من أولى بالسلام [5198] (حدثنا أحمد بن حنبل، ثنا عبد الرزاق، أبنا معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: يسلم الصغير على الكبير) هذا من زيادة البخاري على مسلم (¬3)، فيحتمل أن يراد الصغير السن على الرجل الكامل (¬4)، ويحتمل أن يراد به الصغير المرتبة على الجليل القدر والمرتبة، ويحتمل أن يرادا معا, لأن اللفظ شامل لهما، وإن كان صغير السن أظهر، والحكمة فيه أن الصغير ينبغي أن يتواضع مع الكبير ويوقره. (و) يسلم (المار) بالطريق (على القاعد) وفي رواية الصحيحين: ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6231)، والترمذي (2703). (¬2) رواه البخاري (6233)، ومسلم (2160). (¬3) "صحيح البخاري" (6231). (¬4) في (م): الكبير.

"الماشي على القاعد" (¬1) وهو بمعناه؛ لأن الداخل على القوم ينبغي مبادرته بالسلام استعجالًا لإعلامهم بالسلام ولأمانهم من شره بدعائه لهم بالسلامة. (و) يسلم الجمع (القليل على الكثير) لشرف كثرة الجماعة من المسلمين على القليل منهم، فإن قلت: فالمناسب أن يسلم الكبير على الصغير, والجمع الكثير على القليل؛ لأن الغالب أن الصغير يخاف من الكبير، والقليل من الكثير؟ والجواب: حيث كان الغالب في المسلمين أمن بعضهم من بعض لوحظ جانب التواضع الذي هو لازم السلام ومن حقوق أهل الإِسلام، وحيث لم يظهر رجحان أحد في السلام. فإن قلت: إذا كان المشاة كثيرًا أوالقاعدون قليلًا فباعتبار المشي السلام على الماشي، وباعتبار القلة السلام على القاعد، فهما متعارضان، فما حكم ذلك؟ فالجواب: لما تعارض المعنيان تساقطا، وصار الحكم كرجلين التقيا معًا، فخيرهما الذي يبدأ بالسلام، أو ترجح ظاهر أمر الماشي، وكذلك الراكب، فإنه يوجب الأمان. [5199] (ثنا يحيى (¬2) بن حبيب بن عربي) شيخ مسلم. (ثنا روح، ثنا) عبد الملك (ابن جريج (¬3)، أخبرني زياد) (¬4) بن سعيد ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (6233)، "صحيح مسلم" (2160). (¬2) فوقها في (ل): (د). (¬3) في (ل)، (م): جرير، وهو خطأ، انظر: "تهذيب الكمال" 18/ 338. (¬4) فوقها في (ل): (ع).

الخراساني (أن ثابتًا) بن عياض (مولى عبد الرحمن) بن زيد بن الخطاب، أخرج له الشيخان. (أخبره أنه سمع أبا هريرة -رضي اللَّه عنه- يقول: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: يسلم الراكب على الماشي) لعلو مرتبته، ولأن ذلك أبعد له من الزهو والعجب، ولأن الماشي يخاف من الراكب، لا سيما إن كان معه سلاح (ثم ذكر الحديث) المذكور، وهذا حكم الاختلاف، فإن تساوت أحوالهم فخيرهم الذي يبدأ صاحبه بالسلام، كالماشي مع الماشي والراكب على الراكب. وحال الاختلاف المذكور هو المستحب، فلو عكسوا وسلم الماشي على الراكب والكثير على القليل جاز؛ وكان خلاف الأفضل والأولى. * * *

147 - باب في الرجل يفارق الرجل ثم يلقاه أيسلم عليه؟

147 - باب فِي الرَّجُلِ يُفارِقُ الرَّجُلَ ثُمَّ يَلْقاهُ أَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ؟ 5200 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الهَمْداني، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، قالَ: أَخْبَرَني مُعاوِيَةُ ابْنُ صالِحٍ، عَنْ أَبي مُوسَى، عَنْ أَبي مَرْيَمَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: إِذا لَقي أَحَدُكُمْ أَخاهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَإنْ حالَتْ بَيْنَهُما شَجَرَةٌ أَوْ جِدارٌ أَوْ حَجَرٌ ثمَّ لَقِيَهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ أَيْضًا. قالَ مُعاوَيةُ: وَحَدَّثَني عَبْدُ الوَهّابِ بْنُ بُخْتٍ، عَنْ أَبي الزِّنادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبى هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِثْلَهُ سَواءً (¬1). 5201 - حَدَّثَنا عَبّاسٌ العَنْبَري، حَدَّثَنا أَسْوَدُ بْنُ عامِرٍ، حَدَّثَنا حَسَنُ بْنُ صالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَتَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وَهُوَ في مَشْرُبَةٍ لَهُ فَقالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ يا رَسُولَ اللَّهِ السَّلامُ عَلَيْكُمْ أَيَدْخُلُ عُمَرُ (¬2). * * * باب (¬3): في الرجل يفارق الرجل ثم يلقاه أيسلم عليه؟ [5200] (حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني) المصري، قال الحافظ ابن حجر: صدوق (¬4) (ثنا) عبد اللَّه (ابن وهب، أخبرني معاوية بن صالح) بن جرير الحمصي قاضي الأندلس، أخرج له مسلم (عن أبي موسى) تفرد به ¬

_ (¬1) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (1010)، وأبو يعلى 11/ 233 (6350). قال الألباني: صحيح موقوفا ومرفوعا. (¬2) رواه البخاري (7263). (¬3) ساقطة من (م). (¬4) "تقريب التهذيب" (38).

المصنف، سكت عليه المصنف والمنذري، وهو مجهول. (عن أبي مريم) الأنصاري خادم مسجد دمشق، وكان ممن أمر به خالد بن الوليد للمسجد، قيل: إنه مولى أبي هريرة. عن أبي حاتم: اسمه عبد الرحمن بن ماعز (¬1). وهو ثقة. (عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال) كذا ورد هنا في رواية أبي مريم موقوفًا (قال: إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه) لفظ اللقي يشعر بأنه لا يسلم عليه إلا إذا استقبله بوجهه؛ لأن كل من استقبل شيئًا فقد لقيه، ومنه لقاء البيت وهو استقباله، وبأنه إذا رآه من بعد بحيث إذا خاطبه لا يسمعه، فإنه لا يسلم عليه باللفظ ولا بالإشارة فليسلم عليه استحبابًا لا وجوبًا، وإن كان بلفظ الأمر. (فإن حالت بينهما شجرة) إطلاقه يدل على أنه لا فرق بين كون الشجرة مرتفعة لا تمنع رؤية شخصه أو ظليلة على الأرض تمنع الرؤية (أو جدار) مبني، أو مجدر بلا بناء (أو حجر) مرتفع يحول بين الرجلين ويفرق بينهما [(ثم لقيه فليسلم عليه أيضًا)] (¬2) فما [لم يحصل به] (¬3) التفرق (¬4) لا يحتاج إلى تكرار السلام، وقد صرح به في رواية الطبراني بإسناد حسن بالتفرق، ولفظه: عن أنس بن مالك قال: كنا إذا كنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فتفرق بيننا شجرة، فإذا التقينا يسلم بعضنا ¬

_ (¬1) قاله ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 5/ 288. (¬2) ما بين المعقوفين مستدرك من "السنن". (¬3) زيادة يقتضيها السياق. (¬4) بياض في (م).

على بعض (¬1). وإذا حال بين الرجلين حجر غير مرتفع لا يقال عنهما: تفرقا. ولهذا ترجم عليه المصنف: باب في الرجل يفارق الرجل. وأما حديث الأعرابي، واسمه خلاد كما في "مسند ابن (¬2) أبي شيبة": أنه جاء إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فرد عليه السلام، فقال: "ارجع صل؛ فإنك لم تصل" فرجع، فصلى، ثم جاء فسلم (¬3). فيحمل تكرار السلام على أن الدخول في الصلاة فراق، فإن عند أهل التحقيق أن الدخول في الصلاة خروج من هذا العالم إلى العالم العلوي بسره؛ ولهذا شرع السلام على الحاضرين من إنس وجن وملائكة للخارج من الصلاة، فكأنه خرج من عالم علوي إلى عالم سفلي، فاحتاج إلى تكرار السلام، مع أنه قبل الدخول في الصلاة كان معهم. (قال معاوية) بن صالح (وحدثني عبد الوهاب بن بخت) بضم الباء الموحدة وسكون الخاء المعجمة بعدها مثناة فوق، المدني، سكن الشام ثم المدينة، وهو ثقة (عن أبي الزناد) عبد اللَّه بن ذكوان. (عن الأعرج، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، مثله سواء) إلا أن ذلك موقوف، وهذا مرفوع إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. [5201] (ثنا عباس) بالموحدة والسين المهملة، هو ابن عبد العظيم ¬

_ (¬1) "المعجم الأوسط" 8/ 69 (7987). وقد حسن إسناده أيضًا المنذري في "الترغيب والترهيب" 3/ 287، والهيثمي في "المجمع" 8/ 34، والحافظ في "التلخيص" 4/ 94. وقال الألباني في "صحيح الترغيب" (2706): حسن صحيح. (¬2) ليست في (ل)، (م)، والمثبت هو الصحيح. (¬3) رواه البخاري (757)، ومسلم (397) من حديث أبي هريرة.

(العنبري) شيخ مسلم (ثنا أسود بن عامر) شاذان الشامي (ثنا حسن بن صالح) الكوفي العابد، ما كان دون الثوري في الورع والزهد غيره، ومن كلامه: إن الشيطان ليفتح للعبد تسعة وتسعين بابًا من الخير ليزيد بابًا من الشر (¬1). أخرج له مسلم. (عن أبيه) صالح بن صالح بن حى الهمداني (عن سلمة بن كهيل، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن عمر) بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-. (أنه أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو في مشربة) بضم الراء وفتحها، كالغرفة، وقال الخليل: هي الغرفة (¬2). وقال غيره: هي كالخزانة يوضع فيها الطعام والشراب، وبه سميت مشربة (¬3) (له) فيه جواز اتخاذ المشربة والجلوس فيها (فقال: السلام عليك يا رسول اللَّه) فخصه أولًا، ثم عمم (السلام عليكم) ورحمة اللَّه، فيه تكرار السلام؛ لاحتمال أنه لم يسمع. (أيدخل) عليك (عمر؟ ) فجمع هنا بين الاستئذان والسلام، كما قال تعالى: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا} (¬4). قال ابن عباس وغيره: حتى تستأذنوا (¬5) أو تسلموا على أهلها (¬6). ¬

_ (¬1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" 7/ 331. (¬2) "العين" 6/ 257. (¬3) عزا هذا القول القاضي عياض للطبري في "مشارق الأنوار" 2/ 247. (¬4) النور: 27. (¬5) في (م): تستأنسوا. (¬6) رواه الطبري في "جامع البيان عن تأويل آي القرآن" 18/ 109، 110 من قول ابن عباس والأعمش وقتادة.

وفيه دليل على تقديم السلام على الاستئذان، وفي الآية تقديم وتأخير، تقديره: حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا، وقيل عكسه كما في الآية، والأصل عدم التقديم والتأخير. وقيل: إن وقع بصره على إنسان قدم السلام، وإلا قدم الاستئذان. قال النووي: الصحيح الذي جاءت به السنة وقاله المحققون أنه يقدم السلام (¬1)، كما فعل عمر بن الخطاب وأبو موسى وأم هانئ. * * * ¬

_ (¬1) "شرح مسلم" 14/ 131.

148 - باب في السلام على الصبيان

148 - باب فِي السَّلامِ عَلَى الصِّبْيانِ 5202 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنا سُلَيْمانُ -يَعْني: ابن المُغِيرَةِ-، عَنْ ثابِتٍ قالَ: قالَ أَنَسٌ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَلَى غِلْمانٍ يَلْعَبُونَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ (¬1). 5203 - حَدَّثَنا ابن المُثَنَّى، حَدَّثَنا خالِدٌ -يَعْني: ابن الحارِثِ- حَدَّثَنا حُمَيْدٌ، قالَ: قالَ أَنَسٌ انْتَهَى إِلَيْنا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأَنا غُلامٌ في الغِلْمانِ فَسَلَّمَ عَلَيْنا ثُمَّ أَخَذَ بِيَدي فَأَرْسَلَني بِرِسالَةٍ وَقَعَدَ في ظِلِّ جِدارٍ -أَوْ قالَ: إِلَى جِدارٍ- حَتَّى رَجَعْتُ إِلَيْهِ (¬2). * * * باب (¬3) ما جاء في السلام على الصبيان [5202] (حدثنا عبد اللَّه بن مسلمة) القعنبي (ثنا سليمان (¬4) بن المغيرة) بصري جليل (عن ثابت) البناني. (قال أنس) بن مالك (أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على غلمان يلعبون) فيه جواز اللعب للصبيان في الشوارع؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم ينههم، بل سلم عليهم (فسلم عليهم) فيه أن من السنة السلام على الصبيان الذين يفهمون الخطاب ويردون الجواب، وهذا من كمال خلقه العظيم وتواضعه، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6247)، ومسلم (2168). (¬2) رواه أحمد 3/ 109، والبخاري في "الأدب المفرد" (1139)، وأبو يعلى 6/ 53 (3299). وصححه الألباني. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) فوقها في (ل): (ع).

وفيه تدريب لهم على تعليمهم سنن الشريعة، ورياضة لهم على محاسن الآداب؛ ليتأدبوا بآداب الإسلام وينشؤوا عليه. [5203] (ثنا) محمد (ابن المثنى، ثنا خالد (¬1) بن الحارث) الهجيمي البصري (ثنا حميد) الطويل (قال: قال أنس) بن مالك -رضي اللَّه عنه-. (قال: انتهى إلينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنا) يومئذ (غلام في الغلمان) هذا جمع الكثرة، وجمع القلة: غِلمة، بكسر الغين. لفظ رواية أحمد في ثلاثياته: كنت ألعب مع الصبيان، فأتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2) (فسلم علينا). فيه دليل على صحة سماع الصغير الحديث، والتحدث به بعد البلوغ، كما وقع لجماعة من الصحابة. (ثم أخذ بيدي) فيه التأنيس بالصغير بالأخذ بيده ومسح رأسه ملاطفة له (فأرسلني) لفظ أحمد: بعثني في حاجة (¬3) (برسالة) فيه جواز استخدام الصغير وإن كان غير ولده إذا أذن وليه أو كان يعلم أنه صديق يرضى بذلك. وفيه: جواز الاعتماد على قول الصبي الذي يوثق به في الرسالة إذا جاء بها، وفي قبول الهدية، وفي الإذن في دخول الدار. (وقعد في ظل جدار) فيه: أن الجلوس في الظل أفضل من الجلوس في الشمس، كما في الحكاية عن موسى عليه السلام: {ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ} (¬4). ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) "مسند أحمد" 3/ 109 لكن بلفظ "الغلمان" بدل "الصبيان". (¬3) السابق. (¬4) القصص: 24.

وفيه: أن من انتظر إنسانًا، فالقعود أفضل من القيام. (أو قال) الراوي وقعد (إلى جدار حتى رجعت إليه) لفظ رواية أحمد: وقعد في ظل حائط أو جدار حتى رجعت إليه (¬1). وزاد: فبلغته الرسالة التي بعثني بها، فلما أتيت أم سليم قالت: ما حبسك؟ قلت: بعثني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في حاجة له. قالت: وما هي؟ قلت: سر. قالت: احفظ على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سره. قال: فما حدثت به أحدًا بعد (¬2). انتهى. * * * ¬

_ (¬1) "مسند أحمد" 3/ 109. (¬2) السابق.

149 - باب في السلام على النساء

149 - باب فِي السَّلامِ عَلَى النِّساءِ 5204 - حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبى شَيْبَةَ، حَدَّثَنا سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابن أَبي حُسَيْنٍ سَمِعَهُ مِنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ يَقُولُ: أَخْبَرَتْهُ أَسْماءُ بِنْتُ يَزِيدَ: مَرَّ عَلَيْنا النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في نِسْوَةٍ فَسَلَّمَ عَلَيْنا (¬1). * * * باب السلام على النساء [5204] (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا سفيان بن عيينة، عن) عبد اللَّه بن عبد الرحمن (ابن أبي حسين) (¬2) بن حارث القرشي النوفلي (سمعه من شهر بن حوشب) بفتح الحاء المهملة والشين المعجمة، مصروف، الأشعري الشافعي، أخرج له مسلم. (يقول: أخبرته أسماء بنت يزيد) بن السكن الأنصارية، رسولة النساء إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قتلت يوم اليرموك تسعة بخشبة (¬3) (مر علينا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) ونحن (في نسوة، فسلم علينا) رواية الترمذي فيها زيادة (¬4)، ولفظه: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مر في المسجد يومًا وعصبة من النساء قعود، فألوى بيده بالتسليم، وأشار عبد الحميد -يعني: أحد الرواة- بيده (¬5). ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (3701)، وأحمد 6/ 452، والبخاري في "الأدب المفرد" (1047). وصححه الألباني. (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) بعدها في النسخ: قال. (¬4) ساقطة من (م). (¬5) "سنن الترمذي" (2697).

قال النووي في "شرح المهذب": إذا كان النساء جمعًا فسلم عليهن الرجل، أو كان الرجال جمعًا كثيرًا فسلموا على المرأة الواحدة فهو سنة، إذا لم يخف عليه ولا عليهن ولا عليها فتنة (¬1). وقال الكوفيون: لما سقط على النساء الأذان والقراءة والجهر بالقراءة في الصلاة سقط عنهن رد السلام؛ فلا يسلم عليهن. والصحيح أنه يسلم عليهن لهذا الحديث وغيره. * * * ¬

_ (¬1) "المجموع شرح المهذب" 4/ 467.

150 - باب في السلام على أهل الذمة

150 - باب فِي السَّلامِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ 5205 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبي صالِحٍ قالَ: خَرَجْتُ مَعَ أَبي إِلَى الشّامِ فَجَعَلُوا يَمرُّونَ بِصَوامِعَ فِيها نَصارى فَيُسَلِّمُونَ عَلَيْهِمْ فَقالَ أَبي: لا تَبْدَءُوهُمْ بِالسَّلامِ فَإنَّ أَبا هُرَيْرَةَ، حَدَّثَنا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "لا تَبْدَؤُوهُمْ بِالسَّلامِ وَإِذا لَقِيتُمُوهُمْ في الطَّرِيقِ فاضْطَرُّوهُمْ إِلَى أَضْيَقِ الطَّرِيقِ" (¬1). 5206 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ -يَعْني: ابن مُسْلِمٍ- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أنَّهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ اليَهُودَ إِذا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَحَدُهُمْ فَإِنَّما يَقُولُ السّامُ عَلَيْكُمْ فَقُوُلوا وَعَلَيْكُمْ". قالَ أَبُو داوُدَ: وَكَذَلِكَ رَواهُ مالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينارٍ وَرَواهُ الثَّوْري، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ دِينارٍ قالَ فِيهِ: "وَعَلَيْكُمْ" (¬2). 5207 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، أَخْبَرَنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَصْحابَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالُوا لِلنَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إِنَّ أَهْلَ الكِتابِ يُسَلِّمُونَ عَلَيْنا فَكَيْفَ نَرُدُّ عَلَيْهِمْ؟ قالَ: "قُوُلوا: وَعَلَيْكُمْ" (¬3). قالَ أَبُو داوُدَ: وَكَذَلِكَ رِوايَةُ عائِشَةَ وَأَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجُهَني وَأَبي بَصْرَةَ يَعْني الغِفارَيَّ. * * * ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 263، وابن حبان (500). وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (791). (¬2) رواه البخاري (6928)، ومسلم (2164). (¬3) رواه مسلم (2163).

باب السلام على أهل الذمة [5205] (ثنا حفص بن عمر) بن الحارث الحوضي شيخ البخاري. (ثنا شعبة، عن سهيل بن أبي صالح قال: خرجت مع أبي) أبي صالح السمان (إلى الشام، فجعلوا) يعني: الرفقة (يمرون بصوامع فيها نصارى، فيسلمون عليهم، فقال أبي) لهم (لا تبدؤوهم بالسلام) فيه الإنكار على من خالف السنة بالقول. (فإن أبا هريرة حدثنا عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: لا تبدؤوهم بالسلام) فيه دليل على تحريم ابتدائهم بالسلام، وهو مذهب الشافعي وقول أكثر العلماء وعامة السلف، وذهب طائفة إلى جواز ابتدائنا لهم بالسلام (¬1)، روي ذلك عن ابن عباس (¬2) وأبي أمامة (¬3) ومحيريز (¬4)، وهو وجه لبعض أصحابنا، حكاه الماوردي، لكنه قال: يقول: السلام عليك، ولا يقول: السلام عليكم بالجمع (¬5). واحتجوا بعموم الأحاديث بإفشاء السلام، ورد بأنه عام مخصوص بهذا الحديث. وقال بعض أصحابنا: يكره ولا يحرم. وهو ضعيف. ويجوز السلام على جمع فيهم مسلم واحد. ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع" 4/ 468 - 469. (¬2) رواه ابن أبي شيبة 5/ 250 (25739). (¬3) رواه ابن أبي شيبة 5/ 250 (25742). (¬4) انظر: "إكمال المعلم" 7/ 53. (¬5) "الحاوي الكبير" 14/ 148.

(وإذا لقيتموهم في الطريق) ابتداء (فاضطروهم إلى أضيق الطريق) أي: لا تفسحوا لهم عن الطريق إكراما لهم كما يفعل بالمؤمن، بل ألجئوهم إلى حرفه المضيق تحقيرًا لشأنهم، وليكن التضييق بحيث لا يخشى عليهم الوقوع في وهدة أو يصدمهم جدار ونحوه. فإن خلت الطريق واتسعت فلا حرج. [5206] (ثنا عبد اللَّه بن مسلمة) القعنبي (حدثنا عبد العزيز بن مسلم) القسملي بفتح القاف، البصري، ثقة عابد. (عن عبد اللَّه بن دينار، عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما أنه قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن اليهود) نسبة إلى يهوذا بن يعقوب عليهما السلام (إذا سلم عليكم أحدهم فإنما يقول: السام) والسام: الموت، كما في حديث: "الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام (¬1) " (¬2). وقيل: السام من السآمة وهو الملال. يقال: سئم يسأم سآمة وسآمًا. وهو تأويل قتادة (¬3)، وعلى هذا القول تسهل همزة سآمة وسآم، ويكون كاللدادة واللداد، والقول الأول قول الجمهور. (عليكم) وللبخاري: "إذا سلم عليكم اليهود (فإنما) (¬4) يقول أحدهم: السام عليك" (¬5) (فقولوا: وعليكم. قال) المصنف (وكذلك ¬

_ (¬1) في النسخ: الموت. (¬2) رواه البخاري (5687) من حديث عائشة مرفوعًا، ورواه أيضًا من حديث أبي هريرة مرفوعًا البخاري (5688)، ومسلم (2215). (¬3) انظر: "طرح التثريب في شرح التقريب" 8/ 110. (¬4) بياض في (ل)، (م)، والمثبت من "صحيح البخاري". (¬5) "صحيح البخاري" (6257).

رواه مالك) الإمام. (عن عبد اللَّه بن دينار، ورواه) سفيان بن سعيد (الثوري، عن عبد اللَّه ابن دينار) و (قال فيه: وعليكم) بالواو. وحديث مالك الذي أشار إليه المصنف أخرجه البخاري في "صحيحه" (¬1)، وحديث الثوري أخرجه البخاري ومسلم (¬2). وفي لفظ لمسلم والنسائي: "فقل: عليك" (¬3) بغير واو، وأخرجه النسائي من حديث سفيان بن عيينة، بإسقاط الواو (¬4). قال القرطبي: رواية حذف الواو أحسن معنًى، وإثباتها أصح رواية؛ لأن الواو العاطفة تقتضي التشريك، فيلزم أن يدخل معهم فيما دعوا به من الموت أو من سآمة ديننا؛ ولهذا قال بعضهم: الواو زائدة. والأولى أن يقال: الواو على بابها من العطف، غير أنا نجاب في الدعاء عليهم ولا يجابون في الدعاء علينا، كما جاء في الحديث (¬5). واختار بعضهم أن يرد: عليهم السِّلام. بكسر السين، وهي الحجارة، وما وردت به السنة أولى (¬6). [5207] (ثنا عمرو بن مرزوق) الباهلي (أبنا شعبة، عن قتادة، عن ¬

_ (¬1) برقم (6257) ورقم (6928). (¬2) "صحيح البخاري" (6928)، "صحيح مسلم" (2164/ 9). (¬3) "صحيح مسلم" (2164)، "السنن الكبرى" 6/ 102 (10210). (¬4) "السنن الكبرى" 6/ 102 (10211). (¬5) رواه مسلم (2166) من حديث جابر بن عبد اللَّه، وفيه: قال: "بلى، قد سمعت فرددت عليهم وإنا نجاب عليهم، ولا يجابون علينا". (¬6) "المفهم" 5/ 491 - 492.

أنس أن أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالوا للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن أهل الكتاب يسلمون علينا، فكيف نرد عليهم؟ قال: قولوا: وعليكم) في هذا الحديث وغيره حجة لمذهب الشافعي والجمهور في جواز الرد عليهم. وذهب مالك فيما رواه عنه أشهب وابن وهب أنه ليس بواجب (¬1)؛ لأن سلام أهل الذمة ليس بتحية لنا، وإنما هو دعاء علينا، وأمره بالرد إنما هو لبيان الرد لما قالوه خاصة، وقد اختار ابن طاوس في الرد عليهم: علاك السلام، أي: ارتفع عنك (¬2). (قال) المصنف (كذلك رواية عائشة) فيما أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (¬3). (وأبي عبد الرحمن الجهني) كما أخرجه ابن ماجه (¬4). قال محمد بن سعد: أسلم وصحب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، روى عنه -يعني: حديثين- أحدهما هذا (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" 5/ 304، 17/ 293. (¬2) رواه ابن أبي شيبة 5/ 252 (25759)، وانظر: "التمهيد" 17/ 93، "الجامع لأحكام القرآن" 5/ 304، 17/ 293. لكن عند ابن أبي شيبة "طاوس" بدل "ابن طاوس". (¬3) "صحيح البخاري" (2935)، و"صحيح مسلم" (2165)، "سنن الترمذي" (2701)، "السنن الكبرى" 6/ 102 - 103 (10213 - 10216)، "سنن ابن ماجه" (3698). (¬4) "سنن ابن ماجه" (3699). (¬5) "الطبقات الكبرى" 4/ 350 - 351.

(وأبي بصرة) حميل بالمهملة، مصغر (الغفاري) صحابي، كما أخرجه النسائي (¬1). * * * ¬

_ (¬1) "السنن الكبرى" 6/ 104 (10220).

151 - باب في السلام إذا قام من المجلس

151 - باب فِي السَّلامِ إِذا قامَ مِنَ المَجْلسِ 5208 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمُسَدَّدٌ قالا: حَدَّثَنا بِشْرٌ -يَعْنِيانِ ابن المُفَضَّلِ- عَنِ ابن عَجْلانَ، عَنِ المَقْبُري قالَ مُسَدَّدٌ: سَعِيدُ بْنُ أَبي سَعِيدٍ المَقْبُري، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِذا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إِلَى المَجْلِسِ فَلْيُسَلِّمْ فَإِذا أَرادَ أَنْ يَقُومَ فَلْيُسَلِّمْ فَلَيْسَتِ الأُولَى بِأَحَقَّ مِنَ الآخِرَةِ" (¬1). * * * باب في السلام إذا قام من المجلس [5208] (حدثنا أحمد بن حنبل ومسدد قالا: حدثنا بشر بن المفضل، عن) محمد (ابن عجلان، عن المقبري، قال مسدد) في روايته (سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إذا انتهى أحدكم) في مجيئه (إلى المجلس) الذي فيه القوم (فليسلم) لفظ الأمر يقتضي الأمر، ولا أعلم قال به أحد. والمراد -واللَّه أعلم- إذا انتهى إلى المجلس بحيث يراهم، وهو مجلس التخاطب بحيث يسمع جوابهم ويسمعون رده (فإذا أراد أن يقوم فليسلم) فيه دلالة على أن السلام عند الفراق يكون وهو قاعد قبل أن يقوم من المجلس، كما أنه إذا جاء إلى المجلس وأراد أن يجلس فليسلم قبل أن يجلس. ولفظ الحديث الحسن: "إذا انتهى أحدكم إلى مجلس وأراد أن ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2706)، وأحمد 2/ 439، والنسائي في "الكبرى" (10202). وصححه الألباني في "السلسة الصحيحة" (183).

يجلس فليسلم" (¬1). وروى البغوي في "شرح السنة" عن قتادة مرسلًا: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا دخلتم بيتًا فسلموا على أهله، وإذا خرجتم فودعوا أهله بسلام" (¬2). (فليست الأولى بأحق من الآخرة) أي: ليست التسليمة الأولى بأولى وأحب من التسليمة الأخيرة، بل كلتاهما حق وسنة. وفي رواية المصنف دلالة على أن السلام عند المفارقة سنة، كما هو (¬3) في الابتداء. وقال القاضي حسين والمتولي: ما يعتاده الناس من السلام عند القيام ومفارقة القوم دعاء وليس بتحية، فيستحب الجواب ولا يجب، وأنكره عليهما أبو بكر بن المظفر الشاشي تلميذ القاضي أبي (¬4) الطيب، وقال أنه فاسد؛ لأن السلام سنة عند الانصراف، كما هو عند القدوم (¬5). ولعلهما لم يقفا على هذا الحديث. قال النووي: الصواب ما قاله الشاشي (¬6)، وقال الشاشي في "الحلية" وهذا نصه: السلام سنة عند الانصراف، كما أنه سنة عند ¬

_ (¬1) رواه بهذا اللفظ البغوي في "شرح السنة" 12/ 293 (3328). (¬2) ذكره البغوي 12/ 294 بلا سند، ورواه معمر في "جامعه" 10/ 389 (19450)، والبيهقي في "الشعب" 6/ 447 - 448 (8845) وقال: هكذا جاء مرسلًا. (¬3) في (م): جاء. (¬4) في (ل)، (م): أبو. والجادة ما أثبتناه. (¬5) "حلية العلماء" 2/ 243. (¬6) "الأذكار" عقب حديث (717).

الدخول (¬1). ووافق القاضي حسينًا أبو بكر الشاشي في كتاب "الشافي" كما تقدم. * * * ¬

_ (¬1) "حلية العلماء" 2/ 243.

152 - باب كراهية أن يقول: عليك السلام

152 - باب كَراهِيَةِ أنْ يَقُولُ: عَلَيْكَ السَّلامُ 5209 - حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبى شَيْبَةَ، حَدَّثَنا أَبُو خالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنْ أَبي غِفارٍ، عَنْ أَبى تَمِيمَةَ الهُجَيْمي، عَنْ أَبي جُري الهُجَيْمي قالَ: أَتَيْتُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقُلْتُ عَلَيْكَ السَّلامُ يا رَسُولَ اللَّهِ. قالَ: "لا تَقُلْ عَلَيْكَ السَّلامُ؛ فَإنَّ عَلَيْكَ السَّلامُ تَحِيَّةُ المَوْتَى" (¬1). * * * باب كراهية أن يقول: عليك السلام [5209] (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو خالد) (¬2) سليمان بن حيان (الأحمر، عن أبي غفار) بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء، وبعد الألف راء، واسمه المثنى بن سعيد الطائي، قال أبو حاتم: صالح الحديث (¬3). وقال الفلاس: ليس به بأس (¬4). (عن أبي تميمة) طريف بن مجالد (الهجيمي) بضم الهاء وفتح الجيم مصغر نسبة إلى محلة بالبصرة نزلها بنو الهجيم بن عمرو، بطن من تميم، روى له الجماعة سوى مسلم (عن أبي جري) بضم الجيم وتخفيف الراء مصغر، واسمه جابر بن سليم التميمي. (الهجيمي قال: أتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقلت: عليك السلام يا رسول اللَّه، ¬

_ (¬1) رواه أحمد 3/ 482، والنسائي في "الكبرى" (9694). وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (7402). (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) "الجرح والتعديل" 8/ 325 (1498). (¬4) "الجرح والتعديل" 8/ 325 (1498)، "تهذيب الكمال" 27/ 200.

قال: لا تقل: عليك السلام؛ فإن عليك السلام تحية الموتى) هذا الحديث تقدم مطولًا في كتاب [اللباس] (¬1) مترجمًا عليه باب ما جاء في إسبال الإزار، ولفظه: "لا تقل: عليك السلام، عليك السلام تحية الميت، قل: السلام عليك. . . " إلى آخره (¬2)، وقوله: (عليك السلام تحية الموتى) يعني: أنه الأكثر في عادة الشعراء، كما قال الشاعر: عليك سلام اللَّه قيس بن عاصم ... ورحمته ما شاء أن يترحما (¬3) لا أن ذلك اللفظ هو المشروع في حق الموتى؛ لأنه تكرر منه عليه السلام أنه سلم على الأموات كما سلم على الأحياء، فقال: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين" (¬4). * * * ¬

_ (¬1) زيادة يقتضيها السياق. (¬2) سبق برقم (4084). (¬3) البيت لعبدة بن الطبيب، انظر: "غريب الحديث" للخطابي 1/ 692. (¬4) رواه مسلم (249) من حديث أبي هريرة.

153 - باب ما جاء في رد الواحد عن الجماعة

153 - باب ما جاءَ في رَدِّ الواحِدِ عَنِ الجَماعَةِ 5210 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلي، حَدَّثَنا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ إِبْراهِيمَ الجُدّي، حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ خالِدٍ الخُزاعي، قالَ: حَدَّثَني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ المُفَضَّلِ، حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبي رافِعٍ، عَنْ عَلي بْنِ أَبي طالِبٍ -رضي اللَّه عنه-، قالَ أَبُو داوُدَ: رَفَعَهُ الحَسَنُ بْنُ عَلي، قالَ: "يُجْزِئُ عَنِ الجَماعَةِ إِذا مَرُّوا أَنْ يُسَلِّمَ أَحَدُهُمْ وَيُجْزِئُ عَنِ الجُلُوسِ أَنْ يَرُدَّ أَحَدُهُمْ" (¬1). * * * باب ما جاء في رد الواحد على الجماعة [5210] (حدثنا الحسن بن علي) الحلواني الخلال شيخ الشيخين. (حدثنا عبد الملك بن إبراهيم الجدى) بضم الجيم وتشديد الدال نسبة إلى جدة بليدة بساحل مكة، وعبد الملك مكي أخرج له البخاري (¬2). (حدثنا سعيد بن خالد الخزاعى) المدني، قال البخاري: فيه نظر (¬3). وقال الدارقطني في "العلل": ليس بالقوي. والحديث تفرد (¬4) به سعيد ابن خالد (¬5). وليس له في الكتب الستة غير هذا الحديث. ¬

_ (¬1) رواه البزار 2/ 167 (534)، وأبو يعلى 1/ 345 (441)، والبيهقي في "الكبرى" 9/ 48. وحسنه الألباني في "المشكاة" (4648). (¬2) "صحيح البخاري" (2653). (¬3) "التاريخ الكبير" 3/ 469 (1559). (¬4) في (م): انفرد. (¬5) "علل الدارقطني" 4/ 22.

(حدثني عبد اللَّه بن المفضل) ابن العباس بن ربيعة الهاشمي. (حدثنا عبيد اللَّه) بالتصغير (ابن أبي رافع) كاتب علي -رضي اللَّه عنه-. (عن علي بن أبي طالب قال) المصنف (رفعه الحسن بن علي) الخلال (قال: يجزئ) بضم أوله وهمز آخره (عن الجماعة) في السلام (إذا مروا) على جماعة أو واحد (أن يسلم أحدهم) فيه حجة على أن الجماعة إذا سلم واحد منهم على جمع أو واحد تأدت السنة، وتوجه فرض الرد على سامعه من الجماعة إن كان واحدًا، وإن سمعه الجميع كفى رد واحد. قال القاضي حسين والشاشي: ليس لنا سنة على الكفاية غير هذا، وهذا الحصر ليس بصحيح؛ فإن الأذان والإقامة والتسمية على الأكل، وتشميت العاطس وسنن غسل الميت وغير ذلك سنن على الكفاية أيضًا (¬1). ¬

_ (¬1) ما وقفت عليه على غير هذا النحو، حيث قال الشاشي فيما إذا ألقى السلام رجل أو عطس رجل بين الناس في المسجد والإمام على المنبر هل يرد عليه السلام أو يشمت العاطس أم ينصت للإمام؟ في "حلية العلماء" 2/ 242: وحكى القاضي حسين -رحمه اللَّه- وجهًا آخر أن البعيد أيضًا يسكت، وهو قول أبي حنيفة، فإن سلم عليه رجل أو عطس، فإن قلنا: الإنصات مستحب. رد السلام وشمت العاطس، وإن قلنا: الإنصات واجب. لم يرد السلام ولم يشمت العاطس. وقيل: لا يرد السلام ويشمت العاطس. وليس بشيء. إذا دخل جماعة على واحد فسلم بعضهم سقط كراهة ترك السلام في حق الباقين، وكان أصل السلام في حقهم سنة على الكفاية، كما أن رد السلام فرض على الكفاية، وهذا ليس بصحيح، فإنا ما رأينا سنة على الكفاية، ورأينا فرضًا على الكفاية وفيه فائدة. انتهى.

وفي قوله: (يجزئ) في سنن الكفاية رد على إبطال قول من زعم أن لفظ الإجزاء مختص بما هو واجب ولا يستعمل في المندوب، وهو قول الأصبهاني شارح "المحصول" ونصره العراقي من الأصوليين. والصحيح أن الإجزاء يستعمل في المندوب كابتداء السلام من الجماعة، كما في الحديث، ويستعمل في الوجوب كما في تتمة الحديث في قوله: (ويجزئ عن) القوم (الجلوس أن يرد أحدهم) وإن سمع الجميع ابتداء السلام، وفيه حجة على أن رد السلام من الجماعة فرض كفاية، فإذا رد واحد منهم سقط الحرج عن الباقين. والأفضل أن يبتدئ الجميع بالسلام، وأن يرد الجميع، وإن كان المسلم عليه واحدًا (¬1) تعين الرد عليه وصار فرض عين. قال القرطبي: لما أجمعوا على أن الواحد يسلم على الجماعة ولا يحتاج إلى تكريره على عدد الجماعة، كذلك يرد الواحد عن الجماعة كما في فروض الكفاية (¬2). وذهب أبو يوسف والكوفيون إلى أن رد السلام يجب على كل واحد من الجماعة (¬3). * * * ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): واحد. والجادة ما أثبتناه. (¬2) "الجامع لأحكام القرآن" 5/ 299. (¬3) "مختصر اختلاف العلماء" 4/ 397.

154 - باب في المصافحة

154 - باب في المُصافَحَةِ 5211 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبي بَلْجٍ، عَنْ زَيْدٍ أَبي الحَكَمِ العَنَزي، عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِذا التَقَى المُسْلِمانِ فَتَصافَحا وَحَمِدا اللَّهَ عزَّ وجلَّ واسْتَغْفَراهُ غُفِرَ لَهُما" (¬1). 5212 - حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا أَبُو خالِدٍ وابْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الأَجْلَحِ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنِ البَراءِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيانِ فَيَتَصافَحانِ إِلَّا غُفِرَ لَهُما قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقا" (¬2). 5213 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، حَدَّثَنا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: لمَّا جاءَ أَهْلُ اليَمَنِ قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قَدْ جاءَكُمْ أَهْلُ اليَمَنِ وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ جاءَ بِالمُصافَحَةِ" (¬3). * * * باب في المصافحة [5211] (حدثنا عمرو بن عون) الواسطي شيخ البخاري. (حدثنا هشيم) بن بشير الواسطي (عن أبي بلج) بفتح الباء الموحدة وسكون اللام بعدها جيم، واسمه يحيى بن سليم، وثقه ابن معين (¬4) ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2727)، وابن ماجه (3703)، وأحمد 30/ 517. وضعفه الألباني. (¬2) رواه الترمذي (2727)، وابن ماجه (3703)، وأحمد 4/ 289. وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (525). (¬3) رواه أحمد 3/ 212، والبخاري في "الأدب المفرد" (967)، وابن حبان (7193). وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (527). (¬4) "الجرح والتعديل" 9/ 153 (634)، "تهذيب الكمال" 33/ 162.

والدارقطني (¬1). (عن زيد) ابن أبي الشعثاء (أبي الحكم) البصري، ثقة (العنزي) بفتح العين والنون، نسبة إلى عنزة بن أسد، حي من ربيعة. (عن البراء بن عازب رضي اللَّه عنهما: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إذا التقى المسلمان فتصافحا) فيه: أن من السنة أن المسلم إذا لقي أخاه المسلم أن يسلم عليه ويأخذه بيده فيصافحه، ولا تحصل هذِه السنة إلا بأن تقع بشرة أحد الكفين على الآخر، فأما إذا تلاقيا ووضع كل واحد منهما كمه على كم الآخر ويدهما في أكمامهما لا تحصل المصافحة المعروفة، وقد كثر هذا في زماننا بأن يضع كل واحد منهما كمه على كم الآخر، وبعضهم يشير بطرف كمه إلى الآخر ولا يلتقي الكمان، روي: المسلمان والمسلمين بيدهما بضم الميم وفتح السين. أي: إذا التقيا وسلم بعضهما على بعض، وهذا أصلح حالًا من انحناء كل واحد منهما للآخر؛ فإنه منهي عنه (وحمدا) بكسر الميم (اللَّه واستغفرا) اللَّه تعالى. أي: كل واحد منهما يحمد اللَّه تعالى ويستغفره (غفر لهما). [5212] (ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو خالد) (¬2) سليمان بن حيان الأحمر الأزدي. (و) عبد اللَّه (ابن نمير، عن الأجلح) يحيى بن عبد اللَّه الكندي، قال ابن معين: ثقة (¬3). (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد اللَّه السبيعي (عن البراء) ¬

_ (¬1) "سؤالات البرقاني" (546)، "تهذيب الكمال" 33/ 162. (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) "تاريخ الدارمي عن ابن معين" (178)، "تهذيب الكمال" 2/ 277 (282).

ابن عازب رضي اللَّه عنهما. (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ما من مسلمين) ذكرين أو أنثيين، أو ذكر وأنثى ممن يجوز لهما المصافحة (يلتقيان) في طريق أو مسجد أو غيرهما، (فيتصافحان) عقب تلاقيهما دون تراخ بعد سلامهما، ويحمدان اللَّه تعالى ويستغفرانه، وزاد الطبراني في رواية: "ويضحك كل واحد منهما في وجه صاحبه" (¬1)، وله في رواية: "إذا التقيا فتصافحا وتساءلا أنزل اللَّه بينهما مائة رحمة" (¬2) (إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا) وروى البزار عن عمر: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا التقى الرجلان المسلمان فسلم أحدهما على صاحبه (¬3) فإن أحبهما إلى اللَّه أحسنهما بشرًا لصاحبه، فإذا تصافحا نزلت عليهما مائة رحمة، للبادي منهما تسعون وللمصافح عشرة" (¬4). [5213] (ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد) بن سلمة (ثنا حميد) بن أبي حميد الطويل (عن أنس بن مالك قال: لما جاء أهل اليمن قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: جاءكم أهل اليمن وهم أول من جاء بالمصافحة) فيه: أن أهل اليمن كانوا يتصافحون في بلادهم، فلما أتوا إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أظهروا في أصحابه المصافحة، وفيه فضيلة أهل اليمن وفضيلة المصافحة، فإنها تذهب الغل والحسد من القلوب، كما روى الإمام مالك مسندًا عن ¬

_ (¬1) "المعجم الأوسط" 7/ 324 - 325 (7630). (¬2) "المعجم الأوسط" 7/ 341 - 342 (7672) من حديث أبي هريرة مرفوعًا. (¬3) في (م): الآخر. (¬4) "مسند البزار" 1/ 437 (308).

عطاء الخراساني أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "تصافحوا يذهب الغل" (¬1) والمصافحة سنة حسنة تثبت الود، ولها موقع عظيم في تأكد المحبة في القلوب، كما أكدت محبة طلحة بن عبيد اللَّه عند كعب بن مالك حين هرول إليه وصافحه وهنأه بتوبة اللَّه عليه فسر بذلك وقال: لا أنساها لطلحة (¬2). وفي الحديث فضيلة البداءة بأفعال الخير، فمن سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها. * * * ¬

_ (¬1) "موطأ مالك" 2/ 908. (¬2) رواه البخاري (4418)، ومسلم (2769) من حديث كعب بن مالك.

155 - باب في المعانقة

155 - باب فِي المُعانَقَةِ 5214 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، أَخْبَرَنا أَبُو الحُسَيْنِ -يَعْني: خالِدَ بْنَ ذَكْوانَ-، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ بُشَيْرِ بْنِ كَعْبٍ العَدَوي، عَنْ رَجُلٍ مِنْ عَنَزَةَ أَنَّهُ قالَ لأَبي ذَرٍّ حَيْثُ سُيِّرَ مِنَ الشّامِ: إِنِّى أُريدُ أَنْ أَسْأَلكَ عَنْ حَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-. قالَ: إِذًا أُخبِرَكَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَكونَ سِرًّا. قُلْتُ: إِنَّهُ لَيْسَ بِسِرٍّ هَلْ كانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُصافِحُكُمْ إِذا لَقِيتُمُوهُ؟ قالَ: ما لَقِيتُهُ قَطُّ إِلَّا صافَحَني، وَبَعَثَ إِلَي ذاتَ يَوْمٍ وَلَمْ أَكُنْ في أَهْلي، فَلَمّا جِئْتُ أُخْبِرْتُ أنَّهُ أَرْسَلَ إِلَي فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ عَلَى سَرِيرِهِ فالتَزَمَني، فَكانَتْ تِلْكَ أَجْوَدَ وَأَجْوَدَ (¬1). * * * باب في المعانقة [5214] (ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد، أنا أبو الحسين خالد بن ذكوان) بالبصرة (عن أيوب بن بشير) بضم الموحدة وفتح الشين المعجمة مصغر (ابن كعب العدوي) البصري، سكت المصنف والمنذري عنه، وذكر البخاري هذا الحديث في "التاريخ الكبير" وقال: مرسل (¬2). (عن رجل من عنزة) سماه البيهقي في "الشعب" والمنذري عبد اللَّه (¬3)، ولا يعرف (أنه قال لأبي ذر) جندب بن جنادة (حيث سير) ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 163، والطبراني في "الأوسط" 7/ 286 (7509)، والبيهقي في "الكبرى" 7/ 161 (13572). وضعفه الألباني. (¬2) "التاريخ الكبير" 1/ 409. (¬3) "شعب الإيمان" 6/ 475 (8960)، "الترغيب والترهيب" 4/ 213.

بضم المهملة وتشديد المثناة تحت المكسورة (من الشام) يعني: دمشق، فإنه كان مقيمًا بها (¬1) حين استقدمه عثمان لشكوى معاوية -رضي اللَّه عنهم- (إني أريد أن أسألك عن حديث من حديث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إذا أخبرك) (¬2) منصوب بـ (إذا) لوجود الشرائط الثلاثة وهي: الاتصال والتصدير والاستقبال (به إلا أن يكون شرًّا) (¬3) أي: إلا أن يكون في ذكره شر لي أو لك أو لأحد من المسلمين. (قلت: إنه ليس بشر) أي: ليس فيه شر (هل كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصافحكم إذا لقيتموه؟ قال: ما لقيته قط إلا صافحني) فيه: تكرار المصافحة بتكرير الملاقاة، كما يتكرر السلام (وبعث إلى ذات يوم) يطلبني (ولم أكن) حاضرًا (في أهلي، فلما جئت) إلى أهلي (أخبرت أنه أرسل إلىَّ) فيه: أنه يستحب لمن كان في بيت الرجل من زوجة أو أم أو ولد وطلبه أحد فلم يجده أنه إذا جاء إليهم يخبروه بمن طلبه. (فأتيته وهو) جالس (على سريره) فيه: اتخاذ السرير والجلوس عليه والنوم، فقد كان له -صلى اللَّه عليه وسلم- سرير ينام عليه، قوائمه من ساج، بعث به إليه أسعد بن زرارة، وكان الناس بعد موته يحملون عليه موتاهم (¬4). (فالتزمني) أي: عانقه، كما بوب عليه المصنف، وقد عانق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعفر بن أبي طالب لما قدم من الحبشة، رواه الدارقطني عن عائشة (¬5). ¬

_ (¬1) بعدها في الأصول: كان. ولا وجه لتكرارها. (¬2) في هامش (ل): أخَبِّرُك. وعليها: خـ. (¬3) بعدها في (ل): سرًّا. وعليها: خـ، وهو ما في مطبوع "السنن". (¬4) رواه حماد بن إسحاق في "تركة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" (ص 104) من رواية عائشة. (¬5) في "الفوائد المنتقاة الغرائب العوالي" (30)، وضعفه في "العلل" 14/ 415.

وروى الطبراني في "الكبير" من حديث الشعبي أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تلقى جعفر بن أبي طالب فالتزمه وقبل ما بين عينيه (¬1)، ولما استأذن زيد بن حارثة أن يدخل إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فاعتنقه وقبله (¬2) (فكانت تلك) الالتزامة (أجود) من المصافحة (وأجود) منصوب أيضًا معطوف على خبر كان، وفيه تفضيل معانقة الرجلين على المصافحة، وقد يفرق بينهما بأن من قرب عهده عن الاجتماع به فالمصافحة، ومن بعد عهده فقدم من سفر أو بعد مدة طويلة فالمعانقة والالتزام أفضل. * * * ¬

_ (¬1) "المعجم الكبير" 2/ 108 (1469). (¬2) رواه الترمذي (2732) من حديث عائشة رضي اللَّه عنها، وقال: حسن غريب.

156 - باب ما جاء في القيام

156 - باب ما جاءَ في القِيامِ 5215 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْراهِيمَ، عَنْ أَبي أُمامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْري أَنَّ أَهْلَ قُرَيْظَةَ لمَّا نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ أَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَجاءَ عَلَى حِمارٍ أَقْمَرَ فَقالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ". أَوْ: "إِلَى خَيْرِكُمْ" فَجاءَ حَتَّى قَعَدَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1). 5216 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشّارٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ بهذا الحَدِيثِ قالَ: فَلَمّا كانَ قَرِيبًا مِنَ المَسْجِدِ قالَ لِلأَنْصارِ: "قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ" (¬2). 5217 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلي وابْنُ بَشّارٍ قالا: حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنا إسْرائِيل، عَنْ مَيْسَرَةَ بْنِ حَبِيبٍ، عَنِ المِنْهالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ أُمِّ المُؤْمِنِينَ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها أنَّها قالَتْ: ما رَأَيْتُ أَحَدًا كانَ أَشْبَهَ سَمْتًا وَهَدْيًا وَدَلًّا -وقالَ الحَسَنُ حَدِيثًا وَكَلامًا وَلَمْ يَذْكُرِ الحَسَنُ السَّمْتَ والهَدي والدَّلَّ- بِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْ فاطِمَةَ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَها كانَتْ إِذا دَخَلَتْ عَلَيْهِ قامَ إِلَيْها فَأَخَذَ بِيَدِها وَقَبَّلَها وَأَجْلَسَها في مَجْلِسِهِ، وَكانَ إِذا دَخَلَ عَلَيْها قامَتْ إِلَيْهِ فَأَخَذَتْ بيَدِهِ فَقَبَّلَتْهُ وَأَجْلَسَتْهُ في مَجْلِسِها (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه النسائي في "الكبرى" (5938)، وأحمد 3/ 22، و"صحيح الأدب المفرد" 1/ 352. وصححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد" 1/ 352. (¬2) رواه البخاري (3804)، ومسلم (1768)، والنسائي (8222)، وأحمد 3/ 22. (¬3) رواه الترمذي (3872)، والنسائي (8369). وصححه الألباني في "المشكاة" (4689)

باب ما جاء في القيام [5215] (ثنا حفص بن عمر) الحوضي (ثنا شعبة، عن سعد (¬1) بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي أمامة) واسمه أسعد (بن سهل بن حنيف، عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- أن أهل قريظة) قريظة أصله اسم رجل نزل أولاده حصنًا بقرب المدينة، وقريظة والنضير أخوان من ولد هارون النبي عليه السلام (لما) حوصروا، و (نزلوا على حي سعد) ابن معاذ الخزرجي. وفيه دليل على جواز التحكيم في أمور المسلمين، وجواز مصالحة أهل قرية أو حصن على حكم حاكم مسلم عدل صالح للحكم أمين على هذا الأمر، وعلىه الحكم بما فيه مصلحة المسلمين. (أرسل إليه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فجاء على حمار أقمر) أي: شديد البياض، والأنثى: قمراء. ومن حديث حليمة: ومعها أتان قمراء (¬2). ولعله مشبه ببياض القمر. (فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قوموا إلى سيدكم) استدل به على استحباب القيام لأهل العلم والفضل وذوي الحقوق على سبيل الإكرام والاحترام، وصنف في استحبابه النووي جزءًا مشهورًا استدل فيه بأحاديث منها هذا الحديث، وفي الاستدلال بها نظر، وصححه الأذرعي في مختصر الجزء المذكور. ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) رواه أبو يعلى 13/ 93 (7163)، وابن حبان 14/ 243 - 244 (6335).

قال القاضي: وليس هذا القيام مما نهي عنه، إنما ذاك فيمن يقومون (¬1) بين يديه وهو جالس وأحب أن يقوم الناس له (¬2)؛ لحديث معاوية: "من سره أن يتمثل له الرجال قيامًا فليتبوأ مقعده من النار" (¬3). قال القاضي حسين: يجوز القيام للوالدين، والفقيه لتقدمه، والشيخ لسنه في الإسلام، وللضيف إكرامًا، ولا يجوز القيام للغني لغناه. وفي فتاوى الشيخ عز الدين [ابن عبد السلام] (¬4): لا بأس بالقيام للإكرام والاحترام للوالدين والعلماء والصالحين. ثم قال: وقد صار تركه في هذا الزمان مؤديًا إلى التباغض والتقاطع، ولو قيل بوجوبه لم يكن بعيدًا؛ لأنه قد صار تركه إهانة واحتقارًا لمن جرت العادة بالقيام له. وللَّه أحكام تحدث عند حدوث أسباب لم تكن في الأول. قال الأذرعي: وما قاله ظاهر لا شك فيه. (أو) قال الراوي: قوموا (إلى خيركم) فيه فضيلة سعد، روي: "حبركم" بفتح المهملة وسكون الموحدة. قال أبو بكر الطرسوسي: هكذا رويناه بهذا اللفظ في "السنن" من طريق اللؤلؤي. ثم قال: فالحبر: العالم، قال اللَّه تعالى: {وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ} (¬5) ثم قال: فإن كانت هذِه اللفظة محفوظة فهي نص في ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): يقوموا. والجادة ما أثبتناه. (¬2) "إكمال المعلم" 6/ 105 بتصرف يسير. (¬3) رواه أبو داود (5229)، والترمذي (2755) من حديث معاوية مرفوعًا. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬5) المائدة: 44.

القيام للعالم. أي: عالمهم. عن عائشة: لم يكن بعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أفضل من ثلاثة: سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وعباد بن بشر (¬1). (فجاء حتى قعد إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) ولم يقم له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولم ينقل أن أحدًا قام له فيما رأيته. [5216] (ثنا محمد بن بشار، ثنا محمد بن جعفر) غندر (عن شعبة بهذا الحديث وقال: فلما) جاؤوا (كان قريبًا من المسجد قال للأنصار: قوموا إلى سيدكم) أي: سيد الأنصار والأوس والخزرج. ومما يدل على القيام ما رواه البيهقي والطبراني والبزار عن جرير: "إذا أتاكم كريم فأكرموه" (¬2). وأجاب عن هذا الحديث من قال بكراهة القيام بأن المراد أنه أمرهم أن يقوموا لينزلوه عن الحمار؛ لمرض كان به، ولأنه قال في الحديث: "قوموا إلى سيدكم"، ولم يقل: قوموا له. [5217] (ثنا الحسن بن علي) الحلواني، شيخ الشيخين. (و) محمد (ابن بشار قالا: ثنا عثمان (¬3) بن عمر) بن فارس العبدي البصري (ثنا إسرائيل) بن موسى، أخرج له البخاري. ¬

_ (¬1) رواه أبو يعلى 7/ 351 (4389)، والطبراني في "المعجم الأوسط" 1/ 275 (896)، والحاكم 3/ 229. (¬2) "مسند البزار" 14/ 342 (8027)، "المعجم الكبير" 2/ 304 (2266)، "السنن الكبرى" 8/ 168 كلهم من حديث جرير مرفوعًا. (¬3) فوقها في (ل): (ع).

(عن ميسرة بن حبيب) النهدي الكوفي، وثقه أحمد (¬1) وابن معين (¬2) (عن المنهال بن عمرو) الأسدي مولاهم الكوفي، أخرج له البخاري. (عن عائشة بنت طلحة) بن عبيد اللَّه أمها أم كلثوم بنت الصديق. (عن أم المؤمنين عائشة (¬3) أنها قالت: ما رأيت أحدًا كان أشبه سمتًا) أي: حسن هيئة ومنظر في الدين، وليس من الحسن والجمال والملبس (وهديًا) بفتح الهاء وسكون الدال، وهو حسن السيرة والهيئة والطريقة (ودلًا) بفتح الدال وتشديد اللام، وهو حالة الوقار والشمائل والحركات. (وقال الحسن) الحلواني: أشبه (حديثًا وكلامًا، ولم يذكر الحسن السمت والهدي والدل) في روايته (برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من فاطمة) ابنته، وكان عمر -رضي اللَّه عنه- ينظرون إلى سمته وهديه (كانت إذا دخلت عليه قام إليها) ولم يقل: قام لها. عند من يقول بالكراهة (فأخذ بيدها) روى الترمذي: "من تمام التحية الأخذ باليد" (¬4) (وقبلها) (¬5) قال البغوي: من قبل فليكن اليد والرأس والجبهة (¬6). يعني: والرجل (¬7) والكتف، ونحو ذلك، ولا يقبل الفم (¬8)؛ لنهيه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن المكاعمة، رواه ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" 8/ 253 (1152). (¬2) السابق. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) "سنن الترمذي" (2730) من حديث ابن مسعود مرفوعًا. (¬5) في هامش (ل): فقلبها. وعليها: خـ. (¬6) "شرح السنة" 12/ 293. (¬7) ساقطة من (م). (¬8) "شرح السنة" 12/ 293.

المصنف (¬1)، والمكاعمة: لثم الرجل صاحبه، ووضع فمه على فمه. (وأجلسها في مجلسه) الذي كان فيه لتتبرك بمكان جلوسه (وكان) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبلته) في يده أو غيرها، وعاد الضمير على اليد مذكرًا لكونه في معنى الكف (وأجلسته في مجلسها) تعظيمًا له وإكرامًا، ولتتبرك بجلوسه في مكانها. * * * ¬

_ (¬1) سبق برقم (4049)، ورواه أيضًا النسائي 8/ 143 كلاهما من حديث أبي ريحانة الأزدي مرفوعًا.

157 - باب في قبلة الرجل ولده

157 - باب فِي قُبْلةِ الرَّجُلِ وَلَدَهُ 5218 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ الأَقْرَعَ بْنَ حابِسٍ أَبْصَرَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وَهُوَ يُقَبِّلُ حُسَيْنًا، فَقالَ: إِنَّ لي عَشْرَةً مِنَ الوَلَدِ ما فَعَلْتُ هذا بِواحِدٍ مِنْهُمْ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ" (¬1). 5219 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، أَخْبَرَنا هِشامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها قالَتْ: ثمَّ قالَ -تَعْني: النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَبْشِري يا عائِشَةُ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْزَلَ عُذْرَكِ". وَقَرَأَ عَلَيْها القُرْآنَ، فَقالَ أَبَواي: قُومي فَقَبِّلي رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-. فَقالَتْ: أَحْمَدُ اللَّهَ لا إِيّاكُما (¬2). * * * باب في قبلة الرجل ولده [5218] (ثنا مسدد، ثنا سفيان (¬3)، عن الزهري، عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة أن الأقرع بن حابس) بن عقال التميمي، وفد على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد الفتح في وفد بني تميم، وشهد مع خالد بن الوليد حرب العراق (أبصر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو يقبل حسينًا) (¬4) وفي "الصحيحين" يقبل الحسن (¬5). فيحمل على أنه قبل كل واحد منهما. وفيه: كثرة شفقة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالصبيان والعيال ورحمته وتواضعه لهم. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5997)، ومسلم (2318)، والترمذي (1911). (¬2) رواه أبو يعلى 8/ 335 (4931)، والبخاري دون ذكر التقبيل (2661). (¬3) بعدها في (ل)، (م) بياض بمقدار كلمة. (¬4) فوقها في (ل): الحسن. وعليها: خـ. (¬5) "صحيح البخاري" (5997)، "صحيح مسلم" (2318).

(فقال: إن لي عشرة من الولد ما فعلت هذا بواحد منهم) لفظ "الصحيحين": ما قبلت واحدًا منهم (¬1) (فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من لا يرحم لا يُرحم) بالجزم فيهما شرطًا وجوابه، ولمسلم: "من لا يرحم الناس لا يرحمه اللَّه" (¬2) وحكمة هذِه الرحمة تسخير القوي للضعيف، والكبير للصغير، والغني للفقير، حتى يحفظ نوعه وتتم مصلحته، وذلك تدبير اللطيف الخبير، فمن خلق اللَّه في قلبه الرحمة الحاملة على الرفق فذلك علامة على رحمة اللَّه له في تلك الحال والمآل، ومن سلب اللَّه الرحمة من قلبه وابتلاه بنقيض ذلك من القسوة والغلظة فلم يرفق بضعيف ولا رحم صغيرًا (¬3) فذلك علم على شقوته في تلك الحال والمآل. [5219] (ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد، ثنا هشام بن عروة) بن الزبير (عن) أبيه (عروة) بن الزبير بن العوام (أن عائشة قالت: ثم قال. يعني: النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) في قصة حديث الإفك: فلما سري عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فكان أول كلمة تكلم بها أن قال (¬4): (أبشري) بفتح همزة القطع (يا عائشة) فيه استحباب المبادرة بتبشير من تجددت له نعمة ظاهرة أو اندفعت عنه بلية ظاهرة. (فإن اللَّه قد أنزل عذرك) أي: أنزل بيان عذرك وعدم الإساءة منك. ¬

_ (¬1) السابق. (¬2) "صحيح مسلم" (2319) من حديث جرير بن عبد اللَّه مرفوعًا. (¬3) في (ل)، (م): صغير. والجادة ما أثبتناه. (¬4) رواه البخاري (2661)، ومسلم (2770) من حديث عائشة رضي اللَّه عنها.

ولفظ مسلم: "أما اللَّه (¬1) فقد برأك" (¬2) (وقرأ عليها القرآن) الذي أنزل عليه، وهو قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} (¬3) عشر آيات في براءتها. (فقال: أبواي) يعني: أبا بكر الصديق وأم رومان بفتح الراء وضمها وهي ابنة عامر، ولفظ مسلم: فقالت لي أمي (¬4): (قومي) إليه (فقبلي رأس رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) فيه: تعليم الوالدين الولد آداب الشريعة، وإن كان كبيرًا مزوجًا وله أولاد. (فقلت: ) إني (أحمد اللَّه تعالى لا إياكما) لما أمراها بتقبيل رأس رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شكرًا لنعمة اللَّه (¬5) التي بشرها به، فقالت بسبب الإدلال عليهما، ولما حصل لها من العتب عليهما، والعجب من وقوع الشك منهما مع علمهما بحسن طريقتها وكثرة تقواها وارتفاعها عن هذا الباطل: أحمد اللَّه وأشكره الذي أنزل براءتي على لسان نبيه محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنعم عليَّ بما لم أكن أتوقعه. * * * ¬

_ (¬1) في الأصول: واللَّه. والمثبت من "صحيح مسلم". (¬2) "صحيح مسلم" (2770). (¬3) النور: 11. (¬4) "صحيح مسلم" (2770). (¬5) لفظ الجلالة ساقط من (م).

158 - باب في قبلة ما بين العينين

158 - باب فِي قُبْلَةِ ما بَيْنَ العَيْنَيْنِ 5220 - حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بْن أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا عَلي بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ أَجْلَحَ، عَنِ الشَّعْبي أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تلَقَّى جَعْفَرَ بْنَ أَبي طالِبٍ فالتَزَمَهُ وَقَبَّلَ ما بَيْنَ عَيْنَيْهِ (¬1). * * * باب في قبلة ما بين العينين [5220] (ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا علي بن مسهر) (¬2) الكوفي الحافظ (عن أجلح) بن عبد اللَّه الكندي (عن الشعبي، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) هكذا ورد مرسلًا، وكذا رواه الطبراني في "الكبير" مرسلًا (¬3)، ووصله العقيلي من حديث عبد اللَّه بن جعفر، ومن حديث جابر بن عبد اللَّه، لكن هما ضعيفان، ورواه الحاكم من حديث ابن عمر (¬4). (تلقى جعفر بن أبي طالب) عبد مناف بن عبد المطلب الهاشمي لما قدم من أرض الحبشة (فالتزمه) إليه وعانقه (وقبل ما بين عينيه) وقال: "ما أدري أنا بقدوم جعفر أسر أو بفتح خيبر"، وكانا في يوم واحد، وكان أسلم قديمًا وهاجر الهجرتين. وفيه استحباب ملاقاة القادم وإكرامه بالسلام عليه والمعانقة وتقبيل ما بين عينيه، لا سيما إن كان قدم من حج، فقد قال الحليمي في ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة 13/ 188 (26243)، وأبو داود في "المراسيل" (491)، والبيهقي في "الكبرى" 7/ 163 (13580). (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) "المعجم الكبير" 2/ 108 (1469). (¬4) "المستدرك" 1/ 319.

أواخر الحج: ينبغي للناس إذا تلقوا الحجاج أن يلتزموهم، بتأويل أنهم التزموا البيت الحرام، وأن يقبلوا ما بين أعينهم؛ لأنهم سجدوا به على الحجر الأسود وفي الكعبة (¬1). * * * ¬

_ (¬1) "المنهاج في شعب الإيمان" 2/ 458.

159 - باب في قبلة الخد

159 - باب فِي قُبْلَةِ الخَدِّ 5221 - حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا المُعْتَمِرُ، عَنْ إِياسِ بْنِ دَغْفَلٍ قالَ: رَأَيْتُ أَبا نَضْرَةَ قَبَّلَ خَدَّ الحَسَنِ بْنِ عَلي عَلَيْهِما السَّلامُ (¬1). 5222 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن سالِمٍ، حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنِ البَراءِ قالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبي بَكْرٍ أَوَّلَ ما قَدِمَ المَدِينَةَ، فَإِذا عائِشَةُ ابنتُهُ مُضْطَجِعَةٌ قَدْ أَصابَتْها حُمَّى، فَأَتاها أَبُو بَكْرٍ فَقالَ لَها: كَيْفَ أَنْتِ يا بُنَيَّةُ، وَقَبَّلَ خَدَّها (¬2). * * * باب في قبلة الخد [5221] (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا المعتمر) (¬3) بن سليمان بن طرخان البصري (عن إياس بن دغفل) بالغين المعجمة والفاء، الحارثي البصري. قال أحمد: ثقة [ثقة] (¬4) (¬5). (قال: رأيت أبا نضرة) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة المنذر بن مالك بن قطعة العوقي، نسبة إلى عَوقة بفتح العين المهملة والواو ¬

_ (¬1) رواه البيهقي في "الكبرى" 7/ 163 (13583)، وابن أبي الدنيا في "الإخوان" 1/ 200 (154). (¬2) رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 5/ 403 (3037)، والطبراني في "الكبير" 23/ 183 (297)، والترمذي 7/ 163 (13582). وصححه الألباني. (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) ساقطة من الأصول، والمثبت من مصادر ترجمته. (¬5) "الجرح والتعديل" 2/ 278 (1002)، "تهذيب الكمال" 3/ 402.

والقاف، بطن من عبد القيس، وأبو نضرة تابعي جليل. (قبل خد الحسن) بن علي بن أبي طالب. قال المنذري: المقبل إنما هو الحسن بن أبي الحسن البصري (¬1). وقال (¬2) في "المصباح": ما المانع من الأول، فإن أبا نضرة روى عن علي مرسلًا، وقد مات الحسن بن علي سنة خمس، ومات أبو نضرة سنة مائة وتسع، ومات الحسن البصري سنة مائة. [5222] (حدثنا عبد (¬3) اللَّه بن سالم) الزبيدي الكوفي المعروف بالمفلوج، قال المصنف: ثقة (¬4) (¬5). وقال أبو يعلى: من خيار أهل الكوفة (¬6). (ثنا إبراهيم بن يوسف) بن أبي إسحاق، أخرج له الشيخان (عن أبيه) يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو السبيعي (عن البراء) بن عازب رضي اللَّه عنهما (قال: دخلت مع أبي بكر) الصديق -رضي اللَّه عنه- (أول ما قدم المدينة) شرفها اللَّه تعالى (فإذا عائشة ابنته مضطجعة) بالرفع (قد أصابتها حمى، فأتاها) أبوها (أبو بكر) الصديق -رضي اللَّه عنه- (فقال: كيف أنتِ يا بنية؟ ) فيه زيارة الأب ابنته إذا قدم من سفر، ¬

_ (¬1) "مختصر سنن أبي داود" 8/ 87، ذكر هذا القول محقق الكتاب وأشار إلى أنه ورد بهامش المنذري. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) فوقها في (ل): (د). (¬4) ساقطة من (م). (¬5) انظر: "تهذيب الكمال" 14/ 552 (3286). (¬6) السابق.

وسؤاله عن حالها. (وقبل خدها) فيه: جواز تقبيل الوالد خد ابنته الكبيرة والصغيرة، وقد روى الطبراني عن ابن عباس قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا قدم من سفر قبل ابنته فاطمة (¬1). ورواته ثقات، وفي بعضهم ضعف لا يضر. وروى الإمام أحمد بإسناد حسن عن عبد اللَّه بن الحارث، كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصف عبد اللَّه وعبيد اللَّه وكثيرًا بني العباس، ثم يقول: "من يسبق إليَّ فله كذا"، فيستبقون إليه فيقعون على ظهره وصدره فيقبلهم ويلتزمهم (¬2). * * * ¬

_ (¬1) "المعجم الأوسط" 4/ 248 (4105)، وأورده الهيثمي في "المجمع" 8/ 42 وقال: رواه الطبراني في "الأوسط"، ورجاله ثقات، وفي بعضهم ضعف لا يضر. (¬2) "مسند أحمد" 1/ 214.

160 - باب في قبلة اليد

160 - باب فِي قُبْلَةِ اليَدِ 5223 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ أَبي زِيادٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبي لَيْلَى حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ وَذَكَرَ قِصَّةً قالَ: فَدَنَوْنا -يَعني: مِنَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقَبَّلْنا يَدَهُ (¬1). * * * باب في قبلة اليد [5223] (ثنا أحمد) بن عبد اللَّه (بن يونس) اليربوعي (حدثنا زهير، ثنا يزيد بن أبي زياد) الكوفي شيعي عالم صدوق. (أن عبد الرحمن بن أبي ليلى) الأنصاري، عالم الكوفة. (حدثه أن عبد اللَّه بن عمر حدثه وذكر قصة) تقدمت بهذا السند في باب التولي يوم الزحف من كتاب الجهاد، وهي أن عبد اللَّه بن عمر حدثه أنه كان في سرية من سرايا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: فحاص الناس حيصة فكنت فيمن حاص، فلما برزنا قلنا: كيف نصنع وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب؟ فقلنا: ندخل المدينة فنبيت (¬2) فيها لنذهب ولا يرانا أحد. قال: فدخلنا [فقلنا] (¬3): لو عرضنا أنفسنا على رسول اللَّه، فإن كانت [لنا] (¬4) توبة أقمنا، وإن كان غير ذلك ذهبنا فجلسنا لرسول ¬

_ (¬1) سبق برقم (2647). (¬2) هكذا في (ل)، (م)، وفي "سنن أبي داود": فنتثبت. (¬3) بياض في (ل)، (م)، والمثبت من "سنن أبي داود". (¬4) بياض في (ل)، (م)، والمثبت من "سنن أبي داود".

اللَّه قبل صلاة الفجر، فلما خرج قمنا إليه فقلنا: نحن الفرارون. فأقبل إلينا وقال: "بل أنتم العكارون" (¬1). (قال: فدنونا -يعني: من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقبلنا يده) وزاد في الجهاد: فقال: "إنا فئة المسلمين" (¬2). قال النووي في "فتاويه" (¬3): يستحب تقبيل فضلاء العلماء، ويكره تقبيل يد غيرهم، ولا تقبل يد أمرد حسن، ولا يجوز تقبيل يد ذمي، ولا معانقته عند القدوم؛ إذ موادته محرمة بنص القرآن. قال المنذري: صنف الحافظ أبو بكر الأصبهاني المعروف بابن المقرئ جزءًا في الرخصة في تقبيل اليد، وذكر فيه حديث ابن عمر وابن عباس وجابر بن عبد اللَّه وبريدة بن الحصيب وصفوان بن عسال، وذكر فيه آثارًا عن الصحابة والتابعين، وذكر بعضهم أن مالكًا أنكره وأنكر ما روي فيه (¬4). قال الأزهري: إنما كرهها مالك إذا كانت على وجه التكبر والتعظيم لمن فعل ذلك، وأما إذا قبل إنسان يد إنسان أو وجهه أو شيئًا من بدنه على وجه القربة إلى اللَّه تعالى لدينه أو لعلمه أو لشرفه فإن ذلك جائز (¬5). * * * ¬

_ (¬1) سبق برقم (2647). (¬2) السابق. (¬3) ص 79. (¬4) انظر: "الرسالة" للقيرواني، "الذخيرة" 13/ 292. (¬5) "مختصر سنن أبي داود" 8/ 88.

161 - باب في قبلة الجسد

161 - باب فِي قُبْلَةِ الجَسَدِ 5224 - حَدَّثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنا خالِدٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبى لَيْلَى، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ -رَجُلٍ مِنَ الأَنْصارِ- قالَ: بَيْنَما هُوَ يُحَدِّثُ القَوْمَ وَكانَ فِيهِ مِزاحٌ بَيْنا يُضْحِكُهُمْ فَطَعَنَهُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في خاصِرَتِهِ بِعُودٍ فَقالَ: أَصْبِرْنَي. فَقالَ: "اصْطَبِرْ". قالَ: إِنَّ عَلَيْكَ قَمِيصًا وَلَيْسَ عَلي قَمِيصٌ. فَرَفَعَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عنْ قَمِيصِهِ فاحْتَضَنَهُ، وَجَعَلَ يُقَبِّلُ كَشْحَهُ. قالَ: إِنَّما أَرَدْتُ هذا يا رَسُولَ اللَّهِ (¬1). * * * باب في قبلة الجسد [5224] (حدثنا عمرو بن عون) الواسطي (أنا خالد) (¬2) بن عبد اللَّه الواسطي الطحان (عن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين، هو ابن عبد الرحمن الكوفي (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أسيد بن حضير) بضم الحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة، ابن سماك بن عبيد الأشهلي (رجل) بالجر على البدل ويجوز الرفع، وتقديره: هو رجل (من الأنصار) وسكن المدينة -رضي اللَّه عنهم-. (قال: بينما) زاد (¬3) البغوي (¬4) في "معجمه": نحن عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في "الكبير" 1/ 205 (556)، والحاكم في "المستدرك" 3/ 327 (5262)، والبيهقي في "الكبرى" 7/ 164 (13586). وصححه الألباني في "المشكاة" (4685). (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) في (م): قال. (¬4) في الأصول: المعري. والمثبت هو الصواب.

وهو (¬1) (هو يحدث القوم وكان فيه مزاح) بضم الميم، يقال: إنه مشتق من زحت الشيء عن موضعه وأزحته: إذا نحيته؛ لأنه ينحيه عن جد القول، وفيه بعد، لأن باب مزح غير باب زوح؛ لأن من شرط الاشتقاق موافقة المشتق للمشتق منه في الحروف الأصلية. (بيننا) بسكون المثناة تحت ثم نونين، وفي بعض النسخ المعتمدة: مزاح بيّن. بتشديد الياء والرفع، أي: ظاهر، والمزاح بتشديد الزاي من أبنية المبالغة، أي: كثير المزح. (يضحكهم) به (فطعنه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في خاصرته) وهو المستدق فوق الوركين (بعود) كان في يده؛ لأنه كان -صلى اللَّه عليه وسلم- يشغل يده بعود أو عصا أو قضيب، وربما كان معه عرجون النخل اليابس. (فقال: أصبرنى) بسكون الصاد المهملة وكسر الباء الموحدة، أي: أقدني من نفسك (فقال: اصطبر) أي: استقد، يقال: صبر فلان من خصمه واصطبر، أي: اقتص منه، واصطبرته: أقدته بقتيله. وأصبره الحاكم، أي: أقصه من خصمه، ومنه حديث عمار حيث ضرب عمارًا، فلما عُوتب قال: هذِه يدي لعمار فليصطبر (¬2). أي: يقتص مني عن ضربه. وفيه دليل على جواز مداعبة الشيخ لبعض تلاميذه، والكبير لبعض ¬

_ (¬1) "معجم الصحابة" 1/ 106، ولفظه: بينا نحن عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نتحدث، وكان فيه مزاح. . . . (¬2) رواه ابن أبي شيبة 7/ 521 - 522 (37680)، والضارب لعمار في الحديث رسول عثمان -رضي اللَّه عنه-، والقائل عثمان -رضي اللَّه عنه-.

أعوانه ممن يعرف أنه يحب المداعبة والمزاح، ومطابقته بالقول والفعل في بعض الأحيان على النذور من غير أن يؤذي. قلنا: ولا يفرط فيه، فقد كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يفعل ذلك مع النساء والصبيان ومن في معناهم لضعف قلوبهم وميلهم إلى الهزل، وهذا من مكارم أخلاقه ولطائفه وكثرة تودده إلى قلوب من يجتمع به. وفيه حجة لمن رأى القصاص في الضربة بالسوط واللطمة بالكف، ونحو ذلك مما لا يؤثر له على حد معلوم ينتهي إليه، وقد روي ذلك عن الخلفاء الأربع وشريح وابن شبرمة والجمهور: لا قصاص في اللطمة ونحوها. ولعل المراد بما ذهب إليه الخلفاء الأربع من القصاص في الضربة بالسوط والعصا والحجر الصغير واللكزة باليد (¬1) أن يكون في مقتل أو في حال ضعف المضروب لمرض أو صغر، فأما ما صغر جدًا كالضربة بالقلم والإصبع في غير مقتل فما أظن فيه خلافًا (¬2). وقد يؤخذ من الحديث أنه لا فرق في القصاص بين أن يقع الضرب للمداعبة واللعب ونحو ذلك، أو كان في جد، فإن طعنة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كانت في حال المداعبة، كما في رواية أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- طعن إنسانًا بقضيب مداعبة، فقال: أصبرني. (قال: إن عليك قميصًا وليس عليَّ قميص. فرفع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قميصه) فيه اشتراط المماثلة في القصاص فإذا كان المضروب بلا قميص يستره فيكون المأخوذ منه القصاص بلا قميص، وإن كان الضرب فوق القميص ¬

_ (¬1) بعدها بياض في (ل)، (م) بمقدار كلمة. (¬2) في (ل)، (م): خلاف. والجادة ما أثبتناه.

فالقصاص مثله. (فاحتضنه وجعل يقبل كشحه) بفتح الكاف وسكون الشين المعجمة، وهو ما بين الخاصرة فما فوقه إلى الضلع، وفيه: أن الكشح من الرجل ليس بعورة، فإن عورته ما بين السرة والركبة. وفيه: إكرام الأكابر من المشايخ والعلماء بتقبيل جسدهم وبدنهم ورأسهم ونحو ذلك تعظيمًا لهم والتماسًا لبركتهم. (وقال: فإنما (¬1) أردت هذا يا رسول اللَّه) وفيه جواز التحيل إلى الوصول لما يعود نفعه كما في قصة يوسف، حيث جعل السقاية في رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون، حين أراد رؤية أخيه ومجيئه إليه. * * * ¬

_ (¬1) قبلها في (ل): إنما. وعليها: خـ. وعكسه في (م).

162 - باب قبلة الرجل (م)

162 - باب قُبْلَةِ الرِّجْلِ (م) 5225 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ الطَّبّاعِ، حَدَّثَنا مَطَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْنَقُ، حَدَّثَتْني أُمُّ أَبانَ بِنْتُ الوازِعِ بْنِ زارِعٍ، عَنْ جَدِّها زارِعٍ وَكانَ في وَفْدِ عَبْدِ القَيْسِ قالَ: لَمّا قَدِمْنا المَدِينَةَ فَجَعَلْنا نَتَبادَرُ مِنْ رَواحِلِنا فَنُقَبِّلُ يَدَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وَرِجْلَهُ قالَ: وانْتَظَرَ المُنْذِرُ الأَشَجُّ حَتَّى أَتَى عَيْبَتَهُ فَلَبِسَ ثَوْبَيْهِ ثُمَّ أَتَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالَ لَهُ: "إِنَّ فِيكَ خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُما اللَّهُ: الحِلْمُ والأَناةُ". قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ أَنا أَتَخَلَّقُ بِهِما أَمِ اللَّهُ جَبَلَني عَلَيْهِما قالَ: "بَلِ اللَّهُ جَبَلَكَ عَلَيْهِما". قالَ: الحَمْدُ للَّه الذي جَبَلَني عَلَى خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُما اللَّهُ وَرَسُولُهُ (¬1). * * * [5225] (ثنا محمد بن عيسى) بن نجيح، روى عنه البخاري تعليقًا (¬2). (ثنا مطر بن عبد الرحمن) العنزي (الأعنق) بسكون المهملة وفتح النون، البصري، قال أبو حاتم: محله الصدق (¬3). وذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4). (حدثتني) جدتي (أم أبان بنت الوازع بن زارع، عن جدها زارع) بن عامر العبدي، وقيل: روت عن أبيها عن جدها (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (17/ 25). (¬2) روى له في موضعين من "صحيحه" تعليقًا (1769)، (6072). (¬3) "الجرح والتعديل" 8/ 288 (1321). (¬4) 9/ 189. (¬5) انظر: "تهذيب الكمال" 35/ 326.

وأخرج هذا الحديث البغوي في "معجم الصحابة" وقال: لا أعلم للزارع (¬1) غيره (¬2). وذكر أبو عمر النمري أن له ابنا يُسَمَّى الوازع وبه يكنى، وأن حديثه حسن (¬3). وقد ذكر أبو بكر بن أبي علي الذكواني في الصحابة الزارع بن زارع ولم يخرج له شيئًا. (وكان في وفد عبد القيس) الذين قدموا على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وكانوا أربعة عشر راكبًا. (قال: فجعلنا نتبادر) أي: نتسارع بالنزول (من رواحلنا) مسرعين (فنقبل يد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ورجله) (¬4) إكرامًا له وتعظيمًا لشأنه وتبركًا بمس جسده الكريم. (قال: ) زارع (وانتظر المنذر) بسكون النون ابن عائذ بالذال المعجمة ابن الحارث، سماه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (الأشج) بالرفع صفة لأثر كان في وجهه، العقدي، وهو رئيس الوفد. (حتى أتى عَيْبَته) بفتح العين المهملة وسكون المثناة تحت ثم موحدة مفتوحة، وهي وعاء يضع الإنسان فيها ثيابه وأمتعته، وهي النعجة، ومنه: حديث: "الأنصار كرشي وعيبتي" (¬5) أي: موضع سري، والعرب تكني عن القلوب والصدور بالعيبات؛ لأنها مستودع السرائر، كما أن العيبات ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): للوازع. والمثبت من "معجم الصحابة". (¬2) "معجم الصحابة" 2/ 520 - 521 (905). (¬3) "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" 2/ 131 (872). (¬4) بعدها في (ل)، و (م): رجليه. وعليها: خـ. (¬5) رواه البخاري (3799)، (3801)، ومسلم (2515) من حديث أنس مرفوعًا.

مستودع الثياب. (فلبس ثوبه ثم) عقل ناقته وجمع رجال قومه (وأتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) هو وقومه وسألوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالوا: مرنا بأمر نخبر به من وراءنا وندخل به الجنة. وعما يشربون فيه، وقد تقدم الحديث في كتاب الأشربة وترجم عليه المصنف: باب في الأوعية (¬1). (فقال له) أي: لأشج عبد القيس العصري (إن فيك خلتين) بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام، أي: خصلتين، كما في لفظ رواية مسلم (¬2) (يحبهما اللَّه) ورسوله كما سيأتي (الحلم) وهو العقل، يقال: حلُم الرجل -بضم اللام- أي: صار حليمًا، وتحلم: إذا تكلف الحلم. (والأناة) بفتح الهمزة والقصر، بوزن حصاة، وهو التثبت وترك العجلة، مشتق من التأني، وهو المكث والإبطاء، يقال: أنيت وأنيت بالتشديد وتأنيت، قال القاضي عياض: الأناة: تربصه حتى نظر في مصالحه ولم يعجل، والحلم: هو القول الذي قاله الدال على صحة عقله وجودة نظره في العواقب (¬3). وقد روي في غير المصنف أنه لما نادى قومه لبس ثيابه الجدد، ثم أقبل إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على حال هدوء وسكينة، فأجلسه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى جانبه، ثم إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لوفد عبد القيس: "تبايعون على أنفسكم ¬

_ (¬1) سبق برقم 3690. (¬2) "صحيح مسلم" (17/ 25) من حديث ابن عباس، (18) من حديث أبي سعيد الخدري. (¬3) "إكمال المعلم" 1/ 234.

وعلى قومكم؟ " فقال القوم: نعم. فقال الأشج: يا رسول اللَّه، إنك لم تزاول الرجل على أشد من دينه، نبايعك على أنفسنا وترسل معنا من يدعوهم، فمن اتبعنا كان منا ومن أبى قاتلناه. قال: "صدقت، إن فيك لخصلتين" (¬1). (قال: يا رسول اللَّه، أنا أتخلق بهما) أي: أنا أكتسبهما تخلقًا لي (أم اللَّه جبلني عليهما؟ قال: بل اللَّه جبلك عليهما) والجبلّة -بتشديد اللام- الخلقة. (قال: الحمد للَّه الذي جبلني على خلقين) يعني (¬2): طبعين، وجبلتين (يحبهما اللَّه ورسوله) فيه من الفقه جواز مدح الإنسان في وجهه مشافهة بما فيه من الصفات الحسنة ترغيبًا له في المحافظة عليها والتمسك بها، لكن لا يمدح الرجل في وجهه إلا إذا أمنت عليه الفتنة والعجب بنفسه، كما مدح أبو بكر وعمر وغيرهما من أكابر الصحابة في وجوههما، إذ الأصل يمنع من ذلك؛ لقوله عليه السلام: "إياكم والمدح فإنه الذبح" (¬3) وقوله في الحديث المتفق عليه للمادح: "قطعت عنق صاحبك" (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: شرح مسلم" للنووي 1/ 189. (¬2) في (م): أي. (¬3) رواه الطبري في "تهذيب الآثار مسند عمر" (136)، والقضاعي في "مسند الشهاب" 2/ 94 (953)، والديلمي كما في "الفردوس" 1/ 384 (1543) من حديث معاوية -رضي اللَّه عنه-. (¬4) "صحيح البخاري" (2662)، (6061)، "صحيح مسلم" (3000) من حديث أبي بكرة مرفوعًا.

وفيه من الفقه: حمد اللَّه وشكره على ما أنعم عليه من النعم التي لا يعلمها. * * *

163 - باب في الرجل يقول: جعلني الله فداك

163 - باب فِي الرَّجُلِ يَقُولُ: جعَلَني اللَّهُ فِداكَ 5226 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ ح، وَحَدَّثَنا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنا هِشامٌ، عَنْ حَمّادٍ -يَعْنِيانِ: ابن أَبي سُلَيْمانَ-، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبي ذَرٍّ قالَ: قالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا أَبا ذَرٍّ". فَقُلْتُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنا فِداؤُكَ (¬1). * * * باب في الرجل يقول: جعلني فداك [5226] (حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، ح، وحدثنا مسلم) ابن إبراهيم الفراهيدي. (ثنا هشام، عن حماد، يعنيان جميعًا) حماد (ابن أبي سليمان) مسلم مولى إبراهيم بن أبي موسى الأشعري، أخرج له الشيخان. (عن زيد بن وهب، عن أبي ذر) جندب بن جنادة الغفاري. (قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أبا ذر) كذا في بعض النسخ على النداء، وفي أكثرها: "أبو ذر"، وتوجيهه أنه مرفوع على الحكاية، حذف القول تقديره: يا من يقال له: أبو ذر، كما في قوله تعالى: {يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} (¬2)، كأنه قيل: الذي يقال له هذا اللفظ، وهو من الحكاية التي جاءت بدون سؤال، ومنه قول من قال: دعنا من تمرتان. ومنه قول الشاعر: ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6268)، ومسلم (991). (¬2) الأنبياء: 60.

وأجبت قائل: كيف أنت بصالحُ ... حتى مللت وَمَلني عُوَّادي (¬1) فأدخل الباء على لفظة صالح وجعله مرفوعًا على الحكاية، ومنه ما وجد في خط الصحابة -رضي اللَّه عنهم- فلان بن أبو فلان، كأنه قيل: المقول فيه: أبو فلان. قال ابن أبي القاسم: والمختار عند المحققين أن يقرأ بالواو، تنبيهًا على أن المنطوق به منقول عن أبو فلان بالواو (¬2). (فقلت: لبيك) الأظهر أن معناها: إجابة لك بعد إجابة للتأكيد، وقيل: أنا مقيم على طاعتك. (وسعديك) أي: ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة. (يا رسول اللَّه وأنا فداؤك) بكسر الفاء والمد، وبالفتح مع القصر، يقال: فداه بنفسه وفدّاه بالتشديد: إذا قال له: جعلني اللَّه فداك. وفيه حجة على جواز تفدية الرجل بأبويه أو نفسه، خلافًا لمن ظن أن تفدية النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بأبويه إنما كان لأن أبويه كانا كافرين، فأما المسلم فغير جائز أن يفدي مسلمًا ولا كافرًا بنفسه. واستدلوا بما روى أبو سلمة، عن مبارك، عن الحسن، قال: دخل الزبير على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو شاكٍ فقال: كيف تجدك، جعلني اللَّه فداك؟ فقال: "ما تركت أعرابيتك بعد". ¬

_ (¬1) هذا البيت لبشار بن برد. وانظره في "شرح الكافية الشافية" 4/ 1721، 5/ 84، و"مغني اللبيب عن كتب الأعاريب" ص 551. (¬2) انظر: "شرح الكافية الشافية" 4/ 1722. وفيه: (يقرأ بالياء) بدل (يقرأ بالواو).

وقال الحسن: لا ينبغي أن يفدي أحدًا أحدٌ (¬1). وروى المنكدر عن أبيه قال: دخل الزبير. . فذكره (¬2)، وهذِه أخبار واهية لا تعارض الأحاديث الصحيحة. وقد قيل: إن مراسيل الحسن أكثرها صحت من غير سماع، والمنكدر بن محمد لا يعتمد نقله عند أهل النقل، وهذِه التفدية إنما يراد تعظيم المدعو له وإكثاره؛ لأن الإنسان لا يفتدي إلا من يعظمه ويحبه فيبذل نفسه له. * * * ¬

_ (¬1) رواه البيهقي في "الشعب" 6/ 459 (8892) من طريق أبي نعيم عن مبارك به بلفظ النبي: "أما تركت أعرابيتك؟ ! أما علمت أن المسلم لا يفدي المسلم" دون قول الحسن. وقال البيهقي عقبه: فهذا منقطع، وإن صح فهو محمول على التنزيه. ذكره الهندي في "كنز العمال" 3/ 888 (9042) بلفظ الحسن. (¬2) ذكره الهندي في "كنز العمال" 3/ 886 (9035) وعزا تخريجه لابن جرير، وقال: قال ابن جرير: هذا مرسل، رواه المنكدر بن محمد عند أهل النقل ممن لا يعتمد على نقله.

164 - باب في الرجل يقول أنعم الله بك عينا

164 - باب فِي الرَّجُلِ يَقُولُ أَنْعَمَ اللَّهُ بِكَ عيْنًا 5227 - حَدَّثَنا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتادَةَ أَوْ غَيْرِهِ أَنَّ عِمْرانَ بْنَ حُصَيْنٍ قالَ: كُنّا نَقُولُ في الجاهِلِيَّةِ أَنْعَمَ اللَّه بِكَ عَيْنًا وَأَنْعِمْ صَباحًا، فَلَمّا كانَ الإِسْلامُ نُهِينا عَنْ ذَلِكَ. قالَ عَبْدُ الرَّزّاقِ قالَ مَعْمَرٌ يُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: أَنْعَمَ اللَّهُ بِكَ عَيْنًا وَلا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَيْنَكَ (¬1). * * * باب في الرجل يقول: أنعم اللَّه بك عينا [5227] (حدثنا سلمة بن شبيب) النيسابوري، نزيل مكة، شيخ مسلم (حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن قتادة أو غيره، أن عمران ابن حصين رضي اللَّه عنهما قال: كنا نقول في الجاهلية: أنعم بك عينًا وأنعم صباحًا) وكذا قال مطرف: لا تقل: نعم اللَّه بك عينًا، فإن اللَّه لا ينعم بأحد عينًا (¬2). قال الزمخشري: الذي منع منه مطرف صحيح فصيح في كلامهم، و (عينًا) نصب على التمييز من الكاف، وأما الباء فللتعدية، والمعنى: نعمك اللَّه عينًا، أي: نعم اللَّه عينك وأقرها، وأما قوله: أنعم اللَّه بك عينًا. فالباء فيه زائدة؛ لأن الهمزة كافية في التعدية، تقول: نعم زيد ¬

_ (¬1) رواه معمر في "الجامع" 10/ 385 (19437)، ومن طريقه البيهقي في "شعب الإيمان" 6/ 459 (8893). وضعفه الألباني. (¬2) رواه أبو نعيم في "الحلية" 2/ 203.

عينا، وأنعمه اللَّه عينا، ويجوز أن يكون من أنعم: إذا دخل في النعيم، كما يقال: أنجد: إذا دخل في بلاد نجد. قال: ولعل مطرف خُيِّل إليه أن انتصاب التمييز في هذا الكلام عن الفاعل، فاستعظم ذلك، وتعالى اللَّه أن يوصف بالحواس علوًّا كبيرًا، كما يقولون: نعمت بهذا الأمر عينًا، والباء للتعدية، فحسب أن الأمر في نعم اللَّه بك (¬1). انتهى. والصحيح الجواز، والمراد به: أقر اللَّه بك عين من يحبك ونعمه برؤيتك. (فلما كان) أي: وجد (الإسلام نهينا عن ذلك) وعلى هذا فالكراهة عنده كراهية تنزيه لا تحريم، والصحيح الجواز. (قال عبد الرزاق: قال معمر -رضي اللَّه عنه-: يكره أن يقول الرجل: أنعم اللَّه بك عينًا) عينا كما تقدم (ولا بأس أن يقول: أنعم اللَّه عينك) قيل: معناه: أنامها في رفاهية. وقيل: متعها بالنظر إلى ما يحبه وأقرها به سرورًا. * * * ¬

_ (¬1) "الفائق في غريب الحديث" 4/ 6 - 7، وانظر "النهاية في غريب الحديث والأثر" 5/ 85.

166 - باب في قيام الرجل للرجل

166 - باب في قِيامِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ 5229 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، عَنْ أَبي مِجْلَزٍ قالَ: خَرَجَ مُعاوِيَةُ عَلَى ابن الزُّبَيْرِ وابْنِ عامِرٍ فَقامَ ابن عامِرٍ وَجَلَسَ ابن الزُّبَيْرِ فَقالَ مُعاوِيَةُ لابْنِ عامِرِ: اجْلِسْ فَإِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَمْثُلَ لَهُ الرِّجالُ قِيامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النّارِ" (¬1). 5230 - حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ أَبي العَنْبَسِ، عَنْ أَبي العَدَبَّسِ، عَنْ أَبي مَرْزُوقٍ، عَنْ أَبي غالِبٍ، عَنْ أَبي أُمامَةَ قالَ خَرَجَ عَلَيْنا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مُتَوَكِّئًا عَلَى عَصًا فَقُمْنا إِلَيْهِ فَقالَ: "لا تَقُومُوا كَما تَقُومُ الأَعاجِمُ يُعَظِّمُ بَعْضُها بَعْضًا" (¬2). * * * باب في قيام الرجل للرجل [5229] (حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد، عن حبيب) (¬3) ضد العدو (بن الشهيد) الأزدي البصري (عن أبي (¬4) مجلز) بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام بعدها زاي، اسمه لاحق بن حميد بن سعيد السدوسي. ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2755)، وأحمد 4/ 91. وصححه الألباني. (¬2) رواه ابن ماجه (3836)، وأحمد 5/ 253. وضعفه الألباني. وله شاهد من حديث جابر عند مسلم (413). (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) فوقها في (ل): (ع).

(قال: خرج معاوية) بن أبي سفيان (على) عبد اللَّه (ابن الزبير -رضي اللَّه عنهم- و) عبد اللَّه (ابن عامر) بن كريب (فقام ابن عامر وجلس) عبد اللَّه (ابن الزبير، فقال معاوية لابن عامر: اجلس) رواه الترمذي بلفظ: خرج معاوية فقام عبد اللَّه بن الزبير وابن صفوان حين رأوه، فقال: اجلسا (¬1). (فإني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول) ولعل ابن صفوان هو محمد بن صفوان الأنصاري الصحابي، له حديث في "مسند أحمد" في ذبح الأرنب (¬2). (من أحبّ أن) وروي: "من سرّه" (¬3) تفسيرية (تمثل) (¬4) بفتح التاء وضم الثاء المثلثة (له الرجال قيامًا) أي: يقومون له قيامًا وهو جالس، يقال: مثل الرجل يمثل مثولًا: إذا انتصب قائمًا، وإنما نهي عنه لأنه من زي (¬5) الأعاجم، كما سيأتي في كلام المصنف، ولأن الباعث له الكبر وإذلال الناس له بأن يمثلوا قيامًا بين يديه طول جلوسه، فالنهي هنا ليس للقائم للإكرام، بل للذي يقام له، نهي عن سروره بما يفعل له؛ لما فيه من رؤية المنزلة له في نفسه. ورواه بعضهم: "من سره أن يقوم له الرجال صفونًا" (¬6) بالنون، ¬

_ (¬1) "سنن الترمذي" (2755). (¬2) "مسند أحمد" 3/ 471. (¬3) رواه الترمذي (2755). (¬4) بعدها في (ل)، (م): يتمثل. وعليها: خـ. (¬5) الزي: هو الشارة والهيئة، انظر: "جمهرة اللغة" 1/ 132. (¬6) ذكره الزمخشري في "الكشاف" 4/ 19، وقال الزيلعي في "تخريج أحاديث الكشاف" 3/ 189: غريب.

والصافن هو الذي أطال القيام فاحتاج لطول قيامه أن يرفع إحدى رجليه ليستريح، وكذلك الصافن من الدواب، كما قال تعالى: {الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ} (¬1) (فليتبوأ مقعده من النار) أي: لينزل منزله الذي يستحق في النار، يقال: بوأه اللَّه منزلًا. أي: أسكنه، والمباءة: المنزل. [5230] (ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا عبد اللَّه بن نمير، عن مسعر، عن أبى العنبس) بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح الموحدة بعدها سين مهملة. قيل: اسمه الحارث بن عبيد، مقبول (¬2). (عن أبي العدبس) بفتح العين والدال المهملتين والباء الموحدة المشددة، بعدها سين مهملة، قال أبو حاتم: اسمه تبيع بن سليمان (¬3) الكوفي، وهو الأصغر، وجعله بعضهم هو والأكبر واحدًا (¬4)، والأكبر مقبول. (عن أبي مرزوق) وقيل: عن أبي العدبس عن أبي أمامة. والصواب ما ذكره المصنف، وأبو مرزوق لين لا يعرف اسمه، كما قال شيخنا (¬5). (عن أبي غالب) واسمه حزور بفتح الحاء المهملة والزاي والواو المشددة. قال موسى بن هارون: ثقة (¬6). ¬

_ (¬1) ص: 31. (¬2) انظر: "تقريب التهذيب" (8283). (¬3) "الجرح والتعديل" 2/ 447 (1797). (¬4) في (ل)، (م): واحد. والجادة ما أثبتناه. (¬5) "تقريب التهذيب" (8353). (¬6) انظر: "تاريخ دمشق" 12/ 369 - 370، "تهذيب الكمال" 12/ 197، "تهذيب التهذيب"4/ 570.

وقال الدارقطني مرة: ثقة (¬1). وقال يحيى بن معين: صالح الحديث (¬2). وقال مرة: ليس به بأس (¬3). (عن أبي أمامة) صدي بن عجلان الباهلي -رضي اللَّه عنه-. (قال: خرج علينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- متوكئًا) أي: معتمدًا (على عصا) فيه: فضيلة اتخاذ العصا والمشي عليها، لا سيما للمشايخ، فإن فيها منافع كثيرة غير الاعتماد، كما في قضية موسى عليه السلام: {أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي} (¬4) ومِنْ ثَمَّ اتخذها مشايخ الصوفية، كما في قضية العنزة التي كانت تركز في الأرض فيصلي إليها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. (فقمنا إليه) إكرامًا له وتعظيمًا لشأنه. (فقال: لا تقوموا) لي (كما تقوم الأعاجم) وروي: "كما تصنع الأعاجم" (¬5). (يعظم بعضهم بعضًا) والمراد بالأعاجم: فارس والروم؛ بدليل رواية مسلم " [إن] (¬6) كدتم تفعلون فعل فارس والروم، يقومون على ملوكهم وهم قعود، فلا تفعلوا" (¬7). وفيه: النهي عن قيام الغلمان والأتباع على رأس متبوعهم الجالس ¬

_ (¬1) "سؤالات البرقاني للدارقطني" (115). (¬2) "الجرح والتعديل" 3/ 316 (1411). (¬3) "تاريخ دمشق" 12/ 368. (¬4) طه: 18. (¬5) انظر: "إحياء علوم الدين" 2/ 205. (¬6) في (ل)، (م): من حديث إني كريم. والمثبت من "صحيح مسلم" (413). (¬7) "صحيح مسلم" (413) من حديث جابر مرفوعًا.

لغير حاجة؛ لأنه من أفعال المتكبرين، وأما القيام للوالد والفضلاء إذا دخلوا فليس من هذا، دلت عليه الأحاديث. * * *

165 - باب في الرجل يقول للرجل: حفظك الله

165 - باب فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِلرَّجُلِ: حَفِظَكَ اللَّهُ 5228 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ ثابِتٍ البُناني، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَباحِ الأَنْصاري قالَ: حَدَّثَنا أَبُو قَتادَةَ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كانَ في سَفَرٍ لَهُ فَعَطِشُوا، فانْطَلَقَ سَرَعانُ النّاسِ فَلَزِمْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَقالَ: "حَفِظَكَ اللَّهُ بِما حَفِظْتَ بِهِ نَبِيَّهُ" (¬1). * * * باب في الرجل يقول للرجل: حفظك (¬2) اللَّه [5228] (حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد، عن ثابت) بن أسلم (البناني) بضم الموحدة ونونين (عن عبد اللَّه بن رباح) الأنصاري، أخرج له مسلم (حدثنا أبو قتادة) الحارث بن ربعي. (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان في سفر له) سائرًا مع أصحابه (فعطشوا) بكسر الطاء (فانطلق سرعان) بفتح السين والراء (الناس) جمع سريع. أي: أخفاؤهم والمستعجلون منهم إلى الماء، فلزمت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أحفظه من النعاس. لفظ رواية مسلم: بينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يسير حتى ابهار الليل وأنا إلى جنبه فنعس، فمال عن راحلته، فدعمته من غير أن أوقظه حتى اعتدل على راحلته، ثم سار، حتى تهور الليل مال عن راحلته، فدعمته من غير أن أوقظه حتى اعتدل، ثم سار، حتى إذا كان من آخر الليل مال ¬

_ (¬1) رواه مسلم (681/ 311). (¬2) في الأصول: حفظ. والمثبت كما في "سنن أبي داود".

ميلة هي أشد من الميلتين الأوليين، حتى كان ينجفل، فدعمته، فرفع رأسه فقال: "من هذا؟ " قلت: أبو قتادة. قال: "متى كان مسيرك مني؟ " قلت: ما زال مسيري منك. قال: "حفظك اللَّه بما حفظت به نبيه" (¬1) (¬2). (فقال: حفظك) بكسر الفاء، هو ماض بمعنى الأمر، أي: اللهم احفظه، كما في الحديث قبله ضده، وهو أمر بمعنى الماضي في قوله: "فليتبوأ مقعده من النار" أي: تبوأ له مقعدًا في النار؛ ولهذا جاء الماضي بعده متصلًا بتاء الخطاب في قوله: "بما حفظت به نبيه" -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفي بعض النسخ: "نبيك" أيضًا بكاف الخطاب، ولعل المراد بقوله: بما حفظ به نبيه في قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}، ويحتمل أن يراد به قوله تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ} على قول من قال: المراد بها نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم-. وفيه دليل على استحباب الدعاء لمن صنع إليه معروفًا، ويدل عليه قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من صنع إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تقدروا فادعوا له" كما تقدم (¬3). * * * ¬

_ (¬1) في (م): نبيك. (¬2) "صحيح مسلم" (681/ 311). (¬3) سبق برقم (1672).

167 - باب في الرجل يقول فلان يقرئك السلام

167 - باب فِي الرَّجُلِ يَقُولُ فُلانٌ يُقْرِئُكَ السَّلامَ 5231 - حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ، عَنْ غالِبٍ قالَ: إِنّا لَجُلُوسٌ بِبابِ الحَسَنِ إِذْ جاءَ رَجُلٌ فَقالَ: حَدَّثَني أَبي، عَنْ جَدّي قالَ: بَعَثَني أَبي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالَ ائْتِهِ فَأَقْرِئْهُ السَّلامَ. قالَ: فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: إِنَّ أَبي يُقْرِئُكَ السَّلامَ. فَقالَ: "عَلَيْكَ وَعَلَى أَبِيكَ السَّلامُ" (¬1). 5232 - حَدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمانَ، عَنْ زَكَرِيّا، عَن الشَّعْبي، عَنْ أَبي سَلَمَةَ أَنَّ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها حَدَّثَتْهُ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ لَها: "إِنَّ جِبْرِيلَ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلامَ". فَقالَتْ: وَعلَيْه السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ (¬2). * * * باب في الرجل يقول: فلان يقرئك السلام [5231] (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا إسماعيل، عن غالب) بن خطاف بضم الخاء المعجمة، ويقال بفتحها، ثم طاء مهملة مشددة، ثم فاء، ابن أبي غيلان القطان البصري، صدوق (قال: إنّا) بتشديد النون (لجلوس بباب الحسن) بن أبي الحسن البصري لنأخذ عنه الحديث، وقال غالب القطان عن بكر بن عبد اللَّه قال: من سره أن ينظر إلى أعلم عالم أدركناه فلينظر إلى الحسن، فما رأينا فيمن أدركناه أعلم منه (¬3). (إذ جاء رجل فقال: حدثني أبي عن جدي) وأخرجه النسائي وقال ¬

_ (¬1) سبق برقم (1672)، (5109) من حديث ابن عمر مرفوعًا. (¬2) سبق برقم (2934). (¬3) رواه البخاري (6253)، ومسلم (2447).

فيه: عن رجل من بني نمير، عن أبيه، عن جده (¬1) (قال: بعثني أبي إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: ائته فأقرئه) [بهمزة قبل الهاء] (¬2) (مني السلام) وهو بوصل الهمزة وقطعها. قال الجوهري: فلان قرأ عليك السلام، وأقرأك السلام بمعنًى (¬3). وقال اليحصبي: يقال: قرأته السلام، وهو يُقرئك السلام. بضم الياء (¬4). (فأتيته فقلت: إن أبي يقرئك السلام) وهذا الحديث قد عمل به أصحابنا وإن كان ضعيفًا؛ لأن في رواته مجاهيل، لأنه من فضائل الأعمال، لكنهم فرقوا بين المبلغ والمرسل، فإذا بعث الرجل سلامًا إلى أخيه مشافهة أو في ورقة فهو سنة جاءت بها الأحاديث الصحيحة، ويجب على من وصل إليه السلام من المبلغ أن يرد عليه السلام على الفور، يجب الرد إذا قرأ الكتاب في الحال، ويجب على الرسول أن يبلغ السلام إلى صاحبه، فإنه أمانة، ويجب أداء الأمانة، كما صرح به النووي في "الروضة" (¬5) وغيره. وروى أيوب عن أبي قلابة أن رجلًا أتى سلمان الفارسي فقال له: إن أبا الدرداء يقول: عليك السلام. قال: متى قدمت؟ قال: منذ ثلاث. قال: أما إنك لو لم تؤدها كانت أمانة عندك (¬6). ¬

_ (¬1) "السنن الكبرى" 6/ 101 (10205). (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) "الصحاح" 1/ 65. (¬4) "إكمال المعلم" 7/ 455، وفيه (أقرأته) بدل (قرأته). (¬5) 10/ 233 - 234. (¬6) رواه معمر في "الجامع" 10/ 393 (19464)، والبيهقي 6/ 465 (8921).

(قال: عليك وعلى أبيك السلام) فيه: حجة لما قاله أصحابنا أن المسلم عليه إذا بلغه الرسول رسالة السلام فيستحب أن يرد السلام أولًا على الرسول المبلغ، ويجب أيضًا أن يرد السلام على من أرسل السلام في الحال (¬1)، فيقول: وعليك وعلى فلان السلام [ويسن أن يزيد: ورحمة اللَّه وبركاته، ويجوز أن يقدم ويؤخر، فيقول: وعلى فلان السلام] (¬2) وعليك ورحمة اللَّه وبركاته، لما روى النسائي عن أنس قال: جاء جبريل إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وعنده خديجة فقال: إن اللَّه يقرئ خديجة السلام، فقالت: إن اللَّه هو السلام، وعلى جبريل السلام، وعليك السلام ورحمة اللَّه (¬3). [5232] (ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا عبد الرحيم بن سليمان) (¬4) المروزي بالكوفة. (عن زكريا) بن أبي زائدة الهمداني (عن) عامر بن شراحيل (الشعبي، عن أبي سلمة) ابن عبد الرحمن. (أن عائشة حدثته أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لها: إن جبريل عليه السلام يقرأ عليك السلام) فيه فضيلة ظاهرة لعائشة. وفيه استحباب بعث السلام مشافهة أو في ورقة كما تقدم. ويجب على الرسول تبليغه. وفيه بعث الأجنبي ¬

_ (¬1) انظر: "روضة الطالبين" 10/ 234. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬3) "السنن الكبرى" 5/ 94 (8359) بزيادة (وبركاته)، وفي 6/ 101 (10206) بدون هذِه الزيادة. (¬4) فوقها في (ل): (ع).

السلام إلى الأجنبية الصالحة إذا لم يخف ترتب مفسدة. (فقالت: عليه السلام ورحمة اللَّه وبركاته): يستحب في الرد أن يقول: وعليك أو: عليك السلام، وحذفها وحذف الواو جائز على الصحيح، ويكون تاركًا للأفضل. وقال بعض أصحابنا: لا يجزئه. ومعنى: (يقرأ عليك السلام) يسلم عليك. وفي هذا دليل على أن رد السلام على المبلغ يستحب، وليس بواجب، إذ لو كان واجبًا لما تركته عائشة، ولما أقرها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على ذلك، فإنه لا يقر على ترك واجب ولا فعل محرم. وفي بعض نسخ الصحيحين زيادة: وبركاته (¬1). * * * ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (3217)، وفي المطبوع من "صحيح مسلم" (2447) بدون لفظ (وبركاته).

168 - باب في الرجل ينادي الرجل فيقول: لبيك

168 - باب فِي الرَّجُلِ يُنادي الرَّجُلَ فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ 5233 - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، أَخْبَرَنا يَعْلَى بْنُ عَطاءٍ، عَنْ أَبي هَمّامٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسارٍ أَنَّ أَبا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الفِهْري قالَ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- حُنَيْنًا فَسِرْنا في يَوْمٍ قائِظٍ شَدِيدِ الحَرِّ، فَنَزَلْنا تَحْتَ ظِلِّ الشَّجَرَةِ، فَلَمّا زالَتِ الشَّمْسُ لَبِسْتُ لأمَتي وَرَكِبْتُ فَرَسي، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَهُوَ في فُسْطاطِهِ، فَقلْتُ: السَّلامُ عَلَيْكَ يا رَسُولَ اللَّهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ، قَدْ حانَ الرَّواحُ، فَقالَ: "أَجَلْ". ثُمَّ قالَ: "يا بِلالُ قُمْ". فَثارَ مِنْ تَحْتِ سَمُرَةٍ كَأَنَّ ظِلَّهُ ظِلُّ طائِرٍ فَقالَ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَأَنا فِداؤُكَ. فَقالَ: "أَسْرِجْ لي الفَرَسَ". فَأَخْرَجَ سَرْجًا دَفَّتاهُ مِنْ لِيفٍ لَيْسَ فِيهِ أَشَرٌ وَلا بَطَرٌ فَرَكِبَ وَرَكِبْنا. وَساقَ الحَدِيثَ. قالَ أَبُو داوُدَ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الفِهْري لَيْسَ لَهُ إِلَّا هذا الحَدِيثٌ وَهُوَ حَدِيثٌ نَبِيلٌ جاءَ بِهِ حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ (¬1). * * * باب في الرجل ينادي الرجل يقول: لبيك [5233] (حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد، أبنا يعلى بن عطاء) الطائفي (¬2)، نزل واسط، أخرج له مسلم (¬3). (عن أبي همام عبد اللَّه بن يسار) بالمثناة تحت والمهملة، الكوفي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 286، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 2/ 142 (863). وحسنه الألباني. (¬2) في (ل)، (م): الطائف. والمثبت من كتب التراجم. (¬3) في "صحيحه" في موضعين برقم (1835/ 33)، (2231/ 126). (¬4) 5/ 51.

(أن أبا عبد الرحمن) قيل: اسمه يزيد بن أنيس بن عبد اللَّه (الفهري) بكسر الفاء وسكون الهاء، نسبة إلى فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، شهد غزوة حنين وفتح مصر، له حديث. (قال: شهدت مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حنينًا) في السنة الثامنة من الهجرة (فسرنا في يوم قائظ) بالقاف والظاء المعجمة أي: (شديد الحر) ومنه حديث أشراط الساعة: "إن الولد غيظًا والمطر قيظًا" (¬1) لأن المطر إنما يراد للنبات وبرد الهواء، والقيظ ضد ذلك. (فنزلنا منزلًا (¬2) تحت ظل الشجر، فلما زالت الشمس لبست لأمتي) اللأمة بهمزة ساكنة بعد اللام، وقد تترك الهمزة تخفيفًا، وهي الدرع التي تلبس للقتال، وهي من حديد كالقميص، وقيل: هي السلاح. جمعها: لؤم وزان غرف على غير قياس. والقياس: لأم، كتمر مع تمرة. وفي الحديث: تجلببوا السكينة وأكملوا اللؤم (¬3). ¬

_ (¬1) رواه الطبراني 10/ 228 (10556) وفي "المعجم الأوسط" 5/ 127 (4861) من حديث ابن مسعود مرفوعًا، ورواه الطبراني في "المعجم الأوسط" 6/ 284 (6427) من حديث عائشة مرفوعًا. وضعفه العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" 1/ 492 (1879)، والهيثمي في "المجمع" 7/ 323 وقال: رواه -أي: حديث ابن مسعود- الطبراني في "الأوسط"، و"الكبير"، وفيه: سيف بن مسكين، وهو ضعيف. وفي 7/ 325: رواه -أي: حديث عائشة- الطبراني في "الأوسط"، وفيه جماعة لم أعرفهم. والألباني في "الضعيفة" (6160). (¬2) ليست في المطبوع من "السنن". (¬3) هذا القول لعلي -رضي اللَّه عنه- في يوم صفين من رواية ابن عباس، انظر: "غريب الحديث" لابن قتيبة 2/ 126، و"النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير 4/ 220.

(وركبت فرسي فأتيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو في فسطاطه) قال الزمخشري: هو ضرب من الأبنية في السفر دون السرادق (¬1). وبه تسمى المدينة. قال الجوهري: كل بيت كرسف سرادق (¬2). وكان فسطاطه -صلى اللَّه عليه وسلم- يسمى الكِنّ بكسر الكاف وتشديد النون. (فقلت: السلام عليك يا رسول اللَّه ورحمة اللَّه وبركاته) فيه: أن الماشي يسلم على القاعد، والصغير القدر على الكبير القدر، وفيه: السلام على الكبير بذكر اسمه الذي فيه تعظيم نحو: السلام عليك يا أستاذنا أو شيخنا أو بركتنا، ونحو ذلك. (قد حان الرواح) قد يحتج به من يخص الرواح بما بعد الزوال إلى آخر النهار. وقال الأزهري: الرواح والغدو عند العرب يستعملان في المسير أي وقت كان من ليل أو نهار (¬3). (قال: أجل) بتخفيف اللام بمعنى نعم وزنًا ومعنى. وفيه دليل على عرض الرجل ما رأى فيه مصلحة على الأمير أو المعلم أو من هو أجل منه وتذكيره به، فإن رأى في ذلك مصلحة وإلا تركه. (ثم قال: يا بلال. فثار) بالثاء المثلثة، أي: نهض إليه (من تحت) شجرة (سمرة) بضم الميم جمعها: سمر، وهو شجر الطلح، وهو نوع من العضاه، والشجرة التي كانت تحتها بيعة الرضوان عام الحديبية كانت سمرة أيضًا. وفي بعض النسخ: من تحت شجرة. ¬

_ (¬1) "الفائق" 30/ 116. (¬2) "الصحاح" 4/ 1496. (¬3) "الزاهر" ص 134.

(كأن) بتشديد النون (ظله) في الشمس (ظل طائر) مبالغة في رقته ونحافة جسمه، وكان طويلًا شديد الأدمة خفيف نبات العارضين. (فقال: لبيك) يا رسول اللَّه (وسعديك، وأنا فداؤك) تقدم في حديث أبي ذر -رضي اللَّه عنه- (¬1) (فقال: أسرج) بفتح الهمزة وكسر الراء (لي الفرس) يقال: أسرجت الفرس. بالألف: إذا شددت عليه سرجه، وكذا إذا عملت له سرجًا (فأخرج) من أمتعته (سرجًا دفّتاه) بتشديد الفاء، أي: جهتاه من الجانبين (من ليف) فيه ما كان عليه -صلى اللَّه عليه وسلم- من التقشف وخشونة العيش ورثاثة الآلات والأمتعة والتقلل من الدنيا. (ليس فيه أشر ولا بَطَر) قيل: هما بمعنى واحد، وقيل: الأشر شره البطر، والبطر هو الطغيان عند النعمة وطول الغناء (فركب) الفرس (وركبنا) دوابنا (وساق الحديث) إلى آخره. (قال المصنف: رواه عبد الرحمن الفهري، ليس له إلا هذا الحديث، وهو حديث نبيل جاء به حماد بن سلمة). * * * ¬

_ (¬1) تقدم قريبًا برقم (5226).

169 - باب في الرجل يقول للرجل: أضحك الله سنك

169 - باب فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِلرَّجُلِ: أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ 5234 - حَدَّثَنا عِيسَى بْن إِبْراهِيمَ البِرَكي وَسَمِعْتُهُ مِنْ أَبي الوَلِيدِ الطَّيالِسي وَأَنا لِحَدِيثِ عِيسَى أَضْبَطُ قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ القاهِرِ بْنُ السَّري -يَعْني: السُّلَمي- حَدَّثَنا ابن كِنانَةَ بْنِ عَبّاسِ بْنِ مِرْداسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قالَ: ضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ أَوْ عُمَرُ: أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ. وَساقَ الحَدِيثَ (¬1). * * * باب في الرجل يقول: أضحك اللَّه سنك [5234] (ثنا عيسى بن إبراهيم) الشعيري بالمعجمة (البرير) قال ابن السمعاني: بكسر الباء المنقوطة بواحدة وفتح الراء نسبة إلى البرك، وهي سكة معروفة بالبصرة، والبرك بالبصرة، وكان ينزل مكة (¬2) (¬3). صدوق وربما وهم. (وسمعته من أبي الوليد) هشام (¬4) بن عبد الملك الطيالسي (وأنا لحديث عيسى) بن إبراهيم (أضبط). (ثنا عبد القاهر بن السري) بن عبد اللَّه بن كنانة [(السلمي) بفتح السين، أبو رفاعة البصري، مقبول (ثنا) عبد اللَّه (ابن كنانة)] (¬5) بكسر ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (3013)، وعبد اللَّه بن أحمد في زوائده على "المسند" 4/ 14. وضعفه الألباني. (¬2) في "الأنساب": سكة. (¬3) "الأنساب" 2/ 178 - 179. (¬4) في (م): الغلام. (¬5) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

الكاف (بن عباس بن مرداس) السلمي (عن أبيه، عن جده) عباس بن مرداس بن أبي عامر السلمي، أسلم قبل الفتح وقتله الجن. زاد ابن ماجه: دعا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لأمته عشية عرفة بالمغفرة، فأجيب: "إني قد غفرت لهم ما خلا الظالم"، قال: "أي رب، إن شئت أعطيت المظلوم من الجنة وغفرت للظالم" فلم يجب (¬1) عشية عرفة، فلمَّا أصبح بالمزدلفة أعاد الدعاء فأجيب إلى ما سأل (¬2). (قال: ضحك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) أو قال: تبسم (فقال له أبو بكر أو عمر رضي اللَّه عنهما: أضحك اللَّه سنك) فيه: استحباب الدعاء للشيخ أو العالم الكبير إذا رآه يضحك أو يتبسم، فإنه لا يضحك إلا لبشارة أو تجدد ما فيه مصلحة للمسلمين، فيسر بذلك أو يتبسم، فيدعى له بأن يديم له السرور الذي يضحك منه (وساق الحديث). وزاد ابن ماجه: ما الذي أضحكك، إن هذِه لساعة ما كنت تضحك فيها؟ قال: "إن عدو اللَّه إبليس لما علم أن اللَّه قد استجاب دعائي وغفر لأمتي أخذ التراب فجعل يحثوه على رأسه وبدعو بالويل والثبور، فأضحكني ما رأيت من جزعه" (¬3). * * * ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): يجاب. والجادة ما أثبتناه كما في "سنن ابن ماجه". (¬2) "سنن ابن ماجه" (3013). (¬3) السابق.

170 - باب ما جاء في البناء

170 - باب ما جاءَ فِي البِناءِ 5235 - حَدَّثَنا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ، حَدَّثَنا حَفْصٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي السَّفَرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قالَ: مَرَّ بي رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَأَنا أُطَيَّنُ حائِطًا لي أَنا وَأُمّي فَقالَ: "ما هذا يا عَبْدَ اللَّهِ؟ ". فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ شَيء، أُصْلِحُهُ فَقالَ: "الأَمْرُ أَسْرَعُ مِنْ ذاكَ" (¬1). 5236 - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ وَهَنّادٌ -المَعْنَى- قالا: حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ بإِسْنادِهِ بهذا قالَ: مَرَّ عَلي رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَنَحْنُ نُعالِجُ خُصًّا لَنا وَهَي فَقالَ: "ما هذا؟ ". فَقُلْنا: خُصٌّ لَنا وَهَى فَنَحْنُ نُصْلِحُهُ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما أَرى الأَمْرَ إِلَّا أَعْجَلَ مِنْ ذَلِكَ" (¬2). 5237 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ حَكِيمٍ، قالَ: أَخْبَرَني إِبْراهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حاطِبٍ القُرَشي، عَنْ أَبي طَلْحَةَ الأَسَدي، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- خَرَجَ فَرَأى قُبَّةً مُشْرِفَةً فَقالَ: "ما هذِه؟ ". قالَ لَهُ أَصْحابُهُ: هذِه لِفُلانٍ -رَجُلٍ مِنَ الأَنْصارِ-. قالَ: فَسَكَتَ وَحَمَلَها في نَفْسِهِ حَتَّى إِذا جاءَ صاحِبُها رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُسَلِّمُ عَلَيْهِ في النّاسِ أَعْرَضَ عَنْهُ صَنَعَ ذَلِكَ مِرارًا، حَتَّى عَرَفَ الرَّجُلُ الغَضَبَ فِيهِ والإِعْراضَ عَنْهُ فَشَكا ذَلِكَ إِلَى أَصْحابِهِ فَقالَ: واللَّه إِنّي لأُنْكِرُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-. قالُوا: خَرَجَ فَرَأى قُبَّتَكَ. قالَ: فَرَجَعَ الرَّجُلُ إِلَى قُبَّتِهِ فَهَدَمَها حَتَّى سَوّاها بِالأَرْضِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- ذاتَ يَوْمٍ فَلَمْ يَرَها قالَ: "ما فَعَلَتِ القُبَّةُ؟ ". قالُوا: شَكا إِلَيْنا صاحِبُها إِعْراضَكَ عَنْهُ فَأَخْبَرْناهُ فَهَدَمَها. فَقالَ: ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2335)، وابن ماجه (4160)، وأحمد 2/ 161. وصححه الألباني. (¬2) انظر سابقه.

"أَما إِنَّ كُلَّ بِناءٍ وَبالٌ عَلَى صاحِبِهِ إِلَّا ما لا إِلَّا ما لا". يَعْني: ما لا بُدَّ مِنْهُ (¬1). * * * باب ما جاء في البناء [5235] (ثنا مسدد بن مسرهد، ثنا حفص) (¬2) بن غياث، النخعي، قاضي الكوفة (عن الأعمش عن أبي السفر) (¬3) سعيد بن محمد الهمداني (عن عبد اللَّه بن عمرو) بن العاص -رضي اللَّه عنه- (قال: مر بي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنا أطين حائطًا) أي: حائط خص (لي) بدليل الرواية الآتية، وهي رواية الترمذي وابن ماجه (¬4) (أنا وأمي) اسم أمه ريطة بنت منبه بن الحجاج السهمية (فقال: ما هذا) هو استفهام إنكار وتوبيخ (يا أبا عبد اللَّه؟ ) (¬5) فيه نداء الرجل بكنيته؛ لأن فيه نوع إكرام (فقلت: يا رسول اللَّه، شيء) أصلحه من بيتي (فقال: الأمر) أي: أمر الآخرة وهجوم الموت (أسرع من ذاك) (¬6) الذي تصلحه. ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (4161)، وأحمد 3/ 220. وصححه الألباني في "الصحيحة" (2830). وله شاهد عن خباب بن الأرت موقوفا عند البخاري (5672). (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) "سنن الترمذي" (2335)، "سنن ابن ماجه" (4160). (¬5) كذا في (ل)، (م)، وفي "سنن أبي داود": عبد اللَّه. وفي كتب التراجم كنيته: أبو عمر، أو أبو عبد الرحمن، أو أبو نصير. (¬6) بعدها في (ل)، (م): ذلك. وعليها: خـ.

[5236] (ثنا عثمان بن أبي شيبة وهناد) بن السري (المعنى قالا: ثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير. (عن الأعمش بإسناده هذا قال: مر علي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ونحن) [لفظ الترمذي وابن ماجه: مر علينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ونحن] (¬1) نعالج خصا (¬2). أي: نعمل، منه حديث العبد: "وليَ حره وعلاجه" (¬3) أي: عمله (نعالج خصا لنا) الخص بيت يعمل من الخشب والقصب، سُمِّي به لما فيه من الخصاص وهي الفرج والأثقاب، ومنه الحديث: أن أعرابيًّا أتى باب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فألقم عينه خصاصة الباب (¬4). أي: فرجته، وأنشد الجوهري: الخص وفيه تقر أعيننا ... خير من الأجر والكمد (¬5) والكمد هو الحزن المكتوم الذي يحصل من البناء (¬6) بالآجر والحجر (وهى) أي: تشقق أو خرب أو كاد (فنحن نصلحه، فقال: ما أرى) بضم الهمزة أي: أظن (الأمر) الذي ننتظره (إلا أعجل) أي: أسرع (من ذلك) الذي تصلحه. وفيه: الحث على المبادرة إلى الأعمال الصالحة واغتنامها ما دامت ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) "سنن الترمذي" (2335)، "سنن ابن ماجه" (4160). (¬3) رواه البخاري (5460) من حديث أبي هريرة مرفوعًا. (¬4) رواه النسائي 8/ 60 من حديث أنس. (¬5) "الصحاح" 3/ 1037، وعزاه الجوهري للفزاري. (¬6) ساقطة من (م).

المكنة قبل هجوم الموت وانقطاع الأمل، وترك الاشتغال بالأمور الدنيوية إلا ما لابد منه، ويكون قدر الضرورة دون زيادة عليها. [5237] (ثنا أحمد) بن عبد اللَّه (بن يونس) اليربوعي (حدثنا زهير، ثنا عثمان بن حكيم) بن عباد الأوسي، أخرج له مسلم. (أخبرني إبراهيم بن محمد بن حاطب) بالحاء المهملة الجمحي المدني، صدوق. (القرشي عن أبي طلحة الأسدي) لا يعرف اسمه، وهو مقبول، روى عن كبار التابعين. (عن أنس بن مالك أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خرج) يومًا ونحن معه (فرأى قبة) وهي بيت صغير مستدير (مشرفة) بفتح الشين والراء المشددة، أي: مرتفعة البناء (فقال: ما هذِه؟ ) القبة (فقال له أصحابه: ) هذِه قبة (لفلان، رجل) بالجر بدل مما قبله (من الأنصار) بناها له. وروى أبو داود في "المراسيل" أن العباس بن عبد المطلب بنى غرفة فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اهدمها أو تصدق بثمنها" (¬1). (فسكت وحملها في نفسه) وإن كان هو العباس فقد سكت إكرامًا لعظم حقه عنده، وسياق ما بعده (¬2) يدل على أنه غيره (حتى إذا جاء صاحبها) إلى (رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في) جملة (الناس أعرض عنه) ثم جاء فسلم عليه وعلى جملة من معه من الناس، فأعرض عنه (صنع ذلك مرارًا حتى عرف الرجل الغضب فيه) أي: في وجهه (والإعراض عنه). ¬

_ (¬1) "المراسيل" (495) بنحو هذا اللفظ. (¬2) في (م): تقدم.

ولابن ماجه لما قيل له عن القبة فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كل مال كان هكذا فهو وبال على صاحبه يوم القيامة" (¬1). (فشكا) الأنصاري (ذلك إلى أصحابه فقال: واللَّه إني لأنكر) حال (رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) في اجتماعي به (قالوا: خرج فرأى قبتك) التي بنيتها. وفيه: تأديب كل أحد بما يراه الأستاذ أو الحاكم، فمن الناس من يكون تأديبه بالعقوبة، ومنهم من يؤدبه بالقول الغليظ، ومنهم من يؤدبه بالإعراض عنه والهجر حتى يرجع. (قال: فرجع الرجل إلى قبته فهدمها حتى سواها بالأرض) طلبًا لرضا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. ولا يقال: إن هذا فيه إضاعة مال لا يجوز، بل إضاعة المال إنما كانت في عمارتها قد استهلكت، فإن المال المنفق فيها هو وبال عليه وهلاك له في عاقبته غير محترم، لكن مع هذا لا يجوز لغيره هدمه. (فخرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذات يوم) لحاجة له (فلم يرها، فقال: ما فعلت القبة؟ قالوا) له أصحابه: (شكا إلينا صاحبها إعراضك عنه). فيه: أن من رأى من شيخه أو أستاذه إعراضا لم يكن يعهده قبله فيسأل أصحابه عن ذلك، فإن كان عندهم من علم أخبروه عنه؛ ليخرج عن موجبه ويتوب منه، وإن لم يكن عندهم منه شكا إليه من ذلك. (فأخبرناه فهدمها، فقال: أما إن كل بناء) فهو (وبال على صاحبه) الوبال في الأصل الثقل والمكروه ويريد به في الحديث العذاب في ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (4161).

الآخرة وسوء العاقبة، والمراد بالبناء الذي هو وبال على صاحبه بناء القصور المشيدة والحصون المانعة والغرف المرتفعة فوق العقود المحكمة التي تتخذ للترفه ووصول الأهويه إلى النازل بها، ويرجون بذلك التمكن في الدنيا والتشبه بمن يتمنى الخلود في الدنيا ويلتهي بذلك عن ذكر الآخرة، فنسأل اللَّه تعالى العافية من ذلك. وقد ذم اللَّه تعالى فاعل ذلك بقوله تعالى {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129)} (¬1) قيل: المصانع هي القصور المشيدة وبروج الحمام. (إلا ما لا) فيه حذف تقديره: أن كل بناء فهو وبال على صاحبه إلا ما لا بد من فعله للإنسان مما يستره من الحر والبرد ويقيه فساد السباع ونحوها من اللصوص التي ترتفع على البناء القصير وتتسور الجدار لينزل على صاحب الجدار فيسرق ما يجده، فيباح ارتفاع الجدار بقدر ما يدفع ضرر المفسدين إلا ما لا بد للإنسان منه. ونظير هذا الحذف قول العرب: افعل هذا إما لا. أي: إن كنت لا تفعل غيره فافعله. ومما ورد في ذم البنيان ما رواه أبو داود في "المراسيل" عن عطية بن قيس قال: كان حجر أزواج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بجريد النخل، فخرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في مغزى له وكانت أم سلمة موسرة، فجعلت مكان الجريد لبنًا، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما هذا؟ " قالت: أردت أن أكف عني أبصار الناس. فقال: "إن شر ما ذهب فيه مال المرء المسلم البنيان" (¬2). ¬

_ (¬1) الشعراء: 129. (¬2) "المراسيل" (494).

وعن الحسن قال: لما بنى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المسجد قال: "ابنوه عريشًا كعريش موسى عليه السلام". قيل للحسن: وما عريش موسى؟ قال: إذا رفع يده بلغ العريش. يعني: السقف رواه ابن أبي الدنيا (¬1). وعن عمار بن عامر قال: إذا رفع الرجل بناء فوق سبع أذرع نودي: يا أفسق الفاسقين، إلى أين؟ رواه ابن أبي الدنيا موقوفًا (¬2)، ورفعه بعضهم (¬3). * * * ¬

_ (¬1) في "قصر الأمل" (286). (¬2) في "قصر الأمل" (250). (¬3) رواه أبو نعيم في "الحلية" 3/ 75 من حديث أنس مرفوعًا، وذكره المنذري في "الترغيب والترهيب" 3/ 306. ورواه ابن أبي الدنيا موقوفًا عليه، ورفعه بعضهم، ولا يصح. قال الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (1181): موضوع موقوف.

171 - باب في اتخاذ الغرف

171 - باب فِي اتَّخاذِ الغُرَفِ 5238 - حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُطَرِّفٍ الرُّؤاسي، حَدَّثَنا عِيسَى، عَنْ إِسْماعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ عَنْ دُكَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ المُزَني قالَ: أَتَيْنا النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَسَأَلْناهُ الطَّعامَ فَقالَ: "يا عُمَرُ اذْهَبْ فَأَعْطِهِمْ". فارْتَقَى بِنا إِلَى عِلِّيَّةٍ، فَأَخَذَ المِفْتاحَ مِنْ حُجْزَتِهِ فَفَتَحَ (¬1). * * * باب في اتخاذ الغرف [5238] (ثنا عبد الرحيم بن مطرف) بن أنيس أبو قدامة (الرؤاسي) بضم الراء وفتح الواو المهموزة وبعد الألف سين مهملة، نسبة إلى الرأس، حكاه ابن السمعاني. قال: والصحيح بالهمزة عوض الواو، وإنما أصحاب الحديث يقولونه بالواو فتبعناهم، وسمي بذلك لكبر رأسه (¬2). انتهى. وهو كوفي نزل سروج، وهو ثقة. (ثنا عيسى) (¬3) بن يونس بن أبي إسحاق عمرو الهمداني الكوفي. (عن إسماعيل) (¬4) بن أبي خالد الكوفي الحافظ. (عن قيس) بن أبي حازم البجلي التابعي الكبير، فاتته الصحبة بليال. ¬

_ (¬1) رواه أحمد 4/ 174، وابن حبان 14/ 462 (6528). وصحح إسناده الألباني. (¬2) "الأنساب" 6/ 178 (1824). (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) فوقها في (ل): (ع).

(عن دكين) بضم الدال المهملة، مصغر، وهو ابن سعيد (المزني) الخثعمي. قال البغوي: لا أعلم لدكين غير هذا الحديث (¬1). (قال: أتينا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عمر، اذهب فأعطهم) فيه: جواز سؤال الطعام والشراب والكسوة من الإمام عند الاحتياج إليه، وجواز الاستنابة في إطعام الطعام وما في معناه، فذهب بنا (فارتقى إلى عُلية) بضم العين وكسرها. قال الأزهري: الكسر أكثر، وهي الغرفة المرتفعة (فأخذ المفتاح من حجزته) بضم الحاء المهملة وسكون الجيم بعدها زاي مفتوحة، وهي طرف الإزار إذا ثني وعقد، ثم قيل للإزار حجزة. قال الجوهري: حجزة الإزار معقده، وحجزة السراويل التي فيها التكة (¬2). والعامة تقول: حرة. وهي لغة لبني الحارث، وفيه أنه ينبغي تصغير مفتاح لخفة حمله مع بلوغ المقصود (ففتح) باب العلية وأخرج الطعام. وذكر البخاري هذا الحديث في "التاريخ الكبير" وذكر في سماع إسماعيل من قيس، وقيس من دكين. وفيه: دليل على جواز اتخاذ العلية والغرفة والسكنى فيها إذا لم يكن فيها إسراف، ولا حجر ولا آجر، وكانت قدر الحاجة، وأن الأحاديث ¬

_ (¬1) "معجم الصحابة" 2/ 291. (¬2) "الصحاح" 3/ 872.

المتقدمة في النهي مخصوصة بهذا الحديث. والجمع بينهما أن النهي محمول على ما زاد على الحاجة، والجواز ما كان قدر الحاجة. * * *

172 - باب في قطع السدر

172 - باب فِي قَطْعِ السِّدْرِ 5239 - حَدَّثَنا نَصْرُ بْنُ عَلي، أَخْبَرَنا أَبُو أُسامَةَ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، عَنْ عُثْمانَ بْنِ أَبي سُلَيْمانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُبْشي قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً صَوَّبَ اللَّهُ رَأْسَهُ في النّارِ". سُئِلَ أَبُو داوُدَ، عَنْ مَعْنَى هذا الحَدِيثِ فَقالَ هذا الحَدِيثُ مُخْتَصَرٌ يَعْني مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً في فَلاةٍ يَسْتَظِلُّ بِها ابن السَّبِيلِ والبَهائِمُ عَبَثًا وَظُلْمًا بِغَيْرِ حَقٍّ يَكُونُ لَهُ فِيها صَوَّبَ اللَّهُ رَأْسَهُ في النّارِ (¬1). 5240 - حَدَّثَنا مَخْلَدُ بْنُ خالِدٍ وَسَلَمَةُ -يَعْني ابن شَبِيبٍ- قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنْ عُثْمانَ بْنِ أَبي سُلَيْمانَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ، عَنْ عُرْوَةَ ابْنِ الزُّبَيْرِ يَرْفَعُ الحَدِيثَ إِلَى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نَحْوَهُ (¬2). 5241 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْن عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ وَحُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ قالا: حَدَّثَنا حَسّانُ بْنُ إِبْراهِيمَ قالَ: سَأَلْتُ هِشامَ بْنَ عُرْوَةَ، عَنْ قَطْعِ السِّدْرِ وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى قَصْرِ غُرْوَةَ فَقالَ: أَتَرى هذِه الأَبْوابَ والمَصارِيعَ، إِنَّما هي مِنْ سِدْرِ عُرْوَةَ، كانَ عُرْوَةُ يَقْطَعُهُ مِنْ أَرْضِهِ، وقالَ: لا بَأْسَ بِهِ. زادَ حُمَيْدٌ فَقالَ: هي يا عِراقي جِئْتَني بِبِدْعَةٍ قالَ: قُلْتُ: إِنَّما البِدْعَةُ مِنْ قِبَلِكُمْ سَمِعْتُ مَنْ يَقُولُ بِمَكَّةَ: لَعَنَ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مَنْ قَطَعَ السِّدْرَ. ثُمَّ ساقَ مَعْناهُ (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه النسائي في "الكبرى" (8611)، والطحاوي في "مشكل الآثار" 7/ 428 (2979). وصححه الألباني في "الصحيحة" (614). (¬2) انظر سابقه. (¬3) رواه البيهقي 6/ 141 من طريق أبي داود. وصححه الألباني في "الصحيحة" (615) بشواهده.

باب في قطع السّدر [5239] (ثنا نصر بن علي) الجهضمي (أبنا أبو أسامة) (¬1) حماد بن أسامة. (عن ابن جريج، عن عثمان بن أبي سليمان) بن جبير بن مطعم القرشي النوفلي [أخرج له مسلم (¬2). (عن) ابن عمه (سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم) القرشي النوفلي] (¬3) المدني، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4). (عن عبد اللَّه بن حبشي) بضم الحاء المهملة وسكون الباء الموحدة وكسر الشين المعجمة، الخثعمي الصحابي، نزل مكة -رضي اللَّه عنه-. (قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من قطع سدرةً) السدر شجر النبق، وقيل: السمر من شجر الطلح واحده سمرة، وهي الشجرة التي كانت عندها بيعة الرضوان عام الحديبية، ولأنها من شجر الجنة قال اللَّه تعالى: {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28)} (¬5) قال الأصمعي: السدر ما نبت منه فى البر فهو الضال بتخفيف اللام، وما نبت في غيره فهو السدر (¬6). (صوب اللَّه تعالى رأسه في النار. سئل المصنف عن هذا الحديث ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) في موضعين من "صحيحه": (543/ 42)، (732/ 116). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) 4/ 290. (¬5) الواقعة: 28. (¬6) انظر: "لسان العرب" 5/ 3101 ذكر قول الأصمعي بنحوه.

فقال: هو حديث مختصر، ومعتاه: من قطع سدرة في فلاة يستظل بها ابن السبيل والبهائم عبثًا وظلمًا بغير حق يكون له فيها، صوب اللَّه رأسه في النار) أي: نكسه (¬1). انتهى. وقيل: أوقع رأسه في النار يوم القيامة، ويدل على الأول حديث (¬2): وصوب يده (¬3). أي: نكسها وخفضها، وسيأتي له تتمة. [5240] (ثنا مخلد بن خالد) الشعيري، شيخ مسلم (وسلمة بن شبيب، ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن عثمان بن أبي سليمان) بن جبير ابن مطعم (عن رجل من ثقيف، عن عروة بن الزبير يرفع الحديث إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نحوه). قال في "النهاية": هذا الحديث مضطرب الرواية؛ فإن أكثر ما يروى عن عروة بن الزبير، وقد ذكر عنه ولده هشام أنه كان يقطع السدر ويتخذ منه أبوابًا. قال هشام: وهذِه أبواب من سدر قطعه (¬4). لكن عند الأصوليين أن ترك العمل بما رواه الصحابي أو التابعي ليس جرحًا في روايته، وستأتي له تتمة. [5241] (ثنا عبيد اللَّه) بالتصغير (بن عمر بن مسيرة) القواريري، شيخ الشيخين (وحميد بن مسعدة قالا: ثنا حسان بن إبراهيم) العنزي ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/ 57. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/ 57. (¬4) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 354.

قاضي كرمان، أخرج له الشيخان (¬1). (قال: سألت هشام بن عروة) بن الزبير بن العوام (عن قطع السدر وهو مستند إلى قصر) أبيه (عروة فقال: أترى) بفتح التاء (هذِه الأبواب) أي: أبواب هذا القصر. (والمصاريع) جمع مصراع، وهو إحدى شقي الباب، ولا يقال له مصراع حتى يكونا اثنين بخلاف الباب فإنه يكون واحدًا. (إنما هي من) أشجار (سدر) كان أبي (عروة) بن الزبير (وكان عروة يقطعه من أرضه) وهذا فيه دلالة على جواز قطع السدر والنخل وغيرهما من الأشجار التي في ملكه أو بإذن مالكها من بيع وهبة ونحوهما، ولا دلالة في هذا على جواز قطع الشجر التي ينتفع بظلها في الصحراء كما تقدم. (وقال) هشام (لا بأس به) إذا كان في ملكه أو في أرض العدو مما ظفروا به، كما قال اللَّه تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} (¬2). و(زاد حميد) بن مسعدة الباهلي أحد رجال مسلم المذكور (فقالا: هي) بكسر الهاء وياء ساكنة وتلحقها الهاء وأصلها (¬3) أيه فأبدلت الهمزة هاء وهي للزيادة لقوله: هي يا ابن الخطاب. ¬

_ (¬1) أخرج له البخاري في ثلاثة مواضع من "صحيحه": برقم (4624)، (5064)، (7160)، وأخرج له مسلم في "صحيحه" في موضع: برقم (237/ 22). (¬2) الحشر: 5. (¬3) مكررة في النسخة.

(يا عراقي) نسبة إلى الإقليم المعروف، وهو ليس من بلاد العرب (جئتي ببدعة) أي: بقول ابتدعته من عندك استحبابًا لم أسمعه ولم يبلغني أو سمعته من العراق. (قال: قلت إنما) جئت بهذِه (البدعة) وسمعتها (من قبلكم) بكسر القاف (سمعت من يقول بمكة) شرفها اللَّه تعالى (لعن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من قطع) أو قلع شيئًا من (السدر) قيل: أراد به سدر مكة؛ لأنها حرم. وقيل: سدر المدينة، فقد نهي عن قطعه ليكون أنسًا وظلًا لمن يهاجر إليها لئلا يستوحش. وقيل: أراد به السدر الذي يكون بالفلاة. قلت: ويحتمل أن يكون نهيه أو لعنه لقاطع السدرة لسبب تقدمه، وهو أنه نزل في سفرة تحت شجرة، فأعجبه ظلها وكثرة نفعها في تلك الفلاة مع شدة الحر للمسافرين، فتذكر سدرة المنتهي التي ينتهي إليها علم الخلائق والتي في الجنة، فقال: "لعن اللَّه من قطع السدر" يعني: التي ينتفع بها الناس مثل هذِه وإكراما لسدرة المنتهى. كما أنه نظر إلى جبل جمدان بضم الجيم منفردًا عن الجبال فذكر المنفردين (¬1) عن الناس فقال: "سبق المفردون" (¬2). وعلى قول من قال: إن السدرة السمرة، فيحتمل أنه لما كان تحت شجرة السمرة التي كانت البيعة تحتها وذكرها اللَّه تعالى في القرآن وما حصل من الخير الكثير تحتها وكان تحت سمرة في الطريق انتفع بطلبها قال: "لعن اللَّه من قطع السدر" يعني: التي مثل هذِه في النفع ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): المنفردون. ولعل المثبت هو الصواب. (¬2) رواه مسلم (2676) من حديث أبي هريرة مرفوعًا.

(ثم ساق معناه) أي: معنى الحديث المتقدم. * * *

173 - باب في إماطة الأذى عن الطريق

173 - باب فِي إِماطَةِ الأَذى عَنِ الطَّرِيقِ 5242 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزي، قالَ: حَدَّثَني عَلي بْنُ حُسَيْنٍ حَدَّثَني أَبي، قالَ: حَدَّثَني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ قالَ: سَمِعْتُ أَبي بُرَيْدَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: "في الإِنْسانِ ثَلاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ مَفْصِلًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْ كُلَّ مَفْصِلٍ مِنْهُ بِصَدَقَةٍ". قالُوا وَمَنْ يُطِيقُ ذَلِكَ يا نَبي اللَّهِ قالَ: "النُّخاعَةُ في المَسْجِدِ تَدْفِنُها، والشَّيء تُنَحِّيهِ عَنِ الطَّرِيقِ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَرَكْعَتا الضُّحَى تُجْزِئُكَ" (¬1). 5243 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْن زَيْدٍ ح، وَحَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، عَنْ عَبّادِ ابْنِ عَبّادٍ -وهذا لَفْظُهُ وَهُوَ أَتَمُّ-، عَنْ واصِلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ يَحْيَى ابْنِ يَعْمَرَ، عَنْ أَبي ذَرٍّ عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يُصْبِحُ عَلَى كُلَّ سُلامَى مِنِ ابن آدَمَ صَدَقَةٌ تَسْلِيمُهُ عَلَى مَنْ لَقي صَدَقَةٌ، وَأَمْرُهُ بِالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيُهُ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ وَإِماطَتُهُ الأَذى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ وَبُضْعَتُهُ أَهْلَهُ صَدَقَةٌ". قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ يَأْتي شَهْوَتَهُ وَتَكُونُ لَهُ صَدَقَةٌ؟ قالَ: "أَرَأَيْتَ لَوْ وَضَعَها في غَيْرِ حَقَّها أَكانَ يَأْثَمُ". قالَ: "وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ كُلَّهِ رَكْعَتانِ مِنَ الضُّحَى". قالَ أَبُو داوُدَ: لَمْ يَذْكُرْ حَمّادٌ الأَمْرَ والنَّهْي (¬2). 5244 - حَدَّثَنا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، أَخْبَرَنا خالِدٌ، عَنْ واصِلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُقَيْلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ أَبي الأَسْوَدِ الدِّيلي، عَنْ أَبي ذَرٍّ بهذا الحَدِيثِ وَذَكَرَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في وَسْطِهِ (¬3). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 5/ 354، وابن خزيمة 2/ 229 (1226)، وابن حبان 4/ 520 (1642). وصححه الألباني. (¬2) رواه مسلم (720). (¬3) انظر سابقه.

5245 - حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ حَمّادٍ، أَخْبَرَنا اللَّيْثُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلانَ، عَنْ زَيْدِ ابْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّهُ قالَ: "نَزَعَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ غُصْنَ شَوْكٍ عَنِ الطَّرِيقِ إِمّا كانَ في شَجَرَةٍ فَقَطَعَهُ وَأَلْقاهُ، وَإِمّا كانَ مَوْضُوعًا فَأَماطَهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ بِها فَأَدْخَلَهُ الجَنَّةَ" (¬1). * * * باب في إماطة الأذى عن الطريق [5242] (حدثنا أحمد بن محمد) بن ثابت (المروزي) بفتح الواو، ثقة من كبار الأئمة. (حدثنا علي بن حسين) المروزي، صدوق يهم قليلا. (حدثني أبي) حسين بن واقد قاضي مرو، أخرج له مسلم. (حدثني عبد اللَّه بن بريدة) قاضي مرو وعالمها. (سمعت أبي بريدة) بن الحصيب -رضي اللَّه عنه-. (يقول: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: في الإنسان) لفظ مسلم: "خلق كل إنسان من بني آدم على" (¬2) (ثلثمائة وستون مفصلًا) بفتح الميم وكسر الصاد، والمراد بالمفاصل هي العظام التي ينفصل بعضها من بعض، وقد سماها في الحديث الآتي سلاميات، ومقصود هذا الحديث أن العظام التي في الإنسان هي أصل وجوده وبها حصول منافعه إذ لا تتأتى الحركات والسكنات إلا بها، والغضاريف رباطات، واللحوم والجلود حافظات، فهي من أعظم نعم اللَّه على الإنسان، وإذا أصبحت في ¬

_ (¬1) رواه البخاري (652)، ومسلم (1914). (¬2) "صحيح مسلم" (1007) من حديث عائشة مرفوعًا.

صحة وسلامة فهي من أعظم النعم. (فعليه أن) أي: فحق على كل إنسان أصبح في عافية أن (يتصدق عن كل مفصل منه بصدقة) كفارة وشكرًا (¬1) لنعمة اللَّه على العبد، فيعطي صدقته كما يعطيه اللَّه منفعة ذلك المفصل. (قالوا: ومن يطيق ذلك يا رسول اللَّه) ولمسلم قال: أرأيت إن لم يجد؟ قال: "يعمل بيديه فينفع نفسه وبتصدق". قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: "يعين ذا الحاجة الملهوف". قيل: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: "يأمر بالمعروف أو الخير". قال: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: "يمسك عن الشر فإنها صدقة" (¬2). (قال: إن النخاعة في المسجد) يجدها من غيره على الأرض (تدفنها) بفتح الفوقانية، في الأرض إن أمكن، فإن كانت أرضه مفروشة بالبلاط والحجارة أو مقصورة بالآجر ونحوه فيمسحها أو يغسلها ويخرجها من المسجد (صدقة) (¬3) عنه. (والشيء) الذي يتأذى به المارون (تنحيه عن الطريق) ولمسلم: "وعزل حجرًا عن طريق الناس أو شوكة أو عظمًا عن طريق الناس" (¬4)، وفي رواية: "وتميط الأذى عن الطريق صدقة" (¬5)، وزاد ¬

_ (¬1) في (ل)، (م): شكر. ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬2) "صحيح مسلم" (1008) من حديث أبي موسى الأشعري مرفوعًا. (¬3) ليست في مطبوع "السنن". (¬4) "صحيح مسلم" (1007). (¬5) رواه البخاري (2989)، ومسلم (1009) من حديث أبي هريرة مرفوعًا.

في رواية: "فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة" (¬1). ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى (فإن لم تجد فركعتا الضحى تجزئك) بضم أوله، وهمزة بعد الزاي، أي: تكفي من هذِه الصدقات عن هذِه الأعضاء ركعتان، فإن الصلاة عمل بجميع الأعضاء من الجسد، فإذا صلى فقد قام كل عضو بوظيفته التي عليه في الأصل من القيام بشكرها. [5243] (ثنا مسدد، ثنا حماد بن زيد، ح، وثنا أحمد (¬2) بن منيع) البغوي الحافظ (عن عباد بن عباد، وهذا لفظه، وهو أتم) من رواية أحمد، كلاهما (عن واصل) مولى أبي عيينة بن المهلب، أخرج له مسلم (¬3). (عن يحيى بن عقيل) الخزاعي، أخرج له مسلم أيضًا (¬4). (عن يحيى بن يعمر) بفتح الميم، غير منصرف للعلمية ووزن الفعل، قاضي مرو (عن أبي ذر) جندب بن جنادة رضي اللَّه تعالى عنه. (عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: يصبح على كل سلامى) بضم السين وتخفيف اللام وفتح الميم، أصله عظام الأصابع والأكف والأرجل، ثم استعمل في جميع عظام البدن ومفاصله الثلاثمائة والستين (من بني آدم ¬

_ (¬1) رواه مسلم (720)، (1006) من حديث أبي ذر مرفوعًا. (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) في ثلاثة مواضع من "صحيحه": (553)، (720)، (1006). (¬4) في نفس المواضع السابقة يزيد عليها موضع رقم (2650).

صدقة) يتصدق بها شكرًا لنعمة المنفعة (تسليمه على من لقي) من المسلمين (صدقة) تسليمة، تسمية السلام وما بعده صدقة، أي: لها أجر كما للصدقة أجر، وأن هذِه الطاعات تماثل الصدقات في الأجور، وسماها صدقة على طريق المقابلة وتجنيس الكلام. وقيل: معناه: أنها صدقة على نفسه. (وأمره بالمعروف) أي: في كل أمر بالمعروف (صدقة، ونهيه) أي: في كل فرد من أفراد النهي (عن المنكر صدقة) عنه (وإماطته) أي: إزالته (الأذى) وهو ما يؤذي المسلمين (عن الطريق صدقة) كرفع الحجر والشوك ونحوه. قال بعضهم: الأفضل لمن أزال الأذى عن الطريق أن يقول في حال إزالته الحجر ونحوه: لا إله إلا اللَّه. ليجمع بين فضيلتي أعلى شعب الإيمان وأدناها. (وبضعته أهله بضعة) (¬1) أي: مباشرته، بضم الباء الموحدة ونصب العين ورفع التاء، ولفظ مسلم: "وفي بضع أحدكم" (¬2) (صدقة) أي: في جماعه لأهله بنية إعفافها صدقة عليها. وأصل البضع الفرج، قال الأصمعي: يقال: ملك فلان بضع فلانة: إذا ملك عقد نكاحها، وهو كناية عن موضع الغشيان (¬3). والمباضعة: المباشرة. وفيه دليل على أن النيات الصادقات تُصيِّر الأفعال المباحات طاعات ¬

_ (¬1) كذا في (ل)، (م)، وهي ليست في "سنن أبي داود". (¬2) "صحيح مسلم" (1006). (¬3) انظر: "تهذيب اللغة" 1/ 488.

كما في الأكل والشرب والنوم ونحو ذلك، والجماع يكون عبادة إذا نوى به حق الزوجة ومعاشرتها بالمعروف الذي أمر اللَّه به، أو طلب ولد صالح، أو إعفاف نفسه وإعفاف الزوجة ومنعهما من النظر إلى محرم، أو الفكر فيه، أو الهم به، أو غير ذلك من المقاصد الصالحة. (قالوا: يا رسول اللَّه، يأتي) أصله أيأتي بهمزة الاستفهام كما في رواية مسلم بلفظ: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ ! (¬1) (شهوته) (¬2) بالنصب والتنوين. وفي بعضها: شهوته كما في مسلم (ويكون له) فيها (صدقة؟ ! ) استغربوا ذلك لمفهوم حديث (¬3): "حفت الجنة بالمكاره" (¬4) فاستبعد حصول أجر الصدقة بفعل مستلذ يحث الطبع عليه، وأكثر الأجور إنما تحصل في العبادات الشاقات على النفوس المخالفة لها. (قال: أرأيت لو وضعها في غير حقها) أي: لو أنه وضع شهوته في وطء حرام (أكان يأثم؟ ) في هذا الحرام. لفظ مسلم: "أرأيتم لو وضعها في حرام كان عليه وزر؟ كذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر" (¬5). وفي هذا دليل على جواز القياس، وهو مذهب العلماء كافة، خلافًا لأهل الظاهر، فلا يعتد بخلافهم. ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1006). (¬2) في المطبوع من "سنن أبي داود": شهوة. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) رواه مسلم (2822) من حديث أنس مرفوعًا. (¬5) "صحيح مسلم" (1006).

وهذا القياس المذكور في الحديث هو قياس العكس، واختلف الأصوليون في العمل به، وهذا الحديث حجة لمن عمل به، قال النووي: وهو الأصح (¬1). وحاصله أنه راجع إلى إعطاء كل واحد من المتقابلين ما يقابل به الآخر من الذوات والأحكام. والحديث حجة لصحته. (ويجزئ) قال النووي: ضبطناه بفتح أوله وضمه، فالضم من الإجزاء، والفتح من جزى يجزي، أي: كفى، ومنه قوله تعالى: {لَا تَجْزِي نَفْسٌ} (¬2) وفي الحديث: "لا تجزي عن أحد بعدك" (¬3) (¬4) (من ذلك) أي: من الثلاثمائة وستين صدقة (كله) يحتمل أن تكون (من) بمعنى [عن] (¬5) أي: يجزئ عن ذلك (ركعتان من) صلاة (الضحى) و (من) التبعيضية تدل على أن صلاة الضحى أكثر من ركعتين، فإن أكثرها اثنتا عشرة ركعة. يحتمل أن يراد بصلاة الضحى صلاة الإشراق التي بعد طلوع الشمس، فإن الوقت المختار إذا مضى ربع النهار، ووجه ذلك أنه جعل ركعتي الضحى عوضًا (¬6) عن الصدقات المذكورة التي تصبح على كل آدمي، والعوض يفعل في وقت المعوض عنه، ويحتمل أن ¬

_ (¬1) "شرح مسلم" 7/ 93. (¬2) البقرة: 48، 123. (¬3) رواه البخاري (955)، ومسلم (1961) (7)، (9) من حديث البراء مرفوعًا. (¬4) "شرح مسلم" 5/ 234. (¬5) ساقطة من (ل)، (م) والسياق يقتضيها. (¬6) في (ل)، (م): عوض. والجادة ما أثبتناه.

تكون الضحى على بابها، والمراد به فعلها في أول وقتها لا في أفضله. وقوله "ويجزئ" يرد قول من قال من الأصوليين: الإجزاء يختص بالفرض، ولا يستعمل في النفل. ولم يقل أحد فيما أعلم أن الضحى فرض. [5244] (ثنا وهب بن بقية) الواسطي، شيخ مسلم. (أنا خالد) (¬1) بن عبد اللَّه الواسطي الطحان (عن واصل، عن يحيى بن عقيل) بضم العين كما تقدم. (عن يحيى بن يعمر، عن أبي الأسود) ظالم بن عمرو (الديلي) بكسر الدال المهملة وسكون التحتانية، ويقال: بضم الدال بعدها همزة مفتوحة. قاضي البصرة. (عن أبي ذر) الغفاري بهذا الحديث (وذكر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في وسطه). [5245] (ثنا عيسى بن حماد) التجيبي المصري، لقبه زغبة بضم الزاي وسكون المعجمة، ثم موحدة، وهو لقب أبيه أيضًا، وعيسى شيخ مسلم، روى عنه في الإيمان. (أبنا الليث، عن محمد بن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح) السمان. (عن أبي هريرة، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: نزع) بفتح النون (رجل لم يعمل خيرًا قط غصن شوك عن الطريق، إما) بكسر الهمزة (كان) غصن الشوك (في شجرة) على الطريق، إما على الطريق يتأذى به المارون ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع).

(فقطعه) منها (وألقاه) عن الطريق، سواء قطعه من ملكه أو ملك غيره، وهل يحتاج إلى إذن المالك أو الحاكم أو لا. (وإما كان) الغصن (موضوعًا) في الطريق يتضرر به المارون (فأماطه) أي: أزاله عنها بنفسه، وهو أفضل، أو خادمه أو ولده أو بأجير (فشكر اللَّه له بها) أي: زكى اللَّه عمله عنده، وضاعف أجره، وقيل: غفر له ذنبه (فأدخله الجنة) بعد مغفرة ذنوبه. وفيه: الحث على إزالة ما يضر بالمسلمين في الطريق من شجر شوك أو شجرة تضيق على المارين، وإذا كان الأجر في قطعها فلا ثواب لزارعها، وإن كان لها ثمرة تؤكل، والمانع له من زرعها مأجور. * * *

174 - باب في إطفاء النار بالليل

174 - باب فِي إِطْفَاءِ النَّارِ بِاللَّيْلِ 5246 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ سالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ رِوايَةً وقالَ مَرَّةً: يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تَتْرُكُوا النَّارَ في بُيُوتِكُمْ حِينَ تَنامُونَ" (¬1). 5247 - حَدَّثَنَا سُلَيْمانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّمّارُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ طَلْحَةَ، حَدَّثَنَا أَسْباطٌ، عَنْ سِماكٍ عَنْ عِكرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قالَ: جاءَتْ فَأْرَةٌ فَأَخَذَتْ تَجُرُّ الفَتِيلَةَ فَجاءَتْ بِها فَأَلْقَتْها بَيْنَ يَدي رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَلَى الخُمْرَةِ التي كَانَ قاعِدًا عَلَيْها فَأَحْرَقَتْ مِنْها مِثْلَ مَوْضِعِ الدِّرْهَمِ فَقالَ: "إِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوا سُرُجَكُمْ فَإِنَّ الشَّيْطانَ يَدُلُّ مِثْلَ هذِه عَلَى هَذا فَتَحْرِقَكُمْ" (¬2). * * * باب في إطفاء النار بالليل [5246] (ثنا أحمد بن محمد بن حنبل، ثنا سفيان) بن عيينة (عن) محمد بن مسلم بن شهاب (الزهري، عن سالم) بن عبد اللَّه (عن أبيه) عبد اللَّه بن عمر (رواية) عنه (وقال مرة) أخرى (يبلغ به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) [لفظ رواية مسلم: عن سالم بن عبد اللَّه، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-] (¬3) (¬4). (قال: لا تتركوا النار في بيوتكم) أي: في البيوت التي تنامون فيها، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6293)، ومسلم (2015). (¬2) رواه ابن حبان 12/ 327 (5519)، والحاكم 4/ 317. وله شاهد من حديث جابر رواه البخاري (6295)، ومسلم (2012). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) لم أقف على رواية مسلم في "صحيحه" بهذا اللفظ، وإنما لفظه: عن سالم عن أبيه عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. "صحيح مسلم" (2015).

سواء كانت ملكًا أم عارية أم غيرها يدخل نار السراج والتي في الموقدة والكانون وغيرها؛ لعموم الحديث، إلا أن يقال: إن الحديث الذي بعده مخصص له، وأما القناديل المعلقة في المساجد وغيرها فإن خيف حريق بسببها دخلت في الأمر بالإطفاء، وإن أمن ذلك -كما هو الغالب- فالظاهر أنه لا بأس بها؛ لانتفاء العلة الآتية في الحديث بعده (حين تنمامون) فإن كانوا مستيقظين أو أحدهم انتفت العلة أيضًا. [5247] (ثنا سليمان بن عبد الرحمن) بن حماد التيمي (التمار) بفتح المثناة فوق، الكوفي، صدوق. (ثنا عمرو بن طلحة) قال المنذري: لم يجر له ذكر فيما رأيناه من كتبهم، وإن كان هو عمرو بن طلحة فهو تصحيف وقع فيه (¬1). قال المزي في "التهذيب": هذا عجب من المنذري؛ لأن عمرو بن طلحة هذا هو عمرو بن حماد بن طلحة، ينسب إلى أبيه تارة وإلى جده أخرى، فلما نسبه أبو داود إلى جده ظن المنذري أنه منسوب إلى أبيه، وأعجب من هذا أن عمرو بن طلحة الذي ذكره ليس من رجال أبي داود، وعمرو بن طلحة تابعي، شيخ مسلم، روى عنه حديثًا واحدًا، وتوفي سنة اثنتين وعشرين ومائتين. (ثنا أسباط) بن نصير الهمداني، أخرج له مسلم. (عن سماك) بن حرب (عن عكرمة، عن) مولاه (ابن عباس قال: جاءت فأرة) يهمز ولا يهمز، واحد الفئران (فأخذت تجر الفتيلة) من ¬

_ (¬1) "مختصر سنن أبي داود" 8/ 103.

السراج (فجاءت بها فألقتها بين يدي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على الخمرة) بضم الخاء المعجمة وسكون الميم، تكون من حصير أو نسيجة خوص ونحوه من النبات، سميت بذلك لأن خيوطها مستورة بسعفها، يقال: إنها في مقدار ما يضع الرجل عليها وجهه في سجوده، ولا تكون خمرة إلا في هذا المقدار. وذكر في "النهاية" هذا الحديث، وقال: هو صريح في إطلاق الخمرة على الكبير من نوعها (¬1). انتهى. وعلى هذا فهي الحصيرة التي تضفر من سعف النخل، ومن حملها على ما هو قدر الوجه فرق بينهما، فجعل الخمرة للصغيرة ونحوها، والكبيرة للحصير. (التي كان قاعدًا عليها) فيه: جواز الجلوس على الحصير ونحوها، وقد كان يجلس على الأرض هو وأصحابه -رضي اللَّه عنهم- (فأحرقت منها مثل) قدر (موضع الدرهم، فقال: إذا نمتم) فيه حذف تقديره: إذا أردتم أن تناموا (فأطفئوا) بفتح الهمزة أوله وضم الهمزة بعد الفاء (سروجكم) جمع سراج. لفظ مسلم: "أطفئوا مصابيحكم" (¬2) (فإن الشيطان يدل مثل هذِه) الفأرة (على) جر الفتيلة، مثل (هذا) الذي فعلت (فيحرقكم) أي: يحرق بيوتكم عليكم وعلى أهلكم وأمتعتكم. وفيه: أن الشيطان يوسوس للهوام والدواب وسائر الحيوانات، كما يوسوس للآدميين، وقد يوسوس للبرغوث والقملة والبعوض ونحو ذلك حتى يشوش على المصلي أو من كان في عبادة، ويدل على ذلك قوله في ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 78. (¬2) "صحيح مسلم" (2012/ 97) من حديث جابر مرفوعًا.

حديث المار بين يدي المصلي (¬1): "فيدفعه، فإنما هو شيطان" (¬2). قيل: معناه: إن الحامل على ذلك الشيطان، فإنه كما يوسوس للآدمي فيمر بين يدي المصلي، كذلك يوسوس للحمار والكلب وما في معناهما. وفيه مشروعية دفع الإنسان عن نفسه وأهله ما يتوهم فساده، وإن لم يتحقق وقوعه، ودفع ما فيه خطر وترك الدخول فيه. وقد سمى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- النار عدوًّا، كما في رواية مسلم عن أبي موسى: "إن النار هذِه إنما هي عدو لكم، فإذا نمتم فأطفئوها عنكم" (¬3)، وإن من النار ضوء المصابيح والسرج. * * * ¬

_ (¬1) بعدها في (م): كذلك. (¬2) رواه البخاري (509)، ومسلم (505) من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا. (¬3) "صحيح مسلم" (2016) من حديث أبي موسى مرفوعًا.

175 - باب في قتل الحيات

175 - باب فِي قَتْلِ الحَيَّاتِ 5248 - حَدَّثَنَا إِسْحاقُ بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابن عَجْلانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما سالَمْنَاهُنَّ مُنْذُ حارَبْناهُنَّ، وَمَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْهُنَّ خِيفَةً فَلَيْسَ مِنَّا" (¬1). 5249 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيدِ بْنُ بَيانٍ السُّكَّري، عَنْ إِسْحاقَ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي إِسْحاقَ، عَنِ القاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابن مَسْعُودٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اقْتُلُوا الحَيَّاتِ كُلَّهُنَّ، فَمَنْ خافَ ثَأْرَهُنَّ فَلَيْسَ مِنِّي" (¬2). 5250 - حَدَّثَنَا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُسْلِمٍ قالَ: سَمِعْت عِكْرِمَةَ يَرْفَعُ الحَدِيثَ فِيما أُرى إِلَى ابن عَبَّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ تَرَكَ الحَيَّاتِ مَخافَةَ طَلَبِهِنَّ فَلَيْسَ مِنَّا، ما سالَمْناهُنَّ مُنْذُ حارَبْناهُنَّ" (¬3). 5251 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا مَرْوانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ مُوسَى الطَّحانِ قالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سابِطٍ، عَنِ العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ أَنَّهُ قالَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: إِنّا نُرِيدُ أَنْ نَكْنِسَ زَمْزَمَ وَإِنَّ فِيها مِنْ هذِه الجِنّانِ -يَعْني: الحَيَّاتِ الصِّغارَ- فَأَمَرَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بِقَتْلِهِنَّ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أحمد 2/ 247، وابن حبان 12/ 461. وصححه الألباني. (¬2) رواه النسائي 6/ 51. وله شاهد عن عبد اللَّه بن عمر عند البخاري (3297)، ومسلم (2233). (¬3) رواه أحمد 1/ 230، وابن حبان 12/ 461 (5644). وصححه الألباني. (¬4) رواه الفاكهي في "أخبار مكة" 2/ 66 (1162)، والضياء في "المختارة" 8/ 372 (459). قال الألباني: صحيح إن كان ابن سابط سمع من العباس.

5252 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ سَالمٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "اقْتُلُوا الحَيَّاتِ وَذَا الطُّفْيَتَيْنِ والأَبْتَرَ، فَإِنَّهُمَا يَلْتَمِسانِ البَصَرَ وَيُسْقِطَانِ الحَبَلَ". قالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقْتُلُ كُلَّ حَيَّةٍ وَجَدَها فَأَبْصَرَهُ أَبُو لُبَابَةَ أَوْ زَيْدُ بْنُ الخَطَّابِ وَهُوَ يُطارِدُ حَيَّة فَقالَ إِنَّهُ قَدْ نُهِي عَنْ ذَواتِ البُيُوتِ (¬1). 5253 - حَدَّثَنَا القَعْنَبِي، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنْ أَبِي لُبابَةَ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عَنْ قَتْلِ الجِنّانِ التي تَكُونُ في البُيُوتِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذا الطَّفْيَتَيْنِ والأَبْتَرَ فَإِنَّهُما يَخْطِفانِ البَصَرَ وَيَطْرَحانِ ما في بُطونِ النِّساءِ (¬2). 5254 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نافِعٍ أَنَّ ابْن عُمَرَ وَجَدَ بَعْدَ ذَلِكَ -يَعْني: بَعْدَ ما حَدَّثَهُ أَبُو لُبَابَةَ- حَيَّةً في دارِهِ فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ يَعْني: إِلَى البَقِيعِ (¬3). 5255 - حَدَّثَنَا ابن السَّرْحِ وَأَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الهَمْداني قالا أَخْبَرَنَا ابن وَهْبٍ، قالَ: أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ، عَنْ نافِعٍ في هذا الحَدِيثِ قالَ نَافِعٌ: ثُمَّ رَأَيْتُهَا بَعْدُ في بَيْتِهِ (¬4). 5256 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى، قالَ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ انْطَلَقَ هُوَ وَصاحِبٌ لَهُ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ يَعُودانِهِ فَخَرَجْنا مِنْ عِنْدِهِ فَلَقِينَا صاحِبًا لَنا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ فَأَقْبَلْنا نَحْنُ فَجَلَسْنا فِي المَسْجِدِ فَجَاءَ فَأَخْبَرَنا أَنَّهُ سَمِعَ أَبا سَعِيدٍ الخُدْري يَقُول: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ الهَوامَّ مِنَ الجِنِّ فَمَنْ رَأى في بَيْتِهِ شَيْئًا فَلْيُحَرِّجْ عَلَيْهِ ثَلاثَ مَرّاتٍ، فَإِنْ عادَ فَلْيَقْتُلْهُ فَإِنَّهُ شَيْطانٌ" (¬5). 5257 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ مَوْهَبٍ الرَّمْلي، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابن عَجْلَانَ، عَنْ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3297)، ومسلم (2233). (¬2) رواه البخاري (3313)، ومسلم (2233). (¬3) انظر ما قبله. (¬4) انظر ما قبله. (¬5) رواه مسلم (2236).

صَيْفي أَبي سَعِيدٍ مَوْلَى الأَنْصَارِ، عَنْ أَبي السّائِبِ قالَ: أَتَيْتُ أَبا سَعِيدٍ الخُدْري فَبَيْنا أَنا جالِسٌ عِنْدَهُ سَمِعْتُ تَحْتَ سَرِيرِهِ تَحْرِيكَ شَيء فَنَظَرْتُ فَإِذا حَيَّةٌ فَقُمْتُ فَقالَ أَبُو سَعِيدٍ: ما لَكَ فَقُلْتُ حَيَّةٌ ها هُنَا. قالَ: فَتُرِيدُ ماذا قُلْتْ أَقْتُلُها. فَأَشارَ إِلَى بَيْتٍ في دارِهِ تِلْقاءَ بَيْتِهِ فَقالَ إِنَّ ابن عَمٍّ لي كانَ في هذا البَيْتِ فَلَمّا كانَ يَوْمُ الأَحْزابِ اسْتَأْذَنَ إِلَى أَهْلِهِ وَكانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِعُرْسٍ فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَأَمَرَهُ أَنْ يَذْهَبَ بِسِلاحِهِ فَأَتَى دَارَهُ فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ قائِمَةً عَلَى بَابِ البَيْتِ فَأَشارَ إِلَيْها بِالرُّمْحِ فَقَالَتْ: لا تَعْجَلْ حَتَّى تَنْظُرَ ما أَخْرَجَنِي. فَدَخَلَ البَيْتَ فَإِذا حَيَّة مُنْكَرَةٌ فَطَعَنَها بِالرُّمْحِ ثُمَّ خَرَجَ بِها في الرُّمْحِ تَرْتَكِضُ قالَ: فَلَا أَدْري أَيُّما كانَ أَسْرَعَ مَوْتًا الرَّجُلُ أَوِ الحَيَّة فَأَتَى قَوْمُهُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقَالُوا: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرُدَّ صَاحِبَنَا. فَقالَ: "اسْتَغْفِرُوا لِصاحِبِكُمْ". ثُمَّ قالَ: "إِنَّ نَفَرًا مِنَ الجِنِّ أَسْلَمُوا بِالمَدِينَةِ فَإِذا رَأَيْتُمْ أَحَدًا مِنْهُمْ فَحَذِّرُوهُ ثَلاثَ مَرّاتٍ ثُمَّ إِنْ بَدا لَكُمْ بَعْدُ أَنْ تَقْتُلُوهُ فاقْتُلُوهُ بَعْدَ الثَّلاثِ" (¬1). 5258 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنِ ابن عَجْلانَ بهَذا الحَدِيثِ مُخْتَصَرًا قالَ: "فَلْيُؤْذِنْهُ ثَلاثًا فَإِنْ بَدا لَهُ بَعْدُ فَلْيَقْتُلْهُ فَإِنَّهُ شَيْطانٌ" (¬2). 5259 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الهَمْداني، أَخْبَرَنَا ابن وَهْبٍ قالَ: أَخْبَرَنَا مالِكٌ عَنْ صَيْفي مَوْلَى ابن أَفْلَحَ، قالَ: أَخْبَرَني أَبُو السَّائِبِ مَوْلَى هِشامِ بْنِ زُهْرَةَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبي سَعِيدٍ الخُدْري فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَأَتَمَّ مِنْهُ قالَ: "فَأَذِنُوهُ ثَلاثَةَ أَيّام فَإنْ بَدا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فاقْتُلُوهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطانٌ" (¬3). 5260 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمانَ، عَنْ عَلي بْنِ هاشِمٍ، حَدَّثَنَا ابن أَبي لَيْلَى، ¬

_ (¬1) انظر ما قبله. (¬2) انظر ما قبله. (¬3) انظر ما قبله.

عَنْ ثابِتٍ البُنَاني، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- سُئِلَ، عَنْ حَيَّاتِ البُيُوتِ فَقالَ: "إِذا رَأَيْتُمْ مِنْهُنَّ شَيْئًا في مَسَاكِنِكُمْ فَقُوُلُوا: أَنْشُدُكُنَّ العَهْدَ الذي أَخَذَ عَلَيْكُنَّ نُوحٌ أنْشُدُكُنَّ العَهْدَ الذي أَخَذَ عَلَيْكُنَّ سُلَيْمانُ أَنْ لا تُؤْذُونَا فَإِنْ عُدْنَ فاقْتُلُوهُنَّ" (¬1). 5261 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْن عَوْنٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوانَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنِ ابن مَسْعُودٍ أَنَّهُ قالَ: اقْتُلُوا الحَيَّاتِ كُلَّها إِلَّا الجانَّ الأَبْيَضَ الذي كَأَنَّهُ قَضِيبُ فِضَّةٍ. قالَ أَبُو داوُدَ: فَقالَ لي إِنْسانٌ: الجانُّ لا يَنْعَرِجُ في مِشْيَتِهِ فَإِذَا كانَ هذا صَحِيحًا كانَتْ عَلَامَةً فِيهِ إِنْ شاءَ اللَّهُ (¬2). * * * باب في قتل الحيات [5248] (حدثنا إسحاق بن إسماعيل) الطالقاني، ثقة (ثنا سفيان) بن عيينة (عن) محمد (ابن عجلان، عن أبيه) عجلان مولى فاطمة بنت عتبة بن ربيعة القرشي، أخرج له مسلم في حق المملوك (¬3). (عن أبي هريرة: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ما سالمناهن) أي: ما صالحناهن (منذ حاربناهن) أي: عاديناهن. وسئل أحمد بن صالح عن هذا الحديث وقيل له: متى كانت منها جميعًا العداوة؟ قال: حين ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (1485). وضعفه الألباني. (¬2) رواه ابن أبي شيبة 4/ 261 (19907)، والبيهقي في "الآداب" 1/ 152 (364)، والبغوي في "شرح السنة" 12/ 193 (3264). قال الألباني: صحيح موقوف. (¬3) "صحيح مسلم" (1662).

أخرج آدم من الجنة، قال اللَّه تعالى: {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ} قال: بعضهم: هم أربعة: آدم وحواء وإبليس والحية. (ومن ترك شيئًا منهن خيفة) أي: من قتل شيء من الحيات للخوف منهن أو من طلبهن له (فليس منا) أي: ليس على طريقتنا. واحتج بإطلاقه القائلون بقتل الحيات كلها في البيوت والصحاري، بالمدينة وغيرها، ولم يستثنوا منها جنسًا ولا نوعًا، ولا استثنوا فيهن موضعًا. [5249] (ثنا عبد الحميد بن بيان) بن زكريا الواسطي، وهو صدوق (اليشكري) [وهو صدوق] (¬1) نسبة إلى يشكر بن وائل، بطن من ربيعة، وهو بفتح المثناة تحت وسكون الشين المعجمة. (عن إسحاق بن يوسف) بن مرداس المخزومي الواسطي الأزرق (عن) القاضي (شريك، عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد اللَّه السبيعي. (عن القاسم بن عبد الرحمن) الهذلي، قاضي الكوفة، أخرج له البخاري (عن أبيه) عبد الرحمن بن مسعود بن نيار، بكسر النون ثم مثناة تحت، الأنصاري المدني، مقبول. (عن ابن مسعود: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: اقتلوا الحيات كلهن) صرح في هذِه الرواية بـ (كل) الدالة على العموم في الحيات، والعموم شامل لجميع الأحوال والأزمنة والبقاع، فيدخل في العموم قتلهن في حالة الإحرام. قال الرافعي: الحية في معنى الفواسق (¬2). وفي "صحيح مسلم": عن ابن عمر: حدثني إحدى نسوة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) "الشرح الكبير" 3/ 494.

أنه كان يأمر بقتل الكلب. فذكر الخمسة الفواسق، وزاد: والحية. قال: وفي الصلاة أيضًا (¬1). وروى الحاكم عن أبي هريرة: "اقتلوا الأسودين في الصلاة: الحية والعقرب" (¬2) (فمن خاف ثأرهن) بالمثلثة وسكون الهمزة، أي: من خاف إذا قتلهن أن يطلب بثأرهن ويقتل بقتلهن، ويحتمل أن يقال: من خاف إذا هاش على الحيات وأراد قتلها أن تطلبه، وترتفع (¬3) لتلدغه بسمها، فيموت من لدغتها (فليس منا) أي: ليس عاملًا بسنتنا ولا مقتديًا بنا. [5250] (ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا عبد (¬4) اللَّه بن نمير) الهمداني (ثنا موسى بن مسلم الطحان) الصغير، ثقة، مات ساجدًا. (سمعت عكرمة يرفع الحديث فيما أرى) بضم الهمزة. أي: أظن (إلى) عبد اللَّه (ابن عباس: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من ترك قتل الحيات) لأجل (مخافة طلبهن) له أن تتتبعه لتقتله، أو مخافة أن يطلبنه بثار قتلهن (فليس منا، ما سالمناهن منذ حاربناهن) يحتمل أن يراد: ما أبيح لنا ترك قتلهن بعد أن أمرنا به، كما في الكلاب. [5251] (ثنا أحمد (¬5) بن منيع) البغوي (ثنا مروان بن معاوية) بن الحارث الفزاري الكوفي (عن موسى) بن مسلم (الطحان) الصغير (ثنا ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (1200/ 75). (¬2) "المستدرك" 1/ 256 برواية أبي هريرة مرفوعًا. (¬3) في (م): وأراد أن ترتفع. (¬4) فوقها في (ل): (ع). (¬5) فوقها في (ل): (ع).

عبد الرحمن بن سابط) الجمحي، الفقيه (¬1)، أخرج له مسلم. قال المنذري: في سماعه من العباس نظر، والأظهر أنه مرسل (¬2). (عن العباس بن عبد المطلب) بن هاشم عم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (أنه قال لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إنا نريد أن نكنس) [بضم النون] (¬3) بئر (زمزم) سميت بذلك لكثرة مائها، يقال: ماء زمزم وزمزام. أي: كثير. (وإن فيها من هذِه الجنان) بكسر الجيم وتشديد النون الأولى (يعني: الحيات الصغار) روي عن ابن عباس: الجنان: مسخ الجن، كما مسخت القردة من بني إسرائيل (¬4)، وقال ابن وهب: الجنان: العوامر التي تكون في البيوت. يعني: تتمثل حية رقيقة للآدميين (¬5). وواحد: الجنان بتشديد النون، فأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بقتلهن. [5252] (ثنا مسدد، ثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري، عن سالم بن عبد اللَّه، عن أبيه) عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) "مختصر سنن أبي داود" 8/ 105. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) رواه من حديث ابن عباس مرفوعًا أحمد 1/ 348، والبزار كما في "كشف الأستار" (1232)، وابن حبان 12/ 457 - 458 (5640)، والطبراني 11/ 341 (11946) بلفظ: "الحيات" بدل لفظ "الجنان"، إلا البزار بلفظ: "الحية"، واللفظ بتمامه للطبراني. ورواه موقوفًا عبد الرزاق 1/ 434 (19617)، وأحمد 1/ 348، والطبراني 11/ 314 (11846) بلفظ "الحيات" لعبد الرزاق والطبراني، وبلفظ "الجان" لأحمد. (¬5) انظر: "التمهيد" 16/ 19، "إكمال المعلم" 7/ 169.

اقتلوا الجنان) لفظ البخاري: عن ابن عمر أنه سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يخطب على المنبر يقول: "اقتلوا الحيات" (و) "اقتلوا" (¬1) (ذا الطفيتين) بضم الطاء المهملة وسكون الفاء وفتح المثناة تحت. قال العلماء: شبه الخيطين الأبيضين اللذين على ظهر الحية بخوصتين من خوص المقل، فإن الطفية في الأصل خوصة شجر المقل، وجمعها طفى. قال النمري: يقال: إن ذا الطفيتين حنش يكون على ظهره خطان أبيضان (¬2). وقال غيره: نقطتان (¬3). وعطف ذي الطفيتين على الحيات يحتمل أن يكون من عطف الخاص على العام، كقوله تعالى {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68)} (¬4) فإن ذا الطفيتين نوع من الحيات. (و) اقتلوا (الأبتر) قال النضر بن شميل: الأبتر: هو صنف من الحيات أزرق مقطوع الذنب (¬5). وقال غيره: هو القصير الذنب (¬6). ومنه حديث الضحايا أنه نهى عن المبتورة (¬7)، وهي التي قطع ذنبها. (فإنهما يلتمسان البصر) فيه تأويلان: أحدهما: يخطفان البصر ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (3297). (¬2) "التمهيد" 16/ 23. (¬3) انظر: "مطالع الأنوار" بتحقيقنا 3/ 278. (¬4) الرحمن: 68. (¬5) انظر: "التمهيد" 16/ 23، 133. (¬6) انظر: "شرح مسلم" 14/ 235. (¬7) انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 93.

ويطمسانه، بدليل رواية البخاري: "فإنهما يطمسان البصر" (¬1) وفي رواية له: "لا تقتلوا الحيات، إلا كل أبتر ذي طفيتين، فإنه يسقط الولد ويذهب البصر" (¬2) يعني: بمجرد نظرهما إليه، خاصية جعلها اللَّه في بصرهما إذا وقع على نظر آدمي. والثاني: أنهما يقصدان البصر باللسع والنهس. والأول أصح، ولا يستبعد هذا، فقد ذكر ابن الجوزي في "كشف مشكل الصحيحين" أن بعراق المعجم أنواعًا من الحيات يهلك الرائي لها بنفس رؤيتها، ومنها نوع يهلك بالمرور على طريقها (¬3). وقال غيره: منها نوع يسمى الناظر إذا وقع بصرها على عين الإنسان مات من ساعته. (ويسقطان الحبل) بفتح الحاء والباء، أظنه جمع حبلى. قيل: أراد الجنين، ويؤيده الرواية المتقدمة للبخاري "ويسقط الولد" (¬4). أي: إذا نظرتها أمه. قال الداودي: إنما أمر بقتلها؛ لأن الجني لا يتمثل بها، وإنما نهى عن ذوات البيوت؛ لأن الجني يتمثل بها، ولهذا أمر أن يؤذن ثلاثًا، يعني: ثلاثة أيام. (قال) سالم (فكان عبد اللَّه) بن عمر (يقتل كل حية وجدها، فأبصره أبو لبابة) بضم اللام واسمه رفاعة بن المنذر، أحد نقباء الأنصار -رضي اللَّه عنه- ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (3297). (¬2) "صحيح البخاري" (3311) بلفظ "الجنان" بدل "الحيات". (¬3) "كشف المشكل" 2/ 107 بنحوه. (¬4) "صحيح البخاري" (3311).

(أو) شك من الراوي (زيد بن الخطاب) أخو عمر، وهو من السابقين، وكان بائن الطول، وحزن عليه عمر حزنًا كثيرًا، وكان يقول: أسلم قبلي. واقتصر البخاري على أبي لبابة -رضي اللَّه عنه- (¬1). وله في رواية: فرأى أبو لبابة وزيد بن الخطاب (¬2) [(وهو يطارد حية) أي: يخادعها ويطلب قتلها] (¬3). (فقال له) أبو لبابة (إنه نهى عن) قتل الحيات (ذوات البيوت). لفظ البخاري: نهي عن قتل حيات البيوت. وزاد: فأمسك عنها (¬4). يعني: فأمسك ابن عمر عن قتل الحية حين بلغه النهي في الحال ولم يراجعه في شيء. [5253] (حدثنا) عبد اللَّه بن مسلمة (القعنبي، عن مالك، عن نافع، عن أبي لبابة) رفاعة بن المنذر (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن قتل الجنان) بكسر الجيم وتشديد النون، وهي الحيات (التي تكون في البيوت) جمع جان، وهو الدقيق الخفيف، والجان الشيطان أيضًا (إلا أن يكون ذا الطفيتين والأبتر) تقدم كلام الداودي قريبًا (فإنهما يخطفان) بفتح الطاء كما قال تعالى: {فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ} (¬5) (ويطرحان) بفتح أوله وثالثه (ما في بطون النساء) من الولد. ¬

_ (¬1) السابق. (¬2) "صحيح البخاري" (3299) معلقًا. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬4) "صحيح البخاري" (3313) بلفظ "جنان" بدل لفظ "حيات". (¬5) الحج: 31.

ذهب بعض العلماء إلى [أن] (¬1) الأمر بقتل الكلاب في الأحاديث المتقدمة مطلقًا مخصوص بالنهي عن قتل حيات البيوت إلا الأبتر وذا الطفيتين، فإنهما يقتلان على كل حال، سواء كانا في البيوت أو غيرها؛ لأن الجان لا تتمثل بهما، ولا ما ظهر منها بعد الإنذار ثلاثًا. [5254] (ثنا محمد بن عبيد) بن حساب بكسر الحاء وتخفيف السين المهملة، الغبري بضم المعجمة وتخفيف الموحدة، شيخ مسلم. (ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما وجد بعد ذلك أي: بعد ما حدثه أبو لبابة) بالنهي عن قتل حيات البيوت (حية في داره، فأمر بها فأخرجت) من داره وأمر أن يذهب بها (يعني إلى البقيع) بفتح الموحدة، والظاهر أنه بقيع الغرقد. وفيه: دليل على أن الإنسان إذا كان عنده شيء من المفسدات التي يخاف عاقبتها ككلب أو سنور ونحوهما أن يخرجه من عنده، ويذهب به إلى مكان يؤمن من فساده، فإن ابن عمر لما أخرجها لم يطلقها عند أحد من الأحياء التي يخاف عليهم منها، بل وضعها في مقبرة الأموات التي ليس لها استطاعة في الدخول عليهم؛ لتحذرهم بالقبور. [5255] (ثنا) أحمد بن عمرو (ابن السرح وأحمد بن سعيد الهمداني) المصري، قال النسائي: ليس بالقوي (¬2). (قالا: ثنا) عبد اللَّه (ابن وهب، أخبرني أسامة) بن زيد الليثي، أخرج ¬

_ (¬1) زيادة يقتضيها السياق. (¬2) انظر: "المعجم المشتمل" (31)، "تهذيب الكمال" 1/ 314 (38).

له مسلم (عن نافع في هذا الحديث) و (قال نافع) في روايته (ثم رأيتها بعد) ذلك (في بيته) قد رجعت إليه بنفسها ولم يخرجها. [5256] (ثنا مسدد، ثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن محمد بن أبي يحيى) سمعان الأسلمي، ثقة. (حدثني أبي) أبو يحيى سمعان الأسلمي مولاهم المدني، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬1). (أنه انطلق هو وصاحب له إلى أبي سعيد) الخدري (يعودونه) (¬2) وهو مريض. (فخرجنا من عنده فلقينا صاحب لنا (¬3) وهو يريد أن يدخل عليه) يعوده (فأقبلنا نحن فجلسنا في المسجد، فجاء) إلى المسجد بعدما خرج من عنده. (فأخبرنا أنه سمع أبا سعيد) سعد بن مالك بن سنان (الخدري يقول: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن الهوام) بتشديد الميم جمع هامة بالتشديد، كدواب جمع دابة، وهي في الأصل كل ذات سم يقتل كالحية، فأما ما له سم ولا يقتل فهو السامة كالعقرب والزنبور، وهو يطلق الهوام على ما يؤذي من كل ما يدب على الأرض وليس له سم، كالقمل والبراغيث وسائر الحشرات، ومنه حديث كعب بن عجرة: "أيؤذيك هوام رأسك؟ " (¬4) ¬

_ (¬1) 4/ 345. (¬2) كذا في (ل)، (م)، وفي "سنن أبي داود": يعودانه. (¬3) بعدها في (ل)، (م): فلقينا صاحبًا. وعليها: خـ. (¬4) رواه البخاري (4190)، ومسلم (1201) من حديث كعب بن عجرة مرفوعًا.

يعني: القمل. على الاستعارة بجامع الأذى. والأظهر أن المراد بالهوام في حديث المصنف الحيات، لقوله بعده (من الجن) أي: يتصور على صورة الحيات والكلاب؛ لما روى القرطبي عن أبي ثعلبة الخشني أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الجن على ثلاثة أثلاث: فثلث لهم أجنحة يطيرون في الهواء، وثلث حيات وكلاب، وثلث يحلون ويظعنون" (¬1) ويدل عليه الحديث المتقدم في كنس زمزم أنهن حيات البيوت (¬2). (فمن رأى في بيته شيئًا) من الحيات (فليُحَرِّج) بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء بعدها جيم، أي: يضيق عليه، وقد تأوله مالك -رضي اللَّه عنه-، على أن يقال: أحرج عليك باللَّه واليوم الآخر أن لا تبدوا لنا ولا تؤذونا. فأخذه من ظاهر الحديث (¬3). وقال في "النهاية": تقول: أنت في حرج. أي: ضيق إن عدت لنا فلا تلومينا أن نطبق عليك بالتتبع والطرد والقتل، ومنه حديث اليتامى: تحرجوا أن يأكلوا معهم. أي: ضيقوا على أنفسهم، يقال: تحرج فلان: إذا فعل فعلًا يخرج به من الحرج، وهو الإثم والضيق (¬4). (ثلاث مرات) فيه: رد على ما تقدم عن الداودي أنه يحرج ثلاثة أيام، ويحتمل أن يكون مراده ما في الحديث أنه يحرج ثلاثة أيام، كل ¬

_ (¬1) "التمهيد" 16/ 265. (¬2) سبق قريبًا برقم (5251) من حديث العباس بن عبد المطلب. (¬3) انظر: "شرح مسلم" للنووي 14/ 230. (¬4) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 361.

يوم ثلاث مرات، فإن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاث مرات. (فإن عاد) زاد: بعد الثلاث (فليقتله، فإنه شيطان) قال في "النهاية": أراد أنه أحد شياطين الجن، وقد تسمى الحية الدقيقة الخفيفة شيطانًا أو جانًّا على التشبيه (¬1). انتهى. وقد يراد أن فعل الهوام فعل الشيطان في كثرة الفساد وعدم النفع. [5257] (ثنا يزيد) بن خالد (بن موهب) بفتح الميم والهاء (الرملي) الفقيه الزاهد الثقة. (ثنا الليث، عن) محمد (ابن عجلان، عن صيفي بن سعيد) ويقال: أبي زياد. وهو صيفي بن زياد (المدني) ويقال: مولى أبي أيوب الأنصاري، أخرج له مسلم. (عن أبي السائب) المدني مولى هشام بن عروة. (قال: أتيت أبا سعيد الخدري) -رضي اللَّه عنه- يعني: وهو في بيته؛ لرواية مسلم أنه دخل على أبي سعيد الخدري في بيته فجلست أنتظره حتى يقضي صلاته، فسمعت تحريكا في عراجين في ناحية البيت (¬2) (فبينا أنا جالس عنده) إذ (سمعت تحت سريره) فيه: جواز اتخاذ السرير والجلوس عليه والنوم، وليس هو من السرف، إلا أن يكون السرف في قيمته (تحريك شيء، فنظرت فإذا) هي (حية، فقمت) لفظ مسلم: فوثبت (¬3). ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 476. (¬2) "صحيح مسلم" (2236). (¬3) السابق.

(لأقتلها، فقال أبو سعيد: ) الخدري (ما لك؟ قلت) هذِه (حية هاهنا. قال: فتريد ماذا؟ ) تفعل (قلت) أريد أن (أقتلها. فأشار إلى بيت في داره لقاء) بكسر اللام والمد بعد القاف (¬1)، قال المنذري: يحتمل أن يريد تلقاء (بيته)، يقال: جلس تلقاءه. أي: حذاءه. وقال بعضهم في قوله تعالى {تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ} (¬2) أي: تجاههم (¬3). انتهى. ويشبه أن تكون التاء حذفت لزيادتها في: تلقاء، كما زيدت في تزداد وتعاقل. (فقال) زاد مسلم: أترى هذا البيت؟ فقلت: نعم. فقال: كان فيه فتى (¬4) فقال: (إن ابن عم لي كان في هذا البيت، فلما كان يوم) بالرفع (الأحزاب) حين تحزب على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قريش وغطفان، وضرب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الخندق على المدينة (¬5). (استأذن) ابن عمه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الرجوع (إلى أهله) وكان استئذانه امتثالا لقوله تعالى: {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} (¬6) وكان مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في حفر الخندق، ولما نزلت الآية كانوا إذا كانوا في أمر يجمعهم على طاعة اللَّه كغزو أو حفر خندق أو ¬

_ (¬1) بعدها في (ل)، (م): تلقاء. (¬2) الأعراف: 47. (¬3) أورد هذا القول في حاشية "مختصر سنن أبي داود" 8/ 108 المحقق وعزاه إلى هامش المنذري. (¬4) "صحيح مسلم" (2236). (¬5) من هامش (ل)، وهي بياض في (م). (¬6) النور: 62.

صلاة جمعة أو عيد أو تشاور في أمر لم يذهبوا حتى يستأذنوه في الانصراف. (وكان حديث عهد بعرس) فيه: جواز السفر عن العروس عقب دخوله عليها إلى حج أو جهاد، وجواز المبيت عنها في الجامع لاعتكاف العشر الأواخر ونحوه. (فأذن له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) فيه: مبادرة الزوج إذا قضى حاجته في سفره أن يرجع إلى العروس (وأمره أن يذهب بسلاحه) فذهب بسلاحه إلى أهله راجعًا (فأتى داره فوجد امرأته قائمة على باب البيت) توضحه رواية مسلم الآتية: فوجدها بين البابين (¬1). (فأشار إليها بالرمح) ليطعنها به (فقالت: لا تعجل) علىَّ (حتى) تدخل و (تنظر ما أخرجني. فدخل البيت، فإذا حية منكرة) [بفتح الكاف] (¬2) أي: تنكر رؤيتها وتستقبح. وستأتي رواية مسلم بزيادة (فطعنها بالرمح، ثم خرج بها في الرمح تركض) (¬3) أي: تضطرب عليه كما لمسلم (¬4). (قال: فلا أدري أيهما) بالرفع مبتدأ (كان أسرع) بالنصب (موتًا الرجل) بالرفع (أو الحية؟ فأتى قومه) بالرفع (النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالوا: ادع اللَّه أن) يحيى و (يرد) علينا (صاحبنا) وسبب سؤالهم له الدعاء لإحياء ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2236) بلفظ: فإذا امرأته بين البابين. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) كذا في الأصول، وفي "سنن أبي داود": ترتكض. (¬4) "صحيح مسلم" (2236).

ميتهم كثرة ما كانوا يشاهدون من إجابة دعواته -صلى اللَّه عليه وسلم- وعموم بركاته وعظيم معجزاته. قال القرطبي: روى أئمتنا في كتبهم أن رجلًا وأد ابنته ثم أسلم، فجاء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فسأله أن يدعو اللَّه أن يحييها له، فانطلق معه إلى قبرها ودعا فناداها، فأحياها اللَّه تعالى فتكلمت معهما، فقال لها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أتريدين أن تنطلقي مع أبيك أو ترجعي إلى ما كنت فيه؟ " فاختارت الرجوع إلى قبرها (¬1). (فقال: استغفروا لصاحبكم) فيه الدعاء والاستغفار لمن بلغه موت صاحبه، وأمر أصحابه وجماعته بالاستغفار له ولو مات مطعونًا أو مبطونًا أو مسمومًا. (ثم قال: إن نفزا من الجن أسلموا بالمدينة) وكذا بغيرها. قال القرطبي: فيلزم التسوية بينها وبين غيرها في المنع من قتل الحيات إلا بعد الإذن. قال: ولا يفهم من هذا الحديث أن هذا الجان الذي قتله الفتى كان مسلمًا، وأن الجن قتلته به قصاصًا؛ لأن القصاص لا يكون إلا في العمد المحض، وهذا الفتى لم يقصد ولا تعمد قتل نفس مسلمة، إذ لم يكن عنده علم من ذلك، وإنما قصد قتل ما شرع له قتل نوعه شرعًا، وهذا قتل خطأ؛ فلا قصاص (¬2). وكان النفر الذين أسلموا سبعة أو تسعة من جن نصيبين، ثم تتابعوا في الإسلام. ¬

_ (¬1) "المفهم" 5/ 537. (¬2) "المفهم" 5/ 537 - 538.

(فإذا رأيتم أحدًا منهم) أي: ظهر لكم أحد منهم بصورة كلب أو حية ونحوها (فحذروه) من الظهور (ثلاث مرات) في ثلاثة أيام (ثم إن بدا) بلا همز (لكم بعد) مبني على الضم، وفاعل (بدا) (أن تقتلوه) تقديره بدا لكم قتله ذلك (أن تقتلوه). قال العلماء: معناه إذا لم يذهب بالإنذار علمتم أنه ليس من عوامر البيوت، ولا ممن أسلم من الجن، بل هو شيطان؛ فلا حرمة له فاقتلوه، ولن يجعل اللَّه له سبيلا للانتصار عليكم بثأره، بخلاف العوامر ممن أسلم. (فاقتلوه) هذا للاستحباب وليس هو للوجوب، إذ لو كان للوجوب لما علقه بالاختيار في قوله: (بدا لكم) أي: تحدد لكم رأي واختيار (بعد الثلاث) فإنه كافر ممن لم يسلم، وقد بين النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذا الحديث الطريق التي يحصل بها التحرز في قتل المسلم منهم والتسلط به على قتل كافرهم. [5259] (ثنا أحمد بن سعيد) المصري (الهمداني، أبنا ابن وهب، أخبرني مالك، عن صيفي) بن زياد المدني، تقدم ([مولى] (¬1) ابن أفلح) ويقال مولى أبي زهرة الأنصاري (قال: أخبرني أبو السائب مولى هشام بن زهرة) -رضي اللَّه عنه- قال: أنبئت (أنه دخل على أبي سعيد الخدري فذكر نحوه، وأتم منه) هذِه رواية مسلم، وتمامه: في بيته قال (¬2): فوجدته يصلي فجلست أنتظره حتى يقضي صلاته، فسمعت ¬

_ (¬1) ساقطة من (ل)، (م)، والمثبت من "سنن أبي داود". (¬2) ساقطة من (م).

تحريكًا في عراجين في ناحية البيت، فالتفت فإذا حية فوثبت لأقتلها، فأشار إليَّ أن اجلس فجلست، فلما انصرف أشار إلى بيت في الدار، فقال: أترى هذا البيت؟ فقلت: نعم. فقال: كان فيه فتى منا حديث عهد بعرس. قال: فخرجنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى الخندق، فكان ذلك الفتى يستأذن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بأنصاف النهار فيرجع إلى أهله، فاستأذنه يومًا فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خذ سلاحك فإني أخشى عليك" فأخذ الرجل سلاحه ثم رجع، فإذا امرأته بين البابين قائمة فأهوى إليها بالرمح ليطعنها به وأصابته غيرة، فقالت له: اكفف عليك رمحك وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني. فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش، فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به، ثم خرج فركزه في الدار فاضطربت، فما ندري أيهما كان أسرع موتًا الحية أم الفتى، إلى آخره (¬1). (فآذنوه) بمد الهمزة وكسر الذال أي: أعلموه، وفي بعض النسخ: "فآذنوها" يعني: الحية (ثلاثة أيام) في كل يوم ثلاث مرات. قال عيسى بن دينار: ينذر ثلاثة أيام وإن ظهر في اليوم مرات، أو لا يقتصر على إنذاره ثلاث مرار في يوم واحد حتى يكون ثلاثة أيام (¬2). ومفهوم الحديث ثلاث مرات، وهذِه الرواية نص صريح في الثلاثة أيام مقيدة للرواية المطلقة أولا، فلا يعدل عنه (فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان) أي: كافر ليس ممن أسلم من الجن. ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2236). (¬2) انظر: "إكمال المعلم" 7/ 172، "المفهم" 5/ 538.

[5260] (ثنا سعيد بن سليمان) الضبي الواسطي، شيخ البخاري (عن ابن هاشم) بن البريد الكوفي، أخرج له مسلم. (حدثني) محمد بن عبد الرحمن (ابن أبي ليلى) الفقيه قاضي الكوفة. (عن ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه) أبي ليلى، واسمه يسار بالمثناة تحت والمهملة، وقيل: بلال أو بُليل. بالتصغير شهد أحدًا وما بعدها، وهو أنصاري، وعاش إلى خلافة علي -رضي اللَّه عنه-. (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سئل عن حيات البيوت) وهي العوامر التي تعمر البيوت من الجن وتتمثل في صور الحيات وفي غيرها. (فقال: إذا رأيتم منهن شيئًا في مساكنكم) يدخل فيه الدور والبيوت والبساتين والدكاكين والمخازن ونحو ذلك. (فقولوا) لهم: (أنشدكن) (¬1) بفتح الهمزة وضم الشين. (اللَّه) بحذف باء الجر، أي: أسألك باللَّه تعالى، أنشدك اللَّه وباللَّه، وناشدتك اللَّه وباللَّه. (العهد) أي: سألتك وأقسمت عليك باللَّه (الذي أخذ عليكن (¬2) نوح) -عليه السلام- حين أمر لكن في السفينة أن لا تؤذين أحدًا من ذريته و (أنشدكن العهد الذي أخذه عليكن سليمان -عليه السلام- أن) لا (تؤذونا) كذا تقدير الحذف، فحذفت (لا) كما حذفت في قوله تعالى: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ} (¬3) وقول الشاعر: ¬

_ (¬1) بعدها في (ل): أنشدكم. وعليها: خـ. (¬2) في هامش (ل): عليكم. وعليها: خـ. (¬3) يوسف: 85.

فقلت يمين اللَّه أبرح قاعدًا ... ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي (¬1) وصار الحذف هنا؛ لأنه [لا] (¬2) يلتبس النفي بالإثبات بعد صريح القسم، والإنشاد بمعنى القسم فلا يلتبس (فإن عدن) إلى الظهور بعد الإنذار بما تقدم (فاقتلوهن) لأنهن لسن بمؤمنات. [5261] (ثنا عمرو بن عون) الواسطي، شيخ البخاري. (أبنا أبو عوانة) (¬3) الوضاح بن عبد اللَّه اليشكري (عن مغيرة) بن مقسم الضبي، الكوفي، الفقيه الأعمى. (عن إبراهيم) (¬4) بن يزيد النخعي الكوفي، وهذا الحديث منقطع؛ لأن النخعي لم يرو (عن) عبد اللَّه (ابن مسعود) ولم يسمع منه. قال أبو عمر النمري: وقد روي عن ابن مسعود في هذا الباب قول غريب حسن (¬5). وساق هذا القول بإسناد المصنف (أنه قال: اقتلوا الحيات كلها) هذا عام يشمل التي في الصحاري وعوامر البيوت وغيرها، إلا ما استثني من الجان الأبيض، واستثنى مالك مما لم يقتل ما يوجد في المساجد، يعني: لأنهن ليسوا بمؤمنين (إلا الجان الأبيض الذي كأنه قضيب فضة) ¬

_ (¬1) هذا البيت لامرئ القيس، من بحر الطويل، انظر: "ديوانه" ص 8، "الشعر والشعراء" ص 68. (¬2) زيادة ليست في الأصول يقتضيها السياق. (¬3) و (¬4) فوقها في (ل): (ع). (¬5) "التمهيد" 16/ 30.

في صفاء بياضه، وهو مبالغة في شدة البياض، يشبه أن يكون استثنى الأبيض أنه لا يقتل لكونه من الجن المؤمنين الذين ظهروا في البياض؛ لأنه أفضل ثياب المؤمنين من الإنس كما أن الأسود والأبتر وذا الطفيتين من شعار من لم يؤمن من الجان. (قال أبو داود: قال لي إنسان: الجان لا يتعرج في مشيه. فإن صح فهو علامة). * * *

176 - باب في قتل الأوزاغ

176 - باب فِي قَتْلِ الأَوْزَاغِ 5262 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ عامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قالَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِقَتْلِ الوَزَغِ وَسَمَّاهُ فُوَيْسِقًا (¬1). 5263 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبّاحِ البَزَّازُ، حَدَّثَنَا إِسْماعِيلُ بْنُ زَكَرِيّا، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ قَتَلَ وَزَغَةً فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ فَلَهُ كَذا وَكَذا حَسَنَةً، وَمَنْ قَتَلَها في الضَّرْبَةِ الثَّانِيَةِ فَلَهُ كَذا وَكَذا حَسَنَةً أَدْنَى مِنَ الأَوَّلِ، وَمَنْ قَتَلَها فِى الضَّرْبَةِ الثَّالِثَةِ فَلَهُ كَذا وَكَذا حَسَنَةً أَدْنَى مِنَ الثَّانِيَةِ" (¬2). 5264 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبّاحِ البَزّازُ، حَدَّثَنَا إِسْماعِيلُ بْنُ زَكَرِّيا، عَنْ سُهَيْلٍ، قالَ: حَدَّثَنِي أَخي أَوْ أُخْتِي، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّهُ قالَ: "في أَوَّلِ ضَرْبَةٍ سَبْعِينَ حَسَنَةً" (¬3). * * * باب في قتل الأوزاغ [5262] (حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل، ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن الزهري، عن عامر بن سعد) أخرج له مسلم. (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص -رضي اللَّه عنه-. (قال: أمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بقتل الوزغ) بفتح الواو والزاي واحدة: ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2238). (¬2) رواه مسلم (2245)، والترمذي (1482). (¬3) رواه مسلم (147).

وزغة، كورقة ووَرق، وفيه حجة على استحباب قتل الأوزاغ. قال الأزهري: هي سام أبرص، وقيل: سام أبرص كبار الوزغ (¬1). وذكر صاحب "الآثار" أنه أصم أبرص لنفخه النار على إبراهيم -عليه السلام- ولم يكن في الأرض دابة غيرها إلا أطفأت النار. قال في "النهاية": أمر بقتل الوزغ، وهي التي يقال (¬2) لها: سام أبرص. ومن حديث عائشة: لما أحرق بيت المقدس كانت الأوزاغ تنفخه (¬3) (¬4). انتهى. ومن طبعها أنها لا تدخل بيتًا فيه زعفران. (وسماه فوسيقًا) وهذا التصغير للتحقير والهوان والذم، سميت فويسقة لأنها من الفواسق الخمس، وسميت بذلك لخروجهن عن طباع أجناسهن إلى الأذى، والوزغة عندها من أنواع الضرر والأذى الكثير ما خرجت به عن أجناسهن من الحشرات المستضعفة، ويحتمل أن يقال: سميت فواسق لخروجها عن الحرمة والأمر بقتلها، أو لخروجها عن الانتفاع بها أو لتحريم أكلها. [5263] (ثنا محمد بن الصباح (¬5) البزاز) بزائين معجمتين الدولابي ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب اللغة" 12/ 319. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) رواه البيهقي 9/ 318 وقال عقبه: موقوف، وإسناده صحيح. وقال الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" 4/ 154 بعد ذكر قول البيهقي: حكمه الرفع؛ لأنه لا يقال بغير توقيف، وما كانت عائشة ممن يأخذ عن أهل الكتاب. (¬4) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 5/ 181. (¬5) فوقها في (ل): (ع).

مصنف "السنن" (ثنا إسماعيل (¬1) بن زكريا) الخلقاني. (عن سهيل) بن أبي صالح (عن أبيه) أبي (¬2) صالح السمان. (عن أبي هريرة: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من قتل وزغة في أول ضربة فله كذا وكذا حسنة) بالنصب على التمييز، وبالرفع مبتدأ، وهذا عدد مبهم فسرته رواية مسلم: "من قتل وزغة في أول ضربة كتبت له مائة حسنة أو سبعون" (¬3) كما سيأتي. وسبب تكثير الثواب بأول ضربة ثم ما يليها والمقصود منه الحث على المبادرة إلى قتله بسرعة وشدة الاعتناء به، وتحريض قاتله أن يقتله بأول ضربة، فإنه إذا أراد أن يضربه ضربات ربما انفلت منه وفات قتله. قال القرطبي: يظهر لي أن قتلها وإن كان مأمورًا [به] (¬4) لكن لا تعذب بكثرة الضرب عليها، بل ينبغي أن يجهز عليها في أول ضربة؛ لنهيه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن تعذيب الحيوان وقوله: "إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة" (¬5) (¬6). (ومن قتله في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة أدنى من) لفظ مسلم: ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) ساقطة من (م). (¬3) "صحيح مسلم" (2240) (147). (¬4) ساقطة من (ل)، (م)، والمثبت من "المفهم". (¬5) رواه مسلم (1955) من حديث شداد بن أوس مرفوعًا. (¬6) "المفهم" 5/ 541.

"لدون" (¬1) (الأولى، ومن قتله في الضربة الثالثة فله كذا وكذا أدنى من الثانية) قال القرطبي: لم يقع تفسير العدد الذي في الضربة الثانية ولا الثالثة، غير أن الحاصل أن قتلها في أول ضربة فيه من الأجر أكثر مما في الثانية، وما في الثانية أكثر مما في الثالثة (¬2). انتهى. وهذا مخالف لما في أسرار الحكمة في التكاليف من أن العمل كلما كان أكثر كان أجرة عمله أعظم، وتكرار العمل يضاعف الأجر، وهذا عكسه، ولعل السر في هذا طلب المبادرة في قتلها وترك التواني حتى لا تذهب سليمة. [5264] (ثنا محمد بن الصباح البزاز، ثنا إسماعيل بن زكريا، عن سهيل قال: حدثني أخي أو أختي) قال المنذري (¬3): هذا على الشك، وهذِه الرواية منقطعة، وفي بعض نسخ مسلم: أخي. وفي بعضها: أخي وأختي. بواو العطف. قال: وعلى كل تقدير فأولاد أبي صالح هم سهيل وصالح وعباد وسودة، وليس منهم من سمع من أبي (عن أبي هريرة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: في أول ضربة سبعين حسنة) والجمع بين رواية مسلم: "من قتل وزغة في أول ضربة كتبت له مائة حسنة" (¬4) أن هذا من مفهوم العدد وهو لا يعمل به عند جماهير الأصوليين وغيرهم، فذكر سبعين لا ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2240). (¬2) "المفهم" 5/ 541. (¬3) "الترغيب والترهيب" 4/ 402. (¬4) "صحيح مسلم" (2240/ 147).

يمنع المائة، فلا معارضة بينهما، ولعله أخبر بالسبعين ثم تصدق اللَّه بالزيادة، فأعلم بها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يه حين أوحى إليه بعد ذلك، أو أن ذلك يختلف باختلاف قاتلي الوزغ بحسب نياتهم وإخلاصهم وكمال أحوالهم ونقصها، فتكون المائة للكامل منهم في حسن نيته والسبعون لمن دونه، ويحتمل أن تكون مضاعفة الأجر بحسب الضرر، فتكون المائة لمن قتلها من أحد المساجد الثلاثة، والسبعون (¬1) لمن قتلها في بيته، أو يكون ذلك بحسب كبرها وصغرها، ففي الكبيرة مائة، وفي الصغيرة سبعون، ويحتمل غير ذلك. * * * ¬

_ (¬1) في الأصول: والسبعين. والمثبت هو الجادة.

177 - باب في قتل الذر

177 - باب فِي قَتْلِ الذَّرِّ 5265 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ المُغِيرَةِ -يَعْنِي: ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ-، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "نَزَلَ نَبيٌّ مِنَ الأَنبِيَاءِ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَلَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ، فَأَمَرَ بِجَهازِهِ فَأُخْرِجَ مِنْ تَحْتِها، ثُمَّ أَمَرَ بِها فَأُحْرِقَتْ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ فَهَلا نَمْلَةً واحِدَةً" (¬1). 5266 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ نَمْلَةً قَرَصَتْ نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِياءِ فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فَأُحْرِقَتْ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَفِي أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أَهْلَكْتَ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ تُسَبِّحُ؟ ! " (¬2). 5267 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ، قالَ: إِنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنَ الدَّوابِّ: النَّمْلَة والنَّحْلَةُ والهُدْهُدُ والصُّرَدُ (¬3). 5268 - حَدَّثَنا أَبُو صالِحٍ مَحْبُوبُ بْن مُوسَى، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الفَزاري، عَنْ أَبِي إِسْحاقَ الشَّيباني، عَنِ ابن سَعْدٍ، قالَ أَبُو داوُدَ: وَهُوَ الحَسَنُ بْنُ سَعْدٍ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- في سَفَرٍ فانْطَلَقَ لحِاجَتِهِ فَرَأَيْنا حُمَّرَةً مَعَها فَرْخَانِ فَأَخَذْنَا فَرْخَيْها فَجاءَتِ الحُمَّرَة فَجَعَلَتْ تعَرِّشُ فَجَاءَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالَ: "مَنْ فَجَعَ هذِه بِوَلَدِها؟ ! رُدُّوا وَلَدَها إِلَيْها". وَرَأى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْناها فَقالَ: "مَنْ حَرَّقَ هذِه؟ ". قُلْنا: نَحْنُ. قَالَ: "إِنَّهُ لا يَنْبَغي أَنْ يُعَذِّبَ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3019)، ومسلم (2241). (¬2) انظر السابق. (¬3) رواه ابن ماجه (3224)، وأحمد 1/ 332، والدارمي (2042). وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (2990).

بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّ النَّارِ" (¬1). * * * باب في قتل الذر [5265] (حدثنا قتيبة بن سعيد، عن المغيرة (¬2) بن عبد الرحمن) بن عبد اللَّه الحزامي المدني. (عن أبي الزناد) (¬3) عبد اللَّه بن ذكوان المدني (عن الأعرج، عن أبي هريرة أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة) قال المنذري: قد جاء من غير ما وجه أن هذا النبي هو عزير -عليه السلام- (¬4). (فلدغته) هو بفتح الدال المهملة والغين المعجمة، أي: قرصته كما في رواية (¬5) (نملة) واحدة (فأمر بجهازه). قال النووي: بفتح الجيم وكسرها: هو المتاع (¬6). يعني الذي يحتاج إليه في غزوة أو سفرة، كما أن تجهيز الميت ما يُحتاج إليه من كفن وخيوط ونحو ذلك (فأخرج من تحتها) أي: من تحت الشجرة (ثم أمر بها) أي: بقرية النمل، بدليل الرواية الآتية، ولهذا لم يعاتبه اللَّه إلا على إحراق الأمة من النمل، ويحتمل أن يراد بقوله (فأحرقت) الشجرة ¬

_ (¬1) سبق برقم (2675). (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) فوقها في (ل): (ع). (¬4) "الترغيب والترهيب" 4/ 407. (¬5) رواها البخاري (3019)، ومسلم (2241). (¬6) "شرح مسلم" 14/ 239.

والقرية جمعًا بين الحديثين، ولم يعاتبه اللَّه على إحراق الشجرة؛ لأنه جائز كما تقدم إذا كان مباحًا. (فأوحى اللَّه تعالى [إليه] (¬1) فهلا) معناها إذا دخلت على الماضي التوبيخ والإنكار كقوله تعالى {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ}. (نملة) بالنصب بفعل محذوف تقديره: فهلا أحرقت نملة (واحدة) وفي قوله: فهلا عاقبت نملة واحدة. ولم يقل: فهلا عاقبت النملة التي قرصتك. تنبيه على أن اللَّه تعالى يعاقب على المنكر فاعله العاصي والطائع الذي حضر ولم ينكر عليه أو فارقه، فإنه لما ترك النهي عن المنكر كان كأنه رضي به. قال العلماء: هذا الحديث محمول على أن شرع ذلك النبي كان فيه جواز قتل النمل وجواز الإحراق بالنار، إذ لم يعتب عليه في أصل القتل والإحراق، بل في الزيادة على النملة الواحدة، وأما في شرعنا فلا يجوز الإحراق بالنار للحيوان إلا إذا أحرق إنسانا فمات بالإحراق فلوليه الاقتصاص بإحراق الجاني، وسواء في منع الإحراق بالنار النمل والبرغوث والبق وغيرها من المؤذيات، ولا يعذب بالنار إلا اللَّه، واحتجوا بالحديث الآتي: نهى عن قتل أربع منها النملة (¬2). [5266] (ثنا أحمد بن صالح) الطبري، شيخ البخاري وغيره. (ثنا عبد اللَّه بن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، عن رسول اللَّه ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصول، ومستدركة من "السنن". (¬2) الحديث بعد الآتي.

-صلى اللَّه عليه وسلم-) قال: (إن نملة قرصت نبيا من الأنبياء) وهو العزير كما تقدم (فأمر بقرية النمل) أي: منزلهن وبيتهن التي تسكن فيه، والجمع قرى، وأصل القرية من المساكن والأبنية الضياع، وقد تطلق على المدن، ومنه الحديث: "أمرت بقرية تأكل القرى" (¬1) يعني: مدينة الرسول -عليه السلام-، ومعنى "تأكل القرى" ما يفتح على أيدي أهلها من المدن ويصيبون من غنائمها التي تؤكل. (فأحرقت، فأوحى اللَّه إليه [أفي أن]) (¬2) أي: لأجل أن (قرصتك نملة) واحدة (أهلكت أمة) يقال لكل جيل من الحيوان والناس: أمة، ومنه حديث: "لولا أن الكلاب أمة تسبح لأمرت بقتلها" (¬3). (تسبح؟ ) قال القرطبي: مقتضى هذا أنها تسبح بقول ونطق، كما قد أخبر اللَّه عن النمل التي سمعها سليمان: {قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ} وهذا يدل دلالة واضحة على أن النملة نطقت له بالقول، لكن لا يسمعه ولا يفهمه كل أحد، بل من شاء اللَّه ممن خرق له العادة من نبي أو ولي، ولا ينكر هذا من حيث إنا لا نسمع ذلك، فإنه لا يلزم من عدم الإدراك عدم المدرك في نفسه (¬4). [5267] (ثنا أحمد بن حنبل، ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1871)، ومسلم (1382) من حديث أبي هريرة مرفوعًا. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) سبق برقم (2845)، ورواه أيضًا الترمذي (1486)، (1489)، والنسائي 7/ 185، وابن ماجه (3205) كلهم من حديث عبد اللَّه بن مغفل مرفوعًا. (¬4) "المفهم" 5/ 543.

الزهري، عن عبيد اللَّه) بالتصغير (ابن عبد اللَّه بن عتبة) بن مسعود (عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن قتل أربع من الدواب: النملة) بالجر والرفع، وكذا ما عطف عليه. قال الخطابي: إنما أراد من النمل نوعًا خاصا، وهو الكبار ذوات الأرجل الطوال (¬1)؛ لأنها قليلة الأذى والضرر (¬2). وكذا قاله البغوي (¬3). ولا الصغير المسمى بالذر كما دلت عليه ترجمة المصنف في الباب: باب قتل الذر. يعني: النمل، إذ الأحاديث التي ذكرها ليس فيها ذكر الذر. وقد صرح بعض أصحابنا بجواز قتلها (¬4)، وكره مالك قتل النمل، إلا أن يضر ولا يقدر على دفعه إلا بالقتل (¬5)، وكذا النمل التي تنقل القمح وغيره ويتأذى بها. وذكر العبادي من أصحابنا وجها أنه يصح بيع النمل بعسكر مكرم؛ لأنه يعالج بالسَّكَر بفتح المهملة والكاف، وكذا بنصيبين؛ لأنه يعالج به العقارب الطيارة (¬6). وعسكر مكرم بفتح العين والكاف، وضم الميم وفتح الراء، وهي مدينة من كور الأهواز من عمل خراسان، يقال لها بالعجمية: ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) "معالم السنن" 4/ 146. (¬3) في "شرح السنة" 12/ 198. (¬4) انظر: "شرح السنة" للبغوي 12/ 198. (¬5) انظر: "المنتقى شرح الموطأ" 7/ 301، "الذخيرة" 13/ 287. (¬6) انظر: "الشرح الكبير" 4/ 28، "روضة الطالبين" 3/ 351. وقال النووي عقبة: والوجهان شاذان ضعيفان.

كسكر. ومكرم الذي ينسب إليه هو مكرم الباهلي أول من اختطها من العرب؛ فنسب إليه (والنحلة) نهى عنها لما فيها من المنافع الكثيرة، فيخرج من لعابها العسل والشمع، فأحدهما ضياء والآخر شفاء، وروى ابن ماجه عن أبي هريرة أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من لعق العسل ثلاث غدوات من كل شهر لم يصبه عظيم من البلاء" (¬1). (والهدهد) النهي عن قتله لتحريم أكل لحمه، ولا منفعة في قتله، فكل ما نهي عن قتله من الحيوانات ولم يكن ذلك لحرمته ولا لضرر فيه كان النهي لتحريم أكله كما في الصرد (والصرد) بضم الصاد المهملة وفتح الراء المهملة (¬2) جمعه صردان بكسر الصاء (¬3)، وهو طائر فوق العصفور، ضخم الرأس والمنقار، نصفه أبيض ونصفه أسود. وفي النهي عن قتله دليل على تحريمه. وقيل: يؤكل؛ لأن الشافعي أوجب فيه الجزاء على المحرم إذا قتله (¬4)، وبه قال مالك (¬5). وقال أبو بكر بن العربي: نهي عن قتله؛ لأن العرب كانت تتشاءم به وبصوته. وقيل: إنه أول طير صام عاشوراء (¬6). ¬

_ (¬1) "سنن ابن ماجه" (3450). قال العقيلي في "الضعفاء الكبير" 3/ 40 بعدما رواه: ليس له أصل عن ثقة. وذكره ابن الجوزي في "الموضوعات" 3/ 509 (1734). (¬2) من (م). (¬3) في الأصول: الراء. والمثبت الصواب، انظر: "لسان العرب" مادة (ص د د)، "تاج العروس" مادة (ص د د). (¬4) انظر: "نهاية المطلب" 18/ 211. (¬5) انظر: "المنتقى شرح الموطأ" 3/ 132. (¬6) رواه الخطيب في "تاريخه" 6/ 295 - 296 من حديث أبي غليظ بن أمية بن خلف =

[5268] (ثنا أبو صالح محبوب بن موسى) الأنطاكي، قال المصنف: ثقة، لا يلتفت إلى حكاياته إلا من كتاب (¬1). (أنا أبو (¬2) إسحاق) إبراهيم بن محمد بن الحارث (الفزاري، عن أبي إسحاق) سليمان بن أبي سليمان (الشيباني، عن ابن سعد، قال: ) المصنف (وهو الحسن بن سعد) بن سعيد الهاشمي مولى الحسن بن علي، أخرج له مسلم. (عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه، عن أبيه) عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- (قال: كنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في سفر) فنزلنا. (فانطلق لحاجته) أي: لبول أو غائط (فرأينا) في غيبته (حمرة) بضم الحاء المهملة وبشد الميم المفتوحة، وقد تخفف الميم، وهو طائر صغير كالعصفور (معها فرخان) من أولادها [(فأخذنا فرخيها) من عندها (فجاءت الحمرة] (¬3)، فجعلت تعرش) بضم المثناة فوق وفتح العين المهملة وتشديد الراء المكسورة ثم شين معجمة، يقال: عرش الطير إذا رفرف، وهو أن يرتفع ويرخي جناحيه فيظلل بهما على من تحته. قال ابن الأثير: ومن رواه بالفاء فهو أن تفرش جناحيها وتبسطهما ¬

_ = الجمحي مرفوعًا. وذكره الشوكاني في "الفوائد المجموعة" ص 97 وقال: رواه الخطيب عن أبي غليظ مرفوعًا، ولا يعرف في الصحابة من له هذا الاسم، وفي إسناده عبد اللَّه بن معاوية، منكر الحديث. (¬1) "سؤالات الآجري لأبي داود" (1776). (¬2) فوقها في (ل): (ع). (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

وتقرب من الأرض فترفرف على من تحتها (¬1). (فجاء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: من فجع) بفتح الجيم من الفجيعة، وهي الرزية (هذِه) الحمرة (بولدها؟ ) أي: في ولدها، يقال: فجعته في ماله. (ردوا ولدها إليها) وفي رواية لغير المصنف: "ردوا فرخيها وبيضها" وإنما أمر برد ذلك رحمة لها وشفقة عليها (¬2)، ويحتمل أنهم كانوا محرمين بالحج، أو لأنها استجارت به فأجارها كما استجارت به -صلى اللَّه عليه وسلم- الظبية المشدودة إلى الخباء وقالت: يا رسول اللَّه، صادني الأعرابي ولي خشفان في البرية، وقد تعقد اللبن في أخلافي، فلا هو يذبحني فأستريح، ولا يدعني فأرجع إلى خشفيَّ. فأجارها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3). الحديث أخرجه المستغفري في "دلائل النبوة". وهذا الإرسال والإطلاق للظبية جائز أو واجب عليه، وأما إرسال المالك الطير الذي اصطاده وملكه بالصيد ونحوه فلا يجوز إرساله ولا يزول ملكه عنه في الأصح، كما لو سيب دابته؛ لأنه يشبه السائبة التي كانت الجاهلية تفعلها. قال القفال: والعوام: يحتسبون ويحسبونه عتقًا، وهو قربة في معنى العتق، وفي وجه يزول ملكه عنه كإعتاقه عبده (¬4). ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/ 430. (¬2) في (م): لها. (¬3) رواه الطبراني 23/ 331 - 332 (763) من حديث أم سلمة مرفوعًا مطولًا، أيضًا في "الأوسط" 5/ 358 (5547) من حديث أنس مرفوعًا مطولًا. (¬4) "حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء" 3/ 381 بنحوه.

وعلى الوجهين إذا أراد المالك إباحته فطريقه أن يبيحه لمن أخذه، وَإِن كان لا يعرفه. (ورأى قرية نمل) أي: منزله الذي يسكن فيه (قد حرقناها، فقال: من حرق هذِه؟ ) القرية (قلنا: نحن. قال: إنه) أي: إن الشأن والقصة ([لا ينبغي] (¬1) أن يعذب بالنار إلا رب النار) أي: فلا يجوز في شرعنا إحراق الحيوان بالنار، لا نمل ولا قمل ولا بق ولا جراد ولا سرطان ولا غيره. ولا يجوز قتل الأسير من الكفار بإحراقه بالنار، لكن يجوز رمي المحاربين بالنار والنفط، وإذا أحرق مسلم مسلمًا بالنار فمات بالإحراق جاز لوليه القصاص بإحراق الجاني، وروى البيهقي في "المعرفة": "من حرق حرقناه" (¬2). * * * ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) "معرفة السنن والآثار" 12/ 409 - 410 (17185) من حديث البراء بن عازب مرفوعًا.

178 - باب في قتل الضفدع

178 - باب فِي قَتْلِ الضُّفْدَعِ 5269 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيانُ، عَنِ ابن أَبي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ خالِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمانَ أَنَّ طَبِيبًا سَأَلَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عنْ ضِفْدَعٍ يَجْعَلُها فِي دَواءٍ فَنَهَاهُ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنْ قَتْلِها (¬1). * * * باب في قتل الضفدع [5269] (ثنا محمد بن كثير) العبدي (أنا سفيان) بن عيينة (عن) محمد بن عبد الرحمن (ابن أبي ذئب) العامري (عن ابن خالد) القارظي حليف بني زهرة، صدوق، وقال ابن حبان: ثقة (¬2). (عن سعيد بن المسيب، عن عبد الرحمن بن عثمان) التيمي، أسلم يوم بيعة الرضوان. (أن طبيبًا) فيه جواز تسمية الطبيب خلافًا لمن منع جواز تسميته بذلك وقال: الطبيب اللَّه، بل هو رفيق (سأل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ضفاع) (¬3) بكسر الضاد والدال، والذكر والأنثى سواء، ومنهم من يفتح الدال، وأنكره الخليل وغيره (¬4). (يجعلها في دواء، فنهاه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن قتلها) لأنها تسبح، وقد روى البيهقي من حديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص موقوفًا: لا تقتلوا ¬

_ (¬1) سبق برقم (3871). (¬2) "الثقات" 6/ 357. (¬3) بعدها في (ل): ضفاح. وعليها: خـ. (¬4) انظر: "الصحاح" 3/ 1250، "المصباح المنير" ص 295.

الضفادع؛ فإن نقيقها تسبيح، ولا تقتلوا الخفاش؛ فإنه لما خرب بيت المقدس قال: يا رب، سلطني على البحر حتى أغرقهم. قال البيهقي: إسناده صحيح (¬1). والنقيق بقافين بينهما مثناة (¬2) تحتانية ساكنة: صوت الضفدع. وفيه دليل على تحريم أكلها، وأنها غير داخلة فيما أبيح من دواب الماء، وهي تنجس بالموت، وإذا مات في ماء قليل. قال النووي: إن قلنا: لا تؤكل. نجسته بلا خلاف (¬3). * * * ¬

_ (¬1) "السنن الكبرى" 9/ 318. (¬2) من (م). (¬3) "المجموع" 1/ 183.

179 - باب في الخذف

179 - باب في الخَذْفِ 5270 - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ صُهْبانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنِ الخَذْفِ قالَ: "إِنَّهُ لا يَصِيدُ صَيْدًا وَلا يَنْكَأُ عَدُوًّا وَإِنَّما يَفْقَأُ العَيْنَ وَيَكْسِرُ السِّنَّ" (¬1). * * * باب في الخذف بالخاء المعجمة [5270] (حدثنا حفص بن عمر) بن الحارث الحوضي، شيخ البخاري. (ثنا شعبة، عن قتادة، عن عقبة بن صهبان) بضم [الصاد المهملة] (¬2) وسكون الهاء بعدها موحدة الأزدي، أخرج له الشيخان. (عن عبد اللَّه بن مغفل) بفتح الغين المعجمة والفاء المشددة -رضي اللَّه عنه-. (قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الخذف) بفتح الخاء المعجمة وإسكان الذال المعجمة أيضًا، وهو الرمي بحصاة أو نواة ونحوهما يجعلها الإنسان بين أصبعيه السبابتين، أو السبابة والإبهام، أو يتخذ مخذفة من خشب ثم يرمي بها الحصاة بين إبهامه والسبابة. ومنه حديث رمي الجمار: "عليكم بمثل حصا الخذف" (¬3) أي: صغارًا، والخذف بالخاء المعجمة فبالعصا والسيف ونحوه. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4841)، ومسلم (1954). (¬2) ساقطة من (م). (¬3) رواه مسلم (1282) من حديث الفضل بن عباس مرفوعًا بلفظ: "عليكم بحصى الخذف. . . . ".

(وقال: إنه لا يصيد صيدًا) أي: لا يحل ما يصاد بالبندق ولا الحجر، بل هو حرام؛ لأنه ليس بمحدد، ولا سلاح، بل هو وقيذ. (ولا ينكأ) بفتح الياء والهمز في آخره، هكذا هو في الروايات المشهورة. قال عياض: وكذا رويناه. وفي بعض الروايات: ينكي (¬1). بفتح الياء وكسر الكاف غير مهموز (¬2). قال القاضي: وهو أوجه هنا وأشبه؛ لأن المهموز إنما هو من نكأت القرحة أنكؤها. إذا قشرتها، وليس هذا موضعه إلا على تجوز، وإنما هذا من النكاية، ومنه الحديث: "أو ينكي لك عدوًا"، يقال: نكيت العدو أنكيه نكاية، ونكأت بالهمز لغة فيه حكاها صاحب "العين" عن قوم من العرب (¬3). قال عياض: وعلى هذِه الرواية تتوجه رواية شيوخنا (¬4). لك عدوًّا من أهل الحرب (وإنما يفقأ) بهمز آخره (العين) أي: يفقؤها، والفقء: الشق والنخص، ومنه حديث: "لو أن رجلًا اطلع في بيت قوم بغير إذنهم ففقؤوا عينه لم يكن عليهم شيء" (¬5). (ويكسر السن) أو بعضه. وقد ذهب أئمة الفتوى على أن البندقة والحجر لا يقع به ذكاة، بل المقتول بهما الموقوذة التي نهى اللَّه عن أكلها، واحتجوا بهذا الحديث، وفيه: بئس العالم ما خالف الشريعة ¬

_ (¬1) رواها البخاري (5479). (¬2) "إكمال المعلم" 6/ 393 - 394. (¬3) "العين" 5/ 412. (¬4) "إكمال المعلم" 6/ 394. (¬5) رواه البخاري (6888)، (6952)، ومسلم (2158) من حديث أبي هريرة مرفوعًا.

مما ليس على أصولها. فبين هنا أنه لا يحل الصيد إلا لجارح، وأن الخذف ليس بمحلل. وفيه: الحث على ما فيه نكاية للعدو، وفي وقت القتال، وترك رميهم بما لا نكاية فيه. وقد يؤخذ من الحديث أن الإنسان لا يجوز له أن يدخل بمفرده في جيش الكفار حيث لا يحصل بدخوله نكاية لهم ولا إرهاب، وإن حصل منه كسر سن أو فقء عين رجل منهم أو فرس ونحوه، وأنه من إلقاء نفسه إلى التهلكة. * * *

180 - باب ما جاء في الختان

180 - باب ما جَاءَ فِي الخِتانِ 5271 - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقي وَعَبْدُ الوَهّابِ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الأَشْجَعِي قَالا: حَدَّثَنَا مَرْوانُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ قالَ عَبْدُ الوَهّابِ الكُوفِيُّ: عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيْر، عَنْ أُمِّ عَطَيَّةَ الأَنْصارِيَّةِ أَنَّ امْرَأَةً كانَتْ تَخْتِنُ بِالمَدِينَةِ فَقالَ لَها النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تُنْهِكِي فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلْمَرْأَةِ وَأَحَبُّ إِلَى البَعْلِ". قالَ أَبُو داوُدَ: رُوي عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بِمَعْنَاهُ وَإسْنادِهِ. قالَ أَبُو داوُدَ: لَيْسَ هُوَ بِالقَوي، وَقَدْ رُوي مُرْسَلًا. قالَ أَبُو داوُدَ: وَمُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ مَجْهُولٌ وهذا الحَدِيثُ ضَعِيفٌ (¬1). * * * باب في الختان [5271] (ثنا سليمان بن عبد الرحمن) الدمشقي ابن بنت شرحبيل بن مسلم الخولاني، أخرج له البخاري. (وعبد الوهاب بن عبد الرحمن الأشجعي) الجويري، ثقة. (قالا: ثنا مروان) بن معاوية الفزاري (ثنا محمد بن حسان) سيأتي الكلام بعد الحديث حيث ذكره المصنف (¬2). (قال عبد الوهاب) بن عبد الرحيم، هو (الكوفي، عن عبد الملك بن عمير) الكوفي، رأى عليا -رضي اللَّه عنه- (عن أم عطية) نسيبة بفتح النون بنت الحارث. ¬

_ (¬1) رواه ابن عدي في "الكامل" 7/ 446، والبيهقي 8/ 324. وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (498). (¬2) ساقطة من (م).

(الأنصارية أن امرأة كانت تختن) بكسر ثالثه (بالمدينة) والختان للذكر والأنثى، بخلاف الخفاض بالخاء المعجمة، فإنه مختص بالجارية دون الغلام، وهذِه المرأة التي تختن بالمدينة هي أم عطية نفسها؛ لما روى الحاكم في "المستدرك" عن الضحاك بن قيس: كان بالمدينة امرأة يقال لها: أم عطية تخفض الجواري، فقال لها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا أم عطية، أخفضي ولا تنهكي؛ فإنه أنضر للوجه وأحظى عند الزوج" وكذا رواه أبو نعيم في ترجمة الفهري (¬1)، ورواه البزار من حديث نافع عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنه-: "يا نساء الأنصار، اختضبن غمسًا واخفضن ولا تنهكن؛ فإنه أحظى عند أزواجكن، وإياكن وكفران النعم" (¬2). (فقال لها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا تنهكي) بفتح أوله وثالثه، وبضم أوله وكسر ثالثه رواية الخطيب (¬3)، أن لا تبالغ في استقصاء الختان. ومنه الحديث: "لينهك الرجل ما بين أصابعه أو انتهكته النار" (¬4) أي: ليبالغ في غسل ما ¬

_ (¬1) "معرفة الصحابة" 3/ 1537 - 1538 (3898/ 3899). (¬2) "البحر الزخار" 12/ 318 - 319 (6178) لكن بلفظ "خمسًا" بدل "غمسًا"، وبلفظ: "وكفر المنعمين" بدل لفظ "وكفران النعم". (¬3) "موضح أوهام الجمع والتفريق" 2/ 397 - 398. (¬4) رواه النسائي في "الإغراب" (198)، والطبراني في "الأوسط" 3/ 122 (2674) من حديث ابن مسعود مرفوعًا. ورواه عبد الرزاق 1/ 22 (68)، وابن سلام في "الطهور" (385)، وابن أبي شيبة 1/ 19 (86)، والطبراني 9/ 246 (9211) موقوفًا على ابن مسعود. وأورده الهيثمي في "المجمع" 1/ 236 وقال: رواه الطبراني في "الأوسط"، ووقفه في "الكبير" على ابن مسعود، وإسناده حسن.

بين الأصابع في الوضوء أو لتبالغن النار في إحراقه. وفي الحديث دليل على مشروعية الختان للمرأة، وهو واجب عند الشافعي وغيره (¬1)؛ لرواية الحاكم المتقدمة: "اخفضي" فإن الأمر للوجوب، ويدل عليه الحديث المتفق عليه: "إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل" (¬2) فإنه يدل على أن النساء كن يختتن كما يختتن الرجال، والواجب منه في حق المرأة ما ينطلق عليه الاسم من ختانها، والمستحب أنه لا تبالغ في اللحمة التي في أعلى فرج المرأة جميعها، بل تبقي منها شيئًا. (فإن ذلك أحظى للمرأة) عند زوجها، يقال: حظيت المرأة عند زوجها تحظى حظوة إذا سعدت به ودنت من قلبه وأحبها، ومنه حديث عائشة: تزوجني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في شوال، فأي نسائه كان أحظى مني (¬3). (وأحب إلى البعل) من إنهاكه. وجمع البعل بعولة، كما قال تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ}، والبعال النكاح ¬

_ (¬1) انظر: "الحاوي الكبير" 13/ 430، 431، "منهاج الطالبين" 3/ 254. (¬2) رواه البخاري (291)، ومسلم (348) من حديث أبي هريرة مرفوعًا، لكن بلفظ: "إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل" وزاد مسلم "وإن لم ينزل" ولفظ "إذا التقى الختانان" هو ترجمة الباب عند البخاري لهذا الحديث، وبهذا اللفظ تمامًا رواه ابن ماجه (608)، وأحمد 6/ 239 من حديث عائشة مرفوعًا. ورواه أيضًا ابن ماجه (611) من حديث عبد اللَّه بن عمرو مرفوعًا لكن بزيادة لفظ: "وتوارت الحشفة" بعد لفظ "إذا التقى الختانان". (¬3) رواه مسلم (1423).

(قال: ) المصنف (روي عن عبيد اللَّه) بالتصغير (بن عمرو) الرقى الحافظ (عن عبد (¬1) الملك) بن عمير الكوفي، عن أم عطية (بمعناه قال: ) المصنف (ليس بالقوي) لأن محمد بن حسان مجهول ضعيف، وتبعه ابن عدي في تجهيله والبيهقي (¬2). وخالفهم عبد الغني بن سعيد، فقال: هو محمد بن سعيد المصلوب. وكذا قال الخطيب في "الموضح" (¬3) وأورد عبد الغني هذا الحديث في ترجمته. وله طريقان آخران: فرواه ابن عدي من حديث سالم بن عبد اللَّه بن عمر (¬4)، ورواه البزار من حديث نافع عن ابن عمر ورفعه (¬5). ورواه الطبراني في "الصغير" (¬6)، وابن عدي أيضًا عن أبي خليفة، عن محمد ابن سلام، عن زائدة بن أبي الرقاد، عن ثابت، عن أنس نحو حديث المصنف. * * * ¬

_ (¬1) فوقها في (ل): (ع). (¬2) "الكامل في ضعفاء الرجال" 7/ 446 (1688)، "السنن الكبرى" 8/ 324، "معرفة السنن والآثار" 13/ 63. (¬3) 2/ 397 (410). (¬4) رواه ابن عدي في "الكامل" 3/ 457 عن سالم، عن أبيه ابن عمر مرفوعًا. (¬5) "البحر الزخار" 12/ 318 - 319 (6178). (¬6) "المعجم الصغير للطبراني" 1/ 91 - 92 (122)، "الكامل في ضعفاء الرجال" 4/ 196 مرفوعًا، لكن الطبراني رواه عن أحمد بن يحيى ثعلب بدل: أبي خليفة.

181 - باب في مشي النساء مع الرجال في الطريق

181 - باب في مَشْي النِّساءِ مَعَ الرِّجالِ في الطَّرِيقِ 5272 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ -يَعْني: ابن مُحَمَّدٍ-، عَنْ أَبي اليَمانِ، عَنْ شَدّادِ بْنِ أَبي عَمْرِو بْنِ حِماسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبي أُسَيْدٍ الأَنْصاري، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ وَهُوَ خارِجٌ مِنَ المَسْجِدِ فاخْتَلَطَ الرِّجالُ مَعَ النِّساءِ في الطَّرِيقِ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِلنِّساءِ: "اسْتَأْخِرْنَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لكن أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ عَلَيْكُنَّ بِحافاتِ الطَّرِيقِ". فَكانَتِ المَرْأَة تَلْتَصِقُ بِالجِدارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَها ليَتَعَلَّق بِالجِدارِ مِنْ لُصُوقِها بِهِ (¬1). 5273 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا أَبُو قُتَيْبَةَ سَلْمُ بْن قُتَيْبَةَ، عَنْ داوُدَ بْنِ أَبي صالِحٍ المُزَني، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهَى أَنْ يَمْشي -يَعْني: الرَّجُلَ- بَيْنَ المَرْأَتَيْنِ (¬2). * * * باب في مشي النساء في الطريق [5272] (حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ) القعنبي (حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيز بْن مُحَمَّدٍ) الدراوردي (عَنْ أَبِي (¬3) اليَمَانِ) كثير بن اليمان، ويقال: كثير ابن جريج الرحال المدني، مستور (عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَبِى عَمْرِو بْنِ حِمَاسٍ) ¬

_ (¬1) رواه الشاشي في "مسنده" (1515)، والطبراني في "الكبير" 19/ 261 (580)، والبيهقي في "الآداب" (668). وحسنه الألباني. (¬2) رواه البخاري في "التاريخ الكبير" 3/ 234، والحاكم 4/ 280، والبيهقي في "الشعب" 7/ 316 (5063). وقال الألباني في "الضعيفة" (375): موضوع. (¬3) فوقها في (ل): (د).

بكسر الحاء المهملة وتخفيف الميم الليثي (¬1) المدني، مولى بني ليث، ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2). (عَنْ أَبِيهِ) أبي عمرو بن حماس بن عمرو من بني ليث بن بكير بن عبد مناة، قال أبو حاتم: من أنفسهم (¬3). وقال غيره: من مواليهم (¬4). مقبول، مات سنة تسع وثلاثين. (عَنْ حَمْزَةَ (¬5) بْنِ أَبِي أُسَيد) بضم الهمزة، مصغر (¬6)، أخرج له البخاري في الطلاق والجهاد (¬7). (الأنصاري، عَنْ أَبِيهِ) أبي أسيد، قيده بعضهم بفتح الهمزة، والصواب بالضم، واسمه مالك بن ربيعة الخزرجي، شهد بدرا -رضي اللَّه عنه-. (أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ المَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي) المشي في وسط (الطَّرِيقِ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- للنساء: استأخرن) ابعدن عن وسط الطريق، وفيه دليل على منع النساء من اختلاطهن بالرجال في وسط الطريق، بل ينفردن في حافات الطريق، كما سيأتي؛ لأن ذلك أبعد من النظر إليهن، فإن ذلك مظنة الفساد والعادات تشهد بفساد [هذا المنكر، وقد منعت عائشة النساء من ¬

_ (¬1) ساقطة من (م). (¬2) 6/ 441. (¬3) "الجرح والتعديل" 3/ 314 (1402) في ترجمة أبيه حماس بن عمرو. (¬4) انظر: "تهذيب الكمال" 34/ 119 (7532). (¬5) فوقها في (ل): (د، ق). (¬6) كذا قال، ولا أدري وجهها. (¬7) "صحيح البخاري" (2900، 3984، 3985، 5255).

حضور المساجد للصلاة -لما غلب مما أحدث] (¬1) النساء بعد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعده خوف الفتنة (¬2)، فكيف باختلاطهن بالرجال في الطريق، وهذا في زمن عائشة، فكيف في زماننا الذي أحدث فيه النساء هذِه الأزر الرفيعة التي لا تستر الثياب ولا السترة، وتحتها الثياب الفاخرة المصبغة التي تنجلي تحت الأزر، وكذلك الشعاري التي لا تستر، وغير ذلك مما يطول ذكره مما هو مشاهد؟ ! . (فإنه ليس لكن أن تحققن) (¬3) بفتح المثناة فوق وسكون الحاء المهملة وضم القاف الأولى، أي: ليس لكن أن تركبن حق الطريق، وهو وسطها، يقال: سقط فلان على حاق القفا، وحقه. قاله في "النهاية" (¬4). ويحتمل أن يراد به ليس لكن أن تضيقن وسط الطريق على الرجال، ومنه حديث تأخير الصلاة: ويحقونها إلى شرق الموتى (¬5). أي: يضيقون وقتها إلى ذلك الوقت، يقال: هو في حاق من كذا. أي: في ضيق من كذا، ويشهد لما قاله في "النهاية" ما أخرجه المزي في "التهذيب" من ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م). (¬2) رواه البخاري (869)، ومسلم (445) من حديث عائشة، بلفظ -لفظ البخاري-: عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: لو أدرك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما أحدث النساء لمنعهن كما منعت نساء بني إسرائيل. قلت لعمرة: أومنعن؟ قالت: نعم. (¬3) بعدها في (ل): تتحققن. وعليها: خـ. (¬4) "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 415. (¬5) رواه مسلم (534) من حديث ابن مسعود، لكن بلفظ "يخنقونها" بدل لفظ "يحقونها".

طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن أبي اليمان الرحال، عن شداد بن أبي عمرو بن حماس، عن أبي أسيد الساعدي: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ليس لِلنِّسَاءِ وسط الطريق" (¬1). (عَلَيْكُنَّ بِحَافَاتِ) بحاء مهملة وفاء مخففة، جمع حافة (الطَّرِيقِ) أي: ناحيته وجانبه لينفردن عن الرجال؛ فهو أستر لهن، وهذا مستحب إذا اجتمع الرجال والنساء، أما إذا انفرد النساء فمشين في وسط الطريق فلا حرج؛ لزوال المفسدة وهي اختلاط الرجال، فإنه لا يجوز في الطريق ولا من المساجد ومجالس الوعظ ولا في المطاف بالبيت ولا غير ذلك، وقد كثر ذلك حتى في المساجد الثلاثة، فنسأل اللَّه العافية. (وَكَانَتِ المَرْأَةُ بعد ذلك تَلْصَقُ) بفتح التاء والصاد (بِالْجِدَار حَتَّى إِنَّ) بكسر الهمزة (ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ) أي: ملحفتها، أو طوف ثوبها (مِنْ لُصُوقِهَا) بضم اللام (بِهِ) أي: من كثرة انضمامهن إلى الطريق، وفيه فضيلة نساء ذلك الزمان واحتراصهن على أفعال الخير إذا سمعوها ممن يعتقدونه ويقتدون به. [5273] (ثنا محمد بن يحيى) بن عبد اللَّه بن خالد (بن فارس) الذهلي شيخ البخاري (ثنا أبو قتيبة سلم بن قتيبة) بفتح السين المهملة أوله وبسكون اللام، الشعيري بفتح الشين المعجمة، الخراساني، نزيل البصرة، أخرج له البخاري في الجمعة والاستسقاء (¬2). (عن داود بن أبي صالح) الليثي (المدني) ذكر البخاري هذا الحديث ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" 12/ 402. (¬2) "صحيح البخاري" (909، 1008)، (3522)، (6713).

في "تاريخه الكبير" من رواية داود هذا، وقال: لا يتابع عليه (¬1). (عن نافع [عن] (¬2) ابن عمر رضي اللَّه عنهما أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى أن يمشي. يعني: الرجل) الواحد (بين المرأتين) أي: عن يمينه وشماله سواء كانتا أجنبيتين؛ لأنهما عورتان، بل يمشيان بحافة الطريق كما تقدم؛ لئلا يختلطا فيؤدي ذلك إلى مفسدة. وقد يؤخذ من مفهوم العدد أنه لو مشى جماعة رجال بين امرأتين أو مشى رجل عن يمينه نساء وعن يساره نساء أنه لا يدخل في النهي؛ لبعد المفسدة بالتعدد، وكذا يدخل (¬3) في عموم النهي ما إذا كانت المرأتان محرمتين للرجل لئلا يساء به الظن أو بهما، ويحتمل أن تدخل في النهي أن تمشي إحدى المرأتين أمامه والأخرى وراءه ويكون الرجل بينهما، واللَّه أعلم. وفي معنى النهي أن يجلس الرجل بين المرأتين في المسجد أو على قارعة الطريق ونحو ذلك؛ لوجود معنى النهي. * * * ¬

_ (¬1) "التاريخ الكبير" 3/ 234 (792). (¬2) من "السنن". (¬3) ساقطة من (م).

182 - باب في الرجل يسب الدهر

182 - باب فِي الرَّجُلِ يَسُبُّ الدَّهْرَ 5274 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبّاحِ بْنِ سُفْيانَ وابْنُ السَّرْحِ قالا: حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يُؤْذِيني ابن آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنا الدَّهْرُ بِيَدي الأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيلَ والنَّهارَ". قالَ ابن السَّرْحِ: عَنِ ابن المُسَيَّبِ مَكانَ سَعِيدٍ. واللَّه أَعْلَمُ (¬1). * * * باب في الرجل يسب الدهر [5274] (ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ بْنِ سُفْيَانَ) الجرجرائي بجيمين مفتوحتين، التاجر، صدوق (و) أحمد بن عمرو (ابْنُ السَّرْحِ) شيخ مسلم. (قَالَا: ثَنَا سُفْيَانُ) بن عيينة (عَن) محمد بن مسلم (الزُّهْري، عَنْ سَعِيدٍ) بن المسيب. (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِي -صلى اللَّه عليه وسلم-) زاد في الصحيحين (¬2): (قال اللَّه عز وجل (¬3): يؤذيني ابن آدم) أي: يخاطبني من القول بما يتأذى به من يصح في حقه التأذي، ويعاملني معاملة توجب الأذى في حقكم. (يسبُّ الدهر) أخرجه الطبري، عن ابن عيينة، عن الزهري بهذا الإسناد، وأوله: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "كان أهل الجاهلية يقولون: إنما يهلكنا الليل والنهار، هو الذي يميتنا وبحيينا، قال اللَّه في كتابه: ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4826)، ومسلم (2246). (¬2) "صحيح البخاري" (4826)، "صحيح مسلم" (2246) (2). (¬3) بعدها في (ل)، (م): يقول اللَّه عزَّ وجلَّ. وعليها: خـ.

{وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ}) إلا حياتنا الدنيا قال: "فيسبون الدهر" (¬1). (قال اللَّهُ: يؤذيني ابن آدَمَ، يَسُبُّ الدَّهْرَ) وهو الزمان حين يذمه إذا لم يحصل له غرضه، وينسبون الواقعة في الدهر إليه، وقد كان شأن العرب أن تسب الدهر عند الحوادث والنوازل التي تصيبهم وما يحصل لهم من المصائب، من موت ولد أو صديق أو تلف مال أو غير ذلك، ويقولون: ما يهلكنا إلا الدهر. (وأنا الدهر) برفع الراء وهو الصواب المعروف الذي قاله الشافعي وأبو عبيد وجماهير المتقدمين والمتأخرين (¬2). وقال أبو بكر محمد (¬3) ابن داود الأصبهاني الظاهري: إنما هو الدهر بالنصب (¬4). وحكى القاضي عياض عن بعضهم أنه منصوب على التخصيص (¬5). وأما رواية الرفع هو الصواب وهي موافقة لرواية: "إن اللَّه هو الدهر" (¬6) وهو مجاز، أي: فاعل الحوادث والنوازل التي تصيبهم، وخالق الكائنات جميعها. ولا يلزم من ثبوت الرفع أن يكون الدهر من أسماء اللَّه تعالى، فإن مذهب أبي الحسن الأشعري وغيره من المحققين أن أسماء اللَّه تعالى توقيفية، فلا يجوز أن يسمى اللَّه إلا بما أذن فيه من الكتاب والسنة. ¬

_ (¬1) "جامع البيان عن تأويل آي القرآن" 25/ 152. (¬2) انظر: "شرح مسلم" للنووي 15/ 2. (¬3) ساقطة من (م). (¬4) السابق. (¬5) "إكمال المعلم" 7/ 183، "مشارق الأنوار" 1/ 262، 2/ 362. (¬6) رواه البخاري (6182)، ومسلم (2246/ 4/ 5)، (2247) من حديث أبي هريرة مرفوعًا.

وقد منع جماعة من تسميته سبحانه بما جاء في خبر واحد بكونه راجعا إلى اعتقاد (¬1) ما يجوز أو يستحيل على اللَّه تعالى وطريق هذا القطع والصحيح جوازه لاشتماله على العمل به ولقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} ولم توجد التسمية بتسميته الدهر فلا يكون اسما من أسمائه تعالى كما قاله. قال (¬2) القرطبي: ولما كان اعتقاد الجاهلية أن الدهر هو الذي يفعل الأفعال ويذمونه إذا لم تحصل أغراضهم، فكأنهم إذا سبُّوا الدهر من حيث إنه الفاعل في اعتقادهم ولا فاعل في الحقيقة إلا اللَّه تعالى فكأنهم يسبوا اللَّه تعالى؛ فلذلك قال اللَّه تعالى: "يسب ابن آدم الدهر" (وأنا الدهر) أي: الذي أفعل ما تنسبونه إلى الدهر لا الدهر، فإنه ليل ونهار مخلوقان للَّه تعالى (¬3). (بيدي الأمر) كله، واليد عند بعضهم بمعنى القدرة، أي: تقدير الأمور الواقعة في جميع الأزمنة للَّه تعالى، لا تتحرك ذرة إلا بإذنه. (أقلب الليل والنهار) أي: أتصرف فيهما كيف شئت وكما قدرته من إطالة وإقصار، وإضاءة وإظلام [فمن سب الدهر فإنه فاعل هذِه الأمور عاد سبه إلى ربه الذي هو فاعلها] (¬4). (قال) رحمه اللَّه (ابن السرح) في روايته (عن ابن المسيب مكان) رواية ¬

_ (¬1) في (م): الميعاد. (¬2) ساقطة من (م). (¬3) "المفهم" 5/ 549. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

ابن الصباح عن (سعيد) وهذا من شدة ورع المصنف واحتياطه والتحري في روايته، فجزاه اللَّه تعالى أفضل الجزاء على تحريه حتى في آخر الكتاب، وشدة اجتهاده واحتراصه على الصواب. فرغ من كتابته ليلة الأربعاء ليلة التاسع والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة 846 على يد العبد الفقير بشر بن محمد بمجاورة الأقصى الشريف للشريف، وللَّه الحمد والمنة على جزيل النعمة. بلغ مقابلة على نسخة المصنف المنقول منها حسب الطاقة والإمكان في مجالس آخرها يوم الأحد، ثاني شهر ذي الحجة الحرام من شهور سنة 847. على يد العبد الفقير بشر بن محمد بن عبد اللَّه، عفا اللَّه عنه وعن والديه وعن جميع المسلمين، بمجاورة المسجد الأقصى الشريف. آخر الشرح على "سنن أبي داود" والحمد للَّه وصلى اللَّه على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا (¬1). * * * ¬

_ (¬1) هذِه الخاتمة وردت في (م) بلفظ: نجزت من كتابته ليلة السبت، ثاني عشر صفر الخير من شهور سنة تسعين وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، وحسبنا اللَّه ونعم الوكيل. نمق هذا الجزء المبارك الرابع من "سنن الإمام أبي داود" العبد الذليل الحقير عبد اللَّه الأزهري المالكي مذهبا، الرفاعي طريقة، عامله اللَّه بخفي ألطافه والمسلمين، آمين.

§1/1